الكتاب: البحر الرائق شرح كنز الدقائق المؤلف: زين الدين بن إبراهيم بن محمد، المعروف بابن نجيم المصري (المتوفى: 970هـ) وفي آخره: تكملة البحر الرائق لمحمد بن حسين بن علي الطوري الحنفي القادري (ت بعد 1138 هـ) وبالحاشية: منحة الخالق لابن عابدين الناشر: دار الكتاب الإسلامي الطبعة: الثانية - بدون تاريخ عدد الأجزاء: 8   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع، ومعه حاشية منحة الخالق] ---------- البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري ابن نجيم الكتاب: البحر الرائق شرح كنز الدقائق المؤلف: زين الدين بن إبراهيم بن محمد، المعروف بابن نجيم المصري (المتوفى: 970هـ) وفي آخره: تكملة البحر الرائق لمحمد بن حسين بن علي الطوري الحنفي القادري (ت بعد 1138 هـ) وبالحاشية: منحة الخالق لابن عابدين الناشر: دار الكتاب الإسلامي الطبعة: الثانية - بدون تاريخ عدد الأجزاء: 8   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع، ومعه حاشية منحة الخالق] [مُقَدِّمَة الْكتاب] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي دَبَّرَ الْأَنَامَ بِتَدْبِيرِهِ الْقَوِيِّ، وَقَدَّرَ الْأَحْكَامَ بِتَقْدِيرِهِ الْخَفِيِّ، وَهَدَى عِبَادَهُ إلَى الرَّشَادِ وَأَنْطَقَهُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ وَجَعَلَ مَصَالِحَ مَعَاشِهِمْ بِالْعُقُولِ مَحُوطَةً وَمَنَاجِحَ مَعَادِهِمْ بِالْعِلْمِ مَنُوطَةً فَضَّلَ نَبِيَّهُ بِالْعِلْمِ تَفْضِيلًا وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ - كُنُوزِ الْهُدَى وَعَلَى أَصْحَابِهِ بِدُورِ الدُّجَى (أَمَّا بَعْدُ) ، فَإِنَّ أَشْرَفَ الْعُلُومِ وَأَعْلَاهَا وَأَوْفَقَهَا وَأَوْفَاهَا عِلْمُ الْفِقْهِ وَالْفَتْوَى وَبِهِ صَلَاحُ الدُّنْيَا وَالْعُقْبَى فَمَنْ شَمَّرَ لِتَحْصِيلِهِ ذَيْلَهُ وَادَّرَعَ نَهَارَهُ وَلَيْلَهُ فَازَ بِالسَّعَادَةِ الْآجِلَةِ وَالسِّيَادَةِ الْعَاجِلَةِ وَالْأَحَادِيثُ فِي أَفْضَلِيَّتِهِ عَلَى سَائِرِ الْعُلُومِ كَثِيرَةٌ وَالدَّلَائِلُ عَلَيْهَا شَهِيرَةٌ لَا سِيَّمَا، وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْحِكْمَةِ فِي الْقُرْآنِ عَلَى قَوْلِ الْمُحَقِّقِينَ لِلْفُرْقَانِ. وَقَدْ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ إنَّ النَّظَرَ فِي كُتُبِ أَصْحَابِنَا مِنْ غَيْرِ سَمَاعٍ أَفْضَلُ مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ وَقَالَ إنَّ تَعَلُّمَ الْفِقْهَ أَفْضَلُ مِنْ تَعَلُّمِ بَاقِي الْقُرْآنِ وَجَمِيعُ الْفِقْهِ لَا بُدَّ مِنْهُ. اهـ. وَإِنَّ كَنْزَ الدَّقَائِقِ لِلْإِمَامِ حَافِظِ الدِّينِ النَّسَفِيِّ أَحْسَنُ مُخْتَصَرٍ صُنِّفَ فِي فِقْهِ الْأَئِمَّةِ الْحَنَفِيَّةِ وَقَدْ وَضَعُوا لَهُ شُرُوحًا وَأَحْسَنُهَا التَّبْيِينُ لِلْإِمَامِ الزَّيْلَعِيِّ لَكِنَّهُ قَدْ أَطَالَ مِنْ ذِكْرِ الْخِلَافِيَّاتِ وَلَمْ يُفْصِحْ عَنْ مَنْطُوقِهِ وَمَفْهُومِهِ وَقَدْ كُنْت مُشْتَغِلًا بِهِ مِنْ ابْتِدَاءِ حَالِي مُعْتَنِيًا بِمَفْهُومَاتِهِ فَأَحْبَبْت أَنْ أَضَعَ عَلَيْهِ شَرْحًا يُفْصِحُ عَنْ مَنْطُوقِهِ وَمَفْهُومِهِ وَيَرُدُّ فُرُوعَ الْفَتَاوَى وَالشُّرُوحَ إلَيْهَا مَعَ تَفَارِيعَ كَثِيرَةٍ وَتَحْرِيرَاتٍ شَرِيفَةٍ وَهَا أَنَا أُبَيِّنُ لَك الْكُتُبَ الَّتِي أَخَذْت مِنْهَا مِنْ شُرُوحٍ وَفَتَاوَى وَغَيْرِهِمَا فَمِنْ الشُّرُوحِ شَرْحُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ وَشَرْحُهُ لِلْبُرْهَانِيِّ وَالْمَبْسُوطُ وَشَرْحُ الْكَافِي لِلْحَاكِمِ وَشَرْحُ مُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ لِلْإِمَامِ الْإِسْبِيجَابِيِّ وَالْهِدَايَةُ وَشُرُوحُهَا مِنْ غَايَةِ الْبَيَانِ وَالنِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ وَمِعْرَاجُ الدِّرَايَةِ وَالْخَبَّازِيَّةُ وَفَتْحُ الْقَدِيرِ وَالْكَافِي شَرْحُ الْوَافِي وَالتَّبْيِينُ وَالسِّرَاجُ الْوَهَّاجُ وَالْجَوْهَرَةُ وَالْمُجْتَبَى   [منحة الخالق] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَعَزَّ الْعِلْمَ فِي الْأَعْصَارِ وَأَعْلَى حِزْبَهُ فِي الْأَمْصَارِ، وَالصَّلَاةُ عَلَى رَسُولِهِ الْمُخْتَصِّ بِهَذَا الْفَضْلِ الْعَظِيمِ وَعَلَى آلِهِ الَّذِينَ فَازُوا مِنْهُ بِحَظٍّ جَسِيمٍ قَالَ مَوْلَانَا الْحَبْرُ النِّحْرِيرُ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَالْبَنَانِ فِي التَّقْرِيرِ وَالتَّحْرِيرِ كَاشِفُ الْمُشْكِلَاتِ وَالْمُعْضِلَاتِ مُبَيِّنُ الْكِنَايَاتِ وَالْإِرْشَادَاتِ مَنْبَعُ الْعُلَى عِلْمُ الْهُدَى أَفْضَلُ الْوَرَى حَافِظُ الْحَقِّ وَالْمِلَّةِ وَالدِّينِ شَمْسُ الْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ وَارِثٌ لِعُلُومِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ أَبُو الْبَرَكَاتِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ النَّسَفِيُّ لَمَّا رَأَيْت الْهِمَمَ مَائِلَةً إلَى الْمُخْتَصَرَاتِ وَالطِّبَاعَ رَاغِبَةً عَنْ الْمُطَوَّلَاتِ أَرَدْت أَنْ أُلَخِّصَ الْوَفِيَّ بِذِكْرِ مَا عَمَّ وُقُوعُهُ وَكَثُرَ وُجُودُهُ لِتَكْثُرَ فَائِدَتُهُ وَتَتَوَفَّرَ عَائِدَتُهُ فَشَرَعْت فِيهِ بَعْدَ الْتِمَاسِ طَائِفَةٍ مِنْ أَعْيَانِ الْأَفَاضِلِ وَأَفَاضِلِ الْأَعْيَانِ الَّذِينَ هُمْ بِمَنْزِلَةِ الْإِنْسَانِ لِلْعَيْنِ وَالْعَيْنِ لِلْإِنْسَانِ مَعَ مَا بِي مِنْ الْعَوَائِقِ (وَسَمَّيْته) بِكَنْزِ الدَّقَائِقِ، وَهُوَ، وَإِنْ خَلَا عَنْ الْعَوِيصَاتِ وَالْمُعْضِلَاتِ فَقَدْ تَحَلَّى بِمَسَائِلِ الْفَتَاوَى وَالْوَاقِعَاتِ مُعَلَّمًا بِتِلْكَ الْعَلَامَاتِ وَزِيَادَةِ الطَّاءِ لِلْإِطْلَاقَاتِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلْإِتْمَامِ وَالْمُيَسِّرُ لِلِاخْتِتَامِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 2 وَالْأَقْطَعُ وَالْيَنَابِيعِ وَشَرْحِ الْمَجْمَعِ لِلْمُصَنِّفِ وَلِابْنِ الْمِلْكِ وَالْعَيْنِيِّ وَشَرْحُ الْوِقَايَةِ وَشَرْحُ النُّقَايَةِ لِلشُّمُنِّيِّ وَالْمُسْتَصْفَى وَالْمُصَفَّى وَشَرْحُ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي لِابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ وَمِنْ الْفَتَاوَى الْمُحِيطُ وَالذَّخِيرَةُ وَالْبَدَائِعُ وَالزِّيَادَةُ لِقَاضِي خان وَفَتَاوَاهُ وَالْمَشْهُورَةُ وَالظَّهِيرِيَّةُ والولوالجية وَالْخُلَاصَةُ وَالْبَزَّازِيَّةُ وَالْوَاقِعَاتُ لِلْحِزَامِيِّ وَالْعُمْدَةُ وَالْعُدَّةُ لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ وَمَآلُ الْفَتَاوَى وَمُلْتَقَطُ الْفَتَاوَى وَحِيرَةُ الْفُقَهَاءِ وَالْحَاوِي الْقُدْسِيِّ وَالْقُنْيَةُ وَالسِّرَاجِيَّةُ وَالْقَاسِمِيَّةُ وَالتَّجْنِيسُ وَالْعَلَّامَةُ وَتَصْحِيحُ الْقُدُورِيِّ وَغَيْرُ ذَلِكَ مَعَ مُرَاجَعَةِ كُتُبِ الْأُصُولِ وَاللُّغَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَمَنْ تَرَدَّدَ فِي شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْته فِي هَذَا الشَّرْحِ فَلْيَرْجِعْ إلَى هَذِهِ الْكُتُبِ (وَسَمَّيْته بِالْبَحْرِ الرَّائِقِ شَرْحِ كَنْزِ الدَّقَائِقِ) وَأَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَنْفَعَ بِهِ كَمَا نَفَعَ بِأَصْلِهِ وَأَنْ يَجْعَلَهُ خَالِصًا لِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ وَأَنْ يُثِيبَنَا عَلَيْهِ بِفَضْلِهِ وَكَرَمِهِ إنَّهُ عَلَى مَا يَشَاءُ قَدِيرٌ بِالْإِجَابَةِ جَدِيرٌ وَلَا بَأْسَ بِذِكْرِ تَعْرِيفِهِ لِمَا فِي الْبَدِيعِ لِابْنِ السَّاعَاتِيِّ حَقٌّ عَلَى مَنْ حَاوَلَ عِلْمًا أَنْ يَتَصَوَّرَهُ بِحَدِّهِ أَوْ رَسْمِهِ وَيُعَرِّفَ مَوْضُوعَهُ وَغَايَتَهُ وَاسْتِمْدَادَهُ قَالُوا لِيَكُونَ الطَّالِبُ لَهُ عَلَى بَصِيرَةٍ. فَالْفِقْهُ لُغَةً الْفَهْمُ وَتَقُولُ مِنْهُ فَقِهَ الرَّجُلُ بِالْكَسْرِ وَفُلَانٌ لَا يَفْقَهُ وَأَفْقَهْتُك الشَّيْءَ ثُمَّ خُصَّ بِهِ عِلْمُ الشَّرِيعَةِ وَالْعَالِمُ بِهِ فَقِيهٌ وَفَقُهَ بِالضَّمِّ فَقَاهَةً وَفَقَّهَهُ اللَّهُ وَتَفَقَّهَ إذَا تَعَاطَى ذَلِكَ وَفَاقَهْتُهُ إذَا بَاحَثْته فِي الْعِلْمِ كَذَا فِي الصِّحَاحِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْفِقْهَ اللُّغَوِيَّ مَكْسُورُ الْقَافِ فِي الْمَاضِي وَالِاصْطِلَاحِيَّ مَضْمُومُهُمَا فِيهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْكَرْمَانِيُّ وَفِي ضِيَاءِ الْحُلُومِ الْفِقْهُ الْعِلْمُ بِالشَّيْءِ ثُمَّ خُصَّ بِعِلْمِ الشَّرِيعَةِ وَفَقِهَ بِالْكَسْرِ مَعْنَى الشَّيْءِ فِقْهًا وَفَقَهًا وَفِقْهَانًا إذَا عَلِمَهُ وَفَقُهَ بِالضَّمِّ فَقَاهَةً إذَا صَارَ فَقِيهًا اهـ. وَفِي الْمُغْرِبِ فَقِهَ الْمَعْنَى فَهِمَهُ وَأَفْهَمَهُ غَيْرَهُ اهـ. وَاصْطِلَاحًا عَلَى مَا ذَكَرَهُ النَّسَفِيُّ فِي شَرْحِ الْمَنَارِ تَبَعًا لِلْأُصُولِيِّينَ الْعِلْمُ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الْعِلْمِيَّةِ الْمُكْتَسَبَةِ مِنْ أَدِلَّتِهَا التَّفْصِيلِيَّةِ بِالِاسْتِدْلَالِ أَطْلَقُوا الْعِلْمَ عَلَى الْفِقْهِ مَعَ كَوْنِهِ ظَنِّيًّا؛ لِأَنَّ أَدِلَّتَهُ ظَنِّيَّةٌ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ ظَنُّ   [منحة الخالق] (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي زَيَّنَ نُحُورَ هَذِهِ الْأُمَّةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ بِعُقُودِ شَرِيعَتِهِ الشَّرِيفَةِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ الْمَرْضِيَّةِ وَقَيَّضَ لَهَا عِبَادًا غَاصُوا فِي بَحْرِ رَقَائِقِهَا فَاسْتَخْرَجُوا مَكْنُونَ كَنْزِ دَقَائِقِهَا وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ هُوَ السَّبَبُ الْأَعْظَمُ فِي هَذَا الْمَدَدِ وَالْوَسِيلَةُ الْعُظْمَى لِكُلِّ أَحَدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَتَابِعِيهِ وَأَحْزَابِهِ ذَوِي الْعِلْمِ وَالْعِرْفَانِ مَنْ رَقَوْا فِي مِعْرَاجِ الدَّارِيَةِ لِإِيضَاحِ طُرُقِ الْهِدَايَةِ إلَى غَايَةِ الْبَيَانِ (وَبَعْدُ) فَيَقُولُ مُحَمَّدٌ أَمِينٌ الْمُكَنَّى بِابْنِ عَابِدِينَ غَفَرَ اللَّهُ تَعَالَى ذُنُوبَهُ وَمَلَأَ مِنْ زُلَالِ الْعَفْوِ ذَنُوبَهُ. آمِينَ هَذِهِ حَوَاشٍ جَعَلْتهَا سِلْكًا لِدُرَرِ الْبَحْرِ الرَّائِقِ شَرْحِ كَنْزِ الدَّقَائِقِ فَبَدَتْ عُقُودَ الْجِيدِ لِمَنْ هُوَ إلَى جَيِّدِ مَعَانِيهِ مُسَارِعٌ وَمُسَابِقٌ عَلَّقْتهَا أَوَّلًا عَلَى هَامِشِ صَفَحَاتِهِ ثُمَّ جَمَعْتهَا هُنَا لِتَكُونَ تَذْكِرَةً لِلْعَبْدِ بَعْدَ وَفَاتِهِ فَتَحْت بِهَا مُقْفَلَهُ وَحَلَلْت بِهَا مُعْضِلَهُ وَلَسْت أَتَعَرَّضُ فِيهَا غَالِبًا إلَّا لِمَا فِيهِ إيضَاحٌ أَوْ تَقْوِيَةٌ أَوْ لِمَا فِيهِ بَحْثٌ أَوْ إشْكَالٌ بِعِبَارَاتٍ تَفُكُّ الْأَسْرَ وَتُحِلُّ الْعِقَالَ، وَإِذْ هُوَ مَشْحُونٌ بِالْمَسَائِلِ الْفِقْهِيَّةِ وَالْأَدِلَّةِ الْأُصُولِيَّةِ فَهُوَ غَنِيٌّ مِنْ ذَلِكَ عَنْ الزِّيَادَةِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ شَيْئًا فِي ذِكْرِهِ عَظِيمُ إفَادَةٍ ضَامًّا إلَى ذَلِكَ بَعْضَ أَبْحَاثٍ أَوْرَدَهَا فِي النَّهْرِ الْفَائِقِ الْفَاضِلُ الْمُحَقِّقُ الشَّيْخُ عُمَرُ عَلَى أَخِيهِ الشَّيْخِ الْفَقِيهِ النَّبِيهِ الْعَلَّامَةِ زَيْنَ بْنَ نُجَيْمٍ سَدِيدِ الرَّأْيِ وَالنَّظَرِ وَبَعْضِ مَا كَتَبَهُ عَلَى هَذَا الْكِتَابِ الشَّيْخُ خَيْرُ الدِّينِ الرَّمْلِيُّ الْمُفْتِي الْحَنَفِيُّ تَارِكًا لِمَا وَجْهُهُ عَلَيَّ قَدْ خَفِيَ وَأَرْجُو مِمَّنْ وَقَفَ عَلَى هَذِهِ الْعُجَالَةِ أَنْ يَجْعَلَ عَثَرَاتِي مُقَالَةً، فَإِنَّ بِضَاعَتِي قَلِيلَةٌ وَفِكْرَتِي كَلِيلَةٌ وَسَمَّيْت ذَلِكَ بِمِنْحَةِ الْخَالِقِ عَلَى الْبَحْرِ الرَّائِقِ وَأَسْأَلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مُتَوَسِّلًا إلَيْهِ بِمَنْ صَلَاتُهُ عَلَيْهِ تَتَوَالَى أَنْ يُلْهِمَنِي الصَّوَابَ وَأَنْ يَسْلُكَ بِي سَبِيلَ السَّدَادِ وَأَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ خَالِصًا لِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ مُوجِبًا لِلْفَوْزِ الْعَظِيمِ نَافِعًا بِهِ جُلَّ الْعِبَادِ وَأَنْ يَمُنَّ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَشْيَاخِي بِالْعَفْوِ التَّامِّ وَكَمَا أَحْسَنَ لِي الْمَبْدَأَ يُحْسِنُ لِي الْخِتَامَ بِحُرْمَةِ نَبِيِّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. (قَوْلُهُ: فَالْفِقْهُ لُغَةً الْفَهْمُ) أَقُولُ: وَفِي تَحْرِيرِ الدَّلَالَاتِ السَّمْعِيَّةِ لِعَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مَسْعُودٍ نَقْلًا عَنْ التَّنْقِيحِ الْفِقْهُ لُغَةً هُوَ الْفَهْمُ وَالْعِلْمُ وَفِي الِاصْطِلَاحِ هُوَ الْعِلْمُ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الْعَلِمِيَّةِ بِالِاسْتِدْلَالِ وَيُقَالُ فَقِهَ بِكَسْرِ الْقَافِ إذَا فَهِمَ وَبِفَتْحِهَا إذَا سَبَقَ غَيْرَهُ إلَى الْفَهْمِ وَبِضَمِّهَا إذَا صَارَ الْفِقْهُ لَهُ سَجِيَّةً. اهـ. رَمْلِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَاصْطِلَاحًا إلَخْ) الِاصْطِلَاحُ لُغَةً الِاتِّفَاقُ وَاصْطِلَاحًا اتِّفَاقُ طَائِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ عَلَى إخْرَاجِ الشَّيْءِ عَنْ مَعْنَاهُ إلَى مَعْنًى آخَرَ رَمْلِيٌّ (قَوْلُهُ: الْعِلْمُ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الْعَمَلِيَّةِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ فِي بَعْضِ النُّسَخِ بَعْدَ الْعَمَلِيَّةِ الْمُكْتَسَبَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا مِنْ زِيَادَةِ بَعْضِ الْكَتَبَةِ يَظْهَرُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ الْآتِي، وَقَوْلُهُ وَمِنْ أَدِلَّتِهَا مُتَعَلِّقٌ بِالْعِلْمِ إلَخْ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ أَدِلَّتَهُ ظَنِّيَّةٌ) اُعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْإِجْمَاعَ وَمَا ثَبَتَ بِهِ قَطْعِيَّانِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ التَّعْبِيرَ فِيهَا بِالظَّنِّ تَغْلِيبٌ أَوْ بِأَنَّ قَطْعِيَّتَهُمَا بِالنِّسْبَةِ إلَيْنَا، وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْ صَدَرَ عَنْهُ مِنْ الْمُجْمِعِينَ فَهُوَ ظَنِّيٌّ مُسْتَنِدٌ إلَى إمَارَةٍ وَفِي حَوَاشِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ لِلْعَلَّامَةِ ابْنِ قَاسِمٍ الْعَبَّادِيِّ قَالَ السَّيِّدُ بَعْدَ كَلَامٍ أَوْرَدَهُ يَلْزَمُ مِمَّا ذُكِرَ أَنْ تَكُونَ الْأَحْكَامُ الْمَعْلُومَةُ مِنْ الْأَدِلَّةِ الْقَطْعِيَّةِ أَيْ الْقَطْعِيَّةِ الدَّلَالَةِ وَالثُّبُوتِ كَمَا أَفْصَحَ بِهِ بَعْضُهُمْ خَارِجَةً عَنْ الْفِقْهِ فَإَمَّا أَنْ يُخْتَارَ أَنَّ الْأَدِلَّةَ اللَّفْظِيَّةَ لَا تُفِيدُ إلَّا ظَنًّا كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُهُمْ فَكَذَا مَا يَتَفَرَّعُ عَلَيْهَا مِنْ الْإِجْمَاعِ وَالْقِيَاسِ وَإِمَّا أَنْ يُقَالَ كُلُّ مَا عَلَيْهِ دَلِيلٌ قَطْعِيٌّ مِنْ الْأَحْكَامِ فَهُوَ مِمَّا عُلِمَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 3 الْمُجْتَهِدِ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ وَعَلَى مُقَلِّدِيهِ الْعَمَلُ بِمُقْتَضَاهُ كَانَ لِقُوَّتِهِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ قَرِيبًا مِنْ الْعِلْمِ فَعُبِّرَ بِهِ عَنْهُ تَجَوُّزًا وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ فِيهِ ارْتِكَابَ مَجَازٍ دُونَ قَرِينَةٍ فَالْأَوْلَى مَا فِي التَّحْرِيرِ مِنْ ذِكْرِ التَّصْدِيقِ الشَّامِلِ لِلْعِلْمِ وَالظَّنِّ بَدَلَ الْعِلْمِ، وَالْأَحْكَامُ جَمْعٌ مُحَلًّى بِاللَّامِ فَإِمَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الِاسْتِغْرَاقِ أَوْ عَلَى الْجِنْسِ الْمُتَنَاوِلِ لِلْكُلِّ وَالْبَعْضِ الَّذِي أَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ مِنْهَا لَا بِعَيْنِهِ ذَكَرَهُ السَّيِّدُ فِي حَاشِيَةِ الْعَضُدِ وَفِيهِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَحْكَامِ الْمَجْمُوعُ وَمَعْنَى الْعِلْمِ بِهَا التَّهَيُّؤُ لِذَلِكَ وَرَدَّهُ فِي التَّوْضِيحِ بِأَنَّ التَّهَيُّؤَ الْبَعِيدَ حَاصِلٌ لِغَيْرِ الْفِقْهِ وَالْقَرِيبُ غَيْرُ مَضْبُوطٍ إذْ لَا يُعْرَفُ أَيُّ قَدْرٍ مِنْ الِاسْتِعْدَادِ يُقَالُ لَهُ التَّهَيُّؤُ الْقَرِيبُ. وَأَجَابَ عَنْهُ فِي التَّلْوِيحِ بِأَنَّهُ مَضْبُوطٌ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَةٌ يُقْتَدَرُ بِهَا عَلَى إدْرَاكِ جُزْئِيَّاتِ الْأَحْكَامِ وَإِطْلَاقُ الْعِلْمِ عَلَيْهَا شَائِعٌ وَفِي التَّحْرِيرِ وَالْمُرَادُ بِالْمَلَكَةِ أَدْنَى مَا تَتَحَقَّقُ بِهِ الْأَهْلِيَّةُ، وَهُوَ مَضْبُوطٌ اهـ. وَاخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ مِنْ الْحُكْمِ هُنَا فَاخْتَارَ السَّيِّدُ فِي حَاشِيَتِهِ أَنَّهُ التَّصْدِيقُ وَرَدَّهُ فِي التَّلْوِيحِ بِأَنَّهُ عِلْمٌ؛ لِأَنَّهُ إدْرَاكُ أَنَّ النِّسْبَةَ وَاقِعَةٌ أَوْ لَيْسَتْ بِوَاقِعَةٍ فَيَقْتَضِي أَنَّ الْفِقْهَ عِلْمٌ بِالْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْمُرَادُ بِهِ النِّسْبَةُ التَّامَّةُ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ الَّتِي الْعِلْمُ بِهَا تَصْدِيقٌ وَبِغَيْرِهَا تَصَوُّرٌ اهـ. وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ مُرَادَهُ مِنْ التَّصْدِيقِ الْقَضِيَّةُ صَرَّحَ الْمَوْلَى سَعْدٌ فِي حَاشِيَةِ الْعَضُدِ بِأَنَّهُ كَمَا يُطْلَقُ عَلَى الْإِدْرَاكِ يُطْلَقُ عَلَى الْقَضِيَّةِ وَالْمُحَقِّقُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُرَادُ بِالْحُكْمِ هُنَا خِطَابُ اللَّهِ الْمُتَعَلَّقُ بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ اقْتِضَاءً أَوْ تَخْيِيرًا؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ ذِكْرُ الشَّرْعِيَّةَ وَالْعَمَلِيَّةَ تَكْرَارًا وَخَرَجَ بِقَيْدِ الْأَحْكَامِ الْعِلْمُ بِالذَّوَاتِ وَالصِّفَاتِ وَالْأَفْعَالِ وَخَرَجَ بِقَيْدِ الشَّرْعِيَّةِ الْأَحْكَامُ الْمَأْخُوذَةُ مِنْ الْعَقْلِ كَالْعِلْمِ بِأَنَّ الْعَالَمَ حَادِثٌ أَوْ مِنْ الْحِسِّ كَالْعِلْمِ بِأَنَّ النَّارَ مُحْرِقَةٌ أَوْ مِنْ الْوَضْعِ وَالِاصْطِلَاحِ كَالْعِلْمِ بِأَنَّ الْفَاعِلَ مَرْفُوعٌ كَذَا فِي التَّلْوِيحِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْحُكْمَ فِي مِثْلِ قَوْلِنَا النَّارُ مُحْرِقَةٌ لَيْسَ عَقْلِيًّا وَيُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ مِنْ الْعَقْلِيِّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِدْرَاكَ فِي الْحَوَاسِّ إنَّمَا هُوَ لِلْعَقْلِ بِوَاسِطَةِ الْحَوَاسِّ وَخَرَجَ بِقَيْدِ الْعَمَلِيَّةِ الْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ الِاعْتِقَادِيَّةُ كَكَوْنِ الْإِجْمَاعِ حُجَّةً وَالْإِيمَانِ وَاجِبًا؛ وَلِذَا لَمْ يَكُنْ الْعِلْمُ بِوُجُوبِ الصَّلَاةِ   [منحة الخالق] مِنْ الدِّينِ ضَرُورَةً وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْمَحْصُولِ بِخُرُوجِ مِثْلِهِ عَنْهُ اهـ. وَجَزَمَ قَبْلَ ذَلِكَ بِخُرُوجِ مَا عُلِمَ مِنْ الْأَحْكَامِ ضَرُورَةً مِنْ الدِّينِ اهـ. أَيْ خُرُوجُهَا عَنْ الْفِقْهِ وَعَلَيْهِ كَلَامُ الشَّارِحِ الْآتِي حَيْثُ قَالَ: وَخَرَجَ بِقَيْدِ الشَّرْعِيَّةِ الْأَحْكَامُ الْمَأْخُوذَةُ مِنْ الْعَقْلِ إلَخْ قَالَ ابْنُ قَاسِمٍ: بَعْدَ مَا تَقَدَّمَ وَبَحَثَ فِيهِ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ تِلْكَ الْأَحْكَامَ لَيْسَتْ ضَرُورِيَّةً بِمَعْنَى حُصُولِهَا بِلَا دَلِيلٍ، فَإِنَّ الْمُجْتَهِدِينَ قَدْ اسْتَنْبَطُوهَا وَحَصَّلُوهَا فِي أَصْلِهَا عَنْ أَدِلَّتِهَا التَّفْصِيلِيَّةِ كَوُجُوبِ الصَّلَاةِ مَثَلًا، فَإِنَّهُ مُسْتَنْبَطٌ مِنْ قَوْله تَعَالَى {أَقِيمُوا الصَّلاةَ} [الأنعام: 72] بَلْ تِلْكَ الْأَحْكَامُ ضَرُورِيَّةٌ بِمَعْنَى أَنَّهَا اُشْتُهِرَتْ حَتَّى عُدَّتْ مِنْ ضَرُورِيَّاتِ الدِّينِ فَلَا يَخْرُجُ مَا عُلِمَ مِنْ تِلْكَ الْأَحْكَامِ بِقَوْلِهِ عَنْ أَدِلَّتِهَا. اهـ. وَسَيَأْتِي لِهَذَا تَتِمَّةٌ فَتَبَصَّرْ. (قَوْلُهُ: فَالْأُولَى مَا فِي التَّحْرِيرِ مِنْ ذِكْرِ التَّصْدِيقِ الشَّامِلِ لِلْعِلْمِ وَالظَّنِّ) أَيْ بِنَاءً عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَنْطِقِيِّينَ إيَّاهُ مُرَادًا بِهِ مَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّهُمْ قَسَّمُوا الْعِلْمَ بِالْمَعْنَى الْأَعَمَّ إلَى التَّصَوُّرِ وَالتَّصْدِيقِ تَقْسِيمًا حَاصِرًا، وَلَكِنْ لَيْسَ هَذَا مُرَادَ صَاحِبِ التَّحْرِيرِ بَلْ مُرَادُهُ بِهِ الْإِدْرَاكُ الْقَطْعِيُّ سَوَاءٌ كَانَ ضَرُورِيًّا أَوْ نَظَرِيًّا صَوَابًا أَوْ خَطَأً فَالتَّصْدِيقُ كَمَا قَالَ شَارِحُهُ: ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ جِنْسٌ لِسَائِرِ الْإِدْرَاكَاتِ الْقَطْعِيَّةِ بِنَاءً عَلَى اشْتِهَارِ اخْتِصَاصِ التَّصْدِيقِ بِالْحُكْمِ الْقَطْعِيِّ كَمَا فِي تَفْسِيرِ الْإِيمَانِ بِالتَّصْدِيقِ بِمَا جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى اهـ. فَهُوَ غَيْرُ مَا اصْطَلَحَ عَلَيْهِ الْمَنَاطِقَةُ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ صَرَّحَ بَعْدَهُ بِأَنَّ الْأَحْكَامَ الْمَظْنُونَةَ لَيْسَتْ مِنْ الْفِقْهِ إلَّا عَلَى الِاصْطِلَاحِ بِأَنَّهُ كُلَّهُ ظَنِّيٌّ أَوْ الِاصْطِلَاحِ بِأَنَّ مِنْهُ مَا هُوَ قَطْعِيٌّ وَمِنْهُ مَا هُوَ ظَنِّيٌّ فَهِيَ ثَلَاثَةٌ هَذَانِ وَمَا اخْتَارَهُ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ قَالَ شَارِحُهُ بَعْدَ كَلَامٍ بَقِيَ الشَّأْنُ فِي أَيِّ الِاصْطِلَاحَاتِ مِنْ هَذِهِ أَحْسَنُ أَوْ مُتَعَيِّنٌ وَيَظْهَرُ أَنَّ مَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ مُتَعَيَّنٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفَقِيهِ الْمُجْتَهِدُ وَأَنَّ الثَّالِثَ أَحْسَنُ إذَا كَانَ مَوْضُوعًا بِإِزَاءِ الْمُدْرَكِ إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ وَبِهِ ظَهَرَ مَا فِي كَلَامِ الشَّارِحِ مِنْ عَزْوِهِ مَا ذُكِرَ لِلتَّحْرِيرِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى نِحْرِيرٍ (قَوْلُهُ: وَأَجَابَ عَنْهُ فِي التَّلْوِيحِ بِأَنَّهُ إلَخْ) أَقُولُ: هُوَ كَذَلِكَ فِي شَرْحِ جَمْعِ الْجَوَامِعِ لِلْعَلَّامَةِ جَلَالِ الدِّينِ الْمَحَلِّيِّ وَقَدْ بَسَطَ السُّؤَالَ وَالْجَوَابَ مُحَشِّيهِ الْكَمَالُ ابْنُ أَبِي شَرِيفٍ (قَوْلُهُ: وَالْمُحَقِّقُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُرَادُ بِالْحُكْمِ هُنَا خِطَابُ اللَّهِ تَعَالَى إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَقُولُ: بَلْ الْمُرَادُ النِّسْبَةُ التَّامَّةُ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ الَّتِي الْعِلْمُ بِهَا تَصْدِيقٌ وَبِغَيْرِهَا تَصَوُّرٌ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ لَا يَكُونُ إلَّا كَذَلِكَ عَلَى هَذَا كَمَا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ: وَخَرَجَ بِقَيْدِ الْعَمَلِيَّةِ الْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ الِاعْتِقَادِيَّةُ إلَخْ) . اعْلَمْ أَنَّ الشَّارِحَ تَبِعَ فِي ذَلِكَ الْجَلَالَ الْمَحَلِّيَّ فِي شَرْحِ جَمْعِ الْجَوَامِعِ حَيْثُ قَالَ وَخَرَجَ بِقَيْدِ الْعَمَلِيَّةِ الْعِلْمُ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الْعِلْمِيَّةِ أَيْ الِاعْتِقَادِيَّةِ كَالْعِلْمِ بِأَنَّ اللَّهَ وَاحِدٌ وَأَنَّهُ يُرَى فِي الْآخِرَةِ وَزَادَ الشَّارِحُ عَلَيْهِ الْعِلْمُ بِوُجُوبِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَلِابْنِ قَاسِمٍ هُنَا كَلَامٌ يَنْبَغِي ذِكْرُهُ مُلَخَّصًا مَعَ بَعْضِ زِيَادَاتٍ تُشِيرُ إلَى كَلَامِ الشَّارِحِ فَنَقُولُ: اعْلَمْ أَنَّ الِاعْتِقَادَ إدْرَاكٌ وَالْحَقُّ فِي الْإِدْرَاكِ أَنَّهُ انْفِعَالٌ أَوْ كَيْفٌ لَا فِعْلٌ كَمَا تَقَرَّرَ فِي مَحَلِّهِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِعْلًا فَلَا يَكُونُ عَمَلًا إلَّا عَلَى سَبِيلِ التَّجَوُّزِ أَوْ نَظَرًا إلَى أَنَّهُ يُعَبَّرُ عَنْهُ بِلَفْظِ الْفِعْلِ وَيُعَدُّ فِعْلًا عُرْفًا فَيُقَالُ صَدَقَ وَأَدْرَكَ وَعَلِمَ وَنَحْوُ ذَلِكَ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَالِاعْتِقَادُ مِثْلُ اعْتِقَادِ أَنَّ الْجَنَّةَ مَوْجُودَةٌ الْيَوْمَ وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 4 وَالصَّوْمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا اُشْتُهِرَ كَوْنُهُ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ فِقْهًا اصْطِلَاحًا وَأُورِدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ إنْ أُرِيدَ بِالْعَمَلِ عَمَلُ الْجَوَارِحِ فَالتَّعْرِيفُ غَيْرُ جَامِعٍ إذْ يَخْرُجُ عَنْهُ الْعِلْمُ بِوُجُوبِ النِّيَّةِ وَتَحْرِيمِ الرِّيَاءِ وَالْحَسَدِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ مَا يَعُمُّ عَمَلَ الْقَلْبِ وَعَمَلَ الْجَوَارِحِ فَالتَّعْرِيفُ غَيْرُ مَانِعٍ إذْ يَدْخُلُ فِيهِ جَمِيعُ الِاعْتِقَادِيَّاتِ الَّتِي هِيَ أُصُولُ الدِّينِ. وَأُجِيبَ عَنْهُ بِاخْتِيَارِ الشِّقِّ الثَّانِي، وَلَا تَدْخُلُ الِاعْتِقَادَاتُ إذْ الْمُرَادُ بِالْعِلْمِيَّةِ الْمُتَعَلِّقَةُ بِكَيْفِيَّةِ عَمَلٍ فَالتَّعَلُّقُ فِي النِّيَّةِ وَنَحْوِهَا بِكَيْفِيَّةِ عَمَلٍ قَلْبِيٍّ وَالتَّعَلُّقُ فِي الِاعْتِقَادَاتِ بِحُصُولِ الْعِلْمِ وَتَحْقِيقُ الْفَرْقِ بَيْنَ فِعْلِ الْقَلْبِ كَقَصْدِهِ إلَى الشَّيْءِ أَوْ تَمَنِّيه حُصُولَ الشَّيْءِ وَزَوَالَهُ وَبَيْنَ التَّصْدِيقِ الْقَائِمِ بِالْقَلْبِ الَّذِي هُوَ تَجَلٍّ وَانْكِشَافٌ يَحْصُلُ عَقِبَ قِيَامِ الدَّلِيلِ لَا فِعْلٌ لِلنَّفْسِ هُوَ أَنَّ الْقَصْدَ نَوْعٌ مِنْ الْإِرَادَةِ وَالتَّصْدِيقَ نَوْعٌ مِنْ الْعِلْمِ وَالْوُجْدَانُ كَافٍ فِي الْفَرْقِ نَعَمْ يُعْتَبَرُ فِي الْإِيمَانِ مَعَ التَّصْدِيقِ الَّذِي هُوَ التَّجَلِّي وَالِانْكِشَافُ إذْعَانٌ وَاسْتِسْلَامٌ بِالْقَلْبِ لِقَبُولِ الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي فَتَسْمِيَةُ التَّصْدِيقِ الَّذِي هُوَ الِاعْتِقَادُ فِعْلًا بِهَذَا الِاعْتِبَارِ وَقَدْ عَدَلَ بَعْضُهُمْ عَنْ ذِكْرِ الْعَمَلِيَّةِ إلَى الْفَرْعِيَّةِ، فَلَمْ يَتَوَجَّهْ الْإِيرَادُ أَصْلًا، وَقَوْلُهُ مِنْ أَدِلَّتِهَا مُتَعَلِّقٌ بِالْعِلْمِ أَيْ الْعِلْمُ الْحَاصِلُ مِنْ الْأَدِلَّةِ وَبِهِ خَرَجَ عِلْمُ الْمُقَلِّدِ وَلَيْسَ مُتَعَلِّقًا بِالْأَحْكَامِ إذْ لَوْ تَعَلَّقَ بِهَا لَمْ يَخْرُجْ عِلْمُ الْمُقَلَّدِ؛ لِأَنَّهُ عِلْمٌ بِالْأَحْكَامِ الْحَاصِلَةِ مِنْ أَدِلَّتِهَا التَّفْصِيلِيَّةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِلْمُ الْمُقَلِّدِ حَاصِلًا عَنْ الْأَدِلَّةِ، وَمَعْنَى حُصُولِ الْعِلْمِ مِنْ الدَّلِيلِ أَنَّهُ يَنْظُرُ فِي الدَّلِيلِ فَيَعْلَمُ مِنْهُ الْحُكْمَ، فَعِلْمُ الْمُقَلِّدِ، وَإِنْ كَانَ مُسْتَنِدًا إلَى قَوْلِ الْمُجْتَهِدِ الْمُسْتَنِدِ إلَى عِلْمِهِ الْمُسْتَنِدِ إلَى دَلِيلِ الْحُكْمِ لَكِنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ مِنْ النَّظَرِ فِي الدَّلِيلِ كَذَا فِي التَّلْوِيحِ، وَبِهِ انْدَفَعَ مَا ذَكَرَهُ الْكَمَالُ بْنُ أَبِي شَرِيفٍ مِنْ أَنَّ قَوْلَهُ مِنْ أَدِلَّتِهَا لِلْبَيَانِ لَا لِلِاحْتِرَازِ إذْ لَا اكْتِسَابَ إلَّا مِنْ دَلِيلٍ اهـ. وَاخْتُلِفَ فِي قَيْدِ التَّفْصِيلِيَّةِ، فَذَكَرَ   [منحة الخالق] يُرَى فِي الْآخِرَةِ تَارَةً يُنْظَرُ فِيهِ فِي نَفْسِهِ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ خَارِجًا عَنْ حَدِّ الْفِقْهِ بِقَوْلِهِ: الْعَمَلِيَّةُ بِمَعْنَى الْمُتَعَلِّقَةِ بِكَيْفِيَّةِ عَمَلٍ كَمَا فَسَّرَهُ بِهِ فِيمَا سَيَأْتِي تَبَعًا لِلْمَحَلِّيِّ؛ لِأَنَّ هَذَا الِاعْتِقَادَ، وَإِنْ صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ عِلْمٌ بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ وَذَلِكَ الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ هُوَ ثُبُوتُ الْوُجُودِ لِلْجَنَّةِ لَكِنَّ ذَلِكَ الْحُكْمَ لَيْسَ مُتَعَلِّقًا بِكَيْفِيَّةِ عَمَلٍ؛ لِأَنَّ الْوُجُودَ كَيْفِيَّةٌ لِلْجَنَّةِ وَالْجَنَّةُ لَيْسَتْ عَمَلًا وَأَيْضًا الْمُرَادُ بِالْكَيْفِيَّةِ الْوُجُوبُ وَالْحُرْمَةُ وَغَيْرُهُمَا بِخِلَافِ الْوُجُودِ وَنَحْوِهِ وَقِسْ الْبَاقِيَ وَتَسْمِيَةُ هَذَا الْحُكْمِ اعْتِقَادِيًّا كَمَا أَفَادَهُ الشَّارِحُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لِكَوْنِهِ يَتَعَلَّقُ بِالِاعْتِقَادِ لِظُهُورِ أَنَّهُ لَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، فَإِنَّ النِّسْبَةَ فِي قَوْلِنَا اللَّهُ تَعَالَى يُرَى فِي الْآخِرَةِ لَيْسَ مُتَعَلَّقُهَا اعْتِقَادًا بَلْ مُتَعَلِّقُهَا الرُّؤْيَةُ الَّتِي هِيَ الْمَحْمُولُ، وَلَيْسَتْ اعْتِقَادًا وَكَذَا الْإِجْمَاعُ حُجَّةٌ وَالْإِيمَانُ وَاجِبٌ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لِكَوْنِهِ أَمْرًا الْغَرَضُ اعْتِقَادُهُ فَمَعْنَى كَوْنِهِ اعْتِقَادِيًّا أَنَّهُ أَمْرٌ يُعْتَقَدُ، وَأَمَّا الْعِلْمُ بِوُجُوبِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَعَلَى مَا قَرَّرْنَا يَكُونُ دَاخِلًا فِي حَدِّ الْفِقْهِ، وَلَا يَكُونُ خَارِجًا بِالِاعْتِقَادِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ مُتَعَلِّقٌ بِكَيْفِيَّةِ عَمَلٍ وَتَارَةً يُنْظَرُ فِيهِ بِاعْتِبَارِ تَعَلُّقِ الْعِلْمِ بِالْحُكْمِ الْمُتَعَلِّقِ بِكَيْفِيَّتِهِ، فَإِنَّ اعْتِقَادًا أَنَّ الْجَنَّةَ مَوْجُودَةٌ الْيَوْمَ مَثَلًا لَهُ كَيْفِيَّةٌ هِيَ الْوُجُوبُ وَالْحُكْمُ الْمُتَعَلِّقُ بِتِلْكَ الْكَيْفِيَّةِ هُوَ ثُبُوتُ الْوُجُوبِ لِذَلِكَ الِاعْتِقَادِ فَالْعِلْمُ بِثُبُوتِ وُجُوبِ اعْتِقَادِ أَنَّ الْجَنَّةَ مَوْجُودَةٌ الْيَوْمَ عِلْمٌ بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ اعْتِقَادِيٍّ أَيْ مُتَعَلِّقٍ بِكَيْفِيَّةِ اعْتِقَادٍ، فَإِنَّهُ عِلْمٌ بِثُبُوتِ الْوُجُوبِ لِذَلِكَ الِاعْتِقَادِ، وَذَلِكَ الثُّبُوتُ حُكْمٌ شَرْعِيُّ؛ لِأَنَّهُ اُسْتُفِيدَ مِنْ الشَّرْعِ وَذَلِكَ الْوُجُوبُ كَيْفِيَّةٌ لِاعْتِقَادٍ، وَهُوَ اعْتِقَادُ أَنَّ الْجَنَّةَ مَوْجُودَةٌ الْيَوْمَ، فَإِنْ أُرِيدَ بِالْعَمَلِ فِي قَوْلِهِمْ الْعَمَلِيَّةُ مَا يَشْمَلُ الِاعْتِقَادَ وَلَوْ بِمُسَامَحَةٍ كَمَا هُوَ مُقْتَضَيْ كَلَامِ الشَّارِحِ الْآتِي دَخَلَ فِي الْفِقْهِ الْعِلْمُ بِوُجُوبِ مِثْلِ هَذِهِ الِاعْتِقَادَاتِ؛ لِأَنَّهُ عِلْمٌ بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ عَمَلِيٍّ أَيْ مُتَعَلِّقٍ بِكَيْفِيَّةِ عَمَلٍ كَمَا تَقَرَّرَ وَخَرَجَ عَنْهُ نَفْسُ هَذِهِ الِاعْتِقَادَاتِ إذْ لَيْسَتْ عِلْمًا بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ عَمَلِيٍّ أَيْ مُتَعَلِّقٍ بِكَيْفِيَّةِ عَمَلٍ إذْ لَيْسَتْ تِلْكَ الْأَحْكَامُ الَّتِي هِيَ مُتَعَلَّقُ تِلْكَ الِاعْتِقَادَاتِ مُتَعَلِّقَةً بِكَيْفِيَّةِ عَمَلٍ كَمَا تَقَرَّرَ وَأَمَّا الْعِلْمُ بِوُجُوبِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ فَعَلَى كُلٍّ يَكُونُ دَاخِلًا غَيْرَ خَارِجٍ كَمَا تَقَرَّرَ، وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ مَا يَكُونُ عَمَلًا وَفِعْلًا حَقِيقَةً خَرَجَ عَنْ حَدِّ الْفِقْهِ الْعِلْمُ بِوُجُوبِ مِثْلِ هَذِهِ الِاعْتِقَادَاتِ أَيْضًا إذْ لَيْسَ الْحُكْمُ فِيهَا حِينَئِذٍ عَمَلِيًّا أَيْ مُتَعَلِّقًا بِكَيْفِيَّةِ عَمَلٍ إذْ صَاحِبُ تِلْكَ الْكَيْفِيَّةِ، وَهُوَ الِاعْتِقَادُ لَيْسَ عَمَلًا وَلَا يَخْرُجُ نَحْوُ الْعِلْمِ بِوُجُوبِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ لِظُهُورِ أَنَّ صَاحِبَ تِلْكَ الْكَيْفِيَّةِ الَّتِي هِيَ الْوُجُوبُ، وَهُوَ الصَّوْمُ وَالصَّلَاةُ فِعْلٌ وَعَمَلٌ لَكِنْ يُنَافِي هَذَا الْوَجْهَ مَا بَعْدَهُ عَلَى أَنَّهُ يَرِدُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ نَحْوُ تَحْرِيمِ ظَنِّ السُّوءِ بِالْغَيْرِ بِلَا مُسَوِّغٍ شَرْعِيٍّ، فَإِنَّ الْعِلْمَ بِهِ مِنْ الْفِقْهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مَعَ أَنَّ الظَّنَّ لَيْسَ مِنْ الْعَمَلِ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ اهـ مُلَخَّصًا مَعَ بَعْضِ زِيَادَاتٍ مُنَاسِبَةٍ لِلْمَقَامِ فَلْيُمْعِنْ النَّظَرَ ذَوُو الْأَفْهَامِ. وَاَلَّذِي تَحَصَّلَ مِنْ هَذَا عَدَمُ خُرُوجِ الْعِلْمِ بِوُجُوبِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ عَنْ حَدِّ الْفِقْهِ بِمَا ذَكَرَهُ عَلَى الِاحْتِمَالَاتِ السَّابِقَةِ كُلِّهَا، وَأَمَّا غَيْرُهُ مِنْ بَقِيَّةِ الضَّرُورِيَّاتِ فَيَحْتَاجُ إلَى الْعِنَايَةِ عَلَى أَنَّهُ يَلْزَمُ إخْرَاجُ أَكْثَرِ عِلْمِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ لِلْأَعْمَالِ عَنْ حَدِّ الْفِقْهِ، فَإِنَّهُ ضَرُورِيٌّ لَهُمْ لِتَلَقِّيهِمْ إيَّاهُ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِسًّا وَمِنْ الْمَعْلُومِ بَعْدَ هَذَا فَكَذَا مَا يُفْضِي إلَيْهِ، وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْعَلَّامَةُ النِّحْرِيرُ ابْنُ الْهُمَامِ فِي كِتَابِهِ التَّحْرِيرِ عَلَى مَا أَشَرْنَا إلَيْهِ سَابِقًا وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْمُحَقِّقُ فِي التَّلْوِيحِ أَنَّهُ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ عِلْمِ الْخِلَافِيِّ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِوُجُوبِ الشَّيْءِ لِوُجُودِ الْمُقْتَضِي أَوْ بِعَدَمِ وُجُوبِهِ لِوُجُودِ النَّافِي لَيْسَ مِنْ الْفِقْهِ وَغَلَّطَهُمْ الْمُحَقِّقُ فِي التَّحْرِيرِ بِقَوْلِهِ وَقَوْلُهُمْ التَّفْصِيلِيَّةُ تَصْرِيحٌ بِلَازِمٍ وَإِخْرَاجُ الْخِلَافِيِّ بِهِ غَلَطٌ وَوَضَّحَهُ الْكَمَالُ بِأَنَّ قَوْلَهُمْ إنَّمَا يَصِحُّ إذَا قُلْنَا إنَّ الْخِلَافِيَّ يَسْتَفِيدُ عِلْمًا بِثُبُوتِ الْوُجُوبِ أَوْ انْتِفَائِهِ مِنْ مُجَرَّدِ تَسْلِيمِهِ مِنْ الْفِقْهِ وُجُودَ الْمُقْتَضِي أَوْ النَّافِي إجْمَالًا وَأَنَّهُ يُمْكِنُهُ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ حِفْظُهُ عَنْ إبْطَالِ الْخَصْمِ وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا يَسْتَفِيدُ عِلْمًا وَلَا يُمْكِنُهُ الْحِفْظُ الْمَذْكُورُ حَتَّى يَتَعَيَّنَ الْمُقْتَضِي أَوْ النَّافِي فَيَكُونُ هُوَ الدَّلِيلَ الْمُسْتَفَادَ مِنْهُ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ أَهْلًا لِلِاسْتِفَادَةِ مِنْهُ كَانَ فَقِيهًا فَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَيْسَ إخْرَاجًا لِعِلْمِ الْخِلَافِيِّ فَهُوَ تَصْرِيحٌ بِلَازِمٍ اهـ. وَاخْتُلِفَ أَيْضًا فِي قَيْدِ الِاسْتِدْلَالِ فَذَهَبَ ابْنُ الْحَاجِبِ إلَى أَنَّهُ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْعِلْمِ الْحَاصِلِ بِالضَّرُورَةِ كَعِلْمِ جِبْرِيلَ وَالرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ لَا يُسَمَّى فِقْهًا اصْطِلَاحًا وَحَقَّقَ فِي التَّلْوِيحِ بِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ، فَإِنَّ حُصُولَ الْعِلْمِ عَنْ الدَّلِيلِ مُشْعِرٌ بِالِاسْتِدْلَالِ إذْ لَا مَعْنَى لِذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْعِلْمُ مَأْخُوذًا مِنْ الدَّلِيلِ فَخَرَجَ مَا كَانَ بِالضَّرُورَةِ بِقَوْلِهِ مِنْ أَدِلَّتِهَا فَهُوَ لِلتَّصْرِيحِ بِمَا عُلِمَ الْتِزَامًا أَوْ لِدَفْعِ الْوَهْمِ أَوْ لِلْبَيَانِ دُونَ الِاحْتِرَازِ وَمِثْلُهُ شَائِعٌ فِي التَّعْرِيفَاتِ اهـ. وَلَمْ يَذْكُرْ عِلْمَ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ لَا يُوصَفُ بِضَرُورَةٍ وَلَا اسْتِدْلَالٍ فَلَوْ قَالَ إنَّهُ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْعِلْمِ الَّذِي لَمْ يَحْصُلْ بِالِاسْتِدْلَالِ لَكَانَ مُخْرِجًا لِعِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى أَيْضًا وَاخْتُلِفَ فِي عِلْمِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْحَاصِلِ عَنْ اجْتِهَادٍ هَلْ يُسَمَّى فِقْهًا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ لِلْحُكْمِ لَا يُسَمَّى فِقْهًا وَبِاعْتِبَارِ حُصُولِهِ عَنْ دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ يَصِحُّ أَنْ يُسَمَّى فِقْهًا اصْطِلَاحًا وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ ظَهَرَ أَنَّ الْأَوْلَى الِاقْتِصَارُ عَلَى قَوْلِنَا الْفِقْهُ الْعِلْمُ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الْفَرْعِيَّةِ عَنْ أَدِلَّتِهَا وَيَصِحُّ تَعْرِيفُهُ بِنَفْسِ الْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ لِمَا ذَكَرَهُ السَّيِّدُ فِي حَوَاشِيهِ أَنَّ أَسْمَاءَ الْعُلُومِ كَالْأُصُولِ وَالْفِقْهِ وَالنَّحْوِ يُطْلَقُ كُلٌّ مِنْهَا تَارَةً بِإِزَاءِ مَعْلُومَاتٍ مَخْصُوصَةٍ كَقَوْلِنَا زَيْدٌ يَعْلَمُ النَّحْوَ أَيْ يَعْلَمُ تِلْكَ الْمَعْلُومَاتِ الْمُعَيَّنَةِ وَتَارَةً بِإِزَاءِ إدْرَاكِ تِلْكَ الْمَعْلُومَاتِ وَهَكَذَا فِي التَّحْرِيرِ وَعَرَّفَهُ فِي التَّقْوِيمِ بِأَنَّهُ اسْمٌ لِضَرْبِ عِلْمٍ أُصِيبَ بِاسْتِنْبَاطِ الْمَعْنَى وَضِدُّ الْفَقِيهِ صَاحِبُ الظَّاهِرِ، وَهُوَ الَّذِي يَعْمَلُ بِظَاهِرِ النُّصُوصِ مِنْ غَيْرِ تَأَمُّلٍ فِي مَعَانِيهَا وَلَا يَرَى الْقِيَاسَ حُجَّةً اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ الْأَحْكَامِ لَهُ دَلِيلٌ صَرِيحٌ لَيْسَ مِنْ الْفِقْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَبْ بِالِاسْتِنْبَاطِ، وَهُوَ بَعِيدٌ؛ وَلِذَا أَطْلَقُوا فِي قَوْلِهِمْ مِنْ أَدِلَّتِهَا لِيَشْمَلَ الْقِيَاسَ وَغَيْرَهُ مِنْ الدَّلَائِلِ الْأَرْبَعَةِ وَعَرَّفَهُ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ بِأَنَّهُ مَعْرِفَةُ النَّفْسِ مَا لَهَا وَمَا عَلَيْهَا لَكِنَّهُ يَتَنَاوَلُ الِاعْتِقَادِيَّاتِ كَوُجُوبِ الْإِيمَانِ وَالْوِجْدَانِيَّات أَيْ الْأَخْلَاقَ الْبَاطِنَةَ وَالْمَلَكَاتِ النَّفْسَانِيَّةَ وَالْعَمَلِيَّاتِ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْبَيْعِ فَمَعْرِفَةُ مَا لَهَا وَمَا عَلَيْهَا مِنْ الِاعْتِقَادِيَّاتِ عِلْمُ الْكَلَامِ وَمَعْرِفَةُ مَا لَهَا وَمَا عَلَيْهَا مِنْ الْوِجْدَانِيَّاتِ هِيَ عِلْمُ الْأَخْلَاقِ وَالتَّصَوُّفِ كَالزُّهْدِ وَالصَّبْرِ وَالرِّضَا وَحُضُورِ الْقَلْبِ فِي الصَّلَاةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَمَعْرِفَةُ مَا لَهَا وَمَا عَلَيْهَا مِنْ الْعَمَلِيَّاتِ هِيَ الْفِقْهُ الْمُصْطَلَحُ، فَإِنْ أَرَدْت بِالْفِقْهِ هَذَا الْمُصْطَلَحَ زِدْت عَمَلًا عَلَى قَوْلِهِ مَا لَهَا وَمَا عَلَيْهَا، وَإِنْ أَرَدْت عِلْمَ مَا يَشْتَمِلُ عَلَى الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ لَمْ تَزِدْ وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنَّمَا لَمْ يَزِدْ؛ لِأَنَّهُ أَرَادَ الشُّمُولَ أَيْ أَطْلَقَ الْعِلْمَ عَلَى الْعِلْمِ بِمَا لَهَا وَمَا عَلَيْهَا سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الِاعْتِقَادِيَّاتِ أَوْ الْوِجْدَانِيَّاتِ أَوْ الْعَمَلِيَّاتِ وَمِنْ ثَمَّ سَمَّى الْكَلَامَ فِقْهًا أَكْبَرَ كَذَا فِي التَّوْضِيحِ وَذَكَرَ الْعَلَّامَةُ خُسْرو أَنَّ الْمَلَكَاتِ النَّفْسَانِيَّةَ لَيْسَتْ مِنْ الْفِقْهِ بِاعْتِبَارِ ذَاتِهَا، وَأَمَّا بِاعْتِبَارِ آثَارِهَا التَّابِعَةِ لَهَا مِنْ أَفْعَالِ الْجَوَارِحِ فَهِيَ مِنْ الْفِقْهِ اهـ. هَذَا كُلُّهُ مَعْنَى الْفِقْهِ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ وَأَمَّا مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيُّ لَهُ عِنْدَ أَهْلِ الْحَقِيقَةِ فَمَا ذَكَرَهُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ كَمَا نَقَلَهُ أَصْحَابُ الْفَتَاوَى فِي بَابِ الطَّلَاقِ وَمِنْهُمْ الْوَلْوَالِجِيُّ بِقَوْلِهِ هَلْ رَأَيْت فَقِيهًا قَطُّ إنَّمَا الْفَقِيهُ الْمُعْرِضُ عَنْ الدُّنْيَا الزَّاهِدُ فِي الْآخِرَةِ الْبَصِيرُ بِعُيُوبِ نَفْسِهِ وَأَمَّا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ عِلْمِ الْخِلَافِيِّ) هُوَ الْمَرْءُ الْمَنْسُوبُ إلَى عِلْمِ الْخِلَافِ يَعْنِي الْجَدَلَ، وَهُوَ الْعَارِفُ بِآدَابِ الْبَحْثِ قَالَ فِي شَرْحِ جَمْعِ الْجَوَامِعِ وَخَرَجَ بِقَيْدِ التَّفْصِيلِيَّةِ الْعِلْمُ بِذَلِكَ الْمُكْتَسِبِ لِلْخِلَافِيِّ مِنْ الْمُقْتَضِي وَالنَّافِي الْمُثْبِتُ بِهِمَا مَا يَأْخُذُهُ مِنْ الْفَقِيهِ لِيَحْفَظَهُ عَنْ إبْطَالِ خَصْمِهِ فَعِلْمُهُ مَثَلًا بِوُجُوبِ النِّيَّةِ فِي الْوُضُوءِ لِوُجُودِ الْمُقْتَضَى أَوْ بِعَدَمِ وُجُوبِ الْوِتْرِ لِوُجُودِ النَّافِي لَيْسَ مِنْ الْفِقْهِ اهـ. وَالتَّمْثِيلُ بِنَاءً عَلَى مَذْهَبِهِ وَالْمُقْتَضِي فِي الْوُضُوءِ وُجُودُ الْعَمَلِ وَالنَّافِي فِي الْوِتْرِ كَوْنُهَا صَلَاةً لَا يُؤَذَّنُ لَهَا كَذَا فِي بَعْضِ حَوَاشِيه، وَالْمُرَادُ بِالْعَمَلِ الدَّاخِلِ تَحْتَ حَدِيثِ «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» (قَوْلُهُ: وَوَضَّحَهُ الْكَمَالُ) يَعْنِي الْكَمَالَ بْنَ أَبِي شَرِيفٍ فِي حَاشِيَةِ جَمْعِ الْجَوَامِعِ لِابْنِ السُّبْكِيّ (قَوْلُهُ: كَعِلْمِ جِبْرِيلَ وَالرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ؛ لِأَنَّهُ لَا طَرِيقَ إلَى عِلْمِهِمَا بِأَنَّ مَا أُوحِيَ إلَيْهِمَا هُوَ كَلَامُهُ تَعَالَى وَبِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ كَذَا إلَّا الْعِلْمَ الضَّرُورِيَّ بِذَلِكَ بِأَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُمَا عِلْمًا ضَرُورِيًّا بِهِ فَهُوَ حَاصِلٌ مَعَ الْعِلْمِ بِالْأَدِلَّةِ لَا مُكْتَسَبٌ مِنْهَا هَذَا أَوْ قَالَ بَعْضُ: مُحَشِّي جَمْعِ الْجَوَامِعِ وَلَك أَنْ تَقُولَ حَيْثُ آلَ الْأَمْرُ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعِلْمِ التَّهَيُّؤُ لَزِمَ ثُبُوتُ هَذَا الْمَفْهُومِ بِأَسْرِهِ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَذَا جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - اهـ. قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ قَاسِمٍ الْعَبَّادِيُّ: فِي حَوَاشِيهِ عَلَيْهِ بَعْدَ نَقْلِهِ لِذَلِكَ وَأَقُولُ: لَا يَخْفَى قُوَّةُ هَذَا الْإِشْكَالِ (قَوْلُهُ: الزَّاهِدُ فِي الْآخِرَةِ) نَقَلَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 مَعْنَاهُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ فَذَكَرَ صَاحِبُ الرَّوْضِ أَنَّهُ لَوْ وَقَفَ عَلَى الْفُقَهَاءِ فَهُوَ مَنْ حَصَّلَ فِي عِلْمِ الْفِقْهِ شَيْئًا وَإِنْ قَلَّ؛ أَوْ الْمُتَفَقِّهَةُ الْمُشْتَغِلُ بِهِ اهـ. وَفِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ اعْلَمْ أَنَّ مَعْنَى الْفِقْهِ فِي اللُّغَةِ الْوُقُوفُ وَالِاطِّلَاعُ وَفِي الشَّرِيعَةِ الْوُقُوفُ الْخَاصُّ، وَهُوَ الْوُقُوفُ عَلَى مَعَانِي النُّصُوصِ وَإِشَارَاتِهَا وَدَلَالَاتِهَا وَمُضْمَرَاتِهَا وَمُقْتَضَيَاتِهَا وَالْفَقِيهُ اسْمٌ لِلْوَاقِفِ عَلَيْهَا وَيُسَمَّى حَافِظُ مَسَائِلِ الْفِقْهِ الثَّابِتَةِ بِهَا فَقِيهًا مَجَازًا لِحِفْظِ مَا ثَبَتَ بِالْفِقْهِ اهـ. ثُمَّ قَالَ ثُمَّ الْعِلْمُ أَوَّلُ مَا يَحْصُلُ لِلْقَلْبِ لَا يَخْلُو عَنْ نَوْعِ اضْطِرَابٍ لِحُكْمِ الِابْتِدَاءِ فَإِذَا دَامَتْ الرُّؤْيَةُ زَالَ الِاضْطِرَابُ فَصَارَ مَعْرِفَةً لِزِيَادَةِ الصُّحْبَةِ ثُمَّ تَتَنَوَّعُ هَذِهِ الْمَعْرِفَةُ نَوْعَيْنِ الظَّاهِرُ دُونَ الْمَعْنَى الْبَاطِنِ وَالْبَاطِنُ الَّذِي هُوَ الْحِكْمَةُ وَبِهَا يُلْتَذُّ الْقَلْبُ إذَا صَارَ مَعْقُولًا لَهُ فَجَرَى مِنْهُ مَجْرَى الطَّبِيعَةِ فَهَذَا هُوَ الْفِقْهُ؛ وَلِهَذَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ مَرِضْت مَرَضًا شَدِيدًا حَتَّى نَسِيت كُلَّ شَيْءٍ سِوَى الْفِقْهِ، فَإِنَّهُ صَارَ لِي كَالطَّبْعِ اهـ. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ الْفِقْهُ قُوَّةُ تَصْحِيحِ الْمَنْقُولِ وَتَرْجِيحِ الْمَعْقُولِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْفِقْهَ فِي الْأُصُولِ عِلْمُ الْأَحْكَامِ مِنْ دَلَائِلِهَا كَمَا تَقَدَّمَ فَلَيْسَ الْفَقِيهُ إلَّا الْمُجْتَهِدُ عِنْدَهُمْ وَإِطْلَاقُهُ عَلَى الْمُقَلِّدِ الْحَافِظِ لِلْمَسَائِلِ مَجَازٌ، وَهُوَ حَقِيقَةٌ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ بِدَلِيلِ انْصِرَافِ الْوَقْفِ وَالْوَصِيَّةِ لِلْفُقَهَاءِ إلَيْهِمْ وَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةُ أَحْكَامٍ كَمَا فِي الْمُنْتَقَى وَذَكَرَ فِي التَّحْرِيرِ أَنَّ الشَّائِعَ إطْلَاقُهُ عَلَى مَنْ يَحْفَظُ الْفُرُوعَ مُطْلَقًا يَعْنِي سَوَاءٌ كَانَتْ بِدَلَائِلِهَا أَوْ لَا وَأَمَّا مَوْضُوعُهُ فَفِعْلُ الْمُكَلَّفِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُكَلَّفٌ لِأَنَّهُ يَبْحَثُ فِيهِ عَمَّا يَعْرِضُ لِفِعْلِهِ مِنْ حِلٍّ وَحُرْمَةٍ وَوُجُوبٍ وَنَدْبٍ وَالْمُرَادُ بِالْمُكَلَّفِ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ فَفِعْلُ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ لَيْسَ مِنْ مَوْضُوعِهِ وَضَمَانُ الْمُتْلَفَاتِ وَنَفَقَةُ الزَّوْجَاتِ إنَّمَا الْمُخَاطَبُ بِهَا الْوَلِيُّ لَا الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ كَمَا يُخَاطَبُ صَاحِبُ الْبَهِيمَةِ بِضَمَانِ مَا أَتْلَفَتْهُ حَيْثُ فَرَّطَ فِي حِفْظِهَا لِتَنْزِيلِ فِعْلِهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بِمَنْزِلَةِ فِعْلِهِ، وَأَمَّا صِحَّةُ عِبَادَةِ الصَّبِيِّ كَصَلَاتِهِ وَصَوْمِهِ الْمُثَابِ عَلَيْهَا فَهِيَ عَقْلِيَّةٌ مِنْ بَابِ رَبْطِ الْأَحْكَامِ بِالْأَسْبَابِ؛ وَلِذَا لَمْ يَكُنْ مُخَاطَبًا بِهَا بَلْ لِيَعْتَادَهَا فَلَا يَتْرُكُهَا بَعْدَ بُلُوغِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَيَّدْنَا بِحَيْثِيَّةِ التَّكْلِيفِ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْمُكَلَّفِ لَا مِنْ حَيْثُ التَّكْلِيفُ لَيْسَ مَوْضُوعُهُ كَفِعْلِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَخْلُوقُ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ الْفِعْلُ الْمُبَاحُ أَوْ الْمَنْدُوبُ لِعَدَمِ التَّكْلِيفِ فِيهِمَا لِأَنَّ اعْتِبَارَ حَيْثِيَّةِ التَّكْلِيفِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ تَكُونَ بِحَسَبِ الثُّبُوتِ كَمَا فِي الْوُجُوبِ وَالتَّحْرِيمِ أَوْ بِحَسَبِ السَّلْبِ كَمَا فِي بَقِيَّةِ الْأَحْكَامِ، فَإِنَّ تَجْوِيزَ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ يَرْفَعُ الْكُلْفَةَ عَنْ الْعَبْدِ وَفِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ وَأَفْعَالُ الْعِبَادِ تُوصَفُ بِالْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ وَالْحُسْنِ وَالْقُبْحِ فَيُقَالُ فِعْلٌ حَلَالٌ أَوْ حَرَامٌ أَوْ حَسَنٌ أَوْ قَبِيحٌ، وَأَمَّا وَصْفُ حُكْمِ اللَّهِ بِهَا كَقَوْلِ الْقَائِلِ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ وَالْحَسَنُ وَالْقَبِيحُ حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ تَوَسُّعًا فِي الْعِبَارَةِ وَإِطْلَاقًا لِاسْمِ الْمَفْعُولِ عَلَى الْفِعْلِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَهُ فِعْلٌ وَاحِدٌ لَكِنَّهُ اخْتَلَفَ تَسْمِيَاتُهُ بِاعْتِبَارِ الْإِضَافَةِ إلَى وَصْفِ الْمَفْعُولِ، فَإِنْ كَانَ وَصْفُ الْمَفْعُولِ كَوْنَهُ حَادِثًا سُمِّيَ إحْدَاثًا، وَإِنْ كَانَ حَيًّا سُمِّيَ إحْيَاءً، وَإِنْ كَانَ مَيِّتًا سُمِّيَ إمَاتَةً، وَإِنْ كَانَ وَاجِبًا سُمِّيَ إيجَابًا، وَإِنْ كَانَ حَلَالًا سُمِّيَ تَحْلِيلًا وَإِنْ كَانَ حَرَامًا سُمِّيَ تَحْرِيمًا وَنَحْوُهَا وَهَذَا بِنَاءً عَلَى مَسْأَلَةِ التَّكْوِينِ وَالْمُكَوِّنِ إنَّهُمَا غَيْرَانِ عِنْدَنَا اهـ. وَأَمَّا اسْتِمْدَادُهُ فَمِنْ الْأُصُولِ الْأَرْبَعَةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَالْقِيَاسِ وَالْمُسْتَنْبَطُ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ وَأَمَّا شَرِيعَةُ مَنْ قَبْلَنَا فَتَابِعَةٌ لِلْكِتَابِ، وَأَمَّا أَقْوَالُ الصَّحَابَةِ فَتَابِعَةٌ لِلسُّنَّةِ، وَأَمَّا تَعَامُلُ النَّاسِ فَتَابِعٌ لِلْإِجْمَاعِ وَأَمَّا التَّحَرِّي وَاسْتِصْحَابُ الْحَالِ فَتَابِعَانِ لِلْقِيَاسِ، وَأَمَّا غَايَتُهُ فَالْفَوْزُ بِسَعَادَةِ الدَّارَيْنِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ (كِتَابُ الطَّهَارَةِ) اعْلَمْ أَنَّ مَدَارَ أُمُورِ الدِّينِ مُتَعَلِّقٌ بِالِاعْتِقَادَاتِ وَالْعِبَادَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ وَالْمَزَاجِرِ وَالْآدَابِ فَالِاعْتِقَادَاتُ خَمْسَةُ أَنْوَاعٍ: الْإِيمَانُ بِاَللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَالْعِبَادَاتُ خَمْسَةٌ: الصَّلَاةُ وَالزَّكَاةُ وَالصَّوْمُ وَالْحَجُّ وَالْجِهَادُ، وَالْمُعَامَلَاتُ خَمْسَةٌ: الْمُعَاوَضَاتُ الْمَالِيَّةُ وَالْمُنَاكَحَاتُ وَالْمُخَاصِمَاتُ وَالْأَمَانَاتُ وَالتَّرِكَاتُ   [منحة الخالق] بَدَلَهُ عَنْ الْغَزْنَوِيَّة الرَّاغِبُ فِي الْآخِرَةِ (أَقُولُ) وَهَكَذَا رَأَيْته فِي إحْيَاءِ الْعُلُومِ لِلْإِمَامِ الْغَزَالِيِّ (قَوْلُهُ: وَفِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ إلَخْ) هَذَا لَا يُنَاسِبُ اصْطِلَاحَ الْفُقَهَاءِ الَّذِي هُوَ فِي صَدَدِهِ بَلْ هُوَ مَعْنَاهُ الْأُصُولِيُّ فَتَدَبَّرْ. [كِتَابُ الطَّهَارَةِ] ِ (قَوْلُهُ: وَالتَّرِكَاتُ) جَمْعُ تَرِكَةٍ بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ كَمَا رَأَيْته فِي الْمُسْتَصْفَى لَا بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ؛ لِأَنَّهَا دَاخِلَةٌ فِي الْأَمَانَاتِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 وَالْمَزَاجِرُ خَمْسَةٌ: مَزْجَرَةُ قَتْلِ النَّفْسِ، وَمَزْجَرَةُ أَخْذِ الْمَالِ، وَمَزْجَرَةُ هَتْكِ السِّتْرِ، وَمَزْجَرَةُ هَتْكِ الْعِرْضِ، وَمَزْجَرَةُ قَطْعِ الْبَيْضَةِ، وَالْآدَابُ أَرْبَعَةٌ: الْأَخْلَاقُ، وَالشِّيَمُ الْحَسَنَةُ، وَالسِّيَاسَاتُ وَالْمُعَاشَرَاتُ فَالْعِبَادَاتُ، وَالْمُعَامَلَاتُ، وَالْمَزَاجِرُ مِنْ قَبِيلِ مَا نَحْنُ بِصَدَدِهِ دُونَ الْقِسْمَيْنِ الْآخَرَيْنِ وَقُدِّمَ فِي سَائِرِ كُتُبِ الْفِقْهِ الْعِبَادَاتُ عَلَى الْمُعَامَلَاتِ وَالْمَزَاجِرِ؛ لِكَوْنِهَا أَهَمَّ مِنْ غَيْرِهَا ثُمَّ الصَّلَاةُ قُدِّمَتْ عَلَى غَيْرِهَا؛ لِأَنَّهَا تَالِيَةُ الْإِيمَانِ وَثَابِتَةٌ بِالنَّصِّ وَالْخَبَرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ} [البقرة: 3] وَكَحَدِيثِ «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ» ثُمَّ قُدِّمَتْ الطَّهَارَةُ هُنَا عَلَى الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهَا شَرْطُهَا وَالشَّرْطُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمَشْرُوطِ طَبْعًا فَيُقَدَّمُ وَضْعًا وَخَصَّهَا بِالْبُدَاءَةِ دُونَ سَائِرِ الشُّرُوطِ؛ لِأَنَّهَا أَهَمُّ مِنْ غَيْرِهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَسْقُطُ بِعُذْرٍ مِنْ الْأَعْذَارِ كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى وَغَيْرِهِ وَتَعْلِيلُهُمْ لِلْأَهَمِّيَّةِ بِعَدَمِ السُّقُوطِ أَصْلًا لَا يَخُصُّهَا؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ كَذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الزَّيْلَعِيُّ فِي آخِرِ نِكَاحِ الرَّقِيقِ فَالْأَوْلَى أَنْ يُزَادَ بِأَنَّهَا مِنْ الشَّرَائِطِ اللَّازِمَةِ لِلصَّلَاةِ فِي كُلِّ أَوْقَاتِهَا، وَهِيَ مِنْ خَصَائِصِ الصَّلَاةِ فَتَخْرُجُ النِّيَّةُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ اسْتِصْحَابُهَا لِكُلِّ رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِهَا، وَلَيْسَتْ مِنْ خَصَائِصِهَا بَلْ مِنْ خَصَائِصِ الْعِبَادَاتِ كُلِّهَا ثُمَّ كِتَابُ الطَّهَارَةِ مُرَكَّبٌ إضَافِيٌّ لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ جُزْأَيْهِ، وَلَوْ مِنْ وَجْهٍ فَالْكِتَابُ لُغَةً مَصْدَرُ كَتَبَ كِتَابَةً وَكِتْبَةً وَكِتَابًا بِمَعْنَى الْكَتْبِ، وَهُوَ جَمْعُ الْحُرُوفِ وَسُمِّيَ بِهِ الْمَفْعُولُ لِلْمُبَالَغَةِ تَقُولُ كَتَبْت الْبُلْغَةَ إذَا جَمَعْت بَيْنَ رَحِمِهَا بِحَلْقَةٍ أَوْ سَيْرٍ وَكَتَبْت الْقِرْبَةَ إذَا خَرَزْتهَا كَتْبًا وَالْكُتْبَةُ بِالضَّمِّ الْخَزْرَةُ وَالْجَمْعُ كُتَبٌ بِفَتْحِ التَّاءِ وَالْكَتِيبَةُ الْجَيْشُ الْمُجْتَمِعُ، وَتَكَتَّبَتْ الْخَيْلُ أَيْ تَجَمَّعَتْ وَسُمِّيَتْ الْكِتَابَةُ كِتَابَةً؛ لِأَنَّهَا جَمْعُ الْحُرُوفِ وَالْكَلِمَاتِ وَجَمْعُهُ كُتُبٌ بِضَمَّتَيْنِ وَكُتْبٌ بِسُكُونِ التَّاءِ وَمَدَارُ التَّرْكِيبِ عَلَى الْجَمْعِ قَالَ فِي الْمُغْرِبِ وَقَوْلُهُمْ سُمِّيَ هَذَا الْعَقْدُ مُكَاتَبَةً؛ لِأَنَّهُ ضَمُّ حُرِّيَّةِ الْيَدِ إلَى حُرِّيَّةِ الرَّقَبَةِ؛ أَوْ لِأَنَّهُ جَمْعٌ بَيْنَ نَجْمَيْنِ فَصَاعِدًا ضَعِيفٌ جِدًّا، وَإِنَّمَا الصَّحِيحُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ أَمْرًا: هَذَا الْوَفَاءُ، وَهَذَا الْأَدَاءُ انْتَهَى، وَإِنَّمَا كَانَ التَّعْلِيلُ بِالْجَمْعِ بَيْنَ النَّجْمَيْنِ ضَعِيفًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِلَازِمٍ فِيهَا لِجَوَازِهَا حَالَّةً وَضَعْفُ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ بِالْكِتَابَةِ قَبْلَ الْأَدَاءِ لَمْ تَحْصُلْ حُرِّيَّةُ الرَّقَبَةِ فَلَمْ يَصِحَّ الْجَمْعُ بِهَذَا الْمَعْنَى وَفِي الِاصْطِلَاحِ جَمْعُ الْمَسَائِلِ الْمُسْتَقِلَّةِ فَخَرَجَ جَمْعُ الْحُرُوفِ وَالْكَلِمَاتِ الَّتِي لَيْسَتْ بِمَسَائِلَ وَخَرَجَ الْبَابُ وَالْفَصْلُ لِعَدَمِ اسْتِقْلَالِهِمَا لِدُخُولِهِمَا تَحْتَ كِتَابٍ وَشَمِلَ مَا كَانَ نَوْعًا وَاحِدًا مِنْ الْمَسَائِلِ كَكِتَابِ اللُّقَطَةِ أَوْ أَنْوَاعًا كَكِتَابِ الْبُيُوعِ وَلَا حَاجَةَ إلَى أَنْ يُقَالَ اُعْتُبِرَتْ مُسْتَقِلَّةً لِيَدْخُلَ مَا كَانَ تَبَعًا لِغَيْرِهِ، وَلَمْ يَكُنْ مُسْتَقِلًّا بَلْ اُعْتُبِرَ مُسْتَقِلًّا كَكِتَابِ الطَّهَارَةِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالِاسْتِقْلَالِ عَدَمُ تَوَقُّفِ تَصَوُّرِ الْمَسَائِلِ عَلَى شَيْءٍ قَبْلَهَا وَلَا شَيْءٍ بَعْدَهَا وَكِتَابُ الطَّهَارَةِ كَذَلِكَ لَا الْأَصَالَةُ وَعَدَمُ التَّبَعِيَّةِ وَالتَّقْيِيدُ بِالْمَسَائِلِ الْفِقْهِيَّةِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ لِخُصُوصِ الْمَقَامِ لَا أَنَّهُ قَيْدٌ احْتِرَازِيٌّ وَمَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ مِنْ أَنَّهُ فِي الشَّرْعِ لِلشَّمْلِ وَالْإِحَاطَةِ فَغَيْرُ صَحِيحٍ إذْ لَيْسَ هُوَ هُنَا وَضْعًا شَرْعِيًّا، وَإِنَّمَا هُوَ وَضْعٌ عُرْفِيٌّ إلَّا أَنْ يُرَادَ أَنَّهُ فِي عُرْفِ أَهْلِ الشَّرْعِ، وَهُوَ بَعِيدٌ وَيُبْعِدُهُ أَيْضًا أَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ كِتَابًا إلَّا إذَا أَحَاطَ بِمَسَائِلِ مَا أُضِيفَ إلَيْهِ وَشَمِلَهَا وَالْوَاقِعُ خِلَافُهُ فَالظَّاهِرُ مَا ذَكَرْنَاهُ وَالطَّهَارَةُ بِفَتْحِ الطَّاءِ الْفِعْلُ لُغَةً، وَهِيَ النَّظَافَةُ وَبِكَسْرِهَا الْآلَةُ وَبِضَمِّهَا فَضْلُ مَا يُتَطَهَّرُ بِهِ وَاصْطِلَاحًا زَوَالُ الْحَدَثِ أَوْ الْخَبَثِ وَالْحَدَثُ مَانِعِيَّةٌ شَرْعِيَّةٌ قَائِمَةٌ بِالْأَعْضَاءِ إلَى غَايَةِ اسْتِعْمَالِ الْمُزِيلِ وَهُوَ طَبْعِيٌّ كَالْمَاءِ وَشَرْعِيٌّ كَالتُّرَابِ وَالْخَبَثُ عَيْنٌ مُسْتَقْذَرَةٌ شَرْعًا وَكَلِمَةُ أَوْ فِي الْحَدِّ لَيْسَتْ لِمَنْعِ الْجَمْعِ فَلَا يَفْسُدُ بِهَا الْحَدُّ وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ إنَّهَا إزَالَةُ الْحَدَثِ أَوْ الْخَبَثِ غَيْرُ جَامِعٍ لِخُرُوجِ الزَّوَالِ بِدُونِ الْإِزَالَةِ كَمَا إذَا وَقَعَ الْمَطَرُ عَلَى أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ، فَإِنَّهُ طَهَارَةٌ وَلَيْسَ بِإِزَالَةٍ لِعَدَمِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَمَزْجَرَةُ قَطْعِ الْبَيْضَةِ) أَيْ بَيْضَةِ الْإِسْلَامِ رَمْلِيٌّ وَاَلَّذِي فِي الْمُسْتَصْفَى خَلْعِ الْبَيْضَةِ وَالْمُرَادُ بِهِ الرِّدَّةُ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَبَيْضَةُ الْإِسْلَامِ كَلِمَةُ الشَّهَادَةِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ تَشْبِيهًا لَهَا بِبَيْضَةِ النَّعَامَةِ؛ لِأَنَّهَا مَجْمَعُ الْوَلَدِ وَكَلِمَةُ الشَّهَادَةِ مَجْمَعُ الْإِسْلَامِ وَأَرْكَانِهِ قَالَ فِي الْمُغْرِبِ وَالْبَيْضَةُ لِلنَّعَامَةِ وَكُلِّ طَائِرٍ ثُمَّ اُسْتُعِيرَتْ لِبَيْضَةِ الْحَدِيدِ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الشَّبَهِ الشَّكْلِيِّ وَقِيلَ بَيْضَةُ الْإِسْلَامِ لِلشَّبَهِ الْمَعْنَوِيِّ، وَهُوَ أَنَّهَا مُجْتَمَعُهُ كَمَا أَنَّ تِلْكَ مُجْتَمَعُ الْوَلَدِ. اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ كَذَلِكَ) قَالَ فِي النَّهْرِ: لِقَائِلِ أَنْ يَقُولَ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ النِّيَّةَ وَالطَّهَارَةَ لَا يَسْقُطَانِ بِهِ بَلْ قَدْ يَسْقُطَانِ بِهِ أَمَّا النِّيَّةُ فَفِي الْقُنْيَةِ مَنْ تَوَالَتْ عَلَيْهِ الْهُمُومُ تَكْفِيهِ النِّيَّةُ بِلِسَانِهِ، وَأَمَّا الطَّهَارَةُ فَقَدْ قَالُوا فِيمَنْ قُطِعَتْ يَدَاهُ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ وَرِجْلَاهُ إلَى الْكَعْبَيْنِ، وَكَانَ بِوَجْهِهِ جِرَاحَةٌ أَنَّهُ يُصَلِّي بِلَا وُضُوءٍ وَلَا تَيَمُّمٍ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ فَإِذَا اتَّصَفَ بِهَذَا الْوَصْفِ بَعْدَ مَا دَخَلَ الْوَقْتُ سَقَطَتْ عَنْهُ الطَّهَارَةُ بِهَذَا الْعُذْرِ (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا كَانَ التَّعْلِيلُ بِالْجَمْعِ بَيْنَ النَّجْمَيْنِ ضَعِيفًا إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَقُولُ: غَيْرُ خَافٍ أَنَّ حُرِّيَّةَ الرَّقَبَةِ، وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ لَكِنَّ الْفَقْدَ سَبَبُهَا وَالْأَصْلُ فِيهَا التَّنْجِيمُ فَالظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ الْجَمْعُ حَقِيقَةً إنَّمَا يَكُونُ فِي الْأَجْسَامِ وَمَا ذُكِرَ مِنْ الْمَعَانِي أَوْ قَدْ أَمْكَنَ الْحَقِيقِيُّ بِاعْتِبَارِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ أَمْرًا يَعْنِي وَثِيقَةً جَمَعَ الْحُرُوفَ فِيهَا؛ وَلِهَذَا قَالَ الشَّارِحُ بَعْدَ ذِكْرِ الضَّعِيفِ أَوْ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَكْتُبُ وَثِيقَةً، وَهَذَا أَظْهَرُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 الصُّنْعِ مِنْهُ وَلَا يَرِدُ الْوُضُوءُ عَلَى الْوُضُوءِ، فَإِنَّهُ طَهَارَةٌ وَبِدُونِ الزَّوَالِ الْمَذْكُورِ بِاعْتِبَارِ إزَالَةِ الْآثَارِ الْحَاصِلَةِ؛ لِأَنَّ تَسْمِيَتَهُ طَهَارَةً مَجَازٌ وَالتَّعْرِيفُ لِلْحَقِيقَةِ وَعَرَّفَهَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ بِمَا يَدْخُلُهُ فَقَالَ إيصَالُ مُطَهِّرٍ إلَى مَحَلٍّ يَجِبُ تَطْهِيرُهُ أَوْ يُنْدَبُ، وَلَوْ عَبَّرَ بِالْوُصُولِ لَكَانَ أَوْلَى لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْإِزَالَةِ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ لُزُومِ الدَّوْرِ، وَهُوَ تَوَقُّفُ مُطَهِّرٍ عَلَى الطَّهَارَةِ، وَهِيَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ بَعْضُ التَّعْرِيفِ وَفِي الْبَدَائِعِ مَا يُفِيدُ أَنَّ تَعْرِيفَهَا بِالزَّوَالِ الْمَذْكُورِ تَوَسُّعٌ وَمَجَازٌ فَقَالَ الطَّهَارَةُ لُغَةً وَشَرْعًا هِيَ النَّظَافَةُ وَالتَّطْهِيرُ التَّنْظِيفُ، وَهُوَ إثْبَاتُ النَّظَافَةِ فِي الْمَحَلِّ، فَإِنَّهَا صِفَةٌ تَحْدُثُ سَاعَةً فَسَاعَةً، وَإِنَّمَا يَمْتَنِعُ حُدُوثُهَا بِوُجُودِ ضِدِّهَا، وَهُوَ الْقَذَرُ فَإِذَا أَزَالَ الْقَذَرَ أَيْ امْتَنَعَ حُدُوثُهُ بِإِزَالَةِ الْعَيْنِ الْقَذِرَةِ تَحْدُثُ النَّظَافَةُ فَكَانَ زَوَالُ الْقَذَرِ مِنْ بَابِ زَوَالِ الْمَانِعِ مِنْ حُدُوثِ الطَّهَارَةِ لَا أَنْ يَكُونَ طَهَارَةً، وَإِنَّمَا سُمِّيَ طَهَارَةً تَوَسُّعًا لِحُدُوثِ الطَّهَارَةِ عِنْدَ زَوَالِهِ اهـ. وَأَمَّا سَبَبُ وُجُوبِهَا فَقِيلَ الْحَدَثُ وَالْخَبَثُ وَنَسَبَهُ الْأُصُولِيُّونَ إلَى أَهْلِ الطَّرْدِ قَالُوا لِلدَّوَرَانِ وُجُودًا وَعَدَمًا وَعَزَاهُ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ إلَيْهِمْ وَفِي الْخُلَاصَةِ أَنَّهُ أَخَذَ بِهِ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ فِي الْأَصْلِ وَيَبْعُدُ صِحَّتُهُ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ مَرْدُودٌ بِأَنَّ الدَّوَرَانَ وُجُودًا غَيْرُ مَوْجُودٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُوجَدُ الْحَدَثُ وَلَا يَجِبُ الْوُضُوءُ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَقَدْ يُدْفَعُ بِأَنَّهُ يَجِبُ بِهِ الْوُضُوءُ وُجُوبًا مُوَسَّعًا إلَى الْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ لِمَا نَقَلَهُ السِّرَاجُ الْوَهَّاجُ مِنْ أَنَّهُ لَا يَأْثَمُ بِالتَّأْخِيرِ عَنْ الْحَدَثِ بِالْإِجْمَاعِ وَهَكَذَا فِي الْغُسْلِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ فِيهِ أَنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَحِينَئِذٍ لَمْ يَتَخَلَّفْ الدَّوَرَانُ وَرُدَّ أَيْضًا بِإِنَّهُمَا يُنْقِضَانِهَا فَكَيْفَ يُوجِبَانِهَا وَدَفَعَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَغَيْرِهِ بِأَنَّهُمَا يُنْقِضَانِ مَا كَانَ وَيُوجِبَانِ مَا سَيَكُونُ فَلَا مُنَافَاةَ. وَأَجَابَ عَنْهُ الْعَلَّامَةُ السِّيرَامِيُّ بِأَنَّ الْحَدَثَ مُفْضٍ إلَى الْوُجُوبِ وَالْوُجُوبُ إلَى الْوُجُودِ وَالْمُفْضِي إلَى الْمُفْضِي إلَى الشَّيْءِ مُفْضٍ إلَى ذَلِكَ الشَّيْءِ، فَالْحَدَثُ مُفْضٍ إلَى وُجُودِ الطَّهَارَةِ وَوُجُودُهَا مُفْضٍ إلَى زَوَالِ الْحَدَثِ، فَالْحَدَثُ مُفْضٍ إلَى زَوَالِ نَفْسِهِ اهـ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ السَّبَبِيَّةُ إنَّمَا تَثْبُتُ بِدَلِيلِ الْجَعْلِ لَا بِمُجَرَّدِ التَّجْوِيزِ، وَهُوَ مَفْقُودٌ اهـ. وَقَدْ يُدْفَعُ بِأَنَّهُ مَوْجُودٌ لِمَا رَوَاهُ فِي الْكَشْفِ الْكَبِيرِ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا وُضُوءَ إلَّا عَنْ حَدَثٍ» وَحَرْفُ عَنْ يَدُلُّ عَلَى السَّبَبِيَّةِ كَقَوْلِهِ «أَدَّوْا عَمَّنْ تَمُونُونَ» ؛ وَلِذَا كَانَ الرَّأْسُ بِوَصْفِ الْمُؤْنَةِ وَالْوِلَايَةِ سَبَبًا لِوُجُوبِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ الدَّلِيلَ لَمَّا دَلَّ عَلَى عَدَمِ صَلَاحِيَّةِ الْحَدَثِ لِلسَّبَبِيَّةِ كَانَ دُخُولُ عَنْ عَلَى الْحَدَثِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ شَبِيهٌ بِالسَّبَبِ بِالنَّظَرِ إلَى التَّوَقُّفِ وَالتَّكَرُّرُ دَلِيلُ السَّبَبِيَّةِ عِنْدَ الصَّلَاحِيَّةِ، وَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ، فَلَا تَدُلُّ وَقِيلَ سَبَبُهَا إقَامَةُ الصَّلَاةِ فَهُوَ، وَإِنْ صَحَّحَهُ فِي الْخُلَاصَةِ فَقَدْ نَسَبَهُ فِي الْعِنَايَةِ إلَى أَهْلِ الظَّاهِرِ، وَصَرَّحَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِفَسَادِهِ لِصِحَّةِ الِاكْتِفَاءِ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ لِصَلَوَاتٍ مَا دَامَ مُتَطَهِّرًا وَقَدْ يُدْفَعُ بِأَنَّ الْإِقَامَةَ سَبَبٌ بِشَرْطِ الْحَدَثِ، فَلَا يَلْزَمُ مَا ذَكَرَ خُصُوصًا أَنَّهُ ظَاهِرُ الْآيَةِ، وَقِيلَ سَبَبُهَا إرَادَةُ الصَّلَاةِ، وَهُوَ وَإِنْ صَحَّحَهُ فِي الْكَشْفِ وَغَيْرِهِ مَرْدُودٌ بِأَنَّ مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ إذَا أَرَادَ الصَّلَاةَ، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ أَثِمَ، وَلَوْ لَمْ يُصَلِّ وَالْوَاقِعُ خِلَافُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَقَدْ يُدْفَعُ بِمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ فِي بَابِ الظِّهَارِ بِأَنَّهُ إذَا أَرَادَ الصَّلَاةَ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الطَّهَارَةُ فَإِذَا رَجَعَ وَتَرَكَ التَّنَفُّلَ سَقَطَتْ الطَّهَارَةُ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهَا لِأَجْلِهَا وَفِي الْعِنَايَةِ سَبَبُهَا وُجُوبُ الصَّلَاةِ لَا وُجُودُهَا؛ لِأَنَّ وُجُودَهَا مَشْرُوطٌ بِهَا فَكَانَ مُتَأَخِّرًا عَنْهَا وَالْمُتَأَخِّرُ لَا يَكُونُ سَبَبًا لِلْمُتَقَدِّمِ اهـ. يَعْنِي: الْأَصْلُ أَنْ يَكُونَ وُجُودُهَا هُوَ السَّبَبَ بِدَلِيلِ الْإِضَافَةِ نَحْوَ طَهَارَةِ الصَّلَاةِ، وَهِيَ عِنْدَهُمْ مِنْ أَمَارَةِ السَّبَبِيَّةِ لَكِنْ مَنَعَ مَانِعٌ مِنْ ذَلِكَ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ بِدُخُولِ الْوَقْتِ تَجِبُ الطَّهَارَةُ لَكِنَّهُ وُجُوبٌ مُوَسَّعٌ كَوُجُوبِ الصَّلَاةِ فَإِذَا ضَاقَ الْوَقْتُ صَارَ الْوُجُوبُ فِيهِمَا مُضَيَّقًا وَحِينَئِذٍ فَلَا حَاجَةَ إلَى جَعْلِ سَبَبِهَا وُجُوبَ أَدَاءِ الصَّلَاةِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ لِمَا عَلِمْت أَنَّ أَصْلَ الْوُجُوبِ كَافٍ لِلسَّبَبِيَّةِ إلَّا أَنَّهُ مُشْكِلٌ لِعَدَمِ شُمُولِهِ سَبَبَ الطَّهَارَةِ لِلصَّلَاةِ النَّافِلَةِ إذْ لَا وُجُوبَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: بِالزَّوَالِ وَالْمَذْكُورِ) أَيْ بِزَوَالِ الْحَدَثِ أَوْ الْخَبَثِ. [سَبَبُ وُجُوب الطَّهَارَةُ] (قَوْلُهُ: قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ) الظَّاهِرُ أَنَّ الصَّوَابَ إسْقَاطُ أَوْ إبْدَالٌ لَفْظَةِ قَبْلَ بِلَفْظَةِ بَعْدَ لِيُنَاسِبَ مَا بَعْدَهُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَأَجَابَ عَنْهُ الْعَلَّامَةُ السِّيرَامِيُّ) أَيْ عَنْ دَفْعِ صَاحِبِ فَتْحِ الْقَدِيرِ فَهُوَ تَأْيِيدٌ لِلرَّدِّ السَّابِقِ وَحَاصِلُهُ لُزُومُ إفْضَاءِ الشَّيْءِ إلَى زَوَالِ نَفْسِهِ وَذَلِكَ بَاطِلٌ (قَوْلُهُ: لِصَلَوَاتٍ مَا دَامَ مُتَطَهِّرًا) مَعَ أَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ لَا يَكْفِيه ذَلِكَ بَلْ كُلَّمَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ يَلْزَمُهُ الْوُضُوءُ (قَوْلُهُ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ بِدُخُولِ الْوَقْتِ تَجِبُ الطَّهَارَةُ إلَخْ) قَالَ الشَّيْخُ عَلَاءُ الدِّينِ ابْنُ الْحَصْكَفِيِّ فِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ عَلَى تَنْوِيرِ الْأَبْصَارِ:. وَاعْلَمْ أَنَّ أَثَرَ الْخِلَافِ يَظْهَرُ فِي نَحْوِ التَّعَالِيقِ نَحْوُ إنْ وَجَبَ عَلَيْك طَهَارَةٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ دُونَ الْإِثْمِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى عَدَمِهِ بِالتَّأْخِيرِ عَنْ الْحَدَثِ ذَكَرَهُ فِي التَّوْشِيحِ وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي السِّرَاجِ مِنْ إثْبَاتِ الثَّمَرَةِ مِنْ جِهَةِ الْإِثْمِ بَلْ وُجُوبُهَا مُوَسَّعٌ بِدُخُولِ الْوَقْتِ كَالصَّلَاةِ فَإِذَا ضَاقَ الْوَقْتُ صَارَ الْوُجُوبُ فِيهِمَا مَضِيقًا هَذِهِ الْقَوْلَةُ قَدْ ضَرَبَ عَلَيْهَا الْمُؤَلِّفُ بِهَامِشِ الْبَحْرِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 هُنَا لِيَكُونَ سَبَبًا لِلطَّهَارَةِ، فَلَيْسَ فِيهِ إلَّا الْإِرَادَةُ فَالظَّاهِرُ أَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْإِرَادَةُ فِي الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ وَيَسْقُطُ وُجُوبُهَا بِتَرْكِ إرَادَةِ الصَّلَاةِ أَوْ هُوَ الْإِرَادَةُ الْمُسْتَلْحِقَةُ لِلشُّرُوعِ فَلَا يَرِدُ مَا ذُكِرَ عَلَيْهَا. وَأَرْكَانُهَا فِي الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ غَسْلُ الْأَعْضَاءِ الثَّلَاثَةِ وَمَسْحُ رُبُعِ الرَّأْسِ، وَفِي الْأَكْبَرِ غَسْلُ جَمِيعِ الْبَدَنِ، وَفِي النَّجَاسَةِ الْحَقِيقِيَّةِ الْمَرْئِيَّةِ إزَالَةُ عَيْنِهَا وَفِي غَيْرِ الْمَرْئِيَّةِ غَسْلُ مَحَلِّهَا ثَلَاثًا وَالْعَصْرُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ إنْ كَانَ مِمَّا يَنْعَصِرُ وَالتَّجْفِيفُ فِي كُلِّ مَا لَا يَنْعَصِرُ وَحُكْمُهَا اسْتِبَاحَةُ مَا لَا يَحِلُّ إلَّا بِهَا وَلَمْ يَذْكُرُوا أَنَّ مِنْ حُكْمِهَا الثَّوَابَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِلَازِمٍ فِيهَا لِتَوَقُّفِهِ عَلَى النِّيَّةِ، وَهِيَ لَيْسَتْ شَرْطًا فِيهَا وَآلَتُهَا الْمَاءُ وَالتُّرَابُ وَالْمُلْحَقُ بِهِمَا وَأَنْوَاعُهَا كَثِيرَةٌ سَتَأْتِي مُفَصَّلَةً وَمَحَاسِنُهَا شَهِيرَةٌ. [أَحْكَام الْوُضُوء] [فَرَائِض الْوُضُوء] وَأَمَّا شَرَائِطُهَا فَذَكَرَ الْعَلَّامَةُ الْحَلَبِيُّ فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي أَنَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهَا صَرِيحَةً فِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ، وَإِنَّمَا تُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِمْ، وَهِيَ تَنْقَسِمُ إلَى شُرُوطِ وُجُوبٍ وَشُرُوطِ صِحَّةٍ، فَالْأُولَى تِسْعَةٌ: الْإِسْلَامُ وَالْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ وَوُجُودُ الْحَدَثِ وَوُجُودُ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ الطَّهُورُ الْكَافِي وَالْقُدْرَةُ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ وَعَدَمُ الْحَيْضِ، وَعَدَمُ النِّفَاسِ وَتَنْجِيزُ خِطَابِ الْمُكَلَّفِ كَضِيقِ الْوَقْتِ، وَالثَّانِيَةُ أَرْبَعَةٌ: مُبَاشَرَةُ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ الطَّهُورِ لِجَمِيعِ الْأَعْضَاءِ وَانْقِطَاعُ الْحَيْضِ وَانْقِطَاعُ النِّفَاسِ وَعَدَمُ التَّلَبُّسِ فِي حَالَةِ التَّطْهِيرِ بِمَا يَنْقُضُهُ فِي حَقِّ غَيْرِ الْمَعْذُورِ بِذَلِكَ اهـ. وَالْإِضَافَةُ فِيهِ بِمَعْنَى اللَّامِ كَمَا لَا يَخْفَى وَجَعْلُهَا بِمَعْنَى مِنْ بَعِيدٌ؛ لِأَنَّ ضَابِطَهَا كَمَا فِي التَّسْهِيلِ صِحَّةُ تَقْدِيرِهَا مَعَ صِحَّةِ الْإِخْبَارِ عَنْ الْأَوَّلِ بِالثَّانِي كَخَاتَمِ فِضَّةٍ، وَهُوَ مَفْقُودٌ هُنَا إذْ لَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ الْكِتَابُ طَهَارَةٌ (قَوْلُهُ: فَرْضُ الْوُضُوءِ غَسْلُ وَجْهِهِ) قَدَّمَهُ عَلَى الْغُسْلِ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَيْهِ أَكْثَرُ؛ وَلِأَنَّ مَحَلَّهُ جُزْءٌ مِنْ مَحَلِّ الْغُسْلِ أَوْ لِتَقْدِيمِهِ عَلَيْهِ فِي الْقُرْآنِ أَوْ فِي تَعْلِيمِ جِبْرِيلَ لِلنَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَاخْتُلِفَ فِي الْفَرْضِ لُغَةً فَفِي الصِّحَاحِ الْفَرْضُ الْحَزُّ فِي الشَّيْءِ وَالْفَرْضُ جِنْسٌ مِنْ التَّمْرِ وَالْفَرْضُ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ لَهُ مَعَالِمَ وَحُدُودًا اهـ. وَفِي التَّلْوِيحِ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْقَطْعِ وَالْإِيجَابِ وَذَهَبَ الْأُصُولِيُّونَ إلَى أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي التَّقْدِيرِ مَجَازٌ فِي غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ إذَا دَارَ بَيْنَ الِاشْتِرَاكِ وَالْمَجَازِ فَالْمَجَازُ أَوْلَى يُقَالُ فَرَضَ الْقَاضِي النَّفَقَةَ إذَا قَدَّرَهَا اهـ وَأَمَّا فِي الِاصْطِلَاحِ فَفِي التَّحْرِيرِ الْفَرْضُ مَا قُطِعَ بِلُزُومِهِ مِنْ فَرْضٍ قَطْعً. اهـ. وَهُوَ بِمَعْنَى قَوْلِهِمْ مَا لَزِمَ فِعْلُهُ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ وَعَرَّفَهُ فِي   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: فَالظَّاهِرُ أَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْإِرَادَةُ فِي الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: الْأَظْهَرُ مَا ذَكَرَهُ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ فِي نُكَتِهِ مِنْ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ أَنَّهُ وُجُوبُ الصَّلَاةِ أَوْ إرَادَةُ مَا لَا يَحِلُّ إلَّا بِهَا اهـ. ؛ لِأَنَّ مَا ذُكِرَ هُنَا يَقْتَضِي أَنْ لَا يَأْثَمَ عَلَى تَرْكِ الْوُضُوءِ إذَا خَرَجَ الْوَقْتُ وَلَمْ يُرِدْ الصَّلَاةَ الْوَقْتِيَّةَ فِيهِ بَلْ عَلَى تَفْوِيتِ الصَّلَاةِ فَقَطْ وَأَنَّهُ إذَا أَرَادَ صَلَاةَ الظُّهْرِ مَثَلًا قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهَا أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ قَبْلَ الْوَقْتِ وَكِلَاهُمَا بَاطِلٌ اهـ. فَتَأَمَّلْ. [أَرْكَانُ الطَّهَارَة] (قَوْلُهُ: وَهِيَ تَنْقَسِمُ إلَى شُرُوطِ وُجُوبٍ وَشُرُوطِ صِحَّةٍ إلَخْ) وَقَدْ نَظَمْت ذَلِكَ بِقَوْلِي شُرُوطُ الْوُجُوبِ تِسْعَةٌ تَمَامُ ... الْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ وَالْإِسْلَامُ وَنَفْيُ حَيْضٍ وَانْتِفَا النِّفَاسِ ... وَحَدَثٌ وَضِيقُ وَقْتِ النَّاسِ وَمُطْلَقُ الْمَاءِ الطَّهُورِ الْكَافِي ... وَقُدْرَةُ اسْتِعْمَالِهِ الْمُوَافِي وَشُرُوطُ صِحَّةٍ وَذَاكَ أَرْبَعُ ... فَقْدُ النِّفَاسِ ثُمَّ حَيْضٌ يُقْطَعُ وَأَنْ يَعُمَّ الْمَاءُ كُلَّ الْأَعْضَا ... ثُمَّ انْتِفَاءُ مَا يُفِيدُ النَّقْضَا (قَوْلُهُ: فَرْضُ الْوُضُوءِ إلَخْ) أَقُولُ: قَالَ الرَّمْلِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَلَيْسَ مِنْ خُصُوصِيَّاتِ هَذِهِ الْأُمَّةِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَإِنَّمَا الْخَاصُّ بِهَا الْغُرَّةُ وَالتَّحْجِيلُ اهـ. وَقَالَ شَيْخُ شَيْخِنَا ابْنِ قَاسِمٍ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى شَرْحِ الْمَنْهَجِ لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ: الْوُضُوءُ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ قَالَهُ الْحَلِيمِيُّ وَنُوزِعَ بِمَا وَرَدَ هَذَا وُضُوئِي وَوُضُوءُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي وَالْأَصْلُ فِيمَا ثَبَتَ فِي حَقِّ الْأَنْبِيَاءِ أَنْ يَثْبُتَ فِي حَقِّ أُمَمِهِمْ وَقَالَ شَيْخُنَا ابْنُ حَجَرٍ إنَّهُ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ بِالنِّسْبَةِ لِبَقِيَّةِ الْأُمَمِ لَا لِأَنْبِيَائِهِمْ لَكِنْ يُنَافِيه مَا فِي الْبُخَارِيِّ مِنْ قِصَّةِ سَارَةُ أَنَّ الْمَلِكَ لَمَّا هَمَّ بِالدُّنُوِّ مِنْهَا قَامَتْ تَتَوَضَّأُ وَتُصَلِّي وَمِنْ قِصَّةِ جُرَيْجٍ الرَّاهِبِ أَنَّهُ قَامَ فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الَّذِي اخْتَصَّتْ بِهِ هَذِهِ الْأُمَّةُ هَذَا الْوُضُوءُ وَالْمَخْصُوصُ وَمِنْهُ الْغُرَّةُ وَالتَّحْجِيلُ كَمَا فِي مُسْلِمٍ اهـ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ أَيْضًا بِأَنَّ الْمُرَادَ فِيمَا ذُكِرَ الْوُضُوءُ اللُّغَوِيُّ تَأَمَّلْ فَرُبَّمَا رَجَعَ حَاصِلُ هَذَا لِلْأَوَّلِ. اهـ. رَمْلِيٌّ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا فِي الِاصْطِلَاحِ فَفِي التَّحْرِيرِ الْفَرْضُ مَا قُطِعَ بِلُزُومِهِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَعَرَّفَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ مَا ثَبَتَ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ لَا شُبْهَةَ فِيهِ، وَهُوَ لَيْسَ بِمَانِعٍ لِشُمُولِهِ بَعْضَ الْمُبَاحَاتِ وَالنَّوَافِلِ الثَّابِتِينَ بِدَلِيلٍ لَا شُبْهَةَ فِيهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33] {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: 2] وَالْمُخْتَارُ فِي تَعْرِيفِهِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنَارِ أَنَّهُ الْحُكْمُ الَّذِي ثَبَتَ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ وَاسْتَحَقَّ تَارِكُهُ كُلِّيًّا بِلَا عُذْرٍ الْعِقَابَ وَيُمْكِنُ حَمْلُ الثُّبُوتِ فِي قَوْلِ الْبَعْضِ مَا ثَبَتَ بِدَلِيلٍ إلَخْ عَلَى اللُّزُومِ فَيَكُونُ التَّعْرِيفُ مَانِعًا فَيَنْدَفِعُ الْإِشْكَالُ اهـ. قُلْت: وَقَدْ كَتَبْت فِي حَوَاشِي شَرْحِ الْمَنَارِ لِلْحَصْكَفِيِّ أَنَّ مَا ذَكَرَ خَرَجَ بِقَوْلِهِ لَا شُبْهَةَ فِيهِ، فَإِنَّ شُبْهَةً نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ فَعَمَّتْ الشُّبْهَةُ ثُبُوتًا وَدَلَالَةً فَلَا بُدَّ فِي دَلِيلِ الْفَرْضِ مِنْ قَطْعِيَّتِهِمَا وَكَوْنُهُ كَذَلِكَ فِيمَا ذُكِرَ مَمْنُوعٌ، فَإِنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ فِيهِمَا مِنْ مَنَافِعِنَا لَا عَلَيْنَا وَأَنَّهُ يُمْكِنُ دَفْعُهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي ثَبَتَتْ لِلْفَرْضِيَّةِ بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ أَيْ مَا ثَبَتَتْ قَطْعِيَّتُهُ وَمَا ذُكِرَ ثَبَتَ إبَاحَتُهُ وَنَدْبُهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 الْكَافِي بِمَا يَفُوتُ الْجَوَازُ بِفَوْتِهِ، وَهُوَ يَشْمَلُ كُلَّ فَرْضٍ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ إذْ يَخْرُجُ عَنْهُ الْمِقْدَارُ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ، فَإِنَّهُ فَرْضٌ مَعَ أَنَّهُ ثَبَتَ بِظَنِّيٍّ لَكِنَّهُ تَعْرِيفٌ بِالْحُكْمِ مُوجِبٌ لِلدَّوْرِ وَفِي الْعِنَايَةِ أَنَّ الْمَفْرُوضَ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ قَطْعِيٌّ؛ لِأَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ إذَا لَحِقَ بَيَانًا لِلْمُجْمَلِ كَانَ الْحُكْمُ بَعْدَهُ مُضَافًا إلَى الْمُجْمَلِ دُونَ الْبَيَانِ وَالْمُجْمَلُ مِنْ الْكِتَابِ وَالْكِتَابُ دَلِيلٌ قَطْعِيٌّ. اهـ. وَهُوَ يَنْبَنِي عَلَى أَنَّ الْآيَةَ مُجْمَلَةٌ وَسَيَأْتِي تَضْعِيفُهُ وَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِهِمْ فِي الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ أَنَّ الْمَفْرُوضَ عَلَى نَوْعَيْنِ قَطْعِيٍّ وَظَنِّيٍّ، وَهُوَ فِي قُوَّةِ الْقَطْعِيِّ فِي الْعَمَلِ بِحَيْثُ يَفُوتُ الْجَوَازُ بِفَوْتِهِ فَالْمُقَدَّرُ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ مِنْ قَبِيلِ الثَّانِي، وَعِنْدَ الْإِطْلَاقِ يَنْصَرِفُ إلَى الْأَوَّلِ لِكَمَالِهِ، وَالْفَارِقُ بَيْنَ الظَّنِّيِّ الْقَوِيِّ الْمُثْبِتِ لِلْفَرْضِ، وَبَيْنَ الظَّنِّيِّ الْمُثْبِتِ لِلْوَاجِبِ اصْطِلَاحًا خُصُوصُ الْمَقَامِ وَلَيْسَ إكْفَارُ جَاحِدِ الْفَرْضِ لَازِمًا لَهُ، وَإِنَّمَا هُوَ حُكْمُ الْفَرْضِ الْقَطْعِيِّ الْمَعْلُومِ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ وَذَكَرَ فِي الْعِنَايَةِ لَا نُسَلِّمُ انْتِفَاءَ اللَّازِمِ فِي مِقْدَارِ الْمَسْحِ؛ لِأَنَّ الْجَاحِدَ مَنْ لَا يَكُونُ مُؤَوِّلًا وَمُوجِبُ الْأَقَلِّ أَوْ الِاسْتِيعَابِ مُؤَوِّلٌ يَعْتَمِدُ شُبْهَةً قَوِيَّةً وَقُوَّةُ الشُّبْهَةِ تَمْنَعُ التَّكْفِيرَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ أَلَا تَرَى أَنَّ أَهْلَ الْبِدَعِ لَمْ يُكَفَّرُوا بِمَا مَنَعُوا مِمَّا دَلَّ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ الْقَطْعِيُّ فِي نَظَرِ أَهْلِ السُّنَّةِ لِتَأْوِيلِهِمْ اهـ. وَأَمَّا غَسْلُ الْمَرَافِقِ وَالْكَعْبَيْنِ فَفَرْضِيَّتُهُ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا سَنُحَقِّقُهُ وَكَذَا الْعُقْدَةُ الْأَخِيرَةُ لَا بِفِعْلِهِ فِي الْأَوَّلِ وَخَبَرِ الْوَاحِدِ فِي الثَّانِي وَلَا بِمَا قِيلَ فِي الْغَايَةِ كَمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْفَرْضُ فِي مِقْدَارِ الْمَسْحِ بِمَعْنَى الْوَاجِبِ لِالْتِقَائِهِمَا فِي مَعْنَى اللُّزُومِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ إذْ لَا وَاجِبَ فِي الْوُضُوءِ وَقَدْ يُدْفَعُ بِأَنَّ الَّذِي وَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَيْهِ هُوَ الْوَاجِبُ الَّذِي لَا يَفُوتُ الْجَوَازُ بِفَوْتِهِ فَلَا مُخَالَفَةَ بَلْ يَحْصُلُ بِتَرْكِهِ النُّقْصَانَ وَالْكَلَامُ هُنَا فِي الْوَاجِبِ الَّذِي يَفُوتُ الْجَوَازُ بِفَوْتِهِ فَلَا مُخَالَفَةَ وَالْفُرُوضُ بِمَعْنَى الْمَفْرُوضِ وَالْإِضَافَةُ فِيهِ بَيَانِيَّةٌ إذْ الْفَرْضُ قَدْ يَكُونُ مِنْ غَيْرِهِ وَالْوُضُوءُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْوَضَاءَةِ، وَهِيَ النَّظَافَةُ وَالْحُسْنُ وَقَدْ وَضُؤَ يَوْضُؤُ وَضَاءَةً فَهُوَ وَضِيءٌ كَذَا فِي طِلْبَةِ الطَّلَبَةِ وَفِي الْمُغْرِبِ أَنَّهُ بِالضَّمِّ الْمَصْدَرُ وَبِالْفَتْحِ الْمَاءُ الَّذِي يُتَوَضَّأُ بِهِ اهـ. وَفِي الِاصْطِلَاحِ الشَّرْعِيِّ غَسْلُ الْأَعْضَاءِ الثَّلَاثَةِ وَمَسْحُ رُبُعِ الرَّأْسِ وَالْغَسْلُ بِفَتْحِ الْغَيْنِ إزَالَةُ الْوَسَخِ عَنْ الشَّيْءِ وَنَحْوِهِ بِإِجْرَاءِ الْمَاءِ عَلَيْهِ لُغَةً وَبِالضَّمِّ اسْمٌ مِنْ الِاغْتِسَالِ، وَهُوَ تَمَامُ غَسْلِ الْجَسَدِ وَاسْمٌ لِلْمَاءِ الَّذِي يُغْتَسَلُ بِهِ وَبِالْكَسْرِ مَا يُغْسَلُ بِهِ الرَّأْسُ مِنْ خِطْمِيٍّ وَغَيْرِهِ وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَاهُ الشَّرْعِيِّ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ، هُوَ الْإِسَالَةُ مَعَ التَّقَاطُرِ، وَلَوْ قَطْرَةً حَتَّى لَوْ لَمْ يَسِلْ الْمَاءُ بِأَنْ اسْتَعْمَلَهُ اسْتِعْمَالَ الدُّهْنِ لَمْ يَجُزْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَكَذَا لَوْ تَوَضَّأَ بِالثَّلْجِ وَلَمْ يَقْطُرْ مِنْهُ شَيْءٌ لَمْ يَجُزْ وَعَنْ خَلَفِ بْنِ أَيُّوبَ قَالَ يَنْبَغِي لِلْمُتَوَضِّئِ فِي الشِّتَاءِ أَنْ يَبُلَّ أَعْضَاءَهُ بِالْمَاءِ شِبْهَ الدُّهْنِ ثُمَّ يَسِيلُ الْمَاءُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْمَاءَ يَتَجَافَى عَنْ الْأَعْضَاءِ فِي الشِّتَاءِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ هُوَ مُجَرَّدُ بَلِّ الْمَحَلِّ بِالْمَاءِ سَالَ أَوْ لَمْ يَسِلْ ثُمَّ عَلَى الْقَوْلَيْنِ الدَّلْكُ لَيْسَ مِنْ مَفْهُومِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ مَنْدُوبٌ وَذَكَرَ فِي الْخُلَاصَةِ أَنَّهُ سُنَّةٌ، وَحَدُّهُ إمْرَارُ الْيَدِ عَلَى الْأَعْضَاءِ الْمَغْسُولَةِ وَالضَّمِيرُ فِي وَجْهِهِ عَائِدٌ إلَى الْمُتَوَضِّئِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ الْوُضُوءِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِهِمْ فِي الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّ تَسْمِيَةَ الْفَرْضِ الْعَمَلِيِّ فَرْضًا حَقِيقِيَّةٌ وَيُوَافِقُهُ مَا فِي شَرْحِ الْقُهُسْتَانِيِّ حَيْثُ ذَكَرَ أَنَّ الْفَرْضَ الْقَطْعِيَّ يُقَالُ عَلَى مَا يَقْطَعُ الِاحْتِمَالَ أَصْلًا كَحُكْمٍ يَثْبُتُ بِمُحْكَمِ الْكِتَابِ وَمُتَوَاتِرِ السُّنَّةِ وَيُسَمَّى بِالْفَرْضِ الْقَطْعِيِّ وَيُقَالُ لَهُ الْوَاجِبُ وَعَلَى مَا يَقْطَعُ الِاحْتِمَالَ النَّاشِئَ عَنْ دَلِيلٍ كَمَا ثَبَتَ بِالظَّاهِرِ وَالنَّصِّ وَالْمَشْهُورِ وَيُسَمَّى بِالظَّنِّيِّ، وَهُوَ ضَرْبَانِ مَا هُوَ لَازِمٌ فِي زَعْمِ الْمُجْتَهِدِ كَمِقْدَارِ الْمَسْحِ وَيُسَمَّى بِالْفَرْضِ الظَّنِّيِّ وَمَا هُوَ دُونَ الْفَرْضِ وَفَوْقَ السُّنَّةِ كَالْفَاتِحَةِ وَيُسَمَّى بِالْوَاجِبِ اهـ. وَكَذَا قَالَ فِي النِّهَايَةِ إنَّ الْفَرْضَ نَوْعَانِ قَطْعِيٌّ وَظَنِّيٌّ عَلَى زَعْمِ الْمُجْتَهِدِ اهـ. وَلَا يَخْفَى مُخَالَفَتُهُ لِمَا أَطْبَقَ عَلَيْهِ الْأُصُولِيُّونَ مِنْ أَنَّ الْفَرْضَ مَا ثَبَتَ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ لَا شُبْهَةَ فِيهِ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي أُصُولِهِ الْحُكْمُ إمَّا أَنْ يَكُونَ ثَابِتًا بِدَلِيلٍ مَقْطُوعٍ بِهِ أَوْ لَا وَالْأَوَّلُ هُوَ الْفَرْضُ وَالثَّانِي إمَّا أَنْ يَسْتَحِقَّ تَارِكُهُ الْعِقَابَ أَوْ لَا وَالْأَوَّلُ هُوَ الْوَاجِبُ إلَخْ ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا الْفَرْضُ فَحُكْمُهُ اللُّزُومُ عِلْمًا بِالْعَقْلِ وَتَصْدِيقًا بِالْقَلْبِ، وَهُوَ الْإِسْلَامُ وَعَمَلًا بِالْبَدَنِ، وَهُوَ مِنْ أَرْكَانِ الشَّرَائِعِ وَيَكْفُرُ جَاحِدُهُ وَيَفْسُقُ تَارِكُهُ بِلَا عُذْرٍ وَأَمَّا حُكْمُ الْوُجُوبِ فَلُزُومُهُ عَمَلًا بِمَنْزِلَةِ الْفَرْضِ لَا عِلْمًا عَلَى الْيَقِينِ لِمَا فِي دَلِيلِهِ مِنْ الشُّبْهَةِ حَتَّى لَا يَكْفُرَ جَاحِدُهُ وَيَفْسُقَ تَارِكُهُ وَهَكَذَا فِي غَيْرِ مَا كِتَابٍ مِنْ كُتُبِ الْأُصُولِ كَالْمُغْنِي وَالْمُنْتَخَبِ وَالتَّنْقِيحِ وَالتَّلْوِيحِ وَالتَّحْرِيرِ وَالْمَنَارِ وَغَيْرِهَا وَفِي التَّصْرِيحِ ثُمَّ اسْتِعْمَالُ الْفَرْضِ فِيمَا ثَبَتَ بِظَنِّيٍّ وَالْوَاجِبِ فِيمَا ثَبَتَ بِقَطْعِيٍّ شَائِعٌ مُسْتَفِيضٌ كَقَوْلِهِمْ الْوِتْرُ وَاجِبٌ فَرْضٌ وَتَعْدِيلُ الْأَرْكَانِ فَرْضٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ يُسَمَّى فَرْضًا عَمَلِيًّا وَكَقَوْلِهِمْ الزَّكَاةُ وَاجِبَةٌ وَالصَّلَاةُ وَاجِبَةٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَلَفْظُ الْوَاجِبِ أَيْضًا يَقَعُ عَلَى مَا هُوَ فَرْضٌ عِلْمًا وَعَمَلًا كَصَلَاةِ الْفَجْرِ وَعَلَى ظَنِّيٍّ هُوَ فِي قُوَّةِ الْفَرْضِ فِي الْعَمَلِ كَالْوِتْرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى يَمْنَعَ تَذَكُّرُهُ صِحَّةَ الْفَجْرِ كَتَذَكُّرِ الْعِشَاءِ وَعَلَى ظَنِّيٍّ هُوَ دُونَ الْفَرْضِ فِي الْعَمَلِ وَفَوْقَ السُّنَّةِ كَتَعْيِينِ الْفَاتِحَةِ حَتَّى لَا تَفْسُدَ الصَّلَاةُ بِتَرْكِهَا لَكِنْ يَجِبُ سَجْدَةُ السَّهْوِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَحَدُّهُ) أَيْ الدَّلْكِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 (قَوْلُهُ، وَهُوَ مِنْ قُصَاصِ الشَّعْرِ إلَى أَسْفَلِ الذَّقَنِ وَإِلَى شَحْمَتَيْ الْأُذُنِ) أَيْ الْوَجْهُ وَقُصَاصُ الشَّعْرِ مَقْطَعُهُ وَمُنْتَهَى مَنْبَتِهِ مِنْ مُقَدَّمِ الرَّأْسِ أَوْ حَوَالَيْهِ، وَهُوَ مُثَلَّثُ الْقَافِ وَالضَّمُّ أَعْلَاهَا وَفِي الصِّحَاحِ ذَقَنُ الْإِنْسَانِ مُجْتَمَعُ لَحْيَيْهِ. اهـ. وَاللَّحْيُ مَنْبِتُ اللِّحْيَةِ مِنْ الْإِنْسَانِ وَغَيْرِهِ وَالنِّسْبَةُ إلَيْهِ لَحَوِيٌّ، وَهُمَا لِحْيَانَ وَثَلَاثَةُ أَلْحٍ عَلَى أَفْعِلَ إلَّا إنَّهُمْ كَسَرُوا الْحَاءَ لِتَسْلَمَ الْيَاءُ وَالْكَثِيرُ لُحَيٌّ عَلَى فُعُولٍ وَفِي الْمُغْرِبِ اللَّحْيُ الْعَظْمُ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَسْنَانُ. اهـ. وَهَذَا الْحَدُّ لِلْوَجْهِ مَرْوِيٌّ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ، وَلَمْ يُذْكَرْ حَدُّهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَهَذَا تَحْدِيدٌ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ تَحْدِيدُ الشَّيْءِ بِمَا يُنْبِئُ عَنْهُ اللَّفْظُ لُغَةً؛ لِأَنَّ الْوَجْهَ اسْمٌ لِمَا يُوَاجِهُ بِهِ الْإِنْسَانُ أَوْ مَا يُوَاجَهُ إلَيْهِ فِي الْعَادَةِ وَالْمُوَاجَهَةُ تَقَعُ بِهَذَا الْمَحْدُودِ فَوَجَبَ غَسْلُهُ قَبْلَ نَبَاتِ الشَّعْرِ، فَإِذَا نَبَتَ الشَّعْرُ يَسْقُطُ غَسْلُ مَا تَحْتَهُ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ كَثِيفًا كَانَ الشَّعْرُ أَوْ خَفِيفًا؛ لِأَنَّ مَا تَحْتَهُ خَرَجَ أَنْ يَكُونَ وَجْهًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُوَاجَهُ إلَيْهِ، وَكَذَلِكَ لَا يَجِبُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى مَا تَحْتَ شَعْرِ الْحَاجِبِينَ وَالشَّارِبِ اهـ. وَالْمُرَادُ بِالْخَفِيفَةِ الَّتِي لَا تُرَى بَشَرَتُهَا أَمَّا الَّتِي تُرَى بَشَرَتُهَا، فَإِنَّهُ يَجِبُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى مَا تَحْتَهَا كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُ مَنْ قَالَ إنَّهُ يَجِبُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى مَا تَحْتَ شَعْرِ الشَّارِبِ عَلَى مَا إذَا كَانَ بِحَيْثُ يَبْدُو مَنَابِتُ الشَّعْرِ، وَقَدْ جَعَلَهُ فِي التَّجْنِيسِ مِنْ الْآدَابِ وَصَرَّحَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي بَابِ الْكَرَاهِيَةِ عَلَى أَنَّ الْمُفْتِي بِهِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى مَا تَحْتَهُ كَالْحَاجِبِينَ، وَأَمَّا الشَّفَةُ فَقِيلَ تَبَعٌ لِلْفَمِ وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: مَا انْكَتَمَ عِنْدَ انْضِمَامِهِ فَهُوَ تَبَعٌ لَهُ وَمَا ظَهَرَ فَلِلْوَجْهِ وَصَحَّحَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَذَكَرَ فِي الْمُجْتَبَى لَا تُغْسَلُ الْعَيْنُ بِالْمَاءِ وَلَا بَأْسَ بِغَسْلِ الْوَجْهِ مُغْمِضًا عَيْنَيْهِ وَقَالَ الْفَقِيهُ أَحْمَدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ: إنَّ غَمْضَ عَيْنَيْهِ شَدِيدًا لَا يَجُوزُ، وَلَوْ رَمِدَتْ عَيْنُهُ فَرَمِصَتْ يَجِبُ إيصَالُ الْمَاءِ تَحْتَ الرَّمَصِ إنْ بَقِيَ خَارِجًا بِتَغْمِيضِ الْعَيْنِ، وَإِلَّا فَلَا وَفِي الْمُغْرِبِ الرَّمَصُ مَا جَمَدَ مِنْ الْوَسَخِ فِي الْمُوقِ وَالْمُوقُ مُؤْخِرُ الْعَيْنِ وَالَمَاقُ مَقْدِمُهَا اهـ. وَفِي الْمُجْتَبَى وَلَا يَدْخُلُ فِي حَدِّ الْوَجْهِ النَّزَعَتَانِ، وَهُوَ مَا انْحَسَرَ مِنْ الشَّعْرِ مِنْ جَانِبَيْ الْجَبْهَةِ إلَى الرَّأْسِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الرَّأْسِ اهـ. وَالنَّزَعَةُ بِالْفَتْحِ وَأَفَادَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الْبَيَاضَ الَّذِي بَيْنَ الْعِذَارِ وَالْأُذُنِ مِنْ الْوَجْهِ فَيَجِبُ غَسْلُهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ كَمَا ذَكَرَهُ الْحَلْوَانِيُّ، وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ مَشَايِخِنَا كَمَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ كَمَا ذَكَرَهُ السَّرَخْسِيُّ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ عَدَمُهُ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ مَذْهَبَهُ بِخِلَافِهِ وَفِي تَبْيِينِ الْحَقَائِقِ أَنَّ قَوْلَهُ مِنْ قُصَاصِ الشَّعْرِ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ، وَإِلَّا فَحَدُّ الْوَجْهِ فِي الطُّولِ مِنْ مَبْدَأِ سَطْحِ الْجَبْهَةِ إلَى مُنْتَهَى اللَّحْيَيْنِ كَانَ عَلَيْهِ شَعْرٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ. اهـ. لِأَنَّهُ يَرِدُ عَلَيْهِ الْأَغَمُّ وَالْأَصْلَعُ؛ لِأَنَّ الْأَغَمَّ الَّذِي عَلَى جَبْهَتِهِ شَعْرٌ لَا يَكْفِي غَسْلُهُ مِنْ قُصَاصِ شَعْرِهِ وَالْأَصْلَعُ الَّذِي انْحَسَرَ شَعْرُهُ إلَى وَسَطِ رَأْسِهِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَغْسِلَهُ مِنْ قُصَاصِ شَعْرِهِ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَصَرَّحَ فِي الْمُجْتَبَى بِالْخِلَافِ فِيهِ، فَقِيلَ إنْ قَلَّ فَمِنْ الْوَجْهِ وَإِنْ كَثُرَ فَمِنْ الرَّأْسِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مِنْ الرَّأْسِ حَتَّى جَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهِ، وَفِي الْمُغْرِبِ عِذَارُ اللِّحْيَةِ جَانِبَاهَا، وَشَحْمَهُ الْأُذُنِ مَا لَانَ مِنْهَا (قَوْلُهُ: وَيَدَيْهِ بِمِرْفَقَيْهِ) أَيْ مَعَ مِرْفَقَيْهِ فَالْبَاءُ لِلْمُصَاحَبَةِ بِمَعْنَى مَعَ نَحْوَ {اهْبِطْ بِسَلامٍ} [هود: 48] أَيْ مَعَهُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ اسْتِعْمَالِهَا بِمَعْنَى مَعَ وَبَيْنَ الْبَاءِ أَنَّ مَعَ لِابْتِدَاءِ الْمُصَاحَبَةِ وَالْبَاءَ لِاسْتِدَامَتِهَا كَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْمَلَكِ فِي بَحْثِ الْقِيَاسِ وَالْمِرْفَقُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْفَاءِ، وَفِيهِ الْعَكْسُ اسْمٌ لِمُلْتَقَى الْعَظْمَاتِ: عَظْمِ الْعَضُدِ وَعَظْمِ الذَّارِعِ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ إلَى فِي الْآيَةِ بِمَعْنَى مَعَ، وَهُوَ مَرْدُودٌ؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا إنَّ الْيَدَ مِنْ   [منحة الخالق] (قَوْلُ الْمُصَنِّفُ وَإِلَى شَحْمَتَيْ الْأُذُنِ) قَالَ فِي النَّهْرِ مِنْ عَطْفِ الْجُمَلِ إذَا لَا يَصِحُّ عَطْفُهُ عَلَى قَوْلِهِ إلَى أَسْفَلِ ذَقَنِهِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ: أَيْ الْوَجْهُ) تَفْسِيرٌ لِمَرْجِعِ الضَّمِيرِ قَالَ الرَّمْلِيُّ (فَائِدَةٌ) ذَكَرَ بَعْضُهُمْ الْفَرْقَ بَيْنَ التَّفْسِيرِ بِأَيٍّ وَالتَّفْسِيرِ بِيَعْنِي أَنَّ التَّفْسِيرَ بِأَيٍّ لِلْبَيَانِ وَالتَّوْضِيحِ وَالتَّفْسِيرُ بِيَعْنِي لِدَفْعِ السُّؤَالِ وَإِزَالَةِ الْوَهْمِ. اهـ. وَهَذَا أَغْلَبِيٌّ وَاصْطِلَاحٌ لِبَعْضِ الْعُلَمَاءِ، وَإِلَّا فَبَعْضُهُمْ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا كَمَا فِي حَوَاشِي ابْنِ قَاسِمٍ عَلَى جَمْعِ الْجَوَامِعِ (قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِالْخَفِيفَةِ) تَأْوِيلٌ لِقَوْلِ الْبَدَائِعِ أَوْ خَفِيفًا لِإِيهَامِهِ عَدَمَ وُجُوبِ إيصَالِ الْمَاءِ إلَى مَا تَحْتَ الَّتِي تَرَى بَشَرَتَهَا كَيْفَ وَقَدْ ذُكِرَ فِي النَّهْرِ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي وُجُوبِهِ وَفِي قَوْلِ الْبَدَائِعِ؛ لِأَنَّ مَا تَحْتَهُ خَرَجَ أَنْ يَكُونَ وَجْهًا إلَخْ إشَارَةً إلَى هَذَا التَّأْوِيلِ (قَوْلُهُ: وَظَاهِرُهُ أَنَّ مَذْهَبَهُ بِخِلَافِهِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ لَفْظَةَ عَنْ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّهُ رِوَايَةٌ عَنْهُ لَا أَنَّهُ قَوْلُهُ: وَإِلَّا لَقَالَ بَدَلَ عَنْ وَعِنْدَ (قَوْلُ الْمُصَنِّفُ وَيَدَيْهِ بِمِرْفَقَيْهِ) قِيلَ كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَمِرْفَقَيْهِ بِيَدَيْهِ لِمَا تَقَرَّرَ فِي النَّحْوِ أَنَّ مَدْخُولَ مَعَ هُوَ الْمَتْبُوعُ تَقُولُ جَاءَ زَيْدٌ مَعَ السُّلْطَانِ لَا عَكْسُهُ لَكِنْ نُقِلَ فِي الْأَطْوَالِ أَنَّ دُخُولَ مَعَ شَاعٍ عَلَى الْمَتْبُوعِ فَمَا هُنَا إمَّا أَنْ يُخَرَّجَ عَلَى غَيْرِ الشَّائِعِ أَوْ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْمَتْبُوعِ لِكَمَالِ الْعِنَايَةِ بِهِ مُبَالَغَةً فِي الْأَنْكَارِ عَلَى الْمُخَالِفِ (قَوْلُهُ: وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ إلَى فِي الْآيَةِ بِمَعْنَى مَعَ) أَقُولُ: إنْ كَانَ الْمُرَادُ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ عِبَارَةِ الْمَتْنِ فَهَذِهِ الْإِشَارَةُ فِي حَيِّزِ الْمَنْعِ إذْ كَوْنُ الْبَاءِ بِمَعْنَى مَعَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ إلَى فِي الْآيَةِ بِمَعْنَاهَا حَتَّى يَرِدَ الرَّدُّ الْمَذْكُورُ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهَا بَاقِيَةً عَلَى مَعْنَاهَا وَأَنَّ مَا فَوْقَ الْمَرَافِقِ خَارِجٌ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ قِيلَ اغْسِلْ جَسَدَك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 رُءُوسِ الْأَصَابِعِ لِلْمَنْكِبِ، فَإِذَا كَانَتْ إلَى بِمَعْنَى مَعَ وَجَبَ الْغَسْلُ إلَى الْمَنْكِبِ؛ لِأَنَّهُ كَاغْسِلْ الْقَمِيصَ وَكُمَّهُ وَغَايَتُهُ أَنَّهُ كَإِفْرَادِ فَرْدٍ مِنْ الْعَامِّ إذْ هُوَ تَنْصِيصٌ عَلَى بَعْضِ مُتَعَلَّقِ الْحُكْمِ بِتَعْلِيقِ عَيْنِ ذَلِكَ الْحُكْمِ، وَذَلِكَ لَا يُخْرِجُ غَيْرَهُ، وَلَوْ أَخْرَجَ كَانَ بِمَفْهُومِ اللَّقَبِ، وَهُوَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ وَمَا فِي الْمُحِيطِ مِنْ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْمِرْفَقُ مُلْتَقَى الْعَظْمَيْنِ وَلَا يُمْكِنُ التَّمْيِيزُ بَيْنَهُمَا فَلَمَّا وَجَبَ غَسْلُ الذَّارِعِ وَلَا يُمْكِنُ تَحْدِيدُهُ وَجَبَ غَسْلُ الْمِرْفَقِ احْتِيَاطًا مَرْدُودٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ الْأَمْرُ بِغَسْلِ الذِّرَاعِ لِيَجِبَ غَسْلُ مَا لَازَمَهُ، وَإِنَّمَا تَعَلَّقَ الْأَمْرُ بِغَسْلِ الْيَدِ إلَى الْمِرْفَقِ وَمَا بَعْدَ إلَى لَمَّا لَمْ يَدْخُلْ جُزْآهُمَا الْمُلْتَقِيَانِ وَمَا فِي الْبَدَائِعِ مِنْ أَنَّهُ لَمَّا احْتَمَلَ الدُّخُولَ وَاحْتَمَلَ الْخُرُوجَ صَارَ مُجْمَلًا وَفِعْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَيَانٌ لِلْمُجْمَلِ مَرْدُودٌ بِأَنَّ عَدَمَ دَلَالَةِ اللَّفْظِ لَا يُوجِبُ الْإِجْمَالَ وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ، وَإِنَّمَا يُوجِبُ الدَّلَالَةَ الْمُتَشَبِّهَةُ فَبَقِيَ مُجَرَّدُ فِعْلِهِ دَلِيلُ السُّنَّةِ وَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مِنْ أَنَّهَا قَدْ تَدْخُلُ، وَقَدْ لَا تَدْخُلُ فَتَدْخُلُ احْتِيَاطًا مَرْدُودٌ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ إذَا تَوَقَّفَ عَلَى الدَّلِيلِ لَا يَجِبُ مَعَ عَدَمِهِ وَالِاحْتِيَاطُ الْعَمَلُ بِأَقْوَى الدَّلِيلِينَ، وَهُوَ فَرْعُ تَجَاذُبِهِمَا، وَهُوَ مُنْتَفٍ، وَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَنَّهُ غَايَةٌ لِمُقَدَّرٍ تَقْدِيرُهُ اغْسِلُوا أَيْدِيَكُمْ مُسْقِطِينَ إلَى الْمَرَافِقِ مَرْدُودٌ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ تَعَلُّقُهُ بِاغْسِلُوا وَتَعَلُّقُهُ بِمُقَدَّرٍ خِلَافُ الظَّاهِرِ بِلَا مُلْجِئٍ مَعَ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الْإِسْقَاطُ، وَهُوَ لَا يُوجِبُهُ عَمَّا فَوْقَ الْمِرْفَقِ بَلْ عُمِلَ قَبْلَهُ بِاللَّفْظِ إذْ يَحْتَمِلُ أَسْقِطُوا مِنْ الْمَنْكِبِ إلَى الْمِرْفَقِ أَوْ مِنْ رُءُوسِ الْأَصَابِعِ إلَى الْمِرْفَقِ فَلَمْ يَتَعَيَّنْ الْأَوَّلُ كَمَا لَا يَخْفَى وَفَرْقُهُمْ بَيْنَ غَايَةِ الْإِسْقَاطِ وَبَيْنَ غَايَةِ الْمَدِّ بِأَنَّ صَدْرَ الْكَلَامِ إنْ كَانَ مُتَنَاوِلًا لِمَا بَعْدَ إلَى، فَهِيَ لِلْإِسْقَاطِ كَمَسْأَلَتِنَا، وَإِلَّا فَهِيَ لِلْمَدِّ نَحْوَ {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] لَيْسَ بِمُطَّرِدٍ لِانْتِقَاضِهِ بِالْغَايَةِ فِي الْيَمِينِ، فَإِنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ عَدَمُ الدُّخُولِ كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ إلَى عَشْرَةِ أَيَّامٍ لَا يَدْخُلُ الْعَاشِرُ مَعَ تَنَاوُلِ الصَّدْرِ لَهُ كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، وَكَذَلِكَ رَأْسُ السَّمَكَةِ فِي قَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَا آكُلُ السَّمَكَةَ إلَى رَأْسِهَا، فَإِنَّهَا لَا تَدْخُلُ مَعَ التَّنَاوُلِ الْمَذْكُورِ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُحَقِّقُونَ وَمِنْهُمْ الزَّمَخْشَرِيّ وَالتَّفْتَازَانِي مِنْ أَنَّ إلَى تُفِيدُ مَعْنَى الْغَايَةِ مُطْلَقًا، فَأَمَّا دُخُولُهَا فِي الْحُكْمِ وَخُرُوجُهَا عَنْهُ فَأَمْرٌ يَدُورُ مَعَ الدَّلِيلِ فَمَا فِيهِ دَلِيلُ الْخُرُوجِ قَوْله تَعَالَى {فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280] وَمِمَّا فِيهِ دَلِيلُ الدُّخُولِ آيَةُ الْإِسْرَاءِ لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ لَا يُسْرَى بِهِ إلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى مِنْ غَيْرِ أَنْ يَدْخُلَهُ وَمَا نَحْنُ فِيهِ لَا دَلِيلَ فِيهِ عَلَى أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ فَقَالُوا بِدُخُولِهِمَا احْتِيَاطًا إذْ لَمْ يُرْوَ عَنْهُ قَطُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَرْكُ غَسْلِهِمَا فَلَا يُفِيدُ الِافْتِرَاضَ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ لَا يُفِيدُهُ وَتَقَدَّمَ مَنْعُ الِاحْتِيَاطِ وَالْحَقُّ أَنَّ شَيْئًا مِمَّا ذَكَرُوهُ لَا يَدُلُّ عَلَى الِافْتِرَاضِ، فَالْأَوْلَى الِاسْتِدْلَال بِالْإِجْمَاعِ عَلَى فَرْضِيَّتِهِمَا قَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْأُمِّ: لَا نَعْلَمُ مُخَالِفًا فِي إيجَابِ دُخُولِ الْمِرْفَقَيْنِ فِي الْوُضُوءِ، وَهَذَا مِنْهُ حِكَايَةٌ لِلْإِجْمَاعِ قَالَ فِي فَتْحِ الْبَارِي: بَعْدَ نَقْلِهِ عَنْهُ فَعَلَى هَذَا فَزُفَرٌ مَحْجُوجٌ بِالْإِجْمَاعِ قَبْلَهُ وَكَذَا مَنْ قَالَ ذَلِكَ مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ بَعْدَهُ وَلَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ صَرِيحًا، وَإِنَّمَا حَكَى عَنْهُ أَشْهَبُ كَلَامًا مُحْتَمِلًا وَحُكْمُ   [منحة الخالق] إلَى التَّرْقُوَةِ مَثَلًا لَا يُتَوَهَّمُ مِنْهُ غَسْلُ الْجَمِيعِ بَلْ الَّذِي يَتَبَادَرُ إلَى الْفَهْمِ بِحَسَبِ الْعُرْفِ أَنَّ الْمَغْسُولَ مَا تَحْتَهَا لِتَعَذُّرِ غَسْلِ مَا فَوْقَهَا دُونَهَا وَدُونَ مَا تَحْتِهَا إذْ يَحْتَاجُ إلَى غَايَةِ التَّكَلُّفِ فَهُوَ بِدُونِ الْإِجْمَاعِ يُفْهَمُ مِنْهُ غَسْلُ الْأَيْدِي مِنْ رُءُوسِ الْأَصَابِعِ إلَى الْمَرَافِقِ لَا مِنْ الْمَنْكِبِ وَحِينَئِذٍ لَا حَاجَةَ إلَى تَأْوِيلِ إلَى بِمَعْنَى مَعَ نَعَمْ يَبْقَى الْكَلَامُ فِي الْغَايَةِ وَذَاكَ شَيْءٌ آخَرُ فَتَأَمَّلْهُ، فَإِنِّي لَمْ أَرَ أَحَدًا ذَكَرَهُ (قَوْلُهُ: وَلَوْ أُخْرِجَ كَانَ بِمَفْهُومِ اللَّقَبِ، وَهُوَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ) أَيْ عِنْدَنَا كَغَيْرِهِ مِنْ الْمَفَاهِيمِ عَلَى مَا بُيِّنَ فِي مَحَلِّهِ خِلَافًا لِبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ وَأَقُولُ: كَيْفَ يُمْكِنُ إخْرَاجُ غَيْرِهِ مَعَ تَنْصِيصِ الْحُكْمِ عَلَى الْكُلِّ حَتَّى يُقَالَ إنَّهُ بِمَفْهُومِ اللَّقَبِ وَيُدْفَعُ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ، فَإِنَّ قَوْلَك اضْرِبْ الْقَوْمَ مَعَ زَيْدٍ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ غَيْرَ زَيْدٍ لَيْسَ مَأْمُورًا بِضَرْبِهِ حَتَّى عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِحُجِّيَّةِ مَفْهُومِ اللَّقَبِ نَعَمْ لَوْ قِيلَ اضْرِبْ زَيْدًا وَاقْتَصَرَ الْمُتَكَلِّمُ عَلَى ذَلِكَ جَرَى فِيهِ الْخِلَافُ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقُ الْحُكْمِ بِجَامِدٍ كَفِي الْغَنَمِ زَكَاةٌ كَمَا فِي التَّحْرِيمِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: وَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ إلَى آخِرِ هَذَا الْبَحْثِ) قَالَ فِي النَّهْرِ بَعْدَ نَقْلِهِ لِذَلِكَ أَقُولُ: مَعْنَى الِاحْتِيَاطِ هُنَا هُوَ الْخُرُوجُ عَنْ الْعُهْدَةِ بِيَقِينٍ وَمَا نَسَبَهُ إلَى الْهِدَايَةِ سَهْوًا، وَإِنَّمَا الَّذِي فِيهَا رَدٌّ لِقَوْلِ زُفَرَ الْغَايَةُ لَا تَدْخُلُ فِي الْمُغَيَّا أَنَّ هَذِهِ الْغَايَةَ لِإِسْقَاطِ مَا وَرَاءَهَا يَعْنِي فَهِيَ دَاخِلَةٌ وَالْجَارُّ مُتَعَلِّقٌ بِاغْسِلُوا عَلَى كُلِّ حَالٍ وَالنَّقْضُ بِمَسْأَلَةِ الْيَمِينِ أَجَابَ عَنْهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّ الْكَلَامَ هُنَا فِي اللُّغَةِ وَالْأَيْمَانُ مُبِينَةٌ عَلَى الْعُرْفِ نَعَمْ يَرِدُ النَّقْضُ بِمِثْلِ قَرَأْت الْقُرْآنَ إلَى سُورَةِ كَذَا وَالْهِدَايَةِ إلَى كِتَابِ كَذَا، فَإِنَّ الْغَايَةَ فِيهِمَا لَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْمُغَيَّا مَعَ تَنَاوُلِ الصَّدْرِ لَهَا وَقَوْلُهُ وَالْأَوْلَى إلَخْ مِمَّا لَا حَاجَةَ إلَيْهِ إذْ الْفُرُوضُ الْعَمَلِيَّةُ لَا تَحْتَاجُ فِي إثْبَاتِهَا إلَى الْقَاطِعِ فَيُحْتَاجُ إلَى الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ قَوْلَ الْمُجْتَهِدِ لَا أَعْلَمُ مُخَالِفًا لَا يَكُونُ حِكَايَةً لِلْإِجْمَاعِ الَّذِي يَكُونُ غَيْرُهُ مَحْجُوجًا بِهِ فَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ اللَّامِشِيُّ فِي أُصُولِهِ لَا خِلَافَ أَنَّ جَمِيعَ الْمُجْتَهِدِينَ لَوْ أَجْمَعُوا عَلَى حُكْمٍ وَاحِدٍ وَوُجِدَ الرِّضَا مِنْ الْكُلِّ نَصًّا كَانَ ذَلِكَ إجْمَاعًا فَأَمَّا إذَا نَصَّ الْبَعْضُ وَسَكَتَ الْبَاقُونَ لَا عَنْ خَوْفٍ بَعْدَ اشْتِهَارِ الْقَوْلِ فَعَامَّةُ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ إجْمَاعًا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا أَقُولُ: إنَّهُ إجْمَاعٌ وَلَكِنْ أَقُولُ: لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا وَقَالَ أَبُو هَاشِمٍ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ لَا يَكُونُ إجْمَاعًا اهـ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 الْكَعْبَيْنِ كَالْمِرْفَقَيْنِ، وَإِذَا كَانَ فِي أَظْفَارِهِ دَرَنٌ أَوْ طِينٌ أَوْ عَجِينٌ أَوْ الْمَرْأَةُ تَضَعُ الْحِنَّاءَ جَازَ فِي الْقَرَوِيِّ وَالْمَدَنِيِّ، وَهُوَ صَحِيحٌ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَلَوْ لُصِقَ بِأَصْلِ ظُفْرِهِ طِينٌ يَابِسٌ وَبَقِيَ قَدْرُ رَأْسِ إبْرَةٍ مِنْ مَوْضِعِ الْغَسْلِ لَمْ يَجُزْ، وَإِذَا كَانَ فِي أُصْبُعِهِ خَاتَمٌ إنْ كَانَ ضَيِّقًا فَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يَجِبُ نَزْعُهُ أَوْ تَحْرِيكُهُ بِحَيْثُ يَصِلُ الْمَاءُ إلَى مَا تَحْتَهُ، وَلَوْ قُطِعَتْ يَدُهُ أَوْ رِجْلُهُ فَلَمْ يَبْقَ مِنْ الْمِرْفَقِ وَالْكَعْبِ شَيْءٌ سَقَطَ الْغُسْلُ، وَلَوْ بَقِيَ وَجَبَ، وَلَوْ طَالَتْ أَظْفَارُهُ حَتَّى خَرَجَتْ عَنْ رُءُوسِ الْأَصَابِعِ وَجَبَ غَسْلُهَا بِلَا خِلَافٍ، وَلَوْ خُلِقَ لَهُ يَدَانِ عَلَى الْمَنْكِبِ فَالتَّامَّةُ هِيَ الْأَصْلِيَّةُ يَجِبُ غَسْلُهَا، وَالْأُخْرَى زَائِدٌ فَمَا حَاذَى مِنْهَا مَحَلَّ الْفَرْضِ وَجَبَ غَسْلُهُ وَمَا لَا فَلَا يَجِبُ بَلْ يُنْدَبُ غَسْلُهُ وَكَذَا يَجِبُ غَسْلُ مَا كَانَ مُرَكَّبًا عَلَى الْيَدِ مِنْ الْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ وَالْكَفِّ الزَّائِدَةِ وَالسَّلْعَةِ وَكَذَا يَجِبُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى مَا بَيْنَ الْأَصَابِعِ إذَا لَمْ تَكُنْ مُلْتَحِمَةً (قَوْلُهُ: وَرِجْلَيْهِ بِكَعْبَيْهِ) أَيْ مَعَ كَعْبَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَالْكَعْبَانِ هُمَا الْعَظْمَانِ النَّاشِزَانِ مِنْ جَانِبَيْ الْقَدَمِ أَيْ الْمُرْتَفِعَانِ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَصَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ فِي ظَهْرِ الْقَدَمِ عِنْدَ مَقْعَدِ الشِّرَاكِ قَالُوا هُوَ سَهْوٌ مِنْ هِشَامٍ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ فِي الْمُحْرِمِ إذَا لَمْ يَجِدْ النَّعْلَيْنِ حَيْثُ يَقْطَعُ خُفَّيْهِ أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ وَأَشَارَ مُحَمَّدٌ بِيَدِهِ إلَى مَوْضِعِ الْقَطْعِ فَنَقَلَهُ هِشَامٌ إلَى الطَّهَارَةِ وَيُرَدُّ عَلَى هِشَامٍ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَيْضًا بِأَنَّ مَا يُوجَدُ مِنْ خَلْقِ الْإِنْسَانِ، فَإِنَّ تَثْنِيَتَهُ بِعِبَارَةِ الْجَمْعِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4] أَيْ قَلْبَاكُمَا وَمَا كَانَ اثْنَيْنِ مِنْ خَلْقِهِ فَتَثْنِيَتُهُ بِلَفْظِهَا، وَلَوْ كَانَ كَمَا زَعَمَهُ هِشَامٌ لَقِيلَ الْكِعَابُ كَالْمَرَافِقِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَغَيْرِهِ وَقَدْ يُقَالُ: إنَّهُ غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ لِجَوَازِ أَنْ يُعْتَبَرَ الْكَعْبَانِ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا لِلْمَرْءِ مِنْ جِنْسِ الرِّجْلِ، وَهُوَ اثْنَانِ لَا بِالنَّظَرِ إلَى كُلِّ رِجْلٍ وَحْدَهَا فَالْأَوْلَى الرَّدُّ عَلَيْهِ مِنْ اللُّغَةِ وَالسُّنَّةِ أَمَّا اللُّغَةُ فَقَدْ صَرَّحَ فِي الصِّحَاحِ بِأَنَّهُ الْعَظْمُ النَّاشِزُ كَمَا ذَكَرْنَاهُ قَالَ وَأَنْكَرَ الْأَصْمَعِيُّ قَوْلَ النَّاسِ إنَّهُ فِي ظَهْرِ الْقَدَمِ اهـ. قَالُوا الْكَعْبُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ مَأْخُوذٌ مِنْ الْعُلُوِّ وَمِنْهُ سُمِّيَتْ الْكَعْبَةُ لِارْتِفَاعِهَا وَأَمَّا السُّنَّةُ فَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مَرْفُوعًا «وَاَللَّهِ لَتُقِيمُنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَن اللَّهُ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ قَالَ فَرَأَيْت الرَّجُلَ يَلْزَقُ مَنْكِبَهُ بِمَنْكِبِ صَاحِبِهِ وَرُكْبَتَهُ بِرُكْبَةِ صَاحِبِهِ وَكَعْبَهُ بِكَعْبِهِ» وَمَا وَقَعَ فِي الشُّرُوحِ مِنْ أَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي غَسْلُ يَدٍ وَاحِدَةٍ وَرِجْلٍ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّ مُقَابَلَةَ الْجَمْعِ بِالْجَمْعِ تَقْتَضِي انْقِسَامَ الْآحَادِ عَلَى الْآحَادِ. وَالْجَوَابُ بِأَنَّ وُجُوبَ وَاحِدَةٍ بِالْعِبَارَةِ وَالْأُخْرَى بِالدَّلَالَةِ لَا طَائِلَ تَحْتَهُ بَعْدَ انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ الْقَطْعِيِّ عَلَى افْتِرَاضِهِمَا بِحَيْثُ صَارَ مَعْلُومًا مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ، وَمِنْ الْبَحْثِ فِي إلَى وَفِي الْقِرَاءَتَيْنِ فِي الْأَرْجُلِ، فَإِنَّ الْإِجْمَاعَ انْعَقَدَ عَلَى غَسْلِهِمَا وَلَا اعْتِبَارَ بِخِلَافِ الرَّوَافِضِ فَلِذَا تَرَكْنَا مَا قَرَّرُوهُ هُنَا وَالزَّائِدُ عَلَى الرِّجْلَيْنِ كَالزَّائِدِ عَلَى الْيَدَيْنِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُجْتَبَى، وَلَوْ قَالَ وَرِجْلَيْهِ بِكَعْبَيْهِ أَوْ مَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ لَكَانَ أَوْلَى (قَوْلُهُ: وَمَسَحَ رُبُعِ رَأْسِهِ) هُوَ فِي اللُّغَةِ إمْرَارُ الْيَدِ عَلَى الشَّيْءِ وَاصْطِلَاحًا إصَابَةُ الْيَدِ الْمُبْتَلَّةِ الْعُضْوَ، وَلَوْ بِبَلَلٍ بَاقٍ بَعْدَ غَسْلٍ لَا بَعْدَ مَسْحٍ وَالْآلَةُ لَمْ تُقْصَدْ إلَّا لِلْإِيصَالِ إلَى الْمَحَلِّ فَإِذَا أَصَابَهُ مِنْ الْمَطَرِ قَدْرُ الْفَرْضِ أَجْزَأَهُ، وَلَوْ مَسَحَ بِبَلَلٍ فِي يَدِهِ أَخَذَهُ مِنْ عُضْوٍ آخَرَ لَمْ يَجُزْ مُطْلَقًا، وَفِي مِقْدَارِ الْفَرْضِ رِوَايَاتٌ أَصَحُّهَا رِوَايَةً وَدِرَايَةً مَا فِي الْمُخْتَصَرِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِاتِّفَاقِ الْمُتُونِ عَلَيْهَا، وَلِنَقْلِ الْمُتَقَدِّمِينَ لَهَا كَأَبِي الْحَسَنِ الْكَرْخِيِّ وَأَبِي جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيِّ وَرِوَايَةُ النَّاصِيَةِ غَيْرُهَا؛ لِأَنَّ النَّاصِيَةَ أَقَلُّ مِنْ رُبُعِ الرَّأْسِ، وَأَمَّا الدِّرَايَةُ فَاخْتُلِفَ فِي تَوْجِيهِهَا فَفِي الْهِدَايَةِ أَنَّ الْكِتَابَ مُجْمَلٌ، وَأَنَّ حَدِيثَ الْمُغِيرَةِ مَنْ مَسَحَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِنَاصِيَتِهِ الْتَحَقَ بَيَانًا لَهُ، وَهُوَ مَرْدُودٌ بِأَوْجُهٍ:. الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: أَنَّهُ لَا إجْمَالَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَلَوْ بِبَلَلٍ بَاقٍ بَعْدَ غُسْلٍ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: أَقُولُ: قَالَ ابْنُ كَمَالٍ بَاشَا فِي الْإِصْلَاحِ وَالْإِيضَاحِ وَأَمَّا الَّذِي بَقِيَ فِي الْعُضْوِ بَعْدَ الْغُسْلِ فَقَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ بِهِ أَيْضًا وَخَطَّأَهُ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ لِمَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي مَسْحِ الْخُفِّ إذَا تَوَضَّأَ ثُمَّ مَسَحَ عَلَى الْخُفِّ بِبِلَّةٍ بَقِيَتْ عَلَى كَفِّهِ بَعْدَ الْغُسْلِ جَازَ وَالصَّحِيحُ مَا قَالَهُ الْحَاكِمُ فَقَدْ نَصَّ الْكَرْخِيُّ فِي جَامِعِهِ الْكَبِيرِ عَلَى الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ مُفَسَّرًا مُعَلَّلًا أَنَّهُ إذَا مَسَحَ رَأْسَهُ بِفَضْلِ غَسْلِ ذَارِعَيْهِ لَمْ يَجُزْ إلَّا بِمَاءٍ جَدِيدٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَطَهَّرَ بِهِ مَرَّةً وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَقَدْ أَخَذَهُ ابْنُ الْكَمَالِ مِنْ الْمُجْتَبَى شَرْحِ الْقُدُورِيِّ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة بِرَمْزِ الْمُحِيطِ وَلَوْ فِي كَفِّهِ بَلَلٌ فَمَسَحَ بِهِ رَأْسَهُ أَجْزَأَهُ قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ: هَذَا إذَا لَمْ يَسْتَعْمِلْ فِي عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ بِأَنْ غَسَلَ بَعْضَ أَعْضَائِهِ بِأَنْ يُدْخِلَ يَدَهُ فِي إنَاءٍ حَتَّى ابْتَلَتْ أَمَّا إذَا اسْتَعْمَلَهُ فِي عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ وَبَقِيَ فِي كَفِّهِ بَلَلٌ لَا يَجُوزُ وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى أَنَّ مَا قَالَهُ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ خَطَأٌ وَالصَّحِيحُ أَنَّ مُحَمَّدًا أَرَادَ بِذَلِكَ مَا إذَا غَسَلَ عُضْوًا مِنْ أَعْضَائِهِ وَبَقِيَ الْبَلَلُ فِي كَفِّهِ يَعْنِي لَا أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُدْخِلَ يَدَهُ فِي إنَاءٍ حَتَّى تَبْتَلَّ كَمَا زَعَمَهُ الْحَاكِمُ (قَوْلُهُ: وَالْآلَةُ لَمْ تُقْصَدْ لِلْإِيصَالِ) الْأَوْلَى التَّعْبِيرُ بِالْوُصُولِ لِيَصِحَّ التَّفْرِيعُ عَلَيْهِ بِمَا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ: لَمْ يَجُزْ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْعُضْوُ مَغْسُولًا أُمّ مَمْسُوحًا (قَوْلُهُ: وَهُوَ مَرْدُودٌ بِأَوْجُهٍ إلَى قَوْلِهِ الرَّابِعُ) أَقُولُ: فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ نَظَرٌ: أَمَّا الْأَوَّلُ: فَلِأَنَّ عَدَمَ الْعُرْفِ لَا يُفِيدُ مَسْحَ الْكُلِّ لِمَا سَيَنْقُلُهُ عَنْ التَّحْرِيرِ أَنَّ الْإِلْصَاقَ الْمَجْمَعَ عَلَيْهِ لِلْبَاءِ مُمْكِنٌ فَيَثْبُتُ التَّبْعِيضُ اتِّفَاقِيًّا لِعَدَمِ اسْتِيعَابِ الْمُلْصَقِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 فِيهَا؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي مِثْلِهِ عُرْفٌ يُصَحِّحُ إرَادَةَ الْبَعْضِ أَفَادَ مَسْحَ مُسَمَّاهُ، وَهُوَ الْكُلُّ أَوْ كَانَ أَفَادَ بَعْضًا مُطْلَقًا وَيَحْصُلُ فِي ضِمْنِ الِاسْتِيعَابِ وَغَيْرِهِ فَلَا إجْمَالَ كَذَا فِي التَّحْرِيرِ وَمَا فِي الْبَدَائِعِ مِنْ تَقْدِيرِ الْإِجْمَالِ بِأَنَّهَا احْتَمَلَتْ الْبَاءَ لِلصِّلَةِ وَالْإِلْصَاقِ وَالتَّبْعِيضِ وَلَا دَلِيلَ عَلَى تَعْيِينِ بَعْضِهَا مَدْفُوعٌ بِأَنَّ مَعْنَاهَا عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ الْإِلْصَاقُ؛ لِأَنَّهُ الْمَعْنَى الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ، فَإِنَّهُ لَمْ يُثْبِتْهُ الْمُحَقِّقُونَ فَإِنَّ التَّبْعِيضَ لَيْسَ مَعْنًى أَصْلِيًّا بَلْ يَحْصُلُ فِي ضِمْنِ الْإِلْصَاقِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقَالَ فِي التَّحْرِيرِ وَاعْلَمْ أَنَّ طَائِفَةً مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ ادَّعَوْا التَّبْعِيضَ فِي نَحْوِ شَرِبْنَ بِمَاءِ الْبَحْرِ وَابْنُ جِنِّيٍّ يَقُولُ فِي سِرُّ الصِّنَاعَةِ لَا نَعْرِفُهُ لِأَصْحَابِنَا. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ ضَعِيفٌ لِلْخِلَافِ الْقَوِيِّ؛ وَلِأَنَّ الْإِلْصَاقَ الْجَمْعُ عَلَيْهِ لَهَا مُمْكِنٌ فَيَثْبُتُ التَّبْعِيضُ اتِّفَاقِيًّا لِعَدَمِ اسْتِيعَابِ الْمُلْصَقِ لَا مَدْلُولًا اهـ. الثَّانِي: أَنَّ الْبَاءَ الْمُتَنَازَعَ فِيهَا مَوْجُودَةٌ فِي حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ فَهِيَ مُجْمَلَةٌ عَلَى مَا ادَّعَوْهُ فَكَيْفَ تُبَيِّنَ الْمُجْمَلَ فَيَعُودُ النِّزَاعُ فِي الْحَدِيثِ أَيْضًا الثَّالِثُ أَنَّ جَعْلَ حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ مُبَيِّنًا لِلْآيَةِ مَوْقُوفٌ عَلَى إثْبَاتِ أَنَّ هَذَا الْوُضُوءَ أَوَّلُ وُضُوئِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَعْدَ نُزُولِ الْآيَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَزِمَ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ، وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ اتِّفَاقًا، وَلَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ إذْ لَوْ ثَبَتَ لَنُقِلَ، وَلَئِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَلَا يَنْتَفِي التَّأْخِيرُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الَّذِينَ لَمْ يَحْضُرُوا وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ جَمِيعَ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَكُونُوا حُضُورًا فِي تِلْكَ السُّبَاطَةِ وَإِلَّا لَنُقِلَ؛ لِأَنَّهَا حَادِثَةٌ تَعُمُّ بِهَا الْبَلْوَى فَعُلِمَ بِهِ أَنَّهُ لَا إجْمَالَ فِي الْآيَةِ الرَّابِعُ: أَنَّ النَّاصِيَةَ لَيْسَتْ قَدْرَ الرُّبُعِ بِدَلِيلِ أَنَّ صَاحِبَ الْبَدَائِعِ وَغَيْرَهُ نَقَلُوا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَيْنِ فِي رِوَايَةٍ الْمَفْرُوضُ مِقْدَارُ النَّاصِيَةِ، وَفِي رِوَايَةٍ الرُّبُعُ وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ رِوَايَةً مِقْدَارُ النَّاصِيَةِ ثُمَّ قَالَ هَذَا إذَا كَانَتْ النَّاصِيَةُ تَبْلُغُ رُبُعَ الرَّأْسِ، وَإِذَا كَانَتْ النَّاصِيَةُ لَا تَبْلُغُ الرُّبُعَ لَا يَجُوزُ فَدَلَّ عَلَى تَغَايُرِهِمَا، وَفِي ضِيَاءِ الْحُلُومِ النَّاصِيَةُ مُقَدَّمُ الرَّأْسِ، وَفِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ النَّاصِيَةُ مَا بَيْنَ النَّزَعَتَيْنِ مِنْ الشَّعْرِ، وَهِيَ دُونَ الرُّبُعِ وَاخْتَارَ الْمُحَقِّقُونَ كَصَدْرِ الشَّرِيعَةِ وَابْنِ السَّاعَاتِيِّ وَفِي الْبَدِيعِ وَابْنِ الْهُمَامِ أَنَّ الْبَاءَ لِلْإِلْصَاقِ وَالْفِعْلَ الَّذِي هُوَ الْمَسْحُ قَدْ تَعَدَّى إلَى الْآلَةِ، وَهِيَ الْيَدُ؛ لِأَنَّ الْبَاءَ إذَا دَخَلَتْ فِي الْآلَةِ تَعَدَّى الْفِعْلُ إلَى كُلِّ الْمَمْسُوحِ كَمَسَحْتُ رَأْسَ الْيَتِيمِ بِيَدِي أَوْ عَلَى الْمَحَلِّ تَعَدَّى الْفِعْلُ إلَى الْآلَةِ وَالتَّقْدِيرُ وَامْسَحُوا أَيْدِيَكُمْ بِرُءُوسِكُمْ فَيَقْتَضِي اسْتِيعَابَ الْيَدِ دُونَ الرَّأْسِ وَاسْتِيعَابُهَا مُلْصَقَةً بِالرَّأْسِ لَا تَسْتَغْرِقُ غَالِبًا سِوَى رُبُعِهِ فَتَعَيَّنَ مُرَادًا مِنْ الْآيَةِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ وَالِاسْتِيعَابُ فِي التَّيَمُّمِ لَمْ يَكُنْ بِالْآيَةِ بَلْ بِالسُّنَّةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهِ، وَأَمَّا رِوَايَةُ ثَلَاثِ أَصَابِعَ فَقَدْ ذَكَرَ فِي الْبَدَائِعِ أَنَّهَا رِوَايَةُ الْأُصُولِ وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّهَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ أَنَّهَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَاخْتِيَارُ عَامَّةِ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَصَحَّحَهَا فِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ وَقَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَعَلَيْهَا الْفَتْوَى وَوَجَّهُوهَا بِأَنَّ الْوَاجِبَ إلْصَاقُ الْيَدِ وَالْأَصَابِعِ أَصْلُهَا وَالثَّلَاثُ أَكْثَرُهَا وَلِلْأَكْثَرِ حُكْمُ الْكُلِّ وَمَعَ ذَلِكَ، فَهِيَ غَيْرُ الْمَنْصُورِ رِوَايَةً وَدَارِيَةً أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِنَقْلِ الْمُتَقَدِّمِينَ رِوَايَةَ الرُّبُعِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ، وَأَمَّا الثَّانِي؛ فَلِأَنَّ الْمُقَدِّمَةَ الْأَخِيرَةَ فِي حَيِّزِ الْمَنْعِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ قَبِيلٍ الْمُقَدَّرِ الشَّرْعِيِّ بِوَاسِطَةِ تَعَدِّي الْفِعْلِ إلَى تَمَامِ الْيَدِ، فَإِنَّهُ بِهِ يَتَقَدَّرُ قَدْرُهَا مِنْ الرَّأْسِ وَفِيهِ يُعْتَبَرُ عَيْنُ قَدْرِهِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَعَزَاهَا فِي النِّهَايَةِ إلَى مُحَمَّدٍ وَعَزَا رِوَايَةَ الرُّبُعِ إلَيْهِمَا، وَهُوَ الْحَقُّ، وَلَوْ وَضَعَ ثَلَاثَ أَصَابِعَ، وَلَمْ يَمُدَّهَا جَازَ عَلَى رِوَايَةِ الثَّلَاثِ لَا الرُّبُعِ، وَلَوْ مَسَحَ بِثَلَاثِ أَصَابِعَ مَنْصُوبَةً غَيْرَ مَوْضُوعَةٍ لَمْ يَجُزْ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ اتِّفَاقًا، وَلَوْ مَدَّهَا حَتَّى بَلَغَ الْقَدْرَ الْمَفْرُوضَ لَمْ يَجُزْ عِنْدَ   [منحة الخالق] ؛ وَلِأَنَّ قَوْلَهُ أَوْ كَانَ أَيْ الْعُرْفُ أَفَادَ بَعْضًا مُطْلَقًا إلَخْ يُقَالُ عَلَيْهِ إنَّ ذَلِكَ الْبَعْضَ الْمُطْلَقَ الَّذِي هُوَ الْوَاجِبُ لَا يَدْرِي مِقْدَارَهُ وَحِينَئِذٍ لَمْ يَنْتِفْ الْإِجْمَالُ وَحُصُولُهُ فِي ضِمْنِ الِاسْتِيعَابِ لَا يَنْفِيه أَيْضًا بَلْ يَنْفِي الْحَاجَةَ إلَى بَيَانِهِ وَإِنْ أُرِيدَ بِإِفَادَةِ الْبَعْضِ الْمُطْلَقِ أَنَّهُ يَسْقُطُ الْفَرْضُ بِأَيِّ جُزْءٍ كَانَ، وَإِنْ قَلَّ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ لَمْ يَبْقَ فِي الْآيَةِ دَلِيلٌ لَنَا أَصْلًا. وَالْجَوَابُ عَنْهُ حِينَئِذٍ كَمَا قَالَ بَعْضُ شُرَّاحِ الْهِدَايَةِ لَمْ يُرِدْ ذَلِكَ بَلْ أُرِيدَ بَعْضٌ مُقَدَّرٌ، وَإِلَّا كَانَ حَاصِلًا بِغَسْلِ الْوَجْهِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى إيجَابٍ عَلَى حِدَةٍ، فَإِنَّ الْمَفْرُوضَ فِي سَائِرِ الْأَعْضَاءِ مُقَدَّرٌ، فَكَذَا فِي هَذِهِ الْوَظِيفَةِ وَأَمَّا الثَّانِي؛ فَلِأَنَّ الرِّوَايَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي الْهِدَايَةِ بِعَلَى دُونَ الْبَاءِ فَلَا يَعُودُ النِّزَاعُ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يَعُودُ عَلَى رِوَايَةِ الْبَاءِ، وَأَمَّا الثَّالِثُ؛ فَلِأَنَّ قَوْلَهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَزِمَ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ فِي حَيِّزِ الْمَنْعِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ حُصُولِ الْوَاجِبِ فِي ضِمْنِ الِاسْتِيعَابِ فَتَنْتَفِي الْحَاجَةُ بِهِ وَكَذَا يُقَالُ فِي قَوْلِهِ؛ وَلِأَنَّ كَانَ كَذَلِكَ إلَخْ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: وَعَزَاهَا فِي النِّهَايَةِ إلَى مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) وَعَلَيْهِ فَمَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ مِنْ أَنَّهَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ مُحَمَّدٍ لَا عَنْ الْإِمَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: وَلَوْ مَسَحَ بِثَلَاثِ أَصَابِعَ مَنْصُوبَةٍ غَيْرِ مَوْضُوعَةٍ) أَيْ وَلَا مَمْدُودَةٍ وَالْمُرَادُ بِغَيْرِ مَوْضُوعَةٍ أَنَّهُ لَمْ يَضَعْهَا بِتَمَامِهَا عَلَى الرَّأْسِ بِأَنْ مَسَحَ بِأَطْرَافِهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَبْلُغُ مِقْدَارَ ثَلَاثِ أَصَابِعَ وَلَا مِقْدَارَ الرُّبْعِ فَلِذَا قَالَ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ اتِّفَاقًا وَقَوْلُهُ وَلَوْ مَدّهَا إلَخْ أَيْ هَذِهِ الْأَصَابِعَ الْمَنْصُوبَةَ الْغَيْرَ الْمَوْضُوعَةِ بِأَنْ مَسَحَ بِأَطْرَافِهَا وَمَدَّهَا مِقْدَارَ ثَلَاثِ أَصَابِعَ أَوْ مِقْدَارَ الرُّبْعِ لَمْ يَجُزْ بَقِيَ مَا إذَا وَضَعَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 أَصْحَابِنَا خِلَافًا لِزُفَرَ، وَكَذَا بِأُصْبُعٍ أَوْ أُصْبُعَيْنِ، وَلَوْ مَسَحَ بِأُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَأَعَادَهَا إلَى الْمَاءِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ جَازَ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَلَا يَجُوزُ، وَلَوْ مَسَحَ بِأَطْرَافِ أَصَابِعِهِ وَالْمَاءُ مُتَقَاطِرٌ جَازَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَقَاطِرًا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ إذَا كَانَ مُتَقَاطِرًا فَالْمَاءُ يَنْزِلُ مِنْ أَصَابِعِهِ إلَى أَطْرَافِهَا، فَإِذَا مَدَّهُ صَارَ كَأَنَّهُ أَخَذَ مَاءً جَدِيدًا كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَذَكَرَ فِي الْخُلَاصَةِ، وَلَوْ مَسَحَ بِأَطْرَافِ أَصَابِعِهِ يَجُوزُ سَوَاءٌ كَانَ الْمَاءُ مُتَقَاطِرًا أَوْ لَا وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَفِي الْبَدَائِعِ، وَلَوْ مَسَحَ بِأُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ بِبَطْنِهَا وَبِظَهْرِهَا وَبِجَانِبِهَا لَمْ يُذْكَرْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَجُوزُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَجُوزُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي مَعْنَى الْمَسْحِ بِثَلَاثِ أَصَابِعَ اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَى الْمَذْهَبِ مِنْ اعْتِبَارِ الرُّبُعِ، وَأَمَّا مَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِابْنِ الْمَلَكِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اتِّفَاقًا فِي الْأَصَحِّ فَفِيهِ نَظَرٌ نَعَمْ صَرَّحَ بِالتَّصْحِيحِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الِاتِّفَاقِ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ ثُمَّ صَاحِبُ الْخُلَاصَةِ وَمُنْيَةِ الْمُفْتِي، وَلَوْ أَدْخَلَ رَأْسَهُ الْإِنَاءَ أَوْ خُفَّهُ أَوْ جَبِيرَتَهُ، وَهُوَ مُحْدِثٌ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُجْزِئُهُ الْمَسْحُ وَلَا يَصِيرُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا سَوَاءٌ نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: إنْ لَمْ يَنْوِ يُجْزِئُهُ، وَلَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا، وَإِنْ نَوَى الْمَسْحَ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ عَلَى قَوْلِهِ قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يُجْزِئُهُ وَيَصِيرُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجُوزُ وَلَا يَصِيرُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا كَذَا فِي الْبَدَائِعِ فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ مَا فِي الْمَجْمَعِ مِنْ الْخِلَافِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى غَيْرِ الصَّحِيحِ بَلْ الصَّحِيحُ أَنْ لَا خِلَافَ، وَعُلِمَ أَيْضًا أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الرَّأْسِ وَالْخُفِّ وَالْجَبِيرَةِ خِلَافًا لِمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْمَلَكِ وَمَحَلُّ الْمَسْحِ عَلَى الشَّعْرِ الَّذِي فَوْقَ الْأُذُنَيْنِ لَا مَا تَحْتَهُمَا كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالْمَسْحُ عَلَى شَعْرِ الرَّأْسِ لَيْسَ بَدَلًا عَنْ الْمَسْحِ عَلَى الْبَشَرَةِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَسْحِ عَلَى الْبَشَرَةِ، وَلَوْ كَانَ بَدَلًا لَمْ يَجُزْ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلِحْيَتِهِ) بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى رَأْسِهِ يَعْنِي وَرُبُعُ لِحْيَتِهِ، وَإِنَّمَا عَيَّنَّاهُ لَمَّا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي، وَإِنْ جَازَ فِيهِ وَجْهٌ آخَرُ، وَهُوَ الْعَطْفُ عَلَى الرُّبُعِ لِيُفِيدَ مَسْحَ الْجَمِيعِ، وَهُنَا رِوَايَاتٌ فِي الْمَفْرُوضِ فِي اللِّحْيَةِ مَعَ الِاتِّفَاقِ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ إيصَالِ الْمَاءِ إلَى مَا تَحْتَ اللِّحْيَةِ مِنْ بَشَرَةِ الْوَجْهِ فَرُوِيَ مَسْحُ رُبُعِهَا وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَعَبَّرَ عَنْهُ فِي الْكَافِي بِقَوْلِهِ وَلَنَا وَرُوِيَ مَسْحُ كُلِّهَا وَرُوِيَ مَسْحُ مَا يُلَاقِي الْبَشَرَةَ وَصَحَّحَهُ قَاضِي خان فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَتَبِعَهُ فِي الْمَجْمَعِ وَرُوِيَ مَسْحُ الثُّلُثِ وَرُوِيَ عَدَمُ وُجُوبِ شَيْءٍ وَالصَّحِيحُ وُجُوبُ غَسْلِهَا بِمَعْنَى افْتِرَاضِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَفِي الْبَدَائِعِ أَنَّ مَا عَدَا هَذِهِ الرِّوَايَةِ مَرْجُوعٌ عَنْهُ وَالْعَجَبُ مِنْ أَصْحَابِ الْمُتُونِ فِي ذِكْرِ الْمَرْجُوعِ عَنْهُ وَتَرْكِ الْمَرْجُوعِ إلَيْهِ الْمُصَحَّحَ الْمُفْتَى بِهِ مَعَ دُخُولِهَا فِي حَدِّ الْوَجْهِ الْمُتَقَدِّمِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْكَثَّةِ أَمَّا الْخَفِيفَةُ الَّتِي تُرَى بَشَرَتُهَا فَيَجِبُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى مَا تَحْتَهَا، وَهَذَا كُلُّهُ فِي غَيْرِ الْمُسْتَرْسِلِ وَأَمَّا الْمُسْتَرْسِلُ فَلَا يَجِبُ غَسْلُهُ وَلَا مَسْحُهُ لَكِنْ ذَكَرَ فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي أَنَّهُ سُنَّةٌ، وَلَوْ أَمَرَّ الْمَاءَ عَلَى شَعْرِ الذَّقَنِ ثُمَّ حَلَقَهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ غَسْلُ الذَّقَنِ كَالرَّأْسِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِاللِّحْيَةِ الشَّعْرُ النَّابِتُ عَلَى الْخَدَّيْنِ مِنْ عِذَارٍ وَعَارِضٍ وَالذَّقَنِ وَفِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ اللِّحْيَةُ الشَّعْرُ النَّابِتُ بِمُجْتَمَعِ اللَّحْيَيْنِ وَالْعَارِضِ مَا بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْعِذَارِ وَهُوَ الْقَدْرُ الْمُحَاذِي لِلْأُذُنِ يَتَّصِلُ مِنْ الْأَعْلَى بِالصُّدْغِ وَمِنْ الْأَسْفَلِ بِالْعَارِضِ. وَلَمَّا فَرَغَ الْمُصَنِّفُ مِنْ فَرَائِضِ الْوُضُوءِ شَرَعَ فِي بَيَانِ سُنَنِهِ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْوُضُوءَ لَا وَاجِبَ فِيهِ لِمَا أَنَّ ثُبُوتَ الْحُكْمِ بِقَدْرِ دَلِيلِهِ وَالدَّلِيلُ الْمُثْبِتُ لَهُ هُوَ مَا كَانَ ظَنِّيَّ الثُّبُوتِ قَطْعِيَّ الدَّلَالَةِ وَمَا كَانَ بِمَنْزِلَتِهِ كَأَخْبَارِ الْآحَادِ الَّتِي مَفْهُومُهَا قَطْعِيُّ الدَّلَالَةِ، وَلَمْ يُوجَدْ فِي الْوُضُوءِ وَلَا يُنَافِيهِ مَا فِي الْخُلَاصَةِ مِنْ أَنَّ الْوُضُوءَ ثَلَاثَةُ   [منحة الخالق] ثَلَاثَ أَصَابِعَ وَمَدّهَا حَتَّى بَلَغَ الْقَدْرَ الْمَفْرُوضَ قَالَ فِي الْفَتْحِ لَمْ أَرَ فِيهِ إلَّا الْجَوَازَ اهـ. وَاعْتَرَضَهُ فِي النَّهْرِ بِقَوْلِ الْبَدَائِعِ وَلَوْ مَدَّهَا حَتَّى بَلَغَ الْقَدْرَ الْمَفْرُوضَ لَمْ يَجُزْ إلَى آخِرِ مَا نَقَلَهُ الْمُؤَلِّفُ هُنَا وَأَقُولُ: لَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّ الضَّمِيرَ فِي مَدَّهَا لِلْأَصَابِعِ الْمَنْصُوبَةِ الْغَيْرِ الْمَوْضُوعَةِ كَمَا عَلِمْت وَكَلَامُ الْفَتْحِ فِي الْمَوْضُوعَةِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: بَلْ الصَّحِيحُ أَنْ لَا خِلَافَ) ؛ لِأَنَّ الَّذِي فِيهِ الْخِلَافُ بَيْنَهُمَا مَا إذَا نَوَى الْمَسْحَ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَنْوِ فَلَا خِلَافَ فِيهِ وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الْأُولَى أَيْضًا الصَّحِيحُ فِيهَا أَنَّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ كَقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فَقَدْ حَصَلَ الِاتِّفَاقُ بَيْنَهُمَا فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ بِنَاءً عَلَى هَذَا التَّصْحِيحِ فَذَكَرَ الْخِلَافَ بَيْنَهُمَا عَلَى غَيْرِ الصَّحِيحِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ جَازَ فِيهِ وَجْهٌ آخَرُ) أَقُولُ: وَيَجُوزُ فِيهِ وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى وَجْهِهِ فَيَكُونُ الْمَعْنَى وَغَسْلُ لِحْيَتِهِ فَيُوَافِقُ الرِّوَايَةَ الْمَرْجُوعَ إلَيْهَا، وَإِنْ كَانَ الْمُتَبَادَرُ خِلَافَهُ فَيَنْدَفِعُ الْعَجَبُ عَنْهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُصَحِّحَهُ هُنَا، وَإِنْ اخْتَارَ فِي الْكَافِي غَيْرَهُ كَمَا وَقَعَ لِقَاضِي خان فَإِنَّهُ صَحَّحَ فِي فَتَاوَاهُ مَسْحَ كُلِّهَا وَصَحَّحَ فِي شَرْحِهِ لِلْجَامِعِ الصَّغِيرِ مَسْحَ مَا يُلَاقِي الْبَشَرَةَ فَتَأَمَّلْ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَهَذَا كُلُّهُ فِي غَيْرِ الْمُسْتَرْسِلِ) الْمُرَادُ بِاسْتَرْسَلَ مَا خَرَجَ عَنْ دَائِرَةِ الْوَجْهِ، وَهُوَ غَيْرُ الْمُلَاقِي؛ لِأَنَّ الْمُلَاقِيَ مَا كَانَ غَيْرَ خَارِجٍ عَنْ دَائِرَةِ الْوَجْهِ كَذَا فِي شَرْحِ الدُّرَرِ وَالْغُرَرِ لِلْعَلَّامَةِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ النَّابُلُسِيِّ (قَوْلُهُ: وَالْعَارِضُ مَا بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْعَذَارِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ فَيُسَمَّى الشَّعْرُ النَّابِتُ عَلَى الْخَدَّيْنِ إلَى الْعَظْمِ النَّاتِئِ بِقُرْبِ الْأُذُنِ عَارِضًا وَالنَّابِتُ عَلَى الْعَظْمِ النَّاتِئِ بِقُرْبِ الْأُذُنِ عِذَارًا. [سُنَن الْوُضُوءُ] (قَوْلُهُ: كَأَخْبَارِ الْآحَادِ الَّتِي مَفْهُومُهَا قَطْعِيُّ الدَّلَالَةِ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 أَنْوَاعٍ فَرْضٌ، وَهُوَ الْوُضُوءُ لِصَلَاةِ الْفَرِيضَةِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ وَوَاجِبٌ، وَهُوَ الْوُضُوءُ لِلطَّوَافِ بِالْبَيْتِ وَمَنْدُوبٌ، وَهُوَ الْوُضُوءُ لِلنَّوْمِ وَعَنْ الْغِيبَةِ وَالْكَذِبِ، وَإِنْشَادِ الشِّعْرِ وَمِنْ الْقَهْقَهَةِ وَالْوُضُوءُ عَلَى الْوُضُوءِ وَالْوُضُوءُ لِغَسْلِ الْمَيِّتِ اهـ. لِأَنَّ هَذَا حُكْمٌ عَلَى نَفْسِ الْوُضُوءِ بِأَنَّهُ وَاجِبٌ لَا أَنَّ فِيهِ وَاجِبًا، وَظَاهِرُ تَقْيِيدِهِ بِصَلَاةِ الْفَرِيضَةِ أَنَّ الْوُضُوءَ لِلنَّافِلَةِ لَيْسَ بِفَرْضٍ، وَإِنْ كَانَ شَرْطًا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ فَرْضٌ عِنْدَ إرَادَتِهَا الْجَازِمَةِ كَمَا سَبَقَ تَقْرِيرُهُ فِي بَيَانِ السَّبَبِ وَمُرَادُهُ مِنْ الْوُضُوءِ لِلنَّوْمِ الْوُضُوءُ عِنْدَ إرَادَةِ النَّوْمِ، فَإِنَّهُ مُسْتَحَبٌّ، وَأَمَّا الْوُضُوءُ مِنْ النَّوْمِ النَّاقِضِ فَفَرْضٌ (قَوْلُهُ: وَسُنَّتُهُ) أَيْ الْوُضُوءِ هِيَ لُغَةً الطَّرِيقَةُ الْمُعْتَادَةُ، وَلَوْ سَيِّئَةً وَاصْطِلَاحًا الطَّرِيقَةُ الْمَسْلُوكَةُ فِي الدِّينِ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِشُمُولِهِ الْفَرْضَ وَالْوَاجِبَ فَزَادَ فِي الْكَشْفِ مِنْ غَيْرِ افْتِرَاضٍ وَلَا وُجُوبٍ وَفِيهِ نَظَرٌ لِشُمُولِهِ الْمُسْتَحَبَّ وَالْمَنْدُوبَ فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ هِيَ الطَّرِيقَةُ الْمَسْلُوكَةُ فِي الدِّينِ مِنْ غَيْرِ لُزُومٍ عَلَى سَبِيلِ الْمُوَاظَبَةِ لِيَخْرُجَ غَيْرُ الْمَحْدُودِ، وَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مِنْ أَنَّهَا مَا فِي فِعْلِهِ ثَوَابٌ وَفِي تَرْكِهِ عِتَابٌ لَا عِقَابٌ فَهُوَ تَعْرِيفٌ بِالْحُكْمِ وَمَا فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ مِنْ أَنَّهَا مَا ثَبَتَ بِقَوْلِهِ أَوْ فِعْلِهِ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ وَلَا مُسْتَحَبٍّ فَفِيهِ نَظَرٌ لِشُمُولِهِ الْمُبَاحَ وَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّهَا مَا وَاظَبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهِ وَمَعَ التَّرْكِ أَحْيَانًا فَمُنْتَقَضٌ بِالْفَرْضِ، فَإِنَّ الْقِيَامَ فِي الصَّلَاةِ مَثَلًا حَصَلَتْ الْمُوَاظَبَةُ عَلَيْهِ مَعَ التَّرْكِ أَحْيَانًا لِعُذْرِ الْمَرَضِ؛ فَلِذَا زَادَ فِي التَّحْرِيرِ أَنْ يَكُونَ التَّرْكُ أَحْيَانًا بِلَا عُذْرٍ لِيَلْزَمَ كَوْنُهُ بِلَا وُجُوبٍ وَظَاهِرٌ أَنَّ الْمُوَاظَبَةَ بِلَا تَرْكٍ أَصْلًا لَا تُفِيدُ السُّنِّيَّةَ بَلْ الْوُجُوبَ وَظَاهِرُ الْهِدَايَةِ يُخَالِفُهُ، فَإِنَّهُ فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى سُنِّيَّةِ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ قَالَ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَعَلَهُمَا عَلَى الْمُوَاظَبَةِ، وَكَذَا اسْتِدْلَالُهُمْ عَلَى سُنِّيَّةِ الِاعْتِكَافِ فِي الْعَشَرَةِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ «بِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَاظَبَ عَلَى الِاعْتِكَافِ فِي الْعَشَرَةِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى» كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ يُفِيدُ أَنَّهَا تُفِيدُ السُّنِّيَّةَ مُطْلَقًا؛ وَلِذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فَهَذِهِ الْمُوَاظَبَةُ الْمَقْرُونَةُ بِعَدَمِ التَّرْكِ مَرَّةً لَمَّا اقْتَرَنَتْ بِعَدَمِ الْإِنْكَارِ عَلَى مَنْ لَمْ يَفْعَلْهُ مِنْ الصَّحَابَةِ كَانَتْ دَلِيلَ السُّنِّيَّةِ، وَإِلَّا كَانَتْ تَكُونُ دَلِيلَ الْوُجُوبِ انْتَهَى وَاَلَّذِي ظَهَرَ لِلْعَبْدِ الضَّعِيفِ أَنَّ السُّنَّةَ مَا وَاظَبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهِ لَكِنْ إنْ كَانَتْ   [منحة الخالق] تَمْثِيلٌ لِقَوْلِهِ هُوَ مَا كَانَ ظَنِّيَّ الثُّبُوتِ قَطْعِيَّ الدَّلَالَةِ؛ لِأَنَّ الَّذِي بِمَنْزِلَةِ عَكْسِهِ، وَهُوَ قَطْعِيُّ الثُّبُوتِ ظَنِّيُّ الدَّلِيلِ وَأَخْبَارُ الْآحَادِ لَيْسَ كَذَلِكَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَإِنْشَادُ الشِّعْرِ) قَالَ سَيِّدِي الْعَارِفُ بِاَللَّهِ تَعَالَى عَبْدُ الْغَنِيِّ النَّابُلُسِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى هَدِيَّةِ ابْنِ الْعِمَادِ. اعْلَمْ أَنَّ الشِّعْرَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ مُبَاحٌ وَمُثَابٌ عَلَيْهِ وَمَنْهِيٌّ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ مُشْتَمِلًا عَلَى أَوْصَافِ الْمَخْلُوقَاتِ الْحَسَنَةِ كَالْإِنْسَانِ وَالْحَيَوَانِ وَالنَّبَاتَاتِ وَالْمَعَادِنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ أَوْ عَلَى الْأَوْصَافِ الْقَبِيحَةِ فِي الْإِنْسَانِ وَنَحْوِهِ، وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْهَجْوِ، وَهُوَ مَا يُنَفِّرُ قَلْبَ الرَّجُلِ عَنْ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ، وَهُوَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ صِدْقًا، فَقَدْ دَخَلَ فِي الْغِيبَةِ، وَإِنْ كَانَ كَذِبًا فَقَدْ دَخَلَ فِي الْكَذِبِ فَيُسْتَحَبُّ الْوُضُوءُ مِنْهُ، وَأَمَّا إذَا كَانَ مُشْتَمِلًا عَلَى الْأَوْصَافِ الْحَسَنَةِ كَذِكْرِ إنْسَانٍ مُعَيَّنٍ أَوْ غَيْرِ مُعَيَّنٍ أَوْ ذِكْرِ زَهْرٍ أَوْ رَوْضٍ مُعَيَّنٍ أَوْ غَيْرِ مُعَيَّنٍ فَذَلِكَ دَائِرٌ مَعَ الْقَصْدِ وَالْإِرَادَةِ، فَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ اللَّهْوَ وَالْغَفْلَةَ وَالْغُرُورَ بِزَخَارِفِ الدُّنْيَا؛ وَلَذَائِذِهَا فَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ أَيْضًا قَالَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كُلُّ لَهْوِ ابْنِ آدَمَ حَرَامٌ» الْحَدِيثُ وَقَدْ مَدَحَ مَا لَا يَسْتَوْجِبُ الْمَدْحَ، وَهُوَ عَارِضُ الدُّنْيَا الْقَبِيحُ الْمُنْتِنُ فَقَدْ أَصَابَتْهُ بِسَبَبِ ذَلِكَ نَجَاسَةٌ مَعْنَوِيَّةٌ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ إعَادَةُ الْوُضُوءِ بِإِنْشَادِ ذَلِكَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ وَأَمَّا إنْ أَرَادَ بِمَا ذَكَرْنَا بَيَانَ صَنْعَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَظِيمِ حِكْمَتِهِ وَعَجِيبِ مَا أَظْهَرَتْهُ قُدْرَتُهُ عَلَى صَفَحَاتِ الْأَكْوَانِ مِنْ بَدَائِعِ الْمَخْلُوقَاتِ وَغَرَائِبِ الْمَصْنُوعَاتِ فَلَهُ إرَادَتُهُ وَنِيَّتُهُ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» ، وَهَذَا النَّوْعُ مِنْ الشِّعْرِ مُثَابٌ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الْمُبَاحُ فَهُوَ أَنْ لَا يَقْصِدَ شَيًّا مِمَّا ذَكَرْنَا فَظَهَرَ بِذَلِكَ أَنَّ الشِّعْرَ بِمَنْزِلَةِ الْكَلَامِ فَحَسَنُهُ حَسَنٌ وَقَبِيحُهُ قَبِيحٌ وَلَا تُعَدُّ الِاسْتِعَارَاتُ فِيهِ وَلَا التَّشَابِيهُ وَلَا الْمُبَالَغَاتُ مِنْ قَبِيلِ الْكَذِبِ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ عَلَى حَسَبِ التَّفْصِيلِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَأَحْسَنُ الْمُبَالَغَاتِ مَا فِيهِ شَيْءٌ مِنْ أَفْعَالِ الْمُقَارَبَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ} [النور: 35] وَقَدْ وَرَدَ فِي مَدْحِ الشِّعْرِ مَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ مِنْ الْأَخْبَارِ وَكَذَلِكَ فِي ذَمِّهِ اهـ. وَتَمَامُهُ فِيهِ (قَوْلُهُ: وَمُرَادُهُ مِنْ الْوُضُوءِ لِلنَّوْمِ الْوُضُوءُ عِنْدَ إرَادَةِ النَّوْمِ) هَذَا الَّذِي يَتَبَادَرُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ الْوُضُوءُ لِاسْتِيقَاظِهِ مِنْهُ فَيَكُونُ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ وَكُلٌّ مِنْهُمَا صَحِيحٌ إذْ يُنْدَبُ الْوُضُوءُ لِلنَّوْمِ عَلَى طَهَارَةٍ وَالْوُضُوءُ إذَا اسْتَيْقَظَ مِنْهُ لِيَكُونَ مُبَادِرًا لِلطَّهَارَةِ وَأَدَاءِ الْعِبَادَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشُّرُنْبُلَالِيُّ، وَأَمَّا مَنْعُ الشَّارِحِ ذَلِكَ فَغَيْرُ مُسَلَّمٍ إذْ الْوُضُوءُ الْفَرْضُ إنَّمَا هُوَ لِلصَّلَاةِ أَيْ إذَا أَرَادَهَا وَلَمْ يَكُنْ مُتَوَضِّئًا (قَوْلُهُ: لِشُمُولِهِ الْمُبَاحَ) أَيْ فَيَكُونُ غَيْرَ مَانِعٍ، فَإِنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ ثَبَتَ بِقَوْلِهِ أَوْ فِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ وَلَا سُنَّةٍ قَالَ فِي النَّهْرِ يَعْنِي بِنَاءً عَلَى مَا هُوَ الْمُتَصَوَّرُ عِنْدَهُمْ مِنْ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَشْيَاءِ التَّوَقُّفُ إلَّا أَنَّ الْفُقَهَاءَ كَثِيرًا مَا يَلْهَجُونَ بِأَنَّ الْأَصْلَ بِالْأَشْيَاءِ الْإِبَاحَةُ فَالتَّعْرِيفُ بِنَاءٌ عَلَيْهِ اهـ. قُلْت وَفِي التَّحْرِيرِ لِلْمُحَقِّقِ ابْنِ الْهُمَامِ الْأَصْلُ الْإِبَاحَةُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 لَا مَعَ التَّرْكِ فَهِيَ دَلِيلُ السُّنَّةِ الْمُؤَكَّدَةِ، وَإِنْ كَانَتْ مَعَ التَّرْكِ أَحْيَانًا فَهِيَ دَلِيلُ غَيْرِ الْمُؤَكَّدَةِ، وَإِنْ اقْتَرَنَتْ بِالْإِنْكَارِ عَلَى مَنْ لَمْ يَفْعَلْهُ فَهِيَ دَلِيلُ الْوُجُوبِ فَافْهَمْ هَذَا فَإِنَّ بِهِ يَحْصُلُ التَّوْفِيقُ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَسُنَنُهُ بِالْجَمْعِ وَنُكْتَةُ جَمْعِهَا وَإِفْرَادِ الْفَرْضِ الْإِشَارَةُ إلَى أَنَّ الْفُرُوضَ وَإِنْ كَثُرَتْ فِي حُكْمِ شَيْءٍ وَاحِدٍ بِدَلِيلِ فَسَادِ الْبَعْضِ بِتَرْكِ الْبَعْضِ بِخِلَافِ السُّنَنِ إذْ لَا يَبْطُلُ بَعْضُهَا بِتَرْكِ بَعْضِهَا وَالْإِضَافَةُ هُنَا بِمَعْنَى اللَّامِ كَمَا لَا يَخْفَى وَجَعَلَهَا الْمُصَنِّفُ فِي الْمُسْتَصْفَى مِنْ إضَافَةِ الشَّيْءِ إلَى مَحَلِّهِ؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ مَحَلٌّ لِهَذِهِ السُّنَنِ وَفِي النِّهَايَةِ أَنَّهَا بِمَعْنَى مِنْ وَفِيهِ مَا تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ. (قَوْلُهُ: غَسَلَ يَدَيْهِ إلَى رُسْغَيْهِ ابْتِدَاء) يَعْنِي: غَسْلُ الْيَدَيْنِ ثَلَاثًا إلَى رُسْغَيْهِ فِي ابْتِدَاءِ الْوُضُوءِ سُنَّةٌ وَالرُّسْغُ مُنْتَهَى الْكَفِّ عِنْدَ الْمَفْصِلِ وَفِي ضِيَاءِ الْحُلُومِ الرُّسْغُ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ مَوْصِلُ الْكَفِّ فِي الذِّرَاعِ وَالْقَدَمِ فِي السَّاقِ. اعْلَمْ أَنَّ فِي غَسْلِ الْيَدَيْنِ ابْتِدَاءً ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ قِيلَ إنَّهُ فَرْضٌ وَتَقْدِيمُهُ سُنَّةٌ وَاخْتَارَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْمِعْرَاجِ وَالْخَبَّازِيَّةِ وَإِلَيْهِ يُشِيرُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ فِي الْأَصْلِ بَعْدَ غَسْلِ الْوَجْهِ ثُمَّ يَغْسِلُ ذِرَاعَيْهِ وَلَمْ يَقُلْ يَدَيْهِ فَلَا يَجِبُ غَسْلُهُمَا ثَانِيًا وَقِيلَ إنَّهُ سُنَّةٌ تَنُوبُ عَنْ الْفَرْضِ كَالْفَاتِحَةِ، فَإِنَّهَا وَاجِبَةٌ تَنُوبُ عَنْ الْفَرْضِ وَاخْتَارَهُ فِي الْكَافِي وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ: إنَّهُ سُنَّةٌ لَا يَنُوبُ عَنْ الْفَرْضِ فَيُعِيدُ غَسْلَهُمَا ظَاهِرَهُمَا وَبَاطِنَهُمَا قَالَ: وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدِي وَاسْتَشْكَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ التَّطْهِيرُ فَبِأَيِّ طَرِيقٍ حَصَلَ حَصَلَ الْمَقْصُودُ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمَشَايِخِ أَنَّ الْمَذْهَبَ الْأَوَّلُ وَاخْتُلِفَ فِي أَنَّ غَسْلَهُمَا قَبْلَ الِاسْتِنْجَاءِ أَوْ بَعْدَهُ فَقِيلَ سُنَّةٌ قَبْلَهُ فَقَطْ وَقِيلَ بَعْدَهُ فَقَطْ وَقِيلَ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْأَكْثَرُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُجْتَبَى وَصَحَّحَهُ قَاضِي خان فِي الْفَتَاوَى وَفِي النِّهَايَةِ وَيُسْتَدَلُّ لَهُ بِأَنَّ جَمِيعَ مَنْ حَكَى وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدَّمَ غَسْلَ الْيَدَيْنِ، وَأَمَّا سُنِّيَّتَهُ قَبْلَهُ فِيمَا رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ مِنْ «حَدِيثِ مَيْمُونَةَ فِي صِفَةِ غَسْلِهِ وَفِيهِ أَنَّهَا حَكَتْ غَسْلَ الْيَدَيْنِ قَبْلَ الِاسْتِنْجَاءِ» وَحِكْمَتُهُ قَبْلَهُ الْمُبَالَغَةُ فِي إزَالَةِ رَائِحَةِ مَا يُصِيبُهُمَا وَأُورِدَ أَنَّ الْمُصَابَ الْيَدُ الْيُسْرَى فَيَنْبَغِي الِاقْتِصَارُ عَلَيْهَا وَتَخْصِيصُهُ بِمَا إذَا تَغَوَّطَ. وَأُجِيبَ بِمَا فِي الْأُصُولِ مِنْ أَنَّ الْحِكْمَةَ تُرَاعَى فِي الْجِنْسِ وَلَا يَلْزَمُ وُجُودُهَا فِي كُلِّ فَرْدٍ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الِابْتِدَاءَ بِغَسْلِ الْيَدَيْنِ وَاجِبٌ إذَا كَانَتْ النَّجَاسَةُ مُحَقَّقَةً فِيهِمَا وَسُنَّةٌ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الْوُضُوءِ كَمَا ذَكَرْنَا وَسُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ عِنْدَ تَوَهُّمِ النَّجَاسَةِ كَمَا إذَا اسْتَيْقَظَ مِنْ النَّوْمِ فَعَلِمَ بِهَذَا أَنَّ قَيْدَ الِاسْتِيقَاظِ الْوَاقِعِ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا اتِّفَاقِيٌّ؛ لِأَنَّ مَنْ حَكَى وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَحِمْرَانَ مَوْلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَغَيْرِهِ قَدَّمَ فِيهِ الْبَدَاءَةَ بِغَسْلِ الْيَدَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِكَوْنِهِ عَنْ نَوْمٍ وَعَلَّلَ لَهُ فِي الْهِدَايَةِ بِأَنَّ الْيَدَيْنِ آلَةُ التَّطْهِيرِ فَيُبْدَأُ بِتَنْظِيفِهِمَا وَأُورِدَ عَلَيْهِ بِأَنَّ هَذَا يَقْتَضِي الْوُجُوبَ؛ لِأَنَّ مَا لَا يُتَوَصَّلُ إلَى الْوَاجِبِ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ هُنَا مَانِعًا مِنْ الْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ، وَهُوَ طَهَارَتُهُمَا حَقِيقَةً وَحُكْمًا، فَكَأَنَّ الْغَسْلَ إلَى الرُّسْغَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَكْفِي فِي حُصُولِ الْمَقْصُودِ، وَهُوَ تَنْظِيفُ الْآلَةِ وَعُلِمَ بِمَا قَرَّرْنَاهُ أَيْضًا أَنَّ مَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ مِنْ أَنَّ السُّنَّةَ فِي غَسْلِ الْيَدَيْنِ لِلْمُسْتَيْقِظِ مُقَيَّدَةٌ بِأَنْ يَكُونَ نَامَ غَيْرَ مُسْتَنْجٍ أَوْ كَانَ عَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ حَتَّى لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَا يُسَنُّ فِي حَقِّهِ ضَعِيفٌ أَوْ الْمُرَادُ نَفْيُ السُّنَّةِ الْمُؤَكَّدَةِ لَا أَصْلُهَا وَكَيْفِيَّةُ غَسْلِهِمَا كَمَا ذُكِرَ فِي الشُّرُوحِ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْإِنَاءُ صَغِيرًا بِحَيْثُ يُمْكِنُ رَفْعُهُ لَا يُدْخِلُ يَدَهُ فِيهِ بَلْ يَرْفَعُهُ بِشِمَالِهِ وَيَصُبُّهُ عَلَى كَفِّهِ الْيُمْنَى وَيَغْسِلُهَا ثَلَاثًا ثُمَّ يَأْخُذُ الْإِنَاءَ بِيَمِينِهِ وَيَصُبُّهُ عَلَى كَفِّهِ الْيُسْرَى وَيَغْسِلُهَا ثَلَاثًا، وَإِنْ كَانَ الْإِنَاءُ كَبِيرًا لَا يُمْكِنُ رَفْعُهُ، فَإِنْ كَانَ مَعَهُ إنَاءٌ صَغِيرٌ يَفْعَلُ كَمَا ذَكَرْنَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يُدْخِلُ أَصَابِعَ يَدِهِ الْيُسْرَى مَضْمُومَةً فِي الْإِنَاءِ يَصُبُّ عَلَى كَفِّهِ الْيُمْنَى ثُمَّ يُدْخِلُ الْيُمْنَى فِي الْإِنَاءِ وَيَغْسِلُ الْيُسْرَى وَعَلَّلَهُ فِي الْمُحِيطِ بِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْيَدَيْنِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ غَيْرُ مَسْنُونٍ وَتَعَقَّبَهُ الْعَلَّامَةُ الْحَلَبِيُّ بِأَنَّ الْجَمْعَ سُنَّةٌ كَمَا تُفِيدُهُ الْأَحَادِيثُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ تَقْدِيمَ الْيُمْنَى عَلَى الْيَسَرَيْ لِأَجْلِ التَّيَامُنِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: قِيلَ إنَّهُ فَرْضٌ وَتَقْدِيمُهُ سُنَّةٌ) الضَّمِيرُ فِي أَنَّهُ يَعُودُ إلَى غَسْلِ الْيَدَيْنِ لَا بِقَيْدِ الِابْتِدَاءِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَتَقْدِيمُهُ سُنَّةٌ (قَوْلُهُ: وَاسْتَشْكَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ إلَخْ) قَالَ الْعَلَّامَةُ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ: الَّذِي يَنْبَغِي حَمْلُ كَلَامِ السَّرَخْسِيِّ عَلَيْهِ هُوَ عَدَمُ النِّيَابَةِ مِنْ حَيْثُ ثَوَابُ الْفَرْضِ لَوْ أَتَى بِهِ مُسْتَقِلًّا قَصْدًا إذَا لِسُنَّةٍ لَا تُؤَدِّيه وَيُؤَيِّدُهُ اتِّفَاقُهُمْ عَلَى سُقُوطِ الْحَدَثِ بِلَا نِيَّةٍ اهـ. أَقُولُ: وَعَلَى هَذَا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا مُخَالَفَةَ بَيْنَ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ فَالْقَائِلُ بِأَنَّهُ فَرْضٌ أَرَادَ أَنَّهُ يُجْزِي عَنْ الْفَرْضِ وَأَنَّ تَقْدِيمَ هَذَا الْغُسْلِ الْمُجْزِي عَنْ الْفَرْضِ سُنَّةٌ وَهُوَ مُؤَدَّى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ سُنَّةٌ تَنُوبُ عَنْ الْفَرْضِ وَالسَّرَخْسِيُّ إمَامٌ جَلِيلٌ دَقِيقُ النَّظَرِ لَمَّا رَأَى فِي الْآيَةِ الْأَمْرَ بِغَسْلِ الْيَدَيْنِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ قَالَ يُعِيدُ غَسْلَ الْكَفَّيْنِ عِنْدَ غَسْلِ الذِّرَاعَيْنِ لِيَكُونَ آتِيًا بِالْمَأْمُورِ بِهِ قَصْدًا لِيَحْصُلَ لَهُ ثَوَابُ الْفَرْضِ، وَإِنْ كَانَ الْفَرْضُ سَقَطَ بِالْغَسْلِ الْأَوَّلِ لَكِنَّهُ سَقَطَ فِي ضِمْنِ الْغَسْلِ الْمَسْنُونِ فَهُوَ كَسُقُوطِهِ بِالْغَسْلِ بِلَا نِيَّةٍ فَلَا يَنُوبُ مَنَابَ الْغَسْلِ الْكَامِلِ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ فَيُسَنُّ أَنْ يُعِيدَ غَسْلَهُمَا لِمَا قُلْنَا وَلِهَذَا نُقِلَ فِي النَّهْرِ عَنْ الذَّخَائِرِ الْأَشْرَفِيَّةِ إنَّ السُّنَّةَ عِنْدَ غَسْلِ الذِّرَاعَيْنِ أَنْ يَغْسِلَ يَدَيْهِ ثَلَاثًا أَيْضًا اهـ. (قَوْلُهُ: وَالظَّاهِرُ تَقْدِيمُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى لِأَجْلِ التَّيَامُنِ) كَانَ الظَّاهِرُ أَنْ يَقُولَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 لَا لِمَا فِي الْمُحِيطِ كَمَا لَا يَخْفَى قَالُوا وَلَا يُدْخِلُ الْكَفَّ حَتَّى لَوْ أَدْخَلَهُ صَارَ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُبْتَغَى وَمَعْنَاهُ صَارَ الْمَاءُ الْمُلَاقِي لِلْكَفِّ مُسْتَعْمَلًا إذَا انْفَصَلَ لَا جَمِيعُ مَاءِ الْإِنَاءِ كَمَا سَنُحَقِّقُهُ فِي بَحْثِ الْمُسْتَعْمَلِ، وَقَالُوا يُكْرَهُ إدْخَالُ الْيَدِ فِي الْإِنَاءِ قَبْلَ الْغَسْلِ لِلْحَدِيثِ، وَهِيَ كَرَاهَةُ تَتْزِيهٍ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ فِيهِ مَصْرُوفٌ عَنْ التَّحْرِيمِ بِقَوْلِهِ «، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ» فَالنَّهْيُ مَحْمُولٌ عَلَى الْإِنَاءِ الصَّغِيرِ أَوْ الْكَبِيرِ إذَا كَانَ مَعَهُ إنَاءٌ صَغِيرٌ فَلَا يُدْخِلُ الْيَدَ فِيهِ أَصْلًا، وَفِي الْكَبِيرِ عَلَى إدْخَالِ الْكَفِّ كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى وَغَيْرِهِ مَعَ أَنَّ الْمَنْقُولَ فِي الْخَانِيَّةِ أَنَّ الْمُحْدِثَ أَوْ الْجُنُبَ إذَا أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ لِلِاغْتِرَافِ، وَلَيْسَ عَلَيْهَا نَجَاسَةٌ لَا يَفْسُدُ الْمَاءُ وَكَذَا إذَا وَقَعَ الْكُوزُ فِي الْجُبِّ فَأَدْخَلَ يَدَهُ إلَى الْمِرْفَقِ لَا يَصِيرُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا وَفِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ يُكْرَهُ الْوُضُوءُ بِالْمَاءِ الَّذِي أَدْخَلَ الْمُسْتَيْقِظُ يَدَهُ فِيهِ لِاحْتِمَالِ النَّجَاسَةِ كَمَا يُكْرَهُ الْوُضُوءُ بِالْمَاءِ الَّذِي أَدْخَلَ الصَّبِيُّ يَدَهُ فِيهِ وَفِي الْمُضْمَرَاتِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مَا يَغْتَرِفُ بِهِ وَيَدَاهُ نَجِسَتَانِ، فَإِنَّهُ يَأْمُرُ غَيْرَهُ أَنْ يَغْتَرِفَ بِيَدَيْهِ لِيَصُبَّ عَلَى يَدَيْهِ لِيَغْسِلَهُمَا، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ يُرْسِلْ فِي الْمَاءِ مِنْدِيلًا وَيَأْخُذْ طَرَفَهُ بِيَدِهِ ثُمَّ يُخْرِجْ مِنْ الْبِئْرِ فَيَغْسِلْ الْيَدَ بِقَطَرَاتِهِ ثُمَّ يَغْسِلْ الْيَدَ الْأُخْرَى أَوْ يَأْخُذْ الثَّوْبَ بِإِسْنَانِهِ فَيَغْسِلْ يَدَيْهِ بِالْمَاءِ الَّذِي يَتَقَاطَرُ ثَلَاثًا، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ يَرْفَعْ الْمَاءَ بِفَمِهِ فَيَغْسِلْ يَدَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ، فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ اهـ. وَفِي مَسْأَلَةِ رَفْعِ الْمَاءِ بِفِيهِ اخْتِلَافٌ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا، وَهُوَ مُزِيلٌ لِلْخَبَثِ (قَوْلُهُ: كَالتَّسْمِيَةِ) أَيْ كَمَا أَنَّ التَّسْمِيَةَ سُنَّةٌ فِي الِابْتِدَاءِ مُطْلَقًا كَذَلِكَ غَسْلُ الْيَدَيْنِ سُنَّةٌ فِي الِابْتِدَاءِ مُطْلَقًا أَعْنِي: سَوَاءٌ كَانَ الْوُضُوءُ عَنْ نَوْمٍ أَوْ غَيْرِهِ لَفْظُهَا الْمَنْقُولُ عَنْ السَّلَفِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ أَوْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا فِي الْخَبَّازِيَّةِ بِسْمِ اللَّهِ الْعَظِيمِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى دِينِ الْإِسْلَامِ وَعَنْ الْوَبَرِيِّ يَتَعَوَّذُ ثُمَّ يُبَسْمِلُ وَذَكَرَ الزَّاهِدِيُّ أَنَّهُ إنْ جَمَعَ بَيْنَ مَا تَقَدَّمَ وَالْبَسْمَلَةِ فَحَسَنٌ وَفِي الْمُحِيطِ السُّنَّةُ مُطْلَقُ الذِّكْرِ كَالْحَمْدِ لِلَّهِ أَوْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهَ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّهَا سُنَّةٌ مُخْتَارُ الْقُدُورِيِّ وَفِي الْهِدَايَةِ الْأَصَحُّ أَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ قِيلَ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَيُسَمِّي قَبْلَ الِاسْتِنْجَاءِ وَبَعْدَهُ هُوَ الصَّحِيحُ إلَّا مَعَ الِانْكِشَافِ، وَفِي مَوْضِعِ النَّجَاسَةِ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَقَدْ اسْتَدَلَّ لِوُجُوبِ التَّسْمِيَةِ بِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد «لَا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ» ، وَهُوَ، وَإِنْ ضُعِّفَ ارْتَقَى إلَى الْحَسَنِ بِكَثْرَةِ طُرُقِهِ. وَأَجَابَ عَنْهُ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ بِمُعَارَضَتِهِ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَرُدَّ السَّلَامَ حِينَ سَلَّمَ عَلَيْهِ رَجُلٌ حَتَّى أَقْبَلَ عَلَى الْجِدَارِ فَتَيَمَّمَ ثُمَّ رَدَّ السَّلَامَ» وَلِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ الْمُهَاجِرِينَ «قُنْفُذٌ لَمَّا سَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَهُوَ يَتَوَضَّأُ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ إنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَرُدَّ عَلَيْك إلَّا أَنِّي كُنْت عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ» فَهَذِهِ تُفِيدُ عَدَمَ ذِكْرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - اسْمَهُ تَعَالَى عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ وَمُقْتَضَاهُ انْتِفَاؤُهُ فِي أَوَّلِ الْوُضُوءِ فَيُحْمَلُ الْأَوَّلُ عَلَى نَفْيِ الْفَضِيلَةِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ وَتَعَقَّبَهُ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَشَرْحِ الْمَجْمَعِ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ لَا تَكُونَ التَّسْمِيَةُ أَفْضَلَ فِي ابْتِدَاءِ الْوُضُوءِ وَأَنْ يَكُونَ وُضُوءُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - خَالِيًا عَنْ التَّسْمِيَةِ وَلَا يَجُوزُ نِسْبَةُ تَرْكِ الْأَفْضَلِ لَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَقَدْ يُدْفَعُ بِأَنَّهُ يَجُوزُ تَرْكُ الْأَفْضَلِ لَهُ تَعْلِيمًا لِلْجَوَازِ كَوُضُوئِهِ مَرَّةً مَرَّةً تَعْلِيمًا لِجَوَازِهِ، وَهُوَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ، وَهُوَ أَعْلَى مِنْ الْمُسْتَحَبِّ لَكِنْ يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ بِأَنَّ التَّسْمِيَةَ مِنْ لَوَازِمِ إكْمَالِهِ فَكَانَ ذِكْرُهَا مِنْ تَمَامِهِ وَالذَّاكِرُ لَهَا قَبْلَ الْوُضُوءِ مُضْطَرٌّ إلَى ذِكْرِهَا لِإِقَامَةِ هَذِهِ السُّنَّةِ الْمُكَمِّلَةِ لِلْفَرْضِ فَخُصَّتْ مِنْ عُمُومِ الذِّكْرِ وَمُطْلَقُ الذِّكْرِ لَيْسَ مِنْ ضَرُورِيَّاتِ الْوُضُوءِ وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُطْلَقَ اللِّسَانُ بِهِ إلَّا عَلَى   [منحة الخالق] لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَهُوَ مُزِيلٌ لِلْخَبَثِ) أَيْ فَيَرْفَعُ الْمَاءَ بِفِيهِ وَيَغْسِلُ يَدَيْهِ مِنْ النَّجَاسَةِ، وَإِنْ صَارَ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا؛ لِأَنَّ الْمُسْتَعْمَلَ مُزِيلُ الْخَبَثِ ثُمَّ يُدْخِلُ أَصَابِعَهُ الْإِنَاءَ لِيُزِيلَ الْحَدَثَ وَفِي الذَّخِيرَةِ ذَكَرَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْمُنْتَقَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي رَجُلٍ أَخَذَ بِفَمِهِ مَاءً مِنْ الْإِنَاءِ فَغَسَلَ بِهِ جَسَدَهُ أَوْ تَوَضَّأَ بِهِ لَمْ يَجُزْ وَلَوْ غَسَلَ بِهِ نَجَاسَةً مِنْ بَدَنِهِ أَجْزَاهُ، وَفِي مُتَفَرِّقَاتِ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ مُحْدِثٌ مَعَهُ مَاءٌ قَلِيلٌ وَعَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ فَأَخَذَ الْمَاءَ بِفِيهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْوِيَ غَسْلَ فِيهِ ثُمَّ غَسَلَ بِهِ يَدَيْهِ قَالَ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لَا تَطْهُرُ يَدُهُ، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ الَّذِي أَخَذَهُ بِفِيهِ خَالَطَهُ الْبُزَاقُ وَخَرَجَ عَنْ أَنْ يَكُونَ مَاءً مُطْلَقًا فَالْتَحَقَ بِسَائِرِ الْمَائِعَاتِ غَيْرِ الْمَاءِ نَحْوُ الْخَلِّ وَالْمَرَقِ وَالدُّهْنِ وَمَاءِ الْوَرْدِ وَفِي غَسْلِ الْيَدَيْنِ بِسَائِرِ الْمَائِعَاتِ سِوَى الْمَاءِ الْمُطْلَقِ رِوَايَتَانِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي رِوَايَةٍ يَطْهُرُ كَالثَّوْبِ وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَطْهُرُ بِخِلَافِ الثَّوْبِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ أَنَّ الْبَدَنَ لَا يَطْهُرُ بِخِلَافِ الثَّوْبِ، فَإِنَّهُ يَطْهُرُ بِالْإِجْمَاعِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَدْ يُدْفَعُ) أَيْ يُدْفَعُ قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ نِسْبَةُ تَرْكِ الْأَفْضَلِ لَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ التَّرْكُ دَائِمًا بِدَلِيلِ سَابِقِ الْكَلَامِ فَلَا يَرِدُ الدَّفْعُ الْمَذْكُورُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: فَخُصَّتْ مِنْ عُمُومِ الذِّكْرِ) أَيْ الَّذِي تُسْتَحَبُّ لَهُ الطَّهَارَةُ، وَإِنَّمَا خُصَّتْ دُونَ غَيْرِهَا؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الذِّكْرِ لَيْسَ مِنْ ضَرُورِيَّاتِ الْوُضُوءِ نَعَمْ يَدْخُلُ فِي الْمَخْصُوصِ بَقِيَّةُ الْأَذْكَارِ لِلْوُضُوءِ بَقِيَ هُنَا شَيْءٌ، وَهُوَ أَنَّ التَّسْمِيَةَ إذَا كَانَتْ مَخْصُوصَةً مِمَّا ذُكِرَ تَنْتَفِي الْمُعَارَضَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الطَّحَاوِيُّ فَيَبْقَى الْحَدِيثُ مُفِيدًا لِلْوُجُوبِ فَيَعُودُ الْمَحْذُورُ تَأَمَّلْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 طَهَارَةٍ وَيَدْخُلُ فِي التَّخْصِيصِ الْأَذْكَارُ الْمَنْقُولَةُ عَلَى أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ لِكَوْنِهَا مِنْ مُكَمِّلَاتِهِ كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ نَفْيُ الْفَضِيلَةِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي نَفْيِ الْجَوَازِ لَكِنَّهُ خَبَرُ وَاحِدٍ لَا يُزَادُ بِهِ عَلَى الْكِتَابِ فَمُقْتَضَاهُ الْوُجُوبُ إلَّا لِصَارِفٍ فَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الصَّارِفَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ تَوَضَّأَ وَسَمَّى اللَّهَ تَعَالَى كَانَ طُهُورًا لِجَمِيعِ أَعْضَائِهِ وَمَنْ تَوَضَّأَ وَلَمْ يُسَمِّ اللَّهَ كَانَ طُهُورًا لِأَعْضَاءِ وُضُوئِهِ» فَإِنَّهُ يَقْتَضِي وُجُودَ الْوُضُوءِ بِلَا تَسْمِيَةٍ، وَهُوَ مَرْدُودٌ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ: ضَعْفُ الْحَدِيثِ كَمَا بَيَّنَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. الثَّانِي: أَنَّ تَرْكَ الْوَاجِبِ لَا يَنْفِي الْوُجُودَ، وَإِنَّمَا يُوجِبُ النُّقْصَانَ فَقَطْ الثَّالِثُ أَنَّهُ يَقْتَضِي تَجَزُّؤَ الطَّهَارَةِ، وَهِيَ غَيْرُ مُتَجَزِّئَةٍ عِنْدَنَا كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ وَرَدَّهُ الْأَكْمَلُ فِي تَقْدِيرِهِ بِأَنَّ مَنْ تَوَضَّأَ وَغَسَلَ بَعْضَ أَعْضَاءِ وُضُوئِهِ كَانَتْ الطَّهَارَةُ مُقْتَصِرَةً عَلَى مَا غَسَلَ، نَعَمْ بَدَنُ الْإِنْسَانِ بِاعْتِبَارِ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ غَيْرُ مُتَجَزِّئٍ وَقِيلَ الصَّارِفُ عَدَمُ حِكَايَةِ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ لَهَا لَمَّا حَكَيَا وُضُوءَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَرَدَّهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّ عَدَمَ النَّقْلِ لَا يَنْفِي الْوُجُودَ فَكَيْفَ بَعْدَ الثُّبُوتِ بِوَجْهٍ آخَرَ أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا لَمْ يَنْقُلَا التَّخْلِيلَ وَالسِّوَاكَ وَلَا شَكَّ أَنَّهُمَا سُنَّتَانِ وَذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّ الصَّارِفَ هُوَ عَدَمُ تَعْلِيمِهَا لِلْأَعْرَابِيِّ لَمَّا عَلَّمَهُ الْوُضُوءَ وَرَدَّهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّ حَدِيثَ الْأَعْرَابِيِّ، وَإِنْ حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ ضَعَّفَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ قَالَ فَأَدَّى النَّظَرُ إلَى وُجُوبِهَا غَيْرَ أَنَّ صِحَّةَ الْوُضُوءِ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الرُّكْنَ إنَّمَا يَثْبُتُ بِالْقَاطِعِ وَلَا يَلْزَمُ الزِّيَادَةُ عَلَى الْكِتَابِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ إلَّا لَوْ قُلْنَا بِالِافْتِرَاضِ، وَقَدْ أَجَابَ عَنْ قَوْلِهِمْ لَا وَاجِبَ فِي الْوُضُوءِ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَمَّا كَانَ ظَنِّيَّ الثُّبُوتِ قَطْعِيَّ الدَّلَالَةِ، وَلَمْ يَصْرِفْهُ صَارِفٌ أَفَادَ الْوُجُوبَ وَلَا مَانِعَ مِنْهُ، وَقَوْلُ مَنْ قَالَ إنَّهُ ظَنِّيُّ الدَّلَالَةِ مَمْنُوعٌ بِأَنَّهُ إنْ أُرِيدَ بِظَنِّيَّتِهَا مُشْتَرَكَهَا فَمَا نَحْنُ فِيهِ لَيْسَ مِنْهُ، فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ النَّفْيَ مُتَسَلِّطٌ عَلَى الْوُضُوءِ وَالْحُكْمُ الَّذِي هُوَ الصِّحَّةُ وَنَفْيُ الْكَمَالِ احْتِمَالٌ، وَإِنْ أُرِيدَ بِظَنِّيَّتِهَا مَا فِيهِ احْتِمَالٌ، وَلَوْ مَرْجُوحًا فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِهِ الْوُجُوبُ؛ لِأَنَّ الظَّنَّ وَاجِبُ الِاتِّبَاعِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ احْتِمَالٌ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إنَّ قَوْلَهُ عَدَمُ النَّقْلِ لَا يَنْفِي الْوُجُودَ إلَى آخِرِهِ لَا يَتِمُّ فِي الْوَاجِبِ إذَا لَا يَجُوزُ فِي التَّعْلِيمِ تَرْكُ شَيْءٍ مِنْ الْوَاجِبَاتِ فَلَوْ كَانَتْ التَّسْمِيَةُ وَاجِبَةً لَذَكَرَاهَا لِلْحَاجَةِ إلَى بَيَانِهَا بِخِلَافِ السُّنَنِ فَكَانَ هَذَا صَارِفًا سَالِمًا عَنْ الرَّدِّ وَمُرَادُهُمْ مِنْ ظَنِّيِّ الدَّلَالَةِ مُشْتَرَكُهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأُصُولِيُّونَ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ مُشْتَرَكٌ شَرْعِيٌّ أُطْلِقَ تَارَةً وَأُرِيدَ بِهِ نَفْيُ الْحَقِيقَةِ نَحْوَ «لَا صَلَاةَ لِحَائِضٍ إلَّا بِخِمَارٍ» «وَلَا نِكَاحَ إلَّا بِشُهُودٍ» وَأُطْلِقَ تَارَةً مُرَادًا بِهِ نَفْيُ الْكَمَالِ نَحْوَ «لَا صَلَاةَ لِلْعَبْدِ الْآبِقِ» وَ «لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ» فَتَعَيَّنَ نَفْيُ الْحَقِيقَةِ فِي الْأَوَّلِ بِالْإِجْمَاعِ، وَفِي الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ مَشْهُورٌ تَلَقَّتْهُ الْأُمَّةُ بِالْقَبُولِ فَتَجُوزُ الزِّيَادَةُ بِمِثْلِهِ عَلَى النُّصُوصِ الْمُطْلَقَةِ، فَكَانَتْ الشَّهَادَةُ شَرْطًا فَعِنْدَ عَدَمِ الْمُرَجِّحِ لِأَحَدِ الْمَعْنَيَيْنِ كَانَ الْحَدِيثُ ظَنِّيًّا، وَبِهِ تَثْبُتُ السُّنَّةُ وَمِنْهُ حَدِيثُ التَّسْمِيَةِ وَالْعَجَبُ مِنْ الْكَمَالِ بْنِ الْهُمَامِ أَنَّهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ نَفَى ظَنِّيَّةَ الدَّلَالَةِ عَنْ حَدِيثِ التَّسْمِيَةِ بِمَعْنَى مُشْتَرَكِهَا وَأَثْبَتَهَا لَهُ فِي بَابِ شُرُوطِ الصَّلَاةِ بِأَبْلَغِ وُجُوهِ الْإِثْبَاتِ بِأَنْ قَالَ وَلَا شَكَّ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ احْتِمَالَ نَفْيِ الْكَمَالِ قَائِمٌ فَالْحَقُّ مَا عَلَيْهِ عُلَمَاؤُنَا مِنْ أَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ كَيْفَ وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: لَا أَعْلَمُ فِيهَا حَدِيثًا ثَابِتًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَلَوْ نَسِيَ التَّسْمِيَةَ فِي ابْتِدَاء الْوُضُوءِ ثُمَّ ذَكَرَهَا فِي خِلَالِهِ فَسَمَّى لَا تَحْصُلُ السُّنَّةُ بِخِلَافِ نَحْوِهِ فِي الْأَكْلِ كَذَا فِي التَّبْيِينِ مُعَلَّلًا بِأَنَّ الْوُضُوءَ عَمَلٌ وَاحِدٌ بِخِلَافِ الْأَكْلِ، فَإِنَّ كُلَّ لُقْمَةٍ فِعْلٌ مُبْتَدَأٌ اهـ. وَلِهَذَا ذَكَرَ فِي الْخَانِيَّةِ لَوْ قَالَ كُلَّمَا أَكَلْت اللَّحْمَ فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِدِرْهَمٍ فَعَلَيْهِ بِكُلِّ لُقْمَةٍ دِرْهَمٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ لُقْمَةٍ أَكْلٌ لَكِنْ قَالَ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ هُوَ إنَّمَا يَسْتَلْزِمُ فِي الْأَكْلِ تَحْصِيلَ السُّنَّةِ فِي الْبَاقِي لَا اسْتِدْرَاكَ مَا فَاتَ اهـ. وَظَاهِرُهُ مَعَ مَا قَبْلَهُ أَنَّهُ إذَا نَسِيَ التَّسْمِيَةَ فَإِتْيَانُهُ بِهَا وَعَدَمُهُ سَوَاءٌ مَعَ أَنَّ ظَاهِرَ مَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ أَنَّ الْإِتْيَانَ بِهَا مَطْلُوبٌ وَلَفْظُهُ، فَإِنْ نَسِيَ التَّسْمِيَةَ فِي أَوَّلِ الطَّهَارَةِ أَتَى بِهَا إذَا ذَكَرَهَا قَبْلَ الْفَرَاغِ حَتَّى لَا يَخْلُوَ الْوُضُوءُ مِنْهَا.   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ نَفْيُ الْفَضِيلَةِ) أَيْ مَا ذَكَرَهُ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ أَوْ مَا مَرَّ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَدِيثِ أَعْنِي «لَا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ» نَفْيُ الْفَضِيلَةِ مَعَ أَنَّ ظَاهِرَهُ نَفْيُ الْجَوَازِ فَيُفِيدُ كَوْنَهَا فَرْضًا لَكِنْ لِكَوْنِهِ آحَادًا لَا يُفِيدُهَا فَيُحْمَلُ عَلَى الْوُجُوبِ إلَّا لِصَارِفٍ فَيُحْمَلُ عَلَى السُّنِّيَّةِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ أُرِيدَ بِظَنِّهَا مَا فِيهِ احْتِمَالٌ وَلَوْ مَرْجُوحًا) أَيْ فَيَدْخُلُ فِيهِ احْتِمَالُ نَفْيِ الْكَمَالِ (قَوْلُهُ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إنَّ قَوْلَهُ) أَيْ قَوْلَ صَاحِبِ فَتْحِ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ: وَلَا شَكَّ أَنَّهُ مُشْتَرَكٌ) فِي دَعْوَى الِاشْتِرَاكِ بَيْنَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: لَا أَعْلَمُ فِيهَا حَدِيثًا ثَابِتًا) يَعْنِي بِخُصُوصِهَا، وَإِلَّا فَهِيَ مُسْتَفَادَةٌ مِنْ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِبَسْمِ اللَّهِ أَقْطَعُ» وَيُرْوَى «أَبْتَرُ» وَيُرْوَى «أَجْذَمُ» وَأَدْنَى مَا فِيهِ الدَّلَالَةُ عَلَى السُّنِّيَّةِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ مِنْ الْمَذْهَبِ الَّذِي يُعَوَّلُ عَلَيْهِ وَيُذْهَبُ (قَوْلُهُ: فَإِتْيَانُهُ بِهَا وَعَدَمُهُ سَوَاءٌ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ مِنْ أَنَّهُ لَا يَكُونُ آتِيًا بِالسُّنَّةِ أَمَّا أَنَّهُ يَأْتِي بِهَا بَعْدَ غَسْلِ بَعْضِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ فَمَا فِي كَلَامِ الْكَمَالِ وَالزَّيْلَعِيِّ مَا يَمْنَعُهُ تَأَمَّلْ. اهـ. مَقْدِسِيٌّ هَذِهِ لِقَوْلِهِ لَيْسَتْ بِخَطِّ الْمُؤَلِّفِ، وَإِنَّمَا هِيَ مِنْ كَلَامِ ابْنِهِ بِهَامِشِ الْبَحْرِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 (قَوْلُهُ: وَالسِّوَاكُ) أَيْ اسْتِعْمَالُهُ؛ لِأَنَّهُ اسْمٌ لِلْخَشَبَةِ كَذَا فِي الشُّرُوحِ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ السِّوَاكَ يَأْتِي بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ أَيْضًا كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ فَارِسٍ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِمَقَايِيسِ اللُّغَةِ؛ وَلِهَذَا قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَيْ الِاسْتِيَاكُ وَالْجَمِيعُ سُوُكٌ كَكِتَابٍ وَكُتُبٍ وَيَجُوزُ رَفْعُهُ وَجَرُّهُ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ لِيُفِيدَ أَنَّ الِابْتِدَاءَ بِهِ سُنَّةٌ أَيْضًا وَاسْتَدَلَّ فِي الْكَافِي لِلسُّنِّيَّةِ «بِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَاظَبَ عَلَيْهِ مَعَ التَّرْكِ» وَتَعَقَّبَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهُ لَمْ تُعْلَمْ الْمُوَاظَبَةُ مِنْهُ عَلَى الْوُضُوءِ، وَأَمَّا مَا وَرَدَ مِنْ أَفْضَلِيَّةِ الصَّلَاةِ بِسِوَاكٍ عَلَى غَيْرِهَا فَيَدُلُّ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، وَهُوَ الْحَقُّ؛ وَلِذَا صَحَّحَ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ الِاسْتِحْبَابَ وَاخْتُلِفَ فِي وَقْتِهِ فَفِي النِّهَايَةِ وَفَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّهُ عِنْدَ الْمَضْمَضَةِ وَفِي الْبَدَائِعِ وَالْمُجْتَبَى قَبْلَ الْوُضُوءِ الْأَكْثَرُ عَلَى الْأَوَّلِ، وَهُوَ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ الْأَكْمَلُ فِي الْإِنْقَاءِ لَيْسَ هُوَ مِنْ خَصَائِصِ الْوُضُوءِ بَلْ يُسْتَحَبُّ فِي مَوَاضِعَ: لِاصْفِرَارِ السِّنِّ وَتَغَيُّرِ الرَّائِحَةِ وَالْقِيَامِ مِنْ النَّوْمِ وَالْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ وَأَوَّلِ مَا يَدْخُلُ الْبَيْتَ وَعِنْدَ اجْتِمَاعِ النَّاسِ وَعِنْدَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَغَيْرِهِ لَكِنَّ قَوْلَهُمْ يُسْتَحَبُّ عِنْدَ الْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ يُنَافِي مَا نَقَلُوهُ مِنْ أَنَّهُ عِنْدَنَا لِلْوُضُوءِ لَا لِلصَّلَاةِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَعَلَّلَهُ السِّرَاجُ الْهِنْدِيُّ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ بِأَنَّهُ إذَا اسْتَاكَ لِلصَّلَاةِ رُبَّمَا يَخْرُجُ مِنْهُ دَمٌ، وَهُوَ نَجِسٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَاقِضًا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَقَالُوا فَائِدَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَنْ صَلَّى بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ صَلَوَاتٍ يَكْفِيهِ السِّوَاكُ لِلْوُضُوءِ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَسْتَاكُ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَكَيْفِيَّتُهُ أَنْ يَسْتَاكَ أَعَالِيَ الْأَسْنَانِ وَأَسَافِلَهَا وَالْحَنَكَ وَيَبْتَدِئَ مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ وَأَقَلُّهُ ثَلَاثٌ فِي الْأَعَالِي وَثَلَاثٌ فِي الْأَسَافِلِ بِثَلَاثِ مِيَاهٍ وَاسْتُحِبَّ أَنْ يَكُونَ لَيِّنًا مِنْ غَيْرِ عُقَدٍ فِي غِلَظِ الْأُصْبُعِ، وَطُولَ شِبْرٍ مِنْ الْأَشْجَارِ الْمُرَّةِ الْمَعْرُوفَةِ وَيَسْتَاكُ عَرْضًا لَا طُولًا؛ لِأَنَّهُ يُخْرِجُ لَحْمَ الْأَسْنَانِ وَقَالَ الْغَزْنَوِيُّ يَسْتَاكُ طُولًا وَعَرْضًا وَالْأَكْثَرُ عَلَى الْأَوَّلِ وَيُسْتَحَبُّ إمْسَاكُهُ بِالْيَدِ الْيُمْنَى وَالسُّنَّةُ فِي كَيْفِيَّةِ أَخْذِهِ أَنْ تَجْعَلَ الْخِنْصَرَ مِنْ يَمِينِك أَسْفَلَ السِّوَاكِ تَحْتَهُ وَالْبِنْصِرَ وَالْوُسْطَى وَالسَّبَّابَةَ فَوْقَهُ وَاجْعَلْ الْإِبْهَامَ أَسْفَلَ رَأْسِهِ تَحْتَهُ كَمَا رَوَاهُ ابْنُ مَسْعُودٍ وَلَا يَقْبِضُ الْقَبْضَةَ عَلَى السِّوَاكِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُورِثُ الْبَاسُورَ وَيَبْدَأُ بِالْأَسْنَانِ الْعُلْيَا مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ ثُمَّ الْأَيْسَرِ ثُمَّ السُّفْلَى كَذَلِكَ كَذَا فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَتَقُومُ الْأُصْبُعُ أَوْ الْخِرْقَةُ الْخَشِنَةُ مَقَامَهُ عِنْدَ فَقْدِهِ أَوْ عَدَمِ أَسْنَانِهِ فِي تَحْصِيلِ الثَّوَابِ لَا عِنْدَ وُجُودِهِ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَبْدَأَ بِالسَّبَّابَةِ الْيُسْرَى ثُمَّ بِالْيُمْنَى وَالْعِلْكُ يَقُومُ مَقَامَهُ لِلْمَرْأَةِ لِكَوْنِ الْمُوَاظَبَةِ عَلَيْهِ تُضْعِفُ أَسْنَانَهَا فَيُسْتَحَبُّ لَهَا فِعْلُهُ. وَمَنَافِعُهُ كَثِيرَةٌ مِنْهَا أَنَّهُ يُرْضِي الرَّبَّ وَيُسْخِطُ الشَّيْطَانَ وَمَنْ خَشِيَ مِنْ السِّوَاكِ الْقَيْءَ تَرَكَهُ وَيُكْرَهُ أَنْ يَسْتَاكَ مُضْطَجِعًا، فَإِنَّهُ يُورِثُ كِبَرَ الطِّحَالِ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ (قَوْلُهُ: وَغَسَلَ فَمَهُ وَأَنْفَهُ) عَدَلَ عَنْ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي أَصْلِهِ الْوَافِي لِلِاخْتِصَارِ وَمَا فِي الشَّرْحِ مِنْ أَنَّ الْغُسْلَ يُشْعِرُ بِالِاسْتِيعَابِ فَكَانَ أَوْلَى، فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الْمَضْمَضَةَ كَذَلِكَ، فَإِنَّهَا اصْطِلَاحًا اسْتِيعَابُ الْمَاءِ جَمِيعَ الْفَمِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَفِي اللُّغَةِ التَّحْرِيكُ، وَالِاسْتِنْشَاقُ   [منحة الخالق] (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَالسِّوَاكُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ السِّوَاكُ مِنْ الشَّرَائِعِ الْقَدِيمَةِ الْحَدِيثُ فِيهِ ضَعِيفٌ وَمَجْهُولٌ قَالَ النَّوَوِيُّ فَلَعَلَّهُ اعْتَضَدَ بِطُرُقٍ أُخَرَ، فَصَارَ حَسَنًا أَرْبَعٌ مِنْ سُنَنِ الْمُرْسَلِينَ وَعَدَّ مِنْهَا السِّوَاكَ اهـ. ذَكَرَهُ ابْنُ قَاسِمٍ الْعَبَّادِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى أَبِي شُجَاعٍ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ رَفْعُهُ وَجَرُّهُ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ) نَبَّهَ صَاحِبُ النَّهْرِ عَلَى أَنَّهُ سَيَأْتِي قَرِيبًا فِي بَيَانِ وَقْتِهِ مَا يُرَجِّحُ أَنَّ الْأَظْهَرَ الْأَوَّلُ فَلَا تَغْفُلْ (قَوْلُهُ: وَتَعَقَّبَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهُ لَمْ تُعْلَمْ الْمُوَاظَبَةُ مِنْهُ عَلَى الْوُضُوءِ) الْأَوْلَى عِنْدَ الْوُضُوءِ كَمَا هُوَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْحَقُّ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَقُولُ: قَالَ الْحَلَبِيُّ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَقَدْ عَدَّهُ الْقُدُورِيُّ وَالْأَكْثَرُونَ مِنْ السُّنَنِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الشَّرْحِ اهـ. فَقَدْ عُلِمَ بِذَلِكَ اخْتِلَافُ التَّصْحِيحِ (قَوْلُهُ: لَكِنَّ قَوْلَهُمْ يُسْتَحَبُّ عِنْدَ الْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ يُنَافِي مَا نَقَلُوهُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ يُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِمَا نَقَلَهُ فِي السِّرَاجِ حَيْثُ قَالَ: وَأَمَّا إذَا نَسِيَ السِّوَاكَ لِلظُّهْرِ ثُمَّ تَذَكَّرَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَسْتَاكَ حَتَّى يُدْرِكَ فَضِيلَتَهُ وَتَكُونَ صَلَاتُهُ بِسِوَاكٍ إجْمَاعًا. اهـ. وَهُوَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مَنْدُوبٌ لِلصَّلَاةِ لَا لِلْوُضُوءِ وَبِهِ ظَهَرَ سِرُّ كَلَامِ الْغَزْنَوِيِّ اهـ. وَقَدْ يُقَالُ إنَّ مَا نَقَلُوهُ مِنْ أَنَّهُ عِنْدَنَا لِلْوُضُوءِ مُرَادُهُمْ بِهِ بَيَانُ مَا بِهِ أَفْضَلِيَّةُ الصَّلَاةِ الَّتِي بِسِوَاكٍ عَلَى غَيْرِهَا كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ «صَلَاةٌ بِسِوَاكٍ أَفْضَلُ مِنْ خَمْسٍ وَسَبْعِينَ صَلَاةً بِغَيْرِ سِوَاكٍ» وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ «أَفْضَلُ مِنْ سَبْعِينَ» وَفَائِدَتُهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَأْتِ بِهِ فِي الْوُضُوءِ لَا تَحْصُلُ تِلْكَ الْأَفْضَلِيَّةُ وَلَوْ أَتَى بِهِ عِنْدَ الصَّلَاةِ، فَكَوْنُهُ عِنْدَنَا لِلْوُضُوءِ لَا يُنَافِي ذَلِكَ كَمَا لَا يُنَافِي اسْتِحْبَابَهُ عِنْدَ غَيْرِهِ مِمَّا مَرَّ عَلَى أَنَّهُ يَبْعُدُ عَدَمُ اسْتِحْبَابِهِ فِي الصَّلَاةِ الَّتِي هِيَ مُنَاجَاةٌ لِلرَّبِّ تَعَالَى سِيَّمَا عِنْدَ بُعْدِ الْعَهْدِ مِنْ الْوُضُوءِ مَعَ مَا فِيهَا مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ الَّتِي يُسْتَحَبُّ اسْتِعْمَالُهُ عِنْدَهَا وَحُضُورِ الْمَلَائِكَةِ عِنْدَهَا مَعَ أَنَّهُمْ اسْتَحَبُّوهُ عِنْدَ مَجَامِعِ النَّاسِ فَبِالْأَوْلَى مَعَ حُضُورِ الْمَلَائِكَةِ قَالَ فِي هَدِيَّةِ ابْنِ الْعِمَادِ رَوَى جَابِرٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ فَلْيَسْتَكْ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إذَا قَرَأَ فِي صَلَاتِهِ وَضَعَ مَلَكٌ فَاهُ عَلَى فِيهِ لَا يَخْرُجُ مِنْ فِيهِ شَيْءٌ إلَّا دَخَلَ فَمَ الْمَلَكِ» أَسْنَدَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ. اهـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 لُغَةً مِنْ النَّشَقِ: وَهُوَ جَذْبُ الْمَاءِ وَنَحْوِهِ بِرِيحِ الْأَنْفِ إلَى دَاخِلِهِ وَاصْطِلَاحًا: إيصَالُ الْمَاءِ إلَى مَارِنِ الْأَنْفِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالْمَارِنُ مَا لَانَ مِنْ الْأَنْفِ وَالْمُبَالَغَةُ سُنَّةٌ فِيهِمَا أَيْضًا كَذَا فِي الْوَافِي لِحَدِيثِ أَصْحَابِ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ «بَالِغْ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ إلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا» ، وَهِيَ فِي الْمَضْمَضَةِ بِالْغَرْغَرَةِ وَفِي الِاسْتِنْشَاقِ بِالِاسْتِنْثَارِ كَذَا فِي الْكَافِي وَالِاسْتِنْثَارُ دَفْعُ الْمَاءِ وَنَحْوِهِ لِلْخُرُوجِ مِنْ الْأَنْفِ وَقَدْ وَافَقَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ عَلَى الْأَوَّلِ وَقَالَ فِي الثَّانِي: كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ إلَى مَا اشْتَدَّ مِنْ الْأَنْفِ وَفِي الْخُلَاصَةِ هِيَ فِي الْمَضْمَضَةِ أَنْ يَصِلَ إلَى رَأْسِ الْحَلْقِ وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: هِيَ فِي الْمَضْمَضَةِ أَنْ يُدِيرَ الْمَاءَ فِي فِيهِ مِنْ جَانِبٍ إلَى جَانِبٍ وَالْأَوْلَى مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ، وَلَوْ تَمَضْمَضَ وَابْتَلَعَ الْمَاءَ وَلَمْ يَمُجَّهُ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّ الْمَجَّ لَيْسَ مِنْ حَقِيقَتِهَا وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُلْقِيَهُ؛ لِأَنَّهُ مَاءٌ مُسْتَعْمَلٌ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَإِذَا أَخَذَ الْمَاءَ بِكَفِّهِ فَمَضْمَضَ بِبَعْضِهِ وَاسْتَنْشَقَ بِالْبَاقِي جَازَ وَبِخِلَافِ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَفِي الْمُجْتَبَى لَوْ رَفَعَ الْمَاءَ مِنْ كَفٍّ وَاحِدَةٍ لِلْمَضْمَضَةِ جَازَ وَلِلِاسْتِنْشَاقِ لَا يَجُوزُ لِصَيْرُورَةِ الْمَاءِ مُسْتَعْمَلًا وَلَا يَخْفَى أَنَّ نَفْيَ الْجَوَازِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ بِمَعْنَى نَفْيِ الْإِجْزَاءِ فِي تَحْصِيلِ السُّنَّةِ لَا بِمَعْنَى الْحُرْمَةِ لِمَا أَنَّ أَصْلَهُمَا سُنَّةٌ أَوْ تُحْمَلُ عَلَى الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ فِي الْغُسْلِ الْوَاجِبِ وَقَالُوا الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ سُنَّتَانِ مُشْتَمِلَتَانِ عَلَى سُنَنٍ مِنْهَا تَقْدِيمُ الْمَضْمَضَةِ عَلَى الِاسْتِنْشَاقِ بِالْإِجْمَاعِ وَمِنْهَا التَّثْلِيثُ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ بِالْإِجْمَاعِ وَأَخْذُ مَاءٍ جَدِيدٍ فِي التَّثْلِيثِ سُنَّةٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَأَخْذُ مَاءٍ جَدِيدٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سُنَّةٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَهُمَا مَاءٌ وَاحِدٌ وَإِزَالَةُ الْمُخَاطِ بِالْيَدِ الْيُسْرَى كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ وَفِي الْبَدَائِعِ وَالْمَبْسُوطِ وَفِعْلُهُمَا بِالْيَمِينِ سُنَّةٌ وَفِي الْمُنْيَةِ أَنَّهُ يَسْتَنْشِقُ بِالْيُسْرَى وَفِي الْمِعْرَاجِ تَرْكُ التَّكْرَارِ لَا يُكْرَهُ مَعَ الْإِمْكَانِ قَالَ أُسْتَاذُنَا يَتَبَيَّنُ مِنْ هَذَا أَنَّ مَنْ عِنْدَهُ مَاءٌ يَكْفِي لِلْغَسْلِ مَرَّةً مَعَ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ أَوْ ثَلَاثًا بِدُونِهِمَا يَغْسِلُ مَرَّةً مَعَهُمَا وَفِي السِّرَاجِ أَنَّهُمَا سُنَّتَانِ مُؤَكَّدَتَانِ، فَإِنْ تَرَكَ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ أَثِمَ عَلَى الصَّحِيحِ اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْإِثْمَ مَنُوطٌ بِتَرْكِ الْوَاجِبِ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ مِمَّا قَالُوهُ مِنْ أَنَّ السُّنَّةَ الْمُؤَكَّدَةَ فِي قُوَّةِ الْوَاجِبِ وَدَلِيلُ سُنِّيَّتِهِمَا الْمُوَاظَبَةُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ يَعْنِي مَعَ التَّرْكِ أَحْيَانًا، وَإِلَّا كَانَتَا وَاجِبَتَيْنِ وَقَدْ عَلِمْت مِمَّا قَدَّمْنَاهُ أَنَّ الْمُوَاظَبَةَ مِنْ غَيْرِ تَرْكٍ لَا تُفِيدُ الْوُجُوبَ وَجَمِيعُ مَنْ حَكَى وُضُوءَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - اثْنَانِ وَعِشْرُونَ صَحَابِيًّا كُلُّهُمْ ذَكَرُوهُمَا فِيهِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي نُسْخَةٍ شَرَحَ عَلَيْهَا مِسْكِينٌ غَسَلَ فَمَه وَأَنْفَهُ بِمِيَاهٍ وَقَالَ قَوْلُهُ بِمِيَاهٍ مُتَعَلِّقٌ بِكُلِّ وَاحِدٍ وَاَلَّذِي فِي الْوَافِي غَسَلَ فَمَه بِمِيَاهٍ وَأَنْفَهُ بِمِيَاهٍ، وَهُوَ أَوْلَى مِمَّا فِي الْكَنْزِ لِيَدُلَّ عَلَى تَجْدِيدِ الْمَاءِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا وَقَدْ جَاءَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي حَدِيثِ الطَّبَرَانِيِّ مِنْ قَوْلِهِ «فَمَضْمَضَ ثَلَاثًا وَاسْتَنْشَقَ ثَلَاثًا يَأْخُذُ لِكُلِّ مَرَّةٍ مَاءً جَدِيدًا» وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَسَكَتَ فَكَانَ حُجَّةً وَمَا وَرَدَ مِمَّا ظَاهِرُهُ الْمُخَالَفَةُ فَمَحْمُولٌ عَلَى الْمُوَافَقَةِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَلَوْ تَمَضْمَضَ ثَلَاثًا مِنْ غَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ لَمْ يَصِرْ آتِيًا بِالسُّنَّةِ وَذَكَرَ الصَّيْرَفِيُّ أَنَّهُ يَصِيرُ آتِيًا بِالسُّنَّةِ اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ يَكُونُ آتِيًا بِسُنَّةِ الْمَضْمَضَةِ لَا بِسُنَّةِ كَوْنِهَا ثَلَاثًا بِمِيَاهٍ فَالنَّفْيُ وَالْإِثْبَاتُ فِي الْقَوْلَيْنِ بِالِاعْتِبَارَيْنِ فَلَا اخْتِلَافَ (قَوْلُهُ: وَتَخْلِيلُ لِحْيَتِهِ وَأَصَابِعِهِ) أَمَّا تَخْلِيلُ اللِّحْيَةِ، وَهُوَ تَفْرِيقُ الشَّعْرِ مِنْ جِهَةِ الْأَسْفَلِ إلَى فَوْقَ لِغَيْرِ الْمُحْرِمِ فَسُنَّةٌ عَلَى الْأَصَحِّ وَقَيَّدَهُ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ بِأَنْ يَكُونَ بِمَاءٍ مُتَقَاطِرٍ فِي تَخْلِيلِ الْأَصَابِعِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ فِي تَخْلِيلِ اللِّحْيَةِ وَهَلْ هُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُف وَحْدَهُ أَوْ مَعَهُ مُحَمَّدٌ قَوْلَانِ ذَكَرَهُمَا فِي الْمِعْرَاجِ وَصَحَّحَ فِي خَيْرِ مَطْلُوبٍ أَنَّ مُحَمَّدًا مَعَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مُسْتَحَبٌّ لِعَدَمِ ثُبُوتِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَبِخِلَافِ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ) أَيْ بِأَنْ اسْتَنْشَقَ بِبَعْضِهِ وَتَمَضْمَضَ بِالْبَاقِي (قَوْلُهُ: قَالَ أُسْتَاذُنَا يَتَبَيَّنُ مِنْ هَذَا إلَخْ) هُوَ مِنْ كَلَامِ الْمِعْرَاجِ ثُمَّ إنَّ الْإِشَارَةَ فِي قَوْلِهِ مِنْ هَذَا لَا يَظْهَرُ رُجُوعُهَا إلَى قَوْلِهِ تَرْكُ التَّكْرَارِ لَا يُكْرَهُ أَيْ تَكْرَارُ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ كَمَا لَا يَخْفَى بَلْ هُوَ رَاجِعٌ إلَى كَوْنِهِمَا سُنَّتَيْنِ مُؤَكَّدَتَيْنِ يَأْثَمُ بِتَرْكِهِمَا وَعِبَارَةُ الْمِعْرَاجِ نَصُّهَا هَكَذَا، وَفِي الشِّفَاءِ الْمُضَمْضِمَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ سُنَّتَانِ مُؤَكَّدَتَانِ مَنْ تَرَكَهُمَا يَأْثَمُ وَفِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ تَرْكُ التَّكْرَارِ لَا يُكْرَهُ مَعَ الْإِمْكَانِ قَالَ أُسْتَاذُنَا: يَتَبَيَّنُ مِنْ هَذَا إلَخْ (قَوْلُهُ: يَغْسِلُ مَرَّةً مَعَهُمَا) أَيْ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَدَ عَنْهُ تَرْكُ التَّثْلِيثِ حَيْثُ غَسَلَ مَرَّةً مَرَّةً وَقَالَ «هَذَا وُضُوءٌ لَا يَقْبَلُ اللَّهَ الصَّلَاةَ إلَّا بِهِ» وَلَمْ يَرِدْ عَنْهُ تَرْكُ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ: وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَسَكَتَ عَنْهُ) قَالَ الْإِمَامُ النَّوَوِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ الْمُسَمَّى بِالتَّقْرِيبِ وَمِنْ مَظَانِّهِ أَيْ الْحَسَنِ سُنَنُ أَبِي دَاوُد فَقَدْ جَاءَ عَنْهُ أَنَّهُ يَذْكُرُ فِيهِ الصَّحِيحَ وَمَا يُشْبِهُهُ وَيُقَارِبُهُ وَمَا كَانَ فِيهِ وَهَنٌ شَدِيدٌ بَيَّنَهُ وَمَا لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ شَيْئًا فَهُوَ صَالِحٌ فَعَلَى هَذَا مَا وَجَدْنَا فِي كِتَابِهِ مُطْلَقًا وَلَمْ يُصَحِّحْهُ غَيْرُهُ مِنْ الْمُعْتَمَدِينَ وَلَا ضَعَّفَهُ فَهُوَ حَسَنٌ عِنْدَ أَبِي دَاوُد اهـ. (قَوْلُهُ: لَا بِسُنَّةٍ كَوْنُهَا ثَلَاثًا بِمِيَاهٍ) النَّفْيُ بِاعْتِبَارِ الْقَيْدِ الْأَخِيرِ أَيْ يَكُونُ آتِيًا بِسُنَّةِ الْمَضْمَضَةِ وَبِسُنَّةِ التَّثْلِيثِ أَيْضًا دُونَ سُنَّةِ تَجْدِيدِ الْمَاءِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يُقَيِّدْهُ فِي تَخْلِيلِ اللِّحْيَةِ سَيَأْتِي) فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَذَ كَفًّا مِنْ مَاءٍ (قَوْلُهُ: وَهَلْ هُوَ) أَيْ الْقَوْلُ بِالسُّنِّيَّةِ الَّذِي هُوَ الْأَصَحُّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 الْمُوَاظَبَةِ؛ وَلِأَنَّ السُّنَّةَ إكْمَالُ الْفَرْضِ فِي مَحَلِّهِ وَدَاخِلُ اللِّحْيَةِ لَيْسَ بِمَحَلِّ الْفَرْضِ لِعَدَمِ وُجُوبِ إيصَالِ الْمَاءِ إلَى بَاطِنِ الشَّعْرِ وَجْهُ الْأَصَحِّ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ أَنَسٍ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا تَوَضَّأَ أَخَذَ كَفًّا مِنْ مَاءٍ تَحْتَ حَنَكِهِ فَخَلَّلَ بِهِ لِحْيَتَهُ وَقَالَ بِهَذَا أَمَرَنِي رَبِّي» وَسَكَتَ عَنْهُ وَكَذَا الْمُنْذِرِيُّ بَعْدَهُ، وَهُوَ مُغْنٍ عَنْ نَقْلِ صَرِيحِ الْمُوَاظَبَةِ؛ لِأَنَّ أَمْرَهُ حَامِلٌ عَلَيْهَا وَقَوْلُهُمْ دَاخِلُ اللِّحْيَةِ لَيْسَ بِمَحَلِّ الْفَرْضِ مَمْنُوعٌ بَعْدَ ثُبُوتِ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ بِخِلَافِهِ وَمَا أُورِدَ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ سُنَّتَانِ مَعَ أَنَّهُمَا لَيْسَتَا فِي مَحَلِّ الْفَرْضِ أُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُمَا فِي الْوَجْهِ، وَهُوَ مَحَلُّ الْفَرْضِ إذْ لَهُمَا حُكْمُ الْخَارِجِ مِنْ وَجْهٍ؛ وَلِأَنَّ الْكَلَامَ فِي سُنَّةٍ تَكُونُ تَبَعًا لِلْفَرْضِ بِقَرِينَةِ الْمَقَامِ، وَإِلَّا يَخْرُجْ عَنْهُ بَعْضُ السُّنَنِ كَالنِّيَّةِ وَالتَّسْمِيَةِ كَمَا لَا يَخْفَى، وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ التَّخْلِيلُ وَاجِبًا بِالْأَمْرِ فِي «أَمَرَنِي رَبِّي وَخَلِّلُوا أَصَابِعَكُمْ» الْآتِي لِوُجُودِ الصَّارِفِ، وَهُوَ تَعْلِيمُ الْأَعْرَابِيِّ وَالْأَخْبَارُ الَّتِي حُكِيَ فِيهَا وُضُوءُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّ التَّخْلِيلَ لَمْ يُذْكَرْ فِيهَا وَمَا فِي النِّهَايَةِ مِنْ أَنَّا لَوْ قُلْنَا بِالْوُجُوبِ لَزِمَ الزِّيَادَةُ عَلَى النَّصِّ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فِيهِ كَلَامٌ إذْ لَا يَلْزَمُ إلَّا لَوْ قُلْنَا بِالِافْتِرَاضِ وَمَا فِي الْكَافِي مِنْ أَنَّا لَوْ قُلْنَا بِالْوُجُوبِ فِي الْوُضُوءِ لَسَاوَى التَّبَعُ الْأَصْلَ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّهُ مَانِعٌ مِنْهُ إذَا اقْتَضَاهُ الدَّلِيلُ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْحُكْمِ بِقَدْرِ دَلِيلِهِ؛ وَلِأَنَّهُ قَدْ ظَهَرَ عَدَمُ الْمُسَاوَاةِ فِي حُكْمٍ آخَرَ، وَهُوَ كَوْنُهُ لَا يَلْزَمُ بِالنَّذْرِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ، وَأَمَّا تَخْلِيلُ الْأَصَابِعِ، فَهُوَ إدْخَالُ بَعْضِهَا فِي بَعْضٍ بِمَاءٍ مُتَقَاطِرٍ وَيَقُومُ مَقَامَهُ الْإِدْخَالُ فِي الْمَاءِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ جَارِيًا فَسُنَّةٌ اتِّفَاقًا أَعْنِي أَصَابِعَ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ لِمَا فِي السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ حَدِيثِ لَقِيطِ بْنِ صُبْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا تَوَضَّأْتَ فَأَسْبِغْ الْوُضُوءَ وَخَلِّلْ بَيْنَ الْأَصَابِعِ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَتَقَدَّمَ الصَّارِفُ لَهُ عَنْ الْوُجُوبِ وَكَذَا مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ «خَلِّلُوا أَصَابِعَكُمْ لَا يَتَخَلَّلْهَا اللَّهُ بِالنَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ الْوَعِيدُ عَلَى التَّرْكِ حَتَّى يُفِيدَ الْوُجُوبَ؛ لِأَنَّ مَنْطُوقَهُ أَنَّ تَخْلِيلَ الْأَصَابِعِ فِي الْوُضُوءِ يُرَادُ لِعَدَمِ تَخَلُّلِهَا نَارَ جَهَنَّمَ، وَهُوَ لَا يَسْتَلْزِمُ أَنَّ عَدَمَ التَّخْلِيلِ فِي الْوُضُوءِ يَسْتَلْزِمُ تَخَلُّلَ النَّارِ إلَّا لَوْ كَانَ تَخْلِيلُ الْأَصَابِعِ فِي الْوُضُوءِ عِلَّةً مُسَاوِيَةً لِعَدَمِ تَخْلِيلِهَا بِالنَّارِ وَهُوَ مُنْتَفٍ بِأَنَّهُ قَدْ يُوجَدُ التَّخْلِيلُ بِالنَّارِ مَعَ تَخْلِيلِ الْأَصَابِعِ فَحِينَئِذٍ لَا حَاجَةَ إلَى مَا ذَكَرَ فِي شُرُوحِ الْهِدَايَةِ مِنْ أَنَّ الْوَعِيدَ مَصْرُوفٌ إلَى مَا إذَا لَمْ يَصِلْ إلَى مَا بَيْنَ الْأَصَابِعِ إذَا قَدْ عَلِمْت أَنَّهُ لَا وَعِيدَ فِي الْحَدِيثِ هَذَا مَعَ أَنَّ مَا قَالُوهُ لَا يَتِمُّ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَصِلْ يَكُونُ الْغَسْلُ فَرْضًا وَلَيْسَ التَّخْلِيلُ غَسْلًا كَمَا لَا يَخْفَى هَذَا مَعَ أَنَّ حَدِيثَ الدَّارَقُطْنِيِّ ضَعِيفٌ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالتَّخْلِيلُ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ التَّثْلِيثِ؛ لِأَنَّهُ سُنَّةُ التَّثْلِيثِ ثُمَّ قِيلَ الْأَوْلَى فِي أَصَابِعِ الْيَدَيْنِ أَنْ يَكُونَ تَخْلِيلُهَا بِالتَّشْبِيكِ وَصِفَتُهُ فِي الرِّجْلَيْنِ أَنْ يُخَلِّلَ بِخِنْصَرِ يَدِهِ الْيُسْرَى خِنْصَرَ رِجْلِهِ الْيُمْنَى وَيَخْتِمَ بِخِنْصَرِ رِجْلِهِ الْيُسْرَى كَذَلِكَ وَرَدَ الْخَبَرُ كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَغَيْرِهِ وَتَعَقَّبَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِقَوْلِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ وَمِثْلُهُ فِيمَا يَظْهَرُ أَمْرٌ اتِّفَاقِيٌّ لَا سُنَّةٌ مَقْصُودَةٌ اهـ. لَكِنْ وَرَدَ بَعْضُ هَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ فِيمَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ الْمُسْتَوْرِدِ بْنِ شَدَّادٍ قَالَ «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَوَضَّأُ فَخَلَّلَ أَصَابِعَ رِجْلَيْهِ بِخِنْصَرِهِ» وَأَمَّا كَوْنُهُ بِخِنْصَرِ يَدِهِ الْيُسْرَى وَبِكَوْنِهِ مِنْ أَسْفَلَ فَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ وَيُشْكِلُ كَوْنُهُ بِخِنْصَرِ الْيُسْرَى أَنَّ هَذَا مِنْ الطَّهَارَةِ الْمُسْتَحَبِّ فِي فِعْلِهَا أَنْ تَكُونَ بِالْيَمِينِ وَلَعَلَّ الْحِكْمَةَ فِي كَوْنِهَا بِالْخِنْصَرِ كَوْنُهَا أَدَقَّ الْأَصَابِعِ فَهِيَ بِالتَّخْلِيلِ أَنْسَبُ كَذَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَقَوْلُهُمْ مِنْ أَسْفَلَ إلَى فَوْقُ يَحْتَمِلُ شَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يَبْدَأُ مِنْ أَسْفَلِ الْأَصَابِعِ إلَى فَوْقُ مِنْ ظَهْرِ الْقَدَمِ ثَانِيهمَا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ أَسْفَلِ الْأُصْبُعِ مِنْ بَاطِنِ الْقَدَمِ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ، وَفِي الْمِعْرَاجِ عَنْ شَيْخِهِ الْعَلَّامَةِ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «خَلِّلُوا» الْحَدِيثَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ وَظِيفَةَ الرِّجْلِ الْغَسْلُ لَا الْمَسْحُ فَكَانَ حُجَّةً عَلَى الرَّوَافِضِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَتَثْلِيثُ الْغَسْلِ) أَيْ تَكْرَارُهُ ثَلَاثًا سُنَّةٌ لَكِنَّ الْأُولَى فَرْضٌ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: بَعْدَ ثُبُوتِ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ بِخِلَافِهِ) أَيْ بِخِلَافِ مَا أَفَادَهُ قَوْلُهُمْ دَاخِلَ اللِّحْيَةِ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَمَا أُورِدَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى قَوْلِهِمْ دَاخِلَ اللِّحْيَةِ لَيْسَ بِمَحَلِّ الْفَرْضِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ مُنْتَفٍ بِأَنَّهُ قَدْ يُوجَدُ التَّخْلِيلُ بِالنَّارِ مَعَ تَخْلِيلِ الْأَصَابِعِ) فِيهِ بَحْثٌ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ تَخْلِيلُ الْأَصَابِعِ فِي الْوُضُوءِ عِلَّةً مُسَاوِيَةً لِعَدَمِ تَخْلِيلِهَا بِالنَّارِ لَمَا كَانَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يُخَلِّلُهَا اللَّهُ بِالنَّارِ» فَائِدَةٌ وَلَمَّا صَحَّ التَّعْلِيلُ بِهِ لِلْأَمْرِ بِالتَّخْلِيلِ، وَلِلُزُومِ أَنْ يَكُونَ فِعْلُهُ وَعَدَمُهُ سَوَاءً لِعَدَمِ اسْتِلْزَامِهِ حُصُولَ الْمَوْعُودِ عَلَيْهِ بِالْفِعْلِ وَحُصُولَ مُقَابَلَةٍ بِالتَّرْكِ وَكَيْفَ يَكُونُ كَذَلِكَ وَقَدْ صَرَّحَ بِالْوَعِيدِ فِي حَدِيثِ الطَّبَرَانِيِّ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْفَتْحِ «مَنْ لَمْ يُخَلِّلْ أَصَابِعَهُ بِالْمَاءِ خَلَّلَهَا اللَّهُ بِالنَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ: مِنْ ظَهْرِ الْقَدَمِ) مُتَعَلِّقٌ بِيَبْدَأُ أَيْ يَبْتَدِئُ مِنْ جِهَةِ ظَهْرِ الْقَدَمِ فَيُدْخِلُ خِنْصَرَ يَدِهِ بَيْنَ أَصَابِعِ الرِّجْلِ فَيُخَلِّلُ مِنْ أَسْفَلَ صَاعِدًا إلَى فَوْقٍ، وَأَمَّا عَلَى الثَّانِي فَيَدْخُلُهَا مِنْ جِهَةِ بَاطِنِ الْقَدَمِ وَيَصْعَدُ بِهَا مِنْ أَسْفَلَ إلَى فَوْقٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 وَالثِّنْتَانِ سُنَّتَانِ مُؤَكَّدَتَانِ عَلَى الصَّحِيحِ كَذَا فِي السَّرَّاجِ وَاخْتَارَهُ فِي الْمَبْسُوطِ الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ إنَّهُمَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ لَا تُوصَفُ الثَّانِيَةُ وَحْدَهَا أَوْ الثَّالِثَةُ وَحْدَهَا بِالسُّنِّيَّةِ إلَّا مَعَ مُلَاحَظَةِ الْأُخْرَى وَالسُّنَّةُ تَكْرَارُ الْغَسَلَاتِ الُمسْتَوْعِيَاتِ لَا الْغَرَفَاتِ، وَإِنْ اكْتَفَى بِالْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ قِيلَ يَأْثَمُ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ السُّنَّةَ الْمَشْهُورَةَ، وَقِيلَ لَا يَأْثَمُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَتَى بِمَا أَمَرَهُ بِهِ رَبُّهُ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَا يَخْفَى تَرْجِيحُ الثَّانِي لِقَوْلِهِمْ وَالْوَعِيدُ فِي الْحَدِيثِ لِعَدَمِ رُؤْيَتِهِ الثَّلَاثَ سُنَّةً فَلَوْ كَانَ الْإِثْمُ يَحْصُلُ بِالتَّرْكِ لَمَا اُحْتِيجَ إلَى حَمْلِ الْحَدِيثِ عَلَى مَا ذَكَرُوا، وَقِيلَ إنْ اعْتَادَ يُكْرَهْ، وَإِلَّا فَلَا وَاخْتَارَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَقَدْ ذَكَرُوا دَلِيلَ السُّنَّةِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً وَقَالَ هَذَا وُضُوءُ مَنْ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ الصَّلَاةَ إلَّا بِهِ وَتَوَضَّأَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ وَقَالَ هَذَا وُضُوءُ مَنْ يُضَاعَفُ اللَّهُ لَهُ الْأَجْرَ مَرَّتَيْنِ وَتَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا وَقَالَ هَذَا وُضُوئِي وَوُضُوءُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا أَوْ نَقَصَ فَقَدْ تَعَدَّى وَظَلَمَ» فَأَمَّا صَدْرُهُ إلَى قَوْلِهِ «فَمَنْ زَادَ» فَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَأَمَّا عَجُزُهُ مِنْ قَوْلِهِ «فَمَنْ زَادَ» إلَى آخِرِهِ فَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالنَّسَائِيُّ وَقَوْلُهُ «تَوَضَّأَ مَرَّةً» أَيْ غَسَلَ كُلَّ عُضْوٍ مَرَّةً وَالْمُرَادُ بِالْقَبُولِ الْجَوَازُ بِمَعْنَى الصِّحَّةِ وَإِنَّمَا قُلْنَا هَذَا لِمَا عُرِفَ أَنَّ الْقَبُولَ لَا يُلَازِمُ الصِّحَّةَ لِأَنَّ الصِّحَّةَ تَعْتَمِدُ وُجُودَ الشَّرَائِطِ وَالْأَرْكَانِ وَالْقَبُولُ يَعْتَمِدُ صِدْقَ الْعَزِيمَةِ وَخُلُوصَهَا، وَلَهُ شَرَائِطُ كَثِيرَةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة: 27] وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ «فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا» عَلَى أَقْوَالٍ فَقِيلَ عَلَى الْحَدِّ الْمَحْدُودِ، وَهُوَ مَرْدُودٌ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ» وَالْحَدِيثُ فِي الْمَصَابِيحِ وَإِطَالَةُ الْغُرَّةِ تَكُونُ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الْحَدِّ الْمَحْدُودِ، وَقِيلَ عَلَى أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ وَقِيلَ الزِّيَادَةُ عَلَى الْعَدَدِ وَالنَّقْصُ عَنْهُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الِاعْتِقَادِ دُونَ نَفْسِ الْفِعْلِ حَتَّى لَوْ زَادَ أَوْ نَقَصَ وَاعْتَمَدَ أَنَّ الثَّلَاثَ سُنَّةٌ لَا يَلْحَقُهُ الْوَعِيدُ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْهِدَايَةِ وَعَلَى الْأَقْوَالِ كُلِّهَا لَوْ زَادَ لِطُمَأْنِينَةِ الْقَلْبِ عِنْدَ الشَّكِّ أَوْ بِنِيَّةِ وُضُوءٍ آخَرَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْأَوَّلِ فَلَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ نُورٌ عَلَى نُورٍ وَكَذَا إنْ نَقَصَ لِحَاجَةٍ لَا بَأْسَ بِهِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَأَكْثَرِ شُرُوحِ الْهِدَايَةِ، وَفِيهِ كَلَامٌ؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ تَكْرَارَ الْوُضُوءِ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ لَا يُسْتَحَبُّ بَلْ يُكْرَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِسْرَافِ فِي الْمَاءِ كَمَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ فَكَيْفَ يَدَّعِي الِاتِّفَاقَ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ عَلَى عَدَمِ الْكَرَاهَةِ لَوْ نَوَى وُضُوءًا آخَرَ حِينَ فَرَغَ مِنْ الْأَوَّلِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا إذَا اخْتَلَفَ الْمَجْلِسُ، وَهُوَ بَعِيدٌ كَمَا لَا يَخْفَى وَفِي الْحَدِيثِ لَفٌّ وَنَشْرٌ؛ لِأَنَّ التَّعَدِّيَ يَرْجِعُ إلَى الزِّيَادَةِ وَالظُّلْمَ إلَى النُّقْصَانِ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَقَيَّدَ الْمُصَنِّفُ بِالْغَسْلِ احْتِرَازً عَنْ الْمَسْحِ، فَإِنَّهُ لَا يُسَنُّ تَثْلِيثُهُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَإِذَا كَانَ غَيْرَ مَسْنُونٍ فَهَلْ يُكْرَهُ فَالْمَذْكُورُ فِي الْمُحِيطِ وَالْبَدَائِعِ أَنَّهُ يُكْرَهُ وَفِي الْخُلَاصَةِ أَنَّهُ بِدْعَةٌ، وَقِيلَ لَا بَأْسَ بِهِ، وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خان وَعِنْدَنَا لَوْ مَسَحَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ بِثَلَاثِ مِيَاهٍ لَا يُكْرَهُ وَلَكِنْ لَا يَكُونُ سُنَّةً وَلَا أَدَبًا. اهـ. وَهُوَ الْأَوْلَى كَمَا لَا يَخْفَى إذْ لَا دَلِيلَ عَلَى الْكَرَاهَةِ وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ (قَوْلُهُ: وَنِيَّتُهُ) أَيْ وَنِيَّةُ الْمُتَوَضِّئِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَلَا يَخْفَى تَرْجِيحُ الثَّانِي إلَخْ) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ هَذَا يُخَالِفُ مَا قَالَهُ فِي الْمَضْمَضَةِ مِنْ أَنَّ السُّنَّةَ الْمُؤَكَّدَةَ فِي قُوَّةِ الْوَاجِبِ فَيَأْثَمُ بِتَرْكِهَا وَقَالَ فِي بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ اعْلَمْ أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ كَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْإِثْمَ مَنُوطٌ بِتَرْكِ الْوَاجِبِ أَوْ السُّنَّةِ الْمُؤَكَّدَةِ عَلَى الصَّحِيحِ لِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّ مَنْ تَرَكَ سُنَنَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ قِيلَ لَا يَأْثَمُ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَأْثَمُ ذَكَرَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَتَصْرِيحُهُمْ بِالْإِثْمِ لِمَنْ تَرَكَ الْجَمَاعَةَ مَعَ أَنَّهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ، وَكَذَا فِي نَظَائِرِهِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ لِمَنْ تَتَبَّعَ كَلَامَهُمْ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْإِثْمَ مَقُولٌ بِالتَّشْكِيكِ بَعْضُهُ أَشَدُّ مِنْ بَعْضٍ فَالْإِثْمُ لِتَارِكِ السُّنَّةِ الْمُؤَكَّدَةِ أَخَفُّ مِنْ الْإِثْمِ لِتَارِكِ الْوَاجِبِ وَقَالَ فِي بَابِ الْإِمَامَةِ الْجَمَاعَةُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ أَيْ قَوِيَّةٌ تُشْبِهُ الْوَاجِبَ فِي الْقُوَّةِ وَالرَّاجِحُ عِنْدَ أَهْلِ الْمَذْهَبِ الْوُجُوبُ وَنَقَلَهُ فِي الْبَدَائِعِ عَنْ عَامَّةِ مَشَايِخِنَا وَذَكَرَ هُوَ وَغَيْرُهُ أَنَّ الْقَائِلَ مِنْهُمْ إنَّهَا مُؤَكَّدَةٌ لَيْسَ مُخَالِفًا فِي الْحَقِيقَةِ بَلْ فِي الْعِبَارَةِ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ وَالْوَاجِبَ سَوَاءٌ خُصُوصًا مَا كَانَ مِنْ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ اهـ. وَفِي كَلَامِهِ تَنَاقُضٌ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ السُّنَّةَ الْمُؤَكَّدَةَ تَارَةً دُونَ الْوَاجِبِ وَتَارَةً مِثْلَهُ وَلَا يُمْكِنُ دَفْعُهُ إلَّا بِحَمْلِ إفْرَادِ السُّنَّةِ الْمُؤَكَّدَةِ عَلَى التَّفَاوُتِ فِي التَّأَكُّدِ وَالْقُوَّةِ فَيَكُونُ بَعْضُهَا لِزِيَادَةِ تَأَكُّدِهِ فِي مَرْتَبَةِ الْوَاجِبِ كَالْجَمَاعَةِ وَبَعْضُهَا لِقِلَّةِ تَأَكُّدِهِ دُونَهُ كَتَثْلِيثِ الْغَسْلِ (قَوْلُهُ: فَكَيْفَ يَدَّعِي الِاتِّفَاقَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَأَقُولُ: لَا تَدَافُعَ فِي كَلَامِهِمْ لِاخْتِلَافِ الْمَوْضُوعِ، وَذَلِكَ أَنَّ مَا فِي الْخُلَاصَةِ فِيمَا إذَا أَعَادَهُ مَرَّةً وَاحِدَةً وَمَا فِي السِّرَاجِ فِيمَا إذَا كَرَّرَ مِرَارًا وَلَفْظُهُ فِي السِّرَاجِ لَوْ تَكَرَّرَ الْوُضُوءُ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ مِرَارًا لَمْ يُسْتَحَبَّ بَلْ يُكْرَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِسْرَافِ فَتَدَبَّرْ اهـ. لَكِنْ قَالَ الْحَلَبِيُّ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: أَطْبَقُوا عَلَى أَنَّ الْوُضُوءَ عِبَادَةٌ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ لِذَاتِهَا فَإِذَا لَمْ يُؤَدَّ بِهِ عَمَلٌ مِمَّا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ شَرْعِيَّتِهِ كَالصَّلَاةِ وَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُشْرَعَ تَكْرَارُهُ قُرْبَةً لِكَوْنِهِ غَيْرَ مَقْصُودٍ لِذَاتِهِ فَيَكُونُ إسْرَافًا مَحْضًا اهـ. فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: إذْ لَا دَلِيلَ عَلَى الْكَرَاهَةِ) أَقُولُ: قَدْ يُسْتَدَلُّ عَلَيْهَا بِالْحَدِيثِ الْمَارِّ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا أَوْ نَقَصَ فَقَدْ تَعَدَّى وَظَلَمَ» ؛ لِأَنَّ أَئِمَّتَنَا اسْتَدَلُّوا عَلَى أَنَّهُ مَرَّةٌ وَاحِدَةٌ بِالْحَدِيثِ الْمُصَرَّحِ فِيهِ بِهَا وَحَمَلُوا مَا صُرِّحَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 رَفْعُ الْحَدَثِ أَوْ إقَامَةُ الصَّلَاةِ هَذَا هُوَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ كَمَا أَفْصَحَ عَنْهُ فِي الْكَافِي فَلَا حَاجَةَ حِينَئِذٍ إلَى مَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ كَمَا لَا يَخْفَى وَاسْتُفِيدَ مِنْهُ أَنَّ نِيَّةَ الطَّهَارَةِ لَا تَكْفِي فِي تَحْصِيلِ السُّنَّةِ كَأَنَّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِأَنَّهَا مُتَنَوِّعَةٌ إلَى إزَالَةِ الْحَدَثِ أَوْ الْخَبَثِ فَلَمْ يَنْوِ خُصُوصَ الطَّهَارَةِ الصُّغْرَى، فَعَلَى هَذَا لَوْ نَوَى الْوُضُوءَ، فَإِنَّهُ يَكُونُ مُحَصِّلًا لَهَا؛ لِأَنَّ الْوُضُوءَ وَرَفْعَ الْحَدَثِ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْوُضُوءِ رَفْعُ الْحَدَثِ كَمَا حَقَّقْنَاهُ أَوَّلًا، وَعَلَى هَذَا فَيَصِحُّ عَوْدُ الضَّمِيرِ إلَى الْوُضُوءِ وَسَقَطَ بِهِ كَلَامُ الزَّيْلَعِيِّ أَيْضًا كَمَا لَا يَخْفَى مَعَ أَنَّ الْوُضُوءَ أَخَصُّ مِنْ رَفْعِ الْحَدَثِ؛ لِأَنَّهُ يَشْمَلُ الْغُسْلَ فَعَلَى هَذَا نِيَّةُ الْوُضُوءِ أَوْلَى قَالُوا الْمُعْتَبَرُ قَصْدُ رَفْعِ الْحَدَثِ أَوْ إقَامَةِ الصَّلَاةِ كَمَا ذَكَرَ أَوْ اسْتِبَاحَتَهَا أَوْ امْتِثَالَ الْأَمْرِ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ وَلَا يَتَأَتَّى الْأَخِيرُ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ إذْ لَيْسَ مَأْمُورًا بِهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الْوُضُوءَ لَا يَكُونُ نَفْلًا؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لِلصَّلَاةِ وَشَرْطُهَا فَرْضٌ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ، وَهِيَ لُغَةً عَزْمُ الْقَلْبِ عَلَى الشَّيْءِ وَاصْطِلَاحًا كَمَا فِي التَّلْوِيحِ قَصْدُ الطَّاعَةِ وَالتَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي إيجَادِ الْفِعْلِ وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ هَذَا إنَّمَا يَسْتَقِيمُ فِي الْعِبَادَاتِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَيْهَا الثَّوَابُ دُونَ الْمُنْهَيَاتِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَيْهَا الْعِقَابُ فَالصَّوَابُ أَنْ تُفَسَّرَ النِّيَّةُ بِتَوَجُّهِ الْقَلْبِ نَحْوَ إيجَادِ الْفِعْلِ وَتَرْكِهِ مُوَافِقًا لِغَرَضٍ مِنْ جَلْبِ نَفْعٍ أَوْ دَفْعِ ضُرٍّ حَالًا أَوْ مَآلًا اهـ وَقَدْ يُقَالُ إنَّ هَذَا الِاعْتِرَاضَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُكَلَّفَ بِهِ فِي النَّهْيِ لَيْسَ هُوَ الْكَفَّ الَّذِي هُوَ الِانْتِهَاءُ، وَهُوَ قَوْلُ الْبَعْضِ وَالرَّاجِحُ فِي الْأُصُولِ أَنَّهُ لَا تَكْلِيفَ إلَّا بِفِعْلٍ فَهُوَ فِي النَّهْيِ كَفُّهُ النَّفْسَ فَحِينَئِذٍ دَخَلَ فِي إيجَادِ الْفِعْلِ وَفِي الصِّحَاحِ الْعَزْمُ إرَادَةُ الْفِعْلِ وَالْقَطْعُ عَلَيْهِ وَالْقَصْدُ إتْيَانُ الشَّيْءِ وَذَكَرَ الْيَمَنِيُّ فِي شَرْحِ الشِّهَابِ ثُمَّ النِّيَّةُ مَعْنًى وَرَاءَ الْعِلْمِ فَهِيَ نَوْعُ إرَادَةٍ كَالْقَصْدِ وَالْعَزِيمَةِ وَالْهَمِّ وَالْحُبِّ وَالْوُدِّ فَالْكُلُّ اسْمٌ لِلْإِرَادَةِ الْحَادِثَةِ لَكِنَّ الْعَزْمَ اسْمٌ لِلْمُتَقَدِّمِ عَلَى الْفِعْلِ وَالْقَصْدَ اسْمٌ لِلْمُقْتَرِنِ بِالْفِعْلِ وَالنِّيَّةَ اسْمٌ لِلْمُقْتَرِنِ بِالْفِعْلِ مَعَ دُخُولِهِ تَحْتَ الْعِلْمِ بِالْمَنْوِيِّ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ لَا يُوجَدُ بِدُونِ الْإِرَادَةِ، فَإِذَا قَامَ الرَّجُلُ مِنْ قُعُودِهِ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ مَرِيدًا لِلْقِيَامِ، وَإِنْ لَمْ تَعْمَلْ إرَادَتُهُ الْقِيَامَ وَقَدْ يَرْكَعُ الرَّجُلُ وَيَسْجُدُ ذَاهِلًا عَنْ مَعْرِفَةِ إرَادَةِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَيَسْتَحِيلُ وُجُودُهُمَا بِدُونِ الْإِرَادَةِ بِالْكُلِّيَّةِ لِأَنَّ الْإِرَادَةَ صِنْوُ الْقُدْرَةِ وَإِنَّمَا الْمَفْقُودُ الْعِلْمُ لَا غَيْرَ؛ وَلِذَا قُلْنَا لِلْمُكْرَهِ إرَادَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ فَاسِدَةً بِمُقَابَلَةِ إرَادَةِ الْمُكْرِهِ لَكِنْ قَدْ تُذْكَرُ النِّيَّةُ مَقَامَ الْعَزِيمَةِ كَمَا فِي قَوْلِنَا وَنَوَى الصَّوْمَ بِاللَّيْلِ أَيْ عَزَمَ عَلَيْهِ، وَأَطَالَ فِيهِ فَلْيُرَاجَعْ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى فَوَائِدَ كَثِيرَةٍ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ النِّيَّةَ فِي غَيْرِ التَّوَضُّؤِ بِسُؤْرِ الْحَمَامِ وَبِنَبِيذِ التَّمْرِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ وَلَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِي كَوْنِ الْوُضُوءِ مِفْتَاحًا لِلصَّلَاةِ وَوَقْتُهَا عِنْدَ غَسْلِ الْوَجْهِ وَمَحَلُّهَا الْقَلْبُ وَالتَّلَفُّظُ بِهَا مُسْتَحَبٌّ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ، وَأَمَّا النِّيَّةُ فِي التَّوَضُّؤِ بِسُؤْرِ الْحِمَامِ أَوْ بِنَبِيذِ التَّمْرِ فَشَرْطٌ كَذَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَالنُّقَايَةِ مَعْزِيَّيْنِ إلَى الْكِفَايَةِ قَيَّدْنَا بِقَوْلِنَا فِي كَوْنِهِ مِفْتَاحًا؛ لِأَنَّهَا شَرْطٌ فِي كَوْنِهِ سَبَبًا لِلثَّوَابِ عَلَى الْأَصَحِّ وَقِيلَ   [منحة الخالق] فِيهِ بِالثَّلَاثِ عَلَى التَّثْلِيثِ بِمَاءٍ وَاحِدٍ كَمَا يَأْتِي فَوُضُوءُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَيْسَ فِيهِ تَثْلِيثُ الْمَسْحِ بِمِيَاهٍ عِنْدَنَا فَتَرْجِعُ إلَيْهِ الْإِشَارَةُ فِي قَوْلِهِ «فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا» إلَخْ إذَا لَا شَكَّ أَنَّ هَذَا زِيَادَةٌ بِنَاءً عَلَى مَا ثَبَتَ عِنْدَنَا مِنْ وُضُوئِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَأَمَّلْ وَفِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ الْكَبِيرِ بَعْدَ حِكَايَةِ الْأَقْوَالِ مَا نَصُّهُ وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ يُكْرَهُ قَالَ فِي الْكَافِي: التَّثْلِيثُ يَعْنِي بِمِيَاهٍ يُقَرِّبُهُ مِنْ الْغُسْلِ وَلَوْ بَدَّلَهُ بِهِ كُرِهَ كَذَا إذَا قَرَّبَهُ مِنْهُ اهـ. (قَوْلُهُ: فَلَا حَاجَةَ حِينَئِذٍ إلَى مَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ) عِبَارَتُهُ هَكَذَا وَنِيَّتُهُ أَيْ نِيَّةُ الْوُضُوءِ فَالْهَاءُ رَاجِعَةٌ إلَى الْوُضُوءِ؛ لِأَنَّهُ الْمَذْكُورُ وَكَذَا وَقَعَ فِي مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ حَيْثُ قَالَ يَنْوِي الطَّهَارَةَ وَالْمَذْهَبُ أَنْ يَنْوِيَ مَا لَا يَصِحُّ إلَّا بِالطَّهَارَةِ مِنْ الْعِبَادَةِ أَوْ رَفْعِ الْحَدَثِ كَمَا فِي التَّيَمُّمِ وَعَنْ بَعْضِهِمْ نِيَّةُ الطَّهَارَةِ فِي التَّيَمُّمِ تَكْفِي، فَكَذَا هَاهُنَا فَعَلَى هَذَا لَا يَرِدُ عَلَيْهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ عَائِدًا عَلَى الشَّخْصِ الْمُتَوَضِّئِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ يَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْ وَنِيَّةُ الرَّجُلِ الصَّلَاةَ فَيَكُونُ الْمَفْعُولُ مَحْذُوفًا اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الضَّمِيرَ إمَّا عَائِدٌ عَلَى الْوُضُوءِ أَوْ عَلَى الْمُتَوَضِّئِ لَكِنْ يَرِدُ عَلَى الْأَوَّلِ وَعَلَى قَوْلِ الْقُدُورِيِّ يَنْوِي الطَّهَارَةَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ الْمَذْهَبَ نِيَّةُ مَا لَا يَصِحُّ إلَّا بِالطَّهَارَةِ أَوْ رَفْعِ الْحَدَثِ إلَّا أَنْ يُقَاسَ عَلَى التَّيَمُّمِ فَتَصِحُّ نِيَّةُ الطَّهَارَةِ وَمِثْلُهَا الْوُضُوءُ بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَخَصُّ وَعَلَى هَذَا لَا يَرِدُ شَيْءٌ وَحِينَئِذٍ فَاعْتِرَاضُ الشَّارِحِ عَلَى الزَّيْلَعِيِّ أَوَّلًا حَيْثُ أَرْجَعَ الضَّمِيرَ إلَى الْوُضُوءِ وَمُقَدَّمًا لَهُ وَاحْتَاجَ إلَى الْجَوَابِ عَنْهُ مَعَ أَنَّ صَاحِبَ الْمَتْنِ أَرْجَعَهُ إلَى الْمُتَوَضِّئِ وَصَاحِبُ الدَّارِ أَدْرَى وَثَانِيًا بِأَنَّ الْوُضُوءَ وَرَفْعَ الْحَدَثِ سَوَاءٌ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَصِحُّ مَا أَوْرَدَهُ بِقَوْلِهِ وَالْمَذْهَبُ إلَخْ؛ لِأَنَّ رَفْعَ الْحَدَثِ هُوَ حَقِيقَةُ الْوُضُوءِ فَنِيَّةُ الْوُضُوءِ لَا تَكُونُ مُخَالِفَةً لِلْمَذْهَبِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا مُتَنَوِّعَةٌ إلَخْ) قِيلَ فِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ الْحَدَثَ مُتَنَوِّعٌ إلَى أَكْبَرَ وَأَصْغَرَ وَقَدْ كَفَى نِيَّةُ رَفْعِهِ فِي تَحْصِيلِ السُّنَّةِ. اهـ. قُلْت قَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الْأَكْبَرَ مُشْتَمِلٌ عَلَى الْأَصْغَرِ فَالْحَدَثُ، وَإِنْ تَنَوَّعَ فَالْمَقْصُودُ، وَهُوَ الْأَصْغَرُ حَاصِلٌ إمَّا اسْتِقْلَالًا وَإِمَّا ضِمْنًا بِخِلَافِ الْخَبَثِ (قَوْلُهُ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ) لِمُنَافَاتِهِ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ يَكُونُ وَاجِبًا وَمَنْدُوبًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 يُثَابُ بِغَيْرِ نِيَّةٍ ثُمَّ اسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى اشْتِرَاطِهَا فِيهِ بِالْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ الْمُتَّفَقِ عَلَى صِحَّتِهِ «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ» وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَعْمَالِ الْعِبَادَاتُ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْأَعْمَالِ تُعْتَبَرُ شَرْعًا بِلَا نِيَّةٍ فَيَكُونُ الْمُرَادُ إنَّمَا صِحَّةُ الْعِبَادَاتِ بِالنِّيَّةِ وَالْوُضُوءُ عِبَادَةٌ لِأَنَّهَا فِعْلُ مَا يُرْضِي الرَّبَّ، وَهُوَ كَذَلِكَ فَصَارَ كَالتَّيَمُّمِ وَلَنَا عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْأُصُولِيُّونَ أَنَّ حَقِيقَةَ هَذَا التَّرْكِيبِ مَتْرُوكَةٌ بِدَلَالَةِ مَحَلِّ الْكَلَامِ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ إنَّمَا لِلْحَصْرِ، وَقَدْ دَخَلَتْ عَلَى الْمُعَرَّفِ فَاللَّامُ الِاسْتِغْرَاقِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ لَا يُوجَدَ عَمَلٌ بِلَا نِيَّةٍ وَلَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى الْعُمُومِ؛ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْأَعْمَالِ يُوجَدُ بِلَا نِيَّةٍ، فَصَارَ مَجَازًا عَنْ حُكْمِهِ فَالتَّقْدِيرُ حُكْمُ الْأَعْمَالِ بِالنِّيَّاتِ مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ السَّبَبِ عَلَى الْمُسَبَّبِ أَوْ مِنْ حَذْفِ الْمُضَافِ وَإِقَامَةِ الْمُضَافِ إلَيْهِ مَقَامَهُ وَالْحُكْمُ نَوْعَانِ: مُخْتَلِفَانِ أَحَدُهُمَا: أُخْرَوِيٌّ، وَهُوَ الثَّوَابُ وَالْإِثْمُ، وَهُوَ بِنَاءً عَلَى صِدْقِ الْعَزِيمَةِ وَعَدَمِهِ وَالثَّانِي دُنْيَوِيٌّ، وَهُوَ الْجَوَازُ وَالْفَسَادُ هُوَ بِنَاءً عَلَى وُجُودِ الْأَرْكَانِ وَالشَّرَائِطِ وَعَدَمِهَا وَلَمَّا اخْتَلَفَ الْحُكْمَانِ صَارَ الِاسْمُ بَعْدَ كَوْنِهِ مَجَازًا مُشْتَرَكًا وَيَكْفِي فِي تَصْحِيحِهِ مَا هُوَ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْحُكْمُ الْأُخْرَوِيُّ وَلَا دَلِيلَ عَلَى مَا اُخْتُلِفَ فِيهِ فَلَا يَصْلُحُ تَقْدِيرُهُ حُجَّةً عَلَيْنَا فَانْدَفَعَ بِهَذَا التَّقْرِيرِ مَا أَوْرَدَهُ فِي الْكَشْفِ وَشَرْحِ الْمُغْنِي وَشَرْحِ الْمَنَارِ مِنْ أَنَّ قَوْلَهُمْ إنَّ الْحُكْمَ مُشْتَرَكٌ وَلَا عُمُومَ لَهُ مَمْنُوعٌ بَلْ هَذَا فِي الْمُشْتَرَكِ اللَّفْظِيِّ أَمَّا الْمُشْتَرَكُ الْمَعْنَوِيُّ فَلَهُ عُمُومٌ كَالشَّيْءِ وَالْحُكْمِ مِنْهُ فَيَتَنَاوَلُ الْكُلَّ بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى الْأَعَمِّ إذْ تَفْسِيرُ الْحُكْمِ الْأَثَرُ الثَّابِتُ بِالشَّيْءِ اهـ. مَعَ أَنَّ الْأَكْمَلَ فِي تَقْرِيرِهِ أَجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ هَذَا إنَّمَا يَسْتَقِيمُ أَنْ لَوْ كَانَ الْحُكْمُ مَقُولًا عَلَيْهِمَا بِالتَّوَاطُؤِ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّ الْجَوَازَ وَالْفَسَادَ وَإِنْ كَانَا أَثَرَيْنِ ثَابِتَيْنِ بِالْأَعْمَالِ مُوجِبَيْنِ لَهَا لَكِنَّ الثَّوَابَ وَالْعِقَابَ لَيْسَا كَذَلِكَ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ اهـ. يَعْنِي: لِتَخَلُّفِهِمَا فِي الْأَوَّلِ بِعَدَمِ الْقَبُولِ مَعَ الصِّحَّةِ وَفِي الثَّانِي بِالْعَفْوِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَالْمُرَادُ بِالْأَعْمَالِ مَا يَشْمَلُ عَمَلَ الْقَلْبِ فَيَدْخُلُ فِيهِ كَفُّ النَّفْسِ بِالنَّهْيِ، فَإِنَّهُ عَمَلٌ وَلَا تَرِدُ النِّيَّةُ؛ لِأَنَّهَا خَارِجَةٌ لِمَعْنًى يَخُصُّهَا، وَهُوَ لُزُومُ التَّسَلْسُلِ لَكِنَّ اعْتِبَارَ النِّيَّةِ لِلتُّرُوكِ إنَّمَا هُوَ لِحُصُولِ الثَّوَابِ لَا لِلْخُرُوجِ عَنْ عُهْدَةِ النَّهْيِ؛ لِأَنَّ مَنَاطَ الْوَعِيدِ بِالْعِقَابِ فِي النَّهْيِ هُوَ فِعْلُ الْمَنْهِيِّ فَمُجَرَّدُ تَرْكِهِ كَافٍ فِي انْتِفَاءِ الْوَعِيدِ وَمَنَاطُ الثَّوَابِ فِي الْمَنْهِيِّ كَفُّ النَّفْسِ عَنْهُ، وَهُوَ عَمَلٌ مُنْدَرِجٌ فِي الْحَدِيثِ وَعَلَى هَذَا فَفَرْقُ الشَّافِعِيَّةِ بَيْنَ الْوُضُوءِ وَإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ بِأَنَّ الْوُضُوءَ فِعْلٌ فَيَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ وَطَهَارَةَ النَّجَاسَةِ مِنْ بَابِ التُّرُوكِ فَلَا تَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ كَتَرْكِ الزِّنَا ضَعِيفٌ، فَإِنَّ التَّكْلِيفَ أَبَدًا لَا يَقَعُ إلَّا بِالْفِعْلِ الَّذِي هُوَ مَقْدُورُ الْمُكَلَّفِ لَا بِعَدَمِ الْفِعْلِ الَّذِي هُوَ غَيْرُ مَقْدُورٍ وُجُودُهُ قَبْلَ التَّكْلِيفِ كَمَا عُرِفَ فِي مُقْتَضَى النَّهْيِ أَنَّهُ كَفُّ النَّفْسِ عَنْ الْفِعْلِ لَا عَدَمُ الْفِعْلِ وَالتَّرْكُ لَيْسَ بِفِعْلٍ؛ وَلِهَذَا لَا يُثَابُ الْمُكَلَّفُ عَلَى التَّرْكِ إلَّا إذَا تَرَكَ قَاصِدًا فَلَا يُثَابُ عَلَى تَرْكِ الزِّنَا إلَّا إذَا كَفَّ نَفْسَهُ عَنْهُ قَصْدًا لَا إذَا اشْتَغَلَ عَنْهُ بِفِعْلٍ آخَرَ كَالنَّوْمِ وَالْعِبَادَةِ وَتَرْكِهِ بِلَا قَصْدٍ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ الْمُوجِبَيْنِ لِلثَّوَابِ وَالْعِقَابِ وَقَوْلُهُ إنَّ الْوُضُوءَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: صَارَ الِاسْمُ بَعْدَ كَوْنِهِ مَجَازًا مُشْتَرَكًا) ؛ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ حُكْمُ الْأَعْمَالِ، وَهَذَا مَجَازٌ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْدِيرُهُ وَالْحُكْمُ الْمُقَدَّرُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ النَّوْعَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ فَنَزِيدُ مِنْهُمَا مَا هُوَ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ وَعِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَهُوَ الْحُكْمُ الْأُخْرَوِيُّ إذَا لَا ثَوَابَ بِدُونِ النِّيَّةِ اتِّفَاقًا وَأَمَّا الدُّنْيَوِيُّ فَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: فَانْدَفَعَ بِهَذَا التَّقْرِيرِ مَا أَوْرَدَهُ فِي الْكَشْفِ إلَخْ) . اعْلَمْ أَنَّ الْأُصُولِيِّينَ قَالُوا لَمَّا صَارَ الِاسْمُ مُشْتَرَكًا وَالْمُشْتَرَكُ لَا عُمُومَ لَهُ عِنْدَنَا أَرَدْنَا الْمَعْنَى الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ الَّذِي هُوَ الْأُخْرَوِيُّ وَأُورِدَ عَلَيْهِمْ أَنَّ الَّذِي لَا عُمُومَ لَهُ هُوَ الْمُشْتَرَكُ اللَّفْظِيُّ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْحُكْمَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ النَّوْعَيْنِ اشْتِرَاكًا لَفْظِيًّا بِأَنْ يُوضَعَ بِإِزَاءِ كُلٍّ مِنْهُمَا وَضْعًا عَلَى حِدَةٍ بَلْ هُوَ مُشْتَرَكٌ مَعْنَوِيٌّ مَوْضُوعٌ لِلْأَثَرِ الثَّابِتِ بِالشَّيْءِ فَيَعُمُّ الْحُكْمَيْنِ كَمَا يَعُمُّ الْحَيَوَانُ الْإِنْسَانَ وَالْفَرَسَ وَغَيْرَهُمَا وَاللَّوْنُ السَّوَادَ وَالْبَيَاضَ وَنَحْوَهُمَا فَإِرَادَةُ النَّوْعَيْنِ لَا تَكُونُ مِنْ عُمُومِ الْمُشْتَرَكِ فِي شَيْءٍ فَلَا حَاجَةَ إلَى إرَادَةِ أَحَدِهِمَا لِتَصْحِيحِهِ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ التَّقْدِيرَ الَّذِي قَرَّرَهُ الشَّارِحُ هُوَ عَيْنُ مَا قَرَّرَهُ الْأُصُولِيُّونَ فَيَرِدُ عَلَيْهِ مَا أُورِدَ عَلَيْهِمْ فَكَيْفَ يَنْدَفِعُ الْإِيرَادُ بِمُجَرَّدِ تَقْرِيرِهِ وَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ زَائِدٌ عَلَيْهِ يَصْلُحُ لِلدَّفْعِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ مَعْنَى تَقْرِيرِهِ أَنَّا نُرِيدُ بِالْحُكْمِ الْمَعْنَى الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ وَنَدَعُ الْآخَرَ الَّذِي لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ لَا لِمَا قَالُوا مِنْ عَدَمِ عُمُومِ الْمُشْتَرَكِ بَلْ اسْتِغْنَاءً مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ بِأَحَدِهِمَا الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ الْحُكْمُ مُشْتَرَكًا لَفْظِيًّا أَوْ مَعْنَوِيًّا وَبِهَذَا يَحْصُلُ الدَّفْعُ لِلْإِيرَادِ الْمَذْكُورِ وَلَكِنْ يُنَافِي الْحَمْلَ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى قَوْله وَيَكْفِي فِي تَصْحِيحِهِ، فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِيمَا قَالَهُ الْأُصُولِيُّونَ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: مَعَ أَنَّ الْأَكْمَلَ فِي تَقْرِيرِهِ أَجَابَ عَنْهُ) أَيْ عَنْ الْإِيرَادِ الْمَذْكُورِ وَحَاصِلُهُ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنَارِ لِلشَّارِحِ أَنَّ الْمُشْتَرَكَ الْمَعْنَوِيَّ إنْ كَانَ مُتَوَاطِئًا قَبِلَ الْعُمُومَ، وَإِنْ كَانَ مُشَكِّكًا لَا يَقْبَلُهُ (قَوْلُهُ: عَلَيْهِمَا) أَيْ عَلَى الْحَكَمَيْنِ (قَوْلُهُ: لَكِنَّ الثَّوَابَ وَالْعِقَابَ لَيْسَا كَذَلِكَ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ) أَيْ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ بَلْ الْأَعْمَالُ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ عَلَامَاتٌ مَحْضَةٌ عَلَيْهِمَا كَمَا تَقَرَّرَ فِي مَوْضِعِهِ فَإِطْلَاقُ الْحُكْمِ عَلَيْهَا يَكُونُ بِالْمَعْنَى الْآخَرِ بِالضَّرُورَةِ وَلَا مَعْنَى لِلِاشْتِرَاكِ إلَّا هَذَا (قَوْلُهُ: وَقَوْلُهُ وَإِنَّ الْوُضُوءَ) أَيْ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ الْمَفْهُومَ مِنْ الْمَقَامِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 عِبَادَةٌ وَالْعِبَادَةُ لَا تَصِحُّ إلَّا بِالنِّيَّةِ سَلَّمْنَاهُ لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ عِبَادَةٌ بِدُونِهَا عِنْدَنَا، وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِي هَذَا بَلْ فِي أَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْوِ حَتَّى لَمْ يَقَعْ عِبَادَةٌ سَبَبًا لِلثَّوَابِ فَهَلْ يَقَعُ الشَّرْطُ الْمُعْتَبَرُ لِلصَّلَاةِ حَتَّى تَصِحَّ بِهِ أَوْ لَا؟ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى نَفْيِهِ وَلَا إثْبَاتِهِ فَقُلْنَا نَعَمْ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ مَقْصُودُ التَّحْصِيلِ لِغَيْرِهِ لَا لِذَاتِهِ فَكَيْفَ حَصَلَ تَحْصِيلُ الْمَقْصُود، وَصَارَ كَسَتْرِ الْعَوْرَةِ وَبَاقِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ لَا يَفْتَقِرُ اعْتِبَارُهَا إلَى أَنْ تُنْوَى فَمَنْ ادَّعَى أَنَّ الشَّرْطَ وُضُوءٌ هُوَ عِبَادَةٌ فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ؛ لِأَنَّ التُّرَابَ لَمْ يُعْتَبَرْ شَرْعًا مُطَهِّرًا إلَّا لِلصَّلَاةِ وَتَوَابِعِهَا لَا فِي نَفْسِهِ فَكَانَ التَّطْهِيرُ بِهِ تَعَبُّدًا مَحْضًا، وَفِيهِ يُحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ وَقِيَاسُ الْوُضُوءِ عَلَى التَّيَمُّمِ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ الْقِيَاسِ أَنْ لَا يَكُونَ الْأَصْلُ مُتَأَخِّرًا وَالتَّيَمُّمُ شُرِعَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ وَالْوُضُوءُ قَبْلَهَا إلَّا إنْ قَصَدَ بِهِ الِاسْتِدْلَالَ بِمَعْنًى لَمَّا شُرِعَ التَّيَمُّمُ بِشَرْطِ النِّيَّةِ ظَهَرَ وُجُوبُهَا فِي الْوُضُوءِ فَهُوَ بِمَعْنَى لَا فَارِقَ، فَلَيْسَ الْجَوَابُ إلَّا بِإِثْبَاتِ الْفَارِقِ الْمُتَقَدِّمِ وَقَدْ عَلَّمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْأَعْرَابِيَّ الْوُضُوءَ، وَلَمْ يُبَيِّنْ لَهُ النِّيَّةَ، فَلَوْ كَانَتْ شَرْطًا لَبَيَّنَهَا لَهُ، وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ أَنَّ الْوُضُوءَ يَقَعُ عِبَادَةً فَقَوْلُ بَعْضِهِمْ إنَّهُ لَيْسَ بِعِبَادَةٍ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَنْوِ أَوْ مُرَادُهُ نَفْيُ الْعِبَادَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ وَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ مِنْ الرَّدِّ عَلَى مَنْ نَفَى الْعِبَادَةَ عَنْ الْوُضُوءِ مُتَمَسِّكًا بِحَدِيثِ مُسْلِمٍ «الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ» وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ الْغَسْلَ وَالْمَسْحَ فِي آيَةِ الْوُضُوءِ خَاصَّانِ وَهُوَ لَا يَحْتَمِلُ الْبَيَانَ فَاشْتِرَاطُ النِّيَّةِ فِي الْوُضُوءِ زِيَادَةٌ عَلَى النَّصِّ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ لَوْ دَلَّ عَلَيْهَا، وَهُوَ لَا يَجُوزُ فَأَوْرَدَ الْعُقْدَةَ الْأَخِيرَةَ، فَإِنَّهَا فَرْضٌ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فَأُجِيبَ بِأَنَّ الصَّلَاةَ مُجْمَلَةٌ فِي حَقِّ مَا تَتِمُّ بِهِ إذْ لَمْ يُعْرَفْ بِأَنَّ إتْمَامَهَا بِأَيِّ شَيْءٍ يَقَعُ فَاحْتَاجَ إلَى الْبَيَانِ وَقَدْ بُيِّنَ بِالْحَدِيثِ فَالْفَرْضُ ثَبَتَ بِالْكِتَابِ وَالْحَدِيثِ وَالْتَحَقَ بِهِ بَيَانًا لِمُجْمَلِهِ فَأَوْرَدَ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَلْتَحِقَ خَبَرُ الْفَاتِحَةِ كَذَلِكَ فَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا إجْمَالَ فِي أَمْرِ الْقِرَاءَةِ بَلْ هُوَ خَاصٌّ وَأَوْرَدَ أَيْضًا أَنَّهُ يَنْبَغِي عَدَمُ اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِي الْعِبَادَاتِ لِمَا ذُكِرَ أُجِيبَ بِأَنَّهَا فَرْضٌ فِيهَا لَا بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ بَلْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5] ، فَإِنَّهُ جَعَلَ الْإِخْلَاصَ الَّذِي هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ النِّيَّةِ حَالًا لِلْعَابِدِينَ وَالْأَحْوَالُ شُرُوطٌ وَمِنْ هُنَا نَشَأَ إشْكَالٌ عَلَى مَنْ اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى اشْتِرَاطِهَا فِي الْعِبَادَاتِ كَصَاحِبِ الْهِدَايَةِ مَعَ قَوْلِهِمْ فِي الْأُصُولِ إنَّ حَدِيثَ «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» مِنْ قَبِيلِ ظَنِّيِّ الثُّبُوتِ وَالدَّلَالَةِ يُفِيدُ السُّنِّيَّةَ وَالِاسْتِحْبَابَ وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ فِي مَحَلِّهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (قَوْلُهُ: وَمَسَحَ كُلَّ رَأْسِهِ مَرَّةً) أَيْ مَرَّةً مُسْتَوْعِبَةً لِمَا رَوَى التِّرْمِذِيِّ فِي جَامِعِهِ أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - تَوَضَّأَ وَغَسَلَ أَعْضَاءَهُ ثَلَاثًا وَمَسَحَ رَأْسَهُ مَرَّةً وَقَالَ «هَذَا وُضُوءُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَفِي الْهِدَايَةِ وَاَلَّذِي يُرْوَى عَنْهُ مِنْ التَّثْلِيثِ فَمَحْمُولٌ عَلَيْهِ بِمَاءٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ مَشْرُوعٌ عَلَى مَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ. وَلِأَنَّ التَّكْرَارَ فِي الْغَسْلِ لِأَجْلِ الْمُبَالَغَةِ فِي التَّنْظِيفِ وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِالْمَسْحِ فَلَا يُفِيدُ التَّكْرَارَ فَصَارَ كَمَسْحِ الْخُفِّ وَالْجَبِيرَةِ وَالتَّيَمُّمِ وَمَا قُلْنَاهُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ قِيَاسُ الْمَمْسُوحِ عَلَى الْمَمْسُوحِ وَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ قِيَاسُ الْمَمْسُوحِ عَلَى الْمَغْسُولِ وَفِي الْعِنَايَةِ، فَإِنْ قِيلَ قَدْ صَارَ الْبَلَلُ مُسْتَعْمَلًا بِالْمَرَّةِ الْأُولَى فَكَيْفَ يُسَنُّ إمْرَارُهُ ثَانِيًا وَثَالِثًا أُجِيبَ بِأَنَّهُ يَأْخُذُ حُكْمَ الِاسْتِعْمَالِ لِإِقَامَةِ فَرْضٍ آخَرَ لَا لِإِقَامَةِ السُّنَّةِ؛ لِأَنَّهَا تَبَعٌ لِلْفَرْضِ أَلَا تَرَى أَنَّ الِاسْتِيعَابَ يُسَنُّ بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ تَكَلَّمُوا فِي كَيْفِيَّةِ الْمَسْحِ وَالْأَظْهَرُ أَنْ يَضَعَ كَفَّيْهِ وَأَصَابِعَهُ عَلَى مُقَدَّمِ رَأْسِهِ وَيَمُدَّهُمَا إلَى الْقَفَا عَلَى وَجْهٍ يَسْتَوْعِبُ جَمِيعَ الرَّأْسِ ثُمَّ يَمْسَحُ أُذُنَيْهِ بِأُصْبُعَيْهِ وَلَا يَكُونُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا بِهَذَا؛ لِأَنَّ الِاسْتِيعَابَ بِمَاءٍ وَاحِدٍ لَا يَكُونُ إلَّا بِهَذَا الطَّرِيقِ وَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّهُ يُجَافِي كَفَّيْهِ تَحَرُّزًا عَنْ الِاسْتِعْمَالِ لَا يُفِيدُ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْوَضْعِ وَالْمَدِّ، فَإِنْ كَانَ مُسْتَعْمَلًا بِالْمَوْضُوعِ الْأَوَّلِ فَكَذَا بِالثَّانِي فَلَا يُفِيدُ تَأْخِيرُهُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَأُذُنَيْهِ بِمَائِهِ) أَيْ بِمَاءِ الرَّأْسِ وَفِي الْمُجْتَبَى يَمْسَحُهُمَا بِالسَّبَّابَتَيْنِ دَاخِلَهُمَا وَبِالْإِبْهَامَيْنِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: فَقُلْنَا نَعَمْ) أَيْ أَنَّهُ يَقَعُ الشَّرْطُ الْمُعْتَبَرُ لِلصَّلَاةِ (قَوْلُهُ: فَلَيْسَ الْجَوَابُ إلَّا بِإِثْبَاتِ الْفَارِقِ الْمُتَقَدِّمِ) ، وَهُوَ أَنَّ التُّرَابَ لَمْ يُعْتَبَرْ شَرْعًا مُطَهِّرًا إلَّا لِلصَّلَاةِ. (قَوْلُهُ: فَمَحْمُولٌ عَلَيْهِ بِمَاءٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ مَشْرُوعٌ إلَخْ) قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي الْمُجَرَّدِ إذَا مَسَحَ ثَلَاثًا بِمَاءٍ وَاحِدٍ كَانَ مَسْنُونًا (قَوْلُهُ: وَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ إلَخْ) أَيْ فِي كَيْفِيَّةِ الِاسْتِيعَابِ وَبَيَانُهُ كَمَا ذَكَرَهُ فِي النَّهْرِ أَنْ يَضَعَ يَدَيْهِ وَيَضَعَ بُطُونَ ثَلَاثِ أَصَابِعَ مِنْ كُلِّ كَفٍّ عَلَى مُقَدَّمِ الرَّأْسِ وَيَعْزِلَ السَّبَّابَتَيْنِ وَالْإِبْهَامَيْنِ وَيُجَافِي الْكَفَّيْنِ وَيَجُرُّهُمَا إلَى الرَّأْسِ ثُمَّ يَمْسَحُ الْفَوْدَيْنِ بِالْكَفَّيْنِ وَيَجُرُّهُمَا إلَى مُقَدَّمِ الرَّأْسِ وَيَمْسَحُ ظَاهِرَ الْأُذُنَيْنِ بِبَاطِنِ الْإِبْهَامَيْنِ وَبَاطِنَ الْأُذُنَيْنِ بِبَاطِنِ السَّبَّابَتَيْنِ وَيَمْسَحُ رَقَبَتَهُ بِظَاهِرِ الْيَدَيْنِ حَتَّى يَصِيرَ مَاسِحًا بِبَلَلٍ لَمْ يَصِرْ مُسْتَعْمَلًا هَكَذَا رَوَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - مَسْحَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اهـ وَنُقِلَ عَنْ الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ أَنَّ قَوْلَهُ لَمْ يَصِرْ مُسْتَعْمَلًا يَعْنِي حَقِيقَةً، وَإِنْ لَمْ يَصِرْ مُسْتَعْمَلًا حُكْمًا فِي عُضْوٍ وَاحِدٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 خَارِجَهُمَا، وَهُوَ الْمُخْتَارُ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ وَعَنْ الْحَلْوَانِيِّ وَشَيْخِ الْإِسْلَامِ يُدْخِلُ الْخِنْصَرَ فِي أُذُنَيْهِ وَيُحَرِّكُهُمَا وَاسْتَدَلَّ الْمَشَايِخُ بِالْحَدِيثِ «الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْسِ» أَيْ يُمْسَحَانِ بِمَا يُمْسَحُ بِهِ الرَّأْسُ وَتَمَامُ تَقْرِيرِهِ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَاسْتَدَلَّ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَنَّهُ أَخَذَ غَرْفَةً فَمَسَحَ بِهَا رَأْسَهُ وَأُذُنَيْهِ» عَلَى مَا رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ، وَأَمَّا مَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَخَذَ لِأُذُنَيْهِ مَاءً جَدِيدًا» فَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّهُ لِفِنَاءِ الْبِلَّةِ قَبْلَ الِاسْتِيعَابِ تَوْفِيقًا بَيْنَهُمَا مَعَ أَنَّهُ لَوْ أَخَذَ مَاءً جَدِيدًا مِنْ غَيْرِ فَنَاءِ الْبِلَّةِ كَانَ حَسَنًا كَذَا فِي شَرْحِ مِسْكِينٍ فَاسْتُفِيدَ مِنْهُ أَنَّ الْخِلَافَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّافِعِيِّ فِي أَنَّهُ إذَا لَمْ يَأْخُذْ مَاءً جَدِيدًا وَمَسَحَ بِالْبِلَّةِ الْبَاقِيَةِ هَلْ يَكُونُ مُقِيمًا لِلسُّنَّةِ فَعِنْدَنَا وَعِنْدَهُ لَا أَمَّا لَوْ أَخَذَ مَاءً جَدِيدًا مَعَ بَقَاءِ الْبِلَّةِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ مُقِيمًا لِلسُّنَّةِ اتِّفَاقًا. (قَوْلُهُ: وَالتَّرْتِيبُ الْمَنْصُوصُ) أَيْ كَمَا ذَكَرَ فِي النَّصِّ فِي أَصْلِهِ الْوَافِي، وَهُوَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ عِنْدَنَا عَلَى الصَّحِيحِ وَيَكُونُ مُسِيئًا بِتَرْكِهِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ فَرْضٌ وَمِنْهُمْ مَنْ بَنَى الْخِلَافَ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي مَعْنَى الْوَاوِ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، فَإِنَّ الصَّحِيحَ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ كَمَا هُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ أَنَّ الْوَاوَ لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ وَلَا تُفِيدُ التَّرْتِيبَ وَمَنْ زَعَمَ مِنْ أَئِمَّتِنَا بِأَنَّهَا لَهُ لِمَسَائِلَ اسْتَدَلَّ بِهَا فَقَدْ أُجِيبَ عَنْهَا فِي الْأُصُولِ وَمَنْ زَعَمَ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهَا لَهُ فَقَدْ ضَعَّفَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فَلَمْ يُوجَدْ دَلِيلٌ بِالِافْتِرَاضِ فَنَفَاهُ أَئِمَّتُنَا وَقَدْ عُلِمَ مِنْ فِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَقَالُوا بِسُنِّيَّتِهِ وَأَمَّا مَا اسْتَدَلَّ بِهِ النَّوَوِيُّ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ مَمْسُوحًا بَيْنَ مَغْسُولَاتٍ وَالْأَصْلُ جَمْعُ الْمُتَجَانِسَةِ عَلَى نَسَقٍ وَاحِدٍ ثُمَّ عَطْفُ غَيْرِهَا لَا يَخْرُجُ عَنْ ذَلِكَ إلَّا لِفَائِدَةٍ، وَهِيَ هُنَا وُجُوبُ التَّرْتِيبِ فَقَدْ أُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ الْفَائِدَةَ التَّنْبِيهُ عَلَى وُجُوبِ الِاقْتِصَادِ فِي صَبِّ الْمَاءِ عَلَى الْأَرْجُلِ لِمَا أَنَّهَا مَظِنَّةُ الْإِسْرَافِ كَمَا فِي الْكَشَّافِ وَغَيْرِهِ وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ كَمَا فِي التَّوْشِيحِ وَأَبُو دَاوُد كَمَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «تَيَمَّمَ فَبَدَأَ بِذِرَاعَيْهِ قَبْلَ وَجْهِهِ» فَلَمَّا ثَبَتَ عَدَمُ التَّرْتِيبِ فِي التَّيَمُّمِ ثَبَتَ فِي الْوُضُوءِ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ فِيهِمَا وَاحِدٌ، وَأَمَّا مَا اسْتَدَلَّ بِهِ الشَّارِحُونَ لِلشَّافِعِيِّ مِنْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَقَّبَ الْقِيَامَ بِغَسْلِ الْوَجْهِ بِالْفَاءِ، وَهِيَ لِلتَّرْتِيبِ بِلَا خِلَافٍ، وَمَتَى وَجَبَ تَقْدِيمُ الْوَجْهِ تَعَيَّنَ التَّرْتِيبُ إذْ لَا قَائِلَ بِالتَّرْتِيبِ فِي الْبَعْضِ وَمَا أَجَابُوا بِهِ مِنْ أَنَّ الْفَاءَ إنَّمَا تُفِيدُ تَرْتِيبَ غَسْلِ الْأَعْضَاءِ عَلَى الْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ لَا تَرْتِيبَ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ فَقَدْ قَالَ النَّوَوِيُّ: إنَّهُ اسْتِدْلَالٌ بَاطِلٌ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَكَأَنَّ قَائِلَهُ حَصَلَ لَهُ ذُهُولٌ وَاشْتِبَاهٌ فَاخْتَرَعَهُ، وَأَمَّا مَا اسْتَدَلَّ بِهِ الزَّيْلَعِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ مِنْ الْحَدِيثِ «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ امْرِئٍ حَتَّى يَضَعَ الطَّهُورَ مَوَاضِعَهُ فَيَغْسِلَ يَدَيْهِ ثُمَّ يَغْسِلَ وَجْهَهُ ثُمَّ يَغْسِلَ ذِرَاعَيْهِ» فَقَدْ اعْتَرَفَ النَّوَوِيُّ بِضَعْفِهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الِاشْتِغَالِ بِجَوَابِهِ، وَأَمَّا مَا اسْتَدَلَّ بِهِ فِي الْمِعْرَاجِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَسِيَ مَسْحَ رَأْسِهِ ثُمَّ تَذَكَّرَ فَمَسَحَهَا وَلَمْ يُعِدْ غَسْلَ رِجْلَيْهِ» فَقَدْ قَالَ النَّوَوِيُّ إنَّهُ ضَعِيفٌ لَا يُعْرَفُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى إقَامَةِ الدَّلِيلِ عَلَى عَدَمِ الِافْتِرَاضِ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ وَمُدَّعِيهِ مُطَالَبٌ بِهِ (قَوْلُهُ: وَالْوِلَاءُ) بِكَسْرِ الْوَاوِ، وَهُوَ التَّتَابُعُ فِي الْأَفْعَالِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَخَلَّلَهَا جَفَافُ عُضْوٍ مَعَ اعْتِدَالِ الْهَوَاءِ كَذَا فِي تَقْرِيرِ الْأَكْمَلِ وَغَيْرِهِ وَفِي السَّرَّاجِ مَعَ اعْتِدَالِ الْهَوَاءِ وَالْبَدَنِ بِغَيْرِ عُذْرٍ، وَأَمَّا إذَا كَانَ لِعُذْرٍ بِأَنْ فَرَغَ مَاءُ الْوُضُوءِ أَوْ انْقَلَبَ الْإِنَاءُ فَذَهَبَ لِطَلَبِ الْمَاءِ وَمَا أَشْبَهَهُ فَلَا بَأْسَ بِالتَّفْرِيقِ عَلَى الصَّحِيحِ وَكَذَا إذَا فَرَّقَ فِي الْغَسْلِ وَالتَّيَمُّمِ. اهـ. وَظَاهِرُ الْأَوَّلِ أَنَّ الْعُضْوَ الْأَوَّلَ إذَا جَفَّ بَعْدَمَا غَسَلَ الثَّانِيَ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِوِلَاءٍ وَذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ الْوِلَاءَ غَسْلُ الْعُضْوِ الثَّانِي قَبْلَ جَفَافِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّهُ وِلَاءٌ، وَهُوَ الْأَوْلَى وَفِي الْمِعْرَاجِ عَنْ الْحَلْوَانِيِّ تَجْفِيفُ الْأَعْضَاءِ قَبْلَ غَسْلِ الْقَدَمَيْنِ بِالْمِنْدِيلِ لَا يُفْعَلُ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَرْكَ الْوَلَاءِ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَمْسَحَ بِالْمِنْدِيلِ وَاسْتَدَلَّ فِي الْمِعْرَاجِ عَلَى عَدَمِ فَرْضِيَّةِ الْوَلَاءِ بِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - تَوَضَّأَ فِي السُّوقِ فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ ثُمَّ دُعِيَ إلَى جِنَازَةٍ فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ ثُمَّ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: أَمَّا لَوْ أَخَذَ مَاءً جَدِيدًا إلَخْ) مُقْتَضَى هَذَا أَنْ يَكُونَ أَخْذُ مَاءٍ جَدِيدٍ مَطْلُوبًا عِنْدَنَا خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ لِتَكُونَ عِبَادَةً مُجْمَعًا عَلَيْهَا لَكِنَّ تَقْيِيدَ الْمُتُونِ كَوْنُهُ بِمَاءِ الرَّأْسِ يَقْتَضِي أَنَّهُ السُّنَّةُ وَكَذَا اسْتِدْلَالُهُمْ بِحَدِيثِ «الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْسِ» وَلَا يُسَنُّ تَجْدِيدُ مَاءٍ لِلرَّأْسِ فَكَذَا لِمَا كَانَ مِنْهُ وَفِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ لِابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ ثُمَّ السُّنَّةُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ أَحْمَدَ أَنْ يَكُونَ بِمَاءِ الرَّأْسِ خِلَافًا لِمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ إلَخْ فَمَا ذَكَرَهُ مِسْكِينٌ رِوَايَةٌ وَالْمُتُونُ وَالشُّرُوحُ عَلَى خِلَافِهَا تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: أَيْ كَمَا ذَكَرَهُ فِي النَّصِّ) أَيْ فِي الْآيَةِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى رَدِّ مَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ أَيْ التَّرْتِيبُ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ الْعُلَمَاءِ اهـ. فَإِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ مَعَ أَنَّ صَاحِبَ الْمَتْنِ صَرَّحَ بِمَا يَدُلُّ عَلَى مُرَادِهِ (قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ الْأَوَّلِ) يَنْبَغِي إسْقَاطُ لَفْظَةِ الْأَوَّل وَالْإِتْيَانُ بِالضَّمِيرِ بَدَلَهُ أَوْ تَأْخِيرُ هَذَا الْكَلَامِ عَنْ قَوْلِهِ وَذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 مَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ اهـ. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، وَهُوَ أَثَرٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَالِاسْتِدْلَالُ بِهِ حَسَنٌ، فَإِنَّ ابْنَ عُمَرَ فَعَلَهُ بِحَضْرَةِ حَاضِرِي الْجِنَازَةِ وَلَمْ يُنْكَرْ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: وَمُسْتَحَبُّهُ التَّيَامُنُ) أَيْ مُسْتَحَبُّ الْوُضُوءِ الْبُدَاءَةُ بِالْيَمِينِ فِي غَسْلِ الْأَعْضَاءِ، وَهُوَ فِي اللُّغَةِ الشَّيْءُ الْمَحْبُوبُ ضِدُّ الْمَكْرُوهِ وَعِنْدَ الْفُقَهَاءِ هُوَ مَا فَعَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّةً وَتَرَكَهُ أُخْرَى وَالْمَنْدُوبُ مَا فَعَلَهُ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ وَتَرَكَهُ تَعْلِيمًا لِلْجَوَازِ كَذَا فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ وَيَرِدُ عَلَيْهِ مَا رَغَّبَ فِيهِ وَلَمْ يَفْعَلْهُ وَمَا جَعَلَهُ تَعْرِيفًا لِلْمُسْتَحَبِّ جَعَلَهُ فِي الْمُحِيطِ تَعْرِيفًا لِلْمَنْدُوبِ، فَالْأَوْلَى مَا عَلَيْهِ الْأُصُولِيُّونَ مِنْ عَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُسْتَحَبِّ وَالْمَنْدُوبِ، وَأَنَّ مَا وَاظَبَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهِ مَعَ تَرْكٍ مَا بِلَا عُذْرٍ سُنَّةٌ وَمَا لَمْ يُوَاظِبْ عَلَيْهِ مَنْدُوبٌ وَمُسْتَحَبٌّ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْهُ بَعْدَ مَا رَغَّبَ فِيهِ كَذَا فِي التَّحْرِيرِ وَحُكْمُهُ الثَّوَابُ عَلَى الْفِعْلِ وَعَدَمُ اللَّوْمِ عَلَى التَّرْكِ، وَإِنَّمَا كَانَ التَّيَامُنُ مُسْتَحَبًّا لِمَا فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُحِبُّ التَّيَامُنَ فِي كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى فِي طَهُورِهِ وَتَنَعُّلِهِ وَتَرَجُّلِهِ وَشَأْنِهِ كُلِّهِ» والمحبوبية لَا تَسْتَلْزِمُ الْمُوَاظَبَةَ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ الْمُسْتَحَبَّاتِ مَحْبُوبَةٌ لَهُ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يُوَاظِبْ عَلَى كُلِّهَا وَإِلَّا لَمْ تَكُنْ مُسْتَحَبَّةً بَلْ مَسْنُونَةً لَكِنْ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا تَوَضَّأْتُمْ فَابْدَءُوا بِمَيَامِنِكُمْ» وَغَيْرُ وَاحِدٍ مَنْ حَكَى وُضُوءَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَرَّحُوا بِتَقْدِيمِ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى وَذَلِكَ يُفِيدُ الْمُوَاظَبَةَ؛ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا يَحْكُونَ وُضُوءَهُ الَّذِي هُوَ عَادَتُهُ فَيَكُونُ سُنَّةً وَبِمِثْلِهِ تَثْبُتُ سُنِّيَّةُ الِاسْتِيعَابِ؛ لِأَنَّهُمْ كَذَلِكَ حَكَوْا الْمَسْحَ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ لَكِنَّ الْمُوَاظَبَةَ لَا تُفِيدُ السُّنِّيَّةَ إلَّا إذَا كَانَتْ عَلَى سَبِيلِ الْعِبَادَةِ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ عَلَى سَبِيلِ الْعَادَةِ فَتُفِيدُ الِاسْتِحْبَابَ وَالنَّدْبَ لَا السُّنِّيَّةَ كَلُبْسِ الثَّوْبِ وَالْأَكْلِ بِالْيَمِينِ وَمُوَاظَبَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى التَّيَامُنِ كَانَتْ مِنْ قَبِيلِ الثَّانِي فَلَا تُفِيدُ السُّنِّيَّةَ كَذَا فِي شَرْحِ الْوُقَايَةِ وَكَذَا قَالَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ إنَّ الْبُدَاءَةَ بِالْيُمْنَى فَضِيلَةٌ عَلَى الْأَصَحِّ وَقَيَّدْنَا بِقَوْلِنَا فِي غَسْلِ الْأَعْضَاءِ تَبَعًا لِصَدْرِ الشَّرِيعَةِ وَغَيْرِهِ احْتِرَازًا عَنْ الْمَمْسُوحِ، فَإِنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُ الْيُمْنَى فِيهِ كَمَسْحِ الْأُذُنَيْنِ؛ لِأَنَّ مَسْحَهُمَا مَعًا أَسْهَلُ كَالْحَدَّيْنِ، وَلَيْسَ فِي أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ عُضْوَانِ لَا يُتَسَحَّبُ تَقْدِيمُ الْأَيْمَنِ مِنْهُمَا إلَّا الْأُذُنَيْنِ، فَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ أَقْطَعَ لَا يُمْكِنُهُ مَسْحُهُمَا مَعًا فَإِنَّهُ يَبْتَدِئُ بِالْيُمْنَى وَبِالْحَدِّ الْأَيْمَنِ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ. (قَوْلُهُ: وَمَسَحَ رَقَبَتَهُ) يَعْنِي بِظَهْرِ الْيَدَيْنِ لِعَدَمِ اسْتِعْمَالِ بِلَّتِهِمَا، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ فَقِيلَ بِدْعَةٌ وَقِيلَ سُنَّةٌ، وَهُوَ قَوْلُ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ وَبِهِ أَخَذَ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ كَذَا فِي شَرْحِ مِسْكِينٍ، وَفِي الْخُلَاصَةِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ أَدَبٌ، وَهُوَ بِمَعْنَى الْمُسْتَحَبِّ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَأَمَّا مَسْحُ الْحُلْقُومِ فَبِدْعَةٌ وَاسْتَدَلَّ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ عَلَى اسْتِحْبَابِ مَسْحِ الرَّقَبَةِ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَسَحَ ظَاهِرَ رَقَبَتِهِ مَعَ مَسْحِ الرَّأْسِ» فَانْدَفَعَ بِهِ قَوْلُ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ بِدْعَةٌ، وَلَيْسَ مُرَادُهُ حَصْرَ مُسْتَحَبِّهِ فِيمَا ذَكَرَ؛ لِأَنَّ لَهُ مُسْتَحَبَّاتٍ كَثِيرَةً وَعَبَّرَ عَنْهَا بَعْضُهُمْ بِمَنْدُوبَاتِهِ، وَقَدَّمْنَا عَدَمَ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا فَاَلَّذِي فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ الْمَنْدُوبَاتِ نَيِّفٌ وَعِشْرُونَ تَرْكُ الْإِسْرَافِ وَالتَّقْتِيرِ وَكَلَامِ النَّاسِ وَالِاسْتِعَانَةِ وَعَنْ الْوَبَرِيِّ لَا بَأْسَ بِصَبِّ الْخَادِمِ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَبُّ الْمَاءُ عَلَيْهِ وَالتَّمَسُّحُ بِخِرْقَةٍ يَمْسَحُ بِهَا مَوْضِعَ الِاسْتِنْجَاءِ وَنَزْعُ خَاتَمٍ عَلَيْهِ اسْمُهُ تَعَالَى أَوْ اسْمُ نَبِيِّهِ حَالَ الِاسْتِنْجَاءِ وَكَوْنُ آنِيَتِهِ مِنْ خَزَفٍ وَأَنْ يَغْسِلَ عُرْوَةَ الْإِبْرِيقِ ثَلَاثًا وَوَضْعُهُ عَلَى يَسَارِهِ، وَإِنْ كَانَ إنَاءً يَغْتَرِفُ مِنْهُ فَعَنْ يَمِينِهِ وَوَضْعُ يَدِهِ حَالَةَ الْغَسْلِ عَلَى عُرْوَتِهِ لَا رَأْسِهِ وَالتَّأْهِيلُ بِالْوُضُوءِ قَبْلَ الْوَقْتِ وَذِكْرُ الشَّهَادَتَيْنِ عِنْدَ كُلِّ عُضْوٍ وَاسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ فِي الْوُضُوءِ وَاسْتِصْحَابُ النِّيَّةِ فِي جَمِيعِ أَفْعَالِهِ وَتَعَاهُدِ مُوقَيْهِ وَمَا تَحْتَ الْخَاتَمِ وَالذِّكْرُ الْمَحْفُوظُ عِنْدَ كُلِّ عُضْوٍ وَأَنْ لَا يَلْطِمَ وَجْهَهُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: لَمْ يُوَاظِبْ عَلَى كُلِّهَا) يَنْبَغِي إسْقَاطُ لَفْظَةِ كُلِّهَا كَمَا وَقَعَ فِي النَّهْرِ، وَإِنْ كَانَتْ مَوْجُودَةً فِي الْفَتْحِ لِاقْتِضَائِهِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاظَبَ عَلَى بَعْضِهَا فَيَكُونُ مَسْنُونًا لَا مُسْتَحَبًّا تَأَمَّلْ إلَّا أَنْ يُقَالَ ذَكَرَ الشَّارِحُ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى مَا سَيَأْتِي فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ: وَمُوَاظَبَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى التَّيَامُنِ كَانَتْ مِنْ قَبِيلِ الثَّانِي) أَيْ الْعَادَةِ قَالَ فِي النَّهْرِ سَلَّمْنَا أَنَّ الْمُوَاظَبَةَ كَانَتْ عَلَى وَجْهِ الْعِبَادَةِ لَكِنَّ عَدَمَ الِاخْتِصَاصِ يُنَافِيهَا وَلَوْ عَلَى سَبِيلِ الْعَادَةِ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ اهـ. أَيْ عَدَمُ اخْتِصَاصِ التَّيَامُنِ بِالْوُضُوءِ يُنَافِي كَوْنَهُ مِنْ سُنَنِهِ، وَإِنَّمَا يُنْدَبُ لَهُ كَمَا يُنْدَبُ لِغَيْرِهِ كَالتَّنَعُّلِ وَالتَّرَجُّلِ قُلْت يَرِدُ عَلَيْهِ عَدَمُ اخْتِصَاصِ السِّوَاكِ وَالنِّيَّةِ بِهِ مَعَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَاظَبَ عَلَيْهِمَا وَهُمَا مِنْ سُنَنِ الْوُضُوءِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: إلَّا الْأُذُنَيْنِ) أَيْ وَالْخَدَّيْنِ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: يَصُبُّ الْمَاءَ عَلَيْهِ) إنْ كَانَ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ فَالْمَاءُ نَائِبُ الْفَاعِلِ، وَإِنْ كَانَ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ فَفِيهِ ضَمِيرٌ يَعُودُ عَلَى الْخَادِمِ وَالْمَاءُ مَفْعُولٌ بِهِ (قَوْلُهُ: وَالتَّمَسُّحُ إلَخْ) بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى الْإِسْرَافِ قَالَ فِي الْمُنْيَةِ، وَأَنْ لَا يَمْسَحَ أَعْضَاءَهُ بِالْخِرْقَةِ الَّتِي مَسَحَ بِهَا مَوْضِعَ الِاسْتِنْجَاءِ (قَوْلُهُ: وَنَزْعُ خَاتَمٍ) ذُكِرَ فِي الْفَتْحِ قَبْلَ هَذَا مَا نَصُّهُ وَمِنْهَا اسْتِقَاءُ مَائِهِ بِنَفْسِهِ وَالْمُبَادَرَةُ إلَى سَتْرِ الْعَوْرَةِ بَعْدَ الِاسْتِنْجَاءِ وَكَأَنَّهُ سَقَطَ مِنْ نُسْخَةِ الشَّارِحِ الَّتِي نُقِلَ عَنْهَا مَا بَيْنَ لَفْظَتَيْ الِاسْتِنْجَاءِ (قَوْلُهُ: وَالذِّكْرُ الْمَحْفُوظُ عِنْدَ كُلِّ عُضْوٍ) ، وَهُوَ كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 بِالْمَاءِ وَإِمْرَارُ الْيَدِ عَلَى الْأَعْضَاءِ الْمَغْسُولَةِ وَالتَّأَنِّي وَالدَّلْكُ خُصُوصًا فِي الشِّتَاءِ وَتَجَاوُزُ حُدُودِ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ لِيَسْتَيْقِنَ غَسْلَهُمَا وَقَوْلُ سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ التَّوَّابِينَ إلَخْ وَأَنْ يَشْرَبَ فَضْلَ وُضُوئِهِ مُسْتَقْبِلًا قَائِمًا قِيلَ، وَإِنْ شَاءَ قَاعِدًا وَصَلَاةُ رَكْعَتَيْنِ عَقِيبَهُ وَمِلْءُ آنِيَتِهِ اسْتِعْدَادًا وَحِفْظُ ثِيَابِهِ مِنْ التَّقَاطُرِ وَالِامْتِخَاطِ بِالشِّمَالِ عِنْدَ الِاسْتِنْشَاقِ وَيُكْرَهُ بِالْيَمِينِ وَكَذَا إلْقَاءُ الْبُزَاقِ فِي الْمَاءِ وَالزِّيَادَةُ عَلَى ثَلَاثٍ فِي غَسْلِ الْأَعْضَاءِ وَبِالْمَاءِ الْمُشْمِسِ اهـ. وَهُنَا تَنْبِيهَاتٌ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْإِسْرَافَ هُوَ الِاسْتِعْمَالُ فَوْقَ الْحَاجَةِ الشَّرْعِيَّةِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى شَطِّ نَهْرٍ وَقَدْ ذَكَرَ قَاضِي خان تَرْكَهُ مِنَّا السُّنَنِ وَلَعَلَّهُ الْأَوْجُهُ فَعَلَى كَوْنِهِ مَنْدُوبًا لَا يَكُونُ الْإِسْرَافُ مَكْرُوهًا وَعَلَى كَوْنِهِ سُنَّةً يَكُونُ مَكْرُوهًا تَنْزِيهًا وَصَرَّحَ الزَّيْلَعِيُّ بِكَرَاهَتِهِ وَفِي الْمُبْتَغَى أَنَّهُ مِنْ الْمَنْهِيَّاتِ فَتَكُونُ تَحْرِيمِيَّةً وَقَدْ ذَكَرَ الْمُحَقِّقُ آخِرًا أَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى ثَلَاثٍ مَكْرُوهَةٌ، وَهِيَ مِنْ الْإِسْرَافِ، وَهَذَا إذَا كَانَ مَاءَ نَهْرٍ أَوْ مَمْلُوكًا لَهُ، فَإِنْ كَانَ مَاءً مَوْقُوفًا عَلَى مَنْ يَتَطَهَّرُ أَوْ يَتَوَضَّأُ حَرُمَتْ الزِّيَادَةُ وَالسَّرَفُ بِلَا خِلَافٍ وَمَاءُ الْمَدَارِسِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُوقَفُ وَيُسَاقُ لِمَنْ يَتَوَضَّأُ الْوُضُوءَ الشَّرْعِيَّ كَذَا فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي، وَقَدْ عَلِمْت فِيمَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى الثَّلَاثِ لِطُمَأْنِينَةِ الْقَلْبِ أَوْ بِنِيَّةِ وُضُوءٍ آخَرَ لَا بَأْسَ بِهِ فَيَنْبَغِي تَقْيِيدُ مَا أَطْلَقُوهُ هُنَا الثَّانِي أَنَّ تَرْكَ كَلَامِ النَّاسِ لَا يَكُونُ أَدَبًا إلَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لِحَاجَةٍ، فَإِنْ دَعَتْ إلَيْهِ حَاجَةٌ يُخَافُ فَوْتُهَا بِتَرْكِهِ لَمْ يَكُنْ فِي الْكَلَامِ تَرْكُ الْأَدَبِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ الثَّالِثُ أَنَّ التَّأَهُّبَ بِالْوُضُوءِ قَبْلَ الْوَقْتِ مُقَيَّدٌ بِغَيْرِ صَاحِبِ الْعُذْرِ وَفِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَعِنْدِي أَنَّهُ مِنْ آدَابِ الصَّلَاةِ لَا الْوُضُوءِ؛ لِأَنَّهُ مَقْصُودٌ لِفِعْلِ الصَّلَاةِ الرَّابِعُ أَنَّ الزَّيْلَعِيَّ صَرَّحَ بِأَنَّ لَطْمَ الْوَجْهِ بِالْمَاءِ مَكْرُوهٌ فَيَكُونُ تَرْكُهُ سُنَّةً لَا أَدَبًا الْخَامِسُ أَنَّ ذِكْرَهُ الدَّلْكَ بَعْدَ ذِكْرِهِ إمْرَارَ الْيَدِ عَلَى الْأَعْضَاءِ تَكْرَارٌ؛ لِأَنَّ الدَّلْكَ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ إمْرَارُ الْيَدِ عَلَى الْأَعْضَاءِ الْمَغْسُولَةِ يَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ مَعَ الِاتِّكَاءِ السَّادِسُ أَنَّهُ ذَكَرَ الدَّلْكَ مِنْ الْمَنْدُوبَاتِ، وَفِي الْخُلَاصَةِ أَنَّهُ سُنَّةٌ عِنْدَنَا السَّابِعُ أَنَّهُ ذَكَرَ مِنْهَا مِلْءَ آنِيَتِهِ اسْتِعْدَادًا، وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْوُضُوءُ مِنْ النَّهْرِ أَوْ الْحَوْضِ؛ لِأَنَّ الْوُضُوءَ مِنْهُ أَيْسَرُ مِنْ الْوُضُوءِ مِنْ الْإِنَاءِ الثَّامِنُ: أَنَّ الْأَدْعِيَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ قَالَ النَّوَوِيُّ لَا أَصْلَ لَهَا، وَاَلَّذِي ثَبَتَ الشَّهَادَةُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْوُضُوءِ وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ السِّرَاجُ الْهِنْدِيُّ فِي التَّوْشِيحِ التَّاسِعُ: أَنَّ مِنْهَا غَسْلَ مَا تَحْتَ الْحَاجِبَيْنِ وَالشَّارِبِ لِعَدَمِ الْحَرَجِ، الْعَاشِرُ: إنَّ صَلَاةَ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْوُضُوءِ إنَّمَا تُنْدَبُ إذَا لَمْ يَكُنْ وَقْتَ كَرَاهَةٍ الْحَادِيَ عَشَرَ: أَنَّ مِنْهَا الْجَمْعَ بَيْنَ نِيَّةِ الْقَلْبِ وَفِعْلِ اللِّسَانِ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ الثَّانِيَ عَشَرَ: أَنْ لَا يَتَوَضَّأَ فِي الْمَوَاضِعِ النَّجِسَةِ؛ لِأَنَّ لِمَاءِ الْوُضُوءِ حُرْمَةً كَذَا فِي الْمُضْمَرَاتِ الثَّالِثَ عَشَرَ: مِنْهَا أَنْ يَبْدَأَ فِي غَسْلِ الْوَجْهِ مِنْ أَعْلَاهُ وَفِي مَسْحِ الرَّأْسِ بِمُقَدَّمِهِ، وَفِي الْيَدِ وَالرِّجْلِ   [منحة الخالق] وَغَيْرِهِ أَنْ يَقُولَ عِنْدَ الْمَضْمَضَةِ اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ وَذِكْرِك وَشُكْرِك وَحُسْنِ عِبَادَتِك وَعِنْدَ الِاسْتِنْشَاقِ اللَّهُمَّ أَرِحْنِي رَائِحَةَ الْجَنَّةِ وَلَا تُرِحْنِي رَائِحَةَ النَّارِ وَعِنْدَ غَسْلِ وَجْهِهِ اللَّهُمَّ بَيِّضْ وَجْهِي يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ وَعِنْدَ غَسْلِ يَدِهِ الْيُمْنَى اللَّهُمَّ أَعْطِنِي كِتَابِي بِيَمِينِي وَحَاسِبْنِي حِسَابًا يَسِيرًا وَعِنْدَ غَسْلِ الْيُسْرَى لَا تُعْطِنِي كِتَابِي بِشِمَالِي وَلَا وَرَاءَ ظَهْرِي وَلَا تُحَاسِبْنِي حِسَابًا عَسِيرًا وَعِنْدَ مَسْحِ رَأْسِهِ اللَّهُمَّ أَظِلَّنِي تَحْتَ ظِلِّ عَرْشِك يَوْمَ لَا ظِلَّ إلَّا ظِلُّ عَرْشِك وَعِنْدَ مَسْحِ أُذُنَيْهِ اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ وَعِنْدَ مَسْحِ عُنُقِهِ اللَّهُمَّ اعْتِقْ رَقَبَتِي مِنْ النَّارِ وَعِنْدَ غَسْلِ رِجْلِهِ الْيُمْنَى اللَّهُمَّ ثَبِّتْ قَدَمَيَّ عَلَى الصِّرَاطِ يَوْمَ تَزِلُّ الْأَقْدَامُ وَعِنْدَ غَسْلِ رِجْلِهِ الْيُسْرَى اللَّهُمَّ اجْعَلْ ذَنْبِي مَغْفُورًا وَسَعْيِي مَشْكُورًا وَتِجَارَتِي لَنْ تَبُورَ اهـ. (قَوْلُهُ: فَعَلَى كَوْنِهِ مَنْدُوبًا لَا يَكُونُ الْإِسْرَافُ مَكْرُوهًا) قَالَ فِي النَّهْرِ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ تَرْكَ الْمَنْدُوبِ غَيْرُ مَكْرُوهٍ تَنْزِيهًا كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ الْجَنَائِزِ وَالشَّهَادَاتِ أَنْ مُرَجِّحَ كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ خِلَافُ الْأَوْلَى وَلَا شَكَّ أَنَّ تَارِكَ الْمَنْدُوبِ آتٍ بِخِلَافِ الْأَوْلَى وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ تَحْرِيمًا إذْ إطْلَاقُ الْكَرَاهَةِ مَصْرُوفٌ إلَى التَّحْرِيمِ فَمَا فِي الْمُنْتَقَى مُوَافِقٌ لِمَا فِي السِّرَاجِ وَالْمُرَادُ بِالسُّنَّةِ الْمُؤَكَّدَةِ لِإِطْلَاقِ النَّهْيِ عَنْ الْإِسْرَافِ وَبِهِ يَضْعُفُ جَعْلُهُ مَنْدُوبًا اهـ. وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إلَخْ عَائِدٌ إلَى الْإِسْرَافِ وَقَوْلُهُ فَمَا فِي الْمُنْتَقَى مُوَافِقٌ لِمَا فِي السِّرَاجِ صَوَابُهُ لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ كَمَا لَا يَخْفَى إذْ لَا ذِكْرَ لِلسِّرَاجِ لَا فِي كَلَامِهِ وَلَا فِي كَلَامِ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ: وَالْخَامِسُ أَنَّ ذِكْرَهُ الدَّلْكَ إلَخْ) يُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ مُرَادَهُ إمْرَارُ الْيَدِ الْمَبْلُولَةِ عَلَى الْأَعْضَاءِ الْمَغْسُولَةِ لِمَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى غَسْلِ الْوَجْهِ عَنْ خَلَفِ بْنِ أَيُّوبَ أَنَّهُ قَالَ يَنْبَغِي لِلْمُتَوَضِّئِ فِي الشِّتَاءِ أَنْ يَبُلَّ أَعْضَاءَهُ بِالْمَاءِ شِبْهَ الدُّهْنِ ثُمَّ يُسِيلَ الْمَاءَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْمَاءَ يَتَجَافَى عَنْ الْأَعْضَاءِ فِي الشِّتَاءِ اهـ. لَكِنْ كَانَ يَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِالشِّتَاءِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: الثَّامِنُ أَنَّ الْأَدْعِيَةَ الْمَذْكُورَةَ إلَخْ) قَالَ الشَّيْخُ عَلَاءُ الدِّينِ الْحَصْكَفِيُّ فِي شَرْحِ التَّنْوِيرِ قَدْ رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ طُرُقٍ قَالَ مُحَقِّقُ الشَّافِعِيَّةِ الرَّمْلِيُّ فَيُعْمَلُ بِهِ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ، وَإِنْ أَنْكَرَهُ النَّوَوِيُّ اهـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 بِأَطْرَافِ الْأَصَابِعِ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ الرَّابِعَ عَشَرَ: مِنْهَا إدْخَالُ خِنْصَرَيْهِ فِي صِمَاخِ أُذُنَيْهِ الْخَامِسَ عَشَرَ: أَنَّ مِنْهَا الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي كُلِّ عُضْوٍ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (قَوْلُهُ: وَيَنْقُضُهُ خُرُوجُ نَجَسٍ مِنْهُ) أَيْ وَيَنْقُضُ الْوُضُوءَ خُرُوجُ نَجَسٍ مِنْ الْمُتَوَضِّئِ وَالنَّجَسُ بِفَتْحَتَيْنِ اصْطِلَاحًا عَيْنُ النَّجَاسَةِ وَبِكَسْرِ الْجِيمِ مَا لَا يَكُونُ طَاهِرًا وَفِي اللُّغَةِ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا كَمَا فِي شَرْحِ الْوُقَايَةِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ بِالْكَسْرِ أَعَمُّ فَيَصِحُّ ضَبْطُهُ فِي الْمُخْتَصَرِ بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ كَمَا لَا يَخْفَى وَالنَّقْضُ فِي الْجِسْمِ فَكُّ تَأْلِيفِهِ وَفِي غَيْرِهِ إخْرَاجُهُ عَنْ إفَادَةِ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ كَاسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ فِي الْوُضُوءِ وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ خُرُوجُ نَجَسٍ أَنَّ النَّاقِضَ خُرُوجُهُ لَا عَيْنُهُ وَعَلَّلَ لَهُ فِي الْكَافِي بِأَنَّ الْخُرُوجَ عِلَّةُ الِانْتِقَاضِ وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنْ الْمَعْنَى وَعَلَّلَ شُرَّاحُ الْهِدَايَةِ بِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ نَفْسُهَا نَاقِضَةً لَمَا حَصَلَتْ طَهَارَةٌ لِشَخْصٍ أَصْلًا؛ لِأَنَّ تَحْتَ كُلِّ جِلْدَةٍ دَمًا لَكِنْ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الظَّاهِرُ أَنَّ النَّاقِضَ النَّجَسُ الْخَارِجُ وَبَيَّنَهُ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ النَّاقِضَ هُوَ الْمُؤَثِّرُ لِلنَّقْضِ وَالضِّدُّ هُوَ الْمُؤَثِّرُ فِي رَفْعِ ضِدِّهِ وَصِفَةُ النَّجَاسَةِ الرَّافِعَةُ لِلطَّهَارَةِ إنَّمَا هِيَ قَائِمَةٌ بِالْخَارِجِ، فَالْعِلَّةُ لِلنَّقْضِ هِيَ النَّجَاسَةُ بِشَرْطِ الْخُرُوجِ وَتَأَيَّدَ هَذَا بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ «مَا الْحَدَثُ قَالَ مَا يَخْرُجُ مِنْ السَّبِيلَيْنِ» فَالْعِلَّةُ النَّجَاسَةُ، وَالْخُرُوجُ عِلَّةُ الْعِلَّةِ، وَإِضَافَةُ الْحُكْمِ إلَى الْعِلَّةِ أَوْلَى مِنْ إضَافَتِهِ إلَى عِلَّةِ الْعِلَّةِ فَانْدَفَعَ بِهَذَا مَا قَالُوا مِنْ لُزُومِ عَدَمِ حُصُولِ طَهَارَةٍ لِشَخْصٍ عَلَى تَقْدِيرِ إضَافَةِ النَّقْضِ إلَى النَّجَاسَةِ إذْ لَا يَلْزَمُ إلَّا لَوْ قُلْنَا بِأَنَّ الْخُرُوجَ لَيْسَ شَرْطًا فِي عَمَلِ الْعِلَّةِ، وَلَا عِلَّةِ الْعِلَّةِ وَشَمَلَ كَلَامُهُ جَمِيعَ النَّوَاقِضِ الْحَقِيقِيَّةِ، وَهُوَ مُجْمَلٌ، وَهُوَ قِسْمَانِ خَارِجٌ مِنْ السَّبِيلَيْنِ وَخَارِجٌ مِنْ غَيْرِهِمَا فَالْأَوَّلُ نَاقِضٌ مُطْلَقًا فَتَنْقُضُ الدُّودَةُ الْخَارِجَةُ مِنْ الدُّبُرِ وَالذَّكَرِ وَالْفَرْجِ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَفِي السَّرَّاجِ أَنَّهُ بِالْإِجْمَاعِ فَمَا فِي التَّبْيِينِ مِنْ أَنَّ الدُّودَةَ الْخَارِجَةَ مِنْ فَرْجِهَا عَلَى الْخِلَافِ فَفِيهِ نَظَرٌ وَعَلَّلَ فِي الْبَدَائِعِ يَكُونُ الدُّودَةُ نَاقِضَةً أَنَّهَا نَجِسَةٌ لِتَوَلُّدِهَا مِنْ النَّجَاسَةِ وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَنَّ فِيهَا طَرِيقَتَيْنِ إحْدَاهُمَا مَا ذَكَرْنَاهُ. وَالثَّانِيَةُ أَنَّ النَّاقِضَ مَا عَلَيْهَا وَاخْتَارَهُ الزَّيْلَعِيُّ، وَهُوَ فِي الْحَصَاةِ مُسَلَّمٌ وَلَا يَرِدُ عَلَى الْمُصَنِّفِ الرِّيحُ الْخَارِجَةُ مِنْ الذَّكَرِ وَفَرْجِ الْمَرْأَةِ، فَإِنَّهَا لَا تَنْقُضُ الْوُضُوءَ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ الْخَارِجَ مِنْهُمَا اخْتِلَاجٌ، وَلَيْسَ بِرِيحٍ خَارِجَةٍ، وَلَوْ سُلِّمَ فَلَيْسَتْ بِمُنْبَعِثَةٍ عَنْ مَحَلِّ النَّجَاسَةِ وَالرِّيحُ لَا يَنْقُضُ إلَّا لِذَلِكَ لَا؛ لِأَنَّ عَيْنَهَا نَجِسَةٌ؛ لِأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ عَيْنَهَا طَاهِرَةٌ حَتَّى لَوْ لَبِسَ سَرَاوِيلَ مُبْتَلَّةً أَوْ ابْتَلَّ مِنْ أَلْيَتَيْهِ الْمَوْضِعُ الَّذِي يَمُرُّ بِهِ الرِّيحُ فَخَرَجَ الرِّيحُ لَا يَتَنَجَّسُ، وَهُوَ قَوْلُ الْعَامَّةِ وَمَا نُقِلَ عَنْ الْحَلْوَانِيِّ مِنْ أَنَّهُ كَانَ لَا يُصَلِّي بِسَرَاوِيلِهِ فَوَرَعٌ مِنْهُ كَذَا قَالُوا فَانْدَفَعَ بِهَذَا مَا ذَكَرَهُ مِسْكِينٌ فِي شَرْحِهِ مِنْ أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ لَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ كَمَا لَا يَخْفَى وَدَخَلَ أَيْضًا مَا لَوْ أَدْخَلَ إصْبَعَهُ فِي دُبُرِهِ وَلَمْ يُغَيِّبْهَا، فَإِنَّهُ يُعْتَبَرْ فِيهِ الْبِلَّةُ وَالرَّائِحَةُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِدَاخِلٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَذَا فِي شَرْحِ قَاضِي خان وَاسْتُفِيدَ مِنْهُ أَنَّهُ إذَا غَيَّبَهُ نُقِضَ مُطْلَقًا، وَكَذَا الذُّبَابُ إذَا طَارَ وَدَخَلَ فِي الدُّبُرِ وَخَرَجَ مِنْ غَيْرِ بِلَّةٍ لَا يَنْقُضُ وَكَذَا الْمِحْقَنَةُ إذَا أَدْخَلَهَا ثُمَّ أَخْرَجَهَا إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا بِلَّةٌ لَا تَنْقُضُ وَالْأَحْوَطُ أَنْ يَتَوَضَّأَ كَذَا فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَفِي الْخَانِيَّةِ، وَإِذَا أَقَطَرَ فِي إحْلِيلِهِ دُهْنًا ثُمَّ عَادَ فَلَا وُضُوءَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا احْتَقَنَ بِدُهْنٍ ثُمَّ عَادَ اهـ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ فِي الثَّانِي اخْتَلَطَ الدُّهْنُ بِالنَّجَاسَةِ بِخِلَافِ الْإِحْلِيلِ لِلْحَائِلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فَعَلَى هَذَا فَعَدَمُ النَّقْضِ قَوْلُهُ فَقَطْ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحِيطِ فَقَالَ لَا يَنْقُضُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَالْإِحْلِيلُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ مَجْرَى الْبَوْلِ مِنْ الذَّكَرِ، وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَكُلُّ شَيْءٍ إذَا غَيَّبَهُ ثُمَّ أَخْرَجَهُ أَوْ خَرَجَ فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ، وَقَضَاءُ الصَّوْمِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ دَاخِلًا مُطْلَقًا فَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ وَكُلُّ شَيْءٍ إذَا أُدْخِلَ بَعْضُهُ وَطَرَفُهُ خَارِجٌ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءُ الصَّوْمِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ دَاخِلٍ مُطْلَقًا فَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ اهـ. وَالْكُلِّيَّةُ الثَّانِيَةُ مُقَيَّدَةٌ بِعَدَمِ الْبِلَّةِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَفِي الْبَدَائِعِ لَوْ احْتَشَتْ فِي الْفَرْجِ الدَّاخِلِ وَنَفَذَتْ الْبِلَّةُ إلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ   [منحة الخالق] [نَوَاقِض الْوُضُوء] (قَوْلُهُ: وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ بِالْكَسْرِ أَعَمُّ) اهـ. قَالَ الشَّيْخُ خَيْرُ الدِّينِ الرَّمْلِيُّ أَقُولُ: فِيهِ الظَّرْفَانِ الْمُرَادُ مَا هُوَ مُتَنَجِّسٌ كَالثَّوْبِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ مَلَكٍ وَحِينَئِذٍ ضَبْطُهُ بِالْفَتْحِ مُتَعَيِّنٌ وَيَدْخُلُ فِيهِ مَا خَرَجَ مُتَنَجِّسًا بِاعْتِبَارِ خُرُوجِ النَّجَاسَةِ الَّتِي بِهِ فَصَدَقَ عَلَيْهِ خُرُوجُ النَّجَسِ فَتَأَمَّلْ، فَإِنَّهُ بِالْفَتْحِ أَشْمَلُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ: وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنْ الْمَعْنَى) أَيْ وَالْعِلَّةُ عِبَارَةٌ عَنْ الْمَعْنَى وَالْخُرُوجُ كَذَلِكَ هُوَ مَعْنَى (قَوْلِهِ لَيْسَ شَرْطًا فِي عَمَلِ الْعِلَّةِ وَلَا عِلَّةِ الْعِلَّةِ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ لَيْسَ شَرْطًا (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ عَيْنَهَا ظَاهِرَةٌ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَقُولُ: فَيُشْكَلُ عَلَيْهِ بِعَدَمِ دُخُولِ الْخَارِجَةِ مِنْ الدُّبُرِ فِي كَلَامِهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ عَيْنُهَا نَجِسَةً لَكِنَّهَا مُتَنَجِّسَةٌ فَتَدْخُلُ فِيهِ سَوَاءٌ قُرِئَ قَوْلُهُ نَجِسٌ بِالْفَتْحِ أَوْ بِالْكَسْرِ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا لُغَةً فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: فَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ) ، وَهَذَا نَاظِرٌ إلَى الْوُضُوءِ فَقَطْ بِخِلَافِ مَا قَبْلَهُ (قَوْلُهُ: وَالْكُلِّيَّةُ الثَّانِيَةُ مُقَيَّدَةٌ بِعَدَمِ الْبِلَّةِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَقُولُ: هَذَا إنَّمَا يَتَأَتَّى فِي نَقْضِ الْوُضُوءِ فَأَمَّا فِي الصَّوْمِ فَلَا لِتَعَلُّقِهِ بِالدُّخُولِ فَقَطْ ثُمَّ فِي الْكُلِّيَّةِ الْأُولَى إشْكَالٌ، وَهُوَ أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى إطْلَاقِهَا أَنْ تُحْكَمَ بِنَقِيضِ الْوُضُوءِ بِغَيْرِ خَارِجٍ نَجِسٍ إذَا خَرَجَ ذَلِكَ الشَّيْءُ غَيْرَ مُبْتَلٍّ فَتَأَمَّلْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 فَإِنْ كَانَتْ الْقُطْنَةُ عَالِيَةً أَوْ مُحَاذِيَةً لِحَرْفِ الْفَرْجِ كَانَ حَدَثًا لِوُجُودِ الْخُرُوجِ، وَإِنْ كَانَتْ الْقُطْنَةُ مُتَسَلِّفَةً عَنْهُ لَا يُنْقَضُ لِعَدَمِ الْخُرُوجِ، وَفِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي، وَإِنْ كَانَتْ احْتَشَتْ فِي الْفَرْجِ الْخَارِجِ فَابْتَلَّ دَاخِلَ الْحَشْوِ انْتَقَضَ نَفَذَ وَلَمْ يَنْفُذْ فِي التَّبْيِينِ، وَإِنْ حَشَى إحْلِيلَهُ بِقُطْنَةٍ فَخَرَجَهُ بِابْتِلَالِ خَارِجِهِ وَفِي الْخَانِيَّةِ الْمَجْبُوبُ إذَا خَرَجَ مِنْهُ مَا يُشْبِهُ الْبَوْلَ إنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى إمْسَاكِهِ إنْ شَاءَ أَمْسَكَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَرْسَلَهُ، فَهُوَ بَوْلٌ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَإِنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى إمْسَاكِهِ لَا يَنْقُضُ مَا لَمْ يَسِلْ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْخُنْثَى إذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ امْرَأَةٌ فَذَكَرُهُ كَالْجُرْحِ أَوْ رَجُلٌ فَفَرْجُهُ كَالْجُرْحِ وَيُنْقَضُ فِي الْآخِرِ بِالظُّهُورِ لَكِنْ قَالَ فِي التَّبْيِينِ: وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى إيجَابِ الْوُضُوءِ عَلَيْهِ فَحَاصِلُهُ أَنَّ الْخُنْثَى يُنْتَقَضُ وُضُوءُهُ بِخُرُوجِ الْبَوْلِ مِنْ فَرْجَيْهِ جَمِيعًا سَالَ أَوْ لَا تَبَيَّنَ حَالَةً أَوْ لَا وَفِي التَّوْشِيحِ يُؤْخَذُ فِي الْخُنْثَى الْمُشْكَلِ بِالْأَحْوَطِ، وَهُوَ النَّقْضُ، وَأَمَّا الْمُفْضَاةُ، وَهِيَ الَّتِي صَارَ مَسْلَكُ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ مِنْهَا وَاحِدًا أَوْ الَّتِي صَارَ مَسْلَكُ بَوْلِهَا وَوَطْئِهَا وَاحِدًا فَيُسْتَحَبُّ لَهَا الْوُضُوءُ مِنْ الرِّيحِ وَلَا يَجِبُ؛ لِأَنَّ الْيَقِينَ لَا يَزُولُ بِالشَّكِّ وَعَنْ مُحَمَّدٍ وُجُوبُهُ، وَبِهِ أَخَذَ أَبُو حَفْصٍ لِلِاحْتِيَاطِ وَرَجَّحَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّ الْغَالِبَ فِي الرِّيحِ كَوْنُهَا مِنْ الدُّبُرِ بَلْ لَا نِسْبَةً لِكَوْنِهَا مِنْ الْقُبُلِ بِهِ، فَيُفِيدُ غَلَبَةُ ظَنٍّ تَقْرُبُ مِنْ الْيَقِينِ، وَهُوَ خُصُوصًا فِي مَوْضِعِ الِاحْتِيَاطِ لَهُ حُكْمُ الْيَقِينِ، فَتَرْجُحُ الْوُجُوبُ اهـ. لَكِنْ يَنْبَغِي تَرْجِيحُهُ فِيهَا بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ أَمَّا بِالْمَعْنَى الثَّانِي فَلَا؛ لِأَنَّ الصَّحِيحَ عَدَمُ النَّقْضِ بِالرِّيحِ الْخَارِجَةِ مِنْ الْفَرْجِ، وَقَوْلُهُ فِي الْهِدَايَةِ لِاحْتِمَالِ خُرُوجِهِ مِنْ الدُّبُرِ يُشِيرُ إلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ وَلَهَا حُكْمَانِ آخَرَانِ: الْأَوَّلُ لَوْ طَلُقَتْ ثَلَاثًا وَتَزَوَّجَتْ بِآخَرَ لَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ مَا لَمْ تَحْبَلْ لِاحْتِمَالِ الْوَطْءِ فِي الدُّبُرِ الثَّانِي وَيَحْرُمُ عَلَى زَوْجِهَا جِمَاعُهَا إلَّا أَنْ يُمْكِنَهُ إتْيَانُهَا فِي قُبُلِهَا مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَخْتَصَّا بِهَا بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ وَأَمَّا بِالْمَعْنَى الثَّانِي فَلَا كَمَا يُفِيدُهُ التَّعْلِيلُ الْمَذْكُورُ، وَإِنْ كَانَ بِذَكَرِهِ شِقٌّ لَهُ رَأْسَانِ إحْدَاهُمَا يَخْرُجُ مِنْهُ مَاءٌ يَسِيلُ فِي مَجْرَى الذَّكَرِ وَالْآخَرُ فِي غَيْرِهِ فَفِي الْأَوَّلِ يُنْقَضُ بِالظُّهُورِ وَفِي الثَّانِي بِالسَّيَلَانِ وَفِي التَّوْشِيحِ بَاسُورٌ خَرَجَ مِنْ دُبُرِهِ، فَإِنْ عَالَجَهُ بِيَدِهِ أَوْ بِخِرْقَةٍ حَتَّى أَدْخَلَهُ تُنْقَضُ طَهَارَتُهُ؛ لِأَنَّهُ يَلْتَزِقُ بِيَدِهِ شَيْءٌ مِنْ النَّجَاسَةِ إلَّا إنْ عَطَسَ فَدَخَلَ بِنَفْسِهِ وَذَكَرَ الْحَلْوَانِيُّ إنْ تَيَقَّنَ خُرُوجَ الدُّبُرِ تَنْتَقِضُ طَهَارَتُهُ بِخُرُوجِ النَّجَاسَةِ مِنْ الْبَاطِنِ إلَى الظَّاهِرِ وَيُخَرَّجُ عَلَى هَذَا لَوْ خَرَجَ بَعْضُ الدُّودَةِ فَدَخَلَتْ اهـ. ثُمَّ الْخُرُوجُ فِي السَّبِيلَيْنِ يَتَحَقَّقُ بِالظُّهُورِ، فَلَوْ نَزَلَ الْبَوْلُ إلَى قَصَبَةِ الذَّكَرِ لَا يُنْقَضُ، وَإِلَى الْقُلْفَةِ فِيهِ خِلَافٌ، وَالصَّحِيحُ النَّقْضُ وَاسْتَشْكَلَهُ الزَّيْلَعِيُّ هُنَا بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَا يَجِبُ عَلَى الْجُنُبِ إيصَالُ الْمَاءِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ خَلْقُهُ كَقَصَبَةِ الذَّكَرِ. وَأَجَابَ فِي الْغُسْلِ بِأَنَّ الصَّحِيحَ وُجُوبُ الْإِيصَالِ عَلَى الْجُنُبِ فَلَا إشْكَالَ لَكِنْ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الصَّحِيحُ الْمُعْتَمَدُ عَدَمُ وُجُوبِ الْإِيصَالِ فِي الْغُسْلِ لِلْحَرَجِ لَا؛ لِأَنَّهُ خِلْقَةٌ، فَلَا يَرِدُ الْإِشْكَالُ وَاسْتَدَلُّوا لِكَوْنِ الْخَارِجِ مِنْ السَّبِيلَيْنِ نَاقِضًا مُطْلَقًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} [النساء: 43] لِأَنَّهُ اسْمٌ لِلْمَوْضِعِ الْمُطْمَئِنِّ مِنْ الْأَرْضِ يُقْصَدُ لِلْحَاجَةِ فَالْمَجِيءُ مِنْهُ يَكُونُ لَازِمًا لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ فَأُطْلِقَ اللَّازِمُ، وَهُوَ الْمَجِيءُ مِنْهُ وَأُرِيدَ الْمَلْزُومُ، وَهُوَ الْحَدَثُ كِنَايَةً كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَالْعِنَايَةِ وَظَاهِرُ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ اللَّازِمَ خُرُوجُ النَّجَاسَةِ وَالْمَلْزُومَ الْمَجِيءُ مِنْ الْغَائِطِ، وَإِذَا كَانَ كِنَايَةً عَنْ اللَّازِمِ فَالْحَمْلُ عَلَى أَعَمِّ اللَّوَازِمِ أَوْلَى أَخَذَا بِالِاحْتِيَاطِ فِي بَابِ الْعِبَادَاتِ فَكَانَ جَمِيعُ مَا يَخْرُجُ مِنْ بَدَنِ الْإِنْسَانِ مِنْ النَّجَاسَةِ نَاقِضًا مُعْتَادًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُعْتَادٍ، فَكَانَ حُجَّةً عَلَى مَالِكٍ وَتَعَقَّبَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِحُّ عَلَى إرَادَةِ أَعَمِّ اللَّوَازِمِ لِلْمَجِيءِ وَالْخَارِجُ النَّجَسُ مُطْلَقًا لَيْسَ مِنْهُ لِلْعِلْمِ بِأَنَّ الْغَائِطَ لَا يُقْصَدُ قَطُّ لِلرِّيحِ فَضْلًا عَنْ جُرْحِ إبْرَةٍ وَنَحْوِهِ فَالْأَوْلَى كَوْنُهُ فِيمَا يَحِلُّهُ وَيُسْتَدَلُّ عَلَى الرِّيحِ بِالْإِجْمَاعِ وَعَلَى غَيْرِهِ بِالْخَبَرِ وَهُوَ مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ «الْوُضُوءُ مِمَّا خَرَجَ وَلَيْسَ مِمَّا دَخَلَ» لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ «قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْمُسْتَحَاضَةِ تَوَضَّئِي لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ» اهـ.   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: لَكِنْ قَالَ فِي التَّبْيِينِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ إلَّا أَنَّ الَّذِي يَنْبَغِي التَّعْوِيلُ عَلَيْهِ هُوَ الْأَوَّلُ. (قَوْلُهُ: لَكِنْ يَنْبَغِي تَرْجِيحُهُ فِيهَا) أَيْ تَرْجِيحُ الْوُجُوبِ فِي الْمُفْضَاةِ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ، وَهِيَ أَنَّهَا الَّتِي صَارَ مَسْلَكُ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ مِنْهَا وَاحِدًا وَكَذَا عَلَى هَذَا الْمَعْنَى الْقَوْلُ بِالِاسْتِحْبَابِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَكُونَ كَذَلِكَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ بِذَكَرِهِ شَقٌّ) الَّذِي فِي الْخَانِيَّةِ وَالتَّتَارْخَانِيَّةِ جُرْحٌ بَدَلَ شَقٍّ (قَوْلُهُ لَكِنْ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إلَخْ) ظَاهِرُ تَعْلِيلِهِ لِعَدَمِ الْوُجُوبِ بِالْحَرَجِ أَنَّهُ فِيمَنْ لَا يُمْكِنُهُ فَسْخُهَا فَيُحْمَلُ الْأَوَّلُ عَلَى مَا إذَا أَمْكَنَ فَلَا يَكُونُ مُنَافَاةً بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ بِالْحَمْلِ عَلَى ذَلِكَ كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ، وَيَكُونُ وُجُوبُ الْغَسْلِ مَبْنِيًّا عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ مُعْتَادًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ (قَوْلُهُ مُعْتَادًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُعْتَادٍ) بَيَانٌ لِعُمُومِ اللَّازِمِ، وَهُوَ الْخُرُوجُ أَيْ لَا يُخَصُّ بِالْمُعْتَادِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمَشَايِخَ إنَّمَا اسْتَدَلُّوا بِالْآيَةِ عَلَى مَالِكٍ فِي نَفْيِهِ نَاقِضِيَّةَ غَيْرِ الْمُعْتَادِ مِنْ السَّبِيلَيْنِ، وَلَمْ يَسْتَدِلُّوا بِهَا عَلَى الْخَارِجِ مِنْ غَيْرِهِمَا، وَالْقِيَاسُ أَيْضًا حُجَّةٌ عَلَى مَالِكٍ، فَالْأَصْلُ الْخَارِجُ النَّجَسُ مِنْ السَّبِيلَيْنِ عَلَى وَجْهِ الِاعْتِيَادِ وَالْفَرْعُ مَا خَرَجَ مِنْهُمَا إلَّا عَلَى وَجْهِ الِاعْتِيَادِ، وَأَمَّا الْخَارِجُ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ، فَنَاقِضٌ بِشَرْطِ أَنْ يَصِلَ إلَى مَوْضِعٍ يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ كَذَا قَالُوا وَمُرَادُهُمْ أَنْ يَتَجَاوَزَ إلَى مَوْضِعٍ تَجِبُ طَهَارَتُهُ أَوْ تُنْدَبُ مِنْ بَدَنٍ وَثَوْبٍ وَمَكَانٍ، وَإِنَّمَا فَسَّرْنَا الْحُكْمَ بِالْأَعَمِّ مِنْ الْوَاجِبِ وَالْمَنْدُوبِ؛ لِأَنَّ مَا اشْتَدَّ مِنْ الْأَنْفِ لَا تَجِبُ طَهَارَتُهُ أَصْلًا بَلْ تُنْدَبُ لِمَا أَنَّ الْمُبَالَغَةَ فِي الِاسْتِنْشَاقِ لِغَيْرِ الصَّائِمِ مَسْنُونَةٌ وَأَنَّ حَدَّهَا أَنْ يَأْخُذَ الْمَاءَ بِمَنْخِرَيْهِ يَصْعَدُ إلَى مَا اشْتَدَّ مِنْ الْأَنْفِ وَقَدْ صَرَّحَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَغَيْرِهِ بِأَنَّهُ إذَا نَزَلَ الدَّمُ إلَى قَصَبَةِ الْأَنْفِ نَقَضَ وَفِي الْبَدَائِعِ إذَا نَزَلَ الدَّمُ إلَى صِمَاخِ الْأُذُنِ يَكُونُ حَدَثًا وَفِي الصِّحَاحِ صِمَاخُ الْأُذُنِ خَرْقُهَا، وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا لِكَوْنِهِ يُنْدَبُ تَطْهِيرُهُ فِي الْغُسْلِ وَنَحْوِهِ وَكَذَا إذَا افْتَصَدَ وَخَرَجَ دَمٌ كَثِيرٌ وَسَالَ بِحَيْثُ لَمْ يَتَلَطَّخْ رَأْسُ الْجُرْحِ، فَإِنَّهُ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ لِكَوْنِهِ وَصَلَ إلَى ثَوْبٍ أَوْ مَكَان يَلْحَقُهُمَا حُكْمُ التَّطْهِيرِ فَتَنَبَّهْ لِهَذَا فَإِنَّهُ يَدْفَعُ كَلَامَ كَثِيرٍ مِنْ الشَّارِحِينَ؛ وَلِذَا قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ لَوْ خَرَجَ مِنْ جُرْحٍ فِي الْعَيْنِ دَمٌ فَسَالَ إلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ مِنْهَا لَا يَنْقُضُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ حُكْمٌ هُوَ وُجُوبُ التَّطْهِيرِ أَوْ نَدْبُهُ فَقَوْلُ بَعْضِهِمْ الْمُرَادُ أَنْ يَصِلَ إلَى مَوْضِعٍ تَجِبُ طَهَارَتُهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوُجُوبِ الثُّبُوتُ وَقَوْلُ الْحَدَّادِيِّ إذَا نَزَلَ الدَّمُ إلَى قَصَبَةِ الْأَنْفِ لَا يَنْقُضُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَى مَا يُسَنُّ إيصَالُ الْمَاءِ إلَيْهِ فِي الِاسْتِنْشَاقِ فَهُوَ فِي حُكْمِ الْبَاطِنِ حِينَئِذٍ تَوْفِيقًا بَيْنَ الْعِبَارَاتِ وَقَوْلُ مَنْ قَالَ إذَا نَزَلَ الدَّمُ إلَى مَا لَانَ مِنْ الْأَنْفِ نَقَضَ لَا يَقْتَضِي عَدَمَ النَّقْضِ إذَا وَصَلَ إلَى مَا اشْتَدَّ مِنْهُ لَا بِالْمَفْهُومِ، وَالصَّرِيحُ بِخِلَافِهِ، وَقَدْ أَوْضَحَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَالْعِنَايَةِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمَشَايِخَ) تَعَقُّبٌ لِمَا قَدَّمَهُ عَنْ فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ قَوْلِهِ فَكَانَ جَمِيعُ مَا يَخْرُجُ مِنْ بَدَنِ الْإِنْسَانِ إلَخْ حَيْثُ عَمَّ (قَوْلُهُ: وَمُرَادُهُمْ أَنْ يَتَجَاوَزَ إلَى مَوْضِعٍ تَجِبُ طَهَارَتُهُ أَوْ تُنْدَبُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: هَذَا وَهْمٌ وَأَنَّى يُسْتَدَلُّ بِمَا فِي الْمِعْرَاجِ وَقَدْ عَلَّلَ الْمَسْأَلَةَ بِمَا يَمْنَعُ هَذَا الِاسْتِخْرَاجَ فَقَالَ مَا لَفْظُهُ لَوْ نَزَلَ الدَّمُ إلَى قَصَبَةِ الْأَنْفِ انْتَقَضَ بِخِلَافِ الْبَوْلِ إذَا نَزَلَ إلَى قَصَبَةِ الذَّكَرِ وَلَمْ يَظْهَرْ، فَإِنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَى مَوْضِعٍ يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ، وَفِي الْأَنْفِ وَصَلَ، فَإِنَّ الِاسْتِنْشَاقَ فِي الْجَنَابَةِ فَرْضٌ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ اهـ. وَقَدْ أَفْصَحُ هَذَا التَّعْلِيلُ عَنْ كَوْنِ الْمُرَادِ بِالْقَصَبَةِ مَا لَانَ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَجِبُ غَسْلُهُ فِي الْجَنَابَةِ وَكَذَا قَالَ الشَّارِحُ لَوْ نَزَلَ الدَّمُ مِنْ الْأَنْفِ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ إذَا وَصَلَ إلَى مَا لَانَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ تَطْهِيرُهُ وَحَمْلُ الْوُجُوبِ فِي كَلَامِهِ عَلَى الثُّبُوتِ مِمَّا لَا دَاعِيَ إلَيْهِ وَعَلَى هَذَا فَيَجِبُ أَنْ يُرَادَ بِالصِّمَاخِ الْخِرَقُ الَّذِي يَجِبُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَيْهِ فِي الْجَنَابَةِ وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ كَلَامَهُمْ مُنَافٍ لِتِلْكَ الزِّيَادَةِ أَنَّ مُلَاحَظَتَهَا فِي الْمُجَاوَزَةِ إلَى مَوْضِعٍ مِنْ بَدَنٍ أَوْ ثَوْبٍ أَوْ مَكَان يَقْتَضِي أَنَّ الدَّمَ إذَا وَصَلَ إلَى مَوْضِعٍ يُنْدَبُ تَطْهِيرُهُ مِنْ وَاحِدٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ انْتَقَضَ، وَهَذَا مِمَّا لَمْ يُعْرَفْ فِي فُرُوعِهِمْ عُرِفَ ذَلِكَ مِنْ تَنَبُّهِهَا بَلْ الْمُرَادُ بِالتَّجَاوُزِ السَّيَلَانُ وَلَوْ بِالْقُوَّةِ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ اهـ. وَأَقُولُ: يَتَعَيَّنُ أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُ الْمِعْرَاجِ، فَإِنَّ الِاسْتِنْشَاقَ فِي الْجَنَابَةِ فَرْضٌ عَلَى مَعْنَى أَنَّ أَصْلَ الِاسْتِنْشَاقِ فَرْضٌ وَأَنْ يَبْقَى أَوَّلُ كَلَامِهِ عَلَى ظَاهِرِهِ مِنْ غَيْرِ تَأْوِيلٍ لِمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا عَنْ غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّ النَّقْضَ بِالْوُصُولِ إلَى قَصَبَةِ الْأَنْفِ قَوْلُ أَصْحَابِنَا وَأَنَّ اشْتِرَاطَ الْوُصُولِ إلَى مَا لَانَ مِنْهُ قَوْلُ زُفَرَ وَأَنَّ قَوْلَ مَنْ قَالَ إذَا وَصَلَ إلَى مَا لَانَ مِنْهُ لِبَيَانِ الِاتِّفَاقِ، وَكَأَنَّ صَاحِبَ النَّهْرِ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى قَالَ مَا قَالَ: وَأَمَّا قَوْلُهُ مَعَ أَنَّ مُلَاحَظَتَهَا فِي الْمُجَاوَزَةِ إلَخْ مِمَّا لَا يُتَوَهَّمُ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الْبَحْرِ فَضْلًا عَنْ اقْتِضَائِهِ مَا ذَكَرَهُ إذْ لَا شَكَّ أَنَّ مُرَادَهُ بِالتَّجَاوُزِ السَّيَلَانُ كَيْفَ وَقَدْ قَالَ فِي آخَرِ كَلَامِهِ وَالْمُرَادُ بِالْوُصُولِ الْمَذْكُورِ سَيَلَانُهُ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا وَهْمَ فِي كَلَامِهِ وَأَنَّ قَوْلَهُمْ لَا يُنَافِي تِلْكَ الزِّيَادَةَ وَأَنَّهُ يَتَعَيَّنُ حَمْلُ الْوُجُوبِ عَلَى الثُّبُوتِ فَتَدَبَّرْ مُنْصِفًا (قَوْلُهُ: بِحَيْثُ لَمْ يَتَلَطَّخْ رَأْسُ الْجُرْحِ) أَيْ لَمْ يَتَجَاوَزْ إلَى مَحَلِّ يَلْحَقُهُ التَّطْهِيرُ مِنْ الْبَدَنِ، وَإِنَّمَا قُيِّدَ بِهِ لَيُبَيِّنَ أَنَّهُ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِالْبَدَنِ بِنَاءً عَلَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّعْمِيمِ السَّابِقِ وَفِيهِ أَنَّهُ يَقْتَضِي وَالْحَالَةُ هَذِهِ أَنَّهُ لَوْ سَالَ إلَى غَيْرِ مَا ذُكِرَ كَبَحْرٍ أَوْ نَهْرٍ مَثَلًا أَوْ عَذِرَةٍ أَوْ غَيْرِهِ ذَلِكَ لَا يَنْتَقِضُ، وَهُوَ بَاطِلٌ فَكَانَ الظَّاهِرُ إبْدَالَ قَوْلِهِ أَوَّلًا فَنَاقِضٌ بِشَرْطِ أَنْ يَصِلَ إلَخْ بِقَوْلِنَا بِشَرْطِ أَنْ يَسِيلَ ظَاهِرُ الْبَدَنِ أَوْ يَصِلَ إلَى مَوْضِعٍ تَجِبُ طَهَارَتُهُ أَوْ تُنْدَبُ مِنْ الْبَدَنِ فَيَدْخُلُ فِي شَرْطِ السَّيَلَانِ ظَاهِرُ الْبَدَنِ مَسْأَلَةُ الِافْتِصَادِ حَيْثُ لَمْ يَتَلَطَّخْ رَأْسُ الْجُرْحِ وَمَسْأَلَةُ الْأَنْفِ وَالْأُذُنِ مِمَّا سَالَ دَاخِلَهُ تَدْخُلُ فِي قَوْلِنَا أَوْ يَصِلَ إلَخْ وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ مَا مَرَّ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ: وَقَدْ أَوْضَحَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَالْعِنَايَةِ) قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ قَوْلُهُ إلَى مَا لَانَ مِنْ الْأَنْفِ أَيْ إلَى الْمَارِنِ وَمَا بِمَعْنَى الَّذِي، فَإِنْ قُلْت لِمَ قُيِّدَ بِهَذَا الْقَيْدِ مَعَ أَنَّ الرِّوَايَةَ مَسْطُورَةٌ فِي الْكُتُبِ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ الدَّمَ إذَا نَزَلَ إلَى قَصَبَةِ الْأَنْفِ يُنْقَضُ الْوُضُوءُ وَلَا حَاجَةَ إلَى أَنْ يَنْزِلَ إلَى مَا لَانَ مِنْ الْأَنْفِ فَأَيُّ فَائِدَةٍ فِي هَذَا الْقَيْدِ إذَنْ سِوَى التَّكْرَارِ بِلَا فَائِدَةٍ؛ لِأَنَّ هَذَا الْحُكْمَ قَدْ عُلِمَ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ مِنْ قَوْلِهِ وَالدَّمُ وَالْقَيْحُ إذَا خَرَجَا مِنْ الْبَدَنِ فَتَجَاوَزَا إلَى مَوْضِعٍ يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ قُلْت بَيَانًا لِاتِّفَاقِ أَصْحَابِنَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّ عِنْدَ زُفَرَ لَا يُنْتَقَضُ الْوُضُوءُ مَا لَمْ يَنْزِلْ الدَّمُ إلَى مَا لَانَ مِنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 وَالْمُرَادُ بِالْوُصُولِ الْمَذْكُورِ سَيَلَانُهُ وَاخْتُلِفَ فِي حَدِّهِ فَفِي الْمُحِيطِ حَدُّهُ أَنْ يَعْلُوَ وَيَنْحَدِرَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَعَنْ مُحَمَّدٍ إذَا انْتَفَخَ عَلَى رَأْسِ الْجُرْحِ، وَصَارَ أَكْبَرَ مِنْ رَأْسِهِ نَقَضَ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَفِي الدِّرَايَةِ جَعَلَ قَوْلَ مُحَمَّدٍ أَصَحَّ وَاخْتَارَهُ السَّرَخْسِيُّ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّهُ الْأَوْلَى، وَفِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ تَوَرَّمَ رَأْسُ الْجُرْحِ فَظَهَرَ بِهِ قَيْحٌ وَنَحْوُهُ لَا يَنْقُضُ مَا لَمْ يُجَاوِزْ الْوَرَمَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ غَسْلُ مَوْضِعِ الْوَرَمِ فَلَمْ يَتَجَاوَزْهُ إلَى مَوْضِعٍ يَلْحَقُهُ التَّطْهِيرُ ثُمَّ الْجُرْحُ وَالنَّفْطَةُ وَمَاءُ السُّرَّةِ وَالثَّدْيِ وَالْأُذُنِ وَالْعَيْنِ إذَا كَانَ لِعِلَّةٍ سَوَاءٌ عَلَى الْأَصَحِّ وَعَنْ الْحَسَنِ أَنَّ مَاءَ النَّفْطَةِ لَا يَنْقُضُ قَالَ الْحَلْوَانِيُّ وَفِيهِ تَوْسِعَةٌ لِمَنْ بِهِ جَرَبٌ أَوْ جُدَرِيٌّ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ وَفِي التَّبْيِينِ وَالْقَيْحُ الْخَارِجُ مِنْ الْأُذُنِ أَوْ الصَّدِيدُ إنْ كَانَ بِدُونِ الْوَجَعِ لَا يَنْقُضُ، وَمَعَ الْوَجَعِ يَنْقُضُ؛ لِأَنَّهُ دَلِيلُ الْجُرْحِ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ الْحَلْوَانِيِّ اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ الظَّاهِرُ إذَا كَانَ الْخَارِجُ قَيْحًا أَوْ صَدِيدًا يَنْقُضُ سَوَاءٌ كَانَ مَعَ وَجَعٍ أَوْ بِدُونِهِ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَخْرُجَانِ إلَّا عَنْ عِلَّةٍ نَعَمْ هَذَا التَّفْصِيلُ حَسَنٌ فِيمَا إذَا كَانَ الْخَارِجُ مَاءً لَيْسَ غَيْرُ وَفِيهِ أَيْضًا، وَلَوْ كَانَ فِي عَيْنَيْهِ رَمَدٌ أَوْ عَمَشٌ يَسِيلُ مِنْهُمَا الدُّمُوعُ قَالُوا يُؤْمَرُ بِالْوُضُوءِ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ صَدِيدًا أَوْ قَيْحًا اهـ وَهَذَا التَّعْلِيلُ يَقْتَضِي أَنَّهُ أَمْرُ اسْتِحْبَابٍ، فَإِنَّ الشَّكَّ وَالِاحْتِمَالَ فِي كَوْنِهِ نَاقِضًا لَا يُوجِبُ الْحُكْمَ بِالنَّقْضِ إذْ الْيَقِينُ لَا يَزُولُ بِالشَّكِّ نَعَمْ إذَا عُلِمَ مِنْ طَرِيقِ غَلَبَةِ الظَّنِّ بِإِخْبَارِ الْأَطِبَّاءِ أَوْ بِعَلَامَاتٍ تَغْلِبُ عَلَى ظَنِّ الْمُبْتَلَى يَجِبُ، وَلَوْ كَانَ الدَّمُ فِي الْجُرْحِ فَأَخَذَهُ بِخِرْقَةٍ أَوْ أَكَلَهُ الذُّبَابُ فَازْدَادَ فِي مَكَانِهِ، فَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ يَزِيدُ وَيَسِيلُ لَوْ لَمْ يَأْخُذْهُ بِنَفْسِهِ بَطَلَ وُضُوءُهُ، وَإِلَّا فَلَا وَكَذَلِكَ إذَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ تُرَابٌ أَوْ رَمَادٌ ثُمَّ ظَهَرَ ثَانِيًا وَتَرَّبَهُ ثُمَّ وَثُمَّ فَهُوَ كَذَلِكَ يَجْمَعُ كُلَّهُ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ قَالُوا، وَإِنَّمَا يَجْمَعُ إذَا كَانَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى أَمَّا إذَا كَانَ فِي مَجَالِسَ مُخْتَلِفَةٍ لَا يَجْمَعُ، وَلَوْ رَبَطَ الْجُرْحَ فَنَفَذَتْ الْبِلَّةُ إلَى ضَاقَ لَا إلَى الْخَارِجِ نَقَضَ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَيَجِبُ   [منحة الخالق] الْأَنْفِ لِعَدَمِ الظُّهُورِ قَبْلَ ذَلِكَ. اهـ. وَهُوَ شَاهِدٌ قَوِيٌّ عَلَى مَا قَالَهُ فَلَا تَغْتَرَّ بِتَزْيِيفِ صَاحِبِ النَّهْرِ وَاَللَّهُ تَعَالَى وَلِيُّ التَّوْفِيقِ (قَوْلُهُ: وَاخْتَارَهُ السَّرَخْسِيُّ) عِبَارَةُ الْفَتْحِ بَعْدَ نَقْلِهِ عِبَارَةَ الدِّرَايَةِ وَاخْتَارَ السَّرَخْسِيُّ الْأَوَّلَ، وَهُوَ أَوْلَى اهـ. وَالْأَوَّلُ فِي عِبَارَةِ الْفَتْحِ هُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَكَذَا ذَكَرَ فِي الدِّرَايَةِ قَوْلَهُ أَوَّلًا ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَ مُحَمَّدٍ ثَانِيًا ثُمَّ قَالَ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: وَالنَّفِطَةُ) هِيَ الْقُرْحَةُ الَّتِي امْتَلَأَتْ وَحَانَ قَشْرُهَا، وَهِيَ مِنْ قَوْلِهِمْ انْتَفَطَ فُلَانٌ إذَا امْتَلَأَ غَضَبًا قَالَ فِي الْجَمْهَرَةِ تَنَفَّطَتْ يَدُ الرَّجُلِ إذَا رَقَّ جِلْدُهَا مِنْ الْعَمَلِ وَصَارَ فِيهَا كَالْمَاءِ وَالْكَفُّ نَفِيطَةٌ وَمَنْفُوطَةٌ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَقَالَ أَيْضًا بَعْدَهُ هَذَا أَيْ النَّقْضُ إذَا كَانَتْ النَّفِطَةُ أَصْلُهَا دَمًا وَقَدْ تَكُونُ مِنْ الِابْتِدَاءِ مَاءً (قَوْلُهُ: نَعَمْ هَذَا التَّفْصِيلُ حَسَنٌ إلَخْ) قَالَ بَعْضُ الْأَفَاضِلِ فِيهِ أَنَّ الْمَاءَ مِنْ فُرُوعٍ كَمَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ؛ لِأَنَّهُ يَنْضَحُ فَيَصِيرُ صَدِيدًا (قَوْلُهُ، وَهَذَا التَّعْلِيلُ يَقْتَضِي أَنَّهُ أَمْرُ اسْتِحْبَابٍ إلَخْ) رَدَّهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ الْأَمْرَ لِلْوُجُوبِ حَقِيقَةً، وَهَذَا الِاحْتِمَالُ رَاجِحٌ وَبِأَنَّ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ صَرَّحَ بِالْوُجُوبِ وَكَذَا فِي الْمُجْتَبَى قَالَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ وَالنَّاسُ عَنْهُ غَافِلُونَ (قَوْلُهُ: فَهُوَ كَذَلِكَ يَجْمَعُ كُلَّهُ) أَقُولُ: التَّشْبِيهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ إذْ مَا قَبْلَهُ لَيْسَ فِيهِ جَمْعٌ بَلْ النَّظَرُ فِي أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَأْخُذْهُ لَسَالَ بِنَفْسِهِ وَبَيْنَهُمَا فَرْقٌ ظَاهِرٌ فَإِنَّ الْخَارِجَ إذَا تُرِكَ رُبَّمَا لَا يَسِيل لِانْسِدَادِ الْمَخْرَجِ بِمَا خَرَجَ فَإِذَا مَسَحَهُ وَخَرَجَ غَيْرُهُ مِمَّا لَا يَسِيلُ وَفَعَلَ ذَلِكَ مِرَارًا لَا يَنْتَقِضُ وُضُوءٌ مَعَ أَنَّ ذَلِكَ الْمَسْمُوحَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ إذَا جُمِعَ رُبَّمَا يَكُونُ سَائِلًا وَأَمَّا هَذَا فَيَقْتَضِي النَّقْضُ بِذَلِكَ وَبَيْنَهُمَا مُنَافَاةٌ ظَاهِرَةٌ وَانْظُرْ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ مَا إذَا أَخَذَهُ بِخِرْقَةٍ أَوْ أَلْقَى عَلَيْهِ تُرَابًا حَيْثُ يَجْمَعُ فِي الثَّانِيَةِ دُونَ الْأُولَى ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْجَمْعِ هُوَ النَّظَرُ فِيهِ لَوْ تُرِكَ قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة يَجْمَعُ جَمِيعَ مَا نَشَفَ فَلَوْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ تَرَكَهُ سَالَ جُعِلَ حَدَثًا، وَإِنَّمَا يُعْرَفُ ذَلِكَ بِالِاجْتِهَادِ وَغَالِبِ الظَّنِّ (قَوْلُهُ: وَلَوْ رُبِطَ الْجُرْحُ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ) أَقُولُ: يُفْهَمُ مِنْ هَذَا حُكْمُ مَاءِ الْحِمَّصَةِ لَوْ نَفَذَ إلَى الرِّبَاطِ وَيُقَيَّدُ بِمَا قَيَّدَهُ بِهِ فِي الْفَتْحِ فَالْحُكْمُ فِيهَا مَعَ السَّيَلَانِ وَعَدَمِهِ فَمَا لَيْسَ لَهُ قُوَّةُ السَّيَلَانِ إذَا أَصَابَ الثَّوْبَ مِنْهُ وَلَوْ كَانَ فِي مَحَالٍّ كَثِيرَةٍ لَا يُنَجَّسُ؛ لِأَنَّ الْمَحَلَّ الْمُصَابَ لَا يَصِلُ مِنْهُ إلَيْهِ إلَّا بَلَلٌ غَيْرُ سَائِلٍ، وَهُوَ طَاهِرٌ وَكَذَا بَاقِي الْمَحَلِّ وَكَذَلِكَ إذَا أَصَابَ مَائِعًا لَا يُنَجِّسُهُ عَلَى الصَّحِيحِ وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ عَمَّتْ بِهَا الْبَلْوَى وَكَثُرَ السُّؤَالُ عَنْهَا وَلِلشُّرُنْبُلَالِيِّ فِيهَا رِسَالَةٌ لَا بَأْسَ بِذِكْرِ حَاصِلِهَا، وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ بَعْدَ سَرْدِ النُّقُولِ فَبِهَذَا عَلِمْت أَنَّ مَاءَ الْحِمَّصَةِ الَّذِي لَا يَسِيلُ بِقُوَّةِ نَفْسِهِ طَاهِرٌ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَلَا يُنَجِّسُ الثَّوْبَ وَلَا الْخِرْقَةَ الْمَوْضُوعَةَ عَلَيْهِ وَلَا الْمَاءَ إذَا أَصَابَهُ فَلَوْ كَانَ لَهُ قُوَّةُ السَّيَلَانِ بِنَفْسِهِ يَكُونُ ذَلِكَ السَّائِلُ الْخَارِجُ نَجِسًا نَاقِضًا لِلْوُضُوءِ وَيَلْزَمُ غَسْلُ مَا أَصَابَهُ مِنْ الثَّوْبِ وَلَا يَجُوزُ لِصَاحِبِهِ الصَّلَاةُ حَالَ سَيَلَانِهِ، فَإِنَّهُ نَاقِضٌ لِلْوُضُوءِ نَجِسٌ وَلَا يَصِيرُ بِهِ صَاحِبَ عُذْرٍ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى رَدِّ عُذْرِهِ وَلَوْ بِالرَّبْطِ وَالْحَشْوِ الَّذِي يَمْنَعُ خُرُوجَ النَّجَسِ وَصَاحِبُ الْحِمَّصَةِ الَّتِي يَسِيلُ الْخَارِجُ مِنْهَا بِوَضْعِهَا إذَا تَرَكَ الْوَضْعَ لَا يَبْقَى بِالْمَحِلِّ شَيْءٌ يَسِيلُ فَلَا يُتَصَوَّرُ لَهُ طَهَارَةٌ وَلَا صِحَّةُ صَلَاةٍ حِينَئِذٍ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْمَنْعِ بِتَرْكِ الْوَضْعِ فَلَا يَبْقَى مُخَلِّصٌ مَعَ الْوَضْعِ وَالسَّيَلَانِ إلَّا بِالتَّقْلِيدِ مَعَ مُرَاعَاةِ الشُّرُوطِ فِي مَذْهَبِ مَنْ قَلَّدَهُ احْتِرَازًا عَنْ التَّفْلِيقِ الْبَاطِلِ هَذَا حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ إذَا كَانَ بِحَيْثُ لَوْلَا الرِّبَاطُ سَالَ؛ لِأَنَّ الْقَمِيصَ لَوْ تَرَدَّدَ عَلَى الْجُرْحِ فَابْتَلَّ لَا يَنْجُسُ مَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحَدَثٍ وَفِي الْمُحِيطِ مَصَّ الْقُرَادَ فَامْتَلَأَ إنْ كَانَ صَغِيرًا لَا يَنْقُضُ كَمَا لَوْ مَصَّ الذُّبَابَ وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا نَقَضَ كَمَصِّ الْعَلَقَةِ اهـ. وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّ الدَّمَ فِي الْكَبِيرِ يَكُونُ سَائِلًا قَالُوا وَلَا يَنْقُضُ مَا ظَهَرَ مِنْ مَوْضِعِهِ وَلَمْ يَرْتَقْ كَالنَّفْطَةِ إذَا قُشِّرَتْ وَلَا مَا ارْتَقَى عَنْ مَوْضِعِهِ وَلَمْ يَسِلْ كَالدَّمِ الْمُرْتَقِي مِنْ مَغْرِزِ الْإِبْرَةِ. وَالْحَاصِلُ فِي الْخِلَالِ مِنْ الْأَسْنَانِ، وَفِي الْخُبْزِ مِنْ الْعَضِّ وَفِي الْإِصْبَعِ مِنْ إدْخَالِهِ فِي الْأَنْفِ وَفِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي، وَلَوْ اسْتَنْثَرَ فَسَقَطَتْ مِنْ أَنْفِهِ كُتْلَةُ دَمٍ لَمْ تَنْقُضْ وُضُوءَهُ، وَإِنْ قُطِرَتْ قَطْرَةُ دَمٍ انْتَقَضَ اهـ. وَأَمَّا مَا سَالَ بِعَصْرٍ، وَكَانَ بِحَيْثُ لَوْ لَمْ يُعْصَرْ لَمْ يَسِلْ قَالُوا لَا يَنْقُضُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِخَارِجٍ، وَإِنَّمَا هُوَ مُخَرَّجٌ، وَهُوَ مُخْتَارُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ يَنْقُضُ، وَهُوَ حَدَثٌ عَمْدٌ عِنْدَهُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مَعْزِيًّا إلَى الْكَافِي؛ لِأَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ يَظْهَرُ لِلْإِخْرَاجِ وَعَدَمِهِ فِي هَذَا الْحُكْمِ بَلْ لِكَوْنِهِ خَارِجًا نَجِسًا وَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ مَعَ الْإِخْرَاجِ كَمَا يَتَحَقَّقُ مَعَ عَدَمِهِ، فَصَارَ كَالْفَصْدِ كَيْفَ وَجَمِيعُ الْأَدِلَّةِ الْمُورَدَةِ مِنْ السُّنَّةِ وَالْقِيَاسِ يُفِيدُ تَعْلِيقَ النَّقْضِ بِالْخَارِجِ النَّجِسِ، وَهُوَ ثَابِتٌ فِي الْمُخْرَجِ اهـ. وَضَعَّفَهُ فِي الْعِنَايَةِ بِأَنَّ الْإِخْرَاجَ لَيْسَ بِمَنْصُوصٍ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ يَسْتَلْزِمُهُ فَكَانَ ثُبُوتُهُ غَيْرَ قَصْدِيٍّ وَلَا مُعْتَبَرٍ بِهِ اهـ. وَهَذَا كُلُّهُ مَذْهَبُنَا وَاسْتَدَلُّوا لَهُ بِأَحَادِيثَ ضَعَّفَهَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَأَحْسَنُ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ حَدِيثُ فَاطِمَةَ وَالْقِيَاسُ، وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَائِشَةَ «جَاءَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي امْرَأَةٌ اسْتَحَاضَ فَلَا أَطْهُرُ أَفَأَدْعُ الصَّلَاةَ قَالَ لَا إنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ وَلَيْسَتْ بِالْحَيْضَةِ فَإِذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ، وَإِذَا أَدْبَرْت فَاغْسِلِي عَنْك الدَّمَ» قَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ قَالَ أَبِي ثُمَّ تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ حَتَّى يَجِيءَ ذَلِكَ الْوَقْتُ وَمَا قِيلَ إنَّهُ مِنْ كَلَامِ عُرْوَةَ دُفِعَ بِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ عَلَى مُشَاكَلَةِ الْأَوَّلِ لَزِمَ كَوْنُهُ مِنْ قَائِلِ الْأَوَّلِ فَكَانَ حُجَّةً لَنَا؛ لِأَنَّهُ عَلَّلَ وُجُوبَ الْوُضُوءِ بِأَنَّهُ دَمُ عِرْقٍ وَكُلُّ الدِّمَاءِ كَذَلِكَ، وَأَمَّا الْقِيَاسُ فَبَيَانُهُ أَنَّ خُرُوجَ النَّجَاسَةِ مُؤَثِّرٌ فِي زَوَالِ الطَّهَارَةِ شَرْعًا، وَقَدْ عُقِلَ فِي الْأَصْلِ، وَهُوَ الْخَارِجُ مِنْ السَّبِيلَيْنِ أَنَّ زَوَالَ الطَّهَارَةِ عِنْدَهُ، وَهُوَ الْحُكْمُ إنَّمَا هُوَ بِسَبَبِ أَنَّهُ نَجَسٌ خَارِجٌ مِنْ الْبَدَنِ إذَا لَمْ يَظْهَرُ لِكَوْنِهِ مِنْ خُصُوصِ السَّبِيلَيْنِ تَأْثِيرٌ، وَقَدْ وُجِدَ فِي الْخَارِجِ مِنْ غَيْرِهِمَا وَفِيهِ الْمَنَاطُ فَيَتَعَدَّى الْحُكْمُ إلَيْهِ، فَالْأَصْلُ الْخَارِجُ مِنْ السَّبِيلَيْنِ وَحُكْمُهُ زَوَالُ الطَّهَارَةِ وَعِلَّتُهُ خُرُوجُ النَّجَاسَةِ مِنْ الْبَدَنِ وَخُصُوصُ الْمَحَلِّ مُلْغًى وَالْفَرْعُ الْخَارِجُ النَّجِسُ مِنْ غَيْرِهِمَا، وَفِيهِ الْمَنَاطُ فَيَتَعَدَّى إلَيْهِ زَوَالُ الطَّهَارَةِ الَّتِي مُوجِبُهَا الْوُضُوءُ فَثَبَتَ أَنَّ مُوجِبَ هَذَا الْقِيَاسِ ثُبُوتُ زَوَالِ طَهَارَةِ الْوُضُوءِ، وَإِذَا صَارَ زَائِلَ الطَّهَارَةِ فَعِنْدَ إرَادَةِ الصَّلَاةِ يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ خِطَابُ الْوُضُوءِ، وَهُوَ تَطْهِيرُ الْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ وَإِذَا صَارَ خُرُوجُ النَّجَاسَةِ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ كَخُرُوجِهَا مِنْ السَّبِيلَيْنِ يَرِدُ أَنْ يُقَالَ لَمَّا اشْتَرَطْتُمْ فِي الْفَرْعِ السَّيَلَانَ أَوْ مِلْءَ الْفَمِ فِي الْقَيْءِ مَعَ عَدَمِ اشْتِرَاطِهِ فِي الْأَصْلِ فَأُجِيبَ بِأَنَّ النَّقْضَ بِالْخُرُوجِ وَحَقِيقَتُهُ مِنْ الْبَاطِنِ إلَى الظَّاهِرِ وَذَلِكَ بِالظُّهُورِ فِي السَّبِيلَيْنِ يَتَحَقَّقُ وَفِي غَيْرِهِمَا بِالسَّيَلَانِ إلَى مَوْضِعٍ يَلْحَقُهُ التَّطْهِيرُ؛ لِأَنَّ بِزَوَالِ الْقِشْرَةِ تَظْهَرُ النَّجَاسَةُ فِي مَحَلِّهَا، فَتَكُونُ بَادِيَةً لَا خَارِجَةً وَالْفَمُ ظَاهِرٌ مِنْ وَجْهٍ بَاطِنٌ مِنْ وَجْهٍ فَاعْتُبِرَ ظَاهِرًا فِي مِلْءِ الْفَمِ بَاطِنًا فِيمَا دُونَهُ. (قَوْلُهُ: وَقَيْءٌ مَلَأَ فَاهُ) أَيْ وَيَنْقُضُهُ قَيْءٌ مَلَأَ فَمَ الْمُتَوَضِّئِ أَفْرَدَهُ بِالذِّكْرِ، وَإِنْ كَانَ دَاخِلًا فِي الْأَوَّلِ لِمُخَالَفَتِهِ فِي حَدِّ الْخُرُوجِ كَذَا فِي التَّبْيِينِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُفْرِدْ الْخَارِجَ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ مَعَ مُخَالَفَتِهِ لِلْخَارِجِ مِنْهُمَا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَضَعَّفَهُ فِي الْعِنَايَةِ إلَخْ) أَقُولُ: لَا يَذْهَبُ عَنْك أَنَّ تَضْعِيفَ الْعِنَايَةِ لَا يُصَادِمُ قَوْلَ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ وَفِي حَاشِيَةِ أَخِي زَادَهْ عَلَى صَدْرِ الشَّرِيعَةِ قَوْلُهُ إذَا عَصَرَ الْقُرْحَةَ قَبْلَ عَدَمِ النَّقْضِ هَا هُنَا عَلَى اخْتِيَارِ الظَّهِيرِيَّةِ وَالْهِدَايَةِ وَذَهَبَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي وَالسَّرَخْسِيِّ إلَى أَنَّ الْمَخْرَجَ نَاقِضٌ كَالْخَارِجِ قِيَاسًا عَلَى الْحِجَامَةِ وَالْفَصْدِ وَمَصِّ الْعَلَقَةِ وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدِي لِأَنَّ الِاحْتِيَاطَ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ الرِّفْقُ بِالنَّاسِ فِي الْأَوَّلِ وَتَحْقِيقُهُ عِنْدِي أَنَّ الْخُرُوجَ لَازِمُ الْإِخْرَاجِ وَلَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ اللَّازِمِ عِنْدَ وُجُودِ الْمَلْزُومِ فَيَحْصُلُ النَّاقِضُ حِينَئِذٍ لَا مَحَالَةَ فَافْهَمْ اهـ كَلَامُهُ. وَأَمَّا وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ؛ فَلِأَنَّ عِلَّةَ النَّقْضِ هِيَ الْخُرُوجُ بِالطَّبْعِ وَالسَّيَلَانِ وَقَدْ انْتَفَى وَالْقِيَاسُ عَلَى الْمَذْكُورَاتِ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ؛ لِأَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهَا يَخْرُجُ الدَّمُ بَعْدَ قَطْعِ الْجِلْدَةِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ ارْتِفَاعِ الْمَانِعِ حَتَّى صَرَّحُوا بِأَنَّ الْمَصَّ إذَا كَانَ بِحَيْثُ لَا يَسِيلُ الدَّمُ بَعْدَ سُقُوطِ الْعَلَقَةِ لَا يَنْقُضُ وَمَا نَحْنُ فِيهِ لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ عِلَّةَ الْخُرُوجِ هِيَ الْعَصْرُ، فَإِنَّهُ يُشْبِهُ شَقَّ زِقِّ الْغَيْرِ ثُمَّ عَصْرَهُ وَالْمَصُّ يُشْبِهُ شَقَّهُ ثُمَّ تَرْكَهُ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي اهـ. وَإِذَا تَأَمَّلْت لَمْ يُعْجِزْك رَدُّ مَا أَتَى بِهِ فَتَأَمَّلْ قَالَهُ الرَّمْلِيُّ أَقُولُ: أَيْ لَمْ يُعْجِزْك رَدُّ مَا وَجَّهَ بِهِ أَخِي زَادَهْ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ، وَكَانَ مُرَادُهُ بِهِ مَنْعَ قَوْلِهِ إنَّ عِلَّةَ النَّقْضِ هِيَ الْخُرُوجُ بِالطَّبْعِ وَالسَّيَلَانِ بَلْ الْعِلَّةُ هِيَ كَوْنُهُ خَارِجًا نَجَسًا وَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ مَعَ الْإِخْرَاجِ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ أَيْضًا مِنْ أَنَّ جَمِيعَ الْأَدِلَّةِ الْمُورَدَةِ مِنْ السُّنَّةِ وَالْقِيَاسِ تُفِيدُ تَعْلِيقَ النَّقْضِ بِالْخَارِجِ النَّجِسِ، وَهُوَ ثَابِتٌ فِي الْمَخْرَجِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 كَمَا فِي الْوَافِي لِمَا أَنَّ السَّيَلَانَ مُسْتَفَادٌ مِنْ الْخُرُوجِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ بِخِلَافِ مِلْءِ الْفَمِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الدَّلِيلُ لِمَذْهَبِنَا، وَهُوَ مَذْهَبُ الْعَشَرَةِ الْمُبَشَّرِينَ بِالْجَنَّةِ وَمَنْ تَابَعَهُمْ وَاخْتُلِفَ فِي حَدِّ مِلْءِ الْفَمِ فَصُحِّحَ فِي الْمِعْرَاجِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ مَا لَا يُمْكِنْ إمْسَاكُهُ إلَّا بِكُلْفَةٍ وَصُحِّحَ فِي الْيَنَابِيعِ أَنَّهُ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى إمْسَاكِهِ، وَوَجْهُهُ أَنَّ النَّجَسَ حِينَئِذٍ يَخْرُجُ ظَاهِرًا؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَيْءَ لَيْسَ إلَّا مِنْ قَعْرِ الْمَعِدَةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مُسْتَصْحِبٌ لِلْجِنْسِ بِخِلَافِ الْقَلِيلِ، فَإِنَّهُ مِنْ أَعْلَى الْمَعِدَةِ فَلَا يَسْتَصْحِبُهُ؛ وَلِأَنَّ لِلْفَمِ بُطُونًا مُعْتَبَرًا شَرْعًا حَتَّى لَوْ ابْتَلَعَ الصَّائِمُ رِيقَهُ لَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ كَمَا لَوْ انْتَقَلَتْ النَّجَاسَةُ مِنْ مَحَلٍّ إلَى آخَرَ فِي الْجَوْفِ وَظُهُورًا حَتَّى لَا يَفْسُدَ الصَّوْمُ بِإِدْخَالِ الْمَاءِ فِيهِ فَرَاعَيْنَا الشَّبَهَيْنِ فَلَا يَنْقُضُ الْقَلِيلُ مُلَاحَظَةً لِلْبُطُونِ، وَيَنْقُضُ الْكَثِيرُ لِلْآخَرِ الْخُرُوجُ النَّجَسِ ظَاهِرًا (قَوْلُهُ:، وَلَوْ مُرَّةً أَوْ عَلَقًا أَوْ طَعَامًا أَوْ مَاءً) بَيَانٌ لِعَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَ أَنْوَاعِ الْقَيْءِ، وَالْعَلَقُ مَا اشْتَدَّتْ حُمْرَتُهُ وَجَمُدَ أُطْلِقَ فِي الطَّعَامِ وَالْمَاءِ قَالَ الْحَسَنُ إذَا تَنَاوَلَ طَعَامًا أَوْ مَاءً ثُمَّ قَاءَ مِنْ سَاعَتِهِ لَا يَنْقُضُ؛ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ حَيْثُ لَمْ يَسْتَحِلْ وَإِنَّمَا اتَّصَلَ بِهِ قَلِيلُ الْقَيْءِ فَلَا يَكُونُ حَدَثًا فَلَا يَكُونُ نَجَسًا وَكَذَا الصَّبِيُّ إذَا ارْتَضَعَ وَقَاءَ مِنْ سَاعَتِهِ وَصَحَّحَهُ فِي الْمِعْرَاجِ وَغَيْرِهِ وَمَحَلُّ الِاخْتِلَافِ مَا إذَا وَصَلَ إلَى مَعِدَتِهِ وَلَمْ يَسْتَقِرَّ أَمَّا لَوْ قَاءَ قَبْلَ الْوُصُولِ إلَيْهَا، وَهُوَ فِي الْمَرِيءِ، فَإِنَّهُ لَا يَنْقُضُ اتِّفَاقًا كَمَا ذَكَرَهُ الزَّاهِدِيُّ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ لَوْ قَاءَ دُودًا كَثِيرًا أَوْ حَيَّةً مَلَأَتْ فَاهُ لَا يَنْقُضُ؛ لِأَنَّ مَا يَتَّصِلُ بِهِ قَلِيلٌ، وَهُوَ غَيْرُ نَاقِضٍ اهـ. وَقَدْ يُقَالُ يَنْبَغِي عَلَى قَوْلِ مَنْ حَكَمَ بِنَجَاسَةِ الدُّودِ أَنْ يَنْقُضَ إذَا مَلَأَ الْفَمَ (قَوْلُهُ: لَا بَلْغَمًا) عُطِفَ عَلَى مُرَّةٍ أَيْ لَا يَنْقُضُهُ بَلْغَمٌ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ مِنْ الرَّأْسِ أَوْ مِنْ الْجَوْفِ مَلَأَ الْفَمَ أَوْ لَا مَخْلُوطًا بِطَعَامٍ أَوْ لَا إلَّا إذَا كَانَ الطَّعَامُ مِلْءَ الْفَمِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَنْقُضُ الْمُرْتَقِي مِنْ الْجَوْفِ إنْ مَلَأَ الْفَمَ كَسَائِرِ أَنْوَاعِ الْقَيْءِ؛ لِأَنَّهُ يَتَنَجَّسُ فِي الْمَعِدَةِ بِالْمُجَاوَرَةِ بِخِلَافِ النَّازِلِ مِنْ الرَّأْسِ، فَإِنَّهَا لَيْسَتْ مَحَلَّ النَّجَاسَةِ وَلَهُمَا أَنَّهُ لَزِجٌ صَقِيلٌ لَا يَتَدَاخَلُهُ أَجْزَاءُ النَّجَاسَةِ، فَصَارَ كَالْبُزَاقِ، وَمَا يَتَّصِلُ بِهِ مِنْ الْقَيْءِ قَلِيلٌ وَلَا يَرِدُ مَا إذَا وَقَعَ الْبَلْغَمُ فِي النَّجَاسَةِ، فَإِنَّهُ يُحْكَمُ بِنَجَاسَتِهِ؛ لِأَنَّ كَلَامَنَا فِيمَا إذَا كَانَ فِي الْبَاطِنِ وَأَمَّا إذَا انْفَصَلَ قَلَّتْ ثَخَانَتُهُ وَازْدَادَتْ رِقَّتُهُ فَقَبِلَهَا هَكَذَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْبَلْغَمَ لَيْسَ نَجِسًا اتِّفَاقًا، وَإِنَّمَا نَجَّسَهُ أَبُو يُوسُفَ لِلْمُجَاوَرَةِ، وَهُمَا حَكَمَا بِطَهَارَتِهِ، وَأَنَّ الْخِلَافَ فِي الصَّاعِدِ مِنْ الْمَعِدَةِ فَانْدَفَعَ بِهِ قَوْلُ مَنْ قَالَ إنَّ الْبَلْغَمَ نَجِسٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ إحْدَى الطَّبَائِعِ الْأَرْبَعِ حَتَّى قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ إنَّ مَنْ صَلَّى وَمَعَهُ خِرْقَةُ الْمُخَاطِ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إنْ كَانَ كَثِيرًا فَاحِشًا إذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَاسْتَوَى النَّازِلُ مِنْ الرَّأْسِ وَالْمُرْتَقِي مِنْ الْجَوْفِ، وَقَدْ قَالُوا لَا خِلَافَ فِي طَهَارَةِ الْأَوَّلِ وَانْدَفَعَ بِهِ مَا فِي الْبَدَائِعِ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي الْمَسْأَلَةِ فِي الْحَقِيقَةِ بِأَنَّ جَوَابَ أَبِي يُوسُفَ فِي الصَّاعِدِ مِنْ الْمَعِدَةِ، وَأَنَّهُ حَدَثٌ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ نَجِسٌ وَجَوَابُهُمَا فِي الصَّاعِدِ مِنْ حَوَاشِي الْخَلْقِ وَأَطْرَافِ الرِّئَةِ وَأَنَّهُ لَيْسَ بِحَدَثٍ إجْمَاعًا لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ فَيُنْظَرُ إنْ كَانَ صَافِيًا غَيْرَ مَخْلُوطٍ بِالطَّعَامِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَصْعَدْ مِنْ الْمَعِدَةِ فَلَا يَكُونُ حَدَثًا، وَإِنْ كَانَ مَخْلُوطًا بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ تَبَيَّنَ أَنَّهُ صَعِدَ مِنْهَا، فَيَكُونُ حَدَثًا وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ اهـ. وَيَدُلُّ عَلَى ضَعْفِهِ أَنَّ الْمَنْقُولَ فِي الْكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ أَنَّ الْبَلْغَمَ إذَا كَانَ مَخْلُوطًا بِالطَّعَامِ لَا يَنْقُضُ إلَّا إذَا كَانَ الطَّعَامُ غَالِبًا بِحَيْثُ لَوْ انْفَرَدَ مَلَأَ الْفَمَ أَمَّا إذَا كَانَ الطَّعَامُ مَغْلُوبًا فَلَا يَنْقُضُ مَعَ تَحَقُّقِ كَوْنِهِ مِنْ الْمَعِدَةِ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: فَإِنْ اسْتَوَيَا لَا يَنْقُضُ وَفِي صَلَاةِ الْمُحْسِنِ قَالَ الْعِبْرَةُ لِلْغَالِبِ، وَلَوْ اسْتَوَيَا يُعْتَبَرُ كُلٌّ عَلَى حِدَةٍ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَعَجْزُ هَذَا أَوْلَى مِنْ عَجْزِ مَا فِي الْخُلَاصَةِ وَفِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خان الْخِلَافُ فِي الْبَلْغَمِ، وَهُوَ مَا كَانَ مُنْعَقِدًا مُتَجَمِّدًا أَمَّا الْبُزَاقُ، وَهُوَ مَا لَا يَكُونُ مُتَجَمِّدًا فَلَا يَنْقُضُ بِالْإِجْمَاعِ وَذَكَرَ الْعَلَّامَةُ يَعْقُوبُ بَاشَا أَنَّ فِي قَوْلِهِمَا إنَّ مَا يَتَّصِلُ بِالْبَلْغَمِ مِنْ الْقَيْءِ قَلِيلٌ، وَهُوَ غَيْرُ نَاقِضٍ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَنْتَقِضَ الْوُضُوءُ بِقَيْءِ الْبَلْغَمِ إذَا تَكَرَّرَ جِدًّا مَعَ اتِّحَادِ الْمَجْلِسِ أَوْ السَّبَبِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَصَحَّحَهُ فِي الْمِعْرَاجِ وَغَيْرِهِ) أَقُولُ: قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَالصَّحِيحُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ نَجِسٌ لِمُخَالَطَتِهِ النَّجَاسَةَ وَتَدَاخُلِهَا فِيهِ بِخِلَافِ الْبَلْغَمِ. اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ إحْدَى الطَّبَائِعِ الْأَرْبَعِ) قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَمَا قِيلَ إنَّ السَّوْدَاءَ إحْدَى الطَّبَائِعِ الْأَرْبَعَةِ فَفِيهِ نَظَرٌ عِنْدِي؛ لِأَنَّهَا تُعَدُّ مِنْ الْأَخْلَاطِ لَا مِنْ الطَّبَائِعِ أَلَا يُرَى أَنَّ الْأَطِبَّاءَ قَالُوا الْأَخْلَاطُ أَرْبَعَةٌ الدَّمُ وَالْمَرَّةُ السَّوْدَاءُ وَالْمَرَّةُ الصَّفْرَاءُ وَالْبَلْغَمُ فَطَبْعُ الْأَوَّلِ حَارٌّ رَطْبٌ وَالثَّانِي بَارِدٌ يَابِسُ وَالثَّالِثُ حَارٌّ يَابِسٌ وَالرَّابِعُ بَارِدٌ رَطْبٌ فَعُلِمَ أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَرْبَعَةِ طَبْعًا لَا أَنَّ ذَاتَه طَبْعٌ اهـ. فَمَا ذَكَرَهُ فِي السَّوْدَاءِ يَجْرِي فِي الْبَلْغَمِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ: لَا يَنْقُضُ إلَّا إذَا كَانَ الطَّعَامُ غَالِبًا إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ لَا يَنْقُضُ رَاجِعٌ إلَى الْبَلْغَمِ، وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الطَّعَامُ غَالِبًا يَكُونُ النَّاقِضُ هُوَ الطَّعَامَ لَا الْبَلْغَمَ وَعِبَارَةُ التَّتَارْخَانِيَّة، وَإِنْ قَاءَ طَعَامًا أَوْ مَا أَشْبَهَهُ مُخْتَلِطًا بِالْبَلْغَمِ يُنْظَرُ إنْ كَانَتْ الْغَلَبَةُ لِلطَّعَامِ وَكَانَ بِحَالٍ لَوْ انْفَرَدَ الطَّعَامُ بِنَفْسِهِ كَانَ مِلْءَ الْفَمِ نَقَضَ وُضُوءَهُ، وَإِنْ كَانَتْ الْغَلَبَةُ لِلْبَلْغَمِ، وَكَانَ بِحَالٍ لَوْ انْفَرَدَ الْبَلْغَمُ بَلَغَ مِلْءَ الْفَمِ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى الِاخْتِلَافِ اهـ. أَيْ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَبَيْنَهُمَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 وَيَبْلُغُ بِالْجَمْعِ حَدَّ الْكَثْرَةِ اهـ. وَقَدْ يُقَالُ الظَّاهِرُ عَدَمُ اعْتِبَارِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُجْمَعُ إذَا كَانَ غَيْرَ مُسْتَهَلَكٍ أَمَّا إذَا كَانَ مَغْلُوبًا مُسْتَهْلَكًا فَلَا وَصَرَّحُوا فِي بَابِ الْأَنْجَاسِ أَنَّ نَجَاسَةَ الْقَيْءِ مُغَلَّظَةٌ وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قَاءَ طَعَامًا أَوْ مَاءً فَأَصَابَ إنْسَانًا شِبْرًا فِي شِبْرٍ لَا يَمْنَعُ، وَفِي الْمُجْتَبَى الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ مَا لَمْ يَفْحُشْ. اهـ. وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ نَجَاسَتَهُ مُخَفَّفَةٌ وَحَمَلَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ عَلَى مَا إذَا قَاءَ مِنْ سَاعَتِهِ، وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ طَاهِرٌ كَمَا قَدَّمْنَا أَنَّهُ غَيْرُ نَاقِضٍ وَأَلْحَقُوا بِالْقَيْءِ مَاءَ فَمِ النَّائِمِ إذَا صَعَدَ مِنْ الْجَوْفِ بِأَنْ كَانَ أَصْفَرَ أَوْ مُنْتِنًا، وَهُوَ مُخْتَارُ أَبِي نَصْرٍ وَصَحَّحَ فِي الْخُلَاصَةِ طَهَارَتَهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ نَجِسٌ، وَلَوْ نَزَلَ مِنْ الرَّأْسِ فَظَاهِرٌ اتِّفَاقًا وَفِي التَّجْنِيسِ أَنَّهُ طَاهِرٌ كَيْفَمَا كَانَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. (قَوْلُهُ: أَوْ دَمًا غَلَبَ عَلَيْهِ الْبُصَاقُ) مَعْطُوفًا عَلَى الْبَلْغَمِ أَيْ لَا يُنْتَقَضُ الدَّمُ الْخَارِجُ مِنْ الْفَمِ الْمَغْلُوبُ بِالْبُصَاقِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ لِلْغَالِبِ فَصَارَ كَأَنَّهُ كُلَّهُ بُزَاقٌ قُيِّدَ بِغَلَبَةِ الْبُزَاقِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَغْلُوبًا وَالدَّمُ غَالِبٌ نَقَضَ؛ لِأَنَّهُ سَالَ بِقُوَّةِ نَفْسِهِ، وَإِنْ اسْتَوَيَا نَقَضَ أَيْضًا لِاحْتِمَالِ سَيَلَانِهِ بِنَفْسِهِ أَوْ أَسَالَهُ غَيْرُهُ فَوُجِدَ الْحَدَثُ مِنْ وَجْهٍ فَرَجَّحْنَا جَانِبَ الْوُجُودِ احْتِيَاطًا بِخِلَافِ مَا إذَا شَكَّ فِي الْحَدَثِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ إلَّا مُجَرَّدُ الشَّكِّ وَلَا عِبْرَةَ لَهُ مَعَ الْيَقِينِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ قَالُوا عَلَامَةُ كَوْنِ الدَّمِ غَالِبًا أَوْ مُسَاوِيًا أَنْ يَكُونَ أَحْمَرَ وَعَلَامَةُ كَوْنِهِ مَغْلُوبًا أَنْ يَكُونَ أَصْفَرَ وَقَيَّدْنَا بِكَوْنِهِ خَارِجًا مِنْ الْفَمِ إلَخْ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ صَاعِدًا مِنْ الْجَوْفِ مَائِعًا غَيْرَ مَخْلُوطٍ بِشَيْءٍ فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَنْقُضُ إنْ مَلَأَ الْفَمَ كَسَائِرِ أَنْوَاعِ الْقَيْءِ وَعِنْدَهُمَا إنْ سَالَ بِقُوَّةِ نَفْسِهِ نَقَضَ الْوُضُوءَ، وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا؛ لِأَنَّ الْمَعِدَةَ لَيْسَتْ بِمَحَلِّ الدَّمِ فَيَكُونُ مِنْ قُرْحَةٍ فِي الْجَوْفِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَاخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ فَصَحَّحَ فِي الْبَدَائِعِ قَوْلَهُمَا قَالَ وَبِهِ أَخَذَ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ: إنَّهُ الْمُخْتَارُ وَصَحَّحَ فِي الْمُحِيطِ مُحَمَّدٌ وَكَذَا فِي السَّرَّاجِ مَعْزِيًّا إلَى الْوَجِيزِ، وَلَوْ كَانَ مَائِعًا نَازِلًا مِنْ الرَّأْسِ نَقَضَ قَلَّ أَوْ كَثُرَ بِإِجْمَاعِ أَصْحَابِنَا، وَلَوْ كَانَ عَلَقًا مُتَجَمِّدًا يُعْتَبَرُ فِيهِ مِلْءُ الْفَمِ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّهُ سَوْدَاءُ مُحْتَرِقَةٌ وَأَمَّا الصَّاعِدُ مِنْ الْجَوْفِ الْمُخْتَلَطِ بِالْبُزَاقِ فَحُكْمُهُ مَا بَيَّنَّاهُ فِي الْخَارِجِ مِنْ الْفَمِ الْمُخْتَلِطِ بِالْبُزَاقِ لَا فَرْقَ فِي الْمَخْلُوطِ بِالْبُزَاقِ بَيْنَ كَوْنِهِ مِنْ الْفَمِ أَوْ الْجَوْفِ، وَهُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الشَّارِحِينَ كَصَاحِبِ الْمِعْرَاجِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ وَجَامِعِ قَاضِي خان وَالْكَافِي وَالْيَنَابِيعِ وَالْمُضْمَرَاتِ وَصَرَّحَ بِعَدَمِ الْفَرْقِ فِي شَرْحِ مِسْكِينٍ وَنَقَلَ ابْنُ الْمَلَكِ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْجُمَعِ أَنَّ الدَّمَ الصَّاعِدَ مِنْ الْجَوْفِ إذَا غَلَبَهُ الْبُزَاقُ لَا يَنْقُضُ اتِّفَاقًا وَظَاهِرُ كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ أَنَّ الدَّمَ الصَّاعِدَ مِنْ الْجَوْفِ الْمُخْتَلِطَ بِالْبُزَاقِ يَنْقُضُ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ عَلَى الْمُخْتَارِ وَلَا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَيَبْلُغُ بِالْجَمْعِ حَدَّ الْكَثْرَةِ) أَيْ يَبْلُغُ مَا يَتَّصِلُ بِهِ مِنْ الْقَيْءِ حَدَّهَا (قَوْلُهُ: وَحَمَلَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ) عِبَارَتُهُ هَكَذَا وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا قَاءَ مِنْ سَاعَتِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ إذَا فَحُشَ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ كَوْنُ الْمُتَّصِلِ بِهِ الْقَدْرُ الْمَانِعُ، وَبِمَا دُونَهُ مَا دُونَهُ انْتَهَتْ فَاَلَّذِي يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ النَّاقِضَ هُوَ الَّذِي يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ مِنْ اتِّصَالِ الْقَدْرِ الْمَانِعِ، وَهُوَ مِلْءُ الْفَمِ فَلَا وَجْهَ لِلرَّدِّ وَالتَّخْطِئَةِ وَمِثْلُهُ فِي النَّهْرِ لَكِنْ نَظَرَ فِيهِ الْعَلَّامَةُ نُوحٌ أَفَنْدِي فِي حَاشِيَةِ الدُّرَرِ بِأَنَّ النَّجِسَ إذَا اتَّصَلَ بِالطَّاهِرِ يَصِيرُ نَجِسًا اهـ. أَيْ بِخِلَافِ الْبَلْغَمِ عَلَى قَوْلِهِمَا؛ لِأَنَّهُ لِلُزُوجَتِهِ لَا تَتَدَاخَلُهُ أَجْزَاءُ النَّجَاسَةِ كَمَا مَرَّ؛ فَلِذَا اُعْتُبِرَ مِلْءُ الْفَمِ فِيمَا خَالَطَهُ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ عَلَقًا إلَخْ) الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إلَى الصَّاعِدِ مِنْ الْجَوْفِ فَهُوَ مُقَابِلُ قَوْلِهِ مَائِعًا الْوَاقِعِ فِي قَوْلِهِ وَلَوْ كَانَ صَاعِدًا مِنْ الْجَوْفِ مَائِعًا أَمَّا لَوْ كَانَ عَلَقًا نَازِلًا مِنْ الرَّأْسِ، فَإِنَّهُ لَا يَنْقُضُ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ دَمًا كَمَا فِي الْمُنْيَةِ وَشَرْحِهَا لِلشَّيْخِ إبْرَاهِيمَ الْحَلَبِيِّ فَصَارَ الْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا قَاءَ دَمًا فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ الرَّأْسِ أَوْ مِنْ الْجَوْفِ سَائِلًا أَوْ عَلَقًا فَالسَّائِلُ النَّازِلُ مِنْ الرَّأْسِ يَنْقُضُ اتِّفَاقًا، وَإِنْ قَلَّ وَالصَّاعِدُ مِنْ الْجَوْفِ كَذَلِكَ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ إنْ مَلَأَ الْفَمَ وَالْعَلَقُ النَّازِلُ مِنْ الرَّأْسِ لَا يَنْقُضُ اتِّفَاقًا وَكَذَلِكَ الصَّاعِدُ مِنْ الْجَوْفِ لَا يَنْقُضُ اتِّفَاقًا إلَّا أَنْ يَمْلَأَ الْفَمَ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ (قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ أَنَّ الدَّمَ الصَّاعِدَ مِنْ الْجَوْفِ إلَخْ) اعْتَرَضَ عَلَيْهِ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ كَمَا نُقِلَ عَنْهُ بِمَا مَعْنَاهُ لَمْ نَجِدْ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ بَلْ ذَكَرَ الدَّمَ مُطْلَقًا عَنْ قَيْدِ الِاخْتِلَاطِ اهـ. وَأَقُولُ: قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَلَوْ قَاءَ دَمًا إنْ نَزَلَ مِنْ الرَّأْسِ نَقَضَ قَلَّ أَوْ كَثُرَ بِإِجْمَاعِ أَصْحَابِنَا، وَإِنْ صَعِدَ مِنْ الْجَوْفِ فَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِثْلُهُ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْهُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ مِلْءُ الْفَمِ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَالْمُخْتَارُ إنْ كَانَ عَلَقًا يُعْتَبَرُ مِلْءُ الْفَمِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِدَمٍ، وَإِنَّمَا هُوَ سَوْدَاءُ احْتَرَقَتْ، وَإِنْ كَانَ مَائِعًا نَقَضَ، وَإِنْ قَلَّ ثُمَّ قَالَ فِيمَا إذَا غَلَبَ عَلَيْهِ الْبُصَاقُ، وَإِنْ خَرَجَ مِنْ الْجَوْفِ فَقَدْ ذَكَرْنَا تَفَاصِيلَهُ وَاخْتِلَافَ الرِّوَايَاتِ فِيهِ اهـ. فَذَكَرَ حُكْمَ مَا غَلَبَ عَلَيْهِ الْبُزَاقُ ثُمَّ قَالَ هَذَا إذَا خَرَجَ مِنْ نَفْسِ الْفَمِ فَإِنْ خَرَجَ مِنْ الْجَوْفِ إلَخْ فَمُرَادُهُ بِقَوْلِهِ، فَإِنْ خَرَجَ يَعْنِي الدَّمُ لَا بِقَيْدِ كَوْنِهِ غَلَبَ الْبُزَاقُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فَقَدْ ذَكَرْنَا تَفَاصِيلَهُ إلَخْ، فَإِنَّ الَّذِي ذَكَرَ تَفَاصِيلَهُ الدَّمَ لَا بِهَذَا الْقَيْدِ؛ لِأَنَّ تَفَاصِيلَهُ مَا إذَا كَانَ جَامِدًا أَوْ مَائِعًا مَلَأَ الْفَمَ أَوْ لَا وَاَلَّذِي غَلَبَ عَلَيْهِ الْبُزَاقُ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ مِلْءَ الْفَمِ فَعُلِمَ أَنَّ مُرَادَهُ مَا ذَكَرْنَا وَأَنَّ مُرَادَهُ بِالْقَلِيلِ مَا لَا يَمْلَأُ الْفَمَ وَبِالْكَثِيرِ مَا يَمْلَؤُهُ عَلَى أَنَّ الْخَارِجَ مِنْ الْجَوْفِ لَا يُخَالِطُهُ الْبُزَاقُ إلَّا بَعْدَ وُصُولِهِ إلَى الْفَمِ؛ لِأَنَّ الْبُزَاقَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 يَخْفَى عَدَمُ صِحَّتِهِ لِمُخَالَفَتِهِ الْمَنْقُولَ مَعَ عَدَمِ تَعَقُّلِ فَرْقٍ بَيْنَ الْخَارِجِ مِنْ الْفَمِ وَالْخَارِجِ مِنْ الْجَوْفِ الْمُخْتَلِطَيْنِ بِالْبُزَاقِ وَقَدْ اُسْتُفِيدَ مِمَّا ذَكَرُوا هُنَا أَنَّ مَا خَرَجَ مِنْ الْمَعِدَةِ لَا يَنْقُضُ مَا لَمْ يَمْلَأْ الْفَمَ وَمَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا كَالدَّمِ يَنْقُضُ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ إذَا وَصَلَ إلَى مَوْضِعٍ يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْفَمَ لَهُ تَعَلُّقٌ بِالْمَعِدَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّ وُصُولَ الطَّعَامِ إلَيْهَا مِنْهُ فَكَانَ مِنْهَا لِاتِّصَالِهِ بِهَا فَيَجُوزُ أَنْ يُلْحَقَ بِهَا فِي حَقِّ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا إذَا كَانَ قَلِيلًا بِخِلَافِ الدَّمِ؛ لِأَنَّ الْمَعِدَةَ لَيْسَتْ بِمَوْضِعِهِ وَلَا ضَرُورَةَ فِي حُكْمِ الدَّمِ فَيَكُونُ لَهُ حُكْمُ الطَّاهِرِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَفِي شَرْحِ النُّقَايَةِ، وَلَوْ كَانَ فِي الْبُزَاقِ عُرُوقُ الدَّمِ فَهُوَ عَفْوٌ وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَإِنْ اسْتَعَطَ فَخَرَجَ السَّعُوطُ إلَى الْفَمِ إنْ مَلَأَ الْفَمَ نَقَضَ وَإِنْ خَرَجَ مِنْ الْأُذُنَيْنِ لَا يَنْقُضُ وَفِيهِ تَأَمُّلٌ وَحَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّهُ وَصَلَ إلَى الْجَوْفِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى ثُمَّ خَرَجَ، وَإِلَّا فَهُوَ لَمْ يَصِلْ إلَى مَوْضِعِ النَّجَاسَةِ لَكِنْ فِي الْبَدَائِعِ خِلَافٌ فِي النَّقْضِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَوَجْهُهُ الْقَوْلُ بِالنَّقْضِ بِمَا ذَكَرْنَا وَقَالَ السِّرَاجُ الْهِنْدِيُّ: عَلَامَةُ كَوْنِهِ وَصَلَ إلَى الْجَوْفِ أَنْ يَتَغَيَّرَ وَالتَّغَيُّرُ أَنْ يَسْتَحِيلَ إلَى نَتَنٍ وَفَسَادٍ فَحِينَئِذٍ يَكُون نَجِسًا وَالْبُزَاقُ بِالزَّايِ وَالسِّينِ وَالصَّادِ لُغَاتٌ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ. وَاعْلَمْ أَنَّ حُكْمَ الصَّوْمِ كَحُكْمِ الْوُضُوءِ هُنَا حَتَّى إذَا ابْتَلَعَ الْبُصَاقَ وَفِيهِ دَمٌ إنْ كَانَ الدَّمُ غَالِبًا أَوْ كَانَا سَوَاءً أَفْطَرَ، وَإِلَّا فَلَا (قَوْلُهُ: وَالسَّبَبُ يَجْمَعُ مُتَفَرِّقَهُ) أَيْ مُتَفَرِّقَ الْقَيْءِ وَصُورَتُهُ لَوْ قَاءَ مِرَارًا كُلُّ مَرَّةٍ دُونَ مَلْءِ الْفَمِ، وَلَوْ جَمَعَ مَلَأَ الْفَمَ يُجْمَعُ وَيَنْقُضُ الْوُضُوءَ إنْ اتَّحَدَ السَّبَبُ، وَهُوَ الْغَثَيَانُ، وَهُوَ مَصْدَرُ غَثَتْ نَفْسُهُ إذَا جَاشَتْ، وَإِنْ اخْتَلَفَ السَّبَبُ لَا يُجْمَعُ وَتَفْسِيرُ اتِّحَادِهِ أَنْ يَقِيءَ ثَانِيًا قَبْلَ سُكُونِ النَّفْسِ مِنْ الْغَثَيَانِ وَإِنْ قَاءَ ثَانِيًا بَعْدَ سُكُونِ النَّفْسِ كَانَ مُخْتَلِفًا، وَهَذَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُجْمَعُ إنْ اتَّحَدَ الْمَجْلِسُ يَعْنِي اتِّحَادَ مَا يَحْتَوِي عَلَيْهِ الْمَجْلِسُ كَمَا ذَكَرَهُ الْحَدَّادِيُّ؛ لِأَنَّ لِلْمَجْلِسِ أَثَرًا فِي جَمْعِ الْمُتَفَرِّقَاتِ؛ وَلِهَذَا تَتَّحِدُ الْأَقْوَالُ الْمُتَفَرِّقَةُ فِي النِّكَاحِ وَالْبَيْعِ وَسَائِرِ الْعُقُودِ بِاتِّحَادِ الْمَجْلِسِ وَكَذَلِكَ التِّلَاوَاتُ الْمُتَعَدِّدَةُ لِآيَةِ السَّجْدَةِ تَتَّحِدُ بِاتِّحَادِ الْمَجْلِسِ وَلِمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْحُكْمَ يَثْبُتُ عَلَى حَسَبِ ثُبُوتِ السَّبَبِ مِنْ الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ فَيَتَّحِدُ بِاتِّحَادِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا جُرِحَ جِرَاحَاتٍ وَمَاتَ مِنْهَا قَبْلَ الْبُرْءِ يَتَّحِدُ الْمُوجِبُ، وَإِنْ تَخَلَّلَ الْبُرْءُ اخْتَلَفَ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي: وَالْأَصَحُّ قَوْلُ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ إضَافَةُ الْأَحْكَامِ إلَى الْأَسْبَابِ، وَإِنَّمَا تُرِكَ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ لِلضِّرْوَةِ كَمَا فِي سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ إذْ لَوْ اُعْتُبِرَ السَّبَبُ لَانْتَفَى التَّدَاخُلُ؛ لِأَنَّ كُلَّ تِلَاوَةٍ سَبَبٌ وَفِي الْأَقَارِيرِ اُعْتُبِرَ الْمَجْلِسُ لِلْعُرْفِ وَفِي الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ اهـ. ثُمَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: إمَّا أَنْ يَتَّحِدَ السَّبَبُ وَالْمَجْلِسُ أَوْ يَتَعَدَّدَ أَوْ يَتَّحِدَ الْأَوَّلُ دُونَ الثَّانِي أَوْ عَلَى الْعَكْسِ فَفِي الْأَوَّلِ يُجْمَعُ اتِّفَاقًا وَفِي الثَّانِي لَا يُجْمَعُ اتِّفَاقًا وَفِي الثَّالِثِ يُجْمَعُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَفِي الرَّابِعِ يُجْمَعُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَقَدْ نَقَلُوا فِي كِتَابِ الْغَصْبِ مَسْأَلَةً اعْتَبَرَ فِيهَا مُحَمَّدٌ الْمَجْلِسَ وَأَبُو يُوسُفَ اعْتَبَرَ السَّبَبَ، وَهِيَ رَجُلٌ نَزَعَ خَاتَمًا مِنْ إصْبَعِ نَائِمٍ ثُمَّ أَعَادَهَا إنْ أَعَادَهَا فِي ذَلِكَ النَّوْمِ يَبْرَأُ مِنْ الضَّمَانِ إجْمَاعًا وَإِنْ اسْتَيْقَظَ قَبْلَ أَنْ يُعِيدَهَا ثُمَّ نَامَ فِي مَوْضِعِهِ وَلَمْ يَقُمْ مِنْهُ فَأَعَادَهَا فِي النَّوْمَةِ الثَّانِيَةِ لَا يَبْرَأُ مِنْ الضَّمَانِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا انْتَبَهَ وَجَبَ رَدُّهَا إلَيْهِ فَلَمَّا لَمْ يَرُدَّهَا إلَيْهِ حَتَّى نَامَ لَمْ يَبْرَأْ بِالرَّدِّ إلَيْهِ، وَهُوَ نَائِمٌ بِخِلَافِ الْأُولَى؛ لِأَنَّ هُنَاكَ وَجَبَ الرَّدُّ إلَى نَائِمٍ وَهُنَا لَمَّا اسْتَيْقَظَ وَجَبَ الرَّدُّ إلَى مُسْتَيْقِظٍ فَلَا يَبْرَأُ بِالرَّدِّ إلَى النَّائِمِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَبْرَأُ؛ لِأَنَّهُ مَا دَامَ فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَإِنْ تَكَرَّرَ نَوْمُهُ وَيَقَظَتُهُ، فَإِنْ قَامَ عَنْ مَجْلِسِهِ ذَلِكَ وَلَمْ يَرُدَّهَا إلَيْهِ ثُمَّ نَامَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فَرَدَّهَا إلَيْهِ لَمْ يَبْرَأْ مِنْ الضَّمَانِ إجْمَاعًا لِاخْتِلَافِ الْمَجْلِسِ وَالسَّبَبِ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ مَعْزِيًّا إلَى الْوَاقِعَاتِ وَلَمْ يَذْكُرْ لِأَبِي حَنِيفَةَ فِيهَا قَوْلًا وَقَالَ قَاضِي خان فِي فَتَاوِيهِ: مِنْ الْغَصْبِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ، فَإِنَّ الصَّحِيحَ مِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ إلَّا بِالتَّحْوِيلِ اهـ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي مَسْأَلَةِ الْغَصْبِ لَيْسَ بِنَاءً عَلَى اتِّحَادِ   [منحة الخالق] مَحَلُّهُ الْفَمُ لَا الْجَوْفُ وَبِهَذَا يَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْخَارِجِ مِنْ الْفَمِ وَالْخَارِجِ مِنْ الْجَوْفِ قَالَ الْخَارِجُ مِنْ الْفَمِ إنَّمَا كَانَ سَيَلَانُهُ بِسَبَبِ الْبُزَاقِ وَجَعَلَ غَلَبَتَهُ عَلَى الْبُزَاقِ دَلِيلَ سَيَلَانِهِ بِنَفْسِهِ بِخِلَافِ الْخَارِجِ مِنْ الْجَوْفِ، فَإِنَّهُ لَا يَصِلُ إلَى الْفَمِ إلَّا إذَا كَانَ سَائِلًا بِنَفْسِهِ فَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَاضِحٌ وَبِهِ يُرَجَّحُ كَلَامُ الزَّيْلَعِيِّ عَلَى كَلَامِ ابْنِ مَلَكٍ وَيَظْهَرُ أَنَّ إطْلَاقَ كَلَامِ الشَّارِحِينَ فِي مَحَلِّ التَّقْيِيدِ فَلَمْ يَكُنْ كَلَامُ الزَّيْلَعِيِّ مُخَالِفًا لِلْمَنْقُولِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ: وَمَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا كَالدَّمِ إلَخْ) هَذَا فِي غَيْرِ الْخَارِجِ مِنْ الْجَوْفِ الْمُخْتَلِطِ بِالْبُزَاقِ إذَا حُكْمُهُ حُكْمُ الْخَارِجِ مِنْ الْفَمِ كَمَا قَدَّمَهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 السَّبَبِ أَوْ الْمَجْلِسِ، فَإِنَّ النَّوْمَ لَيْسَ سَبَبًا فِي بَرَاءَتِهِ بَلْ السَّبَبُ فِيهَا إنَّمَا هُوَ رَدُّهُ إلَى صَاحِبِهِ لَكِنْ أَبُو يُوسُفَ نَظَرَ إلَى أَنَّهُ لَمَّا أَخَذَهُ، وَهُوَ نَائِمٌ ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وَجَبَ الرَّدُّ إلَيْهِ، وَهُوَ مُسْتَيْقِظٌ فَلَمَّا لَمْ يَرُدَّهُ حَتَّى نَامَ ثَانِيًا يَبْرَأُ وَمُحَمَّدٌ نَظَرَ إلَى أَنَّهُ مَا دَامَ فِي مَجْلِسِهِ لَمْ يَضْمَنْ، وَقَدْ تَكَرَّرَ لَفْظُ الْمَعِدَةِ فَلَا بَأْسَ بِضَبْطِهَا، وَهِيَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ وَبِكَسْرِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْعَيْنِ كَذَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ. (قَوْلُهُ: وَنَوْمُ مُضْطَجِعٍ وَمُتَوَرِّكٍ) بَيَانٌ لِلنَّوَاقِضِ الْحُكْمِيَّةِ بَعْدَ الْحَقِيقِيَّةِ وَالنَّوْمُ فَتْرَةٌ طَبِيعِيَّةٌ تَحْدُثُ فِي الْإِنْسَانِ بِلَا اخْتِيَارٍ مِنْهُ وَتَمْنَعُ الْحَوَاسَّ الظَّاهِرَةَ وَالْبَاطِنَةَ عَنْ الْعَمَلِ مَعَ سَلَامَتِهَا وَاسْتِعْمَالِ الْعَقْلِ مَعَ قِيَامِهِ فَيَعْجِزُ الْعَبْدُ عَنْ أَدَاءِ الْحُقُوقِ وَلِلْعُلَمَاءِ فِي النَّوْم طَرِيقَتَانِ ذَكَرَهُمَا فِي الْمَبْسُوطِ وَتَبِعَهُ شُرَّاحُ الْهِدَايَةِ إحْدَاهُمَا أَنَّ النَّوْمَ لَيْسَ بِنَاقِضٍ إنَّمَا النَّاقِضُ مَا لَا يَخْلُو عَنْهُ النَّائِمُ فَأُقِيمَ السَّبَبُ الظَّاهِرُ مُقَامَهُ كَمَا فِي السَّفَرِ وَكَمَا إذَا دَخَلَ الْكَنِيفَ وَشَكَّ فِي وُضُوئِهِ، فَإِنَّهُ يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ عِنْدَ الدُّخُولِ فِي الْخَلَاءِ بِالتَّبَرُّزِ. الثَّانِيَةُ: أَنَّ عَيْنَهُ نَاقِضٌ وَصَحَّحَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ الْأَوَّلَ فَاخْتَارَهُ الزَّيْلَعِيُّ مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ نَاقِضًا لَاسْتَوَى وُجُودُهُ فِي الصَّلَاةِ وَخَارِجَهَا فَمَا فِي التَّوْشِيحِ مِنْ أَنَّ عَيْنَهُ لَيْسَ بِنَاقِضٍ اتِّفَاقًا فِيهِ نَظَرٌ، وَلَمَّا كَانَ النَّوْمُ مَظِنَّةَ الْحَدَثِ أُدِيرَ الْحُكْمُ عَلَى مَا يَتَحَقَّقُ مَعَهُ الِاسْتِرْخَاءُ عَلَى الْكَمَالِ، وَهُوَ فِي الْمُضْطَجِعِ وَالِاضْطِجَاعُ وَضْعُ الْجَنْبِ عَلَى الْأَرْضِ يُقَالُ ضَجَعَ الرَّجُلُ إذَا وَضَعَ جَنْبَهُ بِالْأَرْضِ وَاضْطَجَعَ مِثْلُهُ كَذَا فِي الصِّحَاحِ وَيُلْحَقُ بِهِ الْمُسْتَلْقِي عَلَى قَفَاهُ وَالنَّائِمُ الْمُسْتَلْقِي عَلَى وَجْهِهِ وَأَمَّا مَنْ نَامَ وَاضِعًا أَلْيَتَيْهِ عَلَى عَقِبَيْهِ وَصَارَ شِبْهَ الْمُنْكَبِّ عَلَى وَجْهِهِ وَاضِعًا بَطْنَهُ عَلَى فَخِذَيْهِ لَا يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَالْمِعْرَاجِ وَعَزَاهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إلَى الذَّخِيرَةِ ثُمَّ قَالَ: وَفِي غَيْرِهَا لَوْ نَامَ مُتَرَبِّعًا وَرَأْسُهُ عَلَى فَخِذَيْهِ نُقِضَ، وَهَذَا يُخَالِفُ مَا فِي الذَّخِيرَةِ اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ نَامَ قَاعِدًا وَاضِعًا أَلْيَتَيْهِ عَلَى عَقِبَيْهِ شِبْهَ الْمُنْكَبِّ قَالَ مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا وُضُوءَ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ اهـ. فَأَفَادَ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ اخْتِلَافًا بَيْنَ الصَّاحِبَيْنِ وَأَنَّ مَا فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا هُوَ الْأَصَحُّ أَطْلَقَ فِي الْمُضْطَجِعِ فَشَمِلَ الْمَرِيضَ إذَا نَامَ فِي صَلَاتِهِ مُضْطَجِعًا وَفِيهِ خِلَافٌ وَالصَّحِيحُ النَّقْضُ وَقِيلَ لَا؛ لِأَنَّ نَوْمَهُ قَاعِدًا كَنَوْمِ الصَّحِيحِ قَائِمًا، وَأَمَّا التَّوَرُّكُ فَلَفْظٌ مُشْتَرَكٌ، فَإِنْ كَانَ بِمَعْنَى أَنَّ جِلْسَتَهُ تَكْشِفُ عَنْ الْمَخْرَجِ كَمَا إذَا نَامَ عَلَى أَحَدِ وِرْكَيْهِ أَوْ مُعْتَمِدًا عَلَى أَحَدِ مِرْفَقَيْهِ فَهَذَا نَاقِضٌ، وَهُوَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِدَلِيلِ مَا عَلَّلَ بِهِ فِي الْكَافِي وَإِنْ كَانَ بِمَعْنَى أَنْ يَبْسُطَ قَدَمَيْهِ مِنْ جَانِبٍ وَيُلْصِقَ أَلْيَتَيْهِ بِالْأَرْضِ فَهَذَا غَيْرُ نَاقِضٍ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الِاسْتِنَادَ إلَى شَيْءٍ لَوْ أُزِيلَ عَنْهُ لَسَقَطَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْقُضُ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا لَمْ تَكُنْ مَقْعَدَتُهُ زَائِلَةً عَنْ الْأَرْضِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَبِهِ أَخَذَ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ، وَإِنْ كَانَ مُخْتَارُ الْقُدُورِيِّ النَّقْضَ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ مَقْعَدَتُهُ زَائِلَةً، فَإِنَّهُ يُنْقَضُ اتِّفَاقًا، وَهُوَ بِمَعْنَى التَّوَرُّكِ فَلِذَا تَرَكَهُ وَفِي الْخُلَاصَةِ، وَلَوْ نَامَ عَلَى رَأْسِ التَّنُّورِ وَهُوَ جَالِسٌ قَدْ أَدْلَى رِجْلَيْهِ كَانَ حَدَثًا وَفِي الْمُبْتَغَى، وَلَوْ نَامَ مُحْتَبِيًا وَرَأْسُهُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ لَا يُنْقَضُ وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ نَامَ عَلَى دَابَّةٍ، وَهِيَ عُرْيَانَةٌ قَالُوا إنْ كَانَ فِي حَالَةِ الصُّعُودِ وَالِاسْتِوَاءِ لَا يَكُونُ حَدَثًا، وَإِنْ كَانَ فِي حَالَةِ الْهُبُوطِ يَكُونُ حَدَثًا؛ لِأَنَّ مَقْعَدَتَهُ مُتَجَافِيَةٌ عَنْ ظَهْرِ الدَّابَّةِ اهـ. وَفِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ الَّتِي يَكُونُ فِيهَا حَدَثًا فَهُوَ بِمَعْنَى التَّوَرُّكِ فَلَمْ يَخْرُجْ عَنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَقَيَّدَ الْمُصَنِّفُ بِنَوْمِ الْمُضْطَجِعِ وَالْمُتَوَرِّكِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْقُضُ نَوْمُ الْقَائِمِ وَلَا الْقَاعِدِ، وَلَوْ فِي السِّرَاجِ أَوْ الْمَحْمَلِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَلَا الرَّاكِعِ وَلَا السَّاجِدِ مُطْلَقًا إنْ كَانَ فِي الصَّلَاةِ وَإِنْ كَانَ خَارِجَهَا فَكَذَلِكَ إلَّا فِي السُّجُودِ، فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْهَيْئَةِ الْمَسْنُونَةِ لَهُ بِأَنْ يَكُونَ رَافِعًا بَطْنَهُ عَنْ فَخِذَيْهِ مُجَافِيًا عَضُدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ، وَإِنْ سَجَدَ عَلَى غَيْرِ هَذِهِ الْهَيْئَةِ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ؛ لِأَنَّ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ الِاسْتِمْسَاكَ بَاقٍ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَصَحَّحَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ الْأَوَّلَ) وَقَدْ سُئِلَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ الشَّلَبِيِّ عَنْ شَخْصٍ بِهِ انْفِلَاتُ رِيحٍ هَلْ يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ بِالنَّوْمِ فَأَجَابَ بِعَدَمِ النَّقْضِ بِنَاءً عَلَى هَذَا قَالَ وَمَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّ النَّوْمَ نَفْسَهُ نَاقِضٌ لَزِمَ نَقْضُ وُضُوءِ مَنْ بِهِ انْفِلَاتُ الرِّيحِ بِالنَّوْمِ اهـ. أَقُولُ: وَهَذَا أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِ النَّهْرِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَيْنُهُ أَيْ النَّوْمُ نَاقِضًا اتِّفَاقًا فِيمَنْ فِيهِ انْفِلَاتُ رِيحٍ إذْ مَا لَا يَخْلُو عَنْهُ النَّائِمُ لَوْ تَحَقَّقَ وُجُودُهُ لَمْ يَنْقَضِ فَالْمُتَوَهِّمُ أَوْلَى. اهـ. (قَوْلُهُ: فَأَفَادَ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ اخْتِلَافًا بَيْنَ الصَّاحِبَيْنِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: أَقُولُ: يَنْبَغِي أَنْ يَتَرَتَّبَ النَّقْضُ عَلَى وُجُودِ الِاسْتِمْسَاكِ وَعَدَمِهِ وَيُوَفَّقُ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ بِهِ وَيَلُوحُ ذَلِكَ مِنْ تَقْيِيدِ صَاحِبِ النِّهَايَةِ وَالْمُحِيطِ الْمَسْأَلَةَ بِقَوْلِهِ وَاضِعًا أَلْيَتَيْهِ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِطْلَاقُ مَسْأَلَةِ التَّرَبُّعِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا؛ لِأَنَّ نَوْمَهُ قَاعِدًا كَنَوْمِ الصَّحِيحِ) صَوَابُهُ؛ لِأَنَّ نَوْمَهُ مُضْطَجِعًا؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيهِ (قَوْلُهُ: وَلَا السَّاجِدُ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ عَلَى الْهَيْئَةِ الْمَسْنُونَةِ أَمْ لَا كَمَا يُفَسِّرُهُ مَا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ) ، وَهُوَ السُّجُودُ عَلَى الْهَيْئَةِ الْمَسْنُونَةِ وَالْمُرَادُ بِالِاسْتِطْلَاقِ مَا رُوِيَ فِي حَدِيثِ «الْعَيْنَانِ وِكَاءٌ السَّهِ فَإِذَا نَامَتْ الْعَيْنَانِ انْطَلَقَ الْوِكَاءُ» وَالْوِكَاءُ الْخَيْطُ الَّذِي يُرْبَطُ بِهِ فَمُ الْقِرْبَةِ وَالسَّهُ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَيُحَرَّكُ الِاسْتُ جَمْعُهُ أَسْتَاهٌ وَبِالْكَسْرِ وَيُضَمُّ الْعَجُزُ أَوْ حَلْقَةُ الدُّبُرِ قَامُوسٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 وَالِاسْتِطْلَاقَ مُنْعَدِمٌ بِخِلَافِهِ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي، وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ فِي الصَّلَاةِ إلَّا أَنَّا تَرَكْنَاهُ فِيهَا بِالنَّصِّ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَصَرَّحَ الزَّيْلَعِيُّ بِأَنَّهُ الْأَصَحُّ وَسَجْدَةُ التِّلَاوَةِ وَفِي هَذَا كَالصُّلْبِيَّةِ وَكَذَا سَجْدَةُ الشُّكْرِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَكَذَا فِي سَجْدَتَيْ السَّهْوِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَأَطْلَقَ فِي الْهِدَايَةِ الصَّلَاةَ فَشَمِلَ مَا كَانَ عَنْ تَعَمُّدٍ وَمَا كَانَ عَنْ غَلَبَةٍ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا تَعَمَّدَ النَّوْمَ فِي الصَّلَاةِ نُقِضَ وَالْمُخْتَارُ الْأَوَّلُ وَفِي فَصْلِ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ مِنْ فَتَاوَى قَاضِي خان لَوْ نَامَ فِي رُكُوعِهِ أَوْ سُجُودِهِ إنْ لَمْ يَتَعَمَّدْ لَا تَفْسُدُ، وَإِنْ تَعَمَّدَ فَسَدَتْ فِي السُّجُودِ دُونَ الرُّكُوعِ اهـ. كَأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى قِيَامِ الْمُسْكَةِ حِينَئِذٍ فِي الرُّكُوعِ دُونَ السُّجُودِ وَمُقْتَضَى النَّظَرِ أَنْ يَفْصِلَ فِي ذَلِكَ السُّجُودِ إنْ كَانَ مُتَجَافِيًا لَا تَفْسُدْ، وَإِلَّا تَفْسُدْ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقَدْ يُقَالُ مُقْتَضَى الْأَصَحِّ الْمُتَقَدِّمُ أَنْ لَا يَنْتَقِضَ بِالنَّوْمِ فِي السُّجُودِ مُطْلَقًا وَيَنْبَغِي حَمْلُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ عَلَى رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ وَفِي جَامِعِ الْفِقْهِ أَنَّ النَّوْمَ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ، وَلَوْ تَعَمَّدَهُ وَلَكِنْ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ كَذَا فِي شَرْحِ مَنْظُومَةِ ابْنِ وَهْبَانَ وَفِي الْخُلَاصَةِ لَوْ نَامَ قَاعِدًا فَسَقَطَ عَلَى الْأَرْضِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إنْ انْتَبَهَ قَبْلَ أَنْ يُصِيبَ جَنْبُهُ الْأَرْضَ أَوْ عِنْدَ إصَابَةِ جَنْبِهِ الْأَرْضَ بِلَا فَصْلٍ لَمْ يَنْتَقِضْ وُضُوءُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَنْتَقِضُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إنْ انْتَبَهَ قَبْلَ أَنْ تُزَايِلَ مَقْعَدَتُهُ الْأَرْضَ لَمْ تَنْقَضْ وُضُوءُهُ، وَإِنْ زَايَلَ مَقْعَدَتَهُ الْأَرْضَ قَبْلَ أَنْ يَنْتَبِهَ انْتَقَضَ وَالْفَتْوَى عَلَى رِوَايَةِ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ: ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ قِيلَ هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَسَوَاءٌ سَقَطَ أَوْ لَمْ يَسْقُطْ وَإِنْ نَامَ جَالِسًا، وَهُوَ يَتَمَايَلُ رُبَّمَا تَزُولُ مَقْعَدَتُهُ عَنْ الْأَرْضِ وَرُبَّمَا لَا تَزُولُ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ: ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ حَدَثًا، وَلَوْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى الْأَرْضِ فَاسْتَيْقَظَ لَا يَنْتَقِضُ الْوُضُوءُ سَوَاءٌ وَضَعَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ فِي الصَّلَاةِ) أَيْ النَّقْضُ حَالَةَ النَّوْمِ فِي السُّجُودِ عَلَى غَيْرِ الْهَيْئَةِ الْمَسْنُونَةِ هُوَ الْقِيَاسُ فِي الصَّلَاةِ لِعَدَمِ الِاسْتِمْسَاكِ كَمَا فِي خَارِجِ الصَّلَاةِ إلَّا أَنَّهُ تُرِكَ الْقِيَاسُ فِيهَا وَاعْتُبِرَ فِي خَارِجِهَا لِلنَّصِّ الْوَارِدِ فِيهَا، وَهُوَ لَا وُضُوءَ عَلَى مَنْ نَامَ قَائِمًا أَوْ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا إنَّمَا الْوُضُوءُ عَلَى مَنْ نَامَ مُضْطَجِعًا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ فَإِنْ كَانَ مُرَادُ الشَّارِحِ بِالنَّصِّ هَذَا فَهُوَ كَمَا تَرَى غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِالصَّلَاةِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنْ قَوْلِهِ أَوْ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا أَنْ يَكُونَ فِي الصَّلَاةِ وَالْأَقْرَبُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ مَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ حَيْثُ قَالَ وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةَ مَا رُوِيَ وَأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «إذَا نَامَ الْعَبْدُ فِي سُجُودِهِ يُبَاهِي اللَّهُ تَعَالَى بِهِ مَلَائِكَتَهُ فَيَقُولُ اُنْظُرُوا إلَى عَبْدِي رُوحُهُ عِنْدِي وَجَسَدُهُ فِي طَاعَتِي» قَالَ: وَإِنَّمَا يَكُونُ جَسَدُهُ فِي الطَّاعَةِ إذَا بَقِيَ وُضُوءُهُ وَجُعِلَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي الْأَسْرَارِ مِنْ الْمَشَاهِيرِ ثُمَّ إنَّ الزَّيْلَعِيَّ قَالَ بَعْدَمَا ذَكَرَ النَّصَّ السَّابِقَ وَإِنْ كَانَ خَارِجَ الصَّلَاةِ فَكَذَلِكَ فِي الصَّحِيحِ إنْ كَانَ عَلَى هَيْئَةِ السُّجُودِ بِأَنْ كَانَ رَافِعًا بَطْنَهُ عَنْ فَخِذَيْهِ مُجَافِيًا عَضُدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ، وَإِلَّا يُنْقَضُ وُضُوءُهُ، اهـ. فَقَوْلُ الشَّارِحِ وَصَرَّحَ الزَّيْلَعِيُّ بِأَنَّهُ الْأَصَحُّ الضَّمِيرُ الْمَنْصُوبُ فِيهِ يَعُودُ إلَى قَوْلِهِ وَإِنْ كَانَ خَارِجَهَا فَكَذَلِكَ إلَّا فِي السُّجُودِ إلَخْ خِلَافُ مَا يُوهِمُهُ ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ مِنْ أَنَّهُ رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ، وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ إذْ هُوَ أَقْرَبُ وَالْأَحْسَنُ إرْجَاعُهُ إلَى قَوْلِهِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ؛ لِأَنَّ مَا فِي الْبَدَائِعِ مِنْ التَّفْصِيلِ هُوَ مَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَمِمَّا يُؤَيِّدُ أَنَّ الضَّمِيرَ لَيْسَ رَاجِعًا إلَى مَا هُوَ الْقِيَاسُ قَوْلُهُ الْآتِي مُقْتَضَى الْأَصَحِّ الْمُتَقَدِّمُ إلَخْ وَبِهِ سَقَطَ نِسْبَةُ السَّهْوِ إلَى الْمُؤَلِّفِ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي النَّهْرِ ثُمَّ إنَّهُ يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ وَمِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ أَيْضًا أَنَّ عَدَمَ الْفَسَادِ فِي سُجُودِ الصَّلَاةِ مُطْلَقًا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ نُقِلَ فِي النَّهْرِ عَنْ عَقْدِ الْفَرَائِدِ مَا نَصُّهُ إنَّمَا لَا يَفْسُدُ الْوُضُوءُ بِنَوْمِ السَّاجِدِ فِي الصَّلَاةِ إذَا كَانَ عَلَى الْهَيْئَةِ الْمَسْنُونَةِ قُيِّدَ بِهِ فِي الْمُحِيطِ وَهُوَ الصَّحِيحُ اهـ. وَكَذَلِكَ ذَكَرَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي مَتْنِهِ نُورِ الْإِيضَاحِ حَيْثُ قَالَ فِي الْأَشْيَاءِ الَّتِي لَا تَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَمِنْهَا نَوْمُ مُصَلٍّ وَلَوْ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا إذَا كَانَ عَلَى جِهَةِ السُّنَّةِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ قَالَ فِي النَّهْرِ إلَّا أَنَّ هَذَا لَمْ يُوجَدْ فِي الْمُحِيطِ الرَّضَوِيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَأَطْلَقَ فِي الْهِدَايَةِ الصَّلَاةَ) صَوَابُهُ النَّوْمَ بَدَلَ الصَّلَاةِ (قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي حَمْلُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ عَلَى رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ) وَحِينَئِذٍ الَّذِي تَقَدَّمَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا تَعَمَّدْ النَّوْمَ فِي الصَّلَاةِ نُقِضَ وَكَذَا فِي الْفَتْحِ، وَهِيَ كَمَا تَرَى غَيْرُ مُقَيَّدَةٍ بِالسُّجُودِ تَأَمَّلْ ثُمَّ رَأَيْت غَايَةَ الْبَيَانِ مَا نَصُّهُ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْإِمْلَاءِ أَنَّهُ إذَا تَعَمَّدْ النَّوْمَ فِي السُّجُودِ يَنْقُضُ، وَإِنْ غُلِبَتْ عَيْنَاهُ فَلَا يُنْقَضُ اهـ. وَبِهِ يَتَرَجَّحُ الْحَمْلُ الْمَذْكُورُ، وَيَكُونُ الْمُرَادُ حِينَئِذٍ مِمَّا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ فِي الصَّلَاةِ أَيْ فِي سُجُودِهَا فَقَطْ فَافْهَمْ ثُمَّ فِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ اعْتِرَاضُ هَذَا الْحَمْلِ بِقَوْلِهِ أَقُولُ: وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ فَسَادِ الصَّلَاةِ انْتِقَاضُ الْوُضُوءِ لِمَا فِي السِّرَاجِ لَوْ قَرَأَ أَوْ رَكَعَ وَسَجَدَ وَهُوَ نَائِمٌ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ زَادَ رَكْعَةً كَامِلَةً لَا يَعْتَدّ بِهَا وَلَا يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ اهـ. وَلَمْ يَحْكُمْ فِي الْخَانِيَّةِ عَلَى الْوُضُوءِ بِالنَّقْضِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ فِي الْبَحْرِ غُفُولًا عَنْ ذَلِكَ فَتَدَبَّرْهُ اهـ. أَقُولُ: وَالْأَقْرَبُ الِاسْتِدْلَال عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ فَسَادِ الصَّلَاةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 بَطْنَ الْكَفِّ أَوْ ظَهْرَ الْكَفِّ مَا لَمْ يَضَعْ جَنْبَهُ عَلَى الْأَرْضِ قَبْلَ التَّيَقُّظِ اهـ. وَقَيَّدْنَا بِالنَّوْمِ؛ لِأَنَّ النُّعَاسَ مُضْطَجِعًا لَا ذِكْرَ لَهُ فِي الْمَذْهَبِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَدَثٍ وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الدَّقَّاقُ وَأَبُو عَلِيٍّ الرَّازِيّ: إنْ كَانَ لَا يَفْهَمُ عَامَّةَ مَا قِيلَ عِنْدَهُ كَانَ حَدَثًا كَذَا فِي شُرُوحِ الْهِدَايَةِ وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ مَا فِي التَّبْيِينِ عَلَى قَوْلِ الشَّيْخَيْنِ لَا عَلَى الظَّاهِرِ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا فِي سُنَنِ الْبَزَّارِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْتَظِرُونَ الصَّلَاةَ فَيَضَعُونَ جُنُوبَهُمْ فَمِنْهُمْ مَنْ يَنَامُ ثُمَّ يَقُومُ إلَى الصَّلَاةِ، فَإِنَّ النَّوْمَ مُضْطَجِعًا نَاقِضٌ إلَّا فِي حَقِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَرَّحَ فِي الْقُنْيَةِ بِأَنَّهُ مِنْ خُصُوصِيَّاتِهِ؛ وَلِهَذَا وَرَدَ فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَامَ حَتَّى نَفَخَ ثُمَّ قَامَ إلَى الصَّلَاةِ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ» لِمَا وَرَدَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ «إنَّ عَيْنَيَّ تَنَامَانِ وَلَا يَنَامُ قَلْبِي» وَلَا يُشْكَلُ عَلَيْهِ مَا وَرَدَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ «أَنَّهُ نَامَ لَيْلَةَ التَّعْرِيسِ حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ» ؛ لِأَنَّ الْقَلْبَ يَقْظَانُ يُحِسُّ بِالْحَدَثِ وَغَيْرِهِ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْبَدَنِ وَيَشْعُرُ بِهِ الْقَلْبُ، وَلَيْسَ طُلُوعُ الْفَجْرِ وَالشَّمْسِ مِنْ ذَلِكَ وَلَا هُوَ مِمَّا يُدْرَكُ بِالْقَلْبِ وَإِنَّمَا يُدْرَكُ بِالْعَيْنِ، وَهِيَ نَائِمَةٌ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي كُتُبِ الْمُحَدِّثِينَ وَالْفُقَهَاءِ كَذَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ. (قَوْلُهُ: وَإِغْمَاءٌ وَجُنُونٌ) أَيْ وَيَنْقُضُهُ إغْمَاءٌ وَجُنُونٌ أَمَّا الْإِغْمَاءُ فَهُوَ ضَرْبٌ مِنْ الْمَرَضِ يُضْعِفُ الْقُوَى وَلَا يُزِيلُ الْحِجَا أَيْ الْعَقْلَ بَلْ يَسْتُرُهُ بِخِلَافِ الْجُنُونِ، فَإِنَّهُ يُزِيلُهُ؛ وَلِذَا لَمْ يُعْصَمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْإِغْمَاءِ كَالْأَمْرَاضِ وَعُصِمَ مِنْ الْجُنُونِ، وَهُوَ كَالنَّوْمِ فِي فَوْتِ الِاخْتِيَارِ وَفَوْتِ اسْتِعْمَالِ الْقُدْرَةِ حَتَّى بَطَلَتْ عِبَارَاتُهُ بَلْ أَشَدُّ مِنْهُ؛ لِأَنَّ النَّوْمَ فَتْرَةٌ أَصْلِيَّةٌ، وَإِذَا نُبِّهَ انْتَبَهَ وَالْإِغْمَاءُ عَارِضٌ لَا يَتَنَبَّهُ صَاحِبُهُ إذَا نُبِّهَ فَكَانَ حَدَثًا بِكُلِّ حَالٍ؛ وَلِذَا أَطْلَقَهُ فِي الْمُخْتَصَرِ بِخِلَافِ النَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ حَدَثًا إلَّا إذَا اسْتَرْخَتْ مَفَاصِلُهُ غَايَةَ الِاسْتِرْخَاءِ فَغَلَبَ الْخُرُوجُ حِينَئِذٍ فَأُقِيمَ السَّبَبُ مَقَامَهُ بِخِلَافِهِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْحَالَةِ، فَإِنَّ الْغَالِبَ فِيهَا عَدَمُهُ فَلَا يُقَامُ السَّبَبُ مَقَامَهُ فَكَانَ عَدَمُ النَّقْضِ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ الَّذِي يَقْتَضِي أَنَّ غَيْرَ الْخَارِجِ لَا يَنْقُضُ، وَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا وَقَعَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ مِنْ أَنَّ الْقِيَاسَ أَنْ يَكُونَ النَّوْمُ حَدَثًا فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا وَقَدْ نَقَلَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ الْإِجْمَاعَ عَلَى نَاقِضِيهِ: الْإِغْمَاءِ وَالْجُنُونِ يُقَالُ أُغْمِيَ عَلَيْهِ، وَهُوَ مُغْمًى عَلَيْهِ وَغُمِّيَ عَلَيْهِ فَهُوَ مَغْمِيٌّ عَلَيْهِ وَرَجُلٌ غَمًى أَيْ: مُغْمًى عَلَيْهِ وَكَذَا الِاثْنَانِ وَالْجَمْعُ وَالْمُؤَنَّثُ وَقَدْ ثَنَّاهُ بَعْضُهُمْ وَجَمَعَهُ فَقَالَ رَجُلَانِ أَغْمَيَانِ وَرِجَالٌ أَغْمَاءٌ وَأَمَّا الْجُنُونُ فَهُوَ زَوَالُ الْعَقْلِ وَنَقْضُهُ ظَاهِرٌ بِاعْتِبَارِ عَدَمِ مُبَالَاتِهِ وَتَمْيِيزِ الْحَدَثِ مِنْ غَيْرِهِ وَعَلَّلَهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ بِغَلَبَةِ الِاسْتِرْخَاءِ وَرُدَّ بِأَنَّ الْمَجْنُونَ قَدْ يَكُونُ أَقْوَى مِنْ الصَّحِيحِ فَالْأَوْلَى مَا قُلْنَاهُ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ، وَأَمَّا الْعَتَهُ فَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ مِنْ النَّوَاقِضِ وَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ حَقِيقَتِهِ وَحُكْمِهِ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَهُوَ آفَةٌ تُوجِبُ الِاخْتِلَالَ بِالْعَقْلِ بِحَيْثُ يَصِيرُ مُخْتَلِطَ الْكَلَامِ فَاسِدَ التَّدْبِيرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُضْرِبُ وَلَا يُشْتَمُ، وَأَمَّا الثَّانِي فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: فَفِي أُصُولِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَشَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَالْمَنَارِ وَالْمُغْنِي وَالتَّوْضِيحِ أَنَّهُ كَالصَّبِيِّ مَعَ الْعَقْلِ فِي كُلِّ الْأَحْكَامِ فَيُوضَعُ عَنْهُ الْخِطَابُ وَفِي التَّقْوِيمِ لِأَبِي زَيْدٍ الدَّبُوسِيِّ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الصَّبِيِّ مَعَ الْعَقْلِ إلَّا فِي الْعِبَادَاتِ فَإِنَّا لَمْ نُسْقِطْ عَنْهُ الْوُجُوبَ بِهِ احْتِيَاطًا فِي وَقْتِ الْخِطَابِ وَرَدَّهُ صَدْرُ الْإِسْلَامِ أَبُو الْيُسْرِ بِأَنَّهُ نَوْعُ جُنُونٍ فَمَنَعَ الْوُجُوبَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقِفُ عَلَى الْعَوَاقِبِ وَفِي أُصُولِ الْبُسْتِيِّ أَنَّ الْمَعْتُوهَ لَيْسَ بِمُكَلَّفٍ بِأَدَاءِ الْعِبَادَاتِ كَالصَّبِيِّ الْعَاقِلِ إلَّا أَنَّهُ إذَا زَالَ الْعَتَهُ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ الْخِطَابُ بِالْأَدَاءِ حَالًا وَبِقَضَاءِ مَا مَضَى إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ حَرَجٌ كَالْقَلِيلِ فَقَدْ صَرَّحَ بِأَنَّهُ يَقْضِي الْقَلِيلَ دُونَ الْكَثِيرِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُخَاطَبًا فِيمَا قَبْلُ كَالنَّائِمِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ دُونَ الصَّبِيِّ إذَا بَلَغَ، وَهُوَ أَقْرَبُ إلَى التَّحْقِيقِ كَذَا فِي شَرْحِ الْمُغْنِي لِلْهِنْدِيِّ وَظَاهِرُ   [منحة الخالق] نَقْضُ الْوُضُوءِ بِمَا ذَكَرَهُ هُنَا مِنْ عِبَارَةِ جَوَامِعِ الْفِقْهِ لَكِنْ قَدْ يُقَالُ إنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ الْفَسَادِ مَبْنِيٌّ عَلَى نَقْضِ الْوُضُوءِ لِتَفْرِيقِهِ بَيْنَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَدَثٍ) قَالَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: لِأَنَّهُ نَوْمٌ قَلِيلٌ (قَوْلُهُ: وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ مَا فِي التَّبْيِينِ عَلَى قَوْلِ الشَّيْخَيْنِ) أَيْ الدَّقَّاقِ وَالرَّازِيِّ وَعِبَارَةُ التَّبْيِينِ: هَكَذَا وَالنُّعَاسُ نَوْعَانِ: ثَقِيلٌ: وَهُوَ حَدَثٌ فِي حَالَةِ الِاضْطِجَاعِ وَخَفِيفٌ، وَهُوَ لَيْسَ بِحَدَثٍ فِيهَا وَالْفَاصِلُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ إنْ كَانَ يَسْمَعُ مَا قِيلَ عِنْدَهُ فَهُوَ خَفِيفٌ، وَإِلَّا فَهُوَ ثَقِيلٌ انْتَهَتْ وَلَيْسَ فِيهَا التَّقْيِيدُ بِالْفَهْمِ فَهُوَ غَيْرُ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخَانِ إلَّا أَنْ يَعْتَبِرَ تَقْيِيدَ السَّمَاعِ بِالْفَهْمِ فَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَيْهِ لَكِنْ لَيْسَ فِيهِ لَفْظُ عَامَّةٍ الْمُشْعِرَةِ بِفَهْمِ الْبَعْضِ بَلْ ظَاهِرُهُ عَدَمُ سَمَاعِ الْجَمِيعِ إلَّا أَنْ يُقَالَ عَامَّةٌ بِمَعْنَى الْجَمِيعِ لَكِنْ يَبْقَى فِيهِ إشْكَالٌ، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمُرَادُ بِهِ أَنَّهُ لَا يَسْمَعُ وَلَا يَفْهَمُ جَمِيعَ مَا قِيلَ عِنْدَهُ فَهُوَ نَائِمٌ لَا نَاعِسٌ، وَإِلَّا فَمَا الْفَرْقُ بَيْنِهِمَا عَلَى أَنَّ الَّذِي فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ، وَإِنْ كَانَ يَسْهُو حَرْفًا أَوْ حَرْفَيْنِ فَلَا اهـ. فَعَامَّةٌ لَيْسَ بِمَعْنَى الْجَمِيعِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ السَّمَاعُ عَلَى الْفَهْمِ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا وَيُقَدَّرُ لَفْظُ أَكْثَرَ فِي كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ أَيْ إنْ كَانَ يَفْهَمُ أَكْثَرَ مَا قِيلَ عِنْدَهُ فَهُوَ خَفِيفٌ، وَإِلَّا فَهُوَ كَثِيرٌ فَيَتَوَافَقُ الْكَلَامَانِ هَذَا غَايَةُ مَا يُمْكِنُ فِي هَذَا الْمَحَلِّ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا فِي سُنَنِ الْبَزَّارِ) أَيْ يُحْمَلُ النَّوْمُ فِيهِ عَلَى النُّعَاسِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 كَلَامِ الْكُلِّ الِاتِّفَاقُ عَلَى صِحَّةِ أَدَائِهِ الْعِبَادَاتِ أَمَّا مَنْ جَعَلَهُ مُكَلَّفًا بِهَا فَظَاهِرٌ، وَكَذَا مَنْ لَمْ يَجْعَلْهُ مُكَلَّفًا؛ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ كَالصَّبِيِّ الْعَاقِلِ، وَقَدْ صَرَّحُوا بِصِحَّةِ عِبَادَاتِهِ فَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ الْعَتَهَ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُوَفِّقُ. (قَوْلُهُ: وَسُكْرٌ) أَيْ وَيَنْقُضُهُ سُكْرٌ وَهُوَ سُرُورٌ يَغْلِبُ عَلَى الْعَقْلِ بِمُبَاشَرَةِ بَعْضِ الْأَسْبَابِ الْمُوجِبَةِ لَهُ فَيَمْتَنِعُ الْإِنْسَانُ عَنْ الْعَمَلِ بِمُوجِبِ عَقْلِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُزِيلَهُ؛ وَلِذَا بَقِيَ أَهْلًا لِلْخِطَابِ وَقِيلَ إنَّهُ يُزِيلُهُ وَتَكْلِيفُهُ مَعَ زَوَالِ عَقْلِهِ بِطَرِيقِ الزَّجْرِ عَلَيْهِ وَالتَّحْقِيقُ الْأَوَّلُ لِمَا ذَكَرَهُ الْحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ فِي نَوَادِرِهِ الْعَقْلُ فِي الرَّأْسِ وَشُعَاعُهُ فِي الصَّدْرِ وَالْقَلْبِ فَالْقَلْبُ يَهْتَدِي بِنُورِهِ لِتَدْبِيرِ الْأُمُورِ وَتَمْيِيزِ الْحَسَنِ مِنْ الْقَبِيحِ، فَإِذَا شَرِبَ الْخَمْرَ خَلَصَ أَثَرُهَا إلَى الصَّدْرِ فَحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نُورِ الْعَقْلِ فَيَبْقَى الصَّدْرُ مُظْلِمًا فَلَمْ يَنْتَفِعْ الْقَلْبُ بِنُورِ الْعَقْلِ فَسُمِّيَ ذَلِكَ سُكْرًا؛ لِأَنَّهُ سُكْرٌ حَاجِزٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَقْلِ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي حَدِّهِ هُنَا فَفِي الْخُلَاصَةِ وَالْوَلْوالِجِيَّة وَالْيَنَابِيعِ وَنَقَلَهُ فِي الْمُضْمَرَاتِ وَالتَّبْيِينِ عَنْ صَدْرِ الْإِسْلَامِ وَعَزَاهُ مِسْكِينٌ إلَى شَرْحِ الْمَبْسُوطِ أَنَّ حَدَّهُ هُوَ حَدُّهُ فِي وُجُوبِ الْحَدِّ، وَهُوَ مَنْ لَا يَعْرِفُ الرَّجُلَ مِنْ الْمَرْأَةِ وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ: هُوَ مَنْ حَصَلَ فِي مِشْيَتِهِ اخْتِلَالٌ وَصَحَّحَهُ فِي الْمُجْتَبَى وَشَرْحِ الْوِقَايَةِ وَالْمُضْمَرَاتِ وَشَرْحِ مِسْكِينٍ قَالُوا: وَكَذَا الْجَوَابُ فِي الْحِنْثِ إذَا حَلَفَ أَنَّهُ لَيْسَ بِسَكْرَانَ، وَكَانَ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي قُلْنَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِحَالٍ لَا يَعْرِفُ الرَّجُلَ مِنْ الْمَرْأَةِ وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ وَهْبَانَ فِي مَنْظُومَتِهِ أَنَّ السُّكْرَ يُبْطِلُ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ شَرِبَ الْمُسْكِرَ فَقَامَ إلَى الصَّلَاةِ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ إلَى هَذِهِ الْحَالَةِ ثُمَّ صَارَ فِي أَثْنَائِهَا إلَى حَالَةٍ لَوْ مَشَى فِيهَا يَتَحَرَّكُ. (قَوْلُهُ: وَقَهْقَهَةُ مُصَلٍّ بَالِغٍ) أَيْ وَيَنْقُضُهُ قَهْقَهَةٌ، وَهِيَ فِي اللُّغَةِ مَعْرُوفَةٌ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ قِهْ قِهْ وَقَهْقَةٌ بِمَعْنًى وَاصْطِلَاحًا مَا يَكُونُ مَسْمُوعًا لَهُ وَلِجِيرَانِهِ بَدَتْ أَسْنَانُهُ أَوَّلًا وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَجَمَاعَةٍ أَنَّ الْقَهْقَهَةَ مِنْ الْأَحْدَاثِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهَا لَيْسَتْ حَدَثًا، فَإِنَّمَا يَجِبُ الْوُضُوءُ بِهَا عُقُوبَةً وَزَجْرًا، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ الدَّبُوسِيُّ فِي الْأَسْرَارِ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِلْقِيَاسِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ خَارِجًا نَجِسًا بَلْ هِيَ صَوْتٌ كَالْبُكَاءِ وَالْكَلَامِ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ أَنَّ مَنْ جَعَلَهَا حَدَثًا مَنَعَ جَوَازَ مَسِّ الْمُصْحَفِ مَعَهَا كَسَائِرِ الْأَحْدَاثِ وَمَنْ أَوْجَبَ الْوُضُوءَ عُقُوبَةً جَوَّزَ مَسَّ الْمُصْحَفِ مَعَهَا هَكَذَا نُقِلَ الْخِلَافُ وَفَائِدَتُهُ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَيَنْبَغِي تَرْجِيحُ الثَّانِي لِمُوَافَقَتِهِ الْقِيَاسَ وَسَلَامَتِهِ مِمَّا يُقَالُ مِنْ أَنَّهَا لَيْسَتْ نَجَاسَةً وَلَا سَبَبَهَا وَمُوَافَقَةَ الْأَحَادِيثِ، فَإِنَّهَا عَلَى مَا رَوَوْا لَيْسَ فِيهَا إلَّا الْأَمْرُ بِإِعَادَةِ الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ كَوْنُهَا مِنْ الْأَحْدَاثِ؛ وَلِذَا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي قَهْقَهَةِ النَّائِمِ فِي الصَّلَاةِ وَصَحَّحُوا فِي الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ أَنَّهَا لَا تَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَلَا تُبْطِلُ الصَّلَاةَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا إنَّمَا أَوْجَبَتْ إعَادَةَ الْوُضُوءِ بِطَرِيقِ الزَّجْرِ وَالْعُقُوبَةِ وَالنَّائِمُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا، وَهَذَا يُرَجِّحُ مَا ذَكَرْنَاهُ لَكِنْ سَوَّى فَخْرُ الْإِسْلَامِ بَيْنَ كَلَامِ النَّائِمِ وَقَهْقَهَتِهِ فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ وَالْمَذْهَبُ أَنَّ الْكَلَامَ مُفْسِدٌ لِلصَّلَاةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي النَّوَازِلِ بِأَنَّهُ الْمُخْتَارُ فَحِينَئِذٍ تَكُونُ الْقَهْقَهَةُ مِنْ النَّائِمِ مُفْسِدَةً لِلصَّلَاةِ لَا الْوُضُوءَ، وَهُوَ مُخْتَارُ ابْنِ الْهُمَامِ فِي تَحْرِيرِهِ؛ لِأَنَّ جَعْلَهَا حَدَثًا لِلْجِنَايَةِ وَلَا جِنَايَةَ مِنْ النَّائِمِ فَتَبْقَى كَلَامًا بِلَا قَصْدٍ فَيُفْسِدُ كَالسَّاهِي بِهِ اهـ. وَفِي النِّصَابِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَفِي الْمُبْتَغَى تَكَلُّمُ النَّائِمُ فِي الصَّلَاةِ مُفْسِدٌ فِي الْأَصَحِّ بِخِلَافِ الْقَهْقَهَةِ اهـ. وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ، فَإِنَّ الْقَهْقَهَةَ كَلَامٌ عَلَى مَا صَرَّحُوا بِهِ وَفِي الْمِعْرَاجِ أَنَّ قَهْقَهَةَ النَّائِمِ تُبْطِلُهُمَا وَبِهِ أَخَذَ عَامَّةُ الْمُتَأَخِّرِينَ احْتِيَاطًا وَكَذَا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي النَّاسِي كَوْنُهُ فِي الصَّلَاةِ فَجَزَمَ الزَّيْلَعِيُّ بِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ النَّاسِي وَالْعَامِدِ وَذَكَرَ فِي الْمِعْرَاجِ أَنَّ فِي السَّاهِي وَالنَّاسِي رِوَايَتَيْنِ، وَلَعَلَّ وَجْهَ الرِّوَايَةِ الْقَائِلَةِ بِعَدَمِ النَّقْضِ أَنَّهُ كَالنَّائِمِ إذَا لَا جِنَايَةَ إلَّا بِالْقَصْدِ وَلَا يَخْفَى تَرْجِيحُ الرِّوَايَةِ   [منحة الخالق] (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَسُكْرٌ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَطْلَقَ السُّكْرَ فَشَمِلَ السُّكْرَ مِنْ مُبَاحٍ لِقَوْلِهِمْ السُّكْرُ مِنْ مُبَاحٍ كَالْإِغْمَاءِ. (قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَجَمَاعَةٍ إلَخْ) فِيهِ كَمَا قَالَ فِي النَّهْرِ: إنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِ الثَّانِي بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بَالِغٍ إذْ لَوْ كَانَتْ حَدَثًا لَاسْتَوَى فِيهَا الْبَالِغُ وَغَيْرُهُ (قَوْلُهُ: وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَظْهَرَ أَيْضًا فِي كِتَابَةِ الْقُرْآنِ، وَأَمَّا حِلُّ الطَّوَافِ بِهَذَا الْوُضُوءِ فَفِيهِ تَرَدُّدٌ وَإِلْحَاقُ الطَّوَافِ بِالصَّلَاةِ يُؤْذِنُ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ فَتَدَبَّرْهُ (قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي تَرْجِيحُ الثَّانِي إلَخْ) أَيَّدَهُ فِي النَّهْرِ بِقَوْلِهِ؛ وَلِذَا رَجَّحُوا عَدَمَ النَّقْضِ بِقَهْقَهَةِ النَّائِمِ اهـ. لَكِنْ أَوْرَدَ أَنَّ فِيهِ تَبْعِيضَ الْأَحْكَامِ وَالشَّيْءُ إذَا ثَبَتَ يَثْبُتُ بِجَمِيعِ أَحْكَامِهِ وَالْجَوَابُ أَنَّ النَّصَّ وَرَدَ بِإِبْطَالِهَا الْوُضُوءَ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ فَقَطْ وَلَا يُمْكِنُ قِيَاسُ غَيْرِ الصَّلَاةِ عَلَيْهَا لِمُخَالَفَتِهَا لِلْقِيَاسِ؛ وَلِأَنَّ إبْطَالَهَا الْوُضُوءَ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ لِوُجُودِ الْجِنَايَةِ بِهَا عَلَى الصَّلَاةِ وَأَوْرَدَ أَيْضًا أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَنَّهُ لَوْ أَدَّى الصَّلَاةَ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إلَّا الْحُرْمَةُ فَقَطْ مَعَ وُجُوبِ الْإِعَادَةِ، وَهَذَا إبْطَالُ الْمَذْهَبِ لِمُوَافَقَةِ الْقِيَاسِ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ إنَّمَا يَرِدُ ذَلِكَ لَوْ كَانَ مَعْنَى هَذَا الْقَوْلِ وُجُوبُ إعَادَةِ الْوُضُوءِ زَجْرًا مَعَ بَقَائِهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ مَعْنَاهُ كَمَا قُلْنَا: إنَّهَا مُبْطِلَةٌ لِلْوُضُوءِ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَدَثًا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: لَكِنْ سَوَّى فَخْرُ الْإِسْلَامِ بَيْنَ كَلَامِ النَّائِمِ وَقَهْقَهَتِهِ) حِينَئِذٍ لَا مَحَلَّ لِهَذَا الِاسْتِدْرَاكِ هُنَا فَتَأَمَّلْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 الْقَائِلَةِ بِالنَّقْضِ لِمَا أَنَّ لِلصَّلَاةِ حَالَةً مُذَكِّرَةً لَا يُعْذَرُ بِالنِّسْيَانِ فِيهَا أَلَا تَرَى أَنَّ الْكَلَامَ نَاسِيًا مُفْسِدٌ لَهَا بِخِلَافِ النَّوْمِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ مُتَوَضِّئًا أَوْ مُتَيَمِّمًا وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهَا لَا تُبْطِلُ الْغُسْلَ وَاخْتَلَفُوا هَلْ تَنْقُضُ الْوُضُوءَ الَّذِي فِي ضِمْنِ الْغُسْلِ فَعَلَى قَوْلِ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ لَا تَنْقُضُ وَصَحَّحَ الْمُتَأَخِّرُونَ كَقَاضِي خان النَّقْضَ عُقُوبَةً لَهُ مَعَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى بُطْلَانِ صَلَاتِهِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الْمُضْمَرَاتِ وَفِي قَهْقَهَةِ الْبَانِي فِي الطَّرِيقِ بَعْدَ الْوُضُوءِ رِوَايَتَانِ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ وَجَزَمَ الزَّيْلَعِيُّ بِالنَّقْضِ قِيلَ، وَهُوَ الْأَحْوَطُ وَلَا نِزَاعَ فِي بُطْلَانِ صَلَاتِهِ قُيِّدَ بِقَوْلِهِ مُصَلٍّ احْتِرَازًا عَنْ غَيْرِهِ وَأَطْلَقَهَا فَانْصَرَفَتْ إلَى مَا لَهَا رُكُوعٌ وَسُجُودٌ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُمَا مِنْ الْإِيمَاءِ لِعُذْرٍ أَوْ رَاكِبًا يُومِئُ بِالنَّفْلِ أَوْ بِالْفَرْضِ حَيْثُ يَجُوزُ فَلَا تَنْقُضُ الْقَهْقَهَة فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ لَكِنْ يَبْطُلَانِ قَيَّدْنَا بِقَوْلِنَا حَيْثُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ رَاكِبًا يُومِئُ بِالتَّطَوُّعِ فِي الْمِصْرِ أَوْ الْقَرْيَةِ قَهْقَهَةَ لَا يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ لِعَدَمِ جَوَازِ صَلَاتِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَنْتَقِضُ لِصِحَّةِ صَلَاتِهِ عِنْدَهُ، وَلَوْ نَسِيَ الْبَانِي الْمَسْحَ فَقَهْقَهَ قَبْلَ الْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ نُقِضَ وَبَعْدَهُ لَا يَنْقُضُ لِبُطْلَانِ الصَّلَاةِ بِالْقِيَامِ إلَيْهَا، وَهُوَ مِنْ مَسَائِلِ الِامْتِحَانِ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ وَأَفَادَ إطْلَاقُهُ أَنَّهَا تَنْقُضُ بَعْدَ الْقُعُودِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ خِلَافًا لِزُفَرَ، وَلَوْ عِنْدَ السَّلَامِ كَذَا فِي الْمُبْتَغَى أَوْ فِي سُجُودِ السَّهْوِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَلَوْ ضَحِكَ الْقَوْمُ بَعْدَمَا أَحْدَثَ الْإِمَامُ مُتَعَمِّدًا لَا وُضُوءَ عَلَيْهِمْ، وَكَذَا بَعْدَمَا تَكَلَّمَ الْإِمَامُ وَكَذَا بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ هُوَ الْأَصَحُّ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَقِيلَ إذَا قَهْقَهُوا بَعْدَ سَلَامِهِ بَطَلَ وُضُوءُهُمْ، وَالْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ هَلْ هُوَ فِي الصَّلَاةِ إلَى أَنْ يُسَلِّمَ بِنَفْسِهِ أَوْ لَا وَفِي الْبَدَائِعِ إنْ قَهْقَهَ الْإِمَامُ وَالْقَوْمُ مَعًا أَوْ قَهْقَهَ الْقَوْمُ ثُمَّ الْإِمَامُ بَطَلَتْ طَهَارَةُ الْكُلِّ، وَإِنْ قَهْقَهَ الْإِمَامُ أَوَّلًا ثُمَّ الْقَوْمُ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ دُونَهُمْ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَلَوْ قَهْقَهَ بَعْدَ كَلَامِ الْإِمَامِ مُتَعَمِّدًا فَسَدَتْ طَهَارَتُهُ عَلَى الْأَصَحِّ عَلَى خِلَافِ مَا فِي الْخُلَاصَةِ بِخِلَافِهِ بَعْدَ حَدَثِهِ عَمْدًا اهـ. وَلَمْ يُبَيِّنْ الْفَرْقَ بَيْنَ كَلَامِ الْإِمَامِ عَمْدًا وَحَدَثِهِ عَمْدًا وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْكَلَامَ قَاطِعٌ لِلصَّلَاةِ لَا مُفْسِدٌ لَهَا إذْ لَمْ يُفَوِّتْ شَرْطَ الصَّلَاةِ، وَهُوَ الطَّهَارَةُ فَلَمْ يَفْسُدْ بِهِ شَيْءٌ مِنْ صَلَاةِ الْمَأْمُومِينَ، وَلَوْ مَسْبُوقًا فَيُنْقَضُ وُضُوءُهُمْ بِقَهْقَهَتِهِمْ بِخِلَافِ حَدَثِهِ عَمْدًا لِتَفْوِيتِهِ الطَّهَارَةَ فَأَفْسَدَتْ جُزْءًا يُلَاقِيه فَيَفْسُدُ مِنْ صَلَاةِ الْمَأْمُومِ كَذَلِكَ فَقَهْقَهَتُهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ تَكُونُ بَعْدَ الْخُرُوجِ مِنْ الصَّلَاةِ فَلَا تَنْقُضُ وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِ الْحَدَثِ تَحْقِيقُ الْفَرْقِ بِأَبْسَطَ مِنْ هَذَا، وَلَوْ أَنَّ مُحْدِثًا غَسَلَ بَعْضَ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ فَفَنِيَ الْمَاءُ فَتَيَمَّمَ وَشَرَعَ فِي الصَّلَاةِ فَقَهْقَهَ ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَغْسِلُ بَاقِيَ الْأَعْضَاءِ وَيُصَلِّي وَعِنْدَهُمَا يَغْسِلُ جَمِيعَهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْقَهْقَهَةَ هَلْ تُبْطِلُ مَا غُسِلَ مِنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ؟ عِنْدَهُ لَا، وَعِنْدَهُمَا نَعَمْ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَإِذَا كَانَ شَرَعَ فِي صَلَاةِ فَرْضٍ وَبَطَلَ الْوَصْفُ ثُمَّ قَهْقَهَ مَنْ قَالَ بِبُطْلَانِ الْأَصْلِ لَا تَنْتَقِضُ طَهَارَتُهُ بِالْقَهْقَهَةِ وَمَنْ قَالَ بِعَدَمِهِ انْتَقَضَتْ كَمَا إذَا تَذَكَّرَ فَائِتَةً وَالتَّرْتِيبُ فَرْضٌ أَوْ دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ فِي الْجُمُعَةِ أَوْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ فِي الْفَجْرِ، وَمَنْ اقْتَدَى بِإِمَامٍ لَا يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ ثُمَّ قَهْقَهَ لَا يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ اتِّفَاقًا، وَكَذَا مَنْ قَهْقَهَ بَعْدَ بُطْلَانِ صَلَاتِهِ، وَكَذَا إذَا قَهْقَهَ بَعْدَ خُرُوجِهِ كَمَا إذَا سَلَّمَ قَبْلَ الْإِمَامِ بَعْدَ الْقُعُودِ ثُمَّ قَهْقَهَ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَقُيِّدَ بِالْبُلُوغِ؛ لِأَنَّ قَهْقَهَةَ الصَّبِيِّ لَا تَنْقُضُ وُضُوءَهُ لَكِنْ تُبْطِلُ صَلَاتَهُ كَذَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ وَنُقِلَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ الْإِجْمَاعُ عَلَى عَدَمِ نَقْضِ وُضُوئِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ فَقَدْ ذَكَرَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ: مَا ذَكَرْنَاهُ الثَّانِي عَنْ نَجْمِ الْأَئِمَّةِ الْبُخَارِيِّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ شَدَّادٍ أَنَّهَا تَنْقُضُ الْوُضُوءَ دُونَ الصَّلَاةِ الثَّالِثُ عَنْ أَبِي الْقَاسِمِ أَنَّهَا تُبْطِلُهُمَا إلَّا أَنْ يُقَالَ لَمَّا كَانَ الْقَوْلَانِ الْأَخِيرَانِ ضَعِيفَيْنِ كَانَا كَالْعَدَمِ وَوَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّهَا إنَّمَا أَوْجَبَتْ إعَادَةَ الْوُضُوءِ عُقُوبَةً وَزَجْرًا وَالصَّبِيُّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا وَالْأَثَرُ وَرَدَ فِي صَلَاةٍ كَامِلَةٍ فَيُقْتَصَرُ عَلَيْهَا فَلَا تَتَعَدَّى   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَلَوْ نَسِيَ الْبَانِي الْمَسْحَ فَقَهْقَهَ قَبْلَ الْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ نُقِضَ إلَخْ) أَيْ قَهْقَهَ فِي طَرِيقِهِ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى مَا جَزَمَ بِهِ الزَّيْلَعِيُّ مِنْ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ (قَوْلُهُ: أَوْ فِي سُجُودِ السَّهْوِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ ذَكَرَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة أَنَّهُ الْمُخْتَارُ وَذَكَرَ فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي عَدَمَ النَّقْضِ فِيهِ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ خِلَافُ الْمُخْتَارِ وَمِمَّنْ ذَكَرَ النَّقْضَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ مُحَمَّدٌ الْغَزِّيِّ فِي شَرْحِ زَادِ الْفَقِيرِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ: فَلَمْ يَفْسُدْ بِهِ شَيْءٌ مِنْ صَلَاةِ الْمَأْمُومِينَ وَلَا مَسْبُوقًا) أَيْ وَلَوْ كَانَ أَحَدُ الْمَأْمُومِينَ مَسْبُوقًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 إلَى صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ وَصَلَاةِ الصَّبِيِّ وَصَلَاةِ الْبَانِي بَعْدَ الْوُضُوءِ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَصَلَاةِ النَّائِمِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، وَهَذَا كُلُّهُ مَذْهَبُنَا وَقَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ لَا تَنْقُضُ أَصْلًا قِيَاسًا عَلَى عَدَمِ نَقْضِهَا خَارِجَ الصَّلَاةِ وَلَنَا أَنَّ الْقِيَاسَ ذَلِكَ لَكِنْ تَرَكْنَاهُ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْقَهْقَهَةُ فِي ذَاتِ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ بِمَا ثَبَتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُرْسَلًا وَمُسْنَدًا «بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي بِالنَّاسِ إذْ دَخَلَ رَجُلٌ فَتَرَدَّى فِي حُفْرَةٍ، وَكَانَ فِي بَصَرِهِ ضَرَرٌ فَضَحِكَ كَثِيرٌ مِنْ الْقَوْمِ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ ضَحِكَ أَنْ يُعِيدَ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ» وَتَمَامُهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَمَا قِيلَ بِأَنَّهُ لَا يُظَنُّ الضَّحِكُ بِالصَّحَابَةِ خَلْفَهُ قَهْقَهَةً أُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي خَلْفَهُ الصَّحَابِيُّونَ وَالْمُنَافِقُونَ وَالْأَعْرَابُ الْجُهَّالُ فَالضَّاحِكُ لَعَلَّهُ كَانَ بَعْضَ الْأَحْدَاثِ أَوْ الْمُنَافِقِينَ أَوْ بَعْضَ الْأَعْرَابِ لِغَلَبَةِ الْجَهْلِ عَلَيْهِمْ كَمَا بَالَ أَعْرَابِيٌّ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ نَظِيرُ قَوْله تَعَالَى {وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} [الجمعة: 11] ، فَإِنَّهُ لَمْ يَتْرُكْهُ كِبَارُ الصَّحَابَةِ بِاللَّهْوِ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ، وَهَذَا مِنْ بَابِ حُسْنِ الظَّنِّ بِهِمْ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَإِلَّا فَلَيْسَ الضَّحِكُ كَبِيرَةً وَهُمْ لَيْسُوا مِنْ الصَّغَائِرِ بِمَعْصُومِينَ وَلَا عَنْ الْكَبَائِرِ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهِ كَبِيرَةً اهـ. وَالْمَنْقُولُ فِي الْأُصُولِ أَنَّ الصَّحَابَةَ عُدُولٌ فَهُمْ مَحْفُوظُونَ مِنْ الْمَعَاصِي وَقَيَّدَ بِالْقَهْقَهَةِ؛ لِأَنَّ الضَّحِكَ بِفَتْحِ الضَّادِ وَكَسْرِ الْحَاءِ هَذَا أَصْلُهُ وَيَجُوزُ إسْكَانُ الْحَاءِ مَعَ فَتْحِ الضَّادِ وَكَسْرِهَا فَهِيَ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ: كَذَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، وَهُوَ فِي اللُّغَةِ أَعَمُّ مِنْ الْقَهْقَهَةِ، وَهِيَ مِنْ أَفْرَادِهِ وَفِي الِاصْطِلَاحِ مَا كَانَ مَسْمُوعًا لَهُ فَقَطْ وَحُكْمُهُ أَنَّهُ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ بَلْ يُبْطِلُ الصَّلَاةَ وَأَمَّا التَّبَسُّمُ، وَهُوَ مَا لَا صَوْتَ فِيهِ أَصْلًا بِأَنْ تَبْدُوَ أَسْنَانُهُ فَقَطْ فَحُكْمُهُ أَنَّهُ لَا يُبْطِلُهُمَا «؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَبَسَّمَ فِي الصَّلَاةِ حِينَ أَتَاهُ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَأَخْبَرَهُ أَنَّ مَنْ صَلَّى عَلَيْك مَرَّةً صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا» كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَقَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: «مَا رَآنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا تَبَسَّمَ، وَلَوْ فِي الصَّلَاةِ» كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ التَّبَسُّمَ فِي الصَّلَاةِ غَيْرُ مَكْرُوهٍ؛ وَلِذَا قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ وَلَا حُكْمَ لِلتَّبَسُّمِ وَقَدْ رَأَيْت فِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ لَوْ أَتَى بِحَرْفَيْنِ مِنْ الْقَهْقَهَةِ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ عَمَلًا بِعَدَمِ تَبْعِيضِ الْحَدَثِ؛ لِأَنَّهُ إذَا وَقَعَ بَعْضُهُ وَقَعَ كُلُّهُ قِيَاسًا لِوُقُوعِهِ عَلَى ارْتِفَاعِهِ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَا يَتَبَعَّضُ اهـ. وَقَدْ يُقَالُ إنَّ الْحُكْمَ، وَهُوَ النَّقْضُ مُعَلَّقٌ بِالْقَهْقَهَةِ فَإِذَا وُجِدَ بَعْضُهَا لَا يُوجَدُ الْحُكْمُ وَلَا بَعْضُهُ لِمَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ الْمَشْرُوطَ لَا يَتَوَزَّعُ عَلَى أَجْزَاءِ الشَّرْطِ فَقَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا وَقَعَ بَعْضُهُ مَمْنُوعٌ كَمَا لَا يَخْفَى. (قَوْلُهُ: وَمُبَاشَرَةٌ فَاحِشَةٌ) يَعْنِي أَنَّ مِنْ النَّوَاقِضِ الْحُكْمِيَّةِ الْمُبَاشَرَةَ الْفَاحِشَةَ، وَهِيَ أَنْ يُبَاشِرَ امْرَأَتَهُ مُتَجَرِّدَيْنِ وَلَاقَى فَرْجُهُ فَرْجَهَا مَعَ انْتِشَارِ الْآلَةِ وَلَمْ يَرَ بَلَلًا وَلَمْ يَشْتَرِطْ بَعْضُهُمْ مُلَاقَاةَ الْفَرْجِ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ كَذَا ذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ لَكِنَّ الْمَنْقُولَ فِي الْبَدَائِعِ أَنَّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لَمْ يَشْتَرِطْ مُمَاسَّتَهُمَا وَشَرَطَ ذَلِكَ فِي النَّوَادِرِ وَذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ أَيْضًا اهـ. فَعُلِمَ أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ عَدَمُ الِاشْتِرَاطِ، وَكَذَا ذُكِرَ فِي الْيَنَابِيعِ وَقَالَ وَرَوَى الْحَسَنُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ، وَهُوَ أَظْهَرُ اهـ. فَقَوْلُ مَنْ قَالَ الظَّاهِرُ الِاشْتِرَاطُ أَرَادَ مِنْ جِهَةِ الدِّرَايَةِ لَا الرِّوَايَةِ وَصَحَّحَ الْإِسْبِيجَابِيُّ اشْتِرَاطَهُ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ عَدَمُهُ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَكُونَ حَدَثًا، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ إنَّمَا يُقَامُ مُقَامَ الْمُسَبَّبِ فِي مَوْضِعٍ لَا يُمْكِنُ الْوُقُوفُ عَلَى الْمُسَبَّبِ مِنْ غَيْرِ حَرَجٍ وَالْوَقْفُ عَلَى الْمُسَبَّبِ هُنَا مُمْكِنٌ بِلَا حَرَجٍ؛ لِأَنَّ الْحَالَ حَالُ يَقَظَةٍ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْإِقَامَةِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ، وَهُوَ قَوْلُهُمَا مَا رُوِيَ أَنَّ أَبَا الْيُسْرِ بَائِعَ الْعَسَلِ «سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ إنِّي أَصَبْت مِنْ امْرَأَتِي كُلَّ شَيْءٍ إلَّا الْجِمَاعَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأْ وَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ» كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِصِحَّةِ هَذَا الْحَدِيثِ؛ وَلِأَنَّهُ يَنْدُرُ عَدَمُ مَذْيٍ مَعَ هَذِهِ الْحَالَةِ وَالْغَالِبُ كَالْمُتَحَقِّقِ فِي مَقَامِ وُجُوبِ الِاحْتِيَاطِ وَالْأَصْلُ أَنَّ السَّبَبَ الظَّاهِرَ يَقُومُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: فَهِيَ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ) الْمَذْكُورُ هُنَا ثَلَاثٌ لَكِنْ وُجِدَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَيَجُوزُ كَسْرُهُمَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 مَقَامَ الْأَمْرِ الْبَاطِنِ وَذَلِكَ بِطَرِيقِ قِيَامِ هَذِهِ الْمُبَاشَرَةِ مَقَامَ خُرُوجِ النَّجَسِ كَذَا فِي الْمُصَفَّى وَفِي الْحَقَائِقِ شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ مَعْزِيًّا إلَى فَتَاوَى الْعَتَّابِيِّ رُوِيَ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا يَنْقُضُ مَا لَمْ يَظْهَرْ شَيْءٌ هُوَ الصَّحِيحُ وَلَا يُعْتَمَدُ عَلَى هَذَا التَّصْحِيحِ فَقَدْ صَرَّحَ فِي التُّحْفَةِ كَمَا نَقَلَهُ شَارِحُ الْمُنْيَةِ أَنَّ الصَّحِيحَ قَوْلُهُمَا وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْمُتُونِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مَعْزِيًّا إلَى الْقُنْيَةِ وَكَذَا الْمُبَاشَرَةُ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْغُلَامِ، وَكَذَا بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ تُوجِبُ الْوُضُوءَ عَلَيْهِمَا، وَفِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي مَعْزِيًّا إلَيْهَا أَيْضًا أَنَّ الْوُضُوءَ يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ الْمُبَاشَرَةِ أَيْضًا قَالَ وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ إلَّا فِي الْقُنْيَةِ، وَفِيهِ تَأَمُّلٌ، فَإِنَّهُمْ لَمْ يَذْكُرُوا فِي مُبَاشَرَةِ الرَّجُلِ لِلْمَرْأَةِ عَلَى قَوْلِهِمَا إلَّا عَلَى الرَّجُلِ اهـ. وَقَدْ يُقَالُ لَا حَاجَةَ إلَى التَّنْصِيصِ عَلَى الْحُكْمِ فِي الْمَرْأَةِ، فَإِنَّ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ كُلَّ حُكْمٍ ثَبَتَ لِلرِّجَالِ ثَبَتَ لِلنِّسَاءِ؛ لِأَنَّهُنَّ شَقَائِقُ الرِّجَالِ إلَّا مَا نُصَّ عَلَيْهِ قَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى الْأَصْلُ فِي النِّسَاءِ أَنْ لَا يُذْكَرْنَ؛ لِأَنَّ مَبْنَى حَالِهِنَّ عَلَى السَّتْرِ؛ وَلِهَذَا لَمْ يُذْكَرْنَ فِي الْقُرْآنِ حَتَّى شَكَوْنَ فَنَزَلَ قَوْله تَعَالَى {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ} [الأحزاب: 35] إلَّا إذَا كَانَ الْحُكْمُ مَخْصُوصًا بِهِنَّ كَمَسْأَلَةِ الصَّغِيرَةِ الْآتِيَةِ فِي الْغُسْلِ. اهـ. وَلِأَنَّهُ قَدْ وَقَعَ فِي كَثِيرٍ مِنْ عِبَارَاتِ عُلَمَائِنَا أَنَّ الْمُبَاشَرَةَ الْفَاحِشَةَ تَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَلَمْ يُقَيِّدُوا بِوُضُوءِ الرَّجُلِ فَكَانَ وُضُوءُهَا دَاخِلًا فِيهِ كَمَا لَا يَخْفَى. (قَوْلُهُ: لَا خُرُوجُ دُودَةٍ مِنْ جُرْحٍ) بِالرَّفْعِ عَطْفٌ عَلَى خُرُوجِ نَجَسٍ أَيْ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ خُرُوجُ دُودَةٍ مِنْ جُرْحٍ قُيِّدَ بِهِ؛ لِأَنَّ الدُّودَةَ الْخَارِجَةَ مِنْ أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ تَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الدُّودَةَ لَا تَخْلُو عَنْ قَلِيلِ بِلَّةٍ تَكُونُ مَعَهَا وَتَسْتَصْحِبُهَا وَتِلْكَ الْبِلَّةُ قَلِيلُ نَجَاسَةٍ وَقَلِيلُ النَّجَاسَةِ إذَا خَرَجَتْ مِنْ أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ انْتَقَضَ الْوُضُوءُ وَمِنْ غَيْرِهِمَا غَيْرُ نَاقِضَةٍ. الثَّانِي: أَنَّ الدُّودَةَ حَيَوَانٌ، وَهُوَ طَاهِرٌ فِي الْأَصْلِ وَالشَّيْءُ الطَّاهِرُ إذَا خَرَجَ مِنْ السَّبِيلَيْنِ نَقَضَ الْوُضُوءَ كَالرِّيحِ بِخِلَافِ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ كَالدَّمْعِ وَالْعَرَقِ: الثَّالِثُ: أَنَّ الدُّودَةَ فِي الْجُرْحِ مُتَوَلِّدَةٌ مِنْ اللَّحْمِ فَصَارَ كَمَا لَوْ انْفَصَلَ قِطْعَةٌ مِنْ اللَّحْمِ، فَإِنَّهُ لَا يَنْقُضُ، وَأَمَّا فِي السَّبِيلَيْنِ تَتَوَلَّدُ مِنْ النَّجَاسَةِ فَتَكُونُ فِي الْخُرُوجِ كَالنَّجَاسَةِ الْخَارِجَةِ مِنْ أَحَدِهِمَا وَالْخَارِجُ مِنْ السَّبِيلَيْنِ نَاقِضٌ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الدُّودَةِ الْخَارِجَةِ مِنْ الدُّبُرِ وَالْقُبُلِ وَالذَّكَرِ وَبِهِ يَنْدَفِعُ مَا ذَكَرَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ أَنَّ الدُّودَةَ مِنْ الْإِحْلِيلِ لَا تَنْقُضُ وَأَنَّ الدُّودَةَ مِنْ الْقُبُلِ فِيهَا اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ وَفِي شَرْحِ مِسْكِينٍ مَعْزِيًّا إلَى الذَّخِيرَةِ إنْ كَانَ الْمَاءُ يَسِيلُ مِنْ الْجُرْحِ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَلَا يُنَافِيه مَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ أَنَّهُ لَوْ دَخَلَ الْمَاءُ فِي الْجُرْحِ ثُمَّ خَرَجَ لَا يَنْقُضُ كَمَا لَا يَخْفَى بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ. (قَوْلُهُ: وَمَسُّ ذَكَرٍ) بِالرَّفْعِ عَطْفٌ عَلَى الْمَنْفِيِّ أَيْ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ مَسُّ الذَّكَرِ وَكَذَا مَسُّ الدُّبُرِ وَالْفَرْجِ مُطْلَقًا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، فَإِنَّ الْمَسَّ لِوَاحِدٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ نَاقِضٌ لِلْوُضُوءِ إذَا كَانَ بِبَاطِنِ الْأَصَابِعِ وَاسْتَدَلَّ النَّوَوِيُّ لَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ بِمَا رَوَتْ بُسْرَةُ بِنْتُ صَفْوَانَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ إذَا مَسَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ» ، وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ وَلَنَا مَا رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ أَصْحَابُ السُّنَنِ إلَّا ابْنَ مَاجَهْ عَنْ مُلَازِمِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَدْرٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يَمَسُّ ذَكَرَهُ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ هَلْ هُوَ إلَّا بَضْعَةٌ مِنْك» وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا الْحَدِيثُ أَحْسَنُ شَيْءٍ يُرْوَى فِي هَذَا الْبَابِ وَأَصَحُّ وَرَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ أَيْضًا وَقَالَ هَذَا حَدِيثٌ مُسْتَقِيمُ الْإِسْنَادِ غَيْرُ مُضْطَرِبٍ فِي إسْنَادِهِ وَمَتْنِهِ فَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ مُعَارِضٌ لِحَدِيثِ بُسْرَةَ بِنْتِ صَفْوَانَ وَيُرَجَّحُ حَدِيثَ طَلْقٍ عَلَى حَدِيثِ بُسْرَةَ بِأَنَّ حَدِيثَ الرِّجَالِ أَقْوَى؛ لِأَنَّهُمْ أَحْفَظُ لِلْعِلْمِ وَأَضْبَطُ؛ وَلِهَذَا جُعِلَتْ شَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَقَدْ أَسْنَدَ الطَّحَاوِيُّ إلَى ابْنِ الْمَدِينِيِّ أَنَّهُ قَالَ حَدِيثُ مُلَازِمِ بْنِ عَمْرٍو أَحْسَنُ مِنْ حَدِيثِ بُسْرَةَ وَعَنْ عَمْرِو بْنِ عَلِيٍّ الْفَلَّاسِ أَنَّهُ قَالَ حَدِيثُ طَلْقٍ عِنْدَنَا أَثْبَتُ مِنْ حَدِيثِ بُسْرَةَ بِنْتِ صَفْوَانَ وَقَوْلُ النَّوَوِيِّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ إنَّ حَدِيثَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَتِلْكَ الْبِلَّةُ قَلِيلُ نَجَاسَةٍ إلَخْ) إطْلَاقُ النَّجَاسَةِ عَلَى الْقَلِيلِ الْخَارِجِ مِنْ السَّبِيلَيْنِ طَاهِرٌ، وَأَمَّا الْخَارِجُ مِنْ غَيْرِهِمَا فَفِيهِ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ مَا لَا يَكُونُ حَدَثًا لَا يَكُونُ نَجِسًا كَمَا سَيَأْتِي وَقَدْ أَشَارَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ إلَى الْجَوَابِ عَنْهُ بِأَنَّهُ أَطْلَقَ عَلَيْهِ ذَلِكَ لِمَا أَنَّهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - نَجِسٌ أَوْ يُرِيدُ حَقِيقَتَهُ اللُّغَوِيَّةَ لَا الشَّرْعِيَّةَ (قَوْلُهُ: وَلَا يُنَافِيهِ مَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ الْأَوَّلَ الْمُرَادُ بِهِ الَّذِي مَادَّتُهُ مِنْ الْبَدَنِ. (قَوْلُهُ: إذَا كَانَ بِبَاطِنِ الْأَصَابِعِ) الْمُرَادُ بِبَاطِنِ الْكَفِّ وَمَا يَتْبَعُهَا مِنْ الْأَصَابِعِ لَا خُصُوصُ الْأَصَابِعِ كَمَا قَالَ الْقَاضِي زَكَرِيَّا الشَّافِعِيُّ فِي الْمِنْهَاجِ وَمَسُّ فَرْجِ آدَمِيٍّ أَوْ مَحَلُّ قَطْعِهِ بِبَطْنِ كَفٍّ وَالْمُرَادُ بِبَطْنِ الْكَفِّ كَمَا قَالَ فِي شَرْحِهِ مَا يَسْتَتِرُ عِنْدَ وَضْعِ إحْدَى الرَّاحَتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى مَعَ تَحَامُلٍ يَسِيرٍ قَالَ وَخَرَجَ بِبَطْنِ الْكَفِّ غَيْرُهُ كَرُءُوسِ الْأَصَابِعِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَحَرْفُهَا وَحَرْفُ الرَّاحَةِ وَاخْتَصَّ الْحُكْمُ بِبَاطِنِ الْكَفِّ، وَهُوَ الرَّاحَةُ مَعَ بُطُونِ الْأَصَابِعِ؛ لِأَنَّ التَّلَذُّذَ إنَّمَا يَكُونُ بِهِ اهـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 طَلْقٍ اتَّفَقَ الْحُفَّاظُ عَلَى ضَعْفِهِ لَا يَخْفَى مَا فِيهِ إذْ قَدْ عَلِمْت مَا قَالَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ إنَّ حَدِيثَ بُسْرَةَ ضَعَّفَهُ جَمَاعَةٌ حَتَّى قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ ثَلَاثَةُ أَحَادِيثَ لَمْ تَصِحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهَا حَدِيثُ مَسِّ الذَّكَرِ وَقَوْلُ النَّوَوِيِّ أَيْضًا تَرْجِيحًا لِحَدِيثِ بُسْرَةَ بِأَنَّ حَدِيثَ طَلْقٍ مَنْسُوخٌ؛ لِأَنَّ قُدُومَهُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ فِي السَّنَةِ الْأُولَى مِنْ الْهِجْرَةِ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَبْنِي مَسْجِدَهُ وَرَاوِي حَدِيثِ بُسْرَةَ أَبُو هُرَيْرَةَ، وَإِنَّمَا قَدِمَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَنَةَ سَبْعٍ مِنْ الْهِجْرَةِ فَغَيْرُ لَازِمٍ؛ لِأَنَّ وُرُودَ طَلْقٍ إذْ ذَاكَ ثُمَّ رُجُوعُهُ لَا يَنْفِي عَوْدَهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَهُمْ قَدْ رَوَوْا عَنْهُ حَدِيثًا ضَعِيفًا مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ وَقَالُوا سَمِعَ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النَّاسِخَ وَالْمَنْسُوخَ؛ وَلِأَنَّ حَدِيثَ طَلْقٍ غَيْرُ قَابِلٍ لِلنَّسْخِ؛ لِأَنَّهُ صَدَرَ عَلَى سَبِيلِ التَّعْلِيلِ فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ذَكَرَ أَنَّ الذَّكَرَ قِطْعَةُ لَحْمٍ فَلَا تَأْثِيرَ لِمَسِّهِ فِي الِانْتِقَاضِ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يَقْبَلُ النَّسْخَ كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَقَوْلُ النَّوَوِيِّ أَيْضًا إنَّ حَدِيثَ طَلْقٍ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَسِّ فَوْقَ حَائِلٍ؛ لِأَنَّهُ قَالَ سَأَلْته عَنْ مَسِّ الذَّكَرِ فِي الصَّلَاةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَمَسُّ ذَكَرَهُ فِي الصَّلَاةِ بِلَا حَائِلٍ مَرْدُودٌ بِأَنَّ تَعْلِيلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ «هَلْ هُوَ إلَّا بَضْعَةٌ مِنْك» يَأْبَى الْحَمْلَ وَالْبَضْعَةُ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ الْقِطْعَةُ مِنْ اللَّحْمِ، وَفِي شَرْحِ الْآثَارِ لِلطَّحَاوِيِّ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ الصَّحَابَةِ أَفْتَى بِالْوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ إلَّا ابْنَ عُمَرَ وَقَدْ خَالَفَهُ فِي ذَلِكَ أَكْثَرُهُمْ وَأَسْنَدَ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ أَنَّهُ عَدَّ جَمَاعَةً لَمْ يَكُونُوا يَعْرِفُونَ الْحَدِيثَ يَعْنِيَ حَدِيثَ بُسْرَةَ وَمَنْ رَأَيْنَاهُ يُحَدِّثُ عَنْهُمْ سَخِرْنَا مِنْهُ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى انْقِطَاعِ حَدِيثِ بُسْرَةَ بَاطِنًا أَنَّ أَمْرَ النَّوَاقِضِ مِمَّا يَحْتَاجُ الْخَاصُّ وَالْعَامُّ إلَيْهِ وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ عَلِيٍّ وَعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَحُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ وَعِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّهُمْ لَا يَرَوْنَ النَّقْضَ، وَإِنْ رُوِيَ عَنْ غَيْرِهِمْ خِلَافُهُ وَفِي السُّنَنِ لِلدَّارَقُطْنِيِّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ النَّقَّاشُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى الْقَاضِي السَّرَخْسِيُّ أَخْبَرْنَا رَجَاءُ بْنُ مُرَجَّى الْحَافِظُ قَالَ اجْتَمَعْنَا فِي مَسْجِدِ الْحَنِيفِ أَنَا وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَعَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ فَتَنَاظَرْنَا فِي مَسِّ الذَّكَرِ فَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ يُتَوَضَّأُ مِنْهُ وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ بِقَوْلِ الْكُوفِيِّينَ وَتَقَلَّدَ قَوْلَهُمْ وَاحْتَجَّ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ بِحَدِيثِ بُسْرَةَ بِنْتِ صَفْوَانَ وَاحْتَجَّ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ بِحَدِيثِ قَيْسِ بْنِ طَلْقٍ وَقَالَ لِيَحْيَى كَيْفَ تَتَقَلَّدُ إسْنَادَ بُسْرَةَ وَمَرْوَانَ أَرْسَلَ شُرْطِيًّا حَتَّى رَدَّ جَوَابَهَا إلَيْهِ وَقَالَ يَحْيَى وَقَدْ أَكْثَرَ النَّاسُ فِي قَيْسِ بْنِ طَلْقٍ وَلَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ فَقَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ كِلَا الْأَمْرَيْنِ عَلَى مَا قُلْتُمَا فَقَالَ يَحْيَى حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ تَوَضَّأَ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ فَقَالَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَقُولُ لَا يُتَوَضَّأُ مِنْهُ، وَإِنَّمَا هُوَ بَضْعَةٌ مِنْ جَسَدِك فَقَالَ يَحْيَى عَمَّنْ قَالَ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي قَيْسٍ عَنْ هُذَيْلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، وَإِذَا اجْتَمَعَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عُمَرَ فَابْنُ مَسْعُودٍ أَوْلَى أَنْ يُتَّبَعَ فَقَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ نَعَمْ وَلَكِنْ أَبُو قَيْسٍ لَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ فَقَالَ حَدَّثَنِي أَبُو نُعَيْمٍ أَخْبَرَنَا مِسْعَرٌ عَنْ عُمَيْرِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ قَالَ مَا أُبَالِي مَسَسْتُهُ أَوْ أَنْفِي فَقَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ عَمَّارٌ وَابْنُ عُمَرَ اسْتَوَيَا فَمَنْ شَاءَ أَخَذَ بِهَذَا وَمَنْ شَاءَ أَخَذَ بِهَذَا اهـ. وَإِنْ سَلَكْنَا طَرِيقَ الْجَمْعِ جُعِلَ مَسُّ الذَّكَرِ كِنَايَةً عَمَّا يَخْرُجُ مِنْهُ، وَهُوَ مِنْ أَسْرَارِ الْبَلَاغَةِ يَسْكُتُونَ عَنْ ذِكْرِ الشَّيْءِ وَيَرْمِزُونَ عَلَيْهِ بِذِكْرِ مَا هُوَ مِنْ رَوَادِفِهِ فَلَمَّا كَانَ مَسُّ الذَّكَرِ غَالِبًا يُرَادِفُ خُرُوجَ الْحَدَثِ مِنْهُ وَيُلَازِمُهُ عَبَّرَ بِهِ عَنْهُ كَمَا عَبَّرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْمَجِيءِ مِنْ الْغَائِطِ عَمَّا يُقْصَدُ لِأَجْلِهِ وَيَحِلّ فِيهِ فَيَتَطَابَقُ طَرِيقَا الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فِي التَّعْبِيرِ فَيُصَارُ إلَى هَذَا لِدَفْعِ التَّعَارُضُ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ أَنْ يَغْسِلَ يَدَهُ صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْمَبْسُوطِ، وَهَذَا أَحَدُ مَا حُمِلَ بِهِ حَدِيثُ بُسْرَةَ فَقَالَ أَوْ الْمُرَادُ بِالْوُضُوءِ غَسْلُ الْيَدِ اسْتِحْبَابًا كَمَا فِي قَوْلِهِ الْوُضُوءُ قَبْلِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: إذْ قَدْ عَلِمْت مَا قَالَهُ التِّرْمِذِيُّ إلَخْ) أَقُولُ: لَمْ يُعْلَمْ ذَلِكَ مِمَّا تَقَدَّمَ بَلْ الَّذِي فِي تَخْرِيجِ أَحَادِيثِ الْهِدَايَةِ لِلْحَافِظِ ابْنِ حَجَرٍ قَالَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ حَدِيثَ بُسْرَةَ وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مَرْوَانَ بِهِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ اهـ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ رُوِيَ عَنْ غَيْرِهِمْ خِلَافُهُ) لَا يُنَافِي ذَلِكَ مَا قَدَّمَهُ عَنْ شَرْحِ الْآثَارِ؛ لِأَنَّ رِوَايَتَهُ عَنْهُمْ لَا تَقْتَضِي إفْتَاءَهُمْ بِهِ وَلَا أَنَّهُمْ يَرْوُونَهُ فَافْهَمْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 الطَّعَامِ يَنْفِي الْفَقْرَ وَبَعْدَهُ يَنْفِي اللَّمَمَ لَكِنْ فِي الْبَدَائِعِ مَا يُفِيدُ تَقْيِيدَ الِاسْتِحْبَابِ بِمَا إذَا كَانَ الِاسْتِنْجَاءُ بِالْأَحْجَارِ دُونَ الْمَاءِ، وَهُوَ حَسَنٌ كَمَا لَا يَخْفَى. (قَوْلُهُ: وَامْرَأَةٍ) بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى ذَكَرٍ أَيْ مَسُّ بَشَرَةِ الْمَرْأَةِ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ بِشَهْوَةٍ أَوْ لَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَنْتَقِضُ وُضُوءُ اللَّامِسِ مُطْلَقًا كَانَ بِشَهْوَةٍ وَقَصْدٍ أَوْ لَا وَلَهُ فِي الْمَلْمُوسِ قَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا النَّقْضُ إلَّا إذَا لَمَسَ ذَاتَ رَحِمٍ مَحْرَمٍ أَوْ صَغِيرَةً لَا تُشْتَهَى فَإِنَّهُ لَا يَنْقُضُ عَلَى الْأَصَحِّ بِخِلَافِ الْعَجُوزِ فَالصَّحِيحُ النَّقْضُ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ قَدْ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِيهَا فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ اخْتِلَافٌ مُعْتَبَرٌ حَتَّى قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا يَنْبَغِي لِمَنْ يَؤُمُّ أَنْ يَحْتَاطَ فِيهِ فَمَذْهَبُ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَجَمَاعَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ كَمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَمَذْهَبِ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ كَمَذْهَبِنَا اسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء: 43] ، فَإِنَّ اللَّمْسَ يُطْلَقُ عَلَى الْجَسِّ بِالْيَدِ قَالَ تَعَالَى {فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ} [الأنعام: 7] وَبِقَوْلِ أَهْلِ اللُّغَةِ اللَّمْسُ يَكُونُ بِالْيَدِ وَبِغَيْرِهَا وَقَدْ يَكُونُ بِالْجِمَاعِ فَنَعْمَلُ بِمُقْتَضَى اللَّمْسِ مُطْلَقًا فَمَتَى الْتَقَتْ الْبَشَرَتَانِ انْتَقَضَ سَوَاءٌ كَانَ بِيَدٍ أَوْ جِمَاعٍ وَلِأَئِمَّتِنَا فِي الْجَوَابِ عَنْ هَذَا أَوْجُهٌ أَحَدُهَا مَا ذَكَرَهُ الْأُصُولِيُّونَ كَفَخْرِ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيِّ أَنَّ حَقِيقَةَ اللَّمْسِ يَكُونُ بِالْيَدِ وَأَنَّ الْجِمَاعَ مَجَازٌ فِيهِ لَكِنَّ الْمَجَازَ مُرَادٌ بِالْإِجْمَاعِ حَتَّى حَلَّ لِلْجُنُبِ التَّيَمُّمُ بِالْآيَةِ فَبَطَلَتْ الْحَقِيقَةُ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ اجْتِمَاعُهُمَا مُرَادَيْنِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ ثَانِيهِمَا، وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي بَعْضِ كُتُبِ الْفِقْهِ أَنَّ اللَّمْسَ إذَا قُرِنَ بِالْمَرْأَةِ كَانَ حَقِيقَةً فِي الْجِمَاعِ يُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْمُلَامَسَةَ مُفَاعَلَةٌ مِنْ اللَّمْسِ وَذَلِكَ يَكُونُ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا وَعِنْدَهُمْ لَا يُشْتَرَطُ اللَّمْسُ مِنْ الطَّرَفَيْنِ ثَالِثُهَا أَنَّ اللَّمْسَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ اللَّمْسِ بِالْيَدِ وَبَيْنَ الْجِمَاعِ وَرَجَّحْنَا الْحَمْلَ عَلَى الْجِمَاعِ بِالْمَعْنَى، وَذَلِكَ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَفَاضَ فِي بَيَانِ حُكْمِ الْحَدَثَيْنِ الْأَصْغَرِ وَالْأَكْبَرِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَاءِ بِقَوْلِهِ {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [المائدة: 6] إلَى قَوْلِهِ {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] فَبَيَّنَ أَنَّهُ الْغُسْلُ ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْحَالِ عِنْدَ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ} [النساء: 43] إلَى قَوْلِهِ {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا} [النساء: 43] إلَخْ فَإِذَا حُمِلَتْ الْآيَةُ عَلَى الْجِمَاعِ كَانَ بَيَانًا لِحُكْمِ الْحَدَثَيْنِ الْأَصْغَرِ وَالْأَكْبَرِ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ كَمَا بُيِّنَ حُكْمُهُمَا عِنْدَ وُجُودِهِ فَيَتِمُّ الْغَرَضُ؛ لِأَنَّ بِالنَّاسِ حَاجَةً إلَى بَيَانِهِمَا خِلَافَ مَا ذَهَبُوا إلَيْهِ مِنْ كَوْنِهِ بِالْيَدِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ تَكْرَارًا مَحْضًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ عُلِمَ الْحَدَثُ الْأَصْغَرُ بِقَوْلِهِ {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} [النساء: 43] وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ السُّنَّةِ حَدِيثُ عَائِشَةَ الصَّحِيحُ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ قَالَتْ فَقَدْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلَةً مِنْ الْفِرَاشِ فَالْتَمَسْته فَوَقَعَتْ يَدِي عَلَى بَطْنِ قَدَمَيْهِ، وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ وَهُمَا مَنْصُوبَتَانِ، وَهُوَ يَقُولُ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُودُ بِرِضَاك مِنْ سَخَطِك إلَى آخِرِ الدُّعَاءِ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبَيْهَقِيِّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ «فَالْتَمَسْت بِيَدَيَّ فَوَقَعَتْ يَدِي عَلَى بَطْنِ قَدَمَيْهِ وَهُمَا مَنْصُوبَتَانِ، وَهُوَ سَاجِدٌ» وَحَدِيثُ عَائِشَةَ أَيْضًا فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي، وَهِيَ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ فَإِذْ أَرَادَ أَنْ يَسْجُدَ غَمَزَ رِجْلَهَا فَتَقْبِضُهَا» وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ «فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُوتِرَ مَسَّنِي بِرِجْلِهِ» وَقَوْلُ النَّوَوِيِّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ كَوْنُهُ فَوْقَ حَائِلٍ بَعِيدٍ كَمَا لَا يَخْفَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. [أَحْكَام الْغُسْل] [فَرَائِض الْغُسْل] (قَوْلُهُ: وَفَرْضُ الْغُسْلِ غَسْلُ فَمِهِ وَأَنْفَهُ وَبَدَنِهِ) قَدْ تَقَدَّمَ وَجْهُ تَقْدِيمِ الْوُضُوءِ عَلَى الْغُسْلِ وَالْوَاوُ فِي قَوْلِهِ وَفَرْضُ إمَّا لِلِاسْتِئْنَافِ أَوْ لِلْعَطْفِ عَلَى قَوْلِهِ فَرْضُ الْوُضُوءِ وَالْفَرْضُ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْمَفْرُوضِ لِأَنَّ الْمَصْدَرَ يُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ الزَّمَانُ وَالْمَكَانُ وَالْفَاعِلُ وَالْمَفْعُولُ كَذَا فِي الْكَشَّافِ وَقَوْلُهُ الْغُسْلُ يَعْنِي غُسْلَ الْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ لَيْسَتَا شَرْطَيْنِ فِي الْغُسْلِ الْمَسْنُونِ حَتَّى يَصِحَّ بِدُونِهِمَا. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْكَلَامَ فِي   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: لَكِنْ فِي الْبَدَائِعِ مَا يُفِيدُ الِاسْتِحْبَابَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ مَا فِي الْبَدَائِعِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا اسْتَنْجَى بِالْأَحْجَارِ دُونَ الْمَاءِ وَتَلَوَّثَتْ يَدُهُ لَا مُطْلَقًا وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ إنَّ الْحَدِيثَ أَعْنِي قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ» مَحْمُولٌ عَلَى غَسْلِ الْيَدَيْنِ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - كَانُوا يَسْتَنْجُونَ بِالْأَحْجَارِ دُونَ الْمَاءِ فَإِذَا مَسُّوهُ بِأَيْدِيهِمْ كَانَتْ تَتَلَوَّثُ خُصُوصًا فِي أَيَّامِ الصَّيْفِ فَأُمِرُوا بِالْغُسْلِ اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ إطْلَاقَ السَّرَخْسِيِّ أَوْلَى عَمَلًا بِعُمُومِ مَنْ اهـ. وَيُؤَيِّدُ هَذَا أَنَّ الْغُسْلَ عِنْدَ التَّلَوُّثِ قَدْ يَكُونُ وَاجِبًا فَيَكُونُ أَمْرًا بِإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ، وَهُوَ وَاجِبٌ لَا مُسْتَحَبٌّ فَالْأَوْلَى حَمْلُهُ عَلَى غَسْلِ الْيَدِ مُطْلَقًا كَمَا قَالَهُ السَّرَخْسِيُّ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ حَمْلِ حَدِيثِ بُسْرَةَ عَلَى ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي تَخْرِيجِ أَحَادِيثِ الْهِدَايَةِ وَعَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعِيدٍ قَالَ مَسِسْت ذَكَرِي وَمَعِي الْمُصْحَفُ فَقَالَ لِي أَبِي تَوَضَّأْ، ثُمَّ أَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِهِ: قَالَ فَقَالَ: لِي أَبِي قُمْ فَاغْسِلْ يَدَك اهـ. وَلَعَلَّ حِكْمَةَ الْأَمْرِ بِالْغَسْلِ كَوْنُ ذَلِكَ مَحَلُّ خُرُوجِ النَّجَاسَةِ فَرُبَّمَا تَكُونُ فِي الْيَدِ أَوْ الْمَحَلِّ رُطُوبَةٌ سِيَّمَا عِنْدَ الِاسْتِنْجَاءِ وَذَلِكَ مَظِنَّةٌ لِلتَّلَوُّثِ أَوْ هُوَ تَعَبُّدِيٌّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ: وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ لَيْسَتَا شَرْطَيْنِ فِي الْغَسْلِ الْمَسْنُونِ) قَالَ الْعَلَّامَةُ الشَّيْخُ مُحَمَّدٌ الْغَزِّيِّ فِي الْمِنَحِ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَيْسَ بِفَرْضٍ فِي الِاغْتِسَالِ الْمَسْنُونِ فَمُسَلَّمٌ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُمَا لَيْسَا بِشَرْطٍ فِي تَحْصِيلِ السُّنَّةِ فَمَمْنُوعٌ وَلَعَلَّ مُرَادَ صَاحِبِ السِّرَاجِ الْأَوَّلُ وَلَا كَلَامَ فِيهِ اهـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 الْغُسْلِ فِي مَوَاضِعَ فِي تَفْسِيرِهِ لُغَةً وَشَرْعًا وَفِي سَبَبِهِ وَرُكْنِهِ وَشَرَائِطِهِ وَسُنَنِهِ وَآدَابِهِ وَصِفَتِهِ وَحُكْمِهِ أَمَّا تَفْسِيرُهُ لُغَةً فَهُوَ بِالضَّمِّ اسْمٌ مِنْ الِاغْتِسَالِ وَهُوَ تَمَامُ غَسْلِ الْجَسَدِ وَاسْمٌ لِلْمَاءِ الَّذِي يُغْتَسَلُ بِهِ أَيْضًا وَمِنْهُ فِي حَدِيثِ مَيْمُونَةَ فَوَضَعْت لَهُ غُسْلًا كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ أَنَّهُ بِفَتْحِ الْغَيْنِ وَضَمِّهَا لُغَتَانِ وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالضَّمُّ هُوَ الَّذِي تَسْتَعْمِلُهُ الْفُقَهَاءُ أَوْ أَكْثَرُهُمْ وَاصْطِلَاحًا هُوَ الْمَعْنَى الْأَوَّلُ اللُّغَوِيُّ وَهُوَ غَسْلُ الْبَدَنِ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ الْغَسْلِ بِالْفَتْحِ لُغَةً وَشَرْعًا وَأَمَّا رُكْنُهُ فَهُوَ إسَالَةُ الْمَاءِ عَلَى جَمِيعِ مَا يُمْكِنُ إسَالَتُهُ عَلَيْهِ مِنْ الْبَدَنِ مِنْ غَيْرِ حَرَجٍ مَرَّةً وَاحِدَةً حَتَّى لَوْ بَقِيَتْ لُمْعَةٌ لَمْ يُصِبْهَا الْمَاءُ لَمْ يَجُزْ الْغُسْلُ، وَإِنْ كَانَتْ يَسِيرَةً لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] أَمَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِالْأَطْهَرِ بِضَمِّ الْهَاءِ؛ لِأَنَّ أَصْلَهُ تَطَهَّرَ فَأُدْغِمَتْ التَّاءُ فِي الطَّاءِ لِقُرْبِ الْمَخْرَجِ فَجِيءَ بِحَرْفِ الْوَصْلِ لِيُتَوَصَّلَ بِهَا إلَى النُّطْقِ فَصَارَ اطَّهَّرُوا وَبَعْضُ مَنْ لَا خِبْرَةَ لَهُ وَلَا دِرَايَةَ يَقْرَأُ بِالِاطِّهَارِ وَمَا ذَاكَ إلَّا لِحِرْمَانِهِ مِنْ الْعَرَبِيَّةِ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَهُوَ تَطْهِيرُ جَمِيعِ الْبَدَنِ وَاسْمُ الْبَدَنِ يَقَعُ عَلَى الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ إلَّا أَنَّ مَا يَتَعَذَّرُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَيْهِ خَارِجٌ عَنْ قَضِيَّةِ النَّصِّ، وَكَذَا مَا يَتَعَسَّرُ؛ لِأَنَّ الْمُتَعَسِّرَ مَنْفِيٌّ كَالْمُتَعَذِّرِ كَدَاخِلِ الْعَيْنَيْنِ، فَإِنَّ فِي غَسْلِهِمَا مِنْ الْحَرَجِ مَا لَا يَخْفَى فَإِنَّ الْعَيْنَ شَحْمٌ لَا تَقْبَلُ الْمَاءَ وَقَدْ كُفَّ بَصَرُ مَنْ تَكَلَّفَ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ كَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ؛ وَلِهَذَا لَا تُغْسَلُ الْعَيْنُ إذَا اكْتَحَلَ بِكُحْلٍ نَجِسٍ؛ وَلِهَذَا وَجَبَتْ الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ فِي الْغُسْلِ؛ لِأَنَّهُ لَا حَرَجَ فِي غَسْلِهِمَا فَشَمِلَهُمَا نَصُّ الْكِتَابِ مِنْ غَيْرِ مُعَارِضٍ كَمَا شَمِلَهُمَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَحْتَ كُلِّ شَعْرَةٍ جَنَابَةٌ فَبِلُّوا الشَّعْرَ وَانْقُوَا الْبَشَرَةَ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ غَيْرِ مُعَارِضٍ وَالْبَشَرَةُ ظَاهِرُ الْجِلْدِ بِخِلَافِهِمَا فِي الْوُضُوءِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ غَسْلُ الْوَجْهِ وَلَا تَقَعُ الْمُوَاجَهَةُ بِدَاخِلِهِمَا وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «عَشْرٌ مِنْ الْفِطْرَةِ» وَذَكَرَ مِنْهَا الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ لَا يُعَارِضُهُ إذْ كَوْنُهُمَا مِنْ الْفِطْرَةِ لَا يَنْفِي الْوُجُوبَ؛ لِأَنَّهَا الدِّينُ، وَهُوَ أَعَمُّ مِنْهُ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ» وَالْمُرَادُ أَعْلَى الْوَاجِبَاتِ عَلَى مَا هُوَ أَعْلَى الْأَقْوَالِ، وَهُوَ عَلَى هَذَا فَلَا حَاجَةَ إلَى حَمْلِ الْمَرْوِيِّ عَلَى حَالَةِ الْحَدَثِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّهُمَا فَرْضَانِ فِي الْجَنَابَةِ سُنَّتَانِ فِي الْوُضُوءِ» كَأَنَّهُ يَعْنِي مَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ لِلْجُنُبِ ثَلَاثًا فَرِيضَةً» لَكِنْ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى خُرُوجِ اثْنَيْنِ مِنْهَا، وَهُوَ ضَعِيفٌ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْمُرَادُ بِأَعْلَى الْوَاجِبَاتِ الْإِسْلَامُ لَكِنْ قَالَ أَبُو نَصْرٍ الدَّبُوسِيُّ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ الْحَاوِي الْحُصَرِيُّ لَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْمَوْلُودَ يُولَدُ عَلَى الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ مَنْ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ مَرَّةً لَمْ يُنْقَلْ أَبَدًا إلَى غَيْرِهِ وَلَا يُقَرُّ عَلَيْهِ بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُولَدُ عَلَى الْخِلْقَةِ الْقَابِلَةِ لِلْإِسْلَامِ بِحَيْثُ إنَّهُ لَوْ نَظَرَ إلَى خِلْقَتِهِ وَتَفَكَّرَ فِيهَا عَلَى حَسَبِ مَا يَجِبُ لَدَلَّتْهُ عَلَى رُبُوبِيَّتِهِ تَعَالَى وَوَحْدَانِيِّتِهِ، وَلَوْ شَرِبَ الْمَاءَ عَبًّا أَجْزَأَهُ عَنْ الْمَضْمَضَةِ لَا مَصًّا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا إلَّا أَنْ يَمُجَّهُ وَفِي الْوَاقِعَاتِ لَا يَخْرُجُ بِالشُّرْبِ عَلَى وَجْهِ السُّنَّةِ أَوْ غَيْرِهِ مَا لَمْ يَمُجَّهُ، وَهُوَ أَحْوَطُ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَقَدْ يُقَالُ إنَّ الْأَحْوَطَ الْخُرُوجُ وَوَجْهُ كَوْنِهِ أَحْوَطَ أَنَّهُ قِيلَ إنَّ الْمَجَّ مِنْ شَرْطِ الْمَضْمَضَةِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فَكَانَ الِاحْتِيَاطُ الْخُرُوجَ عَنْ الْجَنَابَةِ؛ لِأَنَّ الِاحْتِيَاطَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: لُمْعَةٌ) بِضَمِّ اللَّامِ وَمَنْ فَتَحَهَا فَقَدْ أَخْطَأَ، وَهِيَ قِطْعَةٌ مِنْ الْبَدَنِ أَوْ الْعُضْوِ لَمْ يُصِبْهُ الْمَاءُ فِي الِاغْتِسَالِ أَوْ الْوُضُوءِ وَأَصْلُهُ فِي اللُّغَةِ قِطْعَةٌ مِنْ نَبْتٍ أَخَذَتْ فِي الْيُبْسِ. اهـ. تَعْرِيفَاتٌ (قَوْلُهُ: بِالْأَطْهَرِ) بِضَمِّ الْهَاءِ أَيْ مُشَدَّدَةً وَبِتَشْدِيدِ الطَّاءِ أَيْضًا، وَهُوَ مَصْدَرُ اطَّهَّرَ مِنْ بَابِ التَّفْعِيلِ أَصْلُهُ تَطَهَّرَ قُلِبَتْ التَّاءُ طَاءً ثُمَّ أُدْغِمَتْ ثُمَّ جِيءَ بِهَمْزَةِ الْوَصْلِ لِلنُّطْقِ بِالسَّاكِنِ (قَوْلُهُ: وَاسْمُ الْبَدَنِ يَقَعُ عَلَى الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ إلَخْ) نَقَلَ الشَّيْخُ عَلَاءُ الدِّينِ الْحَصْكَفِيُّ عَنْ الْمُغْرِبِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْبَدَنَ مِنْ الْمَنْكِبِ إلَى الْأَلْيَةِ قَالَ وَحِينَئِذٍ فَالرَّأْسُ وَالْعُنُقُ وَالْيَدُ وَالرِّجْلُ خَارِجَةٌ لُغَةً دَاخِلَةٌ تَبَعًا شَرْعًا. اهـ. (قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ مُعَارِضٍ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ شَمِلَهُمَا الثَّانِي (قَوْلُهُ: كَأَنَّهُ يَعْنِي مَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّ فَاعِلَ يَعْنِي ضَمِيرٌ يَعُودُ إلَى الْحَامِلِ الْمَفْهُومِ مِنْ الْمَصْدَرِ فِي قَوْلِهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى حَمْلِ الْمَرْوِيِّ وَالْمَعْنَى كَأَنَّ الْحَامِلَ قُصِدَ بِالْحَدِيثِ الَّذِي اسْتَدَلَّ بِهِ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِشَرْطٍ) الْأَوْلَى تَذْكِيرُ الضَّمِيرَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا يَعُودَانِ عَلَى الْمَجِّ (قَوْلُهُ: فَكَانَ الِاحْتِيَاطُ الْخُرُوجَ عَنْ الْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّ الِاحْتِيَاطَ إلَخْ) أَقُولُ: شَنَّعَ عَلَيْهِ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ فِيمَا نُقِلَ عَنْهُ بِمَا لَا يَنْبَغِي ذِكْرُهُ وَكَذَا أَخُو الشَّارِحِ فِي النَّهْرِ فَقَالَ أَنَّى يَكُونُ هَذَا وَجْهًا لِكَوْنِ الْمَجِّ أَحْوَطَ وَلَا أَرَى هَذَا إلَّا مِنْ طُغْيَانِ الْقَلَمِ بَلْ الْوَجْهُ هُوَ أَنَّ الْمَاجَّ خَارِجٌ عَنْ الْعُهْدَةِ بِيَقِينٍ بِخِلَافِ غَيْرِهِ، وَهَذَا هُوَ مَعْنَى الِاحْتِيَاطِ اهـ. قُلْت: وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ مِنْ سُقُوطِ قَوْلِهِ وَقَدْ يُقَالُ إنَّ الْأَحْوَطَ الْخُرُوجُ بَعْدَ قَوْلِهِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَأَمَّا عَلَى مَا فِي عَامَّةِ النُّسَخِ مِنْ وُجُودِ ذَلِكَ فَلَا يَرِدُ ذَلِكَ فَيَكُونُ قَوْلُهُ وَوَجْهُ كَوْنِهِ أَحْوَطَ أَيْ كَوْنُ الْخُرُوجِ بِدُونِ الْمَجِّ أَحْوَطَ تَوْجِيهًا لِقَوْلِهِ وَقَدْ يُقَالُ إلَخْ لَا لِكَلَامِ الْخُلَاصَةِ وَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ الْعَمَلِ بِأَقْوَى الدَّلِيلَيْنِ؛ لِأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ الْمَجَّ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَتَصْحِيحُهُ لِقُوَّةِ دَلِيلِهِ وَحِينَئِذٍ فَلَا مَلَامَ عَلَى الشَّارِحِ وَلَا غُبَارَ، وَأَمَّا قَوْلُ صَاحِبِ الْمِنَحِ قُلْت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 الْعَمَلُ بِأَقْوَى الدَّلِيلَيْنِ وَأَقْوَاهُمَا هُنَا الْخُرُوجُ بِنَاءً عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا لَا يَخْفَى، وَلَوْ كَانَ سِنُّهُ مُجَوَّفًا أَوْ بَيْنَ أَسْنَانِهِ طَعَامٌ أَوْ دَرَنٌ رَطْبٌ يُجْزِيه؛ لِأَنَّ الْمَاءَ لَطِيفٌ يَصِلُ إلَى كُلِّ مَوْضِعٍ غَالِبًا كَذَا فِي التَّجْنِيسِ ثُمَّ قَالَ ذَكَرَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ حُسَامُ الدِّينِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ إذَا كَانَ فِي أَسْنَانِهِ كَوَّاتٌ يَبْقَى فِيهَا الطَّعَامُ لَا يُجْزِيه مَا لَمْ يُخْرِجْهُ وَيَجْرِي الْمَاءُ عَلَيْهَا، وَفِي فَتَاوَى الْفَضْلِيِّ وَالْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ خِلَافُ هَذَا فَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يَفْعَلَ اهـ. وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ يُجْزِيه وَالدَّرَنُ الْيَابِسُ فِي الْأَنْفِ كَالْخُبْزِ الْمَمْضُوغِ وَالْعَجِينِ يَمْنَعُ تَمَامَ الِاغْتِسَالِ، وَكَذَا جِلْدُ السَّمَكِ وَالْوَسَخُ وَالدَّرَنُ لَا يَمْنَعُ وَالتُّرَابُ وَالطِّينُ فِي الظُّفْرِ لَا يَمْنَعُ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ يَنْفَدُ فِيهِ وَمَا عَلَى ظُفْرِ الصَّبَّاغِ يَمْنَعُ وَقِيلَ لَا يَمْنَعُ لِلضَّرُورَةِ قَالَ فِي الْمُضْمَرَاتِ: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَرَوِيِّ وَالْمَدَنِيِّ اهـ. وَلَوْ بَقِيَ عَلَى جَسَدِهِ خَرْءُ بُرْغُوثٍ أَوْ وَنِيمُ ذُبَابٍ أَيْ ذَرْقُهُ لَمْ يَصِلْ الْمَاءُ تَحْتَهُ جَازَتْ طَهَارَتُهُ وَيَجِبُ تَحْرِيكُ الْقُرْطِ وَالْخَاتَمِ الضَّيِّقَيْنِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ قُرْطٌ فَدَخَلَ الْمَاءُ الثُّقْبَ عِنْدَ مُرُورِهِ أَجْزَأَهُ كَالسُّرَّةِ، وَإِلَّا أَدْخَلَهُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَا يَتَكَلَّفُ فِي إدْخَالِ شَيْءٍ سِوَى الْمَاءِ مِنْ خَشَبٍ وَنَحْوِهِ كَذَا فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ وَيُدْخِلُ الْقُلْفَةَ اسْتِحْبَابًا عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ وَتَغْسِلُ فَرْجَهَا الْخَارِجَ وُجُوبًا فِي الْغُسْلِ وَسُنَّةً فِي الْوُضُوءِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ؛ لِأَنَّهُ كَالْفَمِ وَلَا تُدْخِلُ أَصَابِعَهَا فِي قُبُلِهَا وَبِهِ يُفْتَى وَلَوْ كَانَ فِي الْإِنْسَانِ قُرْحَةٌ فَبَرَأَتْ وَارْتَفَعَ قِشْرُهَا وَأَطْرَافُ الْقُرْحَةِ مُتَّصِلَةٌ بِالْجِلْدِ إلَّا الطَّرَفَ الَّذِي كَانَ يَخْرُجُ مِنْهُ الْقَيْحُ، فَإِنَّهُ يَرْتَفِعُ وَلَا يَصِلُ الْمَاءُ إلَى مَا تَحْتَ الْقِشْرَةِ أَجْزَأَهُ وُضُوءُهُ، وَفِي مَعْنَاهُ الْغُسْلُ كَذَا فِي النَّوَازِلِ لِأَبِي اللَّيْثِ وَنَقَلَهُ الْهِنْدِيُّ أَيْضًا، وَيَجُوزُ لِلْجُنُبِ أَنْ يَذْكُرَ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى، وَيَأْكُلَ وَيَشْرَبَ إذَا تَمَضْمَضَ هَكَذَا قَيَّدَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ قَبْلَ الْمَضْمَضَةِ لَكِنْ ذُكِرَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ مَا يُفِيدُ أَنَّ هَذَا عَلَى رِوَايَةِ نَجَاسَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ وَلَفْظُهَا وَيَحِلُّ لِلْجُنُبِ شُرْبُ الْمَاءِ قَبْلَ الْمَضْمَضَةِ عَلَى وَجْهِ السُّنَّةِ، وَأَنَّ لَا عَلَى وَجْهِهَا لَا؛ لِأَنَّهُ شَارِبُ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ، وَأَنَّهُ نَجِسٌ اهـ. فَيَنْبَغِي عَلَى الرِّوَايَةِ الْمُخْتَارَةِ الْمُصَحَّحَةِ الْمُفْتَى بِهَا مِنْ طَهَارَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ أَنْ يُبَاحَ الشُّرْبُ مُطْلَقًا وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ انْفِصَالَ الْمَاءِ عَنْ الْعُضْوِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ إلَى الْبَاطِنِ أَوْ إلَى الظَّاهِرِ وَالْمَنْقُولُ فِي فَتَاوَى قَاضِي خان الْجُنُبُ إذَا أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ أَوْ يَشْرَبَ فَالْمُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَغْسِلَ يَدَيْهِ وَفَاهُ، وَإِنْ تَرَكَ لَا بَأْسَ وَاخْتَلَفُوا فِي الْحَائِضِ قَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ وَالْجُنُبُ سَوَاءٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يُسْتَحَبُّ هَاهُنَا؛ لِأَنَّ بِالْغُسْلِ لَا تَزُولُ نَجَاسَةُ الْحَيْضِ عَنْ الْفَمِ وَالْيَدِ بِخِلَافِ الْجَنَابَةِ اهـ. فَاحْفَظْهُ وَلِلْجُنُبِ أَنْ يُعَاوِدَ أَهْلَهُ قَبْلَ أَنْ يَغْتَسِلَ إلَّا إذَا احْتَلَمَ، فَإِنَّهُ لَا يَأْتِي أَهْلَهُ مَا لَمْ يَغْتَسِلْ كَذَا فِي الْمُبْتَغَى وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَتَعَقَّبَهُ فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي بِأَنَّ ظَاهِرَ الْأَحَادِيثِ فِيهِ يُفِيدُ الِاسْتِحْبَابَ لَا نَفْيَ الْجَوَازِ الْمُفَادِ مِنْ ظَاهِرِ كَلَامِهِ، وَيَجُوزُ نَقْلُ الْبِلَّةِ فِي الْغُسْلِ مِنْ عُضْوٍ إلَى عُضْوٍ، إذَا كَانَ مُتَقَاطِرًا بِخِلَافِ الْوُضُوءِ، وَلَا يَضُرُّ مَا انْتَضَحَ مِنْ غُسْلِهِ فِي إنَائِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَطَرَ كُلُّهُ فِي الْإِنَاءِ وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ فِي بَحْثِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَأَمَّا شَرَائِطُهُ فَمَا تَقَدَّمَ مِنْ شَرَائِطِ الْوُضُوءِ، وَأَمَّا حُكْمُهُ فَاسْتِبَاحَةُ مَا لَا يَحِلُّ إلَّا بِهِ، وَأَمَّا سُنَنُهُ وَآدَابُهُ وَصِفَتُهُ وَسَبَبُهُ فَسَتَأْتِي مُفَصَّلَةً إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا بَأْسَ بِإِيرَادِ حَدِيثِ مُسْلِمٍ بِتَمَامِهِ وَالتَّكَلُّمِ عَلَى بَعْضِ مَعَانِيه رَوَى مُسْلِمٌ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «عَشْرٌ مِنْ الْفِطْرَةِ قَصُّ الشَّارِبِ وَإِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ وَالسِّوَاكُ وَاسْتِنْشَاقُ الْمَاءِ وَقَصُّ الْأَظْفَارِ وَغَسْلُ الْبَرَاجِمِ وَنَتْفُ الْإِبْطِ وَحَلْقُ الْعَانَةِ وَانْتِقَاصُ الْمَاءِ قَالَ مُصْعَبٌ أَحَدُ رُوَاتِهِ وَنَسِيت الْعَاشِرَةَ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْمَضْمَضَةَ. وَانْتِقَاصُ الْمَاء» بِالْقَافِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ الِاسْتِنْجَاءُ وَقِيلَ انْتِقَاصُ الْبَوْلِ بِسَبَبِ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ فِي غَسْلِ مَذَاكِيرِهِ وَقَالَ الْجُمْهُورُ الِانْتِضَاحُ، وَهُوَ نَضْحُ الْفَرْجِ بِمَاءٍ قَلِيلٍ لِيَنْفِيَ عَنْهُ الْوَسْوَاسَ فَإِذَا أَرَاهُ الشَّيْطَانُ ذَلِكَ أَحَالَهُ عَلَى الْمَاءِ وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ مَشَايِخُنَا فِي كُتُبِهِمْ لَكِنْ قَالُوا إنَّ هَذِهِ الْحِيلَةَ إنَّمَا تَنْفَعُهُ إذَا كَانَ الْعَهْدُ قَرِيبًا بِحَيْثُ لَمْ يَجِفَّ الْبَلَلُ   [منحة الخالق] بَلْ الظَّاهِرُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَمُجَّ خَرَجَ عَنْ الْجَنَابَةِ عَلَى قَوْلٍ وَلَمْ يَخْرُجْ عَلَى آخَرَ بِخِلَافِ مَا إذَا مَجَّهُ، فَإِنَّهُ يَخْرُجُ عَنْهُمَا اتِّفَاقًا إلَخْ فَهُوَ غَيْرُ مُوَافِقٍ لِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ مَعْنَى الِاحْتِيَاطِ عَلَى الصَّحِيحِ بَلْ هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا قَالَهُ صَاحِبُ النَّهْرِ مِنْ أَنَّهُ الْخُرُوجُ عَنْ الْعُهْدَةِ بِيَقِينٍ كَمَا هُوَ مَبْنَى كَلَامِ الْخُلَاصَةِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: وَيَحِلُّ لِلْجُنُبِ شُرْبُ الْمَاءِ قَبْلَ الْمَضْمَضَةِ عَلَى وَجْهِ السُّنَّةِ إلَخْ) لِيُتَأَمَّلْ فِي وَجْهِ الْفَرْقِ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ شُرْبُهُ عَلَى وَجْهِ السُّنَّةِ وَبَيْنَ عَدَمِهِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ لَنَا إذْ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا سَقَطَ الْفَرْضُ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ انْتِقَاصُ الْبَوْلِ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَنَّهُ إذَا غَسَلَ مَذَاكِيرَهُ بِالْمَاءِ الْبَارِدِ يَنْتَقِصُ الْبَوْلُ أَيْ يُسْرِعُ فِي اسْتِنْقَائِهِ كَمَا قَالُوا فِي الْهَدْيِ أَنَّهُ لَا يَحْلُبُهُ بَلْ يَنْضَحُ ضَرْعَهُ بِالنُّقَاخِ أَيْ الْمَاءِ الْبَارِدِ لِيَنْقَطِعَ جَرَيَانُهُ تَأَمَّلْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 أَمَّا إذَا كَانَ بَعِيدًا وَجَفَّ الْبَلَلُ ثُمَّ رَأَى بَلَلًا يُعِيدُ الْوُضُوءَ. وَالِاسْتِحْدَادُ حَلْقُ الْعَانَةِ سُمِّيَ اسْتِحْدَادًا لِاسْتِعْمَالِ الْحَدِيدَةِ، وَهِيَ الْمُوسَى، وَهُوَ سُنَّةٌ وَالْمُرَادُ بِالْعَانَةِ الشَّعْرُ فَوْقَ ذَكَرِ الرَّجُلِ وَحَوَالَيْهِ إلَى السُّرَّةِ وَإِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ تَوْفِيرُهَا وَالْبَرَاجِمُ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَالْجِيمِ جَمَعَ بُرْجُمَةٍ بِضَمِّ الْبَاءِ وَالْجِيمِ، وَهِيَ عُقَدُ الْأَصَابِعِ وَمَفَاصِلُهَا كُلُّهَا قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: وَيَلْتَحِقُ بِالْبَرَاجِمِ مَا يَجْتَمِعُ مِنْ الْوَسَخِ فِي مَعَاطِفِ الْأُذُنِ وَقَعْرِ الصِّمَاخِ فَيُزِيلُهُ بِالْمَسْحِ وَكَذَلِكَ جَمِيعُ الْأَوْسَاخِ، وَأَمَّا الْفِطْرَةُ فَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ الْمُحَقِّقِ الْكَمَالِ أَنَّهَا الدِّينُ، وَهُوَ قَوْلُ الْبَعْضِ وَذَهَبَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ إلَى أَنَّهَا السُّنَّةُ، وَهِيَ فِي الْأَصْلِ الْخِلْقَةُ وَفِي بَعْضِ هَذِهِ الْخِصَالِ مَا هُوَ وَاجِبٌ عِنْدَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ وَلَا يَمْتَنِعُ قَرْنُ الْوَاجِبِ بِغَيْرِهِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] ، فَإِنَّ الْإِيتَاءَ وَاجِبٌ وَالْأَكْلَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ كَذَا ذَكَرَ النَّوَوِيُّ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ، فَإِنَّ الْعَطْفَ فِي الْآيَةِ لَيْسَ نَظِيرَ مَا فِي الْحَدِيثِ، فَإِنَّ الْفِطْرَةَ إذَا فُسِّرَتْ بِالسُّنَّةِ يَقْتَضِي أَنَّ جَمِيعَ الْمَعْدُودِ مِنْ السُّنَّةِ، فَإِنَّهُ إذَا قِيلَ جَاءَ عَشْرٌ مِنْ الرِّجَالِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِيهِمْ مَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ، فَالْأَوْلَى فِي الْفِطْرَةِ تَفْسِيرُهَا بِالدِّينِ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَى الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ وَأَنَّ الْمُبَالَغَةَ فِيهِمَا سُنَّةٌ فِي الْوُضُوءِ، وَكَذَلِكَ فِي الْغُسْلِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «بَالِغْ فِي الِاسْتِنْشَاقِ إلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا» وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ وَالصَّارِفُ لَهُ عَنْ الْوُجُوبِ الِاتِّفَاقُ عَلَى عَدَمِهِ كَمَا نَقَلَهُ السِّرَاجُ الْهِنْدِيُّ وَاعْلَمْ أَنَّ الْحَدِيثَ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَهُوَ «تَحْتَ كُلِّ شَعْرَةٍ جَنَابَةٌ» إلَخْ وَإِنْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ كَمَا ذَكَرَهُ الْهِنْدِيُّ فَقَدْ ضَعَّفَهُ النَّوَوِيُّ وَنَقَلَ ضَعْفَهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَيَحْيَى بْنِ مَعِينٍ وَالْبُخَارِيِّ وَأَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ: لَا دَلْكَهُ) أَيْ لَا يُفْتَرَضُ دَلْكُ بَدَنِهِ فِي الْغُسْلِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ إمْرَارُ الْيَدِ عَلَى الْأَعْضَاءِ الْمَغْسُولَةِ، فَلَوْ أَفَاضَ الْمَاءَ فَوَصَلَ إلَى جَمِيعِ بَدَنِهِ، وَلَمْ يَمَسَّهُ بِيَدِهِ أَجْزَأَهُ غَسْلُهُ وَكَذَا وُضُوءُهُ قَالَ النَّوَوِيُّ وَبِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً إلَّا مَالِكًا وَالْمُزَنِيِّ فَإِنَّهُمَا شَرَطَاهُ فِي صِحَّةِ الْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ وَاحْتَجَّا بِأَنَّ الْغُسْلَ هُوَ إمْرَارُ الْيَدِ وَلَا يُقَالُ لِوَاقِفٍ فِي الْمَطَرِ اغْتَسَلَ وَنُقِلَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّهُ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَيْضًا قَالَ وَكَأَنَّ وَجْهَهُ خُصُوصُ صِيغَةِ اطَّهَّرُوا، فَإِنَّ فَعَّلَ لِلتَّكْثِيرِ إمَّا فِي الْفِعْلِ نَحْوَ حَوَّلْت وَطَوَّفْت أَوْ فِي الْفَاعِلِ نَحْوُ مَوَّتَّ الْإِبِلَ أَوْ فِي الْمَفْعُولِ نَحْو {وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ} [يوسف: 23] وَالثَّانِي يَسْتَدْعِي كَثْرَةَ الْفَاعِلِ فَلَا يُقَالُ فِي شَاةٍ وَاحِدَةٍ مَوَّتَّ وَالثَّالِثُ كَثْرَةُ الْمَفْعُولِ فَلَا يُقَالُ فِي بَابٍ وَاحِدٍ غَلَّقْته. وَإِنْ غَلَّقَهُ مِرَارًا كَمَا قِيلَ فَتَعَيَّنَ كَثْرَةُ الْفِعْلِ، وَهُوَ بِالدَّلْكِ اهـ. وَلَمْ يُجِبْ عَنْهُ وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ الشَّارِحُونَ هُنَا أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ فِي النَّصِّ هُوَ التَّطْهِيرُ، وَلَا يَتَوَقَّفُ ذَلِكَ عَلَى الدَّلْكِ فَمَنْ شَرَطَهُ فَقَدْ زَادَ فِي النَّصِّ، وَهُوَ نَسْخٌ وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ أَنَّهُ يُحْتَجُّ «بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَبِي ذَرٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِذَا وَجَدْت الْمَاءَ فَأَمِسَّهُ جِلْدَك» وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِزِيَادَةٍ، وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَقَوْلُهُمْ لَا تُسَمَّى الْإِفَاضَةُ غُسْلًا مَمْنُوعٌ اهـ. وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إنَّ فَعَّلَ لِلتَّكْثِيرِ إلَى قَوْلِهِ فَتُعَيَّنُ كَثْرَةُ الْفِعْلِ قَدْ يُقَالُ إنَّ صِيغَةَ اطَّهَّرُوا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مِنْ قَبِيلِ التَّكْثِيرِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَالِاسْتِحْدَادُ إلَخْ) لَيْسَ فِيمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْحَدِيثِ ذِكْرُ الِاسْتِحْدَادِ بَلْ الَّذِي مَرَّ هُوَ الْحَلْقُ (قَوْلُهُ: بِفَتْحِ الْبَاءِ وَالْجِيمِ) عُطِفَ عَلَى فَتْحٍ وَالْأَوْلَى مَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَبِالْجِيمِ بِإِعَادَةِ الْبَاءِ الْجَارَّةِ (قَوْلُهُ: وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ إلَخْ) يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ مُرَادَهُ بِالسُّنَّةِ الطَّرِيقَةُ، وَهِيَ مَا جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَوْلُهُ: وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إنَّ فَعَّلَ إلَخْ) أَقُولُ: هَذَا الْكَلَامُ فِي هَذَا الْمَقَامِ خَارِجٌ عَنْ الِانْتِظَامِ مِنْ خَمْسَةِ وُجُوهٍ وَلَوْلَا ضَرُورَةُ بَيَانِهِ لَكَانَ الْأَوْلَى لِمِثْلِي حِفْظُ لِسَانِهِ فَأَقُولُ. أَمَّا الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: فَلِأَنَّ ادِّعَاءَ الْمُحَقِّقِ أَنَّ اطَّهَّرَ مِنْ بَابِ فَعَّلَ لَيْسَ كَمَا قَالَ بَلْ هُوَ مِنْ بَابِ التَّفَعُّلِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ عَنْ غَايَةِ الْبَيَانِ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ بَعْدُ وَكَأَنَّ الشَّارِحَ لَمْ يُبَيِّنْ ذَلِكَ اعْتِمَادًا عَلَى مَا قَدَّمَهُ وَلَعَلَّ الْمُحَقِّقَ الْكَمَالَ تَفَطَّنَ لِهَذَا فَأَضْرَبَ فِيمَا وُجِدَ بِخَطِّهِ عَنْهُ وَاقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ صِيغَةَ التَّفَعُّلِ لِلْمُبَالَغَةِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي النَّهْرِ. وَأَمَّا الثَّانِي: فَلِأَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ إنَّ صِيغَةَ اطَّهَّرُوا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مِنْ قَبِيلِ التَّكْثِيرِ فِي الْمَفْعُولِ فَمَمْنُوعٌ أَمَّا أَوَّلًا؛ فَلِأَنَّ اطَّهَّرُوا أَمْرٌ مِنْ تَطَهَّرَ الْقَوْمُ كَمَا عَلِمْت، وَهُوَ لَازِمٌ، وَأَمَّا ثَانِيًا؛ فَلِأَنَّا، وَإِنْ قُلْنَا إنَّ مَا ذَكَرَهُ هُنَا إنَّمَا هُوَ عَلَى سَبِيلِ التَّنَزُّلِ مَعَ الْكَمَالِ مِنْ أَنَّهُ أَمْرٌ مِنْ طَهَّرَ فَلَا مَفْعُولَ فِيهِ أَيْضًا فَلَا يَكُونُ مِنْ التَّكْثِيرِ فِي الْمَفْعُولِ وَأَمَّا ثَالِثًا؛ فَلِأَنَّا، وَإِنْ تَنَزَّلْنَا وَقُلْنَا كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ أَنَّ صِيغَةَ الْجَمْعِ فِي حُكْمِ قَضَايَا مُتَعَدِّدَةٍ وَادَّعَيْنَا بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى اطَّهَّرُوا لِيُطَهِّرْ كُلُّ وَاحِدِ مِنْكُمْ بَدَنَهُ فَيَكُونُ فِيهِ مَفْعُولٌ فِي الْمَعْنَى فَنَقُولُ لَا يَكُونُ مِنْ التَّكْثِيرِ فِي الْمَفْعُولِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ بَدَنَ كُلِّ أَحَدٍ وَاحِدٌ لَا تَعَدُّدَ فِيهِ فَيَكُونُ مِنْ التَّكْثِيرِ فِي الْفِعْلِ كَمَا قَالَ الْكَمَالُ وَأَمَّا الثَّالِثُ؛ فَلِأَنَّ قَوْلَهُ وَقَوْلُهُ إنَّ التَّكْثِيرَ فِي الْمَفْعُولِ يَسْتَدْعِي كَثْرَةَ الْمَفْعُولِ مُسَلَّمٌ فِيمَا إذَا كَانَ الْفِعْلُ لَا تَكْثِيرَ فِيهِ غَيْرُ صَحِيحٍ لِمَا قَالَ الْعَلَّامَةُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا فِي شَرْحِ الشَّافِيَةِ إنَّ التَّكْثِيرَ فِي الْفَاعِلِ أَوْ الْمَفْعُولِ يَسْتَلْزِمُ التَّكْثِيرَ فِي الْفِعْلِ وَلَا عَكْسَ اهـ. وَقَوْلُهُ كَمَوْتِ الْإِبِلِ غَيْرُ صَحِيحٍ أَيْضًا مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ فِيهِ تَكْثِيرَ الْفِعْلِ لِمَا عَلِمْت الثَّانِي أَنَّهُ مِنْ التَّكْثِيرِ فِي الْفَاعِلِ لَا الْمَفْعُولِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ، وَأَمَّا الرَّابِعُ؛ فَلِأَنَّ قَوْلَهُ أَمَّا إذَا كَانَ فِي الْفِعْلِ تَكْثِيرٌ إلَخْ صَحِيحٌ، وَأَمَّا قَوْلُهُ، وَإِنْ كَانَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 فِي الْمَفْعُولِ وَقَوْلُهُ إنَّ التَّكْثِيرَ فِي الْمَفْعُولِ يَسْتَدْعِي كَثْرَةَ الْمَفْعُولِ مُسَلَّمٌ فِيمَا إذَا كَانَ الْفِعْلُ لَا تَكْثِيرَ فِيهِ كَمَوْتِ الْإِبِلَ أَمَّا إذَا كَانَ فِي الْفِعْلِ تَكْثِيرٌ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فَعَّلَ لِلتَّكْثِيرِ فِي الْمَفْعُولِ، وَإِنْ كَانَ الْفَاعِلُ وَالْمَفْعُولُ وَاحِدًا كَقَطَّعْتُ الثَّوْبَ، فَإِنَّ التَّكْثِيرَ فِيهِ لِلتَّكْثِيرِ فِي الْفِعْلِ، وَإِنْ كَانَ الْمَفْعُولُ وَاحِدًا وَطَهَّرَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ؛ لِأَنَّك تَقُولُ طَهَّرْت الْبَدَنَ يَشْهَدُ لِهَذَا مَا ذَكَرَهُ الْمُحَقِّقُ الْعَلَّامَةُ أَحْمَدُ الْجَارْبُرْدِيُّ فِي شَرْحِ الشَّافِيَةِ لِلْمُحَقِّقِ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي التَّصْرِيفِ بِمَا لَفْظُهُ قَوْلُهُ وَفَعَّلَ لِلتَّكْثِيرِ، وَهُوَ إمَّا فِي الْفِعْلِ نَحْوُ حَوَّلْت وَطَوَّفْت أَوْ فِي الْفَاعِلِ نَحْوُ مَوَّتَّ الْإِبِلَ أَوْ فِي الْمَفْعُولِ نَحْوُ غَلَّقْت الْأَبْوَابَ فَإِنْ فُقِدَ ذَلِكَ لَمْ يَسُغْ اسْتِعْمَالُهُ فَلِذَلِكَ كَانَ مَوَّتَّ الشَّاةَ لِشَاةٍ وَاحِدَةٍ خَطَأً؛ لِأَنَّ هَذَا الْفِعْلَ لَا يَسْتَقِيمُ تَكْثِيرُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الشَّاةِ إذْ لَا يَسْتَقِيمُ تَكْثِيرُهَا وَهِيَ وَاحِدَةٌ وَلَيْسَ ثَمَّ مَفْعُولٌ لِيَكُونَ التَّكْثِيرُ لَهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ هَذَا بِخِلَافِ قَوْلِك قَطَعْت الثَّوْبَ، فَإِنَّ ذَلِكَ سَائِغٌ، وَإِنْ كَانَ الْفَاعِلُ وَاحِدًا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْمُفَصَّلِ ثُمَّ قَالَ فِيهِ إنَّ قَوْلَهُ فِي الْمُفَصَّلِ وَلَا يُقَالُ لِلْوَاحِدِ لَمْ يُرِدْ بِهِ إلَّا مَا لَمْ يَسْتَقِمْ فِيهِ تَكْثِيرُ الْفِعْلِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِدْخَالُ الْمَاءِ دَاخِلَ الْجِلْدَةِ لِلْأَقْلَفِ) أَيْ لَا يَجِبُ عَلَى الَّذِي لَمْ يَخْتَتِنْ أَنْ يُدْخِلَ الْمَاءَ دَاخِلَ الْجِلْدَةِ فِي غُسْلِهِ مِنْ الْجَنَابَةِ وَغَيْرِهَا لِلْحَرَجِ الْحَاصِلِ لَوْ قُلْنَا بِالْوُجُوبِ لَا لِكَوْنِهِ خِلْقَةً كَقَصَبَةِ الذَّكَرِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمُعْتَمَدُ وَبِهِ يَنْدَفِعُ مَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ مِنْ أَنَّهُ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا وَصَلَ الْبَوْلُ إلَى الْقُلْفَةِ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ فَجَعَلُوهُ كَالْخَارِجِ فِي هَذَا الْحُكْمِ، وَفِي حَقِّ الْغُسْلِ كَالدَّاخِلِ حَتَّى لَا يَجِبَ إيصَالُ الْمَاءِ إلَيْهِ، وَقَالَ الْكُرْدِيُّ: يَجِبُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَيْهِ عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ فَعَلَى هَذَا لَا إشْكَالَ فِيهِ. اهـ. فَإِنَّ هَذَا الْإِشْكَالَ إنَّمَا نَشَأَ مِنْ تَعْلِيلِهِ لِعَدَمِ الْوُجُوبِ بِأَنَّهُ خِلْقَةٌ كَقَصَبَةِ الذَّكَرِ، وَأَمَّا عَلَى مَا عَلَّلْنَا بِهِ تَبَعًا لِفَتْحِ الْقَدِيرِ فَلَا إشْكَالَ فِيهِ أَصْلًا لَكِنْ فِي الْبَدَائِعِ أَنَّهُ لَا حَرَجَ فِي إيصَالِ الْمَاءِ إلَى دَاخِلِ الْقُلْفَةِ وَصُحِّحَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْإِدْخَالِ وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي مُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ إدْخَالَ الْمَاءِ دَاخِلَهَا مُسْتَحَبٌّ كَمَا أَنَّ الدَّلْكَ مُسْتَحَبٌّ لَكِنْ قَيَّدَهُ فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي بِكَوْنِهِ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى، وَلَعَلَّهُ لِكَوْنِهَا سَابِقَةً فِي الْوُجُودِ عَلَى مَا بَعْدَهَا فَهِيَ بِالدَّلْكِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ السَّبْقَ مِنْ أَسْبَابِ التَّرْجِيحِ. (قَوْلُهُ: وَسُنَنُهُ أَنْ يَغْسِلَ يَدَيْهِ وَفَرْجَهُ   [منحة الخالق] الْفَاعِلُ وَالْمَفْعُولُ وَاحِدًا فَغَيْرُ صَحِيحٍ إذْ كَيْفَ يَكُونُ التَّكْثِيرُ فِي الْمَفْعُولِ وَالْمَفْعُولُ وَاحِدٌ بَلْ لَا يَصِحُّ ذَلِكَ التَّرْكِيبُ إلَّا أَنْ يَسْتَقِيمَ فِيهِ تَكْثِيرُ الْفِعْلِ كَمَا كَتَبَهُ بِيَدِهِ فِي آخِرِ كَلَامِ الْجَارْبُرْدِيِّ عَنْ شَرْحِ الْمُفَصَّلِ فَيَكُونُ مِنْ التَّكْثِيرِ فِي الْفِعْلِ لَا الْمَفْعُولِ؛ وَلِذَا قَالَ الْمُحَقِّقُ الرَّضِيُّ: فِي شَرْحِ الشَّافِيَةِ تَقُولُ ذَبَحْت الشَّاةَ وَلَا تَقُولُ ذَبَّحْتُهَا وَأَغْلَقْت الْبَابَ مَرَّةً وَلَا تَقُولُ لَا غَلَّقْته بَلْ تَقُولُ ذَبَحْت الْغَنَمَ وَغَلَّقْت الْأَبْوَابَ اهـ. وَلَعَلَّ مُرَادَهُ أَنَّ قَطَّعْت الثَّوْبَ فِيهِ تَكْثِيرُ الْمَفْعُولِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ كُلَّ قِطْعَةٍ بِمَنْزِلَةِ مَفْعُولٍ وَلَكِنْ لَا يَخْفَى بُعْدُهُ مَعَ أَنَّهُ لَا يُسَمَّى مَفْعُولًا اصْطِلَاحِيًّا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِدُ بِهِ نَفْعًا فِي مُدَّعَاهُ؛ لِأَنَّ طَهَّرْت الْبَدَنَ لَيْسَ نَظِيرَهُ بَلْ مِثْلُ ذَبَّحْت الشَّاةَ وَقَدْ عَلِمْت امْتِنَاعَ صِيغَةِ التَّفَعُّلِ فِيهِ مَعَ أَنَّ الشَّارِحَ كَتَبَهُ بِيَدِهِ فَإِنْ قِيلَ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ طَهَّرْت الْبَدَنَ لَيْسَ نَظِيرَ قَطَّعْت الثَّوْبَ عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي حَمَلْت كَلَامَهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ عُضْوٍ طَهُرَ بِمَنْزِلَةِ مَفْعُولٍ مُسْتَقِلٍّ فَهُوَ نَظِيرُهُ قُلْت لَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّ الْمُصَحَّحَ عَدَمُ تَجَزِّي الطَّهَارَةِ فَلَا يُوصَفُ الْعُضْوُ بِالطَّهَارَةِ قَبْلَ تَمَامِهَا، وَأَمَّا الْخَامِسُ فَلِأَنَّ مَا اُسْتُشْهِدَ بِهِ مِنْ كَلَامِ الْمُحَقِّقِ الْجَارْبُرْدِيِّ عَلَى مَا ادَّعَاهُ مِنْ أَنَّهُ لِلتَّكْثِيرِ فِي الْمَفْعُولِ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ يَشْهَدُ لَهُ بَلْ فِيهِ مَا يَشْهَدُ عَلَيْهِ كَمَا لَا يَخْفَى، فَإِنَّ قَوْلَهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ هَذَا بِخِلَافِ قَوْلِك قَطَّعْت الثَّوْبَ، فَإِنَّهُ سَائِغٌ مَعْنَاهُ أَنَّهُ سَائِغٌ؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مِنْ التَّكْثِيرِ فِي الْفِعْلِ، فَإِنَّهُ لَا يُنَافِيهِ كَوْنُ الْمَفْعُولِ فِيهِ وَاحِدًا، وَهُوَ الثَّوْبُ وَلِهَذَا نُقِلَ بَعْدَهُ تَأْوِيلُ عِبَارَةِ الْمُفَصَّلِ، فَإِنَّ ظَاهِرَهَا لَا يَجُوزُ الْإِتْيَانُ بِصِيغَةِ التَّفَعُّلِ فِي هَذَا الْمِثَالِ فَحَمَلَهَا ابْنُ الْحَاجِبِ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ بِعَدَمِ الْجَوَازِ إذَا لَمْ يَسْتَقِمْ فِيهِ تَكْثِيرُ الْفِعْلِ مِثْلُ ذَبَّحْت الشَّاةَ لَا إذَا اسْتَقَامَ مِثْلُ قَطَّعْت الثَّوْبَ وَقَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ الْعَلَّامَةُ الْجَارْبُرْدِيُّ تَوْطِئَةً لِرَدِّ مَا نَقَلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ بَعْضِ شُرَّاحِ الشَّافِيَةِ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّكْثِيرِ فِي الْمَفْعُولِ أَنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ غَلَّقْت بِالتَّضْعِيفِ إلَّا إذَا كَانَ الْمَفْعُولُ جَمْعًا حَتَّى لَوْ كَانَ وَاحِدًا وَغَلَّقَ مَرَّاتٍ كَثِيرَةً لَمْ يُسْتَعْمَلْ إلَّا غَلَقَ بِلَا تَضْعِيفٍ إلَّا عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ اهـ. قَالَ الْجَارْبُرْدِيُّ، وَهَذَا يُخَالِفُ ظَاهِرَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْمُفَصَّلِ اهـ. وَوَجْهُ الْمُخَالَفَةِ ظَاهِرٌ، فَإِنَّ مُقْتَضَاهُ أَنْ لَا يَكُونَ مِنْ التَّكْثِيرِ فِي الْفِعْلِ أَيْضًا ثُمَّ إنَّ مَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ عَنْ الْجَارْبُرْدِيِّ مِنْ قَوْلِهِ، وَإِنْ كَانَ الْفَاعِلُ وَاحِدًا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّي أَنَّهُ سَبْقُ قَلَمٍ وَأَنَّ الصَّوَابَ وَإِنْ كَانَ الْمَفْعُولُ وَاحِدًا تَأَمَّلْ وَبِمَا تَلَوْنَا عَلَيْك عَلِمْت عَدَمَ اسْتِقَامَةِ هَذَا الْكَلَامِ فِي هَذَا الْمَقَامِ وَلَا بِدْعَ، فَإِنَّهُ لَا عِصْمَةَ إلَّا لِلْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ الْكِرَامِ عَلَيْهِمْ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ. (قَوْلُهُ: وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمُعْتَمَدُ) عَنْ هَذَا نَشَأَ مَا فِي شَرْحِ التَّنْوِيرِ لِلْحَصْكَفِيِّ عَنْ الْمَسْعُودِيِّ أَنَّهُ إنْ أَمْكَنَ فَسْخُ الْقُلْفَةِ بِلَا مَشَقَّةٍ يَجِبُ، وَإِلَّا لَا اهـ. وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ الْمُخْتَارُ مَشَى الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي مَتْنِهِ نُورِ الْإِيضَاحِ وَفِي حَاشِيَته عَلَى الدُّرَرِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 وَنَجَاسَةً لَوْ كَانَتْ عَلَى بَدَنِهِ ثُمَّ يَتَوَضَّأَ ثُمَّ يُفِيضَ الْمَاءَ عَلَى بَدَنِهِ ثَلَاثًا) لِمَا رَوَى الْجَمَاعَةُ عَنْ مَيْمُونَةَ قَالَتْ «وَضَعْت لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَاءً يَغْتَسِلُ بِهِ فَأَفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ فَغَسَلَهُمَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ثُمَّ أَفْرَغَ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ فَغَسَلَ مَذَاكِيرَهُ ثُمَّ دَلَكَ يَدَهُ بِالْأَرْضِ ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ ثُمَّ غَسَلَ رَأْسَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ أَفْرَغَ عَلَى جَسَدِهِ ثُمَّ تَنَحَّى عَنْ مَقَامِهِ فَغَسَلَ قَدَمَيْهِ» فَهَذَا الْحَدِيثُ مُشْتَمِلٌ عَلَى بَيَانِ السُّنَّةِ وَالْفَرِيضَةِ فَاسْتُفِيدَ مِنْهُ اسْتِحْبَابُ تَقْدِيمِ غَسْلِ الْيَدَيْنِ وَعَلَّلُوا بِأَنَّهُمَا آلَةُ التَّطْهِيرِ فَيُبْتَدَأُ بِتَنْظِيفِهِمَا وَاسْتِحْبَابُ تَقْدِيمِ غَسْلِ الْفَرْجِ قُبُلًا أَوْ دُبُرًا سَوَاءٌ كَانَ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ أَوْ لَا كَتَقْدِيمِ الْوُضُوءِ عَلَى غَسْلِ الْبَاقِي سَوَاءٌ كَانَ مُحْدِثًا أَوْ لَا وَبِهِ يَنْدَفِعُ مَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ بِأَنَّهُ كَانَ يُغْنِيهِ أَنْ يَقُولَ وَنَجَاسَةٌ عَنْ قَوْلِهِ وَفَرْجُهُ لِأَنَّ الْفَرْجَ إنَّمَا يُغْسَلُ لِأَجْلِ النَّجَاسَةِ. اهـ. وَلِأَنَّ تَقْدِيمَ غَسْلِ الْفَرْجِ لَمْ يَنْحَصِرْ كَوْنُهُ لِلنَّجَاسَةِ بَلْ لَهَا أَوْ؛ لِأَنَّهُ لَوْ غَسَلَهُ فِي أَثْنَاءِ غُسْلِهِ رُبَّمَا تَنْتَقِضُ طَهَارَتُهُ عِنْدَ مَنْ يَرَى ذَلِكَ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَالْخُرُوجُ مِنْ الْخِلَافِ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَنَا وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْوُضُوءِ فِي الْغُسْلِ إلَّا دَاوُد الظَّاهِرِيَّ فَقَالَ بِالْوُجُوبِ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ وَإِذَا تَوَضَّأَ أَوَّلًا لَا يَأْتِي بِهِ ثَانِيًا بَعْدَ الْغُسْلِ فَقَدْ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ وُضُوءَانِ ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ يَعْنِي لَا يُسْتَحَبُّ وُضُوءَانِ لِلْغُسْلِ أَمَّا إذَا تَوَضَّأَ بَعْدَ الْغُسْلِ وَاخْتَلَفَ الْمَجْلِسُ عَلَى مَذْهَبِنَا أَوْ فَصَلَ بَيْنَهُمَا بِصَلَاةٍ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فَيُسْتَحَبُّ، وَفِي الْحَدِيثِ أَيْضًا اسْتِحْبَابُ أَنْ يُدَلِّكَ الْمُسْتَنْجِي بِالْمَاءِ يَدَهُ بِالتُّرَابِ أَوْ بِالْحَائِطِ لِيَذْهَبَ الِاسْتِقْذَارُ مِنْهَا، وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ تَقْدِيمِ غَسْلِ الرَّأْسِ فِي الصَّبِّ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ فَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ يُفِيضُ الْمَاءَ عَلَى مَنْكِبِهِ الْأَيْمَنِ ثَلَاثًا ثُمَّ الْأَيْسَرِ ثَلَاثًا ثُمَّ عَلَى سَائِرِ جَسَدِهِ وَقِيلَ يَبْدَأُ بِالْأَيْمَنِ ثُمَّ بِالْأَيْسَرِ ثُمَّ بِالرَّأْسِ، وَقِيلَ يَبْدَأُ بِالرَّأْسِ، وَهُوَ ظَاهِرُ لَفْظِ الْهِدَايَةِ وَظَاهِرُ حَدِيثِ مَيْمُونَةَ الْمُتَقَدِّمِ، وَبِهِ يُضَعَّفُ مَا صَحَّحَهُ صَاحِبُ الدُّرَرِ وَالْغُرَرِ مِنْ أَنَّهُ يُؤَخِّرُ الرَّأْسَ وَكَذَا صَحَّحَهُ فِي الْمُجْتَبَى، وَفِي قَوْلِهِ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ إشَارَاتٌ الْأُولَى: أَنَّهُ يَمْسَحُ رَأْسَهُ فِي هَذَا الْوُضُوءِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ» ، وَهُوَ اسْمٌ لِلْغَسْلِ وَالْمَسْحِ وَفِي الْبَدَائِعِ أَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهُ لَا يُؤَخِّرُ غَسْلَ قَدَمَيْهِ، وَفِيهِ خِلَافٌ فَفِي الْمَبْسُوطِ وَالْهِدَايَةِ أَنَّهُ يُؤَخِّرُ غَسْلَ قَدَمَيْهِ إذَا كَانَ فِي مُسْتَنْقَعِ الْمَاءِ أَيْ مُجْتَمَعِهِ وَلَا يُقَدِّمُ وَعِنْدَ بَعْضِ مَشَايِخِنَا، وَهُوَ الْأَصَحُّ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يُؤَخِّرُ مُطْلَقًا وَأَكْثَرُ مَشَايِخِنَا عَلَى أَنَّهُ يُؤَخِّرُ مُطْلَقًا وَأَصْلُ الِاخْتِلَافِ مَا وَقَعَ مِنْ رِوَايَتَيْ عَائِشَةَ وَمَيْمُونَةَ فَفِي رِوَايَةِ عَائِشَةَ أَنَّهُ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهَا تَأْخِيرَ الْقَدَمَيْنِ فَالظَّاهِرُ تَقْدِيمُ غَسْلِهِمَا، فَأَخَذَ بِهَذِهِ الشَّافِعِيُّ وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا لِطُولِ الصُّحْبَةِ وَالضَّبْطِ فِي الْحَدِيثِ، وَفِي رِوَايَةِ مَيْمُونَةَ صَرِيحًا تَأْخِيرُ غَسْلِهِمَا فَأَخَذَ بِهِ أَكْثَرُ مَشَايِخِنَا لِشُهْرَتِهَا، وَفِي الْمُجْتَبَى الْأَصَحُّ التَّفْصِيلُ، وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْهِدَايَةِ، وَوَجْهُ التَّوْفِيقِ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ بِحَمْلِ مَا رَوَتْ عَائِشَةُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي مُجْتَمَعِ الْمَاءِ وَحُمِلَ مَا رَوَتْ مَيْمُونَةُ عَلَى مَا إذَا كَانَ فِي مُجْتَمَعِ الْمَاءِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ لَا فِي الْجَوَازِ فَقَوْلُ الْمَشَايِخِ الْقَائِلِينَ بِالتَّأْخِيرِ أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي تَقْدِيمِ غَسْلِهِمَا   [منحة الخالق] [سُنَنُ الْغُسْل] (قَوْلُهُ: سَوَاءٌ كَانَ مُحْدِثًا أَوْ لَا) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَقُولُ: يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ الْجُنُبَ قَدْ لَا يَكُونُ مُحْدِثًا وَفِيهِ تَأَمُّلٌ لِأَنَّ خُرُوجَ الْمَنِيِّ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ؛ لِأَنَّهُ نَجِسٌ عِنْدَنَا وَكَانَ مَا ذَكَرَهُ مَذْهَبَ الشَّافِعِيَّةِ اهـ. وَأَقُولُ: يُمْكِنُ تَصْوِيرُهُ عَلَى مَذْهَبِنَا أَيْضًا فِي كَافِرٍ تَوَضَّأَ ثُمَّ أَسْلَمَ، وَهُوَ جُنُبٌ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ:؛ وَلِأَنَّ تَقْدِيمَ غَسْلِ الْفَرْجِ إلَخْ) نُظِرَ فِي هَذَا التَّعْلِيلِ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي السُّنِّيَّةِ لَا النَّدْبِ وَدَفَعَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ بِأَنَّ مُرَادَ صَاحِبِ الْبَحْرِ نَقْضُ حَصْرِ تَقْدِيمِهِ فِي كَوْنِهِ لِنَجَاسَتِهِ بِجَوَازِ كَوْنِهِ لِغَيْرِهَا أَيْضًا (قَوْلُهُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ بَلْ هُوَ فِي الْجَوَازِ وَذَلِكَ أَنَّ وُجُوبَ الْغَسْلِ لِلصَّلَاةِ، وَإِذَا كَانَ فِي مُسْتَنْقَعِ الْمَاءِ يَحْتَاجُ عَلَى رِوَايَةِ النَّجَاسَةِ إلَى غَسْلِهِمَا فَلَمْ يُفِدْ الْغَسْلُ فَائِدَتَهُ فَوَجَبَ التَّأْخِيرُ تَحَامِيًا عَنْ الْإِسْرَافِ وَيَلْزَمُ عَلَى مَا اخْتَارَهُ أَوْلَوِيَّةُ التَّأْخِيرِ مَعَ النَّجَاسَةِ أَيْضًا إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ نَجَاسَةٍ وَنَجَاسَةٍ، وَلَيْسَ بِالْوَاقِعِ فَتَأَمَّلْهُ اهـ. أَقُولُ: لَا يَخْفَى أَنَّ الْمُؤَلِّفَ بَنَى الِاخْتِلَافَ عَلَى رِوَايَةِ الطَّهَارَةِ الْمُفْتَى بِهَا أَمَّا عَلَى رِوَايَةِ النَّجَاسَةِ فَلَا كَلَامَ لَهُ فِي أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي التَّأْخِيرِ لِمَا سَيَنْقُلُهُ عَنْ الْهِنْدِيِّ وَالْمُحِيطِ هَذَا وَفِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ عَلَى الدُّرَرِ بَعْدَ نَقْلِ عِبَارَةِ النَّهْرِ قَالَ مَا نَصُّهُ، وَأَقُولُ: كَوْنُ الْوُجُوبِ لِلصَّلَاةِ فَقَطْ مَمْنُوعٌ وَقَوْلُهُ فَلَمْ يُفِدْ إلَى قَوْلِهِ تَحَامِيًا عَنْ الْإِسْرَافِ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ يُبَاحُ بِهِ حِينَئِذٍ مَسُّ الْمُصْحَفِ بَلْ مَا عَدَا الصَّلَاةِ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ لِزَوَالِ الْحَدَثِ وَهَلَّا تَكْفِي هَذِهِ الْفَائِدَةُ وَبَعْدَ حُصُولِهَا كَيْفَ يُقَالُ بِالْإِسْرَافِ، وَأَنَّ الْوَاجِبَ التَّرْكُ إذْ قَدْ لَا يُصَلِّي إذْ ذَاكَ وَقَوْلُهُ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ نَجَاسَةٍ وَنَجَاسَةٍ غَيْرُ مُسَلَّمٍ أَيْضًا بَلْ الْفَرْقُ وَاضِحٌ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ إذَا كَانَتْ عَلَى الْبَدَنِ وَلَاقَاهَا الْمَاءُ لَا يَسْقُطُ بِهِ الْحَدَثُ حِينَئِذٍ لِكَوْنِهِ تَنَجَّسَ بِهَا إلَّا إذَا تَطَهَّرَ الْمَحَلَّ مِنْهَا، فَإِنَّهُ يَرْتَفِعُ بِهِ الْحَدَثُ أَيْضًا وَلِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ انْتِشَارِهَا فِي الْبَدَنِ بِخِلَافِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 ؛ لِأَنَّهُمَا يَتَلَوَّثَانِ بِالْغَسَلَاتِ بَعْدُ فَيُحْتَاجُ إلَى غَسْلِهِمَا ثَانِيًا مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا تَحْصُلُ الْفَائِدَةُ الْكَامِلَةُ فِي تَقْدِيمِ غَسْلِهِمَا، وَإِنَّمَا قُلْنَا هَذَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَدَّمَ غَسْلَهُمَا وَلَمْ يَغْسِلْهُمَا ثَانِيًا خَرَجَ عَنْ الْجَنَابَةِ وَجَازَتْ صَلَاتُهُ عَلَى مَا هُوَ الْمُفْتَى بِهِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ الَّذِي أَصَابَهُمَا مِنْ الْأَرْضِ الْمُجْتَمَعِ فِيهَا الْغَسَلَاتُ مُسْتَعْمَلٌ وَالْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ طَاهِرٌ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ، وَلَيْسَ الَّذِي أَصَابَ قَدَمَيْهِ مِنْ صَبِّهِ عَلَى بَقِيَّةِ بَدَنِهِ غَيْرُ مَا اجْتَمَعَ فِي الْأَرْضِ مُسْتَعْمَلًا أَمَّا عَلَى رِوَايَةِ عَدَمِ التَّجَزِّي فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ التَّجَزِّي فَلَا يُوصَفُ هَذَا الْمَاءُ بِالِاسْتِعْمَالِ إلَّا بَعْدَ انْفِصَالِهِ عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ فَالْمَاءُ الَّذِي أَصَابَ الْقَدَمَيْنِ غَيْرُ مُسْتَعْمَلٍ؛ لِأَنَّ الْبَدَنَ كُلَّهُ فِي الْغُسْلِ كَعُضْوٍ وَاحِدٍ حَتَّى يَجُوزَ نَقْلُ الْبِلَّةِ فِيهِ مِنْ عُضْوٍ إلَى آخَرَ فَحِينَئِذٍ لَا حَاجَةَ إلَى غَسْلِهِمَا ثَانِيًا إلَّا عَلَى سَبِيلِ التَّنَزُّهِ وَالْأَفْضَلِيَّةِ لَا اللُّزُومِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ الَّذِي أَصَابَهُ مِنْ مُجْتَمَعِ الْغَسَلَاتِ وَإِنْ كَانَ طَاهِرًا فَقَدْ انْتَقَلَ إلَيْهِ الْحَدَثُ حَتَّى تَعَافَهُ الطِّبَاعُ السَّلِيمَةُ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الْهِنْدِيُّ فَقَالَ: وَهَذَا إنَّمَا يَتَأَتَّى عَلَى رِوَايَةِ نَجَاسَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ أَيْضًا، وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا مَا ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ بِقَوْلِهِ، وَإِنَّمَا لَا يَغْسِلُ رِجْلَيْهِ؛ لِأَنَّ غَسْلَهُمَا لَا يُفِيدُ؛ لِأَنَّهُمَا يَتَنَجَّسَانِ ثَانِيًا بِاجْتِمَاعِ الْغَسَلَاتِ فَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ عَلَى رِوَايَةِ نَجَاسَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ وَعَلَيْهَا فَمَعْنَى قَوْلِهِمْ لَا يُفِيدُ أَنَّهُ لَا يُفِيدُ فَائِدَةً تَامَّةً، وَإِلَّا فَقَدْ أَفَادَ التَّقْدِيمُ فَائِدَةً، وَهِيَ حِلُّ الْقُرْآنِ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ وَإِنْ كَانَتْ قَدَمَاهُ مُتَنَجِّسَتَيْنِ بِالْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ، وَبِهَذَا ظَهَرَ فَسَادُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْمَلَكِ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ مِنْ أَنَّ عَدَمَ الْفَائِدَةِ عَلَى رِوَايَةِ عَدَمِ التَّجَزِّي أَمَّا عَلَى رِوَايَةِ التَّجَزِّي فَغَسْلُهُمَا مُفِيدٌ؛ لِأَنَّ الْجَنَابَةَ تَزُولُ عَنْ رِجْلَيْهِ إذَا غَسَلَهُمَا فِي الْوُضُوءِ وَيَكُونُ طَاهِرًا فِي مُجْتَمَعِ الْمَاءِ بَعْدَ غَسْلِ سَائِرِ جَسَدِهِ، فَإِنَّهُ فُهِمَ مِنْ رِوَايَةِ عَدَمِ التَّجَزِّي أَنَّهُ لَوْ غَسَلَ رِجْلَيْهِ أَوَّلًا ثُمَّ غَسَلَ بَاقِيَ بَدَنِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَةُ غَسْلِ رِجْلَيْهِ لِأَجَلِ عَدَمِ ارْتِفَاعِ الْجَنَابَةِ عَنْهُمَا، وَهَذَا ذُهُولٌ عَظِيمٌ وَسَهْوٌ كَبِيرٌ، فَإِنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ فَرْضَ غَسْلِ الْقَدَمَيْنِ قَدْ سَقَطَ بِتَقْدِيمِهِ وَلَكِنْ هَلْ زَالَتْ الْجَنَابَةُ عَنْهُمَا أَوْ هُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى غَسْلِ الْبَاقِي فَرِوَايَةُ التَّجَزِّي قَائِلَةٌ بِالْأَوَّلِ وَرِوَايَة عَدَمُ التَّجَزِّي قَائِلَةٌ بِالثَّانِي لَا أَنَّهَا قَائِلَةٌ بِوُجُوبِ إعَادَةُ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ وَفَائِدَةُ اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ أَنَّهُ لَوْ تَمَضْمَضَ الْجُنُبُ أَوْ غَسَلَ يَدَيْهِ هَلْ يَحِلُّ لَهُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَمَسُّ الْمُصْحَفِ فَعَلَى رِوَايَةِ التَّجَزِّي يَحِلُّ لَهُ لِزَوَالِ الْجَنَابَةِ عَنْهُ وَعَلَى رِوَايَةِ عَدَمِ التَّجَزِّي لَا يَحِلُّ لَهُ لِعَدَمِ الزَّوَالِ الْآنَ وَقَدْ صَحَّحَ الْمَشَايِخُ هَذِهِ الرِّوَايَةَ وَقَدْ انْدَفَعَ بِمَا ذَكَرْنَا أَيْضًا مَا اسْتَشْكَلَهُ بَعْض الْمُحَشَّيْنِ مِنْ زَوَالِ الْجَنَابَةِ بِصَبِّ الْمَاءِ مِنْ الرَّأْسِ كَمَا هُوَ الْعَادَةُ عَلَى رِوَايَةِ التَّجَزِّي وَقَالَ كَمَا لَا يَخْفَى وَلَمْ يُجِبْ عَنْهُ، وَهُوَ سَهْوٌ مِنْهُ وَسُوءُ فَهْمٍ، فَإِنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْبَدَنَ فِي الْغُسْل كَعُضْوٍ وَاحِدٍ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمَاء لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا إلَّا بَعْد الِانْفِصَالِ عَنْ الْعُضْو فَعَلَى رِوَايَة التَّجَزِّي لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا إلَّا إذَا انْفَصِلْ عَنْ جَمِيع الْبَدَنِ، وَإِنْ زَالَتْ الْجَنَابَة عَنْ كُلّ عُضْو انْفَصِلْ عَنْهُ الْمَاءِ، وَهَذَا ظَاهِرِ لَا يَخْفَى، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْقَائِلِينَ بِالتَّأْخِيرِ إنَّمَا اسْتَحَبُّوهُ لِيَكُونَ الِافْتِتَاح وَالِاخْتِتَام بِأَعْضَاءِ الْوُضُوءِ أَخَذَا مِنْ حَدِيث مَيْمُونَةَ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَلَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بَلْ هُوَ مُحْتَمَلٌ؛ لِأَنَّ قَوْلهَا تَوَضَّأَ، وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ الْأَظْهَرُ فِيهِ إكْمَالُ وُضُوئِهِ وَقَوْلُهَا آخِرًا ثُمَّ تَنَحَّى فَغَسَلَ رِجْلَيْهِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِمَا نَالَهُمَا مِنْ تِلْكَ الْبُقْعَةِ اهـ. فَعَلَى هَذَا يَغْسِلُهُمَا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْغُسْلِ مُطْلَقًا أَعْنِي سَوَاءٌ غَسَلَهُمَا أَوْ لَا إكْمَالًا لِلْوُضُوءِ أَوْ لَمْ يَغْسِلْهُمَا وَسَوَاءٌ أَصَابَهُمَا طِينٌ أَوْ كَانَتَا فِي مُسْتَنْقَعِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ أَوْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ لَا يَخْفَى تَعَيُّنُ غَسْلِهِمَا فِي حَقِّ الْوَاحِدِ مِنَّا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْغُسْلِ إذَا كَانَتَا فِي مُسْتَنْقَعِ الْمَاءِ، وَكَانَ عَلَى الْبَدَنِ نَجَاسَةٌ مِنْ مَنِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَفِي الذَّخِيرَةِ نَقْلًا عَنْ الْعُيُونِ خَاضَ الرَّجُلُ فِي مَاءِ الْحَمَّامِ بَعْدَ مَا غَسَلَ قَدَمَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ فِي الْحَمَّامِ جُنُبًا أَجْزَأَهُ أَنْ لَا يَغْسِلَ قَدَمَيْهِ، وَإِنْ عَلِمَ أَنْ فِي الْحَمَّامِ جُنُبًا قَدْ اغْتَسَلَ يَلْزَمُهُ أَنْ يَغْسِلَ قَدَمَيْهِ إذَا خَرَجَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي وَاقِعَاتِهِ وَعَلَى   [منحة الخالق] تَنَجُّسِ الرِّجْلَيْنِ مِنْ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ انْفِصَالِهِ وَتَمَامِ الطَّهَارَةِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الْهِنْدِيُّ فَقَالَ إلَخْ) أَقُولُ: لَا يَخْفَى أَنَّ مَا بَنَى عَلَيْهِ كَلَامَهُ مِنْ الِاخْتِلَافِ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ هُوَ أَنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ طَاهِرٌ وَمَا ذَكَرَهُ هُنَا مَبْنِيٌّ عَلَى نَجَاسَتِهِ، وَعَلَيْهِ فَلَا يَكُونُ الِاخْتِلَافُ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ بَلْ فِي اللُّزُومِ وَعَدَمِهِ إذْ لَا شُبْهَةَ فِي لُزُومِ غَسْلِهِمَا بِنَاءً عَلَيْهِ فَكَيْفَ يُقَوَّى بِهِ كَلَامَهُ مَعَ أَنَّهُ يُنَابِذُ مَرَامَهُ (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ فَهِمَ مِنْ رِوَايَةِ عَدَمِ التَّجَزِّي إلَخْ) أُخِذَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الْجَنَابَةَ تَزُولُ عَنْ رِجْلَيْهِ إلَخْ، فَإِنَّ مَفْهُومَهُ أَنَّهُ عَلَى رِوَايَةِ عَدَمِ التَّجَزِّي خِلَافُ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي غَسْلِهِمَا أَوَّلًا وَأَنَّهُ يَجِبُ إعَادَةُ غَسْلِهِمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 مَا اخْتَرْنَاهُ فِي الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَلْزَمَهُ غَسْلُ الْقَدَمَيْنِ لَكِنْ اسْتَثْنَى الْجُنُبَ فِي الْكِتَابِ، فَإِنَّهُ مَوْضِعُ الِاسْتِثْنَاءِ وَغَيْرُهُ قَالَ إنَّمَا اسْتَثْنَى الْجُنُبَ؛ لِأَنَّ الْجُنُبَ يَكُونُ عَلَى بَدَنِهِ قَذَرٌ ظَاهِرًا وَغَالِبًا حَتَّى لَوْ لَمْ يَكُنْ كَانَ الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ لِلْمُحْدِثِ وَالْجُنُبِ سَوَاءً وَيَكُونُ طَاهِرًا عَلَى رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ وَلَا يَلْزَمُهُ غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ اهـ. وَفِي بَقِيَّةِ حَدِيثِ مَيْمُونَةَ «ثُمَّ أَتَيْته بِالْمِنْدِيلِ فَرَدَّهُ» قَالَ النَّوَوِيُّ: فِيهِ اسْتِحْبَابُ تَرْكِ تَنْشِيفِ الْأَعْضَاءِ وَقَالَ الْإِمَامُ لَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ تَنْشِيفُ الْمَاءِ عَنْ الْأَعْضَاءِ وَلَا يُسْتَحَبُّ وَلَكِنْ هَلْ يُكْرَهُ فِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ الصَّحَابَةِ وَقَالَ الْقَاضِي: يُحْتَمَلُ رَدُّهُ لِلْمِنْدِيلِ لِشَيْءٍ رَآهُ أَوْ لِاسْتِعْجَالِهِ فِي الصَّلَاةِ أَوْ تَوَاضُعًا أَوْ خِلَافًا لِعَادَةِ أَهْلِ التَّرَفُّهِ وَيَكُونُ الْحَدِيثُ الْآخَرُ فِي أَنَّهُ كَانَتْ لَهُ خِرْقَةٌ يَتَنَشَّفُ بِهَا عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَشِدَّةِ الْبَرْدِ لِيُزِيلَ بَرْدَ الْمَاءِ عَنْ أَعْضَائِهِ اهـ. وَالْمَنْقُولُ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَغَيْرِهَا أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالتَّمَسُّحِ بِالْمِنْدِيلِ لِلْمُتَوَضِّئِ وَالْمُغْتَسِلِ إلَّا أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُبَالِغَ وَيَسْتَقْصِيَ فَيَبْقَى أَثَرُ الْوُضُوءِ عَلَى أَعْضَائِهِ وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِاسْتِحْبَابِهِ إلَّا صَاحِبَ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي فَقَالَ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَمْسَحَ بِمِنْدِيلٍ بَعْدَ الْغُسْلِ الْإِشَارَةُ الثَّالِثَةُ أَنَّ جَمِيعَ السُّنَنِ وَالْمَنْدُوبَاتِ فِي الْوُضُوءِ ثَابِتَةٌ فِي هَذَا الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ فَتُسَنُّ النِّيَّةُ وَيُنْدَبُ التَّلَفُّظُ بِهَا. . قَالَ فِي الْبَدَائِعِ، وَأَمَّا آدَابُ الْغُسْلِ فَهِيَ آدَابُ الْوُضُوءِ لَكِنْ يُسْتَثْنَى مِنْهُ أَنَّ مِنْ آدَابِ الْوُضُوءِ اسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ بِخِلَافِ الْغُسْلِ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ غَالِبًا مَعَ كَشْفِ الْعَوْرَةِ بِخِلَافِ الْوُضُوءِ كَذَا فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَمِنْ مَكْرُوهَاتِهِ الْإِسْرَافُ وَتَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ؛ وَلِهَذَا قَدَّرَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ الصَّاعَ لِلْغُسْلِ، وَالْمُدَّ لِلْوُضُوءِ، وَهُوَ تَقْدِيرُ أَدْنَى الْكِفَايَةِ عَادَةً وَلَيْسَ بِتَقْدِيرٍ لَازِمٍ حَتَّى إنَّ مَنْ أَسْبَغَ بِدُونِ ذَلِكَ أَجْزَأَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكْفِهِ زَادَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ طِبَاعَ النَّاسِ وَأَحْوَالَهُمْ تَخْتَلِفُ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَنَقَلَ النَّوَوِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَى عَدَمِ لُزُومِ التَّقْدِيرِ، وَفِي الْخُلَاصَةِ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ لَا يَقْتَصِرَ عَلَى الصَّاعِ فِي الْغُسْلِ بَلْ يَغْتَسِلُ بِأَزْيَدَ مِنْهُ بَعْدَ أَنْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى الْوَسْوَاسِ، فَإِنْ أَدَّى لَا يَسْتَعْمِلُ إلَّا قَدْرَ الْحَاجَةِ اهـ. وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ، فَإِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ يَزِيدُ عَلَى الصَّاعِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ حَاجَةٌ مَعَ أَنَّ الثَّابِتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ وَيَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ» وَفِي الْبُخَارِيِّ «اغْتِسَالُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالصَّاعِ» مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ وَعَائِشَةَ كَمَا نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فَكَانَ الِاقْتِصَارُ عَلَى مَا فَعَلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْضَلَ إذَا اكْتَفَى بِهِ وَقَدْ قَالُوا إنْ مَكَثَ فِي الْمَاءِ الْجَارِي قَدْرَ الْوُضُوءَ وَالْغُسْلِ فَقَدْ أَكْمَلَ السُّنَّةَ، وَإِلَّا فَلَا. اهـ. وَيُقَاسُ عَلَى مَا لَوْ تَوَضَّأَ فِي الْحَوْضِ الْكَبِيرِ أَوْ وَقَفَ فِي الْمَطَرِ كَمَا لَا يَخْفَى. (قَوْلُهُ: وَلَا تُنْقَضُ ضَفِيرَةٌ إنْ بُلَّ أَصْلُهَا) أَيْ وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تَنْقُضَ ضَفِيرَتَهَا إنْ بَلَّتْ فِي الِاغْتِسَالِ أَصْلَ شَعْرِهَا وَالضَّفِيرَةُ بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ الذُّؤَابَةُ مِنْ الضَّفْرِ، وَهُوَ فَتْلُ الشَّعْرِ وَإِدْخَالُ بَعْضِهِ فِي بَعْضٍ وَلَا يُقَالُ بِالظَّاءِ وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ «قَالَتْ: قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي امْرَأَةٌ أَشُدُّ ضَفْرَ رَأْسِي أَفَأَنْقُضهُ لِغُسْلِ الْجَنَابَةِ فَقَالَ: لَا إنَّمَا يَكْفِيك أَنْ تَحْثِي عَلَى رَأْسِك ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ ثُمَّ تُفِيضِينَ عَلَيْك الْمَاءَ فَتَطْهُرِينَ وَفِي رِوَايَةٍ أَفَأَنْقُضُهُ لِلْحَيْضِ وَالْجَنَابَةِ» وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ بِنَحْوِ مَعْنَاهُ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: وَمُقْتَضَى هَذَا الْحَدِيثِ عَدَمُ وُجُوبِ الْإِيصَالِ إلَى الْأُصُولِ لَكِنْ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ، وَإِنَّمَا شَرَطَ تَبْلِيغَ الْمَاءِ أُصُولَ الشَّعْرِ لِحَدِيثِ حُذَيْفَةَ، فَإِنَّهُ كَانَ يَجْلِسُ إلَى جَنْبِ امْرَأَتِهِ إذَا اغْتَسَلَتْ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِاسْتِحْبَابِهِ إلَّا صَاحِبَ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي إلَخْ) قَالَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي إمْدَادِ الْفَتَّاحِ وَاسْتَدَلَّ لَهُ شَارِحُ الْمُنْيَةِ الْحَلَبِيُّ بِمَا رَوَتْهُ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - قَالَتْ «كَانَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خِرْقَةٌ يَتَنَشَّفُ بِهَا بَعْدَ الْوُضُوءِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَهُوَ ضَعِيفٌ وَلَكِنْ يَجُوزُ الْعَمَلُ بِالضَّعِيفِ فِي الْفَضَائِلِ اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُدَّعِي التَّنْشِيفُ بَعْدَ الْغُسْلِ وَالْمَرْوِيُّ فِي الْوُضُوءِ اهـ. وَقَدْ يُقَالُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا عَلَى أَنَّهُ سَيَأْتِي قَرِيبًا أَنَّ آدَابَ الْغُسْلِ هِيَ آدَابُ الْوُضُوءِ سِوَى اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ تَأَمَّلْ. [آدَابُ الْغُسْلِ] (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلَا تُنْقَضُ ضَفِيرَةٌ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ لِقَوْلِهِ إنَّ بُلَّ أَصْلُهَا إذْ لَوْ بَنَاهُ لِلْفَاعِلِ لَقَالَ إنْ بَلَّتْ كَذَا فِي الشَّرْحِ وَفِيهِ نَظَرٌ وَمَا الْمَانِعُ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْأَوَّلُ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ وَالثَّانِي لِلْمَفْعُولِ نَعَمْ الْأَنْسَبُ كَوْنُ الْفِعْلَيْنِ عَلَى نَسَقٍ وَاحِدٍ وَفِيهِ إيمَاءٌ إلَى وُجُوبِ غَسْلِ أَثْنَائِهَا لَوْ كَانَتْ مَنْقُوضَةً لِعَدَمِ الْحَرَجِ وَمِنْ ثَمَّ رَجَّحَ فِي الْمِعْرَاجِ وُجُوبَ النَّقْضِ فِي الْأَتْرَاكِ وَالْعَلَوِيَّةِ وَدَعْوَى الْحَرَجِ فِيهِمَا أَيْضًا مَمْنُوعَةٌ بَقِيَ أَنَّ بِنَاءَهُ لِلْمَفْعُولِ يُؤْذِنُ بِعَدَمِ وُجُوبِ النَّقْضِ فِيهِمَا أَيْضًا وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ الرَّاجِحَ خِلَافُهُ. وَالْجَوَابُ أَنَّ التَّنْوِينَ بَدَلٌ عَنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ أَيْ ضَفِيرَةُ الْمَرْأَةِ وَحَذَفَهَا اخْتِصَارًا كَمَا فِي الشَّرْحِ وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ قَوْلَهُ فِي الْبَحْرِ إنَّ ظَاهِرَ الْكِتَابِ الِاكْتِفَاءُ بِالْوُصُولِ إلَى الْأُصُولِ وَلَوْ مَنْقُوضَةً غَيْرُ ظَاهِرٍ، وَإِذَا لَمْ يَجِبْ مَعَ الضَّفْرِ الْوُصُولُ إلَى الْأَثْنَاءِ فَالذَّوَائِبُ أَوْلَى، وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَهَذَا أَوْلَى مِمَّا فِي صَلَاةِ الْبَقَّالِيِّ مِنْ تَرْجِيحِ الْوُجُوبِ، وَإِنْ جَاوَزَتْ الْقَدَمَيْنِ اهـ. وَالْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ وَبِهَذَا عُلِمَ إلَخْ إلَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْإِيمَاءِ وَتَأَمَّلْ مَا الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ، وَإِذَا لَمْ يَجِبْ مَعَ الضَّفْرِ إلَخْ، فَإِنَّ الذَّوَائِبَ هِيَ الضَّفَائِرُ وَمَا وَجْهُ الْأَوْلَوِيَّةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 وَيَقُولُ يَا هَذِهِ أَبْلَغِي الْمَاءَ أُصُولَ شَعْرِك وَشُؤُونَ رَأْسِك وَهُوَ مَجْمَعُ عِظَامِ الرَّأْسِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَأَوْرَدَ صَاحِبُ الْمِعْرَاجِ أَنَّ حَدِيثَ أُمِّ سَلَمَةَ مُعَارِضٌ لِلْكِتَابِ. وَأَجَابَ تَارَةً بِالْمَنْعِ، فَإِنَّ مُؤَدَّى الْكِتَابِ غَسْلُ الْبَدَنِ وَالشَّعْرُ لَيْسَ مِنْهُ بَلْ مُتَّصِلٌ بِهِ نَظَرًا إلَى أُصُولِهِ فَعَلِمْنَا بِمُقْتَضَى الِاتِّصَالِ فِي حَقِّ الرِّجَالِ حَتَّى قُلْنَا يَجِبُ النَّقْضُ عَلَى الْأَتْرَاكِ وَالْعَلَوِيِّينَ عَلَى الصَّحِيحِ، وَيَجِبُ عَلَيْهَا الْإِيصَالُ إلَى أَثْنَاءِ شَعْرِهَا إذَا كَانَ مَنْقُوضًا لِعَدَمِ الْحَرَجِ وَبِمُقْتَضَى الِانْفِصَالِ فِي حَقِّ النِّسَاءِ دَفْعًا لِلْحَرَجِ إذْ لَا يُمْكِنُهُنَّ حَلْقُهُ وَتَارَةً بِأَنَّهُ خَصَّ مِنْ الْآيَةِ مَوَاضِعَ الضَّرُورَةِ كَدَاخِلِ الْعَيْنَيْنِ فَيَخُصُّ بِالْحَدِيثِ بَعْدَهُ وَأَمَّا أَمْرُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - بِنَقْضِ النِّسَاءِ رُءُوسَهُنَّ إذَا اغْتَسَلْنَ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ إيجَابَ ذَلِكَ عَلَيْهِنَّ فِي شُعُورٍ لَا يَصِلُ الْمَاءُ إلَيْهَا أَوْ يَكُونُ مَذْهَبًا لَهُ أَنَّهُ يَجِبُ النَّقْضُ بِكُلِّ حَالٍ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ النَّخَعِيّ أَوْ لَا يَكُونُ بَلَغَهُ حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ وَعَائِشَةَ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُهُنَّ بِذَلِكَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَالِاحْتِيَاطِ لَا عَلَى الْوُجُوبِ كَذَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَفِي الْهِدَايَةِ، وَلَيْسَ عَلَيْهَا بَلُّ ذَوَائِبِهَا وهُوَ الصَّحِيحُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَجِبُ بَلُّهَا ثَلَاثًا مَعَ كُلِّ بِلَّةٍ عَصْرَةٌ وَفِي صَلَاةِ الْبِقَالِيِّ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجِبُ غَسْلُ الذَّوَائِبِ، وَإِنْ جَاوَزَتْ الْقَدَمَيْنِ وَالْمُخْتَارُ عَدَمُ الْوُجُوبِ كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي الْجَامِعِ الْحُسَامِيِّ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ فِي الْمُضْمَرَاتِ لِلْحَصْرِ الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِيثِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ: الِاكْتِفَاءُ بِالْوُصُولِ إلَى الْأُصُولِ مَنْقُوضًا كَانَ أَوْ مَعْقُوصًا، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الذَّخِيرَةِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي هَذَا الْبَابِ الثَّانِي الِاكْتِفَاءُ بِالْوُصُولِ إلَى الْأُصُولِ إذَا كَانَ مَضْفُورًا وَوُجُوبُ الْإِيصَالِ إلَى أَثْنَائِهِ إذَا كَانَ مَنْقُوضًا وَمَشَى عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْمُحِيطِ وَالْبَدَائِعِ وَالْكَافِي الثَّالِثُ وُجُوبُ بَلِّ الذَّوَائِبِ مَعَ الْعَصْرِ وَصُحِّحَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَلَوْ أَلْزَقَتْ الْمَرْأَةُ رَأْسَهَا بِالصَّيَّبِ بِحَيْثُ لَا يَصِلُ الْمَاءُ إلَى أُصُولِ الشَّعْرِ وَجَبَ عَلَيْهَا إزَالَتُهُ وَثَمَنُ مَاءِ غُسْلِ الْمَرْأَةِ وَوُضُوئِهَا عَلَى الزَّوْجِ، وَإِنْ كَانَتْ غَنِيَّةً كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فَصَارَ كَمَاءِ الشُّرْبِ؛ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ غُسْلِ الْجَنَابَةِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْوَاجِبِ وَذَكَرَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ تَفْصِيلًا فِي غُسْلِ الْحَيْضِ فَقَالَ: إذَا انْقَطَعَ لِأَقَلَّ مِنْ عَشْرَةٍ فَعَلَى الزَّوْجِ لِاحْتِيَاجِهِ إلَى وَطْئِهَا بَعْدَ الْغُسْلِ، وَإِنْ انْقَطَعَ لِعَشْرَةٍ فَعَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا هِيَ الْمُحْتَاجَةُ إلَيْهِ لِلصَّلَاةِ وَقَدْ يُقَالُ إنَّ مَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ الْمَرْأَةُ مِمَّا لَا بُدَّ لَهَا مِنْهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ هُوَ مُحْتَاجًا إلَيْهِ أَوْ لَا فَالْأَوْجَهُ إطْلَاقُ مَا قَدَّمْنَاهُ. (قَوْلُهُ: وَفَرْضٌ عِنْدَ مَنِيٍّ ذِي دَفْقٍ وَشَهْوَةٍ عِنْدَ انْفِصَالِهِ) أَيْ وَفَرْضٌ الْغُسْلُ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي سَبَبِ وُجُوبِهِ فَظَاهِرُ مَا فِي الْهِدَايَةِ أَنَّ إنْزَالَ الْمَنِيِّ وَنَحْوَهُ سَبَبٌ لَهُ، فَإِنَّهُ قَالَ الْمَعَانِي الْمُوجِبَةُ لِلْغُسْلِ إنْزَالُ الْمَنِيِّ إلَى آخِرِهِ وَتَعَقَّبَهُ فِي النِّهَايَةِ بِأَنَّ هَذِهِ مَعَانٍ مُوجِبَةٌ لِلْجَنَابَةِ لَا لِلْغُسْلِ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ مِنْ عُلَمَائِنَا، فَإِنَّهَا تَنْقُضُهُ فَكَيْفَ تُوجِبُهُ وَرَدَّهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْغُسْلَ يَجِبُ بِهَذِهِ الْمَعَانِي عَلَى طَرِيقِ الْبَدَلِ، وَإِنَّمَا يَتَوَجَّهُ مَا اعْتَرَضَ بِهِ إذَا كَانَتْ هَذِهِ الْمَعَانِي مُوجِبَةً لِوُجُودِ الْغُسْلِ لَا لِوُجُوبِهِ وَرُدَّ أَيْضًا بِأَنَّهَا تَنْقُضُ مَا كَانَ وَتُوجِبُ مَا سَيَكُونُ فَلَا مُنَافَاةَ. وَأَجَابَ فِي الْمُسْتَصْفَى أَيْضًا بِأَنَّ هَذِهِ الْمَعَانِيَ شُرُوطٌ فِي الْوُجُوبِ لَا أَسْبَابٌ فَأُضِيفَ الْوُجُوبُ إلَى الشَّرْطِ مَجَازًا كَقَوْلِهِمْ صَدَقَةُ الْفِطْرِ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ يَتَعَلَّقُ بِهِ الْوُجُودُ وَالْوُجُوبُ وَالشَّرْطُ يُضَافُ إلَيْهِ الْوُجُودُ فَشَارَكَ الشَّرْطُ السَّبَبَ فِي الْوُجُودِ وَقَالَ فِي الْكَافِي، وَإِنَّمَا قَالَ عِنْدَ مَنِيٍّ وَلَمْ يَقُلْ بِمَنِيٍّ؛ لِأَنَّ سَبَبَ وُجُوبِ الْغُسْلِ الصَّلَاةُ أَوْ إرَادَةُ مَا لَا يَحِلُّ مَعَ الْجَنَابَةِ وَالْإِنْزَالِ وَالِالْتِقَاءِ وَفِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ سَبَبُ وُجُوبِ الْغُسْلِ إرَادَةُ مَا لَا يَحِلُّ فِعْلُهُ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ وَتَعَقَّبَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِأَنَّ الْغُسْلَ يَجِبُ إذَا وُجِدَ أَحَدُ هَذِهِ الْمَعَانِي وُجِدَتْ الْإِرَادَةُ أَوَّلًا فَكَيْفَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: أَبْلَغِي الْمَاءَ أُصُولَ شَعْرِك وَشُؤُونَ رَأْسِك إلَخْ) قَالَ فِي الْحِلْيَةِ وَالشُّؤُونُ بِضَمِّ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ فِي الْأَصْلِ الْخُطُوطُ الَّتِي فِي عَظْمِ الْجُمْجُمَةِ، وَهُوَ مُجْتَمَعُ شُعَبِ عِظَامِهَا الْوَاحِدُ شَأْنٌ وَالْمُرَادُ هَا هُنَا أُصُولُ شَعْرِ رَأْسِهَا (قَوْلُهُ: مَنْقُوضًا كَانَ أَوْ مَعْقُوصًا) أَيْ مَضْفُورًا قَالَ فِي الْقَامُوسِ عَقَصَ شَعْرَهُ يَعْقِصُهُ ضَفَّرَهُ وَفَتَلَهُ وَالْعِقْصَةُ بِالْكَسْرِ الْعَقِيصَةُ وَالضَّفِيرَةُ (قَوْلُهُ: وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الذَّخِيرَةِ) أَيْ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الذَّخِيرَةِ أَنَّ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ قَالَ شَارِحُ الْمُنْيَةِ الْعَلَّامَةُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ الْحَلَبِيُّ، وَهَذَا فِيمَا يَظْهَرُ مِنْ الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ اهـ. فَمَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ مِنْ قَوْلِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَتْنِ غَيْرُ صَحِيحٍ بَلْ ظَاهِرُ الْمَتْنِ هُوَ الْقَوْلُ الثَّانِي اهـ. [مُوجِبَات الْغُسْل] (قَوْلُهُ: يَجِبُ بِهَذِهِ الْمَعَانِي عَلَى طَرِيقِ الْبَدَلِ) أَيْ أَنَّ أَيَّ مَعْنًى إذَا وُجِدَ مِنْ هَذِهِ الْمَعَانِي يَجِبُ بِهِ الْغَسْلُ وَلَا مَدْخَلَ لِهَذَا فِي الرَّدِّ فَالْأَوْلَى الِاقْتِصَارُ عَلَى قَوْلِهِ، وَإِنَّمَا يَتَوَجَّهُ إلَخْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 يَكُونُ سَبَبًا وَقِيلَ السَّبَبُ الْجَنَابَةُ وَرُدَّ أَيْضًا لِوُجُودِهِ فِي الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَاخْتَارَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّ السَّبَبَ الْجَنَابَةُ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ لِيَدْخُلَ الْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ وَيُرَدُّ بِمَا قَدَّمْنَاهُ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ مِنْ أَنَّهُ يُوجَدُ الْحَدَثُ وَالْجَنَابَةُ وَلَا يَجِبُ الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ كَمَا إذَا كَانَ قَبْلَ الْوَقْتِ، فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ سَبَبُهُ وُجُوبُ مَا لَا يَحِلُّ مَعَ الْجَنَابَةِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. اعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ مُجْمِعَةٌ الْآنَ عَلَى وُجُوبِ الْغُسْلِ بِالْجِمَاعِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إنْزَالٌ وَعَلَى وُجُوبِهِ بِالْإِنْزَالِ، وَكَانَتْ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ إلَّا بِالْإِنْزَالِ ثُمَّ رَجَعَ بَعْضُهُمْ، وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ بَعْدَ الْآخَرِينَ وَفِي الْبَابِ حَدِيثُ «إنَّمَا الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ» مَعَ حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي «الرَّجُلِ يَأْتِي أَهْلَهُ ثُمَّ لَا يُنْزِلُ قَالَ يَغْسِلُ ذَكَرَهُ وَيَتَوَضَّأُ» وَفِيهِ الْحَدِيثُ الْآخَرُ «إذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الْأَرْبَعِ ثُمَّ جَهَدَهَا فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ، وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ» قَالَ الْعُلَمَاءُ الْعَمَلُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ، وَأَمَّا حَدِيثُ «الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ» فَالْجُمْهُورُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ قَالُوا إنَّهُ مَنْسُوخٌ وَيَعْنُونَ بِالنَّسْخِ أَنَّ الْغُسْلَ مِنْ الْجِمَاعِ بِغَيْرِ إنْزَالٍ كَانَ سَاقِطًا ثُمَّ صَارَ وَاجِبًا وَذَهَبَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ مَنْسُوخًا بَلْ الْمُرَادُ بِهِ نَفْيُ وُجُوبِ الْغُسْلِ بِالرُّؤْيَةِ فِي النَّوْمِ إذَا لَمْ يُنْزِلْ، وَهَذَا الْحُكْمُ بَاقٍ بِلَا شَكٍّ، وَأَمَّا حَدِيثُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فَفِيهِ جَوَابَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مَنْسُوخٌ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا بَاشَرَهَا فِيمَا سِوَى الْفَرْجِ كَذَا ذَكَرَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لَكِنْ عِنْدَنَا يُشْتَرَطُ فِي وُجُوبِ الْغُسْلِ بِالْإِنْزَالِ أَنْ يَكُونَ انْفِصَالُ الْمَنِيِّ عَنْ شَهْوَةٍ، وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ عِنْدَ مَنِيٍّ ذِي دَفْقٍ وَشَهْوَةٍ يُقَالُ دَفَقَ الْمَاءَ دَفْقًا صَبَّهُ صَبًّا فِيهِ دَفْعٌ وَشِدَّةٌ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَفِي ضِيَاءِ الْحُلُومِ دَفَقَ الْمَاءَ دَفْقًا صَبَّهُ، وَدَفَقَ الْمَاءَ دُفُوقًا يَتَعَدَّى، وَلَا يَتَعَدَّى وَعَبَّرَ عَنْهُ فِي الْهِدَايَةِ بِقَوْلِهِ إنْزَالُ الْمَنِيِّ عَلَى وَجْهِ الدَّفْقِ وَالشَّهْوَةِ وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ نُزُولُ الْمَنِيِّ دُونَ الْإِنْزَالِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ النُّزُولِ الْإِنْزَالُ دُونَ الْعَكْسِ، فَإِنَّ مَنْ احْتَلَمَ أَوْ وَجَدَ عَلَى فَخِذِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ بِلَا قَصْدِ الْإِنْزَالِ ذَكَرَهُ الْهِنْدِيُّ فَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَكُونُ ذِكْرُ الدَّفْقِ اشْتِرَاطًا لِلْخُرُوجِ مِنْ رَأْسِ الذَّكَرِ، فَإِنَّهُ يُقَالُ دَفَقَ الْمَاءُ دُفُوقًا بِمَعْنَى خَرَجَ مِنْ مَحَلِّهِ بِخِلَافِ دَفَقَ دَفْقًا، فَإِنَّهُ بِمَعْنَى صَبَّهُ صَبًّا لَكِنَّ هَذَا إنَّمَا يَسْتَقِيمُ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَمَّا عِنْدَهُمَا لَا يَسْتَقِيمُ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَجْعَلَا الدَّفْقَ شَرْطًا بَلْ تَكْفِي الشَّهْوَةُ حَتَّى قَالَا بِوُجُوبِهِ إذَا زَايَلَ الْمَنِيَّ مِنْ مَكَانِهِ بِشَهْوَةٍ وَإِنْ خَرَجَ بِلَا دَفْقٍ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَغَيْرِهِمَا وَأَجَابَ عَنْهُ فِي الْعِنَايَةِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ بِأَنَّهُ لَا حَصْرَ فِي كَلَامِهِ فَلِكَيْ يَسْتَقِيم غَايَتُهُ يَلْزَمُ تَرْكُ بَعْضِ مُوجِبَاتِهِ عِنْدَهُمَا فِي مَوْضِعِ بَيَانِهَا اهـ. وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْمُرَادَ بِكَوْنِ الْإِنْزَالِ عَلَى وَجْهِ الشَّهْوَةِ أَنْ يَكُونَ لِلشَّهْوَةِ دَخْلٌ فِي الْإِنْزَالِ سَوَاءٌ كَانَتْ مُقَارِنَةً أَوْ سَابِقَةً عَلَيْهِ مُقَارِنَةً لِلِانْفِصَالِ هَذَا، وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ أَشَدُّ إشْكَالًا؛ لِأَنَّهُ يَرِدُ عَلَيْهَا مَا وَرَدَ عَلَى عِبَارَةِ الْقُدُورِيِّ مِنْ أَنَّهَا لَا تَشْمَلُ مَنِيَّ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ مَاءَهَا لَا يَكُونُ دَافِقًا كَمَاءِ الرَّجُلِ، وَإِنَّمَا يَنْزِلُ مِنْ صَدْرِهَا إلَى فَرْجِهَا كَمَا ذَكَرَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوِيهِ وَيَرِدُ عَلَى عِبَارَةِ الْمُخْتَصَرِ خَاصَّةً التَّنَاقُضُ فِي التَّرْكِيبِ؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الدَّفْقِ يُفِيدُ اشْتِرَاطَ خُرُوجِ الْمَنِيِّ بِشَهْوَةٍ مِنْ رَأْسِ الذَّكَرِ وَقَوْلُهُ عِنْدَ انْفِصَالِهِ يَنْفِيه فَلَوْ حَذَفَ الدَّفْقَ لَكَانَ أَوْلَى   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَرُدَّ أَيْضًا) أَيْ رُدَّ مَا تَعَقَّبَ بِهِ فِي النِّهَايَةِ، وَهَذَا الرَّدُّ يَئُولَ فِي الْمَعْنَى إلَى مَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ (قَوْلُهُ: لَكِنَّ هَذَا إنَّمَا يَسْتَقِيمُ إلَخْ) هَذِهِ الْجُمْلَةُ مِنْ هُنَا إلَى قَوْلِهِ لِمَا فِي ضِيَاءِ الْحُلُومِ مَوْجُودَةٌ فِي بَعْضِ النُّسَخِ بَيْنَ قَوْلِهِ الْآتِي، فَإِنَّهُ بِمَعْنَى صَبَّهُ صَبًّا وَقَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْمَوْجُودُ فِيهَا بَعْدَ قَوْلِهِ هُنَا كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَفِي ضِيَاءِ الْحُلُومِ إلَى قَوْلِهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَلَا يَخْفَى عَلَى الْمُتَأَمِّلِ أَنَّ هَذَا الْمَوْجُودَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ كَمَا قُلْنَا أَحْسَنُ (قَوْلُهُ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْمُرَادَ الْإِنْزَالُ إلَخْ) لَمْ يَظْهَرْ لِهَذَا مَدْخَلٌ فِي هَذَا الْمَحَلِّ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَقَوْلُهُ عِنْدَ انْفِصَالِهِ يَنْفِيهِ) وَحِينَئِذٍ فَلَا يَسْتَقِيمُ حَمْلُهُ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَشْتَرِطُ الشَّهْوَةَ وَالدَّفْقَ عِنْدَ الْخُرُوجِ عَنْ رَأْسِ الذَّكَرِ لَا عِنْدَ الِانْفِصَالِ وَأَقُولُ: وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ يُمْكِنُ: تَوْجِيهُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَرِدُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِمَّا ذُكِرَ وَلَكِنْ مَعَ نَوْعٍ مِنْ التَّكَلُّفِ وَذَلِكَ بِأَنْ يُحْمَلَ الدَّفْقُ عَلَى أَنَّهُ مَصْدَرُ اللَّازِمِ كَمَا يَذْكُرُهُ الشَّارِحُ أَيْ ذِي دَفْعٍ أَوْ عَلَى مَا قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ كَمَا نَقَلَهُ فِي النَّهْرِ أَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ دَافِقًا؛ لِأَنَّ بَعْضَهُ يَدْفُقُ بَعْضًا أَيْ يَدْفَعُهُ فَمِنْهُ دَافِقٌ وَمِنْهُ مَدْفُوقٌ وَالظَّرْفُ فِي قَوْلِهِ عِنْدَ انْفِصَالِهِ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ فَرْضٌ كَالظَّرْفِ فِي قَوْلِهِ عِنْدَ مَنِيٍّ وَالْمُرَادُ بِالِانْفِصَالِ الْخُرُوجُ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ صَادِقًا بِالْقَوْلَيْنِ؛ لِأَنَّ الشَّهْوَةَ لَمْ تُقَيَّدْ بِكَوْنِهَا عِنْدَ الِانْفِصَالِ وَلَا عِنْدَ الْخُرُوجِ أَوْ الظَّرْفُ الْأَوَّلُ مُتَعَلِّقٌ بِفَرْضٍ، وَهُوَ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ أَيْ عِنْدَ خُرُوجِ مَنِيٍّ وَالثَّانِي مُتَعَلِّقٌ بِالدَّفْقِ، وَهَذَا أَقْرَبُ مِنْ الْأَوَّلِ وَعَلَيْهِمَا فَذِكْرُ الشَّهْوَةِ تَصْرِيحٌ بِمَا عُلِمَ الْتِزَامًا فَلَا يَكُونُ مُسْتَدْرِكًا كَمَا قِيلَ لِتَغَايُرِ مَفْهُومَيْهِمَا، وَإِنْ اسْتَلْزَمَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ مَا يُشْعِرُ بِهَذَا الْوَجْهِ الثَّانِي فِيمَا بَعْدُ وَالدَّفْقُ عَلَى تَفْسِيرَيْهِ الْمَارَّيْنِ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْخُرُوجِ وَيَشْمَلُ كَلَامُهُ مَنِيَّ الْمَرْأَةِ لِأَنَّهُ يَنْدَفِعُ عِنْدَ خُرُوجِهِ أَوْ يَدْفَعُ بَعْضُهُ بَعْضًا وَيَنْدَفِعُ أَيْضًا التَّنَاقُضُ عَنْ كَلَامِهِ، وَهَذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 وَقَدْ يُقَالُ إنَّ الدَّفْقَ بِمَعْنَى الدُّفُوقِ مَصْدَرُ اللَّازِمِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنَّ إنْزَالَهُ مُوجِبٌ لِلْغُسْلِ كَانَ عَنْ شَهْوَةٍ أَوْ لَا وَاسْتَدَلُّوا لَهُ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ» أَيْ الِاغْتِسَالُ مِنْ الْإِنْزَالِ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ كَمَا نَقَلَهُ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَفِي الذَّخِيرَةِ، وَهُوَ مُخْتَارُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ، وَاسْتَدَلَّ فِي الْهِدَايَةِ لَنَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] ، وَهُوَ فِي اللُّغَة اسْمٌ لِمَنْ قَضَى شَهْوَتَهُ فَكَانَ وُجُوبُ الِاغْتِسَالِ مُعَلَّقًا بِالْجَنَابَةِ لَا بِخُرُوجِ الْمَنِيِّ وَأُورِدَ عَلَى هَذَا أَنَّ ظَاهِرَهُ الِاسْتِدْلَال بِمَفْهُومِ الشَّرْطِ، وَلَمْ يَجِبْ عَنْهُ وَقَدْ يُقَالُ لَيْسَ هَذَا اسْتِدْلَالًا بِمَفْهُومِ الشَّرْطِ بَلْ لَمَّا كَانَ الْحُكْمُ مُعَلَّقًا بِشَرْطٍ وَلَمْ يُوجَدْ كَانَ الْحُكْمُ مَعْدُومًا بِالْعَدَمِ الْأَصْلِيِّ لَا أَنَّ عَدَمَ الشَّرْطِ أَوْجَبَ عَدَمَ الْحُكْمِ، وَهَذَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ اشْتَغَلَ بِأُصُولِ أَصْحَابِنَا قَالَ فِي التَّنْقِيحِ وَعِنْدَنَا الْعَدَمُ لَا يَثْبُتُ بِالتَّعْلِيقِ بَلْ يَبْقَى الْحُكْمُ عَلَى الْعَدَمِ الْأَصْلِيِّ. وَأَجَابَ فِي الْهِدَايَةِ عَنْ الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْخُرُوجِ عَنْ شَهْوَةٍ قَالَ الشَّارِحُونَ: وَإِنَّمَا حُمِلَ عَلَى هَذَا؛ لِأَنَّ الْعَامَّ إذَا لَمْ يُمْكِنْ إجْرَاؤُهُ عَلَى الْعُمُومِ يُرَادُ أَخَصُّ الْخُصُوصِ لِتَيَقُّنِهِ، وَهُنَا يَمْتَنِعُ إجْرَاؤُهُ عَلَى الْعُمُومِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ الْغُسْلُ بِإِنْزَالِ الْمَذْيِ وَالْوَدْيِ وَالْبَوْلِ بِالْإِجْمَاعِ وَالْإِنْزَالُ عَنْ شَهْوَةٍ مُرَادٌ بِالْإِجْمَاعِ فَلَا يَكُونُ غَيْرُهُ، وَهُوَ إنْزَالُ الْمَنِيِّ لَا عَنْ شَهْوَةٍ مُرَادًا وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْمَسْلَكَ لَوْ صَحَّ لَكَانَ أَوْفَقَ بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ أَخَصَّ الْخُصُوصِ الَّذِي أُرِيدَ بِالْإِجْمَاعِ مَا يَكُونُ عَنْ شَهْوَةٍ عِنْدَ الْخُرُوجِ وَالِانْفِصَالِ جَمِيعًا فَالْأَوْلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى صُورَةِ الِاحْتِلَامِ وَلَمَّا كَانَ مَا ذَكَرْنَاهُ وَارِدًا عُدِلَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ عَنْ طَرِيقَةِ الشَّارِحِينَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فَقَالَ وَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى الْخُرُوجِ عَنْ شَهْوَةٍ؛ لِأَنَّ اللَّامَ لِلْعَهْدِ الذِّهْنِيِّ أَيْ الْمَاءُ الْمَعْهُودُ وَاَلَّذِي بِهِ عَهْدُهُمْ هُوَ الْخَارِجُ عَنْ شَهْوَةٍ كَيْفَ وَرُبَّمَا يَأْتِي عَلَى أَكْثَرِ النَّاسِ جَمِيعُ عُمْرِهِ وَلَا يَرَى هَذَا الْمَاءَ مُجَرَّدًا عَنْهَا عَلَى أَنَّ كَوْنَ الْمَنِيِّ يَكُونُ عَنْ غَيْرِ شَهْوَةٍ مَمْنُوعٌ. فَإِنَّ عَائِشَةَ أَخَذَتْ فِي تَفْسِيرِهَا إيَّاهُ الشَّهْوَةَ عَلَى مَا رَوَى ابْنُ الْمُنْذِرِ أَنَّ الْمَنِيَّ هُوَ الْمَاءُ الْأَعْظَمُ الَّذِي مِنْهُ الشَّهْوَةُ، وَفِيهِ الْغُسْلُ وَكَذَا عَنْ قَتَادَةَ وَعِكْرِمَةَ فَلَا يُتَصَوَّرُ مَنِيٌّ إلَّا مِنْ خُرُوجِهِ عَنْ شَهْوَةٍ، وَإِلَّا يَفْسُدْ الضَّابِطُ ثُمَّ اتَّفَقَ أَصْحَابُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْغُسْلُ إذَا انْفَصَلَ عَنْ مَقَرِّهِ مِنْ الصُّلْبِ بِشَهْوَةٍ إلَّا إذَا خَرَجَ عَلَى رَأْسِ الذَّكَرِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي أَنَّهُ هَلْ يُشْتَرَطُ مُقَارَنَةُ الشَّهْوَةِ الْخُرُوجَ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ نَعَمْ وَعِنْدَهُمَا لَا وَقَدْ أَشَارَ إلَى اخْتِيَارِ قَوْلِهِمَا بِقَوْلِهِ عِنْدَ انْفِصَالِهِ أَيْ فَرْضِ الْغُسْلِ عِنْدَ خُرُوجِ مَنِيٍّ مَوْصُوفٍ بِالدَّفْقِ وَالشَّهْوَةِ عِنْدَ الِانْفِصَالِ عَنْ مَحَلِّهِ عِنْدَهُمَا وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ إنَّ وُجُوبَ الْغُسْلِ مُتَعَلِّقٌ بِانْفِصَالِ الْمَنِيِّ وَخُرُوجِهِ وَقَدْ شُرِطَتْ الشَّهْوَةُ عِنْدَ انْفِصَالِهِ فَتُشْتَرَطُ عِنْدَ خُرُوجِهِ، وَلَهُمَا أَنَّ الْجَنَابَةَ قَضَاءُ الشَّهْوَةِ بِالْإِنْزَالِ فَإِذَا وُجِدَتْ مَعَ الِانْفِصَالِ صَدَقَ اسْمُهَا، وَكَانَ مُقْتَضَى هَذَا ثُبُوتَ حُكْمِهَا، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ لَكِنْ لَا خِلَافَ فِي عَدَمِ ثُبُوتِ الْحُكْمِ إلَّا بِالْخُرُوجِ فَيَثْبُتُ بِذَلِكَ الِانْفِصَالُ مِنْ وَجْهٍ، وَهُوَ أَقْوَى مِمَّا بَقِيَ وَاحْتِيَاطٌ وَاجِبٌ، وَهُوَ الْعَمَلُ بِالْأَقْوَى مِنْ الْوَجْهَيْنِ، فَوَجَبَ وَأَوْرَدَ فِي النِّهَايَةِ الرِّيحَ الْخَارِجَةَ مِنْ الْمُفْضَاةِ؛ لِأَنَّهَا إنْ خَرَجَتْ مِنْ الْقُبُلِ لَا يَجِبُ الْوُضُوءُ وَإِنْ خَرَجَتْ مِنْ الدُّبُرِ وَجَبَ فَيَنْبَغِي تَرْجِيحُ جَانِبِ الْوُجُوبِ احْتِيَاطًا كَمَا قَالَا هُنَا. وَأَجَابَ بِأَنَّ الشَّكَّ هُنَاكَ جَاءَ مِنْ الْأَصْلِ فَتَعَارَضَ الدَّلِيلُ الْمُوجِبُ وَغَيْرُ الْمُوجِبِ لِتُسَاوِيهِمَا فِي الْقُوَّةِ فَتَسَاقَطَا فَعَمِلْنَا بِالْأَصْلِ الثَّابِتِ بِيَقِينٍ، وَهُوَ الطَّهَارَةُ أَمَّا هُنَا جَاءَ دَلِيلُ عَدَمِ الْوُجُوبِ   [منحة الخالق] التَّقْرِيرُ مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ بَعِيدٍ كُلَّ الْبَعْدِ خُصُوصًا الثَّانِيَ أَوْلَى مِنْ إهْمَالِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بِالْمَرَّةِ وَخُرُوجُهُ عَنْ الِانْتِظَامِ مَعَ أَنَّهُمْ قَدْ يَتَكَلَّفُونَ فِي كَلَامِ الْبُلَغَاءِ بِأَبْعَدَ مِنْ هَذَا كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ لَهُ بِذَلِكَ إلْمَامٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى وَلِيُّ الْإِلْهَامِ (قَوْلُهُ: أَيْ الِاغْتِسَالُ مِنْ الْإِنْزَالِ) الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ أَيْ وُجُوبُ الْمَاءِ مِنْ نُزُولِ الْمَنِيِّ لِيَكُونَ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى تَقْدِيرِ الْمُضَافِ فِيهِمَا وَلِيُوَافِقَ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ وَمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - بِوُجُوبِهِ بِالنُّزُولِ لَا بِالْإِنْزَالِ (قَوْلُهُ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْمَسْلَكَ لَوْ صَحَّ) كَأَنَّهُ يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَا دَاعِيَ إلَى حَمْلِ أَلْ عَلَى الْجِنْسِ أَيْ جِنْسِ الْمَاءِ النَّازِلِ مِنْ مَخْرَجِ الْإِنْسَانِ بَلْ هُوَ بَعِيدٌ لِعَدَمِ تَوَهُّمِ إرَادَةِ ذَلِكَ مِنْ الْحَدِيثِ فَاللَّامُ لِلْعَهْدِ الذِّهْنِيِّ كَمَا يَأْتِي عَنْ الْفَتْحِ وَحِينَئِذٍ لَا يَتِمُّ مَا قَالَهُ الشَّارِحُونَ فِي تَقْرِيرِ كَلَامِ الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا يَفْسُدْ الضَّابِطُ) أَيْ الضَّابِطُ الَّذِي وَصَفَتْهُ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لِتَمْيِيزِ الْمِيَاهِ لِتُعْطِيَ أَحْكَامَهَا، وَذَلِكَ حَيْثُ قَالَتْ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فَأَمَّا الْمَذْيُ فَالرَّجُلُ يُلَاعِبُ امْرَأَتَهُ فَيَظْهَرُ عَلَى ذَكَرِهِ الشَّيْءُ فَيَغْسِلُ ذَكَرَهُ وَأُنْثَيَيْهِ وَيَتَوَضَّأُ وَلَا يَغْتَسِلُ، وَأَمَّا الْوَدْيُ، فَإِنَّهُ يَكُونُ بَعْدَ الْبَوْلِ يَغْسِلُ ذَكَرَهُ وَأُنْثَيَيْهِ وَيَتَوَضَّأُ وَلَا يَغْتَسِلُ، وَأَمَّا الْمَنِيُّ فَإِنَّهُ الْمَاءُ الْأَعْظَمُ إلَى آخِرِ مَا مَرَّ (قَوْلُهُ: وَهُوَ أَقْوَى مِمَّا بَقِيَ) ، وَهُوَ الشَّهْوَةُ حَالَةَ الْخُرُوجِ كَمَا يَظْهَرُ مِنْ غَايَةِ الْبَيَانِ وَمِنْ الْجَوَابِ الْآتِي وَيَكُونُ حَاصِلُ ذَلِكَ أَنَّ الْوُجُوبَ يَتَعَلَّقُ بِالِانْفِصَالِ وَالْخُرُوجِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ بِمُجَرَّدِ الِانْفِصَالِ لَا يَجِبُ اتِّفَاقًا فَبِالنَّظَرِ إلَى وُجُودِ الشَّهْوَةِ حَالَةَ الِانْفِصَالِ يَجِبُ وَبِالنَّظَرِ إلَى عَدَمِهَا حَالَةَ الْخُرُوجِ لَا فَوَجَبَ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ وَثُبُوتُهُ بِالْأَوَّلِ أَحْوَطُ؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 مِنْ الْوَصْفِ، وَهُوَ الدَّفْقُ وَدَلِيلُ الْوُجُوبِ مِنْ الْأَصْلِ، وَهُوَ نَفْسُ وُجُودِ الْمَاءِ مَعَ الشَّهْوَةِ، فَكَانَ فِي إيجَابِ الِاغْتِسَالِ تَرْجِيحٌ لِجَانِبِ الْأَصْلِ عَلَى جَانِبِ الْوَصْفِ، وَهُوَ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ دَلِيلَ الْوُجُوبِ قَدْ سَبَقَ هُنَا، وَهُوَ مُزَايَلَةُ الْمَنِيِّ عَنْ مَكَانِهِ عَلَى سَبِيلِ الشَّهْوَةِ وَخُرُوجُهُ مِنْ الْعُضْوِ لَا عَلَى سَبِيلِ الدَّفْقِ بَقَاءُ ذَلِكَ وَالسَّبْقُ مِنْ أَسْبَابِ التَّرْجِيحِ فَتَرَجَّحَ جَانِبُ الْوُجُوبِ لِذَلِكَ وَأَمَّا هُنَاكَ فَاقْتَرَنَ الدَّلِيلَانِ عَلَى سَبِيلِ الْمُدَافَعَةِ فَلَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ الْحَادِثُ لِتَدَافُعِهِمَا بَلْ يَبْقَى مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ وَفِي الْمُصَفَّى وَثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ تَظْهَرُ فِي ثَلَاثِ فُصُولٍ أَحَدُهَا أَنَّ مَنْ احْتَلَمَ فَأَمْسَكَ ذَكَرَهُ حَتَّى سَكَنَتْ شَهْوَتُهُ ثُمَّ خَرَجَ الْمَنِيُّ يَجِبُ الْغُسْلُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لَهُ. وَالثَّانِي: إذَا نَظَرَ إلَى امْرَأَةٍ بِشَهْوَةٍ فَزَالَ الْمَنِيُّ عَنْ مَكَانِهِ بِشَهْوَةٍ فَأَمْسَكَ ذَكَرَهُ حَتَّى انْكَسَرَتْ شَهْوَتُهُ ثُمَّ سَالَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا عَنْ دَفْقٍ فَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ وَالثَّالِثُ أَنَّ الْمَجَامِعَ إذَا اغْتَسَلَ قَبْلَ أَنْ يَبُولَ أَوْ يَنَامَ ثُمَّ سَالَ مِنْهُ بَقِيَّةُ الْمَنِيِّ مِنْ غَيْرِ شَهْوَةٍ يُعِيدُ الِاغْتِسَالَ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لَهُ فَلَوْ خَرَجَ بَقِيَّةُ الْمَنِيِّ بَعْدَ الْبَوْلِ أَوْ النَّوْمِ أَوْ الْمَشْيِ لَا يَجِبُ الْغُسْلُ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ مَذْيٌ وَلَيْسَ بِمَنِيٍّ؛ لِأَنَّ الْبَوْلَ وَالنَّوْمَ وَالْمَشْيَ يَقْطَعُ مَادَّةَ الشَّهْوَةِ اهـ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَكَذَا لَا يُعِيدُ الصَّلَاةَ الَّتِي صَلَّاهَا بَعْدَ الْغُسْلِ الْأَوَّلِ قَبْلَ خُرُوجِ مَا تَأَخَّرَ مِنْ الْمَنِيِّ اتِّفَاقًا وَقَيَّدَ الْمَشْيَ بِالْكَثِيرِ فِي الْمُجْتَبَى وَأَطْلَقَهُ كَثِيرٌ وَالتَّقْيِيدُ أَوْجَهُ؛ لِأَنَّ الْخُطْوَةَ وَالْخُطْوَتَيْنِ لَا يَكُونُ مِنْهُمَا ذَلِكَ كَمَا لَا يَخْفَى وَفِي الْمُبْتَغَى بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ يَعْنِي تُعِيدُ تِلْكَ الصَّلَاةَ إذَا كَانَتْ مَكْتُوبَةً إذَا اغْتَسَلَتْ ثَانِيًا بِخُرُوجِ بَقِيَّةِ مَنِيِّهَا وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهَا كَالرَّجُلِ وَفِي الْمُسْتَصْفَى يُعْمَلُ بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ إذَا كَانَ فِي بَيْت إنْسَانٍ وَاحْتَلَمَ مَثَلًا وَيَسْتَحْيِي مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ أَوْ خَافَ أَنْ يَقَعَ فِي قَلْبِهِمْ رِيبَةٌ بِأَنْ طَافَ حَوْلَ أَهْلِ بَيْتِهِمْ اهـ. وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِي الضَّيْفِ وَعَلَى قَوْلِهِمَا فِي غَيْرِهِ اهـ. وَلَوْ خَرَجَ مَنِيٌّ بَعْدَ الْبَوْلِ وَذَكَرُهُ مُنْتَشِرٌ وَجَبَ الْغُسْلُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَكَرُهُ مُنْتَشِرًا لَا يَجِبُ الْغُسْلُ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خان وَغَيْرُهُ وَمَحَلُّهُ إذَا وَجَدَ الشَّهْوَةَ يَدُلُّ عَلَيْهِ تَعْلِيلُهُ فِي التَّجْنِيسِ بِأَنَّ فِي حَالَةِ الِانْتِشَارِ وُجِدَ الْخُرُوجُ وَالِانْفِصَالُ جَمِيعًا عَلَى وَجْهِ الدَّفْقِ وَالشَّهْوَةِ، وَهَذَا يُفِيدُ إطْلَاقَ مَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّ الْمَنِيَّ الْخَارِجَ بَعْدَ الْبَوْلِ لَا يُوجِبُ الْغُسْلَ إجْمَاعًا قِيلَ وَعَلَى الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ مُسْتَيْقِظٌ وَجَدَ بِثَوْبِهِ أَوْ فَخِذِهِ بَلَلًا وَلَمْ يَتَذَكَّرْ احْتِلَامًا وَشَكَّ فِي أَنَّهُ مَذْيٌ أَوْ مَنِيٌّ يَجِبُ عِنْدَهُمَا لِاحْتِمَالِ انْفِصَالِهِ عَنْ شَهْوَةٍ ثُمَّ نَسِيَ وَرَقَّ هُوَ بِالْهَوَاءِ خِلَافًا لَهُ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ هَذَا الِاحْتِمَالَ ثَابِتٌ فِي الْخُرُوجِ كَذَلِكَ كَمَا هُوَ ثَابِتٌ فِي الِانْفِصَالِ كَذَلِكَ فَالْحَقُّ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِنَاءً عَلَى الْخِلَافِ بَلْ هُوَ يَقُولُ لَا يَثْبُتُ وُجُوبُ الْغُسْلِ بِالشَّكِّ فِي وُجُودِ الْمُوجِبِ وَهُمَا احْتَاطَا لِقِيَامِ ذَلِكَ الِاحْتِمَالِ وَقِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ تَذَكَّرَ الِاحْتِلَامَ، وَرَأَى مَاءً رَقِيقًا حَيْثُ يَجِبُ اتِّفَاقًا حَمْلًا لِلرِّقَّةِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَقَوْلُهُ أَقْيَسُ وَأَخَذَ بِهِ خَلَفُ بْنُ أَيُّوبَ وَأَبُو اللَّيْثِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ وَجْهًا؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَتَيَقَّنَ أَنَّهُ مَنِيٌّ أَوْ مَذْيٌ أَوْ وَدْيٌ أَوْ شَكَّ فِي الْأَوَّلِ وَالثَّانِي أَوْ فِي الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ أَوْ فِي الثَّانِي وَالثَّالِثِ وَكُلٌّ مِنْ هَذِهِ السِّتَّةِ إمَّا أَنْ تَكُونَ مَعَ تَذَكُّرِ الِاحْتِلَامِ أَوْ لَا فَيَجِبُ الْغُسْلُ اتِّفَاقًا فِيمَا إذَا تَيَقَّنَ أَنَّهُ مَنِيٌّ وَتَذَكَّرَ الِاحْتِلَامَ أَوْ لَا وَفِيمَا إذَا تَيَقَّنَ أَنَّهُ مَذْيٌ وَتَذَكَّرَ الِاحْتِلَامَ أَوْ شَكَّ أَنَّهُ مَنِيٌّ أَوْ مَذْيٌ أَوْ مَنِيٌّ أَوْ وَدْيٌ.   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: مِنْ الْوَصْفِ، وَهُوَ الدَّفْقُ) أَيْ الَّذِي هُوَ لَازِمٌ لِلْخُرُوجِ بِشَهْوَةٍ (قَوْلُهُ: وَفِيهِ نَظَرٌ إلَخْ) مَأْخُوذٌ مِنْ شَرْحِ الْمُنْيَةِ لِابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ قَالَ الْمَقْدِسِيَّ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَا حُمِلَ كَلَامُ الْمُبْتَغَى عَلَيْهِ وَلَوْ حُمِلَ قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ عَلَى أَنَّهَا لَا تُعِيدُ أَصْلًا؛ لِأَنَّ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا يُحْتَمَلُ أَنَّهُ مَاءُ الرَّجُلِ فَهَذَا وَجْهُ الْمُخَالَفَةِ (قَوْلُهُ: وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ هَذَا الِاحْتِمَالَ ثَابِتٌ إلَخْ) أَيْ كَمَا أَنَّ الِاحْتِمَالَ مَوْجُودٌ فِي الِانْفِصَالِ عَنْ مَقَرِّهِ مَوْجُودٌ أَيْضًا فِي الِانْفِصَالِ عَنْ رَأْسِ الذَّكَرِ فَيُحْتَمَلُ انْفِصَالُهُ عَنْ شَهْوَةٍ فَيَجِبُ اتِّفَاقًا فَلَا يَصِحُّ بِنَاؤُهَا عَلَى الْخِلَافِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ وَلَا جَعْلُهَا مِنْ ثَمَرَتِهِ كَالثَّلَاثَةِ السَّابِقَةِ (قَوْلُهُ: أَوْ فِي الثَّانِي وَالثَّالِثِ) زَادَ بَعْضُهُمْ أَوْ فِي الثَّلَاثَةِ أَخْذًا مِنْ كَلَامِهِ وَعَلَيْهِ فَتَكُونُ عَلَى أَرْبَعَةَ عَشَرَ وَجْهًا ثُمَّ ضَبَطَهَا بِقَوْلِهِ إمَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ مَنِيٌّ أَوْ مَذْيٌ أَوْ وَدْيٌ أَوْ شَكَّ فِي الْأَوَّلَيْنِ أَوْ فِي الطَّرَفَيْنِ أَوْ فِي الْأَخِيرَيْنِ أَوْ فِي الثَّلَاثَةِ وَعَلَى كُلٍّ أَمَّا أَنْ يَتَذَكَّرَ احْتِلَامًا أَوْ لَا فَيَجِبُ الْغُسْلُ اتِّفَاقًا فِي سَبْعِ صُوَرٍ مِنْهَا، وَهِيَ مَا إذَا عَلِمَ أَنَّهُ مَذْيٌ أَوْ شَكَّ فِي الْأَوَّلَيْنِ أَوْ فِي الطَّرَفَيْنِ أَوْ فِي الْأَخِيرَيْنِ أَوْ فِي الثَّلَاثَةِ مَعَ تَذَكُّرِ الِاحْتِلَامِ فِيهَا أَوْ عَلِمَ أَنَّهُ مَنِيٌّ مُطْلَقًا وَلَا يَجِبُ اتِّفَاقًا فِيمَا إذَا عَلِمَ أَنَّهُ وَدْيٌ مُطْلَقًا وَفِيمَا إذَا عَلِمَ أَنَّهُ مَذْيٌ أَوْ شَكَّ فِي الْأَخِيرَيْنِ مَعَ عَدَمِ تَذَكُّرِ الِاحْتِلَامِ وَيَجِبُ عِنْدَهُمَا فِيمَا إذَا شَكَّ فِي الْأَوَّلَيْنِ أَوْ فِي الطَّرَفَيْنِ أَوْ فِي ثَلَاثَةٍ احْتِيَاطًا وَلَا يَجِبُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِلشَّكِّ فِي وُجُودِ الْمُوجِبِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَفِيمَا إذَا تَيَقَّنَ أَنَّهُ مَذْيٌ وَتَذَكَّرَ الِاحْتِلَامَ) أَقُولُ: ذَكَرَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ فِي الْحِلْيَةِ شَرْحِ الْمُنْيَةِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَذَكَرَ وُجُوبَ الْغُسْلِ فِيهَا بِالْإِجْمَاعِ ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ هَذَا عَلَى مَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ الْمُعْتَبَرَةِ وَفِي الْمُصَفَّى ذَكَرَ فِي الْحُصْرِ وَالْمُخْتَلَفِ وَالْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّهُ إذَا اسْتَيْقَظَ فَرَأَى مَذْيًا وَقَدْ تَذَكَّرَ الِاحْتِلَامَ أَوْ لَمْ يَتَذَكَّرْ فَلَا غُسْلَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَا عَلَيْهِ الْغُسْلُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 أَوْ مَذْيٌ أَوْ وَدْيٌ وَتَذَكَّرَ الِاحْتِلَامَ فِي الْكُلِّ وَلَا يَجِبُ الْغُسْلُ اتِّفَاقًا فِيمَا إذَا تَيَقَّنَ أَنَّهُ وَدْيٌ تَذَكَّرَ الِاحْتِلَامَ أَوْ لَا أَوْ شَكَّ أَنَّهُ مَذْيٌ أَوْ وَدْيٌ وَلَمْ يَتَذَكَّرْ الِاحْتِلَامَ أَوْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ مَذْيٌ وَلَمْ يَتَذَكَّرْ الِاحْتِلَامَ، وَيَجِبُ الْغُسْلُ عِنْدَهُمَا لَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فِيمَا إذَا شَكَّ أَنَّهُ مَنِيٌّ أَوْ مَذْيٌ أَوْ مَنِيٌّ أَوْ وَدْيٌ وَلَمْ يَتَذَكَّرْ الِاحْتِلَامَ فِيهِمَا، وَهَذَا التَّقْسِيمُ، وَإِنْ لَمْ أَجِدْهُ فِيمَا رَأَيْت لَكِنَّهُ مُقْتَضَى عِبَارَتِهِمْ لَكِنْ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ التَّيَقُّنُ مُتَعَذِّرٌ مَعَ النَّوْمِ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَلَسْنَا نُوجِبُ الْغُسْلَ بِالْمَذْيِ لَكِنَّ الْمَنِيَّ يَرِقُّ بِإِطَالَةِ الْمُدَّةِ فَتَصِيرُ صُورَتُهُ صُورَةَ الْمَذْيِ لَا حَقِيقَةَ الْمَذْيِ اهـ. وَهَذَا كُلُّهُ فِي النَّائِمِ إذَا اسْتَيْقَظَ فَوَجَدَ بَلَلًا أَمَّا إذَا غُشِيَ عَلَيْهِ فَأَفَاقَ فَوَجَدَ مَذْيًا أَوْ كَانَ سَكْرَانَ فَأَفَاقَ فَوَجَدَ مَذْيًا لَا غُسْلَ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا وَالْفَرْقُ بِأَنَّ الْمَنِيَّ وَالْمَذْيَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ سَبَبٍ وَقَدْ ظَهَرَ فِي النَّوْمِ تَذَكَّرَ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ النَّوْمَ مَظِنَّةُ الِاحْتِلَامِ فَيُحَالُ عَلَيْهِ ثُمَّ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ مَنِيٌّ رَقَّ بِالْهَوَاءِ أَوْ لِلْغِذَاءِ فَاعْتَبَرْنَاهُ مَنِيًّا احْتِيَاطًا وَلَا كَذَلِكَ السَّكْرَانُ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ فِيهِمَا هَذَا السَّبَبُ وَلَوْ وَجَدَ الزَّوْجَانِ بَيْنَهُمَا مَاءً دُونَ تَذَكُّرٍ وَلَا مُمَيِّزَ بِأَنْ لَمْ يَظْهَرْ غِلَظُهُ وَرِقَّتُهُ وَلَا بَيَاضُهُ وَصُفْرَتُهُ يَجِبُ عَلَيْهِمَا الْغُسْلُ صَحَّحَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَمْ يَذْكُرُوا الْقَيْدَ فَقَالُوا يَجِبُ عَلَيْهِمَا وَقِيلَ إذَا كَانَ غَلِيظًا أَبْيَضَ فَعَلَيْهِ أَوْ رَقِيقًا أَصْفَرَ فَعَلَيْهَا فَيُقَيِّدُونَهُ بِصُورَةِ نَقْلِ الْخِلَافِ، وَاَلَّذِي يُظْهِرُ تَقْيِيدَ الْوُجُوبِ عَلَيْهِمَا بِمَا ذَكَرْنَا فَلَا خِلَافَ إذَنْ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ أَيْضًا بِمَا إذَا لَمْ يَظْهَرْ كَوْنُهُ وَقَعَ طُولًا أَوْ عَرْضًا، فَإِنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ إنْ وَقَعَ طُولًا فَمِنْ الرَّجُلِ وَإِنْ وَقَعَ عَرْضًا فَمِنْ الْمَرْأَةِ، وَلَعَلَّهُ لِضَعْفِ هَذَا النَّوْعِ مِنْ التَّمْيِيزِ عِنْدَهُ أَعْرَضَ عَنْهُ، وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ فِيمَا يَظْهَرُ، وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْغُسْلُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِوُقُوعِ الشَّكِّ، وَإِذَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِمَا لَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَقْتَدِيَ بِهِ، وَالْوَجْهُ فِيهِ ظَاهِرٌ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا كُلَّهُ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْفِرَاشُ قَدْ نَامَ عَلَيْهِ غَيْرُهُمَا قَبْلَهُمَا، وَأَمَّا إذَا كَانَ قَدْ نَامَ عَلَيْهِ غَيْرُهُمَا، وَكَانَ الْمَنِيُّ الْمَرْئِيُّ يَابِسًا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْغُسْلُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلَوْ احْتَلَمَتْ الْمَرْأَةُ، وَلَمْ يَخْرُجْ الْمَاءُ إلَى ظَاهِرِ فَرْجِهَا عَنْ مُحَمَّدٍ يَجِبُ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يَجِبُ؛ لِأَنَّ خُرُوجَ مَنِيِّهَا إلَى فَرْجِهَا الْخَارِجِ شَرْطٌ لِوُجُوبِ الْغُسْلِ عَلَيْهَا، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَاَلَّذِي حَرَّرَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقَالَ إنَّهُ الْحَقُّ الِاتِّفَاقُ عَلَى تَعَلُّقِ وُجُوبِ الْغُسْلِ بِوُجُودِ الْمَنِيِّ فِي احْتِلَامِهِمَا وَالْقَائِلُ بِوُجُوبِهِ فِي هَذِهِ الْخِلَافِيَّةِ إنَّمَا يُوجِبُهُ عَلَى وُجُودِهِ، وَإِنْ لَمْ تَرَهُ فَالْمُرَادُ بِعَدَمِ الْخُرُوجِ فِي قَوْلِهِمْ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا لَمْ تَرَهُ خَرَجَ   [منحة الخالق] فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ وَذُكِرَ فِي الْمُخْتَلِفَاتِ إذَا تَيَقَّنَ بِالِاحْتِلَامِ وَتَيَقَّنَ أَنَّهُ مَذْيٌ، فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ الْغُسْلُ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا اهـ. أَقُولُ: وَعَلَى مَا فِي الْمُصَفَّى يَجْرِي الْخِلَافُ أَيْضًا فِيمَا إذَا شَكَّ أَنَّهُ مَذْيٌ أَوْ وَدْيٌ مَعَ تَذَكُّرِ الِاحْتِلَامِ وَذَلِكَ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى (قَوْلُهُ وَلَوْ وَجَدَ الزَّوْجَانِ بَيْنَهُمَا مَاءً إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَقُولُ: اُحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ وَجَدَ الزَّوْجَانِ عَنْ غَيْرِهِمَا فَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ غَيْرَهُمَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَأَمَّلْ ثُمَّ قَالَ عِنْدَ قَوْلِهِ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجِبَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا هُوَ صَرِيحٌ فِي غَيْرِهِمَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: صَحَّحَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ) يُوهِمُ أَنَّهُ صَحَّحَهُ مَعَ التَّقْيِيدِ بِدُونِ تَذَكُّرٍ وَلَا مُمَيِّزَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّهُ قَالَ مَا نَصُّهُ وَفِي الْفَتَاوَى إذَا وُجِدَ فِي الْفِرَاشِ مَنِيٌّ وَيَقُولُ الزَّوْجُ مِنْ الْمَرْأَةِ وَهِيَ تَقُولُ مِنْ الزَّوْجِ إنْ كَانَ أَبْيَضَ فَمَنِيُّ الرَّجُلِ، وَإِنْ كَانَ أَصْفَرَ فَمَنِيُّ الْمَرْأَةِ وَقِيلَ إنْ كَانَ مُدَوَّرًا فَمَنِيُّ الْمَرْأَةِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُدَوَّرٍ فَمَنِيُّ الرَّجُلِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِمَا احْتِيَاطًا لِأَمْرِ الْعِبَادَةِ وَأَخْذًا بِالثِّقَةِ اهـ. (قَوْلُهُ: بِوُجُودِ الْمَنِيِّ فِي احْتِلَامِهِمَا) أَيْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي عِبَارَةِ فَتْحِ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ: وَالْقَائِلُ بِوُجُوبِهِ فِي هَذِهِ الْخِلَافِيَّةِ إنَّمَا يُوجِبُهُ عَلَى وُجُودِهِ، وَإِنْ لَمْ تَرَهُ) قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ عَقِبَ هَذَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ تَعْلِيلُهُ فِي التَّجْنِيسِ احْتَلَمَتْ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا الْمَاءُ إنْ وَجَدَتْ شَهْوَةُ الْإِنْزَالِ كَانَ عَلَيْهَا الْغُسْلُ، وَإِلَّا لَا؛ لِأَنَّ مَاءَهَا لَا يَكُونُ دَافِقًا كَمَاءِ الرَّجُلِ، وَإِنَّمَا يَنْزِلُ مِنْ صَدْرِهَا فَهَذَا التَّعْلِيلُ يُفْهِمُك أَنَّ الْمُرَادَ بِعَدَمِ الْخُرُوجِ فِي قَوْلِهِ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا لَمْ تَرَهُ خَرَجَ إلَخْ وَاَلَّذِي يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْفَتْحِ سَابِقًا وَلَاحِقًا أَنَّ مُرَادَهُ أَنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ إذَا وُجِدَ الْمَنِيُّ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ وَمُحَمَّدٌ قَالَ بِوُجُوبِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِنَاءً عَلَى وُجُودِ الْمَنِيِّ، وَإِنْ لَمْ تَرَهُ فَقَوْلُهُمْ لَوْ احْتَلَمَتْ وَلَمْ يَخْرُجْ الْمَاءُ عَلَى مَعْنَى وَلَمْ تَرَهُ خَرَجَ فَيَجِبُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِوُجُودِهِ وَإِنْ لَمْ تَرَهُ لَكِنَّ لَا يَخْفَى أَنَّ غَيْرَ مُحَمَّدٍ لَا يَقُولُ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ فَكَيْفَ يَجْعَلُونَ عَدَمَ الْوُجُوبِ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ الِاعْتِرَاضَ عَلَيْهِمْ فِي نَقْلِ الْخِلَافِ وَأَنَّهُمْ لَمْ يَفْهَمُوا قَوْلَ مُحَمَّدٍ وَأَنَّ مُرَادَهُ بِعَدَمِ الْخُرُوجِ عَدَمُ الرُّؤْيَةِ وَلَا يَخْفَى بُعْدُ هَذَا، فَإِنَّهُمْ قَيَّدُوا الْوُجُوبَ عِنْدَ غَيْرِ مُحَمَّدٍ بِمَا إذَا خَرَجَ إلَى الْفَرْجِ الْخَارِجِ، فَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ بِعَدَمِ الرُّؤْيَةِ الْبَصَرِيَّةِ فَهُوَ مِمَّا لَا يَسَعُ أَحَدًا أَنْ يُخَالِفَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ الْعِلْمِيَّةُ فَلَمْ يَحْصُلْ الِاتِّفَاقُ عَلَى تَعَلُّقِ الْوُجُوبِ بِوُجُودِ الْمَنِيِّ فَالظَّاهِرُ وُجُودُ الْخِلَافِ وَأَنَّ مَا فِي التَّجْنِيسِ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَحِينَئِذٍ لَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى مَا ادَّعَاهُ فَلْيُتَأَمَّلْ ثُمَّ رَأَيْت شَارِحَ الْمُنْيَةِ الْعَلَّامَةَ الْحَلَبِيَّ نَازَعَ الْكَمَالُ فِيمَا قَالَ وَذَلِكَ حَيْثُ قَالَ أَقُولُ: هَذَا لَا يُفِيدُ كَوْنَ الْأَوْجَهِ وُجُوبَ الْغُسْلِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا، فَإِنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ أَنَّهَا لَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْغُسْلُ وَبِهِ أَخَذَ الْحَلْوَانِيُّ وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ لِحَدِيثِ أُمِّ سُلَيْمٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 فَعَلَى هَذَا الْأَوْجَهُ وُجُوبُ الْغُسْلِ فِي الْخِلَافِيَّةِ وَالْمُرَادُ بِالرُّؤْيَةِ فِي جَوَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُمَّ سُلَيْمٍ لَمَّا «سَأَلَتْهُ هَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ غُسْلٍ إذَا هِيَ احْتَلَمَتْ قَالَ نَعَمْ إذَا رَأَتْ الْمَاءَ» الْعِلْمُ مُطْلَقًا، فَإِنَّهَا لَوْ تَيَقَّنَتْ الْإِنْزَالَ بِأَنْ اسْتَيْقَظَتْ فِي فَوْرِ الِاحْتِلَامِ فَأَحَسَّتْ بِيَدِهَا الْبَلَلَ ثُمَّ نَامَتْ فَاسْتَيْقَظَتْ حَتَّى جَفَّ فَلَمْ تَرَ بِعَيْنِهَا شَيْئًا لَا يَسَعُ الْقَوْلُ بِأَنْ لَا غُسْلَ عَلَيْهَا مَعَ أَنَّهُ لَا رُؤْيَةَ بَصَرٍ بَلْ رُؤْيَةُ عِلْمٍ وَرَأَى تُسْتَعْمَلُ حَقِيقَةً فِي عِلْمٍ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ اللُّغَةِ قَالَ: رَأَيْت اللَّهَ أَكْبَرَ كُلِّ شَيْءٍ اهـ. وَلَوْ جُومِعَتْ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ فَسَبَقَ الْمَاءُ إلَى فَرْجِهَا أَوْ جُومِعَتْ الْبِكْرُ لَا غُسْلَ عَلَيْهَا إلَّا إذَا ظَهَرَ الْحَبَلُ؛ لِأَنَّهَا لَا تَحْبَلُ إلَّا إذَا أَنْزَلَتْ وَتُعِيدُ مَا صَلَّتْ إنْ لَمْ تَكُنْ اغْتَسَلَتْ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّهَا صَلَّتْ بِلَا طَهَارَةٍ وَلَوْ جُومِعَتْ فَاغْتَسَلَتْ ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا مَنِيُّ الرَّجُلِ لَا غُسْلَ عَلَيْهَا وَلَوْ قَالَتْ مَعِي جِنِّيٌّ يَأْتِينِي فِي النَّوْمِ مِرَارًا وَأَجِدُ مَا أَجِدُ إذَا جَامَعَنِي زَوْجِي لَا غُسْلَ عَلَيْهَا وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ تَرَ الْمَاءَ، فَإِنْ رَأَتْهُ صَرِيحًا وَجَبَ كَأَنَّهُ احْتِلَامٌ وَقَدْ يُقَال يَنْبَغِي وُجُوبُ الْغُسْلِ مِنْ غَيْرِ إنْزَالٍ لِوُجُودِ الْإِيلَاجِ؛ لِأَنَّهَا تَعْرِفُ أَنَّهُ يُجَامِعُهَا كَمَا لَا يَخْفَى وَلَا يَظْهَرُ هَذَا الِاشْتِرَاطُ إلَّا إذَا لَمْ يَظْهَرْ لَهَا فِي صُورَةِ الْآدَمِيِّ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خان إذَا اسْتَيْقَظَ فَوَجَدَ بَلَلًا فِي إحْلِيلِهِ وَشَكَّ فِي أَنَّهُ مَنِيٌّ أَوْ مَذْيٌ فَعَلَيْهِ الْغُسْلُ إلَّا إذَا كَانَ ذَكَرُهُ مُنْتَشِرًا قَبْلَ النَّوْمِ فَلَا يَلْزَمُهُ الْغُسْلُ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ مَنِيٌّ فَيَلْزَمُهُ الْغُسْلُ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ يَكْثُرُ وُقُوعُهَا وَالنَّاسُ عَنْهَا غَافِلُونَ وَهَذِهِ تُقَيِّدُ الْخِلَافَ الْمُتَقَدِّمَ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَصَاحِبَيْهِ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ ذَكَرُهُ مُنْتَشِرًا ثُمَّ إنَّ   [منحة الخالق] سَوَاءٌ كَانَتْ الرُّؤْيَةُ بِمَعْنَى الْبَصَرِ أَوْ بِمَعْنَى الْعِلْمِ، فَإِنَّهَا لَمْ تَرَ بِعَيْنِهَا وَلَا عَلِمَتْ خُرُوجَهُ اللَّهُمَّ إلَّا إنْ ادَّعَى أَنَّ الْمُرَادَ - يَعْنِي فِي الْحَدِيثِ - بِرَأَتْ رُؤْيَا الْحُلْمِ وَلَكِنْ لَا دَلِيلَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْغُسْلُ وَبِهِ أَخَذَ صَاحِبُ التَّجْنِيسِ مُعَلَّلًا بِمَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ لَيْسَ بِقَوِيٍّ إذْ لَا أَثَرَ فِي نُزُولِ مَائِهَا مِنْ صَدْرِهَا غَيْرَ دَافِقٍ فِي وُجُوبِ الْغُسْلِ، فَإِنَّ وُجُوبَ الْغُسْلِ فِي الِاحْتِلَامِ مُتَعَلِّقٌ بِخُرُوجِ الْمَنِيِّ مِنْ الْفَرْجِ الدَّاخِلِ كَمَا تَعَلَّقَ فِي حَقِّ الرَّجُلِ بِخُرُوجِهِ مِنْ رَأْسِ الذَّكَرِ فَكَمَا أَنَّ الرَّجُلَ لَوْ انْفَصَلَ مَنِيُّهُ عَنْ الصُّلْبِ بِالدَّفْقِ وَالشَّهْوَةِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ مَا لَمْ يَخْرُجْ إلَى مَا يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْغُسْلُ عَلَى أَنَّ فِي مَسْأَلَتِنَا لَمْ يُعْلَمُ انْفِصَالُ مَنِيِّهَا عَنْ صَدْرِهَا، وَإِنَّمَا حَصَلَ ذَلِكَ فِي النَّوْمِ وَأَكْثَرُ مَا يُرَى فِي النَّوْمِ لَا تَحَقُّقَ لَهُ فَكَيْفَ يَجِبُ عَلَيْهَا الْغُسْلُ نَعَمْ قَالَ بَعْضُهُمْ لَوْ كَانَتْ مُسْتَلْقِيَةً وَقْتَ الِاحْتِلَامِ يَجِبُ عَلَيْهَا الْغُسْلُ لِاحْتِمَالِ الْخُرُوجِ ثُمَّ الْعَوْدِ فَيَجِبُ الْغُسْلُ احْتِيَاطًا، وَهُوَ غَيْرُ بَعِيدٍ إلَّا مِنْ حَيْثُ إنَّ مَاءَهَا إذَا لَمْ يَنْزِلْ دَفْقًا بَلْ سَيَلَانًا يَلْزَمُ أَمَّا عَدَمُ الْخُرُوجِ إنْ لَمْ يَكُنْ الْفَرْجُ فِي صَبَبٍ أَوْ عَدَمُ الْعَوْدِ إنْ كَانَ فِي صَبَبٍ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّهَا لَا تَحْبَلُ إلَّا إذَا أَنْزَلَتْ) أَقُولُ: لَا يَخْفَى أَنَّ الْحَبَلَ يَتَوَقَّفُ عَلَى انْفِصَالِ الْمَاءِ عَنْ مَقَرِّهِ لَا عَلَى خُرُوجِهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ وُجُوبَ الْغُسْلِ مَبْنِيٌّ عَلَى الرِّوَايَةِ السَّابِقَةِ عَنْ مُحَمَّدٍ تَأَمَّلْ ثُمَّ رَأَيْت الْعَلَّامَةَ الْحَلَبِيَّ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ الْكَبِيرِ جَازِمًا بِذَلِكَ فَقَالَ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى وُجُوبِ الْغُسْلِ عَلَيْهَا بِمُجَرَّدِ انْفِصَالِ مَنِيِّهَا إلَى رَحِمِهَا، وَهُوَ خِلَافُ الْأَصَحِّ الَّذِي هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يُشْتَرَطُ الْخُرُوجُ مِنْ الْفَرْجِ الدَّاخِلِ إلَى الْفَرْجِ الْخَارِجِ لِوُجُوبِ الْغُسْلِ حَتَّى لَوْ انْفَصَلَ مِنْهَا عَنْ مَكَانِهِ وَلَمْ يَخْرُجْ عَنْ الْفَرْجِ الدَّاخِلِ إلَى الْفَرْجِ الْخَارِجِ لَا غُسْلَ عَلَيْهَا وَفِي النِّصَابِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ اهـ. فَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (قَوْلُهُ: فَاغْتَسَلَتْ ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا مَنِيُّ الرَّجُلِ لَا غُسْلَ عَلَيْهَا) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَقُولُ: وَعَلَيْهَا الْوُضُوءُ كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي التَّتَارْخَانِيَّة نَقْلًا عَنْ مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ (قَوْلُهُ: وَقَدْ يُقَالُ يَنْبَغِي وُجُوبُ الْغُسْلِ مِنْ غَيْرِ إنْزَالٍ) لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا مِمَّا لَا يَنْبَغِي؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا إذَا كَانَ يَأْتِيهَا فِي النَّوْمِ، وَهِيَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَوْ رَأَتْ أَنَّهُ جَامَعَهَا مِائَةُ إنْسِيٍّ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ مَا لَمْ تُنْزِلْ نَعَمْ لَوْ كَانَتْ تَرَاهُ فِي حَالَةِ الْيَقَظَةِ يَتَأَتَّى مَا قَالَ: وَكَانَ نَسِيَ التَّقْيِيدَ بِالنَّوْمِ، وَإِلَّا فَلَا وَجْهَ لَهُ كَمَا عَلِمْت ثُمَّ رَأَيْت الشَّيْخَ إسْمَاعِيلَ ضَبَطَ قَوْلَهُ فِي الْيَوْمِ بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا لَمْ يَظْهَرْ لَهَا فِي صُورَةِ الْآدَمِيِّ) أَقُولُ: هَذَا التَّقْيِيدُ مَأْخُوذٌ مِنْ شَرْحِ الْمُنْيَةِ لِابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ الْحَلَبِيِّ، فَإِنَّهُ قَالَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا إذَا لَمْ يَظْهَرْ لَهَا فِي صُورَةِ آدَمِيٍّ أَمَّا إذَا ظَهَرَ لَهَا فِي صُورَةِ رَجُلٍ مِنْ بَنِي آدَمَ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهَا الْغُسْلُ بِمُجَرَّدِ إيلَاجِ قَدْرِ الْحَشَفَةِ مِنْ ذَكَرِهِ وَكَذَا إذَا ظَهَرَ لِلرَّجُلِ مِنْ الْإِنْسِ جِنِّيَّةٌ فِي صُورَةِ آدَمِيَّةٍ فَوَطِئَهَا، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ بِمُجَرَّدِ إيلَاجِ حَشَفَتِهِ فِيهَا إلْحَاقًا لَهُ بِإِيلَاجِ آدَمِيٍّ لِآدَمِيَّةٍ لِوُجُودِ الْمُجَانَسَةِ الصُّورِيَّةِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّمَا يَتِمُّ هَذَا لَوْ لَمْ يُوجَدُ بَيْنَهُمَا مُبَايَنَةٌ مَعْنَوِيَّةٌ، وَهِيَ مُحَقَّقَةُ وَمِنْ ثَمَّ عَلَّلَ بِهِ بَعْضُهُمْ حُرْمَةَ التَّنَاكُحِ بَيْنَهُمَا فَيَنْبَغِي حِينَئِذٍ أَنْ لَا يَجِبَ إلَّا بِالْإِنْزَالِ كَمَا فِي وَطْءِ الْبَهِيمَةِ وَالْمَيِّتَةِ ثُمَّ أَوْرَدَ. وَأَجَابَ ثُمَّ قَالَ نَعَمْ لَوْ ظَهَرَ لَهَا فِي صُورَةِ آدَمِيٍّ فَوَطِئَهَا غَيْرَ عَالِمَةٍ بِأَنَّهُ جِنِّيٌّ أَوْ ظَهَرَتْ لَهُ جِنِّيَّةٌ كَذَلِكَ فَوَطِئَهَا كَذَلِكَ ثُمَّ عَلِمَا بِمَا كَانَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَجَبَ الْغُسْلُ عَلَيْهِمَا فِيمَا يَظْهَرُ لِانْتِفَاءِ مَا يُفِيدُ قُصُورَ السَّبَبِيَّةِ (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا كَانَ ذَكَرُهُ مُنْتَشِرًا قَبْلَ النَّوْمِ إلَخْ) قَيَّدَ فِي الْمُنْيَةِ عَدَمَ وُجُوبِ الْغُسْلِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بِمَا إذَا نَامَ قَائِمًا أَوْ قَاعِدًا أَمَّا إذَا نَامَ مُضْطَجِعًا فَعَلَيْهِ الْغُسْلُ وَعَزَاهُ إلَى الْمُحِيطِ وَالذَّخِيرَةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 أَبَا حَنِيفَةَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَمَسْأَلَةِ الْمُبَاشَرَةَ الْفَاحِشَةِ وَمَسْأَلَةِ الْفَأْرَةِ الْمُنْتَفِخَةِ أَخَذَ بِالِاحْتِيَاطِ وَأَبَا يُوسُفَ وَافَقَهُ فِي الِاحْتِيَاطِ فِي مَسْأَلَةِ الْمُبَاشَرَةِ الْفَاحِشَةِ لِوُجُودِ فِعْلٍ هُوَ سَبَبُ خُرُوجِ الْمَذْيِ وَخَالَفَهُ فِي الْفَصْلَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ لِانْعِدَامِ الْفِعْلِ مِنْهُ وَمُحَمَّدًا وَافَقَهُ فِي الِاحْتِيَاطِ فِي مَسْأَلَةِ النَّائِمِ؛ لِأَنَّهُ غَافِلٌ عَنْ نَفْسِهِ فَكَانَ عِنْدَهُ مَوْضِعُ الِاحْتِيَاطِ بِخِلَافِ الْفَصْلَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ، فَإِنَّ الْمُبَاشِرَ لَيْسَ بِغَافِلٍ عَنْ نَفْسِهِ فَيُحِسُّ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهُ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَفِي الْمُحِيطِ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا عَزَبًا بِهِ فَرْطُ شَهْوَةٍ لَهُ أَنْ يَسْتَمْنِي بِعِلَاجٍ لِتَسْكُنَ شَهْوَتُهُ وَلَا يَكُونُ مَأْجُورًا عَلَيْهِ لَيْتَهُ يَنْجُو رَأْسًا بِرَأْسٍ هَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي الْخُلَاصَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْأَصْلِ الْمُرَاهِقُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ لَكِنْ يُمْنَعُ مِنْ الصَّلَاةِ حَتَّى يَغْتَسِلَ وَكَذَا لَوْ أَرَادَ الصَّلَاةَ بِدُونِ الْوُضُوءِ وَكَذَا الْمُرَاهِقَةُ اهـ. وَفِي الْقُنْيَةِ لَوْ أَنْزَلَ الصَّبِيُّ مَعَ الدَّفْقِ، وَكَانَ سَبَبُ بُلُوغِهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْغُسْلُ اهـ. قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ عَلَى هَذَا لَا بُدَّ مِنْ تَوْجِيهِ الْمُتُونِ وَلَمْ يَذْكُرْ تَوْجِيهًا وَقَدْ يُقَالُ إنَّ غَيْرَ الْمُكَلَّفِ مَخْصُوصٌ مِنْ إطْلَاقِ عِبَارَاتِهِمْ فَقَوْلُهُمْ وَمُوجِبُهُ إنْزَالُ مَنِيٍّ مَعْنَاهُ أَنَّ إنْزَالَ الْمَنِيِّ مُوجِبٌ لِلْغُسْلِ عَلَى الْمُكَلَّفِ لَا عَلَى غَيْرِهِ وَسَيَأْتِي خِلَافُ هَذَا فِي آخِرِ بَحْثِ الْغُسْلِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَاعْلَمْ أَنَّهُ كَمَا يَنْتَقِضُ الْوُضُوءُ بِنُزُولِ الْبَوْلِ إلَى الْقُلْفَةِ يَجِبُ الْغُسْلُ بِوُصُولِ الْمَنِيِّ إلَيْهَا ذَكَرَهُ فِي الْبَدَائِعِ. (قَوْلُهُ: وَتَوَارِي حَشَفَةٍ فِي قُبُلٍ أَوْ دُبُرٍ عَلَيْهِمَا) أَيْ وَفَرْضُ الْغُسْلِ عِنْدَ غَيْبُوبَةِ مَا فَوْقَ الْخِتَانِ، وَكَذَلِكَ غَيْبُوبَةُ مِقْدَارِ الْحَشَفَةِ مِنْ مَقْطُوعِهَا فِي قُبُلِ امْرَأَةٍ يُجَامَعُ مِثْلُهَا أَوْ دُبُرٍ عَلَى الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ وَالتَّعْبِيرُ بِغَيْبُوبَةِ الْحَشَفَةِ أَوْلَى مِنْ التَّعْبِيرِ بِالْتِفَاءِ الْخِتَانَيْنِ لِتَنَاوُلِهِ الْإِيلَاجَ فِي الدُّبُرِ؛ وَلِأَنَّ الثَّابِتَ فِي الْفَرْجِ مُحَاذَاتُهُمَا لَا الْتِقَاؤُهُمَا؛ لِأَنَّ خِتَانَ الرَّجُلِ هُوَ مَوْضِعُ الْقَطْعِ، وَهُوَ مَا دُونَ مُؤَخِّرَةِ الْحَشَفَةِ وَخِتَانُ الْمَرْأَةِ مَوْضِعُ قَطْعِ جِلْدَةٍ مِنْهَا كَعُرْفِ الدِّيكِ فَوْقَ الْفَرْجِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَدْخَلَ الذَّكَرِ هُوَ مَخْرَجُ الْمَنِيِّ وَالْوَلَدِ وَالْحَيْضِ وَفَوْقَ مَدْخَلِ الذَّكَرِ مَخْرَجُ الْبَوْلِ كَإِحْلِيلِ الرَّجُلِ وَبَيْنَهُمَا جِلْدَةٌ رَقِيقَةٌ يُقْطَعُ مِنْهَا فِي الْخِتَانِ فَحَصَلَ أَنَّ خِتَانَ الْمَرْأَةِ مُتَسَفِّلٌ تَحْتَ مَخْرَجِ الْبَوْلِ وَتَحْتَ مَخْرَجِ الْبَوْلِ مَدْخَلُ الذَّكَرِ فَإِذَا غَابَتْ الْحَشَفَةُ فِي الْفَرْجِ فَقَدْ حَاذَى خِتَانُهُ خِتَانَهَا وَلَكِنْ يُقَالُ لِمَوْضِعِ خِتَانِ الْمَرْأَةِ الْخِفَاضُ فَذِكْرُ الْخِتَانَيْنِ بِطَرِيقِ التَّغْلِيبِ قُيِّدَ بِالتَّوَارِي؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ التَّلَاقِي لَا يُوجِبُ الْغُسْلَ وَلَكِنْ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ عَلَى الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ وَقَيَّدْنَا بِكَوْنِهِ فِي قُبُلِ امْرَأَةٍ؛ لِأَنَّ التَّوَارِي فِي فَرْجِ الْبَهِيمَةِ لَا يُوجِبُ الْغُسْلَ إلَّا بِالْإِنْزَالِ وَقَيَّدْنَا بِكَوْنِهَا يُجَامَعُ مِثْلُهَا؛ لِأَنَّ التَّوَارِي فِي الْمَيِّتَةِ وَالصَّغِيرَةِ لَا يُوجِبُ الْغُسْلَ إلَّا بِالْإِنْزَالِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الدَّلِيلُ مِنْ السُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ عَلَى وُجُوبِ الْغُسْلِ بِالْإِيلَاجِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إنْزَالٌ، وَهُوَ بِعُمُومِهِ يَشْمَلُ الصَّغِيرَةَ وَالْبَهِيمَةَ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ لَكِنَّ أَصْحَابَنَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مَنَعُوهُ إلَّا أَنْ يُنْزِلَ؛ لِأَنَّ وَصْفَ الْجَنَابَةِ مُتَوَقِّفٌ عَلَى خُرُوجِ الْمَنِيِّ ظَاهِرًا أَوْ حُكْمًا عِنْدَ كَمَالِ سَبَبِهِ مَعَ خَفَاءِ خُرُوجِهِ لِقِلَّتِهِ وَتَكَسُّلِهِ فِي الْمَجْرَى لِضَعْفِ الدَّفْقِ بِعَدَمِ بُلُوغِ الشَّهْوَةِ مُنْتَهَاهَا كَمَا يَجِدُهُ الْمُجَامِعُ فِي أَثْنَاءِ الْجِمَاعِ مِنْ اللَّذَّةِ بِمُقَارَبَةِ الْمُزَايَلَةِ فَيَجِبُ حِينَئِذٍ إقَامَةُ السَّبَبِ مُقَامَهُ، وَهَذَا عِلَّةُ كَوْنِ الْإِيلَاجِ فِيهِ الْغُسْلُ فَتَعَدَّى الْحُكْمُ إلَى الْإِيلَاجِ فِي الدُّبُرِ وَعَلَى الْمُلَاطِ بِهِ إذْ رُبَّمَا يَتَلَذَّذُ فَيُنْزِلُ وَيَخْفَى لِمَا قُلْنَا وَأَخْرَجُوا مَا ذَكَرْنَا لَكِنَّهُ يَسْتَلْزِمُ تَخْصِيصَ النَّصِّ بِالْمَعْنَى ابْتِدَاءً كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمُوجِبَ إنْزَالُ الْمَنِيِّ حَقِيقَةً أَوْ تَقْدِيرًا عِنْدَ كَمَالِ سَبَبِهِ، وَفِيمَا ذَكَرْنَاهُ لَمْ يُوجَدْ حَقِيقَةً وَلَا تَقْدِيرًا لِنُقْصَانِ سَبَبِهِ لَكِنَّ هَذَا يَسْتَلْزِمُ تَخْصِيصَ النَّصِّ بِالْمَعْنَى ابْتِدَاءً وَالْعَامُّ لَا يُخَصَّصُ بِالْمَعْنَى ابْتِدَاءً عِنْدَنَا فَيَحْتَاجُ أَئِمَّتُنَا إلَى الْجَوَابِ عَنْ هَذَا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: أَنْ يَسْتَمْنِي بِعِلَاجٍ لِتَسْكُنَ شَهْوَتُهُ) أَمَّا إذَا قَصَدَ قَضَاءَ الشَّهْوَةِ فَلَا يَحِلُّ كَمَا فِي كِتَابِ الصَّوْمِ مِنْ إمْدَادِ الْفَتَّاحِ عَنْ الْخُلَاصَةِ وَصَرَّحَ بِالْإِثْمِ إذَا دَاوَمَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَلَا يَكُونُ مَأْجُورًا عَلَيْهِ) قَالَ فِي إمْدَادِ الْفَتَّاحِ وَقِيلَ يُؤْجَرُ إذَا خَافَ الشَّهْوَةَ كَذَا فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْوَاقِعَاتِ اهـ. (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ التَّوَارِيَ فِي فَرْجِ الْبَهِيمَةِ لَا يُوجِبُ الْغُسْلَ إلَّا بِالْإِنْزَالِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَقُولُ: عَلَّلُوهُ بِأَنَّهُ نَاقِصٌ فِي انْقِضَاءِ الشَّهْوَةِ بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِمْنَاءِ بِالْكَفِّ وَقَالُوا الْإِيلَاجُ فِي الْمَيِّتَةِ بِمَنْزِلَةِ الْإِيلَاجِ فِي الْبَهَائِمِ، وَهَذَا صَرِيحٌ فِي عَدَمِ نَقْضِ الْوُضُوءِ بِهِ مَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ شَيْءٌ، وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ مَلَكٍ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ فِي فَصْلِ مَا يَجِبُ الْقَضَاءُ وَمَا لَا يَجِبُ وَكَذَلِكَ صَرَّحَ بِهِ فِي تَوْفِيقِ الْعِنَايَةِ شَرْحِ الْوِقَايَةِ فَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ فَقَدْ وَافَقَ بَحْثَنَا الْمَنْقُولُ (قَوْلُهُ: لَكِنَّ هَذَا يَسْتَلْزِمُ تَخْصِيصَ النَّصِّ بِالْمَعْنَى) أَيْ بِالْقِيَاسِ ابْتِدَاءً إلَخْ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ وَتَوَارَتْ الْحَشَفَةُ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ» يَتَنَاوَلُ الصَّغِيرَةَ وَالْبَهِيمَةَ وَالْعَامُّ قَطْعِيٌّ فِيمَا يَتَنَاوَلُهُ حَتَّى يَجُوزَ نَسْخُ الْخَاصِّ بِهِ عِنْدَنَا وَلَا يَجُوزُ تَخْصِيصُهُ ابْتِدَاءً بِظَنِّيٍّ كَالْقِيَاسِ وَخَبَرِ الْوَاحِدِ مَا لَمْ يُخَصَّصْ أَوَّلًا بِدَلِيلٍ مُسْتَقِلٍّ لَفْظِيٍّ مُقَارِنٍ، فَإِنْ خُصِّصَ بِذَلِكَ لَا يَبْقَى قَطْعِيًّا عَلَى الصَّحِيحِ فَيُخَصُّ بِالْقِيَاسِ وَالْآحَادِ عَلَى مَا بُسِطَ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ، وَمَا هُنَا لَيْسَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ، فَإِنَّهُ تَخْصِيصٌ بِالْقِيَاسِ ابْتِدَاءً، وَهُوَ لَا يُخَصِّصُ الْقَطْعِيَّ بَقِيَ أَنَّ الْحَدِيثَ الْآتِيَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 وَيَحْتَاجُونَ أَيْضًا إلَى الْجَوَابِ عَمَّا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ بِأَنَّهُ يُنْتَقَضُ بِوَطْءِ الْعَجُوزِ الشَّوْهَاءِ الْمُتَنَاهِيَةِ فِي الْقُبْحِ الْعَمْيَاءِ الْبَرْصَاءِ الْمُقَطَّعَةِ الْأَطْرَافِ فَإِنَّهُ يُوجِبُ الْغُسْلَ بِالِاتِّفَاقِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَقْصِدُ بِهِ لَذَّةً فِي الْعَادَةِ وَلَمْ أَجِدْ عَنْ هَذَيْنِ الْإِيرَادَيْنِ جَوَابًا وَقَدْ ظَهَرَ لِي فِي الْجَوَابِ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ هَذَا لَيْسَ تَخْصِيصًا لِلنَّصِّ بِالْمَعْنَى ابْتِدَاءً وَبَيَانُهُ يَحْتَاجُ إلَى مَزِيدِ كَشْفٍ فَأَقُولُ: وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ إنَّهُ قَدْ وَرَدَ حَدِيثَانِ ظَاهِرُهُمَا التَّعَارُضُ الْأَوَّلُ الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْغُسْلَ لَا يَجِبُ بِالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ مِنْ غَيْرِ إنْزَالٍ، فَإِنَّ الْمَاءَ اسْمُ جِنْسٍ مُحَلَّى فَاللَّامُ الِاسْتِغْرَاقِ فَمَعْنَاهُ جَمِيعُ الِاغْتِسَالِ مِنْ الْمَنِيِّ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِعَيْنِ الْمَاءِ لَا مُطْلَقًا لِوُجُوبِهِ بِالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ. وَالثَّانِي: حَدِيثُ «إذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الْأَرْبَعِ ثُمَّ جَهَدَهَا فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ، وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ» وَمُقْتَضَاهُ عُمُومُ وُجُوبِ الْغُسْلِ بِغَيْبُوبَةِ الْحَشَفَةِ مِنْ غَيْرِ إنْزَالٍ فَيَشْمَلُ الصَّغِيرَةَ وَالْبَهِيمَةَ وَالْمَيِّتَةَ فَيُعَارِضُ الْأَوَّلَ وَإِذَا أَمْكَنَ الْعَمَلُ بِهِمَا وَجَبَ فَقَالَ عُلَمَاؤُنَا إنَّ الْمُوجِبَ لِلْغُسْلِ هُوَ إنْزَالُ الْمَنِيِّ كَمَا أَفَادَهُ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ لَكِنَّ الْمَنِيَّ تَارَةً يُوجَدُ حَقِيقَةً وَتَارَةً يُوجَدُ حُكْمًا عِنْدَ كَمَالِ سَبَبِهِ وَهُوَ غَيْبُوبَةُ الْحَشَفَةِ فِي مَحَلٍّ يُشْتَهَى عَادَةً مَعَ خَفَاءِ خُرُوجِهِ وَلَوْ كَانَ فِي الدُّبُرِ لِكَمَالِ السَّبَبِيَّةِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِخُرُوجِ الْمَنِيِّ غَالِبًا كَالْإِيلَاجِ فِي الْقُبُلِ لِاشْتِرَاكِهِمَا لِينًا وَحَرَارَةً وَشَهْوَةً حَتَّى إنَّ الْفَسَقَةَ اللِّوَاطَةُ رَجَّحُوا قَضَاءَ الشَّهْوَةِ مِنْ الدُّبُرِ عَلَى قَضَائِهَا مِنْ الْقُبُلِ وَمِنْهُ خَبَرًا عَنْ قَوْمِ لُوطٍ {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ} [هود: 79] وَفِي الصَّغِيرَةِ وَنَحْوِهَا لَمْ يَكُنْ الْإِيلَاجُ سَبَبًا كَامِلًا لِإِنْزَالِ الْمَنِيِّ لِعَدَمِ الدَّاعِيَةِ إلَيْهِ فَلَمْ يُوجَدْ إنْزَالُ الْمَنِيِّ حَقِيقَةً وَلَا تَقْدِيرًا فَلَوْ قُلْنَا بِالْوُجُوبِ مِنْ غَيْرِ إنْزَالٍ لَكَانَ فِيهِ تَرْكُ الْعَمَلِ بِالْحَدِيثِ أَصْلًا، وَهُوَ لَا يَجُوزُ فَكَانَ هَذَا مِنَّا قَوْلًا بِمُوجِبِ الْعِلَّةِ لَا تَخْصِيصًا لِلنَّصِّ بِالْقِيَاسِ ابْتِدَاءً وَكَوْنُ إنْزَالِ الْمَنِيِّ هُوَ الْمُوجِبُ، وَهُوَ إمَّا حَقِيقَةً أَوْ تَقْدِيرًا هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ مَشَايِخُنَا فِي أُصُولِهِمْ فِي بَحْثِ الْمَفَاهِيمِ قَاطِعِينَ النَّظَرَ عَنْ كَوْنِ الْمَاءِ مِنْ الْمَاءِ مَنْسُوخًا كَمَا لَا يَخْفَى وَجَوَابٌ آخَرُ أَنَّهُ يَجُوزُ تَخْصِيصُ النَّصِّ الْعَامِّ بِالْمَعْنَى ابْتِدَاءً عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ مِنْهُمْ الشَّيْخُ أَبُو مَنْصُورٍ وَمَنْ تَابَعَهُ مِنْ مَشَايِخِ سَمَرْقَنْدَ؛ لِأَنَّ مُوجِبَهُ عِنْدَهُمْ لَيْسَ بِقَطْعِيٍّ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِنَا يَمْنَعُونَهُ لِكَوْنِهِ عِنْدهمْ قَطْعِيًّا وَالْقِيَاسُ ظَنِّيٌّ أَمَّا إذَا كَانَ الْعَامُّ ظَنِّيًّا جَازَ تَخْصِيصُهُ بِالْقِيَاسِ ابْتِدَاءً وَمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ؛ لِأَنَّهُ ظَنِّيُّ الثُّبُوتِ، وَإِنْ كَانَ قَطْعِيَّ الدَّلَالَةِ وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ الثَّانِي فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمَحَلَّ لَا يُشْتَهَى وَلَئِنْ سُلِّمَ فَاجْتِمَاعُ هَذِهِ الْأَوْصَافِ الشَّنِيعَةِ فِي امْرَأَةٍ نَادِرٌ وَلَا اعْتِبَارَ بِهِ هَذَا، وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْمُبْتَغَى خِلَافًا فِيمَنْ غَابَتْ الْحَشَفَةُ فِي فَرْجِهِ فَقَالَ وَقِيلَ لَا غُسْلَ عَلَيْهِ كَالْبَهِيمَةِ وَالْمُرَادُ بِالْفَرْجِ الدُّبُرُ وَنَقَلَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ فَقَدْ قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَاتَّفَقُوا عَلَى وُجُوبِ الْغُسْلِ مِنْ الْإِيلَاجِ فِي الدُّبُرِ عَلَى الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ بِهِ اهـ. وَجَعْلُ الدُّبُرِ كَالْبَهِيمَةِ بَعِيدٌ جِدًّا كَمَا لَا يَخْفَى وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ فِي إدْخَالِ الْإِصْبَعِ الدُّبُرَ خِلَافًا فِي إيجَابِ الْغُسْلِ فَلْيُعْلَمْ ذَلِكَ اهـ. وَقَدْ أَخَذَهُ مِنْ التَّجْنِيسِ وَلَفْظُهُ رَجُلٌ أَدْخَلَ إصْبَعَهُ فِي دُبُرِهِ، وَهُوَ صَائِمٌ اخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ الْغُسْلِ وَالْقَضَاءِ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْغُسْلُ وَلَا الْقَضَاءُ؛ لِأَنَّ الْإِصْبَعَ لَيْسَ آلَةً لِلْجِمَاعِ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الْخَشَبَةِ ذَكَرَهُ فِي الصَّوْمِ وَقَدْ حَكَى عَنْ السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ خِلَافًا فِي وَطْءِ الصَّغِيرَةِ الَّتِي لَا تُشْتَهَى فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَجِبُ مُطْلَقًا وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا يَجِبُ مُطْلَقًا وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ إذَا أَمْكَنَ الْإِيلَاجُ فِي مَحَلِّ الْجِمَاعِ مِنْ الصَّغِيرَةِ وَلَمْ يَفُضَّهَا   [منحة الخالق] وَهُوَ «إذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الْأَرْبَعِ» إلَخْ لَمْ يَظْهَرْ لِي كَوْنُهُ مِنْ الْعَامِّ الَّذِي عَرَّفُوهُ بِأَنَّهُ مَا يَتَنَاوَلُ أَفْرَادًا مُتَّفِقَةَ الْحُدُودِ عَلَى سَبِيلِ الشُّمُولِ وَلَعَلَّهُ اُسْتُفِيدَ مِنْ إضَافَةِ شُعَبٍ إلَى الضَّمِيرِ، فَإِنَّ الْإِضَافَةَ تَأْتِي لَهُ الْأَلِفُ وَاللَّامُ، وَإِلَّا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ قِسْمِ الْمُطْلَقِ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَيَحْتَاجُوا أَيْضًا) صَوَابُهُ وَيَحْتَاجُونَ (قَوْلُهُ: أَمَّا إذَا كَانَ الْعَامُّ ظَنِّيًّا جَازَ تَخْصِيصُهُ بِالْقِيَاسِ ابْتِدَاءً) قَالَ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمَنَارِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَنْعَهُمْ تَخْصِيصَهُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسِ إنَّمَا هُوَ فِي عَامٍّ قَطْعِيِّ الثُّبُوتِ أَمَّا ظَنِّيُّهُ كَخَبَرِ الْوَاحِدِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ اتِّفَاقًا لِلْمُسَاوَاةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ الثَّانِي فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمَحَلَّ لَا يُشْتَهَى) يَدُلُّ عَلَيْهِ إيجَابُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْوُضُوءَ بِمَسِّ الْعَجُوزِ دُونَ الصَّغِيرَةِ الَّتِي لَا تُشْتَهَى وَمَا نُقِلَ عَنْهُ أَنَّهُ رَأَى شَيْخًا يُقَبِّلُ عَجُوزًا فَقَالَ لِكُلِّ سَاقِطَةٍ لَاقِطَةٌ (قَوْلُهُ: وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ إلَخْ) قُيِّدَ فِي النَّهْرِ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ أَوْ دُبُرٍ بِقَوْلِهِ لِغَيْرِهِ قَالَ إذْ لَوْ غَيَّبَهَا فِي دُبُرِ نَفْسِهِ فَلَا غُسْلَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ النَّصَّ وَرَدَ فِي الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ فَيُقْتَصَرُ عَلَيْهِ كَذَا فِي الصَّيْرَفِيَّةِ وَحَكَى فِي الْمُبْتَغَى فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافًا ثُمَّ قَالَ بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ الْبَحْرِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَحَلَّ الِاتِّفَاقِ إنَّمَا هُوَ فِي دُبُرِ الْغَيْرِ أَمَّا فِي دُبُرِ نَفْسِهِ فَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ عَدَمُ الْوُجُوبِ إلَّا بِالْإِنْزَالِ إذْ هُوَ أَوْلَى مِنْ الصَّغِيرَةِ وَالْمَيِّتَةِ فِي قُصُورِ الدَّاعِي وَعُرِفَ بِهَذَا عَدَمُ الْوُجُوبِ بِإِيلَاجِ الْإِصْبَعِ (قَوْلُهُ:، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ فِي إدْخَالِ الْإِصْبَعِ الدُّبُرَ خِلَافًا إلَخْ) ذَكَرَ الْعَلَّامَةُ الْحَلَبِيُّ هُنَا تَفْصِيلًا فَقَالَ وَالْأَوْلَى أَنْ يَجِبَ فِي الْقُبُلِ إذَا قَصَدَ الِاسْتِمْتَاعَ لِغَلَبَةِ الشَّهْوَةِ؛ لِأَنَّ الشَّهْوَةَ فِيهِنَّ غَالِبَةٌ فَيُقَامُ السَّبَبُ مَقَامَ الْمُسَبَّبِ وَهُوَ الْإِنْزَالُ دُونَ الدُّبُرِ لِعَدَمِهَا وَعَلَى هَذَا ذَكَرُ غَيْرِ الْآدَمِيِّ وَذَكَرُ الْمَيِّتِ وَمَا يُصْنَعُ مِنْ خَشَبٍ أَوْ غَيْرِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 فَهِيَ مِمَّنْ تُجَامَعُ فَيَجِبُ الْغُسْلُ وَعَزَاهُ لِلصَّيْرَفِيِّ فِي الْإِيضَاحِ وَقَدْ يُقَالُ إنَّ بَقَاءَ الْبَكَارَةِ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ الْإِيلَاجِ فَلَا يَجِبُ الْغُسْلُ كَمَا اخْتَارَهُ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمُحِيطِ وَلَوْ لَفَّ عَلَى ذَكَرِهِ خِرْقَةً وَأَوْلَجَ وَلَمْ يُنْزِلْ قَالَ بَعْضُهُمْ يَجِبُ الْغُسْلُ؛ لِأَنَّهُ يُسَمَّى مُولِجًا وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجِبُ وَالْأَصَحُّ إنْ كَانَتْ الْخِرْقَةُ رَقِيقَةً بِحَيْثُ يَجِدُ حَرَارَةَ الْفَرْجِ وَاللَّذَّةَ وَجَبَ الْغُسْلُ وَإِلَّا فَلَا وَالْأَحْوَطُ وُجُوبُ الْغُسْلِ فِي الْوَجْهَيْنِ، وَإِنْ أَوْلَجَ الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ ذَكَرَهُ فِي فَرْجِ امْرَأَةٍ أَوْ دُبُرِهَا فَلَا غُسْلَ عَلَيْهِمَا لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ امْرَأَةً، وَهَذَا الذَّكَرُ مِنْهُ زَائِدٌ فَيَصِيرُ كَمَنْ أَوْلَجَ إصْبَعَهُ وَكَذَا فِي دُبُرِ رَجُلٍ أَوْ فَرْجِ خُنْثَى لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ وَالْفَرْجَانِ زَائِدَانِ مِنْهُمَا وَكَذَا فِي فَرْجِ خُنْثَى مِثْلِهِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْخُنْثَى الْمَوْلَجُ فِيهِ رَجُلًا وَالْفَرْجُ زَائِدٌ مِنْهُ، وَإِنْ أَوْلَجَ رَجُلٌ فِي فَرْجِ خُنْثَى مُشْكِلٍ لَمْ يَجِبْ الْغُسْلُ عَلَيْهِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْخُنْثَى رَجُلًا وَالْفَرْجُ مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ الْجُرْحِ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ مِنْ غَيْرِ إنْزَالٍ أَمَّا إذَا أَنْزَلَ وَجَبَ الْغُسْلُ بِالْإِنْزَالِ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ، وَهَذَا لَا يَرِدُ عَلَى الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ فِي حَشَفَةٍ وَقُبُلٍ مُحَقَّقَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (قَوْلُهُ: وَحَيْضٌ وَنِفَاسٌ) أَيْ وَفُرِضَ الْغُسْلُ عِنْدَ حَيْضٍ وَنِفَاسٍ وَقَدْ اخْتَلَفَ رَأْيُ الْمُصَنِّفِ فِي كُتُبِهِ هَلْ الْمُوجِبُ الْحَيْضُ أَوْ انْقِطَاعُهُ فَاخْتَارَ فِي الْمُسْتَصْفَى أَنَّ الْمُوجِبَ رُؤْيَةُ الدَّمِ أَوْ خُرُوجُهُ وَعُلِّلَ بِأَنَّ الدَّمَ إذَا حَصَلَ نَقَضَ الطَّهَارَةَ الْكُبْرَى وَلَمْ يَجِبْ الْغُسْلُ مَعَ سَيَلَانِ الدَّمِ؛ لِأَنَّهُ يُنَافِيهِ، فَإِذَا انْقَطَعَ أَمْكَنَ الْغُسْلُ فَوَجَبَ لِأَجْلِ ذَلِكَ الْحَدَثِ السَّابِقِ، فَأَمَّا الِانْقِطَاعُ فَهُوَ طَهَارَةٌ فَلَا يُوجِبُ الطَّهَارَةَ وَاخْتَارَ فِي الْكَافِي أَنَّ الْمُوجِبَ انْقِطَاعُ الدَّمِ لَا خُرُوجُهُ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ لَا يَجِبُ، وَإِنَّمَا يَجِبُ عِنْدَ الِانْقِطَاعِ وَنَقِلَ نَظِيرَهُ فِي الْمُسْتَصْفَى عَنْ أُسْتَاذِهِ وَعَلَّلَ لَهُ بِأَنَّ الْخُرُوجَ مِنْهُ مُسْتَلْزِمٌ لِلْحَيْضِ فَقَدْ وُجِدَ الِاتِّصَالُ بَيْنَهُمَا فَصَحَّتْ الِاسْتِعَارَةُ وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ هَذَا وَاَللَّهِ مِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْخُرُوجُ مَلْزُومًا وَالْحَيْضُ لَازِمًا يَلْزَمُ أَنْ يُوجَدَ الْحَيْضُ عِنْدَ وُجُودِ الْخُرُوجِ لِاسْتِحَالَةِ انْفِكَاكِ اللَّازِمِ عَنْ الْمَلْزُومِ وَوُجُودُ الْحَيْضِ عِنْدَ وُجُودِهِ مُحَالٌ بِمَرَّةٍ اهـ. أَقُولُ: لَيْسَ فِي هَذَا شَيْءٌ مِنْ الْعَجَبِ وَمَا الْعَجَبُ إلَّا فَهْمُ الْكَلَامِ عَلَى وَجْهٍ يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ الِاعْتِرَاضُ وَلَوْ فُهِمَ أَنَّ الْخُرُوجَ مِنْ الْحَيْضِ مُسْتَلْزِمٌ لِتَقَدُّمِ الْحَيْضِ لَا لِنَفْسِ الْحَيْضِ لَاسْتَغْنَى عَنْ هَذَا الِاعْتِرَاضِ وَاسْتَبْعَدَ الزَّيْلَعِيُّ كَوْنَ الِانْقِطَاعِ سَبَبًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلَّا الطَّهَارَةُ، وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ تُوجِبَ الطَّهَارَةُ الطَّهَارَةَ، وَإِنَّمَا تُوجِبُهَا النَّجَاسَةُ وَيُدْفَعُ هَذَا الِاسْتِبْعَادُ بِأَنَّ الِانْقِطَاعَ نَفْسَهُ لَيْسَ بِطُهْرٍ إنَّمَا الطُّهْرُ الْحَالَةُ الْمُسْتَمِرَّةُ عَقِيبَهُ وَلَوْ سُلِّمَ فَلَمَّا كَانَ الِانْقِطَاعُ لَا بُدَّ مِنْهُ فِي وُجُوبِ الْغُسْلِ إذْ لَا فَائِدَةَ فِي الْغُسْلِ بِدُونِهِ نُسِبَتْ السَّبَبِيَّةُ إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ السَّبَبُ فِي الْحَقِيقَةِ خُرُوجُ الدَّمِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا هَلْ الْغُسْلُ يَجِبُ بِخُرُوجِ الدَّمِ بِشَرْطِ الِانْقِطَاعِ أَوْ يَجِبُ بِنَفْسِ الِانْقِطَاعِ وَرَجَّحَ بَعْضُهُمْ الثَّانِيَ بِأَنَّ الْحَيْضَ اسْمٌ لِدَمٍ مَخْصُوصٍ وَالْجَوْهَرُ لَا يَكُونُ سَبَبًا لِلْمَعْنَى وَالْحَقُّ غَيْرُ الْقَوْلَيْنِ بَلْ إنَّمَا يَجِبُ بِوُجُوبِ الصَّلَاةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْوُضُوءَ وَالْغُسْلَ وَقَدْ نَقَلَ الشَّيْخُ سِرَاجُ الدِّينِ الْهِنْدِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْوُضُوءُ عَلَى الْمُحْدِثِ وَالْغُسْلُ عَلَى الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ قَبْلَ وُجُوبِ الصَّلَاةِ أَوْ إرَادَةِ مَا لَا يَحِلُّ إلَّا بِهِ فَحِينَئِذٍ لَا فَائِدَةَ لِهَذَا الْخِلَافِ مِنْ جِهَةِ الْإِثْمِ، فَإِنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى عَدَمِ الْإِثْمِ قَبْلَ وُجُوبِ الصَّلَاةِ فَظَهَرَ بِهَذَا ضَعْفُ مَا نَقَلَهُ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ مِنْ أَنَّهُ جَعَلَ فَائِدَةَ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا انْقَطَعَ الدَّمُ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَأَخَّرَتْ الْغُسْلَ إلَى وَقْتِ الظُّهْرِ فَعِنْدَ الْكَرْخِيِّ وَعَامَّةِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَقَدْ يُقَالُ إنَّ بَقَاءَ الْبَكَارَةِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَيْسَ هَذَا مِمَّا الْكَلَامُ فِيهِ إذْ الْكَبِيرَةُ كَذَلِكَ؛ وَلِذَا قَالُوا لَوْ جُومِعَتْ الْبِكْرُ لَا غُسْلَ عَلَيْهَا إلَّا إذَا حَمَلَتْ لِإِنْزَالِهَا إنَّمَا الْكَلَامُ فِي أَنَّ الْغُسْلَ هَلْ يَجِبُ بِوَطْءِ الصَّغِيرَةِ حَيْثُ لَا مَانِعَ إلَّا الصِّغَرُ اخْتَلَفُوا وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ بِحَيْثُ تُفْضِي بِالْوَطْءِ لَمْ يَجِبْ، وَإِنْ تَوَارَتْ الْحَشَفَةُ لِقُصُورِ الدَّاعِي وَإِلَّا وَجَبَ اهـ. وَحَاصِلُهُ تَقْيِيدُ قَوْلِ السِّرَاجِ فَيَجِبُ الْغُسْلُ إذَا لَمْ يُفِضْهَا بِشَرْطِ زَوَالِ عُذْرَتِهَا لَا مُطْلَقًا، وَهُوَ كَلَامٌ حَسَنٌ سَوِيٌّ قَوْلُهُ إلَّا إذَا حَمَلَتْ لِمَا عَلِمْت مِمَّا تَقَدَّمَ مَا فِيهِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ أَوْلَجَ الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ ذَكَرَهُ فِي فَرْجِ امْرَأَةٍ إلَخْ) قَالَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي شَرْحِ نُورِ الْإِيضَاحِ الْكَبِيرِ قُلْت وَيُشْكَلُ عَلَيْهِ مُعَامَلَةُ الْخُنْثَى بِالْأَضَرِّ فِي أَحْوَالِهِ وَعَلَيْهِ يَلْزَمُهُ الْغُسْلُ اهـ. أَقُولُ: مُعَامَلَتُهُ بِالْأَضَرِّ وَالْأَحْوَطِ لَيْسَ عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ دَائِمًا بَلْ قَدْ يَكُونُ مُسْتَحَبًّا فِي مَوَاضِعَ مِنْهَا هَذِهِ وَوَجْهُهُ أَنَّ إشْكَالَهُ أَوْرَثَ شُبْهَةً، وَهِيَ لَا تَرْفَعُ الثَّابِتَ بِيَقِينٍ؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ كَانَتْ ثَابِتَةً يَقِينًا فَلَا تَرْتَفِعُ بِشُبْهَةِ كَوْنِ فَرْجِهِ الْمُولِجَ أَوْ الْمَوْلَجَ فِيهِ أَصْلِيًّا بِخِلَافِ مَسَائِلِ تَوْرِيثِهِ مَثَلًا، فَإِنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْمِيرَاثَ مَا لَمْ يَتَحَقَّقَ السَّبَبُ فَيُعَامَلُ بِالْأَضَرِّ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ مَا يَثْبُتُ لَهُ إلَّا نَفْعٌ يَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَا مَا فِي كِتَابِ الْخُنْثَى مِنْ غَايَةِ الْبَيَانِ إذَا وَقَفَ فِي صَفِّ النِّسَاءِ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُعِيدَ الصَّلَاةَ كَذَا قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ الْمُسْقِطَ، وَهُوَ الْأَدَاءُ مَعْلُومٌ وَالْمُفْسِدُ وَهُوَ الْمُحَاذَاةُ مَوْهُومٌ وَلِلتَّوَهُّمِ أُحِبُّ إعَادَةَ الصَّلَاةِ، وَإِنْ قَامَ فِي صَفِّ الرِّجَالِ فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ وَيُعِيدُ مَنْ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ وَاَلَّذِي خَلْفَهُ بِحِذَائِهِ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِحْبَابِ لِتَوَهُّمِ الْمُحَاذَاةِ اهـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 الْعِرَاقِيِّينَ تَأْثَمُ وَعِنْدَ الْبُخَارِيِّينَ لَا تَأْثَمُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ وُجُوبُ الْوُضُوءِ فَعِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ يَجِبُ الْوُضُوءُ لِلْحَدَثِ وَعِنْدَ الْبُخَارِيِّينَ لِلصَّلَاةِ اهـ. وَقَدْ يُقَالُ إنَّ فَائِدَتَهُ تَظْهَرُ فِي التَّعَالِيقِ كَأَنْ يَقُولَ إنْ وَجَبَ عَلَيْك غُسْلٌ فَأَنْت طَالِقٌ وَقَدْ ظَهَرَ لِي فَائِدَةٌ أُخْرَى، وَهِيَ مَا إذَا اُسْتُشْهِدَتْ قَبْلَ انْقِطَاعِ الدَّمِ فَمَنْ قَالَ السَّبَبُ نَفْسُ الْحَيْضِ قَالَ إنَّهَا تُغَسَّلُ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تَرْفَعُ مَا وَجَبَ قَبْلَ الْمَوْتِ كَالْجَنَابَةِ وَمَنْ قَالَ إنَّ السَّبَبَ انْقِطَاعُهُ قَالَ لَا تُغَسَّلُ لِعَدَمِ وُجُوبِ الْغُسْلِ قَبْلَ الْمَوْتِ وَقَدْ صُحِّحَ فِي الْهِدَايَةِ فِي بَابِ الشَّهِيدِ أَنَّهَا تُغَسَّلُ فَكَانَ تَصْحِيحًا لِكَوْنِ السَّبَبِ الْحَيْضَ كَمَا لَا يَخْفَى، وَأَمَّا دَلِيلُ وُجُوبِ الْغُسْلِ مِنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ فَالْإِجْمَاعُ نَقَلَهُ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ مِنْ أَئِمَّتِنَا وَالنَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ ابْنِ الْمُنْذِرِ وَابْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ وَاسْتَدَلَّ بَعْضُهُمْ لِلْحَيْضِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّهُ يَلْزَمُهَا تَمْكِينُ الزَّوْجِ مِنْ الْوَطْءِ وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ إلَّا بِالْغُسْلِ وَمَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فِيمَا دُونَ الْعَشَرَةِ ثَبَتَ فِي الْعَشَرَةِ بِدَلَالَةِ النَّصِّ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الِاغْتِسَالِ لِأَجْلِ خُرُوجِ الدَّمِ وَقَدْ وُجِدَ فِي الْعَشَرَةِ، فَإِنْ قِيلَ إنَّمَا وَجَبَ الِاغْتِسَالُ فِيمَا دُونَ الْعَشَرَةِ لِتَتَأَكَّدَ بِهِ صِفَةُ الطَّهَارَةِ عَنْ الْحَيْضِ وَزَوَالِ الْأَذَى لِيَثْبُتَ الْحِلُّ لِلزَّوْجِ وَلِهَذَا يَثْبُتُ الْحِلُّ بِمُضِيِّ وَقْتِ صَلَاةٍ عَلَيْهَا، وَإِنْ لَمْ تَغْتَسِلْ لِوُجُودِ التَّأَكُّدِ بِصَيْرُورَةِ الصَّلَاةِ دَيْنًا عَلَيْهَا، وَفِي الْعَشَرَةِ قَدْ تَأَكَّدَ صِفَةُ الطَّهَارَةِ بِنَفْسِ الِانْقِطَاعِ، فَانْعَدَمَ الْمَعْنَى الْمُوجِبُ فَلَا يُمْكِنُ الْإِلْحَاقُ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ كَمَا لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُ الْحَدِّ بِاللِّوَاطَةِ بِمَعْنَى الْحُرْمَةِ لِانْعِدَامِ الْمَعْنَى الْمُوجِبِ لِلْحَدِّ بَعْدَ الْحُرْمَةِ، وَهُوَ كَثْرَةُ الْوُقُوعِ قُلْنَا لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْمَعْنَى الْمُوجِبُ مَوْجُودٌ؛ لِأَنَّهُ إمَّا الْحَدَثُ أَوْ إرَادَةُ الصَّلَاةِ عَلَى الْخِلَافِ، وَكِلَاهُمَا ثَابِتٌ هُنَا فَأَمَّا الْفَرْقُ الَّذِي يَدَّعِيه، فَإِنَّمَا يَثْبُتُ إذَا كَانَ وُجُوبُ الِاغْتِسَالِ لِثُبُوتِ الْحِلِّ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ لَمْ تَكُنْ ذَاتَ زَوْجٍ وَجَبَ عَلَيْهَا الِاغْتِسَالُ مَعَ انْعِدَامِ الْمَعْنَى الَّذِي يَدَّعِيه وَلَكِنَّهُ وَإِنْ وَجَبَ بِسَبَبٍ آخَرَ جُعِلَ غَايَةً لِلْحُرْمَةِ فِيمَا دُونَ الْعَشَرَةِ، فَإِنَّ الْحَيْضَ بِهِ يَنْتَهِي فَتَنْتَهِي الْحُرْمَةُ الْمَبْنِيَّةُ عَلَيْهِ فَعَرَفْنَا بِعِبَارَةِ النَّصِّ فِي قِرَاءَةِ التَّشْدِيدِ حِرْمَانَ الْقُرْبَانِ مُغَيَّا إلَى الِاغْتِسَالِ فِيمَا دُونَ الْعَشَرَةِ وَبِإِشَارَتِهِ وُجُوبُ الِاغْتِسَالِ وَبِدَلَالَتِهِ وُجُوبُهُ فِي الْعَشَرَةِ كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى شَيْخِهِ الْعَلَّامَةِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا حَدِيثُ فَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهَا إذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْتَسِلِي وَصَلِّي» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ «فَاغْسِلِي عَنْك الدَّمَ وَصَلِّي» وَفِي الْبَدَائِعِ وَلَا نَصَّ فِي النِّفَاسِ وَإِنَّمَا عُرِفَ بِالْإِجْمَاعِ ثُمَّ إجْمَاعُهُمْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلَى خَبَرٍ فِي الْبَابِ لَكِنَّهُمْ تَرَكُوا نَقْلَهُ اكْتِفَاءً بِالْإِجْمَاعِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِالْقِيَاسِ عَلَى دَمِ الْحَيْضِ لِكَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا دَمًا خَارِجًا مِنْ الرَّحِمِ اهـ. وَالْمَذْكُورُ فِي الْأُصُولِ أَنَّ الْإِجْمَاعَ فِي كُلِّ حَادِثَةٍ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى نَصٍّ عَلَى الْأَصَحِّ وَفِي الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ، وَإِذَا أَجْنَبَتْ الْمَرْأَةُ ثُمَّ أَدْرَكَهَا الْحَيْضُ، فَإِنْ شَاءَتْ اغْتَسَلَتْ، وَإِنْ شَاءَتْ أَخَّرَتْ حَتَّى تَطْهُرَ وَعِنْدَ مَالِكٍ عَلَيْهَا أَنْ تَغْتَسِلَ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ الْحَائِضَ لَهَا أَنْ تَقْرَأَ الْقُرْآنَ فَفِي اغْتِسَالِهَا مِنْ الْجَنَابَةِ هَذِهِ الْفَائِدَةُ. (قَوْلُهُ: لَا مَذْيٍ وَوَدْيٍ وَاحْتِلَامٍ بِلَا بَلَلٍ) بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى مَنِيٍّ أَيْ لَا يُفْتَرَضُ الْغُسْلُ عِنْدَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ أَمَّا الْمَذْيُ فَفِيهِ ثَلَاثُ لُغَاتٍ الْمَذْيُ بِإِسْكَانِ الذَّالِ وَتَخْفِيفِ الْيَاءِ وَالْمَذِيُّ بِكَسْرِ الذَّالِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَهَاتَانِ مَشْهُورَتَانِ. قَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ التَّخْفِيفُ أَفْصَحُ وَأَكْثَرُ وَالثَّالِثَةُ الْمَذْيِ بِكَسْرِ الذَّالِ وَإِسْكَانِ الْيَاءِ حَكَاهَا أَبُو عُمَرَ الزَّاهِدُ فِي شَرْحِ الْفَصِيحِ عَنْ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ وَيُقَالُ مَذَى بِالتَّخْفِيفِ وَأَمْذَى وَمَذَّى بِالتَّشْدِيدِ وَالْأَوَّلُ أَفْصَحُ، وَهُوَ مَاءٌ أَبْيَضُ رَقِيقٌ يَخْرُجُ عِنْدَ شَهْوَةٍ لَا بِشَهْوَةٍ وَلَا دَفْقٍ وَلَا يَعْقُبُهُ فُتُورٌ وَرُبَّمَا لَا يُحِسُّ بِخُرُوجِهِ، وَهُوَ أَغْلَبُ فِي النِّسَاءِ مِنْ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَقَدْ ظَهَرَ لِي فَائِدَةٌ أُخْرَى إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَلَا بُدَّ أَنْ يُقَيَّدَ بِمَا إذَا اسْتَمَرَّ بِهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَمَّا إذَا قُتِلَتْ قَبْلَ إتْمَامِهَا لَا تُغَسَّلُ إجْمَاعًا إلَّا أَنَّ هَذَا قَدْ يُعَكِّرُ عَلَى مَا سَبَقَ عَنْ الْهِنْدِيِّ فَيُحْمَلُ الِاتِّفَاقُ عَلَى وُجُوبِ الْأَدَاءِ اهـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 الرِّجَالِ. وَفِي بَعْضِ الشُّرُوحِ أَنَّ مَا يَخْرُجُ مِنْ الْمَرْأَةِ عِنْدَ الشَّهْوَةِ يُسَمَّى الْقَذَى بِمَفْتُوحَتَيْنِ وَالْوَدْيُ بِإِسْكَانِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ الْيَاءِ وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ جُمْهُورِ أَهْلِ اللُّغَةِ غَيْرُ هَذَا وَحَكَى الْجَوْهَرِيُّ فِي الصِّحَاحِ عَنْ الْأُمَوِيِّ أَنَّهُ قَالَ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَحَكَى صَاحِبُ مَطَالِعِ الْأَنْوَارِ لُغَةً أَنَّهُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ، وَهَذَانِ شَاذَّانِ يُقَالُ وَدَى بِتَخْفِيفِ الدَّالِ وَأَوْدَى وَوَدَّى بِالتَّشْدِيدِ وَالْأَوَّلُ أَفْصَحُ، وَهُوَ مَاءٌ أَبْيَضُ كَدِرٌ ثَخِينٌ يُشْبِهُ الْمَنِيَّ فِي الثَّخَانَةِ وَيُخَالِفُهُ فِي الْكُدُورَةِ وَلَا رَائِحَةَ لَهُ وَيَخْرُجُ عَقِيبَ الْبَوْلِ إذَا كَانَتْ الطَّبِيعَةُ مُسْتَمْسِكَةً وَعِنْدَ حَمْلِ شَيْءٍ ثَقِيلٍ وَيَخْرُجُ قَطْرَةً أَوْ قَطْرَتَيْنِ وَنَحْوَهُمَا وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْغُسْلُ بِخُرُوجِ الْمَذْيِ وَالْوَدْيِ كَذَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ. وَإِذَا لَمْ يَجِبْ بِهِمَا الْغُسْلُ وَجَبَ بِهِمَا الْوُضُوءُ وَفِي الْمَذْيِ حَدِيثُ عَلِيٍّ الْمَشْهُورُ الصَّحِيحُ الثَّابِتُ فِي الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَغَيْرِهِمَا فَإِنْ قِيلَ مَا فَائِدَةُ إيجَابِ الْوُضُوءِ بِالْوَدْيِ وَقَدْ وَجَبَ بِالْبَوْلِ السَّابِقِ عَلَيْهِ قُلْنَا عَنْ ذَلِكَ أَجْوِبَةٌ أَحَدُهَا فَائِدَتُهُ فِيمَنْ بِهِ سَلَسُ الْبَوْلِ، فَإِنَّ الْوَدْيَ يَنْقُضُ وُضُوءَهُ دُونَ الْبَوْلِ ثَانِيهَا فِيمَنْ تَوَضَّأَ عَقِبَ الْبَوْلِ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَدْيِ ثُمَّ خَرَجَ الْوَدْيُ فَيَجِبُ بِهِ الْوُضُوءُ ثَالِثُهَا يَجِبُ الْوُضُوءُ لَوْ تَصَوَّرَ الِانْتِقَاضَ بِهِ كَمَا فَرَّعَ أَبُو حَنِيفَةَ مَسَائِلَ الْمُزَارَعَةِ لَوْ كَانَ يَقُولُ بِجَوَازِهَا قَالَ فِي الْغَايَةِ وَفِيهِ ضَعْفٌ وَرَابِعُهَا الْوَدْيُ مَا يَخْرُجُ بَعْدَ الِاغْتِسَالِ مِنْ الْجِمَاعِ وَبَعْدَ الْبَوْلِ، وَهُوَ شَيْءٌ لَزِجٌ كَذَا فَسَّرَهُ فِي الْخِزَانَةِ وَالتَّبْيِينِ فَالْإِشْكَالُ إنَّمَا يَرِدُ عَلَى مَنْ اقْتَصَرَ فِي تَفْسِيرِهِ عَلَى مَا يَخْرُجُ بَعْدَ الْبَوْلِ خَامِسُهَا أَنَّ وُجُوبَ الْوُضُوءِ بِالْبَوْلِ لَا يُنَافِي الْوُجُوبَ بِالْوَدْيِ بَعْدَهُ وَيَقَعُ الْوُضُوءُ عَنْهُمَا حَتَّى لَوْ حَلَفَ لَا يَتَوَضَّأُ مِنْ رُعَافٍ فَرَعَفَ ثُمَّ بَالَ أَوْ عَكْسُهُ فَتَوَضَّأَ فَالْوُضُوءُ مِنْهُمَا فَيَحْنَثُ وَكَذَا لَوْ حَلَفَتْ لَا تَغْتَسِلُ مِنْ جَنَابَةٍ أَوْ حَيْضٍ فَجَامَعَهَا زَوْجُهَا وَحَاضَتْ فَاغْتَسَلَتْ فَهُوَ مِنْهُمَا وَتَحْنَثُ، وَهَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَقَالَ الْجُرْجَانِيُّ الطَّهَارَةُ مِنْ الْأُولَى دُونَ الثَّانِي مُطْلَقًا وَقَالَ الْهِنْدُوَانِيُّ إنْ اتَّحَدَ الْجِنْسُ كَأَنْ بَالَ ثُمَّ بَالَ فَالْوُضُوءُ مِنْ الْأَوَّلِ وَإِنْ اخْتَلَفَ كَأَنْ بَالَ ثُمَّ رَعَفَ فَالْوُضُوءُ مِنْهُمَا ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَقَدْ رَجَّحَ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ تَبَعًا لِلْآمِدِيِّ قَوْلَ الْجُرْجَانِيِّ؛ لِأَنَّ النَّاقِضَ يُثْبِتُ الْحَدَثَ ثُمَّ تَجِبُ إزَالَتُهُ عِنْدَ وُجُودِ شُرُوطِهِ، وَهُوَ أَمْرٌ وَاحِدٌ لَا تَعَدُّدَ فِي أَسْبَابِهِ، فَالثَّابِتُ بِكُلِّ سَبَبٍ هُوَ الثَّابِتُ بِالْآخِرِ إذْ لَا دَلِيلَ يُوجِبُ خِلَافَ ذَلِكَ فَالنَّاقِضُ الْأَوَّلُ لَمَّا أَثْبَتَ الْحَدَثَ لَمْ يَعْمَلْ الثَّانِي شَيْئًا لِاسْتِحَالَةِ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ نَعَمْ لَوْ وَقَعَتْ الْأَسْبَابُ دَفْعَةً أُضِيفَ ثُبُوتُهُ إلَى كُلِّهَا وَلَا يَنْفِي ذَلِكَ كَوْنَ كُلِّ عِلَّةٍ مُسْتَقِلَّةٍ لِأَنَّ مَعْنَى الِاسْتِقْلَالِ كَوْنُ الْوَصْفِ بِحَيْثُ لَوْ انْفَرَدَ أَثَرَ وَهَذِهِ الْحَيْثِيَّةُ ثَابِتَةٌ لِكُلٍّ فِي حَالِ الِاجْتِمَاعِ، وَهَذَا أَمْرٌ مَعْقُولٌ يَجِبُ قَبُولُهُ وَالْحَقُّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ وَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى الْحُكْمِ بِتَعَدُّدِ الْحُكْمِ هُنَا، وَلَا يَسْتَلْزِمُ أَنْ يُقَالَ بِهِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ؛ لِأَنَّهُ يَرْفَعُ وُقُوعَ تَعَدُّدِ الْعِلَلِ بِحُكْمٍ وَاحِدٍ وَهُمْ فِي الْأُصُولِ يُثْبِتُونَهُ، وَأَمَّا الِاحْتِلَامُ فَهُوَ افْتِعَالٌ مِنْ الْحُلْمِ بِضَمِّ الْحَاءِ وَإِسْكَانِ اللَّامِ، وَهُوَ مَا يَرَاهُ النَّائِمُ مِنْ الْمَنَامَاتِ يُقَالُ: حَلَمَ فِي مَنَامِهِ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَاللَّامِ وَاحْتَلَمَ وَحَلَمْت كَذَا وَحَلَمْت بِكَذَا هَذَا أَصْلُهُ ثُمَّ جُعِلَ اسْمًا لِمَا يَرَاهُ النَّائِمُ مِنْ الْجِمَاعِ فَيَحْدُثُ مَعَهُ إنْزَالُ الْمَنِيِّ غَالِبًا فَغَلَبَ لَفْظُ الِاحْتِلَامِ فِي هَذَا دُونَ غَيْرِهِ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَنَامِ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَحُكْمُهُ عَدَمُ وُجُوبِ الْغُسْلِ إذَا لَمْ يُنْزِلْ لِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ «جَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ امْرَأَةُ أَبِي طَلْحَةَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنْ الْحَقِّ هَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ غُسْلٍ إذَا هِيَ احْتَلَمَتْ قَالَ نَعَمْ إذَا رَأَتْ الْمَاءَ» وَنَقَلَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ ابْنِ الْمُنْذِرِ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ، وَأَمَّا مَا اسْتَدَلَّ بِهِ فِي بَعْضِ الشَّرْحِ وَمِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يَجِدُ الْبَلَلَ وَلَا يَذْكُرُ الِاحْتِلَامَ قَالَ يَغْتَسِلُ وَعَنْ الرَّجُلِ يَرَى أَنَّهُ احْتَلَمَ وَلَا يَجِدُ الْبَلَلَ قَالَ لَا غُسْلَ عَلَيْهِ» فَهُوَ وَإِنْ كَانَ مَشْهُورًا رَوَاهُ الدَّارِمِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمْ لَكِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْعُمَرِيِّ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى الْحُكْمِ بِتَعَدُّدِ الْحِكَمِ إلَخْ) هَذَا لَا ارْتِبَاطَ لَهُ بِتَوْجِيهِ قَوْلِ الْجُرْجَانِيِّ إذْ هُوَ مُخَالِفٌ لَهُ بَلْ رَاجِعٌ إلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ كُلَّ نَاقِضٍ مُوجِبٌ لِحُكْمِهِ إلَّا أَنَّهُ اكْتَفَى بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يُقَالَ بِهِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ تَعَدَّدَتْ فِيهِ الْعِلَلُ لِحُكْمٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ رَفْعُ وُقُوعِهَا كَذَلِكَ مَعَ أَنَّ الْأُصُولِيِّينَ أَثْبَتُوهُ وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَا ذَكَرَهُ عَنْ الْفَتْحِ مِنْ أَنَّ الْحَدَثَ وَاحِدٌ لَا تَعَدُّدَ فِي أَسْبَابِهِ يَنْفِي مَا ذَكَرَهُ، وَكَانَ الَّذِي حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ مَا قَدَّمَهُ مِنْ مَسْأَلَةِ الْحِنْثِ، فَإِنَّهَا تَقْتَضِي تَعَدُّدَ الْحُكْمِ لَكِنَّ الْمُحَقِّقَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ قَدْ أَجَابَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ وَالْحَقُّ أَنْ لَا تَنَافِيَ بَيْنَ كَوْنِ الْحَدَثِ بِالسَّبَبِ الْأَوَّلِ فَقَطْ وَبَيْنَ الْحِنْثِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ بِنَاؤُهُ عَلَى تَعَدُّدِ الْحَدَثِ بَلْ عَلَى الْعُرْفِ وَالْعُرْفُ أَنْ يُقَالَ لِمَنْ تَوَضَّأَ بَعْدَ بَوْلٍ وَرُعَافٍ تَوَضَّأْ مِنْهُمَا اهـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ لَا يُحْتَجُّ بِرِوَايَتِهِ وَيُغْنِي عَنْهُ حَدِيثُ أُمِّ سُلَيْمٍ الْمُتَقَدِّمُ،، فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى جَمِيعِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ هَذَا هَكَذَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَلَا يُقَالُ إنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِحَدِيثِ أُمِّ سُلَيْمٍ صَحِيحٌ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَقُولُ بِمَفْهُومِ الشَّرْطِ وَأَنْتُمْ لَا تَقُولُونَ بِهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّ الْحُكْمَ مُعَلَّقٌ بِالشَّرْطِ، فَإِذَا عُدِمَ الشَّرْطُ انْعَدَمَ الْحُكْمُ بِالْعَدَمِ الْأَصْلِيِّ لَا بِأَنَّ عَدَمَ الشَّرْطِ أَثَّرَ فِي عَدَمِ الْحُكْمِ كَمَا تَقَدَّمَ. (قَوْلُهُ وَسُنَّ لِلْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَالْإِحْرَامِ وَعَرَفَةَ) أَيْ وَسُنَّ الْغُسْلُ لِأَجْلِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ أَمَّا الْجُمُعَةُ فَلِمَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَأَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الِاسْتِذْكَارِ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ قَالَ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ تَوَضَّأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَبِهَا وَنِعْمَتْ وَمَنْ اغْتَسَلَ فَالْغُسْلُ أَفْضَلُ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ أَيْ فَبِالسُّنَّةِ أَخَذَ وَنِعْمَتْ هَذِهِ الْخَصْلَةُ وَقِيلَ فَبِالرُّخْصَةِ أَخَذَ وَنِعْمَتْ الْخَصْلَةُ هَذِهِ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى فَإِنَّهُ قَالَ: وَإِذَا اغْتَسَلَ فَالْغُسْلُ أَفْضَلُ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْوُضُوءَ سُنَّةٌ لَا رُخْصَةٌ كَذَا فِي الطِّلْبَةِ وَالضَّمِيرُ فِي فَبِهَا يَعُودُ إلَى غَيْرِ الْمَذْكُورِ، وَهُوَ جَائِزٌ إذَا كَانَ مَشْهُورًا، وَهَذَا مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَفُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ، وَهُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ وَمَا وَقَعَ فِي الْهِدَايَةِ مِنْ أَنَّهُ وَاجِبٌ عِنْدَ مَالِكٍ فَقَالَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ: إنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ، فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِالْوُجُوبِ إلَّا أَهْلُ الظَّاهِرِ وَتَمَسَّكُوا بِمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ جَاءَ مِنْكُمْ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ» وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ. وَرَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ» وَقَدْ أَجَابَ الْجُمْهُورُ عَنْهُ بِثَلَاثَةِ أَجْوِبَةٍ أَحَدُهَا أَنَّ الْوُجُوبَ قَدْ كَانَ وَنُسِخَ وَدُفِعَ بِأَنَّ النَّاسِخَ، وَإِنْ صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ لَا يَقْوَى قُوَّةَ حَدِيثِ الْوُجُوبِ وَلَيْسَ فِيهِ تَارِيخٌ أَيْضًا فَعِنْدَ التَّعَارُضِ يُقَدَّمُ الْمُوجِبُ ثَانِيهَا أَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ انْتِهَاءِ الْحُكْمِ بِانْتِهَاءٍ عِلَّتِهِ كَمَا يُفِيدُهُ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ نَاسًا مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ جَاءُوا فَقَالُوا يَا ابْنَ عَبَّاسٍ: أَتَرَى الْغُسْلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاجِبًا فَقَالَ: لَا وَلَكِنَّهُ طَهُورٌ وَخَيْرٌ لِمَنْ اغْتَسَلَ وَمَنْ لَمْ يَغْتَسِلْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِوَاجِبٍ وَسَأُخْبِرُكُمْ كَيْفَ بَدَأَ الْغُسْلُ «كَانَ النَّاسُ مَجْهُودِينَ يَلْبَسُونَ الصُّوفَ وَيَعْمَلُونَ عَلَى ظُهُورِهِمْ، وَكَانَ مَسْجِدُهُمْ ضَيِّقًا مُقَارِبَ السَّقْفِ إنَّمَا هُوَ عَرِيشٌ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي يَوْمٍ حَارٍّ وَعَرِقَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ الصُّوفِ حَتَّى ثَارَتْ مِنْهُ رِيَاحٌ حَتَّى أَذَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا فَلَمَّا وَجَدَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - تِلْكَ الرِّيَاحَ قَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إذَا كَانَ هَذَا الْيَوْمُ فَاغْتَسِلُوا وَلْيَمَسَّ أَحَدُكُمْ أَمْثَلَ مَا يَجِدُ مِنْ دُهْنِهِ وَطِيبِهِ» قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ثُمَّ جَاءَ اللَّهُ بِالْخَيْرِ وَلَبِسُوا غَيْرَ الصُّوفِ وَكُفُوا الْعَمَلَ وَوُسِّعَ مَسْجِدُهُمْ وَذَهَبَ بَعْضُ الَّذِي كَانَ يُؤْذِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا مِنْ الْعَرَقِ وَثَالِثُهَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَمْرِ النَّسَبُ وَبِالْوُجُوبِ الثُّبُوتُ شَرْعًا عَلَى وَجْهِ النَّدْبِ كَأَنَّهُ قَالَ: وَاجِبٌ فِي الْأَخْلَاقِ الْكَرِيمَةِ وَحُسْنُ السُّنَّةِ بِقَرِينَةٍ مُتَّصِلَةٍ وَمُنْفَصِلَةٍ أَمَّا الْمُتَّصِلَةُ، فَهِيَ أَنَّهُ قَرَنَهُ بِمَا لَا يَجِبُ اتِّفَاقًا كَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ «غُسْلُ الْجُمُعَةِ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ، وَالسِّوَاكُ وَالطِّيبُ مَا يُقْدَرُ عَلَيْهِ» وَمَعْلُومٌ أَنَّ الطِّيبَ وَالسِّوَاكَ لَيْسَا بِوَاجِبَيْنِ، فَكَذَلِكَ الْغُسْلُ وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ كَغُسْلِ الْجَنَابَةِ، فَإِنَّمَا أَرَادَ التَّشْبِيهَ فِي الْهَيْئَةِ وَالْكَيْفِيَّةِ لَا فِي كَوْنِهِ فَرْضًا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ فَدَنَا وَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ وَزِيَادَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَمَنْ مَسَّ الْحَصَى فَقَدْ لَغَا» ، وَهَذَا نَصٌّ فِي الِاكْتِفَاءِ بِالْوُضُوءِ، وَأَمَّا الْقَرِينَةُ الْمُنْفَصِلَةُ فَهِيَ قَوْلُهُ «وَمَنْ اغْتَسَلَ فَالْغُسْلُ أَفْضَلُ» ، وَأَمَّا كَوْنُ الْغُسْلِ سُنَّةً لِلْعِيدَيْنِ وَعَرَفَةَ فِيمَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ عَنْ الْفَاكِهِ بْنِ سَعْدٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَغْتَسِلُ يَوْمَ الْفِطْرِ وَيَوْمَ النَّحْرِ وَيَوْمَ عَرَفَةَ» وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ وَالْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 وَزَادَ فِيهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ أَيْضًا وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَغْتَسِلُ يَوْمَ الْعِيدَيْنِ» ، وَأَمَّا كَوْنُهُ سُنَّةً لِلْإِحْرَامِ فَبِمَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الْحَجِّ وَحَسَّنَهُ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِيهِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ «رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَجَرَّدَ لِإِهْلَالِهِ وَاغْتَسَلَ» وَذَهَبَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا إلَى أَنَّ هَذِهِ الْأَغْسَالَ الْأَرْبَعَةَ مُسْتَحَبَّةٌ أَخْذًا مِنْ قَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي الْأَصْلِ إنَّ غُسْلَ الْجُمُعَةِ حَسَنٌ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: وَهُوَ النَّظَرُ؛ لِأَنَّا إنْ قُلْنَا بِأَنَّ الْوُجُوبَ انْتَسَخَ لَا يَبْقَى حُكْمٌ آخَرُ بِخُصُوصِهِ إلَّا بِدَلِيلٍ وَالدَّلِيلُ الْمَذْكُورُ يُفِيدُ الِاسْتِحْبَابَ، وَكَذَا إنْ قُلْنَا بِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ انْتِهَاءِ الْحُكْمِ بِانْتِهَاءِ عِلَّتِهِ وَإِنْ حَمَلْنَا الْأَمْرَ عَلَى النَّدْبِ فَدَلِيلُ النَّدْبِ يُفِيدُ الِاسْتِحْبَابَ إذْ لَا سُنَّةَ دُونَ مُوَاظَبَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَيْسَ ذَلِكَ لَازِمَ النَّدْبِ ثُمَّ يُقَاسُ عَلَيْهِ بَاقِي الْأَغْسَالِ، وَإِنَّمَا يَتَعَدَّى إلَى الْفَرْعِ حُكْمُ الْأَصْلِ، وَهُوَ الِاسْتِحْبَابُ، وَأَمَّا مَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي الْعِيدَيْنِ وَعَرَفَةَ مِنْ حَدِيثَيْ الْفَاكِهِ وَابْنِ عَبَّاسٍ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُمَا فَضَعِيفَانِ قَالَهُ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ، وَأَمَّا مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الْإِهْلَالِ فَوَاقِعَةُ حَالٍ لَا تَسْتَلْزِمُ الْمُوَاظَبَةَ فَاللَّازِمُ الِاسْتِحْبَابُ إلَّا أَنْ يُقَالَ إهْلَالُهُ اسْمُ جِنْسٍ فَيَعُمُّ لَفْظًا كُلَّ إهْلَالٍ صَدَرَ مِنْهُ فَثَبَتَتْ سُنِّيَّةُ هَذَا الْغُسْلِ اهـ. لَكِنْ قَالَ تِلْمِيذُهُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ اسْتِنَانُ غُسْلِ الْجُمُعَةِ لِمَا عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَغْتَسِلُ مِنْ أَرْبَعٍ مِنْ الْجَنَابَةِ وَيَوْمَ الْجُمُعَةِ وَغُسْلِ الْمَيِّتِ وَمِنْ الْحِجَامَةِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: رُوَاتُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ مَعَ مَا تَقَدَّمَ، فَإِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ ظَاهِرُهُ يُفِيدُ الْمُوَاظَبَةَ وَمَا تَقَدَّمَ يُفِيدُ جَوَازَ التَّرْكِ مِنْ غَيْرِ لَوْمٍ، وَبِهَذَا الْقَدْرِ تَثْبُتُ السُّنَّةُ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الْغُسْلُ فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ سُنَّةٌ لِلصَّلَاةِ لَا لِلْيَوْمِ؛ لِأَنَّهَا أَفْضَلُ مِنْ الْوَقْتِ، وَعِنْدَ الْحَسَنِ لِلْيَوْمِ إظْهَارًا لِفَضِيلَتِهِ هَكَذَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ، وَفِي بَعْضِ الْكُتُبِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمِعْرَاجِ ذُكِرَ مُحَمَّدٌ مَكَانَ الْحَسَنِ وَقَالُوا الصَّحِيحُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَتَظْهَرُ ثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ فِيمَنْ لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِ هَلْ يُسَنُّ لَهُ الْغُسْلُ أَوْ لَا وَفِيمَنْ اغْتَسَلَ ثُمَّ أَحْدَثَ وَتَوَضَّأَ وَصَلَّى بِهِ الْجُمُعَةَ لَا يَكُونُ لَهُ فَضْلُ غُسْلِ الْجُمُعَةِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِلْحَسَنِ وَفِيمَنْ اغْتَسَلَ بَعْدَ الصَّلَاةِ قَبْلَ الْغُرُوبِ فَعِنْد أَبِي يُوسُفَ لَا وَعِنْدَ الْحَسَنِ نَعَمْ كَذَا ذَكَرَ الشَّارِحُونَ وَالْمَنْقُولُ فِي فَتَاوَى قَاضِي خان فِي بَابِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ أَنَّهُ لَوْ اغْتَسَلَ بَعْدَ الصَّلَاةِ لَا يُعْتَبَرُ بِالْإِجْمَاعِ، وَهُوَ الْأَوْلَى فِيمَا يَظْهَرُ لِي؛ لِأَنَّ سَبَبَ مَشْرُوعِيَّةِ هَذَا الْغُسْلِ لِأَجْلِ إزَالَةِ الْأَوْسَاخِ فِي بَدَنِ الْإِنْسَانِ اللَّازِمِ مِنْهَا حُصُولُ الْأَذَى عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يَحْصُلُ بِالْغُسْلِ بَعْدَ الصَّلَاةِ وَالْحَسَنُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِنْ كَانَ يَقُولُ هُوَ لِلْيَوْمِ لَا لِلصَّلَاةِ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَى الصَّلَاةِ وَلَا يَضُرُّ تَخَلُّلُ الْحَدَثِ بَيْنَ الْغُسْلِ وَالصَّلَاةِ عِنْدَهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَضُرُّ وَفِي الْكَافِي لِلْمُصَنِّفِ وَخُلَاصَةِ الْفَتَاوَى تَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِيمَا لَوْ اغْتَسَلَ قَبْلَ الصُّبْحِ وَصَلَّى بِهِ الْجُمُعَةَ نَالَ فَضْلَ الْغُسْلِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ الْحَسَنِ لَا وَتَعَقَّبَ الزَّيْلَعِيُّ الْحَسَنَ بِأَنَّهُ مُشْكِلٌ جِدًّا؛ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ وُجُودُ الِاغْتِسَالِ بِمَا سُنَّ الِاغْتِسَالُ لِأَجْلِهِ، وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مُتَطَهِّرًا بِطَهَارَةِ الِاغْتِسَالِ أَلَا تَرَى أَنَّ أَبَا يُوسُفَ لَا يَشْتَرِطُ الِاغْتِسَالَ فِي الصَّلَاةِ، وَإِنَّمَا يَشْتَرِطُ أَنْ يُصَلِّيَهَا بِطَهَارَةِ الِاغْتِسَالِ، فَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هُنَا مُتَطَهِّرًا بِطَهَارَتِهِ فِي سَاعَةٍ مِنْ الْيَوْمِ عِنْدَ الْحَسَنِ لَا أَنْ يُنْشِئَ الْغُسْلَ فِيهِ اهـ. وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَقَدْ يُقَالُ إنَّ مَا اسْتَشْهَدَ بِهِ بِقَوْلِهِ أَلَا تَرَى إلَى آخِرِهِ لَا يَصْلُحُ لِلِاسْتِشْهَادِ؛ لِأَنَّ مَا سُنَّ الِاغْتِسَالُ لِأَجْلِهِ عِنْدَ الْحَسَنِ، وَهُوَ الْيَوْمُ يُمْكِنُ إنْشَاءُ الْغُسْلِ فِيهِ فَلَوْ قِيلَ بِاشْتِرَاطِهِ أَمْكَنَ بِخِلَافِ مَا سُنَّ الِاغْتِسَالُ لِأَجْلِهِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَهُوَ الصَّلَاةُ لَا يُمْكِنُ إنْشَاءُ الْغُسْلِ فِيهَا فَافْتَرَقَا لَكِنَّ الْمَنْقُولَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خان مِنْ بَابِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ أَنَّهُ إنْ اغْتَسَلَ   [منحة الخالق] [الْغُسْل الْمُسِنُّونَ] (قَوْلُهُ: وَتَعَقَّبَ الزَّيْلَعِيُّ الْحَسَنَ بِأَنَّهُ مُشْكِلٌ جِدًّا إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ مَا فِي الْكَافِي مَسْطُورٌ فِي الْخُلَاصَةِ وَعَزَاهُ فِي النِّهَايَةِ إلَى مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَإِذْ قَدْ ثَبَتَ أَنَّ الرِّوَايَةَ عَنْ الْحَسَنِ كَذَلِكَ فَالْأَوْلَى صَرْفُ النَّظَرِ فِي إبْدَاءِ وَجْهِهَا وَلَا مَانِعَ أَنْ يُقَالَ إنَّمَا اشْتَرَطَ إيقَاعَ الْغُسْلِ فِيهِ إظْهَارًا لِشَرَفِهِ وَمَزِيدِ اخْتِصَاصِهِ عَنْ غَيْرِهِ كَعَرَفَةَ عَلَى مَا يَأْتِي، وَإِنَّمَا لَمْ يُشْتَرَطْ لِلثَّانِي إيقَاعُهُ فِي الصَّلَاةِ لِلْمُنَافَاةِ نَعَمْ فِي الْخَانِيَّةِ أَنَّهُ يُقَالُ أَيْضًا عِنْدَ الْحَسَنِ فَيَجُوزُ أَنَّ عَنْهُ رِوَايَتَيْنِ اهـ. وَلَا يَخْفَى مَا فِي صَدْرِ كَلَامِهِ لِإِيهَامِهِ أَنَّ كَلَامَ الزَّيْلَعِيِّ فِي ثُبُوتِ الرِّوَايَةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ إشْكَالُهُ فِي كَلَامِ الْحَسَنِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 قَبْلَ الصُّبْحِ وَصَلَّى بِذَلِكَ الْغُسْلِ كَانَتْ صَلَاةً بِغُسْلٍ عِنْدَ الْحَسَنِ وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ لَوْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْخَمِيسِ أَوْ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ اسْتَنَّ بِالسُّنَّةِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ، وَهُوَ قَطْعُ الرَّائِحَةِ اهـ. وَلَمْ يَنْقُلْ خِلَافًا وَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَحْصُلَ السُّنَّةُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِاشْتِرَاطِهِ أَنْ لَا يَتَخَلَّلَ بَيْنَ الْغُسْلِ وَالصَّلَاةِ حَدَثٌ وَالْغَالِبُ فِي مِثْلِ هَذَا الْقَدْرِ مِنْ الزَّمَانِ حُصُولُ حَدَثٍ بَيْنَهُمَا، وَلَا تَحْصُلُ السُّنَّةُ أَيْضًا عِنْدَ الْحَسَنِ عَلَى مَا فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ أَمَّا عَلَى مَا فِي الْكَافِي فَظَاهِرٌ وَأَمَّا عَلَى مَا فِي غَيْرِهِ؛ فَلِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مُتَطَهِّرًا بِطَهَارَةِ الِاغْتِسَالِ فِي الْيَوْمِ لَا قَبْلَهُ، وَلَوْ اتَّفَقَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَيَوْمُ الْعِيدِ أَوْ عَرَفَةَ وَجَامَعَ ثُمَّ اغْتَسَلَ يَنُوبُ عَنْ الْكُلِّ كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ ثُمَّ فِي الْبَدَائِعِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ غُسْلُ عَرَفَةَ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ أَيْضًا يَعْنِي أَنْ يَكُونَ لِلْوُقُوفِ أَوْ لِلْيَوْمِ كَمَا فِي الْجُمُعَةِ قَالَ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لِلْوُقُوفِ، وَمَا أَظُنُّ أَحَدًا ذَهَبَ إلَى اسْتِنَانِهِ لِيَوْمِ عَرَفَةَ مِنْ غَيْرِ حُضُورِ عَرَفَاتٍ وَفِي الْمَنْبَعِ شَرْحِ الْمَجْمَعِ، فَإِنْ قُلْت هَلْ يَتَأَتَّى هَذَا الِاخْتِلَافُ فِي غُسْلِ الْعِيدِ أَيْضًا قُلْت يُحْتَمَلُ ذَلِكَ وَلَكِنِّي مَا ظَفِرْت بِهِ اهـ. قُلْت وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لِلصَّلَاةِ أَيْضًا، وَيَشْهَدُ لَهُ مَا صَحَّ فِي مُوَطَّإِ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهَ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَغْتَسِلُ يَوْمَ الْفِطْرِ قَبْلَ أَنْ يَغْدُوَ اهـ. وَعِبَارَةُ الْمَجْمَعِ أَوْلَى مِنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ حَيْثُ قَالَ: وَفِي عَرَفَةَ لِيُبَيِّنَ أَنَّهُ لَا يَنَالُ السُّنَّةَ إلَّا إذَا اغْتَسَلَ فِي نَفْسِ الْجَبَلِ بِخِلَافِ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ، فَإِنَّهَا صَادِقَةٌ بِمَا إذَا اغْتَسَلَ خَارِجَهُ لِأَجْلِهِ ثُمَّ دَخَلَهُ. . (قَوْلُهُ: وَوَجَبَ لِلْمَيِّتِ) أَيْ الْغُسْلُ فَرْضٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْكِفَايَةِ لِأَجْلِ الْمَيِّتِ، وَهَذَا هُوَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ مِنْ الْوُجُوبِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْوَافِي فِي الْجَنَائِزِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّهُ بِالْإِجْمَاعِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَيِّتُ خُنْثَى مُشْكِلًا، فَإِنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ قِيلَ يُيَمَّمُ، وَقِيلَ يُغَسَّلُ فِي ثِيَابِهِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى وَسَيَأْتِي فِي الْجَنَائِزِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى دَلِيلُهُ، وَهَلْ يُشْتَرَطُ لِهَذَا الْغُسْلِ النِّيَّةُ الظَّاهِرُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِإِسْقَاطِ وُجُوبِهِ عَنْ الْمُكَلَّفِ لَا لِتَحْصِيلِ طَهَارَتِهِ، وَهُوَ وَشَرْطُ صِحَّةِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَنَا فِيهِ نَظَرٌ نَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْجَنَائِزِ وَمَا نَقَلَهُ مِسْكِينٌ مِنْ قَوْلِهِ، وَقِيلَ غُسْلُ الْمَيِّتِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ فَفِيهِ نَظَرٌ بَعْدَ نَقْلِ الْإِجْمَاعِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَوْلًا غَيْرَ مُعْتَدٍّ بِهِ فَلَا يَقْدَحُ فِي انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ. (قَوْلُهُ: وَلِمَنْ أَسْلَمَ جُنُبًا، وَإِلَّا نُدِبَ) أَيْ اُفْتُرِضَ الْغُسْلُ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ حَالَ كَوْنِهِ جُنُبًا فَاللَّامُ بِمَعْنَى عَلَى بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ، وَإِلَّا نُدِبَ إذْ لَوْ كَانَتْ اللَّامُ عَلَى حَقِيقَتِهَا لَاسْتَوَتْ الْحَالَتَانِ كَمَا لَا يَخْفَى، وَعِبَارَةُ أَصْلِهِ الْوَافِي أَحْسَنُ وَلَفْظُهُ وَنُدِبَ لِمَنْ أَسْلَمَ وَلَمْ يَكُنْ جُنُبًا وَإِلَّا لَزِمَ وَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي الْكَافِرِ إذَا أَسْلَمَ، وَهُوَ جُنُبٌ فَقِيلَ لَا يَجِبُ؛ لِأَنَّهُمْ غَيْرُ مُخَاطَبِينَ بِالْفُرُوعِ وَلَمْ يُوجَدْ بَعْدَ الْإِسْلَامِ جَنَابَةٌ، وَهُوَ رِوَايَةٌ وَفِي رِوَايَةٍ يَجِبُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ لِبَقَاءِ صِفَةِ الْجَنَابَةِ السَّابِقَةِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ فَلَا يُمْكِنُهُ أَدَاءُ الْمَشْرُوطِ بِزَوَالِهَا إلَّا بِهِ فَيُفْتَرَضُ، وَلَوْ حَاضَتْ الْكَافِرَةُ فَطَهُرَتْ ثُمَّ أَسْلَمَتْ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ لَا غُسْلَ عَلَيْهَا بِخِلَافِ الْجُنُبِ وَالْفَرْقُ أَنَّ صِفَةَ الْجَنَابَةِ بَاقِيَةٌ بَعْدَ الْإِسْلَامِ، فَكَأَنَّهُ أَجْنَبَ بَعْدَهُ، وَالِانْقِطَاعُ فِي الْحَيْضِ هُوَ السَّبَبُ، وَلَمْ يَتَحَقَّقْ بَعْدُ؛ فَلِذَلِكَ لَوْ أَسْلَمَتْ حَائِضًا ثُمَّ طَهُرَتْ وَجَبَ عَلَيْهَا الْغُسْلُ وَلَوْ بَلَغَ الصَّبِيُّ بِالِاحْتِلَامِ أَوْ هِيَ بِالْحَيْضِ قِيلَ يَجِبُ عَلَيْهَا لَا عَلَيْهِ فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ فُصُولٍ قَالَ قَاضِي خان: وَالْأَحْوَطُ وُجُوبُ الْغُسْلِ فِي الْفُصُولِ كُلِّهَا اهـ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَا نَعْلَمُ خِلَافًا فِي وُجُوبِ الْوُضُوءِ لِلصَّلَاةِ إذَا أَسْلَمَ مُحْدِثًا وَلَا مَعْنَى لِلْفَرْقِ بَيْنَ هَاتَيْنِ، فَإِنَّهُ إنْ اُعْتُبِرَ حَالُ الْبُلُوغِ أَوْ إنَّ انْعِقَادَ أَهْلِيَّةِ التَّكْلِيفِ، فَهُوَ كَحَالِ انْعِقَادِ الْعِلَّةِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا، وَإِنْ اُعْتُبِرَ أَوْ إنْ تَوَجَّهَ الْخِطَابُ حَتَّى اتَّحَدَ زَمَانُهُمَا وَجَبَ عَلَيْهِمَا وَالْحَيْضُ إمَّا حَدَثٌ أَوْ يُوجِبُ حَدَثًا فِي رُتْبَةِ حَدَثِ الْجَنَابَةِ كَمَا سَنُحَقِّقُهُ فِي بَابِهِ فَوَجَبَ أَنْ يَتَّحِدَ حُكْمُهُ بِاَلَّذِي أَسْلَمَ جُنُبًا، وَجَوَابُهُ أَنَّ السَّبَبَ فِي الْحَيْضِ الِانْقِطَاعُ، وَثُبُوتُهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ لِتَحَقُّقِ الْبُلُوغِ بِابْتِدَاءِ الْحَيْضِ كَيْ لَا يَثْبُتَ الِانْقِطَاعُ إلَّا وَهِيَ بَالِغَةٌ. اهـ. وَهَذَا الْجَوَابُ بَعْدَ تَسْلِيمِهِ يَصْلُحُ جَوَابًا عَمَّا يَرِدُ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَرْأَةِ إذَا بَلَغَتْ بِالْحَيْضِ وَالصَّبِيِّ إذَا بَلَغَ بِالِاحْتِلَامِ وَلِقَائِلٍ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: قَالَ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ) أَيْ فِي الْحِلْيَةِ عَلَى الْمُنْيَةِ قَالَ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِهِ عَلَى نَظْمِ الْكَنْزِ أَقُولُ: وَلَا يُسْتَبْعَدُ أَنْ يَقُولَ أَحَدٌ بِسُنِّيَّتِهِ لِلْيَوْمِ لِفَضِيلَتِهِ حَتَّى لَوْ حَلَفَ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ فِي أَفْضَلِ أَيَّامِ الْعَامِّ تَطْلُقُ يَوْمَ عَرَفَةَ ذَكَرَهُ ابْنُ مَلَكٍ فِي شَرْحِ الْمَشَارِقِ وَقَدْ وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْ ذَلِكَ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ وَدَارَ بَيْنَ الْأَقْوَامِ وَكَتَبَ بَعْضُهُمْ بِأَفْضَلِيَّةِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَالْعَقْلُ بِخِلَافِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: قُلْت وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لِلصَّلَاةِ أَيْضًا) قَالَ فِي النَّهْرِ أَقُولُ: فِي الدُّرَرِ لِمُنْلَا خُسْرو مَا لَفْظُهُ وَيُسَنُّ لِصَلَاةِ جُمُعَةٍ وَلِعِيدٍ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِهِ أَعَادَ اللَّامَ لِئَلَّا يُفْهَمَ كَوْنُهُ سُنَّةً لِصَلَاةِ الْعِيدِ، وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لِلْيَوْمِ فَقَطْ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ السُّرُورَ فِيهِ عَامٌّ فَيُنْدَبُ فِيهِ التَّنْظِيفُ لِكُلِّ قَادِرٍ عَلَيْهِ صَلَّى أَمْ لَا اهـ. أَقُولُ: نَقَلَ الْقُهُسْتَانِيُّ عَنْ التُّحْفَةِ أَنَّ غُسْلَ الْعِيدَيْنِ فِيهِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ وَالْحَسَنِ. [الْغُسْل الواجب] (قَوْلُهُ: وَلَنَا فِيهِ نَظَرٌ نَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْجَنَائِزِ) هُوَ مَا يَنْقُلُهُ عَنْ فَتَاوَى قَاضِي خان مَيِّتٌ غَسَّلَهُ أَهْلُهُ بِغَيْرِ نِيَّةٍ أَجْزَأَهُمْ ذَلِكَ اهـ. قَالَ وَاخْتَارَهُ فِي الْغَايَةِ والإسبيجابي؛ لِأَنَّ غُسْلَ الْحَيِّ لَا يُشْتَرَطُ لَهُ النِّيَّةُ فَكَذَا غُسْلُ الْمَيِّتِ. (قَوْلُهُ: بِزَوَالِهَا) مُتَعَلِّقٌ بِالْمَشْرُوطِ وَقَوْلُهُ إلَّا بِهِ أَيْ بِالْغُسْلِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 أَنْ يَمْنَعَهُ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُخْتَارَ أَنَّ السَّبَبَ فِي وُجُوبِ الْغُسْلِ عَلَى الْحَائِضِ لَيْسَ الْحَيْضُ وَلَا انْقِطَاعُهُ، وَإِنَّمَا هُوَ وُجُوبُ الصَّلَاةِ فَحِينَئِذٍ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَالْجَوَابُ الصَّحِيحُ أَنَّ الصَّحِيحَ وُجُوبُ الِاغْتِسَالِ عَلَى الصَّبِيِّ إذَا بَلَغَ بِالِاحْتِلَامِ ذَكَرَهُ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى أَمَالِي قَاضِي خان، وَأَمَّا مَا يَرِدُ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَرْأَةِ الْحَائِضِ إذَا أَسْلَمَتْ بَعْدَ الِانْقِطَاعِ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِ إذَا كَانَ جُنُبًا فَلَمْ يَحْصُلْ الْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ الْمُحَقِّقِ فَالْأَوْلَى الْقَوْلُ بِالْوُجُوبِ عَلَيْهِمَا كَمَا ذَكَرَهُ قَاضِي خان وَإِلَى هُنَا تَمَّتْ أَنْوَاعُ الِاغْتِسَالِ، وَهِيَ فَرْضٌ وَسُنَّةٌ وَمَنْدُوبٌ فَالْفَرْضُ سِتَّةُ أَنْوَاعٍ مِنْ إنْزَالِ الْمَنِيِّ بِشَهْوَةٍ وَتَوَارِي حَشَفَةٍ وَلَوْ كَانَ كَافِرًا ثُمَّ أَسْلَمَ وَمِنْ انْقِطَاعِ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ وَلَوْ كَانَتْ كَافِرَةً ثُمَّ أَسْلَمَتْ وَالْخَامِسُ غُسْلُ الْمَيِّتِ وَالسَّادِسُ الْغُسْلُ عِنْدَ إصَابَةِ جَمِيعِ بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ أَوْ بَعْضِهِ وَخَفِيَ مَكَانُهَا وَكَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ قَسَّمُوا أَنْوَاعَهُ إلَى فَرْضٍ وَوَاجِبٍ وَسُنَّةٍ وَمَنْدُوبٍ وَجَعَلُوا الْوَاجِبَ غُسْلَ الْمَيِّتِ وَغُسْلَ الْكَافِرِ إذَا أَسْلَمَ جُنُبًا وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ، فَإِنَّ هَذَا الَّذِي سَمَّوْهُ وَاجِبًا يَفُوتُ الْجَوَازُ بِفَوْتِهِ وَالْمَنْقُولُ فِي بَابِ الْجَنَائِزِ أَنَّ غُسْلَ الْمَيِّتِ فَرْضٌ فَالْأَوْلَى عَدَمُ إطْلَاقِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ غَيْرُ الْفَرْضِ بِنَاءً عَلَى اصْطِلَاحِنَا الْمَشْهُورِ وَالْمَسْنُونُ أَرْبَعَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ وَالْمَنْدُوبُ غُسْلُ الْكَافِرِ إذَا أَسْلَمَ غَيْرُ جُنُبٍ وَلِدُخُولِ مَكَّةَ وَالْوُقُوفِ بِمُزْدَلِفَةَ وَدُخُولِ مَدِينَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِلْمَجْنُونِ إذَا أَفَاقَ وَالصَّبِيِّ إذَا بَلَغَ بِالسِّنِّ وَمِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ وَلِلْحِجَامَةِ لِشُبْهَةِ الْخِلَافِ وَلَيْلَةَ الْقَدْرِ إذَا رَآهَا وَلِلتَّائِبِ مِنْ الذَّنْبِ وَلِلْقَادِمِ مِنْ السَّفَرِ وَلِمَنْ يُرَادُ قَتْلُهُ وَلِلْمُسْتَحَاضَةِ إذَا انْقَطَعَ دَمُهَا ذَكَرَ هَذِهِ الْأَرْبَعَةَ فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي مَعْزِيًّا لِخِزَانَةِ الْأَكْمَلِ، وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ مِنْ الْغُسْلِ الْمَسْنُونِ غُسْلُ الْكُسُوفَيْنِ وَغُسْلُ الِاسْتِسْقَاءِ وَمِنْهُ ثَلَاثَةُ أَغْسَالٍ رَمْيُ الْجِمَارِ وَمِنْ الْمُسْتَحَبِّ الْغُسْلُ لِمَنْ أَرَادَ حُضُورَ مَجْمَعِ النَّاسِ وَلَمْ أَجِدْهُ لِأَئِمَّتِنَا فِيمَا عِنْدِي وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ. (قَوْلُهُ: وَيُتَوَضَّأُ بِمَاءِ السَّمَاءِ وَالْعَيْنِ وَالْبَحْرِ) يَعْنِي الطَّهَارَةُ جَائِزَةٌ بِمَاءِ السَّمَاءِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقُدُورِيُّ وَغَيْرُهُ وَالْمَشَايِخُ تَارَةً يُطْلِقُونَ الْجَوَازَ بِمَعْنَى الْحِلِّ وَتَارَةً بِمَعْنَى الصِّحَّةِ، وَهِيَ لَازِمَةٌ لِلْأَوَّلِ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ وَالْغَالِبُ إرَادَةُ الْأَوَّلِ فِي الْأَفْعَالِ وَالثَّانِي فِي الْعُقُودِ، وَالْمُرَادُ هُنَا الْأَوَّلُ، وَمَنْ قَالَ بِعُمُومِ الْمُشْتَرَكِ اسْتَعْمَلَ الْجَوَازَ هُنَا بِالْمَعْنَيَيْنِ وَالْمَاءُ هُوَ الْجِسْمُ اللَّطِيفُ السَّيَّالُ الَّذِي بِهِ حَيَاةُ كُلِّ نَامٍ وَأَصْلُهُ مَوَهَ بِالتَّحْرِيكِ، وَهُوَ أَصْلٌ مَرْفُوضٌ فِيمَا أُبْدِلَ مِنْ الْهَاءِ إبْدَالًا لَازِمًا، فَإِنَّ الْهَمْزَةَ فِيهِ مُبْدَلَةٌ عَنْ الْهَاءِ فِي مَوْضِعِ اللَّامِ وَيُجْمَعُ عَلَى مِيَاهٍ جَمْعَ كَثْرَةٍ وَجَمْعَ قِلَّةٍ عَلَى أَمْوَاهٍ وَالْعَيْنُ لَفْظٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الشَّمْسِ وَالْيَنْبُوعِ وَالذَّهَبِ وَالدِّينَارِ وَالْمَالِ وَالنَّقْدِ وَالْجَاسُوسِ وَالْمَطَرِ وَوَلَدِ الْبَقَرِ الْوَحْشِيِّ وَخِيَارِ الشَّيْءِ وَنَفْسِ الشَّيْءِ وَالنَّاسِ الْقَلِيلِ وَحَرْفٍ مِنْ حُرُوفِ الْمُعْجَمِ وَمَا عَنْ يَمِينِ قِبْلَةِ الْعِرَاقِ وَعَيْنٍ فِي الْجِلْدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الْيَنْبُوعُ بِقَرِينَةِ السِّيَاقِ، وَفِي قَوْلِهِ وَالْبَحْرُ عَطْفًا عَلَى السَّمَاءِ أَيْ وَبِمَاءِ الْبَحْرِ إشَارَةٌ إلَى رَدِّ قَوْلِ مَنْ قَالَ إنَّ مَاءَ الْبَحْرِ لَيْسَ بِمَاءٍ حَتَّى حُكِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ فِي مَاءِ الْبَحْرِ التَّيَمُّمُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْهُ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَقَسَّمَ هَذِهِ الْمِيَاهَ بِاعْتِبَارِ مَا يُشَاهَدُ عَادَةً، وَإِلَّا فَالْكُلُّ مِنْ السَّمَاءِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الأَرْضِ} [الزمر: 21] وَقِيلَ لَيْسَ فِي الْآيَةِ أَنَّ جَمِيعَ الْمِيَاهِ تَنْزِلُ مِنْ السَّمَاءِ؛ لِأَنَّ مَا نَكِرَةٌ فِي الْإِثْبَاتِ وَمَعْلُومٌ أَنَّهَا لَا تَعُمُّ قُلْنَا بَلْ تَعُمُّ بِقَرِينَةِ الِامْتِنَانِ بِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ ذَكَرَهُ فِي مَعْرِضِ الِامْتِنَانِ بِهِ فَلَوْ لَمْ تَدُلَّ عَلَى الْعُمُومِ لَفَاتَ الْمَطْلُوبُ وَالنَّكِرَةُ فِي الْإِثْبَاتِ تُفِيدُ الْعُمُومَ بِقَرِينَةٍ تَدُلُّ عَلَيْهِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ} [التكوير: 14] أَيْ كُلُّ نَفْسٍ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَاءَ نَوْعَانِ: مُطْلَقٌ، وَمُقَيَّدٌ فَالْمُطْلَقُ هُوَ مَا يَسْبِقُ إلَى الْأَفْهَامِ بِمُطْلَقِ قَوْلِنَا مَاءٌ، وَلَمْ يَقُمْ بِهِ خَبَثٌ وَلَا مَعْنَى يَمْنَعُ جَوَازَ الصَّلَاةِ فَخَرَجَ الْمَاءُ الْمُقَيَّدُ وَالْمَاءُ الْمُتَنَجِّسُ وَالْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ وَالْمُطْلَقُ فِي الْأُصُولِ هُوَ الْمُتَعَرِّضُ لِلذَّاتِ دُونَ الصِّفَاتِ لَا بِالنَّفْيِ وَلَا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَلَمْ أَجِدْهُ لِأَئِمَّتِنَا فِيمَا عِنْدِي) قَالَ فِي النَّهْرِ صَرَّحَ فِي الدُّرَرِ وَالْغُرَرِ بِنَدْبِ غُسْلِ الْكُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ اهـ. قُلْت: وَمِثْلُهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي مَتْنِهِ ثُمَّ رَأَيْته أَيْضًا فِي شَرْحِ دُرَرِ الْبِحَارِ مَعَ التَّصْرِيحِ بِرَمْيِ الْجِمَارِ ثُمَّ رَأَيْت فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ قِيلَ يُسْتَحَبُّ الِاغْتِسَالُ لِصَلَاةِ الْكُسُوفِ وَفِي الِاسْتِسْقَاءِ وَفِي كُلِّ مَا كَانَ فِي مَعْنَى ذَلِكَ كَاجْتِمَاعِ النَّاسِ. [أَحْكَام الْمِيَاه] [الْوُضُوء بِمَاءِ السَّمَاءِ] (قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ هُنَا الْأَوَّلُ) أَيْ الْحِلُّ؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ تَكُونُ بِمَا هُوَ مِنْ الْأَفْعَالِ كَالْوُضُوءِ وَنَحْوِهِ وَفِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ الظَّاهِرُ هُنَا الصِّحَّةُ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْحِلِّ وَعَدَمِهِ (قَوْلُهُ: وَمَنْ قَالَ بِعُمُومِ الْمُشْتَرَكِ اسْتَعْمَلَ الْجَوَازَ هُنَا بِالْمَعْنَيَيْنِ) أَقُولُ: أَمَّا وَجْهُ اسْتِعْمَالِهِ بِمَعْنَى الْحِلِّ فَلِمَا تَقَدَّمَ، وَأَمَّا وَجْهُ اسْتِعْمَالِهِ بِمَعْنَى الصِّحَّةِ؛ فَلِأَنَّهَا لَازِمَةٌ لِلْحِلِّ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ وَهُنَا كَذَلِكَ، فَإِنَّ الطَّهَارَةَ قَدْ تَصِحُّ وَتَحِلُّ وَقَدْ تَصِحُّ وَلَا تَحِلُّ كَالطَّهَارَةِ بِمَاءٍ مُبَاحٍ أَوْ بِمَاءِ الْغَيْرِ (قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ هُنَا الْيَنْبُوعُ بِقَرِينَةِ السِّيَاقِ) قَالَ فِي النَّهْرِ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى مَاءٍ وَبَعْدَهُ لَا يَخْفَى وَالْأَوْلَى أَنْ يُعْطَفَ عَلَى السَّمَاءِ وَعَلَيْهِ فَلَا يَكُونُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ مَا ذُكِرَ نَعَمْ هُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَاءِ الْبَاصِرَةِ وَالثَّانِي غَيْرُ مُرَادٍ بِقَرِينَةِ السِّيَاقِ اهـ. وَيُمْكِنُ تَقْدِيرُ مُضَافٍ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ أَيْ مَاءُ الْيَنْبُوعِ فَيَئُولُ إلَى مَا ذُكِرَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 بِالْإِثْبَاتِ كَمَاءِ السَّمَاءِ وَالْعَيْنِ وَالْبَحْرِ وَالْإِضَافَةُ فِيهِ لِلتَّعْرِيفِ بِخِلَافِ الْمَاءِ الْمُقَيَّدِ، فَإِنَّ الْقَيْدَ لَازِمٌ لَهُ لَا يَجُوزُ إطْلَاقُ الْمَاءِ عَلَيْهِ بِدُونِ الْقَيْدِ كَمَاءِ الْوَرْدِ، وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِ الطَّهَارَةِ بِمَاءِ السَّمَاءِ وَاسْتَدَلُّوا بِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} [الأنفال: 11] وَقَدْ اسْتَدَلَّ جَمَاعَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: 48] وَبِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «سَأَلَ سَائِلٌ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا نَرْكَبُ الْبَحْرَ وَنَحْمِلُ مَعَنَا الْقَلِيلَ مِنْ الْمَاءِ، فَإِنْ تَوَضَّأْنَا بِهِ عَطِشْنَا أَفَنَتَوَضَّأُ بِمَاءِ الْبَحْرِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» قَالَ الْبُخَارِيُّ: فِي غَيْرِ صَحِيحِهِ هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَأُوِردَ أَنَّ التَّمَسُّكَ بِالْآيَةِ وَالْحَدِيثِ لَا يَصِحُّ إلَّا إذَا كَانَ الطَّهُورُ بِمَعْنَى الْمُطَهِّرِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ، وَأَمَّا إذَا كَانَ بِمَعْنَى الطَّاهِرِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُنَا فَلَا يُمْكِنُ الِاسْتِدْلَال، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ بِمَعْنَى الطَّاهِرِ قَوْله تَعَالَى {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا} [الإنسان: 21] وَصَفَهُ بِأَنَّهُ طَهُورٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَا يَتَطَهَّرُ بِهِ وَقَالَ جَرِيرٌ عِذَابُ الثَّنَايَا رِيقُهُنَّ طَهُورُ وَمَعْنَاهُ طَاهِرٌ وَأَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ عَلَى أَنَّ الطَّهُورَ فَعُولٌ مِنْ طَهُرَ، وَهُوَ لَازِمٌ وَالْفِعْلُ إذَا لَمْ يَكُنْ مُتَعَدِّيًا لَمْ يَكُنْ الْفَعُولُ مِنْهُ مُتَعَدِّيًا كَقَوْلِهِمْ نَئُومٌ مِنْ نَامَ وَضَحُوكٌ مِنْ ضَحِكَ، وَإِذَا كَانَ مُتَعَدِّيًا فَالْفَعُولُ مِنْهُ كَذَلِكَ كَقَوْلِهِمْ قَتُولٌ مِنْ قَتَلَ وَضَرُوبٌ مِنْ ضَرَبَ قُلْنَا إنَّمَا تُفِيدُ هَذِهِ الصِّيغَةُ التَّطْهِيرَ مِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى، وَهُوَ أَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ لِلْمُبَالَغَةِ، فَإِنَّ فِي الشَّكُورِ وَالْغَفُورِ مِنْ الْمُبَالَغَةِ مَا لَيْسَ فِي الْغَافِرِ وَالشَّاكِرِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِي الطَّهُورِ مَعْنًى زَائِدٌ لَيْسَ فِي الطَّاهِرِ وَلَا تَكُونُ تِلْكَ الْمُبَالَغَةُ فِي طَهَارَةِ الْمَاءِ إلَّا بِاعْتِبَارِ التَّطْهِيرِ؛ لِأَنَّ فِي نَفْسِ الطَّهَارَةِ كِلْتَا الصِّفَتَيْنِ سَوَاءٌ فَتَكُونُ صِفَةُ التَّطْهِيرِ لَهُ بِهَذَا الطَّرِيقِ لَا أَنَّ الطَّهُورَ بِمَعْنَى الْمُطَهِّرِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي الْكَشَّافِ وَالْمُغْرِبِ قَالَ وَمَا حُكِيَ عَنْ ثَعْلَبٍ أَنَّ الطَّهُورَ مَا كَانَ طَاهِرًا فِي نَفْسِهِ مُطَهِّرًا لِغَيْرِهِ إنْ كَانَ هَذَا زِيَادَةَ بَيَانٍ لِبَلَاغَتِهِ فِي الطَّهَارَةِ كَانَ سَدِيدًا وَيُعَضِّدُهُ قَوْله تَعَالَى {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} [الأنفال: 11] وَإِلَّا فَلَيْسَ فَعُولٌ مِنْ التَّفْعِيلِ فِي شَيْءٍ وَقِيَاسُهُ عَلَى مَا هُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْأَفْعَالِ الْمُتَعَدِّيَةِ كَقَطُوعٍ وَمَنُوعٍ غَيْرُ سَدِيدٍ وَالطَّهُورُ يَجِيءُ صِفَةً نَحْوَ: مَاءً طَهُورًا وَاسْمًا لِمَا يُتَطَهَّرُ بِهِ كَالْوُضُوءِ اسْمٌ لِمَا يُتَوَضَّأُ بِهِ وَمَصْدَرًا نَحْوُ تَطَهَّرْت طَهُورًا حَسَنًا وَمِنْهُ قَوْلُهُ «لَا صَلَاةَ إلَّا بِطَهُورٍ» أَيْ طَهَارَةٍ فَإِذَا كَانَ بِمَعْنَى مَا يُتَطَهَّرُ بِهِ صَحَّ الِاسْتِدْلَال وَلَا يَحْتَاجُ أَنْ يُجْعَلَ بِمَعْنَى الْمُطَهِّرِ حَيْثُ يَلْزَمُ جَعْلُ اللَّازِمِ مُتَعَدِّيًا كَذَا قَرَّرَهُ بَعْضُ الشَّارِحِينَ، وَفِيهِ بَحْثٌ مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَصَفَ شَرَابَ أَهْلِ الْجَنَّةِ بِأَعْلَى الصِّفَاتِ، وَهُوَ التَّطْهِيرُ الثَّانِي أَنَّ جَرِيرًا قَصَدَ تَفْضِيلَهُنَّ عَلَى سَائِرِ النِّسَاءِ فَوَصَفَ رِيقَهُنَّ بِأَنَّهُ مُطَهِّرٌ يُتَطَهَّرُ بِهِ لِكَمَالِهِنَّ وَطِيبِ رِيقِهِنَّ وَامْتِيَازِهِ عَلَى غَيْرِهِ وَلَا يُحْمَلُ عَلَى طَاهِرٍ؛ لِأَنَّهُ لَا مَزِيَّةَ لَهُنَّ فِي ذَلِكَ، فَإِنَّ كُلَّ النِّسَاءِ رِيقُهُنَّ طَاهِرٌ بَلْ كُلُّ حَيَوَانٍ طَاهِرِ اللَّحْمِ كَذَلِكَ كَالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ الثَّالِثُ أَنَّ قَوْلَهُ وَلَا تَكُونُ تِلْكَ الْمُبَالَغَةُ فِي طَهَارَةِ الْمَاءِ إلَّا بِاعْتِبَارِ التَّطْهِيرِ قَدْ يُمْنَعُ بِأَنَّ الْمُبَالَغَةَ فِيهِ بِاعْتِبَارِ كَثْرَتِهِ وَجَوْدَتِهِ فِي نَفْسِهِ لَا بِاعْتِبَارِ التَّطْهِيرِ وَالْمُرَادُ بِمَاءِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَبِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي رَوَاهُ مَالِكٌ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ مَسُوقٌ عَلَى جَوَازِ الطَّهَارَةِ بِمَاءِ السَّمَاءِ وَمَا فِي الْحَدِيثِ مَاءُ الْبَحْرِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْمِيَاهَ كُلَّهَا مِنْ السَّمَاءِ وَسَيَأْتِي عَنْهُ جَوَابٌ آخَرُ (قَوْلُهُ: كِلْتَا الصِّفَتَيْنِ سَوَاءٌ) الصِّفَتَانِ هُمَا أَصْلُ الطَّهَارَةِ وَالْمُبَالَغَةُ فِيهَا (قَوْلُهُ: وَفِيهِ بَحْثٌ) أَيْ فِيمَا قَرَّرَهُ بَعْضُ الشَّارِحِينَ مِنْ الْإِيرَادِ وَالْجَوَابِ وَالْبَحْثُ فِيهِ مِنْ وُجُوهٍ ثَلَاثَةٍ الْأَوَّلَانِ عَلَى الْإِيرَادِ وَالثَّالِثُ عَلَى الْجَوَابِ وَلَا يَخْفَى عَلَى الْمُتَأَمِّلِ أَنَّ الْبَحْثَ الثَّالِثَ يَدْفَعُ الْبَحْثَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ فَبَقِيَ الْإِيرَادُ السَّابِقُ مُتَوَجِّهًا وَلَا يَنْفَعُهُ الْجَوَابُ بِقَوْلِهِ قُلْنَا إنَّمَا تُفِيدُ هَذِهِ الصِّيغَةُ إلَخْ لِمَا يَرِدُ عَلَيْهِ مِنْ الْبَحْثِ الثَّالِثِ وَأَقُولُ: لَا يَخْفَى عَلَيْك ضَعْفُ هَذِهِ الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ أَمَّا الْأَوَّلَانِ فَلِمَا عَلِمْت؛ وَلِأَنَّ الْمُورَدَ سَابِقًا اسْتَنَدَ إلَى أُصُولِ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ الْوَجْهَيْنِ مُجَرَّدُ دَعْوَى لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا وَقَدْ تَقَرَّرَ بَيْنَ عُلَمَاءِ آدَابِ الْبَحْثِ أَنَّ الْمُدَّعِيَ الْمُدَلِّلَ لَا يُمْنَعُ إلَّا مَجَازًا بِمَعْنَى طَلَبِ الدَّلِيلِ عَلَى الْمُقَدِّمَةِ وَمَا هُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ فَلَا يَكُونُ مُوَجَّهًا، وَأَمَّا الثَّالِثُ؛ فَلِأَنَّ مِمَّا هُوَ مُقَرَّرٌ أَنَّ مَا ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ كَالْمُعَادِ فِي الْجَوَابِ وَاَلَّذِي فِي الْحَدِيثِ السُّؤَالُ عَنْ جَوَازِ الْوُضُوءِ بِمَاءِ الْبَحْرِ فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِالطَّهُورِ الْوَاقِعِ فِي الْجَوَابِ هُوَ كَثِيرُ الطَّهَارَةِ وَلَا تَطْهِيرَ فِيهِ لَمْ يُفِدْ شَيْئًا؛ لِأَنَّ حَاصِلَ الْجَوَابِ حِينَئِذٍ أَنَّهُ يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ كَثِيرُ الطَّهَارَةِ وَلَا مَدْخَلَ لِكَثْرَةِ الطَّهَارَةِ فِي مَكَانِ التَّطْهِيرِ؛ لِأَنَّ الصِّفَتَيْنِ فِيهِ سَوَاءٌ كَمَا مَرَّ وَحَاشَا مَنْ حَازَ مِنْ الْفَصَاحَةِ الْقِدْحَ الْمُعَلَّى أَنْ يُرِيدَ ذَلِكَ فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ الْمُبَالَغَةُ بِاعْتِبَارِ التَّطْهِيرِ، وَإِذَا تَعَيَّنَ ذَلِكَ حُمِلَ مَا فِي الْآيَةِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى، وَبِهِ يَظْهَرُ وَجْهُ صِحَّةِ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ أَوَّلًا مِنْ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى جَوَازِ الطَّهَارَةِ بِمَاءِ السَّمَاءِ بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ مَعَ أَنَّهُ وَارِدٌ فِي مَاءِ الْبَحْرِ لَا مَاءِ السَّمَاءِ فَيَكُونُ ذِكْرُهُ لِلِاسْتِدْلَالِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالطَّهُورِ فِي الْآيَةِ مَا ذُكِرَ وَلَكِنَّهُ بَعِيدٌ يَحْتَمِلُ الْبَحْثُ فَالْأَوْلَى مَا قَدَّمْنَاهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 السَّمَاءِ مَاءُ الْمَطَرِ وَالنَّدَى وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ إذَا كَانَ مُتَقَاطَرًا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَقَاطِرًا وَالصَّحِيحُ قَوْلُهُمَا وَقَدْ اُسْتُدِلَّ عَلَى جَوَازِ الطَّهَارَةِ بِمَاءِ الثَّلْجِ وَالْبَرَدِ بِمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَسْكُتُ بَيْنَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَالْقِرَاءَةِ سَكْتَةً يَقُولُ فِيهَا أَشْيَاءَ مِنْهَا اللَّهُمَّ اغْسِلْ خَطَايَايَ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ وَفِي رِوَايَةٍ بِمَاءِ الثَّلْجِ وَالْبَرَدِ» وَلَا يَجُوزُ بِمَاءِ الْمِلْحِ، وَهُوَ يَجْمُدُ فِي الصَّيْفِ، وَيَذُوبُ فِي الشِّتَاءِ عَكْسُ الْمَاءِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ غَيَّرَ طَاهِرٌ أَحَدَ أَوْصَافِهِ) أَيْ يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِالْمَاءِ وَلَوْ خَالَطَهُ شَيْءٌ طَاهِرٌ فَغَيَّرَ أَحَدَ أَوْصَافِهِ الَّتِي هِيَ الطَّعْمُ وَاللَّوْنُ وَالرِّيحُ، وَهَذَا عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إنْ كَانَ الْمُخَالِطُ الطَّاهِرُ مِمَّا لَا يُمْكِنُ حِفْظُ الْمَاءِ عَنْهُ كَالطُّحْلُبِ وَمَا يَجْرِي عَلَيْهِ الْمَاءُ مِنْ الْمِلْحِ وَالنُّورَةِ جَازَ الْوُضُوءُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ تُرَابًا طُرِحَ فِيهِ قَصْدًا لَمْ يُؤَثِّرْ، وَإِنْ كَانَ شَيْئًا سِوَى ذَلِكَ كَالزَّعْفَرَانِ وَالدَّقِيقِ وَالْمِلْحِ الْجَبَلِيِّ وَالطُّحْلُبِ الْمَدْقُوقِ بِمَا يَسْتَغْنِي الْمَاءُ عَنْهُ لَمْ يَجُزْ الْوُضُوءُ بِهِ كَذَا فِي الْمُهَذَّبِ وَأَصْلُ الْخِلَافِ أَنَّ هَذَا الْمَاءَ الَّذِي اخْتَلَطَ بِهِ طَاهِرٌ هَلْ صَارَ بِهِ مُقَيَّدًا أَمْ لَا فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَنْ وَافَقَهُ يُقَيَّدُ؛ لِأَنَّهُ يُقَالُ مَاءُ الزَّعْفَرَانِ وَنَحْنُ لَا نُنْكِرُ أَنَّهُ يُقَالُ ذَلِكَ وَلَكِنْ لَا يَمْتَنِعُ مَا دَامَ الْمُخَالِطُ مَغْلُوبًا أَنْ يَقُولَ الْقَائِلُ فِيهِ هَذَا مَاءٌ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ، وَقَدْ رَأَيْنَاهُ يُقَالُ فِي مَاءِ الْمُدِّ وَالنِّيلِ حَالَ غَلَبَةِ لَوْنِ الطِّينِ عَلَيْهِمَا وَتَقَعُ الْأَوْرَاقُ فِي الْحِيَاضِ زَمَنَ الْخَرِيفِ فَيَمُرُّ الرَّفِيقَانِ وَيَقُولُ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ هُنَا مَاءٌ تَعَالَ نَشْرَبْ نَتَوَضَّأْ فَيُطْلِقُهُ مَعَ تَغَيُّرِ أَوْصَافِهِ فَظَهَرَ لَنَا مِنْ اللِّسَانِ أَنَّ الْمُخَالِطَ الْمَغْلُوبَ لَا يَسْلُبُ الْإِطْلَاقَ فَوَجَبَ تَرْتِيبُ حُكْمِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمَاءِ الَّذِي هُوَ كَذَلِكَ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ السُّنَّةِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ» قَالَهُ لِمُحْرِمٍ وَقَصَتْهُ نَاقَتُهُ فَمَاتَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ تُوُفِّيَتْ ابْنَتُهُ اغْسِلْنَهَا بِمَاءٍ وَسِدْرٍ» رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ وَالْمَيِّتُ لَا يُغَسَّلُ إلَّا بِمَاءٍ يَجُوزُ لِلْحَيِّ أَنْ يَتَطَهَّرَ بِهِ وَالْغُسْلُ بِالْمَاءِ وَالسِّدْرِ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا بِخَلْطِ السِّدْرِ بِالْمَاءِ أَوْ بِوَضْعِهِ عَلَى الْجَسَدِ وَصَبِّ الْمَاءِ عَلَيْهِ، وَكَيْفَمَا كَانَ فَلَا بُدَّ مِنْ الِاخْتِلَاطِ وَالتَّغْيِيرِ. وَقَدْ «اغْتَسَلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الْفَتْحِ فِي قَصْعَةٍ فِيهَا أَثَرُ الْعَجِينِ» رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَالْمَاءُ بِذَلِكَ يَتَغَيَّرُ وَلَمْ يُعْتَبَرْ لِلْمَغْلُوبِيَّةِ «وَأَمَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَيْسَ بْنَ عَاصِمٍ حِينَ أَسْلَمَ أَنْ يَغْتَسِلَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ» فَلَوْلَا أَنَّهُ طَهُورٌ لَمَا أَمَرَ أَنْ يَغْتَسِلَ بِهِ، فَإِنْ قِيلَ الْمُطْلَقُ يَتَنَاوَلُ الْكَامِلَ دُونَ النَّاقِصِ وَفِي الْمَاءِ الْمُخْتَلِطِ بِطَاهِرٍ غَيْرِهِ قُصُورٌ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُطْلَقَ يَتَنَاوَلُ الْكَامِلَ ذَاتًا لَا وَصْفًا وَالْمَاءُ الْمُتَغَيِّرُ بِطَاهِرٍ كَامِلٌ ذَاتًا فَيَتَنَاوَلُهُ مُطْلَقُ الِاسْمِ فَإِنْ قِيلَ لَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مَاءً فَشَرِبَ هَذَا الْمَاءَ الْمُتَغَيِّرَ لَمْ يَحْنَثْ وَلَوْ اسْتَعْمَلَ الْمُحْرِمُ الْمَاءَ الْمُخْتَلِطَ بِالزَّعْفَرَانِ لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ وَلَوْ وَكَّلَ وَكِيلًا بِأَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ مَاءً فَاشْتَرَى هَذَا الْمَاءَ لَا يَجُوزُ فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ الْمَاءَ الْمُتَغَيِّرَ لَيْسَ بِمَاءٍ مُطْلَقٍ قُلْنَا لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ هَكَذَا ذَكَرَ السِّرَاجُ الْهِنْدِيُّ أَقُولُ: وَلَئِنْ سَلَّمْنَا فَالْجَوَابُ: أَمَّا فِي مَسْأَلَةِ الْيَمِينِ وَالْوَكَالَةِ فَالْعِبْرَةُ فِيهِمَا لِلْعُرْفِ وَفِي الْعُرْفِ أَنَّ هَذَا الْمَاءَ لَا يُشْرَبُ، وَأَمَّا فِي مَسْأَلَةِ الْمُحْرِمِ فَإِنَّمَا لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ لِكَوْنِهِ اسْتَعْمَلَ عَيْنَ الطِّيبِ، وَإِنْ كَانَ مَغْلُوبًا (قَوْلُهُ: أَوْ أَنْتَنَ بِالْمُكْثِ) أَيْ يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِمَا أَنْتَنَ بِالْمُكْثِ، وَهُوَ الْإِقَامَةُ وَالدَّوَامُ وَيَجُوزُ فَتْحُ الْمِيمِ وَضَمُّهَا كَمَا يَجُوزُ فِي عَيْنِ فِعْلِهِ الْمَاضِي، وَهِيَ بِالضَّمِّ فِي الْمُضَارِعِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَفِي بَعْضِ الشُّرُوحِ أَنَّهُ يَجُوزُ فِيهِ الْكَسْرُ قُيِّدَ بِقَوْلِهِ بِالْمُكْثِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ أَنْتَنَ لِلنَّجَاسَةِ لَا يَجُوزُ بِهِ الْوُضُوءُ، وَأَمَّا لَوْ شَكَّ فِيهِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَلَا يَلْزَمُهُ السُّؤَالُ عَنْهُ. (قَوْلُهُ: لَا بِمَا تَغَيَّرَ بِكَثْرَةِ الْأَوْرَاقِ) عُطِفَ عَلَى بِمَاءِ السَّمَاءِ يَعْنِي لَا يَتَوَضَّأُ بِمَا تَغَيَّرَ بِوُقُوعِ الْأَوْرَاقِ الْكَثِيرَةِ فِيهِ، وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا زَالَ عَنْهُ اسْمُ الْمَاءِ بِأَنْ صَارَ ثَخِينًا كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْمَنْقُولُ عَنْ الْأَسَاتِذَةِ أَنَّ أَوْرَاقَ الْأَشْجَارِ وَقْتَ الْخَرِيفِ تَقَعُ فِي الْحِيَاضِ فَيَتَغَيَّرُ مَاؤُهَا مِنْ حَيْثُ اللَّوْنُ وَالطَّعْمُ وَالرَّائِحَةُ ثُمَّ إنَّهُمْ يَتَوَضَّئُونَ مِنْهَا مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ. وَرُوِيَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَقَدْ اُسْتُدِلَّ عَلَى جَوَازِ الطَّهَارَةِ بِمَاءِ الثَّلْجِ وَالْبَرَدِ إلَخْ) هَذَا الِاسْتِدْلَال لِلْبَحْثِ فِيهِ مَجَالٌ فَلْيُتَأَمَّلْ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ الْمَيْدَانِيِّ أَنَّ الْمَاءَ الْمُتَغَيِّرَ بِكَثْرَةِ الْأَوْرَاقِ إنْ ظَهَرَ لَوْنُهَا فِي الْكَفِّ لَا يُتَوَضَّأُ بِهَا لَكِنْ يُشْرَبُ. (قَوْلُهُ: أَوْ بِالطَّبْخِ) أَيْ لَا يُتَوَضَّأُ بِمَا تَغَيَّرَ بِسَبَبِ الطَّبْخِ مِمَّا لَا يُقْصَدُ بِهِ الْمُبَالَغَةُ فِي التَّنْظِيفِ كَمَاءِ الْمَرَقِ وَالْبَاقِلَاءِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَيْسَ بِمَاءٍ مُطْلَقٍ لِعَدَمِ تَبَادُرِهِ عِنْدَ إطْلَاقِ اسْمِ الْمَاءِ وَلَا نَعْنِي بِالْمُطْلَقِ إلَّا مَا يَتَبَادَرُ عِنْدَ إطْلَاقِهِ أَمَّا لَوْ كَانَتْ النَّظَافَةُ تُقْصَدُ بِهِ كَالسِّدْرِ وَالصَّابُونِ وَالْأُشْنَانِ يُطْبَخْ بِالْمَاءِ، فَإِنَّهُ يُتَوَضَّأُ بِهِ إلَّا إذَا خَرَجَ الْمَاءُ عَنْ طَبْعِهِ مِنْ الرِّقَّةِ وَالسَّيْلَانِ، وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي التَّجْنِيسِ وَصَاحِبُ الْيَنَابِيعِ أَنَّ الْبَاقِلَاءَ أَوْ الْحِمَّصَ إذَا طُبِخَ إنْ كَانَ إذَا بُرِّدَ ثَخُنَ لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَثْخُنُ وَرِقَّةُ الْمَاءِ بَاقِيَةٌ جَازَ لَيْسَ هُوَ الْمُخْتَارَ بَلْ هُوَ قَوْلُ النَّاطِفِيِّ مِنْ مَشَايِخِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ قَاضِي خان فِي فَتَاوِيهِ بِمَا لَفْظُهُ، وَلَوْ طُبِخَ الْحِمَّصُ وَالْبَاقِلَاءُ فِي الْمَاءِ وَرِيحُ الْبَاقِلَاءِ تُوجَدُ فِيهِ لَا يَجُوزُ التَّوَضُّؤُ بِهِ، وَذَكَرَ النَّاطِفِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا لَمْ تَذْهَبْ عَنْهُ رِقَّةُ الْمَاءِ، وَلَمْ يُسْلَبْ عَنْهُ اسْمُ الْمَاءِ جَازَ الْوُضُوءُ بِهِ. اهـ. وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ أَيْضًا عُلِمَ أَنَّ الْمَاءَ الْمَطْبُوخَ بِشَيْءٍ لَا يُقْصَدُ بِهِ الْمُبَالَغَةُ فِي التَّنْظِيفِ يَصِيرُ مُقَيَّدًا سَوَاءٌ تَغَيَّرَ شَيْءٌ مِنْ أَوْصَافِهِ أَوْ لَمْ يَتَغَيَّرْ فَحِينَئِذٍ لَا يَنْبَغِي عَطْفُهُ فِي الْمُخْتَصَرِ عَلَى مَا تَغَيَّرَ بِكَثْرَةِ الْأَوْرَاقِ إلَّا أَنْ يُقَالَ أَنَّهُ لَمَّا صَارَ مُقَيَّدًا فَقَدْ تَغَيَّرَ بِالطَّبْخِ. (قَوْلُهُ: أَوْ اُعْتُصِرَ مِنْ شَجَرٍ أَوْ ثَمَرٍ) عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ تَغَيَّرَ أَيْ لَا يُتَوَضَّأُ بِمَا اُعْتُصِرَ مِنْ شَجَرٍ كَالرِّيبَاسِ أَوْ ثَمَرٍ كَالْعِنَبِ لِأَنَّ هَذَا مَاءٌ مُقَيَّدٌ، وَلَيْسَ بِمُطْلَقٍ، فَلَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ مَنْقُولٌ إلَى التَّيَمُّمِ عِنْدَ فَقْدِ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ بِلَا وَاسِطَةٍ بَيْنَهُمَا، وَفِي ذِكْرِ الْعَصْرِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ مَا يَخْرُجُ مِنْ الشَّجَرِ بِلَا عَصْرٍ كَمَاءٍ يَسِيلُ مِنْ الْكَرَمِ يَجُوزُ بِهِ الْوُضُوءُ وَبِهِ صَرَّحَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ لَكِنَّ الْمُصَرَّحَ بِهِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ قَاضِي خان فِي الْفَتَاوَى وَصَاحِبُ الْمُحِيطِ وَصَدَّرَ بِهِ فِي الْكَافِي وَذَكَرَ الْجَوَازَ بِصِيغَةِ قَبْلُ. وَفِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي الْأَوْجَهُ عَدَمُ الْجَوَازِ، فَكَانَ هُوَ الْأَوْلَى لِمَا أَنَّهُ كَمُلَ امْتِزَاجُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْكَافِي فَمَا وَقَعَ فِي شَرْحِ الزَّيْلَعِيِّ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَكْمُلْ امْتِزَاجُهُ فَفِيهِ نَظَرٌ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْعُلَمَاءَ اتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ الْوُضُوءِ بِالْمَاءِ الْمُطْلَقِ وَعَلَى عَدَمِ جَوَازِهِ بِالْمَاءِ الْمُقَيَّدِ ثُمَّ الْمَاءُ إذَا اخْتَلَطَ بِهِ شَيْءٌ طَاهِرٌ لَا يَخْرُجُ عَنْ صِفَةِ الْإِطْلَاقِ إلَّا إذَا غَلَبَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ بَقِيَ الْكَلَامُ هُنَا فِي تَحْقِيقِ الْغَلَبَةِ بِمَاذَا تَكُونُ فَعِبَارَةُ الْقُدُورِيِّ، وَهِيَ قَوْلُهُ: وَتَجُوزُ الطَّهَارَةُ بِمَاءٍ خَالَطَهُ شَيْءٌ طَاهِرٌ فَغَيَّرَ أَحَدَ أَوْصَافِهِ كَعِبَارَةِ الْكَنْزِ وَالْمُخْتَارُ تُفِيدُ أَنَّ الْمُتَغَيِّرَ لَوْ كَانَ وَصْفَيْنِ لَا يَجُوزُ بِهِ الْوُضُوءُ وَعِبَارَةُ الْمَجْمَعِ، وَهِيَ قَوْلُهُ وَنُجِيزُهُ بِغَالِبٍ عَلَى طَاهِرٍ كَزَعْفَرَانٍ تَغَيَّرَ بِهِ بَعْضُ أَوْصَافِهِ تُفِيدُ أَنَّ الْمُتَغَيِّرَ لَوْ كَانَ وَصْفَيْنِ يَجُوزُ أَوْ كُلُّهَا لَا يَجُوزُ وَفِي تَتِمَّةِ الْفَتَاوَى الْمَاءُ الْمُتَغَيِّرُ أَحَدُ أَوْصَافِهِ لَا يَجُوزُ بِهِ الْوُضُوءُ، وَفِي الْهِدَايَةِ وَالْغَلَبَةُ بِالْأَجْزَاءِ لَا بِتَغَيُّرِ اللَّوْنِ هُوَ الصَّحِيحُ وَقَدْ حُكِيَ خِلَافٌ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فَفِي الْمَجْمَعِ وَالْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ أَبَا يُوسُفَ يَعْتَبِرُ الْغَلَبَةَ بِالْأَجْزَاءِ وَمُحَمَّدٌ بِاللَّوْنِ، وَفِي الْمُحِيطِ عَكْسُهُ، وَالْأَصَحُّ مِنْ الْخِلَافِ الْأَوَّلُ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي الْإِسْبِيجَابِيُّ أَنَّ الْغَلَبَةَ تُعْتَبَرُ أَوَّلًا مِنْ حَيْثُ اللَّوْنُ ثُمَّ مِنْ حَيْثُ الطَّعْمُ ثُمَّ مِنْ حَيْثُ الْأَجْزَاءُ وَفِي الْيَنَابِيعِ لَوْ نُقِعَ الْحِمَّصُ وَالْبَاقِلَاءُ وَتَغَيَّرَ لَوْنُهُ وَطَعْمُهُ وَرِيحُهُ يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ مَاءُ الصَّابُونِ إذَا كَانَ ثَخِينًا قَدْ غَلَبَ عَلَى الْمَاءِ لَا يُتَوَضَّأُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ رَقِيقًا يَجُوزُ وَكَذَا مَاءُ الْأُشْنَانِ ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ وَفِيهِ إذَا كَانَ الطِّينُ غَالِبًا عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ رَقِيقًا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ وَصَرَّحَ فِي التَّجْنِيسِ بِأَنَّ مِنْ التَّفْرِيعِ عَلَى اعْتِبَارِ الْغَلَبَةِ بِالْأَجْزَاءِ قَوْلَ الْجُرْجَانِيِّ إذَا طُرِحَ الزَّاجُّ أَوْ الْعَفْصُ فِي الْمَاءِ جَازَ الْوُضُوءُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ لَا يُنْقَشُ إذَا كُتِبَ بِهِ، فَإِنْ نُقِشَ لَا يَجُوزُ، وَالْمَاءُ هُوَ الْمَغْلُوبُ، وَهَكَذَا جَاءَ الِاخْتِلَافُ ظَاهِرًا فِي عِبَارَاتِهِمْ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّوْفِيقِ، فَنَقُولُ إنَّ التَّقْيِيدَ الْمُخْرِجَ عَنْ الْإِطْلَاقِ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ: الْأَوَّلُ: كَمَالُ   [منحة الخالق] [الْوُضُوءُ بِالْمَاءِ وَلَوْ خَالَطَهُ شَيْءٌ طَاهِرٌ فَغَيَّرَ أَحَدَ أَوْصَافِهِ] (قَوْلُهُ: فَحِينَئِذٍ لَا يَنْبَغِي عَطْفُهُ فِي الْمُخْتَصَرِ عَلَى مَا تَغَيَّرَ) كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ لَا يَنْبَغِي عَطْفُهُ عَلَى بِكَثْرَةِ الْأَوْرَاقِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَعْطُوفُ عَلَيْهِ لَا مَا ذَكَرَهُ. (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَاعْتُصِرَ مِنْ شَجَرٍ أَوْ ثَمَرٍ) أَسْقَطَ مِنْ عِبَارَةِ الْمَتْنِ قَوْلَهُ بَعْدَ هَذَا أَوْ غَلَبَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ أَجْزَأَ فَكَانَ الْوَاجِبُ ذِكْرَ ذَلِكَ لَكِنَّهُ قَدْ وُجِدَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ (قَوْلُهُ: فَلَا بُدَّ مِنْ التَّوْفِيقِ فَنَقُولُ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ) أَقُولُ: حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ هُنَا وَأَطَالَ بِهِ هُوَ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ عَلَاءُ الدِّينِ الْحَصْكَفِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى التَّنْوِيرِ بِعِبَارَةٍ وَجِيزَةٍ وَلِلَّهِ دَرُّهُ حَيْثُ قَالَ الْغَلَبَةُ إمَّا بِكَمَالِ الِامْتِزَاجِ بِتَشَرُّبِ نَبَاتٍ أَوْ بِطَبْخٍ بِمَا لَا يُقْصَدُ بِهِ التَّنْظِيفُ وَإِمَّا بِغَلَبَةِ الْمُخَالِطِ فَلَوْ جَامِدًا فَبِثَخَانَةٍ مَا لَمْ يَزُلْ الِاسْمُ كَنَبِيذِ تَمْرٍ وَلَوْ مَائِعًا فَلَوْ مُبَايِنًا لِأَوْصَافِهِ فَبِتَغَيُّرِ أَكْثَرِهَا أَوْ مُوَافِقًا كَلَبَنٍ فَبِأَحَدِهَا أَوْ مُمَاثِلًا كَمُسْتَعْمَلٍ فَبِالْأَجْزَاءِ، فَإِنَّ الْمُطْلَقَ أَكْثَرُ مِنْ النِّصْفِ جَازَ التَّطْهِيرُ بِالْكُلِّ، وَإِلَّا لَا، وَهَذَا يَعُمُّ لِيَلْقَى وَلِيُلَاقِيَ فَفِي الْفَسَاقِي يَجُوزُ التَّوَضُّؤُ مَا لَمْ يُعْلَمْ بِتَسَاوِي الْمُسْتَعْمَلِ عَلَى مَا حَقَّقَهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَالْمِنَحِ قُلْت لَكِنَّ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي شَرْحِهِ لِلْوَهْبَانِيَّةِ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَرَاجِعْهُ مُتَأَمِّلًا اهـ. وَكَأَنَّهُ يُشِيرُ إلَى ضَعْفِ مَا فِي الشرنبلالية مِنْ الْفَرْقِ وَسَتَطَّلِعُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى حَقِيقَةِ الْحَالِ بِعَوْنِ الْمَلِكِ الْمُتَعَالِ هَذَا وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْوَجْهُ أَنْ يَخْرُجَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 الِامْتِزَاجِ، وَهُوَ بِالطَّبْخِ مَعَ طَاهِرٍ لَا يُقْصَدُ بِهِ الْمُبَالَغَةُ فِي التَّنْظِيفِ أَوْ بِتَشَرُّبِ النَّبَاتِ سَوَاءٌ خَرَجَ بِعِلَاجٍ أَوْ لَا. الثَّانِي غَلَبَةُ الْمُخَالِطِ، فَإِنْ كَانَ جَامِدًا فَبِانْتِفَاءِ رِقَّةِ الْمَاءِ وَجَرَيَانِهِ عَلَى الْأَعْضَاءِ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمَا فِي الْيَنَابِيعِ وَيُوَافِقُهُ مَا فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ إذَا طُرِحَ الزَّاجُّ فِي الْمَاءِ حَتَّى اسْوَدَّ جَازَ الْوُضُوءُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ مَائِعًا مُوَافِقًا لِلْمَاءِ فِي الْأَوْصَافِ الثَّلَاثَةِ كَالْمَاءِ الَّذِي يُؤْخَذُ بِالتَّقْطِيرِ مِنْ لِسَانِ الثَّوْرِ وَمَاءِ الْوَرْدِ الَّذِي انْقَطَعَتْ رَائِحَتُهُ وَالْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ عَلَى الْقَوْلِ الْمُفْتَى بِهِ مِنْ طَهَارَتِهِ إذَا اخْتَلَطَ بِالْمُطْلَقِ فَالْعِبْرَةُ لِلْأَجْزَاءِ فَإِنْ كَانَ الْمَاءُ الْمُطْلَقُ أَكْثَرَ جَازَ الْوُضُوءُ بِالْكُلِّ، وَإِنْ كَانَ مَغْلُوبًا لَا يَجُوزُ، وَإِنْ اسْتَوَيَا لَمْ يُذْكَرْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَفِي الْبَدَائِعِ قَالُوا حُكْمُهُ حُكْمُ الْمَاءِ الْمَغْلُوبِ احْتِيَاطًا وَعَلَيْهِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يُحْمَلُ قَوْلُ مَنْ قَالَ الْعِبْرَةُ بِالْأَجْزَاءِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الَّذِي اخْتَارَهُ فِي الْهِدَايَةِ، فَإِنْ كَانَ الْمُخَالِطُ جَامِدًا فَغَلَبَةُ الْأَجْزَاءِ فِيهِ بِثُخُونَتِهِ فَإِنْ كَانَ مَائِعًا مُوَافِقًا لِلْمَاءِ، فَغَلَبَةُ الْأَجْزَاءِ فِيهِ بِالْقِدْرِ وَذَكَرَ الْحَدَّادِيُّ أَنَّ غَلَبَةَ الْأَجْزَاءِ فِي الْجَامِدِ تَكُونُ بِالثُّلُثِ، وَفِي الْمَائِعِ بِالنِّصْفِ فَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لِلْمَاءِ فِي الْأَوْصَافِ كُلِّهَا، فَإِنْ غَيَّرَهَا أَوْ أَكْثَرَهَا لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ، وَإِلَّا جَازَ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُ مَنْ قَالَ إنْ غَيَّرَ أَحَدَ أَوْصَافِهِ جَازَ الْوُضُوءُ بِهِ، وَإِنْ خَالَفَهُ فِي وَصْفٍ وَاحِدٍ أَوْ وَصْفَيْنِ فَالْعِبْرَةُ لِغَلَبَةِ مَا بِهِ الْخِلَافُ كَاللَّبَنِ يُخَالِفُهُ فِي الطَّعْمِ، فَإِنْ كَانَ لَوْنُ اللَّبَنِ أَوْ طَعْمُهُ هُوَ الْغَالِبُ فِيهِ لَمْ يَجُزْ الْوُضُوءُ بِهِ وَإِلَّا جَازَ وَكَذَا مَاءُ الْبِطِّيخِ يُخَالِفُهُ فِي الطَّعْمِ فَتُعْتَبَرُ الْغَلَبَةُ فِيهِ بِالطَّعْمِ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُ مَنْ قَالَ إذَا غَيَّرَ أَحَدَ أَوْصَافِهِ لَا يَجُوزُ وَقَوْلُ مَنْ قَالَ الْعِبْرَةُ لِلَّوْنِ وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ الْعِبْرَةُ لِلَّوْنِ ثُمَّ الطَّعْمِ ثُمَّ الْأَجْزَاءِ فَمُرَادُهُ أَنَّ الْمُخَالِطَ الْمَائِعَ لِلْمَاءِ إنْ كَانَ لَوْنُهُ مُخَالِفًا لِلَوْنِ الْمَاءِ فَالْغَلَبَةُ تُعْتَبَرُ مِنْ حَيْثُ اللَّوْنُ، وَإِنْ كَانَ لَوْنُهُ لَوْنَ الْمَاءِ فَالْعِبْرَةُ لِلطَّعْمِ إنْ غَلَبَ طَعْمُهُ عَلَى الْمَاءِ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ لَا يُخَالِفُهُ فِي اللَّوْنِ وَالطَّعْمِ وَالرِّيحِ فَالْعِبْرَةُ لِلْأَجْزَاءِ. وَأَمَّا مَا يُفْهَمُ مِنْ عِبَارَةِ الْمَجْمَعِ فَلَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى شَيْءٍ كَمَا لَا يَخْفَى، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ مُرَادَهُ مِنْ الْبَعْضِ الْبَعْضُ الْأَقَلُّ، وَهُوَ الْوَاحِدُ كَمَا هِيَ عِبَارَةُ الْقُدُورِيِّ تَصْحِيحًا لِكَلَامِهِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي شَرْحِهِ فَغَيَّرَ بَعْضَ أَوْصَافِهِ مِنْ طَعْمٍ أَوْ رِيحٍ أَوْ لَوْنٍ ذَكَرَهُ بِأَوْ الَّتِي هِيَ لِأَحَدِ الْأَشْيَاءِ بَعْدَ مِنْ الَّتِي أَوْقَعَهَا بَيَانًا لِلْبَعْضِ وَلَا يَظْهَرُ لِتَغْيِيرِ عِبَارَةِ الْقُدُورِيِّ فَائِدَةٌ وَهَاهُنَا تَنْبِيهَاتٌ مُهِمَّةٌ لَا بَأْسَ بِإِيرَادِهَا الْأَوَّلُ أَنَّ مُقْتَضَى مَا قَالُوهُ هُنَا مِنْ أَنَّ الْمُخَالِطَ الْجَامِدَ لَا يُقَيَّدُ الْمَاءُ إلَّا إذَا سَلَبَهُ وَصْفَ الرِّقَّةِ وَالسَّيْلَانِ جَوَازُ التَّوَضُّؤِ بِنَبِيذِ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَلَوْ غَيَّرَ الْأَوْصَافَ الثَّلَاثَةَ وَقَدْ صَرَّحُوا قُبَيْلَ بَابِ التَّيَمُّمِ بِأَنَّ الصَّحِيحَ خِلَافُهُ وَأَنَّ تِلْكَ رِوَايَةٌ مَرْجُوعٌ عَنْهَا وَقَدْ يُقَالُ إنَّ ذَلِكَ مَشْرُوطٌ بِمَا إذَا لَمْ يَزُلْ عَنْهُ اسْمُ الْمَاءِ وَفِي مَسْأَلَةِ نَبِيذِ التَّمْرِ زَالَ عَنْهُ اسْمُ الْمَاءِ، فَلَا مُخَالَفَةَ كَمَا لَا يَخْفَى الثَّانِي أَنَّهُ يَقْتَضِي أَيْضًا أَنَّ الزَّعْفَرَانَ إذَا اخْتَلَطَ بِالْمَاءِ يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ   [منحة الخالق] مِنْ الْأَقْسَامِ مَا خَالَطَ جَامِدًا فَسَلَبَ رِقَّتَهُ وَجَرَيَانَهُ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِمَاءٍ مُقَيَّدٍ وَالْكَلَامُ فِيهِ بَلْ لَيْسَ بِمَاءٍ أَصْلًا كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِيمَا يَأْتِي قَرِيبًا فِي الْمُخْتَلَطِ بِالْأُشْنَانِ إلَّا أَنْ يَغْلِبَ فَيَصِيرَ كَالسَّوِيقِ لِزَوَالِ اسْمِ الْمَاءِ عَنْهُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمَا فِي الْيَنَابِيعِ) الَّذِي قَدَّمَهُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يُخَالِفُ هَذَا ظَاهِرًا حَتَّى يُحْمَلَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا فِي الْيَنَابِيعِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ وَعَلَى الْأَوَّلِ) أَيْ عَلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْأَجْزَاءِ أَيْ الْقَدْرِ وَالْوَزْنِ إنْ كَانَ لَا يُخَالِفُ فِي الْأَوْصَافِ وَعَلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ بِانْتِفَاءِ الرِّقَّةِ إنْ كَانَ جَامِدًا فَقَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ الْمُخَالِطُ جَامِدًا وَقَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ مَائِعًا تَفْرِيعٌ عَلَيْهِ وَتَفْصِيلٌ لِمَا عُلِمَ إجْمَالًا. (قَوْلُهُ: كَاللَّبَنِ يُخَالِفُهُ فِي اللَّوْنِ وَالطَّعْمِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: أَقُولُ: الْمُشَاهَدُ فِي اللَّبَنِ مُخَالَفَتُهُ لِلْمَاءِ فِي الرَّائِحَةِ أَيْضًا وَكَذَلِكَ الْمُشَاهَدُ فِي الْبِطِّيخِ مُخَالَفَتُهُ لِلْمَاءِ فِي الرَّائِحَةِ فَجُعِلَ الْأَوَّلُ مِمَّا يُخَالِفُهُ فِي وَصْفَيْنِ فَقَطْ وَالثَّانِي فِي وَصْفٍ فَقَطْ فِيهِ نَظَرٌ وَأَيْضًا فِي الْبِطِّيخِ مَا لَوْنُهُ أَحْمَرُ وَفِيهِ مَا لَوْنُهُ أَصْفَرُ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ مُرَادَهُ مِنْ الْبَعْضِ الْبَعْضُ الْأَقَلُّ إلَخْ) أَقُولُ: قَوْلُ الْمَجْمَعِ وَنُجِيزُهُ بِغَالِبٍ عَلَى طَاهِرٍ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْأَعَمِّ مِنْ الْجَامِدِ وَالْمَائِعِ أَوْ عَلَى الْجَامِدِ فَقَطْ وَلَا سَبِيلَ إلَى حَمْلِهِ عَلَى الْمَائِعِ فَقَطْ لِقَوْلِهِ كَزَعْفَرَانٍ. فَإِنْ حُمِلَ عَلَى الْأَعَمِّ لَا يَصِحُّ حَمْلُ الْبَعْضِ عَلَى الْوَاحِدِ؛ لِأَنَّ غَلَبَةَ الْمُخَالِطِ الْجَامِدِ تُعْتَبَرُ بِانْتِفَاءِ الرِّقَّةِ لَا بِالْأَوْصَافِ فَضْلًا عَنْ وَصْفٍ وَاحِدٍ وَأَيْضًا بِالنَّظَرِ إلَى الْمُخَالِطِ الْمَائِعِ لَا تَثْبُتُ الْغَلَبَةُ فِيهِ بِوَصْفٍ وَاحِدٍ مُطْلَقًا، فَإِنَّهُ إذَا كَانَ مُخَالِفًا لِلْمَاءِ فِي كُلِّ الْأَوْصَافِ يُعْتَبَرُ ظُهُورُهَا كُلُّهَا أَوْ أَكْثَرُهَا، وَإِنْ حُمِلَ عَلَى الْجَامِدِ فَقَطْ فَقَدْ عَلِمْت مِمَّا قَرَّرْنَاهُ مَا يَرِدُ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِيهِ انْتِفَاءُ الرِّقَّةِ وَالسَّيَلَانِ، وَإِنْ تَغَيَّرَتْ الْأَوْصَافُ كُلُّهَا مَا لَمْ يَزُلْ عَنْهُ اسْمُ الْمَاءِ كَمَا يَأْتِي التَّقْيِيدُ بِهِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الزَّعْفَرَانِ وَبَيْنَ مَاءِ الْبَاقِلَاءِ وَالْجَازِ الَّذِي فِي الْيَنَابِيعِ وَالظَّهِيرِيَّةِ فَكَمَا اُعْتُبِرَ فِيهِ انْتِفَاءُ الرِّقَّةِ فَلْيُعْتَبَرْ فِي الزَّعْفَرَانِ نَعَمْ فِي عِبَارَةِ الْمَجْمَعِ تَأَمُّلٌ مِنْ حَيْثُ إفْهَامُهَا أَنَّهُ لَوْ تَغَيَّرَ الْأَوْصَافُ كُلُّهَا لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ فَيُقَيَّدُ بِانْتِفَاءِ الرِّقَّةِ أَوْ يُقَالُ إذَا تَغَيَّرَتْ الْأَوْصَافُ كُلُّهَا بِنَحْوِ الزَّعْفَرَانِ يَزُولُ اسْمُ الْمَاءِ عَنْهُ غَالِبًا فَقَدْ ظَهَرَ لَك إمْكَانُ حَمْلِهَا عَلَى مَا قَرَّرَهُ وَإِنْ حَمَلَهَا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبَعْضِ الْوَاحِدِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ عِبَارَةِ شَرْحِهِ يُقَوِّي الْأَشْكَالَ فَيَجِبُ تَأْوِيلُ مَا فِي شَرْحِهِ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ تَغْيِيرَ وَاحِدٍ فَقَطْ أَوْ عَلَى أَنَّ أَوْ بِمَعْنَى الْوَاوِ فَيَنْتَظِمُ الْكَلَامُ وَاَللَّهُ تَعَالَى وَلِيُّ الْإِلْهَامِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 مَا دَامَ رَقِيقًا سَيَّالًا وَلَوْ غَيَّرَ الْأَوْصَافَ كُلَّهَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْجَامِدَاتِ وَالْمُصَرَّحُ بِهِ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْقُنْيَةِ أَنَّ الزَّعْفَرَانَ إذَا وَقَعَ فِي الْمَاءِ إنْ أَمْكَنَ الصَّبْغُ فِيهِ، فَلَيْسَ بِمَاءٍ مُطْلَقٍ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى الثُّخُونَةِ وَيُجَابُ عَنْهُ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ زَالَ عَنْهُ اسْمُ الْمَاءِ. الثَّالِثُ: أَنَّهُمْ قَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ عَلَى الْقَوْلِ بِطَهَارَتِهِ إذَا اخْتَلَطَ بِالْمَاءِ الطَّهُورِ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ الطَّهُورِيَّةِ إلَّا إذَا غَلَبَهُ أَوْ سَاوَاهُ إمَّا إذَا كَانَ مَغْلُوبًا فَلَا يُخْرِجُهُ عَنْ الطَّهُورِيَّةِ فَيَجُوزُ الْوُضُوءُ بِالْكُلِّ، وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ يَشْمَلُ مَا إذَا اُسْتُعْمِلَ الْمَاءُ خَارِجًا ثُمَّ أَلْقَى الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ وَاخْتَلَطَ بِالطَّهُورِ أَوْ انْغَمَسَ فِي الْمَاءِ الطَّهُورِ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي الْبَدَائِعِ فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ «لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ» لَا يُقَالُ إنَّهُ نَهْيٌ لِمَا فِيهِ مِنْ إخْرَاجِ الْمَاءِ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُطَهِّرًا مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَذَلِكَ حَرَامٌ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْمَاءُ الْقَلِيلُ إنَّمَا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ مُطَهِّرًا بِاخْتِلَاطِ غَيْرِ الْمُطَهِّرِ بِهِ إذَا كَانَ غَيْرُ الْمُطَهِّرِ غَالِبًا كَمَاءِ الْوَرْدِ وَاللَّبَنِ فَأَمَّا إذَا كَانَ مَغْلُوبًا فَلَا وَهَاهُنَا الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ مَا يُلَاقِي الْبَدَنَ وَلَا شَكَّ أَنَّ ذَلِكَ أَقَلُّ مِنْ غَيْرِ الْمُسْتَعْمَلِ فَكَيْفَ يَخْرُجُ بِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُطَهِّرًا اهـ. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فِيمَنْ وَقَعَ فِي الْبِئْرِ، فَإِنْ كَانَ عَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ حُكْمِيَّةٌ بِأَنْ كَانَ مُحْدِثًا أَوْ جُنُبًا أَوْ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ فَعَلَى قَوْلِ مَنْ لَمْ يَجْعَلْ هَذَا الْمَاءَ مُسْتَعْمَلًا لَا يُنْزَحُ شَيْءٌ وَكَذَا عَلَى قَوْلِ مَنْ جَعَلَهُ مُسْتَعْمَلًا وَجَعَلَ الْمُسْتَعْمَلَ طَاهِرًا؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْمُسْتَعْمَلِ أَكْثَرُ فَلَا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ طَهُورًا مَا لَمْ يَكُنْ الْمُسْتَعْمَلُ غَالِبًا عَلَيْهِ كَمَا لَوْ صَبَّ اللَّبَنَ فِي الْبِئْرِ بِالْإِجْمَاعِ أَوْ بَالَتْ شَاةٌ فِيهَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ اهـ. وَقَالَ: فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، وَلَوْ اخْتَلَطَ الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ بِالْمَاءِ الْقَلِيلِ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجُوزُ التَّوَضُّؤُ بِهِ، وَإِنْ قَلَّ، وَهَذَا فَاسِدٌ أَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ؛ فَلِأَنَّهُ طَاهِرٌ لَمْ يَغْلِبْ عَلَى الْمَاءِ الْمُطْلَقِ فَلَا يُغَيِّرُهُ عَنْ صِفَةِ الطَّهُورِ كَاللَّبَنِ، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا؛ فَلِأَنَّ الْقَلِيلَ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ ثُمَّ الْكَثِيرُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ مَا يَغْلِبُ عَلَى الْمَاءِ الْمُطْلَقِ وَعِنْدَهُمَا أَنْ يَسْتَبِينَ مَوَاضِعَ الْقَطْرَةِ فِي الْإِنَاءِ اهـ. وَفِي الْخُلَاصَةِ جُنُبٌ اغْتَسَلَ فَانْتَضَحَ مِنْ غُسْلِهِ شَيْءٌ فِي إنَائِهِ لَمْ يَفْسُدْ عَلَيْهِ الْمَاءُ أَمَّا إذَا كَانَ يَسِيلُ فِيهِ سَيَلَانًا أَفْسَدَهُ وَكَذَا حَوْضُ الْحَمَّامِ عَلَى هَذَا وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لَا يُفْسِدُهُ مَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَيْهِ يَعْنِي لَا يُخْرِجُهُ مِنْ الطَّهُورِيَّةِ اهـ. بِلَفْظِهِ فَإِذَا عَرَفْت هَذَا لَمْ تَتَأَخَّرْ عَنْ الْحُكْمِ بِصِحَّةِ الْوُضُوءِ مِنْ الْفَسَاقِي الْمَوْضُوعَةِ فِي الْمَدَارِسِ عِنْدَ عَدَمِ غَلَبَةِ الظَّنِّ بِغَلَبَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ أَوْ وُقُوعِ نَجَاسَةٍ فِي الصِّغَارِ مِنْهَا فَإِنْ قُلْت قَدْ صَرَّحَ قَاضِي خان فِي فَتَاوِيهِ أَنَّهُ لَوْ صُبَّ مَاءُ الْوُضُوءِ فِي الْبِئْرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُنْزَحُ كُلُّ الْمَاءِ وَعِنْدَ صَاحِبَيْهِ إنْ كَانَ اسْتَنْجَى بِذَلِكَ الْمَاءِ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ اسْتَنْجَى بِهِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لَا يَكُونُ نَجِسًا لَكِنْ يُنْزَحُ مِنْهَا عِشْرُونَ دَلْوًا لِيَصِيرَ الْمَاءُ طَاهِرًا اهـ. فَهَذَا ظَاهِرٌ فِي اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ بِوُقُوعِ قَلِيلٍ مِنْ الْمُسْتَعْمَلِ فِيهِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَكَذَا صَرَّحُوا بِأَنَّ الْجُنُبَ إذَا نَزَلَ فِي الْبِئْرِ بِقَصْدِ الِاغْتِسَالِ يَفْسُدُ الْمَاءُ عِنْدَ الْكُلِّ صَرَّحَ بِهِ الْأَكْمَلُ وَصَاحِبُ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَغَيْرُهُمَا وَفِي بَعْضِ الْكُتُبِ يُنْزَحُ عِشْرُونَ دَلْوًا عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَلَوْلَا أَنَّ الْكُلَّ صَارَ مُسْتَعْمَلًا لِمَا نُزِحَ مِنْهَا، وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خان لَوْ أَدْخَلَ يَدَهُ أَوْ رِجْلَهُ فِي الْإِنَاءِ لِلتَّبَرُّدِ يَصِيرُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا لِانْعِدَامِ الضَّرُورَةِ وَكَذَا صَرَّحُوا بِأَنَّ الْمَاءَ يَفْسُدُ إذَا أَدْخَلَ الْكَفَّ فِيهِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْمُبْتَغَى بَالِغِينَ الْمُعْجَمَةِ، وَهُوَ يَقْتَضِي اسْتِعْمَالَ الْكُلِّ. وَقَالَ الْقَاضِي الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ والْوَلْوَالِجِيِّ فِي فَتَاوِيهِ جُنُبٌ اغْتَسَلَ فِي بِئْرٍ ثُمَّ فِي بِئْرٍ إلَى الْعَشَرَةِ عَلَى قَصْدِ الِاغْتِسَالِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: تُنَجَّسُ الْآبَارُ كُلُّهَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَخْرُجُ مِنْ الثَّالِثَةِ طَاهِرًا ثُمَّ يَنْظُرُ إنْ كَانَ عَلَى بَدَنِهِ عَيْنُ نَجَاسَةٍ تَنَجَّسَتْ الْمِيَاهُ كُلُّهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَيْنَ نَجَاسَةٍ صَارَتْ الْمِيَاهُ كُلُّهَا مُسْتَعْمَلًا إلَى آخِرِ الْفُرُوعِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي الْبَدَائِعِ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الضَّمِيرَ رَاجِعٌ إلَى عَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا هَكَذَا كُنْت تَوَهَّمْت وَكَتَبْت بَعْضَ مَقُولَاتٍ عَلَى عِبَارَةِ الشَّارِحِ بِنَاءً عَلَيْهِ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ مُرَادَهُ الِاسْتِدْلَال عَلَى أَنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ لَا يُفْسِدُ الطَّهُورَ مَا لَمْ يَغْلِبْهُ أَوْ يُسَاوِهِ لَا عَلَى عَدَمِ الْفَرْقِ كَمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ (قَوْلُهُ: فَإِنْ قُلْت قَدْ صَرَّحَ قَاضِي خان إلَخْ) جَوَابُ الشَّرْطِ سَيَأْتِي بَعْدَ صَفْحَةٍ وَمَنْشَأُ السُّؤَالِ مَا اسْتَدَلَّ عَلَيْهِ أَوَّلًا أَنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ لَا يُفْسِدُ الطَّهُورَ مَا لَمْ يَغْلِبْهُ أَوْ يُسَاوِهِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ يُنْظَرُ إنْ كَانَ عَلَى بَدَنِهِ عَيْنُ نَجَاسَةٍ تَنَجَّسَتْ الْمِيَاهُ كُلُّهَا إلَخْ) إنْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْمِيَاهِ مِيَاهَ الْآبَارِ الْعَشَرَةِ لَمْ يَظْهَرْ لَنَا وَجْهُهُ فَتَأَمَّلْ وَرَاجِعْ وَكَذَا تَنَجُّسُ الْآبَارِ كُلِّهَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ مُشْكِلٌ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ ذَلِكَ مُفَرَّعٌ عَلَى رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ مَنْ نَزَلَ فِي الْبِئْرِ، وَهُوَ جُنُبٌ كَانَ الْمَاءُ نَجِسًا وَالرَّجُلُ نَجِسٌ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ فِي مَسْأَلَةِ الْبِئْرِ جحط وَاسْتُدِلَّ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّ الْإِسْبِيجَابِيَّ ذَكَرَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ عَنْهُ ثُمَّ ذَكَرَ هَذِهِ الْفُرُوعَ بَعْدَهَا فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا مُفَرَّعَةٌ عَلَيْهَا لَا عَلَى الْقَوْلِ الْمَشْهُورِ عَنْهُ أَنَّ الرَّجُلَ بِحَالِهِ وَالْمَاءَ بِحَالِهِ اهـ. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمِيَاهِ الْمُتَنَجِّسَةِ أَوْ الْمُسْتَعْمَلَةِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ مِيَاهُ الْآبَارِ الثَّلَاثَةِ فَقَطْ بِدَلِيلِ تَكْمِلَةِ عِبَارَةِ الْإِسْبِيجَابِيِّ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ هُنَاكَ حَيْثُ قَالَ بَعْدَمَا ذَكَرَهُ هُنَا ثُمَّ بَعْدَ الثَّالِثَةِ إنْ وُجِدَتْ مِنْهُ النِّيَّةُ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ مِنْهُ النِّيَّةُ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا عِنْدَهُ. اهـ. فَتَأَمَّلْ. ثُمَّ رَأَيْت الْمَسْأَلَةَ مَسْطُورَةً فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ بِأَوْضَحِ مِمَّا ذَكَرَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 وَهَذَا صَرِيحٌ فِي اسْتِعْمَالِ جَمِيعِ الْمَاءِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ بِالِاغْتِسَالِ فِيهِ. وَقَالَ الْإِمَامُ الْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ الدَّبُوسِيُّ فِي الْأَسْرَارِ: فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ «لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ» إلَى آخِرِهِ قَالَ مَنْ قَالَ إنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ طَاهِرٌ طَهُورٌ لَا يَجْعَلُ الِاغْتِسَالَ فِيهِ حَرَامًا، وَكَذَلِكَ مَنْ قَالَ طَاهِرٌ غَيْرُ طَهُورٍ؛ لِأَنَّ الْمَذْهَبَ عِنْدَهُ أَنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ إذَا وَقَعَ فِي مَاءِ آخَرَ لَمْ يُفْسِدْهُ حَتَّى يَغْلِبَ عَلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ اللَّبَنِ يَقَعُ فِيهِ وَقَدْرُ مَا يُلَاقِي بَدَنَ الْمُسْتَعْمَلِ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا، وَذَلِكَ الْقَدْرُ مِنْ جُمْلَةِ مَا يُغْتَسَلُ فِيهِ عَادَةً يَكُونُ أَقَلَّ مِمَّا فَضُلَ عَنْ مُلَاقَاةِ بَدَنِهِ فَلَا يَفْسُدُ وَيَبْقَى طَهُورًا لِذَلِكَ وَلَا يَحْرُمُ فِيهِ الِاغْتِسَالُ إلَّا أَنْ يَحْكُمَ بِنَجَاسَةِ الْغُسَالَةِ فَيَفْسُدُ الْكُلُّ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ الْغُسَالَةِ كَقَطْرَةِ خَمْرٍ تَقَعُ فِي حُبٍّ إلَّا أَنَّ مُحَمَّدًا يَقُولُ لَمَّا اغْتَسَلَ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ صَارَ الْكُلُّ مُسْتَعْمَلًا حُكْمًا اهـ. فَهَذِهِ الْعِبَارَةُ كَشَفَتْ اللَّبْسُ وَأَوْضَحَتْ كُلَّ تَخْمِينٍ وَحَدْسٍ، فَإِنَّهَا أَفَادَتْ أَنَّ مُقْتَضَى مَذْهَبِ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْمَاءَ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا بِاخْتِلَاطِ الْقَلِيلِ مِنْ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ إلَّا أَنَّ مُحَمَّدًا حَكَمَ بِأَنَّ الْكُلَّ صَارَ مُسْتَعْمَلًا حُكْمًا لَا حَقِيقَةً فَمَا فِي الْبَدَائِعِ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ مُقْتَضَى مَذْهَبِ مُحَمَّدٍ عَدَمُ الِاسْتِعْمَالِ إلَّا أَنَّهُ يَقُولُ بِخِلَافِهِ وَفِي الْخُلَاصَةِ رَجُلٌ تَوَضَّأَ فِي طَسْتٍ ثُمَّ صَبَّ ذَلِكَ الْمَاءَ فِي بِئْرٍ يُنْزَحُ مِنْهُ الْأَكْثَرُ مِنْ عِشْرِينَ دَلْوًا وَمِمَّا صُبَّ فِيهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ يُنْزَحُ مَاءُ الْبِئْرِ كُلُّهُ؛ لِأَنَّهُ نَجِسٌ عِنْدَهُمَا. اهـ. وَهَذَا يُفِيدُ صَيْرُورَةَ مَاءِ الْبِئْرِ مُسْتَعْمَلًا بِصَبِّ الْمَاءِ الْقَلِيلِ الْمُسْتَعْمَلِ عَلَيْهِ فَبِالْأَوْلَى إذَا تَوَضَّأَ فِيهَا أَوْ اغْتَسَلَ قُلْت قَدْ وَقَعَ فِي جَوَازِ الْوُضُوءِ مِنْ الْفَسَاقِي الصِّغَارِ الْمَوْضُوعَةِ فِي الْمَدَارِسِ كَلَامٌ كَثِيرٌ بَيْنَ الْحَنَفِيَّةِ مِنْ الطَّلَبَةِ وَالْأَفَاضِلِ فِي عَصْرِنَا وَقَبْلَهُ وَقَدْ أَلَّفَ الشَّيْخُ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ فِيهَا رِسَالَةً وَسَمَّاهَا رَفْعَ الِاشْتِبَاهِ عَنْ مَسْأَلَةِ الْمِيَاهِ وَاسْتَدَلَّ فِيهَا بِمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ الْبَدَائِعِ وَوَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ بَعْضُ أَهْلِ عَصْرِهِ وَأَفْتَى بِهِ وَتَعَقَّبَهُ الْبَعْضُ الْآخَرُ وَأَلَّفَ فِيهَا رِسَالَةً وَسَمَّاهَا زَهْرَ الرَّوْضِ فِي مَسْأَلَةِ الْحَوْضِ وَنَبَّهَ عَلَيْهَا فِي شَرْحِ مَنْظُومَةِ ابْنُ وَهْبَانَ. وَقَالَ لَا تَغْتَرَّ بِمَا ذَكَرَهُ شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ وَاسْتَنَدَ إلَى مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ الْأَسْرَارِ   [منحة الخالق] الشَّارِحُ مَعَ النَّصِّ عَلَى مَا اسْتَظْهَرْنَاهُ وَذَلِكَ حَيْثُ قَالَ وَلَوْ أَنَّ الْجُنُبَ اغْتَسَلَ فِي الْبِئْرِ ثُمَّ فِي بِئْرٍ إلَى الْعَشَرَةِ أَوْ أَكْثَرَ تُنَجَّسُ الْمِيَاهُ كُلُّهَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ سَوَاءٌ كَانَ عَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ عَيْنِيَّةٌ أَوْ لَا وَالرَّجُلُ عَلَى حَالِهِ جُنُبٌ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَخْرُجُ مِنْ الْبِئْرِ الثَّالِثَةَ طَاهِرًا وَالْمِيَاهُ الثَّلَاثَةُ يُنْظَرُ فِيهَا إنْ كَانَ عَلَى بَدَنِهِ عَيْنُ النَّجَاسَةِ صَارَ الْمَاءُ نَجِسًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَارَ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا وَالْمُسْتَعْمَلُ عِنْدَهُ طَاهِرٌ، وَأَمَّا الرَّابِعُ وَمَا وَرَاءَهُ إنْ وُجِدَتْ مِنْهُ النِّيَّةُ صَارَ مُسْتَعْمَلًا، وَإِلَّا فَلَا يَعْنِي إذَا لَمْ تُوجَدْ النِّيَّةُ فَالْمِيَاهُ طَاهِرَةٌ اهـ. وَظَاهِرُ قَوْلِهِ اغْتَسَلَ أَنَّ الْغُسْلَ فِي الثَّلَاثِ الْأُوَلِ كَانَ بِنِيَّةٍ وَوَجْهُ اسْتِعْمَالِهَا سُقُوطُ الْفَرْضِ بِهَا مَعَ الْقُرْبَةِ وَسُنِّيَّةُ التَّثْلِيثِ، وَأَمَّا اسْتِعْمَالُ مَا بَعْدَهَا فَيَتَوَقَّفُ عَلَى النِّيَّةِ أَيْضًا لِحُصُولِ الْقُرْبَةِ بِتَجْدِيدِ الْغُسْلِ لِاخْتِلَافِ الْمَجْلِسِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ كَالْوُضُوءِ فَلْيُتَأَمَّلْ وَلَا يَتَنَجَّسُ الرَّابِعُ وَمَا بَعْدَهُ لَوْ كَانَتْ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ لِطَهَارَتِهِ بِخُرُوجِهِ مِنْ الثَّالِثَةِ (قَوْلُهُ: فَهَذِهِ الْعِبَارَةُ كَشَفَتْ اللَّبْسَ إلَخْ) قَالَ أَخُوهُ الْمُحَقِّقُ فِيمَا نُقِلَ عَنْهُ فِي هَوَامِشِ هَذَا الْكِتَابِ عَلَى مَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ نَعَمْ كَشَفَتْ اللَّبْسَ مِنْ حَيْثُ آخِرُهَا إلَّا أَنَّ مُحَمَّدًا يَقُولُ لَمَّا اغْتَسَلَ بِالْمَاءِ الْقَلِيلِ صَارَ الْكُلُّ مُسْتَعْمَلًا حُكْمًا فَلَنَا صُورَتَانِ صُورَةُ وُقُوعِ مَاءٍ مُسْتَعْمَلٍ فِي مَاءٍ غَيْرِ مُسْتَعْمَلٍ فَيُعْتَبَرُ غَلَبَةُ الْمَاءِ الَّذِي لَيْسَ بِمُسْتَعْمَلٍ وَالصُّورَةُ الثَّانِيَةُ مَاءٌ وَاحِدٌ تَوَضَّأَ بِهِ شَخْصٌ أَوْ أَدْخَلَ يَدَهُ لِحَاجَةٍ صَارَ مُسْتَعْمَلًا كُلُّهُ حُكْمًا كَمَا رَأَيْت اهـ. (قَوْلُهُ: فَمَا فِي الْبَدَائِعِ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ مُقْتَضَى مَذْهَبِ مُحَمَّدٍ عَدَمُ الِاسْتِعْمَالِ) أَيْ حَقِيقَةً يَعْنِي أَنَّ صَاحِبَ الْبَدَائِعِ نَسَبَ إلَى مُحَمَّدٍ عَدَمَ الِاسْتِعْمَالِ بِنَاءً عَلَى مَا اقْتَضَاهُ مَذْهَبُهُ مِنْ أَنَّ الْمُسْتَعْمَلَ لَا يُفْسِدُ الْمَاءَ مَا لَمْ يَغْلِبْهُ أَوْ يُسَاوِهِ لَكِنَّ مُحَمَّدًا مَا قَالَ بِذَلِكَ الَّذِي اقْتَضَاهُ مَذْهَبُهُ بَلْ قَالَ فِي هَذِهِ الصُّورَةُ أَنَّهُ صَارَ مُسْتَعْمَلًا حُكْمًا كَمَا صَرَّحَتْ بِهِ عِبَارَةُ الدَّبُوسِيِّ. (قَوْلُهُ: وَمِمَّا صُبَّ فِيهِ) أَيْ وَيُنْزَحُ مَا ذُكِرَ أَيْضًا مِنْ بِئْرٍ أُخْرَى صُبَّ فِيهَا دَلْوٌ مَثَلًا مِنْ هَذِهِ الْبِئْرِ كَذَا قِيلَ وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ يُنْظَرُ فِي الْعِشْرِينَ دَلْوًا وَفِي الْمَصْبُوبِ فَأَيُّهُمَا أَكْثَرُ يُنْزَحُ بِدَلِيلِ مَا سَيَأْتِي فِي أَحْكَامِ الْآبَارِ لَوْ وَقَعَتْ الْفَأْرَةُ فِي جُبٍّ فَأُرِيقَ الْمَاءُ فِي الْبِئْرِ قَالَ مُحَمَّدٌ يُنْزَحُ الْأَكْثَرُ مِنْ الْمَصْبُوبَةِ وَمِنْ عِشْرِينَ دَلْوًا، وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْفَأْرَةَ لَوْ وَقَعَتْ فِيهَا يُنْزَحُ عِشْرُونَ فَكَذَا إذَا صُبَّ فِيهَا مَا وَقَعَ فِيهِ إلَّا إذَا زَادَ الْمَصْبُوبُ عَلَى ذَلِكَ فَتُنْزَحُ الزِّيَادَةُ مَعَ الْعِشْرِينَ اهـ. (قَوْلُهُ: وَنَبَّهَ عَلَيْهَا فِي شَرْحِ مَنْظُومَةِ ابْنِ وَهْبَانَ إلَخْ) ، وَهُوَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ الشِّحْنَةِ، فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى مَسْأَلَةِ الْمُحْدِثِ وَالْجُنُبِ إذَا وَقَعَ فِي بِئْرٍ مَا نَصُّهُ وَاَلَّذِي تَحَرَّرَ عِنْدِي أَنَّهُ يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ فِيهَا بِاخْتِلَافِ أُصُولِ أَئِمَّتِنَا فِيهِ وَالتَّحْقِيقُ النَّزْحُ لِلْجَمِيعِ عِنْدَ الْإِمَامِ عَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ وَقِيلَ أَرْبَعُونَ عِنْدَهُ وَتَحْقِيقُ مَذْهَبِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَسْلُبُهُ الطَّهُورِيَّةُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ عَنْ الْإِمَامِ وَالثَّانِي وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى يُنْزَحُ مِنْهُ عِشْرُونَ لِيَصِيرَ طَهُورًا، وَهَذَا عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ اعْتِبَارِ الضَّرُورَةِ أَمَّا لَوْ اُعْتُبِرَتْ الضَّرُورَةُ وَدَفْعُ الْحَرَجِ فَلَا يَصِيرُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا فِي كُلِّ مَوْضِعٍ تَتَحَقَّقُ الضَّرُورَةُ فِي الِانْغِمَاسِ فِي الْمَاءِ أَوْ إدْخَالِ الْعُضْوِ فِيهِ وَاعْتِبَارِ الضَّرُورَةِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ مَذْكُورٌ فِي الصُّغْرَى وَغَيْرهَا وَلَا تَغْتَرَّ بِمَا ذَكَرَهُ شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ زَيْنُ الدِّينِ قَاسِمٌ تَغَمَّدَهُ اللَّهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 وَفَتَاوَى قَاضِي خان وَالْعَبْدُ الضَّعِيفُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى يَكْشِفُ لَك عَنْ حَقِيقَةِ الْحَالِ بِقَدْرِ الْوُسْعِ وَالْإِمْكَانِ وَجُهْدُ الْمُقِلِّ دُمُوعُهُ فَأَقُولُ: وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ إنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْبَدَائِعِ صَرِيحٌ فِي عَدَمِ صَيْرُورَةِ الْمَاءِ الْقَلِيلِ مُسْتَعْمَلًا بِاخْتِلَاطِ الْمُسْتَعْمَلِ الْأَقَلِّ مِنْهُ بِهِ، وَكَذَا مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُونَ كَالزَّيْلَعِيِّ وَالْمُحَقِّقِ الْكَمَالِ وَالسِّرَاجِ الْهِنْدِيِّ فِي بَحْثِ الْمَاءِ الْمُقَيَّدِ كَمَا نَقَلْنَاهُ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ. وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ الدَّبُوسِيِّ فِي الْأَسْرَارِ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ نَزْحِ عِشْرِينَ دَلْوًا وَمَا ذَكَرَهُ الْأَكْمَلُ وَشُرَّاحُ الْهِدَايَةِ مِنْ كَوْنِهِ يَفْسُدُ عِنْدَ الْكُلِّ وَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي الْإِسْبِيجَابِيُّ والْوَلْوَالِجِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ فَكُلُّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى رِوَايَةٍ ضَعِيفَةٍ عَنْ مُحَمَّدٍ لَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ مَذْهَبِ مُحَمَّدٍ وَسَيَظْهَرُ لَك صِدْقُ هَذِهِ الدَّعْوَى الصَّادِقَةِ بِالْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَإِذَا وَقَعَ الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ فِي الْبِئْرِ يُفْسِدُ الْمَاءَ وَيُنْزَحُ كُلُّهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ نَجِسٌ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَفْسُدُ   [منحة الخالق] تَعَالَى بِرَحْمَتِهِ فِي رِسَالَتِهِ الْمُسَمَّاةِ بِرَفْعِ الِاشْتِبَاهِ فَإِنَّهُ خَالَفَ فِيهَا صَرِيحَ الْمَنْقُولِ عَنْ أَئِمَّتِنَا وَاسْتَنَدَ إلَى كَلَامٍ وَقَعَ فِي الْبَدَائِعِ عَلَى سَبِيلِ الْبَحْثِ يُوهِمُ عَدَمَ صَيْرُورَةِ الْمَاءِ الْقَلِيلِ مُسْتَعْمَلًا بِالِانْغِمَاسِ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَعْمَلَ مِنْهُ مَا لَاقَى بَدَنَ الْمُحْدِثِ، وَهُوَ قَلِيلٌ لَاقَى طَهُورًا أَكْثَرَ مِنْهُ فَلَا يَسْلُبُهُ وَصْفَ الطَّهُورِيَّةِ وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ بَعْضُ مَنْ يَنْتَحِلُ مَذْهَبَ الْحَنَفِيَّةِ مِمَّنْ لَا رُسُوخَ لَهُ فِي فِقْهِهِمْ وَكَتَبَ فِيهِ كِتَابَةً مُشْتَمِلَةً عَلَى خَلْطٍ وَخَبْطٍ وَمُخَالَفَةِ النُّصُوصِ الْمَنْقُولَةِ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمه اللَّهُ وَقَدْ بَيَّنْت ذَلِكَ فِي مُقَدَّمَةٍ كَتَبْتهَا حَقَّقْت فِيهَا الْمَذْهَبَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ أَبَا زَيْدٍ الدَّبُوسِيَّ فِي كِتَابِ الْأَسْرَارِ أَوْرَدَ مَا ذَكَرَهُ فِي الْبَدَائِعِ عَلَى سَبِيلِ الْإِلْزَامِ مِنْ أَبِي يُوسُفَ لِمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَذَكَرَ جَوَابَ مُحَمَّدٍ عَنْهُ فَكَشَفَ اللَّبْسَ وَأَوْضَحَ كُلَّ تَخْمِينٍ وَحَدْسٍ، فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِ مَذَاهِبِ عُلَمَائِنَا فِي الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ وَالِاسْتِدْلَالِ لِمُحَمَّدٍ وَعَامَّةِ مَشَايِخِنَا يَنْصُرُونَ قَوْلَ مُحَمَّدٍ وَرِوَايَتَهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ثُمَّ قَالَ يُحْتَجُّ لِلْقَوْلِ الْآخَرِ بِمَا رُوِيَ فَذَكَرَ حَدِيثَ «لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ» ثُمَّ قَالَ وَمَنْ قَالَ إنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ طَاهِرٌ طَهُورٌ لَا يُجْعَلُ الِاغْتِسَالُ فِيهِ حَرَامًا إلَى آخِرِ مَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ هُنَا عَنْ الدَّبُوسِيِّ. وَفِي الْبَدَائِعِ أَيْضًا التَّصْرِيحُ بِأَنَّ الطَّاهِرَ إذَا انْغَمَسَ فِي الْبِئْرِ لِلِاغْتِسَالِ صَارَ مُسْتَعْمَلًا عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ وَصَرَّحَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خان بِأَنَّ إدْخَالَ الْيَدِ فِي الْإِنَاءِ لِلْغَسْلِ يُفْسِدُ الْمَاءَ عِنْدَ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ وَتَكَفَّلَ بِإِيضَاحِ هَذَا وَتَحْرِيرِهِ رِسَالَتِي الْمُسَمَّاةُ بِزَهْرِ الرَّوْضِ فِي مَسْأَلَةِ الْحَوْضِ وَمَا كَتَبْته بَعْدَ ذَلِكَ حِينَ رُؤْيَةِ مَا أَفْتَى بِهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فَانْظُرْهُ اهـ. وَقَالَ الْعَلَّامَةُ الشَّيْخُ حَسَنٌ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْوَهْبَانِيَّةِ وَمَا ذَكَرَ مِنْ أَنَّ الِاسْتِعْمَالَ بِالْجُزْءِ الَّذِي يُلَاقِي جَسَدُهُ دُونَ بَاقِي الْمَاءِ فَيَصِرْ ذَلِكَ الْجُزْءُ مُسْتَهْلَكًا فِي كَثِيرٍ فَهُوَ مَرْدُودٌ لِسَرَيَانِ الِاسْتِعْمَالِ فِي الْجَمِيعِ حُكْمًا، وَلَيْسَ كَالْغَالِبِ بِصَبِّ الْقَلِيلِ مِنْ الْمَاءِ فِيهِ اهـ. يَعْنِي: أَنَّهُ لَمَّا انْغَمَسَ أَوْ أَدْخَلَ يَدَهُ مَثَلًا صَارَ مُسْتَعْمَلًا لِجَمِيعِ ذَلِكَ الْمَاءِ الَّذِي انْغَمَسَ فِيهِ أَوْ أَدْخَلَ يَدَهُ فِيهِ حُكْمًا؛ لِأَنَّ الْمُسْتَعْمَلَ حَقِيقَةً هُوَ مَا لَاقَى جَسَدَهُ وَذَلِكَ بِخِلَافِ مَا إذَا صُبَّ الْمُسْتَعْمَلُ فِيهِ، فَإِنَّ الْمُسْتَعْمَلَ حَقِيقَةً وَحُكْمًا هُوَ ذَلِكَ الْمُلْقَى فَلَا وَجْهَ لِلْحُكْمِ عَلَى الْمُلْقَى فِيهِ بِالِاسْتِعْمَالِ مَا لَمْ يُسَاوِهِ أَوْ يَغْلِبْ عَلَيْهِ إذْ لَمْ يُدْخِلْ فِيهِ جَسَدَهُ حَتَّى يُحْكَمَ عَلَيْهِ بِالِاسْتِعْمَالِ حُكْمًا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي الْأَسْرَارِ لِلدَّبُّوسِيِّ وَقَوْلُهُمْ فِي مَسْأَلَةِ الْبِئْرِ جحط لَوْ انْغَمَسَ بِقَصْدِ الِاغْتِسَالِ لِلصَّلَاةِ صَارَ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا اتِّفَاقًا وَأَمَّا مَا ادَّعَاهُ الشَّارِحُ مِنْ أَنَّ مَا فِي الْأَسْرَارِ رِوَايَةٌ ضَعِيفَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ مُسْتَدِلًّا بِمَا نَقَلَهُ عَنْ الْمُحِيطِ وَالسِّرَاجِ الْهِنْدِيِّ فَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى دَعْوَى عَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَ مَا لَاقَاهُ الْمُسْتَعْمَلُ أَوْ أُلْقِيَ فِيهِ، وَإِلَّا فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ وَالْهِنْدِيِّ فِي الْمُلْقَى وَلَا كَلَامَ فِيهِ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي الْمُلَاقَى فَيَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِ عَدَمِ الْفَرْقِ وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرَهُ مِنْ النُّقُولِ مَا يُثْبِتُهُ. (قَوْلُهُ: فَأَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ) أَقُولُ: إنْ كَانَ الْخِلَافُ الَّذِي جَرَى بَيْنَ أَهْلِ الْعَصْرِ فِي جَوَازِ التَّوَضُّؤِ مِنْ الْفَسَاقِي وَعَدَمِهِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ بِانْغِمَاسٍ بِجَسَدٍ أَوْ يَدٍ أَوْ بِغَيْرِهِ فَلَا كَلَامَ فِي أَنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ النُّقُولِ يَدُلُّ عَلَى مُدَّعَاهُ مِنْ الْجَوَازِ فَعِبَارَةُ الْبَدَائِعِ تَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ فِي الِانْغِمَاسِ وَغَيْرِهَا فِي غَيْرِهِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الْخِلَافُ فِي أَنَّهُ بِالِانْغِمَاسِ يَصِيرُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بِغَيْرِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ عِبَارَةِ الشُّرُنْبُلَالِيُّ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا آنِفًا وَأَيَّدْنَاهَا بِمَا ذَكَرَهُ عَنْ الدَّبُوسِيِّ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ، وَإِذَا عَرَفَتْ هَذَا إلَخْ، فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْمُلْقَى وَالْمُلَاقَى فَمَا ذَكَرَهُ مِنْ النُّقُولِ لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الِاسْتِعْمَالِ بِالْمُلَاقَى سِوَى مَا قَدَّمَهُ عَنْ الْبَدَائِعِ، فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَيْهِ وَلَكِنْ قَدْ عَلِمْت مَا فِيهِ مِمَّا نَقَلْنَاهُ عَنْ ابْنِ الشِّحْنَةِ. وَأَمَّا غَيْرُ عِبَارَةِ الْبَدَائِعِ فَهُوَ فِي الْمُلْقَى وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ لَا نِزَاعَ فِيهِ؛ وَلِذَا قَالَ أَخُو الشَّارِحِ فِيمَا نُقِلَ عَنْهُ فِي هَوَامِشِ هَذَا الْكِتَابِ عِنْدَ قَوْلِهِ الْآتِي قَالَ فِي الْمُحِيطِ: إلَخْ مَا نَصُّهُ لَا يَخْفَاك أَنَّ الْعِبَارَةَ فِي وُقُوعِ الْمَاءِ لَا الْمُغْتَسَلِ، وَكَذَا فِيمَا بَعْدَهُ اهـ. وَكَذَا مَا نَقْلنَا عَنْهُ سَابِقًا وَكَأَنَّهُ اسْتَدَلَّ بِذَلِكَ بِنَاءً عَلَى مَا سَيَذْكُرُهُ مِنْ عَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا، وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ يَصِحُّ الِاسْتِدْلَال، وَلَكِنَّ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ، فَإِنَّ الْخَصْمَ لَا يُسَلِّمُ عَدَمَ الْفَرْقِ فَتَأَمَّلْ فِي هَذَا الْمَقَامِ، فَإِنَّهُ مِنْ مَزَالِّ الْأَقْدَامِ وَاَللَّهُ تَعَالَى وَلِيُّ الْإِلْهَامِ هَكَذَا مِنْ قَوْلِ الْمُحَشِّي قَوْلُهُ وَنَبَّهَ عَلَيْهَا فِي شَرْحِ مَنْظُومَةٍ إلَخْ إلَى قَوْلِهِ الْآتِي إذْ لَا مَعْنَى لِلْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ هُوَ عَلَى حَسَبِ مَا وُجِدَ بِخَطِّهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي حَاشِيَةِ نُسْخَتِهِ حَيْثُ كَانَ هُوَ الْأَوْلَى مِمَّا سَلَكَهُ الْمُجَرَّدُ لِخَطِّهِ فِي الْمُبَيَّضَةِ فَلِذَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ اهـ مُصَحَّحَةً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 وَيَجُوزُ التَّوَضُّؤُ بِهِ مَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى الْمَاءِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ طَاهِرٌ غَيْرُ طَهُورٍ فَصَارَ كَالْمَاءِ الْمُقَيَّدِ إذَا اخْتَلَطَ بِالْمَاءِ الْمُطْلَقِ اهـ. بِلَفْظِهِ. وَقَالَ الشَّيْخُ الْعَلَّامَةُ الْمُحَقِّقُ سِرَاجُ الدِّينِ الْهِنْدِيُّ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ: إذَا وَقَعَ الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ فِي الْبِئْرِ لَا يَفْسُدُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَيَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ مَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى الْمَاءِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ كَالْمَاءِ الْمُقَيَّدِ إذَا اخْتَلَطَ بِالْمَاءِ الْمُطْلَقِ وَفِي التُّحْفَةِ يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ مَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى الْمَاءِ عَلَى الْمَذْهَبِ الْمُخْتَارِ، وَإِذَا وَقَعَ الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ فِي الْمَاءِ الْمُطْلَقِ الْقَلِيلِ قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ بِخِلَافِ بَوْلِ الشَّاةِ مَعَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا طَاهِرٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَالْفَرْقُ لَهُ أَنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ مِنْ جِنْسِ مَاءِ الْبِئْرِ فَلَا يُسْتَهْلَكُ فِيهِ وَالْبَوْلُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ فَيُعْتَبَرُ الْغَالِبُ فِيهِ. وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خان لَوْ صَبَّ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ فِي بِئْرٍ يُنْزَحُ مِنْهَا عِشْرُونَ دَلْوًا؛ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ عِنْدَهُ، وَكَانَ دُونَ الْفَأْرَةِ، وَهَذَا عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي لَا يُجَوَّزُ اسْتِعْمَالُ مَاءِ الْبِئْرِ اهـ. كَلَامُ الْعَلَّامَةِ السَّرَّاجِ فَقَدْ اُسْتُفِيدَ مِنْ هَذَا فَوَائِدُ مِنْهَا أَنَّ الْمَشَايِخَ اخْتَلَفُوا فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ الْمُسْتَعْمَلِ إذَا اخْتَلَطَ بِالْمَاءِ الْمُطْلَقِ الْأَكْثَرِ مِنْهُ الْقَلِيلِ فِي نَفْسِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَصِيرُ الْكُلُّ مُسْتَعْمَلًا عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَيَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَوْلِ الشَّاةِ فَأَفَادَ الْفَرْقَ بِقَوْلِهِ، وَالْفَرْقُ لَهُ إلَى آخِرِهِ، وَهِيَ الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا مَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى الْمُطْلَقِ وَصَحَّحَهُ صَاحِبُ الْمُحِيطِ وَالْعَلَّامَةُ كَمَا رَأَيْت وَنَقَلَ الْعَلَّامَةُ عَنْ التُّحْفَةِ أَنَّهُ الْمُخْتَارُ وَمِنْهَا حَمْلُ مَا نَقَلَهُ قَاضِي خان وَغَيْرُهُ مَنْ نَزْحِ عِشْرِينَ دَلْوًا عَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الصَّحِيحِ فَلَا يُنْزَحُ شَيْءٌ فَإِذَا عَلِمْت هَذَا تَعَيَّنَ عَلَيْك حَمْلُ قَوْلِ مَنْ نَقَلَ عَدَمَ الْجَوَازِ عَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ لَا الصَّحِيحِ كَمَا فَعَلَهُ الْعَلَّامَةُ. وَأَمَّا مَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ مِنْ أَنَّ الْجُنُبَ إذَا أَدْخَلَ يَدَهُ أَوْ رِجْلَهُ فِي الْمَاءِ فَسَدَ الْمَاءُ، فَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى الرِّوَايَةِ الْقَائِلَةِ بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ لَا عَلَى الْمُخْتَارَةِ لِلْفَتْوَى؛ لِأَنَّ مُلَاقَاةَ النَّجِسِ لِلْمَاءِ الْقَلِيلِ تَقْتَضِي نَجَاسَتَهُ لَا مُلَاقَاةَ الطَّاهِرِ لَهُ وَقَدْ كَشَفَ عَنْ هَذَا خِتَامُ الْمُحَقِّقِينَ الْعَلَّامَةُ كَمَالُ الدِّينِ بْنُ الْهُمَامِ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ حِجَابِ الْأَسْتَارِ فَقَالَ حَوْضَانِ صَغِيرَانِ يَخْرُجُ الْمَاءُ مِنْ أَحَدِهِمَا، وَيَدْخُلُ فِي الْآخَرِ فَتَوَضَّأَ فِي خِلَالِ ذَلِكَ جَازَ؛ لِأَنَّهُ جَارٍ، وَكَذَا إذَا قَطَعَ الْجَارِي مِنْ فَوْقُ وَقَدْ بَقِيَ جَرْيُ الْمَاءِ كَانَ جَائِزًا أَنْ يَتَوَضَّأَ بِمَا يَجْرِي فِي النَّهْرِ. وَذُكِرَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خان فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى قَالَ: وَالْمَاءُ الَّذِي اجْتَمَعَ فِي الْحَفِيرَةِ الثَّانِيَةِ فَاسِدٌ، وَهَذَا مُطْلَقًا إنَّمَا هُوَ بِنَاءٌ عَلَى كَوْنِ الْمُسْتَعْمَلِ نَجِسًا وَكَذَا كَثِيرٌ مِنْ أَشْبَاهِ هَذَا، فَأَمَّا عَلَى الْمُخْتَارِ مِنْ رِوَايَةِ أَنَّهُ طَاهِرٌ غَيْرُ طَهُورٍ فَلَا فَلْتُحْفَظْ لِيُفَرَّعَ عَلَيْهَا وَلَا يُفْتَى بِمِثْلِ هَذِهِ الْفُرُوعِ اهـ كَلَامُ الْمُحَقِّقِ. وَمِنْ هُنَا يُعْلَمُ أَنَّ فَهْمَ الْمَسَائِلِ عَلَى وَجْهِ التَّحْقِيقِ يَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ أَصْلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ إطْلَاقَاتِ الْفُقَهَاءِ فِي الْغَالِبِ مُقَيَّدَةٌ بِقُيُودٍ يَعْرِفُهَا صَاحِبُ الْفَهْمِ الْمُسْتَقِيمِ الْمُمَارِسُ لِلْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ، وَإِنَّمَا يَسْكُتُونَ عَنْهَا اعْتِمَادًا عَلَى صِحَّةِ فَهْمِ الطَّالِبِ. وَالثَّانِي: أَنَّ هَذِهِ الْمَسَائِلَ اجْتِهَادِيَّةٌ مَعْقُولَةُ الْمَعْنَى لَا يُعْرَفُ الْحُكْمُ فِيهَا عَلَى الْوَجْهِ التَّامِّ إلَّا بِمَعْرِفَةِ وَجْهِ الْحُكْمِ الَّذِي بُنِيَ عَلَيْهِ وَتَفَرَّعَ عَنْهُ، وَإِلَّا فَتَشْتَبِهُ الْمَسَائِلُ عَلَى الطَّالِبِ وَيَحَارُ ذِهْنُهُ فِيهَا لِعَدَمِ مَعْرِفَةِ الْوَجْهِ وَالْمَبْنَى وَمَنْ أَهْمَلَ مَا ذَكَرْنَاهُ حَارَ فِي الْخَطَأِ وَالْغَلَطِ، وَإِذَا عَرَفْت هَذَا ظَهَرَ لَك ضَعْفُ مَنْ يَقُولُ فِي عَصْرِنَا إنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ إذَا صُبَّ عَلَى الْمَاءِ الْمُطْلَقِ وَكَانَ الْمَاءُ الْمُطْلَقُ غَالِبًا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِالْكُلِّ، وَإِذَا تَوَضَّأَ فِي فَسْقِيَّةٍ صَارَ الْكُلُّ مُسْتَعْمَلًا إذْ لَا مَعْنًى لِلْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ فِي الْفَرْقِ مِنْ أَنَّ فِي الْوُضُوءِ يَشِيعُ الِاسْتِعْمَالُ فِي الْجَمِيعِ بِخِلَافِهِ فِي الصَّبِّ مَدْفُوعٌ بِأَنَّ الشُّيُوعَ وَالِاخْتِلَاطَ فِي الصُّورَتَيْنِ سَوَاءٌ بَلْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إلْقَاءُ الْغُسَالَةِ مِنْ خَارِجٍ أَقْوَى تَأْثِيرًا مِنْ غَيْرِهِ لِتَعَيُّنِ الْمُسْتَعْمَلِ فِيهِ بِالْمُعَايَنَةِ وَالتَّشْخِيصِ وَتَشَخُّصِ الِانْفِصَالِ وَبِالْجُمْلَةِ فَلَا يُعْقَلُ فَرْقٌ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ مِنْ جِهَةِ الْحُكْمِ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَجُوزُ الْوُضُوءُ مِنْ الْفَسَاقِي الصِّغَارِ مَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ أَكْثَرُ أَوْ مُسَاوٍ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: فَأَمَّا عَلَى الْمُخْتَارِ مِنْ رِوَايَةِ أَنَّهُ طَاهِرٌ غَيْرُ طَهُورٍ فَلَا) قَالَ أَخُوهُ فِيمَا نُقِلَ عَنْهُ أَيْ فَلَا يُقَالُ فَاسِدٌ بَلْ يُقَالُ هُوَ طَاهِرٌ غَيْرُ طَهُورٍ، وَإِنَّهَا لِغَفْلَةٍ عَنْ فَهْمِ كَلَامِ الْعُلَمَاءِ اهـ أَقُول اسْمُ الْإِشَارَةِ فِي قَوْلِ الشَّارِحِ وَقَدْ كُشِفَ عَنْ هَذَا لِكَوْنِ مَا ذُكِرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ مَحْمُولًا عَلَى رِوَايَةِ نَجَاسَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ وَلَا شَكَّ فِي كَشْفِ عِبَارَةِ الْفَتْحِ عَنْ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: إذْ لَا مَعْنَى لِلْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ) قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ أَيْضًا رِوَايَةُ النَّجَاسَةِ فَإِنَّ النَّجِسَ يُنَجِّسُ غَيْرَهُ سَوَاءٌ كَانَ مُلْقًى أَوْ مُلَاقِيًا فَكَذَا عَلَى رِوَايَةِ الطَّهَارَةِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلْيَكُنْ التَّعْوِيلُ عَلَيْهِ سِيَّمَا وَقَدْ اخْتَارَهُ كَثِيرُونَ وَعَامَّةُ مَنْ تَأَخَّرَ عَنْ الشَّارِحِ تَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى صَاحِبُ النَّهْرِ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ رَفْعِ الْحَرَجِ الْعَظِيمِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 وَلَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ وُقُوعُ نَجَاسَةٍ قَالَ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ: فِي رِسَالَتِهِ، فَإِنْ قُلْت إدًّا تَكَرَّرَ الِاسْتِعْمَالُ قَدْ يُجْمَعُ وَيَمْنَعُ قُلْت الظَّاهِرُ عَدَمُ اعْتِبَارِ هَذَا الْمَعْنَى فِي النَّجِسِ فَكَيْفَ بِالطَّاهِرِ قَالَ فِي الْمُبْتَغَى يَعْنِي بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ قَوْمٌ يَتَوَضَّئُونَ صَفًّا عَلَى شَطِّ النَّهْرِ جَازَ فَكَذَا فِي الْحَوْضِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ مَاءِ الْحَوْضِ فِي حُكْمِ مَاءٍ جَارٍ اهـ بِلَفْظِهِ قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ يُجْمَعُ وَيَمْنَعُ. وَأَمَّا مَا اُسْتُشْهِدَ بِهِ مِنْ عِبَارَةِ الْمُبْتَغَى فَلَا يَمَسُّ مَحَلَّ النِّزَاعِ؛ لِأَنَّ كَلَامَنَا فِي الْحَوْضِ الصَّغِيرِ الَّذِي لَا يَكُونُ فِي حُكْمِ الْجَارِي، وَمَا فِي الْمُبْتَغَى مُصَوَّرٌ فِي الْحَوْضِ الْكَبِيرِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ مَاءِ الْحَوْضِ فِي حُكْمِ مَاءٍ جَارٍ، وَقَدْ نَقَلَ الْمُحَقِّقُ الْعَلَّامَةُ كَمَالُ الدِّينِ بْنُ الْهُمَامِ عِبَارَةَ الْمُبْتَغَى ثُمَّ قَالَ: وَإِنَّمَا أَرَادَ الْحَوْضَ الْكَبِيرَ بِالضَّرُورَةِ وَأَيْضًا مَا فِي الْمُبْتَغَى مُفَرَّعٌ عَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ لَا عَلَى الْقَوْلِ بِطَهَارَتِهِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْحَدَّادِيَّ فِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ ذَكَرَ مَا فِي الْمُبْتَغَى تَفْرِيعًا عَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ وَكَلَامُنَا هُنَا عَلَى الْقَوْلِ بِطَهَارَتِهِ ثُمَّ رَأَيْت الْعَلَّامَةَ ابْنَ أَمِيرِ حَاجٍّ فِي شَرْحِهِ عَلَى مُنْيَةِ الْمُصَلِّي قَالَ فِي قَوْلِ صَاحِبِ الْمُنْيَةِ. وَعَنْ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ لَوْ تَوَضَّأَ فِي أَجَمَةِ الْقَصَبِ، فَإِنْ كَانَ لَا يَخْلُصُ بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ جَازَ قَالَ مَا نَصُّهُ، وَإِنَّمَا قُيِّدَ الْجَوَازُ بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ يَخْلُصُ بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ لَا يَجُوزُ كَمَا هُوَ الْمَفْهُومُ الْمُخَالِفُ لِجَوَابِ الْمَسْأَلَةِ لَكِنْ عَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ أَمَّا عَلَى طَهَارَتِهِ فَلَا بَلْ يَجُوزُ مَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ الْقَدْرَ الَّذِي يَغْتَرِفُهُ مِنْهُ لِإِسْقَاطِ فَرْضٍ مِنْ مَسْحٍ أَوْ غَسْلِ مَاءٍ مُسْتَعْمَلٍ أَوْ مَاءٍ اخْتَلَطَ بِمَاءٍ مُسْتَعْمَلٍ مُسَاوٍ لَهُ أَوْ غَالِبٍ عَلَيْهِ اهـ. وَالْأَجَمَةُ مُحَرَّكَةٌ الشَّجَرُ الْكَثِيرُ الْمُلْتَفُّ ثُمَّ قَالَ أَيْضًا وَاتِّصَالُ الزَّرْعِ بِالزَّرْعِ لَا يَمْنَعُ اتِّصَالَ الْمَاءِ بِالْمَاءِ وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَخْلُصُ فَيَجُوزُ عَلَى الرِّوَايَةِ الْمُخْتَارَةِ فِي طَهَارَةِ الْمُسْتَعْمَلِ بِالشَّرْطِ الَّذِي سَلَفَ وَلَا يَجُوزُ عَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَتِهِ اهـ. ثُمَّ ذَكَرَ أَيْضًا مَسَائِلَ عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِيمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ جَوَازِ الْوُضُوءِ بِالْمَاءِ الَّذِي اخْتَلَطَ بِهِ مَاءٌ مُسْتَعْمَلٌ قَلِيلٌ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ سِرَاجُ الدِّينِ قَارِئُ الْهِدَايَةِ فِي فَتَاوِيهِ الَّتِي جَمَعَهَا تِلْمِيذُهُ خِتَامُ الْمُحَقِّقِينَ الْكَمَالُ بْنُ الْهُمَامِ بِمَا لَفْظُهُ سُئِلَ عَنْ فَسْقِيَّةٍ صَغِيرَةٍ يَتَوَضَّأُ فِيهِ النَّاسُ وَيَنْزِلُ فِيهَا الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ وَفِي كُلِّ يَوْمٍ يَنْزِلُ فِيهَا مَاءٌ جَدِيدٌ هَلْ يَجُوزُ الْوُضُوءُ فِيهَا أَجَابَ إذَا لَمْ يَقَعْ فِيهَا غَيْرُ الْمَاءِ الْمَذْكُورِ لَا يَضُرُّ اهـ يَعْنِي: إذَا وَقَعَتْ فِيهَا نَجَاسَةٌ تَنَجَّسَتْ لِصِغَرِهَا اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ بِمَاءٍ دَائِمٍ فِيهِ نَجَسٌ إنْ لَمْ يَكُنْ عَشْرًا فِي عَشْرٍ) أَيْ لَا يُتَوَضَّأُ بِمَاءٍ سَاكِنٍ وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ مُطْلَقًا سَوَاءٌ تَغَيَّرَ أَحَدُ أَوْصَافِهِ أَوْ لَا وَلَمْ يَبْلُغْ الْمَاءُ عَشْرَةَ أَذْرُعٍ فِي عَشْرَةٍ. اعْلَمْ أَنَّ الْعُلَمَاءَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمَاءَ إذَا تَغَيَّرَ أَحَدُ أَوْصَافِهِ بِالنَّجَاسَةِ لَا تَجُوزُ الطَّهَارَةُ بِهِ قَلِيلًا كَانَ الْمَاءُ أَوْ كَثِيرًا جَارِيًا كَانَ أَوْ غَيْرَ جَارٍ هَكَذَا نُقِلَ الْإِجْمَاعُ فِي كُتُبِنَا، وَمِمَّنْ نَقَلَهُ أَيْضًا النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ جَمَاعَاتٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ، وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ بِهَا فَاتَّفَقَ عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الْقَلِيلَ يُنَجَّسُ بِهَا دُونَ الْكَثِيرِ لَكِنْ اخْتَلَفُوا فِي الْحَدِّ الْفَاصِلِ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فَقَالَ مَالِكٌ إنْ تَغَيَّرَ أَحَدُ أَوْصَافِهِ بِهَا، فَهُوَ قَلِيلٌ لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ، وَإِلَّا فَهُوَ كَثِيرٌ وَحِينَئِذٍ يَخْتَلِفُ الْحَالُ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ النَّجَاسَةِ فِي الْكَمِّ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ فَهُوَ كَثِيرٌ فَيَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ، وَإِلَّا فَهُوَ قَلِيلٌ لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْهُ يُعْتَبَرُ فِيهِ أَكْبَرُ رَأْيِ الْمُبْتَلَى بِهِ إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ بِحَيْثُ تَصِلُ النَّجَاسَةُ إلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ وَإِلَّا جَازَ وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَى أَنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي الْمَبْسُوطِ وَقَالَ إنَّهُ الْأَصَحُّ وَقَالَ الْإِمَامُ الرَّازِيّ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ فِي سُورَةِ الْفُرْقَانِ: إنَّ مَذْهَبَ أَصْحَابِنَا أَنَّ كُلَّ مَا تَيَقَّنَّا فِيهِ جُزْءًا مِنْ النَّجَاسَةِ أَوْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ سَوَاءٌ كَانَ جَارِيًا أَوْ لَا. اهـ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَمَا كَانَ مِنْ الْمِيَاهِ فِي الْغُدْرَانِ أَوْ فِي مُسْتَنْقَعٍ مِنْ الْأَرْضِ وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ نَظَرَ الْمُسْتَعْمَلُ فِي ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ فِي غَالِبِ رَأْيِهِ أَنَّ النَّجَاسَةَ لَمْ تَخْتَلِطْ بِجَمِيعِهِ   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 لِكَثْرَتِهِ تَوَضَّأَ مِنْ الْجَانِبِ الَّذِي هُوَ طَاهِرٌ عِنْدَهُ فِي غَالِبِ رَأْيِهِ فِي إصَابَةِ الطَّاهِرِ مِنْهُ وَمَا كَانَ قَلِيلًا يُحِيطُ الْعِلْمُ أَنَّ النَّجَاسَةَ قَدْ خَلَصَتْ إلَى جَمِيعِهِ أَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي غَالِبِ رَأْيِهِ لَمْ يُتَوَضَّأْ مِنْهُ اهـ. وَقَالَ رُكْنُ الْإِسْلَامِ أَبُو الْفَضْلِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْكَرْمَانِيُّ فِي شَرْحِ الْإِيضَاحِ وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ فِي تَحْدِيدِ الْكَثِيرِ: وَالظَّاهِرُ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ عَشْرٌ فِي عَشْرٍ وَالصَّحِيحُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَمْ يُوَقَّتْ فِي ذَلِكَ بِشَيْءٍ، وَإِنَّمَا هُوَ مَوْكُولٌ إلَى غَلَبَةِ الظَّنِّ فِي خُلُوصِ النَّجَاسَةِ اهـ. وَقَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي: الَّذِي هُوَ جَمَعَ كَلَامَ مُحَمَّدٍ قَالَ أَبُو عِصْمَةَ: كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ يُوَقِّتُ عَشْرَةً فِي عَشْرَةٍ ثُمَّ رَجَعَ إلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ لَا أُوَقِّتُ فِيهِ شَيْئًا اهـ. وَقَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ: ثُمَّ الْحَدُّ الْفَاصِلُ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا هُوَ الْخُلُوصُ، وَهُوَ أَنْ يَخْلُصَ بَعْضُهُ مِنْ جَانِبٍ إلَى جَانِبٍ وَلَمْ يُفَسِّرْ الْخُلُوصَ فِي رِوَايَةِ الْأُصُولِ. وَسُئِلَ مُحَمَّدٌ عَنْ حَدِّ الْحَوْضِ فَقَالَ مِقْدَارُ مَسْجِدِي فَذَرَعُوهُ فَوَجَدُوهُ ثَمَانِيَةً فِي ثَمَانِيَةٍ وَبِهِ أَخَذَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَسَحُوا مَسْجِدَ مُحَمَّدٍ فَكَانَ دَاخِلُهُ ثَمَانِيًا فِي ثَمَانٍ وَخَارِجُهُ عَشْرًا فِي عَشْرٍ ثُمَّ رَجَعَ مُحَمَّدٌ إلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ لَا أُوَقِّتُ فِيهِ شَيْئًا اهـ. وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ الصَّحِيحُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَمْ يُقَدِّرْ فِي ذَلِكَ شَيْئًا، وَإِنَّمَا قَالَ هُوَ مَوْكُولٌ إلَى غَلَبَةِ الظَّنِّ فِي خُلُوصِ النَّجَاسَةِ مِنْ طَرَفٍ إلَى طَرَفٍ، وَهَذَا أَقْرَبُ إلَى التَّحْقِيقِ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ عَدَمُ وُصُولِ النَّجَاسَةِ وَغَلَبَةُ الظَّنِّ فِي ذَلِكَ تَجْرِي مَجْرَى الْيَقِينِ فِي وُجُوبِ الْعَمَلِ كَمَا إذَا أَخْبَرَ وَاحِدٌ بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ وَجَبَ الْعَمَلُ بِقَوْلِهِ، وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ اجْتِهَادِ الرَّائِي وَظَنِّهِ اهـ. وَكَذَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَالْمُجْتَبَى وَفِي الْغَايَةِ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ اعْتِبَارُهُ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ، وَهُوَ الْأَصَحُّ اهـ. وَفِي الْيَنَابِيعِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الْغَدِيرُ الْعَظِيمُ هُوَ الَّذِي لَا يَخْلُصُ بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ وَلَمْ يُفَسِّرْهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَفَوَّضَهُ إلَى رَأْيِ الْمُبْتَلَى بِهِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ أَخَذَ الْكَرْخِيُّ اهـ. وَهَكَذَا فِي أَكْثَرِ كُتُبِ أَئِمَّتِنَا فَثَبَتَ بِهَذِهِ النُّقُولِ الْمُعْتَبَرَةِ عَنْ مَشَايِخِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ مَذْهَبُ إمَامِنَا الْأَعْظَمِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ - فَتَعَيَّنَ الْمَصِيرُ إلَيْهِ، وَأَمَّا مَا اخْتَارَهُ كَثِيرٌ مِنْ مَشَايِخِنَا الْمُتَأَخِّرِينَ بَلْ عَامَّتُهُمْ كَمَا نَقَلَهُ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: فَثَبَتَ بِهَذِهِ النُّقُولِ إلَخْ) أَيْ ثَبَتَ أَنَّ الْمَذْهَبَ عِنْدَنَا عَدَمُ التَّقْدِيرِ بِشَيْءٍ. هَذَا وَفِي الْهِدَايَةِ الْغَدِيرُ الْعَظِيمُ الَّذِي لَا يَتَحَرَّك أَحَدُ طَرَفَيْهِ بِتَحْرِيكِ الطَّرَفِ الْآخَرِ ثُمَّ إنَّ الْمَرْوِيَّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ كَانَ يَعْتَبِرُ التَّحْرِيكَ بِالِاغْتِسَالِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَعَنْهُ التَّحْرِيكُ بِالْيَدِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ بِالتَّوَضُّؤِ وَبَعْضُهُمْ قَدَّرُوا بِالْمَسَّاحَةِ عَشْرًا فِي عَشْرٍ بِذِرَاعِ الْكِرْبَاسِ تَوْسِعَةً لِلْأَمْرِ عَلَى النَّاسِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ. وَمِثْلُهُ فِي السِّرَاجِ ثُمَّ قَالَ وَصَحَّحَ فِي الْوَجِيزِ قَوْلَ مُحَمَّدٍ وَقَالَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: وَتَفْسِيرُ الْخُلُوصِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَوْ حُرِّكَ جَانِبٌ يَتَحَرَّك الْجَانِبُ الْآخَرُ فَيَكُونُ صَغِيرًا، وَإِلَّا كَانَ كَبِيرًا. وَفِي الشَّرْحِ لِلزَّيْلَعِيِّ اعْلَمْ أَنَّ أَصْحَابَنَا اخْتَلَفُوا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَمِنْهُمْ مَنْ يَعْتَبِرُ بِالتَّحْرِيكِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَعْتَبِرُ بِالْمَسَّاحَةِ وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنْ يَعْتَبِرَ بِالتَّحْرِيكِ، وَهُوَ قَوْلُ الْمُتَقَدِّمِينَ حَتَّى قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَفِي الْمُحِيطِ اتَّفَقَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ بِالتَّحْرِيكِ، وَهُوَ أَنْ يَرْتَفِعَ وَيَنْخَفِضَ مِنْ سَاعَتِهِ لَا بَعْدَ الْمُكْثِ وَلَا يُعْتَبَرُ أَصْلُ الْحَرَكَةِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ لَا يَخْلُو عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ مُتَحَرِّكٌ بِطَبْعِهِ ثُمَّ اخْتَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ فِي التَّقْدِيرِ فَأَمَّا مَنْ قَالَ بِالْمَسَّاحَةِ فَمِنْهُمْ مَنْ اعْتَبَرَ عَشْرًا فِي عَشْرٍ وَمِنْهُمْ مَنْ اعْتَبَرَ ثَمَانِيًا فِي ثَمَانٍ وَمِنْهُمْ اثْنَيْ عَشَرَ فِي اثْنَيْ عَشَرَ وَمِنْهُمْ خَمْسَةَ عَشَرَ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ، وَأَمَّا مَنْ اعْتَبَرَ بِالتَّحْرِيكِ فَمِنْهُمْ مَنْ اعْتَبَرَ بِالِاغْتِسَالِ رَوَاهُ أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ بِالتَّوَضُّؤِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ بِالْيَدِ مِنْ غَيْرِ اغْتِسَالٍ وَلَا وُضُوءٍ وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ بِغَمْسِ الرِّجْلِ وَقِيلَ يُلْقَى فِيهِ قَدْرُ النَّجَاسَةِ مِنْ الصَّبْغِ فَمَوْضِعٌ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ الصَّبْغُ لَمْ يَتَنَجَّسْ وَقِيلَ يُعْتَبَرُ بِالتَّكَدُّرِ وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ أَكْبَرُ رَأْيِ الْمُبْتَلَى بِهِ اهـ مُلَخَّصًا. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة وَاتَّفَقَتْ الرِّوَايَاتُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِي الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ أَنَّ الْخُلُوصَ يُعْتَبَرُ بِالتَّحْرِيكِ وَالْمُتَأَخِّرُونَ اعْتَبَرُوهُ بِشَيْءٍ آخَرَ فَقِيلَ بِوُصُولِ الْكُدْرَةِ إلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ وَقِيلَ بِالصَّبْغِ وَقِيلَ بِعَشْرِ فِي عَشْرٍ إلَخْ وَمِثْلُهُ فِي غَيْرِ كِتَابٍ فَأَنْتَ تَرَى أَنَّهُمْ نَقَلُوا ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ اعْتِبَارَ الْخُلُوصِ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ بِلَا تَقْدِيرٍ بِشَيْءٍ ثُمَّ نَقَلُوا ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ اعْتِبَارَهُ بِالتَّحْرِيكِ وَبَيْنَ النَّقْلَيْنِ مُنَافَاةٌ فِي الظَّاهِرِ؛ لِأَنَّ غَلَبَةَ الظَّنِّ أَمْرٌ بَاطِنِيٌّ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الظَّانِّينَ وَالتَّحْرِيكُ أَمْرٌ حِسِّيٌّ ظَاهِرٌ لَا يَخْتَلِفُ وَلَعَلَّ التَّوْفِيقَ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ غَلَبَةُ الظَّنِّ بِأَنَّهُ لَوْ حَرَّكَ لَوَصَلَ إذَا لَمْ يُوجَدْ التَّحْرِيكُ بِالْفِعْلِ فَلْيُتَأَمَّلْ. وَلَمْ أَرَ مَنْ تَكَلَّمَ عَلَى هَذَا الْبَحْثِ ثُمَّ حَيْثُ عَلِمْت أَنَّ اعْتِبَارَ التَّحْرِيكِ مَنْقُولٌ عَنْ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْهُمْ يَظْهَرُ لَك أَنَّ اعْتِبَارَ الْعَشْرِ فِي الْعَشْرِ لَيْسَ خَارِجًا عَنْ الْمَذْهَبِ بِالْكُلِّيَّةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ لَا تَخْتَلِفُ الْآرَاءُ فِي عَدَمِ خُلُوصِ النَّجَاسَةِ فِيهِ إلَى جَانِبِهِ الْآخَرِ فَقَدَّرُوا بِهِ لِئَلَّا يَقَعَ مَنْ لَا رَأْيَ لَهُ أَوْ مَنْ غَلَبَتْ عَلَيْهِ الْوَسْوَسَةُ فِي تَنْجِيسِهِ أَوْ تَنْجِيسِ أَعْظَمَ مِنْهُ، وَأَمَّا اخْتِلَافُهُمْ فِي أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِيهِ ثَمَانٍ فِي ثَمَانٍ أَوْ خَمْسَةَ عَشَرَ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي الْمُرَادِ مِنْ الْحَرَكَةِ هَلْ هِيَ حَرَكَةُ الْيَدِ أَوْ حَرَكَةُ الِاغْتِسَالِ أَوْ حَرَكَةُ الْوُضُوءِ، وَهَذِهِ الْحَرَكَةُ هِيَ الْمُتَوَسِّطَةُ؛ وَلِذَا رَجَّحُوهَا وَاعْتَبَرُوا لَهَا عَشْرًا فِي عَشْرٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 مِنْ اعْتِبَارِ الْعَشْرِ فِي الْعَشْرِ فَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ لَيْسَ مَذْهَبَ أَصْحَابِنَا، وَأَنَّ مُحَمَّدًا، وَإِنْ كَانَ قَدَّرَ بِهِ رَجَعَ عَنْهُ كَمَا نَقَلَهُ الْأَئِمَّةُ الثِّقَاتُ الَّذِينَ هُمْ أَعْلَمُ بِمَذْهَبِ أَصْحَابِنَا فَإِنْ قُلْت إنَّ فِي الْهِدَايَةِ وَكَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى اعْتِبَارِ الْعَشْرِ فِي الْعَشْرِ وَاخْتَارَهُ أَصْحَابُ الْمُتُونِ فَكَيْفَ سَاغَ لَهُمْ تَرْجِيحُ غَيْرِ الْمَذْهَبِ قُلْت لَمَّا كَانَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ التَّفْوِيضَ إلَى رَأْيِ الْمُبْتَلَى بِهِ، وَكَانَ الرَّأْيُ يَخْتَلِفُ بَلْ مِنْ النَّاسِ مَنْ لَا رَأْيَ لَهُ اعْتَبَرَ الْمَشَايِخُ الْعَشْرَ فِي الْعَشْرِ تَوْسِعَةً وَتَيْسِيرًا عَلَى النَّاسِ، فَإِنْ قُلْتَ: هَلْ يَعْمَلُ بِمَا صَحَّ مِنْ الْمَذْهَبِ أَوْ بِفَتْوَى الْمَشَايِخِ قُلْت يُعْمَلُ بِمَا صَحَّ مِنْ الْمَذْهَبِ فَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو اللَّيْثِ فِي نَوَازِلِهِ سُئِلَ أَبُو نَصْرٍ عَنْ مَسْأَلَةٍ وَرَدَتْ عَلَيْهِ مَا تَقُلْ رَحِمَك اللَّهُ وَقَعَتْ عِنْدَك كُتُبٌ أَرْبَعَةٌ كِتَابُ إبْرَاهِيمَ بْنِ رُسْتُمَ وَأَدَبِ الْقَاضِي عَنْ الْخَصَّافِ وَكِتَابُ الْمُجَرَّدِ وَكِتَابُ النَّوَادِرِ مِنْ جِهَةِ هِشَامٍ فَهَلْ يَجُوزُ لَنَا أَنْ نُفْتِيَ مِنْهَا أَوْ لَا وَهَذِهِ الْكُتُبُ مَحْمُودَةٌ عِنْدَك فَقَالَ مَا صَحَّ عَنْ أَصْحَابِنَا فَذَلِكَ عِلْمٌ مَحْبُوبٌ مَرْغُوبٌ فِيهِ مَرَضِيٌّ بِهِ. وَأَمَّا الْفُتْيَا، فَإِنِّي لَا أَرَى لِأَحَدٍ أَنْ يُفْتِيَ بِشَيْءٍ لَا يَفْهَمُهُ وَلَا يَتَحَمَّلُ أَثْقَالَ النَّاسِ، فَإِنْ كَانَتْ مَسَائِلَ قَدْ اُشْتُهِرَتْ وَظَهَرَتْ وَانْجَلَتْ عَنْ أَصْحَابِنَا رَجَوْت أَنْ يَسَعَ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهَا فِي النَّوَازِلِ انْتَهَى. وَعَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ رُجُوعِ مُحَمَّدٍ عَنْ هَذَا التَّقْدِيرِ فَمَا قُدِّرَ بِهِ لَا يَسْتَلْزِمُ تَقْدِيرَهُ بِهِ إلَّا فِي نَظَرِهِ، وَهُوَ لَا يَلْزَمُ غَيْرَهُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا وَجَبَ كَوْنُهُ مَا اسْتَكْثَرَهُ الْمُبْتَلَى فَاسْتِكْثَارُ وَاحِدٍ لَا يَلْزَمُ غَيْرَهُ بَلْ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ مَا يَقَعُ فِي قَلْبِ كُلِّ إنْسَانٍ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ قَبِيلِ الْأُمُورِ الَّتِي يَجِبُ فِيهَا عَلَى الْعَامِّيِّ تَقْلِيدُ الْمُجْتَهِدِ إلَيْهِ أَشَارَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي شَرْحِ الزَّاهِدِيِّ عَنْ الْحَسَنِ وَأَصَحُّ حَدِّهِ مَا لَا يَخْلُصُ بَعْضُ الْمَاءِ إلَى بَعْضٍ بِظَنِّ الْمُبْتَلَى بِهِ وَاجْتِهَادِهِ وَلَا يُنَاظِرُ الْمُجْتَهِدَ فِيهِ اهـ. فَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ التَّقْدِيرَ بِعَشْرٍ فِي عَشْرٍ لَا يَرْجِعُ إلَى أَصْلٍ شَرْعِيٍّ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ كَمَا قَالَهُ مُحْيِي السُّنَّةِ فَإِنْ قُلْت قَالَ فِي شَرْحِ الْوُقَايَةِ، وَإِنَّمَا قُدِّرَ بِهِ بِنَاءً عَلَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ حَفَرَ بِئْرًا فَلَهُ حَوْلَهَا أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا» فَيَكُونُ لَهُ حَرِيمُهَا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ عَشْرَةٌ فَفُهِمَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ إذَا أَرَادَ آخَرُ أَنْ يَحْفِرَ فِي حَرِيمِهَا بِئْرًا يُمْنَعُ؛ لِأَنَّهُ يَنْجَذِبُ الْمَاءُ إلَيْهَا وَيَنْقُصُ الْمَاءُ فِي الْبِئْرِ الْأُولَى، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَحْفِرَ بِئْرَ بَالُوعَةٍ يَمْنَعُ أَيْضًا السِّرَايَةُ النَّجَاسَةَ إلَى الْبِئْرِ الْأُولَى وَيَنْجُسُ مَاؤُهَا وَلَا يُمْنَعُ فِيمَا وَرَاءَ الْحَرِيمِ وَهُوَ عَشْرٌ فِي عَشْرٍ فَعُلِمَ أَنَّ الشَّرْعَ اعْتَبَرَ الْعَشْرَ فِي الْعَشْرِ فِي عَدَمِ سِرَايَةِ النَّجَاسَةِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ تَسْرِي يَحْكُمُ بِالْمَنْعِ قُلْت هُوَ مَرْدُودٌ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّ كَوْنَ حَرِيمِ الْبِئْرِ عَشْرَةَ أَذْرُعٍ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ قَوْلُ الْبَعْضِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ أَرْبَعُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: الثَّانِي: أَنَّ قِوَامَ الْأَرْضِ أَضْعَافُ قِوَامِ الْمَاءِ فَقِيَاسُهُ عَلَيْهَا فِي مِقْدَارِ عَدَمِ السِّرَايَةِ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ الثَّالِثُ: أَنَّ الْمُخْتَارَ الْمُعْتَمَدَ فِي الْبُعْدِ بَيْنَ الْبَالُوعَةِ وَالْبِئْرِ نُفُوذُ الرَّائِحَةِ إنْ تَغَيَّرَ لَوْنُهُ أَوْ رِيحُهُ أَوْ طَعْمُهُ تَنَجَّسَ، وَإِلَّا فَلَا هَكَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَفَتَاوَى قَاضِي خان وَغَيْرِهِمَا. وَصَرَّحَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة أَنَّ اعْتِبَارَ الْعَشْرِ فِي الْعَشْرِ عَلَى اعْتِبَارِ حَالِ أَرَاضِيهِمْ وَالْجَوَابُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ صَلَابَةِ الْأَرْضِ وَرَخَاوَتِهَا وَحَيْثُ اخْتَارَ فِي الْمَتْنِ اعْتِبَارَ الْعَشْرِ لَا بَأْسَ بِإِيرَادِ تَفَارِيعِهِ وَالتَّكَلُّمِ عَلَيْهَا، فَنَقُولُ: اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي الذِّرَاعِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ فَفِي التَّجْنِيسِ الْمُخْتَارُ ذِرَاعُ الْكِرْبَاسِ وَاخْتُلِفَ فِيهِ فَفِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ أَنَّهُ سِتُّ قَبَضَاتٍ لَيْسَ فَوْقَ كُلِّ قَبْضَةِ إصْبَعٍ قَائِمَةٍ فَهُوَ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ إصْبَعًا بِعَدَدِ حُرُوفِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّه مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالْمُرَادُ بِالْإِصْبَعِ الْقَائِمَةِ ارْتِفَاعُ الْإِبْهَامِ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَفِي فَتَاوَى الْوَلْوَالِجِيِّ أَنَّ ذِرَاعَ الْكِرْبَاسِ سَبْعُ قَبَضَاتٍ لَيْسَ فَوْقَ كُلِّ قَبْضَةٍ إصْبَعٍ قَائِمَةٍ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خان وَغَيْرِهَا الْأَصَحُّ ذِرَاعُ الْمَسَّاحَةِ، وَهُوَ سَبْعُ قَبَضَاتٍ فَوْقَ كُلِّ قَبْضَةٍ إصْبَعٌ قَائِمَةٌ وَفِي الْمُحِيطِ وَالْكَافِي الْأَصَحُّ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ ذِرَاعُهُمْ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِلْمَسَّاحَةِ وَالْكِرْبَاسِ وَالْأَقْوَالُ الْكُلُّ فِي الْمُرَبَّعِ، فَإِنْ كَانَ الْحَوْضُ مُدَوَّرًا فَفِي.   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: فَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ لَيْسَ مَذْهَبَ أَصْحَابِنَا إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ مَمْنُوعٌ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَمَا قَالَ لَمَا سَاغَ لَهُمْ الْخُرُوجُ عَنْ ذَلِكَ الْمَقَالِ كَيْفَ، وَقَدْ اعْتَرَفَ بِأَنَّ أَكْثَرَ تَفَارِيعِهِمْ عَلَى اعْتِبَارِ الْعَشْرِ فِي الْعَشْرِ اهـ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 الظَّهِيرِيَّةِ يُعْتَبَرُ سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَهُوَ مُبَرْهَنٌ عِنْدَ الْحِسَابِ وَفِي غَيْرِهَا الْمُخْتَارُ الْمُفْتَى بِهِ سِتَّةٌ وَأَرْبَعُونَ كَيْلًا لِعُسْرِ رِعَايَةِ الْكَسْرِ وَفِي الْمُحِيطِ الْأَحْوَطُ اعْتِبَارُ ثَمَانِيَةٍ وَأَرْبَعِينَ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْكُلُّ تَحَكُّمَاتٌ غَيْرُ لَازِمَةٍ إنَّمَا الصَّحِيحُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ عَدَمِ التَّحَكُّمِ بِتَقْدِيرٍ مُعَيَّنٍ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَصُورَةُ الْحَوْضِ الْكَبِيرِ الْمُقَدَّرِ بِعَشَرَةٍ فِي عَشَرَةٍ أَنْ يَكُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ مِنْ جَوَانِبِ الْحَوْضِ عَشَرَةٌ وَحَوْلَ الْمَاءِ أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا وَوَجْهُ الْمَاءِ مِائَةُ ذِرَاعٍ هَذَا مِقْدَارُ الطُّولِ وَالْعَرْضِ. اهـ. وَأَمَّا الْعُمْقُ فَفِي الْهِدَايَةِ وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْعُمْقِ أَنْ يَكُونَ بِحَالٍ لَا يَنْحَسِرُ بِالِاغْتِرَافِ وَهُوَ الصَّحِيحُ أَيْ لَا يَنْكَشِفُ حَتَّى لَوْ انْكَشَفَ ثُمَّ اتَّصَلَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَتَوَضَّأُ مِنْهُ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ، وَفِي الْبَدَائِعِ إذَا أَخَذَ الْمَاءُ وَجْهَ الْأَرْضِ يَكْفِي وَلَا تَقْدِيرَ فِيهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ اهـ. وَهُوَ الْأَوْجُهُ لِمَا عُرِفَ مِنْ أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي الْفَتَاوَى غَدِيرٌ كَبِيرٌ لَا يَكُونُ فِيهِ الْمَاءُ فِي الصَّيْفِ وَتَرُوثُ فِيهِ الدَّوَابُّ وَالنَّاسُ ثُمَّ يُمْلَأُ فِي الشِّتَاءِ وَيُرْفَعُ مِنْهُ الْجَمَدَانِ كَانَ الْمَاءُ الَّذِي يَدْخُلُهُ يَدْخُلُ عَلَى مَكَان نَجِسٍ فَالْمَاءُ وَالْجَمَدُ نَجِسٌ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ دَخَلَ فِي مَكَان طَاهِرٍ وَاسْتَقَرَّ فِيهِ حَتَّى صَارَ عَشْرًا فِي عَشْرٍ ثُمَّ انْتَهَى إلَى النَّجَاسَةِ، فَالْمَاءُ وَالْجَمَدُ طَاهِرَانِ اهـ. وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى مَا ذَكَرُوا مِنْ الْمَاءِ النَّجِسِ إذَا دَخَلَ عَلَى مَاءِ الْحَوْضِ الْكَبِيرِ لَا يُنَجِّسُهُ، وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ النَّجِسُ غَالِبًا عَلَى الْحَوْضِ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا يَتَّصِلُ بِالْحَوْضِ الْكَبِيرِ يَصِيرُ مِنْهُ فَيُحْكَمُ بِطَهَارَتِهِ وَعَلَى هَذَا فَمَاءُ بَرَكَةِ الْفِيلِ بِالْقَاهِرَةِ طَاهِرٌ إذَا كَانَ مَمَرُّهُ طَاهِرًا أَوْ أَكْثَرُ مَمَرِّهِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَاءِ السَّطْحِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَجِفُّ كُلُّهَا بَلْ لَا يَزَالُ بِهَا غَدِيرٌ عَظِيمٌ فَلَوْ أَنَّ الدَّاخِلَ اجْتَمَعَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَى ذَلِكَ الْمَاءِ الْكَثِيرِ بِهَا فِي مَكَان نَجِسٍ حَتَّى صَارَ عَشْرًا فِي عَشْرٍ ثُمَّ اتَّصَلَ بِذَلِكَ الْمَاءُ الْكَثِيرُ كَانَ الْكُلُّ طَاهِرًا هَذَا إذَا كَانَ الْغَدِيرُ الْبَاقِي مَحْكُومًا بِطَهَارَتِهِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي التَّجْنِيسِ، وَإِذَا كَانَ الْمَاءُ لَهُ طُولٌ وَعُمْقٌ وَلَيْسَ لَهُ عَرْضٌ وَلَوْ قَدْرٌ يَصِيرُ عَشْرًا فِي عَشْرٍ فَلَا بَأْسَ بِالْوُضُوءِ فِيهِ تَيْسِيرًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ الْعِبْرَةُ لِحَالَةِ الْوُقُوعِ، فَإِنْ نَقَصَ بَعْدَهُ لَا يَنْجُسُ وَعَلَى الْعَكْسِ لَا يَطْهُرُ؛ وَلِذَا صُحِّحَ فِي الِاخْتِيَارِ وَغَيْرِهِ مَا فِي التَّجْنِيسِ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَهَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى التَّقْدِيرِ بِعَشْرٍ وَلَوْ فَرَّعْنَا عَلَى الْأَصَحِّ يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ أَكْبَرُ الرَّأْيِ لَوْ ضُمَّ وَمِثْلُهُ لَوْ كَانَ لَهُ عُمْقٌ بِلَا سَعَةٍ وَلَوْ بُسِطَ بَلَغَ عَشْرًا فِي عَشْرٍ اُخْتُلِفَ فِيهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَحَّحَ جَعْلَهُ كَثِيرًا وَالْأَوْجَهُ خِلَافُهُ؛ لِأَنَّ مَدَارَ الْكَثْرَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى تَحْكِيمِ الرَّأْيِ فِي عَدَمِ خُلُوصِ النَّجَاسَةِ إلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ، وَعِنْدَ تَقَارُبِ الْجَوَانِبِ لَا شَكَّ فِي غَلَبَةِ الْخُلُوصِ إلَيْهِ وَالِاسْتِعْمَالُ إنَّمَا هُوَ مِنْ السَّطْحِ لَا مِنْ الْعُمْقِ وَبِهَذَا يَظْهَرُ ضَعْفُ مَا اخْتَارَهُ فِي الِاخْتِيَارِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عَرْضٌ فَأَقْرَبُ الْأُمُورِ الْحُكْمُ بِوُصُولِ النَّجَاسَةِ إلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ مِنْ عَرْضِهِ وَبِهِ خَالَفَ حُكْمَ الْكَثِيرِ إذْ لَيْسَ حُكْمُ الْكَثِيرِ تَنَجُّسُ الْجَانِبِ الْآخَرِ بِسُقُوطِهَا فِي مُقَابِلِهِ بِدُونِ تَغَيُّرٍ وَأَنْتَ إذَا حَقَّقْت الْأَصْلَ الَّذِي بَيَّنَّاهُ قَبِلْت مَا وَافَقَهُ وَتَرَكْت مَا خَالَفَهُ اهـ. وَقَدْ يُقَالُ إنَّ هَذَا، وَإِنْ كَانَ الْأَوْجَهَ إلَّا أَنَّ الْمَشَايِخَ وَسَّعُوا الْأَمْرَ عَلَى النَّاسِ وَقَالُوا بِالضَّمِّ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي التَّجْنِيسِ بِقَوْلِهِ تَيْسِيرًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَفِي التَّجْنِيسِ الْحَوْضُ إذَا كَانَ أَعْلَاهُ عَشْرًا فِي عَشْرٍ وَأَسْفَلُهُ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ مُمْتَلِئٌ يَجُوزُ التَّوَضُّؤُ فِيهِ وَالِاغْتِسَالُ فِيهِ، وَإِنْ نَقَصَ الْمَاءُ حَتَّى صَارَ أَقَلَّ مِنْ عَشْرَةٍ فِي عَشْرَةٍ لَا يُتَوَضَّأُ فِيهِ وَلَكِنْ يُغْتَرَفُ مِنْهُ وَيُتَوَضَّأُ. وَفِي الْخُلَاصَةِ وَلَوْ كَانَ أَعْلَاهُ أَقَلَّ مِنْ عَشْرٍ فِي عَشْرٍ وَأَسْفَلُهُ عَشْرٌ فِي عَشْرٍ وَوَقَعَتْ قَطْرَةُ خَمْرٍ أَوْ تَوَضَّأَ مِنْهُ رَجُلٌ ثُمَّ انْتَقَصَ الْمَاءُ وَصَارَ عَشْرًا فِي عَشْرٍ اخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِيهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ عَلَى التَّفْصِيلِ إنْ كَانَ الْمَاءُ الَّذِي تَنَجَّسَ فِي أَعْلَى الْحَوْضِ أَكْثَرَ مِنْ الْمَاءِ الَّذِي فِي أَسْفَلِهِ وَوَقَعَ الْمَاءُ النَّجِسُ فِي الْأَسْفَلِ جُمْلَةً كَانَ الْمَاءُ نَجِسًا، وَيَصِيرُ النَّجِسُ غَالِبًا عَلَى الطَّاهِرِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، وَإِنْ وَقَعَ الْمَاءُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَلِذَا صُحِّحَ إلَخْ) اُنْظُرْ مَا مَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ (قَوْلُهُ: وَهَذَا) أَيْ مَا فِي التَّجْنِيسِ (قَوْلُهُ: وَالِاسْتِعْمَالُ إنَّمَا هُوَ مِنْ السَّطْحِ لَا مِنْ الْعُمْقِ) هَذَا نَاظِرٌ إلَى قَوْلِهِ وَمِثْلُهُ لَوْ كَانَ لَهُ عُمْقٌ بِلَا سَعَةٍ (قَوْلُهُ: وَبِهَذَا يَظْهَرُ ضَعْفُ مَا اخْتَارَهُ فِي الِاخْتِيَارِ) أَيْ بِقَوْلِهِ وَالِاسْتِعْمَالُ إنَّمَا هُوَ مِنْ السَّطْحِ لَا مِنْ الْعُمْقِ يَظْهَرُ ضَعْفُ مَا اخْتَارَهُ فِي الِاخْتِيَارِ مِنْ تَصْحِيحِ مَا فِي التَّجْنِيسِ مِنْ اعْتِبَارِ الْعُمْقِ وَالطُّولِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 النَّجَسُ فِي أَسْفَلِ الْحَوْضِ عَلَى التَّدْرِيجِ كَانَ طَاهِرًا وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَطْهُرُ كَالْمَاءِ الْقَلِيلِ إذَا وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ ثُمَّ انْبَسَطَ اهـ. وَذَكَرَ السِّرَاجُ الْهِنْدِيُّ أَنَّ الْأَشْبَهَ الْجَوَازُ وَفِي التَّجْنِيسِ حَوْضٌ عَشْرٌ فِي عَشْرٍ إلَّا أَنَّ لَهُ مَشَارِعَ فَتَوَضَّأَ رَجُلٌ مِنْ مَشْرَعَةٍ أَوْ اغْتَسَلَ وَالْمَاءُ مُتَّصِلٌ بِأَلْوَاحِ الْمَشْرَعَةِ لَا يَضْطَرِبُ لَا يَجُوزُ التَّوَضُّؤُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ أَسْفَلَ مِنْ الْأَلْوَاحِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَعَلَّلَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ كَالْحَوْضِ الصَّغِيرِ، وَفِي الثَّانِي حَوْضٌ كَبِيرٌ مُسَقَّفٌ، وَعَلَى هَذَا الْحَوْضِ الْكَبِيرِ إذَا جَمَدَ مَاؤُهُ فَنَقَبَ فِيهِ إنْسَانٌ نَقْبًا فَتَوَضَّأَ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، فَإِنْ كَانَ الْمَاءُ مُنْفَصِلًا عَنْ الْجَمَدِ لَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَالْحَوْضِ الْمُسَقَّفِ، وَإِنْ كَانَ مُتَّصِلًا لَا لِأَنَّهُ صَارَ كَالْقَصْعَةِ كَذَا فِي التَّجْنِيسِ وَغَيْرِهِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَاتِّصَالُ الْقَصَبِ بِالْقَصَبِ لَا يَمْنَعُ اتِّصَالَ الْمَاءِ وَلَا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ غَدِيرًا عَظِيمًا، فَيَجُوزُ لِهَذَا التَّوَضُّؤُ فِي الْأَجَمَةِ وَنَحْوِهَا اهـ. وَفِي الْمُغْرِبِ الْأَجَمَةُ الشَّجَرُ الْمُلْتَفُّ وَالْجَمْعُ أَجَمٌ وَآجَامٌ وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي الْكَلَامِ فِي الْفَسَاقِيِ مَسْأَلَةَ الْأَجَمَةِ فَارْجِعْ إلَيْهِ. وَلَوْ تَنَجَّسَ الْحَوْضُ الصَّغِيرُ ثُمَّ دَخَلَ فِيهِ مَاءٌ آخَرُ وَخَرَجَ حَالَ دُخُولِهِ طَهُرَ، وَإِنْ قَلَّ وَقِيلَ لَا حَتَّى يَخْرُجَ قَدْرُ مَا فِيهِ وَقِيلَ حَتَّى يَخْرُجَ ثَلَاثَةُ أَمْثَالِهِ وَصُحِّحَ الْأَوَّلُ فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ قَالَ السِّرَاجُ الْهِنْدِيُّ وَكَذَا الْبِئْرُ. وَاعْلَمْ أَنَّ عِبَارَةَ كَثِيرٍ مِنْهُمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ تُفِيدُ أَنَّ الْحُكْمَ بِطَهَارَةِ الْحَوْضِ إنَّمَا هُوَ إذَا كَانَ الْخُرُوجُ حَالَةَ الدُّخُولِ، وَهُوَ كَذَلِكَ فِيمَا يَظْهَرُ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ فِي الْمَعْنَى جَارِيًا لَكِنْ إيَّاكَ وَظَنَّ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْحَوْضُ غَيْرَ مَلْآنَ فَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ شَيْءٌ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ ثُمَّ لَمَّا امْتَلَأَ خَرَجَ مِنْهُ بَعْضُهُ لِاتِّصَالِ الْمَاءِ الْجَارِي بِهِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ طَاهِرًا حِينَئِذٍ إذْ غَايَتُهُ أَنَّهُ عِنْدَ امْتِلَائِهِ قَبْلَ خُرُوجِ الْمَاءِ مِنْهُ نَجِسٌ فَيَطْهُرُ بِخُرُوجِ الْقَدْرِ الْمُتَعَلِّقِ بِهِ الطَّهَارَةُ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْمَاءُ الْجَارِي الطَّهُورُ كَمَا لَوْ كَانَ مُمْتَلِئًا ابْتِدَاءً مَاءً نَجِسًا ثُمَّ خَرَجَ مِنْهُ ذَلِكَ الْقَدْرُ لِاتِّصَالِ الْمَاءِ الْجَارِي بِهِ ثُمَّ كَلَامُهُمْ يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْخَارِجَ مِنْهُ نَجِسٌ قَبْلَ الْحُكْمِ عَلَى الْحَوْضِ بِالطَّهَارَةِ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ كَذَا فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَفِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ، وَإِذَا كَانَ حَوْضٌ صَغِيرٌ يَدْخُلُ فِيهِ الْمَاءُ مِنْ جَانِبٍ وَيَخْرُجُ مِنْ جَانِبٍ يَجُوزُ الْوُضُوءُ فِي جَمِيعِ جَوَانِبِهِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ أَرْبَعًا فِي أَرْبَعٍ أَوْ أَقَلَّ فَيَجُوزُ أَوْ أَكْثَرَ فَلَا يَجُوزُ وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ يُفْتَى بِالْجَوَازِ مُطْلَقًا وَاعْتَمَدَهُ فِي فَتَاوَى قَاضِي خان وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ الْخِلَافَ مَبْنِيٌّ عَلَى نَجَاسَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ فَقَوْلُهُمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ إلَّا فِي مَوْضِعِ خُرُوجِ الْمَاءِ إنَّمَا هُوَ بِنَاءٌ عَلَى نَجَاسَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ، وَأَمَّا عَلَى الْمُخْتَارِ مِنْ طَهَارَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ فَالْجَوَابُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي نَظَائِرِهَا أَنَّهُ يَجُوزُ الْوُضُوءُ فِيهَا مَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّ الْمُتَوَضِّئِ أَنَّ مَا يَغْتَرِفُهُ لِإِسْقَاطِ فَرْضِ مَاءٍ مُسْتَعْمَلٍ أَوْ مَا يُخَالِطُهُ مِنْهُ مِقْدَارُ نِصْفِهِ فَصَاعِدًا فَكُنْ عَلَى هَذَا مُعْتَمِدًا كَذَا فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي لِلْعَلَّامَةِ ابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. وَاعْلَمْ أَنَّ أَكْثَرَ التَّفَارِيعِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْكُتُبِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى اعْتِبَارِ الْعَشْرِ فِي الْعَشْرِ فَأَمَّا عَلَى الْمُخْتَارِ مِنْ اعْتِبَارِ غَلَبَةِ الظَّنِّ فَيُوضَعُ مَكَانَ لَفْظِ عَشْرٍ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ لَفْظُ كَثِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ ثُمَّ تَجْرِي التَّفَارِيعُ اهـ. وَسَائِرُ الْمَائِعَاتِ كَالْمَاءِ فِي الْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ يَعْنِي كُلُّ مِقْدَارٍ لَوْ كَانَ مَاءً تَنَجَّسَ فَإِذَا كَانَ غَيَّرَهُ يُنَجَّسُ. وَحَيْثُ انْتَهَيْنَا مِنْ التَّفَارِيعِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْكُتُبِ نَرْجِعُ إلَى بَيَانِ الدَّلَائِلِ لِلْأَئِمَّةِ فَنَقُولُ اسْتَدَلَّ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَفِي التَّجْنِيسِ حَوْضٌ عَشْرٌ فِي عَشْرٍ إلَّا أَنَّ لَهُ مَشَارِعَ) هِيَ جَمْعُ مَشْرَعَةٍ مَوْرِدُ الشَّارِبَةِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذَا الْحَوْضَ مُسَقَّفٌ وَفِيهِ طَاقَاتٌ لِأَخْذِ الْمَاءِ مِنْهُ، فَإِنْ كَانَ الْمَاءُ مُتَّصِلًا بِالْأَلْوَاحِ الَّتِي سُقِّفَ بِهَا هَذَا الْحَوْضُ لَا يَضْطَرِبُ بِالِاسْتِعْمَالِ لَا يَجُوزُ التَّوَضُّؤُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَشْرَعَةٍ مِنْهُ حِينَئِذٍ كَحَوْضٍ صَغِيرٍ، وَإِنْ كَانَ دُونَ الْأَلْوَاحِ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ حَوْضٌ وَاحِدٌ لِاضْطِرَابِهِ بِاسْتِعْمَالِ الْمُسْتَعْمَلِ مِنْهُ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ تَنَجَّسَ الْحَوْضُ الصَّغِيرُ ثُمَّ دَخَلَ فِيهِ مَاءٌ آخَرُ وَخَرَجَ إلَخْ) أَقُولُ: سَيَأْتِي أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ إذَا جَرَى طَهُرَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَدَدٌ وَسَيَذْكُرُ فُرُوعًا مَبْنِيَّةً عَلَيْهِ وَعَلَى هَذَا فَإِذَا كَانَ الْحَوْضُ مُنْتَقِصًا وَتَنَجَّسَ ثُمَّ أُفْرِغَ فَوْقَهُ مَاءٌ طَاهِرٌ بِنَحْوِ قِرْبَةٍ حَتَّى جَرَى مَاءُ الْحَوْضِ وَكَذَا الْإِبْرِيقُ إذَا كَانَ فِيهِ مَاءٌ نَجِسٌ ثُمَّ صُبَّ فَوْقَهُ مَاءٌ طَاهِرٌ هَلْ يُحْكَمُ بِطَهَارَتِهِ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ أَمْ لَا وَمُقْتَضَى مَا سَيَأْتِي الْحُكْمُ بِطَهَارَتِهِ، وَقَدْ وَقَعَ فِي عَصْرِنَا الِاخْتِلَافُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَيْنَ بَعْضِ مَشَايِخِنَا فَبَعْضُهُمْ مَنَعَهُ مُسْتَنِدًا إلَى أَنَّهُ لَا يُعَدُّ فِي الْعُرْفِ جَارِيًا وَبَعْضُهُمْ قَالَ يَطْهُرُ؛ لِأَنَّهُ مِثْلُ مَسْأَلَةِ الْمِيزَابِ الْآتِيَةِ حَتَّى أَفْتَى فِي آنِيَةٍ فِيهَا مَاءُ وَرْدٍ وَقَعَتْ فِيهَا نَجَاسَةٌ بِأَنَّهَا تَطْهُرُ بِمُجَرَّدِ جَرَيَانِهَا بِأَنْ يُصَبَّ فَوْقَهَا مَاءٌ قَرَاحٌ أَوْ مَاءُ وَرْدٍ طَاهِرٍ أَخْذًا مِمَّا ذُكِرَ وَمِمَّا سَيَأْتِي قَرِيبًا أَنَّ سَائِرَ الْمَائِعَاتِ كَالْمَاءِ لَكِنْ أَخْبَرَنَا شَيْخُنَا حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ بَعْضَ أَهْلِ عَصْرِهِ فِي حَلَبَ أَفْتَى بِذَلِكَ أَيْضًا فِي الْمَائِعَاتِ فَأَقَامَ عَلَيْهِ النَّكِيرَ أَهْلُ عَصْرِهِ وَلَمْ يَقْبَلُوا ذَلِكَ مِنْهُ فَتَأَمَّلْ قُلْت وَرَأَيْت فِي الْبَدَائِعِ بَعْدَ ذِكْرِ الْخِلَافِ فِي تَطْهِيرِ الْحَوْضِ الصَّغِيرِ مِنْ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ قَالَ مَا نَصُّهُ وَعَلَى هَذَا حَوْضُ الْحَمَّامِ أَوْ الْأَوَانِي إذَا تَنَجَّسَتْ اهـ. وَمُقْتَضَاهُ طَهَارَةُ الْأَوَانِي بِمُجَرَّدِ دُخُولِ الْمَاءِ وَخُرُوجِهِ وَإِنْ قَلَّ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ الصَّحِيحِ مِنْ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ وَأَنَّهُ يُعَدُّ جَارِيًا وَقَدْ عَلَّلَ فِي الْبَدَائِعِ هَذَا الْقَوْلَ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَاءً جَارِيًا وَلَمْ نَسْتَيْقِنْ بَقَاءِ النَّجَاسَةِ فِيهِ قَالَ وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ كَلَامُهُمْ إلَخْ) أَيْ إذَا قُلْنَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 الْإِمَامُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَاءُ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ إلَّا مَا غَيَّرَ طَعْمَهُ أَوْ لَوْنَهُ أَوْ رِيحَهُ وَاسْتَدَلَّ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَا يَحْمِلُ خَبَثًا وَاسْتَدَلَّ أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الرَّازِيّ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157] وَالنَّجَاسَاتُ لَا مَحَالَةَ مِنْ الْخَبَائِثِ فَحَرَّمَهَا اللَّهُ تَحْرِيمًا مُبْهَمًا وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ حَالِ اخْتِلَاطِهَا وَانْفِرَادِهَا بِالْمَاءِ فَوَجَبَ تَحْرِيمُ اسْتِعْمَالِ كُلِّ مَا تَيَقَّنَّا بِهِ جُزْءًا مِنْ النَّجَاسَةِ، وَتَكُونُ جِهَةُ الْحَظْرِ مِنْ طَرِيقِ النَّجَاسَةِ أَوْلَى مِنْ جِهَةِ الْإِبَاحَةِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّهُ إذَا اجْتَمَعَ الْمُحَرِّمُ وَالْمُبِيحُ قُدِّمَ الْمُحَرِّمُ وَأَيْضًا لَا نَعْلَمُ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي سَائِرِ الْمَائِعَاتِ إذَا خَالَطَهُ الْيَسِيرُ مِنْ النَّجَاسَةِ كَاللَّبَنِ وَالْأَدْهَانِ أَنَّ حُكْمَ الْيَسِيرِ فِي ذَلِكَ كَحُكْمِ الْكَثِيرِ وَأَنَّهُ مَحْظُورٌ عَلَيْهِ أَكْلُ ذَلِكَ وَشُرْبُهُ فَكَذَا الْمَاءُ بِجَامِعِ لُزُومِ اجْتِنَابِ النَّجَاسَاتِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ السُّنَّةِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ ثُمَّ يَغْتَسِلْ فِيهِ مِنْ الْجَنَابَةِ» وَفِي لَفْظٍ آخَرَ «وَلَا يَغْتَسِلَنَّ فِيهِ مِنْ جَنَابَةٍ» وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْبَوْلَ الْقَلِيلَ فِي الْمَاءِ الْكَثِيرِ لَا يُغَيِّرُ لَوْنَهُ وَلَا طَعْمَهُ وَلَا رَائِحَتَهُ وَقَدْ مَنَعَ مِنْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَنَامِهِ فَلْيَغْسِلْ يَدَهُ ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهَا الْإِنَاءَ، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ» فَأَمَرَ بِغَسْلِ الْيَدِ احْتِيَاطًا مِنْ نَجَاسَةٍ أَصَابَتْهُ مِنْ مَوْضِعِ الِاسْتِنْجَاءِ وَمَعْلُومٌ أَنَّهَا لَا تُغَيِّرُ الْمَاءَ وَلَوْلَا أَنَّهَا مُفْسِدَةٌ عِنْدَ التَّحْقِيقِ لَمَا كَانَ لِلْأَمْرِ بِالِاحْتِيَاطِ مَعْنًى وَحُكْمُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِنَجَاسَةِ وُلُوغِ الْكَلْبِ بِقَوْلِهِ «طَهُورُ إنَاءِ أَحَدِكُمْ إذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ أَنْ يُغْسَلَ سَبْعًا» ، وَهُوَ لَا يُغَيَّرُ اهـ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ حَيْثُ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ وُجُودُ نَجَاسَةٍ فِي الْمَاءِ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ أَصْلًا بِهَذِهِ الدَّلَائِلِ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قُلَّتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ تَغَيَّرَ أَوْ لَا، وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالتَّقْدِيرُ بِشَيْءٍ دُونَ شَيْءٍ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ نَصٍّ وَلَمْ يُوجَدْ وَفِي بَعْضِ هَذَا الِاسْتِدْلَالِ كَلَامٌ نَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَأَمَّا مَا اسْتَدَلَّ بِهِ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَهُوَ مَعَ الِاسْتِثْنَاءِ ضَعِيفٌ بِرِشْدِينِ بْنِ سَعْدٍ صَرَّحَ بِضَعْفِهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، وَأَمَّا بِدُونِ الِاسْتِثْنَاءِ فَقَدْ وَرَدَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ الْخُدْرِيِّ «قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَتَوَضَّأُ مِنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ، وَهِيَ بِئْرٌ يُلْقَى فِيهَا الْحِيَضُ وَلُحُومُ الْكِلَابِ وَالنَّتِنُ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَاءُ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ» وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي يَحْيَى قَالَ دَخَلْت عَلَى سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ فِي نِسْوَةٍ فَقَالَ لَوْ أَنِّي أَسْقَيْتُكُمْ مِنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ لَكَرِهْتُمْ ذَلِكَ وَقَدْ وَاَللَّهِ سَقَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَدَيَّ مِنْهَا قُلْنَا هَذَا وَرَدَ فِي بِئْرِ بُضَاعَةَ بِكَسْرِ الْبَاءِ وَضَمِّهَا كَذَا فِي الصِّحَاحِ وَفِي الْمُغْرِبِ بِالْكَسْرِ لَا غَيْرُ وَمَاؤُهَا كَانَ جَارِيًا فِي الْبَسَاتِينِ عَلَى مَا أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ مَعَانِي الْآثَارِ بِسَنَدِهِ إلَى الْوَاقِدِيُّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ الْوَاقِدِيُّ لَا يُحْتَجُّ بِمَا يُسْنِدُهُ فَضْلًا عَمَّا يُرْسِلُهُ قُلْنَا قَدْ أَثْنَى عَلَيْهِ الدَّرَاوَرْدِيُّ وَأَبُو بَكْرِ بْنِ الْعَرَبِيِّ وَابْنُ الْجَوْزِيِّ وَجَمَاعَةٌ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ جَارِيًا أَنَّ الْمَاءَ الرَّاكِدَ إذَا وَقَعَ فِيهِ عَذِرَةُ النَّاسِ وَالْجِيَفُ وَالْمَحَائِضُ وَالنَّتِنُ تَغَيَّرَ طَعْمُهُ وَرِيحُهُ وَلَوْنُهُ وَيَتَنَجَّسُ بِذَلِكَ إجْمَاعًا وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ اسْتِثْنَاءٌ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى جَرَيَانِ مَائِهَا فَإِنْ قِيلَ نَقَلَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ أَبِي دَاوُد أَنَّهُ قَالَ مَدَدْت رِدَائِي عَلَى بِئْرِ بُضَاعَةَ ثُمَّ ذَرَّعْتهَا فَإِذَا عَرْضُهَا سِتَّةُ أَذْرُعٍ وَسَأَلْت الَّذِي فَتَحَ لِي بَابَ الْبُسْتَانِ هَلْ غُيِّرَ بِنَاؤُهَا عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ فَقَالَ لَا قَالَ رَأَيْت فِيهَا مَاءً مُتَغَيِّرًا قُلْنَا مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ إثْبَاتٌ وَمَا نَقَلَ أَبُو دَاوُد عَنْ الْبُسْتَانِيِّ نَفْيٌ وَالْإِثْبَاتُ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّفْيِ وَالْبُسْتَانِيُّ الَّذِي فَتَحَ الْبَابَ مَجْهُولُ الشَّخْصِ وَالْحَالُ عِنْدَهُ فَكَيْفَ يَحْتَجُّ بِقَوْلِهِ؛ وَلِأَنَّ أَبَا دَاوُد تُوُفِّيَ بِالْبَصْرَةِ فِي النِّصْفِ مِنْ شَوَّالٍ سَنَةَ خَمْسٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَتَيْنِ فَبَيْنَهُ وَبَيْنَ زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُدَّةٌ كَثِيرَةٌ وَدَلِيلُ التَّغَيُّرِ غَالِبٌ، وَهُوَ مُضِيُّ السِّنِينَ الْمُتَطَاوِلَةِ   [منحة الخالق] إنَّهُ لَا يَطْهُرُ مَا لَمْ يُخْرِجْ قَدْرَ مَا فِيهِ أَوْ ثَلَاثَةِ أَمْثَالِهِ، فَذَلِكَ الْخَارِجُ قَبْلَ بُلُوغِهِ الْقَدْرَ الْمَذْكُورَ نَجِسٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُحْكَمْ بِطَهَارَةِ الْحَوْضِ فَكَذَا مَا خَرَجَ مِنْهُ بِخِلَافِ مَا إذَا قُلْنَا بِطَهَارَتِهِ بِمُجَرَّدِ الْخُرُوجِ، فَإِنَّ ذَلِكَ الْخَارِجَ طَاهِرٌ لِحُكْمِنَا بِطَهَارَةِ الْحَوْضِ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَطْهُرُ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِثْلُ مَا فِيهِ، وَإِنْ رَفَعَ إنْسَانٌ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ الَّذِي خَرَجَ وَتَوَضَّأَ بِهِ جَازَ اهـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 قَالَ النَّوَوِيُّ: فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَهَذِهِ صِفَتُهَا فِي زَمَنِ أَبِي دَاوُد وَلَا يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ كَانَتْ هَكَذَا فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ الْخَطَّابِيُّ: قَدْ تَوَهَّمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ إلْقَاءَ الْعَذِرَةِ وَالْجِيَفِ وَخُرُوقِ الْحُيَّضِ فِي بِئْرِ بُضَاعَةَ كَانَ عَادَةً وَتَعَمُّدًا، وَهَذَا لَا يُظَنُّ بِذِمِّيٍّ وَلَا وَثَنِيٍّ فَضْلًا عَنْ مُسْلِمٍ فَلَمْ يَزَلْ مِنْ عَادَةِ النَّاسِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا مُسْلِمِهِمْ وَكَافِرِهِمْ تَنْزِيهُ الْمَاءِ وَصَوْنُهُ عَنْ النَّجَاسَاتِ فَكَيْفَ يُظَنُّ بِأَهْلِ ذَلِكَ الزَّمَانِ وَهُمْ أَعْلَى طَبَقَاتِ أَهْلِ الدِّينِ وَأَفْضَلُ جَمَاعَاتِ الْمُسْلِمِينَ وَالْمَاءُ بِبِلَادِهِمْ أَعَزُّ وَالْحَاجَةُ إلَيْهِ أَمَسُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ هَذَا صَنِيعَهُمْ بِالْمَاءِ وَامْتِهَانُهُمْ لَهُ وَقَدْ «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ تَغَوَّطَ فِي مَوَارِدِ الْمَاءِ وَمَشَارِعِهِ» فَكَيْفَ مَنْ اتَّخَذَ عُيُونَ الْمَاءِ وَمَنَابِعَهُ مَطْرَحَ الْأَنْجَاسِ، وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ أَنَّ هَذِهِ الْبِئْرَ مَوْضِعُهَا فِي حُدُورٍ مِنْ الْأَرْضِ وَكَانَتْ السُّيُولُ تَمْسَحُ هَذِهِ الْأَقْذَارَ مِنْ الطُّرُقِ وَالْأَفْنِيَةِ وَتَحْمِلُهَا فَتُلْقِيهَا فِيهِ، وَكَانَ الْمَاءُ لِكَثْرَتِهِ وَغَزَارَتِهِ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ، وَكَانَ جَوَابُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَهُمْ إنَّ الْمَاءَ الْكَثِيرَ الَّذِي صِفَتُهُ هَذِهِ فِي الْكَثْرَةِ وَالْغَزَارَةِ لَا تُؤَثِّرُ فِيهِ النَّجَاسَةُ؛ لِأَنَّ السُّؤَالَ إنَّمَا وَقَعَ عَنْ ذَلِكَ، وَالْجَوَابُ إنَّمَا يَقَعُ عَنْهُ اهـ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو نَصْرٍ الْبَغْدَادِيُّ الْمَعْرُوفُ بِالْأَقْطَعِ لَا يُظَنُّ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَانَ يَتَوَضَّأُ مِنْ بِئْرٍ هَذِهِ صِفَتُهَا مَعَ نَزَاهَتِهِ وَإِيثَارِهِ الرَّائِحَةَ الطَّيِّبَةَ وَنَهْيِهِ عَنْ الِامْتِخَاطِ فِي الْمَاءِ، فَدَلَّ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ يُفْعَلُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَشَكَّ الْمُسْلِمُونَ فِي أَمْرِهَا فَبَيَّنَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ لَا أَثَرَ لِذَلِكَ مَعَ كَثْرَةِ النَّزْحِ اهـ. وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: إنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ الْمَاءُ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. أَنَّهُ لَا يَبْقَى نَجِسًا بَعْدَ إخْرَاجِ النَّجَاسَةِ مِنْهُ بِالنَّزْحِ، وَلَيْسَ هُوَ عَلَى حَالِ كَوْنِ النَّجَاسَةِ فِيهَا، وَإِنَّمَا سَأَلُوا عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعٌ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ حِيطَانَ الْبِئْرِ لَمْ تُغْسَلْ وَطِينُهَا لَمْ يُخْرَجْ فَبَيَّنَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ ذَلِكَ يُعْفَى لِلضَّرُورَةِ مِثْلُ قَوْلِهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمُؤْمِنُ لَا يَنْجُسُ» لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَتَنَجَّسُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ النَّجَاسَةُ، فَإِنْ قِيلَ الْعِبْرَةُ لِعُمُومِ اللَّفْظِ وَهُوَ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ لَا لِخُصُوصِ السَّبَبِ، وَهُوَ بِئْرُ بُضَاعَةَ فَكَيْفَ خَصَّ هَذَا الْعُمُومَ بِوُرُودِهِ فِي بِئْرِ بُضَاعَةَ قُلْنَا إنَّمَا لَا يُخَصُّ عُمُومُ اللَّفْظِ بِسَبَبِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ الْمُخَصِّصُ مِثْلَهُ فِي الْقُوَّةِ، وَهَاهُنَا قَدْ وَرَدَ مَا يُخَصِّصُهُ، وَهُوَ يُسَاوِيهِ فِي الْقُوَّةِ، وَهُوَ حَدِيثُ الْمُسْتَيْقِظِ، وَحَدِيثُ «لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ» ، وَإِنَّمَا خَصَّصْنَاهُ بِهَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ دَفْعًا لِلتَّنَاقُضِ فَكَانَ مِنْ بَابِ الْحَمْلِ لِدَفْعِ التَّنَاقُضِ لَا مِنْ بَابِ التَّخْصِيصِ بِالسَّبَبِ؛ وَلِأَنَّا مَا خَصَّصْنَاهُ بِبِئْرِ بُضَاعَةَ بَلْ عَدَّيْنَا حُكْمَهُ مِنْهَا إلَى مَا هُوَ فِي مَعْنَاهَا مِنْ الْمَاءِ الْجَارِي، وَتَرْكُ عُمُومِ ظَاهِرِ الْحَدِيثِ لِدَفْعِ التَّنَاقُضِ وَاجِبٌ كَذَا ذَكَرَهُ السِّرَاجُ الْهِنْدِيُّ وَصَاحِبُ الْمِعْرَاجِ وَتَعَقَّبَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهُ لَا تَعَارُضَ؛ لِأَنَّ حَاصِلَ النَّهْيِ عَنْ الْبَوْلِ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ تَنَجُّسُ الْمَاءِ الدَّائِمِ فِي الْجُمْلَةِ لَا كُلُّ مَاءٍ إذْ لَيْسَتْ اللَّامُ فِيهِ لِلِاسْتِغْرَاقِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ الْكَثِيرَ لَا يَنْجُسُ إلَّا بِتَغَيُّرِهِ بِالنَّجَاسَةِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمَاءِ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ وَعَدَمُ تَنَجُّسِ الْمَاءِ إلَّا بِالتَّغَيُّرِ بِحَسَبِ مَا هُوَ الْمُرَادُ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ، وَإِلَّا تَعَارَضَ بَيْنَ مَفْهُومَيْ هَاتَيْنِ الْقَضِيَّتَيْنِ، وَأَمَّا حَدِيثُ الْمُسْتَيْقِظِ مِنْ مَنَامِهِ، فَلَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِتَنَجُّسِ الْمَاءِ بِتَقْدِيرِ كَوْنِ الْيَدِ نَجِسَةً بَلْ ذَلِكَ تَعْلِيلٌ مِنَّا لِلنَّهْيِ الْمَذْكُورِ، وَهُوَ غَيْرُ لَازِمٍ أَعْنِي تَعْلِيلَهُ بِتَنَجُّسِ الْمَاءِ عَيْنًا بِتَقْدِيرِ نَجَاسَتِهِمَا لِجَوَازِ كَوْنِهِ أَعَمَّ مِنْ النَّجَاسَةِ وَالْكَرَاهَةِ فَنَقُولُ: نَهْيٌ لِتَنْجِيسِ الْمَاءِ بِتَقْدِيرِ كَوْنِهَا مُتَنَجِّسَةً بِمَا يُغَيِّرُ أَوْ لِلْكَرَاهَةِ بِتَقْدِيرِ كَوْنِهَا بِمَا لَا يُغَيَّرُ وَأَيْنَ هُوَ مِنْ ذَلِكَ الصَّرِيحِ الصَّحِيحِ لَكِنْ يُمْكِنُ إثْبَاتُ الْمُعَارِضِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «طَهُورُ إنَاءِ أَحَدِكُمْ إذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ» الْحَدِيثُ، فَإِنَّهُ يَقْتَضِي نَجَاسَةَ الْمَاءِ وَلَا يُغَيَّرُ بِالْوُلُوغِ فَتَعَيَّنَ ذَلِكَ الْحَمْلُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. اهـ. وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ اللَّامَ فِي حَدِيثِ «لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ» لِلْعُمُومِ حَتَّى حَرُمَ الْبَوْلُ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ جَمِيعًا فَاخْتَصَّتْ الْقَضِيَّةُ الثَّانِيَةُ بِالْقَلِيلِ بِدَلِيلٍ يُوجِبُ تَخْصِيصَهَا حَتَّى لَمْ يَحْرُمْ الِاغْتِسَالُ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: فَإِنْ قِيلَ الْعِبْرَةُ لِعُمُومِ اللَّفْظِ إلَخْ) مَنْشَأُ السُّؤَالِ قَوْلُهُ فِيمَا مَرَّ قُلْنَا هَذَا وَرَدَ فِي بِئْرِ بُضَاعَةَ إلَخْ (قَوْلُهُ: فَاخْتَصَّتْ الْقَضِيَّةُ الثَّانِيَةُ بِالْقَلِيلِ) الْمُرَادُ بِالْقَضِيَّةِ الثَّانِيَةِ تَتِمَّةُ حَدِيثِ «لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ» ، وَهِيَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَلَا يَغْتَسِلَنَّ فِيهِ مِنْ الْجَنَابَةِ» كَمَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَتَقَدَّمَ أَيْضًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 الْكَثِيرِ مِثْلُ الْغَدِيرِ الْعَظِيمِ هَكَذَا ذَكَرَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى شَيْخِهِ الْعَلَّامَةِ فَعَلَى هَذَا حَاصِلُ النَّهْيِ عَنْ الْبَوْلِ فِي الْمَاءِ تَنَجُّسُ كُلِّ مَاءٍ رَاكِدٍ فَعَارَضَ قَوْلَهُ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ وَكَوْنُ الْإِجْمَاعِ أَنَّ الْكَثِيرَ لَا يَتَنَجَّسُ إلَّا بِالتَّغَيُّرِ أَمْرٌ آخَرُ خَارِجٌ عَنْ مَفْهُومِ الْحَدِيثِ، وَإِثْبَاتُ التَّعَارُضِ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ الْمَفْهُومَيْنِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِأَنَّ مَاءَ بِئْرِ بُضَاعَةَ كَانَ كَثِيرًا الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَأَمَّا مَا اسْتَدَلَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ فَرَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ «يُسْأَلُ عَنْ الْمَاءِ يَكُونُ فِي الْفَلَاةِ وَمَا يَنُوبُهُ مِنْ السِّبَاعِ وَالدَّوَابِّ فَقَالَ: إذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ الْخَبَثَ» . وَأَخْرَجَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَالْحَاكِمُ فِي صَحِيحَيْهِمَا قُلْنَا هَذَا الْحَدِيثُ ضَعِيفٌ، وَمِمَّنْ ضَعَّفَهُ الْحَافِظُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَالْقَاضِي إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ الْمَالِكِيُّونَ، وَنَقَلَ ضَعْفَهُ فِي الْبَدَائِعِ عَنْ ابْنِ الْمَدِينِيِّ وَقَالَ أَبُو دَاوُد: وَلَا يَكَادُ يَصِحُّ لِوَاحِدٍ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ حَدِيثٌ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي تَقْدِيرِ الْمَاءِ وَيَلْزَمُ مِنْهُ تَضْعِيفُ حَدِيثِ الْقُلَّتَيْنِ. وَإِنْ كَانَ رَوَاهُ فِي كِتَابِهِ وَسَكَتَ عَنْهُ وَكَذَا ضَعَّفَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ وَالرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ وَالْحِلْيَةِ قَالَ فِي الْبَحْرِ هُوَ اخْتِيَارِي وَاخْتِيَارُ جَمَاعَةٍ رَأَيْتهمْ بِخُرَاسَانَ وَالْعِرَاقِ ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ السِّرَاجُ الْهِنْدِيُّ. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ: الْمَخْرَجُ، وَقَدْ جَمَعَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي كِتَابِ الْإِمَامِ طُرُقَ هَذَا الْحَدِيثِ وَرِوَايَاتِهِ وَاخْتِلَافَ أَلْفَاظِهِ وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ إطَالَةً لَخَّصَ مِنْهَا تَضْعِيفَهُ لَهُ فَلِذَلِكَ أَضْرِبَ عَنْ ذِكْرِهِ فِي كِتَابِ الْإِلْمَامِ مَعَ شِدَّةِ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الِاضْطِرَابَ وَقَعَ فِي سَنَدِهِ وَمَتْنِهِ وَمَعْنَاهُ أَمَّا الْأَوَّلُ، فَإِنَّهُ اخْتَلَفَ عَلَى أَبِي أُسَامَةَ فَمَرَّةً يَقُولُ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ وَمَرَّةً عَنْهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَمَرَّةً يُرْوَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَمَرَّةً يُرْوَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ. وَقَدْ أَجَابَ النَّوَوِيُّ عَنْ هَذَا بِأَنَّهُ لَيْسَ اضْطِرَابًا؛ لِأَنَّ الْوَلِيدَ رَوَاهُ عَنْ كُلٍّ مِنْ الْمُحَمَّدَيْنِ فَحَدَّثَ مَرَّةً عَنْ أَحَدِهِمَا، وَمَرَّةً عَنْ الْآخَرِ، وَرَوَاهُ أَيْضًا عَبْدُ اللَّهِ وَعُبَيْدُ اللَّهِ ابْنَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِمَا وَهُمَا أَيْضًا ثَبْتَانِ وَأَمَّا الِاضْطِرَابُ فِي مَتْنِهِ فَفِي رِوَايَةِ الْوَلِيدِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ «لَمْ يُنَجِّسْهُ شَيْءٌ» . وَرِوَايَةُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بِسَنَدِهِ «سُئِلَ عَنْ الْمَاءِ يَكُونُ فِي الْفَلَاةِ فَتَرِدُهُ السِّبَاعُ وَالْكِلَابُ فَقَالَ: إذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَا يَحْمِلُ الْخَبَثَ» قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهُوَ غَرِيبٌ. وَقَالَ إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ الْكِلَابُ وَالدَّوَابُّ وَرَوَاهُ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ فَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ: عَنْهُ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ عَاصِمٍ هُوَ ابْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ دَخَلْت مَعَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بُسْتَانًا فِيهِ مَقَرُّ مَاءٍ فِيهِ جِلْدُ بَعِيرٍ مَيِّتٍ، فَتَوَضَّأَ مِنْهُ فَقُلْت: أَتَتَوَضَّأُ مِنْهُ وَفِيهِ جِلْدُ بَعِيرٍ مَيِّتٍ فَحَدَّثَنِي عَنْ أَبِيهِ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا لَمْ يُنَجِّسْهُ شَيْءٌ» . وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ وَابْنُ عَدِيٍّ وَالْعُقَيْلِيُّ فِي كِتَابِهِ عَنْ الْقَاسِمِ بِإِسْنَادِهِ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا بَلَغَ الْمَاءُ أَرْبَعِينَ قُلَّةً، فَإِنَّهُ لَا يَحْمِلُ الْخَبَثَ وَضَعَّفَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِالْقَاسِمِ. وَرُوِيَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مِنْ جِهَةِ رَوْحِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ إذَا بَلَغَ الْمَاءُ أَرْبَعِينَ قُلَّةً لَمْ يَنْجُسْ وَأَخْرَجَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ جِهَةِ بِشْرِ بْنِ السُّرِّيِّ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ قَالَ إذَا كَانَ الْمَاءُ قَدْرَ أَرْبَعِينَ قُلَّةً لَمْ يَحْمِلْ خَبَثًا قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: كَذَا قَالَ وَخَالَفَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ رَوَوْهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالُوا أَرْبَعِينَ غَرْبًا وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ أَرْبَعِينَ دَلْوًا وَهَذَا الِاضْطِرَابُ يُوجِبُ الضَّعْفَ، وَإِنْ وُثِّقَتْ الرِّجَالُ. وَأَجَابَ النَّوَوِيُّ عَنْ هَذَا الِاضْطِرَابِ أَمَّا عَنْ الشَّكِّ فِي قَوْلِهِ قُلَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، فَهِيَ رِوَايَةٌ شَاذَّةٌ غَيْرُ ثَابِتَةٍ، فَهِيَ مَتْرُوكَةٌ، فَوُجُودُهَا كَعَدَمِهَا لَكِنَّ الطَّحَاوِيُّ أَثْبَتَهَا بِإِسْنَادِهِ فِي شَرْحِ مَعَانِي الْآثَارِ. وَأَمَّا مَا رُوِيَ مِنْ أَرْبَعِينَ قُلَّةً أَوْ أَرْبَعِينَ غَرْبًا فَغَيْرُ صَحِيحٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّمَا نُقِلَ أَرْبَعِينَ قُلَّةً عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَأَرْبَعِينَ غَرْبًا أَيْ دَلْوًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَحَدِيثُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُقَدَّمٌ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: فَعَلَى هَذَا حَاصِلُ النَّهْيِ إلَخْ) مُرَادُهُ رَدُّ مَا قَدَّمَهُ عَنْ فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ أَنَّهُ لَا تَعَارُضَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ بِنَاءً عَلَى تَخْصِيصِهِمَا بِالْإِجْمَاعِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ التَّعَارُضَ بِالنَّظَرِ إلَى مَفْهُومَيْهِمَا مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْإِجْمَاعِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: أَمَّا الْأَوَّلُ، فَإِنَّهُ اُخْتُلِفَ عَلَى أَبِي أُسَامَةَ إلَخْ) قَالَ أَبُو بَكْرِ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ مَدَارُهُ عَلَى مَطْعُونٍ عَلَيْهِ أَوْ مُضْطَرِبٍ فِي الرِّوَايَةِ أَوْ مَوْقُوفٍ حَسْبُك أَنَّ الشَّافِعِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رَوَاهُ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ هُوَ إبَاضِي مَنْسُوبٌ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبَاضٍ مِنْ غُلَاةِ الرَّوَافِضِ وَاضْطِرَابُهُ فِي الرِّوَايَةِ أَنَّهُ رُوِيَ قُلَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا وَرُوِيَ أَرْبَعُونَ قُلَّةً وَرُوِيَ أَرْبَعُونَ غَرْبًا فَلَا يَصِيرُ حُجَّةً عَلَيْنَا وَلَئِنْ صَحَّ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَقَدْ تَرَكَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ مَذْهَبَهُ فِيهِ لِضَعْفِهِ كَالْغَزَالِيِّ وَالرُّويَانِيِّ وَغَيْرِهِمَا كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 عَلَى غَيْرِهِ قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهَذَا مَا نَعْتَمِدُهُ فِي الْجَوَابِ. وَأَمَّا الِاضْطِرَابُ فِي مَعْنَاهُ فَذَكَرَ شَمْسٌ السَّرَخْسِيُّ وَتَبِعَهُ فِي الْهِدَايَةِ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ لَمْ يَحْمِلْ خَبَثًا أَنَّهُ يَضْعُفُ عَنْ النَّجَاسَةِ فَيَتَنَجَّسُ كَمَا يُقَالُ هُوَ لَا يَحْمِلُ الْكَلَّ أَيْ لَا يُطِيقُهُ، وَهَذَا مَرْدُودٌ مِنْ وَجْهَيْنِ ذَكَرَهُمَا النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ الْأَوَّلُ أَنَّهُ ثَبَتَ فِي رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ لِأَبِي دَاوُد «إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَنْجُسْ» فَتُحْمَلُ الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى عَلَيْهَا فَمَعْنَى لَمْ يَحْمِلْ خَبَثًا لَمْ يَنْجُسْ، وَقَدْ قَالَ الْعُلَمَاءُ أَحْسَنُ تَفْسِيرِ غَرِيبِ الْحَدِيثِ أَنْ يُفَسَّرَ بِمَا جَاءَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لِذَلِكَ الْحَدِيثِ الثَّانِي أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ الْقُلَّتَيْنِ حَدًّا فَلَوْ كَانَ كَمَا زَعَمَ هَذَا الْقَائِلُ لَكَانَ التَّقْيِيدُ بِذَلِكَ بَاطِلًا فَإِنَّ مَا دُونَ الْقُلَّتَيْنِ يُسَاوِي الْقُلَّتَيْنِ فِي هَذَا زَادَ عَلَيْهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقَالَ هَذَا إنْ اُعْتُبِرَ مَفْهُومُ شَرْطِهِ وَأَمَّا إنْ لَمْ يُعْتَبَرْ مَفْهُومُ شَرْطِهِ فَيَلْزَم عَدَمُ إتْمَامِ الْجَوَابِ، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يُفِيدُ حُكْمَهُ إذَا زَادَ عَلَى الْقُلَّتَيْنِ وَالسُّؤَالُ عَنْ ذَلِكَ الْمَاءِ كَيْفَمَا كَانَ وَالنَّوَوِيُّ إنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ بِأَنَّ مَفْهُومَ الشَّرْطِ حُجَّةٌ لَكِنْ قَالَ الْخَبَّازِيُّ: وَمَعْنَى قَوْلِهِ إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ يَعْنِي انْتِقَاصًا لَا ازْدِيَادًا، فَإِنْ قِيلَ فَمَا فَوْقَ الْقُلَّتَيْنِ مَا لَمْ يَبْلُغْ عَشْرًا فِي عَشْرٍ، فَهُوَ أَيْضًا يَضْعُفُ عَنْ احْتِمَالِ النَّجَاسَةِ فَمَا الْفَائِدَةُ فِي تَخْصِيصِهِ بِالْقُلَّتَيْنِ قِيلَ لَهُ مِنْ الْجَائِزِ أَنَّهُ كَانَ يُوحِي إلَيْهِ بِأَنَّ مُجْتَهِدًا سَيَجِيءُ وَيَقُولُ بِأَنَّ الْمَاءَ إذَا بَلَغَ قُلَّتَيْنِ لَا يَحْتَمِلُ النَّجَاسَةَ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَدًّا لِذَلِكَ الْقَوْلِ اهـ. وَهُوَ كَمَا تَرَى فِي غَايَةِ الْبُعْدِ قَالَ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: فَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ الِاضْطِرَابُ فِي مَعْنَى الْقُلَّةِ، فَإِنَّهُ مُشْتَرَكٌ يُقَالُ عَلَى الْجَرَّةِ وَالْقِرْبَةِ وَرَأْسِ الْجَبَلِ وَمَا فَسَّرَ بِهِ الشَّافِعِيُّ مُنْقَطِعٌ لِلْجَهَالَةِ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي مُسْنَدِهِ: أَخْبَرَنِي مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ الزِّنْجِيُّ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ بِإِسْنَادٍ لَا يَحْضُرُنِي «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ إذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ خَبَثًا وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ بِقِلَالِ هَجَرَ» قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ رَأَيْت قِلَالَ هَجَرَ فَالْقُلَّةُ تَسَعُ قِرْبَتَيْنِ أَوْ قِرْبَتَيْنِ وَشَيْئًا قَالَ الشَّافِعِيُّ: - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَالِاحْتِيَاطُ أَنْ تُجْعَلَ قِرْبَتَيْنِ وَنِصْفًا فَإِذَا كَانَ خَمْسَ قِرَبٍ كِبَارٍ كَقِرَبِ الْحِجَازِ لَمْ يَنْجُسْ إلَّا أَنْ يَتَغَيَّرَ وَهَجَرُ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَالْجِيمِ قَرْيَةٌ بِقُرْبِ الْمَدِينَةِ فَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّ حَدِيثَ الْقُلَّتَيْنِ ضَعِيفٌ، فَإِنْ قُلْت: قَدْ صَحَّحَهُ ابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَالْحَاكِمِ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ قُلْت مَنْ صَحَّحَهُ اعْتَمَدَ بَعْضَ طُرُقِهِ وَلَمْ يَنْظُرْ إلَى أَلْفَاظِهِ وَمَفْهُومِهَا إذْ لَيْسَ هَذَا وَظِيفَةَ الْمُحَدِّثِ وَالنَّظَرُ فِي ذَلِكَ مِنْ وَظِيفَةِ الْفَقِيهِ إذْ غَرَضُهُ بَعْدَ صِحَّةِ الثُّبُوتِ الْفَتْوَى وَالْعَمَلُ بِالْمَدْلُولِ، وَقَدْ بَالَغَ الْحَافِظُ عَالِمُ الْعَرَبِ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ تَيْمِيَّةَ فِي تَضْعِيفِهِ وَقَالَ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْوَلِيدُ بْنُ كَثِيرٍ غَلِطَ فِي رَفْعِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: زَادَ عَلَيْهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ) أَيْ زَادَ وَجْهًا آخَرَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا النَّوَوِيُّ، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُعْتَبَرْ مَفْهُومَ شَرْطٍ يَلْزَمُ عَدَمُ إتْمَامِ الْجَوَابِ، وَأَمَّا الْوَجْهُ الْأَوَّلُ أَعْنِي اعْتِبَارَ مَفْهُومِ الشَّرْطِ فَهُوَ حَاصِلُ الْوَجْهِ الثَّانِي الَّذِي ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ، وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْ الْوَجْهَ الثَّانِيَ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْفَتْحِ لِكَوْنِ النَّوَوِيِّ يَقُولُ بِحُجِّيَّةِ مَفْهُومِ الشَّرْطِ هَكَذَا يُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ وَفِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّ مَفْهُومَ الشَّرْطِ فِيمَا زَادَ عَلَى الْقُلَّتَيْنِ لَا فِيمَا دُونَهُمَا كَمَا هُوَ مَبْنَى اعْتِرَاضِ النَّوَوِيِّ: الثَّانِي: فَإِنَّ مَا دُونَهُمَا يُنَجَّسُ بِدَلَالَةِ النَّصِّ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23] فَإِذَا تَنَجَّسَ مَا كَانَ قُلَّتَيْنِ فَبِالْأَوْلَى تَنَجَّسَ مَا دُونَهُمَا فَلَيْسَ دَاخِلًا تَحْتَ مَفْهُومِ الشَّرْطِ بَلْ الدَّاخِلُ فِيهِ الزَّائِدُ عَلَيْهِمَا أَيْ يُفْهَمُ مِنْهُ ثُمَّ مَا زَادَ لَا يُنَجَّسُ فَلَا يُنَاسِبُ الْحَنَفِيَّ الْحَمْلُ عَلَى الْمَعْنَى الْمَذْكُورِ أَعْنِي أَنَّهُ يَضْعُفُ عَنْ النَّجَاسَةِ إذْ لَا يَقُولُ بِعَدَمِ نَجَاسَةِ مَا زَادَ عَلَى الْقُلَّتَيْنِ مَا لَمْ يَكُنْ غَدِيرًا، وَهَذَا كَمَا تَرَى غَيْرُ مَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فَقَوْلُهُ هَذَا إنْ اُعْتُبِرَ مَفْهُومُ شَرْطِهِ إشَارَةً إلَى مَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ غَيْرُ صَوَابٍ فَكَانَ عَلَيْهِ بَيَانُهُ وَجْهًا مُسْتَقِلًّا وَلَا بَأْسَ بِذِكْرِ عِبَارَةِ الْفَتْحِ تَوْضِيحًا لِمَا قُلْنَا فَنَقُولُ قَالَ فِي الْفَتْحِ مُعْتَرِضًا عَلَى مَا فِي الْهِدَايَةِ هَذَا يَسْتَلْزِمُ أَحَدَ أَمْرَيْنِ إمَّا عَدَمُ إتْمَامِ الْجَوَابِ إنْ لَمْ يُعْتَبَرْ مَفْهُومُ شَرْطِهِ، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يُفِيدُ حُكْمُهُ إذَا زَادَ عَلَى الْقُلَّتَيْنِ وَالسُّؤَالُ عَنْ ذَلِكَ الْمَاءِ كَيْفَ كَانَ، وَأَمَّا اعْتِبَارُ الْمَفْهُومِ لِيَتِمَّ الْجَوَابُ وَالْمَعْنَى حِينَئِذٍ إذَا كَانَ قُلَّتَيْنِ تَنَجَّسَ لَا إنْ زَادَ فَإِنْ وَجَبَ اعْتِبَارُهُ هُنَا لِقِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَيْهِ، وَهُوَ كَيْ لَا يَلْزَمَ إخْلَاءُ السُّؤَالِ عَنْ الْجَوَابِ الْمُطَابِقِ كَانَ الثَّابِتُ بِهِ خِلَافَ الْمَذْهَبِ إذْ لَمْ نَقُلْ بِأَنَّهُ إذَا زَادَ عَلَى قُلَّتَيْنِ شَيْئًا مَا لَا يَنْجُسُ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ اهـ. وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَيْضًا أَنَّ الْإِيرَادَ بِاعْتِبَارِ مَفْهُومِ الشَّرْطِ لَيْسَ مَبْنِيًّا عَلَى الْقَوْلِ بِحُجِّيَّتِهِ مُطْلَقًا بَلْ مَبْنِيٌّ عَلَى اعْتِبَارِهِ هُنَا لِدَلِيلٍ قَامَ عَلَيْهِ عَلِمْته فَتَبَصَّرْ (قَوْلُهُ: لَكِنْ قَالَ الْخَبَّازِيُّ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ الْمَاءَ إذَا كَانَ كَثِيرًا ثُمَّ انْتَقَصَ، وَصَارَ قُلَّتَيْنِ ضَعُفَ عَنْ حَمْلِ النَّجَاسَةِ فَيَتَنَجَّسُ وَأَنْتَ خَبِيرٌ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْكَلَامِ السَّابِقِ مَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ هَذَا اسْتِدْرَاكًا عَلَيْهِ نَعَمْ يَصْلُحُ اسْتِدْرَاكًا عَلَى مَا رَدَّ بِهِ صَاحِبُ الْفَتْحِ الْوَجْهَ الثَّانِيَ الْوَاقِعَ فِي كَلَامِهِ مِنْ أَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الثَّابِتُ بِهِ خِلَافَ الْمَذْهَبِ وَيَكُونُ مَا بِهِ الِاسْتِدْرَاكُ مُسْتَفَادًا مِنْ قَوْلِهِ فَإِنْ قِيلَ إلَخْ وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَا زَادَ عَلَى الْقُلَّتَيْنِ لَا يَرِدُ عَلَيْنَا أَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ لَا يَكُونَ نَجِسًا حَيْثُ فُهِمَ ذَلِكَ مِنْ تَخْصِيصِ النَّجَاسَةِ بِالْقُلَّتَيْنِ؛ لِأَنَّ التَّخْصِيصَ بِذَلِكَ لِفَائِدَةِ الرَّدِّ عَلَى مَنْ سَيَقُولُ بِعَدَمِ النَّجَاسَةِ، وَاَلَّذِي أَوْقَعَ الشَّارِحَ فِي هَذَا كُلِّهِ اخْتِصَارُهُ عِبَارَةَ الْفَتْحِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 الْحَدِيثِ وَعَزَوْهُ إلَى ابْنِ عُمَرَ، فَإِنَّهُ دَائِمًا يُفْتِي النَّاسَ وَيُحَدِّثُهُمْ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاَلَّذِي رَوَاهُ مَعْرُوفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَغَيْرِهِمْ لَا سِيَّمَا عِنْدَ سَالِمٍ ابْنِهِ وَنَافِعٍ مَوْلَاهُ، وَهَذَا لَمْ يَرْوِهِ عَنْهُ لَا سَالِمٌ وَلَا نَافِعٌ وَلَا عَمِلَ بِهِ أَحَدٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْمَدِينَةِ وَذُكِرَ عَنْ التَّابِعِينَ مَا يُخَالِفُ هَذَا الْحَدِيثَ ثُمَّ قَالَ فَكَيْفَ تَكُونُ هَذِهِ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ عُمُومِ الْبَلْوَى فِيهَا، وَلَا يَنْقُلُهَا أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَا التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إلَّا رِوَايَةً مُخْتَلِفَةً مُضْطَرِبَةً عَنْ ابْنِ عُمَرَ لَمْ يَعْمَلْ بِهَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَلَا أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَلَا أَهْلِ الشَّامِ وَلَا أَهْلِ الْكُوفَةِ وَأَطَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْكَلَامَ بِمَا لَا يَحْتَمِلُهُ هَذَا الْمَوْضِعُ وَلَا يَضُرُّ الْحَافِظَ مَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ لِضَعْفِهِ وَقَوْلُ النَّوَوِيِّ بِأَنَّ حَدَّهَا هُوَ مَا حَدَّهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي أَوْجَبَ اللَّهُ طَاعَتَهُ وَحَرَّمَ مُخَالَفَتَهُ وَحَدُّهُمْ يَعْنِي الْحَنَفِيَّةَ مُخَالِفٌ حَدَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ أَنَّهُ حَدٌّ بِمَا لَا أَصْلَ لَهُ وَلَا ضَبْطَ فِيهِ مَدْفُوعٌ بِأَنَّ مَا اسْتَدْلَلْتُمْ بِهِ ضَعِيفٌ كَمَا تَقَدَّمَ، وَمَا صِرْنَا إلَيْهِ يَشْهَدُ لَهُ الشَّرْعُ وَالْعَقْلُ أَمَّا الشَّرْعُ فَقَدْ قَدَّمْنَا الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِي ذَلِكَ وَأَمَّا الْعَقْلُ، فَإِنَّا نَتَيَقَّنُ بِعَدَمِ وُصُولِ النَّجَاسَةِ إلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ أَوْ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّنَا وَالظَّنُّ كَالْيَقِينِ فَقَدْ اسْتَعْمَلْنَا الْمَاءَ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ نَجَاسَةٌ يَقِينًا وَأَبُو حَنِيفَةَ لَمْ يُقَدِّرْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ بَلْ اعْتَبَرَ غَلَبَةَ ظَنِّ الْمُكَلَّفِ، فَهَذَا دَلِيلٌ عَقْلِيٌّ مُؤَيَّدٌ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، فَكَانَ الْعَمَلُ بِهِ مُتَعَيِّنًا؛ وَلِأَنَّ دَلِيلَنَا، وَهُوَ حَدِيثُ النَّهْيِ عَنْ الْبَوْلِ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ ثَابِتٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَإِسْلَامُهُ مُتَأَخِّرٌ وَحَدِيثُ الْقُلَّتَيْنِ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ وَإِسْلَامِهِ مُتَقَدِّمٌ وَالْمُتَأَخِّرُ يَنْسَخُ الْمُتَقَدِّمَ لَوْ ثَبَتَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: وَأَحْمَدُ لَوْ زَالَ تَغَيُّرُ الْقُلَّتَيْنِ بِنَفْسِهِ طَهُرَ الْمَاءُ مَعَ بَقَاءِ الْبَوْلِ وَالْعَذِرَةِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ النَّجَاسَاتِ، فَيَكُونُ حِينَئِذٍ نَجَاسَةُ الْبَوْلِ وَالْعَذِرَةِ وَالْخَمْرِ بِاعْتِبَارِ الرَّائِحَةِ وَاللَّوْنِ وَالطَّعْمِ لَا لِذَاتِهَا، وَهَذَا لَا يُعْقَلُ وَلَا تَشْهَدُ لَهُ أُصُولُ الشَّرْعِ وَلَوْ أُضِيفَتْ قُلَّةٌ نَجِسَةٌ إلَى قُلَّةٍ نَجِسَةٍ عَادَتَا طَاهِرَتَيْنِ عِنْدَهُمْ وَهَذَا يُؤَدِّي إلَى تَنَجُّسِ الْمَاءِ الطَّاهِرِ بِقَلِيلِ النَّجَاسَةِ دُونَ كَثِيرِهَا؛ لِأَنَّهُمْ نَجَّسُوا الْقُلَّةَ الطَّاهِرَةَ بِرِطْلِ مَاءٍ نَجِسٍ، وَلَمْ يُنَجِّسُوهَا بِقُلَّةٍ نَجِسَةٍ مِنْ الْمَاءِ بَلْ طَهَّرُوهَا بِهَا، وَيُؤَدِّي أَيْضًا إلَى تَوَلُّدِ طَاهِرٍ بِاجْتِمَاعِ نَجِسَيْنِ، وَهَذَا مِمَّا تُحِيلُهُ الْعُقُولُ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَهُوَ كَالْجَارِي) أَيْ، وَإِنْ يَكُنْ عَشْرًا فِي عَشْرٍ فَهُوَ كَالْجَارِي فَلَا يَتَنَجَّسُ إلَّا إذَا تَغَيَّرَ أَحَدُ أَوْصَافِهِ ثُمَّ فِي قَوْلِهِ كَالْجَارِي إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَتَنَجَّسُ مَوْضِعُ الْوُقُوعِ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَبِهِ أَخَذَ مَشَايِخُ بُخَارَى، وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَهُمْ كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَقَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: وَهُوَ الَّذِي يَنْبَغِي تَصْحِيحُهُ فَيَنْبَغِي عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْن الْمَرْئِيَّةِ وَغَيْرِهَا؛ لِأَنَّ الدَّلِيلَ إنَّمَا يَقْتَضِي عِنْدَ كَثْرَةِ الْمَاءِ عَدَمَ التَّنَجُّسِ إلَّا بِالتَّغَيُّرِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ، وَهُوَ أَيْضًا الْحُكْمُ الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ، وَفِي النِّصَابِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَذَا فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَصُحِّحَ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْمُفِيدُ أَنَّهُ يَتَنَجَّسُ مَوْضِعُ الْوُقُوعِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي الْقُدُورِيِّ بِقَوْلِهِ جَازَ الْوُضُوءُ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ وَذَكَرَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ أَنَّ كُلَّ مَا خَالَطَهُ النَّجَسُ لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ، وَلَوْ كَانَ جَارِيًا، وَهُوَ الصَّحِيحُ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: فَعَلَى هَذَا إنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَوْضِعَ الْوُقُوعِ لَا يَتَنَجَّسُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْهُ إلَّا كَالْجَارِي فَإِذَا تَنَجَّسَ مَوْضِعُ الْوُقُوعِ مِنْ الْجَارِي فَمِنْهُ أَوْلَى أَنْ يَتَنَجَّسَ وَفِي الْبَدَائِعِ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ لَا يَتَوَضَّأُ مِنْ الْجَانِبِ الَّذِي وَقَعَتْ فِيهِ النَّجَاسَةُ، وَلَكِنْ يَتَوَضَّأُ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ يَتْرُكُ مِنْ مَوْضِع النَّجَاسَةِ قَدْرَ الْحَوْضِ الصَّغِيرِ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ كَذَا فَسَّرَهُ فِي الْإِمْلَاءِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا بِالنَّجَاسَةِ فِي ذَلِكَ الْجَانِبِ، وَشَكَكْنَا فِيمَا وَرَاءَهُ، وَعَلَى هَذَا قَالُوا فِيمَنْ اسْتَنْجَى فِي مَوْضِعٍ مِنْ حَوْضٍ لَا يُجْزِيه أَنْ يَتَوَضَّأَ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ قَبْلِ تَحْرِيكِ الْمَاءِ، وَلَوْ وَقَعَتْ الْجِيفَةُ فِي وَسَطِ الْحَوْضِ عَلَى قِيَاسِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ إنْ كَانَ بَيْنَ الْجِيفَةِ وَبَيْنَ كُلِّ جَانِبٍ مِنْ الْحَوْضِ مِقْدَارُ مَا لَا يَخْلُصُ بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ يَجُوزُ التَّوَضُّؤُ فِيهِ وَإِلَّا فَلَا، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَرْئِيَّةٍ بِأَنْ بَالَ إنْسَانٌ أَوْ اغْتَسَلَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: كَذَا فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي) أَيْ لِلْعَلَّامَةِ ابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ لَكِنَّهُ ذَكَرَ عِبَارَةَ النِّصَابِ فِي بَحْثِ الْمَاءِ الْجَارِي (قَوْلُهُ: وَذَكَرَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ إلَخْ) أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُ مَا عُلِمَ فِيهِ النَّجَسُ بِأَنْ ظَهَرَ عَلَيْهِ أَثَرُهُ لَا مُجَرَّدُ الْمُخَالَطَةِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَلَوْ جَارِيًا إذْ لَوْ كَانَ جَارِيًا وَلَمْ يَظْهَرْ فِيهِ أَثَرُ النَّجَسِ كَيْفَ يَكُونُ الصَّحِيحُ عَدَمَ جَوَازِ الْوُضُوءِ بِهِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يَنْبَغِي ذِكْرُهُ هُنَا؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مَا إذَا لَمْ يَظْهَرْ أَثَرُ النَّجَاسَةِ وَبِهِ يُعْلَمُ مَا فِي كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ فَتَدَبَّرْ ثُمَّ رَأَيْت فِي الشرنبلالية ذِكْرُ مَا قُلْته وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 جُنُبٌ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قَالَ مَشَايِخُ: الْعِرَاقِ إنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْمَرْئِيَّةِ حَتَّى لَا يَتَوَضَّأَ مِنْ ذَلِكَ الْجَانِبِ بِخِلَافِ الْجَارِي وَمَشَايِخُنَا مِمَّا وَرَاءَ النَّهْرِ فَصَلُوا بَيْنَهُمَا فِي غَيْرِ الْمَرْئِيَّةِ أَنَّهُ يَتَوَضَّأُ مِنْ أَيِّ جَانِبٍ كَانَ كَمَا قَالُوا جَمِيعًا فِي الْمَاءِ الْجَارِي، وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْمَرْئِيَّةِ لَا تَسْتَقِرُّ فِي مَكَان وَاحِدٍ بَلْ يَنْتَقِلُ لِكَوْنِهِ مَائِعًا سَيَّالًا بِطَبْعِهِ فَلَمْ يَسْتَيْقِنْ بِالنَّجَاسَةِ فِي الْجَانِبِ الَّذِي يَتَوَضَّأُ مِنْهُ بِخِلَافِ الْمَرْئِيَّةِ اهـ. وَهَكَذَا مَشَى قَاضِي خان أَنَّهُ يَتْرُكُ مِنْ مَوْضِعِ النَّجَاسَةِ قَدْرَ الْحَوْضِ الصَّغِيرِ وَقُدِّرَ الْحَوْضُ الصَّغِيرُ فِي الْكِفَايَةِ وَشَرْحِ الْهِدَايَةِ بِأَرْبَعِ أَذْرُعٍ فِي أَرْبَعٍ وَفِي الذَّخِيرَةِ عَنْ بَعْضِهِمْ يُحَرِّكُ الْمَاءَ بِيَدِهِ مِقْدَارَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ عِنْدَ الْوُضُوءِ، فَإِنْ تَحَرَّكَتْ النَّجَاسَةُ لَمْ يَسْتَعْمِلْ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَتَحَرَّى فِي ذَلِكَ إنْ وَقَعَ تَحَرِّيهِ أَنَّ النَّجَاسَةَ لَمْ تَخْلُصْ إلَى هَذَا الْمَوْضِعِ تَوَضَّأَ وَشَرِبَ مِنْهُ قَالَ فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي، وَهُوَ الْأَصَحُّ وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمُجْتَبَى أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى جَوَازِ الْوُضُوءِ مِنْ مَوْضِعِ الْوُقُوعِ وَاخْتَارَهُ مَشَايِخُ بُخَارَى لِعُمُومِ الْبَلْوَى حَتَّى قَالُوا يَجُوزُ الْوُضُوءُ مِنْ مَوْضِعِ الِاسْتِنْجَاءِ قَبْلَ التَّحْرِيكِ. (قَوْلُهُ وَهُوَ مَا يَذْهَبُ بِتِبْنَةٍ) أَيْ الْمَاءُ الْجَارِي مَا يَذْهَبُ بِتِبْنَةٍ وَقَدْ تَوَهَّمَ بَعْضُ الْمُشْتَغِلِينَ أَنَّ هَذَا الْحَدَّ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ يَرِدُ عَلَيْهِ الْجَمَلُ وَالسَّفِينَةُ، فَإِنَّهُمَا يَذْهَبَانِ بِتِبْنٍ كَثِيرٍ وَمَنْشَأُ التَّوَهُّمِ أَنَّ مَا مَوْصُولَةٌ فِي كَلَامِهِ وَقَدْ وَقَعَ مِثْلُهَا فِي عِبَارَةِ ابْنِ الْحَاجِبِ، فَإِنَّهُ قَالَ الْكَلَامُ مَا يَتَضَمَّنُ كَلِمَتَيْنِ بِالْإِسْنَادِ فَقِيلَ يَرِدُ عَلَيْهِ الْوَرَقَةُ وَالْحَجَرُ الْمَكْتُوبُ عَلَيْهِ كَلِمَتَانِ فَأَكْثَرُ؛ لِأَنَّ مَا مَوْصُولَةٌ بِمَعْنَى الَّذِي لَكِنَّ الْجَوَابَ عَنْهُمَا أَنَّ مَا لَيْسَتْ مَوْصُولَةً، وَإِنَّمَا هِيَ نَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ فَالْمَعْنَى الْجَارِي مَاءٌ بِالْمَدِّ يَذْهَبُ بِتِبْنَةٍ وَالْكَلَامُ لَفْظٌ يَتَضَمَّنُ كَلِمَتَيْنِ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي حَدِّ الْجَارِي عَلَى أَقْوَالٍ مِنْهَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَأَصَحُّهَا أَنَّهُ مَا يَعُدُّهُ النَّاسُ جَارِيًا كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْبَدَائِعِ وَالتَّبْيِينِ وَكَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ (قَوْلُهُ: فَيَتَوَضَّأُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمَاءِ الْجَارِي قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَيَجُوزُ أَنْ يَعُودَ إلَى الْمَاءِ الرَّاكِدِ الَّذِي بَلَغَ عَشْرًا فِي عَشْرٍ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ فِي مَوْضِعِ الْوُقُوعِ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ فِي رِوَايَةٍ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَهُمْ (قَوْلُهُ: إنْ لَمْ يَرَ أَثَرَهُ) أَيْ إنْ لَمْ يَعْلَمْ أَثَرَ النَّجِسِ فِيهِ وَرَأَى تُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى عَلِمَ قَالَ الشَّاعِرُ رَأَيْت اللَّهَ أَكْبَرَ كُلِّ شَيْءٍ ، وَإِنَّمَا قُلْنَا هَذَا؛ لِأَنَّ الطَّعْمَ وَالرَّائِحَةَ لَا تَعَلُّقَ لِلْبَصَرِ بِهِمَا، وَإِنَّمَا الطَّعْمُ لِلذَّوْقِ وَالرَّائِحَةُ لِلشَّمِّ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ طَعْمٌ أَوْ لَوْنٌ أَوْ رِيحٌ) أَيْ الْأَثَرُ مَا ذُكِرَ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمَاءَ الْجَارِيَ وَمَا هُوَ فِي حُكْمِهِ إذَا وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ إنْ ظَهَرَ أَثَرُهَا لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ، وَإِلَّا جَازَ؛ لِأَنَّ وُجُودَ الْأَثَرِ دَلِيلُ وُجُودِ النَّجَاسَةِ، فَكُلُّ مَا تَيَقَّنَّا فِيهِ نَجَاسَةً أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّنَا ذَلِكَ لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ جَارِيًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ الْجَارِيَ لَا يَتَنَجَّسُ بِوُقُوعِ النَّجَاسَةِ فِيهِ كَمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ، وَظَاهِرُ مَا فِي الْمُتُونِ أَنَّ الْجَارِيَ إذَا وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ إنْ لَمْ يَرَ أَثَرَهَا سَوَاءٌ كَانَ النَّجَسُ جِيفَةً مَرْئِيَّةً أَوْ غَيْرَهَا، فَإِذَا بَالَ إنْسَانٌ فِيهِ فَتَوَضَّأَ آخَرُ مِنْ أَسْفَلِهِ جَازَ مَا لَمْ يَظْهَرْ فِي الْجَرْيَةِ أَثَرُهُ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الْأَشْرِبَةِ: وَلَوْ كُسِرَتْ خَابِيَةٌ خَمْرٍ فِي الْفُرَاتِ وَرَجُلٌ يَتَوَضَّأُ أَسْفَلَ مِنْهُ فَمَا لَمْ يَجِدْ فِي الْمَاءِ طَعْمَ الْخَمْرِ أَوْ رِيحَهُ أَوْ لَوْنَهُ يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ وَكَذَا لَوْ اسْتَقَرَّتْ الْمَرْئِيَّةُ فِيهِ بِأَنْ كَانَتْ جِيفَةً إنْ ظَهَرَ أَثَرُ النَّجَاسَةِ لَا يَجُوزُ، وَإِلَّا جَازَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَقَدْ تَوَهَّمَ بَعْضُ الْمُشْتَغِلِينَ إلَخْ) قِيلَ هُوَ عَلِيٌّ الرُّومِيُّ شَيْخُ الْمَدْرَسَةِ الْأَشْرَفِيَّةِ أَوْرَدَ الرَّدَّ فَضَحِكَ مِنْهُ وَقَدْ أَوْرَدَهُ الشَّيْخُ قَاسِمٌ فِي مَجْلِسِهِ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِهْزَاءِ بِقَائِلِهِ وَلَيْسَ الْعَجَبُ مِنْهُ بَلْ الْعَجَبُ مِنْ الشَّارِحِ حَيْثُ أَوْرَدَهُ هُنَا (قَوْلُهُ: لَكِنَّ الْجَوَابَ عَنْهُمَا أَنَّ مَا لَيْسَتْ مَوْصُولَةً وَإِنَّمَا هِيَ نَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ) أَقُولُ: النَّكِرَةُ الْمَوْصُوفَةُ هِيَ الَّتِي تُقَدَّرُ بِقَوْلِك شَيْءٌ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ هِشَامٍ فِي مُغْنِي اللَّبِيبِ فَمَا وَرَدَ عَلَى كَوْنِهَا مَوْصُولَةً يَرِدُ عَلَى كَوْنِهَا مَوْصُوفَةً بِالْأَوْلَى وَالْحَقُّ أَنَّ الضَّمِيرَ عَائِدٌ عَلَى الْمَاءِ الْجَارِي الْمَذْكُورِ قَبْلَهُ فَالْمَوْصُولُ صِفَةٌ لَهُ وَيَجُوزُ تَقْدِيرهَا نَكِرَةً مَوْصُوفَةً لَكِنْ مَعَ تَخْصِيصِ لَفْظِ شَيْءٍ أَيْ وَالْمَاءُ الْجَارِي شَيْءٌ مِنْ الْمَاءِ يَذْهَبُ بِتِبْنَةٍ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْأَوَّلَ أَوْلَى وَأَنَّ الْإِيرَادَ سَاقِطٌ مِنْ أَصْلِهِ إذْ لَا يَخْطِرُ فِي بَالِ عَاقِلٍ فَضْلًا عَنْ فَاضِلٍ (قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ أَنْ يَعُودَ إلَى الْمَاءِ الرَّاكِدِ) أَقُولُ: هَذَا هُوَ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّ الْجَارِيَ لَمْ يُذْكَرْ مَقْصُودًا بَلْ الْمُحَدَّثُ عَنْهُ الْمَاءُ الدَّائِمُ وَالْجَارِي ذُكِرَ مُعْتَرِضًا فِي الْبَيْنِ فَالْفَاءُ لِلتَّفْرِيعِ عَلَى قَوْلِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ عَشْرًا بِعَشْرٍ أَيْ وَلَا يَتَوَضَّأُ بِمَاءٍ دَائِمٍ فِيهِ نَجَسٌ إنْ لَمْ يَكُنْ عَشْرًا بِعَشْرٍ فَيَتَوَضَّأُ مِنْهُ إنْ لَمْ يَرَ أَثَرَهُ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا قُلْنَا هَذَا إلَخْ) سَبَقَهُ إلَى هَذَا فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ فِي النَّهْرِ فَقَالَ مُعْتَرِضًا عَلَى الْعِنَايَةِ حَيْثُ فَسَّرَ يَرَى بِيُبْصِرُ فِيهِ بَحْثٌ، فَإِنَّ قَوْلَهُ، وَهُوَ طَعْمٌ إلَخْ يَمْنَعُ حَمْلَهُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ بَلْ مَعْنَاهُ إنْ لَمْ يُعْلَمْ لَهَا أَثَرٌ بِالطَّرِيقِ الْمَوْضُوعِ لِعِلْمِهِ كَالذَّوْقِ وَالشَّمِّ وَالْإِبْصَارِ اهـ. قَالَ فِي النَّهْرِ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْإِبْصَارَ بِالْبَصِيرَةِ كَمَا حَرَّرَهُ الْعَلَّامَةُ فِي قَوْله تَعَالَى {أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ} [النمل: 54] اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ تَفْسِيرَ الرُّؤْيَةِ بِالْإِبْصَارِ ثُمَّ ادِّعَاءُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْإِبْصَارُ بِالْبَصِيرَةِ خِلَاف الظَّاهِرِ وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ ذَلِكَ لَفَسَّرَهَا مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ بِالْعِلْمِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 سَوَاءٌ أَخَذَتْ الْجِيفَةَ الْجَرْيَةُ أَوْ نِصْفَهَا إنَّمَا الْعِبْرَةُ لِظُهُورِ الْأَثَرِ وَيُوَافِقُهُ مَا فِي الْيَنَابِيعِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي سَاقِيَةٍ صَغِيرَةٍ فِيهَا كَلْبٌ مَيِّتٌ سَدَّ عَرْضَهَا فَيَجْرِي الْمَاءُ فَوْقَهُ وَتَحْتَهُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالْوُضُوءِ أَسْفَلَ مِنْهُ إذَا لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ فِيهَا أَوْ لَوْنُهُ أَوْ رِيحُهُ وَقِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ خَاصَّةً أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ أَسْفَلَ مِنْ الْكَلْبِ اهـ. مَا فِي الْيَنَابِيعِ لَكِنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْفَتَاوَى كَفَتَاوَى قَاضِي خان وَالتَّجْنِيسِ والْوَلْوَالِجِيِّ وَالْخُلَاصَةِ وَفِي الْبَدَائِعِ وَكَثِيرٍ مِنْ كُتُبِ أَئِمَّتِنَا أَنَّ الْأَثَرَ إنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي غَيْرِ الْجِيفَةِ أَمَّا فِي الْجِيفَةِ، فَإِنَّهُ يَنْظُرُ إنْ كَانَ كُلُّهُ أَوْ أَكْثَرُهُ يَجْرِي عَلَيْهَا لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ الْأَقَلَّ يَجُوزُ الْوُضُوءُ، وَإِنْ كَانَ النِّصْفَ فَالْقِيَاسُ الْجَوَازُ وَالِاسْتِحْسَانُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَهُوَ الْأَحْوَطُ وَنَظِيرُ هَذَا مَاءُ الْمَطَرِ إذَا جَرَى فِي مِيزَابٍ مِنْ السَّطْحِ، وَكَانَ عَلَى السَّطْحِ عَذِرَةٌ فَالْمَاءُ طَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الَّذِي يَجْرِي عَلَى غَيْرِ الْعَذِرَةِ أَكْثَرُ، وَإِنْ كَانَتْ الْعَذِرَةُ عِنْدَ الْمِيزَابِ، فَإِنْ كَانَ الْمَاءُ كُلُّهُ أَوْ أَكْثَرُهُ أَوْ نِصْفُهُ يُلَاقِي الْعَذِرَةَ فَهُوَ نَجَسٌ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُهُ لَا يُلَاقِي الْعَذِرَةَ فَهُوَ طَاهِرٌ وَكَذَا أَيْضًا مَاءُ الْمَطَرِ إذَا جَرَى عَلَى عَذِرَاتٍ وَاسْتَنْقَعَ فِي مَوْضِعٍ كَانَ الْجَوَابُ كَذَلِكَ وَرَجَّحَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ الْعِبْرَةَ لِظُهُورِ الْأَثَرِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الْحَدِيثَ، وَهُوَ قَوْلُهُ «الْمَاءُ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ» لَمَّا حُمِلَ عَلَى الْجَارِي كَانَ مُقْتَضَاهُ جَوَازَ التَّوَضُّؤِ مِنْ أَسْفَلِهِ، وَإِنْ أَخَذَتْ الْجِيفَةُ أَكْثَرَ الْمَاءِ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ فَقَوْلُهُمْ إذَا أَخَذَتْ الْجِيفَةُ أَكْثَرَ الْمَاءِ أَوْ نِصْفَهُ لَا يَجُوزُ يَحْتَاجُ إلَى مُخَصِّصٍ قَالَ وَيُوَافِقُهُ مَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَقَدْ نَقَلْنَاهُ عَنْ الْيَنَابِيعِ وَقَالَ تِلْمِيذُهُ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ فِي رِسَالَتِهِ الْمُخْتَارُ اعْتِبَارُ مَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ اهـ. لَكِنْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ الْأَوْجَهُ مَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ وَقَدْ صَحَّحَهُ فِي التَّجْنِيسِ لِصَاحِبِ الْهِدَايَةِ؛ لِأَنَّ الْعُلَمَاءَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - إنَّمَا قَالُوا بِأَنَّ الْمَاءَ الْجَارِيَ إذَا وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ إذَا لَمْ يَرَ أَثَرَهَا؛ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ لَا تَسْتَقِرُّ مَعَ جَرَيَانِ الْمَاءِ فَلَمَّا لَمْ يَظْهَرْ أَثَرُهَا عُلِمَ أَنَّ الْمَاءَ ذَهَبَ بِعَيْنِهَا وَلَمْ تَبْقَ عَيْنُهَا مَوْجُودَةً فَجَازَ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ أَمَّا إذَا كَانَتْ النَّجَاسَةُ جِيفَةً، وَكَانَ الْمَاءُ يَجْرِي عَلَى أَكْثَرِهَا أَوْ نِصْفِهَا تَيَقَّنَّا بِوُجُودِ النَّجَاسَةِ فِيهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ كُلَّ مَا تَيَقَّنَّا وُجُودَ النَّجَاسَةِ فِيهِ أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّنَا وُجُودُهَا فِيهِ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ فَكَانَ هَذَا مَأْخُوذًا مِنْ دَلَالَةِ الْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الْحَدِيثَ لَمَّا حُمِلَ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى الْمَاءِ الَّذِي لَمْ يَتَغَيَّرْ لِأَجْلِ أَنَّهُ عِنْدَ التَّغَيُّرِ تَيَقَّنَ بِوُجُودِ النَّجَاسَةِ كَانَ التَّغَيُّرُ دَلِيلَ وُجُودِ النَّجَاسَةِ فِيمَا يُمْكِنُ فِيهِ ذَلِكَ أَمَّا فِي الْجِيفَةِ فَقَدْ تَيَقَّنَّا بِوُجُودِهَا فَلَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ الَّتِي هِيَ فِيهِ أَوْ أَكْثَرُهَا أَوْ نِصْفُهَا مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ التَّغَيُّرِ؛ لِأَنَّ التَّغَيُّرَ لَمَّا كَانَ عَلَامَةً عَلَى وُجُودِ النَّجَاسَةِ لَا يَلْزَمُ مِنْ انْتِفَائِهِ انْتِفَاؤُهُ فَكَانَ الْإِجْمَاعُ مُخَصِّصًا لِلْحَدِيثِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ لِأَنَّ التَّغَيُّرَ لَمَّا كَانَ عَلَامَةً عَلَى وُجُودِ النَّجَاسَةِ لَا يَلْزَمُ مِنْ انْتِفَائِهِ انْتِفَاؤُهُ) قَالَ فِي النَّهْرِ: أَقُولُ: قَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ الْجَارِيَ، وَمَا فِي حُكْمِهِ لَا يَتَأَثَّرُ بِوُقُوعِ النَّجَاسَةِ فِيهِ مَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَيْهِ بِأَنْ يَظْهَرَ أَثَرُهَا فِيهِ فَمُجَرَّدُ التَّيَقُّنِ بِوُجُودِ النَّجَاسَةِ لَا أَثَرَ لَهُ، وَإِلَّا لَاسْتَوَى الْحَالُ بَيْنَ جَرْيِهِ عَلَى الْأَكْثَرِ أَوْ الْأَقَلِّ فَمَا فِي الْفَتْحِ أَوْجَهُ اهـ. وَأَقُولُ: لَا يَخْفَى مَنْعُ الْمُلَازَمَةِ الَّتِي ادَّعَاهَا؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْأَقَلُّ جَارِيًا عَلَى الْجِيفَةِ، وَإِنْ تَحَقَّقَ بِوُجُودِهَا وَلَكِنَّ مَا اسْتَعْمَلَهُ مِنْ هَذَا النَّهْرِ مَثَلًا لَمْ يَحْصُلْ التَّيَقُّنُ بِكَوْنِهِ جَرَى عَلَيْهَا بَلْ وَلَا غَلَبَةُ الظَّنِّ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ مُجَرَّدُ التَّيَقُّنِ بِوُجُودِ النَّجَاسَةِ بَلْ مَعَ غَلَبَةِ الظَّنِّ بِاسْتِعْمَالِ مَا جَرَى عَلَيْهَا بِدَلِيلِ التَّفْرِقَةِ، وَإِنْ كَانَ لَيْسَ ذَلِكَ فِي كَلَامِهِ لَكِنَّهُ مُرَادٌ بِقَرِينَةِ السِّيَاقِ فَتَأَمَّلْ مُنْصِفًا ثُمَّ رَأَيْت فِي شَرْحِ هَدِيَّةِ ابْنِ الْعِمَادِ لِشَيْخِ شُيُوخِ مَشَايِخِنَا الْعَارِفِ بِاَللَّهِ تَعَالَى سَيِّدِي عَبْدُ الْغَنِيِّ النَّابُلُسِيُّ قَالَ بَعْدَ نَقْلِهِ لِكَلَامِ النَّهْرِ قُلْت نَعَمْ مُجَرَّدُ التَّيَقُّنِ بِالنَّجَاسَةِ لَا أَثَرَ لَهُ وَلَكِنَّ هَذَا فِي نَجَاسَةٍ غَيْرِ مَرْئِيَّةٍ فِي الْمَاءِ كَالْبَوْلِ وَالْغَائِطِ وَالدَّمِ وَالْخَمْرِ إذَا تَيَقَّنَّا وُقُوعَهُ فِيهِ فَلَا يَنْجُسُ مَا لَمْ يَظْهَرْ الْأَثَرُ، وَأَمَّا فِي نَحْوِ الْجِيفَةِ الْمَرْئِيَّةِ الْمُتَحَقِّقَةِ أَيْ احْتِيَاجُ إلَى اشْتِرَاطِ الْأَثَرِ مَعَ تَحَقُّقِ وُجُودِهَا فِي الْمَاءِ فَمَا فِي الْبَحْرِ أَوْجَهُ اهـ. قُلْت: وَلَا بُدَّ مِنْ ضَمِّ مَا قُلْنَاهُ لِيَتِمَّ الْجَوَابُ، وَإِلَّا فَمُجَرَّدُ ذَلِكَ لَا يَكْفِي وَبَعْدَ هَذَا فَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ تَبِعَ فِيهِ مَا فِي أَكْثَرِ الْفَتَاوَى وَلَكِنَّهُ قَدَّمَ أَنَّ ظَاهِرَ مَا فِي الْمُتُونِ اعْتِبَارَ ظُهُورِ الْأَثَرِ مُطْلَقًا وَمِمَّا هُوَ مَعْلُومٌ أَنَّ مَا فِي الْمُتُونِ مُقَدَّمٌ عَلَى مَا فِي الشُّرُوحِ وَمَا فِي الشُّرُوحِ مُقَدَّمٌ عَلَى مَا فِي الْفَتَاوَى فَالظَّاهِرُ تَقْدِيمُ مَا هُوَ ظَاهِرُ الْمُتُونِ لَا سِيَّمَا وَقَدْ رَجَّحَهُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ وَتِلْمِيذُهُ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ وَقَدْ مَشَى عَلَيْهِ الشَّيْخُ عَلَاءُ الدِّينِ فِي شَرْحِ التَّنْوِيرِ قَالَ وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْمُضْمَرَاتِ عَنْ النِّصَابِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. اهـ. (تَنْبِيهٌ) : هَاهُنَا مَسْأَلَةٌ مُهِمَّةٌ لَا بَأْسَ بِالتَّعَرُّضِ لَهَا، وَإِنْ كَانَ فِي ذِكْرِهَا طُولًا لِاغْتِفَارِهِ بِشِدَّةِ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهَا فَنَقُولُ قَالَ الْعَلَّامَةُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَفَنْدِي الْعِمَادِيُّ مُفْتِي دِمَشْقَ فِي كِتَابِهِ هَدِيَّةِ ابْنِ الْعِمَادِ: مَسْأَلَةٌ: قَالَ صَاحِبُ مَجْمَعِ الْفَتَاوَى فِي الْخِزَانَةِ مَاءُ الثَّلْجِ إذَا جَرَى عَلَى طَرِيقٍ فِيهِ سِرْقِينٌ وَنَجَاسَةٌ إنْ تَغَيَّبَتْ النَّجَاسَةُ وَاخْتَلَطَتْ حَتَّى لَا يُرَى أَثَرُهَا يَتَوَضَّأُ مِنْهُ وَلَوْ كَانَ جَمِيعُ بَطْنِ النَّهْرِ نَجِسًا، فَإِنْ كَانَ الْمَاءُ كَثِيرًا لَا يُرَى مَا تَحْتَهُ فَهُوَ طَاهِرٌ، وَإِنْ كَانَ يُرَى فَهُوَ نَجِسٌ وَفِي الْمُلْتَقَطِ قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ الْمَاءُ طَاهِرٌ، وَإِنْ قَلَّ إذَا كَانَ جَارِيًا قُلْت وَهَذِهِ الْمَسَائِلُ يُسْتَأْنَسُ بِهَا لِمَا عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى فِي بِلَادِنَا مِنْ اعْتِيَادِهِمْ إجْرَاءَ الْمَاءِ بِسِرْقِينِ الدَّوَابِّ فَلْتُحْفَظْ، فَإِنَّهَا أَقْرَبُ مَا ظَفِرْنَا بِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 وَمَا قُلْنَاهُ مَأْخُوذٌ مِنْ دَلَالَةِ الْإِجْمَاعِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِلْعَبْدِ الضَّعِيفِ لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ هَذَا أَعْنِي قَوْلَهُمْ إذَا أَخَذَتْ الْجِيفَةُ أَقَلَّهُ يَجُوزُ الْوُضُوءُ إذَا لَمْ يَظْهَرْ أَثَرُ النَّجَاسَةِ، وَأَنَّ قَوْلَهُمْ إذَا أَخَذَتْ الْجِيفَةُ الْأَكْثَرَ أَوْ النِّصْفَ لَا يَجُوزُ يَعْنُونَ، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ أَثَرُ النَّجَاسَةِ وَأَمَّا التَّوَضُّؤُ فِي عَيْنٍ وَالْمَاءُ يَخْرُجُ مِنْهَا، فَإِنْ كَانَ فِي مَوْضِعِ خُرُوجِهِ جَازَ وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِهِ فَكَذَلِكَ إنْ كَانَ قَدْرُهُ أَرْبَعًا فِي أَرْبَعٍ فَأَقَلَّ وَإِنْ كَانَ خَمْسًا فِي خَمْسٍ اُخْتُلِفَ فِيهِ وَاخْتَارَ السَّعْدِيُّ جَوَازَهُ وَالْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ هَلْ يَخْرُجُ الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ قَبْلَ تَكَرُّرِ الِاسْتِعْمَالِ إذَا كَانَ بِهَذِهِ الْمِسَاحَةِ أَوْ لَا وَهَذِهِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى نَجَاسَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقَدْ   [منحة الخالق] فِي ذَلِكَ بَعْدَ التَّنْقِيبِ وَالتَّنْقِيرِ فِي الْكُتُبِ الْمُعْتَبَرَاتِ وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَهَمِّ الْمُهِمَّاتِ وَلَا سِيَّمَا إذَا انْضَمَّ إلَى ذَلِكَ مَا ذَكَرَ ابْنُ نُجَيْمٍ وَغَيْرُهُ فِي فُرُوعِ الْقَاعِدَةِ الْمَشْهُورَةِ أَعْنِي قَوْلَهُمْ الْمَشَقَّةُ تَجْلِبُ التَّيْسِيرَ مِنْ الْعَفْوِ عَنْ نَجَاسَةِ الْمَعْذُورِ وَعَدَمِ الْحُكْمِ بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ إذَا لَاقَى الْمُتَنَجِّسَ إلَّا بِالِانْفِصَالِ وَمَا ذَكَرُوهُ فِي الْحُكْمِ بِالطَّهَارَةِ فِي الِاسْتِنْجَاءِ مَعَ أَنَّ الْمَاءَ كُلَّمَا لَاقَى النَّجَاسَةَ يَنْجُسُ وَبِأَنَّ الْمَاءَ لَا يَضُرُّهُ التَّغَيُّرُ بِالْمُكْثِ وَالطِّينِ وَالطُّحْلُبِ وَكُلَّمَا يَعْسُرُ صَوْنُهُ عَنْهُ اهـ. وَقَدْ أَطَالَ هُنَا سَيِّدِي الْعَارِفُ فِي شَرْحِهِ وَلَكِنْ أَذْكُرُ مِنْهُ الْمُحْتَاجَ إلَيْهِ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَحَلِّ فَنَقُولُ السِّرْقِينُ هُوَ الزِّبْلُ وَمَعْنَى كَوْنِ النَّجَاسَةِ تَغَيَّبَتْ عَدَمُ ظُهُورِ أَثَرِهَا، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْمَدَدِ فِي الْمَاءِ الْجَارِي وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ لَا يُرَى مَا تَحْتَهُ لَا تُرَى النَّجَاسَةُ الَّتِي هِيَ فِي بَطْنِ النَّهْرِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ تُرَى وَالْمَاءُ يَمُرُّ عَلَيْهَا فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْجِيفَةِ وَمُقْتَضَاهُ نَجَاسَةُ ذَلِكَ الْمَاءِ وَإِنْ كَانَ جَارِيًا وَمَا نَقَلَهُ عَنْ الْمُلْتَقَطِ مَعْنَاهُ إذَا لَمْ يَظْهَرْ فِي الْمَاءِ أَثَرُ النَّجَاسَةِ، وَيَكُونُ هَذَا كَالْقَوْلِ الْآخَرِ فِي مَسْأَلَةِ الْجِيفَةِ النَّاظِرِ إلَى ظُهُورِ الْأَثَرِ وَعَدَمِهِ وَحَاصِلُ الْكَلَامِ عَلَى مَا عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى أَنَّهُ يُعْتَبَرُ تَغَيُّرُ أَحَدِ الْأَوْصَافِ بِنَجَاسَةِ السِّرْقِينِ وَعَدَمِ ذَلِكَ فَإِذَا وَضَعَ السِّرْقِينَ فِي مَقْسِمِ الْمَاءِ إلَى الْبُيُوتِ وَنَحْوِهَا الْمُسَمَّى بِالطَّالِعِ وَجَرَى مَعَ الْمَاءِ فِي الْقَسَاطِلِ فَالْمَاءُ نَجِسٌ فَإِذَا رَكَدَ الزِّبْلُ فِي وَسَطِ الْقَسَاطِلِ وَجَرَى الْمَاءُ صَافِيًا كَانَ نَظِيرَ مَسْأَلَةِ مَا لَوْ جَرَى مَاءُ الثَّلْجِ عَلَى النَّجَاسَةِ أَوْ كَانَ بَطْنُ النَّهْرِ نَجَسًا وَجَرَى الْمَاءُ عَلَيْهِ وَلَمْ تَتَغَيَّرْ أَحَدُ أَوْصَافِهِ بِالنَّجَاسَةِ، فَإِنَّ ذَلِكَ الْمَاءَ طَاهِرٌ كُلُّهُ وَكَذَلِكَ هَذَا فَإِذَا وَصَلَ الْمَاءُ إلَى الْحِيَاضِ فِي الْبُيُوتِ، فَإِنْ وَصَلَ مُتَغَيِّرَ أَحَدِ الْأَوْصَافِ بِالزِّبْلِ أَوْ عَيْنُ الزِّبْلِ ظَاهِرَةٌ فِيهِ فَهُوَ نَجِسٌ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ فَإِذَا اسْتَقَرَّ فِي حَوْضٍ دُونَ الْقَدْرِ الْكَثِيرِ فَهُوَ نَجِسٌ، وَإِنْ صَفَا بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْحَوْضِ وَزَالَ تَغَيُّرُهُ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ مَاءٌ نَجَسٌ وَالْمَاءُ النَّجِسُ لَا يَطْهُرُ بِزَوَالِ تَغَيُّرِهِ بِنَفْسِهِ لَا سِيَّمَا وَقَدْ رَكَدَ الزِّبْلُ فِي أَسْفَلِهِ، وَإِنْ اسْتَقَرَّ فِي حَوْضٍ كَبِيرٍ فَهُوَ نَجِسٌ أَيْضًا مَا دَامَ مُتَغَيِّرًا أَوْ زَالَ تَغَيُّرُهُ بِنَفْسِهِ أَيْضًا وَأَمَّا إذَا اسْتَمَرَّ الْمَاءُ جَارِيًا بَعْدَ ذَلِكَ إلَى أَنْ أَتَى الْمَاءُ صَافِيًا وَزَالَ تَغَيُّرُ الْحَوْضِ بِذَلِكَ الْمَاءِ الصَّافِي، فَإِنَّهُ يَطْهُرُ الْمَاءُ كُلُّهُ سَوَاءٌ كَانَ الْحَوْضُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا، وَإِنْ كَانَ الزِّبْلُ فِي أَسْفَلِهِ رَاكِدًا مَا دَامَ الْمَاءُ الصَّافِي فِي ذَلِكَ الْحَوْضِ يَدْخُلُ مِنْ مَكَان وَيَخْرُجُ مِنْ مَكَان فَإِذَا انْقَطَعَ الْجَرَيَانُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَكَانَ الْحَوْضُ صَغِيرًا وَالزِّبْلُ فِي أَسْفَلِهِ رَاكِدًا فَالْحَوْضُ نَجِسٌ إلَى أَنْ يَصِيرَ الزِّبْلُ الَّذِي فِي أَسْفَلِهِ حَمْأَةً، وَهِيَ الطِّينُ الْأَسْوَدُ فَلَا يَكُونُ نَجِسًا حِينَئِذٍ، وَإِذَا كَانَ الْحَوْضُ كَبِيرًا فَالْأَمْرُ فِيهِ يَسِيرُ هَذَا مَا نُعَامَل بِهِ أَنْفُسَنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ حَيْثُ اُبْتُلِينَا بِهَا وَلَمْ نَجِدْ فِيهَا نَقْلًا صَرِيحًا اهـ. كَلَامُهُ قُدِّسَ سِرُّهُ قُلْت وَمَعْنَى قَوْلِهِ فَالْحَوْضُ نَجِسٌ إلَى أَنْ يَصِيرَ الزِّبْلُ الَّذِي فِي أَسْفَلِهِ حَمْأَةٌ فَلَا يَكُونُ نَجَسًا حِينَئِذٍ يَعْنِي إذَا جَرَى بَعْدَ ذَلِكَ لَا بِمُجَرَّدِ صَيْرُورَةِ الزِّبْلِ حَمْأَةً كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا مَرَّ ثُمَّ قَالَ قُدِّسَ سِرُّهُ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُنَا أَنَّ الْعَفْوَ فِي ذَلِكَ كَائِنٌ وَإِنْ ظَهَرَ أَثَر السِّرْقِينُ فِي الْمَاءِ حَمْلًا عَلَى التَّغَيُّرِ بِالْمُكْثِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا فِيهِ الضَّرُورَةُ وَالصَّوَابُ مَا ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا أَنَّ أَثَرَ النَّجَاسَةِ إذَا ظَهَرَ فِي الْمَاءِ فَلَا عَفْوَ حِينَئِذٍ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ بِانْتِظَارِ صَفْوِ الْمَاءِ غَايَتُهُ الْعَفْوُ عَنْ النَّجَاسَةِ الْمُسْتَقِرَّةِ فِي بَاطِنِ الْقَسَاطِلِ إذَا جَرَى الْمَاءُ عَلَيْهَا صَافِيًا عَلَى حَسَبِ مَا قَدَّمْنَا بَيَانَهُ وَعَدَمُ تَنْجِيسِ الْمَاءِ الطَّاهِرِ بِالزِّبْلِ النَّجِسِ لِلضَّرُورَةِ حَيْثُ لَا يَجْرِيَ الْمَاءُ إلَّا بِهِ لِكَوْنِهِ يَسُدُّ خُرُوقَ الْقَسَاطِلِ فَلَا يَنْفُذُ الْمَاءُ مِنْهَا وَيَبْقَى جَارِيًا فَوْقَهُ اهـ. قُلْت وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلِ بِاشْتِرَاطِ ظُهُورِ الْأَثَرِ فِي الْجَارِي يَكُونُ طَاهِرًا فَلَا حَاجَةَ إلَى الْقَوْلِ بِالْعَفْوِ عَنْهُ بِنَاءً عَلَيْهِ ثُمَّ نُقِلَ عَنْ ابْنِ حَجَرٍ الشَّافِعِيِّ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ بِنَاءً عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا ضَاقَ الْأَمْرُ اتَّسَعَ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ تَغَيُّرُ أَنْهُرِ الشَّامِ بِمَا فِيهَا مِنْ الزِّبْلِ وَلَوْ قَلِيلَةً؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ جَرْيُهَا الْمُضْطَرُّ إلَيْهِ النَّاسُ إلَّا بِهِ اهـ. قَالَ وَالظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِهِ لَا يَضُرُّ إلَخْ أَنَّ الْمَعْفُوَّ عَنْهُ عِنْدَهُ أَثَرُ الزِّبْلِ لَا عَيْنُهُ، وَهَذَا كُلُّهُ بِنَاءً عَلَى نَجَاسَةِ الزِّبْلِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثُمَّ نَقَلَ عِبَارَاتِ الْفُقَهَاءِ فِي ذَلِكَ وَحَاصِلُهَا أَنَّ الرَّوْثَ وَالْخِثَى عِنْدَ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - طَاهِرَانِ وَعَنْ زُفَرَ رَوْثُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ طَاهِرٌ وَعَنْهُ أَيْضًا مُطْلَقًا كَمَالِكٍ ثُمَّ قَالَ وَفِي كِتَابِ الْمُبْتَغَى بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ الْأَرْوَاثُ كُلُّهَا نَجِسَةٌ إلَّا رِوَايَةً عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهَا طَاهِرَةٌ لِلْبَلْوَى، وَفِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ تَوْسِعَةً لِأَرْبَابِ الدَّوَابِّ فَقَلَّ مَا يَسْلَمُونَ عَنْ التَّلَطُّخِ بِالْأَرْوَاثِ وَالْأَخْثَاءِ فَتُحْفَظُ هَذِهِ الرِّوَايَةُ اهـ. كَلَامُ الْمُبْتَغَى قَالَ: وَإِذَا أَرَدْت تَقْلِيدَ مَنْ يَقُولُ بِالطَّهَارَةِ فَانْظُرْ فِي شُرُوطِهِ فِي بَاقِي الْمَسْأَلَةِ وَاعْمَلْ عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ قُلْنَا بِالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ زُفَرَ فِي طَهَارَةِ الْأَرْوَاثِ كُلِّهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى تَغَيُّرِ الْمَاءِ بِهَا فِي بِلَادِنَا هَذِهِ فَلَا يَبْعُدُ؛ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ دَاعِيَةٌ إلَى ذَلِكَ كَمَا أَفْتَى عُلَمَاؤُنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 قَدَّمْنَا أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى الْجَوَازِ مُطْلَقًا، وَكَذَا صَرَّحَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى وَأَلْحَقُوا بِهَا بِالْجَارِي حَوْضَ الْحَمَّامِ إذَا كَانَ الْمَاءُ يَنْزِلُ مِنْ أَعْلَاهُ حَتَّى لَوْ أُدْخِلْت الْقَصْعَةُ النَّجِسَةُ وَالْيَدُ النَّجِسَةُ فِيهِ لَا تَتَنَجَّسُ وَهَلْ يُشْتَرَطُ وَمَعَ ذَلِكَ تَدَارَكَ اغْتِرَافَ النَّاسِ مِنْهُ فِيهِ خِلَافٌ ذَكَرَهُ فِي الْمُنْيَةِ، وَفِي الْمُجْتَبَى الْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ كَانَ يَدْخُلُ الْمَاءُ مِنْ الْأُنْبُوبِ وَالْغُرَفُ مُتَدَارِكٌ فَهُوَ مِنْ كَالْجَارِي وَتَفْسِيرُ الْغُرَفِ أَنْ لَا يَسْكُنَ وَجْهُ الْمَاءِ فِيمَا بَيْنَ الْغَرْفَتَيْنِ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ جَرَيَانِهِ لِمَدَدٍ لَهُ كَمَا فِي الْعَيْنِ وَالنَّهْرِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ اهـ. وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْمَاءِ الْجَارِي الْمَدَدُ وَهُوَ الصَّحِيحُ اهـ وَفِي التَّجْنِيسِ وَالْمِعْرَاجِ وَغَيْرِهِمَا الْمَاءُ الْجَارِي إذَا سُدَّ مِنْ فَوْقٍ فَتَوَضَّأَ إنْسَانٌ بِمَا يَجْرِي فِي النَّهْرِ وَقَدْ بَقِيَ جَرْيُ الْمَاءِ كَانَ جَائِزًا؛ لِأَنَّ هَذَا مَاءٌ جَارٍ اهـ فَهَذَا يَشْهَدُ لِمَا فِي السَّرَّاجِ وَذَكَرَ السِّرَاجُ الْهِنْدِيُّ عَنْ الْإِمَامِ الزَّاهِدِ أَنَّ مَنْ حَفَرَ نَهْرًا مِنْ حَوْضٍ صَغِيرٍ وَأَجْرَى الْمَاءَ فِي النَّهْرِ وَتَوَضَّأَ بِذَلِكَ الْمَاءِ فِي حَالِ جَرَيَانِهِ فَاجْتَمَعَ ذَلِكَ الْمَاءُ فِي مَكَان وَاسْتَقَرَّ فِيهِ فَحَفَرَ رَجُلٌ آخَرُ نَهْرًا مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ وَأَجْرَى الْمَاءَ فِيهِ وَتَوَضَّأَ بِهِ فِي حَالِ جَرَيَانِهِ فَاجْتَمَعَ ذَلِكَ الْمَاءُ فِي مَكَان آخَرَ أَيْضًا فَفَعَلَ رَجُلٌ ثَالِثٌ كَذَلِكَ جَازَ وُضُوءُ الْكُلِّ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إنَّمَا تَوَضَّأَ بِالْمَاءِ حَالَ جَرَيَانِهِ وَالْمَاءُ الْجَارِي لَا يَحْتَمِلُ النَّجَاسَةَ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ. وَعَنْ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ مَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ وُضُوءِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي حُفْرَتَيْنِ يَخْرُجُ الْمَاءُ مِنْ أَحَدِهِمَا وَيَدْخُلُ فِي الْأُخْرَى فَتَوَضَّأَ فِيمَا بَيْنَهُمَا جَازَ وَالْحَفِيرَةُ الَّتِي يَدْخُلُ فِيهَا الْمَاءُ تَفْسُدُ وَإِذَا كَانَ مَعَهُ كَمِيزَابٍ وَاسِعٍ وَمَعَهُ إدَاوَةٌ مِنْ مَاءٍ يَحْتَاجُ إلَيْهِ، وَهُوَ عَلَى طَمَعٍ مِنْ وُجُودِ الْمَاءِ وَلَكِنْ لَا يَتَيَقَّنُ ذَلِكَ مَاذَا يَصْنَعُ حَكَى عَنْ الشَّيْخِ الزَّاهِدِ أَبِي الْحَسَنِ الرُّسْتُغْفَنِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ يَأْمُرُ أَحَدَ رُفَقَائِهِ أَنْ يَصُبَّ الْمَاءَ فِي طَرَفٍ مِنْ الْمِيزَابِ، وَهُوَ يَتَوَضَّأُ فِيهِ وَعِنْدَ الطَّرَفِ الْآخَرِ مِنْ الْمِيزَابِ إنَاءٌ يَجْتَمِعُ فِيهِ الْمَاءُ فَالْمُجْتَمِعُ طَاهِرٌ وَطَهُورٌ لِأَنَّ اسْتِعْمَالَهُ حَصَلَ فِي حَالِ جَرَيَانِهِ وَالْمَاءُ الْجَارِي لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا بِاسْتِعْمَالِهِ وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ أَنْكَرَ هَذَا الْقَوْلَ وَقَالَ فِي الْمَاءِ الْجَارِي إنَّمَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا إذَا كَانَ لَهُ مَدَدٌ كَالْعَيْنِ وَالنَّهْرِ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَدَدٌ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا وَالصَّحِيحُ الْقَوْلُ بِدَلِيلِ مَسْأَلَةِ وَاقِعَاتِ النَّاطِفِيِّ أَنَّ النَّهْرَ إذَا سُدَّ مِنْ فَوْقٍ فَتَوَضَّأَ إنْسَانٌ بِمَا جَرَى، فَإِنَّهُ يَجُوزُ، فَإِنَّ هُنَاكَ لَمْ يَبْقَ لِلْمَاءِ مَدَدٌ وَمَعَ هَذَا يَجُوزُ التَّوَضُّؤُ بِهِ اهـ. مَا ذَكَرَهُ السِّرَاجُ الْهِنْدِيُّ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ عَنْ فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ قَوْلَهُمْ مَا اجْتَمَعَ فِي الْحُفَيْرَةِ الثَّانِيَةِ فَاسِدٌ، وَكَذَا كَثِيرٌ مِنْ أَشْبَاهِ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ بِنَاءٌ عَلَى نَجَاسَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ فَأَمَّا عَلَى الْمُخْتَارِ مِنْ طَهَارَتِهِ فَلَا فَلْتُحْفَظْ لِيُفَرَّعَ عَلَيْهَا وَلَا يُفْتَى بِمِثْلِ هَذِهِ الْفُرُوعِ. (فُرُوعٌ) فِي الْخُلَاصَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْأَصْلِ يَتَوَضَّأُ مِنْ الْحَوْضِ الَّذِي يَخَافُ فِيهِ قَذَرًا وَلَا يَتَيَقَّنُهُ وَلَا يَجِبُ أَنْ يَسْأَلَ إلَى لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ عِنْدَ عَدَمِ الدَّلِيلِ وَالْأَصْلُ دَلِيلٌ يُطْلِقُ الِاسْتِعْمَالَ وَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حِينَ سَأَلَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ صَاحِبَ الْحَوْضِ أَتَرِدُهُ السِّبَاعُ يَا صَاحِبَ الْحَوْضِ لَا تُخْبِرْنَا ذَكَرَهُ فِي الْمُوَطَّإِ وَكَذَا إذَا وَجَدَهُ مُتَغَيِّرَ اللَّوْنِ وَالرِّيحِ مَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ مِنْ نَجَاسَةٍ؛ لِأَنَّ التَّغَيُّرَ قَدْ يَكُونُ بِظَاهِرٍ وَقَدْ يُنْتِنُ الْمَاءُ لِلْمُكْثِ وَكَذَا الْبِئْرُ الَّذِي يُدَلِّي فِيهَا الدِّلَاءَ وَالْجِرَارَ الدَّنِسَةَ يَحْمِلُهَا الصِّغَارُ وَالْعَبِيدُ وَلَا يَعْلَمُونَ الْأَحْكَامَ وَيَمَسُّهَا الرُّسْتَاقِيُّونَ بِالْأَيْدِي الدَّنِسَةِ مَا لَمْ تُعْلَمْ يَقِينًا النَّجَاسَةُ، وَلَوْ ظَنَّ الْمَاءَ نَجِسًا فَتَوَضَّأَ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ طَاهِرٌ جَازَ وَذَكَرَ السِّرَاجُ الْهِنْدِيُّ عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ أَنَّ عَدَمَ وُجُوبِ السُّؤَالِ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ، وَإِنْ سَأَلَ كَانَ أَحْوَطَ لِدِينِهِ وَعَلَى هَذَا الضَّيْفُ إذَا قُدِّمَ إلَيْهِ طَعَامٌ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْأَلَ عَنْهُ وَفِي فَوَائِدِ الرُّسْتُغْفَنِيُّ التَّوَضُّؤُ بِمَاءِ الْحَوْضِ أَفْضَلُ مِنْ النَّهْرِ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَزِلَةَ لَا يُجِيزُونَهُ، مِنْ الْحِيَاضِ فَنُرْغِمُهُمْ بِالْوُضُوءِ مِنْهَا اهـ. وَهَذَا إنَّمَا يُفِيدُ الْأَفْضَلِيَّةَ لِهَذَا الْعَارِضِ فَفِي مَكَان لَا يَتَحَقَّقُ النَّهْرُ أَفْضَلُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ   [منحة الخالق] طَهَارَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ وَتَرَكُوا فِي ذَلِكَ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ بِالنَّجَاسَةِ وَأَفْتَوْا بِقَوْلِ زُفَرَ وَحْدَهُ فِي مَسَائِلَ مَعْدُودَةٍ خَمْسَةً اهـ. كَلَامُهُ قُدِّسَ سِرُّهُ وَاَلَّذِي يُقَوِّي مَا ذُكِرَ مِنْ عَدَمِ الْبُعْدِ فِي الْفَتْوَى بِطَهَارَةِ الْأَرْوَاثِ مَا قَدَّمَهُ عَنْ الْمُبْتَغَى مِنْ التَّوْسِعَةِ لِأَرْبَابِ الدَّوَابِّ وَأَنَّهُ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَيْضًا وَلَا شَكَّ فِي الضَّرُورَةِ فِي هَذِهِ كَمَا وَسَّعَ عَلَى أَرْبَابِ الدَّوَابِّ، فَإِنَّ الضَّرُورَةَ فِيهِمْ لَيْسَتْ بِأَشَدَّ مِمَّا هُنَا، فَإِنَّ أَكْثَرَ الْمَحَلَّاتِ مِيَاهُهَا قَلِيلَةٌ وَأَنَّ حِيَاضَهَا لَا تَكُونُ مَلْأَى دَائِمًا وَالْمَاءُ يَنْقَطِعُ تَارَةً وَيَجِيءُ أُخْرَى وَفِي غَالِبِ الْأَوْقَاتِ يَسْتَصْحِبُ الْمَاءُ عَيْنَ الزِّبْلِ وَيَعْسُرُ الِاسْتِعْمَالُ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْمَاءِ سِيَّمَا عَلَى النِّسَاءِ فِي بُيُوتِهِنَّ فَلَا يُمَكِّنُهُنَّ الْخُرُوجُ، وَعِنْدَ قَطْعِ الْأَنْهُرِ لِكَرْيِهَا تَشْتَدُّ الضَّرُورَةُ إلَى ذَلِكَ مَعَ أَنَّ الْحِيَاضَ فِي أَسْفَلِهَا عَيْنُ الزِّبْلِ غَالِبًا وَيَسْتَمِرُّ انْقِطَاعُهَا أَيْ أَيَّامًا {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] . (قَوْلُهُ: وَأَلْحَقُوا بِالْجَارِي حَوْضَ الْحَمَّامِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَقُولُ: وَبِالْأَوْلَى إلْحَاقُ الْآبَارِ الْمُعَيَّنَةِ الَّتِي عَلَيْهَا الدُّولَابُ بِبِلَادِنَا إذْ الْمَاءُ يَنْبُعُ مِنْ أَسْفَلِهَا وَالْغَرْفُ فِيهَا بِالْقَوَادِيسِ مُتَدَارَكٌ فَوْقَ تَدَارُكِ الْغَرْفِ مِنْ حَوْضِ الْحَمَّامِ فَلَا شَكَّ فِي أَنَّ حُكْمَ مَائِهَا حُكْمُ الْجَارِي فَلَوْ وَقَعَ فِي حَالِ الدَّوَرَانِ فِي الْبِئْرِ وَالْحَالُ هَذِهِ نَجَاسَةٌ لَا يَتَنَجَّسُ تَأَمَّلْ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 قِيلَ مَسْأَلَةُ الْحَوْضِ بِنَاءٌ عَلَى الْجُزْءِ الَّذِي لَا يَتَجَزَّأُ فَإِنَّهُ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ مَوْجُودٌ فِي الْخَارِجِ فَتَتَّصِلُ أَجْزَاءُ النَّجَاسَةِ إلَى جُزْءٍ لَا يُمْكِنُ تَجْزِئَتُهُ فَيَكُونُ بَاقِي الْحَوْضِ طَاهِرًا أَوْ عِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْفَلَاسِفَةِ هُوَ مَعْدُومٌ، فَيَكُونُ كُلُّ الْمَاءِ مُجَاوِرًا لِلنَّجَاسَةِ، فَيَكُونُ الْحَوْضُ نَجِسًا عِنْدَهُمْ وَقِيلَ فِي هَذَا التَّقْرِيرِ نَظَرٌ اهـ. قَالُوا وَلَا بَأْسَ بِالتَّوَضُّؤِ مِنْ حُبًّ يُوضَعُ كُوزُهُ فِي نَوَاحِي الدَّارِ وَيُشْرَبُ مِنْهُ مَا لَمْ يُعْلَمْ بِهِ قَذَرٌ وَيُكْرَهُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَسْتَخْلِصَ لِنَفْسِهِ إنَاءً يَتَوَضَّأُ مِنْهُ وَلَا يَتَوَضَّأُ مِنْهُ غَيْرُهُ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خان وَاخْتَلَفُوا فِي كَرَاهِيَةِ الْبَوْلِ فِي الْمَاءِ الْجَارِي وَالْأَصَحُّ هُوَ الْكَرَاهَةُ. وَأَمَّا الْبَوْلُ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ فَقَدْ نَقَلَ الشَّيْخُ جَلَالُ الدِّينِ الْخَبَّازِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْهِدَايَةِ عَنْ أَبِي اللَّيْثِ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ إجْمَاعًا بَلْ مَكْرُوهٌ وَنَقَلَ غَيْرُهُ أَنَّهُ حَرَامٌ وَيُحْمَلُ عَلَى كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ؛ لِأَنَّهُ غَايَةُ مَا يُفِيدُهُ الْحَدِيثُ كَرَاهَةَ التَّحْرِيمِ فَيَنْبَغِي هَذَا أَنْ يَكُونَ الْبَوْلُ فِي الْمَاءِ الْجَارِي مَكْرُوهًا كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ فَرْقًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَوْلِ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ، وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خان إذَا وَرَدَ الرَّجُلُ مَاءً فَأَخْبَرَهُ مُسْلِمٌ أَنَّهُ نَجِسٌ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ بِذَلِكَ الْمَاءِ قَالُوا هَذَا إذَا كَانَ عَدْلًا، فَإِنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يُصَدَّقُ وَفِي الْمَسْتُورِ رِوَايَتَانِ اهـ. وَفِي الْمُبْتَغَى بَالِغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَبِرُؤْيَةِ أَثَرِ أَقْدَامِ الْوُحُوشِ عِنْدَ الْمَاءِ الْقَلِيلِ لَا يَتَوَضَّأُ بِهِ سَبُعٌ مَرَّ بِالرَّكِيَّةِ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ شُرْبُهُ مِنْهَا تَنَجَّسَ وَإِلَّا فَلَا اهـ. وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ الْأَوَّلُ عَلَى مَا إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ الْوُحُوشَ شَرِبَتْ مِنْهُ بِدَلِيلِ الْفَرْعِ الثَّانِي، وَإِلَّا فَمُجَرَّدُ الشَّكِّ لَا يَمْنَعُ الْوُضُوءَ بِهِ بِدَلِيلِ مَا قَدَّمْنَا نَقْلَهُ عَنْ الْأَصْلِ أَنَّهُ يَتَوَضَّأُ مِنْ الْحَوْضِ الَّذِي يَخَافُ فِيهِ قَذَرًا وَلَا يَتَيَقَّنُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ التَّيَقُّنُ الْمَذْكُورُ فِي الْأَصْلِ مِنْ قَوْلِهِ وَلَا يَتَيَقَّنُهُ عَلَى غَلَبَةِ الظَّنِّ وَالْخَوْفِ عَلَى الشَّكِّ أَوْ الْوَهْمِ كَمَا لَا يَخْفَى. وَفِي التَّجْنِيسِ مَنْ دَخَلَ الْحَمَّامَ وَاغْتَسَلَ وَخَرَجَ مِنْ غَيْرِ نَعْلٍ لَمْ يَكُنْ بِهِ بَأْسٌ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرُورَةِ وَالْبَلْوَى اهـ. وَسَيَأْتِي بَقِيَّةُ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَحْثِ الْمُسْتَعْمَلِ (قَوْلُهُ: وَمَوْتُ مَا لَا دَمَ فِيهِ كَالْبَقِّ وَالذُّبَابِ وَالزُّنْبُورِ وَالْعَقْرَبِ وَالسَّمَكِ وَالضُّفْدَعِ وَالسَّرَطَانِ لَا يُنَجِّسُهُ) أَيْ مَوْتُ حَيَوَانٍ لَيْسَ لَهُ دَمٌ سَائِلٌ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ لَا يُنَجِّسُهُ وَقَدْ جَعَلَ فِي الْهِدَايَةِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مَسْأَلَتَيْنِ فَقَالَ أَوَّلًا مَوْتُ مَا لَيْسَ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ فِي الْمَاءِ لَا يُنَجِّسُهُ كَالْبَقِّ وَالذُّبَابِ وَالزَّنَابِيرِ وَالْعَقْرَبِ وَنَحْوِهَا ثُمَّ قَالَ وَمَوْتُ مَا يَعِيشُ فِي الْمَاءِ لَا يُفْسِدُهُ كَالسَّمَكِ وَالضُّفْدَعِ وَالسَّرَطَانِ وَقَدْ جَمَعَهُمَا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَمَوْتُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: قِيلَ فِيهِ مَسْأَلَةُ الْحَوْضِ بِنَاءً عَلَى الْجُزْءِ الَّذِي لَا يَتَجَزَّأُ إلَخْ) بَيَانُ ذَلِكَ كَمَا فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ لِسَيِّدِنَا الْأُسْتَاذِ عَبْدِ الْغَنِيِّ أَنَّ الْأَجْسَامَ الْمُرَكَّبَةَ كَالْمَاءِ وَالْحَجَرِ وَنَحْوِهِمَا هُمْ يَقُولُونَ إنَّهَا مُرَكَّبَةٌ مِنْ الْهَيُولَى، وَهِيَ الْمَادَّةُ الْكُلِّيَّةُ وَمِنْ الصُّورَةِ، وَهِيَ التَّعَيُّنُ الْجُزْئِيُّ فَقَطْ فَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا أَنْ يَكُونَ مَاءُ الْحَوْضِ كُلُّهُ عَلَى مَذْهَبِهِمْ مُتَّصِلًا وَاحِدًا فَلَوْ تَوَضَّأَ فِيهِ صَارَ جَمِيعُهُ مُسْتَعْمَلًا عِنْدَهُمْ لِكَوْنِهِ شَيْئًا وَاحِدًا، وَهُوَ بَاطِلٌ، فَإِنَّ مَذْهَبَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ نَصَرَ اللَّهُ تَعَالَى كَلِمَتَهُمْ إلَى قِيَامِ السَّاعَةِ أَنَّ الْأَجْسَامَ كُلَّهَا مُرَكَّبَةٌ مِنْ الْجُزْءِ الَّذِي لَا يَتَجَزَّأُ لَا وَهْمًا وَلَا فَرْضًا كَمَا قُرِّرَ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ عِلْمِ الْكَلَامِ، وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ فِي كُلِّ جِسْمٍ مُرَكَّبٌ أَيُّ جِسْمٍ كَانَ نَوْعٌ مِنْ النَّارِ وَنَوْعٌ مِنْ الْهَوَاءِ وَنَوْعٌ مِنْ الْمَاءِ وَنَوْعٌ مِنْ التُّرَابِ، فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ تَرْكِيبَ جِسْمٍ مِنْ الْأَجْسَامِ جَمَعَ بِيَدِ قُدْرَتِهِ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ مِنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ الْأَرْبَعَةِ أَجْزَاءً صِغَارًا مُتَلَاصِقَةً وَضَمَّ بَعْضَهَا إلَى بَعْضٍ بِتَدْبِيرٍ إلَهِيٍّ خَاصٍّ فَتَكُونُ جِسْمًا ثُمَّ إذَا أَرَادَ إعْدَامَ ذَلِكَ الْجِسْمِ فَرَّقَ بَيْنَ أَنْوَاعِهِ فَيَذْهَبُ كُلُّ نَوْعٍ مِنْ تِلْكَ الْأَجْزَاءِ إلَى جِنْسِهِ ثُمَّ إذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ أَعَادَ تِلْكَ الْأَجْزَاءَ إلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ مِنْ التَّرْكِيبِ، وَهَذَا هُوَ الْبَعْثُ الَّذِي وَرَدَتْ بِهِ النُّصُوصُ الْقَطْعِيَّةُ ثُمَّ إنَّ كُلَّ نَوْعٍ مِنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ الْأَرْبَعَةِ مُرَكَّبٌ أَيْضًا مِنْ أَجْزَاءٍ صِغَارٍ لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ مُتَلَاصِقَةٍ يُشْبِهُ بَعْضُهَا بَعْضًا بِحَيْثُ تَظْهَرُ كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ فَتَتَّصِلُ وَتَنْقَطِعُ لِشِدَّةِ مُنَاسَبَةِ بَعْضِهَا لِبَعْضٍ وَلَكِنْ لَا تُشْبِهُ أَجْزَاءُ هَذَا النَّوْعِ أَجْزَاءَ النَّوْعِ الْآخَرِ فَالْمَاءُ أَجْزَاءٌ صِغَارٌ مُتَلَاصِقَةٌ مُتَنَاسِبَةٌ يَتَّصِلُ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ وَيَنْفَصِلُ بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ وَكَذَلِكَ الْهَوَاءُ وَالنَّارُ وَالتُّرَابُ فَلَوْ تَوَضَّأَ أَحَدٌ بِالْمَاءِ حَتَّى صَارَ بَعْضُ تِلْكَ الْأَجْزَاءِ مُسْتَعْمَلًا لَا يَلْزَمُ أَنْ تَصِيرَ بَقِيَّةُ الْأَجْزَاءِ مُسْتَعْمَلَةً كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ عِنْدَنَا لَيْسَ شَيْئًا وَاحِدًا إلَّا بِحَسَبِ ظَاهِرِ الصُّورَةِ التَّرْكِيبِيَّةِ الْحَاصِلَةِ مِنْ اجْتِمَاعِ الْأَجْزَاءِ الصِّغَارِ الَّتِي لَا تَتَجَزَّأُ، وَإِنَّمَا هُوَ مُرَكَّبٌ مِنْ أَجْزَاءٍ مُتَنَاهِيَةٍ تَنْفَصِلُ وَتَتَّصِلُ فَلَا يَلْزَمُ اسْتِعْمَالُ الْجَمِيعِ بَلْ الْبَعْضُ وَالْحَقُّ أَنَّ الْأَجْزَاءَ فِي كُلِّ مُرَكَّبٍ مُتَنَاهِيَةٌ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْإِلْزَامُ أَنْ يَدْخُلَ مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ فِي الْوُجُودِ، وَهُوَ بَاطِلٌ بِإِجْمَاعِ الْعُقَلَاءِ كَمَا ثَبَتَ بِذَلِكَ بُطْلَانُ التَّسَلْسُلِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَفِي هَذَا التَّقْرِيرِ نَظَرٌ) أَيْ فِي تَقْرِيرِ ابْتِنَاءِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى الْجُزْءِ الَّذِي لَا يَتَجَزَّأُ وَلَعَلَّ وَجْهَ النَّظَرِ مِنْ حَيْثُ التَّعْبِيرُ بِالنَّجَاسَةِ، فَإِنَّا إذَا قُلْنَا بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ، فَإِنْ كَانَ الْحَوْضُ صَغِيرًا يُحْكَمُ بِنَجَاسَتِهِ عِنْدَنَا أَيْضًا، وَإِنْ كَانَ غَدِيرًا يَلْزَمُ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ حُكْمُ الْجَارِي عِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ وَأَنَّهُ لَوْ وَقَعَتْ فِيهِ قَطْرَةُ بَوْلٍ يَكُونُ الْحَوْضُ نَجِسًا لِمُجَاوَرَةِ الْمَاءِ لِلنَّجَاسَةِ، وَهَلْ هُمْ يَقُولُونَ بِذَلِكَ فَلْيُنْظَرْ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 مَا لَا دَمَ لَهُ؛ لِأَنَّ مَائِيَّ الْمَوْلِدِ لَا دَمَ لَهُ فَكَانَ الْأَنْسَبُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ حَيْثُ الِاخْتِصَارُ إلَّا أَنَّهُ يَرِدُ عَلَيْهِ مَا كَانَ مَائِيَّ الْمَوْلِدِ وَالْمَعَاشِ وَلَهُ دَمٌ سَائِلٌ، فَإِنَّهُ سَيَأْتِي أَنَّهُ لَا يَنْجُسُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مَعَ أَنَّ عِبَارَةَ الْمُصَنِّفِ بِخِلَافِهِ فَلِذَا فَرَّقَ فِي الْهِدَايَةِ بَيْنَهُمَا وَنَقَلَ فِي الْهِدَايَةِ خِلَافَ الشَّافِعِيِّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَكَذَا فِي الثَّانِيَةِ إلَّا فِي السَّمَكِ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ خِلَافِ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُولَى ضَعِيفٌ وَالصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّهُ كَقَوْلِنَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ. وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: لَا أَعْلَمُ أَنَّ فِيهِ خِلَافًا بَيْنَ الْفُقَهَاءِ مِمَّنْ تَقَدَّمَ الشَّافِعِيَّ، وَإِذَا حَصَلَ الْإِجْمَاعُ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ صَارَ حُجَّةً عَلَى مَا بَعْدَهُ اهـ. وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ مُوَافِقٌ لِغَيْرِهِ وَعَلَى تَقْدِيرِ مُخَالَفَتِهِ لَا يَكُونُ خَارِقًا لِلْإِجْمَاعِ فَقَدْ قَالَ بِقَوْلِهِ الْقَدِيمِ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ التَّابِعِيُّ الْجَلِيلُ كَمَا نَقَلَهُ الْخَطَّابِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ الْإِمَامُ التَّابِعِيُّ كَمَا نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ بِإِسْنَادِهِ إلَى أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ ثُمَّ لْيَنْزِعْهُ فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ دَاءً وَفِي الْآخَرِ شِفَاءً» وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيّ وَابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ «فَإِذَا وَقَعَ فِي الطَّعَامِ فَامْقُلُوهُ فِيهِ فَإِنَّهُ يُقَدِّمُ السُّمَّ وَيُؤَخِّرُ الشِّفَاءَ» وَمَعْنَى اُمْقُلُوهُ اغْمِسُوهُ وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ أَنَّ الطَّعَامَ قَدْ يَكُونُ حَارًّا فَيَمُوتُ بِالْغَمْسِ فِيهِ فَلَوْ كَانَ يُفْسِدُهُ لَمَا أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِغَمْسِهِ لِيَكُونَ شِفَاءً لَنَا إذَا أَكَلْنَاهُ، وَإِذَا ثَبَتَ الْحُكْمُ فِي الذُّبَابِ ثَبَتَ فِي غَيْرِهِ مِمَّا هُوَ بِمَعْنَاهُ كَالْبَقِّ وَالزَّنَابِيرِ وَالْعَقْرَبِ وَالْبَعُوضِ وَالْجَرَادِ وَالْخُنْفُسَاءِ وَالنَّحْلِ وَالنَّمْلِ وَالصَّرْصَرِ وَالْجِعْلَانِ وَبَنَاتِ وَرْدَانَ وَالْبُرْغُوثِ وَالْقُمَّلِ إمَّا بِدَلَالَةِ النَّصِّ أَوْ بِالْإِجْمَاعِ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ قَالَ الْإِمَامُ الْخَطَّابِيُّ: وَقَدْ تَكَلَّمَ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ وَقَالَ كَيْفَ يَجْتَمِعُ الدَّوَاءُ وَالشِّفَاءُ فِي جَنَاحَيْ الذُّبَابَةِ وَكَيْفَ تَعْلَمُ ذَلِكَ حَتَّى تُقَدِّمَ جَنَاحَ الدَّاءِ قَالَ: وَهَذَا سُؤَالُ جَاهِلٍ أَوْ مُتَجَاهِلٍ وَاَلَّذِي يَجِدُ نَفْسَهُ وَنُفُوسَ عَامَّةِ الْحَيَوَانِ قَدْ جُمِعَ فِيهَا الْحَرَارَةُ وَالْبُرُودَةُ وَالرُّطُوبَةُ وَالْيُبُوسَةُ، وَهِيَ أَشْيَاءُ مُتَضَادَّةٌ إذَا تَلَاقَتْ تَفَاسَدَتْ ثُمَّ يَرَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَلَّفَ بَيْنَهَا وَجَعَلَهَا سَبَبًا لِبَقَاءِ الْحَيَوَانِ وَصَلَاحِهِ لَجَدِيرٌ أَنْ لَا يُنْكِرَ اجْتِمَاعَ الدَّاءِ وَالدَّوَاءِ فِي جُزْأَيْنِ مِنْ حَيَوَانٍ وَاحِدٍ وَأَنَّ الَّذِي أَلْهَمَ النَّحْلَةَ اتِّخَاذَ بَيْتٍ عَجِيبِ الصَّنْعَةِ وَتَعْسِلُ فِيهِ وَأَلْهَمَ النَّمْلَةَ كَسْبَ قُوتِهَا وَادِّخَارَهُ لِأَوَانِ حَاجَتِهَا إلَيْهِ هُوَ الَّذِي خَلَقَ الذُّبَابَةَ وَجَعَلَ لَهَا الْهِدَايَةَ إلَى أَنْ تُقَدِّمَ جَنَاحًا وَتُؤَخِّرَ آخَرَ لِمَا أَرَادَ اللَّهُ مِنْ الِابْتِلَاءِ الَّذِي هُوَ مَدْرَجَةُ التَّعَبُّدِ وَالِامْتِحَانِ الَّذِي هُوَ مِضْمَارُ التَّكْلِيفِ وَلَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ حِكْمَةٌ وَعِلْمٌ وَمَا يَذَّكَّرُ إلَّا أَوَّلُو الْأَلْبَابِ اهـ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْمُرَادُ بِهِ دَاءُ الْكِبْرِ وَالتَّرَفُّعِ عَنْ اسْتِبَاحَةِ مَا أَبَاحَتْهُ الشَّرِيعَةُ الْمُطَهَّرَةُ وَأَحَلَّتْهُ السُّنَّةُ الْمُعَظَّمَةُ فَأَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَقْلِهِ دَفْعًا لِلتَّكَبُّرِ وَالتَّرَفُّعِ، وَهَذَا ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يُخْرِجُ الْجَنَاحَيْنِ وَالشِّفَاءَ عَنْ الْفَائِدَةِ كَذَا ذَكَرَهُ السِّرَاجُ الْهِنْدِيُّ. وَاسْتَدَلَّ مَشَايِخُنَا أَيْضًا عَلَى أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ بِمَا عَنْ سَلْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «قَالَ يَا سَلْمَانُ كُلُّ طَعَامٍ وَشَرَابٍ وَقَعَتْ فِيهِ دَابَّةٌ لَيْسَ لَهَا دَمٌ فَمَاتَتْ فِيهِ فَهُوَ حَلَالٌ أَكْلُهُ وَشُرْبُهُ وَوُضُوءُهُ» قَالَ الزَّيْلَعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْمَخْرَجُ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَقَالَ لَمْ يَرْوِهِ إلَّا بَقِيَّةُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الزُّبَيْدِيِّ، وَهُوَ ضَعِيفٌ وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ وَأَعَلَّهُ بِسَعِيدٍ هَذَا وَقَالَ هُوَ شَيْخٌ مَجْهُولٌ وَحَدِيثٌ غَيْرُ مَحْفُوظٍ اهـ. قَالَ الْعَلَّامَةُ: فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَدُفِعَا بِأَنَّ بَقِيَّةَ هَذَا هُوَ ابْنُ الْوَلِيدِ رَوَى عَنْهُ الْأَئِمَّةُ مِثْلُ الْحَمَّادَيْنِ وَابْنِ الْمُبَارَكِ وَيَزِيدَ بْنِ هَارُونَ وَابْنِ عُيَيْنَةَ وَوَكِيعٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ وَشُعْبَةَ وَنَاهِيك بِشُعْبَةَ وَاحْتِيَاطِهِ قَالَ يَحْيَى كَانَ شُعْبَةُ مُبَجِّلًا لَبَقِيَّةَ حَيْثُ قَدِمَ بَغْدَادَ وَقَدْ رَوَى لَهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ، وَأَمَّا سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ هَذَا فَذَكَرَهُ الْخَطِيبُ وَقَالَ اسْمُ أَبِيهِ عَبْدُ الْجَبَّارِ، وَكَانَ ثِقَةً فَانْتَفَتْ الْجَهَالَةُ   [منحة الخالق] [مَوْتُ حَيَوَانٍ لَيْسَ لَهُ دَمٌ سَائِلٌ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ] (قَوْلُهُ: إلَّا أَنَّهُ يَرِدُ عَلَيْهِ مَا كَانَ مَائِيَّ الْمَوْلِدِ وَالْمَعَاشِ وَلَهُ دَمٌ سَائِلٌ) إلَّا يُرَادُ بِنَاءً عَلَى ظَاهِرِ مَا سَيَأْتِي عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَيْثُ يُفِيدُ أَنَّ مَائِيَّ الْمَوْلِدِ قَدْ يَكُونُ لَهُ دَمٌ سَائِلٌ، وَأَمَّا عَلَى مَا قَدَّمَهُ آنِفًا وَمَا سَيَأْتِي عَنْ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ فَلَا وُرُودَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 وَالْحَدِيثُ مَعَ هَذَا لَا يَنْزِلُ عَنْ الْحَسَنِ اهـ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ:؛ وَلِأَنَّ الْمُنَجِّسَ اخْتِلَاطُ الدَّمِ الْمَسْفُوحِ بِأَجْزَائِهِ عِنْدَ الْمَوْتِ حَتَّى حَلَّ الْمُذَكَّى لِانْعِدَامِ الدَّمِ فِيهِ وَلَا دَمَ فِيهَا وَالْحُرْمَةُ لَيْسَتْ مِنْ ضَرُورَتِهَا النَّجَاسَةُ كَالطِّينِ وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ ذَبِيحَةَ النَّجَاسَةِ وَمَتْرُوكَ التَّسْمِيَةِ عَامِدًا، فَإِنَّهَا نَجِسَةٌ مَعَ زَوَالِ الدَّمِ الْمَسْفُوحِ وَذَبِيحَةُ الْمُسْلِمِ إذَا لَمْ يَسِلْ مِنْهَا الدَّمُ الْعَارِضُ بِأَنْ أُكِلَتْ وَرَقَ الْعُنَّابِ، فَإِنَّهَا حَلَالٌ مَعَ أَنَّ الدَّمَ لَمْ يَسِلْ. وَأَجَابَ الْأَكْمَلُ وَغَيْرُهُ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْقِيَاسَ الطَّهَارَةُ كَالْمُسْلِمِ إلَّا أَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ أَخْرَجَهُ عَنْ أَهْلِيَّةِ الذَّبْحِ فَذَبْحُهُ كَلَا ذَبْحٍ وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ الشَّارِعَ أَقَامَ الْأَهْلِيَّةَ وَاسْتِعْمَالَ آلَةِ الذَّبْحِ مُقَامَ الْإِسَالَةِ لِإِتْيَانِهِ بِمَا هُوَ دَاخِلٌ تَحْتَ قُدْرَتِهِ وَلَا يُعْتَبَرُ بِالْعَوَارِضِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْقَوَاعِدِ الْأَصْلِيَّةِ. وَأَجَابَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ بِأَنَّ ذَبِيحَةَ الْمَجُوسِيِّ وَالْوَثَنِيِّ وَتَارِكِ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا طَاهِرًا عَلَى الْأَصَحِّ، وَإِنْ لَمْ تُؤْكَلْ لِعَدَمِ أَهْلِيَّةِ الذَّابِحِ وَعَزَاهُ إلَى الْمُجْتَبَى ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ قِيلَ لَوْ كَانَ الْمُنَجِّسُ هُوَ الدَّمَ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الدَّمَوِيُّ مِنْ الْحَيَوَانِ نَجِسًا سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الْحَيَاةِ أَوْ بَعْدَهَا؛ لِأَنَّهُ يَشْتَمِلُ عَلَى الدَّمِ فِي كِلْتَا الْحَالَتَيْنِ قُلْنَا الدَّمُ حَالَ الْحَيَاةِ فِي مَعْدِنِهِ وَالدَّمُ فِي مَعْدِنِهِ لَا يَكُونُ نَجِسًا بِخِلَافِ الَّذِي بَعْدَ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّ الدِّمَاءَ بَعْدَ الْمَوْتِ تَنْصَبُّ عَنْ مَجَارِيهَا فَلَا تَبْقَى فِي مَعَادِنِهَا فَيَتَنَجَّسُ اللَّحْمُ بِتَشَرُّبِهِ إيَّاهَا وَلِهَذَا لَوْ قُطِعَتْ الْعُرُوقُ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا يَسِيلُ الدَّمُ مِنْهَا وَفِي صَلَاةِ الْبَقَّالِي لَوْ مَصَّ الْبَقُّ الدَّمَ لَمْ يُنَجَّسْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَعَارٌ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُنَجِّسُهُ وَفِي جَمْعِ الْخِلَافِ عَلَى الْعَكْسِ وَالْأَصَحُّ فِي الْعَلَقِ إذَا مَصَّ الدَّمَ أَنَّهُ يُفْسِدُ الْمَاءَ قَالَ صَاحِبُ الْمُجْتَبَى: وَمِنْ هَذَا يُعْرَفُ حُكْمُ الْقُرَادِ وَالْحَلَمِ اهـ. ، وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ مِنْ خِلَافِ الشَّافِعِيِّ فِي الثَّانِيَةِ فَصَحِيحٌ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ مَا يَعِيشُ فِي الْبَحْرِ مِمَّا لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ إنْ كَانَ مَأْكُولًا فَمَيْتَتُهُ طَاهِرَةٌ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَا يُنَجِّسُ الْمَاءَ وَمَا لَا يُؤْكَلُ كَالضُّفْدَعِ وَكَذَا غَيْرُهُ إنْ قُلْنَا لَا يُؤْكَلُ، فَإِذَا مَاتَ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ أَوْ مَائِعٍ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ نَجَّسَهُ لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا اهـ. اسْتَدَلَّ لِلْمَذْهَبِ فِي الْهِدَايَةِ بِقَوْلِهِ، وَلَنَا أَنَّهُ مَاتَ فِي مَعِدَتِهِ فَلَا يُعْطَى لَهُ حُكْمُ النَّجَاسَةِ كَبَيْضَةٍ حَالَ مُحُّهَا دَمًا لِأَنَّهُ لَا دَمَ فِيهَا إذْ الدَّمَوِيُّ لَا يَسْكُنُ الْمَاءَ وَالدَّمُ هُوَ الْمُنَجَّسُ، وَفِي غَيْرِ الْمَاءِ قِيلَ غَيْرُ السَّمَكِ يُفْسِدُهُ لِانْعِدَامِ الْمَعْدِنِ، وَقِيلَ لَا يُفْسِدُهُ لِعَدَمِ الدَّمِ هُوَ الْأَصَحُّ اهـ. كَقَوْلِهِ كَبَيْضَةٍ حَالَ مُحُّهَا بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ فِيهِمَا أَيْ تَغَيَّرَ صُفْرَتُهَا دَمًا حَتَّى لَوْ صَلَّى، وَفِي كُمِّهِ تِلْكَ الْبَيْضَةُ تَجُوزُ صَلَاتُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ صَلَّى وَفِي كُمِّهِ قَارُورَةُ دَمٍ حَيْثُ لَا تَجُوزُ؛ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ فِي غَيْرِ مَعْدِنِهَا وَعُمُومُ قَوْلِهِ مَاتَ فِي مَعْدِنِهِ يَقْتَضِي أَنْ لَا يُعْطِيَ لِلْوُحُوشِ وَالطُّيُورِ حُكْمَ النَّجَاسَةِ إذَا مَاتَتْ فِي مَعْدِنِهَا؛ لِأَنَّ مَعْدِنَهَا الْبِرُّ وَلِهَذَا جَعَلَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ تَعْلِيلَ قَوْلِهِ لَا دَمَ فِيهَا أَصَحُّ قَالَ لَيْسَ لِهَذِهِ الْحَيَوَانَاتِ دَمٌ سَائِلٌ، فَإِنَّ مَا فِيهَا يَبْيَضُّ بِالشَّمْسِ وَالدَّمُ إذَا شُمِّسَ يَسْوَدُّ، وَكَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَتَعَقَّبَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّ كَوْنَ الْبَرِّيَّةِ مَعْدِنًا لِلسَّبُعِ مَحَلُّ تَأَمُّلٍ فِي مَعْنَى مَعْدِنِ الشَّيْءِ وَاَلَّذِي يُفْهَمُ مِنْهُ مَا يَتَوَلَّدُ مِنْهُ الشَّيْءُ، وَعَلَى التَّعْلِيلِ الْأَوَّلِ فَرْعُ مَا لَوْ وَقَعَتْ الْبَيْضَةُ مِنْ الدَّجَاجَةِ فِي الْمَاءِ رَطْبَةً أَوْ يَبِسَتْ لَا يَتَنَجَّسُ الْمَاءُ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ فِي مَعْدِنِهَا وَكَذَا السَّخْلَةُ إذَا سَقَطَتْ مِنْ أُمِّهَا رَطْبَةً أَوْ يَبِسَتْ لَا تُنَجِّسُ الْمَاءَ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ فِي مَعْدِنِهَا ثُمَّ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَمُوتَ فِي الْمَاءِ أَوْ خَارِجَهُ ثُمَّ يَنْتَقِلُ إلَيْهِ فِي الصَّحِيحِ وَرَوَى عَنْ مُحَمَّدٍ إذَا تَفَتَّتَ الضُّفْدَعُ فِي الْمَاءِ كَرِهْت شُرْبَهُ لَا لِلنَّجَاسَةِ بَلْ لِحُرْمَةِ لَحْمِهِ وَقَدْ صَارَتْ أَجْزَاؤُهُ فِي الْمَاءِ، وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّ كَرَاهَةَ شُرْبِهِ تَحْرِيمِيَّةٌ وَبِهِ صَرَّحَ فِي التَّنْجِيسِ فَقَالَ: يَحْرُمُ شُرْبُهُ. وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خان، فَإِنْ كَانَتْ الْحَيَّةُ أَوْ الضُّفْدَعُ عَظِيمَةً لَهَا دَمٌ سَائِلٌ تُفْسِدُ الْمَاءَ وَكَذَا الْوَزَغَةُ الْكَبِيرَةُ فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ الَّذِي يَعِيشُ فِي الْمَاءِ هُوَ الَّذِي يَكُونُ تَوَالُدُهُ وَمَأْوَاهُ فِيهِ سَوَاءٌ كَانَتْ لَهَا نَفْسٌ سَائِلَةٌ أَوْ لَمْ تَكُنْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا كَانَ لَهَا دَمٌ سَائِلٌ أَوْجَبَ التَّنْجِيسِ اهـ. وَكَذَا ذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الْحَيَاةِ) أَيْ قَبْلَ زَوَالِ الْحَيَاةِ فَهُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ وَالْأَمْرُ سَهْلٌ (قَوْلُهُ: وَفِي جَمْعِ الْخِلَافِ عَلَى الْعَكْسِ) هَكَذَا النُّسَخُ الَّتِي رَأَيْنَاهَا وَلَكِنَّ الَّذِي فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَفِي جَمْعِ التَّفَارِيقِ الْخِلَافُ إلَخْ فَالْخِلَافُ مُبْتَدَأٌ لَا مُضَافٌ إلَيْهِ جَمْعٌ فَكَأَنَّهُ سَقَطَ مِنْ قَلَمِ الشَّارِحِ لَفْظَةُ التَّفَارِيقِ وَكَأَنَّ نُسْخَتَهُ مُحَرَّفَةٌ (قَوْلُهُ: وَمِنْ هَذَا يُعْرَفُ حُكْمُ الْقُرَادِ وَالْحَلَمِ) جَمْعُ حَلَمَةٍ مُحَرَّكَةٍ، وَهِيَ دُودَةٌ تَقَعُ فِي جِلْدِ الشَّاةِ فَإِذَا دُبِغَ يَكُونُ ذَلِكَ الْمَوْضِعُ دَقِيقًا مُدَارَى عَنْ جَامِعِ اللُّغَةِ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ مِنْ خِلَافِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الثَّانِيَةِ) أَيْ مَسْأَلَةُ مَوْتِ مَا يَعِيشُ فِي الْمَاءِ، وَهَذَا مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ خِلَافِ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُولَى ضَعِيفٌ. (قَوْلُهُ: وَاَلَّذِي يُفْهَمُ مِنْهُ مَا يَتَوَلَّدُ مِنْهُ الشَّيْءُ) كَوْنُ هَذَا الْمَعْنَى مُرَادًا فِي هَذَا الْمَحَلِّ مَوْضِعُ تَأَمُّلٍ فَتَأَمَّلْ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ فِي بَعْضِ نُسَخِ فَتْحِ الْقَدِيرِ سَقْطًا وَاَلَّذِي رَأَيْته فِي نُسْخَةٍ أُخْرَى مَا نَصُّهُ وَاَلَّذِي يُفْهَمُ مِنْهُ مَا يَتَوَلَّدُ مِنْهُ الشَّيْءُ فِي غَيْرٍ ذِي الرُّوحِ، وَفِيهِ مَا هُوَ مُفْرَدٌ بِحَيْثُ لَا يَسْتَطِيعُ الِانْفِصَالَ اهـ. فَقَوْلُهُ وَفِيهِ أَيْ فِي ذِي الرُّوحِ وَبِهِ يَظْهَرُ الْمُرَادُ تَأَمَّلْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 فَمَا فِي الْفَتَاوَى عَلَى غَيْرِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَاخْتُلِفَ فِي طَيْرِ الْمَاءِ فَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ أَنَّهُ يُنَجِّسُ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَيَّشُ فِي الْمَاءِ وَلَا يَعِيشُ فِيهِ وَفِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَاضِي خان وَطَيْرِ الْمَاءِ إذَا مَاتَ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ يُفْسِدُهُ هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَإِنْ مَاتَ فِي غَيْرِ الْمَاءِ يُفْسِدُهُ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ؛ لِأَنَّ لَهُ دَمًا سَائِلًا، وَهُوَ بَرِّيُّ الْأَصْلِ مَائِيُّ الْمَعَاشِ وَالْمَائِيُّ مَا كَانَ تَوَالُدُهُ وَمَعَاشُهُ فِي الْمَاءِ اهـ. وَطَيْرُ الْمَاءِ كَالْبَطِّ وَالْإِوَزِّ وَفِي الْمُجْتَبَى الصَّحِيحُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي مَوْتِ طَيْرِ الْمَاءِ فِيهِ أَنَّهُ لَا يُنَجِّسُهُ وَقِيلَ إنْ كَانَ يُفَرِّحُ فِي الْمَاءِ لَا يُفْسِدُهُ، وَإِلَّا فَيَفْسُدُ اهـ. فَقَدْ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ فِي طَيْرِ الْمَاءِ كَمَا تَرَى وَالْأَوْجَهُ مَا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ كَمَا لَا يَخْفَى وَفِي الْكَلْبِ الْمَائِيِّ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ لَكِنْ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ الْكَلْبُ الْمَائِيُّ وَالْخِنْزِيرُ الْمَائِيُّ إذَا مَاتَ فِي الْمَاءِ أَجْمَعُوا أَنَّهُ لَا يُفْسِدُ الْمَاءَ اهـ. فَكَأَنَّهُ لَمْ يُعْتَبَرْ الْقَوْلُ الضَّعِيفُ كَمَا لَا يَخْفَى وَقَدْ وَقَعَ لِصَاحِبِ الْهِدَايَةِ هُنَا وَفِي بَحْثِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ التَّعْلِيلُ بِالْعَدَمِ وَوَجْهُ تَصْحِيحِهِ أَنَّ الْعِلَّةَ مُتَّحِدَةٌ، وَهِيَ الدَّمُ، وَهُوَ فِي مِثْلِهِ يَجُوزُ كَقَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي وَلَدِ الْمَغْصُوبِ لَمْ يُضْمَنْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُغْصَبْ كَذَا فِي الْكَافِي وَتَوْضِيحُهُ أَنَّ عَدَمَ الْعِلَّةِ لَا يُوجِبُ عَدَمَ الْحُكْمِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ مَعْلُولًا بِعِلَلٍ شَتَّى إلَّا أَنَّ الْعِلَّةَ إذَا كَانَتْ مُتَعَيِّنَةً يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهَا عَدَمُ الْمَعْلُولِ لِتَوَقُّفِهِ عَلَى وُجُودِهَا وَهُنَا كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّجِسَ هُوَ الدَّمُ الْمَفْسُوحُ لَا غَيْرَ وَلَا دَمَ لِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْحَرَارَةَ لَازِمَةُ الدَّمِ وَالْبُرُودَةُ لَازِمَةُ الْمَاءِ، وَهُمَا نَقِيضَانِ فَلَوْ كَانَ لَهَا دَمٌ لَمَاتَتْ بِدَوَامِ السُّكُونِ فِي الْمَاءِ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَفِي الْهِدَايَةِ وَالضُّفْدَعُ الْبَرِّيُّ وَالْبَحْرِيُّ سَوَاءٌ وَقِيلَ الْبَرِّيُّ يُفْسِدُ لِوُجُودِ الدَّمِ وَعَدَمِ الْمَعْدِنِ وَقِيلَ لَا يُفْسِدُهُ قَالَ الشَّارِحُونَ: الضُّفْدَعُ الْبَحْرِيُّ هُوَ مَا يَكُونُ بَيْنَ أَصَابِعِهِ سُتْرَةٌ بِخِلَافِ الْبَرِّيِّ وَصُحِّحَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا لَكِنَّ مَحَلَّهُ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْبَرِّيِّ دَمٌ أَمَّا إذَا كَانَ لَهُ دَمٌ سَائِلٌ فَإِنَّهُ يُفْسِدُهُ عَلَى الصَّحِيحِ كَذَا فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَالضِّفْدِعُ بِكَسْرِ الدَّالِ وَالْأُنْثَى ضِفْدِعَةٌ وَنَاسٌ يَقُولُونَ ضِفْدَعٌ بِفَتْحِ الدَّالِ، وَهُوَ لُغَةٌ ضَعِيفَةٌ وَكَسْرُ الدَّالِ أَفْصَحُ وَالْبَقُّ كِبَارُ الْبَعُوضِ وَاحِدُهُ بَقَّةٌ وَقَدْ يُسَمَّى بِهِ الْفُسْفُسُ فِي بَعْضِ الْجِهَاتِ وَهُوَ حَيَوَانٌ كَالْقُرَادِ شَدِيدُ النَّتْنِ كَذَا فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَالزُّنْبُورُ بِالضَّمِّ وَسُمِّيَ الذُّبَابُ ذُبَابًا؛ لِأَنَّهُ كُلَّمَا ذُبَّ آبَ أَيْ كُلَّمَا طُرِدَ رَجَعَ وَفِي النِّهَايَةِ وَأَشَارَ الطَّحَاوِيُّ إلَى أَنَّ الطَّافِيَ مِنْ السَّمَكِ فِي الْمَاءِ يُفْسِدُهُ، وَهُوَ غَلَطٌ مِنْهُ فَلَيْسَ فِي الطَّافِي أَكْثَرُ فَسَادًا مِنْ أَنَّهُ غَيْرُ مَأْكُولٍ فَهُوَ كَالضُّفْدَعِ اهـ. وَاعْلَمْ أَنَّ كُلَّ مَا لَا يُفْسِدُ الْمَاءَ لَا يُفْسِدُ غَيْرَ الْمَاءِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَالتُّحْفَةِ وَالْأَشْبَهُ بِالْفِقْهِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ لَكِنْ يَحْرُمُ أَكْلُ هَذِهِ الْحَيَوَانَاتِ الْمَذْكُورَةِ مَا عَدَا السَّمَكِ الْغَيْرِ الطَّافِي لِفَسَادِ الْغِذَاءِ وَخُبْثِهِ مُتَفَسِّخًا أَوْ غَيْرَهُ وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ عَنْ التَّجْنِيسِ. (قَوْلُهُ: وَالْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ لِقُرْبَةٍ أَوْ رَفْعِ حَدَثٍ إذَا اسْتَقَرَّ فِي مَكَان طَاهِرٌ لَا مُطَهِّرٌ) اعْلَمْ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ يَقَعُ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ: الْأَوَّلُ فِي سَبَبِهِ وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ لِقُرْبَةٍ أَوْ رَفْعِ حَدَثٍ الثَّانِي فِي وَقْتِ ثُبُوتِهِ وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ إذَا اسْتَقَرَّ فِي مَكَانِ الثَّالِثُ فِي صِفَتِهِ وَقَدْ بَيَّنَهَا بِقَوْلِهِ طَاهِرٌ الرَّابِعُ فِي حُكْمِهِ وَقَدْ بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ لَا مُطَهِّرَ وَالزَّيْلَعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَدْرَجَ الْحُكْمَ فِي الصِّفَةِ وَجَعَلَ قَوْلَهُ طَاهِرٌ لَا مُطَهِّرَ بَيَانًا لِصِفَتِهِ وَالْأَوْلَى مَا أَسْمَعْتُك تَبَعًا لِمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَقَدْ ذَكَرَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْجُرْجَانِيُّ أَنَّهُ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا بِإِقَامَةِ الْقُرْبَةِ بِأَنْ يَنْوِيَ الْوُضُوءَ عَلَى الْوُضُوءِ حَتَّى يَصِيرَ عِبَادَةً أَوْ بِرَفْعِ الْحَدَثِ بِأَنْ تَوْضَأَ الْمُحْدِثُ لِلتَّبَرُّدِ أَوْ لِلتَّعْلِيمِ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ خِلَافًا. وَقَالَ: إنَّهُ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا بِإِقَامَةِ الْقُرْبَةِ أَوْ رَفْعِ الْحَدَثِ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بِإِقَامَةِ الْقُرْبَةِ لَا غَيْرُ اسْتِدْلَالًا بِمَسْأَلَةِ الْجُنُبِ إذَا انْغَمَسَ فِي الْبِئْرِ لِطَلَبِ الدَّلْوِ فَقَالَ مُحَمَّدٌ الْمَاءُ طَاهِرٌ طَهُورٌ لِعَدَمِ إقَامَةِ الْقُرْبَةِ فَلَوْ تَوَضَّأَ مُحْدِثًا بِنِيَّةِ الْقُرْبَةِ صَارَ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا بِالْإِجْمَاعِ، وَلَوْ تَوَضَّأَ أَوْ مُتَوَضِّئٌ لِلتَّبَرُّدِ لَا يَصِيرُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: فَمَا فِي الْفَتَاوَى عَلَى غَيْرِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ) قَالَ الشَّيْخُ خَيْرُ الدِّينِ الرَّمْلِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَقُولُ: إنْ أَرَادَ الْمَذْكُورَ هُنَا الْمَنْقُولَ عَنْ قَاضِي خان فَلَيْسَ فِيهِ مَا يُخَالِفُ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ إذْ كَلَامُهُ فِي الْحَيَّةِ وَالضُّفْدَعِ الْبَرِّيَّيْنِ لَا الْمَائِيِّ وَسَيَأْتِي فِيهِ التَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ (قَوْلُهُ: وَقَدْ وَقَعَ لِصَاحِبِ الْهِدَايَةِ هُنَا وَفِي بَحْثِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ التَّعْلِيلُ بِالْعَدَمِ) وَذَلِكَ حَيْثُ قَالَ هُنَا وَفِي غَيْرِ الْمَاءِ قِيلَ غَيْرُ السَّمَكِ يُفْسِدُهُ لِانْعِدَامِ الْمَعْدِنِ وَقِيلَ لَا يُفْسِدُهُ لِعَدَمِ الدَّمِ وَفِي بَحْثِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ عَلَّلَ فِي مَسْأَلَةِ الْبِئْرِ بِقَوْلِهِ لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الصَّبِّ وَقَوْلُهُ لِعَدَمِ نِيَّةِ التَّقَرُّبِ قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ هُنَا قَوْلُهُ لِانْعِدَامِ الْمَعْدِنِ فِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّعْلِيلُ عَلَى وُجُودِ الشَّيْءِ بِالْعَدَمِ وَقِيلَ لَا يُفْسِدُهُ لِعَدَمِ الدَّمِ وَفِيهِ أَيْضًا نَظَرٌ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْحِيلَةِ لَا يُوجِبُ عَدَمَ الْحُكْمِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ مَعْلُولًا بِعِلَلٍ شَتَّى إلَخْ. [الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ] (قَوْلُهُ: أَمَّا الْأَوَّلُ فَقَدْ ذَكَرَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْجُرْجَانِيُّ أَنَّهُ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا إلَخْ) أَيْ فَيَكُونُ سَبَبُ الِاسْتِعْمَالِ أَخَذَ الْأَمْرَيْنِ الْمَذْكُورِينَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 مُسْتَعْمَلًا بِالْإِجْمَاعِ، وَلَوْ تَوَضَّأَ الْمُحْدِثُ لِلتَّبَرُّدِ صَارَ مُسْتَعْمَلًا عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ، وَلَوْ تَوَضَّأَ الْمُتَوَضِّئُ بِنِيَّةِ الْقُرْبَةِ صَارَ مُسْتَعْمَلًا عِنْدَ الثَّلَاثَةِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ التَّعْلِيلُ لِمُحَمَّدٍ بِعَدَمِ إقَامَةِ الْقُرْبَةِ لَيْسَ بِقَوِيٍّ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَرْوِيٍّ عَنْهُ وَالصَّحِيحُ عِنْدَهُ أَنَّ إزَالَةَ الْحَدَثِ بِالْمَاءِ مُفْسِدَةٌ لَهُ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ كَالْجُنُبِ يَدْخُلُ الْبِئْرَ لِطَلَبِ الدَّلْوِ وَمِنْ شَرْطِ نِيَّةِ الْقُرْبَةِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ اسْتَدَلَّ بِمَسْأَلَةِ الْبِئْرِ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ إنَّمَا لَمْ يَصِرْ مُسْتَعْمَلًا لِلضَّرُورَةِ لَا؛ لِأَنَّ الْمَاءَ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا بِإِزَالَةِ الْحَدَثِ، فَصَارَ كَمَا لَوْ أَدْخَلَ الْجُنُبُ أَوْ الْحَائِضُ أَوْ الْمُحْدِثُ يَدَهُ فِي الْمَاءِ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا لِلضَّرُورَةِ وَالْقِيَاسُ أَنْ يُصَيِّرَهُ مُسْتَعْمَلًا عِنْدَهُمْ لِإِزَالَةِ الْحَدَثِ وَلَكِنْ سَقَطَ لِلْحَاجَةِ اهـ. وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ الْعَلَّامَةُ كَمَالُ الدِّينِ بْنُ الْهُمَامِ وَالْإِمَامُ الزَّيْلَعِيُّ وَصَرَّحَ فِي الْبَدَائِعِ أَنَّ الْخِلَافَ لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُمْ نَصَّا، وَإِنَّمَا مَسَائِلُهُمْ تَدُلُّ عَلَيْهِ وَكَذَا فِي الْمُحِيطِ لَكِنْ قَالَ: وَهَذَا الْخِلَافُ صَحِيحٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ تَغَيُّرَ الْمَاءِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ بِاعْتِبَارِ إقَامَةِ الْقُرْبَةِ بِهِ لَا بِاعْتِبَارِ تَحَوُّلِ نَجَاسَةٍ حُكْمِيَّةٍ إلَى الْمَاءِ وَعِنْدَهُمَا تَغَيُّرُ الْمَاءِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ تُحَوَّلُ إلَيْهِ نَجَاسَةٌ حُكْمِيَّةٌ، وَفِي الْحَالَيْنِ تُحَوَّلُ إلَى الْمَاءِ نَجَاسَةٌ حُكْمِيَّةٌ فَأَوْجَبَ تَغَيُّرَهُ اهـ. وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الْخِلَافِ مَا نَقَلَهُ فِي الْمُحِيطِ وَالْخُلَاصَةِ وَكَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ وَعَزَاهُ الْهِنْدِيُّ إلَى صَلَاةِ الْأَثَرِ لِمُحَمَّدٍ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا أَخَذَ الْمَاءَ بِفَمِهِ، وَهُوَ جُنُبٌ وَلَا يُرِيدُ الْمَضْمَضَةَ فَغَسَلَ يَدَهُ بِهِ أَجْزَأَهُ عَنْ غَسْلِ الْيَدِ وَلَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِعَدَمِ قَصْدِ الْقُرْبَةِ، وَإِنْ زَالَ الْحَدَثُ عَنْ الْفَمِ لَكِنْ يُقَالُ مِنْ جِهَةِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ إنَّ مُحَمَّدًا إنَّمَا لَمْ يَقُلْ بِالِاسْتِعْمَالِ لِلضَّرُورَةِ؛ لِأَنَّ إزَالَةَ الْحَدَثِ لَا تُوجِبُ الِاسْتِعْمَالَ، وَقَدْ عَلَّلَ بِهِ فِي الْمُحِيطِ فَقَالَ لَمْ يَحْكُمْ بِاسْتِعْمَالِ الْمَاءِ لِلضَّرُورَةِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ الَّذِي نَعْقِلُهُ أَنَّ كُلًّا مِنْ التَّقَرُّبِ الْمَاحِي لِلسَّيِّئَاتِ وَالْإِسْقَاطِ مُؤَثِّرٌ فِي التَّغَيُّرِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ انْفَرَدَ وَصْفُ التَّقَرُّبِ فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ، وَأَثَّرَ التَّغَيُّرُ حَتَّى حَرُمَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ رَأَيْنَا الْأَثَرَ عِنْدَ ثُبُوتِ وَصْفِ الْإِسْقَاطِ مَعَهُ غَيْرَ ذَلِكَ، وَهُوَ أَشَدُّ فَحَرُمَ عَلَى قَرَابَتِهِ النَّاصِرَةِ لَهُ فَعَرَفْنَا أَنَّ لِلْأَثَرِ تَغَيُّرًا شَرْعِيًّا وَبِهَذَا يَبْعُدُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ إنَّهُ التَّقَرُّبُ فَقَطْ إلَّا أَنْ يَمْنَعَ كَوْنَ هَذَا مَذْهَبَهُ كَمَا قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ. اهـ. وَلَوْ غَسَلَ يَدَهُ لِلطَّعَامِ أَوْ مِنْهُ صَارَ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا؛ لِأَنَّهُ أَقَامَ بِهِ قُرْبَةً؛ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ، وَلَوْ غَسَلَ يَدَهُ مِنْ الْوَسَخِ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا لِعَدَمِ إزَالَةِ الْحَدَثِ وَإِقَامَةِ الْقُرْبَةِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَهَذَا التَّعْلِيلُ يُفِيدُ أَنَّهُ كَانَ مُتَوَضِّئًا وَلَا بُدَّ مِنْهُ كَمَا لَا يَخْفَى وَقَوْلُهُ فِيمَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ أَقَامَ قُرْبَةً يُفِيدُ أَنَّهُ قَصَدَ إقَامَةَ السُّنَّةِ فَلَوْ لَمْ يَقْصِدْهَا لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا، وَفِيهِ لَوْ وَصَلَتْ شَعْرَ آدَمِيٍّ إلَى ذُؤَابَتِهَا فَغَسَلَتْ ذَلِكَ الشَّعْرَ الْوَاصِلَ لَمْ يَصِرْ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا، وَلَوْ غَسَلَ رَأْسَ إنْسَانٍ مَقْتُولٍ قَدْ بَانَ مِنْهُ صَارَ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا؛ لِأَنَّ الرَّأْسَ إذَا وُجِدَ مَعَ الْبَدَنِ ضُمَّ إلَى الْبَدَنِ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْبَدَنِ وَالشَّعْرُ لَا يُضَمُّ مَعَ الْبَدَنِ فَبِالِانْفِصَالِ لَمْ يَبْقَ لَهُ حُكْمُ الْبَدَنِ فَلَا تَكُونُ غُسَالَتُهُ مُسْتَعْمَلَةً قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوِيهِ: وَهَذَا الْفَرْقُ يَأْتِي عَلَى الرِّوَايَةِ الْمُخْتَارَةِ إنَّ شَعْرَ الْآدَمِيِّ لَيْسَ بِنَجِسٍ أَمَّا عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى لَا يَتَأَتَّى، فَإِنَّهُ نَجِسٌ يُنَجِّسُ الْمَاءَ اهـ. وَفِي الْمُبْتَغَى وَغَيْرِهِ وَبِتَعْلِيمِ الْوُضُوءِ لِلنَّاسِ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا إذَا لَمْ يُرِدْ بِهِ الصَّلَاةَ بَلْ أَرَادَ تَعْلِيمَهُ اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ التَّعْلِيمَ قُرْبَةٌ فَإِذَا قَصَدَ إقَامَةَ الْقُرْبَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَصِيرَ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا كَغَسْلِ الْيَدَيْنِ لِلطَّعَامِ، فَإِنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ الصَّلَاةَ بَلْ إقَامَةَ الْقُرْبَةِ كَمَا لَا يَخْفَى وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي شَرْحِ النَّقْلِيَّةِ أَوَّلًا أَنَّ الْقُرْبَةَ مَا تَعَلَّقَ بِهِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ، وَهُوَ اسْتِحْقَاقُ الثَّوَابِ وَلَا شَكَّ أَنَّ فِي التَّعْلِيمِ الْمَقْصُودِ ثَوَابًا، وَقَدْ يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ هَذَا الْمَاءَ لَمْ يُسْتَعْمَلْ لِقُرْبَةٍ؛ لِأَنَّ الْقُرْبَةَ فِيهِ لَيْسَتْ بِسَبَبِ اسْتِعْمَالِهِ إنَّمَا هِيَ بِسَبَبِ تَعْلِيمِهِ؛ وَلِذَا لَوْ عَلَّمَهُ بِالْقَوْلِ اُسْتُغْنِيَ عَنْ هَذَا الْفِعْلِ بِخِلَافِ غَسْلِ الْيَدَيْنِ مِنْ الطَّعَامِ، فَإِنَّ الْقُرْبَةَ فِيهِ لَا تَحْصُلُ إلَّا بِاسْتِعْمَالِهِ فَافْتَرَقَا. وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ وَغُسَالَةُ الْمَيِّتِ نَجِسَةٌ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَالْإِسْقَاطُ مُؤَثِّرٌ فِي التَّغَيُّرِ) مَعْطُوفٌ عَلَى التَّقَرُّبِ (قَوْلُهُ: فَلَوْ لَمْ يَقْصِدْهَا لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا) فِي النَّهْرِ قَالَ وَعَلَيْهِ فَتَنْبَغِي اشْتِرَاطُهُ فِي كُلِّ سَنَةٍ كَغَسْلِ الْفَمِ وَالْأَنْفِ وَنَحْوِهِمَا وَفِي ذَلِكَ تَرَدُّدٌ اهـ. قَالَ الرَّمْلِيُّ أَقُولُ: لَا تَرَدُّدَ إذْ لَا مَانِعَ مِنْ اشْتِرَاطِهِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَكُنْ جُنُبًا وَقَصَدَ بِغَسْلِ الْأَنْفِ وَالْفَمِ وَنَحْوِهِمَا مُجَرَّدَ التَّنْظِيفِ وَإِزَالَةَ الدَّرَنِ وَالْوَسَخِ لَا إقَامَةَ الْقُرْبَةِ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا تَأَمَّلْ اهـ. وَقَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ النِّيَّةُ كَمَا تَكُونُ مُفَصَّلَةً تَكُونُ مُجْمَلَةً وَكَمَا تَكُونُ قَصْدِيَّةً تَكُونُ ضِمْنِيَّةً فَإِذَا نَوَى الْوُضُوءَ عَلَى وَجْهِ السُّنَّةِ دَخَلَ نَحْوُ ذَلِكَ فِيهِ ضِمْنًا وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الْبَحْرِ مَا يُعَيِّنُ التَّعْيِينَ لِكُلٍّ مِنْهَا عَلَى حِدَةٍ فَتَأَمَّلْهُ اهـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 كَذَا أَطْلَقَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ يَصِيرُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا وَلَا يَكُونُ نَجِسًا إلَّا أَنَّ مُحَمَّدًا إنَّمَا أَطْلَقَ نَجَاسَةَ الْمَاءِ؛ لِأَنَّ غُسَالَتَهُ لَا تَخْلُو عَنْ النَّجَاسَةِ غَالِبًا وَفِي الْخُلَاصَةِ أَمَّا إذَا تَوَضَّأَ الصَّبِيُّ فِي طَسْتٍ هَلْ يَصِيرُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا إذَا كَانَ الصَّبِيُّ عَاقِلًا. اهـ. وَقَدْ قَدَّمْنَا حُكْمَ مَا إذَا أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ فَلْتُرَاجَعْ. وَفِي الْخُلَاصَةِ، وَلَوْ أَخَذَ الْمَاءَ بِفَمِهِ لَا يُرِيدُ بِهِ الْمَضْمَضَةَ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَكَذَا لَوْ أَخَذَ بِفِيهِ وَغَسَلَ أَعْضَاءَهُ بِذَلِكَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَبْقَى طَهُورًا وَهُوَ الصَّحِيحُ اهـ. وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا وَأَمْثَالَهُ كَقَوْلِهِمْ فِيمَنْ أَدْخَلَ يَدَيْهِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ أَوْ إحْدَى رِجْلَيْهِ فِي إجَّانَةٍ يَصِيرُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا يُفِيدُ أَنَّ الْمَاءَ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا بِوَاحِدٍ مِنْ ثَلَاثَةٍ إمَّا بِإِزَالَةِ الْحَدَثِ كَانَ مَعَهُ تَقَرُّبٌ أَوْ لَا أَوْ إقَامَةُ الْقُرْبَةِ كَانَ مَعَهُ رَفْعُ حَدَثٍ أَوْ لَا أَوْ إسْقَاطُ الْفَرْضِ، فَإِنَّ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ لَمْ يَزُلْ الْحَدَثُ وَلَا الْجَنَابَةُ عَنْ الْعُضْوِ الْمَغْسُولِ لِمَا عُرِفَ أَنَّ الْحَدَثَ وَالْجَنَابَةَ لَا يَتَجَزَّآنِ زَوَالًا كَمَا لَا يَتَجَزَّآنِ ثُبُوتًا قَالُوا، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَكَذَا لَمْ تُوجَدْ نِيَّةُ الْقُرْبَةِ، وَإِنَّمَا سَقَطَ الْفَرْضُ عَنْ الْعُضْوِ الْمَغْسُولِ فَكَانَ الْأَوْلَى ذِكْرَ هَذَا السَّبَبِ الثَّالِثِ وَلَا تَلَازُمَ بَيْنَ سُقُوطِ الْفَرْضِ وَارْتِفَاعِ الْحَدَثِ فَسُقُوطُ الْفَرْضِ عَنْ الْيَدِ مَثَلًا يَقْتَضِي أَنْ لَا يَجِبَ إعَادَةُ غَسْلِهَا مَعَ بَقِيَّةِ الْأَعْضَاءِ وَيَكُونُ ارْتِفَاعُ الْحَدَثِ مَوْقُوفًا عَلَى غَسْلِ الْبَاقِي وَسُقُوطُ الْفَرْضِ هُوَ الْأَصْلُ فِي الِاسْتِعْمَالِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الْحَدَثَ زَالَ عَنْ الْعُضْوِ زَوَالًا مَوْقُوفًا لَكِنَّ الْمُعَلَّلَ بِهِ فِي كِتَابِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا نَقَلَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إسْقَاطُ الْفَرْضِ فِي مَسْأَلَةِ إدْخَالِ الْيَدِ الْإِنَاءَ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ لَا إزَالَةِ الْحَدَثِ. وَفِي الْخُلَاصَةِ لَوْ غَسَلَ الْمُحْدِثُ عُضْوًا آخَرَ سِوَى أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ كَالْفَخِذِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا بِخِلَافِ أَعْضَاءِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ إلَخْ) أَقُولُ: سَيَذْكُرُ مِثْلَهُ عَنْ السِّرَاجِ فِي بَابِ النَّجَاسَاتِ لَكِنْ سَيَأْتِي فِي الْجَنَائِزِ الْخِلَافُ فِي أَنَّ نَجَاسَةَ الْمَيِّتِ خَبَثٌ أَوْ حَدَثٌ وَأَنَّ صَاحِبَ الْمُحِيطِ اسْتَدَلَّ لِلْأَوَّلِ بِأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ قَبْلَ الْغُسْلِ بَجْسَهُ وَلَوْ صَلَّى، وَهُوَ حَامِلٌ لِلْمَيِّتِ لَا يَجُوزُ وَأَنَّ صَاحِبَ الْمُحِيطِ صَحَّحَهُ وَنَسَبَهُ فِي الْبَدَائِعِ إلَى عَامَّةِ الْمَشَايِخِ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كَلَامَ مُحَمَّدٍ هُنَا عَلَى إطْلَاقِهِ فِي أَنَّ غُسَالَتَهُ نَجِسَةٌ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ تَنْجِيسَهُ الْمَاءَ الْقَلِيلَ وَعَدَمَ صِحَّةِ صَلَاةِ حَامِلِهِ لِمَا عَلَيْهِ مِنْ النَّجَاسَةِ غَالِبًا، وَهُوَ تَأْوِيلٌ بَعِيدٌ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الطَّهَارَةُ وَلَا يُحْكَمُ بِفَسَادِ الْمَاءِ أَوْ الصَّلَاةِ بِالشَّكِّ وَكَذَا غُسَالَتُهُ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: أَمَّا إذَا تَوَضَّأَ الصَّبِيُّ إلَخْ) فِي الْخَانِيَّةِ الصَّبِيُّ الْعَاقِلُ إذَا تَوَضَّأَ يُرِيدُ بِهِ التَّطْهِيرَ يَنْبَغِي أَنْ يَصِيرَ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا؛ لِأَنَّهُ نَوَى قُرْبَةً مُعْتَبَرَةً اهـ. فَقَوْلُهُ: يُرِيدُ بِهِ التَّطْهِيرَ يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يُرِدْ بِهِ التَّطْهِيرَ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا، وَفِي قَوْلِهِ يَنْبَغِي إيمَاءً إلَى أَنَّهُ لَا رِوَايَةَ عَنْ صَاحِبِ الْمَذْهَبِ كَمَا قَالَ فِي الْقُنْيَةِ (قَوْلُهُ: لِمَا عُرِفَ أَنَّ الْحَدَثَ وَالْجَنَابَةَ إلَخْ) قَالَ الشَّيْخُ قَاسِمٌ فِي حَوَاشِي الْمَجْمَعِ الْحَدَثُ يُقَالُ بِمَعْنَيَيْنِ بِمَعْنَى الْمَانِعِيَّةِ الشَّرْعِيَّةِ عَمَّا لَا يَحِلُّ بِدُونِ الطَّهَارَةِ، وَهَذَا لَا يَتَجَزَّأُ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ وَبِمَعْنَى النَّجَاسَةِ الْحُكْمِيَّةِ، وَهَذَا يَتَجَزَّأُ ثُبُوتًا ارْتِفَاعًا بِلَا خِلَافٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَصَيْرُورَةُ الْمَاءِ مُسْتَعْمَلًا بِإِزَالَةِ الثَّانِيَةِ فَفِي مَسْأَلَةِ الْبِئْرِ سَقَطَ الْفَرْضُ عَنْ الرَّجُلَيْنِ بِلَا خِلَافٍ وَالْمَاءُ الَّذِي أَسْقَطَ الْفَرْضَ صَارَ مُسْتَعْمَلًا بِلَا خِلَافٍ عَلَى الصَّحِيحِ اهـ. هَذَا هُوَ التَّحْقِيقُ فَخُذْهُ، فَإِنَّهُ بِالْأَخْذِ حَقِيقٌ كَذَا فِي حَاشِيَةِ نُوحٍ أَفَنْدِي عَلَى الدُّرَرِ. (قَوْلُهُ: وَلَا تَلَازُمَ إلَخْ) الْمُرَادُ نَفْيُ التَّلَازُمِ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ، وَهُوَ جَانِبُ سُقُوطِ الْفَرْضِ أَيْ، فَإِنَّهُ قَدْ يَسْقُطُ الْفَرْضُ وَيَرْتَفِعُ الْحَدَثُ كَمَا إذَا أَتَمَّ الطَّهَارَةَ وَقَدْ يَسْقُطُ وَلَا يَرْتَفِعُ الْحَدَثُ كَمَا إذَا لَمْ يُتِمَّهَا، وَأَمَّا جَانِبُ رَفْعِ الْحَدَثِ، فَإِنَّهُ إذَا وُجِدَ لَزِمَ مِنْهُ سُقُوطُ الْفَرْضِ، وَقَدْ يُقَالُ لَا تَلَازُمَ مِنْ هَذَا الْجَانِبِ أَيْضًا، فَإِنَّهُ قَدْ يَرْتَفِعُ الْحَدَثُ وَلَا يَسْقُطُ الْفَرْضُ كَوُضُوءِ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ لِمَا مَرَّ مِنْ صَيْرُورَةِ مَائِهِ مُسْتَعْمَلًا مَعَ أَنَّهُ لَا فَرْضَ عَلَيْهِ بَقِيَ هَلْ بَيْنَ سُقُوطِ الْفَرْضِ وَالْقُرْبَةِ تَلَازُمٌ أَمْ لَا إنْ قُلْنَا إنَّ إسْقَاطَ الْفَرْضِ لَا ثَوَابَ فِيهِ فَلَا وَإِنْ قُلْنَا فِيهِ ثَوَابٌ فَنَعَمْ قَالَ الْعَلَّامَةُ الْمُحَقِّقُ نُوحٌ أَفَنْدِي وَاَلَّذِي يَقْتَضِيه النَّظَرُ الصَّحِيحُ أَوْ الرَّاجِحُ هُوَ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الثَّوَابَ فِي الْوُضُوءِ الْمَقْصُودِ، وَهُوَ شَرْعًا عِبَارَةٌ عَنْ غَسْلِ الْأَعْضَاءِ الثَّلَاثَةِ وَمَسْحِ الرَّأْسِ فَغَسْلُ عُضْوٍ مِنْهَا لَيْسَ بِوُضُوءٍ شَرْعِيٍّ فَكَيْفَ يُثَابُ عَلَيْهِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ يُثَابُ عَلَى غَسْلِ كُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا ثَوَابًا مَوْقُوفًا عَلَى الْإِتْمَامِ، فَإِنْ أَتَمَّهُ أُثِيبَ عَلَى غَسْلِ كُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا، وَإِلَّا فَلَا وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا تَوَضَّأَ الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ أَوْ الْمُؤْمِنُ فَغَسَلَ وَجْهه خَرَجَ مِنْ وَجْهِهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ نَظَرَ إلَيْهَا بِعَيْنِهِ مَعَ الْمَاءِ أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ فَإِذَا غَسَلَ يَدَهُ خَرَجَ مِنْ يَدِهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ بَطَشَتْهَا يَدُهُ مَعَ الْمَاءِ أَوْ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ فَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ خَرَجَ كُلُّ خَطِيئَةٍ مَشَتْهَا رِجْلَاهُ مَعَ الْمَاءِ أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ حَتَّى يَخْرُجَ نَقِيًّا مِنْ الذُّنُوبِ وَالْآثَامِ» اهـ. (قَوْلُهُ: وَفِي الْخُلَاصَةِ لَوْ غَسَلَ الْمُحْدِثُ عُضْوًا سِوَى أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ) الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا فَإِنْ قُلْت عَلَى مُقَابِلِ الْأَصَحِّ كَيْفَ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا، وَلَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْ الثَّلَاثَةِ قُلْت قَالَ فِي النَّهْرِ: الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا لَهُ الْتِفَاتٌ إلَى خِلَافٍ آخَرَ هُوَ أَنَّ الْحَدَثَ الْأَصْغَرَ وُجِدَ هَلْ حَلَّ بِكُلِّ الْبَدَنِ وَجُعِلَ غَسْلُ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ رَافِعًا عَنْ الْكُلِّ تَخْفِيفًا أَوْ بِأَعْضَاءِ الْوُضُوءِ فَقَطْ قَوْلَانِ، وَكَانَ الرَّاجِحُ هُوَ الثَّانِيَ؛ وَلِذَا لَمْ يَصِرْ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا بِخِلَافِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 الْوُضُوءِ اهـ. وَفِي الْمُبْتَغَى بَالِغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَبِغَسْلِهِ ثَوْبًا أَوْ دَابَّةً تُؤْكَلُ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا وَوُضُوءُ الْحَائِضِ مُسْتَعْمَلٌ؛ لِأَنَّ وُضُوءَهَا مُسْتَحَبٌّ اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا إلَّا إذَا قَصَدَتْ الْإِتْيَانَ بِالْمُسْتَحَبِّ وَفِي الْبَدَائِعِ لَوْ زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ فَإِنْ أَرَادَ بِالزِّيَادَةِ ابْتِدَاءَ الْوُضُوءِ صَارَ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا، وَإِنْ أَرَادَ الزِّيَادَةَ عَلَى الْوُضُوءِ الْأَوَّلِ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ اهـ. وَفِيهِ كَلَامٌ قَدَّمْنَاهُ فِي بَحْثِ تَثْلِيثِ الْغَسْلِ فِي السُّنَنِ فَلْيُرَاجَعْ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْوُضُوءَ عَلَى الْوُضُوءِ لَا يَكُونُ قُرْبَةً إلَّا إذَا اخْتَلَفَ الْمَجْلِسُ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا أَمَّا إذَا اتَّحَدَ الْمَجْلِسُ فَلَا يَكُونُ قُرْبَةً بَلْ مَكْرُوهٌ فَيَكُونُ الْمَاءُ غَيْرَ مُسْتَعْمَلٍ وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ، فَإِنْ قِيلَ الْمُتَوَضِّئُ لَيْسَ عَلَى أَعْضَائِهِ نَجَاسَةٌ لَا حَقِيقِيَّةٌ وَلَا حُكْمِيَّةٌ فَكَيْفَ يَصِيرُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا بِنِيَّةِ الْقُرْبَةِ قُلْنَا لَمَّا نَوَى الْقُرْبَةَ فَقَدْ ازْدَادَ طَهَارَةً عَلَى طَهَارَةٍ وَلَنْ تَكُونَ طَهَارَةٌ جَدِيدَةً إلَّا بِإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ الْحُكْمِيَّةِ حُكْمًا، فَصَارَتْ الطَّهَارَةُ عَلَى الطَّهَارَةِ وَعَلَى الْحَدَثِ سَوَاءً اهـ. وَأَمَّا الثَّانِي أَعْنِي وَقْتَ ثُبُوتِ الِاسْتِعْمَالِ فَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ مَا زَايَلَ الْبَدَنَ وَاسْتَقَرَّ فِي مَكَان مِنْ أَرْضٍ أَوْ إنَاءٍ، وَهُوَ مَذْهَبُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَاسْتَدَلَّ بِمَسَائِلَ زَعَمَ أَنَّهَا تَدُلُّ لَهُ مِنْهَا إذَا تَوَضَّأَ أَوْ اغْتَسَلَ وَبَقِيَ عَلَى يَدِهِ لُمْعَةٌ فَأَخَذَ الْبَلَلَ مِنْهَا فِي الْوُضُوءِ أَوْ مِنْ أَيِّ عُضْوٍ كَانَ فِي الْغُسْلِ وَغَسَلَ اللُّمْعَةِ يَجُوزُ، وَمِنْهَا نَقْلُ الْبِلَّةِ مِنْ مَغْسُولٍ إلَى مَمْسُوحٍ جَائِزٌ، وَإِنْ وُجِدَ الِانْفِصَالُ وَمِنْهَا أَنَّ الْخِرْقَةَ الَّتِي يَتَمَسَّحُ بِهَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ مَعَهَا، وَإِنْ كَانَ مَا أَصَابَهَا مِنْ الْبَلَلِ كَثِيرًا فَاحِشًا وَكَذَا إذَا أَصَابَ ثَوْبَهُ الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ لَا يَضُرُّهُ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا وَإِنْ وُجِدَ الِانْفِصَالُ فَأَمَّا عِنْدَنَا فَمَا دَامَ عَلَى الْعُضْوِ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا، وَإِذَا زَايَلَهُ صَارَ مُسْتَعْمَلًا، وَإِنْ لَمْ يَسْتَقِرَّ فِي مَكَان، فَإِنَّهُ ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ إذَا مَسَحَ رَأْسَهُ بِبَلَلٍ أَخَذَهُ مِنْ لِحْيَتِهِ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَقِرَّ فِي مَكَان، وَكَذَا لَوْ مَسَحَ رَأْسَهُ بِبَلَلٍ بَاقٍ بَعْدَ مَسْحِ الْخُفَّيْنِ لَا يُجْزِئُهُ وَعُلِّلَ بِأَنَّهُ مَاءٌ قَدْ مَسَحَ بِهِ مَرَّةً أَشَارَ بِهِ إلَى مَا قُلْنَا وَقَالُوا لَا يَجُوزُ نَقْلُ الْبِلَّةِ مِنْ عُضْوٍ مَغْسُولٍ إلَى مِثْلِهِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمَذْهَبَ مَا قُلْنَاهُ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْقِيَاسَ صَيْرُورَتُهُ مُسْتَعْمَلًا بِنَفْسِ الْمُلَاقَاةِ لِوُجُودِ السَّبَبِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُؤْخَذَ لِكُلِّ جُزْءٍ مِنْ الْعُضْوِ جُزْءٌ مِنْ الْمَاءِ إلَّا أَنَّ فِيهِ حَرَجًا فَسَقَطَ اعْتِبَارُ حَالَةِ الِاسْتِعْمَالِ فِي عُضْوٍ وَاحِدٍ حَقِيقَةً أَوْ فِي عُضْوٍ وَاحِدٍ حُكْمًا كَمَا فِي الْجَنَابَةِ فَإِذَا زَايَلَ الْعُضْوَ زَالَتْ الضَّرُورَةُ، فَظَهَرَ حُكْمُ الِاسْتِعْمَالِ بِقَضِيَّةِ الْقِيَاسِ وَقَدْ حَصَلَ الْجَوَابُ عَنْ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى الَّتِي اسْتَدَلَّ بِهَا سُفْيَانُ. وَأَمَّا عَنْ الثَّانِيَةِ فَقَدْ ذَكَرَ الْحَاكِمُ الْجَلِيلُ أَنَّهَا عَلَى التَّفْصِيلِ إنْ لَمْ يَكُنْ اسْتَعْمَلَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ أَعْضَائِهِ يَجُوزُ أَمَّا إذَا كَانَ اسْتَعْمَلَهُ لَا يَجُوزُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجُوزُ، وَإِنْ اسْتَعْمَلَهُ فِي الْمَغْسُولَاتِ؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْغُسْلِ إنَّمَا تَأَدَّى بِمَا جَرَى عَلَى عُضْوِهِ لَا بِالْبِلَّةِ الْبَاقِيَةِ فَلَمْ تَكُنْ هَذِهِ الْبِلَّةُ مُسْتَعْمَلَةً بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَعْمَلَهُ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ ثُمَّ مَسَحَ بِهِ رَأْسَهُ حَيْثُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْمَسْحِ يَتَأَدَّى بِالْبِلَّةِ وَتَفْصِيلُ الْحَاكِمِ مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا، وَأَمَّا مَا مُسِحَ بِالْمِنْدِيلِ أَوْ تَقَاطَرَ عَلَى الثَّوْبِ، فَهُوَ مُسْتَعْمَلٌ إلَّا أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ جَوَازَ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ طَاهِرٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَعِنْدَهُمَا، وَإِنْ كَانَ نَجِسًا لَكِنَّ سُقُوطَ اعْتِبَارِ نَجَاسَتِهِ هَاهُنَا لِمَكَانِ الضَّرُورَةِ هَذَا مَا قَرَّرَهُ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَذُكِرَ فِي الْمُحِيطِ أَنَّ الْقَائِلَ بِاشْتِرَاطِ الِاسْتِقْرَارِ سُفْيَانُ فَقَطْ دُونَ أَهْلِ الْمَذْهَبِ وَصُحِّحَ فِي الْهِدَايَةِ وَكَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ أَنَّ الْمَذْهَبَ صَيْرُورَتُهُ مُسْتَعْمَلًا بِمُجَرَّدِ الِانْفِصَالِ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَقِرَّ وَصُدِّرَ بِهِ فِي الْكَافِي وَذُكِرَ مَا فِي الْكَنْزِ بِصِيغَةِ قِيلَ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْكَنْزِ هُوَ مَذْهَبُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ وَبَعْضِ مَشَايِخِ بَلْخٍ وَأَبِي حَفْصٍ الْكَبِيرِ وَظَهِيرِ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيِّ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا مَا لَمْ يَسْتَقِرَّ فِي مَكَان وَيَسْكُنْ عَنْ التَّحَرُّكِ اهـ. وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّ مُخْتَارَ فَخْرِ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيِّ وَغَيْرِهِ فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ اجْتِمَاعُهُ فِي مَكَان بَعْدَ الْمُزَايَلَةِ وَفِيمَا اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ حَرَجٌ عَظِيمٌ عَلَى   [منحة الخالق] عَلَى الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ: وَوُضُوءُ الْحَائِضِ مُسْتَعْمَلٌ؛ لِأَنَّ وُضُوءَهَا مُسْتَحَبٌّ) قَالَ فِي النَّهْرِ: قَالُوا بِوُضُوءِ الْحَائِضِ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا؛ لِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهَا الْوُضُوءُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ وَأَنْ تَجْلِسَ فِي مُصَلَّاهَا قَدْرَهَا كَيْ لَا تَنْسَى عَادَتَهَا وَمُقْتَضَى كَلَامِهِمْ اخْتِصَاصُ ذَلِكَ بِالْفَرِيضَةِ وَيَنْبَغِي أَنَّهَا لَوْ تَوَضَّأَتْ لِتَهَجُّدٍ عَادِيٍّ لَهَا أَوْ صَلَاةِ ضُحًى أَوْ جَلَسَتْ فِي مُصَلَّاهَا أَنْ يَصِيرَ مُسْتَعْمَلًا وَلَمْ أَرَهُ لَهُمْ (قَوْلُهُ: وَفِيهِ كَلَامٌ قَدَّمْنَاهُ إلَخْ) أَقُولُ: وَفِيهِ كَلَامٌ قَدَّمْنَاهُ عَنْ النَّهْرِ فَلْيُرَاجَعْ، فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ كَرَاهَةَ تَكْرَارِ الْوُضُوءِ فِي مَجْلِسٍ إذَا تَعَدَّدَ مِرَارًا لَا فِيمَا إذَا أَعَادَهُ مَرَّةً وَاحِدَةً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 الْمُسْلِمِينَ اهـ. وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ عَنْ شَيْخِهِ أَنَّ مَا فِي الْهِدَايَةِ فِي حَقِّ مَنْ لَا ضَرُورَةَ فِيهِ كَثِيَابِ غَيْرِ الْمُتَوَضِّئِ، وَقِيلَ فِي حَقِّ الْمُغْتَسِلِ؛ لِأَنَّهُ قَلِيلُ الْوُقُوعِ لَا فِي حَقِّ الْمُتَوَضِّئِ اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَذْهَبَ مَا فِي الْهِدَايَةِ وَمَا فِي الْكَنْزِ اخْتِيَارُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ وَمَبْنَى اخْتِيَارِ مَا فِي الْكَنْزِ تَوَهُّمُ أَنَّ مَا ذُكِرَ فِي الْهِدَايَةِ فِيهِ حَرَجٌ عَظِيمٌ كَمَا تَوَهَّمَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ الَّذِي يَقْطُرُ مِنْ الْأَعْضَاءِ يُصِيبُ ثَوْبَ الْمُتَوَضِّئِ فَلَوْ قُلْنَا بِاسْتِعْمَالِهِ بِالِانْفِصَالِ فَقَطْ لَتَنَجَّسَ ثَوْبُهُ عَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَتِهِ حَتَّى احْتَاجَ بَعْضُهُمْ إلَى حَمْلِهِ عَلَى ثِيَابِ غَيْرِ الْمُتَوَضِّئِ وَبَعْضُهُمْ إلَى حَمْلِهِ عَلَى الْغُسْلِ كَمَا رَأَيْت، وَلَيْسَ مَا تَوَهَّمُوهُ مِنْ الْحَرَجِ مَوْجُودًا، فَقَدْ قَدَّمْنَا عَنْ الْبَدَائِعِ أَنَّ مَا يُصِيبُ ثَوْبَ الْمُتَوَضِّئِ مَعْفُوٌّ عَنْهُ بِالِاتِّفَاقِ، وَكَذَا ذُكِرَ فِي غَيْرِهِ، وَأَمَّا فِي ثِيَابِ غَيْرِ الْمُتَوَضِّئِ فَلَا حَرَجَ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا انْفَصَلَ، وَلَمْ يَسْتَقِرَّ بَلْ هُوَ فِي الْهَوَاءِ فَسَقَطَ عَلَى عُضْوِ إنْسَانٍ وَجَرَى فِيهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْخُذَهُ بِكَفِّهِ فَعَلَى قَوْلِ الْعَامَّةِ لَا يَصِحُّ وُضُوءُهُ وَعَلَى قَوْلِ الْبَعْضِ يَصِحُّ. [صِفَةَ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ] الثَّالِثُ أَعْنِي صِفَةَ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ لَمْ تُذْكَرْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ وَلِهَذَا ذُكِرَ فِي الْكَافِي الَّذِي هُوَ جَمْعُ كَلَامِ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ لَا يَجُوزُ التَّوَضُّؤُ بِهِ وَلَمْ يُبَيِّنْ صِفَتَهُ مِنْ الطَّهَارَةِ أَوْ النَّجَاسَةِ؛ فَلِهَذَا لَمْ تُثْبِتْ مَشَايِخُ الْعِرَاقِ خِلَافًا بَيْنَ أَصْحَابِنَا فِي صِفَتِهِ فَقَالُوا: طَاهِرٌ غَيْرُ طَهُورٍ عِنْدَ أَصْحَابِنَا، وَغَيْرُهُمْ أَثْبَتَ الْخِلَافَ فَقَالُوا إنَّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَيْنِ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ عَنْهُ أَنَّهُ طَاهِرٌ غَيْرُ طَهُورٍ وَبِهَا أُخِذَ وَكَذَا رَوَاهَا فُرُوعًا عَامِرٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا ذَكَرَهُ قَاضِي خان فِي شَرْحِهِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ وَالْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ أَنَّهُ نَجِسٌ غَيْرَ أَنَّ الْحَسَنَ رُوِيَ عَنْهُ التَّغْلِيظُ وَأَبَا يُوسُفَ رُوِيَ عَنْهُ التَّخْفِيفُ وَكُلٌّ أَخَذَ لِمَا رَوَى وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمُسْتَعْمِلَ إنْ كَانَ مُحْدِثًا أَوْ جُنُبًا فَالْمَاءُ نَجِسٌ، وَإِنْ كَانَ طَاهِرًا فَالْمَاءُ طَاهِرٌ وَعِنْدَ زُفَرَ إنْ كَانَ الْمُسْتَعْمِلُ مُحْدِثًا أَوْ جُنُبًا فَهُوَ طَاهِرٌ غَيْرُ طَهُورٍ، وَإِنْ كَانَ مُتَوَضِّئًا فَهُوَ طَاهِرٌ طَهُورٌ، وَقَدْ صَحَّحَ الْمَشَايِخُ رِوَايَةَ مُحَمَّدٍ حَتَّى قَالَ فِي الْمُجْتَبَى وَقَدْ صَحَّتْ الرِّوَايَاتُ عَنْ الْكُلِّ أَنَّهُ طَاهِرٌ غَيْرُ طَهُورٍ إلَّا الْحَسَنَ وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ هُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَنَا، وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي عَامَّةِ كُتُبِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَصْحَابِنَا فَاخْتَارَهُ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ مَشَايِخِ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ وَفِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ الْمَشْهُورُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ وَعَلَيْهَا الْفَتْوَى مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ بَيْنَ الْمُحْدِثِ وَالْجُنُبِ الْمَذْكُورِ فِي فَتَاوَى الْوَلْوَالِجِيِّ وَالتَّجْنِيسِ فِي مَوَاضِعَ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ لِعُمُومِ الْبَلْوَى إلَّا فِي الْجُنُبِ وَقَدْ ذَكَرَ النَّوَوِيُّ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ طَاهِرٌ غَيْرُ طَهُورٍ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْهُ غَيْرَهَا، وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ اهـ. وَجْهُ رِوَايَةِ النَّجَاسَةِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ وَلَا يَغْتَسِلَنَّ فِيهِ مِنْ الْجَنَابَةِ» كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَكَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ حُرْمَةُ الِاغْتِسَالِ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ لِإِجْمَاعِنَا عَلَى أَنَّ الِاغْتِسَالَ فِي الْمَاءِ الْكَثِيرِ لَيْسَ بِحَرَامٍ فَلَوْلَا أَنَّ الْقَلِيلَ مِنْ الْمَاءِ يَنْجُسُ بِالِاغْتِسَالِ بِنَجَاسَةِ الْغُسَالَةِ لَمْ يَكُنْ لِلنَّهْيِ مَعْنًى؛ لِأَنَّ إلْقَاءَ الطَّاهِرِ فِي الطَّاهِرِ لَيْسَ بِحَرَامٍ أَمَّا تَنْجِيسُ الطَّاهِرِ فَحَرَامٌ فَكَانَ هَذَا نَهْيًا عَنْ تَنْجِيسِ الْمَاءِ الطَّاهِرِ بِالِاغْتِسَالِ وَذَا يَقْتَضِي التَّنَجُّسَ بِهِ وَلَا يُقَالُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ نَهْيٌ لِمَا فِيهِ مِنْ إخْرَاجِ الْمَاءِ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُطَهِّرًا نَمْ غَيْرُ ضَرُورَةٍ، وَذَلِكَ حَرَامٌ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْمَاءُ الْقَلِيلُ إنَّمَا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ مُطَهِّرًا بِاخْتِلَاطِ غَيْرِ الْمُطَهِّرِ بِهِ إذَا كَانَ الْغَيْرُ غَالِبًا عَلَيْهِ كَمَاءِ الْوَرْدِ وَاللَّبَنِ فَأَمَّا إذَا كَانَ مَغْلُوبًا فَلَا، وَهَاهُنَا الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ مَا يُلَاقِي الْبَدَنَ وَلَا شَكَّ أَنَّ ذَلِكَ أَقَلُّ مِنْ غَيْرِ الْمُسْتَعْمَلِ فَكَيْفَ يَخْرُجُ بِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُطَهِّرًا. فَأَمَّا مُلَاقَاةُ النَّجِسِ الطَّاهِرَ تُوجِبُ تَنْجِيسَ الطَّاهِرِ، وَإِنْ لَمْ يَغْلِبْ عَلَى الطَّاهِرِ لِاخْتِلَاطِهِ بِالطَّاهِرِ عَلَى وَجْهٍ لَا يُمْكِنُ التَّمْيِيزُ بَيْنَهُمَا فَيُحْكَمُ بِنَجَاسَةِ الْكُلِّ فَثَبَتَ أَنَّ النَّهْيَ لِمَا قُلْنَا وَلَا يُقَالُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ نَهْيٌ لِأَنَّ أَعْضَاءَ الْجُنُبِ لَا تَخْلُو عَنْ النَّجَاسَةِ الْحَقِيقِيَّةِ وَذَا يُوجِبُ تَنْجِيسَ الْمَاءِ الْقَلِيلِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 الْحَدِيثُ مُطْلَقٌ فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِإِطْلَاقِهِ؛ وَلِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ الِاغْتِسَالِ يَنْصَرِفُ إلَى الِاغْتِسَالِ الْمَسْنُونِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُتَعَارَفُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمَسْنُونُ مِنْهُ إزَالَةُ النَّجَاسَةِ قَبْلَ الِاغْتِسَالِ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ عَنْ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ الْحَقِيقِيَّةِ الَّتِي عَلَى الْبَدَنِ اُسْتُفِيدَ بِالنَّهْيِ عَنْ الْبَوْلِ فِيهِ فَيُوجِبُ حَمْلَ النَّهْيِ عَلَى الِاغْتِسَالِ فِيهِ لِمَا ذَكَرْنَا صِيَانَةً لِكَلَامِ صَاحِبِ الشَّرْعِ عَنْ الْإِعَادَةِ الْخَالِيَةِ عَنْ الْإِفَادَةِ اهـ. وَقَدْ حَصَلَ مِنْ الْجَوَابِ الْأَوَّلِ دَفْعُ مَا ذَكَرَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ تَبَعًا لِلنَّوَوِيِّ، وَمِنْ الْجَوَابِ الثَّانِي دُفِعَ مَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ يُرَاجِعُهُمَا، وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ، فَإِنْ قِيلَ الْقِرَانُ فِي النَّظْمِ لَا يُوجِبُ الْقِرَانَ فِي الْحُكْمِ فَلَا يَلْزَمُ تَنَجُّسُ الْمَاءِ بِالِاغْتِسَالِ قُلْنَا قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ مُطْلَقَ النَّهْيِ لِلتَّحْرِيمِ خُصُوصًا إذَا كَانَ مُؤَكَّدًا بَنُونِ التَّوْكِيدِ لَا بِاعْتِبَارِ الْقِرَانِ اهـ. وَيُسْتَدَلُّ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَيْضًا بِالْقِيَاسِ وَأَصْلُهُ الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ فِي النَّجَاسَةِ الْحَقِيقِيَّةِ وَالْفَرْعُ الْمُسْتَعْمَلُ فِي الْحُكْمِيَّةِ بِجَامِعِ الِاسْتِعْمَالِ فِي النَّجَاسَةِ بِنَاءً عَلَى إلْغَاءِ وَصْفِ الْحَقِيقِيِّ فِي ثُبُوتِ النَّجَاسَةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ مَعْنَى الْحَقِيقِيَّةِ لَيْسَ إلَّا كَوْنَ النَّجَاسَةِ مَوْصُوفًا بِهَا جِسْمٌ مَحْسُوسٌ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ عَنْ الْمُكَلَّفِ لَا أَنَّ وَصْفَ النَّجَاسَةِ حَقِيقَةٌ لَا يَقُومُ إلَّا بِجِسْمٍ كَذَلِكَ، وَفِي غَيْرِهِ مَجَازٌ بَلْ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيُّ وَاحِدٌ فِي ذَلِكَ الْجِسْمِ. وَفِي الْحَدَثِ وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُتَحَقَّقَ لَنَا مِنْ مَعْنَاهَا سِوَى أَنَّهَا اعْتِبَارٌ شَرْعِيٌّ مَنَعَ الشَّارِعَ مِنْ قُرْبَانِ الصَّلَاةِ وَالسُّجُودِ حَالَ قِيَامِهِ لِمَنْ قَامَ بِهِ إلَى غَايَةِ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ فِيهِ، فَإِذَا اسْتَعْمَلَهُ قَطَعَ ذَلِكَ الِاعْتِبَارُ كُلَّ ذَلِكَ ابْتِلَاءً لِلطَّاعَةِ فَأَمَّا أَنَّ هُنَاكَ وَصْفًا حَقِيقِيًّا عَقْلِيًّا أَوْ مَحْسُوسًا فَلَا وَمَنْ ادَّعَاهُ لَا يَقْدِرُ فِي إثْبَاتِهِ عَلَى غَيْرِ الدَّعْوَى، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ اعْتِبَارُ اخْتِلَافِهِ بِاخْتِلَافِ الشَّرَائِعِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْخَمْرَ مَحْكُومٌ بِنَجَاسَتِهِ فِي شَرِيعَتِنَا، وَبِطَهَارَتِهِ فِي غَيْرِهَا فَعُلِمَ أَنَّهَا لَيْسَتْ سِوَى اعْتِبَارٍ شَرْعِيٍّ أَلْزَمَ مَعَهُ كَذَا إلَى غَايَةِ كَذَا ابْتِلَاءً وَفِي هَذَا لَا تَفَاوُتَ بَيْنَ الدَّمِ وَالْحَدَثِ، فَإِنَّهُ أَيْضًا لَيْسَ إلَّا ذَلِكَ الِاعْتِبَارَ فَظَهَرَ أَنَّ الْمُؤَثِّرَ نَفْسُ وَصْفِ النَّجَاسَةِ، وَهُوَ مُشْتَرَكٌ فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ فَيَثْبُتُ مِثْلُ حُكْمِ الْأَصْلِ، وَهُوَ نَجَاسَةُ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ فِيهِ فِي الْفَرْعِ، وَهُوَ الْمُسْتَعْمَلُ فِي الْحَدَثِ، فَيَكُونُ نَجِسًا إلَّا أَنَّ هَذَا إنَّمَا يَنْتَهِضُ عَلَى مَنْ يُسَلِّمُ كَوْنَ حُكْمِ الْأَصْلِ ذَلِكَ كَمَالِكٍ وَأَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَأَمَّا مَنْ يَشْتَرِطُ فِي نَجَاسَتِهِ خُرُوجَهُ مِنْ الثَّوْبِ مُتَغَيِّرًا بِلَوْنِ النَّجَاسَةِ كَالشَّافِعِيِّ فَلَا فَعِنْدَهُ الْمَاءُ الَّذِي يُسْتَعْمَلُ فِي الْحَقِيقِيَّةِ الَّتِي لَا لَوْنَ لَهَا يُغَايِرُ لَوْنَ الْمَاءِ كَالْبَوْلِ طَاهِرٌ يَجُوزُ شُرْبُهُ وَغَسْلُ الثَّوْبِ بِهِ دُونَ إزَالَةِ الْحَدَثِ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَهُ مُسْتَعْمَلٌ، وَهُوَ لَا يَقْصُرُ وَصْفَ الِاسْتِعْمَالِ عَلَى رَافِعِ الْحَدَثِ، فَإِنَّمَا يَنْتَهِضُ عَلَيْهِ بَعْدَ الْكَلَامِ مَعَهُ فِي نَفْسِ هَذَا التَّفْصِيلِ، وَهُوَ سَهْلٌ غَيْرَ أَنَّا لَسْنَا إلَّا بِصَدَدِ تَوْجِيهِ رِوَايَةِ نَجَاسَةِ الْمُسْتَعْمَلِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى أُصُولِنَا، فَإِنْ قِيلَ لَوْ تَمَّ مَا ذَكَرْت كَانَ لِلْبَلْوَى تَأْثِيرٌ فِي إسْقَاطِ حُكْمِهِ فَالْجَوَابُ الضَّرُورَةُ لَا يَعْدُو حُكْمُهَا مَحَلَّهَا وَالْبَلْوَى فِيهِ إنَّمَا هِيَ فِي الثِّيَابِ فَيَسْقُطُ اعْتِبَارُ نَجَاسَةِ ثَوْبِ الْمُتَوَضِّئِ وَتَبْقَى حُرْمَةُ شُرْبِهِ وَالطَّبْخِ بِهِ وَغَسْلِ الثَّوْبِ مِنْهُ وَنَجَاسَةُ مَنْ يُصِيبُهُ كَذَا قُرِّرَ، وَجَّهَ الْقِيَاسَ الْعَلَّامَةُ الْمُحَقِّقُ كَمَالُ الدِّينِ بْنُ هَمَّامِ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى النَّجَاسَةِ وَاسْتَدَلَّ فِي الْكِفَايَةِ لِلشَّيْخِ جَلَالِ الدِّينِ الْخَبَّازِيِّ بِإِشَارَةٍ قَوْله تَعَالَى عَقِبَ الْأَمْرِ بِالْوُضُوءِ وَالتَّيَمُّمِ {وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ} [المائدة: 6] فَدَلَّ إطْلَاقُ التَّطْهِيرِ عَلَى ثُبُوتِ النَّجَاسَةِ فِي أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ وَدَلَّ الْحُكْمُ بِزَوَالِهَا بَعْدَ التَّوَضُّؤِ عَلَى انْتِقَالِهَا إلَى الْمَاءِ، فَيَجِبُ الْحُكْمُ بِالنَّجَاسَةِ ثُمَّ إنَّ أَبَا يُوسُفَ جَعَلَ نَجَاسَتَهُ خَفِيفَةً لِعُمُومِ الْبَلْوَى فِيهِ لِتَعَذُّرِ صِيَانَةِ الثِّيَابِ عَنْهُ وَلِكَوْنِهِ مَحَلَّ اجْتِهَادٍ فَأَوْجَبَ ذَلِكَ خِفَّةً فِي حُكْمِهِ وَالْحَسَنُ يَجْعَلُ نَجَاسَتَهُ غَلِيظَةً؛ لِأَنَّهَا نَجَاسَةٌ حُكْمِيَّةٌ، وَأَنَّهَا أَغْلَظُ مِنْ الْحَقِيقِيَّةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ عَفَا عَنْ الْقَلِيلِ مِنْ الْحَقِيقِيَّةِ دُونَ الْحُكْمِيَّةِ. وَوَجْهُ رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا مِنْ حَدِيثِ «جَابِرٍ قَالَ مَرِضْت فَأَتَانِي النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبُو بَكْرٍ يَعُودَانِنِي فَوَجَدَانِي قَدْ أُغْمِيَ عَلَيَّ فَتَوَضَّأَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ صَبَّ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَقَدْ حَصَلَ مِنْ الْجَوَابِ الْأَوَّلِ دَفْعُ مَا ذَكَرَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ) أَيْ مِنْ الْجَوَابِ عَنْ السُّؤَالِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ قَوْلُهُ لَا يُقَالُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ نَهْيٌ لِمَا فِيهِ مِنْ إخْرَاجِ الْمَاءِ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُطَهِّرًا إلَخْ وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ هُوَ قَوْلُهُ: وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ وَلَا يَغْتَسِلَنَّ فِيهِ مِنْ الْجَنَابَةِ» فَغَايَةُ مَا يُفِيدُ نَهْيُ الِاغْتِسَالِ كَرَاهَةَ التَّحْرِيمِ وَيَجُوزُ كَوْنُهَا لَكَيْ لَا تُسْلَبَ الطَّهُورِيَّةَ فَيَسْتَعْمِلُهُ بَعْضُ مَنْ لَا عِلْمَ لَهُ بِذَلِكَ فِي رَفْعِ الْحَدَثِ وَيُصَلِّي وَلَا فَرْقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ كَوْنِهِ يَتَنَجَّسُ فَيَسْتَعْمِلُهُ مَنْ لَا عِلْمَ لَهُ بِحَالِهِ فِي لُزُومِ الْمَحْذُورِ، وَهُوَ الصَّلَاةُ مَعَ الْمُنَافِي فَيَصْلُحُ كَوْنُ كُلٍّ مِنْهُمَا مُثِيرًا لِلنَّهْيِ الْمَذْكُورِ اهـ. وَوَجْهُ الدَّفْعِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الِاغْتِسَالِ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ سَلْبُ الطَّهُورِيَّةِ فَلَا يَلْزَمُ هَذَا الْمَحْذُورُ وَلَكِنْ لَا تَنْسَى مَا مَرَّ فِي الْفَسَاقِي مِنْ الْكَلَامِ فِي الْمُلْقَى وَالْمُلَاقَى فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ: وَمِنْ الْجَوَابِ الثَّانِي دَفْعُ مَا فِي السِّرَاجِ) أَيْ جَوَابُ السُّؤَالِ الثَّانِي وَمَا فِي السِّرَاجِ هُوَ مَا ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْحَدِيثِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى نَجَاسَتِهِ إلَّا أَنْ يُجَابَ عَنْهُ أَنَّ الْمُغْتَسِلَ مِنْ الْجَنَابَةِ لَا يَخْلُو بَدَنُهُ عَنْ نَجَاسَةِ الْمَنِيِّ عَادَةً وَالْعَادَةُ كَالْمُتَيَقَّنِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 وُضُوءَهُ عَلَيَّ فَأَفَقْت» وَفِي الْبُخَارِيِّ أَيْضًا أَنَّ «النَّاسَ كَانُوا يَتَمَسَّحُونَ بِوُضُوءِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَفِيهِ «أَنَّهُ إذَا تَوَضَّأَ كَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وُضُوئِهِ» فَكَذَا اسْتَدَلَّ مَشَايِخُنَا لِرِوَايَةِ الطَّهَارَةِ مِنْهُمْ الْبَيْهَقِيُّ فِي الشَّامِلِ وَكَذَا اسْتَدَلَّ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَلَكِنْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إنَّ هَذَا لَا يَصْلُحُ دَلِيلًا لِلْمُدَّعِي لِأَنَّ هَذَا الَّذِي تَمَسَّحُوا بِهِ لَيْسَ هُوَ الْمُتَسَاقِطَ مِنْ أَعْضَائِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هُوَ مَا فَضَلَ مِنْ وُضُوئِهِ، فَإِنَّ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِ الصَّحِيحَةِ فَجَعَلَ النَّاسُ يَأْخُذُونَ مِنْ فَضْلِ وُضُوئِهِ فَيَتَمَسَّحُونَ بِهِ وَفِي لَفْظِ النَّسَائِيّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ «وَأَخْرَجَ بِلَالٌ فَضْلَ وُضُوئِهِ فَابْتَدَرَهُ النَّاسُ» وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ الْمُتَسَاقِطَ مِنْ وُضُوئِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَكَذَا حَدِيثُ جَابِرٍ «فَصُبَّ عَلَيْهِ مِنْ وُضُوئِهِ» ، فَإِنْ جُعِلَ الْوُضُوءَ اسْمًا لِمُطْلَقِ الْمَاءِ فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى طَهَارَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ، وَإِنْ أُرِيدَ بِوُضُوئِهِ فَضْلُ مَائِهِ الَّذِي تَوَضَّأَ بِبَعْضِهِ لَا اسْتَعْمَلَهُ فِي أَعْضَائِهِ فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ أَيْضًا، وَإِنْ جُعِلَ اسْمًا لِلْمَاءِ الْمُعَدِّ لِلْوُضُوءِ فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ أَيْضًا فَحِينَئِذٍ لَا يَدُلُّ مَعَ هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ كَذَا ذَكَرَهُ الْعَلَّامَةُ الْهِنْدِيُّ؛ وَلِهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لَمْ يُسْتَدَلَّ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ بِهَذِهِ الدَّلَائِلِ لِرِوَايَةِ الطَّهَارَةِ وَإِنَّمَا اسْتَدَلَّ بِالْقِيَاسِ فَقَالَ الْمَعْلُومُ مِنْ جِهَةِ الشَّارِعِ أَنَّ الْآلَةَ الَّتِي تُسْقِطُ الْفَرْضَ وَتُقَامُ بِهَا الْقُرْبَةُ تَتَدَنَّسُ وَأَمَّا الْحُكْمُ بِنَجَاسَةِ الْعَيْنِ شَرْعًا فَلَا وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ أَصْلُهُ مَالُ الزَّكَاةِ تُدَنَّسُ بِإِسْقَاطِ الْفَرْضِ بِهِ حَتَّى جُعِلَ مِنْ الْأَوْسَاخِ فِي لَفْظِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَحَرُمَ عَلَى مَنْ شَرُفَ بِقَرَابَتِهِ النَّاصِرَةِ لَهُ وَلَمْ يَصِلْ مَعَ هَذَا إلَى النَّجَاسَةِ حَتَّى لَوْ صَلَّى حَامِلُ دَرَاهِمِ الزَّكَاةِ صَحَّتْ فَكَذَا يَجِبُ فِي الْمَاءِ أَنْ يَتَغَيَّرَ عَلَى وَجْهٍ لَا يَصِلُ إلَى التَّنَجُّسِ، وَهُوَ سَلْبُ الطَّهُورِيَّةِ إلَّا أَنْ يَقُومَ فِيهِ دَلِيلٌ يَخُصُّهُ غَيْرُ هَذَا الْقِيَاسِ اهـ. لَكِنْ قَدْ عَلِمْت الدَّلِيلَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ لِأَبِي حَنِيفَةَ آنِفًا فَانْدَفَعَ بِهِ هَذَا الْقِيَاسُ وَبِهَذَا يَتَرَجَّحُ الْقَوْلُ بِالنَّجَاسَةِ وَلِهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ذَكَرَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي التَّجْنِيسِ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ لِعُمُومِ الْبَلْوَى إلَّا فِي الْجُنُبِ كَمَا نَقَلْنَاهُ عَنْهُ وَعَنْ الْوَلْوَالِجِيِّ آنِفًا، فَإِنَّهُ لِمَا كَانَ دَلِيلُ النَّجَاسَةِ قَوِيًّا كَانَ هُوَ الْمُخْتَارَ إلَّا أَنَّ الْبَلْوَى عَمَّتْ فِي الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ فِي الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ فَأَفْتَى الْمَشَايِخُ بِالطَّهَارَةِ بِخِلَافِ الْمُسْتَعْمَلِ فِي الْأَكْبَرِ لَمْ يُوجَدْ فِيهِ عُمُومُ الْبَلْوَى فَكَانَ عَلَى الْمُخْتَارِ مِنْ النَّجَاسَةِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا ذَكَره شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّ قَوْلَهُ فِي الْأَصْلِ إذَا اغْتَسَلَ الطَّاهِرُ فِي الْبِئْرِ أَفْسَدَهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ إنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ نَجِسٌ؛ لِأَنَّ الْفَاسِدَ مِنْ الْمَاءِ هُوَ النَّجِسُ اهـ. لَكِنْ رَجَّحَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ رِوَايَةَ أَبِي يُوسُفَ الْقَائِلَةَ بِالتَّخْفِيفِ وَاسْتَبْعَدَ رِوَايَةَ الْحَسَنِ الْقَائِلَةَ بِالتَّغْلِيظِ فَقَالَ مَا رَوَاهُ الْحَسَنُ بَعِيدٌ، فَإِنَّ لِلْبَلْوَى تَأْثِيرًا فِي تَخْفِيفِ النَّجَاسَةِ وَمَعْنَى الْبَلْوَى فِي الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ الطَّاهِرِ، فَإِنَّ صَوْنَ الثِّيَابِ عَنْهُ غَيْرُ مُمْكِنٍ، وَهُوَ مُخْتَلَفٌ فِي نَجَاسَتِهِ فَلِذَلِكَ خَفَّ حُكْمُهُ اهـ. وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خان الْمَشْهُورُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ نَجَاسَةُ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ لَكِنْ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ طَاهِرٌ لِلْجُنُبِ وَالْمُحْدِثِ وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ فِي الْغُسْلِ فَلْيُرَاجَعْ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ عَلَى قَوْلِ الْقَائِلِينَ بِنَجَاسَتِهِ نَجَاسَةٌ عَيْنِيَّةٌ عِنْدَ الْبَعْضِ حَتَّى لَا يَجُوزَ الِانْتِفَاعُ بِهِ بِوَجْهٍ مَا وَعِنْدَ الْبَعْضِ نَجَاسَتُهُ بِالْمُجَاوَرَةِ حَتَّى يَجُوزَ الِانْتِفَاعُ بِهِ بِسَائِرِ الْوُجُوهِ سِوَى الشُّرْبِ؛ لِأَنَّ هَذَا مَاءٌ أُزِيلَتْ بِهِ النَّجَاسَةُ الْحُكْمِيَّةُ فَصَارَ كَمَا أُزِيلَ بِهِ النَّجَاسَةُ الْحَقِيقِيَّةُ وَوَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ الْمُجَاوَرَةَ إنَّمَا تَكُونُ بِانْتِقَالِ شَيْءٍ مِنْ عَيْنٍ إلَى عَيْنٍ، وَلَمْ يُوجَدْ حَقِيقَةً إلَّا أَنَّهُ يَتَنَجَّسُ الْمَاءُ بِالِاسْتِعْمَالِ شَرْعًا فَيَكُونُ نَجِسًا عَيْنًا فَيَكُونُ كَذَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي التَّجْنِيسِ وَلَمْ يُرَجَّحْ لَكِنَّ تَأْخِيرَهُ وَجْهَ الْأَوَّلِ يُفِيدُ تَرْجِيحَهُ كَمَا هِيَ عَادَتُهُ فِي الْهِدَايَةِ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَيُكْرَهُ شُرْبُ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ، وَأَمَّا الْمَاءُ إذَا وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ فَإِنْ تَغَيَّرَ وَصْفُ الْمَاءِ لَمْ يَجُزْ الِانْتِفَاعُ بِهِ بِحَالٍ، وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ الْمَاءُ جَازَ الِانْتِفَاعُ بِهِ كَبَلِّ الطِّينِ وَسَقْيِ الدَّوَابِّ اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْكَرَاهَةَ عَلَى رِوَايَةِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْكَرَاهَةَ عَلَى رِوَايَةِ الطَّهَارَةِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ عَنْ النَّهْرِ وَأَقُولُ: يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى رِوَايَةِ النَّجَاسَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُطْلَقَ مِنْهَا يَنْصَرِفُ إلَى التَّحْرِيمِ اهـ فَلِيُتَأَمَّلْ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 الطَّهَارَةِ أَمَّا عَلَى رِوَايَةِ النَّجَاسَةِ، فَحَرَامٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157] وَالنَّجَسُ مِنْهَا وَفِي الْبَدَائِعِ وَيُكْرَهُ التَّوَضُّؤُ فِي الْمَسْجِدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا بَأْسَ بِهِ عِنْدَهُ طَاهِرٌ، وَأَمَّا أَبُو يُوسُفَ؛ فَلِأَنَّهُ يَقُولُ بِنَجَاسَتِهِ وَكَذَا مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ الطَّهَارَةِ عَنْهُ؛ فَلِأَنَّهُ مُسْتَقْذَرٌ طَبْعًا فَيَجِبُ تَنْزِيهُ الْمَسْجِدِ كَمَا يَجِبُ تَنْزِيهُهُ عَنْ الْمُخَاطِ وَالْبَلْغَمِ اهـ. وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خان، وَإِنْ تَوَضَّأَ فِي إنَاءٍ فِي الْمَسْجِدِ جَازَ عِنْدَهُمْ. الرَّابِعُ: فِي حُكْمِهِ قَالَ قَاضِي خان فِي فَتَاوِيهِ اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا فِي الرِّوَايَاتِ الظَّاهِرَةِ أَنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ فِي الْبَدَنِ لَا يَبْقَى طَهُورًا اهـ. وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ: أَنَّهُ لَا يُزِيلُ الْأَحْدَاثَ قَالَ الشَّارِحُونَ: إنَّ هَذَا حُكْمُهُ وَقَالُوا: قُيِّدَ بِالْأَحْدَاثِ لِمَا أَنَّهُ يُزِيلُ الْأَنْجَاسَ عَلَى مَا رَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ طَاهِرٌ غَيْرُ طَهُورٍ؛ لِأَنَّ إزَالَةَ النَّجَاسَةِ الْحَقِيقِيَّةِ تَجُوزُ بِالْمَائِعَاتِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ صَرَّحَ بِهِ الْقِوَامَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْكَاكِيُّ فِي الْمِعْرَاجِ وَصَاحِبُ النِّهَايَةِ وَغَيْرُهُمْ هَذَا، وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ طَاهِرًا عِنْدَ مُحَمَّدٍ لَكِنْ لَا تَجُوزُ بِهِ إزَالَةُ النَّجَاسَةِ الْحَقِيقِيَّةِ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ لَا يَجُوزُ إزَالَتُهَا إلَّا بِالْمَاءِ الْمُطْلَقِ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ لَيْسَ بِمُطْلَقٍ وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ مَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُ الطَّلَبَةِ فِي عَصْرِنَا أَنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ يُزِيلُ الْأَنْجَاسَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِمَا أَنَّهُ يَقُولُ بِطَهَارَتِهِ، فَهُوَ حَفِظَ شَيْئًا وَغَابَتْ عَنْهُ أَشْيَاءُ وَانْدَفَعَ أَيْضًا مَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُ الْمُشْتَغِلِينَ أَنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ لَا يُزِيلُ الْأَنْجَاسَ اتِّفَاقًا لِمَا أَنَّهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ نَجِسٌ فَلَا يُزِيلُ وَمُحَمَّدٌ، وَإِنْ كَانَ يَقُولُ بِطَهَارَتِهِ فَعِنْدَهُ لَا يُزِيلُ إلَّا الْمَاءُ الْمُطْلَقُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ؛ لِأَنَّهُ حَفِظَ رِوَايَةَ النَّجَاسَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَنَسِيَ رِوَايَةَ الطَّهَارَةِ عَنْهُ الَّتِي اخْتَارَهَا الْمُحَقِّقُونَ وَأَفْتَوْا بِهَا. وَذُكِرَ فِي الْمُجْتَبَى عَنْ الْقُدُورِيِّ وَشَرْحِ الْإِرْشَادِ وَصَلَاةِ الْجَلَالِيِّ أَنَّهُ يَجُوزُ إزَالَةُ النَّجَاسَةِ بِالْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ عَلَى الرِّوَايَةِ الظَّاهِرَةِ. وَمَا ذَكَرْنَا مِنْ حُكْمِهِ عِنْدَنَا، فَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَرِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ، وَذَهَبَ الزُّهْرِيُّ وَمَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ فِي أَشْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُمَا وَأَبُو ثَوْرٍ إلَى أَنَّهُ مُطَهَّرٌ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: 48] ؛ لِأَنَّ الطَّهُورَ مَا يُطَهِّرُ غَيْرَهُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، وَيُحْتَجُّ لِأَصْحَابِنَا وَمَنْ تَبِعَهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابَهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - احْتَاجُوا فِي مَوَاطِنَ مِنْ أَسْفَارِهِمْ الْكَثِيرَةِ إلَى الْمَاءِ وَلَمْ يَجْمَعُوا الْمُسْتَعْمَلَ لِاسْتِعْمَالِهِ مَرَّةً أُخْرَى، فَإِنْ قِيلَ تَرَكُوا الْجُمَعَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجْتَمِعُ مِنْهُ شَيْءٌ، فَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا لَا يُسَلَّمُ، وَإِنْ سُلِّمَ فِي الْوُضُوءِ لَا يُسَلَّمُ فِي الْغُسْلِ، فَإِنْ قِيلَ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ جَمْعِهِ مَنْعُ الطَّهَارَةِ بِهِ؛ وَلِهَذَا لَمْ يَجْمَعُوهُ لِلشُّرْبِ وَالطَّبْخِ وَالْعَجْنِ وَالتَّبَرُّدِ وَنَحْوِهَا فَالْجَوَابُ أَنَّ تَرْكَ جَمْعِهِ لِلشُّرْبِ وَنَحْوِهِ لِلِاسْتِقْذَارِ، فَإِنَّ النُّفُوسَ تَعَافُهُ لِلْعَادَةِ، وَإِنْ كَانَ طَاهِرًا كَمَا «اسْتَقْذَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الضَّبَّ وَتَرَكَهُ فَقِيلَ أَحَرَامٌ هُوَ قَالَ وَلَا وَلَكِنِّي أَعَافُهُ» ، وَأَمَّا الطَّهَارَةُ مَرَّةً ثَانِيَةً، فَلَيْسَ فِيهِ اسْتِقْذَارٌ فَتَرْكُهُ يَدُلُّ عَلَى امْتِنَاعِهِ، وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ احْتِجَاجِهِمْ فَيُعْلَمُ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ فِي أَوَّلِ بَحْثِ الْمِيَاهِ مِنْ أَنَّ الطَّهُورَ لَيْسَ هُوَ الْمُطَهِّرَ لِغَيْرِهِ فَضْلًا عَنْ التَّكْرَارِ، وَبِمَا ذَكَرْنَاهُ انْدَفَعَ مَا ذَكَرَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ بِقَوْلِهِ، وَنَحْنُ نَقُولُ لَوْ كَانَ طَاهِرًا لَجَازَ فِي السَّفَرِ الْوُضُوءُ بِهِ ثُمَّ الشُّرْبُ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِذَلِكَ اهـ. لَمَّا عَلِمْت أَنَّ عَدَمَ شُرْبِهِ لِلِاسْتِقْذَارِ مَعَ طَهَارَتِهِ لَا لِعَدَمِهَا (قَوْلُهُ وَمَسْأَلَةُ الْبِئْرِ حجط) أَيْ ضَابِطُ حُكْمِ مَسْأَلَةِ الْبِئْرِ حجط وَصُورَتُهَا جُنُبٌ انْغَمَسَ فِي الْبِئْرِ لِلدَّلْوِ أَوْ لِلتَّبَرُّدِ وَلَا نَجَاسَةَ عَلَى بَدَنِهِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ الرَّجُلُ وَالْمَاءُ نَجِسَانِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الرَّجُلُ جُنُبٌ عَلَى حَالِهِ وَالْمَاءُ مُطَهِّرٌ عَلَى حَالِهِ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ الرَّجُلُ طَاهِرٌ وَالْمَاءُ طَاهِرٌ طَهُورٌ فَالْجِيمُ مِنْ النَّجِسِ عَلَامَةُ نَجَاسَتِهِمَا وَالْحَاءُ مِنْ الْحَالِ أَيْ كِلَاهُمَا بِحَالِهِ، وَالطَّاءُ مِنْ الطَّاهِرِ فَرَتَّبَ حُرُوفَهُ عَلَى تَرْتِيبِ الْأَئِمَّةِ فَالْحَرْفُ الْأَوَّلُ لِلْإِمَامِ الْأَعْظَمِ وَالثَّانِي لِلثَّانِي وَالثَّالِثُ لِلثَّالِثِ وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ إنَّ الْفَرْضَ قَدْ سَقَطَ عَنْ بَعْضِ الْأَعْضَاءِ بِأَوَّلِ الْمُلَاقَاةِ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ لِسُقُوطِ الْفَرْضِ، فَإِذَا سَقَطَ الْفَرْضُ صَارَ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا عِنْدَهُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَفِي الْبَدَائِعِ وَيُكْرَهُ التَّوَضُّؤُ فِي الْمَسْجِدِ إلَى آخِرِ مَا نَقَلَهُ عَنْ قَاضِي خان) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَقُولُ: سَيَذْكُرُ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ فِي بَابِ الِاعْتِكَافِ كَرَاهَةَ التَّوَضُّؤِ فِي الْمَسْجِدِ وَلَوْ فِي إنَاءٍ فَرَاجِعْهُ وَتَأَمَّلْهُ وَلَكِنَّ الظَّاهِرَ تَرْجِيحُ مَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خان وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ فِي إنَاءٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي غَيْرِ إنَاءٍ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ اهـ. [حُكْم الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ] (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَمَسْأَلَةُ الْبِئْرِ جحط) قَالَ فِي النَّهْرِ وَرُوِيَ بِخَطِّ النُّونِ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي عَلِيٍّ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 فَيَتَنَجَّسُ الْمَاءُ وَالرَّجُلُ بَاقٍ عَلَى جَنَابَتِهِ لِبَقَاءِ الْحَدَثِ فِي بَقِيَّةِ الْأَعْضَاءِ، وَقِيلَ عِنْدَهُ نَجَاسَةٌ الرَّجُلُ بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ وَصُحِّحَ فِي شُرُوحِ الْهِدَايَةِ أَنَّهُ نَجِسٌ بِالْجَنَابَةِ عِنْدَهُ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ وَدُخُولِ الْمَسْجِدِ إذَا تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خان أَنَّ الْأَظْهَرَ أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ الْجَنَابَةِ ثُمَّ يَتَنَجَّسُ بِالْمَاءِ النَّجِسِ حَتَّى لَوْ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ حَلَّ لَهُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ اهـ. وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ إنَّ الصَّبَّ سُطِّرَ لِإِسْقَاطِ الْفَرْضِ عِنْدَهُ فِي غَيْرِ الْمَاءِ الْجَارِي، وَمَا هُوَ فِي حُكْمِهِ، وَلَوْ يُوجَدُ، فَكَانَ الرَّجُلُ جُنُبًا بِحَالِهِ، فَإِذَا لَمْ يَسْقُطْ الْفَرْضُ، وَلَمْ يُوجَدْ رَفْعُ الْحَدَثِ، وَلَا نِيَّةُ الْقُرْبَةِ لَا يَصِيرُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا، فَكَانَ بِحَالِهِ وَوَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ عَلَى مَا هُوَ الصَّحِيحُ عَنْهُ إنَّ الصَّبَّ لَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدَهُ، فَكَانَ الرَّجُلُ طَاهِرًا وَلَا يَصِيرُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا، وَإِنْ أُزِيلَ بِهِ حَدَثٌ لِلضَّرُورَةِ، وَأَمَّا عَلَى مَا خَرَّجَهُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ، فَإِنَّهُ لَا يَصِيرُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا عِنْدَهُ لِفَقْدِ نِيَّةِ الْقُرْبَةِ، وَهِيَ شَرْطٌ عِنْدَهُ فِي صَيْرُورَتِهِ مُسْتَعْمَلًا وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ أَخَذَ مِنْهَا أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ الِاخْتِلَافَ فِي سَبَبِ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ بَيْنَ الْأَصْحَابِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ أَخْذَهُ مِنْهَا غَيْرُ لَازِمٍ كَمَا ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ. وَقَالَ الْخَبَّازِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْهِدَايَةِ قَالَ الْقُدُورِيُّ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَانَ شَيْخُنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْجُرْجَانِيُّ يَقُولُ الصَّحِيحُ عِنْدِي مِنْ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا أَنَّ إزَالَةَ الْحَدَثِ تُوجِبُ اسْتِعْمَالَ الْمَاءِ وَلَا مَعْنَى؛ لِهَذَا الْخِلَافِ إذْ لَا نَصَّ فِيهِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَأْخُذْ الْمَاءُ حُكْمَ الِاسْتِعْمَالِ فِي مَسْأَلَةِ طَلَبِ الدَّلْوِ لِمَكَانِ الضَّرُورَةِ إذْ الْحَاجَةُ إلَى الِانْغِمَاسِ فِي الْبِئْرِ لِطَلَبِ الدَّلْوِ مِمَّا يَتَكَرَّرُ فَلَوْ احْتَاجُوا إلَى الْغُسْلِ عِنْدَ نَزْحِ مَاءِ الْبِئْرِ كُلَّ مَرَّةٍ لَحُرِجُوا حَرَجًا عَظِيمًا وَصَارَ كَالْمُحْدِثِ إذَا اغْتَرَفَ الْمَاءَ بِكَفِّهِ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمِلًا بِلَا خِلَافٍ، وَإِنْ وُجِدَ إسْقَاطُ الْفَرْضِ لِمَكَانِ الضَّرُورَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَدْخَلَ غَيْرَ الْيَدِ فِيهِ صَارَ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا. اهـ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الرَّجُلَ طَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ لَا يُعْطِي لَهُ حُكْمَ الِاسْتِعْمَالِ قَبْلَ الِانْفِصَالِ مِنْ الْعُضْوِ وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَالْهِنْدِيُّ وَغَيْرُهُمَا تَبَعًا لِصَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ أَوْفَقُ الرِّوَايَاتِ أَيْ لِلْقِيَاسِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَشَرْحِ الْمَجْمَعِ أَنَّهُ الرِّوَايَةُ الْمُصَحَّحَةُ اهـ. وَتَعْلِيلُهُمْ هَذَا يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ دَاخِلَ الْبِئْرِ قَبْلَ انْفِصَالِهِ لَا يَخْرُجُ عَنْ الْجَنَابَةِ لِصَيْرُورَةِ الْمَاءِ مُسْتَعْمَلًا قَبْلَ الِانْفِصَالِ، وَقَدْ صُرِّحَ بِهِ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ فَعُلِمَ بِمَا قَرَّرْنَاهُ أَنَّ الْمَذْهَبَ الْمُخْتَارَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الرَّجُلَ طَاهِرٌ، وَالْمَاءُ طَاهِرٌ غَيْرُ طَهُورٍ أَمَّا كَوْنُ الرَّجُلِ طَاهِرًا عَلَى الصَّحِيحِ فَقَدْ عَلِمْته وَأَمَّا كَوْنُ الْمَاءِ مُسْتَعْمَلًا كَذَلِكَ عَلَى الصَّحِيحِ فَقَدْ عَلِمْته أَيْضًا مِمَّا قَدَّمْنَاهُ قَيَّدْنَا أَصْلَ الْمَسْأَلَةِ بِالْجُنُبِ؛ لِأَنَّ الطَّاهِرَ إذَا انْغَمَسَ لِطَلَبِ الدَّلْوِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى أَعْضَائِهِ نَجَاسَةٌ لَا يَصِيرُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا اتِّفَاقًا لِعَدَمِ إزَالَةِ الْحَدَثِ وَإِقَامَةِ الْقُرْبَةِ، وَإِنْ انْغَمَسَ لِلِاغْتِسَالِ صَارَ مُسْتَعْمَلًا اتِّفَاقًا لِوُجُودِ إقَامَةِ الْقُرْبَةِ وَحُكْمُ الْحَدَثِ حُكْمُ الْجَنَابَةِ ذَكَرَهُ فِي الْبَدَائِعِ، وَكَذَا حُكْمُ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ إذَا نَزَلَا بَعْدَ الِانْقِطَاعِ أَمَّا قَبْلَ الِانْقِطَاعِ، وَلَيْسَ عَلَى أَعْضَائِهِمَا نَجَاسَةٌ، فَإِنَّهُمَا كَالطَّاهِرِ إذَا انْغَمَسَ لِلتَّبَرُّدِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَقِيلَ عِنْدَهُ إلَخْ) هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمَاءَ لَا يُعْطِي لَهُ حُكْمَ الِاسْتِعْمَالِ بِأَوَّلِ الْمُلَاقَاةِ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ عِبَارَةُ الْخَانِيَّةِ، فَإِنَّهَا تُفِيدُ أَنْ يَنْجُسَ الْمَاءُ بِالِاسْتِعْمَالِ بَعْدَ الْخُرُوجِ مِنْ الْجَنَابَةِ، وَذَلِكَ بِتَمَامِ الِانْغِمَاسِ وَالْإِلْزَامُ بَقَاءُ الْجَنَابَةِ ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّ الرَّجُلَ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ نَجِسٌ بِكُلٍّ مِنْ نَجَاسَةِ الْجَنَابَةِ وَنَجَاسَةِ الْمَاءِ لِمُلَاقَاةِ بَقِيَّةِ جَسَدِهِ الْمَاءَ الْمَحْكُومَ بِنَجَاسَتِهِ أَوَّلَ الْمُلَاقَاةِ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: لِلضَّرُورَةِ) عَلَى هَذَا التَّعْلِيلِ لَا يُنَاسِبُ مَا ذَكَرَهُ أَوَّلًا فِي تَصْوِيرِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ قَوْلِهِ أَوْ لِلتَّبَرُّدِ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ هُنَاكَ بِخِلَافِ انْغِمَاسِهِ لِاسْتِخْرَاجِ الدَّلْوِ تَأَمَّلْ؛ وَلِذَا اقْتَصَرَ فِي الْهِدَايَةِ عَلَى ذِكْرِ طَلَبِ الدَّلْوِ (قَوْلُهُ: فَعُلِمَ بِمَا قَرَّرْنَا إلَخْ) قَالَ سَيِّدِي الْعَارِفُ بِاَللَّهِ عَبْدُ الْغَنِيِّ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مَسْأَلَةَ الْبِئْرِ جحط الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ فِيهَا ضَعِيفَةٌ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ مَبْنِيَّانِ عَلَى نَجَاسَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ أَمَّا عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَظَاهِرٌ. وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فَاَلَّذِي مَنَعَ مِنْ الْحُكْمِ بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ عَدَمُ وُجُودِ الصَّبِّ عِنْدَهُ فَلَوْ وُجِدَ الْحُكْمُ بِالنَّجَاسَةِ وَنَجَاسَةُ الْمُسْتَعْمَلِ وَاشْتِرَاطُ الصَّبِّ قَوْلَانِ ضَعِيفَانِ وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَبْنِيٌّ عَلَى طَهَارَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ وَاشْتِرَاطِ نِيَّةِ الْقُرْبَةِ لَهُ أَمَّا طَهَارَةُ الْمُسْتَعْمَلِ فَقَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا سَبَقَ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الصَّحِيحُ الْمُفْتَى بِهِ، وَأَمَّا اشْتِرَاطُ نِيَّةِ الْقُرْبَةِ لَهُ فَغَيْرُ مَأْخُوذٍ بِهِ لِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّ الْمَاءَ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا بِكُلٍّ مِنْ رَفْعِ الْحَدَثَ وَالْقُرْبَةِ وَإِسْقَاطِ الْفَرْضِ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ فَيَكُونُ الْمُفْتَى بِهِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ طَهَارَةَ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ فَقَطْ لِاشْتِرَاطِ نِيَّةِ الْقُرْبَةِ وَلَكِنْ فِيهِ تَلْفِيقٌ فِي التَّقْلِيدِ، وَلَعَلَّ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ؛ لِأَنَّ أَقْوَالَ الصَّحْبِ رِوَايَاتٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَالْكُلُّ مَذْهَبُهُ فَيَصِيرُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا عَلَى هَذَا، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ الْقُرْبَةَ، وَهُوَ طَاهِرٌ غَيْرُ طَهُورٍ اهـ. وَالتَّلْفِيقُ إنَّمَا هُوَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ حَيْثُ أَخَذَ بِمَا رُوِيَ عَنْهُ أَنَّ الرَّجُلَ طَاهِرٌ وَبِرِوَايَةِ مُحَمَّدٍ عَنْهُ أَنَّ الْمُسْتَعْمَلَ طَاهِرٌ غَيْرُ طَهُورٍ وَلَمْ يُؤْخَذْ بِقَوْلِهِ أَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ، وَهُوَ نَجِسٌ وَلَا بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَعْمَلٍ، وَبِهِ ظَهَرَ وَجْهُ قَوْلِ الشَّارِحِ أَنَّ الرَّجُلَ طَاهِرٌ، وَالْمَاءَ طَاهِرٌ غَيْرُ طَهُورٍ (قَوْلُهُ: وَالْمَاءُ طَاهِرٌ غَيْرُ طَهُورٍ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَقُولُ: سَيَأْتِي قَرِيبًا أَنَّهُ طَاهِرٌ طَهُورٌ عَلَى الصَّحِيحِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 ؛ لِأَنَّهَا لَا تَخْرُجُ مِنْ الْحَيْضِ بِهَذَا الْوُقُوعِ فَلَا يَصِيرُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خان وَالْخُلَاصَةِ. وَقَيَّدْنَا بِكَوْنِهِ انْغَمَسَ لِطَلَبِ الدَّلْوِ أَوْ لِلتَّبَرُّدِ لِأَنَّهُ لَوْ انْغَمَسَ بِقَصْدِ الِاغْتِسَالِ لِلصَّلَاةِ قَالُوا صَارَ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا اتِّفَاقًا لِوُجُودِ إزَالَةِ الْحَدَثِ وَنِيَّةِ الْقُرْبَةِ لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَزُولَ حَدَثُهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِمَا نَقَلُوهُ عَنْهُ أَنَّ الصَّبَّ شَرْطٌ عِنْدَهُ فِي غَيْرِ الْمَاءِ الْجَارِي، وَمَا هُوَ فِي حُكْمِهِ لِإِسْقَاطِ الْفَرْضِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهَذَا وَقَدْ عَلِمْت فِيمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْكَلَامِ عَلَى مَاءِ الْفَسَاقِي أَنَّ قَوْلَهُمْ بِأَنَّ مَاءَ الْبِئْرِ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا عِنْدَ الْكُلِّ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلٍ ضَعِيفٍ عَنْ مُحَمَّدٍ وَالصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ مُحَمَّدٍ أَنَّ مَاءَ الْبِئْرِ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الْمُسْتَعْمَلَ هُوَ مَا تَسَاقَطَ عَنْ الْأَعْضَاءِ، وَهُوَ مَغْلُوبٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَاءِ الَّذِي يَسْتَعْمِلُهُ فَاحْفَظْ هَذَا وَكُنْ عَلَى ذِكْرٍ مِنْهُ يَنْفَعْك إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ رَأَيْت بَعْدَ هَذَا الْعَلَّامَةَ ابْنَ أَمِيرِ حَاجٍّ فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي صَرَّحَ بِمَا ذَكَرْته. وَقَالَ الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ هُوَ الْمَاءُ الَّذِي لَاقَى الرَّجُلَ الَّذِي زَالَ حَدَثَهُ فَيَجِبُ نَزْحُ جَمِيعِ الْمَاءِ عَلَى رِوَايَةِ نَجَاسَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ وَلَا يَجِبُ نَزْحُ شَيْءٍ مِنْهَا عَلَى رِوَايَةِ طَهَارَتِهِ بَلْ هُوَ بَاقٍ عَلَى طَهُورِيَّتِهِ، وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ الرِّوَايَةَ الطَّهَارَةُ، وَهِيَ الْمُخْتَارَةُ اهـ. فَعَلَى هَذَا قَوْلُهُمْ صَارَ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا مَعْنَاهُ صَارَ الْمَاءُ الْمُلَاقِي لِلْبَدَنِ مُسْتَعْمَلًا لَا أَنَّ جَمِيعَ مَاءِ الْبِئْرِ صَارَ مُسْتَعْمَلًا وَقَيَّدْنَا بِقَوْلِنَا لَيْسَ عَلَى أَعْضَائِهِ نَجَاسَةٌ حَقِيقِيَّةٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَتَنَجَّسَ الْمَاءُ اتِّفَاقًا وَقَيَّدَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْمُحِيطِ بِقَوْلِهِ وَلَمْ يَتَدَلَّك فِيهِ وَلَمْ يُبَيِّنْ مَفْهُومَهُ وَكَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالظَّاهِرُ مِنْهُ أَنَّهُ إذَا نَزَلَ لِلدَّلْوِ وَتَدَلَّكَ فِي الْمَاءِ صَارَ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّ الدَّلْكَ فِعْلٌ مِنْهُ قَائِمٌ مَقَامَ نِيَّةِ الِاغْتِسَالِ، فَصَارَ كَمَا لَوْ نَزَلَ لِلِاغْتِسَالِ وَقَيَّدَ الْمَسْأَلَةَ بَعْضُهُمْ بِأَنْ لَا يَكُونَ اسْتَنْجَى بِالْأَحْجَارِ فَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُسْتَنْجِيًا بِالْأَحْجَارِ تَنَجَّسَ الْمَاءُ اتِّفَاقًا لَكِنَّ هَذَا يَبْتَنِي عَلَى أَنَّ الْحَجَرَ فِي الِاسْتِنْجَاءِ مُخَفَّفٌ لَا مُطَهِّرٌ. وَفِيهِ خِلَافٌ ذَكَرَهُ فِي التَّجْنِيسِ وَذَكَرَ أَنَّ الْمُخْتَارَ أَنَّهُ مُخَفِّفٌ لَا مُطَهِّرٌ وَسَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَوْضِعِهِ، فَإِنْ قُلْت لِمَ قَالَ أَبُو يُوسُفَ بِأَنَّ الصَّبَّ شَرْطٌ فِي الْعُضْوِ لَا فِي الثَّوْبِ، وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا قُلْت: رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ أَنَّ الصَّبَّ شَرْطٌ فِيهِمَا، وَوَجْهُهُ أَنَّ الْقِيَاسَ يَأْبَى التَّطْهِيرَ بِالْغُسْلِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ يَتَنَجَّسُ بِأَوَّلِ الْمُلَاقَاةِ، وَإِنَّمَا حَكَمْنَا بِالطَّهَارَةِ ضَرُورَةَ أَنَّ الشَّرْعَ كَلَّفَنَا بِالتَّطْهِيرِ وَالتَّكْلِيفُ يَعْتَمِدُ الْقُدْرَةَ وَسُمِّيَ الْمَاءُ طَهُورًا، وَذَلِكَ يَقْتَضِي حُصُولَ الطَّهَارَةِ بِهِ وَالضَّرُورَةُ تَنْدَفِعُ بِطَرِيقِ الصَّبِّ، فَلَا ضَرُورَةَ إلَى طَرِيقٍ آخَرَ مَعَ أَنَّ الْمَاءَ حَالَةَ الصَّبِّ بِمَنْزِلَةِ مَاءٍ جَارٍ، وَفِي غَيْرِ حَالَةِ الصَّبِّ رَاكِدٌ وَالرَّاكِدُ أَضْعَفُ مِنْ الْجَارِي وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ الصَّبَّ شَرْطٌ فِي الْعُضْوِ لَا فِي الثَّوْبِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْهُ وَوَجْهُهُ أَنَّ غَسْلَ الثِّيَابِ بِطَرِيقِ الصَّبِّ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِكُلْفَةٍ وَمَشَقَّةٍ؛ لِأَنَّهَا تَغْسِلُهَا النِّسَاءُ عَادَةً وَكُلُّ امْرَأَةٍ لَا تَجِدُ خَادِمًا يَصُبُّ الْمَاءَ عَلَيْهَا وَلَا مَاءَ جَارِيًا وَأَمَّا غَسْلُ الْبَدَنِ يَتَحَقَّقُ بِطَرِيقِ الصَّبِّ مِنْ غَيْرِ كُلْفَةٍ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَقَالَ الْقَاضِي الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ جُنُبٌ اغْتَسَلَ فِي بِئْرٍ ثُمَّ فِي بِئْرٍ إلَى الْعَشَرَةِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: تُنَجَّسُ الْآبَارُ كُلُّهَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَخْرُجُ مِنْ الثَّالِثَةِ طَاهِرًا ثُمَّ يَنْظُرُ إنْ كَانَ عَلَى بَدَنِهِ عَيْنُ نَجَاسَةٍ تَنَجَّسَتْ الْمِيَاهُ كُلُّهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَيْنُ نَجَاسَةٍ صَارَتْ الْمِيَاهُ كُلُّهَا مُسْتَعْمَلَةً ثُمَّ بَعْدَ الثَّالِثَةِ إنْ وُجِدَتْ مِنْهُ النِّيَّةُ يُصَيِّرُهُ مُسْتَعْمَلًا، وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ مِنْهُ النِّيَّةُ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا عِنْدَهُ، وَلَوْ أَنَّهُ غَسَلَ الثَّوْبَ النَّجِسَ فِي إجَّانَةٍ وَعَصَرَهُ ثُمَّ فِي إجَّانَةٍ إلَى الْعَشَرَةِ، فَإِنَّ الثَّوْبَ يَخْرُجُ مِنْ الثَّالِثَةِ طَاهِرًا وَالْمِيَاهُ الثَّلَاثَةُ نَجِسَةٌ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا وَأَبُو يُوسُف فَرَّقَ بَيْنَ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ فَقَالَ؛ لِأَنَّ فِي الثَّوْبِ ضَرُورَةً وَلَا ضَرُورَةَ فِي الْبَدَنِ اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ مُقْتَضَى مَذْهَبِ أَبِي يُوسُفَ مِنْ اشْتِرَاطِ الصَّبِّ أَنْ لَا تَتَنَجَّسَ الْمِيَاهُ كُلُّهَا عِنْدَهُ لِمَا أَنَّ الْحَدَثَ لَمْ يَزُلْ وَنِيَّةُ الِاغْتِسَالِ، وَإِنْ وُجِدَتْ لَكِنْ لَا اعْتِبَارَ بِهَا إذَا لَمْ يَصِحَّ الْغُسْلُ عِنْدَهُ وَقَدْ عَلِمْت فِيمَا قَدَّمْنَاهُ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى مَاءِ الْفَسَاقِي أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ كَوْنِ مَاءِ الْآبَارِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: لَكِنْ يَنْبَغِي إلَخْ) أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِإِطْلَاقِهِمْ الِاتِّفَاقَ وَعَبَّرَ فِي السِّرَاجِ بِقَوْلِهِ بِلَا خِلَافٍ هَكَذَا بِقَوْلِهِ بِالِاتِّفَاقِ إلَّا فِي قَوْلِ زُفَرَ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ أَبَا يُوسُفَ إنَّمَا يَشْتَرِطُ الصَّبَّ فِيمَا إذَا لَمْ يَنْوِ الِاغْتِسَالَ لِيَجْعَلَ الصَّبَّ قَائِمًا مَقَامَ النِّيَّةِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّهُ لَوْ تَدَلَّكَ صَارَ مُسْتَعْمَلًا بِالِاتِّفَاقِ لِقِيَامِهِ مَقَامَ نِيَّةِ الِاغْتِسَالِ (قَوْلُهُ: وَقَدْ عَلِمْت فِيمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْكَلَامِ عَلَى مَاءِ الْفَسَاقِي إلَخْ) أَقُولُ: قَدْ قَدَّمْنَاهُ الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْإِعَادَةِ بَعْدَ إحَاطَتِك بِمَا هُنَالِكَ وَمَا نَقَلَهُ عَنْ ابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ لَا يَقْوَى عَلَى مُعَارَضَتِهِ كَلَامُ الدَّبُوسِيِّ الْمُتَقَدِّمُ وَعَلَى إطْلَاقِ عِبَارَاتِهِمْ بِاسْتِعْمَالِ الْمَاءِ اتِّفَاقًا، وَعَلَى هَذَا فَلَا حَاجَةَ إلَى الْبِنَاءِ عَلَى مَا ذُكِرَ وَلَا إلَى تَأْوِيلِ الْكَلَامِ بِخِلَافِ الْمُتَبَادِرِ مِنْهُ إلَى الْأَفْهَامِ ثُمَّ رَأَيْت فِي شَرْحِ نَظْمِ الْكَنْزِ لِلْعَلَّامَةِ الْمَقْدِسِيَّ قَالَ مَا نَصُّهُ، وَأَمَّا تَأْوِيلُ الْكَلَامِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِصَيْرُورَتِهِ مُسْتَعْمَلًا صَيْرُورَةُ مَا لَاقَى أَعْضَاءَهُ مِنْهُ مُسْتَعْمَلًا فَهَذَا بَعِيدٌ جِدًّا إذْ لَا يَحْتَاجُ إلَى التَّنْصِيصِ عَلَى ذَلِكَ أَصْلًا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالظَّاهِرُ مِنْهُ إذَا نَزَلَ لِلدَّلْوِ وَتَدَلَّكَ فِي الْمَاءِ صَارَ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا) أَيْ إذَا لَمْ يَكُنْ تَدَلُّكُهُ لِإِزَالَةِ الْوَسَخِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ لِلْحَلَبِيِّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا عِنْدَ مُحَمَّدٍ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ لَا عَلَى الصَّحِيحِ فَارْجِعْ إلَيْهِ تَجِدْ لَك فَرَجًا كَبِيرًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَقَدْ ظَهَرَ لِي أَنَّ قَوْلَهُمْ بِنَجَاسَةِ مَاءِ الْآبَارِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَقَوْلَهُمْ بِنَجَاسَةِ مَاءِ الْبِئْرِ إذَا نَزَلَ لِلِاغْتِسَالِ عِنْدَهُ مُفَرَّعٌ عَلَى رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ مَنْ نَزَلَ فِي الْبِئْرِ، وَهُوَ جُنُبٌ كَانَ الْمَاءُ نَجِسًا وَالرَّجُلُ نَجِسٌ، وَقَدْ ذَكَرَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ عَنْهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَذَكَرَ هَذِهِ الْفُرُوعَ بَعْدَهَا فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا مُفَرَّعَةٌ عَلَيْهَا لَا عَلَى الْقَوْلِ الْمَشْهُورِ عَنْهُ أَنَّ الرَّجُلَ بِحَالِهِ وَالْمَاءُ بِحَالِهِ وَاَللَّهُ الْهَادِي لِلصَّوَابِ. (قَوْلُهُ وَكُلُّ إهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ) لَمَّا كَانَ يَتَعَلَّقُ بِدِبَاغِ الْإِهَابِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ طَهَارَتُهُ، وَهِيَ تَتَعَلَّقُ بِكِتَابِ الصَّيْدِ وَالصَّلَاةُ فِيهِ، وَهِيَ تَتَعَلَّقُ بِكِتَابِ الصَّلَاةِ وَالْوُضُوءُ مِنْهُ بِأَنْ يُجْعَلَ قُرْبَةً، وَهِيَ تَتَعَلَّقُ بِالْمِيَاهِ ذُكِرَ فِي بَحْثِ الْمِيَاهِ لِإِفَادَةِ جَوَازِ الْوُضُوءِ مِنْهُ بِطَرِيقِ الِاسْتِطْرَادِ فَانْدَفَعَ بِهَذَا مَا قِيلَ إنَّ هَذَا الْوَضْعَ لَيْسَ لِبَيَانِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَالْإِهَابُ الْجِلْدُ غَيْرُ الْمَدْبُوغِ وَالْجَمْعُ أُهُبٌ بِضَمَّتَيْنِ وَبِفَتْحَتَيْنِ اسْمٌ لَهُ، وَأَمَّا الْأَدِيمُ فَهُوَ الْجِلْدُ الْمَدْبُوغُ وَجَمْعُهُ أَدَمٌ بِفَتْحَتَيْنِ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَكَذَا يُسَمَّى صِرْمًا وَجِرَابًا كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَقَوْلُهُ كُلُّ إهَابٍ يَتَنَاوَلُ كُلَّ جِلْدٍ يَحْتَمِلُ الدِّبَاغَةَ لَا مَا لَا يَحْتَمِلُهُ فَلَا حَاجَةَ إلَى اسْتِثْنَائِهِ وَبِهِ يَنْدَفِعُ مَا ذَكَرَهُ الْهِنْدِيُّ أَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي اسْتِثْنَاءُ جِلْدِ الْحَيَّةِ فَلَا يَطْهُرُ جِلْدُ الْحَيَّةِ وَالْفَأْرَةِ بِهِ كَاللَّحْمِ، وَكَذَا لَا يَطْهُرُ بِالذَّكَاةِ؛ لِأَنَّ الذَّكَاةَ إنَّمَا تُقَامُ مَقَامَ الدِّبَاغِ فِيمَا يَحْتَمِلُهُ كَذَا فِي التَّجْنِيسِ وَفِيهِ إذَا أَصْلَحَ أَمْعَاءَ شَاةٍ مَيِّتَةٍ فَصَلَّى، وَهِيَ مَعَهُ جَازَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ يُتَّخَذُ مِنْهَا الْأَوْتَارُ، وَهُوَ كَالدِّبَاغِ وَكَذَلِكَ الْعَقِبُ وَالْعَصَبُ وَكَذَا لَوْ دَبَغَ الْمَثَانَةَ فَجُعِلَ فِيهَا لَبَنٌ جَازَ وَلَا يَفْسُدُ اللَّبَنُ وَكَذَلِكَ الْكَرِشُ إنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى إصْلَاحِهِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي الْإِمْلَاءِ إنَّ الْكَرِشَ لَا يَطْهُرُ؛ لِأَنَّهُ كَاللَّحْمِ. اهـ. وَأَمَّا قَمِيصُ الْحَيَّةِ فَهُوَ طَاهِرٌ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ ثُمَّ الدِّبَاغُ هُوَ مَا يَمْتَنِعُ عَوْدُ الْفَسَادِ إلَى الْجِلْدِ عِنْدَ حُصُولِ الْمَاءِ فِيهِ وَالدِّبَاغُ عَلَى ضَرْبَيْنِ حَقِيقِيٌّ وَحُكْمِيٌّ فَالْحَقِيقِيُّ هُوَ أَنْ يُدْبَغَ بِشَيْءٍ لَهُ قِيمَةٌ كَالشَّبِّ وَالْقَرَظِ وَالْعَفْصِ وَقُشُورِ الرُّمَّانِ وَلِحَى الشَّجَرِ وَالْمِلْحِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَضَبَطَ بَعْضُهُمْ الشَّبَّ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَذَكَرَ الْأَزْهَرِيُّ أَنَّ غَيْرَهُ تَصْحِيفٌ وَضَبَطَهُ بَعْضُهُمْ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ، وَهُوَ نَبْتٌ طَيِّبُ الرَّائِحَةِ مُرُّ الطَّعْمِ يُدْبَغُ بِهِ ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ فِي الصِّحَاحِ وَبِأَيِّهِمَا كَانَ فَالدِّبَاغُ بِهِ جَائِزٌ، وَأَمَّا الْقَرَظُ فَهُوَ بِالظَّاءِ لَا بِالضَّادِ وَرَقُ شَجَرِ السَّلَمِ بِفَتْحِ السِّينِ وَاللَّامِ وَمِنْهُ أَدِيمٌ مَقْرُوظٌ أَيْ مَدْبُوغٌ لَا لِقَرَظٍ قَالُوا وَالْقَرَظُ نَبْتٌ بِنَوَاحِي تِهَامَةَ كَذَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، وَإِنَّمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يُوجَدُ مُصَحَّفًا فِي كَثِيرٍ مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ وَيُقْرَأُ بِالضَّادِ وَالْحُكْمِيُّ أَنْ يُدْبَغَ بِالتَّشْمِيسِ وَالتَّتْرِيبِ وَالْإِلْقَاءِ فِي الرِّيحِ لَا بِمُجَرَّدِ التَّجْفِيفِ وَالنَّوْعَانِ مُسْتَوِيَانِ فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ إلَّا فِي حُكْمٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ أَصَابَهُ الْمَاءُ بَعْدَ الدِّبَاغِ الْحَقِيقِيِّ لَا يَعُودُ نَجِسًا بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ وَبَعْدَ الْحَمْيِ فِيهِ رِوَايَتَانِ وَسَنَتَكَلَّمُ عَلَى الْمُخْتَارَةِ مَعَ نَظَائِرِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (قَوْلُهُ: إلَّا جِلْدَ الْخِنْزِيرِ وَالْآدَمِيِّ) يَعْنِي كُلَّ إهَابٍ دُبِغَ جَازَ اسْتِعْمَالُهُ شَرْعًا إلَّا جِلْدَ الْخِنْزِيرِ لِنَجَاسَةِ عَيْنِهِ وَجِلْدَ الْآدَمِيِّ لِكَرَامَتِهِ، وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ انْدَفَعَ مَا قِيلَ إنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ الطَّهَارَةِ نَجَاسَةٌ، وَهَذَا فِي جِلْدِ الْخِنْزِيرِ مُسَلَّمٌ، فَإِنَّهُ لَا يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ وَأَمَّا جِلْدُ   [منحة الخالق] [الطَّهَارَة بِالدِّبَاغِ] (قَوْلُهُ: وَسَنَتَكَلَّمُ عَلَى الْمُخْتَارَةِ مَعَ نَظَائِرِهَا) قَالَ الرَّمْلِيُّ الَّذِي يَأْتِي تَرْجِيحُ عَدَمِ الْعَوْدِ. [اسْتِعْمَال جِلْدَ الْخِنْزِيرِ وَالْآدَمِيِّ بِالدِّبَاغِ] (قَوْلُهُ: وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ انْدَفَعَ مَا قِيلَ) أَيْ مَا قَالَهُ بَعْضُ شُرَّاحِ الْوُقَايَةِ، وَهَذَا التَّقْرِيرُ لِبَعْضِ مُحَشِّي صَدْرِ الشَّرِيعَةِ قَالَ الْفَاضِلُ قَاضِي زَادَهْ ثُمَّ أَنَّهُ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ وَاسْتِثْنَاءُ الْآدَمِيِّ مَعَ الْخِنْزِيرِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ إذَا دُبِغَ طَهُرَ، وَلَكِنْ لَا يَجُوزُ بِهِ الِانْتِفَاعُ لِسَائِرِ أَجْزَائِهِ وَقَالَ بَعْضُ شُرَّاحِ الْوُقَايَةِ: وَالِاسْتِثْنَاءُ مِنْ الطَّهَارَةِ نَجَاسَةٌ، وَهَذَا فِي جِلْدِ الْخِنْزِيرِ مُسَلَّمٌ، فَإِنَّهُ لَا يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ، وَأَمَّا جِلْدُ الْآدَمِيِّ فَفِي غَايَةِ السُّرُوجِيِّ ذَكَرَ أَنَّهُ إذَا دُبِغَ طَهُرَ وَلَكِنْ لَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ كَسَائِرِ أَجْزَائِهِ فَكَيْفَ يَصِحُّ هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ وَقَصَدَ الْمُحَشِّيُّ يَعْقُوبُ بَاشَا أَنْ يُصَحِّحَ هَذَا الِاسْتِثْنَاءَ فَقَالَ يَعْنِي جَازَ اسْتِعْمَالُهُ شَرْعًا إلَّا جِلْدَ الْخِنْزِيرِ لِنَجَاسَتِهِ وَجِلْدَ الْآدَمِيِّ لِكَرَامَتِهِ ثُمَّ قَالَ فَلَا يَرِدُ مَا قِيلَ إنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ الطَّهَارَةِ نَجَاسَةٌ، وَهَذَا فِي جِلْدِ الْخِنْزِيرِ مُسَلَّمٌ، فَإِنَّهُ لَا يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ، وَأَمَّا جِلْدُ الْآدَمِيِّ فَقَدْ ذَكَرَ أَنَّهُ إذَا دُبِغَ طَهُرَ وَلَكِنْ لَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ كَسَائِرِ أَجْزَائِهِ فَكَيْفَ يَصِحُّ هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ قُلْت فِيهِ خَلَلٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَرَادَ مَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ هُوَ مَعْنًى جَازَ اسْتِعْمَالُهُ شَرْعًا فَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ طَهُرَ يَسْتَلْزِمُ مَعْنًى جَازَ اسْتِعْمَالُهُ شَرْعًا فَيَتَعَلَّقُ الِاسْتِثْنَاءُ بِذَلِكَ الْمَعْنَى الْمُنْفَهِمِ مِنْ الْكَلَامِ الْمَذْكُورِ الْتِزَامًا لَا بِصَرِيحِ مَعْنَى الْكَلَامِ الْمَذْكُورِ فَيَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ بِالنَّظَرِ إلَى الْآدَمِيِّ أَيْضًا لِعَدَمِ جَوَازِ اسْتِعْمَالِهِ شَرْعًا كَعَدَمِ جَوَازِ اسْتِعْمَالِ جِلْدِ الْخِنْزِيرِ، وَإِنْ كَانَتْ عِلَّةُ جَوَازِ الِاسْتِعْمَالِ مُخْتَلِفَةً فِيهِمَا قُلْنَا يَلْزَمُ حِينَئِذٍ أَنْ يَبْقَى صَرِيحُ مَعْنَى الْكَلَامِ الْمَذْكُورِ عَلَى كُلِّيَّتِهِ بِلَا اسْتِثْنَاءِ شَيْءٍ مِنْهُ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ إذْ لَا يَطْهُرُ جِلْدُ الْخِنْزِيرِ بِالدِّبَاغِ فَلَا صِحَّةَ لِلْكُلِّيَّةِ الْمَذْكُورَةِ لَا يُقَالُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ بِقَوْلِهِ فَقَدْ طَهُرَ مَعْنًى فَقَدْ جَازَ اسْتِعْمَالُهُ شَرْعًا مَجَازًا بِطَرِيقِ ذِكْرِ الْمَلْزُومِ وَإِرَادَةِ اللَّازِمِ وَيُجْعَلُ اسْتِثْنَاءُ الْآدَمِيِّ قَرِينَةً عَلَيْهِ فَلَا يُرَادُ حَقِيقَةُ قَوْلِهِ فَقَدْ طَهُرَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 الْآدَمِيِّ فَقَدْ ذُكِرَ فِي الْغَايَةِ أَنَّهُ إذَا دُبِغَ طَهُرَ وَلَكِنْ لَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ كَسَائِرِ أَجْزَائِهِ فَكَيْفَ يَصِحُّ هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ وَقِيلَ جِلْدُ الْخِنْزِيرِ وَالْآدَمِيِّ لَا يَقْبَلَانِ الدِّبَاغَ؛ لِأَنَّ لَهُمَا جُلُودًا مُتَرَادِفَةً بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعًا كَمَا لَا يَخْفَى، وَإِنَّمَا اسْتَثْنَى الْجِلْدَ وَلَمْ يَسْتَثْنِ الْإِهَابَ مَعَ كَوْنِهِ مُنَاسِبًا لِلْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ كُلُّ إهَابٍ دُبِغَ لِمَا أَنَّ الْإِهَابَ هُوَ الْجِلْدُ قَبْلَ أَنْ يُدْبَغَ فَكَانَ مُهَيَّأً لِلدِّبَاغِ يُقَالُ تَأَهَّبَ لِكَذَا إذَا تَهَيَّأَ لَهُ، وَاسْتَعَدَّ وَجِلْدُ الْخِنْزِيرِ وَالْآدَمِيِّ لَا يَتَهَيَّآنِ لِلدَّبْغِ؛ فَلِذَا اسْتَثْنَى بِلَفْظِ الْجِلْدِ دُونَ الْإِهَابِ، وَإِنَّمَا قَدَّمَ الْخِنْزِيرَ عَلَى الْآدَمِيِّ فِي الذِّكْرِ؛ لِأَنَّ الْمَوْضِعَ مَوْضِعُ إهَانَةٍ لِكَوْنِهِ فِي بَيَانِ النَّجَاسَةِ وَتَأْخِيرُ الْآدَمِيِّ فِي ذَلِكَ أَكْمَلُ فَحَاصِلُهُ أَنَّ مِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ إنَّمَا لَا يَطْهُرُ جِلْدُ الْخِنْزِيرِ بِالدِّبَاغِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْدَبِغُ؛ لِأَنَّ شَعْرَهُ يَنْبُتُ مِنْ لَحْمِهِ، وَلَوْ تُصُوِّرَ دَبْغُهُ لَطَهُرَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَطْهُرُ، وَإِنْ انْدَبَغَ؛ لِأَنَّهُ مُحَرَّمُ الْعَيْنِ كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَفِي الْمَبْسُوطِ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يَطْهُرُ إمَّا؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الدِّبَاغَ أَوْ؛ لِأَنَّ عَيْنَهُ نَجِسٌ. اهـ. وَأَمَّا الْآدَمِيُّ فَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ جِلْدَهُ لَا يَحْتَمِلُ الدِّبَاغَةَ حَتَّى لَوْ قَبِلَهَا طَهُرَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنَحِسِ الْعَيْنِ لَكِنْ لَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ وَلَا يَجُوزُ دَبْغُهُ احْتِرَامًا لَهُ، وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ حَزْمٍ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ جِلْدَهُ لَا يَطْهُرُ بِالدِّبَاغَةِ أَصْلًا احْتِرَامًا لَهُ فَالْقَوْلُ بِعَدَمِ طَهَارَةِ جِلْدِهِ تَعْظِيمٌ لَهُ حَتَّى لَا يَتَجَرَّأَ أَحَدٌ عَلَى سَلْخِهِ وَدَبْغِهِ وَاسْتِعْمَالِهِ وَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ كُلُّ إهَابٍ جِلْدُ الْفِيلِ فَيَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ فِي قَوْلِهِ إنَّ الْفِيلَ نَجِسُ الْعَيْنِ وَعِنْدَهُمَا هُوَ كَسَائِرِ السِّبَاعِ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ مِنْ بَابِ الْحَدَثِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ فَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثِ ثَوْبَانَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اشْتَرَى لِفَاطِمَةَ سِوَارَيْنِ مِنْ عَاجٍ» فَظَهَرَ اسْتِعْمَالُ النَّاسِ الْعَاجَ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَدَلَّ عَلَى طَهَارَتِهِ اهـ. وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَتَمَشَّطُ بِمُشْطٍ مِنْ عَاجٍ» قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْعَاجُ عَظْمُ الْفِيلِ قَالَ الْعَلَّامَةُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ هَذَا الْحَدِيثُ يُبْطِلُ قَوْلَ مُحَمَّدٍ بِنَجَاسَةِ عَيْنِ الْفِيلِ وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ فِي عَظْمِ الْمَيْتَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَيَدْخُلُ أَيْضًا فِي عُمُومِ قَوْلِهِ كُلُّ إهَابٍ جِلْدُ الْكَلْبِ فَيَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِنَجِسِ الْعَيْنِ، وَقَدْ اخْتَلَفَ رِوَايَاتُ الْمَبْسُوطِ فِيهِ فَذُكِرَ فِي بَيَانِ سُؤْرِهِ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ عِنْدَنَا أَنَّ عَيْنَ الْكَلْبِ نَجِسٌ إلَيْهِ يُشِيرُ مُحَمَّدٌ فِي الْكِتَابِ بِقَوْلِهِ، وَلَيْسَ الْمَيِّتُ بِأَنْجَسَ مِنْ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ ثُمَّ قَالَ وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا يَقُولُونَ عَيْنُهُ لَيْسَ بِنَجِسٍ وَيَسْتَدِلُّونَ عَلَيْهِ بِطَهَارَةِ جِلْدِهِ بِالدِّبَاغِ وَقَالَ فِي بَابِ الْحَدَثِ وَجِلْدُ الْكَلْبِ يَطْهُرُ عِنْدَنَا بِالدِّبَاغِ خِلَافًا لِلْحَسَنِ وَالشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ عَيْنَهُ نَجِسٌ عِنْدَهُمَا وَلَكِنَّا نَقُولُ: الِانْتِفَاعُ بِهِ مُبَاحٌ حَالَةَ الِاخْتِيَارِ فَلَوْ كَانَ عَيْنُهُ نَجِسَةً لَمَا أُبِيحَ الِانْتِفَاعُ بِهِ.   [منحة الخالق] لِامْتِنَاعِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ فَلَا تَكُونُ الْكُلِّيَّةُ إلَّا فِي جَوَازِ الِاسْتِعْمَالِ، وَقَدْ اسْتَثْنَى مِنْهُ جِلْدَ الْخِنْزِيرِ وَالْآدَمِيِّ فَلَا يَلْزَمُ الْمَحْذُورُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ طَهَارَةُ الشَّيْءِ حَقِيقَةٌ لَا تَسْتَلْزِمُ جَوَازَ اسْتِعْمَالِهِ شَرْعًا أَلَا يُرَى أَنَّ جِلْدَ الْآدَمِيِّ إذَا دُبِغَ طَهُرَ وَلَكِنْ لَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ شَرْعًا احْتِرَامًا لَهُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُحِيطِ وَالْبَدَائِعِ وَغَيْرِهِمَا وَكَذَا شَعْرُ الْإِنْسَانِ وَعَظْمُهُ طَاهِرَانِ عِنْدَنَا وَلَكِنْ لَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِشَيْءٍ مِنْهُمَا لِكَرَامَةِ الْإِنْسَانِ عَلَى مَا صَرَّحُوا بِهِ قَاطِبَةً فَلَمْ تَتَحَقَّقْ عَلَاقَةُ اللُّزُومِ بَيْنَ طَهُرَ وَبَيْنَ جَازَ اسْتِعْمَالُهُ شَرْعًا حَتَّى يَصِحَّ حَمْلُ قَوْلِهِ فَقَدْ طَهُرَ عَلَى مَعْنَى فَقَدْ جَازَ اسْتِعْمَالُهُ شَرْعًا مَجَازًا بِعَلَاقَةِ اللُّزُومِ وَأَيْضًا قَوْلُهُ وَكُلُّ إهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ لَيْسَ عِبَارَتُهُ فَقَطْ بَلْ هُوَ كَلَامُ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ وَلَا شَكَّ أَنَّ مُرَادَهُمْ بِهِ لَيْسَ مُجَرَّدَ جَوَازِ اسْتِعْمَالِهِ شَرْعًا بَلْ بَيَانُ طَهَارَتِهِ حَقِيقَةً، وَإِلَّا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ بَيَانُ طَهَارَتِهِ حَقِيقَةً مَتْرُوكًا بِالْكُلِّيَّةِ مَعَ كَوْنِهِ أَمْرًا مُهِمًّا يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ كَثِيرٌ مِنْ الْمَسَائِلِ مِنْهَا إذَا وَقَعَ مِنْهُ شَيْءٌ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ الْقَلِيلِ لَا يُنَجِّسُهُ وَمِنْهَا إذَا وَقَعَ مِنْهُ فِي بَدَنِ الْمُصَلِّي أَوْ فِي ثَوْبِهِ تَجُوزُ الصَّلَاةُ بِهِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَأَيْضًا قَدْ اسْتَدَلُّوا عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَيُّمَا إهَابٍ دُبِغَ طَهُرَ» وَلَمْ يُنَازِعْ أَحَدٌ فِي كَوْنِ الْمُرَادِ بِالطَّهَارَةِ فِيهِ هُوَ الطَّهَارَةُ حَقِيقَةً اهـ. مَا ذَكَرَهُ الْفَاضِلُ قَاضِي زَادَهْ وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّهُ لَا تَنْحَصِرُ الْعَلَاقَةُ فِي اللُّزُومِ فَلْيَكُنْ طَهُرَ مَجَازًا عَنْ جَازَ اسْتِعْمَالُهُ شَرْعًا بِعَلَاقَةٍ أُخْرَى؛ لِأَنَّ بَيْنَهُمَا عَلَاقَةَ السَّبَبِيَّةِ والمسببية مُتَحَقِّقَةٌ لَا تُنْكَرُ بِالْكُلِّيَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا عَلَاقَةُ اللُّزُومِ. اهـ. أَقُولُ: يَعْنِي أَنَّ السَّبَبِيَّةَ مُتَحَقِّقَةٌ فِي الْجُمْلَةِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُطَّرِدَةً؛ لِأَنَّ طَهَارَةَ جِلْدِ الْإِنْسَانِ وَعَظْمِهِ وَشَعْرِهِ لَيْسَتْ سَبَبًا لِجَوَازِ اسْتِعْمَالِهِ شَرْعًا كَمَا أَنَّهَا لَيْسَتْ مَلْزُومَةً لَهَا، وَالْأَوْلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ مِنْ الْقَوْلِ بِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُنْقَطِعٌ أَوْ يُقَالُ عَبَّرَ عَنْ عَدَمِ جَوَازِ الِانْتِفَاعِ شَرْعًا بِجِلْدِ الْآدَمِيِّ بِعَدَمِ طَهَارَتِهِ مُشَاكَلَةً لِذِكْرِهِ مَعَ الْخِنْزِيرِ الَّذِي لَا يَطْهُرُ جِلْدُهُ بِالدِّبَاغِ حَقِيقَةً فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا قُدِّمَ الْخِنْزِيرُ) أَيْ فِي هَذَا الْمَحَلِّ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ؛ لِأَنَّ الْمَوْضِعَ مَوْضِعُ إهَانَةٍ أَوْ لِأَنَّ فِيهِ إشَارَةً إلَى كَمَالِ عَدَمِ قَابِلِيَّةِ الطَّهَارَةِ فِي الْخِنْزِيرِ وَالتَّأْخِيرُ فِي أَمْثَالِ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ يُفِيدُ التَّعْظِيمَ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ} [الحج: 40] وَالْمُصَنِّفُ قَدَّمَ الْآدَمِيَّ نَظَرًا إلَى كَرَامَتِهِ وَذُكِرَ فِي الْخُلَاصَةِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْخِنْزِيرَ إذَا ذُبِحَ يَطْهُرُ جِلْدُهُ بِالدِّبَاغِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 وَهَذَا صَرِيحٌ فِي مُخَالَفَةِ الْأَوَّلِ وَذُكِرَ أَيْضًا فِي كِتَابِ الصَّيْدِ فِي مَسْأَلَةِ بَيْعِ الْكَلْبِ فِي التَّعْلِيلِ قَالَ وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ لَيْسَ بِنَجِسِ الْعَيْنِ وَذَكَرَ فِي الْإِيضَاحِ اخْتِلَافَ الرِّوَايَةِ فِيهِ، وَفِي الْمَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ، وَأَمَّا جِلْدُ الْكَلْبِ فَعَنْ أَصْحَابِنَا فِيهِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ يَطْهُرُ بِالدَّبْغِ وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَطْهُرُ، وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَذَكَرَ فِي الْبَدَائِعِ أَنَّ فِيهِ اخْتِلَافَ الْمَشَايِخِ فَمَنْ قَالَ: إنَّهُ نَجِسُ الْعَيْنِ جَعَلَهُ كَالْخِنْزِيرِ وَمَنْ جَعَلَهُ طَاهِرَ الْعَيْنِ جَعَلَهُ مِثْلَ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ سِوَى الْخِنْزِيرِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَيْسَ بِنَجِسِ الْعَيْنِ، وَكَذَا صَحَّحَهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَقَالَ: إنَّهُ أَقْرَبُ الْقَوْلَيْنِ إلَى الصَّوَابِ وَلِذَلِكَ قَالَ مَشَايِخُنَا فِيمَنْ صَلَّى وَفِي كُمِّهِ جَرْوٌ أَنَّهُ تَجُوزُ صَلَاتُهُ وَقَيَّدَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيُّ الْجَوَازَ بِكَوْنِهِ مَشْدُودَ الْفَمِ اهـ. وَلِذَا صَحَّحَ فِي الْهِدَايَةِ طَهَارَةَ عَيْنِهِ وَتَبِعَهُ شَارِحُوهَا كَالْأَتْقَانِيِّ وَالْكَاكِيِّ وَالسِّغْنَاقِيِّ وَاخْتَارَ قَاضِي خان فِي الْفَتَاوَى نَجَاسَةَ عَيْنِهِ وَفَرَّعَ عَلَيْهَا فُرُوعًا فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ قَدْ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ فِيهِ وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ عُمُومُ مَا فِي الْمُتُونِ كَالْقُدُورِيِّ وَالْمُخْتَارِ وَالْكَنْزِ طَهَارَةَ عَيْنِهِ وَلَمْ يُعَارِضْهُ مَا يُوجِبُ نَجَاسَتَهَا فَوَجَبَ أَحَقِّيَّةُ تَصْحِيحِ عَدَمِ نَجَاسَتِهَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُنْتَفَعُ بِهِ حِرَاسَةً وَاصْطِيَادًا وَقَدْ صَرَّحَ فِي عِقْدِ الْفَوَائِدِ شَرْحِ مَنْظُومَةِ ابْنِ وَهْبَانَ بِأَنَّ الْفَتْوَى عَلَى طَهَارَةِ عَيْنِهِ، وَأَمَّا مَا اسْتَدَلَّ بِهِ فِي الْمَبْسُوطِ مِنْ قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَلَيْسَ الْمَيِّتُ بِأَنْجَسَ مِنْ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ فَقَدْ قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ نَجَاسَةَ الْعَيْنِ تَثْبُتُ فِي الْكَلْبِ بِهَذَا الْقَدْرِ مِنْ الْكَلَامِ فَمَنْ ادَّعَى ذَلِكَ، فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ، وَلَمْ يَرِدْ نَصٌّ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي نَجَاسَةِ الْعَيْنِ، وَمَا أُورِدَ مِنْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ طَهَارَةُ عَيْنِهِ، فَإِنَّ السِّرْقِينِ يُنْتَفَعُ بِهِ إيقَادًا وَتَقْوِيَةً لِلزَّارِعَةِ مَعَ نَجَاسَةِ عَيْنِهِ أَجَابَ عَنْهُ فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا بِأَنَّ هَذَا الِانْتِفَاعَ بِالِاسْتِهْلَاكِ، وَهُوَ جَائِزٌ فِي نَجِسِ الْعَيْنِ كَالِاقْتِرَابِ مِنْ الْخَمْرِ لِلْإِرَاقَةِ وَقَالَ فِي الْقُنْيَةِ: رَامِزًا لِمَجْدِ الْأَئِمَّةِ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي نَجَاسَةِ الْكَلْبِ وَاَلَّذِي صَحَّ عِنْدِي مِنْ الرِّوَايَاتِ فِي النَّوَادِرِ وَالْأَمَالِي أَنَّهُ نَجِسُ الْعَيْنِ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَيْسَ بِنَجِسِ الْعَيْنِ اهـ. وَمَشَى عَلَيْهِ ابْنُ وَهْبَانَ فِي مَنْظُومَتِهِ وَذَكَرَ فِي عِقْدِ الْفَوَائِدِ شَرْحَهَا وَذَكَرَ النَّاطِفِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ إذَا صَلَّى عَلَى جِلْدِ كَلْبٍ أَوْ ذِئْبٍ قَدْ ذُبِحَ جَازَتْ صَلَاتُهُ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ تُفِيدُ عَيْنَهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَنْ مُحَمَّدٍ رِوَايَتَانِ اهـ. وَقَالَ الْقَاضِي الْإِسْبِيجَابِيُّ: وَأَمَّا الْكَلْبُ يَحْتَمِلُ الذَّكَاةَ وَالدِّبَاغَةَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ خِلَافًا لِمَا رَوَى الْحَسَنُ اهـ. فَإِذَا عَلِمْت هَذَا فَاعْلَمْ أَنَّ الْجِلْدَ لَا يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ عَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَتِهِ، وَيَطْهُرُ بِهِ عَلَى الْقَوْلِ بِطَهَارَتِهِ، وَإِذَا وَقَعَ فِي بِئْرٍ وَاسْتُخْرِجَ حَيًّا تَنَجَّسَ الْمَاءُ كُلُّهُ مُطْلَقًا عَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَتِهِ كَمَا لَوْ وَقَعَ الْخِنْزِيرُ وَعَلَى الْقَوْلِ بِطَهَارَتِهِ لَا يَتَنَجَّسُ إلَّا إذَا وَصَلَ فَمَه الْمَاءُ، وَإِذَا ذُكِّيَ لَا يَطْهُرُ جِلْدُهُ وَلَا لَحْمُهُ عَلَى الْقَوْلِ بِالنَّجَاسَةِ كَالْخِنْزِيرِ وَيَطْهُرُ عَلَى الْقَوْلِ بِالطَّهَارَةِ وَإِذَا صَلَّى، وَهُوَ حَامِلٌ جَرْوًا صَغِيرًا لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ عَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَتِهِ مُطْلَقًا، وَتَصِحُّ عَلَى الْقَوْلِ بِطَهَارَتِهِ إمَّا مُطْلَقًا أَوْ بِكَوْنِهِ مَشْدُودَ الْفَمِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْبَدَائِعِ وَتَقْيِيدُهُ بِكَوْنِهِ جَرْوًا صَغِيرًا يُظْهِرُ أَنَّ فِي الْكَبِيرِ لَا تَصِحُّ مُطْلَقًا لِمَا أَنَّهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَجِسَ الْعَيْنِ فَهُوَ مُتَنَجِّسٌ؛ لِأَنَّ مَأْوَاهُ النَّجَاسَاتُ، وَقَدْ يُقَالُ يَنْبَغِي أَنْ لَا تَصِحَّ صَلَاةُ مَنْ حَمَلَ جَرْوًا صَغِيرًا اتِّفَاقًا أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَةِ عَيْنِهِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِطَهَارَةِ عَيْنِهِ؛ فَلِأَنَّ لَحْمَهُ نَجِسٌ بِدَلِيلِ أَنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ سُؤْرَهُ نَجِسٌ لِمَا أَنَّهُ مُخْتَلِطٌ بِلُعَابِهِ وَلُعَابُهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ لَحْمِهِ، وَهُوَ نَجِسٌ؛ وَلِهَذَا قَالَ فِي التَّجْنِيسِ: نَجَاسَةُ السُّؤْرِ دَلِيلُ نَجَاسَةِ اللَّحْمِ، وَقَالَ: الْعَلَّامَةُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ نَجَاسَةُ سُؤْرِهِ لَا تَسْتَلْزِمُ نَجَاسَةَ عَيْنِهِ بَلْ تَسْتَلْزِمُ نَجَاسَةَ لَحْمِهِ الْمُتَوَلِّدِ مِنْ اللُّعَابِ اهـ. وَسَبَبُ نَجَاسَةِ لَحْمِهِ اخْتِلَاطُ الدَّمِ الْمَسْفُوحِ بِأَجْزَائِهِ حَالَةَ الْحَيَاةِ مَعَ حُرْمَةِ أَكْلِهِ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ فِي بَيَانِ الْأَسْآرِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَنْدَفِعُ مَا قَدْ يُتَوَهَّمُ إشْكَالًا، وَهُوَ أَنْ يُقَالَ كَيْفَ يَكُونُ سُؤْرُهُ نَجِسًا عَلَى الْقَوْلِ بِطَهَارَةِ عَيْنِهِ، فَإِنَّ هَذِهِ غَفْلَةٌ عَظِيمَةٌ عَنْ فَهْمِ كَلَامِهِمْ، فَإِنَّ   [منحة الخالق] [اسْتِعْمَال جِلْد الْفِيل إذَا دُبِغَ] (قَوْلُهُ: وَتَقْيِيدُهُ بِكَوْنِهِ جَرْوًا صَغِيرًا إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ بَلْ قَيَّدُوا بِهِ لِوُقُوعِ التَّصْوِيرِ بِكَوْنِهِ فِي كُمِّهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 قَوْلَهُمْ بِطَهَارَةِ عَيْنِهِ لَا يَسْتَلْزِمُ طَهَارَةَ كُلِّ جُزْءٍ مِنْهُ وَلِهَذَا عَلَّلَ فِي الْبَدَائِعِ لِنَجَاسَةِ سُؤْرِ الْكَلْبِ وَسَائِرِ السِّبَاعِ بِأَنَّ سُؤْرَ هَذِهِ الْحَيَوَانَاتِ مُتَحَلِّبٌ مِنْ لُحُومِهَا وَلُحُومُهَا نَجِسَةٌ، وَقَدْ قَالُوا إنَّ حُرْمَةَ الشَّيْءِ إذَا لَمْ تَكُنْ لِلْكَرَامَةِ كَحُرْمَةِ الْآدَمِيِّ وَلَا لِفَسَادِ الْغِذَاءِ كَالذُّبَابِ وَالتُّرَابِ وَلَا لِلْخَبَثِ طَبْعًا كَالضُّفْدَعِ وَالسُّلَحْفَاةِ وَلَا لِلْمُجَاوَرَةِ كَالْمَاءِ النَّجِسِ كَانَتْ عَلَامَةُ النَّجَاسَةِ أَيْ نَجَاسَةِ اللَّحْمِ فَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي نَجَاسَةِ لَحْمِهِ عِنْدَنَا، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي نَجَاسَةِ عَيْنِهِ، فَظَهَرَ بِهَذَا أَنَّ الْكَلْبَ طَاهِرُ الْعَيْنِ بِمَعْنَى طَهَارَةِ عَظْمِهِ وَشَعْرِهِ وَعَصَبِهِ وَمَا لَا يُؤْكَلُ مِنْهُ لَا بِمَعْنَى طَهَارَةِ لَحْمِهِ لَكِنْ قَدْ أَجَابَ فِي الْمُحِيطِ فَقَالَ: وَإِنْ كَانَ فَمُهُ مَشْدُودًا بِحَيْثُ لَا يَصِلُ لُعَابُهُ إلَى ثَوْبِهِ جَازَ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ كُلِّ حَيَوَانٍ طَاهِرٌ وَلَا يَتَنَجَّسُ إلَّا بِالْمَوْتِ وَنَجَاسَةُ بَاطِنِهِ فِي مَعِدَتِهِ فَلَا يَظْهَرُ حُكْمُهَا كَنَجَاسَةِ بَاطِنِ الْمُصَلِّي، وَفِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا عَلَى الْقَوْلِ بِطَهَارَةِ عَيْنِهِ، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ نَجِسُ الْعَيْنِ فَلَا لِظُهُورِ أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَصِحُّ لِحَامِلِهِ مُطْلَقًا كَمَا فِي حَقِّ حَامِلِ الْخِنْزِيرِ وَإِذَا دَخَلَ الْمَاء فَانْتَفَضَ فَأَصَابَ ثَوْبَ إنْسَانٍ أَفْسَدَهُ، وَلَوْ أَصَابَهُ مَاءُ الْمَطَرِ لَمْ يَفْسُدْ؛ لِأَنَّ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ الْمَاءُ أَصَابَ الْجِلْدَ وَجِلْدُهُ نَجِسٌ، وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي أَصَابَ شَعْرَهُ وَشَعْرُهُ طَاهِرٌ كَذَا ذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ وَغَيْرُهُ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا عَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَةِ عَيْنِهِ وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ الشَّعْرَ طَاهِرٌ عَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَةِ عَيْنِهِ لِمَا ذُكِرَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ أَنَّ جِلْدَ الْكَلْبِ نَجِسٌ وَشَعْرُهُ طَاهِرٌ هُوَ الْمُخْتَارُ وَيَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ ذِكْرُ الْفَرْعِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِالطَّهَارَةِ إذَا انْتَفَضَ فَأَصَابَ ثَوْبًا لَا يُنَجِّسُهُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ أَصَابَ شَعْرَهُ أَوْ جِلْدَهُ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ صَاحِبَ الْبَدَائِعِ ذَكَرَ هَذَا الْفَرْعَ شَاهِدًا لِلْقَوْلِ بِنَجَاسَةِ عَيْنِهِ، فَقَالَ مَنْ جَعَلَهُ نَجِسَ الْعَيْنِ اسْتَدَلَّ بِمَا ذُكِرَ فِي الْعُيُونِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الْكَلْبَ إذَا وَقَعَ فِي الْمَاءِ ثُمَّ خَرَجَ مِنْهُ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ التَّفْصِيلِ عَنْ الْوَلْوَالِجِيِّ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا أَنَّ صَاحِبَ التَّجْنِيسِ ذَكَرَ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مَعَ التَّفْصِيلِ مِنْ جُمْلَةِ مَسَائِلَ ثُمَّ قَالَ بَعْدَهَا، وَهَذَا الْمَسَائِلُ تُشِيرُ إلَى نَجَاسَةِ عَيْنِهِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا مَا ذَكَرَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فِي آخِرِ بَابِ الْأَنْجَاسِ مِنْ مَسَائِلَ شَتَّى بِمَا لَفْظُهُ وَمَا ذُكِرَ فِي الْفَتَاوَى مِنْ التَّجْنِيسِ مَنْ وَضَعَ رِجْلَهُ مَوْضِعَ رِجْلِ كَلْبٍ فِي الثَّلْجِ أَوْ الطِّينِ وَنَظَائِرِ هَذِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى رِوَايَةِ نَجَاسَةِ عَيْنِ الْكَلْبِ وَلَيْسَتْ بِالْمُخْتَارَةِ اهـ. فَقَوْلُهُ وَنَظَائِرُ هَذَا أَرَادَ بِهِ مِثْلَ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا عَنْ الْوَلْوَالِجِيِّ كَمَا لَا يَخْفَى لَكِنْ ذَكَرَ قَاضِي خان فِي فَتَاوِيهِ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مُفَرَّعَةٌ عَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَةِ عَيْنِهِ وَعَلَّلَ النَّجَاسَةَ فِي مَسْأَلَةِ مَا إذَا أَصَابَ الْمَاءَ جِلْدُهُ بِتَعْلِيلٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ مَأْوَاهُ النَّجَاسَاتُ فَاسْتُفِيدَ مِنْهُ أَنَّ الْمَاءَ إذَا أَصَابَ جِلْدَهُ وَانْتَفَضَ، فَأَصَابَ الثَّوْبَ نَجَّسَهُ عَلَى الْقَوْلِ بِطَهَارَةِ عَيْنِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مَأْوَاهُ النَّجَاسَاتِ صَارَ جِلْدُهُ مُتَنَجِّسًا، وَعُلِمَ مِمَّا قَرَّرْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ مَنْ قَالَ بِنَجَاسَةِ عَيْنِ الْكَلْبِ الشَّعْرُ بِخِلَافِ قَوْلِهِمْ بِنَجَاسَةِ عَيْنِ الْخِنْزِيرِ، فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ شَعْرُهُ أَيْضًا فَإِذَا انْتَفَضَ الْخِنْزِيرُ فَأَصَابَ ثَوْبًا نَجَّسَهُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ أَصَابَ الْمَاءُ جِلْدَهُ أَوْ شَعْرَهُ كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَقَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ أَيْضًا الْكَلْبُ إذَا أَخَذَ عُضْوَ إنْسَانٍ أَوْ ثَوْبَهُ إنْ أَخَذَ فِي حَالَةِ الْغَضَبِ لَا يَتَنَجَّسُ؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذُهُ بِالْأَسْنَانِ وَلَا رُطُوبَةَ فِيهَا، وَإِنْ أَخَذَهُ فِي حَالَةِ الْمِزَاحِ يَتَنَجَّسُ؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذُهُ بِالْأَسْنَانِ وَالشَّفَتَيْنِ وَشَفَتَاهُ رَطْبَةٌ فَيَتَنَجَّسُ اهـ. وَكَذَا ذَكَرَ غَيْرُهُ وَفِي الْقُنْيَةِ رَامِزًا لِلْوَبَرِيِّ عَضَّهُ كَلْبٌ وَلَا يَرَى بَلَلًا لَا بَأْسَ بِهِ يَعْنِي لَا يَجِبُ غَسْلُهُ وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَا فِي الْقُنْيَةِ إنَّمَا يَنْظُرُ إلَى وُجُودِ الْمُقْتَضِي لِلنَّجَاسَةِ، وَهُوَ الرِّيقُ سَوَاءٌ كَانَ مُلَاعِبًا أَوْ غَضْبَانًا، وَهُوَ الْفِقْهُ وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْمُلْتَقَطِ بِأَنَّهُ لَا يَتَنَجَّسُ مَا لَمْ يَرَ الْبَلَلَ سَوَاءٌ كَانَ رَاضِيًا أَوْ غَضْبَانًا وَفِي الصَّيْرَفِيَّةِ هُوَ الْمُخْتَارُ وَكَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَوَاقِعَاتِ النَّاطِفِيِّ وَغَيْرِهِمَا كَذَا فِي عِقْدِ الْفَوَائِدِ وَفِي خِزَانَةِ الْفَتَاوَى وَعَلَامَةُ الِابْتِلَالِ أَنْ لَوْ أَخَذَهُ بِيَدِهِ تَبْتَلُّ يَدُهُ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ إمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِالنَّجَاسَةِ، فَظَاهِرٌ وَإِمَّا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَمَا لَا يُؤْكَلُ مِنْهُ) أَيْ مَا لَا يُمْكِنُ أَكْلُهُ احْتِرَازًا عَنْ لَحْمِهِ، فَإِنَّهُ قَابِلٌ لِلْأَكْلِ (قَوْلُهُ: لَكِنْ قَدْ أَجَابَ فِي الْمُحِيطِ) أَيْ أَجَابَ عَمَّا قَدَّمَهُ مِنْ قَوْلِهِ وَقَدْ يُقَالُ يَنْبَغِي إلَخْ قَالَ فِي النَّهْرِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا نَقَلَهُ فِي مَسَائِلِ الْآبَارِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ وَقَعَ فِي الْبِئْرِ وَأُخْرِجَ حَيًّا لَا يُنَجِّسُ الْمَاءَ عَلَى الْقَوْلِ بِطَهَارَةِ عَيْنِهِ مَا لَمْ يَصِلْ فَمُهُ الْمَاءَ، وَهُوَ الْأَصَحُّ اهـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 عَلَى الْقَوْلِ بِطَهَارَةِ عَيْنِهِ؛ فَلِأَنَّ لُعَابَهُ نَجِسٌ لِتَوَلُّدِهِ مِنْ لَحْمٍ نَجِسٍ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَفِي التَّجْنِيسِ امْرَأَةٌ صَلَّتْ وَفِي عُنُقِهَا قِلَادَةٌ فِيهَا سِنُّ كَلْبٍ أَوْ أَسَدٍ أَوْ ثَعْلَبٍ فَصَلَاتُهَا تَامَّةً؛ لِأَنَّهُ يَقَعُ عَلَيْهَا الذَّكَاةُ وَكُلُّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الذَّكَاةُ فَعَظْمُهُ لَا يَكُونُ نَجِسًا بِخِلَافِ الْآدَمِيِّ وَالْخِنْزِيرِ اهـ. وَكَذَا ذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ وَذَكَرَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ مَعْزِيًّا إلَى الذَّخِيرَةِ أَسْنَانَ الْكَلْبِ طَاهِرَةً وَأَسْنَانَ الْآدَمِيِّ نَجِسَةً؛ لِأَنَّ الْكَلْبَ يَقَعُ عَلَيْهِ الذَّكَاةُ بِخِلَافِ الْخِنْزِيرِ وَالْآدَمِيِّ اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا كُلَّهُ عَلَى الْقَوْلِ بِطَهَارَةِ عَيْنِهِ؛ لِأَنَّهُ عَلَّلَهُ بِكَوْنِهِ يَطْهُرُ بِالذَّكَاةِ، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَةِ عَيْنِهِ فَلَا تَعْمَلُ فِيهِ الذَّكَاةُ فَتَكُونُ أَسْنَانُهُ نَجِسَةً كَالْخِنْزِيرِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى أَسْنَانِ الْآدَمِيِّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَرِيبًا، وَأَمَّا إذَا أَكَلَ مِنْ شَيْءٍ يُغْسَلُ ثَلَاثًا، وَيُؤْكَلُ كَذَا فِي الْمُبْتَغَى بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا بِالِاتِّفَاقِ كَمَا لَا يَخْفَى، وَلَا يُقَالُ يَنْبَغِي أَنْ يَطْهُرَ بِالْجَفَافِ قِيَاسًا عَلَى الْكَلَأِ إذَا تَنَجَّسَ، فَإِنَّهُ يَطْهُرُ بِهِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالْخَانِيَّةِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الطَّهَارَةُ فِي الْكَلَأِ بِالْجَفَافِ حَصَلَتْ اسْتِحْسَانًا بِالْأَثَرِ لِكَوْنِهِ فِي مَعْنَى الْأَرْضِ لِاتِّصَالِهِ بِهَا، وَمَا نَحْنُ فِيهِ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَأَمَّا بَيْعُهُ وَتَمْلِيكُهُ فَهُوَ جَائِزٌ هَكَذَا نَقَلُوا وَأَطْلَقُوا لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا عَلَى الْقَوْلِ بِطَهَارَةِ عَيْنِهِ أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِالنَّجَاسَةِ فَهُوَ كَالْخِنْزِيرِ فَبَيْعُهُ بَاطِلٌ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ كَالْخِنْزِيرِ لَكِنَّ الْمَنْقُولَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خان مِنْ الْبُيُوعِ أَنَّ بَيْعَ الْكَلْبِ الْمُعَلَّمِ جَائِزٌ فَمَفْهُومُهُ أَنَّ غَيْرَ الْمُعَلَّمِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَفِي التَّجْنِيسِ مِنْ بَابِ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَمَا لَا يَجُوزُ رَجُلٌ ذَبَحَ كَلْبَهُ ثُمَّ بَاعَ لَحْمَهُ جَازَ؛ لِأَنَّ اللَّحْمَ طَاهِرٌ بِخِلَافِ مَا لَوْ ذَبَحَ خِنْزِيرَهُ ثُمَّ بَاعَهُ. اهـ. فَالظَّاهِرُ مِنْهُمَا أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ عَلَى الْقَوْلِ بِطَهَارَةِ عَيْنِهِ وَذَكَرَ السِّرَاجُ الْهِنْدِيُّ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى التَّجْرِيدِ أَنَّ الْكَلْبَ لَوْ أَتْلَفَهُ إنْسَانٌ ضَمِنَهُ، وَيَجُوزُ بَيْعُهُ وَتَمْلِيكُهُ وَفِي عُمْدَةِ الْمُفْتِي لَوْ اسْتَأْجَرَ الْكَلْبَ يَجُوزُ وَالسِّنَّوْرُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ السِّنَّوْرَ لَا يُعْلَمُ وَنُقِلَ عَنْ التَّجْرِيدِ لَوْ اسْتَأْجَرَ كَلْبًا مُعَلَّمًا أَوْ بَازِيًا لِيَصِيدَ بِهِمَا فَلَا أُجْرَةَ لَهُ قَالَ لَعَلَّهُ لِفَقْدِ الْعُرْفِ وَالْحَاجَةِ إلَيْهِ. اهـ. وَهَذَا مَا تَيَسَّرَ التَّكَلُّمُ عَلَيْهِ فِي الْمَسَائِلِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْكَلْبِ، وَهَذَا الْبَيَانُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ خَوَاصِّ هَذَا الْكِتَابِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ دُبِغَ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ يَسْتَوِي أَنَّهُ يَكُونُ الدَّابِغُ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا أَوْ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ امْرَأَةً إذَا حَصَلَ بِهِ مَقْصُودُ الدِّبَاغِ، فَإِنْ دَبَغَهُ الْكَافِرُ وَغَلَبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُمْ يَدْبُغُونَ بِالسَّمْنِ النَّجِسِ، فَإِنَّهُ يُغْسَلُ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَفِيهِ مَسْأَلَةُ جِلْدِ الْمَيْتَةِ بَعْدَ الدِّبَاغِ هَلْ يَجُوزُ أَكْلُهُ إذَا كَانَ جِلْدُ حَيَوَانٍ مَأْكُولِ اللَّحْمِ قَالَ بَعْضُهُمْ نَعَمْ؛ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ كَجِلْدِ الشَّاةِ الْمُذَكَّاةِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَجُوزُ أَكْلُهُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3] ، وَهَذَا جُزْءٌ مِنْهَا «وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي شَاةِ مَيْمُونَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - إنَّمَا يَحْرُمُ مِنْ الْمَيْتَةِ أَكْلُهَا مَعَ أَمْرِهِ لَهُمْ بِالدِّبَاغِ وَالِانْتِفَاعِ» ، وَأَمَّا إذَا كَانَ جِلْدُ مَا لَا يُؤْكَلُ كَالْحِمَارِ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَكْلُهُ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ الدِّبَاغَ فِيهِ لَيْسَ بِأَقْوَى مِنْ الذَّكَاةِ وَذَكَاتُهُ لَا تُبِيحُهُ فَكَذَا دِبَاغُهُ. اهـ. وَهَذَا الَّذِي قَدَّمْنَاهُ فِي جُلُودِ الْمَيْتَاتِ كُلُّهُ مَذْهَبُنَا وَلِلْعُلَمَاءِ فِيهِ سَبْعَةُ مَذَاهِبَ ذَكَرَهَا الْإِمَامُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فَنَقْتَصِرُ مِنْهَا عَلَى مَا اُشْتُهِرَ مِنْ الْمَذَاهِبِ مِنْهَا مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ أَنَّ كُلَّ حَيَوَانٍ يَنْجُسُ بِالْمَوْتِ طَهُرَ جِلْدُهُ بِالدِّبَاغِ مَا عَدَا الْكَلْبَ وَالْخِنْزِيرَ وَمَا تَوَلَّدَ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا فَلَا يَدْخُلُ الْآدَمِيُّ فِي هَذَا الْعُمُومِ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ الصَّحِيحَ عِنْدَهُ أَنَّ الْآدَمِيَّ لَا يَنْجُسُ بِالْمَوْتِ فَجِلْدُهُ طَاهِرٌ مِنْ غَيْرِ دَبْغٍ لَكِنْ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ لِحُرْمَتِهِ وَتَكْرِيمِهِ وَمِنْهَا مَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَحْمَدُ أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ شَيْءٌ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ وَمِنْهَا مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ أَنَّهُ يَطْهُرُ الْجَمِيعُ حَتَّى الْكَلْبُ وَالْخِنْزِيرُ إلَّا أَنَّهُ يَطْهُرُ ظَاهِرُهُ دُونَ بَاطِنِهِ فَيُسْتَعْمَلُ فِي الْيَابِسِ دُونَ الرَّطْبِ وَجْهُ قَوْلِ أَحْمَدَ قَوْله تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3] ، وَهُوَ عَامٌّ فِي الْجِلْدِ وَغَيْرِهِ وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ قَالَ «أَتَانَا كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ مَوْتِهِ بِشَهْرَيْنِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: كَجِلْدِ الشَّاةِ الْمُذَكَّاةِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَقُولُ: يَعْنِي فِي الْحِلِّ وَسَوَاءٌ فِيهَا قَبْلَ الدِّبَاغِ وَبَعْدَهُ كَنَحْوِ أَكْلِ تُرَابٍ لَا يَضُرُّ فَحِلُّ جِلْدِ الْمُذَكَّاةِ قَبْلَ الدِّبَاغِ وَبَعْدَهُ حَيْثُ كَانَ مِنْ مَأْكُولِ اللَّحْمِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَحُرْمَتُهُ مِنْ غَيْرِ الْمَأْكُولِ كَذَلِكَ وَالْخِلَافُ فِي جِلْدِ الْمَيْتَةِ مِنْ الْمَأْكُولِ بَعْدَ الدِّبَاغَةِ وَالصَّحِيحُ حُرْمَتُهُ تَأَمَّلْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 لَا تَنْتَفِعُوا مِنْ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ وَلَا عَصَبٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ وَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ الدِّبَاغَ إنَّمَا يُؤَثِّرُ فِي الظَّاهِرِ دُونَ الْبَاطِنِ وَوَجْهُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَيُّمَا إهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ» وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «إذَا دُبِغَ الْإِهَابُ فَقَدْ طَهُرَ» ، وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي شَاةٍ مَيِّتَةٍ هَلَّا أَخَذْتُمْ إهَابَهَا فَدَبَغْتُمُوهُ فَانْتَفَعْتُمْ بِهِ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهَا مَيْتَةٌ قَالَ إنَّمَا حَرُمَ أَكْلُهَا» وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ أُخَرُ ذَكَرَهَا النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَإِنَّمَا خَرَجَ الْكَلْبُ وَالْخِنْزِيرُ؛ لِأَنَّ الْحَيَاةَ أَقْوَى مِنْ الدِّبَاغِ بِدَلِيلِ أَنَّهَا سَبَبٌ لِطَهَارَةِ الْجُمْلَةِ وَالدِّبَاغُ إنَّمَا يُطَهِّرُ الْجِلْدَ فَإِذَا كَانَتْ الْحَيَاةُ لَا تُطَهِّرُهُمَا فَالدِّبَاغُ أَوْلَى وَلَنَا مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ فِي دَلِيلِ الشَّافِعِيِّ، وَهُوَ كَمَا تَرَاهُ عَامٌّ فَإِخْرَاجُ الْخِنْزِيرِ مِنْهُ لِمُعَارَضَةِ الْكِتَابِ إيَّاهُ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ} [الأنعام: 145] بِنَاءً عَلَى عَوْدِ الضَّمِيرِ إلَى الْمُضَافِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ صَالِحٌ لِعَوْدِهِ وَعِنْدَ صَلَاحِيَّةِ كُلٍّ مِنْ الْمُتَضَايِفَيْنِ لِذَلِكَ يَجُوزُ كُلٌّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ وَقَدْ جُوِّزَ عَوْدُ ضَمِيرِ مِيثَاقِهِ فِي قَوْله تَعَالَى {يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ} [البقرة: 27] إلَى كُلٍّ مِنْ الْعَهْدِ وَلَفْظِ الْجَلَالَةِ وَتَعَيَّنَ عَوْدُهُ إلَى الْمُضَافِ إلَيْهِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [النحل: 114] ضَرُورَةَ صِحَّةِ الْكَلَامِ وَإِلَى الْمُضَافِ فِي قَوْلِك رَأَيْت ابْنَ زَيْدٍ فَكَلَّمْته؛ لِأَنَّ الْمُحَدَّثَ عَنْهُ بِالرُّؤْيَةِ رَتَّبَ عَلَى الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ عَنْهُ الْحَدِيثَ الثَّانِيَ فَتَعَيَّنَ هُوَ مُرَادًا بِهِ، وَإِلَّا اخْتَلَّ النَّظْمُ فَإِذَا جَازَ كُلٌّ مِنْهُمَا لُغَةً وَالْمَوْضِعُ مَوْضِعُ احْتِيَاطٍ وَجَبَ إعَادَتُهُ عَلَى مَا فِيهِ الِاحْتِيَاطُ، وَهُوَ بِمَا قُلْنَا كَذَا قَرَّرَهُ الْعَلَّامَةُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَخْذًا مِنْ النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَمِمَّا ظَهَرَ لِي فِي فُؤَادِي مِنْ الْأَنْوَارِ الرَّبَّانِيَّةِ وَالْأَجْوِبَةِ الْإِلْهَامِيَّةِ أَنَّ الْهَاءَ لَا يَجُوزُ أَنْ تَرْجِعَ إلَى اللَّحْمِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ {فَإِنَّهُ رِجْسٌ} [الأنعام: 145] خَرَجَ فِي مَقَامِ التَّعْلِيلِ، فَلَوْ رَجَعَ إلَيْهِ لَكَانَ تَعْلِيلُ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ، فَهُوَ فَاسِدٌ لِكَوْنِهِ مُصَادَرَةً، وَهَذَا؛ لِأَنَّ نَجَاسَةَ لَحْمِهِ عُرِفَتْ مِنْ قَوْلِهِ {أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ} [الأنعام: 145] ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الشَّيْءِ مَعَ صَلَاحِيَّتِهِ لِلْغِذَاءِ لَا لِلْكَرَامَةِ آيَةُ النَّجَاسَةِ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ مَعْنَاهُ كَأَنَّهُ قَالَ لَحْمَ خِنْزِيرٍ نَجِسٍ، فَإِنَّ لَحْمَهُ نَجِسٌ أَمَّا إذَا رَجَعَ الضَّمِيرُ إلَى الْخِنْزِيرِ فَلَا فَسَادَ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ حَاصِلُ الْكَلَامِ لَحْمَ خِنْزِيرٍ نَجِسٍ؛ لِأَنَّ الْخِنْزِيرَ نَجِسٌ يَعْنِي أَنَّ هَذَا الْجُزْءَ مِنْ الْخِنْزِيرِ نَجِسٌ؛ لِأَنَّ كُلَّهُ نَجِسٌ هَذَا هُوَ التَّحْقِيقُ فِي الْبَابِ لِأُولِي الْأَلْبَابِ اهـ. وَتَعَقَّبَهُ شَارِحٌ مُتَأَخِّرُ بِأَنَّهُ عِنْدَ التَّأَمُّلِ بِمَعْزِلٍ عَنْ الصَّوَابِ، وَكَيْفَ لَا وَالْجَرْيُ عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ مِمَّا يَسُدُّ بَابَ التَّعْلِيلِ بِالْأَوْصَافِ الْمُنَاسِبَةِ لِلْأَحْكَامِ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الشَّيْءِ عَلَامَةً عَلَى شَيْءٍ أَنْ لَا يَصِحَّ التَّصْرِيحُ بِكَوْنِ الشَّيْءِ الثَّانِي عِلَّةً لِلشَّيْءِ الْأَوَّلِ بِجَعْلِ الشَّارِعِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْوَصْفِ الْمُنَاسِبِ لِذَلِكَ بَلْ ذَلِكَ يُصَحِّحُ التَّصْرِيحَ بِكَوْنِهِ عِلَّةً، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ تَعْلِيلُ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ قَطْعًا، وَلِنُوَضِّحهُ فِيمَا نَحْنُ بِصَدَدِهِ فَنَقُولُ قَوْلُهُ إنَّهُ رِجْسٌ تَعْلِيلٌ لِلتَّحْرِيمِ وَكَوْنُ التَّحْرِيمِ لَا لِلتَّكْرِيمِ عَلَامَةً عَلَى نَجَاسَةِ الْمُحَرَّمِ كَمَا هُنَا يُصَحِّحُ التَّصْرِيحَ بِكَوْنِهِ نَجِسًا عِلَّةً لِتَحْرِيمِهِ لَا أَنَّهُ يَمْنَعُ مِنْهُ، وَلَيْسَ فِيهِ تَعْلِيلُ النَّجَاسَةِ بِالنَّجَاسَةِ بَلْ تَعْلِيلُ التَّحْرِيمِ الْكَائِنِ لَا لِلتَّكْرِيمِ بِوَصْفٍ مُنَاسِبٍ لَهُ قَائِمٍ بِالْعَيْنِ الْمُحَرَّمَةِ، وَهُوَ الْقَذَارَةُ حَثًّا عَلَى مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَالْتِزَامِ الْمُرُوءَةِ بِمُجَانَبَةِ الْأَقْذَارِ وَالنَّزَاهَةِ مِنْهَا وَنَظِيرُهُ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلا} [النساء: 22] فَقَوْلُهُ {إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا} [النساء: 22] تَعْلِيلٌ لِتَحْرِيمِ نِكَاحِ مَنْكُوحَاتِ الْآبَاءِ مَعَ أَنَّ تَحْرِيمَ نِكَاحِهِنَّ عَلَامَةٌ عَلَى قُبْحِهِ مَمْقُوتًا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى فَلَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ مِنْ التَّصْرِيحِ بِهِ عِلَّةً لَهُ اهـ. وَهُوَ كَمَا تَرَى فِي غَايَةِ الْحُسْنِ وَالتَّحْقِيقِ، وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ احْتِجَاجِ أَحْمَدَ أَمَّا عَلَى الْآيَةِ، فَهُوَ أَنَّهَا عَامَّةٌ خَصَّتْهَا السُّنَّةُ كَذَا أَجَابَ النَّوَوِيُّ عَنْهَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، وَأَمَّا عَنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: رُتِّبَ عَلَى الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ عَنْهُ) أَيْ عَنْ ابْنِ زَيْدٍ. وَقَوْلُهُ الْحَدِيثُ الثَّانِي أَيْ، وَهُوَ قَوْلُهُ فَكَلِمَتُهُ نَائِبُ فَاعِلٍ رُتِّبَ (قَوْلُهُ: وَتَعَقَّبَهُ شَارِحٌ مُتَأَخِّرٌ) أَقُولُ: هُوَ الْإِمَامُ الْعَلَّامَةُ الْمُحَقِّقُ مُحَمَّدُ بْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ الْحَلَبِيّ شَارِحُ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 فَالِاضْطِرَابُ فِي مَتْنِهِ وَسَنَدِهِ يَمْنَعُ تَقْدِيمَهُ عَلَى حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، فَإِنَّ النَّاسِخَ أَيَّ مُعَارِضٍ فَلَا بُدَّ مِنْ مُشَاكَلَتِهِ فِي الْقُوَّةِ؛ وَلِذَا قَالَ بِهِ أَحْمَدُ وَقَالَ هُوَ آخِرُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ تَرَكَهُ لِلِاضْطِرَابِ فِيهِ أَمَّا فِي السَّنَدِ فَرَوَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ ابْنِ عُكَيْمٍ كَمَا قَدَّمْنَا وَرَوَى أَبُو دَاوُد مِنْ جِهَةِ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتْبَةَ بِالتَّاءِ فَوْقُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ انْطَلَقَ هُوَ وَنَاسٌ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ قَالَ فَدَخَلُوا وَوَقَفْت عَلَى الْبَابِ فَخَرَجُوا إلَيَّ فَأَخْبَرُونِي أَنَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُكَيْمٍ أَخْبَرَهُمْ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَتَبَ إلَى جُهَيْنَةَ» الْحَدِيثَ فَفِي هَذَا أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ الدَّاخِلِينَ وَهُمْ مَجْهُولُونَ، وَأَمَّا فِي الْمَتْنِ فَفِي رِوَايَةٍ بِشَهْرٍ وَفِي أُخْرَى بِأَرْبَعِينَ يَوْمًا وَفِي أُخْرَى بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ هَذَا مَعَ الِاخْتِلَافِ فِي صُحْبَةِ ابْنِ عُكَيْمٍ ثُمَّ كَيْفَ كَانَ لَا يُوَازِي حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ الصَّحِيحَ فِي جِهَةٍ مِنْ جِهَاتِ التَّرْجِيحِ ثُمَّ لَوْ كَانَ لَمْ يَكُنْ قَطْعِيًّا فِي مَعَاضَتِهِ؛ لِأَنَّ الْإِهَابَ اسْمٌ لِغَيْرِ الْمَدْبُوغِ وَبَعْدَهُ يُسَمَّى شَنًّا وَأَدِيمًا وَمَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ لَفْظِ هَذَا الْحَدِيثِ هَكَذَا «كُنْت رَخَّصْت لَكُمْ فِي جُلُودِ الْمَيْتَةِ فَلَا تَنْتَفِعُوا مِنْ الْمَيْتَةِ بِجِلْدٍ وَلَا عَصَبٍ» فِي سَنَدِهِ فُضَالَةُ بْنُ مُفَضِّلٍ مُضَعَّفٌ وَالْحَقُّ أَنَّ حَدِيثَ ابْنِ عُكَيْمٍ ظَاهِرٌ فِي النَّسْخِ لَوْلَا الِاضْطِرَابُ الْمَذْكُورُ، فَإِنَّ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ أَحَدًا لَا يَنْتَفِعُ بِجِلْدِ الْمَيْتَةِ قَبْلَ الدِّبَاغِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مُسْتَقْذَرٌ فَلَا يَتَعَلَّقُ النَّهْيُ بِهِ ظَاهِرًا كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِيهِ كَلَامٌ مِنْ وُجُوهٍ الْأَوَّلُ أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ التِّرْمِذِيَّ حَسَّنَهُ وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ أَيْضًا وَالْحَسَنُ لَا اضْطِرَابَ فِيهِ الثَّانِي أَنَّ قَوْلَهُ مَعَ الِاخْتِلَافِ فِي صُحْبَةِ ابْنِ عُكَيْمٍ لَا يَقْدَحُ فِي حُجِّيَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهِ لَيْسَ صَحَابِيًّا يَكُونُ الْحَدِيثُ مُرْسَلًا وَأَنْتُمْ تَعْمَلُونَ بِهِ الثَّالِثُ أَنَّ قَوْلَهُ الْحَقُّ أَنَّ حَدِيثَ ابْنِ عُكَيْمٍ ظَاهِرٌ فِي النَّسْخِ إلَخْ أَخْذًا مِنْ قَوْلِ الْحَازِمِيِّ كَمَا نَقَلَهُ الزَّيْلَعِيُّ الْمُخَرَّجُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ وَطَرِيقُ الْإِنْصَافِ أَنَّ حَدِيثَ ابْنِ عُكَيْمٍ ظَاهِرُ الدَّلَالَةِ فِي النَّسْخِ وَلَكِنَّهُ كَثِيرُ الِاضْطِرَابِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ؛ لِأَنَّ أَخْبَارَنَا مُطْلَقَةٌ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُهَا قَبْلَ وَفَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِدُونِ الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُكَيْمٍ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِيهَا، وَبِهَذَا صَرَّحَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ بِمَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ أَنَّ التِّرْمِذِيَّ إنَّمَا حَسَّنَهُ بِنَاءً عَلَى اجْتِهَادِهِ وَقَدْ بَيَّنَ هُوَ وَغَيْرُهُ وَجْهَ ضَعْفِهِ وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ هَذَا أَعْنِي كَوْنَهُ مُرْسَلًا صَالِحٌ لَأَنْ يُجَابَ بِهِ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَرَى الْعَمَلَ بِالْمُرْسَلِ لَا أَنَّهُ جَوَابٌ عَنْ حَدِيثِ ابْنِ عُكَيْمٍ عَلَى مُقْتَضَى مَذْهَبِنَا وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ احْتِجَاجِ مَالِكٍ، فَهُوَ مُخَالِفٌ لِلنُّصُوصِ الصَّحِيحَةِ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا، فَإِنَّهَا عَامَّةٌ فِي طَهَارَةِ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ وَأَصْرَحُ مِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ «سَوْدَةَ قَالَتْ مَاتَتْ لَنَا شَاةٌ فَدَبَغْنَا مَسْكَهَا، وَهُوَ جِلْدُهَا فَمَازِلْنَا نَنْتَبِذُ فِيهِ حَتَّى صَارَ شَنًّا» ، وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ، فَإِنَّهُ اُسْتُعْمِلَ فِي مَائِعٍ وَهُمْ لَا يُجِيزُونَهُ، وَإِنْ كَانُوا يُجِيزُونَ شُرْبَ الْمَاءِ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ لَا يَتَنَجَّسُ عِنْدَهُمْ إلَّا بِالتَّغَيُّرِ وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ احْتِجَاجِ الشَّافِعِيِّ إنْ قُلْنَا بِأَنَّ الْكَلْبَ لَيْسَ بِنَجِسِ الْعَيْنِ، وَإِنَّ جِلْدَهُ يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ، فَهُوَ عُمُومُ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِي عُمُومِهَا الْكَلْبُ؛ لِأَنَّ أَيًّا فِي الْحَدِيثِ نَكِرَةٌ وُصِفَتْ بِصِفَةٍ عَامَّةٍ فَتَعُمُّ كَمَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ، وَأَمَّا الْخِنْزِيرُ فَإِنَّمَا خَرَجَ عَنْ الْعُمُومِ لِعَارِضٍ ذَكَرْنَاهُ، وَلَقَدْ أَنْصَفَ النَّوَوِيُّ حَيْثُ قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَحَادِيثَ لَا دَلَالَةَ فِيهَا فَتَرَكَهَا " لِأَنِّي الْتَزَمْت فِي خُطْبَةِ الْكِتَابِ الْإِعْرَاضَ عَنْ الدَّلَائِلِ الْوَاهِيَةِ " اهـ وَإِنْ قُلْنَا إنَّ الْكَلْبَ كَالْخِنْزِيرِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْجَوَابِ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الدِّبَاغَ جَائِزٌ بِكُلِّ مَا يَمْنَعُ النَّتْنَ وَالْفَسَادَ، وَلَوْ تُرَابًا أَوْ مِلْحًا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ بِالشَّمْسِ وَالتُّرَابِ وَالْمِلْحِ لِمَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي شَاةِ مَيْمُونَةَ قَالَ إنَّمَا حُرِّمَ أَكْلُهَا أَوْ لَيْسَ فِي الْمَاءِ وَالْقَرَظِ مَا يُطَهِّرُهَا، وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِمَا بِمَعْنَاهُ عَنْ مَيْمُونَةَ قَالَ يُطَهِّرُهَا الْمَاءُ وَالْقَرَظُ وَلَنَا مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ، فَإِنَّ اسْمَ الدِّبَاغِ يَتَنَاوَلُ مَا يَقَعُ بِالتَّشْمِيسِ وَالتَّتْرِيبِ فَلَا   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 يُقَيَّدُ بِشَيْءٍ؛ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ يَحْصُلُ بِهِ فَلَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِ غَيْرِهِ وَلَيْسَ الْحَدِيثُ الَّذِي اسْتَدَلَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ مِمَّا يَقْتَضِي الِاخْتِصَاصَ بَلْ الْمُرَادُ بِهِ مَا فِي مَعْنَاهُ بِالْإِجْمَاعِ وَلَا يَخْتَصُّ بِمَا ذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ ثُمَّ عِنْدَنَا يَجُوزُ بَيْعُ الْجِلْدِ الْمَدْبُوغِ وَيُنْتَفَعُ بِهِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ وَجُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ، وَأَمَّا بَيْعُهُ قَبْلَ الدِّبَاغِ فَقَدْ نَقَلَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يَقُولُ بِجَوَازِ بَيْعِهِ وَرَهْنِهِ كَالثَّوْبِ النَّجِسِ، وَهُوَ سَهْوٌ مِنْهُ، فَإِنَّ مَذْهَبَ أَبِي حَنِيفَةَ عَدَمُ جَوَازِ بَيْعِ جُلُودِ الْمَيْتَةِ قَبْلَ الدِّبَاغِ ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ وَشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَكَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ وَفِي بَعْضِ الْكُتُبِ ذَكَرَ خِلَافًا قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهُ مُلْحَقٌ بِالْمَيْتَةِ وَبَعْضُهُمْ أَلْحَقَهُ بِالْخَمْرِ فَالظَّاهِرُ مِنْهُ الِاتِّفَاقُ عَلَى عَدَمِ الْجَوَازِ. وَاعْلَمْ أَنَّ مَا طَهُرَ جِلْدُهُ بِالدِّبَاغِ طَهُرَ بِالذَّكَاةِ لَحْمُهُ وَجِلْدُهُ سَوَاءٌ كَانَ مَأْكُولًا أَوْ لَا أَمَّا طَهَارَةُ جِلْدِهِ، فَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَفِي النِّهَايَةِ أَنَّهُ اخْتِيَارُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ إنَّمَا يَطْهُرُ جِلْدُهُ بِالذَّكَاةِ إذَا لَمْ يَكُنْ سُؤْرُهُ نَجِسًا اهـ. وَأَمَّا طَهَارَةُ لَحْمِهِ إذَا كَانَ غَيْرَ مَأْكُولٍ فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ فَصَحَّحَ فِي الْبَدَائِعِ وَالْهِدَايَةِ وَالتَّجْنِيسِ طَهَارَتَهُ وَصَحَّحَ فِي الْأَسْرَارِ وَالْكِفَايَةِ وَالتَّبْيِينِ نَجَاسَتَهُ وَفِي الْمِعْرَاجِ أَنَّهُ قَوْلُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَفِي الْخُلَاصَةِ هُوَ الْمُخْتَارُ وَاخْتَارَهُ قَاضِي خان، وَفِي التَّبْيِينِ أَنَّهُ قَوْلُ أَكْثَرِ الْمَشَايِخِ، وَأَمَّا الْمُصَنِّفُ فَقَدْ اخْتَلَفَ كَلَامُهُ فَصَحَّحَ فِي الْكَافِي نَجَاسَتَهُ وَاخْتَارَ فِي الْكَنْزِ فِي الذَّبَائِحِ طَهَارَتَهُ وَسَنَتَكَلَّمُ عَلَيْهَا بِدَلَائِلِهَا وَبَيَانِ مَا هُوَ الْحَقُّ ثَمَّةَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لَكِنْ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ أَنَّ الذَّكَاةَ إنَّمَا تُوجِبُ الطَّهَارَةَ فِي الْجِلْدِ وَاللَّحْمِ إذَا كَانَتْ مِنْ الْأَهْلِ فِي الْمَحَلِّ، وَهُوَ مَا بَيْنَ اللَّبَّةِ وَاللَّحْيَيْنِ، وَقَدْ سَمَّى بِحَيْثُ لَوْ كَانَ مَأْكُولًا يَحِلُّ أَكْلُهُ بِتِلْكَ الذَّكَاةِ فَذَبِيحَةُ الْمَجُوسِيِّ لَا تُوجِبُ الطَّهَارَةَ؛ لِأَنَّهَا إمَاتَةٌ وَقَدْ قَدَّمْنَا عَنْ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمُجْتَبَى أَنَّ ذَبِيحَةَ الْمَجُوسِيِّ وَتَارِكِ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا تُوجِبُ الطَّهَارَةَ عَلَى الْأَصَحِّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَأْكُولًا، وَكَذَا نَقَلَ صَاحِبُ الْمِعْرَاجِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الطَّهَارَةَ عَنْ الْقُنْيَةِ أَيْضًا هُنَا وَصَاحِبُ الْقُنْيَةِ هُوَ صَاحِبُ الْمُجْتَبَى، وَهُوَ الْإِمَامُ الزَّاهِدِيُّ الْمَشْهُورُ عِلْمُهُ وَفِقْهُهُ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ أَنَّ صَاحِبَ النِّهَايَةِ ذَكَرَ هَذَا الشَّرْطَ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ بِصِيغَةِ قِيلَ مَعْزِيًّا إلَى فَتَاوَى قَاضِي خان وَفِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي السِّنْجَابُ إذَا أُخْرِجَ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ وَعُلِمَ أَنَّهُ مَدْبُوغٌ بِوَدَكِ الْمَيْتَةِ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ مَا لَمْ يُغْسَلْ، وَإِنْ عُلِمَ أَنَّهُ مَدْبُوغٌ بِشَيْءٍ طَاهِرٍ جَازَ، وَإِنْ لَمْ يُغْسَلْ، وَإِنْ شَكَّ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُغْسَلَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَشَعْرُ الْإِنْسَانِ وَالْمَيْتَةِ وَعَظْمُهُمَا طَاهِرَانِ) إنَّمَا ذَكَرَهُمَا فِي بَحْثِ الْمِيَاهِ لِإِفَادَةِ أَنَّهُ إذَا وَقَعَ فِي الْمَاءِ لَا يُنَجِّسُهُ لِطَهَارَتِهِ عِنْدَنَا وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ مَا لَا تُحِلُّهُ الْحَيَاةُ مِنْ أَجْزَاءِ الْهَوِيَّةِ مَحْكُومٌ بِطَهَارَتِهِ بَعْدَ مَوْتِ مَا هِيَ جُزْؤُهُ كَالشَّعْرِ وَالرِّيشِ وَالْمِنْقَارِ وَالْعَظْمِ وَالْعَصَبِ وَالْحَافِرِ وَالظِّلْفِ وَاللَّبَنِ وَالْبَيْضِ الضَّعِيفِ الْقِشْرُ وَالْإِنْفَحَةِ لَا خِلَافَ بَيْنَ أَصْحَابِنَا فِي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ بَيْنَهُمْ فِي الْإِنْفَحَةِ وَاللَّبَنِ هَلْ هُمَا مُتَنَجِّسَانِ فَقَالَا نَعَمْ لِمُجَاوِرَتِهِمَا الْغِشَاءَ النَّجِسَ، فَإِنْ كَانَتْ الْإِنْفَحَةُ جَامِدَةً تَطْهُرُ بِالْغَسْلِ، وَإِلَّا تَعَذَّرَ طَهَارَتُهَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَيْسَا بِمُتَنَجِّسَيْنِ وَعَلَى قِيَاسِهِمَا قَالُوا فِي السَّخْلَةِ إذَا سَقَطَتْ مِنْ أُمِّهَا، وَهِيَ رَطْبَةٌ فَيَبِسَتْ ثُمَّ وَقَعَتْ فِي الْمَاءِ لَا تَنْجُسُ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ فِي مَعْدِنِهَا كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي إدْخَالِ الْعَصَبِ فِي الْمَسَائِلِ الَّتِي لَا خِلَافَ فِيهَا نَظَرٌ فَقَدْ صَرَّحُوا أَنَّ فِي الْعَصَبِ رِوَايَتَيْنِ وَصَرَّحَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ أَنَّ الصَّحِيحَ نَجَاسَتُهُ إلَّا أَنَّ صَاحِبَ الْفَتْحِ تَبِعَ صَاحِبَ الْبَدَائِعِ فَالتَّحْرِيرُ مَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّ أَجْزَاءَ الْمَيْتَةِ لَا تَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ فِيهَا دَمٌ أَوْ لَا فَالْأُولَى كَاللَّحْمِ نَجِسَةٌ وَالثَّانِيَةُ فَفِي غَيْرِ الْخِنْزِيرِ وَالْآدَمِيِّ لَيْسَتْ بِنَجِسَةٍ إنْ كَانَتْ صُلْبَةً كَالشَّعْرِ وَالْعَظْمِ بِلَا خِلَافٍ، وَأَمَّا الْإِنْفَحَةُ الْمَائِعَةُ وَاللَّبَنُ فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا نَجِسٌ، وَأَمَّا الْآدَمِيُّ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ نَجِسَةٌ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا وَلَا الصَّلَاةُ مَعَهَا إذَا كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ وَزْنًا أَوْ عَرَضًا وَفِي رِوَايَةٍ طَاهِرَةٌ لِعَدَمِ الدَّمِ وَعَدَمِ جَوَازِ الْبَيْعِ لِلْكَرَامَةِ، وَأَمَّا الْعَصَبُ فَفِيهِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَاخْتَارَهُ قَاضِي خان) قَالَ الرَّمْلِيُّ: أَقُولُ: الَّذِي اخْتَارَهُ قَاضِي خان فِي فَتَاوِيهِ مِنْ بَابِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ طَهَارَتُهُ فَرَاجِعْهُ تَجِدْ مَا فِي نَقْلِهِ عَنْهُ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ اخْتَارَهُ فِي كِتَابٍ آخَرَ مِنْ كُتُبِهِ فَيَكُونُ كَلَامُهُ قَدْ اخْتَلَفَ كَمَا وَقَعَ لِلْمُصَنِّفِ فِي الْكَنْزِ وَفِي الْكَافِي تَبْيِينٌ (قَوْلُهُ: وَفِي التَّبْيِينِ أَنَّهُ قَوْلُ أَكْثَرِ الْمَشَايِخِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَقُولُ: عِبَارَةُ التَّبْيِينِ عَلَى مَا فِي النُّسَخِ الَّتِي اطَّلَعْنَا عَلَيْهَا، وَقَالَ كَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ: يَطْهُرُ جِلْدُهُ بِهَا وَلَا يَطْهُرُ لَحْمُهُ كَمَا لَا يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ وَأَنْتَ تَعْلَمُ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْمُخَالَفَةِ. (قَوْلُهُ: وَالْإِنْفَحَةِ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الْفَاءِ وَتَخْفِيفِ الْحَاءِ أَوْ تَشْدِيدِهَا شَيْءٌ يُسْتَخْرَجُ مِنْ بَطْنِ الْجَدْيِ أَصْفَرُ يُعْصَرُ فِي صُوفَةٍ مُبْتَلَّةٍ فِي اللَّبَنِ فَيَغْلُظُ كَالْجُبْنِ وَلَا تَكُونُ إلَّا لِذِي كَرِشٍ وَقِيلَ مِنْ نَفْسِ الْكَرِشِ إلَّا أَنَّهُ يُسَمَّى إنْفَحَةً مَا دَامَ رَضِيعًا، وَإِنْ رَعَى الْعُشْبَ سُمِّيَ كَرِشًا وَيُقَالُ لَهَا الْمِنْفَحَةُ أَيْضًا كَذَا فِي الْمُغْرِبِ مِنْ جَلَبِي عَلَى الزَّيْلَعِيِّ وَقَالَ ابْنُ فَرْشَتَةَ فِي شَرْحِ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ (وَإِنْفَحَةُ الْمَيْتَةِ) مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ مَحْذُوفٌ، وَهُوَ طَاهِرٌ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ (وَلَبَنُهَا طَاهِرٌ) إنْفَحَةٌ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الْفَاءِ مُخَفَّفَةً كَرِشُ الْجَدْيِ أَوْ الْجَمَلِ الصَّغِيرِ مَا لَمْ يَأْكُلْ يُقَالُ لَهَا بِالْفَارِسِيَّةِ بنيرمايه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنَّهُ طَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ عَظْمٌ وَالْأُخْرَى أَنَّهُ نَجِسٌ؛ لِأَنَّ فِيهِ حَيَاةً وَالْحِسُّ يَقَعُ بِهِ اهـ. وَأَمَّا الْخِنْزِيرُ فَشَعْرُهُ وَعَظْمُهُ وَجَمِيعُ أَجْزَائِهِ نَجِسَةٌ وَرُخِّصَ فِي شَعْرِهِ لِلْخَرَّازِينَ لِلضَّرُورَةِ؛ لِأَنَّ غَيْرَهُ لَا يَقُومُ مَقَامَهُ عِنْدَهُمْ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ كَرِهَ لَهُمْ ذَلِكَ أَيْضًا وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ فِي الرِّوَايَاتِ كُلِّهَا، وَإِنْ وَقَعَ شَعْرُهُ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ نَجَّسَهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يُنَجَّسُ، وَإِنْ صَلَّى مَعَهُ جَازَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجُوزُ إذَا كَانَ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدَّرَاهِمِ وَاخْتَلَفُوا فِي قَدْرِ الدِّرْهَمِ قِيلَ وَزْنًا وَقِيلَ بَسْطًا كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَذَكَرَ السِّرَاجُ الْهِنْدِيُّ أَنَّ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ بِنَجَاسَتِهِ هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَصَحَّحَهُ فِي الْبَدَائِعِ وَرَجَّحَهُ فِي الِاخْتِيَارِ وَفِي التَّجْنِيسِ لَا بَأْسَ بِبَيْعِ عِظَامِ الْمَوْتَى؛ لِأَنَّهُ لَا يُحِلُّ الْعِظَامَ الْمَوْتُ وَلَيْسَ فِي الْعِظَامِ دَمٌ فَلَا تَنَجُّسَ فَيَجُوزُ بَيْعُهَا إلَّا بَيْعَ عِظَامِ الْآدَمِيِّ وَالْخِنْزِيرِ اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ أَنَّ عَظْمَ الْمَيْتَةِ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دُسُومَةٌ وَوَقَعَ فِي الْمَاءِ نَجَّسَهُ وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ شَعْرُ الْمَيْتَةِ إنَّمَا يَكُونُ طَاهِرًا إذَا كَانَ مَحْلُوقًا أَوْ مَجْزُوزًا، وَإِنْ كَانَ مَنْتُوفًا، فَهُوَ نَجِسٌ وَكَذَا شَعْرُ الْآدَمِيِّ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ فِي نَجَاسَةِ شَعْرِ الْآدَمِيِّ وَظُفْرِهِ رِوَايَتَانِ الصَّحِيحُ مِنْهُمَا الطَّهَارَةُ، وَفِي النِّهَايَةِ وَاخْتُلِفَ فِي السِّنِّ هَلْ هُوَ عَظْمٌ أَوْ طَرَفُ عَصَبٍ يَابِسٍ؛ لِأَنَّ الْعَظْمَ لَا يَحْدُثُ فِي الْإِنْسَانِ بَعْدَ الْوِلَادَةِ وَقِيلَ هُوَ عَظْمٌ وَمَا وَقَعَ فِي الذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَنَّ أَسْنَانَ الْكَلْبِ إذَا كَانَتْ يَابِسَةً طَاهِرَةٌ وَأَسْنَانُ الْآدَمِيِّ نَجِسَةٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْكَلْبَ يَطْهُرُ بِالذَّكَاةِ وَمَا يَطْهُرُ بِهَا فَعَظْمُهُ طَاهِرٌ بِخِلَافِ الْآدَمِيِّ فَضَعِيفٌ، فَإِنَّ الْمُصَرَّحَ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ وَالْكَافِي وَغَيْرِهِمَا بِأَنَّ سِنَّ الْآدَمِيِّ طَاهِرَةٌ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعُلِّلَ لَهُ فِي الْبَدَائِعِ بِأَنَّهُ لَا دَمَ فِيهَا وَالْمُنَجَّسُ هُوَ الدَّمُ؛ وَلِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ أَنْ تَكُونَ طَاهِرَةً مِنْ الْكَلْبِ نَجِسَةً مِنْ الْآدَمِيِّ الْمُكَرَّمِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا وَيَحْرُمُ الِانْتِفَاعُ بِهَا احْتِرَامًا لِلْآدَمِيِّ كَمَا إذَا طُحِنَ سِنُّ الْآدَمِيِّ مَعَ الْحِنْطَةِ أَوْ عَظْمُهُ لَا يُبَاحُ تَنَاوُلُ الْخُبْزِ الْمُتَّخَذِ مِنْ دَقِيقِهِمَا لَا لِكَوْنِهِ نَجِسًا بَلْ تَعْظِيمًا لَهُ كَيْ لَا يَصِيرُ مُتَنَاوِلًا مِنْ أَجْزَاءِ الْآدَمِيِّ كَذَا هَذَا وَكَذَا ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ وَالنِّهَايَةِ وَالْمِعْرَاجِ وَعَلَى هَذَا مَا ذُكِرَ فِي التَّجْنِيسِ رَجُلٌ قُطِعَتْ أُذُنُهُ أَوْ قُلِعَتْ سِنُّهُ فَأَعَادَ أُذُنَهُ إلَى مَكَانِهَا أَوْ سِنَّهُ السَّاقِطَ إلَى مَكَانِهَا فَصَلَّى أَوْ صَلَّى وَأُذُنُهُ أَوْ سِنُّهُ فِي كُمِّهِ يُجْزِيه؛ لِأَنَّ مَا لَيْسَ بِلَحْمٍ لَا يُحِلُّهُ الْمَوْتُ فَلَا يَتَنَجَّسُ بِالْمَوْتِ اهـ. لَكِنْ مَا ذَكَرَهُ فِي السِّنِّ مُسَلَّمٌ أَمَّا الْأُذُنُ فَقَدْ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ مَا أُبِينَ مِنْ الْحَيِّ مِنْ الْأَجْزَاءِ إنْ كَانَ الْمُبَانُ جُزْءًا فِيهِ دَمٌ كَالْيَدِ وَالْأُذُنِ وَالْأَنْفِ وَنَحْوِهَا، فَهُوَ نَجِسٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ دَمٌ كَالشَّعْرِ وَالصُّوفِ وَالظُّفْرُ، فَهُوَ طَاهِرٌ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ اهـ. لَكِنْ فِي فَتَاوَى قَاضِي خان وَالْخُلَاصَةِ، وَلَوْ قَلَعَ إنْسَانٌ سِنَّهُ أَوْ قَطَعَ أُذُنَهُ ثُمَّ أَعَادَهُمَا إلَى مَكَانِهِمَا أَوْ صَلَّى وَسِنُّهُ أَوْ أُذُنُهُ فِي كُمِّهِ تَجُوزُ صَلَاتُهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ اهـ. فَهَذَا يُقَوِّي مَا فِي التَّجْنِيسِ وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَإِنْ قُطِعَتْ أُذُنُهُ قَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا بَأْسَ بِأَنْ يُعِيدَهَا إلَى مَكَانِهَا، وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ اهـ. وَبِمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ الْفَتَاوَى يَنْدَفِعُ مَا ذُكِرَ فِي بَعْضِ الْحَوَاشِي أَنَّهُ لَوْ صَلَّى، وَهُوَ حَامِلٌ سِنَّ غَيْرِهِ أَوْ حَامِلٌ سِنَّ نَفْسِهِ وَلَمْ يَضَعْهَا فِي مَكَانِهَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ اتِّفَاقًا كَمَا لَا يَخْفَى، وَكَذَا ذَكَر فِي الْمِعْرَاجِ أَنَّهُ لَوْ صَلَّى، وَهُوَ حَامِلٌ سِنَّ غَيْرِهِ لَا يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ وَفِيهِ مِنْ النَّظَرِ مَا عَلِمْت وَفِي الْخُلَاصَةِ وَفَتَاوَى قَاضِي خان وَالتَّجْنِيسِ وَالْمُحِيطِ جِلْدُ الْإِنْسَانِ إذَا وَقَعَ فِي الْمَاءِ أَوْ قِشْرُهُ إنْ كَانَ قَلِيلًا مِثْلَ مَا يَتَنَاثَرُ مِنْ شُقُوقِ الرِّجْلِ وَنَحْوِهِ لَا يَفْسُدُ الْمَاءُ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا يَعْنِي قَدْرَ الظُّفْرِ يَفْسُدُ وَالظُّفْرُ لَا يُفْسِدُ الْمَاءَ اهـ. وَعَلَّلَ لَهُ فِي التَّجْنِيسِ بِأَنَّ الْجِلْدَ وَالْقِشْرَ مِنْ جُمْلَةِ لَحْمِ الْآدَمِيِّ وَالظُّفْرُ عَصَبٌ، وَهَذَا كُلُّهُ مَذْهَبُنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الْكُلُّ نَجِسٌ إلَّا شَعْرَ الْآدَمِيِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3] ، وَهُوَ عَامٌّ لِلشَّعْرِ وَغَيْرِهِ   [منحة الخالق] يَعْنِي إنْفَحَةٌ الْمَيْتَةِ جَامِدَةً كَانَتْ أَوْ مَائِعَةً طَاهِرَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَكَذَا لَبَنُهَا أَمَّا الْإِنْفَحَةُ الْجَامِدَةُ؛ فَلِأَنَّ الْحَيَاةَ لَمْ تَحُلَّ فِيهَا، وَأَمَّا الْمَائِعَةُ وَاللَّبَنُ، فَإِنَّ نَجَاسَةَ مَحَلِّهِمَا لَمْ تَكُنْ مُؤَثِّرَةً فِيهِمَا قَبْلَ الْمَوْتِ؛ وَلِهَذَا كَانَ اللَّبَنُ الْخَارِجُ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ طَاهِرٌ فَلَا تَكُونُ مُؤَثِّرَةً بَعْدَ الْمَوْتِ (وَقَالَا نَجِسٌ) يَعْنِي قَالَا إنْفَحَةُ الْمَيْتَةِ مُطْلَقًا نَجِسٌ وَلَبَنُهَا أَيْضًا نَجِسٌ؛ لِأَنَّ تَنَجُّسَ الْمَحَلِّ يُوجِبُ تَنَجُّسَ مَا فِيهِ (وَتَطْهُرُ الْجَامِدَةُ بِالْغُسْلِ) قَيَّدَ بِالْجَامِدَةِ؛ لِأَنَّ الْمَائِعَةَ لَا تَطْهُرُ بِالْغَسْلِ عِنْدَهُمَا كَذَا فِي شَرْحِ الْمُصَنِّفِ (أَقُولُ) لَا حَاجَةَ إلَى إرْدَافِ قَوْلِهِمَا؛ لِأَنَّهُ فِي طَرَفِ النَّفْيِ مِنْ قَوْلِهِ طَاهِرٌ، وَلَوْ قَالَ وَقَالَا تَطْهُرُ الْجَامِدَةُ بِالْغَسْلِ لَكَانَ كَافِيًا لَاحَ إلَى اشْتِبَاهٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ الْمَائِعَةَ إنْ كَانَتْ مَا تَنْعَصِرُ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَطْهُرَ وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا لَا تَنْعَصِرُ فَكَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِمَا سَبَقَ مِنْ أَنَّ غَيْرَ الْمُنْعَصِرِ عِنْدَهُ يَطْهُرُ بِالْغُسْلِ وَالتَّجْفِيفِ ثَلَاثًا اهـ. قَالَ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ بَعْدَ أَنْ تَكَلَّمَ عَلَى الْمَسْأَلَةِ تَنْبِيهٌ وَقَدْ عَرَفْت مِنْ هَذَا أَنَّ نَفْسَ الْوِعَاءِ الَّذِي سَيَصِيرُ كَرِشًا نَجِسٌ بِالِاتِّفَاقِ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِطْلَاقِ بِكَوْنِ الْمِنْفَحَةِ طَاهِرَةً عِنْدَهُ مُتَنَجِّسَةٌ عِنْدَهُمَا إذَا كَانَتْ مَائِعَةً هُوَ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ الْوِعَاءُ الْمَذْكُورُ فَقَطْ ثُمَّ هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَتْ الْمِنْفَحَةُ مِنْ شَاةٍ مَيِّتَةٍ كَمَا فَسَّرَهُ الْمُصَنِّفُ أَمَّا إذَا كَانَتْ مِنْ ذَكِيَّةٍ فَهِيَ طَاهِرَةٌ مُطْلَقًا بِالْإِجْمَاعِ. اهـ. حِلْيَةٌ. (قَوْلُهُ: أَمَّا الْإِذْنُ فَقَدْ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ إلَخْ) يُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بَيْنَهُمَا بِأَنْ يَكُونَ مَا فِي الْبَدَائِعِ بِالنَّظَرِ إلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 وَلَنَا فِي الْمَعْهُودِ فِيهَا حَالَةُ الْحَيَاةِ الطَّهَارَةُ، وَإِنَّمَا يُؤَثِّرُ الْمَوْتُ النَّجَاسَةَ فِيمَا يُحِلُّهُ وَلَا تُحِلُّهَا الْحَيَاةُ فَلَا يُحِلُّهَا الْمَوْتُ، وَإِذَا لَمْ يُحِلَّهَا وَجَبَ الْحُكْمُ بِبَقَاءِ الْوَصْفِ الشَّرْعِيِّ الْمَعْهُودِ لِعَدَمِ الْمُزِيلِ وَفِي السُّنَّةِ أَيْضًا مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي شَاةِ مَوْلَاةِ مَيْمُونَةَ حِينَ مَرَّ بِهَا مَيِّتَةً «إنَّمَا حُرِّمَ أَكْلُهَا» فِي الصَّحِيحَيْنِ وَفِي لَفْظٍ «إنَّمَا حَرُمَ عَلَيْكُمْ لَحْمُهَا وَرُخِّصَ لَكُمْ فِي مَسْكِهَا» وَفِي الْبَابِ حَدِيثُ الدَّارَقُطْنِيِّ «إنَّمَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْمَيْتَةِ لَحْمَهَا فَأَمَّا الْجِلْدُ وَالشَّعْرُ وَالصُّوفُ، فَلَا بَأْسَ» ، وَهُوَ وَإِنْ أَعَلَّه بِتَضْعِيفِ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ مُسْلِمٍ فَقَدْ ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ فَهُوَ لَا يَنْزِلُ عَنْ دَرَجَةِ الْحَسَنِ وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى وَضَعَّفَهُمَا وَمِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى بِمَعْنَاهُ ضَعِيفَةُ. وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يَتَمَشَّطُ بِمُشْطٍ مِنْ عَاجٍ» وَضَعَّفَهُ فَهَذِهِ عِدَّةُ أَحَادِيثَ لَوْ كَانَتْ ضَعِيفَةً حَسُنَ الْمَتْنُ فَكَيْفَ وَمِنْهَا مَا لَا يَنْزِلُ عَنْ الْحُسْنِ وَلَهُ الشَّاهِدُ الْأَوَّلُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مُخْتَصَرًا وَفِي الْبَدَائِعِ لِأَصْحَابِنَا طَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَيْسَتْ بِمَيْتَةٍ؛ لِأَنَّ الْمَيْتَةَ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ اسْمٌ لِمَا زَالَتْ حَيَاتُهُ لَا بِصُنْعِ أَحَدٍ مِنْ الْعِبَادِ أَوْ بِصُنْعٍ غَيْرِ مَشْرُوعٍ وَلَا حَيَاةَ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، فَلَا تَكُونُ مَيْتَةً وَالثَّانِي أَنَّ نَجَاسَةَ الْمَيْتَاتِ لَيْسَتْ لِأَعْيَانِهَا بَلْ لِمَا فِيهَا مِنْ الدِّمَاءِ السَّائِلَةِ وَالرُّطُوبَاتِ النَّجِسَةِ وَلَمْ تُوجَدْ فِي هَذِهِ الْأَجْزَاءِ اهـ. وَقَدْ اقْتَصَرَ فِي الْهِدَايَةِ عَلَى الطَّرِيقَةِ الْأُولَى، وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ عَلَى الثَّانِيَةِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الطَّرِيقَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْهِدَايَةِ لَا تَجْرِي فِي الْعَصَبِ؛ لِأَنَّ فِيهِ حَيَاةً لِمَا فِيهِ مِنْ الْحَرَكَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَتَأَلَّمُ الْحَيُّ بِقَطْعِهِ بِخِلَافِ الْعَظْمِ، فَإِنَّ قَطْعَ قَرْنِ الْبَقَرَةِ لَا يُؤْلِمُهَا فَدَلَّ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْعَظْمِ حَيَاةٌ كَذَا فِي النِّهَايَةِ؛ وَلِهَذَا كَانَ فِيهِ رِوَايَتَانِ فَالْأُولَى هِيَ الطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ وَعَلَيْهَا لَا يُحْتَاجُ إلَى الْجَوَابِ عَنْ قَوْله تَعَالَى {قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} [يس: 78] {قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ} [يس: 79] ، فَإِنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مِنْ الْمَيْتَاتِ إلَّا أَنَّ نَجَاسَةَ الْمَيْتَاتِ إنَّمَا هِيَ لِمَا فِيهَا مِنْ الدِّمَاءِ وَالرُّطُوبَاتِ وَالْعَصَبُ صَقِيلٌ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ ذَلِكَ، وَكَذَا فِي الْعَظْمِ وَالشَّعْرِ، وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ الْآيَةِ عَلَى الطَّرِيقَةِ الْأُولَى فَمِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ: مَا ذَكَرَهُ فِي الْكَشَّافِ بِقَوْلِهِ وَلَقَدْ اسْتَشْهَدَ بِهَذِهِ الْآيَةِ مَنْ يُثْبِتُ الْحَيَاةَ فِي الْعِظَامِ وَيَقُولُ إنَّ عِظَامَ الْمَوْتَى نَجِسَةٌ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ يُؤَثِّرُ فِيهَا مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْحَيَاةَ تُحِلُّهَا، وَأَمَّا أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فَهِيَ عِنْدَهُمْ طَاهِرَةٌ وَكَذَلِكَ الشَّعْرُ وَالْعَصَبُ وَيَزْعُمُونَ أَنَّ الْحَيَاةَ لَا تُحِلُّهَا فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهَا الْمَوْتُ، وَيَقُولُونَ الْمُرَادُ بِإِحْيَاءِ الْعِظَامِ فِي الْآيَةِ رَدُّهَا إلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ غَضَّةً رَطْبَةً فِي بَدَنٍ حَيٍّ حَسَّاسٍ اهـ. وَلَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ صَاحِبَ الْكَشَّافِ لَمْ يَرْتَضِ مَا ذَكَرَهُ عَنْ الْحَنَفِيَّةِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ يَزْعُمُونَ لِأَنَّ زَعَمَ مَطِيَّةُ الْكَذِبِ كَمَا قِيلَ؛ لِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ زَعَمَ خَاصٌّ فِي الْبَاطِلِ بَلْ يُسْتَعْمَلُ تَارَةً فِيهِ وَتَارَةً فِي الْحَقِّ فَمِنْ الْأَوَّلِ قَوْله تَعَالَى {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا} [التغابن: 7] وَمِنْ الثَّانِي قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ «زَعَمَ رَسُولُك أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْنَا خَمْسَ صَلَوَاتٍ» صَرَّحَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِيهِ. الثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعِظَامِ النُّفُوسُ كَمَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَحِينَئِذٍ يَعُودُ الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ {وَهِيَ رَمِيمٌ} [يس: 78] إلَى الْعِظَامِ الْحَقِيقِيَّةِ عَلَى طَرِيقَةِ الِاسْتِخْدَامِ؛ لِأَنَّ مِنْ أَقْسَامِهِ كَمَا عُرِفَ فِي عِلْمِ الْبَدِيعِ أَنْ يُرَادَ بِلَفْظٍ لَهُ مَعْنَيَانِ أَحَدُهُمَا ثُمَّ يُؤْتَى بَعْدَهُ بِضَمِيرٍ يَعُودُ فِي اللَّفْظِ عَلَيْهِ وَفِي الْمَعْنَى عَلَى مَعْنَاهُ الْآخَرِ كَقَوْلِ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي مَالِكٍ إذَا نَزَلَ السَّمَاءُ بِأَرْضِ قَوْمٍ ... رَعَيْنَاهُ وَإِنْ كَانُوا غِضَابًا ، فَإِنَّهُ أَرَادَ بِالسَّمَاءِ الْمَطَرَ وَأَرَادَ بِالضَّمِيرِ فِي رَعَيْنَاهُ النَّبَاتَ وَالنَّبَاتُ أَحَدُ مَعْنَى السَّمَاءِ؛ لِأَنَّهُ مَجَازٌ عَنْهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمَطَرَ سَبَبُهُ وَسَوَّغَ لَهُ عَوْدَ الضَّمِيرِ إلَى النَّبَاتِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَقَدَّمَ لَهُ ذِكْرٌ لِتَقَدُّمِ ذِكْرِ سَبَبِهِ، وَهُوَ السَّمَاءُ الَّتِي أُرِيدَ بِهَا الْمَطَرُ فَكَذَلِكَ مَا نَحْنُ فِيهِ، فَإِنَّ الْعِظَامَ لَهُ مَعْنَيَانِ أَحَدُهُمَا: مُرَادٌ، وَهُوَ النُّفُوسُ مَجَازًا مِنْ إطْلَاقِ الْبَعْضِ وَإِرَادَةِ الْكُلِّ وَالْمَعْنَى الْآخَرُ، وَهُوَ الْعِظَامُ الْحَقِيقِيَّةُ غَيْرُ مُرَادٍ ثُمَّ الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ   [منحة الخالق] إلَى غَيْرِ الْمَقْطُوعِ مِنْهُ بِدَلِيلِ قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ فِي الْأَشْبَاهِ كَمَا نَقَلَهُ الشَّيْخُ عَلَاءُ الدِّينِ الْحَصْكَفِيُّ الْمُنْفَصِلُ مِنْ الْحَيِّ كَمَيْتَتِهِ إلَّا فِي حَقِّ صَاحِبِهِ فَطَاهِرٌ وَإِنْ كَثُرَ فَتَأَمَّلْ وَفِي شَرْحِ الْعَلَّامَةِ الْمَقْدِسِيَّ قُلْت وَالْجَوَابُ عَنْ الْإِشْكَالِ أَنَّ إعَادَةَ الْأُذُنِ وَثَبَاتَهَا إنَّمَا يَكُونُ غَالِبًا بِعَوْدِ الْحَيَاةِ إلَيْهَا فَلَا يُصَدَّقُ أَنَّهَا مِمَّا أُبِينَ مِنْ الْحَيِّ؛ لِأَنَّهَا بِعَوْدِ الْحَيَاةِ إلَيْهَا صَارَتْ كَأَنَّهَا لَمْ تَبِنْ وَلَوْ فَرَضْنَا شَخْصًا مَاتَ ثُمَّ أُعِيدَتْ حَيَاتُهُ مُعْجِزَةً أَوْ كَرَامَةً لَعَادَ طَاهِرًا اهـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 {وَهِيَ رَمِيمٌ} [يس: 78] يَعُودُ إلَى الْعِظَامِ بِالْمَعْنَى الْغَيْرِ الْمُرَادِ لَا بِالْمَعْنَى الْمُرَادِ وَهُوَ النُّفُوسُ فَكَانَ مِنْ بَابِ الِاسْتِخْدَامِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي الثَّالِثُ مَا ذَكَرَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَالْعِنَايَةِ أَنَّ الْمُرَادَ أَصْحَابُ الْعِظَامِ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ فَإِنْ قُلْت الْمَفْهُومُ مِنْ الْآيَةِ إحْيَاؤُهَا فِي الْآخِرَةِ وَأَحْوَالُهَا لَا تُنَاسِبُ أَحْوَالَ الدُّنْيَا قُلْنَا سَوْقُ الْكَلَامِ صَرِيحٌ فِي الرَّدِّ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ إعَادَتَهَا فِي الْآخِرَةِ إلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا بَعْدَ أَنْ صَارَتْ بَالِيَةً خَالِيَةً عَنْ اسْتِعْدَادِ الْعَوْدِ إلَيْهَا فِي زَعْمِهِمْ، وَقَدْ اسْتَدَلَّ بَعْضُ مَشَايِخِنَا لِغَيْرِ الْعَظْمِ وَنَحْوِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ} [النحل: 80] وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ عُمُومُ الْآيَةِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَنَّ عَلَيْنَا بِأَنْ جَعَلَ لَنَا الِانْتِفَاعَ، وَلَمْ يَخُصَّ شَعْرَ الْمَيْتَةِ مِنْ الْمُذَكَّاةِ فَهُوَ عُمُومٌ إلَّا أَنْ يَمْنَعَ مِنْهُ دَلِيلٌ وَأَيْضًا، فَإِنَّ الْأَصْلَ كَوْنُهَا طَاهِرَةً قَبْلَ الْمَوْتِ بِإِجْمَاعٍ وَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ انْتَقَلَ إلَى نَجَاسَةٍ فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ، فَإِنْ قِيلَ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَذَلِكَ عِبَارَةٌ عَنْ الْجُمْلَةِ قُلْنَا نَخُصُّهُ بِمَا ذَكَرْنَا، فَإِنَّهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي ذِكْرِ الصُّوفِ، وَلَيْسَ فِي آيَتِكُمْ ذِكْرُ الصُّوفِ صَرِيحًا، فَكَانَ دَلِيلُنَا أَوْلَى كَذَا ذَكَرَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ وَذَكَرَ أَنَّ الصُّوفَ لِلْغَنَمِ وَالْوَبَرَ لِلْإِبِلِ وَالشَّعْرَ لِلْمَعْزِ وَقَدْ أَجَابَ الْأَتْقَانِيُّ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَيْضًا عَنْ اسْتِدْلَالِهِمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3] بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ حُرْمَةُ الِانْتِفَاعِ فَلِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْهُ حُرْمَةَ الْأَكْلِ بِدَلِيلِ مَا رَوَيْنَاهُ فِي حَدِيثِ مَوْلَاةِ مَيْمُونَةَ وَلَئِنْ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي بَعْضِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ رُطُوبَةٌ فَنَقُولُ نَحْنُ نَقُولُ أَيْضًا بِنَجَاسَتِهِ إذَا بَقِيَتْ الرُّطُوبَةُ وَكَلَامُنَا فِيمَا إذَا لَمْ تَبْقَ الرُّطُوبَةُ بِهِ فِي الْعَظْمِ وَالْحَافِرِ وَالظِّلْفِ وَنَحْوِهِ إذَا غُسِلَ الشَّعْرُ وَنَحْوُهُ وَأُزِيلَ عَنْهُ الدَّمُ الْمُتَّصِلُ وَالرُّطُوبَةُ النَّجِسَةُ وَلَئِنْ قَالَ الشَّعْرُ يَنْمُو بِنَمَاءِ الْأَصْلِ فَنَقُولُ: نَعَمْ يَنْمُو وَلَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ النَّمَاءَ يَدُلُّ عَلَى الْحَيَاةِ الْحَقِيقِيَّةِ كَمَا فِي النَّبَاتِ وَالشَّجَرِ وَقَوْلُهُ بِنَمَاءِ الْأَصْلِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَنْمُو مَعَ نُقْصَانِ الْأَصْلِ كَمَا إذَا هَزَلَ الْحَيَوَانُ بِسَبَبِ مَرَضٍ فَطَالَ شَعْرُهُ اهـ. وَقَدْ وَقَعَ فِي الْهِدَايَةِ تَعْرِيفُ الْمَوْتِ بِزَوَالِ الْحَيَاةِ فَقَالَ فِي كَشْفِ الْأَسْرَارِ شَرْحِ أُصُولِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ مِنْ بَابِ الْأَهْلِيَّةِ الْمَوْتُ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ أَمْرٌ وُجُودِيٌّ؛ لِأَنَّهُ ضِدُّ الْحَيَاةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ} [الملك: 2] وَعِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ هُوَ زَوَالُ الْحَيَاةِ، فَهُوَ أَمْرٌ عَدَمِيٌّ وَتَفْسِيرُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ بِزَوَالِ الْحَيَاةِ تَفْسِيرٌ بِلَازِمِهِ كَذَا نُقِلَ عَنْ الْعَلَّامَةِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْكُرْدِيِّ اهـ. وَهَكَذَا أَوَّلَهُ فِي الْكَافِي وَذُكِرَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ أَنَّ الْمَوْتَ ضِدُّ الْحَيَاةِ وَالضِّدَّانِ صِفَتَانِ وُجُودِيَّتَانِ يَتَعَاقَبَانِ عَلَى مَوْضُوعٍ وَاحِدٍ وَيَسْتَحِيلُ اجْتِمَاعُهُمَا، وَيَجُوزُ ارْتِفَاعُهُمَا وَزَوَالُ الْحَيَاةِ لَيْسَ بِضِدِّ الْحَيَاةِ كَمَا أَنَّ زَوَالَ السُّكُونِ لَيْسَ بِضِدِّ السُّكُونِ فَكَانَ هَذَا تَعْرِيفًا بِلَازِمِهِ اهـ. وَتَعَقَّبَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ زَوَالَ الْحَيَاةِ لَيْسَ بِضِدٍّ لَهَا، وَكَيْفَ يُقَالُ هَذَا وَزَوَالُ الْحَيَاةِ مَعَ الْحَيَاةِ لَا يَجْتَمِعَانِ وَلَيْسَ مَعْنَى التَّضَادِّ إلَّا هَذَا وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ زَوَالَ الْحَيَاةِ لَيْسَ بِوُجُودِيٍّ فَهَلْ لِزَوَالِ الْحَيَاةِ وُجُودٌ أَمْ لَا، فَإِنْ قُلْت نَعَمْ فَيَكُونُ زَوَالُ الْحَيَاةِ وُجُودِيًّا، وَإِنْ قُلْت لَا فَيَكُونُ حِينَئِذٍ زَوَالُ الْحَيَاةِ حَيَاةً، وَهُوَ مُحَالٌ؛ لِأَنَّ عَدَمَ زَوَالِ الْحَيَاةِ عِبَارَةٌ عَنْ الْحَيَاةِ اهـ. وَلَا يَخْفَى ضَعْفُهُ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ نَفْسُ زَوَالِ الْحَيَاةِ لَا عَدَمُ زَوَالِهَا وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ نَقِيضِ الشَّيْءِ عَدَمِيًّا أَنْ يَكُونَ عَدَمَ عَدَمِهِ حَتَّى يَكُونَ نَفْيَ النَّفْيِ، فَيَكُونُ إثْبَاتًا، وَأَمَّا جَعْلُهُ زَوَالَ الْحَيَاةِ ضِدًّا لَهَا فَغَيْرُ مُسَلَّمٍ؛ لِأَنَّ التَّضَادَّ الْحَقِيقِيَّ هُوَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْمَوْجُودَيْنِ اللَّذَيْنِ يُمْكِنُ تَعَقُّلُ أَحَدِهِمَا مَعَ الذُّهُولِ عَنْ الْآخَرِ تَعَاقُبٌ عَلَى الْمَوْضُوعِ وَيَكُونُ بَيْنَهُمَا غَايَةُ الْخِلَافِ، وَهِيَ مَا يَكُونُ مُقْتَضَى كُلٍّ مِنْهُمَا مُغَايِرَ الْمُقْتَضَى الْآخَرِ كَالسَّوَادِ وَالْبَيَاضِ، فَإِنَّ مُقْتَضَى أَحَدِهِمَا قَبْضُ الْبَصَرِ وَمُقْتَضَى الثَّانِي تَفْرِيقُهُ وَلَا شَكَّ أَنَّ زَوَالَ الْحَيَاةِ عَدَمِيٌّ فَلَا يَكُونُ ضِدًّا لَهَا، وَإِنَّمَا يَكُونُ بَيْنَهُمَا تَقَابُلُ الْعَدَمِ وَالْمَلَكَةِ وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ الْأُصُولِيِّينَ فِي شَرْحِ الْمُغْنِي أَنَّ هَذَا الْفَرْقَ إنَّمَا هُوَ عَلَى اصْطِلَاحِ أَهْلِ الْمَعْقُولِ أَمَّا عَلَى اصْطِلَاحِ الْأُصُولِيِّينَ فَالضِّدُّ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: فَإِنْ قُلْت الْمَفْهُومُ مِنْ الْآيَةِ) أَيْ، فَإِنْ قُلْت فِي الْجَوَابِ عَنْ الْآيَةِ جَوَابًا رَابِعًا (قَوْلُهُ: وَإِذَا غُسِلَ الشَّعْرُ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ إذَا لَمْ تَبْقَ الرُّطُوبَةُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 مَا يُقَابِلُ الشَّيْءَ وَيَكُونُ بَيْنَهُمَا غَايَةُ الْخِلَافِ سَوَاءٌ كَانَا وُجُودِيَّيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا وُجُودِيٌّ، وَالْآخَرُ عَدَمِيٌّ وَقَدْ اخْتَارَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ أَنَّ الْمَوْتَ عَدَمِيٌّ فَقَالَ وَالْحَيَاةُ مَا يَصِحُّ بِوُجُودِهِ الْإِحْسَاسُ وَقِيلَ مَا يُوجِبُ كَوْنَ الشَّيْءِ حَيًّا، وَهُوَ الَّذِي يَصِحُّ مِنْهُ أَنْ يُعْلَمَ وَيُقَدَّرَ، وَالْمَوْتُ عَدَمُ ذَلِكَ فِيهِ وَمَعْنَى خَلْقِ الْمَوْتِ وَالْحَيَاةِ إيجَادُ ذَلِكَ الْمُصَحِّحِ وَإِعْدَامُهُ قَالَ الطِّيبِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي حَاشِيَتِهِ قَوْلُهُ وَالْمَوْتُ عَدَمُ ذَلِكَ فِيهِ الِانْتِصَافُ لِمَذْهَبِ الْقَدَرِيَّةِ أَنَّ الْمَوْتَ عَدَمٌ وَاعْتِقَادُ السُّنِّيَّةِ أَنَّهُ أَمْرٌ وُجُودِيٌّ ضَادَّ الْحَيَاةَ وَكَيْفَ يَكُونُ عَدَمِيًّا وَقَدْ وُصِفَ بِكَوْنِهِ مَخْلُوقًا وَعَدَمُ الْحَوَادِثِ أَزَلِيٌّ، وَلَوْ كَانَ الْمَعْدُومُ مَخْلُوقًا لَزِمَ وُقُوعُ الْحَوَادِثِ أَزَلًا، وَهُوَ ظَاهِرُ الْبُطْلَانِ وَقَالَ صَاحِبُ الْفَوَائِدِ: لَوْ كَانَ الْمَوْتُ عَدَمَ الْحَيَاةِ اسْتَحَالَ أَنْ يَكُونَ مَخْلُوقًا وَقَدْ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ مَعْنَى خَلْقِ الْمَوْتِ وَالْحَيَاةِ إيجَادُ ذَلِكَ الْمُصَحِّحِ وَإِعْدَامُهُ، وَهَذَا أَيْضًا مَنْظُورٌ فِيهِ وَقَالَ الْإِمَامُ: هِيَ الصِّفَةُ الَّتِي يَكُونُ الْمَوْصُوفُ بِهَا بِحَيْثُ يَصِحُّ أَنْ يُعْلَمَ وَيُقَدَّرَ وَاخْتَلَفُوا فِي الْمَوْتِ قِيلَ أَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ عَدَمِ هَذِهِ الصِّفَةِ وَقِيلَ صِفَةٌ وُجُودِيَّةٌ مُضَادَّةٌ لِلْحَيَاةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ} [الملك: 2] وَالْعَدَمُ لَا يَكُونُ مَخْلُوقًا هَذَا هُوَ التَّحْقِيقُ إلَى هُنَا كَلَامُ الطِّيبِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَقَالَ الْإِمَامُ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - الْمَوْتُ لَيْسَ بِعَدَمٍ مَحْضٍ وَلَا فِنَاءٍ صِرْفٍ، وَإِنَّمَا هُوَ تَعَلُّقُ الرُّوحِ بِالْبَدَنِ وَمُفَارَقَتُهُ وَحَيْلُولَةٌ بَيْنَهُمَا وَتَبَدُّلُ حَالٍ وَانْتِقَالٌ مِنْ دَارٍ إلَى دَارٍ وَالْحَيَاةُ عَكْسُ ذَلِكَ وَنَقَلَ أَقْوَالًا فِيهِمَا لَا نُطِيلُ بِذِكْرِهَا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَذْهَبَ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ الْمَوْتَ أَمْرٌ وُجُودِيٌّ كَالْحَيَاةِ وَمَذْهَبُ الْمُعْتَزِلَةِ كَمَا فِي الْكَشْفِ أَوْ الْقَدَرِيَّةِ كَمَا فِي الْحَاشِيَةِ أَنَّهُ عَدَمِيٌّ وَعَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا لَا نِزَاعَ فِي أَنَّ الْمَوْتَ يَكُونُ بَعْدَ الْحَيَاةِ إذْ مَا لَمْ يَسْبِقْ لَهُ حَيَاةٌ لَا يُوصَفُ بِالْمَوْتِ حَقِيقَةً فِي اللُّغَةِ وَالْعُرْفِ؛ وَلِهَذَا قَالَ السَّيِّدُ الشَّرِيفُ فِي شَرْحِ الْمَوَاقِفِ بَعْدَ تَفْسِيرِ الْمَوْتِ بِعَدَمِ الْحَيَاةِ عَمَّا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَكُونَ حَيًّا: وَالْأَظْهَرُ أَنْ يُقَالَ عَدَمُ الْحَيَاةِ عَمَّا اُتُّفِقَ لَهَا اهـ. لَكِنْ قَدْ يُقَالُ يُحْتَاجُ حِينَئِذٍ إلَى الْجَوَابِ عَنْ قَوْله تَعَالَى {وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ} [البقرة: 28] وَفِي الْكَشَّافِ، فَإِنْ قُلْت كَيْفَ قِيلَ لَهُمْ أَمْوَاتٌ فِي حَالِ كَوْنِهِمْ جَمَادًا، وَإِنَّمَا يُقَالُ مَيِّتٌ فِيمَا يَصِحُّ فِيهِ الْحَيَاةُ مِنْ الشَّيْءِ قُلْت بَلْ يُقَالُ ذَلِكَ فِي حَالِ كَوْنِهِمْ جَمَادًا لِعَادِمِ الْحَيَاةِ كَقَوْلِهِ {بَلْدَةً مَيْتًا} [الفرقان: 49] {وَآيَةٌ لَهُمُ الأَرْضُ الْمَيْتَةُ} [يس: 33] {أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ} [النحل: 21] وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اسْتِعَارَةً فِي اجْتِمَاعِهِمَا فِي أَنْ لَا رُوحَ وَلَا إحْسَاسَ اهـ. وَقَرَّرَ الْقُطْبُ فِي حَاشِيَتِهِ الِاسْتِعَارَةَ بِأَنْ يُشَبَّهَ الْجَمَادُ بِالْمَيِّتِ فِي عَدَمِ الرُّوحِ ثُمَّ اُسْتُعِيرَ اللَّفْظُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (تَتِمَّةٌ) نَافِجَةُ الْمَسْكِ طَاهِرَةٌ مُطْلَقًا عَلَى الْأَصَحِّ (قَوْلُهُ: وَتُنْزَحُ الْبِئْرُ بِوُقُوعِ نَجِسٍ) لَمَّا ذَكَرَ حُكْمَ الْمَاءِ الْقَلِيلِ بِأَنَّهُ يَتَنَجَّسُ كُلُّهُ عِنْدَ وُقُوعِ النَّجَاسَةِ فِيهِ حَتَّى يُرَاقَ كُلُّهُ وَرَدَ عَلَيْهِ مَاءُ الْبِئْرِ نَقْضًا فِي أَنَّهُ لَا يُنْزَحُ كُلُّهُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ، فَذَكَرَ أَحْكَامَهُ قَالَ الشَّارِحُونَ: وَمِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُسْتَصْفَى أَنَّ الْمُرَادَ بِنَزْحِ الْبِئْرِ نَزْحُ مَائِهَا إطْلَاقًا لِاسْمِ الْمَحَلِّ عَلَى الْحَالِ كَقَوْلِهِمْ جَرَى الْمِيزَابُ وَسَالَ الْوَادِي وَأَكَلَ الْقِدْرَ وَالْمُرَادُ مَا حَلَّ فِيهَا لِلْمُبَالَغَةِ فِي إخْرَاجِ جَمِيعِ الْمَاءِ وَالْمُرَادُ بِالْبِئْرِ هُنَا هِيَ الَّتِي لَمْ تَكُنْ عَشْرًا فِي عَشْرٍ أَمَّا إذَا كَانَتْ عَشْرًا فِي عَشْرٍ لَا تُنَجَّسُ بِوُقُوعِ نَجِسٍ إلَّا بِالتَّغَيُّرِ كَمَا يُفِيدُهُ مَا سَنَذْكُرُهُ وَالْمُرَادُ بِالنَّجِسِ هُنَا هُوَ الَّذِي لَيْسَ حَيَوَانًا كَالدَّمِ وَالْبَوْلِ وَالْخَمْرِ، وَأَمَّا أَحْكَامُ الْحَيَوَانِ الْوَاقِعُ فِيهَا فَسَنَذْكُرُهَا مُفَصَّلَةً وَبِهَذَا يَظْهَرُ ضَعْفُ مَا فِي التَّبْيِينِ مِنْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ أَطْلَقَ وَلَمْ يُقَدِّرْ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْ مَا وَقَعَ فِيهَا مِنْ النَّجَاسَةِ فَأَيُّ نَجِسٍ وَقَعَ فِيهَا يُوجِبُ نَزْحَهَا، وَإِنَّمَا يُنَجَّسُ مَاءُ الْبِئْرِ كُلُّهُ بِقَلِيلِ النَّجَاسَةِ؛ لِأَنَّ الْبِئْرَ عِنْدَنَا بِمَنْزِلَةِ الْحَوْضِ الصَّغِيرِ تَفْسُدُ بِمَا يَفْسُدُ بِهِ الْحَوْضُ الصَّغِيرُ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَشْرًا فِي عَشْرٍ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خان فِي التَّفَارِيقِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ الْبِئْرُ لَا تُنَجَّسُ كَالْمَاءِ الْجَارِي الْبِئْرُ إذَا لَمْ تَكُنْ عَرِيضَةً، وَكَانَ عُمْقُ مَائِهَا عَشْرَةَ أَذْرُعٍ فَصَاعِدًا فَوَقَعَتْ النَّجَاسَةُ فِيهَا لَا يُحْكَمُ بِنَجَاسَتِهَا فِي أَصَحِّ الْأَقَاوِيلِ اهـ. وَعَزَاهُ فِي الْقُنْيَةِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَقَدْ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ) فَاعِلُ قَالَ ضَمِيرٌ يَعُودُ إلَى صَاحِبِ الْكَشَّافِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 إلَى شَرْحِ صَدْرِ الْقُضَاةِ وَذَكَرَ ابْنُ وَهْبَانَ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا أَطْلَقَهُ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ كَذَا فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا التَّصْحِيحَ لَوْ ثَبَتَ لَانْهَدَمَتْ مَسَائِلُ أَصْحَابِنَا الْمَذْكُورَةُ فِي كُتُبِهِمْ وَقَدْ عَلَّلُوا بِأَنَّ الْبِئْرَ لَمَّا وَجَبَ إخْرَاجُ النَّجَاسَةِ مِنْهَا وَلَا يُمْكِنُ إخْرَاجُهَا مِنْهَا إلَّا بِنَزْحِ كُلِّ مَائِهَا وَجَبَ نَزْحُهُ لِتَخْرُجَ النَّجَاسَةُ مَعَهُ حَقِيقِيَّةً لَكِنْ قَالَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ، وَلَوْ وَقَعَتْ فِي الْبِئْرِ خَشَبَةٌ نَجِسَةٌ أَوْ قِطْعَةٌ مِنْ ثَوْبٍ نَجَسٍ وَتَعَذَّرَ إخْرَاجُهَا وَتَغَيَّبَتْ فِيهَا طَهُرَتْ الْخَشَبَةُ وَالْقِطْعَةُ مِنْ الثَّوْبِ تَبَعًا لِطَهَارَةِ الْبِئْرِ وَعَزَاهُ إلَى الْفَتَاوَى وَفِي الْمُجْتَبَى وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَنَزْحُهُ أَنْ يَقِلَّ حَتَّى لَا يَمْتَلِئَ الدَّلْوُ مِنْهُ أَوْ أَكْثَرُهُ اهـ. أَيْ وَنَزْحُ مَاءِ الْبِئْرِ لَكِنَّ هَذَا إنَّمَا يَسْتَقِيمُ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْبِئْرُ مَعِينًا لَا تُنْزَحُ وَأَخْرَجَ مِنْهَا الْمِقْدَارَ الْمَعْرُوفَ أَمَّا إذَا كَانَتْ غَيْرَ مَعِينٍ،، فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إخْرَاجِهَا لِوُجُوبِ نَزْحِ جَمِيعِ الْمَاءِ ثُمَّ الْبِئْرُ مُؤَنَّثَةٌ مَهْمُوزَةٌ وَيَجُوزُ تَخْفِيفُ هَمْزِهَا، وَهِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ بَأَرْت أَيْ حَفَرْت وَجَمْعُهَا فِي الْقِلَّةِ أَبْؤُرٌ وَأَبْآرٌ بِهَمْزَةٍ بَعْدَ الْبَاءِ فِيهِمَا، وَمِنْ الْعَرَبِ مَنْ يَقْلِبُ الْهَمْزَةَ فِي أَبَآَّرً وَيَنْقُلُ فَيَقُولُ آبَارٌ وَجَمْعُهَا فِي الْكَثْرَةِ بِآرٍ بِكَسْرِ الْبَاءِ بَعْدُهَا هَمْزَةٌ كَذَا ذَكَرَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ مِنْ كِتَابِ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ. وَاعْلَمْ أَنَّ مَسَائِلَ الْآبَارِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى اتِّبَاعِ الْآثَارِ دُونَ الْقِيَاسِ فَإِنَّ الْقِيَاسَ فِيهَا إمَّا أَنْ لَا تَطْهُرَ أَصْلًا كَمَا قَالَ بِشْرٌ لِعَدَمِ الْإِمْكَانِ لِاخْتِلَاطِ النَّجَاسَةِ بِالْأَوْحَالِ وَالْجُدْرَانِ وَالْمَاءُ يَنْبُعُ شَيْئًا فَشَيْئًا وَإِمَّا أَنْ لَا تَتَنَجَّسَ إسْقَاطًا الْحُكْمِ لَحْمُ النَّجَاسَةِ حَيْثُ تَعَذَّرَ الِاحْتِرَازُ أَوْ التَّطْهِيرُ كَمَا نُقِلَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ اجْتَمَعَ رَأْيِي وَرَأْيُ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ مَاءَ الْبِئْرِ فِي حُكْمِ الْجَارِي؛ لِأَنَّهُ يَنْبُعُ مِنْ أَسْفَلِهِ وَيُؤْخَذُ مِنْ أَعْلَاهُ فَلَا يَتَنَجَّسُ كَحَوْضِ الْحَمَّامِ قُلْنَا وَمَا عَلَيْنَا أَنْ نَنْزَحَ مِنْهَا دِلَاءً أَخْذًا بِالْآثَارِ وَمِنْ الطَّرِيقِ أَنْ يَكُونَ الْإِنْسَانُ فِي يَدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كَالْأَعْمَى فِي يَدِ الْقَائِدِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَغَيْرِهِ مِنْ الشُّرُوحِ وَفِي الْبَدَائِعِ بَعْدَمَا ذَكَرَ الْقِيَاسَيْنِ قَالَ إلَّا أَنَّا تَرَكْنَا الْقِيَاسَيْنِ الظَّاهِرَيْنِ بِالْخَبَرِ وَالْأَثَرِ وَضَرْبٍ مِنْ الْفِقْهِ الْخَفِيِّ أَمَّا الْخَبَرُ فَمَا رَوَى أَبُو جَعْفَرٍ الأسروشني بِإِسْنَادِهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ «قَالَ فِي الْفَأْرَةِ تَمُوتُ فِي الْبِئْرِ يُنْزَحُ مِنْهَا عِشْرُونَ وَفِي رِوَايَةٍ ثَلَاثُونَ» وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ «قَالَ فِي دَجَاجَةٍ مَاتَتْ فِي الْبِئْرِ يُنْزَحُ مِنْهَا أَرْبَعُونَ دَلْوًا» وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُمَا أَمَرَا بِنَزْحِ جَمِيعِ مَاءِ زَمْزَمَ حِينَ مَاتَ فِيهَا زِنْجِيٌّ، وَكَانَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمَا أَحَدٌ فَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الْفِقْهُ الْخَفِيُّ فَهُوَ أَنَّ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ دَمًا مَسْفُوحًا وَقَدْ تَشَرَّبَ فِي أَجْزَائِهَا عِنْدَ الْمَوْتِ فَنَجَّسَهَا وَقَدْ جَاوَرَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ وَالْمَاءُ يَتَنَجَّسُ أَوْ يَفْسُدُ بِمُجَاوَرَةِ النَّجِسِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ مَا جَاوَرَ النَّجِسَ نَجِسٌ بِالشَّرْعِ «قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْفَأْرَةِ تَمُوتُ فِي السَّمْنِ الْجَامِدِ يُقَوَّرُ مَا حَوْلَهَا وَيُلْقَى وَتُؤْكَلُ الْبَقِيَّةُ» فَقَدْ حَكَمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِنَجَاسَةِ جَارِ النَّجِسِ وَفِي الْفَأْرَةِ وَنَحْوِهَا وَمَا يُجَاوِرُهَا مِنْ الْمَاءِ مِقْدَارُ مَا قَدَّرَهُ أَصْحَابُنَا، وَهُوَ عِشْرُونَ دَلْوًا أَوْ ثَلَاثُونَ لِصِغَرِ جُثَّتِهَا فَحُكِمَ بِنَجَاسَةِ هَذَا الْقَدْرِ مِنْ الْمَاءِ لِأَنَّ مَا وَرَاءَ هَذَا الْقَدْرِ لَمْ يُجَاوِرْ الْفَأْرَةَ بَلْ جَاوَرَهَا مَا جَاوَرَ الْفَأْرَةَ وَالشَّرْعُ وَرَدَ بِتَنْجِيسِ جَارِ الْخَبَثِ لَا بِتَنْجِيسِ جَارِ جَارِ النَّجِسِ أَلَا تَرَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَكَمَ بِطَهَارَةِ جَارِ السَّمْنِ الَّذِي جَاوَرَ الْفَأْرَةَ وَحُكِمَ بِنَجَاسَةِ مَا جَاوَرَ الْفَأْرَةَ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ جَارَ جَارِ النَّجِسِ لَوْ حُكِمَ بِنَجَاسَتِهِ لَحُكِمَ أَيْضًا بِنَجَاسَةِ مَا جَاوَرَ جَارَ النَّجِسِ ثُمَّ هَكَذَا إلَى مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ فَيُؤَدِّي إلَى أَنَّ قَطْرَةً مِنْ بَوْلٍ أَوْ فَأْرَةً لَوْ وَقَعَتْ فِي بَحْرٍ عَظِيمٍ أَنْ يَتَنَجَّسَ جَمِيعُ مَائِهِ لِاتِّصَالٍ بَيْنَ أَجْزَائِهِ وَذَلِكَ فَاسِدٌ وَفِي الدَّجَاجَةِ وَالسِّنَّوْرِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ الْمُجَاوَرَةُ أَكْثَرُ لِزِيَادَةِ ضَخَامَةٍ فِي جُثَّتِهَا فَقُدِّرَ بِنَجَاسَةِ ذَلِكَ الْقَدْرِ وَالْآدَمِيُّ وَمَا كَانَ جُثَّتُهُ مِثْلَ جُثَّتِهِ كَالشَّاةِ وَنَحْوِهَا مُجَاوِرٌ جَمِيعَ الْمَاءِ فِي الْعَادَةِ لِعِظَمِ جُثَّتِهِ فَيُوجِبُ تَنْجِيسَ جَمِيعِ الْمَاءِ وَكَذَا إذَا تَفَسَّخَ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْوَاقِعَاتِ أَوْ انْتَفَخَ؛ لِأَنَّ عِنْدَ ذَلِكَ تُخْرِجُ الْبِلَّةُ مِنْهَا الرَّخَاوَةَ فِيهَا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: لَكِنَّ هَذَا إنَّمَا يَسْتَقِيمُ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْبِئْرُ مَعِينًا) اسْمُ الْإِشَارَةِ يَعُودُ إلَى عَدَمِ إخْرَاجِ مَا وَقَعَ الْمَفْهُومُ مِنْ مَضْمُونِ كَلَامِ السِّرَاجِ وَالْمُجْتَبَى وَأَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَتَعَذَّرُ الْإِخْرَاجُ، وَإِنْ كَانَ الْوَاجِبُ نَزْحَ الْجَمِيعِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ الْإِخْرَاجُ قَبْلَ النَّزْحِ لَا بَعْدَهُ كَمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ فِي الْفُرُوعِ (قَوْلُهُ: أَلَا تَرَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَكَمَ بِطَهَارَةِ جَارِ السَّمْنِ إلَخْ) أَقُولُ: يَرِدُ عَلَيْهِ مَا لَوْ كَانَ السَّمْنُ مَائِعًا فَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «، وَإِنْ كَانَ مَائِعًا فَلَا تَقْرَبُوهُ» وَالْمَاءُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ لَا مِنْ قَبِيلِ الْجَامِدِ تَأَمَّلْ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 فَتَجَاوُرُ جَمِيعِ أَجْزَاءِ الْمَاءِ وَقَبْلَ ذَلِكَ لَا يُجَاوِرُ إلَّا قَدْرَ مَا ذَكَرْنَا لِصَلَابَةٍ فِيهَا وَلِهَذَا قَالَ مُحَمَّدٌ إذَا وَقَعَ فِي الْبِئْرِ ذَنَبُ فَأْرَةٍ يُنْزَحُ جَمِيعُ الْمَاءِ؛ لِأَنَّ مَوْضِعَ الْقَطْعِ لَا يَنْفَكُّ عَنْ بِلَّةٍ فَيُجَاوِرُ أَجْزَاءِ الْمَاءِ فَيُفْسِدُهَا. اهـ. وَهَذَا تَقْرِيرٌ حَسَنٌ لَوْ لَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا لِعَامَّةِ كُتُبِ أَصْحَابِنَا، فَإِنَّهَا مُصَرِّحَةٌ بِأَنَّ مَسَائِلَ الْآبَارِ لَيْسَ لِلرَّأْيِ فِيهَا مَدْخَلٌ وَمَا ذَكَرَهُ خِلَافُهُ كَذَا تَعَقَّبْهُ شَارِحُ الْمُنْيَةِ وَاَلَّذِي ظَهَرَ لِي أَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْبَدَائِعِ لَا يُخَالِفُ مَا صَرَّحُوا بِهِ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ هَذَا مَعْنًى خَفِيٌّ فِقْهِيٌّ لَا قِيَاسٌ جَلِيٌّ وَلَا يَكُونُ مِنْ قَبِيلِ الرَّأْيِ إلَّا الْقِيَاسُ الْجَلِيُّ وَأَمَّا الْقِيَاسُ الْخَفِيُّ فَهُوَ الْمُسَمَّى بِالِاسْتِحْسَانِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ الْقِيَاسُ جَلِيٌّ وَخَفِيٌّ فَالْخَفِيُّ يُسَمَّى بِالِاسْتِحْسَانِ لَكِنَّهُ أَعَمُّ مِنْ الْقِيَاسِ الْخَفِيِّ، فَإِنَّ كُلَّ قِيَاسٍ خَفِيٍّ اسْتِحْسَانٌ وَلَيْسَ كُلُّ اسْتِحْسَانٍ قِيَاسًا خَفِيًّا؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْسَانَ قَدْ يُطْلَقُ عَلَى غَيْرِ الْقِيَاسِ الْخَفِيِّ أَيْضًا لَكِنَّ الْغَالِبَ فِي كُتُبِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ إذَا ذُكِرَ الِاسْتِحْسَانُ أُرِيدَ بِهِ الْقِيَاسُ الْخَفِيُّ، وَهُوَ دَلِيلٌ يُقَابِلُ الْقِيَاسَ الْجَلِيَّ الَّذِي يَسْبِقُ إلَيْهِ الْأَفْهَامُ، وَهُوَ حُجَّةٌ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ ثُبُوتَهُ بِالدَّلَائِلِ الَّتِي هِيَ حُجَّةٌ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ إمَّا بِالْأَثَرِ كَالسَّلَمِ وَالْإِجَارَةِ وَبَقَاءِ الصَّوْمِ فِي النِّسْيَانِ وَإِمَّا بِالْإِجْمَاعِ كَالِاسْتِصْنَاعِ وَإِمَّا بِالضَّرُورَةِ كَطَهَارَةِ الْحِيَاضِ وَالْآبَارِ، وَإِمَّا بِالْقِيَاسِ الْخَفِيِّ إلَى آخِرِ مَا ذُكِرَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ، وَكَذَا فِي كَثِيرٍ مِنْ كُتُبِ الْأُصُولِ فَظَهَرَ بِهَذَا أَنَّ طَهَارَةَ الْآبَارِ بِالنَّزْحِ إنَّمَا ثَبَتَتْ بِالْقِيَاسِ الْخَفِيِّ الَّذِي ثَبَتَ بِالضَّرُورَةِ. (قَوْلُهُ: لَا بِبَعْرَتَيْ إبِلٍ وَغَنَمٍ) أَيْ لَا يُنْزَحُ مَاءُ الْبِئْرِ بِوُقُوعِ بَعْرَتَيْ إبِلٍ وَغَنَمٍ فِيهَا، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَتَنَجَّسَ الْمَاءُ مُطْلَقًا لِوُقُوعِ النَّجَاسَةِ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ كَالْإِنَاءِ وَذُكِرَ لِلِاسْتِحْسَانِ طَرِيقَتَانِ الْأُولَى وَاخْتَارَهَا صَاحِبُ الْهِدَايَةِ مُقْتَصِرًا عَلَيْهَا أَنَّ آبَارَ الْفَلَوَاتِ لَيْسَ لَهَا رُءُوسٌ حَاجِزَةٌ وَالْمَوَاشِي تَبْعَرُ حَوْلَهَا وَيُلْقِيهَا الرِّيحُ فِيهَا فَجُعِلَ الْقَلِيلُ عَفْوًا لِلضَّرُورَةِ وَلَا ضَرُورَةَ فِي الْكَثِيرِ وَلَا فَرْقَ عَلَى هَذَا بَيْنَ الرَّطْبِ وَالْيَابِسِ، وَالصَّحِيحِ وَالْمُنْكَسِرِ، وَالرَّوْثِ وَالْبَعْرِ وَالْخِثَى؛ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ تَشْمَلُ الْكُلَّ وَقَدْ صَرَّحَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِأَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَيُعَارِضُ مَا ذَكَرَهُ السَّرَخْسِيُّ أَوْ الرَّوْثَ وَالْمُفَتَّتُ مِنْ الْبَعْرِ مُفْسِدٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ قَلِيلَهُ عَفْوٌ قَالَ: وَهُوَ الْأَوْجَهُ وَظَاهِرُ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ مُخْتَصٌّ بِآبَارِ الْفَلَوَاتِ، وَأَمَّا الْآبَارُ الَّتِي فِي الْمِصْرِ فَتُنَجَّسُ بِالْقَلِيلِ مِنْهُ؛ لِأَنَّ لَهَا رُءُوسًا حَاجِزَةً فَيَقَعُ الْأَمْنُ عَنْ الْوُقُوعِ فِيهَا، وَقَدْ صُرِّحَ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ تُكِنّ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ ذَكَرَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ فَقَالَ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي الْبِئْرِ إذَا كَانَتْ فِي الْمِصْرِ وَالصَّحِيحُ عَدَمُ الْفَرْقِ لِشُمُولِ الضَّرُورَةِ فِي الْجُمْلَةِ اهـ. فَاعْتَبَرَ الضَّرُورَةَ فِي الْجُمْلَةِ وَكَذَا فِي التَّبْيِينِ وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ أَنَّ لِلْيَابِسِ صَلَابَةً فَلَا يَخْتَلِطُ شَيْءٌ مِنْ أَجْزَائِهِ بِأَجْزَاءِ الْمَاءِ فَهَذِهِ تَقْتَضِي أَنَّ الرَّطْبَ وَالْمُنْكَسِرَ وَالرَّوْثَ وَالْخِثَى يُنَجِّسُ الْمَاءَ وَظَاهِرُهَا عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ آبَارِ الْفَلَوَاتِ وَالْأَمْصَارِ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْبَدَائِعِ، وَكَذَا ظَاهِرُهَا أَنَّ الْكَثِيرَ مِنْ الْيَابِسِ الصَّحِيحِ لَا يُنَجَّسُ كَالْقَلِيلِ وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ لَكِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ الْكَثِيرَ يُنَجِّسُ الْإِنَاءَ وَمَاءَ الْبِئْرِ عَلَى الطَّرِيقَتَيْنِ أَمَّا عَلَى الْأُولَى فَلِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ فِي الْكَثِيرِ وَأَمَّا عَلَى الثَّانِيَةِ؛ فَلِأَنَّهَا إذَا كَثُرَتْ تَقَعُ الْمُمَاسَّةُ بَيْنَهَا فَيَصْطَكُّ الْبَعْضُ بِالْبَعْضِ فَتَتَفَتَّتُ أَجْزَاؤُهَا فَتَتَنَجَّسُ إلَيْهِ أَشَارَ فِي الْبَدَائِعِ وَظَاهِرُهَا أَيْضًا أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْبِئْرِ وَالْإِنَاءِ فِي عَدَمِ التَّنَجُّسِ بِالْقَلِيلِ وَعَلَى الطَّرِيقَةِ الْأُولَى بَيْنَهُمَا فَرْقٌ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ فِي الْبِئْرِ لَا فِي الْإِنَاءِ كَذَا فِي الْكَافِي بِخِلَافِ بَعْرِ الشَّاةِ إذَا وَقَعَ مِنْهَا فِي الْحَلْبِ وَقْتَ الْحَلْبِ، فَإِنَّهُ تُرْمَى الْبَعْرَةَ وَيُشْرَبُ اللَّبَنُ عَلَى الطَّرِيقَتَيْنِ أَمَّا عَلَى الثَّانِيَةِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا عَلَى الْأُولَى فَلِمَكَانِ الضَّرُورَةِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَقَيَّدَهُ فِي النِّهَايَةِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ وَالْمِعْرَاجِ بِكَوْنِهَا رُمِيَتْ عَلَى الْفَوْرِ وَلَمْ يَبْقَ لَوْنُهَا عَلَى اللَّبَنِ وَكَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مُعَلَّلًا لَهُ بِأَنَّ الضَّرُورَةَ تَتَحَقَّقُ فِي نَفْسِ الْوُقُوعِ؛ لِأَنَّهَا تَبْعَرُ عِنْدَ الْحَلْبِ عَادَةً لَا فِيمَا وَرَاءَهُ وَذَلِكَ بِمَرْأَى   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَهُوَ حُجَّةٌ عِنْدَنَا) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: ضَمِيرُ وَهُوَ رَاجِعٌ إلَى الِاسْتِحْسَانِ انْتَهَى وَعَلَى هَذَا فَالثَّابِتُ بِالضَّرُورَةِ هُوَ الِاسْتِحْسَانُ لَا الْقِيَاسُ الْخَفِيُّ كَمَا حَمَلَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي آخِرِ عِبَارَتِهِ إذْ الْقِيَاسُ الْخَفِيُّ هُوَ مِمَّا ثَبَتَ بِهِ الِاسْتِحْسَانُ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّهُ لَيْسَ فِيمَا نَقَلَهُ مِنْ كَلَامِ التَّوْضِيحِ مَا يَدُلُّ عَلَى مَا ادَّعَاهُ مِنْ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مِنْ قَبِيلِ الرَّأْيِ إلَّا الْقِيَاسَ الْجَلِيَّ إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ الْخَفِيَّ مِثْلُهُ؛ لِأَنَّهُمْ قَسَّمُوا الْقِيَاسَ الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ الرَّابِعُ الْمُقَابِلُ لِلْأُصُولِ الثَّلَاثَةِ إلَى جَلِيٍّ وَخَفِيٍّ تَأَمَّلْ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 مِنْهُ وَاخْتَلَفُوا فِي حَدِّ الْكَثِيرِ عَلَى أَقْوَالٍ صُحِّحَ مِنْهَا قَوْلَانِ فِي النِّهَايَةِ أَنَّهُ مَا لَا يَخْلُو دَلْوٌ عَنْ بَعْرَةٍ وَعَزَاهُ إلَى الْمَبْسُوطِ وَصَحَّحَ فِي الْبَدَائِعِ وَالْكَافِي لِلْمُصَنَّفِ وَكَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ أَنَّ الْكَثِيرَ مَا يَسْتَكْثِرُهُ النَّاظِرُ وَالْقَلِيلُ مَا يَسْتَقِلُّهُ وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ هُوَ الْمُخْتَارُ وَفِي الْهِدَايَةِ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ، وَإِنَّمَا قَالَ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ؛ لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ لَا يُقَدِّرُ شَيْئًا بِالرَّأْيِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ الَّتِي تَحْتَاجُ إلَى التَّقْدِيرِ فَكَانَ هَذَا مُوَافِقًا لِمَذْهَبِهِ اهـ. فَظَهَرَ بِهَذَا أَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْمَتْنِ مِنْ أَنَّ الْبَعْرَتَيْنِ لَا يُنَجِّسَانِ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّ الثَّلَاثَ تُنَجِّسُ إنَّمَا هُوَ عَلَى قَوْلٍ ضَعِيفٍ مَبْنِيٍّ عَلَى مَا وَقَعَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مِنْ قَوْلِهِ، فَإِنْ وَقَعَتْ فِيهَا بَعْرَةٌ أَوْ بَعْرَتَانِ لَمْ يَفْسُدْ الْمَاءُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الثَّلَاثَ تُفْسِدُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَفْهُومَ الْعَدَدِ فِي الرِّوَايَةِ مُعْتَبَرٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعْتَبَرًا فِي الدَّلَائِلِ عِنْدَنَا عَلَى الصَّحِيحِ وَهَذَا الْفَهْمُ إنَّمَا يَتِمُّ لَوْ اقْتَصَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَلَى هَذِهِ الْعِبَارَةِ وَلَكِنَّهُ لَمْ يَقْتَصِرْ عَلَيْهَا، فَإِنَّهُ قَالَ إذَا وَقَعَتْ بَعْرَةٌ أَوْ بَعْرَتَانِ فِي الْبِئْرِ لَا يَفْسُدُ مَا لَمْ يَكُنْ كَثِيرًا فَاحِشًا وَالثَّلَاثُ لَيْسَ بِكَثِيرٍ فَاحِشٍ كَذَا نَقَلَ عِبَارَةَ الْجَامِعِ فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ، وَلَوْ جُعِلَ قَائِلُ الْحَدِّ الْفَاصِلِ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ أَنَّ مَا غَيَّرَ أَحَدَ أَوْصَافِ الْمَاءِ كَانَ كَثِيرًا وَمَا لَمْ يُغَيِّرْهُ يَكُونُ قَلِيلًا لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ كَذَا فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَبَعَدَ يُبْعَرُ مِنْ حَدِّ مَنَعَ وَالرَّوْثُ لِلْفَرَسِ وَالْحِمَارُ مِنْ رَاثَ يُقَالُ مِنْ حَدِّ نَصْرٍ وَالْخِثَى بِكَسْرِ الْخَاءِ وَاحِدٌ الْأَخْثَاءِ لِلْبَقَرِ يُقَالُ مِنْ بَابِ ضَرَبَ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَغَيْرِهِ. (قَوْلُهُ: وَخَرْءُ حَمَامٍ وَعُصْفُورٍ) أَيْ لَا يُنْزَحُ مَاءُ الْبِئْرِ بِوُقُوعِ خَرْءِ حَمَامٍ وَعُصْفُورٍ فِيهَا وَالْخَرْءُ بِالْفَتْحِ وَاحِدُ الْخُرُوءِ بِالضَّمِّ مِثْلُ قُرْءٍ وَقُرُوءٍ وَعَنْ الْجَوْهَرِيِّ أَنَّهُ بِالضَّمِّ كَجُنْدٍ وَجُنُودٍ وَالْوَاوُ بَعْدَ الرَّاءِ غَلَطٌ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ، وَإِنَّمَا لَا يُنْزَحُ مَاؤُهَا مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنَجِسٍ عِنْدَنَا عَلَى مَا اخْتَارَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَكَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ اخْتِلَافَ الْمَشَايِخِ فِي نَجَاسَتِهِ وَطَهَارَتِهِ مَعَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى سُقُوطِ النَّجَاسَةِ لَكِنْ عِنْدَ الْبَعْضِ السُّقُوطُ مِنْ الْأَصْلِ لِلطَّهَارَةِ وَعِنْدَ آخَرِينَ لِلضَّرُورَةِ اهـ. وَلَمْ يَذْكُرَا فَائِدَةَ هَذَا الِاخْتِلَافِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ نَجِسٌ، وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَالَ إلَى نَتَنٍ وَفَسَادٍ فَأَشْبَهَ خَرْءَ الدَّجَاجِ وَلَنَا الْإِجْمَاعُ الْعَمَلِيُّ، فَإِنَّهَا فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ مُقِيمَةٌ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ مِنْ أَحَدٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ مَعَ الْعِلْمِ بِمَا يَكُونُ مِنْهَا مَعَ وُرُودِ الْأَمْرِ بِتَطْهِيرِ الْمَسَاجِدِ فِيمَا رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ فِي الدُّورِ وَأَنْ تُنَظَّفَ وَتُطَيَّبَ» «وَعَنْ سَمُرَة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَتَبَ إلَى بَنِيهِ أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَأْمُرُنَا أَنْ نَضَعَ الْمَسَاجِدَ فِي دُورِنَا وَنُصْلِحَ صَنْعَتَهَا وَنُطَهِّرَهَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَسَكَتَ عَلَيْهِ ثُمَّ الْمُنْذِرِيُّ بَعْدَهُ كَذَا ذَكَرَهُ الْحَافِظُ الزَّيْلَعِيُّ. وَرَوَى أَبُو أُمَامَةَ الْبَاهِلِيُّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَكَرَ الْحَمَامَةَ فَقَالَ أَنَّهَا أَوْكَرَتْ عَلَى بَابِ الْغَارِ فَجَزَاهَا اللَّهُ تَعَالَى بِأَنْ جَعَلَ الْمَسَاجِدَ مَأْوَاهَا» فَهَذَا دَلِيلُ طَهَارَةِ خَرْئِهَا وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ خَرَأَتْ عَلَيْهِ حَمَامَةٌ فَمَسَحَهَا بِإِصْبَعِهِ وَكَذَلِكَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - زَرَقَ عَلَيْهِ طَيْرٌ فَمَسَحَهُ بِحَصَاةٍ ثُمَّ صَلَّى كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَالنِّهَايَةِ وَأَمَّا ذِكْرُهُ مِنْ الِاسْتِحَالَةِ فَهِيَ لَا إلَى نَتْنِ رَائِحَةٍ فَأَشْبَهَ الطِّينَ الَّذِي فِي قَعْرِ الْبِئْرِ، فَإِنَّ فِيهِ الْفَسَادَ أَيْضًا وَلَيْسَ بِنَجِسٍ؛ لِأَنَّهُ لَا إلَى نَتَنِ رَائِحَةٍ وَيُشْكَلُ هَذَا بِالْمَنِيِّ عَلَى قَوْلِهِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ ثُمَّ الِاسْتِحَالَةُ إلَى فَسَادٍ لَا تُوجِبُ النَّجَاسَةَ لَا مَحَالَةَ، فَإِنَّ سَائِرَ الْأَطْعِمَةِ إذَا فَسَدَتْ لَا تُنَجَّسُ بِهِ؛ لِأَنَّ التَّغَيُّرَ إلَى الْفَسَادِ لَا يُوجِبُ النَّجَاسَةَ اهـ. وَبِهَذَا يُعْلَمُ ضَعْفُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْخِزَانَةِ مِنْ أَنَّ الطَّعَامَ إذَا تَغَيَّرَ وَاشْتَدَّ تَغَيُّرُهُ تَنَجَّسَ، وَإِنْ حَمَلَ مَا فِي النِّهَايَةِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَشْتَدَّ تُغَيِّرْهُ لِيَجْمَعَ بَيْنَهُمَا فَهُوَ بَعِيدٌ وَالظَّاهِرُ مَا فِي النِّهَايَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا مُوجِبَ لِتَنْجِيسِهِ، وَإِنَّمَا حَرُمَ أَكْلُهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لِلْإِيذَاءِ كَاللَّحْمِ إذَا أَنْتَنَ قَالُوا يَحْرُمُ أَكْلُهُ وَلَمْ يَقُولُوا تُنَجِّسَ بِخِلَافِ السَّمْنِ وَاللَّبَنِ وَالدُّهْنِ وَالزَّيْتِ إذَا أَنْتَنَ لَا يَحْرُمُ وَالْأَشْرِبَةُ لَا تَحْرُمُ بِالتَّغَيُّرِ كَذَا فِي الْخِزَانَةِ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِقَوْلِهِ خَرْءُ حَمَامٍ وَعُصْفُورٍ إلَى خَرْءِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِنْ الطُّيُورِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَلَوْ جَعَلَ قَائِلَ الْحَدِّ الْفَاصِلِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَكِنَّهُ بَعِيدٌ إذْ هُوَ شَأْنُ الْجَارِي وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ مَاءَ الْبِئْرِ، وَإِنْ كَثُرَ فِي حُكْمِ الْقَلِيلِ اهـ أَيْ مَا لَمْ يَبْلُغْ عَشْرًا فِي عَشْرٍ. (قَوْلُهُ: وَالْوَاوُ بَعْدَ الرَّاءِ غَلَطٌ) أَيْ فِي الْمُفْرَدِ لَا فِي الْجَمْعِ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَذْكُرُوا فَائِدَةَ هَذَا الِاخْتِلَافِ) قَالَ فِي النَّهْرِ: يُمْكِنُ أَنْ يَظْهَرَ فِيمَا لَوْ وُجِدَ فِي ثَوْبٍ أَوْ مَكَان وَثَمَّةَ مَا هُوَ خَالٍ عَنْهُ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ فِيهِ عَلَى الثَّانِي لِانْتِفَاءِ الضَّرُورَةِ وَتَجُوزُ عَلَى الْأَوَّلِ. اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ تَعْلِيلَهُمْ بِالضَّرُورَةِ لَيْسَ فِي خُصُوصِ الْمَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهَا مُطْلَقًا، وَإِذَا سَقَطَ حُكْمُ النَّجَاسَةِ لِلضَّرُورَةِ مُطْلَقًا تَجُوزُ الصَّلَاةُ بِمَا أَصَابَهُ مِنْهَا شَيْءٌ، وَإِنْ وَجَدَ غَيْرَهُ كَمَا لَوْ أَصَابَ الْمَاءَ وَوَجَدَ غَيْرَهُ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ تَأَمَّلْ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 احْتِرَازًا عَمَّا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِنْهَا، فَإِنَّ خَرْأَهُ نَجِسٌ وَسَنَذْكُرُهُ صَرِيحًا فِي بَابِ الْأَنْجَاسِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ طَاهِرٌ كَخَرْءِ مَأْكُولِ اللَّحْمِ مِنْهَا ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَصَحَّحَ قَاضِي خان فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ نَجَاسَتَهُ وَسَنَتَكَلَّمُ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِ الْأَنْجَاسِ. (قَوْلُهُ: وَبَوْلُ مَا يُؤْكَلُ نَجِسٌ) إنَّمَا ذَكَرَهَا هُنَا، وَإِنْ كَانَ مَحَلُّهَا بَابَ الْأَنْجَاسِ لِبَيَانِ أَنَّهُ إذَا وَقَعَ فِي الْبِئْرِ نَجَّسَ مَاءَهَا، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - طَاهِرٌ فَلَا يُنْزَحُ الْمَاءُ مِنْ وُقُوعِهِ إلَّا إذَا غَلَبَ عَلَى الْمَاءِ فَيَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ طَهُورًا لِمَا رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ «أَنَّ نَاسًا مِنْ عُرَيْنَةَ اجْتَوَوْا الْمَدِينَةَ فَرَخَّصَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَأْتُوا إبِلَ الصَّدَقَةِ وَيَشْرَبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا فَقَتَلُوا الرَّاعِيَ وَاسْتَاقُوا الذَّوْدَ فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأُتِيَ بِهِمْ فَقَطَّعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ وَسَمَلَ أَعْيُنَهُمْ وَتَرَكَهُمْ بِالْحَرَّةِ يَعَضُّونَ الْحِجَارَةَ» وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ «وَتَرَكَهُمْ فِي الْحَرَّةِ يَسْتَسْقُونَ فَلَا يُسْقَوْنَ حَتَّى مَاتُوا» وَفِي رِوَايَةٍ مُتَّفَقٍ عَلَيْهَا أَنَّهُمْ ثَمَانِيَةٌ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَعُرَنَةُ وَادٍ بِحِذَاءِ عَرَفَاتٍ وَبِتَصْغِيرِهَا سُمِّيَتْ عُرَيْنَةَ، وَهِيَ قَبِيلَةٌ يُنْسَبُ إلَيْهَا الْعُرَنِيُّونَ، وَإِنَّمَا سَقَطَتْ يَاءُ التَّصْغِيرِ عِنْدَ النِّسْبَةِ لِمَا أَنَّ يَاءَ فَعِيلَةٍ وَفُعَيْلَةٍ يَسْقُطَانِ عِنْدَ النِّسْبَةِ قِيَاسًا مُطَّرَدًا فَيُقَالُ حَنَفِيٌّ وَمَدَنِيٌّ وَجُهَنِيٌّ وَعَقْلِيٌّ فِي حَنِيفَةَ وَمَدِينَةً وَجُهَيْنَةَ وَعَقِيلَةَ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَغَيْرِهِ وَقَوْلُهُ اجْتَوَوْهَا هُوَ بِالْجِيمِ وَالْمُثَنَّاةِ فَوْقُ وَمَعْنَاهُ اسْتَوْخَمُوهَا كَمَا فَسَّرَهَا فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَيْ لَمْ تُوَافِقْهُمْ وَكَرِهُوهَا لِسَقَمٍ أَصَابَهُمْ قَالُوا، وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْجَوَى، وَهُوَ دَاءٌ فِي الْجَوْفِ وَمَعْنَى سَمَّرَ أَعْيُنَهُمْ بِالرَّاءِ كَحَّلَهَا بِمَسَامِيرَ وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ سَمَّلَ بِاللَّامِ بِمَعْنَى فَقَأَهَا وَأَذْهَبَ مَا فِيهَا كَذَا ذَكَرَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ مِنْ الْقِصَاصِ وَلَهُمَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اسْتَنْزِهُوا مِنْ الْبَوْلِ فَإِنَّ عَامَّةَ عَذَابِ الْقَبْرِ مِنْهُ» أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَا أَعْرِفُ لَهُ عِلَّةً كَذَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ الْمَخْرَجُ وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْأَحَادِيثِ عَنْ مَكَانَ مِنْ وَفِي الْمُغْرِبِ، وَأَمَّا قَوْلُهُمْ اسْتَنْزِهُوا الْبَوْلَ لَحْنٌ وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَجْهُ مُنَاسَبَةِ عَذَابِ الْقَبْرِ مَعَ تَرْكِ اسْتِنْزَاهِ الْبَوْلِ هُوَ أَنَّ الْقَبْرَ أَوَّلُ مَنْزِلَةٍ مِنْ مَنَازِلِ الْآخِرَةِ وَالِاسْتِنْزَاهُ أَوَّلُ مَنْزِلٍ مِنْ مَنَازِلِ الطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةُ أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْمَرْءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَكَانَتْ الطَّهَارَةُ أَوَّلَ مَا يُعَذَّبُ بِتَرْكِهَا فِي أَوَّلِ مَنْزِلٍ مِنْ مَنَازِلِ الْآخِرَةِ وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَجْهُ التَّمَسُّكِ بِهِ أَنَّ الْبَوْلَ يَشْمَلُ كُلَّ بَوْلٍ بِعُمُومِهِ وَقَدْ أَلْحَقَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعِيدَ عَذَابِ الْقَبْرِ بِتَرْكِ اسْتِنْزَاهِ الْبَوْلِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ بَوْلَ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ نَجِسٌ؛ لِأَنَّ الْحَلَالَ لَا يَتَحَقَّقُ بِمُبَاشَرَتِهِ وَعِيدٌ اهـ. وَأَجَابَ فِي الْهِدَايَةِ عَنْ حَدِيثِ الْعُرَنِيِّينَ بِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَرَّفَ شِفَاءَهُمْ فِيهِ وَحْيًا وَزَادَ شَارِحُوهَا كَالْأَتْقَانِيِّ وَالْكَاكِيِّ جَوَابًا آخَرَ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ نُسِخَ بَعْدَ أَنْ نَزَلَتْ الْحُدُودُ أَلَا تَرَى «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ وَسَمَّلَ أَعْيُنَهُمْ حِينَ ارْتَدُّوا وَاسْتَاقُوا الْإِبِلَ» وَلَيْسَ جَزَاءُ الْمُرْتَدِّ إلَّا الْقَتْلَ فَعُلِمَ أَنَّ إبَاحَةَ الْبَوْلِ انْتَسَخَتْ كَالْمُثْلَةِ اهـ. وَذَكَرَ الْأُصُولِيُّونَ مِنَّا أَنَّ الْعَامَّ قَبْلَ الْخُصُوصِ يُوجِبُ الْحُكْمَ فِيمَا تَنَاوَلَهُ قَطْعًا كَالْخَاصِّ حَتَّى يَجُوزَ نَسْخُ الْخَاصِّ بِالْعَامِّ عِنْدَنَا كَحَدِيثِ الْعُرَنِيِّينَ وَرَدَ فِي أَبْوَالِ الْإِبِلِ، وَهُوَ خَاصٌّ نُسِخَ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اسْتَنْزِهُوا مِنْ الْبَوْلِ» ؛ لِأَنَّ الْبَوْلَ عَامٌّ؛ لِأَنَّ اللَّامَ فِيهِ لِلْجِنْسِ فِي ضِمْنِ الْمُشَخِّصَاتِ فَيُحْمَلُ عَلَى جَمِيعِهَا إذْ لَا عَهْدَ وَحَدِيثُ الْعُرَنِيِّينَ مُتَقَدِّمٌ؛ لِأَنَّ الْمُثْلَةَ الَّتِي تَضَمَّنَتْهَا مَنْسُوخَةٌ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ. اهـ. وَهَذَا كُلُّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ قِصَّةَ الْعُرَنِيِّينَ تَضَمَّنَتْ مُثْلَةً وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ مِنْ كِتَابِ الْجِهَادِ فَقَالَ وَالْمُثْلَةُ الْمَرْوِيَّةُ فِي قِصَّةِ الْعُرَنِيِّينَ مَنْسُوخَةٌ بِالنَّهْيِ الْمُتَأَخِّرِ وَأَرَادَ بِالنَّهْيِ الْمُتَأَخِّرِ مَا ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ «مَا خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ ذَلِكَ خُطْبَةً إلَّا نَهَى فِيهَا عَنْ الْمُثْلَةِ» وَقَدْ أَنْكَرَ بَعْضُهُمْ كَوْنَ الْوَاقِعِ فِي قِصَّتِهِمْ كَمَا رَوَى ابْنُ سَعْدٍ فِي   [منحة الخالق] (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَبَوْلُ مَا يُؤْكَلُ نَجِسٌ) أَيْ نَجَاسَةً خَفِيفَةً عِنْدَهُمَا كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَالْمِفْتَاحِ وَالْيَنَابِيعِ وَالْهِدَايَةِ وَالنُّتَفِ وَالْوُقَايَةِ وَالنُّقَايَةِ وَعُيُونِ الْكَافِي وَغَيْرِهَا وَفِي الْمُضْمَرَاتِ أَنَّ نَجَاسَتَهُ غَلِيظَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَخَفِيفَةٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْبَدَنِ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِي الثَّوْبِ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي الْحِنْطَةِ كَمَا فِي الْبُرْجَنْدِيِّ اهـ مِنْ شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ النَّابُلُسِيِّ عَلَى الدُّرَرِ وَالْغُرَرِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 خَبَرِهِمْ أَنَّهُمْ قَطَعُوا يَدَ الرَّاعِي وَرِجْلَهُ وَغَرَزُوا الشَّوْكَ فِي لِسَانِهِ وَعَيْنِهِ حَتَّى مَاتَ فَلَيْسَ هَذَا بِمُثْلَةٍ وَالْمُثْلَةُ مَا كَانَ ابْتِدَاءً عَلَى غَيْرِ جَزَاءٍ وَقَدْ جَاءَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ إنَّمَا سَمَّلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْيُنَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ سَمَلُوا أَعْيُنَ الرِّعَاءِ وَسَيَأْتِي بَقِيَّتُهُ فِي كِتَابِ الْجِهَادِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَمَّا مَا أَجَابَ بِهِ قَاضِي خان فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَتَبِعَهُ عَلَيْهِ صَاحِبُ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ مِنْ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ أَمَرَهُمْ بِشُرْبِ الْأَلْبَانِ يَعْنِي دُونَ الْأَبْوَالِ فَلَا يَخْفَى ضَعْفُهُ لِمَا عَلِمْت أَنَّ رِوَايَةَ شَرِبَ الْأَبْوَالَ ثَابِتَةً فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ. (قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَكُنْ حَدَثًا) عُطِفَ عَلَى بَوْلٍ أَيْ مَا لَا يَكُونُ حَدَثًا لَا يَكُونُ نَجِسًا، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَالدَّمُ الَّذِي لَمْ يَسِلْ كَمَا إذَا أَخَذَ بِقُطْنَةٍ، وَلَوْ كَانَ كَثِيرًا فِي نَفْسِهِ وَالْقَيْءُ الْقَلِيلُ إذَا وَقَعَ فِي الْمَاءِ لَا يُنَجِّسُهُ وَكَذَا إذَا أَصَابَ شَيْئًا وَقَالَ مُحَمَّدٌ أَنَّهُ نَجِسٌ كَذَا فِي كُثَيِّرٌ مِنْ الْكُتُبِ وَظَاهِرُ مَا فِي شَرْحِ الْوُقَايَةِ أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ عَنْ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ أَنَّهُ لَيْسَ بِنَجِسٍ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ أَنَّهُ نَجِسٌ؛ لِأَنَّهُ لَا أَثَرَ لِلسَّيَلَانِ فِي النَّجَاسَةِ فَإِذَا كَانَ السَّائِلُ نَجِسًا فَغَيْرُ السَّائِلِ يَكُونُ كَذَلِكَ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ} [الأنعام: 145] إلَى قَوْلِهِ {أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا} [الأنعام: 145] فَغَيْرُ الْمَسْفُوحِ لَا يَكُونُ مُحَرَّمًا فَلَا يَكُونُ نَجِسًا وَالدَّمُ الَّذِي لَمْ يَسِلْ عَنْ رَأْسِ الْجُرْحِ دَمٌ غَيْرُ مَسْفُوحٍ فَلَا يَكُونُ نَجِسًا فَإِنْ قِيلَ هَذَا فِيمَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ أَمَّا فِيمَا لَا يُؤْكَلُ كَالْآدَمِيِّ فَغَيْرُ الْمَسْفُوحِ حَرَامٌ أَيْضًا فَلَا يُمْكِنُ الِاسْتِدْلَال بِحِلِّهِ عَلَى طَهَارَتِهِ قُلْت لَمَّا حَكَمَ بِحُرْمَةِ الْمَسْفُوحِ بَقِيَ غَيْرُ الْمَسْفُوحِ عَلَى أَصْلِهِ، وَهُوَ الْحِلُّ وَيَلْزَمُ مِنْهُ الطَّهَارَةُ سَوَاءٌ كَانَ فِيمَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ أَوْ لِإِطْلَاقِ النَّصِّ ثُمَّ حُرْمَةُ غَيْرِ الْمَسْفُوحِ فِي الْآدَمِيِّ بِنَاءٌ عَلَى حُرْمَةِ لَحْمِهِ وَحُرْمَةُ لَحْمِهِ لَا تُوجِبُ نَجَاسَتَهُ إذْ هَذِهِ الْحُرْمَةُ لِلْكَرَامَةِ لَا لِلنَّجَاسَةِ فَغَيْرُ الْمَسْفُوحِ فِي الْآدَمِيِّ يَكُونُ عَلَى طَهَارَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ مَعَ كَوْنِهِ مُحَرَّمًا وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَسْفُوحِ وَغَيْرِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى حِكْمَةٍ غَامِضَةٍ، وَهِيَ أَنَّ غَيْرَ الْمَسْفُوحِ دَمٌ انْتَقَلَ عَنْ الْعُرُوقِ وَانْفَصَلَ عَنْ النَّجَاسَاتِ وَحَصَلَ لَهُ هَضْمٌ آخَرُ فِي الْأَعْضَاءِ وَصَارَ مُسْتَعِدًّا لَأَنْ يَصِيرَ عُضْوًا فَأَخَذَ طَبِيعَةَ الْعُضْوِ فَأَعْطَاهُ الشَّرْعُ حُكْمَهُ بِخِلَافِ دَمِ الْعُرُوقِ فَإِذَا سَأَلَ عَنْ رَأْسِ الْجُرْحِ عُلِمَ أَنَّهُ دَمٌ انْتَقَلَ مِنْ الْعُرُوقِ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ، وَهُوَ الدَّمُ النَّجِسُ أَمَّا إذَا لَمْ يَسِلْ عُلِمَ أَنَّهُ دَمُ الْعُضْوِ هَذَا فِي الدَّمِ أَمَّا فِي الْقَيْءِ فَالْقَلِيلُ هُوَ الْمَاءُ الَّذِي كَانَ فِي أَعَالِي الْمَعِدَةِ، وَهِيَ لَيْسَتْ مَحَلَّ النَّجَاسَةِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الرِّيقِ كَذَا فِي شَرْحِ الْوُقَايَةِ، وَكَانَ الْإِسْكَافُ وَالْهِنْدُوَانِي يُفْتِيَانِ بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ وَصَحَّحَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَغَيْرُهُ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَرْفَقُ خُصُوصًا فِي حَقِّ أَصْحَابِ الْقُرُوحِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ الْوَجْهَ يُسَاعِدُهُ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ أَنَّ الْخَارِجَ بِوَصْفِ النَّجَاسَةِ حَدَثٌ وَأَنَّ هَذَا الْوَصْفَ قَبْلَ الْخُرُوجِ لَا يَثْبُتُ شَرْعًا وَإِلَّا لَمْ يَحْصُلْ لِلْإِنْسَانِ طَهَارَةٌ فَلَزِمَ أَنَّ مَا لَيْسَ حَدَثًا لَمْ يُعْتَبَرْ خَارِجًا شَرْعًا وَمَا لَمْ يُعْتَبَرْ خَارِجًا شَرْعًا لَمْ يُعْتَبَرْ نَجِسًا اهـ. وَذَكَرَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِيمَا إذَا أَصَابَ الْجَامِدَاتِ كَالثِّيَابِ وَالْأَبْدَانِ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فِيمَا إذَا أَصَابَ الْمَائِعَاتِ كَالْمَاءِ وَغَيْرِهِ اهـ. وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ ثُمَّ قَوْلُهُ مَا لَا يَكُونُ حَدَثًا إلَى آخِرِهِ لَا يَنْعَكِسُ فَلَا يُقَالُ مَا لَا يَكُونُ نَجِسًا لَا يَكُونُ حَدَثًا، فَإِنَّ النَّوْمَ وَالْجُنُونَ وَالْإِغْمَاءَ وَغَيْرَهَا حَدَثٌ وَلَيْسَتْ بِنَجِسَةٍ اهـ. لَكِنْ قَدْ يُقَالُ إنَّهُ مُطَّرِدٌ مُنْعَكِسٌ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مَا يَخْرُجُ مِنْ بَدَنِ الْإِنْسَانِ وَلَيْسَ بِحَدَثٍ لَا يَكُونُ نَجَسًا وَكَذَا مَا يَخْرُجُ مِنْ الْبَدَنِ وَلَيْسَ بِنَجَسٍ لَا يَكُونُ حَدَثًا، وَأَمَّا النَّوْمُ وَنَحْوُهُ فَلَمْ يَدْخُلْ فِي الْعَكْسِ فِي قَوْلِنَا مَا لَا يَكُونُ نَجَسًا لَا يَكُونُ حَدَثًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْ بَدَنِ الْإِنْسَانِ. (قَوْلُهُ: وَلَا يُشْرَبُ أَصْلًا) أَيْ بَوْلُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ لَا يُشْرَبُ أَصْلًا لَا لِلتَّدَاوِي وَلَا لِغَيْرِهِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَجُوزُ لِلتَّدَاوِي؛ لِأَنَّهُ لَمَّا وَرَدَ الْحَدِيثُ بِهِ فِي قِصَّةِ الْعُرَنِيِّينَ جَازَ التَّدَاوِي بِهِ، وَإِنْ كَانَ نَجِسًا وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَجُوزُ شُرْبُهُ مُطْلَقًا لِلتَّدَاوِي وَغَيْرِهِ لِطَهَارَتِهِ عِنْدَهُ وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: لَا يَنْعَكِسُ إلَخْ) أَيْ لَا يَنْعَكِسُ عَكْسًا لُغَوِيًّا وَإِلَّا فَالْعَكْسُ الْمَنْطِقِيُّ صَحِيحٌ إذْ الْمُوجَبَةُ الْكُلِّيَّةُ تَنْعَكِسُ مُوجِبَةً جُزْئِيَّةً كَأَنْ يُقَالَ بَعْضُ مَا لَا يَكُونُ نَجَسًا لَا يَكُونُ حَدَثًا كَالْقَيْءِ الْقَلِيلِ وَالدَّمِ الْبَادِي الْغَيْرِ الْمُتَجَاوِرِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 نَجَسٌ وَالتَّدَاوِي بِالطَّاهِرِ الْمُحَرَّمِ كَلَبَنِ الْأَتَانِ فَلَا يَجُوزُ فَمَا ظَنُّك بِالنَّجَسِ؛ وَلِأَنَّ الْحُرْمَةَ ثَابِتَةٌ فَلَا يُعْرَضُ عَنْهَا إلَّا بِتَيَقُّنِ الشِّفَاءِ وَتَأْوِيلُ مَا رُوِيَ فِي قِصَّةِ الْعُرَنِيِّينَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَرَفَ شِفَاءَهُمْ فِيهِ وَحْيًا وَلَمْ يُوجَدْ تَيَقُّنُ شِفَاءُ غَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّ الْمَرْجِعَ فِيهِ الْأَطِبَّاءُ وَقَوْلُهُمْ لَيْسَ بِحُجَّةٍ قَطْعِيَّةٍ وَجَازَ أَنْ يَكُونَ شِفَاءُ قَوْمٍ دُونَ قَوْمٍ لِاخْتِلَافِ الْأَمْزِجَةِ حَتَّى لَوْ تَعَيَّنَ الْحَرَامُ مَدْفَعًا لِلْهَلَاكِ الْآنَ يَحِلُّ كَالْمَيْتَةِ وَالْخَمْرِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ؛ وَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عُلِمَ مَوْتُهُمْ مُرْتَدِّينَ وَحْيًا وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ شِفَاءُ الْكَافِرِينَ فِي نَجِسٍ دُونَ الْمُؤْمِنِينَ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ} [النور: 26] وَبِدَلِيلِ مَا رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ» فَاسْتُفِيدَ مِنْ كَافِ الْخِطَابِ أَنَّ الْحُكْمَ مُخْتَصٌّ بِالْمُؤْمِنِينَ هَذَا وَقَدْ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ مَشَايِخِنَا فِي التَّدَاوِي بِالْمُحَرَّمِ فَفِي النِّهَايَةِ عَنْ الذَّخِيرَةِ الِاسْتِشْفَاءُ بِالْحَرَامِ يَجُوزُ إذَا عُلِمَ أَنَّ فِيهِ شِفَاءً وَلَمْ يُعْلَمْ دَوَاءٌ آخَرُ اهـ. وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خان مَعْزِيًّا إلَى نَصْرِ بْنِ سَلَّامٍ مَعْنَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ» إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ فِي الْأَشْيَاءِ الَّتِي لَا يَكُونُ فِيهَا شِفَاءٌ فَأَمَّا إذَا كَانَ فِيهَا شِفَاءٌ فَلَا بَأْسَ بِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَطْشَانَ يَحِلُّ لَهُ شُرْبُ الْخَمْرِ لِلضَّرُورَةِ اهـ. وَكَذَا اخْتَارَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي التَّجْنِيسِ فَقَالَ إذَا سَالَ الدَّمُ مِنْ أَنْفِ إنْسَانٍ يَكْتُبُ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ بِالدَّمِ عَلَى جَبْهَتِهِ وَأَنْفِهِ وَيَجُوزُ ذَلِكَ لِلِاسْتِشْفَاءِ وَالْمُعَالَجَةِ، وَلَوْ كَتَبَ بِالْبَوْلِ إنْ عُلِمَ أَنَّ فِيهِ شِفَاءً لَا بَأْسَ بِذَلِكَ لَكِنْ لَمْ يُنْقَلْ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةُ سَاقِطَةٌ عِنْدَ الِاسْتِشْفَاءِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَطْشَانَ يَجُوزُ لَهُ شُرْبُ الْخَمْرِ وَالْجَائِعُ يَحِلُّ لَهُ أَكْلُ الْمَيْتَةِ. اهـ. وَسَيَأْتِي لِهَذَا زِيَادَةُ بَيَانٍ فِي بَابِ الْكَرَاهِيَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ فِي التَّبْيِينِ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ الطَّاهِرِ لَا يَجُوزُ شُرْبُهُ وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَشَدُّ إشْكَالًا اهـ. وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ لَا إشْكَالَ فِيهِ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ قَالَ بِنَجَاسَتِهِ عَمَلًا بِحَدِيثِ «اسْتَنْزِهُوا مِنْ الْبَوْلِ» وَقَالَ بِجَوَازِ شُرْبِهِ لِلتَّدَاوِي عَمَلًا بِحَدِيثِ الْعُرَنِيِّينَ. (قَوْلُهُ: وَعِشْرُونَ دَلْوًا وَسَطًا بِمَوْتِ نَحْوِ فَأْرَةٍ) قَالَ فِي التَّبْيِينِ أَيْ يُنْزَحُ عِشْرُونَ إذَا مَاتَتْ فِيهَا فَأْرَةٌ وَنَحْوُهَا وَقَوْلُهُ عِشْرُونَ مَعْطُوفٌ عَلَى الْبِئْرِ وَفِيهِ إشْكَالٌ، وَهُوَ أَنَّهُ يَصِيرُ مَعْنَاهُ تُنْزَحُ الْبِئْرُ وَعِشْرُونَ دَلْوًا وَأَرْبَعُونَ وَكُلُّهُ فَيَفْسُدُ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي نَزَحَ الْبِئْرِ وَعِشْرِينَ دَلْوًا وَلَيْسَ هَذَا بِمُرَادِ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنْ تُنْزَحَ الْبِئْرُ إذَا وَقَعَ فِيهَا نَجَسٌ ثُمَّ ذَلِكَ النَّجَسُ يَنْقَسِمُ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ مِنْهُ مَا يُوجِبُ نَزْحَ عِشْرِينَ وَمِنْهُ مَا يُوجِبُ نَزْحَ أَرْبَعِينَ وَمِنْهُ مَا يُوجِبُ نَزْحَ الْجَمِيعِ وَلَيْسَ نَزْحُ الْبِئْرِ مُغَايِرًا لِهَذِهِ الثَّلَاثِ حَتَّى يُعْطَفَ عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا هُوَ تَفْسِيرٌ وَتَقْسِيمٌ لِذَلِكَ النَّزَحِ الْمُبْهَمِ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ عَطْفِ الْبَعْضِ عَلَى الْكُلِّ لَا يُقَالُ إنَّهُ أَرَادَ بِالْأَوَّلِ مَا يُوجِبُ الْجَمِيعَ وَبِالْمَعْطُوفِ مَا يُوجِبُ نَزْحَ الْبَعْضِ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مَا يُوجِبُ نَزْحَ الْجَمِيعِ أَيْضًا فَلَوْ كَانَ مُرَادُهُ الْجَمِيعَ لَمَا ذَكَرَ ثَانِيًا لِكَوْنِهِ تَكْرَارًا مَحْضًا؛ وَلِأَنَّ الْأَوَّلَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى نَوْعٍ مِنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ فَبَقِيَ عَلَى إطْلَاقِهِ إلَى هُنَا كَلَامُ الزَّيْلَعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَقُولُ: لَا حَاجَةَ إلَى هَذِهِ الْإِطَالَةِ مَعَ إمْكَانِ حَمْلِ كَلَامِهِ عَلَى وَجْهٍ صَحِيحٍ، فَإِنَّ قَوْلَهُ عِشْرُونَ مَعْطُوفٌ عَلَى الْبِئْرِ بِمَعْنَى مَاءِ الْبِئْرِ كَمَا تَقَدَّمَ وَالْوَاوُ فِيهِ كَبَقِيَّةِ الْمَعْطُوفَاتِ بِمَعْنَى أَوْ وَالتَّقْدِيرُ يُنْزَحُ مَاءُ الْبِئْرِ كُلُّهُ بِوُقُوعِ نَجَسٍ غَيْرَ حَيَوَانٍ أَوْ يُنْزَحُ عِشْرُونَ دَلْوًا مِنْ مَاءِ الْبِئْرِ بِمَوْتِ نَحْوِ فَأْرَةٍ أَوْ أَرْبَعُونَ مِنْهُ بِنَحْوِ دَجَاجَةٍ أَوْ كُلُّهُ بِنَحْوِ شَاةٍ إلَى آخِرِهِ وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ قَوْلَهُ وَتُنْزَحُ الْبِئْرُ بِوُقُوعِ نَجَسٍ لَيْسَ مُبْهَمًا بَلْ الْمُرَادُ مِنْهُ نَجَسٌ غَيْرُ حَيَوَانٍ انْدَفَعَ بِهِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ لُزُومِ التَّكْرَارِ لَوْ أُرِيدَ بِالْأَوَّلِ نَزْحُ الْجَمِيعِ، فَإِنَّهُ أُرِيدَ بِالْأَوَّلِ نَزْحَ الْجَمِيعِ لِوُقُوعِ غَيْرِ حَيَوَانٍ وَأُرِيدَ بِالثَّانِي نَزْحُ الْجَمِيعِ لِوُقُوعِ حَيَوَانٍ مَخْصُوصٍ فَلَا تَكْرَارَ وَقَوْلُهُ؛ وَلِأَنَّ الْأَوَّلَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ إلَى آخِرِهِ سَلَّمْنَاهُ لَكِنْ يُمْنَعُ قَوْلُهُ فَبَقِيَ عَلَى إطْلَاقِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ انْتِفَاءِ جَوَازِ حَمْلِهِ عَلَى الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثِ بَقَاؤُهَا مُطْلَقًا لِجَوَازٍ حَمْلِهِ عَلَى نَوْعٍ رَابِعٍ غَيْرِ   [منحة الخالق] [التَّدَاوِي بِبَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ] (قَوْلُهُ: هَذَا وَقَدْ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ إلَخْ) قَالَ سَيِّدِي عَبْدُ الْغَنِيِّ فِي شَرْحِهِ عَلَى هَدِيَّةِ ابْنِ الْعِمَادِ: بَعْدَ نَقْلِهِ عِبَارَةَ الْمُؤَلِّفِ لَا يَظْهَرُ فِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ لِاتِّفَاقِهِمْ عَلَى الْجَوَازِ لِلضَّرُورَةِ وَتَصْرِيحُ الْأَوَّلِ أَيْ صَاحِبِ النِّهَايَةِ بِاشْتِرَاطِ الْعِلْمِ لَا يُنَافِيه قَوْلُ مَنْ بَعْدَهُ بِاشْتِرَاطِ الشِّفَاءِ فِيهِ فَلْيُتَأَمَّلْ قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَقَوْلُ الْمُؤَلِّفِ يَعْنِي صَاحِبَ الدُّرَرِ لَا لِلتَّدَاوِي مَحْمُولٌ عَلَى الْمَظْنُونِ، وَإِلَّا فَجَوَازُهُ بِالْيَقِينِ اتِّفَاقِيٌّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُصَفَّى لِقِصَّةِ الْعُرَنِيِّينَ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ مُشْكِلٌ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ مَدْفُوعٌ إذْ الْكَلَامُ فِي طَاهِرٍ لَا إيذَاءَ فِيهِ بَلْ كَانَ دَوَاءً عَلَى أَنَّ الْمَنْعَ فِي لَبَنِ الْأَتَانِ مَمْنُوعٌ فَفِي الْبَزَّازِيَّةِ لَا بَأْسَ بِالتَّدَاوِي بِهِ قَالَ الصَّدْرُ وَفِيهِ نَظَرٌ (قَوْلُهُ: لَا إشْكَالَ فِيهِ) أَيْ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 الثَّلَاثَةِ كَمَا حَمَلْنَاهُ عَلَى النَّجَسِ الَّذِي لَيْسَ حَيَوَانًا، وَهُوَ لَيْسَ وَاحِدًا مِنْ الْأَنْوَاعِ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَمُوتَ الْفَأْرَةُ فِي الْبِئْرِ أَوْ خَارِجَهَا وَتُلْقَى فِيهَا وَكَذَا سَائِرُ الْحَيَوَانَاتِ إلَّا الْمَيِّتَ الَّذِي تَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ كَالْمُسْلِمِ الْمَغْسُولِ أَوْ الشَّهِيدِ نَعَمْ فِي خِزَانَةِ الْفَتَاوَى وَالْفَأْرَةُ الْيَابِسَةُ لَا تُنَجِّسُ الْمَاءَ؛ لِأَنَّ الْيُبْسَ دِبَاغَةٌ اهـ. وَلَا يَخْفَى ضَعْفُهُ؛ لِأَنَّا قَدَّمْنَا أَنَّ مَا لَا يَحْتَمِلُ الدِّبَاغَةَ لَا يَطْهُرُ وَأَنَّ الْيُبْسَ لَيْسَ بِدِبَاغَةٍ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّ الْفَأْرَةَ الْمَيِّتَةَ إذَا كَانَتْ يَابِسَةً، وَهِيَ فِي الْخَابِيَةِ وَجَعَلَ فِي الْخَابِيَةِ الزَّيْتَ فَظَهَرَتْ عَلَى رَأْسِ الْخَابِيَةِ فَالزَّيْتُ نَجَسٌ اهـ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْوَاقِعَ فِي الْبِئْرِ إمَّا نَجَاسَةٌ أَوْ حَيَوَانٌ وَحُكْمُ النَّجَاسَةِ قَدْ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ وَتُنْزَحُ الْبِئْرُ بِوُقُوعِ نَجَسٍ عَلَى مَا أَسْلَفْنَاهُ وَالْحَيَوَانُ إمَّا آدَمِيٌّ أَوْ غَيْرُهُ وَغَيْرُ الْآدَمِيِّ إمَّا نَجَسُ الْعَيْنِ أَوْ غَيْرُهُ وَغَيْرُ نَجَسِ الْعَيْنِ إمَّا مَأْكُولُ اللَّحْمِ أَوْ غَيْرُهُ وَالْكُلُّ إمَّا إنْ أُخْرِجَ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا وَالْمَيِّتُ إمَّا مُنْتَفِخٌ أَوْ غَيْرُهُ فَالْآدَمِيُّ إذَا خَرَجَ حَيًّا وَلَمْ يَكُنْ فِي بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ حَقِيقِيَّةٌ أَوْ حُكْمِيَّةٌ، وَكَانَ مُسْتَنْجِيًا لَمْ يَفْسُدْ الْمَاءُ، وَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا جُنُبًا أَوْ مُحْدِثًا فَانْغَمَسَ بِنِيَّةِ الْغُسْلِ أَوْ لِطَلَبِ الدَّلْوِ فَقَدْ قُدِّمَ حُكْمُهُ، وَإِنْ كَانَ كَافِرًا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُنْزَحُ مَاؤُهَا؛ لِأَنَّ بَدَنَهُ لَا يَخْلُو عَنْ نَجَاسَةٍ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا، وَإِنْ أُخْرِجَ مَيِّتًا، وَكَانَ مُسْلِمًا وَقَعَ بَعْدَ الْغُسْلِ لَمْ يَفْسُدْ الْمَاءُ وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ فَسَدَ وَالْكَافِرُ يُفْسِدُ قَبْلَ الْغُسْلِ وَبَعْدَهُ وَغَيْرُ الْآدَمِيِّ إنْ كَانَ نَجَسَ الْعَيْنِ كَالْخِنْزِيرِ وَالْكَلْبِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ نَجَسُ الْعَيْنِ نَجَّسَ الْبِئْرَ مَاتَ أَوْ لَمْ يَمُتْ أَصَابَ الْمَاءَ فَمُهُ أَوْ لَمْ يُصِبْ وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْكَلْبَ لَيْسَ بِنَجَسِ الْعَيْنِ لَا يُنَجِّسُهُ إذَا لَمْ يَصِلْ فَمُهُ إلَى الْمَاءِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ وَقِيلَ دُبُرُهُ مُنْقَلِبٌ إلَى الْخَارِجِ فَلِهَذَا يُفْسِدُ الْمَاءَ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ وَأَمَّا سَائِرُ الْحَيَوَانَاتِ، فَإِنْ عُلِمَ بِبَدَنِهِ نَجَاسَةٌ تَنَجَّسَ الْمَاءُ، وَإِنْ لَمْ يَصِلْ فَمُهُ إلَى الْمَاءِ وَقَيَّدْنَا بِالْعِلْمِ؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا فِي الْبَقَرِ وَنَحْوِهِ يَخْرُجُ وَلَا يَجِبُ نَزْحُ شَيْءٍ، وَإِنْ كَانَ الظَّاهِرُ اشْتِمَالَ بَوْلِهَا عَلَى أَفْخَاذِهَا لَكِنْ يُحْتَمَلُ طَهَارَتُهَا بِأَنْ سَقَطَتْ عَقِبَ دُخُولِهَا مَاءً كَثِيرًا هَذَا مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ الطَّهَارَةُ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ وَلَمْ يَصِلْ فَمُهُ إلَى الْمَاءِ فَإِنْ كَانَ مِمَّا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ فَلَا يُوجِبُ التَّجْنِيسَ أَصْلًا، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِنْ السِّبَاعِ وَالطُّيُورِ فَفِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ وَالْأَصَحُّ عَدَمُ التَّجْنِيسِ وَكَذَلِكَ فِي الْحِمَارِ وَالْبَغْلِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ الْمَاءُ مَشْكُوكًا فِيهِ وَقِيلَ يُنْزَحُ مَاءُ الْبِئْرِ كُلُّهُ، وَإِنْ وَصَلَ لُعَابُهُ فَحُكْمُ الْمَاءِ حُكْمه فَيَجِبُ نَزْحُ الْجَمِيعِ إذَا وَصَلَ لُعَابُ الْبَغْلِ أَوْ الْحِمَارِ إلَى الْمَاءِ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خان وَغَيْرِهِمَا لَكِنَّ فِي الْمُحِيطِ، وَلَوْ وَقَعَ سُؤْرُ الْحِمَارِ فِي الْمَاءِ يَجُوزُ التَّوَضُّؤُ بِهِ مَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ غَيْرُ طَهُورٍ كَالْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ اهـ. وَظَاهِرُ كَلَامِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ فِي التَّجْنِيسِ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِمْ يَجِبُ نَزْحُ الْجَمِيعِ أَنَّهُ لَا لِأَجْلِ النَّجَاسَةِ بَلْ؛ لِأَنَّهُ كَانَ غَيْرَ طَهُورٍ وَلَا يَجِبُ النَّزْحُ إذَا وَقَعَ فِي الْبِئْرِ مَا يُكْرَهُ سُؤْرُهُ وَوَصَلَ لُعَابُهُ إلَى الْمَاءِ لَكِنْ فِي فَتَاوَى قَاضِي خان يُنْزَحُ مِنْهَا دِلَاءٌ عَشَرَةٌ أَوْ أَكْثَرُ احْتِيَاطًا وَثِقَةً وَفِي التَّبْيِينِ يُسْتَحَبُّ نَزْحُ الْمَاءِ كُلِّهِ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا خَرَجَ حَيًّا فَإِنْ مَاتَ وَانْتَفَخَ أَوْ تَفَسَّخَ فَالْوَاجِبُ نَزْحُ الْجَمِيعِ فِي الْجَمِيعِ، وَإِنْ لَمْ يَنْتَفِخْ وَلَمْ يَتَفَسَّخْ فَالْمَذْكُورُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ عَلَى ثَلَاثِ مَرَاتِبَ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَالْقُدُورِيِّ وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِمْ فَفِي الْفَأْرَةِ وَنَحْوِهَا عِشْرُونَ أَوْ ثَلَاثُونَ وَفِي الدَّجَاجَةِ وَنَحْوِهَا أَرْبَعُونَ أَوْ خَمْسُونَ أَوْ سِتُّونَ وَفِي الشَّاةِ وَنَحْوِهَا يُنْزَحُ مَاءُ الْبِئْرِ كُلُّهُ وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ جَعَلَهُ عَلَى خَمْسِ مَرَاتِبَ فَفِي الْحَلَمَةِ وَاحِدُ الْحَلَمِ وَهِيَ الْقُرَادُ الضَّخْمُ الْعَظِيمُ وَالْفَأْرَةِ الصَّغِيرَةِ عَشْرُ دِلَاءٍ وَفِي الْفَأْرَةِ الْكَبِيرَةِ عِشْرُونَ وَفِي الْحَمَامَةِ ثَلَاثُونَ وَفِي الدَّجَاجَةِ أَرْبَعُونَ وَفِي الْآدَمِيِّ مَاءُ الْبِئْرِ كُلُّهُ وَقَدْ قَدَّمْنَا مَسَائِلَ الْآبَارِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى اتِّبَاعِ الْآثَارِ فَذَكَرَ مَشَايِخُنَا فِي كُتُبِهِمْ آثَارًا الْأَوَّلُ عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ فِي الْفَأْرَةِ مَاتَتْ فِي الْبِئْرِ وَأُخْرِجَتْ مِنْ سَاعَتِهَا يُنْزَحُ مِنْهَا عِشْرُونَ دَلْوًا. الثَّانِي: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِي الدَّجَاجَةِ إذَا مَاتَتْ فِي الْبِئْرِ يُنْزَحُ مِنْهَا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: كَالْمُسْلِمِ الْمَغْسُولِ أَوْ الشَّهِيدِ) قَالَ فِي الشرنبلالية فِيهِ نَظَرٌ لِمَا أَنَّ الدَّمَ الَّذِي بِهِ غَيْرُ طَاهِرٍ فِي حَقِّ غَيْرِهِ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا إذَا غُسِلَ عَنْهُ قَبْلَ الْوُقُوعِ فِي الْبِئْرِ (قَوْلُهُ: بِأَنْ سَقَطَتْ) أَيْ النَّجَاسَةُ وَضَمِيرُ دُخُولِهَا لِلْبَقَرِ وَمَاءً بِالنَّصْبِ مَفْعُولُ دُخُولٍ (قَوْلُهُ: فَيَجِبُ نَزْحُ الْجَمِيعِ) أَقُولُ: لَيْسَ فِي عِبَارَةِ الْخَانِيَّةِ لَفْظَةُ يَجِبُ بَلْ قَالَ يُنْزَحُ جَمِيعُ الْمَاءِ نَعَمْ ظَاهِرُهُ الْوُجُوبُ وَمِثْلُ عِبَارَةِ الْخَانِيَّةِ عِبَارَةُ الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ وَمُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَعَزَاهُ شَارِحُهَا ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ إلَى الْبَدَائِعِ وَكَذَا فِي الدُّرَرِ وَعَزَاهُ شَارِحُهَا الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ إلَى الْمُبْتَغَى (قَوْلُهُ: وَيُنْزَحُ مِنْهَا عِشْرُونَ دَلْوًا) وَالْعُصْفُورَةُ وَنَحْوُهَا تُعَادِلُ الْفَأْرَةَ فِي الْجُثَّةِ فَأَخَذَتْ حُكْمَهَا وَالْعِشْرُونَ بِطَرِيقِ الْإِيجَابِ وَالثَّلَاثُونَ بِطَرِيقِ الِاسْتِحْبَابِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَهَذَا الْوَضْعُ لِمَعْنَيَيْنِ ذَكَرَهُمَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي مَبْسُوطِهِ أَحَدُهُمَا أَنَّ السُّنَّةَ جَاءَتْ فِي رِوَايَةِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ «قَالَ فِي الْفَأْرَةِ إذَا وَقَعَتْ فِي الْبِئْرِ فَمَاتَتْ فِيهَا يُنْزَحُ مِنْهَا عِشْرُونَ دَلْوًا أَوْ ثَلَاثُونَ» هَكَذَا رَوَاهُ أَبُو عَلِيٍّ السَّمَرْقَنْدِيُّ بِإِسْنَادِهِ وَأَوْ لِأَحَدِ الشَّيْئَيْنِ، وَكَانَ الْأَقَلُّ ثَابِتًا بِيَقِينٍ، وَهُوَ مَعْنَى الْوُجُوبِ وَالْأَكْثَرُ يُؤْتَى بِهِ لِئَلَّا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 أَرْبَعُونَ دَلْوًا قَالَ فِي الْغَايَةِ لَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ فِيمَا عَلِمْته حَدِيثَ أَنَسٍ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا فِي كُتُبِ الْفِقْهِ عَلَى عَادَتِهِمْ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ ذَكَرَ مَشَايِخُنَا مَا عَنْ أَنَسٍ وَالْخُدْرِيِّ غَيْرَ أَنَّ قُصُورَ نَظَرِنَا أَخْفَاهُ عَنَّا وَقَالَ الشَّيْخُ عَلَاءُ الدِّينِ إنَّ الطَّحَاوِيَّ رَوَاهُمَا مِنْ طُرُقٍ وَتَعَقَّبَهُ تِلْمِيذُهُ الْإِمَامَ الزَّيْلَعِيِّ الْمُخَرَّجُ بِأَنِّي لَمْ أَجِدْهُمَا فِي شَرْحُ الْآثَارُ لِلطَّحَاوِيِّ وَلَكِنَّهُ أَخْرَجَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ أَنَّهُ قَالَ فِي دَجَاجَةٍ وَقَعَتْ فِي الْبِئْرِ فَمَاتَتْ قَالَ يُنْزَحُ مِنْهَا قَدْرُ أَرْبَعِينَ دَلْوًا أَوْ خَمْسِينَ. وَأَجَابَ عَنْهُ الْمُحَقِّقُ السَّرَّاجُ الْهِنْدِيُّ بِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الطَّحَاوِيُّ ذَكَرَهُمَا فِي كِتَابِ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ لَهُ أَوْ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ لَهُ أَوْ فِي كِتَابٍ آخَرَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْوِجْدَانِ فِي الْآثَارِ عَدَمُ الْوُجُودِ مُطْلَقًا الثَّالِثُ حَدِيثُ الزِّنْجِيِّ فِي بِئْرِ زَمْزَمَ وَسَنَتَكَلَّمُ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَاخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِ الدَّلْوِ الْوَسَطِ فَقِيلَ هِيَ الدَّلْوُ الْمُسْتَعْمَلُ فِي كُلِّ بَلَدٍ وَقِيلَ الْمُعْتَبَرُ فِي كُلِّ بِئْرٍ دَلْوُهَا؛ لِأَنَّ السَّلَفَ لَمَّا أَطْلَقُوا انْصَرَفَ إلَى الْمُعْتَادِ وَاخْتَارَهُ فِي الْمُحِيطِ وَالِاخْتِيَارِ وَالْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهُ مَذْكُورٌ فِي الْكَافِي لِلْحَاكِمِ وَقِيلَ مَا يَسَعُ صَاعًا، وَهُوَ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ وَقِيلَ عَشَرَةُ أَرْطَالٍ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْبِئْرَ إمَّا أَنْ يَكُونَ لَهَا دَلْوٌ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ لَهَا دَلْوٌ اُعْتُبِرَ بِهِ، وَإِلَّا اُتُّخِذَ لَهَا دَلْوٌ يَسَعُ صَاعًا، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي الْخُلَاصَةِ وَشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَالسِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَحِينَئِذٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُ مَنْ قَدَّرَ الدَّلْوَ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْبِئْرِ دَلْوٌ كَمَا لَا يَخْفَى فَلَوْ نَزَحَ الْقَدْرَ الْوَاجِبَ فِيهَا بِحَسَبِ دَلْوِهَا أَوْ دَلْوِهِمْ بِدَلْوِ وَاحِدٍ كَبِيرٍ أَجْزَأَ وَحُكِمَ بِطَهَارَتِهَا، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَكَانَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ يَقُولُ لَا تَطْهُرُ إلَّا بِنَزْحِ الدِّلَاءِ الْمُقَدَّرَةِ الْوَاجِبَةِ؛ لِأَنَّ عِنْدَ تَكْرَارِ النَّزْحِ يَنْبُعُ الْمَاءُ مِنْ أَسْفَلِهِ وَيُؤْخَذُ مِنْ أَعْلَاهُ فَيَكُونُ كَالْجَارِي، وَهَذَا لَا يَحْصُلُ بِدَلْوٍ وَاحِدٍ، وَإِنْ كَانَ عَظِيمًا كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَنَقَلَهُ فِي التَّبْيِينِ وَالنِّهَايَةِ عَنْ زُفَرَ قُلْنَا قَدْ حَصَلَ الْمَقْصُودُ، وَهُوَ إخْرَاجُ الْقَدْرِ الْوَاجِبِ وَاعْتِبَارُ مَعْنَى الْجَرَيَانِ سَاقِطٌ وَلِهَذَا لَا يُشْتَرَطُ التَّوَالِي فِي النَّزْحِ حَتَّى لَوْ نُزِحَ فِي كُلِّ يَوْمٍ دَلْوٌ جَازَ وَيَتَفَرَّعُ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ التَّوَالِي أَنَّهُ إذَا نَزَحَ الْبَعْضَ ثُمَّ ازْدَادَ فِي الْغَدِ قِيلَ يُنْزَحُ كُلُّهُ وَقِيلَ مِقْدَارُ الْبَقِيَّةِ هَذَا مَعَ أَنَّ فِي اشْتِرَاطِ التَّوَالِي خِلَافًا نَقَلَهُ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ لَكِنَّ الْمُخْتَارَ عَدَمُ اشْتِرَاطِهِ، وَأَنَّهُ إذَا ازْدَادَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي لَا يُنْزَحُ إلَّا مَا بَقِيَ إلَيْهِ أَشَارَ فِي   [منحة الخالق] يُتْرَكُ اللَّفْظُ الْمَرْوِيُّ، وَإِنْ كَانَ مُسْتَغْنًى عَنْهُ فِي الْعَمَلِ وَهُوَ مَعْنَى الِاسْتِحْبَابِ. وَالثَّانِي: أَنَّ الرُّوَاةَ اخْتَلَفَتْ فِيهَا اخْتِلَافًا كَثِيرًا فَرَوَى مَيْسَرَةُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فِي الْفَأْرَةِ تَمُوتُ فِي الْبِئْرِ يُنْزَحُ مِنْهَا دِلَاءٌ وَفِي رِوَايَةٍ سَبْعُ دِلَاءٍ وَفِي رِوَايَةٍ عِشْرُونَ وَفِي رِوَايَةٍ ثَلَاثُونَ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْفَأْرَةِ أَرْبَعُونَ فَإِذَا بَعْضُهُمْ أَوْجَبَ فِي الْفَأْرَةِ عِشْرِينَ وَبَعْضُهُمْ أَقَلَّ مِنْ عِشْرِينَ، وَبَعْضُهُمْ أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ فَأَخَذَ عُلَمَاؤُنَا بِالْعِشْرِينَ؛ لِأَنَّهُ الْأَوْسَطُ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فَكَانَ هُوَ وَاجِبًا لِتَعَيُّنِهِ، وَمَا وَرَاءَهُ اسْتِحْبَابًا وَاعْتِرَاضُ صَاحِبِ النِّهَايَةِ عَلَى الْمَعْنَى الثَّانِي حَيْثُ قَالَ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ هَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي الثَّلَاثِينَ فَلَمْ يَتَعَيَّنْ عِشْرُونَ لِلْوُجُوبِ اهـ. يَقُولُ الْفَقِيرُ هَذَا النَّظَرُ سَاقِطٌ؛ لِأَنَّ وُجُودَ هَذَا الْمَعْنَى فِي ثَلَاثِينَ مَمْنُوعٌ بَلْ الثَّلَاثِينَ إنَّمَا هُوَ الْوَسَطُ بَيْنَ الْأَوْسَطِ وَالْأَكْثَرِ لَا بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، فَإِنَّ الرِّوَايَاتِ الْوَارِدَةَ فِي الْفَأْرَةِ خَمْسٌ أَحَدُهَا دِلَاءٌ بِدُونِ التَّعْيِينِ فَهِيَ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْأَقَلِّ الْمُتَيَقَّنِ مِنْ صِيغَةِ الْجَمْعِ، وَهُوَ الثَّلَاثُ وَالثَّانِيَةُ سَبْعٌ وَالثَّالِثَةُ عِشْرُونَ وَالرَّابِعَةُ الثَّلَاثُونَ وَالْخَامِسَةُ الْأَرْبَعُونَ وَلَا يَذْهَبُ عَنْك أَنَّ الْعِشْرِينَ مِنْ بَيْنِ هَاتِيك الرِّوَايَاتِ هُوَ الْأَوْسَطُ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ؛ لِأَنَّ الْقَلِيلَ هُوَ الثَّلَاثُ وَالسَّبْعُ وَالْكَثِيرُ هُوَ الثَّلَاثُونَ وَالْأَرْبَعُونَ وَالْعِشْرُونَ أَوْسَطُ بَيْنَهُمَا تَدَبَّرْ حَقَّ التَّدَبُّرِ يَحْصُلْ لَك نَتِيجَةُ التَّفَكُّرِ. اهـ. فَرَائِدُ. (قَوْلُهُ: الْمُخَرِّجُ) أَيْ صَاحِبُ كِتَابِ تَخْرِيجِ أَحَادِيثِ الْهِدَايَةِ احْتِرَازًا عَنْ الْإِمَامِ الزَّيْلَعِيِّ شَارِحِ الْكَنْزِ، فَإِنَّهُ غَيْرُهُ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ الْمُعْتَبَرُ فِي كُلِّ بِئْرٍ دَلْوُهَا) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِلْوَسَطِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ مُقَابِلٌ لَهُ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ ثُمَّ اُخْتُلِفَ فِي الدَّلْوِ قَالَ بَعْضُهُمْ: الْمُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ دَلْوُ كُلِّ بِئْرٍ يَسْتَقِي بِهِ مِنْهَا صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَدْرُ صَاعٍ وَقِيلَ الْمُعْتَبَرُ هُوَ الْمُتَوَسِّطُ بَيْنَ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ اهـ. وَقَالَ الشَّارِحُ الزَّيْلَعِيُّ الْوَسَطُ هِيَ الدَّلْوُ الْمُسْتَعْمَلَةُ فِي كُلِّ بَلْدَةٍ وَقِيلَ الْمُعْتَبَرُ فِي كُلِّ بِئْرٍ دَلْوُهَا؛ لِأَنَّهَا أَيْسَرُ عَلَيْهِمْ وَقِيلَ مَا يَسَعُ صَاعًا إلَخْ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: حِينَئِذٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُ مَنْ قَدَّرَ الدَّلْوَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: أَقُولُ: التَّقْدِيرُ بِالصَّاعِ مَبْنِيٌّ عَلَى اخْتِيَارِ أَنَّهُ الْوَسَطُ وَيَنْبَغِي عَلَى تَفْسِيرِهِ بِالْمُسْتَعْمَلِ فِي كُلِّ بَلْدَةٍ اعْتِبَارُهُ فِي الْفَاقِدَةِ لَهُ أَيْضًا فَحَاصِلُهُ أَنَّ مَنْ اعْتَبَرَ فِي كُلِّ بِئْرٍ دَلْوَهَا لَا يَتَأَتَّى اعْتِبَارُ الْوَسَطِ عَلَى قَوْلِهِ إلَّا فِي الَّتِي لَا دَلْوَ لَهَا وَحِينَئِذٍ فَيُعْتَبَرُ الْوَسَطُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ، وَبِهَذَا اعْلَمْ أَنَّ ذَلِكَ الْحَمْلَ مِمَّا لَا دَاعِيَ إلَيْهِ اهـ. وَأَرَادَ بِالْقَوْلَيْنِ الْقَوْلَ بِأَنَّ الْوَسَطَ مَا كَانَ قَدْرَ صَاعٍ وَالْقَوْلَ بِأَنَّ الْوَسَطَ هُوَ الْمُسْتَعْمَلُ فِي كُلِّ بَلْدَةٍ (قَوْلُهُ: بِدَلْوٍ وَاحِدٍ كَبِيرٍ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَقُولُ: فَلَوْ كَانَ دَلْوُهَا الْمُعْتَادُ لَهَا كَبِيرًا جِدًّا هَلْ يَجِبُ الْعَدَدُ الْمَذْكُورُ أَمْ يَقْتَصِرُ عَلَيْهِ ظَاهِرُ هَذَا الثَّانِي فَيَكُونُ مُقَيِّدًا لِقَوْلِهِمْ الْمُعْتَبَرُ فِي كُلِّ بِئْرٍ دَلْوُهَا، وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ نَظَرُ الْفَقِيهِ، وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ الدِّلَاءَ الْمُسْتَعْمَلَةَ فِي آبَارِ قُرَى بِلَادِنَا عَلَى نَحْوِ الْبَقَرِ وَالْحَمِيرِ وَالْإِبِلِ وَيُسَمَّى فِي عُرْفِنَا الْمَحْص مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَيَتَفَرَّعُ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ التَّوَالِي إلَخْ) التَّفْرِيعُ لِلْقَوْلِ الثَّانِي فَقَطْ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 الْخُلَاصَةِ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِقَوْلِهِ بِمَوْتِ نَحْوِ فَأْرَةٍ إلَى أَنَّ مَا يُعَادِلُ الْفَأْرَةَ فِي الْجُثَّةِ حُكْمُهُ حُكْمُهَا وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ سُؤَالًا وَجَوَابًا فِي الْمُسْتَصْفَى فَقَالَ: فَإِنْ قِيلَ قَدْ مَرَّ أَنَّ مَسَائِلَ الْآبَارِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى اتِّبَاعِ الْآثَارِ وَالنَّصُّ وَرَدَ فِي الْفَأْرَةِ وَالدَّجَاجَةِ وَالْآدَمِيِّ وَقَدْ قِيسَ مَا عَادَلَهَا بِهَا قُلْنَا بَعْدَمَا اسْتَحْكَمَ هَذَا الْأَصْلُ صَارَ كَاَلَّذِي ثَبَتَ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ فِي حَقِّ التَّفْرِيعِ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْإِجَارَةِ وَسَائِرِ الْعُقُودِ الَّتِي يَأْبَى الْقِيَاسُ جَوَازَهَا اهـ. وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ، فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ لِلرَّأْيِ مَدْخَلًا فِي بَعْضِ مَسَائِلِ الْآبَارِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ إنَّ هَذَا إلْحَاقٌ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ لَا بِالْقِيَاسِ كَمَا اخْتَارَهُ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ. (قَوْلُهُ: وَأَرْبَعُونَ بِنَحْوِ حَمَامَةٍ) أَيْ يُنْزَحُ أَرْبَعُونَ دَلْوًا وَسَطًا بِمَوْتِ نَحْوِ حَمَامَةٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ دَلِيلُهُ قَرِيبًا وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ الْقَدْرَ الْوَاجِبَ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُسْتَحَبَّ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ الشَّارِحُ الزَّيْلَعِيُّ أَيْضًا، وَالْمَذْكُورُ فِي غَيْرِهِمَا أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ فِي نَحْوِ الْفَأْرَةِ عَشَرَةٌ وَفِي نَحْوِ الدَّجَاجَةِ اخْتَلَفَ كَلَامُ مُحَمَّدٍ فِي الْأَصْلِ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَفِي الْأَصْلِ مَا يُفِيدُ أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ عِشْرُونَ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَشَرَةٌ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ:، وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَعُلِّلَ لَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِأَنَّ الْجَامِعَ الصَّغِيرَ صُنِّفَ بَعْدَ الْأَصْلِ فَأَفَادَ أَنَّ الظُّهُورَ مِنْ جِهَةِ الرِّوَايَةِ لَا مِنْ جِهَةِ الدِّرَايَةِ، وَقَدْ يُقَالُ مِنْ جِهَةِ الدِّرَايَةِ إنَّ الَّذِي يَضْعُفُ بِسَبَبِ كِبَرِ الْحَيَوَانِ إنَّمَا هُوَ الْوَاجِبُ لَا الْمُسْتَحَبُّ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْقَدْرَ الْمُسْتَحَبَّ الْمَذْكُورَ لَمْ يُصَرَّحْ بِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَإِنَّمَا فَهِمَهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ مِنْ عِبَارَةِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَيْثُ قَالَ يُنْزَحُ فِي الْفَأْرَةِ عِشْرُونَ أَوْ ثَلَاثُونَ وَفِي الْهِرَّةِ أَرْبَعُونَ أَوْ خَمْسُونَ فَلَمْ يُرِدْ بِهِ التَّخْيِيرَ بَلْ أَرَادَ بِهِ بَيَانَ الْوَاجِبِ وَالْمُسْتَحَبِّ، وَلَيْسَ هَذَا الْفَهْمُ بِلَازِمٍ بَلْ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِاخْتِلَافِ الْحَيَوَانَاتِ فِي الصِّغَرِ وَالْكِبَرِ، فَفِي الصَّغِيرِ يُنْزَحُ الْأَقَلُّ وَفِي الْكَبِيرِ يُنْزَحُ الْأَكْثَرُ وَقَدْ اخْتَارَ هَذَا بَعْضُهُمْ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْبَدَائِعِ وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ سَبَبُ تَرْكِ التَّعَرُّضِ لِلْمُسْتَحَبِّ فِي الْكِتَابِ ثُمَّ هَذَا إذَا كَانَ الْوَاقِعُ وَاحِدًا فَأَمَّا إذَا تَعَدَّدَ فَالْفَأْرَتَانِ إذَا لَمْ يَكُونَا كَهَيْئَةِ الدَّجَاجَةِ كَفَأْرَةٍ وَاحِدَةٍ إجْمَاعًا وَكَذَا إذَا كَانَ كَهَيْئَةِ الدَّجَاجَةِ إلَّا فِيمَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُنْزَحُ مِنْهَا أَرْبَعُونَ وَالْهِرَّتَانِ كَالشَّاةِ إجْمَاعًا وَجَعَلَ أَبُو يُوسُفَ الثَّلَاثَ وَالْأَرْبَعَ كَفَأْرَةٍ وَاحِدَةٍ وَالْخَمْسَةَ كَالْهِرَّةِ إلَى التِّسْعِ وَالْعَشَرَةَ كَالْكَلْبِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ الثَّلَاثُ كَالْهِرَّةِ وَالسِّتُّ كَالْكَلْبِ وَلَمْ يُوجَدْ التَّصْحِيحُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ لَكِنْ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ أَنَّ الثَّلَاثَ كَالْهِرَّةِ فَيُفِيدُ أَنَّ السِّتَّ كَالْكَلْبِ وَبِهِ يَتَرَجَّحُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَمَا كَانَ بَيْنَ الْفَأْرَةِ وَالْهِرَّةِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْفَأْرَةِ وَمَا كَانَ بَيْنَ الْهِرَّةِ وَالْكَلْبِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْهِرَّةِ وَهَكَذَا يَكُونُ حُكْمُ الْأَصْغَرِ وَالْهِرَّةِ مَعَ الْفَأْرَةِ كَالْهِرَّةِ وَيَدْخُلُ الْأَقَلُّ فِي الْأَكْثَرِ كَذَا فِي التَّجْنِيسِ وَغَيْرِهِ وَظَاهِرُهُ يُخَالِفُ قَوْلَ مَنْ قَالَ إنَّ الْفَأْرَةَ إذَا كَانَتْ هَارِبَةً مِنْ الْهِرَّةِ فَوَقَعَتْ فِي الْبِئْرِ وَمَاتَتْ يُنْزَحُ جَمِيعُ الْمَاءِ؛ لِأَنَّهَا تَبُولُ غَالِبًا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَجِبُ نَزْحُ الْجَمِيعِ فِي الْهِرَّةِ مَعَ الْفَأْرَةِ؛ لِأَنَّهَا تَبُولُ خَوْفًا وَقَدْ جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ لَكِنْ قَالَ فِي الْمُجْتَبَى بِخِلَافِهِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ. وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ فِي ثُبُوتِ كَوْنِهَا بَالَتْ شَكًّا فَلَا يَثْبُتُ بِالشَّكِّ. (قَوْلُهُ: وَكُلُّهُ بِنَحْوِ شَاةٍ) أَيْ يُنْزَحُ مَاءُ الْبِئْرِ كُلُّهُ بِمَوْتِ مَا عَادَلَ الشَّاةَ فِي الْجُثَّةِ كَالْآدَمِيِّ وَالْكَلْبِ طَاهِرًا كَانَ أَوْ نَجِسًا؛ لِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَابْنَ الزُّبَيْرِ أَفْتَيَا بِنَزْحِ الْمَاءِ كُلِّهِ حِينَ مَاتَ زِنْجِيٌّ فِي بِئْرِ زَمْزَمَ كَمَا رَوَاهُ ابْنُ ابْنِ سِيرِينَ وَعَطَاءٌ وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَقَتَادَةُ وَأَبُو الطُّفَيْلِ أَمَّا رِوَايَةُ ابْنِ سِيرِينَ فَأَخْرَجَهَا الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّ زِنْجِيًّا مَاتَ فِي زَمْزَمَ فَأَمَرَ بِهِ ابْنُ عَبَّاسٍ فَأُخْرِجَ وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُنْزَحَ قَالَ فَغَلَبَتْهُمْ عَيْنٌ جَاءَتْ مِنْ الرُّكْنِ قَالَ فَأُمِرَ بِهَا فَسُدَّتْ بِالْقَبَاطِيِّ وَالْمَطَارِفِ حَتَّى نَزَحُوهَا فَلَمَّا نَزَحُوهَا انْفَجَرَتْ عَلَيْهِمْ وَالْقَبَاطِيُّ جَمْعُ قِبْطِيَّةٍ، وَهُوَ ثَوْبٌ مِنْ ثِيَابِ مِصْرَ رَقِيقَةٌ بَيْضَاءُ وَكَأَنَّهُ مَنْسُوبٌ إلَى الْقِبْطِ وَهُمْ أَهْلُ مِصْرَ وَالْمَطَارِفُ أَرِدْيَةٌ مِنْ خَزٍّ مُرَبَّعَةٍ لَهَا أَعْلَامٌ مُفْرَدُهَا مِطْرَفٌ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَضَمِّهَا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَلَعَلَّ هَذَا إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: هَذَا الِاحْتِمَالُ سَاقِطٌ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ مَسَائِلَ الْآبَارِ بُنِيَتْ عَلَى الْآثَارِ وَالْوَارِدِ فِيمَا اسْتَدَلَّ بِهِ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّمَا هُوَ إيجَابُ الْعِشْرِينَ فِي نَحْوِ الْفَأْرَةِ وَالْأَرْبَعِينَ فِي نَحْوِ الْحَمَامَةِ مُطْلَقًا، وَلَوْ صَحَّ هَذَا الِاحْتِمَالُ لَبَطَلَ ذَلِكَ الِاسْتِدْلَال؛ وَلِهَذَا تَعَيَّنَ حَمْلُ كَلَامِ مُحَمَّدٍ عَلَى مَا فَهِمَهُ الْمَشَايِخُ (قَوْلُهُ: وَبِهِ يَتَرَجَّحُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ) أَقُولُ: وَكَذَلِكَ جَزَمَ بِهِ فِي مَتْنِ الْمَوَاهِبِ فَقَالَ: وَأَلْحَقَ أَيْ مُحَمَّدٌ الثَّلَاثَ مِنْهَا إلَى الْخَمْسِ بِالْهِرَّةِ وَالسِّتَّ بِالْكَلْبِ لَا الْخَمْسَ إلَى التِّسْعِ بِهَا وَالْعَشْرِ بِهِ اهـ. أَيْ مَا أَلْحَقَ الْخَمْسَ إلَى التِّسْع بِالْهِرَّةِ وَالْعَشْرَ بِالْكَلْبِ كَمَا قَالَهُ أَبُو يُوسُفَ (قَوْلُهُ: وَظَاهِرُهُ يُخَالِفُ قَوْلَ مَنْ قَالَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: أَقُولُ: لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهَا مَعَهَا أَنْ تَكُونَ هَارِبَةً مِنْهَا وَالتَّقْيِيدُ بِمَوْتِهَا غَيْرُ وَاقِعٍ لِمَا مَرَّ ثُمَّ رَأَيْت فِي السِّرَاجِ قَالَ لَوْ أَنَّ هِرَّةً أَخَذَتْ فَأْرَةً فَوَقَعَتَا جَمِيعًا فِي الْبِئْرِ إنْ أُخْرِجَتَا حَيَّتَيْنِ لَمْ يُنْزَحُ شَيْءٌ أَوْ مَيِّتَتَيْنِ نُزِحَ أَرْبَعُونَ أَوْ الْفَأْرَةُ مَيِّتَةٌ فَقَطْ فَعِشْرُونَ، وَإِنْ مَجْرُوحَةً أَوْ بِاَلَّتِي نُزِحَ جَمِيعُ الْمَاءِ. اهـ. وَهُوَ حَسَنٌ مُوَافِقٌ لِمَا فِي الْمُجْتَبَى وَبَقِيَ مِنْ الْأَقْسَامِ مَوْتُ الْهِرَّةِ فَقَطْ، وَلَا شَكَّ فِي وُجُوبِ نَزْحِ الْأَرْبَعِينَ (قَوْلُهُ: وَلَعَلَّ وَجْهَهُ إلَخْ) قَالَ فِي الشرنبلالية وَفِي الْفَيْضِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 ، وَأَمَّا رِوَايَةُ عَطَاءٍ فَرَوَاهَا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ وَالطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ أَنْ حَبَشِيًّا وَقَعَ فِي بِئْرِ زَمْزَمَ فَمَاتَ فَأَمَرَ ابْنُ الزُّبَيْرِ فَنُزِحَ مَاؤُهَا فَجَعَلَ الْمَاءُ لَا يَنْقَطِعُ فَنَظَرَ فَإِذَا عَيْنٌ تَجْرِي مِنْ قِبَلِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ حَسْبُكُمْ، وَأَمَّا رِوَايَةُ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ فَرَوَاهَا الْبَيْهَقِيُّ وَالْآمِرُ فِيهَا بِالنَّزْحِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَمَّا رِوَايَةُ قَتَادَةَ فَرَوَاهَا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ وَالْآمِرُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَأَمَّا رِوَايَةُ أَبِي الطُّفَيْلِ فَرَوَاهَا الْبَيْهَقِيُّ وَالْآمِرُ ابْنُ عَبَّاسٍ، فَإِنْ قَالُوا رِوَايَةُ ابْنِ سِيرِينَ مُرْسَلَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْقَ ابْنَ عَبَّاسٍ بَلْ سَمِعَهَا مِنْ عِكْرِمَةَ وَكَذَا قَتَادَةُ لَمْ يَلْقَ ابْنَ عَبَّاسٍ، وَأَمَّا رِوَايَةُ ابْنِ دِينَارٍ فَفِيهَا ابْنُ لَهِيعَةَ وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَأَمَّا رِوَايَةُ أَبِي طُفَيْلٍ فَفِيهَا جَابِرٌ الْجُعْفِيُّ وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ وَأَمَّا عَطَاءٌ فَهُوَ، وَإِنْ سَمِعَ مِنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ بِلَا خِلَافٍ لَكِنْ وُجِدَ مَا يُضَعِّفُ رِوَايَتَهُ، وَهُوَ مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ أَنَّهُ قَالَ أَنَا بِمَكَّةَ مُنْذُ سَبْعِينَ سَنَةً لَمْ أَرَ صَغِيرًا وَلَا كَبِيرًا يَعْرِفُ حَدِيثَ الزِّنْجِيِّ الَّذِي قَالُوا إنَّهُ وَقَعَ فِي بِئْرِ زَمْزَمَ وَلَا سَمِعْت أَحَدًا يَقُولُ نُزِحَتْ زَمْزَمُ ثُمَّ أُسْنِدَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ لَا يُعْرَفُ هَذَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَكَيْفَ يَرْوِي ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمَاءُ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ» وَيَتْرُكُهُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ فَعَلَ فَلِنَجَاسَةٍ ظَهَرَتْ عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ أَوْ نَزَحَهَا لِلتَّنْظِيفِ لَا لِلنَّجَاسَةِ، فَإِنَّ زَمْزَمَ لِلشُّرْبِ فَالْجَوَابُ أَنَّ ابْنَ سِيرِينَ لَمَّا أَرْسَلَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَكَانَ الْوَاسِطَةُ بَيْنَهُمَا ثِقَةً، وَهُوَ عِكْرِمَةُ كَانَ الْحَدِيثُ صَحِيحًا مُحْتَجًّا بِهِ وَفِي التَّمْهِيدِ لِابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ مَرَاسِيلُ ابْنِ سِيرِينَ عِنْدَهُمْ حُجَّةٌ صِحَاحٌ كَمَرَاسِيلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَأَمَّا الْجُعْفِيُّ فَقَدْ وَثَّقَهُ الثَّوْرِيُّ وَشُعْبَةُ وَاحْتَمَلَهُ النَّاسُ وَرَوَوْا عَنْهُ وَلَمْ يَخْتَلِفْ أَحَدٌ فِي الرِّوَايَةِ عَنْهُ وَرَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ عَنْهُ أَيْضًا، وَأَمَّا ابْنُ لَهِيعَةَ قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ هُوَ حَسَنُ الْحَدِيثِ يَكْتُبُ حَدِيثَهُ وَقَدْ حَدَّثَ عَنْهُ الثِّقَاتُ الثَّوْرِيُّ وَشُعْبَةُ وَعَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ وَاللَّيْثُ بْنِ سَعْدٍ وَأَمَّا عَدَمُ عِلْمِ سُفْيَانَ وَالشَّافِعِيِّ فَلَا يَصْلُحُ دَلِيلًا فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْإِثْبَاتُ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّفْيِ، فَإِنْ لَمْ يَعْرِفَا فَقَدْ عَرَفَ غَيْرُهُمَا مِمَّنْ ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْأَعْلَامِ الْأَئِمَّةِ وَإِثْبَاتُهُمْ مُقَدَّمٌ عَلَى نَفْيِ غَيْرِهِمْ مَعَ أَنَّ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ ذَلِكَ الْوَقْتِ قَرِيبًا مِنْ مِائَةٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً، وَأَمَّا رِوَايَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ «الْمَاءُ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ» فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَقَعَ عِنْدَهُ دَلِيلٌ أَوْجَبَ تَخْصِيصَهُ، فَإِنَّ رِوَايَتَهُ كَعِلْمِ الْمُخَالِفِ بِهِ فَكَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِتَنْجِيسِ مَا دُونَ الْقُلَّتَيْنِ بِدُونِ تَغَيُّرٍ لِدَلِيلٍ آخَرَ وَقَعَ عِنْدَهُ أَوْجَبَ تَخْصِيصَ هَذَا الْحَدِيثِ لَا يُسْتَبْعَدُ مِثْلُهُ لِابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَمَّا تَجْوِيزُ كَوْنِ النَّزْحِ لِنَجَاسَةٍ ظَهَرَتْ أَوْ لِلتَّنْظِيفِ فَمُخَالِفٌ لِظَاهِرِ الْكَلَامِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ مَاتَ فَأَمَرَ بِنَزْحِهَا أَنَّهُ لِلْمَوْتِ لَا لِنَجَاسَةٍ أُخْرَى كَقَوْلِهِمْ زَنَى فَرُجِمَ وَسَهَا فَسَجَدَ وَسَرَقَ فَقُطِعَ عَلَى أَنَّ عِنْدَهُمْ لَا يُنْزَحُ أَيْضًا لِلنَّجَاسَةِ، وَلَوْ كَانَ لِلتَّنْظِيفِ لَمْ يَأْمُرْ بِنَزْحِهَا وَلَمْ يُبَالِغُوا هَذِهِ الْمُبَالَغَةَ الْعَظِيمَةَ مِنْ سَدِّ الْعَيْنِ وَقَوْلِ النَّوَوِيِّ كَيْفَ يَصِلُ هَذَا الْخَبَرُ إلَى أَهْلِ الْكُوفَةِ وَيَجْهَلُهُ أَهْلُ مَكَّةَ وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ كَبِيرُ أَهْلِ مَكَّةَ اسْتِبْعَادٌ بَعْدَ وُضُوحِ الطَّرِيقِ وَمُعَارَضٌ بِأَنَّ جُمْهُورَ الصَّحَابَةِ كَعَلِيٍّ وَأَصْحَابِهِ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَأَصْحَابِهِ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَأَصْحَابِهِ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ وَسَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ وَعَامَّةِ أَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ انْتَقَلُوا إلَى الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ وَلَمْ يَبْقَ بِمَكَّةَ إلَّا الْقَلِيلُ وَانْتَشَرُوا فِي الْبِلَادِ لِلْجِهَادِ وَالْوِلَايَاتِ وَسَمِعَ النَّاسُ مِنْهُمْ وَانْتَشَرَ الْعِلْمُ فِي جَمِيعِ الْبِلَادِ الْإِسْلَامِيَّةِ مِنْهُمْ حَتَّى قَالَ الْعِجْلِيّ فِي تَارِيخِهِ نَزَلَ الْكُوفَةَ أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَنَزَلَ قَرْقِيسِيَاءَ سِتُّ مِائَةٍ فَيَجُوزُ أَنْ يَعْرِفَ أَهْلُ الْكُوفَةِ أَكْثَرَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَلَا يُنْكِرُ هَذَا إلَّا مُكَابِرٌ وَمَا ذَكَرَهُ أَيْضًا مُخَالِفٌ لِقَوْلِ إمَامِهِ فَقَدْ حَكَى ابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ لِأَحْمَدَ أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِالْأَخْبَارِ الصِّحَاحِ مِنَّا فَإِذَا كَانَ خَبَرٌ صَحِيحٌ فَأَعْلَمُونِي حَتَّى أَذْهَبَ إلَيْهِ كُوفِيًّا كَانَ أَوْ بَصْرِيًّا أَوْ شَامِيًّا فَهَلَّا قَالَ كَيْفَ يَصِلُ إلَى أَهْلِ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ وَالشَّامِ وَيَجْهَلُهُ أَهْلُ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ مَعَ أَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الْبِئْرَ إذَا نُزِحَتْ لَا يَحْضُرُهَا أَهْلُ الْبَلَدِ وَلَا أَكْثَرُهُمْ، وَإِنَّمَا يَحْضُرُ مَنْ لَهُ بَصَارَةٌ أَوْ مَنْ يُسْتَعَانُ   [منحة الخالق] وَبَوْلُ الْفَأْرَةِ لَوْ وَقَعَ فِي الْبِئْرِ؛ وَلِأَنَّ أَصَحَّهُمَا عَدَمُ التَّنْجِيسِ اهـ. فَلَعَلَّ مَا فِي الْمُجْتَبَى مَبْنِيٌّ عَلَى هَذَا تَأَمَّلْ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 بِهِ. (قَوْلُهُ: وَانْتِفَاخُ حَيَوَانٍ أَوْ تَفَسُّخُهُ) أَيْ يُنْزَحُ مَاءُ الْبِئْرِ كُلُّهُ لِأَجْلِ انْتِفَاخِ الْحَيَوَانِ الْوَاقِعِ فِيهَا أَوْ تَفَسُّخِهِ مُطْلَقًا صَغُرَ الْحَيَوَانُ أَوْ كَبُرَ كَالْفَأْرَةِ وَالْآدَمِيِّ وَالْفِيلِ لِانْتِشَارِ الْبِلَّةِ فِي أَجْزَاءِ الْمَاءِ؛ لِأَنَّ عِنْدَ انْتِفَاخِهِ تَنْفَصِلُ بِلَّتُهُ، وَهِيَ نَجِسَةٌ مَائِعَةٌ فَصَارَتْ كَقَطْرَةٍ مِنْ خَمْرٍ؛ وَلِهَذَا لَوْ وَقَعَ ذَنَبُ فَأْرَةٍ يُنْزَحُ الْمَاءُ كُلُّهُ؛ لِأَنَّ مَوْضِعَ الْقَطْعِ مِنْهُ لَا يَنْفَكُّ عَنْ نَجَاسَةٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ أُخْرِجَتْ قَبْلَ الِانْتِفَاخِ؛ لِأَنَّ شَيْئًا مِنْ أَجْزَائِهَا لَمْ يَبْقَ فِي الْمَاءِ بَعْدَ إخْرَاجِهَا وَالِانْتِفَاخُ أَنْ تَتَلَاشَى أَعْضَاؤُهُ وَالتَّفَسُّخُ أَنْ تَتَفَرَّقَ عُضْوًا عُضْوًا وَكَذَا إذَا تَمَعَّطَ شَعْرُهُ فَهُوَ كَالْمُنْتَفِخِ قَالَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ، فَإِنْ جَعَلَ مَوْضِعَ الْقَطْعِ شَمْعَةً لَمْ يَجِبْ إلَّا مَا يَجِبُ فِي الْفَأْرَةِ اهـ. فُرُوعٌ لَا يُفِيدُ النَّزْحُ قَبْلَ إخْرَاجِ الْوَاقِعِ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُ النَّجَاسَةِ وَمَعَ بَقَائِهَا لَا يُمْكِنُ الْحُكْمُ بِالطَّهَارَةِ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ إخْرَاجُهُ وَكَانَ مُتَنَجِّسًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ فِي الْبِئْرِ الْقَدْرُ الْوَاجِبُ نُزِحَ مَا فِيهَا فَإِذَا جَاءَ الْمَاءُ بَعْدَهُ لَا يُنْزَحُ مِنْهُ شَيْءٌ، وَلَوْ غَارَ الْمَاءُ قَبْلَ النَّزْحِ ثُمَّ عَادَ يَعُودُ نَجِسًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الْمُطَهِّرُ، وَإِنْ صَلَّى رَجُلٌ فِي قَعْرِهَا، وَقَدْ جَفَّتْ تُجْزِئُهُ كَذَا فِي التَّجْنِيسِ لَكِنْ اخْتَارَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّهُ لَا يَعُودُ نَجِسًا وَصَرَّحَ فِي بَابِ الْأَنْجَاسِ بِأَنَّ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ كَنَظَائِرِهِ وَالْأَصَحُّ عَدَمُ الْعَوْدِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ النَّزْحِ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لَكِنْ إنَّمَا يَكُونُ الْأَصَحُّ عَدَمَ الْعَوْدِ فِيمَا إذَا جَفَّ أَسْفَلُهُ أَمَّا إذَا غَارَ وَلَمْ يَجِفَّ أَسْفَلُهُ فَالْأَصَحُّ الْعَوْدُ كَمَا أَفَادَهُ السِّرَاجُ الْوَهَّاجُ، وَإِذَا طَهُرَتْ الْبِئْرُ يَطْهُرُ الدَّلْوُ وَالرَّشَا وَالْبَكَرَةُ وَنَوَاحِي الْبِئْرِ وَيَدُ الْمُسْتَقِي؛ لِأَنَّ نَجَاسَةَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بِنَجَاسَةِ الْبِئْرِ فَتَطْهُرُ بِطَهَارَتِهَا لِلْحَرَجِ كَدَنِّ الْخَمْرِ يَطْهُرُ تَبَعًا إذَا صَارَ خَلًّا وَكَيَدِ الْمُسْتَنْجِي تَطْهُرُ بِطَهَارَةِ الْمَحَلِّ وَكَعُرْوَةِ الْإِبْرِيقِ إذَا كَانَ فِي يَدِهِ نَجَاسَةٌ رَطْبَةٌ فَجَعَلَ يَدَهُ عَلَيْهَا كُلَّمَا صَبَّ عَلَى الْيَدِ فَإِذَا غَسَلَ الْيَدَ ثَلَاثًا طَهُرَتْ الْعُرْوَةُ بِطَهَارَةِ الْيَدِ وَلَوْ سَالَ النَّجَسُ عَلَى الْآجُرِّ ثُمَّ وَصَلَ إلَى الْمَاءِ فَنَزْحُهَا طَهَارَةٌ لِلْكُلِّ، وَقِيلَ الدَّلْوُ طَاهِرٌ فِي حَقِّ هَذِهِ الْبِئْرِ لَا غَيْرِهَا كَدَمِ الشَّهِيدِ طَاهِرٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَلَا يَجِبُ نَزْحُ الطِّينِ فِي شَيْءٍ مِنْ الصُّوَرِ لِأَنَّ الْآثَارَ إنَّمَا وَرَدَتْ بِنَزْحِ الْمَاءِ وَفِي الْمُجْتَبَى وَكُلَّمَا نُزِحَ مِنْ الْبِئْرِ شَيْءٌ طَهُرَ مِنْ الدَّلْوِ بِقَدْرِهِ وَلْيُتَأَمَّلْ فِيهِ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خان وَلَا يُطَيَّنُ الْمَسْجِدُ بِطِينِ الْبِئْرِ الَّتِي نُزِحَتْ احْتِيَاطًا ثُمَّ نَجَاسَةُ الْبِئْرِ بَعْدَ إخْرَاجِ الْفَأْرَةِ وَغَيْرِهَا غَلِيظَةٌ ثُمَّ بِقَدْرِ مَا يُنْزَحُ تَخِفُّ فَلَوْ صَبَّ الدَّلْوَ الْأَوَّلَ مِنْ بِئْرٍ وَجَبَ فِيهَا نَزْحُ عِشْرِينَ فِي بِئْرٍ طَاهِرَةٍ يُنْزَحُ مِنْ الثَّانِيَةِ عِشْرُونَ، وَلَوْ صَبَّ الثَّانِيَ تِسْعَةَ عَشَرَ وَكَذَا الثَّالِثُ عَلَى هَذَا، وَلَوْ صَبَّ الدَّلْوَ الْأَخِيرَ يُنْزَحُ دَلْوٌ مِثْلُهُ وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ الْبِئْرَ الثَّانِيَةَ تَطْهُرُ بِمَا تَطْهُرُ بِهِ الْأُولَى، وَلَوْ أُخْرِجَتْ الْفَأْرَةُ وَأُلْقِيَتْ فِي بِئْرِ طَاهِرَةِ وَصُبَّ أَيْضًا فِيهَا عِشْرُونَ مِنْ الْأُولَى يَجِبُ إخْرَاجُ الْفَأْرَةِ وَنَزْحُ عِشْرِينَ دَلْوًا؛ لِأَنَّ الْأُولَى تَطْهُرُ بِهِ فَكَذَا الثَّانِيَةُ، وَلَوْ صَبَّ الدَّلْوَ الْعَاشِرَةَ فِي بِئْرٍ طَاهِرَةٍ يُنْزَحُ مِنْهَا عَشْرُ دِلَاءٍ وَفِي رِوَايَةٍ أَبِي سُلَيْمَانَ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ إحْدَى عَشْرَةَ، وَهُوَ الْأَصَحُّ قَالَ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَوَفَّقَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ فَالْأُولَى سِوَى الْمَصْبُوبِ وَالثَّانِيَةُ مَعَ الْمَصْبُوبِ فَلَا خِلَافَ وَلَوْ صَبَّ مَاءَ بِئْرٍ نَجِسَةٍ فِي بِئْرٍ أُخْرَى، وَهِيَ نَجِسَةٌ أَيْضًا يُنْظَرُ بَيْنَ الْمَصْبُوبِ وَبَيْنَ الْوَاجِبِ فِيهَا فَأَيُّهُمَا كَانَ أَكْثَرَ أَغْنَى عَنْ الْأَقَلِّ، فَإِنْ اسْتَوَيَا فَنُزِحَ أَحَدُهُمَا يَكْفِي مِثَالُهُ بِئْرَانِ مَاتَتْ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا فَأْرَةٌ فَنُزِحَ مِنْ إحْدَاهُمَا عَشَرَةٌ مَثَلًا وَصُبَّ فِي الْأُخْرَى يُنْزَحُ عِشْرُونَ، وَلَوْ صُبَّ دَلْوٌ وَاحِدٌ، فَكَذَلِكَ، وَلَوْ مَاتَتْ فَأْرَةٌ فِي بِئْرٍ ثَالِثَةٍ فَصُبَّ مِنْ إحْدَى الْبِئْرَيْنِ عِشْرُونَ وَمِنْ الْأُخْرَى عَشَرَةٌ يُنْزَحُ ثَلَاثُونَ، وَلَوْ صُبَّ فِيهَا مِنْ كُلٍّ عِشْرُونَ نُزِحَ أَرْبَعُونَ وَيَنْبَغِي أَنْ يُنْزَحَ الْمَصْبُوبُ ثُمَّ الْوَاجِبُ فِيهَا عَلَى رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ، وَلَوْ نُزِحَ دَلْوٌ مِنْ الْأَرْبَعِينَ وَصُبَّ فِي الْعِشْرِينَ يُنْزَحُ الْأَرْبَعُونَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ صَبَّ فِي بِئْرٍ طَاهِرَةٍ كَذَلِكَ فَكَذَا هَذَا، وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ يُنْزَحُ جَمِيعُ الْمَاءِ وَفِي رِوَايَةٍ يُنْزَحُ الْوَاجِبُ وَالْمَصْبُوبُ جَمِيعًا فَقِيلَ لَهُ إنَّ مُحَمَّدًا رَوَى عَنْك الْأَكْثَرَ فَأَنْكَرَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا تَعَذَّرَ إخْرَاجُهُ، وَكَانَ مُتَنَجِّسًا) اُحْتُرِزَ بِهِ عَنْ عَيْنِ النَّجَاسَةِ قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ وَفِي الْجَوَاهِرِ لَوْ وَقَعَ عُصْفُورٌ فِي بِئْرٍ فَعَجَزُوا عَنْ إخْرَاجِهِ فَمَا دَامَ فِيهَا فَنَجِسَةٌ فَتُتْرَكُ مُدَّةً يُعْلَمُ أَنَّهُ اسْتَحَالَ وَصَارَ حَمْأَةً وَقِيلَ مُدَّةَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلْيُتَأَمَّلْ فِيهِ) أَيْ فِي قَوْلِهِ طَهُرَ إلَخْ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالطَّهَارَةِ خِفَّةَ النَّجَاسَةِ كَمَا يُفِيدُهُ مَا بَعْدَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 وَكَذَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي بِئْرَيْنِ وَقَعَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سِنَّوْرٌ فَنُزِحَ مِنْ إحْدَاهُمَا لَوْ صُبَّ فِي الْأُخْرَى يُنْزَحُ مَاؤُهَا كُلُّهُ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّ الدَّلْوَ الَّذِي نُزِحَ أَخَذَ حُكْمَ النَّجَاسَةِ؛ وَلِهَذَا لَوْ أَصَابَ الثَّوْبَ نَجَّسَهُ وَيَجِبُ غَسْلُهُ، فَصَارَ كَمَا إذَا وَقَعَ فِي الْبِئْرِ نَجَاسَةٌ أُخْرَى وَاقْتَصَرَ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ فِي التَّجْنِيسِ وَدَفَعَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّ هَذَا إنَّمَا يَظْهَرُ وَجْهُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ، وَهِيَ مَا إذَا كَانَ الْمَصْبُوبُ فِيهَا طَاهِرَةً أَمَّا إذَا كَانَتْ نَجِسَةً فَلَا؛ لِأَنَّ أَثَرَ نَجَاسَةِ هَذَا الدَّلْوِ إنَّمَا يَظْهَرُ فِيمَا إذَا وَرَدَ عَلَى طَاهِرٍ وَقَدْ وَرَدَ هُنَا عَلَى نَجِسٍ فَلَا يَظْهَرُ أَثَرُ نَجَاسَتِهِ فَتَبْقَى الْمُورِدَةُ عَلَى مَا كَانَتْ، فَتَطْهُرُ بِإِخْرَاجِ الْقَدْرِ الْوَاجِبِ وَجْهُ دَفْعِهِ عَنْ الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ مَا فِي الْمَبْسُوطِ مِنْ أَنَّا نَتَيَقَّنُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا الْبِئْرِ إلَّا نَجَاسَةُ فَأْرَةٍ وَنَجَاسَةُ فَأْرَةٍ يُطَهِّرُهَا عِشْرُونَ دَلْوًا اهـ وَفِي الْمُحِيطِ مَعْزِيًّا إلَى النَّوَادِرِ فَإِنْ مَاتَتْ فِي حُبٍّ فَأُرِيقَ الْمَاءُ فِي الْبِئْرِ قَالَ مُحَمَّدٌ يُنْزَحُ الْأَكْثَرُ مِنْ الْمَصْبُوبَةِ وَمِنْ عِشْرِينَ دَلْوًا، وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْفَأْرَةَ لَوْ وَقَعَتْ فِيهَا يُنْزَحُ عِشْرُونَ فَكَذَا إذَا صُبَّ فِيهَا مَا وَقَعَ فِيهِ إلَّا إذَا زَادَ الْمَصْبُوبُ عَلَى ذَلِكَ فَتُنْزَحُ الزِّيَادَةُ مَعَ الْعِشْرِينَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُنْزَحُ الْمَصْبُوبُ وَعِشْرُونَ دَلْوًا؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ وَقَعَتْ الْفَأْرَتَانِ فِي الْبِئْرِ يَجِبُ نَزْحُهُمَا وَنَزْحُ عِشْرِينَ دَلْوًا كَذَا هَذَا، وَفِي الْكَافِي وَالْمُسْتَصْفَى وَالْبَدَائِعِ أَنَّ الْفَأْرَةَ إذَا وَقَعَتْ فِي الْحُبِّ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ يُهْرَاقُ الْمَاءُ كُلُّهُ وَلَمْ يُعَلِّلْهُ لَهُ وَوَجْهُهُ أَنَّ الِاكْتِفَاءَ بِنَزْحِ الْبَعْضِ مَخْصُوصٌ بِالْآبَارِ ثَبَتَ بِالْآثَارِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَلَا يَلْحَقُ بِهِ غَيْرُهُ فَعَلَى هَذَا إذَا وَقَعَتْ الْفَأْرَةُ فِي الصِّهْرِيجِ أَوْ الْفَسْقِيَّةِ وَلَمْ يَكُونَا عَشْرًا فِي عَشْرٍ، فَإِنَّ الْمَاءَ كُلَّهُ يُهْرَاقُ كَمَا لَا يَخْفَى وَلَا يُحْكَمُ بِطَهَارَةِ الْبِئْرِ مَا لَمْ يَنْفَصِلْ الدَّلْوُ الْأَخِيرُ عَنْ رَأْسِ الْبِئْرِ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ حُكْمَ الدَّلْوِ حُكْمُ الْمُتَّصِلِ بِالْمَاءِ وَالْبِئْرِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَطْهُرُ بِالِانْفِصَالِ عَنْ الْمَاءِ وَلَا اعْتِبَارَ بِمَا يَتَقَاطَرُ لِلضَّرُورَةِ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا انْفَصَلَ الدَّلْوُ الْأَخِيرُ عَنْ الْمَاءِ، وَلَمْ يَنْفَصِلْ عَنْ رَأْسِ الْبِئْرِ وَاسْتَقَى مِنْ مَائِهَا رَجُلٌ ثُمَّ أَعَادَ الدَّلْوَ فَعِنْدَهُمَا الْمَاءُ الْمَأْخُوذُ قَبْلَ الْعَوْدِ نَجِسٌ، وَعِنْدَهُ طَاهِرٌ كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ عَوْدَ الدَّلْوِ قَيْدٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْمَاءُ الْمَأْخُوذُ قَبْلَ الِانْفِصَالِ عَنْ رَأْسِ الْبِئْرِ نَجِسٌ عِنْدَهُمَا مُطْلَقًا عَادَ الدَّلْوُ أَوْ لَا وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْ هَذَا الْقَيْدَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَالْمُحِيطِ وَكَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ فَكَانَ زَائِدًا وَفِي الْبَدَائِعِ لَمْ يَذْكُرْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ وَفِي التَّجْنِيسِ إذَا نَزَحَ الْمَاءَ النَّجِسَ مِنْ الْبِئْرِ يُكْرَهُ أَنْ يَبِلَّ بِهِ الطِّينَ وَلَا يُطَيِّنَ بِهِ الْمَسْجِدَ أَوْ أَرْضُهُ لِنَجَاسَتِهِ بِخِلَافِ السِّرْقِينِ إذَا جَعَلَهُ فِي الطِّينِ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ ضَرُورَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَهَيَّأُ إلَّا بِذَلِكَ اهـ. وَالْبُعْدُ بَيْنَ الْبَالُوعَةِ وَالْبِئْرِ الْمَانِعِ مِنْ وُصُولِ النَّجَاسَةِ إلَى الْبِئْرِ خَمْسَةُ أَذْرُعٍ فِي رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَسَبْعَةٌ فِي رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ: الْمُعْتَبَرُ الطَّعْمُ أَوْ اللَّوْنُ أَوْ الرِّيحُ، فَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ جَازَ وَإِلَّا فَلَا، وَلَوْ كَانَ عَشَرَةَ أَذْرُعٍ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: وَفَتَاوَى قَاضِي خان وَالتَّعْوِيلُ عَلَيْهِ وَصَحَّحَهُ فِي الْمُحِيطِ، وَإِنْ مَاتَتْ الْفَأْرَةُ فِي غَيْرِ الْمَاءِ، فَإِنْ كَانَ مَائِعًا تَنَجَّسَ جَمِيعُهُ وَجَازَ اسْتِعْمَالُهُ فِي غَيْرِ الْأَبَدَانِ كَذَا قَالُوا وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُسْتَصْبَحَ بِهِ فِي الْمَسَاجِدِ لِكَوْنِهِ مَمْنُوعًا عَنْ إدْخَالِ النَّجَاسَةِ الْمَسْجِدَ وَيَجُوزُ بَيْعُهُ وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ إنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ، وَإِنْ كَانَ جَامِدًا أُلْقِيَتْ الْفَأْرَةُ وَمَا حَوْلَهَا، وَكَانَ الْبَاقِي طَاهِرًا، وَجَازَ الِانْتِفَاعُ بِمَا حَوْلَهَا فِي غَيْرِ الْأَبْدَانِ، وَفِي الْمَبْسُوطِ وَحَدُّ الْجُمُودِ وَالذَّوْبِ أَنَّهُ إذَا كَانَ بِحَالٍ لَوْ قُوِّرَ ذَلِكَ الْمَوْضِعُ لَا يَسْتَوِي مِنْ سَاعَتِهِ فَهُوَ جَامِدٌ، وَإِنْ كَانَ يَسْتَوِي مِنْ سَاعَتِهِ فَهُوَ ذَائِبٌ وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَنَّ الْجِلْدَ إذَا دُبِغَ بِذَلِكَ السَّمْنِ يُغْسَلُ الْجِلْدُ بِالْمَاءِ وَيَطْهُرُ وَالتَّشَرُّبُ فِيهِ مَعْفُوٌّ عَنْهُ وَلِمَنْ اشْتَرَاهُ الْخِيَارُ إنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ، وَإِنْ مَاتَتْ الْفَأْرَةُ فِي الْخَمْرِ فَصَارَ خَلًّا قَالَ بَعْضُهُمْ: الْخَلُّ مُبَاحٌ وَقِيلَ لَا يَحِلُّ شُرْبُهُ وَقِيلَ إذَا لَمْ تَتَفَسَّخْ فِيهِ جَازَ، وَإِنْ تَفَسَّخَتْ لَمْ يَجُزْ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: يُهْرَاقُ الْمَاءُ كُلُّهُ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَطْهُرُ بِمُجَرَّدِ الْإِرَاقَةِ بِلَا غَسْلٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ غَسْلِهِ بَعْدَ الْإِرَاقَةِ ثَلَاثًا؛ لِأَنَّهُ حُكِمَ بِنَجَاسَةِ الْمُرَاقِ، وَبَقِيَ الْأَثَرُ فَلَا بُدَّ مِنْ غَسْلِهِ بِخِلَافِ الْبِئْرِ (قَوْلُهُ: فَعَلَى هَذَا إذَا وَقَعَتْ الْفَأْرَةُ فِي الصِّهْرِيجِ إلَخْ) هَذَا إنَّمَا يَتِمُّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الصِّهْرِيجَ لَيْسَ مِنْ مُسَمَّى الْبِئْرِ فِي شَيْءٍ كَذَا فِي النَّهْرِ وَقَالَ قَبْلَهُ وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِهِمْ إيجَابَ الْعِشْرِينَ وَالْأَرْبَعِينَ فِي الْفَأْرَةِ وَالْحَمَامَةِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُعَيَّنِ وَغَيْرِهِمَا وَبِذَلِكَ تَمَسَّكَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَصْرِ وَأَفْتَى بِنَزْحِ عِشْرِينَ فِي فَأْرَةٍ وَقَعَتْ فِي صِهْرِيجٍ، وَفِي الْقَامُوسِ الصِّهْرِيجُ الْحَوْضُ الْكَبِيرُ يَجْتَمِعُ فِيهِ الْمَاءُ اهـ. وَقَدْ ذَكَرَ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ كَلَامَ الْمُؤَلِّفِ وَاسْتِدْلَالُهُ بِمَا فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ مِنْ مَسْأَلَةِ الْحُبِّ ثُمَّ قَالَ إنَّهُ مِمَّا لَا يَخْفَى بُعْدُهُ، فَإِنَّ الْحُبَّ بِالْحَاءِ الْخَابِيَةُ وَأَيْنَ هِيَ مِنْ الصِّهْرِيجِ لَا سِيَّمَا الَّذِي يَسَعُ أُلُوفًا مِنْ الدِّلَاءِ اهـ. قُلْت: وَنُقِلَ فِي الْقُنْيَةِ أَنَّ حُكْمَ الرَّكِيَّةِ حُكْمُ الْبِئْرِ قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: وَهِيَ الْبِئْرُ كَمَا فِي الْقَامُوسِ لَكِنْ فِي الْعُرْفِ هِيَ بِئْرٌ يَجْتَمِعُ مَاؤُهَا مِنْ الْمَطَرِ اهـ. وَقَالَ الشَّيْخُ عَلَاءُ الدِّينِ فِي شَرْحِهِ عَلَى التَّنْوِيرِ نَقَلَ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي صَاحِبَ التَّنْوِيرِ عَنْ الْفَوَائِدِ أَنَّ الْحُبَّ الْمَطْمُورَ أَكْثَرُهُ فِي الْأَرْضِ كَالْبِئْرِ وَعَلَيْهِ فَالصِّهْرِيجُ وَالزِّيرُ الْكَبِيرُ يُنْزَحُ مِنْهُ كَالْبِئْرِ وَقَالَ: فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ اهـ. وَالزِّيرُ الدَّنُّ، وَهُوَ الرَّاقُودُ الْعَظِيمُ، وَهُوَ أَطْوَلُ مِنْ الْحُبِّ لَا يُعْقَدُ إلَّا أَنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ فِيهِ جُزْءٌ مِنْهَا، وَهَذَا الْقَوْلُ أَحْسَنُ وَهَذَا إذَا اُسْتُخْرِجَتْ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ خَلًّا أَمَّا إذَا صَارَ خَلًّا وَالْفَأْرَةُ فِيهِ لَا يَحِلُّ شُرْبُهُ سَوَاءٌ كَانَتْ مُتَفَسِّخَةً أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ نَجَسٌ اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ وَالتَّجْنِيسِ بَالُوعَةٌ حَفَرُوهَا وَجَعَلُوهَا بِئْرَ مَاءِ، فَإِنْ حَفَرُوهَا مِقْدَارَ مَا وَصَلَتْ إلَيْهِ النَّجَاسَةُ فَالْمَاءُ طَاهِرٌ وَجَوَانِبُهَا نَجِسَةٌ، وَإِنْ حَفَرُوهَا أَوْسَعَ مِنْ الْأَوَّلِ طَهُرَ الْمَاءُ وَالْبِئْرُ كُلُّهُ اهـ. وَذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ، وَلَوْ نَزَحَ مَاءَ بِئْرِ رَجُلٍ بِغَيْرِ إذْنِهِ حَتَّى يَبِسَتْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْبِئْرِ غَيْرُ مَالِكٍ لِلْمَاءِ، وَلَوْ صُبَّ مَاءُ رَجُلٍ كَانَ فِي الْحُبِّ يُقَالُ لَهُ امْلَأْ الْإِنَاءَ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْحُبِّ مَالِكٌ لِلْمَاءِ، وَهُوَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ فَيَضْمَنُ مِثْلَهُ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَالْإِوَزِّ كَالدَّجَاجِ إنْ كَانَ صَغِيرًا، وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا فَهُوَ كَالْجَمَلِ الْعَظِيمِ يُنْزَحُ كُلُّ الْمَاءِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَلَوْ تَنَجَّسَتْ بِئْرٌ فَأَجْرَى مَاؤُهَا بِأَنْ حُفِرَ مَنْفَذٌ فَصَارَ الْمَاءُ يَخْرُجُ مِنْهُ حَتَّى خَرَجَ بَعْضُهُ طَهُرَتْ لِوُجُودِ سَبَبِ الطَّهَارَةِ، وَهُوَ جَرَيَانُ الْمَاءِ وَصَارَ كَالْحَوْضِ إذَا تَنَجَّسَ فَأَجْرَى فِيهِ الْمَاءَ حَتَّى خَرَجَ بَعْضُهُ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَمِائَتَانِ لَوْ لَمْ يُمْكِنْ نَزْحُهَا) أَيْ يُنْزَحُ مِائَتَا دَلْوٍ إنْ كَانَتْ الْبِئْرُ مُعَيَّنَةً لَا يُمْكِنُ نَزْحُهَا بِسَبَبِ أَنَّهُمْ كُلَّمَا نَزَحُوا نَبَعَ مِنْ أَسْفَلِهِ مِثْلَ مَا نَزَحُوا أَوْ أَكْثَرُ، وَقَدْ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ فِيهَا فَمَا فِي الْكِتَابِ مَرْوِيٌّ عَنْ مُحَمَّدٍ قَالُوا إنَّمَا أَفْتَى بِهِ بِنَاءً عَلَى مَا شَاهَدَ فِي بَغْدَادَ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ مَاءُ آبَارِهَا كَانَ لَا يَزِيدُ عَلَى ثَلَثِمِائَةٍ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ التَّقْدِيرُ بِمِائَةِ دَلْوٍ قَالُوا أَفْتَى بِذَلِكَ بِنَاءً عَلَى قِلَّةِ الْمِيَاهِ فِي آبَارِ الْكُوفَةِ وَفِي الْهِدَايَةِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي مِثْلِهِ يُنْزَحُ حَتَّى يَغْلِبَهُمْ الْمَاءُ وَلَمْ يُقَدِّرْ الْغَلَبَةَ بِشَيْءٍ كَمَا هُوَ دَأْبُهُ فِي مِثْلِهِ. اهـ. وَإِنَّمَا لَمْ يُقَدِّرْهَا؛ لِأَنَّهَا مُتَفَاوِتَةٌ وَالنَّزْحُ إلَى أَنْ يَظْهَرَ الْعَجْزُ أَمْرٌ صَحِيحٌ فِي الشَّرْعِ لِأَنَّ الطَّاعَةَ بِحَسَبِ الطَّاقَةِ وَقِيلَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يَجِبُ قَدْرُ مَا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِمْ أَنَّهُ جَمِيعُ الْمَاءِ عِنْدَ ابْتِدَاءِ النَّزْحِ وَالْأَصَحُّ تَفْسِيرُ الْغَلَبَةِ بِالْعَجْزِ كَذَا ذَكَرَ قَاضِي خان وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ تُحْفَرَ حَفِيرَةٌ عُمْقُهَا وَدَوْرُهَا مِثْلُ مَوْضِعِ الْمَاءِ مِنْهَا وَتُجَصَّصُ عَلَى قَوْلِ بَعْضِ الْمَشَايِخِ وَيُصَبُّ فِيهَا فَإِذَا امْتَلَأَتْ فَقَدْ نُزِحَ مَاؤُهَا. وَالثَّانِي: أَنْ تُرْسَلَ قَصَبَةٌ فِي الْمَاءِ وَيُجْعَلَ عَلَامَةً لِمَبْلَغِ الْمَاءِ ثُمَّ يُنْزَحُ عَشْرُ دِلَاءٍ مَثَلًا ثُمَّ تُعَادُ الْقَصَبَةُ فَيُنْظَرُ كَمْ انْتَقَصَ فَإِنْ انْتَقَضَ الْعُشْرُ فَهُوَ مِائَةٌ قَالُوا وَلَكِنَّ هَذَا لَا يَسْتَقِيمُ إلَّا إذَا كَانَ دَوْرُ الْبِئْرِ مِنْ أَوَّلِ حَدِّ الْمَاءِ إلَى قَعْرِ الْبِئْرِ مُتَسَاوِيًا، وَإِلَّا لَا يَلْزَمُ إذَا نَقَصَ شِبْرٌ بِنَزْحِ عَشْرٍ مِنْ أَعْلَى الْمَاءِ أَنْ يَنْقُصَ شِبْرٌ بِنَزَحِ مِثْلِهِ مِنْ أَسْفَلِهِ وَعْنَ أَبِي نَصْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَّامٍ أَنَّهُ يُؤْتَى بِرَجُلَيْنِ لَهُمَا بَصَارَةٌ بِأَمْرِ الْمَاءِ فَإِذَا قَدَّرَاهُ بِشَيْءٍ وَجَبَ نَزْحُ ذَلِكَ الْقَدْرِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ وَالْأَشْبَهُ بِالْفِقْهِ وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ أَنَّهُ الْمُخْتَارُ لِكَوْنِهِمَا نِصَابُ الشَّهَادَةِ الْمُلْزِمَةِ وَاشْتِرَاطُ الْمَعْرِفَةِ لَهُمَا بِالْمَاءِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْأَحْكَامَ إنَّمَا تُسْتَفَادُ مِمَّنْ لَهُ عِلْمٌ أَصْلُهُ قَوْله تَعَالَى {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43] وَظَاهِرُ مَا فِي النُّقَايَةِ الِاكْتِفَاءُ بِوَاحِدٍ لِأَنَّهُ أَمْرٌ دِينِيٌّ فَيُكْتَفَى بِالْوَاحِدِ لَكِنَّ أَكْثَرَ الْكُتُبِ عَلَى الِاثْنَيْنِ وَقَدْ صَحَّحَ هَذَا الْقَوْلَ جَمَاعَةٌ وَاخْتَارُوهُ وَصَحَّحَ الْإِمَامُ حُسَامُ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ اعْتِبَارَ الْغَلَبَةِ، وَهِيَ الْعَجْزُ وَذَكَرَ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ يُفَوَّضُ إلَى رَأْيِ الْمُبْتَلَى بِهِ وَفِي الْخُلَاصَةِ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ يُنْزَحُ ثَلَثُمِائَةٍ وَكَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى فَتَاوَى الْعَتَّابِيِّ أَنَّ الْمُخْتَارَ مَا عَنْ مُحَمَّدٍ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ قَدْ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ فِي الْمَسْأَلَةِ وَاخْتَلَفَتْ الْفَتْوَى فِيهَا وَالْإِفْتَاءُ بِمَا عَنْ مُحَمَّدٍ أَسْهَلُ عَلَى النَّاسِ وَالْعَمَلُ بِمَا عَنْ أَبِي نَصْرٍ أَحْوَطُ وَلِهَذَا قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ وَمَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَيْسَرُ عَلَى النَّاسِ لَكِنْ لَا يَخْفَى ضَعْفُهُ، فَإِنَّهُ إذَا كَانَ الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ نَزْحَ جَمِيعِ الْمَاءِ لِلْحُكْمِ بِنَجَاسَتِهِ فَالْقَوْلُ بِطَهَارَةِ الْبِئْرِ بِالِاقْتِصَارِ عَلَى نَزْحِ عَدَدٍ مَخْصُوصٍ مِنْ الدِّلَاءِ يَتَوَقَّفُ عَلَى سَمْعِيٍّ يُفِيدُهُ وَأَيْنَ ذَلِكَ بَلْ الْمَأْثُورُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ خِلَافُهُ وَاخْتَارَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ الْأَظْهَرَ إنْ أَمْكَنَ سَدُّ مَنَابِعِ الْمَاءِ مِنْ غَيْرِ عُسْرٍ سُدَّتْ وَأُخْرِجَ مَا فِيهَا مِنْ الْمَاءِ، وَإِنْ عَسَرَ   [منحة الخالق] يَحْفِرَ لَهُ كَمَا فِي الْقَامُوسِ أَقُولُ: وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ الَّذِي يَنْبَغِي تَحْرِيرُهُ أَنْ يُقَالَ كُلُّ مَا كَانَ حُفْرَةً فِي الْأَرْضِ لَا تَنَالُهُ الْيَدُ فَهُوَ فِي حُكْمِ الْبِئْرِ وَدَاخِلٌ فِي مُسَمَّاهَا؛ لِأَنَّهَا كَمَا مَرَّ مُشْتَقَّةٌ مِنْ بَارَتْ أَيْ حُفِرَتْ فَيَكُونُ الْوَارِدُ فِيهَا وَارِدًا فِيهِ بِخِلَافِ نَحْوِ الدَّنِّ وَالْفَسْقِيَّةِ وَالْعَيْنِ؛ لِأَنَّ مَسَائِلَ الْآبَارِ خَارِجَةٌ عَنْ الْقِيَاسِ فَلَا يُلْحَقُ بِهَا غَيْرُهَا، وَبِهِ يَظْهَرُ مَا نَقَلَهُ فِي النَّهْرِ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعَصْرِ وَكَذَا مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْمَقْدِسِيَّ وَإِلَى مَا ذَكَرْنَا يُشِيرُ صَدْرُ كَلَامِ النَّهْرِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ قَالُوا: إنَّمَا أَفْتَى بِهِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: هَذَا لَا يُنَاسِبُ مَا فِي الْمُخْتَصَرِ إذْ فَتْوَاهُ بِذَلِكَ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ حُكْمٌ بِإِيجَابِ نَزْحِ الْكُلِّ وَالْغَرَضُ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ، وَلَهُ (لَكِنْ لَا يَخْفَى ضَعْفُهُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَكَانَ الْمَشَايِخُ إنَّمَا اخْتَارُوا مَا عَنْ مُحَمَّدٍ لِانْضِبَاطِهِ كَالْعَشْرِ تَيْسِيرًا كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ: بَلْ الْمَأْثُورُ إلَخْ) أَرَادَ بِهِ مَا مَرَّ فِي حَدِيثِ الزِّنْجِيِّ الْوَاقِعِ فِي بِئْرِ زَمْزَمَ (قَوْلُهُ: وَاخْتَارَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ) هُوَ الْعَلَّامَةُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُنْيَةِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 ذَلِكَ، فَإِنْ عَلِمَ أَنَّ كَوْنَ مَحَلِّ الْمَاءِ مِنْهَا عَلَى مِنْوَالٍ وَاحِدٍ طُولًا وَعَرْضًا فِي سَائِرِ أَجْزَائِهِ أَرْسَلَ فِي الْمَاءِ قَصَبَةً وَعَمِلَ فِي ذَلِكَ بِمَا قَدَّمْنَاهُ، وَإِنْ لَمْ يَقَعْ الْعِلْمُ بِذَلِكَ، فَإِنْ أَمْكَنَ الْعَمَلُ بِمِقْدَارِهِ مِنْ عَدْلَيْنِ لَهُمَا بَصَارَةٌ بِمِيَاهِ الْآبَارِ أُخِذَ بِقَوْلِهِمَا، وَإِنْ تَعَذَّرَ الْعِلْمُ بِمِقْدَارِ الْمَاءِ مِنْ عَدْلَيْنِ بَصِيرَيْنِ بِذَلِكَ نَزَحُوا حَتَّى يَظْهَرَ لَهُمْ الْعَجْزُ بِحَسَبِ غَلَبَةِ ظَنِّهِمْ. اهـ. وَهَذَا تَفْصِيلٌ حَسَنٌ لِلْمُتَأَمِّلِ فَلْيَكُنْ الْعَمَلُ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: وَنَجَّسَهَا مُنْذُ ثَلَاثٍ فَأْرَةٌ مُنْتَفِخَةٌ جُهِلَ وَقْتُ وُقُوعِهَا، وَإِلَّا مُذْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ) أَيْ نَجَّسَ الْبِئْرَ مُنْذُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا فَأْرَةٌ مَيِّتَةٌ مُنْتَفِخَةٌ لَا يُدْرَى وَقْتُ وُقُوعِهَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُنْتَفِخَةً نَجَّسَهَا مُذْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُسْتَصْفَى أَيْ مُذْ ثَلَاثِ لَيَالٍ إذْ لَوْ أُرِيدَ بِهِ الْأَيَّامُ لَقَالَ مُذْ ثَلَاثَةٍ لَكِنَّ اللَّيَالِيَ تَنْتَظِمُ مَا بِإِزَائِهَا مِنْ الْأَيَّامِ كَمَا أَنَّ الْأَيَّامَ تَنْتَظِمُ مَا بِإِزَائِهَا مِنْ اللَّيَالِي كَقَوْلِهِ تَعَالَى {أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234] أَيْ وَعَشْرَ لَيَالٍ بِأَيَّامِهَا اهـ. فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى مَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ هُنَا اعْلَمْ أَنَّ الْبِئْرَ تُنَجَّسُ مِنْ وَقْتِ وُقُوعِ الْحَيَوَانِ الَّذِي وُجِدَ مَيِّتًا فِيهَا إنْ عُلِمَ ذَلِكَ الْوَقْتُ، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ فَقَدْ صَارَ الْمَاءُ مَشْكُوكًا فِي طَهَارَتِهِ وَنَجَاسَتِهِ فَإِذَا تَوَضَّئُوا مِنْهَا وَهُمْ مُتَوَضِّئُونَ أَوْ غَسَلُوا ثِيَابَهُمْ مِنْ غَيْرِ نَجَاسَةٍ، فَإِنَّهُمْ لَا يُعِيدُونَ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ لَا تَبْطُلُ بِالشَّكِّ، وَإِنْ تَوَضَّئُوا مِنْهَا وَهُمْ مُحْدِثُونَ أَوْ اغْتَسَلُوا مِنْ جَنَابَةٍ أَوْ غَسَلُوا ثِيَابَهُمْ عَنْ نَجَاسَةٍ فَفِي الثَّالِثِ لَا يُعِيدُونَ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُمْ غَسْلُهَا عَلَى الصَّحِيحِ وَيُحْكَمُ بِنَجَاسَتِهَا فِي الْحَالِ مِنْ غَيْرِ إسْنَادٍ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ وُجُودِ النَّجَاسَةِ فِي الثَّوْبِ وَمَنْ وَجَدَ فِي ثَوْبِهِ نَجَاسَةً أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ وَلَمْ يَدْرِ مَتَى أَصَابَتْهُ لَا يُعِيدُ شَيْئًا مِنْ صَلَاتِهِ بِالِاتِّفَاقِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَالتَّبْيِينِ وَتَعَقَّبَهُ شَارِحُ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي بِأَنَّهُ إذَا كَانَ يَلْزَمُهُمْ غَسْلُهَا لَكَوَّنَهَا مَغْسُولَةً بِمَاءِ الْبِئْرِ فِيمَا تَقَدَّمَ حَالَ الْعِلْمِ بِاشْتِمَالِ الْبِئْرِ عَلَى الْفَأْرَةِ بِدُونِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَوْ بِدُونِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: الْمُصَنِّفُ فَأْرَةٌ مُنْتَفِخَةٌ) قَالَ فِي النَّهْرِ: زَادَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَوْ مُتَفَسِّخَةٌ إذْ الِاقْتِصَارُ عَلَى الِانْتِفَاخِ يُوهِمُ أَنَّهُ فِي التَّفَسُّخِ يُعِيدُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ؛ لِأَنَّ إفْسَادَ الْمَاءِ مَعَهُ أَكْثَرُ كَمَا أَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى الْمَزِيدِ يُوهِمُ إعَادَةَ الْأَقَلِّ فَالْجَمْعُ أَوْلَى (قَوْلُهُ: فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى مَا ذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ هُنَا) وَذَلِكَ حَيْثُ قَالَ عَادَةُ الْأَصْحَابِ أَنْ يُقَدِّرُوهُ بِالْأَيَّامِ، وَهُوَ قَدَّرَهُ بِاللَّيَالِيِ حَيْثُ حَذَفَ التَّاءَ مِنْ الثَّلَاثِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا تَمَّ أَحَدُهُمَا ثَلَاثَةً فَقَدْ تَمَّ الْآخَرُ اهـ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّوْجِيهَيْنِ أَنَّ الْمَقْصُودَ ذِكْرُ اللَّيَالِي وَيَلْزَمُ مِنْهُ دُخُولُ الْأَيَّامِ بِنَاءً عَلَى مَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَعَلَى مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُصَفَّى الْمَقْصُودُ كُلٌّ مِنْهُمَا وَذِكْرُ أَحَدِهِمَا يُغْنِي عَنْ ذِكْرِ الْآخَرِ فَلِذَا كَانَ أَوْلَى تَأَمَّلْ. قَالَ فِي النَّهْرِ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ حَذْفَ التَّاءِ يُعَيِّنُ ذَلِكَ مُطْلَقًا بَلْ إذَا كَانَ الْمَعْدُودُ مُذَكَّرًا أَمَّا إذَا كَانَ مَحْذُوفًا جَازَ تَقْدِيرُهُ مُذَكَّرًا أَوْ مُؤَنَّثًا وَقَدْ جَوَّزُوا فِي حَدِيثِ «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ» تَقْدِيرَ الْمَحْذُوفِ أَرْكَانًا أَوْ دَعَائِمَ اهـ. وَمِثْلُهُ فِي بَعْضِ شُرُوحِ الْكَافِيَةِ زَادَ مَا إذَا قَدَّمَ الْمَعْدُودَ وَجَعَلَ اسْمَ الْعَدَدِ صِفَةً فَيَجُوزُ حِينَئِذٍ فِي اسْمِ الْعَدَدِ إلْحَاقُ التَّاءِ وَحَذْفُهَا وَقَالَ: فَاحْفَظْهَا، فَإِنَّهَا عَزِيزَةٌ وَخَرَّجَ عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ قَوْلَ الْأُجْرُومِيَّةِ وَالْمُضَارِعُ مَا كَانَ فِي أَوَّلِهِ إحْدَى الزَّوَائِدِ الْأَرْبَعِ وَالزَّوَائِدُ جَمْعُ زَائِدَةٍ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَرِدُ عَلَى قَوْلِ الْهِدَايَةِ فَرَائِضُ الصَّلَاةِ سِتَّةٌ قَوْلُ الْأَكْمَلِ الْقِيَاسُ أَنْ يَقُولَ سِتٌّ؛ لِأَنَّ الْفَرَائِضَ جَمْعُ فَرِيضَةٍ (قَوْلُهُ: لِكَوْنِهَا مَغْسُولَةً بِمَاءِ الْبِئْرِ فِيمَا تَقَدَّمَ) أَقُولُ: مَا بِمَعْنَى وَقْتٍ وَالظَّرْفُ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ " مَغْسُولَةٌ " وَقَوْلُهُ " حَالَ " مَفْعُولٌ تَقَدَّمَ مِثْلُ: " وَاتَّقُوا يَوْمًا " لَا ظَرْفٌ وَقَوْلُهُ بِاشْتِمَالٍ مُتَعَلِّقٌ بِالْعِلْمِ وَقَوْلُهُ بِدُونِ مُتَعَلِّقٍ بِتَقَدَّمَ وَالْمَعْنَى إذَا كَانَ يَلْزَمُهَا غُسْلُهَا لِكَوْنِهَا مَغْسُولَةً بِمَاءِ الْبِئْرِ فِي زَمَنٍ سَابِقٍ بِدُونِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَوْ بِدُونِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ عَلَى زَمَنِ الْعِلْمِ بِالْفَأْرَةِ كَيْفَ لَا يَكُونُ تَنَجُّسُ الثِّيَابِ مُسْتَنِدًا مَعَ التَّيَقُّنِ بِتَقَدُّمِ الْغُسْلِ عَلَى الْحَالِ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ التَّقَدُّمَ بِكَوْنِهِ بِدُونِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَوْ بِدُونِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ مِنْ حِينِ وُجُودِهَا لَمْ يَلْزَمْ شَيْءٌ لِعَدَمِ الْحُكْمِ بِوُقُوعِهَا حِينَئِذٍ وَيُشْكَلُ أَيْضًا أَنَّ النَّجَاسَةَ الَّتِي كَانَتْ بِالثَّوْبِ مُوقَنَةً وَفِي زَوَالِهَا بِهَذَا الْمَاءِ شَكٌّ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الطَّهَارَةِ عَنْ حَدَثٍ وَأَيْضًا إذَا كَانَ لُزُومُ غَسْلِهَا لِكَوْنِهَا مَغْسُولَةً بِمَاءِ الْبِئْرِ لَا لِلنَّجَاسَةِ الَّتِي كَانَتْ بِهَا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ شَارِحِ الْمُنْيَةِ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الثِّيَابِ وَبَيْنَ مَا إذَا غُسِلَتْ لَا عَنْ نَجَاسَةٍ، فَإِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ غَسْلُهَا لَكِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ وُجُوبُ غَسْلِهَا مُطْلَقًا، فَإِنَّهُ قَالَ: وَقَوْلُهُ نَجَّسَهَا مُنْذُ ثَلَاثٍ يَعْنِي فِي حَقِّ الْوُضُوءِ حَتَّى يَلْزَمَهُمْ إعَادَةُ الصَّلَاةِ إذَا تَوَضَّئُوا مِنْهَا، وَأَمَّا فِي حَقِّ غَيْرِهِ، فَإِنَّهُ يُحْكَمُ بِنَجَاسَتِهَا مِنْ غَيْرِ إسْنَادٍ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ وُجُودِ النَّجَاسَةِ فِي الثَّوْبِ حَتَّى إذَا كَانُوا غَسَلُوا الثِّيَابَ بِمَائِهَا لَا يَلْزَمُ إلَّا غَسْلُهَا عَلَى الصَّحِيحِ اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الدُّرَرِ وَالْمِنَحِ وَشَرْحِ الْمُلْتَقَى لِلْبَهْنَسِيِّ وَنَحْوِهِ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَكَذَا قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ أَعَادُوا صَلَاةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إذَا كَانُوا تَوَضَّئُوا مِنْهَا وَغَسَلُوا كُلَّ شَيْءٍ أَصَابَهُ مَاؤُهَا اهـ. وَذَكَرَ فِي الْمُنْيَةِ عِبَارَةَ الْقُدُورِيِّ بِحُرُوفِهَا لَكِنْ يَعُودُ إيرَادُ شَارِحِ الْمُنْيَةِ عَلَى عِبَارَةِ الزَّيْلَعِيِّ وَمَنْ تَابَعَهُ بِأَنَّهُ إذَا حُكِمَ بِالنَّجَاسَةِ فِي الْحَالِ يَجِبُ غَسْلُ هَذِهِ الثِّيَابِ وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ فِي حَوَاشِي صَدْرِ الشَّرِيعَةِ فِي كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ اشْتِبَاهٌ حَتَّى حَذَفَ بَعْضُهُمْ حَرْفَ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ كَلَامِهِ لَكِنْ وَجَّهَهُ الْعَلَّامَةُ نُوحٌ أَفَنْدِي مُحَشِّي الدُّرَرِ وَالْغُرَرِ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ فِي الْبِئْرِ الْمَذْكُورَةِ اعْتِبَارَيْنِ الْأَوَّلُ الِاحْتِيَاطُ وَالتَّنَزُّهُ وَمُقْتَضَاهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 كَيْفَ يَكُونُ الْحُكْمُ بِنَجَاسَةِ الثِّيَابِ مِنْ بَابِ الِاقْتِصَارِ عَلَى التَّنَجُّسِ فِي الْحَالِ لَا مُسْتَنِدًا إلَى مَا تَقَدَّمَ فَلَا يَتَّجِهُ هَذَا عَلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ مَعَ الْغَسْلِ الْإِعَادَةَ لَا عَلَى قَوْلِهِمَا لِأَنَّهُمَا لَا يُوجِبَانِ غَسْلَ الثَّوْبِ أَصْلًا اهـ. وَفِي الْأَوَّلِ وَالثَّانِي خِلَافٌ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ التَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ وَقَالَا يُحْكَمُ بِنَجَاسَتِهَا وَقْتَ الْعِلْمِ بِهَا وَلَا يَلْزَمُهُمْ إعَادَةُ شَيْءٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ وَلَا غَسْلُ مَا أَصَابَهُ مَاؤُهَا قَبْلَ الْعِلْمِ، وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّ الْيَقِينَ لَا يَزُولُ بِالشَّكِّ؛ لِأَنَّا نَتَيَقَّنُ بِطَهَارَتِهَا فِيمَا مَضَى وَقَدْ شُكَّ فِي النَّجَاسَةِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا مَاتَتْ فِي غَيْرِ الْبِئْرِ ثُمَّ أَلْقَتْهَا الرِّيحُ الْعَاصِفُ فِيهَا أَوْ بَعْضُ السُّفَهَاءِ أَوْ الصِّبْيَانِ أَوْ بَعْضُ الطُّيُورِ كَمَا حُكِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ بِقَوْلِهِ إلَى أَنْ رَأَى حَدَأَةً فِي مِنْقَارِهَا فَأْرَةٌ مَيِّتَةٌ فَأَلْقَتْهَا فِي الْبِئْرِ فَرَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ إلَى هَذَا الْقَوْلِ وَقِيَاسًا عَلَى النَّجَاسَةِ إذَا وَجَدَهَا فِي ثَوْبِهِ وَعَلَى مَا إذَا رَأَتْ الْمَرْأَةَ فِي كُرْسُفِهَا دَمًا وَلَا تَدْرِي مَتَى نَزَلَ وَعَلَى مَا لَوْ مَاتَ الْمُسْلِمُ وَلَهُ امْرَأَةٌ نَصْرَانِيَّةُ فَجَاءَتْ مُسْلِمَةً بَعْدَ مَوْتِهِ وَقَالَتْ أَسْلَمْت قَبْلَ مَوْتِهِ وَقَالَتْ الْوَرَثَةُ بَعْدَهُ فَالْقَوْلُ لَهُمْ وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْحَادِثَ يُضَافُ إلَى أَقْرَبِ أَوْقَاتِهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ أَنَّ الْإِحَالَةَ عَلَى السَّبَبِ الظَّاهِرِ وَاجِبٌ عِنْدَ خَفَاءِ الْمُسَبَّبِ وَالْكَوْنُ فِي الْمَاءِ قَدْ تَحَقَّقَ، وَهُوَ سَبَبٌ ظَاهِرٌ لِلْمَوْتِ وَالْمَوْتُ فِيهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ قَدْ خَفِيَ فَيَجِبُ اعْتِبَارُهُ مَاتَ فِيهِ إحَالَةً عَلَى السَّبَبِ الظَّاهِرِ عِنْدَ خَفَاءِ الْمُسَبَّبِ دُونَ الْمَوْهُومِ، وَهُوَ الْمَوْتُ بِسَبَبٍ آخَرَ كَمَنْ جَرَحَ إنْسَانًا وَلَمْ يَزَلْ مُصَاحِبَ الْفِرَاشِ حَتَّى مَاتَ يُضَافُ مَوْتُهُ إلَى الْجُرْحِ حَتَّى يَجِبَ الْقِصَاصُ، وَإِنْ اُحْتُمِلَ مَوْتُهُ بِسَبَبٍ آخَرَ وَكَذَا إذَا وُجِدَ قَتِيلٌ فِي مَحَلَّةٍ يُضَافُ الْقَتْلُ إلَى أَهْلِهَا حَتَّى تَجِبَ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَيْهِمْ وَإِنْ اُحْتُمِلَ أَنَّهُ قُتِلَ فِي مَوْضِعً آخَرَ غَيْرَ أَنَّ الِانْتِفَاخَ دَلِيلُ التَّقَادُمِ فَيُقَدَّرُ بِالثَّلَاثِ وَلِهَذَا يُصَلَّى عَلَى الْقَبْرِ إلَى ثَلَاثِ أَيَّامٍ عَلَى مَا قِيلَ وَعَدَمُ الِانْتِفَاخِ دَلِيلُ قُرْبِ الْعَهْدِ فَقَدَّرْنَاهُ بِيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لِأَنَّ مَا دُونَ ذَلِكَ سَاعَاتٌ لَا يُمْكِنُ ضَبْطُهَا لِتَفَاوُتِهَا، وَأَمَّا مَسْأَلَةُ النَّجَاسَةِ فَقَدْ قَالَ الْمُعَلَّى بْنُ مَنْصُورٍ الرَّازِيّ تِلْمِيذُهُمَا أَنَّهَا عَلَى الْخِلَافِ، فَإِنْ كَانَتْ يَابِسَةً يُعِيدُ صَلَاةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَإِنْ كَانَتْ طَرِيَّةً يُعِيدُ صَلَاةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ عِنْدَهُ فَلَا يُحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ، وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّهَا عَلَى الْوِفَاقِ كَمَا قَدَّمْنَا أَنَّهُ الْأَصَحُّ فَالْفَرْقُ لَهُ وَاضِحٌ، وَهُوَ أَنَّ الثَّوْبَ بِمَرْأَى عَيْنِهِ يَقَعُ عَلَيْهِ بَصَرُهُ فَلَوْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ أَصَابَتْهُ قَبْلَ ذَلِكَ لَعَلِمَ بِهَا بِخِلَافِ الْبِئْرِ فَإِنَّهَا غَائِبَةٌ عَنْ بَصَرِهِ فَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُعَلَّى - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَوْنَهُ رِوَايَةً عَنْ الْإِمَامِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي الْإِسْبِيجَابِيُّ وَصَاحِبُ الْبَدَائِعِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ تَفَقُّهٌ مِنْهُ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ عَلَى مَسْأَلَةِ الْبِئْرِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي الْمُحِيطِ، وَهُوَ الْحَقُّ فَقَدْ قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ إنَّ الْمُعَلَّى   [منحة الخالق] الْحُكْمُ بِنَجَاسَتِهَا مُنْذُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي حَقِّ الْوُضُوءِ وَغَيْرِهِ فَتُعَادُ الصَّلَاةُ وَتُغْسَلُ الثِّيَابُ وَلَا يُؤْكَلُ الْعَجِينُ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْإِمَامِ. وَالثَّانِي: نَفْيُ الْحَرَجِ وَمُقْتَضَاهُ عَدَمُ الْحُكْمِ بِالنَّجَاسَةِ مُطْلَقًا فَلَا يَجِبُ شَيْءٌ مِمَّا مَرَّ، وَهُوَ اخْتِيَارُهُمَا وَالْأَوَّلُ فِي نِهَايَةِ الْحَرَجِ وَالثَّانِي فِي نِهَايَةِ التَّوْسِعَةِ فَتَوَسَّطَ بَيْنَهُمَا بِأَنْ خَصَّ رَأْيَ الْإِمَامِ بِالتَّوَضُّؤِ وَالِاغْتِسَالِ احْتِيَاطًا بِالْعِبَادَةِ وَرَأْيَهُمَا بِمَا عَدَاهُ لِنَفْيِ الْحَرَجِ وَلَكِنْ أَمْعَنَ النَّظَرَ فِي الثِّيَابِ فَقَالَ يَجِبُ غَسْلُهَا حَذَرًا عَنْ النَّجَاسَةِ الْمُتَوَهَّمَةِ، وَإِنْ لَمْ يَجْزِمْ بِسَبْقِهَا وَلَمْ يَجْزِمْ بِإِعَادَةِ مَا صَلَّاهُ بِتِلْكَ الثِّيَابِ نَفْيًا لِلْحَرَجِ وَلَا بَأْسَ بِأَكْلِ الْعَجِينِ اهـ. وَيَقْرَبُ مِنْ هَذَا مَا سَيَأْتِي عَنْ الصَّبَّاغِيِّ قَالَ بَعْدَ هَذَا اعْلَمْ أَنَّ فِي قَوْلِهِمْ إذَا غَسَلُوا ثِيَابَهُمْ عَنْ النَّجَاسَةِ لَا يَلْزَمُهُمْ إلَّا غَسْلُهَا عَلَى الصَّحِيحِ بَحْثًا وَذَلِكَ أَنَّ الْحَالَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونُوا صَلَّوْا فِي الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الثِّيَابِ الَّتِي غُسِلَتْ بِمَاءِ تِلْكَ الْبِئْرِ أَوْ صَلَّوْا فِي غَيْرِهَا مِنْ الثِّيَابِ، وَكَانَ الْوُضُوءُ مِنْهَا فَإِنْ كَانَ الثَّانِي وَقُلْنَا بِوُجُوبِ إعَادَةِ الصَّلَاةِ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ فَأَوْلَى أَنْ نَقُولَ بِوُجُوبِ الْإِعَادَةِ فِي الثِّيَابِ؛ لِأَنَّهُ إذَا وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ فِي ثِيَابٍ طَاهِرَةٍ فَمِنْ بَابِ أَوْلَى أَنْ تَجِبَ فِي ثِيَابٍ نَجِسَةٍ، وَهُوَ مِمَّا لَا نِزَاعَ لَا حَدَّ فِيهِ فَعَلَى هَذَا إنْ قُلْنَا إنَّ مُقَابِلَ الصَّحِيحِ عَدَمُ غَسْلِ الثِّيَابِ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَحِينَئِذٍ تَظْهَرُ الْفَائِدَةُ لَكِنْ لَا يَتِمُّ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهَا نَجِسَةٌ فَكَيْفَ يُقَالُ لَا يَجِبُ غَسْلُهَا وَإِنْ قُلْنَا إنَّ مُقَابِلَ الصَّحِيحِ عَدَمُ وُجُوبِ إعَادَةِ الصَّلَاةِ فِي الثِّيَابِ الْمَغْسُولَةِ بِمَائِهَا وَقَدْ صَلَّوْا فِيهَا، وَهَذَا أَيْضًا مِمَّا لَا قَائِلَ بِهِ إذْ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّهُ يُصَلِّي بِالنَّجَاسَةِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَلَا يُعِيدُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا الثَّوْبِ وَبَيْنَ الْبِئْرِ أَنَّ الثَّوْبَ مَرْئِيٌّ لَهُ وَلِغَيْرِهِ بِخِلَافِ الْبِئْرِ، فَإِنَّهَا غَائِبَةٌ عَنْ الْأَعْيُنِ فَافْتَرَقَا وَبِخِلَافِ الثِّيَابِ الَّتِي غُسِلَتْ بِمَاءِ الْبِئْرِ فَإِنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ الْبِئْرِ وَالزَّيْلَعِيُّ وَمَنْ حَذَا حَذْوَهُ تَوَهَّمُوا اسْتِوَاءَ حُكْمِ النَّجَاسَةِ الْمَرْئِيَّةِ عَلَى الثَّوْبِ وَالثَّوْبِ الَّذِي غُسِلَ بِمَاءِ الْبِئْرِ بِجَامِعِ أَنْ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا وُجُودَ النَّجَاسَةِ فِي الثَّوْبِ لَكِنَّ الْفَرْقَ مَا أَسْلَفْنَاهُ اهـ. لَكِنَّ الصَّوَابَ إسْقَاطُ لَفْظِ عَدَمٍ مِنْ قَوْلِهِ، وَإِنْ قُلْنَا أَنْ مُقَابِلَ الصَّحِيحِ عَدَمُ وُجُوبِ إعَادَةِ الصَّلَاةِ وَعَلَى هَذَا لَا يَظْهَرُ تَعْلِيلُ الدَّفْعِ بِمَا ذَكَرَهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَرِدُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ شَيْءٌ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ قَوْلَهُ عَلَى الصَّحِيحِ إمَّا قَيْدٌ لِلُّزُومِ الْغُسْلُ أَوْ لِعَدَمِ الْإِعَادَةِ أَوْ لَهُمَا وَمُقَابِلُ الْأَوَّلِ عَدَمُ لُزُومِ الْغُسْلِ مَعَ عَدَمِ الْإِعَادَةِ، وَهُوَ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ الَّذِي ذَكَرَهُ وَمُقَابِلُ الثَّانِي لُزُومُ الْإِعَادَةِ مَعَ لُزُومِ الْغُسْلِ وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ وَمُقَابِلُ الثَّالِثِ عَدَمُ لُزُومِ الْغُسْلِ مَعَ لُزُومِ الْإِعَادَةِ وَفِيهِ مَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ: فَلَا يَتَّجِهُ هَذَا عَلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ مَعَ الْغُسْلِ الْإِعَادَةَ) أَقُولُ: هَذَا مُخَالِفٌ لِقَوْلِ الْمُؤَلِّفِ سَابِقًا، فَإِنَّهُمْ لَا يُعِيدُونَ إجْمَاعًا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَفِي الْأَوَّلِ وَالثَّانِي) وَهُمَا إنْ تَوَضَّئُوا مِنْهَا وَهُمْ مُحْدِثُونَ أَوْ اغْتَسَلُوا مِنْ جَنَابَةٍ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا مَسْأَلَةُ النَّجَاسَةِ) أَيْ الْمَذْكُورَةُ فِي دَلِيلِ الْإِمَامَيْنِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 قَالَ ذَلِكَ مِنْ دَأْبِ نَفْسِهِ وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْمِيرَاثِ فَالْمَرْأَةُ مُحْتَاجَةٌ إلَى الِاسْتِحْقَاقِ وَالظَّاهِرُ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً لَهَا وَإِنَّمَا يَصْلُحُ لِلدَّفْعِ وَالْوَرَثَةُ هُمْ الدَّافِعُونَ وَفِي الْمُجْتَبَى وَحُكْمُ مَا عُجِنَ بِهِ حُكْمُ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ، وَكَانَ الصِّبَاغَيْ يُفْتِي بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَا تَعَلَّقَ بِالصَّلَاةِ وَبِقَوْلِهِمَا فِيمَا سِوَاهُ كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَمَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ احْتِيَاطٌ فِي أَمْرِ الْعِبَادَةِ وَمَا قَالَاهُ عَمَلٌ بِالْيَقِينِ وَرِفْقٌ بِالنَّاسِ وَفِي تَصْحِيحِ الشَّيْخِ قَاسِمٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِي فَتَاوَى الْعَتَّابِيِّ الْمُخْتَارُ قَوْلُهُمَا قُلْت هُوَ الْمُخَالِفُ لِعَامَّةِ الْكُتُبِ فَقَدْ رَجَحَ دَلِيلُهُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ وَقَالُوا إنَّهُ الِاحْتِيَاطُ فَكَانَ الْعَمَلُ عَلَيْهِ وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَنَّ مَا عُجِنَ بِهِ قَالَ بَعْضُهُمْ يُلْقَى إلَى الْكِلَابِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَعْلِفُ الْمَوَاشِيَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُبَاعُ مِنْ شَافِعِيِّ الْمَذْهَبِ أَوْ دَاوُدِيِّ الْمَذْهَبِ اهـ. وَاخْتَارَ الْأَوَّلَ فِي الْبَدَائِعِ وَجَزَمَ بِهِ بِصِيغَةِ قَالَ مَشَايِخُنَا يُطْعَمُ لِلْكِلَابِ. فُرُوعٌ ذَكَرَ ابْنُ رُسْتُمَ فِي نَوَادِرِهِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مَنْ وَجَدَ فِي ثَوْبِهِ مَنِيًّا أَعَادَ مِنْ آخِرِ مَا احْتَلَمَ، وَإِنْ كَانَ دَمًا لَا يُعِيدُ؛ لِأَنَّ دَمَ غَيْرِهِ قَدْ يُصِيبُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْإِصَابَةَ لَمْ تَتَقَدَّمْ زَمَانَ وُجُودِهِ فَأَمَّا مَنِيُّ غَيْرِهِ لَا يُصِيبُ ثَوْبَهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَنِيُّهُ فَيُعْتَبَرُ وُجُودُهُ مِنْ وَقْتِ وُجُودِ سَبَبِ خُرُوجِهِ حَتَّى إنَّ الثَّوْبَ لَوْ كَانَ مِمَّا يَلْبَسُهُ هُوَ وَغَيْرُهُ يَسْتَوِي فِيهِ حُكْمُ الدَّمِ وَالْمَنِيِّ وَمَشَايِخُنَا قَالُوا فِي الْبَوْلِ يُعْتَبَرُ مِنْ آخِرِ مَا بَالَ وَفِي الدَّمِ مِنْ آخِرِ مَا رُعِفَ وَفِي الْمَنِيِّ مِنْ آخِرِ مَا احْتَلَمَ أَوْ جَامَعَ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَمُرَادُهُ بِالِاحْتِلَامِ النَّوْمُ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُهُ بِدَلِيلِ مَا نَقَلَهُ فِي الْمُحِيطِ عَنْ ابْنِ رُسْتُمَ أَنَّهُ يُعِيدُ مِنْ آخِرِ نَوْمَةٍ نَامَهَا فِيهِ وَاخْتَارَ فِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ لَا يُعِيدُ شَيْئًا لَوْ رَأَى دَمًا، وَلَوْ فَتَقَ جُبَّةً فَوَجَدَ فِيهَا فَأْرَةً مَيِّتَةً وَلَمْ يَعْلَمْ مَتَى دَخَلَ فِيهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْجُبَّةِ ثَقْبٌ يُعِيدُ الصَّلَاةَ مِنْ يَوْمِ نَدَفَ الْقُطْنَ فِيهَا، وَإِنْ كَانَ فِيهِ ثَقْبٌ يُعِيدُ صَلَاةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَيَالِيِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا فِي الْبِئْرِ كَذَا فِي التَّجْنِيسِ وَالْمُحِيطِ وَفِي الذَّخِيرَةِ وَلَا بَأْسَ بِرَشِّ الْمَاءِ النَّجِسِ فِي الطَّرِيقِ وَلَا يُسْقَى لِلْبَهَائِمِ وَفِي خِزَانَةِ الْفَتَاوَى لَا بَأْسَ بِأَنْ يُسْقَى الْمَاءُ النَّجِسُ لِلْبَقَرِ وَالْإِبِلِ وَالْغَنَمِ وَحَيْثُ وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ عَلَى قَوْلِهِ فَالْمُعَادُ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْوِتْرُ وَسُنَّةُ الْفَجْرِ كَذَا فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي. (قَوْلُهُ: وَالْعَرَقُ كَالسُّؤْرِ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ فَسَادِ الْمَاءِ وَعَدَمِهِ بِاعْتِبَارِ وُقُوعِ نَفْسِ الْحَيَوَانَاتِ فِيهِ ذَكَرَهُمَا بِاعْتِبَارِ مَا يَتَوَلَّدُ مِنْهَا وَالسُّؤْرُ مَهْمُوزُ الْعَيْنِ بَقِيَّةُ الْمَاءِ الَّتِي يُبْقِيهَا الشَّارِبُ فِي الْإِنَاءِ أَوْ فِي الْحَوْضِ ثُمَّ اُسْتُعِيرَ لِبَقِيَّةِ الطَّعَامِ وَغَيْرِهِ وَالْجَمْعُ الْأَسْآرُ وَالْفِعْلُ أَسْأَرَ أَيْ أَبْقَى مِمَّا شَرِبَ أَيْ عَرَقُ كُلِّ شَيْءٍ مُعْتَبَرٌ بِسُؤْرِهِ طَهَارَةً وَنَجَاسَةً وَكَرَاهَةً؛ لِأَنَّ السُّؤْرَ مُخْتَلِطٌ بِاللُّعَابِ، وَهُوَ وَالْعَرَقُ مُتَوَلِّدَانِ مِنْ اللَّحْمِ إذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رُطُوبَةٌ بِهِ مُتَحَلِّلَةٌ مِنْ اللَّحْمِ فَأَخَذَا حُكْمَهُ وَلَا يُنْتَقَضُ بِعَرَقِ الْحِمَارِ، فَإِنَّهُ طَاهِرٌ مَعَ أَنَّ سُؤْرَهُ مَشْكُوكٌ فِيهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ خُصَّ بِرُكُوبِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْحِمَارَ مُعْرَوْرِيًا وَالْحَرُّ حَرُّ الْحِجَازِ وَالثِّقَلُ ثِقَلُ النُّبُوَّةِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَعْرَقَ الْحِمَارُ قَالَ فِي الْمُغْرِبِ فَرَسٌ عُرْيٌ لَا سَرْجَ عَلَيْهِ وَلَا لِبَدَ وَجَمْعُهُ أَعْرَاءٌ وَلَا يُقَالُ فَرَسٌ عُرْيَانُ كَمَا لَا يُقَالُ رَجُلٌ عُرْيٌ وَأَعْرَوْرَى الدَّابَّةَ رَكِبَهُ عُرْيًا وَمِنْهُ «كَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَرْكَبُ الْحِمَارَ مُعْرَوْرِيًا» ، وَهُوَ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ الْفَاعِلِ الْمُسْتَكَنِّ، وَلَوْ كَانَ مِنْ الْمَفْعُولِ لَقِيلَ مُعْرَوْرِيّ اهـ. أَوْ؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ عَرَقِهِ وَسُؤْرِهِ، فَإِنَّ سُؤْرَهُ طَاهِرٌ عَلَى الْأَصَحِّ وَالشَّكَّ إنَّمَا هُوَ فِي طَهُورِيَّتِهِ وَقَدْ ذَكَرَ قَاضِي خان فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ثَلَاثَ رِوَايَاتٍ فِي لُعَابِهِ وَعَرَقِهِ إذَا أَصَابَ الثَّوْبَ أَوْ الْبَدَنَ فِي رِوَايَةٍ مُقَدَّرٌ بِالدِّرْهَمِ وَفِي رِوَايَةٍ بِالْكَثِيرِ الْفَاحِشِ وَفِي رِوَايَةٍ لَا يُمْنَعُ وَإِنْ فَحُشَ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ أَنَّ عَرَقَهُ نَجِسٌ لَكِنْ عُفِيَ عَنْهُ لِلضَّرُورَةِ فَعَلَى هَذَا لَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ يُفْسِدُهُ وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ اهـ. وَذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ عَرَقَ الْحِمَارِ وَالْبَغْلِ إذَا أَصَابَ الثَّوْبَ لَا يُفْسِدُهُ، وَلَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ أَفْسَدَهُ يَعْنِي بِهِ لَمْ يَبْقَ طَهُورًا؛ لِأَنَّ عَرَقَهُمَا إذَا وَقَعَ فِي الْمَاءِ صَارَ الْمَاءُ مُشْكِلًا كَمَا فِي لُعَابِهِمَا وَالْمَاءُ الْمُشْكِلُ طَاهِرٌ لَكِنَّ كَوْنَهُ طَهُورًا مُشْكِلٌ فَلَا يَزُولُ الْحَدَثُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَفِي الْمُجْتَبَى وَحُكْمُ مَا عُجِنَ بِهِ حُكْمُ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ) يُنْظَرُ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا الْعَجِينِ وَالثَّوْبِ إذَا غُسِلَ لَا عَنْ نَجَاسَةٍ حَيْثُ حُكِمَ فِي الْعَجِينِ بِتَنَجُّسِهِ دُونَ الثَّوْبِ. (قَوْلُهُ: مَعَ أَنَّ سُؤْرَهُ مَشْكُوكٌ فِيهِ) أَيْ مَشْكُوكٌ فِي طَهَارَتِهِ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى قَوْلِ الْبَعْضِ، وَهُوَ غَيْرُ الْأَصَحِّ كَمَا سَيَأْتِي ثُمَّ هُنَا بَحْثٌ، وَهُوَ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْمُرَادُ بِطَهَارَةِ عَرَقِ الْحِمَارِ طَهَارَتُهُ فِي نَفْسِهِ كَمَا يَقْتَضِيهِ الْجَوَابُ الْأَوَّلُ لَزِمَ أَنَّهُ لَوْ وَقَعَ فِي مَاءٍ لَا يُصَيِّرُهُ مَشْكُوكًا لَا فِي طَهَارَتِهِ وَلَا فِي طَهُورِيَّتِهِ؛ لِأَنَّ مَا وَقَعَ فِيهِ عَلَى هَذَا طَاهِرٌ لَا شَكَّ فِيهِ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا سَيَأْتِي، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ طَهَارَةَ الْمَاءِ الَّذِي أَصَابَهُ كَمَا يَقْتَضِيه الْجَوَابُ الثَّانِي الْآتِي لَمْ يَصْلُحْ الْجَوَابُ الْأَوَّلُ لِلْجَوَابِيَّةِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: قَالَ فِي الْمُغْرِبِ: فَرَسٌ عُرْيٌ إلَخْ) الْأَوْلَى الْإِتْيَانُ بِلَكِنْ لِيُفِيدَ الِاسْتِدْرَاكَ عَلَى مَا قَبْلَهُ كَمَا فَعَلَ فِي النَّهْرِ، فَإِنَّ مَبْنَى الِاسْتِدْلَالِ عَلَى طَهَارَتِهِ عَلَى أَنَّ مُعْرَوْرِيًا حَالٌ مِنْ الْحِمَارِ، وَأَمَّا عَلَى مَا فِي الْمُغْرِبِ مِنْ أَنَّهُ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ الْفَاعِلِ فَلَا دَلَالَةَ لَكِنْ فِي كَوْنِهِ حَالًا مِنْ الْفَاعِلِ بُعْدٌ لَا يَخْفَى إذْ لَا يُبْعِدُ مِنْ حَالِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَرْكَبَ، وَهُوَ عُرْيَانُ وَقَدْ يُقَالُ إنَّ الْمَعْنَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَكِبَ حَالَ كَوْنِهِ مُعْرَوْرِيًا الْحِمَارُ فَهُوَ اسْمُ الْفَاعِلِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 الثَّابِتُ بِيَقِينٍ بِالشَّكِّ اهـ. وَهَكَذَا فِي التَّجْنِيسِ وَاعْلَمْ أَنَّ تَفْسِيرَ الْفَسَادِ بِعَدَمِ الطَّهُورِيَّةِ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ كُلٌّ مِنْ الْعَرَقِ وَاللُّعَابِ طَاهِرًا كَيْفَ يَخْرُجُ الْمَاءُ بِهِ عَنْ الطَّهُورِيَّةِ مَعَ أَنَّهُ فَرْضٌ قَلِيلٌ وَالْمَاءُ غَالِبٌ عَلَيْهِ فَلَعَلَّ الْأَشْبَهَ مَا ذَكَرَهُ قَاضِي خان فِي تَفْسِيرِ قَوْلِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ نَجِسٌ وَعُفِيَ عَنْهُ فِي الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ لِلضَّرُورَةِ فِي الْمَاءِ كَمَا لَا يَخْفَى فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَرَقِ وَالسُّؤْرِ عَلَى مَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ مِنْ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا طَاهِرٌ، وَإِذَا أَصَابَ الثَّوْبَ أَوْ الْبَدَنَ لَا يُنَجِّسُهُ، وَإِذَا وَقَعَ فِي الْمَاءِ صَارَ مُشْكِلًا وَلِهَذَا قَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْعَرَقَ وَاللُّعَابَ مَشْكُوكٌ فِيهَا اهـ. فَظَهَرَ بِهَذَا كُلِّهِ أَنَّ قَوْلَهُمْ إنَّ الْعَرَقَ كَالسُّؤْرِ عَلَى إطْلَاقِهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِثْنَاءٍ وَظَهَرَ بِهِ أَيْضًا أَنَّ مَا نَقَلَهُ الْأَتْقَانِيُّ فِي شَرْحِ الْبَزْدَوِيِّ مِنْ الْإِجْمَاعِ عَلَى طَهَارَةِ عَرَقِهِ فَلَيْسَ مِمَّا يَنْبَغِي وَكَأَنَّهُ بَنَاهُ عَلَى أَنَّهَا هِيَ الَّتِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهَا الْحَالُ. (قَوْلُهُ: وَسُؤْرُ الْآدَمِيِّ وَالْفَرَسِ وَمَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ طَاهِرٌ) أَمَّا الْآدَمِيُّ؛ فَلِأَنَّ لُعَابَهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ لَحْمٍ طَاهِرٍ، وَإِنَّمَا لَا يُؤْكَلُ لِكَرَامَتِهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْجُنُبِ وَالطَّاهِرِ وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ وَالْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى كَذَا ذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَعْنِي أَنَّ الْكُلَّ طَاهِرٌ طَهُورٌ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ وَفِيهِ نَظَرٌ فَقَدْ صَرَّحَ فِي الْمُجْتَبَى مِنْ بَابِ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ أَنَّهُ يَكْرَهَ سُؤْرُ الْمَرْأَةِ لِلرَّجُلِ وَسُؤْرُهُ لَهَا وَلِهَذَا لَمْ يُذْكَرُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ لَكِنْ قَدْ يُقَالُ الْكَرَاهَةُ الْمَذْكُورَةُ إنَّمَا هُوَ فِي الشُّرْبِ لَا فِي الطَّهَارَةِ وَاسْتَثْنَوْا مِنْ هَذَا الْعُمُومِ سُؤْرَ شَارِبِ الْخَمْرِ إذَا شَرِبَ مِنْ سَاعَتِهِ، فَإِنَّ سُؤْرَهُ نَجِسٌ لَا لِنَجَاسَةِ لَحْمِهِ بَلْ لِنَجَاسَةِ فَمه كَمَا لَوْ آدَمِيٌّ فُوهُ أَمَّا لَوْ مَكَثَ قَدْرَ مَا يَغْسِلُ فَمَه بِلُعَابِهِ ثُمَّ شَرِبَ لَا يَنْجُسُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَالتَّجْنِيسِ رَجُلٌ شَرِبَ الْخَمْرَ إنْ تَرَدَّدَ فِي فِيهِ مِنْ الْبُزَاقِ بِحَيْثُ لَوْ كَانَ ذَلِكَ الْخَمْرُ عَلَى ثَوْبٍ طَهَّرَهَا ذَلِكَ الْبُزَاقُ طَهُرَ فَمُهُ. اهـ. وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَيَسْقُطُ اعْتِبَارُ الصَّبِّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِلضَّرُورَةِ وَنَظِيرُهُ لَوْ أَصَابَ عُضْوَهُ نَجَاسَةٌ فَلَحِسَهَا حَتَّى لَمْ يَبْقَ أَثَرُهَا أَوْ قَاءَ الصَّغِيرُ عَلَى ثَدْيِ أُمِّهِ ثُمَّ مَصَّهُ حَتَّى زَالَ الْأَثَرُ طَهُرَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ فِي جَمِيعِهَا بِنَاءً عَلَى عَدَمِ جَوَازِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ بِغَيْرِ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَفِي بَعْضِ شُرُوحِ الْقُدُورِيِّ، فَإِنْ كَانَ شَارِبُ الشَّارِبِ طَوِيلًا يُنَجِّسُ الْمَاءَ، وَإِنْ شَرِبَ بَعْدَ سَاعَاتٍ؛ لِأَنَّ الشَّعْرَ الطَّوِيلَ كَمَا تَنَجَّسَ لَا يَطْهُرُ بِاللِّسَانِ اهـ. وَكَأَنَّهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ اللِّسَانُ مِنْ اسْتِيعَابِهِ بِإِصَابَةٍ بَلَّهُ إيَّاهُ بِرِيقِهِ ثُمَّ أَخْذُ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْبِلَّةِ النَّجِسَةِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، وَإِلَّا فَهُوَ لَيْسَ دُونَ الشَّفَتَيْنِ وَالْفَمِ فِي تَطْهِيرِهِ بِالرِّيقِ تَفْرِيعًا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ فِي جَوَازِ التَّطْهِيرِ مِنْ النَّجَاسَةِ بِغَيْرِ الْمَاءِ كَذَا فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَتَنَجَّسَ سُؤْرُ الْجُنُبِ عَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَةِ الْمُسْتَعْمَلِ لِسُقُوطِ الْفَرْضِ بِهِ قُلْنَا مَا يُلَاقِي الْمَاءَ مِنْ فَمِهِ مَشْرُوبٌ سَلَّمْنَا أَنَّهُ لَيْسَ بِمَشْرُوبٍ لَكِنْ لِحَاجَةٍ فَلَا يُسْتَعْمَلُ بِهِ كَإِدْخَالِ يَدِهِ فِي الْحُبِّ لِإِخْرَاجِ كُوزِهِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْمِيَاهِ وَقَدْ نَقَلُوا رِوَايَتَيْنِ فِي رَفْعِ الْحَدَثِ بِهَذَا الشُّرْبِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ تَرْجِيحُ أَنَّهُ رَافِعٌ فَلَا يَصِيرُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا لِلْحَرَجِ لَكِنْ صَرَّحَ يَعْقُوبُ بَاشَا بِأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ الْفَرْضَ لَا يَسْقُطُ بِهِ وَيَدُلُّ عَلَى طَهَارَةِ سُؤْرِ الْآدَمِيِّ مُطْلَقًا مَا رَوَاهُ مَالِكٌ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُتِيَ بِلَبَنٍ قَدْ شِيبَ بِمَاءٍ وَعَنْ يَمِينِهِ أَعْرَابِيٌّ وَعَنْ يَسَارِهِ أَبُو بَكْرٍ فَشَرِبَ ثُمَّ أَعْطَى الْأَعْرَابِيَّ وَقَالَ الْأَيْمَنُ فَالْأَيْمَنُ» وَرَوَى مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ «عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - كُنْت أَشْرَبُ وَأَنَا حَائِضٌ فَأُنَاوِلُهُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَضَعُ فَاهُ عَلَى مَوْضِعِ فِي» وَلَمَّا أَنْزَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْضَ الْمُشْرِكِينَ فِي الْمَسْجِدِ وَمَكَّنَهُ مِنْ الْمَبِيتِ فِيهِ عَلَى مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: 28] النَّجَاسَةُ فِي اعْتِقَادِهِمْ وَقَدْ رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَقِيَ حُذَيْفَةَ فَمَدَّ يَدَهُ لِيُصَافِحَهُ فَقَبَضَ يَدَهُ وَقَالَ إنِّي جُنُبٌ فَقَالَ   [منحة الخالق] مِنْ اعْرَوْرَى الْمُتَعَدِّي حُذِفَ مَفْعُولُهُ لِلْعِلْمِ بِهِ (قَوْلُهُ: وَلِهَذَا قَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الشَّكَّ فِي الْعَرَقِ وَاللُّعَابِ نَفْسِهِمَا فَيَكُونُ الشَّكُّ فِي طَهَارَتِهِمَا إذْ لَا طَهُورِيَّةَ فِيهِمَا إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْمَاءُ الَّذِي أَصَابَهُ الْعَرَقُ وَاللُّعَابُ مَشْكُوكٌ فِيهِ أَيْ فِي طَهُورِيَّتِهِ تَأَمَّلْ. [طَهَارَة سُؤْرُ الْآدَمِيِّ وَالْفَرَسِ وَمَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ] (قَوْلُهُ: إنَّهُ يُكْرَهُ سُؤْرُ الْمَرْأَةِ لِلرَّجُلِ وَسُؤْرُهُ لَهَا) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَقُولُ: يَجِبُ تَقْيِيدُهُ بِغَيْرِ الزَّوْجَةِ وَالْمَحَارِمِ وَسَيَأْتِي حَدِيثُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - مُصَرِّحًا بِالْأُولَى (قَوْلُهُ: إنَّمَا هُوَ فِي الشُّرْبِ لَا فِي الطَّهَارَةِ) أَيْ لَيْسَ لِعَدَمِ طَهَارَتِهِ بَلْ لِلِاسْتِلْذَاذِ الْحَاصِلِ لِلشَّارِبِ إثْرَ صَاحِبِهِ (قَوْلُهُ: أَمَّا لَوْ مَكَثَ قَدْرَ مَا يَغْسِلُ فَمَه بِلُعَابِهِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: حَتَّى لَوْ شَرِبَ بَعْدَ شُرْبِهِ الْخَمْرَ فَوْرًا كَانَ سُؤْرُهُ نَجِسًا إلَّا أَنْ يَبْلَعَ رِيقَهُ ثَلَاثًا عِنْدَ الْإِمَامِ قِيلَ وَالثَّانِي وَيَسْقُطُ اشْتِرَاطُ الصَّبِّ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَالتَّقْيِيدُ بِالثَّلَاثِ جَرَى عَلَيْهِ كَثِيرٌ (قَوْلُهُ: لَكِنْ صَرَّحَ يَعْقُوبُ بَاشَا بِأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ الْفَرْضَ لَا يَسْقُطُ بِهِ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْمُؤْمِنُ لَيْسَ بِنَجِسٍ» ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ فِي الْمَصَابِيحِ، وَأَمَّا سُؤْرُ الْفَرَسِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْهُ طَهُورِيَّتُهُ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، وَهُوَ قَوْلُهُمَا؛ لِأَنَّ كَرَاهَةَ لَحْمِهِ عِنْدَهُ لِاحْتِرَامِهِ؛ لِأَنَّهُ آلَةُ الْجِهَادِ لَا لِنَجَاسَةٍ فَلَا يُؤَثِّرُ فِي كَرَاهَةِ سُؤْرِهِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهِ، وَأَمَّا سُؤْرُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ؛ فَلِأَنَّهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ لَحْمٍ طَاهِرٍ فَأَخَذَ حُكْمَهُ وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ الْإِبِلُ الْجَلَّالَةُ وَالْبَقَرُ الْجَلَّالَةُ وَالدَّجَاجَةُ الْمُخَلَّاةُ كَمَا سَيَأْتِي وَالْجَلَّالَةُ الَّتِي تَأْكُلُ الْجَلَّةَ بِالْفَتْحِ وَهِيَ فِي الْأَصْلِ الْبَعْرَةُ وَقَدْ يُكَنَّى بِهَا عَنْ الْعَذِرَةِ، وَهِيَ هُنَا مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْمُغْرِبِ وَيُلْحَقُ بِمَا يُؤْكَلُ مَا لَيْسَ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ مِمَّا يَعِيشُ فِي الْمَاءِ وَغَيْرِهِ كَذَا فِي التَّبْيِينِ. (قَوْلُهُ: وَالْكَلْبُ وَالْخِنْزِيرُ وَسِبَاعُ الْبَهَائِمِ نَجِسٌ) أَيْ سُؤْرُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ نَجِسٌ وَالْمُرَادُ بِسِبَاعِ الْبَهَائِمِ نَحْوُ الْأَسَدِ وَالْفَهْدِ وَالنَّمِرِ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْلُهُ وَالْكَلْبُ إلَى آخِرِهِ بِالرَّفْعِ أَجْوَدُ عَلَى أَنَّهُ حُذِفَ الْمُضَافُ وَأُقِيمَ الْمُضَافُ إلَيْهِ مُقَامَهُ وَذَلِكَ جَائِزٌ بِالِاتِّفَاقِ إذَا كَانَ الْكَلَامُ مُشْعِرًا بِحَذْفِهِ وَقَدْ وُجِدَ هُنَا مَا يُشْعِرُ بِحَذْفِهِ، وَهُوَ تَقَدُّمُ ذِكْرِ السُّؤْرِ، وَلَوْ جُرَّ عَلَى أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ مِنْ الْمَجْرُورِ وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ الْعَطْفُ عَلَى عَامِلَيْنِ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ وَيَجُوزُ عِنْدَ الْفَرَّاءِ، وَلَوْ قِيلَ إنَّهُ مَجْرُورٌ عَلَى أَنَّهُ حُذِفَ الْمُضَافُ وَتُرِكَ الْمُضَافُ إلَيْهِ عَلَى إعْرَابِهِ كَانَ جَائِزًا إلَّا أَنَّهُ قَلِيلٌ نَحْوُ قَوْلِهِمْ مَا كُلُّ سَوْدَاءَ تَمْرَةٌ وَلَا كُلُّ بَيْضَاءَ شَحْمَةٌ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَتَقَدَّمَ فِي اللَّفْظِ ذِكْرُ الْمُضَافِ اهـ. وَقَدْ أَطَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْكَلَامَ مَعَ عَدَمِ التَّحْرِيمِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ الْعَطْفُ عَلَى عَامِلَيْنِ مَجَازًا إنَّمَا يَلْزَمُ مِنْهُ الْعَطْفُ عَلَى مَعْمُولَيْ عَامِلِينَ؛ لِأَنَّ الْكَلْبَ مَعْطُوفٌ عَلَى الْآدَمِيِّ، وَهُوَ مَعْمُولٌ لِلْمُضَافِ أَعْنِي سُؤْرٌ وَنَجِسٌ مَعْطُوفٌ عَلَى طَاهِرٍ، وَهُوَ مَعْمُولُ الْمُبْتَدَأِ أَعْنِي سُؤْرَ فَكَانَ فِيهِ الْعَطْفُ عَلَى مَعْمُولِينَ وَهُمَا الْآدَمِيُّ وَطَاهِرٌ لِعَامِلَيْنِ وَهُمَا الْمُضَافُ وَالْمُبْتَدَأُ هَذَا إذَا كَانَ الْمُضَافُ عَامِلًا فِي الْمُضَافِ إلَيْهِ أَمَّا إذَا كَانَ الْعَامِلُ هُوَ الْإِضَافَةَ فَلَا إشْكَالَ أَنَّهُ مِنْ بَابِ الْعَطْفِ عَلَى مَعْمُولَيْ عَامِلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ قَالَ فِي الْمُغْنِي وَقَوْلُهُمْ عَلَى عَامِلَيْنِ فِيهِ تَجَوُّزٌ قَالَ الشُّمُنِّيُّ يَعْنِي بِحَذْفِ الْمُضَافِ قَالَ الرَّضِيُّ مَعْنَى قَوْلِهِمْ الْعَطْفُ عَلَى عَامِلَيْنِ أَنْ تَعْطِفَ بِحَرْفٍ وَاحِدٍ مَعْمُولَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ كَانَا فِي الْإِعْرَابِ كَالْمَنْصُوبِ وَالْمَرْفُوعِ أَوْ مُتَّفِقَيْنِ كَالْمَنْصُوبِينَ عَلَى مَعْمُولَيْ عَامِلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ نَحْوُ إنَّ زَيْدًا ضَرَبَ عَمْرًا وَبَكْرًا خَالِدًا فَهُوَ عَطْفُ مُتَّفِقَيْ الْإِعْرَابِ عَلَى مَعْمُولَيْ عَامِلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ وَقَوْلِك إنَّ زَيْدًا ضَرَبَ غُلَامَهُ وَبَكْرًا أَخُوهُ عَطْفُ مُخْتَلِفَيْ الْإِعْرَابِ وَلَا يُعْطَفُ الْمَعْمُولَانِ عَلَى عَامِلَيْنِ بَلْ عَلَى مَعْمُولَيْهِمَا فَهَذَا الْقَوْلُ مِنْهُمْ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ اهـ. وَفِي الْمُغْنِي الْحَقُّ جَوَازُ الْعَطْفِ عَلَى مَعْمُولَيْ عَامِلَيْنِ فِي نَحْوِ فِي الدَّارِ زَيْدٌ وَالْحُجْرَةِ عَمْرٌو اهـ. أَمَّا سُؤْرُ الْكَلْبِ فَهُوَ طَاهِرٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَمَنْ تَبِعَهُ وَلَكِنْ يُغْسَلُ الْإِنَاءُ مِنْهُ سَبْعًا تَعَبُّدًا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إنَّهُ نَجِسٌ وَيُغْسَلُ الْإِنَاءُ مِنْهُ سَبْعًا إحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ لِمَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ «قَالَ يُغْسَلُ الْإِنَاءُ إذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ سَبْعَ مَرَّاتٍ أُولَاهُنَّ وَأُخْرَاهُنَّ بِالتُّرَابِ» رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُد «طَهُورُ إنَاءِ أَحَدِكُمْ إذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ أَنْ يُغْسَلَ سَبْعَ مَرَّاتٍ» وَرَوَاهُ أَيْضًا مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيُرِقْهُ ثُمَّ لِيَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ» رَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا شَرِبَ الْكَلْبُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ» قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إنَّ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ تَوَاتَرَتْ طُرُقُهُ وَكَثُرَتْ عَنْهُ وَالْأَمْرُ بِالْإِرَاقَةِ دَلِيلُ التَّنَجُّسِ وَكَذَا الطَّهُورُ؛ لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الطَّهَارَةِ فَيَسْتَدْعِي سَابِقَيْهِ الْحَدَثُ أَوْ الْخَبَثُ وَلَا حَدَثَ فِي الْإِنَاءِ فَتَعَيَّنَ الثَّانِي؛ وَلِأَنَّهُ مَتَى دَارَ الْحُكْمُ بَيْنَ كَوْنِهِ تَعَبُّدِيًّا وَمَعْقُولَ الْمَعْنَى كَانَ جَعْلُهُ مَعْقُولَ الْمَعْنَى هُوَ الْوَجْهَ لِنُدْرَةِ التَّعَبُّدِ وَكَثْرَةِ التَّعَقُّلِ وَلَنَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يُغْسَلُ الْإِنَاءُ مِنْ وُلُوغِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَأَمَّا سُؤْرُ الْفَرَسِ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَخَصَّهَا بِالذِّكْرِ، وَإِنْ دَخَلَتْ فِيمَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ لِلِاخْتِلَافِ فِي عِلَّةِ الْكَرَاهَةِ وَإِنْ كَانَتْ عَلَى الظَّاهِرِ؛ لِأَنَّهَا آلَةُ الْجِهَادِ إذْ لَا خُبْثَ فِي لَحْمِهَا بِدَلِيلِ الْإِجْمَاعِ عَلَى حِلِّ لَبَنِهَا. [سُؤْرُ الْكَلْب وَالْخِنْزِير وَسِبَاعُ الْبَهَائِمِ] (قَوْلُهُ: وَسِبَاعُ الْبَهَائِمِ) قَالَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ هِيَ مَا كَانَ يَصْطَادُ بِنَابِهِ كَالْأَسَدِ وَالذِّئْبِ وَالْفَهْدِ وَالنَّمِرِ وَالثَّعْلَبِ وَالْفِيلِ وَالضَّبُعِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: فَلَا إشْكَالَ أَنَّهُ مِنْ بَابِ الْعَطْفِ عَلَى مَعْمُولَيْ عَامِلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ) يُشِيرُ إلَى أَنَّ فِي التَّقْرِيرِ السَّابِقِ إشْكَالًا؛ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى تَنْزِيلِ اخْتِلَافِ الْعَمَلِ مَنْزِلَةَ اخْتِلَافِ الْعَامِلِ؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ، وَهُوَ سُؤْرٌ وَاحِدٌ فِي الْحَقِيقَةِ لَكِنَّ عَمَلَهُ فِي الْمُضَافِ إلَيْهِ، وَفِي الْخَبَرِ مُخْتَلِفٌ فَكَانَ كَعَامِلَيْنِ وَكَذَا لَا إشْكَالَ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْعَامِلَ فِي الْخَبَرِ هُوَ الِابْتِدَاءُ أَوْ الِابْتِدَاءُ وَالْمُبْتَدَأُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 الْكَلْبِ ثَلَاثًا» رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِعْلًا وَقَوْلًا مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا مِنْ طَرِيقَتَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي الْإِنَاءِ فَأَهْرِقْهُ ثُمَّ اغْسِلْهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ» وَأَخْرَجَهُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ «إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي الْإِنَاءِ أَهْرِقْهُ وَغَسِّلْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ» قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْإِلْمَامِ هَذَا إسْنَادٌ صَحَّحَ الطَّرِيقَ الثَّانِيَ أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ الْكَرَابِيسِيِّ بِسَنَدِهِ إلَى عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيُهْرِقْهُ وَلْيَغْسِلْهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ» وَلَمْ يَرْفَعْهُ غَيْرُ الْكَرَابِيسِيِّ قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ قَالَ لَنَا أَحْمَدُ الْحُسَيْنُ الْكَرَابِيسِيُّ يُسْأَلْ عَنْهُ وَلَهُ كُتُبٌ مُصَنَّفَةٌ ذَكَرَ فِيهَا اخْتِلَافَ النَّاسِ مِنْ الْمَسَائِلِ وَذَكَرَ فِيهَا أَخْبَارًا كَثِيرَةً وَكَانَ حَافِظًا لَهَا وَلَمْ أَجِدْ لَهُ مُنْكَرًا غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ وَاَلَّذِي حَمَلَ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ مِنْ أَجْلِ اللَّفْظِ بِالْقُرْآنِ فَأَمَّا فِي الْحَدِيثِ فَلَمْ أَرَ بِهِ بَأْسًا اهـ. وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْحُكْمَ بِالضَّعْفِ وَالصِّحَّةِ إنَّمَا هُوَ فِي الظَّاهِرِ أَمَّا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَيَجُوزُ صِحَّةُ مَا حُكِمَ بِضَعْفِهِ ظَاهِرًا وَثُبُوتُ كَوْنِ مَذْهَبِ أَبِي هُرَيْرَةَ ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ بِالسَّنَدِ الصَّحِيحِ قَرِينَةٌ تُفِيدُ أَنَّ هَذَا مِمَّا أَجَادَهُ الرَّاوِي الْمُضَعَّفُ وَحِينَئِذٍ يُعَارِضُ حَدِيثَ السَّبُعِ وَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَعَ حَدِيثِ السَّبْعِ دَلَالَةَ التَّقَدُّمِ لِلْعِلْمِ بِمَا كَانَ مِنْ التَّشْدِيدِ فِي أَمْرِ الْكِلَابِ أَوَّلَ الْأَمْرِ حَتَّى أَمَرَ بِقَتْلِهَا وَالتَّشْدِيدُ فِي سُؤْرِهَا يُنَاسِبُ كَوْنَهُ إذْ ذَاكَ وَقَدْ ثَبَتَ نَسْخُ ذَلِكَ فَإِذَا عَارَضَ قَرِينَهُ مُعَارِضٌ كَانَتْ التَّقَدُّمَةُ لَهُ وَلَوْ طَرَحْنَا الْحَدِيثَ بِالْكُلِّيَّةِ كَانَ فِي عَمَلِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَلَى خِلَافِ حَدِيثِ السَّبْعِ، وَهُوَ رِوَايَةُ كِفَايَةٌ لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يَتْرُكَ الْقَطْعِيُّ بِالرَّأْيِ مِنْهُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ ظَنِّيَّةَ خَبَرِ الْوَاحِدِ إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِ رَاوِيهِ فَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى رَاوِيه الَّذِي سَمِعَهُ مِنْ فِي النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَطْعِيٌّ حَتَّى يُنْسَخَ بِهِ الْكِتَابُ إذَا كَانَ قَطْعِيَّ الدَّلَالَةِ فِي مَعْنَاهُ فَلَزِمَ أَنَّهُ لَا يَتْرُكُهُ إلَّا لِقَطْعِهِ بِالنَّاسِخِ إذْ الْقَطْعِيُّ لَا يُتْرَكُ إلَّا لِقَطْعِيٍّ فَبَطَلَ تَجْوِيزُهُمْ تَرْكَهُ بِنَاءً عَلَى ثُبُوتِ نَاسِخٍ فِي اجْتِهَادِهِ الْمُحْتَمِلِ لِلْخَطَأِ، وَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ كَانَ تَرْكُهُ بِمَنْزِلَةِ رِوَايَتِهِ لِلنَّاسِخِ بِلَا شُبْهَةٍ فَيَكُونُ الْآخَرُ مَنْسُوخًا بِالضَّرُورَةِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: وَلَوْ وَجَبَ الْعَمَلُ بِرِوَايَةِ السَّبْعِ وَلَا يُجْعَلُ مَنْسُوخًا لَكَانَ مَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُغَفَّلِ فِي ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْلَى مِمَّا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ لِأَنَّهُ زَادَ عَلَيْهِ «وَعَفِّرُوا الثَّامِنَةَ بِالتُّرَابِ» وَالزَّائِدُ أَوْلَى مِنْ النَّاقِصِ فَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُخَالِفِ أَنْ يَعْمَلَ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ فَإِنْ تَرَكَهَا لَزِمَهُ مَا لَزِمَ خَصْمَهُ فِي تَرْكِ السَّبْعِ وَمَالِكٌ لَمْ يَأْخُذْ بِالتَّعْفِيرِ الثَّابِتِ فِي الصَّحِيحِ مُطْلَقًا فَثَبَتَ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ اهـ. وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغَفَّلِ مُجْمَعٌ عَلَى صِحَّتِهِ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد فَكَانَ الْأَخْذُ بِرِوَايَتِهِ أَحْوَطَ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «إذَا وَلَغَ السِّنَّوْرُ فِي الْإِنَاءِ يُغْسَلُ سَبْعَ مَرَّاتٍ» وَلَمْ يَعْمَلُوا بِهِ وَكُلُّ جَوَابٍ لَهُمْ عَنْ ذَلِكَ فَهُوَ جَوَابُنَا عَمَّا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ أَوْ يُحْمَلُ مَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي «الْكَلْبِ يَلَغُ فِي الْإِنَاءِ أَنَّهُ يُغْسَلُ ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا» فَخَيَّرَهُ، وَلَوْ كَانَ التَّسْبِيعُ وَاجِبًا لَمَا خَيَّرَهُ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الطَّحَاوِيَّ وَالْوَبَرِيَّ نَقَلَا أَنَّ أَصْحَابَنَا لَمْ يَحُدُّوا لِغَسْلِ الْإِنَاءِ مِنْهُ حَدًّا بَلْ الْعِبْرَةُ لِأَكْبَرِ الرَّأْيِ، وَلَوْ بِمَرَّةٍ كَمَا هُوَ الْحُكْمُ فِي غَسْلِ غَيْرِهِ مِنْ النَّجَاسَاتِ ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ فِي كِتَابِ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا أَنَّهُ يُغْسَلُ الْإِنَاءُ مِنْ وُلُوغِهِ ثَلَاثًا، وَهُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ الَّذِي اسْتَدَلُّوا بِهِ وَسَيَأْتِي بَيَانُ أَنَّ الثَّلَاثَ هَلْ هِيَ شَرْطٌ فِي إزَالَةِ الْأَنْجَاسِ أَوْ لَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَفِي النِّهَايَةِ الْوُلُوغُ حَقِيقَةً شُرْبُ الْكَلْبِ الْمَائِعَاتِ بِأَطْرَافِ لِسَانِهِ وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ أَنَّ الْمَاضِيَ وَالْمُضَارِعَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ تَقُولُ وَلَغَ يَلَغُ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ سُؤْرَ الْكَلْبِ نَجِسٌ عِنْدَ أَصْحَابِنَا جَمِيعًا أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَةِ عَيْنِهِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الْمُصَحَّحِ بِطَهَارَةِ عَيْنِهِ؛ فَلِأَنَّ لَحْمَهُ نَجِسٌ وَلُعَابُهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ لَحْمِهِ   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 وَلَا يَلْزَمُ مِنْ طَهَارَةِ عَيْنِهِ طَهَارَةُ سُؤْرِهِ لِنَجَاسَةِ لَحْمِهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ نَجَاسَةِ سُؤْرِهِ نَجَاسَةُ عَيْنِهِ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ مِنْ نَجَاسَةِ سُؤْرِهِ نَجَاسَةُ لَحْمِهِ الْمُتَوَلِّدِ مِنْهُ اللُّعَابُ كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي التَّجْنِيسِ وَفَتْحِ الْقَدِيرِ وَغَيْرِهِمَا وَسَيَأْتِي إيضَاحُهُ فِي الْكَلَامِ عَلَى سُؤْرِ السِّبَاعِ وَالْمَذْكُورُ فِي كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ كَالْمُهَذَّبِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْوُلُوغِ وَوَضْعِ بَعْضِ عُضْوٍ فِي الْإِنَاءِ وَلَمْ أَرَ هَذَا فِي كُتُبِنَا وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ كَلَامُهُمْ عَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَةِ عَيْنِهِ تَنَجُّسُ الْمَاءِ وَعَلَى الْقَوْلِ بِطَهَارَةِ عَيْنِهِ عَدَمُ تَنَجُّسِهِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي الْبِئْرِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ؛ لِأَنَّ مَاءَ الْبِئْرِ فِي حُكْمِ الْمَاءِ الْقَلِيلِ كَمَاءِ الْآنِيَةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ وُلُوغِ كَلْبٍ أَوْ كَلْبَيْنِ فِي الِاكْتِفَاءِ بِالثَّلَاثِ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ لَمْ يُوجِبْ تَنَجُّسًا كَمَا لَا يَخْفَى، وَإِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي طَعَامٍ فَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ كَلَامُهُمْ أَنَّهُ إنْ كَانَ جَامِدًا قَوَّرَ مَا حَوْلَهُ وَأَكَلَ الْبَاقِيَ، وَإِنْ كَانَ مَائِعًا انْتَفَعَ بِهِ فِي غَيْرِ الْأَبْدَانِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَأَمَّا سُؤْرُ الْخِنْزِيرِ؛ فَلِأَنَّهُ نَجِسُ الْعَيْنِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ} [الأنعام: 145] وَالرِّجْسُ النَّجَسُ، وَالضَّمِيرُ عَائِدًا إلَيْهِ لِقُرْبِهِ وَقَدْ بَسَطْنَا الْكَلَامَ فِيهِ فِي الْكَلَامِ عَلَى جِلْدِهِ. وَأَمَّا سُؤْرُ سِبَاعِ الْبَهَائِمِ فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ بِطَهَارَتِهِ مُحْتَجًّا بِمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ عَنْ جَابِرٍ قَالَ «قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَتَوَضَّأُ بِمَا أَفَضَلَتْ الْحُمْرُ قَالَ نَعَمْ وَبِمَا أَفَضَلَتْ السِّبَاعُ كُلُّهَا» . وَبِمَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - خَرَجَ فِي رَكْبٍ فِيهِمْ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ حَتَّى وَرَدُّوا حَوْضًا فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ يَا صَاحِبَ الْحَوْضِ هَلْ تَرِدُ حَوْضَك السِّبَاعُ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَا صَاحِبَ الْحَوْضِ لَا تُخْبِرْهُ فَإِنَّا نَرِدُ عَلَى السِّبَاعِ وَتَرِدُ عَلَيْنَا وَبِمَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَعْضِ أَسْفَارٍ فَسَارَ لَيْلًا فَمَرُّوا عَلَى رَجُلٍ عِنْدَ مِقْرَاةٍ لَهُ فَقَالَ عُمَرُ يَا صَاحِبَ الْمِقْرَاةِ أَوَلَغَتْ السِّبَاعُ اللَّيْلَةَ فِي مِقْرَاتِك فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَا صَاحِبَ الْمِقْرَاةِ لَا تُخْبِرْهُ هَذَا مُتَكَلِّفٌ لَهَا مَا حَمَلَتْ فِي بُطُونِهَا وَلَنَا مَا بَقِيَ شَرَابٌ وَطَهُورٌ» وَلَنَا «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ» وَالظَّاهِرُ مِنْ الْحُرْمَةِ مَعَ كَوْنِهِ صَالِحًا لِلْغِذَاءِ غَيْرَ مُسْتَقْذَرٍ طَبْعًا كَوْنُهُ لِلنَّجَاسَةِ وَخُبْثُ طِبَاعِهَا لَا يُنَافِيهِ بَلْ ذَلِكَ يَصْلُحُ مُثِيرًا لِحُكْمِ النَّجَاسَةِ فَلْيَكُنْ الْمُثِيرُ لَهَا فَيُجَامِعُهَا تَرْتِيبًا عَلَى الْوَصْفِ الصَّالِحِ لِلْعِلِّيَّةِ مُقْتَضَاهُ؛ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ ضَرُورَةٌ وَعُمُومُ بَلْوَى فَيَخْرُجُ السِّنَّوْرُ وَالْفَأْرَةُ؛ وَلِأَنَّ لِسَانَهُ يُلَاقِيَ الْمَاءَ فَيَخْرُجُ سِبَاعُ الطَّيْرِ لِأَنَّهُ يَشْرَبُ بِمِنْقَارِهِ كَمَا سَيَأْتِي وَلَمْ تَتَعَارَضْ أَدِلَّتُهُ فَيَخْرُجُ الْبَغْلُ وَالْحِمَارُ وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَقَدْ اعْتَرَفَ النَّوَوِيُّ بِضَعْفِهِ، وَأَمَّا أَثَرُ الْمُوَطَّإِ فَهُوَ، وَإِنْ صَحَّحَهُ الْبَيْهَقِيّ وَذَكَرَ أَنَّهُ مُرْسَلٌ يُحْتَجُّ بِهِ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ فَقَدْ ضَعَّفَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ مَاجَهْ فَقَدْ ضَعَّفَهُ ابْنُ عَدِيٍّ وَعَلَى تَسْلِيمِ الصِّحَّةِ يُحْمِلُ عَلَى الْمَاءِ الْكَثِيرَ أَوْ عَلَى مَا قَبْلَ تَحْرِيمِ لُحُومِ السِّبَاعِ أَوْ عَلَى حُمُرِ الْوُحُوشِ وَسِبَاعِ الطَّيْرِ بِدَلِيلِ مَا تَمَسَّكُوا بِهِ مِنْ حَدِيثِ الْقُلَّتَيْنِ، فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ خَبَثًا» جَوَابًا لِسُؤَالِهِ عَنْ الْمَاءِ يَكُونُ فِي الْفَلَاةِ وَمَا يَنُوبُهُ مِنْ السِّبَاعِ إعْطَاءً لِحُكْمِ هَذَا الْمَاءِ الَّذِي تَرِدُهُ السِّبَاعُ وَغَيْرُهُ، فَإِنَّ الْجَوَابَ لَا بُدَّ أَنْ يُطَابِقَ أَوْ يَزِيدَ فَيَنْدَرِجَ فِيهِ الْمَسْئُولُ عَنْهُ وَغَيْرُهُ وَقَدْ قَالَ بِمَفْهُومِ شَرْطِهِ فَنَجَّسَ مَا دُونَ الْقُلَّتَيْنِ، وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ وَحَقِيقَةُ مَفْهُومِ شَرْطِهِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَبْلُغْهَا يَتَنَجَّسُ مِنْ وُرُودِ السِّبَاعِ، وَهَذَا مِنْ الْوُجُوهِ الْإِلْزَامِيَّةِ لَهُ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ فِي مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا فِي سُؤْرِ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِنْ السِّبَاعِ إشْكَالًا، فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ؛ لِأَنَّهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ لَحْمٍ نَجِسٍ ثُمَّ يَقُولُونَ إذَا ذُكِّيَ طَهُرَ؛ لِأَنَّ نَجَاسَتَهُ لِأَجْلِ رُطُوبَةِ الدَّمِ وَقَدْ خَرَجَ بِالذَّكَاةِ، فَإِنْ كَانُوا يَعْنُونَ بِقَوْلِهِمْ نَجِسٌ نَجَاسَةَ عَيْنِهِ وَجَبَ أَنْ لَا يَطْهُرَ بِالذَّكَاةِ كَالْخِنْزِيرِ، وَإِنْ كَانُوا يَعْنُونَ بِهِ لِأَجْلِ مُجَاوَرَةِ الدَّمِ فَالْمَأْكُولُ كَذَلِكَ يُجَاوِرُهُ الدَّمُ فَمِنْ أَيْنَ جَاءَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمَا فِي السُّؤْرِ إذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا يَطْهُرُ بِالذَّكَاةِ وَيَتَنَجَّسُ بِمَوْتِهِ حَتْفَ أَنْفِهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا إلَّا فِي الْمُذَكَّى فِي حَقِّ الْأَكْلِ وَالْحُرْمَةُ لَا تُوجِبُ النَّجَاسَةَ وَكَمْ مِنْ طَاهِرٍ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَطْهُرُ بِالذَّكَاةِ   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 إلَّا جِلْدَهُ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ لَحْمِهِ لَا لِكَرَامَتِهِ آيَةُ نَجَاسَتِهِ لَكِنَّ بَيْنَ الْجِلْدِ وَاللَّحْمِ جَلْدَةٌ رَقِيقَةٌ تَمْنَعُ تَنَجُّسَ الْجِلْدِ بِاللَّحْمِ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لِنَجَاسَةِ السُّؤْرِ إلَّا بِهَذَا الطَّرِيقِ اهـ. وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْعِنَايَةِ حَاصِلَ هَذَا الْإِشْكَالِ وَذَكَرَ أَنَّهَا نُكْتَةٌ لَا بَأْسَ بِالتَّنْبِيهِ عَلَيْهَا ثَمَّ قَالَ وَحَلُّهَا أَنَّ الْمُرَادَ بِاللَّحْمِ الطَّاهِرِ الْمُتَوَلِّدِ مِنْهُ اللُّعَابُ مَا يَحِلُّ أَكْلُهُ بَعْدَ الذَّبْحِ، وَبِالنَّجَسِ مَا يُقَابِلُهُ، وَهَذَا لِأَنَّهُمَا اشْتَرَكَا فِي النَّجَاسَةِ الْمُجَارَةِ بِالدَّمِ الْمَسْفُوحِ قَبْلَ الذَّبْحِ، فَإِنَّ الشَّاةَ لَا تُؤْكَلُ إذَا مَاتَتْ حَتْفَ أَنْفِهَا وَاشْتَرَكَا فِي الطَّهَارَةِ بَعْدَهُ لِزَوَالِ الْمُنَجِّسِ، وَهُوَ الدَّمُ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا إلَّا أَنَّ الشَّاةَ تُؤْكَلُ بَعْدَ الذَّبْحِ دُونَ الْكَلْبِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا أَيْضًا فِي الظَّاهِرِ إلَّا اخْتِلَاطُ اللُّعَابِ الْمُتَوَلِّدِ مِنْ اللَّحْمِ فَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ اللُّعَابَ الْمُتَوَلِّدَ مِنْ لَحْمِ مَأْكُولٍ بَعْدَ الذَّبْحِ طَاهِرٌ بِلَا كَرَاهَةٍ دُونَ غَيْرِهِ إضَافَةً لِلْحُكْمِ إلَى الْفَارِقِ صِيَانَةً لِحُكْمِ الشَّرْعِ عَنْ الْمُنَاقَضَةِ ظَاهِرًا هَذَا مَا سَنَحَ لِي اهـ. وَلَا يَخْفَى مَا فِي هَذَا الْجَوَابِ، فَإِنَّ قَوْلَ الزَّيْلَعِيِّ وَالْحُرْمَةُ لَا تُوجِبُ النَّجَاسَةَ يَرُدُّهُ بَلْ الْجَوَابُ الصَّحِيحُ مَا فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ، وَهُوَ أَنَّ الْحُرْمَةَ إذَا لَمْ تَكُنْ لِلْكَرَامَةِ، فَإِنَّهَا آيَةُ النَّجَاسَةِ لَكِنَّ فِيهِ شُبْهَةَ أَنَّ النَّجَاسَةَ لِاخْتِلَاطِ الدَّمِ بِاللَّحْمِ إذْ لَوْلَا ذَلِكَ بَلْ نَجَاسَتُهُ لِذَاتِهِ لَكَانَ نَجِسَ الْعَيْنِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَغَيْرُ مَأْكُولِ اللَّحْمِ إذَا كَانَ حَيًّا فَلُعَابُهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ اللَّحْمِ الْحَرَامِ الْمَخْلُوطِ بِالدَّمِ فَيَكُونُ نَجِسًا لِاجْتِمَاعِ الْأَمْرَيْنِ أَمَّا فِي مَأْكُولِ اللَّحْمِ فَلَمْ يُوجَدْ إلَّا أَحَدُهُمَا، وَهُوَ الِاخْتِلَاطُ بِالدَّمِ فَلَمْ يُوجِبْ نَجَاسَةَ السُّؤْرِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْعِلَّةَ بِانْفِرَادِهَا ضَعِيفَةٌ إذْ الدَّمُ الْمُسْتَقِرُّ فِي مَوْضِعِهِ لَمْ يُعْطِ لَهُ حُكْمَ النَّجَاسَةِ فِي الْحَيِّ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ حَيًّا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُذَكًّى كَانَ نَجِسًا سَوَاءٌ كَانَ مَأْكُولَ اللَّحْمِ أَوْ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ حَرَامًا بِالْمَوْتِ فَالْحُرْمَةُ مَوْجُودَةٌ مَعَ اخْتِلَاطِ الدَّمِ فَيَكُونُ نَجِسًا، فَإِذَا كَانَ مُذَكًّى كَانَ طَاهِرًا أَمَّا فِي مَأْكُولِ اللَّحْمِ؛ فَلِأَنَّهُ لَمْ تُوجَدْ الْحُرْمَةُ وَلَا اخْتِلَاطُ الدَّمِ، وَأَمَّا فِي غَيْرِ مَأْكُولِ اللَّحْمِ؛ فَلِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الِاخْتِلَاطُ وَالْحُرْمَةُ الْمُجَرَّدَةُ غَيْرُ كَافِيَةٍ فِي النَّجَاسَةِ عَلَى مَا مَرَّ أَنَّهَا تَثْبُتُ بِاجْتِمَاعِ الْأَمْرَيْنِ اهـ. فَحَاصِلُهُ أَنَّ نَجَاسَةَ اللَّحْمِ لِحُرْمَتِهِ مَعَ اخْتِلَاطِ الدَّمِ الْمَسْفُوحِ بِهِ، وَقَدْ فُقِدَ الثَّانِي فِي الْمُذَكَّى مِنْ السِّبَاعِ فَكَانَ طَاهِرًا وَاجْتَمَعَا فِي حَالَتَيْ الْمَوْتِ وَالْحَيَاةِ فَكَانَ نَجِسًا وَفُقِدَ الْأَوَّلُ فِي الشَّاةِ حَالَةَ الْحَيَاةِ وَالذَّكَاةِ فَكَانَ طَاهِرًا وَاجْتَمَعَا حَالَةَ الْمَوْتِ فَكَانَ نَجِسًا فَظَهَرَ مِنْ هَذَا كُلِّهِ أَنَّ طَهَارَةَ الْعَيْنِ لَا تَسْتَلْزِمُ طَهَارَةَ اللَّحْمِ؛ لِأَنَّ السِّبَاعَ طَاهِرَةُ الْعَيْنِ بِاتِّفَاقِ أَصْحَابِنَا كَمَا نَقَلَهُ بَعْضُهُمْ مَعَ أَنَّ لَحْمَهَا نَجِسٌ فَثَبَتَ بِهَذَا مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْكَلْبَ طَاهِرُ الْعَيْنِ وَلَحْمَهُ نَجِسٌ وَنَجَاسَةُ سُؤْرِهِ لِنَجَاسَةِ لَحْمِهِ لَكِنْ بَقِيَ هَاهُنَا كَلَامٌ، وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُمْ بَيْنَ الْجِلْدِ وَاللَّحْمِ جِلْدَةٌ رَقِيقَةٌ تَمْنَعُ تَنَجُّسَ الْجِلْدِ بِاللَّحْمِ مُشْكِلٌ، فَإِنَّهُ يَقْتَضِي طَهَارَةَ الْجِلْدِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى الذَّكَاةِ أَوْ الدِّبَاغَةِ كَمَا لَا يَخْفَى وَفِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ نَجَاسَةَ سُؤْرِ السِّبَاعِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ أَنَّهَا خَفِيفَةٌ أَمْ غَلِيظَةٌ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رِوَايَةِ الْأُصُولِ غَلِيظَةٌ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ سُؤْرَ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ كَبَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَمِمَّا سَيَأْتِي فِي سَبَبِ التَّغْلِيظِ وَالتَّخْفِيفِ يَظْهَرُ وَجْهُ كُلٍّ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ تَرْجِيحُ الْأُولَى لِمَا عُرِفَ مِنْ أَصْلِهِ (قَوْلُهُ: وَالْهِرَّةُ وَالدَّجَاجَةُ الْمُخَلَّاةُ وَسِبَاعُ الطَّيْرِ وَسَوَاكِنُ الْبُيُوتِ مَكْرُوهٌ) أَيْ سُؤْرُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مَكْرُوهٌ، وَفِي التَّبْيِينِ وَإِعْرَابُهُ بِالرَّفْعِ أَجْوَدُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُسْتَصْفَى وَيَعْنِي مِنْ السُّؤْرِ الْمَكْرُوهِ أَنَّهُ طَاهِرٌ لَكِنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَتَوَضَّأَ بِغَيْرِهِ اهـ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَكْرُوهَ إذَا أُطْلِقَ فِي كَلَامِهِمْ فَالْمُرَادُ مِنْهُ التَّحْرِيمُ إلَّا أَنْ يَنُصَّ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ فَقَدْ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُسْتَصْفَى: لَفْظُ الْكَرَاهَةِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ يُرَادُ بِهَا التَّحْرِيمُ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: قُلْت لِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا قُلْت فِي شَيْءٍ أَكْرَهُ فَمَا رَأْيُك فِيهِ قَالَ: التَّحْرِيمُ اهـ. وَقَدْ صَرَّحُوا بِالْخِلَافِ فِي كَرَاهَةِ سُؤْرِ الْهِرَّةِ فَمِنْهُمْ كَالطَّحَاوِيِّ وَمَنْ مَالَ إلَى أَنَّهَا كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ نَظَرَ إلَى حُرْمَةِ لَحْمِهَا، وَمِنْهُمْ كَالْكَرْخِيِّ مَنْ مَالَ إلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ نَظَرًا إلَى أَنَّهَا لَا تَتَحَامَى النَّجَاسَةَ قَالُوا، وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي الْأَصْلِ، فَإِنَّهُ قَالَ: وَإِنْ تَوَضَّأَ بِغَيْرِهِ أَحَبُّ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَلَا يَخْفَى مَا فِي هَذَا الْجَوَابِ إلَخْ) أَقُولُ: يُمْكِنُ إرْجَاعُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْعِنَايَةِ إلَى مَا قَالَهُ فِي شَرْحِ الْوُقَايَةِ مِنْ أَنَّ الْعِلَّةَ الْحُرْمَةُ مَعَ اخْتِلَاطِ الدَّمِ، وَذَلِكَ ظَاهِرٌ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ. فَإِنَّهُ بَعْدَ مَا ذَكَرَ اشْتَرَاكَ الْمَأْكُولِ وَغَيْرِهِ فِي النَّجَاسَةِ الْمُجَاوِرَةِ بِالدَّمِ ذَكَرَ انْفِرَادَ غَيْرِ الْمَأْكُولِ بِالْحُرْمَةِ فَقَدْ اجْتَمَعَ فِي غَيْرِ الْمَأْكُولِ الْأَمْرَانِ بِخِلَافِ الْمَأْكُولِ فَكَانَتْ النَّجَاسَةُ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي ثُمَّ أَوْضَحَهُ بِقَوْلِهِ فَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ اللُّعَابَ الْمُتَوَلِّدَ مِنْ لَحْمٍ مَأْكُولٍ بَعْدَ الذَّبْحِ طَاهِرٌ أَيْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِيهِ إلَّا الِاخْتِلَاطُ بِالدَّمِ وَقَوْلُهُ دُونَ غَيْرِهِ أَيْ دُونَ الْمُتَوَلِّدِ مِنْ لَحْمٍ مَأْكُولٍ بِأَنْ كَانَ مُتَوَلِّدًا مِنْ لَحْمٍ حَرَامٍ غَيْرِ مَأْكُولٍ، فَإِنَّ لُعَابَهُ غَيْرُ طَاهِرٍ لِتَوَلُّدِهِ مِنْ لَحْمٍ حَرَامٍ فَقَدْ اجْتَمَعَ فِيهِ الشَّيْئَانِ فَمُؤَدَّى الْكَلَامَيْنِ مُتَّحِدٌ إلَّا أَنَّ عِبَارَةَ شَرْحِ الْوُقَايَةِ أَصْرَحُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 إلَيَّ لَكِنْ صَرَّحَ بِالْكَرَاهَةِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَكَانَتْ لِلتَّحْرِيمِ لِمَا تَقَدَّمَ، وَأَمَّا سُؤْرُ الدَّجَاجَةِ الْمُخَلَّاةِ فَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ خِلَافًا فِي الْمُرَادِ مِنْ الْكَرَاهَةِ بَلْ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهَا كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَحَامَى النَّجَاسَةَ وَكَذَا فِي سِبَاعِ الطَّيْرِ وَسَوَاكِنِ الْبُيُوتِ أَمَّا سُؤْرُ الْهِرَّةِ فَظَاهِرُ مَا فِي شُرُوحِ الْهِدَايَةِ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِسُؤْرِهَا وَظَاهِرُ مَا فِي الْمَنْظُومَةِ وَغَيْرِهَا أَنَّ أَبَا يُوسُفَ مُخَالِفٌ لَهُمَا مُسْتَدِلًّا بِمَا رُوِيَ عَنْ كَبْشَةَ بِنْتِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، وَكَانَتْ تَحْتَ أَبِي قَتَادَةَ قَالَتْ دَخَلَ عَلَيْهَا أَبُو قَتَادَةَ فَسَكَبَتْ لَهُ وُضُوءً فَجَاءَتْ هِرَّةٌ تَشْرَبُ مِنْهُ فَأَصْغَى لَهَا الْإِنَاءَ حَتَّى شَرِبَتْ قَالَتْ كَبْشَةُ فَرَآنِي أَنْظُرُ إلَيْهِ فَقَالَ أَتَعْجَبِينَ يَا ابْنَةَ أَخِي فَقُلْت نَعَمْ قَالَ «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ إنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجَسٍ إنَّهَا مِنْ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ وَالطَّوَّافَاتِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَمَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ وَابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَهُوَ أَحْسَنُ شَيْءٍ فِي الْبَابِ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ إسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ وَالنَّجَسُ بِفَتْحَتَيْنِ كُلُّ مَا يُسْتَقْذَرُ قَالَ النَّوَوِيُّ أَمَّا لَفْظُ أَوْ الطَّوَّافَاتِ فَرُوِيَ بِأَوْ وَبِالْوَاوِ قَالَ صَاحِبُ مَطَالِعِ الْأَنْوَارِ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ لِلشَّكِّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ لِلتَّقْسِيمِ وَيَكُونَ ذِكْرُ الصِّنْفَيْنِ مِنْ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مُحْتَمِلٌ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لِلنَّوْعَيْنِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الطَّوَّافُونَ الْخَدَمُ وَالْمَمَالِيكُ وَقِيلَ هُمْ الَّذِينَ يَخْدُمُونَ بِرِفْقٍ وَعِنَايَةٍ وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ الطَّوَّافِينَ مِنْ الْخَدَمِ وَالصِّغَارِ الَّذِينَ سَقَطَ فِي حَقِّهِمْ الْحِجَابُ وَالِاسْتِئْذَانُ فِي غَيْرِ الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي هِيَ قَبْلَ الْفَجْرِ وَبَعْدَ الْعِشَاءِ وَحِينَ الظَّهِيرَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ تَعَالَى إنَّمَا سَقَطَ فِي حَقِّهِمْ دُونَ غَيْرِهِمْ لِلضَّرُورَةِ وَكَثْرَةِ مُدَاخَلَتِهِمْ بِخِلَافِ الْأَحْرَارِ الْبَالِغِينَ فَلِهَذَا يُعْفَى عَنْ الْهِرَّةِ لِلْحَاجَةِ اهـ. وَلَهُمَا أَنَّهُ لَا نِزَاعَ فِي سُقُوطِ النَّجَاسَةِ، الْمُفَادِ بِالْحَدِيثِ بِعِلَّةِ الطَّوْفِ الْمَنْصُوصَةِ يَعْنِي أَنَّهَا تَدْخُلُ الْمَضَايِقَ وَلَازِمُهُ شِدَّةُ الْمُخَالَطَةِ بِحَيْثُ يَتَعَذَّرُ مَعَهُ صَوْنُ الْأَوَانِي مِنْهَا بَلْ صَوْنُ النَّفْسِ مُتَعَذِّرٌ فَلِلضَّرُورَةِ اللَّازِمَةِ مِنْ ذَلِكَ سَقَطَتْ النَّجَاسَةُ إنَّمَا الْكَلَامُ بَعْدَ هَذَا فِي ثُبُوتِ الْكَرَاهَةِ فَإِنْ كَانَتْ الْكَرَاهَةُ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ كَمَا قَالَ الطَّحَاوِيُّ لَمْ يَنْهَضْ بِهِ وَجْهٌ فَإِنْ قَالَ سَقَطَتْ النَّجَاسَةُ فَبَقِيَتْ كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ مُنِعَتْ الْمُلَازَمَةُ إذْ سُقُوطُ وَصْفٍ أَوْ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ لَا يَقْتَضِي ثُبُوتَ آخَرَ إلَّا بِدَلِيلٍ وَالْحَاصِلُ أَنَّ إثْبَاتَ كُلِّ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ يَسْتَدْعِي دَلِيلًا فَإِثْبَاتُ كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ بِغَيْرِ دَلِيلٍ، وَإِنْ كَانَتْ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ عَلَى الْأَصَحِّ كَفَى فِيهِ أَنَّهَا لَا تَتَحَامَى النَّجَاسَةَ فَيُكْرَهُ كَمَاءٍ غَمَسَ الصَّغِيرُ يَدَهُ فِيهِ وَأَصْلُهُ كَرَاهَةُ غَمْسِ الْيَدِ فِي الْإِنَاءِ لِلْمُسْتَيْقِظِ قَبْلَ غَسْلِهَا نُهِيَ عَنْهُ فِي حَدِيثِ الْمُسْتَيْقِظِ لِتَوَهُّمِ النَّجَاسَةِ فَهَذَا أَصْلٌ صَحِيحٌ مُنْتَهِضٌ يَتِمُّ بِهِ الْمَطْلُوبُ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى التَّمَسُّكِ بِالْحَدِيثِ، وَهُوَ مَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - السِّنَّوْرُ سَبُعٌ» وَوَجْهُ التَّمَسُّكِ بِهِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُسْتَصْفَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يُرِدْ الْحَقِيقَةَ؛ لِأَنَّهُ مَا بُعِثَ لِبَيَانِ الْحَقَائِقِ فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِهِ الْحُكْمَ وَالْحُكْمُ أَنْوَاعٌ نَجَاسَةُ السُّؤْرِ وَكَرَاهَتُهُ وَحُرْمَةُ اللَّحْمِ ثُمَّ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَلْحَقَ بِهِ فِي حَقِّ جَمِيعِ الْأَحْكَامِ وَهُوَ غَيْرُ مُمْكِنٍ؛ لِأَنَّ فِيهِ قَوْلًا بِنَجَاسَةِ السُّؤْرِ مَعَ كَرَاهَتِهِ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَوْ فِي حُرْمَةِ اللَّحْمِ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِمَا أَنَّهَا ثَابِتَةٌ بِنَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ أَوْ فِي كَرَاهَةِ السُّؤْرِ، وَهُوَ الْمَرَامُ أَوْ فِي نَجَاسَتِهِ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَيْضًا إذْ النَّجَاسَةُ مُنْتَفِيَةٌ بِالْإِجْمَاعِ أَوْ بِالْحَدِيثِ أَوْ بِالضَّرُورَةِ فَبَقِيَتْ الْكَرَاهَةُ أَوْ فِي الْأَوَّلِ مَعَ الثَّانِي أَوْ فِي الْأَوَّلِ مَعَ الثَّالِثِ أَوْ فِي الثَّانِي مَعَ الثَّالِثِ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِمَا مَرَّ فَإِنْ قِيلَ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ هَذَا الْكَلَامُ أَنْ لَوْ كَانَ هَذَا الْحَدِيثُ وَارِدًا بَعْدَ تَحْرِيمِ السِّبَاعِ قُلْنَا حُرْمَةُ لَحْمِ السِّبَاعِ قَبْلَ وُرُودِ هَذَا الْحَدِيثِ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ تَكُونَ ثَابِتَةً أَوْ لَمْ تَكُنْ، فَإِنْ كَانَتْ ثَابِتَةً فَظَاهِرٌ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ ثَابِتَةً لَا تَكُونُ الْحُرْمَةُ مِنْ لَوَازِمِ كَوْنِهِ سَبُعًا فَلَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ مَجَازًا عَنْهَا أَوْ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: ثُمَّ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُلْحَقَ بِهِ فِي حَقِّ جَمِيعِ الْأَحْكَامِ) أَيْ الثَّلَاثَةِ الَّتِي هِيَ نَجَاسَةُ السُّؤْرِ وَكَرَاهَتُهُ وَحُرْمَةُ اللَّحْمِ (قَوْلُهُ: أَوْ فِي الْأَوَّلِ مَعَ الثَّانِي) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ فِي حَقِّ جَمِيعِ الْأَحْكَامِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 نَقُولُ ابْتِدَاءً لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ حُرْمَةُ اللَّحْمِ مُرَادَةً مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ؛ لِأَنَّ فِيهِ حَمْلَ كَلَامِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى الْإِعَادَةِ لَا عَلَى الْإِفَادَةِ سَوَاءٌ كَانَ هَذَا الْحَدِيثُ سَابِقًا أَوْ مَسْبُوقًا تَأَمَّلْ تَدْرِ اهـ. فَثَبَتَ بِهَذَا كَرَاهَةُ سُؤْرِهَا وَيُحْمَلُ إصْغَاءُ أَبِي قَتَادَةَ الْإِنَاءَ عَلَى زَوَالِ ذَلِكَ التَّوَهُّمِ بِأَنْ كَانَتْ بِمَرْأًى مِنْهُ فِي زَمَانٍ يُمْكِنُ فِيهِ غَسْلُهَا فَمَهَا بِلُعَابِهَا وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فَيُمْكِنُ كَوْنُهُ بِمُشَاهَدَةِ شُرْبِهَا مِنْ مَاءٍ كَثِيرٍ أَوْ مُشَاهَدَةِ قُدُومِهَا عَنْ غِيبَةٍ يَجُوزُ مَعَهَا ذَلِكَ فَيُعَارِضُ هَذَا التَّجْوِيزَ تَجْوِيزُ أَكْلِهَا نَجَسًا قُبَيْلَ شُرْبِهَا فَيُسْقِطُهُ فَتَبْقَى الطَّهَارَةُ دُونَ كَرَاهَةٍ؛ لِأَنَّهَا مَا جَاءَتْ إلَّا مِنْ ذَلِكَ التَّجْوِيزِ وَقَدْ سَقَطَ وَعَلَى هَذَا لَا يَنْبَغِي إطْلَاقُ كَرَاهَةِ أَكْلِ فَضْلِهَا وَالصَّلَاةِ إذَا لَحِسَتْ عُضْوًا قَبْلَ غَسْلِهِ كَمَا أَطْلَقَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَغَيْرُهُ بَلْ يُقَيَّدُ بِثُبُوتِ ذَلِكَ التَّوَهُّمِ، فَأَمَّا لَوْ كَانَ زَائِلًا بِمَا قُلْنَا فَلَا وَقَدْ تَسَامَحَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ حَيْثُ قَالَ: وَمِنْ الْوَاجِبِ عَلَى الْعَوَامّ أَنْ يَغْسِلُوا مَوَاضِعَ لَحْسِ الْهِرَّةِ إذَا دَخَلَتْ تَحْتَ لِحَافِهِمْ لِكَرَاهَةِ مَا أَصَابَهُ فَمُهَا، فَإِنَّا قَدَّمْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ تَنْزِيهِيَّةٌ وَتَرْكُ الْمَكْرُوهِ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ مُسْتَحَبٍّ لَا وَاجِبٌ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِالْوَاجِبِ الثَّابِتُ وَلَا يَخْفَى أَنَّ كَرَاهَةَ أَكْلِ فَضْلِهَا تَنْزِيهًا إنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ الْغَنِيِّ؛ لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى غَيْرِهِ أَمَّا فِي حَقِّ الْفَقِيرِ فَلَا يُكْرَهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا قَالُوا إنَّ السُّؤْرَ الْمَكْرُوهَ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ وُجُودِ غَيْرِهِ أَمَّا عِنْدَ عَدَمِ غَيْرِهِ فَلَا كَرَاهَةَ أَصْلًا. وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُمْ إنَّ الْأَصْلَ فِي سُؤْرِ الْهِرَّةِ أَنْ يَكُونَ نَجِسًا، وَإِنَّمَا سَقَطَتْ النَّجَاسَةُ بِعِلَّةِ الطَّوَافِ يُفِيدُ أَنَّ سُؤْرَ الْهِرَّةِ الْوَحْشِيَّةِ نَجِسٌ، وَإِنْ كَانَ النَّصُّ بِخِلَافِهِ لِعَدَمِ الْعِلَّةِ وَهِيَ الطَّوَافُ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ إذَا كَانَتْ ثَابِتَةً بِالنَّصِّ وَعُرِفَ قَطْعًا أَنَّ الْحُكْمَ مُتَعَلِّقٌ بِهَا فَالْحُكْمُ يَدُورُ عَلَى وُجُودِهَا لَا غَيْرَ كَعَدَمِ حُرْمَةِ التَّأْفِيفِ لِلْوَالِدَيْنِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْوَلَدُ مَعْنَاهُ أَوْ اسْتَعْمَلَهُ بِجِهَةِ الْإِكْرَامِ ذَكَرَهُ فِي كَشْفِ الْأَسْرَارِ فِي بَحْثِ دَلَالَةِ النَّصِّ وَأَمَّا سُؤْرُ الدَّجَاجَةِ الْمُخَلَّاةِ؛ فَلِأَنَّهَا تُخَالِطُ النَّجَاسَةَ فَمِنْقَارُهَا لَا يَخْلُو عَنْ قَذَرٍ وَكَذَا الْبَقَرُ الْجَلَّالَةُ وَالْإِبِلُ الْجَلَّالَةُ إلَّا أَنْ تَكُونَ مَحْبُوسَةً وَاخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِهَا فَقِيلَ هِيَ الَّتِي تُحْبَسُ فِي بَيْتٍ وَيُغْلَقُ بَابُهُ وَتُعْلَفُ هُنَاكَ لِعَدَمِ النَّجَاسَةِ عَلَى مِنْقَارِهَا لَا مِنْ حَيْثُ الْحَقِيقَةُ وَلَا مِنْ حَيْثُ الِاعْتِبَارُ؛ لِأَنَّهَا لَا تَجِدُ عَذِرَاتٍ غَيْرَهَا حَتَّى تَجُولَ فِيهَا، وَهِيَ فِي عَذِرَاتِ نَفْسِهَا لَا تَجُولُ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي مَبْسُوطِهِ وَحُكِيَ عَنْ الْإِمَامِ الْحَاكِمِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ قَالَ لَمْ يُرِدْ بِكَوْنِهَا مَحْبُوسَةً أَنْ تَكُونَ مَحْبُوسَةً فِي بَيْتِهَا؛ لِأَنَّهَا، وَإِنْ كَانَتْ مَحْبُوسَةً تَجُولُ فِي عَذِرَاتِ نَفْسِهَا فَلَا يُؤْمَنُ مِنْ أَنْ يَكُونَ عَلَى مِنْقَارِهَا قَذَرٌ فَيُكْرَهُ كَمَا لَوْ كَانَتْ مُخَلَّاةً، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنْ تُحْبَسَ فِي بَيْتٍ لِتَسْمَنَ لِلْأَكْلِ فَيَكُونَ رَأْسُهَا وَعَلَفُهَا وَمَاؤُهَا خَارِجَ الْبَيْتِ فَلَا يُمْكِنُهَا أَنْ تَجُولَ فِي عَذِرَاتِ نَفْسِهَا كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَاخْتَارَ الثَّانِيَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَغَيْرُهُ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْحَقُّ أَنَّهَا لَا تَأْكُلُهُ بَلْ تُلَاحِظُ الْحَبَّ بَيْنَهُ فَتَلْتَقِطُهُ وَأَمَّا سُؤْرُ سِبَاعِ الطَّيْرِ كَالصَّقْرِ وَالْبَازِي فَالْقِيَاسُ نَجَاسَتُهُ لِنَجَاسَةِ لَحْمِهَا لِحُرْمَةِ أَكْلِهِ كَسِبَاعِ الْبَهَائِمِ وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ حُرْمَةَ لَحْمِهَا، وَإِنْ اقْتَضَتْ النَّجَاسَةَ لَكِنَّهَا تَشْرَبُ بِمِنْقَارِهَا، وَهُوَ عَظْمٌ جَافٌّ طَاهِرٌ لَكِنَّهَا تَأْكُلُ الْمَيْتَاتِ وَالْجِيَفَ غَالِبًا فَأَشْبَهَ الدَّجَاجَةَ الْمُخَلَّاةَ فَأَوْرَثَ الْكَرَاهَةَ بِخِلَافِ سِبَاعِ الْبَهَائِمِ، فَإِنَّهَا تَشْرَبُ بِلِسَانِهَا وَهُوَ رَطْبٌ بِلُعَابِهَا الْمُتَوَلِّدِ مِنْ لَحْمِهَا، وَهُوَ نَجِسٌ فَافْتَرَقَا؛ وَلِأَنَّ فِي سِبَاعِ الطَّيْرِ ضَرُورَةً وَبَلْوَى، فَإِنَّهَا تَنْقَضُّ مِنْ الْهَوَاءِ فَتَشْرَبُ وَلَا يُمْكِنُ صَوْنُ الْأَوَانِي عَنْهَا خُصُوصًا فِي الْبَرَارِي وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْكَرَاهَةَ لِتَوَهُّمِ النَّجَاسَةِ فِي مِنْقَارِهَا لَا لِوُصُولِ لُعَابِهَا إلَى الْمَاءِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ مَحْبُوسَةً يُعْلَمُ لِصَاحِبِهَا أَنَّهُ لَا قَذَرَ فِي مِنْقَارِهَا لَا يُكْرَهُ التَّوَضُّؤُ بِسُؤْرِهَا وَاسْتَحْسَنَ الْمَشَايِخُ الْمُتَأَخِّرُونَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ وَأَفْتَوْا بِهَا كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَفِي التَّجْنِيسِ يَجُوزُ أَنْ يُفْتَى بِهَا، وَأَمَّا سُؤْرُ سَوَاكِنِ الْبُيُوتِ كَالْحَيَّةِ وَالْفَأْرَةِ؛ فَلِأَنَّ حُرْمَةَ اللَّحْمِ أَوْجَبَتْ النَّجَاسَةَ لَكِنَّهَا سَقَطَتْ النَّجَاسَةُ بِعِلَّةِ الطَّوَافِ وَبَقِيَتْ الْكَرَاهَةُ وَالْعِلَّةُ الْمَذْكُورَةُ فِي.   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَعَلَى هَذَا لَا يَنْبَغِي إطْلَاقُ كَرَاهَةِ أَكْلِ فَضْلِهَا إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَوْ خَرَجَ الْإِطْلَاقُ عَلَى قَوْلِ الطَّحَاوِيِّ لَكَانَ أَوْلَى، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَبِهِ يَسْتَغْنِي عَمَّا فِي الْبَحْرِ مِنْ حَمْله عَلَى التَّسَامُحِ أَوْ تَأْوِيلِ الْوَاجِبِ الثَّابِتِ اهـ وَنَحْوِهِ فِي مِنَحِ الْغَفَّارِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 الْحَدِيثِ فِي الْهِرَّةِ مَوْجُودَةٌ بِعَيْنِهَا فِي سَوَاكِنِ الْبُيُوتِ وَهِيَ الطَّوْفُ فَيَثْبُتُ ذَلِكَ الْحُكْمُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَيْهَا، وَهُوَ سُقُوطُ النَّجَاسَةِ وَتَثْبُتُ الْكَرَاهَةُ لِتَوَهُّمِهَا فَرْعٌ تُكْرَهُ الصَّلَاةُ مَعَ حَمْلِ مَا سُؤْرُهُ مَكْرُوهٌ كَالْهِرَّةِ كَذَا فِي التَّوْشِيحِ نُكْتَةٌ قِيلَ سِتٌّ تُورِثُ النِّسْيَانَ سُؤْرُ الْفَأْرَةِ وَإِلْقَاءُ الْقَمْلَةِ وَهِيَ حَيَّةٌ وَالْبَوْلُ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ وَقَطْعُ الْقِطَارِ وَمَضْغُ الْعِلْكِ وَأَكْلُ التُّفَّاحِ وَمِنْهُمْ مَنْ ذَكَرَهُ حَدِيثًا لَكِنْ قَالَ أَبُو الْفَرَجِ بْنُ الْجَوْزِيِّ: إنَّهُ حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ (قَوْلُهُ: وَالْحِمَارُ وَالْبَغْلُ مَشْكُوكٌ) أَيْ سُؤْرُهُمَا مَشْكُوكٌ فِيهِ هَذِهِ عِبَارَةُ أَكْثَرِ مَشَايِخِنَا وَأَبُو طَاهِرٍ الدَّبَّاسُ أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِ اللَّهِ تَعَالَى مَشْكُوكًا فِيهِ وَقَالَ سُؤْرُ: الْحِمَارِ طَاهِرٌ لَوْ غُمِسَ فِيهِ الثَّوْبُ جَازَتْ الصَّلَاةُ مَعَهُ إلَّا أَنَّهُ مُحْتَاطٌ فِيهِ فَأُمِرَ بِالْجَمْعِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّيَمُّمِ وَمُنِعَ مِنْهُ حَالَةَ الْقُدْرَةِ وَالْمَشَايِخُ قَالُوا الْمُرَادُ بِالشَّكِّ التَّوَقُّفُ لِتَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ لَا أَنْ يَعْنِيَ بِكَوْنِهِ مَشْكُوكًا الْجَهْلَ بِحُكْمِ الشَّرْعِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ مَعْلُومٌ، وَهُوَ وُجُوبُ الِاسْتِعْمَالِ وَانْتِفَاءُ النَّجَاسَةِ وَضُمَّ التَّيَمُّمُ إلَيْهِ، وَالْقَوْلُ بِالتَّوَقُّفِ عِنْدَ تَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ دَلِيلُ الْعِلْمِ وَغَايَةُ الْوَرَعِ وَبَيَانُ التَّعَارُضِ عَلَى مَا فِي الْمَبْسُوطِ تَعَارُضُ الْأَخْبَارِ فِي أَكْلِ لَحْمِهِ، فَإِنَّهُ رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْحُمْرِ الْأَهْلِيَّةِ يَوْمَ خَيْبَرَ» وَرَوَى غَالِبُ بْنُ أَبْجَرَ قَالَ لَمْ يَبْقَ لِي مَالٌ إلَّا حُمَيْرَاتٌ فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «كُلْ مِنْ سَمِينِ مَالِك» قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ فِي مَبْسُوطِهِ، وَهَذَا لَا يَقْوَى؛ لِأَنَّ لَحْمَهُ حَرَامٌ بِلَا إشْكَالٍ؛ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ الْمُحَرِّمُ وَالْمُبِيحُ فَغَلَبَ الْمُحَرِّمُ عَلَى الْمُبِيحِ كَمَا لَوْ أَخْبَرَ عَدْلٌ بِأَنَّ هَذَا اللَّحْمَ ذَبِيحَةُ مَجُوسِيٍّ وَالْآخَرُ أَنَّهُ ذَبِيحَةُ مُسْلِمٍ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ لِغَلَبَةِ الْحُرْمَةِ فَكَانَ لَحْمُهُ حَرَامًا بِلَا إشْكَالٍ، وَلُعَابُهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْهُ فَيَكُونُ نَجِسًا بِلَا إشْكَالٍ وَقِيلَ سَبَبُ الْإِشْكَالِ اخْتِلَافُ الصَّحَابَةِ، فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ التَّوَضُّؤَ بِسُؤْرِ الْحِمَارِ وَالْبَغْلِ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ الْحِمَارُ: يُعْلَفُ الْقَتَّ وَالتِّبْنَ فَسُؤْرُهُ طَاهِرٌ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: وَهَذَا لَا يَقْوَى أَيْضًا؛ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي طَهَارَةِ الْمَاءِ وَنَجَاسَتِهِ لَا يُوجِبُ الْإِشْكَالَ كَمَا فِي إنَاءٍ أَخْبَرَ عَدْلٌ أَنَّهُ طَاهِرٌ وَآخَرُ أَنَّهُ نَجِسٌ فَالْمَاءُ لَا يَصِيرُ مُشْكِلًا، وَقَدْ اسْتَوَى الْخَبَرَانِ وَبَقِيَ الْعِبْرَةُ بِالْأَصْلِ، فَكَذَا هَاهُنَا، وَلَكِنَّ الْأَصَحَّ فِي التَّمَسُّكِ أَنَّ دَلِيلَ الشَّكِّ هُوَ التَّرَدُّدُ فِي الضَّرُورَةِ، فَإِنَّ الْحِمَارَ يُرْبَطُ فِي الدُّورِ وَالْأَفْنِيَةِ فَيَشْرَبُ مِنْ الْأَوَانِي وَلِلضَّرُورَةِ أَثَرٌ فِي إسْقَاطِ النَّجَاسَةِ كَمَا فِي الْهِرَّةِ وَالْفَأْرَةِ إلَّا أَنَّ الضَّرُورَةَ فِي الْحِمَارِ دُونَ الضَّرُورَةِ فِيهِمَا لِدُخُولِهِمَا مَضَايِقَ الْبَيْتِ بِخِلَافِ الْحِمَارِ، وَلَوْ لَمْ تَكُنْ الضَّرُورَةُ ثَابِتَةً أَصْلًا كَمَا فِي الْكَلْبِ وَالسِّبَاعِ لَوَجَبَ الْحُكْمُ بِالنَّجَاسَةِ بِلَا إشْكَالٍ وَلَوْ كَانَتْ الضَّرُورَةُ مِثْلَ الضَّرُورَةِ فِيهِمَا لَوَجَبَ الْحُكْمُ بِإِسْقَاطِ النَّجَاسَةِ فَلَمَّا ثَبَتَتْ الضَّرُورَةُ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ وَاسْتَوَى مَا يُوجِبُ النَّجَاسَةَ وَالطَّهَارَةَ تَسَاقَطَا لِلتَّعَارُضِ فَوَجَبَ الْمَصِيرُ إلَى الْأَصْلِ وَالْأَصْلُ هَاهُنَا شَيْئَانِ الطَّهَارَةُ فِي جَانِبِ الْمَاءِ وَالنَّجَاسَةُ فِي جَانِبِ اللُّعَابِ؛ لِأَنَّ لُعَابَهُ نَجِسٌ كَمَا بَيَّنَّا وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ فَبَقِيَ الْأَمْرُ مُشْكِلًا نَجِسًا مِنْ وَجْهٍ طَاهِرًا مِنْ وَجْهٍ فَكَانَ الْإِشْكَالُ عِنْدَ عُلَمَائِنَا بِهَذَا الطَّرِيقِ لَا لِلْإِشْكَالِ فِي لَحْمِهِ وَلَا لِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ فِي سُؤْرِهِ وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَنْدَفِعُ كَثِيرٌ مِنْ الْأَسْئِلَةِ مِنْهَا أَنَّ الْمُحَرِّمَ وَالْمُبِيحَ إذَا اجْتَمَعَا يَغْلِبُ الْمُحَرِّمُ احْتِيَاطًا وَجَوَابُهُ أَنَّ الْقَوْلَ بِالِاحْتِيَاطِ إنَّمَا يَكُونُ فِي تَرْجِيحِ الْحُرْمَةِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ أَمَّا هَاهُنَا الِاحْتِيَاطُ فِي إثْبَاتِ الشَّكِّ؛ لِأَنَّا إنْ رَجَّحْنَا الْحُرْمَةَ لِلِاحْتِيَاطِ يَلْزَمُ تَرْكُ الْعَمَلِ بِالِاحْتِيَاطِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ سُؤْرِ الْحِمَارِ مَعَ احْتِمَالِ كَوْنِهِ مُطَهَّرًا بِاعْتِبَارِ الشَّكِّ فَكَانَ مُتَيَمِّمًا عِنْدَ وُجُودِ الْمَاءِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَذَلِكَ حَرَامٌ فَلَا يَكُونُ عَمَلًا بِالِاحْتِيَاطِ وَلَا بِالْمُبَاحِ وَمَا قِيلَ إنَّ فِي تَغْلِيبِ الْحُرْمَةِ تَقْلِيلَ النَّسْخِ فَذَلِكَ فِي تَعَارُضِ النَّصَّيْنِ لَا فِي الضَّرُورَةِ وَمِنْهَا أَنْ يُقَالَ لَمَّا وَقَعَ التَّعَارُضُ فِي سُؤْرِهِ وَجَبَ الْمَصِيرُ إلَى الْخَلَفِ، وَهُوَ التَّيَمُّمُ كَمَنْ لَهُ إنَاءَانِ أَحَدُهُمَا طَاهِرٌ وَالْآخَرُ نَجِسٌ فَاشْتَبَهَ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ يَسْقُطُ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ وَيَجِبُ التَّيَمُّمُ فَكَذَا   [منحة الخالق] [الصَّلَاةُ مَعَ حَمْلِ مَا سُؤْرُهُ مَكْرُوهٌ كَالْهِرَّةِ] (قَوْلُهُ: تُكْرَهُ الصَّلَاةُ مَعَ حَمْلِ مَا سُؤْرُهُ مَكْرُوهٌ إلَخْ) وَقَدْ تَقَدَّمَ قَبْلَ صَفْحَةٍ أَنَّ الْكَرَاهَةَ إنَّمَا هِيَ عِنْدَ التَّوَهُّمِ فَرَاجِعْهُ لَكِنْ يُمْكِنُ الْفَرْقُ بَيْنَ سُؤْرِهَا وَحَمْلِهَا بِأَنَّ السُّؤْرَ فِيهِ ضَرُورَةٌ بِخِلَافِ الْحَمْلِ تَأَمَّلْ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 هَاهُنَا قُلْنَا الْمَاءُ هَاهُنَا طَاهِرٌ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ قَضِيَّةَ الشَّكِّ أَنْ يَبْقَى كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى حَالِهِ وَلَمْ يَزَلْ الْحَدَثُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ ثَابِتًا بِيَقِينٍ فَيَبْقَى إلَى أَنْ يُوجَدَ الْمُزِيلُ بِيَقِينٍ وَالْمَاءُ طَاهِرٌ وَوَقَعَ الشَّكُّ فِي طَهُورِيَّتِهِ فَلَا يَسْقُطُ اسْتِعْمَالُهُ بِالشَّكِّ بِخِلَافِ الْإِنَاءَيْنِ، فَإِنَّ أَحَدَهُمَا نَجِسٌ يَقِينًا وَالْآخَرُ طَاهِرٌ يَقِينًا لَكِنَّهُ عَجَزَ عَنْ اسْتِعْمَالِهِ لِعَدَمِ عَمَلِهِ فَيُصَارُ إلَى الْخَلَفِ وَمِنْهَا أَنَّ التَّعَارُضَ لَا يُوجِبُ الشَّكَّ كَمَا فِي إخْبَارِ عَدْلَيْنِ بِالطَّهَارَةِ وَالنَّجَاسَةِ حَيْثُ يَتَوَضَّأُ بِلَا تَيَمُّمٍ قُلْنَا فِي تَعَارُضِ الْخَبَرَيْنِ وَجَبَ تَسَاقُطُهُمَا فَرَجَّحْنَا كَوْنَ الْمَاءِ مُطَهِّرًا بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ وَالْمَاءُ كَانَ مُطَهِّرًا قَبْلَهُ وَهَاهُنَا تَعَارَضَ جِهَتَا الضَّرُورَةِ فَتَسَاقَطَتَا فَأَيْقَنَّا مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ أَيْضًا إلَّا أَنَّ هَاهُنَا مَا كَانَ ثَابِتًا عَلَى حَالِهِ قَبْلَ التَّعَارُضِ شَيْئَانِ جَانِبُ الْمَاءِ وَجَانِبُ اللُّعَابِ وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ فَوَجَبَ الشَّكُّ. وَمِنْهَا مَا قِيلَ فِي اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ تَرْكُ الْعَمَلِ بِالِاحْتِيَاطِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ نَجِسًا فَقَدْ تَنَجَّسَ الْعُضْوُ قُلْنَا أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الشَّكَّ فِي الطَّهُورِيَّةِ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الْمَرْجُوحِ مِنْ أَنَّ الشَّكَّ فِي كَوْنِهِ طَاهِرًا، فَالْجَوَابُ أَنَّ الْعُضْوَ طَاهِرٌ بِيَقِينٍ فَلَا يَتَنَجَّسُ بِالشَّكِّ وَالْحَدَثُ ثَابِتٌ بِيَقِينٍ فَلَا يَزُولُ بِالشَّكِّ فَيَجِبُ ضَمُّ التَّيَمُّمِ إلَيْهِ كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَغَيْرِهِ وَفِي الْكَافِي وَلَمْ يَتَعَارَضْ الْخَبَرَانِ فِي سُؤْرِ الْهِرَّةِ إذْ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْهِرَّةُ سَبُعٌ» لَا يَقْتَضِي نَجَاسَةَ السُّؤْرِ لِمَا قَدَّمْنَا اهـ. ثُمَّ اخْتَلَفَ مَشَايِخُنَا فَقِيلَ الشَّكُّ فِي طَهَارَتِهِ وَقِيلَ فِي طَهُورِيَّتِهِ وَقِيلَ فِيهِمَا جَمِيعًا وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ فِي طَهُورِيَّتِهِ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ كَذَا فِي الْكَافِي هَذَا مَعَ اتِّفَاقِهِمْ أَنَّهُ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يُنَجِّسُ الثَّوْبَ وَالْبَدَنَ وَالْمَاءَ وَلَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ؛ فَلِهَذَا قَالَ فِي كَشْفِ الْأَسْرَارِ شَرْحِ أُصُولِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ إنَّ الِاخْتِلَافَ لَفْظِيٌّ؛ لِأَنَّ مَنْ قَالَ الشَّكُّ فِي طَهُورِيَّتِهِ لَا فِي طَهَارَتِهِ أَرَادَ أَنَّ الطَّاهِرَ لَا يَتَنَجَّسُ بِهِ وَوَجَبَ الْجَمْعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التُّرَابِ لَا أَنْ لَيْسَ فِي طَهَارَتِهِ شَكٌّ أَصْلًا؛ لِأَنَّ الشَّكَّ فِي طَهُورِيَّتِهِ إنَّمَا نَشَأَ مِنْ الشَّكِّ فِي طَهَارَتِهِ لِتَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ فِي طَهَارَتِهِ وَنَجَاسَتِهِ اهـ. وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ عُلِمَ ضَعْفُ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ لِقَوْلِ مِنْ قَالَ الشَّكُّ فِي طَهُورِيَّتِهِ بِأَنْ لَوْ وَجَدَ الْمَاءَ الْمُطْلَقَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ غَسْلُ رَأْسِهِ، فَإِنَّ وُجُوبَ غَسْلِهِ إنَّمَا يَثْبُتُ بِتَيَقُّنِ النَّجَاسَةِ وَالثَّابِتُ الشَّكُّ فِيهَا فَلَا يَتَنَجَّسُ الرَّأْسُ بِالشَّكِّ فَلَا يَجِبُ وَعُلِمَ أَيْضًا ضَعْفُ مَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خان تَفْرِيعًا عَلَى كَوْنِ الشَّكِّ فِي طَهَارَتِهِ أَنَّهُ لَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ أَفْسَدَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا إفْسَادَ بِالشَّكِّ وَفِي الْمُحِيطِ تَفْرِيعًا عَلَى الشَّكِّ فِي طَهُورِيَّتِهِ أَنَّهُ لَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ يَجُوزُ التَّوَضُّؤُ بِهِ مَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ غَيْرُ طَهُورٍ كَالْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ اهـ. وَكَانَ الْوَجْهُ أَنْ يَقُولَ مَا لَمْ يُسَاوِهِ لِمَا عَلِمْته فِي مَسْأَلَةِ الْفَسَاقِيِ وَقَدْ قَدَّمْنَا حُكْمَ عَرَقِهِ. وَأَمَّا لَبَنُهَا فَاخْتَارَ فِي الْهِدَايَةِ أَنَّهُ طَاهِرٌ وَلَا يُؤْكَلُ وَصَحَّحَهُ فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي النِّهَايَةِ أَنَّهُ لَمْ يُرَجِّحْهُ أَحَدٌ وَعَنْ الْبَزْدَوِيِّ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِيهِ الْكَثِيرُ الْفَاحِشُ وَصَحَّحَهُ التُّمُرْتَاشِيُّ وَصَحَّحَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ نَجِسٌ نَجَاسَةً غَلِيظَةً، وَفِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ نَجِسٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَمُقْتَضَى الْقَوْلِ بِطَهَارَتِهِ الْقَوْلُ بِحِلِّ أَكْلِهِ وَشُرْبِهِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي الْمَبْسُوطِ قِيلَ لِمُحَمَّدٍ لِمَ قُلْت بِطَهَارَةِ بَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَلَمْ تَقُلْ بِطَهَارَةِ رَوْثِهِ قَالَ كَمَا قُلْت بِطَهَارَةِ بَوْلِهِ أَبَحْت شُرْبَهُ وَلَوْ قُلْت بِطَهَارَةِ رَوْثِهِ لَأَبَحْت أَكْلَهُ وَلَا أَحَدَ يَقُولُ بِهَا. اهـ. فَإِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ الطَّهَارَةَ وَالْحِلَّ مُتَلَازِمَانِ يَلْزَمُ مِنْ الْقَوْلِ بِأَحَدِهِمَا الْقَوْلُ بِالْآخَرِ، وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ بِنَجَاسَةِ سُؤْرِ الْحِمَارِ دُونَ الْأَتَانِ؛ لِأَنَّ الْحِمَارَ يُنَجَّسُ فَمُهُ بِشَمِّ الْبَوْلِ، وَفِي الْبَدَائِعِ، وَهَذَا غَيْرُ سَدِيدٍ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ مَوْهُومٌ لَا يَغْلِبُ وُجُودُهُ فَلَا يُؤَثِّرُ فِي إزَالَةِ الثَّابِتِ وَقَالَ قَاضِي خان: وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَلَمَّا ثَبَتَ الْحُكْمُ فِي الْحِمَارِ ثَبَتَ فِي الْبَغْلِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ نَسْلِهِ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَتِهِ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ هَذَا إذَا كَانَتْ أُمُّهُ أَتَانًا فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْأُمَّ هِيَ الْمُعْتَبَرَةُ فِي الْحُكْمِ، وَإِنْ كَانَتْ فَرَسًا فَفِيهِ إشْكَالٌ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْأُمِّ أَلَا تَرَى أَنَّ الذِّئْبَ لَوْ نَزَا عَلَى شَاةٍ فَوَلَدَتْ ذِئْبًا حَلَّ أَكْلُهُ وَيُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: لَا يَقْتَضِي نَجَاسَةَ السُّؤْرِ لِمَا قَدَّمْنَا) أَيْ مِنْ سُقُوطِهَا لِلضَّرُورَةِ (قَوْلُهُ: بِأَنَّهُ لَوْ وُجِدَ الْمَاءُ الْمُطْلَقُ إلَخْ) بَيَانُهُ كَمَا فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ أَنَّ مَنْ تَوَضَّأَ بِالسُّؤْرِ الْمَشْكُوكِ إذَا أَحْدَثَ فَقَدْ حَلَّ الْحَدَثُ بِالرَّأْسِ أَيْضًا، فَإِذَا تَوَضَّأَ بَعْدَهُ بِالْمَاءِ الْمُطْلَقِ وَمَسَحَ رَأْسَهُ تَكُونُ بِلَّةُ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ عَلَى رَأْسِهِ مَشْكُوكًا أَيْضًا لِإِصَابَتِهِ إيَّاهُ فَلَا يُرْفَعُ الْحَدَثُ الْمُتَيَقَّنُ؛ لِأَنَّهُ مَشْكُوكٌ، وَالشَّكُّ لَا يَرْفَعُ الْيَقِينَ فَيَجِبُ غَسْلُ رَأْسِهِ لِهَذَا الْمَعْنَى فَلَمَّا لَمْ يَجِبْ دَلَّ عَلَى أَنَّ الشَّكَّ فِي طَهُورِيَّتِهِ لَا فِي طَهَارَتِهِ (قَوْلُهُ: وَعُلِمَ أَيْضًا ضَعْفُ مَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خان إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ لِقَائِلٍ أَنْ يَمْنَعَ قَوْلَهُ؛ لِأَنَّ الشَّكَّ إلَخْ بِأَنَّ الشَّكَّ فِي الطَّهُورِيَّةِ لَا يَسْتَلْزِمُ الشَّكَّ فِي الطَّهَارَةِ بِخِلَافِ الْعَكْسِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ فَمَا فِي الْخَانِيَّةِ لَهُ وَجْهٌ وَجِيهٌ اهـ. لَكِنَّ قَوْلَ الْمُؤَلِّفِ؛ لِأَنَّهُ لَا إفْسَادَ بِالشَّكِّ بَقِيَ وَارِدٌ؛ لِأَنَّهُ حَيْثُ حُكِمَ عَلَيْهِ بِالشَّكِّ فِي الطَّهَارَةِ كَيْفَ يَفْسُدُ الْمَاءُ الثَّابِتَةُ طَهَارَتُهُ بِيَقِينٍ عَلَى أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ أَوَّلًا مِنْ اتِّفَاقِهِمْ أَنَّهُ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يُنَجِّسُ الْمَاءَ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِمَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ يُفْسِدُ الْمَاءَ أَيْ يَرْفَعُ طَهُورِيَّتَهُ تَأَمَّلْ ثُمَّ رَأَيْت التَّصْرِيحَ بِهَذَا لِلتَّأْوِيلِ فِي التَّتَارْخَانِيَّة مَعْزِيًّا إلَى بَعْضِ الْمَشَايِخِ. (قَوْلُهُ: وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي النِّهَايَةِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الدَّفْعَ إنَّمَا يَتِمُّ عَلَى تَقْدِيرِ سَبْقِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 يَكُونَ مَأْكُولًا عِنْدَهُمَا وَطَاهِرًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ اعْتِبَارُ لِلْأُمَّ، وَفِي الْغَايَةِ إذَا نَزَا الْحِمَارُ عَلَى الرَّمَكَةِ لَا يُكْرَهُ لَحْمُ الْبَغْلِ الْمُتَوَلِّدُ مِنْهُمَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَعَلَى هَذَا لَا يَصِيرُ سُؤْرُهُ مَشْكُوكًا. اهـ. الرَّمَكَةُ، وَهِيَ الْفَرَسُ، وَهِيَ الْبِرْذَوْنَةُ تُتَّخَذُ لِلنَّسْلِ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْ الْإِشْكَالِ بِأَنَّ الْبَغْلَ لَمَّا كَانَ مُتَوَلِّدًا مِنْ الْحِمَارِ وَالْفَرَسِ فَصَارَ سُؤْرُهُ كَسُؤْرِ فَرَسٍ اخْتَلَطَ بِسُؤْرِ الْحِمَارِ فَصَارَ مَشْكُوكًا ذَكَرَهُ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَغَيْرِهِ وَذَكَرَ مِسْكِينٌ فِي شَرْحِ الْكِتَابِ سُؤَالًا فَقَالَ: فَإِنْ قُلْت أَيْنَ ذَهَبَ قَوْلُك الْوَلَدُ يَتْبَعُ الْأُمَّ فِي الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ قُلْت ذَلِكَ إذَا لَمْ يَغْلِبْ شَبَهُهُ بِالْأَبِ أَمَّا إذَا غَلَبَ شَبَهُهُ فَلَا اهـ. وَبِهَذَا سَقَطَ أَيْضًا إشْكَالُ الزَّيْلَعِيِّ كَمَا لَا يَخْفَى وَقَالَ جَمَالُ الدِّينِ الرَّازِيّ شَارِحُ الْكِتَابِ: الْبِغَالُ أَرْبَعَةٌ بَغْلٌ يُؤْكَلُ بِالْإِجْمَاعِ، وَهُوَ الْمُتَوَلِّدُ مِنْ حِمَارٍ وَحْشِيٍّ وَبَقَرَةٌ وَبَغْلٌ لَا يُؤْكَلُ بِالْإِجْمَاعِ، وَهُوَ الْمُتَوَلِّدُ مِنْ أَتَانٍ أَهْلِيٍّ وَفَحْلٌ وَبَغْلٌ يُؤْكَلُ عِنْدَهُمَا، وَهُوَ الْمُتَوَلِّدُ مِنْ فَحْلٍ وَأَتَانِ حِمَارٍ وَحْشِيٍّ وَبَغْلٌ يَنْبَغِي أَنْ يُؤْكَلَ عِنْدَهُمَا، وَهُوَ الْمُتَوَلِّدُ مِنْ رَمَكَةٍ وَحِمَارٍ أَهْلِيٍّ اهـ. وَفِي النَّوَازِلِ لَا يَحِلُّ شُرْبُ مَا شَرِبَ مِنْهُ الْحِمَارُ وَقَالَ ابْنُ مُقَاتِلٍ: لَا بَأْسَ بِهِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ: هَذَا خِلَافُ قَوْلِ أَصْحَابِنَا وَلَوْ أَخَذَ إنْسَانٌ بِهَذَا الْقَوْلِ أَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ بِهِ بَأْسٌ وَالِاحْتِيَاطُ أَنْ لَا يَشْرَبَ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفَرَّعَ فِي الْمُحِيطِ عَلَى كَوْنِ سُؤْرِ الْحِمَارِ مَشْكُوكًا مَا لَوْ اغْتَسَلَتْ بِسُؤْرِ الْحِمَارِ تَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ وَلَا تَحِلُّ لِلْأَزْوَاجِ؛ لِأَنَّهُ مَشْكُوكٌ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ طَاهِرًا فَلَا رَجْعَةَ، وَإِنْ كَانَ نَجِسًا لَمْ يَكُنْ مُطَهَّرًا فَلَهُ الرَّجْعَةُ فَإِذَا احْتَمَلَ انْقَطَعَتْ احْتِيَاطًا وَلَا تَحِلُّ لِغَيْرِهِ احْتِيَاطًا اهـ. (قَوْلُهُ: تَوَضَّأَ بِهِ وَتَيَمَّمَ إنْ فُقِدَ مَاءٌ) أَيْ تَوَضَّأَ بِسُؤْرِهِمَا وَتَيَمَّمَ إنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً مُطْلَقًا يَعْنِي يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا وَالْمُرَادُ بِالْجُمْعِ أَنْ لَا تَخْلُوَ الصَّلَاةُ الْوَاحِدَةُ عَنْهُمَا، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ الْجَمْعُ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ حَتَّى لَوْ تَوَضَّأَ بِسُؤْرِ الْحِمَارِ وَصَلَّى ثُمَّ أَحْدَثَ وَتَيَمَّمَ وَصَلَّى تِلْكَ الصَّلَاةَ أَيْضًا جَازَ؛ لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الْوُضُوءِ وَالتَّيَمُّمِ فِي حَقِّ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ، وَهُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خان فَأَفَادَ أَنَّ فِيهَا اخْتِلَافًا وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلْمَحْبُوبِيِّ وَعَنْ نُصَيْرِ بْنِ يَحْيَى فِي رَجُلٍ لَمْ يَجِدْ إلَّا سُؤْرَ الْحِمَارِ قَالَ يُهْرِيقُ ذَلِكَ السُّؤْرَ يَصِيرُ عَادِمًا لِلْمَاءِ ثُمَّ يَتَيَمَّمُ فَعَرَضَ قَوْلَهُ هَذَا عَلَى الْقَاسِمِ الصَّفَّارِ فَقَالَ هُوَ قَوْلٌ جَيِّدٌ وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي نَوَادِرِ الصَّلَاةِ لَوْ تَوَضَّأَ بِسُؤْرِ الْحِمَارِ وَتَيَمَّمَ ثُمَّ أَصَابَ مَاءً نَظِيفًا وَلَمْ يَتَوَضَّأْ بِهِ حَتَّى ذَهَبَ الْمَاءُ وَمَعَهُ سُؤْرُ الْحِمَارِ فَعَلَيْهِ إعَادَةُ التَّيَمُّمِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ إعَادَةُ الْوُضُوءِ بِسُؤْرِ الْحِمَارِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مُطَهِّرًا فَقَدْ تَوَضَّأَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ نَجِسًا فَلَيْسَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ لَا فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى وَلَا فِي الثَّانِيَةِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَلَوْ تَيَمَّمَ وَصَلَّى ثُمَّ أَرَاقَ سُؤْرَ الْحِمَارِ يَلْزَمُهُ إعَادَةُ التَّيَمُّمِ وَالصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ يَتَحَمَّلُ أَنَّ سُؤْرَ الْحِمَارِ كَانَ طَهُورًا اهـ، فَإِنْ قِيلَ هَذَا الطَّرِيقُ يَسْتَلْزِمُ أَدَاءَ الصَّلَاةِ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ فِي إحْدَى الْمَرَّتَيْنِ لَا مَحَالَةَ، وَهُوَ مُسْتَلْزِمٌ لِلْكُفْرِ لِتَأَدِّيهِ إلَى الِاسْتِخْفَافِ بِالدِّينِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ وَيَجِبُ الْجَمْعُ فِي أَدَاءً وَاحِدٍ قُلْنَا ذَلِكَ فِيمَا أَدَّى بِغَيْرِ طَهَارَةٍ بِيَقِينٍ، فَأَمَّا إذَا كَانَ أَدَاؤُهُ بِطَهَارَةٍ مِنْ وَجْهٍ فَلَا لِانْتِفَاءِ الِاسْتِخْفَافِ؛ لِأَنَّهُ عَمِلَ بِالشَّرْعِ مِنْ وَجْهٍ، وَهَاهُنَا كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ السُّؤْرِ وَالتُّرَابِ مُطَهِّرٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَلَا يَكُونُ الْأَدَاءُ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ الْكُفْرُ كَمَا لَوْ صَلَّى حَنَفِيٌّ بَعْدَ الْفَصْدِ أَوْ الْحِجَامَةِ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ وَلَا يُكَفَّرُ لِمَكَانِ الِاخْتِلَافِ، وَهَذَا أَوْلَى بِخِلَافِ مَا لَوْ صَلَّى بَعْدَ الْبَوْلِ كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ (قَوْلُهُ: وَأَيًّا قَدَّمَ صَحَّ) أَيْ مِنْ الْمَذْكُورَيْنِ وَهُمَا الْوُضُوءُ وَالتَّيَمُّمُ أَيًّا بَدَأَ بِهِ جَازَ حَتَّى لَوْ تَوَضَّأَ ثُمَّ تَيَمَّمَ جَازَ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ عَكَسَ جَازَ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْمَصِيرُ إلَى التَّيَمُّمِ مَعَ وُجُودِ مَاءٍ هُوَ وَاجِبُ الِاسْتِعْمَالِ فَصَارَ كَالْمَاءِ الْمُطْلَقِ وَلَنَا، وَهُوَ الْأَصَحُّ أَنَّ الْمَاءَ إنْ كَانَ طَهُورًا فَلَا مَعْنَى لِلتَّيَمُّمِ تَقَدَّمَ أَوْ تَأَخَّرَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ طَهُورًا فَالْمُطَهِّرُ هُوَ التَّيَمُّمُ تَقَدَّمَ أَوْ تَأَخَّرَ وَوُجُودُ هَذَا الْمَاءِ وَعَدَمُهُ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ وَإِمَّا يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِالْمُطَهِّرِ مِنْهُمَا عَيْنًا فَكَانَ الِاحْتِيَاطُ فِي الْجَمْعِ دُونَ   [منحة الخالق] النِّيَّةِ عَلَى الْهِدَايَةِ وَفِيهِ تَرَدُّدٌ (قَوْلُهُ: وَذَكَرَ مِسْكِينٌ فِي شَرَحَ الْكِتَاب إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَقُولُ: لَوْ صَحَّ مَا قَالَهُ مِسْكِينٌ لَحَرُمَ أَكْلُ الذِّئْبِ الَّذِي وَلَدَتْهُ الشَّاةُ لِغَلَبَةِ شَبَهِ الْأَبِ وَقَدْ مَرَّ أَنَّهُ حَلَالٌ وَمَا فِي الْمِعْرَاجِ بُعْدٌ؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ لِلْأُمِّ مَمْنُوعٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّ جَوَازَ الْأَكْلِ يَسْتَلْزِمُ طَهَارَةَ السُّؤْرِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 التَّرْتِيبِ كَذَا الِاخْتِلَافُ فِي الِاغْتِسَالِ بِهِ فَعِنْدَنَا لَا يُشْتَرَطُ تَقْدِيمُهُ خِلَافًا لَهُ لَكِنَّ الْأَفْضَلَ تَقْدِيمُ الْوُضُوءِ وَالِاغْتِسَالِ بِهِ عِنْدَنَا، وَفِي الْخُلَاصَةِ اخْتَلَفُوا فِي النِّيَّةِ فِي الْوُضُوءِ بِسُؤْرِ الْحِمَارِ وَالْأَحْوَطُ أَنْ يَنْوِيَ اهـ. (تَنْبِيهٌ) فِيهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ الْأُولَى مَا قَدَّمْنَاهُ لَوْ أَخْبَرَ عَدْلٌ بِأَنَّ هَذَا اللَّحْمَ ذَبِيحَةُ الْمَجُوسِيِّ وَأَخْبَرَ عَدْلٌ آخَرُ أَنَّهُ ذَبِيحَةُ الْمُسْلِمِ، فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ الثَّانِيَةُ مَا قَدَّمْنَاهُ لَوْ أَخْبَرَ عَدْلٌ بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ وَعَدْلٌ آخَرُ بِطَهَارَتِهِ، فَإِنَّهُ يُحْكَمُ بِطَهَارَتِهِ الثَّالِثَةُ مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الِاسْتِحْسَانِ كَمَا نَقَلَهُ فِي التَّوْشِيحِ لَوْ أَخْبَرَ عَدْلٌ بِحِلِّ طَعَامٍ وَآخَرُ بِحُرْمَتِهِ، فَإِنَّهُ يُحْكَمُ بِحِلِّهِ، وَهَذَا التَّنْبِيهُ لِبَيَانِ الْفَرْقِ بَيْنَ الثَّلَاثِ، فَإِنَّهُ قَدْ يُشْتَبَهُ الْأَصْلُ فِيهَا أَنَّ الْخَبَرَيْنِ إذَا تَعَارَضَا تَسَاقَطَا، وَيَبْقَى مَا كَانَ ثَابِتًا قَبْلَ الْخَبَرِ عَلَى مَا كَانَ فَفِي الْمَاءِ قَبْلَ الْخَبَرِ الثَّابِتِ إبَاحَةُ شُرْبِهِ وَطَهَارَتِهِ فَلَمَّا تَعَارَضَ الدَّلِيلَانِ تَسَاقَطَا فَبَقِيَ مَا كَانَ مِنْ الْإِبَاحَةِ وَالطَّهَارَةِ وَفِي الطَّعَامِ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ الْحِلُّ فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ إذْ لَوْ تَرَجَّحَ جَانِبُ الْحُرْمَةِ لَزِمَ تَرْجِيحُ أَحَدِ الْمُتَسَاوِيَيْنِ بِلَا مُرَجِّحٍ مَعَ تَرْكِ الْعَمَلِ بِالْأَصْلِ وَلَا يَجُوزُ تَرْجِيحُ الْحُرْمَةِ بِالِاحْتِيَاطِ لِاسْتِلْزَامِهِ تَكْذِيبَ الْخَبَرِ بِالْحِلِّ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ، فَأَمَّا تَعَارُضُ أَدِلَّةِ الشَّرْعِ فِي حِلِّ الطَّعَامِ وَحُرْمَتِهِ فَيُوجِبُ تَرْجِيحَ الْحُرْمَةِ تَقْلِيلًا لِلنَّسْخِ الَّذِي هُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ وَعَمَلًا بِالِاحْتِيَاطِ الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ فِي أُمُورِ الدِّينِ عِنْدَ عَدَمِ الْمَانِعِ، وَأَمَّا مَسْأَلَةُ اللَّحْمِ الْأُولَى، فَإِنَّهُ لَمَّا تَسَاقَطَ الدَّلِيلَانِ أَيْضًا بِالتَّعَارُضِ بَقِيَ مَا كَانَ ثَابِتًا قَبْلَ الذَّبْحِ وَالثَّابِتُ قَبْلَهُ حُرْمَةُ الْأَكْلِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَحِلُّ أَكْلُهُ بِالذَّبْحِ شَرْعًا، وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ السَّبَبُ الْمُبِيحُ لِوُقُوعٍ التَّعَارُضِ فِي سَبَبِ الْإِبَاحَةِ بَقِيَ حَرَامًا كَمَا كَانَ فَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ الثَّلَاثِ لَكِنْ ذَكَرَ الْإِمَامُ جَلَالُ الدِّينِ الْخَبَّازِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْهِدَايَةِ تَفْصِيلًا حَسَنًا فِي مَسْأَلَةِ الْمَاءِ تَسْكُنُ إلَيْهِ النَّفْسُ وَيَمِيلُ إلَيْهِ الْقَلْبُ فَقَالَ، فَإِنْ قِيلَ إذَا أَخْبَرَ عَدْلٌ بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ وَعَدْلٌ آخَرُ بِطَهَارَتِهِ لِمَ لَا يَصِيرُ الْمَاءُ مَشْكُوكًا مَعَ وُقُوعِ التَّعَارُضِ بَيْنَ الْخَبَرَيْنِ قُلْنَا لَا تَعَارُضَ ثَمَّةَ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ تَرْجِيحُ أَحَدِهِمَا، فَإِنَّ الْمُخْبِرَ عَنْ الطَّهَارَةِ لَوْ اسْتَقْصَى فِي ذَلِكَ بِأَنْ قَالَ أَخَذْت هَذَا الْمَاءَ مِنْ النَّهْرِ وَسَدَدْت فَمَ هَذَا الْإِنَاءِ وَلَمْ يُخَالِطْهُ شَيْءٌ أَصْلًا رَجَّحْنَا خَبَرَهُ لِتَأَيُّدِهِ بِالْأَصْلِ، وَإِنْ بَنَى خَبَرَهُ عَلَى الِاسْتِصْحَابِ وَقَالَ كَانَ طَاهِرًا فَيَبْقَى كَذَلِكَ رَجَّحْنَا خَبَرَ النَّجَاسَةِ؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ مَحْسُوسٍ مُشَاهَدٍ وَأَنَّهُ رَاجِحٌ عَلَى الِاسْتِصْحَابِ اهـ. وَاَلَّذِي ظَهَرَ لِي أَنَّهُ يُحْمَلُ كَلَامُ الْمَشَايِخِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُبَيِّنْ مُسْتَنَدَ إخْبَارِهِ فَإِذَا لَمْ يُبَيِّنْ يَعْمَلُ بِالْأَصْلِ، وَهُوَ الطَّهَارَةُ، وَإِنْ بَيَّنَ فَالْعِبْرَةُ لِهَذَا التَّفْصِيلِ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ نَبِيذِ التَّمْرِ) يَعْنِي إنْ فَقَدَ مَاءً مُطْلَقًا وَلَمْ يَجِدْ إلَّا نَبِيذَ التَّمْرِ، فَإِنَّهُ يَتَوَضَّأُ وَلَا يَجْمَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّيَمُّمِ وَذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ هُنَا إمَّا؛ لِأَنَّهُ مَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ عَلَى رَأْيٍ أَوْ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا لَمَّا أَوْجَبَ الْجَمْعَ صَارَ عِنْدَهُ مَشْكُوكًا فِيهِ فَشَابَهَ سُؤْرَ الْحِمَارِ كَذَا قِيلَ لَكِنْ لَا يَخْفَى ضَعْفُ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ جَعَلَهُ مُخَالِفًا لِسُؤْرِ الْحِمَارِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْكَلَامَ هَاهُنَا فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ: الْأَوَّلُ: فِي تَفْسِيرِهِ الثَّانِي فِي وَقْتِهِ الثَّالِثُ فِي حُكْمِهِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَهُوَ أَنْ يُلْقِيَ فِي الْمَاءِ تُمَيْرَاتٍ فَيَصِيرُ رَقِيقًا يَسِيلُ عَلَى الْأَعْضَاءِ حُلْوًا غَيْرَ مُسْكِرٍ وَلَا مَطْبُوخٍ، وَإِنَّمَا قُلْنَا حُلْوًا؛ لِأَنَّهُ تَوَضَّأَ بِهِ قَبْلَ خُرُوجِ الْحَلَاوَةِ يَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنَّمَا قُلْنَا غَيْرَ مُسْكِرٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُسْكِرًا لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ حَرَامٌ، وَإِنَّمَا قُلْنَا غَيْرُ مَطْبُوخٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ طُبِخَ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُتَوَضَّأُ بِهِ إذْ النَّارُ قَدْ غَيَّرَتْهُ حُلْوًا كَانَ أَوْ مُشْتَدًّا كَمَطْبُوخِ الْبَاقِلَاءِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: تَقْلِيلًا لِلنَّسْخِ الَّذِي هُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ) بَيَانُهُ أَنَّ قَبْلَ الْبَعْثَةِ كَانَ الْأَصْلُ فِي الْأَشْيَاءِ الْإِبَاحَةَ فَلَوْ جَعَلْنَا الْمُبِيحَ مُتَأَخِّرًا يَلْزَمُ تَكْرَارُ النَّسْخِ؛ لِأَنَّ الْحَاظِرَ يَكُونُ نَاسِخًا لِلْإِبَاحَةِ الْأَصْلِيَّةِ ثُمَّ الْمُبِيحُ يَكُونُ نَاسِخًا لِلْحَاظِرِ وَلَوْ جَعَلْنَا الْحَاظِرَ مُتَأَخِّرًا لَا يَلْزَمُ إلَّا نَسْخٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ الْمُبِيحَ لِإِبْقَاءِ الْإِبَاحَةِ الْأَصْلِيَّةِ وَالْحَاظِرَ نَاسِخٌ وَالْأَصْلُ عَدَمُ التَّكْرَارِ وَفِي هَذَا الْكَلَامِ مَبْسُوطٌ فِي حَوَاشِينَا عَلَى شَرْحِ الْمَنَارِ (قَوْلُهُ: لَكِنْ ذَكَرَ الْإِمَامُ جَلَالُ الدِّينِ إلَخْ) أَقُولُ: وَعَلَيْهِ جَرَى صَدْرُ الشَّرِيعَةِ فِي التَّنْقِيحِ، وَفِي تَحْرِيرِ الْمُحَقِّقِ ابْنِ الْهُمَامِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ السُّؤَالِ عَنْ مَبْنَاهُ لِيُعْمَلَ بِمُقْتَضَاهُ إنْ لَمْ يَتَعَذَّرْ السُّؤَالُ وَعِبَارَةُ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ هَكَذَا إذَا أَخْبَرَ بِطَهَارَةِ الْمَاءِ وَنَجَاسَتِهِ فَالطَّهَارَةُ، وَإِنْ كَانَتْ نَفْيًا لَكِنَّهُ يَحْتَمِلُ الْمَعْرِفَةَ بِالدَّلِيلِ فَيَسْأَلُ، فَإِنْ بَيَّنَ وَجْهَ دَلِيلِهِ كَانَ كَالْإِثْبَاتِ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ فَالنَّجَاسَةُ أَوْلَى وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ هَذَا نَظِيرُ النَّفْيِ الَّذِي يُحْتَمَلُ مَعْرِفَتُهُ بِالدَّلِيلِ وَيُحْتَمَلُ بِنَاؤُهُ عَلَى الْعَدَمِ الْأَصْلِيِّ؛ لِأَنَّ طَهَارَةَ الْمَاءِ قَدْ تُدْرَكُ بِظَاهِرِ الْحَالِ وَقَدْ تُدْرَكُ عِيَانًا بِأَنْ غَسَلَ الْإِنَاءَ بِمَاءِ السَّمَاءِ أَوْ بِالْمَاءِ الْجَارِي وَمَلَأَهُ بِأَحَدِهِمَا وَلَمْ يَغِبْ عَنْهُ أَصْلًا وَلَمْ يُلَاقِهِ شَيْءٌ نَجِسٌ فَإِذَا أَخْبَرَ وَاحِدٌ بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ وَالْآخَرُ بِطَهَارَتِهِ، فَإِنْ تَمَسَّكَ بِظَاهِرِ الْحَالِ فَإِخْبَارُ النَّجَاسَةِ أَوْلَى وَإِنْ تَمَسَّكَ بِالدَّلِيلِ كَانَ مِثْلَ الْإِثْبَاتِ اهـ. (قَوْلُهُ: فَإِذَا لَمْ يُبَيِّنْ الْعَمَلَ بِالْأَصْلِ) أَيْ فَالْعَمَلُ بِالْأَصْلِ أَوْلَى أَوْ فَالْأُولَى الْعَمَلُ بِالْأَصْلِ أَوْ الْعَمَلُ مُبْتَدَأٌ وَالظَّرْفُ خَبَرٌ وَالْجُمْلَةُ عَلَى كُلٍّ جَوَابُ الشَّرْطِ عَلَى تَقْدِيرِ الْفَاءِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ بَيَّنَ فَالْعِبْرَةُ لِهَذَا التَّفْصِيلِ) لَا يَخْفَى أَنَّ التَّفْصِيلَ السَّابِقَ هُوَ إنْ بَيَّنَ دَلِيلَ الطَّهَارَةِ أُخِذَ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ فَيُقَدَّمُ إخْبَارُ النَّجَاسَةِ فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ: وَإِنْ بَيَّنَ فَالْعِبْرَةُ لِهَذَا التَّفْصِيلِ تَأَمَّلْ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 وَالْمُحِيطِ يَعْنِي بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ، وَهُوَ الْأَلْيَقُ بِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْمَاءَ يَصِيرُ مُقَيَّدًا بِالطَّبْخِ إذَا لَمْ يُقْصَدْ بِهِ الْمُبَالَغَةُ فِي التَّنْظِيفِ وَبِهِ يَظْهَرُ ضَعْفُ مَا صَحَّحَهُ فِي الْمُفِيدِ وَالْمَزِيدِ أَنَّهُ يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ بَعْدَمَا طُبِخَ وَقَدْ ذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ أَنَّ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ وَقَعَ مِنْهُ تَنَاقُضٌ فَإِنَّهُ ذَكَرَ هُنَا أَنَّ النَّارَ إذَا غَيَّرَتْهُ يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِجَوَازِ شُرْبِهِ وَذَكَرَ فِي بَحْثِ الْمِيَاهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِمَا تَغَيَّرَ بِالطَّبْخِ اهـ. وَلَا يَخْفَى ثُبُوتُ الْخِلَافِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّ اخْتِلَافَ التَّصْحِيحِ يُنْبِئُ عَنْهُ فَكَانَ فِيهِ رِوَايَتَانِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ نَقْلَ الرِّوَايَةِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ فَلَا تَنَاقُضَ حَيْثُ أَمْكَنَ التَّوْفِيقُ وَأَمَّا سَائِرُ الْأَنْبِذَةِ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهَا عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ جَوَازَ التَّوَضُّؤِ بِنَبِيذِ التَّمْرِ ثَابِتٌ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ بِالْحَدِيثِ؛ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَاءِ الْمُطْلَقِ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ. وَأَمَّا الثَّانِي: قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: كُلُّ وَقْتٍ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ فِيهِ يَجُوزُ التَّوَضُّؤُ بِهِ، وَإِلَّا فَلَا كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ، وَأَمَّا الثَّالِثُ فَفِيهِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ الْأُولَى، وَهُوَ قَوْلُهُ الْأَوَّلُ أَنَّهُ يُتَوَضَّأُ بِهِ جَزْمًا وَيُضِيفُ التَّيَمُّمَ إلَيْهِ اسْتِحْبَابًا وَالثَّانِيَةُ يَجِبُ الْجَمْعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّيَمُّمِ كَسُؤْرِ الْحِمَارِ وَبِهِ قَالَ مُحَمَّدٌ وَاخْتَارَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَرَجَّحَهُ وَالثَّالِثَةُ أَنَّهُ يُتَيَمَّمُ وَلَا يُتَوَضَّأُ بِهِ قَوْلُهُ الْآخَرُ وَقَدْ رَجَعَ إلَيْهِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ وَاخْتَارَهُ الطَّحَاوِيُّ وَحُكِيَ عَنْ أَبِي طَاهِرٍ الدَّبَّاسِ أَنَّهُ قَالَ إنَّمَا اخْتَلَفَتْ أَجْوِبَةُ أَبِي حَنِيفَةَ لِاخْتِلَافِ الْأَسْئِلَةِ، فَإِنَّهُ سُئِلَ عَنْ التَّوَضُّؤِ بِهِ إذَا كَانَتْ الْغَلَبَةُ لِلْحَلَاوَةِ قَالَ يُتَيَمَّمُ وَلَا يُتَوَضَّأُ بِهِ وَسُئِلَ مَرَّةً إذَا كَانَ الْمَاءُ وَالْحَلَاوَةُ سَوَاءً قَالَ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا وَسُئِلَ مَرَّةً إذَا كَانَتْ الْغَلَبَةُ لِلْمَاءِ فَقَالَ يُتَوَضَّأُ بِهِ وَلَا يُتَيَمَّمُ وَبِالْجُمْلَةِ فَالْمَذْهَبُ الْمُصَحَّحُ الْمُخْتَارُ الْمُعْتَمَدُ عِنْدَنَا هُوَ عَدَمُ الْجَوَازِ مُوَافَقَةً لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الِاشْتِغَالِ بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ الدَّالِّ عَلَى الْجَوَازِ مِنْ «قَوْلِهِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ) هُوَ مَا رَوَاهُ أَبُو رَافِعٍ وَابْنُ الْقَيِّمِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَطَبَ ذَاتَ لَيْلَةٍ ثُمَّ قَالَ لِيَقُمْ مَعَنَا مَنْ لَمْ يَكُنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ فَقَامَ ابْنُ مَسْعُودٍ فَحَمَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ نَفْسِهِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: خَرَجْنَا مِنْ مَكَّةَ وَخَطَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَوْلِي خَطًّا وَقَالَ لَا تَخْرُجْ مِنْ هَذَا الْخَطِّ، فَإِنَّك إنْ خَرَجْت مِنْهُ لَمْ تَلْقَنِي إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ ذَهَبَ يَدْعُو الْجِنَّ إلَى الْإِسْلَامِ وَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ عَلَيْهِمْ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ فَقَالَ لِي هَلْ مَعَك مَاءٌ أَتَوَضَّأُ بِهِ فَقُلْت لَا إلَّا نَبِيذُ التَّمْرِ فِي إدَاوَةٍ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَمْرَةٌ طَيِّبَةٌ وَمَاءٌ طَهُورٌ فَتَوَضَّأَ بِهِ وَصَلَّى الْفَجْرَ» وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ الْعَمَلُ بِآيَةِ التَّيَمُّمِ فَإِنَّهَا تَنْقُلُ التَّطْهِيرَ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ إلَى التُّرَابِ وَنَبِيذُ التَّمْرِ لَيْسَ مَاءً مُطْلَقًا فَيَكُونُ الْحَدِيثُ مَرْدُودًا بِهَا لِكَوْنِهَا أَقْوَى مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَوْ مَنْسُوخًا بِهَا؛ لِأَنَّهَا مَدَنِيَّةٌ وَلَيْلَةُ الْجِنِّ كَانَتْ بِمَكَّةَ، فَإِنْ قِيلَ نَسْخُ السُّنَّةِ بِالْكِتَابِ لَا يَجُوزُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فَكَيْفَ يَسْتَقِيمُ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِآيَةِ التَّيَمُّمِ أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ جَوَابُ أَبِي يُوسُفَ خَاصَّةً وَالْمُشْتَرَكُ بَيْنَهُمَا هُوَ الْعَمَلُ بِآيَةِ التَّيَمُّمِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ فِي الْحَدِيثِ اضْطِرَابًا؛ لِأَنَّ مَدَارَهُ عَلَى أَبِي زَيْدٍ مَوْلَى عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ وَأَبُو زَيْد كَانَ مَجْهُولًا عِنْدَ النَّقَلَةِ؛ وَلِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قِيلَ هَلْ كَانَ أَبُوك مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلَةَ الْجِنِّ فَقَالَ لَوْ كَانَ أَبِي مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلَةَ الْجِنِّ لَكَانَ فَخْرًا عَظِيمًا وَمَنْقَبَةً لَهُ وَلِعَقِبِهِ بَعْدَهُ فَأَنْكَرَ كَوْنَ أَبِيهِ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَوْ كَانَ لَمَا خَفِيَ عَلَى ابْنِهِ وَفِي التَّارِيخِ جَهَالَةٌ تَامَّةٌ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي انْتِسَاخِ هَذَا الْحَدِيثِ لِجَهَالَةِ التَّارِيخِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ نُسِخَ ذَلِكَ بِآيَةِ التَّيَمُّمِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَمْ يُنْسَخْ فَيَجِبُ احْتِيَاطًا قُلْنَا لَيْلَةُ الْجِنِّ كَانَتْ غَيْرَ وَاحِدَةٍ يَعْنِي أَنَّهَا تَكَرَّرَتْ قَالَ فِي التَّيْسِيرِ إنَّ الْجِنَّ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَفْعَتَيْنِ فَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الدَّفْعَةُ الثَّانِيَةُ فِي الْمَدِينَةِ بَعْدَ آيَةِ التَّيَمُّمِ فَلَا يَصِحُّ دَعْوَى النَّسْخِ وَالْحَدِيثُ مَشْهُورٌ عَلِمَتْ بِهِ الصَّحَابَةُ كَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رُوِيَ عَنْهُ الْحَدِيثُ أَنَّهُ قَالَ «الْوُضُوءُ بِنَبِيذِ التَّمْرِ وُضُوءُ مَنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ» وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ يُجَوِّزُ الْوُضُوءَ بِنَبِيذِ التَّمْرِ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ وَرَوَى عِكْرِمَةُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ تَوَضَّئُوا بِنَبِيذِ التَّمْرِ وَرُوِيَ عَنْهُ مِنْ طُرُقٍ مُخْتَلِفَةٍ أَنَّهُ كَانَ يُجَوِّزُ الْوُضُوءَ بِنَبِيذِ التَّمْرِ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ وَهُمْ كِبَارُ أَئِمَّةِ الْفَتْوَى فَيَكُونُ قَوْلُهُمْ مَعْمُولًا بِهِ وَبِمِثْلِهِ يُزَادُ عَلَى الْكِتَابِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ اشْتَبَهَ كَوْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلَةَ الْجِنِّ قُلْنَا فِي الْبَابِ مَا يَكْفِي الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ، وَهُوَ رِوَايَةُ هَذِهِ الْكِبَارِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَقَوْلُهُ أَبُو زَيْدٌ مَجْهُولٌ قُلْنَا لَا بَلْ هُوَ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ، وَكَانَ مَعْرُوفًا وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ: أُثْبِتُ كَوْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ مَعَ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِاثْنَيْ عَشَرَ وَجْهًا وَمَعْنَى قَوْلِ ابْنِهِ إنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَيْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ حَالَةَ الْخِطَابِ وَالدَّعْوَةِ بَلْ كَانَ دَاخِلَ الْخَطِّ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَهُ لَيْلَةُ الْجِنِّ مَا فِي إدَاوَتِك قَالَ نَبِيذُ تَمْرٍ قَالَ تَمْرَةٌ طَيِّبَةٌ وَمَاءٌ طَهُورٌ» أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ؛ لِأَنَّ مِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ تَكَلَّمَ فِيهِ وَضَعَّفَهُ وَإِنْ أُجِيبَ عَنْهُ بِمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ الْمَخْرَجُ وَغَيْرُهُ وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ هُوَ مَنْسُوخٌ بِآيَةِ التَّيَمُّمِ لِتَأَخُّرِهَا إذْ هِيَ مَدَنِيَّةٌ وَعَلَى هَذَا مَشَى جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ فَإِذَا عُلِمَ عَدَمُ جَوَازِ الْوُضُوءِ بِهِ عُلِمَ عَدَمُ جَوَازِ الْغُسْلِ بِهِ وَاخْتَلَفُوا عَلَى قَوْلِ مَنْ يُجِيزُ الْوُضُوءَ بِهِ فِي جَوَازِ الْغُسْلِ بِهِ فَصَحَّحَ فِي الْمَبْسُوطِ جَوَازَهُ وَصَحَّحَ فِي الْمُفِيدِ عَدَمَهُ وَلَا فَائِدَةَ فِي التَّصْحِيحَيْنِ بَعْدَ أَنْ كَانَ الْمَذْهَبُ عَدَمَ الْجَوَازِ بِهِ فِي الْحَدِيثَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ إذَا رَجَعَ عَنْ قَوْلٍ لَا يَجُوزُ الْأَخْذُ بِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّوْشِيحِ وَتُشْتَرَطُ النِّيَّةُ لَهُ عَلَى قَوْلِ مَنْ يُجِيزُ الْوُضُوءَ بِهِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ سُؤْرَ الْحِمَارِ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ يُقَدَّمُ النَّبِيذُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُجْمَعَ بَيْنَهُمَا مَعَ التَّيَمُّمِ وَإِذَا شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ بِالتَّيَمُّمِ ثُمَّ وَجَدَهُ، فَهُوَ كَالْمَعْدُومِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَعَلَى الْأَوَّلِ يَقْطَعُهَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَمْضِي فِيهَا وَيُعِيدُهَا بِالْوُضُوءِ بِهِ كَمَا لَوْ وَجَدَ سُؤْرَ حِمَارٍ، فَإِنَّهُ يَمْضِي وَيُعِيدُهَا بِهِ بِالِاتِّفَاقِ وَلَوْلَا عِبَارَةُ الْوَافِي - أَصْلُ الْكِتَابِ - لَشَرَحْته بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ النَّبِيذَ مُخَالِفٌ لِسُؤْرِ الْحِمَارِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ أَصْلًا لِيَصِيرَ مَا فِي الْكِتَابِ هُوَ الْمُعْتَمَدَ وَلَقَدْ أَنْصَفَ الْإِمَامُ الطَّحَاوِيُّ نَاصِرُ الْمَذْهَبِ حَيْثُ قَالَ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ أَوَّلًا اعْتَمَدَ عَلَى حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ لَا أَصْلَ لَهُ اهـ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (بَابُ التَّيَمُّمِ) الْبَابُ لُغَةً النَّوْعُ وَعُرْفًا نَوْعٌ مِنْ الْمَسَائِلِ اشْتَمَلَ عَلَيْهَا كِتَابٌ، وَلَيْسَتْ بِفَصْلٍ وَالتَّيَمُّمُ لُغَةً مُطْلَقُ الْقَصْدِ بِخِلَافِ الْحَجِّ، فَإِنَّهُ الْقَصْدُ إلَى مُعَظَّمٍ وَشَوَاهِدُهُمَا كَثِيرَةٌ وَاصْطِلَاحًا عَلَى مَا فِي شُرُوحِ الْهِدَايَةِ الْقَصْدُ إلَى الصَّعِيدِ الطَّاهِرِ لِلتَّطْهِيرِ، وَعَلَى مَا فِي الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهِ اسْتِعْمَالُ الصَّعِيدِ فِي عُضْوَيْنِ مَخْصُوصَيْنِ عَلَى قَصْدِ التَّطْهِيرِ بِشَرَائِطَ مَخْصُوصَةٍ وَزُيِّفَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْقَصْدَ شَرْطٌ لَا رُكْنٌ وَالثَّانِي بِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ اسْتِعْمَالُ جُزْءٍ مِنْ الْأَرْضِ حَتَّى يَجُوزَ بِالْحَجَرِ الْأَمْلَسِ فَالْحَقُّ أَنَّهُ اسْمٌ لِمَسْحِ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ عَلَى الصَّعِيدِ الطَّاهِرِ وَالْقَصْدُ شَرْطٌ؛ لِأَنَّهُ النِّيَّةُ وَلَهُ رُكْنٌ وَشُرُوطٌ وَحُكْمٌ وَسَبَبُ مَشْرُوعِيَّةٍ وَسَبَبُ وُجُوبٍ وَكَيْفِيَّةٌ وَدَلِيلٌ أَمَّا رُكْنُهُ فَشَيْئَانِ الْأَوَّلُ ضَرْبَتَانِ ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَضَرْبَةٌ لِلْيَدَيْنِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ وَالثَّانِي اسْتِيعَابُ الْعُضْوَيْنِ وَفِي الْأَوَّلِ كَلَامٌ نَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَأَمَّا شَرَائِطُهُ أَعْنِي شَرَائِطَ جَوَازِهِ فَسَتَأْتِي فِي الْكِتَابِ مُفَصَّلَةً، وَأَمَّا حُكْمُهُ فَاسْتِبَاحَةُ مَا لَا يَحِلُّ إلَّا بِهِ، وَأَمَّا سَبَبُ مَشْرُوعِيَّتِهِ فَمَا «وَقَعَ لِعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِي غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ، وَهِيَ غَزْوَةُ الْمُرَيْسِيعِ، وَهُوَ مَاءٌ بِنَاحِيَةِ قَدِيدٍ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ لَمَّا أَضَلَّتْ عِقْدَ هَا فَبَعَثَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي طَلَبِهِ فَحَانَتْ الصَّلَاةُ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ فَأَغْلَظَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى عَائِشَةَ وَقَالَ حَبَسْتِ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُسْلِمِينَ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ فَنَزَلَتْ آيَةُ التَّيَمُّمِ فَجَاءَ أَسِيد بْنُ الْحُضَيْرِ فَجَعَلَ يَقُولُ مَا أَكْثَرَ بَرَكَتَكُمْ يَا آلَ أَبِي بَكْرٍ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: نَزَلَتْ الْآيَةُ فِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَصَابَتْهُ جَنَابَةٌ، وَهُوَ مَرِيضٌ فَرُخِّصَ لَهُ فِي التَّيَمُّمِ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ، وَأَمَّا سَبَبُ وُجُوبِهِ فَمَا هُوَ سَبَبُ وُجُوبِ أَصْلِهِ الْمُتَقَدِّمِ، وَأَمَّا كَيْفِيَّتُهُ فَسَتَأْتِي، وَأَمَّا دَلِيلُهُ فَمِنْ الْكِتَابِ فِي آيَتَيْنِ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ وَالْمَائِدَةِ وَهُمَا مَدَنِيَّتَانِ وَمِنْ السُّنَّةِ فَأَحَادِيثُ مِنْهَا مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ «عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ   [منحة الخالق] مَعَهُ مَا رُوِيَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ رَأَى قَوْمًا يَلْعَبُونَ بِالْكُوفَةِ فَقَالَ مَا رَأَيْت قَوْمًا أَشْبَهَ بِالْجِنِّ الَّذِينَ رَأَيْتهمْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلَةَ الْجِنِّ مِنْ هَؤُلَاءِ كَذَا فِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلْمَحْبُوبِيِّ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ. اهـ. فَرَائِدُ. (قَوْلُهُ: وَلَقَدْ أَنْصَفَ الْإِمَامُ الطَّحَاوِيُّ إلَخْ) قَالَ الْعَلَّامَةُ نُوحٌ أَفَنْدِي فِي حَوَاشِي الدُّرَرِ بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ الطَّحَاوِيِّ أَقُولُ: حَاشَاهُ ثُمَّ حَاشَاهُ ثُمَّ حَاشَاهُ أَنْ يَبْنِيَ شَيْئًا فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى مَا لَا أَصْلَ لَهُ بَلْ لَهُ أَصْلٌ أَصِيلٌ عِنْدَهُ فَالْحَدِيثُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ صَحِيحٌ، وَإِنْ كَانَ بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِ ضَعِيفًا فَالْعِبْرَةُ فِي هَذَا الْبَابِ بِرَأْيِ الْمُجْتَهِدِ لَا بِرَأْيِ غَيْرِهِ وَقَوْلُهُ لَا أَصْلَ لَهُ مَرْدُودٌ؛ لِأَنَّهُ مُشْعِرٌ بِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ غَايَةَ مَا قِيلَ فِيهِ إنَّهُ ضَعِيفٌ، وَهُوَ غَيْرُ الْمَوْضُوعِ عَلَى أَنَّ الْحُسْنَ وَالصِّحَّةَ وَالضَّعْفَ بِاعْتِبَارِ السَّنَدِ ظَنًّا عَلَى الصَّحِيحِ أَمَّا فِي الْوَاقِعِ فَيَجُوزُ ضَعْفُ الصَّحِيحِ وَصِحَّةُ الضَّعِيفِ فَلَا نَقْطَعُ بِصِحَّةِ صَحِيحٍ وَلَا ضَعْفِ ضَعِيفٍ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْوَاقِعُ خِلَافَهُ مَعَ أَنَّ الْحَدِيثَ الْوَاحِدَ قَدْ يَكُونُ صَحِيحًا عِنْدَ الْبَعْضِ ضَعِيفًا عِنْدَ آخَرَ فَدَارَ عَلَى اجْتِهَادِ الْمُجْتَهِدِ فَإِذَا بَنَى عَلَى حَدِيثٍ حُكْمًا يَجِبُ عَلَى مَنْ قَلَّدَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِالْقَبُولِ وَلَا يَلْتَفِتُ إلَى قَوْلِ مَنْ ضَعَّفَهُ بَعْدَهُ وَكَمْ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ مِنْ الِاحْتِجَاجِ بِمِثْلِ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَنْ تَكَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ كالدارقطني أَبْهَمَ الْجَرْحَ وَالصَّحِيحُ عَدَمُ قَبُولِهِ مَا لَمْ يُفَسَّرْ فَلَوْلَا نَقْلُ رُجُوعِ الْإِمَامِ عَنْهُ لَأَفْتَيْنَا بِوُجُوبِ الْوُضُوءِ مِنْهُ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ، فَإِنْ قُلْت حَيْثُ كَانَ الْحَدِيثُ ثَابِتًا فَمَا سَبَبُ رُجُوعِهِ عَنْهُ قُلْت أَمْرٌ ظَهَرَ لِلْمُجْتَهِدِ مِنْ النَّظَرِ إلَى الدَّلِيلِ أَلَا تَرَى أَنَّ الشَّافِعِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رَجَعَ عَنْ مَذْهَبٍ مُسْتَقِلٍّ بَعْدَ تَدْوِينِهِ وَغَايَةُ مَا يُقَالُ هُنَا إنَّهُ ظَهَرَ لَهُ أَنَّ آيَةَ التَّيَمُّمِ مُتَأَخِّرَةٌ عَنْ لَيْلَةِ الْجِنِّ فَهِيَ نَاسِخَةٌ لَهُ اهـ مُلَخَّصًا. [بَابُ التَّيَمُّمِ] [أَرْكَان التَّيَمُّم] (بَابُ التَّيَمُّمِ) (قَوْلُهُ: عَلَى الصَّعِيدِ الطَّاهِرِ) كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ الْمُطَهِّرِ كَمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 قَالَ بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَاجَةٍ فَأَجْنَبْت فَلَمْ أَجِدْ الْمَاءَ فَتَمَرَّغْت فِي الصَّعِيدِ كَمَا تَتَمَرَّغُ الدَّابَّةُ وَفِي رِوَايَةٍ فَتَمَعَّكْت ثُمَّ أَتَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرْت ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ إنَّمَا كَانَ يَكْفِيك أَنْ تَقُولَ بِيَدَيْك هَكَذَا ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدَيْهِ الْأَرْضَ ضَرْبَةً وَاحِدَةً ثُمَّ مَسَحَ الشِّمَالَ عَلَى الْيَمِينِ وَظَاهِرَ كَفَّيْهِ وَوَجْهَهُ» . ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ التَّيَمُّمَ لَمْ يَكُنْ مَشْرُوعًا لِغَيْرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَإِنَّمَا شُرِعَ رُخْصَةً لَنَا وَالرُّخْصَةُ فِيهِ مِنْ حَيْثُ الْآلَةُ حَيْثُ اكْتَفَى بِالصَّعِيدِ الَّذِي هُوَ مُلَوَّثٌ وَفِي مَحَلِّهِ بِشَطْرِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى. (قَوْلُهُ: يَتَيَمَّمُ لِبُعْدِهِ مِيلًا عَنْ مَاءِ) أَيْ يَتَيَمَّمُ الشَّخْصُ، وَهَذَا شُرُوعٌ فِي بَيَانِ شَرَائِطِهِ فَمِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ وَاجِدًا لِلْمَاءِ قَدْرَ مَا يَكْفِي لِطَهَارَتِهِ فِي الصَّلَاةِ الَّتِي تَفُوتُ إلَى خَلْفٍ وَمَا هُوَ مِنْ أَجْزَائِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43] وَغَيْرُ الْكَافِي كَالْمَعْدُومِ، وَهَذَا عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَلْزَمُهُ اسْتِعْمَالُ الْمَوْجُودِ وَالتَّيَمُّمُ لِلْبَاقِي؛ لِأَنَّ مَا نَكِرَةٌ فِي النَّفْيِ فَتَعُمُّ وَقِيَاسًا عَلَى إزَالَةِ بَعْضِ النَّجَاسَةِ وَسِتْرِ بَعْضِ الْعَوْرَةِ وَكَالْجَمْعِ فِي حَالَةِ الِاضْطِرَارِ بَيْنَ الذَّكِيَّةِ وَالْمَيِّتَةِ قُلْنَا الْآيَةُ سِيقَتْ لِبَيَانِ الطَّهَارَةِ الْحُكْمِيَّةِ فَكَأَنَّ التَّقْدِيرَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً مُحَلِّلًا لِلصَّلَاةِ، فَإِنَّ وُجُودَ الْمَاءِ النَّجَسِ لَا يَمْنَعُهُ مِنْ التَّيَمُّمِ إجْمَاعًا وَبِاسْتِعْمَالِ الْقَلِيلِ لَمْ يَثْبُتْ شَيْءٌ مِنْ الْحِلِّ يَقِينًا عَلَى الْكَمَالِ، فَإِنَّ الْحِلَّ حُكْمٌ وَالْعِلَّةَ غَسْلُ الْأَعْضَاءِ كُلِّهَا وَشَيْءٌ مِنْ الْحُكْمِ لَا يَثْبُتُ بِبَعْضِ الْعِلَّةِ كَبَعْضِ النِّصَابِ فِي حَقِّ الزَّكَاةِ وَكَبَعْضِ الرَّقَبَةِ فِي حَقِّ الْكَفَّارَةِ وَالْقِيَاسُ عَلَى الْحَقِيقِيَّةِ وَالْعَوْرَةِ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُمَا يَتَجَزَّآنِ فَيُفِيدُ إلْزَامَهُ بِاسْتِعْمَالِ الْقَلِيلِ لِلتَّقْلِيلِ وَلَا يُفِيدُ هُنَا إذْ لَا يَتَجَزَّأُ هُنَا بَلْ الْحَدَثُ قَائِمٌ مَا بَقِيَ أَدْنَى لُمْعَةٍ فَيَبْقَى مُجَرَّدَ إضَاعَةِ مَالٍ خُصُوصًا فِي مَوْضِعِ عِزَّتِهِ مَعَ بَقَاءِ الْحَدَثِ كَمَا هُوَ، وَأَمَّا الْجَمْعُ حَالَةَ الِاضْطِرَارِ؛ فَلِأَنَّ الذَّكِيَّةَ لَمَّا لَمْ تَدْفَعْ الِاضْطِرَارَ صَارَتْ كَالْعَدَمِ كَذَا ذَكَرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الشُّرُوحِ لَكِنْ فِي الْخُلَاصَةِ وَلَوْ وَجَدَ مِنْ الْمَاءِ قَدْرَ مَا يَغْسِلُ بِهِ بَعْضَ النَّجَاسَةِ الْحَقِيقِيَّةِ أَوْ وَجَدَ مِنْ الثَّوْبِ قَدْرَ مَا يَسْتُرُ بَعْضَ الْعَوْرَةِ لَا يَلْزَمُهُ اهـ. وَلَوْ وَجَدَ مَاءً يَكْفِي لِلْحَدَثِ أَوْ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ الْمَانِعَةِ غَسَلَ بِهِ الثَّوْبَ مِنْهَا وَتَيَمَّمَ لِلْحَدَثِ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ، وَإِنْ تَوَضَّأَ بِهِ وَصَلَّى فِي النَّجَسِ أَجْزَأَهُ، وَكَانَ مُسِيئًا كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَفِي الْمُحِيطِ وَلَوْ تَيَمَّمَ أَوَّلًا ثُمَّ غَسَلَ النَّجَاسَةَ يُعِيدُ التَّيَمُّمَ؛ لِأَنَّهُ تَيَمَّمَ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى مَا يَتَوَضَّأُ بِهِ اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ الظَّاهِرُ الْحُكْمُ بِجَوَازِ التَّيَمُّمِ تَقَدَّمَ عَلَى غَسْلِ الثَّوْبِ أَوْ تَأَخَّرَ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَحَقُّ الصَّرْفِ إلَى الثَّوْبِ عَلَى مَا قَالُوا وَالْمُسْتَحَقُّ الصَّرْفُ إلَى جِهَةٍ مَعْدُومٌ حُكْمًا بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهَا كَمَا فِي مَسْأَلَةِ اللُّمْعَةِ مَعَ الْحَدَثِ قَبْلَ التَّيَمُّمِ لَهُ إذَا كَانَ الْمَاءُ كَافِيًا لِأَحَدِهِمَا فَبَدَأَ بِالتَّيَمُّمِ لِلْحَدَثِ قَبْلَ غَسْلِهَا كَمَا هُوَ رِوَايَةُ الْأَصْلِ وَكَالْمَاءِ الْمُسْتَحَقِّ لِلْعَطَشِ وَنَحْوِهِ نَعَمْ يَتَمَشَّى ذَلِكَ عَلَى رِوَايَةِ الزِّيَادَاتِ الْقَائِلَةِ بِأَنَّهُ لَوْ تَيَمَّمَ قَبْلَ غَسْلِ اللُّمْعَةِ لَا يَصِحُّ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. وَلِهَذَا قَالَ فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ ثُمَّ إنَّمَا ثَبَتَتْ الْقُدْرَةُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَصْرُوفًا إلَى جِهَةٍ أَهَمَّ أَصَابَ بَدَنَ الْمُتَيَمِّمِ قَذَرٌ فَصَلَّى وَلَمْ يَمْسَحْهُ جَازَ؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ لَا يُزِيلُ النَّجَاسَةَ وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَمْسَحَ تَقْلِيلًا لِلنَّجَاسَةِ. اهـ. ثُمَّ الْعَدَمُ عَلَى نَوْعَيْنِ: عَدْمٌ مِنْ حَيْثُ الصُّورَةُ وَالْمَعْنَى وَعَدَمٌ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى لَا مِنْ حَيْثُ الصُّورَةُ فَالْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ بَعِيدًا عَنْهُ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَلَمْ يَذْكُرْ حَدَّ الْبُعْدِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَاتِ فَعَنْ مُحَمَّدٍ التَّقْدِيرُ بِالْمِيلِ، فَإِنْ تَحَقَّقَ كَوْنُهُ مِيلًا جَازَ لَهُ التَّيَمُّمُ، وَإِنْ تَحَقَّقَ كَوْنُهُ أَقَلَّ أَوْ ظَنَّ أَنَّهُ مِيلٌ أَوْ أَقَلُّ لَا يَجُوزُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَالْمِيلُ هُوَ الْمُخْتَارُ فِي الْمِقْدَارِ؛ لِأَنَّهُ يَلْحَقُهُ الْحَرَجُ بِدُخُولِ الْمِصْرِ وَالْمَاءُ مَعْدُومٌ حَقِيقَةً وَالْمِيلُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ مُنْتَهَى مَدِّ الْبَصَرِ وَقِيلَ لِلْأَعْلَامِ الْمَبْنِيَّةِ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ أَمْيَالٌ؛ لِأَنَّهَا بُنِيَتْ عَلَى مَقَادِيرِ مُنْتَهَى الْبَصَرِ كَذَا فِي الصِّحَاحِ وَالْمُغْرِبِ وَالْمُرَادُ هُنَا ثُلُثُ الْفَرْسَخِ وَالْفَرْسَخُ اثْنَا عَشْرَ أَلْفَ خُطْوَةٍ كُلُّ خُطْوَةٍ ذِرَاعٌ وَنِصْفٌ بِذِرَاعِ الْعَامَّةِ، وَهُوَ أَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ أُصْبُعًا كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ   [منحة الخالق] سَيُنَبِّهُ عَلَيْهِ نَفْسُهُ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ بِطَاهِرٍ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ. [شَرَائِط التَّيَمُّم] (قَوْلُهُ: كَمَا فِي مَسْأَلَةِ اللُّمْعَةِ) أَيْ لَوْ اغْتَسَلَ الْجُنُبُ وَفَرَغَ مَاؤُهُ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ بَقِيَتْ مِنْهُ لُمْعَةٌ مِنْ جَسَدِهِ لَمْ يُصِبْهَا الْمَاءُ، فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ لَهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ الْجَنَابَةِ وَلَوْ أَحْدَثَ قَبْلَ أَنْ يَتَيَمَّمَ لَهَا، فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ تَيَمُّمًا وَاحِدًا لَهَا لِلْحَدَثِ، وَإِذَا أَحْدَثَ بَعْدَ التَّيَمُّمِ ثُمَّ وَجَدَ مَاءً يَكْفِي لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الِانْفِرَادِ غَسَلَ بِهِ اللُّمْعَةُ؛ لِأَنَّ الْجَنَابَةَ أَغْلَظُ ثُمَّ يَتَيَمَّمُ لِلْحَدَثِ وَلَوْ بَدَأَ بِالتَّيَمُّمِ ثُمَّ غَسَلَهَا فِي رِوَايَةٍ لَا يَجُوزُ وَيُعِيدُ التَّيَمُّمَ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ أَنْ يَبْدَأَ بِأَيِّهِمَا شَاءَ قِيلَ الْأَوْلَى قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَالثَّانِيَةُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَفِي الْمَسْأَلَةِ تَفَاصِيلُ بَيَّنَهَا فِي السِّرَاجِ وَقَدْ ذَكَرَ فِي السِّرَاجِ مَسْأَلَةَ النَّجَاسَةِ بَعْدَ هَذِهِ وَقَالَ لَوْ بَدَأَ بِالتَّيَمُّمِ أَوَّلًا ثُمَّ غَسَلَ النَّجَاسَةَ أَعَادَ التَّيَمُّمَ إجْمَاعًا بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَيْ مَسْأَلَةِ اللُّمْعَةِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ تَيَمَّمَ هُنَا، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى مَاءٍ لَوْ تَوَضَّأَ بِهِ جَازَ وَهُنَاكَ أَيْ فِي مَسْأَلَةِ اللُّمْعَةِ لَوْ تَوَضَّأَ بِذَلِكَ الْمَاءِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ عَادَ جُنُبًا بِرُؤْيَةِ الْمَاءِ اهـ. وَبِهِ يَنْدَفِعُ النَّظَرُ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ: وَالْفَرْسَخُ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ خُطْوَةٍ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ وَالْجَوْهَرَةِ أَنَّ قَدْرَ الْمِيلِ أَرْبَعَةُ آلَافِ ذِرَاعٍ وَاَلَّذِي هُنَا سِتَّةُ آلَافِ ذِرَاعٍ وَرَأَيْت فِي الْقِلَادَةِ الْجَوْهَرِيَّةِ مَا صُورَتُهُ قَالَ صَاحِبُنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ شِهَابُ الدِّينِ بْنُ الْهَائِمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِلَيْهِ يَرْجِعُ فِي هَذَا الْبَابِ الْبَرِيدُ أَرْبَعَةُ فَرَاسِخَ وَالْفَرْسَخُ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ وَالْمِيلُ أَلْفُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 وَعَنْ الْكَرْخِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ إنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ يَسْمَعُ صَوْتَ أَهْلِ الْمَاءِ فَهُوَ قَرِيبٌ، وَإِنْ كَانَ لَا يَسْمَعُ فَهُوَ بَعِيدٌ، وَبِهِ أَخَذَ أَكْثَرُ مَشَايِخِنَا كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا كَانَ بِحَيْثُ لَوْ ذَهَبَ إلَيْهِ وَتَوَضَّأَ تَذْهَبُ الْقَافِلَةُ وَتَغِيبُ عَنْ بَصَرِهِ فَهُوَ بَعِيدٌ وَيَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ وَاسْتَحْسَنَ الْمَشَايِخُ هَذِهِ الرِّوَايَةَ كَذَا فِي التَّجْنِيسِ وَغَيْرِهِ إلَّا أَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ لَا الْمُقِيمِ، وَهُوَ جَائِزٌ لَهُمَا، وَلَوْ فِي الْمِصْرِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ هُوَ الْعَدَمُ فَأَيْنَمَا تَحَقَّقَ جَازَ التَّيَمُّمُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأَسْرَارِ لَكِنْ قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ فِي الْمِصْرِ إلَّا لِخَوْفِ فَوْتِ جِنَازَةٍ أَوْ صَلَاةِ عِيدٍ أَوْ لِلْجُنُبِ الْخَائِفِ مِنْ الْبَرْدِ وَكَذَا ذَكَرَ التُّمُرْتَاشِيُّ بِنَاءً عَلَى كَوْنِهِ نَادِرًا وَالْحَقُّ الْأَوَّلُ لِمَا ذَكَرْنَا وَالْمَنْعُ بِنَاءً عَلَى عَادَةِ الْأَمْصَارِ فَلَيْسَ خِلَافًا حَقِيقِيًّا وَتَصْحِيحُ الزَّيْلَعِيِّ لَا يُفْسِدُهُ وَفِي الْخَانِيَّةِ قَلِيلُ السَّفَرِ وَكَثِيرُهُ سَوَاءٌ فِي التَّيَمُّمِ وَالصَّلَاةِ عَلَى الدَّابَّةِ خَارِجَ الْمِصْرِ إنَّمَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فِي ثَلَاثَةٍ فِي قَصْرِ الصَّلَاةِ وَالْإِفْطَارِ وَالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ اهـ وَفِي الْمُحِيطِ الْمُسَافِرُ يَطَأُ جَارِيَتَهُ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَجِدُ الْمَاءَ؛ لِأَنَّ التُّرَابَ شُرِعَ طَهُورًا حَالَةَ عَدَمِ الْمَاءِ وَلَا تُكْرَهُ الْجَنَابَةُ حَالَ وُجُودِ الْمَاءِ فَكَذَا حَالَ عَدَمِهِ اهـ. وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ عُلِمَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ الْمَسَافَةُ دُونَ خَوْفِ فَوْتِ الْوَقْتِ خِلَافًا لِزُفَرَ وَفِي الْمُبْتَغَى بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَمَنْ كَانَ فِي كِلَّةٍ جَازَ تَيَمُّمُهُ لِخَوْفِ الْبَقِّ أَوْ مَطَرٍ وَحَرٍّ شَدِيدٍ إنْ خَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا مُنَاسِبٌ لِقَوْلِ زُفَرَ لَا لِقَوْلِ أَئِمَّتِنَا، فَإِنَّهُمْ لَا يَعْتَبِرُونَ خَوْفَ الْفَوْتِ، وَإِنَّمَا الْعِبْرَةُ لِلْبُعْدِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ كَذَا فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي لَكِنْ ظَفِرْت بِأَنَّ التَّيَمُّمَ لِخَوْفِ فَوْتِ الْوَقْتِ رِوَايَةٌ عَنْ مَشَايِخِنَا ذَكَرَهَا فِي الْقُنْيَةِ فِي مَسَائِلَ مَنْ اُبْتُلِيَ بِبَلِيَّتَيْنِ وَيَتَفَرَّعُ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ مَا لَوْ ازْدَحَمَ جَمْعٌ عَلَى بِئْرٍ لَا يُمْكِنُ الِاسْتِقَاءُ مِنْهَا إلَّا بِالْمُنَاوَبَةِ لِضِيقِ الْمَوْقِفِ أَوْ لِاتِّحَادِ الْآلَةِ لِلِاسْتِقَاءِ وَنَحْوُ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ يَتَوَقَّعُ وُصُولَ النَّوْبَةِ إلَيْهِ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ لَمْ يَجُزْ لَهُ التَّيَمُّمُ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهَا لَا تَصِيرُ إلَيْهِ إلَّا بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ يَصْبِرُ عِنْدَنَا لِيَتَوَضَّأَ بَعْدَ الْوَقْتِ، وَعِنْدَ زُفَرَ يَتَيَمَّمُ وَلَوْ كَانَ جَمْعٌ مِنْ الْعُرَاةِ وَلَيْسَ مَعَهُمْ إلَّا ثَوْبٌ يَتَنَاوَبُونَهُ وَعَلِمَ أَنَّ النَّوْبَةَ لَا تَصِلُ إلَيْهِ إلَّا بَعْدَ الْوَقْتِ، فَإِنَّهُ يَصْبِرُ وَلَا يُصَلِّي عَارِيًّا وَلَوْ اجْتَمَعُوا فِي سَفِينَةٍ أَوْ بَيْتٍ ضَيِّقٍ وَلَيْسَ هُنَاكَ مَوْضِعٌ يَسَعُ أَنْ يُصَلِّيَ قَائِمًا فَقَطْ لَا يُصَلِّي قَاعِدًا بَلْ تَصْبِرُ وَيُصَلِّي قَائِمًا بَعْدَ الْوَقْتِ كَمَا لَوْ كَانَ مَرِيضًا عَاجِزًا عَنْ الْقِيَامِ وَاسْتِعْمَالِ الْمَاءِ فِي الْوَقْتِ وَيَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ الْقُدْرَةُ بَعْدَهُ وَكَذَا لَوْ كَانَ مَعَهُ ثَوْبٌ نَجِسٌ وَمَعَهُ مَاءٌ يَغْسِلُهُ وَلَكِنْ لَوْ غَسَلَهُ خَرَجَ الْوَقْتُ لَزِمَ غَسْلُهُ، وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ كَذَا فِي التَّوْشِيحِ وَأَمَّا الْعَدَمُ مَعْنًى لَا صُورَةً فَهُوَ أَنْ يَعْجِزَ عَنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ لِمَانِعٍ مَعَ قُرْبِ الْمَاءِ مِنْهُ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ مُفَصَّلًا. (قَوْلُهُ: أَوْ لِمَرَضٍ) يَعْنِي يَجُوزُ التَّيَمُّمُ لِلْمَرَضِ وَأَطْلَقَهُ، وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي مِنْ قَوْلِهِ بِأَنْ يَخَافَ اشْتِدَادَ مَرَضِهِ لَوْ اسْتَعْمَلَ الْمَاءَ فَعَلِمَ أَنَّ الْيَسِيرَ مِنْهُ لَا يُبِيحُ التَّيَمُّمَ، وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ إلَّا مَا حَكَاهُ النَّوَوِيُّ عَنْ بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ مَرْدُودٌ بِأَنَّهُ رُخْصَةٌ أُبِيحَتْ لِلضَّرُورَةِ وَدَفْعِ الْحَرَجِ، وَهُوَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ عِنْدَ خَوْفِ الِاشْتِدَادِ وَالِامْتِدَادِ وَلَا فَرْقَ عِنْدَنَا بَيْنَ أَنْ يَشْتَدَّ بِالتَّحَرُّكِ كَالْمَبْطُونِ أَوْ بِالِاسْتِعْمَالِ كَالْجُدَرِيِّ أَوْ كَأَنْ لَا يَجِدَ مَنْ يُوَضِّئُهُ وَلَا يَقْدِرُ بِنَفْسِهِ اتِّفَاقًا، وَإِنْ وَجَدَ خَادِمًا كَعَبْدِهِ وَوَلَدِهِ وَأَجِيرِهِ لَا يُجْزِيهِ التَّيَمُّمُ اتِّفَاقًا كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمُحِيطِ، وَإِنْ وَجَدَ غَيْرَ خَادِمِهِ مَنْ لَوْ اسْتَعَانَ بِهِ أَعَانَهُ وَلَوْ زَوْجَتَهُ فَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَتَيَمَّمُ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الْمَبْسُوطِ وَالْبَدَائِعِ وَغَيْرُهُمَا وَنَقَلَ فِي التَّجْنِيسِ عَنْ شَيْخِهِ خِلَافًا بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ عَلَى قَوْلِهِ يُجْزِئُهُ التَّيَمُّمُ وَعَلَى قَوْلِهِمَا لَا قَالَ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا كَانَ مَرِيضًا   [منحة الخالق] بَاعٍ وَالْبَاعُ أَرْبَعَةُ أَذْرُعَ وَالذِّرَاعُ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ أُصْبُعًا وَالْأُصْبُعُ سِتُّ شُعَيْرَاتٍ مَرْصُوصَةٌ بِالْعَرْضِ وَالشَّعِيرُ سِتُّ شَعَرَاتٍ بِشَعْرِ الْبِرْذَوْنِ اهـ كَلَامُهُ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ. قَدْ نَظَمَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ إنَّ الْبَرِيدَ مِنْ الْفَرَاسِخِ أَرْبَعُ ... وَلِفَرْسَخٍ فَثَلَاثُ أَمْيَالِ ضَعُوا وَالْمِيلُ أَلْفٌ أَيْ مِنْ الْبَاعَاتِ قُلْ ... وَالْبَاعُ أَرْبَعُ أَذْرُعٍ تُتَتَبَّعُ ثُمَّ الذِّرَاعُ مِنْ الْأَصَابِعِ أَرْبَعُ ... مِنْ بَعْدِهَا الْعِشْرُونَ ثُمَّ الْأُصْبُعُ سِتُّ شُعَيْرَاتٍ فَظَهَرَ شُعَيْرَةٌ ... مِنْهَا إلَى بَطْنٍ لِأُخْرَى تُوضَعُ ثُمَّ الشُّعَيْرَةُ سِتُّ شَعَرَاتٍ فَقُلْ ... مِنْ شَعْرِ بَغْلٍ لَيْسَ فِيهَا مِدْفَعٌ أَقُولُ: فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا كُلِّهِ أَنَّ مَا نَقَلَهُ الزَّيْلَعِيُّ هُوَ الْمُعَوَّلُ فَتَأَمَّلْ اهـ. كَلَامُ الرَّمْلِيِّ مُلَخَّصًا وَفِي الشرنبلالية قَالَ بَعْدَ نَقْلِهِ مَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ عَنْ الْبُرْهَانِ عَنْ ابْنِ شُجَاعٍ قُلْت يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لَا خِلَافَ لِحَمْلِ كَلَامِ ابْنِ شُجَاعٍ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ بِالذِّرَاعِ مَا فِيهِ أُصْبُعٌ قَائِمَةٌ عِنْدَ كُلِّ قَبْضَةٍ فَيَبْلُغُ ذِرَاعًا وَنِصْفًا بِذِرَاعِ الْعَامَّةِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ، وَهُوَ أَيْ الْمِيلُ ثُلُثُ الْفَرْسَخِ أَرْبَعَةُ آلَافِ ذِرَاعٍ بِذِرَاعِ مُحَمَّدِ بْنِ فَرَجِ بْنِ الشَّاشِيِّ طُولُهَا أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ أُصْبُعًا وَعَرْضُ كُلِّ أُصْبُعٍ سِتُّ حَبَّاتِ شَعِيرٍ مُلْصَقَةٍ ظَهْرَ الْبَطْنِ اهـ. قُلْتُ: لَكِنْ مَا ادَّعَاهُ مِنْ تَأْيِيدِ عِبَارَةِ الزَّيْلَعِيِّ لِمَا قَالَهُ مِنْ التَّوْفِيقِ غَيْرُ ظَاهِرٍ بَعْدَ تَحْدِيدِهِ الذِّرَاعَ وَكَذَا مَا مَرَّ عَنْ ابْنِ الْهَائِمِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَمَنْ كَانَ فِي كِلَّةٍ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ هِيَ السِّتْرُ الرَّقِيقُ وَغِشَاءٌ رَقِيقٌ يَتَوَقَّى بِهِ مِنْ الْبَعُوضِ. (قَوْلُهُ: كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمُحِيطِ) عِبَارَتُهُ عَلَى مَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة، وَأَمَّا إذَا وَجَدَ أَحَدًا يُوَضِّئُهُ فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 لَا يَقْدِرُ عَلَى الِاسْتِقْبَالِ أَوْ كَانَ فِي فِرَاشِهِ نَجَاسَةٌ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى التَّحَوُّلِ مِنْهُ وَوَجَدَ مَنْ يُحَوِّلُهُ وَيُوَجِّهُهُ لَا يُفْتَرَضُ عَلَيْهِ ذَلِكَ عِنْدَهُ وَعَلَى هَذَا الْأَعْمَى إذَا وَجَدَ قَائِدًا لَا تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ وَالْحَجُّ وَالْخِلَافُ فِيهِمَا مَعْرُوفٌ فَالْحَاصِلُ أَنَّ عِنْدَهُ لَا يُعْتَبَرُ الْمُكَلَّفُ قَادِرٌ بِقُدْرَةِ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إنَّمَا يُعَدُّ قَادِرًا إذَا اخْتَصَرَ بِحَالَةٍ يَتَهَيَّأُ لَهُ الْفِعْلُ مَتَى أَرَادَ، وَهَذَا لَا يَتَحَقَّقُ بِقُدْرَةِ غَيْرِهِ؛ وَلِهَذَا قُلْنَا إذَا بَذَلَ الِابْنُ الْمَالَ وَالطَّاعَةَ لِأَبِيهِ لَا يَلْزَمُهُ الْحَجُّ، وَكَذَا مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، وَهُوَ مُعْدَمٌ فَبَذَلَ لَهُ إنْسَانٌ الْمَالَ لِمَا قُلْنَا وَعِنْدَهُمَا تَثْبُتُ الْقُدْرَةُ بِآلَةِ الْغَيْرِ؛ لِأَنَّ آلَةَ الْغَيْرِ صَارَتْ كَآلَتِهِ بِالْإِعَانَةِ، وَكَانَ حُسَامُ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَخْتَارُ قَوْلَهُمَا وَالْفَرْقُ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ بَيْنَ مَسْأَلَةِ التَّيَمُّمِ وَبَيْنَ الْمَرِيضِ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الصَّلَاةِ، وَمَعَهُ قَوْمٌ لَوْ اسْتَعَانَ بِهِمْ فِي الْإِقَامَةِ وَالثَّبَاتِ جَازَ لَهُ الصَّلَاةُ قَاعِدًا أَنَّهُ يَخَافُ عَلَى الْمَرِيضِ زِيَادَةَ الْوَجَعِ فِي قِيَامِهِ، وَلَا يَلْحَقُهُ زِيَادَةُ الْوَجَعِ فِي الْوُضُوءِ اهـ. مَا فِي التَّجْنِيسِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَجِيرٌ لَكِنْ مَعَهُ مَا يَسْتَأْجِرُ بِهِ أَجِيرًا لَا يُجْزِئُهُ التَّيَمُّمُ قَلَّ الْأَجْرُ أَوْ كَثُرَ، فَإِنَّهُ قَالَ أَوْ عِنْدَهُ مِنْ الْمَالِ مِقْدَارُ مَا يَسْتَأْجِرُ بِهِ أَجِيرًا وَالْفَرْقُ بَيْنَ الزَّوْجَةِ وَالْمَمْلُوكِ أَنَّ الْمَنْكُوحَةَ إذَا مَرِضَتْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُوَضِّئَهَا وَأَنْ يَتَعَاهَدَهَا، وَفِي الْعَبْدِ وَالْجَارِيَةِ يَجِبُ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَسْتَطِعْ الْوُضُوءَ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ يَعْنِي أَنَّ السَّيِّدَ لَمَّا كَانَ عَلَيْهِ تَعَاهُدَ الْعَبْدِ فِي مَرَضِهِ كَانَ عَلَى عَبْدِهِ أَنْ يَتَعَاهَدَهُ فِي مَرَضِهِ وَالزَّوْجَةُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَتَعَاهَدَهَا فِي مَرَضِهَا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالصَّلَاةِ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا ذَلِكَ إذَا مَرِضَ فَلَا يُعَدُّ قَادِرًا بِفِعْلِهَا وَفِي الْمُبْتَغَى مَرِيضٌ إذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ أَحَدٌ يُوَضِّئُهُ إلَّا بِأَجْرٍ جَازَ لَهُ التَّيَمُّمُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ قَلَّ الْأَجْرُ أَوْ كَثُرَ وَقَالَا لَا يَتَيَمَّمُ إذَا كَانَ الْأَجْرُ رُبْعَ دِرْهَمٍ اهـ. وَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْجَوَازِ إذَا كَانَ قَلِيلًا لَا إذَا كَانَ كَثِيرًا لِمَا عُرِفَ مِنْ مَسْأَلَةِ شِرَاءِ الْمَاءِ إذَا وَجَدَهُ بِثَمَنِ الْمِثْلِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَبِقَوْلِنَا قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَالشَّافِعِيُّ فِي الْأَصَحِّ كَمَا نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى} [النساء: 43] وَالْمُرَادُ مِنْ الْوُجُودِ فِي الْآيَةِ الْقُدْرَةُ قَالَ الْعَلَّامَةُ الْكَرْدَرِيُّ الْفَاءُ فِي قَوْله تَعَالَى {فَلَمْ تَجِدُوا} [النساء: 43] لِلْعَطْفِ عَلَى الشَّرْطِ وَفِي {فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43] لِجَوَابِ الشَّرْطِ وَفِي {فَامْسَحُوا} [النساء: 43] لِتَفْسِيرِ التَّيَمُّمِ، وَهَذَا إذَا قَدَرَ الْمَرِيضُ عَلَى التَّيَمُّمِ أَمَّا إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ أَيْضًا وَلَا عِنْدَهُ مَنْ يَسْتَعِينُ بِهِ، فَإِنَّهُ لَا يُصَلِّي عِنْدَهُمَا قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ رَأَيْت فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلْكَرْخِيِّ أَنَّ مَقْطُوعَ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ إذَا كَانَ بِوَجْهِهِ جِرَاحَةٌ يُصَلِّي بِغَيْرِ طَهَارَةٍ وَلَا يَتَيَمَّمُ وَلَا يُعِيدُ، وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ كَذَا فِي فَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ ذَكَرَهُ مِسْكِينٌ وَسَيَأْتِي بَقِيَّةُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (قَوْلُهُ: أَوْ بَرْدٌ) أَيْ إنْ خَافَ الْجُنُبُ أَوْ الْمُحْدِثُ إنْ اغْتَسَلَ أَوْ تَوَضَّأَ أَنْ يَقْتُلَهُ الْبَرْدُ أَوْ يُمْرِضَهُ تَيَمَّمَ سَوَاءٌ كَانَ خَارِجَ الْمِصْرِ أَوْ فِيهِ وَعِنْدَهُمَا لَا يَتَيَمَّمُ فِيهِ كَذَا فِي الْكَافِي وَجَوَازُهُ لِلْمُحْدِثِ قَوْلُ بَعْضِ الْمَشَايِخ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ   [منحة الخالق] الَّذِي يُوَضِّئُهُ حُرًّا فِي هَذَا الْوَجْهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُجْزِئُهُ التَّيَمُّمُ وَقَالَا لَا يُجْزِئُهُ الثَّانِي إذَا كَانَ الَّذِي يُوَضِّئُهُ مَمْلُوكًا لَهُ بِأَنْ كَانَ عَبْدًا أَوْ أَمَةً لَا شَكَّ أَنَّ عَلَى قَوْلِهِمَا لَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ وَذَكَرَ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ عَنْ فَتَاوَى الْحُجَّةِ سُئِلَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَمَّنْ عَجَزَ بِنَفْسِهِ عَنْ الْوُضُوءِ قَالَ يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ، وَإِنْ كَانَ يَجِدُ مَنْ يُوَضِّئُهُ ثُمَّ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ قَالَ الْفَضْلِيُّ: هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِهِ، فَإِنَّ مِنْ أَصْلِهِ أَنْ لَا يَعْتَبِرَ الْمُكَلَّفَ قَادِرًا بِقُدْرَةِ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ: لَا يَفْتَرِضُ عَلَيْهِ ذَلِكَ عِنْدَهُ) قَيَّدَهُ فِي الْخُلَاصَةِ بِمَا إذَا كَانَ الْمُعِينُ حُرًّا ثُمَّ الْفَرْقُ بَيْنَ الْحُرِّ وَالْمَمْلُوكِ بِمَا سَيَأْتِي وَذَكَرَ قَبْلَهُ إنْ كَانَ مَعَهُ أَحَدٌ يُعِينُهُ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ إنْ كَانَ الْمُعِينُ حُرًّا أَوْ أَجْنَبِيًّا جَازَ لَهُ التَّيَمُّمُ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ، فَإِنْ كَانَ الْمُعِينُ مَمْلُوكًا اخْتَلَفَتْ الْمَشَايِخُ فِيهِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَيْ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ كَمَا مَرَّ قُلْت وَيُفْهَمُ مِنْ هَذَا أَنَّ قَوْلَهُ لَا يُعْتَبَرُ قَادِرًا بِقُدْرَةِ غَيْرِهِ الْمُرَادُ بِالْغَيْرِ غَيْرُ الْخَادِمِ وَكَأَنَّهُ لِوُجُوبِهِ عَلَى الْخَادِمِ اُعْتُبِرَ قَادِرًا بِهِ كَمَا يَأْتِي فِي الْفَرْقِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَالْفَرْقُ بَيْنَ الزَّوْجَةِ وَالْمَمْلُوكِ إلَخْ) لَا يَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ إذَا وَجَدَ الزَّوْجَةَ أَوْ الْمَمْلُوكَ (قَوْلُهُ: وَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْجَوَازِ إذَا كَانَ قَلِيلًا إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَكَلَامُهُ يُعْطِي أَنَّ الْقَلِيلَ ثَمَنُ الْمِثْلِ وَالْكَثِيرُ مَا زَادَ عَلَيْهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيِّدَ بِذَلِكَ إطْلَاقَ مَا فِي التَّجْنِيسِ فَلَا يَلْزَمُ الِاسْتِئْجَارُ حَالَ وُجُودِ الْمَاءِ إذَا طَلَبَ أَكْثَرَ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ اهـ. أَقُولُ: وَهَذَا الَّذِي اسْتَظْهَرَهُ شَارِحُ الْمُنْيَةِ الْعَلَّامَةُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ أَخْذًا مِمَّا اتَّفَقَتْ عَلَيْهِ كَلِمَتُهُمْ فِي مَاءِ الْوُضُوءِ إذَا كَانَ يُبَاعُ وَلَا يُوجَدُ مَجَّانًا. (قَوْلُهُ: تَيَمَّمَ سَوَاءٌ كَانَ إلَخْ) لِأَبِي حَنِيفَةَ مَا رُوِيَ عَنْ «رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ سَرِيَّةً وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ فَلَمَّا رَجَعُوا شَكَوْا مِنْهُ أَشْيَاءَ مِنْ جُمْلَتِهَا أَنَّهُمْ قَالُوا صَلَّى بِنَا، وَهُوَ جُنُبٌ فَذُكِرَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَجْنَبْتُ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ فَخِفْتُ عَلَى نَفْسِي الْهَلَاكَ لَوْ اغْتَسَلْتُ فَذَكَرْتُ مَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29] فَتَيَمَّمْتُ وَصَلَّيْتُ بِهِمْ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ أَلَا تَرَوْنَ صَاحِبَكُمْ كَيْفَ نَظَرَ لِنَفْسِهِ وَلَكُمْ وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالْإِعَادَةِ» وَلَمْ يَسْتَفْسِرْ أَنَّهُ كَانَ فِي مَفَازَةٍ أَوْ مِصْرٍ وَعَلَّلَ بِعِلَّةٍ عَامَّةٍ، وَهُوَ خَوْفُ الْهَلَاكِ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَصْوَبَ رَأْيَهُ وَالْحُكْمُ يَتَعَمَّمُ بِعُمُومِ الْعِلَّةِ اهـ حِلْيَةٌ. (قَوْلُهُ: وَجَوَازُهُ لِلْمُحْدِثِ قَوْلُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمَا وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُسْتَصْفَى أَنَّهُ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى الْأَصَحِّ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: وَكَأَنَّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِعَدَمِ اعْتِبَارِ ذَلِكَ الْخَوْفِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مُجَرَّدُ وَهْمٍ إذْ لَا يَتَحَقَّقُ فِي الْوُضُوءِ عَادَةً اهـ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ جَوَازَهُ لِلْجُنُبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مَشْرُوطٌ بِأَنْ لَا يَقْدِرَ عَلَى تَسْخِينِ الْمَاءِ وَلَا عَلَى أُجْرَةِ الْحَمَّامِ فِي الْمِصْرِ وَلَا يَجِدُ ثَوْبًا يَتَدَفَّأُ فِيهِ، وَلَا مَكَانًا يَأْوِيهِ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْبَدَائِعِ وَشَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ، فَصَارَ الْأَصْلُ أَنَّهُ مَتَى قَدَرَ عَلَى الِاغْتِسَالِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ لَا يُبَاحُ لَهُ التَّيَمُّمُ إجْمَاعًا وَقَالَا لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ لِلْبَرْدِ فِي الْمِصْرِ، وَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ الْخِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي هَذِهِ نَشَأَ عَنْ اخْتِلَافِ زَمَانٍ لَا بُرْهَانَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ أَجْرَ الْحَمَّامِ فِي زَمَانِهِمَا يُؤْخَذُ بَعْدَ الدُّخُولِ، فَإِذَا عَجَزَ عَنْ الثَّمَنِ دَخَلَ ثُمَّ تَعَلَّلَ بِالْعُسْرَةِ، وَفِي زَمَانِهِ قَبْلَهُ فَيُعْذَرُ، وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ بُرْهَانِيًّا بِنَاءً عَلَى الْخِلَافِ فِي جَوَازِ التَّيَمُّمِ لِغَيْرِ الْوَاجِدِ قَبْلَ الطَّلَبِ مِنْ رَفِيقِهِ إذَا كَانَ لَهُ رَفِيقٌ فَعَلَى هَذَا يُقَيِّدُ مَنْعُهُمَا بِأَنْ يَتْرُكَ طَلَبَ الْمَاءِ الْحَارِّ مِنْ جَمِيعِ أَهْلِ الْمِصْرِ أَمَّا إذَا طَلَبَ فَمُنِعَ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَهُمَا وَالظَّاهِرُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُكَلَّفُ الطَّهَارَةَ بِالْمَاءِ إلَّا إذَا قَدَرَ عَلَيْهِ بِالْمِلْكِ أَوْ الشِّرَاءِ وَعِنْدَ انْتِفَاءِ هَذِهِ الْقُدْرَةِ يَتَحَقَّقُ الْعَجْزُ؛ وَلِهَذَا لَمْ يُفَصِّلْ الْعُلَمَاءُ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ ثَمَنُ الْمَاءِ بَيْنَ إمْكَانِ أَخْذِهِ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ بِالْحِيلَةِ عَلَى ذَلِكَ أَوْ لَا بَلْ أَطْلَقُوا جَوَازَ التَّيَمُّمِ إذْ ذَاكَ فَمَا أَطْلَقَهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ مِنْ عَدَمِ جَوَازِ التَّيَمُّمِ فِي هَذَا الزَّمَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ أَجْرَ الْحَمَّامِ يُؤْخَذُ بَعْدَ الدُّخُولِ فَيَتَعَلَّلُ بِالْعُسْرَةِ بَعْدَهُ فِيهِ نَظَرٌ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَا شَكَّ فِي هَذَا فِيمَا يَظْهَرُ؛ لِأَنَّهُ تَغْرِيرٌ لَمْ يَأْذَنْ الشَّرْعُ فِيهِ، وَمَنْ ادَّعَى إبَاحَتَهُ فَضْلًا عَنْ تَعْيِينِهِ، فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ وَلَا يَخْفَى أَنَّ مُرَادَ الْمُحَقِّقِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ قَوْلِهِ لَيْسَ مَعَهُ مَالٌ أَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ غَائِبٌ أَيْضًا فَحِينَئِذٍ لَا يَلْزَمُهُ الشِّرَاءُ بِالنَّسِيئَةِ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مَالٌ، وَلَهُ مَالٌ غَائِبٌ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الشِّرَاءُ بِالنَّسِيئَةِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ شَارِحُ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي تِلْمِيذُ الْمُحَقِّقِ وَفِي الْمُبْتَغَى بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ أَجِيرٌ لَا يَجِدُ الْمَاءَ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ يَجِدُهُ فِي نِصْفِ مِيلٍ لَا يُعْذَرُ فِي التَّيَمُّمِ، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْمُسْتَأْجِرُ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي ثُمَّ يُعِيدُ وَلَوْ صَلَّى صَلَاةً أُخْرَى، وَهُوَ يَذْكُرُ هَذِهِ تَفْسُدُ اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ خَوْفُ عَدُوٍّ أَوْ سَبُعٍ أَوْ عَطَشٍ أَوْ فَقْدِ آلَةٍ) يَعْنِي يَجُوزُ التَّيَمُّمُ لِهَذِهِ الْأَعْذَارِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ مَعْدُومٌ مَعْنًى لَا صُورَةً أَمَّا إذَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَاءِ عَدُوٌّ آدَمِيًّا أَوْ غَيْرَهُ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ إذَا أَتَاهُ؛ فَلِأَنَّ إلْقَاءَ النَّفْسِ فِي التَّهْلُكَةِ حَرَامٌ فَيَتَحَقَّقُ الْعَجْزُ عَنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ وَسَوَاءٌ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَفِي الْمُبْتَغَى وَلَوْ كَانَ عِنْدَهُ أَمَانَةٌ يَخَافُ عَلَيْهَا إنْ ذَهَبَ إلَى الْمَاءِ يَتَيَمَّمُ وَفِي التَّوْشِيحِ إذَا خَافَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى نَفْسِهَا بِأَنْ كَانَ الْمَاءُ عِنْدَ فَاسِقٍ أَوْ خَافَ الْمَدْيُونُ الْمُفْلِسُ مِنْ الْحَبْسِ بِأَنْ كَانَ صَاحِبُ الدَّيْنِ عِنْدَ الْمَاءِ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَفَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَغَيْرِهِمَا الْأَسِيرُ فِي يَدِ الْعَدُوِّ إذَا مَنَعَهُ الْكَافِرُ عَنْ الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي بِالْإِيمَاءِ ثُمَّ يُعِيدُ إذَا خَرَجَ وَكَذَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ تَوَضَّأْت حَبَسْتُك أَوْ قَتَلْتُك، فَإِنَّهُ يُصَلِّي بِالتَّيَمُّمِ ثُمَّ يُعِيدُ كَالْمَحْبُوسِ؛ لِأَنَّ طَهَارَةَ التَّيَمُّمِ لَمْ تَظْهَرْ فِي مَنْعِ وُجُوبِ الْإِعَادَةِ وَفِي التَّجْنِيسِ رَجُلٌ أَرَادَ أَنْ يَتَوَضَّأَ فَمَنَعَهُ إنْسَانٌ عَنْ أَنْ يَتَوَضَّأَ بِوَعِيدٍ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَتَيَمَّمَ وَيُصَلِّيَ ثُمَّ يُعِيدَ الصَّلَاةَ بَعْدَ مَا زَالَ عَنْهُ؛ لِأَنَّ هَذَا عُذْرٌ جَاءَ مِنْ قِبَلِ الْعِبَادِ فَلَا يُسْقِطُ فَرْضَ الْوُضُوءِ عَنْهُ اهـ. فَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الْعُذْرَ إنْ كَانَ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى لَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ وَإِنْ كَانَ مِنْ قِبَلِ الْعَبْدِ وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ ثُمَّ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي الْخَوْفِ مِنْ الْعَدُوِّ هَلْ هُوَ مِنْ اللَّهِ فَلَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ أَوْ هُوَ بِسَبَبِ الْعَبْدِ فَتَجِبُ الْإِعَادَةُ ذَهَبَ صَاحِبُ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ إلَى الْأَوَّلِ وَذَهَبَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ إلَى الثَّانِي وَاَلَّذِي يَظْهَرُ تَرْجِيحُ مَا فِي النِّهَايَةِ لِمَا نَقَلْنَاهُ مِنْ مَسْأَلَةِ مَنْعِ السَّيِّدِ عَبْدَهُ بِوَعِيدٍ مِنْ الْحَبْسِ أَوْ الْقَتْلِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلَّا الْخَوْفُ لَا الْمَنْعُ الْحِسِّيُّ وَكَذَا ظَاهِرُ مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ التَّجْنِيسِ كَمَا لَا يَخْفَى لَكِنْ قَدْ يُقَالُ لَا مُخَالَفَةَ بَيْنَ مَا فِي النِّهَايَةِ وَالدِّرَايَةِ، فَإِنَّ مَا فِي النِّهَايَةِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا حَصَلَ وَعِيدٌ مِنْ الْعَبْدِ نَشَأَ مِنْهُ الْخَوْفُ فَكَانَ هَذَا   [منحة الخالق] قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ جَوَازُ التَّيَمُّمِ عِنْدَ خَوْفِ الْبَرْدِ لَهُ قَوْلُهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ وَاخْتَارَهُ فِي الْأَسْرَارِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي النَّهْرِ وَأَقُولُ: يُشْكِلُ عَلَى تَصْحِيحِ عَدَمِ الْجَوَازِ مَسْأَلَةُ الْمَسْحِ الْآتِيَةِ فِي بَابِهِ، وَهِيَ جَوَازُ التَّيَمُّمِ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ إذَا خَافَ سُقُوطَ رِجْلِهِ مِنْ الْبَرْدِ كَمَا حَقَّقَهُ الشَّيْخُ كَمَالُ الدِّينِ بْنُ الْهُمَامِ وَاخْتَارَهُ الْحَلَبِيُّ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَلَيْسَ هُوَ إلَّا تَيَمُّمُ الْمُحْدِثِ لِخَوْفِهِ عَلَى عُضْوِهِ فَحِينَئِذٍ يُتَّجَهُ اخْتِيَارُ قَوْلِ بَعْضِ الْمَشَايِخِ وَقَدْ ظَهَرَ بِقَوْلِهِ كَأَنَّهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ لِعَدَمِ اعْتِبَارِ ذَلِكَ إلَخْ أَنَّهُ لَوْ تَحَقَّقَ أَوْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ يَجُوزُ اتِّفَاقًا وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ مِثْلَهُ مَدْفُوعٌ عَنَّا بِالنَّصِّ الشَّرِيفِ تَأَمَّلْ اهـ. وَلَكِنْ سَيَأْتِي مِنْهُ فِي مَحَلِّهِ تَضْعِيفُ هَذَا التَّصْحِيحِ الَّذِي نَقَلَهُ عَنْ ابْنِ الْهُمَامِ وَأَنَّ ظَاهِرَ الْمُتُونِ أَنَّ الْوَاجِبَ عِنْدَ خَوْفِ سُقُوطِ رِجْلِهِ مِنْ الْبَرْدِ هُوَ الْمَسْحُ لَا التَّيَمُّمُ وَسَتَطَّلِعُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى تَأْيِيدِنَا لَهُ بِالنُّقُولِ الصَّرِيحَةِ. (قَوْلُهُ: يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي بِالْإِيمَاءِ) أَقُولُ: إنْ كَانَ الْمَنْعُ مِنْ الْوُضُوءِ فَقَطْ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الدُّرَرِ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ مَعًا يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي بِالْإِيمَاءِ ثُمَّ يُعِيدُ الصَّلَاةَ فِي الصُّورَتَيْنِ إذَا زَالَ الْمَانِعُ كَذَا فِي حَاشِيَةِ الدُّرَرِ لِلْعَلَّامَةِ نُوحٍ (قَوْلُهُ: فَلَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ) وَبِهِ جَزَمَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي شَرْحِ نُورِ الْإِيضَاحِ (قَوْلُهُ: مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ إلَى الْأَوَّلِ) أَيْ إلَى كَوْنِهِ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى (قَوْلُهُ: صَاحِبُ النِّهَايَةِ إلَى الثَّانِي) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 مِنْ قِبَلِ الْعِبَادِ وَمَا فِي الدِّرَايَةِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَحْصُلْ وَعِيدٌ مِنْ الْعَبْدِ أَصْلًا بَلْ حَصَلَ خَوْفٌ مِنْهُ فَكَانَ هَذَا مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى إذَا لَمْ يَتَقَدَّمْهُ وَعِيدٌ بِدَلِيلِ أَنَّ صَاحِبَ الدِّرَايَةِ ذَكَرَ مَسْأَلَةَ الْخَوْفِ فِي الْأَسِيرِ بِدَارِ الْحَرْبِ وَبِهِ يَنْدَفِعُ مَا ذَكَرَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ أَنَّ صَاحِبَ الدِّرَايَةِ نَصَّ عَلَى مُخَالَفَةِ مَا فِي النِّهَايَةِ كَمَا لَا يَخْفَى ثُمَّ بَعْدَ هَذَا رَأَيْت الْعَلَّامَةَ ابْنَ أَمِيرِ حَاجٍّ صَرَّحَ بِمَا فَهِمْته فَقَالَ وَتَحَرَّرَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْخَوْفِ مِنْ الْعَدُوِّ الْخَوْفُ الَّذِي لَمْ يَنْشَأْ عَنْ وَعِيدٍ مِنْ قَادِرٍ عَلَيْهِ وَنَحْوُ ذَلِكَ كَمَا فِي الْخَوْفِ مِنْ السَّبُعِ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَكُونَ مُرَادُهُمْ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا نُسِبَ هَذَا الْخَوْفُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مَعَ أَنَّ فِيهَا وَفِي غَيْرِهَا مِنْهُ تَعَالَى أَيْضًا خَلْقًا وَإِرَادَةً لِتَجَرُّدِهِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ عَنْ مُبَاشَرَةِ سَبَبٍ لَهُ مِنْ الْغَيْرِ فِي حَقِّ الْخَائِفِ وَفِي الْمُحِيطِ وَلَوْ حُبِسَ فِي السَّفَرِ تَيَمَّمَ وَصَلَّى أَوْ لَا يُعِيدُ؛ لِأَنَّهُ انْضَمَّ عُذْرُ السَّفَرِ إلَى الْعُذْرِ الْحَقِيقِيِّ وَالْغَالِبُ فِي السَّفَرِ عَدَمُ الْمَاءِ فَتَحَقَّقَ الْعَدَمُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ اهـ. وَأَمَّا الْمَاءُ الْمُحْتَاجُ إلَيْهِ لِلْعَطَشِ، فَإِنَّهُ مَشْغُولٌ بِحَاجَتِهِ وَالْمَشْغُولُ بِالْحَاجَةِ كَالْمَعْدُومِ وَعَطَشُ رَفِيقِهِ وَدَابَّتِهِ وَكَلْبِهِ لِمَاشِيَتِهِ أَوْ صَيْدِهِ فِي الْحَالِ أَوْ ثَانِي الْحَالِ كَعَطَشِهِ وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُحْتَاجُ إلَيْهِ لِلْعَطَشِ رَفِيقَهُ الْمُخَالِطَ لَهُ أَوْ آخَرَ مِنْ أَهْلِ الْقَافِلَةِ، فَإِنْ امْتَنَعَ صَاحِبُ الْمَاءِ مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ لِلْعَطَشِ وَهُنَاكَ مُضْطَرٌّ إلَيْهِ لِلْعَطَشِ كَانَ لَهُ أَخْذُهُ مِنْهُ قَهْرًا وَلَهُ أَنْ يُقَاتِلَهُ، فَإِنْ قَتَلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ إنْ كَانَ الْمَقْتُولُ صَاحِبَ الْمَاءِ فَدَمُهُ هَدَرٌ وَلَا قِصَاصَ فِيهِ وَلَا دِيَةَ وَلَا كَفَّارَةَ، وَإِنْ كَانَ الْمُضْطَرُّ فَهُوَ مَضْمُونٌ بِالْقِصَاصِ أَوْ الدِّيَةِ وَالْكَفَّارَةِ، وَإِنْ كَانَ صَاحِبُ الْمَاءِ مُحْتَاجًا إلَيْهِ لِلْعَطَشِ فَهُوَ أَوْلَى بِهِ مِنْ غَيْرِهِ، فَإِنْ احْتَاجَ إلَيْهِ الْأَجْنَبِيُّ لِلْوُضُوءِ، وَكَانَ مُسْتَغْنِيًا عَنْهُ لَمْ يَلْزَمْهُ بَذْلُهُ، وَلَا يَجُوزُ لِلْأَجْنَبِيِّ أَخْذُهُ مِنْهُ قَهْرًا كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَكَذَا الْمَاءُ الْمُحْتَاجُ إلَيْهِ لِلْعَجِينِ لِمَا قُلْنَا، وَإِنْ كَانَ يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِاتِّخَاذِ الْمَرَقَةِ لَا يَتَيَمَّمُ؛ لِأَنَّ حَاجَةَ الطَّبْخِ دُونَ حَاجَةِ الْعَطَشِ وَأَمَّا جَوَازُهُ بِفَقْدِ الْآلَةِ فَلِتَحَقُّقِ الْعَجْزِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُجَدِّدْ لِوَا يَسْتَقِي بِهِ فَوُجُودُ الْبِئْرِ وَعَدَمُهَا سَوَاءٌ وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يُمْكِنَهُ إيصَالُ ثَوْبِهِ إلَيْهِ أَمَّا إذَا أَمْكَنَهُ إيصَالُ ثَوْبِهِ وَيَخْرُجُ الْمَاءُ قَلِيلًا بِالْبَلَلِ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَلَوْ كَانَ مَعَهُ مِنْدِيلٌ طَاهِرٌ لَا يُجْزِئُهُ التَّيَمُّمُ، وَهَذَا يُوَافِقُ فُرُوعًا ذَكَرَهَا الشَّافِعِيَّةُ، وَهِيَ أَنَّهُ لَوْ وَجَدَ بِئْرًا فِيهَا مَاءٌ وَلَا يُمْكِنُهُ النُّزُولُ إلَيْهِ وَلَيْسَ مَعَهُ مَا يُدْلِيهِ إلَّا ثَوْبُهُ أَوْ عِمَامَتُهُ لَزِمَهُ إدْلَاؤُهُ ثُمَّ يَعْصِرُهُ إنْ لَمْ تَنْقُصْ قِيمَةُ الثَّوْبِ أَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمَاءِ، فَإِنْ زَادَ النَّقْصُ عَلَى ثَمَنِ الْمَاءِ تَيَمَّمَ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ وَإِنْ قَدَرَ عَلَى اسْتِئْجَارِ مَنْ يَنْزِلُ إلَيْهَا بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ لَزِمَهُ وَلَمْ يَجُزْ التَّيَمُّمُ، وَإِلَّا جَازَ بِلَا إعَادَةٍ، وَلَوْ كَانَ مَعَهُ ثَوْبٌ إنْ شَقَّهُ نِصْفَيْنِ وَصَلَ إلَى الْمَاءِ، وَإِلَّا لَمْ يَصِلْ، فَإِنْ كَانَ نَقْصُهُ بِالشَّقِّ لَا يَزِيدُ عَلَى ثَمَنِ الْمَاءِ وَثَمَنِ آلَةِ الِاسْتِقَاءِ لَزِمَهُ شَقُّهُ وَلَمْ يَجُزْ التَّيَمُّمُ، وَإِلَّا جَازَ بِلَا إعَادَةٍ، وَهَذَا كُلُّهُ مُوَافِقٌ لِقَوَاعِدِنَا كَذَا فِي التَّوْشِيحِ وَالْأَصْلُ أَنَّهُ مَتَى أَمْكَنَهُ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ مِنْ غَيْرِ لُحُوقِ ضَرَرٍ فِي نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ اسْتِعْمَالُهُ، وَمَا زَادَ عَلَى ثَمَنِ الْمِثْلِ ضَرَرٌ فَلَا يَلْزَمُهُ بِخِلَافِ ثَمَنِ الْمِثْلِ، وَفِي الْمُبْتَغَى بَالِغِينَ الْمُعْجَمَةِ وَبِوُجُودِ آلَةِ التَّقْوِيرِ فِي نَهْرٍ جَامِدٍ تَحْتَهُ مَاءٌ لَا يَتَيَمَّمُ وَقِيلَ يَتَيَمَّمُ وَفِي سَفَرِهِ جَمَدٌ أَوْ ثَلْجٌ وَمَعَهُ آلَةُ الذَّوْبِ لَا يَتَيَمَّمُ وَقِيلَ يَتَيَمَّمُ   [منحة الخالق] أَيْ إلَى كَوْنِهِ مِنْ قِبَلِ الْعِبَادِ (قَوْلُهُ: وَتَحَرَّرَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْخَوْفِ مِنْ الْعَدُوِّ إلَخْ) وَيُلْحَقُ بِخَوْفِ الْعَدُوِّ وَالسَّبُعِ مَا هُوَ مِثْلُهُ كَخَوْفِ الْحَيَّةِ أَوْ النَّارِ لَكِنْ بَعْدَ زَوَالِ الْعُذْرِ يَجِبُ الْإِعَادَةُ بِالْوُضُوءِ فِيمَا إذَا كَانَ خَائِفًا مِنْ عَدُوٍّ لِمَا أَنَّ الْعُذْرَ جَاءَ مِنْ قِبَلِ الْعِبَادِ، وَذَلِكَ لَا يُؤَثِّرُ فِي إسْقَاطِ فَرْضِ الْوُضُوءِ كَذَا ذَكَرَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي التَّجْنِيسِ، وَكَذَا الْمَحْبُوسُ فِي السِّجْنِ وَالْأَسِيرُ وَالْمُقَيَّدُ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ فِي الْإِعَادَةِ وَفِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي لَوْ صَلَّى بِالْإِيمَاءِ لِخَوْفِ عَدُوٍّ أَوْ سَبُعٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ طِينٍ لَا يُعِيدُ بِالْإِجْمَاعِ وَالْقَيْدُ إذَا صَلَّى قَاعِدًا يُعِيدُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ. اهـ. ابْنُ مَلَكٍ عَلَى التُّحْفَةِ. (قَوْلُهُ: وَهَذَا كُلُّهُ مُوَافِقٌ لِقَوَاعِدِنَا) أَقُولُ: هُوَ كَذَلِكَ وَلَكِنْ فِي التَّتَارْخَانِيَّة مَا يُخَالِفُهُ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ مَا مَرَّ عَنْ الْخُلَاصَةِ قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ: إنْ كَانَ نُقْصَانُ قِيمَةِ الْمِنْدِيلِ قَدْرَ دِرْهَمٍ يَتَيَمَّمُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُرْسِلَ الْمِنْدِيلَ فَأَمَّا إذَا كَانَ النُّقْصَانُ أَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ دِرْهَمٍ لَا يَتَيَمَّمُ كَمَا لَوْ كَانَ فِي الصَّلَاةِ فَرَأَى مَنْ يَسْرِقُ مَالَهُ، فَإِنْ كَانَ مِقْدَارَ دِرْهَمٍ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ لَا يَقْطَعُ كَذَا هُنَا اهـ. وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ عَنْ الشَّافِعِيَّةِ قَرُبَ إلَى الْقَوَاعِدِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَدَ الْمَاءَ يُبَاعُ يَلْزَمُهُ شِرَاؤُهُ بِثَمَنِ الْمِثْلِ وَلَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ دِرْهَمٍ وَلَكِنَّ الرُّجُوعَ إلَى الْمَنْقُولِ فِي الْمَذْهَبِ أَوْلَى فَتَأَمَّلْ وَقَدْ ظَهَرَ لِي فِي الْفَرْقِ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الشِّرَاءِ أَنَّ الشِّرَاءَ وَإِنْ كَثُرَتْ الْقِيمَةُ مُبَادَلَةٌ بِعِوَضٍ فَلَيْسَ فِيهِ إتْلَافُ مَالٍ بِخِلَافِ إدْلَاءِ الْمِنْدِيلِ وَشَقِّهِ، فَإِنَّ فِيهِ إتْلَافَ مَالٍ بِلَا عِوَضٍ وَلَا ضَرُورَةَ دَاعِيَةً؛ لِأَنَّهُ حَيْثُ عُدِمَ الْمَاءُ يَعْدِلُ إلَى بَدَلِهِ، وَهُوَ التَّيَمُّمُ فَلَا يَرْتَكِبُ الْمَنْهِيَّ لِأَجْلِهِ تَأَمَّلْ وَقَدْ عَلَّلُوا عَدَمَ لُزُومِ الشِّرَاءِ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ بِأَنَّ الزِّيَادَةَ لَمْ يُقَابِلْهَا عِوَضٌ فَلَا يَلْزَمُهُ لِانْتِفَاءِ الضَّرَرِ شَرْعًا وَمِمَّا يُقَرُّ بِهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَعَهُ ثَوْبٌ نَجِسٌ وَلَا مَاءَ عِنْدَهُ، فَإِنَّهُ يُصَلِّي بِهِ وَلَا يَلْزَمُهُ قَطْعُ مَحَلِّ النَّجَاسَةِ مِنْهُ كَمَا سَيَأْتِي وَلَمْ يُفَصِّلُوا بَيْنَ كَوْنِهِ إذَا قُطِعَ يَنْتَقِصُ بِقَدْرِ قِيمَةِ الْمَاءِ أَنْ لَوْ كَانَ مَوْجُودًا أَوْ بِأَكْثَرَ وَمَا ذَاكَ إلَّا لِلُزُومِ الضَّرَرِ بِلَا عِوَضٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 اهـ. وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ مِنْهُمَا كَمَا لَا يَخْفَى وَفِي الْمُحِيطِ الْمَاءُ الْمَوْضُوعُ فِي الْفَلَاةِ فِي الْحُبِّ وَنَحْوِهِ لَا يَمْنَعُ جَوَازَ التَّيَمُّمِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوضَعْ لِلْوُضُوءِ غَالِبًا، وَإِنَّمَا وُضِعَ لِلشُّرْبِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ كَثِيرًا فَيُسْتَدَلُّ بِكَثْرَتِهِ عَلَى أَنَّهُ وُضِعَ لِلشُّرْبِ وَالْوُضُوءِ جَمِيعًا اهـ. وَكَذَا فِي التَّجْنِيسِ وَفَتَاوَى الْوَلْوَالِجِيِّ وَقَاضِي خَانْ وَالْحُبُّ بِضَمِّ الْحَاءِ الْخَابِيَةُ وَعَنْ الْإِمَامِ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ أَنَّ الْمَوْضُوعَ لِلشُّرْبِ يَجُوزُ التَّوَضُّؤُ مِنْهُ وَالْمَوْضُوعُ لِلْوُضُوءِ لَا يُبَاحُ مِنْهُ الشُّرْبُ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا ثَلَاثَةُ نَفَرٍ فِي السَّفَرِ جُنُبٌ وَحَائِضٌ طَهُرَتْ مِنْ الْحَيْضِ وَمَيِّتٌ وَمَعَهُمْ مِنْ الْمَاءِ قَدْرَ مَا يَكْفِي لِأَحَدِهِمْ إنْ كَانَ الْمَاءُ لِأَحَدِهِمْ فَهُوَ أَحَقُّ، وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ لَهُمْ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدِهِمْ أَنْ يَغْتَسِلَ، وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ مُبَاحًا فَالْجُنُبُ أَحَقُّ فَتَتَيَمَّمُ الْمَرْأَةُ وَيُيَمَّمُ الْمَيِّتُ وَلَوْ كَانَ مَكَانَ الْحَائِضِ مُحْدِثٌ يُصْرَفُ إلَى الْجُنُبِ اهـ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ قَالَ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ الْمَيِّتُ أَوْلَى وَقِيلَ الْجُنُبُ أَوْلَى، وَهُوَ الْأَصَحُّ اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَصْرِفَا نَصِيبَهُمَا إلَى غُسْلِ الْمَيِّتِ وَيَتَيَمَّمَا فِيمَا إذَا كَانَ مُشْتَرَكًا وَفِي التَّجْنِيسِ رَجُلٌ كَانَ فِي الْبَادِيَةِ وَلَيْسَ مَعَهُ إلَّا قُمْقُمَةٌ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ فِي رَحْلِهِ وَقَدْ رَصَّصَ رَأْسَهُ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ إذَا كَانَ لَا يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ الْعَطَشَ؛ لِأَنَّهُ وَاجِدٌ لِلْمَاءِ وَكَثِيرًا مَا يُبْتَلَى بِهِ الْحَاجُّ الْجَاهِلُ وَيَظُنُّ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ وَالْحِيلَةُ فِيهِ أَنْ يَهَبَهُ مِنْ غَيْرِهِ ثُمَّ يَسْتَوْدِعُ مِنْهُ الْمَاءَ اهـ. قَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ إلَّا أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ عِنْدِي، فَإِنَّهُ لَوْ رَأَى مَعَ غَيْرِهِ مَاءً يَبِيعُهُ بِمِثْلِ الثَّمَنِ أَوْ بِغَبْنٍ يَسِيرٍ يَلْزَمُهُ الشِّرَاءُ وَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ، فَإِذَا تَمَكَّنَ مِنْ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ كَيْفَ يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ اهـ. وَدَفَعَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّ الرُّجُوعَ تَمَلُّكٌ بِسَبَبٍ مَكْرُوهٍ، وَهُوَ مَطْلُوبُ الْعَدَمِ شَرْعًا فَيَجُوزُ أَنْ يُعْتَبَرَ الْمَاءُ مَعْدُومًا فِي حَقِّهِ كَذَلِكَ، وَإِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ حَقِيقَةً كَمَاءِ الْحُبِّ بِخِلَافِ الْبَيْعِ اهـ. وَقِيلَ الْحِيلَةُ فِيهِ أَنْ يَخْلِطَهُ بِمَاءِ الْوَرْدِ حَتَّى يُغَابَ عَلَيْهِ فَلَا يَبْقَى طَهُورًا كَذَا فِي التَّوْشِيحِ وَالْمَحْبُوسُ الَّذِي لَا يَجِدُ طَهُورًا لَا يُصَلِّي عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُصَلِّي بِالْإِيمَاءِ ثُمَّ يُعِيدُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ تَشَبُّهًا بِالْمُصَلِّينَ قَضَاءً لِحَقِّ الْوَقْتِ كَمَا فِي الصَّوْمِ وَلَهُمَا أَنَّهُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْأَدَاءِ لِمَكَانِ الْحَدَثِ فَلَا يَلْزَمُهُ التَّشَبُّهُ كَالْحَائِضِ وَبِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ تَبَيَّنَ أَنَّ الصَّلَاةَ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ مُتَعَمِّدًا لَيْسَ بِكُفْرٍ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ كُفْرًا لَمَا أَمَرَ أَبُو يُوسُفَ بِهِ وَقِيلَ كُفْرٌ كَالصَّلَاةِ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ أَوْ مَعَ الثَّوْبِ النَّجَسِ عَمْدًا؛ لِأَنَّهُ كَالْمُسْتَخِفِّ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَوْ صَلَّى إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ أَوْ مَعَ الثَّوْبِ النَّجَسِ لَا يَكْفُرُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَجُوزُ أَدَاؤُهُ بِحَالٍ وَلَوْ صَلَّى بِغَيْرِ طَهَارَةٍ مُتَعَمِّدًا يَكْفُرُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَحْرُمُ بِكُلِّ حَالٍ فَإِذَا صَلَّى بِغَيْرِ طَهَارَةٍ مُتَعَمِّدًا فَقَدْ تَهَاوَنَ وَاسْتَخَفَّ بِأَمْرِ الشَّرْعِ فَيَكْفُرُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَقَدْ قَدَّمْنَا عَنْ الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّ مَقْطُوعَ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ إذَا كَانَ بِوَجْهِهِ جِرَاحَةٌ يُصَلِّي بِغَيْرِ طَهَارَةٍ وَلَا يَتَيَمَّمُ وَلَا يُعِيدُ، وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ فَكَانَتْ الصَّلَاةُ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ نَظِيرَ الصَّلَاةِ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ أَوْ مَعَ الثَّوْبِ النَّجَسِ فَيَنْبَغِي التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا فِي الْحُكْمِ، وَهُوَ عَدَمُ التَّكْفِيرِ كَمَا لَا يَخْفَى. (قَوْلُهُ: مُسْتَوْعِبًا وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ مَعَ مِرْفَقَيْهِ) أَيْ يَتَيَمَّمُ تَيَمُّمًا مُسْتَوْعِبًا فَهُوَ صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ وَجَوَّزَ الزَّيْلَعِيُّ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنْ الضَّمِيرِ الَّذِي فِي تَيَمَّمَ فَيَكُونُ حَالًا مُنْتَظِرَةً قَالَ وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ وَلَمْ يُبَيِّنْ وَجْهَهُ وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ الِاسْتِيعَابَ فِيهِ رُكْنٌ لَا يَتَحَقَّقُ التَّيَمُّمُ إلَّا بِهِ، وَعَلَى جَعْلِهِ حَالًا يَصِيرُ شَرْطًا خَارِجًا عَنْ مَاهِيَّتِه؛ لِأَنَّ الْأَحْوَالَ شُرُوطٌ عَلَى مَا عُرِفَ. اعْلَمْ أَنَّ الِاسْتِيعَابَ فَرْضٌ لَازِمٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْ أَصْحَابِنَا حَتَّى لَوْ تَرَكَ شَيْئًا قَلِيلًا مِنْ مَوَاضِعِ التَّيَمُّمِ لَا يَجُوزُ وَنَصَّ غَيْرُ وَاحِدٍ عَلَى أَنَّ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْهُمْ قَاضِي خَانْ وَنَصَّ صَاحِبُ الْمَجْمَعِ وَصَاحِبُ الِاخْتِيَارِ عَلَى أَنَّهُ الْأَصَحُّ وَصَاحِبُ الْخُلَاصَةِ والْوَلْوَالِجِيِّ عَلَى أَنَّهُ الْمُخْتَارُ وَشَارِحُ الْوُقَايَةِ أَنَّ عَلَيْهِ الْفَتْوَى وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْأَكْثَرَ يَقُومُ مَقَامَ الْكُلِّ لِوَجْهٍ غَيْرِ لَازِمٍ، وَهُوَ إمَّا لِكَثْرَةِ الْبَلْوَى أَوْ؛ لِأَنَّهُ مَسْحٌ فَلَا يَجِبُ فِيهِ الِاسْتِيعَابُ كَمَسْحِ الرَّأْسِ وَفِي تَفْصِيلِ عَقْدِ الْفَوَائِدِ بِتَكْمِيلِ قَيْدِ الشَّرَائِدِ مَعْزِيًّا إلَى   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَدَفَعَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إلَخْ) قَالَ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ فِيمَا نُقِلَ عَنْهُ أَقُولُ: يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّمَا يَكُونُ الرُّجُوعُ مَحْذُورًا إذَا كَانَ عَقْدُ الْهِبَةِ حَقِيقِيًّا أَمَّا إذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الْحِيلَةِ فَلَا، إذْ الْمَوْهُوبُ لَهُ لَا يَتَأَدَّى مِنْ الرُّجُوعِ هُنَا أَصْلًا تَأَمَّلْ. اهـ. قُلْت عَلَى أَنَّهُ سَيَأْتِي عَنْ الْوَافِي عِنْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ وَيَطْلُبُهُ مِنْ رَفِيقِهِ أَنَّهُ إذَا كَانَ مَعَ رَفِيقِهِ مَاءٌ فَظَنَّ أَنَّهُ إنْ سَأَلَهُ أَعْطَاهُ لَمْ يَجُزْ التَّيَمُّمُ، وَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ أَنَّهُ لَا يُعْطِيهِ يَتَيَمَّمُ، وَإِنْ شَكَّ فِي الْإِعْطَاءِ وَتَيَمَّمَ وَصَلَّى فَسَأَلَهُ فَأَعْطَاهُ يُعِيدُ وَهُنَا إنْ لَمْ يَرْجِعْ بِهِبَتِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْأَلَهُ لِوُجُودِ الظَّنِّ بِإِعْطَائِهِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَتَعَاهَدَا عَلَى أَنَّهُ إنْ سَأَلَهُ بَعْدَ الْهِبَةِ لَا يُعْطِيهِ تَتْمِيمًا لِلْحِيلَةِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَلَعَلَّ وَجْهَهُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ، فَإِنْ قُلْت قَدْ وَقَعَ فِي عِبَارَةِ بَعْضِ عُلَمَائِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ أَنَّهُ شَرْطٌ وَبِهِ صَرَّحَ الشَّارِحُ وَعَلَيْهِ فَلَا يُتَّجَهُ التَّوْجِيهُ قُلْت حَمَلَهُ فِي عَقْدِ الْفَوَائِدِ عَلَى مَا لَا بُدَّ مِنْهُ، وَإِلَّا فَهُوَ رُكْنٌ قَطْعًا وَفِي الْبَدَائِعِ هَلْ هُوَ مِنْ تَمَامِ الرُّكْنِ لَمْ يُذْكَرْ فِي الْأَصْلِ وَلَكِنَّهُ ذَكَرَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَالَ: وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَلَى أَنَّ مَجِيءَ اسْمِ الْفَاعِلِ صِفَةً أَكْثَرُ مِنْ مَجِيئِهِ حَالًا إذَا عُرِفَ هَذَا فَمَا جَرَى عَلَيْهِ الْعَيْنِيُّ مِنْ أَنَّهُ حَالٌ وَكَوْنُهُ صِفَةً احْتِمَالٌ فِيهِ نَظَرٌ لَا يَخْفَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 الْخُلَاصَةِ أَنَّ الْمَتْرُوكَ لَوْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ الرُّبْعِ يُجْزِئُهُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ وَالظَّاهِرُ أَنْ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهَا خُلَاصَةَ الْفَتَاوَى الْمَشْهُورَةِ، فَإِنَّ فِيهَا أَنَّ الْمُخْتَارَ افْتِرَاضُ الِاسْتِيعَابِ وَوَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْمَسْحِ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ تَعَلَّقَ بِاسْمِ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ وَأَنَّهُ يَعُمُّ الْكُلَّ؛ وَلِأَنَّ التَّيَمُّمَ بَدَلٌ بَعْدَ الْوُضُوءِ وَالِاسْتِيعَابُ فِي الْأَصْلِ مِنْ تَمَامِ الرُّكْنِ فَكَذَا فِي الْبَدَلِ فَيَلْزَمُهُ تَخْلِيلُ الْأَصَابِعِ وَنَزْعُ الْخَاتَمِ أَوْ تَحْرِيكُهُ وَلَوْ تَرَكَ لَمْ يَجُزْ وَعَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ لَا يَلْزَمُهُ وَيَمْسَحُ الْمِرْفَقَيْنِ مَعَ الذِّرَاعَيْنِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ خِلَافًا لِزُفَرَ حَتَّى لَوْ كَانَ مَقْطُوعَ الْيَدَيْنِ مِنْ الْمِرْفَقَيْنِ يَمْسَحُ مَوْضِعَ الْقَطْعِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ وَالْكَلَامُ فِيهِ كَالْكَلَامِ فِي الْوُضُوءِ وَقُدِّرَ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَفِي الْمُحِيطِ وَإِنْ كَانَ الْقَطْعُ فَوْقَ الْمِرْفَقِ لَا يَجِبُ الْمَسْحُ يَعْنِي اتِّفَاقًا وَيَمْسَحُ تَحْتَ الْحَاجِبَيْنِ وَفَوْقَ الْعَيْنَيْنِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مَعْزِيًّا إلَى الْحِلْيَةِ تَبَعًا لِلدِّرَايَةِ يَمْسَحُ مِنْ وَجْهِهِ ظَاهِرَ الْبَشَرَةِ وَالشَّعْرِ عَلَى الصَّحِيحِ اهـ. لَكِنْ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ مَسْحُ اللِّحْيَةِ فِي التَّيَمُّمِ وَلَا مَسْحُ الْجَبِيرَةِ وَلَوْ مَسَحَ بِإِحْدَى يَدَيْهِ وَجْهَهُ وَبِالْأُخْرَى يَدَيْهِ أَجْزَأَهُ فِي الْوَجْهِ وَالْيَدِ الْأُولَى وَيُعِيدُ الضَّرْبَ لِلْيَدِ الْأُخْرَى اهـ. وَفِي تَعْبِيرِهِ بِالْوَاوِ فِي قَوْلِهِ وَيَدَيْهِ دُونَ ثُمَّ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ التَّرْتِيبَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِيهِ كَأَصْلِهِ وَيُشْتَرَطُ الْمَسْحُ بِجَمِيعِ الْيَدِ أَوْ بِأَكْثَرِهَا حَتَّى لَوْ مَسَحَ بِأُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ أَوْ إصْبَعَيْنِ لَا يَجُوزُ وَلَوْ كَرَّرَ الْمَسْحَ حَتَّى اسْتَوْعَبَ بِخِلَافِ مَسْحِ الرَّأْسِ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ مَعْزِيًّا إلَى الْإِيضَاحِ وَفِي الْمُجْتَبَى وَمَسْحُ الْعَذَارِ شَرْطٌ عَلَى مَا حَكَى عَنْ أَصْحَابِنَا وَالنَّاسُ عَنْهُ غَافِلُونَ وَفِي الْمُحِيطِ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي رَجُلٍ يَرَى التَّيَمُّمَ إلَى الرُّسْغِ وَالْوِتْرَ رَكْعَةً ثُمَّ رَأَى التَّيَمُّمَ إلَى الْمِرْفَقِ وَالْوِتْرَ ثَلَاثًا لَا يُعِيدُ مَا صَلَّى؛ لِأَنَّهُ مُجْتَهِدٌ فِيهِ، وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْأَلَ أَحَدًا ثُمَّ سَأَلَ فَأَمَرَ بِثَلَاثٍ يُعِيدُ مَا صَلَّى؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُجْتَهِدٍ اهـ. وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَلَوْ أَمَرَ غَيْرَهُ أَنْ يُيَمِّمَهُ وَنَوَى هُوَ جَازَ وَقَالَ ابْنُ الْقَاضِي لَا يُجْزِئُهُ اهـ وَالنَّاوِي هُوَ الْآمِرُ كَمَا لَا يَخْفَى وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ، وَأَمَّا اسْتِيعَابُ الْوَجْهِ فِي التَّيَمُّمِ فَلَيْسَ مُسْتَفَادًا مِنْ الْإِلْصَاقِ بَلْ؛ لِأَنَّهُ خَلَفٌ عَنْ الْغُسْلِ فَلَزِمَ الِاسْتِيعَابُ فِي الْخَلَفِ حَسَبِ لُزُومِهِ فِي الْأَصْلِ. اهـ. وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ (قَوْلُهُ: بِضَرْبَتَيْنِ) الْبَاءُ مُتَعَلِّقَةٌ بِتَيَمُّمٍ أَيْ يَتَيَمَّمُ بِضَرْبَتَيْنِ وَقَدْ وَقَعَ ذِكْرُ الضَّرْبِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ وَالْمَذْكُورُ فِي الْأَصْلِ الْوَضْعُ دُونَ الضَّرْبِ وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ الضَّرْبُ فَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ فَمِنْهُمْ كَالْمُصَنِّفِ فِي الْمُسْتَصْفَى مَنْ قَالَ بِأَنَّهُمْ إنَّمَا اخْتَارُوهُ، وَإِنْ كَانَ الْوَضْعُ جَائِزًا لِمَا أَنَّ الْآثَارَ جَاءَتْ بِلَفْظِ الضَّرْبِ وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَالْمَقْصُودُ مِنْ الضَّرْبِ أَنْ يَدْخُلَ الْغُبَارُ فِي خِلَالِ الْأَصَابِعِ تَحْقِيقًا لِمَعْنَى الِاسْتِيعَابِ وَتَعَقَّبَ مَا فِي الْمُسْتَصْفَى بِأَنَّ الضَّرْبَ لَمْ يُذْكَرْ فِي الْآيَةِ وَلَا فِي سَائِرِ الْآثَارِ، وَإِنَّمَا جَاءَ فِي بَعْضِهَا وَمِنْهُمْ مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ بِذِكْرِ الضَّرْبَتَيْنِ الرَّدُّ عَلَى ابْنِ سِيرِينَ وَمَنْ تَبِعَهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ثَلَاثِ ضَرَبَاتٍ ضَرْبَةٍ لِلْوَجْهِ وَضَرْبَةٍ لِلْكَفَّيْنِ وَضَرْبَةٍ لِلذِّرَاعَيْنِ، وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ مِنْ الِاحْتِيَاجِ إلَى ثَلَاثِ ضَرَبَاتٍ فَلَيْسَ افْتِرَاضًا لِلثَّالِثَةِ لِذَاتِهَا بَلْ لِتَخْلِيلِ الْأَصَابِعِ إذَا لَمْ يَدْخُلْ الْغُبَارُ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ خِلَافُ النَّصِّ وَالْمَقْصُودُ، وَهُوَ التَّخْلِيلُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّ الضَّرْبَتَيْنِ رُكْنٌ لِلْخَبَرِ الْوَارِدِ التَّيَمُّمُ ضَرْبَتَانِ فَهُمَا مِنْ مَاهِيَةِ التَّيَمُّمِ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ السَّيِّدُ أَبُو شُجَاعٍ أَنَّهُ لَوْ أَحْدَثَ بَعْدَ الضَّرْبَةِ أَعَادَهَا وَلَا يُجْزِئُهُ الْمَسْحُ بِمَا فِي يَدِهِ مِنْ التُّرَابِ وَصَحَّحَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَهُوَ مُخْتَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَلَكِنْ قَالَ الْقَاضِي الْإِسْبِيجَابِيُّ إنَّ الضَّرْبَةَ تُجْزِئُهُ كَمَا فِي الْوُضُوءِ حَيْثُ يَتَوَضَّأُ بِذَلِكَ الْمَاءِ وَفَرَّقَ السَّيِّدُ أَبُو شُجَاعٍ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الشَّرْطَ فِي الْوُضُوءِ الْحُصُولُ وَفِي التَّيَمُّمِ التَّحْصِيلُ. وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ التَّحْصِيلَ شَرْطٌ فَلَا يُنَافِي الْحَدَثَ كَمَا لَوْ أَحْرَمَ مُجَامِعًا وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بَعْدَ مَا ذَكَرَ الْخِلَافَ وَعَلَى هَذَا فَمَا صَرَّحُوا بِهِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَلْقَتْ الرِّيحُ الْغُبَارَ عَلَى وَجْهِهِ وَيَدَيْهِ فَمَسَحَ بِنِيَّةِ التَّيَمُّمِ أَجْزَأَهُ وَإِنْ لَمْ يَمْسَحْ لَا يَجُوزُ يَلْزَمُ فِيهِ أَمَّا كَوْنُهُ قَوْلَ مَنْ أَخْرَجَ الضَّرْبَةَ لَا قَوْلَ الْكُلِّ، وَأَمَّا اعْتِبَارُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مَعْزِيًّا إلَى الْحِلْيَةِ) أَقُولُ: فِي حِفْظِي أَنَّ الْحِلْيَةَ الَّتِي يَنْقُلُ عَنْهَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ مِنْ كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ وَحِينَئِذٍ فَلَا يُنَافِي مَا فِي السِّرَاجِ (قَوْلُهُ: وَتَعَقَّبَ مَا فِي الْمُسْتَصْفَى إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ هَذَا لَا يَصْلُحُ دَفْعًا كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ: وَالْمَقْصُودُ، وَهُوَ التَّخْلِيلُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الضَّرْبِ الثَّالِثِ وَلَكِنْ سَيَأْتِي أَنَّ مُحَمَّدًا يَشْتَرِطُ الْغُبَارَ فَلَوْ لَمْ يُدْخِلْ بَيْنَ أَصَابِعِهِ يَحْتَاجُ إلَى الثَّالِثَةِ لِيُخَلِّلَ بِالْغُبَارِ عَلَى قَوْلِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 الضَّرْبَةِ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهَا عَلَى الْأَرْضِ أَوْ عَلَى الْعُضْوِ مَسْحًا وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ عَدَمُ اعْتِبَارِ ضَرْبَةِ الْأَرْضِ مِنْ مُسَمَّى التَّيَمُّمِ شَرْعًا، فَإِنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ الْمَسْحُ فِي الْكِتَابِ لَيْسَ غَيْرُ قَالَ تَعَالَى {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ} [النساء: 43] وَيُحْمَلُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «التَّيَمُّمُ ضَرْبَتَانِ» أَمَّا عَلَى إرَادَةِ الْأَعَمِّ مِنْ الْمَسْحَتَيْنِ كَمَا قُلْنَا أَوْ أَنَّهُ أُخْرِجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ اهـ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الشَّرْطَ وُجُودُ الْفِعْلِ مِنْهُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَسْحًا أَوْ ضَرْبًا أَوْ غَيْرَهُ فَقَدْ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ وَلَوْ أَدْخَلَ رَأْسَهُ فِي مَوْضِعِ الْغُبَارِ بِنِيَّةِ التَّيَمُّمِ يَجُوزُ وَلَوْ انْهَدَمَ الْحَائِطُ وَظَهَرَ الْغُبَارُ فَحَرَّكَ رَأْسَهُ وَنَوَى التَّيَمُّمَ جَازَ وَالشَّرْطُ وُجُودُ الْفِعْلِ مِنْهُ. اهـ. وَهَذَا يُعَيِّنُ أَنَّ هَذِهِ الْفُرُوعَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى قَوْلِ مَنْ أَخْرَجَ الضَّرْبَةَ مِنْ مُسَمَّى التَّيَمُّمِ، وَأَمَّا مَنْ أَدْخَلَهَا فَلَا يُمْكِنُهُ الْقَوْلُ بِهَا فِيمَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْخُلَاصَةِ إذَا لَيْسَ فِيهَا ضَرْبٌ أَصْلًا لَا عَلَى الْأَرْضِ وَلَا عَلَى الْعُضْوِ إلَّا أَنْ يُقَالَ مُرَادُهُ بِالضَّرْبِ الْفِعْلُ مِنْهُ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ ضَرْبًا أَوْ غَيْرَهُ، وَهُوَ بَعِيدٌ كَمَا لَا يَخْفَى وَتَظْهَرُ ثَمَرَةُ الْخِلَافِ أَيْضًا فِيمَا إذَا نَوَى بَعْدَ الضَّرْبِ فَمَنْ جَعَلَهُ رُكْنًا لَمْ يَعْتَبِرْ النِّيَّةَ بَعْدَهُ وَمَنْ لَمْ يَجْعَلْهُ رُكْنًا اعْتَبَرَهَا بَعْدَهُ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَلَوْ شُلَّتْ كِلَا يَدَيْهِ يَمْسَحُ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ عَلَى الْحَائِطِ اهـ. وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَوْ أَمَرَ غَيْرَهُ بِأَنْ يُيَمِّمَهُ جَازَ بِشَرْطِ أَنْ يَنْوِيَ الْآمِرُ فَلَوْ ضَرَبَ الْمَأْمُورُ يَدَهُ عَلَى الْأَرْضِ بَعْدَ نِيَّةِ الْآمِرِ ثُمَّ أَحْدَثَ الْآمِرُ قَالَ فِي التَّوْشِيحِ يَنْبَغِي أَنْ يَبْطُلَ بِحَدَثِ الْآمِرِ عَلَى قَوْلِ أَبِي شُجَاعٍ اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِحَدَثِ الْمَأْمُورِ لِمَا أَنَّ الْمَأْمُورَ آلَةٌ وَضَرْبُهُ ضَرْبٌ لِلْآمِرِ فَالْعِبْرَةُ لِلْآمِرِ؛ وَلِهَذَا اشْتَرَطْنَا نِيَّتَهُ لَا نِيَّةَ الْمَأْمُورِ. وَفِي الْمُحِيطِ وَكَيْفِيَّةُ التَّيَمُّمِ أَنْ يَضْرِبَ يَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَنْفُضَهُمَا فَيَمْسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ بِحَيْثُ لَا يَبْقَى مِنْهُ شَيْءٌ، وَإِنْ قَلَّ ثُمَّ يَضْرِبُ يَدَيْهِ ثَانِيًا عَلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَنْفُضُهُمَا فَيَمْسَحُ بِهِمَا كَفَّيْهِ وَذِرَاعَيْهِ كِلَيْهِمَا إلَى الْمِرْفَقَيْنِ وَقَالَ مَشَايِخُنَا يَضْرِبُ يَدَيْهِ ثَانِيًا وَيَمْسَحُ بِأَرْبَعِ أَصَابِعَ يَدِهِ الْيُسْرَى ظَاهِرُ يَدِهِ الْيُمْنَى مِنْ رُءُوسِ الْأَصَابِعِ إلَى الْمِرْفَقِ ثُمَّ يَمْسَحُ بِكَفِّهِ الْيُسْرَى بَاطِنَ يَدِهِ الْيُمْنَى إلَى الرُّسْغِ وَيُمِرُّ بَاطِنَ إبْهَامِهِ الْيُسْرَى عَلَى ظَاهِرِ إبْهَامِهِ الْيُمْنَى ثُمَّ يَفْعَلُ بِالْيَدِ الْيُسْرَى كَذَلِكَ، وَهُوَ الْأَحْوَطُ؛ لِأَنَّ فِيهِ احْتِرَازًا عَنْ اسْتِعْمَالِ الْمُسْتَعْمَلِ بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ، فَإِنَّ التُّرَابَ الَّذِي عَلَى يَدِهِ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا بِالْمَسْحِ حَتَّى لَوْ ضَرَبَ يَدَيْهِ مَرَّةً وَمَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ لَا يَجُوزُ وَلَا يَجِبُ مَسْحُ بَاطِنِ الْكَفِّ؛ لِأَنَّ ضَرْبَهُمَا عَلَى الْأَرْضِ يُغْنِي عَنْهُ وَفِي شَرْحِ النُّقَايَةِ لِلشُّمُنِّيِّ مَعْزِيًّا إلَى الذَّخِيرَةِ لَمْ يَرِدْ نَصٌّ هَلْ الضَّرْبَةُ بِبَاطِنِ الْكَفَّيْنِ أَوْ بِظَاهِرِهِمَا وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا بِظَاهِرِهِمَا وَبَاطِنِهِمَا اهـ. وَالْمُرَادُ بِالْوَاوِ أَوْ إذْ لَا جَمْعَ بَيْنَهُمَا كَمَا لَا يَخْفَى، وَهَذَا النَّقْلُ عَنْ الذَّخِيرَةِ مُخَالِفٌ لِمَا نَقَلَهُ عَنْهَا ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَلَفْظُهُ تَنْبِيهٌ فِي الذَّخِيرَةِ لَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ أَنَّهُ يَضْرِبُ عَلَى الْأَرْضِ ظَاهِرَ كَفَّيْهِ أَوْ بَاطِنَهُمَا وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ يَضْرِبُ بَاطِنَهُمَا، فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْكِتَابِ لَوْ تَرَكَ الْمَسْحَ عَلَى ظَاهِرِ كَفَّيْهِ لَا يَجُوزُ، وَإِنَّمَا يَكُونُ تَارِكًا لِلْمَسْحِ عَلَى ظَاهِرِ كَفَّيْهِ إذَا ضَرَبَ بَاطِنَ كَفَّيْهِ عَلَى الْأَرْضِ اهـ ثُمَّ قَالَ قُلْت وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكَفِّ بَاطِنُهَا لَا ظَاهِرُهَا اهـ. وَهَكَذَا فِي التَّوْشِيحِ مَعْزِيًّا إلَى الذَّخِيرَةِ إلَّا أَنَّهُ بَعْدَ أَسْطُرٍ ذَكَرَ مَا فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ مِنْ التَّصْحِيحِ. وَسُنَنُ التَّيَمُّمِ سَبْعَةٌ إقْبَالُ الْيَدَيْنِ بَعْدَ وَضْعِهِمَا عَلَى التُّرَابِ وَإِدْبَارُهُمَا وَنَفْضُهُمَا وَتَفْرِيجُ الْأَصَابِعِ وَالتَّسْمِيَةُ فِي أَوَّلِهِ وَالتَّرْتِيبُ وَالْمُوَالَاةُ ذَكَرَ الْأَرْبَعَةَ الْأُوَلَ فِي الْمُبْتَغَى وَالْبَاقِيَةَ فِي الْمَبْسُوطِ وَبَعْضُهُمْ أَطْلَقَ عَلَى بَعْضِ هَذِهِ الِاسْتِحْبَابَ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَنْفُضُهُمَا مَرَّةً وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ مَرَّتَيْنِ، وَهَذَا لَيْسَ كَالزَّيْلَعِيِّ بِاخْتِلَافٍ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ، وَهُوَ تَنَاثُرُ التُّرَابِ إنْ حَصَلَ بِمَرَّةٍ اكْتَفَى بِهَا، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ يَنْفُضُ مَرَّتَيْنِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ   [منحة الخالق] [كَيْفِيَّةُ التَّيَمُّمِ] (قَوْلُهُ: فَيَمْسَحُ بِهِمَا كَفَّيْهِ وَذِرَاعَيْهِ) أَيْ وَيُمِرُّ بِبَاطِنِ إبْهَامِهِ الْيُسْرَى عَلَى ظَاهِرِ إبْهَامِهِ الْيُمْنَى قَالَ الْعَارِفُ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ وَقَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَعْدَ نَقْلِهِ هَذِهِ الْكَيْفِيَّةَ وَهَذِهِ الصُّورَةَ حِكَايَةُ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - «تَيَمَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَكَذَا رَوَى جَابِرٌ أَيْضًا (قَوْلُهُ: فَإِنَّ التُّرَابَ الَّذِي عَلَى يَدِهِ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا بِالْمَسْحِ) فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ اُسْتُعْمِلَ بِأَوَّلِ الْوَضْعِ يَلْزَمُ أَنْ لَا يُجْزِئَ فِي بَاقِي الْعُضْوِ، وَإِلَّا يُسْتَعْمَلْ بِأَوَّلِ الْوَضْعِ كَالْمَاءِ لَا يَلْزَمُ مَا ذَكَرَهُ، وَهُوَ كَذَلِكَ يُؤَيِّدُهُ مَا قَالَهُ الْعَارِفُ فِي شَرْحِ هَدِيَّةِ ابْنِ الْعِمَادِ عَنْ جَامِعِ الْفَتَاوَى وَقِيلَ يَمْسَحُ بِجَمِيعِ الْكَفِّ وَالْأَصَابِعِ؛ لِأَنَّ التُّرَابَ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا فِي مَحَلِّهِ كَالْمَاءِ اهـ. وَلِذَا عَبَّرَ بَعْضُهُمْ فِي هَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ بِقَوْلِهِ وَالْأَحْسَنُ إشَارَةٌ إلَى تَجْوِيزِ خِلَافُهُ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا صُورَةً لَا حَقِيقَةً وَلَكِنَّ الْفَرْقَ ظَاهِرٌ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ قَوْلِهِ حَتَّى لَوْ ضَرَبَ يَدَيْهِ مَرَّةً إلَخْ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: إذْ لَا جَمْعَ بَيْنَهُمَا كَمَا لَا يَخْفَى) قَالَ فِي النَّهْرِ وَغَيْرُ خَافٍ أَنَّ الْجَوَازَ حَاصِلٌ بِأَيِّهِمَا كَانَ نَعَمْ الضَّرْبُ بِالْبَاطِنِ سُنَّةٌ (قَوْلُهُ: وَهَذَا النَّقْلُ عَنْ الذَّخِيرَةِ إلَخْ) أَقُولُ: رَاجَعْت الذَّخِيرَةِ فَرَأَيْته ذَكَرَ الْعِبَارَتَيْنِ، فَإِنَّهُ بَعْدَ مَا ذَكَرَ الْعِبَارَةَ الَّتِي نَقَلَهَا ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ قَالَ بَعْدَ أَسْطُرٍ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَضْرِبُ بِبَاطِنِ كَفِّهِ وَظَاهِرِهِ عَلَى الْأَرْضِ، وَهَذَا يَصِيرُ رِوَايَةً أُخْرَى بِخِلَافِ مَا أَشَارَ إلَيْهِ مُحَمَّدٌ اهـ مَا رَأَيْته فِي الذَّخِيرَةِ أَقُولُ: وَهَذَا يُعَيِّنُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَاوِ وَحَقِيقَتُهَا تَأَمَّلْ. [سُنَنُ التَّيَمُّمِ] (قَوْلُهُ: وَسُنَنُ التَّيَمُّمِ سَبْعَةٌ إلَخْ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 وَلِهَذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَيَنْفُضُ يَدَيْهِ بِقَدْرِ مَا يَتَنَاثَرُ التُّرَابُ كَيْ لَا يَصِيرَ مُثْلَةً اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ جُنُبًا أَوْ حَائِضًا) يَعْنِي يَتَيَمَّمُ الْجُنُبُ وَالْمُحْدِثُ وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءُ، وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ لِلْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ مِنْهَا مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ أَنَّ ابْنَ الْحُصَيْنِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى رَجُلًا مُعْتَزِلًا لَمْ يُصَلِّ مَعَ الْقَوْمِ فَقَالَ يَا فُلَانُ مَا مَنَعَك أَنْ تُصَلِّيَ مَعَ الْقَوْمِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ وَلَا مَاءَ فَقَالَ عَلَيْك بِالصَّعِيدِ» وَمِنْهَا حَدِيثُ عَمَّارٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهُ بِالتَّيَمُّمِ، وَهُوَ جُنُبٌ» رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ وَأَمَّا الْآيَةُ، وَهِيَ قَوْله تَعَالَى {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء: 43] فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهَا فَذَهَبَ عُمَرُ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عُمَرَ إلَى حَمْلِهَا عَلَى الْمَسِّ بِالْيَدِ فَمَنَعُوا التَّيَمُّمَ لِلْجُنُبِ وَذَهَبَ عَلِيٌّ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةُ إلَى أَنَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى الْجِمَاعِ فَجَوَّزُوهُ لِلْجُنُبِ وَبِهِ أَخَذَ أَصْحَابُنَا وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ تَرْجِيحًا لِسِيَاقِ الْآيَةِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَيَّنَ حُكْمَ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ وَالْأَكْبَرِ حَالَ وُجُودِ الْمَاءِ ثُمَّ نَقَلَ الْحُكْمَ إلَى التُّرَابِ حَالَ عَدَمِ الْمَاءِ وَذَكَرَ الْحَدَثَ الْأَصْغَرَ بِقَوْلِهِ {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} [النساء: 43] فَتَعَيَّنَ حَمْلُ الْمُلَامَسَةِ عَلَى الْجِمَاعِ لِيَكُونَ بَيَانًا لِحُكْمِ الْحَدَثَيْنِ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ كَمَا بَيَّنَ حُكْمَهُمَا عِنْدَ وُجُودِهِ وَالشَّافِعِيِّ حَمَلَ الْآيَةَ عَلَى الْجِمَاعِ وَالْمَسِّ بِالْيَدِ فَقَالَ بِإِبَاحَتِهِ لِلْجُنُبِ وَنَقْضِ الْوُضُوءِ بِالْمَسِّ بِالْيَدِ وَالْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ مُلْحَقَانِ بِالْجَنَابَةِ؛ لِأَنَّهُمَا فِي مَعْنَاهُمَا هَكَذَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ لَكِنْ فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ كَمَا نَقَلَهُ مِسْكِينٌ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ وَالشُّمُنِّيُّ فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ تَفْصِيلٌ فِي الْحَائِضِ، وَهِيَ أَنَّهَا إذَا طَهُرَتْ لِعَشْرَةِ أَيَّامٍ يَجُوزُ لَهَا التَّيَمُّمُ، وَإِنْ طَهُرَتْ لِأَقَلَّ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنَّ الشُّمُنِّيَّ نَقَلَهُ عَنْهَا فِي تَيَمُّمِهَا لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَالْعِيدِ وَالْأَوَّلُ فِي مُطْلَقِ التَّيَمُّمِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ هَذَا التَّفْصِيلَ غَيْرُ صَحِيحٍ بِدَلِيلِ مَا اتَّفَقُوا عَلَى نَقْلِهِ فِي بَابِ الْحَيْضِ وَالرَّجْعَةِ أَنَّ الْحَائِضَ إذَا انْقَطَعَ دَمُهَا لِأَقَلَّ مِنْ عَشْرَةٍ فَتَيَمَّمَتْ عِنْدَ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَاءِ وَصَلَّتْ جَازَ لِلزَّوْجِ وَطْؤُهَا وَهَلْ تَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ بِمُجَرَّدِ التَّيَمُّمِ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ الصَّلَاةِ بِهِ فِيهِ خِلَافٌ فَهَذَا صَرِيحٌ فِي جَوَازِ التَّيَمُّمِ لَهَا وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ. وَلَفْظُهُ الْأَصْلُ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا كَانَتْ أَيَّامُهَا دُونَ الْعَشَرَةِ فَوَقْتُ اغْتِسَالِهَا مِنْ الْحَيْضِ حَتَّى أَنَّهَا لَا تَخْرُجُ مِنْ الْحَيْضِ مَا لَمْ تَغْتَسِلْ أَوْ يَمْضِي عَلَيْهَا أَدْنَى وَقْتِ الصَّلَاةِ إلَيْهَا مَعَ قُدْوَةِ الِاغْتِسَالِ فِيهِ، وَلَوْ تَيَمَّمَتْ، وَصَلَّتْ خَرَجَتْ مِنْ الْحَيْضِ بِالِاتِّفَاقِ وَلَوْ تَيَمَّمَتْ وَلَمْ تُصَلِّ لَا يَنْقَطِعُ حَقُّ الرَّجْعَةِ فِي قَوْلِهِمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ وَأَجْمَعُوا أَنَّهَا لَا تَتَزَوَّجُ حَتَّى تُصَلِّيَ بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ إلَى آخِرِ مَا ذُكِرَ مِنْ الْفُرُوعِ لَكِنْ صَحَّحَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي مَبْسُوطِهِ أَنَّهُ لَا يَطَؤُهَا حَتَّى تُصَلِّيَ بِهِ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا إنَّمَا جَعَلَ التَّيَمُّمَ كَالِاغْتِسَالِ فِيمَا هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الِاحْتِيَاطِ، وَهُوَ قَطْعُ الرَّجْعَةِ وَالِاحْتِيَاطُ فِي الْوَطْءِ تَرْكُهُ فَلَيْسَ التَّيَمُّمُ فِيهِ كَالِاغْتِسَالِ كَمَا لَمْ يَفْعَلْهُ فِي الْحِلِّ لِلْأَزْوَاجِ وَفِي الْمُحِيطِ جُنُبٌ مَرَّ عَلَى مَسْجِدٍ فِيهِ مَاءٌ يَتَيَمَّمُ لِلدُّخُولِ وَلَا يُبَاحُ لَهُ إلَّا بِالتَّيَمُّمِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ عَيْنٌ صَغِيرَةٌ وَلَا يَسْتَطِيعُ الِاغْتِرَافَ مِنْهُ لَا يَغْتَسِلُ فِيهَا وَيَتَيَمَّمُ؛ لِأَنَّ الِاغْتِسَالَ فِيهِ يُفْسِدُهُ وَلَا يَخْرُجُ طَاهِرًا فَلَا يَكُونُ مُفِيدًا وَلَوْ أَصَابَتْهُ الْجَنَابَةُ فِي الْمَسْجِدِ قِيلَ لَا يُبَاحُ لَهُ الْخُرُوجُ مِنْ غَيْرِ تَيَمُّمٍ اعْتِبَارًا بِالدُّخُولِ وَقِيلَ يُبَاحُ؛ لِأَنَّ فِي الْخُرُوجِ تَنْزِيهَ الْمَسْجِدِ عَنْ النَّجَاسَةِ وَفِي الدُّخُولِ تَلْوِيثَهُ بِهَا. اهـ. وَسَيَأْتِي فِي الْحَيْضِ تَمَامُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (قَوْلُهُ: بِطَاهِرٍ) مُتَعَلِّقٌ بِيَتَيَمَّمَ يَعْنِي يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ التَّيَمُّمِ طَهَارَةُ الصَّعِيدِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43] وَلَا طَيِّبَ مَعَ النَّجَاسَةِ حَتَّى لَوْ تَيَمَّمَ بِغُبَارِ ثَوْبٍ نَجَسٍ لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا وَقَعَ ذَلِكَ الْغُبَارُ عَلَيْهِ بَعْدَ مَا جَفَّ وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ طَهَارَتُهُ مَقْطُوعًا بِهَا حَتَّى لَوْ تَيَمَّمَ بِأَرْضٍ قَدْ أَصَابَتْهَا نَجَاسَةٌ فَجَفَّتْ وَذَهَبَ أَثَرُهَا لَمْ يَجُزْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّيَمُّمِ مِنْهَا وَجَوَازِ الصَّلَاةِ عَلَيْهَا أَنَّ الْجَفَافَ مُقَلِّلٌ لَا مُسْتَأْصِلٌ وَقَلِيلُهَا مَانِعٌ فِي التَّيَمُّمِ دُونَ الصَّلَاةِ وَيَجُوزُ أَنْ يُعْتَبَرَ الْقَلِيلُ مَانِعًا فِي شَيْءٍ دُونَ شَيْءٍ كَقَلِيلِهَا فِي الْمَاءِ مَانِعٌ   [منحة الخالق] زَادَ الْعَارِفُ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ ثَلَاثَةً أُخْرَى، وَهِيَ التَّيَامُنُ كَمَا فِي جَامِعِ الْفَتَاوَى وَالْمُجْتَبَى وَخُصُوصُ الضَّرْبِ عَلَى الصَّعِيدِ لِمُوَافَقَةِ الْحَدِيثِ قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ وَالضَّرْبُ أَوْلَى لِيَدْخُلَ التُّرَابُ فِي أَثْنَاءِ الْأَصَابِعِ وَأَنْ يَكُونَ بِالْكَيْفِيَّةِ الْمَخْصُوصَةِ، وَهِيَ الْمُتَقَدِّمَةُ عَلَى الْخِلَافِ فِيهَا فَهِيَ عَشْرَةٌ. (قَوْلُهُ: إلَّا أَنَّ الشُّمُنِّيَّ إلَخْ) أَقُولُ: نَصُّ عِبَارَةِ الظَّهِيرِيَّةِ هَكَذَا وَكَمَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ لِلْجُنُبِ لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَصَلَاةِ الْعِيدِ فَكَذَلِكَ يَجُوزُ لِلْحَائِضِ إذَا طَهُرَتْ مِنْ الْحَيْضِ إذَا كَانَ أَيَّامُ حَيْضِهَا عَشْرَةً، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ عَشْرَةٍ لَا يَجُوزُ اهـ بِحُرُوفِهِ. (قَوْلُهُ: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ هَذَا التَّفْصِيلَ غَيْرُ صَحِيحٍ) قَالَ فِي النَّهْرِ مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا انْقَطَعَ لِأَقَلَّ مِنْ عَادَتِهَا لِمَا سَيَأْتِي فِي الْحَيْضِ اتِّفَاقًا مِنْ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ قُرْبَانُهَا، وَإِنْ اغْتَسَلَتْ وَالْحَالَةُ هَذِهِ فَضْلًا عَنْ التَّيَمُّمِ وَإِلَيْهِ يُشِيرُ مَا قَالَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ اهـ. أَيْ قَوْلُهُ الْآتِي إذَا كَانَتْ أَيَّامُهَا دُونَ الْعَشَرَةِ أَيْ عَادَتُهَا ذَلِكَ أَقُولُ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَ الظَّهِيرِيَّةِ إذَا كَانَ أَيَّامُ حَيْضِهَا عَشْرَةً إلَخْ يُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ الِانْقِطَاعُ لِلْعَادَةِ لَا لِلْأَقَلِّ فَهَذَا الْحَمْلُ بَعِيدٌ مِنْ عِبَارَةِ الظَّهِيرِيَّةِ الَّتِي نَقَلْنَاهَا فَتَعَيَّنَ مَا قَالَهُ الْمُؤَلِّفُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 دُونَ الثَّوْبِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ فِي الْأَنْجَاسِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْأَرْضَ الَّتِي جَفَّتْ نَجِسَةٌ فِي حَقِّ التَّيَمُّمِ طَاهِرَةٌ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ وَالْحَقُّ أَنَّهَا طَاهِرَةٌ فِي حَقِّ الْكُلِّ، وَإِنَّمَا مُنِعَ التَّيَمُّمُ مِنْهَا لِفَقْدِ الطَّهُورِيَّةِ كَالْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ طَاهِرٌ غَيْرُ طَهُورٍ، وَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ بِمُطَهِّرٍ لِيَخْرُجَ مَا ذَكَرْنَا كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي مَنْظُومَةِ ابْنِ وَهْبَانَ وَلِلْحَدِيثِ الْوَارِدِ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا» بِنَاءً عَلَى أَنَّ الطَّهُورَ بِمَعْنَى الْمُطَهَّرِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ وَفِي الْمُحِيطِ وَالْبَدَائِعِ وَلَوْ تَيَمَّمَ اثْنَانِ مِنْ مَكَان وَاحِدٍ جَازَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ مُسْتَعْمَلًا؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ إنَّمَا يَتَأَدَّى بِمَا الْتَزَقَ بِيَدِهِ لَا بِمَا فَضَلَ كَالْمَاءِ الْفَاضِلِ فِي الْإِنَاءِ بَعْدَ وُضُوءِ الْأَوَّلِ اهـ. وَهُوَ يُفِيدُ تَصَوُّرَ اسْتِعْمَالِهِ وَقَصْرِهِ عَلَى صُورَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهِيَ أَنْ يَمْسَحَ الذِّرَاعَيْنِ بِالضَّرْبَةِ الَّتِي مَسَحَ بِهَا وَجْهَهُ لَيْسَ غَيْرُ (قَوْلُهُ: مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ) يَعْنِي يَتَيَمَّمُ بِمَا كَانَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُسْتَصْفَى: كُلُّ مَا يَحْتَرِقُ بِالنَّارِ فَيَصِيرُ رَمَادًا كَالشَّجَرِ أَوْ يَنْطَبِعُ وَيَلِينُ كَالْحَدِيدِ فَلَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَهُوَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ اهـ. فَلَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِالْأَشْجَارِ وَالزُّجَاجِ الْمُتَّخَذِ مِنْ الرَّمْلِ وَغَيْرِهِ وَالْمَاءُ الْمُتَجَمِّدُ وَالْمَعَادِنُ إلَّا أَنْ تَكُونَ فِي مَحَالِّهَا فَيَجُوزُ لِلتُّرَابِ الَّذِي عَلَيْهَا لَا بِهَا نَفْسِهَا وَاللُّؤْلُؤُ، وَإِنْ كَانَ مَسْحُوقًا؛ لِأَنَّهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ حَيَوَانٍ فِي الْبَحْرِ وَالدَّقِيقُ وَالرَّمَادُ وَيَجُوزُ بِالْحَجَرِ وَالتُّرَابِ وَالرَّمْلِ وَالسَّبْخَةِ الْمُنْعَقِدَةِ مِنْ الْأَرْضِ دُونَ الْمَاءِ وَالْجِصِّ وَالنُّورَةِ وَالْكُحْلِ وَالزِّرْنِيخِ وَالْمَغْرَةِ وَالْكِبْرِيتِ وَالْفَيْرُوزَجِ وَالْعَقِيقِ وَالْبَلْخَشِ وَالزُّمُرُّدِ وَالزَّبَرْجَدِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ عَدَمُ الْجَوَازِ بِالْمَرْجَانِ وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَالتَّوْشِيحِ وَالْعِنَايَةِ وَالْمُحِيطِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَالتَّبْيِينِ الْجَوَازُ فَكَانَ الْأَوَّلُ سَهْوًا وَأَمَّا الْمِلْحُ، فَإِنْ كَانَ مَائِيًّا فَلَا يَجُوزُ بِهِ اتِّفَاقًا، وَإِنْ كَانَ جَبَلِيًّا فَفِيهِ رِوَايَتَانِ وَصُحِّحَ كُلٌّ مِنْهُمَا ذَكَرَهُ فِي الْخُلَاصَةِ لَكِنَّ الْفَتْوَى عَلَى الْجَوَازِ بِهِ كَذَا فِي التَّجْنِيسِ وَيَجُوزُ بِالْآجُرِّ الْمَشْوِيِّ، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ طِينٌ مُسْتَحْجَرٌ وَكَذَا بِالْخَزَبِ الْخَالِصِ إلَّا إذَا كَانَ مَخْلُوطًا بِمَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ أَوْ كَانَ عَلَيْهِ صَبْغٌ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ كَذَا أَطْلَقَ فِي التَّجْنِيسِ وَالْمُحِيطِ وَغَيْرِهِمَا مَعَ أَنَّ الْمَسْطُورَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ التُّرَابُ إذَا خَالَطَهُ شَيْءٌ مَا لَيْسَ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ يُعْتَبَرُ فِيهِ الْغَلَبَةُ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يُفَصِّلَ فِي الْمُخَالِطِ لِلنِّيءِ بِخِلَافِ الْمَشْوِيِّ لِاحْتِرَاقِ مَا فِيهِ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ، وَإِذَا احْتَرَقَتْ الْأَرْضُ بِالنَّارِ إنْ اخْتَلَطَتْ بِالرَّمَادِ يُعْتَبَرُ فِيهِ الْغَالِبُ إنْ كَانَتْ الْغَلَبَةُ لِلتُّرَابِ جَازَ بِهِ التَّيَمُّمُ، وَإِلَّا فَلَا وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِالْأَرْضِ الْمُحْتَرِقَةِ فِي الْأَصَحِّ وَلَمْ يُفَصِّلْ وَالظَّاهِرُ التَّفْصِيلُ، وَفِي الْمُحِيطِ وَلَوْ تَيَمَّمَ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ إنْ كَانَ مَسْبُوكًا لَا يَجُوزُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَسْبُوكًا، وَكَانَ مُخْتَلِطًا بِالتُّرَابِ وَالْغَلَبَةُ لِلتُّرَابِ جَازَ اهـ. فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ مَا أَطْلَقَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ وَإِذَا لَمْ يَجِدْ إلَّا الطِّينَ يُلَطِّخُهُ بِثَوْبِهِ فَإِذَا جَفَّ تَيَمَّمَ بِهِ وَقِيلَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَتَيَمَّمُ بِالطِّينِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عِنْدَهُ وَضْعُ الْيَدِ عَلَى الْأَرْضِ لَا اسْتِعْمَالُ جُزْءٍ مِنْهُ وَالطِّينُ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ إلَّا إذَا صَارَ مَغْلُوبًا بِالْمَاءِ فَلَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِهِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَقَيَّدَ الْجَوَازَ بِالطِّينِ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوِيهِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: فَيَجُوزُ لِلتُّرَابِ الَّذِي عَلَيْهَا) قَالَ فِي النَّهْرِ قَيَّدَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ بِأَنْ يَسْتَبِينَ أَثَرَ التُّرَابِ بِمَدِّهِ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَسْتَبِينُ لَا يَجُوزُ وَعَلَى هَذَا كُلُّ مَا لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ التَّيَمُّمُ، وَهُوَ حَسَنٌ فَلْيُحْفَظْ. اهـ. وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ. (قَوْلُهُ: فَكَانَ الْأَوَّلُ سَهْوًا) أَقُولُ: الَّذِي حَرَّرَهُ صَاحِبُ الْمِنَحِ عَدَمُ الْجَوَازِ بِالْمَرْجَانِ لِشَبَهِهِ بِالنَّبَاتِ لِكَوْنِهِ أَشْجَارًا نَابِتَةً فِي قَعْرِ الْبَحْرِ قَالَ فَلَا سَهْوَ فِي كَلَامِ الْكَمَالِ بَلْ الصَّوَابُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ وَأَطَالَ فِي هَذَا الْمَحَلِّ وَأَرْجَعَ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ فِيمَا نَقَلَ عِنْدَ كَلَامِ الْكَمَالِ إلَى كَلَامِهِمْ قَالَ؛ لِأَنَّهُ قَالَ لَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ فَالْمُرَادُ صِغَارُ اللُّؤْلُؤِ كَمَا فَسَّرَ بِهِ فِي الْآيَةِ فِي سُورَةِ الرَّحْمَنِ، وَهُوَ غَيْرُ مَا أَرَادَهُ فِي التَّوْشِيحِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْمَشْوِيِّ لِاحْتِرَاقِ مَا فِيهِ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ) كَذَا فِيمَا رَأَيْنَا مِنْ النُّسَخِ، وَهُوَ مُشْكِلٌ لِاقْتِضَائِهِ أَنْ لَا يَجُوزَ بِالْآجُرِّ الْمَشْوِيِّ ثُمَّ رَاجَعْت فَتْحَ الْقَدِيرِ فَإِذَا فِيهِ لِاحْتِرَاقِ مَا فِيهِ مِمَّا لَيْسَ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ فَظَهَرَ أَنَّ فِي عِبَارَةِ الْمُؤَلِّفِ سَقْطًا بِسَبَبِهِ اخْتَلَّ الْكَلَامُ (قَوْلُهُ: وَقَيَّدَ الْجَوَازَ بِالطِّينِ الْوَلْوَالِجِيُّ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَقُولُ: فِي اسْتِفَادَةِ تَقْيِيدِ الْجَوَازِ بِمَا ذُكِرَ نَظَرٌ إذْ عِبَارَةُ الْوَلْوَالِجِيِّ الْمُسَافِرُ إذَا كَانَ فِي رَدْغَةِ طِينٍ وَلَمْ يَجِدْ الصَّعِيدَ فَنَفَضَ لِبْدَهُ أَوْ ثَوْبَهُ وَتَيَمَّمَ بِغُبَارِهِ جَازَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ غُبَارٌ لَطَّخَ ثَوْبَهُ مِنْ الطِّينِ حَتَّى إذَا جَفَّ تَيَمَّمَ؛ لِأَنَّ هَذَا تَحْصِيلُ التُّرَابِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ كَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَحْصِيلُ الْمَاءِ لَوْ قَدَرَ عَلَيْهِ، وَإِنْ ذَهَبَ الْوَقْتُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ لَا يَتَيَمَّمُ بِالطِّينِ مَا لَمْ يَجِفَّ لَكِنَّ مَشَايِخَنَا قَالُوا هَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فَإِنَّ عِنْدَهُ لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ إلَّا بِالتُّرَابِ أَوْ بِالرَّمْلِ فَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، فَإِنْ خَافَ ذَهَابَ الْوَقْتِ تَيَمَّمَ بِالطِّينِ؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ بِالطِّينِ عِنْدَهُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَتَيَمَّمُ قَبْلَ خَوْفِ ذَهَابِ الْوَقْتِ كَيْ لَا يَتَلَطَّخَ بِوَجْهِهِ فَيَصِيرُ بِمَعْنَى الْمُثْلَةِ هَذَا إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الصَّعِيدِ أَمَّا إذَا قَدَرَ عَلَيْهِ مَعَ هَذَا كَمَا لَوْ نَفَضَ ثَوْبَهُ وَتَيَمَّمَ بِغُبَارِهِ جَازَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْجَوَازَ عِنْدَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 وَصَاحِبُ الْمُبْتَغَى بِأَنْ يَخَافَ خُرُوجَ الْوَقْتِ أَمَّا قَبْلَهُ فَلَا كَيْ لَا يَتَلَطَّخَ وَجْهُهُ فَيَصِيرَ بِمَعْنَى الْمُثْلَةِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ، وَهُوَ قَيْدٌ حَسَنٌ يَنْبَغِي حِفْظُهُ وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَلَوْ أَنَّ الْحِنْطَةَ أَوْ الشَّيْءَ الَّذِي لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ التَّيَمُّمُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ التُّرَابُ فَضَرَبَ يَدَهُ عَلَيْهِ وَتَيَمَّمَ يُنْظَرُ إنْ كَانَ يَسْتَبِينُ أَثَرُهُ بِمَدِّهِ عَلَيْهِ جَازَ، وَإِنْ كَانَ لَا يَسْتَبِينُ لَا يَجُوزُ اهـ. وَبِهَذَا يُعْلَمُ حُكْمُ التَّيَمُّمِ عَلَى جُوخَةٍ أَوْ بِسَاطٍ عَلَيْهِ غُبَارٌ فَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْجَوَازِ لِقِلَّةِ وُجُودِ هَذَا الشَّرْطِ فِي نَحْوِ الْجُوخَةِ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُوَفِّقُ، وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَجُوزُ إلَّا بِالتُّرَابِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ لِمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ حُذَيْفَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَالَ وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَجُعِلَ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُورًا» وَرَوَى أَحْمَدُ وَالْبَيْهَقِيُّ «وَجُعِلَ لِي التُّرَابُ طَهُورًا» وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ قَوْله تَعَالَى {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43] وَالصَّعِيدُ اسْمٌ لِوَجْهِ الْأَرْضِ تُرَابًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ قَالَ الزَّجَّاجُ لَا أَعْلَمُ اخْتِلَافًا بَيْنَ أَهْلِ اللُّغَةِ فِي ذَلِكَ، وَإِذَا كَانَ هَذَا مَفْهُومَهُ وَجَبَ تَعْمِيمُهُ وَتَعَيَّنَ حَمْلُ تَفْسِيرِ ابْنِ عَبَّاسٍ الصَّعِيدَ بِالتُّرَابِ عَلَى الْأَغْلَبِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّحِيحَيْنِ «وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا» ؛ لِأَنَّ اللَّامَ فِيهَا لِلْجِنْسِ فَلَا يَخْرُجُ شَيْءٌ مِنْهَا؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ كُلَّهَا جُعِلَتْ مَسْجِدًا وَمَا جُعِلَ مَسْجِدًا هُوَ الَّذِي جُعِلَ طَهُورًا وَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عَمَّارٍ «إنَّمَا يَكْفِيك أَنْ تَضْرِبَ بِيَدَيْك الْأَرْضَ» وَلَمْ يَقُلْ التُّرَابَ وَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَيَمَّمَ عَلَى الْجِدَارِ» قَالَ الطَّحَاوِيُّ حِيطَانُ الْمَدِينَةِ مَبْنِيَّةٌ مِنْ حِجَارَةٍ سُودٍ مِنْ غَيْرِ تُرَابٍ وَلَوْ لَمْ تَثْبُتْ الطَّهَارَةُ بِهَذَا التَّيَمُّمِ لَمَا فَعَلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَمَّا رِوَايَةُ «وَتُرَابُهَا طَهُورٌ» فَالْجُمْهُورُ عَلَى خِلَافِهِ وَأَنَّ الثَّابِتَ وَتُرْبَتُهَا وَلَا يُرَادُ بِهَا التُّرَابُ بَلْ مَكَانُ تُرْبَتِهَا مَا يَكُونُ فِيهِ مِنْ التُّرَابِ وَالرَّمْلِ وَغَيْرِهِ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ وَلَوْ سَلَّمَ فَالِاسْتِدْلَالُ بِهِ عَمَلٌ بِمَفْهُومِ اللَّقَبِ، وَهُوَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ أَنَّ هَذَا يُخَصِّصُ رِوَايَةَ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهُ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِ الْعَامِّ فَخَطَأٌ؛ لِأَنَّ التَّخْصِيصَ إخْرَاجُ الْفَرْدِ مِنْ حُكْمِ الْعَامِّ، وَهَذَا رَبْطُ حُكْمِ الْعَامِّ نَفْسِهِ بِبَعْضِ أَفْرَادِهِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِمَعْنَاهُ وَيَدُلُّ لَهُ مَا ذُكِرَ فِي الْبَدَائِعِ أَنَّ الْجُمْهُورَ أَنَّهُ إذْ وَافَقَ خَاصٌّ عَامًّا لَمْ يُخَصِّصْهُ خِلَافًا لِأَبِي ثَوْرٍ كَقَوْلِهِ «أَيُّمَا أَهَاب» وَكَقَوْلِهِ فِي شَاةِ مَيْمُونَةَ «دِبَاغُهَا طَهُورُهَا» لَنَا لَا تَعَارُضَ فَالْعَمَلُ بِهِمَا وَاجِبٌ، فَإِنْ قِيلَ الْمَفْهُومُ مُخَصِّصٌ عِنْدَ قَائِلِيهِ فَذِكْرُهَا يُخْرِجُ غَيْرَهَا قُلْنَا أَمَّا عَلَى أَصْلِنَا فَظَاهِرٌ وَمَنْ أَجَازَ الْمَفْهُومَ فَبِغَيْرِ اللَّقَبِ اهـ. وَكَذَا ذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي أُصُولِهِ وَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ: وَقَوْلُهُمْ هَذَا مِنْ بَابِ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ فَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ النَّصِّ عَلَى بَعْضِ أَشْخَاصِ الْعُمُومِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} [الرحمن: 68] اهـ. وَعَلَى تَسْلِيمِ أَنَّهُمَا مِنْهُ وَقَوْلُهُمْ إنَّ مَفْهُومَ اللَّقَبِ حُجَّةٌ إذَا اقْتَرَنَ بِقَرِينَةٍ، وَهِيَ هُنَا مَوْجُودَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْلَا أَنَّ الْحُكْمَ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَذْكُورِ لَمْ يَكُنْ لِذِكْرِهِ فَائِدَةٌ قُلْنَا إنَّهُ إنَّمَا ذَكَرَهُ جَرْيًا عَلَى الْغَالِبِ وَإِشَارَةً إلَى أَنَّهُ الْأَصْلُ. (قَوْلُهُ:، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ نَقْعٌ وَبِهِ بِلَا عَجْزٍ) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى جِنْسِ الْأَرْضِ غُبَارٌ حَتَّى لَوْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى حَجَرٍ لَا غُبَارَ عَلَيْهِ يَجُوزُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6] قُلْنَا مِنْ لِلِابْتِدَاءِ فِي الْمَكَانِ إذْ لَا يَصِحُّ فِيهَا ضَابِطُ التَّبْعِيضِيَّةِ، وَهُوَ وَضْعُ بَعْضٍ مَوْضِعَهَا وَالْبَاقِي بِحَالِهِ إذْ لَوْ قِيلَ فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ بَعْضُهُ أَفَادَ أَنَّ الْمَطْلُوبَ جَعْلُ الصَّعِيدِ مَمْسُوحًا وَالْعُضْوَيْنِ آلَتُهُ، وَهُوَ مُنْتَفٍ اتِّفَاقًا وَلَا يَصِحُّ فِيهَا ضَابِطُ الْبَيَانِيَّةِ، وَهُوَ وَضْعُ الَّذِي   [منحة الخالق] مُتَعَلِّقٌ بِالتُّرَابِ أَوْ بِالرَّمْلِ وَلَمْ يُوجَدْ اهـ. كَلَامُهُ فَقَوْلُهُ؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ عِنْدَهُ بِالطِّينِ جَائِزٌ إلَخْ صَرِيحٌ فِي عَدَمِ اشْتِرَاطِ خُرُوجِ الْوَقْتِ لَهُ كَانَ فِي مَعْنَى الْمُثْلَةِ وَجَبَ تَأْخِيرُ فِعْلِهِ إلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ لِئَلَّا يُبَاشِرَ مَا هُوَ فِي مَعْنَى الْمُثْلَةِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ لَا أَنَّهُ لَوْ فَعَلَهُ لَمْ يَجُزْ، وَهَذَا مُسْتَفَادٌ مِنْ إطْلَاقِ الْمُتُونِ جَوَازَهُ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ وَبِمَا سَبَقَ ظَهَرَ لَك صِحَّةُ مَا بَحَثْته فِي التَّيَمُّمِ عَلَى الْجُوخَةِ وَأَنَّهُ عَلَى التَّفْصِيلِ بِحُصُولِ الْغُبَارِ وَعَدَمِهِ تَأَمَّلْ ثُمَّ إنِّي رَأَيْت الشَّيْخَ عُمَرَ بْنَ نُجَيْمٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي النَّهْرِ ذَكَرَ عَيْنَ مَا ذَكَرْته حَيْثُ قَالَ ثُمَّ إنِّي رَاجَعْت الْفَتَاوَى الْوَلْوَالِجيَّةِ فَإِذَا الَّذِي فِيهَا وَنَقَلَ عِبَارَتَهُ الْمُتَقَدِّمَةَ ثُمَّ قَالَ فَتَوَهَّمَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ مَعْنَاهُ لَا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ مَعْنَاهُ لَا يَنْبَغِي لَهُ فِعْلُ ذَلِكَ بِلَا ضَرُورَةٍ وَلَوْ فَعَلَ جَازَ؛ لِأَنَّهُ تَيَمَّمَ بِمَا هُوَ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ وَلَا جَائِزَ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَجْزَائِهَا فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ (قَوْلُهُ: فَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْجَوَازِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ بَلْ الظَّاهِرُ التَّفْصِيلُ إنْ اسْتَبَانَ أَثَرُهُ جَازَ، وَإِلَّا لَا لِوُجُودِ الشَّرْطِ خُصُوصًا فِي ثِيَابِ ذَوِي الْأَشْغَالِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَجُوزُ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَالَ فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ وَالْمُخْتَارِ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ الْمُسَمَّى بِالْحَقَائِقِ وَالصَّحِيحُ قَوْلُ الشَّيْخَيْنِ اهـ. وَأَقُولُ: قَوْلُ الشَّيْخَيْنِ هُوَ الَّذِي اعْتَمَدَهُ أَصْحَابُ الْمُتُونِ فَلَا يَخْفَى أَنَّ مَا فِي الْحَاوِي غَرِيبٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَوْلُهُ «وَجُعِلَ تُرْبَتَهَا لَنَا طَهُورًا» مَا سَيَأْتِي مِنْ قَوْلِهِ، وَأَمَّا رِوَايَةُ وَتُرَابُهَا طَهُورًا إلَخْ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْمَذْكُورُ هُنَا تُرَابَهَا لَا تُرْبَتَهَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَقَوْلُهُمْ إنَّ مَفْهُومَ اللَّقَبِ حُجَّةٌ) بِجَرِّ قَوْلٍ عَطْفًا عَلَى الْمَصْدَرِ الْمَسْبُوكِ الْوَاقِعِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 مَوْضِعَهَا مَعَ جُزْءٍ لِيَتِمَّ صِلَةُ الْمَوْصُولِ كَمَا فِي {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ} [الحج: 30] أَيْ الَّذِي هُوَ الْأَوْثَانُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَمِثْلُهُ تَوَضَّأْت مِنْ النَّهْرِ أَيْ ابْتِدَاءً الْأَخْذُ لِلْوُضُوءِ مِنْ النَّهْرِ وَفِي الْكَشَّافِ، فَإِنْ قُلْت قَوْلُهُمْ إنَّهَا لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ قَوْلٌ مُتَعَسِّفٌ وَلَا يَفْهَمُ أَحَدٌ مِنْ الْعَرَبِ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ مَسَحْت بِرَأْسِي مِنْ الدُّهْنِ وَمِنْ الْمَاءِ وَمِنْ التُّرَابِ إلَّا مَعْنَى التَّبْعِيضِ قُلْت هُوَ كَمَا تَقُولُ وَالْإِذْعَانُ لِلْحَقِّ أَحَقُّ مِنْ الْمِرَاءِ ذَكَرَهُ فِي تَفْسِيرِ آيَةِ النِّسَاءِ وَاخْتَارَ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ تِلْمِيذُ الْمُحَقِّقِ ابْنِ الْهُمَامِ أَنَّهَا لِتَبْيِينِ جِنْسِ مَا تَمَاسُّهُ الْآلَةُ الَّتِي بِهَا يَمْسَحُ الْعُضْوَيْنِ عَلَى أَنَّ فِي الْآيَةِ شَيْئًا مُقَدَّرًا طُوِيَ ذِكْرُهُ لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ كَمَا هُوَ دَأْبُ إيجَازِ الْحَذْفِ الَّذِي هُوَ بَابٌ مِنْ الْبَلَاغَةِ التَّقْدِيرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ امْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِمَّا مَسَّهُ شَيْءٌ مِنْ الصَّعِيدِ، وَهَذَا لَا يُوجِبُ اسْتِعْمَالَ جُزْءٍ مِنْ الصَّعِيدِ فِي الْعُضْوَيْنِ قَطْعًا اهـ. وَقَوْلُهُ: وَبِهِ بِلَا عَجْزٍ أَيْ بِالنَّقْعِ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِلَا عَجْزٍ عَنْ التُّرَابِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجُوزُ إلَّا عِنْدَ الْعَجْزِ (تَنْبِيهَاتٌ) : الْأَوَّلُ: أَنَّ الصَّعِيدَ الْمَذْكُورَ فِي الْآيَةِ ظَرْفُ مَكَان عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَنْ يَشْتَرِطُ التُّرَابَ مَفْعُولٌ بِهِ بِتَقْدِيرِ حَذْفِ الْبَاءِ أَيْ بِصَعِيدٍ ذَكَرَهُ الْقُرْطُبِيُّ. الثَّانِي: أَنَّ التَّيَمُّمَ عَلَى التَّيَمُّمِ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ كَذَا فِي الْقُنْيَةِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ وَيَنْبَغِي كَرَاهَتُهُ لِكَوْنِهِ عَبَثًا الثَّالِثُ ذَكَرَ فِي الْغَايَةِ أَنَّ هَاهُنَا لَطِيفَةٌ، وَهِيَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ دُرَّةً وَنَظَرَ إلَيْهَا فَصَارَتْ مَاءً ثُمَّ تَكَاثَفَ مِنْهُ وَصَارَ تُرَابًا وَتَلَطَّفَ مِنْهُ فَصَارَ هَوَاءً وَتَلَطَّفَ مِنْهُ فَصَارَ نَارًا فَكَانَ الْمَاءُ أَصْلًا ذَكَرَهُ الْمُفَسِّرُونَ، وَهُوَ مَنْقُولٌ عَنْ التَّوْرَاةِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ التَّيَمُّمُ بِالْمَعْدِنِ كَالْحَدِيدِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَبَعٍ لِلْمَاءِ وَحْدَهُ حَتَّى يَقُومَ مَقَامَهُ وَلَا لِلتُّرَابِ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا هُوَ مُرَكَّبٌ مِنْ الْعَنَاصِرِ الْأَرْبَعَةِ فَلَيْسَ لَهُ اخْتِصَاصٌ بِشَيْءٍ مِنْهَا حَتَّى يَقُومَ مَقَامَهُ. (قَوْلُهُ: نَاوِيًا) أَيْ يَتَيَمَّمُ نَاوِيًا وَهِيَ مِنْ شُرُوطِهِ وَالنِّيَّةُ وَالْقَصْدُ الْإِرَادَةُ الْحَادِثَةُ؛ وَلِهَذَا لَا يُقَالُ لِلَّهِ تَعَالَى نَاوٍ وَلَا قَاصِدٌ كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى وَشَرْطُهَا أَنْ يَكُونَ الْمَنْوِيُّ عِبَادَةً مَقْصُودَةً لَا تَصِحُّ إلَّا بِالطَّهَارَةِ أَوْ الطَّهَارَةُ أَوْ اسْتِبَاحَةُ الصَّلَاةِ أَوْ رَفْعُ الْحَدَثِ أَوْ الْجَنَابَةِ وَمَا وَقَعَ فِي التَّجْنِيسِ مِنْ أَنَّ النِّيَّةَ الْمَشْرُوطَةَ فِي التَّيَمُّمِ هِيَ نِيَّةُ التَّطْهِيرِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ فَلَا يُنَافِيهِ لِتَضَمُّنِهَا نِيَّةَ التَّطْهِيرِ، وَإِنَّمَا اكْتَفَى بِنِيَّةِ التَّطْهِيرِ؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ شُرِعَتْ لِلصَّلَاةِ وَشُرِطَتْ لِإِبَاحَتِهِمَا فَكَانَتْ نِيَّتُهَا نِيَّةَ إبَاحَةِ الصَّلَاةِ حَتَّى لَوْ تَيَمَّمَ لِتَعْلِيمِ الْغَيْرِ لَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ فِي الْأَصَحِّ كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ فَلَوْ تَيَمَّمَ لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ أَوْ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ جَازَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ سَائِرَ الصَّلَوَاتِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا قُرْبَةٌ مَقْصُودَةٌ وَالْمُرَادُ بِالْقُرْبَةِ الْمَقْصُودَةِ أَنْ لَا تَجِبَ فِي ضِمْنِ شَيْءٍ آخَرَ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ وَلَا يُنَافِي هَذَا مَا ذُكِرَ فِي الْأُصُولِ مِنْ أَنَّ سَجْدَةَ التِّلَاوَةِ لَيْسَتْ بِقُرْبَةٍ مَقْصُودَةٍ حَتَّى لَوْ تَلَاهَا فِي وَقْتٍ مَكْرُوهٍ جَازَ أَنْ يُؤَدِّيَهَا فِي وَقْتٍ مَكْرُوهٍ آخَرَ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ إذَا وَجَبَتْ فِي وَقْتٍ نَاقِصٍ لَا تُؤَدَّى فِي نَاقِصٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ النَّفْيَ وَالْإِثْبَاتَ لَيْسَ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ بَلْ مِنْ جِهَتَيْنِ وَالْمُرَادُ مِمَّا ذُكِرَ هُنَا أَنَّهَا شُرِعَتْ ابْتِدَاءً تَقَرُّبًا إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ غَيْرِ أَنْ تَكُونَ تَبَعًا لِغَيْرِهَا بِخِلَافِ دُخُولِ الْمَسْجِدِ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ وَالْمُرَادُ بِمَا فِي الْأُصُولِ أَنَّ هَيْئَةَ السُّجُودِ لَيْسَتْ بِمَقْصُودَةٍ لِذَاتِهَا عِنْدَ التِّلَاوَةِ بَلْ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى التَّوَاضُعِ الْمُحَقِّقِ لِمُوَافَقَةِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ وَمُخَالَفَةِ أَهْلِ الطُّغْيَانِ فَلِهَذَا قُلْنَا لَا يَخْتَصُّ إقَامَةُ الْوَاجِبِ بِهَذِهِ الْهَيْئَةِ بَلْ يَنُوبُ الرُّكُوعُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْفَوْرِ مَنَابَهَا كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ تَبَعًا لِلْخَبَّازِيَّةِ وَصَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَوْ تَيَمَّمَ لِدُخُولِ الْمَسْجِدِ أَوْ الْقِرَاءَةِ وَلَوْ مِنْ الْمُصْحَفِ أَوْ مَسِّهِ أَوْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ أَوْ   [منحة الخالق] مُضَافٍ إلَى تَسْلِيمٍ أَيْ وَتَسْلِيمُ قَوْلِهِمْ أَنَّ مَفْهُومَ اللَّقَبِ حُجَّةٌ. (قَوْلُهُ: وَمِثْلُهُ تَوَضَّأْت مِنْ النَّهْرِ) أَيْ مِثْلُ قَوْله تَعَالَى {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ} [النساء: 43] الْآيَةُ فِي كَوْنِ مِنْ لِلِابْتِدَاءِ فِي الْمَكَانِ (قَوْلُهُ: الْأَوَّلُ أَنَّ الصَّعِيدَ الْمَذْكُورَ فِي الْآيَةِ ظَرْفُ مَكَان إلَخْ) أَقُولُ: تَقَدَّمَ أَنَّ الصَّعِيدَ اسْمٌ لِوَجْهِ الْأَرْضِ تُرَابًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ وَحِينَئِذٍ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُرَادَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43] الْمَعْنَى اللُّغَوِيَّ أَوْ الشَّرْعِيَّ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ يَكُونُ الْمَعْنَى اقْصِدُوا وَجْهَ الْأَرْضِ فَهُوَ مَفْعُولٌ بِهِ لَا ظَرْفٌ نَظِيرُ قَوْلِك قَصَدْت دَارَ زَيْدٍ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَهُوَ مَفْعُولٌ بِهِ عَلَى تَقْدِيرِ الْبَاءِ كَمَا نَسَبَهُ إلَى الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ظَرْفَ مَكَان؛ لِأَنَّهُ مُخْتَصٌّ بَلْ هُوَ اسْمُ مَكَان نَعَمْ يَجُوزُ فِي اسْمِ الْمَكَانِ النَّصْبُ وَلَكِنْ يَكُونُ نَصْبُهُ نَصْبُ الْمَفْعُولِ بِهِ عَلَى التَّوَسُّعِ فِي الْكَلَامِ لَا نَصْبُ الظَّرْفِ؛ لِأَنَّ الظَّرْفَ غَيْرَ الْمُشْتَقِّ مِنْ اسْمِ الْحَدَثِ يَتَعَدَّى إلَيْهِ كُلُّ فِعْلٍ وَالْبَيْتُ وَالدَّارُ مَثَلًا فِي قَوْلِك دَخَلْت الْبَيْتَ أَوْ الدَّارَ لَيْسَا كَذَلِكَ فَلَا يُقَالُ نِمْت الْبَيْتَ وَلَا قَرَأْت الدَّارَ مَثَلًا كَمَا يُقَالُ نِمْت أَمَامَك وَقَرَأْت عِنْدَك فَهُوَ حِينَئِذٍ مَنْصُوبٌ عَلَى التَّوَسُّعِ بِإِجْرَاءِ اللَّازِمِ مَجْرَى الْمُتَعَدِّي لَا عَلَى الظَّرْفِيَّةِ وَمِثْلُهُ وَجْهُ الْأَرْضِ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ: إنَّ التَّيَمُّمَ عَلَى التَّيَمُّمِ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَقُولُ: وَكَذَا الْغُسْلُ عَلَى الْغُسْلِ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ أَيْضًا. (قَوْلُهُ: أَوْ الطَّهَارَةَ أَوْ اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ أَوْ رَفْعَ الْحَدَثِ) مَنْصُوبَاتٌ بِالْعَطْفِ عَلَى خَبَرِ يَكُونُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 دَفْنِ الْمَيِّتِ أَوْ الْأَذَانِ أَوْ الْإِقَامَةِ أَوْ السَّلَامِ أَوْ رَدِّهِ أَوْ الْإِسْلَامِ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ؛ لِأَنَّ بَعْضَهَا لَيْسَتْ بِعِبَادَةٍ مَقْصُودَةٍ وَالْإِسْلَامُ وَإِنْ كَانَ عِبَادَةً مَقْصُودَةً لَكِنْ يَصِحُّ بِدُونِ الطَّهَارَةِ هَكَذَا أَطْلَقُوا فِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ الْمَنْعَ وَفِي الْمُحِيطِ أُطْلِقَ الْجَوَازُ وَسَوَّى بَيْنَ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ إذَا تَيَمَّمَ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالْحَقُّ التَّفْصِيلُ فِيهَا، فَإِنْ تَيَمَّمَ لَهَا، وَهُوَ جُنُبٌ جَازَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ سَائِرَ الصَّلَوَاتِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ وَلَمْ يُفَصِّلَا فِي دُخُولِ الْمَسْجِدِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ جُنُبًا أَوْ مُحْدِثًا مَعَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا تَبَعٌ لِغَيْرِهِ، وَهُوَ الصَّلَاةُ فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ الشَّرْطُ كَوْنُ الْمَنْوِيِّ عِبَادَةً مَقْصُودَةً أَوْ جُزْأَهَا، وَهُوَ لَا يَحِلُّ إلَّا بِالطَّهَارَةِ فَالْقِرَاءَةُ جُزْءٌ مِنْ الْعِبَادَةِ الْمَقْصُودَةِ إلَّا أَنَّهُ إنْ كَانَ جُنُبًا وُجِدَ الشَّرْطُ الْأَخِيرُ، وَهُوَ عَدَمُ حِلِّ الْفِعْلِ إلَّا بِالطَّهَارَةِ فَكَمُلَ الشَّرْطُ فَجَازَتْ الصَّلَاةُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ مُحْدِثًا عَدِمَ الشَّرْطَ الْأَخِيرَ وَلَمْ تَجُزْ الصَّلَاةُ بِهِ وَخَرَجَ التَّيَمُّمُ لِدُخُولِ الْمَسْجِدِ مُطْلَقًا أَمَّا إنْ كَانَ لِلْحَدَثِ فَظَاهِرٌ لِفَوَاتِ الشَّرْطَيْنِ، وَأَمَّا لِلْجَنَابَةِ فَهُوَ، وَإِنْ وُجِدَ الشَّرْطُ الْأَخِيرُ، وَهُوَ عَدَمُ الْحِلِّ إلَّا أَنَّهُ عَدَمُ الشَّرْطِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ كَوْنُهُ عِبَادَةً مَقْصُودَةً أَوْ جُزْأَهَا وَخَرَجَ التَّيَمُّمُ لِمَسِّ الْمُصْحَفِ مُطْلَقًا، فَإِنَّهُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَحِلُّ إلَّا بِهَا إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ بِعِبَادَةٍ مَقْصُودَةٍ وَلَا يُقَالُ إنَّ دُخُولَ الْمَسْجِدِ عِبَادَةٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلصَّلَاةِ بَلْ لِلِاعْتِكَافِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْعِبَادَةُ هِيَ الِاعْتِكَافُ وَدُخُولُ الْمَسْجِدِ تَبَعٌ لَهُ فَكَانَتْ عِبَادَةً غَيْرَ مَقْصُودَةٍ وَلَوْ تَيَمَّمَ لِسَجْدَةِ الشُّكْرِ لَا يُصَلِّي بِهِ الْمَكْتُوبَةَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُصَلِّيهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا قُرْبَةٌ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا لَيْسَتْ بِقُرْبَةٍ كَذَا فِي التَّوْشِيحِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، فَإِنْ قُلْت ذَكَرْت أَنَّ نِيَّةَ التَّيَمُّمِ لِرَدِّ السَّلَامِ لَا تُصَحِّحُهُ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ مَعَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - تَيَمَّمَ لِرَدِّ السَّلَامِ» عَلَى مَا أَسْلَفْته فِي الْأَوَّلِ، فَالْجَوَابُ إنَّ قَصْدَ رَدِّ السَّلَامِ بِالتَّيَمُّمِ لَا يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ نَوَى عِنْدَ فِعْلِ التَّيَمُّمِ التَّيَمُّمَ لَهُ بَلْ يَجُوزُ كَوْنُهُ نَوَى مَا يَصِحُّ مَعَهُ التَّيَمُّمُ ثُمَّ يَرُدُّ السَّلَامَ إذَا صَارَ طَاهِرًا اهـ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَمْنَعَ عَدَمَ صِحَّةِ التَّيَمُّمِ لِلسَّلَامِ كَمَا زَعَمَهُ؛ لِأَنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّ التَّيَمُّمَ لِلسَّلَامِ صَحِيحٌ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي جَوَازِ الصَّلَاةِ بِهِ؛ وَلِهَذَا قَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ وَلَوْ تَيَمَّمَ لِلسَّلَامِ أَوْ لِرَدِّهِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَدَاءُ الصَّلَاةِ بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ وَلَمْ يَقُلْ لَا يَجُوزُ تَيَمُّمُهُ فَعُلِمَ أَنَّ جَوَازَ الصَّلَاةِ بِهِ حُكْمٌ آخَرُ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِمَا فَعَلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فَإِنَّهُ تَيَمَّمَ لِلسَّلَامِ عِنْدَ فَقْدِ الْمَاءِ وَلَا شَكَّ فِي صِحَّتِهِ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: وَهَذَا الْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ عَادِمًا لِلْمَاءِ حَالَ التَّيَمُّمِ، فَإِنَّ التَّيَمُّمَ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ لَا يَجُوزُ لِلْقَادِرِ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ اهـ. وَعَلَى أُصُولِنَا لَا حَاجَةَ إلَى هَذَا الْحَمْلِ، فَإِنَّ عِنْدَنَا مَا يَفُوتُ لَا إلَى خَلْفٍ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ لَهُ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَلَا شَكَّ أَنَّ رَدَّ السَّلَامِ مِنْهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا يَذْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى إلَّا عَلَى طَهَارَةٍ بَلْ عِنْدَنَا مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ أَنَّ مَا لَيْسَتْ الطَّهَارَةُ شَرْطًا فِي فِعْلِهِ وَحِلِّهِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ لَهُ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ كَدُخُولِ الْمَسْجِدِ لِلْمُحْدِثِ؛ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْمُبْتَغَى بَالِغِينَ الْمُعْجَمَةِ وَيَجُوزُ التَّيَمُّمُ لِدُخُولِ مَسْجِدٍ عِنْدَ وُجُودِ الْمَاءِ وَكَذَا لِلنَّوْمِ فِيهِ اهـ. وَتَجْوِيزُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَوَى مَعَهُ مَا يَصِحُّ مَعَهُ التَّيَمُّمُ خِلَافُ الظَّاهِرِ كَمَا لَا يَخْفَى ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُمْ بِجَوَازِ الصَّلَاةِ بِالتَّيَمُّمِ لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ وَاجِدًا لِلْمَاءِ كَمَا قَيَّدَهُ فِي الْخُلَاصَةِ بِالْمُسَافِرِ أَمَّا إذْ يَتَيَمَّمُ لَهَا مَعَ وُجُودِهِ لِخَوْفِ الْفَوْتِ، فَإِنَّ تَيَمُّمَهُ يَبْطُلُ بِفَرَاغِهِ مِنْهَا وَمِمَّا تَقَدَّمَ عُلِمَ أَنَّ نِيَّةَ التَّيَمُّمِ لَا تَكْفِي   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: أَوْ الْإِسْلَامُ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَا يَنْبَغِي عَدُّ الْإِسْلَامِ هُنَا كَمَا وَقَعَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّهُ يَصِحُّ مَعَهُ لَكِنْ لَا يُصَلِّي بِهِ كَغَيْرِهِ وَلَيْسَ مُرَادُ الْعَدَمِ أَهْلِيَّتَهُ لِلنِّيَّةِ اهـ. أَقُولُ: سَيَأْتِي أَنَّهُ يَصِحُّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَإِنْ لَمْ تَصِحَّ الصَّلَاةُ بِهِ فَعَدُّهُ هُنَا مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِهِ (قَوْلُهُ: أَوْ خَرْأَهَا) قَالَ فِي النَّهْرِ زَادَهُ فِي الضَّابِطِ لِإِدْخَالِ الْقِرَاءَةِ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ إذْ وُقُوعُ الْقِرَاءَةِ جُزْءَ عِبَادَةٍ مِنْ وَجْهٍ لَا يُنَافِي وُقُوعَهَا عِبَارَةً مَقْصُودَةً مِنْ وَجْهٍ آخَرَ أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ أَدْخَلُوا سُجُودَ التِّلَاوَةِ فِي قَوْلِهِمْ عِبَادَةً مَقْصُودَةً مَعَ أَنَّ السُّجُودَ جُزْءٌ مِنْ الْعِبَادَةِ الَّتِي هِيَ الصَّلَاةُ. (قَوْلُهُ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَمْنَعَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ هَذَا سَاقِطٌ جِدًّا وَأَنَّى يُتَخَيَّلُ مَا ذُكِرَ مَعَ قَوْلِهِ ذَكَرْت إلَخْ وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ أَنَّهُ لَوْ تَيَمَّمَ لِلسَّلَامِ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ بِهِ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ وَحِينَئِذٍ فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ لَا تُصَحِّحُهُ أَيْ الصَّلَاةُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي فِيهِ الْخِلَافُ اهـ أَقُولُ: وَلَا يَخْفَى بَعْدَ هَذَا عَلَى أَنَّهُ لَا يُنَاسِبُهُ الْجَوَابُ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ السُّؤَالِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: بَلْ عِنْدَنَا مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ أَيْ أَعَمُّ مِنْ وَجْهٍ كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ لِاجْتِمَاعِ الْقَاعِدَتَيْنِ فِي رَدِّ السَّلَامِ مَثَلًا، فَإِنَّهُ يَحِلُّ بِدُونِ طَهَارَةٍ وَيَفُوتُ لَا إلَى خَلَفٍ وَانْفِرَادُ الْأُولَى فِي مِثْلِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ، فَإِنَّهَا تَفُوتُ لَا إلَى خَلَفٍ وَلَا تَحِلُّ بِدُونِ طَهَارَةٍ وَانْفِرَادُ الثَّانِيَةِ فِي مِثْلِ دُخُولِ الْمَسْجِدِ لِلْمُحْدِثِ، فَإِنَّهُ يَحِلُّ بِدُونِ طَهَارَةٍ مِنْ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ وَلَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنْ يَفُوتَ لَا إلَى خَلَفٍ (قَوْلُهُ: وَلِهَذَا قَالَ فِي الْمُبْتَغَى إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ مَا فِي الْمُبْتَغَى إنْ كَانَ مَعْنَاهُ لِلْجُنُبِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ امْتَنَعَ هَذَا التَّعْلِيلُ اهـ. أَقُولُ: وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ قَوْلَ الْمُبْتَغَى مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ يُعَيِّنُ حَمْلَهُ عَلَى الْمُحْدِثِ ثُمَّ رَأَيْت بَعْضَ الْفُضَلَاءِ اعْتَرَضَ عَلَى النَّهْرِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 لِصِحَّتِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ خِلَافًا لِمَا فِي النَّوَادِرِ وَلَا اعْتِمَادَ عَلَيْهِ بَلْ الْمُعْتَمَدُ اشْتِرَاطُ نِيَّةٍ مَخْصُوصَةٍ هِيَ مَا قَدَّمْنَاهُ لَكِنْ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43] إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى قَصْدِ الصَّعِيدِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَيْهِ الْمَسْحُ فَلَا يَكُونُ مُوجِبًا غَيْرَ النِّيَّةِ الْمُعْتَبَرَةِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْمُرَادَ قَصْدُ الصَّعِيدِ لِأَجْلِ الصَّلَاةِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ {فَلَمْ تَجِدُوا} [النساء: 43] فَفِيهِ الْإِنْبَاءُ عَنْ الْمَشْرُوطِ كَمَا لَا يَخْفَى وَلَا تُشْتَرَطُ نِيَّةُ التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْحَدَثِ وَالْجَنَابَةِ حَتَّى لَوْ تَيَمَّمَ الْجُنُبُ يُرِيدُ بِهِ الْوُضُوءَ أَجْزَأَهُ هَكَذَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ نَصًّا كَمَا نَقَلَهُ فِي التَّجْنِيسِ وَذَكَرَ الْجَصَّاصُ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى نِيَّةِ التَّطْهِيرِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ التَّمْيِيزِ؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ لَهُمْ يَقَعُ عَلَى صِفَةٍ وَاحِدَةٍ فَيُمَيِّزُ بِالنِّيَّةِ كَصَلَوَاتِ الْفَرَائِضِ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى النِّيَّةِ لِيَقَعَ التَّيَمُّمُ طَهَارَةً فَإِذَا وَقَعَ طَهَارَةً جَازَ لَهُ أَنْ يُؤَدِّيَ مَا شَاءَ؛ لِأَنَّ الشُّرُوطَ يُرَاعَى وُجُودُهَا لَا غَيْرُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ تَيَمَّمَ لِلْعَصْرِ يَجُوزُ أَدَاءُ الظُّهْرِ بِهِ بِخِلَافِ الصَّلَوَاتِ كَذَا فِي الْخَبَّازِيَّةِ وَغَيْرِهَا وَلَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ لَوْ تَيَمَّمَ الْجُنُبُ يُرِيدَ بِهِ الْوُضُوءَ مَعْنَاهُ يُرِيدُ بِهِ طَهَارَةَ الْوُضُوءِ لِمَا عَلِمْت مِنْ اشْتِرَاطِ نِيَّةِ التَّطْهِيرِ وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ مَا فِي الْقُنْيَةِ مِنْ قَوْلِهِ بَقِيَ عَلَى جَسَدِ الْجُنُبِ لُمْعَةٌ ثُمَّ أَحْدَثَ وَتَيَمَّمَ لَهُمَا جَازَ وَيَنْوِي لَهُمَا؛ لِأَنَّهُ إذَا نَوَى لِأَحَدِهِمَا يَبْقَى الْآخَرُ بِلَا نِيَّةٍ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ الْجَصَّاصِ كَمَا لَا يَخْفَى. (قَوْلُهُ: فَلَغَا تَيَمُّمُ كَافِرٍ لَا وُضُوءُهُ) يَعْنِي فَلِأَجْلِ اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ الْمَخْصُوصَةِ فِي التَّيَمُّمِ بَطَلَ تَيَمُّمُ كَافِرٍ وَلِعَدَمِ اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِي الْوُضُوءِ لَا يَبْطُلُ وُضُوءُهُ أَمَّا الْأَوَّلُ؛ فَلِأَنَّ الْإِسْلَامَ شَرْطُ وُقُوعِ التَّيَمُّمِ صَحِيحًا عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا تَيَمَّمَ يَنْوِي الْإِسْلَامَ جَازَ حَتَّى لَوْ أَسْلَمَ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ عِنْدَ الْعَامَّةِ، وَعَلَى رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ فَالْحَاصِلُ أَنَّ تَيَمُّمَ الْكَافِرِ غَيْرُ صَحِيحٍ مُطْلَقًا لِلصَّلَاةِ وَالْإِسْلَامِ، عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ صَحِيحٌ لِلْإِسْلَامِ لَا لِلصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ نَوَى قُرْبَةً مَقْصُودَةً تَصِحُّ مِنْهُ فِي الْحَالِ وَلَنَا أَنَّ الْكَافِرَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلنِّيَّةِ فَمَا يَفْتَقِرُ إلَيْهَا لَا يَصِحُّ مِنْهُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ تُصَيِّرُ الْفِعْلَ مُنْتَهِضًا مُسَبِّبًا لِلثَّوَابِ وَلَا فِعْلَ يَقَعُ مِنْ الْكَافِرِ كَذَلِكَ حَالُ الْكُفْرِ؛ وَلِذَا صَحَّحْنَا وُضُوءَهُ لِعَدَمِ افْتِقَارِهِ إلَى النِّيَّةِ، وَلَمْ يُصَحِّحْهُ الشَّافِعِيُّ لِمَا افْتَقَرَ إلَيْهَا عِنْدَهُ، وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ. [نَوَاقِض التَّيَمُّم] (قَوْلُهُ: وَلَا تَنْقُضُهُ رِدَّةٌ) أَيْ لَا يَنْقُضُ التَّيَمُّمَ رِدَّةٌ لِمَا بَيَّنَ أَنَّ الْإِسْلَامَ عِنْدَنَا شَرْطُ وُقُوعِ التَّيَمُّمِ صَحِيحًا بَيَّنَ أَنَّ الْإِسْلَامَ لَيْسَ شَرْطَ بَقَائِهِ عَلَى الصِّحَّةِ حَتَّى لَوْ تَيَمَّمَ الْمُسْلِمُ ثُمَّ ارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَامِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ ثُمَّ أَسْلَمَ جَازَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ وَقَعَ طَهَارَةً صَحِيحَةً فَلَا يَبْطُلُ بِالرِّدَّةِ؛ لِأَنَّ أَثَرَهَا فِي إبْطَالِ الْعِبَادَاتِ وَالتَّيَمُّمُ لَيْسَ بِعِبَادَةٍ عِنْدَنَا لَكِنَّهُ طَهُورٌ، وَهِيَ لَا تُبْطِلُ صِفَةَ الطَّهُورِيَّةِ كَمَا لَا تُبْطِلُ الْوُضُوءَ وَاحْتِمَالُ الْحَاجَةِ بَاقٍ؛ لِأَنَّهُ مَجْبُورٌ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالثَّابِتُ بِيَقِينٍ يَبْقَى لِوَهْمِ الْفَائِدَةِ فِي أُصُولِ الشَّرْعِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَنْعَقِدْ طَهَارَةً مَعَ الْكُفْرِ؛ لِأَنَّ جَعْلَهُ طَهَارَةً لِلْحَاجَةِ وَالْحَاجَةُ زَائِلَةٌ لِلْحَالِ بِيَقِينٍ وَغَيْرُ الثَّابِتِ بِيَقِينٍ لَا يَثْبُتُ لِوَهْمِ الْفَائِدَةِ لِمَا أَنَّ رَجَاءَ الْإِسْلَامِ مِنْهُ عَلَى مُوجِبِ دِيَانَتِهِ وَاعْتِقَادِهِ مُنْقَطِعٌ وَالْجَبْرُ عَلَى الْإِسْلَامِ مُنْعَدِمٌ فَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الِابْتِدَاءِ وَالْبَقَاءِ كَذَا قَرَّرَهُ فِي الْبَدَائِعِ وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ التَّيَمُّمَ نَفْسُهُ لَا يُنَافِيهِ الْكُفْرُ، وَإِنَّمَا يُنَافِي شَرْطَهُ، وَهُوَ النِّيَّةُ الْمَشْرُوطَةُ فِي الِابْتِدَاءِ، وَقَدْ تَحَقَّقَتْ وَتَحَقَّقَ التَّيَمُّمُ كَذَلِكَ فَالصِّفَةُ الْبَاقِيَةُ بَعْدَهُ لَوْ اُعْتُبِرَتْ كَنَفْسِهِ لَا يَرْفَعُهَا الْكُفْرُ؛ لِأَنَّ الْبَاقِيَ حِينَئِذٍ حُكْمًا لَيْسَ هُوَ النِّيَّةَ بَلْ الطَّهَارَةَ تَنْبِيهٌ مُقْتَضَى مَا ذَكَرُوهُ أَنَّ الْكَافِرَ إذَا تَوَضَّأَ أَوْ تَيَمَّمَ لَا يَكُونُ مُسْلِمًا بِهِ، وَكَذَا قَوْلُهُمْ فِي الْإِحْرَامِ أَنَّ الْكَافِرَ إذَا أَحْرَمَ لِلْحَجِّ ثُمَّ أَسْلَمَ فَجَدَّدَ الْإِحْرَامَ   [منحة الخالق] فَقَالَ إنَّ قَوْلَ الْمُبْتَغَى مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ أَنَّ الْمَاءَ خَارِجُ الْمَسْجِدِ أَوْ دَاخِلُهُ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَهُوَ صَحِيحٌ وَلَكِنَّهُ بَعِيدٌ مِنْ عِبَارَتِهِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَكَذَا لِلنَّوْمِ فِيهِ. اهـ. وَهُوَ يُؤَيِّدُ مَا قُلْنَا وَقَدْ يُقَالُ إنَّ قَوْلَهُ وَكَذَا لِلنَّوْمِ فِيهِ مَعْنَاهُ إذَا احْتَلَمَ فِي الْمَسْجِدِ وَلَمْ يُمْكِنْهُ الْخُرُوجُ يَتَيَمَّمُ لِلنَّوْمِ فِيهِ فَتَكُونُ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فِيمَا إذَا كَانَ الْمَاءُ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ وَالثَّانِيَةُ فِيمَا إذَا كَانَ خَارِجَهُ وَقَدْ مَرَّتْ الْمَسْأَلَتَانِ عَنْ الْمُحِيطِ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَوْ جُنُبًا أَوْ حَائِضًا إلَخْ وَحِينَئِذٍ فَمَا ادَّعَاهُ الْمُؤَلِّفُ مِنْ جَوَازِ التَّيَمُّمِ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ فِي كُلِّ مَا لَا تُشْتَرَطُ لَهُ الطَّهَارَةُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِمَّا يَفُوتُ إلَى خَلَفٍ دَعْوَى بِلَا دَلِيلٍ؛ لِأَنَّ عِبَارَةَ الْمُبْتَغَى مُحْتَمِلَةٌ كَمَا عَلِمْت وَكَيْفَ وَأَصْلُ مَشْرُوعِيَّةِ التَّيَمُّمِ إنَّمَا هِيَ عِنْدَ فَقْدِ الْمَاءِ بِالنَّصِّ وَمَا يَخَافُ فَوْتَهُ لَا إلَى بَدَلٍ فِيهِ مَعْنَى فَقْدِ الْمَاءِ حُكْمًا أَمَّا مَا سِوَاهُ فَلَا فَقْدَ فِيهِ أَصْلًا فَلَا يَجُوزُ فِعْلُهُ قَالَ فِي الْمُنْيَةِ وَلَوْ تَيَمَّمَ لِمَسِّ الْمُصْحَفِ أَوْ لِدُخُولِ الْمَسْجِدِ عِنْدَ وُجُودِ الْمَاءِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ فَذَلِكَ التَّيَمُّمُ لَيْسَ بِشَيْءٍ قَالَ الْبُرْهَانُ إبْرَاهِيمُ الْحَلَبِيُّ فِي شَرْحِهَا: لِأَنَّ التَّيَمُّمَ إنَّمَا يَجُوزُ وَيُعْتَبَرُ فِي الشَّرْعِ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا وَلَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فَلَا يَجُوزُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَتَحْقِيقُهُ) أَيْ تَحْقِيقُ مَا قَرَّرَهُ فِي الْبَدَائِعِ، وَهَذَا التَّقْرِيرُ أَحْسَنُ مِمَّا أَجَابَ بِهِ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّ الرِّدَّةَ تُحْبِطُ ثَوَابَ الْعَمَلِ، وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ زَوَالَ الْحَدَثِ كَمَنْ تَوَضَّأَ رِيَاءً، فَإِنَّ الْحَدَثَ يَزُولُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ لَا يُثَابُ عَلَى وُضُوئِهِ. اهـ. لِأَنَّهُ اعْتَرَضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ مَنْ صَلَّى ثُمَّ ارْتَدَّ ثُمَّ أَسْلَمَ فِي الْوَقْتِ يُعِيدُهَا وَلَوْ حَبَطَ الثَّوَابُ لَا الْعَمَلُ لَمَا أَعَادَ الصَّلَاةَ إذْ لَا فَرْقَ حِينَئِذٍ بَيْنَ صَلَاتِهِ وَوُضُوئِهِ قَالَ بَعْضُهُمْ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ الرِّدَّةَ تُحْبِطُ مَا هُوَ عِبَادَةٌ لَا غَيْرُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 يَجُوزُ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَكُونَ مُسْلِمًا بِالْإِحْرَامِ لَكِنَّ مَحَلَّهُ مَا إذَا لَبَّى وَلَمْ يَشْهَدْ الْمَنَاسِكَ أَمَّا إذَا لَبَّى وَشَهِدَ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا مَعَ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّهُ يَكُونُ مُسْلِمًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحِيطِ وَالْأَصْلُ أَنَّ الْكَافِرَ مَتَى فَعَلَ عِبَادَةً، فَإِنْ كَانَتْ مَوْجُودَةً فِي سَائِرِ الْأَدْيَانِ، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ بِهِ مُسْلِمًا كَالصَّلَاةِ مُنْفَرِدًا وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ الَّذِي لَيْسَ بِكَامِلٍ وَالصَّدَقَةِ وَمَتَى فَعَلَ مَا هُوَ مُخْتَصٌّ بِشَرِيعَتِنَا، فَإِنْ كَانَ مِنْ الْوَسَائِلِ كَالتَّيَمُّمِ لَا يَكُونُ بِهِ مُسْلِمًا، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْمَقَاصِدِ أَوْ مِنْ الشَّعَائِرِ كَالصَّلَاةِ بِجَمَاعَةٍ وَالْحَجِّ عَلَى الْهَيْئَةِ الْكَامِلَةِ وَالْأَذَانِ فِي الْمَسْجِدِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ بِهِ مُسْلِمًا إلَيْهِ أَشَارَ فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ مِنْ كِتَابِ السِّيَرِ. (قَوْلُهُ: بَلْ نَاقِضُ الْوُضُوءِ) أَيْ بَلْ يَنْقُضُهُ نَاقِضُ الْوُضُوءِ الْحَقِيقِيُّ وَالْحُكْمِيُّ الْمُتَقَدِّمَانِ فِي الْوُضُوءِ؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ خَلَفٌ عَنْ الْوُضُوءِ وَلَا شَكَّ أَنَّ حَالَ الْخَلَفِ دُونَ حَالِ الْأَصْلِ فَمَا كَانَ مُبْطِلًا لِلْأَعْلَى فَأَوْلَى أَنْ يَكُونَ مُبْطِلًا لِلْأَدْنَى وَمَا وَقَعَ فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ مِنْ أَنَّ الْأَحْسَنَ أَنْ يُقَالَ وَيَنْقُضُهُ نَاقِضُ الْأَصْلِ وُضُوءًا كَانَ أَوْ غُسْلًا فَغَيْرُ مُسَلَّمٍ؛ لِأَنَّ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ نَقَضَ الْغُسْلَ نَقَضَ الْوُضُوءَ فَالْعِبَارَتَانِ عَلَى السَّوَاءِ كَمَا لَا يَخْفَى. وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا تَيَمَّمَ عَنْ جَنَابَةٍ وَأَحْدَثَ حَدَثًا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ، فَإِنَّ تَيَمُّمَهُ يَنْتَقِضُ بِاعْتِبَارِ الْحَدَثِ فَتَثْبُتُ أَحْكَامُ الْحَدَثِ لَا أَحْكَامُ الْجَنَابَةِ، فَإِنَّهُ مُحْدِثٌ وَلَيْسَ بِجُنُبٍ. (قَوْلُهُ: وَقُدْرَةُ مَاءٍ فَضَلَ عَنْ حَاجَتِهِ) أَيْ وَيَنْقُضُهُ أَيْضًا الْقُدْرَةُ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ الْكَافِي الْفَاضِلِ عَنْ حَاجَتِهِ قَيَّدْنَا بِالْكَافِي؛ لِأَنَّ غَيْرَهُ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ فَلَوْ وَجَدَ الْمُتَيَمِّمُ مَاءً فَتَوَضَّأَ بِهِ فَنَقَصَ عَنْ إحْدَى رِجْلَيْهِ إنْ كَانَ غَسَلَ كُلَّ عُضْوٍ ثَلَاثًا أَوْ مَرَّتَيْنِ انْتَقَضَ تَيَمُّمُهُ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ أَوْ مَرَّةً لَا يَنْتَقِضُ؛ لِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ وَجَدَ مَاءً يَكْفِيهِ إذْ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى الْمَرَّةِ كَفَاهُ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَقَيَّدْنَا بِالْفَاضِلِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ فَاضِلًا عَنْهَا فَهُوَ مَشْغُولٌ بِهَا، وَهُوَ كَالْمَعْدُومِ كَمَا بَيَّنَّاهُ وَفِي قَوْلِهِ وَقُدْرَةُ مَاءٍ إشَارَتَانِ الْأُولَى إفَادَةُ أَنَّ الْوُجُودَ الْمَذْكُورَ فِي قَوْله تَعَالَى {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} [النساء: 43] بِمَعْنَى الْقُدْرَةِ بِخِلَافِ الْوُجُودِ الْمَذْكُورِ فِي الْكَفَّارَاتِ، فَإِنَّهُ بِمَعْنَى الْمِلْكِ حَتَّى لَوْ أُبِيحَ لَهُ الْمَاءُ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ لِلْقُدْرَةِ وَلَوْ عُرِضَ عَلَى الْمُعْسِرِ الْحَانِثِ الرَّقَبَةُ يَجُوزُ لَهُ التَّكْفِيرُ بِغَيْرِ الْإِعْتَاقِ الثَّانِيَةِ أَنَّ التَّعْبِيرَ بِالْقُدْرَةِ أَوْلَى مِنْ التَّعْبِيرِ بِرُؤْيَةِ الْمَاءِ الْمَشْرُوطَةِ بِالْقُدْرَةِ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ كَمَا وَقَعَ فِي الْهِدَايَةِ؛ لِأَنَّ الْقُدْرَةَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ تَكُونَ بِرُؤْيَةِ الْمَاءِ أَوْ بِغَيْرِهِ، فَإِنَّ الْمَرِيضَ إذَا تَيَمَّمَ لِلْمَرَضِ ثُمَّ زَالَ مَرَضُهُ انْتَقَضَ تَيَمُّمُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ وَمَنْ تَيَمَّمَ لِلْبَرْدِ ثُمَّ زَالَ الْبَرْدُ انْتَقَضَ تَيَمُّمُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُبْتَغَى فَإِذَا تَيَمَّمَ لِلْمَرَضِ أَوْ لِلْبَرْدِ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ ثُمَّ فَقَدَ الْمَاءَ ثُمَّ زَالَ الْمَرَضُ أَوْ الْبَرْدُ يَنْتَقِضُ تَيَمُّمُهُ لِقُدْرَتِهِ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَاءُ مَوْجُودًا فَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ مَا مَنَعَ وُجُودُهُ التَّيَمُّمَ نَقَضَ وُجُودُهُ التَّيَمُّمَ وَمَا لَا فَلَا فَلَوْ قَالُوا وَيَنْقُضُهُ زَوَالُ مَا أَبَاحَ التَّيَمُّمُ لَكَانَ أَظْهَرَ فِي الْمُرَادِ وَإِسْنَادُ النَّقْضِ إلَى زَوَالِ مَا أَبَاحَ التَّيَمُّمَ إسْنَادٌ مَجَازِيٌّ؛ لِأَنَّ النَّاقِضَ حَقِيقَةٌ إنَّمَا هُوَ الْحَدَثُ السَّابِقُ بِخُرُوجِ النَّجَسِ وَزَوَالُ الْمُبِيحِ شَرْطٌ لِعَمَلِ الْحَدَثِ السَّابِقِ عَمَلُهُ عِنْدَهُ وَاسْتَدَلُّوا لَهُ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التُّرَابُ طَهُورُ الْمُسْلِمِ وَلَوْ إلَى عَشْرِ حِجَجٍ مَا لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَاهُ خُرُوجُ ذَلِكَ التُّرَابِ الَّذِي تَيَمَّمَ بِهِ مِنْ الطَّهُورِيَّةِ إذَا وَجَدَ الْمَاءَ وَيَسْتَلْزِمُ انْتِفَاءَ أَثَرِهِ، وَهُوَ طَهَارَةُ الْمُتَيَمِّمِ لَكِنْ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: وَيَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّ قَطْعَ الِاعْتِبَارِ الشَّرْعِيِّ طَهُورِيَّةُ التُّرَابِ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ الرُّؤْيَةِ مُقْتَصِرًا، فَإِنَّمَا يَظْهَرُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ إذْ لَوْ اسْتَنَدَ ظَهَرَ عَدَمُ صِحَّةِ الصَّلَوَاتِ السَّابِقَةِ وَمَا قِيلَ إنَّهُ وَصْفٌ يَرْجِعُ إلَى الْمَحَلِّ فَيَسْتَوِي فِيهِ الِابْتِدَاءُ وَالْبَقَاءُ لَا يُفِيدُ دَفْعًا وَلَا يَمَسُّهُ وَالْأَوْجَهُ الِاسْتِدْلَال بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَقِيَّةِ الْحَدِيثِ فَإِذَا وَجَدَهُ فَلْيَمَسَّهُ بَشَرَتَهُ وَفِي إطْلَاقِهِ دَلَالَةٌ عَلَى نَفْيِ تَخْصِيصِ النَّاقِضِيَّةِ بِالْوِجْدَانِ خَارِجَ الصَّلَاةِ كَمَا هُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ اهـ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْحَدِيثَ لَا يُفِيدُ إلَّا انْتِهَاءَ الطَّهُورِيَّةِ بِوَجْدِ الْمَاءِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ انْتِهَاءِ الطَّهُورِيَّةِ انْتِهَاءُ الطَّهَارَةِ الْحَاصِلَةِ بِهِ كَالْمَاءِ تَزُولُ عَنْهُ الطَّهُورِيَّةُ بِالِاسْتِعْمَالِ وَتَبْقَى الطَّهَارَةُ   [منحة الخالق] وَالصَّلَاةُ عِبَادَةٌ مَحْضَةٌ فَحَبَطَتْ ثَوَابًا وَعَمَلًا فَيَلْزَمُ إعَادَتُهَا، وَأَمَّا الْوُضُوءُ فَطَهَارَةٌ مَخْصُوصَةٌ شُرِطَتْ لِاسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ وَلَيْسَ بِعِبَادَةٍ مَحْضَةٍ لَكِنَّهُ يَصِيرُ عِبَادَةً بِالنِّيَّةِ فَالرِّدَّةُ تُحْبِطُ كَوْنَ الْوُضُوءِ عِبَادَةً لَا كَوْنَهُ طَهَارَةً فَيَبْقَى الْوُضُوءُ وَالتَّيَمُّمُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُمَا طَهَارَتَانِ تَصِحُّ بِهِمَا الصَّلَاةُ كَمَا لَا يَخْفَى. اهـ. فَوَائِدُ. (قَوْلُهُ: فَالْعِبَارَتَانِ عَلَى السَّوَاءِ) فِيهِ كَلَامٌ؛ لِأَنَّهُ، وَإِنْ نَقَضَ الْوُضُوءَ كُلُّ شَيْءٍ نَقَضَ الْغُسْلَ لَكِنْ لَا يَنْقُضُ الْغُسْلَ كُلُّ مَا نَقَضَ الْوُضُوءَ، فَإِنَّ الْوُضُوءَ يَنْقُضُهُ الْحَدَثُ، وَهُوَ لَا يَنْقُضُ الْغُسْلَ يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ بِنَفْسِهِ بَعْدَ مَا ذَكَرَ مِنْ قَوْلِهِ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا تَيَمَّمَ عَنْ جَنَابَةٍ إلَخْ فَقَدْ نَقَضَ الْوُضُوءَ مَا لَمْ يَنْقُضْ الْجَنَابَةَ فَلَمْ يَقَعْ قَوْلُهُ وَيَنْقُضُهُ أَيْ التَّيَمُّمَ نَاقِضُ الْوُضُوءِ كُلِّيًّا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ فَظَهَرَ بِهَذَا أَوْلَوِيَّةُ التَّعْبِيرِ بِالْأَصْلِ بَدَلًا عَنْ الْوُضُوءِ لِشُمُولِهِ التَّيَمُّمَ عَنْ الْحَدَثِ وَالْجَنَابَةِ كَذَا فِي الْمِنَحِ وَنَحْوِهِ فِي النَّهْرِ. (قَوْلُهُ: فَلَوْ قَالُوا وَيَنْقُضُهُ زَوَالُ مَا أَبَاحَ التَّيَمُّمُ) أَيْ بَدَلُ قَوْلِهِمْ وَقُدْرَةُ مَاءٍ لَكَانَ أَظْهَرَ إلَخْ (قَوْلُهُ: لَكَانَ أَظْهَرَ فِي الْمُرَادِ) قَالَ فِي الدُّرَرِ وَعَلَيْهِ لَوْ تَيَمَّمَ لِبُعْدِهِ مِيلًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 الْحَاصِلَةُ بِهِ وَالْجَوَابُ بِالْفَرْقِ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ أَنَّ التُّرَابَ طَهُورِيَّتُهُ مُؤَقَّتَةٌ بِشَيْءٍ غَيْرِ مُتَّصِلٍ بِهِ، وَهُوَ وُجُودُ الْمَاءِ فَثَبَتَ بِهِ الطَّهَارَةُ الْمُؤَقَّتَةُ الْحَاصِلَةُ عَلَى صِفَةِ الْمُطَهِّرِ فَإِذَا زَالَتْ طَهُورِيَّتُهُ زَالَتْ طَهَارَتُهُ وَالْمَاءُ لَمَّا كَانَ مُطَهِّرًا وَلَا تَزُولُ طَهُورِيَّتُهُ بِدُونِ شَيْءٍ يَتَّصِلُ بِهِ ثَبَتَ بِهِ الطَّهَارَةُ عَلَى التَّأْبِيدِ؛ لِأَنَّ طَهُورِيَّتَهُ إذَا لَمْ يَتَّصِلْ بِهَا شَيْءٌ عَلَى التَّأْبِيدِ إلَيْهِ أَشَارَ فِي الْخَبَّازِيَّةِ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَوْقِيتِ الطَّهُورِيَّةِ تَأْقِيتُ الطَّهَارَةِ بَلْ هُوَ عَيْنُ النِّزَاعِ فَالْأَوْجَهُ الِاسْتِدْلَال بِبَقِيَّةِ الْحَدِيثِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ تَبَعًا لِمَا فِي الْمُسْتَصْفَى وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ مَرْوِيٌّ فِي الْمَصَابِيحِ وَالتَّقْيِيدُ بِعَشْرَةِ حِجَجٍ لِبَيَانِ طُولِ الْمُدَّةِ لَا لِلتَّقْيِيدِ بِهِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً} [التوبة: 80] ، فَإِنَّهُ لِبَيَانِ الْكَثْرَةِ لَا لِلتَّحْدِيدِ كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى وَقَالَ بَعْضُ الْأَفَاضِلِ قَوْلُهُمْ إنَّ الْحَدَثَ السَّابِقَ نَاقِضٌ حَقِيقَةً لَا يُنَاسِبُ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ عِنْدَهُمَا لَيْسَ بِطَهَارَةٍ ضَرُورِيَّةِ وَلَا خَلَفٌ عَنْ الْوُضُوءِ بَلْ هُوَ أَحَدُ نَوْعَيْ الطَّهَارَةِ فَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ عَمَلُ الْحَدَثِ السَّابِقِ عَمَلُهُ عِنْدَ الْقُدْرَةِ فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ لَمَّا كَانَ عَدَمُ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَاءِ شَرْطًا لِمَشْرُوعِيَّةِ التَّيَمُّمِ وَحُصُولِ الطَّهَارَةِ فَعِنْدَ وُجُودِهَا لَمْ يَبْقَ مَشْرُوعًا فَانْتَفَى؛ لِأَنَّ انْتِفَاءَ الشَّرْطِ يَسْتَلْزِمُ انْتِفَاءَ الْمَشْرُوطِ وَالْمُرَادُ بِالنَّقْضِ انْتِفَاؤُهُ وَالنَّائِمُ عَلَى صِفَةٍ لَا تُوجِبُ النَّقْضَ كَالنَّائِمِ مَاشِيًا أَوْ رَاكِبًا إذَا مَرَّ عَلَى مَاءٍ كَافٍ مَقْدُورِ الِاسْتِعْمَالِ انْتَقَضَ تَيَمُّمُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا أَمَّا النَّائِمُ عَلَى صِفَةٍ تُوجِبُ النَّقْضَ فَلَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْخِلَافُ إذْ التَّيَمُّمُ انْتَقَضَ بِالنَّوْمِ؛ وَلِهَذَا صَوَّرَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْمَجْمَعِ فِي النَّاعِسِ لَكِنْ يُتَصَوَّرُ فِي النَّوْمِ النَّاقِضِ أَيْضًا بِأَنْ كَانَ مُتَيَمِّمًا عَنْ جَنَابَةٍ كَمَا لَا يَخْفَى قَالَ فِي التَّوْشِيحِ: وَالْمُخْتَارُ فِي الْفَتَاوَى عَدَمُ الِانْتِقَاضِ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَيَمَّمَ وَبِقُرْبِهِ مَاءٌ لَا يَعْلَمُ بِهِ جَازَ تَيَمُّمُهُ اتِّفَاقًا اهـ. وَفِي التَّجْنِيسِ جَعَلَ الِاتِّفَاقَ فِيمَا إذَا كَانَ بِجَنْبِهِ بِئْرٌ، وَلَا يَعْلَمُ بِهَا، وَأَثْبَتَ الْخِلَافَ فِيمَا لَوْ كَانَ عَلَى شَاطِئِ نَهْرٍ لَا يَعْلَمُ بِهِ وَصَحَّحَ عَدَمَ الِانْتِقَاضِ وَأَنَّهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَاعْلَمْ أَنَّهُمْ جَعَلُوا النَّائِمَ كَالْمُسْتَيْقِظِ فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ مَسْأَلَةً كَمَا ذَكَرَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي آخِرِ فَتَاوَاهُ فِي مَسْأَلَةِ النَّائِمِ الْمُتَيَمِّمِ وَفِي الصَّائِمِ إذَا نَامَ عَلَى قَفَاهُ وَفَمُهُ مَفْتُوحٌ فَوَصَلَ الْمَاءُ إلَى جَوْفِهِ وَفِيمَنْ جَامَعَهَا زَوْجُهَا، وَهِيَ نَائِمَةٌ فَسَدَ صَوْمُهَا وَفِي الْمُحْرِمَةِ إذَا جُومِعَتْ نَائِمَةٌ فَعَلَيْهَا الْكَفَّارَةُ وَفِي الْمُحْرِمِ النَّائِمِ إذَا حَلَقَ رَأْسَهُ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ وَفِي الْمُحْرِمِ إذَا انْقَلَبَ عَلَى صَيْدٍ وَقَتَلَهُ وَجَبَ الْجَزَاءُ وَفِي الْمَارِّ بِعَرَفَةَ نَائِمًا، فَإِنَّهُ مُدْرِكٌ لِلْحَجِّ وَفِي الصَّيْدِ سِرَايَةِ إلَيْهِ بِالسَّهْمِ إذَا وَقَعَ عِنْدَ نَائِمٍ فَمَاتَ مِنْهَا، فَإِنَّهُ يَحْرُمُ لِقُدْرَتِهِ عَلَى ذَكَاتِهِ وَفِيمَنْ انْقَلَبَ عَلَى مَالِ إنْسَانٍ فَأَتْلَفَهُ يَضْمَنُ وَفِيمَنْ وَقَعَ عَلَى مُورِثِهِ فَقَتَلَهُ يُحْرَمُ مِنْ الْمِيرَاثِ عَلَى قَوْلٍ، وَهُوَ الصَّحِيحُ وَفِيمَنْ رَفَعَ نَائِمًا فَوَضَعَهُ تَحْتَ جِدَارٍ فَسَقَطَ عَلَيْهِ فَمَاتَ لَا يَضْمَنُ وَفِي عَدَمِ صِحَّةِ الْخَلْوَةِ وَمَعَهُمَا أَجْنَبِيٌّ نَائِمٌ وَفِيمَنْ نَامَ فِي بَيْتٍ فَجَاءَتْهُ زَوْجَتُهُ وَمَكَثَتْ عِنْدَهُ صَحَّتْ الْخَلْوَةُ وَفِي امْرَأَةٍ نَائِمَةٍ دَخَلَ عَلَيْهَا زَوْجُهَا وَمَكَثَ سَاعَةً صَحَّتْ الْخَلْوَةُ وَفِي صَغِيرٍ ارْتَضَعَ مِنْ ثَدْيِ نَائِمَةٍ ثَبَتَتْ حُرْمَةُ الرَّضَاعِ وَفِيمَنْ تَكَلَّمَ فِي صَلَاتِهِ، وَهُوَ نَائِمٌ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَفِيمَنْ قَرَأَ فِي صَلَاتِهِ، وَهُوَ نَائِمٌ حَالَةَ الْقِيَامِ تُعْتَبَرُ تِلْكَ الْقِرَاءَةُ فِي رِوَايَةٍ وَفِيمَنْ تَلَا آيَةَ سَجْدَةٍ، وَهُوَ نَائِمٌ فَسَمِعَهُ رَجُلٌ تَلْزَمُهُ السَّجْدَةُ وَفِيمَنْ قَرَأَ عِنْدَ نَائِمٍ آيَةَ السَّجْدَةِ فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ أَخْبَرَهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَ فِي قَوْلٍ وَفِيمَنْ قَرَأَهَا، وَهُوَ نَائِمٌ فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ أُخْبِرَ يَلْزَمُ   [منحة الخالق] فَسَارَ فَانْتَقَصَ انْتَقَضَ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ إلَخْ) إذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ فَرْقٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ طَهَارَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ وَلَمْ يَجُزْ أَدَاءُ فَرْضَيْنِ بِالتَّيَمُّمِ الْوَاحِدِ؛ لِأَنَّهَا طَهَارَةٌ ضَرُورِيَّةٌ حِينَئِذٍ بَلْ يُنَاسِبُ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ إنْ كَانَ مَعَهُ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُمَا فَلَا يُنَاسِبُهُ أَيْضًا (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ انْتِفَاءَ الشَّرْطِ يَسْتَلْزِمُ انْتِفَاءَ الْمَشْرُوطِ) ، فَإِنْ قِيلَ هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا ذُكِرَ فِي الْأُصُولِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الشَّرْطِ عَدَمٌ وَلَا مِنْ وُجُودِهِ وُجُودٌ وَلَا عَدَمٌ فَكَيْفَ يَصِحُّ هَذَا أُجِيبَ بِأَنَّ الشَّرْطَ إذَا كَانَ مُسَاوِيًا لِلْمَشْرُوطِ اسْتَلْزَمَهُ، وَهُوَ هُنَا كَذَلِكَ لِمَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ عَدَمِ الْمَاءِ وَجَوَازِ التَّيَمُّمِ مُسَاوٍ لِلْآخَرِ تَأَمَّلْ وَسَيَأْتِي هَذَا الْبَحْثُ فِي كَلَامِهِ مَعَ زِيَادَةٍ وَقَدْ يُقَالُ مَا أَجَابَ بِهِ هَذَا الْفَاضِلُ يُفِيدُ أَنَّهُ عِنْدَ وُجُودِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَاءِ تَنْتَفِي مَشْرُوعِيَّةُ التَّيَمُّمِ بَعْدَ وُجُودِ الْمَاءِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يُبَاحُ لَهُ التَّيَمُّمُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ انْتِفَاءُ الطَّهَارَةِ الْحَاصِلَةِ بِالتَّيَمُّمِ السَّابِقِ وَحِينَئِذٍ فَيَلْزَمُ مِنْهُ صِحَّةُ الصَّلَاةِ بِتِلْكَ الطَّهَارَةِ بَعْدَ وُجُودِ الْمَاءِ، وَهُوَ غَيْرُ الْمَطْلُوبِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَأَثْبَتَ الْخِلَافُ إلَخْ) قَالَ فِي الشرنبلالية نَقْلًا عَنْ الْبُرْهَانِ تَبَعًا لِلْكَمَالِ إذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِجَوَازِهِ لِمُسْتَيْقِظٍ عَلَى شَاطِئِ نَهْرٍ لَا يَعْلَمُ بِهِ فَكَيْفَ يَقُولُ بِانْتِقَاضِ تَيَمُّمِ الْمَارِّ بِهِ مَعَ تَحَقُّقِ غَفْلَتِهِ اهـ. وَأَجَابَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ بِقَوْلِهِ لَكِنْ رُبَّمَا يُفَرَّقُ لِلْإِمَامِ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ النَّوْمَ فِي حَالَةِ السَّفَرِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَشْعُرُ بِالْمَاءِ نَادِرٌ خُصُوصًا عَلَى وَجْهٍ لَا يَتَخَلَّلُهُ الْيَقِظَةُ الْمُشْعِرَةُ بِالْمَاءِ فَلَمْ يُعْتَبَرْ نَوْمُهُ فَجُعِلَ كَالْيَقْظَانِ حُكْمًا أَوْ؛ لِأَنَّ التَّقْصِيرَ مِنْهُ وَلَا كَذَلِكَ الَّذِي لَمْ يَعْلَمْ بِالْمَاءِ، وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْهُ يُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الْهِدَايَةِ وَالنَّائِمُ قَادِرٌ تَقْدِيرًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. اهـ. (قَوْلُهُ: فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ) الْمَذْكُورُ هُنَا سَبْعٌ وَعِشْرُونَ، وَهِيَ كَذَلِكَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 الْقَارِئَ فِي قَوْلٍ وَفِيمَنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا فَجَاءَ الْحَالِفُ وَكَلَّمَهُ، وَهُوَ نَائِمٌ وَلَمْ يَسْتَيْقِظْ الْأَصَحُّ حِنْثُهُ وَفِيمَنْ مَسَّ مُطَلَّقَتَهُ النَّائِمَةَ، فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُرَاجِعًا وَفِي نَائِمٍ قَبَّلَتْهُ مُطَلَّقَتُهُ الرَّجْعِيَّةُ بِشَهْوَةٍ يَصِيرُ مُرَاجِعًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَفِي امْرَأَةٍ أَدْخَلَتْ ذَكَرَهُ فِي فَرْجِهَا، وَهُوَ نَائِمٌ ثَبَتَتْ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ إذَا عَلِمَ بِفِعْلِهَا وَفِي امْرَأَةٍ قَبَّلَتْ النَّائِمَ بِشَهْوَةٍ ثَبَتَتْ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ إذَا صَدَّقَهَا عَلَى الشَّهْوَةِ وَفِي الِاحْتِلَامِ فِي الصَّلَاةِ يُوجِبُ الِاسْتِقْبَالَ وَفِيمَنْ نَامَ يَوْمًا أَوْ أَكْثَرَ تَصِيرُ الصَّلَاةُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ وَفِي عَقْدِ النِّكَاحِ بِحَضْرَةِ النَّائِمِينَ يَجُوزُ فِي قَوْلٍ وَالْأَصَحُّ اشْتِرَاطُ السَّمَاعِ وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ أَنَّ الْإِبَاحَةَ كَالْمِلْكِ فِي النَّقْضِ فَلَوْ وَجَدُوا مِقْدَارَ مَا يَكْفِي أَحَدَهُمْ انْتَقَضَ تَيَمُّمُهُمْ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمْ، فَإِنَّهُ لَا يَنْتَقِضُ إلَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْأَبِ وَالِابْنِ، فَإِنَّ الْأَبَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ لَهُ تَمَلُّكَ مَالَ الِابْنِ عِنْدَ الْحَاجَةِ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَلَوْ وَهَبَ لِجَمَاعَةٍ مَاءً يَكْفِي أَحَدَهُمْ لَا يَنْتَقِضُ تَيَمُّمُهُمْ أَمَّا عِنْدَهُ فَلِفَسَادِهَا لِلشُّيُوعِ، وَأَمَّا عِنْدَ هُمَا فَلِلِاشْتِرَاكِ فَلَوْ أَذِنُوا لِوَاحِدٍ لَا يُعْتَبَرُ إذْنُهُمْ وَلَا يَنْتَقِضُ تَيَمُّمُهُ لِفَسَادِهَا وَعِنْدَهُمَا يَصِحُّ إذْنُهُمْ فَانْتَقَضَ تَيَمُّمُهُ كَذَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ الصَّحِيحُ فَسَادُ التَّيَمُّمِ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ هَذَا مَقْبُوضٌ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ فَيَكُونُ مَمْلُوكًا فَيَنْفُذُ تَصَرُّفُهُمْ فِيهِ اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ، وَإِنْ كَانَ مَمْلُوكًا لَا يَحِلُّ التَّصَرُّفُ فِيهِ فَكَانَ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ وَلَوْ كَانُوا فِي الصَّلَاةِ فَجَاءَ رَجُلٌ بِكُوزٍ مِنْ مَاءِ وَقَالَ هَذَا لِفُلَانٍ مِنْهُمْ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ خَاصَّةً فَإِذَا فَرَغُوا وَسَأَلُوهُ الْمَاءَ، فَإِنْ أَعْطَاهُ لِلْإِمَامِ تَوَضَّأَ وَاسْتَقْبَلُوا مَعَهُ الصَّلَاةَ، وَإِنْ مَنَعَ تَمَّتْ صَلَاتُهُمْ وَعَلَى مَنْ أَعْطَاهُ الِاسْتِقْبَالُ وَلَوْ قَالَ يَا فُلَانُ خُذْ الْمَاءَ وَتَوَضَّأْ فَظَنَّ كُلُّ وَاحِدٍ أَنَّهُ يَدْعُوهُ فَسَدَتْ صَلَاةُ الْكُلِّ كَذَا فِي الْمُحِيطِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُتَيَمِّمَ إذَا رَأَى مَعَ رَجُلٍ مَاءً كَافِيًا فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي الصَّلَاةِ أَوْ خَارِجَهَا وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا إمَّا أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ الْإِعْطَاءُ أَوْ عَدَمُهُ أَوْ يَشُكُّ وَفِي كُلٍّ مِنْهَا إمَّا إنْ سَأَلَهُ أَوْ لَا، وَفِي كُلٍّ مِنْهَا إمَّا إنْ أَعْطَاهُ أَوْ لَا فَهِيَ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ، فَإِنْ كَانَ فِي الصَّلَاةِ، وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ الْإِعْطَاءُ قَطَعَ وَطَلَبَ الْمَاءَ، فَإِنْ أَعْطَاهُ تَوَضَّأَ، وَإِلَّا فَتَيَمُّمُهُ بَاقٍ فَلَوْ أَتَمَّهَا ثُمَّ سَأَلَهُ، فَإِنْ أَعْطَاهُ اسْتَأْنَفَ، وَإِنْ أَبَى تَمَّتْ، وَكَذَا إذَا أَبَى ثُمَّ أَعْطَى، وَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ عَدَمُ الْإِعْطَاءِ أَوْ شَكَّ لَا يَقْطَعُ صَلَاتَهُ، فَإِنْ قَطَعَ وَسَأَلَ، فَإِنْ أَعْطَاهُ تَوَضَّأَ، وَإِلَّا فَتَيَمُّمُهُ بَاقٍ، وَإِنْ أَتَمَّ ثُمَّ سَأَلَ، فَإِنْ أَعْطَاهُ بَطَلَتْ، وَإِنْ أَبَى تَمَّتْ، وَإِنْ كَانَ خَارِجَ الصَّلَاةِ، فَإِنْ لَمْ يَسْأَلْ وَتَيَمَّمَ وَصَلَّى جَازَتْ الصَّلَاةُ عَلَى مَا فِي الْهِدَايَةِ وَلَا تَجُوزُ عَلَى مَا فِي الْمَبْسُوطِ، فَإِنْ سَأَلَ بَعْدَهَا، فَإِنْ أَعْطَاهُ أَعَادَ، وَإِلَّا فَلَا سَوَاءٌ ظَنَّ الْإِعْطَاءَ أَوْ الْمَنْعَ أَوْ الشَّكَّ، وَإِنْ سَأَلَ، فَإِنْ أَعْطَاهُ تَوَضَّأَ، وَإِنْ مَنَعَهُ تَيَمَّمَ وَصَلَّى، فَإِنْ أَعْطَاهُ بَعْدَهَا لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ وَيَنْتَقِضُ تَيَمُّمُهُ وَلَا يَتَأَتَّى فِي هَذَا الْقِسْمِ الظَّنُّ أَوْ الشَّكُّ وَهَذَا حَاصِلُ مَا فِي الزِّيَادَاتِ وَغَيْرِهَا، وَهَذَا الضَّبْطُ مِنْ خَوَاصِّ هَذَا الْكِتَابِ وَبِهِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ إذَا كَانَ فِي الصَّلَاةِ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ الْإِعْطَاءُ لَا تَبْطُلُ بَلْ إذَا أَتَمَّهَا وَسَأَلَهُ وَلَمْ يُعْطِهِ تَمَّتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّ ظَنَّهُ كَانَ خَطَأً كَذَا فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ فَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ بُطْلَانِهَا بِمُجَرَّدِ غَلَبَةِ ظَنِّ الْإِعْطَاءِ لَيْسَ بِظَاهِرٍ إلَّا أَنَّ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ ذَكَرَ الْبُطْلَانَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بِمُجَرَّدِ الظَّنِّ عَنْ مُحَمَّدٍ (قَوْلُهُ فَهِيَ تَمْنَعُ التَّيَمُّمَ وَتَرْفَعُهُ) أَيْ الْقُدْرَةُ عَلَى الْمَاءِ تَمْنَعُ جَوَازَ التَّيَمُّمِ ابْتِدَاءً وَتَرْفَعُهُ بَقَاءً، وَهَذَا تَكْرَارٌ مَحْضٌ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا عَدَّ الْأَعْذَارَ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ مَعَ الْقُدْرَةِ وَلَمَّا قَالَ وَقُدْرَةُ مَاءٍ عُلِمَ أَنَّهُ تَرْفَعُهُ الْقُدْرَةُ وَلَا يَبْقَى إلَّا فِي مَوْضِعٍ يَجُوزُ ابْتِدَاءً فَلَا فَائِدَةَ بِذِكْرِهِ ثَانِيًا وَلَا يَلِيقُ بِمِثْلِ هَذَا الْمُخْتَصَرِ كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ لَيْسَ بِتَكْرَارٍ مَحْضٍ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا عَدَّ بَعْضَ الْأَعْذَارِ وَلَمْ يَسْتَوْفِهَا كَمَا عُلِمَ مِمَّا بَيَّنَّاهُ أَوَّلًا فَرُبَّمَا يُتَوَهَّمُ حَصْرُ الْأَعْذَارِ فِي الْمَعْدُودِ وَقَدْ ذَكَرَ ضَابِطًا لَهَا لِتَتِمَّ الْأَعْذَارُ فَكَانَ فِيهِ فَائِدَةٌ كَمَا لَا يَخْفَى. (قَوْلُهُ: وَرَاجِي الْمَاءِ يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ) يَعْنِي عَلَى سَبِيلِ النَّدْبِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي أَصْلِهِ الْوَافِي وَالْمُرَادُ بِالرَّجَاءِ غَلَبَةُ الظَّنِّ أَيْ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يَجِدُ الْمَاءَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ، وَهَذَا إذَا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ الْأَصَحُّ حِنْثُهُ) هُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ مَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُخْتَصَرِ كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ: وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ، وَإِنْ كَانَ مَمْلُوكًا لَا يَحِلُّ التَّصَرُّفُ فِيهِ) قَالَ فِي النَّهْرِ عَدَمُ حِلِّ التَّصَرُّفِ إنْ كَانَ لِلْمَوْهُوبِ لَهُمْ فَمُسَلَّمٌ وَلَا يَضُرُّنَا، وَإِنْ كَانَ لِلْمَأْذُونِ لَهُ فَمَمْنُوعٌ اهـ. وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ (قَوْلُهُ: وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ لَيْسَ بِتَكْرَارٍ مَحْضٍ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا بَعْدَ تَسْلِيمِهِ إنَّمَا يَصْلُحُ جَوَابًا عَنْ قَوْلِهِ تَمْنَعُ التَّيَمُّمَ وَكَأَنَّ التَّكْرَارَ مُسَلَّمٌ عِنْدَهُ فِي قَوْلِهِ وَتَرْفَعُهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَوْضِعٍ يَرْجُوهُ مِيلٌ أَوْ أَكْثَرُ، فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْهُ لَا يُجْزِئُهُ التَّيَمُّمُ، وَإِنْ خَافَ فَوْتَ وَقْتِ الصَّلَاةِ، فَإِنْ كَانَ لَا يَرْجُوهُ لَا يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ عَنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ فَائِدَةَ الِانْتِظَارِ احْتِمَالٌ وُجِدَ أَنَّ الْمَاءَ فَيُؤَدِّيهَا بِأَكْمَلِ الطَّهَارَتَيْنِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ رَجَاءٌ وَطَمَعٌ فَلَا فَائِدَةَ فِي الِانْتِظَارِ وَأَدَاءُ الصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ أَفْضَلُ إلَّا إذَا تَضَمَّنَ التَّأْخِيرُ فَضِيلَةً لَا تَحْصُلُ بِدُونِهِ كَتَكْبِيرِ الْجَمَاعَةِ وَلَا يَتَأَتَّى هَذَا فِي حَقِّ مَنْ فِي الْمَفَازَةِ فَكَانَ التَّعْجِيلُ أَوْلَى؛ وَلِهَذَا كَانَ أَوْلَى لِلنِّسَاءِ أَنْ يُصَلِّينَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّهُنَّ لَا يَخْرُجْنَ إلَى الْجَمَاعَةِ كَذَا فِي مَبْسُوطَيْ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَفَخْرِ الْإِسْلَامِ كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَكَذَا فِي كَثِيرٍ مِنْ شُرُوحِ الْهِدَايَةِ وَتَعَقُّبُهُمْ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِأَنَّ هَذَا سَهْوٌ وَقَعَ مِنْ الشَّارِحِينَ وَلَيْسَ مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا كَذَلِكَ، فَإِنَّ كَلَامَ أَئِمَّتِنَا صَرِيحٌ فِي اسْتِحْبَابِ تَأْخِيرِ بَعْضِ الصَّلَوَاتِ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ جَمَاعَةٍ وَمَا ذَكَرُوهُ فِي التَّيَمُّمِ مَفْهُومٌ وَالصَّرِيحُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمَفْهُومِ. وَأَجَابَ عَنْهُ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ بِأَنَّ الصَّرِيحَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا تَضَمَّنَ ذَلِكَ فَضِيلَةً كَتَكْثِيرِ الْجَمَاعَةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَتَضَمَّنْ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِلتَّأْخِيرِ فَائِدَةٌ وَمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ لَمْ يَكُنْ مُسْتَحَبًّا وَهَلْ يُؤَخِّرُ عِنْدَ الرَّجَاءِ إلَى وَقْتِ الِاسْتِحْبَابِ أَوْ إلَى وَقْتِ الْجَوَازِ أَقْوَالٌ ثَالِثُهَا إنْ كَانَ عَلَى ثِقَةٍ فَإِلَى آخِرِ وَقْتِ الْجَوَازِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى طَمَعٍ فَإِلَى آخِرِ وَقْتِ الِاسْتِحْبَابِ وَأَصَحُّهَا الْأَوَّلُ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَالْحَقُّ مَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، فَإِنَّ مُحَمَّدًا ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّ تَأْخِيرَ الصَّلَاةِ أَحَبُّ إلَيَّ وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ الرَّجَاءِ وَغَيْرِهِ وَاَلَّذِي فِي مَبْسُوطِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ إنَّمَا هُوَ إذَا كَانَ لَا يَرْجُو فَلَا يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا الْمَعْهُودِ أَيْ عَنْ وَقْتِ الِاسْتِحْبَابِ، وَهُوَ أَوَّلُ النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ الْوَقْتِ فِي الصَّلَاةِ الَّتِي يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهَا أَمَّا إذَا كَانَ يَرْجُو فَالْمُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهَا عَنْ هَذَا الْوَقْتِ الْمُسْتَحَبِّ، وَهَذَا هُوَ مُرَادُ مَنْ قَالَ بِعَدَمِ اسْتِحْبَابِ التَّأْخِيرِ إذَا كَانَ لَا يَرْجُو، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالتَّعْجِيلِ الْفِعْلَ فِي أَوَّلِ وَقْتِ الْجَوَازِ حَتَّى يَلْزَمَ أَنْ يَكُونَ أَفْضَلَ وَيَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَاهُ مَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ بِقَوْلِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى طَمَعٍ مِنْ وُجُودِ الْمَاءِ، فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي فِي وَقْتٍ مُسْتَحَبٍّ وَلَمْ يَقُلْ يُصَلِّي فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَقَالَ الْكَرْدَرِيُّ فِي مَنَاقِبِهِ: وَالْأَوْجَهُ أَنْ يَحْمِلَ اسْتِحْبَابَ التَّأْخِيرِ مَعَ الرَّجَاءِ إلَى آخِرِ النِّصْفِ الثَّانِي وَعَدَمَ اسْتِحْبَابِهِ إلَى هَذَا عِنْدَ عَدَمِ الرَّجَاءِ بَلْ الْأَفْضَلُ عِنْدَ عَدَمِ الرَّجَاءِ الْأَدَاءُ فِي أَوَّلِ النِّصْفِ الثَّانِي بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ الْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُسْفِرَ بِالْفَجْرِ فِي وَقْتٍ يُؤَدِّي الصَّلَاةَ بِالْقِرَاءَةِ الْمَسْنُونَةِ ثُمَّ لَوْ بَدَا لَهُ فِي الصَّلَاةِ الْأُولَى رَيْبٌ يُؤَدِّي الثَّانِيَةَ بِالطَّهَارَةِ وَالتِّلَاوَةِ الْمَسْنُونَةِ أَيْضًا وَذَلِكَ لَا يَتَأَتَّى إلَّا فِي أَوَّلِ النِّصْفِ الثَّانِي اهـ. وَفِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا الْمُسَافِرُ إذَا كَانَ عَلَى تَيَقُّنٍ مِنْ وُجُودِ الْمَاءِ أَوْ غَالِبِ ظَنِّهِ عَلَى ذَلِكَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ فَتَيَمَّمَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَصَلَّى إنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَاءِ مِقْدَارُ مِيلٍ جَازَ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ وَلَكِنْ يَخَافُ الْفَوْتَ لَا يَتَيَمَّمُ اهـ. فَحَاصِلُهُ أَنَّ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَأَجَابَ عَنْهُ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ إلَخْ) أَقُولُ: يُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْمَوَاضِعَ الَّتِي صَرَّحَ أَئِمَّتُنَا فِيهَا بِاسْتِحْبَابِ التَّأْخِيرِ كُلُّهَا مُتَضَمِّنَةٌ فَضِيلَةً مِنْهَا تَأْخِيرُ الْفَجْرِ إلَى الْإِسْفَارِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَكْثِيرِ الْجَمَاعَةِ وَتَوْسِيعِ الْحَالِ عَلَى النَّائِمِ وَالضَّعِيفِ فِي إدْرَاكِ فَضْلِ الْجَمَاعَةِ وَمِنْهَا الْإِبْرَادُ فِي ظُهْرِ الصَّيْفِ لِمَا فِي التَّعْجِيلِ مِنْ تَقْلِيلِ الْجَمَاعَةِ وَالْإِضْرَارِ بِالنَّاسِ، فَإِنَّ الْحُرَّ يُؤْذِيهِمْ؛ وَلِهَذَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَبْرِدُوا بِالظُّهْرِ، فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ» وَمِنْهَا تَأْخِيرُ الْعَصْرِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَوْسِعَةِ الْوَقْتِ لِصَلَاةِ النَّوَافِلِ وَمِنْهَا تَأْخِيرُ الْعِشَاءِ إلَى مَا قَبْلَ ثُلُثِ اللَّيْلِ لِمَا فِيهِ مِنْ قَطْعِ السَّمَرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ بَعْدَهَا وَقِيلَ فِي الصَّيْفِ يُعَجِّلُ كَيْ لَا تَتَقَلَّلَ الْجَمَاعَةُ فَهَذِهِ الْعِلَلُ كُلُّهَا مُصَرَّحٌ بِهَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا، وَهِيَ مَفْقُودَةٌ فِي الْمُسَافِرِ، فَإِنَّ الْغَالِبَ عَلَيْهِ صَلَاتُهُ مُنْفَرِدًا وَعَدَمُ التَّنَفُّلِ بَعْدَ الْعَصْرِ وَيُبَاحُ لَهُ السَّمَرُ بَعْدَ الْعِشَاءِ فَلَمْ يَكُنْ فِي تَأْخِيرِهِ فَضِيلَةٌ فَكَانَ الْأَفْضَلُ لَهُ الْمُسَارَعَةَ إلَى الصَّلَاةِ وَقَوْلُ الشُّرَّاحِ كَتَكْثِيرِ الْجَمَاعَةِ لَيْسَ فِيهِ حَصْرُ الْفَضِيلَةِ فِيهَا بَلْ هُوَ تَمْثِيلٌ لَهَا وَذِكْرٌ لِبَعْضِ أَفْرَادِهَا فَلَيْسَ ذَلِكَ مُخَالِفًا لِمَا ذَكَرُوهُ مِنْ اسْتِحْبَابِ تَأْخِيرِ بَعْضِ الصَّلَوَاتِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ: وَالْحَقُّ مَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ إلَخْ) حَاصِلُهُ تَحْقِيقُ أَنَّ غَيْرَ رَاجِي الْمَاءِ يُؤَخِّرُ أَيْضًا وَلَكِنْ إلَى أَوَّلِ النِّصْفِ الثَّانِي مِنْ الْوَقْتِ خِلَافُ مَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِمْ مِنْ عَدَمِ تَأْخِيرِهِ أَصْلًا لِتَصْرِيحِهِمْ بِاسْتِحْبَابِ تَأْخِيرِ بَعْضِ الصَّلَوَاتِ كَالْفَجْرِ إلَى الْأَسْفَارِ وَظُهْرِ الصَّيْفِ وَالْعَصْرِ مَا لَمْ تَتَغَيَّرْ الشَّمْسُ وَالْعِشَاءُ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ فَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمَفْهُومِ عَلَى أَنَّ مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمْ يُقَيِّدْ اسْتِحْبَابَ التَّأْخِيرِ بِالرَّاجِي فَشَمَلَ غَيْرَهُ أَيْضًا لَكِنَّ الرَّاجِيَ يُؤَخِّرُ عَنْ الْوَقْتِ الْمُسْتَحَبِّ وَغَيْرُهُ لَا يُؤَخِّرُ عَنْهُ. (قَوْلُهُ: أَيْ عَنْ وَقْتِ الِاسْتِحْبَابِ) ظَاهِرُ إتْيَانِهِ بِأَيِّ التَّفْسِيرِيَّةِ أَنَّهُ تَفْسِيرٌ مِنْ عِنْدَهُ لَا مِنْ كَلَامِ الْمَبْسُوطِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلِلْخَصْمِ أَنْ يَقُولَ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْوَقْتِ الْمَعْهُودِ ذَلِكَ بَلْ هُوَ أَوَّلُ الْوَقْتِ مَا لَمْ يَتَضَمَّنْ التَّأْخِيرَ فَضِيلَةٌ بَلْ الْمُتَبَادِرُ مِنْ قَوْلِهِ الْمَعْهُودُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ أَوَّلَ الْوَقْتِ (قَوْلُهُ: وَيَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ إلَخْ) لَا يَخْفَى مَا فِي هَذِهِ الدَّلَالَةِ مِنْ الْخَفَاءِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَيُصَلِّي فِي وَقْتٍ مُسْتَحَبٍّ يَحْتَمِلُ أَيْضًا أَنْ يُرَادَ بِهِ أَوَّلَ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ الْخَصْمَ قَائِلٌ بِأَنَّهُ وَالْمُسْتَحَبُّ إلَّا إذَا تَضَمَّنَ التَّأْخِيرُ فَضِيلَةً؛ وَلِذَا قَالَ فِي النَّهْرِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَا فِي الْإِسْبِيجَابِيِّ مُشْتَرَكُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 الْبُعْدَ مُجَوِّزٌ لِلتَّيَمُّمِ مُطْلَقًا وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمُجْتَبَى وَيَتَخَالَجُ فِي قَلْبِي فِيمَا إذَا كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ إنْ أَخَّرَ الصَّلَاةَ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ بِقُرْبٍ مِنْ الْمَاءِ بِمَسَافَةٍ أَقَلَّ مِنْ مِيلٍ لَكِنْ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الصَّلَاةِ بِالْوُضُوءِ فِي الْوَقْتِ الْأَوْلَى أَنْ يُصَلِّيَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ مُرَاعَاةً لِحَقِّ الْوَقْتِ وَتَجَنُّبًا عَنْ الْخِلَافِ اهـ. وَذَكَرَ فِي الْمَنَاقِبِ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ أَوَّلُ وَاقِعَةٍ خَالَفَ أَبُو حَنِيفَةَ أُسْتَاذَه حَمَّادًا فَصَلَّى حَمَّادٌ بِالتَّيَمُّمِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَوَجَدَ أَبُو حَنِيفَةَ الْمَاءَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ وَصَلَّاهَا، وَكَانَ ذَلِكَ غُرَّةَ اجْتِهَادِهِ فَقَبِلَهَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ وَصَوَّبَهُ فِيهِ، وَكَانَتْ هَذِهِ الصَّلَاةُ صَلَاةَ الْمَغْرِبِ، وَكَانَ خُرُوجُهُمَا لِأَجْلِ تَشْيِيعِ الْأَعْمَشِ. (قَوْلُهُ: وَصَحَّ قَبْلَ الْوَقْتِ وَلِفَرْضَيْنِ) أَيْ صَحَّ التَّيَمُّمُ قَبْلَ الْوَقْتِ وَلِفَرْضَيْنِ اعْلَمْ أَنَّ التَّيَمُّمَ بَدَلٌ بِلَا شَكٍّ اتِّفَاقًا لَكِنْ اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ الْبَدَلِ فِي مَوْضِعَيْنِ: أَحَدُهُمَا: الْخِلَافُ فِيهِ لِأَصْحَابِنَا مَعَ الشَّافِعِيِّ فَقَالَ أَصْحَابُنَا: هُوَ بَدَلٌ مُطْلَقٌ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ وَلَيْسَ بِضَرُورِيٍّ وَيَرْتَفِعُ بِهِ الْحَدَثُ إلَى وَقْتِ وُجُودِ الْمَاءِ لَا أَنَّهُ مُبِيحٌ لِلصَّلَاةِ مَعَ قِيَامِ الْحَدَثِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ هُوَ بَدَلٌ ضَرُورِيٌّ مُبِيحٌ مَعَ قِيَامِ الْحَدَثِ حَقِيقَةً فَلَا يَجُوزُ قَبْلَ الْوَقْتِ وَلَا يُصَلِّي بِهِ أَكْثَرَ مِنْ فَرِيضَةٍ عِنْدَهُ وَعِنْدَنَا يَجُوزُ وَفِي إنَاءَيْنِ طَاهِرٍ وَنَجَسٍ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ عِنْدَنَا خِلَافًا لَهُ؛ وَلِهَذَا يَبْنِي الْخِلَافَ تَارَةً عَلَى أَنَّهُ رَافِعٌ لِلْحَدَثِ عِنْدَنَا مُبِيحٌ عِنْدَهُ لَا رَافِعٌ وَتَارَةً عَلَى أَنَّهُ طَهَارَةٌ ضَرُورِيَّةٌ عِنْدَهُ مُطْلَقَةٌ عِنْدَنَا وَاقْتَصَرَ عَلَى الثَّانِي صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَيَدْفَعُ مَبْنَى الشَّافِعِيِّ الْأَوَّلَ بِأَنَّ اعْتِبَارَ الْحَدَثِ مَانِعِيَّةٌ عَنْ الصَّلَاةِ شَرْعِيَّةٌ لَا يُشْكِلُ مَعَهُ أَنَّ التَّيَمُّمَ رَافِعٌ لِارْتِفَاعِ ذَلِكَ الْمَنْعِ بِهِ، وَهُوَ الْحَقُّ إنْ لَمْ يَقُمْ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ دَلِيلٌ وَتَغَيُّرُ الْمَاءِ بِرَفْعِ الْحَدَثِ إنَّمَا يَسْتَلْزِمُ اعْتِبَارَهُ نَازِلًا عَنْ وَصْفِهِ الْأَوَّلِ بِوَاسِطَةِ إسْقَاطِ الْفَرْضِ لَا بِوَاسِطَةِ إزَالَةِ وَصْفٍ حَقِيقِيٍّ مُدَنِّسٍ وَيُدْفَعُ الثَّانِي بِأَنَّهُ طَهُورٌ حَالَ عَدَمِ الْمَاءِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «التُّرَابُ طَهُورُ الْمُسْلِمِ» وَقَالَ فِي حَدِيثِ الْخَصَائِصِ فِي الصَّحِيحَيْنِ «وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا» يُرِيدُ بِهِ مُطَهِّرًا، وَإِلَّا لَمَا تَحَقَّقَتْ الْخُصُوصِيَّةُ؛ لِأَنَّ طَهَارَةَ الْأَرْضِ بِالنِّسْبَةِ إلَى سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ ثَابِتَةٌ، وَإِذَا كَانَ مُطَهِّرًا فَتَبْقَى طَهَارَتُهُ إلَى وُجُودِ غَايَتِهَا مِنْ وُجُودِ الْمَاءِ أَوْ نَاقِضٍ آخَرَ الثَّانِي الْخِلَافُ فِيهِ بَيْنَ أَصْحَابِنَا فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ الْبَدَلِيَّةُ بَيْنَ الْمَاءِ وَالتُّرَابِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بَيْنَ الْفِعْلَيْنِ وَهُمَا التَّيَمُّمُ وَالْوُضُوءُ وَيَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ جَوَازُ اقْتِدَاءِ الْمُتَوَضِّئِ بِالْمُتَيَمِّمِ فَأَجَازَاهُ وَمَنَعَهُ وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَاسَ الشَّافِعِيُّ كَمَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ عَدَمَ جَوَازِهِ قَبْلَ الْوَقْتِ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ طَهَارَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ قَبْلَ الْوَقْتِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ إنَّهُمْ وَافَقُونَا عَلَيْهِ وَمَنَعَ أَئِمَّتُنَا الْحُكْمَ فِي الْمَقِيسِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَذْهَبَ عِنْدَنَا جَوَازُ وُضُوئِهَا قَبْلَ الْوَقْتِ وَلَا يَنْتَقِضُ بِالدُّخُولِ وَلَئِنْ سَلَّمَ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ بِنَقْضِهَا بِالدُّخُولِ فَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ طَهَارَةَ الْمُسْتَحَاضَةِ قَدْ وُجِدَ مَا يُنَافِيهَا، وَهُوَ سَيَلَانُ الدَّمِ وَالتَّيَمُّمُ لَمْ يُوجَدْ لَهُ رَافِعٌ بَعْدَهُ، وَهُوَ الْحَدَثُ أَوْ وُجُودُ الْمَاءِ فَيَبْقَى عَلَى مَا كَانَ كَالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ بَلْ أَقْوَى؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ مُؤَقَّتٌ بِمُدَّةٍ قَلِيلَةٍ وَالشَّارِعُ جَوَّزَ التَّيَمُّمَ وَلَوْ إلَى عَشْرِ حِجَجٍ مَا لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ وَقَوْلُهُمْ لَا ضَرُورَةَ قَبْلَهُ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّ الْمَنْدُوبَ التَّطَهُّرُ قَبْلَ الْوَقْتِ لِيَشْتَغِلَ أَوَّلَ الْوَقْتِ بِالْأَدَاءِ وَمَا اسْتَدَلُّوا بِهِ مِنْ أَثَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ مِنْ السُّنَّةِ أَنْ لَا يُصَلِّيَ بِالتَّيَمُّمِ أَكْثَرَ مِنْ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَمِنْ أَثَرِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ يَتَيَمَّمُ لِكُلِّ صَلَاةٍ، وَإِنْ لَمْ يُحْدِثْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَمِنْ أَثَرِ عَلِيٍّ قَالَ يَتَيَمَّمُ لِكُلِّ صَلَاةٍ فَالْكُلُّ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ فِي سَنَدِ الْأَوَّلِ الْحَسَنَ بْنَ عُمَارَةَ تَكَلَّمُوا فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ مَتْرُوكٌ ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ فِي مُقَدِّمَةِ كِتَابِهِ فِي جُمْلَةِ مَنْ تَكَلَّمَ فِيهِ رَوَاهُ عَنْهُ أَبُو يَحْيَى الْجُمَّانِيُّ، وَهُوَ مَتْرُوكٌ وَفِي سَنَدِ الثَّانِي عَامِرٌ ضَعَّفَهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَفِي سَمَاعِهِ عَنْ نَافِعٍ نَظَرٌ وَقَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ الرِّوَايَةُ فِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ لَا تَصِحُّ وَفِي السَّنَدِ الثَّالِثِ الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ وَالْحَارِثُ الْأَعْوَرُ وَهُمَا ضَعِيفَانِ مَعَ أَنَّ ظَاهِرَهُمَا مَتْرُوكٌ، فَإِنَّهُمْ يُجَوِّزُونَ أَكْثَرَ مِنْ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ النَّوَافِلِ مَعَ   [منحة الخالق] الْإِلْزَامِ اهـ أَيْ أَنَّهُ مُحْتَمِلٌ فَلِلْخَصْمِ أَنْ يَقُولَ إنَّهُ دَلِيلٌ لِي أَيْضًا. [التَّيَمُّمُ قَبْلَ الْوَقْتِ] (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمَنْدُوبَ التَّطَهُّرُ قَبْلَ الْوَقْتِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: هَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ التَّيَمُّمَ قَبْلَ الْوَقْتِ مَنْدُوبٌ وَقَلَّ مَنْ صَرَّحَ بِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 الْفَرْضِ تَبَعًا لَهُ بِشَرْطِ أَنْ يَتَيَمَّمَ لَهُ فَلَوْ تَيَمَّمَ لِصَلَاةِ النَّفْلِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَدِّيَ الْفَرْضَ بِهِ عِنْدَهُ وَعَلَى عَكْسِهِ يَجُوزُ (تَنْبِيهٌ) ظَاهِرُ كَلَامِ الْمَشَايِخِ هُنَا أَنَّ الشَّرْطَ يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ عَدَمُ الْمَشْرُوطِ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا إنَّ التُّرَابَ مُطَهِّرٌ بِشَرْطِ عَدَمِ الْمَاءِ فَإِذَا وُجِدَ الْمَاءُ فُقِدَ الشَّرْطُ فَفَقْدُ الْمَشْرُوطِ، وَهُوَ طَهُورِيَّةُ التُّرَابِ وَالْمَذْكُورُ فِي الْأُصُولِ أَنَّ الشَّرْطَ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ وَلَا مِنْ وُجُودِهِ وُجُودٌ وَلَا عَدَمٌ وَالْجَوَابُ أَنَّ الشَّرْطَ إذَا كَانَ مُسَاوِيًا لِلْمَشْرُوطِ اسْتَلْزَمَهُ وَهَاهُنَا كَذَلِكَ، فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ عَدَمِ الْمَاءِ وَجَوَازِ التَّيَمُّمِ مُسَاوٍ لِلْآخَرِ لَا مَحَالَةَ فَجَازَ أَنْ يَسْتَلْزِمَهُ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ، فَإِنْ قُلْت لَا نُسَلِّمُ مُسَاوَاتَهُمَا لِجَوَازِهِ مَعَ وُجُودِهِ حَالَ مَرَضِهِ قُلْت لَيْسَ بِمَوْجُودٍ فِيهَا حُكْمًا؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْقُدْرَةُ، وَهُوَ لَيْسَ بِقَادِرٍ. (قَوْلُهُ: وَخَوْفُ فَوْتِ صَلَاةِ جِنَازَةٍ) أَيْ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ لِخَوْفِ فَوْتِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ أَطْلَقَهُ وَقَيَّدَهُ فِي الْهِدَايَةِ بِأَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ حُضُورُ الْجِنَازَةِ وَكَوْنُهُ صَحِيحًا وَكَوْنُهُ فِي الْمِصْرِ وَكَوْنُهُ لَيْسَ بِوَلِيٍّ وَوَافَقَهُ عَلَى الْأَخِيرِ فِي الْوَافِي وَلَا حَاجَةَ إلَى هَذِهِ الْقُيُودِ أَصْلًا؛ لِأَنَّ الْمَرِيضَ يُرَخَّصُ لَهُ التَّيَمُّمُ مُطْلَقًا وَكَذَا الْمُسَافِرُ وَقَبْلَ حُضُورِهَا لَا يَخَافُ الْفَوْتَ إذْ الْوُجُوبُ بِالْحُضُورِ وَكَذَا لَا يَخَافُ الْفَوْتَ الْوَلِيُّ مَعَ أَنَّ فِي جَوَازِهِ لَهُ خِلَافًا فَفِي الْهِدَايَةِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ؛ لِأَنَّ لِلْوَلِيِّ حَقَّ الْإِعَادَةِ فَلَا فَوَاتَ فِي حَقِّهِ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي وَصَحَّحَ فِي التَّجْنِيسِ فِي الْإِمَامِ عَدَمُ الْجَوَازِ إنْ كَانُوا يَنْتَظِرُونَهُ، وَإِلَّا جَازَ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ جَوَازُهُ لَهُمَا وَصَحَّحَهُ السَّرَخْسِيُّ وَقَالَ صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْمُقْتَدِي وَمَنْ لَهُ حَقُّ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ الِانْتِظَارَ فِيهَا مَكْرُوهٌ وَالْمُرَادُ بِالْوَلِيِّ مَنْ لَهُ التَّقَدُّمُ حَتَّى لَا يَجُوزَ التَّيَمُّمُ لِلسُّلْطَانِ وَالْقَاضِي وَالْوَالِي عَلَى مَا فِي الْهِدَايَةِ؛ لِأَنَّ الْوَلِيَّ إذَا كَانَ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ، وَهُوَ مُؤَخَّرٌ فَمَنْ هُوَ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمُقَدَّمَ عَلَى الْوَلِيِّ لَهُ حَقُّ الْإِعَادَةِ لَوْ صَلَّى الْوَلِيُّ فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ لِلْوَلِيِّ إذَا كَانَ هُوَ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ حَاضِرًا اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ يَخَافُ الْفَوْتَ إذْ لَيْسَ لَهُ حَقُّ الْإِعَادَةِ لَوْ صَلَّى مَنْ هُوَ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ كَمَا عُلِمَ فِي الْجَنَائِزِ، وَكَذَا يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ التَّيَمُّمُ إذَا أَذِنَ لِغَيْرِهِ بِالصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْإِعَادَةِ فَيَخَافُ فَوْتَهَا وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ أَمَرَهُ الْوَلِيُّ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَهَذِهِ التَّفَارِيعُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا إنَّمَا هِيَ عَلَى مُخْتَارِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ أَمَّا عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَيَجُوزُ التَّيَمُّمُ لِلْكُلِّ عِنْدَ خَوْفِ الْفَوْتِ وَلَا فَرْقَ فِي جَوَازِهِ عِنْدَ الْخَوْفِ بَيْنَ كَوْنِهِ مُحْدِثًا أَوْ جُنُبًا أَوْ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا وَلَا بُدَّ مِنْ خَوْفِ فَوْتِ التَّكْبِيرَاتِ كُلِّهَا لَوْ اشْتَغَلَ بِالطَّهَارَةِ، فَإِنْ كَانَ يَرْجُو أَنْ يُدْرِكَ الْبَعْضَ لَا يَتَيَمَّمُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخَافُ الْفَوْتَ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَدَاءُ الْبَاقِي وَحْدَهُ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَالْقُنْيَةِ وَذَكَرَ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ أَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ فَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ وَالْأَصْلُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ يَفُوتُ الْأَدَاءُ لَا إلَى خَلْفٍ يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَا يَفُوتُ الْأَدَاءُ لَا يَجُوزُ. ثُمَّ اعْلَمْ بِأَنَّ الصَّلَاةَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ نَوْعٌ لَا يُخْشَى فَوَاتُهَا أَصْلًا لِعَدَمِ تَوَقُّتِهَا كَالنَّوَافِلِ وَنَوْعٌ يُخْشَى فَوَاتُهَا أَصْلًا كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَالْعِيدِ وَنَوْعٌ يُخْشَى فَوَاتُهَا وَتُقْضَى بَعْدَ وَقْتِهَا أَصْلُهَا أَوْ بَدَلُهَا كَالْجُمُعَةِ وَالْمَكْتُوبَاتِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلَا يَتَيَمَّمُ لَهَا عِنْدَ وُجُودِ الْمَاءِ. وَأَمَّا الثَّانِي: فَيَتَيَمَّمُ لَهَا عِنْدَ وُجُودِهِ عِنْدَنَا وَمَنَعَهُ الشَّافِعِيُّ؛ لِأَنَّهُ تَيَمُّمٌ مَعَ عَدَمِ شَرْطِهِ وَقُلْنَا هُوَ مُخَاطَبٌ بِالصَّلَاةِ عَاجِزٌ عَنْ الْوُضُوءِ لَهَا بِفَرْضِ الْمَسْأَلَةِ فَيَجُوزُ التَّيَمُّمُ وَيَدُلُّ لَهُ تَيَمُّمُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِرَدِّ السَّلَامِ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ عَلَى مَا أَسْلَفْنَاهُ خَشْيَةَ الْفَوَاتِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ رَدَّ بَعْدَ التَّرَاخِي لَا يَكُونُ جَوَابًا لَهُ وَفِيهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الِاحْتِمَالِ وَرَوَى ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ بِسَنَدِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا فَجَأَتْك الْجِنَازَةُ وَأَنْتَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ فَتَيَمَّمَ» ثُمَّ قَالَ هَذَا مَرْفُوعًا غَيْرَ مَحْفُوظٍ بَلْ هُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُ أَيْضًا وَرَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ وَكَذَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي كِتَابِ الْكُنَى وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقٍ بِجِهَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: مِنْ عَدَمِ الْمَاءِ) هُوَ الشَّرْطُ وَقَوْلُهُ وَجَوَازُ التَّيَمُّمِ، وَهُوَ الْمَشْرُوطُ (قَوْلُهُ: لِجَوَازِهِ) أَيْ التَّيَمُّمُ وَقَوْلُهُ مَعَ وُجُودِهِ أَيْ الْمَاءِ. [التَّيَمُّمُ لِخَوْفِ فَوْتِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ] (قَوْلُهُ: كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَالْعِيدِ) فِيهِ أَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ صَلَاةَ الْعِيدِ تُؤَخَّرُ بِعُذْرٍ إلَى الْيَوْمِ الثَّانِي فِي الْفِطْرِ وَتَكُونُ قَضَاءً فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَتْ مِمَّا يَخْلُفُهَا الْقَضَاءُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَفِيهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الِاحْتِمَالِ) ، وَهُوَ مَا مَرَّ عَنْ الْكَمَالِ مِنْ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَوَى مَعَهُ مَا يَصِحُّ مَعَهُ التَّيَمُّمُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 أَتَى الْجِنَازَةَ، وَهُوَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ فَتَيَمَّمَ وَصَلَّى عَلَيْهَا وَالْحَدِيثُ إذَا كَثُرَتْ طُرُقُهُ وَتَعَاضَدَتْ قَوِيَتْ فَلَا يَضُرُّهُ الْوَقْفُ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا تَارَةً يَرْفَعُونَ وَتَارَةً لَا يَرْفَعُونَ وَلَوْ حَضَرَتْ جِنَازَةٌ أُخْرَى بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الصَّلَاةِ وَخَافَ فَوْتَهَا فَفِي الْمَجْمَعِ يُعِيدُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَلَا يُعِيدُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُسْتَصْفَى أَنَّ الْخِلَافَ فِيمَا إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ التَّوَضُّؤِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ أَمَّا إذَا تَمَكَّنَ ثُمَّ فَاتَ التَّمَكُّنُ يُعِيدُ التَّيَمُّمَ اتِّفَاقًا وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَذَكَرَ الْحَلْوَانِيُّ أَنَّ التَّيَمُّمَ فِي بِلَادِنَا لَا يَجُوزُ لِلْجِنَازَةِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ حَوْلَ مُصَلَّى الْجِنَازَةِ، وَأَمَّا رِوَايَةُ الْقُدُورِيِّ فَمُطْلَقَةٌ كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَفِي الْمُسْتَصْفَى لَا يُقَالُ إنَّ النَّصَّ وَرَدَ فِي الصَّلَاةِ الْمُطْلَقَةِ وَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ لَيْسَتْ فِي مَعْنَاهَا؛ لِأَنَّا نَقُولُ: لَمَّا جَازَ أَدَاءُ أَقْوَى الصَّلَاتَيْنِ بِأَضْعَفِ الطَّهَارَتَيْنِ لَأَنْ يَجُوزَ أَدَاءُ أَضْعَفِ الصَّلَاتَيْنِ بِأَضْعَفِ الطَّهَارَتَيْنِ أَوْلَى. (قَوْلُهُ: أَوْ عِيدٍ وَلَوْ بِنَاءً) أَيْ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ لِخَوْفِ فَوْتِ صَلَاةِ عِيدٍ وَلَوْ كَانَ الْخَوْفُ بِنَاءً لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهَا تَفُوتُ لَا إلَى بَدَلٍ، فَإِنْ كَانَ إمَامًا فَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ لَا يَتَيَمَّمُ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّهُ يَخَافُ الْفَوْتَ بِزَوَالِ الشَّمْسِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَخَفْ لَا يُجْزِئُهُ، وَإِنْ كَانَ الْمُقْتَدِي بِحَيْثُ يُدْرِكُ بَعْضَهَا مَعَ الْإِمَامِ لَوْ تَوَضَّأَ لَا يَتَيَمَّمُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْجِنَازَةِ وَصُورَةُ الْخَوْفِ فِي الْبِنَاءِ أَنْ يَشْرَعَ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ ثُمَّ يَسْبِقَهُ حَدَثٌ إمَامًا كَانَ أَوْ مُقْتَدِيًا، فَهَذِهِ عَلَى وُجُوهٍ، فَإِنْ كَانَ لَا يَخَافُ الزَّوَالَ وَيُمْكِنُهُ أَنْ يُدْرِكَ شَيْئًا مِنْهَا مَعَ الْإِمَامِ لَوْ تَوَضَّأَ، فَإِنَّهُ لَا يَتَيَمَّمُ اتِّفَاقًا لِإِمْكَانِ أَدَاءِ الْبَاقِي بَعْدَهُ، وَإِنْ كَانَ يَخَافُ زَوَالَ الشَّمْسِ لَوْ اشْتَغَلَ بِالْوُضُوءِ يُبَاحُ لَهُ التَّيَمُّمُ اتِّفَاقًا لِتَصَوُّرِ الْفَوَاتِ بِالْإِفْسَادِ بِدُخُولِ الْوَقْتِ الْمَكْرُوهِ وَلَوْ شَرَعَ بِالتَّيَمُّمِ تَيَمَّمَ وَبَنَى بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّا لَوْ أَوْجَبْنَا الْوُضُوءَ يَكُونُ وَاجِدًا لِلْمَاءِ فِي خِلَالِ صَلَاتِهِ فَتَفْسُدُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُحِيطِ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ الْبِنَاءُ بِالتَّيَمُّمِ عِنْدَهُمَا لِوُجُودِ الْمَاءِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاؤُهَا بِالتَّيَمُّمِ وَالْبِنَاءُ بِالْوُضُوءِ كَمَا قُلْنَا فِي جُنُبٍ مَعَهُ مَاءٌ قَدْرَ مَا يَكْفِي الْوُضُوءَ، فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي وَلَوْ سَبَقَهُ حَدَثٌ فِيهَا، فَإِنَّهُ يَتَوَضَّأُ وَيَبْنِي، وَهَذَا الْقِيَاسُ مَعَ الْفَارِقِ، فَإِنَّ فِي الْمَقِيسِ عَلَيْهِ لَا يَلْزَمُ بِنَاءُ الْقَوِيِّ عَلَى الضَّعِيفِ إذْ التَّيَمُّمُ هَاهُنَا أَقْوَى مِنْ الْوُضُوءِ؛ لِأَنَّهُ يُزِيلُ الْجَنَابَةَ وَالْوُضُوءُ لَا يُزِيلُهَا وَفِي الْمَقِيسِ يَلْزَمُ بِنَاءُ الْقَوِيِّ عَلَى الضَّعِيفِ فَكَانَ الظَّاهِرُ الْبِنَاءَ اتِّفَاقًا وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ مِثْلُ الْوُضُوءِ بِدَلِيلِ جَوَازِ اقْتِدَاءِ الْمُتَوَضِّئِ بِالْمُتَيَمِّمِ يُؤَيِّدُهُ مَا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ فِي فَصْلِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ مِنْ فَتَاوَاهُ أَنَّ الْمُتَيَمِّمَ إذَا سَبَقَهُ حَدَثٌ فِي خِلَالِ صَلَاتِهِ فَانْصَرَفَ ثُمَّ وَجَدَ مَاءً يَتَوَضَّأُ وَيَبْنِي وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُتَيَمِّمِ الَّذِي وَجَدَ الْمَاءَ فِي خِلَالِ صَلَاتِهِ حَيْثُ يَسْتَأْنِفُ إنَّ التَّيَمُّمَ يَنْتَقِضُ بِصِفَةِ الِاسْتِنَادِ إلَى وُجُودِ الْحَدَثِ عِنْدَ إصَابَةِ الْمَاءِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُحْدِثًا بِالْحَدَثِ السَّابِقِ؛ لِأَنَّ الْإِصَابَةَ لَيْسَتْ بِحَدَثٍ وَفِي هَذِهِ الصَّلَاةِ لَمْ يَنْتَقِضْ التَّيَمُّمُ عِنْدَ إصَابَةِ الْمَاءِ بِصِفَةِ الِاسْتِنَادِ لِانْتِقَاضِهِ بِالْحَدَثِ الطَّارِئِ عَلَى التَّيَمُّمِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ التَّيَمُّمَ يَنْتَقِضُ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْمَاءِ بِالْحَدَثِ السَّابِقِ وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ حَدَثٌ طَارِئٌ لَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْأَسْبَابَ الْمُتَعَاقِبَةَ كَالْبَوْلِ ثُمَّ الرُّعَافِ ثُمَّ الْقَيْءِ تُوجِبُ أَحْدَاثًا مُتَعَاقِبَةً يُجْزِئُ عَنْهَا وُضُوءٌ وَاحِدٌ وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِ الْحَدَثِ فِي الصَّلَاةِ مَا يُخَالِفُ مَا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ فَثَبَتَ أَنَّ الْبِنَاءَ بِالتَّيَمُّمِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلَوْ شَرَعَ بِالْوُضُوءِ ثُمَّ سَبَقَهُ الْحَدَثُ وَلَمْ يَخَفْ زَوَالَ الشَّمْسِ وَلَا يَرْجُو إدْرَاكَ الْإِمَامِ قَبْلَ فَرَاغِهِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَتَيَمَّمُ وَيَبْنِي وَقَالَا يَتَوَضَّأُ وَلَا يَتَيَمَّمُ ثُمَّ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إنَّهُ اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ فَكَانَ فِي زَمَانِهِ جَبَّانَةُ الْكُوفَةِ بَعِيدَةٌ وَلَوْ انْصَرَفَ لِلْوُضُوءِ زَالَتْ الشَّمْسُ فَخَوْفُ الْفَوْتِ قَائِمٌ وَفِي زَمَنِهِمَا جَبَّانَةُ بَغْدَادَ قَرِيبَةٌ فَأَفْتَيَا عَلَى وَفْقِ زَمَنِهِمَا؛ وَلِهَذَا كَانَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ وَالسَّرَخْسِيُّ يَقُولَانِ فِي دِيَارِنَا لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ لِلْعِيدِ ابْتِدَاءً وَلَا بِنَاءً؛ لِأَنَّ الْمَاءَ مُحِيطٌ بِمُصَلَّى الْعِيدِ فَيُمْكِنُ التَّوَضُّؤُ وَالْبِنَاءُ بِلَا خَوْفِ الْفَوْتِ حَتَّى   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى) لَمْ أَجِدْ هَذَا اللَّفْظَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ نَعَمْ جَزَمَ فِي الْخَانِيَّةِ بِهَذَا الشَّرْطِ وَقَالَ كَمَا لَوْ صَلَّى وَلِلْمَكْتُوبَةِ صَلَّى كَانَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ مَكْتُوبَةً أُخْرَى. [التَّيَمُّمُ لِخَوْفِ فَوْتِ صَلَاةِ عِيدٍ] (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ الْخَوْفُ بِنَاءً) الظَّاهِرُ مَا قَدَّرَهُ فِي النَّهْرِ بِقَوْلِهِ وَلَوْ كَانَ يَبْنِي بِنَاءً فَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ حَالًا أَيْ وَلَوْ صَلَّى بِهِ بَانِيًا عَلَى مَا صَلَّاهُ بِالْوُضُوءِ قَبْلَ سَبْقِ الْحَدَثِ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا لِأَجْلِهِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ فِعْلُهُ قَلْبِيًّا أَيْ وَلَوْ كَانَ تَيَمُّمُهُ لِأَجْلٍ الْبِنَاءِ (قَوْلُهُ: لَا إلَى بَدَلٍ) قَدَّمْنَا أَنَّهَا تُقْضَى إذَا أُخِّرَتْ بِعُذْرٍ وَمُفَادُهُ أَنَّ الْإِمَامَ لَوْ حَضَرَ بِلَا وُضُوءٍ قُبَيْلَ الزَّوَالِ وَخَافَ إنْ تَوَضَّأَ تَزُولُ الشَّمْسُ أَنَّهَا تُؤَخَّرُ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ لَكِنْ قَدْ يُقَالُ إنَّهَا لَمَّا كَانَتْ تُصَلَّى بِجَمْعٍ حَافِلٍ فَلَوْ أُخِّرَتْ لِهَذَا الْعُذْرِ رُبَّمَا يُؤَدِّي إلَى فَوْتِهَا بِالْكُلِّيَّةِ بِخِلَافِ مَا إذَا أُخِّرَتْ لِعُذْرِ فِتْنَةٍ أَوْ عَدَمِ ثُبُوتِ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ إلَّا بَعْدَ الزَّوَالِ، فَإِنَّ كُلَّ النَّاسِ يَسْتَعِدُّونَ لِصَلَاتِهَا فِي الْيَوْمِ الثَّانِي، وَعَدَمُ تَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْأَعْذَارِ الَّتِي تُؤَخَّرُ لِأَجْلِهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهَا تَأَمَّلْ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 لَوْ خِيفَ الْفَوْتُ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ بُرْهَانِيًّا ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ ابْتِدَائِيًّا فَهُمَا نَظَرَا إلَى أَنَّ اللَّاحِقَ يُصَلِّي بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ فَلَا فَوْتَ وَأَبُو حَنِيفَةَ نَظَرَ إلَى أَنَّ الْخَوْفَ بَاقٍ؛ لِأَنَّهُ يَوْمُ زَحْمَةٍ فَيَعْتَرِيهِ عَارِضٌ يُفْسِدُ عَلَيْهِ صَلَاتَهُ مِنْ رَدِّ سَلَامٍ أَوْ تَهْنِئَةٍ وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ مَبْنِيًّا عَلَى مَسْأَلَةٍ، وَهِيَ أَنَّ مَنْ أَفْسَدَ صَلَاةَ الْعِيدِ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ عِنْدَهُ فَتَفُوتُ لَا إلَى بَدَلٍ وَعِنْدَهُمَا عَلَيْهِ الْقَضَاءُ فَتَفُوتُ إلَى بَدَلٍ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْكَافُ لَكِنْ قَالَ الْقَاضِي الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجِبُ قَضَاءُ صَلَاةِ الْعِيدِ بِالْإِفْسَادِ عِنْدَ الْكُلِّ وَفِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ بِجَوَازِ التَّيَمُّمِ فِي الْمِصْرِ لِصَلَاةِ الْكُسُوفِ وَالسُّنَنِ الرَّوَاتِبِ مَا عَدَا سُنَّةَ الْفَجْرِ إذَا خَافَ فَوْتَهَا لَوْ تَوَضَّأَ، فَإِنَّهَا تَفُوتُ لَا إلَى بَدَلٍ، فَإِنَّهَا لَا تُقْضَى كَمَا فِي الْعِيدِ وَلَا سِيَّمَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ صَلَاةَ الْعِيدِ سُنَّةٌ كَمَا اخْتَارَهُ السَّرَخْسِيُّ وَغَيْرُهُ وَأَمَّا سُنَّةُ الْفَجْرِ، فَإِنْ خَافَ فَوْتَهَا مَعَ الْفَرِيضَةِ لَا يَتَيَمَّمُ، وَإِنْ خَافَ فَوْتَهَا وَحْدَهَا فَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ لَا يَتَيَمَّمُ وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِمَا يَتَيَمَّمُ، فَإِنَّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ إذَا فَاتَتْهُ بِاشْتِغَالِهِ بِالْفَرِيضَةِ مَعَ الْجَمَاعَةِ عِنْدَ خَوْفِ فَوْتِ الْجَمَاعَةِ يَقْضِيهَا بَعْدَ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ وَعِنْدَهُمَا لَا يَقْضِيهَا أَصْلًا. (قَوْلُهُ: لَا لِفَوْتِ جُمُعَةٍ وَوَقْتٍ) أَيْ لَا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ لِخَوْفِ فَوْتِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَصَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ لَهُمَا عِنْدَ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَاءِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ أَمَّا عَدَمُ جَوَازِهِ لِخَوْفِ فَوْتِ الْجُمُعَةِ؛ فَلِأَنَّهَا تَفُوتُ إلَى خَلْفٍ، وَهُوَ الظُّهْرُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَأَوْرَدَ أَنَّ هَذَا لَا يَتَأَتَّى إلَّا عَلَى مَذْهَبِ زُفَرَ أَمَّا عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ الْمُخْتَارُ مِنْ أَنَّ الْجُمُعَةَ خَلَفٌ وَالظُّهْرَ أَصْلٌ فَلَا وَدُفِعَ بِأَنَّهُ مُتَصَوَّرٌ بِصُورَةِ الْخَلَفِ؛ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ إذَا فَاتَتْ يُصَلَّى الظُّهْرُ فَكَانَ الظُّهْرُ خَلَفًا صُورَةً أَصْلًا مَعْنًى وَقَدْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي النَّافِعِ فَقَالَ؛ لِأَنَّهَا تَفُوتُ إلَى مَا يَقُومُ مَقَامَهَا، وَهُوَ الْأَصْلُ، وَأَمَّا عَدَمُ جَوَازِهِ لِخَوْفِ فَوْتِ الْوَقْتِ؛ فَلِأَنَّ الْفَوَاتَ إلَى خَلَفٍ، وَهُوَ الْقَضَاءُ، فَإِنْ قِيلَ فَضِيلَةُ الْجُمُعَةِ وَالْوَقْتِ تَفُوتُ لَا إلَى خَلَفٍ؛ وَلِهَذَا جَازَ لِلْمُسَافِرِ التَّيَمُّمُ وَجَازَتْ الصَّلَاةُ لِلرَّاكِبِ الْخَائِفِ مَعَ تَرْكِ بَعْضِ الشُّرُوطِ وَالْأَرْكَانِ، وَكُلُّ هَذَا لِفَضِيلَةِ الْوَقْتِ قُلْنَا فَضِيلَةُ الْوَقْتِ وَالْأَدَاءِ وَصْفٌ لِلْمُؤَدَّى تَابِعٌ لَهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ لِذَاتِهِ بِخِلَافِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَالْعِيدِ، فَإِنَّهَا أَصْلٌ فَيَكُونُ فَوَاتُهَا فَوَاتَ أَصْلٍ مَقْصُودٍ وَجَوَازُهَا لِلْمُسَافِرِ بِالنَّصِّ لَا لِخَوْفِ الْفَوْتِ بَلْ لِأَجْلِ أَنْ لَا تَتَضَاعَفَ عَلَيْهِ الْفَوَائِتُ وَيُحْرَجَ فِي الْقَضَاءِ وَكَذَا صَلَاةُ الْخَوْفِ لِلْخَوْفِ دُونَ خَوْفِ الْفَوْتِ هَذَا وَقَدْ قَدَّمْنَا عَنْ الْقُنْيَةِ أَنَّ التَّيَمُّمَ لِخَوْفِ فَوْتِ الْوَقْتِ رِوَايَةٌ عَنْ مَشَايِخِنَا، وَفَرَّعَ عَلَيْهَا فِي بَابِ التَّيَمُّمِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي سَطْحٍ لَيْلًا وَفِي بَيْتِهِ مَاءٌ لَكِنَّهُ يَخَافُ فِي الظُّلْمَةِ إنْ دَخَلَ الْبَيْتَ يَتَيَمَّمُ إنْ خَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ، وَكَذَا يَتَيَمَّمُ فِي كِلَّةٍ لِخَوْفِ الْبَقِّ أَوْ مَطَرٍ أَوْ حَرٍّ شَدِيدٍ إنْ خَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ، وَعَلَى اعْتِبَارِ الْعَجْزِ لَا خَوْفَ الْوَقْتِ فَرَّعَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا لَوْ وَعَدَهُ صَاحِبُهُ أَنْ يُعْطِيَهُ الْإِنَاءَ أَنَّهُ يَنْتَظِرُ، وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ هُوَ الْوَفَاءُ بِالْعَهْدِ، فَكَانَ قَادِرًا عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ ظَاهِرًا وَكَذَا إذَا وَعَدَ الْكَاسِي الْعَارِيَ أَنْ يُعْطِيَهُ الثَّوْبَ إذَا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ لَمْ تُجْزِهِ الصَّلَاةُ عُرْيَانًا لِمَا قُلْنَا كَذَا فِي الْبَدَائِعِ. (قَوْلُهُ: وَلَمْ يُعِدْ إنْ صَلَّى بِهِ وَنَسِيَ الْمَاءَ فِي رَحْلِهِ) أَيْ وَلَمْ يُعِدْ إنْ صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ نَاسِيًا الْمَاءَ كَائِنًا فِي رَحْلِهِ مِمَّا يُنْسَى عَادَةً، وَكَانَ مَوْضُوعًا بِعِلْمِهِ، وَهُوَ لِلْبَعِيرِ كَالسَّرْجِ لِلدَّابَّةِ وَيُقَالُ لِمَنْزِلِ الْإِنْسَانِ وَمَأْوَاهُ رَحْلٌ أَيْضًا، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِمْ نَسِيَ الْمَاءَ فِي رَحْلِهِ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ لَكِنْ قَدْ يُقَالُ قَوْلُهُمْ لَوْ كَانَ الْمَاءُ فِي مُؤَخِّرَةِ الرَّحْلِ يُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالرَّحْلِ الْأَوَّلُ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ قَيَّدَ بِالنِّسْيَانِ؛ لِأَنَّ فِي الظَّنِّ لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ إجْمَاعًا وَيُعِيدُ الصَّلَاةَ؛ لِأَنَّ الرَّحْلَ مَعْدِنُ الْمَاءِ عَادَةً فَيُفْتَرَضُ عَلَيْهِ الطَّلَبُ كَمَا يُفْرَضُ عَلَيْهِ الطَّلَبُ فِي الْعُمْرَانَاتِ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ لَا يَبْطُلُ بِالظَّنِّ بِخِلَافِ النِّسْيَانِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَضْدَادِ الْعِلْمِ وَظَنُّهُ بِخِلَافِ الْعَادَةِ لَا يُعْتَبَرُ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ فِي رَحْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَى   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَإِنْ خَافَ فَوْتَهَا وَحْدَهَا إلَخْ) تَوَقَّفَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ فِي صُورَةِ ذَلِكَ وَيُمْكِنُ تَصْوِيرُ الْمَسْأَلَةِ بِمَا إذَا وَعَدَهُ شَخْصٌ بِالْمَاءِ وَعَلِمَ أَنَّهُ لَوْ انْتَظَرَهُ لَا يُدْرِكُ سِوَى الْفَرْضِ لِضِيقِ الْوَقْتِ عَنْ صَلَاةِ السُّنَّةِ مَعَهَا فَهُنَا خَافَ فَوْتَ السُّنَّةِ وَحْدَهَا وَيُمْكِنُ تَصْوِيرُهَا أَيْضًا بِمَا إذَا فَاتَتْ مَعَ الْفَرْضِ وَأَرَادَ قَضَاءَهُمَا فَخَافَ زَوَالَ الشَّمْسِ إنْ صَلَّى السُّنَّةَ بِالْوُضُوءِ، فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّيهَا ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي الْفَرْضَ بَعْدَ الزَّوَالِ، وَلَكِنَّ الصُّورَةَ الْأُولَى هُنَا أَنْسَبُ. [التَّيَمُّمُ لِخَوْفِ فَوْتِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَصَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ] (قَوْلُهُ: لَكِنْ قَدْ يُقَالُ قَوْلُهُمْ لَوْ كَانَ الْمَاءُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا يُوضَعُ فِيهِ الْمَاءُ عَادَةً وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ رَحْلَهُ مُفْرَدٌ مُضَافٌ يَعُمُّ كُلَّ رَحْلٍ سَوَاءٌ كَانَ مَنْزِلًا أَوْ رَحْلَ بَعِيرٍ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ فِي الظَّنِّ لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ إجْمَاعًا) أَقُولُ: وَكَذَا فِي الشَّكِّ كَمَا فِي السِّرَاجِ خِلَافًا لِمَا فِي النَّهْرِ مِنْ عَزْوِهِ إلَيْهِ الْجَوَازَ وَعِبَارَةُ السِّرَاجِ هَكَذَا قَيَّدَ بِالنِّسْيَانِ احْتِرَازًا عَمَّا إذَا شَكَّ أَوْ ظَنَّ أَنَّ مَاءَهُ قَدْ فَنِيَ فَصَلَّى ثُمَّ وَجَدَهُ، فَإِنَّهُ يُعِيدُ إجْمَاعًا اهـ. فَتَنَبَّهْ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 ظَهْرِهِ فَنَسِيَهُ ثُمَّ تَيَمَّمَ يُعِيدُ اتِّفَاقًا وَكَذَا إذَا كَانَ عَلَى رَأْسِهِ أَوْ مُعَلَّقًا فِي عُنُقِهِ وَقَيَّدْنَا بِكَوْنِهِ مِمَّا يُنْسَى عَادَةً؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ كَمَا إذَا نَسِيَ الْمَاءَ الْمُعَلَّقَ فِي مُؤَخَّرِ رَحْلِهِ، وَهُوَ يَسُوقُ دَابَّتَهُ، فَإِنَّهُ يُعِيدُ اتِّفَاقًا وَكَذَا إذَا كَانَ رَاكِبًا وَالْمَاءُ فِي مُقَدَّمِ الرَّحْلِ أَوْ بَيْنَ يَدَيْهِ رَاكِبًا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ سَائِقًا، وَهُوَ فِي الْمُقَدَّمِ أَوْ رَاكِبًا، وَهُوَ فِي الْمُؤَخَّرِ، فَإِنَّهُ عَلَى الِاخْتِلَافِ وَكَذَا إذَا كَانَ قَائِدًا مُطْلَقًا وَقَيَّدْنَا بِكَوْنِهِ مَوْضُوعًا بِعِلْمِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَضَعَهُ غَيْرُهُ وَلَوْ عَبْدَهُ أَوْ أَجِيرَهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَا يُعِيدُ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّ الْمَرْءَ لَا يُخَاطَبُ بِفِعْلِ الْغَيْرِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَتَبِعَهُ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الشَّارِحِينَ وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَتَعَقَّبَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِأَنَّ دَعْوَى الْإِجْمَاعِ سَهْوٌ لَيْسَتْ بِصَحِيحَةٍ وَنُقِلَ عَنْ فَخْرِ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهَا عَلَى الِاخْتِلَافِ وَالْحَقُّ مَا فِي الْبَدَائِعِ أَنَّهُ لَا رِوَايَةَ لِهَذَا نَصًّا وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ إنَّ لَفْظَ الرِّوَايَةِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي الرَّجُلِ يَكُونُ فِي رَحْلِهِ مَاءٌ فَنَسِيَ وَالنِّسْيَانُ يَسْتَدْعِي تَقَدُّمَ الْعِلْمِ ثُمَّ مَعَ ذَلِكَ جُعِلَ عُذْرًا عِنْدَهُمَا فَبَقِيَ مَوْضِعٌ لَا عِلْمٌ أَصْلًا يَنْبَغِي أَنْ يُجْعَلَ عُذْرًا عِنْدَ الْكُلِّ وَلَفْظُ الرِّوَايَةِ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عَلَى الِاخْتِلَافِ، فَإِنَّهُ قَالَ مُسَافِرٌ تَيَمَّمَ وَمَعَهُ مَاءٌ فِي رَحْلِهِ، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِهِ، وَهَذَا يَتَنَاوَلُ حَالَةَ النِّسْيَانِ وَغَيْرَهَا لِأَبِي يُوسُفَ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ نَسِيَ مَا لَا يُنْسَى عَادَةً؛ لِأَنَّ الْمَاءَ مِنْ أَعَزِّ الْأَشْيَاءِ فِي السَّفَرِ لِكَوْنِهِ سَبَبًا لِصِيَانَةِ نَفْسِهِ عَنْ الْهَلَاكِ فَكَانَ الْقَلْبُ مُتَعَلِّقًا بِهِ فَالْتَحَقَ النِّسْيَانُ فِيهِ بِالْعَدَمِ. وَالثَّانِي: أَنَّ الرَّحْلَ مَوْضِعُ الْمَاءِ غَالِبًا لِحَاجَةِ الْمُسَافِرِ إلَيْهِ فَكَانَ الطَّلَبُ وَاجِبًا كَمَا فِي الْعُمْرَانِ وَلَهُمَا أَنَّهُ عَجَزَ عَنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ فَلَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِعْمَالُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَا قُدْرَةَ بِدُونِ الْعِلْمِ؛ لِأَنَّ الْقَادِرَ عَلَى الْفِعْلِ هُوَ الَّذِي لَوْ أَرَادَ تَحْصِيلَهُ يَتَأَتَّى لَهُ ذَلِكَ وَلَا تَكْلِيفَ بِدُونِ الْقُدْرَةِ وَلَوْ فُقِدَتْ قُدْرَتُهُ بِفَقْدِ سَائِرِ الْآلَاتِ جَازَ تَيَمُّمُهُ فَإِذَا فُقِدَ الْعِلْمُ، وَهُوَ أَقْوَى الْآلَاتِ أَوْلَى وَتَعَقَّبَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّ هَذَا لَا يُفِيدُ بَعْدَ مَا قَرَّرَ لِأَبِي يُوسُفَ لِثُبُوتِ الْعِلْمِ نَظَرًا إلَى الدَّلِيلِ اتِّفَاقًا كَمَا قَالَ الْكُلُّ فِي الْمَسَائِلِ الْمُلْحَقِ بِهَا، وَإِنَّمَا الْمُفِيدُ لَيْسَ إلَّا مَنْعَ وُجُودِ الْعِلَّةِ أَيْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الرَّحْلَ دَلِيلُ الْمَاءِ الَّذِي ثُبُوتُهُ يَمْنَعُ التَّيَمُّمَ أَعْنِي مَاءَ الِاسْتِعْمَالِ بَلْ الشُّرْبُ، وَهُوَ مَفْقُودٌ فِي حَقِّ غَيْرِ الشُّرْبِ اهـ. وَلَوْ صَلَّى عُرْيَانًا، وَفِي رَحْلِهِ ثَوْبٌ طَاهِرٌ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ ثُمَّ عَلِمَ، فَإِنَّ بَعْضَهُمْ تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ بِالْإِجْمَاعِ وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّهُ عَلَى الِاخْتِلَافِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ، فَإِنْ كَانَ عَلَى الِاخْتِلَافِ فَظَاهِرٌ، وَإِنْ كَانَ بِالْإِجْمَاعِ فَالْفَرْقُ عَلَى قَوْلِهِمَا أَنَّ الرَّحْلَ مُعَدٌّ لِلثَّوْبِ لَا لِمَاءِ الْوُضُوءِ لَكِنْ يَرُدُّ عَلَيْهِ لَوْ مَعَ ثَوْبٍ نَجَسٍ نَاسِيًا الطَّاهِرَ، فَإِنَّهَا كَمَسْأَلَةِ الصَّلَاةِ عَارِيًّا مَعَ أَنَّ الرَّحْلَ لَيْسَ مُعَدًّا لِمَاءِ الِاسْتِعْمَالِ بَلْ لِمَاءِ الشُّرْبِ كَمَا بَيَّنَّا وَمَا وَقَعَ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ مَا لَوْ نَسِيَ مَاءَ الْوُضُوءِ فَتَيَمَّمَ بِأَنَّ فَرْضَ السِّتْرِ وَإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ فَاتَ لَا إلَى خَلَفٍ بِخِلَافِ الْوُضُوءِ لَا يُثْلِجُ الْخَاطِرَ عِنْدَ التَّأَمُّلِ؛ لِأَنَّ فَوَاتَ الْأَصْلِ إلَى خَلَفٍ لَا يَجُوزُ الْخَلَفُ مَعَ فَقْدِ شَرْطِهِ بَلْ إذَا فُقِدَ شَرْطُهُ مَعَ فَوَاتِ الْأَصْلِ يَصِيرُ فَاقِدًا لِلطَّهُورَيْنِ فَيَلْزَمُهُ حُكْمُهُ، وَهُوَ التَّأْخِيرُ عِنْدَهُ وَالتَّشَبُّهُ عِنْدَهُمَا بِالْمُصَلِّينَ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ فَوَاتَ الْأَصْلِ إلَى آخِرِهِ صَحِيحٌ وَأَمَّا قَوْلُهُ بَلْ إذَا فُقِدَ شَرْطُهُ إلَى آخِرِهِ فَلَيْسَ بِظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ شَرْطَ جَوَازِ الْخَلَفِ عَدَمُ الْقُدْرَةِ عَلَى الْأَصْلِ وَفَقْدُ هَذَا الشَّرْطِ بِالْقُدْرَةِ عَلَى الْأَصْلِ فَكَيْفَ يَجْتَمِعُ فَقْدُ شَرْطِ الْخَلَفِ مَعَ فَوَاتِ الْأَصْلِ بَلْ يَلْزَمُ مِنْ فَقْدِ شَرْطِ الْخَلَفِ وُجُودُ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ شَرْطَهُ فَوَاتُ الْأَصْلِ فَفَقْدُهُ بِوُجُودِهِ وَلَا فَرْقَ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ بَيْنَ أَنْ يَذْكُرَهُ فِي الْوَقْتِ أَوْ بَعْدَهُ وَلَوْ مَرَّ بِالْمَاءِ، وَهُوَ مُتَيَمِّمٌ لَكِنَّهُ نَسِيَ أَنَّهُ تَيَمَّمَ يَنْتَقِضُ تَيَمُّمُهُ، وَلَوْ ضَرَبَ الْفُسْطَاطَ عَلَى رَأْسِ الْبِئْرِ قَدْ غَطَّى رَأْسَهَا وَلَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ فَتَيَمَّمَ وَصَلَّى ثُمَّ عَلِمَ بِالْمَاءِ أُمِرَ بِالْإِعَادَةِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ النِّسْيَانَ غَيْرُ مَعْفُوٍّ فِي مَسَائِلَ مِنْهَا مَا لَوْ نَسِيَ الْمُحْدِثُ غَسْلَ بَعْضِ أَعْضَائِهِ وَمِنْهَا لَوْ صَلَّى قَاعِدًا مُتَوَهِّمًا عَجْزَهُ عَنْ الْقِيَامِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ لَوْ صَلَّى إلَخْ) أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ كَمَسْأَلَةِ الصَّلَاةِ عَارِيًّا فِي لُزُومِ الْإِعَادَةِ بِالْإِجْمَاعِ فَوَجْهُهَا ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الثَّوْبَ فِي رَحْلِهِ وَالرَّحْلُ مُعَدٌّ لِلثَّوْبِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُنَاسِبُهُ مَا بَعْدَهُ مَعَ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَنَصُّ مَا فِيهِ لَكِنَّهُ يُشْكِلُ بِمَسْأَلَةِ الصَّلَاةِ مَعَ النَّجَاسَةِ، فَإِنَّهُ قَدْ اعْتَبَرَ الرَّحْلَ فِيهَا دَلِيلَ مَاءِ الِاسْتِعْمَالِ اهـ. وَهَذَا لَا غُبَارَ عَلَيْهِ وَلَعَلَّ لَفْظَةَ الطَّاهِرِ فِي عِبَارَةِ الْمُؤَلِّفِ مِنْ تَحْرِيفِ النُّسَّاخِ وَالْأَصْلُ الْمُطَهِّرُ أَوْ أَرَادَ بِالطَّاهِرِ الْمَاءَ الطَّاهِرَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: لَا يَجُوزُ الْخَلَفُ مَعَ فَقْدِ شَرْطِهِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَقُولُ: بَلْ شَرْطُهُ مَوْجُودٌ لَا مَفْقُودٌ؛ لِأَنَّ النِّسْيَانَ جَعَلَهُ فِي حُكْمِ الْمَعْدُومِ فَانْثَلَجَ الْخَاطِرُ (قَوْلُهُ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ فِي كَلَامِهِ تَدَافُعًا؛ لِأَنَّ فَقْدَ شَرْطِ التَّيَمُّمِ هُوَ الْقُدْرَةُ وَمَعَهَا لَا يَفُوتُ الْأَصْلُ وَفِي النَّهْرِ أَقُولُ: لَا خَفَاءَ أَنَّ مِنْ شَرَائِطِ التَّيَمُّمِ طَهَارَةَ الْمُتَيَمِّمِ عَلَيْهِ فَإِذَا فُقِدَ هَذَا مَعَ فَوَاتِ الْأَصْلِ، وَهُوَ الْقُدْرَةُ عَلَى الْمَاءِ صَارَ فَاقِدَ الطَّهُورَيْنِ، وَهَذَا، وَإِنْ كَانَ عُدُولًا عَنْ الظَّاهِرِ إلَّا أَنَّهُ يَرْتَكِبُ تَصْحِيحًا لِكَلَامِ هَذَا الْإِمَامِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 وَكَانَ قَادِرًا وَمِنْهَا أَنَّ الْحَاكِمَ إذَا حَكَمَ بِالْقِيَاسِ نَاسِيًا النَّصَّ وَمِنْهَا لَوْ نَسِيَ الرَّقَبَةَ فِي الْكَفَّارَةِ فَصَامَ وَمِنْهَا لَوْ تَوَضَّأَ بِمَاءٍ نَجِسٍ نَاسِيًا وَمِنْهَا لَوْ فَعَلَ مَا يُنَافِي الصَّلَاةَ نَاسِيًا وَمِنْهَا لَوْ فَعَلَ مَحْظُورَ الْإِحْرَامِ نَاسِيًا وَمِنْهَا مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ تُعْرَفُ فِي أَثْنَاءِ الْكِتَابِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (قَوْلُهُ: وَيَطْلُبُهُ غَلْوَةً إنْ ظَنَّ قُرْبَهُ، وَإِلَّا لَا) أَيْ يَجِبُ عَلَى الْمُسَافِرِ طَلَبُ الْمَاءِ قَدْرَ غَلْوَةٍ إنْ ظَنَّ قُرْبَهُ، وَإِنْ لَمْ يَظُنَّ قُرْبَهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَحَدُّ الْقُرْبِ مَا دُونَ الْمِيلِ قَيَّدْنَا بِهِ؛ لِأَنَّ الْمِيلَ وَمَا فَوْقَهُ بَعِيدٌ لَا يُوجِبُ الطَّلَبَ وَقَيَّدْنَا بِالْمُسَافِرِ؛ لِأَنَّ طَلَبَ الْمَاءِ فِي الْعُمْرَانَاتِ وَاجِبٌ اتِّفَاقًا مُطْلَقًا وَكَذَا لَوْ كَانَ بِقُرْبٍ مِنْهَا وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِ الطَّلَبِ فَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ هُنَا قَدْرَ غَلْوَةٍ، وَهِيَ مِقْدَارُ رَمْيَةِ سَهْمٍ كَمَا فِي التَّبْيِينِ أَوْ ثَلَثِمِائَةِ ذِرَاعٍ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ وَالْمُغْرِبِ إلَى أَرْبَعِمِائَةٍ وَاخْتَارَ فِي الْمُسْتَصْفَى أَنَّهُ يَطْلُبُ مِقْدَارَ مَا يَسْمَعُ صَوْتَ أَصْحَابِهِ وَيُسْمَعُ صَوْتُهُ، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ سَأَلْت أَبَا حَنِيفَةَ عَنْ الْمُسَافِرِ لَا يَجِدُ الْمَاءَ أَيَطْلُبُ عَنْ يَمِينِ الطَّرِيقِ أَوْ عَنْ يَسَارِهِ قَالَ إنْ طَمِعَ فِيهِ فَلْيَفْعَلْ وَلَا يَبْعُدْ فَيَضُرَّ بِأَصْحَابِهِ إنْ انْتَظَرُوهُ وَبِنَفْسِهِ إنْ انْقَطَعَ عَنْهُمْ وَيُوَافِقُهُ مَا صَحَّحَهُ فِي الْبَدَائِعِ فَقَالَ: وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَطْلُبُ قَدْرَ مَا لَا يَضُرُّ بِنَفْسِهِ وَرُفْقَتِهِ بِالِانْتِظَارِ، فَكَانَ هُوَ الْمُعْتَمَدَ وَعَلَى اعْتِبَارِ الْغَلْوَةِ فَالطَّلَبُ أَنْ يَنْظُرَ يَمِينَهُ وَشِمَالَهُ وَأَمَامَهُ وَوَرَاءَ غَلْوَةً كَذَا فِي الْحَقَائِقِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ بَلْ يَكْفِيهِ النَّظَرُ فِي هَذِهِ الْجِهَاتِ، وَهُوَ فِي مَكَانِهِ، وَهَذَا إذَا كَانَ حَوَالَيْهِ لَا يَسْتَتِرُ عَنْهُ، فَإِنْ كَانَ بِقُرْبِهِ جَبَلٌ صَغِيرٌ وَنَحْوُهُ صَعِدَهُ وَنَظَرَ حَوَالَيْهِ إنْ لَمْ يَخَفْ ضَرَرًا عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ الَّذِي مَعَهُ أَوْ الْمُخَلَّفِ فِي رَحْلِهِ فَإِنْ خَافَ لَمْ يَلْزَمْهُ الصُّعُودُ وَالْمَشْيُ كَذَا فِي التَّوْشِيحِ وَلَوْ بَعَثَ مَنْ يَطْلُبُ لَهُ كَفَاهُ عَنْ الطَّلَبِ بِنَفْسِهِ، وَكَذَا لَوْ أَخْبَرَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُرْسِلَهُ كَذَا فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَلَوْ تَيَمَّمَ مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ، وَكَانَ الطَّلَبُ وَاجِبًا وَصَلَّى ثُمَّ طَلَبَهُ فَلَمْ يَجِدْهُ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَفِي الْمُسْتَصْفَى وَفِي إيرَادِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَقِيبَ الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ لَطِيفَةٌ، فَإِنَّ الِاخْتِلَافَ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ بِنَاءً عَلَى اشْتِرَاطِ الطَّلَبِ وَعَدَمِهِ اهـ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَجِبُ الطَّلَبُ مُطْلَقًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} [النساء: 43] ؛ لِأَنَّ الْوُجُودَ يَقْتَضِي سَابِقَةَ الطَّلَبِ، وَهِيَ دَعْوَى لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ} [الأعراف: 44] وَلَا طَلَبَ وقَوْله تَعَالَى {وَوَجَدَكَ ضَالا فَهَدَى} [الضحى: 7] وَقَوْلُهُ {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} [النساء: 92] وَقَوْلُهُ {وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا} [الكهف: 49] وَلَمْ يَطْلُبُوا خَطَايَاهُمْ وقَوْله تَعَالَى {وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ} [الأعراف: 102] وَقَوْلُهُ {فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ} [الكهف: 77] وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ وَجَدَ لُقَطَةً فَلْيُعَرِّفْهَا» وَلَا طَلَبَ مِنْ الْوَاجِدِ وَلِقَوْلِهِ مَنْ وَجَدَ زَادًا وَرَاحِلَةً وَيُقَالُ فُلَانٌ وَجَدَ مَالَهُ، وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْهُ وَوَجَدَ مَرَضًا فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يَطْلُبْهُ فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ الْوُجُودَ يَتَحَقَّقُ مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى جَعَلَ شَرْطَ الْجَوَازِ عَدَمَ الْوُجُودِ مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ فَمَنْ زَادَ شَرْطَ الطَّلَبِ فَقَدْ زَادَ عَلَى النَّصِّ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ بِخِلَافِ الْعُمْرَانَاتِ؛ لِأَنَّ الْعَدَمَ، وَإِنْ ثَبَتَ حَقِيقَةً لَمْ يَثْبُتْ ظَاهِرًا؛ لِأَنَّ كَوْنَ الْمَاءِ فِي الْعُمْرَانَاتِ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ عَلَى وُجُودِ الْمَاءِ؛ لِأَنَّ قِيَامَ الْعِمَارَةِ بِالْمَاءِ فَكَانَ الْعَدَمُ ثَابِتًا مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ وَشَرْطُ الْجَوَازِ الْعَدَمُ الْمُطْلَقُ وَلَا يَثْبُتُ ذَلِكَ فِي الْعُمْرَانَاتِ إلَّا بَعْدَ الطَّلَبِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ قُرْبُهُ؛ لِأَنَّ غَلَبَةَ الظَّنِّ تَعْمَلُ عَمَلَ الْيَقِينِ فِي حَقِّ وُجُوبِ الْعَمَلِ، وَإِنْ لَمْ تَعْمَلْ فِي حَقِّ الِاعْتِقَادِ كَمَا فِي التَّحَرِّي فِي الْقِبْلَةِ وَكَمَا فِي دَفْعِ الزَّكَاةِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: أَيْ يَجِبُ عَلَى الْمُسَافِرِ طَلَبُ الْمَاءِ) يَعْنِي يُفْتَرَضُ كَمَا فِي الشرنبلالية مُسْتَدِلًّا بِقَوْلِ قَاضِي خَانْ يُشْتَرَطُ (قَوْلُهُ: وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَقُولُ: مَعْنَى مَا فِي الْحَقَائِقِ أَنَّهُ يَقْسِمُ الْمَشْيَ مِقْدَارَ الْغَلْوَةِ عَلَى هَذِهِ الْجِهَاتِ فَيَمْشِي عَلَى أَنَّهَا أَرْبَعُمِائَةِ ذِرَاعٍ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ مِائَةُ ذِرَاعٍ إذْ الطَّلَبُ لَا يَتِمُّ بِمُجَرَّدِ النَّظَرِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا مَرَّ عَنْ الْإِمَامِ، وَمَا فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي لَوْ بَعَثَ مَنْ يَطْلُبُ لَهُ كَفَاهُ عَنْ الطَّلَبِ بِنَفْسِهِ وَكَذَا لَوْ أَخْبَرَهُ مُكَلَّفٌ عَدْلٌ مِنْ غَيْرِ إرْسَالٍ إذْ عَلَى مَا فَهِمَهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْبَعْثِ أَصْلًا اهـ. وَاعْلَمْ أَنَّ مَا نَقَلَهُ هُنَا عَنْ الْحَقَائِقِ هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِي الشَّافِي عِنْدَ قَوْلِ النَّسَفِيِّ وَلَا لِفَرْضَيْنِ وَقَبْلَ الْوَقْتِ وَلَا بِغَيْرِ طَلَبٍ وَفَوْتِ مَا نَصُّهُ الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ لَا يَجُوزُ لِعَادِمِ الْمَاءِ أَنْ يَتَيَمَّمَ إلَّا بَعْدَ الطَّلَبِ عِنْدَ تَوَهُّمِ وُجُودِ الْمَاءِ حَوَالَيْهِ وَلَا يَصِحُّ الطَّلَبُ إلَّا بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ وَالطَّلَبُ أَنْ يَنْظُرَ يَمِينَهُ وَشِمَالَهُ وَأَمَامَهُ وَوَرَاءَهُ غَلْوَةً وَعِنْدَنَا لَا يَجِبُ الطَّلَبُ وَعِنْدَ تَحَقُّقِ عَدَمِ الْمَاءِ حَوَالَيْهِ يَتَيَمَّمُ مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ إجْمَاعًا اهـ كَلَامُهُ. وَكَانَ الْمُؤَلِّفُ حَمَلَ كَلَامَهُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ التَّفْسِيرَ لِلطَّلَبِ لَيْسَ خَاصًّا بِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ هَذَا وَفِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ الصَّغِيرِ فَيُطِلُّ يَمِينًا وَيَسَارًا قَدْرَ غَلْوَةٍ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، وَهِيَ ثَلَثُمِائَةِ خُطْوَةٍ إلَى أَرْبَعِمِائَةٍ وَقِيلَ قَدْرُ رَمْيَةِ سَهْمٍ اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ الطَّلَبَ غَلْوَةً مِنْ جَانِبَيْ الْيَمِينِ وَالْيَسَارِ؛ وَلِذَا قَالَ فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَطْلُبَهُ مِقْدَارَ مِيلٍ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ لِلُزُومِ الضَّرَرِ اهـ. وَيُؤَيِّدُهُ مَا مَرَّ مِنْ سُؤَالِ أَبِي يُوسُفَ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَجَوَابُهُ لَهُ وَكَذَا نَقْلُ بَعْضِهِمْ عَنْ الْبُرْجَنْدِيِّ وَخِزَانَةِ الْمُفْتِينَ أَنَّهُ يَجِبُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 لِمَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ فَقْرُهُ وَكَمَا إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ نَجَاسَةُ الْمَاءِ أَوْ طَهَارَتُهُ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ قُرْبُهُ فَلَا يَجِبُ بَلْ يُسْتَحَبُّ إذَا كَانَ عَلَى طَمَعٍ مِنْ وُجُودِ الْمَاءِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَطْمَعْ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ الطَّلَبُ وَعَلَّلَ لَهُ فِي الْمَبْسُوطِ بِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى رَجَاءٍ مِنْهُ وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالظَّنِّ غَالِبُهُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا حَقَّقَهُ اللَّامِشِيُّ فِي أُصُولِهِ أَنَّ أَحَدَ الطَّرَفَيْنِ إذَا قَوِيَ وَتَرَجَّحَ عَلَى الْآخَرِ، وَلَمْ يَأْخُذْ الْقَلْبُ مَا تَرَجَّحَ بِهِ، وَلَمْ يَطْرَحْ الْآخَرَ فَهُوَ الظَّنُّ، وَإِذَا عَقَدَ الْقَلْبُ عَلَى أَحَدِهِمَا وَتَرَكَ الْآخَرَ فَهُوَ أَكْبَرُ الظَّنِّ وَغَالِبُ الرَّأْيِ اهـ. وَغَلَبَةُ الظَّنِّ هُنَا أَمَّا بِأَنْ وَجَدَ إمَارَةً ظَاهِرَةً أَوْ أَخْبَرَهُ مُخْبِرٌ كَذَا أَطْلَقَهُ فِي الْوَشِيحِ وَقَيَّدَهُ فِي الْبَدَائِعِ بِالْعَدْلِ (قَوْلُهُ: وَيَطْلُبُهُ مِنْ رَفِيقِهِ، فَإِنْ مَنَعَهُ تَيَمَّمَ) أَيْ يَطْلُبُ الْمَاءَ مِنْ رَفِيقِهِ أَطْلَقَهُ هُنَا وَفَصَّلَ فِي الْوَافِي فَقَالَ مَعَ رَفِيقِهِ مَاءٌ فَظَنَّ أَنَّهُ إنْ سَأَلَهُ أَعْطَاهُ لَمْ يَجُزْ التَّيَمُّمُ، وَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ أَنَّهُ لَا يُعْطِيهِ يَتَيَمَّمُ، وَإِنْ شَكَّ فِي الْإِعْطَاءِ وَتَيَمَّمَ وَصَلَّى فَسَأَلَهُ فَأَعْطَاهُ يُعِيدُ وَعَلَّلَ لَهُ فِي الْكَافِي بِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّهُ كَانَ قَادِرًا، وَإِنْ مَنَعَهُ قَبْلَ شُرُوعِهِ وَأَعْطَاهُ بَعْدَ فَرَاغِهِ لَمْ يُعِدْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَبَيَّنْ أَنَّ الْقُدْرَةَ كَانَتْ ثَابِتَةً اهـ. اعْلَمْ أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ عَنْ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ وُجُوبُ السُّؤَالِ مِنْ الرَّفِيقِ كَمَا يُفِيدُهُ مَا فِي الْمَبْسُوطِ قَالَ: وَإِذَا كَانَ مَعَ رَفِيقِهِ مَاءٌ فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْأَلَهُ إلَّا عَلَى قَوْلِ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ، فَإِنَّهُ كَانَ يَقُولُ السُّؤَالُ ذُلٌّ وَفِيهِ بَعْضُ الْحَرَجِ وَمَا شُرِعَ التَّيَمُّمُ إلَّا لِدَفْعِ الْحَرَجِ وَلَكِنَّا نَقُولُ مَاءُ الطَّهَارَةِ مَبْذُولٌ عَادَةً بَيْنَ النَّاسِ وَلَيْسَ فِي سُؤَالِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مَذَلَّةٌ فَقَدْ «سَأَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْضَ حَوَائِجِهِ مِنْ غَيْرِهِ» اهـ. فَانْدَفَعَ بِهَذَا مَا وَقَعَ فِي الْهِدَايَةِ وَشَرْحِ الْأَقْطَعِ مِنْ الْخِلَافِ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ فَعِنْدَهُ لَا يَلْزَمُهُ الطَّلَبُ وَعِنْدَهُمَا يَلْزَمُهُ وَانْدَفَعَ مَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مِنْ أَنَّ قَوْلَ الْحَسَنِ حَسَنٌ وَفِي الذَّخِيرَةِ نَقْلًا عَنْ الْجَصَّاصِ أَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ فَمُرَادُهُ فِيمَا إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ مَنْعُهُ تَجْرِي الظِّنَّةُ عَلَيْهِ لَا يَجِبُ الطَّلَبُ مِنْهُ اهـ. وَلَوْ كَانَ مَعَ رَفِيقِهِ دَلْوٌ لَمْ يَجِبْ أَنْ يَسْأَلَهُ وَلَوْ سَأَلَهُ فَقَالَ انْتَظِرْ حَتَّى أَسْتَقِيَ فَالْمُسْتَحَبُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ يَنْتَظِرَ بِقَدْرِ مَا لَا يَفُوتُ الْوَقْتُ، فَإِنْ خَافَ ذَلِكَ تَيَمَّمَ وَعِنْدَهُمَا يُنْظَرُ، وَإِنْ خَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ وَجْهُ قَوْلِهِمَا إنَّ الْوَعْدَ إذَا وُجِدَ صَارَ قَادِرًا بِاعْتِبَارِهِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ يَفِي بِهِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْعَارِي إذَا وَعَدَ لَهُ رَفِيقُهُ الثَّوْبَ كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالتَّوْشِيحِ لَوْ كَانَ مَعَ رَفِيقِهِ دَلْوٌ وَلَيْسَ مَعَهُ لَهُ أَنْ يَتَيَمَّمَ قَبْلَ أَنْ يَسْأَلَهُ عَنْهُ وَفِي الْمُجْتَبَى رَأَى فِي صَلَاتِهِ مَاءً فِي يَدِ غَيْرِهِ ثُمَّ ذَهَبَ مِنْهُ قَبْلَ الْفَرَاغِ فَسَأَلَهُ فَقَالَ لَوْ سَأَلْتنِي لَأَعْطَيْتُك فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَتْ الْعِدَةُ قَبْلَ الشُّرُوعِ يُعِيدُ لِوُقُوعِ الشَّكِّ فِي صِحَّةِ الشُّرُوعِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُعِيدُ؛ لِأَنَّ الْعِدَةَ بَعْدَ الذَّهَابِ لَا تَدُلُّ عَلَى الْإِعْطَاءِ قَبْلَهُ. اهـ. وَقَدْ قَدَّمْنَا الْفُرُوعَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِهَا عَنْ الزِّيَادَاتِ وَفِي التَّوْشِيحِ وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ إذَا قَالَ أَبَحْت لَك مَالِي لِتَحُجَّ بِهِ، فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ وَأَجْمَعُوا أَنَّ فِي الْمَاءِ إذَا وَعَدَهُ صَاحِبُهُ أَنْ يُعْطِيَهُ لَا يَتَيَمَّمُ وَيَنْتَظِرُ، وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْقُدْرَةَ فِي الْأَوَّلِ لَا تَكُونُ إلَّا بِالْمِلْكِ وَفِي الثَّانِي بِالْإِبَاحَةِ وَفِي الْمُحِيطِ وَلَوْ قَرُبَ مِنْ الْمَاءِ، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِهِ وَلَمْ يَكُنْ بِحَضْرَتِهِ مَنْ يَسْأَلُهُ عَنْهُ أَجْزَأَهُ التَّيَمُّمُ؛ لِأَنَّ الْجَهْلَ بِقُرْبِهِ كَبُعْدِهِ عَنْهُ وَلَوْ كَانَ بِحَضْرَتِهِ مَنْ يَسْأَلُهُ فَلَمْ يَسْأَلْهُ حَتَّى تَيَمَّمَ وَصَلَّى ثُمَّ سَأَلَهُ فَأَخْبَرَهُ بِمَاءٍ قَرِيبٍ لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ بِالسُّؤَالِ كَمَنْ نَزَلَ بِالْعُمْرَانِ وَلَمْ يَطْلُبْ الْمَاءَ لَمْ يَجُزْ تَيَمُّمُهُ وَإِنْ سَأَلَهُ فِي الِابْتِدَاءِ فَلَمْ يُخْبِرْهُ   [منحة الخالق] فِي جَانِبِ الْيَمِينِ وَالْيَسَارِ وَكَذَا فِي الشرنبلالية عَنْ قَاضِي خَانْ لَكِنْ فِيهَا عَنْ الْبُرْهَانِ أَنَّ قَدْرَ الطَّلَبِ بِغَلْوَةٍ مِنْ جَانِبِ ظَنِّهِ اهـ. وَالظَّاهِرُ حَمْلُ عِبَارَاتِهِمْ عَلَى هَذَا تَوْفِيقًا بَيْنَهُمْ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: فَانْدَفَعَ بِهَذَا مَا وَقَعَ فِي الْهِدَايَةِ إلَخْ) قَدْ يُوَفَّقُ بَيْنَ مَا فِي الْمَبْسُوطِ وَمَا فِي الْهِدَايَةِ بِأَنَّ الْحَسَنَ رَوَاهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي غَيْرِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَأَخَذَ هُوَ بِهِ فَاعْتَمَدَ فِي الْمَبْسُوطِ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ وَاعْتَمَدَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ رِوَايَةَ الْحَسَنِ لِكَوْنِهَا أَنْسَبَ بِمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي عَدَمِ اعْتِبَارِ الْقُدْرَةِ بِالْغَيْرِ وَفِي اعْتِبَارِ الْعَجْزِ لِلْحَالِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ كَذَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ لِلْعَلَّامَةِ الْبُرْهَانِ إبْرَاهِيمَ الْحَلَبِيِّ وَذَكَرَ قَبْلَهُ أَنَّ الْوَجْهَ هُوَ التَّفْصِيلُ كَمَا قَالَ أَبُو نَصْرٍ الصَّفَّارُ أَنَّهُ إنَّمَا يَجِبُ السُّؤَالُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ عِزَّةِ الْمَاءِ، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ بِتَحَقُّقِ مَا قَالَا مِنْ أَنَّهُ مَبْذُولٌ عَادَةً فِي كُلِّ مَوْضِعٍ ظَاهِرُ الْمَنْعِ عَلَى مَا يَشْهَدُ بِهِ كُلُّ مَنْ عَانَى فِي الْأَسْفَارِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ الطَّلَبُ وَلَا تَصِحَّ الصَّلَاةُ بِدُونِهِ فِيمَا إذَا ظَنَّ الْإِعْطَاءَ لِظُهُورِ دَلِيلِهِمَا دُونَ مَا إذَا ظَنَّ عَدَمَهُ لِكَوْنِهِ فِي مَوْضِعِ عِزَّةِ الْمَاءِ أَمَّا إذَا شَكَّ فِي مَوْضِعِ عِزَّةِ الْمَاءِ أَوْ ظَنَّ الْمَنْعَ فِي غَيْرِهِ فَالِاحْتِيَاطُ فِي قَوْلِهِمَا وَالتَّوَسُّعَةُ فِي قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ فِي السُّؤَالِ ذُلًّا وَقَوْلُ مَنْ قَالَ لَا ذُلَّ فِي سُؤَالِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مَمْنُوعٌ وَاسْتِدْلَالُهُ بِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سَأَلَ ثَمَّ بَعْضَ حَوَائِجِهِ مِنْ غَيْرِهِ مُسْتَدْرَكٌ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ فَلَا يُقَاسُ غَيْرُهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا سَأَلَ افْتَرَضَ عَلَى الْمَسْئُولِ الْبَذْلُ وَلَا كَذَلِكَ غَيْرُهُ اهـ. وَنَحْوُهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ لِلْمُحَقِّقِ ابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ الْحَلَبِيِّ، وَهُوَ كَلَامٌ حَسَنٌ (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ مَعَ رَفِيقِهِ لَوْ لَمْ يَجِبْ أَنْ يَسْأَلَهُ) الَّذِي رَأَيْته فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ يَجِبُ بِدُونِ لَمْ (قَوْلُهُ: لَهُ أَنْ يَتَيَمَّمَ قَبْلَ أَنْ يَسْأَلَهُ عَنْهُ) هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْمِعْرَاجِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 ثُمَّ أَخْبَرَهُ بِمَاءٍ قَرِيبٍ جَازَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا عَلَيْهِ. اهـ. (قَوْلُهُ:، وَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ إلَّا بِثَمَنٍ وَلَهُ ثَمَنُهُ لَا يَتَيَمَّمُ، وَإِلَّا تَيَمَّمَ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ إمَّا إنْ أَعْطَاهُ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ فِي أَقْرَبِ مَوْضِعٍ مِنْ الْمَوَاضِعِ الَّذِي يَعُزُّ فِيهِ الْمَاءُ أَوْ بِالْغَبْنِ الْيَسِيرِ أَوْ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ فَفِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي لَا يُجْزِئُهُ التَّيَمُّمُ لِتَحَقُّقِ الْقُدْرَةِ، فَإِنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى الْبَدَلِ قُدْرَةٌ عَلَى الْمَاءِ كَالْقُدْرَةِ عَلَى ثَمَنِ الرَّقَبَةِ فِي الْكَفَّارَةِ تَمْنَعُ الصَّوْمَ وَفِي الْوَجْهِ الثَّالِثِ يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ لِوُجُودِ الضَّرَرِ، فَإِنَّ حُرْمَةَ مَالِ الْمُسْلِمِ كَحُرْمَةِ نَفْسِهِ وَالضَّرَرُ فِي النَّفْسِ مُسْقِطٌ فَكَذَا فِي الْمَالِ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَنَظِيرُهُ الثَّوْبُ النَّجَسُ إذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَاءٌ، فَإِنَّهُ يُصَلِّي فِيهِ وَلَا يَلْزَمُهُ قَطْعُ الثَّوْبِ مِنْ مَوْضِعِ النَّجَاسَةِ، وَالْمُرَادُ بِالثَّمَنِ الْفَاضِلُ عَنْ حَاجَتِهِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ وَاخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِ الْغَبْنِ الْفَاحِشِ فَفِي النَّوَادِرِ هُوَ ضَعْفُ الْقِيمَةِ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ إذَا قَدَرَ أَنْ يَشْتَرِيَ مَا يُسَاوِي دِرْهَمًا بِدِرْهَمٍ وَنِصْفٍ لَا يَتَيَمَّمُ وَقِيلَ مَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ وَقِيلَ مَا لَا يُتَغَابَنُ فِي مِثْلِهِ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ مُسْقِطٌ وَاقْتَصَرَ فِي الْبَدَائِعِ وَالنِّهَايَةِ عَلَى مَا فِي النَّوَادِرِ فَكَانَ هُوَ الْأَوْلَى وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ غَائِبٌ وَأَمْكَنَهُ الشِّرَاءُ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ وَجَبَ عَلَيْهِ الشِّرَاءُ بِخِلَافِ مَا إذَا وَجَدَ مَنْ يُقْرِضُهُ، فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ لَازِمٌ وَلَا مُطَالَبَةَ قَبْلَ حُلُولِهِ بِخِلَافِ الْقَرْضِ قُيِّدَ بِالْمَاءِ؛ لِأَنَّ الْعَارِيَ إذَا قَدَرَ عَلَى شِرَاءِ الثَّوْبِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَكْثَرُهُ مَجْرُوحًا تَيَمَّمَ وَبِعَكْسِهِ يَغْسِلُ) أَيْ لَوْ كَانَ أَكْثَرُ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ مِنْهُ مَجْرُوحًا فِي الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ أَوْ أَكْثَرُ جَمِيعِ بَدَنِهِ فِي الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ تَيَمَّمَ، وَإِذَا كَانَ الصَّحِيحُ أَكْثَرَ مِنْ الْمَجْرُوحِ يَغْسِلُ؛ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ وَيَمْسَحُ عَلَى الْجِرَاحَةِ إنْ لَمْ يَضُرَّهُ، وَإِلَّا فَعَلَى الْخِرْقَةِ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي حَدِّ الْكَثْرَةِ مِنْهُمْ مَنْ اعْتَبَرَ مِنْ حَيْثُ عَدَدُ الْأَعْضَاءِ، وَمِنْهُمْ مَنْ اعْتَبَرَ الْكَثْرَةَ فِي نَفْسِ كُلِّ عُضْوٍ، فَلَوْ كَانَ بِرَأْسِهِ وَوَجْهِهِ وَيَدَيْهِ جِرَاحَةٌ وَالرِّجْلُ لَا جِرَاحَةَ بِهَا يَتَيَمَّمُ سَوَاءٌ كَانَ الْأَكْثَرُ مِنْ أَعْضَاءِ الْجِرَاحَةِ جَرِيحًا أَوْ صَحِيحًا وَالْآخَرُونَ قَالُوا إنْ كَانَ الْأَكْثَرُ مِنْ كُلِّ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ الْمَذْكُورَةِ جَرِيحًا فَهُوَ الْكَثِيرُ الَّذِي يَجُوزُ مَعَهُ التَّيَمُّمُ، وَإِلَّا فَلَا كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ، وَفِي الْحَقَائِقِ الْمُخْتَارُ اعْتِبَارُ الْكَثْرَةِ مِنْ حَيْثُ عَدَدُ الْأَعْضَاءِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي الْوُضُوءِ، وَأَمَّا فِي الْغُسْلِ فَالظَّاهِرُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَكْثَرَ الْبَدَنِ صَحِيحًا أَوْ جَرِيحًا الْأَكْثَرِيَّةُ مِنْ حَيْثُ الْمِسَاحَةُ فَلَوْ اسْتَوَيَا لَا رِوَايَةً فِيهِ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَتَيَمَّمُ وَلَا يَسْتَعْمِلُ الْمَاءَ أَصْلًا وَقِيلَ يَغْسِلُ   [منحة الخالق] وَفِي السِّرَاجِ قِيلَ يَجِبُ الطَّلَبُ وَقِيلَ لَا يَجِبُ قَالَ فِي النَّهْرِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْأَوَّلُ بِنَاءً عَلَى الظَّاهِرِ وَالثَّانِي عَلَى مَا فِي الْهِدَايَة (قَوْلُهُ: قُيِّدَ بِالْمَاءِ؛ لِأَنَّ الْعَارِيَ إذَا قَدَرَ عَلَى شِرَاءِ الثَّوْبِ) يُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ بَيَاضٌ بَعْدَ قَوْلِهِ الثَّوْبُ وَفِي بَعْضِهَا لَفْظَةُ لَا يَجِبُ وَفِي بَعْضِهَا لَا يُصَلِّي عُرْيَانًا وَهَاتَانِ النُّسْخَتَانِ مُخْتَلِفَتَانِ حُكْمًا؛ لِأَنَّ مَعْنَى الثَّانِيَةِ مِنْهُمَا يَجِبُ وَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ حَكَاهُمَا فِي السِّرَاجِ فَقَالَ وَلَوْ مَلَكَ ثَمَنَ الثَّوْبِ هَلْ يُكَلَّفُ شِرَاءَهُ قَالَ إسْمَاعِيلُ الْإِمَامُ لَا وَلَوْ مَلَكَ ثَمَنَ الْمَاءِ يُكَلَّفُ شِرَاءَهُ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْفَضْلِ وَأَبُو عَلِيٍّ النَّسَفِيُّ يَجِبُ أَنْ يَكُونَا سَوَاءً وَيُكَلَّفُ شِرَاءَ الثَّوْبِ كَمَا يُكَلَّفُ شِرَاءَ الْمَاءِ اهـ. وَالْمُتَبَادَرُ مِنْ قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ قُيِّدَ بِالْمَاءِ إلَخْ الْمَشْيُ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ فَالْأَنْسَبُ نُسْخَةُ لَا يَجِبُ وَسَنَذْكُرُ الْمَسْأَلَةَ أَيْضًا فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ وَالنُّسَخُ هُنَاكَ مُخْتَلِفَةٌ أَيْضًا فَفِي بَعْضِهَا التَّرْدِيدُ وَفِي بَعْضِهَا الْجَزْمُ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ، وَكَانَ صَاحِبُ النَّهْرِ لَمْ يَرَ عِبَارَةَ السِّرَاجِ فَقَالَ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ وَلَوْ قَدَرَ عَلَيْهِ بِثَمَنِ مِثْلِهِ لَمْ يَذْكُرُوهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمَهُ قِيَاسًا عَلَى شِرَاءِ الْمَاءِ اهـ وَمَا بَحَثَهُ مُخَالِفٌ لِمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ أَخِيهِ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا كَانَ الصَّحِيحُ أَكْثَرَ مِنْ الْمَجْرُوحِ يَغْسِلُ) أَيْ إذَا كَانَ يُمْكِنُهُ غَسْلُ الصَّحِيحِ بِدُونِ إصَابَةِ الْمَوْضِعِ الْجَرِيحِ بِالْمَاءِ أَمَّا إذَا كَانَ لَا يُمْكِنُهُ غَسْلُهُ إلَّا بِإِصَابَةِ الْمَاءِ لِلْجَرِيحِ عَلَى وَجْهٍ يَضُرُّهُ، فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ فَفِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا الْجُنُبُ إذَا كَانَ بِهِ جِرَاحَاتٌ فِي عَامَّةِ جَسَدِهِ، وَهُوَ لَا يَسْتَطِيعُ غَسْلَ الْجِرَاحَةِ وَيَسْتَطِيعُ غَسْلَ مَا بَقِيَ، فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي؛ لِأَنَّهُ لَوْ غَسَلَ غَيْرَ مَوْضِعِ الْجِرَاحَةِ رُبَّمَا يَصِلُ الْمَاءُ إلَيْهَا فَيَضُرُّهُ لَا جَرَمَ لَوْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَغْسِلَ غَيْرَ مَوْضِعِ الْجِرَاحَةِ وَيَمْسَحَ عَلَى الْجِرَاحَةِ بِالْمَاءِ إنْ كَانَ لَا يَضُرُّهُ الْمَسْحُ أَوْ يَعْصِبَهَا بِخِرْقَةٍ وَيَمْسَحَ عَلَى الْخِرْقَةِ فَعَلَ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُ أَعْضَائِهِ صَحِيحًا بِأَنْ كَانَتْ الْجِرَاحَةُ عَلَى رَأْسِهِ وَسَائِرُ جَسَدِهِ صَحِيحٌ، فَإِنَّهُ يَدَعُ الرَّأْسَ وَيَغْسِلُ سَائِرَ الْأَعْضَاءِ اهـ. كَذَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ لِابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ فَأَفَادَ أَنَّ الْجِرَاحَةَ لَوْ كَانَتْ بِظَهْرِهِ مَثَلًا بِحَيْثُ لَوْ غَسَلَ مَا فَوْقَهَا أَصَابَهَا الْمَاءُ لَا يَلْزَمُهُ غَسْلُهُ وَأَفَادَ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَا يُمْكِنُهُ مَسْحُ الْجِرَاحَةِ إلَّا إذَا عَصَبَهَا لَزِمَهُ تَعْصِيبُهَا وَمَسْحُ الْعِصَابَةِ (قَوْلُهُ: أَمَّا فِي الْغَسْلِ إلَخْ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 الصَّحِيحَ وَيَمْسَحُ عَلَى الْبَاقِي وَاخْتَارَ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ فِي الِاخْتِيَارِ وَقَالَ إنَّهُ أَحْسَنُ وَفِي الْخُلَاصَةِ أَنَّهُ الْأَصَحُّ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ تَبَعًا لِلزَّيْلَعِيِّ أَنَّهُ الْأَشْبَهُ بِالْفِقْهِ، وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي النَّوَادِرِ وَاخْتَارَ فِي الْمُحِيطِ الثَّانِيَ. وَقَالَ: وَهُوَ الْأَصَحُّ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ، وَهُوَ الصَّحِيحُ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ أَحْوَطُ فَكَانَ أَوْلَى وَفِي الْقُنْيَةِ وَالْمُبْتَغَى بَالِغِينَ الْمُعْجَمَةِ بِيَدِهِ قُرُوحٌ يَضُرُّهُ الْمَاءُ دُونَ سَائِرِ جَسَدِهِ يَتَيَمَّمُ إذَا لَمْ يَجِدْ مَنْ يَغْسِلُ وَجْهَهُ وَقِيلَ يَتَيَمَّمُ مُطْلَقًا اهـ. فَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ قَوْلَهُمْ إذَا كَانَ الْأَكْثَرُ صَحِيحًا يَغْسِلُ الصَّحِيحُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ بِالْيَدَيْنِ جِرَاحَةٌ كَمَا لَا يَخْفَى. (قَوْلُهُ: وَلَا يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا) أَيْ لَا يَجْمَعُ بَيْنَ التَّيَمُّمِ وَالْغُسْلِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ وَلَا نَظِيرَ لَهُ فِي الشَّرْعِ فَيَكُونُ الْحُكْمُ لِلْأَكْثَرِ بِخِلَافِ الْجَمْعِ بَيْنَ التَّيَمُّمِ وَسُؤْرِ الْحِمَارِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ يَتَأَدَّى بِأَحَدِهِمَا لَا بِهِمَا فَجَمَعْنَا بَيْنَهُمَا لِمَكَانِ الشَّكِّ وَكَمَا لَا جَمْعَ بَيْنَ التَّيَمُّمِ وَالْغُسْلِ لَا جَمْعَ بَيْنَ الْحَيْضِ وَالِاسْتِحَاضَةِ وَلَا بَيْنَ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَلَا بَيْنَ الِاسْتِحَاضَةِ وَالنِّفَاسِ وَلَا بَيْنَ الْحَيْضِ وَالْحَبَلِ وَلَا بَيْنَ الزَّكَاةِ وَالْعُشْرِ وَلَا بَيْنَ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ وَلَا بَيْنَ الْفِطْرَةِ وَالزَّكَاةِ وَلَا بَيْنَ الْفِدْيَةِ وَالصَّوْمِ وَلَا بَيْنَ الْقَطْعِ وَالضَّمَانِ وَلَا بَيْنَ الْجَلْدِ وَالنَّفْيِ وَلَا بَيْنَ الْقِصَاصِ وَالْكَفَّارَةِ وَلَا بَيْنَ الْحَدِّ وَالْمَهْرِ وَلَا بَيْنَ الْمُتْعَةِ وَالْمَهْرِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْمَسَائِلِ الْآتِيَةِ فِي مَوَاضِعِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَمَا وَقَعَ فِي خِزَانَةِ الْفِقْهِ لِأَبِي اللَّيْثِ أَنَّ عَشْرَةً لَا تَجْتَمِعُ مَعَ عَشْرَةٍ فَلَيْسَ لِلْحَصْرِ كَمَا لَا يَخْفَى. [رَجُلٌ تَيَمَّمَ لِلْجَنَابَةِ وَصَلَّى ثُمَّ أَحْدَثَ وَمَعَهُ مِنْ الْمَاءِ قَدْرُ مَا يَتَوَضَّأُ بِهِ] (فُرُوعٌ) رَجُلٌ تَيَمَّمَ لِلْجَنَابَةِ وَصَلَّى ثُمَّ أَحْدَثَ وَمَعَهُ مِنْ الْمَاءِ قَدْرُ مَا يَتَوَضَّأُ بِهِ، فَإِنَّهُ يَتَوَضَّأُ بِهِ لِصَلَاةٍ أُخْرَى، فَإِنْ تَوَضَّأَ بِهِ وَلَبِسَ خُفَّيْهِ ثُمَّ مَرَّ بِالْمَاءِ وَلَمْ يَغْتَسِلْ حَتَّى صَارَ عَادِمًا الْمَاءَ ثُمَّ حَضَرَتْ الصَّلَاةُ وَمَعَهُ مِنْ الْمَاءِ قَدْرُ مَا يَتَوَضَّأُ بِهِ، فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ وَلَا يَتَوَضَّأُ، فَإِنْ تَيَمَّمَ ثُمَّ حَضَرَتْ الصَّلَاةُ الْأُخْرَى وَقَدْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ، فَإِنَّهُ يَتَوَضَّأُ بِهِ وَيَنْزِعُ خُفَّيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَرَّ بِمَاءٍ قَبْلَ ذَلِكَ مَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ وَفَاقِدُ الطَّهُورَيْنِ فِي الْمِصْرِ بِأَنْ حُبِسَ فِي مَكَان نَجَسٍ وَلَمْ يَجِدْ مَكَانًا طَاهِرًا وَلَا مَاءَ طَاهِرًا وَلَا تُرَابًا طَاهِرًا لَا يُصَلِّي حَتَّى يَجِدَ أَحَدَهُمَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُصَلِّي بِالْإِيمَاءِ تَشَبُّهًا بِالْمُصَلِّينَ قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّمَا يُصَلِّي بِالْإِيمَاءِ عَلَى قَوْلِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ الْمَوْضِعُ يَابِسًا أَمَّا إذَا كَانَ يَابِسًا يُصَلِّي بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ وَمُحَمَّدٌ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَجْمَعُوا أَنَّ الْمَاشِيَ لَا يُصَلِّي، وَهُوَ يَمْشِي وَالسَّابِحُ لَا يُصَلِّي، وَهُوَ يَسْبَحُ وَلَا السَّائِفُ، وَهُوَ يَضْرِبُ بِالسَّيْفِ، وَإِنْ خَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ، وَهَذَا إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يَنْقُرَ الْأَرْضَ أَوْ الْحَائِطَ بِشَيْءٍ، فَإِنْ أَمْكَنَهُ يَسْتَخْرِجُ التُّرَابَ الطَّاهِرَ وَيُصَلِّي بِالْإِجْمَاعِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَجَعَلَ فِي الْمَبْسُوطِ الْمَسَائِلَ الْمُجْمَعَ عَلَيْهَا مُخْتَلَفًا فِيهَا إذَا أَحْدَثَ الْإِمَامُ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ قَالَ ابْنُ الْفَضْلِ إنْ اسْتَخْلَفَ مُتَوَضِّئًا ثُمَّ تَيَمَّمَ وَصَلَّى خَلْفَهُ أَجْزَأَهُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا وَإِنْ تَيَمَّمَ هَذَا الَّذِي أَحْدَثَ وَأَمَّ وَأَتَمَّ جَازَتْ صَلَاةُ الْكُلِّ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ صَلَاةُ الْمُتَوَضِّئِينَ فَاسِدَةٌ وَصَلَاةُ الْمُتَيَمِّمِينَ جَائِزَةٌ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ يَجُوزُ الْبِنَاءُ وَالِاسْتِخْلَافُ وَيَصِحُّ فِيهَا اقْتِدَاءُ الْمُتَوَضِّئِ بِالْمُتَيَمِّمِ كَمَا فِي غَيْرِهَا مِنْ الصَّلَاةِ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ مِنْ التَّيَمُّمِ وَفِي الْخُلَاصَةِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ فِي صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ، وَأَمَّا اقْتِدَاءُ الْمُتَوَضِّئِ بِالْمُتَيَمِّمِ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ فَجَائِزَةٌ بِلَا خِلَافٍ اهـ. وَذَكَرَ الْجَلَّابِيُّ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ لَهُ أَنَّ مَنْ بِهِ وَجَعٌ فِي رَأْسِهِ لَا يَسْتَطِيعُ مَعَهُ مَسْحَهُ يَسْقُطُ فَرْضُ الْمَسْحِ فِي حَقِّهِ اهـ. وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ مُهِمَّةٌ أَحْبَبْت ذِكْرَهَا لِغَرَابَتِهَا وَعَدَمِ وُجُودِهَا فِي غَالِبِ الْكُتُبِ وَقَدْ أَفْتَى بِهَا الشَّيْخُ سِرَاجُ الدِّينِ قَارِئُ الْهِدَايَةِ أُسْتَاذُ الْمُحَقِّقِ كَمَالِ الدِّينِ بْنِ الْهُمَامِ، وَبِهِ انْدَفَعَ مَا كَانَ قَدْ تُوُهِّمَ قَبْلَ الْوُقُوفِ عَلَى هَذَا النَّقْلِ أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ لِعَجْزِهِ عَنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ، وَلَيْسَ بَعْدَ النَّقْلِ إلَّا الرُّجُوعُ إلَيْهِ وَلَعَلَّ الْوَجْهَ فِيهِ أَنْ يُجْعَلَ عَادِمًا لِذَلِكَ الْعُضْوِ حُكْمًا فَتَسْقُطُ وَظِيفَتُهُ كَمَا فِي الْمَعْدُومِ حَقِيقَةً بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بِبَعْضِ الْأَعْضَاءِ الْمَغْسُولَةِ جِرَاحَةٌ، فَإِنَّهُ يَغْسِلُ الصَّحِيحَ وَيَمْسَحُ عَلَى الْجَرِيحِ؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ عَلَيْهِ كَالْغَسْلِ   [منحة الخالق] نَقَلَهُ الْعَلَّامَةُ نُوحٌ أَفَنْدِي عَنْ حَوَاشِي الْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ عَلَى شَرْحِ الْمَجْمَعِ. [الْجَمْعُ بَيْنَ التَّيَمُّمِ وَالْغُسْلِ] (قَوْلُهُ: وَبِهِ انْدَفَعَ مَا كَانَ قَدْ تُوُهِّمَ قَبْلَ الْوُقُوفِ عَلَى هَذَا النَّقْلِ إلَخْ) الَّذِي قَدْ كَانَ تَوَهَّمَ ذَلِكَ الْعَلَّامَةُ عَبْدُ الْبَرِّ بْنُ الشِّحْنَةِ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ عِبَارَةَ الْجَلَّابِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْوَهْبَانِيَّةِ وَنَظَمَهَا بِقَوْلِهِ وَيَسْقُطُ مَسْحُ الرَّأْسِ عَمَّنْ بِرَأْسِهِ مِنْ الدَّاءِ مَا إنْ بَلَّهُ يَتَضَرَّرُ ثُمَّ قَالَ، وَكَانَ يَقَعُ فِي نَفْسِي قَبْلَ وُقُوفِي عَلَى هَذَا النَّقْلِ أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ لِعَجْزِهِ عَنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ وَلَيْسَ بَعْدَ النَّقْلِ إلَّا الرُّجُوعُ وَلَعَلَّ الْوَجْهَ فِيهِ أَنَّهُ يُجْعَلُ عَادِمًا لِذَلِكَ الْعُضْوِ حُكْمًا فَتَسْقُطُ وَظِيفَتُهُ كَمَا فِي الْمَعْدُومِ حَقِيقَةً وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ بَعْدَ النَّقْلِ إلَخْ) يُوهِمُ أَنَّ التَّيَمُّمَ غَيْرُ مَنْقُولٍ مَعَ أَنَّهُ مَنْقُولٌ أَيْضًا فَفِي الْفَيْضِ لِلْكَرْكِيِّ عَنْ غَرِيبِ الرِّوَايَةِ مَنْ بِرَأْسِهِ صُدَاعٌ مِنْ النَّزْلَةِ وَيَضُرُّهُ الْمَسْحُ فِي الْوُضُوءِ أَوْ الْغُسْلِ فِي الْجَنَابَةِ يَتَيَمَّمُ وَالْمَرْأَةُ لَوْ ضَرَّهَا غَسْلُ رَأْسِهَا فِي الْجَنَابَةِ أَوْ الْحَيْضِ تَمْسَحُ عَلَى شَعْرِهَا ثَلَاثَ مَسَحَاتٍ بِمِيَاهٍ مُخْتَلِفَةٍ وَتَغْسِلُ بَاقِيَ جَسَدِهَا اهـ قَالَ فِي الْفَيْضِ: وَهُوَ عَجِيبٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 لِمَا تَحْتَهُ؛ وَلِأَنَّ التَّيَمُّمَ مَسْحٌ فَلَا يَكُونُ بَدَلًا عَنْ مَسْحٍ، وَإِنَّمَا هُوَ بَدَلٌ عَنْ غَسْلٍ وَالرَّأْسُ مَمْسُوحٌ؛ وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ التَّيَمُّمُ فِي الرَّأْسِ وَسَيَأْتِي فِي آخِرِ بَابِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ لِهَذَا زِيَادَةُ تَحْقِيقٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَفِي الْقُنْيَةِ مُسَافِرَانِ انْتَهَيَا إلَى مَاءِ فَزَعَمَ أَحَدُهُمَا نَجَاسَتَهُ فَتَيَمَّمَ وَزَعَمَ الْآخَرُ طَهَارَتَهُ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ جَاءَ مُتَوَضِّئٌ بِمَاءٍ مُطْلَقٍ وَأَمَّهُمَا ثُمَّ سَبَقَهُ الْحَدَثُ فِي صَلَاتِهِ فَذَهَبَ قَبْلَ الِاسْتِخْلَافِ وَأَتَمَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَلَاةَ نَفْسِهِ، وَلَمْ يَقْتَدِ بِصَاحِبِهِ جَازَ؛ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ أَنَّ صَاحِبَهُ مُحْدِثٌ، وَبِهِ أَفْتَى أَئِمَّةُ بَلْخٍ، وَهُوَ حَسَنٌ. اهـ. (بَابُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ) ذَكَرَهُ بَعْدَ التَّيَمُّمِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا طَهَارَةُ مَسْحٍ وَقَدَّمَهُ عَلَيْهِ لِثُبُوتِهِ بِالْكِتَابِ، وَهَذَا ثَابِتٌ بِالسُّنَّةِ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا سَيَأْتِي وَالْمَسْحُ لُغَةً إمْرَارُ الْيَدِ عَلَى الشَّيْءِ وَاصْطِلَاحًا عِبَارَةٌ عَنْ رُخْصَةٍ مُقَدَّرَةٍ جُعِلَتْ لِلْمُقِيمِ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَلِلْمُسَافِرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيِهَا وَالْخُفُّ فِي الشَّرْعِ اسْمٌ لِلْمُتَّخَذِ مِنْ الْجِلْدِ السَّاتِرِ لِلْكَعْبَيْنِ فَصَاعِدًا وَمَا أُلْحِقَ بِهِ وَسُمِّيَ الْخُفُّ خُفًّا مِنْ الْخِفَّةِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ خَفَّ بِهِ مِنْ الْغَسْلِ إلَى الْمَسْحِ ثُمَّ يَحْتَاجُ هُنَا إلَى مَعْرِفَةِ سِتَّةِ أَشْيَاءَ: أَحَدُهُمَا: أَصْلُ الْمَسْحِ. وَالثَّانِي: مَعْرِفَةُ مُدَّتِهِ. وَالثَّالِثُ: مَعْرِفَةُ الْخُفِّ الَّذِي يَجُوزُ عَلَيْهِ الْمَسْحُ. وَالرَّابِعُ: مَعْرِفَةُ مَا يَنْتَقِضُ بِهِ الْمَسْحُ. وَالْخَامِسُ: مَعْرِفَةُ حُكْمِهِ إذَا انْتَقَضَ. وَالسَّادِسُ: مَعْرِفَةُ صُورَتِهِ. وَقَدْ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فَبَدَأَ بِالْأَوَّلِ فَقَالَ (صَحَّ) أَيْ جَازَ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَالصِّحَّةُ فِي الْعِبَادَاتِ عَلَى مَا فِي التَّوْضِيحِ كَوْنُهَا بِحَيْثُ تُوجِبُ تَفْرِيغَ الذِّمَّةِ فَالْمُعْتَبَرُ فِي مَفْهُومِهَا اعْتِبَارًا أَوَّلِيًّا إنَّمَا هُوَ الْمَقْصُودُ الدُّنْيَوِيُّ، وَهُوَ تَفْرِيغُ الذِّمَّةِ، وَإِنْ كَانَ يَلْزَمُهَا الثَّوَابُ مَثَلًا، وَهُوَ الْمَقْصُودُ الْأُخْرَوِيُّ لَكِنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ فِي مَفْهُومِهِ اعْتِبَارًا أَوَّلِيًّا وَالْوُجُوبُ كَوْنُ الْفِعْلِ بِحَيْثُ لَوْ أَتَى بِهِ يُثَابُ وَلَوْ تَرَكَهُ يُعَاقَبُ فَالْمُعْتَبَرُ فِي مَفْهُومِهِ اعْتِبَارًا أَوَّلِيًّا هُوَ الْمَقْصُودُ الْأُخْرَوِيُّ، وَإِنْ كَانَ يَتْبَعُهُ الْمَقْصُودُ الدُّنْيَوِيُّ كَتَفْرِيغِ الذِّمَّةِ وَنَحْوِهِ اهـ. وَاخْتَلَفَ مَشَايِخُنَا هَلْ جَوَازُهُ ثَابِتٌ بِالْكِتَابِ أَوْ بِالسُّنَّةِ فَقِيلَ بِالْكِتَابِ عَمَلًا بِقِرَاءَةِ الْجَرِّ، فَإِنَّهَا لَمَّا عَارَضَتْ قِرَاءَةَ النَّصْبِ حُمِلَتْ عَلَى مَا إذَا كَانَ مُتَخَفِّفًا وَحُمِلَتْ قِرَاءَةُ النَّصْبِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُتَخَفِّفًا وَاخْتَارَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَقَالَ الْجُمْهُورُ: لَمْ يَثْبُتْ بِالْكِتَابِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ {إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6] ؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ غَيْرُ مُقَدَّرٍ بِهَذَا بِالْإِجْمَاعِ وَالصَّحِيحُ أَنَّ جَوَازَهُ ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ كَذَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُسْتَصْفَى وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمَجْمَعِ مُعَلِّلًا بِأَنَّ الْمَاسِحَ عَلَى الْخُفِّ لَيْسَ مَاسِحًا عَلَى الرِّجْلِ حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا؛ لِأَنَّ الْخُفَّ اُعْتُبِرَ مَانِعًا سِرَايَةَ الْحَدَثِ إلَى الْقَدَمِ فَهِيَ طَاهِرَةٌ وَمَا حَلَّ بِالْخُفِّ أُزِيلَ بِالْمَسْحِ فَهُوَ عَلَى الْخُفِّ حَقِيقَةً وَحُكْمًا وَحَمَلُوا قِرَاءَةَ الْجَرِّ عَطْفًا عَلَى الْمَغْسُولِ وَالْجَرُّ لِلْمُجَاوَرَةِ وَقَدْ جَاءَتْ السُّنَّةُ بِجَوَازِهِ قَوْلًا وَفِعْلًا حَتَّى قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ مَا قُلْت بِالْمَسْحِ حَتَّى جَاءَنِي فِيهِ مِثْلُ ضَوْءِ النَّهَارِ وَعَنْهُ أَخَافُ الْكُفْرَ عَلَى مَنْ لَمْ يَرَ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْآثَارَ الَّتِي جَاءَتْ فِيهِ فِي حَيِّزِ التَّوَاتُرِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ خَبَرُ الْمَسْحِ يَجُوزُ نَسْخُ الْكِتَابِ بِهِ لِشُهْرَتِهِ وَقَالَ أَحْمَدُ لَيْسَ فِي قَلْبِي شَيْءٌ مِنْ الْمَسْحِ فِيهِ أَرْبَعُونَ حَدِيثًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا رَفَعُوا وَمَا وَقَفُوا وَعَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَدْرَكْت سَبْعِينَ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَرَوْنَ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَمَنْ لَمْ يَرَ الْمَسْحَ عَلَيْهِمَا جَائِزًا مِنْ الصَّحَابَةِ فَقَدْ صَحَّ رُجُوعُهُمْ كَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ مُنْكِرَ الْمَسْحِ ضَالٌّ مُبْتَدِعٌ مَا رُوِيَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ سُئِلَ عَنْ مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ فَقَالَ هُوَ أَنْ تُفَضِّلَ الشَّيْخَيْنِ وَتُحِبَّ الْخَتَنَيْنِ وَتَرَى الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجْعَلْهُ وَاجِبًا؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ فِعْلِهِ وَتَرْكِهِ كَذَا قَالُوا وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمَسْحُ وَاجِبًا فِي مَوَاضِعَ مِنْهَا إذَا كَانَ مَعَهُ مَاءٌ لَوْ غَسَلَ بِهِ رِجْلَيْهِ لَا يَكْفِي وُضُوءَهُ وَلَوْ مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ يَكْفِيهِ، فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ الْمَسْحُ وَمِنْهَا مَا لَوْ خَافَ خُرُوجَ الْوَقْتِ لَوْ غَسَلَ رِجْلَيْهِ، فَإِنَّهُ يَمْسَحُ وَمِنْهَا إذَا خَافَ فَوْتَ الْوُقُوفِ   [منحة الخالق] [بَابُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ] (قَوْلُهُ: وَاصْطِلَاحًا عِبَارَةٌ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ هُوَ إصَابَةُ الْيَدِ الْمُبْتَلَّةِ الْخُفَّ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا فِي الْمَوْضِعِ الْمَخْصُوصِ فِي الْمُدَّةِ الشَّرْعِيَّةِ (قَوْلُهُ: هُوَ أَنْ تُفَضِّلَ الشَّيْخَيْنِ وَتُحِبَّ الْخَتَنَيْنِ) الْمُرَادُ مِنْ الشَّيْخَيْنِ سَيِّدُنَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَمِنْ الْخَتَنَيْنِ سَيِّدُنَا عُثْمَانُ وَعَلِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا لَمْ يَجْعَلْهُ) أَيْ الْمُصَنِّفُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 بِعَرَفَةَ لَوْ غَسَلَ رِجْلَيْهِ وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهَذَا مِنْ أَئِمَّتِنَا لَكِنِّي رَأَيْته فِي كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ وَقَوَاعِدِنَا لَا تَأْبَاهُ كَمَا لَا يَخْفَى وَلَمْ يَجْعَلْهُ مُسْتَحَبًّا؛ لِأَنَّ مَنْ اعْتَقَدَ جَوَازَهُ وَلَمْ يَفْعَلْهُ كَانَ أَفْضَلَ لِإِتْيَانِهِ بِالْغَسْلِ إذْ هُوَ أَشَقُّ عَلَى الْبَدَنِ قَالَ فِي التَّوْشِيحِ، وَهَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَرَوَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَالْبَيْهَقِيِّ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ أَيْضًا وَقَالَ الشَّعْبِيُّ وَالْحَكَمُ وَحَمَّادٌ وَالْإِمَامُ أَبُو الْحَسَنِ الرُّسْتُغَفْنِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْمَسْحَ أَفْضَلُ، وَهُوَ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ أَمَّا لِنَفْيِ التُّهْمَةِ عَنْ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الرَّوَافِضَ وَالْخَوَارِجَ لَا يَرَوْنَهُ، وَأَمَّا لِلْعَمَلِ بِقِرَاءَةِ النَّصْبِ وَالْجَرِّ وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ، وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ الْمُنْذِرِ احْتَجَّ مَنْ فَضَّلَ الْمَسْحَ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بِهَذَا أَمَرَنِي رَبِّي رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْأَمْرُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْوُجُوبِ كَانَ لِلنَّدْبِ وَلَنَا حَدِيثُ عَلِيٍّ قَالَ رَخَّصَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْحَدِيثُ ذَكَرَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ وَكَذَا فِي حَدِيثِ صَفْوَانَ ذِكْرُ الرُّخْصَةِ وَالْأَخْذِ بِالْعَزِيمَةِ أَوْلَى، فَإِنْ قِيلَ فَهَذِهِ رُخْصَةٌ إسْقَاطٌ لِمَا عُرِفَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ مَشْرُوعًا وَلَا يُثَابَ عَلَى إتْيَانِ الْعَزِيمَةِ هَاهُنَا إذْ لَا تَبْقَى الْعَزِيمَةُ مَشْرُوعَةً إذَا كَانَتْ الرُّخْصَةُ لِلْإِسْقَاطِ كَمَا فِي قَصْرِ الصَّلَاةِ قُلْنَا الْعَزِيمَةُ لَمْ تَبْقَ مَشْرُوعَةً مَا دَامَ مُتَخَفِّفًا أَيْضًا وَالثَّوَابُ بِاعْتِبَارِ النَّزْعِ وَالْغَسْلِ، وَإِذَا نَزَعَ صَارَتْ مَشْرُوعَةً وَسَقَطَ سَبَبُ الرُّخْصَةِ فِي حَقِّهِ أَيْضًا فَكَانَ هَذَا نَظِيرَ مَنْ تَرَكَ السَّفَرَ سَقَطَ عَنْهُ سَبَبُ رُخْصَةِ سُقُوطِ الْقَصْرِ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ إنَّ تَارِكَ السَّفَرِ آثِمٌ اهـ. وَهَكَذَا أَجَابَ النَّسَفِيُّ وَشُرَّاحُ الْهِدَايَةِ وَأَكْثَرُ الْأُصُولِيِّينَ وَمَبْنَى السُّؤَالِ عَلَى أَنَّهُ رُخْصَةُ إسْقَاطٍ وَمَنَعَهُ الشَّارِحُ الزَّيْلَعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَخَطَّأَهُمْ فِي تَمْثِيلِهِمْ بِهِ فِي الْأُصُولِ؛ لِأَنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ أَنَّهُ لَوْ خَاضَ مَاءً بِخُفِّهِ فَانْغَسَلَ أَكْثَرُ قَدَمَيْهِ بَطَلَ الْمَسْحُ وَكَذَا لَوْ تَكَلَّفَ غَسْلُهُمَا مِنْ غَيْرِ نَزْعٍ أَجْزَأَهُ عَنْ الْغَسْلِ حَتَّى لَا يَبْطُلَ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ فَعُلِمَ أَنَّ الْعَزِيمَةَ مَشْرُوعَةٌ مَعَ الْخُفِّ اهـ. وَدَفَعَهُ الْمُحَقِّقُ الْعَلَّامَةُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّ مَبْنَى هَذِهِ التَّخْطِئَةِ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْفَرْعِ، وَهُوَ مَنْقُولٌ فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ لَكِنْ فِي صِحَّتِهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ كَلِمَتَهُمْ مُتَّفِقَةٌ عَلَى أَنَّ الْخُفَّ اُعْتُبِرَ شَرْعًا مَانِعًا سِرَايَةَ الْحَدَثِ إلَى الْقَدَمِ فَتَبْقَى الْقَدَمُ عَلَى طَهَارَتِهَا وَيَحِلُّ الْحَدَثُ بِالْخُفِّ فَيُزَالُ بِالْمَسْحِ وَبَنَوْا عَلَيْهِ مَنْعَ الْمَسْحِ لِلْمُتَيَمِّمِ وَالْمَعْذُورِينَ بَعْدَ الْوَقْتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْخِلَافِيَّاتِ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ غَسْلَ الرِّجْلِ فِي الْخُفِّ وَعَدَمَهُ سَوَاءٌ إذَا لَمْ يَبْتَلَّ مَعَهُ ظَاهِرُ الْخُفِّ فِي أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ بِهِ الْحَدَثُ؛ لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ فَلَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى مَعَ حَدَثٍ وَاجِبِ الرَّفْعِ إذْ لَوْ لَمْ يَجِبْ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ غَسْلُ الرِّجْلِ جَازَتْ الصَّلَاةُ بِلَا غَسْلٍ وَلَا مَسْحٍ فَصَارَ كَمَا لَوْ تَرَكَ ذِرَاعَيْهِ وَغَسَلَ مَحَلًّا غَيْرَ وَاجِبِ الْغَسْلِ كَالْفَخِذِ وَوِزَانُهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ بِلَا فَرْقٍ لَوْ أَدْخَلَ يَدَهُ تَحْتَ الْجُرْمُوقَيْنِ فَمَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَذَكَرَ فِيهَا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ مَشْرُوعًا) أَيْ أَنْ لَا يَكُونَ الْغَسْلُ الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ (قَوْلُهُ مَا دَامَ مُتَخَفِّفًا أَيْضًا) لَفْظُ أَيْضًا مُسْتَدْرَكٌ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ: وَوِزَانُهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ بِلَا فَرْقٍ) قَالَ فِي الشرنبلالية يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ نَفْيَ الْفَرْقِ فِيهِ تَأَمُّلٌ، وَإِنَّ الْأَوْجَهِيَّةَ إنَّمَا هِيَ عَلَى مَا إذَا خَاضَ الْمَاءَ لَا عَلَى مَا إذَا تَكَلَّفَ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ دَاخِلَهُ وَلَمْ يَحْكُمْ ذَلِكَ الْفَرْعُ بِالْإِجْزَاءِ بِالْخَوْضِ فِيمَا ذُكِرَ صَرِيحًا بِبُطْلَانِ الْمَسْحِ وَوَجْهُ التَّأَمُّلِ هُوَ أَنَّهُ قَدْ حَكَمَ أَنَّهُ لَمْ يَرْتَفِعْ الْحَدَثُ بِغَسْلِ الرِّجْلِ دَاخِلَ الْخُفِّ لِكَوْنِهِ كَغَسْلِ مَا لَمْ يَجِبْ فَلَمْ يَقَعْ مُعْتَدًّا بِهِ ثُمَّ حَكَمَ بِصِحَّتِهِ بَعْدَ تَمَامِ الْمُدَّةِ فَلَمْ يُوجِبْ النَّزْعَ لِحُصُولِ الْغَسْلِ دَاخِلَ الْخُفِّ، وَهَذَا يُؤَيِّدُ ثُبُوتَ الْفَرْقِ اهـ. وَيُؤَيِّدُ مَا ذَكَرَهُ فِي دَفْعِ الْأَوْجَهِيَّةِ أَنَّ الزَّيْلَعِيَّ ذَكَرَ الْإِجْزَاءَ فِي مَسْأَلَةِ مَا لَوْ تَكَلَّفَ، وَأَمَّا مَسْأَلَةُ مَا لَوْ خَاضَ فَقَالَ فِيهَا بَطَلَ الْمَسْحُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْإِجْزَاءَ فِيهَا وَيَرُدُّ عَلَى الْمُحَقِّقِ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ وَالْأَوْجَهُ إلَخْ أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الصَّلَاةِ بِهِ لِابْتِلَالِ ظَاهِرِ الْخُفِّ لَا لِغَسْلِ الرِّجْلِ، وَهَذَا يُنَاقِضُ قَوْلَهُ ثُمَّ إذَا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ إلَخْ وَاعْتَرَضَهُ الْعَلَّامَةُ الْحَلَبِيُّ أَيْضًا أَوْ لَا بِأَنَّ هَذَا التَّوْجِيهَ إنَّمَا يَتَأَتَّى عَلَى تَقْدِيرِ انْغِسَالِ الرِّجْلَيْنِ كِلْتَيْهِمَا عَلَى التَّمَامِ مَعَ ابْتِلَالِ قَدْرِ الْفَرْضِ مِنْ ظَاهِرِ الْخُفَّيْنِ مَعَ عَدَمِ بُطْلَانِ الْمَسْحِ وَالْمَذْكُورُ فِي ذَلِكَ الْفَرْعِ انْغِسَالُ أَكْثَرِ الرِّجْلِ وَبُطْلَانُ الْمَسْحِ وَوُجُوبُ نَزْعِ الْخُفَّيْنِ وَغَسْلُ الرِّجْلَيْنِ وَفِي قَاضِي خَانْ انْغِسَالُ إحْدَى الرِّجْلَيْنِ وَبُطْلَانُ الْمَسْحِ كَذَلِكَ، وَهَذَا كُلُّهُ يُنَافِي مَا قَالَهُ وَثَانِيًا بِأَنَّا نُفَرِّقُ بَيْنَ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ مَعَ بَقَاءِ التَّخَفُّفِ وَمَسْحِ الْخُفِّ مَعَ بَقَاءِ الْجُرْمُوقِ حَيْثُ اُعْتُبِرَ الْغَسْلُ فِي الْأَوَّلِ وَبَطَلَ مَسْحُ الْخُفِّ بِهِ وَلَمْ يُعْتَبَرْ الْمَسْحُ فِي الثَّانِي بِأَنَّ مَسْحَ الْخُفِّ بَدَلٌ عَنْ الْغَسْلِ وَلَا بَقَاءَ لِلْبَدَلِ مَعَ وُجُودِ الْأَصْلِ وَمَسْحُ الْجُرْمُوقِ لَيْسَ بَدَلًا عَنْ مَسْحِ الْخُفِّ بَلْ هُوَ بَدَلٌ عَنْ الْغَسْلِ أَيْضًا فَعِنْدَ تَقَرُّرِ الْوَظِيفَةِ لَا يُعْتَبَرُ الْبَدَلُ الْآخَرُ فَلْيُتَأَمَّلْ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَكُونُ وِزَانُ الْأَوَّلِ وِزَانَ الثَّانِي اهـ. وَاعْتَرَضَهُ أَيْضًا فَقَالَ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ وَقَوْلُهُ إذَا لَوْ لَمْ يَجِبْ إلَخْ قُلْنَا عَدَمُ وُجُوبِ غَسْلِ الرِّجْلِ عَيْنًا لَا يَسْتَلْزِمُ وُجُوبَ الْمَسْحِ عَيْنًا لِجَوَازِ كَوْنِ الْوَاجِبِ أَحَدَهُمَا لَا عَلَى التَّعْيِينِ كَسَائِرِ الْوَاجِبَاتِ الْمُخَيَّرَةِ وَتَشْبِيهُهُ بِتَرْكِ الذِّرَاعَيْنِ وَغَسْلِ الْفَخِذِ غَيْرُ صَحِيحٍ عَلَى مَا لَا يَخْفَى، وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ إنَّ كَلِمَتَهُمْ مُتَّفِقَةٌ إلَخْ فَهُوَ أَنَّ الْخُفَّ إنَّمَا اُعْتُبِرَ مَانِعًا سِرَايَةَ الْحَدَثِ تَرْخِيصًا لِدَفْعِ الْحَرَجِ اللَّازِمِ بِإِيجَابِ الْغَسْلِ عَيْنًا فَإِذَا حَصَلَ الْغَسْلُ زَالَ التَّرَخُّصُ لِزَوَالِ سَبَبِهِ الْمُخْتَصِّ هُوَ بِهِ فَقَدْرُ حُلُولِ الْحَدَثِ قَبِيلَ الْغَسْلِ مَحَلُّ الْغَسْلِ فِي مَحَلِّهِ فَلْيُتَأَمَّلْ فَلَا مَحِيصَ حِينَئِذٍ عَنْ إشْكَالِ الزَّيْلَعِيِّ عَلَى أَهْلِ الْأُصُولِ، وَأَمَّا اعْتِرَاضُهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 أَنَّهُ لَمْ يَجُزْ وَلَيْسَ إلَّا؛ لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْحَدَثِ وَالْأَوْجَهُ فِي ذَلِكَ الْفَرْعِ كَوْنُ الْأَجْزَاءِ إذَا خَاضَ النَّهْرَ لِابْتِلَالِ الْخُفِّ ثُمَّ إذَا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ إنَّمَا لَا يَتَقَيَّدُ بِهَا لِحُصُولِ الْغَسْلِ بِالْخَوْضِ وَالنَّزْعُ إنَّمَا وَجَبَ لِلْغَسْلِ وَقَدْ حَصَلَ اهـ. وَظَاهِرُهُ تَسْلِيمُ التَّخْطِئَةِ لَوْ صَحَّ الْفَرْعُ وَقَدْ رَدَّ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ التَّخْطِئَةَ عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّةِ الْفَرْعِ أَيْضًا بِأَنَّ هَذَا سَهْوٌ وَقَعَ مِنْ الزَّيْلَعِيِّ؛ لِأَنَّ مُرَادَهُمْ بِالْمَشْرُوعِيَّةِ الْجَوَازُ فِي نَظَرِ الشَّارِعِ بِحَيْثُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الثَّوَابُ لَا أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ حُكْمٌ مِنْ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ يَدُلُّ عَلَيْهِ تَنْظِيرُهُمْ بِقَصْرِ الصَّلَاةِ، فَإِنْ أَتَى بِالْعَزِيمَةِ بِأَنْ صَلَّى أَرْبَعًا وَقَعَدَ عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ يَأْثَمُ مَعَ أَنَّ فَرْضَهُ يَتِمُّ وَتَحْقِيقُ جَوَابِهِ أَنَّ الْمُتَرَخِّصَ مَا دَامَ مُتَرَخِّصًا لَا يَجُوزُ لَهُ الْعَمَلُ بِالْعَزِيمَةِ فَإِذَا زَالَ التَّرَخُّصُ جَازَ لَهُ ذَلِكَ، فَإِنَّ الْمُسَافِرَ مَا دَامَ مُسَافِرًا لَا يَجُوزُ لَهُ الْإِتْمَامُ حَتَّى إذَا افْتَتَحَهَا بِنِيَّةِ الْأَرْبَعِ يَجِبُ قَطْعُهَا وَالِافْتِتَاحُ بِالرَّكْعَتَيْنِ لِمَا سَيَأْتِي فِي صَلَاةِ الْمُسَافِرِ فَإِذَا افْتَتَحَهَا بِنِيَّةِ ثِنْتَيْنِ وَنَوَى الْإِقَامَةَ أَثْنَاءَ الصَّلَاةِ تَحَوَّلَتْ إلَى الْأَرْبَعِ فَالْمُتَخَفِّفُ مَا دَامَ مُتَخَفِّفًا لَا يَجُوزُ لَهُ الْغَسْلُ حَتَّى إذَا تَكَلَّفَ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ مِنْ غَيْرِ نَزْعٍ أَثِمَ، وَإِنْ أَجْزَأَهُ عَنْ الْغَسْلِ وَإِذَا نَزَعَ الْخُفَّ وَزَالَ التَّرَخُّصُ صَارَ الْغَسْلُ مَشْرُوعًا يُثَابُ عَلَيْهِ وَالْعَجَبُ أَنَّ هَذَا مَعَ وُضُوحِهِ لِمَنْ تَدَرَّبَ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ كَيْفَ خَفَى عَلَى فَحْلٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْفُحُولِ اهـ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْعَزِيمَةَ مَا كَانَ حُكْمًا أَصْلِيًّا غَيْرَ مَبْنِيٍّ عَلَى أَعْذَارِ الْعِبَادِ وَالرُّخْصَةُ مَا بُنِيَ عَلَى أَعْذَارِ الْعِبَادِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ فِي تَعْرِيفِهِمَا عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ كَمَا عُرِفَ فِيهِ. وَاعْلَمْ أَنَّ فِي تَتِمَّةِ الْفَتَاوَى الصُّغْرَى وَفِي فَتَاوَى الشَّيْخِ الْإِمَامِ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ أَنَّهُ إذَا ابْتَلَّ قَدَمُهُ لَا يَنْتَقِضُ مَسْحُهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّ اسْتِتَارَ الْقَدَمِ بِالْخُفِّ يَمْنَعُ سِرَايَةَ الْحَدَثِ إلَى الرِّجْلِ فَلَا يَقَعُ هَذَا غَسْلًا مُعْتَبَرًا فَلَا يُوجِبُ بُطْلَانَ   [منحة الخالق] عَلَى الْفَرْعِ الْمَذْكُورِ، فَإِنَّمَا يَتِمُّ عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّةِ تَمْثِيلِهِمْ وَعَدَمِ صِحَّةِ اعْتِرَاضِهِ عَلَيْهِمْ فَلْيُتَأَمَّلْ انْتَهَى. (قَوْلُهُ: وَتَحْقِيقُ جَوَابِهِ) أَيْ جَوَابُ صَاحِبِ الْكَافِي الْإِمَامِ النَّسَفِيِّ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ الدُّرَرِ، وَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُؤَلَّفِ أَنْ يَأْتِيَ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ حَيْثُ لَمْ يَنْقُلْ الْعِبَارَةَ بِعَيْنِهَا كَمَا قَالَ أَوَّلًا؛ لِأَنَّ مُرَادَهُمْ وَلَمْ يَقُلْ؛ لِأَنَّ مُرَادَهُ (قَوْلُهُ: أَثِمَ) قَالَ فِي الشرنبلالية فِي تَأْثِيمِهِ نَظَرٌ لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ: وَالْعَجَبُ إلَخْ) أَجَابَ عَنْهُ الْعَلَّامَةُ الْحَلَبِيُّ فَقَالَ بَعْدَ نَقْلِهِ مَا سَبَقَ عَنْ صَاحِبِ الدُّرَرِ أَقُولُ: مَا قَالَهُ مِنْ الْمُرَادِ بِالْمَشْرُوعِيَّةِ، وَهُوَ الْجَوَازُ بِحَيْثُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الثَّوَابُ غَيْرُ مُسَلَّمٍ، فَإِنَّ أَئِمَّتَنَا إنَّمَا يُرِيدُونَ بِمَشْرُوعِيَّةِ الْفِعْلِ الْجَوَازَ بِحَيْثُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَحْكَامُهُ غَيْرَ أَنَّ الثَّوَابَ مِنْ جُمْلَةِ أَحْكَامِ الْفِعْلِ الَّذِي يُقْصَدُ بِهِ الْعِبَادَةُ فَغَسْلُ الرِّجْلِ حَالَ التَّخَفُّفِ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَشْرُوعًا لَمَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ حُكْمُهُ مِنْ جَوَازِ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا مِمَّا تُشْتَرَطُ لَهُ الطَّهَارَةُ وَاسْتِدْلَالُهُ بِتَنْظِيرِهِ مِنْ قَصْرِ الصَّلَاةِ غَيْرُ صَحِيحٍ، فَإِنَّ الْمُسَافِرَ إذَا صَلَّى أَرْبَعًا وَقَعَدَ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ لَا يَكُونُ آتِيًا بِالْعَزِيمَةِ وَلَيْسَ فِي وُسْعِهِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ فَرْضَهُ رَكْعَتَانِ لَا يُطِيقُ الزِّيَادَةَ عَلَيْهِمَا فَرْضًا كَمَا لَا يُطِيقُ الْمُقِيمُ الزِّيَادَةَ عَلَى الْأَرْبَعِ فَرْضًا، وَإِنَّمَا يُتِمُّ فَرْضَهُ رَكْعَتَيْنِ فَحَسْبُ وَأَثِمَ لِبِنَاءِ النَّفْلِ، وَهُوَ الرَّكْعَتَانِ الْأُخْرَيَانِ عَلَى تَحْرِيمَةِ الْفَرْضِ لَا؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِالْعَزِيمَةِ مَعَ عَدَمِ جَوَازِهَا وَإِبَاحَتِهَا لَهُ بِخِلَافِ الْمُتَخَفِّفِ الَّذِي انْغَسَلَ أَكْثَرُ رِجْلِهِ حَيْثُ اُعْتُبِرَ الْغَسْلُ شَرْعًا وَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ حُكْمٌ مِنْ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ، وَهُوَ بُطْلَانُ الْمَسْحِ وَلُزُومُ نَزْعِ الْخُفِّ لِإِتْمَامِ الْغَسْلِ وَلَوْ قَدَرَ أَنَّهُ غَسَلَ كِلْتَا الرِّجْلَيْنِ مُتَخَفِّفًا لَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَنْتَقِضُ بِتَمَامِ الْمُدَّةِ وَلَا بِنَزْعِ الْخُفِّ مَعَ جَوَازِ الْأَفْعَالِ الَّتِي تُشْتَرَطُ لَهَا الطَّهَارَةُ بِهِ فَثَبَتَ مَشْرُوعِيَّةُ الْغَسْلِ حَالَ التَّخَفُّفِ بِمَعْنَى تَصَوَّرَ وُجُودُهُ شَرْعًا وَتَحَقُّقُهُ بِخِلَافِ الْإِتْمَامِ وَاعْتِرَاضُ الزَّيْلَعِيِّ عَلَى أَهْلِ الْأُصُولِ مُقَرَّرٌ، وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّةِ الْفَرْعِ الَّذِي ذَكَرَهُ، وَهُوَ مَنْقُولٌ فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ وَغَيْرِهَا اهـ. قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ وَحَاصِلُهُ مَنْعُ كَوْنِ الْمَسْحِ رُخْصَةَ إسْقَاطٍ وَإِثْبَاتُ أَنَّهُ مِنْ النَّوْعِ الثَّانِي مِنْ الرُّخْصَةِ، وَهُوَ مَا يُرَخَّصُ مَعَ قِيَامِ السَّبَبِ كَفِطْرِ الْمُسَافِرِ وَفِي هَذَا النَّوْعِ يَجُوزُ الْعَمَلُ بِالْعَزِيمَةِ مَعَ وُجُودِ التَّرَخُّصِ؛ لِأَنَّ الْمُسَافِرَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَصُومَ فِي حَالِ السَّفَرِ وَيُثَابَ عَلَيْهِ فَالْمُتَخَفِّفُ إذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ حَالَ التَّخَفُّفِ يَكُونُ مَشْرُوعًا وَيُثَابُ عَلَيْهِ إذَا لَوْ لَمْ يَكُنْ مَشْرُوعًا لَمَا بَطَلَ مَسْحُهُ إذَا خَاضَ الْمَاءَ وَدَخَلَ فِي الْخُفِّ وَلَمَّا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ حُكْمُهُ وَأَنْتَ خَبِيرٌ إذَا تَأَمَّلْت كَلَامَ الْمُحَقِّقِ كَمَالِ الدِّينِ وَكَلَامَ صَاحِبِ الدُّرَرِ عَلِمْت أَنَّ تَنْظِيرَ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي إشْكَالِ الزَّيْلَعِيِّ بِمَلْحَظٍ غَيْرِ مَلْحَظِ الْآخَرِ فَمُحَصَّلُ مَا قَالَهُ الْمُحَقِّقُ مَنْعُ صِحَّةِ كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ وَمَنْعُ صِحَّةِ الْفَرْعِ الَّذِي اسْتَنَدَ إلَيْهِ وَمُحَصَّلُ مَا قَالَهُ صَاحِبُ الدُّرَرِ صِحَّةُ كَلَامِهِ فِي ذَاتِهِ وَمَنْعُ وُرُودِهِ عَلَى النَّسَفِيِّ وَالْعَلَّامَةِ الْحَلَبِيِّ مَنَعَ مَنْعَهُ وَأَثْبَتَ وُرُودَهُ عَلَيْهِ وَعَلَى مَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ وَرَدَّ كَلَامَ الْمُحَقِّقِ وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ اهـ. مُلَخَّصًا. لَكِنْ لَا يَخْفَى عَلَيْك مَا فِي كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ وَالْحَلَبِيِّ مِنْ نَفْيِ رُخْصَةِ الْإِسْقَاطِ وَادِّعَاءِ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ النَّوْعِ الثَّانِي، فَإِنَّ حُكْمَهُ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْأُصُولِ أَنَّ الْأَخْذَ بِالْعَزِيمَةِ أَوْلَى كَفِطْرِ الْمُسَافِرِ وَالْغَسْلُ حَالَ التَّخَفُّفِ لَيْسَ كَذَلِكَ؛ وَلِهَذَا قَالَ الْعَلَّامَةُ مُحَمَّدٌ الْقُهُسْتَانِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى مُخْتَصَرِ الْوِقَايَةِ وَلَيْسَ مِنْ رُخْصَةِ التَّرْفِيهِ فِي شَيْءٍ إذْ الْمَعْنَى رُخْصَةٌ مُخَفَّفَةٌ لِجَوَازِ التَّأْخِيرِ عَنْ وَقْتِهِ لِلْعُذْرِ، وَإِنْ كَانَ الْأَفْضَلُ أَنْ لَا يُؤَخِّرَ كَقَصْرِ الْمُسَافِرِ فَلَوْ كَانَ مِنْهَا لَزِمَ أَنْ يَكُونَ غَسْلُ الْمُتَخَفِّفِ أَفْضَلَ مِنْ مَسْحِهِ وَلَا يَخْفَى مَا فِي الْمَقَامِ مِنْ الْكَلَامِ الْوَافِي لِتَحْقِيقِ مَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي فَمَنْ قَالَ إنَّ الْمَسْحَ رُخْصَةُ تَرْفِيهٍ عِنْدَهُمَا فَقَدْ دَلَّ كَلَامُهُ عَلَى بُعْدٍ مِنْ فَهْمِ كَلَامِ الْفُحُولِ كَمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 الْمَسْحِ وَيُوَافِقُهُ مَا فِي شَرْحِ الزَّاهِدِيِّ فِي سِيَاقِ نَقْلِهِ عَنْ الْبَحْرِ الْمُحِيطِ وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ الْعِيَاضِيِّ لَا يَنْتَقِضُ، وَإِنْ بَلَغَ الْمَاءُ الرُّكْبَةَ. اهـ. لَكِنْ ذَكَرَ فِي خَيْرِ مَطْلُوبٍ لَبِسَ خُفَّيْهِ عَلَى الطَّهَارَةِ وَمَسَحَ عَلَيْهِمَا فَدَخَلَ الْمَاءُ إحْدَاهُمَا إنْ وَصَلَ الْكَعْبَ حَتَّى صَارَ جَمِيعُ الرِّجْلِ مَغْسُولًا يَجِبُ غَسْلُ الْأُخْرَى، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ الْكَعْبَ لَا يَنْتَقِضُ مَسْحُهُ وَإِنْ أَصَابَ الْمَاءُ أَكْثَرَ إحْدَى رِجْلَيْهِ اُخْتُلِفَ فِيهِ فَقَدْ عَلِمْت صِحَّةَ مَا بَحَثَهُ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ غَيْرَ أَنَّهُ أَقَرَّ الْقَائِلُ بِأَنَّهُ إذَا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ وَلَمْ يَكُنْ مُحْدِثًا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ غَسْلُ رِجْلَيْهِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَتَعَقَّبَهُ تِلْمِيذُهُ الْعَلَّامَةُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ بِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ غَسْلُ رِجْلَيْهِ ثَانِيًا إذَا نَزَعَهُمَا أَوْ انْقَضَتْ الْمُدَّةُ، وَهُوَ غَيْرُ مُحْدِثٍ؛ لِأَنَّ عِنْدَ النَّزْعِ أَوْ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ يَعْمَلُ ذَلِكَ الْحَدَثُ السَّابِقُ عَمَلَهُ مِنْ السِّرَايَةِ إلَى الرِّجْلَيْنِ وَقْتَئِذٍ فَيَحْتَاجُ إلَى مُزِيلٍ لَهُ عَنْهُمَا حِينَئِذٍ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ الْمُزِيلَ لَا يَظْهَرُ عَمَلُهُ فِي حَدَثٍ طَارِئٍ بَعْدَهُ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ امْرَأَةً) أَيْ وَلَوْ كَانَ الْمَاسِحُ امْرَأَةً لِإِطْلَاقِ النُّصُوصِ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْخِطَابَ الْوَارِدَ فِي أَحَدِهِمَا يَكُونُ وَارِدًا فِي حَقِّ الْآخَرِ مَا لَمْ يَنُصَّ عَلَى التَّخْصِيصِ، وَأَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْحَاجَّةِ وَلِغَيْرِهَا سَفَرًا وَحَضَرًا. (قَوْلُهُ: لَا جُنُبًا) أَيْ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ لِمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْغَسْلُ وَالْمُحَقِّقُونَ عَلَى أَنَّ الْمَوْضِعَ مَوْضِعُ النَّفْيِ فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّصْوِيرِ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا أَجْنَبَ وَقَدْ لَبِسَ عَلَى وُضُوءٍ وَجَبَ نَزْعُ خُفَّيْهِ وَغَسْلُ رِجْلَيْهِ وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ أَنَّ الْجَنَابَةَ أَلْزَمَتْهُ غُسْلَ جَمِيعِ الْبَدَنِ وَمَعَ الْخُفِّ لَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ وَفِي الْكِفَايَةِ صُورَتُهُ تَوَضَّأَ وَلَبِسَ جَوْرَبَيْنِ مُجَلَّدَيْنِ ثُمَّ أَجْنَبَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَشُدَّهُمَا وَيَغْسِلَ سَائِرَ جَسَدِهِ مُضْطَجِعًا وَيَمْسَحَ عَلَيْهِ اهـ. وَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا فِي النِّهَايَةِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى الِاغْتِسَالُ مَعَ وُجُودِ الْخُفِّ مَلْبُوسًا وَقِيلَ صُورَتُهُ مُسَافِرٌ أَجْنَبَ وَلَا مَاءَ عِنْدَهُ فَتَيَمَّمَ وَلَبِسَ ثُمَّ أَحْدَثَ وَوَجَدَ مَاءً يَكْفِي وُضُوءَهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْمَسْحُ؛ لِأَنَّ الْجَنَابَةَ سَرَتْ إلَى الْقَدَمَيْنِ وَالتَّيَمُّمُ لَيْسَ بِطَهَارَةٍ كَامِلَةٍ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْمَسْحُ إذَا لَبِسَهُمَا عَلَى طَهَارَتِهِ فَيَنْزِعُهُمَا وَيَغْسِلُهُمَا فَإِذَا فَعَلَ وَلَبِسَ ثُمَّ أَحْدَثَ وَعِنْدَهُ مَاءٌ يَكْفِي لِلْوُضُوءِ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ؛ لِأَنَّ هَذَا الْحَدَثَ يَمْنَعُهُ الْخُفُّ السِّرَايَةَ لِوُجُودِهِ بَعْدَ اللُّبْسِ عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ فَلَوْ مَرَّ بَعْدَ ذَلِكَ بِمَاءٍ كَثِيرٍ عَادَ جُنُبًا فَإِذَا لَمْ يَغْتَسِلْ حَتَّى فَقَدَهُ تَيَمَّمَ لَهُ فَإِذَا أَحْدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ وَعِنْدَهُ مَاءٌ يَكْفِي لِلْوُضُوءِ تَوَضَّأَ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ عَادَ جُنُبًا، فَإِنْ أَحْدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ وَعِنْدَهُ مَاءٌ لِلْوُضُوءِ فَقَطْ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ وَعَلَى هَذَا تَجْرِي الْمَسَائِلُ وَقَدْ ذَكَرَ شُرَّاحُ الْهِدَايَةِ أَنَّ هَذَا تَكَلُّفٌ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّهُ يُفِيدُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِجَوَازِ الْمَسْحِ كَوْنُ اللُّبْسِ عَلَى طَهَارَةِ الْمَاءِ لَا طَهَارَةِ التَّيَمُّمِ مُعَلَّلًا بِأَنَّ طَهَارَةَ التَّيَمُّمِ لَيْسَتْ بِطَهَارَةٍ كَامِلَةٍ، فَإِنْ أُرِيدَ بِعَدَمِ كَمَالِهَا عَدَمُ الرَّفْعِ عَنْ الرِّجْلَيْنِ فَهُوَ مَمْنُوعٌ، وَإِنْ أُرِيدَ عَدَمُ إصَابَةِ الرِّجْلَيْنِ فِي الْوَظِيفَةِ حِسًّا فَيَمْنَعُ تَأْثِيرُهُ فِي نَفْيِ الْكَمَالِ الْمُعْتَبَرِ فِي الطَّهَارَةِ الَّتِي يَعْقُبُهَا اللُّبْسُ وَيُمْكِنُ أَنْ يُوَجَّهَ الْحُكْمُ الْمَذْكُورَ بِأَنَّ الْمَسْحَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، وَإِنَّمَا وَرَدَ مِنْ فِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى طَهَارَةِ الْمَاءِ وَلَمْ يُرِدْ مِنْ قَوْلِهِ مَا يُوَسِّعُ مَوْرِدَهُ فَيَلْزَمُ فِيهِ الْمَاءُ قَصْرًا عَلَى مَوْرِدِ الشَّرْعِ وَحَدِيثُ صَفْوَانَ صَرِيحٌ فِي مَنْعِهِ لِلْجَنَابَةِ. اهـ. وَهُوَ مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ وَابْنُ خُزَيْمَةَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -   [منحة الخالق] دَلَّ عَلَى قِصَرِ بَاعِهِ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ اهـ. (قَوْلُهُ: فَقَدْ عَلِمْت صِحَّةَ مَا بَحَثَهُ الْمُحَقِّقُ إلَخْ) قَالَ فِي الشرنبلالية قُلْت لَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ فَرْعٍ يُخَالِفُ فَرْعًا غَيْرَهُ بُطْلَانُهُ كَيْفَ وَقَدْ ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ بِقَوْلِهِ مَاسِحُ الْخُفِّ إذَا دَخَلَ الْمَاءُ خُفَّهُ وَابْتَلَّ مِنْ رِجْلِهِ قَدْرَ ثَلَاثَةِ أَصَابِعَ أَوْ أَقَلَّ لَا يَبْطُلُ مَسْحُهُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَدْرَ لَا يُجْزِئُ عَنْ غَسْلِ الرِّجْلِ فَلَا يَبْطُلُ بِهِ حُكْمُ الْمَسْحِ، وَإِنْ ابْتَلَّ بِهِ جَمِيعُ الْقَدَمِ وَبَلَغَ الْكَعْبَ بَطَلَ الْمَسْحُ مَرْوِيٌّ ذَلِكَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اهـ. وَذَكَرَهُ أَيْضًا فِي التَّتَارْخَانِيَّة ثُمَّ قَالَ وَيَجِبُ غَسْلُ الرِّجْلِ الْأُخْرَى ذَكَرَهُ فِي حَيْرَةِ الْفُقَهَاءِ وَعَنْ الشَّيْخِ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ إذَا أَصَابَ الْمَاءُ أَكْثَرَ إحْدَى رِجْلَيْهِ يُنْقَضُ مَسْحُهُ وَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْغَسْلِ وَبِهِ قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ وَفِي الذَّخِيرَةِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ م وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا قَالُوا لَا يَنْتَقِضُ الْمَسْحُ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَوَاقِضِ الْمَسْحِ وَذَكَرَ الْمَرْغِينَانِيُّ أَنَّ غَسْلَ أَكْثَرِ الْقَدَمِ يَنْقُضُهُ فِي الْأَصَحِّ اهـ. فَهَذَا نَصٌّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْفَرْعِ وَضَعُفَ مَا يُقَابِلُهُ اهـ. كَلَامُهُ. (قَوْلُهُ: وَتَعَقَّبَهُ تِلْمِيذُهُ إلَخْ) قَالَ فِي الشرنبلالية أَجَابَ شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ الْمُحِبِّيُّ أَدَامَ اللَّهُ تَعَالَى نَفْعَهُ عَنْ هَذَا مُنِعَ بِأَنَّ صِحَّةَ الْغَسْلِ دَاخِلَ الْخُفِّ الْآنَ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ الْمَانِعِ فَإِذَا زَالَ الْمَانِعُ عَمِلَ الْمُقْتَضَى عَمَلُهُ لِحُصُولِهِ بَعْدَ الْحَدَثِ فِي الْحَقِيقَةِ حَالَ التَّخْفِيفِ فَإِذَا نَزَعَ وَتَمَّتْ الْمُدَّةُ لَا يَجِبُ الْغَسْلُ لِظُهُورِ عَمَلِ الْمُقْتَضَى الْآنَ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَإِذَا أَحْدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ عَادَ جُنُبًا) قَالَ الْعَلَّامَةُ الْحَلَبِيُّ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ مَا ذَكَرَهُ لَيْسَ بِسَدِيدٍ؛ لِأَنَّ الرِّجْلَ بَعْدَ غَسْلِهَا إذْ ذَاكَ لَا تَعُودُ جَنَابَتُهَا بِرُؤْيَةِ الْمَاءِ وَلَا يَلْزَمُ غَسْلُهَا مَرَّةً أُخْرَى لِأَجْلِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 يَأْمُرُنَا إذَا كُنَّا سَفْرًا أَنْ لَا نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيِهَا لَا عَنْ جَنَابَةٍ وَلَكِنْ عَنْ بَوْلٍ وَغَائِطٍ» وَرُوِيَ إلَّا مِنْ جَنَابَةٍ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ الْمَشْهُورَةِ وَرُوِيَ بِحَرْفِ النَّفْيِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَلَكِنَّ الْمَشْهُورَ رِوَايَةُ إلَّا الِاسْتِثْنَائِيَّة وَوَقَعَ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ وَلَكِنْ عَنْ بَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ أَوْ نَوْمٍ بِأَوْ وَالْمَشْهُورُ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ بِالْوَاوِ كَذَا ذَكَرَ النَّوَوِيُّ وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمُجْتَبَى سَأَلْت أُسْتَاذِي نَجْمَ الْأَئِمَّةِ الْبُخَارِيَّ عَنْ صُورَتِهِ فَقَالَ تَوَضَّأَ وَلَبِسَ خُفَّيْهِ ثُمَّ أَجْنَبَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَشُدَّ خُفَّيْهِ فَوْقَ الْكَعْبَيْنِ ثُمَّ يَغْتَسِلَ وَيَمْسَحَ وَمَا ذَكَرُوا مِنْ الصُّوَرِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْجَنَابَةَ لَا تَعُودُ عَلَى الْأَصَحِّ اهـ. وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ وَلَا يَخْفَى ضَعْفُهُ، فَإِنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ التَّيَمُّمَ يَنْتَقِضُ بِرُؤْيَةِ الْمَاءِ، فَإِنْ كَانَ جُنُبًا وَتَيَمَّمَ عَادَتْ الْجَنَابَةُ بِرُؤْيَةِ الْمَاءِ، وَإِنْ كَانَ مُحْدِثًا عَادَ الْحَدَثُ وَاَلَّذِي يَدُلُّك عَلَى أَنَّ الصُّورَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ تَكَلُّفٌ أَنَّهَا لَا تُنَاسِبُ وَضْعَ الْمَسْأَلَةِ إذْ وَضْعُهَا عَدَمُ جَوَازِ الْمَسْحِ لِلْجُنُبِ فِي الْغُسْلِ وَمَا ذُكِرَ إنَّمَا هُوَ عَدَمُ جَوَازِهِ فِي الْوُضُوءِ فَلْيُتَنَبَّهْ لِذَلِكَ وَفِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي قَوْلُهُ مِنْ كُلِّ حَدَثٍ مُوجِبٍ لِلْوُضُوءِ احْتِرَازًا مِنْ الْجَنَابَةِ، وَمَا فِي مَعْنَاهَا مِمَّا يُوجِبُ الْغُسْلَ كَالْحَيْضِ عَلَى أَصْلِ أَبِي يُوسُفَ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ إذَا كَانَتْ مُسَافِرَةً؛ لِأَنَّ أَقَلَّ الْحَيْضِ عِنْدَهُ يَوْمَانِ وَلَيْلَتَانِ وَأَكْثَرُ الْيَوْمِ الثَّالِثِ وَالنِّفَاسُ، فَإِنَّهُ لَا يَنُوبُ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ فِي هَذِهِ الْأَحْدَاثِ عَنْ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ لِعَدَمِ جَعْلِ الْخُفِّ مَانِعًا مِنْ سِرَايَتِهَا إلَى الرِّجْلِ شَرْعًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْجَنَابَةِ حَدِيثُ صَفْوَانَ الْمُتَقَدِّمُ وَيُقَاسُ الْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ فِي ذَلِكَ عَلَيْهَا إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا إجْمَاعٌ اهـ. وَإِنَّمَا جُعِلَ الْحَيْضُ مَبْنِيًّا عَلَى أَصْلِ أَبِي يُوسُفَ لِظُهُورِ أَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى عَلَى أَصْلِهِمَا، فَإِنَّهَا إذَا تَوَضَّأَتْ وَلَبِسَتْ الْخُفَّيْنِ ثُمَّ أَحْدَثَتْ وَتَوَضَّأَتْ وَمَسَحَتْ ثُمَّ حَاضَتْ كَانَ ابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ مِنْ وَقْتِ الْحَدَثِ، فَإِذَا انْقَطَعَ الدَّمُ لِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ انْتَقَضَ الْمَسْحُ قَبْلَهَا فَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يُمْنَعَ الْمَسْحُ لِأَجْلِ غُسْلِ الْحَيْضِ؛ لِأَنَّهُ امْتَنَعَ لِانْتِقَاضِهِ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ، وَإِنْ لَبِسْتهمَا فِي الْحَيْضِ فَغَسْلُ الرِّجْلَيْنِ وَاجِبٌ لِفَوَاتِ شَرْطِ الْمَسْحِ، وَهُوَ لُبْسُ الْخُفَّيْنِ عَلَى طَهَارَةٍ وَالْمَقْصُودُ تَصْوِيرُ الْمَسْأَلَةِ بِحَيْثُ لَا يَكُونُ مَانِعٌ مِنْ مَسْحِ الْخُفَّيْنِ سِوَى وُجُوبِ الِاغْتِسَالِ وَصُورَةُ عَدَمِ مَسْحِ النُّفَسَاءِ أَنَّهَا لَبِسَتْ عَلَى طَهَارَةٍ ثُمَّ نَفِسَتْ وَانْقَطَعَ قَبْلَ ثَلَاثَةٍ، وَهِيَ مُسَافِرَةٌ أَوْ قَبْلَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَهِيَ مُقِيمَةٌ. (قَوْلُهُ: إنْ لَبِسَهُمَا عَلَى وُضُوءٍ تَامٍّ وَقْتَ الْحَدَثِ) يَعْنِي الْمَسْحَ جَائِزٌ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ اللُّبْسُ عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ وَقْتَ الْحَدَثِ وَذِكْرُهُ التَّمَامَ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ النُّقْصَانِ الذَّاتِيِّ لَهُ كَمَا إذَا بَقِيَ لُمْعَةٌ لَمْ يُصِبْهَا الْمَاءُ لَا لِلِاحْتِرَازِ عَنْ طَهَارَةِ أَصْحَابِ الْأَعْذَارِ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا بَعْدَ الْوَقْتِ إذَا تَوَضَّئُوا وَلَبِسُوا مَعَ وُجُودِ الْحَدَثِ الَّذِي اُبْتُلُوا بِهِ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمَشَايِخِ وَعَنْ طَهَارَةِ التَّيَمُّمِ وَبِنَبِيذِ التَّمْرِ عَلَى الْقَوْلِ بِتَعَيُّنِ الْوُضُوءِ بِهِ عِنْدَ وُجُودِهِ وَفَقْدِ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ الطَّهُورِ، فَإِنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ لَا نَقْصَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الطَّهَارَاتِ بَلْ هِيَ مَا بَقِيَ شَرْطُهَا كَالَّتِي بِالْمَاءِ   [منحة الخالق] تِلْكَ الْجَنَابَةِ كَمَا لَوْ غَسَلَهُمَا أَوَّلًا ثُمَّ لَبِسَ الْخُفَّ ثُمَّ أَكْمَلَ الْغَسْلَ، وَإِنَّمَا حَلَّ بِهِمَا بَعْدَ الْغَسْلِ حَدَثٌ وَالْمَسْحُ لِأَجْلِ الْحَدَثِ جَائِزٌ وَصَرَّحَ فِي الْخُلَاصَةِ أَنَّ الْجُنُبَ إذَا اغْتَسَلَ وَبَقِيَ عَلَى جَسَدِهِ لُمْعَةٌ فَلَبِسَ الْخُفَّ ثُمَّ غَسَلَ اللُّمْعَةَ ثُمَّ أَحْدَثَ يَمْسَحُ اهـ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ بَقَاءِ لُمْعَةٍ أَوْ أَكْثَرَ فِي بَقَاءِ الْجَنَابَةِ وَقَدْ لَبِسَ الْخُفَّ، وَهِيَ بَاقِيَةٌ بِبَقَاءِ اللُّمْعَةِ وَجَوَّزَ لَهُ الْمَسْحَ فَكَذَا يَجُوزُ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ. [الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ لِمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْغَسْلُ] (قَوْلُهُ: وَرُوِيَ إلَّا مِنْ جَنَابَةٍ) قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ تَقْرِيرُ هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ وَالِاسْتِدْرَاكِ الْحَاصِلَيْنِ بِإِلَّا وَلَكِنْ هُوَ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ النَّزْعِ؛ لِأَنَّهُ أَرْخَصَ لَهُمْ الْمَسْحَ مَعَ تَرْكِ النَّزْعِ ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْهُ الْجَنَابَةَ فَكَأَنَّهُ قَالَ لَا تَنْزِعُوهَا إلَّا عِنْدَ غُسْلِ الْجَنَابَةِ ثُمَّ قَالَ مُسْتَدْرِكًا لَكِنْ عَنْ بَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ أَوْ نَوْمٍ فَلَا تَنْزِعُوهَا وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ إلَّا مِنْ جَنَابَةٍ تَقْدِيرُهُ أُمِرْنَا أَنْ نَنْزِعَهَا مِنْ جَنَابَةٍ وَهَذِهِ جُمْلَةٌ إيجَابِيَّةٌ فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَسْتَدْرِكَ جَاءَ بِجُمْلَةٍ فَقَالَ لَكِنْ لَا تَنْزِعْهَا مِنْ غَائِطٍ وَبَوْلٍ وَنَوْمٍ وَفَائِدَةُ هَذَا الِاسْتِدْرَاكِ تَبْيِينُ الْحَالَاتِ الَّتِي تَضَمَّنَتْهَا الرُّخْصَةُ وَأَنَّهَا إنَّمَا جَاءَتْ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأَحْدَاثِ خَاصَّةً لَا فِي الْجَنَابَةِ، وَهَذَا التَّقْدِيرُ، وَإِنْ كَانَ مُرَادًا، فَإِنَّهُ فِي حَالَةِ الْإِيجَابِ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْجُمْلَةِ بِتَمَامِهَا، وَإِنَّمَا جَازَ حَذْفُهَا فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْضِعِ لِدَلَالَةِ الْحَالِ عَلَيْهِ وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ قَوْلَهُ أُمِرْنَا أَنْ لَا نَنْزِعَ خِفَافَنَا إلَّا مِنْ جَنَابَةٍ، وَإِنْ كَانَ مَعْنَاهُ الْإِيجَابَ إلَّا أَنَّهُ عَلَى نَفْيٍ وَالِاسْتِدْرَاكُ مِنْ النَّفْيِ لَا يَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِ الْجُمْلَةِ بَعْدَهُ. وَالثَّانِي: أَنَّ قَوْلَهُ مِنْ غَائِطٍ يَسْتَدْعِي عَامِلًا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَرْفُ الْجَرِّ وَأَقْرَبُ مَا يُضْمَرُ لَهُ مِنْ الْعَوَامِلِ فِعْلٌ دَلَّ الْفِعْلُ الظَّاهِرُ عَلَيْهِ، وَهُوَ النَّزْعُ فَكَانَ التَّقْدِيرُ لَكِنْ لَا نَنْزِعُهَا مِنْ غَائِطٍ وَبَوْلٍ وَنَوْمٍ وَهَذِهِ مَعَانٍ دَقِيقَةٌ لَا يُدْرِكُهَا كَثِيرٌ مِنْ الْأَفْهَامِ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَخْفَى ضَعْفُهُ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ مَعْنَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الْجَنَابَةَ لَا تَعُودُ أَيْ جَنَابَةُ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ الْمَغْسُولَةِ لَا تَعُودُ بِمَعْنَى أَنَّهُ سَقَطَ عَنْهَا فَرْضُ الْغَسْلِ فَلَا يَجِبُ غَسْلُهَا ثَانِيًا وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ؛ لِأَنَّ الْجَنَابَةَ لَا تَعُودُ رَدٌّ لِقَوْلِهِمْ الْمَارِّ إذَا أَحْدَثَ وَعِنْدَهُ مَاءٌ لِلْوُضُوءِ تَوَضَّأَ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ عَادَ جُنُبًا وَقَوْلُهُمْ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ الْجَنَابَةَ سَرَتْ إلَى الْقَدَمَيْنِ وَحَاصِلُ الرَّدِّ أَنَّهُ إذَا كَانَ عِنْدَهُ مَاءٌ لِلْوُضُوءِ فَقَطْ لَا يَعُودُ الْجَنَابَةُ إذْ لَيْسَ قَادِرًا عَلَى الْمَاءِ الْكَافِي لِلْجَنَابَةِ وَلَا تَعُودُ جَنَابَةُ أَعْضَاءِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 الْمُطْلَقِ الطَّهُورِ فِي حَقِّ الْأَصِحَّاءِ وَتَحْرِيرُ الْمَسْحِ لِأَصْحَابِ الْأَعْذَارِ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْعُذْرُ غَيْرَ مَوْجُودٍ وَقْتَ الْوُضُوءِ وَاللُّبْسِ، فَإِنَّهُ يَمْسَحُ كَالْأَصِحَّاءِ حَتَّى إذَا كَانَ مُقِيمًا فَيَوْمًا وَلَيْلَةً مِنْ وَقْتِ الْحَدَثِ الْعَارِضِ لَهُ عَلَى الطَّهَارَةِ الْمَذْكُورَةِ بَعْدَ اللُّبْسِ، وَإِنْ كَانَ مُسَافِرًا فَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيِهَا مِنْ وَقْتِ الْحَدَثِ الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّ الْحَدَثَ الْمَذْكُورَ صَادَفَ لُبْسَهُمَا عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ مُطْلَقًا فَجَازَ لَهُ الْمَسْحُ فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ إلَى تَمَامِ الْمُدَّةِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَبِسَ بِطَهَارَةِ الْعُذْرِ بِأَنْ وُجِدَ الْعُذْرُ مُقَارِنًا لِلْوُضُوءِ أَوْ لِلُّبْسِ أَوْ لِكِلَيْهِمَا أَوْ فِيمَا بَيْنَهُمَا وَاسْتَمَرَّ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى لَبِسَ، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ إنَّمَا يَمْسَحُ فِي الْوَقْتِ كُلَّمَا تَوَضَّأَ الْحَدَثَ غَيْرَ مَا ابْتَلَى بِهِ وَلَا يَمْسَحُ خَارِجَ الْوَقْتِ بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ اللُّبْسِ؛ لِأَنَّ الْحَدَثَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ صَادَفَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْوَقْتِ لُبْسًا عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ بِدَلِيلِ أَنَّ الشَّارِعَ أَلْحَقَ ذَلِكَ الْحَدَثَ الَّذِي ابْتَلَى بِهِ بِالْعَدَمِ فِيهِ حَتَّى جَوَّزَ لَهُ أَدَاءَ الصَّلَاةِ مَعَهُ فِيهِ وَصَادَفَ بِالنِّسْبَةِ إلَى خَارِجِ الْوَقْتِ لُبْسًا عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ بِدَلِيلِ أَنَّ الشَّارِعَ لَمْ يُجَوِّزْ لَهُ أَدَاءَ الصَّلَاةِ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ حَدَثٌ آخَرُ، فَإِنَّ هَذِهِ آيَةٌ عَمِلَ الْحَدَثُ السَّابِقُ عَمَلَهُ إذْ خُرُوجُ الْوَقْتِ لَيْسَ بِحَدَثٍ حَقِيقَةً بِالْإِجْمَاعِ فَبَانَ أَنَّ اللُّبْسَ فِي حَقِّهِ حَصَلَ لَا عَلَى طَهَارَةٍ فَلَا جَرَمَ إنْ جَازَ لَهُ الْمَسْحُ فِي الْوَقْتِ لَا خَارِجَهُ فَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا يَمْسَحُ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ فِي ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ وَيَمْسَحُ فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ وَأَمَّا فِي الْوَقْتِ فَيَمْسَحُ مُطْلَقًا كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا وَشَمَلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ صُوَرًا مِنْهَا أَنْ يَبْدَأَ بِغَسْلِ رِجْلَيْهِ ثُمَّ يَلْبَسُهُمَا ثُمَّ يُكْمِلُ الْوُضُوءَ وَمِنْهَا أَنْ يَتَوَضَّأَ إلَّا رِجْلَيْهِ ثُمَّ يَغْسِلُ وَاحِدَةً وَيَلْبَسُ خُفَّهَا ثُمَّ يَغْسِلُ الْأُخْرَى وَيَلْبَسُهُ وَمِنْهَا أَنْ يَبْدَأَ بِلُبْسِ الْخُفَّيْنِ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ إلَّا رِجْلَيْهِ ثُمَّ يَخُوضُ فِي الْمَاءِ فَتَبَتُّلُ رِجْلَاهُ مَعَ الْكَعْبَيْنِ أَوْ عَكْسُهُ بِأَنْ ابْتَلَّ رِجْلَاهُ ثُمَّ تَوَضَّأَ وَفِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ يَجُوزُ لَهُ الْمَسْحُ إذَا أَحْدَثَ لِتَمَامِ الطَّهَارَةِ وَقْتَ الْحَدَثِ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ وَقْتُ اللُّبْسِ فَظَهَرَ بِهَذَا أَنَّ قَوْلَهُ وَقْتُ الْحَدَثِ قَيْدٌ لَا بُدَّ مِنْهُ وَبِهِ يَنْدَفِعُ مَا ذُكِرَ فِي التَّبْيِينِ مِنْ أَنَّهُ زِيَادَةٌ بِلَا فَائِدَةٍ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَنَّ لُبْسَهُمَا عَلَى وُضُوءٍ يُغْنِي عَنْهُ؛ لِأَنَّ اللُّبْسَ يُطْلَقُ عَلَى ابْتِدَاءِ اللُّبْسِ وَعَلَى الدَّوَامِ عَلَيْهِ؛ وَلِهَذَا يَحْنَثُ بِالدَّوَامِ عَلَيْهِ فِي يَمِينِهِ لَا يَلْبَسُ هَذَا الثَّوْبَ، وَهُوَ لَابِسُهُ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ إنْ وُجِدَ لُبْسُهُمَا عَلَى وُضُوءٍ تَامٍّ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ اللُّبْسُ ابْتِدَاءً أَوْ بِالدَّوَامِ عِيهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى تِلْكَ الزِّيَادَةِ اهـ. وَوَجْهُ دَفْعِهِ أَنَّ الْفِعْلَ دَالٌّ عَلَى الْحَدَثِ وَلَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى الدَّوَامِ وَالِاسْتِمْرَارِ قَالَ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ فِي أَوَّلِ الْمُطَوَّلِ الِاسْمُ يَدُلُّ عَلَى الدَّوَامِ وَالِاسْتِمْرَارِ وَالْفِعْلُ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى الْحَقِيقَةِ دُونَ الِاسْتِغْرَاقِ اهـ. فَالْمَعْنَى أَنَّ الشَّرْطَ حُصُولُ اللُّبْسِ عَلَى طُهْرٍ فِي الْجُمْلَةِ عِنْدَ اللُّبْسِ بِشَرْطِ أَنْ تَتِمَّ تِلْكَ الطَّهَارَةُ عِنْدَ الْحَدَثِ وَلَوْ لَمْ يُقَيِّدْ التَّامَّ بِوَقْتِ الْحَدَثِ لِتَبَادُرِ تَقْيِيدِهِ بِوَقْتِ اللُّبْسِ وَحُصُولِ الطُّهْرِ التَّامِّ قَبْلَهُ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى لَفْظَةِ عَلَى وَبَعْدَمَا قَيَّدَ بِوَقْتِ الْحَدَثِ لَمْ يَبْقَ احْتِمَالُ تَقْيِيدِهِ بِوَقْتِ اللُّبْسِ وَكَوْنُ الْفِعْلِ أُطْلِقَ عَلَى الدَّوَامِ فِي مَسْأَلَةِ الْيَمِينِ إنَّمَا هُوَ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ وَالْكَلَامُ فِي تَبَادُرِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ فَلَوْلَا التَّقْيِيدُ بِوَقْتِ الْحَدَثِ لَتَبَادَرَ الْفَهْمُ إلَى الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ، فَإِنْ قِيلَ الْمَفْهُومُ مِنْ الْكِتَابِ عَدَمُ الْجَوَازِ عِنْدَ كَوْنِ اللُّبْسِ عَلَى طُهْرٍ تَامٍّ وَقْتَ اللُّبْسِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ قُلْنَا التَّامُّ وَقْتَ الْحَدَثِ أَعَمُّ مِنْ التَّامِّ فِيهِ فَقَطْ وَالتَّامُّ فِيهِ وَقَبْلَهُ أَيْضًا وَالتَّامُّ وَقْتَ اللُّبْسِ يَكُونُ تَامًّا وَقْتَ الْحَدَثِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا بُدَّ مِنْ لُبْسِهِمَا عَلَى وُضُوءٍ تَامٍّ ابْتِدَاءً لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ الْمُغِيرَةِ «كُنْت مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَفَرٍ فَأَهْوَيْت لِأَنْزِعَ خُفَّيْهِ فَقَالَ دَعْهُمَا، فَإِنِّي أَدْخَلْتهمَا طَاهِرَتَيْنِ فَمَسَحَ عَلَيْهِمَا» وَأَهْوَيْت بِمَعْنَى قَصَدْت وَلِمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِمَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَخَّصَ لِلْمُسَافِرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيِهِنَّ وَلِلْمُقِيمِ يَوْمًا وَلَيْلَةً إذَا تَطَهَّرَ فَلَبِسَ خُفَّيْهِ أَنْ يَمْسَحَ عَلَيْهِمَا» وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّ إسْنَادَهُ صَحِيحٌ وَالْبُخَارِيُّ عَلَى أَنَّهُ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَالْجَوَابُ أَنَّ مَعْنَى أَدْخَلْتهمَا أَدْخَلْت كُلَّ وَاحِدَةٍ الْخُفَّ، وَهِيَ طَاهِرَةٌ   [منحة الخالق] الْوُضُوءِ فَقَطْ؛ لِأَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ الْحَدَثَ لَا يَتَجَزَّأُ زَوَالًا وَلَا ثُبُوتًا، وَإِنَّمَا حَلَّ بِأَعْضَاءِ الْوُضُوءِ الْحَدَثُ الْأَصْغَرُ فَيَكُونُ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ الصُّورَةِ مِنْ قَبِيلِ الْمَسْحِ لِلْحَدَثِ وَالْكَلَامُ فِي الْمَسْحِ لِلْجُنُبِ فَلِذَا كَانَ مَا صَوَّرُوهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ. (قَوْلُهُ: فَلَوْلَا التَّقْيِيدُ بِوَقْتِ الْحَدَثِ إلَخْ) وَفَائِدَتُهُ أَيْضًا كَمَا قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ التَّنْصِيصُ عَلَى مَوْضِعِ الْخِلَافِ وَذَلِكَ شَائِعٌ ذَائِعٌ فَالْقَيْدُ لَيْسَ بِضَائِعٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 لَا أَنَّهُمَا اقْتَرَنَا فِي الطَّهَارَةِ وَالْإِدْخَالِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ عَادَةً، وَهَذَا كَمَا يُقَالُ دَخَلْنَا الْبَلَدَ وَنَحْنُ رُكْبَانٌ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ رَاكِبًا عِنْدَ دُخُولِهَا وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُهُمْ رُكْبَانًا عِنْدَ دُخُولِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَلَا اقْتِرَانُهُمْ فِي الدُّخُولِ كَذَا أَجَابَ فِي التَّبْيِينِ وَغَيْرِهِ لَكِنْ لَا يَصْدُقُ عَلَى الصُّورَةِ الْأَخِيرَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا، وَهِيَ مَا إذَا بَدَأَ بِلُبْسِهِمَا ثُمَّ تَوَضَّأَ إلَى آخِرِهِ نَظَرًا إلَى ابْتِدَاءِ اللُّبْسِ لَا إلَى مَا بَعْدَ الْوُضُوءِ الْكَامِلِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى غَسْلِهِمَا بَعْدَ ذَلِكَ لَكِنَّ أَهْلَ الْمَذْهَبِ لَيْسُوا بِمُعْتَدِّينَ بِابْتِدَاءِ هَذَا اللُّبْسِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بَلْ إنَّمَا هُمْ مُعْتَدُّونَ بِاسْتِمْرَارِهِ لَهُمَا بَعْدَ الْوُضُوءِ الْكَامِلِ تَنْزِيلًا لِاسْتِمْرَارِ اللُّبْسِ مِنْ وَقْتِهِ إلَى حِينِ الْحَدَثِ بَعْدَهُ بِمَنْزِلَةِ ابْتِدَاءِ لُبْسٍ جَدِيدٍ وُجِدَ الْحَدَثُ بَعْدَهُ عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ لِعَقْلِيَّةِ أَنَّ الْمَقْصُودَ وُقُوعُ الْمَسْحِ عَلَى خُفٍّ يَكُونُ مَلْبُوسًا عِنْدَ أَوَّلِ حَدَثٍ يَحْدُثُ بَعْدَ اللُّبْسِ عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ وَهَذَا الْمَقْصُودُ مَوْجُودٌ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ كَمَا فِي الصُّوَرِ الْأُخَرِ أَلَا تَرَى أَنَّ فِي الْوَجْهِ الَّذِي فَعَلَ فِيهِ الْوُضُوءَ بِتَمَامِهِ مُرَتَّبًا لَوْ نَزَعَ رِجْلَيْهِ مِنْ خُفَّيْهِ ثُمَّ أَعَادَهُمَا إلَيْهِمَا مِنْ غَيْرِ إعَادَةِ غَسْلِهِمَا أَنَّهُ يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ إذَا أَحْدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ بِالْإِجْمَاعِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ لَا أَثَرَ لِعَدَمِ الْإِكْمَالِ قَبْلَ ابْتِدَاءِ اللُّبْسِ فِي الْمَنْعِ مِنْ جَوَازِ الْمَسْحِ إذَا وُجِدَ الْإِكْمَالُ بَعْدَ ابْتِدَاءِ اللُّبْسِ قَبْلَ الْحَدَثِ عَلَى أَنَّ كُلًّا مِنْ الْحَدِيثَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ لَيْسَ بِمُتَعَرِّضٍ لِعَدَمِ الْجَوَازِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ اللَّهُمَّ إلَّا إنْ كَانَ حَدِيثَ أَبِي بَكْرَةَ بِطَرِيقِ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ، وَهُوَ طَرِيقٌ غَيْرُ صَحِيحٍ عِنْدَ أَهْلِ الْمَذْهَبِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ مَعَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا وَمَا ضَاهَاهُمَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ خَرَجَ مَخْرَجَ الْبَيَانِ لِمَا هُوَ الْأَكْمَلُ فِي ذَلِكَ وَالْأَحْسَنُ وَأَهْلُ الْمَذْهَبِ قَائِلُونَ بِأَنَّ هَذَا الَّذِي عَيَّنَهُ مُخَالِفُوهُمْ مَحَلًّا لِلْجَوَازِ نَظَرًا إلَى هَذِهِ الْأَحَادِيثِ هُوَ الْوَجْهُ الْأَكْمَلُ. وَاعْلَمْ أَنَّ فِي قَوْلِهِ وَقْتَ الْحَدَثِ تَوَسُّعًا وَالْمُرَادُ قُبَيْلَ الْحَدَثِ أَيْ مُتَّصِلًا بِهِ؛ لِأَنَّ وَقْتَ الْحَدَثِ لَا يُجَامِعُ الطَّهَارَةَ فَكَيْفَ يَكُونُ ظَرْفًا لَهُ، وَإِنَّمَا أَرَادَ الْمُبَالَغَةَ فِي اتِّصَالِ الْوُضُوءِ التَّامِّ بِالْحَدَثِ حَتَّى كَأَنَّهُمَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ كَذَا ذَكَرَهُ مِسْكِينٌ فِي شَرْحِهِ وَقَدْ أَفْصَحَ الْمُصَنِّفُ عَنْ مُرَادِهِ فِي الْكَافِي فَقَالَ شَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ الْحَدَثُ بَعْدَ اللُّبْسِ طَارِئًا عَلَى وُضُوءٍ تَامٍّ وَقَدْ ذُكِرَ فِي التَّوْشِيحِ أَنَّهُ لَوْ تَوَضَّأَ لِلْفَجْرِ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ وَلَبِسَ خُفَّيْهِ وَصَلَّى ثُمَّ أَحْدَثَ وَتَوَضَّأَ لِلظُّهْرِ وَصَلَّى ثُمَّ لِلْعَصْرِ كَذَلِكَ ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّهُ لَمْ يَمْسَحْ رَأْسَهُ فِي الْفَجْرِ يَنْزِعُ خُفَّيْهِ وَيُعِيدُ الصَّلَاةَ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ اللُّبْسَ لَمْ يَكُنْ عَلَى طَهَارَةٍ تَامَّةٍ وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَمْسَحْ فِي الظُّهْرِ فَعَلَيْهِ إعَادَةُ الظُّهْرِ خَاصَّةً لِتَيَقُّنِهِ أَنَّهُ كَانَ عَلَى طَهَارَةٍ فِي الْعَصْرِ تَامَّةٍ فَتَكُونُ طَهَارَتُهُ لِلْعَصْرِ تَامَّةً وَلَا تَرْتِيبَ عَلَيْهِ لِلنِّسْيَانِ وَذَكَرَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ مَعْزِيًّا إلَى الْفَتَاوَى رَجُلٌ لَيْسَتْ لَهُ إلَّا رِجْلٌ وَاحِدَةٌ يَجُوزُ لَهُ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفِّ وَفِي الْبَدَائِعِ لَوْ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى جَبَائِرَ قَدَمَيْهِ وَلَبِسَ خُفَّيْهِ أَوْ كَانَتْ إحْدَى رِجْلَيْهِ صَحِيحَةً فَغَسَلَهَا وَمَسَحَ عَلَى جَبَائِرَ الْأُخْرَى وَلَبِسَ خُفَّيْهِ ثُمَّ أَحْدَثَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَرِئَ الْجُرْحُ مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْجَبَائِرِ لَغَسَلَ لِمَا تَحْتَهُ فَحَصَلَ لُبْسُ الْخُفَّيْنِ عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ كَمَا لَوْ أَدْخَلَهُمَا مَغْسُولَتَيْنِ حَقِيقَةً فِي الْخُفِّ، وَإِنْ كَانَ بَرِئَ الْجُرْحُ نَزَعَ خُفَّيْهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُحْدِثًا بِالْحَدَثِ السَّابِقِ فَظَهَرَ أَنَّ اللُّبْسَ حَصَلَ لَا عَلَى طَهَارَةٍ اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ، وَإِنْ لَبِسَ الْخُفَّ ثُمَّ مَسَحَ عَلَى الْجَبِيرَةِ ثُمَّ بَرِئَ يُكْمِلُ مُدَّتَهُ؛ لِأَنَّهُ لَزِمَهُ غَسْلُ مَا بَرِئَ بِحَدَثٍ مُتَأَخِّرٍ عَنْ اللُّبْسِ، وَإِنْ لَمْ يُحْدِثْ حَتَّى بَرِئَ فَغَسَلَ مَوْضِعَهُ ثُمَّ أَحْدَثَ فَلَهُ أَنْ يَمْسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ لِأَنَّهُ لَمَّا غَسَلَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ فَقَدْ كَمُلَتْ الطَّهَارَةُ فَيَكُونُ الْحَدَثُ طَارِئًا عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ، وَإِنْ أَحْدَثَ قَبْلَ أَنْ يَغْسِلَ مَوْضِعَ الْجِرَاحَةِ بَعْدَ الْبُرْءِ لَا يَمْسَحُ بَلْ يَنْزِعُ الْخُفَّ؛ لِأَنَّ الْحَدَثَ طَرَأَ عَلَى طَهَارَةٍ نَاقِصَةٍ اهـ. وَاعْلَمْ أَنَّا قَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ عَدَمَ مَسْحِ الْمُتَيَمِّمِ بَعْدَ وُجُودِ الْمَاءِ لَمْ يُسْتَفَدْ مِنْ اشْتِرَاطِ اللُّبْسِ عَلَى الْوُضُوءِ التَّامِّ؛ لِأَنَّ طَهَارَةَ التَّيَمُّمِ تَامَّةٌ لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّهَا كَالَّتِي بِالْمَاءِ مَا بَقِيَ الشَّرْطُ بَلْ؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَازَ الْمَسْحُ بَعْدَ وُجُودِ الْمَاءِ لَكَانَ الْخُفُّ رَافِعًا لِلْحَدَثِ الَّذِي حَلَّ بِالْقَدَمِ؛ لِأَنَّ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَفِي الْمُحِيطِ، وَإِنْ لَبِسَ الْخُفَّ ثُمَّ مَسَحَ عَلَى الْجَبِيرَةِ ثُمَّ بَرِئَ يُكْمِلُ مُدَّتَهُ) أَيْ بَرِئَ بَعْدَمَا أَحْدَثَ، فَإِنَّهُ يُكْمِلُ مُدَّةَ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ؛ لِأَنَّهُ إذَا تَوَضَّأَ بَعْدَ هَذَا الْحَدَثِ ثُمَّ بَرِئَ صَارَ مُحْدِثًا بِالْحَدَثِ السَّابِقِ وَالْحَدَثُ السَّابِقُ مُتَأَخِّرٌ عَنْ اللُّبْسِ فَيَكُونُ اللُّبْسُ عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ وَكَذَا السَّابِقَةُ، فَإِنَّ الْحَدَثَ الَّذِي ظَهَرَ كَانَ قَبْلَ اللُّبْسِ فَلَا يَكُونُ لَبِسَ عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ فَيَجِبُ نَزْعُ الْخُفِّ وَانْظُرْ مَا فَائِدَةُ تَصْوِيرِ الْمَسْأَلَةِ بِأَنَّ الْمَسْحَ بَعْدَ اللُّبْسِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 الْحَدَثَ الَّذِي يَظْهَرُ عِنْدَ وُجُودِ الْمَاءِ هُوَ الَّذِي قَدْ كَانَ حَلَّ بِهِ قَبْلَ التَّيَمُّمِ لَكِنَّ الْمَسْحَ إنَّمَا يُزِيلُ مَا حَلَّ بِالْمَمْسُوحِ بِنَاءً عَلَى اعْتِبَارِ الْخُفِّ مَانِعًا شَرْعًا سِرَايَةَ الْحَدَثِ الَّذِي يَطْرَأُ بَعْدَهُ إلَى الْقَدَمَيْنِ، وَبِهَذَا يَظْهَرُ ضَعْفُ مَا فِي شَرْحِ الْكَنْزِ مِنْ جَعْلِهِ طَهَارَةَ التَّيَمُّمِ نَاقِصَةً كَمَا لَا يَخْفَى. (قَوْلُهُ: يَوْمًا وَلَيْلَةً لِلْمُتَيَمِّمِ وَلِلْمُسَافِرِ ثَلَاثًا) هَذَا بَيَانٌ لِمُدَّةِ الْمَسْحِ أَيْ صَحَّ الْمَسْحُ يَوْمًا وَلَيْلَة إلَخْ، وَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ أَصْحَابُنَا وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَالْحُجَّةُ لَهُمْ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ صَرِيحَةٌ يَطُولُ سَرْدُهَا وَقَدْ اخْتَلَفَ الْقَوْلُ عَنْ مَالِكٍ فِي جَوَازِهِ لِلْمُقِيمِ وَمَشَى أَبُو زَيْدٍ فِي رِسَالَتِهِ عَلَى جَوَازِهِ لِلْمُقِيمِ. (قَوْلُهُ: مِنْ وَقْتِ الْحَدَثِ) بَيَانٌ لِأَوَّلِ وَقْتِهِ وَلَا يُعْتَبَرُ مِنْ وَقْتِ الْمَسْحِ الْأَوَّلِ كَمَا هُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ النَّوَوِيُّ وَقَالَ؛ لِأَنَّهُ مُقْتَضَى أَحَادِيثِ الْبَابِ الصَّحِيحَةِ وَلَا مِنْ وَقْتِ اللُّبْسِ كَمَا هُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ مِنْ مُتَأَخِّرِي الشَّافِعِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ جَوَازِ الرُّخْصَةِ وَالْحُجَّةُ لِلْجُمْهُورِ أَنَّ أَحَادِيثَ الْبَابِ كُلَّهَا دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ الْخُفَّ جُعِلَ مَانِعًا مِنْ سِرَايَةِ الْحَدَثِ إلَى الرِّجْلِ شَرْعًا فَتُعْتَبَرُ الْمُدَّةُ مِنْ وَقْتِ الْمَنْعِ؛ لِأَنَّ مَا قَبْلَ ذَلِكَ طَهَارَةُ الْغَسْلِ وَلَا تَقْدِيرَ فِيهَا، فَإِذَنْ التَّقْدِيرُ فِي التَّحْقِيقِ إنَّمَا هُوَ لِمُدَّةِ مَنْعِهِ شَرْعًا، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ اللَّفْظِ التَّقْدِيرَ لِلْمَسْحِ أَوْ اللُّبْسِ وَالْخُفُّ إنَّمَا مَنَعَ مِنْ وَقْتِ الْحَدَثِ، وَفِي الْمَبْسُوطِ لِشَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ وَابْتِدَاؤُهَا عَقِيبَ الْحَدَثِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ الْمُدَّةِ مِنْ وَقْتِ اللُّبْسِ، فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ يُحْدِثْ بَعْدَ اللُّبْسِ حَتَّى يَمُرَّ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ نَزْعُ الْخُفِّ وَلَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُهُ مِنْ وَقْتِ الْمَسْحِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَحْدَثَ وَلَمْ يَمْسَحْ وَلَمْ يُصَلِّ أَيَّامًا لَا إشْكَالَ أَنَّهُ لَا يَمْسَحُ بَعْدَ ذَلِكَ فَكَانَ الْعَدْلُ فِي الِاعْتِبَارِ مِنْ وَقْتِ الْحَدَثِ اهـ. وَكَذَا فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ فَاسْتُفِيدَ مِنْهُ أَنَّ مُضِيَّ الْمُدَّةِ رَافِعٌ لِجَوَازِ الْمَسْحِ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ مَسْحٌ أَوْ لَا فَالْأَوْلَى أَنْ لَا يُجْعَلَ مُضِيُّ الْمُدَّةِ نَاقِضًا لِلْمَسْحِ؛ لِأَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَسْحٌ فَلَا أَثَرَ لِمُضِيِّهَا كَمَا لَا يَخْفَى وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَنْ تَوَضَّأَ بَعْدَمَا انْفَجَرَ الصُّبْحُ وَلَبِسَ خُفَّيْهِ وَصَلَّى الْفَجْرَ ثُمَّ أَحْدَثَ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ ثُمَّ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ فَعَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ يَمْسَحُ إلَى مَا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ الْيَوْمِ الثَّانِي إنْ كَانَ مُقِيمًا وَمِنْ الْيَوْمِ الرَّابِعِ إنْ كَانَ مُسَافِرًا وَعَلَى قَوْلِ مَنْ اعْتَبَرَ مِنْ وَقْتِ الْمَسْحِ يَمْسَحُ إلَى مَا بَعْدَ الزَّوَالِ مِنْ الْيَوْمِ الثَّانِي إنْ كَانَ مُقِيمًا وَمِنْ الْيَوْمِ الرَّابِعِ إنْ كَانَ مُسَافِرًا وَعَلَى قَوْلِ مَنْ اعْتَبَرَ مِنْ وَقْتِ اللُّبْسِ يَمْسَحُ إلَى مَا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ الْيَوْمِ الثَّانِي إنْ كَانَ مُقِيمًا وَمِنْ الْيَوْمِ الرَّابِعِ إنْ كَانَ مُسَافِرًا وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمُجْتَبَى وَالْمُقِيمُ فِي مُدَّةِ مَسْحِهِ قَدْ لَا يَتَمَكَّنُ إلَّا مِنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ وَقْتِيَّةٍ بِالْمَسْحِ كَمَنْ تَوَضَّأَ وَلَبِسَ خُفَّيْهِ قَبْلَ الْفَجْرِ ثُمَّ طَلَعَ الْفَجْرُ وَصَلَّاهَا وَقَعَدَ قَدْرًا لِتَشَهُّدٍ فَأَحْدَثَ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُصَلِّيَ مِنْ الْغَدِ عَلَى هَيْئَةِ الْأُولَى لِاعْتِرَاضِ ظُهُورِ الْحَدَثِ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ وَقَدْ يُصَلِّي خَمْسًا وَقَدْ يُصَلِّي سِتًّا كَمَنْ أَخَّرَ الظُّهْرَ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ ثُمَّ أَحْدَثَ وَتَوَضَّأَ وَمَسَحَ وَصَلَّى الظُّهْرَ فِي آخِرِ وَقْتِهِ ثُمَّ صَلَّى الظُّهْرَ مِنْ الْغَدِ وَقَدْ يُصَلِّي بِهِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ سَبْعًا عَلَى الِاخْتِلَافِ اهـ. (قَوْلُهُ: عَلَى ظَاهِرِهِمَا مَرَّةً) بَيَانٌ لِمَحَلِّ الْمَسْحِ حَتَّى لَا يَجُوزَ مَسْحُ بَاطِنِهِ أَوْ عَقِبِهِ أَوْ سَاقَيْهِ أَوْ جَوَانِبِهِ أَوْ كَعْبِهِ وَفِي الْمُبْتَغَى بَالِغِينَ الْمُعْجَمَةِ وَظَهْرُ الْقَدَمِ مِنْ رُءُوسِ الْأَصَابِعِ إلَى مَعْقِدِ الشِّرَاكِ اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ وَلَا يُسَنُّ مَسْحُ بَاطِنِ الْخُفِّ مَعَ ظَاهِرِهِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ شُرِعَتْ مُكَمِّلَةً لِلْفَرَائِضِ وَالْإِكْمَالُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ فِي مَحَلِّ الْفَرْضِ لَا فِي غَيْرِهِ اهـ. وَفِي غَيْرِهِ نَفْيُ الِاسْتِحْبَابِ، وَهُوَ الْمُرَادُ وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِحَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ «وَضَّأْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -   [منحة الخالق] [بَيَان مُدَّةِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ] (قَوْلُهُ: فَتُعْتَبَرُ الْمُدَّةُ مِنْ وَقْتِ الْمَنْعِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: هَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمُدَّةَ تُعْتَبَرُ مِنْ أَوَّلِ وَقْتِ الْحَدَثِ لَا مِنْ آخِرِهِ كَمَا هُوَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَمَا قُلْنَا أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ عَمَلِ الْخُفِّ وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ فِيهِ خِلَافًا عِنْدَنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَدْ يُصَلَّى بِهِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ سَبْعًا عَلَى الِاخْتِلَافِ) أَيْ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ الْإِمَامِ وَصَاحِبَيْهِ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فَيُصَلَّى فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ الظُّهْرُ بَعْدَ الْمِثْلِ وَالْعَصْرُ بَعْدَ الْمِثْلَيْنِ وَفِي الْمِثْلَيْنِ وَفِي الْيَوْمِ الثَّانِي عَلَى قَوْلِهِمَا يُصَلِّي الظُّهْرَ قَبْلَ الْمِثْلِ. [بَيَان مَحَلّ الْمَسْح عَلَى الْخُفَّيْنِ] (قَوْلُهُ: وَفِي غَيْرِهِ نَفْيُ الِاسْتِحْبَابِ) أَيْ فِي غَيْرِ الْمُحِيطِ نَفْيُ اسْتِحْبَابِ مَسْحِ بَاطِنِ الْخُفِّ مَعَ ظَاهِرِهِ، وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِ الْمُحِيطِ وَلَا يُسَنُّ لَكِنْ فِي النَّهْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ يُسْتَحَبُّ عِنْدَنَا الْجَمْعُ بَيْنَ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ فِي الْمَسْحِ إلَّا إذَا كَانَ عَلَى بَاطِنِهِ نَجَاسَةٌ اهـ. أَقُولُ: وَهَكَذَا رَأَيْته فِي شَرْحِ الْغَزْنَوِيَّةِ وَكَذَا فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ لِلْعَيْنِيِّ مَعْزِيًّا لِلْبَدَائِعِ أَيْضًا لَكِنَّ الَّذِي رَأَيْته فِي نُسْخَتَيْ الْبَدَائِعِ عَزْوُهُ إلَى الشَّافِعِيِّ، فَإِنَّهُ قَالَ وَعَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى الْبَاطِنِ لَا يَجُوزُ وَالْمُسْتَحَبُّ عِنْدَهُ الْجَمْعُ إلَخْ وَهَكَذَا رَأَيْته فِي التَّتَارْخَانِيَّة حَيْثُ قَالَ مَحَلُّ الْمَسْحِ ظَاهِرُ الْخُفِّ دُونَ بَاطِنِهِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الْمَسْحُ عَلَى ظَاهِرِ الْخُفِّ فَرْضٌ وَعَلَى بَاطِنِهِ سُنَّةٌ وَالْأَوْلَى عِنْدَهُ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى ظَاهِرِ الْخُفِّ وَيَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى بَاطِنِ الْخُفِّ وَيَمْسَحَ بِهِمَا كُلَّ رِجْلِهِ اهـ. فَضَمِيرُ عِنْدِهِ لِلشَّافِعِيِّ كَمَا لَا يَخْفَى نَعَمْ ذَكَرَ فِي الْمِعْرَاجِ أَنَّ الِاسْتِحْبَابَ قَوْلٌ لِبَعْضِ مَشَايِخِنَا أَيْضًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ فَمَسَحَ أَعْلَى الْخُفِّ وَأَسْفَلَهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلَنَا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طُرُقٍ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَوْ كَانَ الدِّينُ بِالرَّأْيِ لَكَانَ أَسْفَلُ الْخُفِّ أَوْلَى بِالْمَسْحِ مِنْ أَعْلَاهُ وَقَدْ «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمْسَحُ عَلَى ظَاهِرِ خُفَّيْهِ» أَرَادَ أَنَّ أُصُولَ الشَّرِيعَةِ لَمْ تَثْبُتْ مِنْ طَرِيقِ الْقِيَاسِ، وَإِنَّمَا طَرِيقُهَا التَّوْقِيفُ وَغَيْرُ جَائِزٍ اسْتِعْمَالُ الْقِيَاسِ فِي رَدِّ التَّوْقِيفِ وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ بَاطِنُ الْخُفِّ أَوْلَى بِالْمَسْحِ؛ لِأَنَّهُ يُلَاقِي الْأَرْضَ بِمَا عَلَيْهَا مِنْ طِينٍ وَتُرَابٍ وَقَذِرٍ وَلَا يُلَاقِيهَا ظَاهِرُهُ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَسْتَعْمِلْ الْقِيَاسَ؛ لِأَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمْسَحُ ظَاهِرَ الْخُفِّ دُونَ بَاطِنِهِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ كَانَ نَفْيَ الْقِيَاسِ مَعَ النَّصِّ كَذَا ذَكَرَهُ الْجَصَّاصُ فِي أُصُولِهِ اهـ. كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَهَذَا يُفِيدُ كَظَاهِرِ مَا فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبَاطِنِ عِنْدَهُمْ مَحَلُّ الْوَطْءِ لَا مَا يُلَاقِي الْبَشَرَةَ وَتَعَقَّبَهُمْ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهُ بِتَقْدِيرِهِ لَا تَظْهَرُ أَوْلَوِيَّةُ مَسْحِ بَاطِنِهِ لَوْ كَانَ بِالرَّأْيِ بَلْ الْمُتَبَادِرُ مِنْ قَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ذَلِكَ مَا يُلَاقِي الْبَشَرَةَ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ مِنْ غَسْلِ الرِّجْلِ فِي الْوُضُوءِ لَيْسَ لِإِزَالَةِ الْخَبَثِ بَلْ الْحَدَثِ وَمَحَلُّ الْوَطْءِ مِنْ بَاطِنِ الرِّجْلِ فِيهِ كَظَاهِرِهِ وَكَذَا مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ فِيهِ بِلَفْظٍ لَكَانَ أَسْفَلُ الْخُفِّ أَوْلَى بِالْمَسْحِ مِنْ أَعْلَاهُ يَجِبُ أَنْ يُرَادَ بِالْأَسْفَلِ الْوَجْهُ الَّذِي يُلَاقِي الْبَشَرَةَ؛ لِأَنَّهُ أَسْفَلُ مِنْ الْوَجْهِ الْأَعْلَى الْمُحَاذِي لِلسَّمَاءِ كَمَا ذَكَرْنَا اهـ. وَمَا رُوِيَ أَنَّهُ مَسَحَ أَعْلَاهُ وَأَسْفَلَهُ فَقَدْ ضَعَّفَهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُمَا وَلَوْ صَحَّ فَمَعْنَاهُ مَا يَلِي السَّاقَ وَمَا يَلِي الْأَصَابِعَ تَوْفِيقًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيثِ عَلِيٍّ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَأَوْرَدَ أَنَّهُ يَنْبَغِي جَوَازُ مَسْحِ الْأَسْفَلِ وَالْعَقِبِ؛ لِأَنَّهُ خَلَفٌ عَنْ الْغَسْلِ فَيَجُوزُ فِي جَمِيعِ مَحَلِّ الْغَسْلِ كَمَسْحِ الرَّأْسِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ فِي جَمِيعِ الرَّأْسِ، وَإِنْ ثَبَتَ مَسْحُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى النَّاصِيَةِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ فِعْلَهُ هُنَا ابْتِدَاءً غَيْرُ مَعْقُولٍ فَيُعْتَبَرُ جَمِيعُ مَا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ مِنْ رِعَايَةِ الْفِعْلِ وَالْمَحَلِّ بِخِلَافِ مَسْحِهِ عَلَى النَّاصِيَةِ، فَإِنَّهُ بَيَانُ مَا ثَبَتَ بِالْكِتَابِ لَا نَصْبِ الشَّرْعِ فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِقَدْرِ مَا يَحْصُلُ بِهِ الْبَيَانُ، وَهُوَ الْمِقْدَارُ؛ لِأَنَّ الْمَحَلَّ مَعْلُومٌ بِالنَّصِّ فَلَا حَاجَةَ إلَى جَعْلِ فِعْلِهِ بَيَانًا لَهُ وَتَعَقَّبَ بِأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ الْمَسْحُ إلَى السَّاقِ رِعَايَةً لِجَمِيعِ مَا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ قَدْرَ ثَلَاثِ أَصَابِعَ إلَّا بِنَصٍّ وَلَمْ يُجِبْ عَنْهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَبِأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنَّهُ لَوْ بَدَأَ مِنْ السَّاقِ لَا يَجُوزُ لِمَا ذَكَرْنَا فَأَجَابَ عَنْ الثَّانِي فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ مُرَاعَاةُ جَمِيعِ مَا وَرَدَ بِهِ فِي مَحَلِّ الِابْتِدَاءِ أَوْ الِانْتِهَاءِ لِلْعِلْمِ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ إيقَاعُ الْبِلَّةِ عَلَى ذَلِكَ الْمَحَلِّ وَأَجَابَ عَنْ الْأَوَّلِ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ بِأَنَّهُ رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ مَدٍّ إلَى السَّاقِ كَمَا رُوِيَ الْمَدُّ فَجُعِلَ الْمَفْرُوضُ أَصْلَ الْمَسْحِ وَالْمَدُّ سُنَّةٌ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ وَتَعَقَّبَ بِأَنَّهُ يَنْبَغِي حَمْلُ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ هُنَا لِوُرُودِهِمَا فِي حُكْمٍ وَاحِدٍ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ كَمَا فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الرِّوَايَتَيْنِ لَا يَتَسَاوَيَانِ فِي الشُّهْرَةِ بَلْ الْمُطْلَقُ هُوَ الْمَشْهُورُ دُونَ الْمُقَيَّدِ وَلَئِنْ سَلَّمْنَا تَسَاوِيهِمَا لَا يَجِبُ الْحَمْلُ أَيْضًا لِإِمْكَانِ الْجَمْعِ، فَإِنَّ مَسْحَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ فَلَا يَكُونُ الْإِطْلَاقُ وَالتَّقْيِيدُ فِي حُكْمٍ وَاحِدٍ فِي حَادِثَةٍ وَاحِدَةٍ بَلْ فِي مُتَعَدِّدٍ فِي نَفْسِهِ فَيَثْبُتُ أَصْلُ الْمَسْحِ وَسُنِّيَّةُ الْمَدِّ وَتَعَقَّبَ بِأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُسْتَحَبَّ الْجَمْعُ بَيْنَ مَسْحِ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ لِكَوْنِهِمَا مَرْوِيَّيْنِ وَالْجَمْعُ مُمْكِنٌ فَيُثْبِتُ فَرْضِيَّةَ أَصْلِ الْمَسْحِ وَسُنِّيَّةَ الْمَسْحِ عَلَى الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ احْتِمَالًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَلَا تَثْبُتُ السُّنِّيَّةُ بِالشَّكِّ، وَقَدْ يُقَالُ كَانَ يَنْبَغِي عَلَى هَذَا أَنْ يَكُونَ فِي صَوْمِ الْكَفَّارَةِ مُطْلَقُ الصَّوْمِ وَاجِبٌ وَالتَّتَابُعُ سَنَةٌ وَيَكُونُ هَذَا جَمْعًا بَيْنَ الْقِرَاءَتَيْنِ؛ وَلِهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لَمْ يَرْتَضِ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِمَا أَجَابَ بِهِ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَفِي الْبَدَائِعِ مَا يَصْلُحُ جَوَابًا عَمَّا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، فَإِنَّهُ اسْتَدَلَّ عَلَى فَرْضِيَّةِ ثَلَاثِ أَصَابِعَ بِحَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَسَحَ عَلَى ظَهْرِ خُفَّيْهِ خُطُوطًا بِالْأَصَابِعِ» قَالَ: وَهَذَا خَرَجَ مَخْرَجَ التَّفْسِيرِ لِلْمَسْحِ وَالْأَصَابِعُ اسْمُ جَمْعٍ وَأَقَلُّ الْجَمْعِ الصَّحِيحِ ثَلَاثَةٌ فَكَانَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: فَمَعْنَاهُ مَا يَلِي السَّاقَ إلَخْ) أَيْ الْمُرَادُ بِأَعْلَاهُ فِي الْحَدِيثِ مَا ارْتَفَعَ مِنْهُ أَيْ مِنْ جِهَةِ السَّاقِ وَالْمُرَادُ بِأَسْفَلِهِ مَا نَزَلَ عَنْهُ مِنْ جِهَةِ الْأَصَابِعِ فَكَأَنَّهُ قِيلَ مَسَحَ مِنْ أَسْفَلِهِ إلَى أَعْلَى سَاقِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 هَذَا تَقْدِيرًا لِلْمَسْحِ بِثَلَاثِ أَصَابِعِ الْيَدِ اهـ. وَهَكَذَا ذَكَرَ الْأَقْطَعُ وَاسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُسْتَصْفَى بِأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى رَجُلًا يَغْسِلُ خُفَّيْهِ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَا يَكْفِيك مَسْحُ ثَلَاثَةِ أَصَابِعَ» . اهـ. وَهَذَا صَرِيحٌ فِي الْمَقْصُودِ وَفِي قَوْلِهِ مَرَّةً إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يُسَنُّ تَكْرَارُهُ كَمَسْحِ الرَّأْسِ عَمَلًا بِمَا وَرَدَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَسْحٌ عَلَى ظَاهِرِ خُفَّيْهِ خُطُوطًا بِالْأَصَابِعِ» بِطَرِيقِ الْإِشَارَةِ إذْ الْخُطُوطُ إنَّمَا تَكُونُ إذَا مَسَحَ مَرَّةً كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الْخُطُوطَ لِلْإِشَارَةِ إلَى الرَّدِّ عَلَى مَا يُفْهَمُ مِنْ عِبَارَةِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهَا فَرْضٌ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْمُجْتَبَى، فَإِنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ إظْهَارَ الْخُطُوطِ فِي الْمَسْحِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ثُمَّ قَالَ وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ خُطُوطًا بِالْأَصَابِعِ. اهـ. وَالظَّاهِرُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ نَعَمْ إظْهَارُ الْخُطُوطِ شَرْطُ السُّنِّيَّةِ. (قَوْلُهُ: بِثَلَاثِ أَصَابِعَ) بَيَانٌ لِمِقْدَارِ آلَةِ الْمَسْحِ بِطَرِيقِ الْمَنْطُوقِ وَلِبَيَانِ قَدْرِ الْمَمْسُوحِ بِطَرِيقِ اللُّزُومِ وَأَرَادَ أَصَابِعَ الْيَدِ لِمَا ذَكَرَهُ فِي الْمُسْتَصْفَى كَذَا أَطْلَقَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ مَشَايِخِ الْمَذْهَبِ وَعَزَاهُ فِي الْخُلَاصَةِ إلَى أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيّ وَفِي الِاخْتِيَارِ وَغَيْرِهِ إلَى مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَيَّدَهَا قَاضِي خَانْ بِكَوْنِهَا مِنْ أَصْغَرِ أَصَابِعِ الْيَدِ وَقَالَ الْكَرْخِيُّ ثَلَاثُ أَصَابِعَ مِنْ أَصَابِعِ الرِّجْلِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ كَذَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ؛ لِأَنَّ الْيَدَ آلَةُ الْمَسْحِ وَالثَّلَاثَةُ أَكْثَرُ أَصَابِعِهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ دَلِيلُهُ مِنْ السُّنَّةِ مِنْ الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهَا وَقَدْ ذَكَرَ كَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ أَنَّ الثَّلَاثَ فَرْضُ الْمَسْحِ وَنَصَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَمُرَادُهُمْ بِهِ الْوَاجِبُ؛ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ بِالسُّنَّةِ فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالْفَرْضِ التَّقْدِيرَ دُونَ الْفَرْضِ الِاصْطِلَاحِيِّ، فَإِنَّهُ لَيْسَ ثَابِتًا بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ؛ وَلِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ كَذَا فِي التَّوْشِيحِ لَكِنْ لَا حَاجَةَ إلَى هَذَا؛ لِأَنَّ مَشَايِخَنَا يُطْلِقُونَ أَصْلَ الْفَرْضِ عَلَى مَا ثَبَتَ بِظَنِّيٍّ إذَا كَانَ الْجَوَازُ يَفُوتُ بِفَوْتِهِ كَغَسْلِ الْمَرَافِقِ وَالْكَعْبَيْنِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ هُنَاكَ وَفِي تَقْدِيرِ الْفَرْضِ بِثَلَاثِ أَصَابِعَ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَوْ قُطِعَتْ إحْدَى رِجْلَيْهِ وَبَقِيَ مِنْهَا أَقَلُّ مِنْهُ أَوْ بَقِيَ ثَلَاثُ أَصَابِعَ لَكِنْ مِنْ الْعَقِبِ لَا مِنْ مَوْضِعِ الْمَسْحِ فَلَبِسَ عَلَى الصَّحِيحَةِ أَوْ الْمَقْطُوعَةِ لَا يَمْسَحُ لِوُجُوبِ غَسْلِ ذَلِكَ الْبَاقِي كَمَا لَوْ قُطِعَتْ مِنْ الْكَعْبِ حَيْثُ يَجِبُ غَسْلُ الْجَمِيعِ وَلَا يَمْسَحُ، وَهَذَا التَّقْدِيرُ لَا بُدَّ مِنْهُ فِي كُلِّ رِجْلٍ فَلَوْ مَسَحَ عَلَى رِجْلِ أُصْبُعَيْنِ، وَعَلَى الْأُخْرَى قَدْرَ خَمْسَةٍ لَمْ يَجُزْ وَاسْتُفِيدَ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ مَسَحَ بِأُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ وَمَدَّهَا حَتَّى بَلَغَ مِقْدَارَ الثَّلَاثِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْخُذَ مَاءً جَدِيدًا لَا يَجُوزُ وَلَوْ مَسَحَ بِأُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَأَخَذَ لِكُلِّ مَرَّةٍ مَاءً جَازَ إنْ مَسَحَ كُلَّ مَرَّةٍ غَيْرَ الْمَوْضِعِ الَّذِي مَسَحَهُ كَأَنَّهُ مَسَحَ بِثَلَاثَةِ أَصَابِعَ كَمَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَلَوْ مَسَحَ بِالْإِبْهَامِ وَالسَّبَّابَةِ إنْ كَانَتَا مَفْتُوحَتَيْنِ جَازَ؛ لِأَنَّ مَا بَيْنَهُمَا مِقْدَارُ أُصْبُعٍ وَلَوْ مَسَحَ بِأُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ بِجَوَانِبِهَا الْأَرْبَعِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ بِالِاتِّفَاقِ عَلَى الْأَصَحِّ بِخِلَافِ مَسْحِ الرَّأْسِ، فَإِنَّ فِيهِ اخْتِلَافًا فَصَحَّحَ فِي الْهِدَايَةِ الْجَوَازَ بِنَاءً عَلَى التَّقْدِيرِ بِثَلَاثِ أَصَابِعَ وَصَحَّحَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَمَنْ تَابَعَهُ عَدَمَ الْجَوَازِ بِنَاءً عَلَى التَّقْدِيرِ بِالرُّبْعِ وَهُنَا لَمَّا اتَّفَقُوا فِي الْأَصَحِّ عَلَى الثَّلَاثِ كَانَ الْإِجْزَاءُ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ كَمَا لَا يَخْفَى، وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا الِاتِّفَاقَ بِالْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ فِي الْكَافِي قَالَ وَالْكَلَامُ فِيهِ كَالْكَلَامِ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ فَمَنْ شَرَطَ ثَمَّةَ الرُّبْعِ شَرَطَ الرُّبْعَ هُنَا وَمَنْ شَرَطَ الْأَدْنَى شَرَطَهُ هُنَا اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ الرَّاجِحُ الرُّبْعُ وَهُنَا الرَّاجِحُ الثَّلَاثُ كَمَا لَا يَخْفَى وَفِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَلَوْ مَسَحَ بِرُءُوسِ الْأَصَابِعِ وَجَافَى أُصُولَ الْأَصَابِعِ الْكَفَّ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ مُتَقَاطِرًا وَفِي الْخُلَاصَةِ وَلَوْ مَسَحَ بِأَطْرَافِ أَصَابِعِهِ يَجُوزُ سَوَاءٌ كَانَ الْمَاءُ مُتَقَاطِرًا أَوْ لَا، وَهُوَ الصَّحِيحُ وَمَا فِي الْمُنْيَةِ أَوْلَى مِمَّا فِي الْخُلَاصَةِ كَمَا لَا يَخْفَى، وَفِي الْبَدَائِعِ وَلَوْ مَسَحَ بِثَلَاثِ أَصَابِعَ مَنْصُوبَةٍ غَيْرَ مَوْضُوعَةٍ وَلَا مَمْدُودَةٍ لَا يَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا وَلَوْ أَصَابَ مَوْضِعَ الْمَسْحِ مَاءٌ أَوْ مَطَرٌ قَدْرَ ثَلَاثِ أَصَابِعَ جَازَ وَكَذَا لَوْ مَشَى فِي حَشِيشٍ مُبْتَلٍّ بِالْمَطَرِ وَلَوْ كَانَ مُبْتَلًّا بِالطَّلِّ وَأَصَابَ الْخُفَّ طَلٌّ قَدْرَ الْوَاجِبِ قِيلَ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ مَاءٌ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ نَفْسُ دَابَّةٍ فِي الْبَحْرِ يَجْذِبُهُ الْهَوَاءُ   [منحة الخالق] [بَيَان مِقْدَارِ آلَةِ الْمَسْحِ عَلَيَّ الْخُفَّيْنِ] (قَوْلُهُ: وَأَرَادَ أَصَابِعَ الْيَدِ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَلَمْ يُضِفْهَا إلَى اللَّابِسِ إيمَاءً إلَى أَنَّهُ لَوْ أَمَرَ مَنْ يَمْسَحُ عَلَى خُفَّيْهِ فَفَعَلَ صَحَّ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ (قَوْلُهُ: وَفِي الْخُلَاصَةِ وَلَوْ مَسَحَ بِأَطْرَافِ أَصَابِعِهِ إلَخْ) رَأَيْت فِي هَامِشِ نُسْخَةٍ مِنْ الْبَحْرِ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْخُلَاصَةِ فِي مَسَائِلِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَلَوْ مَسَحَ بِرُءُوسِ الْأَصَابِعِ وَجَافَى أُصُولَ الْأَصَابِعِ وَالْكَفِّ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ مَا ابْتَلَّ مِنْ الْخُفِّ مِقْدَارُ ثَلَاثَةِ أَصَابِعَ. اهـ. وَأَمَّا مَا نَقَلَهُ الْمُؤَلِّفُ عَنْهَا فَمَذْكُورٌ فِي مَسَائِلِ مَسْحِ الرَّأْسِ لَكِنْ لَمْ يُتِمَّ الْعِبَارَةَ وَالْعِبَارَةُ بِتَمَامِهَا وَلَوْ مَسَحَ بِأَطْرَافِ أَصَابِعِهِ يَجُوزُ سَوَاءٌ كَانَ الْمَاءُ مُتَقَاطِرًا أَوْ لَا، وَهُوَ الصَّحِيحُ وَذَكَرَ الْإِمَامُ الْأَجَلُّ بُرْهَانُ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيُّ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْمَاءُ مُتَقَاطِرًا جَازَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَا يَجُوزُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ اهـ. فَلْيُرَاجَعْ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَلَوْ مَسَحَ بِظَاهِرِ كَفِّهِ جَازَ وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَمْسَحَ بِبَاطِنِ كَفِّهِ. اهـ. وَكَانَ الْمُرَادُ بِهِ بَاطِنَ الْكَفِّ وَالْأَصَابِعَ وَلَوْ قَالَ بِبَاطِنِ الْيَدِ لَكَانَ أَوْلَى كَذَا فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْخُلَاصَةِ نَقَلَ أَنَّهُ إنْ وَضَعَ الْكَفَّ وَمَدَّهَا أَوْ وَضَعَ الْكَفَّ مَعَ الْأَصَابِعِ وَمَدَّهَا كِلَاهُمَا حَسَنٌ وَالْأَحْسَنُ الثَّانِي اهـ. فَوَضْعُ الْكَفِّ وَحْدَهَا دُونَ الْأَصَابِعِ مُسْتَحَبٌّ حَسَنٌ، وَإِنْ كَانَتْ مَعَ الْأَصَابِعِ أَحْسَنَ، وَلَوْ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ بِبِلَّةٍ بَقِيَتْ عَلَى كَفَّيْهِ بَعْدَ الْغَسْلِ يَجُوزُ سَوَاءٌ كَانَتْ الْبِلَّةُ قَاطِرَةً أَوْ لَمْ تَكُنْ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَغَيْرِهَا وَصَرَّحَ فِي الْخُلَاصَةِ بِأَنَّهُ الصَّحِيحُ وَلَوْ مَسَحَ رَأْسَهُ ثُمَّ مَسَحَ خُفَّيْهِ بِبِلَّةٍ بَقِيَتْ عَلَى كَفَّيْهِ لَا يَجُوزُ وَكَذَا بِمَاءٍ أَخَذَهُ مِنْ لِحْيَتِهِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْبَلَلَ إذَا بَقِيَ فِي كَفَّيْهِ بَعْدَ غَسْلِ عُضْوٍ مِنْ الْمَغْسُولَاتِ جَازَ الْمَسْحُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَخَذَهُ مِنْ الْإِنَاءِ، وَإِذَا بَقِيَ فِي يَدِهِ بَعْدَ مَسْحِ عُضْوٍ مَمْسُوحٍ أَوْ أَخَذَهُ مِنْ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ بِهِ مَغْسُولًا كَانَ ذَلِكَ الْعُضْوُ أَوْ مَمْسُوحًا؛ لِأَنَّهُ مَسَحَ بِبِلَّةٍ مُسْتَعْمَلَةٍ وَيُسْتَثْنَى مِنْ هَذَا الْإِطْلَاقِ مَسْحُ الْأُذُنَيْنِ، فَإِنَّهُ جَائِزٌ بِبِلَّةٍ بَقِيَتْ بَعْدَ مَسْحِ الرَّأْسِ بَلْ سُنَّةٌ عِنْدَنَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَالْأُصْبُعُ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ كَذَا فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ. (قَوْلُهُ: يَبْدَأُ مِنْ الْأَصَابِعِ إلَى السَّاقِ) بَيَانٌ لِلسُّنَّةِ حَتَّى لَوْ بَدَأَ مِنْ السَّاقِ إلَى الْأَصَابِعِ أَوْ مَسَحَ عَلَيْهِ عَرْضًا جَازَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ إلَّا أَنَّهُ خَالَفَ السُّنَّةَ وَكَيْفِيَّتُهُ كَمَا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنْ يَضَعَ أَصَابِعَ يَدِهِ الْيُمْنَى عَلَى مُقَدَّمِ خُفِّهِ الْأَيْمَنِ وَأَصَابِعَ يَدِهِ الْيُسْرَى عَلَى مُقَدَّمِ خُفِّهِ الْأَيْسَرِ مِنْ قِبَلِ الْأَصَابِعِ فَإِذَا تَمَكَّنَتْ الْأَصَابِعُ يَمُدُّهَا حَتَّى يَنْتَهِيَ إلَى أَصْلِ السَّاقِ فَوْقَ الْكَعْبَيْنِ؛ لِأَنَّ الْكَعْبَيْنِ يَلْحَقُهُمَا فَرْضُ الْغَسْلِ وَيَلْحَقُهُمَا سُنَّةُ الْمَسْحِ، وَإِنْ وَضَعَ الْكَفَّ مَعَ الْأَصَابِعِ كَانَ أَحْسَنَ هَكَذَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ اهـ. وَيَدُلُّ لِلْأَحْسَنِيَّةِ مَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ أَنَّهُ وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى خُفِّهِ الْأَيْمَنِ وَيَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى خُفِّهِ الْأَيْسَرِ ثُمَّ مَسَحَ أَعْلَاهُمَا مَسْحَةً وَاحِدَةً الْحَدِيثُ وَلَمْ يَقُلْ وَضَعَ كَفَّهُ، وَفِي الْخُلَاصَةِ وَفَتَاوَى الْوَلْوَالِجِيِّ وَغَيْرِهِمَا: وَتَفْسِيرُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ أَنْ يَمْسَحَ عَلَى ظَهْرِ قَدَمَيْهِ مَا بَيْنَ أَطْرَافِ الْأَصَابِعِ إلَى السَّاقِ وَيُفَرِّجَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ قَلِيلًا. اهـ. وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْأَصَابِعَ غَيْرُ دَاخِلَةٍ فِي الْمَحَلِّيَّةِ وَمَا فِي الْكِتَابِ كَغَيْرِهِ مِنْ الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ يُفِيدُ دُخُولَهَا وَيَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ مَسَحَ بِثَلَاثِ أَصَابِعَ يَدَهُ عَلَى أَصَابِعِ كُلِّ رِجْلٍ دُونَ الْقَدَمِ فَعَلَى مَا فِي الْكِتَابِ يَجُوزُ لِوُجُودِ الْمَحَلِّيَّةِ وَعَلَى مَا فِي أَكْثَرِ الْفَتَاوَى لَا يَجُوزُ لِعَدَمِهَا وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ فَقَالَ رَجُلٌ لَهُ خُفٌّ وَاسِعُ السَّاقِ إنْ بَقِيَ مِنْ قَدَمِهِ خَارِجَ السَّاقِ فِي الْخُفِّ مِقْدَارُ ثَلَاثِ أَصَابِعَ سِوَى أَصَابِعِ الرِّجْلِ جَازَ مَسْحُهُ، وَإِنْ بَقِيَ مِنْ قَدَمِهِ خَارِجَ السَّاقِ فِي الْخُفِّ مِقْدَارَ ثَلَاثِ أَصَابِعَ بَعْضُهُ مِنْ الْقَدَمِ وَبَعْضُهُ مِنْ الْأَصَابِعِ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ حَتَّى يَكُونَ مِقْدَارُ ثَلَاثِ أَصَابِعَ كُلِّهَا مِنْ الْقَدَمِ وَلَا اعْتِبَارَ لِلْأَصَابِعِ اهـ فَلْيُتَنَبَّهْ لِذَلِكَ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ (قَوْلُهُ: وَالْخَرْقُ الْكَبِيرُ يَمْنَعُهُ) قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُسْتَصْفَى يَجُوزُ بِالْبَاءِ بِنُقْطَةٍ مِنْ تَحْتُ وَالثَّاءُ بِثَلَاثٍ مِنْ فَوْقُ وَالتَّفَاوُتُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْأَوَّلَ يُسْتَعْمَلُ فِي الْكَمْيَّةِ الْمُتَّصِلَةِ وَالثَّانِي فِي الْمُنْفَصِلَةِ وَالثَّانِي مَنْقُولٌ عَنْ الْعَالِمِ الْكَبِيرِ بَدْرِ الدِّينِ اهـ. وَفِي الْمُغْرِبِ أَنَّ الْكَثْرَةَ خِلَافُ الْقِلَّةِ وَتُجْعَلُ عِبَارَةً عَنْ السَّعَةِ وَمِنْهَا قَوْلُهُمْ الْخَرْقُ الْكَثِيرُ اهـ. فَأَفَادَ أَنَّ الْكَثِيرَ يُسْتَعْمَلُ لِلْكَمْيَّةِ الْمُنْفَصِلَةِ أَيْضًا وَصَحَّحَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ رِوَايَةَ الْمُثَلَّثَةِ بِدَلِيلِ قَوْلِ الْقُدُورِيِّ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ وَفِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي عَنْ خُوَاهَرْ زَادَهْ الصَّحِيحُ الرِّوَايَةُ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ؛ لِأَنَّ فِي الْكَمِّ الْمُنْفَصِلِ تُسْتَعْمَلُ الْكَثْرَةُ وَالْقِلَّةُ وَفِي الْكَمِّ الْمُتَّصِلِ يُسْتَعْمَلُ الْكِبَرُ وَالصِّغَرُ وَالْخُفُّ كَمٌّ مُتَّصِلٌ فَلَا يُذْكَرُ إلَّا الْكَبِيرُ لَا الْكَثِيرُ اهـ. وَقَدْ عَلِمْت عَنْ الْمُغْرِبِ اسْتِعْمَالُ الْكَثِيرِ لَهُمَا وَالْأَمْرُ فِي ذَلِكَ قَرِيبٌ، وَعَلَى التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ أَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَفِيهِ نَظَرٌ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَقُولُ: الْكَلَامُ فِي الْأَحْسَنِ. (قَوْلُهُ: وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْأَصَابِعَ غَيْرُ دَاخِلَةٍ فِي الْمَحَلِّيَّةِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ هَذَا وَهْمٌ إذْ مَا فِي الْخُلَاصَةِ إنَّمَا يُفِيدُ دُخُولَهَا فِي الْمَسْحِ؛ لِأَنَّ أَطْرَافَهَا أَوْ آخِرَهَا يُوَافِقُ مَا مَرَّ عَنْ الْمُبْتَغَى أَيْ مِنْ قَوْلِهِ ظَهْرُ الْقَدَمِ مِنْ رُءُوسِ الْأَصَابِعِ إلَى مَعْقِدِ الشِّرَاكِ وَقَوْلُهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَمَوْضِعُ الْمَسْحِ ظَهْرُ الْقَدَمِ إنَّمَا يُحْتَرَزُ بِذَلِكَ عَنْ بَاطِنِهِ وَمَا فِي الْخَانِيَّةِ لَا يَدُلُّ لِمَا ذَكَرَهُ بَلْ إنَّمَا لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ لِمَا أَنَّ خُرُوجَ أَكْثَرِ الْقَدَمِ نَزْعٌ، وَهَذَا فَوْقَهُ عَلَى أَنَّ هَذِهِ مَقَالَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ وَالْمَذْهَبُ اعْتِبَارُ الْأَكْثَرِ فِي الْخُرُوجِ كَمَا سَتَرَاهُ اهـ. أَقُولُ: مَا حُمِلَ عَلَيْهِ كَلَامُ الْخُلَاصَةِ مُحْتَمَلٌ، وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَأَمَّا مَا حُمِلَ عَلَيْهِ كَلَامُ الْخَانِيَّةِ فَلَا إذْ لَوْ كَانَتْ الْعِلَّةُ خُرُوجَ أَكْثَرِ الْقَدَمِ لَمْ يَبْقَ فَرْقٌ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ فِي الْخَانِيَّةِ إذْ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا وُجِدَ خُرُوجُ أَكْثَرِ الْقَدَمِ كَمَا لَا يَخْفَى وَيَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ مِنْ الْحُكْمِ مَا فِي السِّرَاجِ حَيْثُ قَالَ: وَإِنْ كَانَ الْقَطْعُ أَسْفَلَ الْكَعْبِ إنْ كَانَ بَقِيَ مِنْ ظَهْرِ الْقَدَمِ قَدْرُ ثَلَاثِ أَصَابِعَ أَوْ أَكْثَرَ يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِمَا، وَإِنْ لَمْ يَبْقَ مِثْلُ ذَلِكَ فَلَا بُدَّ مِنْ الْغَسْلِ اهـ فَتَدَبَّرْ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 الْخَرْقَ وَاحِدٌ فَكَيْفَ يُوصَفُ بِالْكَثْرَةِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ اسْمُ مَصْدَرٍ، وَهُوَ يَقَعُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ ثُمَّ كَوْنُ الْخَرْقِ الْكَبِيرِ مَانِعًا دُونَ الْقَلِيلِ قَوْلُ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ، وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ يُمْنَعَ الْقَلِيلُ أَيْضًا، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا ظَهَرَ شَيْءٌ مِنْ الْقَدَمِ، وَإِنْ قَلَّ ظَهَرَ غَسْلُهُ لِحُلُولِ الْحَدَثِ بِهِ وَالرِّجْلُ فِي حَقِّ الْغَسْلِ غَيْرُ مُتَجَزِّئَةٍ فَوَجَبَ غَسْلُهَا كُلُّهَا وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْخِفَافَ لَا تَخْلُو عَنْ قَلِيلِ الْخَرْقِ عَادَةً وَالشَّرْعُ عَلَّقَ الْمَسْحَ بِمُسَمَّى الْخُفِّ، وَهُوَ السَّاتِرُ الْمَخْصُوصُ الَّذِي يَقْطَعُ بِهِ الْمَسَافَةَ وَمَا كَانَ كَذَلِكَ، فَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِيهِ وَالِاسْمُ مُطْلَقًا يُطْلَقُ عَلَيْهِ فَكَانَ ذَلِكَ اعْتِبَارًا لِلْخَرْقِ عَدَمًا بِخِلَافِ الْخُفِّ الْمُشْتَمِلِ عَلَى الْكَثِيرِ، فَإِنَّ هَذَا الْمَعْنَى مَعْدُومٌ فِيهِ وَإِنْ تَرَكَ فِي التَّعْبِيرِ عَنْهُ بِاسْمِ الْخُفِّ تَقْيِيدَهُ بِمَخْرُوقٍ فَهُوَ مُرَادٌ لِلْمُطْلَقِ مَعْنًى فَلَيْسَ بِخُفٍّ مُطْلَقٍ؛ وَلِأَنَّهُ لَا تُقْطَعُ الْمَسَافَةُ بِهِ إذْ لَا يُمْكِنُ تَتَابُعُ الْمَشْيِ فِيهِ وَالْخُفُّ مُطْلَقًا مَا تُقْطَعُ بِهِ فَلَيْسَ بِهِ وَأَيْضًا الْحَرَجُ لَازِمٌ عَلَى اعْتِبَارِ الْأَوَّلِ إذْ غَالِبُ الْخِفَافِ لَا تَخْلُو عَنْهُ عَادَةً وَالْحَرَجُ مُنْتَفٍ شَرْعًا بَقِيَ الْأَمْرُ مُحْتَاجًا إلَى الْحَدِّ الْفَاصِلِ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فَبَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ (وَهُوَ قَدْرُ ثَلَاثِ أَصَابِعِ الْقَدَمِ أَصْغَرُهَا) أَيْ الْخَرْقُ الْكَبِيرُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَدْرَ إذَا انْكَشَفَ مَنَعَ مِنْ قَطْعِ الْمَسَافَةِ؛ وَلِأَنَّهُ أَكْثَرُ الْأَصَابِعِ وَلِلْأَكْثَرِ حُكْمُ الْكُلِّ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ كَوْنُهَا مِنْ الْيَدِ ثُمَّ فِي اعْتِبَارِهَا مَضْمُومَةً أَوْ مُنْفَرِجَةً اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ ذَكَرَهُ فِي الْأَجْنَاسِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: فِي الزِّيَادَاتِ مِنْ أَصَابِعِ الرِّجْلِ أَصْغَرُهَا وَصَحَّحَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ كَغَيْرِهِ وَاعْتُبِرَ الْأَصْغَرُ لِلِاحْتِيَاطِ، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ عَلَى هَذَا أَصَابِعُ الرِّجْلِ فِي الْخَرْقِ وَأَصَابِعُ الْيَدِ فِي الْمَسْحِ؛ لِأَنَّ الْخَرْقَ يَمْنَعُ قَطْعَ السَّفَرِ وَتَتَابُعَ الْمَشْيِ وَأَنَّهُ فِعْلُ الرِّجْلِ فَأَمَّا فِعْلُ الْمَسْحِ، فَإِنَّهُ يَتَأَدَّى بِالْيَدِ وَالرِّجْلِ مَحَلُّهُ وَإِضَافَةُ الْفِعْلِ إلَى الْفَاعِلِ دُونَ الْمَحَلِّ هِيَ الْأَصْلُ وَلَا عُدُولَ عَنْ الْأَصْلِ بِلَا مُوجِبٍ وَلَا مُوجِبَ هُنَا وَفِي مَقْطُوعِ الْأَصَابِعِ يُعْتَبَرُ الْخَرْقُ بِأَصَابِعِ غَيْرِهِ وَقِيلَ بِأَصَابِعِ نَفْسِهِ لَوْ كَانَتْ قَائِمَةً كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَالْأَوْجَهُ الثَّانِي؛ لِأَنَّ مِنْ الْأَصَابِعِ مَا يَكُونُ طَوِيلًا وَيَكُونُ قَصِيرًا فَلَا يُعْتَبَرُ بِأَصَابِعِ غَيْرِهِ كَمَا لَا يَخْفَى وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَكِبَرُ الْقَدَمِ دَلِيلٌ عَلَى كِبَرِهَا وَصِغَرُهُ دَلِيلٌ عَلَى صِغَرِهَا فَيُعْرَفُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. اهـ. وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ الْأَصْغَرُ إذَا انْكَشَفَ مَوْضِعٌ غَيْرَ مَوْضِعِ الْأَصَابِعِ، وَأَمَّا إذَا انْكَشَفَ الْأَصَابِعُ نَفْسُهَا يُعْتَبَرُ أَنْ يَنْكَشِفَ الثَّلَاثُ أَيَّتُهَا كَانَتْ وَلَا يُعْتَبَرُ الْأَصْغَرُ؛ لِأَنَّ كُلَّ أُصْبُعٍ أَصْلٌ بِنَفْسِهَا فَلَا يُعْتَبَرُ بِغَيْرِهَا حَتَّى لَوْ انْكَشَفَ الْإِبْهَامُ مَعَ جَارَتِهَا وَهُمَا قَدْرُ ثَلَاثِ أَصَابِعَ مِنْ أَصْغَرِهَا يَجُوزُ الْمَسْحُ، وَإِنْ كَانَ مَعَ جَارَتِهَا لَا يَجُوزُ، وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ كَذَا فِي تَتِمَّةِ الْفَتَاوَى الصُّغْرَى وَحَكَى الْقُدُورِيُّ عَنْ الْحَاكِمِ أَنَّهُ جَعَلَ الْإِبْهَامَ كَأُصْبُعَيْنِ، وَهُوَ مَرْدُودٌ كَذَا فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَالْخَرْقُ الْمَانِعُ هُوَ الْمُنْفَرِجُ الَّذِي يُرَى مَا تَحْتَهُ مِنْ الرِّجْلِ أَوْ يَكُونُ مُنْضَمًّا لَكِنْ يَنْفَرِجُ عِنْدَ الْمَشْيِ أَوْ يَظْهَرُ الْقَدَمُ مِنْهُ عِنْدَ الْوَضْعِ بِأَنْ كَانَ الْخَرْقُ عَرْضًا، وَإِنْ كَانَ طُولًا يَدْخُلُ فِيهِ ثَلَاثُ أَصَابِعَ وَأَكْثَرُ لَكِنْ لَا يُرَى شَيْئًا مِنْ الْقَدَمِ وَلَا يَنْفَرِجُ عِنْدَ الْمَشْيِ لِصَلَابَتِهِ لَا يَمْنَعُ الْمَسْحَ وَلَوْ انْكَشَفَتْ الظِّهَارَةُ وَفِي دَاخِلِهَا بِطَانَةٌ مِنْ جِلْدٍ أَوْ خِرْقَةٍ مَخْرُوزَةٍ بِالْخُفِّ لَا يَمْنَعُ وَالْخَرْقُ أَعْلَى الْكَعْبِ لَا يَمْنَعُ؛ لِأَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِلُبْسِهِ وَالْخَرْقُ فِي الْكَعْبِ وَمَا تَحْتَهُ هُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي الْمَنْعِ وَلَوْ كَانَ الْخَرْقُ تَحْتَ الْقَدَمِ فَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ الْقَدَمِ مَنَعَهُ كَذَا فِي الِاخْتِيَارِ وَذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ عَنْ الْغَايَةِ بِلَفْظِ قِيلَ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ مَوَاضِعَ الْأَصَابِعِ يُعْتَبَرُ بِأَكْثَرِهَا فَكَذَا الْقَدَمُ وَتَعَقَّبَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ هَذَا التَّعْلِيلُ لَزِمَ أَنْ لَا يَعْتَبِرَ قَدْرَ ثَلَاثِ أَصَابِعَ أَصْغَرُهَا إلَّا إذَا كَانَ عِنْدَ أَصْغَرِهَا؛ لِأَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ حِينَئِذٍ   [منحة الخالق] [مَا يَمْنَع الْمَسْح عَلَى الْخُفَّيْنِ] (قَوْلُهُ: وَالْأَوْجَهُ الثَّانِي) قَالَ فِي النَّهْرِ تَقْدِيمُ الزَّيْلَعِيِّ وَغَيْرُهُ لِلْأَوَّلِ يُفِيدُ أَنَّهُ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُعَوَّلُ وَيُرَادُ بِالْغَيْرِ مَنْ لَهُ أَصَابِعُ تُنَاسِبُ قَدَمَهُ صَغُرَ أَوْ كَبُرَ إلَّا مُطْلَقَهُ؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْمَوْجُودِ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ اهـ. وَفِيهِ أَنَّهُ عَلَى هَذَا لَا يَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ حَتَّى يَكُونَ الْمُعَوَّلُ عَلَى الْأَوَّلِ مِنْهُمَا (قَوْلُهُ: وَتَعَقَّبَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَلِقَائِلٍ مَنْعُهُ؛ لِأَنَّ الْأَصَابِعَ اُعْتُبِرَتْ عُضْوًا عَلَى حِدَةٍ بِدَلِيلِ وُجُوبِ الدِّيَةِ بِقَطْعِهِمَا، وَكَانَ الْأَصْلُ أَنْ تَكُونَ تَبَعًا لِلْقَدَمِ لَكِنْ لِاعْتِبَارِهَا عَلَى حِدَةٍ اعْتَبَرُوا فِيهَا الثَّلَاثَ وَاعْتِبَارُ ذَلِكَ فِي الْعَقِبِ عَلَى الْأَصْلِ وَلَيْسَ فِي غَيْرِهَا هَذَا الْمَعْنَى اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إنَّمَا اُعْتُبِرَ خُرُوجُ أَكْثَرِ الْأَصَابِعِ؛ لِأَنَّهُمْ اعْتَبَرُوهَا عُضْوًا عَلَى حِدَةٍ وَاعْتَبَرُوا خُرُوجَ أَكْثَرِ الْقَدَمِ؛ لِأَنَّ الْأَصَابِعَ فِي الْأَصْلِ تَابِعَةٌ لَهُ فَاعْتَبَرُوا أَكْثَرَهُ بِنَاءً عَلَى الْأَصْلِ، وَأَمَّا غَيْرُ الْقَدَمِ فَيُعْتَبَرُ بِالْأَصَابِعِ إذْ لَيْسَتْ تَابِعَةً لَهُ كَمَا فِي الْقَدَمِ فَانْدَفَعَ اللُّزُومُ أَقُولُ: وَلَا يَخْفَى عَلَيْك عَدَمُ صِحَّةِ هَذَا الْمَنْعِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُحَقَّقَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ ذُكِرَ أَوَّلًا أَنَّ الْخَرْقَ فِي الْعَقِبِ يَمْنَعُ بِظُهُورِ أَكْثَرِهِ وَأَنَّ اعْتِبَارَ أَصْغَرِ الْأَصَابِعِ فِيمَا إذَا كَانَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا ثُمَّ نَقَلَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ تَحْتَ الْقَدَمِ يُعْتَبَرُ أَكْثَرُهُ فَإِذَا اُعْتُبِرَ أَكْثَرُ الْعَقِبِ وَأَكْثَرُ الْقَدَمِ لَمْ يَبْقَ مَوْضِعٌ غَيْرَ جِهَةِ الْأَصَابِعِ يُعْتَبَرُ فِيهِ أَصْغَرُ الْأَصَابِعِ فَلَزِمَ أَنْ لَا تُعْتَبَرَ إلَّا إذَا كَانَ الْخَرْقُ عِنْدَهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 إنَّمَا يُعْتَبَرُ بِأَكْثَرِهِ اهـ. وَظَاهِرُهُ اخْتِيَارُ اعْتِبَارِ ثَلَاثِ أَصَابِعَ مُطْلَقًا، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُتُونِ كَمَا لَا يَخْفَى حَتَّى فِي الْعَقِبِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ السَّرَخْسِيِّ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ هَذَا إذَا كَانَ الْخَرْقُ فِي مُقَدَّمِ الْخُفِّ أَوْ فِي أَعْلَى الْقَدَمِ أَوْ أَسْفَلِهِ، وَإِنْ كَانَ الْخَرْقُ فِي مَوْضِعِ الْعَقِبِ إنْ كَانَ يَخْرُجُ أَقَلُّ مِنْ نِصْفِ الْعَقِبِ جَازَ عَلَيْهِ الْمَسْحُ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ لَا يَجُوزُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى يَمْسَحُ حَتَّى يَبْدُوَ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِ الْعَقِبِ اهـ. وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ مَشَى فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُقْتَصِرًا عَلَيْهَا فَقَالَ: وَإِنْ كَانَ الْخَرْقُ مِنْ مُؤَخَّرِ الْخُفِّ بِإِزَاءِ الْعَقِبِ، فَإِنْ كَانَ يَبْدُو مِنْهُ أَكْثَرُ الْعَقِبِ مُنِعَ الْمَسْحُ، وَإِلَّا فَلَا اهـ. وَفِي اعْتِبَارِ الْمُصَنِّفِ الْأَصَابِعَ تَبَعًا لِصَاحِبِ الْهِدَايَةِ رَدًّا لِمَا اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ، فَإِنَّهُمَا قَالَا وَاخْتَلَفَ مَشَايِخُنَا فِيمَا إذَا كَانَ يَبْدُو ثَلَاثَةٌ مِنْ الْأَنَامِلِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ اهـ. وَصَحَّحَ مَا فِي الْكِتَابِ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ وَالْمُحِيطِ وَالْأَنَامِلُ أَطْرَافُ الْأَصَابِعِ وَالْقَدَمُ مِنْ الرِّجْلِ مَا يَطَأُ عَلَيْهِ الْإِنْسَانُ مِنْ لَدُنْ الرُّسْغِ إلَى مَا دُونَ ذَلِكَ، وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ وَالْعَقِبُ بِكَسْرِ الْقَافِ مُؤَخَّرُ الْقَدَمِ. (قَوْلُهُ: وَيَجْمَعُ فِي خُفٍّ لَا فِيهِمَا) أَيْ وَيَجْمَعُ الْخُرُوقَ فِي خُفٍّ وَاحِدٍ لَا فِي خُفَّيْنِ حَتَّى لَوْ كَانَ الْخَرْقُ فِي خُفٍّ وَاحِدٍ قَدْرَ أُصْبُعَيْنِ فِي مَوْضِعٍ أَوْ مَوْضِعَيْنِ وَفِي الْآخَرِ قَدْرُ أُصْبُعٍ جَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهِمَا بَعْدَ أَنْ يَقَعَ الْمِقْدَارُ الْوَاجِبُ عَلَى الْخُفِّ نَفْسِهِ، فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَوْ مَسَحَ مِقْدَارَ ثَلَاثِ أَصَابِعَ مِنْ أَصْغَرِ أَصَابِعِ الْيَدِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْهُ وَعَلَى مَا ظَهَرَ مِنْ الْخَرْقِ الْيَسِيرِ كَمَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ عَلَى مَا ظَهَرَ مِنْ الْخَرْقِ لَيْسَ بِمَسْحٍ عَلَى الْخُفِّ حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا أَمَّا حَقِيقَةً فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا حُكْمًا؛ فَلِأَنَّ الْخَرْقَ الْمَذْكُورَ إنَّمَا جُعِلَ عَفْوًا فِي جَوَازِ الْمَسْحِ عَلَى خُفٍّ هُوَ فِيهِ لَكِنْ لَا بِحَيْثُ يَكُونُ مَا يَقَعُ عَلَى مَا ظَهَرَ مِنْهُ مَحْسُوبًا مِنْ الْقَدْرِ الْوَاجِبِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ إنَّمَا اُعْتُبِرَ عَفْوًا فِيهِ؛ لِأَنَّ فِي اعْتِبَارِهِ مَانِعًا مِنْ الْمَسْحِ حَرَجًا لَازِمًا لِمَا ذَكَرْنَا وَلَا حَرَجَ فِي عَدَمِ احْتِسَابِ مَا يَقَعُ مِنْ الْمَسْحِ عَلَى مَا ظَهَرَ مِنْهُ مِنْ الْقَدْرِ الْوَاجِبِ لِعَدَمِ الْعُسْرِ فِي فِعْلِهِ عَلَى غَيْرِهِ فَظَهَرَ أَنَّ عَدَمَ اعْتِبَارِهِ مَانِعًا مِنْ الْمَسْحِ عَلَى خُفٍّ هُوَ فِيهِ لِلضَّرُورَةِ وَأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ لِاحْتِسَابِ مَا يَقَعُ إلَيْهِ مِنْ الْقَدْرِ الْوَاجِبِ مِنْ الْمَسْحِ وَمَا ثَبَتَ بِالضَّرُورَةِ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا كَذَا فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَإِذْ امْتَنَعَ الْمَسْحُ عَلَى أَحَدِهِمَا بِجَمْعِ الْخُرُوقِ الْمُتَفَرِّقَةِ امْتَنَعَ الْمَسْحُ عَلَى الْآخَرِ لِمَا عُرِفَ حَتَّى يَلْبَسَ مَكَانَ الْمُتَخَرِّقِ مَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ وَهَذَا الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ وَقَدْ بَحَثَ الْمُحَقِّقُ كَمَالُ الدِّينِ بَحْثًا عَلَيْهِ فَقَالَ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَا دَاعِيَ إلَى جَمْعِ الْخُرُوقِ، وَهُوَ اعْتِبَارُهَا كَأَنَّهَا فِي مَكَان وَاحِدٍ لِمَنْعِ الْمَسْحِ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَهُ فِيمَا إذَا اتَّحَدَ الْمَكَانُ حَقِيقَةً لِانْتِفَاءِ مَعْنَى الْخُفِّ بِامْتِنَاعِ قَطْعِ الْمَسَافَةِ الْمُعْتَادَةِ بِهِ لَا لِذَاتِهِ وَلَا لِذَاتِ الِانْكِشَافِ مِنْ حَيْثُ هُوَ انْكِشَافٌ، وَإِلَّا لَوَجَبَ الْغَسْلُ فِي الْخَرْقِ الصَّغِيرِ، وَهَذَا الْمَعْنَى مُنْتَفٍ عِنْدَ تَفَرُّقِهَا صَغِيرَةً كَقَدْرِ الْحِمَّصَةِ وَالْفُولَةِ لِإِمْكَانِ قَطْعِهَا مَعَ ذَلِكَ وَعَدَمِ وُجُوبِ غَسْلِ الْبَادِي اهـ. وَقَدْ قَوَّاهُ تِلْمِيذُهُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ بِأَنَّ هَذِهِ الدِّرَايَةَ مُوَافِقَةٌ لِرِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ مَذْكُورَةٍ فِي خِزَانَةِ الْفَتَاوَى وَفِي بَعْضِ شُرُوحِ الْمَجْمَعِ أَنَّهُ لَا يَجْمَعُ الْخَرْقَ سَوَاءٌ كَانَ فِي خُفٍّ أَوْ خُفَّيْنِ اهـ. وَقَدْ رَأَيْت فِي التَّوْشِيحِ أَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَجَعَلَ الْجَمْعَ قَوْلَ مُحَمَّدٍ اهـ. وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذِهِ الدِّرَايَةَ أَوْلَى مِمَّا فِي الْمُحِيطِ مِنْ أَنَّ الْخُرُوقَ الْمُتَعَدِّدَةَ فِي الْخُفِّ قَدْرُ ثَلَاثَةِ أَصَابِعَ تَمْنَعُ مِنْ تَتَابُعِ الْمَشْيِ فِيهِ إذْ لَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ الْمَنْعِ الظَّاهِرِ وَمِمَّا فِي الْبَدَائِعِ مِنْ أَنَّ الْخَرْقَ إنَّمَا مَنَعَ جَوَازَ الْمَسْحِ لِظُهُورِ مِقْدَارِ فَرْضِ الْمَسْحِ فَإِذَا كَانَ مُتَفَرِّقًا فِي الْخُفَّيْنِ لَمْ يَظْهَرْ مِقْدَارُ فَرْضِ الْمَسْحِ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا، فَإِنَّ ظُهُورَ مِقْدَارِ فَرْضِ الْمَسْحِ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا لَا يَظْهَرُ لَهُ أَثَرٌ فِي الْمَنْعِ بَعْدَ إمْكَانِ قَطْعِ الْمَسَافَةِ بِهِ وَتَتَابُعُ الْمَشْيِ فِيهِ وَبَقَاءُ شَيْءٍ مِنْ ظَهْرِ الْقَدَمِ يَقَعُ فِيهِ مِقْدَارُ الْوَاجِبِ مِنْ الْمَسْحِ فَكَانَ الظَّاهِرُ مَا بَحَثَهُ الْمُحَقِّقُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَقَلُّ الْخَرْقِ الَّذِي يُجْمَعُ   [منحة الخالق] ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ حِينَئِذٍ اُعْتُبِرَ بِأَكْثَرِهِ وَاَلَّذِي حَمَلَ صَاحِبَ النَّهْرِ عَلَى مَا قَالَ اشْتِبَاهُ الْعَقِبِ بِالْقَدَمِ وَظَنُّهُ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْعَقِبِ كَمَا يَتَّضِحُ لِمَنْ رَاجَعَ بَقِيَّةَ كَلَامِهِ وَلَيْسَ كَمَا ظَنَّ فَتَنَبَّهْ (قَوْلُهُ: رَدٌّ لِمَا اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ إلَخْ) أَيْ مِنْ الْمَنْعِ بِظُهُورِ الْأَنَامِلِ، وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ وَفِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ رَكَاكَةٌ وَالْمُرَادُ مَا ذَكَرْنَا. (قَوْلُهُ: وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذِهِ الدِّرَايَةَ أَوْلَى مِمَّا فِي الْمُحِيطِ) قَالَ فِي النَّهْرِ إطْبَاقُ عَامَّةِ الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ عَلَى الْجَمْعِ مُؤْذِنٌ بِتَرْجِيحِهِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الْخَرْقَ مَانِعٌ مُطْلَقًا إذْ الْمَاسِحُ عَلَيْهِ لَيْسَ مَاسِحًا عَلَى الْخُفِّ لَكِنْ لَمَّا كَانَتْ الْخِفَافُ قَدْ لَا تَخْلُو عَنْ خَرْقٍ لَا سِيَّمَا خِفَافُ الْفُقَرَاءِ قُلْنَا إنَّ الصَّغِيرَ عَفْوٌ وَجَمَعْنَاهُ فِي وَاحِدٍ لِعَدَمِ الْحَرَجِ بِخِلَافِ الِاثْنَيْنِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 مَا يَدْخُلُ فِيهِ الْمِسَلَّةُ وَأَمَّا مَا دُونَهُ فَلَا يُعْتَبَرُ إلْحَاقًا بِمَوَاضِعِ الْخَرْزِ ذَكَرَهُ فِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ النَّجَاسَةِ وَالِانْكِشَافِ) أَيْ بِخِلَافِ النَّجَاسَةِ الْمُتَفَرِّقَةِ حَيْثُ تُجْمَعُ، وَإِنْ كَانَتْ مُتَفَرِّقَةً فِي خُفَّيْهِ أَوْ ثَوْبِهِ أَوْ بَدَنِهِ أَوْ مَكَان أَوْ فِي الْمَجْمُوعِ وَبِخِلَافِ انْكِشَافِ الْعَوْرَةِ الْمُتَفَرِّقِ كَانْكِشَافِ شَيْءٍ مِنْ فَرْجِ الْمَرْأَةِ وَشَيْءٍ مِنْ ظَهْرِهَا وَشَيْءٍ مِنْ فَخِذِهَا وَشَيْءٍ مِنْ سَاقِهَا حَيْثُ يُجْمَعُ لِمَنْعِ جَوَازِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ فِي الْعَوْرَةِ انْكِشَافُ الْقَدْرِ الْمَانِعِ وَفِي النَّجَاسَةِ هُوَ كَوْنُهُ حَامِلًا لِذَلِكَ الْقَدْرِ الْمَانِعِ وَقَدْ وُجِدَ فِيهِمَا، وَأَمَّا الْخُرُوقُ فِي الْخُفِّ، فَإِنَّمَا مُنِعَ لِامْتِنَاعِ قَطْعِ الْمَسَافَةِ مَعَهُ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَفْقُودٌ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي كُلِّ خُفٍّ مِقْدَارُ ثَلَاثِ أَصَابِعَ إلَيْهِ أَشَارَ فِي الْهِدَايَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِيهِ وَسَيَأْتِي فِي بَابِ شُرُوطِ الصَّلَاةِ كَيْفِيَّةُ الْجَمْعِ وَمَا فِيهِ هَذَا وَقَدْ ذُكِرَ فِي الْخُلَاصَةِ أَنَّ النَّجَاسَةَ لَوْ كَانَتْ فِي ثَوْبِ الْمُصَلِّي أَقَلَّ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ وَتَحْتَ قَدَمَيْهِ أَقَلُّ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ وَلَكِنْ لَوْ جُمِعَ بَلَغَ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ لَا يُجْمَعُ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي التَّبْيِينِ وَغَيْرِهِ وَفِي الْخُلَاصَةِ أَيْضًا وَالْخَرْقُ فِي أُذْنَيْ الْأُضْحِيَّةِ هَلْ يُجْمَعُ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ وَأَعْلَامُ الثَّوْبِ تُجْمَعُ اهـ. يَعْنِي: إذَا كَانَ فِي الثَّوْبِ أَعْلَامٌ مِنْ الْحَرِيرِ، وَكَانَتْ إذَا جُمِعَتْ بَلَغَتْ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ أَصَابِعَ، فَإِنَّهَا تُجْمَعُ وَلَا يَجُوزُ لُبْسُهُ كَمَا لَا يَخْفَى. (قَوْلُهُ: وَيَنْقُضُهُ نَاقِضُ الْوُضُوءِ) أَيْ وَيَنْقُضُ الْمَسْحَ كُلُّ شَيْءٍ نَقَضَ الْوُضُوءَ حَقِيقِيًّا أَوْ حُكْمِيًّا؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ بَعْضُ الْوُضُوءِ فَمَا نَقَضَ الْكُلَّ نَقَضَ الْبَعْضَ وَعَلَّلَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ بِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنْ الْغَسْلِ فَيَنْقُضُهُ نَاقِضُ أَصْلِهِ كَالتَّيَمُّمِ وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ لَيْسَ بِبَدَلٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَاخْتَارَهُ بَعْضُ الْأَفَاضِلِ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ لَا يَجُوزُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْأَصْلِ وَالْمَسْحُ يَجُوزُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْأَصْلِ بَلْ التَّحْقِيقُ أَنَّ التَّيَمُّمَ بَدَلٌ وَالْمَسْحَ خَلَفٌ (قَوْلُهُ: وَنَزْعُ خُفٍّ) أَيْ وَيَنْقُضُهُ أَيْضًا نَزْعُ خُفٍّ؛ لِأَنَّ الْحَدَثَ السَّابِقَ سَرَى إلَى الْقَدَمَيْنِ لِزَوَالِ الْمَانِعِ وَلَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ مَسَحَ الرَّأْسَ ثُمَّ حَلَقَ الشَّعْرَ حَيْثُ لَا يَلْزَمُهُ إعَادَةُ الْمَسْحِ؛ لِأَنَّ الشَّعْرَ مِنْ الرَّأْسِ خِلْقَةً فَالْمَسْحُ عَلَيْهِ مَسْحٌ عَلَى الرَّأْسِ كَمَا لَوْ مَسَحَ عَلَى الْخُفِّ ثُمَّ حَكَّهُ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ (قَوْلُهُ: وَمُضِيُّ الْمُدَّةِ) أَيْ وَيَنْقُضُهُ أَيْضًا مُضِيُّ الْمُدَّةِ لِلْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى التَّأْقِيتِ وَاعْلَمْ أَنَّ نَزْعَ الْخُفِّ وَمُضِيَّ الْمُدَّةِ غَيْرُ نَاقِضٍ فِي الْحَقِيقَةِ، وَإِنَّمَا النَّاقِضُ لَهُ الْحَدَثُ السَّابِقُ لَكِنَّ الْحَدَثَ يَظْهَرُ عِنْدَ وُجُودِهِمَا فَأُضِيفَ النَّقْضُ إلَيْهِمَا مَجَازًا كَمَا تَقَدَّمَ فِي التَّيَمُّمِ، فَإِنْ قِيلَ لَا حَدَثَ لِيَسْرِيَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ حَلَّ بِالْخُفِّ ثُمَّ زَالَ بِالْمَسْحِ فَلَا يَعُودُ إلَّا بِسَبَبِهِ مِنْ الْخَارِجِ النَّجَسِ وَنَحْوِهِ قُلْنَا جَازَ أَنْ يَعْتَبِرَ الشَّرْعُ ارْتِفَاعَ الْحَدَثِ بِمَسْحِ الْخُفِّ مُقَيَّدًا بِمُدَّةِ مَنْعِهِ ثُمَّ عَلِمْنَا وُقُوعَ مِثْلِهِ فِي التَّيَمُّمِ حَيْثُ اُعْتُبِرَ فِي ارْتِفَاعِهِ بِاسْتِعْمَالِهِ الصَّعِيدَ تَقْيِيدَهُ بِمُدَّةِ اعْتِبَارِهِ عَامِلًا أَعْنِي مُدَّةَ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَاءِ وَيُنَاسِبُ ذَلِكَ لِوَصْفِ الْبَدَلِيَّةِ، وَهُوَ فِي الْمَسْحِ ثَابِتٌ بَلْ هُوَ فِيهِ مِنْ وَجْهَيْنِ، فَإِنَّ الْمَسْحَ، وَإِنْ كَانَ بِالْمَاءِ لَكِنَّهُ يَدُلُّ عَنْ وَظِيفَةِ الْغَسْلِ وَالْخُفِّ عَنْ الرِّجْلِ فَوَجَبَ تَقْيِيدُ الِارْتِفَاعِ فِيهِ بِمُدَّةٍ اعْتِبَارُهُ بَدَلًا يُفِيدُ مَا يُفِيدُهُ الْأَصْلُ كَمَا تَقَيَّدَ فِي التَّيَمُّمِ بِمُدَّةِ كَوْنِهِ بَدَلًا يُفِيدُ مَا يُفِيدُهُ الْأَصْلُ مَعَ أَنَّ الْمَقَامَ مَقَامُ الِاحْتِيَاطِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ: إنْ لَمْ يَخَفْ ذَهَابَ رِجْلِهِ مِنْ الْبَرْدِ) أَيْ يَنْقُضُهُ مُضِيُّ الْمُدَّةِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَخَافَ عَلَى رِجْلِهِ الْعَطَبَ بِالنَّزْعِ وَمَفْهُومٌ أَنَّهُ إذَا خَافَ يَجُوزُ لَهُ الْمَسْحُ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَوْقِيتٍ بِمُدَّةٍ إلَى أَنْ يَزُولَ هَذَا الْخَوْفُ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَنْتَقِضُ عِنْدَ الْخَوْفِ وَتَعَقَّبَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّ خَوْفَ الْبَرْدِ لَا أَثَرَ لَهُ فِي مَنْعِ السِّرَايَةِ كَمَا أَنَّ عَدَمَ الْمَاءِ لَا يَمْنَعُهَا فَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ لَا يَنْزِعُ لَكِنْ لَا يَمْسَحُ بَلْ يَتَيَمَّمُ لِخَوْفِ الْبَرْدِ وَعَنْ هَذَا نَقَلَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ تَأْوِيلَ الْمَسْحِ الْمَذْكُورِ بِأَنَّهُ مَسْحُ جَبِيرَةٍ لَا كَمَسْحِ الْخُفِّ فَعَلَى هَذَا يَسْتَوْعِبُ الْخُفَّ عَلَى مَا هُوَ الْأَوْلَى أَوْ أَكْثَرُهُ، وَهُوَ غَيْرُ الْمَفْهُومِ مِنْ اللَّفْظِ الْمُؤَوَّلِ مَعَ أَنَّهُ إنَّمَا يُتِمُّ إذَا كَانَ مُسَمَّى الْجَبِيرَةِ يَصْدُقُ عَلَى سَاتِرٍ لَيْسَ تَحْتَهُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ) قَالَ فِي الْمِنَحِ قُلْت يَنْبَغِي تَرْجِيحُ الْقَوْلِ بِالْجَمْعِ احْتِيَاطًا فِي بَابِ الْعِبَادَاتِ. [مَا يَنْقُضُ الْمَسْحَ عَلَيَّ الْخُفَّيْنِ] (قَوْلُهُ: وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ لَيْسَ بِبَدَلٍ) سَيَأْتِي قَرِيبًا تَقْرِيرُهُ لِخِلَافِهِ وَكَذَا يَأْتِي مَا يُخَالِفُهُ فِي آخِرِ الْبَابِ بَانِيًا عَلَيْهِ الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَسْحِ عَلَى الْجَبِيرَةِ (قَوْلُهُ: حَيْثُ لَا يَلْزَمُهُ إعَادَةُ الْمَسْحِ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ إعَادَةُ الشَّعْرِ وَالصَّوَابُ الْمَسْحُ (قَوْلُهُ: لِوَصْفِ الْبَدَلِيَّةِ) مُنَافٍ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ بِبَدَلٍ (قَوْلُهُ: وَهُوَ غَيْرُ الْمَفْهُومِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ التَّأْوِيلُ الْمَذْكُورُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 مَحَلُّ وَجَعٍ بَلْ عُضْوٌ صَحِيحٌ غَيْرَ أَنَّهُ يَخَافُ مِنْ كَشْفِهِ حُدُوثُ الْمَرَضِ لِلْبَرْدِ وَيَسْتَلْزِمُ بُطْلَانَ كُلِّيَّةِ مَسْأَلَةِ التَّيَمُّمِ لِخَوْفِ الْبَرْدِ عَلَى عُضْوٍ أَوْ اسْوِدَادِهِ وَيَقْتَضِي أَيْضًا عَلَى ظَاهِرِ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ جَوَازَ تَرْكِهِ رَأْسًا، وَهُوَ خِلَافُ مَا يُفِيدُهُ إعْطَاؤُهُمْ حُكْمَ الْمَسْأَلَةِ اهـ. وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَلَوْ مَضَتْ، وَهُوَ يَخَافُ الْبَرْدَ عَلَى رِجْلِهِ بِالنَّزْعِ يَسْتَوْعِبُ بِالْمَسْحِ كَالْجَبَائِرِ اهـ فَأَفَادَ الِاسْتِيعَابَ وَأَنَّهُ مُلْحَقٌ بِالْجَبَائِرِ لَا جَبِيرَةً حَقِيقَةً وَأَمَّا كُلِّيَّةُ مَسْأَلَةِ التَّيَمُّمِ فَمَخْصُوصَةٌ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ جَبِيرَةٌ أَوْ مَا هُوَ مُلْحَقٌ بِهَا، وَأَمَّا جَوَازُ تَرْكِهِ رَأْسًا فَالْمُفْتَى بِهِ عَدَمُهُ فِي الْجَبِيرَةِ كَمَا سَيَأْتِي فَكَذَا فِي الْمُلْحَقِ بِهَا وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ لَوْ تَمَّتْ الْمُدَّةُ، وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ وَلَا مَاءَ يَمْضِي عَلَى الْأَصَحِّ فِي صَلَاتِهِ إذْ لَا فَائِدَةَ فِي النَّزْعِ؛ لِأَنَّهُ لِلْغَسْلِ وَلَا مَاءَ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ مِنْ الْمَشَايِخِ تَفْسُدُ اهـ. وَفِي التَّبْيِينِ الْقَوْلُ بِالْفَسَادِ أَشْبَهُ لِسِرَايَةِ الْحَدَثِ إلَى الرِّجْلِ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْمَاءِ لَا يَمْنَعُ السِّرَايَةَ ثُمَّ يَتَيَمَّمُ لَهُ وَيُصَلِّي كَمَا لَوْ بَقِيَ مِنْ أَعْضَائِهِ لُمْعَةٌ وَلَمْ يَجِدْ مَاءً يَغْسِلُهَا بِهِ، فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ فَكَذَا هَذَا اهـ. وَتَبِعَهُ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ: وَبَعْدَهُمَا غَسْلُ رِجْلَيْهِ فَقَطْ) أَيْ بَعْدَ النَّزْعِ وَمُضِيِّ الْمُدَّةِ غَسْلُ رِجْلَيْهِ فَقَطْ وَلَيْسَ عَلَيْهِ إعَادَةُ بَقِيَّةِ الْوُضُوءِ إذَا كَانَ عَلَى وُضُوءٍ؛ لِأَنَّ الْحَدَثَ السَّابِقَ هُوَ الَّذِي حَلَّ بِقَدَمِهِ وَقَدْ غَسَلَ بَعْدَهُ سَائِرَ الْأَعْضَاءِ وَبَقِيَتْ الْقَدَمَانِ فَقَطْ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا غَسْلُهُمَا وَلَا مَعْنَى لِغَسْلِ الْأَعْضَاءِ الْمَغْسُولَةِ ثَانِيًا؛ لِأَنَّ الْفَائِتَ الْمُوَالَاةُ، وَهِيَ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِي الْوُضُوءِ عِنْدَنَا وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الْمَاسِحَ عَلَى الْخُفِّ إذَا أَحْدَثَ فَانْصَرَفَ لِيَتَوَضَّأَ فَانْقَضَتْ مُدَّةُ مَسْحِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ عَلَى الصَّحِيحِ (قَوْلُهُ: وَخُرُوجُ أَكْثَرِ الْقَدَمِ نَزْعٌ) ، وَهُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَعَنْهُ بِخُرُوجِ نِصْفِهِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ إنْ كَانَ الْبَاقِي قَدْرَ مَحَلِّ الْفَرْضِ أَعْنِي ثَلَاثَةَ أَصَابِعِ الْيَدِ طُولًا لَا يَنْتَقِضُ، وَإِلَّا اُنْتُقِضَ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ كَذَا فِي الْكَافِي وَالْمِعْرَاجِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي النِّصَابِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ خَرَجَ أَكْثَرُ الْعَقِبِ يَعْنِي إذَا أَخْرَجَهُ قَاصِدًا إخْرَاجَ الرِّجْلِ بَطَلَ الْمَسْحُ حَتَّى لَوْ بَدَا لَهُ إعَادَتُهَا فَأَعَادَهَا لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ وَكَذَا لَوْ كَانَ أَعْرَجَ يَمْشِي عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ وَقَدْ ارْتَفَعَ عَقِبُهُ عَنْ مَوْضِعِ عَقِبِ الْخُفِّ إلَى السَّاقِ لَا يَمْسَحُ أَمَّا لَوْ كَانَ الْخُفُّ وَاسِعًا يَرْتَفِعُ الْعَقِبُ بِرَفْعِ الرِّجْلِ إلَى السَّاقِ وَيَعُودُ بِوَضْعِهَا، فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْمَسْحُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقَيَّدَهُ فِي الْمُحِيطِ بِأَنَّهُ يَبْقَى فِيهِ مِقْدَارُ ثَلَاثَةِ أَصَابِعَ وَفِي الْبَدَائِعِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: فَأَفَادَ الِاسْتِيعَابَ وَأَنَّهُ مُلْحَقٌ بِالْجَبَائِرِ إلَخْ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِ صَاحِبِ الْفَتْحِ مَعَ أَنَّهُ إنَّمَا يَتِمُّ إلَخْ وَقَوْلُهُ وَإِمَّا كُلِّيَّةً إلَخْ جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ وَيَسْتَلْزِمُ إلَخْ وَقَوْلُهُ: وَأَمَّا جَوَازُ تَرْكِهِ رَأْسًا إلَخْ جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ وَيَقْتَضِي إلَخْ قَالَ فِي النَّهْرِ وَلَا يَخْفَى مَا فِي هَذِهِ الْأَجْوِبَةِ مِنْ التَّكَلُّفِ. اهـ. (وَأَجَابَ) بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَنْ مَسْأَلَةِ كُلِّيَّةِ التَّيَمُّمِ بِأَنَّ مَسْأَلَةَ التَّيَمُّمِ لِخَوْفِ الْبَرْدِ مُقَيَّدَةٌ بِالْجُنُبِ، وَأَمَّا الْمُحْدِثُ الْخَائِفُ مِنْ الْبَرْدِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا تَقَدَّمَ، وَأَمَّا مَسْأَلَةُ خَوْفِ الْبَرْدِ الْمَذْكُورَةِ هُنَا فَهِيَ فِي الْمُحْدِثِ إذْ الْجُنُبُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ كَمَا لَا يَخْفَى وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ: وَفِي التَّبْيِينِ الْقَوْلُ بِالْفَسَادِ أَشْبَهُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَالَ الْعَلَّامَةُ الْحَلَبِيُّ فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الصَّحِيحَ هُوَ الْقَوْلُ بِالْفَسَادِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ التَّيَمُّمَ لَا حَظَّ لِلرِّجْلَيْنِ فِيهِ بَلْ هُوَ طَهَارَةٌ لِجَمِيعِ الْأَعْضَاءِ، وَإِنْ كَانَ مَحَلُّهُ عُضْوَيْنِ كَمَا أَنَّ الْوُضُوءَ طَهَارَةٌ لِجَمِيعِهَا، وَإِنْ كَانَ مَحَلُّهُ أَرْبَعَةَ أَعْضَاءٍ وَكَذَا لَوْ خَافَ إنْ نَزَعَهُمَا ذَهَابُ رِجْلَيْهِ مِنْ الْبَرْدِ، فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ، وَلَا يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ عَلَى مَا حَقَّقَهُ الشَّيْخُ كَمَالُ الدِّينِ بْنُ الْهُمَامِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي الشَّرْحِ اهـ. أَيْ ذَكَرَهُ فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ لَهَا وَأَقُولُ: ظَاهِرُ الْمُتُونِ كَالْكَنْزِ وَالْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِمَا الْمَسْحُ لَا التَّيَمُّمُ فِي مَسْأَلَةِ خَوْفِ ذَهَابِ رِجْلَيْهِ وَلَيْسَ التَّرْجِيحُ بِالْهَيِّنِ فِي ذَلِكَ فَتَأَمَّلْ وَازْدَدْ نَقْلًا فِي كَلَامِهِمْ يَظْهَرُ لَك الرَّاجِحُ مِنْ الْمَرْجُوحِ اهـ كَلَامُ الرَّمْلِيِّ. قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ نَعَمْ ظَاهِرُ الْمُتُونِ الْمَسْحُ لَكِنْ يُرَادُ بِالْمَسْحِ أَنْ يَمْسَحَ عَلَى جَمِيعِهِ كَالْجَبِيرَةِ وَلَا يَتَوَقَّتُ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ صَرِيحُ كَلَامِهِمْ فِي غَيْرِ كِتَابٍ مِنْ الْكُتُبِ الْمُعْتَبَرَةِ قَالَ فِي الْمُجْتَبَى، فَإِنْ مَضَتْ، وَهُوَ يَخَافُ الْبَرْدَ عَلَى رِجْلَيْهِ بِالنَّزْعِ يَسْتَوْعِبُ الْمَسْحَ كَالْجَبَائِرِ وَيُصَلِّي وَكَذَا فِي الزَّيْلَعِيِّ وَالْإِيضَاحِ وَالْحَاوِي وَمُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ اهـ. قُلْت وَكَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَإِمْدَادِ الْفَتَّاحِ وَشَرْحَيْ الْعَلَّامَةِ الْحَصْكَفِيِّ عَلَى الْمُلْتَقَى وَالتَّنْوِيرِ فَعُلِمَ بِهَذِهِ النُّقُولِ أَنَّ الرَّاجِحَ الْمَسْحُ لَا التَّيَمُّمُ وَنَقَلَهُ فِي السِّرَاجِ عَنْ الْمُشْكِلِ وَمُنْلَا خُسْرو وَعَنْ الْكَافِي وَعُيُونِ الْمَذَاهِبِ وَالْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْخُلَاصَةِ وَفِي الْفَتْحِ عَنْ جَوَامِعِ الْفِقْهِ وَالْمُحِيطِ وَلَمْ يَذْكُرُوا التَّيَمُّمَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْفَائِتَ الْمُوَالَاةُ، وَهِيَ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِي الْوُضُوءِ) قَالَ بَعْضُ مُحَشِّي صَدْرِ الشَّرِيعَةِ. اعْلَمْ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُسَنَّ غَسْلُ الْبَاقِي أَيْضًا مُرَاعَاةً لِلسُّنَّةِ أَعْنِي الْوَلَاءَ وَلَكِنَّ عِبَارَتَهُ لَا تُفِيدُ ذَلِكَ كَمَا لَا يَخْفَى فَتَدَبَّرْ اهـ. وَقَدْ يُقَالُ قَوْلُ الْمُؤَلِّفِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ إعَادَةُ بَقِيَّةِ الْوُضُوءِ كَمَا هُوَ عِبَارَةُ الْهِدَايَةِ يُشِيرُ إلَى نَفْيِ الْوُجُوبِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُؤَلِّفُ ثَانِيًا بِقَوْلِهِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا غَسْلُهُمَا، وَهُوَ صَادِقٌ بِسُنِّيَّةِ غَسْلِ الْبَاقِي مُرَاعَاةً لِسُنِّيَّةِ الْمُوَالَاةِ بِاسْتِحْبَابِهِ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَالِكٍ تَأَمَّلْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: يَسْتَمْشِي، فَإِنْ أَمْكَنَهُ الْمَشْيُ الْمُعْتَادُ يَبْقَى الْمَسْحُ، وَإِلَّا يَنْتَقِضُ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَهُوَ اعْتِبَارُ أَكْثَرِ الْقَدَمِ وَلَا بَأْسَ بِالِاعْتِمَادِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ لُبْسِ الْخُفِّ هُوَ الْمَشْيُ فَإِذَا تَعَذَّرَ الْمَشْيُ عُدِمَ اللُّبْسُ فِيمَا قُصِدَ لَهُ؛ وَلِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ. اهـ. وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِتَرْجِيحِ هَذَا الْقَوْلِ، وَهُوَ بِهِ جَدِيرٌ، فَإِنَّ الْحُكْمَ إذَا كَانَ دَائِرًا مَعَ الْأَصْلِ وُجُودًا وَعَدَمًا كَانَ الِاعْتِبَارُ لَهُ وَحِينَئِذٍ يَظْهَرُ أَنَّ مَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ صَحِيحٌ مُتَّجَهٌ؛ لِأَنَّ بَقَاءَ الْعَقِبِ أَوْ أَكْثَرِهَا فِي السَّاقِ يَتَعَذَّرُ مَعَهُ الْمُدَاوَمَةُ عَلَى الْمَشْيِ الْمُعْتَادِ مِقْدَارُ مَا يَقْطَعُ بِهِ الْمَسَافَةَ بِوَاسِطَةِ مَا فِيهِ مِنْ الدَّوْسِ عَلَى نَفْسِ السَّاقِ وَقَدْ صَرَّحَ بِهَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ بِنَزْعِ أَحَدِهِمَا يَجِبُ نَزْعُ الْآخَرِ لِئَلَّا يَكُونَ جِمَاعًا بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْخَلَفِ كَذَا فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ وَهَلْ يَنْتَقِضُ أَيْضًا بِغَسْلِ الرِّجْلِ أَوْ أَكْثَرِهَا فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَنْتَقِضُ بِغَسْلِ الْأَكْثَرِ وَذَكَرَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ أَنَّهُ لَا يَنْتَقِضُ الْمَسْحُ بِغَسْلِ الرِّجْلِ أَصْلًا، وَهُوَ الْأَظْهَرُ. اهـ. وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الْبَحْثِ فَارْجِعْ إلَيْهِ وَإِلَى هُنَا صَارَ نَوَاقِضُ الْمَسْحِ أَرْبَعَةً وَزَادَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ خَامِسًا، وَهُوَ خُرُوجُ الْوَقْتِ فِي حَقِّ صَاحِبِ الْعُذْرِ وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ مَسَحَ مُقِيمٌ فَسَافَرَ قَبْلَ تَمَامِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ مَسَحَ ثَلَاثًا) سَوَاءٌ سَافَرَ قَبْلَ انْتِقَاضِ الطَّهَارَةِ أَوْ بَعْدَهَا قَبْلَ كَمَالِ مُدَّةِ الْمُقِيمِ وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ مُدَّتَهُ تَتَحَوَّلُ إلَى مُدَّةِ الْمُسَافِرِ فِي الْأَوَّلِ وَفِي الثَّانِي خِلَافُ الشَّافِعِيِّ لَنَا الْعَمَلُ بِإِطْلَاقِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمْسَحُ الْمُسَافِرُ الْحَدِيثُ، وَهَذَا مُسَافِرٌ فَيَمْسَحُهَا بِخِلَافِ مَا بَعْدَ كَمَالِ مُدَّةِ الْمُقِيمِ؛ لِأَنَّ الْحَدَثَ قَدْ سَرَى إلَى الْقَدَمِ، وَإِنَّمَا يَمْسَحُ عَلَى خُفِّ رَجُلٍ لَا حَدَثَ فِيهَا إجْمَاعًا. وَأَمَّا مَا اسْتَدَلَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ مِنْ أَنَّ هَذِهِ عِبَادَةٌ ابْتَدَأَتْ حَالَةَ الْإِقَامَةِ فَيُعْتَبَرُ فِيهَا حَالَةُ الِابْتِدَاءِ كَصَلَاةٍ ابْتَدَأَهَا مُقِيمًا فِي سَفِينَةٍ فَسَافَرَتْ وَصَوْمٍ شَرَعَ فِيهِ مُقِيمًا فَسَافَرَ حَيْثُ يُعْتَبَرُ فِيهِ حُكْمُ الْإِقَامَةِ فَغَنِيَ عَنْ تَكَلُّفِ الْفَرْقِ لِعَدَمِ ظُهُورِ وَجْهِ الْجَمْعِ بِالْمُشْتَرَكِ الْمُؤَثِّرِ فِي الْحُكْمِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَبَيَانُهُ أَنَّ أَئِمَّتَنَا لَا يَرَوْنَ الْعِبَادَةَ وَصْفًا لَازِمًا لِلْمَسْحِ بَلْ إذَا كَانَ الْوُضُوءُ مَنْوِيًّا وَالنِّيَّةُ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِيهِ عِنْدَ هُمْ؛ وَلِأَنَّ الْمَسَحَاتِ فِي الْمُدَّةِ بِمَنْزِلَةِ الصِّيَامِ فِي السَّفَرِ لَا بِمَنْزِلَةِ صَوْمِ الْيَوْمِ بِدَلَالَةِ أَنَّ فَسَادَ بَعْضِ الْمَسَحَاتِ لَا يُوجِبُ فَسَادَ الْبَعْضِ الْآخَرِ كَمَا فِي صِيَامِ أَيَّامِ رَمَضَانَ وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ مَنْ سَافَرَ فِي أَوَاخِرِ رَمَضَانَ يَسْقُطُ عَنْهُ وُجُوبُ الْأَدَاءِ فِيمَا بَقِيَ مَا دَامَ مُسَافِرًا وَلَا يَمْنَعُ كَوْنُهُ مُقِيمًا فِي أَوَّلِهِ مِنْ تَرَخُّصِهِ بِتَرْكِ أَدَاءِ الصَّوْمِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ فَكَذَا كَوْنُ الْمَاسِحِ مُقِيمًا فِي أَوَّلِ الْمُدَّةِ لَا يَمْنَعُ مِنْ تَرَخُّصِهِ رُخْصَةَ الْمُسَافِرِ بِالْمَسْحِ إذَا كَانَ فِي آخِرِهَا مُسَافِرًا قَالَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ فَلَوْ أَنَّهُ لَمَّا جَاوَزَ الْعُمْرَانَ قَبْلَ مُضِيِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَدَخَلَ فِي الصَّلَاةِ سَبَقَهُ الْحَدَثُ فِيهَا وَعَادَ إلَى مِصْرِهِ لِيَتَوَضَّأَ فَمَضَى يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ قَبْلَ أَنْ يَعُودَ إلَى مُصَلَّاهُ فَالْقِيَاسُ أَنْ تَفْسُدَ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا عَادَ إلَى مِصْرِهِ فَقَدْ صَارَ مُقِيمًا وَقَدْ انْقَضَتْ مُدَّتُهُ، وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَفَسَدَتْ إلَّا أَنَّ الصَّدْرَ الشَّهِيدَ ذَكَرَ فِي الْوَاقِعَاتِ أَنَّ الْمَاسِحَ إذَا انْقَضَتْ مُدَّتُهُ، وَهُوَ فِي حَالِ انْصِرَافِهِ مَعَ الْحَدَثِ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ اسْتِحْسَانًا وَلَوْ عَادَ إلَى مُصَلَّاهُ فِي مَسْأَلَتِنَا قَبْلَ مُضِيِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ انْتَقَلَتْ مُدَّتُهُ إلَى السَّفَرِ وَوَجَبَ عَلَيْهِ الْإِتْمَامُ فِي هَذِهِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَقَدْ صَرَّحَ بِهَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ) حَيْثُ قَالَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنْ كَانَ الْبَاقِي بِحَيْثُ يُمْكِنُهُ الْمَشْيُ فِيهِ كَذَلِكَ لَا يَنْتَقِضُ، وَهَذَا فِي التَّحْقِيقِ هُوَ مَرْمِيٌّ نَظَرًا لِكُلٍّ فَمَنْ نَقَضَ بِخُرُوجِ الْعَقِبِ لَيْسَ إلَّا؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ عِنْدَهُ أَنَّهُ مَعَ حُلُولِ الْعَقِبِ فِي السَّاقِ لَا يُمْكِنُهُ مُتَابَعَةُ الْمَشْيِ فِيهِ وَقَطْعُ الْمَسَافَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ تَعُودُ إلَى مَحَلِّهَا عِنْدَ الْوَضْعِ وَمَنْ قَالَ الْأَكْثَرُ فَلِظَنِّهِ أَنَّ الِامْتِنَاعَ مَنُوطٌ بِهِ وَكَذَا مَنْ قَالَ يَكُونُ الْبَاقِي قَدْرَ الْفَرْضِ وَهَذِهِ الْأُمُورُ إنَّمَا تُبْنَى عَلَى الْمُشَاهَدَةِ وَيَظْهَرُ أَنَّ مَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَوْلَى؛ لِأَنَّ بَقَاءَ الْعَقِبِ فِي السَّاقِ يُعِيقُ عَنْ مُدَاوَمَةِ الْمَشْيِ دَوْسًا عَلَى السَّاقِ نَفْسِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَزَادَ فِي السِّرَاجِ خَامِسًا إلَخْ) قَالَ الْعَارِفُ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ رُبَّمَا يُقَالُ خُرُوجُ الْوَقْتِ عَلَى الْمَعْذُورِ نَاقِضٌ لِوُضُوئِهِ كُلِّهِ لَا لِمَسْحِ الْخُفِّ فَقَطْ فَيَدْخُلُ ذَلِكَ فِي نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ. (قَوْلُهُ: سَوَاءٌ سَافَرَ قَبْلَ انْتِقَاضِ الطَّهَارَةِ إلَخْ) تَبِعَ فِي ذَلِكَ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَاعْتَرَضَهُمَا فِي النَّهْرِ بِأَنَّ قَوْلَهُ مَسَحَ لَا يَشْمَلُ مَا لَوْ سَافَرَ قَبْلَ انْتِقَاضِ الطَّهَارَةِ ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ قُلْت لَا يَلْزَمُ مِنْ مَسْحِهِ سَبْقُ حَدَثٍ لِجَوَازِ أَنْ يَتَوَضَّأَ وُضُوءًا عَلَى وُضُوءٍ وَيَمْسَحُ فِي الثَّانِي قُلْت هَذَا مَعَ بُعْدِهِ مُفَوِّتٌ لِتَقْيِيدِ مَحَلِّ الْخِلَافِ عَلَى أَنَّ قَوْلَ الْقُدُورِيِّ وَمَنْ ابْتَدَأَ مُدَّةَ الْمَسْحِ فَسَافَرَ يَدْفَعُ هَذَا لِمَا أَنَّ ابْتِدَاءَهَا مِنْ وَقْتِ الْحَدَثِ. (قَوْلُهُ: وَفِي الثَّانِي خِلَافُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ قُلْت خِلَافُ الشَّافِعِيِّ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا سَافَرَ بَعْدَ الْحَدَثِ وَالْمَسْحُ قَبْلَ كَمَالِ مُدَّةِ الْمُقِيمِ، وَأَمَّا إذَا سَافَرَ بَعْدَ الْحَدَثِ وَمَسَحَ فِي السَّفَرِ قَبْلَ خُرُوجِ وَقْتِ الصَّلَاةِ أَوْ بَعْدَ خُرُوجِهِ فِي الصَّحِيحِ، فَإِنَّهُ يُتِمُّ مَسْحَ مُسَافِرٍ مِنْ حِينِ أَحْدَثَ فِي الْحَضَرِ؛ لِأَنَّهُ بَدَأَ بِالْعِبَادَةِ فِي السَّفَرِ فَثَبَتَ لَهُ رُخْصَةُ السَّفَرِ كَذَا فِي الْمُهَذَّبِ وَشَرْحِهِ لِلنَّوَوِيِّ اهـ. قُلْت: وَنَحْوُهُ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ لِلْقَاضِي زَكَرِيَّا الْأَنْصَارِيِّ، وَهُوَ الْمَفْهُومُ أَيْضًا مِنْ تَقْيِيدِ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ مَسْحَ مُقِيمٍ فَسَافَرَ قَبْلَ تَمَامِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 الصَّلَاةِ وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ عَجِيبَةٌ، وَهُوَ أَنَّهُ مُسَافِرٌ فِي حَقِّ الْمَسْحِ مُقِيمٌ فِي حَقِّ إتْمَامِ الصَّلَاةِ كَذَا فِي إيضَاحِ الصَّيْرَفِيِّ. اهـ. وَقَدْ عَلِمْت فِيمَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّ الصَّحِيحَ بُطْلَانُ الصَّلَاةِ وَمَسْأَلَةُ الْإِتْمَامِ الْمَذْكُورَةِ مَذْكُورَةٌ فِي الْخُلَاصَةِ مِنْ بَابِ الْمُسَافِرِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَقَامَ الْمُسَافِرُ بَعْدَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ نَزَعَ، وَإِلَّا يُتِمَّ يَوْمًا وَلَيْلَةً) ؛ لِأَنَّ رُخْصَةَ السَّفَرِ لَا تَبْقَى بِدُونِهِ وَالشَّافِعِيُّ يُوَافِقُنَا فِي هَذِهِ عَلَى مَا هُوَ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: وَصَحَّ عَلَى الْجُرْمُوقِ) أَيْ جَازَ الْمَسْحُ عَلَى الْجُرْمُوقِ لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ شَرَعَ فِي الْجُرْمُوقِ وَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهِمَا فَنَقُولُ ذَكَرَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ ثُمَّ الْخُفُّ الَّذِي يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ مَا يَكُونُ صَالِحًا لِقَطْعِ الْمَسَافَةِ وَالْمَشْيِ الْمُتَتَابِعِ عَادَةً وَيَسْتُرُ الْكَعْبَيْنِ وَمَا تَحْتَهُمَا وَمَا لَيْسَ كَذَلِكَ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ وَيَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفِّ الَّذِي يَكُونُ مِنْ اللِّبْدِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُنَعَّلًا؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ قَطْعُ الْمَسَافَةِ بِهِ وَفِي الْخُلَاصَةِ، وَأَمَّا الْمَسْحُ عَلَى الْخِفَافِ الْمُتَّخَذَةِ مِنْ اللُّبُودِ التُّرْكِيَّةِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ وَلَا يَجُوزُ الْمَسْحُ حَتَّى يَكُونَ الْأَدِيمُ عَلَى أَصَابِعِ الرِّجْلِ وَظَاهِرُ الْقَدَمَيْنِ اهـ. فَلَوْ اتَّخَذَ خُفًّا مِنْ زُجَاجٍ أَوْ خَشَبٍ أَوْ حَدِيدٍ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِيمَا يُمْكِنُ مُتَابَعَةُ الْمَشْيِ فِيهِ بِغَيْرِ عَصَا، وَأَمَّا الْجُرْمُوقُ فَهُوَ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ مَا يُلْبَسُ فَوْقَ الْخُفِّ وَسَاقُهُ أَقْصَرُ مِنْ الْخُفِّ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ لَا تَدْعُو إلَيْهِ؛ وَلِأَنَّ الْخُفَّ بَدَلٌ عَنْ الرِّجْلِ فَلَوْ جَازَ الْمَسْحُ عَلَى الْجُرْمُوقِ لَصَارَ بَدَلًا عَنْ الْخُفِّ وَالْخُفُّ لَا بَدَلَ لَهُ وَلَنَا «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسَحَ عَلَى الْمُوقَيْنِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ بِلَالٍ وَابْنِ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ وَصَحَّحَهُ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ وَلِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْخُفِّ اسْتِعْمَالًا مِنْ حَيْثُ الْمَشْيُ وَالْقِيَامُ وَالْقُعُودُ وَغَرَضًا، فَإِنَّ الْخُفَّ وِقَايَةٌ لِلرِّجْلِ فَكَذَا الْجُرْمُوقُ وِقَايَةٌ لِلْخُفِّ تَبَعًا لَهُ وَكِلَاهُمَا تَبَعٌ لِلرِّجْلِ فَصَارَ كَخُفٍّ ذِي طَاقَيْنِ، وَهُوَ بَدَلٌ عَنْ الرِّجْلِ لَا عَنْ الْخُفِّ لَا يُقَالُ كَيْفَ بَطَلَ الْمَسْحُ بِنَزْعِ الْجُرْمُوقِ وَلَمْ يَبْطُلْ بِنَزْعِ أَحَدِ طَاقَيْ الْخُفِّ؛ لِأَنَّا نَقُولُ بِالْمَسْحِ ظَهَرَتْ أَصَالَةُ الْجُرْمُوقِ فَصَارَ نَزْعُهُ كَنَزْعِ الْخُفِّ بِخِلَافِ نَزْعِ أَحَدِ طَاقَيْ فِي الْخُفِّ؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ الْخُفِّ لَمْ يَأْخُذْ الْأَصَالَةَ أَصْلًا كَمَا إذَا غَسَلَ رِجْلَهُ ثُمَّ أَزَالَ جِلْدَهَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ غَسْلُهَا ثَانِيًا وَلَا يُقَالُ أَيْضًا لَوْ كَانَ بَدَلًا عَنْ الرِّجْلِ لَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفِّ بِنَزْعِهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْخُفُّ لَمْ يَكُنْ مَحَلًّا لِلْمَسْحِ حَالَ قِيَامِ الْجُرْمُوقِ فَإِذَا زَالَ صَارَ مَحَلًّا لِلْمَسْحِ وَمَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ مِنْ أَنَّ الْجُرْمُوقَ هُوَ الْخُفُّ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ أَهْلُ اللُّغَةِ كَالْجَوْهَرِيِّ وَالْمُطَرِّزِيِّ، فَإِنَّهُمَا قَالَا إنَّ الْجُرْمُوقَ وَالْمُوقَ يُلْبَسَانِ فَوْقَ الْخُفِّ فَعُلِمَ أَنَّهُمَا غَيْرُ الْخُفِّ وَقَوْلُهُمْ إنَّ الْحَاجَةَ لَا تَدْعُو إلَيْهِ مَمْنُوعٌ وَمُنَاقِضٌ لِمَذْهَبِهِمْ فِي الْخُفِّ مِنْ الزُّجَاجِ أَوْ الْحَدِيدِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. وَيُشْتَرَطُ لِجَوَازِ الْمَسْحِ عَلَى الْجُرْمُوقَيْنِ   [منحة الخالق] [الْمَسْحُ عَلَى الْجُرْمُوقِ] (قَوْلُهُ: مَا يَكُونُ صَالِحًا لِقَطْعِ الْمَسَافَةِ وَالْمَشْيِ الْمُتَتَابِعِ عَادَةً) أَقُولُ: لِيُنْظَرَ مَا الْمُرَادُ بِذَلِكَ هَلْ الْمُعْتَبَرُ قَطْعُ الْمَسَافَةِ بِالْخُفِّ نَفْسِهِ أَيْ بِأَنْ يَكُونَ صَالِحًا لِذَلِكَ بِدُونِ لُبْسِهِ فِي الْمُكَعَّبِ أَوْ مَا هُوَ الْمُعْتَادُ لَنَا مِنْ لُبْسِهِ فِي الْمُكَعَّبِ تَوَقَّفْنَا مِنْ قَدِيمٍ فِي ذَلِكَ وَلَمْ نَجِدْ فِيهِ نَقْلًا مَعَ التَّفْتِيشِ وَالتَّنْقِيرِ لَكِنْ قَالَ شَيْخُنَا الَّذِي يَتَبَادَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ فِي تَعَالِيلِهِمْ وَأَدِلَّتِهِمْ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ مَا يَصْلُحُ لِقَطْعِ الْمَسَافَةِ فِيهِ نَفْسُهُ فَعَلَى هَذَا فَالْوَاجِبُ عَلَى الشَّخْصِ أَنْ يَتَفَقَّدَ خُفَّهُ، فَإِنَّهُ قَدْ يَرِقُّ أَسْفَلُهُ وَيَمْشِي عَلَيْهِ بِالْمُكَعَّبِ أَيَّامًا كَثِيرَةً وَلَا يُنْقَبُ وَلَوْ فَرَضَ أَنَّهُ لَوْ مَشَى بِهِ وَحْدَهُ يَتَخَرَّقُ فِي دُونِ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ الْمَسْحُ عَلَيْهِ وَالنَّاسُ عَنْهُ غَافِلُونَ، فَإِنَّهُمْ لَا يَزَالُونَ يَمْسَحُونَ حَتَّى يَتَخَرَّقَ قَدْرَ ثَلَاثِ أَصَابِعَ مَعَ أَنَّهُ قَبْلَ هَذَا قَدْ لَا يُمْكِنُ الْمَشْيُ عَلَيْهِ فِي الْمُدَّةِ الْمُعْتَبَرَةِ فَعَلَى الشَّخْصِ أَنْ يَعْتَبِرَ ذَلِكَ قَبْلَ الْخَرْقِ وَبَعْدَهُ لِئَلَّا يُصَلِّيَ بِلَا طَهَارَةٍ فَلْيُحْفَظْ. (قَوْلُهُ: فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ عَلَى الْخُفِّ الْمُتَّخَذِ مِنْ اللُّبُودِ التُّرْكِيَّةِ وَتَمَامُ عِبَارَةِ الْخُلَاصَةِ بَعْدَ قَوْلِهِ عَلَيْهِ وَيَمْسَحُ عَلَى الْجُرْمُوقِ فَوْقَ الْخُفِّ عِنْدَنَا، فَإِنْ لَبِسَهُمَا وَحْدَهُ لَا يَمْسَحُ عَلَيْهِمَا وَلَا يَجُوزُ اهـ. وَقَوْلُهُ: فَإِنْ لَبِسَهُمَا أَيْ الْخُفَّيْنِ الْمُتَّخَذَيْنِ مِنْ اللُّبُودِ التُّرْكِيَّةِ وَعَلَيْك أَنْ تَتَأَمَّلَ فِي عِبَارَةِ الْخُلَاصَةِ اهـ. أَقُولُ: فِي كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ سَقْطٌ أَوْ إيجَازُ مَحَلٍّ، فَإِنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْخِفَافِ الْمُتَّخَذَةِ مِنْ اللُّبُودِ التُّرْكِيَّةِ جَائِزٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُنْيَةِ مُعَلِّلًا بِإِمْكَانِ قَطْعِ الْمَسَافَةِ بِهَا قَالَ شَارِحُهَا الْعَلَّامَةُ الْحَلَبِيُّ حَتَّى قَالُوا لَوْ شَاهَدَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - صَلَابَتَهَا لَأَفْتَى بِالْجَوَازِ لِشِدَّةِ دَلْكِهَا وَتَدَاخُلِ أَجْزَائِهَا بِذَلِكَ حَتَّى صَارَتْ كَالْجِلْدِ الْغَلِيظِ وَأَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِ الْمَسْحِ عَلَيْهَا بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ اهـ. فَقَوْلُ الْخُلَاصَةِ عَلَى الصَّحِيحِ إشَارَةٌ إلَى خِلَافِ الْإِمَامِ فِي اشْتِرَاطِ النَّعْلِ وَقَوْلُ الْحَلَبِيِّ وَأَجْمَعُوا إلَخْ بِنَاءً عَلَى رُجُوعِهِ إلَى قَوْلِهِمَا كَمَا سَيَأْتِي وَحِينَئِذٍ فَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْأَدِيمُ عَلَى أَصَابِعِ الرِّجْلِ وَظَاهِرِ الْقَدَمِ فَعُلِمَ أَنَّ قَوْلَ الْخُلَاصَةِ، فَإِنْ لَبِسَهُمَا أَيْ الْجُرْمُوقَيْنِ لَا كَمَا قَالَ الرَّمْلِيُّ وَكَذَا قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ الْمَسْحُ حَتَّى يَكُونَ إلَخْ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهَا لَا يَمْسَحُ عَلَيْهِمَا كَمَا يَظْهَرُ مِنْ مُرَاجَعَةِ شَرْحِ الْمُنْيَةِ فَالصَّوَابُ حَذْفُ قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ وَلَا يَجُوزُ الْمَسْحُ إلَخْ وَالِاقْتِصَارُ عَلَى مَا قَبْلَهُ. (قَوْلُهُ: وَيُشْتَرَطُ لِجَوَازِ الْمَسْحِ عَلَى الْجُرْمُوقَيْنِ إلَخْ) قَالَ فِي السِّرَاجِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْجُرْمُوقَيْنِ إنَّمَا يَجُوزُ بِشَرْطَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ لَا يَتَخَلَّلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْخُفِّ حَدَثٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 أَنْ لَا يُحْدِثَ قَبْلَ لُبْسِهِمَا حَتَّى لَوْ لَبِسَ الْخُفَّ عَلَى طَهَارَةٍ ثُمَّ أَحْدَثَ قَبْلَ لُبْسِ الْجُرْمُوقِ ثُمَّ لَبِسَهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَمْسَحَ عَلَيْهِ سَوَاءٌ لَبِسَهُ قَبْلَ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ أَوْ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْحَدَثِ اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ لِحُلُولِ الْحَدَثِ بِهِ فَلَا يُزَالُ بِمَسْحِ غَيْرِهِ وَكَذَا لَوْ لَبِسَ الْجُرْمُوقَيْنِ قَبْلَ الْحَدَثِ ثُمَّ أَحْدَثَ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فَمَسَحَ خُفَّيْهِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ مَسَحَ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْحَدَثِ وَلَوْ نَزَعَ أَحَدَ مُوقَيْهِ بَعْدَ الْمَسْحِ عَلَيْهِمَا وَجَبَ مَسْحُ الْخُفِّ الْبَادِي وَإِعَادَةُ الْمَسْحِ عَلَى الْجُرْمُوقِ لِانْتِقَاضِ وَظِيفَتِهِمَا كَنَزْعِ أَحَدِ الْخُفَّيْنِ؛ لِأَنَّ انْتِقَاضَ الْمَسْحِ لَا يَتَجَزَّأُ وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْأَصْلِ يَنْزِعُ الْآخَرَ وَيَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّهُ فِي الِابْتِدَاءِ لَوْ لَبِسَ عَلَى أَحَدِهِمَا كَانَ لَهُ أَنْ يَمْسَحَ عَلَيْهِ وَعَلَى الْخُفِّ الْآخَرِ فَكَذَا هَذَا وَالْخُفُّ عَلَى الْخُفِّ كَالْجُرْمُوقِ عِنْدَنَا فِي سَائِرِ أَحْكَامِهِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَكَذَا الْخُفُّ فَوْقَ اللِّفَافَةِ يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مِنْ أَنَّ مَا جَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرِّجْلِ حَائِلٌ جَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهِ إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ كَخُفٍّ إذَا كَانَ تَحْتَهُ خُفٌّ أَوْ لِفَافَةٌ اهـ. فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ اللِّفَافَةَ عَلَى الرِّجْلِ لَا تَمْنَعُ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفِّ فَوْقَهَا وَوَقَعَ فِي شَرْحِ ابْنِ الْمَلَكِ عَنْ الْكَافِي أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ خُفَّاهُ صَالِحَيْنِ لِلْمَسْحِ لِخَرْقِهِمَا يَجُوزُ عَلَى الْمُوقَيْنِ اتِّفَاقًا وَنَقَلَ مِنْ فَتَاوَى الشَّاذِيِّ أَنَّ مَا يُلْبَسُ مِنْ الْكِرْبَاسِ الْمُجَرَّدِ تَحْتَ الْخُفِّ يَمْنَعُ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفِّ لِكَوْنِهِ فَاصِلًا   [منحة الخالق] كَمَا إذَا لَبِسَ الْخُفَّيْنِ عَلَى طَهَارَةٍ وَلَمْ يَمْسَحْ عَلَيْهِمَا حَتَّى لَبِسَ الْجُرْمُوقَيْنِ قَبْلَ أَنْ تَنْتَقِضَ الطَّهَارَةُ الَّتِي لَبِسَ عَلَيْهَا الْخُفَّيْنِ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْجُرْمُوقَيْنِ، وَأَمَّا إذَا أَحْدَثَ بَعْدَ لُبْسِ الْخُفَّيْنِ أَوْ مَسَحَ عَلَيْهِمَا ثُمَّ لَبِسَ الْجُرْمُوقَيْنِ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ لَهُ الْمَسْحُ عَلَى الْجُرْمُوقَيْنِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْمَسْحِ قَدْ اسْتَقَرَّ عَلَى الْخُفِّ وَكَذَا لَوْ أَحْدَثَ بَعْدَ لُبْسِ الْخُفِّ ثُمَّ لَبِسَ الْجُرْمُوقَ قَبْلَ أَنْ يَمْسَحَ عَلَى الْخُفِّ لَا يَمْسَحُ عَلَيْهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ مُدَّةِ الْمَسْحِ مِنْ وَقْتِ الْحَدَثِ وَقَدْ انْعَقَدَ ذَلِكَ فِي الْخُفِّ فَلَا يَتَحَوَّلُ عَنْهُ إلَى الْجُرْمُوقِ بَعْدَ ذَلِكَ وَالشَّرْطُ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ إلَى آخِرِ مَا سَيَأْتِي أَقُولُ: قَوْلُهُ وَأَمَّا إذَا أَحْدَثَ بَعْدَ لُبْسِ الْخُفَّيْنِ أَوْ مَسَحَ عَلَيْهِمَا إلَخْ يُوهِمُ أَنَّهُ لَوْ مَسَحَ عَلَى الْخُفِّ وَلَوْ قَبْلَ الْحَدَثِ كَمَا لَوْ جَدَّدَ الْوُضُوءَ وَمَسَحَ عَلَى خُفِّهِ ثُمَّ لَبِسَ الْجُرْمُوقَ لَا يَصِحُّ الْمَسْحُ عَلَى الْجُرْمُوقِ بَعْدَ ذَلِكَ فَيُفِيدُ أَنَّ لُبْسَ الْجُرْمُوقِ قَبْلَ الْمَسْحِ شَرْطٌ آخَرُ كَمَا أَنَّ لُبْسَهُ قَبْلَ الْحَدَثِ شَرْطٌ، وَهَذَا بَعِيدٌ إذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَتْ الشُّرُوطُ ثَلَاثَةً مَعَ أَنَّهُ قَالَ أَوَّلًا إنَّمَا يَجُوزُ بِشَرْطَيْنِ وَأَيْضًا، فَإِنَّ حُكْمَ الْمَسْحِ لَا يَسْتَقِرُّ عَلَى الْخُفِّ إلَّا بَعْدَ الْحَدَثِ أَمَّا قَبْلَهُ، فَإِنَّ وُجُودَ الْخُفِّ كَعَدَمِهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ أَوْ فِي قَوْلِهِ أَوْ مَسَحَ عَلَيْهِمَا بِمَعْنَى الْوَاوِ إنْ لَمْ تَكُنْ الْهَمْزَةُ مِنْ زِيَادَةِ النُّسَّاخِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ بَعْدَهُ وَكَذَا لَوْ أَحْدَثَ بَعْدَ لُبْسِ الْخُفِّ ثُمَّ لَبِسَ الْجُرْمُوقَ قَبْلَ أَنْ يَمْسَحَ عَلَى الْخُفِّ فَيَكُونُ كَلَامُهُ الْأَوَّلُ فِيمَا إذَا لَبِسَ الْجُرْمُوقَيْنِ بَعْدَ الْحَدَثِ وَبَعْدَ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَكَلَامُهُ الثَّانِي فِيمَا إذَا لَبِسَهُمَا بَعْدَ الْحَدَثِ وَقَبْلَ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي لُبْسِ الْجُرْمُوقَيْنِ بَعْدَ الْحَدَثِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ أَوْ قَبْلَهُ فَفِي الصُّورَتَيْنِ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْجُرْمُوقَيْنِ لِلْعِلَّتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ، وَهَذَا مَا فَهِمَهُ الْمُؤَلِّفُ حَيْثُ قَالَ سَوَاءٌ لَبِسَهُ قَبْلَ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ أَوْ بَعْدَهُ ثُمَّ رَأَيْت بَعْدَ ذَلِكَ مَا يُعَيِّنُ أَنَّ عَدَمَ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ شَرْطٌ آخَرُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ السِّرَاجِ فَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِابْنِ مَالِكٍ، وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِالْقُيُودِ الْمَذْكُورَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ أَوْ أَحْدَثَ بَعْدَ لُبْسِهِمَا ثُمَّ لَبِسَ الْجُرْمُوقَيْنِ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِمَا بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ الْمَوْقَ حِينَئِذٍ لَا يَكُونُ تَبَعًا لِلْخُفِّ اهـ. وَكَذَا قَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِمُصَنَّفِهِ وَنَصُّهُ وَنُجِيزُهُ عَلَى الْمُوقَيْنِ إذَا لَبِسَ الْمُوقَيْنِ فَوْقَ الْخُفَّيْنِ وَلَمْ يَكُنْ مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ حَتَّى لَبِسَهُمَا وَلَا أَحْدَثَ بَعْدَ لُبْسِ الْخُفَّيْنِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَنَا ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِهِ خِلَافَ الشَّافِعِيِّ وَالْجَوَابُ عَنْ دَلِيلِهِ هَذَا إذَا ابْتَدَأَ مَسْحَهُمَا أَمَّا إذَا كَانَ قَدْ مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ ثُمَّ لَبِسَهُمَا لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ عَلَيْهِمَا حَيْثُ ظَهَرَ التَّغَايُرُ بَيْنَهُمَا صُورَةً وَمَعْنًى اهـ. وَكَذَا قَالَ فِي مَتْنِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَمَنْ لَبِسَ الْجُرْمُوقَ فَوْقَ الْخُفِّ قَبْلَ أَنْ يَمْسَحَ عَلَى الْخُفِّ مَسَحَ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ ثُمَّ لَبِسَ الْجُرْمُوقَيْنِ لَا يَمْسَحُ عَلَى الْجُرْمُوقَيْنِ اهـ. قَالَ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ فِي شَرْحِهِ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ أَيْضًا وَقَبْلَ أَنْ يُحْدِثَ (قَوْلُهُ: وَنَقَلَ مِنْ فَتَاوَى الشَّاذِيِّ إلَخْ) قَالَ الْعَلَّامَةُ إبْرَاهِيمُ الْحَلَبِيُّ شَارِحُ الْمُنْيَةِ ثُمَّ تَعْلِيلُ أَئِمَّتِنَا هَاهُنَا بِأَنَّ الْجُرْمُوقَ بَدَلٌ عَنْ الرِّجْلِ إلَخْ يُعْلَمُ مِنْهُ جَوَازُ الْمَسْحِ عَلَى خُفٍّ لُبِسَ فَوْقَ مَخِيطٍ مِنْ كِرْبَاسَ أَوْ جُوخٍ أَوْ نَحْوِهِمَا مِمَّا لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ الْمَسْحُ؛ لِأَنَّ الْجُرْمُوقَ إذَا كَانَ بَدَلًا عَنْ الرِّجْلِ وَجُعِلَ الْخُفُّ مَعَ جَوَازِ الْمَسْحِ عَلَيْهِ فِي حُكْمِ الْعَدَمِ فَلَأَنْ يَكُونَ الْخُفُّ بَدَلًا عَنْ الرِّجْلِ وَيُجْعَلُ مَا لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ فِي حُكْمِ الْعَدَمِ أَوْلَى كَمَا فِي اللِّفَافَةِ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْإِمَامَ الْغَزَالِيَّ فِي الْوَجِيزِ وَالرَّافِعِيِّ فِي شَرْحِهِ لَهُ مَعَ الْتِزَامِهِمَا ذَكَرَ خِلَافَ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَوْرَدَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي صُورَةِ الِاتِّفَاقِ، وَكَانَ مَشَايِخُنَا إنَّمَا لَمْ يُصَرِّحُوا بِهِ فِيمَا اُشْتُهِرَ مِنْ كُتُبِهِمْ اكْتِفَاءً بِمَا قَالُوا فِي مَسْأَلَةِ الْجُرْمُوقِ مِنْ كَوْنِهِ خَلَفًا عَنْ الرَّجُلِ كَذَا أَفَادَهُ الْمَوْلَى خُسْرو فِي الدُّرَرِ شَرْحُ الْغَرَرِ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى مَا نُقِلَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ عَنْ فَتَاوَى الشَّاذِيِّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَقْطَعَ ذَلِكَ الْمَلْبُوسَ تَحْتَ الْخُفِّ؛ لِأَنَّهُ نُقِلَ عَنْ رَجُلٍ مَجْهُولٍ، وَهُوَ بَعِيدٌ عَنْ الْفِقْهِ خَارِجٌ عَنْ الْأُصُولِ؛ لِأَنَّ قَطْعَهُ إنْ كَانَ لِيَصِيرَ كَالْخُفِّ الْمَخْرُوقِ فِي عَدَمِ جَوَازِ الْمَسْحِ عَلَيْهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَتِهِ بِدُونِ خَرْقٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 وَقِطْعَةُ كِرْبَاسٍ تُلَفُّ عَلَى الرِّجْلِ لَا يَمْنَعُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ بِاللُّبْسِ لَكِنْ يُفْهَمُ مِمَّا ذُكِرَ فِي الْكَافِي أَنَّهُ يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْخُفَّ الْغَيْرَ الصَّالِحَ لِلْمَسْحِ إذَا لَمْ يَكُنْ فَاصِلًا فَلَأَنْ لَا يَكُونَ الْكِرْبَاسُ فَاصِلًا أَوْلَى اهـ. وَقَدْ وَقَعَ فِي عَصْرِنَا بَيْنَ فُقَهَاءِ الرُّومِ بِالرُّومِ كَلَامٌ كَثِيرٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَمِنْهُمْ مَنْ تَمَسَّكَ بِمَا فِي فَتَاوَى الشَّاذِيِّ وَأَفْتَى بِمَنْعِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ الَّذِي تَحْتَهُ الْكِرْبَاسُ وَرَدَّ عَلَى ابْنِ الْمَلَكِ فِي عَزْوِهِ لِلْكَافِي إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ كَافِي النَّسَفِيِّ وَلَمْ يُوجَدْ فِيهِ وَمِنْهُمْ مَنْ أَفْتَى بِالْجَوَازِ، وَهُوَ الْحَقُّ لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ غَايَةِ الْبَيَانِ؛ وَلِهَذَا قَالَ يَعْقُوبُ بَاشَا: إنَّهُ مَفْهُومٌ مِنْ الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُونَ فِي مَسْأَلَةِ نَزْعِ الْخُفِّ فِي الْكَلَامِ مَعَ الشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ إنَّهُ إذَا أَعَادَهُمَا يَجُوزُ لَهُ الْمَسْحُ مِنْ غَيْرِ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ مُعَلِّلًا بِأَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ مِنْ مَحَلِّ الْفَرْضِ شَيْءٌ فَقَالُوا فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ أَنَّ قَوْلَهُ لَمْ يَظْهَرْ مِنْ مَحَلِّ الْفَرْضِ شَيْءٌ يُشْكِلُ بِمَا لَوْ أَخْرَجَ الْخُفَّيْنِ عَنْ رِجْلَيْهِ وَعَلَى الرِّجْلَيْنِ لِفَافَةٌ، فَإِنَّهُ يُبْطِلُ الْمَسْحَ، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ مِنْ مَحَلِّ الْفَرْضِ شَيْءٌ اهـ. فَهَذَا ظَاهِرٌ فِي صِحَّةِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ فَوْقَ اللِّفَافَةِ وَفِي الْمُبْتَغَى بَالِغِينَ الْمُعْجَمَةِ وَلَوْ أَدْخَلَ يَدَهُ تَحْتَ الْجُرْمُوقِ وَمَسَحَ عَلَى ظَهْرِ الْخُفِّ لَمْ يَجُزْ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ الْخَرْقُ الْمَانِعُ ظَاهِرَ الْجُرْمُوقِ وَقَدْ ظَهَرَ الْخُفُّ فَلَهُ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفِّ أَوْ عَلَى الْجُرْمُوقِ؛ لِأَنَّهُمَا كَخُفٍّ وَاحِدٍ، وَإِنْ كَانَ الْخَرْقُ يَسِيرًا فَمَسَحَ عَلَى بَعْضِ الصَّحِيحِ وَعَلَى بَعْضِ الْخَرْقِ، وَهُوَ كُلُّهُ ثَلَاثَةُ أَصَابِعَ لَمْ يُجْزِهِ اهـ. وَفِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَلَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْجُرْمُوقِ الْمُتَخَرِّقِ، وَإِنْ كَانَ خُفَّاهُ غَيْرَ مُتَخَرِّقٍ اهـ. وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ الْخَرْقُ فِي الْجُرْمُوقِ مَانِعًا لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفِّ لَا غَيْرُ لِمَا عُلِمَ أَنَّ الْمُتَخَرِّقَ خَرْقًا مَانِعًا وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ فَكَانَتْ الْوَظِيفَةُ لِلْخُفِّ فَلَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى غَيْرِهِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ. فَقَالَ وَالشَّرْطُ الثَّانِي لِجَوَازِ الْمَسْحِ عَلَى الْجُرْمُوقِ أَنْ يَكُونَ الْجُرْمُوقُ لَوْ انْفَرَدَ جَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ كَانَ بِهِ خَرْقٌ كَثِيرٌ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ وَلَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْجُرْمُوقِ إذَا كَانَ مِنْ كِرْبَاسٍ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ قَطْعُ السَّفَرِ وَتَتَابُعُ الْمَشْيِ عَلَيْهِمَا كَمَا لَوْ لَبِسَهُمَا عَلَى الِانْفِرَادِ إلَّا أَنْ يَكُونَ رَقِيقَيْنِ يَصِلُ الْبَلَلُ إلَى مَا تَحْتَهُمَا مِنْ الْخُفِّ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ وَيَكُونُ مَسْحًا عَلَى الْخُفِّ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهَا، وَفِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا، وَلَوْ كَانَ الْجُرْمُوقَانِ وَاسِعَيْنِ يَفْضُلُ الْجُرْمُوقُ مِنْ الْخُفِّ ثَلَاثَةَ أَصَابِعَ فَمَسَحَ عَلَى تِلْكَ الْفَضْلَةِ لَمْ يَجُزْ إلَّا إذَا مَسَحَ عَلَى الْفَضْلَةِ بَعْدَ أَنْ يُقَدِّمَ رِجْلَيْهِ عَلَى تِلْكَ الْفَضْلَةِ فَحِينَئِذٍ جَازَ وَلَوْ أَزَالَ رِجْلَيْهِ عَنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ أَعَادَ الْمَسْحَ اهـ. وَفِي التَّجْنِيسِ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ هَذَا عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الدَّقَّاقِ قَالَ وَفِيهِ نَظَرٌ وَلَمْ يَذْكُرْ وَجْهَهُ وَفِي الْقُنْيَةِ جَعَلَ الْخُفَّ كَالْجُرْمُوقِ فِي هَذَا مِنْ أَنَّهُ إذَا فَضَلَ مِنْ الْجُرْمُوقِ أَوْ الْخُفِّ قَدْرُ ثَلَاثَةِ أَصَابِعَ لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ عَلَيْهَا. (قَوْلُهُ: وَالْجَوْرَبُ الْمُجَلَّدُ وَالْمُنَعَّلُ وَالثَّخِينُ) أَيْ يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْجَوْرَبِ إذَا كَانَ مُجَلَّدًا أَوْ مُنَعَّلًا أَوْ ثَخِينًا يُقَالُ جَوْرَبٌ مُجَلَّدٌ إذَا وُضِعَ الْجِلْدُ عَلَى أَعْلَاهُ وَأَسْفَلُهُ وَجَوْرَبٌ مُنَعَّلٌ وَمُنَعَّلُ الَّذِي وُضِعَ عَلَى أَسْفَلِهِ جِلْدَةٌ كَالنَّعْلِ لِلْقَدَمِ وَفِي الْمُسْتَصْفَى أَنْعَلَ الْخُفَّ وَنَعَلَهُ جَعَلَ لَهُ نَعْلًا وَهَكَذَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ فَيَجُوزُ فِي الْمُنَعَّلِ تَشْدِيدُ الْعَيْنِ مَعَ فَتْحِ النُّونِ كَمَا يَجُوزُ تَسْكِينُ النُّونِ وَتَخْفِيفُ الْعَيْنِ وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَالْمُنْعَلُ بِالتَّخْفِيفِ وَسُكُونِ النُّونِ وَالظَّاهِرُ مَا قَدَّمْنَاهُ كَمَا لَا يَخْفَى وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ ثُمَّ عَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ النَّعْلُ إلَى الْكَعْبَيْنِ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ إذَا بَلَغَ النَّعْلُ إلَى   [منحة الخالق] وَإِنْ كَانَ لِأَجْلِ أَنْ يَتَّصِلَ جُزْءٌ مِنْ الرِّجْلِ بِالْخُفِّ فَهُوَ لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَإِلَّا لَمَا جَازَ الْمَسْحُ عَلَى الْجُرْمُوقِ وَنَحْوِهِ مَعَ حَيْلُولَةِ الْخُفِّ، فَإِنَّهُ أَشَدُّ مَنْعًا لِلِاتِّصَالِ بِالرِّجْلِ وَبِهَذَا ظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِ مَنْ أَيَّدَهُ مِنْ الْجُهَّالِ بِأَنَّ جَوَازَ مَسْحِ الْخُفِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَرِدْ بِهِ نَصٌّ، فَإِنَّ هَذَا كَمَا تَرَى بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ الرَّاجِحَةِ لَا بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ، وَإِلَّا لَمَا جَازَ الْمَسْحُ عَلَى الْمُكَعَّبِ وَاللُّبُودِ التُّرْكِيَّةِ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَنْصُوصٍ عَلَيْهَا ثُمَّ يُقَالُ بَلْ قَطْعُ ذَلِكَ الْمِخْيَطِ قَصْدُ إحْرَامٍ؛ لِأَنَّهُ إضَاعَةُ الْمَالِ مِنْ غَيْرِ فَائِدَةٍ، وَهِيَ مَنْهِيٌّ عَلَيْهَا اهـ كَلَام الْحَلَبِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (قَوْلُهُ: وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُونَ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ إنَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُونَ لَا يَرِدُ عَلَى الشَّاذِيِّ؛ لِأَنَّ مُرَادَهُ بِالْمَانِعِ مَا يُلْبَسُ وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ مِخْيَطًا كَمَا فِي الدُّرَرِ وَكَلَامُ الشَّارِحِينَ فِي اللِّفَافَةِ وَلَمْ يَقُلْ بِمَنْعِهَا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَقِطْعَةُ كِرْبَاسَ إلَخْ إذْ أَنْ يُقَالَ إنَّ لَفْظَ اللِّفَافَةِ يَشْمَلُ الْمِخْيَطَ أَيْضًا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إلَخْ) مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ عَنْ الْمُبْتَغَى إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بَحْثًا عَلَى عِبَارَةِ الْمُبْتَغَى لَا عَلَى عِبَارَةِ الْمُنْيَةِ ثُمَّ رَأَيْت فِي شَرْحِهَا لِابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ ذَلِكَ الْبَحْثُ عَلَى مَا فِي الْمُبْتَغَى. (قَوْلُهُ: قَالَ وَفِيهِ نَظَرٌ وَلَمْ يَذْكُرْ وَجْهَهُ) ذَكَرَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ بِقَوْلِهِ إنَّهُمْ اعْتَبَرُوا خُرُوجَ أَكْثَرِ الْقَدَمِ مِنْ مَوْضِعٍ مَسَحَ عَلَيْهِ وَهَاهُنَا، وَإِنْ خَرَجَتْ مِنْ مَوْضِعٍ مَسَحَ عَلَيْهِ لَمْ تَخْرُجْ مِنْ مَوْضِعٍ يُمْكِنُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ. [الْمَسْحُ عَلَى الْجَوْرَبِ] (قَوْلُهُ: وَفِي الْمُسْتَصْفَى فِي نَعْلِ الْخُفِّ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَا شَاهِدَ فِيهِ؛ لِأَنَّ نَعْلَهُ لَيْسَ مُشَدَّدًا بَلْ مُخَفَّفًا وَالْمُرَادُ أَنَّ اسْمَ الْمَفْعُولِ جَاءَ مِنْ الْمَزِيدِ وَالْمُجَرَّدِ اهـ. أَقُولُ: صَرَّحَ فِي الْقَامُوسِ بِمَجِيئِهِ مِنْ بَابِ التَّفْعِيلِ فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ الْمُشَدَّدَ لَا الْمُخَفَّفَ بِدَلِيلِ أَنَّهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 أَسْفَلِ الْقَدَمِ جَازَ وَالثَّخِينُ أَنْ يَقُومَ عَلَى السَّاقِ مِنْ غَيْرِ شَدٍّ وَلَا يَسْقُطُ وَلَا يَشِفُّ اهـ. وَفِي التَّبْيِينِ وَلَا يُرَى مَا تَحْتَهُ ثُمَّ الْمَسْحُ عَلَى الْجَوْرَبِ إذَا كَانَ مُنَعَّلًا جَائِزٌ اتِّفَاقًا، وَإِذَا كَانَ لَمْ يَكُنْ مُنَعَّلًا، وَكَانَ رَقِيقًا غَيْرُ جَائِزٍ اتِّفَاقًا، وَإِنْ كَانَ ثَخِينًا فَهُوَ غَيْرُ جَائِزِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا يَجُوزُ لِمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ «تَوَضَّأَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَسَحَ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ» وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ أَيْضًا؛ وَلِأَنَّهُ يُمْكِنُ الْمَشْيُ فِيهِ إذَا كَانَ ثَخِينًا وَلَهُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى الْخُفِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ مُوَاظَبَةُ الْمَشْيِ فِيهِ إلَّا إذَا كَانَ مُنَعَّلًا، وَهُوَ مَحْمَلُ الْحَدِيثِ وَعَنْهُ أَنَّهُ رَجَعَ إلَى قَوْلِهِمَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَأَكْثَرِ الْكُتُبِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْخُفِّ فَالتَّأْوِيلُ الْمَذْكُورُ لِلْحَدِيثِ قَصَّرَ لِدَلَالَتِهِ عَنْ مُقْتَضَاهُ بِغَيْرِ سَبَبٍ فَلَا يُسْمَعُ عَلَى أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ ذَلِكَ لَنَصَّ عَلَيْهِ الرَّاوِي، وَهَذَا بِخِلَافِ الرَّقِيقِ، فَإِنَّ الدَّلِيلَ يُفِيدُ إخْرَاجَهُ مِنْ الْإِطْلَاقِ لِكَوْنِهِ لَيْسَ فِي مَعْنَى الْخُفِّ وَمَا نُقِلَ مِنْ تَضْعِيفِهِ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَابْنِ مَهْدِيٍّ وَمُسْلِمٌ حَتَّى قَالَ النَّوَوِيُّ: كُلٌّ مِنْهُمْ لَوْ انْفَرَدَ قُدِّمَ عَلَى التِّرْمِذِيِّ مَعَ أَنَّ الْجَرْحَ مُقَدَّمٌ عَلَى التَّعْدِيلِ فَلَا يَضُرُّ لِكَوْنِهِ رُوِيَ مِنْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ ذَكَرَهَا الزَّيْلَعِيُّ الْمُخَرِّجُ، وَهِيَ وَإِنْ كَانَتْ كُلَّهَا ضَعِيفَةً اعْتَضَدَ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ وَالضَّعِيفُ إذَا رُوِيَ مِنْ طُرُقٍ صَارَ حَسَنًا مَعَ مَا ظَهَرَ مِنْ مَسْحٍ كَثِيرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ مِنْهُمْ عَلَى فَاعِلِهِ كَمَا ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ ثُمَّ مَعَ هَذَا كُلِّهِ لَمْ يُوجَدْ مِنْ الْمَعْنَى مَا يَقْوَى عَلَى الِاسْتِقْلَالِ بِالْمَنْعِ فَلَا جَرَمَ إنْ كَانَ الْفَتْوَى عَلَى الْجَوَازِ وَمَا فِي الْبَدَائِعِ مِنْ أَنَّهَا حِكَايَةُ حَالٍ لَا عُمُومَ لَهَا فَمُسَلَّمٌ لَوْ لَمْ يَرِدْ مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ بِلَالٍ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَالْجَوْرَبَيْنِ» وَفِي الْخُلَاصَةِ، فَإِنْ كَانَ الْجَوْرَبُ مِنْ مِرْعِزَّى وَصُوفٍ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ عِنْدَهُمْ الْمِرْعَزُ بِمِيمٍ مَكْسُورَةٍ وَقَدْ تُفْتَحُ فَرَاءٍ سَاكِنَةٍ فَمُهْمَلَةٍ مَكْسُورَةٍ فَزَايٍ مُشَدَّدَةٍ مَفْتُوحَةٍ فَأَلِفٌ مَقْصُورَةٍ وَقَدْ تُمَدُّ مَعَ تَخْفِيفِ الزَّايِ وَقَدْ تُحْذَفُ مَعَ بَقَاءِ التَّشْدِيدِ الزَّغَبُ الَّذِي تَحْتَ شَعْرِ الْعَنْزِ كَذَا فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ وَفِي الْمُجْتَبَى لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْجَوْرَبِ الرَّقِيقِ مِنْ غَزْلٍ أَوْ شَعْرٍ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ كَانَ ثَخِينًا يَمْشِي مَعَهُ فَرْسَخًا فَصَاعِدًا كَجَوْرَبِ أَهْلِ مَرْوَ فَعَلَى الْخِلَافِ وَكَذَا الْجَوْرَبُ مِنْ جِلْدٍ رَقِيقٍ عَلَى الْخِلَافِ وَيَجُوزُ عَلَى الْجَوَارِبِ اللِّبْدِيَّةِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ قَالُوا وَلَوْ شَاهَدَ أَبُو حَنِيفَةَ صَلَابَتَهَا لَأَفْتَى بِالْجَوَازِ وَيَجُوزُ عَلَى الْجُرْمُوقِ الْمَشْقُوقِ عَلَى ظَهْرِ الْقَدَمِ وَلَهُ أَزْرَارٌ يَشُدُّهُ عَلَيْهِ يَسُدُّهُ؛ لِأَنَّهُ كَغَيْرِ الْمَشْقُوقِ، وَإِنْ ظَهَرَ مِنْ ظَهْرِ الْقَدَمِ شَيْءٌ فَهُوَ كَخُرُوقِ الْخُفِّ قُلْتُ: وَأَمَّا الْخُفُّ الدَّوْرَانِيُّ الَّذِي يَعْتَادُهُ فُقَهَاءُ زَمَانِنَا، فَإِنْ كَانَ مُجَلَّدًا يَسْتُرُ جِلْدَةَ الْكَعْبِ يَجُوزُ، وَإِلَّا فَلَا كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَفِي الْخُلَاصَةِ الْمَسْحُ عَلَى الْجُارَمُوقِ إنْ كَانَ يَسْتُرُ الْقَدَمَ وَلَا يُرَى مِنْ الْكَعْبِ وَلَا مِنْ ظَهْرِ الْقَدَمِ إلَّا قَدْرُ أُصْبُعٍ أَوْ أُصْبُعَيْنِ جَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ وَلَكِنْ سَتَرَ الْقَدَمَ بِالْجِلْدِ إنْ كَانَ الْجِلْدُ مُتَّصِلًا بِالْجُرْمُوقِ بِالْخَرْزِ جَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهِ، وَإِنْ شُدَّ بِشَيْءٍ لَا وَلَوْ سَتَرَ الْقَدَمَ بِاللِّفَافَةِ جَوَّزَهُ مَشَايِخُ سَمَرْقَنْدَ وَلَمْ يُجَوِّزْهُ مَشَايِخُ بُخَارَى اهـ. ثُمَّ ذَكَرَ التَّفْصِيلَ الْمَذْكُورَ لِلْجَوْرَقِ عَنْ الْمُجْتَبَى فِي الْجَوْرَبِ مِنْ الشَّعْرِ وَفِيهَا أَيْضًا وَتَفْسِيرُ النَّعْلِ أَنْ يَكُونَ الْجَوْرَبُ الْمُنَعَّلُ كَجَوَارِبِ الصِّبْيَانِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَيْهَا فِي ثُخُونَةِ الْجَوْرَبِ وَغِلَظِ النَّعْلِ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ أَنَّ الْجَوْرَقَ اسْمٌ فَارِسِيٌّ لِخُفٍّ   [منحة الخالق] فِي الصِّحَاحِ قَالَ وَلَا تَقُولُ نَعَلَهُ (قَوْلُهُ: وَالثَّخِينُ أَنْ يَقُومَ عَلَى السَّاقِ إلَخْ) الَّذِي اسْتَصْوَبَهُ الْعَلَّامَةُ الْحَلَبِيُّ حَدَّهُ بِمَا تَضَمَّنَهُ وَجْهُ الدَّلِيلِ، وَهُوَ مَا يُمْكِنُ فِيهِ مُتَابَعَةُ الْمَشْيِ وَقَوَّاهُ بِكَلَامِ الزَّاهِدِيِّ (قَوْلُهُ: ثُمَّ الْمَسْحُ عَلَى الْجَوْرَبِ إلَخْ) كَذَا فِي السِّرَاجِ عَنْ الْخُجَنْدِيِّ وَذَكَرَ الْعَلَّامَةُ الْحَلَبِيُّ تَقْسِيمًا فِي الْجَوْرَبِ فَقَالَ ذَكَرَ نَجْمُ الدِّينِ الزَّاهِدِيُّ عَنْ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ أَنَّ الْجَوْرَبَ خَمْسَةُ أَنْوَاعٍ مِنْ الْمِرْعِزَّى وَالْغَزْلِ وَالشَّعْرِ وَالْجِلْدِ الرَّقِيقِ وَالْكِرْبَاسِ قَالَ وَذَكَرَ التَّفَاصِيلَ فِي الْأَرْبَعَةِ مِنْ الثَّخِينِ وَالرَّقِيقِ وَالْمُنَعَّلِ وَغَيْرِ الْمُنَعَّلِ وَالْمُبَطَّنِ وَغَيْرِ الْمُبَطَّنِ، وَأَمَّا الْخَامِسُ فَلَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ كَيْفَمَا كَانَ اهـ. وَنَحْوُهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْهُ وَالْمُرَادُ مِنْ التَّفْصِيلِ فِي الْأَرْبَعَةِ أَنَّ مَا كَانَ رَقِيقًا مِنْهَا لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا إلَّا أَنْ يَكُونَ مُجَلَّدًا أَوْ مُنَعَّلًا أَوْ مُبَطَّنًا وَمَا كَانَ ثَخِينًا مِنْهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُجَلَّدًا أَوْ مُنَعَّلًا أَوْ مُبَطَّنًا فَمُخْتَلَفٌ فِيهِ وَمَا كَانَ فَلَا خِلَافَ فِيهِ. اهـ. وَالْمِرْعِزَّى كَمَا سَيَأْتِي مَضْبُوطًا الزَّغَبُ الَّذِي تَحْتَ شَعْرِ الْعَنْزِ وَالْغَزْلُ مَا غُزِلَ مِنْ الصُّوفِ وَالْكِرْبَاسُ مَا نُسِجَ مِنْ مَغْزُولِ الْقُطْنِ قَالَ الْحَلَبِيُّ وَيُلْحَقُ بِالْكِرْبَاسِ كُلُّ مَا كَانَ مِنْ نَوْعِ الْخَيْطِ كَالْكَتَّانِ وَالْإِبْرَيْسَمِ أَيْ الْحَرِيرِ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ مَا تَقَدَّمَ فَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ مَا يُعْمَلُ مِنْ الْجُوخِ إذَا جُلِّدَ أَوْ نُعِّلَ أَوْ بُطِّنَ يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَحَدُ الْأَرْبَعَةِ وَلَيْسَ مِنْ الْكِرْبَاسِ فَهُوَ دَاخِلٌ فِيمَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ لَوْ كَانَ ثَخِينًا بِحَيْثُ يُمْكِنُ أَنْ يَمْشِيَ مَعَهُ فَرْسَخٌ مِنْ غَيْرِ تَجْلِيدٍ وَلَا تَنْعِيلٍ، وَإِنْ كَانَ رَقِيقًا فَمَعَ التَّجْلِيدِ أَوْ التَّنْعِيلِ لَوْ كَانَ كَمَا يَزْعُمُ بَعْضُ النَّاسِ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَسْتَوْعِبْ الْجِلْدُ جَمِيعَ مَا يَسْتُرُ الْقَدَمَ إلَى السَّاقِ لِمَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكِرْبَاسِ فَرْقٌ ثُمَّ أَطَالَ فِي تَحْقِيقِ ذَلِكَ وَبَيَانُهُ ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِ تَقْرِيرِهِ ثُمَّ بَعْدَ هَذَا كُلِّهِ فَلَوْ احْتَاطَ وَلَمْ يَمْسَحْ إلَّا عَلَى مَا يَسْتَوْعِبُ تَجْلِيدَهُ ظَاهِرَ الْقَدَمِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 مَعْرُوفٍ وَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّهُ إذَا كَانَ يَظْهَرُ مِنْ ظَهْرِ الْقَدَمِ قَدْرُ ثَلَاثَةِ أَصَابِعَ لَا يَجُوزُ بَعْضُهُمْ جَوَّزُوا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ عَوَامَّ النَّاسِ يُسَافِرُونَ بِهِ خُصُوصًا فِي بِلَادِ الْمَشْرِقِ أَمَّا إذَا كَانَ يَظْهَرُ مِنْهُ قَدْرُ أُصْبُعٍ أَوْ أُصْبُعَيْنِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ فِي قَوْلِهِمْ. (قَوْلُهُ: لَا عَلَى عِمَامَةٍ وَقَلَنْسُوَةٍ وَبُرْقُعٍ وَقُفَّازَيْنِ) أَيْ يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الْعِمَامَةِ وَالْقَلَنْسُوَةِ بِفَتْحِ الْقَافِ وَضَمِّ السِّينِ مَعْرُوفَتَانِ وَالْبُرْقُعُ بِضَمِّ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَضَمِّ الْقَافِ وَفَتْحِهَا خَرِيقَةٌ تُثْقَبُ لِلْعَيْنَيْنِ تَلْبَسُهَا الدَّوَابُّ وَنِسَاءُ الْعَرَبِ عَلَى وُجُوهِهِنَّ وَالْقُفَّازُ بِالضَّمِّ وَالتَّشْدِيدِ شَيْءٌ يُعْمَلُ لِلْيَدَيْنِ يُحْشَى بِقُطْنٍ وَيَكُونُ لَهُ أَزْرَارٌ تَزِرُّ عَلَى السَّاعِدَيْنِ مِنْ الْبَرْدِ تَلْبَسُهُ الْمَرْأَةُ فِي يَدَيْهَا وَهُمَا قُفَّازَانِ كَمَا فِي الصِّحَاحِ وَقَدْ تَكُونُ مِنْ الْحُلِيِّ تَتَّخِذُهُ الْمَرْأَةُ لِيَدَيْهَا وَرِجْلَيْهَا وَمِنْ ذَلِكَ يُقَالُ تَقَفَّزَتْ الْمَرْأَةُ بِالْحِنَّاءِ إذَا نَقَشَتْ يَدَيْهَا وَرِجْلَيْهَا كَمَا فِي الْجَمْهَرَةِ لِابْنِ دُرَيْدٍ وَقَدْ يَتَّخِذُهُ الصَّائِدُ مِنْ جِلْدٍ وَلِبْدٍ لِيُغَطِّيَ الْأَصَابِعَ وَالْكَفَّ ثُمَّ عَدَمُ جَوَازِ الْمَسْحِ عَلَى هَذِهِ مَا عَدَا الْعِمَامَةَ لَا يُعْرَفُ فِيهِ خِلَافٌ ثَابِتٌ عَمَّنْ يُعْتَدُّ بِهِ وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَلَوْ مَسَحَتْ عَلَى خِمَارِهَا وَنَفَذَتْ الْبِلَّةُ إلَى رَأْسِهَا حَتَّى ابْتَلَّ قَدْرُ الرُّبْعِ مِنْهُ يَجُوزُ قَالَ مَشَايِخُنَا إذَا كَانَ الْخِمَارُ جَدِيدًا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ ثُقُوبَ الْجَدِيدِ لَمْ تُسَدَّ بِالِاسْتِعْمَالِ فَتَنْفُذُ الْبِلَّةُ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ جَدِيدٌ لَا يَجُوزُ لِانْسِدَادِ ثُقُوبِهِ، وَأَمَّا عَلَى الْعِمَامَةِ فَاجْمَعُوا عَلَى عَدَمِ جَوَازِهِ إلَّا أَحْمَدَ، فَإِنَّهُ أَجَازَهُ بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ سَاتِرَةً لِجَمِيعِ الرَّأْسِ إلَّا مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِكَشْفِهِ وَأَنْ يَكُونَ تَحْتَ الْحَنَكِ مِنْهَا شَيْءٌ سَوَاءٌ كَانَتْ لَهَا ذُؤَابَةٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَأَنْ لَا تَكُونَ عِمَامَةٌ مُحَرَّمَةٌ فَلَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْعِمَامَةِ الْمَغْصُوبَةِ وَلَا يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ إذَا لَبِسَتْ عِمَامَةَ الرَّجُلِ أَنْ تَمْسَحَ عَلَيْهَا، وَإِلَّا ظَهَرَ عِنْدَ أَحْمَدَ وُجُوبُ اسْتِيعَابِهَا وَالتَّوْقِيتُ فِيهَا كَالْخُفِّ وَيَبْطُلُ بِالنَّزْعِ وَالِانْكِشَافِ إلَّا أَنْ يَكُونَ يَسِيرًا مِثْلَ أَنْ يَحُكَّ رَأْسَهُ أَوْ يَرْفَعَهَا لِأَجْلِ الْوُضُوءِ وَفِي اشْتِرَاطِ لُبْسِهَا عَلَى طَهَارَةٍ رِوَايَتَانِ وَاسْتَدَلَّ بِمَا وَرَدَ مِنْ مَسْحِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْعِمَامَةِ كَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ بِلَالٍ وَالْحُجَّةُ لِلْجُمْهُورِ أَنَّ الْكِتَابَ الْعَزِيزَ وَرَدَ بِغَسْلِ الْأَعْضَاءِ وَمَسْحِ الرَّأْسِ فَلَا يُزَادُ عَلَى الْكِتَابِ بِخَبَرٍ شَاذٍّ بِخِلَافِ الْخُفِّ، فَإِنَّ الْأَخْبَارَ فِيهِ مُسْتَفِيضَةٌ تَجُوزُ الزِّيَادَةُ بِمِثْلِهَا عَلَى الْكِتَابِ وَقَدْ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ قَالَ سَأَلْت جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ فَقَالَ السُّنَّةُ يَا أَخِي وَسَأَلْته عَنْ الْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ فَقَالَ أَمَسُّ الشَّعْرَ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي مُوَطَّئِهِ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ قَالَ بَلَغَنِي عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ فَقَالَ لَا حَتَّى يَمَسَّ الشَّعْرَ الْمَاءُ قَالَ مُحَمَّدٌ وَبِهَذَا نَأْخُذُ ثُمَّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ قَالَ حَدَّثَنَا نَافِعٌ قَالَ رَأَيْت صَفِيَّةَ بِنْتَ أَبِي عُبَيْدٍ تَتَوَضَّأُ وَتَنْزِعُ خِمَارَهَا ثُمَّ تَمْسَحُ بِرَأْسِهَا قَالَ نَافِعٌ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ صَغِيرٌ قَالَ مُحَمَّدٌ وَبِهَذَا نَأْخُذُ لَا يَمْسَحُ عَلَى خِمَارٍ وَلَا عِمَامَةٍ بَلَغَنَا أَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْعِمَامَةِ كَانَ ثُمَّ تَرَكَهُ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ تَأْوِيلَهُ بِأَنَّ بِلَالًا كَانَ بَعِيدًا فَمَسَحَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى رَأْسِهِ وَلَمْ يَضَعْ الْعِمَامَةَ عَنْ رَأْسِهِ فَظَنَّ بِلَالٌ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَسَحَ عَلَى الْعِمَامَةِ أَوْ أَرَادَ بِلَالٌ الْمَجَازَ إطْلَاقًا لِاسْمِ الْحَالِّ عَلَى الْمَحَلِّ وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ أَنَّ التَّأْوِيلَ بَعِيدٌ لِأَنَّهُ حُكْمٌ يَلْزَمُهُ غَيْرُ الرَّأْيِ وَالصَّوَابُ أَنْ نَقُولَ إذَا ثَبَتَ رِوَايَةً سَالِمًا عَنْ الْمُعَارِضِ ثَبَتَ جَوَازُ الْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ اهـ يَعْنِي: وَلَمْ تَسْلَمْ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ مُعَارَضَةِ الْكِتَابِ لَهَا [الْمَسْحُ عَلَى الْجَبِيرَةِ وَخِرْقَةُ الْقُرْحَةِ] (قَوْلُهُ: وَالْمَسْحُ عَلَى الْجَبِيرَةِ وَخِرْقَةُ الْقُرْحَةِ كَالْغَسْلِ) أَيْ لِمَا تَحْتَهَا وَلَيْسَ بِبَدَلٍ وَالْجَبِيرَةُ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الطَّلَبَةِ عِيدَانٌ تُرْبَطُ عَلَى الْجُرْحِ وَيُجْبَرُ بِهَا الْعِظَامُ وَفِي الْمُغْرِبِ جَبَرَ الْكَسْرَ جَبْرًا وَجَبَرَ بِنَفْسِهِ جُبُورًا وَالْجُبْرَانُ فِي مَصَادِرِهِ غَيْرُ مَذْكُورَةٍ وَالْجَبْرُ غَيْرُ فَصِيحٍ وَجَبَرَهُ بِمَعْنَى أَجْبَرَهُ لُغَةٌ ضَعِيفَةٌ، وَإِنْ قَلَّ اسْتِعْمَالُ الْمَجْبُورِ بِمَعْنَى الْمُجْبَرِ وَقَرَحَهُ قُرْحًا جَرَحَهُ، وَهُوَ قَرِيحٌ وَمَقْرُوحٌ ذُو قُرْحٍ اهـ. وَفِي الْقَامُوسِ الْقُرْحَةُ قَدْ يُرَادُ بِهَا الْجِرَاحَةُ وَقَدْ يُرَادُ بِهَا مَا يَخْرُجُ فِي الْبَدَنِ مِنْ بُثُورٍ. اهـ. وَأَيَّامًا كَانَ الْمُرَادُ هُنَا فَالْحُكْمُ الْمَذْكُورُ   [منحة الخالق] إلَى السَّاقِ كَانَ أَوْلَى وَلَكِنَّ هَذَا حُكْمُ التَّقَوِّي، وَهُوَ لَا يَمْنَعُ الْجَوَازَ الَّذِي هُوَ حُكْمُ الْفَتْوَى وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 لَا يَخْتَلِفُ ثُمَّ الْأَصْلُ فِي شَرْعِيَّتِهِ عَلَى مَا ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ مَشَايِخِنَا مَا عَنْ «عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ انْكَسَرَتْ إحْدَى زَنْدَيْ فَسَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَرَنِي أَنْ أَمْسَحَ عَلَى الْجَبَائِرِ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَفِي إسْنَادِهِ عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ الْوَاسِطِيُّ مَتْرُوكٌ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ اتَّفَقُوا عَلَى ضَعْفِهِ وَفِي الْمُغْرِبِ انْكَسَرَتْ إحْدَى زَنْدَيْ عَلِيٍّ صَوَابُهُ كُسِرَ أَحَدُ زَنْدَيْهِ؛ لِأَنَّ الزَّنْدَ مُذَكَّرٌ وَالزَّنْدَانِ عَظْمَا السَّاعِدِ وَنَقَلَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُسْتَصْفَى خِلَافًا فِي أَنَّهُ هَلْ كَانَ الْكَسْرُ يَوْمَ أُحُدٍ أَوْ يَوْمَ خَيْبَرَ وَذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ الْمُخَرِّجَ أَحَادِيثَ دَالَّةً عَلَى الْجَوَازِ وَضَعَّفَهَا وَيَكْفِي فِي هَذَا الْبَابِ مَا صَحَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ مَسَحَ عَلَى الْعِصَابَةِ كَمَا ذَكَرَهُ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ، فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمَوْقُوفَ فِي هَذَا كَالْمَرْفُوعِ، فَإِنَّ الْأَبْدَالَ لَا تَنْصِبُ بِالرَّأْيِ وَالْبَاقِي اسْتِئْنَاسٌ لَا يَضُرُّهُ التَّضْعِيفُ إنْ تَمَّ إذَا لَمْ يُقَوِّ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ أَمَّا إذَا قَوِيَ فَلْيُسْتَدَلَّ بِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - صِفَةَ الْمَسْحِ عَلَى الْجَبِيرَةِ وَالْمُلْحَقَ بِهَا لِوُجُودِ الِاخْتِلَافِ فِي نَقْلِ الْمَذْهَبِ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمَسْحُ عَلَى الْجَبِيرَةِ يَضُرُّهُ أَنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ الْمَسْحُ؛ لِأَنَّ الْغَسْلَ يَسْقُطُ بِالْعُذْرِ فَالْمَسْحُ أَوْلَى، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا كَانَ لَا يَضُرُّهُ فَفِي الْمُحِيطِ وَلَوْ تَرَكَ الْمَسْحَ عَلَى الْجَبَائِرِ وَالْمَسْحُ يَضُرُّهُ جَازَ، فَإِنْ لَمْ يَضُرَّهُ لَمْ يَجُزْ تَرْكُهُ وَلَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ بِدُونِهِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَلَمْ يَحْكِ فِي الْأَصْلِ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقِيلَ عِنْدَهُ يَجُوزُ تَرْكُهُ وَالصَّحِيحُ أَنَّ عِنْدَهُ مَسْحَ الْجَبِيرَةِ وَاجِبٌ وَلَيْسَ بِفَرْضٍ حَتَّى يَجُوزَ بِدُونِهِ الصَّلَاةُ؛ لِأَنَّ الْفَرْضِيَّةَ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِدَلِيلٍ مَقْطُوعٍ بِهِ وَحَدِيثُ عَلِيٍّ مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ فَأَوْجَبَ الْعَمَلَ بِهِ دُونَ الْعِلْمِ فَحَكَمْنَا بِوُجُوبِ الْمَسْحِ عَمَلًا وَلَمْ نَحْكُمْ بِفَسَادِ الصَّلَاةِ حَالَ عَدَمِ الْمَسْحِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِالْفَسَادِ يَرْجِعُ إلَى الْعِلْمِ، وَهَذَا الدَّلِيلُ لَا يُوجِبُهُ وَيُوَافِقُهُ مَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَالزِّيَادَاتِ وَالذَّخِيرَةِ بِأَنَّ الْمَسْحَ لَيْسَ بِفَرْضٍ عِنْدَهُ وَكَذَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي تَجْرِيدِهِ أَنَّهُ الصَّحِيحُ وَكَذَا صَحَّحَ فِي الْغَايَةِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَفِي التَّجْنِيسِ الِاعْتِمَادُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِفَرْضٍ عِنْدَهُ، وَفِي الْخُلَاصَةِ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَجَعَ إلَى قَوْلِهِمَا بِعَدَمِ جَوَازِ التَّرْكِ اهـ. وَيُوَافِقُهُ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمَجْمَعِ فِي شَرْحِهِ مِنْ قَوْلِهِ وَقِيلَ الْوُجُوبُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَهَذَا أَصَحُّ وَعَلَيْهِ   [منحة الخالق] [الْمَسْحُ عَلَى الْعِمَامَةِ وَالْقَلَنْسُوَةِ وَالْبُرْقُعُ وَالْقُفَّازُ] (قَوْلُهُ: وَيُوَافِقُهُ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمَجْمَعِ فِي شَرْحِهِ إلَخْ) أَقُولُ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ حَمْلُ عِبَارَةِ الْمَجْمَعِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوُجُوبِ الْفَرْضِيَّةُ بِدَلِيلِ ذِكْرِهِ أَيَّاهَا بَعْدَ نَقْلِ الْقَوْلِ بِرُجُوعِ الْإِمَامِ إلَى قَوْلِهِمَا أَيْ وَهُمَا يَقُولَانِ بِالْفَرْضِيَّةِ لَكِنَّ صَاحِبَ الْمَجْمَعِ ذَكَرَ فِي شَرْحِهِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ فَقَالَ ثُمَّ الْمَسْحُ مُسْتَحَبٌّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَوَاجِبٌ عِنْدَ هُمَا وَقِيلَ إنَّ الْوُجُوبَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَقِيلَ الْمَسْحُ وَاجِبٌ عِنْدَهُ فَرْضٌ عِنْدَهُمَا اهـ. وَاَلَّذِي يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ لَهُمَا قَوْلَيْنِ قَوْلًا بِالْوُجُوبِ وَقَوْلًا بِالْفَرْضِيَّةِ كَمَا أَنَّ لَهُ قَوْلًا بِالِاسْتِحْبَابِ وَقَوْلًا بِالْوُجُوبِ فَعَلَى هَذَا فَرُجُوعُهُ إلَى قَوْلِهِمَا رُجُوعٌ عَنْ الِاسْتِحْبَابِ إلَى الْوُجُوبِ بِدَلِيلِ جَعْلِهِ الْأَصَحَّ الَّذِي عَلَيْهِ الْفَتْوَى هُوَ أَنَّ الْوُجُوبَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَيَكُونُ مُوَافِقًا لِمَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَالزِّيَادَاتِ وَالذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَنَّ الْإِمَامَ قَائِلٌ بِالْوُجُوبِ فَحَمْلُ الْوُجُوبِ عَلَى الْفَرْضِيَّةِ بَعِيدٌ لِمَا قُلْنَا؛ وَلِأَنَّهُ غَيْرُ الظَّاهِرِ مِنْ كَلَامِهِ؛ لِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ قَوْلِهِ أَوَّلًا وَوَاجِبٌ عِنْدَهُمَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَاجِبِ غَيْرُ الْفَرْضِ كَمَا هُوَ الْأَصْلُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ ذِكْرُهُ قَوْلُهُمَا بِالِافْتِرَاضِ آخَرَ فَقَوْلُهُ إنَّ الْوُجُوبَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ يَكُونُ الْمُرَادُ بِهِ الْوُجُوبَ الْأَوَّلَ؛ لِأَنَّ النَّكِرَةَ إذَا أُعِيدَتْ مَعْرِفَةً كَانَتْ عَيْنَ الْأَوَّلِ غَالِبًا وَلَا يُقَالُ تَعْلِيلُهُ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْجَبِيرَةِ إلَخْ يُوهِمُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوُجُوبِ هُنَا الِافْتِرَاضُ؛ لِأَنَّ دَلِيلَ مَسْحِ الْجَبِيرَةِ مِنْ الْآحَادِ فَغَايَةُ مَا يُفِيدُ الْوُجُوبَ كَمَا قَرَّرَهُ الْمُحَقِّقُ وَلَمَّا كَانَ دَلِيلُ التَّيَمُّمِ قَطْعِيًّا كَانَ الثَّابِتُ بِهِ الْفَرْضِيَّةَ فَالتَّشْبِيهُ بِالتَّيَمُّمِ مِنْ حَيْثُ إنَّ مَسْحَ الْجَبِيرَةِ قَائِمٌ مَقَامَ غَسْلِ الْعُضْوِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ قَوْلُهُ وَكَمَا لَا يُقَالُ إلَخْ وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يُعْطِيَ الْمُشَبَّهَ مَا لِلْمُشَبَّهِ بِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَيَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَاهُ مِنْ الْحَمْلِ الْمَذْكُورِ قَوْلُ الْإِمَامِ الزَّيْلَعِيِّ الْمَسْحُ عَلَى الْجَبِيرَةِ وَاجِبٌ عِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ تَرْكُهُ لِحَدِيثِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَيْسَ بِوَاجِبٍ حَتَّى يَجُوزَ تَرْكُهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَقَالَ فِي الْغَايَةِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ وَاجِبٌ عِنْدَهُ وَلَيْسَ بِفَرْضٍ حَتَّى تَجُوزَ صَلَاتُهُ بِدُونِهِ اهـ. وَظَاهِرٌ أَنَّ الْمُثْبَتَ أَوَّلًا وَالْمَنْفِيَّ ثَانِيًا هُوَ الْوُجُوبُ الِاصْطِلَاحِيُّ كَمَا هُوَ صَرِيحُ كَلَامِ الْغَايَةِ وَفِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ لِابْنِ الشِّحْنَةِ وَاخْتُلِفَ فِي الْمَسْحِ هَلْ هُوَ فَرْضٌ أَوْ وَاجِبٌ أَوْ مُسْتَحَبٌّ فَفِي الْبَدَائِعِ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَهُ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ وَعِنْدَهُمَا وَاجِبٌ وَقِيلَ فِي التَّوْفِيقِ الْوُجُوبُ الْمَنْفِيُّ عِنْدَهُ بِمَعْنَى الْفَرْضِ وَعِنْدَهُمَا الْمُرَادُ بِالْوُجُوبِ وُجُوبُ الْعَمَلِ دُونَ الْعِلْمِ وَنُقِلَ عَنْهُ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ الِاسْتِحْبَابُ وَالْوُجُوبُ وَالْجَوَازُ وَقِيلَ هُوَ فَرْضٌ عِنْدَهُمَا وَاجِبٌ عِنْدَهُ اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْوُجُوبَ الْمُثْبَتَ عِنْدَهُمَا فِي الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي عَلَى حَقِيقَتِهِ دُونَ الثَّالِثِ، وَأَمَّا الْمَنْفِيُّ عِنْدَهُ فَفِي الْقَوْلِ الْأَوَّلِ عَلَى حَقِيقَتِهِ دُونَ الْأَخِيرَيْنِ ثُمَّ الْمُرَادُ عَلَى الْأَوَّلِ الِاسْتِحْبَابُ فَقَطْ وَعَلَى الثَّالِثِ الْوُجُوبُ فَقَطْ وَعَلَى الثَّانِي أَحَدُ هَذَيْنِ أَوْ الْوُجُوبُ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ قِيلَ وَاجِبٌ عِنْدَهُمَا مُسْتَحَبٌّ عِنْدَهُ وَقِيلَ وَاجِبٌ عِنْدَهُ فَرْضٌ عِنْدَهُمَا اهـ. وَمِثْلُهُ فِي إمْدَادِ الْفَتَّاحِ فَانْظُرْ كَيْفَ نَسَبُوا إلَيْهَا تَارَةً الْقَوْلَ بِالْفَرْضِيَّةِ وَتَارَةً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 الْفَتْوَى؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْجَبِيرَةِ كَالْغَسْلِ لِمَا تَحْتَهَا وَوَظِيفَةُ هَذَا الْعُضْوِ الْغَسْلُ عِنْدَ الْإِمْكَانِ وَالْمَسْحُ عَلَى الْجَبِيرَةِ عِنْدَ عَدَمِهِ كَالتَّيَمُّمِ وَكَمَا لَا يُقَالُ إنَّ الْوُضُوءَ لَا يَجِبُ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْمَاءِ فَلَا يَجِبُ التَّيَمُّمُ كَذَلِكَ لَا يُقَالُ إنَّ غَسْلَ مَا تَحْتَهَا سَاقِطٌ فَسَقَطَ الْمَسْحُ بَلْ هُوَ وَاجِبٌ بِدَلِيلِهِ كَمَا وَجَبَ التَّيَمُّمُ بِدَلِيلِهِ اهـ. فَحَاصِلُهُ أَنَّهُ قَدْ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ فِي افْتِرَاضِهِ أَوْ وُجُوبِهِ وَلَمْ أَرَ مَنْ صَحَّحَ اسْتِحْبَابَهُ عَلَى قَوْلٍ وَقَدْ جَنَحَ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إلَى تَقْوِيَةِ الْقَوْلِ بِوُجُوبِهِ حَيْثُ قَالَ مَا مَعْنَاهُ وَغَايَةُ مَا يُفِيدُ الْوَارِدُ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْجَبِيرَةِ الْوُجُوبُ فَعَدَمُ الْفَسَادِ بِتَرْكِهِ أَقْعَدُ بِالْأُصُولِ وَحُكِمَ عَلَى قَوْلِ الْخُلَاصَةِ الْمَاضِي بِأَنَّهُ اُشْتُهِرَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ شُهْرَةُ نَقِيضِهِ عَنْهُ وَلَعَلَّ ذَلِكَ مَعْنَى مَا قِيلَ إنَّ عَنْهُ رِوَايَتَيْنِ. اهـ. وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ مِنْ أَنَّ حَكَمَ بِالْفَسَادِ يَرْجِعُ إلَى الْعِلْمِ فَلَا يَثْبُتُ بِدَلِيلٍ ظَنِّيٍّ وَفِيهِ بَحْثٌ، فَإِنَّ الْكَلَامَ فِي الصَّلَاةِ مُفْسِدٌ لَهَا مَعَ أَنَّ تَرْكَ الْكَلَامِ فِيهَا ثَابِتٌ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ صَلَاتَنَا هَذِهِ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ» فَلَا يَكُونُ الْحُكْمُ بِالْفَسَادِ مِنْ بَابِ الْعِلْمِ فَيَجُوزُ ثُبُوتُهُ بِظَنِّيٍّ كَذَا فِي التَّوْشِيحِ وَقَدْ يُقَالُ إنَّ الْحُكْمَ بِالْفَسَادِ بِسَبَبِ الْكَلَامِ لَيْسَ ثَابِتًا بِالْحَدِيثِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَفَادَ كَوْنَهُ مَحْظُورًا فِيهَا وَالِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّهُ حَظْرٌ يَرْتَفِعُ إلَى الْإِفْسَادِ، فَهُوَ إنَّمَا ثَبَتَ بِالِاتِّفَاقِ لَا بِالْحَدِيثِ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِهِ لَا الْفَسَادُ بِتَرْكِهِ إذَا لَمْ يَمْسَحْ وَصَلَّى، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَةُ تِلْكَ الصَّلَاةِ لِمَا عُرِفَ مِنْ أَنَّ كُلَّ صَلَاةٍ أُدِّيَتْ مَعَ تَرْكِ وَاجِبٍ وَجَبَتْ إعَادَتُهَا هَذَا وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ تَفْصِيلًا عَلَى قَوْلِ   [منحة الخالق] الْقَوْلَ بِالْوُجُوبِ الْمُقَابِلِ لِلْمُسْتَحَبِّ وَلِلْفَرْضِ وَلَمْ يَنْسُبُوا إلَيْهِ الْقَوْلَ بِالْفَرْضِيَّةِ فَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّهُ عَلَى قَوْلِهِ إمَّا وَاجِبٌ أَوْ مُسْتَحَبٌّ أَوْ جَائِزٌ وَعَلَى قَوْلِهِمَا إمَّا وَاجِبٌ أَوْ فَرْضٌ وَالصَّحِيحُ مِنْ الثَّلَاثَةِ عِنْدَهُ الْقَوْلُ بِالْوُجُوبِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ عَنْ غَيْرِ مَا كِتَابٍ، وَإِذَا حَمَلْنَا مَا فِي الْخُلَاصَةِ مِنْ رُجُوعِهِ إلَى قَوْلِهِمَا عَلَى رُجُوعِهِ عَنْ الِاسْتِحْبَابِ أَوْ الْجَوَازِ إلَى الْوُجُوبِ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ تَعْبِيرُهَا بِعَدَمِ جَوَازِ التَّرْكِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ هَذَا شَأْنُهُ بِخِلَافِ الْمُسْتَحَبِّ وَالْجَائِزِ تَتَّفِقُ كَلِمَتُهُمْ عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ فَلَا يَكُونُ مَا فِيهَا غَيْرَ مَا صَحَّحُوهُ كَمَا يَشْهَدُ بِهِ مَا نَقَلْنَاهُ وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الشِّحْنَةِ مِنْ التَّوْفِيقِ السَّابِقِ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ كَلَامُ الْمَجْمَعِ عَلَى مَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِهِ كَمَا بَيَّنَّاهُ لَك فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْإِمَامِ قَوْلٌ بِالْفَرْضِيَّةِ إذْ لَمْ يُصَرِّحْ أَحَدٌ بِهِ بَلْ صَرَّحُوا بِنَفْيِهِ قَوْلًا لَهُ فَضْلًا عَنْ تَصْحِيحِهِ وَبِهَذَا ظَهَرَ لَك مَا فِي كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ وَكَلَامِ أَخِيهِ فِي النَّهْرِ حَيْثُ وَافَقَهُ بَلْ زَادَ عَلَيْهِ وَمَشَى عَلَى الْفَرْضِيَّةِ وَتَابَعَهُ أَيْضًا صَاحِبُ الْمِنَحِ فَقَالَ بَعْدَ نَقْلِهِ قَوْلَ الْمُؤَلِّفِ فَحَاصِلُهُ أَنَّهُ قَدْ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ فِي افْتِرَاضِهِ أَوْ وُجُوبِهِ أَقُولُ: يَجِبُ أَنْ يُعَوَّلَ عَلَى مَا وَقَعَ فِي الْمَجْمَعِ وَشَرْحِهِ مِنْ أَنَّ الْوُجُوبَ بِمَعْنَى الِافْتِرَاضِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ بِلَفْظِ الْفَتْوَى، وَهَذَا آكَدُ فِي التَّصْحِيحِ مِنْ لَفْظِ الْأَصَحِّ أَوْ الصَّحِيحِ أَوْ الْمُخْتَارِ كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُ أَهْلِ التَّحْقِيقِ وَلِمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْخُلَاصَةِ مِنْ رُجُوعِ الْإِمَامِ قَدَّسَ سِرَّهُ إلَيْهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الِاحْتِيَاطِ فِي بَابِ الْعِبَادَاتِ وَمِنْ ثَمَّ عَوَّلْنَا عَلَيْهِ فِي الْمُخْتَصَرِ حَيْثُ قُلْنَا، وَإِلَّا لَا يُتْرَكُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَفِي شُرُوحِ الْوِقَايَةِ الْمَسْحُ عَلَى الْجَبِيرَةِ إنْ ضَرَّ جَازَ تَرْكُهُ، وَإِنْ لَمْ يَضُرَّ فَقَدْ اخْتَلَفَ الرِّوَايَاتُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي جَوَازِ تَرْكِهِ وَالْمَأْخُوذُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَرْكُهُ اهـ. وَبِهِ جَزَمَ مُنْلَا خُسْرو اهـ كَلَامُ الْمِنَحِ وَتَابَعَهُ الشَّيْخُ عَلَاءُ الدِّينِ الْحَصْكَفِيُّ. وَأَقُولُ: أَمَّا مَا نَسَبَهُ إلَى الْمَجْمَعِ مِنْ أَنَّ الْوُجُوبَ بِمَعْنَى الِافْتِرَاضِ فَلَيْسَ الْمَوْجُودُ فِيهِ كَذَلِكَ بَلْ ظَاهِرُ كَلَامِهِ خِلَافَهُ كَمَا عَلِمْت، وَأَمَّا عِبَارَةُ الْخُلَاصَةِ فَقَدْ عَمِلْت تَأْوِيلَهَا، وَأَمَّا مَا اسْتَشْهَدَ بِهِ مِنْ كَلَامِ شُرُوحِ الْوِقَايَةِ وَمُنْلَا خُسْرو مِنْ عَدَمِ جَوَازِ التَّرْكِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ الْفَرْضِيَّةُ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ لَا يَحِلُّ تَرْكُهُ وَالْوَاجِبُ كَذَلِكَ لِمَا مَرَّ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِعَدَمِ الْجَوَازِ عَدَمَ الصِّحَّةِ لِإِسْنَادِهِمْ إيَّاهُ إلَى التَّرْكِ وَلَا يُقَالُ لَا يَصِحُّ تَرْكُهُ فَتَعَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ عَدَمُ الْحِلِّ؛ وَلِذَا عَطَفَ فِي الْمُحِيطِ قَوْلَهُ وَلَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ بِدُونِهِ عَلَى قَوْلِهِ لَمْ يَجُزْ تَرْكُهُ بِنَاءً عَلَى قَوْلِهِمَا بِالْفَرْضِيَّةِ ثُمَّ قَالَ وَقِيلَ عِنْدَهُ يَجُوزُ تَرْكُهُ أَيْ يَحِلُّ بِنَاءً عَلَى قَوْلِهِ بِالِاسْتِحْبَابِ أَوْ الْجَوَازِ؛ وَلِذَا قَالَ بَعْدَهُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ عِنْدَهُ وَاجِبٌ أَيْ فَلَا يَجُوزُ تَرْكُهُ فَقَوْلُ شُرَّاحِ الْوِقَايَةِ لَا يَجُوزُ تَرْكُهُ هُوَ مَا عَبَّرَ بِهِ فِي الْمُحِيطِ بِقَوْلِهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ وَاجِبٌ فَظَهَرَ أَنَّ مُرَادَهُمْ تَصْحِيحُ الْوُجُوبِ لَا الْفَرْضِيَّةِ وَيَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ الْمَسْحَ فَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ اتِّفَاقًا عَلَى الصَّحِيحِ، وَهُوَ الَّذِي اعْتَمَدَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي الْفُرُوقِ مِنْ كِتَابِ الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِفَهْمِي الْقَاصِرِ فِي هَذَا الْمَقَامِ وَلَا تَقْتَصِرْ عَلَيْهِ بَلْ ارْجِعْ أَيْضًا إلَى رَأْيِك مُنْصِفًا وَابْحَثْ مَعَ ذَوِي الْأَفْهَامِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ: وَقَدْ جَنَحَ الْمُحَقِّقُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ اخْتِيَارِ الْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ إلَخْ فَفِيهِ نَظَرٌ إذْ الْفَرَائِضُ الْعَمَلِيَّةُ تَثْبُتُ بِالظَّنِّ وَالِاشْتِهَارُ فِي الرُّجُوعِ بَعْدَ ثُبُوتِ أَصْلِهِ غَيْرُ لَازِمِ اهـ. وَفِيهِ أَنَّ الْفَرْضَ الْعَمَلِيَّ يَثْبُتُ بِالظَّنِّ الْقَوِيِّ لَا مُطْلَقًا لَمَّا قَالَ الْمُؤَلِّفُ فِي الْكَلَامِ عَلَى فَرَائِضِ الْوُضُوءِ أَنَّ الْمَفْرُوضَ عَلَى نَوْعَيْنِ قَطْعِيٍّ وَظَنِّيٍّ هُوَ فِي قُوَّةِ الْقَطْعِيِّ فِي الْعَمَلِ بِحَيْثُ يَفُوتُ الْجَوَازُ بِفَوْتِهِ وَعِنْدَ الْإِطْلَاقِ يَنْصَرِفُ إلَى الْأَوَّلِ لِكَمَالِهِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الظَّنِّيِّ الْقَوِيِّ الْمُثْبِتِ لِلْفَرْضِ وَبَيْنَ الظَّنِّيِّ الْمُثْبِتِ لِلْوَاجِبِ اصْطِلَاحًا خُصُوصُ الْمَقَامِ اهـ. فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ إلَخْ) قَالَ فِي الشرنبلالية وَيَتَعَيَّنُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 أَبِي حَنِيفَةَ فَقَالَ إنْ كَانَ مَا تَحْتَ الْجَبِيرَةِ لَوْ ظَهَرَ أَمْكَنَ غَسْلُهُ فَالْمَسْحُ وَاجِبٌ بِالْأَصْلِ لِيَتَعَلَّقَ بِمَا قَامَ مَقَامُهُ كَمَسْحِ الْخُفِّ وَإِنْ كَانَ مَا تَحْتَهَا لَوْ ظَهَرَ لَا يُمْكِنُ غَسْلُهُ فَالْمَسْحُ عَلَيْهَا غَيْرُ وَاجِبٍ؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْأَصْلِ قَدْ سَقَطَ فَلَا يَلْزَمُ مَا قَامَ مَقَامَهُ كَالْمَقْطُوعِ الْقَدَمِ إذَا لَبِسَ الْخُفَّ قَالَ الصَّرِيفِنِيُّ، وَهَذَا أَحْسَنُ الْأَقْوَالِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُصَفَّى أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْمَجْرُوحِ أَمَّا الْمَكْسُورُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْمَسْحُ بِالِاتِّفَاقِ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ فَمَبْنَى مَا فِي الْمُصَفَّى عَلَى تَفْصِيلِ الرَّازِيّ لَا كَمَا تَوَهَّمَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ خَبَرَ الْمَسْحِ عَنْ عَلِيٍّ فِي الْمَكْسُورِ. اهـ. وَهَذَا كُلُّهُ بِإِطْلَاقَةِ شَامِلٌ لِمَا إذَا كَانَتْ الْجِرَاحَةُ بِالرَّأْسِ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ فَقَالَ وَلَوْ كَانَتْ الْجِرَاحَةُ عَلَى رَأْسِهِ وَبَعْضُهُ صَحِيحٌ، فَإِنْ كَانَ الصَّحِيحُ قَدْرَ مَا يَجُوزُ عَلَيْهِ الْمَسْحُ، وَهُوَ قَدْرُ ثَلَاثِ أَصَابِعَ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَمْسَحَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَفْرُوضَ مِنْ مَسْحِ الرَّأْسِ هَذَا الْقَدْرُ، وَهَذَا الْقَدْرُ مِنْ الرَّأْسِ صَحِيحٌ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْمَسْحِ عَلَى الْجَبَائِرِ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَمْسَحْ؛ لِأَنَّ وُجُودَهُ وَعَدَمَهُ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ وَيَمْسَحُ عَلَى الْجَبَائِرِ اهـ. وَفِي الْمُبْتَغَى بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَمَنْ كَانَ جَمِيعُ رَأْسِهِ مَجْرُوحًا لَا يَجِبُ الْمَسْحُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ بَدَلٌ عَنْ الْغَسْلِ وَلَا بَدَلَ لَهُ وَقِيلَ يَجِبُ اهـ. وَالصَّوَابُ هُوَ الْوُجُوبُ وَقَوْلُهُ الْمَسْحُ بَدَلٌ عَنْ الْغَسْلِ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الرَّأْسِ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ لَا بَدَلٌ كَمَا لَا يَخْفَى وَفِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ وَالْمَسْحُ عَلَى الْجَبَائِرِ عَلَى وُجُوهٍ إنْ كَانَ لَا يَضُرُّهُ غَسْلُ مَا تَحْتَهُ يَلْزَمُهُ الْغَسْلُ وَإِنْ كَانَ يَضُرُّهُ الْغَسْلُ بِالْمَاءِ الْبَارِدِ وَلَا يَضُرُّهُ الْغَسْلُ بِالْمَاءِ الْحَارِّ يَلْزَمُهُ الْغَسْلُ بِالْمَاءِ الْحَارِّ، وَإِنْ كَانَ يَضُرُّهُ الْغَسْلُ وَلَا يَضُرُّهُ الْمَسْحُ يَمْسَحُ مَا تَحْتَ الْجَبِيرَةِ وَلَا يَمْسَحُ فَوْقَهَا اهـ. قَالُوا يَنْبَغِي أَنْ يُحْفَظَ هَذَا، فَإِنَّ النَّاسَ عَنْهُ غَافِلُونَ وَلَكِنْ قَالَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ: وَلَوْ كَانَ لَا يُمْكِنُهُ غَسْلُ الْجِرَاحَةِ إلَّا بِالْمَاءِ الْحَارِّ خَاصَّةً وَلَا يُمْكِنُهُ بِمَا سِوَاهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ تَكَلُّفُ الْغَسْلِ الْحَارِّ وَيُجْزِئُهُ الْمَسْحُ لِأَجْلِ الْمَشَقَّةِ. اهـ. وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ كَمَا لَا يَخْفَى؛ وَلِهَذَا اقْتَصَرَ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ عَلَيْهِ وَلَمْ يَنْقُلْ غَيْرَهُ وَقَيَّدَهُ بِأَنْ يَكُونَ قَادِرًا عَلَيْهِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْجَبِيرَةِ لَيْسَ بِبَدَلٍ بِخِلَافِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ؛ وَلِهَذَا لَا يَمْسَحُ عَلَى الْخُفِّ فِي أَحَدِ الرِّجْلَيْنِ وَيَغْسِلُ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْبَدَلِ وَلَوْ كَانَتْ الْجَبِيرَةُ عَلَى إحْدَى رِجْلَيْهِ وَمَسَحَ عَلَيْهَا وَغَسَلَ الْأُخْرَى لَا يَكُونُ ذَلِكَ جَمْعًا بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْبَدَلِ؛ وَلِهَذَا أَيْضًا لَوْ مَسَحَ عَلَى خِرْقَةِ الْمَجْرُوحَةِ وَغَسَلَ الصَّحِيحَةَ وَلَبِسَ الْخُفَّ عَلَيْهَا ثُمَّ أَحْدَثَ، فَإِنَّهُ يَتَوَضَّأُ وَيَنْزِعُ الْخُفَّ؛ لِأَنَّ الْمَجْرُوحَةَ مَغْسُولَةٌ حُكْمًا وَلَا يَجْتَمِعُ الْوَظِيفَتَانِ فِي الرِّجْلِ وَعَلَى قِيَاسِ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إنْ تَرَكَ الْمَسْحَ عَلَى الْجَبَائِرِ، وَهُوَ لَا يَضُرُّهُ يَجُوزُ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا سَقَطَ غَسْلُ الْمَجْرُوحَةِ صَارَتْ كَالذَّاهِبَةِ هَذَا إذَا لَبِسَ الْخُفَّ عَلَى الصَّحِيحَةِ لَا غَيْرُ، فَإِنْ لَبِسَ عَلَى الْجَرِيحَةِ أَيْضًا بَعْدَمَا مَسَحَ عَلَى جَبِيرَتِهَا، فَإِنَّهُ يَمْسَحُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ عَلَيْهَا كَالْغَسْلِ لِمَا تَحْتَهَا كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَهَذَا كُلُّهُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ هَذَا الْمَسْحَ لَيْسَ بِبَدَلٍ عَنْ الْغَسْلِ وَظَاهِرُ مَا فِي الْهِدَايَةِ أَنَّهُ بَدَلٌ وَتَعَقَّبَهُ بَعْضُ الشَّارِحِينَ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِبَدَلٍ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَسْحِ الْخُفِّ فَكَانَ أَصْلًا لَا بَدَلًا. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ فِي نَفْسِهِ بَدَلٌ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْغَسْلِ لَكِنْ نُزِّلَ مَنْزِلَةَ الْأَصْلِ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ فَكَانَ كَالْأَصْلِ بِخِلَافِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، فَإِنَّهُ لَمْ يُعْطِ لَهُ حُكْمَ الْغَسْلِ بَلْ هُوَ بَدَلٌ مَحْضٌ؛ وَلِهَذَا لَوْ جَمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْغَسْلِ أَوْ بَيْنَ الْمَسْحِ عَلَى الْجَبِيرَةِ يَلْزَمُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْبَدَلِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا (قَوْلُهُ: فَلَا يَتَوَقَّتُ) أَيْ لَا يَتَوَقَّتُ الْمَسْحُ عَلَى الْجَبِيرَةِ بِوَقْتٍ مُعَيَّنٍ؛ لِأَنَّهُ كَالْغَسْلِ لِمَا تَحْتَهَا، وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِالْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ؛ لِأَنَّهُ مُؤَقَّتٌ بِالْبُرْءِ كَمَا سَيَجِيءُ وَهَذِهِ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي يُخَالِفُ فِيهَا مَسْحُ الْجَبِيرَةِ مَسْحَ الْخُفِّ [الْمَسْحَ عَلَى الْجَبِيرَةِ مَعَ الْغَسْلِ] (قَوْلُهُ: وَيَجْمَعُ مَعَ الْغَسْلِ) أَيْ يَجْمَعُ الْمَسْحَ عَلَى الْجَبِيرَةِ مَعَ الْغَسْلِ، وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ وَهَذِهِ هِيَ الثَّانِيَةُ مِنْ الْمَسَائِلِ (قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ، وَإِنْ شَدَّهَا بِلَا وُضُوءٍ) ؛ لِأَنَّ   [منحة الخالق] حَمْلُ قَوْلِهِ لَوْ ظَهَرَ أُمْكِنَ غَسْلُهُ إلَخْ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى حَلِّ الْجَبِيرَةِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ عَنْ قَاضِي خَانْ، وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ الْمَسْحُ عَلَيْهِمَا (قَوْلُهُ: لَا كَمَا تَوَهَّمَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَغَيْرُ خَافٍ أَنَّ التَّفْصِيلَ مَبْنِيٌّ أَيْضًا عَلَى أَثَرِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَكْسُورَ لَا يَضُرُّهُ الْغَسْلُ فَمَا فِي الْفَتْحِ أَوْجَهُ (قَوْلُهُ: وَالصَّوَابُ هُوَ الْوُجُوبُ) مُفَادُهُ أَنَّ خِلَافَهُ خَطَأٌ وَقَدْ عَلِمْت مَا فِيهِ مِنْ الْخِلَافِ بَيْنَ الْإِمَامِ وَصَاحِبَيْهِ فَكَانَ الْمُنَاسِبُ فِي التَّعْبِيرَانِ يَقُولُ وَالصَّحِيحُ هُوَ الْوُجُوبُ وَفِي قَوْلِهِ وَقَوْلُهُ الْمَسْحُ بَدَلٌ عَنْ الْغَسْلِ غَيْرُ صَحِيحٍ نَظَرٌ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ مُرَادَ الْمُبْتَغَى الْمَسْحُ عَلَى الْجَبِيرَةِ أَيْ أَنَّ الْمَسْحَ عَلَيْهَا بَدَلٌ عَنْ الْغَسْلِ وَالْمَسْحُ لَا بَدَلَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي الرَّأْسِ إنَّمَا هُوَ الْمَسْحُ فَإِذَا كَانَ عَلَى الرَّأْسِ جَبِيرَةٌ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الْمَسْحُ عَلَيْهَا بَدَلًا عَنْ الْمَسْحِ عَلَى الرَّأْسِ وَالْمَسْحُ لَا بَدَلَ لَهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 فِي اعْتِبَارِهَا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ حَرَجًا؛ وَلِأَنَّ غَسْلَ مَا تَحْتَهَا سَقَطَ وَانْتَقَلَ إلَى الْجَبِيرَةِ بِخِلَافِ الْخُفِّ وَهَذِهِ هِيَ الثَّالِثَةُ، وَفِي تَعْبِيرِهِ بِيَجُوزُ دُونَ يَجِبُ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْجَبِيرَةِ لَيْسَ بِفَرْضٍ (قَوْلُهُ: وَيَمْسَحُ عَلَى كُلِّ الْعِصَابَةِ كَانَ تَحْتَهَا جِرَاحَةٌ أَوْ لَا) وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ الْأُولَى أَنَّ اسْتِيعَابَ مَسْحِ الْعِصَابَةِ وَاجِبٌ، وَكَذَا الْجَبِيرَةُ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَذَكَرَ فِيهَا رِوَايَتَيْنِ صَاحِبُ الْخُلَاصَةِ فِي رِوَايَةِ الِاسْتِيعَابِ شَرْطٌ وَفِي رِوَايَةِ الْمَسْحِ عَلَى الْأَكْثَرِ يَجُوزُ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي: وَيَكْتَفِي بِالْمَسْحِ عَلَى أَكْثَرِهَا فِي الصَّحِيحِ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى إفْسَادِ الْجِرَاحَةِ اهـ. فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ فِي الْمَتْنِ وَيَمْسَحُ عَلَى أَكْثَرِ الْعِصَابَةِ كَمَا لَا يَخْفَى الثَّانِيَةُ جَوَازُ الْمَسْحِ عَلَى جَمِيعِ الْعِصَابَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ الْجِرَاحَةُ تَحْتَ جَمِيعِهَا بَلْ يَكْفِي أَنْ تَكُونَ تَحْتَ بَعْضِهَا جِرَاحَةٌ، وَهَذَا لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ وَقَدْ بَيَّنَهُ فِي الْمُحِيطِ فَقَالَ إذَا زَادَتْ الْجَبِيرَةُ عَلَى رَأْسِ الْجُرْحِ إنْ كَانَ حَلُّ الْخِرْقَةِ وَغَسْلُ مَا تَحْتَهَا يَضُرُّ بِالْجِرَاحَةِ يَمْسَحُ عَلَى الْكُلِّ تَبَعًا، وَإِنْ كَانَ الْحَلُّ وَالْمَسْحُ لَا يَضُرُّ بِالْجُرْحِ لَا يُجْزِئُهُ مَسْحُ الْخِرْقَةِ بَلْ يَغْسِلُ مَا حَوْلَ الْجِرَاحَةِ وَيَمْسَحُ عَلَيْهَا لَا عَلَى الْخِرْقَةِ، وَإِنْ كَانَ يَضُرُّهُ الْمَسْحُ وَلَا يَضُرُّهُ الْحَلُّ يَمْسَحُ عَلَى الْخِرْقَةِ الَّتِي عَلَى رَأْسِ الْجُرْحِ وَيَغْسِلُ حَوَالَيْهَا وَتَحْتَ الْخِرْقَةِ الزَّائِدَةِ إذْ الثَّابِتُ بِالضَّرُورَةِ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا اهـ. قَالَ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَمْ أَرَ لَهُمْ مَا إذَا ضَرَّهُ الْحَلُّ لَا الْمَسْحُ لِظُهُورِ أَنَّهُ حِينَئِذٍ يَمْسَحُ عَلَى الْكُلِّ اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ يُسْتَفَادُ مِنْ عِبَارَةِ الْمُحِيطِ، فَإِنَّهُ اعْتَبَرَ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ ضَرَرَ الْحَلِّ مُطْلَقًا سَوَاءٌ ضَرَّهُ الْمَسْحُ مَعَهُ أَوْ لَا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْجِرَاحَةِ وَغَيْرِهَا كَالْكَيِّ وَالْكَسْرِ؛ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ تَشْمَلُ الْكُلَّ وَمِنْ ضَرَرِ الْحَلِّ أَنْ تَكُونَ الْجِرَاحَةُ فِي مَوْضِعٍ لَوْ زَالَ عَنْهُ الْجَبِيرَةُ أَوْ الرِّبَاطُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَشُدَّ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْمَسْحُ عَلَى الْجَبِيرَةِ وَالرِّبَاطُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَضُرُّهُ الْمَسْحُ عَلَى الْجِرَاحَةِ ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ وَلَا يَعْرَى إطْلَاقُهُ عَنْ بَحْثٍ، فَإِنَّهُ لَوْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَسْتَعِينَ بِغَيْرِهِ فِي شَدِّهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ يَنْبَغِي أَنْ يَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ ذَلِكَ كَمَا لَا يَخْفَى ثُمَّ قَدْ عُرِفَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ وَيَمْسَحُ عَلَى أَكْثَرِ الْعِصَابَةِ وَنَحْوِهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَحْتَ بَعْضِهَا جِرَاحَةٌ إنْ ضَرَّهُ الْحَلُّ وَشَمَلَ كَلَامُهُ عِصَابَةَ الْمُفْتَصِدِ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَإِيصَالُ الْمَاءِ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي لَمْ تَسْتُرْهُ الْعِصَابَةُ بَيْنَ الْعِصَابَةِ فَرْضٌ؛ لِأَنَّهَا بَادِيَةٌ اهـ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا وَيَكْفِيهِ الْمَسْحُ وَعَلَيْهِ مَشَى فِي مُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ وَفِي الذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهَا، وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كُلِّفَ غَسْلَ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ رُبَّمَا تَبْتَلُّ جَمِيعُ الْعِصَابَةِ وَتَنْفُذُ الْبِلَّةُ إلَى مَوْضِعِ الْفَصْدِ فَيَتَضَرَّرُ وَفِي تَتِمَّةِ الْفَتَاوَى الصُّغْرَى، وَإِذَا عَلِمَ يَقِينًا أَنَّ مَوْضِعَ الْفَصْدِ قَدْ انْسَدَّ يَلْزَمُهُ غَسْلُ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَلَا يُجْزِئُهُ الْمَسْحُ اهـ. وَفِي إمَامَةِ الْمُفْتَصِدِ بِغَيْرِهِ أَقْوَالٌ ثَالِثُهَا أَنَّهُ لَا يَؤُمُّ عَلَى الْفَوْرِ وَيَؤُمُّ بَعْدَ زَمَانٍ وَظَاهِرُ مَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ اخْتِيَارُ الْجَوَازِ مُطْلَقًا وَلَوْ انْكَسَرَ ظُفْرُهُ فَجَعَلَ عَلَيْهِ دَوَاءً   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَفِي تَعْبِيرِهِ بِيَجُوزُ دُونَ يَجِبُ إشَارَةٌ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ فِيهِ نَظَرٌ إذْ لَا دَاعِيَ إلَى حَمْلِ الْجَوَازِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ وَتَخْرِيجُهُ عَلَى قَوْلٍ لَمْ يُرَجِّحْهُ أَحَدٌ فِيمَا عَلِمْت مَعَ أَنَّهُ مُنَافٍ لِقَوْلِهِ كَالْغَسْلِ عَلَى مَا مَرَّ اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ فَقَدْ قَالَ فِي الْمُنْيَةِ، وَإِنْ تَرَكَ الْمَسْحَ عَلَى الْجَبِيرَةِ وَالْمَسْحُ لَا يَضُرُّهُ جَازَ لَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا، فَإِنْ كَانَ مُرَادُ الْمُنْيَةِ بِالْجَوَازِ الْحِلَّ وَعَدَمَ الْإِثْمِ فَلَا يَكُونُ وَاجِبًا وَلَا فَرْضًا فَهُوَ قَدْ صَحَّحَهُ كَمَا تُشْعِرُ بِهِ عِبَارَتُهُ، وَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ بِهِ الصِّحَّةَ وَتَفْرِيغَ الذِّمَّةِ فِي الدُّنْيَا الصَّادِقِ بِكَوْنِهِ وَاجِبًا فَقَدْ صَحَّحَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ كَمَا مَرَّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَ الْمُؤَلِّفِ هَذَا حَيْثُ جَعَلَ الْإِشَارَةَ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِفَرْضٍ أَيْ عَبَّرَ بِالْجَوَازِ لِيُفِيدَ أَنَّهُ لَيْسَ بِفَرْضٍ وَلَوْ عَبَّرَ بِالْوُجُوبِ لَاحْتَمَلَ التَّأْوِيلَ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ الْفَرْضُ بِنَاءً عَلَى قَوْلِهِمَا وَلَا نُسَلِّمُ مُنَافَاتِهِ لِقَوْلِهِ كَالْغَسْلِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِثْلَهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فَإِنَّ الْغَسْلَ فَرْضٌ قَطْعًا بِخِلَافِ الْمَسْحِ فَتَشْبِيهُهُ بِهِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ فَرْضًا كَمَا حَمَلَهُ هُوَ عَلَيْهِ فِي شَرْحِهِ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ يُسْتَفَادُ مِنْ عِبَارَةِ الْمُحِيطِ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَقُولُ: هَذَا الْعُمْرِيُّ غَرِيبٌ إذْ صَاحِبُ الْمُحِيطِ كَمَا تَرَى اعْتَبَرَ الضَّرَرَ فِي الْحَلِّ وَالْغَسْلِ لَا فِي الْحَلِّ فَقَطْ وَغَيْرُ خَافٍ أَنَّ جَوَازَ الْمَسْحِ دَائِرٌ مَعَ الضَّرَرِ وَعَدَمُهُ مَعَ عَدَمِهِ وَعَلَيْهِ تَتَخَرَّجُ الْأَقْسَامُ الْأَرْبَعَةُ اهـ. أَقُولُ: لَا يَخْفَى مَا فِيهِ بَلْ الظَّاهِرُ الْمُتَبَادِرُ مِنْ كَلَامِ الْمُحِيطِ أَنَّ الْمُرَادَ إنْ كَانَ الْحَلُّ وَالْعُدُولُ إلَى الْغَسْلِ يَضُرُّ يَمْسَحُ وَلَوْ كَانَ مُرَادُهُ أَنَّ الضَّرَرَ فِي كُلٍّ مِنْ الْحَلِّ وَالْغَسْلِ لَقَالَ يَضُرَّانِ وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَقُولَ يَضُرُّ بِالْإِفْرَادِ كَمَا تَقُولُ إنْ كَانَ زَيْدٌ وَعَمْرٌو يَضْرِبَانِ ثُمَّ رَأَيْت الْعَلَّامَةَ إسْمَاعِيلَ النَّابُلُسِيَّ فِي شَرْحِهِ عَلَى الدُّرَرِ قَالَ مَا نَصُّهُ التَّحْقِيقُ مَا فِي الْبَحْرِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ إفْرَادُهُ الضَّمِيرَ فِي يَضُرُّ وَلَوْ اُعْتُبِرَ الضَّرَرُ فِيهِمَا لَثَنَّى وَإِطْلَاقُهُ عَنْ اعْتِبَارٍ وَعَدَمُهُ ظَاهِرٌ لَا خَفَاءَ فِيهِ فَلْيُتَأَمَّلْ. اهـ. وَهَذَا عَيْنُ مَا قُلْنَا وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ لَوْ اُعْتُبِرَ الضَّرَرُ فِي الْحِلِّ وَالْمَسْحِ لَكَانَ غَرِيبًا كَمَا ذُكِرَ، وَأَمَّا قِرَانُ الْغَسْلِ مَعَهُ فَلَا يُنَافِيهِ لِدُخُولِهِ تَحْتَ قَوْلِ الْفَتْحِ لَا الْمَسْحِ فَتَدَبَّرْهُ (قَوْلُهُ: يَنْبَغِي أَنْ يَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ ذَلِكَ) قَالَ فِي الْفَتْحِ وَمِنْ ضَرَرِ الْحَلِّ أَنْ يَكُونَ فِي مَكَان لَا يَقْدِرُ عَلَى رَبْطِهَا بِنَفْسِهِ وَلَا يَجِدُ مَنْ يَرْبِطُهَا اهـ. قَالَ فِي النَّهْرِ وَكَأَنَّ شَيْخُنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى هَذَا فَقَالَ يَنْبَغِي إلَخْ اهـ. قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ النَّابُلُسِيُّ الَّذِي يَظْهَرُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 أَوْ عِلْكًا أَوْ أَدْخَلَ جِلْدَهُ مَرَارَةً أَوْ مَرْهَمًا، فَإِنْ كَانَ يَضُرُّ نَزْعُهُ مَسَحَ عَلَيْهِ، وَإِنْ ضَرَّهُ الْمَسْحُ تَرَكَهُ، وَإِنْ كَانَ بِأَعْضَائِهِ شُقُوقٌ أَمَرَّ الْمَاءَ عَلَيْهَا إنْ قَدَرَ، وَإِلَّا تَرَكَهُ وَغَسَلَ مَا حَوْلَهُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَغَيْرِهِ وَفِي الْمُغْرِبِ الشُّقَاقُ بِالضَّمِّ تَشْقِيقُ الْجِلْدِ وَمِنْهُ طَلَى شِقَاقَ رِجْلِهِ، وَهُوَ خَاصٌّ وَأَمَّا الشَّقُّ لِوَاحِدِ الشُّقُوقِ فَعَامٌّ. (قَوْلُهُ:، وَإِنْ سَقَطَتْ عَنْ بُرْءٍ بَطَلَ، وَإِلَّا لَا) أَيْ إنْ سَقَطَتْ الْجَبِيرَةُ عَنْ بُرْءٍ بَطَلَ الْمَسْحُ لِزَوَالِ الْعُذْرِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ السُّقُوطُ عَنْ بُرْءٍ لَا يَبْطُلُ الْمَسْحُ لِقِيَامِ الْعُذْرِ الْمُبِيحِ لِلْمَسْحِ وَالْبُرْءُ خِلَافُ السُّقُمِ، وَهُوَ الصِّحَّةُ وَتَمَامُ الْجَوَابِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى مَا فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ أَنَّ الْجَبِيرَةَ إنْ سَقَطَتْ عَنْ بُرْءٍ، فَإِنْ كَانَ خَارِجَ الصَّلَاةِ، وَهُوَ مُتَطَهِّرٌ غَسَلَ مَوْضِعَ الْجَبِيرَةِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ غَسْلُ بَاقِي الْأَعْضَاءِ، وَإِنْ كَانَ فِي الصَّلَاةِ، فَإِنْ كَانَ بَعْدَمَا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ فَهِيَ إحْدَى الْمَسَائِلِ الْاِثْنَي عَشْرَ الْآتِيَةِ فِي مَوْضِعِهَا، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْقُعُودِ غَسَلَ مَوْضِعَهَا وَاسْتَقْبَلَ الصَّلَاةَ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ حُكْمُ الْحَدَثِ السَّابِقِ عَلَى الشُّرُوعِ فَصَارَ كَأَنَّهُ شَرَعَ مِنْ غَيْرِ غَسْلِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، وَإِنْ سَقَطَتْ عَنْ غَيْرِ بُرْءٍ لَمْ يَبْطُلْ الْمَسْحُ سَوَاءٌ كَانَ فِي الصَّلَاةِ أَوْ خَارِجَهَا حَتَّى أَنَّهُ إذَا كَانَ فِي الصَّلَاةِ مَضَى عَلَيْهَا وَلَا يَسْتَقْبِلُ؛ وَلِهَذَا إذَا أَعَادَهَا أَوْ غَيْرَهَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَةُ الْمَسْحِ عَلَيْهَا وَالْأَحْسَنُ أَنْ يُعِيدَ الْمَسْحَ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَفَتَاوَى قَاضِي خَانْ والْوَلْوَالِجِيِّ؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْأُولَى كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْغَسْلِ فَعَلَى هَذَا مَا فِي الذَّخِيرَةِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَجُلٌ بِهِ جُرْحٌ يَضُرُّهُ إمْسَاسُ الْمَاءِ فَعَصَبَهُ بِعِصَابَتَيْنِ وَمَسَحَ عَلَى الْعُلْيَا ثُمَّ رَفَعَهَا قَالَ يَمْسَحُ عَلَى الْعِصَابَةِ الْبَاقِيَةِ بِمَنْزِلَةِ الْخُفَّيْنِ وَالْجُرْمُوقَيْنِ وَلَا يُجْزِئُهُ حَتَّى يَمْسَحَ اهـ. لَيْسَ بِظَاهِرٍ بَلْ الظَّاهِرُ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ أَنَّ الْإِعَادَةَ مُسْتَحَبَّةٌ لَا وَاجِبَةٌ وَمِنْ الْغَرِيبِ مَا نَقَلَهُ الزَّاهِدِيُّ فِي الْقُنْيَةِ أَنَّهَا إذَا سَقَطَتْ مِنْ غَيْرِ بُرْءٍ لَا يَبْطُلُ الْمَسْحُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيَبْطُلُ عِنْدَهُمَا اهـ. وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ لِمَا إذَا بَرِئَ مَوْضِعُ الْجَبِيرَةِ وَلَمْ تَسْقُطْ قَالَ الزَّاهِدِيُّ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي عَامَّةِ كُتُبِ الْفِقْهِ إذَا بَرَأَ مَوْضِعُ الْجَبَائِرِ وَلَمْ تَسْقُطْ وَذَكَرَ فِي الصَّلَاةِ لِلتَّقِيِّ الْكَرَابِيسِيِّ أَنَّهُ بَطَلَ الْمَسْحُ اهـ. وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ هَذَا إذَا كَانَ مَعَ ذَلِكَ لَا يَضُرُّهُ إزَالَتُهَا أَمَّا إذَا كَانَ يَضُرُّهُ لِشِدَّةِ لُصُوقِهَا بِهِ وَنَحْوِهِ فَلَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ وَالدَّوَاءُ كَالْجَبِيرَةِ إذَا أَمَرَّ الْمَاءَ عَلَيْهِ ثُمَّ سَقَطَ كَانَ عَلَى التَّفْصِيلِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْجَبِيرَةِ يُخَالِفُ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفِّ مِنْ وُجُوهٍ الْأَوَّلُ أَنَّ الْجَبِيرَةَ لَا يُشْتَرَطُ شَدُّهَا عَلَى وُضُوءٍ بِخِلَافِ الْخُفِّ. الثَّانِي: أَنَّ مَسْحَ الْجَبِيرَةِ غَيْرُ مُؤَقَّتٍ بِوَقْتٍ مُعَيَّنٍ بِخِلَافِ الْخُفِّ. الثَّالِثِ: أَنَّ الْجَبِيرَةَ إذَا سَقَطَتْ عَنْ غَيْرِ بُرْءٍ لَا يَنْتَقِضُ الْمَسْحُ بِخِلَافِ الْخُفِّ. الرَّابِعِ: إذَا سَقَطَتْ عَنْ بُرْءٍ لَا يَجِبُ إلَّا غَسْلُ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ إذَا كَانَ عَلَى وُضُوءٍ بِخِلَافِ الْخُفِّ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ. الْخَامِسِ: أَنَّ الْجَبِيرَةَ يَسْتَوِي فِيهَا الْحَدَثُ الْأَكْبَرُ وَالْأَصْغَرُ بِخِلَافِ الْخُفِّ. سَادِسُهَا: أَنَّ الْجَبِيرَةَ يَجِبُ اسْتِيعَابُهَا فِي الْمَسْحِ فِي رِوَايَةٍ بِخِلَافِ الْخُفِّ، فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ هَكَذَا ذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ، وَقَدْ يُزَادُ عَلَيْهَا أَيْضًا فَنَقُولُ. السَّابِعُ: إنَّ الصَّحِيحَ وُجُوبُ مَسْحِ أَكْثَرِ الْجَبِيرَةِ بِخِلَافِ الْخُفِّ. الثَّامِنُ: أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا هَلْ يُشْتَرَطُ تَكْرَارُ مَسْحِ الْجَبِيرَةِ فَمِنْهُمْ مَنْ شَرَطَ الْمَسْحَ ثَلَاثًا إلَّا أَنْ تَكُونَ الْجِرَاحَةُ فِي الرَّأْسِ فَلَا يَلْزَمُهُ تَكْرَارُ الْمَسْحِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ التَّكْرَارُ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَمْسَحَ مَرَّةً وَاحِدَةً كَمَسْحِ الرَّأْسِ وَالْخُفَّيْنِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ عُلَمَائِنَا كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ بِخِلَافِ مَسْحِ الْخُفِّ لَمْ يَشْتَرِطْ تَكْرَارَهُ اتِّفَاقًا. التَّاسِعُ: أَنَّهُ إذَا مَسَحَ عَلَيْهَا ثُمَّ شَدَّ عَلَيْهَا أُخْرَى أَوْ عِصَابَةٌ جَازَ الْمَسْحُ عَلَى الْفَوْقَانِيِّ بِخِلَافِ الْخُفِّ إذَا مَسَحَ عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ عَلَى الْفَوْقَانِيِّ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. الْعَاشِرُ: إذَا دَخَلَ الْمَاءُ تَحْتَ الْجَبَائِرِ لَا يَبْطُلُ الْمَسْحُ بِخِلَافِ الْخُفِّ ذَكَرَهُ الزَّاهِدِيُّ. الْحَادِيَ عَشَرَ: أَنَّ النِّيَّةَ لَا تُشْتَرَطُ فِيهِ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ بِخِلَافِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ كَمَا سَيَأْتِي. الثَّانِيَ عَشَرَ: إذَا زَالَتْ الْعِصَابَةُ الْفَوْقَانِيَّةُ الَّتِي مَسَحَ عَلَيْهَا لَا يُعِيدُ الْمَسْحُ عَلَى التَّحْتَانِيَّةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ بِخِلَافِ الْخُفِّ. الثَّالِثَ عَشَرَ: إذَا كَانَ الْبَاقِي مِنْ الْعُضْوِ الْمَعْصُوبِ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةِ   [منحة الخالق] أَنَّ كَلَامَ قَاضِي خَانْ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ إنَّ وُسْعَ الْغَيْرِ لَا يُعَدُّ وُسْعًا كَمَا نَقَلَهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي التَّأْسِيسِ، وَقَدَّمْنَاهُ عَنْ غَيْرِهِ وَمَا مَشَى عَلَيْهِ فِي الْفَتْحِ هُوَ قَوْلُهُمَا اهـ. (قَوْلُهُ: فَعَلَى هَذَا مَا فِي الذَّخِيرَةِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إلَخْ) حَمَلَهُ فِي النَّهْرِ عَلَى أَنَّهُ قَوْلٌ لِأَبِي يُوسُفَ لَا الْإِمَامِ وَأَيَّدَهُ بِمَا يَأْتِي عَنْ الْقُنْيَةِ، وَهَذَا أَوْلَى مِمَّا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ إذْ لَا شَيْءَ مِمَّا مَرَّ يُنَافِيهِ (قَوْلُهُ: السَّابِعُ أَنَّ الصَّحِيحَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَا يَنْبَغِي ذِكْرُ هَذَا مَعَ عَدِّ الشَّارِحِ أَنَّ الْجَبِيرَةَ يَجِبُ اسْتِيعَابُهَا بِالْمَسْحِ فِي رِوَايَةٍ بِخِلَافِ الْخُفِّ؛ لِأَنَّ عَدَّ ذَلِكَ يُسْقِطُ هَذَا اهـ. قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ لَا يُسْقِطُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ وُجُوبِ الِاسْتِيعَابِ نَفْيُ وُجُوبِ الْأَكْثَرِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: الْعَاشِرُ إذَا دَخَلَ الْمَاءُ تَحْتَ الْجَبَائِرِ لَا يَبْطُلُ) قَالَ فِي النَّهْرِ الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ لَا يَبْطُلُ اتِّفَاقًا بِخِلَافِ الْخُفِّ لِمَا مَرَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 أَصَابِعَ كَالْيَدِ الْمَقْطُوعَةِ وَالرِّجْلِ جَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهَا بِخِلَافِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. الرَّابِعَ: عَشَرَ أَنَّ مَسْحَ الْجَبِيرَةِ لَيْسَ ثَابِتًا بِالْكِتَابِ اتِّفَاقًا بِخِلَافِ مَسْحِ الْخُفِّ، فَإِنَّ فِيهِ خِلَافًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ. الْخَامِسَ عَشَرَ: أَنَّ مَسْحَ الْجَبِيرَةِ يَجُوزُ تَرْكُهُ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ بِخِلَافِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ تَرْكُهُ مَعَ إرَادَةِ عَدَمِ الْغَسْلِ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ فِي مَسْحِ الْخُفِّ وَالرَّأْسِ) عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِعِبَادَةٍ عَلَى أَصْلِنَا؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ لَا تُشْتَرَطُ إلَّا فِيمَا هُوَ عِبَادَةٌ أَوْ وَسِيلَةٌ دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى اشْتِرَاطِهَا فِيهَا كَالتَّيَمُّمِ وَلَمْ يُوجَدْ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ وَبِهَذَا ظَهَرَ ضَعْفُ مَا فِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ أَنَّ النِّيَّةَ شَرْطٌ فِي مَسْحِ الْخُفِّ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ [بَابُ الْحَيْضِ] اخْتَلَفَ الشَّارِحُونَ فِي التَّعْبِيرِ عَنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ بِأَنَّهُمَا مِنْ الْأَحْدَاثِ أَوْ الْأَنْجَاسِ فَمِنْهُمْ مَنْ ذَهَبَ إلَى الثَّانِي وَمِنْهُمْ مَنْ ذَهَبَ إلَى الْأَوَّلِ وَهُوَ الْأَنْسَبُ؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ يَقُولُ بَعْدَ هَذَا بَابُ الْأَنْجَاسِ وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْأَحْدَاثِ الَّتِي يَكْثُرُ وُقُوعُهَا ذَكَرَ مَا هُوَ أَقَلُّ وُقُوعًا مِنْهُ، وَلَقَّبَ الْبَابَ بِالْحَيْضِ دُونَ النِّفَاسِ لِكَثْرَتِهِ أَوْ لِكَوْنِهِ حَالَةً مَعْهُودَةً فِي بَنَاتِ آدَمَ دُونَ النِّفَاسِ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ لَكِنْ الظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ مِنْ الْأَنْجَاسِ بِدَلِيلِ التَّعْرِيفِ، وَأَفْرَدَهُ لِاخْتِصَاصِهِ بِأَحْكَامٍ عَلَى حِدَةٍ، وَقَدَّمَهُ لِكَثْرَةِ مُنَاسَبَتِهِ بِالْأَحْدَاثِ حَتَّى كَانَتْ الْأَحْكَامُ الْمُخْتَصَّةُ بِالْأَحْدَاثِ ثَابِتَةً لَهُ، وَلَا يَضُرُّ اخْتِصَاصُ نَوْعٍ مِنْ النَّجَسِ بِأَحْكَامٍ وَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا فِي النِّهَايَةِ كَمَا لَا يَخْفَى وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا ثَمَرَةَ لِهَذَا الِاخْتِلَافِ. وَاعْلَمْ أَنَّ بَابَ الْحَيْضِ مِنْ غَوَامِضِ الْأَبْوَابِ خُصُوصًا مِنْ الْمُتَحَيِّرَةِ وَتَفَارِيعِهَا وَلِهَذَا اعْتَنَى بِهِ الْمُحَقِّقُونَ وَأَفْرَدَهُ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابٍ مُسْتَقِلٍّ. وَمَعْرِفَةُ مَسَائِلِ الْحَيْضِ مِنْ أَعْظَمِ الْمُهِمَّاتِ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مَا لَا يُحْصَى مِنْ الْأَحْكَامِ كَالطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالصَّوْمِ وَالِاعْتِكَافِ وَالْحَجِّ وَالْبُلُوغِ وَالْوَطْءِ وَالطَّلَاقِ وَالْعِدَّةِ وَالِاسْتِبْرَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ وَكَانَ مِنْ أَعْظَمَ الْوَاجِبَاتِ؛ لِأَنَّ عِظَمَ مَنْزِلَةِ الْعِلْمِ بِالشَّيْءِ بِحَسَبِ مَنْزِلَةِ ضَرَرِ الْجَهْلِ بِهِ وَضَرَرُ الْجَهْلِ بِمَسَائِلِ الْحَيْضِ أَشَدُّ مِنْ ضَرَرِ الْجَهْلِ بِغَيْرِهَا فَيَجِبُ الِاعْتِنَاءُ بِمَعْرِفَتِهَا وَإِنْ كَانَ الْكَلَامُ فِيهَا طَوِيلًا فَإِنَّ الْمُحَصِّلَ يَتَشَوَّفُ إلَى ذَلِكَ وَلَا الْتِفَاتَ إلَى كَرَاهَةِ أَهْلِ الْبَطَالَةِ، ثُمَّ الْكَلَامُ فِيهِ فِي عَشَرَةِ مَوَاضِعَ فِي تَفْسِيرِهِ لُغَةً وَشَرْعًا وَسَبَبِهِ وَرُكْنِهِ وَشَرْطِهِ وَقَدْرِهِ وَأَلْوَانِهِ وَأَوَانِهِ وَوَقْتِ ثُبُوتِهِ وَالْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهِ، أَمَّا تَفْسِيرُهُ لُغَةً فَقَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ أَصْلُهُ السَّيَلَانُ يُقَالُ حَاضَ الْوَادِي أَيْ سَالَ فَسُمِّيَ حَيْضًا لِسِيلَانِهِ فِي أَوْقَاتِهِ وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ الْحَيْضُ دَمٌ يُرْخِيهِ رَحِمُ الْمَرْأَةِ بَعْدَ بُلُوغِهَا فِي أَوْقَاتٍ مُعْتَادَةٍ، وَيُقَالُ حَاضَتْ الْمَرْأَةُ تَحِيضُ حَيْضًا وَمَحِيضًا وَمُحَاضًا فَهِيَ حَائِضٌ بِحَذْفِ التَّاءِ؛ لِأَنَّهُ صِفَةُ الْمُؤَنَّثِ خَاصَّةً فَلَا تَحْتَاجُ إلَى عَلَامَةِ التَّأْنِيثِ بِخِلَافِ قَائِمَةٍ وَمُسْلِمَةٍ هَذِهِ اللُّغَةُ الْفَصِيحَةُ الْمَشْهُورَةُ. وَحَكَى الْجَوْهَرِيُّ عَنْ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: الْخَامِسَ عَشَرَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَزِدْت السَّادِسَ عَشَرَ أَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْجَبِيرَةِ لَيْسَ خَلَفًا وَلَا بَدَلًا عَنْ الْغَسْلِ بِخِلَافِ الْخُفِّ اهـ. وَقَدْ يُزَادُ غَيْرُهَا كَمَا فِي التَّنْوِيرِ وَغَيْرِهِ فَنَقُولُ السَّابِعَ عَشَرَ أَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْجَبِيرَةِ يُتْرَكُ إنْ ضَرَّ، وَإِلَّا لَا بِخِلَافِ الْخُفِّ الثَّامِنَ عَشَرَ أَنَّهُ مَشْرُوطٌ بِالْعَجْزِ عَنْ مَسْحِ نَفْسِ الْمَوْضِعِ، فَإِنْ قَدَرَ عَلَى مَسْحِهِ فَلَا مَسْحَ عَلَيْهَا التَّاسِعَ عَشَرَ أَنَّهُ يَبْطُلُ بِبُرْءِ مَوْضِعِهَا، وَإِنْ لَمْ تَسْقُطْ الْعِشْرُونَ أَنَّهُ يَبْطُلُ سُقُوطُهَا عَنْ بُرْءٍ بِخِلَافِ الْخُفِّ، فَإِنَّهُ يَبْطُلُ بِسُقُوطِهِ بِلَا شَرْطٍ الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ إنْ مَسَحَ جَبِيرَةَ رَجُلٍ يَجْمَعُ مَعَ غَسْلِ الْأُخْرَى بِخِلَافِ الْخُفِّ. الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ: أَنَّهُ مَشْرُوطٌ بِالْعَجْزِ عَنْ مَسْحِ الْمَوْضِعِ بِخِلَافِ الْخُفِّ. الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ: أَنَّهُ يَجُوزُ وَلَوْ كَانَتْ عَلَى غَيْرِ الرِّجْلَيْنِ بِخِلَافِ الْخُفِّ. الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ: إذَا غَمَسَ الْجَبِيرَةَ فِي إنَاءٍ يُرِيدُ بِهِ الْمَسْحَ عَلَيْهَا لَمْ يَجُزْ وَأَفْسَدَ الْمَاءَ بِخِلَافِ الْخُفِّ وَكَذَا الرَّأْسُ فَلَا يَفْسُدُ وَيَجُوزُ عِنْدَ الثَّانِي خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ كَمَا فِي الْمَنْظُومَةِ وَشَرْحِهَا الْحَقَائِقِ وَالْفِرَقِ لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمَسْحَ يَتَأَدَّى بِالْبِلَّةِ فَلَا يَصِيرُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا وَيَجُوزُ الْمَسْحُ أَمَّا مَسْحُ الْجَبِيرَةِ فَكَالْغَسْلِ لِمَا تَحْتَهُ قَالَ فِي الْحَقَائِقِ ذَكَرَهُ فِي الْخِزَانَةِ وَأَحَالَهُ إلَى الْمُنْتَقَى اهـ. قُلْت وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ لَوْ كَانَتْ عَلَى رِجْلِهِ وَسَقَطَتْ عَنْ بُرْءٍ وَيَخَافُ إنْ غَسَلَهَا أَنْ تَسْقُطَ مِنْ الْبَرْدِ أَنْ يَتَيَمَّمَ بِخِلَافِ الْخُفِّ عَلَى مَا مَرَّ فَتَدَبَّرْ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (بَابُ الْحَيْضِ) . (قَوْلُهُ: وَضَرَرُ الْجَهْلِ إلَخْ) وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا لَمْ تَعْلَمْ مَسَائِلَ الْحَيْضِ رُبَّمَا تَتْرُكُ الصَّلَاةَ وَالصَّوْمَ وَقْتَ الْوُجُوبِ وَتَأْتِي بِهِمَا فِي وَقْتِ وُجُوبِ التَّرْكِ وَكِلَاهُمَا أَمْرٌ حَرَامٌ وَضَرَرٌ عَظِيمٌ وَلِأَنَّ ضَرَرَ هَذَا الْجَهْلِ يَخْتَصُّ وَيَتَعَدَّى بِخِلَافِ الْجَهْلِ فِيمَا سِوَاهُ، أَمَّا الْمُخْتَصُّ فَهُوَ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَأَمَّا الْمُتَعَدِّي فَهُوَ غَشَيَانُ الرَّجُلِ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ وَذَلِكَ حَرَامٌ بِالنَّصِّ وَالِاعْتِقَادُ بِحِلِّهِ كُفْرٌ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَتَى امْرَأَتَهُ الْحَائِضَ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ» أَيْ مُسْتَحِلًّا وَحُكِيَ أَنَّ هَارُونَ الرَّشِيدَ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ بَنَاتِ الْأَشْرَافِ وَبِهَا مِنْ الْجِهَازِ الْعَظِيمِ مَا لَا يُعَدُّ وَلَا يُحْصَى فَلِمَا زُفَّتْ إلَيْهِ وَدَخَلَ هُوَ مَعَهَا فِي الْفِرَاشِ وَهَمَّ بِهَا دَمِيَتْ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ، فَقَالَتْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ فَقَالَ الْخَلِيفَةُ وَاَللَّهِ مَا سَمِعْت مِنْك خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا. اهـ. فَوَائِدُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 الْفَرَّاءِ أَنَّهُ يُقَالُ أَيْضًا حَائِضَةٌ وَلَهُ عَشَرَةُ أَسْمَاءٍ حَيْضٌ وَطَمْثٌ بِالْمُثَلَّثَةِ وَضَحِكٌ وَإِكْبَارٌ وَإِعْصَارٌ وَدِرَاسٌ وَعِرَاكٌ وَفِرَاك بِالْفَاءِ وَطَمْسٌ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَنِفَاسٌ وَزَادَ بَعْضُهُمْ " طَمْتٌ " بِالْمُثَنَّاةِ وَطَمْءٌ بِالْهَمْزَةِ، وَأَمَّا تَفْسِيرُهُ شَرْعًا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مِنْ الْأَنْجَاسِ فَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (وَهُوَ دَمٌ يَنْفُضُهُ رَحِمُ امْرَأَةٍ سَلِيمَةٍ عَنْ دَاءٍ وَصِغَرٍ) فَدَخَلَ فِي قَوْلِهِ دَمٌ غَيْرُ الْمُعَرَّفِ وَشَمَلَ الدَّمَ الْحَقِيقِيَّ وَالْحُكْمِيَّ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ يَنْفُضُهُ رَحِمُ امْرَأَةٍ دَمُ الرُّعَافِ وَالْجِرَاحَاتِ وَمَا يَكُونُ مِنْهُ لَا مِنْ آدَمِيَّةٍ، وَمَا يَخْرُجُ مِنْ الدُّبُرِ مِنْ الدَّمِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِحَيْضٍ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ لَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ عَنْ انْقِطَاعِ الدَّمِ، فَإِنْ أَمْسَكَ زَوْجُهَا عَنْ الْإِتْيَانِ أَحَبُّ إلَيَّ، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَلَمْ تَخْرُجْ الِاسْتِحَاضَةُ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالرَّحِمِ هُنَا الْفَرْجُ، وَإِنَّمَا خَرَجَ بِقَوْلِهِ " سَلِيمَةٍ " عَنْ دَاءٍ أَيْ دَاءٍ بِرَحِمِهَا، وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِهِ؛ لِأَنَّ مَرَضَ الْمَرْأَةِ السَّلِيمَةِ الرَّحِمِ لَا يَمْنَعُ كَوْنَ مَا تَرَاهُ فِي عَادَتِهَا مَثَلًا حَيْضًا كَمَا لَا يَخْفَى وَخَرَجَ بِهِ النِّفَاسُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ بِالرَّحِمِ دَاءً بِسَبَبِ الْوِلَادَةِ وَهَذَا أَوْلَى مِمَّا قَالُوا: إنَّ النِّفَاسَ خَرَجَ بِهِ؛ لِأَنَّ النُّفَسَاءَ فِي حُكْمِ الْمَرِيضَةِ حَتَّى اُعْتُبِرَ تَبَرُّعَاتُهَا مِنْ الثُّلُثِ فَإِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ مَرَضَ الْمَرْأَةِ يَمْنَعُ كَوْنَهَا حَائِضًا، وَقَدْ عَلِمْت خِلَافَهُ، وَقَدْ خَرَجَ بِهِ أَيْضًا مَا تَرَاهُ الصَّغِيرَةُ فَإِنَّهُ دَمُ اسْتِحَاضَةٍ لَكِنْ قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ مَا تَرَاهُ الْمَرْأَةُ قَبْلَ اسْتِكْمَالِ تِسْعِ سِنِينَ فَهُوَ دَمُ فَسَادٍ وَلَا يُقَالُ لَهُ اسْتِحَاضَةٌ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحَاضَةَ لَا تَكُونُ إلَّا عَلَى صِفَةٍ لَا تَكُونُ حَيْضًا، وَلِهَذَا قَالَ الْأَزْهَرِيُّ الِاسْتِحَاضَةُ سَيَلَانُ الدَّمِ فِي غَيْرِ أَوْقَاتِهِ الْمُعْتَادَةِ؛ فَلِهَذَا ذَكَرَ مَا يُخْرِجُ مَا تَرَاهُ الصَّغِيرَةُ بِقَوْلِهِ وَصِغَرٍ وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَنْدَفِعُ مَا ذَكَرَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ أَنَّ هَذَا التَّعْرِيفَ لَا يَخْلُو عَنْ تَكْرَارٍ وَاسْتِدْرَاكٍ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الصِّغَرِ مُسْتَدْرَكٌ، وَالِاسْتِحَاضَةُ تَكَرَّرَ إخْرَاجُهَا لِخُرُوجِهَا بِذِكْرِ الرَّحِمِ وَسَلِيمَةٍ عَنْ دَاءٍ وَتَعْرِيفُهُ بِلَا اسْتِدْرَاكٍ وَلَا تَكَرُّرٍ دَمٌ مِنْ الرَّحِمِ لَا لِوِلَادَةٍ. اهـ. وَقَدْ سَبَقَهُ إلَى هَذَا التَّعْرِيفِ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالْخُنْثَى إذَا خَرَجَ مِنْهُ الْمَنِيُّ وَالدَّمُ فَالْعِبْرَةُ لِلْمَنِيِّ دُونَ الدَّمِ، ثُمَّ هَذَا التَّعْرِيفُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مُسَمَّى الْحَيْضِ خَبَثٌ، أَمَّا إذَا كَانَ مُسَمَّاهُ الْحَدَثَ الْكَائِنَ عَنْ الدَّمِ الْمُحَرِّمِ لِلتِّلَاوَةِ وَالْمَسِّ كَاسْمِ الْجَنَابَةِ لِلْحَدَثِ الْخَاصِّ لَا لِلْمَاءِ الْخَاصِّ فَتَعْرِيفُهُ مَانِعِيَّةٌ شَرْعِيَّةٌ بِسَبَبِ الدَّمِ الْمَذْكُورِ عَمَّا اُشْتُرِطَ فِيهِ الطَّهَارَةُ وَعَنْ الصَّوْمِ وَالْمَسْجِدِ وَالْقُرْبَانِ، وَقَدْ جَزَمَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ بِأَنَّهُ مِنْ الْأَحْدَاثِ لَا الْأَنْجَاسِ وَعَرَّفَهُ بِمَا فِي الْكِتَابِ فَكَانَ تَنَاقُضًا مِنْهُ. وَأَمَّا سَبَبُهُ فَقَدْ قِيلَ إنَّ أُمَّنَا حَوَّاءَ - عَلَيْهَا السَّلَامُ - حِينَ تَنَاوَلَتْ مِنْ شَجَرَةِ الْخُلْدِ فَابْتَلَاهَا اللَّهُ تَعَالَى بِذَلِكَ وَبَقِيَ هُوَ فِي بَنَاتِهَا إلَى يَوْمِ التَّنَادِي بِذَلِكَ السَّبَبِ وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - قَالَتْ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَيْضِ هَذَا شَيْءٌ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ» قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ قَالَ بَعْضُهُمْ: أَوَّلُ مَا أُرْسِلَ الْحَيْضُ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ قَالَ الْبُخَارِيُّ وَحَدِيثُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكْبَرُ، قَالَ النَّوَوِيُّ يَعْنِي أَنَّهُ عَامٌّ فِي جَمِيعِ بَنِي آدَمَ، وَأَمَّا رُكْنُهُ فَهُوَ بُرُوزُ الدَّمِ مِنْ مَحَلٍّ مَخْصُوصٍ حَتَّى تَثْبُتَ الْأَحْكَامُ بِهِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ بِالْإِحْسَاسِ بِهِ وَثَمَرَتُهُ تَظْهَرُ فِيمَا لَوْ تَوَضَّأَتْ وَوَضَعَتْ الْكُرْسُفَ ثُمَّ أَحَسَّتْ بِنُزُولِ الدَّمِ إلَيْهِ قَبْلَ الْغُرُوبِ ثُمَّ رَفَعَتْهُ بَعْدَهُ تَقْضِي الصَّوْمَ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا يَعْنِي إذَا لَمْ يُحَاذِ حَرْفَ الْفَرْجِ الدَّاخِلَ، فَإِنْ حَاذَتْهُ الْبِلَّةُ مِنْ الْكُرْسُفِ كَانَ حَيْضًا وَنِفَاسًا اتِّفَاقًا، وَكَذَا الْحَدَثُ بِالْبَوْلِ وَلَوْ وَضَعَتْهُ لَيْلًا فَلَمَّا أَصْبَحَتْ رَأَتْ الطُّهْرَ تَقْضِي الْعِشَاءَ فَلَوْ كَانَتْ طَاهِرَةً فَرَأَتْ الْبِلَّةَ حِينَ أَصْبَحَتْ تَقْضِيهَا أَيْضًا إنْ لَمْ تَكُنْ صَلَّتْهَا قَبْلَ الْوَضْعِ إنْزَالًا لَهَا طَاهِرَةً فِي الصُّورَةِ الْأُولَى مِنْ حِينِ وَضَعَتْهُ وَحَائِضًا فِي الثَّانِيَةِ حِينَ رَفَعَتْهُ أَخْذًا بِالِاحْتِيَاطِ فِيهِمَا وَهَذَا أَوْلَى مِمَّا ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ مِنْ أَنَّ رُكْنَهُ امْتِدَادُ دَوْرِ الدَّمِ مِنْ قُبُلِ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ رُكْنَ الشَّيْءِ مَا يَقُومُ بِهِ ذَلِكَ الشَّيْءُ وَالْحَيْضُ لَا يَقُومُ بِهِ؛ لِأَنَّ الِامْتِدَادَ الْخَاصَّ مُعَرِّفٌ لَهُ لَا أَنَّهُ رُكْنٌ؛ لِأَنَّ الِامْتِدَادَ لَوْ كَانَ رُكْنُهُ لِمَا ثَبَتَ حُكْمُهُ قَبْلَهُ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ حُكْمَهُ ثَبَتَ بِمُجَرَّدِ الْبُرُوزِ وَأَمَّا شَرْطُهُ فَتَقَدَّمَ نِصَابُ الطُّهْرِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا وَعَدَمُ نُقْصَانِهِ عَنْ الْأَقَلِّ وَعَدَمُ الصِّغَرِ وَفَرَاغُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَلَمْ يُخْرِجْ الِاسْتِحَاضَةَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالرَّحِمِ الْفَرْجُ إذْ قَوْلُهُ يَنْفُضُهُ يَدْفَعُهُ لِمَا اسْتَقَرَّ أَنَّ النَّفْضَ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ الرَّحِمِ فَمَا فِي الشَّرْحِ مِنْ خُرُوجِ الِاسْتِحَاضَةِ أَوْلَى إلَّا أَنَّهُ يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ قَوْلَهُ وَصِغَرٍ مُسْتَدْرَكٌ؛ لِأَنَّ مَا تَرَاهُ الصَّغِيرَةُ اسْتِحَاضَةٌ وَالْجَوَابُ مَنْعُ تَسْمِيَتِهِ اسْتِحَاضَةً بَلْ هُوَ دَمُ فَسَادٍ كَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ. (قَوْلُهُ: لَكِنْ قَالَ بَعْضُهُمْ إلَخْ) أَيْ فَلَا يَكُونُ خَارِجًا بِقَوْلِهِ سَلِيمَةً عَنْ دَاءٍ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى ثُبُوتِ أَنَّ دَمَ الْفَسَادِ لَيْسَ عَنْ دَاءٍ وَلَكِنْ ظَاهِرُ تَسْمِيَتِهِ بِذَلِكَ أَنَّهُ عَنْ دَاءٍ فَيَخْرُجُ بِقَوْلِهِ سَلِيمَةٍ عَلَى أَنَّ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ مِنْ أَنَّهُ لَا يُقَالُ لِدَمِ الصَّغِيرَةِ اسْتِحَاضَةٌ غَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ عَلَى صِفَةٍ لَا تَكُونُ حَيْضًا (قَوْلُهُ: وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَنْدَفِعُ إلَخْ) لَا يَخْفَى مَا فِي هَذَا التَّقْرِيرِ مِنْ الْبُعْدِ وَالتَّكَلُّفِ كَمَا عَلِمْت مِمَّا سَبَقَ فَالظَّاهِرُ مَا قَالَهُ الْمُحَقِّقُ وَفِي النَّهْرِ بَقِيَ أَنَّهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 الرَّحِمِ عَنْ الْحَبَلِ الَّذِي تَنْفَسُ بِوَضْعِهِ؛ لِأَنَّ الْحَامِلَ لَا تَحِيضُ، وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِقَوْلِنَا تَنْفَسُ؛ لِأَنَّهُ إذَا سَقَطَ مِنْهَا شَيْءٌ لَمْ يَسْتَبِنْ خَلْقُهُ فَمَا رَأَتْ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ حَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ أَنَّهُ حَبَلٌ بَلْ لَحْمٌ مِنْ الْبَطْنِ فَلَا تَسْقُطُ الصَّلَاةُ بِالشَّكِّ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ لَهُ الشَّرْطَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ، وَأَمَّا مَا تَرَاهُ الْحَامِلُ وَالصَّغِيرَةُ فَلَيْسَ مِنْ الرَّحِمِ فَلَمْ يُوجَدْ الرُّكْنُ وَعَدَمُ الصِّغَرِ يُعْرَفُ بِتَقْدِيرِ أَدْنَى مُدَّةٍ يُحْكَمُ بِبُلُوغِهَا فِيمَا إذَا رَأَتْ الدَّمَ وَاخْتُلِفَ فِيهَا عَلَى أَقْوَالٍ الْمُخْتَارُ مِنْهَا تِسْعٌ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَإِذَا رَأَتْ الْمُبْتَدَأَةُ فِي سِنٍّ يُحْكَمُ بِبُلُوغِهَا فِيهِ تَرَكَتْ الصَّلَاةَ وَالصَّوْمَ وَعِنْدَ أَكْثَرِ مَشَايِخِ بُخَارَى وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا تَتْرُكُ حَتَّى تَسْتَمِرَّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، ثُمَّ الْأَصَحُّ أَنَّ الْحَيْضَ مُوَقَّتٌ إلَى سِنِّ الْإِيَاسِ وَأَكْثَرُ الْمَشَايِخِ قَدَّرُوهُ بِسِتِّينَ سَنَةً وَمَشَايِخُ بُخَارَى وَخُوَارِزْمَ بِخَمْسٍ وَخَمْسِينَ فَمَا رَأَتْ بَعْدَهَا لَا يَكُونُ حَيْضًا فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَفِي الْمُجْتَبَى وَالْفَتْوَى فِي زَمَانِنَا أَنْ يُحْكَمَ بِالْإِيَاسِ عَنْ الْخَمْسِينَ وَفِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهَا إنْ رَأَتْ دَمًا قَوِيًّا كَالْأَسْوَدِ وَالْأَحْمَرِ الْقَانِي كَانَ حَيْضًا وَيَبْطُلُ الِاعْتِدَادُ بِالْأَشْهُرِ قَبْلَ التَّمَامِ وَبَعْدَهُ لَا، وَإِنْ رَأَتْ صُفْرَةً أَوْ خُضْرَةً أَوْ تُرْبِيَّةً فَهِيَ اسْتِحَاضَةٌ اهـ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ ثُمَّ إنَّمَا يُنْتَقَضُ الْحُكْمُ بِالْإِيَاسِ بِالدَّمِ الْخَالِصِ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ لَا فِيمَا مَضَى حَتَّى لَا تَفْسُدَ الْأَنْكِحَةُ الْمُبَاشِرَةُ قَبْلَ الْمُعَاوَدَةِ، وَفِي الْقُنْيَةِ قَضَاءُ الْقَاضِي لَيْسَ بِشَرْطٍ لِلْحُكْمِ بِالْإِيَاسِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ حَتَّى إذَا بَلَغَتْ مُدَّةَ الْإِيَاسِ تَعْتَدُّ بِالْأَشْهُرِ وَلَا يُحْتَاجُ فِي ذَلِكَ إلَى الْقَضَاءِ. اهـ. وَقَدْ عُلِمَ أَوَانُهُ وَوَقْتُ ثُبُوتِهِ وَسَيَأْتِي مِقْدَارُهُ وَأَلْوَانُهُ وَأَحْكَامُهُ. (قَوْلُهُ: وَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَأَكْثَرُهُ عَشَرَةٌ) أَيْ أَقَلُّ الْحَيْضِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بِالرَّفْعِ وَالنَّصْبِ، أَمَّا الرَّفْعُ فَعَلَى كَوْنِهَا خَبَرًا لِمُبْتَدَأٍ وَعَلَى هَذَا لَا بُدَّ مِنْ الْإِضْمَارِ لِاسْتِحَالَةِ كَوْنِ الدَّمِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَالتَّقْدِيرُ أَقَلُّ مُدَّةِ الْحَيْضِ، وَأَمَّا النَّصْبُ فَعَلَى الظَّرْفِ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ أَنْ يَكُونَ الدَّمُ مُمْتَدًّا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بِحَيْثُ لَا يَنْقَطِعُ سَاعَةً حَتَّى يَكُونَ حَيْضًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا نَادِرًا بَلْ انْقِطَاعُ الدَّمِ سَاعَةً أَوْ سَاعَتَيْنِ فَصَاعِدًا غَيْرُ مُبْطِلٍ لِلْحَيْضِ، كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى وَالْمُرَادُ أَنَّ أَقَلَّ مُدَّتِهِ قَدْرُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا وَأَكْثَرُهَا قَدْرُ عَشَرَةِ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْوَافِي، وَإِنَّمَا حَذَفَهُ هُنَا؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الْأَيَّامِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ يَتَنَاوَلُ مِثْلَهَا مِنْ اللَّيَالِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلا رَمْزًا} [آل عمران: 41] وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ {ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا} [مريم: 10] وَالْقَصَّةُ وَاحِدَةٌ وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ حَتَّى لَوْ رَأَتْ عِنْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ يَوْمَ السَّبْتِ وَانْقَطَعَ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ لَا يَكُونُ حَيْضًا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ الْأُولَى وَهِيَ قَوْلُهُ إنَّهُ مُقَدَّرٌ بِيَوْمَيْنِ وَأَكْثَرِ الثَّالِثِ وَهُوَ سَبْعٌ وَسِتُّونَ سَاعَةً عَلَى مَا فِي الْعِنَايَةِ عَنْ النَّوَادِرِ. الثَّانِيَةُ أَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَيْلَتَيْنِ عَلَى مَا فِي التَّجْنِيسِ وَفِي غَيْرِهِ أَنَّهُ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَفِي الْبَدَائِعِ رِوَايَةُ الْحَسَنِ ضَعِيفَةٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ عَدَدِ الْأَيَّامِ وَاللَّيَالِي مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُنْقَصَ عَنْهُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ أَقَلُّهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَأَكْثَرُهُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِفَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْش دَمُ الْحَيْضِ أَسْوَدُ يُعْرَفُ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَامْسِكِي عَنْ الصَّلَاةِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ قَالَ النَّوَوِيُّ وَهَذِهِ الصِّفَةُ مَوْجُودَةٌ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ وَلَنَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَقَلُّ الْحَيْضِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَأَكْثَرُهُ عَشْرَةُ أَيَّامٍ» هَكَذَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا وَخَرَّجَهُ الزَّيْلَعِيُّ الْمُخَرَّجُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ وَوَائِلَةَ وَمُعَاذٍ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَعَائِشَةَ بِطُرُقٍ ضَعِيفَةٍ وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِيهَا قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بَعْدَ سَرْدِهَا فَهَذِهِ عِدَّةُ أَحَادِيثَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُتَعَدِّدَةِ الطُّرُقِ وَذَلِكَ يَرْفَعُ الضَّعِيفَ إلَى الْحَسَنِ، وَالْمُقَدَّرَاتُ الشَّرْعِيَّةُ مِمَّا لَا تُدْرَكُ بِالرَّأْيِ فَالْمَوْقُوفُ فِيهَا حُكْمُهُ الرَّفْعُ بَلْ تَسْكُنُ النَّفْسُ بِكَثْرَةِ مَا رُوِيَ فِيهِ عَنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ إلَى أَنَّ الْمَرْفُوعَ مِمَّا أَجَادَ فِيهِ ذَلِكَ الرَّاوِي الضَّعِيفُ وَبِالْجُمْلَةِ فَلَهُ أَصْلٌ فِي الشَّرْعِ بِخِلَافِ قَوْلِهِمْ أَكْثَرُهُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لَمْ نَعْلَمْ فِيهِ حَدِيثًا حَسَنًا وَلَا ضَعِيفًا   [منحة الخالق] لَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ وَإِيَاسٍ؛ لِأَنَّ مَا تَرَاهُ الْآيِسَةُ أَيْ الَّتِي بَلَغَتْ خَمْسًا وَخَمْسِينَ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ لَيْسَ حَيْضًا وَأَجَابَ مُنْلَا خُسْرو بِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَلَا وَجْهَ لِإِدْخَالِهِ فِي الْحَدِّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 وَإِنَّمَا تَمَسَّكُوا فِيهِ بِمَا رَوَوْهُ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ فِي صِفَةِ النِّسَاءِ «تَمْكُثُ إحْدَاكُنَّ شَطْرَ عُمْرِهَا لَا تُصَلِّي» وَهُوَ لَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: إنَّهُ لَمْ يَجِدْهُ وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ هَذَا حَدِيثٌ لَا يُعْرَفُ وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ. اهـ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ إنَّهُ حَدِيثٌ بَاطِلٌ لَا يُعْرَفُ، وَإِنَّمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ «تَمْكُثُ اللَّيَالِيَ مَا تُصَلِّي» اهـ. وَاحْتَجَّ الطَّحَاوِيُّ لِلْمَذْهَبِ بِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ «إذْ سَأَلَتْ عَنْ الْمَرْأَةِ تُهْرَاقُ الدِّمَاءَ فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِتَنْظُرْ عَدَدَ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ الَّتِي كَانَتْ تَحِيضُهُنَّ مِنْ الشَّهْرِ فَلْتَتْرُكْ قَدْرَ ذَلِكَ مِنْ الشَّهْرِ، ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي» فَأَجَابَهَا بِذِكْرِ عَدَدِ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْأَلَهَا عَنْ مِقْدَارِ حَيْضِهَا قَبْلَ ذَلِكَ وَأَكْثَرُ مَا يَتَنَاوَلُهُ الْأَيَّامُ عَشَرَةٌ وَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ. اهـ. وَأَمَّا مَا اسْتَدَلُّوا بِهِ عَلَى أَقَلِّهِ فَلَا دَلِيلَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ أَنْ تَكُونَ الصِّفَةُ مَوْجُودَةً فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ جَازَ وُجُودُهَا فِيمَا دُونَهُ فَلِمَ لَمْ يَجْعَلْهُ حَيْضًا. (قَوْلُهُ: فَمَا نَقَصَ مِنْ ذَلِكَ أَوْ زَادَ اسْتِحَاضَةٌ) أَيْ مَا نَقَصَ مِنْ الْأَقَلِّ أَوْ زَادَ عَلَى الْأَكْثَرِ فَهُوَ اسْتِحَاضَةٌ؛ لِأَنَّ هَذَا الدَّمَ إمَّا أَنْ يَكُونَ دَمَ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ أَوْ اسْتِحَاضَةٍ فَانْتَفَى الْأَوَّلَانِ فَتَعَيَّنَ الثَّالِثُ وَلِأَنَّ تَقْدِيرَ الشَّرْعِ يَمْنَعُ إلْحَاقَ غَيْرِهِ بِهِ (قَوْلُهُ: وَمَا سِوَى الْبَيَاضِ الْخَالِصِ حَيْضٌ) . [كَيْفِيَّة الْحَيْض] لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ كَمِّيَّتِهِ شَرَعَ فِي بَيَانِ كَيْفِيَّتِهِ اعْلَمْ أَنَّ أَلْوَانَ الدِّمَاءِ سِتَّةٌ: السَّوَادُ وَالْحُمْرَةُ وَالصُّفْرَةُ وَالْكُدْرَةُ وَالْخُضْرَةُ وَالتُّرَبِيَّةُ وَهِيَ الَّتِي عَلَى لَوْنِ التُّرَابِ نَوْعٌ مِنْ الْكُدْرَةِ وَهِيَ نِسْبَةٌ إلَى التُّرْبِ بِمَعْنَى التُّرَابِ، وَيُقَالُ تُرَبِيَّةٌ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَتَخْفِيفِهَا بِغَيْرِ هَمْزَةٍ وَتَرِيبَةٌ مِثْلُ تَرِيعَةٍ وَتَرْبِيَةٌ بِوَزْنِ تَرْعِيَةٍ وَقِيلَ هِيَ مِنْ الرِّئَةِ؛ لِأَنَّهَا عَلَى لَوْنِهَا، كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَيُقَالُ أَيْضًا التُّرَابِيَّةُ وَكُلُّ هَذِهِ الْأَلْوَانُ حَيْضٌ فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ إلَى أَنْ تَرَى الْبَيَاضَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا تَكُونُ الْكُدْرَةُ حَيْضًا إذَا رَأَتْهَا فِي أَوَّلِ أَيَّامِ الْحَيْضِ وَإِذَا رَأَتْهَا فِي آخِرِهَا تَكُونُ حَيْضًا؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ دَمَ رَحِمٍ لَتَأَخَّرَتْ عَنْ الصَّافِي، وَلَهُمَا مَا رُوِيَ عَنْ مَوْلَاةِ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ النِّسَاءُ يَبْعَثْنَ إلَى عَائِشَةَ بِالدُّرْجَةِ الَّتِي فِيهَا الْكُرْسُفُ فِيهِ الصُّفْرَةُ مِنْ دَمِ الْحَيْضِ لِتَنْظُرَ إلَيْهِ فَتَقُولُ لَا تَعْجَلْنَ حَتَّى تَرَيْنَ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ تُرِيدُ بِذَلِكَ الطُّهْرَ مِنْ الْحَيْضِ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ وَالْقَصَّةُ بِفَتْحِ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا بِصِيغَةِ الْجَزْمِ فَصَحَّ بِهَذَا اللَّفْظِ عَنْ عَائِشَةَ. وَذَكَرَ فِي الصَّحِيحِ وَالسُّنَنِ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ كُنَّا لَا نَعُدُّ الْكُدْرَةَ وَالصُّفْرَةَ بَعْدَ الطُّهْرِ شَيْئًا وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمَا فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ حَيْضٌ؛ لِأَنَّهَا قَيَّدَتْ بِمَا بَعْدَ الطُّهْرِ وَفِي التَّجْنِيسِ امْرَأَةٌ رَأَتْ بَيَاضًا خَالِصًا عَلَى الْخِرْقَةِ مَا دَامَ رَطْبًا فَإِذَا يَبِسَ اصْفَرَّ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْبَيَاضِ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ حَالُ الرُّؤْيَةِ لَا حَالَةُ التَّغَيُّرِ بَعْدَ ذَلِكَ. اهـ. وَكَذَا لَوْ رَأَتْ حُمْرَةً أَوْ صُفْرَةً فَإِذَا يَبِسَتْ أَبْيَضَّتْ يُعْتَبَرُ حَالَةُ الرُّؤْيَةِ لَا حَالَةُ التَّغَيُّرِ بَعْدَ ذَلِكَ. اهـ. وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ أَنْكَرَ الْخُضْرَةَ فَقَالَ لَعَلَّهَا أَكَلَتْ قَصِيلًا اسْتِبْعَادًا لَهَا قُلْنَا هِيَ نَوْعٌ مِنْ الْكُدْرَةِ وَلَعَلَّهَا أَكَلَتْ نَوْعًا مِنْ الْبُقُولِ وَفِي الْهِدَايَةِ، وَأَمَّا الْخُضْرَةُ فَالصَّحِيحُ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ يَكُونُ حَيْضًا وَيَحْمِلُ عَلَى فَسَادِ الْغِذَاءِ، وَإِنْ كَانَتْ آيِسَةً لَا تَرَى غَيْرَ الْخُضْرَةِ يَحْمِلُ عَلَى فَسَادِ الْمَنْبَتِ فَلَا يَكُونُ حَيْضًا. اهـ. وَفِي الْبَدَائِعِ قَالَ بَعْضُهُمْ الْكُدْرَةُ وَالتُّرْبَةُ وَالصُّفْرَةُ وَالْخُضْرَةُ إنَّمَا تَكُونُ حَيْضًا عَلَى الْإِطْلَاقِ مِنْ غَيْرِ الْعَجَائِزِ، أَمَّا فِي الْعَجَائِزِ فَيُنْظَرُ إنْ وَجَدَتْهَا عَلَى الْكُرْسُفِ وَمُدَّةُ الْوَضْعِ قَرِيبَةٌ فَهِيَ حَيْضٌ، وَإِنْ كَانَتْ مُدَّةُ الْوَضْعِ طَوِيلَةً لَمْ تَكُنْ حَيْضًا؛ لِأَنَّ رَحِمَ الْعَجُوزِ يَكُونُ مُنْتِنًا فَيَتَغَيَّرُ الْمَاءُ فِيهِ لِطُولِ الْمُكْثِ وَمَا عَرَفْت الْجَوَابَ فِي هَذِهِ الْأَبْوَابِ مِنْ الْحَيْضِ فَهُوَ الْجَوَابُ فِيهَا فِي النِّفَاسِ؛ لِأَنَّهَا أُخْتُ الْحَيْضِ. اهـ. وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى فَخْرِ الْأَئِمَّةِ لَوْ أَفْتَى مُفْتٍ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ فِي مَوَاضِعِ الضَّرُورَةِ طَلَبًا لِلتَّيْسِيرِ كَانَ حَسَنًا اهـ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَمُقْتَضَى الْمَرْوِيِّ فِي الْمُوَطَّإِ وَالْبُخَارِيِّ أَنَّ مُجَرَّدَ الِانْقِطَاعِ دُونَ رُؤْيَةِ الْقَصَّةِ لَا يَجِبُ مَعَهُ أَحْكَامُ الطَّاهِرَاتِ وَكَلَامُ الْأَصْحَابِ فِيمَا يَأْتِي كُلُّهُ بِلَفْظِ الِانْقِطَاعِ حَيْثُ يَقُولُونَ   [منحة الخالق] [أَقَلُّ الْحَيْضِ] (قَوْلُهُ: أَكَلَتْ قَصِيلًا إلَخْ) الْقَصِيلُ زَرْعٌ أَخْضَرُ مَقْطُوعٌ قَبْلَ أَوَانِهِ يُقَالُ قَصَلْت الدَّابَّةَ أَيْ عَلَفْتهَا الْقَصِيلَ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَتْ آيِسَةً لَا تُرَى غَيْرَ الْخَضِرَةِ) قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ كَوْنُهَا لَا تَرَى غَيْرَهَا لَيْسَ بِقَيْدٍ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ حُسَامُ الدِّينِ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُ أَوَّلَ الْبَابِ مِنْ أَنَّ الشَّرْطَ فِي نَفْيِ كَوْنِ مَا تَرَاهُ حَيْضًا أَنْ لَا تَرَى الدَّمَ الْخَالِصَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 وَإِذَا انْقَطَعَ دَمُهَا فَكَذَا، مَعَ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ انْقِطَاعٌ بِجَفَافٍ مِنْ وَقْتٍ إلَى وَقْتٍ ثُمَّ تَرَى الْقَصَّةَ، فَإِنْ كَانَتْ الْغَايَةُ الْقَصَّةَ لَمْ تَجِبْ تِلْكَ الصَّلَاةُ، وَإِنْ كَانَ الِانْقِطَاعُ عَلَى سَائِرِ الْأَلْوَانِ وَجَبَتْ وَأَنَا مُتَرَدِّدٌ فِيمَا هُوَ الْحُكْمُ عِنْدَهُمْ بِالنَّظَرِ إلَى دَلِيلِهِمْ وَعِبَارَاتُهُمْ فِي إعْطَاءِ الْأَحْكَامِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَرَأَيْت فِي مَرْوِيِّ عَبْدِ الْوَهَّابِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ رَيْطَةَ مَوْلَاةِ عَمْرَةَ عَنْ عَمْرَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ لِلنِّسَاءِ إذَا أَدْخَلَتْ إحْدَاكُنَّ الْكُرْسُفَ فَخَرَجَتْ مُتَغَيِّرَةً فَلَا تُصَلِّي حَتَّى لَا تَرَى شَيْئًا وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْغَايَةَ الِانْقِطَاعُ. اهـ. ، وَقَدْ يُقَالُ هَذَا التَّرَدُّدُ لَا يَتِمُّ إلَّا إذَا فُسِّرَتْ الْقَصَّةُ بِأَنَّهَا بَيَاضٌ مُمْتَدٌّ كَالْخَيْطِ، وَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِهِمْ ضَعْفُ هَذَا التَّفْسِيرِ فَقَدْ قَالَ فِي الْمُغْرِبِ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْنَاهُ أَنْ تَخْرُجَ الْقُطْنَةُ أَوْ الْخِرْقَةُ الَّتِي تَحْتَشِي بِهَا الْمَرْأَةُ كَأَنَّهَا قَصَّةٌ لَا تُخَالِطُهَا صُفْرَةٌ وَلَا تُرَبِيَّةٌ، وَيُقَالُ: إنَّ الْقَصَّةُ شَيْءٌ كَالْخَيْطِ الْأَبْيَضِ يَخْرُجُ بَعْدَ انْقِطَاعِ الدَّمِ كُلِّهِ وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ انْتِفَاءُ اللَّوْنِ وَأَنْ لَا يَبْقَى مِنْهُ أَثَرٌ أَلْبَتَّةَ فَضُرِبَ رُؤْيَةُ الْقَصَّةِ مَثَلًا لِذَلِكَ؛ لِأَنَّ رَائِيَ الْقَصَّةَ غَيْرُ رَائِي شَيْءٍ مِنْ سَائِرِ أَلْوَانِ الْحَائِضِ. اهـ. فَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْقَصَّةَ مَجَازٌ عَنْ الِانْقِطَاعِ وَأَنَّ تَفْسِيرَهَا بِأَنَّهَا شَيْءٌ كَالْخَيْطِ ذَكَرَهُ بِصِيغَةِ يُقَالُ الدَّالَّةُ عَلَى التَّمْرِيضِ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الِانْقِطَاعُ آخِرُ الْحَدِيثِ وَهُوَ قَوْلُهُ تُرِيدُ بِذَلِكَ الطُّهْرَ مِنْ الْحَيْضِ، فَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّ دَلِيلَهُمْ مُوَافِقٌ لِعِبَارَاتِهِمْ كَمَا لَا يَخْفَى وَفِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ ثُمَّ وَضْعُ الْكُرْسُفِ مُسْتَحَبٌّ لِلْبِكْرِ فِي الْحَيْضِ وَلِلثَّيِّبِ فِي كُلِّ حَالٍ وَمَوْضِعُهُ مَوْضِعُ الْبَكَارَةِ وَيُكْرَهُ فِي الْفَرْجِ الدَّاخِلِ. اهـ. وَفِي غَيْرِهِ أَنَّهُ سُنَّةٌ لِلثَّيِّبِ حَالَةَ الْحَيْضِ مُسْتَحَبَّةٌ حَالَةَ الطُّهْرِ وَلَوْ صَلَّتَا بِغَيْرِ كُرْسُفٍ جَازَ. (قَوْلُهُ: يَمْنَعُ صَلَاةً وَصَوْمًا) شُرُوعٌ فِي بَيَانِ أَحْكَامِهِ فَذَكَرَ بَعْضَهَا وَلَا بَأْسَ بِبَيَانِهَا، فَنَقُولُ: إنَّ الْحَيْضَ يَتَعَلَّقُ بِهِ أَحْكَامٌ: أَحَدُهَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الطَّهَارَةِ، وَأَمَّا أَغْسَالُ الْحَجِّ فَإِنَّهَا تَأْتِي بِهَا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا التَّنْظِيفُ لَا الطَّهَارَةُ، وَأَمَّا تَحْرِيمُ الطَّهَارَةِ عَلَيْهَا فَمَنْقُولٌ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ لِلنَّوَوِيِّ، وَأَمَّا أَئِمَّتُنَا فَقَالُوا: إنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهَا أَنْ تَتَوَضَّأَ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ وَتَقْعُدَ عَلَى مُصَلَّاهَا تُسَبِّحُ وَتُهَلِّلُ وَتُكَبِّرُ وَفِي رِوَايَةٍ يُكْتَبُ لَهَا ثَوَابُ أَحْسَنِ صَلَاةٍ كَانَتْ تُصَلِّي وَصَحَّحَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّهَا تَجْلِسُ مِقْدَارَ أَدَاءِ فَرْضِ الصَّلَاةِ كَيْ لَا تَنْسَى الْعَادَةَ. الثَّانِي: يَمْنَعُ وُجُوبَ الصَّلَاةِ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي الْكِتَابِ وَظَاهِرُ مَا فِي الْقُدُورِيِّ أَيْضًا فَإِنَّهُ قَالَ: وَالْحَيْضُ يُسْقِطُ. فَأَفَادَ ظَاهِرًا عَدَمَ تَعَلُّقِ أَصْلِ الْوُجُوبِ بِهَا وَهَذَا لِأَنَّ تَعَلُّقَهُ يَسْتَتْبِعُ فَائِدَتَهُ، وَهِيَ إمَّا الْأَدَاءُ أَوْ الْقَضَاءُ وَالْأَوَّلُ مُنْتَفٍ لِقِيَامِ الْحَدَثِ مَعَ الْعَجْزِ عَنْ رَفْعِهِ وَالثَّانِي كَذَلِكَ فَضْلًا مِنْهُ تَعَالَى دَفْعًا لِلْحَرَجِ اللَّازِمِ بِإِلْزَامِ الْقَضَاءِ لِتَضَاعُفِ الْوَاجِبَاتِ خُصُوصًا فِيمَنْ عَادَتُهَا أَكْثَرُهُ فَانْتَفَى الْوُجُوبُ لِانْتِفَاءِ فَائِدَتِهِ لَا لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهَا لِلْخِطَابِ، وَلِذَا تَعَلَّقَ بِهَا خِطَابُ الصَّوْمِ لِعَدَمِ الْحَرَجِ إذْ غَايَةُ مَا تَقْضِي فِي السَّنَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا إذَا كَانَ حَيْضُهَا عَشَرَةً، وَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَنَّ قَوْلَهُ يُسْقِطُ يَقْتَضِي سَابِقَةَ الْوُجُوبِ عَلَيْهَا وَيَقُولُونَ   [منحة الخالق] [مَا يَمْنَعهُ الْحَيْض] (قَوْلُهُ: وَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ إلَخْ) قَالَ الْعَلَّامَةُ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ النَّابُلُسِيُّ فِي شَرْحِ الدُّرَرِ وَالْغُرَرِ فِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ يُفِيدُ ظَاهِرٌ إلَخْ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّ السُّقُوطَ مُقْتَضَاهُ سَبْقُ تَكْلِيفٍ بِهِ وَلَوْ قَالَ الْمُرَادُ بِالتَّكْلِيفِ السَّابِقِ الَّذِي سَقَطَ هُوَ مَا كَانَ قَبْلَ وُجُودِ الْعُذْرِ لَكَانَ وَجْهُهُ ظَاهِرًا وَعَلَيْهِ يَتَسَاوَى الْمَنْعُ مَعَ السُّقُوطِ فَلْيُتَأَمَّلْ، وَأَمَّا حِكَايَةُ النَّوَوِيِّ الْإِجْمَاعَ فَلَا تَرِدُ عَلَى أَبِي زَيْدٍ فَإِنَّهُ سَابِقٌ عَلَى النَّوَوِيِّ فَإِنَّهُ تُوُفِّيَ سَنَةَ 435 وَالنَّوَوِيُّ مَوْلِدُهُ فِي الْمُحَرَّمِ سَنَةَ 631 بَلْ اخْتِيَارُهُ وَالْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ وَارِدٌ عَلَى الْإِجْمَاعِ إنْ لَمْ يُرِدْ بِهِ الْمَذْهَبِيَّ. اهـ. كَذَا نَقَلَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ وَقَالَ بَعْدَهُ قُلْت الَّذِي حَكَاهُ النَّوَوِيُّ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ فَلَا يَصِحُّ حَمْلُهُ عَلَى الْمَذْهَبِيِّ، قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ الْحَيْضَ يُحَرِّمُ عَلَيْهَا الصَّلَاةَ فَرْضَهَا وَنَفْلَهَا وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهَا فَرْضُ الصَّلَاةِ فَلَا تَقْضِي إذَا طَهُرَتْ. اهـ. أَقُولُ: ثُمَّ قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ الْمُرَادُ بِالتَّكْلِيفِ السَّابِقِ إلَخْ قَدْ يُقَالُ: إنَّهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ بَلْ الظَّاهِرُ مَا قَالَهُ الْمُؤَلِّفُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ ذَلِكَ لَمَا شَمَلَ الْمُبْتَدِأَةَ بِالْحَيْضِ إذْ لَا وُجُوبَ عَلَيْهَا قَبْلَهُ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّهُ بِنَاءٌ عَلَى الْغَالِبِ وَلَعَلَّهُ لَمَّا قُلْنَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ هَذَا، وَقَدْ دَفَعَ فِي النَّهْرِ الْمُنَافَاةَ مِنْ أَصْلِهَا فَقَالَ وَكَوْنُ عِبَارَةِ الْقُدُورِيِّ ظَاهِرَةً فِيمَا قَالَ تَبِعَ فِيهِ صَاحِبَ الْفَتْحِ وَلِقَائِلٍ مَنْعُهُ إذْ سُقُوطُ الشَّيْءِ فَرْعُ وُجُودِهِ، وَحِكَايَةُ الْإِجْمَاعِ لَا تُنَافِي مَا قَالَهُ الدَّبُوسِيُّ فِي أُصُولِهِ إذْ السُّقُوطُ قَدْرٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ لَكِنْ هَلْ بَعْدَ تَعَلُّقِ الْوُجُوبِ أَمْ لَا فَظَاهِرٌ أَنَّ الْخِلَافَ لَفْظِيٌّ إلَّا أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُخْتَلَفَ فِي سُقُوطِ الْوُجُوبِ فِيمَا لَوْ طَرَأَ عَلَيْهَا بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ. اهـ. وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ اخْتَلَفَ فِيهَا الْأُصُولِيُّونَ وَهِيَ أَنَّ الْأَحْكَامَ هَلْ هِيَ ثَابِتَةٌ عَلَى الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالْحَائِضِ أَمْ لَا؟ اخْتَارَ أَبُو زَيْدٍ الدَّبُوسِيُّ أَنَّهَا ثَابِتَةٌ وَالسُّقُوطُ بِعُذْرِ الْحَرَجِ قَالَ: لِأَنَّ الْآدَمِيَّ أَهْلٌ لِإِيجَابِ الْحُقُوقِ عَلَيْهِ وَكَلَامُ الشَّيْخِ يَعْنِي الْقُدُورِيَّ بِنَاءً عَلَى هَذَا، وَقَالَ الْبَزْدَوِيُّ كُنَّا عَلَى هَذَا مُدَّةً ثُمَّ تَرَكْنَاهُ وَقُلْنَا بِعَدَمِ الْوُجُوبِ. اهـ. وَظَاهِرُ كَلَامِ النَّهْرِ إبْقَاءُ كَلَامِ الْقُدُورِيِّ عَلَى مَا يَتَبَادَرُ مِنْهُ كَمَا حَمَلَهُ عَلَيْهِ فِي السِّرَاجِ وَغَيْرِهِ وَأَنَّهُ مَعَ هَذَا لَا يُنَافِي الْإِجْمَاعَ الَّذِي نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ؛ لِأَنَّ السُّقُوطَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّهُ قَالَ: إنَّ سُقُوطَ الشَّيْءِ فَرْعُ وُجُودِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَأْوِيلِهِ السُّقُوطَ فِي عِبَارَةِ النَّوَوِيِّ بِالِانْتِفَاءِ كَمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 أَنَّهُ قَوْلُ أَبِي زَيْدٍ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ لَا يَجِبُ، وَقَدْ نَقَلَ النَّوَوِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَى سُقُوطِ وُجُوبِ الصَّلَاةِ عَنْهَا. الثَّالِثُ: يُحَرِّمُهَا. الرَّابِعُ: يَمْنَعُ صِحَّتَهَا. الْخَامِسُ: يُحَرِّمُ الصَّوْمَ. السَّادِسُ - يَمْنَعُ صِحَّتَهُ. وَأَمَّا أَنَّهُ يَمْنَعُ وُجُوبَهُ فَلَا لِمَا قَدَّمْنَا وَسَيَأْتِي إيضَاحُهُ. السَّابِعُ: يُحَرِّمُ مَسَّ الْمُصْحَفِ وَحَمْلَهُ. الثَّامِنُ: يُحَرِّمُ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ. التَّاسِعُ: يُحَرِّمُ دُخُولَ الْمَسْجِدِ. الْعَاشِرُ: يُحَرِّمُ سُجُودَ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ وَيَمْنَعُ صِحَّتَهُ. الْحَادِيَ عَشَرَ: يُحَرِّمُ الِاعْتِكَافَ. الثَّانِيَ عَشَرَ: يَمْنَعُ صِحَّتَهُ. الثَّالِثَ عَشَرَ: يُفْسِدُهُ إذَا طَرَأَ عَلَيْهِ. الرَّابِعَ عَشَرَ: يُحَرِّمُ الطَّوَافَ مِنْ جِهَتَيْنِ دُخُولِ الْمَسْجِدِ وَتَرْكِ الطَّهَارَةِ لَهُ. لَكِنْ لَا يَمْنَعُ صِحَّتَهُ كَمَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِنَا فَانْدَفَعَ بِهِ مَا نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ مِنْ نَقْلِ الْإِجْمَاعِ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ طَوَافِهَا مُطْلَقًا. الْخَامِسَ عَشَرَ: يَمْنَعُ وُجُوبَ طَوَافِ الصَّدْرِ. السَّادِسَ عَشَرَ: يُحَرِّمُ الْوَطْءَ وَمَا هُوَ فِي حُكْمِهِ. السَّابِعَ عَشَرَ: يُحَرِّمُ الطَّلَاقَ. الثَّامِنَ عَشَرَ: تَبْلُغُ بِهِ الصَّبِيَّةُ. التَّاسِعَ عَشَرَ: يَتَعَلَّقُ بِهِ انْقِضَاءُ الْعِدَّةِ. الْعِشْرُونَ: يَتَعَلَّقُ بِهِ الِاسْتِبْرَاءُ. الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ: يُوجِبُ الْغُسْلَ بِشَرْطِ الِانْقِطَاعِ عَلَى مَا حَقَّقْنَاهُ. الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ: لَا يَقْطَعُ التَّتَابُعَ فِي صَوْمِ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ وَالْفِطْرِ بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَنَحْوِهَا حَيْثُ تُقْطَعُ عَلَى مَا حَقَّقَهُ الْإِمَامُ الدَّبُوسِيُّ فِي التَّقْوِيمِ وَهَذِهِ الْأَحْكَامُ كُلُّهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِالنِّفَاسِ إلَّا خَمْسَةً: وَهِيَ انْقِضَاءُ الْعِدَّةِ وَالِاسْتِبْرَاءُ وَالْحُكْمُ بِبُلُوغِهَا وَالْفَصْلُ بَيْنَ طَلَاقَيْ السُّنَّةِ وَالْبِدْعَةِ وَعَدَمُ قَطْعِ التَّتَابُعِ فِي الصَّوْمِ فَإِنَّ هَذِهِ مُخْتَصَّةٌ بِالْحَيْضِ فَظَهَرَ بِمَا قَرَّرْنَاهُ أَنَّ مَا فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَنَّ أَحْكَامَ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ اثْنَا عَشَرَ ثَمَانِيَةٌ مُشْتَرَكَةٌ وَأَرْبَعَةٌ مُخْتَصَّةٌ بِالْحَيْضِ لَيْسَ بِجَامِعٍ. ثُمَّ هَذِهِ الْأَحْكَامُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا مِنْهَا مَا يَتَعَلَّقُ بِبُرُوزِ الدَّمِ عَلَى الْمَذْهَبِ الْمُخْتَارِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بِالْإِحْسَاسِ وَمِنْهَا مَا يَتَعَلَّقُ بِنِصَابِ الْحَيْضِ لَكِنْ يَسْتَنِدُ إلَى ابْتِدَائِهِ وَمِنْهَا مَا يَتَعَلَّقُ بِانْقِضَائِهِ فَالثَّانِي هُوَ الْحُكْمُ بِبُلُوغِهَا وَوُجُوبُ الْغُسْلِ وَالثَّالِثُ هُوَ انْقِضَاءُ الْعِدَّةِ وَالِاسْتِبْرَاءُ وَبَقِيَّةُ الْأَحْكَامِ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْقِسْمِ الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ: فَتَقْضِيهِ دُونَهَا) أَيْ فَتَقْضِي الصَّوْمَ لُزُومًا دُونَ الصَّلَاةِ لِمَا فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ «عَنْ مُعَاذَةَ قَالَتْ سَأَلْت عَائِشَةَ فَقُلْت مَا بَالُ الْحَائِضِ تَقْضِي الصَّوْمَ وَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ فَقَالَتْ أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ قُلْت لَسْت بِحَرُورِيَّةٍ وَلَكِنِّي أَسْأَلُ قَالَتْ كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ وَلَا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ» وَعَلَيْهِ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ وَلِأَنَّ فِي قَضَاءِ الصَّلَاةِ حَرَجًا بِتَكَرُّرِهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ وَتَكَرُّرِ الْحَيْضِ فِي كُلِّ شَهْرٍ بِخِلَافِ الصَّوْمِ حَيْثُ يَجِبُ فِي السَّنَةِ شَهْرًا وَاحِدًا وَالْمَرْأَةُ لَا تَحِيضُ عَادَةً فِي الشَّهْرِ إلَّا مَرَّةً فَلَا حَرَجَ، وَإِنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهَا قَضَاءُ الصَّوْمِ، وَإِنْ نَفِسَتْ رَمَضَانَ كُلَّهُ؛ لِأَنَّ وُجُودَهُ فِي رَمَضَانَ كُلَّهُ نَادِرٌ فَلَا يُعْتَبَرُ. وَذَكَرَ فِي آخِرِ الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّ حِكْمَتَهُ أَنَّ حَوَّاءَ لَمَّا رَأَتْ الدَّمَ أَوَّلَ مَرَّةٍ سَأَلَتْ آدَمَ فَقَالَ لَا أَعْلَمُ فَأُوحِيَ إلَيْهِ أَنْ تَتْرُكَ الصَّلَاةَ فَلَمَّا طَهُرَتْ سَأَلَتْهُ فَقَالَ لَا أَعْلَمُ فَأُوحِيَ إلَيْهِ أَنْ لَا قَضَاءَ عَلَيْهَا، ثُمَّ رَأَتْهُ فِي وَقْتِ الصَّوْمِ فَسَأَلَتْهُ فَأَمَرَهَا بِتَرْكِ الصَّوْمِ وَعَدَمِ قَضَائِهِ قِيَاسًا عَلَى الصَّلَاةِ فَأَمَرَهَا اللَّهُ تَعَالَى بِقَضَاءِ الصَّوْمِ مِنْ قِبَلِ أَنَّ آدَمَ أَمَرَهَا بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ أَنَّ سَبَبَ قَضَائِهِ تَرْكُ حَوَّاءَ السُّؤَالَ لَهُ وَقِيَاسُهَا الصَّوْمَ عَلَى الصَّلَاةِ فَجُوزِيَتْ بِقَضَائِهِ بِسَبَبِ تَرْكِ السُّؤَالِ، فَإِنْ قِيلَ إنَّهَا غَيْرُ مُخَاطَبَةٍ بِالصَّوْمِ حَالَ حَيْضِهَا لِحُرْمَتِهِ عَلَيْهَا فَكَيْفَ يَجِبُ عَلَيْهَا الْقَضَاءُ وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا الْأَدَاءُ قُلْنَا: أَمَّا مَنْ قَالَ مِنْ مَشَايِخِنَا وَغَيْرِهِمْ بِأَنَّ الْقَضَاءَ يَجِبُ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ فَلَا إشْكَالَ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ مِنْ مَشَايِخِنَا أَنَّ الْقَضَاءَ يَجِبُ بِمَا يَجِبُ بِهِ الْأَدَاءُ فَانْعِقَادُ السَّبَبِ يَكْفِي لِوُجُوبِ الْقَضَاءِ، وَإِنْ لَمْ تُخَاطَبْ بِالْأَدَاءِ وَهَلْ يُكْرَهُ لَهَا قَضَاءُ الصَّلَاةِ لَمْ أَرَهُ صَرِيحًا وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ خِلَافَ الْأَوْلَى كَمَا لَا يَخْفَى. وَالْحَرُورِيَّةُ فِرْقَةٌ مِنْ الْخَوَارِجِ   [منحة الخالق] فَعَلَهُ الْمُؤَلِّفُ لِيَصِحَّ نَقْلُ الْإِجْمَاعِ وَإِلَّا فَظَاهِرٌ أَنَّهُ كَقَوْلِ الدَّبُوسِيِّ فَقَوْلُهُ إذْ السُّقُوطُ قَدْرٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ إلَخْ إنْ لَمْ يُؤَوَّلْ بِالِانْتِفَاءِ فَهُوَ مَمْنُوعٌ قَطْعًا فَظَهَرَ أَنَّ السُّقُوطَ مَعْنَاهُ الِانْتِفَاءُ فِي عِبَارَتَيْ الْقُدُورِيِّ وَالنَّوَوِيِّ وَأَنَّهُ لَا دَاعِيَ إلَى حَمْلِ عِبَارَةِ الْقُدُورِيِّ عَلَى قَوْلِ أَبِي زَيْدٍ إذْ هُوَ قَوْلٌ رَدَّهُ الْمُحَقِّقُونَ بِأَنَّ فِيهِ إخْلَالًا لِإِيجَابِ الشَّرْعِ عَنْ الْفَائِدَةِ فِي الدُّنْيَا وَهِيَ تَحَقُّقُ مَعْنَى الِابْتِلَاءِ وَفِي الْآخِرَةِ وَهِيَ الْجَزَاءُ وَبِأَنَّ الصَّبِيَّ لَوْ كَانَ ثَابِتًا عَلَيْهِ ثُمَّ سَقَطَ لِدَفْعِ الْحَرَجِ لَكَانَ يَنْبَغِي إذَا أَدَّى أَنْ يَكُونَ مُؤَدِّيًا لِلْوَاجِبِ كَالْمُسَافِرِ إذَا صَامَ رَمَضَانَ فِي السَّفَرِ وَحَيْثُ لَمْ يَقَعْ الْمُؤَدَّى عَنْ الْوَاجِبِ بِالِاتِّفَاقِ دَلَّ عَلَى انْتِفَاءِ الْوُجُوبِ أَصْلًا، وَقَوْلُهُ فَظَاهِرٌ أَنَّ الْخِلَافَ لَفْظِيٌّ تَبِعَ فِيهِ الْإِمَامَ السُّبْكِيَّ لَكِنَّهُ قَالَهُ فِي الصَّوْمِ قَالَ؛ لِأَنَّ تَرْكَهُ حَالَةَ الْعُذْرِ جَائِزٌ اتِّفَاقًا وَالْقَضَاءُ بَعْدَ زَوَالِهِ وَاجِبٌ اتِّفَاقًا. اهـ. وَقَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ لَكِنْ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ فَائِدَةُ الْخِلَافِ بَيْنَهُمَا كَمَا فِي الذَّخَائِرِ فِيمَا إذَا قُلْنَا: يَجِبُ التَّعَرُّضُ لِلْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ فِي النِّيَّةِ، فَإِنْ قُلْنَا بِوُجُوبِهِ عَلَيْهَا نَوَتْ الْقَضَاءَ وَإِلَّا نَوَتْ الْأَدَاءَ فَإِنَّهُ وَقْتُ تَوَجُّهِ الْخِطَابِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ نَعَمْ يَبْقَى فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إيهَامُ أَنَّ الصَّوْمَ حُكْمُهُ حُكْمُ الصَّلَاةِ مَعَ أَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهَا، وَلِذَا قَالَ فِي النَّهْرِ يَمْنَعُ صَلَاةً أَيْ حِلَّهَا لِتَنَاسُبِ الْمَعْطُوفَاتِ فَالْأَوْلَى مَا فِي الْقُدُورِيِّ وَيَحْرُمُ عَلَيْهَا الصَّوْمُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ خِلَافَ الْأَوْلَى) قَالَ فِي النَّهْرِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُمْ لَوْ غَسَلَ رَأْسَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 مَنْسُوبَةٌ إلَى حَرُورَاءَ قَرْيَةٍ بِالْكُوفَةِ كَانَ بِهَا أَوَّلُ تَحَكُّمِهِمْ وَاجْتِمَاعِهِمْ وَالْمُرَادُ أَنَّهَا فِي التَّعَمُّقِ فِي سُؤَالِهَا كَأَنَّهَا خَارِجِيَّةٌ؛ لِأَنَّهُمْ تَعَمَّقُوا فِي أَمْرِ الدِّينِ حَتَّى خَرَجُوا، كَذَا فِي الْمُغْرِبِ. (قَوْلُهُ: وَدُخُولُ مَسْجِدٍ) أَيْ يَمْنَعُ الْحَيْضَ دُخُولَ الْمَسْجِدِ وَكَذَا الْجَبَّانَةُ وَخَرَجَ بِالْمَسْجِدِ غَيْرُهُ كَمُصَلَّى الْعِيدِ وَالْجَنَائِزِ وَالْمَدْرَسَةِ وَالرِّبَاطِ فَلَا يَمْنَعَانِ مِنْ دُخُولِهَا، وَلِهَذَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ الْمُتَّخَذُ لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَالْعِيدِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ، وَاخْتَارَ فِي الْقُنْيَةِ مِنْ كِتَابِ الْوَقْفِ أَنَّ الْمَدْرَسَةَ إذَا كَانَ لَا يَمْنَعُ أَهْلُهَا النَّاسَ مِنْ الصَّلَاةِ فِي مَسْجِدِهَا فَهِيَ مَسْجِدٌ، وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ الْجَبَّانَةُ وَمُصَلَّى الْجِنَازَةِ لَهُمَا حُكْمُ الْمَسْجِدِ عِنْدَ أَدَاءِ الصَّلَاةِ حَتَّى يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الصُّفُوفُ مُتَّصِلَةً وَلَيْسَ لَهُمَا حُكْمُ الْمَسْجِدِ فِي حَقِّ الْمُرُورِ وَحُرْمَةِ الدُّخُولِ لِلْجُنُبِ وَفِنَاءُ الْمَسْجِدِ لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ فِي حَقِّ جَوَازِ الِاقْتِدَاءِ بِالْإِمَامِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الصُّفُوفُ مُتَّصِلَةً وَلَا الْمَسْجِدُ مَلْآنَ. اهـ. وَأَمَّا فِي جَوَازِ دُخُولِ الْحَائِضِ فَلَيْسَ لِلْفِنَاءِ حُكْمُ الْمَسْجِدِ فِيهِ، وَأَمَّا مَا فِي شَرْحِ الزَّاهِدِيِّ مِنْ أَنَّ سَطْحَ الْمَسْجِدِ وَظُلَّةَ بَابِهِ فِي حُكْمِهِ فَلَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ مُقَيَّدٌ فِي الظُّلَّةِ بِأَنَّهَا حُكْمُهُ فِي حَقِّ جَوَازِ الِاقْتِدَاءِ لَا فِي حُرْمَةِ الدُّخُولِ لِلْجُنُبِ وَالْحَائِضِ كَمَا لَا يَخْفَى وَقَيَّدَ صَاحِبُ الدُّرَرِ وَالْغُرَرِ الْمَنْعَ مِنْ دُخُولِهِمَا الْمَسْجِدَ بِأَنْ لَا يَكُونَ عَنْ ضَرُورَةٍ فَقَالَ وَحَرُمَ عَلَى الْجُنُبِ دُخُولُ الْمَسْجِدِ وَلَوْ لِلْعُبُورِ إلَّا لِضَرُورَةٍ كَأَنْ يَكُونَ بَابُ بَيْتِهِ إلَى الْمَسْجِدِ اهـ وَهُوَ حَسَنٌ، وَإِنْ خَالَفَ إطْلَاقَ الْمَشَايِخِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ بِكَوْنِهِ لَا يُمْكِنُهُ تَحْوِيلُ بَابِهِ إلَى غَيْرِ الْمَسْجِدِ وَلَيْسَ قَادِرًا عَلَى السُّكْنَى فِي غَيْرِهِ كَمَا لَا يَخْفَى وَإِلَّا لَمْ تَتَحَقَّقْ الضَّرُورَةُ، يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا عَنْ أَفْلَتَ عَنْ جَسْرَةَ بِنْتِ دَجَاجَةَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ «جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَوُجُوهُ بُيُوتِ أَصْحَابِهِ شَارِعَةٌ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ وَجِّهُوا هَذِهِ الْبُيُوتَ عَنْ الْمَسْجِدِ ثُمَّ دَخَلَ وَلَمْ يَصْنَعْ الْقَوْمُ شَيْئًا رَجَاءَ أَنْ تَنْزِلَ فِيهِمْ رُخْصَةٌ فَخَرَجَ إلَيْهِمْ فَقَالَ وَجِّهُوا هَذِهِ الْبُيُوتَ عَنْ الْمَسْجِدِ فَإِنِّي لَا أُحِلُّ الْمَسْجِدَ لِحَائِضٍ وَلَا جُنُبٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ الْكَبِيرِ، وَقَدْ نَقَلَ الْخَطَّابِيُّ تَضْعِيفَهُ بِسَبَبِ جَهَالَةِ أَفْلَتَ وَرَدَّ عَلَيْهِ وَدَجَاجَةُ بِكَسْرِ الدَّالِ بِخِلَافِ وَاحِدَةِ الدَّجَاجِ وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي إبَاحَتِهِ الدُّخُولَ عَلَى وَجْهِ الْعُبُورِ وَعَلَيَّ أَبِي الْيُسْرِ مِنْ أَصْحَابِنَا كَمَا فِي إبَاحَةِ الدُّخُولَ لِغَيْرِ الصَّلَاةِ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ فِي خِزَانَةِ الْفَتَاوَى وَاسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُبًا إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} [النساء: 43] بِنَاءً مِنْهُ عَلَى إرَادَةِ مَكَانِ الصَّلَاةِ بِلَفْظِ الصَّلَاةِ مَجَازًا فَيَكُونُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ قُرْبَانَ مَكَانِ الصَّلَاةِ لِلْجُنُبِ لَا حَالَ الْعُبُورِ أَوْ بِنَاءً مِنْهُ عَلَى اسْتِعْمَالِ لَفْظِ الصَّلَاةِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ فَيَكُونُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ قُرْبَانُ الصَّلَاةِ وَمَوْضِعِهَا وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا مِنْهُ عُدُولٌ عَنْ الظَّاهِرِ وَلَا مُوجِبَ لَهُ إلَّا تَوَهُّمُ لُزُومِ جَوَازِ الصَّلَاة جُنُبًا حَالَ كَوْنِهِ عَابِرَ سَبِيلٍ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَثْنًى مِنْ الْمَنْعِ الْمُغَيَّا بِالِاغْتِسَالِ وَهَذَا التَّوَهُّمُ لَيْسَ بِلَازِمٍ لِوُجُوبِ الْحُكْمِ بِأَنَّ الْمُرَادَ جَوَازُهَا حَالَ كَوْنِهِ عَابِرَ سَبِيلٍ أَيْ مُسَافِرًا بِالتَّيَمُّمِ؛ لِأَنَّ مُؤَدَّى التَّرْكِيبِ لَا تَقْرَبُوهَا جُنُبًا حَتَّى تَغْتَسِلُوا لَا حَالَ عُبُورِ السَّبِيلِ فَلَكُمْ أَنْ تَقْرَبُوهَا بِغَيْرِ اغْتِسَالٍ، وَبِالتَّيَمُّمِ يَصْدُقُ أَنَّهُ بِغَيْرِ اغْتِسَالٍ نَعَمْ مُقْتَضَى ظَاهِرِ الِاسْتِثْنَاءِ إطْلَاقُ الْقُرْبَانِ حَالَ الْعُبُورِ لَكِنْ يَثْبُتُ اشْتِرَاطُ التَّيَمُّمِ فِيهِ بِدَلِيلٍ آخَرَ وَلَيْسَ هَذَا بِبِدْعٍ فَظَهَرَ بِهَذَا أَنَّ الْمُرَادَ بِعَابِرِي السَّبِيلِ الْمُسَافِرُونَ كَمَا هُوَ مَنْقُولٌ عَنْ أَهْلِ التَّفْسِيرِ وَعَلَى هَذَا فَالْآيَةُ دَلِيلُهُمَا عَلَى مَنْعِ التَّيَمُّمِ لِلْجُنُبِ الْمُقِيمِ فِي الْمِصْرِ ظَاهِرًا، فَإِنَّهُ اسْتَثْنَى مِنْ الْمَنْعِ الْمُسَافِرِينَ فَكَانَ الْمُقِيمُ دَاخِلًا فِي الْمَنْعِ وَجَوَابُهُ مِنْ قِبَلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ خَصَّ حَالَةَ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَاءِ فِي الْمِصْرِ مِنْ الْمَنْعِ فِي الْآيَةِ كَمَا أَنَّهَا مُطْلَقَةٌ فِي الْمَرِيضِ وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى تَخْصِيصِ حَالَةِ الْقُدْرَةِ حَتَّى لَا يَتَيَمَّمُ الْمَرِيضُ الْقَادِرُ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ وَإِجْمَاعُهُمْ إنَّمَا كَانَ لِلْعِلْمِ بِأَنَّ شَرْعِيَّتَهُ لِلْحَاجَةِ إلَى الطَّهَارَةِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْمَاءِ فَإِذَا   [منحة الخالق] بَدَلَ الْمَسْحِ كُرِهَ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا مَا فِي شَرْحِ الزَّاهِدِيِّ إلَخْ) قِيلَ: يَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا لَمْ تُجْعَلْ الظُّلَّةُ جُزْءًا مِنْ الْمَسْجِدِ ابْتِدَاءً أَوْ لَمْ تُلْحَقْ بِهِ كَذَلِكَ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ حَيْثُ قَالَ: وَأَمَّا كَوْنُ ظُلَّةِ بَابِهِ فِي حُكْمِهِ فِي حَقِّ هَذَا الْحُكْمِ الَّذِي نَحْنُ بِصَدَدِ الْكَلَامِ فِيهِ فَإِنَّمَا يَتِمُّ إذَا جُعِلَتْ جُزْءًا مِنْ الْمَسْجِدِ ابْتِدَاءً أَوْ أُلْحِقَتْ بِهِ كَذَلِكَ، أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ مَعَ فَرْضِ أَنَّ الْبُقْعَةَ الْخَارِجَةَ عَنْ جُدْرَانِ الْمَسْجِدِ لَيْسَتْ مِنْهُ لِيَكُونَ مَا فِي هَوَائِهَا لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ كَمَا هُوَ الْعُرْفُ الْعَمَلِيُّ الْمُسْتَمِرُّ فِي إنْشَاءِ الْمَسْجِدِ فَلَا يَكُونُ لِهَذِهِ الظُّلَّةِ هَذَا الْحُكْمُ الَّذِي لِلْمَسْجِدِ وَإِنْ كَانَتْ فِي حُكْمِهِ فِي حَقِّ جَوَازِ الِاقْتِدَاءِ بِمَنْ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى مَا فِيهِ اهـ. (قَوْلُهُ: كَمَا فِي إبَاحَةِ الدُّخُولِ) أَيْ قَالَهُ قِيَاسًا عَلَى إبَاحَةِ الدُّخُولِ لِغَيْرِ الصَّلَاةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 تَحَقَّقَ فِي الْمِصْرِ جَازَ وَإِذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ فِي الْمَرِيضِ لَا يَجُوزُ، فَإِنْ قِيلَ فِي الْآيَةِ دَلِيلٌ حِينَئِذٍ عَلَى أَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ وَأَنْتُمْ تَأْبَوْنَهُ قُلْنَا: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مُحَصَّلَهَا لَا تَقْرَبُوهَا جُنُبًا حَتَّى تَغْتَسِلُوا إلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ فَاقْرَبُوهَا بِلَا اغْتِسَالٍ بِالتَّيَمُّمِ؛ لَا أَنَّ الْمَعْنَى فَاقْرَبُوهَا جُنُبًا بِلَا اغْتِسَالٍ بِالتَّيَمُّمِ، فَالرَّفْعُ وَعَدَمُهُ مَسْكُوتٌ عَنْهُ، ثُمَّ اُسْتُفِيدَ كَوْنُهُ رَافِعًا مِنْ خَارِجٍ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ. وَيَدُلُّ لِلْمَذْهَبِ أَيْضًا مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَا عَلِيُّ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ يُجْنِبُ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ غَيْرِي وَغَيْرَك» وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمُنْذِرِ قُلْت لِضِرَارِ بْنِ صُرَدٍ مَا مَعْنَاهُ قَالَ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ يَسْتَطْرِقُهُ جُنُبًا غَيْرِي وَغَيْرَك نَعَمْ تُعُقِّبَ تَحْسِينُ التِّرْمِذِيِّ بِأَنَّ فِي إسْنَادِهِ سَالِمَ بْنَ أَبِي حَفْصَةَ وَعَطِيَّةَ الْعَوْفِيَّ وَهُمَا ضَعِيفَانِ شِيعِيَّانِ مُتَّهَمَانِ لَكِنْ قَالَ الْحَافِظُ سِرَاجُ الدِّينِ الشَّهِيرُ بِابْنِ الْمُلَقِّنِ وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي أَكْبَرِ مَعَاجِمِهِ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ أَبِي سَلَمَةَ اهـ. وَقَالَ الْحَافِظُ بْنُ حَجَرٍ، وَقَدْ ذَكَرَ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ أَنَّ حَدِيثَ «سُدُّوا كُلَّ بَابٍ فِي الْمَسْجِدِ إلَّا بَابَ عَلِيٍّ» جَاءَ مِنْ رِوَايَاتِ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ يَرْوُونَ إلَّا بَابَ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: فَإِنْ ثَبَتَتْ رِوَايَةُ أَهْلِ الْكُوفَةِ فَالْمُرَادُ بِهَا هَذَا الْمَعْنَى، فَذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ ثُمَّ قَالَ يَعْنِي الْبَزَّارَ عَلَى أَنَّ رِوَايَاتِ أَهْلِ الْكُوفَةِ جَاءَتْ مِنْ وُجُوهٍ بِأَسَانِيدَ حِسَانٍ. وَأَخْرَجَ الْقَاضِي إسْمَاعِيلُ الْمَالِكِيُّ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ عَنْ الْمُطَّلِبِ هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْطَبٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَكُنْ أَذِنَ لِأَحَدٍ أَنْ يَمُرَّ فِي الْمَسْجِدِ وَلَا يَجْلِسَ فِيهِ وَهُوَ جُنُبٌ إلَّا عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ» ؛ لِأَنَّ بَيْتَهُ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ وَهُوَ مُرْسَلٌ قَوِيٌّ اهـ. فَقَدْ مَنَعَهُمْ مِنْ الِاجْتِيَازِ وَالْقُعُودِ وَلَمْ يَسْتَثْنِ مِنْهُمْ غَيْرَ عَلِيٍّ خُصُوصِيَّةً لَهُ كَمَا خَصَّ الزُّبَيْرَ بِإِبَاحَةِ لُبْسِ الْحَرِيرِ لَمَّا شَكَا مِنْ أَذَى الْقَمْلِ وَخَصَّ غَيْرَهُ بِغَيْرِ ذَلِكَ وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى، وَقَدْ صَرَّحَ بِهَذَا فِي خُصُوصِ مَا نَحْنُ فِيهِ فَقَدْ أَخْرَجَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْحُفَّاظِ مِنْهُمْ الْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ «كَانَ لِنَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبْوَابٌ شَارِعَةٌ فِي الْمَسْجِدِ قَالَ فَقَالَ يَوْمًا سُدُّوا هَذِهِ الْأَبْوَابَ إلَّا بَابَ عَلِيٍّ قَالَ فَتَكَلَّمَ فِي ذَلِكَ أُنَاسٌ قَالَ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أَمَرْت بِسَدِّ هَذِهِ الْأَبْوَابِ غَيْرَ بَابِ عَلِيٍّ فَقَالَ فِيهِ قَائِلُكُمْ وَإِنِّي وَاَللَّهِ مَا سَدَدْت شَيْئًا وَلَا فَتَحْته وَلَكِنِّي أُمِرْت بِشَيْءٍ فَاتَّبَعْته» وَاعْلَمْ أَنَّ فِي تَتِمَّةِ الْفَتَاوَى الصُّغْرَى وَيَسْتَوِي فِي الْمَنْعِ الْمُكْثُ أَوْ عُبُورُ آلِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَغَيْرِهِ خِلَافَ مَا قَالَهُ أَهْلُ الشِّيعَةِ إنَّهُ رَخَّصَ لِآلِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الدُّخُولَ فِي الْمَسْجِدِ لِمُكْثٍ أَوْ عُبُورٍ، وَإِنْ كَانَ جُنُبًا لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَخَّصَ لِعَلِيٍّ وَأَهْلِ بَيْتِهِ أَنْ يَمْكُثُوا فِي الْمَسْجِدِ وَإِنْ كَانُوا جُنُبًا، وَكَذَا رَخَّصَ لَهُمْ لُبْسَ الْحَرِيرِ» إلَّا أَنَّ هَذَا حَدِيثٌ شَاذٌّ لَا نَأْخُذُ بِهِ اهـ. قَالَ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الشِّيعَةُ لِأَهْلِ عَلِيٍّ فِي دُخُولِ الْمَسْجِدِ وَلُبْسِ الْحَرِيرِ اخْتِلَاقٌ مِنْهُمْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَمَّا الْحُكْمُ بِالشُّذُوذِ عَلَى التَّرْخِيصِ لِعَلِيٍّ فِي دُخُولِ الْمَسْجِدِ جُنُبًا فَفِيهِ نَظَرٌ نَعَمْ قَضَى ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي مَوْضُوعَاتِهِ عَلَى حَدِيثِ «سُدُّوا الْأَبْوَابَ الَّتِي فِي الْمَسْجِدِ إلَّا بَابَ عَلِيٍّ» بِأَنَّهُ بَاطِلٌ لَا يَصِحُّ وَهُوَ مِنْ وَضْعِ الرَّافِضَةِ، وَقَدْ دَفَعَ ذَلِكَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي الْقَوْلِ الْمُسَدَّدِ فِي الذَّبِّ عَنْ مُسْنَدٍ أَحْمَدَ وَأَفَادَ أَنَّهُ جَاءَ مِنْ طُرُقٍ مُتَظَافِرَةٍ مِنْ رِوَايَاتِ الثِّقَاتِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَدِيثَ صَحِيحٌ مِنْهَا مَا ذَكَرْنَا آنِفًا وَبَيَّنَ عَدَمَ مُعَارَضَتِهِ لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «سُدُّوا الْأَبْوَابَ الشَّارِعَةَ فِي الْمَسْجِدِ إلَّا خَوْخَةَ أَبِي بَكْرٍ» فَلْيُرَاجِعْ ذَلِكَ مَنْ رَامَ الْوُقُوفَ عَلَيْهِ. اهـ. وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ دُخُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَسْجِدَ جُنُبًا وَمُكْثَهُ فِيهِ مِنْ خَوَاصِّهِ وَذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ وَقَوَّاهُ وَفِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي، وَإِنْ احْتَلَمَ فِي الْمَسْجِدِ تَيَمَّمَ لِلْخُرُوجِ إذَا لَمْ يَخَفْ، وَإِنْ خَافَ يَجْلِسُ مَعَ التَّيَمُّمِ وَلَا يُصَلِّي وَلَا يَقْرَأُ اهـ. وَصَرَّحَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى فَاقْرَبُوهَا جُنُبًا) كَذَا فِي النُّسَخِ وَصَوَابُهُ لَا أَنَّ بِلَا النَّافِيَةِ وَأَنَّ وَكَأَنَّ الْأَلِفُ بَعْدَ لَا سَاقِطَةٌ مِنْ قَلَمِ النَّاسِخِ الْأَوَّلِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّ هَذَا التَّيَمُّمَ مُسْتَحَبٌّ وَظَاهِرُ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي التَّيَمُّمِ عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّهُ وَاجِبٌ، ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْخَوْفِ الْخَوْفُ مِنْ لُحُوقِ ضَرَرٍ بِهِ بَدَنًا أَوْ مَالًا كَأَنْ يَكُونَ لَيْلًا. (قَوْلُهُ: وَالطَّوَافَ) أَيْ وَيَمْنَعُ الْحَيْضُ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ وَكَذَا الْجَنَابَةُ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ لِعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لَمَّا حَاضَتْ بِسَرِفٍ اقْضِي مَا يَقْضِي الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَغْتَسِلِي» فَكَانَ طَوَافُهَا حَرَامًا وَلَوْ فَعَلَتْهُ كَانَتْ عَاصِيَةً مُعَاقَبَةً وَتَتَحَلَّلُ بِهِ مِنْ إحْرَامِهَا بِطَوَافِ الزِّيَارَةِ وَعَلَيْهَا بَدَنَةٌ كَطَوَافِ الْجُنُبِ كَمَا سَيَأْتِي فِي مَحَلِّهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَعَلَّلَ لِلْمَنْعِ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ بِأَنَّ الطَّوَافَ فِي الْمَسْجِدِ وَكَانَ الْأَوْلَى عَدَمُ الِاقْتِصَارِ عَلَى هَذَا التَّعْلِيلِ فَإِنَّ حُرْمَةَ الطَّوَافِ جُنُبًا لَيْسَ مَنْظُورًا فِيهِ إلَى دُخُولِ الْمَسْجِدِ بِالذَّاتِ بَلْ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ وَاجِبَةٌ فِي الطَّوَافِ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ مَسْجِدٌ حَرُمَ عَلَيْهَا الطَّوَافُ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَغَيْرِهِ. وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ حُرْمَةَ الطَّوَافِ عَلَيْهَا إنَّمَا هِيَ لِأَجْلِ كَوْنِهِ فِي الْمَسْجِدِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ الطَّوَافُ فِي الْمَسْجِدِ بَلْ خَارِجَهُ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ لِمَا عُرِفَ مِنْ أَنَّ الطَّهَارَةَ لَهُ وَاجِبَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ فَتَرْكُهَا يُوجِبُ كَرَاهَةَ التَّحْرِيمِ وَلَا يُوجِبُ التَّحْرِيمَ إلَّا تَرْكُ الْفَرْضِ وَلَوْ حَاضَتْ بَعْدَمَا دَخَلَتْ وَجَبَ عَلَيْهَا أَنْ لَا تَطُوفَ وَحَرُمَ مُكْثُهَا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ. (قَوْلُهُ: وَقُرْبَانَ مَا تَحْتَ الْإِزَارِ) أَيْ وَيَمْنَعُ الْحَيْضُ قُرْبَانَ زَوْجِهَا مَا تَحْتَ إزَارِهَا، أَمَّا حُرْمَةُ وَطْئِهَا عَلَيْهِ فَمُجْمَعٌ عَلَيْهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] وَوَطْؤُهَا فِي الْفَرْجِ عَالِمًا بِالْحُرْمَةِ عَامِدًا مُخْتَارًا كَبِيرَةٌ لَا جَاهِلًا وَلَا نَاسِيًا وَلَا مُكْرَهًا فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا التَّوْبَةُ وَالِاسْتِغْفَارُ وَهَلْ يَجِبُ التَّعْزِيرُ أَمْ لَا، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِدِينَارٍ أَوْ نِصْفِهِ وَقِيلَ بِدِينَارٍ إنْ كَانَ أَوَّلَ الْحَيْضِ وَنِصْفِهِ أَنْ وَطِئَ فِي آخِرِهِ كَأَنَّ قَائِلُهُ رَأَى أَنْ لَا مَعْنَى لِلتَّخْيِيرِ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فِي النَّوْعِ الْوَاحِدِ وَمَصْرِفُهُ مَصْرِفُ الزَّكَاةِ كَمَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَقِيلَ: إنْ كَانَ الدَّمُ أَسْوَدَ يَتَصَدَّقُ بِدِينَارٍ، وَإِنْ كَانَ أَصْفَرَ فَبِنِصْفِ دِينَارٍ، وَيَدُلُّ لَهُ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ «إذَا وَاقَعَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ وَهِيَ حَائِضٌ إنْ كَانَ دَمًا أَحْمَرَ فَلْيَتَصَدَّقْ بِدِينَارٍ، وَإِنْ كَانَ أَصْفَرَ فَلْيَتَصَدَّقْ بِنِصْفِ دِينَارٍ» وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَإِذَا أَخْبَرَتْهُ بِالْحَيْضِ قَالَ بَعْضُهُمْ: إنْ كَانَتْ فَاسِقَةً لَا يَقْبَلُ قَوْلَهَا، وَإِنْ كَانَتْ عَفِيفَةً يَقْبَلُ قَوْلَهَا وَتَرَكَ وَطْأَهَا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنْ كَانَ صِدْقُهَا مُمْكِنًا بِأَنْ كَانَتْ فِي أَوَانِ حَيْضِهَا قُبِلَتْ وَلَوْ كَانَتْ فَاسِقَةً كَمَا فِي الْعِدَّةِ وَهَذَا الْقَوْلُ أَحْوَطُ وَأَقْرَبُ إلَى الْوَرَعِ. اهـ. فَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّهَا إذَا كَانَتْ فَاسِقَةً وَلَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ صِدْقُهَا بِأَنْ كَانَتْ فِي غَيْرِ أَوَانِ حَيْضِهَا لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا اتِّفَاقًا كَمَا قَالُوا فِي إخْبَارِ الْفَاسِقِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الْعَمَلِ بِهِ أَنْ يَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ صِدْقُهُ، وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ أَنَّ الْحُرْمَةَ تَثْبُتُ بِإِخْبَارِهَا وَإِنْ كَذَّبَهَا لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ إذَا كَانَتْ عَفِيفَةً أَوْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ صِدْقُهَا بِخِلَافِ مَنْ عَلَّقَ بِهِ طَلَاقَهَا فَأَخْبَرَتْهُ بِهِ فَإِنَّهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَذَّبَهَا مُطْلَقًا لِتَقْصِيرِهِ فِي تَعْلِيقِهِ بِمَا لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ جِهَتِهَا وَهَذَا إذَا وَطِئَهَا غَيْرَ مُسْتَحِلٍّ، فَإِنْ كَانَ مُسْتَحِلًّا لَهُ فَقَدْ جَزَمَ صَاحِبُ الْمَبْسُوطِ وَالِاخْتِيَارِ وَفَتْحِ الْقَدِيرِ وَغَيْرِهِمْ بِكُفْرِهِ وَذَكَرَهُ الْقَاضِي الْإِسْبِيجَابِيُّ بِصِيغَةِ وَقِيلَ وَصَحَّحَ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ صَاحِبُ الْخُلَاصَةِ وَيُوَافِقُهُ مَا نَقَلَهُ أَيْضًا مِنْ الْفَصْلِ الثَّانِي فِي أَلْفَاظِ الْكُفْرِ مَنْ اعْتَقَدَ الْحَرَامَ حَلَالًا أَوْ عَلَى الْقَلْبِ يَكْفُرُ إذَا كَانَ حَرَامًا لِعَيْنِهِ وَثَبَتَتْ حُرْمَتُهُ بِدَلِيلٍ مَقْطُوعٍ بِهِ، أَمَّا إذَا كَانَ حَرَامًا لِغَيْرِهِ بِدَلِيلٍ مَقْطُوعٍ بِهِ أَوْ حَرَامًا لِعَيْنِهِ بِأَخْبَارِ الْآحَادِ لَا يَكْفُرُ إذَا اعْتَقَدَهُ حَلَالًا اهـ. فَعَلَى هَذَا لَا يُفْتَى بِتَكْفِيرِ مُسْتَحِلِّهِ لِمَا فِي الْخُلَاصَةِ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ إذَا كَانَ فِيهَا وُجُوهٌ تُوجِبُ التَّكْفِيرَ وَوَجْهٌ وَاحِدٌ يَمْنَعُ فَعَلَى الْمُفْتِي أَنْ يَمِيلَ إلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ. اهـ. وَأَمَّا الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا بِغَيْرِ الْجِمَاعِ فَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَالشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ يَحْرُمُ عَلَيْهِ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِمَا تَحْتَ الْإِزَارِ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي الْمُحِيطِ وَفَتَاوَى الْوَلْوَالِجِيِّ وَتَفْسِيرُ الْإِزَارِ عَلَى قَوْلِهِمَا قَالَ   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 بَعْضُهُمْ الْإِزَارُ الْمَعْرُوفُ وَيَسْتَمْتِعُ بِمَا فَوْقَ السُّرَّةِ وَلَا يَسْتَمْتِعُ بِمَا تَحْتَهَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ الِاسْتِتَارُ فَإِذَا اسْتَتَرَتْ حَلَّ لَهُ الِاسْتِمْتَاعُ. اهـ. وَالظَّاهِرُ مَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَأَحْمَدُ لَا يَحْرُمُ مَا سِوَى الْفَرْجِ وَاخْتَارَهُ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ أَصْبَغُ وَمِنْ الشَّافِعِيَّةِ النَّوَوِيُّ لِمَا أَخْرَجَ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ «أَنَّ الْيَهُودَ كَانُوا إذَا حَاضَتْ الْمَرْأَةُ مِنْهُمْ لَمْ يُؤَاكِلُوهَا وَلَمْ يُجَامِعُوهَا فِي الْبُيُوتِ؛ فَسَأَلَتْ الصَّحَابَةُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ} [البقرة: 222] فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إلَّا النِّكَاحَ» وَفِي رِوَايَةٍ «إلَّا الْجِمَاعَ» . وَلِلْجَمَاعَةِ مَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ «سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَمَّا يَحِلُّ لِي مِنْ امْرَأَتِي وَهِيَ حَائِضٌ فَقَالَ لَك مَا فَوْقَ الْإِزَارِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَسَكَتَ عَلَيْهِ فَهُوَ حُجَّةٌ وَإِذَنْ فَالتَّرْجِيحُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ مَانِعٌ وَذَلِكَ مُبِيحٌ وَلِخَبَرِ «مَنْ حَامَ حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ» ، وَأَمَّا تَرْجِيحُ السُّرُوجِيِّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ بِأَنَّ دَلِيلَهُ مَنْطُوقٌ وَدَلِيلُنَا مَفْهُومٌ وَالْمَنْطُوقُ أَقْوَى فَكَانَ مُقَدَّمًا فَغَيْرُ صَحِيحٍ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ دَلِيلُنَا مَفْهُومًا بَلْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَنْطُوقًا فَإِنَّ السَّائِلَ سَأَلَ عَنْ جَمِيعِ مَا يَحِلُّ لَهُ مِنْ امْرَأَتِهِ الْحَائِضِ فَقَوْلُهُ لَك مَا فَوْقَ الْإِزَارِ مَعْنَاهُ جَمِيعُ مَا يَحِلُّ لَك مَا فَوْقَ الْإِزَارِ لِيُطَابِقَ الْجَوَابُ السُّؤَالَ، وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُ لَوْ سَلِمَ أَنَّهُ مَفْهُومٌ كَانَ هَذَا الْمَفْهُومُ أَقْوَى مِنْ الْمَنْطُوقِ؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْمَفْهُومِ بِطَرِيقِ اللُّزُومِ لِوُجُوبِ مُطَابَقَةِ جَوَابِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِسُؤَالِ السَّائِلِ وَلَوْ كَانَ هَذَا الْمَفْهُومُ غَيْرَ مُرَادٍ لَمْ يُطَابِقْ فَكَانَ ثُبُوتُهُ وَاجِبًا مِنْ اللَّفْظِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَقْبَلُ تَخْصِيصًا وَلَا تَبْدِيلًا لِهَذَا الْعَارِضِ وَالْمَنْطُوقُ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَنْطُوقٌ يَقْبَلُ ذَلِكَ فَلَمْ يَصِحَّ التَّرْجِيحُ فِي خُصُوصِ الْمَادَّةِ بالمنطوقية وَلَا الْمَرْجُوحِيَّةِ بِالْمَفْهُومِيَّةِ، وَقَدْ كَانَ فِعْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ذَلِكَ «فَكَانَ لَا يُبَاشِرُ إحْدَاهُنَّ وَهِيَ حَائِضٌ حَتَّى يَأْمُرَهَا أَنْ تَأْتَزِرَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] فَإِنْ كَانَ نَهْيًا عَنْ الْجِمَاعِ عَيْنًا فَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ نُثْبِتَ حُرْمَةً أُخْرَى فِي مَحَلٍّ آخَرَ بِالسُّنَّةِ، وَإِيَّاكَ أَنْ تَظُنَّ أَنَّ هَذِهِ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَى النَّصِّ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ؛ لِأَنَّهَا تُقَيِّدُ مُطْلَقَ النَّصِّ فَتَكُونُ مُعَارِضَةً لَهُ فِي بَعْضِ مُتَنَاوِلَاتِهِ وَمَا أَثْبَتَتْهُ السُّنَّةُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ شَرْعٌ مَا لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ النَّصُّ الْقُرْآنِيُّ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ بَابِ الزِّيَادَةِ، وَإِنْ كَانَ نَهْيًا عَمَّا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْجِمَاعِ مِنْ أَفْرَادِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ لِتَنَاوُلِهِ حُرْمَةَ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا أَعْنِي مِنْ الْجِمَاعِ وَغَيْرِهِ مِنْ الِاسْتِمْتَاعَاتِ، ثُمَّ يَظْهَرُ تَخْصِيصُ بَعْضِهَا بِالْحَدِيثِ الْمُفِيدِ لِحِلِّ مَا سِوَى مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ فَيَبْقَى مَا بَيْنَهُمَا دَاخِلًا فِي عُمُومِ النَّهْيِ عَنْ قُرْبَانِهِ، وَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ إلَى هَذَا الِاعْتِبَارِ فِي ثُبُوتِ الْمَطْلُوبِ لِمَا بَيَّنَّا، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مَعَ بَعْضِ اخْتِصَارٍ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ كَمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ الِاسْتِمْتَاعُ بِمَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ يَحْرُمُ عَلَيْهَا التَّمْكِينُ مِنْهُ وَلَمْ أَرَ لَهُمْ صَرِيحًا حُكْمُ مُبَاشَرَتِهَا لَهُ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَمْنَعَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا حَرُمَ تَمْكِينُهَا مِنْ اسْتِمْتَاعِهِ بِهَا حَرُمَ فِعْلُهَا بِالْأَوْلَى وَلِقَائِلٍ أَنْ يُجَوِّزَهُ؛ لِأَنَّ حُرْمَتَهُ عَلَيْهِ لِكَوْنِهَا حَائِضًا وَهُوَ مَفْقُودٌ فِي حَقِّهِ فَحَلَّ لَهَا الِاسْتِمْتَاعُ بِهِ وَلِأَنَّ غَايَةَ مَسِّهَا لِذَكَرِهِ أَنَّهُ اسْتِمْتَاعٌ بِكَفِّهَا وَهُوَ جَائِزٌ قَطْعًا. (تَنْبِيهَاتٌ) وَقَعَ فِي بَعْضِ الْعِبَارَاتِ لَفْظُ الِاسْتِمْتَاعِ وَهُوَ يَشْمَلُ النَّظَرَ وَاللَّمْسَ بِشَهْوَةٍ وَوَقَعَ فِي عِبَارَةِ كَثِيرٍ لَفْظُ الْمُبَاشَرَةِ وَالْقُرْبَانِ وَمُقْتَضَاهَا تَحْرِيمُ اللَّمْسِ بِلَا شَهْوَةٍ فَبَيْنَهُمَا عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مِنْ وَجْهٍ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ التَّحْرِيمَ مَنُوطٌ بِالْمُبَاشَرَةِ وَلَوْ بِلَا شَهْوَةٍ بِخِلَافِ النَّظَرِ وَلَوْ بِشَهْوَةٍ وَلَيْسَ هُوَ أَعْظَمَ مِنْ تَقْبِيلِهَا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يُجَوِّزَهُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ مُقْتَضَى النَّظَرِ أَنْ يُقَالَ بِحُرْمَةِ مُبَاشَرَتِهَا لَهُ حَيْثُ كَانَتْ بَيْنَ سُرَّتِهَا وَرُكْبَتِهَا لَا بِمَا إذَا كَانَتْ بِمَا بَيْنَ سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ كَمَا إذَا وَضَعَتْ يَدَهَا عَلَى فَرْجِهِ. اهـ. قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ وَهُوَ اعْتِرَاضٌ وَجِيهٌ؛ لِأَنَّ الْمُبَاشَرَةَ مُفَاعَلَةٌ وَهِيَ تَكُونُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَكَمَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ يَحْرُمُ عَلَيْهَا فَقَوْلُ الْبَحْرِ وَهُوَ مَفْقُودٌ مُسَلَّمٌ لَكِنَّهُ لَا يُجْدِي؛ لِأَنَّا لَمْ نُرَاعِ ذَلِكَ بَلْ مَا دَامَتْ مُتَّصِفَةً بِالْحَيْضِ تَحْرُمُ الْمُبَاشَرَةُ سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْهَا أَوْ مِنْهُ. اهـ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ مَا قَالَهُ فِي النَّهْرِ حَسَنٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مُرَادُ صَاحِبِ الْبَحْرِ كَمَا يُفْهِمُهُ تَعْلِيلُهُ لِلْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَالتَّعْلِيلُ الثَّانِي لِلْقَوْلِ الثَّانِي. (قَوْلُهُ: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَلِقَائِلٍ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ النَّظَرَ إلَى هَذَا الْخَاصِّ بِشَهْوَةٍ اسْتِمْتَاعٌ بِمَا لَا يَحِلُّ، بِخِلَافِ التَّقْبِيلِ فِي الْوَجْهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْوَجْهِ اهـ. لَكِنْ قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ اسْتِمْتَاعٌ بِمَا لَا يَحِلُّ أَنَّهُ اسْتِمْتَاعٌ بِمَوْضِعٍ لَا تَحِلُّ مُبَاشَرَتُهُ فَمُسَلَّمٌ لَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْ حُرْمَةِ الْمُبَاشَرَةِ حُرْمَةُ النَّظَرِ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ اسْتِمْتَاعٌ بِمَوْضِعٍ لَا يَحِلُّ النَّظَرُ إلَيْهِ فَهُوَ عَيْنُ الْمُدَّعَى فَكَانَ مُصَادَرَةً هَذَا وَالدَّلِيلُ مُشْرِقٌ عَلَى مُدَّعِي الْبَحْرِ وَذَلِكَ أَنَّ الشَّارِعَ إنَّمَا نَهَى عَنْ الْمُبَاشَرَةِ وَهِيَ أَنْ يَتَلَاقَى الْفَرْجَانِ بِلَا حَائِلٍ لَكِنْ لَمَّا كَانَ لِلْفَرْجِ حَرِيمٌ وَهُوَ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ مُنِعَ أَيْضًا خَشْيَةَ الْوُقُوعِ فِيمَا عَسَاهُ يَقَعُ فِيهِ بِاقْتِرَابِ هَذَا الْمَوْضِعِ فَإِنَّ مَنْ حَامَ حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ أَوْ يُقَالُ: إنَّ الشَّارِعَ حَكِيمٌ وَهَذِهِ الْمَوَاضِعُ لَا تَخْلُو عَنْ لَوْثِ نَجَاسَةٍ فَنَهَى عَنْ الْقُرْبِ خَشْيَةَ التَّلَوُّثِ فَبَقِيَ النَّظَرُ إلَى هَذِهِ الْمَوَاضِعِ عَلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ بِالزَّوْجِيَّةِ فَتَحْرِيمُهُ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ. اهـ. قُلْت: وَقَدْ يُقَالُ إنَّ النَّظَرَ مِنْ الْحَوْمِ حَوْلَ الْحِمَى وَلِهَذَا حَرُمَ فِي الْأَجْنَبِيَّةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 فِي وَجْهِهَا بِشَهْوَةٍ كَمَا لَا يَخْفَى، وَقَدْ عُلِمَ مِنْ عِبَارَاتِهِمْ أَنْ يَجُوزَ الِاسْتِمْتَاعُ بِالسُّرَّةِ وَمَا فَوْقَهَا وَبِالرُّكْبَةِ وَمَا تَحْتَهَا وَالْمُحَرَّمُ الِاسْتِمْتَاعُ بِمَا بَيْنَهُمَا وَهِيَ أَحْسَنُ مِنْ عِبَارَةِ بَعْضِهِمْ يَسْتَمْتِعُ بِمَا فَوْقَ السُّرَّةِ وَمَا تَحْتَ الرُّكْبَةِ كَمَا لَا يَخْفَى فَيَجُوزُ لَهُ الِاسْتِمْتَاعُ فِيمَا عَدَا مَا ذُكِرَ بِوَطْءٍ وَغَيْرِهِ وَلَوْ بِلَا حَائِلٍ وَكَذَا بِمَا بَيْنَهُمَا بِحَائِلٍ بِغَيْرِ الْوَطْءِ وَلَوْ تَلَطَّخَ دَمًا، وَلَا يُكْرَهُ طَبْخُهَا وَلَا اسْتِعْمَالُ مَا مَسَّتْهُ مِنْ عَجِينٍ أَوْ مَاءٍ أَوْ غَيْرِهِمَا إلَّا إذَا تَوَضَّأَتْ بِقَصْدِ الْقُرْبَةِ كَمَا هُوَ الْمُسْتَحَبُّ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا وَفِي فَتَاوَى الْوَلْوَالِجِيِّ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَعْزِلَ عَنْ فِرَاشِهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُشْبِهُ فِعْلَ الْيَهُودِ وَفِي التَّجْنِيسِ وَغَيْرِهِ امْرَأَةٌ تَحِيضُ مِنْ دُبُرِهَا لَا تَدَعُ الصَّلَاةَ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِحَيْضٍ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ تَغْتَسِلَ عِنْدَ انْقِطَاعِ الدَّمِ، وَإِنْ أَمْسَكَ زَوْجُهَا عَنْ الْإِتْيَانِ كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ لِمَكَانِ الصُّورَةِ وَهُوَ الدَّمُ مِنْ الْفَرْجِ. اهـ. وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْخُلَاصَةِ. (قَوْلُهُ: وَقِرَاءَةَ الْقُرْآنِ) أَيْ يَمْنَعُ الْحَيْضُ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ وَكَذَا الْجَنَابَةُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَقْرَأْ الْحَائِضُ وَلَا الْجُنُبُ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَحَسَّنَهُ الْمُنْذِرِيُّ وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ وَقَالَ إنَّهُ يَقْرَأُ بِالرَّفْعِ عَلَى النَّفْيِ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَنْ النَّهْيِ كَيْ لَا يَلْزَمَ الْخُلْفُ فِي الْوَعْدِ وَبِكَسْرِ الْهَمْزِ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ عَلَى النَّهْيِ وَهُمَا صَحِيحَانِ. وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقْرِئُنَا الْقُرْآنَ عَلَى كُلِّ حَالٍ مَا لَمْ يَكُنْ جُنُبًا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ إنَّهُ حَسَنٌ صَحِيحٌ ثُمَّ كُلٌّ مِنْ الْحَدِيثَيْنِ يَصْلُحُ مُخَصِّصًا لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَذْكُرُ اللَّهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ» بَعْدَ الْقَوْلِ بِتَنَاوُلِ الذِّكْرِ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ وَبِقَوْلِنَا قَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ كَمَا حَكَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ وَشَمَلَ إطْلَاقُهُ الْآيَةَ وَمَا دُونَهَا وَهُوَ قَوْلُ الْكَرْخِيِّ وَصَحَّحَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي التَّجْنِيسِ وَقَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ والْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوِيهِ وَمَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُسْتَصْفَى وَقَوَّاهُ فِي الْكَافِي وَنَسَبَهُ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ إلَى عَامَّةِ الْمَشَايِخِ وَصَحَّحَهُ مُعَلِّلًا بِأَنَّ الْأَحَادِيثَ لَمْ تُفَصِّلْ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ لَكِنْ ذَكَرَ أَنَّ الْقِرَاءَةَ مَكْرُوهَةٌ وَفِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ أَنَّهَا حَرَامٌ، وَفِي رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ يُبَاحُ لَهُمَا مَا دُونَ الْآيَةِ وَصَحَّحَهُ الْخُلَاصَةُ فِي الْفَصْلِ الْحَادِيَ عَشَرَ فِي الْقِرَاءَةِ وَمَشَى عَلَيْهِ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَنَسَبَهُ الزَّاهِدِيُّ إلَى الْأَكْثَرِ وَوَجَّهَهُ صَاحِبُ الْمُحِيطِ بِأَنَّ النَّظْمَ وَالْمَعْنَى يَقْصُرُ فِيمَا دُونَ الْآيَةِ وَيَجْرِي مِثْلُهُ فِي مُحَاوَرَاتِ النَّاسِ وَكَلَامِهِمْ فَتَمَكَّنَتْ فِيهِ شُبْهَةُ عَدَمِ الْقُرْآنِ وَلِهَذَا لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ بِهِ. اهـ. فَحَاصِلُهُ أَنَّ التَّصْحِيحَ قَدْ اخْتَلَفَ فِيمَا دُونَ الْآيَةِ وَاَلَّذِي يَنْبَغِي تَرْجِيحُ الْقَوْلِ بِالْمَنْعِ لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ الْأَحَادِيثَ لَمْ تُفَصِّلْ وَالتَّعْلِيلَ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ مَرْدُودٌ؛ لِأَنَّ شَيْئًا كَمَا فِي الْكَافِي نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ فَتَعُمُّ وَمَا دُونَ الْآيَةِ قُرْآنٌ فَيَمْتَنِعُ كَالْآيَةِ مَعَ أَنَّهُ قَدْ أُجِيبَ أَيْضًا بِالْأَخْذِ بِالِاحْتِيَاطِ فِيهِمَا وَهُوَ عَدَمُ الْجَوَازِ فِي الصَّلَاةِ وَالْمَنْعُ لِلْجُنُبِ وَمَنْ بِمَعْنَاهُ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ اقْرَءُوا الْقُرْآنَ مَا لَمْ يُصِبْ أَحَدَكُمْ جَنَابَةٌ، فَإِنْ أَصَابَهُ فَلَا وَلَا حَرْفًا وَاحِدًا ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ الصَّحِيحُ عَنْ عَلِيٍّ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا قَرَأَ عَلَى قَصْدِ أَنَّهُ قُرْآنٌ، أَمَّا إذَا قَرَأَهُ عَلَى قَصْدِ الثَّنَاءِ أَوْ افْتِتَاحِ أَمْرٍ لَا يُمْنَعُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَاتِ وَفِي التَّسْمِيَةِ اتِّفَاقٌ أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ إذَا كَانَ عَلَى قَصْدِ الثَّنَاءِ أَوْ افْتِتَاحِ أَمْرٍ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَفِي الْعُيُونِ لِأَبِي اللَّيْثِ وَلَوْ أَنَّهُ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ عَلَى سَبِيلِ الدُّعَاءِ أَوْ شَيْئًا مِنْ الْآيَاتِ الَّتِي فِيهَا مَعْنَى الدُّعَاءِ وَلَمْ يُرِدْ بِهِ الْقِرَاءَةَ فَلَا بَأْسَ بِهِ اهـ. وَاخْتَارَهُ الْحَلْوَانِيُّ وَذَكَرَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّهُ الْمُخْتَارُ لَكِنْ قَالَ الْهِنْدُوَانِيُّ لَا أُفْتِي بِهَذَا، وَإِنْ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ. وَهُوَ الظَّاهِرُ فِي مِثْلِ الْفَاتِحَةِ فَإِنَّ الْمُبَاحَ إنَّمَا هُوَ لَيْسَ بِقُرْآنٍ   [منحة الخالق] خَشْيَةَ الْوُقُوعِ فِي الْمُحَرَّمِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الِاسْتِحْسَانِ مِنْ الْحَقَائِقِ عَنْ التُّحْفَةِ وَالْخَانِيَّةِ يَجْتَنِبُ الرَّجُلُ مِنْ الْحَائِضِ مَا تَحْتَ الْإِزَارِ عِنْدَ الْأَوَّلِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجْتَنِبُ شِعَارَ الدَّمِ يَعْنِي الْجِمَاعَ وَلَهُ مَا سِوَى ذَلِكَ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يُبَاحُ الِاسْتِمْتَاعُ مِنْ النَّظَرِ وَنَحْوِهِ بِمَا دُونَ السُّرَّةِ إلَى الرُّكْبَةِ وَيُبَاحُ مَا وَرَاءَهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُبَاحُ الِاسْتِمْتَاعُ مَعَ الْإِزَارِ. اهـ. وَمَعَ النَّقْلِ يَبْطُلُ الْبَحْثُ وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ شَيْئًا كَمَا فِي الْكَافِي نَكِرَةٌ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ كَمَا فِي الْكَافِي مُؤَخَّرٌ عَنْ مَحَلِّهِ مِنْ النُّسَّاخِ وَمَحَلُّهُ قَبْلَ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ شَيْئًا أَيْ الْوَاقِعَ فِي لَفْظِ الْحَدِيثِ الْمَارِّ وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمُنْيَةِ لِابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ؛ لِأَنَّ هَذَا كَمَا فِي الْكَافِي تَعْلِيلٌ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ فَيُرَدُّ؛ لِأَنَّ شَيْئًا نَكِرَةٌ إلَخْ. (قَوْلُهُ: لَا أُفْتِي بِهِ) قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ النَّابُلُسِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى الدُّرَرِ لَمْ يُرِدْ الْهِنْدُوَانِيُّ رَدَّ هَذِهِ الرِّوَايَةِ بَلْ قَالَ ذَلِكَ لِمَا يَتَبَادَرُ إلَى ذِهْنِ مَنْ يَسْمَعُهُ مِنْ الْجَنْبِ مِنْ غَيْرِ اطِّلَاعٍ عَلَى نِيَّةِ قَائِلِهِ مِنْ جَوَازِهِ مِنْهُ وَكَمْ مِنْ قَوْلٍ صَحِيحٍ لَا يُفْتَى بِهِ خَوْفًا مِنْ مَحْذُورٍ آخَرَ وَلَمْ يَقُلْ لَا أَعْمَلُ بِهِ كَيْفَ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. اهـ. وَبِهِ يَظْهَرُ مَا فِي بَحْثِ الْمُؤَلِّفِ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ الظَّاهِرُ فِي مِثْلِ الْفَاتِحَةِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ كَوْنُهُ قُرْآنًا فِي الْأَصْلِ لَا يَمْنَعُ مِنْ إخْرَاجِهِ عَنْ الْقُرْآنِيَّةِ بِالْقَصْدِ بِالنِّسْبَةِ إلَى قَصْدِ الثَّنَاءِ فَالتَّلَازُمُ مُنْفَكٌّ نَعَمْ ظَاهِرُ تَقْيِيدِ صَاحِبِ الْعُيُونِ بِالْآيَاتِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 وَهَذَا قُرْآنٌ حَقِيقَةً وَحُكْمًا لَفْظًا وَمَعْنًى وَكَيْفَ لَا وَهُوَ مُعْجِزٌ يَقَعُ بِهِ التَّحَدِّي عِنْدَ الْمُعَارَضَةِ وَالْعَجْزُ عَنْ الْإِتْيَانِ بِمِثْلِهِ مَقْطُوعٌ بِهِ وَتَغْيِيرُ الْمَشْرُوعِ فِي مِثْلِهِ بِالْقَصْدِ الْمُجَرَّدِ مَرْدُودٌ عَلَى فَاعِلِهِ بِخِلَافِ نَحْوِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بِنِيَّةِ الثَّنَاءِ؛ لِأَنَّ الْخُصُوصِيَّةَ الْقُرْآنِيَّةَ فِيهِ غَيْرُ لَازِمَةٍ وَإِلَّا لَانْتَفَى جَوَازُ التَّلَفُّظِ بِشَيْءٍ مِنْ الْكَلِمَاتِ الْعَرَبِيَّةِ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الْحُرُوفِ الْوَاقِعَةِ فِي الْقُرْآنِ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ إجْمَاعًا بِخِلَافِ نَحْوِ الْفَاتِحَةِ فَإِنَّ الْخُصُوصِيَّةَ الْقُرْآنِيَّةَ فِيهِ لَازِمَةٌ قَطْعًا وَلَيْسَ فِي قُدْرَةِ الْمُتَكَلِّمِ إسْقَاطُهَا عَنْهُ مَعَ مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنْ النَّظْمِ الْخَاصِّ كَمَا هُوَ فِي الْمَفْرُوضِ، وَقَدْ انْكَشَفَ بِهَذَا مَا فِي الْخُلَاصَةِ مِنْ عَدَمِ حُرْمَةِ مَا يَجْرِي عَلَى اللِّسَانِ عِنْدَ الْكَلَامِ مِنْ آيَةٍ قَصِيرَةٍ مِنْ نَحْوِ ثُمَّ نَظَرَ أَوْ لَمْ يُولَدْ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُمْ قَالُوا هُنَا وَفِي بَابِ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ إنَّ الْقُرْآنَ يَتَغَيَّرُ بِعَزِيمَتِهِ فَأَوْرَدَ الْإِمَامُ الْخَاصِّيُّ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ السِّرَاجُ الْهِنْدِيُّ فِي التَّوْشِيحِ بِأَنَّ الْعَزِيمَةَ لَوْ كَانَتْ مُغَيِّرَةً لِلْقِرَاءَةِ لَكَانَ يَنْبَغِي أَنَّهُ إذَا قَرَأَ الْفَاتِحَةَ فِي الْأُولَيَيْنِ بِنِيَّةِ الدُّعَاءِ لَا تَكُونُ مُجْزِئَةً، وَقَدْ نَصُّوا عَلَى أَنَّهَا مُجْزِئَةٌ. وَأَجَابَ بِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ فِي مَحَلِّهَا لَا تَتَغَيَّرُ بِالْعَزِيمَةِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَقْرَأْ فِي الْأُولَيَيْنِ فَقَرَأَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ بِنِيَّةِ الدُّعَاءِ لَا يُجْزِئُهُ. اهـ. وَالْمَنْقُولُ فِي التَّجْنِيسِ أَنَّهُ إذَا قَرَأَ فِي الصَّلَاةِ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ عَلَى قَصْدِ الثَّنَاءِ جَازَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ وُجِدَتْ الْقِرَاءَةُ فِي مَحَلِّهَا فَلَا يَتَغَيَّرُ حُكْمُهَا بِقَصْدٍ. اهـ. وَلَمْ يُقَيِّدْ بِالْأُولَيَيْنِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْأُخْرَيَيْنِ مَحَلُّ الْقِرَاءَةِ الْمَفْرُوضَةِ فَإِنَّ الْقِرَاءَةَ فَرْضٌ فِي رَكْعَتَيْنِ غَيْرِ عَيْنٍ، وَإِنْ كَانَ تَعْيِينُهَا فِي الْأُولَيَيْنِ وَاجِبًا وَذَكَرَ فِي الْقُنْيَةِ خِلَافًا فِيمَا إذَا قَرَأَ الْفَاتِحَةَ عَلَى قَصْدِ الدُّعَاءِ فَرَقَمَ لِشَرْحِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ أَنَّهَا لَا تَنُوبُ عَنْ الْقِرَاءَةِ اهـ. وَأَمَّا الْأَذْكَارُ فَالْمَنْقُولُ إبَاحَتُهَا مُطْلَقًا وَيَدْخُلُ فِيهَا اللَّهُمَّ اهْدِنَا إلَى آخِرِهِ، وَأَمَّا اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَعِينُك إلَى آخِرِهِ الَّذِي هُوَ دُعَاءُ الْقُنُوتِ عِنْدَنَا فَالظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ لَهُمَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، كَذَا فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ وَغَيْرِهَا وَعَنْ مُحَمَّدٍ يُكْرَهُ لِشُبْهَةِ كَوْنِهِ قُرْآنًا لِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ فِي كَوْنِهِ قُرْآنًا فَلَا يَقْرَأْهُ احْتِيَاطًا قُلْنَا حَصَلَ الْإِجْمَاعُ الْقَطْعِيُّ الْيَقِينِيُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِقُرْآنٍ وَمَعَهُ لَا شُبْهَةَ تُوجِبُ الِاحْتِيَاطَ الْمَذْكُورَ نَعَمْ الْمَذْكُورُ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا فِي بَابِ الْأَذَانِ اسْتِحْبَابُ الْوُضُوءِ لِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَرْكُ الْمُسْتَحَبِّ لَا يُوجِبُ الْكَرَاهَةَ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَلَا يَنْبَغِي لِلْحَائِضِ وَالْجُنُبِ أَنْ يَقْرَأَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ كَذَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ وَالطَّحَاوِيُّ لَا يُسَلَّمُ هَذِهِ الرِّوَايَةُ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَبِهِ يُفْتَى. اهـ. وَفِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا وَإِذَا حَاضَتْ الْمُعَلِّمَةُ فَيَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُعَلِّمَ الصِّبْيَانَ كَلِمَةً كَلِمَةً وَتَقْطَعَ بَيْنَ الْكَلِمَتَيْنِ عَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ وَعَلَى قَوْلِ الطَّحَاوِيِّ تُعَلِّمُ نِصْفَ آيَةٍ اهـ. وَفِي التَّفْرِيعِ نَظَرٌ   [منحة الخالق] الَّتِي فِيهَا مَعْنَى الدُّعَاءِ يُفْهِمُ أَنَّ مَا لَيْسَ كَذَلِكَ كَسُورَةِ أَبِي لَهَبٍ لَا يُؤَثِّرُ قَصْدَ الْقُرْآنِيَّةِ فِي حِلِّهِ لَكِنِّي لَمْ أَرَ التَّصْرِيحَ بِهِ فِي كَلَامِهِمْ. اهـ. قُلْت الْمَفْهُومُ مُعْتَبَرٌ مَا لَمْ يُصَرَّحْ بِخِلَافِهِ (قَوْلُهُ: وَكَيْفَ لَا وَهُوَ مُعْجِزٌ إلَخْ) قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ فِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُرِدْ بِهَا الْقُرْآنَ فَاتَ مَا بِهَا مِنْ الْمَزَايَا الَّتِي يَعْجِزُ عَنْ الْإِتْيَانِ بِهَا جَمِيعُ الْمَخْلُوقَاتِ إذْ الْمُعْتَبَرُ فِيهَا الْقَصْدُ إمَّا تَفْصِيلًا وَذَلِكَ مِنْ الْبَلِيغِ أَوْ إجْمَالًا وَذَلِكَ بِحِكَايَةِ كَلَامِهِ وَكِلَاهُمَا مُنْتَفٍ حِينَئِذٍ كَمَا لَا يَخْفَى مَعَ أَنَّهُ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِذَا قَالَتْ حَذَامِ فَكَيْفَ يُطْلَقُ أَنَّهُ مَرْدُودٌ. (قَوْلُهُ: وَلَا شَكَّ أَنَّ الْأُخْرَيَيْنِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَقُولُ: مَا قَالَهُ الْخَاصِّيُّ مَبْنِيٌّ عَلَى تَعْيِينِ الْأُولَيَيْنِ لِلْفَرْضِيَّةِ وَهُوَ قَوْلٌ لِأَصْحَابِنَا كَمَا سَيَأْتِي وَمَا فِي التَّجْنِيسِ عَلَى عَدَمِهِ فَأَنَّى يُصَادِمُ مَحَلَّ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ. (قَوْلُهُ: وَتَرْكُ الْمُسْتَحَبِّ لَا يُوجِبُ الْكَرَاهَةَ) اعْتَرَضَهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ تَرْكَهُ خِلَافُ الْأَوْلَى وَهُوَ مَرْجِعُ التَّنْزِيهِ فَكَوْنُهُ لَا يُوجِبُ كَرَاهَةً مُطْلَقًا مَمْنُوعٌ. اهـ. قُلْت وَفِيهِ كَلَامٌ يَأْتِي فِي مَكْرُوهَاتِ الصَّلَاةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قُبَيْلَ الْفَصْلِ (قَوْلُهُ: وَفِي الْخُلَاصَةِ لَا يَنْبَغِي إلَخْ) قَالَ الْعَلَّامَةُ إبْرَاهِيمُ الْحَلَبِيُّ قَوْلُ صَاحِبِ الْخُلَاصَةِ بِهِ يُفْتَى يَظْهَرُ مِنْهُ أَنَّهُ يُفْتَى بِقَوْلِ الطَّحَاوِيِّ الْمُشِيرِ إلَى عَدَمِ الْكَرَاهَةِ لَكِنْ الصَّحِيحُ الْكَرَاهَةُ؛ لِأَنَّ مَا بُدِّلَ مِنْهُ بَعْضٌ غَيْرُ مُعَيَّنٍ وَمَا لَمْ يُبَدَّلْ غَالِبٌ وَهُوَ وَاجِبُ التَّعْظِيمِ وَالصَّوْنِ وَإِذَا اجْتَمَعَ الْمُحَرِّمُ وَالْمُبِيحُ غُلِّبَ الْمُحَرِّمُ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «دَعْ مَا يَرِيبُك إلَى مَا لَا يَرِيبُك» وَبِهَذَا ظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِ مَنْ قَالَ يَجُوزُ الِاسْتِنْجَاءُ بِمَا فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ فَإِنَّهُ مُجَازَفَةٌ عَظِيمَةٌ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُخْبِرْنَا بِأَنَّهُمْ بَدَّلُوهَا عَنْ آخِرِهَا وَكَوْنُهُ مَنْسُوخًا لَا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ كَلَامَ اللَّهِ تَعَالَى كَالْآيَةِ الْمَنْسُوخَةِ مِنْ الْقُرْآنِ. اهـ. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَيُكْرَهُ لَهُمَا قِرَاءَةُ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالزَّبُورِ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا مَا بُدِّلَ مِنْهَا وَمِثْلُهَا فِي النَّهْرِ وَكَذَا قَالَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ لَا يَجُوزُ لَهُمَا قِرَاءَةُ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالزَّبُورِ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى. (قَوْلُهُ: قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَخْ) أَيْ صَاحِبُ الْخُلَاصَةِ (قَوْلُهُ: وَفِي التَّفْرِيعِ نَظَرٌ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَقُولُ: بَلْ هُوَ صَحِيحٌ إذْ الْكَرْخِيُّ وَإِنْ مَنَعَ مَا دُونَ الْآيَةِ لَكِنْ بِمَا بِهِ يُسَمَّى قَارِئًا، وَلِذَا قَالُوا لَا يُكْرَهُ التَّهْجِيرُ بِالْقِرَاءَةِ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ بِالتَّعْلِيمِ كَلِمَةً لَا يُعَدُّ قَارِئًا فَتَنَبَّهْ لِهَذَا التَّقْيِيدِ الْمُفِيدِ. اهـ. وَنَقَلَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَنْ الْمَوْلَى يَعْقُوبَ بَاشَا مَا نَصُّهُ قَوْلُهُ مَا دُونَ الْآيَةِ أَيْ مِنْ الْمُرَكَّبَاتِ لَا الْمُفْرَدَاتِ؛ لِأَنَّهُ جَوَّزَ لِلْحَائِضِ الْمُعَلِّمَةِ تَعْلِيمَهُ كَلِمَةً كَلِمَةً. اهـ. وَهَذَا مُؤَيِّدٌ لِمَا قَالَهُ صَاحِبُ النَّهْرِ وَكَذَا يُؤَيِّدُهُ مَا فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 عَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ فَإِنَّهُ قَائِلٌ بِاسْتِوَاءِ الْآيَةِ وَمَا دُونَهَا فِي الْمَنْعِ إذَا كَانَ ذَلِكَ بِقَصْدِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَمَا دُونَ الْآيَةِ صَادِقٌ عَلَى الْكَلِمَةِ، وَإِنْ حُمِلَ عَلَى التَّعْلِيمِ دُونَ قَصْدِ الْقُرْآنِ فَلَا يَتَقَيَّدُ بِالْكَلِمَةِ ثُمَّ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ التَّقْيِيدُ بِالْحَائِضِ الْمُعَلِّمَةِ مُعَلَّلًا بِالضَّرُورَةِ مَعَ امْتِدَادِ الْحَيْضِ، وَظَاهِرُهُ عَدَمُ الْجَوَازِ لِلْجُنُبِ لَكِنْ فِي الْخُلَاصَةِ وَاخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي تَعْلِيمِ الْحَائِضِ وَالْجُنُبِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ إنْ كَانَ يُلَقِّنُ كَلِمَةً كَلِمَةً وَلَمْ يَكُنْ مِنْ قَصْدِهِ أَنْ يَقْرَأَ آيَةً تَامَّةً. اهـ. وَالْأَوْلَى وَلَمْ يَكُنْ مِنْ قَصْدِهِ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ كَمَا لَا يَخْفَى. (قَوْلُهُ: وَمَسُّهُ إلَّا بِغِلَافِهِ) أَيْ تُمْنَعُ الْحَائِضُ مَسَّ الْقُرْآنِ لِمَا رَوَى الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ عَنْ «حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ قَالَ لَمَّا بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى الْيَمَنِ قَالَ لَا تَمَسَّ الْقُرْآنَ إلَّا وَأَنْتَ طَاهِرٌ» وَاسْتَدَلُّوا لَهُ أَيْضًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: 79] فَظَاهِرُ مَا فِي الْكَشَّافِ صِحَّةُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ هُنَا إنْ جَعَلْت الْجُمْلَةَ صِفَةً لِلْقُرْآنِ، وَلَفْظُهُ: فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ مَصُونٍ عَنْ غَيْرِ الْمُقَرَّبِينَ مِنْ الْمَلَائِكَةِ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ مَنْ سِوَاهُمْ وَهُمْ الْمُطَهَّرُونَ مِنْ جَمِيعِ الْأَدْنَاسِ أَدْنَاسِ الذُّنُوبِ وَمَا سِوَاهَا إنْ جَعَلْت الْجُمْلَةَ صِفَةً لِكِتَابٍ مَكْنُونٍ وَهُوَ اللَّوْحُ، وَإِنْ جَعَلْتهَا صِفَةً لِلْقُرْآنِ فَالْمَعْنَى لَا يَنْبَغِي أَنْ يَمَسَّهُ إلَّا مَنْ هُوَ عَلَى الطَّهَارَةِ مِنْ النَّاسِ يَعْنِي مَسَّ الْمَكْتُوبِ مِنْهُ. اهـ. لَكِنْ الْإِمَامُ الطِّيبِيِّ فِي حَاشِيَتِهِ ذَكَرَ صِحَّةَ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ أَيْضًا فَقَالَ فَالْمَعْنَى عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ أَنَّ هَذَا الْكِتَابَ كَرِيمٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَمِنْ كَرَمِهِ أَنَّهُ أَثْبَتَهُ عِنْدَهُ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ وَعَظَّمَ شَأْنَهُ بِأَنْ حَكَمَ بِأَنَّهُ لَا يَمَسُّهُ إلَّا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَصَانَهُ عَنْ غَيْرِ الْمُقَرَّبِينَ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ عِنْدَ النَّاسِ كَذَلِكَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ تَرَتُّبَ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ الْمُنَاسِبِ مُشْعِرٌ بِالْعَلِيَّةِ؛ لِأَنَّ سِيَاقَ الْكَلَامِ لِتَعْظِيمِ شَأْنِ الْقُرْآنِ وَعَنْ الدَّارِمِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الْقُرْآنُ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ» . اهـ. وَذَكَرَ أَنَّهُ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي إخْبَارٌ فِي مَعْنَى الْأَمْرِ كَقَوْلِهِ {الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلا زَانِيَةً} [النور: 3] . اهـ. وَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِمَسِّ الْقُرْآنِ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ غَيْرِهِ بِمَسِّ الْمُصْحَفِ لِشُمُولِ كَلَامِهِ مَا إذَا مَسَّ لَوْحًا مَكْتُوبًا عَلَيْهِ آيَةٌ، وَكَذَا الدِّرْهَمُ وَالْحَائِطُ وَتَقْيِيدُهُ بِالسُّورَةِ فِي الْهِدَايَةِ اتِّفَاقِيٌّ بَلْ الْمُرَادُ الْآيَةُ لَكِنْ لَا يَجُوزُ مَسُّ الْمُصْحَفِ كُلِّهِ الْمَكْتُوبِ وَغَيْرِهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَا يُمْنَعُ إلَّا مَسُّ الْمَكْتُوبِ كَذَا ذَكَرَهُ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ مَعَ أَنَّ فِي الْأَوَّلِ اخْتِلَافًا فَقَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا الْمُعْتَبَرُ حَقِيقَةُ الْمَكْتُوبِ حَتَّى إنْ مَسَّ الْجِلْدَ وَمَسَّ مَوَاضِعَ الْبَيَاضِ لَا يُكْرَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمَسَّ الْقُرْآنَ وَهَذَا أَقْرَبُ إلَى الْقِيَاسِ وَالْمَنْعُ أَقْرَبُ إلَى التَّعْظِيمِ اهـ. وَفِي تَفْسِيرِ الْغِلَافِ اخْتِلَافٌ فَقِيلَ الْجِلْدُ الْمُشَرَّزُ وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ مُصْحَفٌ مُشَرَّزٌ أَجْزَاؤُهُ مَشْدُودٌ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ مِنْ الشِّيرَازِةِ وَلَيْسَتْ بِعَرَبِيَّةٍ وَفِي الْكَافِي وَالْغِلَافُ الْجِلْدُ الَّذِي عَلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ وَقِيلَ هُوَ الْمُنْفَصِلُ كَالْخَرِيطَةِ وَنَحْوِهَا وَالْمُتَّصِلُ بِالْمُصْحَفِ مِنْهُ حَتَّى يَدْخُلَ فِي بَيْعِهِ بِلَا ذِكْرٍ. اهـ. وَصَحَّحَ هَذَا الْقَوْلَ فِي الْهِدَايَةِ وَكَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ وَزَادَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ   [منحة الخالق] شَرْحِ الْمُنْيَةِ حَيْثُ حَمَلَ قَوْلَهَا وَلَا يُكْرَهُ التَّهَجِّي لِلْجُنُبِ بِالْقُرْآنِ وَالتَّعَلُّمُ لِلصِّبْيَانِ حَرْفًا حَرْفًا أَيْ كَلِمَةً كَلِمَةً مَعَ الْقَطْعِ بَيْنَ كُلِّ كَلِمَتَيْنِ عَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ وَعَلَى قَوْلِ الطَّحَاوِيِّ لَا يُكْرَهُ إذَا عَلَّمَ نِصْفَ آيَةٍ مَعَ الْقَطْعِ بَيْنَهُمَا وَقَالَ قَبْلَهُ وَيَنْبَغِي أَنْ تُقَيَّدَ الْآيَةُ بِالْقَصِيرَةِ الَّتِي لَيْسَ مَا دُونَهَا مِقْدَارَ ثَلَاثِ آيَاتٍ قِصَارٍ فَإِنَّهُ إذَا قَرَأَ مِقْدَارَ سُورَةِ الْكَوْثَرِ يُعَدُّ قَارِئًا وَإِنْ كَانَ دُونَ آيَةٍ حَتَّى جَازَتْ بِهِ الصَّلَاةُ. اهـ. وَفِي السِّرَاجِ قَالَ أَصْحَابُنَا الْمُتَأَخِّرُونَ إذَا كَانَتْ الْحَائِضُ أَوْ النُّفَسَاءُ مُعَلِّمَةً جَازَ لَهَا أَنْ تُلَقِّنَ الصِّبْيَانَ كَلِمَةً كَلِمَةً وَتَقْطَعَ بَيْنَ الْكَلِمَتَيْنِ عَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ وَعَلَى قَوْلِ الطَّحَاوِيِّ تُعَلِّمُهُمْ نِصْفَ آيَةٍ نِصْفَ آيَةٍ وَلَا تُلَقِّنُهُمْ آيَةً تَامَّةً. (قَوْلُهُ: وَالْأَوْلَى وَلَمْ يَكُنْ مِنْ قَصْدِهِ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ فِي اشْتِرَاطِ صَاحِبِ الْخُلَاصَةِ عَدَمَ قَصْدِ الْقِرَاءَةِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَقْصِدْ الْقِرَاءَةَ فَلَا يَتَقَيَّدُ بِالْكَلِمَةِ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْقُرْآنَ يَخْرُجُ عَنْ الْقُرْآنِيَّةِ بِالْقَصْدِ وَلَمْ يُذْكَرْ هَذَا الشَّرْطُ فِي النِّهَايَةِ وَالسَّرَّاجِ وَالظَّهِيرِيَّةِ وَالذَّخِيرَةِ وَكَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَمَسُّهُ إلَّا بِغِلَافِهِ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَلَمْ أَرَ فِي كَلَامِهِمْ حُكْمَ مَسِّ بَاقِي الْكُتُبِ كَالتَّوْرَاةِ وَنَحْوِهَا فَظَاهِرُ اسْتِدْلَالِهِمْ بِالْآيَةِ اخْتِصَاصُ الْمَنْعِ بِالْقُرْآنِ. اهـ. وَفِي حَاشِيَةِ الرَّمْلِيِّ وَهَلْ يَجُوزُ فِي الْمَنْسُوخِ أَنْ يَمَسَّهُ الْمُحْدِثُ أَوْ يَتْلُوهُ الْجُنُبُ فِيهِ تَرَدُّدٌ وَالْأَشْبَهُ جَوَازُهُ فِيمَا نُسِخَ تِلَاوَتُهُ وَأُقِرَّ حُكْمُهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقُرْآنٍ إجْمَاعًا كَمَا فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْأُصُولِ لِابْنِ الْحَاجِبِ لِلْعَضُدِ وَإِذَا كَانَ هَذَا فِيمَا أُقِرَّ حُكْمُهُ فَمِنْ بَابِ أَوْلَى الْجَوَازُ فِيمَا نُسِخَ تِلَاوَتُهُ وَحُكْمُهُ. اهـ. أَقُولُ: وَلَا يَخْفَى عَلَيْك بِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْعَلَّامَةِ الْحَلَبِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْمَنْعَ مِنْ تِلَاوَةِ الْمَنْسُوخِ مِنْ الْقُرْآنِ أَوْلَى ثُمَّ رَأَيْت بَعْضَ الْفُضَلَاءِ قَالَ الْمَشْهُورُ أَنَّ الْعَلَّامَةَ الْعَضُدَ شَافِعِيٌّ فَلَا يَصْلُحُ مَا قَالَهُ دَلِيلًا لِمَذْهَبِنَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ مَا نُسِخَ تِلَاوَتُهُ وَحُكْمُهُ كَالتَّوْرَاةِ وَنَحْوِهَا فَتِلَاوَتُهُ لِلْجُنُبِ وَمَنْ بِمَعْنَاهُ مَكْرُوهَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا اعْتَمَدَهُ الْحَلَبِيُّ؛ لِأَنَّ مَا بُدِّلَ مِنْهُ بَعْضٌ غَيْرُ مُعَيَّنٍ وَكَوْنُهُ مَنْسُوخًا لَا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ كَلَامَ اللَّهِ تَعَالَى كَالْآيَاتِ الْمَنْسُوخَةِ مِنْ الْقُرْآنِ، وَأَمَّا مَسُّهُ فَقَدْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 إنَّ عَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى التَّعْظِيمِ، وَالْخِلَافُ فِي الْغِلَافِ الْمُشَرَّزِ جَارٍ فِي الْكُمِّ فَفِي الْمُحِيطِ لَا يُكْرَهُ مَسُّهُ بِالْكُمِّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ الْمَسَّ مُحَرَّمٌ وَهُوَ اسْمٌ لِلْمُبَاشَرَةِ بِالْيَدِ بِلَا حَائِلٍ اهـ. وَفِي الْهِدَايَةِ وَيُكْرَهُ مَسُّهُ بِالْكُمِّ هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لَهُ اهـ. وَفِي الْخُلَاصَةِ مِنْ فَصْلِ الْقُرْآنِ وَكَرِهَهُ عَامَّةُ مَشَايِخِنَا اهـ. فَهُوَ مُعَارِضٌ لِمَا فِي الْمُحِيطِ فَكَانَ هُوَ الْأَوْلَى وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْمُرَادُ بِالْكَرَاهَةِ كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ وَلِهَذَا عَبَّرَ بِنَفْيِ الْجَوَازِ فِي الْفَتَاوَى وَقَالَ لِي بَعْضُ الْإِخْوَانِ هَلْ يَجُوزُ مَسُّ الْمُصْحَفِ بِمِنْدِيلٍ هُوَ لَابِسُهُ عَلَى عُنُقِهِ قُلْت لَا أَعْلَمُ فِيهِ مَنْقُولًا، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ إنْ كَانَ بِطَرَفِهِ وَهُوَ يَتَحَرَّكُ بِحَرَكَتِهِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ، وَإِنْ كَانَ لَا يَتَحَرَّكُ بِحَرَكَتِهِ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ لِاعْتِبَارِهِمْ إيَّاهُ فِي الْأَوَّلِ تَابِعًا لَهُ كَبَدَنِهِ دُونَ الثَّانِي قَالُوا فِيمَنْ صَلَّى وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ بِطَرَفِهَا نَجَاسَةٌ مَانِعَةٌ إنْ كَانَ أَلْقَاهُ وَهُوَ يَتَحَرَّكُ لَا يَجُوزُ وَإِلَّا يَجُوزُ اعْتِبَارًا لَهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا. اهـ. وَفِي الْهِدَايَةِ بِخِلَافِ كُتُبِ الشَّرِيعَةِ حَيْثُ يُرَخَّصُ لِأَهْلِهَا فِي مَسِّهَا بِالْكُمِّ؛ لِأَنَّ فِيهِ ضَرُورَةً. اهـ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُرَخَّصُ بِلَا كُمٍّ قَالُوا: يُكْرَهُ مَسُّ كُتُبِ التَّفْسِيرِ وَالْفِقْهِ وَالسُّنَنِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَخْلُو عَنْ آيَاتِ الْقُرْآنِ وَهَذَا التَّعْلِيلُ يَمْنَعُ مَسَّ شُرُوحِ النَّحْوِ أَيْضًا اهـ. وَفِي الْخُلَاصَةِ يُكْرَهُ مَسُّ كُتُبِ الْأَحَادِيثِ وَالْفِقْهِ لِلْمُحْدِثِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ ذَكَرَهُ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ فِي فَضْلِ الْقِرَاءَةِ خَارِجَ الصَّلَاةِ وَفِي شَرْحِ الدُّرَرِ وَالْغُرَرِ وَرَخَّصَ الْمَسَّ بِالْيَدِ فِي الْكُتُبِ الشَّرْعِيَّةِ إلَّا التَّفْسِيرَ ذَكَرَهُ فِي مَجْمَعِ الْفَتَاوَى وَغَيْرِهِ. اهـ. وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ مَعْزِيًّا إلَى الْحَوَاشِي الْمُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَأْخُذَ كُتُبَ الشَّرِيعَةِ بِالْكُمِّ أَيْضًا بَلْ يُجَدِّدُ الْوُضُوءَ كُلَّمَا أَحْدَثَ وَهَذَا أَقْرَبُ إلَى التَّعْظِيمِ قَالَ الْحَلْوَانِيُّ إنَّمَا نِلْت هَذَا الْعِلْمَ بِالتَّعْظِيمِ فَإِنِّي مَا أَخَذْت الْكَاغَدَ إلَّا بِطَهَارَةٍ وَالْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ كَانَ مَبْطُونًا فِي لَيْلَةٍ وَكَانَ يُكَرِّرُ دَرْسَ كِتَابِهِ فَتَوَضَّأَ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ سَبْعَ عَشْرَةَ مَرَّةً. (فُرُوعٌ) مِنْ التَّعْظِيمِ أَنْ لَا يَمُدَّ رِجْلَهُ إلَى الْكِتَابِ وَفِي التَّجْنِيسِ الْمُصْحَفُ إذَا صَارَ كُهْنًا أَيْ عَتِيقًا وَصَارَ بِحَالٍ لَا يُقْرَأُ فِيهِ وَخَافَ أَنْ يَضِيعَ يُجْعَلُ فِي خِرْقَةٍ طَاهِرَةٍ وَيُدْفَنُ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ إذَا مَاتَ يُدْفَنُ فَالْمُصْحَفُ إذَا صَارَ كَذَلِكَ كَانَ دَفْنُهُ أَفْضَلَ مِنْ وَضْعِهِ مَوْضِعًا يُخَافُ أَنْ تَقَعَ عَلَيْهِ النَّجَاسَةُ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ وَالنَّصْرَانِيُّ إذَا تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ يُعَلَّمُ وَالْفِقْهُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ عَسَى يَهْتَدِي لَكِنْ لَا يَمَسُّ الْمُصْحَفَ، وَإِذَا اغْتَسَلَ ثُمَّ مَسَّ لَا بَأْسَ بِهِ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَهُمَا يُمْنَعُ مِنْ مَسِّ الْمُصْحَفِ مُطْلَقًا، وَلَوْ كَانَ الْقُرْآنُ مَكْتُوبًا بِالْفَارِسِيَّةِ يَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ مَسُّهُ بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ الصَّحِيحُ، أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَظَاهِرٌ وَكَذَلِكَ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهُ قُرْآنٌ عِنْدَهُمَا حَتَّى يَتَعَلَّقُ بِهِ جَوَازُ الصَّلَاةِ فِي حَقِّ مَنْ لَا يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ اهـ. ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ وَفِي الْقُنْيَةِ اللُّغَةُ وَالنَّحْوُ نَوْعٌ وَاحِدٌ فَيُوضَعُ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ، وَالتَّعْبِيرُ فَوْقَهُمَا وَالْكَلَامُ فَوْقَ ذَلِكَ وَالْفِقْهُ فَوْقَ ذَلِكَ وَالْأَخْبَارُ وَالْمَوَاعِظُ وَالدَّعَوَاتُ الْمَرْوِيَّةُ فَوْقَ ذَلِكَ وَالتَّفْسِيرُ فَوْقَ ذَلِكَ وَالتَّفْسِيرُ الَّذِي فِيهِ آيَاتٌ مَكْتُوبَةٌ فَوْقَ كُتُبِ الْقِرَاءَةِ، بِسَاطٌ أَوْ غَيْرُهُ كُتِبَ عَلَيْهِ الْمُلْكُ لِلَّهِ يُكْرَهُ بَسْطُهُ وَاسْتِعْمَالُهُ إلَّا إذَا عُلِّقَ لِلزِّينَةِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُكْرَهَ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُكْرَهَ كَلَامُ النَّاسِ مُطْلَقًا وَقِيلَ يُكْرَهُ حَتَّى الْحُرُوفُ الْمُفْرَدَةُ وَرَأَى بَعْضُ الْأَئِمَّةِ شُبَّانًا يَرْمُونَ إلَى هَدَفٍ كُتِبَ فِيهِ أَبُو جَهْلٍ لَعَنَهُ اللَّهُ فَنَهَاهُمْ عَنْهُ، ثُمَّ مَرَّ بِهِمْ وَقَدْ قَطَعُوا الْحُرُوفَ فَنَهَاهُمْ أَيْضًا وَقَالَ إنَّمَا نَهَيْتُكُمْ فِي الِابْتِدَاءِ لِأَجْلِ الْحُرُوفِ فَإِذًا يُكْرَهُ مُجَرَّدُ الْحُرُوفِ لَكِنْ الْأَوَّلُ أَحْسَنُ وَأَوْسَعُ يَجُوزُ لِلْمُحْدِثِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مِنْ الْمُصْحَفِ تَقْلِيبُ الْأَوْرَاقِ بِقَلَمٍ أَوْ عُودٍ أَوْ سِكِّينٍ وَيَجُوزُ أَنْ يَقُولَ لِلصَّبِيِّ احْمِلْ إلَيَّ هَذَا الْمُصْحَفَ وَلَا يَجُوزُ لَفُّ شَيْءٍ فِي كَاغَدٍ فِيهِ مَكْتُوبٌ مِنْ الْفِقْهِ وَفِي الْكَلَامِ الْأَوْلَى أَنْ لَا يَفْعَلَ وَفِي كُتُبِ الطِّبِّ يَجُوزُ وَلَوْ كَانَ فِيهِ اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ اسْمُ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَيَجُوزُ مَحْوُهُ لِيُلَفَّ فِيهِ شَيْءٌ وَمَحْوُ بَعْضِ الْكِتَابَةِ   [منحة الخالق] عُلِمَ حُكْمُهُ مِمَّا نَقَلَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ عَنْ الذَّخِيرَةِ وَهُوَ عَدَمُ الْجَوَازِ حَتَّى لِلْمُحْدِثِ. (قَوْلُهُ: قُلْت لَا أَعْلَمُ فِيهِ مَنْقُولًا) قَدْ يُقَالُ يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا قَالَهُ الْعَلَّامَةُ الزَّيْلَعِيُّ وَلَا يَجُوزُ لَهُ مَسُّ الْمُصْحَفِ بِالثِّيَابِ الَّتِي يَلْبَسُهَا؛ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْبَدَنِ وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَجْلِسُ عَلَى الْأَرْضِ فَجَلَسَ عَلَيْهَا وَثِيَابُهُ حَائِلَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا وَهُوَ لَا بِسُهَا يَحْنَثُ، وَلَوْ قَامَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى النَّجَاسَةِ وَفِي رِجْلَيْهِ نَعْلَانِ أَوْ جَوْرَبَانِ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ بِخِلَافِ الْمُنْفَصِلِ عَنْهُ. اهـ. فَلْيُتَأَمَّلْ وَهَذَا يُفِيدُ أَنْ لَا يَجُوزَ حَمْلُهُ فِي جَيْبِهِ وَلَا وَضْعُهُ عَلَى رَأْسِهِ مَثَلًا بِدُونِ غِلَافٍ مُتَجَافٍ وَهَذَا مِمَّا يَغْفُلُ عَنْهُ كَثِيرٌ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 بِالرِّيقِ يَجُوزُ، وَقَدْ وَرَدَ النَّهْيُ فِي مَحْوِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْبُزَاقِ مَحَا لَوْحًا يَكْتُبُ فِيهِ الْقُرْآنَ وَاسْتَعْمَلَهُ فِي أَمْرِ الدُّنْيَا يَجُوزُ حَانُوتٌ أَوْ تَابُوتٌ فِيهِ كُتُبٌ فَالْأَدَبُ أَنْ لَا يَضَعَ الثِّيَابَ فَوْقَهُ، يَجُوزُ قُرْبَانُ الْمَرْأَةِ فِي بَيْتٍ فِيهِ مُصْحَفٌ مَسْتُورٌ يَجُوزُ رَمْيُ بُرَايَةِ الْقَلَمِ الْجَدِيدِ وَلَا يَرْمِي بُرَايَةَ الْقَلَمِ الْمُسْتَعْمَلِ لِاحْتِرَامِهِ كَحَشِيشِ الْمَسْجِدِ وَكُنَاسَتِهِ لَا تُلْقَى فِي مَوْضِعٍ يُخِلُّ بِالتَّعْظِيمِ اهـ. ذَكَرَهُ فِي الْكَرَاهِيَةِ وَتُكْرَهُ الْقِرَاءَةُ فِي الْمُخْرَجِ وَالْمُغْتَسَلِ وَالْحَمَّامِ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا بَأْسَ فِي الْحَمَّامِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ طَاهِرٌ عِنْدَهُ وَلَوْ كَانَتْ رُقْيَةٌ فِي غِلَافٍ مُتَجَافٍ لَمْ يُكْرَهْ دُخُولُ الْخَلَاءِ بِهِ وَالِاحْتِرَازُ عَنْ مِثْلِهِ أَفْضَلُ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي الْخُلَاصَةِ لَوْ كَانَ عَلَى خَاتَمِهِ اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى يُجْعَلُ الْفَصُّ إلَى بَاطِنِ الْكَفِّ اهـ. وَفِي التَّوْشِيحِ وَتُكْرَهُ الْمُسَافَرَةُ بِالْقُرْآنِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ صَوْنًا عَنْ وُقُوعِهِ فِي أَيْدِي الْكَفَرَةِ وَاسْتِخْفَافِهِ وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ الدِّرْهَمُ الْمَكْتُوبُ عَلَيْهِ آيَةٌ يُكْرَهُ إذَابَتُهُ إلَّا إذَا كَسَرَهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ حِينَئِذٍ وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ مَعْزِيًّا إلَى فَخْرِ الْإِسْلَامِ، فَإِنْ غَسَلَ الْجُنُبُ فَمَه لِيَقْرَأَ أَوْ يَدَهُ لِيَمَسَّ أَوْ غَسَلَ الْمُحْدِثُ يَدَهُ لِيَمَسَّ لَمْ يُطْلَقْ لَهُ الْمَسُّ وَلَا الْقِرَاءَةُ لِلْجُنُبِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الْجَنَابَةَ وَالْحَدَثَ لَا يَتَجَزَّآنِ وُجُودًا وَلَا زَوَالًا وَفِي الْخُلَاصَةِ إنَّمَا تُكْرَهُ الْقِرَاءَةُ فِي الْحَمَّامِ إذَا قَرَأَ جَهْرًا، فَإِنْ قَرَأَ فِي نَفْسِهِ لَا بَأْسَ بِهِ هُوَ الْمُخْتَارُ وَكَذَا التَّحْمِيدُ وَالتَّسْبِيحُ وَكَذَا لَا يَقْرَأُ إذَا كَانَتْ عَوْرَتُهُ مَكْشُوفَةً أَوْ امْرَأَتُهُ هُنَاكَ تَغْتَسِلُ مَكْشُوفَةً أَوْ فِي الْحَمَّامِ أَحَدٌ مَكْشُوفٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ. وَقَوْلُهُ (وَمَنَعَ الْحَدَثُ الْمَسَّ) أَيْ مَسَّ الْقُرْآنِ (وَمَنَعَهُمَا) أَيْ الْمَسَّ وَقِرَاءَةَ الْقُرْآنِ (الْجَنَابَةُ وَالنِّفَاسُ) ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ أَحْكَامِ النِّفَاسِ. (قَوْلُهُ: وَتُوطَأُ بِلَا غُسْلٍ بِتَصَرُّمٍ لِأَكْثَرِهِ) أَيْ وَيَحِلُّ وَطْءُ الْحَائِضِ إذَا انْقَطَعَ دَمُهَا الْعَشَرَةَ بِمُجَرَّدِ الِانْقِطَاعِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى اغْتِسَالِهَا وَقَالَ فِي الْمُغْرِبِ تَصَرَّمَ الْقِتَالُ انْقَطَعَ وَسَكَنَ (قَوْلُهُ: وَلِأَقَلِّهِ لَا حَتَّى تَغْتَسِلَ أَوْ يَمْضِيَ عَلَيْهَا أَدْنَى وَقْتِ صَلَاةٍ) . اعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ؛ لِأَنَّ الدَّمَ إمَّا يَنْقَطِعُ لِتَمَامِ الْعَشَرَةِ أَوْ دُونَهَا لِتَمَامِ الْعَادَةِ أَوْ دُونَهُمَا فَفِيمَا إذَا انْقَطَعَ لِتَمَامِ الْعَشَرَةِ يَحِلُّ وَطْؤُهَا بِمُجَرَّدِ الِانْقِطَاعِ وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ لَا يَطَأَهَا حَتَّى تَغْتَسِلَ، وَفِيمَا إذَا انْقَطَعَ لِمَا دُونَ الْعَشَرَةِ دُونَ عَادَتِهَا لَا يَقْرَبُهَا وَإِنْ اغْتَسَلَتْ مَا لَمْ تَمْضِ عَادَتُهَا، وَفِيمَا إذَا انْقَطَعَ لِلْأَقَلِّ لِتَمَامِ عَادَتِهَا إنْ اغْتَسَلَتْ أَوْ مَضَى عَلَيْهَا وَقْتُ صَلَاةٍ حَلَّ وَإِلَّا لَا وَكَذَا النِّفَاسُ إذَا انْقَطَعَ لِمَا دُونَ الْأَرْبَعِينَ لِتَمَامِ عَادَتِهَا، فَإِنْ اغْتَسَلَتْ أَوْ مَضَى الْوَقْتُ حَلَّ وَإِلَّا لَا، كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ وَطْؤُهَا حَتَّى تَغْتَسِلَ مُطْلَقًا عَمَلًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى " حَتَّى يَطَّهَّرْنَ " بِالتَّشْدِيدِ أَيْ يَغْتَسِلْنَ وَنَقَلَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ عَنْ زُفَرَ وَلَنَا أَنَّ فِي الْآيَةِ قِرَاءَتَيْنِ " يَطْهُرْنَ " بِالتَّخْفِيفِ " وَيَطَّهَّرْنَ " بِالتَّشْدِيدِ وَمُؤَدَّى الْأُولَى انْتِهَاءُ الْحُرْمَةِ الْعَارِضَةِ بِالِانْقِطَاعِ مُطْلَقًا وَإِذَا انْتَهَتْ الْحُرْمَةُ الْعَارِضَةُ عَلَى الْحِلِّ حَلَّتْ بِالضَّرُورَةِ وَمُؤَدَّى الثَّانِي عَدَمُ انْتِهَائِهَا عِنْدَهُ بَلْ بَعْدَ الِاغْتِسَالِ فَوَجَبَ الْجَمْعُ مَا أَمْكَنَ فَحَمَلْنَا الْأُولَى عَلَى الِانْقِطَاعِ لِأَكْثَرِ الْمُدَّةِ وَالثَّانِيَةَ عَلَيْهِ لِتَمَامِ الْعَادَةِ الَّتِي لَيْسَتْ أَكْثَرَ مُدَّةِ الْحَيْضِ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ؛ لِأَنَّ فِي تَوْقِيفِ قُرْبَانِهَا فِي الِانْقِطَاعِ لِلْأَكْثَرِ عَلَى الْغُسْلِ إنْزَالَهَا حَائِضًا حُكْمًا وَهُوَ مُنَافٍ لِحُكْمِ الشَّرْعِ عَلَيْهَا بِوُجُوبِ الصَّلَاةِ الْمُسْتَلْزِمِ إنْزَالَهُ إيَّاهَا طَاهِرَةً قَطْعًا بِخِلَافِ تَمَامِ الْعَادَةِ، فَإِنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَقْطَعْ عَلَيْهَا بِالطُّهْرِ بَلْ يَجُوزُ الْحَيْضُ بَعْدَهُ وَلِذَا لَوْ زَادَتْ وَلَمْ تُجَاوِزْ الْعَشَرَةَ كَانَ الْكُلُّ حَيْضًا بِالِاتِّفَاقِ، بَقِيَ أَنَّ مُقْتَضَى الثَّانِيَةِ ثُبُوتُ الْحُرْمَةِ قَبْلَ الْغُسْلِ فَرَفْعُ الْحُرْمَةِ قَبْلَهُ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ مُعَارَضَةٌ لِلنَّصِّ بِالْمَعْنَى وَالْجَوَابُ أَنَّ الْقِرَاءَةَ الثَّانِيَةَ خُصَّ مِنْهَا صُورَةُ الِانْقِطَاعِ لِلْعَشَرَةِ بِقِرَاءَةِ التَّخْفِيفِ فَجَازَ أَنْ تُخَصَّ ثَانِيًا بِالْمَعْنَى، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَعِبَارَتُهُ فِي التَّحْرِيرِ فِي فَصْلِ التَّعَارُضِ وَقِرَاءَتَيْ التَّشْدِيدِ فِي يَطَّهَّرْنَ الْمَانِعَةَ إلَى الْغُسْلِ وَالتَّخْفِيفِ إلَى الطُّهْرِ فَيَحِلُّ الْقُرْبَانُ قَبْلَهُ بِالْحِلِّ الَّذِي انْتَهَتْ حُرْمَتُهُ الْعَارِضَةُ بِحَمْلِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَقِرَاءَتَيْ التَّشْدِيدِ) بِالْيَاءِ عَلَامَةِ الْجَرِّ لِعِطْفِهِ عَلَى الْمَجْرُورِ فِي قَوْلِهِ فِي التَّحْرِيرِ وَمِنْهُ مَا بَيْنَ قِرَاءَتَيْ آيَةِ الْوُضُوءِ إلَخْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 تِلْكَ عَلَى مَا دُونَ الْأَكْثَرِ وَهَذِهِ عَلَيْهِ وَتَطَهَّرْنَ بِمَعْنَى طَهُرْنَ؛ لِأَنَّهُ يَأْتِي بِهِ كَتَكَبَّرَ وَتَعَظَّمَ فِي صِفَاتِهِ تَعَالَى مُحَافَظَةً عَلَى حَقِيقَةِ يَطْهُرْنَ بِالتَّخْفِيفِ وَكُلٌّ وَإِنْ كَانَ خِلَافَ الظَّاهِرِ لَكِنْ هَذَا أَقْرَبُ إذْ لَا يُوجِبُ تَأَخُّرَ حَقِّ الزَّوْجِ بَعْدَ الْقَطْعِ بِارْتِفَاعِ الْمَانِعِ. اهـ. فَقَوْلُهُ وَتَطَهَّرْنَ بِمَعْنَى طَهُرْنَ إلَى آخِرِهِ جَوَابُ سُؤَالٍ تَقْدِيرُهُ إنَّ هَذَا الْحَمْلَ يَرُدُّهُ قَوْله تَعَالَى {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} [البقرة: 222] فَإِنَّهُ لَمْ يُقْرَأْ إلَّا بِالتَّشْدِيدِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِأَدْنَى وَقْتِ الصَّلَاةِ أَدْنَاهُ الْوَاقِعُ آخِرًا أَعْنِي أَنْ تَطْهُرَ فِي وَقْتٍ مِنْهُ إلَى خُرُوجِهِ قَدْرَ الِاغْتِسَالِ وَالتَّحْرِيمُ لَا أَعَمُّ مِنْ هَذَا أَوْ مِنْ إنْ تَطَهَّرْنَ فِي أَوَّلِهِ وَيَمْضِي مِنْهُ هَذَا الْمِقْدَارُ؛ لِأَنَّ هَذَا لَا يُنْزِلُهَا طَاهِرَةً شَرْعًا كَمَا رَأَيْت بَعْضَهُمْ يَغْلَطُ فِيهِ، أَلَا تَرَى إلَى تَعْلِيلِهِمْ بِأَنَّ تِلْكَ الصَّلَاةَ صَارَتْ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهَا وَذَلِكَ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ وَلِذَا لَمْ يَذْكُرْ غَيْرُ وَاحِدٍ لَفْظَةَ أَدْنَى وَعِبَارَةُ الْكَافِي أَوْ تَصِيرُ الصَّلَاةُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهَا بِمُضِيِّ أَدْنَى وَقْتِ صَلَاةٍ بِقَدْرِ الْغُسْلِ وَالتَّحْرِيمَةِ بِأَنْ انْقَطَعَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَمَا قَالَهُ حَقٌّ فَقَدْ رَأَيْت أَيْضًا مَنْ يَغْلَطُ فِيهِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ مِنْ أَنَّ الِانْقِطَاعَ إذَا كَانَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ فَلَا يَجُوزُ قُرْبَانُهَا إلَّا بَعْدَ الِاغْتِسَالِ أَوْ بِمُضِيِّ جَمِيعِ الْوَقْتِ، وَإِذَا انْقَطَعَ فِي وَقْتِ صَلَاةٍ نَاقِصَةٍ كَصَلَاةِ الضُّحَى وَالْعِيدِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ وَطْؤُهَا حَتَّى تَغْتَسِلَ أَوْ يَمْضِيَ عَلَيْهَا وَقْتُ صَلَاةِ الظُّهْرِ. اهـ. وَإِنَّمَا عَبَّرَ بَعْضُهُمْ بِالْأَدْنَى وَلَمْ يَقُلْ مَضَى وَقْتُ صَلَاةٍ نَفْيًا لِمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ أَنَّ مُضِيَّ الْوَقْتِ كُلِّهِ وَالدَّمُ مُنْقَطِعٌ شَرْطٌ لِلْحِلِّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَلِهَذَا قَالَ كَثِيرٌ مِنْ الشَّارِحِينَ إنَّ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ الِانْقِطَاعُ آخِرَ الْوَقْتِ، فَالْحَاصِلُ أَنَّ الِانْقِطَاعَ إنْ كَانَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ أَوْ فِي أَثْنَائِهِ فَلَا بُدَّ لِلْحِلِّ مِنْ خُرُوجِ الْوَقْتِ، وَإِنْ كَانَ فِي آخِرِهِ فَإِنْ بَقِيَ مِنْهُ زَمَانٌ قَدْرُ الْغُسْلِ وَالتَّحْرِيمَةِ وَخَرَجَ الْوَقْتُ حَلَّ وَإِلَّا فَلَا، وَأَمَّا الثَّالِثُ وَهُوَ مَا إذَا كَانَ الِانْقِطَاعُ لِمَا دُونَ الْعَشَرَةِ لِأَقَلَّ مِنْ الْعَادَةِ فَوْقَ الثَّلَاثِ لَمْ يَقْرَبْهَا حَتَّى تَمْضِيَ عَادَتُهَا، وَإِنْ اغْتَسَلَتْ؛ لِأَنَّ الْعَوْدَ فِي الْعَادَاتِ غَالِبٌ فَكَانَ الِاحْتِيَاطُ فِي الِاجْتِنَابِ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَصِيغَةُ لَمْ يَقْرَبْهَا وَكَذَا التَّعْلِيلُ بِالِاحْتِيَاطِ فِي الِاجْتِنَابِ يَقْتَضِي حُرْمَةَ الْوَطْءِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَالْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ فِي النِّهَايَةِ وَالْكَافِي لِلنَّسَفِيِّ كَرَاهَةُ الْوَطْءِ، فَإِنْ أُرِيدَ بِالْكَرَاهَةِ التَّحْرِيمُ فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْعِبَارَتَيْنِ وَإِلَّا فَالْمُنَافَاةُ بَيْنَهُمَا ظَاهِرَةٌ وَفِي النِّهَايَةِ تَأْخِيرُ الْغُسْلِ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ الْمُسْتَحَبِّ مُسْتَحَبٌّ فِيمَا إذَا انْقَطَعَ لِتَمَامِ عَادَتِهَا وَفِيمَا إذَا انْقَطَعَ لِأَقَلِّهَا وَاجِبٌ وَفِي الْمَبْسُوطِ إذَا انْقَطَعَ لِأَقَلَّ مِنْ عَشَرَةٍ تَنْتَظِرُ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ الْمُسْتَحَبِّ دُونَ الْمَكْرُوهِ نَصَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ قَالَ: إذَا انْقَطَعَ فِي وَقْتِ الْعِشَاءِ تُؤَخِّرُ إلَى وَقْتٍ يُمْكِنُهَا أَنْ تَغْتَسِلَ فِيهِ وَتُصَلِّيَ قَبْلَ انْتِصَافِ اللَّيْلِ وَمَا بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ مَكْرُوهٌ اهـ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إنَّ حُكْمَ الثَّالِثِ خِلَافُ إنْهَاءِ الْحُرْمَةِ بِالْغُسْلِ الثَّابِتِ بِقِرَاءَةِ التَّشْدِيدِ فَهُوَ مُخَرَّجٌ مِنْهُ بِالْإِجْمَاعِ. اهـ. وَيُعَارِضُهُ مَا نَقَلَهُ فِي الْغَايَةِ عَنْ ابْنِ تَيْمِيَّةَ أَنَّهُ ذَكَرَ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهَا تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي وَلَا يَحْرُمُ وَطْؤُهَا كَمَا فِي شَرْحِ مَنْظُومَةِ ابْنِ وَهْبَانَ وَلَعَلَّهُ تَوَهَّمَ مِنْ قَوْلِ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ بِالْكَرَاهَةِ أَنَّهَا كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ فَنَقَلَ الْإِجْمَاعَ عَلَى عَدَمِ الْحُرْمَةِ وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ نَقْلُ الْإِجْمَاعِ مَعَ خِلَافِ الْحَنَفِيَّةِ كَمَا لَا يَخْفَى، وَفِي التَّجْنِيسِ مُسَافِرَةٌ طَهُرَتْ مِنْ الْحَيْضِ فَتَيَمَّمَتْ ثُمَّ وَجَدَتْ مَاءً جَازَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَقْرَبَهَا لَكِنْ لَا تَقْرَأُ الْقُرْآنَ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا تَيَمَّمَتْ خَرَجَتْ مِنْ الْحَيْضِ فَلَمَّا وَجَدَتْ الْمَاءَ فَإِنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهَا الْغُسْلُ فَصَارَتْ كَالْجُنُبِ اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ التَّيَمُّمَ مِنْ غَيْرِ صَلَاةٍ يُخْرِجُهَا مِنْ الْحَيْضِ فَيَجُوزُ قُرْبَانُهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَقَدْ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ وَلَمْ يَذْكُرْ يَعْنِي الْحَاكِمَ الشَّهِيدَ فِي الْكَافِي مَا إذَا تَيَمَّمَتْ وَلَمْ تُصَلِّ فَقِيلَ هُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ عِنْدَهُمَا لَيْسَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَقْرَبَهَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَهُ ذَلِكَ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْرَبَهَا عِنْدَهُمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا إنَّمَا جَعَلَ التَّيَمُّمَ كَالِاغْتِسَالِ فِيمَا هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الِاحْتِيَاطِ وَهُوَ قَطْعُ الرَّجْعَةِ وَالِاحْتِيَاطُ فِي الْوَطْءِ تَرْكُهُ فَلَمْ نَجْعَلْ التَّيَمُّمَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: فَقَوْلُهُ وَتَطَهَّرْنَ إلَخْ) بَيَانُهُ أَنَّهُ قَدْ يُقَالُ: إنَّمَا يَتِمُّ هَذَا التَّخَلُّصُ إنْ لَوْ قُرِئَ فَإِذَا طَهُرْنَ بِالتَّخْفِيفِ كَمَا قُرِئَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ بِالتَّشْدِيدِ لِيَكُونَ التَّخْفِيفُ مُوَافِقًا لِلتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدُ مُوَافِقًا لِلتَّشْدِيدِ وَلَمْ يُقْرَأْ فَثَبَتَ أَنَّ الْمُرَادَ الْجَمْعُ بَيْنَ الطُّهْرِ وَالِاغْتِسَالِ بِالْقِرَاءَتَيْنِ وَالْجَوَابُ بِالْمَنْعِ بِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا فِيهِمَا لِمَا مَرَّ مِنْ اللَّازِمِ الْمَمْنُوعِ فَيُحْمَلُ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فِي حَتَّى يَطْهُرْنَ بِالتَّخْفِيفِ عَلَى طَهُرْنَ بِالتَّخْفِيفِ أَيْضًا وَتَطَهَّرْنَ بِمَعْنَى طَهُرْنَ غَيْرُ مُسْتَنْكَرٍ فَإِنَّ تَفَعَّلَ يَجِيءُ بِمَعْنَى فَعُلَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَدُلَّ عَلَى صَنِيعٍ (قَوْلُهُ: وَفِي الْمَبْسُوطِ إذَا انْقَطَعَ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ انْقِطَاعِهِ لِأَقَلَّ مِنْ عَادَتِهَا أَوْ لِتَمَامِهَا، ثُمَّ قَوْلُهُ تَنْتَظِرُ ظَاهِرُهُ الْوُجُوبُ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَقَلِّ الْعَادَةِ لِيُوَافِقَ مَا فِي النِّهَايَةِ وَمَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ أَيْضًا حَيْثُ قَالَ قَالَ الْهِنْدُوَانِيُّ تَأَخُّرُ الِاغْتِسَالِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بِطَرِيقِ الِاسْتِحْبَابِ وَفِيمَا دُونَ عَادَتِهَا بِطَرِيقِ الْوُجُوبِ. اهـ. وَمِثْلُهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ لَكِنْ نَقَلَ فِي النَّهْرِ عَنْ النِّهَايَةِ مَا يُخَالِفُ نَقْلَ الْمُؤَلِّفِ عَنْهَا حَيْثُ قَالَ وَفِي النِّهَايَةِ وَتَأْخِيرُ الْغُسْلِ إلَى الْوَقْتِ الْمُسْتَحَبُّ فِيمَا إذَا انْقَطَعَ لِتَمَامِ عَادَتِهَا أَوْ لِأَقَلِّهَا وَاجِبٌ. اهـ. وَهَذَا يُوَافِقُ ظَاهِرَ كَلَامِ الْمَبْسُوطِ لَكِنْ رَأَيْت عِبَارَةَ النِّهَايَةِ كَمَا نَقَلَهُ الْمُؤَلِّفُ عَنْهَا وَالظَّاهِرُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 فِيهِ قَبْلَ تَأَكُّدِهِ بِالصَّلَاةِ كَالِاغْتِسَالِ كَمَا لَا يَفْعَلُهُ فِي الْحِلِّ لِلْأَزْوَاجِ. اهـ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يُوجِبُ حِلَّ وَطْئِهَا وَانْقِطَاعَ الرَّجْعَةِ وَحِلَّهَا لِلْأَزْوَاجِ إلَّا بِالصَّلَاةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ لَكِنْ قَالَ الْقَاضِي الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ يَقْرَبُهَا زَوْجُهَا، وَإِنْ لَمْ تُصَلِّ وَلَا تَتَزَوَّجُ بِزَوْجٍ آخَرَ مَا لَمْ تُصَلِّ وَفِي انْقِطَاعِ الرَّجْعَةِ الْخِلَافُ، وَفِي الْخُلَاصَةِ إذَا انْقَطَعَ دَمُ الْمَرْأَةِ دُونَ عَادَتِهَا الْمَعْرُوفَةِ فِي حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ اغْتَسَلَتْ حِينَ تَخَافُ فَوْتَ الصَّلَاةِ وَصَلَّتْ وَاجْتَنَبَ زَوْجُهَا قُرْبَانَهَا احْتِيَاطًا حَتَّى تَأْتِيَ عَلَى عَادَتِهَا لَكِنْ تَصُومُ رَمَضَانَ احْتِيَاطًا، وَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْحَيْضَةُ هِيَ الثَّالِثَةَ مِنْ الْعِدَّةِ انْقَطَعَتْ الرَّجْعَةُ احْتِيَاطًا وَلَا تَتَزَوَّجُ بِزَوْجٍ آخَرَ احْتِيَاطًا، فَإِنْ تَزَوَّجَهَا رَجُلٌ إنْ لَمْ يُعَاوِدْهَا الدَّمُ جَازَ، وَإِنْ عَاوَدَهَا إنْ كَانَ فِي الْعَشَرَةِ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى الْعَشَرَةِ فَسَدَ نِكَاحُ الثَّانِي وَكَذَا صَاحِبُ الِاسْتِبْرَاءِ يَجْتَنِبُهَا احْتِيَاطًا اهـ. قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَمَفْهُومُ التَّقْيِيدِ أَنَّهُ إذَا زَادَ لَا يَفْسُدُ وَمُرَادُهُ إذَا كَانَ الْعَوْدُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعَادَةِ، أَمَّا قَبْلَهَا فَيَفْسُدُ وَإِنْ زَادَ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ تُوجِبُ الرَّدَّ إلَى الْعَادَةِ وَالْفَرْضُ أَنَّهُ عَاوَدَهَا فِيهَا فَظَهَرَ أَنَّ النِّكَاحَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْحَيْضَةِ. وَاعْلَمْ أَنَّ مُدَّةَ الِاغْتِسَالِ مُعْتَبَرَةٌ مِنْ الْحَيْضِ فِي الِانْقِطَاعِ لِأَقَلَّ مِنْ الْعَشَرَةِ، وَإِنْ كَانَ تَمَامُ عَادَتِهَا بِخِلَافِ الِانْقِطَاعِ لِلْعَشَرَةِ حَتَّى لَوْ طَهُرَتْ فِي الْأُولَى وَالْبَاقِي قَدْرُ الْغُسْلِ وَالتَّحْرِيمَةِ فَعَلَيْهَا قَضَاءُ تِلْكَ الصَّلَاةِ وَلَوْ طَهُرَتْ فِي الثَّانِيَةِ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْبَاقِي قَدْرَ التَّحْرِيمَةِ فَقَطْ وَفِي الْمُجْتَبَى وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ مَعَ الْغُسْلِ لُبْسُ الثِّيَابِ وَهَكَذَا جَوَابُ صَوْمِهَا إذَا طَهُرَتْ قَبْلَ الْفَجْرِ لَكِنْ الْأَصَحُّ أَنْ لَا تُعْتَبَرَ التَّحْرِيمَةُ فِي حَقِّ الصَّوْمِ ثُمَّ قَالَ: قَالَ مَشَايِخُنَا زَمَانُ الْغُسْلِ مِنْ الطُّهْرِ فِي حَقِّ صَاحِبَةِ الْعَشَرَةِ وَمِنْ الْحَيْضِ فِيمَا دُونَهَا وَلَكِنْ مَا قَالُوا فِي حَقِّ الْقُرْبَانِ وَانْقِطَاعِ الرَّجْعَةِ وَجَوَازِ التَّزَوُّجِ بِزَوْجٍ آخَرَ لَا فِي حَقِّ جَمِيعِ الْأَحْكَامِ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا إذَا طَهُرَتْ عَقِبَ غَيْبُوبَةِ الشَّفَقِ ثُمَّ اغْتَسَلَتْ عِنْدَ الْفَجْرِ الْكَاذِبِ ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ فِي اللَّيْلَةِ السَّادِسَةَ عَشَرَ بَعْدَ زَوَالِ الشَّفَقِ فَهُوَ طُهْرٌ تَامٌّ، وَإِنْ لَمْ يَتِمَّ خَمْسَةَ عَشَرَ مِنْ وَقْتِ الِاغْتِسَالِ. اهـ. وَقَوْلُهُ الْأَصَحُّ أَنْ لَا يُعْتَبَرَ فِي الصَّوْمِ التَّحْرِيمَةُ ظَاهِرُهُ الِاكْتِفَاءُ بِمُضِيِّ زَمَانِ الْغُسْلِ وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَلَوْ انْقَطَعَ دَمُهَا فِي بَعْضِ لَيَالِي رَمَضَانَ، فَإِنْ وَجَدَتْ فِي اللَّيْلِ مِقْدَارَ مَا تَغْتَسِلُ وَيَبْقَى سَاعَةٌ مِنْ اللَّيْلِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهَا قَضَاءُ الْعِشَاءِ وَيَجُوزُ صَوْمُهَا مِنْ الْغَدِ، وَإِنْ بَقِيَ مِنْ اللَّيْلِ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا قَضَاءُ الْعِشَاءِ وَلَا يَجُوزُ صَوْمُهَا مِنْ الْغَدِ، وَفِي التَّوْشِيحِ إنْ كَانَتْ أَيَّامُهَا دُونَ الْعَشَرَةِ لَا يُجْزِئُهَا صَوْمُ هَذَا الْيَوْمِ إذَا لَمْ يَبْقَ مِنْ الْوَقْتِ قَدْرُ الِاغْتِسَالِ وَالتَّحْرِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِطَهَارَتِهَا إلَّا بِهَذَا، وَإِنْ بَقِيَ مِقْدَارُ الْغُسْلِ وَالتَّحْرِيمَةِ فَإِنَّهُ يُجْزِئُهَا صَوْمُهَا؛ لِأَنَّ الْعِشَاءَ صَارَتْ دَيْنًا عَلَيْهَا وَإِنَّهُ مِنْ حُكْمِ الطِّهَارَاتِ فَحُكِمَ بِطَهَارَتِهَا ضَرُورَةً. اهـ. وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ فِيمَا يَظْهَرُ وَفِي الْكَافِي لِلْحَاكِمِ وَلَوْ كَانَتْ نَصْرَانِيَّةً تَحْتَ مُسْلِمٍ فَانْقَطَعَ عَنْهَا الدَّمُ فِيمَا دُونَ الْعَشَرَةِ وَسِعَ الزَّوْجَ أَنْ يَطَأَهَا وَوَسِعَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ؛ لِأَنَّهُ لَا اغْتِسَالَ عَلَيْهَا لِعَدَمِ الْخِطَابِ وَهِيَ مُخَرَّجَةٌ مِنْ حَمْلِ قِرَاءَةِ التَّشْدِيدِ عَلَى مَا دُونَ الْأَكْثَرِ كَمَا لَا يَخْفَى، فَإِنْ أَسْلَمَتْ بَعْدَ الِانْقِطَاعِ لَا تَتَغَيَّرُ الْأَحْكَامُ؛ لِأَنَّا حَكَمْنَا بِخُرُوجِهَا مِنْ الْحَيْضِ بِنَفْسِ الِانْقِطَاعِ فَلَا يَعُودُ بِالْإِسْلَامِ بِخِلَافِ مَا إذَا عَاوَدَهَا الدَّمُ فَرُؤْيَةُ الدَّمِ مُؤَثِّرَةٌ فِي إثْبَاتِ الْحَيْضِ بِهِ ابْتِدَاءً فَكَذَلِكَ يَكُونُ مُؤَثِّرًا فِي الْبَقَاءِ بِخِلَافِ الْإِسْلَامِ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَفِي الْخُلَاصَةِ، فَإِنْ أَدْرَكَهَا الْحَيْضُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْوَقْتِ سَقَطَتْ الصَّلَاةُ عَنْهَا إنْ افْتَتَحَهَا وَأَجْمَعُوا أَنَّهَا إذَا طَهُرَتْ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ قَدْرُ مَا لَا يَسَعُ فِيهِ التَّحْرِيمَةُ لَا يَلْزَمُهَا قَضَاءُ هَذِهِ الصَّلَاةِ وَإِذَا أَدْرَكَهَا الْحَيْضُ بَعْدَ شُرُوعِهَا فِي التَّطَوُّعِ كَانَ عَلَيْهَا قَضَاءُ تِلْكَ الصَّلَاةِ إذَا طَهُرَتْ اهـ.   [منحة الخالق] أَنَّ أَلْ مِنْ الْمُسْتَحَبِّ فِي كَلَامِ النَّهْرِ زَائِدَةٌ مِنْ النُّسَّاخِ وَبِدُونِهَا تَتَوَافَقُ الْعِبَارَتَانِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الِانْقِطَاعِ لِلْعَشَرَةِ) أَيْ فَإِنَّهُ فِيهِ يَكُونُ زَمَنُ الْغُسْلِ مِنْ الطُّهْرِ فِيمَا إذَا انْقَطَعَ لِعَشَرَةٍ. (فَائِدَةٌ) حُكِيَ أَنَّ خَلَفَ بْنَ أَيُّوبَ أَرْسَلَ ابْنَهُ مِنْ بَلْخٍ إلَى بَغْدَادَ لِلتَّعَلُّمِ فَأَنْفَقَ عَلَيْهِ خَمْسِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَلَمَّا رَجَعَ قَالَ لَهُ مَا تَعَلَّمَتْ قَالَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ أَنَّ زَمَانَ الْغُسْلِ مِنْ الطُّهْرِ فِي حَقِّ صَاحِبَةِ الْعَشَرَةِ وَمِنْ الْحَيْضِ فِيمَا دُونَهَا قَالَ خَلَفٌ وَاَللَّهِ مَا ضَيَّعْت سَفَرَك، كَذَا فِي الْكِفَايَةِ. اهـ. زَادَهُ عَلَى الشِّرْعَةِ (قَوْلُهُ: وَهَكَذَا جَوَابُ صَوْمِهَا إذَا طَهُرَتْ إلَخْ) أَيْ إذَا طَهُرَتْ قَبْلَ الْفَجْرِ لِأَقَلَّ مِنْ عَشَرَةٍ وَالْبَاقِي قَدْرُ الْغُسْلِ وَالتَّحْرِيمَةِ جَازَ لَهَا صَوْمُ الْيَوْمِ وَعَلَيْهَا قَضَاءُ الْعِشَاءِ وَإِلَّا فَلَا. (قَوْلُهُ: وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ فِيمَا يَظْهَرُ) قَالَ فِي النَّهْرِ فِيهِ نَظَرٌ وَلَمْ يُبَيِّنْ وَجْهَهُ وَلَعَلَّ وَجْهَهُ ظُهُورُ الْفَرْقِ بَيْنَ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ، فَإِنَّ الصَّلَاةَ لَا تَجِبُ مَا لَمْ تُدْرِكْ جُزْءًا مِنْ الْوَقْتِ يَسَعُ التَّحْرِيمَةَ بِخِلَافِ الصَّوْمِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ فِيهِ إنْشَاءُ النِّيَّةِ بَعْدَ الْفَجْرِ وَهِيَ حِينَ طُلُوعِ الْفَجْرِ كَانَتْ طَاهِرَةً فَتَصِحُّ نِيَّتُهَا وَيَسْقُطُ عَنْهَا بِلَا لُزُومِ قَضَاءٍ لَكِنْ فِي الزَّيْلَعِيِّ وَإِمْدَادِ الْفَتَّاحِ مَا يُؤَيِّدُ كَلَامَ الْمُؤَلِّفِ حَيْثُ قَالَا، وَلِذَا لَوْ طَهُرَتْ قَبْلَ الصُّبْحِ بِأَقَلَّ مِنْ وَقْتٍ يَسَعُ الْغُسْلَ مَعَ التَّحْرِيمَةِ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا صَلَاةُ الْعِشَاءِ وَلَا يَصِحُّ صَوْمُهَا ذَلِكَ الْيَوْمَ كَأَنَّهَا أَصْبَحَتْ وَهِيَ حَائِضٌ وَلَكِنْ عَلَيْهَا الْإِمْسَاكُ تَشَبُّهًا وَتَقْضِيهِ. اهـ. وَوَجْهُهُ أَنَّهُ لَمَّا جُعِلَتْ التَّحْرِيمَةُ فِي الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ مِنْ الْحَيْضِ وَلَمْ تُدْرِكْ مَا يَسَعُهَا لَمْ يُحْكَمْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 وَكَذَا إذَا شَرَعَتْ فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ ثُمَّ حَاضَتْ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهَا قَضَاؤُهُ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ ذَكَرَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ الصَّوْمِ، وَكَذَا فِي النِّهَايَةِ وَكَذَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ هُنَا فَتَبَيَّنَ أَنَّ مَا فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا غَيْرُ صَحِيحٍ. (قَوْلُهُ وَالطُّهْرُ بَيْنَ الدَّمَيْنِ فِي الْمُدَّةِ حَيْضٌ وَنِفَاسٌ) يَعْنِي أَنَّ الطُّهْرَ الْمُتَخَلِّلَ بَيْنَ دَمَيْنِ وَالدَّمَانِ فِي مُدَّةِ الْحَيْضِ أَوْ فِي مُدَّةِ النِّفَاسِ يَكُونُ حَيْضًا فِي الْأَوَّلِ وَنِفَاسًا فِي الثَّانِي. اعْلَمْ أَنَّ خَمْسَةً مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُمْ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَزُفَرُ وَالْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ وَابْنُ الْمُبَارَكِ رَوَى كُلٌّ مِنْهُمْ عَنْهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ رِوَايَةً إلَّا مُحَمَّدًا فَإِنَّهُ رَوَى عَنْهُ رِوَايَتَيْنِ وَأَخَذَ بِإِحْدَاهُمَا فَالْأَصْلُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ الْآخَرُ عَلَى مَا فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّ الطُّهْرَ الْمُتَخَلِّلَ بَيْنَ الدَّمَيْنِ إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لَا يَصِيرُ فَاصِلَا بَلْ يُجْعَلُ كَالدَّمِ الْمُتَوَالِي؛ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ لِلْفَصْلِ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ فَلَا يَصْلُحُ لِلْفَصْلِ بَيْنَ الدَّمَيْنِ، وَإِنْ كَانَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَصَاعِدًا يَكُونُ فَاصِلًا لَكِنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ إلَّا فِي مُدَّةِ النِّفَاسِ، ثُمَّ إنْ كَانَ فِي أَحَدِ طَرَفَيْهِ مَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ حَيْضًا فَهُوَ حَيْضٌ وَإِلَّا فَهُوَ اسْتِحَاضَةٌ ثُمَّ يُنْظَرُ إنْ كَانَ لَا يَزِيدُ عَلَى الْعَشَرَةِ فَهُوَ حَيْضٌ كُلُّهُ مَا رَأَتْ الدَّمَ فِيهِ وَمَا لَمْ تَرَهُ وَسَوَاءٌ كَانَتْ مُبْتَدَأَةً أَوْ لَا وَمَا سِوَاهُ فَدَمُ اسْتِحَاضَةٍ وَطُهْرُهُ طُهْرٌ وَوَافَقَ مُحَمَّدٌ أَبَا يُوسُفَ فِي الطُّهْرِ الْمُتَخَلِّلِ فِي مُدَّةِ النِّفَاسِ إنْ كَانَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَصَلَ بَيْنَ الدَّمَيْنِ فَيُجْعَلُ الْأَوَّلُ نِفَاسًا وَالثَّانِي حَيْضًا إنْ أَمْكَنَ بِأَنْ كَانَ ثَلَاثَةً بِلِيَالِهَا فَصَاعِدًا أَوْ يَوْمَيْنِ وَأَكْثَرَ الثَّالِثِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَإِلَّا كَانَ اسْتِحَاضَةً وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يُفْصَلُ وَيُجْعَلُ إحَاطَةُ الدَّمِ بِطَرَفَيْهِ كَالدَّمِ الْمُتَوَالِي فَلَوْ رَأَتْ بَعْدَ الْوِلَادَةِ يَوْمًا دَمًا وَثَمَانِيَةً وَثَلَاثِينَ طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا فَالْأَرْبَعُونَ نِفَاسٌ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا نِفَاسُهَا الدَّمُ الْأَوَّلُ وَمِنْ أَصْلِ أَبِي يُوسُفَ أَيْضًا أَنَّهُ يُجَوِّزُ بِدَايَةَ الْحَيْضِ بِالطُّهْرِ وَخَتْمَهُ بِهِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ دَمٌ وَيُجْعَلُ الطُّهْرُ بِإِحَاطَةِ الدَّمَيْنِ بِهِ حَيْضًا وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ دَمٌ وَلَمْ يَكُنْ بَعْدَهُ دَمٌ يَجُوزُ بِدَايَةُ الْحَيْضِ بِالطُّهْرِ وَلَا يَجُوزُ خَتْمُهُ بِهِ، وَعَلَى عَكْسِهِ بِأَنْ كَانَ بَعْدَهُ دَمٌ وَلَمْ يَكُنْ قَبْلَهُ دَمٌ يَجُوزُ خَتْمُ الْحَيْضِ بِالطُّهْرِ وَلَا يَجُوزُ بِدَايَتُهُ بِهِ فَلَوْ رَأَتْ مُبْتَدَأَةٌ يَوْمًا وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ طُهْرًا أَوْ يَوْمًا دَمًا كَانَتْ الْعَشَرَةُ الْأُولَى حَيْضًا يُحْكَمُ بِبُلُوغِهَا، وَلَوْ رَأَتْ الْمُعْتَادَةُ قَبْلَ عَادَتِهَا يَوْمًا دَمًا وَعَشَرَةً طُهْرًا أَوْ يَوْمًا دَمًا فَالْعَشَرَةُ الَّتِي لَمْ تَرَ فِيهَا الدَّمَ حَيْضٌ إنْ كَانَتْ عَادَتُهَا الْعَشَرَةَ، فَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ رُدَّتْ إلَى أَيَّامِ عَادَتِهَا وَالْأَخْذُ بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَيْسَرُ وَكَثِيرٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ أَفْتَوْا بِهِ؛ لِأَنَّهُ أَسْهَلُ عَلَى الْمُفْتِي وَالْمُسْتَفْتِي؛ لِأَنَّ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَغَيْرِهِ تَفَاصِيلَ يُحْرَجُ النَّاسُ فِي ضَبْطِهَا، وَقَدْ ثَبَتَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا خُيِّرَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إلَّا اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا» وَرَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الشَّرْطَ أَنْ يَكُونَ الدَّمُ مُحِيطًا بِطَرَفَيْ الْعَشَرَةِ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ الطُّهْرُ الْمُتَخَلِّلُ فَاصِلًا بَيْنَ الدَّمَيْنِ وَإِلَّا كَانَ فَاصِلًا، فَلَوْ رَأَتْ مُبْتَدَأَةٌ يَوْمًا دَمًا وَثَمَانِيَةً   [منحة الخالق] عَلَيْهَا بِالطَّهَارَةِ، وَلَوْ قُلْنَا بِوُجُوبِ الصَّوْمِ لَزِمَ الْحُكْمُ عَلَيْهَا بِالطَّهَارَةِ وَلَزِمَ مِنْهُ جَوَازُ وَطْئِهَا؛ لِأَنَّهَا طَاهِرَةٌ حُكْمًا (قَوْلُهُ فَتَبَيَّنَ أَنَّ مَا فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ إلَخْ) وَذَلِكَ حَيْثُ قَالَ وَالصَّائِمَةُ إذَا حَاضَتْ فِي النَّهَارِ، فَإِنْ كَانَ فِي آخِرِهِ بَطَلَ صَوْمُهَا فَيَجِبُ قَضَاؤُهُ إنْ كَانَ وَاجِبًا وَإِنْ كَانَ نَفْلًا لَا بِخِلَافِ صَلَاةِ النَّفْلِ إذَا حَاضَتْ فِي خِلَالِهَا. اهـ. يَعْنِي: يَجِبُ عَلَيْهَا قَضَاؤُهَا إذَا حَاضَتْ فِيهَا فَفَرَّقَ بَيْنَ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ. (قَوْلُهُ: لَكِنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ إلَّا فِي مُدَّةِ النِّفَاسِ) فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ يُتَصَوَّرُ فَصْلُهُ فِي الْحَيْضِ بِأَنْ يَجْعَلَ مَا قَبْلَهُ حَيْضًا وَمَا بَعْدَهُ كَذَلِكَ إنْ بَلَغَ أَقَلُّهُ وَلَمْ يُقَيِّدْ فَصْلَهُ بِمُدَّةِ الْحَيْضِ حَتَّى يُقَالَ لَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِي الْحَيْضِ بَلْ الْكَلَامُ فِي تَخَلُّلِهِ بَيْنَ الدَّمَيْنِ وَلِهَذَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَالَ فِي الشرنبلالية بَعْدَ نَقْلِهِ لِعِبَارَةِ الْمُؤَلِّفِ فَرَاجِعْهُ مُتَأَمِّلًا وَلَعَلَّهُ قَالَ بِتَخْصِيصِهِ بِمُدَّةِ النِّفَاسِ لِيُمْكِنَ فِيهِ بَيَانُ الِاخْتِلَافِ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ يَشْتَرِطُ كَوْنَهُ فِي مُدَّةِ الْحَيْضِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ إنْ كَانَ فِي أَحَدِ طَرَفَيْهِ) أَيْ طَرَفَيْ الطُّهْرِ الَّذِي هُوَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَصَاعِدًا وَقَوْلُهُ ثُمَّ يَنْظُرُ إنْ كَانَ إلَخْ أَيْ الطُّهْرُ النَّاقِصُ عَنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا. (قَوْلُهُ: وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَخْ) قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الطُّهْرُ الْمُتَخَلِّلُ بَيْنَ الْأَرْبَعِينَ فِي النِّفَاسِ لَا يُعْتَبَرُ فَاصِلًا بَيْنَ الدَّمَيْنِ سَوَاءٌ كَانَ خَمْسَةَ عَشَرَ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ وَيُجْعَلُ إحَاطَةُ الدَّمَيْنِ بِطَرَفَيْهِ كَالدَّمِ الْمُتَوَالِي وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَقَالَا لَوْ خَمْسَةَ عَشَرَ فُصِلَ وَمُحَمَّدٌ يَجْعَلُ الطُّهْرَ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ فَاصِلًا فِي الْحَيْضِ بَيْنَ الدَّمَيْنِ لَا فِي الْأَرْبَعِينَ، ثُمَّ ذَكَرَ الصُّورَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُؤَلِّفُ ثُمَّ قَالَ وَلَوْ رَأَتْ مُبَتَدَأَةٌ بَلَغَتْ بِالْحَبَلِ بَعْدَ الْوِلَادَةِ خَمْسَةً دَمًا ثُمَّ خَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا ثُمَّ خَمْسَةً دَمًا ثُمَّ خَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا ثُمَّ اسْتَمَرَّ الدَّمُ فَعِنْدَهُمَا نِفَاسُهَا الْخَمْسَةُ وَطُهْرُهَا خَمْسَةَ عَشَرَ وَحَيْضُهَا الْخَمْسَةُ الثَّانِيَةُ وَعِنْدَهُ نِفَاسُهَا خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ وَتَمَامُهُ فِيهَا فَرَاجِعْهَا. (قَوْلُهُ: وَيُجْعَلُ الطُّهْرُ) هَذَا أَصْلٌ آخَرُ كَمَا فِي النِّهَايَةِ. (قَوْلُهُ: وَرَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الشَّرْطَ إلَخْ) وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ لَا يَجُوزُ بِدَايَةُ الْحَيْضِ وَلَا خَتْمُهُ بِالطُّهْرِ قَالَ؛ لِأَنَّ ضِدَّ الْحَيْضِ الطُّهْرُ وَلَا يَبْدَأُ الشَّيْءُ بِمَا يُضَادُّهُ وَلَا يُخْتَمُ بِهِ وَلَكِنْ الْمُتَخَلِّلُ بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ يُجْعَلُ تَبَعًا لَهُمَا كَمَا فِي الزَّكَاةِ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا فَالْعَشَرَةُ حَيْضٌ يُحْكَمُ بِبُلُوغِهَا، وَلَوْ كَانَتْ مُعْتَادَةً فَرَأَتْ قَبْلَ عَادَتِهَا يَوْمًا دَمًا وَتِسْعَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا لَا يَكُونُ شَيْءٌ مِنْهُ حَيْضًا وَوَجْهُهُ أَنَّ اسْتِيعَابَ الدَّمِ لَيْسَ بِشَرْطٍ إجْمَاعًا فَيُعْتَبَرُ أَوَّلُهُ وَآخِرُهُ كَالنِّصَابِ فِي بَابِ الزَّكَاةِ وَقَدْ اخْتَارَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ أَصْحَابُ الْمُتُونِ لَكِنْ لَمْ تُصَحَّحْ فِي الشُّرُوحِ كَمَا لَا يَخْفَى وَلَعَلَّهُ لِضَعْفِ وَجْهِهَا فَإِنَّ قِيَاسَهَا عَلَى النِّصَابِ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الدَّمَ مُنْقَطِعٌ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ بِالْكُلِّيَّةِ وَفِي الْمَقِيسِ عَلَيْهِ يُشْتَرَطُ بَقَاءُ جُزْءٍ مِنْ النِّصَابِ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ، وَإِنَّمَا الَّذِي اُشْتُرِطَ وُجُودُهُ فِي الِابْتِدَاءِ وَالِانْتِهَاءِ تَمَامُهُ، وَرَوَى ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ الدَّمُ فِي الْعَشَرَةِ مِثْلَ أَقَلِّهِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الْحَيْضَ لَا يَكُونُ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَهُوَ اسْمٌ لِلدَّمِ فَإِذَا بَلَغَ الْمَرْئِيُّ هَذَا الْمِقْدَارَ كَانَ قَوِيًّا فِي نَفْسِهِ فَجُعِلَ أَصْلًا وَمَا يَتَخَلَّلُهُ مِنْ الطُّهْرِ تَبَعٌ لَهُ، وَإِنْ كَانَ الدَّمُ دُونَ هَذَا كَانَ ضَعِيفًا فِي نَفْسِهِ لَا حُكْمَ لَهُ إذَا انْفَرَدَ فَلَا يُمْكِنُ جَعْلُ زَمَانِ الطُّهْرِ تَبَعًا لَهُ فَلَوْ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَثَمَانِيَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْهُ حَيْضًا وَقَالَ مُحَمَّدٌ الطُّهْرُ الْمُتَخَلِّلُ إنْ نَقَصَ عَنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَوْ بِسَاعَةٍ لَا يُفْصَلُ اعْتِبَارًا بِالْحَيْضِ، فَإِنْ كَانَ ثَلَاثَةً فَصَاعِدًا، فَإِنْ كَانَ مِثْلَ الدَّمَيْنِ أَوْ أَقَلَّ فَكَذَلِكَ تَغْلِيبًا لِلْمُحَرَّمَاتِ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الدَّمِ يُوجِبُ حُرْمَتَهَا وَاعْتِبَارُ الطُّهْرِ يُوجِبُ حِلَّهَا فَغَلَبَ الْحَرَامُ الْحَلَالَ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ فُصِلَ ثُمَّ يُنْظَرُ إنْ كَانَ فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ مَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ حَيْضًا فَهُوَ حَيْضٌ وَالْآخَرُ اسْتِحَاضَةٌ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ فَالْكُلُّ اسْتِحَاضَةٌ وَلَا يُمْكِنُ كَوْنُ كُلٍّ مِنْ الْمُحْتَوِشَيْنِ حَيْضًا؛ لِأَنَّ الطُّهْرَ حِينَئِذٍ أَقَلُّ مِنْ الدَّمَيْنِ إلَّا إذَا زَادَ عَلَى الْعَشَرَةِ فَيُجْعَلُ الْأَوَّلُ حَيْضًا لِسَبْقِهِ لَا الثَّانِي وَمِنْ أَصْلِهِ أَنْ لَا يَبْدَأَ الْحَيْضُ بِالطُّهْرِ وَلَا يُخْتَمُ بِهِ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ دَمٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَلَا يُجْعَلُ زَمَانُ الطُّهْرِ زَمَانَ الْحَيْضِ بِإِحَاطَةِ الدَّمَيْنِ بِهِ وَلَوْ رَأَتْ مُبْتَدَأَةٌ يَوْمًا دَمًا وَيَوْمَيْنِ طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا فَالْأَرْبَعَةُ حَيْضٌ، وَلَوْ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَثَلَاثَةً طُهْرًا أَوْ يَوْمَيْنِ دَمًا فَالسِّتَّةُ حَيْضٌ لِلِاسْتِوَاءِ وَلَوْ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَخَمْسَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا لَا يَكُونُ حَيْضًا لِغَلَبَةِ الطُّهْرِ، وَلَوْ رَأَتْ ثَلَاثَةً دَمًا وَخَمْسَةً طُهْرًا أَوْ يَوْمًا دَمًا فَالثَّلَاثَةُ حَيْضٌ لِغَلَبَةِ الطُّهْرِ فَصَارَ فَاصِلًا وَالْمُتَقَدِّمُ أَمْكَنَ جَعْلُهُ حَيْضًا، وَلَوْ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَخَمْسَةً طُهْرًا وَثَلَاثَةً دَمًا فَالْأَخِيرُ حَيْضٌ لِمَا تَقَدَّمَ، وَلَوْ رَأَتْ ثَلَاثَةً دَمًا وَسِتَّةً طُهْرًا وَثَلَاثَةً دَمًا فَحَيْضُهَا الثَّلَاثَةُ الْأُوَلُ لِسَبْقِهَا وَلَا تَكُونُ الْعَشَرَةُ حَيْضًا لِغَلَبَةِ الطُّهْرِ فِيهَا، وَإِنْ كَانَ مُسَاوِيًا بِاعْتِبَارِ الزَّائِدِ عَلَيْهَا، وَقَدْ صُحِّحَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْمُحِيطِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى لَكِنْ قَالَ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الْأَوْلَى الْإِفْتَاءُ بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لِمَا قَدَّمْنَاهُ، وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ جَعَلَ قَوْلَ مُحَمَّدٍ رِوَايَةً عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فَثَبَتَ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ رِوَايَتَيْنِ أَخَذَ بِإِحْدَاهُمَا وَرَوَى زُفَرُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا إذَا رَأَتْ فِي طَرَفَيْ الْعَشَرَةِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ دَمًا فَهِيَ حَيْضٌ وَإِلَّا فَلَا ذَكَرَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ فِي التَّوْشِيحِ وَالْمِعْرَاجِ وَالْخَبَّازِيَّةِ إلَّا أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْمَبْسُوطِ وَأَكْثَرِ الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ أَنَّ قَوْلَ زُفَرَ رِوَايَةُ ابْنِ الْمُبَارَكِ الْمُتَقَدِّمَةُ وَلَمْ يَذْكُرُوا لَهُ رِوَايَةً عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ لَا تُخَالِفُ رِوَايَةَ ابْنِ الْمُبَارَكِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ تُفِيدُ اشْتِرَاطَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: فَإِنَّ قِيَاسَهَا عَلَى النِّصَابِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ هَذَا قِيَاسٌ بَلْ تَنْظِيرٌ وَلَئِنْ سُلِّمَ فَالدَّمُ مَوْجُودٌ حُكْمًا وَإِنْ انْعَدَمَ حِسًّا بِدَلِيلِ ثُبُوتِ أَحْكَامِ الْحَيْضِ كُلِّهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَاعْتِمَادُ أَصْحَابِ الْمُتُونِ عَلَى شَيْءٍ تَرْجِيحٌ لَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَ مِثْلَ الدَّمَيْنِ) أَيْ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ الدَّمَانِ فِي الْعَشَرَةِ كَمَا فِي السِّرَاجِ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ يُنْظَرُ إنْ كَانَ إلَخْ) أَيْ يُنْظَرُ إنْ أَمْكَنَ أَنْ يُجْعَلَ أَحَدُهُمَا بِانْفِرَادِهِ حَيْضًا، إمَّا الْمُتَقَدِّمُ أَوْ الْمُتَأَخِّرُ يُجْعَلُ ذَلِكَ حَيْضًا قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يُجْعَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَيْضًا بِانْفِرَادِهِ يُجْعَلُ الْحَيْضُ أَسْرَعَهُمَا إمْكَانًا وَلَا يَكُونُ كِلَاهُمَا حَيْضًا إذَا لَمْ يَتَخَلَّلْهُمَا طُهْرٌ تَامٌّ. اهـ. وَهَذَا حَاصِلُ قَوْلِهِ الْآتِي وَلَا يُمْكِنُ كَوْنُ كُلٍّ مِنْ الْمُحْتَوِشَيْنِ حَيْضًا إلَخْ وَفِي النَّهْرِ وَاخْتُلِفَ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ فِيمَا إذَا اجْتَمَعَ طُهْرَانِ مُعْتَبَرَانِ وَصَارَ أَحَدُهُمَا حَيْضًا لِاسْتِوَاءِ الدَّمِ بِطَرَفَيْهِ حَتَّى صَارَ كَالْمُتَوَالِي كَمَا إذَا رَأَتْ يَوْمَيْنِ دَمًا وَثَلَاثَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا وَثَلَاثَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا فَقِيلَ يَتَعَدَّى إلَى الطَّرَفِ الْآخَرِ فَيَصِيرُ الْكُلُّ حَيْضًا وَقِيلَ لَا وَهُوَ الْأَصَحُّ. (قَوْلُهُ: وَلَا يُمْكِنُ كَوْنُ كُلٍّ مِنْ الْمُحْتَوِشَيْنِ حَيْضًا) كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ مُبْتَدَأَةٌ لَيْسَتْ مُرْتَبِطَةً بِقَوْلِهِ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ وَمَعْنَاهَا أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي طَرَفَيْ الطُّهْرِ نِصَابَا حَيْضٍ لَا يُمْكِنُ جَعْلُ كُلٍّ مِنْهُمَا حَيْضًا؛ لِأَنَّ الدَّمَيْنِ إذَا كَانَا فِي الْعَشَرَةِ فَأَكْثَرَ طُهْرٌ يُمْكِنُ وُقُوعُهُ بَيْنَهُمَا أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ وَهِيَ أَقَلُّ مِنْ الدَّمَيْنِ فَلَا تُوجِبُ الْفَصْلَ إلَّا إذَا زَادَ عَلَى الْعَشَرَةِ فَيُجْعَلُ الْأَوَّلُ حَيْضًا لِسَبْقِهِ لَا الثَّانِي وَلَكِنْ هَذَا إذَا لَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ الدَّمَيْنِ طُهْرٌ تَامٌّ وَإِلَّا فَيُجْعَلُ كُلٌّ مِنْهُمَا حَيْضًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ النِّهَايَةِ. (قَوْلُهُ: فَالْأَرْبَعَةُ حَيْضٌ) أَيْ لِأَنَّ الطُّهْرَ الْمُتَخَلِّلَ دُونَ الثَّلَاثِ. (قَوْلُهُ: وَلَا تَكُونُ الْعَشَرَةُ حَيْضًا إلَخْ) إشَارَةٌ إلَى دَفْعِ مَا يُقَالُ إنَّهُ قَدْ اسْتَوَى الدَّمُ بِالطُّهْرِ هُنَا فَلِمَ لَمْ يُجْعَلْ كَالدَّمِ الْمُتَوَالِي، وَبَيَانُ الْجَوَابِ أَنَّ اسْتِوَاءَ الدَّمِ بِالطُّهْرِ إنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي مُدَّةِ الْحَيْضِ وَأَكْثَرُ الْحَيْضِ عَشْرَةٌ ثَلَاثَةٌ دَمٌ وَسِتَّةٌ طُهْرٌ وَيَوْمٌ دَمٌ فَكَانَ الطُّهْرُ غَالِبًا فَلِهَذَا صَارَ فَاصِلًا. (قَوْلُهُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ إلَخْ) قَالَ الْعَلَّامَةُ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ النَّابُلُسِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى الدُّرَرِ وَالْغُرَرِ فِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّ الِاشْتِرَاطَ الْمُفَادَ عَيْنُ الْمُخَالَفَةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 وُجُودِ الدَّمِ فِي الْعَشَرَةِ وَرِوَايَةُ ابْنِ الْمُبَارَكِ لَا تُفِيدُ إلَّا اشْتِرَاطَ وُجُودِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ دَمًا وَلَوْ فِي طَرَفٍ وَاحِدٍ. وَرَوَى الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إنْ نَقَصَ الطُّهْرُ عَنْ ثَلَاثَةٍ لَمْ يُفْصَلْ، وَإِنْ كَانَ ثَلَاثَةً فُصِّلَ كَيْفَمَا كَانَ ثُمَّ يُنْظَرُ إنْ أَمْكَنَ أَنْ يُجْعَلَ أَحَدُهُمَا بِانْفِرَادِهِ حَيْضًا يُجْعَلُ ذَلِكَ حَيْضًا كَمَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ، وَإِنَّمَا خَالَفَهُ فِي أَصْلٍ وَاحِدٍ وَهُوَ أَنَّهُ لَمْ يَعْتَبِرْ غَلَبَةَ الدَّمِ وَلَا مُسَاوَاتَهُ بِالطُّهْرِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فَرَّعَ عَلَى هَذِهِ الْأُصُولِ رَأَتْ يَوْمَيْنِ دَمًا وَخَمْسَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا وَيَوْمَيْنِ طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الْعَشَرَةُ الْأُولَى حَيْضٌ إنْ كَانَتْ عَادَتَهَا أَوْ مُبْتَدَأَةً؛ لِأَنَّ الْحَيْضَ يُخْتَمُ بِالطُّهْرِ، وَإِنْ كَانَتْ مُعْتَادَةً فَعَادَتُهَا فَقَطْ لِمُجَاوَزَةِ الدَّمِ الْعَشَرَةَ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ الْأَرْبَعَةُ الْأَخِيرَةُ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ تَعَذُّرَ جَعْلَ الْعَشَرَةِ حَيْضًا لِاخْتِتَامِهَا بِالطُّهْرِ وَتَعَذُّرَ جَعْلُ مَا قَبْلَ الطُّهْرِ الثَّانِي حَيْضًا؛ لِأَنَّ الْغَلَبَةَ فِيهِ لِلطُّهْرِ فَطَرَحْنَا الدَّمَ الْأَوَّلَ وَالطُّهْرَ الْأَوَّلَ فَبَقِيَ بَعْدَهُ يَوْمٌ دَمٌ وَيَوْمَانِ طُهْرٌ وَيَوْمٌ دَمٌ وَالطُّهْرُ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةٍ فَجَعَلْنَا الْأَرْبَعَةَ حَيْضًا. وَعِنْدَ زُفَرَ الثَّمَانِيَةُ حَيْضٌ لِاشْتِرَاطِهِ كَوْنَ الدَّمِ ثَلَاثَةً فِي الْعَشَرَةِ وَلَا يُخْتَمُ عِنْدَهُ بِالطُّهْرِ، وَقَدْ وُجِدَ أَرْبَعَةٌ دَمًا وَكَذَلِكَ هُوَ أَيْضًا رِوَايَةُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لِخُرُوجِ الدَّمِ الثَّانِي عَنْ الْعَشَرَةِ. (فَرْعٌ آخَرُ) عَادَتُهَا عَشَرَةٌ فَرَأَتْ ثَلَاثَةً وَطَهُرَتْ سِتَّةً عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجُوزُ قُرْبَانُهَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْمُتَوَهَّمَ بَعْدَهُ مِنْ الْحَيْضِ يَوْمٌ وَالسِّتَّةُ أَغْلَبُ مِنْ الْأَرْبَعَةِ فَيُجْعَلُ الدَّمُ الْأَوَّلُ فَقَطْ حَيْضًا بِخِلَافِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَلَوْ كَانَتْ طَهُرَتْ خَمْسَةً وَعَادَتُهَا تِسْعَةٌ اخْتَلَفُوا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ قِيلَ لَا يُبَاحُ قُرْبَانُهَا لِاحْتِمَالِ الدَّمِ فِي يَوْمَيْنِ آخَرَيْنِ وَقِيلَ يُبَاحُ وَهُوَ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّ الْيَوْمَ الزَّائِدَ مَوْهُومٌ؛ لِأَنَّهُ خَارِجَ الْعَادَةِ وَفِي نَظْمِ ابْنِ وَهْبَانَ إفَادَةُ أَنَّ الْمُجِيزَ لَلْقُرْبَانِ يَكْرَهُهُ. اهـ. مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَعِبَارَةِ النَّظْمِ هَذِهِ وَلَوْ طُهِّرَتْ بَعْدَ الثَّلَاثِ وَطَهُرَتْ ... وَعَادَتُهَا لَمْ تَمْضِ فَالْوَطْءُ يَذْكُرُ كَرَاهَتَهُ بَعْضٌ وَيَنْفِيهِ بَعْضُهُمْ ... وَبِالصَّوْمِ تَأْتِي وَالصَّلَاةِ وَتَذْكُرُ وَلَا يَخْفَى بُعْدُ هَذِهِ الْإِفَادَةِ مِنْ النَّظْمِ؛ لِأَنَّ مَا فِيهِ لَيْسَ هَذِهِ الصُّورَةَ بَلْ الِاغْتِسَالُ عَقِبَ الطُّهْرِ مِنْ غَيْرِ بَيَانِ أَنَّ الطُّهْرَ غَالِبٌ عَلَى الْحَيْضِ أَوْ لَا وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا وَهِيَ أَنَّ الدَّمَ إذَا انْقَطَعَ لِأَقَلَّ مِنْ الْعَادَةِ هَلْ وَطْؤُهَا حَرَامٌ أَوْ مَكْرُوهٌ وَلَيْسَ فِيهِ خِلَافُ الْإِمَامَيْنِ وَلَمْ يُنْقَلْ فِيهَا الْجَوَازُ أَصْلًا وَنَقْلُ الْكَرَاهَةِ لَا يُفِيدُهُ؛ لِأَنَّ الْجَوَازَ بِمَعْنَى الْحِلِّ لَا يُجَامِعُ كَرَاهَةَ التَّحْرِيمِ بِخِلَافِهِ بِمَعْنَى الصِّحَّةِ. (قَوْلُهُ وَأَقَلُّ الطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا) بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَلِأَنَّهُ مُدَّةُ اللُّزُومِ فَصَارَ كَمُدَّةِ الْإِقَامَةِ (قَوْلُهُ وَلَا حَدَّ لِأَكْثَرِهِ إلَّا عِنْدَ نَصْبِ الْعَادَةِ فِي زَمَنِ الِاسْتِمْرَارِ) ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَمْتَدُّ إلَى سَنَةٍ وَإِلَى سَنَتَيْنِ، وَقَدْ لَا تَحِيضُ أَصْلًا فَلَا يُمْكِنُ تَقْدِيرُ أَكْثَرِهِ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ، وَشَمَلَ كَلَامُهُ ثَلَاثَ مَسَائِلَ: الْأُولَى إذَا بَلَغَتْ مُسْتَحَاضَةً فَسَتَأْتِي أَنَّهُ يُقَدَّرُ حَيْضُهَا بِعَشَرَةٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَبَاقِيهِ طُهْرٌ وَالثَّانِيَةُ إذَا بَلَغَتْ بِرُؤْيَةِ عَشَرَةٍ مَثَلًا دَمًا وَسَنَةً   [منحة الخالق] وَقَوْلُهُ فِي الْعَشَرَةِ صَوَابُهُ فِي طَرَفَيْ الْعَشَرَةِ وَلَعَلَّهُ سَقَطَ مِنْ قَلَمِ النَّاسِخِ، وَأَمَّا مَا فِي النَّهْرِ مِنْ قَوْلِهِ وَرَوَى ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْهُ اعْتِبَارَ كَوْنِ الدَّمِ فِي الْعَشَرَةِ ثَلَاثَةً فَقَطْ وَبِهِ أَخَذَ زُفَرُ وَجَعَلَهَا فِي التَّوْشِيحِ رِوَايَةً عَنْهُ فَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ الْخَلَلِ وَمَنْشَؤُهُ نَفْيُ الْمُخَالَفَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَدْ وُجِدَ أَرْبَعَةٌ دَمًا) كَذَا هُوَ فِي الْفَتْحِ وَالظَّاهِرُ أَنْ يَقُولَ ثَلَاثَةٌ. (قَوْلُهُ: وَطُهِّرَتْ بِالتَّشْدِيدِ) أَيْ اغْتَسَلَتْ وَكَرَاهَتُهُ مَفْعُولٌ يُذْكَرُ فِي آخِرِ الْبَيْتِ الْأَوَّلِ وَهُوَ تَضْمِينٌ عَدُّوهُ مِنْ عُيُوبِ الشِّعْرِ وَالضَّمِيرُ لِلْوَطْءِ وَضَمِيرُ يَنْفِيهِ لَهُ أَيْضًا وَتَأْتِي وَتَذْكُرُ لِمَنْ طَهُرَتْ قَالَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي شَرْحِهِ تَبَعًا لِابْنِ الشِّحْنَةِ اشْتَمَلَ الْبَيْتَانِ عَلَى مَسْأَلَتَيْنِ الْأُولَى صُورَتُهَا لَوْ طَهُرَتْ الْحَائِضُ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَعَادَتُهَا تَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ وَاغْتَسَلَتْ يُكْرَهُ لِزَوْجِهَا أَوْ سَيِّدِهَا وَطْؤُهَا كَمَا فِي الْمُحِيطِ حَتَّى تَمْضِيَ عَادَتُهَا احْتِيَاطًا وَبَعْضُهُمْ قَالَ لَا يُكْرَهُ لِزَوْجِهَا وَطْؤُهَا، وَالثَّانِيَةُ أَطْبَقُوا عَلَى أَنَّهَا تَصُومُ وَتُصَلِّي وَتَأْتِي بِجَمِيعِ مَا يَمْتَنِعُ فِعْلُهُ عَلَى الْحَائِضِ مِنْ الْعِبَادَاتِ أَخْذًا بِالِاحْتِيَاطِ فِيهَا لِاحْتِمَالِ عَدَمِ الْعَوْدِ اهـ. [أَقَلُّ الطُّهْرِ مِنْ الْحَيْض] (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ مِنْ اللُّزُومِ) كَذَا فِي الزَّيْلَعِيِّ وَالدُّرَرِ وَاخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِهِ قَالَ بَعْضُهُمْ أَيْ لُزُومِ الْعِبَادَةِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ بَيَانُهُ أَنَّ مُدَّةَ الْإِقَامَةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ لَازِمَةٌ وَالسَّفَرُ قَدْ يَحْدُثُ أَحْيَانًا وَكَذَا الطُّهْرُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْحَيْضِ وَحَاصِلُهُ يَرْجِعُ إلَى كَوْنِ تِلْكَ الْمُدَّةِ مُعْتَبَرَةً فِي الشَّرْعِ تَوْقِيتًا لِمَا لَزِمَ وَنَظِيرُ هَذَا مَا يَجِيءُ فِي بَابِ الِاسْتِسْقَاءِ وَبَابِ عَجْزِ الْمُكَاتَبِ أَنَّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ضُرِبَتْ لِإِيلَاءِ الْأَعْذَارِ كَإِمْهَالِ الْخَصْمِ لِلدَّفْعِ وَالْمَدْيُونِ لِلْقَضَاءِ وَمَنْ فَسَّرَ هَذَا اللُّزُومَ بِلُزُومِ الْعِبَادَةِ فَقَدْ خَبَطَ خَبْطَ عَشْوَاءَ. اهـ. وَمُرَادُهُ بِهِ الرَّدُّ عَلَى الْأَوَّلِ وَحَاصِلُ كَلَامِهِ يَرْجِعُ إلَى اللُّزُومِ الْعَادِي، وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الشَّرْعِيُّ وَأَنَّهُ مُرَادُ الْقَائِلِ الْأَوَّلِ وَوَجْهُهُ مَا فِي الْمَبْسُوطِ مُدَّةُ الطُّهْرِ نَظِيرُ مُدَّةِ الْإِقَامَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا تُفِيدُ مَا كَانَ سَقَطَ مِنْ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ، وَقَدْ ثَبَتَ بِالْأَخْبَارِ أَنَّ أَقَلَّ مُدَّةِ الْإِقَامَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَكَذَلِكَ أَقَلُّ مُدَّةِ الطُّهْرِ وَلِهَذَا قَدَّرْنَا أَقَلَّ مُدَّةِ السَّفَرِ، فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُؤَثِّرُ فِي الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالثَّانِيَةُ إذَا بَلَغَتْ إلَخْ) أَيْ فَإِنَّهُ يُقَدَّرُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 طُهْرًا ثُمَّ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فَقَالَ أَبُو عِصْمَةَ وَالْقَاضِي أَبُو حَازِمٍ حَيْضُهَا مَا رَأَتْ وَطُهْرُهَا مَا رَأَتْ فَتَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِثَلَاثِ سِنِينَ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا وَهَذَا بِنَاءً عَلَى اعْتِبَارِهِ لِلطَّلَاقِ أَوَّلَ الطُّهْرِ وَالْحَقُّ أَنَّهُ إنْ كَانَ مِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ إلَى إيقَاعِ الطَّلَاقِ مَضْبُوطًا فَلَيْسَ هَذَا التَّقْدِيرُ بِلَازِمٍ لِجَوَازِ كَوْنِ حِسَابِهِ يُوجِبُ كَوْنَهُ أَوَّلَ الْحَيْضِ فَيَكُونُ أَكْثَرُ مِنْ الْمَذْكُورِ بِعَشَرَةِ أَيَّامٍ أَوْ آخِرَ الطُّهْرِ فَيُقَدَّرُ بِسَنَتَيْنِ وَأَحَدٍ وَثَلَاثِينَ أَوْ اثْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ وَثَلَاثِينَ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَضْبُوطًا فَيَنْبَغِي أَنْ تُزَادَ الْعَشَرَةُ إنْزَالًا لَهُ مُطْلَقًا أَوَّلَ الْحَيْضِ احْتِيَاطًا كَذَلِكَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَقَدْ يُقَالُ لَمَّا كَانَ الطَّلَاقُ فِي الْحَيْضِ مُحَرَّمًا لَمْ يُنْزِلُوهُ مُطْلَقًا فِيهِ حَمْلًا لِحَالِ الْمُسْلِمِ عَلَى الصَّلَاحِ وَهُوَ وَاجِبٌ مَا أَمْكَنَ. وَالثَّالِثَةُ مَسْأَلَةُ الْمُضَلِّلَةِ وَتُسَمَّى بِالْمُحَيِّرَةِ وَفِيهَا ثَلَاثَةُ فُصُولٍ الْأَوَّلُ الْإِضْلَالُ بِالْعَدَدِ وَالثَّانِي الْإِضْلَالُ بِالْمَكَانِ وَالثَّالِثُ الْإِضْلَالُ بِهِمَا وَالْأَصْلُ أَنَّهَا مَتَى تَيَقَّنَتْ بِالطُّهْرِ فِي وَقْتٍ صَلَّتْ فِيهِ بِالْوُضُوءِ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ وَصَامَتْ، وَمَتَى تَيَقَّنَتْ بِالْحَيْضِ فِي وَقْتٍ تَرَكَتْهُمَا فِيهِ، وَمَتَى شَكَّتْ فِي وَقْتٍ أَنَّهُ وَقْتُ حَيْضٍ أَوْ طُهْرٍ تَحَرَّتْ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا رَأْيٌ تُصَلِّي فِيهِ بِالْوُضُوءِ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ وَتَصُومُ وَتَقْضِيهِ دُونَهَا، وَمَتَى شَكَّتْ فِي وَقْتٍ أَنَّهُ حَيْضٌ أَوْ طُهْرٌ أَوْ خُرُوجٌ عَنْ الْحَيْضِ تُصَلِّي فِيهِ بِالْغُسْلِ لِكُلِّ صَلَاةٍ لِجَوَازِ أَنَّهُ وَقْتُ الْخُرُوجِ مِنْ الْحَيْضِ وَلَا يَأْتِيهَا زَوْجُهَا بِحَالٍ لِاحْتِمَالِ الْحَيْضِ أَمَّا الْأَوَّلُ وَهُوَ مَا إذَا نَسِيَتْ عَدَدَ أَيَّامِهَا بَعْدَمَا انْقَطَعَ الدَّمُ عَنْهَا أَشْهُرًا وَاسْتَمَرَّ وَعَلِمَتْ أَنَّ حَيْضَهَا فِي كُلِّ شَهْرٍ مَرَّةً فَإِنَّهَا تَدَعُ الصَّلَاةَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ لِتَيَقُّنِهَا بِالْحَيْضِ فِيهَا ثُمَّ تَغْتَسِلُ سَبْعَةَ أَيَّامٍ لِكُلِّ صَلَاةٍ لِتَرَدُّدِ حَالِهَا فِيهَا بَيْنَ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ وَالْخُرُوجِ مِنْ الْحَيْضِ ثُمَّ تَتَوَضَّأُ عِشْرِينَ يَوْمًا لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ لِتَيَقُّنِهَا فِيهَا بِالطُّهْرِ وَيَأْتِيهَا زَوْجُهَا، وَأَمَّا إذَا لَمْ تَعْلَمْ أَنَّهُ كُلَّ شَهْرٍ مَرَّةً فَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ   [منحة الخالق] لِأَكْثَرِ الطُّهْرِ حَدٌّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ قَالَ فِي النَّهْرِ وَهَذَا قَوْلُ الْعَامَّةِ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ لَا حَدَّ لَهُ وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي تَقْدِيرِ طُهْرِهَا فِي حَقِّ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ فِي غَيْرِهَا لَا يُقَدَّرُ بِشَيْءٍ. اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا فِي السِّرَاجِ مِنْ أَنَّهُ عَلَى قَوْلِ أَبِي عِصْمَةَ تَدَعُ مِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ عَشَرَةً وَتُصَلِّي سَنَةً هَكَذَا دَأْبُهَا لَا غَايَةَ لِأَكْثَرِ الطُّهْرِ عِنْدَهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَعِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ تَدَعُ فِي الِاسْتِمْرَارِ عَشَرَةً وَتُصَلِّي عِشْرِينَ كَمَا لَوْ ابْتَدَأَتْ مَعَ الْبُلُوغِ مُسْتَحَاضَةً فَقَدَّرُوا الطُّهْرَ بِعَشْرَيْنِ. اهـ. وَهَذَا الِاخْتِلَافُ فِي التَّقْدِيرِ لِلصَّلَاةِ وَهُوَ غَيْرُ الْعِدَّةِ وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ عَنْ الْمُحِيطِ وَكَذَا فِي الْعِنَايَةِ اخْتِلَافًا فِي تَقْدِيرِ طُهْرِهَا لِلْعِدَّةِ، وَإِنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ الْحَاكِمِ الشَّهِيدِ أَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِشَهْرَيْنِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُؤَلِّفُ فِي مَسْأَلَةِ الْمُتَحَيِّرَةِ بَقِيَّةَ الْأَقْوَالِ وَبِهِ يَظْهَرُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ لَا فِي الْمُتَحَيِّرَةِ فَقَطْ كَمَا يُوهِمُهُ كَلَامُ الْمُؤَلِّفِ وَغَيْرِهِ كَالزَّيْلَعِيِّ وَالْمُحَقِّقِ ابْنِ الْهُمَامِ حَيْثُ اقْتَصَرُوا عَلَى بَيَانِ الِاخْتِلَافِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ فَقَطْ وَلِذَا نَبَّهَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ فَقَالَ: إنَّ الشَّهْرَيْنِ أَعْنِي الْقَوْلَ الْمُفْتَى بِهِ رَاجِعٌ لِكُلٍّ مِنْ الْمُعْتَادَةِ وَالْمُتَحَيِّرَةِ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْعِنَايَةِ وَالشُّمُنِّيِّ وَغَيْرِهِمَا، وَأَمَّا الثَّانِي فَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الزَّيْلَعِيُّ وَالْبَحْرُ وَغَيْرُهُمَا. اهـ. فَتَنَبَّهْ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَا مَشَى عَلَيْهِ هُنَا مِنْ قَوْلِ أَبِي عِصْمَةَ مَشَى الْعَلَّامَةُ الْبِرْكَوِيُّ فِي رِسَالَتِهِ فِي الْحَيْضِ عَلَى خِلَافِهِ فَقَالَ الْفَصْلُ الرَّابِعُ فِي الِاسْتِمْرَارِ إنْ وَقَعَ فِي الْمُعْتَادَةِ فَطُهْرُهَا وَحَيْضُهَا مَا اعْتَادَتْ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ إنْ كَانَ طُهْرُهَا أَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَإِلَّا فَيُرَدُّ إلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ إلَّا سَاعَةً وَحَيْضُهَا بِحَالِهِ. اهـ. وَقَالَ فِي حَوَاشِيهِ الَّتِي كَتَبَهَا عَلَى تِلْكَ الرِّسَالَةِ هَذَا قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ الْمَيْدَانِيِّ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهِ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَدْ يُقَالُ إلَخْ) قَالَ فِي الشرنبلالية فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الِاحْتِيَاطَ فِي أَمْرِ الْفُرُوجِ آكَدُ خُصُوصًا الْعِدَّةُ فَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى تَوَهُّمِ مُصَادَفَةِ الطَّلَاقِ الطُّهْرَ فَلَا تَنْقَضِي الْعِدَّةُ إلَّا بِيَقِينٍ. (قَوْلُهُ: إنَّهُ وَقْتُ حَيْضٍ أَوْ طُهْرٍ) أَيْ أَوْ دُخُولٌ فِي حَيْضٍ. اهـ. عَيْنِيٌّ. [الْمُحَيِّرَةِ فِي الْحَيْض] (قَوْلُهُ: لِكُلِّ صَلَاةٍ) عِبَارَةُ التَّتَارْخَانِيَّة لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ لِكُلِّ سَاعَةٍ وَقَالَ النَّجْمُ النَّسَفِيُّ الصَّحِيحُ لِكُلِّ صَلَاةٍ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ مَا إذَا نَسِيَتْ عَدَدَ أَيَّامِهَا) لَيْسَ الْمُرَادُ عَدَدَ أَيَّامِ الْحَيْضِ فَقَطْ بَلْ أَيَّامُ الْحَيْضِ أَوْ الطُّهْرِ أَوْ كُلٌّ مِنْهُمَا بِدَلِيلِ تَقْسِيمِهِ إلَى الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ الْآتِيَةِ، ثُمَّ إنَّ مَا ذَكَرَهُ هُنَا مِنْ قِسْمِ الْإِضْلَالِ بِالْعَدَدِ فَقَطْ لَمْ يَظْهَرْ لَنَا وَجْهُهُ إلَّا فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَلَكِنْ يُحْمَلُ قَوْلُهُ: وَعَلِمَتْ أَنَّ حَيْضَهَا فِي كُلِّ شَهْرٍ مَرَّةً عَلَى أَنَّهُ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ وَإِلَّا فَهُوَ مِنْ الْإِضْلَالِ بِهِمَا كَبَقِيَّةِ الْأَوْجُهِ وَلَكِنْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا قُلْنَا لِيُنَاسِبَهُ مَا ذَكَرَهُ لَهُ مِنْ الْحُكْمِ إذْ لَوْ حُمِلَ عَلَى أَنَّهَا تَعْلَمُ أَنَّ حَيْضَهَا فِي كُلِّ شَهْرٍ مَرَّةً وَلَا تَعْلَمُ هَلْ هُوَ فِي أَوَّلِهِ أَوْ آخِرِهِ فَهِيَ الصُّورَةُ الَّتِي تَأْتِي عِنْدَ ذِكْرِ ثَالِثِ الْأَوْجُهِ وَإِنْ كَانَتْ لَا تَعْلَمُ هَلْ هُوَ فِي أَوَّلِهِ أَوْ آخِرِهِ أَوْ وَسَطِهِ فَالظَّاهِرُ فِي حُكْمِهَا مَا سَيَذْكُرُهُ فِي الْقِسْمِ الثَّالِثِ وَهُوَ الْإِضْلَالُ بِهِمَا إذْ لَيْسَ ذَلِكَ الْقِسْمُ خَاصًّا بِمَا لَا تَعْلَمُ أَنَّهَا فِي كُلِّ شَهْرٍ مَرَّةً بَلْ أَعَمُّ بِدَلِيلِ مَا سَيَذْكُرُهُ فِي مَسَائِلِ صَوْمِهَا مِنْ أَنَّهَا تَارَةً تَعْلَمُ دَوْرَهَا فِي كُلِّ شَهْرٍ وَتَارَةً لَا تَعْلَمُ وَإِذَا أَبْقَيْنَا كَلَامَهُ هُنَا عَلَى ظَاهِرِهِ مِنْ أَنَّ مُرَادَهُ أَنْ لَا تَعْلَمَ مَكَانَ حَيْضِهَا مِنْ الشَّهْرِ فَيُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا سَيَأْتِي فِي مَسَائِلِ الصَّوْمِ؛ لِأَنَّهُ حَكَمَ هُنَا بِأَنَّهَا تَتَوَضَّأُ عِشْرِينَ يَوْمًا لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ لِتَيَقُّنِهَا فِيهَا بِالطُّهْرِ وَمُقْتَضَاهُ أَنْ يَصِحَّ صَوْمُهَا فِيهَا وَمَا سَيَأْتِي خِلَافُهُ فَتَأَمَّلْ وَرَاجِعْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 أَحَدُهَا مَا إذَا لَمْ تَعْلَمْ عَدَدَ حَيْضِهَا وَطُهْرِهَا فَإِنَّهَا تَدْعُ الصَّلَاةَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ ثُمَّ تُصَلِّي سَبْعَةً بِالِاغْتِسَالِ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ ثُمَّ تُصَلِّي ثَمَانِيَةً بِالْوُضُوءِ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ لِتَيَقُّنِهَا بِالطُّهْرِ فِيهَا وَيَأْتِيهَا زَوْجُهَا فِيهَا ثُمَّ تُصَلِّي ثَلَاثَةً بِالْوُضُوءِ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ لِلتَّرَدُّدِ بَيْنَ الطُّهْرِ وَالْحَيْضِ ثُمَّ تُصَلِّي بِالِاغْتِسَالِ لِكُلِّ صَلَاةٍ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَثَانِيهَا إذَا عَلِمْت أَنَّ طُهْرَهَا خَمْسَةَ عَشَرَ وَلَمْ تَعْلَمْ عَدَدَ حَيْضِهَا فَإِنَّهَا تَدَعُ الصَّلَاةَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ تُصَلِّي سَبْعَةً بِالْغُسْلِ ثُمَّ تُصَلِّي ثَمَانِيَةً بِالْوُضُوءِ بِالْيَقِينِ ثُمَّ تُصَلِّي ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بِالْوُضُوءِ بِالشَّكِّ فَبَلَغَ ذَلِكَ أَحَدًا وَعِشْرِينَ يَوْمًا، فَإِنْ كَانَ حَيْضُهَا ثَلَاثَةً فَابْتِدَاءُ طُهْرِهَا الثَّانِي بَعْدَ أَحَدٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا، وَإِنْ كَانَ حَيْضُهَا عَشْرَةً فَابْتِدَاءُ طُهْرِهَا الثَّانِي بَعْدَ خَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ فَتُصَلِّي فِي هَذِهِ الْأَرْبَعَةَ عَشَرَ الَّتِي بَعْدَ الْأَحَدِ وَالْعِشْرِينَ بِالِاغْتِسَالِ لِكُلِّ صَلَاةٍ لِلتَّرَدُّدِ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ ثُمَّ تُصَلِّي يَوْمًا بِالْوُضُوءِ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ بِيَقِينٍ لِتَيَقُّنِهَا بِالطُّهْرِ؛ لِأَنَّهُ الْيَوْمُ الْخَامِسَ عَشَرَ مِنْهُ الَّذِي هُوَ السَّادِسُ وَالثَّلَاثُونَ ثُمَّ تُصَلِّي ثَلَاثَةً بِالْوُضُوءِ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ لِلتَّرَدُّدِ فِيهَا بَيْنَ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ ثُمَّ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلَاةٍ أَبَدًا؛ لِأَنَّهُ مَا مِنْ سَاعَةٍ إلَّا وَيُتَوَهَّمُ أَنَّهُ وَقْتُ خُرُوجِهَا مِنْ الْحَيْضِ، وَثَالِثُهَا إذَا عَلِمَتْ أَنَّ حَيْضَهَا ثَلَاثَةٌ وَلَا تَعْلَمُ عَدَدَ طُهْرِهَا فَإِنَّهَا تَدَعُ الصَّلَاةَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ، ثُمَّ تُصَلِّي خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا بِالْوُضُوءِ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ لِتَيَقُّنِهَا بِالطُّهْرِ فِيهِ، ثُمَّ تُصَلِّي ثَلَاثَةً بِالْوُضُوءِ لِلتَّرَدُّدِ بَيْنَ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ، ثُمَّ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلَاةٍ أَبَدًا لِتَوَهُّمِ خُرُوجِهَا عَنْ الْحَيْضِ كُلَّ سَاعَةٍ، وَإِنْ عَلِمَتْ أَنَّهَا كَانَتْ تَحِيضُ فِي كُلِّ شَهْرٍ مَرَّةً مِنْ أَوَّلِهِ أَوْ آخِرِهِ وَلَا تَدْرِي الْعَدَدَ تَتَوَضَّأُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ لِتَرَدُّدِ حَالِهَا فِيهِ بَيْنَ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ، ثُمَّ تَغْتَسِلُ سَبْعَةَ أَيَّامٍ لِلتَّرَدُّدِ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ، ثُمَّ تَتَوَضَّأُ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ وَتَغْتَسِلُ مَرَّةً وَاحِدَةً لِتَمَامِ الشَّهْرِ لِجَوَازِ خُرُوجِهَا مِنْ الْحَيْضِ؛ لِأَنَّ الشَّكَّ فِي الْعَشَرَةِ الْأُولَى وَالْأَخِيرَةِ لَا فِي الْوُسْطَى وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ الْإِضْلَالُ بِالْمَكَانِ فَأَصْلُهُ أَنَّهَا مَتَى أَضَلَّتْ أَيَّامَهَا فِي ضِعْفِهَا مِنْ الْعَدَدِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ الضِّعْفِ فَلَا تَتَيَقَّنُ بِالْحَيْضِ فِي شَيْءٍ مِنْهُ كَمَا لَوْ أَضَلَّتْ ثَلَاثَةً فِي سِتَّةٍ أَوْ أَكْثَرَ وَمَتَى أَضَلَّتْ أَيَّامَهَا فِي دُونِ ضِعْفِهَا مِنْ الْعَدَدِ فَإِنَّهَا تَتَيَقَّنُ بِالْحَيْضِ فِي شَيْءٍ مِنْهُ كَمَا لَوْ أَضَلَّتْ ثَلَاثَةً فِي خَمْسَةٍ فَإِنَّهَا تَتَيَقَّنُ بِالْحَيْضِ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ فَإِنَّهُ أَوَّلُ الْحَيْضِ أَوْ آخِرُهُ، فَإِنْ عَلِمَتْ أَنَّ أَيَّامَهَا كَانَتْ ثَلَاثَةً وَلَا تَعْلَمُ مَوْضِعَهَا مِنْ الشَّهْرِ تُصَلِّي ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ بِالْوُضُوءِ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ لِلتَّرَدُّدِ بَيْنَ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ، ثُمَّ تَغْتَسِلُ سَبْعَةً وَعِشْرِينَ لِكُلِّ صَلَاةٍ لِتَوَهُّمِ خُرُوجِهَا مِنْ الْحَيْضِ فِي كُلِّ سَاعَةٍ، وَإِنْ عَلِمَتْ أَنَّ أَيَّامَهَا أَرْبَعَةٌ تَوَضَّأَتْ فِي الْأَرْبَعَةِ ثُمَّ اغْتَسَلَتْ لِكُلِّ صَلَاةٍ إلَى آخِرِ الْعَشْرِ وَكَذَا لَوْ عَلِمَتْ أَنَّ أَيَّامَهَا خَمْسَةٌ تَوَضَّأَتْ خَمْسَةً ثُمَّ اغْتَسَلَتْ إلَى آخِرِ الْعَشْرِ وَلَوْ عَلِمَتْ أَنَّ أَيَّامَهَا سِتَّةٌ تَوَضَّأَتْ أَرْبَعَةً مِنْ أَوَّلِ الْعَشْرِ وَتَدَعُ الصَّلَاةَ وَالصَّوْمَ يَوْمَيْنِ لِتَيَقُّنِهَا بِالْحَيْضِ فِيهِمَا لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الْأَصْلِ، ثُمَّ تَغْتَسِلُ أَرْبَعَةً لِكُلِّ صَلَاةٍ لِتَوَهُّمِ خُرُوجِهَا مِنْ الْحَيْضِ فِي كُلِّ سَاعَةٍ، وَإِنْ عَلِمَتْ أَنَّ أَيَّامَهَا سَبْعَةٌ صَلَّتْ بِالْوُضُوءِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ أَوَّلِهَا وَتَدَعُ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ لِتَيَقُّنِهَا بِالْحَيْضِ فِيهَا، ثُمَّ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ الثَّمَانِيَةُ وَالتِّسْعَةُ وَأَمَّا الثَّالِثُ وَهُوَ الْإِضْلَالُ بِهِمَا كَمَا إذَا اُسْتُحِيضَتْ وَنَسِيَتْ عَدَدَ أَيَّامِهَا وَمَكَانَهَا فَإِنَّهَا تَتَحَرَّى، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا رَأْيٌ اغْتَسَلَتْ لِكُلِّ صَلَاةٍ عَلَى الصَّحِيحِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: ثُمَّ تُصَلِّي سَبْعَةً بِالِاغْتِسَالِ إلَخْ) أَيْ لِتَرَدُّدِ حَالِهَا فِيهَا بَيْنَ الثَّلَاثَةِ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ تُصَلِّي سَبْعَةً بِالْغُسْلِ) ؛ لِأَنَّهُ يُتَوَهَّمُ فِي كُلِّ وَقْتٍ أَنَّهُ وَقْتُ خُرُوجِهَا مِنْ الْحَيْضِ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ تَتَوَضَّأُ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ إلَخْ) كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَلَكِنْ لَمْ يَظْهَرْ لَنَا وَجْهُهُ بَلْ الظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ ثُمَّ تَتَوَضَّأُ إلَى آخَرِ الْعَشْرِ الثَّانِي بِيَقِينٍ ثُمَّ تَتَوَضَّأُ بَعْدَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لِلتَّرَدُّدِ بَيْنَ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ ثُمَّ تَغْتَسِلُ سَبْعَةَ أَيَّامٍ لِلتَّرَدُّدِ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ وَهَذَا كَمَا تَفْعَلُ فِي الْعَشَرَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّ الشَّكَّ فِيهِمَا وَلَا شَكَّ فِي الْوُسْطَى نَعَمْ هَذَا ظَاهِرٌ عَلَى مَا فِي الْمُحِيطِ حَيْثُ فَرَضَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا عَلِمَتْ أَنَّ حَيْضَهَا كَانَ عَشَرَةً فِي الشَّهْرِ وَعَلِمَتْ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْعَشَرَةِ الْوُسْطَى فَتُصَلِّي الْعَشْرَ الْأُوَلَ بِالْوُضُوءِ ثُمَّ تَغْتَسِلُ مَرَّةً وَتُصَلِّي إلَى تَمَامِ الشَّهْرِ بِالْوُضُوءِ ثُمَّ تَغْتَسِلُ مَرَّةً. (قَوْلُهُ: وَإِنْ عَلِمَتْ أَنَّ أَيَّامَهَا أَرْبَعَةٌ تَوَضَّأَتْ إلَخْ) كَذَا فِيمَا رَأَيْنَا مِنْ النُّسَخِ وَلَعَلَّ فِيهَا سَقَطًا وَالْأَصْلُ وَإِنْ عَلِمَتْ أَنَّ أَيَّامَهَا أَرْبَعَةٌ فِي عَشَرَةٍ تَوَضَّأَتْ إلَخْ لِقَوْلِهِ بَعْدَهُ إلَى آخِرِ الْعَشْرِ ثُمَّ رَأَيْت بَعْضَ الْفُضَلَاءِ قَالَ: كَذَا فِي نُسَخِ الْبَحْرِ الَّتِي رَأَيْتهَا وَهُوَ لَا يُلَائِمُ سِيَاقَ الْكَلَامِ بَعْدَهُ وَلَعَلَّهُ مِنْ تَحْرِيفِ النُّسَّاخِ وَالظَّاهِرُ فِي التَّصْوِيرِ مَا ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ مَقْصِدِ الطَّالِبِ فِي الْمَسَائِلِ الْغَرَائِبِ قَالَ: فَإِنْ قُلْت: إنَّ أَيَّامَهَا إنْ كَانَتْ ثَلَاثَةً فَأَضَلَّتْهَا فِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْ الشَّهْرِ وَلَا تَدْرِي فِي أَيْ مَوْضِعٍ مِنْ الْعَشَرَةِ وَلَا رَأْيَ لَهَا فِي ذَلِكَ فَإِنَّهَا تُصَلِّي ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ أَوَّلِ الْعَشْرِ بِالْوُضُوءِ لِكُلِّ صَلَاةٍ لِلتَّرَدُّدِ بَيْنَ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ ثُمَّ تُصَلِّي بَعْدَهُ إلَى آخِرِ الْعَشْرِ بِالِاغْتِسَالِ لِكُلِّ صَلَاةٍ تُصَلِّي ثُمَّ تَمَّمَ الْكَلَامَ عَلَى الْمَسَائِلِ نَحْوَ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ هُنَا فَلْيُتَأَمَّلْ. اهـ. وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا قُلْنَا، ثُمَّ رَأَيْت فِي التَّتَارْخَانِيَّة صَرَّحَ بِالْعَشْرِ (قَوْلُهُ كَمَا إذَا اُسْتُحِيضَتْ وَنَسِيَتْ عَدَدَ أَيَّامِهَا وَمَكَانَهَا) قَيَّدَ بِنِسْيَانِهَا ذَلِكَ لِيَكُونَ مِنْ الْإِضْلَالِ بِهِمَا وَإِلَّا فَالْأَحْكَامُ الَّتِي ذَكَرَهَا تَشْمَلُ مَا إذَا عَلِمَتْ عَادَتَهَا فِي الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ أَيْضًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 وَقِيلَ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ وَتُصَلِّي الْمَكْتُوبَاتِ وَالْوَاجِبَاتِ وَالسُّنَنِ الْمُؤَكَّدَةِ وَلَا تُصَلِّي تَطَوُّعًا كَالصَّوْمِ تَطَوُّعًا وَتَقْرَأُ الْقَدْرَ الْمَفْرُوضَ وَالْوَاجِبَ عَلَى الصَّحِيحِ وَقِيلَ تَقْتَصِرُ عَلَى الْمَفْرُوضِ وَتَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهَا سُنَّةٌ، وَقِيلَ: لَا، وَلَا تَقْرَأُ فِي الْوِتْرِ اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَعِينُك؛ لِأَنَّهَا سُورَةٌ عِنْدَ عُمَرَ وَغَيْرُهُ يَقُومُ مَقَامَهُ وَلَا تَقْرَأُ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ خَارِجَ الصَّلَاةِ وَلَا تَمَسُّ الْمُصْحَفَ وَلَا تَدْخُلُ الْمَسْجِدَ وَلَوْ سَمِعَتْ آيَةَ السَّجْدَةِ فَسَجَدَتْ فِي الْحَالِ لَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ طَاهِرَةً فَقَدْ صَحَّ أَدَاؤُهَا وَإِلَّا لَمْ تَلْزَمْهَا وَإِنْ سَجَدَتْ بَعْدَ ذَلِكَ أَعَادَتْ بَعْدَ الْعَشَرَةِ لِاحْتِمَالِ طَهَارَتِهَا وَقْتَ السَّمَاعِ وَحَيْضَهَا وَقْتَ السُّجُودِ، وَأَمَّا قَضَاءُ الْفَوَائِتِ، فَإِنْ كَانَ عَلَيْهَا فَوَائِتُ فَقَضَتْهَا فَعَلَيْهَا إعَادَتُهَا بَعْدَ عَشَرَةِ أَيَّامٍ لِاحْتِمَالِ حَيْضِهَا وَقْتَ الْقَضَاءِ وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الدَّقَّاقُ تَقْضِيهَا بَعْدَ الْعَشَرَةِ قَبْلَ أَنْ تَزِيدَ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِجَوَازِ أَنْ يَعُودَ حَيْضُهَا بَعْدَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا. وَأَمَّا الصَّوْمُ فَإِنَّهَا تَصُومُ كُلَّ شَهْرِ رَمَضَانَ لِاحْتِمَالِ طَهَارَتِهَا كُلَّ يَوْمٍ وَتُعِيدُ بَعْدَ رَمَضَانَ عِشْرِينَ يَوْمًا وَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ - إنْ عَلِمَتْ أَنَّ ابْتِدَاءَ حَيْضِهَا كَانَ يَكُونُ بِاللَّيْلِ فَإِنَّهَا تَقْضِي عِشْرِينَ يَوْمًا لِجَوَازِ أَنَّ حَيْضَهَا فِي كُلِّ شَهْرٍ عَشَرَةُ أَيَّامٍ فَإِذَا قَضَتْ عَشَرَةً يَجُوزُ حُصُولُهَا فِي الْحَيْضِ فَتَقْضِي عَشْرَةً أُخْرَى وَالثَّانِي وَإِنْ عَلِمْت أَنَّ ابْتِدَاءَ حَيْضِهَا كَانَ يَكُونُ بِالنَّهَارِ فَتَقْضِي اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ يَوْمًا؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا فَسَدَ مِنْ صَوْمِهَا فِي الشَّهْرِ أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا فَتَقْضِي ضِعْفَهُ احْتِيَاطًا، وَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ شَيْئًا قَالَ عَامَّةُ مَشَايِخِنَا تَقْضِي عِشْرِينَ؛ لِأَنَّ الْحَيْضَ لَا يَزِيدُ عَلَى عَشْرَةٍ وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيُّ تَقْضِي اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ يَوْمًا وَهُوَ الْأَصَحُّ احْتِيَاطًا لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ بِالنَّهَارِ وَهَذَا إذَا عَلِمَتْ دَوْرَهَا فِي كُلِّ شَهْرٍ، فَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ ذَلِكَ، فَإِنْ عَلِمَتْ أَنَّ ابْتِدَاءَ حَيْضِهَا كَانَ بِاللَّيْلِ تَقْضِي خَمْسَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا لِجَوَازِ أَنَّهَا حَاضَتْ عَشْرَةً فِي أَوَّلِهِ وَخَمْسَةً فِي آخِرِهِ أَوْ عَلَى الْعَكْسِ فَعَلَيْهَا قَضَاءُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَإِذَا قَضَتْهُ مَوْصُولًا بِالشَّهْرِ فَعَلَى التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ فَخَمْسَةُ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ بَقِيَّةُ حَيْضِهَا الثَّانِي فَلَا يُجْزِئُ الصَّوْمُ فِيهَا وَيُجْزِئُهَا فِي خَمْسَةَ عَشَرَ بَعْدَهَا وَعَلَى الْعَكْسِ فَيَوْمُ الْفِطْرِ أَوَّلُ يَوْمٍ مِنْ طُهْرِهَا لَا تَصُومُ فِيهِ، ثُمَّ يُجْزِئُهَا الصَّوْمُ فِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا، ثُمَّ لَا يُجْزِئُهَا فِي عَشَرَةٍ، ثُمَّ يُجْزِئُهَا فِي آخِرِ يَوْمٍ فَجُمْلَتُهُ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا وَكَذَلِكَ إنْ قَضَتْهُ مَفْصُولًا لِتَوَهُّمِ أَنَّ ابْتِدَاءَ الْقَضَاءِ كَانَ وَافَقَ أَوَّلَ يَوْمٍ مِنْ حَيْضِهَا فَلَا يُجْزِئُهَا   [منحة الخالق] لِمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة فَجَاءَتْ تَسْتَفْتِي وَهِيَ لَا تَعْلَمُ مَوْضِعَ حَيْضِهَا وَلَا مَوْضِعَ طُهْرِهَا وَتَعْلَمُ عَادَتَهَا فِي الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ أَوْ لَا تَعْلَمُ فَإِنَّهَا تَتَحَرَّى إلَخْ وَسَنَذْكُرُ عَنْهَا حُكْمَ مَا إذَا عَلِمَتْ فِي مَسْأَلَةِ الصَّوْمِ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّهَا تَقْضِي عِشْرِينَ يَوْمًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ تَقْضِي بَعْدَ الْفِطْرِ مِنْ غَيْرِ تَأْخِيرٍ أَوْ كَانَتْ تُؤَخِّرُ الْقَضَاءَ مُدَّةً مَعْلُومَةً، كَذَا فِي مَقْصِدِ الطَّالِبِ قَالَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ وَمِثْلُهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة (قَوْلُهُ: لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا فَسَدَ إلَخْ) أَيْ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ الْحَيْضِ إذَا كَانَ فِي بَعْضِ النَّهَارِ لِتَمَامِ الْعَشَرَةِ يَكُونُ فِي الْيَوْمِ الْحَادِيَ عَشَرَ فَتَقْضِي ضِعْفَهَا احْتِيَاطًا أَيْ فَعَلَيْهَا أَنْ تَقْضِيَ بَعْدَ الْفِطْرِ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ يَوْمًا سَوَاءٌ قَضَتْ بَعْدَ الْفِطْرِ مِنْ غَيْرِ تَأْخِيرٍ أَوْ أَخَّرَتْ الْقَضَاءَ مُدَّةً طَوِيلَةً لِجَوَازِ أَنْ يُوَافِقَ شُرُوعُهَا فِي الْقَضَاءِ حَيْضَ عَشْرَةِ أَيَّامٍ فَيَفْسُدُ صَوْمُ أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا فَعَلَيْهَا أَنْ تَصُومَ أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا أُخْرَى لِتَخْرُجَ عَنْ الْعُهْدَةِ بِيَقِينٍ، كَذَا فِي مَقْصِدِ الطَّالِبِ قَالَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ وَمِثْلُهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ يَظْهَرُ فِيمَا إذَا قَضَتْهُ مَوْصُولًا أَوْ مَفْصُولًا وَلَكِنْ فِي شَهْرٍ وَاحِدٍ، أَمَّا لَوْ كَانَ فِي شَهْرَيْنِ لَا تَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ بِيَقِينٍ لِجَوَازِ مُصَادَفَةِ كُلٍّ مِنْ الصَّوْمَيْنِ لِلْحَيْضِ وَكَذَا يُقَالُ فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: قَالَ عَامَّةُ مَشَايِخِنَا تَقْضِي عِشْرِينَ) أَيْ حَمْلًا عَلَى أَنَّهُ يَكُونُ بِالنَّهَارِ؛ لِأَنَّ هَذَا أَحْوَطُ الْوُجُوهِ، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَفِيهَا بَعْدَ هَذَا وَقَبْلَ قَوْلِهِ وَهَذَا إذَا عَلِمَتْ دَوْرَهَا إلَخْ مَا نَصُّهُ وَإِنْ عَلِمَتْ أَنَّ حَيْضَهَا فِي كُلِّ شَهْرٍ عَشَرَةَ أَيَّامٍ وَالطُّهْرُ عِشْرُونَ وَلَكِنَّهَا لَا تَعْرِفُ مَوْضِعَ حَيْضِهَا وَلَا مَوْضِعَ طُهْرِهَا فَالْجَوَابُ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى آخِرِهِ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا وَإِنْ عَلِمَتْ أَنَّ حَيْضَهَا فِي كُلِّ شَهْرٍ تِسْعَةُ أَيَّامٍ وَطُهْرَهَا بَقِيَّةُ الشَّهْرِ إلَّا أَنَّهَا لَا تَعْرِفُ مَوْضِعَ حَيْضِهَا، فَإِنْ عَلِمَتْ أَنَّ ابْتِدَاءَ حَيْضِهَا كَانَ يَكُونُ بِاللَّيْلِ فَإِنَّهَا تَقْضِي بَعْدَ رَمَضَانَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَإِنْ عَلِمَتْ أَنَّ ابْتِدَاءَ حَيْضِهَا كَانَ يَكُونُ بِالنَّهَارِ فَإِنَّهَا تَقْضِي بَعْدَ رَمَضَانَ عِشْرِينَ يَوْمًا بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا يَفْسُدُ مِنْ صِيَامِهَا فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ تِسْعَةٌ وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي عَشَرَةٌ فَتَقْضِي ضِعْفَ ذَلِكَ لِاحْتِمَالِ اعْتِرَاضِ الْحَيْضِ فِي أَوَّلِ يَوْمِ الْقَضَاءِ وَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ابْتِدَاءَ حَيْضِهَا كَانَ يَكُونُ بِاللَّيْلِ أَوْ بِالنَّهَارِ فَإِنَّهَا تَقْضِي عِشْرِينَ يَوْمًا بِلَا خِلَافٍ. اهـ. (قَوْلُهُ فَعَلَيْهَا قَضَاءُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا) يَعْنِي عَلَيْهَا أَنْ تَصُومَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فِي طُهْرٍ يَقِينًا وَلَا يَحْصُلُ لَهَا ذَلِكَ عَلَى التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ إلَّا بِأَنْ تَصُومَ تِسْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَرْبَعَةً مِنْ شَوَّالٍ وَخَمْسَةَ عَشَرَ مِنْ بَعْدِهَا عَلَى التَّقْدِيرِ الثَّانِي لَا يَحْصُلُ لَهَا ذَلِكَ إلَّا بِأَنْ تَصُومَ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ التَّقْدِيرَيْنِ تَكُونُ صَامَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فِي طُهْرٍ يَقِينًا، وَإِنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهَا صَوْمُ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ وَلَمْ يُكْتَفَ تِسْعَةَ عَشَرَ مَعَ وُقُوعِ خَمْسَةَ عَشَرَ مِنْهَا فِي طُهْرٍ يَقِينًا لِاحْتِمَالِ كُلٍّ مِنْ التَّقْدِيرَيْنِ مَعًا فَكَانَ الِاحْتِيَاطُ فِي أَنْ تَصُومَ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 الصَّوْمُ فِي عَشْرٍ، ثُمَّ يُجْزِئُهَا فِي خَمْسَةَ عَشَرَ، وَإِنْ عَلِمَتْ أَنَّ ابْتِدَاءَ حَيْضِهَا كَانَ بِالنَّهَارِ تَقْضِي اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا إنْ قَضَتْهُ مَوْصُولًا بِرَمَضَانَ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا فَسَدَ مِنْ صَوْمِهَا مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ سِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا وَإِنْ قَضَتْهُ مَفْصُولًا تَقْضِي ثَمَانِيَةً وَثَلَاثِينَ يَوْمًا لِتَوَهُّمِ أَنَّ ابْتِدَاءَ الْقَضَاءِ وَافَقَ أَوَّلَ يَوْمٍ مِنْ حَيْضِهَا فَلَا يُجْزِئُهَا الصَّوْمُ فِي أَحَدَ عَشَرَ، ثُمَّ يُجْزِئُهَا فِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ، ثُمَّ لَا يُجْزِئُهَا فِي أَحَدَ عَشَرَ، ثُمَّ يُجْزِئُهَا فِي يَوْمَيْنِ فَجُمْلَتُهُ ثَمَانِيَةٌ وَثَلَاثُونَ يَوْمًا، وَإِنْ كَانَتْ لَا تَعْلَمُ شَيْئًا قَالَ عَامَّةُ مَشَايِخِنَا تَصُومُ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ إنْ قَضَتْهُ مَوْصُولًا صَامَتْ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ، وَإِنْ قَضَتْهُ مَفْصُولًا صَامَتْ ثَمَانِيَةً وَثَلَاثِينَ يَوْمًا وَهُوَ الْأَصَحُّ لِمَا بَيَّنَّا وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ شَهْرُ رَمَضَانَ كَامِلًا، فَإِنْ كَانَ نَاقِصًا وَعَلِمَتْ أَنَّ ابْتِدَاءَ حَيْضِهَا كَانَ بِاللَّيْلِ أَوْ لَمْ تَعْلَمْ، فَإِنْ وَصَلَتْ قَضَتْ ثَلَاثَةً وَثَلَاثِينَ يَوْمًا، وَإِنْ فَصَلَتْ صَامَتْ سَبْعَةً وَثَلَاثِينَ يَوْمًا، وَأَمَّا إنْ حَجَّتْ فَلَا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا فَسَدَ مِنْ صَوْمِهَا مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ سِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا) الظَّاهِرُ أَنَّ لَفْظَةَ أَوَّلَ زَائِدَةٌ مِنْ قَلَمِ النَّاسِخِ وَبَيَانُ مَا قَالَهُ أَنَّا لَوْ فَرَضْنَا أَنَّ ابْتِدَاءَ الْحَيْضِ كَانَ فِي أَوَّلِ يَوْمٍ وَقْتَ الزَّوَالِ مَثَلًا فَآخِرُهُ يَكُونُ وَقْتَ الزَّوَالِ مِنْ الْيَوْمِ الْحَادِيَ عَشَرَ وَطُهْرُهَا يَكُونُ مِنْ وَقْتئِذٍ إلَى زَوَالِ الْيَوْمِ السَّادِسِ وَالْعِشْرِينَ وَهَذَا الْيَوْمُ يَحْتَمِلُ طُرُوءَ الْحَيْضِ فِيهِ فَيَفْسُدُ صَوْمُهَا فِي أَحَدَ عَشَرَ مِنْ أَوَّلِهِ وَخَمْسَةٍ مِنْ آخِرِهِ وَهَذَا عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءُ الْحَيْضِ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ، فَإِنْ كَانَ قَبْلُ فَيُحْكَمُ بِفَسَادِ خَمْسَةٍ مِنْ أَوَّلِهِ وَأَحَدَ عَشَرَ مِنْ آخِرِهِ كَمَا مَرَّ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ وَعَلَى التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ تَطْهُرُ فِي أَثْنَاءِ الْيَوْمِ السَّادِسِ مِنْ شَوَّالٍ فَإِذَا قَضَتْهُ مَوْصُولًا تَقْضِي اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا؛ لِأَنَّ يَوْمَ الْفِطْرِ هُوَ السَّادِسُ مِنْ حَيْضِهَا فَلَا تَصُومُهُ ثُمَّ لَا يُجْزِئُهَا صَوْمُ خَمْسَةٍ بَعْدَهُ، ثُمَّ يُجْزِئُ فِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ بَعْدَهَا، ثُمَّ لَا يُجْزِئُ فِي أَحَدَ عَشَرَ، ثُمَّ يُجْزِئُ فِي يَوْمَيْنِ فَالْجُمْلَةُ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ يَوْمًا وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِمَا يَلْزَمُهَا عَلَى التَّقْدِيرِ الثَّانِي كَمَا فَعَلَ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ قُلْتُ: وَمُقْتَضَى مَا مَرَّ أَنْ تَقْضِيَ سَبْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا؛ لِأَنَّهَا بِنَاءً عَلَيْهِ طَهُرَتْ فِي أَثْنَاءِ الْيَوْمِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ فَيَوْمُ الْفِطْرِ ثَانِي يَوْمٍ مِنْ طُهْرِهَا فَلَا تَصُومُ فِيهِ، ثُمَّ يُجْزِئُهَا فِي ثَلَاثَةَ عَشَرَ بَعْدَهُ، ثُمَّ لَا يُجْزِئُهَا فِي أَحَدَ عَشَرَ، ثُمَّ يُجْزِئُهَا فِي ثَلَاثَةٍ بَعْدَهَا فَالْجُمْلَةُ سَبْعَةٌ وَعِشْرُونَ وَكَانَ الْأَصْلُ إنْ يُجْزِئُهَا ذَلِكَ وَلَكِنْ الِاحْتِيَاطُ الْأَوَّلُ لِاحْتِمَالِ التَّقْدِيرَيْنِ مَعًا وَبِالْأَوَّلِ تَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ بِيَقِينٍ عَلَى نَحْوِ مَا مَرَّ فَتَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ وَصَلَتْ إلَخْ) قَالَ فِي الْمُحِيطِ إنْ وَصَلَتْ قَضَتْ ثَلَاثَةً وَثَلَاثِينَ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا بِجَوَازِ الصَّوْمِ فِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ وَبِفَسَادِهِ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ فَيَلْزَمُهَا قَضَاءُ خَمْسَةَ عَشَرَ، ثُمَّ لَا يُجْزِئُهَا الصَّوْمُ فِي سَبْعَةٍ مِنْ أَوَّلِ شَوَّالٍ؛ لِأَنَّهُ بَقِيَّةُ حَيْضِهَا فَيُجْزِئُهَا فِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ وَلَا يُجْزِئُهَا فِي أَحَدَ عَشَرَ، ثُمَّ يُجْزِئُهَا فِي يَوْمٍ فَجُمْلَتُهُ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَإِنْ فَصَلَتْ قَضَتْ سَبْعَةً وَثَلَاثِينَ لِجَوَازِ أَنْ يُوَافِقَ ابْتِدَاءُ صَوْمِهَا ابْتِدَاءَ حَيْضِهَا فَلَا يُجْزِئُهَا الصَّوْمُ فِي أَحَدَ عَشَرَ، ثُمَّ يُجْزِئُهَا فِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ، ثُمَّ لَا يُجْزِئُهَا فِي أَحَدَ عَشَرَ، ثُمَّ يُجْزِئُهَا فِي يَوْمٍ فَجُمْلَتُهُ سَبْعَةٌ وَثَلَاثُونَ. اهـ. قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ بَعْدَ نَقْلِهِ هَذِهِ الْعِبَارَةَ قُلْتُ: الظَّاهِرُ أَنَّهَا إنْ وَصَلَتْ تَقْضِي اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي مَقْصِدِ الطَّالِبِ مَعْزُوًّا لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ؛ لِأَنَّ أَوَّلَ يَوْمٍ مِنْ شَوَّالٍ هُوَ يَوْمُ الْفِطْرِ وَهِيَ لَا تَصُومُ فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ فَلْيُتَأَمَّلْ. اهـ. قُلْتُ: وَيَغْلِبُ عَلَى ظَنِّي أَنَّ فِي عِبَارَةِ الْمُؤَلِّفِ سَقَطًا أَوْ تَحْرِيفًا وَالصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ وَعَلِمْت أَنَّ ابْتِدَاءَ حَيْضِهَا كَانَ بِالنَّهَارِ فَلْيُتَأَمَّلْ، ثُمَّ رَاجَعْت التَّتَارْخَانِيَّة فَوَجَدْته ذَكَرَ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ هُنَا فِيمَا إذَا عَلِمْت أَنَّ ابْتِدَاءَ حَيْضِهَا بِالنَّهَارِ وَذَكَرَ قَبْلَهُ فِي مَسْأَلَةِ مَا إذَا عَلِمَتْ أَنَّهُ بِاللَّيْلِ أَنَّ عَلَيْهَا أَنْ تَصُومَ بَعْدَ الْفِطْرِ إذَا وَصَلَتْ عِشْرِينَ يَوْمًا وَإِذَا فَصَلَتْ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ وَعَزَاهُ لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ فَثَبَتَ أَنَّ فِي كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ سَقَطًا وَرَأَيْت فِيهَا التَّعْبِيرَ بِاثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ مُوَافِقًا لِمَا نَقَلْنَاهُ أَوَّلًا عَنْ بَعْضِ الْفُضَلَاءِ، وَإِنَّمَا كَانَتْ تَقْضِي عِشْرِينَ إذَا وَصَلَتْ؛ لِأَنَّهَا إمَّا أَنْ تَحِيضَ خَمْسَةً فِي أَوَّلِهِ وَتِسْعَةً فِي آخِرِهِ أَوْ عَشَرَةً فِي أَوَّلِهِ وَأَرْبَعَةً فِي آخِرِهِ أَوْ تَحِيضُ فِي أَثْنَائِهِ بِأَنْ حَاضَتْ لَيْلَةَ السَّادِسِ وَطَهُرَتْ لَيْلَةَ السَّادِسَ عَشَرَ فَفِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ تَقْضِي فِي شَوَّالٍ أَرْبَعَةَ عَشَرَ وَفِي الثَّانِي عَشْرًا وَفِي الثَّالِثِ عِشْرِينَ فَقُلْنَا بِالْأَخِيرِ احْتِيَاطًا وَبَيَانُهُ عَلَى مَا صَوَّرْنَاهُ أَنَّهَا صَامَتْ مِنْ أَوَّلِهِ خَمْسَةً وَمِنْ آخِرِهِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ صَوْمُهَا فِيهَا صَحِيحٌ وَيَوْمُ الْفِطْرِ آخِرُ طُهْرِهَا فَإِذَا قَضَتْ الْعَشَرَةَ مَوْصُولَةً اُحْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ أَوَّلُ الْقَضَاءِ أَوَّلَ الْحَيْضِ فَتَصُومُ عَشَرَةً أُخْرَى، وَقَدْ رَأَيْت رِسَالَةً لِلْعَلَّامَةِ مُحَمَّدٍ الْبِرْكَوِيِّ فِي الْحَيْضِ ذَكَرَ فِيهَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مُلَخَّصَةً مُحَرَّرَةً فَأَحْبَبْت ذِكْرَ عِبَارَتِهِ لِجَمْعِهَا لِحَاصِلِ مَا مَرَّ وَهِيَ ثُمَّ إنْ لَمْ تَعْلَمْ أَنَّ دَوْرَهَا فِي كُلِّ شَهْرٍ مَرَّةً وَأَنَّ ابْتِدَاءَ حَيْضِهَا بِاللَّيْلِ أَوْ بِالنَّهَارِ أَوْ عَلِمْت أَنَّهُ بِالنَّهَارِ وَكَانَ شَهْرُ رَمَضَانَ ثَلَاثِينَ يَجِبُ عَلَيْهَا قَضَاءُ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا إنْ قَضَتْ مَوْصُولًا بِرَمَضَانَ وَإِنْ مَفْصُولًا فَثَمَانِيَةً وَثَلَاثِينَ وَإِنْ كَانَ شَهْرُ رَمَضَانَ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ تَقْضِي فِي الْوَصْلِ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَفِي الْفَصْلِ سَبْعَةً وَثَلَاثِينَ وَإِنْ عَلِمَتْ أَنَّ ابْتِدَاءَ حَيْضِهَا بِاللَّيْلِ وَشَهْرُ رَمَضَانَ ثَلَاثُونَ تَقْضِي فِي الْوَصْلِ وَالْفَصْلِ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ وَإِنْ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ تَقْضِي فِي الْوَصْلِ عِشْرِينَ وَفِي الْفَصْلِ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ إنْ عَلِمَتْ أَنَّ حَيْضَهَا فِي كُلِّ شَهْرٍ مَرَّةً وَأَنَّ ابْتِدَاءَهُ بِالنَّهَارِ أَوْ لَمْ تَعْلَمْ أَنَّهُ بِالنَّهَارِ تَقْضِي اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ مُطْلَقًا أَيْ وَصَلَتْ أَوْ فَصَلَتْ وَإِنْ عَلِمَتْ أَنَّ ابْتِدَاءَهُ بِاللَّيْلِ تَقْضِي عِشْرِينَ مُطْلَقًا. اهـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 تَأْتِي بِطَوَافِ التَّحِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ وَتَطُوفُ لِلزِّيَارَةِ؛ لِأَنَّهُ رُكْنٌ، ثُمَّ تُعِيدُهُ بَعْدَ عَشَرَةٍ وَتَطُوفُ لِلصَّدْرِ وَلَا تُعِيدُهُ؛ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ طَاهِرَةً فَقَدْ سَقَطَ وَإِلَّا فَلَا يَجِبُ عَلَى الْحَائِضِ وَلَا يَأْتِيهَا زَوْجُهَا تَجَنُّبًا عَنْ وُقُوعِهِ فِي الْحَيْضِ وَلَا يَطَؤُهَا بِالتَّحَرِّي؛ لِأَنَّ التَّحَرِّيَ فِي بَابِ الْفُرُوجِ لَا يَجُوزُ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ التَّحَرِّي فِي بَابِ الْجَوَارِي وَقَالَ مَشَايِخُنَا لَهُ أَنْ يَتَحَرَّى؛ لِأَنَّ زَمَانَ الطُّهْرِ أَكْثَرُ فَتَكُونُ الْغَلَبَةُ لِلْحَلَالِ وَعِنْدَ غَلَبَةِ الْحَلَالِ يَجُوزُ التَّحَرِّي كَمَا فِي الْمَسَالِيخِ إذَا غَلَبَ الْحَلَالُ مِنْهَا، كَذَا فِي الْمُحِيطِ مَعَ حَذْفٍ لِلْبَعْضِ وَمَنْ أَشْكَلَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِمَّا كَتَبْنَاهُ فَلْيُرَاجِعْهُ وَأَمَّا حُكْمُ الْعِدَّةِ فَفِيهِ اخْتِلَافٌ فَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُقَدِّرْ لَهَا طُهْرًا وَلَا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا أَبَدًا؛ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ لَا يَجُوزُ إلَّا تَوْقِيفًا وَالْعَامَّةُ قَدَّرُوهُ بِسَنَةٍ وَالْمَيْدَانِيُّ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ إلَّا سَاعَةً؛ لِأَنَّ الطُّهْرَ بَيْنَ الدَّمَيْنِ أَقَلُّ مِنْ أَدْنَى مُدَّةِ الْحَبَلِ عَادَةً فَنَقَصْنَا عَنْهُ سَاعَةً لِتَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِتِسْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا إلَّا ثَلَاثَ سَاعَاتٍ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ طَلَّقَهَا أَوَّلَ الطُّهْرِ وَبَحَثَ الشَّارِحُ الزَّيْلَعِيُّ أَنَّهُ يَنْبَغِي زِيَادَةُ عَشَرَةٍ لِمِثْلِ مَا قُلْنَا فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ وَجَوَابُهُ بِمِثْلِ مَا قَدَّمْنَاهُ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ شَهْرَانِ وَاخْتَارَهُ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى؛ لِأَنَّهُ أَيْسَرُ عَلَى الْمُفْتِي وَالنِّسَاءِ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ وَفَتْحِ الْقَدِيرِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ زَادَ الدَّمُ عَلَى أَكْثَرِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ فَمَا زَادَ عَلَى عَادَتِهَا اسْتِحَاضَةٌ) ؛ لِأَنَّ مَا رَأَتْهُ فِي أَيَّامِهَا حَيْضٌ بِيَقِينٍ وَمَا زَادَ عَلَى الْعَشَرَةِ اسْتِحَاضَةٌ بِيَقِينٍ وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ أَنْ يُلْحَقَ بِمَا قَبْلَهُ فَيَكُونَ حَيْضًا فَلَا تُصَلِّيَ وَبَيْنَ أَنْ يُلْحَقَ بِمَا بَعْدَهُ فَيَكُونَ اسْتِحَاضَةً فَتُصَلِّيَ فَلَا تَتْرُكُ الصَّلَاةَ بِالشَّكِّ فَيَلْزَمُهَا قَضَاءُ مَا تَرَكَتْ مِنْ الصَّلَاةِ وَالْمُرَادُ بِالْأَكْثَرِ عَشَرَةُ أَيَّامٍ وَعَشْرُ لَيَالٍ فِي الْحَيْضِ حَتَّى إذَا كَانَ عَشَرَةُ أَيَّامٍ وَتِسْعُ لَيَالٍ، ثُمَّ زَادَ الدَّمُ فَإِنَّهُ حَيْضٌ حَتَّى يَزِيدَ عَلَى لَيْلَةِ الْحَادِيَ عَشَرَ، كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَهَلْ تَتْرُكُ بِمُجَرَّدِ رُؤْيَتِهَا الزِّيَادَةَ قِيلَ لَا إذْ لَمْ تَتَيَقَّنْ بِكَوْنِهِ حَيْضًا لِاحْتِمَالِ الزِّيَادَةِ عَلَى الْعَشَرَةِ وَقِيلَ نَعَمْ اسْتِصْحَابًا لِلْحَالِ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ الصِّحَّةُ وَكَوْنُهُ اسْتِحَاضَةٌ بِكَوْنِهِ عَنْ دَاءٍ وَصَحَّحَهُ فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا وَكَذَا فِي النِّفَاسِ فَمَا زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِينَ وَلَهَا عَادَةٌ مَعْرُوفَةٌ فَإِنَّهَا تُرَدُّ إلَيْهَا أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ مَا إذَا كَانَ خَتْمُ عَادَتِهَا بِالدَّمِ أَوْ بِالطُّهْرِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ إنْ كَانَ خَتْمُ عَادَتِهَا بِالدَّمِ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ بِالطُّهْرِ فَلَا؛ لِأَنَّ أَبَا يُوسُفَ يَرَى خَتْمَ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ بِالطُّهْرِ إذَا كَانَ بَعْدَهُ دَمٌ وَمُحَمَّدٌ لَا يَرَى ذَلِكَ وَبَيَانُهُ مَا ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ إذَا كَانَتْ عَادَتُهَا فِي النِّفَاسِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا فَانْقَطَعَ دَمُهَا عَلَى رَأْسِ عِشْرِينَ يَوْمًا وَطَهُرَتْ عَشَرَةَ أَيَّامٍ تَمَامَ عَادَتِهَا فَصَلَّتْ وَصَامَتْ، ثُمَّ عَاوَدَهَا الدَّمُ فَاسْتَمَرَّ بِهَا حَتَّى جَاوَزَ الْأَرْبَعِينَ ذَكَرَ أَنَّهَا مُسْتَحَاضَةٌ فِيمَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِينَ وَلَا يُجْزِئُهَا صَوْمُهَا فِي الْعَشَرَةِ الَّتِي صَامَتْ فَيَلْزَمُهَا الْقَضَاءُ قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ هَذَا عَلَى مَذْهَبِ أَبِي يُوسُفَ يَسْتَقِيمُ فَأَمَّا عَلَى مَذْهَبِ مُحَمَّدٍ فَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ فَنِفَاسُهَا عِنْدَهُ عِشْرُونَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ شَهْرَانِ إلَخْ) قَالَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ وَهُوَ رِوَايَةُ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْمُعَاوَدَةِ وَالْحَيْضُ وَالطُّهْرِ مِمَّا يَتَكَرَّرُ فِي الشَّهْرَيْنِ عَادَةً إذْ الْغَالِبُ أَنَّ النِّسَاءَ تَحِيضُ فِي كُلِّ شَهْرٍ مَرَّةً فَإِذَا طَهُرَتْ شَهْرَيْنِ فَقَدْ طَهُرَتْ فِي أَيَّامِ حَيْضِهَا وَالْعَادَةُ تَنْتَقِلُ بِمَرَّتَيْنِ فَصَارَ ذَلِكَ الطُّهْرُ عَادَةً لَهَا فَوَجَبَ التَّقْدِيرُ بِهِ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ الْحَاكِمِ؛ لِأَنَّهُ أَيْسَرُ عَلَى الْمُفْتِي. اهـ. قَالَ فِي الشرنبلالية فَعَلَى هَذَا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِسَبْعَةِ أَشْهُرٍ لِاحْتِيَاجِهَا إلَى ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ وَثَلَاثِ حَيْضَاتٍ بِشَهْرٍ. اهـ. لَكِنْ فِي السِّرَاجِ قَالَ الصَّيْرَفِيُّ وَأَكْثَرُ الْمَشَايِخِ عَلَى تَقْدِيرِهِ بِشَهْرَيْنِ إلَّا أَنَّهُ قَالَ إنَّمَا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِسَبْعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشَرَةِ أَيَّامٍ إلَّا سَاعَةً؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَكُونُ طَلَّقَهَا فِي أَوَّلِ الْحَيْضِ فَلَا يَحْتَسِبُ بِتِلْكَ الْحَيْضَةِ فَتَحْتَاجُ إلَى ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ وَهِيَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَعَشَرَةُ أَيَّامٍ إلَّا سَاعَةً وَهِيَ السَّاعَةُ الَّتِي مَضَتْ مِنْ الْحَيْضِ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الطَّلَاقُ. اهـ. وَقَدْ نَبَّهْنَاك عَلَى أَنَّ ذَلِكَ أَيْضًا يَجْرِي فِي الْمُعْتَادَةِ الَّتِي اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ، فَلَا تَغْفُلْ. [الْحُكْمِ فِيمَا لَوْ زَادَ الدَّمُ عَلَى أَكْثَرِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ] (قَوْلُهُ فَلَا تَتْرُكْ الصَّلَاةَ بِالشَّكِّ إلَخْ) يَعْنِي لَا تَتْرُكْ قَضَاءَهَا بِالشَّكِّ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ مَفْرُوضٌ فِيمَا إذَا رَأَتْ الزَّائِدَ عَلَى الْعَشَرَةِ وَحِينَئِذٍ لَا يُمْكِنُ سِوَى الْقَضَاءِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهَا لَا تَتْرُكُ أَدَاءَ الصَّلَاةِ قَبْلَ ذَلِكَ بِمُجَرَّدِ رُؤْيَتِهَا الزَّائِدَ عَلَى الْعَشَرَةِ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ خِلَافًا سَيَذْكُرُهُ بَعْدُ بِقَوْلِهِ وَهَلْ تَتْرُك إلَخْ وَحِينَئِذٍ يَنْدَفِعُ مَا يُتَوَهَّمُ مِنْ أَنَّهُ حَكَمَ أَوَّلًا أَنَّهَا لَا تَتْرُكْ الصَّلَاةَ وَثَانِيًا رَدَّدَ وَوَجْهُ الدَّفْعِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَوَّلِ الْقَضَاءُ وَبِالثَّانِي الْأَدَاءُ، وَإِنَّمَا حَمَلْنَاهُ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَبَادَرُ مِنْ كَلَامِ النِّهَايَةِ وَذَلِكَ حَيْثُ قَالَ نَاقِلًا عَنْ الْمَبْسُوطِ فَلَا تَتْرُكْ الصَّلَاةَ فِيهِ بِالشَّكِّ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الصَّلَاةِ كَانَ ثَابِتًا بِيَقِينٍ فَلَا تَتْرُكْ إلَّا بِيَقِينٍ مِثْلِهِ وَكَانَ إلْحَاقُهُ بِمَا بَعْدَهُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ مَا ظَهَرَ إلَّا فِي الْوَقْتِ الَّذِي ظَهَرَ فِيهِ الِاسْتِحَاضَةُ مُتَّصِلًا بِهِ، ثُمَّ قَالَ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْمُعْتَادَةِ بِمَا دُونَ الْعَشَرَةِ فَجَاوَزَ الدَّمُ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْعَشَرَةِ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ مُعْتَادَةً بِمَا دُونَ الْعَشَرَةِ بِأَنْ كَانَتْ عَادَتُهَا خَمْسَةَ أَيَّامٍ مَثَلًا فَرَأَتْ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ فِي الْيَوْمِ السَّادِسِ أَيْضًا دَمًا فَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ فَظَاهِرُ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ مَا ظَهَرَ إلَّا فِي الْوَقْتِ إلَخْ وَقَوْلُهُ فَرَأَتْ فِي الْيَوْمِ السَّادِسِ إلَخْ يُفْهَمُ مِنْهُ مَا قُلْنَا فَتَأَمَّلْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 يَوْمًا فَلَا يَلْزَمُهَا قَضَاءُ مَا صَامَتْ فِي الْعَشَرَةِ أَيَّامٍ بَعْدَ الْعِشْرِينَ، كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِ زَادَ عَلَى الْأَكْثَرِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ زَادَ عَلَى الْعَادَةِ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى الْأَكْثَرِ فَالْكُلُّ حَيْضٌ اتِّفَاقًا بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ بَعْدَهُ طُهْرٌ صَحِيحٌ، وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِهِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ عَادَتُهَا خَمْسَةَ أَيَّامٍ مَثَلًا مِنْ أَوَّلِ كُلِّ شَهْرٍ فَرَأَتْ سِتَّةَ أَيَّامٍ فَإِنَّ السَّادِسَ حَيْضٌ أَيْضًا، فَإِنْ طَهُرَتْ بَعْدَ ذَلِكَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا، ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ فَإِنَّهَا تُرَدُّ إلَى عَادَتِهَا وَهِيَ خَمْسَةٌ وَالْيَوْمُ السَّادِسُ اسْتِحَاضَةٌ فَتَقْضِي مَا تَرَكَتْهُ فِيهِ مِنْ الصَّلَاةِ، كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي أَنَّهُ يَصِيرُ عَادَةً لَهَا أَوْ لَا إلَّا إنْ رَأَتْ فِي الثَّانِي كَذَلِكَ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى نَقْلِ الْعَادَةِ بِمَرَّةٍ أَوْ لَا فَعِنْدَهُمَا لَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ نَعَمْ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَإِنَّمَا تَظْهَرُ ثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ فِيمَا لَوْ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُقَدَّرُ حَيْضُهَا مِنْ كُلِّ شَهْرٍ مَا رَأَتْهُ آخِرًا وَعِنْدَهُمَا عَلَى مَا كَانَ قَبْلَهُ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِيهِ نَظَرٌ، بَلْ ثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ تَظْهَرُ أَيْضًا فِيمَا إذَا رَأَتْ فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ زِيَادَةً عَلَى عَادَتِهَا فَإِنَّ الْأَمْرَ مَوْقُوفٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إنْ رَأَتْ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي مِثْلَهُ فَهَذَا وَالْأَوَّلُ حَيْضٌ وَإِلَّا فَهُوَ اسْتِحَاضَةٌ وَقَالَا حَيْضٌ؛ لِأَنَّ أَبَا يُوسُفَ يَرَى نَقْضَ الْعَادَةِ بِمَرَّةٍ وَمُحَمَّدٌ يَرَى الْإِبْدَالَ إنْ أَمْكَنَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْكَافِي فِيمَا إذَا رَأَتْ يَوْمَيْنِ وَيَوْمًا قَبْلَهَا وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ وَلَوْ رَأَتْ صَاحِبَةُ الْعَادَةِ قَبْلَ أَيَّامِهَا مَا يَكُونُ حَيْضًا وَفِي أَيَّامِهَا مَا لَا يَكُونُ حَيْضًا أَوْ رَأَتْ قَبْلَ أَيَّامِهَا مَا لَا يَكُونُ حَيْضًا وَفِي أَيَّامِهَا مَا لَا يَكُونُ حَيْضًا لَكِنْ إذَا جُمِعَا كَانَ حَيْضًا أَوْ رَأَتْ قَبْلَ أَيَّامِهَا مَا يَكُونُ حَيْضًا وَلَمْ تَرَ فِي أَيَّامِهَا شَيْئًا لَا يَكُونُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ حَيْضًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْأَمْرُ مَوْقُوفٌ إلَى الشَّهْرِ الثَّانِي، فَإِنْ رَأَتْ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي مَا رَأَتْ فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ يَكُونُ الْكُلُّ حَيْضًا وَعِنْدَهُمَا يَكُونُ حَيْضًا غَيْرَ أَنَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بِطَرِيقِ الْعَادَةِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بِطَرِيقِ الْبَدَلِ، وَلَوْ رَأَتْ قَبْلَ أَيَّامِهَا مَا لَا يَكُونُ حَيْضًا وَفِي أَيَّامِهَا مَا يَكُونُ حَيْضًا فَالْكُلُّ حَيْضٌ بِالِاتِّفَاقِ وَيُجْعَلُ مَا قَبْلَ أَيَّامِهَا تَبَعًا لِأَيَّامِهَا وَلَوْ رَأَتْ قَبْلَ أَيَّامِهَا مَا يَكُونُ حَيْضًا وَفِي أَيَّامِهَا مَا يَكُونُ حَيْضًا فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ وَكَذَا الْحُكْمُ فِي الْمُتَأَخِّرِ غَيْرَ أَنَّهَا إذَا رَأَتْ فِي   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِهِ إلَخْ) أَيْ بِقَوْلِهِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ طُهْرٍ صَحِيحٍ. (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا الْخِلَافُ إلَخْ) مُقَابِلٌ لِقَوْلِهِ فَالْكُلُّ حَيْضٌ اتِّفَاقًا أَيْ ذَلِكَ لَا خِلَافَ فِيهِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي أَنَّهُ هَلْ يَصِيرُ عَادَةً لَهَا أَوْ لَا يَصِيرُ إلَّا أَنْ تَرَاهُ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي كَذَلِكَ. (قَوْلُهُ: وَفِيهِ نَظَرٌ إلَخْ) كَذَا ذَكَرَ النَّظَرَ أَخُو الْمُصَنِّفِ صَاحِبُ النَّهْرِ وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ قُلْتُ: هَذَا غَيْرُ وَارِدٍ؛ لِأَنَّ الْحَصْرَ الَّذِي ادَّعَاهُ الْمُحَقِّقُ إنَّمَا هُوَ فِي ثَمَرَةِ الْخِلَافِ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَالطَّرَفَيْنِ وَمَا أَوْرَدَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ هُوَ ثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ بَيْنَ الْإِمَامِ وَالصَّاحِبَيْنِ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ وَإِلَّا فَهُوَ اسْتِحَاضَةٌ غَيْرُ مُسَلَّمٍ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الزَّائِدَ عَلَى الْعَادَةِ إنْ لَمْ يَتَجَاوَزْ الْعَشَرَةَ فَالْكُلُّ حَيْضٌ بِالِاتِّفَاقِ لَا يُقَالُ الْمُرَادُ مِنْ الزِّيَادَةِ أَنْ يَزِيدَ عَلَى الْعَادَةِ وَيَتَجَاوَزَ الطُّهْرَ ثَمَرَةٌ؛ لِأَنَّا نَقُولُ يَأْبَاهُ قَوْلُهُ إنْ رَأَتْ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي مِثْلَهُ فَهَذَا وَالْأَوَّلُ حَيْضٌ، وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي فِيمَا إذَا رَأَتْ يَوْمَيْنِ فِيهَا وَيَوْمًا قَبْلَهَا فَقَدْ بَيَّنَ وَجْهَ كَوْنِهِ مَوْقُوفًا عِنْدَ الْإِمَامِ وَحَيْضًا عِنْدَهُمَا الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي كِتَابِهِ مُخْتَلَفِ الرِّوَايَةِ فَقَالَ الْمَرْأَةُ إذَا رَأَتْ فِي أَيَّامِهَا مَا لَا يَكُونُ حَيْضًا أَيْ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا وَقَبْلَ أَيَّامِهَا كَذَلِكَ وَبِالْجَمْعِ يَتِمُّ ثَلَاثًا فَالْأَمْرُ مَوْقُوفٌ إنْ رَأَتْ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي مِثْلَهُ فَهَذَا وَالْأَوَّلُ حَيْضٌ وَإِلَّا فَهُوَ اسْتِحَاضَةٌ وَقَالَا الْمَجْمُوعُ حَيْضٌ لَهُمَا أَنَّ الْمَرْئِيَّ فِي أَيَّامِهَا وَإِنْ قَلَّ أَصْلُهُ فَيَسْتَتْبِعُ مَا قَبْلَهُ وَلِأَنَّ أَبَا يُوسُفَ يَرَى نَقْضَ الْعَادَةِ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ وَمُحَمَّدًا يَرَى الْإِبْدَالَ إذَا أَمْكَنَ وَلَهُ أَنَّ الْمَرْئِيَّ فِي أَيَّامِهَا لَيْسَ بِنِصَابٍ فَلَا يَسْتَتْبِعُ مَا قَبْلَهُ وَلَا وَجْهَ لِنَقْضِ الْعَادَةِ إلَّا بِالْإِعَادَةِ عَلَى مَا عُرِفَ. اهـ. وَقَدْ صَرَّحَ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَيْضًا الْعَلَّامَةُ النَّسَفِيُّ فِي مَنْظُومَتِهِ فِي بَابِ أَبِي حَنِيفَةَ فَقَالَ وَلَوْ رَأَتْ مَا لَا يَكُونَ حَيْضًا فِي وَقْتِهَا وَقَبْلَ ذَاكَ أَيْضًا وَيَبْلُغُ الثَّلَاثَ ذَاكَ الْفَيْضُ فَالْحَالُ مَوْقُوفٌ وَقَالَا حَيْضٌ قَالَ فِي الْمُصَفَّى وَتَفْسِيرُ التَّوَقُّفِ أَنْ لَا تُصَلِّيَ وَلَا تَصُومَ. اهـ. (قَوْلُهُ: غَيْرَ أَنَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إلَخْ) قَالَ فِي السِّرَاجِ إلَّا أَنَّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَكُونُ عَادَةً مَا لَمْ تَرَ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي مِثْلَهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَكُونُ عَادَةً (قَوْلُهُ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ) قَالَ فِي السِّرَاجِ وَذَكَرَ الْخُجَنْدِيُّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فَقَالَ: أَمَّا الْمَرْئِيُّ فِي أَيَّامِهَا فَحَيْضٌ بِالِاتِّفَاقِ وَالْمَرْئِيُّ قَبْلَ أَيَّامِهَا فِيهِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ هُوَ حَيْضٌ وَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ عَنْهُ مَوْقُوفٌ حَتَّى تَرَى فِي الشَّهْرِ الثَّانِي مِثْلَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا الْحُكْمُ فِي الْمُتَأَخِّرِ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ هَذَا هُوَ الِانْتِقَالُ فِي الْمَكَانِ كَمَا سَيُنَبِّهُ عَلَيْهِ وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ عَشْرُ مَسَائِلَ خَمْسٌ فِي الْمُتَقَدِّمِ عَلَى أَيَّامِهَا وَخَمْسٌ فِي الْمُتَأَخِّرِ عَنْهَا فَالْخَمْسُ فِي الْمُتَقَدِّمِ ذَكَرَهَا مُسْتَوْفَاةً، وَأَمَّا الْخَمْسُ فِي الْمُتَأَخِّرِ فَبَيَانُهَا عَلَى مَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ إذَا رَأَتْ فِي أَيَّامِهَا مَا يَكُونُ وَبَعْدَهَا مَا لَا يَكُونُ فَالْكُلُّ حَيْضٌ وَإِنْ رَأَتْ فِي أَيَّامِهَا مَا يَكُونُ وَبَعْدَهَا مَا يَكُونُ إنْ رَأَتْ زِيَادَةً عَلَى عَادَتِهَا وَلَمْ يَتَجَاوَزْ الْعَشَرَةَ فَالْكُلُّ حَيْضٌ وَإِنْ تَجَاوَزَ رُدَّتْ إلَى عَادَتِهَا وَمَا زَادَ اسْتِحَاضَةٌ وَإِنْ رَأَتْ بَعْدَ أَيَّامِهَا مَا يَكُونُ وَلَمْ تَرَ فِي أَيَّامِهَا شَيْئًا أَوْ رَأَتْ فِي أَيَّامِهَا مَا لَا يَكُونُ وَبَعْدَهَا مَا يَكُونُ أَوْ رَأَتْ فِي أَيَّامِهَا مَا لَا يَكُونُ وَبَعْدَهَا مَا لَا يَكُونُ، فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي هَذِهِ الثَّلَاثِ رِوَايَتَانِ: أَحَدُهُمَا: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 أَيَّامِهَا مَا يَكُونُ حَيْضًا وَبَعْدَ أَيَّامِهَا مَا لَا يَكُونُ حَيْضًا يَكُونُ الْكُلُّ حَيْضًا رِوَايَةً وَاحِدَةً عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَدْ بَيَّنَ الْإِبْدَالَ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَأَطَالَ فِيهِ فَمَنْ رَامَهُ فَلْيُرَاجِعْهَا وَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ هُوَ الِانْتِقَالُ مِنْ حَيْثُ الْمَكَانُ وَمَا تَقَدَّمَ هُوَ انْتِقَالُ الْعَادَةِ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدُ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ انْقَطَعَ دُونَ عَادَتِهَا عَلَى ثَلَاثَةٍ أَوْ أَرْبَعَةٍ، كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالْعَادَةُ كَمَا تَنْتَقِلُ بِرُؤْيَةِ الدَّمِ الْمُخَالِفِ لِلدَّمِ الْمَرْئِيِّ فِي أَيَّامِهَا مَرَّتَيْنِ فَكَذَلِكَ تَنْتَقِلُ بِطُهْرِ أَيَّامِهَا مَرَّتَيْنِ قَيَّدَ بِكَوْنِهَا مُعْتَادَةً؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهَا عَادَةٌ مَعْرُوفَةٌ بِأَنْ كَانَتْ تَرَى شَهْرًا سِتًّا وَتَرَى شَهْرًا سَبْعًا فَاسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فَإِنَّهَا تَأْخُذُ فِي حَقِّ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَالرَّجْعَةِ بِالْأَقَلِّ وَفِي حَقِّ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَالْغَشَيَانِ بِالْأَكْثَرِ فَعَلَيْهَا إذَا رَأَتْ سِتَّةَ أَيَّامٍ فِي الِاسْتِمْرَارِ أَنْ تَغْتَسِلَ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ لِتَمَامِ السَّادِسِ وَتُصَلِّي فِيهِ وَتَصُومُ إنْ كَانَ دَخَلَ عَلَيْهَا شَهْرُ رَمَضَانَ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ السَّابِعُ حَيْضًا وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَكُونَ حَيْضًا فَوَجَبَ احْتِيَاطًا فَإِذَا جَاءَ الثَّامِنُ فَعَلَيْهَا الْغُسْلُ ثَانِيًا وَتَقْضِي الْيَوْمَ الَّذِي صَامَتْهُ فِي السَّابِعِ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهَا حَائِضًا فِيهِ وَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ، وَإِنْ كَانَتْ عَادَتُهَا خَمْسَةً فَحَاضَتْ سِتَّةً، ثُمَّ حَاضَتْ أُخْرَى سَبْعَةً، ثُمَّ حَاضَتْ أُخْرَى سِتَّةً فَعَادَتُهَا سِتَّةً بِالْإِجْمَاعِ حَتَّى يُبْنَى الِاسْتِمْرَارُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُبْنَى الِاسْتِمْرَارُ عَلَى الْمَرَّةِ الْأَخِيرَةِ، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَقَدْ رَأَتْ السِّتَّةَ مَرَّتَيْنِ، كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَالْمَبْسُوطِ وَمِنْهُمْ كَصَاحِبِ الْمُحِيطِ وَالْمُصَفَّى جَعَلَ هَذَا نَظِيرَ الْعَادَةِ الْجَعْلِيَّةِ وَأَنَّهَا نَوْعَانِ أَصْلِيَّةٌ وَهِيَ أَنْ تَرَى دَمَيْنِ مُتَّفِقَيْنِ وَطُهْرَيْنِ مُتَّفِقَيْنِ عَلَى الْوَلَاءِ أَوْ أَكْثَرَ وَإِنَّ الْخِلَافَ جَارٍ فِيهَا وَالْجَعْلِيَّةُ تَنْتَقِلُ بِرُؤْيَةِ الْمُخَالِفِ مَرَّةً وَاحِدَةً اتِّفَاقًا وَهِيَ أَنْ تَرَى أَطْهَارًا مُخْتَلِفَةً وَدِمَاءً مُخْتَلِفَةً بِأَنْ رَأَتْ فِي الِابْتِدَاءِ خَمْسَةً دَمًا وَسَبْعَةَ عَشَرَ طُهْرًا، ثُمَّ أَرْبَعَةً وَسِتَّةَ عَشَرَ، ثُمَّ ثَلَاثَةً وَخَمْسَةَ عَشَرَ، ثُمَّ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ يُبْنَى عَلَى أَوْسَطِ الْأَعْدَادِ فَتَدَعُ مِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ أَرْبَعَةً وَتُصَلِّي سِتَّةَ عَشَرَ وَذَلِكَ دَأْبُهَا وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ مُزَاحِمٍ تَبْنِي عَلَى أَقَلِّ الْمَرْئِيَّيْنِ الْأَخِيرَيْنِ فَتَدَعُ ثَلَاثَةً وَتُصَلِّي خَمْسَةَ عَشَرَ فَهَذِهِ عَادَتُهَا جَعْلِيَّةٌ لَهَا فِي زَمَنِ الِاسْتِمْرَارِ وَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ جَعْلِيَّةٌ؛ لِأَنَّهَا جُعِلَتْ عَادَةً لِلضَّرُورَةِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَا فِي الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي الْعَادَةِ الْجَعْلِيَّةِ إذَا طَرَأَتْ عَلَى الْعَادَةِ الْأَصْلِيَّةِ هَلْ تُنْتَقَضُ الْأَصْلِيَّةُ قَالَ أَئِمَّةُ بَلْخٍ لَا؛ لِأَنَّهَا دُونَهَا وَقَالَ أَئِمَّةُ بُخَارَى نَعَمْ؛ لِأَنَّهَا لَا بُدَّ أَنْ تَتَكَرَّرَ فِي الْجَعْلِيَّةِ خِلَافَ مَا كَانَ فِي الْأَصْلِيَّةِ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ مَتَى كَانَتْ عَادَتُهَا الْأَصْلِيَّةُ فِي الْحَيْضِ خَمْسَةً فَلَا تَثْبُتُ الْعَادَةُ الْجَعْلِيَّةُ إلَّا بِرُؤْيَةِ سِتَّةٍ وَسَبْعَةٍ وَثَمَانِيَةٍ وَيَتَكَرَّرُ فِيهَا خِلَافُ الْعَادَةِ الْأَصْلِيَّةِ مِرَارًا فَالْعَادَةُ الْأَصْلِيَّةُ تَنْتَقِلُ بِالتَّكْرَارِ بِخِلَافِهَا، كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَفِي الْمُجْتَبَى وَالْعَادَةُ تَنْتَقِلُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بِأَحَدِ أُمُورٍ ثَلَاثَةٍ بِعَدَمِ رُؤْيَةِ مَكَانِهَا مَرَّةً وَبِطُهْرٍ صَحِيحٍ صَالِحٍ لِنَصْبِ الْعَادَةِ يُخَالِفُ الْأَوَّلَ مَرَّةً وَدَمٌ صَالِحٌ مُخَالِفٌ مَرَّةً وَعِنْدَهُمَا بِتَكَرُّرِ هَذِهِ الْأُمُورِ مَرَّتَيْنِ عَلَى الْوَلَاءِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ مُبْتَدَأَةً فَحَيْضُهَا عَشَرَةٌ وَنِفَاسُهَا أَرْبَعُونَ) أَيْ لَوْ كَانَتْ الْمُسْتَحَاضَةُ ابْتَدَأَتْ مَعَ الْبُلُوغِ مُسْتَحَاضَةً أَوْ مَعَ الْوَلَدِ الْأَوَّلِ فَحَيْضُهَا وَنِفَاسُهَا الْأَكْثَرُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الصِّحَّةُ فَلَا يُحْكَمُ بِالْعَارِضِ إلَّا بِيَقِينٍ وَتَتْرُكُ الصَّلَاةَ بِمُجَرَّدِ رُؤْيَةِ الدَّمِ عَلَى الصَّحِيحِ كَصَاحِبَةِ الْعَادَةِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا لَا تَتْرُكُ مَا لَمْ تَسْتَمِرَّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَتَثْبُتُ عَادَةُ هَذِهِ الْمُبْتَدَأَةِ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ فَلَوْ رَأَتْ خَمْسَةً دَمًا وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا، ثُمَّ اسْتَمَرَّ الدَّمُ فَإِنَّهَا تَتْرُكُ الصَّلَاةَ مِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ خَمْسَةً، ثُمَّ تُصَلِّي خَمْسَةَ عَشَرَ وَذَلِكَ عَادَتُهَا؛ لِأَنَّ الِانْتِقَالَ عَنْ حَالَةِ الصِّغَرِ فِي النِّسَاءِ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ بِخِلَافِ الْمُعْتَادَةِ، ثُمَّ الْعَادَةُ فِي حَقِّ الْمُبْتَدَأَةِ أَيْضًا نَوْعَانِ أَصْلِيَّةٌ وَجَعْلِيَّةٌ فَالْأُولَى عَلَى   [منحة الخالق] أَنَّ الْحُكْمَ مَوْقُوفٌ كَمَا قَالَ فِي الْمُتَقَدِّمِ عَلَى أَيَّامِهَا وَفِي رِوَايَةٍ يَكُونُ حَيْضًا وَهُوَ قَوْلُ صَاحِبَيْهِ، غَيْرَ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقُولُ لَا يَكُونُ عَادَةً وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَكُونُ عَادَةً. اهـ. وَبِهَذَا تَعْلَمُ مَا فِي كَلَامِ الشَّارِحِ مِنْ الْإِجْمَالِ وَأَنَّ الصَّوَابَ اسْتِثْنَاءُ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ مَعَ الْأُولَى وَتَقْيِيدُهَا بِأَنْ لَا تَتَجَاوَزَ الْعَشَرَةَ. (قَوْلُهُ: يَكُونُ الْكُلُّ حَيْضًا رِوَايَةً وَاحِدَةً عَنْ الْإِمَامِ) أَيْ بِلَا تَوَقُّفٍ عَلَى أَنْ تَرَى مِثْلَهُ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي وَبِهَذَا مَعَ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ السِّرَاجِ تَعْلَمُ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي وَجْهِ النَّظَرِ فِي كَلَامِ صَاحِبِ فَتْحِ الْقَدِيرِ سَاقِطٌ أَصْلًا فَتَنَبَّهْ (قَوْلُهُ: كَذَا فِي السِّرَاجِ) أَقُولُ: ذَكَرَ فِي السِّرَاجِ أَوَّلًا أَنَّ الِانْتِقَالَ لَا يَكُونُ إلَّا بِمَرَّتَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَكُونُ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ، ثُمَّ قَالَ وَفَائِدَتُهُ تَظْهَرُ إذَا اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ إلَى آخِرِ مَا مَرَّ عَنْ الْفَتْحِ، ثُمَّ قَالَ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهَا إذَا رَأَتْ ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فِي الشَّهْرِ الثَّالِثِ فَإِنَّهَا تُرَدُّ إلَى مَا تَوَالَى عَلَيْهِ الدَّمُ مَرَّتَيْنِ، وَكَذَا إذَا انْقَطَعَ دَمُهَا دُونَ عَادَتِهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ فَهُوَ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ. اهـ. فَتَأَمَّلْهُ مَعَ مَا نَقَلَهُ الْمُؤَلِّفُ عَنْهُ. . (قَوْلُهُ: وَأَنَّهَا نَوْعَانِ) أَيْ جَعَلَ الْعَادَةَ مُطْلَقًا نَوْعَيْنِ: أَصْلِيَّةٌ وَهِيَ أَنْ تَرَى دَمَيْنِ إلَخْ. وَجَعْلِيَّةٌ وَهِيَ أَنْ تَرَى أَطْهَارًا إلَخْ. وَقَوْلُهُ وَأَنَّ الْخِلَافَ جَارٍ فِيهَا أَيْ الْخِلَافُ السَّابِقُ بَيْنَ الْإِمَامَيْنِ وَأَبِي يُوسُفَ فِي نَقْلِ الْعَادَةِ بِمَرَّةٍ أَوْ لَا كَذَا يُفْهَمُ مِنْ فَتْحِ الْقَدِيرِ [حَيْض الْمُبْتَدَأَة وَنِفَاسهَا] (قَوْلُهُ: وَتَتْرُكُ الصَّلَاةَ) أَيْ الْمُبْتَدَأَةُ. (قَوْلُهُ: لَا يَحْصُلُ إلَّا بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ) كَذَا فِي هَذِهِ النُّسْخَةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ تَرَى دَمَيْنِ خَالِصَيْنِ وَطُهْرَيْنِ خَالِصَيْنِ مُتَّفِقَيْنِ عَلَى الْوَلَاءِ بِأَنْ رَأَتْ مُبْتَدَأَةٌ ثَلَاثَةً دَمًا وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا وَثَلَاثَةً دَمًا وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا، ثُمَّ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فَإِنَّهَا تَدَعُ الصَّلَاةَ مِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ وَتُصَلِّي خَمْسَةَ عَشَرَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ صَارَ عَادَةً أَصْلِيَّةً لَهَا بِالتَّكْرَارِ، وَالثَّانِي أَنْ تَرَى دَمَيْنِ وَطُهْرَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ بِأَنْ رَأَتْ ثَلَاثَةً دَمًا وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا وَأَرْبَعَةً دَمًا وَسِتَّةَ عَشَرَ طُهْرًا، ثُمَّ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَيَّامُ حَيْضِهَا وَطُهْرِهَا مَا رَأَتْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَاخْتَلَفُوا فِي قَوْلِهِمَا فَقِيلَ عَادَتُهَا مَا رَأَتْهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَقِيلَ عَادَتُهَا أَقَلُّ الْمَرَّتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْأَقَلَّ مَوْجُودٌ فِي الْأَكْثَرِ فَيَتَكَرَّرُ الْأَقَلُّ مَعْنًى، وَأَمَّا الْعَادَةُ الْجَعْلِيَّةُ فَهِيَ أَنْ تَرَى ثَلَاثَةَ دِمَاءٍ وَأَطْهَارٍ مُخْتَلِفَةً، ثُمَّ اسْتَمَرَّ الدَّمُ بِهَا بِأَنْ رَأَتْ خَمْسَةً دَمًا وَسَبْعَةَ عَشَرَ طُهْرًا وَأَرْبَعَةً دَمًا وَسِتَّةَ عَشَرَ طُهْرًا وَثَلَاثَةً دَمًا وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا وَاخْتَلَفُوا فَقِيلَ عَادَتُهَا أَوْسَطُ الْأَعْدَادِ فَتَدَعُ مِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ أَرْبَعَةً وَتُصَلِّي سِتَّةَ عَشَرَ وَقِيلَ أَقَلُّ الْمَرْئِيَّيْنِ الْأَخِيرَيْنِ فَتَدَعُ مِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ ثَلَاثَةً وَتُصَلِّي خَمْسَةَ عَشَرَ فَلَوْ رَأَتْ مُبْتَدَأَةٌ ثَلَاثَةً دَمًا وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا وَأَرْبَعَةً دَمًا وَسِتَّةَ عَشَرَ طُهْرًا وَخَمْسَةً دَمًا وَسَبْعَةَ عَشَرَ طُهْرًا، ثُمَّ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فَعَادَتُهَا أَرْبَعَةٌ فِي الدَّمِ وَسِتَّةَ عَشَرَ فِي الطُّهْرِ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَقَلُّ الْمَرْئِيَّيْنِ الْأَخِيرَيْنِ وَأَوْسَطُ الْأَعْدَادِ وَلَوْ رَأَتْ ثَلَاثَةً دَمًا وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا وَأَرْبَعَةً دَمًا وَسِتَّةَ عَشَرَ طُهْرًا وَثَلَاثَةً دَمًا وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا فَإِنَّ عَادَتَهَا ثَلَاثَةٌ فِي الدَّمِ وَخَمْسَةَ عَشَرَ فِي الطُّهْرِ؛ لِأَنَّا جَعَلْنَا مَا رَأَتْهُ آخِرًا مَضْمُومًا إلَى مَا رَأَتْهُ أَوَّلًا؛ لِأَنَّهُ تَأَكَّدَ بِالتَّكْرَارِ فَصَارَ عَادَةً جَعْلِيَّةً لَهَا، كَذَا فِي الْمُحِيطِ. وَبَقِيَّةُ مَسَائِلِ الْمُبْتَدَأَةِ مَذْكُورَةٌ فِيهِ فَمَنْ رَامَهَا فَلْيُرَاجِعْهُ وَلِخَوْفِ الْإِطَالَةِ الْمُؤَدِّيَةِ إلَى الْمَلَلِ لَمْ نُورِدْهَا وَأَطْلَقَ الْعَشَرَةَ فَشَمَلَ الْأُولَى وَالْوُسْطَى وَالْأَخِيرَةَ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ عَشَرَةٌ مِنْ أَوَّلِ مَا رَأَتْ. (قَوْلُهُ: وَتَتَوَضَّأُ الْمُسْتَحَاضَةُ وَمَنْ بِهِ سَلَسُ بَوْلٍ أَوْ اسْتِطْلَاقُ بَطْنٍ أَوْ انْفِلَاتُ رِيحٍ أَوْ رُعَافٌ دَائِمٌ أَوْ جُرْحٌ لَا يَرْقَأُ لِوَقْتِ كُلِّ فَرْضٍ) لَمَّا كَانَ الْحَيْضُ أَكْثَرَ وُقُوعًا قَدَّمَهُ، ثُمَّ أَعْقَبَهُ الِاسْتِحَاضَةَ؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ وُقُوعًا مِنْ النِّفَاسِ فَإِنَّهَا تَكُونُ مُسْتَحَاضَةً بِمَا إذَا رَأَتْ الدَّمَ حَالَةَ الْحَبَلِ أَوْ زَادَ الدَّمُ عَلَى الْعَشَرَةِ أَوْ زَادَ الدَّمُ عَلَى عَادَتِهَا وَجَاوَزَ الْعَشَرَةَ أَوْ رَأَتْ مَا دُونَ الثَّلَاثِ أَوْ رَأَتْ قَبْلَ تَمَامِ الطُّهْرِ أَوْ رَأَتْ قَبْلَ أَنْ تَبْلُغَ تِسْعَ سِنِينَ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْعَامَّةُ، وَكَذَا مِنْ أَسْبَابِ الِاسْتِحَاضَةِ إذَا زَادَ الدَّمُ عَلَى الْأَرْبَعِينَ فِي النِّفَاسِ أَوْ زَادَ عَلَى عَادَتِهَا وَجَاوَزَ الْأَرْبَعِينَ وَكَذَا مَا تَرَاهُ الْآيِسَةُ بِخِلَافِ النِّفَاسِ فَإِنَّ سَبَبَهُ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَقَدَّمَ حُكْمَ الِاسْتِحَاضَةِ وَمَنْ بِمَعْنَاهَا عَلَى تَفْرِيعِهَا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بَيَانُ الْحُكْمِ وَدَمُ الِاسْتِحَاضَةِ اسْمٌ لِدَمٍ خَارِجٍ مِنْ الْفَرْجِ دُونَ الرَّحِمِ وَعَلَامَتُهُ أَنَّهُ لَا رَائِحَةَ لَهُ وَدَمُ الْحَيْضِ مُنْتِنُ الرَّائِحَةِ، وَمَنْ بِهِ سَلَسُ بَوْلٍ وَهُوَ مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى إمْسَاكِهِ وَالرُّعَافُ الدَّمُ الْخَارِجُ مِنْ الْأَنْفِ وَالْجُرْحِ الَّذِي لَا يَرْقَأُ أَيْ الَّذِي لَا يَسْكُنُ دَمُهُ مِنْ رَقَأَ الدَّمُ سَكَنَ، وَإِنَّمَا كَانَ وُضُوءُهَا لِوَقْتِ كُلِّ فَرْضٍ لَا لِكُلِّ صَلَاةٍ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْمُسْتَحَاضَةُ تَتَوَضَّأُ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ» رَوَاهُ سِبْطُ بْنُ الْجَوْزِيِّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَحَدِيثُ «تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ» مَحْمُولٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ اللَّامَ لِلْوَقْتِ وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ رَجُلٌ رَعَفَ أَوْ سَالَ مِنْ جُرْحِهِ دَمٌ يَنْتَظِرُ آخِرَ الْوَقْتِ إنْ لَمْ يَنْقَطِعْ الدَّمُ تَوَضَّأَ وَصَلَّى قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ، فَإِنْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى ثُمَّ خَرَجَ الْوَقْتُ وَدَخَلَ وَقْتُ صَلَاةٍ أُخْرَى وَانْقَطَعَ الدَّمُ وَدَامَ الِانْقِطَاعُ إلَى وَقْتِ صَلَاةٍ أُخْرَى تَوَضَّأَ وَأَعَادَ الصَّلَاةَ، وَإِنْ لَمْ يَنْقَطِعْ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ الثَّانِيَةِ حَتَّى خَرَجَ الْوَقْتُ جَازَتْ الصَّلَاةُ. اهـ. وَسَيَأْتِي إيضَاحُهُ وَقَيَّدَ بِالْوُضُوءِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا الِاسْتِنْجَاءُ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ، كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ أَيْضًا وَفِي الْبَدَائِعِ، وَإِنَّمَا تَبْقَى طَهَارَةُ صَاحِبِ الْعُذْرِ فِي الْوَقْتِ إذَا لَمْ يُحْدِثْ حَدَثًا آخَرَ، أَمَّا إذَا أَحْدَثَ حَدَثًا آخَرَ فَلَا تَبْقَى كَمَا إذَا سَالَ الدَّمُ مِنْ أَحَدِ مَنْخِرَيْهِ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ سَالَ مِنْ الْمَنْخِرِ الْآخَرِ فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ؛ لِأَنَّ هَذَا حَدَثٌ جَدِيدٌ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا وَقْتَ الطَّهَارَةِ، فَأَمَّا إذَا سَالَ مِنْهُمَا   [منحة الخالق] بِزِيَادَةٍ إلَّا وَلَمْ أَرَهَا فِي غَيْرِهَا وَالصَّوَابُ مَا هُنَا تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَيَّامُ حَيْضِهَا وَطُهْرِهَا مَا رَأَتْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) صَوَابُهُ آخِرَ مَرَّةٍ كَمَا فِي الْمُحِيطِ مُعَلَّلًا بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ الْعَادَةُ تَنْتَقِلُ بِرُؤْيَةِ الْمُخَالِفِ مَرَّةً وَاحِدَةً. (قَوْلُهُ: رَجُلٌ رَعَفَ أَوْ سَالَ إلَخْ) يَعْنِي بَعْدَ مُضِيِّ حِصَّةٍ مِنْ الْوَقْتِ فَلَا يَكُونُ حِينَئِذٍ صَاحِبَ عُذْرٍ لِعَدَمِ اسْتِغْرَاقِهِ وَقْتًا كَامِلًا، وَإِنَّمَا حَمَلْنَاهُ عَلَى ذَلِكَ لِقَوْلِهِ: إنَّهُ يَقْضِي هَذِهِ الصَّلَاةَ لَوْ خَرَجَ الْوَقْتُ وَانْقَطَعَ الْعُذْرُ وَدَامَ إلَى وَقْتِ صَلَاةٍ أُخْرَى وَإِلَّا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ لِمَا سَيَأْتِي عَنْ السِّرَاجِ قُبَيْلَ النِّفَاسِ فَتَأَمَّلْ، ثُمَّ رَأَيْت التَّصْرِيحَ بِذَلِكَ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ لِابْنِ الشِّحْنَةِ حَيْثُ قَالَ وَالْمُرَادُ أَنَّ الْعُذْرَ حَصَلَ فِي بَعْضِ الْوَقْتِ. اهـ. وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 جَمِيعًا فَتَوَضَّأَ ثُمَّ انْقَطَعَ أَحَدُهُمَا فَهُوَ عَلَى وُضُوئِهِ مَا بَقِيَ الْوَقْتُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَيُصَلُّونَ بِهِ فَرْضًا وَنَفْلًا) أَيْ يُصَلِّي أَرْبَابُ الْأَعْذَارِ بِوُضُوئِهِمْ مَا شَاءُوا فَرْضًا كَانَ أَوْ وَاجِبًا أَوْ نَفْلًا فَالْمُرَادُ بِالنَّفْلِ مَا زَادَ عَلَى الْفَرْضِ فَيَشْمَلُ الْوَاجِبَ (فُرُوعٌ) وَيَنْبَغِي لِصَاحِبِ الْجُرْحِ أَنْ يَرْبِطَهُ تَقْلِيلًا لِلنَّجَاسَةِ وَلَوْ سَالَ عَلَى ثَوْبِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَغْسِلَهُ إذَا كَانَ مُفِيدًا بِأَنْ لَا يُصِيبَهُ مَرَّةً أُخْرَى، وَإِنْ كَانَ يُصِيبُهُ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْأُخْرَى أَجْزَأَهُ وَلَا يَجِبُ غَسْلُهُ مَا دَامَ الْعُذْرُ قَائِمًا، وَقِيلَ لَا يَجِبُ غَسْلُهُ أَصْلًا وَاخْتَارَ الْأَوَّلَ السَّرَخْسِيُّ وَالْمُخْتَارُ مَا فِي النَّوَازِلِ إنْ كَانَ لَوْ غَسَلَهُ تَنَجَّسَ ثَانِيًا قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ جَازَ أَنْ لَا يَغْسِلَهُ وَإِلَّا فَلَا وَمَتَى قَدَرَ الْمَعْذُورُ عَلَى رَدِّ السَّيَلَانِ بِرِبَاطٍ أَوْ حَشْوٍ أَوْ كَانَ لَوْ جَلَسَ لَا يَسِيلُ وَلَوْ قَامَ سَالَ وَجَبَ رَدُّهُ وَخَرَجَ بِرَدِّهِ عَنْ أَنْ يَكُونَ صَاحِبَ عُذْرٍ بِخِلَافِ الْحَائِضِ إذَا مُنِعَتْ الدُّرُورَ فَإِنَّهَا حَائِضٌ وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُسْتَحَاضَةِ إذَا احْتَشَتْ قِيلَ كَصَاحِبِ الْعُذْرِ وَقِيلَ كَالْحَائِضِ، كَذَا فِي السِّرَاجِ وَيَجِبُ أَنْ يُصَلِّيَ جَالِسًا بِإِيمَاءٍ إنْ سَالَ بِالْمَيَلَانِ؛ لِأَنَّ تَرْكَ السُّجُودِ أَهْوَنُ مِنْ الصَّلَاةِ مَعَ الْحَدَثِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ مَنْ بِهِ انْفِلَاتُ رِيحٍ خَلْفَ مَنْ بِهِ سَلَسُ الْبَوْلِ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ مَعَهُ حَدَثٌ وَنَجَاسَةٌ فَكَانَ صَاحِبَ عُذْرَيْنِ وَالْمَأْمُومُ صَاحِبُ عُذْرٍ وَاحِدٍ وَلَوْ كَانَ فِي عَيْنَيْهِ رَمَدٌ يَسِيلُ دَمْعُهَا يُؤْمَرُ بِالْوُضُوءِ لِكُلِّ وَقْتٍ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ صَدِيدًا وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَأَقُولُ: هَذَا التَّعْلِيلُ يَقْتَضِي أَنَّهُ أَمْرُ اسْتِحْبَابٍ فَإِنَّ الشَّكَّ وَالِاحْتِمَالَ فِي كَوْنِهِ نَاقِضًا لَا يُوجِبُ الْحُكْمَ بِالنَّقْضِ إذْ الْيَقِينُ لَا يَزُولُ بِالشَّكِّ نَعَمْ إذَا عَلِمَ مِنْ طَرِيقِ غَلَبَةِ الظَّنِّ بِإِخْبَارِ الْأَطِبَّاءِ أَوْ عَلَامَاتٍ تَغْلِبُ عَلَى ظَنِّ الْمُبْتَلَى يَجِبُ اهـ. وَهُوَ حَسَنٌ لَكِنْ صَرَّحَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ بِأَنَّهُ صَاحِبُ عُذْرٍ فَكَانَ الْأَمْرُ لِلْإِيجَابِ (قَوْلُهُ وَيَبْطُلُ بِخُرُوجِهِ فَقَطْ) أَيْ وَلَا يَبْطُلُ بِدُخُولِهِ وَمُرَادُهُ يَظْهَرُ الْحَدَثُ السَّابِقُ عِنْدَ خُرُوجِهِ فَإِضَافَةُ الْبُطْلَانِ إلَى الْخُرُوجِ مَجَازٌ؛ لِأَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ لِلْخُرُوجِ فِي الِانْتِقَاضِ حَقِيقَةً وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ لَهُمْ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ بَعْدَ الْوَقْتِ إذَا كَانَ الْعُذْرُ مَوْجُودًا وَقْتَ الْوُضُوءِ أَوْ اللُّبْسِ وَلَا الْبِنَاءُ إذَا خَرَجَ الْوَقْتُ وَهُمْ فِي الصَّلَاةِ وَظُهُورُ الْحَدَثِ السَّابِقِ عِنْدَهُ إنَّمَا هُوَ مُقْتَصِرٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ عَلَى التَّحْقِيقِ لَا أَنَّهُ مُسْتَنِدٌ إلَى أَوَّلِ الْوَقْتِ وَلِهَذَا لَوْ شَرَعَ صَاحِبُ الْعُذْرِ فِي التَّطَوُّعِ ثُمَّ خَرَجَ الْوَقْتُ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ وَلَوْ كَانَ ظُهُورُهُ مُسْتَنِدًا لَمْ يَلْزَمْهُ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِظُهُورِهِ أَنَّ ذَلِكَ الْحَدَثَ مَحْكُومٌ بِارْتِفَاعِهِ إلَى غَايَةٍ مَعْلُومَةٍ فَيَظْهَرُ عِنْدَهَا مُقْتَصِرٌ إلَّا أَنْ يَظْهَرَ قِيَامُهُ شَرْعًا مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَمَنْ حَقَّقَ أَنَّهُ اعْتِبَارٌ شَرْعِيٌّ لَمْ يُشْكِلُ عَلَيْهِ مِثْلُهُ، ثُمَّ إنَّمَا يَبْطُلُ بِخُرُوجِهِ إذَا تَوَضَّأَ عَلَى السَّيَلَانِ أَوْ وَجَدَ السَّيَلَانَ بَعْدَ الْوُضُوءِ، أَمَّا إذَا كَانَ عَلَى   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: فَالْمُرَادُ بِالنَّفْلِ إلَخْ) لَمْ يُعْهَدْ مِنْ أَئِمَّتِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - إطْلَاقُ النَّفْلِ عَلَى مَا يَعُمُّ الْوَاجِبَ بَلْ عُهِدَ مِنْهُمْ إطْلَاقُ الْفَرْضِ عَلَى مَا يَعُمُّهُ كَقَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي الْوُضُوءِ وَفَرْضُهُ، وَكَثِيرًا مَا يُطْلِقُونَ الْفَرْضَ عَلَى الْوَاجِبِ فَالْأَصْوَبُ أَنْ يَقُولَ فَالْمُرَادُ بِالْفَرْضِ مَا لَزِمَ فِعْلُهُ لِيَعُمَّ الْوَاجِبَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَقِيلَ كَالْحَائِضِ) جَزَمَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ بِالْأَوَّلِ وَعِبَارَتُهُ إذَا قَدَرَتْ الْمُسْتَحَاضَةُ أَوْ ذُو الْجُرْحِ أَوْ الْمُفْتَصِدُ عَلَى مَنْعِ دَمٍ بِرَبْطٍ وَعَنْ مَنْعِ النَّشِّ بِخِرْقَةِ الرَّبْطِ لَزِمَ وَكَانَ كَالْأَصِحَّاءِ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى مَنْعِ النَّشِّ فَهُوَ ذُو عُذْرٍ بِخِلَافِ الْحَائِضِ حَيْثُ لَا تَخْرُجُ بِالرَّبْطِ عَنْ كَوْنِهَا حَائِضًا. اهـ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُنْيَةِ حَيْثُ قَالَ: صَاحِبُ الْعُذْرِ إذَا مَنَعَ الدَّمَ عَنْ الْخُرُوجِ بِعِلَاجٍ يَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ صَاحِبَ عُذْرٍ وَلِهَذَا الْمَعْنَى الْمُفْتَصِدُ لَا يَكُونُ صَاحِبَ عُذْرٍ بِخِلَافِ الْحَائِضِ إذَا احْتَشَتْ لَا تَخْرُجُ مِنْ أَنْ تَكُونَ حَائِضًا. اهـ. وَفِي قَوْلِهِ وَلِهَذَا الْمَعْنَى الْمُفْتَصِدُ إلَخْ شَاهِدٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ فِي نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ عَنْ الشُّرُنْبُلَالِيُّ مِنْ أَنَّ صَاحِبَ كَيِّ الْحِمَّصَةِ لَا يَكُونُ صَاحِبَ عُذْرٍ بَلْ يُنْظَرُ إلَى ذَلِكَ الْخَارِجِ إنْ كَانَ فِيهِ قُوَّةُ السَّيَلَانِ بِنَفْسِهِ يَكُونُ نَجَسًا نَاقِضًا لِلْوُضُوءِ وَيَلْزَمُهُ غَسْلُهُ وَلَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ حَالَةَ سَيَلَانِهِ وَلَوْ اسْتَوْعَبَ وَقْتًا كَامِلًا وَإِلَّا فَلَا يَنْقُضُ بَلْ هُوَ طَاهِرٌ وَلَوْ أَصَابَ مَائِعًا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ إنَّمَا يَبْطُلُ بِخُرُوجِهِ إلَخْ) هَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْمُبْطِلَ لَيْسَ مُجَرَّدُ خُرُوجِ الْوَقْتِ بَلْ هُوَ مَعَ السَّيَلَانِ وَيُوَافِقُهُ مَا فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ لِشَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ إذَا تَوَضَّأَتْ الْمُسْتَحَاضَةُ فِي وَقْتِ الْعَصْرِ وَالدَّمُ مُنْقَطِعٌ وَصَلَّتْ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ دَخَلَ وَقْتُ الْمَغْرِبِ ثُمَّ سَالَ الدَّمُ فَعَلَيْهَا أَنْ تَتَوَضَّأَ وَتَبْنِيَ عَلَى صَلَاتِهَا؛ لِأَنَّ انْتِقَاضَ الطَّهَارَةِ كَانَ بِالْحَدَثِ لَا بِخُرُوجِ الْوَقْتِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهَا أَدَاءُ شَيْءٍ مِنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْحَدَثِ فَجَازَ لَهَا أَنْ تَبْنِيَ وَهَذَا لِأَنَّ خُرُوجَ الْوَقْتِ عَيَّنَهُ لَيْسَ بِحَدَثٍ وَلَكِنَّ الطَّهَارَةَ تُنْتَقَضُ عِنْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ بِسَيَلَانٍ مُقَارِنٍ لِلطَّهَارَةِ أَوْ مَوْجُودٍ بَعْدَهُ وَلَمْ يُوجَدْ فَلَا تُنْتَقَضُ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ، ثُمَّ قَالَ وَحَاصِلُ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ النَّاقِضَ لِطَهَارَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ شَيْئَانِ سَيَلَانُ الدَّمِ وَخُرُوجُ الْوَقْتِ، ثُمَّ لَوْ تَجَرَّدَ سَيَلَانُ الدَّمِ عَنْ خُرُوجِ الْوَقْتِ لَمْ يَكُنْ نَاقِضًا وَكَذَلِكَ إذَا تَجَرَّدَ خُرُوجُ الْوَقْتِ عَنْ سَيَلَانِ الدَّمِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ الْمُتَعَلِّقَ بِعِلَّةٍ ذَاتِ وَصْفَيْنِ تَنْعَدِمُ بِانْعِدَامِ أَحَدِ الْوَصْفَيْنِ. اهـ. كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَبِهَذَا يَظْهَرُ لَك فِي كَلَامِ الشَّيْخِ عَلَاءِ الدِّينِ الْحَصْكَفِيِّ حَيْثُ قَالَ فِي شَرْحِ التَّنْوِيرِ وَالْمَعْذُورُ إنَّمَا تَبْقَى طَهَارَتُهُ فِي الْوَقْتِ بِشَرْطَيْنِ إذَا تَوَضَّأَ لِعُذْرِهِ وَلَمْ يَطْرَأْ عَلَيْهِ حَدَثٌ آخَرُ، أَمَّا إذَا تَوَضَّأَ لِحَدَثٍ آخَرَ وَعُذْرُهُ مُنْقَطِعٌ ثُمَّ سَالَ أَوْ تَوَضَّأَ لِعُذْرِهِ ثُمَّ طَرَأَ عَلَيْهِ حَدَثٌ آخَرُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 الِانْقِطَاعِ وَدَامَ إلَى خُرُوجِ الْوَقْتِ فَلَا يَبْطُلُ بِالْخُرُوجِ مَا لَمْ يُحْدِثْ حَدَثًا آخَرَ أَوْ يَسِيلُ دَمُهَا وَأَفَادَ أَنَّهُ لَوْ تَوَضَّأَ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَلَوْ لِعِيدٍ أَوْ ضُحًى عَلَى الصَّحِيحِ فَلَا تَنْتَقِضُ إلَّا بِخُرُوجِ وَقْتِ الظُّهْرِ لَا بِدُخُولِهِ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَأَنَّهُ لَوْ تَوَضَّأَ قَبْلَ الطُّلُوعِ انْتَقَضَ بِالطُّلُوعِ اتِّفَاقًا خِلَافًا لِزُفَرَ وَأَنَّهُ لَوْ تَوَضَّأَ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ لِلْعَصْرِ بَطَلَ بِخُرُوجِ وَقْتِ الظُّهْرِ عَلَى الصَّحِيحِ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَنْتَقِضُ بِالْخُرُوجِ لَا بِالدُّخُولِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بِأَيِّهِمَا وُجِدَ وَعِنْدَ زُفَرَ بِالدُّخُولِ فَقَطْ. (قَوْلُهُ: وَهَذَا إذَا لَمْ يَمْضِ عَلَيْهِمْ وَقْتُ فَرْضٍ إلَّا وَذَلِكَ الْحَدَثُ يُوجَدُ فِيهِ) أَيْ وَحُكْمُ الِاسْتِحَاضَةِ وَالْعُذْرِ يَبْقَى إذَا لَمْ يَمْضِ عَلَى أَصْحَابِهِمَا وَقْتُ صَلَاةٍ إلَّا وَالْحَدَثُ الَّذِي اُبْتُلِيَتْ بِهِ يُوجَدُ فِيهِ وَلَوْ قَلِيلًا حَتَّى لَوْ انْقَطَعَ وَقْتًا كَامِلًا خَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ عُذْرًا قَيَّدْنَا بِكَوْنِهِ شَرْط الْبَقَاءَ؛ لِأَنَّ شَرْطَ ثُبُوتِهِ ابْتِدَاءً بِأَنْ يَسْتَوْعِبَ وَقْتًا كَامِلًا، كَذَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ وَفِي النِّهَايَةِ يُشْتَرَطُ فِي الِابْتِدَاءِ دَوَامُ السَّيَلَانِ مِنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ إلَى آخِرِهِ اعْتِبَارًا بِالسُّقُوطِ فَإِنَّهُ لَا يَتِمُّ حَتَّى يَنْقَطِعَ فِي الْوَقْتِ كُلِّهِ، وَفِي شَرْحِ الشَّيْخِ حَمِيدِ الدِّينِ الضَّرِيرِ فَالشَّرْطُ فِي الِابْتِدَاءِ أَنْ يَكُونَ الْحَدَثُ مُسْتَغْرِقًا جَمِيعَ الْوَقْتِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَسْتَغْرِقْ كُلَّ الْوَقْتِ لَا تَكُونُ مُسْتَحَاضَةً وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ انْقَطَعَ فِي الْوَقْتِ زَمَنًا يَسِيرًا لَا تَكُونُ مُسْتَحَاضَةً وَفِي الْكَافِي مَا يُخَالِفُهُ فَإِنَّهُ قَالَ إنَّمَا يَصِيرُ صَاحِبَ عُذْرٍ إذَا لَمْ يَجِدْ فِي وَقْتِ صَلَاةٍ زَمَانًا يَتَوَضَّأُ فِيهِ خَالِيًا عَنْ الْحَدَثِ وَفِي التَّبْيِينِ أَنَّ الْأَظْهَرَ خِلَافُ مَا فِي الْكَافِي وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ مَا فِي الْكَافِي يَصْلُحُ تَفْسِيرًا لِمَا فِي غَيْرِهِ إذْ قَلَّ مَا يَسْتَمِرُّ كَمَالُ وَقْتٍ بِحَيْثُ لَا يَنْقَطِعُ لَحْظَةً فَيُؤَدِّي إلَى نَفْيِ تَحَقُّقِهِ إلَّا فِي الْإِمْكَانِ بِخِلَافِ جَانِبِ الصِّحَّةِ مِنْهُ فَإِنَّهُ يَدُومُ انْقِطَاعُهُ وَقْتًا كَامِلًا وَهُوَ مِمَّا يَتَحَقَّقُ. اهـ. وَفِي شَرْحِ الدُّرَرِ وَالْغُرَرِ لِمُنْلَا خُسْرو لَا مُخَالَفَةَ بَيْنَ مَا فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي بِدَلِيلِ أَنَّ شُرَّاحَ الْجَامِعِ الْخَلَّاطِيِّ قَالُوا فِي شَرْحِ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ زَوَالَ الْعُذْرِ يَثْبُتُ بِاسْتِيعَابِ الْوَقْتِ كَالثُّبُوتِ إنَّ الِانْقِطَاعَ الْكَامِلَ مُعْتَبَرٌ فِي إبْطَالِ رُخْصَةِ الْمَعْذُورِ وَالْقَاصِرُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ إجْمَاعًا فَاحْتِيجَ إلَى حَدٍّ فَاصِلٍ فَقَدَّرْنَا بِوَقْتِ الصَّلَاةِ كَمَا قَدَّرْنَا بِهِ ثُبُوتَ الْعُذْرِ ابْتِدَاءً فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ لِثُبُوتِهِ ابْتِدَاءً دَوَامُ السَّيَلَانِ مِنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ إلَى آخِرِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِيرُ صَاحِبَ عُذْرٍ ابْتِدَاءً إذَا لَمْ يَجِدْ فِي وَقْتِ صَلَاةٍ زَمَانًا يَتَوَضَّأُ فِيهِ وَيُصَلِّي خَالِيًا عَنْ الْحَدَثِ الَّذِي اُبْتُلِيَ بِهِ. اهـ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ صَاحِبَ الْعُذْرِ ابْتِدَاءً مَنْ اسْتَوْعَبَ عُذْرُهُ تَمَامَ وَقْتِ صَلَاةٍ وَلَوْ حُكْمًا؛ لِأَنَّ الِانْقِطَاعَ الْيَسِيرَ مُلْحَقٌ بِالْعَدَمِ وَفِي الْبَقَاءِ مَنْ وُجِدَ عُذْرُهُ فِي جُزْءٍ مِنْ الْوَقْتِ وَفِي الزَّوَالِ يُشْتَرَطُ اسْتِيعَابُ الِانْقِطَاعِ حَقِيقَةً وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ لِلْمُسْتَحَاضَةِ وُضُوءَانِ كَامِلٌ وَنَاقِصٌ فَالْكَامِلُ أَنْ تَتَوَضَّأَ وَالدَّمُ مُنْقَطِعٌ فَهَذِهِ لَا يَضُرُّهَا خُرُوجُ الْوَقْتِ إذَا لَمْ يَسِلْ إلَى خُرُوجِهِ، وَالنَّاقِصُ أَنْ تَتَوَضَّأَ وَهُوَ سَائِلٌ فَهَذِهِ يَضُرُّهَا خُرُوجُهُ سَالَ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ لَا وَلَهَا انْقِطَاعَانِ كَامِلٌ وَنَاقِصٌ فَالْكَامِلُ أَنْ يَنْقَطِعَ وَقْتًا كَامِلًا فَهَذَا يُوجِبُ الزَّوَالَ وَيَمْنَعُ اتِّصَالَ الدَّمِ الثَّانِي بِالْأَوَّلِ، وَالنَّاقِصُ أَنْ يَنْقَطِعَ دُونَهُ فَهَذَا لَا يُزِيلُهُ وَيَكُونُ مَا بَعْدَهُ كَدَمٍ مُتَّصِلٍ وَبَيَانُهُ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ وَدَمُهَا سَائِلٌ فَتَوَضَّأَتْ عَلَى السَّيَلَانِ، ثُمَّ انْقَطَعَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ أَوْ بَعْدَهُ قَبْلَ الْقُعُودِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ أَوْ بَعْدَهُ قَبْلَ السَّلَامِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَدَامَ الِانْقِطَاعُ حَتَّى خَرَجَ وَقْتُ الظُّهْرِ انْتَقَضَ وُضُوءُهَا؛ لِأَنَّهُ نَاقِصٌ فَأَفْسَدَهُ خُرُوجُ الْوَقْتِ، ثُمَّ إذَا تَوَضَّأَتْ لِلْعَصْرِ فَتَمَّ الِانْقِطَاعُ حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ لَمْ يَنْتَقِضْ وُضُوءُهَا؛ لِأَنَّهُ كَامِلٌ فَلَا يَضُرُّهُ الْخُرُوجُ وَلَكِنْ عَلَيْهَا إعَادَةُ الظُّهْرِ؛ لِأَنَّ دَمَهَا انْقَطَعَ وَقْتًا كَامِلًا وَتَبَيَّنَ أَنَّهَا صَلَّتْ الظُّهْرَ بِطَهَارَةِ الْعُذْرِ وَالْعُذْرُ زَائِلٌ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا إعَادَةُ الْعَصْرِ؛ لِأَنَّ فَسَادَ الظُّهْرِ إنَّمَا عُرِفَ بَعْدَ الْغُرُوبِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ دَمُهَا انْقَطَعَ بَعْدَمَا فَرَغَتْ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ أَوْ بَعْدَ الْقُعُودِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ عَلَى قَوْلِهِمَا فَإِنَّهَا لَا تُعِيدُ الظُّهْرَ؛ لِأَنَّ عُذْرَهَا زَالَ بَعْدَ الْفَرَاغِ كَالْمُتَيَمِّمِ إذَا رَأَى الْمَاءَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ اهـ وَظَنَّ الْقَوَّامُ الْأَتْقَانِيُّ فِي   [منحة الخالق] فَلَا تَبْقَى طَهَارَتُهُ. اهـ. فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي أَنَّ السَّيَلَانَ بِدُونِ خُرُوجِ الْوَقْتِ مُبْطِلٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا عَلِمْت مِنْ صَرِيحِ النَّقْلِ فَتَنَبَّهْ، ثُمَّ رَأَيْت فِي الْقُهُسْتَانِيِّ أَيْضًا مَا هُوَ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ لَوْ اُسْتُحِيضَتْ فَدَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ وَالدَّمُ مُنْقَطِعٌ فَتَوَضَّأَتْ وَصَلَّتْ الْعَصْرَ ثُمَّ سَالَ الدَّمُ فِي هَذَا الْوَقْتِ لَمْ يَنْتَقِضْ وُضُوءُهَا. اهـ. ثُمَّ رَأَيْت بَعْدَ حِينٍ مَا يَرْفَعُ الْإِشْكَالَ وَيُوَضِّحُ الْحَالَ وَهُوَ أَنَّ صَاحِبَ الْمُنْيَةِ قَدْ صَرَّحَ بِمَا قَالَهُ الْحَصْكَفِيُّ وَعَزَاهُ إلَى أَحْكَامِ الْفِقْهِ وَعَلَّلَهُ شَارِحُهَا الْمُحَقِّقُ الْحَلَبِيُّ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الْوُضُوءَ لَمْ يَقَعْ لِذَلِكَ الْعُذْرِ حَتَّى لَا يَنْتَقِضَ بِهِ بَلْ وَقَعَ لِغَيْرِهِ، وَإِنَّمَا يَنْتَقِضُ بِهِ مَا وَقَعَ لَهُ. اهـ. فَأَفَادَ تَخْصِيصَ الْعِبَارَاتِ السَّابِقَةِ بِمَا إذَا كَانَ الْوُضُوءُ مِنْ الْعُذْرِ الَّذِي اُبْتُلِيَ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ فَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى مَا أَنْعَمَ بِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّ مَا ذُكِرَ فِي الْمَتْنِ تَعْرِيفٌ لِلْمُسْتَحَاضَةِ فَأَوْرَدَ عَلَيْهِ الْحَائِضَ وَالنُّفَسَاءَ؛ لِأَنَّ الْحَائِضَ قَدْ تَكُونُ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ بِأَنْ لَا يَمْضِيَ عَلَيْهَا وَقْتٌ إلَّا وَهُوَ يُوجَدُ فِيهِ وَاخْتَارَ تَعْرِيفًا لِلْمُسْتَحَاضَةِ بِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي تَرَى الدَّمَ مُسْتَغْرِقًا وَقْتَ صَلَاةٍ فِي الِابْتِدَاءِ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ اسْتِمْرَارٍ فِي الْبَقَاءِ فِي زَمَانٍ لَا يُعْتَبَرُ مِنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ. اهـ. وَلَيْسَ كَمَا ظَنَّ بَلْ هُوَ شَرْطٌ لَهَا لَا تَعْرِيفٌ، وَقَدْ قَدَّمْنَا تَعْرِيفَ الِاسْتِحَاضَةِ. [أَحْكَام النِّفَاسُ] (قَوْلُهُ وَالنِّفَاسُ دَمٌ يَعْقُبُ الْوَلَدَ) شَرْعًا وَفِي اللُّغَةِ هُوَ مَصْدَرُ نَفِسَتْ الْمَرْأَةُ بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِهَا إذَا وَلَدَتْ فَهِيَ نُفَسَاءُ وَهُنَّ نِفَاسٌ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ الدَّمُ بِهِ؛ لِأَنَّ النَّفْسَ الَّتِي هِيَ اسْمٌ لِجُمْلَةِ الْحَيَوَانِ قِوَامُهَا بِالدَّمِ وَقَوْلُهُمْ النِّفَاسُ هُوَ الدَّمُ الْخَارِجُ عَقِيبَ الْوَلَدِ تَسْمِيَةٌ بِالْمَصْدَرِ كَالْحَيْضِ، فَأَمَّا اشْتِقَاقُهُ مِنْ تَنَفُّسِ الرَّحِمِ أَوْ خُرُوجِ النَّفْسِ بِمَعْنَى الْوَلَدِ فَلَيْسَ بِذَاكَ، كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَأَفَادَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهَا لَوْ وَلَدَتْ وَلَمْ تَرَ دَمًا لَا تَكُونُ نُفَسَاءَ، ثُمَّ يَجِبُ الْغُسْلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ احْتِيَاطًا؛ لِأَنَّ الْوِلَادَةَ لَا تَخْلُوا ظَاهِرًا عَنْ قَلِيلِ دَمٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجِبُ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِالنِّفَاسِ وَلَمْ يُوجَدْ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ هِيَ نُفَسَاءُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِمَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ أَنَّهُ يَبْطُلُ صَوْمُهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إنْ كَانَتْ صَائِمَةً وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا غُسْلَ عَلَيْهَا وَلَا يَبْطُلُ صَوْمُهَا اهـ. فَلَوْ لَمْ تَكُنْ نُفَسَاءَ لَمْ يَبْطُلْ صَوْمُهَا وَصَحَّحَ الشَّارِحُ الزَّيْلَعِيُّ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ مَعْزِيًّا إلَى الْمُفِيدِ وَقَالَ لَكِنْ يَجِبُ عَلَيْهَا الْوُضُوءُ بِخُرُوجِ النَّجَاسَةِ مَعَ الْوَلَدِ إذْ لَا تَخْلُو عَنْ رُطُوبَةٍ وَصَحَّحَ فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ قَوْلَ الْإِمَامِ بِالْوُجُوبِ، وَكَذَا صَحَّحَهُ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ قَالَ وَبِهِ كَانَ يُفْتِي الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فَكَانَ هُوَ الْمَذْهَبَ وَفِي الْعِنَايَةِ، وَأَكْثَرُ الْمَشَايِخِ أَخَذُوا بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَرَادَ الْمُصَنِّفُ بِالدَّمِ الدَّمَ الْخَارِجَ عَقِبَ الْوِلَادَةِ مِنْ الْفَرْجِ فَإِنَّهَا لَوْ وَلَدَتْ مِنْ قِبَلِ سُرَّتِهَا بِأَنْ كَانَ بِبَطْنِهَا جُرْحٌ فَانْشَقَّتْ وَخَرَجَ الْوَلَدُ مِنْهَا تَكُونُ صَاحِبَةَ جُرْحٍ سَائِلٍ لَا نُفَسَاءَ وَتَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ وَتَصِيرُ الْأَمَةُ أُمَّ وَلَدٍ وَلَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِوِلَادَتِهَا وَقَعَ لِوُجُودِ الشَّرْطِ، كَذَا فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ إلَّا إذَا سَالَ الدَّمُ مِنْ الْأَسْفَلِ فَإِنَّهَا تَصِيرُ نُفَسَاءَ وَلَوْ وَلَدَتْ مِنْ السُّرَّةِ؛ لِأَنَّهُ وُجِدَ خُرُوجُ الدَّمِ مِنْ الرَّحِمِ عَقِبَ الْوِلَادَةِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ الدَّمُ الْخَارِجُ عَقِبَ خُرُوجِ أَكْثَرِ الْوَلَدِ كَالْخَارِجِ عَقِبَ كُلِّهِ فَيَكُونُ نِفَاسًا، وَإِنْ خَرَجَ الْأَقَلُّ لَا يَكُونُ حُكْمُهَا حُكْمَ النُّفَسَاءِ وَلَا تَسْقُطُ عَنْهَا الصَّلَاةُ وَلَوْ لَمْ تُصَلِّ تَكُونُ عَاصِيَةً لِرَبِّهَا، ثُمَّ كَيْفَ تُصَلِّي قَالُوا يُؤْتَى بِقِدْرٍ فَيُجْعَلُ الْقِدْرُ تَحْتَهَا أَوْ يُحْفَرُ لَهَا حَفِيرَةٌ وَتَجْلِسُ هُنَاكَ وَتُصَلِّي كَيْ لَا تُؤْذِيَ وَلَدَهَا، كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَنَقَلَهُ فِي الْمُحِيطِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ إذَا خَرَجَ أَكْثَرُهُ لَا يَكُونُ نِفَاسًا؛ لِأَنَّ عِنْدَهُمَا النِّفَاسُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِوَضْعِ الْحَمْلِ كُلِّهِ (قَوْلُهُ وَدَمُ الْحَامِلِ اسْتِحَاضَةٌ) لِانْسِدَادِ فَمِ الرَّحِمِ بِالْوَلَدِ فَلَا يَخْرُجُ مِنْهُ دَمٌ، ثُمَّ يَخْرُجُ بِخُرُوجِ الْوَلَدِ لِلِانْفِتَاحِ بِهِ وَلِذَا حَكَمَ الشَّارِعُ بِكَوْنِ وُجُودِ الدَّمِ دَلِيلًا عَلَى فَرَاغِ الرَّحِمِ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَلَا لَا تُنْكَحُ الْحَبَالَى حَتَّى يَضَعْنَ وَلَا الْحَيَالَى حَتَّى يُسْتَبْرَأْنَ بِحَيْضَةٍ» وَأَفَادَ أَنَّ مَا تَرَاهُ مِنْ الدَّمِ فِي حَالِ وِلَادَتِهَا قَبْلَ خُرُوجِ أَكْثَرِ الْوَلَدِ اسْتِحَاضَةٌ فَتَتَوَضَّأُ إنْ قَدَرَتْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَوْ تَتَيَمَّمُ وَتُومِئُ بِالصَّلَاةِ وَلَا تُؤَخِّرُ فَمَا عُذْرُ الصَّحِيحِ الْقَادِرِ كَذَا فِي الْمُجْتَبَى. (قَوْلُهُ: وَالسِّقْطُ إنْ ظَهَرَ بَعْضُ خَلْقِهِ وَلَدًا) وَهُوَ بِالْكَسْرِ وَالتَّثْلِيثُ لُغَةٌ، كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ وَهُوَ الْوَلَدُ السَّاقِطُ قَبْلَ تَمَامِهِ وَهُوَ كَالسَّاقِطِ بَعْدَ تَمَامِهِ فِي الْأَحْكَامِ فَتَصِيرُ الْمَرْأَةُ بِهِ نُفَسَاءَ وَتَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ وَتَصِيرُ الْأَمَةُ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ إذَا ادَّعَاهُ الْمَوْلَى وَيَحْنَثُ بِهِ لَوْ كَانَ عَلَّقَ يَمِينَهُ بِالْوِلَادَةِ وَلَا يَسْتَبِينُ خَلْقُهُ إلَّا فِي مِائَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا، كَذَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ الزَّيْلَعِيُّ فِي بَابِ ثُبُوتِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: تَسْمِيَةً بِالْمَصْدَرِ إلَخْ) فَهُوَ تَسْمِيَةُ الْعَيْنِ الَّذِي هُوَ الدَّمُ بِالْمَصْدَرِ الَّذِي هُوَ مَعْنًى (قَوْلُهُ وَفِيهِ نَظَرٌ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَا يَلْزَمُ مِنْ إبْطَالِ صَوْمِهَا إثْبَاتُ نِفَاسِهَا لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ احْتِيَاطًا أَيْضًا كَالْغُسْلِ، وَقَدْ جَعَلَ فِي السِّرَاجِ الْعِلَّةَ فِيهِمَا وَاحِدَةً وَهِيَ الِاحْتِيَاطُ وَكَيْفَ سَلَّمَ أَنَّ إيجَابَ الْغُسْلِ عَلَيْهَا لَا يَسْتَلْزِمُ ثُبُوتَ نِفَاسِهَا وَلَمْ يُسَلِّمْهُ فِي الصَّوْمِ وَلَمْ يَلُحْ لِي وَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا نَعَمْ ظَاهِرُ مَا فِي الشَّرْحِ يُفِيدُ أَنَّهَا تَكُونُ نُفَسَاءَ عِنْدَ الْإِمَامِ. اهـ. قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّ الْغُسْلَ وَسِيلَةٌ فَلَا يَسْتَلْزِمُ لِكَوْنِهِ تَابِعًا بِخِلَافِ الصَّوْمِ وَعَلَّلَ الزَّيْلَعِيُّ وُجُوبَ الْغُسْلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ وَذَكَرَ أَنَّهُ اخْتِيَارُ أَبِي عَلِيٍّ الدَّقَّاقِ بِأَنَّ نَفْسَ خُرُوجِ الْوَلَدِ نِفَاسٌ وَهَذَا جَزْمٌ بِأَنَّهَا عِنْدَهُ نُفَسَاءُ لَا ظَاهِرًا فَقَطْ كَمَا زَعَمَ فِي النَّهْرِ. اهـ. وَيُؤَيِّدُ مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ مَا فِي النِّهَايَةِ أَيْضًا عَنْ الْمُحِيطِ لَوْ وَلَدَتْ وَلَدًا وَلَمْ تَرَ دَمًا فَهِيَ نُفَسَاءُ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، ثُمَّ رَجَعَ أَبُو يُوسُفَ وَقَالَ هِيَ طَاهِرَةٌ. اهـ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَالنِّفَاسُ دَمٌ أَيْ خُرُوجُ دَمٍ حَقِيقِيٍّ أَوْ حُكْمِيٍّ فَيَدْخُلُ فِيهِ الطُّهْرُ الْمُتَخَلِّلُ فِي مُدَّتِهِ وَنِفَاسُ مَنْ وَلَدَتْ وَلَمْ تَرَ دَمًا وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. اهـ. وَبِهِ يَحْصُلُ الْجَوَابُ عَمَّا تَمَسَّكَ بِهِ صَاحِبُ فَتْحِ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ وَلَا يَسْتَبِينُ خَلْقُهُ إلَّا فِي مِائَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَقُولُ: إنَّمَا ذَكَرَ الشَّارِحُ هَذَا فِي نِكَاحِ الرَّقِيقِ وَكَوْنُ الْمُرَادِ بِهِ مَا ذَكَرَ مَمْنُوعٌ فَقَدْ وَجَّهَ فِي الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهَا ذَلِكَ بِأَنَّهُ يَكُونُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا نُطْفَةً وَأَرْبَعِينَ عَلَقَةً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 النَّسَبِ وَالْمُرَادُ نَفْخُ الرُّوحِ وَإِلَّا فَالْمُشَاهَدُ ظُهُورُ خِلْقَتِهِ قَبْلَهَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ إنْ ظَهَرَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَظْهَرْ مِنْ خِلْقَتِهِ شَيْءٌ فَلَا يَكُونُ وَلَدًا وَلَا تَثْبُتُ هَذِهِ الْأَحْكَامُ فَلَا نِفَاسَ لَهَا لَكِنْ إنْ أَمْكَنَ جَعْلُ الْمَرْئِيِّ مِنْ الدَّمِ حَيْضًا بِأَنْ يَدُومَ إلَى أَقَلِّ مُدَّةِ الْحَيْضِ وَيَقْدُمُهُ طُهْرٌ تَامٌّ يُجْعَلُ حَيْضًا، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ كَانَ اسْتِحَاضَةً، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَدْرِي أَمُسْتَبِينٌ هُوَ أَمْ لَا بِأَنْ أَسْقَطَتْ فِي الْمَخْرَجِ وَاسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ إنْ أَسْقَطَتْ أَوَّلَ أَيَّامِهَا تَرَكَتْ الصَّلَاةَ قَدْرَ عَادَتِهَا بِيَقِينٍ؛ لِأَنَّهَا إمَّا حَائِضٌ أَوْ نُفَسَاءُ، ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي عَادَتَهَا فِي الطُّهْرِ بِالشَّكِّ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهَا نُفَسَاءَ أَوْ طَاهِرَةً، ثُمَّ تَتْرُكُ الصَّلَاةَ قَدْرَ عَادَتِهَا بِيَقِينٍ؛ لِأَنَّهَا إمَّا نُفَسَاءُ أَوْ حَائِضٌ، ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي عَادَتَهَا فِي الطُّهْرِ بِيَقِينٍ إنْ كَانَتْ اسْتَوْفَتْ أَرْبَعِينَ مِنْ وَقْتِ الْإِسْقَاطِ وَإِلَّا فَبِالشَّكِّ فِي الْقَدْرِ الدَّاخِلِ فِيهَا وَبِيَقِينٍ فِي الْبَاقِي، ثُمَّ تَسْتَمِرُّ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنْ أَسْقَطَتْ بَعْدَ أَيَّامِهَا فَإِنَّهَا تُصَلِّي مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ قَدْرَ عَادَتِهَا فِي الطُّهْرِ بِالشَّكِّ، ثُمَّ تَتْرُكُ قَدْرَ عَادَتِهَا فِي الْحَيْضِ بِيَقِينٍ وَحَاصِلُ هَذَا كُلِّهِ أَنَّهُ لَا حُكْمَ لِلشَّكِّ وَيَجِبُ الِاحْتِيَاطُ وَفِي كَثِيرٍ مِنْ نُسَخِ الْخُلَاصَةِ غَلَطٌ فِي التَّصْوِيرِ هُنَا مِنْ النُّسَّاخِ فَاحْتَرِسْ مِنْهُ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي النِّهَايَةِ، فَإِنْ رَأَتْ دَمًا قَبْلَ إسْقَاطِ السِّقْطِ وَرَأَتْ دَمًا بَعْدَهُ، فَإِنْ كَانَ مُسْتَبِينَ الْخَلْقِ فَمَا رَأَتْ قَبْلَهُ لَا يَكُونُ حَيْضًا وَهِيَ نُفَسَاءُ فِيمَا رَأَتْهُ بَعْدَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَبِينَ الْخَلْقِ فَمَا رَأَتْهُ بَعْدَهُ حَيْضٌ إنْ أَمْكَنَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. (قَوْلُهُ: وَلَا حَدَّ لِأَقَلِّهِ) أَيْ النِّفَاسِ؛ لِأَنَّ تَقَدُّمَ الْوَلَدِ عَلَمُ الْخُرُوجِ مِنْ الرَّحِمِ فَأَغْنَى عَنْ امْتِدَادِهِ بِمَا جُعِلَ عَلَمًا عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْحَيْضِ وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي مَبْسُوطِهِ اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ أَقَلَّ النِّفَاسِ مَا يُوجَدُ فَإِنَّهَا كَمَا وَلَدَتْ إذَا رَأَتْ الدَّمَ سَاعَةً، ثُمَّ انْقَطَعَ الدَّمُ عَنْهَا فَإِنَّهَا تَصُومُ وَتُصَلِّي وَكَانَ مَا رَأَتْ نِفَاسًا لَا خِلَافَ فِي هَذَا بَيْنَ أَصْحَابِنَا إنَّمَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا وَجَبَ اعْتِبَارُ أَقَلِّ النِّفَاسِ فِي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بِأَنْ قَالَ لَهَا إذَا وَلَدْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ انْقَضَتْ عِدَّتِي أَيْ مِقْدَارٌ يُعْتَبَرُ لِأَقَلِّ النِّفَاسِ مَعَ ثَلَاثِ حِيَضٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُعْتَبَرُ أَقَلُّهُ بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بِأَحَدَ عَشَرَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بِسَاعَةٍ، فَأَمَّا فِي حَقِّ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ فَأَقَلُّهُ مَا يُوجَدُ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَنْقُصْ عَنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ نَصَبَ لَهَا دُونَ ذَلِكَ أَدَّى إلَى نَقْضِ الْعَادَةِ عِنْدَ عَوْدِ الدَّمِ فِي الْأَرْبَعِينَ؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّ الدَّمَ إذَا كَانَ فِي الْأَرْبَعِينَ فَالطُّهْرُ الْمُتَخَلِّلُ فِيهِ لَا يَفْصِلُ طَالَ الطُّهْرُ أَوْ قَصُرَ حَتَّى لَوْ رَأَتْ سَاعَةً دَمًا وَأَرْبَعِينَ إلَّا سَاعَتَيْنِ طُهْرًا، ثُمَّ سَاعَةً دَمًا كَانَ الْأَرْبَعُونَ كُلُّهُ نِفَاسًا وَعِنْدَهُمَا إنْ لَمْ يَكُنْ الطُّهْرُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَكَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَصَاعِدًا يَكُونُ الْأَوَّلُ نِفَاسًا وَالثَّانِي حَيْضًا إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا كَانَ اسْتِحَاضَةً وَهُوَ رِوَايَةُ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْهُ وَكَذَا فِي حَقِّ الْإِخْبَارِ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ مُقَدَّرٌ بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا عِنْدَهُ وَأَبُو يُوسُفَ قَدَّرَهُ بِأَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا لِيَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ أَكْثَرِ الْحَيْضِ، كَذَا فِي التَّبْيِينِ فَعَلَى هَذَا لَا تُصَدَّقُ فِي أَقَلِّ مِنْ خَمْسَةٍ وَثَمَانِينَ يَوْمًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ عَنْهُ وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ لَا تُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ مِائَةِ يَوْمٍ وَتَوْضِيحُهُ بِتَمَامِهِ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ (قَوْلُهُ وَأَكْثَرُهُ أَرْبَعُونَ يَوْمًا   [منحة الخالق] وَأَرْبَعِينَ مُضْغَةً وَعِبَارَتُهُ فِي عِقْدِ الْفَرَائِدِ قَالُوا يُبَاحُ لَهَا إنْ تُعَالِجَ فِي اسْتِنْزَالِ الدَّمِ مَا دَامَ الْحَمْلُ مُضْغَةً أَوْ عَلَقَةً وَلَمْ يُخْلَقْ لَهُ عُضْوٌ وَقَدَّرُوا تِلْكَ الْمُدَّةَ بِمِائَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا، وَإِنَّمَا أَبَاحُوا ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِآدَمِيٍّ. اهـ. وَلَا مَانِعَ أَنَّهُ بَعْدَ هَذِهِ الْمُدَّةِ تُخْلَقُ أَعْضَاؤُهُ وَتُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ. اهـ. وَيَدُلُّ عَلَى مَا قَالَهُ مَا فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ لِابْنِ الشِّحْنَةِ عَنْ الْمُنْتَقَى عَنْ هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً لَمْ يَكُنْ قَبْلَهُ لَهَا زَوْجٌ وَبَنَى بِهَا فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةٍ مِنْ النِّكَاحِ فَالنِّكَاحُ فَاسِدٌ عِنْدِي وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ تَزَوَّجَهَا وَهِيَ حَامِلٌ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ وَقَدْ اسْتَبَانَ بَعْضُ خَلْقِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ فَالنِّكَاحُ جَائِزٌ وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ فَفَاسِدٌ. اهـ. وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ تَزَوَّجَهَا وَهِيَ حَامِلٌ؛ لِأَنَّ الْخَلْقَ لَا يَسْتَبِينُ إلَّا فِي مِائَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا وَزِيَادَةُ الْعَشَرَةِ الَّتِي هِيَ أَكْثَرُ مُدَّةِ الْحَيْضِ لِاحْتِمَالِ مُقَارَنَةِ النِّكَاحِ لِلْحَيْضِ، ثُمَّ قَالَ وَاَلَّذِي يُفْهَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ اسْتِبَانَةَ بَعْضِ الْخَلْقِ لَا تَكُونُ أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْوَاقِعَاتِ لَوْ جَاءَتْ بِهِ لِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ إلَّا يَوْمًا كَانَ مِنْ الزَّوْجِ الْأَوَّلِ. [أَقَلّ النُّفَاس] (قَوْلُهُ كَانَ الْأَرْبَعُونَ كُلُّهُ نِفَاسًا) قَالَ فِي النَّهْرِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ (قَوْلُهُ وَتَوْضِيحُهُ بِتَمَامِهِ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ) عِبَارَتُهُ قَوْلُهُ لَا حَدَّ لَهُ يَعْنِي فِي حَقِّ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ، أَمَّا إذَا كَانَ اُحْتِيجَ إلَيْهِ لِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَلَهُ حَدٌّ مُقَدَّرٌ وَذَلِكَ بِأَنْ يَقُولَ لَهَا إذَا وَلَدْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ بَعْدَ ذَلِكَ قَدْ انْقَضَتْ عِدَّتِي فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَقَلُّهُ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ إذْ لَوْ كَانَ أَقَلَّ ثُمَّ كَانَ بَعْدَهُ أَقَلُّ الطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لَمْ تَخْرُجْ مِنْ مُدَّةِ النِّفَاسِ فَيَكُونُ الدَّمُ بَعْدَهُ نِفَاسًا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَقَلُّهُ أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ الْحَيْضِ عَشَرَةُ أَيَّامٍ وَالنِّفَاسُ فِي الْعَادَةِ أَكْثَرُ مِنْ الْحَيْضِ فَزَادَ عَلَيْهِ يَوْمًا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ أَقَلُّهُ سَاعَةٌ؛ لِأَنَّ أَقَلَّ النِّفَاسِ لَا حَدَّ لَهُ فَعَلَى هَذَا لَا تُصَدَّقُ فِي أَقَلِّ مِنْ خَمْسَةٍ وَثَمَانِينَ يَوْمًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ عَنْهُ وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْهُ لَا تُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ مِائَةِ يَوْمٍ وَوَجْهُ التَّخْرِيجِ عَلَى رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ أَنْ نَقُولَ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ نِفَاسٌ وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرٌ فَذَلِكَ أَرْبَعُونَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 وَالزَّائِدُ اسْتِحَاضَةٌ) وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ ابْنُ عُمَرَ وَعَائِشَةُ وَلِأَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ أَكْثَرَ مُدَّةِ النِّفَاسِ أَرْبَعَةُ أَمْثَالِ أَكْثَرِ مُدَّةِ الْحَيْضِ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي بَابِ الْحَيْضِ أَنَّ أَكْثَرَ مُدَّتِهِ عَشَرَةُ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا فَكَانَ أَكْثَرَ مُدَّةِ النِّفَاسِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الرُّوحَ لَا تَدْخُلُ فِي الْوَلَدِ قَبْلَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَتَجْتَمِعُ الدِّمَاءُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَإِذَا دَخَلَ الرُّوحُ صَارَ الدَّمُ غِذَاءً لِلْوَلَدِ فَإِذَا خَرَجَ الْوَلَدُ خَرَجَ مَا كَانَ مُحْتَسِبًا مِنْ الدِّمَاءِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فِي كُلِّ شَهْرٍ عَشْرَةُ أَيَّامٍ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَمُرَادُهُ الْمُبْتَدَأَةُ، وَأَمَّا صَاحِبَةُ الْعَادَةِ إذَا زَادَ دَمُهَا عَلَى الْأَرْبَعِينَ فَإِنَّهَا تُرَدُّ إلَى أَيَّامِ عَادَتِهَا، وَقَدْ ذَكَرَهُ مِنْ قَبْلَ هَذَا، كَذَا فِي التَّبْيِينِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ أَبَا يُوسُفَ يُجَوِّزُ خَتْمَ عَادَتِهَا بِالطُّهْرِ وَمُحَمَّدٌ يَمْنَعُهُ فَرَاجِعْهُ. (قَوْلُهُ: وَنِفَاسُ التَّوْأَمَيْنِ مِنْ الْأَوَّلِ) وَهُمَا الْوَلَدَانِ اللَّذَانِ بَيْنَ وِلَادَتَيْهِمَا أَقَلُّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ بِالْوَلَدِ الْأَوَّلِ ظَهَرَ انْفِتَاحُ الرَّحِمِ فَكَانَ الْمَرْئِيُّ عَقِبَهُ نِفَاسًا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ نِفَاسُهَا مِنْ الثَّانِي وَالْأَوَّلُ اسْتِحَاضَةٌ وَأَفَادَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ مَا تَرَاهُ عَقِبَ الثَّانِي إنْ كَانَ قَبْلَ الْأَرْبَعِينَ فَهُوَ نِفَاسُ الْأَوَّلُ لِتَمَامِهَا وَاسْتِحَاضَةٌ بَعْدَ تَمَامِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ فَتَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي كَمَا وَضَعَتْ الثَّانِي وَهُوَ الصَّحِيحُ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَمِنْ فَوَائِدِ الِاخْتِلَافِ إذَا كَانَ عَادَتُهَا عِشْرِينَ فَرَأَتْ بَعْدَ الْأَوَّلِ عِشْرِينَ وَبَعْدَ الثَّانِي أَحَدًا وَعِشْرِينَ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ الْعِشْرُونَ الْأُولَى نِفَاسٌ وَمَا بَعْدَ الثَّانِي اسْتِحَاضَةٌ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ الْعِشْرُونَ الْأُولَى اسْتِحَاضَةٌ تَصُومُ وَتُصَلِّي مَعَهَا وَمَا بَعْدَ الثَّانِي نِفَاسٌ وَلَوْ رَأَتْ بَعْدَ الْأَوَّلِ عِشْرِينَ وَبَعْدَ الثَّانِي عِشْرِينَ وَعَادَتُهَا عِشْرُونَ فَاَلَّذِي بَعْدَ الثَّانِي نِفَاسٌ إجْمَاعًا وَاَلَّذِي قَبْلَهُ نِفَاسٌ أَيْضًا عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ وَقَيَّدَ بِالتَّوْأَمَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ فَهُمَا حَمْلَانِ وَنِفَاسَانِ، وَلَوْ وَلَدَتْ ثَلَاثَةَ أَوْلَادٍ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي أَقَلُّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَكَذَا بَيْنَ الثَّانِي وَالثَّالِثِ وَلَكِنْ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ أَكْثَرُ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُجْعَلُ حَمْلًا وَاحِدًا. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (بَابُ الْأَنْجَاسِ) لِمَا فَرَغَ مِنْ الْحُكْمِيَّةِ وَتَطْهِيرِهَا شَرَعَ فِي الْحَقِيقِيَّةِ وَإِزَالَتِهَا وَقَدَّمَ الْحُكْمِيَّةَ؛ لِأَنَّهَا أَقْوَى لِكَوْنِ قَلِيلِهَا يَمْنَعُ جَوَازَ الصَّلَاةِ اتِّفَاقًا وَلَا يَسْقُطُ وُجُوبُ إزَالَتِهَا بِعُذْرٍ مَا إمَّا أَصْلًا أَوْ خَلَفًا بِخِلَافِ الْحَقِيقَةِ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ، وَأَمَّا مَنْ بِهِ نَجَاسَةٌ وَهُوَ مُحْدِثٌ إذَا وَجَدَ مَاءً يَكْفِي أَحَدَهُمَا فَقَطْ إنَّمَا وَجَبَ صَرْفُهُ إلَى النَّجَاسَةِ لَا الْحَدَثِ لِيَتَيَمَّمَ بَعْدَهُ فَيَكُونَ مُحَصِّلًا لِلطَّهَارَتَيْنِ لَا لِأَنَّهَا أَغْلَظُ مِنْ الْحَدَثِ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْأَنْجَاسُ جَمْعُ نَجَسٍ بِفَتْحَتَيْنِ وَهُوَ كُلُّ مُسْتَقْذَرٍ وَهُوَ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرٌ، ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ اسْمًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: 28] وَكَمَا أَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى الْحَقِيقِيِّ يُطْلَقُ عَلَى الْحُكْمِيِّ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا قَدَّمَ بَيَانَ الْحُكْمِيِّ أُمِنَ اللَّبْسُ فَأَطْلَقَهُ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَفِي الْكَافِي الْخَبَثُ يُطْلَقُ عَلَى الْحَقِيقِيِّ وَالْحَدَثُ عَلَى الْحُكْمِيِّ وَالنَّجَسُ عَلَيْهِمَا اهـ.   [منحة الخالق] ثُمَّ ثَلَاثٌ حَيْضٌ كُلُّ حَيْضَةٍ خَمْسَةُ أَيَّامٍ فَذَلِكَ خَمْسَةَ عَشَرَ وَطُهْرَانِ بَيْنَ الْحَيْضَيْنِ ثَلَاثُونَ يَوْمًا فَذَلِكَ خَمْسَةٌ وَثَمَانُونَ وَوَجْهُ التَّخْرِيجِ عَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ أَنْ نَقُولَ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ نِفَاسٌ وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرٌ فَذَلِكَ أَرْبَعُونَ وَثَلَاثٌ حَيْضٌ ثَلَاثُونَ يَوْمًا كُلُّ حَيْضَةٍ عَشَرَةُ أَيَّامٍ وَطُهْرَانِ ثَلَاثُونَ يَوْمًا فَذَلِكَ كُلُّهُ مِائَةُ يَوْمٍ وَإِنَّمَا أَخَذَ لَهَا بِأَكْثَرَ الْحَيْضِ لِأَنَّهُ أَخْذٌ لَهَا بِأَقَلِّ الطُّهْرِ وَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ أَخْذٌ لَهَا فِي الْحَيْضِ بِخَمْسَةِ أَيَّامٍ؛ لِأَنَّهُ الْوَسَطُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ تُصَدَّقُ فِي خَمْسٍ وَسِتِّينَ يَوْمًا وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ النِّفَاسَ عِنْدَهُ أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا، ثُمَّ بَعْدَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرٌ فَذَلِكَ سِتَّةٌ وَعِشْرُونَ، ثُمَّ ثَلَاثُ حِيَضٍ تِسْعَةُ أَيَّامٍ وَطُهْرَانِ ثَلَاثُونَ يَوْمًا فَذَلِكَ خَمْسَةٌ وَسِتُّونَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ تُصَدَّقُ فِي أَرْبَعَةٍ وَخَمْسِينَ يَوْمًا وَسَاعَةٍ وَوَجْهُهُ أَنْ نَقُولَ أَقَلُّ النِّفَاسِ سَاعَةٌ، ثُمَّ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا طُهْرٌ، ثُمَّ ثَلَاثٌ حَيْضٌ تِسْعَةُ أَيَّامٍ، ثُمَّ طُهْرَانِ ثَلَاثُونَ يَوْمًا فَذَلِكَ أَرْبَعَةٌ وَخَمْسُونَ يَوْمًا وَسَاعَةٌ وَقَالَ فِي الْمَنْظُومَةِ أَدْنَى زَمَانٍ عِنْدَهُ تُصَدَّقُ ... فِيهِ الَّتِي بَعْدَ الْوِلَادِ تَطْلُقُ هِيَ الثَّمَانُونَ بِخَمْسٍ تُقْرَنُ ... وَمِائَةٍ فِيمَا رَوَاهُ الْحَسَنُ وَالْخَمْسُ وَالسِّتُّونَ عِنْدَ الثَّانِي ... وَحَطَّ إحْدَى عَشْرَةَ الشَّيْبَانِيُّ. اهـ. وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْحُرَّةِ النُّفَسَاءِ، وَأَمَّا الْأَمَةُ وَغَيْرُ النُّفَسَاءِ فَقَدْ بَسَطَ فِيهِ الْكَلَامَ وَسَيَأْتِي فِي الْعِدَّةِ مُسْتَوْفًى إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَالزَّائِدُ اسْتِحَاضَةٌ) قَالَ فِي النَّهْرِ تَحَصَّلَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ الِاسْتِحَاضَةَ اسْمٌ لِمَا نَقَصَ عَنْ الثَّلَاثَةِ أَوْ زَادَ عَلَى الْعَشَرَةِ أَوْ عَلَى أَكْثَرِ النِّفَاسِ أَوْ عَلَى عَادَةٍ عُرِفَتْ لَهَا وَجَاوَزَتْ أَكْثَرَهَا. اهـ. وَيُزَادُ أَيْضًا كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا مَرَّ مَا تَرَاهُ الْحَامِلُ وَمَا تَرَاهُ الْمَرْأَةُ قَبْلَ تَمَامِ الطُّهْرِ وَمَا تَرَاهُ الصَّغِيرَةُ عَلَى مَا فِيهِ، وَكَذَا مَا تَرَاهُ الْآيِسَةُ. [بَابُ الْأَنْجَاسِ] (قَوْلُهُ وَلَا يَسْقُطُ وُجُوبُ إزَالَتِهَا بِعُذْرٍ مَا) قَدَّمْنَا أَوَّلَ كِتَابِ الطَّهَارَةِ مَا تَعَقَّبَ بِهِ فِي النَّهْرِ ذَلِكَ الْوَجْهَ مِنْ قَوْلِهِمْ فِيمَنْ قُطِعَتْ يَدَاهُ إلَى الْمَرْفِقَيْنِ وَرَجُلَاهُ إلَى الْكَعْبَيْنِ وَكَانَ بِوَجْهِهِ جِرَاحَةٌ أَنَّهُ يُصَلِّي بِلَا وُضُوءٍ وَلَا تَيَمُّمٍ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ فَإِذَا اتَّصَفَ بِهَذَا الْوَصْفِ بَعْدَمَا دَخَلَ الْوَقْتُ سَقَطَتْ عَنْهُ الطَّهَارَةُ بِهَذَا الْعُذْرِ. (قَوْلُهُ: إلَّا أَنَّهُ لَمَّا قَدَّمَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ بِالْفَتْحِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ اسْمٌ لِعَيْنِ النَّجَاسَةِ وَبِكَسْرِهَا لِمَا لَا يَكُونُ طَاهِرًا فَإِطْلَاقُهُ عَلَى الْحُكْمِيِّ أَيْضًا لَيْسَ إلَّا لُغَةً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 وَالنَّجَاسَةُ شَرْعًا عَيْنٌ مُسْتَقْذَرَةٌ شَرْعًا وَإِزَالَتُهَا عَنْ الْبَدَنِ وَالثَّوْبِ وَالْمَكَانِ فَرْضٌ إنْ كَانَ الْقَدْرَ الْمَانِعَ كَمَا سَيَأْتِي وَأَمْكَنَ إزَالَتُهَا مِنْ غَيْرِ ارْتِكَابِ مَا هُوَ أَشَدُّ حَتَّى لَوْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ إزَالَتِهَا إلَّا بِإِبْدَاءِ عَوْرَتِهِ لِلنَّاسِ يُصَلِّي مَعَهَا؛ لِأَنَّ كَشْفَ الْعَوْرَةِ أَشَدُّ فَلَوْ أَبَدَاهَا لِلْإِزَالَةِ فَسَقَ إذْ مَنْ اُبْتُلِيَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ مَحْظُورَيْنِ عَلَيْهِ أَنْ يُرْتَكَبَ أَهْوَنَهُمَا، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَمَنْ لَمْ يَجِدْ سُتْرَةً تَرَكَهُ وَلَوْ عَلَى شَطِّ نَهْرٍ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ رَاجِحٌ عَلَى الْأَمْرِ حَتَّى اسْتَوْعَبَ النَّهْيُ الْأَزْمَانَ وَلَمْ يَقْتَضِ الْأَمْرُ التَّكْرَارَ وَفِي الْخُلَاصَةِ إذَا تَنَجَّسَ طَرَفٌ مِنْ أَطْرَافِ الثَّوْبِ وَنَسِيَهُ فَغَسَلَ طَرَفًا مِنْ أَطْرَافِ الثَّوْبِ مِنْ غَيْرِ تَحَرٍّ حُكِمَ بِطَهَارَةِ الثَّوْبِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ فَلَوْ صَلَّى مَعَ هَذَا الثَّوْبِ صَلَوَاتٍ، ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ النَّجَاسَةَ فِي الطَّرَفِ الْآخَرِ يَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَةُ الصَّلَوَاتِ الَّتِي صَلَّى مَعَ هَذَا الثَّوْبِ. اهـ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ الْمُصَلِّي إذَا رَأَى عَلَى ثَوْبِهِ نَجَاسَةً وَلَا يَدْرِي مَتَى أَصَابَتْهُ فَفِيهِ تَقَاسِيمٌ وَاخْتِلَافَاتٌ وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يُعِيدَ إلَّا الصَّلَاةَ الَّتِي هُوَ فِيهَا وَاخْتَارَ فِي الْبَدَائِعِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى غَسْلَ الْجَمِيعِ احْتِيَاطًا؛ لِأَنَّ مَوْضِعَ النَّجَاسَةِ غَيْرُ مَعْلُومٍ وَلَيْسَ الْبَعْضُ بِأَوْلَى مِنْ الْبَعْضِ وَفِي شَرْحِ النُّقَايَةِ وَلَوْ وَجَبَ غُسْلٌ عَلَى رَجُلٍ وَلَمْ يَجِدْ مَا يَسْتُرُهُ مِنْ رِجَالٍ يَرَوْنَهُ يَغْتَسِلُ وَلَا يُؤَخِّرُ وَلَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ الِاسْتِنْجَاءُ يَتْرُكُهُ وَالْفَرْقُ أَنَّ النَّجَاسَةَ الْحُكْمِيَّةَ أَقْوَى مِنْ النَّجَاسَةِ الْحَقِيقِيَّةِ بِدَلِيلِ عَدَمِ جَوَازِ الصَّلَاةِ مَعَهَا، وَإِنْ كَانَتْ دُونَ الدِّرْهَمِ وَلَوْ وَجَبَ غُسْلٌ عَلَى امْرَأَةٍ لَا تَجِدُ سُتْرَةً مِنْ الرِّجَالِ تُؤَخِّرُ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تَجِدُ سُتْرَةً مِنْ النِّسَاءِ فَكَالرَّجُلِ بَيْنَ الرِّجَالِ. اهـ. وَيَنْبَغِي أَنْ تَتَيَمَّمَ الْمَرْأَةُ وَتُصَلِّيَ لِعَجْزِهَا شَرْعًا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَإِزَالَتُهَا عَنْ الْبَدَنِ وَالثَّوْبِ إلَخْ) رَاجِعْ الْقَرْمَانِيَّ عِنْدَ قَوْلِهِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا بِأَنَّ الطَّهَارَةَ مِنْ النَّجَاسَةِ شَرْطٌ إلَخْ يَظْهَرُ لَك الدَّلِيلُ عَلَى الْفَرْضِيَّةِ. (قَوْلُهُ: وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ إلَخْ) مَسْأَلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ لَيْسَتْ مِمَّا قَبْلَهَا؛ لِأَنَّ مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ مَفْرُوضٌ فِيمَا إذَا رَأَى فِي ثَوْبِهِ نَجَاسَةً وَلَا يَدْرِي مَتَى أَصَابَتْهُ وَالْكَلَامُ قَبْلَهُ فِيمَا إذَا عَلِمَ وَقْتَ الْإِصَابَةِ وَنَسِيَ الْمَوْضِعَ وَهَذَا ظَاهِرٌ وَلَكِنْ نَبَّهْنَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَخْطَأَ فِيهِ فِي النَّهْرِ وَتَبِعَهُ الشَّيْخُ عَلَاءُ الدِّينِ الْحَصْكَفِيُّ فَجَعَلَاهُمَا مَسْأَلَةً وَاحِدَةً فَتَنَبَّهْ (قَوْلُهُ وَلَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ الِاسْتِنْجَاءُ يَتْرُكُهُ) لِيَنْظُرَ فِيمَا لَوْ أَمْكَنَهُ ذَلِكَ بِأَنْ يَنْزِلَ بِثَوْبِهِ فِي نَهْرٍ هَلْ يَلْزَمُهُ أَمْ لَا، ثُمَّ رَأَيْت فِي شَرْحِ ابْنِ الشِّحْنَةِ عَلَى الْوَهْبَانِيَّةِ قَالَ مَا نَصُّهُ الْمَرْأَةُ إذَا وَجَبَ عَلَيْهَا الْغُسْلُ وَلَا تَجِدُ سُتْرَةً وَهُنَاكَ رِجَالٌ تُؤَخِّرُ الْغُسْلَ قُلْتُ: وَلَعَلَّ مَحْمَلَ هَذَا إذَا لَمْ يُمْكِنْهَا الِاغْتِسَالُ فِي الْقَمِيصِ الَّذِي عَلَيْهَا اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ فِي إلْزَامِهَا الِاغْتِسَالَ فِي الْقَمِيصِ وَنَحْوِهِ حَرَجٌ وَإِنَّهُ مَرْفُوعٌ شَرْعًا فَيَلْحَقُ بِالْعَجْزِ فَقَدْ خَرَّجَ مُحَمَّدٌ فِيمَا أَطْلَقَهُ مِنْ الْجَوَابِ فِي الْجَامِعِ فِي مَسْأَلَةِ الْبِنَاءِ لِلْمَرْأَةِ بِأَنَّهَا لَا يُمْكِنُهَا غَسْلُ الذِّرَاعَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْكَشْفِ إلَّا بِالْغَسْلِ مَعَ الْكُمَّيْنِ وَفِي ذَلِكَ حَرَجٌ عَلَيْهَا وَالْحَرَجُ فِي الْأَحْكَامِ يُلْحَقُ بِالْعَجْزِ وَلَوْ عَجَزَتْ عَنْ الْبِنَاءِ إلَّا بَعْدَ كَشْفِ الْعَوْرَةِ جَازَ لَهَا الْبِنَاءُ فَكَذَا إذَا خَرَجَتْ فَعَلَى هَذَا لَوْ ضَاقَ وَقْتُ الصَّلَاةِ بِحَيْثُ تَفُوتُهَا الصَّلَاةُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ لَهَا الِاغْتِسَالُ وَمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي غَيْرِ الْأُصُولِ مِنْ أَنَّهَا إذَا أَمْكَنَهَا غَسْلُ الذِّرَاعَيْنِ وَمَسْحُ الرَّأْسِ مَعَ الْكُمَّيْنِ وَالْخِمَارِ فَكَشَفَتْهُمَا لَا تَبْنِي؛ لِأَنَّهَا كَشَفَتْ عَوْرَتَهَا مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ كَالرَّجُلِ إذَا كَشَفَ عَوْرَتَهُ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ حَالَ الْبِنَاءِ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهَا إلَّا بِالْكَشْفِ كَالرَّجُلِ إذَا كَشَفَ عَوْرَتَهُ لِحَاجَةٍ بِأَنْ جَاوَزَتْ النَّجَاسَةُ مَوْضِعَ الْمَخْرَجِ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ بِأَنْ كَانَ لَهُ جُبَّةٌ وَخِمَارٌ ثَخِينَيْنِ يَصِلُ الْمَاءُ إلَى مَا تَحْتَهُمَا جَازَ الْبِنَاءُ لَهَا؛ لِأَنَّهَا كَشَفَتْ لِلْحَاجَةِ كَالرَّجُلِ إذَا كَشَفَ عَوْرَتَهُ لِلْحَاجَةِ بِأَنْ جَاوَزَتْ النَّجَاسَةَ مَوْضِعَ الْمَخْرَجِ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ حَتَّى وَجَبَ عَلَيْهِ غَسْلُ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَيَجُوزُ لَهُ الْبِنَاءُ ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ كُلِّهِ أَنْ لَا تُؤَخِّرَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْفَرْقُ أَنَّ النَّجَاسَةَ الْحُكْمِيَّةَ إلَخْ) لَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّ النَّجَاسَةَ الْحُكْمِيَّةَ لَا تَتَجَزَّأُ عَلَى مَا هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا مَرَّ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا تُوصَفُ بِالْحُكْمِيَّةِ بِخِلَافِ الْحَقِيقِيَّةِ وَالْحُكْمُ عَلَى الشَّيْءِ فَرْعٌ عَنْ تَصَوُّرِهِ بَلْ الظَّاهِرُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا يُعْلَمُ مِمَّا ذَكَرَهُ الْأُصُولِيُّونَ مِنْ التَّرْجِيحِ بَيْنَ الْمُتَعَارِضَيْنِ وَبَيَانُهُ هُنَا أَنَّهُ تَعَارَضَ دَلِيلَا الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ ظَاهِرًا وَلَا يُقَدَّمُ النَّهْيُ هُنَا كَمَا فُعِلَ فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَسِتْرِ الْعَوْرَةِ؛ لِأَنَّ تَقْدِيمَ النَّهْيِ عَلَى الْأَمْرِ إنَّمَا هُوَ بَعْدَ تَسَاوِي الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فِي قُوَّةِ الثُّبُوتِ وَهُمَا هُنَا لَيْسَا كَذَلِكَ فَإِنَّ الْأَمْرَ بِالتَّطْهِيرِ مِنْ الْجَنَابَةِ أَقْوَى ثُبُوتًا مِنْ النَّهْيِ عَنْ كَشْفِ الْعَوْرَةِ وَلَمَّا تَسَاوَيَا فِي الْمَرْأَةِ لِثُبُوتِهِمَا بِقَطْعِيِّ الثُّبُوتِ وَالدَّلَالَةِ رُجِّحَ النَّهْيُ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَتْ لَا تَجِدُ سُتْرَةً مِنْ النِّسَاءِ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ لِمُصَنَّفِهَا بَقِيَ مَا لَوْ كَانَ الرَّجُلُ بَيْنَ النِّسَاءِ لَمْ أَقِفْ فِيهِ عَلَى نَقْلٍ وَقِيَاسُهُ أَنْ يُؤَخِّرَ كَالْمَرْأَةِ بَيْنَ الرِّجَالِ؛ لِأَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِي الْجِنْسِ مَعَ جِنْسِهِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِيهِ مَعَ غَيْرِهِ وَلَا يَقْبُحُ قُبْحَهُ وَأَقَرَّهُ ابْنُ الشِّحْنَةِ وَالشُّرُنْبُلالي وَأَيَّدَهُ ابْنُ الشِّحْنَةِ بِمَا فِي الْمَبْسُوطِ إنَّ نَظَرَ الْجِنْسِ إلَى الْجِنْسِ مُبَاحٌ فِي الضَّرُورَةِ لَا فِي حَالِ الِاخْتِيَارِ وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ قَالَ إنَّ نَظَرَ الْجِنْسِ إلَى الْجِنْسِ أَخَفُّ مِنْ نَظَرِ غَيْرِ الْجِنْسِ قَالَ وَبِذَلِكَ يُعْلَمُ الْحُكْمُ فِيمَا ذُكِرَ أَنَّهُ لَمْ يَقِفْ فِيهِ عَلَى نَقْلٍ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَيَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَنْظُرَ مِنْ الرَّجُلِ سِوَى مَا تَحْتَ السُّرَّةِ إلَى أَنْ يُجَاوِزَ الرُّكْبَةَ وَتَنْظُرُ الْمَرْأَةُ إلَى الرَّجُلِ كَنَظَرِ الرَّجُلِ إلَى الرَّجُلِ فَعَلَى قَوْلِ الْمَبْسُوطِ يَتَأَتَّى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ الِاغْتِفَارِ وَيُبَاحُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 عَنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ فَيَنْتَقِلُ الْحُكْمُ إلَى التَّيَمُّمِ وَسَيَأْتِي تَفَارِيعُهَا فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ. (قَوْلُهُ: يَطْهُرُ الْبَدَنُ وَالثَّوْبُ بِالْمَاءِ) وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ وَأَرَادَ بِهِ الْمَاءَ الْمُطْلَقَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَعْرِيفُهُ فِي بَحْثِ الْمِيَاهِ وَأَرَادَ بِطَهَارَةِ الْبَدَنِ طَهَارَتَهُ مِنْ الْخَبَثِ لَا مِنْ الْحَدَثِ؛ لِأَنَّهُ عَطَفَ عَلَيْهِ الْمَائِعَ الطَّاهِرَ، وَإِنْ كَانَ الْحَدَثُ يَجُوزُ إزَالَتُهُ بِالْمَاءِ. (قَوْلُهُ: وَبِمَائِعٍ مُزِيلٍ كَالْخَلِّ وَمَاءِ الْوَرْدِ) قِيَاسًا عَلَى إزَالَتِهَا بِالْمَاءِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الطَّهَارَةَ بِالْمَاءِ مَعْلُولَةٌ بِعِلَّةِ كَوْنِهِ قَالِعًا لِتِلْكَ النَّجَاسَةِ وَالْمَائِعُ قَالِعٌ فَهُوَ مُحَصِّلُ ذَلِكَ الْمَقْصُودِ فَتَحْصُلُ بِهِ الطَّهَارَةُ وَمَا عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَتْ «جَاءَتْ امْرَأَةٌ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ إحْدَانَا يُصِيبُ ثَوْبَهَا مِنْ دَمِ الْحَيْضِ كَيْفَ تَصْنَعُ بِهِ قَالَ تَحُتُّهُ، ثُمَّ تَقْرُصُهُ بِالْمَاءِ، ثُمَّ تَنْضَحُهُ، ثُمَّ تُصَلِّي فِيهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِهِ؛ لِأَنَّهُ مَفْهُومُ لَقَبٍ وَهُوَ لَيْسَ بِحُجَّةِ كَمَا عَرَفَ فِي الْأُصُولِ، وَالْحَتُّ الْقَشْرُ بِالْعُودِ وَالظُّفْرِ وَنَحْوِهِ، وَالْقَرْصُ بِأَطْرَافِ الْأَصَابِعِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ قِيَاسًا عَلَى النَّجَاسَةِ الْحُكْمِيَّةِ وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِ مُزِيلًا لِيَخْرُجَ الدُّهْنُ وَالسَّمْنُ وَاللَّبَنُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِزَالَةَ إنَّمَا تَكُونُ بِأَنْ يَخْرُجَ أَجْزَاءُ النَّجَاسَةِ مَعَ الْمُزِيلِ شَيْئًا فَشَيْئًا، وَذَلِكَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ فِيمَا يَنْعَصِرُ بِالْعَصْرِ بِخِلَافِ الْخَلِّ وَمَاءِ الْبَاقِلَا الَّذِي لَمْ يَثْخُنْ فَإِنَّهُ مُزِيلٌ وَكَذَا الرِّيقُ وَعَلَى هَذَا فَرَّعُوا طَهَارَةَ الثَّدْيِ إذَا قَاءَ عَلَيْهِ الْوَلَدُ، ثُمَّ رَضَعَهُ حَتَّى أَزَالَ أَثَرَ الْقَيْءِ وَكَذَا إذَا لَحِسَ أُصْبُعَهُ مِنْ نَجَاسَةٍ بِهَا حَتَّى ذَهَبَ الْأَثَرُ أَوْ شَرِبَ خَمْرًا، ثُمَّ تَرَدَّدَ رِيقُهُ فِي فِيهِ مِرَارًا طَهُرَ حَتَّى لَوْ صَلَّى صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لَا تَصِحُّ وَلَا يُحْكَمُ بِالطَّهَارَةِ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُجِيزُ إزَالَتَهَا إلَّا بِالْمَاءِ الْمُطْلَقِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالطَّاهِرِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ فَقِيلَ لَا يُشْتَرَطُ حَتَّى لَوْ غَسَلَ الثَّوْبَ الْمُتَنَجِّسَ بِالدَّمِ بِبَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ زَالَتْ نَجَاسَةُ الدَّمِ وَبَقِيَّةُ نَجَاسَةِ الْبَوْلِ فَلَا يُمْنَعُ مَا لَمْ يَفْحُشْ وَصَحَّحَ السَّرَخْسِيُّ أَنَّ التَّطْهِيرَ بِالْبَوْلِ لَا يَكُونُ وَاخْتَارَهُ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَوَجْهُهُ أَنَّ سُقُوطَ التَّنَجُّسِ حَالَ كَوْنِ الْمُسْتَعْمَلِ فِي الْمَحَلِّ ضَرُورَةَ التَّطْهِيرِ وَلَيْسَ الْبَوْلُ مُطَهِّرًا لِلتَّضَادِّ بَيْنَ الْوَصْفَيْنِ فَيَتَنَجَّسُ بِنَجَاسَةِ الدَّمِ فَمَا ازْدَادَ الثَّوْبُ بِهَذَا إلَّا شَرًّا إذْ يَصِيرُ جَمِيعُ الْمَكَانِ الْمُصَابِ بِالْبَوْلِ مُتَنَجِّسًا بِنَجَاسَةِ الدَّمِ، وَإِنْ لَمْ يَبْقَ عَيْنُ الدَّمِ، وَتَظْهَرُ ثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ أَيْضًا فِيمَنْ حَلَفَ مَا فِيهِ دَمٌ، وَقَدْ غَسَلَهُ بِالْبَوْلِ لَا يَحْنَثُ عَلَى الضَّعِيفِ وَيَحْنَثُ عَلَى الصَّحِيحِ إلَيْهِ أَشَارَ فِي النِّهَايَةِ وَفِي الْعِنَايَةِ وَكَذَا الْحُكْمُ فِي الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ يَعْنِي عَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَتِهِ فَقِيلَ يُزِيلُ النَّجَاسَةَ وَالْأَصَحُّ لَا وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِطَهَارَتِهِ فَهُوَ مَائِعٌ مُزِيلٌ طَاهِرٌ فَيُزِيلُ النَّجَاسَةَ الْحَقِيقِيَّةَ، وَقَدْ صَرَّحَ بِكَوْنِ الْمُسْتَعْمَلِ مُزِيلًا الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَفِي النِّهَايَةِ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ عَلَى رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَمَّا رِوَايَةُ أَبِي يُوسُفَ فَهُوَ نَجَسٌ فَلَا يُزِيلُ النَّجَاسَةَ، وَقَدْ قَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ فِي بَحْثِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْقِيَاسَ يَقْتَضِي تَنَجُّسَ الْمَاءِ بِأَوَّلِ الْمُلَاقَاةِ لِلنَّجَاسَةِ لَكِنْ سَقَطَ لِلضَّرُورَةِ سَوَاءٌ كَانَ الثَّوْبُ فِي إجَّانَةٍ وَأَوْرَدَ الْمَاءَ عَلَيْهِ أَوْ كَانَ الْمَاءُ فِيهَا وَأَوْرَدَ الثَّوْبَ الْمُتَنَجِّسَ عَلَيْهِ عِنْدَنَا فَهُوَ طَاهِرٌ فِي الْمَحَلِّ نَجَسٌ إذَا انْفَصَلَ سَوَاءٌ تَغَيَّرَ أَوْ لَا وَهَذَا فِي الْمَاءَيْنِ بِالِاتِّفَاقِ، وَأَمَّا الْمَاءُ الثَّالِثُ فَهُوَ طَاهِرٌ عِنْدَهُمَا إذَا انْفَصَلَ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ كَانَ طَاهِرًا وَانْفَصَلَ عَنْ مَحَلٍّ طَاهِرٍ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ نَجَسٌ؛ لِأَنَّ طَهَارَتَهُ فِي الْمَحَلِّ ضَرُورَةُ تَطْهِيرِهِ، وَقَدْ زَالَتْ، وَإِنَّمَا حُكِمَ شَرْعًا بِطَهَارَةِ الْمَحَلِّ   [منحة الخالق] لِمَكَانِ الضَّرُورَةِ الِاغْتِسَالُ بَيْنَ الْجِنْسِ وَعَلَى مَا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ وَهُوَ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ نَظَرِ الرَّجُلِ إلَى الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ إلَى الرَّجُلِ لَا يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ بَيْنَ كَوْنِ الرَّجُلِ بَيْنَ الرِّجَالِ خَاصَّةً أَوْ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ أَوْ النِّسَاءِ فَقَطْ وَعَلَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ الِاغْتِفَارِ قِيَاسًا التَّأْخِيرُ فِيمَا لَوْ كَانَ الرَّجُلُ بَيْنَ رِجَالٍ وَنِسَاءٍ وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَلَا يُبَاحُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَنْظُرَ إلَى غَيْرِ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمِ إذَا كَانَتْ أَجْنَبِيَّةً، وَقَدْ جَوَّزُوا لَهَا كَشْفَ الذِّرَاعَيْنِ لِلْبِنَاءِ مُطْلَقًا غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِعَدَمِ الرِّجَالِ. اهـ. قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ وَاعْلَمْ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا تَكْشِفَ الْخُنْثَى لِلِاسْتِنْجَاءِ وَلَا لِلْغُسْلِ عِنْدَ أَحَدٍ أَصْلًا؛ لِأَنَّهَا إنْ كَشَفَتْ عِنْدَ ذَكَرٍ احْتَمَلَ أَنَّهَا أُنْثَى وَإِنْ عِنْدَ أُنْثَى احْتَمَلَ أَنَّهَا ذَكَرٌ فَصَارَ الْحَاصِلُ أَنَّ مُرِيدَ الِاغْتِسَالِ إمَّا ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى أَوْ خُنْثَى وَعَلَى كُلٍّ فَأَمَّا بَيْنَ رِجَالٍ أَوْ نِسَاءٍ أَوْ خَنَاثَى أَوْ رِجَالٍ وَنِسَاءٍ أَوْ رِجَالٍ وَخَنَاثَى أَوْ نِسَاءٍ وَخَنَاثَى أَوْ رِجَالٍ وَنِسَاءٍ وَخَنَاثَى فَهُوَ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ يَغْتَسِلُ فِي صُورَتَيْنِ مِنْهَا وَهُمَا رَجُلٌ بَيْنَ رِجَالٍ وَامْرَأَةٌ بَيْنَ نِسَاءٍ وَيُؤَخَّرُ فِي تِسْعَ عَشْرَةَ صُورَةً. (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ يَطْهُرُ الْبَدَنُ) قَالَ فِي النَّهْرِ عِبَارَةُ النُّقَايَةِ يَطْهُرُ الشَّيْءُ أَوْلَى لِشُمُولِهَا الثَّوْبَ وَالْمَكَانَ وَالْآنِيَةَ وَالْمَأْكُولَاتِ وَكُلَّ شَيْءٍ تَنَجَّسَ. اهـ. وَفِيهِ أَنَّهَا تَشْمَلُ الْأَشْيَاءَ النَّجِسَةَ لِعَيْنِهَا فَالْأَوْلَى عِبَارَةُ الدُّرَرِ يَطْهُرُ الْمُتَنَجِّسُ (قَوْلُهُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَخْ) أَيْ مَا فِي الْمَتْنِ (قَوْلُهُ أَنَّ التَّطْهِيرَ بِالْبَوْلِ لَا يَكُونُ) أَيْ التَّطْهِيرُ عَنْ التَّغْلِيظِ وَعِبَارَةُ الصَّيْرَفِيِّ الْمُخْتَارُ أَنَّ حُكْمَ التَّغْلِيظِ لَا يَزُولُ فَقَوْلُهُ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالطَّاهِرِ إلَخْ لَا يَكَادُ يَصِحُّ إذْ لَا قَائِلَ بِالطَّهَارَةِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَمْ يُقَيِّدْهُ بِهِ بَلْ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ يُطَهِّرُ إذْ تَطْهِيرُهُ لِغَيْرِهِ فَرْعُ طَهَارَتِهِ فِي نَفْسِهِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يُقَيِّدْ الْمَاءَ بِهِ وَلَا بُدَّ مِنْهُ إجْمَاعًا، كَذَا فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ أَوْ كَانَ الْمَاءُ فِيهَا) أَيْ الْإِجَّانَةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 عِنْدَ انْفِصَالِهِ وَلَا ضَرُورَةَ فِي اعْتِبَارِ الْمَاءِ الْمُنْفَصِلِ طَاهِرًا مَعَ مُخَالَطَةِ النَّجَسِ بِخِلَافِ الْمَاءِ الرَّابِعِ فَإِنَّهُ لَمْ يُخَالِطْهُ مَا هُوَ مَحْكُومٌ شَرْعًا بِنَجَاسَتِهِ فِي الْمَحَلِّ فَيَكُونُ طَاهِرًا وَأَمَّا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّمَا سَقَطَ هَذَا الْقِيَاسُ فِي الْمَاءِ الْوَارِدِ عَلَى النَّجَاسَةِ، أَمَّا فِي الْمَاءِ الَّذِي وَرَدَتْ عَلَيْهِ النَّجَاسَةُ فَلَا يَطْهُرُ عِنْدَهُ وَعَلَى هَذَا فَالْأَوْلَى فِي غَسْلِ الثَّوْبِ النَّجَسِ وَضْعُهُ فِي الْإِجَّانَةِ مِنْ غَيْرِ مَاءٍ، ثُمَّ صَبُّ الْمَاءِ عَلَيْهِ لَا وَضْعُ الْمَاءِ أَوَّلًا، ثُمَّ وَضْعُ الثَّوْبِ فِيهِ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ وَلَمَّا سَقَطَ ذَلِكَ الْقِيَاسُ عِنْدَنَا مُطْلَقًا لَمْ يُفَرِّقْ مُحَمَّدٌ بَيْنَ تَطْهِيرِ الثَّوْبِ النَّجَسِ فِي الْإِجَّانَةِ وَالْعُضْوِ النَّجَسِ بِأَنْ يَغْسِلَ كُلًّا مِنْهُمَا فِي ثَلَاثِ إجَّانَاتٍ طَاهِرَاتٍ أَوْ ثَلَاثًا فِي إجَّانَةٍ بِمِيَاهٍ طَاهِرَةٍ لِيَخْرُجَ مِنْ الثَّالِثِ طَاهِرًا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ بِذَلِكَ فِي الثَّوْبِ خَاصَّةً، أَمَّا الْعُضْوُ الْمُتَنَجِّسُ إذَا غُمِسَ فِي إجَّانَاتٍ طَاهِرَاتٍ نَجَّسَ الْجَمِيعَ وَلَا يَطْهُرُ بِحَالٍ بَلْ بِأَنْ يُغْسَلَ فِي مَاءٍ جَارٍ أَوْ يُصَبُّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ يَأْبَى حُصُولَ الطَّهَارَةِ لَهُمَا بِالْغَسْلِ فِي الْأَوَانِي فَسَقَطَ فِي الثِّيَابِ لِلضَّرُورَةِ وَبَقِيَ فِي الْعُضْوِ لِعَدَمِهَا وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُتَنَجِّسُ مِنْ الثَّوْبِ مَوْضِعًا صَغِيرًا فَلَمْ يَصُبَّ الْمَاءَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا غَسَلَهُ فِي الْإِنَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَطْهُرُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ لِتَيَسُّرِ الصَّبِّ. وَعَلَى هَذَا جُنُبٌ اغْتَسَلَ فِي آبَارٍ وَلَمْ يَكُنْ اسْتَنْجَى تَنَجَّسَ كُلُّهَا، وَإِنْ كَثُرَتْ، وَإِنْ كَانَ اسْتَنْجَى صَارَتْ فَاسِدَةً وَلَمْ يَطْهُرْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ إنْ لَمْ يَكُنْ اسْتَنْجَى يَخْرُجُ مِنْ الثَّالِثَةِ طَاهِرًا وَكُلُّهَا نَجِسَةٌ، وَإِنْ كَانَ اسْتَنْجَى يَخْرُجُ مِنْ الْأُولَى طَاهِرًا وَسَائِرُهَا مُسْتَعْمَلَةٌ، كَذَا فِي الْمُصَفَّى وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُ الِاسْتِعْمَالِ بِمَا إذَا قَصَدَ الْقُرْبَةَ عِنْدَهُ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي بَحْثِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى قَصْدِ الْقُرْبَةِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ عَلَى الصَّحِيحِ وَقَدَّمْنَا أَنَّ مَاءَ الْبِئْرِ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ الْمُلَاقِي لِلْعُضْوِ الْمُنْفَصِلِ عَنْهُ وَهُوَ قَلِيلٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَاءِ الْبِئْرِ فَلَا يَصِيرُ مَاؤُهَا مُسْتَعْمَلًا كَمَا أَوْضَحْنَاهُ فِي الْخَيْرِ الْبَاقِي فِي جَوَازِ الْوُضُوءِ فِي الْفَسَاقِيِ وَتَكَلَّمْنَا عَلَيْهِ فِي شَرْحِنَا هَذَا فَرَاجِعْهُ. (قَوْلُهُ: لَا الدُّهْنِ) أَيْ لَا يَجُوزُ التَّطْهِيرُ بِالدُّهْنِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُزِيلٍ وَمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ مِنْ أَنَّهُ لَوْ غَسَلَ الدَّمَ مِنْ الثَّوْبِ بِدُهْنٍ حَتَّى ذَهَبَ أَثَرُهُ جَازَ فَخِلَافُ الظَّاهِرِ عَنْهُ بَلْ الظَّاهِرُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ خِلَافُهُ، كَذَا فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَكَذَا مَا رُوِيَ فِي الْمُحِيطِ مِنْ كَوْنِ اللَّبَنِ مُزِيلًا فِي رِوَايَةٍ فَضَعِيفٌ وَعَلَى ضَعْفِهِ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ دُسُومَةٌ وَفِي الْمُجْتَبَى وَالْمَاءُ الْمُقَيَّدُ مَا اُسْتُخْرِجَ بِعِلَاجٍ كَمَاءِ الصَّابُونِ وَالْحُرْضِ وَالزَّعْفَرَانِ وَالْأَشْجَارِ وَالْأَثْمَارِ وَالْبَاقِلَا فَهُوَ طَاهِرٌ غَيْرُ طَهُورٍ يُزِيلُ النَّجَاسَةَ الْحَقِيقِيَّةَ عَنْ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ جَمِيعًا كَذَا قَالَ الْكَرْخِيُّ وَالطَّحَاوِيُّ وَفِي الْعُيُونِ لَا يُزِيلُ عَنْ الْبَدَنِ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا وَالصَّحِيحُ مَا ذَكَرَاهُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْخُفُّ بِالدَّلْكِ بِنَجَسٍ ذِي جُرْمٍ وَإِلَّا يُغْسَلُ) بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى الْبَدَنِ أَيْ يَطْهُرُ الْخُفُّ بِالدَّلْكِ إذَا أَصَابَتْهُ نَجَاسَةٌ لَهَا جُرْمٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا جُرْمٌ فَلَا بُدَّ مِنْ غَسْلِهِ لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد «إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلْيَنْظُرْ، فَإِنْ رَأَى فِي نَعْلِهِ أَذًى أَوْ قَذَرًا فَلْيَمْسَحْهُ وَلِيُصَلِّ فِيهِمَا» وَفِي حَدِيثِ ابْنِ خُزَيْمَةَ «فَطُهُورُهُمَا التُّرَابُ» وَخَالَفَ فِيهِ مُحَمَّدٌ وَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ، وَلِهَذَا رُوِيَ رُجُوعُهُ كَمَا فِي النِّهَايَةِ قَيَّدَ بِالْخُفِّ؛ لِأَنَّ الثَّوْبَ وَالْبَدَنَ لَا يَطْهُرَانِ بِالدَّلْكِ إلَّا فِي الْمَنِيِّ؛ لِأَنَّ الثَّوْبَ لِتَخَلْخُلِهِ يَتَدَاخَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ أَجْزَاءِ النَّجَاسَةِ فَلَا يُخْرِجُهَا إلَّا الْغَسْلُ وَالْبَدَنُ لِلِينِهِ وَرُطُوبَتِهِ وَمَا بِهِ مِنْ الْعَرَقِ لَا يَجِفُّ، فَعَلَى هَذَا فَمَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي الْمُسَافِرِ إذَا أَصَابَ يَدَهُ نَجَاسَةٌ يَمْسَحُهَا بِالتُّرَابِ فَمَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الْمَسْحَ لِتَقْلِيلِ النَّجَاسَةِ لَا لِلتَّطْهِيرِ وَإِلَّا فَمُحَمَّدٌ لَا يُجَوِّزُ الْإِزَالَةَ بِغَيْرِ الْمَاءِ وَهُمَا لَا يَقُولَانِ بِالدَّلْكِ إلَّا فِي الْخُفِّ وَالنَّعْلِ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَظَاهِرُ مَا فِي النِّهَايَةِ أَنَّ الْمَسْحَ لِلتَّطْهِيرِ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ عَنْ مُحَمَّدٍ رِوَايَتَيْنِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْجَفَافِ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ هُنَا هُوَ الْأَصَحُّ فَإِنَّ عِنْدَهُ لَا تَفْصِيلَ بَيْنَ الرَّطْبِ وَالْيَابِسِ وَهُمَا قَيَّدَاهُ بِالْجَفَافِ وَعَلَى قَوْلِهِ أَكْثَر الْمَشَايِخِ وَفِي النِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ وَالْخَانِيَّةِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: أَوْ ثَلَاثًا فِي إجَّانَةٍ بِمِيَاهٍ طَاهِرَةٍ) لَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ الْإِجَّانَةِ هَلْ يَجِبُ غَسْلُهَا أَمْ لَا وَفِي الْقُنْيَةِ بِرَمْزِ شِهَابِ الْأَئِمَّةِ الْإِمَامِيِّ غَسَلَ الثَّوْبَ النَّجَسَ فِي الطَّسْتِ فَإِنَّهُ يَغْسِلُ الطَّسْتَ ثَلَاثًا فِي كُلِّ مَرَّةٍ بَعْدَ عَصْرِ الثَّوْبِ وَفِيهَا بِرَمْزِ صَلَاةِ الْبَقَّالِيِّ يَغْسِلُ الطَّسْتَ فِي الْأُولَى ثَلَاثًا وَفِي الثَّانِيَةِ مَرَّتَيْنِ وَفِي الثَّالِثَةِ مَرَّةً وَفِيهَا بِرَمْزِ مَجْدِ التَّرْجُمَانِيِّ قَالَ عَبْدُ الرَّحِيمِ الْخُتَنِيُّ ظَاهِرُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْجَامِعِ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى غَسْلِ الْإِجَّانَةِ كَالرِّشَاءِ وَالدَّلْوِ فِي نَزْحِ الْبِئْرِ. اهـ. وَذَكَرَ فِيهَا حُكْمَ غَسْلِ ثَوْبَيْنِ فِي إجَّانَةٍ حَيْثُ رَمَزَ لِنَجْمِ الْأَئِمَّةِ الْحَكِيمِيِّ خِرَقٌ كَثِيرَةٌ جُمِعَتْ وَغُسِلَتْ وَعُصِرَتْ كُلَّ مَرَّةٍ طَهُرَتْ وَكَذَا لَوْ كَانَتْ فِي خَرِيطَةٍ فَغُسِلَتْ وَعُصِرَتْ وَعَنْ الْعَلَاءِ التَّاجِرِيِّ لَا تَطْهُرُ قَالَ وَهُوَ مَنْصُوصٌ، قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْحَنَّاطِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْحَافِظِ أَنَّهُ لَا تَطْهُرُ وَذَلِكَ فِي الثَّوْبَيْنِ فِي الْإِجَّانَةِ، فَأَمَّا فِي الْغَسْلِ بِصَبِّ الْمَاءِ عَلَيْهِ تَطْهُرُ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ خِيطَتْ الْخِرَقُ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ وَغُسِلَتْ تَطْهُرُ كُلُّهَا، ثُمَّ رَمَزَ بِالرَّمْزِ الْأَوَّلِ غَسَلَتْ ثَوْبَيْنِ نَجَسَيْنِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَعَصَرَتْهُمَا جُمْلَةً فِي كُلِّ مَرَّةٍ يَطْهُرَانِ إلَّا إذَا غَسَلَتْهُمَا فِي الْإِجَّانَةِ فَلَا إلَّا إذَا كَانَا صَغِيرَيْنِ يُغْسَلَانِ كَذَلِكَ عَادَةً، ثُمَّ رَمَزَ بِرَمْزٍ مُحْتَمَلٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 وَالْخُلَاصَةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِعُمُومِ الْبَلْوَى وَلِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ وَفِي الْكَافِي وَالْفَتْوَى أَنَّهُ يَطْهُرُ لَوْ مَسَحَهُ بِالْأَرْضِ بِحَيْثُ لَمْ يَبْقَ أَثَرُ النَّجَاسَةِ اهـ فَعُلِمَ بِهِ أَنَّ الْمَسْحَ بِالْأَرْضِ لَا يُطَهِّرُ إلَّا بِشَرْطِ ذَهَابِ أَثَرِ النَّجَاسَةِ وَإِلَّا لَا يَطْهُرُ وَأَطْلَقَ الْجُرْمَ فَشَمَلَ مَا إذَا كَانَ الْجُرْمُ مِنْهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهَا بِأَنْ ابْتَلَّ الْخُفُّ بِخَمْرٍ فَمَشْي بِهِ عَلَى رَمْلٍ أَوْ رَمَادٍ فَاسْتَجْمَدَ فَمَسَحَهُ بِالْأَرْضِ حَتَّى تَنَاثَرَ طَهُرَ وَهُوَ الصَّحِيحُ، كَذَا فِي التَّبْيِينِ، ثُمَّ الْفَاصِلُ بَيْنَهُمَا أَنَّ كُلَّ مَا يَبْقَى بَعْدَ الْجَفَافِ عَلَى ظَاهِرِ الْخُفِّ كَالْعَذِرَةِ وَالدَّمِ فَهُوَ جُرْمٌ وَمَا لَا يُرَى بَعْدَ الْجَفَافِ فَلَيْسَ بِجُرْمٍ وَاشْتِرَاطُ الْجُرْمِ قَوْلُ الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَصَابَهُ بَوْلٌ فَيَبِسَ لَمْ يَجْزِهِ حَتَّى يَغْسِلَهُ؛ لِأَنَّ الْأَجْزَاءَ تَتَشَرَّبُ فِيهِ فَاتَّفَقَ الْكُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُطْلَقَ مُقَيَّدٌ فَقَيَّدَهُ أَبُو يُوسُفَ بِغَيْرِ الرَّقِيقِ وَقَيَّدَاهُ بِالْجُرْمِ وَالْجَفَافِ وَإِنَّمَا قَيَّدَهُ أَبُو يُوسُفَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مُفَادٌ بِقَوْلِهِ طَهُورٌ أَيْ مُزِيلٌ وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ الْخُفَّ إذَا تَشَرَّبَ الْبَوْلَ لَا يُزِيلُهُ الْمَسْحُ فَإِطْلَاقُهُ مَصْرُوفٌ إلَى مَا يَقْبَلُ الْإِزَالَةَ بِالْمَسْحِ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ وَتَعَقَّبَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهُ لَا يَخْفَى مَا فِيهِ إذْ مَعْنَى طَهُورٍ مُطَهِّرٌ، وَاعْتُبِرَ ذَلِكَ شَرْعًا بِالْمَسْحِ الْمُصَرَّحِ بِهِ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مُقْتَصَرًا عَلَيْهِ وَكَمَا لَا يُزِيلُ مَا تَشَرَّبَ بِهِ مِنْ الرَّقِيقِ كَذَلِكَ لَا يُزِيلُ مَا تَشَرَّبَ مِنْ الْكَثِيفِ حَالَ الرُّطُوبَةِ عَلَى مَا هُوَ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى بِاعْتِرَافِ هَذَا الْمُجِيبِ. وَالْحَاصِلُ فِيهِ بَعْدَ إزَالَةِ الْجُرْمِ كَالْحَاصِلِ قَبْلَ الدَّلْكِ فِي الرَّقِيقِ فَإِنَّهُ لَا يَشْرَبُ إلَّا مَا فِي اسْتِعْدَادِهِ قَبُولُهُ، وَقَدْ يُصِيبُهُ مِنْ الْكَثِيفَةِ الرَّطْبَةِ مِقْدَارٌ كَثِيرٌ يَشْرَبُ مِنْ رُطُوبَتِهِ مِقْدَارَ مَا يَشْرَبُهُ مِنْ بَعْضِ الرَّقِيقِ. اهـ. وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ التَّشَرُّبَ، وَإِنْ كَانَ مَوْجُودًا فِيهِمَا لَكِنْ عُفِيَ عَنْهُ فِي التَّشَرُّبِ مِنْ الْكَثِيفِ حَالَ الرُّطُوبَةِ لِلضَّرُورَةِ وَالْبَلْوَى وَلِأَنَّا نَعْلَمُ أَنَّ الْحَدِيثَ يُفِيدُ طَهَارَتَهَا بِالدَّلْكِ مَعَ الرُّطُوبَةِ إذْ مَا بَيْنَ الْمَسْجِدِ وَالْمَنْزِلِ لَيْسَ مَسَافَةً يَجِفُّ فِي مُدَّةِ قَطْعِهَا مَا أَصَابَ الْخُفَّ رَطْبًا وَلَمْ يُعْفَ عَنْ التَّشَرُّبِ فِي الرَّقِيقِ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ وَالْبَلْوَى إذْ قَدْ جَوَّزُوا كَوْنَ الْجُرْمِ مِنْ غَيْرِهَا بِأَنْ يَمْشِيَ بِهِ عَلَى رَمْلٍ أَوْ تُرَابٍ فَيَصِيرُ لَهَا جُرْمٌ فَتَطْهُرُ بِالدَّلْكِ فَحَيْثُ أَمْكَنَهُ ذَلِكَ لَا ضَرُورَةَ فِي التَّطْهِيرِ بِدُونِهِ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الدَّلْكَ بِالْأَرْضِ تَبَعًا لِرِوَايَةِ الْأَصْلِ وَهُوَ الْمَسْحُ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ إذَا مَسَحَهُمَا بِالتُّرَابِ يَطْهُرُ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ إنْ حَكَّهُ أَوْ حَتَّهُ بَعْدَمَا يَبِسَ طَهُرَ قَالَ فِي النِّهَايَةِ قَالَ مَشَايِخُنَا لَوْلَا الْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. لَكُنَّا نَقُولُ: إنَّهُ إذَا لَمْ يَمْسَحْهُمَا بِالتُّرَابِ لَا يَطْهُرُ؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ بِالتُّرَابِ لَهُ أَثَرٌ فِي بَابِ الطَّهَارَةِ فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَالَ فِي الْمُسَافِرِ إذَا أَصَابَ يَدَهُ نَجَاسَةٌ يَمْسَحُهَا بِالتُّرَابِ، فَأَمَّا الْحَكُّ فَلَا أَثَرَ لَهُ فِي بَابِ الطَّهَارَةِ فَالْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بَيَّنَ أَنَّ لَهُ أَثَرًا أَيْضًا. اهـ. وَقَدْ قَدَّمْنَا مَسْأَلَةَ مَسْحِ الْمُسَافِرِ يَدَهُ الْمُتَنَجِّسَةَ. وَاعْلَمْ أَنَّا قَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الطَّهَارَةَ بِالْمَسْحِ خَاصَّةً بِالْخُفِّ وَالنَّعْلِ وَأَنَّ الْمَسْحَ لَا يَجُوزُ فِي غَيْرِهِمَا كَمَا قَالُوا وَيَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ وَغَيْرِهَا إذَا مَسَحَ الرَّجُلُ مِحْجَمَهُ بِثَلَاثِ خِرْقَاتٍ رَطَبَاتٍ نِظَافٍ أَجْزَأَهُ عَنْ الْغَسْلِ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَنَقَلَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ وَقِيَاسُهُ مَا حَوْلَ مَحَلِّ الْفَصْدِ إذَا تَلَطَّخَ وَيَخَافُ مِنْ الْإِسَالَةِ السَّرَيَانَ إلَى الثَّقْبِ اهـ. وَهُوَ يَقْتَضِي تَقْيِيدَ مَسْأَلَةِ الْمَحَاجِمِ بِمَا إذَا خَافَ مِنْ الْإِسَالَةِ ضَرَرًا كَمَا لَا يَخْفَى وَالْمَنْقُولُ مُطْلَقٌ. وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ خِفٌّ بِطَانَةُ سَاقَهُ مِنْ الْكِرْبَاسِ فَدَخَلَ فِي خُرُوقِهِ مَاءٌ نَجَسٌ فَغَسَلَ الْخُفَّ وَدَلَكَهُ بِالْيَدِ، ثُمَّ مَلَأَ الْمَاءَ وَأَرَاقَهُ طَهُرَ لِلضَّرُورَةِ يَعْنِي مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى عَصْرِ الْكِرْبَاسِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْبَزَّازِيُّ فِي فَتَاوِيهِ، ثُمَّ قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ أَيْضًا الْخُفُّ يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ ثَلَاثًا إذَا جَفَّفَهُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ بِخِرْقَةِ وَعَنْ الْقَاضِي الْإِمَامِ صَدْرِ الْإِسْلَامِ أَبِي الْيُسْرِ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى التَّجْفِيفِ وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ الْخُفُّ إذَا دُهِنَ بِدُهْنٍ نَجَسٍ، ثُمَّ غُسِلَ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَطْهُرُ. (قَوْلُهُ: وَبِمَنِيٍّ يَابِسٍ بِالْفَرْكِ وَإِلَّا يُغْسَلُ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِالْمَاءِ يَعْنِي يَطْهُرُ الْبَدَنُ وَالثَّوْبُ وَالْخُفُّ إذَا أَصَابَهُ مَنِيٌّ بِفَرْكِهِ إنْ   [منحة الخالق] لَا يَطْهُرَانِ فِي الطَّسْتِ مُطْلَقًا، ثُمَّ رَمَزَ بِرَمْزِ كَمَالٍ الْبَيَاخِيِّ يَطْهُرَانِ مُطْلَقًا. [التَّطْهِيرُ بِالدُّهْنِ] (قَوْلُهُ وَأَطْلَقَ الْجُرْمَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ قَوْلَهُ ذِي جُرْمٍ وَقَعَ صِفَةَ نَجَسٍ فَاقْتَضَى قَوْلُهُ وَإِلَّا يُغْسَلُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ كَالْبَوْلِ وَنَحْوِهِ غُسِلَ وَمَنْ تَأَمَّلَ كَلَامَ الشَّارِحِ لَمْ يَتَرَدَّدْ فِي ذَلِكَ. اهـ. وَهُوَ كَمَا قَالَ فَإِنَّ الشَّارِحَ بَعْدَ حَلِّ الْمَتْنِ قَالَ وَقِيلَ إذَا مَشَى عَلَى الرَّمْلِ أَوْ التُّرَابِ فَالْتَصَقَ بِالْخُفِّ أَوْ جَعَلَ عَلَيْهِ تُرَابًا أَوْ رَمَادًا أَوْ رَمْلًا فَمَسَحَهُ يَطْهُرُ وَهُوَ الصَّحِيحُ إلَخْ (قَوْلُهُ عَلَى أَنَّ الْمُطْلَقَ) وَهُوَ الْأَذَى وَالْقَذِرُ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ. (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا قَيَّدَهُ أَبُو يُوسُفَ بِهِ) أَيْ بِغَيْرِ الرَّقِيقِ يَعْنِي بِذِي الْجُرْمِ قَالَ فِي الْمِعْرَاجِ وَالرَّقِيقُ كَالْخَمْرِ وَالْبَوْلِ. اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى التَّقْيِيدِ بِالْجُرْمِ وَانْفَرَدَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ بِزِيَادَةِ الْجَفَافِ (قَوْلُهُ وَتَعَقَّبَهُ إلَخْ) هَذَا وَارِدٌ عَلَى الْقَوْلَيْنِ. (قَوْلُهُ: بِثَلَاثِ خِرَقَاتٍ) لَمْ يُقَيِّدْهُ فِي الْقُنْيَةِ بِالثَّلَاثِ فَقَالَ رَامِزُ النَّجْمُ الْأَئِمَّةُ الْحَكِيمِيُّ مَسَحَ الْحِجَامُ مَوْضِعَ الْحِجَامَةِ مَرَّةً وَاحِدَةً وَصَلَّى الْمَحْجُومُ أَيَّامًا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَةُ مَا صَلَّى إنْ أَزَالَ الدَّمَ بِالْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ اهـ. (قَوْلُهُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِالْمَاءِ) لَيْسَ بِظَاهِرٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 كَانَ يَابِسًا وَبِغَسْلِهِ إنْ كَانَ رَطْبًا وَهُوَ فَرْعُ نَجَاسَةِ الْمَنِيِّ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَغْسِلُ الْمَنِيَّ، ثُمَّ يَخْرُجُ إلَى الصَّلَاةِ فِي ذَلِكَ الثَّوْبِ وَأَنَا أَنْظُرُ إلَى أَثَرِ الْغَسْلِ فِيهِ» ، فَإِنْ حُمِلَ عَلَى حَقِيقَتِهِ مِنْ أَنَّهُ فَعَلَهُ بِنَفْسِهِ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ طَاهِرًا لَمْ يَغْسِلْهُ؛ لِأَنَّهُ إتْلَافُ الْمَاءِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ وَهُوَ سَرَفٌ أَوْ هُوَ عَلَى مَجَازِهِ وَهُوَ أَمْرُهُ بِذَلِكَ فَهُوَ فَرْعُ عِلْمِهِ أَطْلَقَ مَسْأَلَةَ الْمَنِيِّ فَشَمَلَ مَنِيَّهُ وَمَنِيَّهَا وَفِي طَهَارَةِ مَنِيِّهَا بِالْفَرْكِ اخْتِلَافٌ قَالَ الْفَضْلِيُّ لَا يَطْهُرُ بِهِ لِرِقَّتِهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَنِيِّ الرَّجُلِ وَمَنِيِّ الْمَرْأَةِ، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَشَمَلَ الْبَدَنَ وَالثَّوْبَ فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَطْهُرُ بِالْفَرْكِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ لِلْبَلْوَى وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْبَدَنَ لَا يَطْهُرُ بِالْفَرْكِ لِرُطُوبَتِهِ، كَذَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِابْنِ الْمَلَكِ وَشَمَلَ مَا إذَا تَقَدَّمَهُ مَذْيٌ أَوَّلًا وَقِيلَ إنَّمَا يَطْهُرُ بِالْفَرْكِ إذَا لَمْ يَسْبِقْهُ مَذْيٌ، فَإِنْ سَبَقَهُ لَا يَطْهُرُ إلَّا بِالْغَسْلِ، وَعَنْ هَذَا قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ مَسْأَلَةُ الْمَنِيِّ مُشْكِلَةٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ فَحْلٍ يُمْذِي، ثُمَّ يُمْنِي إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ مَغْلُوبٌ بِالْمَنِيِّ مُسْتَهْلَكٌ فِيهِ فَيُجْعَلُ تَبَعًا. اهـ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ إذَا كَانَ الْوَاقِعُ أَنَّهُ لَا يُمْنِي حَتَّى يُمْذِيَ، وَقَدْ طَهَّرَهُ الشَّرْعُ بِالْفَرْكِ يَابِسًا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ اُعْتُبِرَ ذَلِكَ الِاعْتِبَارَ لِلضَّرُورَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا بَالَ وَلَمْ يَسْتَنْجِ بِالْمَاءِ حَتَّى أَمْنَى فَإِنَّهُ لَا يَطْهُرُ حِينَئِذٍ إلَّا بِالْغَسْلِ لِعَدَمِ الْمُلْجِئِ كَمَا قِيلَ وَقِيلَ وَلَوْ بَالَ وَلَمْ يَنْتَشِرْ الْبَوْلُ عَلَى رَأْسِ الذَّكَرِ بِأَنْ لَمْ يَتَجَاوَزْ الثُّقْبَ فَأَمْنَى لَا يُحْكَمُ بِتَنْجِيسِ الْمَنِيِّ وَكَذَا إذَا جَاوَزَ لَكِنْ خَرَجَ الْمَنِيُّ دَفْقًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْتَشِرَ عَلَى رَأْسِ الذَّكَرِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ سِوَى مُرُورِهِ عَلَى الْبَوْلِ فِي مَجْرَاهُ وَلَا أَثَرَ لِذَلِكَ فِي الْبَاطِنِ اهـ. وَظَاهِرُ الْمُتُونِ الْإِطْلَاقُ أَعْنِي سَوَاءٌ بَالَ وَاسْتَنْجَى أَوْ لَمْ يَسْتَنْجِ بِالْمَاءِ فَإِنَّ الْمَنِيَّ يَطْهُرُ بِالْفَرْكِ؛ لِأَنَّهُ مَغْلُوبٌ مُسْتَهْلَكٌ كَالْمَذْيِ وَلَمْ يَعْفُ فِي الْمَذْيِ إلَّا لِكَوْنِهِ مُسْتَهْلَكًا لَا لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ وَأَطْلَقَ فِي الثَّوْبِ فَشَمَلَ الْجَدِيدَ وَالْغَسِيلَ فَيَطْهُرُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِالْفَرْكِ وَقَيَّدَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِكَوْنِ الثَّوْبِ غَسِيلًا احْتِرَازًا عَنْ الْجَدِيدِ فَإِنَّهُ لَا يَطْهُرُ بِالْفَرْكِ وَلَمْ أَرَهُ فِيمَا عِنْدِي مِنْ الْكُتُبِ لِغَيْرِهِ وَهُوَ بَعِيدٌ كَمَا لَا يَخْفَى وَشَمَلَ مَا إذَا كَانَ لِلثَّوْبِ بِطَانَةٌ نَفَذَ إلَيْهَا وَفِيهِ اخْتِلَافٌ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْبِطَانَةَ تَطْهُرُ بِالْفَرْكِ كَالظِّهَارَةِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَجْزَاءِ الْمَنِيِّ كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا، ثُمَّ نَجَاسَةُ الْمَنِيِّ عِنْدَنَا مُغَلَّظَةٌ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ مَعْزِيًّا إلَى خِزَانَةِ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ وَحَقِيقَةُ الْفَرْكِ الْحَكُّ بِالْيَدِ حَتَّى يَتَفَتَّتَ، كَذَا فِي شَرْحِ ابْنِ الْمَلَكِ، وَقَدْ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ بِطَهَارَةِ الْمَحِلِّ بِالْفَرْكِ وَكَذَا فِي الْكُلِّ وَفِيهِ اخْتِلَافٌ نَذْكُرُهُ فِي آخِرِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَفِي الْمُجْتَبَى وَبَقَاءُ أَثَرِ الْمَنِيِّ بَعْدَ الْفَرْكِ لَا يَضُرُّ كَبَقَائِهِ بَعْدَ الْغَسْلِ وَفِي الْمَسْعُودِيِّ مَنِيُّ الْإِنْسَانِ نَجَسٌ وَكَذَا مَنِيُّ كُلِّ حَيَوَانٍ وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْعَلَقَةَ وَالْمُضْغَةَ نَجِسَانِ كَالْمَنِيِّ، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي النِّهَايَةِ وَالتَّبْيِينِ وَكَذَا الْوَلَدُ إذَا لَمْ يَسْتَهِلَّ فَهُوَ نَجَسٌ وَلِهَذَا قَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ الْوَلَدُ إذَا نَزَلَ مِنْ الْمَرْأَةِ وَلَمْ يَسْتَهِلَّ وَسَقَطَ فِي الْمَاءِ أَفْسَدَهُ سَوَاءٌ غُسِّلَ أَوْ لَا وَكَذَا لَوْ حَمَلَهُ الْمُصَلِّي لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ. اهـ. وَفِي الْمُجْتَبَى أَصَابَ الثَّوْبَ دَمٌ عَبِيطٌ فَيَبِسَ فَحَتَّهُ طَهُرَ الثَّوْبُ كَالْمَنِيِّ اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ لِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّ طَهَارَةَ الثَّوْبِ بِالْفَرْكِ إنَّمَا هُوَ فِي الْمَنِيِّ لَا فِي غَيْرِهِ وَفِي الْبَدَائِعِ، وَأَمَّا سَائِرُ النَّجَاسَاتِ إذَا أَصَابَتْ الثَّوْبَ أَوْ الْبَدَنَ وَنَحْوَهُمَا فَإِنَّهَا لَا تَزُولُ إلَّا بِالْغَسْلِ سَوَاءٌ كَانَتْ رَطْبَةً أَوْ يَابِسَةً وَسَوَاءٌ كَانَتْ سَائِلَةً أَوْ لَهَا جُرْمٌ وَلَوْ أَصَابَ ثَوْبَهُ خَمْرٌ فَأَلْقَى عَلَيْهَا الْمِلْحَ وَمَضَى عَلَيْهِ مِنْ الْمُدَّةِ مِقْدَارُ مَا يَتَخَلَّلُ فِيهَا لَمْ يُحْكَمْ بِطَهَارَتِهِ حَتَّى يَغْسِلَهُ، وَلَوْ أَصَابَهُ عَصِيرٌ فَمَضَى عَلَيْهِ مِنْ الْمُدَّةِ مِقْدَارُ مَا يَتَخَمَّرُ الْعَصِيرُ لَا يُحْكَمُ بِنَجَاسَتِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَنَحْوُ السَّيْفِ بِالْمَسْحِ) أَيْ يَطْهُرُ كُلُّ جِسْمٍ صَقِيلٍ لَا مَسَامَّ لَهُ بِالْمَسْحِ جَدِيدًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ فَخَرَجَ الْجَدِيدُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ صَدَأٌ أَوْ مَنْقُوشًا فَإِنَّهُ لَا يَطْهُرُ إلَّا بِالْغَسْلِ وَخَرَجَ الثَّوْبُ الصَّقِيلُ لِوُجُودِ الْمَسَامِّ وَدَخَلَ الظُّفْرُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ فَمَسَحَهَا وَكَذَلِكَ الزُّجَاجَةُ وَالزُّبْدِيَّةُ الْخَضْرَاءُ أَعْنِي الْمَدْهُونَةَ وَالْخَشَبُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ فَإِنَّ الْمَنِيَّ يَطْهُرُ بِالْفَرْكِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ مَمْنُوعٌ إذْ الْأَصْلُ أَنْ لَا يُجْعَلَ النَّجَسُ تَبَعًا لِغَيْرِهِ إلَّا بِدَلِيلٍ، وَقَدْ قَامَ فِي الْمَذْيِ دُونَ الْبَوْلِ. اهـ. إذْ لَا ضَرُورَةَ فِي الْبَوْلِ فَلَا دَلِيلَ فِيهِ قَالَ الْعَلَّامَةُ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ النَّابُلُسِيُّ وَهُوَ وَجِيهٌ كَمَا لَا يَخْفَى وَكَذَا قَالَ فِي الشرنبلالية وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ عَلَى جَعْلِ عِلَّةِ الْعَفْوِ الضَّرُورَةَ كَمَا بَيَّنَهُ الْكَمَالُ وَلَا ضَرُورَةَ فِي الْبَوْلِ (قَوْلُهُ وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ) قَالَ فِي النَّهْرِ الظَّاهِرُ تَخْرِيجُهُ عَلَى مَا لَوْ أَصَابَ ثَوْبًا لَهُ بِطَانَةٌ فَنَفَذَ إلَيْهَا. (قَوْلُهُ: وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْعَلَقَةَ وَالْمُضْغَةَ نَجِسَتَانِ إلَخْ) اُنْظُرْ هَذَا مَعَ قَوْلِهِ الْآتِي وَنَظِيرُهُ فِي الشَّرْعِ النُّطْفَةُ نَجِسَةٌ، ثُمَّ تَصِيرُ عَلَقَةً وَهِيَ نَجِسَةٌ وَتَصِيرُ مُضْغَةً فَتَطْهُرُ. (قَوْلُهُ: وَالْخَشَبَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 الْخَرَّاطِيُّ وَالْبُورِيَّا الْقَصَبَ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَزَادَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ الْعَظْمَ وَالْآبِنُوسَ وَصَفَائِحَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ إذَا لَمْ تَكُنْ مَنْقُوشَةً، وَإِنَّمَا اكْتَفَى بِالْمَسْحِ؛ لِأَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانُوا يَقْتُلُونَ الْكُفَّارَ بِسُيُوفِهِمْ، ثُمَّ يَمْسَحُونَهَا وَيُصَلُّونَ مَعَهَا وَلِأَنَّهُ لَا يَتَدَاخَلُهُ النَّجَاسَةُ، وَمَا عَلَى ظَاهِرِهِ يَزُولُ بِالْمَسْحِ أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ الرَّطْبَ وَالْيَابِسَ وَالْعَذِرَةَ وَالْبَوْلَ وَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّ الْبَوْلَ وَالدَّمَ لَا يَطْهُرُ إلَّا بِالْغَسْلِ وَالْعَذِرَةُ الرَّطْبَةُ كَذَلِكَ وَالْيَابِسَةُ تَطْهُرُ بِالْحَتِّ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ، وَالْمُصَنِّفُ كَأَنَّهُ اخْتَارَ مَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافَ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ فِعْلِ الصَّحَابَةِ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ، وَقَدْ أَفَادَ الْمُصَنِّفُ طَهَارَتَهُ بِالْمَسْحِ كَنَظَائِرِهِ وَفِيهِ اخْتِلَافٌ فَقِيلَ تَطْهُرُ حَقِيقَةً وَقِيلَ تَقِلُّ وَإِلَيْهِ يُشِيرُ قَوْلُ الْقُدُورِيِّ حَيْثُ قَالَ اكْتَفَى بِمَسْحِهِمَا وَلَمْ يَقُلْ طَهُرَتَا وَسَيَأْتِي بَيَانُ الصَّحِيحِ فِيهِ وَفِي نَظَائِرِهِ وَفَائِدَتُهُ فِيمَا لَوْ قَطَعَ الْبِطِّيخَ أَوْ اللَّحْمَ بِالسِّكِّينِ الْمَمْسُوحَةِ مِنْ النَّجَاسَةِ فَإِنَّهُ يَحِلُّ أَكْلُهُ عَلَى الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمَسْحَ إنَّمَا يَكُونُ مُطَهِّرًا بِشَرْطِ زَوَالِ الْأَثَرِ كَمَا قَيَّدَهُ بِهِ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَمْسَحَهُ بِتُرَابٍ أَوْ خِرْقَةٍ أَوْ صُوفِ الشَّاةِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ كَمَا فِي الْفَتَاوَى أَيْضًا وَالْمَسَامُّ مَنَافِذُ الشَّيْءِ. (قَوْلُهُ: وَالْأَرْضُ بِالْيُبْسِ وَذَهَابِ الْأَثَرِ لِلصَّلَاةِ لَا لِلتَّيَمُّمِ) أَيْ تَطْهُرُ الْأَرْضُ الْمُتَنَجِّسَةُ بِالْجَفَافِ إذَا ذَهَبَ أَثَرُ النَّجَاسَةِ فَتَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَيْهَا وَلَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ مِنْهَا لِأَثَرِ عَائِشَةَ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ زَكَاةُ الْأَرْضِ يُبْسُهَا أَيْ طَهَارَتُهَا، وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ التَّيَمُّمُ مِنْهَا؛ لِأَنَّ الصَّعِيدَ عُلِمَ قَبْلَ التَّنَجُّسِ طَاهِرًا وَطَهُورًا وَبِالتَّنَجُّسِ عُلِمَ زَوَالُ الْوَصْفَيْنِ، ثُمَّ ثَبَتَ بِالْجَفَافِ شَرْعًا أَحَدُهُمَا أَعْنِي الطَّهَارَةَ فَيَبْقَى الْآخَرُ عَلَى مَا عُلِمَ مِنْ زَوَالِهِ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ طَهُورًا لَا يَتَيَمَّمُ بِهِ وَهَذَا أَوْلَى مِمَّا ذَكَرَهُ الشَّارِحُونَ فِي الْفَرْقِ بِأَنَّ طَهَارَةَ الْمَكَانِ ثَبَتَتْ بِدَلَالَةِ النَّصِّ الَّتِي خَصَّ مِنْهَا حَالَةَ غَيْرِ الصَّلَاةِ وَالنَّجَاسَةِ الْقَلِيلَةِ وَالْعَامُّ الْمَخْصُوصُ مِنْ الْحُجَجِ الْمُجَوِّزَةِ كَخَبَرِ الْوَاحِدِ فَجَازَ تَخْصِيصُهُ بِالْأَثَرِ بِخِلَافِ قَوْله تَعَالَى {فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43] فَإِنَّهُ مِنْ الْحِجَجِ الْمُوجِبَةِ الَّتِي لَمْ يَدْخُلْهُ تَخْصِيصٌ فَإِنَّ الْمُصَنِّفَ فِي الْكَافِي قَالَ بَعْدَهُ وَلِي فِيهِ أَشْكَالٌ؛ لِأَنَّ النَّصَّ لَا عُمُومَ لَهُ فِي الْأَحْوَالِ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ دَاخِلَةٍ تَحْتَ النَّصِّ، وَإِنَّمَا تَثْبُتُ ضَرُورَةً وَالتَّخْصِيصُ يَسْتَدْعِي سَبْقَ التَّعْمِيمِ وَلِأَنَّ الطَّيِّبَ يَحْتَمِلُ الطَّاهِرَ وَالْمُنْبِتَ وَعَلَى الثَّانِي حَمَلَهُ أَبُو يُوسُفَ وَالشَّافِعِيُّ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَا مُرَادَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرَكَ لَا عُمُومَ لَهُ فَيَكُونُ مُؤَوَّلًا وَهُوَ مِنْ الْحُجَجِ الْمُجَوِّزَةِ كَالْعَامِّ الْمَخْصُوصِ قَيَّدَ بِالْأَرْضِ احْتِرَازًا عَنْ الثَّوْبِ وَالْحَصِيرِ وَالْبَدَنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّهَا لَا تَطْهُرُ بِالْجَفَافِ مُطْلَقًا وَيُشَارِكُ الْأَرْضَ فِي حُكْمِهَا كُلُّ مَا كَانَ ثَابِتًا فِيهَا كَالْحِيطَانِ وَالْأَشْجَارِ وَالْكَلَأِ وَالْقَصَبِ وَغَيْرِهِ مَا دَامَ قَائِمًا عَلَيْهَا فَيَطْهُرُ بِالْجَفَافِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ، فَإِنْ قُطِعَ الْخَشَبُ وَالْقَصَبُ وَأَصَابَتْهُ نَجَاسَةٌ فَإِنَّهُ لَا يَطْهُرُ إلَّا بِالْغَسْلِ وَيَدْخُلُ فِي الْقَصَبِ الْخُصُّ بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ الْبَيْتُ مِنْ الْقَصَبِ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا السُّتْرَةُ الَّتِي تَكُونُ عَلَى السُّطُوحِ مِنْ الْقَصَبِ، كَذَا فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ وَكَذَا الْجِصُّ بِالْجِيمِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ حُكْمُهُ حُكْمُ الْأَرْضِ بِخِلَافِ اللَّبِنِ الْمَوْضُوعِ عَلَى الْأَرْضِ وَأَمَّا الْحَجَرُ فَذَكَرَ الْخُجَنْدِيُّ أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ بِالْجَفَافِ وَقَالَ الصَّيْرَفِيُّ إنْ كَانَ الْحَجَرُ أَمْلَسَ فَلَا بُدَّ مِنْ الْغَسْلِ، وَإِنْ كَانَ تَشَرَّبَ النَّجَاسَةَ كَحَجَرِ الرَّحَا فَهُوَ كَالْأَرْضِ وَالْحَصَى بِمَنْزِلَةِ الْأَرْضِ، وَأَمَّا اللَّبِنُ وَالْآجُرُّ، فَإِنْ كَانَا مَوْضُوعَيْنِ يُنْقَلَانِ وَيُحَوَّلَانِ فَإِنَّهُمَا لَا يَطْهُرَانِ بِالْجَفَافِ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِأَرْضٍ، وَإِنْ كَانَ اللَّبِنُ مَفْرُوشًا فَجَفَّ قَبْلَ إنْ يُقْلَعَ طَهُرَ بِمَنْزِلَةِ الْحِيطَانِ، وَفِي النِّهَايَةِ إنْ كَانَتْ الْآجُرَّةُ مَفْرُوشَةً فِي الْأَرْضِ فَحُكْمُهَا حُكْمُ الْأَرْضِ، وَإِنْ كَانَتْ مَوْضُوعَةً تُنْقَلُ وَتُحَوَّلُ، فَإِنْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ عَلَى الْجَانِبِ الَّذِي يَلِي الْأَرْضَ جَازَتْ الصَّلَاةُ عَلَيْهَا، وَإِنْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ عَلَى الْجَانِبِ الَّذِي قَامَ عَلَيْهِ الْمُصَلِّي لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ، كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَإِذَا   [منحة الخالق] الْخَرَّاطِيَّ) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالرَّاءِ الْمُشَدَّدَةِ بَعْدَهَا أَلِفٌ وَكَسْرِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ آخِرَهُ يَاءٌ مُشَدَّدَةٌ نِسْبَةٌ إلَى الْخَرَّاطِ وَهُوَ خَشَبٌ يَخْرُطُهُ الْخَرَّاطُ فَيَصِيرُ صَقِيلًا كَالْمِرْآةِ. (قَوْلُهُ: وَالْبُورِيَّا) الْحَصِيرُ الْمَنْسُوجُ قَامُوسٌ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّ الْمُصَنِّفَ فِي الْكَافِي قَالَ بَعْدَهُ إلَخْ) قَالَ فِي الْكِفَايَةِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْعُمُومِ الْإِطْلَاقُ وَأَنَّهُ يَثْبُتُ الْحُكْمُ فِي جَمِيعِ الْأَفْرَادِ أَيْضًا وَكَذَا الْمُرَادُ بِالتَّخْصِيصِ التَّقْيِيدُ يَعْنِي مَا لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ عِنْدَنَا فَيَكُونُ مُؤَوَّلًا فَيُعَارِضُهُ خَبَرُ الْوَاحِدِ وَالْجَوَابُ أَنَّ الطَّهَارَةَ شَرْطٌ بِالْإِجْمَاعِ وَقَوْلُهُ وَعَلَى الثَّانِي حَمَلَهُ أَبُو يُوسُفَ وَالشَّافِعِيُّ قُلْنَا نَعَمْ لَكِنْ مَعَ اشْتِرَاطِهِمَا الطَّهَارَةَ فِيهِ فَيَكُونُ قَطْعِيًّا فَلَا يُعَارِضُهُ خَبَرُ الْوَاحِدِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْحَصَى بِمَنْزِلَةِ الْأَرْضِ) قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة يُرِيدُ بِهِ إذَا كَانَ الْحَصَى فِي الْأَرْضِ فَأَمَّا إذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ لَا يَطْهُرُ. اهـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 رُفِعَ الْآجُرُّ عَنْ الْفَرْشِ هَلْ يَعُودُ نَجَسًا؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ، كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَسَيَأْتِي بَيَانُ الصَّحِيحِ فِي نَظَائِرِهِ وَأَطْلَقَ فِي الْيُبْسِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالشَّمْسِ كَمَا قَيَّدَهُ الْقُدُورِيُّ؛ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ بِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْعَادَةِ وَإِلَّا فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْجَفَافِ بِالشَّمْسِ وَالنَّارِ وَالرِّيحِ وَالظِّلِّ وَقَيَّدَ بِالْيُبْسِ؛ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ لَوْ كَانَتْ رَطْبَةً لَا تَطْهُرُ إلَّا بِالْغَسْلِ فَإِنْ كَانَتْ رَخْوَةً تَتَشَرَّبُ الْمَاءَ كُلَّمَا صُبَّ عَلَيْهَا فَإِنَّهُ يَصُبُّ عَلَيْهَا الْمَاءَ حَتَّى يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهَا طَهُرَتْ وَلَا تَوْقِيتَ فِي ذَلِكَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَصُبُّ بِحَيْثُ لَوْ كَانَتْ هَذِهِ النَّجَاسَةُ فِي الثَّوْبِ طَهُرَ وَاسْتَحْسَنَ هَذَا صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ، وَإِنْ كَانَتْ صُلْبَةً إنْ كَانَتْ مُنْحَدِرَةً حَفَرَ فِي أَسْفَلِهَا حَفِيرَةً وَصَبَّ عَلَيْهَا الْمَاءَ فَإِذَا اجْتَمَعَ فِي تِلْكَ الْحَفِيرَةِ كَبَسَهَا أَعْنِي الْحَفِيرَةَ الَّتِي فِيهَا الْغُسَالَةُ، وَإِنْ كَانَتْ صُلْبَةً مُسْتَوِيَةً فَلَا يُمْكِنُ الْغَسْلُ بَلْ يَحْفِرُ لِيَجْعَلَ أَعْلَاهُ فِي أَسْفَلِهِ وَأَسْفَلَهُ فِي أَعْلَاهُ، وَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ مُجَصَّصَةً قَالَ فِي الْوَاقِعَاتِ يَصُبُّ عَلَيْهَا الْمَاءَ، ثُمَّ يُدَلِّكُهَا وَيُنَشِّفُهَا بِخِرْقَةٍ أَوْ صُوفَةٍ ثَلَاثًا فَتَطْهُرُ جَعَلَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ غَسْلِ الثَّوْبِ فِي الْإِجَّانَةِ وَالتَّنْشِيفُ بِمَنْزِلَةِ الْعَصْرِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ وَلَكِنْ صَبَّ عَلَيْهَا الْمَاءَ كَثِيرًا حَتَّى زَالَتْ النَّجَاسَةُ وَلَمْ يُوجَدْ لَهَا لَوْنٌ وَلَا رِيحٌ، ثُمَّ تَرَكَهَا حَتَّى نَشَفَتْ طَهُرَتْ، كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُحِيطِ وَقَيَّدَ بِذَهَابِ الْأَثَرِ الَّذِي هُوَ الطَّعْمُ وَاللَّوْنُ وَالرِّيحُ؛ لِأَنَّهَا لَوْ جَفَّتْ وَذَهَبَ أَثَرُهَا بِالرُّؤْيَةِ وَكَانَ إذَا وَضَعَ أَنْفَهُ شَمَّ الرَّائِحَةَ لَمْ تَجُزْ الصَّلَاةُ عَلَى مَكَانِهَا، كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَفِي الْفَتَاوَى إذَا احْتَرَقَتْ الْأَرْضُ بِالنَّارِ فَتَيَمَّمَ بِذَلِكَ التُّرَابِ قِيلَ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ وَالْأَصَحُّ الْجَوَازُ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَا حُكِمَ بِطَهَارَتِهِ بِمُطَهَّرٍ غَيْرِ الْمَائِعَاتِ إذَا أَصَابَهُ مَاءٌ هَلْ يَعُودُ نَجَسًا فَذَكَرَ الشَّارِحُ الزَّيْلَعِيُّ أَنَّ فِيهَا رِوَايَتَيْنِ وَأَنَّ أَظْهَرَهُمَا أَنَّ النَّجَاسَةَ تَعُودُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ النَّجَاسَةَ قَلَّتْ وَلَمْ تَزُلْ وَحَكَى خَمْسَ مَسَائِلَ الْمَنِيَّ إذَا فُرِكَ وَالْخُفَّ إذَا دُلِّكَ وَالْأَرْضَ إذَا جَفَّتْ مَعَ ذَهَابِ الْأَثَرِ وَجِلْدَ الْمَيْتَةِ إذَا دُبِغَ دِبَاغًا حُكْمِيًّا بِالتَّتْرِيبِ وَالتَّشْمِيسِ وَالْبِئْرَ إذَا غَارَ مَاؤُهَا، ثُمَّ عَادَ، وَقَدْ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ فِي بَعْضِهَا وَلَا بَأْسَ بِسَوْقِ عِبَارَاتِهِمْ، فَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْمَنِيِّ فَقَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَعُودُ نَجَسًا وَفِي الْخُلَاصَةِ الْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يَعُودُ نَجَسًا، وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْخُفِّ فَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ هُوَ كَالْمَنِيِّ فِي الثَّوْبِ يَعْنِي الْمُخْتَارُ عَدَمُ الْعَوْدِ وَقَالَ الْحَدَّادِيُّ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَعُودُ نَجَسًا، وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْأَرْضِ فَقَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ الصَّحِيحُ أَنَّهَا لَا تَعُودُ نَجِسَةً وَقَالَ فِي الْمُجْتَبَى الصَّحِيحُ عَدَمُ عَوْدِ النَّجَاسَةِ وَفِي الْخُلَاصَةِ بَعْدَمَا ذَكَرَ أَنَّ الْمُخْتَارَ عَدَمُ نَجَاسَةِ الثَّوْبِ مِنْ الْمَنِيِّ إذَا أَصَابَهُ الْمَاءُ بَعْدَ الْفَرْكِ قَالَ وَكَذَا الْأَرْضُ عَلَى الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ وَأَمَّا مَسْأَلَةُ جِلْدِ الْمَيْتَةِ إذَا دُبِغَ، ثُمَّ أَصَابَهُ الْمَاءُ فَأَفَادَ الشَّارِحُ أَنَّهَا عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ لَكِنْ الْمُتُونُ مُجْمِعَةٌ عَلَى الطَّهَارَةِ بِالدِّبَاغِ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ كُلُّ إهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ وَهُوَ يَقْتَضِي عَدَمَ عَوْدِهَا، وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْبِئْرِ إذَا غَارَ مَاؤُهَا، ثُمَّ عَادَ فَفِي الْخُلَاصَةِ لَا تَعُودُ نَجِسَةً وَعَزَاهُ إلَى الْأَصْلِ وَيُزَادُ عَلَى هَذِهِ الْخَمْسَةِ الْآجُرَّةُ الْمَفْرُوشَةُ إذَا تَنَجَّسَتْ فَجَفَّتْ، ثُمَّ قُلِعَتْ فَعَلَى الرِّوَايَتَيْنِ وَفِي الْخُلَاصَةِ الْمُخْتَارُ عَدَمُ الْعَوْدِ وَيُزَادُ السِّكِّينُ إذَا مُسِحَتْ فَعَلَى الرِّوَايَتَيْنِ وَقَالَ السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ اخْتَارَ الْقُدُورِيُّ عَوْدَ النَّجَاسَةِ وَاخْتَارَ الْإِسْبِيجَابِيُّ عَدَمَ الْعَوْدِ وَفِي الْمُحِيطِ الْأَرْضُ إذَا أَصَابَتْهَا النَّجَاسَةُ فَيَبِسَتْ وَذَهَبَ أَثَرُهَا ثُمَّ أَصَابَهَا الْمَاءُ وَالْمَنِيُّ إذَا فُرِكَ وَالْخُفُّ إذَا دُلِّكَ وَالْجُبُّ إذَا غَارَ مَاؤُهَا، ثُمَّ عَادَ فِيهِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ يَعُودُ نَجِسًا وَهُوَ الْأَصَحُّ. اهـ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّصْحِيحَ وَالِاخْتِيَارَ قَدْ اخْتَلَفَ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ مِنْهَا كَمَا تَرَى فَالْأَوْلَى اعْتِبَارُ الطَّهَارَةِ فِي الْكُلِّ كَمَا يُفِيدُهُ أَصْحَابُ الْمُتُونِ حَيْثُ صَرَّحُوا بِالطَّهَارَةِ فِي كُلٍّ وَمُلَاقَاةُ الْمَاءِ الطَّاهِرِ لِلطَّاهِرِ لَا تُوجِبُ التَّنَجُّسَ، وَقَدْ اخْتَارَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فَإِنَّ مَنْ قَالَ بِالْعَوْدِ بَنَاهُ عَلَى أَنَّ النَّجَاسَةَ لَمْ تَزُلْ وَإِنَّمَا قَلَّتْ وَلَا يَرِدُ الْمُسْتَنْجِي بِالْحَجَرِ وَنَحْوِهِ إذَا دَخَلَ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ فَإِنَّهُمْ قَالُوا بِأَنَّهُ يُنَجِّسُهُ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْمَائِعِ لَمْ يُعْتَبَرْ مُطَهِّرًا فِي الْبَدَنِ إلَّا فِي الْمَنِيِّ   [منحة الخالق] وَفِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي الْحَصَى إذَا تَنَجَّسَتْ وَجَفَّتْ وَذَهَبَ أَثَرُهَا لَا يَطْهُرُ أَيْضًا إلَّا إذَا كَانَ مُتَدَاخِلًا فِي الْأَرْضِ. اهـ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ تَرَكَهَا حَتَّى نَشَفَتْ طَهُرَتْ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ بَعْدَ ذَلِكَ وَعَنْ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي مُطِيعٍ قَالَ لَوْ أَنَّ أَرْضًا أَصَابَهَا نَجَاسَةٌ فَصَبَّ عَلَيْهَا الْمَاءَ فَجَرَى عَلَيْهَا إلَى أَنْ أَخَذَتْ قَدْرَ ذِرَاعٍ مِنْ الْأَرْضِ طَهُرَتْ الْأَرْضُ وَالْمَاءُ طَاهِرٌ وَيَكُونُ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْمَاءِ الْجَارِي وَفِي الْمُنْتَقَى أَرْضٌ أَصَابَهَا بَوْلٌ أَوْ عَذِرَةٌ، ثُمَّ أَصَابَهَا الْمَطَرُ غَالِبًا، وَقَدْ جَرَى مَاؤُهُ عَلَيْهَا فَذَلِكَ مُطَهِّرٌ لَهَا وَإِنْ كَانَ الْمَطَرُ قَلِيلًا لَمْ يَجْرِ مَاؤُهُ عَلَيْهَا لَمْ تَطْهُرْ. اهـ. (قَوْلُهُ إلَّا فِي الْمَنِيِّ) أَيْ وَإِلَّا فِي الْمَحَاجِمِ وَمَحَلِّ الْفَصَادَةِ فَإِنَّ الْمَسْحَ فِيهَا كَالْغُسْلِ كَمَا مَرَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 وَجَوَازُ الِاسْتِنْجَاءِ بِغَيْرِ الْمَائِعَاتِ إنَّمَا هُوَ لِسُقُوطِ ذَلِكَ الْمِقْدَارِ عَفْوًا لَا لِطَهَارَةِ الْمَحَلِّ فَعَنْهُ أَخَذُوا كَوْنَ قَدْرِ الدِّرْهَمِ فِي النَّجَاسَاتِ عَفْوًا عَلَى أَنَّ الْمُخْتَارَ طَهَارَتُهُ أَيْضًا كَمَا سَنُبَيِّنُهُ فِي آخِرِ الْبَابِ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ ظَهَرَ إلَى هُنَا أَنَّ التَّطْهِيرَ يَكُونُ بِأَرْبَعَةِ أُمُورٍ بِالْغَسْلِ وَالدَّلْكِ وَالْجَفَافِ وَالْمَسْحِ فِي الصَّقِيلِ دُونَ مَاءٍ وَالْفَرْكُ يَدْخُلُ فِي الدَّلْكِ وَالْخَامِسُ مَسْحُ الْمَحَاجِمِ بِالْمَاءِ بِالْخِرَقِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَالسَّادِسُ النَّارُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْأَرْضِ إذَا احْتَرَقَتْ بِالنَّارِ وَالسَّابِعُ انْقِلَابُ الْعَيْنِ، فَإِنْ كَانَ فِي الْخَمْرِ فَلَا خِلَافَ فِي الطَّهَارَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِهِ كَالْخِنْزِيرِ وَالْمَيْتَةِ تَقَعُ فِي الْمُمَلَّحَةِ فَتَصِيرُ مِلْحًا يُؤْكَلُ وَالسِّرْقِينُ وَالْعَذِرَةُ تَحْتَرِقُ فَتَصِيرُ رَمَادًا تَطْهُرُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَضَمَّ إلَى مُحَمَّدٍ أَبَا حَنِيفَةَ فِي الْمُحِيطِ وَكَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخ اخْتَارُوا قَوْلَ مُحَمَّدٍ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّهُ الْمُخْتَارُ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ رَتَّبَ وَصْفَ النَّجَاسَةِ عَلَى تِلْكَ الْحَقِيقَةِ وَتَنْتَفِي الْحَقِيقَةُ بِانْتِفَاءِ بَعْضِ أَجْزَاءِ مَفْهُومِهَا فَكَيْفَ بِالْكُلِّ فَإِنَّ الْمِلْحَ غَيْرُ الْعَظْمِ وَاللَّحْمِ فَإِذَا صَارَ مِلْحًا تَرَتَّبَ حُكْمُ الْمِلْحِ وَنَظِيرُهُ فِي الشَّرْعِ النُّطْفَةُ نَجِسَةٌ وَتَصِيرُ عَلَقَةً وَهِيَ نَجِسَةٌ وَتَصِيرُ مُضْغَةً فَتَطْهُرُ وَالْعَصِيرُ طَاهِرٌ فَيَصِيرُ خَمْرًا فَيُنَجَّسُ وَيَصِيرُ خَلًّا فَيَطْهُرُ فَعَرَفْنَا أَنَّ اسْتِحَالَةَ الْعَيْنِ تَسْتَتْبِعُ زَوَالَ الْوَصْفِ الْمُرَتَّبِ عَلَيْهَا وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فَرَّعُوا الْحُكْمَ بِطَهَارَةِ صَابُونٍ صُنِعَ مِنْ زَيْتٍ نَجَسٍ اهـ. وَفِي الْمُجْتَبَى جَعْلُ الدُّهْنِ النَّجَسُ فِي صَابُونٍ يُفْتَى بِطَهَارَتِهِ؛ لِأَنَّهُ تَغَيَّرَ وَالتَّغْيِيرُ يُطَهِّرُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَيُفْتَى بِهِ لِلْبَلْوَى وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَرَمَادُ السِّرْقِينِ طَاهِرٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ عَكْسُ الْخِلَافِ الْمَنْقُولِ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الرَّمَادَ طَاهِرٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ نَجَسٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ كَمَا لَا يَخْفَى وَفِيهَا أَيْضًا الْعَذِرَاتُ إذَا دُفِنَتْ فِي مَوْضِعٍ حَتَّى صَارَتْ تُرَابًا قِيلَ تَطْهُرُ كَالْحِمَارِ الْمَيِّتِ إذَا وَقَعَ فِي الْمَمْلَحَةِ فَصَارَ مِلْحًا يَطْهُرُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَفِي الْخُلَاصَةِ فَارَةٌ وَقَعَتْ فِي دُنِّ خَمْرٍ فَصَارَ خَلًّا يَطْهُرُ إذَا رَمَى بِالْفَأْرَةِ قَبْلَ التَّخَلُّلِ وَإِنْ تَفَسَّخَتْ الْفَأْرَةُ فِيهَا لَا يُبَاحُ، وَلَوْ وَقَعَتْ الْفَأْرَةُ فِي الْعَصِيرِ ثُمَّ تَخَمَّرَ الْعَصِيرُ ثُمَّ تَخَلَّلَ وَهُوَ لَا يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ وَقَعَتْ فِي الْخَمْرِ هُوَ الْمُخْتَارُ وَكَذَا لَوْ وَلَغَ الْكَلْبُ فِي الْعَصِيرِ، ثُمَّ تَخَمَّرَ، ثُمَّ تَخَلَّلَ لَا يَطْهُرُ اهـ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ إذَا صُبَّ الْمَاءُ فِي الْخَمْرِ، ثُمَّ صَارَتْ الْخَمْرُ خَلًّا تَطْهُرُ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَأَدْخَلَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ التَّطْهِيرَ بِالنَّارِ فِي الِاسْتِحَالَةِ وَلَا مُلَازَمَةَ بَيْنَهُمَا فَإِنَّهُ لَوْ أَحْرَقَ مَوْضِعَ الدَّمِ مِنْ رَأْسِ الشَّاةِ وَالتَّنُّورُ إذَا رُشَّ بِمَاءٍ نَجَسٍ لَا بَأْسَ بِالْخَبْزِ فِيهِ، كَذَا فِي الْمُجْتَبَى وَكَذَا الطِّينُ النَّجَسُ إذَا جَعَلَ مِنْهُ الْكُوزُ أَوْ الْقِدْرُ وَجُعِلَ فِي النَّارِ يَكُونُ طَاهِرًا، كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَالثَّامِنُ الدِّبَاغُ وَقَدْ مَرَّ، وَالتَّاسِعُ الذَّكَاةُ فَكُلُّ حَيَوَانٍ يَطْهُرُ جِلْدُهُ بِالدِّبَاغِ يَطْهُرُ بِالذَّكَاةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَالْعَاشِرُ النَّزْحُ فِي الْآبَارِ كَمَا بَيَّنَّاهُ فَظَهَرَ بِهَذَا أَنَّ الْمُطَهِّرَاتِ عَشَرَةٌ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمُجْتَبَى نَاقِلًا عَنْ صَلَاةِ الْجَلَّابِيِّ. (قَوْلُهُ: وَعُفِيَ قَدْرُ الدِّرْهَمِ كَعَرْضِ الْكَفِّ مِنْ نَجَسٍ مُغَلَّظٍ كَالدَّمِ وَالْبَوْلِ وَالْخَمْرِ وَخُرْءِ الدَّجَاجِ وَبَوْلِ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَالرَّوْثُ وَالْخِثْيُ) ؛ لِأَنَّ مَا لَا يَأْخُذُهُ الطَّرَفُ كَوَقْعِ الذُّبَابِ مَخْصُوصٌ مِنْ نَصِّ التَّطَهُّرِ اتِّفَاقًا فَيَخُصُّ أَيْضًا قَدْرَ الدِّرْهَمِ بِنَصِّ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ؛ لِأَنَّ مَحَلَّهُ قَدْرُهُ وَلَمْ يَكُنْ الْحَجَرُ مُطَهِّرًا حَتَّى لَوْ دَخَلَ فِي قَلِيلِ مَاءٍ نَجَّسَهُ أَوْ بِدَلَالَةِ الْإِجْمَاعِ عَلَيْهِ وَالْمُعْتَبَرُ وَقْتُ الْإِصَابَةِ فَلَوْ كَانَ دُهْنًا نَجِسًا قَدْرَ دِرْهَمٍ فَانْفَرَشَ فَصَارَ أَكْثَرَ مِنْهُ لَا يَمْنَعُ فِي اخْتِيَارِ الْمَرْغِينَانِيِّ وَجَمَاعَةٍ وَمُخْتَارُ غَيْرِهِمْ الْمَنْعُ فَلَوْ صَلَّى قَبْلَ اتِّسَاعِهِ جَازَتْ وَبَعْدَهُ لَا وَبِهِ أَخَذَ الْأَكْثَرُونَ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَلَا يُعْتَبَرُ نُفُوذُ الْمِقْدَارِ إلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ إذَا كَانَ الثَّوْبُ وَاحِدًا؛ لِأَنَّ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَنَظِيرُهُ فِي الشَّرْعِ النُّطْفَةُ إلَخْ) مُخَالِفٌ لِمَا مَرَّ فِي مَسْأَلَةِ فَرْكِ الْمَنِيِّ فَتَأَمَّلْ، ثُمَّ رَأَيْت بَعْضَ الْفُضَلَاءِ ذَكَرَ مَا نَصُّهُ فِيهِ نَظَرٌ لِمَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّ الْمَسْعُودِيَّ أَشَارَ إلَى أَنَّ الْعَلَقَةَ وَالْمُضْغَةَ نَجِسَتَانِ كَالْمَنِيِّ، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي النِّهَايَةِ وَالتَّبْيِينِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ عَنْ الْبَحْرِ وَالْعَجَبُ مِنْ صَاحِبِ الْبَحْرِ فَإِنَّهُ جَزَمَ هُنَاكَ بِأَنَّ الْمُضْغَةَ نَجِسَةٌ وَنَقَلَ هُنَا عَنْ الْفَتْحِ أَنَّهَا طَاهِرَةٌ وَأَقَرَّهُ وَتَبِعَهُ صَاحِبُ الْمِنَحِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ وَلَا يَخْفَى مَا فِي ذَلِكَ مِنْ التَّنَاقُضِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا نَجِسَةٌ لِتَصْرِيحِ النِّهَايَةِ وَالتَّبْيِينِ بِذَلِكَ وَلِمَا تَقَدَّمَ فِي النِّفَاسِ عَنْ الْخُلَاصَةِ أَنَّ السِّقْطَ إذَا لَمْ يَسْتَبِنْ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِهِ لَا عِبْرَةَ لَهُ أَصْلًا وَهُوَ كَالدَّمِ. اهـ. فَإِنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنْ غَيْرِ الْمُسْتَبِينِ الْخَلْقِ أَنْ يَكُونَ مُضْغَةً غَيْرَ مُخَلَّقَةٍ، وَقَدْ ذَكَرَ أَنَّ حُكْمَهَا كَالدَّمِ يَعْنِي أَنَّهَا لَمْ تَخْرُجْ عَنْ حَقِيقَةِ الدَّمِ كَالنُّطْفَةِ وَالْعَلَقَةِ وَهُمَا نَجِسَتَانِ فَتَكُونُ الْمُضْغَةُ نَجِسَةً فَلْيُتَأَمَّلْ، ثُمَّ ظَهَرَ لِي أَنَّهُ يُمْكِنُ دَفْعُ التَّنَاقُضِ بِأَنْ يُحْمَلَ الْقَوْلُ بِالنَّجَاسَةِ عَلَى الْمُضْغَةِ الْغَيْرِ الْمُخَلَّقَةِ أَيْ الَّتِي لَمْ تُنْفَخْ فِيهَا الرُّوحُ وَالْقَوْلُ بِالطَّهَارَةِ عَلَى الْمُضْغَةِ الْمُخَلَّقَةِ أَيْ الَّتِي نُفِخَ فِيهَا الرُّوحُ لِمَا نَقَلْنَاهُ فِي النِّفَاسِ عَنْ أَهْلِ التَّفْسِيرِ مِنْ أَنَّهُمْ قَالُوا فِي قَوْله تَعَالَى {ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ} [الحج: 5] أَنَّ التَّخْلِيقَ بِنَفْخِ الرُّوحِ فَالْمُخَلَّقَةُ مَا نُفِخَ فِيهَا الرُّوحُ وَغَيْرُ الْمُخَلَّقَةِ مَا لَمْ يُنْفَخْ فِيهَا الرُّوحُ وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَدَّ نَفْخُ الرُّوحِ مِنْ الْمُطَهِّرَاتِ كَمَا لَا يَخْفَى. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ اهـ. (قَوْلُهُ: لَا يَمْنَعُ) قَالَ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَبِهِ يُفْتَى لَكِنْ فِي الْمُنْيَةِ وَشَرْحِهَا وَبِهِ أَيْ بِالْقَوْلِ الثَّانِي يُؤْخَذُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 النَّجَاسَةَ حِينَئِذٍ وَاحِدَةٌ فِي الْجَانِبَيْنِ فَلَا يُعْتَبَرُ مُتَعَدِّدًا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ ذَا طَاقَيْنِ لِتَعَدُّدِهَا فَيَمْنَعُ وَعَنْ هَذَا فُرِّعَ الْمَنْعُ لَوْ صَلَّى مَعَ دِرْهَمٍ مُتَنَجِّسِ الْوَجْهَيْنِ لِوُجُودِ الْفَاصِلِ بَيْنَ وَجْهِهِ وَهُوَ جَوَاهِرُ سُمْكِهِ وَلِأَنَّهُ مِمَّا لَا يَنْفُذُ نَفْسُ مَا فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ فِيهِ فَلَمْ تَكُنْ النَّجَاسَةُ مُتَّحِدَةً فِيهِمَا، ثُمَّ إنَّمَا يُعْتَبَرُ الْمَانِعُ مُضَافًا إلَيْهِ فَلَوْ جَلَسَ الصَّبِيُّ الْمُتَنَجِّسُ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ فِي حِجْرِ الْمُصَلِّي وَهُوَ يَسْتَمْسِكُ أَوْ الْحَمَامُ الْمُتَنَجِّسُ عَلَى رَأْسِهِ جَازَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَسْتَعْمِلُهُ فَلَمْ يَكُنْ حَامِلَ النَّجَاسَةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ حَمَلَ مَنْ لَا يَسْتَمْسِكُ حَيْثُ يَصِيرُ مُضَافًا إلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَوْ حَمَلَ مَيِّتًا إنْ كَانَ كَافِرًا لَا يَصِحُّ مُطْلَقًا، وَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا لَمْ يُغَسَّلْ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ غُسِّلَ، فَإِنْ اسْتَهَلَّ صَحَّتْ وَإِلَّا فَلَا، وَمُرَادُهُ مِنْ الْعَفْوِ صِحَّةُ الصَّلَاةِ بِدُونِ إزَالَتِهِ لَا عَدَمُ الْكَرَاهَةِ لِمَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَغَيْرِهِ إنْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ قَدْرَ الدِّرْهَمِ تُكْرَهُ الصَّلَاةُ مَعَهَا إجْمَاعًا، وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ وَقَدْ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ نُظِرَ إنْ كَانَ فِي الْوَقْتِ سَعَةٌ فَالْأَفْضَلُ إزَالَتُهَا وَاسْتِقْبَالُ الصَّلَاةِ، وَإِنْ كَانَتْ تَفُوتُهُ الْجَمَاعَةُ، فَإِنْ كَانَ يَجِدُ الْمَاءَ وَيَجِدُ جَمَاعَةً آخَرِينَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فَكَذَلِكَ أَيْضًا لِيَكُونَ مُؤَدِّيًا لِلصَّلَاةِ الْجَائِزَةِ بِيَقِينٍ، وَإِنْ كَانَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ أَوْ لَا يُدْرِكُ الْجَمَاعَةَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ يَمْضِي عَلَى صَلَاتِهِ وَلَا يَقْطَعُهَا. اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَحْرِيمِيَّةٌ لِتَجْوِيزِهِمْ رَفْضَ الصَّلَاةِ لِأَجْلِهَا وَلَا تُرْفَضُ لِأَجْلِ الْمَكْرُوهِ تَنْزِيهًا وَسَوَّى فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بَيْنَ الدِّرْهَمِ وَمَا دُونَهُ فِي الْكَرَاهَةِ وَرَفَضِ الصَّلَاةِ، وَكَذَا فِي النِّهَايَةِ وَالْمُحِيطِ وَفِي الْخُلَاصَةِ مَا يَقْتَضِي الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا فَإِنَّهُ قَالَ: وَقَدْرُ الدِّرْهَمِ لَا يَمْنَعُ وَيَكُونُ مُسِيئًا، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَغْسِلَهَا وَلَا يَكُونُ مُسِيئًا اهـ. وَأَرَادَ بِالدِّرْهَمِ الْمِثْقَالَ الَّذِي وَزْنُهُ عِشْرُونَ قِيرَاطًا وَعَنْ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي كُلِّ زَمَانٍ دِرْهَمُهُ وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ، كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ كَعَرْضِ الْكَفِّ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ بَسْطُ الدِّرْهَمِ مِنْ حَيْثُ الْمِسَاحَةُ وَهُوَ قَدْرُ عَرْضِ الْكَفِّ وَصَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا وَقِيلَ مِنْ حَيْثُ الْوَزْنُ وَالْمُصَنِّفُ فِي كَافِيهِ وَوَفَّقَ الْهِنْدُوَانِيُّ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ رِوَايَةَ الْمِسَاحَةِ فِي الرَّقِيقِ كَالْبَوْلِ وَرِوَايَةَ الْوَزْنِ فِي الثَّخِينِ وَاخْتَارَ هَذَا التَّوْفِيقَ كَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ وَفِي الْبَدَائِعِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ مَشَايِخِ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ وَصَحَّحَهُ الشَّارِحُ الزَّيْلَعِيُّ وَصَاحِبُ الْمُجْتَبَى وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ؛ لِأَنَّ إعْمَالَ الرِّوَايَتَيْنِ إذَا أَمْكَنَ أَوْلَى خُصُوصًا مَعَ مُنَاسَبَةِ هَذَا التَّوْزِيعِ. وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سُئِلَ عَنْ قَلِيلِ النَّجَاسَةِ فِي الثَّوْبِ فَقَالَ إذَا كَانَ مِثْلَ ظُفْرِي هَذَا لَا يَمْنَعُ جَوَازَ الصَّلَاةِ حَتَّى يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْهُ وَظُفْرُهُ كَانَ مِثْلُ الْمِثْقَالِ، كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَقَالَ النَّخَعِيّ أَرَادُوا أَنْ يَقُولُوا مِقْدَارُ الْمَقْعَدَةِ فَاسْتَقْبَحُوا ذَلِكَ وَقَالُوا مِقْدَارُ الدِّرْهَمِ وَالْمُرَادُ بِعَرْضِ الْكَفِّ مَا وَرَاء مَفَاصِلِ الْأَصَابِعِ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَكُلٌّ مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ خِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ صَرِيحًا أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الدِّرْهَمِ مِنْ حَيْثُ الْعَرْضُ أَوْ الْوَزْنُ، وَإِنَّمَا رَجَّحَ فِي الْهِدَايَةِ رِوَايَةَ الْعَرْضِ؛ لِأَنَّهَا صَرِيحَةٌ فِي النَّوَادِرِ وَرِوَايَةُ الْوَزْنِ لَيْسَتْ صَرِيحَةً إنَّمَا أُشِيرَ إلَيْهَا فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ حَيْثُ قَالَ الدِّرْهَمُ الْكَبِيرُ الْمِثْقَالِيُّ إلَيْهِ أَشَارَ فِي الْبَدَائِعِ وَلَمْ يُصَرِّحْ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِمَا يَثْبُتُ بِهِ التَّغْلِيظُ وَالتَّخْفِيفُ وَفِيهِ اخْتِلَافٌ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - التَّخْفِيفُ وَالتَّغْلِيظُ بِتَعَارُضِ النَّصَّيْنِ وَعَدَمِهِ وَقَالَا بِالِاخْتِلَافِ وَعَدَمِهِ، كَذَا فِي الْمَجْمَعِ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إنْ وَرَدَ نَصٌّ وَاحِدٌ بِنَجَاسَةِ شَيْءٍ فَهُوَ مُغَلَّظٌ، وَإِنْ تَعَارَضَ نَصَّانِ فِي طَهَارَتِهِ وَنَجَاسَتِهِ فَهُوَ مُخَفَّفٌ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا إنْ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى النَّجَاسَةِ فَهُوَ مُغَلَّظٌ، وَإِنْ اخْتَلَفُوا فَهُوَ مُخَفَّفٌ هَكَذَا تَوَارَدَتْ كَلِمَتُهُمْ وَزَادَ فِي الِاخْتِيَارِ فِي تَفْسِيرِ الْغَلِيظَةِ عِنْدَهُ وَلَا حَرَجَ فِي اجْتِنَابِهِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَمُرَادُهُ إلَخْ) أَيْ الْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَحْرِيمِيَّةٌ إلَخْ) أَقُولُ: إنْ كَانَ مُرَادُهُ الْكَرَاهَةَ فِي قَدْرِ الدِّرْهَمِ فَهُوَ مُسَلَّمٌ وَلَكِنْ لَا لِمَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّعْلِيلِ بَلْ لِإِطْلَاقِهِ لَهَا كَمَا هُوَ الْأَغْلَبُ حَيْثُ تَنْصَرِفُ إلَى التَّحْرِيمِيَّةِ وَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ الْكَرَاهَةَ مُطْلَقًا أَيْ وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ فَمَمْنُوعٌ بِالنَّظَرِ إلَى الثَّانِي بَلْ الْكَرَاهَةُ فِيهِ تَنْزِيهِيَّةٌ لِقَوْلِهِ فَالْأَفْضَلُ إزَالَتُهَا؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ عَدَمَ الْإِزَالَةِ فُضَيْلٍ وَلَا فَضِيلَةَ فِي الْمَكْرُوهِ تَحْرِيمًا وَلِذَا قَالَ فِي النَّهْرِ هَذَا مُسَلَّمٌ فِي الدِّرْهَمِ لَا فِيمَا دُونَهُ فَعِبَارَةُ السِّرَاجِ حِينَئِذٍ كَعِبَارَةِ الْخُلَاصَةِ وَفِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ إذَا كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ يُسْتَحَبُّ غَسْلُهَا وَإِنْ كَانَتْ قَدْرَ الدِّرْهَمِ يَجِبُ وَإِنْ زَادَ يُفْرَضُ. اهـ. وَذَكَرَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَنْ ابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ وَفِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا إذَا شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ فَرَأَى فِي ثَوْبِهِ نَجَاسَةً أَقَلَّ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ إنْ كَانَ مُقْتَدِيًا وَعَلِمَ أَنَّهُ لَوْ قَطَعَ الصَّلَاةَ وَغَسَلَ النَّجَاسَةَ يُدْرِكُ إمَامَهُ فِي الصَّلَاةِ أَوْ يُدْرِكُ جَمَاعَةً أُخْرَى فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فَإِنَّهُ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ وَيَغْسِلُ الثَّوْبَ؛ لِأَنَّهُ قَطَعَ لِلْإِكْمَالِ وَإِنْ كَانَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ أَوْ لَا يُدْرِكُ جَمَاعَةً أُخْرَى فَلَا. اهـ. وَغَيْرُ خَافٍ أَنَّ هَذَا الْقَطْعَ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِحْبَابِ لَا عَلَى سَبِيلِ الْإِيجَابِ. اهـ. وَبِهِ يَظْهَرُ مَا فِي قَوْلِهِ وَلَا تُرْفَضُ لِأَجْلِ الْمَكْرُوهِ تَنْزِيهًا فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ وَالْمُصَنِّفُ فِي كَافِيهِ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا مَوْجُودَةٌ عَقِبَ قَوْلِهِ وَصَحَّحَهُ الشَّارِحُ الزَّيْلَعِيُّ. (قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِعَرْضِ الْكَفِّ إلَخْ) قَالَ مُنْلَا مِسْكِينٌ وَطَرِيقُ مَعْرِفَتِهِ أَنْ تَغْرِفَ الْمَاءَ بِالْيَدِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 وَفِي تَفْسِيرِهَا عِنْدَهُمَا وَلَا بَلْوَى فِي إصَابَتِهِ فَظَهَرَ بِهِ أَنَّ عِنْدَهُ كَمَا يَكُونُ التَّخْفِيفُ بِالتَّعَارُضِ يَكُونُ بِعُمُومِ الْبَلْوَى بِالنِّسْبَةِ إلَى جِنْسِ الْمُكَلَّفِينَ، وَإِنْ وَرَدَ نَصٌّ وَاحِدٌ فِي نَجَاسَتِهِ مِنْ غَيْرِ مُعَارِضٍ وَكَذَا عِنْدَهُمَا كَمَا يَكُونُ التَّخْفِيفُ بِالِاخْتِلَافِ يَكُونُ أَيْضًا بِعُمُومِ الْبَلْوَى فِي إصَابَتِهِ وَإِنْ وَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَى النَّجَاسَةِ فَيَقَعُ الِاتِّفَاقُ عَلَى صِدْقِ الْقَضِيَّةِ الْمَشْهُورَةِ الْمَنْقُولَةِ فِي الْكَافِي وَهِيَ أَنَّ مَا عَمَّتْ بَلِيَّتُهُ خَفَّتْ قَضِيَّتُهُ نَعَمْ قَدْ يَقَعُ النِّزَاعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا فِي وُجُودِ هَذَا الْمَعْنَى فِي بَعْضِ الْأَعْيَانِ فَيَخْتَلِفُ الْجَوَابُ بِسَبَبِ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ إذَا كَانَ النَّصُّ الْوَارِدُ فِي نَجَاسَةِ شَيْءٍ يُضْعِفُ حُكْمَهُ بِمُخَالَفَةِ الِاجْتِهَادِ عِنْدَهُمَا فَيَثْبُتُ بِهِ التَّخْفِيفُ فَضَعْفُهُ بِمَا إذَا وَرَدَ نَصٌّ آخَرُ يُخَالِفُهُ يَكُونُ بِطَرِيقِ أَوْلَى فَيَكُونُ حِينَئِذٍ التَّخْفِيفُ بِتَعَارُضِ النَّصَّيْنِ اتِّفَاقًا، وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ الِاخْتِلَافُ فِي ثُبُوتِ التَّخْفِيفِ بِالِاخْتِلَافِ فَعِنْدَهُ لَا يَثْبُتُ وَعِنْدَهُمَا يَثْبُتُ وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي قَالَ وَكَأَنَّ مَنْ هُنَا - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - قَالَ فِي الْكَافِي وَلَا يَظْهَرُ الِاخْتِلَافُ فِي غَيْرِ الرَّوْثِ وَالْخِثْيِ لِثُبُوتِ الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ مَعَ فَقْدِ تَعَارُضِ النَّصَّيْنِ، ثُمَّ عَلَى طَرْدِ أَنَّهُ يَثْبُتُ التَّخْفِيفُ عِنْدَهُمَا بِالتَّعَارُضِ كَمَا بِاخْتِلَافِ الْمُجْتَهِدِينَ تَقَعُ الْحَاجَةُ إلَى الِاعْتِذَارِ لِمُحَمَّدٍ عَنْ قَوْلِهِ بِطَهَارَةِ بَوْلِ الْحَيَوَانِ الْمَأْكُولِ، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ الْمُرَادَ بِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ الْمُقْتَضِي لِلتَّخْفِيفِ عِنْدَهُمَا الْخِلَافُ الْمُسْتَقَرُّ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ الْمَاضِينَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ قَبْلَ وُجُودِهِمَا أَوْ الْكَائِنِينَ فِي عَصْرِهِمَا لَا مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ اهـ. وَأَوْرَدَ بَعْضُهُمْ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ سُؤْرَ الْحِمَارِ فَإِنَّ تَعَارُضَ النَّصَّيْنِ قَدْ وُجِدَ فِيهِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِالنَّجَاسَةِ أَصْلًا وَعَلَى قَوْلِهِمَا الْمَنِيُّ فَإِنَّهُ مُغَلَّظٌ اتِّفَاقًا مَعَ وُجُودِ الِاخْتِلَافِ وَفِي الْكَافِي وَخِفَّةُ النَّجَاسَةِ تَظْهَرُ فِي الثِّيَابِ لَا فِي الْمَاءِ. اهـ. وَالْبَدَنُ كَالثِّيَابِ وَأَرَادَ بِالدَّمِ الدَّمَ الْمَسْفُوحَ غَيْرَ دَمِ الشَّهِيدِ فَخَرَجَ الدَّمُ الْبَاقِي فِي اللَّحْمِ الْمَهْزُولِ إذَا قُطِعَ وَالْبَاقِي فِي الْعُرُوقِ وَالدَّمُ الَّذِي فِي الْكَبِدِ الَّذِي يَكُونُ مَكْمَنًا فِيهِ لَا مَا كَانَ مِنْ غَيْرِهِ، وَأَمَّا دَمُ قَلْبِ الشَّاةِ فَفِي رَوْضَةِ النَّاطِفِيِّ أَنَّهُ طَاهِرٌ كَدَمِ الْكَبِدِ وَالطِّحَالِ وَفِي الْقُنْيَةِ أَنَّهُ نَجَسٌ وَقِيلَ طَاهِرٌ وَخَرَجَ الدَّمُ الَّذِي لَمْ يَسِلْ مِنْ بَدَنِ الْإِنْسَانِ كَمَا سَيَأْتِي وَدَمُ الْبَقِّ وَالْبَرَاغِيثِ وَالْقَمْلِ، وَإِنْ كَثُرَ وَدَمُ السَّمَكِ عَلَى مَا سَيَأْتِي وَدَخَلَ دَمُ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَالِاسْتِحَاضَةِ وَكُلُّ دَمٍ أَوْجَبَ الْوُضُوءَ أَوْ الْغُسْلَ وَدَمُ الْحَلَمَةِ وَالْوَزَغِ وَقَيَّدَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ بِأَنْ يَكُونَ سَائِلًا وَفِي الْمُحِيطِ وَدَمُ الْحَلَمَةِ نَجَسٌ وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ قُرَادٌ وَحَمْنَانَةٌ وَحَمَلَةٌ فَالْقُرَادُ أَصْغَرُ أَنْوَاعِهِ وَالْحَمْنَانَةُ أَوْسَطُهَا وَلَيْسَ لَهُمَا دَمٌ سَائِلٌ وَالْحَلَمَةُ أَكْبَرُهَا وَلَهَا دَمٌ سَائِلٌ وَدَمُ كُلِّ عِرْقٍ نَجَسٌ وَكَذَا الدَّمُ السَّائِلُ مِنْ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ. وَأَمَّا دَمُ الشَّهِيدِ فَهُوَ طَاهِرٌ مَا دَامَ عَلَيْهِ فَإِذَا أُبِينَ مِنْهُ كَانَ نَجِسًا، كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ حَتَّى لَوْ حَمَلَهُ مُلَطَّخًا بِهِ فِي الصَّلَاةِ صَحَّتْ وَأَرَادَ بِالْبَوْلِ كُلَّ بَوْلٍ سَوَاءٌ كَانَ بَوْلَ آدَمِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ إلَّا بَوْلَ الْخُفَّاشِ فَإِنَّهُ طَاهِرٌ كَمَا سَيَأْتِي وَإِلَّا بَوْلَ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ فَإِنَّهُ سَيُصَرِّحُ بِتَخْفِيفِهِ وَأَطْلَقَهُ فَشَمَلَ بَوْلَ الصَّغِيرِ الَّذِي لَمْ يَطْعَمْ وَشَمَلَ بَوْلَ الْهِرَّةِ وَالْفَأْرَةِ وَفِيهِ اخْتِلَافٌ فَفِي الْبَزَّازِيَّةِ بَوْلُ الْهِرَّةِ أَوْ الْفَأْرَةِ إذَا أَصَابَ الثَّوْبَ لَا يُفْسِدُ وَقِيلَ إنْ زَادَ عَلَى قَدْرِ الدِّرْهَمِ أَفْسَدَ وَهُوَ الظَّاهِرُ. اهـ. وَفِي الْخُلَاصَةِ إذَا بَالَتْ الْهِرَّةُ فِي الْإِنَاءِ أَوْ عَلَى الثَّوْبِ تَنَجَّسَ وَكَذَا بَوْلُ الْفَأْرَةِ وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ يَنْجُسُ الْإِنَاءُ دُونَ الثَّوْبِ. اهـ. وَهُوَ حَسَنٌ لِعَادَةِ تَخْمِيرِ الْأَوَانِي كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي الْمُحِيطِ وَخُرْءُ الْفَأْرَةِ وَبَوْلُهَا نَجَسٌ   [منحة الخالق] ثُمَّ تَبْسُطَ فَمَا بَقِيَ فَهُوَ مِقْدَارُ الْكَفِّ. (قَوْلُهُ: لِثُبُوتِ الْخِلَافِ إلَخْ) أَيْ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ (قَوْلُهُ وَدَمُ الْبَقِّ وَالْبَرَاغِيثِ) وَعَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ عَنْ دَمِ الْبَقِّ فَقَالَ لَهُ مِنْ أَيْنَ أَنْتَ قَالَ مِنْ الشَّامِ فَقَالَ اُنْظُرُوا إلَى قِلَّةِ حَيَاءِ هَذَا الرَّجُلِ فَإِنَّهُ مِنْ قَوْمٍ أَرَاقُوا دَمَ ابْنِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ جَاءَنِي يَسْأَلُنِي عَنْ دَمِ الْبَقِّ فَعَدَّ الْحَسَنُ هَذَا السُّؤَالَ مِنْ التَّعَمُّقِ وَكَرِهَ لَهُ التَّكَلُّفَ لِمَا فِيهِ مِنْ حَرَجِ النَّاسِ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «بُعِثْتُ بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّهْلَةِ وَلَمْ أُبْعَثْ بِالرَّهْبَانِيَّةِ الصَّعْبَةِ» اهـ. مَا فِي النِّهَايَةِ فَرَائِدُ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا دَمُ الشَّهِيدِ فَهُوَ طَاهِرٌ إلَخْ) قَالَ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ؛ لِأَنَّ دَمَ الشَّهِيدِ مَا دَامَ عَلَيْهِ مَحْكُومٌ بِطَهَارَتِهِ لِضَرُورَةِ جَوَازِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ مَعَ قِيَامِ الدَّمِ بِخِلَافِ مَا لَوْ انْفَصَلَ الدَّمُ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَكُونُ نَجَسًا حَتَّى لَوْ أَصَابَ ثَوْبَ إنْسَانٍ أَكْبَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُ لِانْعِدَامِ الضَّرُورَةِ حِينَئِذٍ فَلَمْ يَسْقُطْ اعْتِبَارُ نَجَاسَتِهِ ذَكَرَهُ رَضِيُّ الدِّينِ فِي الْمُحِيطِ، ثُمَّ قَالَ فِي أَثْنَاءِ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي بَعْدَهَا قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ غَفَرَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ وَاعْلَمْ أَنَّ النَّظَرَ إلَى مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْمُحِيطِ مِنْ التَّعْلِيلِ لِجَوَازِ صَلَاةِ حَامِلِ الشَّهِيدِ الْمُتَلَطِّخِ بِدِمَائِهِ الزَّائِدِ عَلَى قَدْرِ الدِّرْهَمِ يُفِيدُ جَوَازَ صَلَاةِ حَامِلِ الْمُسْلِمِ الْمَيِّتِ الْمَغْسُولِ الَّذِي لَيْسَ بِشَهِيدٍ، وَقَدْ أَصَابَتْهُ نَجَاسَةٌ غَلِيظَةٌ تَزِيدُ عَلَى قَدْرِ الدِّرْهَمِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ النَّجَاسَةَ الْمَذْكُورَةَ بِهِ لَا تَمْنَعُ جَوَازَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَحِينَئِذٍ فَوَضْعُ الْمَسْأَلَةِ فِي الشَّهِيدِ اتِّفَاقِيٌّ وَظَاهِرُ مَا فِي الْخُلَاصَةِ مِنْ مَسْأَلَةِ الرَّضِيعِ الْمَذْكُورَةِ يُفِيدُ عَامَّ جَوَازِ صَلَاةِ حَامِلِ الْمُسْلِمِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ أَوْجَهُ وَحِينَئِذٍ فَوَضْعُهُ فِي الشَّهِيدِ غَيْرُ اتِّفَاقِيٍّ وَيَحْتَاجُ إلَى تَعْلِيلٍ غَيْرِ الْمَذْكُورِ لَهَا إلَى آخِرِ مَا قَالَ الْحِلْيَةُ فَرَاجِعْهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ إلَى نَتْنٍ وَفَسَادٍ وَالِاحْتِرَازُ عَنْهُ مُمْكِنٌ فِي الْمَاءِ وَغَيْرُ مُمْكِنٍ فِي الطَّعَامِ وَالثِّيَابِ فَصَارَ مَعْفُوًّا فِيهِمَا. اهـ. وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِ أَبِي جَعْفَرٍ يَنْجُسُ الْإِنَاءُ أَيْ إنَاءَ الْمَاءِ لَا مُطْلَقَ الْإِنَاءِ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ بَوْلُ الْهِرَّةِ وَالْفَأْرَةِ وَخُرْؤُهُمَا نَجَسٌ فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَاتِ يُفْسِدُ الْمَاءَ وَالثَّوْبَ وَبَوْلُ الْخَفَافِيشِ وَخُرْؤُهَا لَا يُفْسِدُ لِتَعَذُّرِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ. اهـ. وَبِهَذَا كُلِّهِ ظَهَرَ أَنَّ مُرَادَ صَاحِبِ التَّجْنِيسِ بِنَقْلِ الِاتِّفَاقِ بِقَوْلِهِ بَالَ السِّنَّوْرُ فِي الْبِئْرِ نُزِحَ كُلُّهُ؛ لِأَنَّ بَوْلَهُ نَجَسٌ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ وَكَذَا لَوْ أَصَابَ الثَّوْبَ أَفْسَدَهُ اتِّفَاقُ الرِّوَايَاتِ الظَّاهِرَةِ لَا مُطْلَقًا لِوُجُودِ الْخِلَافِ كَمَا عَلِمْت وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَبَوْلُ الْخَفَافِيشِ لَيْسَ بِنَجَسٍ لِلضَّرُورَةِ وَكَذَلِكَ بَوْلُ الْفَأْرَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ. اهـ. وَهُوَ صَرِيحٌ فِي نَفْيِ النَّجَاسَةِ، ثُمَّ قَالَ آخِرًا وَبَوْلُ الْهِرَّةِ نَجَسٌ إلَّا عَلَى قَوْلٍ شَاذٍّ وَفِيهَا أَيْضًا وَمَرَارَةُ كُلِّ شَيْءٍ كَبَوْلِهِ وَجِرَّةُ الْبَعِيرِ حُكْمُهَا حُكْمُ سِرْقِينِهِ؛ لِأَنَّهُ تَوَارَى فِي جَوْفِهِ وَالْجِرَّةُ بِالْكَسْرِ مَا يُخْرِجُهُ الْبَعِيرُ مِنْ جَوْفِهِ إلَى فَمِهِ فَيَأْكُلُهُ ثَانِيًا وَالسِّرْقِينُ الزِّبْلُ وَأَشَارَ بِالْبَوْلِ إلَى أَنَّ كُلَّ مَا يَخْرُجُ مِنْ بَدَنِ الْإِنْسَانِ مِمَّا يُوجِبُ خُرُوجُهُ الْوُضُوءَ أَوْ الْغُسْلَ فَهُوَ مُغَلَّظٌ كَالْغَائِطِ وَالْبَوْلِ وَالْمَنِيِّ وَالْمَذْيِ وَالْوَدْيِ وَالْقَيْحِ وَالصَّدِيدِ وَالْقَيْءِ إذَا مَلَأَ الْفَمَ، أَمَّا مَا دُونَهُ فَطَاهِرٌ عَلَى الصَّحِيحِ وَقَيَّدَ بِالْخَمْرِ؛ لِأَنَّ بَقِيَّةَ الْأَشْرِبَةِ الْمُحَرَّمَةِ كَالطِّلَاءِ وَالسُّكَّرِ وَنَقِيعِ الزَّبِيبِ فِيهَا ثَلَاثَةُ رِوَايَاتٍ فِي رِوَايَةٍ مُغَلَّظَةٌ وَفِي أُخْرَى مُخَفَّفَةٌ وَفِي أُخْرَى طَاهِرَةٌ ذَكَرَهَا فِي الْبَدَائِعِ بِخِلَافِ الْخَمْرِ فَإِنَّهُ مُغَلَّظٌ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ؛ لِأَنَّ حُرْمَتَهَا قَطْعِيَّةٌ وَحُرْمَةُ غَيْرِ الْخَمْرِ لَيْسَتْ قَطْعِيَّةً وَيَنْبَغِي تَرْجِيحُ التَّغْلِيظِ لِلْأَصْلِ الْمُتَقَدِّمِ كَمَا لَا يَخْفَى فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْخَمْرِ وَغَيْرِهَا وَكَوْنُ الْحُرْمَةِ فِيهِ لَيْسَتْ قَطْعِيَّةً لَا يُوجِبُ التَّخْفِيفَ؛ لِأَنَّ دَلِيلَ التَّغْلِيظِ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ قَطْعِيًّا، وَأَمَّا قَوْلُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ بَعْدَ ذِكْرِ النَّجَاسَاتِ الْغَلِيظَةِ؛ لِأَنَّهَا ثَبَتَتْ بِدَلِيلٍ مَقْطُوعٍ بِهِ فَقَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مَعْنَاهُ مَقْطُوعٌ بِوُجُوبِ الْعَمَلِ بِهِ فَالْعَمَلُ بِالظَّنِّيِّ وَاجِبٌ قَطْعًا فِي الْفُرُوعِ، وَإِنْ كَانَ نَفْسُ وُجُوبِ مُقْتَضَاهُ ظَنِّيًّا وَالْأَوْلَى أَنْ يُرِيدَ دَلِيلَ الْإِجْمَاعِ. اهـ. وَفِي الْعِنَايَةِ الْمُرَادُ بِالدَّلِيلِ الْقَطْعِيِّ أَنْ يَكُونَ سَالِمًا مِنْ الْأَسْبَابِ الْمُوجِبَةِ لِلتَّخْفِيفِ مِنْ تَعَارُضِ النَّصَّيْنِ وَتَجَاذُبِ الِاجْتِهَادِ وَالضَّرُورَاتِ الْمُخَفَّفَةِ. اهـ. وَأَشَارَ بِخُرْءِ الدَّجَاجِ إلَى خُرْءِ كُلِّ طَيْرٍ لَا يَذْرِقُ فِي الْهَوَاءِ كَالدَّجَاجِ وَالْبَطِّ لِوُجُودِ مَعْنَى النَّجَاسَةِ فِيهِ وَهُوَ كَوْنُهُ مُسْتَقْذِرًا لِتَغْيِيرِهِ إلَى نَتْنٍ وَفَسَادِ رَائِحَةٍ فَأَشْبَهَ الْعَذِرَةَ، وَفِي الْإِوَزِّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ رَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْهُ أَنَّهُ لَيْسَ بِنَجَسٍ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْهُ أَنَّهُ نَجَسٌ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَخُرْءُ الْبَطِّ إذَا كَانَ يَعِيشُ بَيْنَ النَّاسِ وَلَا يَطِيرُ فَكَالدَّجَاجِ، وَإِنْ كَانَ يَطِيرُ وَلَا يَعِيشُ بَيْنَ النَّاسِ فَكَالْحَمَامَةِ وَقَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّ خُرْءَ الطُّيُورِ الَّتِي تَذْرِقُ فِي الْهَوَاءِ نَوْعَانِ فَمَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ كَالْحَمَّامِ وَالْعُصْفُورِ فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَحْثِ الْآبَارِ أَنَّهُ طَاهِرٌ وَمَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ كَالصَّقْرِ وَالْبَازِي وَالْحِدَأَةِ فَسَيَذْكُرُ أَنَّهُ مُخَفَّفٌ وَفِيهِ خِلَافٌ نُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَصَرَّحَ بِبَوْلِ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مَعَ كَوْنِهِ دَاخِلًا فِي عُمُومِ الْبَوْلِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبَوْلِ بَوْلُ الْآدَمِيِّ وَلَا خِلَافَ فِي نَجَاسَتِهِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي بَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ كَمَا سَيَأْتِي وَأَشَارَ بِالرَّوْثِ وَالْخِثْيِ إلَى نَجَاسَةِ خُرْءِ كُلِّ حَيَوَانٍ غَيْرِ الطُّيُورِ فَالرَّوْثُ لِلْحِمَارِ وَالْفَرَسِ وَالْخِثْيُ لِلْبَقَرِ وَالْبَعْرُ لِلْإِبِلِ وَالْغَائِطُ لِلْآدَمِيِّ وَلَا خِلَافَ فِي تَغْلِيظِ غَائِطِ الْآدَمِيِّ وَنَجْوِ الْكَلْبِ وَرَجِيعِ السِّبَاعِ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا عَدَاهُ فَعِنْدَهُ غَلِيظَةٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «فِي الرَّوْثَةِ أَنَّهَا رِكْسٌ» أَيْ نَجَسٌ وَلَمْ يُعَارَضْ وَعِنْدَهُمَا خَفِيفَةٌ فَإِنَّ مَالِكًا يَرَى طَهَارَتَهَا وَلِعُمُومِ الْبَلْوَى لِامْتِلَاءِ الطُّرُقِ بِخِلَافِ بَوْلِ الْحِمَارِ وَغَيْرِهِ مِمَّا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ تُنَشِّفُهُ حَتَّى رَجَعَ مُحَمَّدٌ آخِرًا إلَى أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ الرَّوْثُ، وَإِنْ فَحُشَ لَمَّا دَخَلَ الرَّيَّ مَعَ الْخَلِيفَةِ وَرَأَى بَلْوَى النَّاسِ مِنْ امْتِلَاءِ الطُّرُقِ وَالْخَانَاتِ بِهَا وَقَاسَ الْمَشَايِخُ عَلَى قَوْلِهِ هَذَا طِينَ بُخَارَى؛ لِأَنَّ مَشْيَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ فِيهَا وَاحِدٌ وَعِنْدَ ذَلِكَ يُرْوَى رُجُوعُهُ فِي الْخُفِّ حَتَّى إذَا أَصَابَتْهُ عَذِرَةٌ يَطْهُرُ بِالدَّلْكِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَبَوْلُ الْخَفَافِيشِ لَيْسَ بِنَجَسٍ لِلضَّرُورَةِ إلَخْ) قَالَ الشَّيْخُ عَلَاءُ الدِّينِ الْحَصْكَفِيُّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَعَزَاهُ إلَى التَّتَارْخَانِيَّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 وَفِي الرَّوْثِ لَا يَحْتَاجُ إلَى الدَّلْكِ عِنْدَهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمُوجِبَ لِلْعَمَلِ النَّصُّ لَا الْخِلَافُ وَالْبَلْوَى فِي النِّعَالِ، وَقَدْ ظَهَرَ أَثَرُهَا حَتَّى طَهُرَتْ بِالدَّلْكِ فَإِثْبَاتُ أَمْرٍ زَائِدٍ عَلَى ذَلِكَ يَكُونُ بِغَيْرِ مُوجِبٍ وَمَا قِيلَ إنَّ الْبَلْوَى لَا تُعْتَبَرُ فِي مَوْضِعِ النَّصِّ عِنْدَهُ كَبَوْلِ الْإِنْسَانِ فَمَمْنُوعٌ بَلْ تُعْتَبَرُ إذَا تَحَقَّقَتْ بِالنَّصِّ النَّافِي لِلْحَرَجِ وَهُوَ لَيْسَ مُعَارَضَةً لِلنَّصِّ بِالرَّأْيِ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالشَّعِيرُ الَّذِي يُوجَدُ فِي بَعْرِ الْإِبِلِ وَالشَّاةِ يُغْسَلُ وَيُؤْكَلُ بِخِلَافِ مَا يُوجَدُ فِي خِثْيِ الْبَقَرِ؛ لِأَنَّهُ لَا صَلَابَةَ فِيهِ، خُبْزٌ وُجِدَ فِي خِلَالِهِ خُرْءُ الْفَأْرَةِ، فَإِنْ كَانَ صُلْبًا يُرْمَى الْخُرْءُ وَيُؤْكَلُ الْخُبْزُ؛ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ، ثُمَّ قَالَ خُرْءُ الْفَأْرَةِ إذَا وَقَعَ فِي إنَاءِ الدُّهْنِ أَوْ الْمَاءِ لَا يُفْسِدُهُ وَكَذَلِكَ لَوْ وَقَعَ فِي الْحِنْطَةِ. اهـ. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يُفْسِدُهُ وَفِيهَا أَيْضًا الْبَعْرُ إذَا وَقَعَ فِي الْمِحْلَبِ عِنْدَ الْحَلْبِ فَرُمِيَ قَبْلَ التَّفَتُّتِ لَا يَتَنَجَّسُ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مَشَى فِي الطِّينِ أَوْ أَصَابَهُ لَا يَجِبُ فِي الْحُكْمِ غَسْلُهُ وَلَوْ صَلَّى بِهِ جَازَ مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ أَثَرُ النَّجَاسَةِ وَالِاحْتِيَاطُ فِي الصَّلَاةِ الَّتِي هِيَ وَجْهُ دِينِهِ وَمَفَاتِيحُ رِزْقِهِ وَأَوَّلُ مَا يُسْأَلُ فِي الْمَوْقِفِ وَأَوَّلُ مَنْزِلَةِ الْآخِرَةِ لَا غَايَةَ لَهُ وَلِهَذَا قُلْنَا حَمْلُ الْمُصَلَّى أَيْ السَّجَّادَةِ أَوْلَى مِنْ تَرْكِهِ فِي زَمَانِنَا، دَخَلَ مَرْبِطًا وَأَصَابَ رِجْلَهُ الْأَرْوَاثُ جَازَتْ الصَّلَاةُ مَعَهُ مَا لَمْ يَفْحُشْ. اهـ. وَهُوَ تَرْجِيحٌ لِقَوْلِهِمَا فِي الْأَرْوَاثِ كَمَا لَا يَخْفَى، وَقَدْ نَقَلُوا فِي كُتُبِ الْفَتَاوَى وَالشُّرُوحِ فُرُوعًا وَنَصُّوا عَلَى النَّجَاسَةِ وَلَمْ يُصَرِّحُوا بِالتَّغْلِيظِ وَالتَّخْفِيفِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا مُغَلَّظَةٌ وَأَنَّهَا الْمُرَادَةُ عِنْدَ إطْلَاقِهِمْ وَدَخَلَ فِيهَا بَعْضُ الطَّاهِرَاتِ تَبَعًا فِي الذَّكَرِ فَمِنْهَا الْأَسْآرُ النَّجِسَةُ وَمِنْهَا مَا فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ جِلْدُ الْحَيَّةِ نَجَسٌ، وَإِنْ كَانَتْ مَذْبُوحَةً؛ لِأَنَّ جِلْدَهَا لَا يَحْتَمِلُ الدِّبَاغَةَ بِخِلَافِ قَمِيصِهَا فَإِنَّهُ طَاهِرٌ وَالدُّودَةُ السَّاقِطَةُ مِنْ السَّبِيلَيْنِ نَجِسَةٌ بِخِلَافِ السَّاقِطَةِ مِنْ اللَّحْمِ فَإِنَّهَا طَاهِرَةٌ الْحِمَارُ إذَا شَرِبَ مِنْ الْعَصِيرِ لَا يَجُوزُ شُرْبُهُ، الرِّيحُ إذَا مَرَّتْ بِالْعَذِرَاتِ وَأَصَابَتْ الثَّوْبَ الْمَبْلُولَ يَتَنَجَّسُ إنْ وُجِدَتْ رَائِحَةُ النَّجَاسَةِ فِيهِ وَمَا يُصِيبُ الثَّوْبَ مِنْ بُخَارَاتِ النَّجَاسَاتِ قِيلَ يَتَنَجَّسُ الثَّوْبُ بِهَا وَقِيلَ لَا يَتَنَجَّسُ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَلَوْ أَصَابَ الثَّوْبَ مَا سَالَ مِنْ الْكَنِيفِ فَالْأَحَبُّ أَنْ يَغْسِلَهُ وَلَا يَجِبُ مَا لَمْ يَكُنْ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ نَجَسٌ. جِلْدَةُ آدَمِيٍّ إذَا وَقَعَتْ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ تُفْسِدُهُ إذَا كَانَتْ قَدْرَ الظُّفْرِ وَالظُّفْرُ لَوْ وَقَعَ بِنَفْسِهِ لَا يُفْسِدُهُ، الْكَافِرُ الْمَيِّتُ نَجَسٌ قَبْلَ الْغُسْلِ وَبَعْدَهُ وَكَذَلِكَ الْمَيِّتُ وَعَظْمُ الْآدَمِيِّ نَجَسٌ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ طَاهِرٌ وَالْأُذُنُ الْمَقْطُوعَةُ وَالسِّنُّ الْمَقْلُوعَةُ طَاهِرَتَانِ فِي حَقِّ صَاحِبِهِمَا، وَإِنْ كَانَتَا أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَسْنَانِ السَّاقِطَةِ إنَّهَا نَجِسَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ وَفِي قِيَاسِ قَوْلِهِ الْأُذُنُ نَجَسٌ وَبِهِ نَأْخُذُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي صَلَاةِ الْأَثَرِ سِنٌّ وَقَعَتْ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ يَفْسُدُ وَإِذَا طُحِنَتْ وَفِي الْحِنْطَةِ لَا تُؤْكَلُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إنَّ سِنَّهُ طَاهِرٌ فِي حَقِّهِ حَتَّى إذَا أَثْبَتَهَا جَازَتْ الصَّلَاةُ، وَإِنْ أَثْبَتَ سِنَّ غَيْرِهِ لَا يَجُوزُ وَقَالَ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ، وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْنِي وَسِنُّ الْكَلْبِ وَالثَّعْلَبِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَ صُلْبًا إلَخْ) قَالَ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ زَادَ فِي مُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ وَإِنْ كَانَ مُتَفَتِّتًا مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ يُؤْكَلُ أَيْضًا اهـ. [جِلْدَةُ آدَمِيٍّ إذَا وَقَعَتْ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ] (قَوْلُهُ: جِلْدُهُ الْآدَمِيِّ إذَا وَقَعَتْ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ إلَخْ) قَالَ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ وَإِنْ كَانَ دُونَهُ لَا يُفْسِدُهُ صَرَّحَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَعْيَانِ الْمَشَايِخِ وَمِنْهُمْ مَنْ عَبَّرَ بِأَنَّهُ إنْ كَانَ كَثِيرًا أَفْسَدَهُ وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا لَا يُفْسِدُهُ وَأَفَادَ أَنَّ الْكَثِيرَ مَا كَانَ مِقْدَارَ الظُّفُرِ وَأَنَّ الْقَلِيلَ مَا دُونَهُ، ثُمَّ فِي مُحِيطِ الشَّيْخِ رَضِيِّ الدِّينِ تَعْلِيلًا لِفَسَادِ الْمَاءِ بِالْكَثِيرِ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ جُمْلَةِ لَحْمِ الْآدَمِيِّ، وَقَدْ بَانَ مِنْ الْحَيِّ فَيَكُونُ نَجَسًا إلَّا أَنَّ فِي الْقَلِيلِ تَعَذَّرَ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ فَلَمْ يُفْسِدْ الْمَاءَ لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ وَفِيهِ قَبْلَ هَذَا قَالَ مُحَمَّدٌ عَصَبُ الْمَيْتَةِ وَجِلْدُهَا إذَا يَبِسَ فَوَقَعَ فِي الْمَاءِ لَا يُفْسِدُهُ؛ لِأَنَّ بِالْيُبْسِ زَالَتْ عَنْهُ الرُّطُوبَةُ النَّجِسَةُ. اهـ. وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الْمُلْتَقَطِ مِنْ غَيْرِ عَزْوٍ إلَى أَحَدٍ فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي تَقْيِيدُ جِلْدِ الْآدَمِيِّ الْكَثِيرِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِكَوْنِهِ رَطْبًا، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ فَسَادَ الْمَاءِ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ مُقَيَّدٌ بِكَوْنِهِ قَلِيلًا. اهـ. مِنْ كَلَامِ ابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ (قَوْلُهُ: وَسِنُّ الْكَلْبِ وَالثَّعْلَبِ طَاهِرَةٌ) قَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ تَأَمَّلْهُ مَعَ قَوْلِهِمْ مَا أُبِينَ مِنْ الْحَيِّ وَلَوْ سِنًّا فَإِنَّ مُقْتَضَاهُ نَجَاسَةُ سِنِّ الْكَلْبِ وَالثَّعْلَبِ هَذَا وَفِي الْقَوْلِ بِطَهَارَتِهِ وَنَجَاسَةِ سِنِّ الْآدَمِيِّ بُعْدٌ وَأَقُولُ: فِي نَجَاسَةِ السِّنِّ إشْكَالٌ هُوَ أَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ عَظْمًا أَوْ عَصَبًا وَكِلَاهُمَا طَاهِرٌ، أَمَّا الْعَظْمُ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا، وَأَمَّا الْعَصَبُ فَعَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَحَكَى فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ عَدَمَ الْخِلَافِ فِيهِ وَإِنْ نَظَرَ فِيهِ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يَتَّحِدَا حُكْمًا فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ. اهـ. أَقُولُ: إشْكَالُهُ غَيْرُ وَارِدٍ وَمَا بَحَثَهُ بِقَوْلِهِ وَاَلَّذِي إلَخْ مُوَافِقٌ لِلْمَنْقُولِ عَنْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَالتَّفْرِقَةُ بَيْنَهُمَا عَلَى غَيْرِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ قَالَ الْعَلَّامَةُ الْحَلَبِيُّ فِي شَرْحِهِ الْكَبِيرِ، وَأَمَّا الْآدَمِيُّ، فَإِنْ كَانَ سِنَّ نَفْسِهِ تَجُوزُ الصَّلَاةُ مَعَهُ وَإِنْ زَادَ عَلَى قَدْرِ الدِّرْهَمِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا تَجُوزُ إذَا زَادَ عَلَى قَدْرِ الدِّرْهَمِ، وَإِنْ كَانَ سِنَّ غَيْرِهِ وَزَادَ عَلَى قَدْرِ الدِّرْهَمِ لَا تَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ لَكِنْ هَذَا كُلُّهُ عَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَةِ السِّنِّ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُ طَرَفُ عَصَبٍ وَفِي نَجَاسَةِ الْعَصَبِ رِوَايَتَانِ قَالَهُ فِي الْكِفَايَةِ قَالَ فِيهَا وَعَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَهُوَ الصَّحِيحُ لَا خِلَافَ فِي السِّنِّ بَيْنَ عُلَمَائِنَا أَنَّهُ طَاهِرٌ وَالْخِلَافُ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي جَاءَتْ أَنَّ عَظْمَ الْأَسْنَانِ نَجَسٌ. اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الْكَافِي. اهـ. فَقَطْ انْدَفَعَ الْإِشْكَالُ بِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 طَاهِرَةٌ وَجِلْدُ الْكَلْبِ نَجَسٌ وَشَعْرُهُ طَاهِرٌ هُوَ الْمُخْتَارُ وَمَاءُ فَمِ الْمَيِّتِ نَجَسٌ بِخِلَافِ مَاءِ فَمِ النَّائِمِ فَإِنَّهُ طَاهِرٌ. اهـ. وَفِي الْخُلَاصَةِ وَلَوْ اسْتَنْجَى بِالْمَاءِ وَلَمْ يَمْسَحْهُ فِي الْمِنْدِيلِ حَتَّى فَسَا اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ وَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَتَنَجَّسُ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يَتَنَجَّسُ وَكَذَا لَوْ لَمْ يَسْتَنْجِ وَلَكِنْ ابْتَلَّ السَّرَاوِيلُ بِالْعَرَقِ أَوْ بِالْمَاءِ، ثُمَّ فَسَا وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ مَاءُ الْمُطَابِقِ نَجَسٌ قِيَاسًا وَلَيْسَ بِنَجَسٍ اسْتِحْسَانًا وَصُورَتُهُ إذَا احْتَرَقَتْ الْعَذِرَةُ فِي بَيْتٍ فَأَصَابَ مَاءُ طَابَقٍ ثَوْبَ إنْسَانٍ لَا يُفْسِدُهُ اسْتِحْسَانًا مَا لَمْ يَظْهَرْ أَثَرُ النَّجَاسَةِ فِيهِ وَكَذَا الْإِصْطَبْلُ إذَا كَانَ حَارًّا وَعَلَى كُوَّتِهِ طَابَقٌ، أَوْ بَيْتُ الْبَالُوعَةِ إذَا كَانَ عَلَيْهِ طَابَقٌ وَتَقَاطَرَ مِنْهُ وَكَذَا الْحَمَّامُ إذَا أُهْرِيقَ فِيهِ النَّجَاسَاتُ فَعَرِقَ حِيطَانُهَا وَكُوَّتِهَا وَتَقَاطَرَ وَكَذَا لَوْ كَانَ فِي الْإِصْطَبْلِ كُوزٌ مُعَلَّقٌ فِيهِ مَاءٌ فَتَرَشَّحَ فِي أَسْفَلِ الْكُوزِ فِي الْقِيَاسِ يَكُونُ نَجَسًا؛ لِأَنَّ الْبِلَّةَ فِي أَسْفَلِ الْكُوزِ صَارَ نَجَسًا بِبُخَارِ الْإِصْطَبْلِ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا يَتَنَجَّسُ؛ لِأَنَّ الْكُوزَ طَاهِرٌ وَالْمَاءُ الَّذِي فِيهِ طَاهِرٌ فَمَا تَرَشَّحَ مِنْهُ يَكُونُ طَاهِرًا، إذَا صَلَّى وَمَعَهُ فَأْرَةٌ أَوْ هِرَّةٌ أَوْ حَيَّةٌ تَجُوزُ صَلَاتُهُ، وَقَدْ أَسَاءَ وَكَذَلِكَ مِمَّا يَجُوزُ التَّوَضُّؤُ بِسُؤْرِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي كُمِّهِ ثَعْلَبٌ أَوْ جَرْوُ كَلْبٍ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ سُؤْرَهُ نَجَسٌ، ثَوْبٌ أَصَابَهُ عَصِيرٌ وَمَضَى عَلَى ذَلِكَ أَيَّامٌ جَازَتْ الصَّلَاةُ فِيهِ عِنْدَ عُلَمَائِنَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ خَمْرًا فِي الثَّوْبِ، وَالْمِسْكُ حَلَالٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ يُؤْكَلُ فِي الطَّعَامِ وَيُجْعَلُ فِي الْأَدْوِيَةِ وَلَا يُقَالُ إنَّ الْمِسْكَ دَمٌ؛ لِأَنَّهَا، وَإِنْ كَانَتْ دَمًا فَقَدْ تَغَيَّرَتْ فَيَصِيرُ طَاهِرًا كَرَمَادِ الْعَذِرَةِ، التُّرَابُ الطَّاهِرُ إذَا جُعِلَ طِينًا بِالْمَاءِ النَّجَسِ أَوْ عَلَى الْعَكْسِ الصَّحِيحُ أَنَّ الطِّينَ نَجَّسَ أَيُّهُمَا مَا كَانَ نَجَسًا، وَإِذَا بُسِطَ الثَّوْبُ الطَّاهِرُ الْيَابِسُ عَلَى أَرْضٍ نَجِسَةٍ مُبْتَلَّةٍ فَظَهَرَتْ الْبِلَّةُ فِي الثَّوْبِ لَكِنْ لَمْ يَصِرْ رَطْبًا وَلَا بِحَالٍ لَوْ عُصِرَ يَسِيلُ مِنْهُ شَيْءٌ مُتَقَاطِرٌ لَكِنْ مَوْضِعُ النَّدْوَةِ يُعْرَفُ مِنْ سَائِرِ الْمَوَاضِعِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ نَجَسًا، وَكَذَا لَوْ لَفَّ الثَّوْبَ النَّجَسَ فِي ثَوْبٍ طَاهِرٍ وَالنَّجَسُ رَطْبٌ مُبْتَلٌّ وَظَهَرَتْ نَدْوَتُهُ فِي الثَّوْبِ الطَّاهِرِ لَكِنْ لَمْ يَصِرْ بِحَالٍ لَوْ عُصِرَ يَسِيلُ مِنْهُ شَيْءٌ مُتَقَاطِرٌ لَا يَصِيرُ نَجَسًا. اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ لِلطَّاهِرِ أَيُّهُمَا كَانَ فِي مَسْأَلَةِ التُّرَابِ الطَّاهِرِ إذَا جُعِلَ طِينًا بِالْمَاءِ النَّجَسِ أَوْ عَكْسُهُ فَهُوَ مُخَالِفٌ لِتَصْحِيحِ قَاضِي خَانْ الْمُتَقَدِّمِ وَفِيهَا طَيْرُ الْمَاءِ مَاتَ فِيهِ   [منحة الخالق] فِي الْعَصَبِ. (قَوْلُهُ: وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يَتَنَجَّسُ) سَيَأْتِي عَنْ مَآلِ الْفَتَاوَى أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى خِلَافِهِ (قَوْلُهُ وَلَيْسَ بِنَجَسٍ اسْتِحْسَانًا) قَالَ الْعَلَّامَةُ الْحَلَبِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ وَجْهَ الِاسْتِحْسَانِ فِيهِ الضَّرُورَةُ لِتَعَذُّرِ التَّحَرُّزِ أَوْ تَعَسُّرُهُ إذْ لَا نَصَّ وَلَا إجْمَاعَ فِي ذَلِكَ وَوُجُوهُ الِاسْتِحْسَانِ مُنْحَصِرَةٌ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ وَعَلَى هَذَا فَلَوْ اسْتَقْطَرَتْ النَّجَاسَةُ فَمَائِيَّتُهَا نَجِسَةٌ بِخِلَافِ سَائِرِ أَجْزَائِهَا لِانْتِفَاءِ الضَّرُورَةِ فَبَقِيَ الْقِيَاسُ فِيهَا بِلَا مُعَارِضٍ وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ الَّذِي يُسْتَقْطَرُ مِنْ دُرْدِيِّ الْخَمْرِ الْمُسَمَّى بِالْعِرْقِيِّ فِي وِلَايَةِ الرُّومِ نَجَسٌ حَرَامٌ كَسَائِرِ أَصْنَافِ الْخَمْرِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ لَفَّ الثَّوْبَ) النَّجَسَ إلَى قَوْلِهِ لَا يَصِيرُ نَجَسًا قَالَ فِي الْمُنْيَةِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ نَجَسًا قَالَ فِي شَرْحِهَا، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَكَثِيرٌ ذَكَرَهُ مِنْ غَيْرِ إشَارَةٍ إلَى خِلَافٍ وَكَأَنَّ وَجْهَهُ الْقِيَاسُ عَلَى مَا يَبْقَى مِنْ الرُّطُوبَةِ بَعْدَ الْعَصْرِ فِي الْمَرَّةِ الثَّالِثَةِ بِحَيْثُ لَا يَتَقَاطَرُ بَعْدُ لَوْ عُصِرَ لَكِنْ يَرِدُ أَنَّ قِيَاسَهَا عَلَى النَّدَاوَةِ الْبَاقِيَةِ بَعْدَ الْعَصْرِ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى أَوْلَى لِوُجُودِ النَّجَاسَةِ بِكَمَالِهَا فِي الثَّوْبِ الَّذِي سَرَتْ مِنْهُ الرُّطُوبَةُ كَمَا فِي الَّذِي عُصِرَ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَيُجَابُ بِأَنَّ النَّجَاسَةَ إذَا كَانَتْ ثَابِتَةً فَزَالَتْ بِالْغَسْلِ وَالْعَصْرِ شَيْئًا فَشَيْئًا إلَى حَدِّ النِّهَايَةِ فَهِيَ الرُّطُوبَةُ الْبَاقِيَةُ بَعْدَ عَصْرِ الثَّالِثَةِ يُعْفَى عَنْهَا حِينَئِذٍ وَإِذَا لَمْ تَكُنْ ثَابِتَةً فَابْتَدَأَتْ بِالثَّوْبِ كَمَا فِي مَسْأَلَتِنَا فَمَا دَامَتْ الْبِدَايَةُ مِثْلَ تِلْكَ النِّهَايَةِ فِي عَدَمِ التَّقَاطُرِ بِالْعَصْرِ يُعْفَى عَنْهَا كَمَا عُفِيَ هُنَاكَ بِخِلَافِ مَا بَعْدَ عَصْرِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِنِهَايَةٍ فَالْحَاصِلُ قِيَاسُ ابْتِدَاءِ النَّجَاسَةِ فِيمَا هُوَ طَاهِرٌ عَلَى انْتِهَائِهَا فِيمَا كَانَ نَجَسًا فَلْيُتَأَمَّلْ وَإِذَا فُهِمَ هَذَا يَجِبُ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ وَضْعَ الْمَسْأَلَةِ إنَّمَا هُوَ فِي الثَّوْبِ الْمَبْلُولِ بِالْمَاءِ بِخِلَافِ الْمَبْلُولِ بِعَيْنِ النَّجَاسَةِ كَالْبَوْلِ وَنَحْوِهِ لِأَنَّ النَّدَاوَةَ حِينَئِذٍ عَيْنُ النَّجَاسَةِ وَإِنْ لَمْ يَقْطُرْ بِالْعَصْرِ كَمَا لَوْ عَصَرَ الثَّوْبَ الْمَبْلُولَ بِالْبَوْلِ وَنَحْوِهِ حَتَّى انْقَطَعَ التَّقَاطُرُ مِنْهُ فَإِنَّهُ لَا يَطْهُرُ وَكَمَا بَعْدَ الْعَصْرِ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ وَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ تُقَيَّدَ الْمَسْأَلَةُ أَيْضًا بِمَا إذَا لَمْ يَظْهَرْ فِي الثَّوْبِ الطَّاهِرِ أَثَرُ النَّجَاسَةِ مِنْ لَوْنٍ أَوْ رِيحٍ حَتَّى لَوْ كَانَ الْمَبْلُولُ مُتَلَوِّنًا بِلَوْنٍ أَوْ مُتَكَيِّفًا بِرِيحٍ فَظَهَرَ ذَلِكَ فِي الطَّاهِرِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ نَجِسًا كَمَا لَوْ غَسَلَ ذَلِكَ النَّجَسَ وَلَمْ يَزُلْ أَثَرُهُ وَلَمْ يَبْلُغْ حَدَّ الْمَشَقَّةِ حَيْثُ لَا يُحْكَمُ بِطَهَارَتِهِ فَكَذَا هَذَا إلْحَاقًا لِلْبِدَايَةِ بِالنِّهَايَةِ عَلَى مَا مَرَّ هَذَا وَقَالَ الشَّيْخُ كَمَالُ الدِّينِ بْنُ الْهُمَامِ لَا يَخْفَى أَنَّهُ قَدْ يَحْصُلُ بِبَلِّ الثَّوْبِ وَعَصْرِهِ نَبْعُ رُءُوسٍ صِغَارٍ لَيْسَ لَهَا قُوَّةُ السَّيَلَانِ لِيَصِلَ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ فَتَقْطُرُ بَلْ تَقَرُّ فِي مَوَاضِعِ نَبْعِهَا، ثُمَّ تَرْجِعُ إذَا حُلَّ الثَّوْبُ وَيَبْعُدُ فِي مِثْلِهِ الْحُكْمُ بِطَهَارَةِ الثَّوْبِ مَعَ وُجُودِ حَقِيقَةِ الْمُخَالِطِ فَالْأَوْلَى إنَاطَةُ عَدَمِ النَّجَاسَةِ بِعَدَمِ نَبْعِ شَيْءٍ عِنْدَ الْعَصْرِ لِيَكُونَ مُجَرَّدَ نَدَاوَةٍ لَا بِعَدَمِ التَّقَاطُرِ. اهـ. وَقَدْ نَقَلَ هَذَا الْفَرْعَ الْمُصَنِّفُ فِي مَسَائِلَ شَتَّى آخِرَ الْكِتَابِ وَفِي الْوِقَايَةِ وَالنُّقَايَةِ وَالدُّرَرِ وَمَتْنِ الْمُلْتَقَى وَمَتْنِ التَّنْوِيرِ وَالسِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَالْبَزَّازِيَّةِ وَكُلُّهُمْ أَطْلَقُوهُ عَنْ ذِكْرِ الْخِلَافِ. (قَوْلُهُ: فَهُوَ مُخَالِفٌ لِتَصْحِيحِ قَاضِي خَانْ) أَقُولُ: قَدْ مَشَى فِي الْمُنْيَةِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 لَا يُفْسِدُهُ عِنْدَ الْإِمَامِ وَفِي غَيْرِهِ يُفْسِدُهُ بِالِاتِّفَاقِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ غُسَالَةُ الْمَيِّتِ نَجِسَةٌ أَطْلَقَ ذَلِكَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ يَصِيرُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا وَلَا يَكُونُ نَجَسًا إلَّا أَنَّ مُحَمَّدًا إنَّمَا أَطْلَقَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ بَدَنَ الْمَيِّتِ لَا يَخْلُو عَنْ نَجَاسَةٍ غَالِبًا وَدُخَانُ النَّجَاسَةِ إذَا أَصَابَ الثَّوْبَ أَوْ الْبَدَنَ فِيهِ اخْتِلَافٌ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُنَجِّسُهُ، بَيْضُ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ إذَا انْكَسَرَ عَلَى ثَوْبِ إنْسَانٍ فَأَصَابَهُ مِنْ مَائِهِ وَمُحِّهِ فِيهِ اخْتِلَافٌ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إنَّهُ نَجَسٌ اعْتِبَارًا بِلَحْمِ مَا لَا يُؤْكَلُ وَلَبَنِهِ؛ لِأَنَّهُ مُحَرَّمُ الْأَكْلِ وَقِيلَ هُوَ طَاهِرٌ اعْتِبَارًا بِبِيضِ الدَّجَاجَةِ الْمَيِّتَةِ. اهـ. وَفِي الْمُجْتَبَى وَفِي نَجَاسَةِ الْقَيْءِ وَمَاءِ الْبِئْرِ الَّتِي وَقَعَتْ فِيهَا فَأْرَةٌ وَمَاتَتْ رِوَايَتَانِ وَسُؤْرُ سِبَاعِ الطَّيْرِ غَلِيظَةٌ وَغُسَالَةُ النَّجَاسَةِ فِي الْمَرَّاتِ الثَّلَاثِ غَلِيظَةٌ عَلَى الْأَصَحِّ، وَإِنْ كَانَتْ الْأُولَى تَطْهُرُ بِالثَّلَاثِ وَالثَّانِيَةُ بِالثِّنْتَيْنِ وَالثَّالِثَةُ بِالْوَاحِدَةِ. اهـ. وَفِيمَا عَدَا الْأَخِيرَةَ نَظَرٌ بَلْ الرَّاجِحُ التَّغْلِيظُ فِي الْقَيْءِ وَمَاءِ الْبِئْرِ الْمُتَنَجِّسِ، وَأَمَّا سُؤْرُ سِبَاعِ الطَّيْرِ فَلَيْسَ بِنَجَسٍ أَصْلًا بَلْ هُوَ مَكْرُوهٌ، وَفِي عُمْدَةِ الْفَتَاوَى لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ فَأْرَةٌ مَاتَتْ فِي الْخَمْرِ وَتَخَلَّلَتْ طَابَ الْخَلُّ فِي رِوَايَةٍ هُوَ الصَّحِيحُ فَأْرَةٌ مَاتَتْ فِي السَّمْنِ الْجَامِدِ يُقَوَّرُ مَا حَوْلَهَا وَيُرْمَى وَيُؤْكَلُ الْبَاقِي، فَإِنْ كَانَ مَائِعًا لَا يُؤْكَلُ وَيُسْتَصْبَحُ بِهِ وَيُدْبَغُ بِهِ الْجِلْدُ وَالتَّشَرُّبُ مَعْفُوٌّ عَنْهُ، وَدَكُ الْمَيْتَةِ يُسْتَصْبَحُ بِهِ وَلَا يُدْبَغُ بِهِ الْجِلْدُ. اهـ. وَفِي عُدَّةِ الْفَتَاوَى إذَا وَجَدَ فِي الْقُمْقُمَةِ فَأْرَةً وَلَا يَدْرِي أَهِيَ فِيهَا مَاتَتْ أَمْ فِي الْجَرَّةِ أَمْ فِي الْبِئْرِ تُحْمَلُ عَلَى الْقُمْقُمَةِ. اهـ. وَفِي مَآلِ الْفَتَاوَى مَاءُ الْمَطَرِ إذَا مَرَّ عَلَى الْعَذِرَاتِ لَا يَنْجُسُ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْعَذِرَةُ أَكْثَرَ مِنْ الْأَرْضِ الطَّاهِرَةِ أَوْ تَكُونَ الْعَذِرَةُ عِنْدَ الْمِيزَابِ، إذَا فَسَا فِي السَّرَاوِيلِ وَصَلَّى مَعَهُ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ فِي الرِّيحِ أَجْزَاءً لَطِيفَةً فَتَدْخُلُ أَجْزَاءُ الثَّوْبِ وَقِيلَ إنَّ الشَّيْخَ الْإِمَامَ شَمْسَ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيَّ كَانَ يُصَلِّي مِنْ غَيْرِ السَّرَاوِيلِ وَلَا تَأْوِيلَ لِفِعْلِهِ إلَّا التَّحَرُّزَ مِنْ الْخِلَافِ وَالْفَتْوَى أَنَّهُ يَجُوزُ سَوَاءٌ كَانَ السَّرَاوِيلُ رَطْبًا وَقْتَ الْفَسْوَةِ أَوْ يَابِسًا، إذَا رَأَى عَلَى ثَوْبِ غَيْرِهِ نَجَاسَةً أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ يُخْبِرُهُ وَلَا يَسَعُهُ تَرْكُهُ، جِلْدُ مَرَارَةِ الْغَنَمِ نَجَسٌ وَمَرَارَتُهُ وَبَوْلُهُ سَوَاءٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ طَاهِرٌ وَعِنْدَهُمَا نَجَسٌ وَمَثَانَةُ الْغَنَمِ حُكْمُهُ حُكْمُ بَوْلِهِ حَتَّى لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ مَعَهُ إذَا زَادَ عَلَى قَدْرِ الدِّرْهَمِ قَطْرَةُ خَمْرٍ وَقَعَتْ فِي دَنِّ خَلٍّ لَا يَحِلُّ شُرْبُهُ إلَّا بَعْدَ سَاعَةٍ وَلَوْ صُبَّ كُوزٌ مِنْ خَمْرٍ فِي دَنٍّ مِنْ خَلٍّ وَلَا يُوجَدُ لَهُ طَعْمٌ وَلَا رَائِحَةٌ حَلَّ الشَّرَابُ فِي الْحَالِ، السَّلْقُ وَالسَّلْجَمُ الْمَطْبُوخُ فِي رَمَادِ الْعَذِرَةِ نَجَسٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ. اهـ. وَإِنَّمَا أَكْثَرْنَا مِنْ هَذِهِ الْفُرُوعِ لِلْحَاجَةِ إلَيْهَا وَلِكَوْنِ الطَّهَارَةِ مِنْ الْمُهِمَّاتِ وَلِهَذَا وَرَدَ أَنَّ أَوَّلَ شَيْءٍ يُسْأَلُ عَنْهُ الْعَبْدُ فِي قَبْرِهِ الطَّهَارَةُ. (قَوْلُهُ: وَمَا دُونَ رُبْعِ الثَّوْبِ مِنْ مُخَفَّفٍ كَبَوْلِ مَا يُؤْكَلُ وَالْفَرَسِ وَخُرْءِ طَيْرٍ لَا يُؤْكَلُ) أَيْ عُفِيَ مَا كَانَ مِنْ النَّجَاسَاتِ أَقَلَّ مِنْ رُبْعِ الثَّوْبِ الْمُصَابِ إذَا كَانَتْ النَّجَاسَةُ مُخَفَّفَةً؛ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ فِيهَا بِالْكَثِيرِ الْفَاحِشِ لِلْمَنْعِ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى مَا هُوَ دَأْبُهُ فِي مِثْلِهِ مِنْ عَدَمِ التَّقْدِيرِ وَهُوَ مَا يَسْتَكْثِرُهُ النَّاظِرُ وَيَسْتَفْحِشُهُ حَتَّى رَوَى عَنْهُ أَنَّهُ كَرِهَ تَقْدِيرَهُ، وَقَالَ الْفَاحِشُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ طِبَاعِ النَّاسِ لَكِنْ لَمَّا كَانَ الرُّبْعُ مُلْحَقًا بِالْكُلِّ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ كَمَسْحِ الرَّأْسِ وَانْكِشَافِ الْعَوْرَةِ أُلْحِقَ بِهِ هُنَا وَبِالْكُلِّ يَحْصُلُ الِاسْتِفْحَاشُ فَكَذَا بِمَا قَامَ مَقَامَهُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا وَصَحَّحَهُ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ وَفِي الْهِدَايَةِ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ وَاخْتَارَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقَالَ إنَّهُ أَحْسَنُ لِاعْتِبَارِ الرُّبْعِ كَثِيرًا كَالْكُلِّ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ اعْتِبَارِ الرُّبْعِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ فَقِيلَ رُبْعُ طَرَفٍ أَصَابَتْهُ النَّجَاسَةُ كَالذَّيْلِ وَالْكُمِّ   [منحة الخالق] قَاضِي خَانْ وَقَالَ شَارِحُهَا وَهُوَ اخْتِيَارُ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ وَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ ذَكَرَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَقِيلَ الْعِبْرَةُ لِلْمَاءِ إنْ كَانَ نَجَسًا فَالطِّينُ نَجَسٌ وَإِلَّا فَطَاهِرٌ وَقِيلَ الْعِبْرَةُ لِلتُّرَابِ وَقِيلَ لِلْغَالِبِ قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ وَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُ أَيُّهُمَا كَانَ طَاهِرًا فَالطِّينُ طَاهِرٌ. اهـ. وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي نَصْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَّامٍ قَالَ الْبَزَّازِيُّ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ، وَقَدْ ذَكَرَ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَيْهِ. اهـ. وَوَجَّهَهُ فِي الْخُلَاصَةِ بِصَيْرُورَتِهِ شَيْئًا آخَرَ وَهُوَ تَوْجِيهٌ ضَعِيفٌ إذْ يَقْتَضِي أَنَّ جَمِيعَ الْأَطْعِمَةِ إذَا كَانَ مَاؤُهَا نَجَسًا أَوْ دُهْنُهَا أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الطَّعَامُ طَاهِرًا لِصَيْرُورَتِهِ شَيْئًا آخَرَ، وَعَلَى هَذَا سَائِرُ الْمُرَكَّبَاتِ إذَا كَانَ بَعْضُ مُفْرَدَاتِهَا نَجَسًا وَلَا يَخْفَى فَسَادُهُ فَلِلَّهِ دَرُّ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ وَدَرُّ قَاضِي خَانْ حَيْثُ جَعَلَ قَوْلَهُ هُوَ الصَّحِيحَ مُشِيرًا إلَى أَنَّ سَائِرَ الْأَقْوَالِ لَا صِحَّةَ لَهَا بَلْ هِيَ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّ النَّتِيجَةَ تَابِعَةٌ لِأَخَسِّ الْمُقَدِّمَتَيْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَفِيمَا عَدَا الْأَخِيرَةِ) أَيْ مِنْ الْمَسَائِلِ الْأَرْبَعِ الَّتِي فِي الْمُجْتَبَى. (قَوْلُهُ: وَمَثَانَةُ الْغَنَمِ حُكْمُهُ حُكْمُ بَوْلِهِ) قَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ هَذَا لَا يُنَاسِبُ قَوْلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ مَعَهُ إذَا زَادَ عَلَى قَدْرِ الدِّرْهَمِ إذْ بَوْلُ الْغَنَمِ نَجَاسَتُهُ مُخَفَّفَةٌ وَالْمَثَانَةُ عَلَى قَوْلِهِ هَذَا مُغَلَّظَةٌ فَلَمْ يَكُنْ حُكْمُهُ حُكْمَهَا وَلَوْ فَعَلَ كَمَا فَعَلَ أَخُوهُ فِي نَهْرِهِ حَيْثُ قَالَ: وَاعْلَمْ أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ إطْلَاقِهِمْ نَجَاسَةَ شَيْءٍ التَّغْلِيظُ كَالْأَسْآرِ النَّجِسَةِ وَثَوْبِ الْحَيَّةِ الَّذِي لَمْ يُدْبَغْ وَالدُّودَةِ السَّاقِطَةِ مِنْ السَّبِيلَيْنِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا نَاقِضَةٌ وَمَا أُبِينَ مِنْ الْحَيِّ وَلَوْ سِنًّا وَمَثَانَةَ الْغَنَمِ وَمَرَارَتَهُ لَكَانَ أَوْلَى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 وَالدِّخْرِيصِ إنْ كَانَ الْمُصَابُ ثَوْبًا وَرُبْعُ الْعُضْوِ الْمُصَابِ كَالْيَدِ وَالرِّجْلِ إنْ كَانَ بَدَنًا وَصَحَّحَهُ صَاحِبُ التُّحْفَةِ وَالْمُحِيطِ وَالْبَدَائِعِ وَالْمُجْتَبَى وَالسِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَفِي الْحَقَائِقِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَقِيلَ رُبْعُ جَمِيعِ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ وَصَحَّحَهُ صَاحِبُ الْمَبْسُوطِ وَقِيلَ رُبْعُ أَدْنَى ثَوْبٍ تَجُوزُ فِيهِ الصَّلَاةُ كَالْمِئْزَرِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ شَارِحُ الْقُدُورِيِّ الْإِمَامُ الْبَغْدَادِيُّ الْأَقْطَعُ وَهَذَا أَصَحُّ مَا رَوَى فِيهِ مِنْ غَيْرِهِ. اهـ. لَكِنَّهُ قَاصِرٌ عَلَى الثَّوْبِ وَلَمْ يُفِدْ حُكْمَ الْبَدَنِ فَقَدْ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ كَمَا تَرَى لَكِنْ تَرَجَّحَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْفَتْوَى عَلَيْهِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مَا يَقْتَضِي التَّوْفِيقَ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ بِأَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ اعْتِبَارِ رُبْعِ جَمِيعِ الثَّوْبِ السَّاتِرِ لِجَمِيعِ بَدَنِ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ أَدْنَى مَا تَجُوزُ فِيهِ الصَّلَاةُ اُعْتُبِرَ رُبْعُهُ؛ لِأَنَّهُ الْكَثِيرُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُصَابِ. اهـ. وَهُوَ حَسَنٌ جِدًّا وَلَمْ يُنْقَلْ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَصْلًا وَمَثَّلَ الْمُصَنِّفِ لِلْمُخَفَّفَةِ بِثَلَاثَةٍ الْأَوَّلُ بِبَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَهُوَ مُخَفَّفٌ عِنْدَهُمَا طَاهِرٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِحَدِيثِ الْعُرَنِيِّينَ وَأَبُو يُوسُفَ قَالَ بِالتَّخْفِيفِ لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَصْلِهِ وَأَبُو حَنِيفَةَ قَالَ بِهِ أَيْضًا لِتَعَارُضِ النَّصَّيْنِ وَهُمَا حَدِيثُ الْعُرَنِيِّينَ وَحَدِيثُ «اسْتَنْزِهُوا الْبَوْلَ» وَفِي الْكَافِي فَإِنْ قِيلَ تَعَارُضُ النَّصَّيْنِ كَيْفَ يَتَحَقَّقُ وَحَدِيثُ الْعُرَنِيِّينَ مَنْسُوخٌ عِنْدَهُ قُلْنَا: إنَّهُ قَالَ ذَلِكَ رَأْيًا وَلَمْ يَقْطَعْ بِهِ فَتَكُونُ صُورَةُ التَّعَارُضِ قَائِمَةً. اهـ. وَهُوَ أَحْسَنُ مِمَّا أَجَابَ بِهِ فِي النِّهَايَةِ فَإِنَّ صَاحِبَ الْعِنَايَةِ قَدْ رَدَّهُ فَلِيُرَاجَعَا. الثَّانِي بَوْلُ الْفَرَسِ وَهُوَ دَاخِلٌ فِيمَا قَبْلَهُ لَكِنْ لَمَّا كَانَ فِي أَكْلِ لَحْمِهِ اخْتِلَافٌ صَرَّحَ بِهِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّهُ دَاخِلٌ فِي بَوْلِ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ عِنْدَ الْإِمَامِ فَيَكُونُ مُغَلَّظًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ مُخَفَّفٌ عِنْدَهُمَا طَاهِرٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ كَبَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ، وَإِنَّمَا كُرِهَ لَحْمُهُ إمَّا تَنْزِيهًا أَوْ تَحْرِيمًا مَعَ اخْتِلَافِ التَّصْحِيحِ؛ لِأَنَّهُ آلَةُ الْجِهَادِ لَا لِأَنَّ لَحْمَهُ نَجَسٌ بِدَلِيلِ أَنَّ سُؤْرَهُ طَاهِرٌ اتِّفَاقًا. وَالثَّالِثُ خُرْءُ طَيْرٍ لَا يُؤْكَلُ، وَقَدْ اخْتَلَفَ الْإِمَامَانِ الْهِنْدُوَانِيُّ وَالْكَرْخِيُّ فِيمَا نَقَلَاهُ عَنْ أَئِمَّتِنَا فِيهِ فَرَوَى الْهِنْدُوَانِيُّ أَنَّهُ مُخَفَّفٌ عِنْدَ الْإِمَامِ مُغَلَّظٌ عِنْدَهُمَا وَرَوَى الْكَرْخِيُّ أَنَّهُ طَاهِرٌ عِنْدَهُمَا مُغَلَّظٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَقِيلَ إنَّ أَبَا يُوسُفَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي التَّخْفِيفِ أَيْضًا فَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ مُغَلَّظٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَأَمَّا أَبُو يُوسُفَ فَلَهُ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ الطَّهَارَةُ وَالتَّغْلِيظُ وَالتَّخْفِيفُ، وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَرِوَايَتَانِ التَّخْفِيفُ وَالطَّهَارَةُ، وَأَمَّا التَّغْلِيظُ فَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ وَصَحَّحَ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَالدِّخْرِيصِ) قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ النَّابُلُسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ بِكَسْرِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ قِيلَ هُوَ مُعَرَّبٌ وَقِيلَ عَرَبِيٌّ وَهُوَ عِنْدَ الْعَرَبِ الْبَنِيقَةُ وَالدِّخْرِصُ وَالدُّخْرُوصَةُ لُغَةٌ وَالْجَمْعُ دَخَارِصُ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ. اهـ. (قَوْلُهُ: لَكِنْ تَرَجَّحَ الْأَوَّلُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يُعْطِي اعْتِبَارَ رُبْعِ جَمِيعِ الثَّوْبِ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ وَهُوَ الْأَصَحُّ، ثُمَّ قَالَ وَمَا فِي الْكِتَابِ أَوْلَى لِمَا مَرَّ وَلَا شَكَّ أَنَّ رُبْعَ الْمُصَابِ لَيْسَ كَثِيرًا فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ فَاحِشًا وَلِضَعْفِ وَجْهِ هَذَا الْقَوْلِ لَمْ يُعَرِّجْ عَلَيْهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مَا يَقْتَضِي التَّوْفِيقَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ بَلْ إنَّمَا فِيهِ تَقْيِيدٌ حَسَنٌ لِمَحِلِّ الْخِلَافِ وَذَلِكَ أَنَّ اعْتِبَارَ رُبْعِ الْجَمِيعِ مَحَلُّهُ مَا إذَا كَانَ لَابِسًا لَهُ، أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إلَّا ثَوْبٌ تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ اُعْتُبِرَ رُبْعُهُ اتِّفَاقًا وَمُقْتَضَى الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ ثَوْبٌ كَامِلٌ فَتَنَجَّسَ مِنْهُ أَقَلُّ مِنْ الرُّبْعِ إلَّا أَنَّهُ لَوْ اُعْتُبِرَ بِأَدْنَى ثَوْبٍ تَجُوزُ فِيهِ الصَّلَاةُ بَلَغَ سِنُّهُ رُبْعًا مُنِعَ. اهـ. أَقُولُ: وَهُوَ الْمُتَبَادِرُ فِي بَادِي النَّظَرِ مِنْ عِبَارَةِ الْفَتْحِ حَيْثُ ذَكَرَ ذَلِكَ عَلَى صُورَةِ التَّقْيِيدِ وَالِاسْتِدْرَاكِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَعِبَارَتُهُ هَكَذَا وَيَظْهَرُ أَنَّ الْأَوَّلَ يَعْنِي اعْتِبَارَ الرُّبْعِ أَحْسَنُ لِاعْتِبَارِ الرُّبْعِ كَثِيرًا كَالْكُلِّ فِي مَسْأَلَةِ الثَّوْبِ تَنَجَّسَ إلَّا رُبُعُهُ وَانْكِشَافُ رُبْعِ الْعُضْوِ مِنْ الْعَوْرَةِ بِخِلَافِ مَا دُونَهُ فِيهِمَا غَيْرَ أَنَّ ذَلِكَ الثَّوْبَ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ شَامِلًا اُعْتُبِرَ رُبْعُهُ وَإِنْ كَانَ أَدْنَى مَا تَجُوزُ فِيهِ الصَّلَاةُ اُعْتُبِرَ رُبْعُهُ؛ لِأَنَّهُ الْكَثِيرُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الثَّوْبِ الْمُصَابِ. اهـ. وَحَاصِلُ كَلَامِ النَّهْر أَنَّ مُرَادَ الْمُحَقِّقِ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ هُوَ مَا إذَا كَانَ لَابِسًا لِلشَّامِلِ لَا لِلْأَدْنَى بَلْ هُوَ مَحَلُّ وِفَاقٍ وَلَا يَخْفَى بُعْدُهُ بَعْدَ التَّأَمُّلِ فِي كَلَامِ الْمُحَقِّقِ وَالظَّاهِرُ مَا قَالَهُ فِي الْبَحْرِ، وَقَدْ سَبَقَهُ إلَيْهِ الْعَلَّامَةُ الْحَلَبِيُّ فَقَالَ وَوَفَّقَ الشَّيْخُ كَمَالُ الدِّينِ بْنُ الْهُمَامِ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الثَّوَابَ إنْ كَانَ شَامِلًا لِلْبَدَنِ اُعْتُبِرَ رُبْعُهُ وَإِنْ كَانَ أَدْنَى مَا تَجُوزُ فِيهِ الصَّلَاةُ اُعْتُبِرَ رُبْعُهُ؛ لِأَنَّهُ الْكَثِيرُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الثَّوْبِ الْمُصَابِ أَيْ لِأَنَّ رُبْعَ الثَّوْبِ الشَّامِلِ كَثِيرٌ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ وَرُبْعَ أَدْنَى مَا تَجُوزُ فِيهِ الصَّلَاةُ كَثِيرٌ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا بِالنِّسْبَةِ إلَى الشَّامِلِ وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ اهـ (قَوْلُهُ وَهُوَ أَحْسَنُ مِمَّا أَجَابَ بِهِ فِي النِّهَايَةِ) إلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي النَّهْرِ وَفِيهِ نَظَرٌ لَا يَخْفَى. اهـ. وَعِبَارَةُ النِّهَايَةِ سُؤَالًا وَجَوَابًا هَكَذَا، فَإِنْ قِيلَ التَّعَارُضُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ إذَا جُهِلَ التَّارِيخُ، وَقَدْ قِيلَ: إنَّ فِي حَدِيثِ الْعُرَنِيِّينَ دَلَالَةَ التَّقَدُّمِ؛ لِأَنَّ فِيهِ الْمُثْلَةَ وَهِيَ مَنْسُوخَةٌ فَيَدُلُّ عَلَى نَسْخِ الْبَاقِي، قُلْتُ: الدَّلَالَةُ دُونَ الْعِبَارَةِ وَفِي عِبَارَتِهِ تَعَارُضٌ فَرُجِّحَ جَانِبُ الْعِبَارَةِ فَيَتَحَقَّقُ التَّعَارُضُ أَوْ نَقُولُ انْتِسَاخُ الْمُثْلَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى انْتِسَاخِ طَهَارَةِ بَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ؛ لِأَنَّهُمَا حُكْمَانِ مُخْتَلِفَانِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ انْتِسَاخِ أَحَدِهِمَا انْتِسَاخُ الْآخَرِ كَمَا فِي صَوْمِ عَاشُورَاءَ وَتَكْرَارِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ عَلَى حَمْزَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 إنَّهُ نَجَسٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ حَتَّى لَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ أَفْسَدَهُ وَقِيلَ لَا يَفْسُدُ لِتَعَذُّرِ صَوْنِ الْأَوَانِي عَنْهُ وَصَحَّحَ الشَّارِحُ وَجَمَاعَةٌ رِوَايَةَ الْهِنْدُوَانِيُّ فَالتَّخْفِيفُ عِنْدَهُ لِعُمُومِ الْبَلْوَى وَهِيَ مُوجِبَةٌ لِلتَّخْفِيفِ، وَأَمَّا التَّغْلِيظُ عِنْدَهُمَا فَاسْتَشْكَلَهُ الشَّارِحُ الزَّيْلَعِيُّ بِأَنَّ اخْتِلَافَ الْعُلَمَاءِ يُورِثُ التَّخْفِيفَ عِنْدَهُمَا، وَقَدْ وَجَدَ فَإِنَّهُ طَاهِرٌ فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ فَكَانَ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ مَسَاغٌ. اهـ. وَقَدْ يُجَابُ عَنْهُ بِضَعْفِ رِوَايَةِ الطَّهَارَةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَإِنْ صَحَّحَهَا بَعْضُهُمْ كَمَا سَيَأْتِي فَلَمْ يَعُدْ اخْتِلَافًا وَصَحَّحَ صَاحِبُ الْمَبْسُوطِ رِوَايَةَ الْكَرْخِيِّ وَهِيَ الطَّهَارَةُ عِنْدَهُمَا وَكَذَا صَحَّحَهُ فِي الدَّقَائِقِ وَالْأَوْلَى اعْتِمَادُ التَّصْحِيحِ الْأَوَّلُ لِمُوَافَقَتِهِ لِمَا فِي الْمُتُونِ وَلِهَذَا قَالَ شَارِحُ الْمُنْيَةِ تِلْمِيذُ الْمُحَقِّقِ ابْنِ الْهُمَامِ تَصْحِيحُ النَّجَاسَةِ أَوْجَهُ وَوَجَّهَهُ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّ الضَّرُورَةَ فِيهِ لَا تُؤَثِّرُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَلَّ أَنْ يَصِلَ إلَى أَنْ يَفْحُشَ فَيَكْفِي تَخْفِيفُهُ. اهـ. وَالْخُرْءُ وَاحِدُ الْخُرُوءِ، مِثْلُ قُرْءٍ وَقُرُوءٍ وَعَنْ الْجَوْهَرِيِّ بِالضَّمِّ كَجُنْدٍ وَجُنُودٍ وَالْوَاوُ بَعْدَ الرَّاءِ غَلَطٌ وَالْهِنْدُوَانِي بِضَمِّ الْهَاءِ فِي نُسْخَةٍ مُعْتَبَرَةٍ وَفِي الْمَنْظُومَةِ لِلنَّسَفِيِّ بِكَسْرِهَا وَهَذِهِ النِّسْبَةُ إلَى الْهِنْدُوَانِ بِكَسْرِ الْهَاءِ حِصَارٌ بِبَلْخٍ يُقَالُ لَهُ بَابُ الْهِنْدُوَانِيُّ يَنْزِلُ فِيهِ الْغِلْمَانُ وَالْجَوَارِي الَّتِي تُجْلَبُ مِنْ الْهِنْدُوَانِ فَلَعَلَّهُ وُلِدَ هُنَاكَ كَذَا فِي الْحَقَائِقِ وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ، وَإِنْ أَصَابَهُ بَوْلُ الشَّاةِ وَبَوْلُ الْآدَمِيِّ تُجْعَلُ الْخَفِيفَةُ تَبَعًا لِلْغَلِيظَةِ. اهـ. . (قَوْلُهُ وَدَمُ السَّمَكِ وَلُعَابُ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ وَبَوْلٌ انْتَضَحَ كَرُءُوسِ الْإِبَرِ) أَيْ وَعُفِيَ دَمُ السَّمَكِ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ، أَمَّا دَمُ السَّمَكِ فَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِدَمٍ عَلَى التَّحْقِيقِ، وَإِنَّمَا هُوَ دَمٌ صُورَةً؛ لِأَنَّهُ إذَا يَبِسَ يَبْيَضُّ وَالدَّمُ يَسْوَدُّ وَأَيْضًا الْحَرَارَةُ خَاصِّيَّةُ الدَّمِ وَالْبُرُودَةُ خَاصِّيَّةُ الْمَاءِ فَلَوْ كَانَ لِلسَّمَكِ دَمٌ لَمْ يَدُمْ سُكُونُهُ فِي الْمَاءِ، أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ السَّمَكَ الْكَبِيرَ إذَا سَالَ مِنْهُ شَيْءٌ، فَإِنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ طَهَارَةُ دَمِ السَّمَكِ مُطْلَقًا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ نَجَاسَتُهُ مُطْلَقًا وَأَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِالْكَثِيرِ الْفَاحِشِ وَعَنْهُ نَجَاسَةُ دَمِ الْكَبِيرِ وَمَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ ضَعِيفٌ ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى أَنْوَاعِ الدِّمَاءِ وَأَحْكَامِهَا، وَأَمَّا لُعَابُ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ فَقَدْ قَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ فِي الْأَسْآرِ وَفِي الْمَجْمَعِ وَيُلْحَقُ بِالْخَفِيفَةِ لُعَابُ الْبَغْلِ ذُو الْحِمَارِ وَطَهَّرَاهُ وَالظَّاهِرُ مِنْ غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّهُ رِوَايَةُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَإِنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ عَنْهُ كَقَوْلِهِمَا وَأَمَّا الْبَوْلُ الْمُنْتَضَحُ قَدْرَ رُءُوسِ الْإِبَرِ فَمَعْفُوٌّ عَنْهُ لِلضَّرُورَةِ، وَإِنْ امْتَلَأَ الثَّوْبُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وُجُوبُ غَسْلِهِ أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ مَا إذَا أَصَابَهُ مَاءٌ فَكَثُرَ فَإِنَّهُ يَجِبُ غَسْلُهُ أَيْضًا وَشَمَلَ بَوْلَهُ وَبَوْلَ غَيْرِهِ وَقَيَّدَ بِرُءُوسِ الْإِبَرِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مِثْلَ رُءُوسِ الْمِسَلَّةِ مُنِعَ وَفِي الْكَافِي قِيلَ قَوْلُهُ رُءُوسِ الْإِبَرِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْجَانِبَ الْآخَرَ مِنْ الْإِبَرِ مُعْتَبَرٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ لَا يُعْتَبَرُ الْجَانِبَانِ وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي التَّبْيِينِ وَحَكَى الْقَوْلَ الْأَوَّلَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ عَنْ الْهِنْدُوَانِيُّ قَالَ وَغَيْرُهُ مِنْ   [منحة الخالق] عَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُعْرَفُ بِالتَّأَمُّلِ. اهـ. وَرَدَّ فِي الْعِنَايَةِ كُلًّا مِنْ الْوَجْهَيْنِ فَرَدَّ الْأَوَّلَ بِقَوْلِهِ هُوَ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ اشْتِمَالَ الْقِصَّةِ عَلَى الْمُثْلَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعِبَارَةَ مَنْسُوخَةٌ فَلَا تَعَارُضَ وَالثَّانِي بِقَوْلِهِ هُوَ أَيْضًا فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ حَدِيثَ الْعُرَنِيِّينَ الدَّالَّ عَلَى طَهَارَةِ بَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ مَنْسُوخًا أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ انْتَفَى التَّعَارُضُ وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ لَمْ يَثْبُتْ نَجَاسَةُ بَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اسْتَنْزِهُوا» عِنْدَهُ وَالْأَمْرُ بِخِلَافِهِ. اهـ. أَيْ لَمْ تَثْبُتْ النَّجَاسَةُ يَقِينًا بَلْ يَثْبُتُ الشَّكُّ بِالتَّعَارُضِ (قَوْلُهُ وَالْأَوْلَى اعْتِمَادُ التَّصْحِيحِ الْأَوَّلِ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَلَا يَخْفَى أَنَّهَا بِقَوْلِهِمَا أَنْسَبُ إذْ لَا وَجْهَ لِلتَّغْلِيظِ مَعَ ثُبُوتِ الِاخْتِلَافِ وَمَا فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ رِوَايَةَ الْكَرْخِيِّ ضَعِيفَةٌ وَإِنْ رُجِّحَتْ فَمَنْعُهُ ظَاهِرٌ إذْ لَوْ اُعْتُبِرَ هَذَا الْمَعْنَى لَمَا ثَبَتَ تَخْفِيفٌ بِاخْتِلَافٍ أَصْلًا وَقَوْلُ التَّخَالُفِ بَعْدَ إثْبَاتِ ضَعْفِ دَلِيلِهِ وَرَدِّهِ مُؤَثِّرٌ فِي التَّخْفِيفِ. اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ وَجِيهٌ كَيْفَ، وَقَدْ اُعْتُبِرَ الِاخْتِلَافُ فِي مَذْهَبِ الْغَيْرِ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّتِنَا أَصْلًا. (قَوْلُهُ: وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ إلَخْ) أَقُولُ: فِي الْقُنْيَةِ نِصْفُ النَّجَاسَةِ الْخَفِيفَةِ وَنِصْفُ الْغَلِيظَةِ يُجْمَعَانِ. اهـ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ تُجْمَعُ النَّجَاسَةُ الْمُتَفَرِّقَةُ فَتُجْعَلُ الْخَفِيفَةُ غَلِيظَةً إذَا كَانَتْ نِصْفًا أَوْ أَقَلَّ مِنْ الْغَلِيظَةِ كَمَا فِي الْمُنْيَةِ. اهـ. أَقُولُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ فِيمَا إذَا اخْتَلَطَا فَتُرَجَّحُ الْغَلِيظَةُ وَلَوْ كَانَتْ أَقَلَّ كَمَا لَوْ اخْتَلَطَتْ بِمَاءٍ أَوْ مَا فِي الْقُنْيَةِ وَالْقُهُسْتَانِيِّ فِيمَا إذَا كَانَ فِي مَوْضِعَيْنِ وَلَمْ يَبْلُغْ كُلٌّ مِنْهُمَا بِانْفِرَادِهِ الْقَدْرَ الْمَانِعَ فَإِذَا بَلَغَ نِصْفَ الْقَدْرِ الْمَانِعِ مِنْ الْغَلِيظَةِ وَنِصْفَهُ مِنْ الْخَفِيفَةِ مُنِعَ تَرْجِيحًا لِلْغَلِيظَةِ وَكَذَا إذَا زَادَتْ الْغَلِيظَةُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْخَفِيفَةُ أَكْثَرَ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي. [طَهَارَة دَمُ السَّمَكِ وَلُعَابُ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ] (قَوْلُهُ: وَفِي الْمَجْمَعِ إلَى قَوْلِهِ وَطَهَّرَاهُ) أَيْ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: قَدْرَ رُءُوسِ الْإِبَرِ) قَيَّدَهُ الْعَلَّامَةُ الْحَلَبِيُّ بِمَا لَا يُدْرِكُهُ الطَّرْفُ، ثُمَّ قَالَ وَالتَّقْيِيدُ بِهِ ذَكَرَهُ الْمُعَلَّى فِي النَّوَادِرِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ قَالَ إذَا انْتَضَحَ مِنْ الْبَوْلِ شَيْءٌ يُرَى أَثَرُهُ لَا بُدَّ مِنْ غَسْلِهِ وَإِنْ لَمْ يُغْسَلْ حَتَّى صَلَّى وَهُوَ بِحَالٍ لَوْ جُمِعَ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ أَعَادَ الصَّلَاةَ. اهـ. قَالَ وَإِذَا صَرَّحَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ بِقَيْدٍ لَمْ يَرِدْ عَنْ غَيْرِهِ مِنْهُمْ تَصْرِيحٌ بِخِلَافِهِ يَجِبُ أَنْ يُعْتَبَرَ سِيَّمَا وَالْمَوْضِعُ احْتِيَاطٌ وَلَا حَرَجَ فِي التَّحَرُّزِ عَنْ مِثْلِهِ بِخِلَافِ مَا لَا يُرَى كَمَا فِي أَثَرِ رِجْلِ الذُّبَابِ فَإِنَّ فِي التَّحَرُّزِ عَنْهُ حَرَجًا ظَاهِرًا، وَكَذَا نَقَلَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 الْمَشَايِخِ لَا يُعْتَبَرُ الْجَانِبَانِ دَفْعًا لِلْحَرَجِ وَأَشَارَ إلَى مَا قَالُوا لَوْ أَلْقَى عَذِرَةً أَوْ بَوْلًا فِي مَاءِ فَانْتُضِحَ عَلَيْهِ مَاءٌ مِنْ وَقْعِهَا لَا يَنْجُسُ مَا لَمْ يَظْهَرْ لَوْنُ النَّجَاسَةِ أَوْ يَعْلَمْ أَنَّهُ الْبَوْلُ، وَمَا تَرَشَّشَ عَلَى الْغَاسِلِ مِنْ غُسَالَةِ الْمَيِّتِ مِمَّا لَا يُمْكِنُهُ الِامْتِنَاعُ عَنْهُ مَا دَامَ فِي عِلَاجِهِ لَا يُنَجِّسُهُ لِعُمُومِ الْبَلْوَى بِخِلَافِ الْغَسَلَاتِ الثَّلَاثِ إذَا اسْتَنْقَعَتْ فِي مَوْضِعٍ فَأَصَابَتْ شَيْئًا نَجَّسَتْهُ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فَالْبَوْلُ فِي الْمُخْتَصَرِ قَيْدٌ احْتِرَازِيٌّ، وَقَدْ قَدَّمْنَا التَّصْحِيحَ فِي غُسَالَةِ الْمَيِّتِ قَرِيبًا، وَقَدْ أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْعَفْوَ عَلَى الْكُلِّ مَعَ أَنَّ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ طَاهِرَةٌ فَتَعَقَّبَهُ الشَّارِحُ الزَّيْلَعِيُّ؛ لِأَنَّ الْعَفْوَ يَقْتَضِي النَّجَاسَةَ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ هَذِهِ ذُكِرَتْ بِطَرِيقِ الِاسْتِطْرَادِ وَالتَّبَعِيَّةِ وَلَا لَبْسَ لِتَصْرِيحِهِ فِي الْكَافِي بِالطَّهَارَةِ أَوْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ الِاتِّفَاقُ عَلَى طَهَارَتِهَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَاتَّضَحَ بِمَعْنَى تَرَشَّشَ وَفِي الْقُنْيَةِ وَالْبَوْلُ الَّذِي يُصِيبُ الثَّوْبَ مِثْلُ رُءُوسِ الْإِبَرِ إذَا اتَّصَلَ وَانْبَسَطَ وَزَادَ عَلَى قَدْرِ الدِّرْهَمِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالدُّهْنِ النَّجَسِ إذَا انْبَسَطَ، أَبْوَالُ الْبَرَاغِيثِ لَا تَمْنَعُ جَوَازَ الصَّلَاةِ، يَمْشِي فِي السُّوقِ فَتَبْتَلُّ قَدَمَاهُ بِمَاءٍ رُشَّ بِهِ السُّوقُ فَصَلَّى لَمْ يَجْزِهِ؛ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ غَالِبَةٌ فِي أَسْوَاقِنَا وَقِيلَ يُجْزِئُهُ وَعَنْ أَبِي نَصْرٍ الدَّبُوسِيِّ طِينُ الشَّارِعِ وَمَوَاطِئِ الْكِلَابِ فِيهِ طَاهِرٌ، وَكَذَا الطِّينُ الْمُسَرْقَنُ وَرَدْغَةُ طَرِيقٍ فِيهِ نَجَاسَةٌ طَاهِرَةٌ إلَّا إذَا رَأَى عَيْنَ النَّجَاسَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ حَيْثُ الرِّوَايَةُ وَقَرِيبٌ مِنْ حَيْثُ الْمَنْصُوصُ عَنْ أَصْحَابِنَا اهـ. (قَوْلُهُ: وَالنَّجَسُ الْمَرْئِيُّ يَطْهُرُ بِزَوَالِ عَيْنِهِ إلَّا مَا يَشُقُّ) أَيْ يَطْهُرُ مَحَلُّهُ بِزَوَالِ عَيْنِهِ؛ لِأَنَّ تَنَجُّسَ الْمَحَلِّ بِاعْتِبَارِ الْعَيْنِ فَيَزُولُ بِزَوَالِهَا وَالْمُرَادُ بِالْمَرْئِيِّ مَا يَكُونُ مَرْئِيًّا بَعْدَ الْجَفَافِ كَالدَّمِ وَالْعَذِرَةِ وَمَا لَيْسَ بِمَرْئِيٍّ هُوَ مَا لَا يَكُونُ مَرْئِيًّا بَعْدَ الْجَفَافِ كَالْبَوْلِ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَهُوَ مَعْنَى مَا فَرَّقَ بِهِ فِي الذَّخِيرَةِ بِأَنَّ الْمَرْئِيَّةَ هِيَ الَّتِي لَهَا جُرْمٌ وَغَيْرُ الْمَرْئِيَّةِ هِيَ الَّتِي لَا جُرْمَ لَهَا وَأَطْلَقَهُ فَشَمَلَ مَا إذَا زَالَتْ الْعَيْنُ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنَّهُ يَكْتَفِي بِهَا وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَفِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ وَأَفَادَ أَنَّهَا لَوْ لَمْ تَزُلْ بِالثَّلَاثِ فَإِنَّهُ يَزِيدُ عَلَيْهَا إلَى أَنْ تَزُولَ الْعَيْنُ، وَإِنَّمَا قَالَ يَطْهُرُ بِزَوَالِ عَيْنِهِ وَلَمْ يَقُلْ بِغَسْلِهِ لِيَشْمَلَ مَا يَطْهُرُ مِنْ غَيْرِ غَسْلٍ مِمَّا قَدَّمَهُ مِنْ طَهَارَةِ الْخُفِّ بِالدَّلْكِ وَالْمَنِيِّ بِالْفَرْكِ وَالسَّيْفِ بِالْمَسْحِ وَالْأَرْضِ بِالْيُبْسِ فَفِي   [منحة الخالق] عَنْ الْكَرْمَانِيِّ لَكِنْ قَالَ بَعْدَهُ وَفِي التُّمُرْتَاشِيِّ إنْ اسْتَبَانَ أَثَرُهُ عَلَى الثَّوْبِ بِأَنْ تُدْرِكَهُ الْعَيْنُ أَوْ عَلَى الْمَاءِ بِأَنْ يَنْفَرِجَ أَوْ يَتَحَرَّكَ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ وَعَنْ الشَّيْخَيْنِ أَنَّهُ مُعْتَبَرٌ. (قَوْلُهُ: لَا يُعْتَبَرُ الْجَانِبَانِ) كَذَا فِي النُّسَخِ بِالْأَلِفِ وَالصَّوَابُ الْجَانِبَيْنِ بِالْيَاءِ كَمَا هُوَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. (قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَظْهَرْ لَوْنُ النَّجَاسَةِ أَوْ يُعْلَمْ أَنَّهُ الْبَوْلُ) قَالَ فِي مُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ رَاكِدًا يُفْسِدُهُ. اهـ. فَمَا ذَكَرَهُ هُنَا مُقَيَّدٌ بِالْجَارِي لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْمُنْيَةِ اخْتِلَافًا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَنَقَلَ التَّفْصِيلَ عَنْ الْخَانِيَّةِ وَالتَّجْنِيسِ مُطْلَقًا عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْفَضْلِ وَعَكْسُهُ عَنْ أَبِي اللَّيْثِ وَاخْتَارَهُ شَارِحُهَا وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ الرَّشَاشَ الْمُتَصَاعِدَ مِنْ صَدْمِ شَيْءٍ لِلْمَاءِ إنَّمَا هُوَ أَجْزَاءُ الْمَاءِ لَا مِنْ أَجْزَاءِ الشَّيْءِ الصَّادِمِ فَيُحْكَمُ بِالْغَالِبِ مَا لَمْ يَظْهَرْ خِلَافُهُ وَلِلْقَاعِدَةِ الْمُطَّرِدَةِ أَنَّ الْيَقِينَ لَا يَزُولُ بِالشَّكِّ. (قَوْلُهُ: وَمَا تَرَشَّشَ إلَى قَوْلِهِ نَجِسَةٌ) مَبْنِيٌّ عَلَى مَا أَطْلَقَهُ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ مِنْ أَنَّ غُسَالَةَ الْمَيِّتِ نَجِسَةٌ قَالَ فِي السِّرَاجِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ يَصِيرُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا، وَلَا يَكُونُ نَجِسًا إلَّا أَنَّ مُحَمَّدًا إنَّمَا أَطْلَقَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ بَدَنَ الْمَيِّتِ لَا يَخْلُو عَنْ نَجَاسَةٍ غَالِبًا، كَذَا فِي الْفَتَاوَى. اهـ. (قَوْلُهُ وَرَدْغَةُ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ مُحَرَّكَةٌ وَتُسَكَّنُ الْمَاءُ وَالطِّينُ وَالْوَحْلُ الشَّدِيدُ. [النَّجَسُ الْمَرْئِيُّ يَطْهُرُ بِزَوَالِ عَيْنِهِ] (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ يَطْهُرُ بِزَوَالِ عَيْنِهِ إلَخْ) وَيَطْهُرُ الْبَدَنُ بِغَسْلِهِ وَالثَّوْبُ بِغَسْلِهِ ثَلَاثًا بِمِيَاهٍ طَاهِرَةٍ وَعَصْرِهِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَكَذَا تَطْهِيرُهُ فِي الْإِجَّانَةِ وَالْمِيَاهُ الثَّلَاثَةُ نَجِسَةٌ وَقِيلَ فِي النَّجَاسَةِ الْمَرْئِيَّةِ يَكْفِي زَوَالُهَا بِمَرَّةٍ، وَاعْلَمْ أَنَّ النَّجَاسَةَ الْمَرْئِيَّةَ عَلَى قِسْمَيْنِ مَرْئِيَّةٌ كَالْعَذِرَةِ وَالدَّمِ وَغَيْرُ مَرْئِيَّةٍ كَالْبَوْلِ. فَأَمَّا الْمَرْئِيَّةُ فَطَهَارَةُ مَحَلِّهَا زَوَالُ عَيْنِهَا؛ لِأَنَّ تَنَجُّسَ الْمَحَلِّ بِاعْتِبَارِ الْعَيْنِ فَيَزُولُ بِزَوَالِهَا وَلَوْ بِمَرَّةٍ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْكَنْزِ وَاعْتَمَدَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَقِيلَ لَا يَطْهُرُ مَا لَمْ يَغْسِلْهُ ثَلَاثًا بَعْدَ زَوَالِ الْعَيْنِ لِأَنَّهُ بَعْدَ زَوَالِ الْعَيْنِ الْتَحَقَ بِنَجَاسَةٍ غَيْرِ مَرْئِيَّةٍ غُسِلَتْ مَرَّةً. اهـ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: إنَّهُ خِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَهَذَا هُوَ الَّذِي اعْتَمَدَهُ الْمُصَنِّفُ كَمَا تُعْطِيهِ عِبَارَتُهُ؛ لِأَنَّهُ حَكَى مَا جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْكَنْزِ وَغَيْرُهُ بِصِيغَةِ قِيلَ، وَأَمَّا غَيْرُ الْمَرْئِيَّةِ فَطَهَارَةُ مَحَلِّهَا غَسْلُهَا ثَلَاثًا وَالْعَصْرُ كُلَّ مَرَّةٍ وَالْمُعْتَبَرُ فِيهِ غَلَبَةُ الظَّنِّ، وَإِنَّمَا قَدَّرُوهُ بِالثَّلَاثِ؛ لِأَنَّ غَلَبَةَ الظَّنِّ تَحْصُلُ عِنْدَهَا غَالِبًا وَفِي شَرْحِ الدُّرَرِ شَرْطُ الْمُبَالَغَةِ فِي الْمَرَّةِ الثَّالِثَةِ بِحَيْثُ لَوْ عَصَرَهُ بِقَدْرِ طَاقَتِهِ لَا يَسِيلُ مِنْهُ الْمَاءُ وَلَوْ لَمْ يُبَالِغْ فِيهِ صِيَانَةً لِلثَّوْبِ لَا يَطْهُرُ. اهـ. وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ نَاقِلًا عَنْ الْخَانِيَّةِ وَقَوْلُهُ وَكَذَا تَطْهِيرُهُ فِي الْإِجَّانَةِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ فِي تَطْهِيرِهِ رَاجِعًا إلَى الثَّوْبِ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْإِمَامَيْنِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَعُودَ إلَى الْمُتَنَجِّسِ الْمَفْهُومِ مِنْ السِّيَاقِ الشَّامِلِ لِلْبَدَنِ وَالثَّوْبِ أَوْ لِلْبَدَنِ، وَيَكُونُ الْمُصَنِّفُ اعْتَمَدَ فِي ذَلِكَ قَوْلَ مُحَمَّدٍ وَالْإِمَامِ مَعَهُ كَمَا فِي التَّقْرِيبِ وَالْبَدَائِعِ خِلَافًا لِلْإِمَامِ الثَّانِي فَإِنَّهُ يَشْتَرِطُ الصَّبَّ لِطَهَارَةِ الْعُضْوِ فَلَوْ غَسَلَ الْعُضْوَ فِي ثَلَاثِ إجَّانَاتٍ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ الْجِيمِ جَمْعِ إجَّانَةٍ أَيْ ظُرُوفٍ أَوْ فِي إجَّانَةٍ وَاحِدَةٍ بِتَجْدِيدِ الْمَاءِ لَا يَطْهُرُ عِنْدَهُ بِخِلَافِ الثَّوْبِ لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِغَسْلِ الثِّيَابِ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 هَذَا كُلِّهِ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْغَسْلِ بَلْ يَكْفِي فِي ذَلِكَ زَوَالُ الْعَيْنِ مِنْ غَيْرِ غَسْلٍ، كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ إلَّا مَا شَقَّ اسْتِثْنَاءُ مَا شَقَّ إزَالَتُهُ مِنْ أَثَرِ النَّجَاسَةِ لَا مِنْ عَيْنِهَا وَلِهَذَا قَالَ فِي النِّهَايَةِ: ثُمَّ الَّذِي وَقَعَ مِنْهُ الِاسْتِثْنَاءُ غَيْرُ مَذْكُورٍ لَفْظًا؛ لِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْأَثَرِ مِنْ الْعَيْنِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ فَكَانَ تَقْدِيرُهُ فَطَهَارَتُهُ زَوَالُ عَيْنِهِ وَأَثَرِهِ إلَّا أَنْ يَبْقَى مِنْ أَثَرِهِ وَحَذْفُ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فِي الْمُثْبَتِ جَائِزٌ إذَا اسْتَقَامَ الْمَعْنَى كَقَوْلِك قَرَأْت إلَّا يَوْمَ كَذَا. اهـ. وَفِي الْعِنَايَةِ أَنَّهُ اسْتِثْنَاءُ الْعَرَضِ مِنْ الْعَيْنِ فَيَكُونُ مُنْقَطِعًا. اهـ. فَقَدْ أَفَادَ صِحَّتَهُ مِنْ غَيْرِ هَذَا التَّقْدِيرِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ الْمُنْقَطِعَ صَحِيحٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ كَالْمُتَّصِلِ وَمِنْهُمْ مَنْ رَجَعَهُ إلَى الْمُتَّصِلِ بِالتَّقْدِيرِ وَلَعَلَّ صَاحِبَ النِّهَايَةِ مَائِلٌ إلَيْهِ وَالْمُرَادُ بِالْأَثَرِ اللَّوْنُ وَالرِّيحُ، فَإِنْ شَقَّ إزَالَتُهُمَا سَقَطَتْ وَتَفْسِيرُ الْمَشَقَّةِ أَنْ يَحْتَاجَ فِي إزَالَتِهِ إلَى اسْتِعْمَالِ غَيْرِ الْمَاءِ كَالصَّابُونِ وَالْأُشْنَانِ أَوْ الْمَاءِ الْمَغْلِيِّ بِالنَّارِ كَذَا فِي السِّرَاجِ، وَظَاهِرُ مَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّهُ يُعْفَى عَنْ الرَّائِحَةِ بَعْدَ زَوَالِ الْعَيْنِ مُطْلَقًا، وَأَمَّا اللَّوْنُ، فَإِنْ شَقَّ إزَالَتُهُ يُعْفَى أَيْضًا وَإِلَّا فَلَا وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَقَدْ يُشْكِلُ عَلَى الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ أَنَّ بَقَاءَ الْأَثَرِ الشَّاقِّ لَا يَضُرُّ مَا فِي التَّجْنِيسِ حِبٌّ فِيهِ خَمْرٌ غُسِلَ ثَلَاثًا يَطْهُرُ إذَا لَمْ يَبْقَ فِيهِ رَائِحَةُ الْخَمْرِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ فِيهِ أَثَرُهَا، فَإِنْ بَقِيَتْ رَائِحَتُهَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ فِيهِ مِنْ الْمَائِعَاتِ سِوَى الْخَلِّ؛ لِأَنَّهُ بِجَعْلِهِ فِيهِ يَطْهُرُ، وَإِنْ لَمْ يُغْسَلْ؛ لِأَنَّ مَا فِيهِ مِنْ الْخَمْرِ يَتَخَلَّلُ بِالْخَلِّ إلَّا أَنَّ آخِرَ كَلَامِهِ أَفَادَ أَنَّ بَقَاءَ رَائِحَتِهَا فِيهِ بِقِيَامِ بَعْضِ أَجْزَائِهَا وَعَلَى هَذَا قَدْ يُقَالُ فِي كُلِّ مَا فِيهِ رَائِحَةٌ كَذَلِكَ وَفِي الْخُلَاصَةِ الْكُوزُ إذَا كَانَ فِيهِ خَمْرٌ تَطْهِيرُهُ أَنْ يُجْعَلَ فِيهِ الْمَاءُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ كُلَّ مَرَّةٍ سَاعَةً، وَإِنْ كَانَ جَدِيدًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَطْهُرُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَطْهُرُ أَبَدًا. اهـ. مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ بَيْنَ بَقَاءِ الرَّائِحَةِ أَوْ لَا وَالتَّفْصِيلُ أَحْوَطُ. اهـ. مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ الْمَرْأَةُ إذَا اخْتَضَبَتْ بِحِنَّاءٍ نَجِسٍ فَغَسَلَتْ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ ثَلَاثًا بِمَاءٍ طَاهِرٍ يَطْهُرُ؛ لِأَنَّهَا أَتَتْ بِمَا فِي وُسْعِهَا وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ طَاهِرًا مَا دَامَ يَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ الْمُلَوَّنُ بِلَوْنِ الْحِنَّاءِ. اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمَذْهَبَ، وَإِنْ لَمْ يَنْقَطِعْ اللَّوْنُ وَظَاهِرُ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ بِصِيغَةٍ يَنْبَغِي هُوَ الْمَذْهَبُ فَإِنَّهُ قَالَ قَالُوا لَوْ صَبَغَ ثَوْبَهُ أَوْ يَدَهُ بِصِبْغٍ أَوْ حِنَّاءٍ نَجَسَيْنِ فَغُسِلَ إلَى أَنْ صَفَا الْمَاءُ يَطْهُرُ مَعَ قِيَامِ اللَّوْنِ وَقِيلَ يُغْسَلُ بَعْدَ ذَلِكَ ثَلَاثًا. اهـ. وَفِي الْمُجْتَبَى غَسَلَ يَدَهُ مِنْ دُهْنٍ نَجَسٍ طَهُرَتْ وَلَا يَضُرُّ أَثَرُ الدُّهْنِ عَلَى الْأَصَحِّ تَنَجَّسَ، الْعَسَلُ يَلْقَى فِي قِدْرٍ وَيُصَبُّ عَلَيْهِ الْمَاءُ وَيُغْلَى حَتَّى يَعُودَ إلَى مِقْدَارِهِ الْأَوَّلِ هَكَذَا ثَلَاثًا قَالُوا وَعَلَى هَذَا الدِّبْسُ. اهـ. وَأَطْلَقَ الْأَثَرَ الشَّاقَّ فَشَمَلَ مَا إذَا كَانَ كَثِيرًا فَإِنَّهُ مَعْفُوٌّ عَنْهُ كَمَا فِي الْكَافِي. (قَوْلُهُ: وَغَيْرُهُ بِالْغَسْلِ ثَلَاثًا وَبِالْعَصْرِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ) أَيْ غَيْرِ الْمَرْئِيِّ مِنْ النَّجَاسَةِ يَطْهُرُ بِثَلَاثِ غَسَلَاتٍ وَبِالْعَصْرِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ؛ لِأَنَّ التَّكْرَارَ لَا بُدَّ مِنْهُ لِلِاسْتِخْرَاجِ وَلَا يُقْطَعُ بِزَوَالِهِ فَاعْتُبِرَ غَالِبُ الظَّنِّ كَمَا فِي أَمْرِ الْقِبْلَةِ، وَإِنَّمَا قَدَّرُوا بِالثَّلَاثِ؛ لِأَنَّ غَالِبَ الظَّنِّ يَحْصُلُ عِنْدَهُ فَأُقِيمَ السَّبَبُ الظَّاهِرُ مَقَامَهُ تَيْسِيرًا وَيَتَأَيَّدُ ذَلِكَ بِحَدِيثِ الْمُسْتَيْقِظِ مِنْ مَنَامِهِ حَيْثُ شَرَطَ الْغَسْلَ ثَلَاثًا عِنْدَ تَوَهُّمِ النَّجَاسَةِ فَعِنْدَ التَّحَقُّقِ أَوْلَى وَلَمْ يَشْتَرِطْ الزِّيَادَةَ فِي الْمُتَحَقِّقِ؛ لِأَنَّ الثَّلَاثَ لَوْ لَمْ تَكُنْ لِإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ حَقِيقَةً لَمْ تَكُنْ رَافِعَةً لِلتَّوَهُّمِ ضَرُورَةً كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّ التَّقْدِيرَ بِالثَّلَاثِ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ زَوَالُهَا بِمَرَّةٍ أَوْ مَرَّتَيْنِ لَا يَكْفِي وَظَاهِرُ مَا فِي الْهِدَايَةِ أَوَّلًا أَنَّهُ يَكْفِي؛ لِأَنَّهُ اُعْتُبِرَ غَلَبَةُ الظَّنِّ وَآخِرًا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الزِّيَادَةِ الْوَاحِدَةِ حَيْثُ قَالَ؛ لِأَنَّ التَّكْرَارَ لَا بُدَّ مِنْهُ لِلِاسْتِخْرَاجِ وَالْمُفْتَى بِهِ اعْتِبَارُ غَلَبَةِ الظَّنِّ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ بِعَدَدٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَصَرَّحَ الْإِمَامُ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ بِأَنَّهُ لَوْ غَلَبَ   [منحة الخالق] الْإِجَّانَاتِ وَلَوْ لَمْ يَطْهُرْ لَضَاقَ عَلَى النَّاسِ. وَالْعُضْوُ لَيْسَ كَذَلِكَ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ الصَّبُّ وَأَلْحَقَهُ مُحَمَّدٌ بِالثَّوْبِ فَإِذَا غُسِلَ طَهُرَ الْعُضْوُ وَالثَّوْبُ وَيَخْرُجَانِ مِنْ الْإِجَّانَةِ الثَّالِثَةِ طَاهِرَيْنِ وَمَا بَعْدَ ذَلِكَ طَاهِرٌ وَطَهُورٌ فِي الثَّوْبِ وَطَاهِرٌ غَيْرُ طَهُورٍ فِي الْعُضْوِ لِعَدَمِ مُلَاقَاةِ النَّجَاسَةِ وَعَدَمِ التَّقَرُّبِ فِي الثَّوْبِ وَلِإِقَامَةِ الْقُرْبَةِ فِي الْعُضْوِ مِنْ شَرْحِ الْغَزِّيِّ عَلَى زَادِ الْفَقِيرِ لِابْنِ الْهُمَامِ. (قَوْلُهُ: وَقَدْ يُشْكِلُ عَلَى الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ إلَخْ) أَقُولُ: الظَّاهِرُ - وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - أَنَّ مَا فِي التَّجْنِيسِ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَ مَا يَنْعَصِرُ وَبَيْنَ مَا لَا يَنْعَصِرُ حَيْثُ لَا يُغْتَفَرُ فِي الثَّانِي بَقَاءُ الْأَثَرِ وَإِنْ كَانَ يَشُقُّ كَمَا سَيَأْتِي وَعَلَيْهِ فَلَا إشْكَالَ (قَوْلُهُ: أَفَادَ أَنَّ بَقَاءَ رَائِحَتِهَا فِيهِ بِقِيَامِ بَعْضِ أَجْزَائِهَا) هَذَا يُفِيدُ أَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْأَثَرِ مِنْ الْعَيْنِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ اسْتِثْنَاءٌ مُتَّصِلٌ وَعَلَيْهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى مَا تَكَلَّفُوا بِهِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ عِبَارَةُ الْخَانِيَّةِ تُؤْذِنُ بِأَنَّ مَا جَزَمَ بِهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بَحْثٌ لِقَاضِي خَانْ وَأَنَّ الْمَذْهَبَ الْأَوَّلُ. اهـ. وَلَكِنْ يُبْعِدُهُ تَعْبِيرُ صَاحِبِ الْفَتْحِ بِقَوْلِهِ قَالُوا فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ تَنَجَّسَ الْعَسَلُ إلَخْ) لَمْ يَذْكُرْ مِقْدَارَ مَا يُصَبُّ عَلَيْهِ مِنْ الْمَاءِ وَظَاهِرُهُ عَدَمُ التَّقْدِيرِ لَكِنْ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ مَا نَصُّهُ وَجَدْت بِخَطِّ بَعْضِ الثِّقَاتِ مِنْ أَهْلِ الْإِفْتَاءِ أَنَّ الْمَنَوَيْنِ كَافِيَانِ لِعَشَرَةِ أَمْنَاءٍ؛ لِأَنَّ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ قَدْرًا مِنْ الْمَاءِ وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ، وَأَمَّا عِنْدَهُ فَلَا يَطْهُرُ أَبَدًا اهـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهَا قَدْ زَالَتْ بِمَرَّةٍ أَجْزَأَهُ وَاخْتَارَهُ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَذَكَرَ فِي الْبَدَائِعِ أَنَّ التَّقْدِيرَ بِالثَّلَاثِ لَيْسَ بِلَازِمٍ بَلْ هُوَ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِهِ وَفِي السِّرَاجِ اعْتِبَارُ غَلَبَةِ الظَّنِّ مُخْتَارُ الْعِرَاقِيِّينَ وَالتَّقْدِيرُ بِالثَّلَاثِ مُخْتَارُ الْبُخَارِيِّينَ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ إنْ لَمْ يَكُنْ مُوَسْوِسًا، وَإِنْ كَانَ مُوَسْوِسًا فَالثَّانِي. اهـ. وَاشْتِرَاطُ الْعَصْرِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُسْتَخْرَجُ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَفِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ يَكْتَفِي بِالْعَصْرِ مَرَّةً وَاحِدَةً وَهُوَ أَرْفَقُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ الْعَصْرُ لَيْسَ بِشَرْطٍ، كَذَا فِي الْكَافِي، ثُمَّ اشْتِرَاطُ الْعَصْرِ فِيمَا يَنْعَصِرُ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا غُسِلَ الثَّوْبُ فِي الْإِجَّانَةِ، أَمَّا إذَا غَمَسَ الثَّوْبَ فِي مَاءٍ جَارٍ حَتَّى جَرَى عَلَيْهِ الْمَاءُ طَهُرَ وَكَذَا مَا لَا يَنْعَصِرُ وَلَا يُشْتَرَطُ الْعَصْرُ فِيمَا لَا يَنْعَصِرُ وَلَا التَّجْفِيفُ فِيمَا لَا يَنْعَصِرُ وَلَا يُشْتَرَطُ تَكْرَارُ الْغَمْسِ وَكَذَا الْإِنَاءُ النَّجِسُ إذَا جَعَلَهُ فِي النَّهْرِ وَمَلَأَهُ وَخَرَجَ مِنْهُ طَهُرَ، وَلَوْ تَنَجَّسَتْ يَدُهُ بِسَمْنٍ نَجِسٍ فَغَمَسَهَا فِي الْمَاءِ الْجَارِي وَجَرَى عَلَيْهَا طَهُرَتْ وَلَا يَضُرُّهُ بَقَاءُ أَثَرِ الدُّهْنِ؛ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ فِي نَفْسِهِ، وَإِنَّمَا يُنَجَّسُ بِمُجَاوِرَةِ النَّجَاسَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الدُّهْنُ وَدَكَ مَيْتَةٍ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ إزَالَةُ أَثَرِهِ، وَأَمَّا حُكْمُ الْغَدِيرِ فَإِنْ غَمَسَ الثَّوْبَ بِهِ فَإِنَّهُ يَطْهُرُ، وَإِنْ لَمْ يَنْعَصِرْ وَهُوَ الْمُخْتَارُ، وَأَمَّا حُكْمُ الصَّبِّ فَإِنَّهُ إذَا صَبَّ الْمَاءَ عَلَى الثَّوْبِ النَّجِسِ إنْ أَكْثَرَ الصَّبَّ بِحَيْثُ يَخْرُجُ مَا أَصَابَ الثَّوْبَ مِنْ الْمَاءِ وَخَلَفَهُ غَيْرُهُ ثَلَاثًا فَقَدْ طَهُرَ؛ لِأَنَّ الْجَرَيَانَ بِمَنْزِلَةِ التَّكْرَارِ وَالْعَصْرَ وَالْمُعْتَبَرُ غَلَبَةُ الظَّنِّ هُوَ الصَّحِيحُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إنْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ رَطْبَةً لَا يُشْتَرَطُ الْعَصْرُ، وَإِنْ كَانَتْ يَابِسَةً فَلَا بُدَّ مِنْهُ وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ، كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَفِي التَّبْيِينِ وَالْمُعْتَبَرُ ظَنُّ الْغَاسِلِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْغَاسِلُ صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا فَيُعْتَبَرُ ظَنُّ الْمُسْتَعْمِلِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُحْتَاجُ إلَيْهِ. اهـ. وَتُعْتَبَرُ قُوَّةُ كُلِّ عَاصِرٍ دُونَ غَيْرِهِ خُصُوصًا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ إنَّ قُدْرَةَ الْغَيْرِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى فَلَوْ كَانَتْ قُوَّتُهُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُبَالِغْ فِي الْعَصْرِ صِيَانَةً لِثَوْبِهِ عَنْ التَّمْزِيقِ لِرِقَّتِهِ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَطْهُرُ قَالَ بَعْضُهُمْ يَطْهُرُ لِمَكَانِ الضَّرُورَةِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ، كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ لَكِنْ اخْتَارَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ عَدَمَ الطَّهَارَةِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ اشْتِرَاطَ الْعَصْرِ فِيمَا يَنْعَصِرُ مَخْصُوصٌ مِنْهُ مَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي إزَارِ الْحَمَّامِ إذَا صُبَّ عَلَيْهِ مَاءٌ كَثِيرٌ وَهُوَ عَلَيْهِ يَطْهُرُ بِلَا عَصْرٍ حَتَّى ذَكَرَ الْحَلْوَانِيُّ لَوْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ دَمًا أَوْ بَوْلًا وَصَبَّ عَلَيْهِ الْمَاءَ كَفَاهُ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِي إزَارِ الْحَمَّامِ لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ ذَلِكَ لِضَرُورَةِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ فَلَا يَلْحَقُ بِهِ غَيْرُهُ وَتُتْرَكُ الرِّوَايَاتُ الظَّاهِرَةُ فِيهِ وَقَالُوا فِي الْبِسَاطِ النَّجِسِ إذَا جُعِلَ فِي نَهْرٍ لَيْلَةً طَهُرَ وَفِي أَنَّهُ إذَا لَمْ يَتَهَيَّأْ لَهُ عَصْرُ الْكِرْبَاسِ طَهُرَ كَالْبِسَاطِ. اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْإِزَارَ الْمَذْكُورَ إنْ كَانَ مُتَنَجِّسًا فَقَدْ جَعَلُوا الصَّبَّ الْكَثِيرَ بِحَيْثُ يَخْرُجُ مَا أَصَابَ الثَّوْبَ مِنْ الْمَاءِ وَيَخْلُفُهُ غَيْرُهُ ثَلَاثًا قَائِمًا مَقَامَ الْعَصْرِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ السِّرَاجِ فَحِينَئِذٍ لَا فَرْقَ بَيْنَ إزَارِ الْحَمَّامِ وَغَيْرِهِ وَلَيْسَ الِاكْتِفَاءُ بِهِ فِي الْإِزَارِ لِأَجْلِ ضَرُورَةِ السِّتْرِ كَمَا فَهِمَهُ الْمُحَقِّقُ بَلْ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَظَاهِرُ مَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ أَنَّ الْإِزَارَ لَيْسَ مُتَنَجِّسًا، وَإِنَّمَا أَصَابَهُ مَاءُ الِاغْتِسَالِ مِنْ الْجَنَابَةِ فَعَلَى رِوَايَةِ نَجَاسَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ طَاهِرٌ وَعَلَيْهِ بُنِيَ هَذَا الْفَرْعُ، وَأَمَّا عَلَى طَهَارَتِهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى غَسْلِهِ أَصْلًا كَمَا لَا يَخْفَى وَالتَّقْدِيرُ بِاللَّيْلَةِ فِي مَسْأَلَةِ الْبِسَاطِ لِقَطْعِ الْوَسْوَسَةِ وَإِلَّا فَالْمَذْكُورُ فِي الْمُحِيطِ قَالُوا الْبِسَاطُ إذَا تَنَجَّسَ فَأُجْرِيَ عَلَيْهِ الْمَاءُ إلَى أَنْ يُتَوَهَّمَ زَوَالُهَا طَهُرَ؛ لِأَنَّ إجْرَاءَ الْمَاءِ يَقُومُ مَقَامَ الْعَصْرِ. اهـ. وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِاللَّيْلَةِ. (قَوْلُهُ: وَبِتَثْلِيثِ الْجَفَافِ فِيمَا لَا يَنْعَصِرُ) أَيْ مَا لَا يَنْعَصِرُ فَطَهَارَتُهُ غَسْلُهُ ثَلَاثًا وَتَجْفِيفُهُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ؛ لِأَنَّ لِلتَّجْفِيفِ أَثَرًا فِي اسْتِخْرَاجِ النَّجَاسَةِ وَهُوَ أَنْ يَتْرُكَهُ حَتَّى يَنْقَطِعَ التَّقَاطُرُ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْيُبْسُ أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ مَا تَدَاخَلَهُ أَجْزَاءُ النَّجَاسَةِ أَوْ لَا، أَمَّا الثَّانِي فَيُغْسَلُ وَيُجَفَّفُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ كَالْجِلْدِ وَالْخُفِّ وَالْكَعْبِ وَالْجُرْمُوقِ وَالْخَزَفِ وَالْآجُرِّ وَالْخَشَبِ الْجَدِيدِ، وَأَمَّا الْقَدِيمُ فَيَطْهُرُ بِالْغَسْلِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ إنْ لَمْ يَكُنْ مُوَسْوِسًا إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَهُوَ تَوْفِيقٌ حَسَنٌ (قَوْلُهُ وَهُوَ أَرْفَقُ) فِي قَالَ التَّتَارْخَانِيَّة وَفِي النَّوَازِلِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى (قَوْلُهُ: وَأَمَّا حُكْمُ الْغَدِيرِ إلَخْ) عِبَارَةُ السِّرَاجِ، وَأَمَّا حُكْمُ الْغَدِيرِ فَإِنْ غُمِسَ الثَّوْبُ فِيهِ ثَلَاثًا وَقُلْنَا بِقَوْلِ الْبَلْخِيِّينَ وَهُوَ الْمُخْتَارُ، فَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَفْصٍ الْكَبِيرِ أَنَّهُ يَطْهُرُ وَإِنْ لَمْ يُعْصَرْ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُشْتَرَطُ الْعَصْرُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ، وَعَنْ أَبِي نَصْرٍ الصَّفَّارِ يَكْفِيهِ الْعَصْرُ مَرَّةً وَاحِدَةً. اهـ. فَأَفَادَ أَنَّهُ عِنْدَ الْبَلْخِيِّينَ يُغْمَسُ ثَلَاثًا وَأَنَّ قَوْلَهُمْ هُوَ الْمُخْتَارُ لَكِنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ فِي الْعَصْرِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ لَا يُشْتَرَطُ أَصْلًا، يُشْتَرَطُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ، يُشْتَرَطُ فِي مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ (قَوْلُهُ: وَتُعْتَبَرُ قُوَّةُ كُلِّ عَاصِرٍ إلَخْ) قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ حَتَّى إذَا انْقَطَعَ تَقَاطُرُهُ بِعَصْرِهِ، ثُمَّ قَطَرَ بِعَصْرِ رَجُلٍ آخَرَ أَقْوَى مِنْهُ يُحْكَمُ بِطَهَارَتِهِ. اهـ. أَيْ يُحْكَمُ بِطَهَارَتِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى صَاحِبِهِ وَلَا يَطْهُرُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الشَّخْصِ الْأَقْوَى كَمَا ذَكَرَهُ الْبُرْهَانُ الْحَلَبِيُّ قَالَ: لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ مُكَلَّفٌ بِقُدْرَتِهِ وَوُسْعِهِ وَلَا يُكَلَّفُ أَحَدٌ أَنْ يَطْلُبَ مَنْ هُوَ أَقْوَى مِنْهُ لِيَعْصِرَ ثَوْبَهُ عِنْدَ غَسْلِهِ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَخْفَى إلَخْ) أَقَرَّهُ عَلَى هَذَا الْبَحْثِ أَخُوهُ فِي النَّهْرِ وَكَذَلِكَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ فِي شَرْحِ الدُّرَرِ. (قَوْلُهُ: وَالْخَزَفُ وَالْآجُرُّ وَالْخَشَبُ الْجَدِيدُ) أَقُولُ: لَمْ يَذْكُرْ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ صَاحِبُ الْفَتْحِ فِي هَذَا الْقِسْمِ بَلْ ذَكَرَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 ثَلَاثًا دَفْعَةً وَاحِدَةً، وَإِنْ لَمْ يَجِفَّ كَذَا ذَكَرَهُ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُ الْخَزَفَةِ بِمَا إذَا تَنَجَّسَتْ وَهِيَ رَطْبَةٌ، أَمَّا لَوْ تُرِكَتْ بَعْدَ الِاسْتِعْمَالِ حَتَّى جَفَّتْ فَإِنَّهَا كَالْجَدِيدَةِ؛ لِأَنَّهُ يُشَاهِدُ اجْتِذَابَهَا حَتَّى يَظْهَرَ مِنْ ظَاهِرِهَا. اهـ. وَذَكَرَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الشَّيْءُ الَّذِي أَصَابَهُ النَّجَاسَةُ صُلْبًا كَالْحَجَرِ وَالْآجُرِّ وَالْخَشَبِ وَالْأَوَانِي فَإِنَّهُ يُغْسَلُ مِقْدَارَ مَا يَقَعُ فِي أَكْبَرِ رَأْيِهِ أَنَّهُ قَدْ طَهُرَ وَلَا تَوْقِيتَ فِيهِ، وَإِنَّمَا حُكِمَ بِطَهَارَتِهِ إذَا كَانَ لَا يُوجَدُ بَعْدَ ذَلِكَ طَعْمُ النَّجَاسَةِ وَلَا رَائِحَتُهَا وَلَا لَوْنُهَا فَإِذَا وُجِدَ مِنْهَا أَحَدُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ فَلَا يُحْكَمُ بِطَهَارَتِهَا سَوَاءٌ كَانَتْ الْآنِيَةُ مِنْ الْخَزَفِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ جَدِيدًا كَانَ أَوْ غَيْرَ جَدِيدٍ وَعَزَاهُ صَاحِبُ الْمُحِيطِ إلَى أَكْثَرِ الْمَشَايِخِ وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ يُفِيدُ أَنَّ الْأَثَرَ فِيهِ غَيْرُ مُغْتَفَرٍ، وَإِنْ كَانَ يَشُقُّ زَوَالُهُ بِخِلَافِ مَا ذَكَرُوا فِي الثَّوْبِ وَنَحْوِهِ وَالتَّفْرِقَةُ بَيْنَهُمَا فِي هَذِهِ لَا تَعْرَى عَنْ شَيْءٍ، وَلَعَلَّ وَجْهَ ذَلِكَ أَنَّ بَقَاءَ الْأَثَرِ هُنَا دَالٌّ عَلَى قِيَامِ شَيْءٍ مِنْ الْعَيْنِ بِخِلَافِ الثَّوْبِ وَنَحْوِهِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الِاكْتِسَابُ فِيهِ بِسَبَبِ الْمُجَاوَرَةِ وَاسْتَمَرَّتْ قَائِمَةً بَعْدَ اضْمِحْلَالِ الْعَيْنِ مِنْهُ، كَذَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَيَدُلُّ لِلتَّفْرِقَةِ مَا فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ، وَإِنْ بَقِيَ أَثَرُ الْخَمْرِ يُجْعَلُ فِيهِ الْخَلُّ حَتَّى لَا يَبْقَى أَثَرُهَا فَيَطْهُرُ. اهـ. وَفِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ وَالْأَوَانِي ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: خَزَفٌ وَخَشَبٌ وَحَدِيدٌ وَنَحْوُهَا وَتَطْهِيرُهَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ حَرْقٌ وَنَحْتٌ وَمَسْحٌ وَغَسْلٌ، فَإِنْ كَانَ الْإِنَاءُ مِنْ خَزَفٍ أَوْ حَجَرٍ وَكَانَ جَدِيدًا وَدَخَلَتْ النَّجَاسَةُ فِي أَجْزَائِهِ يُحْرَقُ، وَإِنْ كَانَ عَتِيقًا يُغْسَلُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ خَشَبٍ وَكَانَ جَدِيدًا يُنْحَتُ، وَإِنْ كَانَ عَتِيقًا يُغْسَلُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ حَدِيدٍ أَوْ صُفْرٍ أَوْ زُجَاجٍ أَوْ رَصَاصٍ وَكَانَ صَقِيلًا يُمْسَحُ، وَإِنْ كَانَ خَشِنًا يُغْسَلُ. اهـ. وَفِي الذَّخِيرَةِ وَحَكَى عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي إِسْحَاقَ الْحَافِظِ أَنَّهُ إذَا أَصَابَتْ النَّجَاسَةُ الْبَدَنَ يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مُتَوَالِيَاتٍ؛ لِأَنَّ الْعَصْرَ مُتَعَذِّرٌ فَقَامَ التَّوَالِي فِي الْغَسْلِ مَقَامَ الْعَصْرِ وَفِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَالْأَظْهَرُ أَنَّ كُلًّا مِنْ التَّوَالِي وَالتَّرْكِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الْبَدَنِ وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهُ بَعْدَ التَّفْرِيعِ عَلَى اشْتِرَاطِ الثَّلَاثِ فِي ذَلِكَ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي النَّوَازِلِ وَفِي الذَّخِيرَةِ مَا يُوَافِقُهُ، وَأَمَّا عَلَى أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ فَعَدَمُ اشْتِرَاطِ كُلٍّ مِنْهُمَا أَظْهَرُ. اهـ. وَفِي عُمْدَةِ الْفَتَاوَى نَجَاسَةٌ يَابِسَةٌ عَلَى الْحَصِيرِ تُفْرَكُ وَفِي الرَّطْبَةِ يُجْرَى عَلَيْهَا الْمَاءُ ثَلَاثًا وَالْإِجْرَاءُ كَالْعَصْرِ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ الْبَرْدِيُّ إذَا تَنَجَّسَ إنْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ رَطْبَةً تُغْسَلُ بِالْمَاءِ ثَلَاثًا وَيُقَوَّمُ الْحَصِيرُ حَتَّى يَخْرُجَ الْمَاءُ مِنْ أَثْقَابِهِ، وَإِنْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ قَدْ يَبِسَتْ فِي الْحَصِيرِ تُدْلَكُ حَتَّى تَلِينَ النَّجَاسَةُ فَتَزُولَ بِالْمَاءِ وَلَوْ كَانَ الْحَصِيرُ مِنْ الْقَصَبِ ذَكَرْنَا أَنَّهُ يُغْسَلُ ثَلَاثًا فَيَطْهُرُ. اهـ. وَحَمَلَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ عَلَى الْحَصِيرِ الصَّقِيلَةِ كَأَكْثَرِ حُصْرِ مِصْرَ، أَمَّا الْجَدِيدَةُ الْمُتَّخَذَةُ مِمَّا يَتَشَرَّبُ فَسَيَأْتِي وَفِي الْمُجْتَبَى مَعْزِيًّا إلَى صَلَاةِ الْبَقَّالِي أَنَّ الْحَصِيرَ تَطْهُرُ بِالْمَسْحِ كَالْمِرْآةِ وَالْحَجَرِ، وَأَمَّا الْأَوَّلُ أَعْنِي مَا يَتَدَاخَلُهُ أَجْزَاءُ النَّجَاسَةِ فَلَا يَطْهُرُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ أَبَدًا وَيَطْهُرُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ كَالْخَزَفَةِ الْجَدِيدَةِ وَالْخَشَبَةِ الْجَدِيدَةِ وَالْبَرْدِيِّ وَالْجِلْدِ دُبِغَ بِنَجَسٍ وَالْحِنْطَةِ انْتَفَخَتْ مِنْ النَّجَاسَةِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ تُغْسَلُ ثَلَاثًا وَتُجَفَّفُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَقِيلَ فِي الْأَخِيرَةِ فَقَطْ وَالسِّكِّينُ الْمُمَوَّهَةُ بِمَاءٍ نَجِسٍ تُمَوَّهُ ثَلَاثًا بِطَاهِرٍ وَاللَّحْمُ وَقَعَ فِي مَرَقِهِ نَجَاسَةٌ حَالَ الْغَلَيَانِ يُغْلَى ثَلَاثًا فَيَطْهُرُ وَقِيلَ لَا يَطْهُرُ وَفِي غَيْرِ حَالَةِ الْغَلَيَانِ يُغْسَلُ ثَلَاثًا، كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالْمَرَقَةُ لَا خَيْرَ فِيهَا إلَّا أَنْ تَكُونَ تِلْكَ النَّجَاسَةُ خَمْرًا فَإِنَّهُ إذَا صُبَّ فِيهَا خَلٌّ حَتَّى صَارَتْ كَالْخَلِّ حَامِضَةً طَهَّرَتْهُ وَفِي التَّجْنِيسِ طُبِخَتْ الْحِنْطَةُ فِي الْخَمْرِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ تُطْبَخُ بِالْمَاءِ ثَلَاثًا وَتُجَفَّفُ كُلَّ مَرَّةٍ وَكَذَا اللَّحْمُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا طُبِخَتْ بِالْخَمْرِ لَا تَطْهُرُ أَبَدًا وَبِهِ يُفْتَى. اهـ. وَالْكُلُّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَطْهُرُ أَبَدًا وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَوْ صُبَّتْ الْخَمْرُ فِي قِدْرٍ فِيهَا لَحْمٌ إنْ كَانَ قَبْلَ الْغَلَيَانِ يَطْهُرُ اللَّحْمُ بِالْغَسْلِ ثَلَاثًا، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْغَلَيَانِ لَا يَطْهُرُ وَقِيلَ   [منحة الخالق] الطَّرَفَيْنِ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ الْآتِي مُقَيَّدَيْنِ بِكَوْنِهِمَا جَدِيدَيْنِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ أَيْضًا وَذَكَرَ الْوَسَطَ هُنَا مُقَيَّدًا بِالْقَدِيمِ وَجَعَلَ حُكْمَهُ كَالْخَزَفَةِ الْقَدِيمَةِ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَالسِّكِّينُ الْمُمَوَّهَةُ إلَخْ) قَالَ فِي الْمُنْيَةِ وَلَوْ مَوَّهَ الْحَدِيدَ النَّجِسَ بِالْمَاءِ النَّجِسِ، ثُمَّ يُمَوِّهُ بِالْمَاءِ الطَّاهِرِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَيَطْهُرُ قَالَ الْبُرْهَانُ الْحَلَبِيُّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ فَإِنَّ عِنْدَهُ لَا يَطْهُرُ أَبَدًا بِنَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَإِنَّمَا تَظْهَرُ ثَمَرَةُ ذَلِكَ فِي الْحَمْلِ فِي الصَّلَاةِ، أَمَّا فِي حَقِّ الِاسْتِعْمَالِ وَغَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَوْ غَسَلَ بَعْدَ التَّمْوِيهِ بِالنَّجِسِ ثَلَاثًا وَلَوْ وَلَاءً، ثُمَّ قُطِعَ بِهِ بِطِّيخٌ أَوْ غَيْرُهُ لَا يَتَنَجَّسُ الْمَقْطُوعُ، وَكَذَا لَوْ وَقَعَ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ أَوْ غَيْرِهِ لَا يُنَجِّسُهُ كَمَا فِي الْخِضَابِ وَنَحْوِهِ عَلَى مَا مَرَّ، أَمَّا لَوْ صَلَّى مَعَهُ، فَإِنْ كَانَ قَبْلَ التَّمْوِيهِ ثَلَاثًا بِالطَّاهِرِ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ جَازَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَالْغُسْلُ يُطَهِّرُ ظَاهِرَهُ إجْمَاعًا وَالتَّمْوِيهُ يُطَهِّرُ بَاطِنَهُ أَيْضًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى بَلْ لَوْ قِيلَ يَكْفِي التَّمْوِيهُ مَرَّةً لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ؛ لِأَنَّ النَّارَ تُزِيلُ أَجْزَاءَ النَّجَاسَةِ بِالْكُلِّيَّةِ، ثُمَّ يَخْلُفُهَا الْمَاءُ الطَّاهِرُ وَلَكِنْ التَّكْرَارُ يُزِيلُ الشُّبْهَةَ عَنْ أَصْلٍ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ صَبَّ الْخَمْرَ فِي قِدْرٍ فِيهَا لَحْمٌ إلَخْ) قَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ يُفْهَمُ مِنْهُ وَمِمَّا تَقَدَّمَ وَاللَّحْمُ وَقَعَ فِي مَرَقَةٍ نَجِسَةٍ إلَخْ أَنَّ الْحُكْمَ مُخْتَلَفٌ بَيْنَمَا إذَا طُبِخَ بِخَمْرٍ وَبَيْنَمَا إذَا وَقَعَ فِي مَرَقَةٍ نَجِسَةٍ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 يُغْلَى ثَلَاثَ مَرَّاتٍ كُلَّ مَرَّةٍ بِمَاءٍ طَاهِرٍ وَيُجَفَّفُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَتَجْفِيفُهُ بِالتَّبْرِيدِ، الْخُبْزُ الَّذِي عُجِنَ بِالْخَمْرِ لَا يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ وَلَوْ صُبَّ فِيهِ الْخَلُّ وَذَهَبَ أَثَرُهَا يَطْهُرُ الدُّهْنُ النَّجِسُ يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ ثَلَاثًا وَحِيلَتُهُ أَنْ يُصَبَّ الْمَاءُ عَلَيْهِ فَيَعْلُو الدُّهْنُ هَكَذَا يَفْعَلُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ امْرَأَةٌ تَطْبُخُ مَرَقَةً فَجَاءَ زَوْجُهَا سَكْرَانَ وَصَبَّ الْخَمْرَ فِيهَا فَصَبَّتْ الْمَرْأَةُ فِيهَا خَلًّا إنْ صَارَتْ الْمَرَقَةُ كَالْخَلِّ فِي الْحُمُوضَةِ. طَهُرَتْ، دَجَاجَةٌ شُوِيَتْ وَخَرَجَ مِنْ بَطْنِهَا شَيْءٌ مِنْ الْحُبُوبِ يَتَنَجَّسُ مَوْضِعُ الْحُبُوبِ وَتَطْهِيرُهُ أَنْ يُطْبَخَ وَيُبَرَّدَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ بِالْمَاءِ الطَّاهِرِ وَكَذَلِكَ الْبَعْرُ إذَا وُجِدَ فِي حَمَلٍ مَشْوِيٍّ. اهـ. مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَوْ أُلْقِيَتْ دَجَاجَةٌ حَالَ الْغَلَيَانِ فِي الْمَاءِ قَبْلَ أَنْ يَشُقَّ بَطْنَهَا لِتُنْتَفَ أَوْ كَرِشٌ قَبْلَ الْغَسْلِ لَا يَطْهُرُ أَبَدًا لَكِنْ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يَجِبُ أَنْ يُطَهَّرَ عَلَى قَانُونِ مَا تَقَدَّمَ فِي اللَّحْمِ قُلْتُ: - وَهُوَ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ - هُوَ مُعَلَّلٌ بِتَشَرُّبِهِمَا النَّجَاسَةَ الْمُتَخَلَّلَةَ بِوَاسِطَةِ الْغَلَيَانِ وَعَلَى هَذَا اُشْتُهِرَ أَنَّ اللَّحْمَ السَّمِيطَ بِمِصْرَ نَجَسٌ لَا يَطْهُرُ لَكِنْ الْعِلَّةُ الْمَذْكُورَةُ لَا تَثْبُتُ حَتَّى يَصِلَ الْمَاءُ إلَى حَدِّ الْغَلَيَانِ وَيَمْكُثَ فِيهِ اللَّحْمُ بَعْدَ ذَلِكَ زَمَانًا يَقَعُ فِي مِثْلِهِ التَّشَرُّبُ وَالدُّخُولُ فِي بَاطِنِ اللَّحْمِ وَكُلٌّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ غَيْرُ مُتَحَقِّقٍ فِي السَّمِيطِ الْوَاقِعِ حَيْثُ لَا يَصِلُ الْمَاءُ إلَى حَدِّ الْغَلَيَانِ وَلَا يَتْرُكُ فِيهِ إلَّا مِقْدَارَ مَا تَصِلُ الْحَرَارَةُ إلَى سَطْحِ الْجِلْدِ فَتَنْحَلُ مَسَامُّ السَّطْحِ مِنْ الصُّوفِ بَلْ ذَلِكَ التَّرْكُ يَمْنَعُ مِنْ وُجُودِهِ انْقِلَاعُ الشَّعْرِ فَالْأَوْلَى فِي السَّمِيطِ أَنْ يَطْهُرَ بِالْغَسْلِ ثَلَاثًا لِتَنَجُّسِ سَطْحِ الْجِلْدِ بِذَلِكَ الْمَاءِ فَإِنَّهُمْ لَا يَحْتَرِسُونَ فِيهِ مِنْ الْمُنَجِّسِ، وَقَدْ قَالَ شَرَفُ الْأَئِمَّةِ بِهَذَا فِي الدَّجَاجَةِ وَالْكَرِشِ وَالسَّمِيطُ مِثْلُهُمَا. اهـ. وَاعْلَمْ أَنَّ صَاحِبَ الْمُحِيطِ فَصَّلَ فِيمَا لَا يَنْعَصِرُ بَيْنَ مَا لَا يَتَشَرَّبُ فِيهِ النَّجَسُ وَمَا يَتَشَرَّبُ فَالْأَوَّلُ يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ ثَلَاثًا مِنْ غَيْرِ تَجْفِيفٍ وَالثَّانِي يَحْتَاجُ إلَى التَّجْفِيفِ، وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ الْمَتْنَ لَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ كَمَا لَا يَخْفَى وَفِيهِ أَيْضًا وَالْمِيَاهُ الثَّلَاثُ نَجِسَةٌ مُتَفَاوِتَةٌ فَالْأَوَّلُ إذَا أَصَابَ شَيْئًا يَطْهُرُ بِالثَّلَاثِ وَالثَّانِي بِالْمَثْنَى وَالثَّالِثُ بِالْوَاحِدِ وَيَكُونُ حُكْمُهُ فِي الثَّوْبِ الثَّانِي مِثْلَ حُكْمِهِ فِي الْأَوَّلِ وَإِذَا اسْتَنْجَى بِالْمَاءِ ثَلَاثًا كَانَ نَجَسًا، وَإِنْ اسْتَعْمَلَ الْمَاءَ بَعْدَ الْإِنْقَاءِ صَارَ مُسْتَعْمَلًا. (قَوْلُهُ وَسُنَّ الِاسْتِنْجَاءُ بِنَحْوِ حَجَرٍ مُنَقٍّ) ذَكَرَهُ هُنَا وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي سُنَنِ الْوُضُوءِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ إزَالَةُ النَّجَاسَةِ الْعَيْنِيَّةِ وَهُوَ إزَالَةُ مَا عَلَى السَّبِيلِ مِنْ النَّجَاسَةِ وَفِي الْمُغْرِبِ الِاسْتِنْجَاءُ مَسْحُ مَوْضِعِ النَّجْوِ وَهُوَ مَا يَخْرُجُ مِنْ الْبَطْنِ أَوْ غَسْلُهُ وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ السِّينُ لِلطَّلَبِ أَيْ طَلَبُ النَّجْوِ لِيُزِيلَهُ، وَقَدْ عُلِمَ مِنْ تَعْرِيفِهِ أَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ لَا يُسَنُّ إلَّا مِنْ حَدَثٍ خَارِجٍ مِنْ أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ غَيْرِ الرِّيحِ؛ لِأَنَّ بِخُرُوجِ الرِّيحِ لَا يَكُونُ عَلَى السَّبِيلِ شَيْءٌ فَلَا يُسَنُّ مِنْهُ بَلْ هُوَ بِدْعَةٌ كَمَا فِي الْمُجْتَبَى وَلَا مِنْ النَّوْمِ وَالْفَصْدِ إلَيْهِ أَشَارَ فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ الْحَصَى الْخَارِجُ مِنْ أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ تَحْتَ ضَابِطِهِ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَا يُسَنُّ الِاسْتِنْجَاءُ لَهُ صَرَّحَ بِهِ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَأَفَادَ أَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ لَا يَكُونُ إلَّا سُنَّةً وَصَرَّحَ فِي النِّهَايَةِ بِأَنَّهُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ فَلَا يَكُونُ فَرْضًا وَعَلَى هَذَا فَمَا ذَكَرَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ مِنْ أَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ خَمْسَةُ أَنْوَاعٍ أَرْبَعَةٌ فَرِيضَةٌ وَوَاحِدٌ سُنَّةٌ فَالْأَوَّلُ مِنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَالْجَنَابَةِ وَإِذَا تَجَاوَزَتْ النَّجَاسَةُ مَخْرَجَهَا وَوَاحِدٌ سُنَّةٌ وَهُوَ مَا إذَا كَانَتْ النَّجَاسَةُ مِقْدَارَ الْمَخْرَجِ فَتُسَامَحُ فَإِنَّ الثَّلَاثَةَ الْأُوَلَ مِنْ بَابِ إزَالَةِ الْحَدَثِ إنْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ عَلَى الْمَخْرَجِ، وَإِنْ كَانَ شَيْءٌ فَهُوَ مِنْ بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ الْحَقِيقِيَّةِ مِنْ الْبَدَنِ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ فَلَا يَكُونُ مِنْ بَابِ الِاسْتِنْجَاءِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ شَيْءٌ فَهِيَ سُنَّةٌ لَا فَرْضٌ وَأَمَّا الرَّابِعُ فَهُوَ مِنْ بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ عَنْ الْبَدَنِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ الِاسْتِنْجَاءِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْقِسْمُ الْمَسْنُونُ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ مُنَقٍّ إلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الْإِنْقَاءُ وَإِلَى أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى التَّقْيِيدِ بِكَيْفِيَّةٍ مِنْ الْمَذْكُورَةِ فِي الْكُتُبِ نَحْوُ إقْبَالِهِ بِالْحَجَرِ فِي الشِّتَاءِ وَإِدْبَارِهِ بِهِ فِي الصَّيْفِ لِاسْتِرْخَاءِ الْخُصْيَتَيْنِ فِيهِ لَا فِي الشِّتَاءِ وَفِي الْمُجْتَبَى الْمَقْصُودُ الْإِنْقَاءُ فَيَخْتَارُ مَا هُوَ الْأَبْلَغُ وَالْأَسْلَمُ عَنْ زِيَادَةِ التَّلْوِيثِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: فَالْأَوَّلُ إذَا أَصَابَ شَيْئًا يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّ تَوْجِيهَهُ أَنَّ الْأَوَّلَ يَخْرُجُ بِغَالِبِ النَّجَاسَةِ فَلَا يَغْلِبُ الظَّنُّ بِخُرُوجِهَا إلَّا بِالثَّلَاثِ وَفِي الثَّانِي يَغْلِبُ بِالْمَثْنَى وَفِي الثَّالِثِ بِالْوَاحِدِ تَأَمَّلْ. اهـ. وَهَكَذَا لَا تَطْهُرُ الْإِجَّانَةُ الْأُولَى إلَّا بِالْغَسْلِ ثَلَاثًا وَالْإِجَّانَةُ الثَّانِيَةُ بِمَرَّتَيْنِ وَالْإِجَّانَةُ الثَّالِثَةُ بِمَرَّةٍ، كَذَا فِي الْقُنْيَةِ بِرَمْزِ صَلَاةِ الْبَقَّالِيِّ مُعَبِّرًا بِالطَّسْتِ مَكَانَ الْإِجَّانَةِ لَكِنْ فِيهَا أَيْضًا بِرَمْزِ شِهَابِ الْأَئِمَّةِ الْإِمَامِيِّ غَسْلُ الثَّوْبِ النَّجِسِ فِي الطَّسْتِ فَإِنَّهُ يُغْسَلُ الطَّسْتُ ثَلَاثًا فِي كُلِّ مَرَّةٍ بَعْدَ عَصْرِ الثَّوْبِ وَفِيهَا أَيْضًا قَالَ عَبْدُ الرَّحِيمِ الْخُتَنِيُّ ظَاهِرُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْجَامِعِ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى غَسْلِ الْإِجَّانَةِ كَالرَّشَا وَالدَّلْوِ فِي نَزْحِ الْبِئْرِ اهـ. [الِاسْتِنْجَاءُ بِحَجَرٍ مُنْقٍ] (قَوْلُهُ: لَكِنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ الْحَصَى إلَخْ) لَا يَخْفَى عَلَيْك دَفْعُهُ إذْ قَوْلُ السِّرَاجِ لَا يُسَنُّ الِاسْتِنْجَاءُ لَهُ لِكَوْنِهِ لَا يَخْرُجُ مَعَهَا شَيْءٌ يُزَالُ فَلَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ ضَابِطِهِ، وَلَوْ كَانَ مَعَهَا شَيْءٌ فَالِاسْتِنْجَاءُ لِلنَّجَاسَةِ لَا لَهَا فَلَا وُرُودَ عَلَى كُلٍّ وَلِذَا قَالَ فِي النَّهْرِ وَقَعَ فِي الْبَحْرِ هُنَا وَهْمٌ فَاجْتَنِبْهُ اهـ. نَعَمْ يَرِدُ عَلَى تَعْرِيفِ الْمُغْرِبِ. . (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ شَيْءٌ إلَخْ) أَيْ وَإِنْ كَانَ شَيْءٌ عَلَى الْمَخْرَجِ وَقَوْلُهُ فَهُوَ مِنْ بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ الْحَقِيقِيَّةِ مَعْنًى وَلِهَذَا فَلَوْ قَالَ وَإِنْ كَانَ شَيْءٌ فَهِيَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 اهـ. فَالْأَوْلَى أَنْ يَقْعُدَ مُسْتَرْخِيًا كُلَّ الِاسْتِرْخَاءِ إلَّا أَنْ يَكُونَ صَائِمًا وَكَانَ الِاسْتِنْجَاءُ بِالْمَاءِ وَلَا يَتَنَفَّسُ إذَا كَانَ صَائِمًا وَيَحْتَرِزُ مِنْ دُخُولِ الْأُصْبُعِ الْمُبْتَلَّةِ كُلُّ ذَلِكَ يُفْسِدُ الصَّوْمَ وَفِي كِتَابِ الصَّوْمِ مِنْ الْخُلَاصَةِ إنَّمَا يَفْسُدُ إذَا وَصَلَ إلَى مَوْضِعِ الْمِحْقَنَةِ وَقَلَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ. اهـ. وَلِلْمَخَافَةِ يَنْبَغِي أَنْ يُنَشِّفَ الْمَحَلَّ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ وَيُسْتَحَبُّ لِغَيْرِ الصَّائِمِ أَيْضًا حِفْظُ الثَّوْبِ مِنْ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ وَيَغْسِلُ يَدَيْهِ قَبْلَ الِاسْتِنْجَاءِ وَبَعْدَهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَخْطُوَ قَبْلَهُ خُطُوَاتٍ وَالْمَقْصُودُ أَنْ يَسْتَبْرِئَ وَفِي الْمُبْتَغَى وَالِاسْتِبْرَاءُ وَاجِبٌ وَلَوْ عَرَضَ لَهُ الشَّيْطَانُ كَثِيرًا لَا يَلْتَفِتُ إلَيْهِ بَلْ يَنْضَحُ فَرْجَهُ بِمَاءٍ أَوْ سَرَاوِيلَهُ حَتَّى إذَا شَكَّ حَمَلَ الْبَلَلَ عَلَى ذَلِكَ النَّضْحِ مَا لَمْ يَتَيَقَّنْ خِلَافَهُ وَبِالْمَاءِ الْبَارِدِ فِي الشِّتَاءِ أَفْضَلُ بَعْدَ تَحَقُّقِ الْإِزَالَةِ بِهِ وَلَا يُدْخِلُ الْأُصْبُعَ قِيلَ يُورِثُ الْبَاسُورَ وَالْمَرْأَةُ كَالرِّجْلِ تَغْسِلُ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلَوْ غَسَلَتْ الْمَرْأَةُ بِرَاحَتِهَا كَفَاهَا، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَا تُدْخِلُ الْمَرْأَةُ أُصْبُعَهَا فِي قُبُلِهَا لِلِاسْتِنْجَاءِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَأَرَادَ الْمُصَنِّفُ بِالسُّنَّةِ السُّنَّةَ الْمُؤَكَّدَةَ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْأَصْلِ وَلَوْ تَرَكَهُ صَحَّتْ صَلَاتُهُ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ النَّجَاسَةَ الْقَلِيلَةَ عَفْوٌ عِنْدَنَا وَعُلَمَاؤُنَا فَصَلُوا بَيْنَ النَّجَاسَةِ الَّتِي عَلَى مَوْضِعِ الْحَدَثِ وَاَلَّتِي عَلَى غَيْرِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الْحَدَثِ إذَا تَرَكَهَا يُكْرَهُ وَفِي مَوْضِعِهِ إذَا تَرَكَهَا لَا يُكْرَهُ وَمَا عَنْ أَنَسٍ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدْخُلُ الْخَلَاءَ فَأَحْمِلُ أَنَا وَغُلَامٌ نَحْوِي إدَاوَةً مِنْ مَاءٍ وَعَنَزَةً فَيَسْتَنْجِي بِالْمَاءِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ظَاهِرٌ فِي الْمُوَاظَبَةِ بِالْمَاءِ وَمُقْتَضَاهُ كَرَاهَةُ تَرْكِهِ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنْ صِيغَةَ كَانَ يَفْعَلُ مُفِيدَةٌ لِلتَّكْرَارِ وَفِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ الْأُصُولِيِّينَ وَالْمُخْتَارُ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ وَالْمُحَقِّقُونَ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّ لَفْظَةَ كَانَ لَا يَلْزَمُ مِنْهَا الدَّوَامُ وَلَا التَّكْرَارُ، وَإِنَّمَا هِيَ فِعْلٌ مَاضٍ تَدُلُّ عَلَى وُقُوعِهِ، فَإِنْ دَلَّ دَلِيلٌ عَلَى التَّكْرَارِ عُمِلَ بِهِ وَإِلَّا فَلَا تَقْتَضِيهِ بِوَضْعِهَا، وَقَدْ قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «كُنْت أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ» وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَحُجَّ بَعْدَ أَنْ صَحِبَتْهُ عَائِشَةُ إلَّا حِجَّةً وَاحِدَةً وَهِيَ حِجَّةُ الْوَدَاعِ فَاسْتَعْمَلَتْ كَانَ فِي مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ وَلَا يُقَالُ لَعَلَّهَا طَيَّبَتْهُ فِي إحْرَامِهِ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَمِرَ لَا يَحِلُّ لَهُ التَّطَيُّبُ قَبْلَ الطَّوَافِ بِالْإِجْمَاعِ فَثَبَتَ أَنَّهَا اسْتَعْمَلَتْ كَانَ فِي مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا قَالَ الْأُصُولِيُّونَ ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ مِنْ بَابِ الْوِتْرِ وَاخْتَارَهُ الْمُحَقِّقُ فِي التَّحْرِيرِ فَإِنَّهُ اخْتَارَ أَنَّ إفَادَتَهَا لِلتَّكْرَارِ مِنْ جِهَةِ الِاسْتِعْمَالِ لَا مِنْ جِهَةِ الْوَضْعِ لَكِنْ الِاسْتِعْمَالُ مُخْتَلِفٌ كَمَا رَأَيْت، وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا ذَكَرْنَا أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْإِنْقَاءِ إنَّمَا هُوَ لِحُصُولِ السُّنَّةِ حَتَّى لَوْ لَمْ يُنَقَّ فَإِنَّ السُّنَّةَ قَدْ فَاتَتْ لَا أَنَّهُ قَيْدٌ لِلْجَوَازِ وَأَطْلَقَ الْخَارِجَ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِكَوْنِهِ مُعْتَادًا لِيُفِيدَ أَنَّ غَيْرَ الْمُعْتَادِ إذَا أَصَابَ الْمَحَلَّ كَالدَّمِ يَطْهُرُ بِالْحِجَارَةِ عَلَى الصَّحِيحِ سَوَاءٌ كَانَ خَارِجًا مِنْهُ أَوْ لَا وَلِيُفِيدَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْغَائِطُ رَطْبًا وَلَمْ يَقُمْ مِنْ مَوْضِعِهِ أَوْ قَامَ مِنْ مَوْضِعِهِ أَوْ جَفَّ الْغَائِطُ فَإِنَّ الْحَجَرَ كَافٍ فِيهِ وَالثَّانِي خِلَافٌ ذَكَرَهُ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَأَرَادَ بِنَحْوِ الْحَجَرِ مَا كَانَ عَيْنًا طَاهِرَةً مُزِيلَةً لَا قِيمَةَ لَهُ كَالْمَدَرِ وَالتُّرَابِ وَالْعُودِ وَالْخِرْقَةِ وَالْقُطْنِ وَالْجِلْدِ الْمُمْتَهَنِ فَخَرَجَ الزُّجَاجُ وَالثَّلْجُ وَالْآجُرُّ وَالْخَزَفُ وَالْفَحْمُ. (قَوْلُهُ: وَمَا سُنَّ فِيهِ عَدَدٌ) أَيْ فِي الِاسْتِنْجَاءِ لِمَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّ الْمَقْصُودَ إنَّمَا هُوَ الْإِنْقَاءُ وَشَرْطُ الشَّافِعِيِّ الثَّلَاثَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ فَرْضٌ وَلَا نَقُولُ بِهِ وَذِكْرُ الثَّلَاثِ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ خَرَجَ مَخْرَجَ الْعَادَةِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ حُصُولُ الْإِنْقَاءِ بِهَا أَوْ يُحْمَلُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ اسْتَنْجَى بِحَجَرٍ لَهُ ثَلَاثَةُ أَحْرُفٍ جَازَ عِنْدَهُمْ وَبِدَلِيلِ «أَنَّهُ لَمَّا أَتَى لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِحَجَرَيْنِ وَرَوْثَةٍ أَلْقَى الرَّوْثَةَ وَاقْتَصَرَ عَلَى الْحَجَرَيْنِ» كَذَا ذَكَرَ أَئِمَّتُنَا وَتَعَقَّبَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ حَجَرٍ فِي فَتْحِ الْبَارِي بِأَنَّ الْأَمْرَ أَوَّلًا بِإِتْيَانِ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ يُغْنِي عَنْ طَلَبِ ثَالِثٍ بَعْدَ إلْقَاءِ الرَّوْثَةِ وَبِأَنَّهُ وَرَدَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ أَنَّهُ طَلَبَ مِنْهُ ثَالِثًا وَأَتَى لَهُ بِهِ وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ عُلِمَ أَنَّهُ الْمُرَادُ نَفْيُ السُّنَّةِ الْمُؤَكَّدَةِ وَإِلَّا فَقَدْ صَرَّحُوا   [منحة الخالق] سُنَّةٌ لَا فَرْضٌ وَحَذَفَ مَا بَيْنَهُمَا لَكَانَ صَوَابًا. (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ اخْتَارَ إلَخْ) لَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّهَا حَيْثُ أَفَادَتْ التَّكْرَارَ مِنْ جِهَةِ الِاسْتِعْمَالِ صَحَّ قَوْلُهُ فِي الْفَتْحِ أَنَّهُ ظَاهِرٌ فِي الْمُوَاظَبَةِ، وَعَدَمُ اسْتِلْزَامِهَا التَّكْرَارَ مِنْ جِهَةِ الْوَضْعِ لَا يُنَافِي ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: وَفِي الثَّانِي خِلَافٌ إلَخْ) أَيْ فِي قَوْلِهِ وَلِيُفِيدَ إلَخْ وَنَصُّ عِبَارَةِ السِّرَاجِ وَقِيلَ أَيْضًا إنَّمَا يُجْزِئُ فِيهِ الْحَجَرُ إذَا كَانَ الْغَائِطُ رَطْبًا لَمْ يَجِفَّ وَلَمْ يَقُمْ مِنْ مَوْضِعِهِ، أَمَّا إذَا قَامَ مِنْ مَوْضِعِهِ أَوْ جَفَّ الْغَائِطُ فَلَا يُجْزِئُهُ إلَّا الْمَاءُ؛ لِأَنَّ بِقِيَامِهِ قَبْلَ أَنْ يَسْتَنْجِيَ بِالْحَجَرِ يَزُولُ الْغَائِطُ عَنْ مَوْضِعِهِ وَيَتَجَاوَزُ مَخْرَجَهُ وَبِجَفَافِهِ لَا يُزِيلُهُ الْحَجَرُ فَوَجَبَ الْمَاءُ فِيهِ اهـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 بِالِاسْتِحْبَابِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. (قَوْلُهُ وَغَسْلُهُ بِالْمَاءِ أَحَبُّ) أَيْ غَسْلُ الْمَحَلِّ بِالْمَاءِ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّهُ قَالِعٌ لِلنَّجَاسَةِ وَالْحَجَرُ مُخَفِّفٌ لَهَا فَكَانَ الْمَاءُ أَوْلَى كَذَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ الزَّيْلَعِيُّ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْمَحَلَّ لَمْ يَطْهُرْ بِالْحَجَرِ وَيَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَتَنَجَّسُ السَّبِيلُ بِإِصَابَةِ الْمَاءِ وَفِيهِ الْخِلَافُ الْمَعْرُوفُ فِي مَسْأَلَةِ الْأَرْضِ إذَا جَفَّتْ بَعْدَ التَّنَجُّسِ ثُمَّ أَصَابَهَا مَاءٌ وَكَذَا فِي نَظَائِرِهَا، وَقَدْ اخْتَارُوا فِي الْجَمِيعِ عَدَمَ عَوْدِ النَّجَاسَةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُمْ فَلْيَكُنْ كَذَلِكَ هُنَا وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مِنْ السُّنَّةِ مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَصَحَّحَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى أَنْ يُسْتَنْجَى بِرَوْثٍ أَوْ عَظْمٍ وَقَالَ أَنَّهُمَا لَا يُطَهِّرَانِ» فَعُلِمَ أَنَّ مَا أَطْلَقَ الِاسْتِنْجَاءَ بِهِ يَطْهُرُ إذْ لَوْ لَمْ يُطَهَّرْ لَمْ يُطْلَقْ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ بِحُكْمِ هَذِهِ الْعِلَّةِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَأَجْمَعَ الْمُتَأَخِّرُونَ أَنَّهُ لَا يَتَنَجَّسُ بِالْعَرَقِ حَتَّى لَوْ سَالَ الْعَرَقُ مِنْهُ وَأَصَابَ الثَّوْبَ وَالْبَدَنَ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ لَا يَمْنَعُ وَظَاهِرُ مَا فِي الْكِتَابِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَاءَ مَنْدُوبٌ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَهُ الْحَجَرُ أَوْ لَا، فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا اقْتَصَرَ عَلَى الْحَجَرِ كَانَ مُقِيمًا لِلسُّنَّةِ وَإِذَا اقْتَصَرَ عَلَى الْمَاءِ كَانَ مُقِيمًا لَهَا أَيْضًا وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ الْأَوَّلِ وَإِذَا جَمَعَ بَيْنَهُمَا كَانَ أَفْضَلَ مِنْ الْكُلِّ وَقِيلَ الْجَمْعُ سُنَّةٌ فِي زَمَانِنَا وَقِيلَ سُنَّةٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ هَذَا وَالنَّظَرُ إلَى مَا تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْفَصْلِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَعَائِشَةَ يُفِيدُ أَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ بِالْمَاءِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ فِي كُلِّ زَمَانٍ لِإِفَادَتِهِ الْمُوَاظَبَةَ وَفِيهِ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الْبَحْثِ، أَطْلَقَ الْغَسْلَ بِالْمَاءِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِعَدَدٍ لِيُفِيدَ أَنَّ الصَّحِيحَ تَفْوِيضُهُ إلَى رَأْيِهِ فَيَغْسِلَ حَتَّى يَقَعَ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ طَهُرَ، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ بَعْدَ نَقْلِ الْخِلَافِ فَمِنْهُمْ مَنْ شَرَطَ الثَّلَاثَ وَمِنْهُمْ مَنْ شَرَطَ السَّبْعَ وَمِنْهُمْ مَنْ شَرَطَ الْعَشَرَةَ وَالْمُرَادُ بِالِاشْتِرَاطِ الِاشْتِرَاطُ فِي حُصُولِ السُّنَّةِ وَإِلَّا فَتَرْكُ الْكُلِّ لَا يَضُرُّهُ عِنْدَهُمْ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَالِاسْتِنْجَاءُ بِالْمَاءِ أَفْضَلُ إنْ أَمْكَنَهُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ كَشْفِ الْعَوْرَةِ، وَإِنْ احْتَاجَ إلَى كَشْفِ الْعَوْرَةِ يَسْتَنْجِي بِالْحَجَرِ وَلَا يَسْتَنْجِي بِالْمَاءِ قَالُوا مَنْ كَشَفَ الْعَوْرَةَ لِلِاسْتِنْجَاءِ يَصِيرُ فَاسِقًا وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَوْ كَانَ عَلَى شَطِّ نَهْرٍ لَيْسَ فِيهِ سُتْرَةٌ لَوْ اسْتَنْجَى بِالْمَاءِ قَالُوا يَفْسُقُ وَكَثِيرًا مَا يَفْعَلُهُ عَوَامُّ الْمِصْرِيِّينَ فِي الْمِيضَأَةِ فَضْلًا عَنْ شَاطِئِ النِّيلِ. اهـ.، وَقَدْ قَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ أَوَّلَ الْبَابِ. (قَوْلُهُ: وَيَجِبُ إنْ جَاوَزَ النَّجَسُ الْمَخْرَجَ) أَيْ وَيَجِبُ غَسْلُ الْمَحَلِّ بِالْمَاءِ إنْ تَعَدَّتْ النَّجَاسَةُ الْمَخْرَجَ؛ لِأَنَّ لِلْبَدَنِ حَرَارَةً جَاذِبَةً أَجْزَاءَ النَّجَاسَةِ فَلَا يُزِيلُهَا الْمَسْحُ بِالْحَجَرِ وَهُوَ الْقِيَاسُ فِي مَحَلِّ الِاسْتِنْجَاءِ إلَّا أَنَّهُ تُرِكَ فِيهِ لِلنَّصِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَلَا يَتَعَدَّاهُ وَفَسَّرْنَا فَاعِلَ يَجِبُ بِالْغَسْلِ دُونَ الِاسْتِنْجَاءِ كَمَا فَعَلَ الشَّارِحُ الزَّيْلَعِيُّ لِمَا أَنَّ غَسْلَ مَا عَدَا الْمَخْرَجَ لَا يُسَمَّى اسْتِنْجَاءً وَلِمَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ لَا يَكُونُ إلَّا سُنَّةً وَأَرَادَ بِالْمَاءِ هُنَا كُلَّ مَائِعٍ طَاهِرٍ مُزِيلٍ بِقَرِينَةِ تَصْرِيحِهِ أَوَّلَ الْبَابِ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ الْمُعَيِّنَةِ لِلْمَاءِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْكَافِي؛ لِأَنَّهَا ضَعِيفَةٌ فِي الْمَذْهَبِ كَمَا عَلِمْت سَابِقًا وَأَرَادَ بِالْمُجَاوَزَةِ أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ بِقَرِينَةِ مَا بَعْدَهُ وَحِينَئِذٍ فَالْمُرَادُ بِالْوُجُوبِ الْفَرْضُ. (قَوْلُهُ: وَيُعْتَبَرُ الْقَدْرُ الْمَانِعُ وَرَاءَ مَوْضِعِ الِاسْتِنْجَاءِ) أَيْ وَيُعْتَبَرُ فِي مَنْعِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ أَنْ تَكُونَ النَّجَاسَةُ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ مَعَ سُقُوطِ مَوْضِعِ الِاسْتِنْجَاءِ حَتَّى إذَا كَانَ الْمُجَاوِزُ لِلْمَخْرَجِ مَعَ مَا عَلَى الْمَخْرَجِ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ؛ لِأَنَّ مَا عَلَى الْمَخْرَجِ سَاقِطٌ شَرْعًا وَلِهَذَا لَا تُكْرَهُ الصَّلَاةُ مَعَهُ فَبَقِيَ الْمُجَاوِزُ غَيْرَ مَانِعٍ وَهَذَا عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَا عَلَى الْمَخْرَجِ فِي حُكْمِ الْبَاطِنِ عِنْدَهُمَا وَفِي حُكْمِ الظَّاهِرِ عِنْدَهُ وَهَذَا بِعُمُومِهِ يَتَنَاوَلُ مَا إذَا كَانَتْ مَقْعَدَتُهُ كَبِيرَةً وَكَانَ فِيهَا نَجَاسَةٌ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ وَلَمْ يَتَجَاوَزْ الْمَخْرَجَ فَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُعْفَى عَنْهُ اتِّفَاقًا لِاتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّ مَا عَلَى الْمَقْعَدَةِ سَاقِطٌ، وَإِنَّمَا خِلَافُ مُحَمَّدٍ فِيمَا إذَا جَاوَزَتْ النَّجَاسَةُ الْمَخْرَجَ وَكَانَ قَلِيلًا وَكَانَ لَوْ جُمِعَ مَعَ مَا عَلَى الْمَخْرَجِ كَانَ كَثِيرًا فَعَلَى هَذَا فَالِاخْتِلَافُ الْمَنْقُولُ فِي   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَاءَ مَنْدُوبٌ) فِيهِ نَظَرٌ بَلْ فِيهِ إيمَاءٌ إلَى أَنَّهُ مَسْنُونٌ وَأَنَّى يَكُونُ الْمُتَسَحَّبُ أَفْضَلَ مِنْ الْمَسْنُونِ. اهـ. أَيْ لَوْ كَانَ الْمَاءُ مَنْدُوبًا كَيْفَ يَكُونُ أَفْضَلَ مِنْ الْحَجَرِ الْمَسْنُونِ (قَوْلُهُ وَكَثِيرًا مَا يَفْعَلُهُ عَوَامُّ الْمُصَلِّينَ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا الْمِصْرِيِّينَ. (قَوْلُهُ: وَهَذَا بِعُمُومِهِ إلَخْ) الْإِشَارَةُ إلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ مَا عَلَى الْمَخْرَجِ سَاقِطٌ شَرْعًا فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ مَا إذَا كَانَ أَكْثَرَ مِنْ الدِّرْهَمِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ دَلِيلًا لِعَدَمِ مَنْعِ الْمُتَجَاوِزِ الَّذِي فِيهِ خِلَافُ مُحَمَّدٍ، وَشَأْنُ الدَّلِيلِ أَنْ يَكُونَ مُسَلَّمًا عِنْدَ الْخَصْمِ لَكِنْ صَرَّحَ فِي الْخُلَاصَةِ بِأَنَّهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَكْفِيهِ الْحَجَرُ إذَا كَانَتْ النَّجَاسَةُ عَلَى مَوْضِعِ الِاسْتِنْجَاءِ أَكْثَرَ مِنْ الدِّرْهَمِ وَنَقَلَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَيْنِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَكْفِي وَفِي الْبَدَائِعِ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قِيلَ: لَا يَكْفِي فِيهِ الْحَجَرُ وَقِيلَ يَكْفِي وَبِهِ أَخَذَ أَبُو اللَّيْثِ وَهُوَ الصَّحِيحُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 الشَّرْحِ وَغَيْرِهِ بَيْنَ الْفَقِيهِ أَبِي بَكْرٍ الْقَائِلِ بِأَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ الِاسْتِنْجَاءُ بِالْأَحْجَارِ وَبَيْنَ ابْنِ شُجَاعٍ الْقَائِلِ بِالْجَوَازِ مُشْكِلٌ إلَّا أَنْ يُخَصَّ هَذَا الْعُمُومُ بِالْمَقْعَدَةِ الْمُعْتَادَةِ الَّتِي قُدِّرَ بِهَا الدِّرْهَمُ الْكَبِيرُ الْمِثْقَالِيُّ، وَأَمَّا الْكَبِيرَةُ الَّتِي جَاوَزَ مَا عَلَيْهَا الدِّرْهَمَ فَلَيْسَتْ سَاقِطَةً فَلَهُ وَجْهٌ مَعَ بَعْدِهِ وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ هَذَا حُكْمُ الْغَائِطِ إذَا تَجَاوَزَ، وَأَمَّا الْبَوْلُ إذَا تَجَاوَزَ عَنْ رَأْسِ الْإِحْلِيلِ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُجْزِئُ فِيهِ الْحَجَرُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يُجْزِئُ فِيهِ الْحَجَرُ إلَّا إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ. اهـ. وَفِي الْخُلَاصَةِ وَلَوْ أَصَابَ طَرَفَ الْإِحْلِيلِ مِنْ الْبَوْلِ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ هُوَ الصَّحِيحُ. اهـ. وَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِمَوْضِعِ الِاسْتِنْجَاءِ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ صَاحِبِ النُّقَايَةِ وَغَيْرِهَا بِالْمَخْرَجِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ الْغَسْلُ بِالْمَاءِ إلَّا إذَا تَجَاوَزَ مَا عَلَى نَفْسِ الْمَخْرَجِ وَمَا حَوْلَهُ مِنْ مَوْضِعِ الشَّرَجِ وَكَانَ الْمُجَاوِزُ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ كَمَا فِي الْمُجْتَبَى وَذَكَرَ فِي الْعِنَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْقُنْيَةِ أَنَّهُ إذَا أَصَابَ مَوْضِعَ الِاسْتِنْجَاءِ نَجَاسَةٌ مِنْ الْخَارِجِ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ يَطْهُرُ بِالْحَجَرِ وَقِيلَ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ إلَّا بِالْغَسْلِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ يَطْهُرُ بِالْحَجَرِ، وَقَدْ نَقَلُوا هَذَا التَّصْحِيحَ هُنَا بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ فَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ: لَا بِعَظْمٍ وَرَوْثٍ وَطَعَامٍ وَيَمِينٍ) أَيْ لَا يَسْتَنْجِي بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يُكْرَهُ بِهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّارِحُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ لِلنَّهْيِ الْوَارِدِ فِي ذَلِكَ لِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ «ابْغِنِي أَحْجَارًا اسْتَقْضِ بِهَا وَلَا تَأْتِنِي بِعَظْمٍ وَلَا بِرَوْثَةٍ قُلْتُ: مَا بَالُ الْعِظَامِ وَالرَّوْثَةِ قَالَ هُمَا مِنْ طَعَامِ الْجِنِّ» . وَرَوَى أَصْحَابُ الْكُتُبِ السِّتَّةِ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا بَالُ أَحَدُكُمْ فَلَا يَمَسَّ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ وَإِذَا أَتَى الْخَلَاءَ فَلَا يَتَمَسَّحُ بِيَمِينِهِ وَإِذَا شَرِبَ فَلَا يَشْرَبْ نَفَسًا وَاحِدًا» وَفِي الْقُنْيَةِ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ جَمَعَ الْحَدِيثُ النَّهْيَ عَنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْيَمِينِ وَمَسِّ الذَّكَرِ بِالْيَمِينِ وَلَا يُمْكِنُهُ إلَّا بِارْتِكَابِ أَحَدِهِمَا فَالصَّوَابُ أَنْ يَأْخُذَ الذَّكَرَ بِشِمَالِهِ فَيُمِرُّهُ عَلَى جِدَارٍ أَوْ مَوْضِعٍ نَاءٍ مِنْ الْأَرْضِ، وَإِنْ تَعَذَّرَ يَقْعُدُ وَيُمْسِكُ الْحَجَرَ بَيْنَ عَقِبَيْهِ فَيُمِرُّ الْعُضْوَ عَلَيْهِ بِشِمَالِهِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ يَأْخُذُ الْحَجَرَ بِيَمِينِهِ وَلَا يُحَرِّكَهُ وَيُمِرُّ الْعُضْوَ عَلَيْهِ بِشِمَالِهِ قَالَ مَوْلَانَا نَجْمُ الدِّينِ وَفِيمَا أَشَارَ إلَيْهِ مِنْ إمْسَاكِ الْحَجَرِ بِعَقِبَيْهِ حَرَجٌ وَتَعْسِيرٌ وَتَكَلُّفٌ بَلْ يُسْتَنْجَى بِجِدَارٍ إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا يَأْخُذْ الْحَجَرَ بِيَمِينِهِ وَيَسْتَنْجِي بِيَسَارِهِ اهـ. وَلَيْسَ مُرَادُهُ الْقَصْرَ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَإِنَّ مَا يُكْرَهُ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ كَمَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ الْعَظْمُ وَالرَّوْثُ وَالرَّجِيعُ وَالْفَحْمُ وَالطَّعَامُ وَالزُّجَاجُ وَالْوَرَقُ وَالْخَزَفُ وَالْقَصَبُ وَالشَّعْرُ وَالْقُطْنُ وَالْخِرْقَةُ وَعَلَفُ الدَّوَابِّ مِثْلُ الْحَشِيشِ وَغَيْرِهِ فَإِنْ اسْتَنْجَى بِهَا أَجْزَأَهُ مَعَ الْكَرَاهَةِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ، وَالرَّوْثُ وَإِنْ كَانَ نَجَسًا عِنْدَنَا بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِيهَا رِكْسٌ أَوْ رِجْسٌ» لَكِنْ لَمَّا كَانَ يَابِسًا لَا يَنْفَصِلُ مِنْهُ شَيْءٌ صَحَّ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يُجَفِّفُ مَا عَلَى الْبَدَنِ مِنْ النَّجَاسَةِ الرَّطْبَةِ وَالرَّجِيعُ الْعَذِرَةُ الْيَابِسَةُ وَقِيلَ الْحَجَرُ الَّذِي قَدْ اُسْتُنْجِيَ بِهِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَا يُجْزِئُهُ الِاسْتِنْجَاءُ بِحَجَرٍ اسْتَنْجَى بِهِ مَرَّةً إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ حَرْفٌ آخَرُ لَمْ يَسْتَنْجِ بِهِ. اهـ. وَالْوَرَقُ قِيلَ: إنَّهُ وَرَقُ الْكِتَابَةِ، وَقِيلَ: إنَّهُ وَرَقُ الشَّجَرِ وَأَيُّ ذَلِكَ كَانَ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ، وَأَمَّا الطَّعَامُ فَلِأَنَّهُ إسْرَافٌ وَإِهَانَةٌ، وَإِنَّمَا كَرِهُوا وَضْعَ الْمَمْلَحَةَ عَلَى الْخُبْزِ لِلْإِهَانَةِ فَهَذَا أَوْلَى وَسَوَاءٌ كَانَ مَائِعًا أَوْ لَا كَاللَّحْمِ، وَأَمَّا الْخَزَفُ وَالزُّجَاجُ وَالْفَحْمُ فَإِنَّهُ يَضُرُّ بِالْمَقْعَدَةِ، وَأَمَّا بِالْيَمِينِ فَلِلنَّهْيِ الْمُتَقَدِّمِ، فَإِنْ كَانَ بِالْيُسْرَى عُذْرٌ يَمْنَعُ الِاسْتِنْجَاءَ بِهَا جَازَ أَنْ يَسْتَنْجِيَ بِيَمِينِهِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، وَأَمَّا بَاقِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَقِيلَ إنَّ الِاسْتِنْجَاءَ بِهَا يُورِثُ الْفَقْرَ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ التَّحْقِيقَ أَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ لَا يَكُونُ إلَّا سُنَّةً فَيَنْبَغِي أَنَّهُ إذَا اسْتَنْجَى بِالْمَنْهِيِّ عَنْهُ أَنْ لَا يَكُونَ مُقِيمًا لِسُنَّةِ الِاسْتِنْجَاءِ أَصْلًا فَقَوْلُهُمْ بِالْإِجْزَاءِ مَعَ الْكَرَاهَةِ تَسَامُحٌ؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْعِبَارَةِ تُسْتَعْمَلُ فِي الْوَاجِبِ وَلَيْسَ بِهِ. وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ. (فُرُوعٌ) إذَا أَرَادَ الْإِنْسَانُ دُخُولَ الْخَلَاءِ وَهُوَ   [منحة الخالق] ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِالِاسْتِنْجَاءِ بِالْأَحْجَارِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ وَفِي الذَّخِيرَةِ وَالْوَلْوالِجِيَّة أَنَّهُ الْمُخْتَارُ. (قَوْلُهُ: مِنْ مَوْضِعِ الشَّرَجِ) أَيْ الْحَلْقَةِ. (قَوْلُهُ فَالصَّوَابُ أَنْ يَأْخُذَ الذَّكَرَ بِشِمَالِهِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَأَمَّا الِاسْتِنْجَاءُ بِالْمَاءِ فَلَمْ أَرَ مِنْ عُلَمَائِنَا مَنْ صَرَّحَ بِكَيْفِيَّةِ أَخْذِهِ وَصَبِّهِ وَرَأَيْت فِي كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ وَيُسَنُّ أَنْ لَا يَسْتَعِينَ بِيَمِينِهِ فِي شَيْءٍ مِنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِغَيْرِ عُذْرٍ فَيَأْخُذُ الْحَجَرَ بِيَسَارِهِ بِخِلَافِ الْمَاءِ فَإِنَّهُ يَصُبُّهُ بِيَمِينِهِ وَيَغْسِلُ بِيَسَارِهِ وَلَا مَانِعَ مِنْهُ عِنْدَنَا فَالظَّاهِرُ أَنَّ مَذْهَبَنَا كَذَلِكَ هَذَا هُوَ الْمَعْهُودُ لِلنَّاسِ فَلَعَلَّهُمْ إنَّمَا تَرَكُوهُ لِظُهُورِهِ. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. ثُمَّ رَأَيْت فِي الضِّيَاءِ الْمَعْنَوِيِّ شَرْحِ مُقَدِّمَةِ الْغَزْنَوِيِّ وَيُفِيضُ الْمَاءَ بِيَدِهِ الْيُمْنَى عَلَى فَرْجِهِ وَيُعْلِي الْإِنَاءَ وَيَغْسِلُ فَرْجَهُ بِيَدِهِ الْيُسْرَى إذَا لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ، فَإِنْ كَانَ بِيَدِهِ الْيُسْرَى عُذْرٌ يَمْنَعُ مِنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِهَا جَازَ الِاسْتِنْجَاءُ بِالْيُمْنَى مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ اهـ. فَهُوَ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا بَحَثْته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 بَيْتُ التَّغَوُّطِ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَدْخُلَ بِثَوْبٍ غَيْرِ ثَوْبِهِ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ إنْ كَانَ لَهُ ذَلِكَ وَإِلَّا فَيَجْتَهِدُ فِي حِفْظِ ثَوْبِهِ عَنْ إصَابَةِ النَّجَاسَةِ وَالْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ وَيَدْخُلُ مَسْتُورَ الرَّأْسِ وَيَقُولُ عِنْدَ دُخُولِهِ بِاسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ وَأَعُوذُ بِك مِنْ الرِّجْسِ الْخَبِيثِ الْمُخْبَثِ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ وَالْخُبْثُ بِسُكُونِ الْبَاءِ بِمَعْنَى الشَّرِّ وَبِضَمِّهَا جَمْعُ الْخَبِيثِ وَهُوَ الذَّكَرُ مِنْ الشَّيْطَانِ وَالْخَبَائِثُ جَمْعُ الْخَبِيثَةِ وَهِيَ الْأُنْثَى مِنْ الشَّيَاطِينِ وَيُكْرَهُ أَنْ يَدْخُلَ الْخَلَاءَ وَمَعَهُ خَاتَمٌ مَكْتُوبٌ عَلَيْهِ اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ وَيَبْدَأُ بِرِجْلِهِ الْيُسْرَى وَيَقْعُدُ وَلَا يَكْشِفُ عَوْرَتَهُ وَهُوَ قَائِمٌ وَيُوَسِّعُ بَيْنَ رِجْلَيْهِ وَيَمِيلُ عَلَى الْيُسْرَى وَلَا يَتَكَلَّمُ عَنْ الْخَلَاءِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَمْقُتُ عَلَى ذَلِكَ وَالْمَقْتُ هُوَ الْبُغْضُ وَلَا يَذْكُرُ اللَّهَ وَلَا يَحْمَدُ إذَا عَطَسَ وَلَا يُشَمِّتُ عَاطِسًا وَلَا يَرُدُّ السَّلَامَ وَلَا يُجِيبُ الْمُؤَذِّنَ وَلَا يَنْظُرُ لِعَوْرَتِهِ إلَّا لِحَاجَةٍ وَلَا يَنْظُرُ إلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهُ وَلَا يَبْزُقُ وَلَا يَمْخُطُ وَلَا يَتَنَحْنَحُ وَلَا يُكْثِرُ الِالْتِفَاتَ وَلَا يَعْبَثُ بِبَدَنِهِ وَلَا يَرْفَعُ بَصَرَهُ إلَى السَّمَاءِ وَلَا يُطِيلُ الْقُعُودَ عَلَى الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ؛ لِأَنَّهُ يُورِثُ الْبَاسُورَ أَوْ وَجَعَ الْكَبِدِ كَمَا رُوِيَ عَنْ لُقْمَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَإِذَا فَرَغَ قَامَ وَيَقُولُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنِّي الْأَذَى وَعَافَانِي أَيْ بِإِبْقَاءِ شَيْءٍ مِنْ الطَّعَامِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ خَرَجَ كُلُّهُ هَلَكَ وَيُكْرَهُ الْبَوْلُ وَالْغَائِطُ فِي الْمَاءِ وَلَوْ كَانَ جَارِيًا وَيُكْرَهُ عَلَى طَرَفِ نَهْرٍ أَوْ بِئْرٍ أَوْ حَوْضٍ أَوْ عَيْنٍ أَوْ تَحْتَ شَجَرَةٍ مُثْمِرَةٍ أَوْ فِي زَرْعٍ أَوْ فِي ظِلٍّ يُنْتَفَعُ بِالْجُلُوسِ فِيهِ وَيُكْرَهُ بِجَنْبِ الْمَسَاجِدِ وَمُصَلَّى الْعِيدِ وَفِي الْمَقَابِرِ وَبَيْنَ الدَّوَابِّ وَفِي طُرُقِ الْمُسْلِمِينَ وَمُسْتَقْبِلُ الْقَلْبَةِ وَمُسْتَدْبَرُهَا وَلَوْ فِي الْبُنْيَانِ، فَإِنْ جَلَسَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ نَاسِيًا، ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَهُ إنْ أَمْكَنَهُ الِانْحِرَافَ انْحَرَفَ وَإِلَّا فَلَا بَأْسَ وَكَذَا يُكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُمْسِكَ وَلَدَهَا لِلْبَوْلِ وَالْغَائِطِ نَحْوَ الْقِبْلَةِ وَاخْتَلَفُوا فِي الِاسْتِقْبَالِ لِلتَّطَهُّرِ فَاخْتَارَ التُّمُرْتَاشِيُّ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ وَكَذَا يُكْرَهُ اسْتِقْبَالُ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ لِأَنَّهُمَا مِنْ آيَاتِ اللَّهِ الْبَاهِرَةِ وَيُكْرَهُ أَنْ يَقْعُدَ فِي أَسْفَلِ الْأَرْضِ وَيَبُولَ فِي أَعْلَاهَا وَأَنْ يَبُولَ فِي مَهَبِّ الرِّيحِ وَأَنْ يَبُولَ فِي حُجْرٌ فَأْرَةٍ أَوْ حَيَّةٍ أَوْ نَمْلَةٍ أَوْ ثَقْبٍ وَيُكْرَهُ أَنْ يَبُولَ قَائِمًا أَوْ مُضْطَجِعًا أَوْ مُتَجَرِّدًا عَنْ ثَوْبِهِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، فَإِنْ كَانَ لِعُذْرٍ فَلَا بَأْسَ؛ «لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَالَ قَائِمًا لِوَجَعٍ فِي صُلْبِهِ» وَيُكْرَهُ أَنْ يَبُولَ فِي مَوْضِعٍ وَيَتَوَضَّأَ أَوْ يَغْتَسِلَ فِيهِ لِلنَّهْيِ، كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ. (كِتَابُ الصَّلَاةِ) هِيَ لُغَةً الدُّعَاءُ وَشَرْعًا الْأَفْعَالُ الْمَخْصُوصَةُ مِنْ الْقِيَامِ وَالْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَقَوْلُ الشَّارِحِ وَفِيهَا زِيَادَةٌ مَعَ بَقَاءِ مَعْنَى اللُّغَةِ فَيَكُونُ تَغْيِيرًا لَا نَقْلًا فِيهِ نَظَرٌ إذْ الدُّعَاءُ لَيْسَ مِنْ حَقِيقَتِهَا شَرْعًا وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الْقِرَاءَةُ فَبَعِيدٌ فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا مَنْقُولَةٌ كَمَا فِي الْغَايَةِ لَا لِمَا عَلَّلَ بِهِ مِنْ وُجُودِهَا بِدُونِ الدُّعَاءِ فِي الْأُمِّيِّ بَلْ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَسَيَأْتِي بَيَانُ أَرْكَانِهَا وَشَرَائِطُهَا وَوَاجِبَاتُهَا وَحُكْمُهَا سُقُوطُ الْوَاجِبِ عَنْ ذِمَّتِهِ بِالْأَدَاءِ فِي الدُّنْيَا وَنَيْلُ الثَّوَابِ الْمَوْعُودِ فِي الْآخِرَةِ إنْ كَانَ وَاجِبًا وَإِلَّا فَالثَّانِي وَسَبَبُهَا أَوْقَاتُهَا عِنْدَ الْفُقَهَاءِ وَعِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ هِيَ عَلَامَاتٌ وَلَيْسَتْ بِأَسْبَابٍ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْمُفْضِي إلَى   [منحة الخالق] [آدَاب دُخُولَ الْخَلَاءِ] (قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ أَنْ يَدْخُلَ الْخَلَاءَ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَإِذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ وَلَهُ مَمَرٌّ طَوِيلٌ يُقَدِّمُ الْيَسَارَ عِنْدَ أَوَّلِ دُخُولٍ لِلْمَرِّ، ثُمَّ يَتَخَيَّرُ فِيمَا بَعْدَ ذَلِكَ حَتَّى فِي الْجُلُوسِ عَلَى مَحَلِّ قَضَاءِ الْحَاجَةِ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ أَجْزَاءُ الْمُسْتَقْذَرِ فَلَا يُطْلَبُ تَقْدِيمُ خُصُوصِ الْيَسَارِ فِي شَيْءٍ مِنْهَا وَفِي مَسْجِدَيْنِ مُتَّصِلَيْنِ مُتَنَافَذَيْنِ يُقَدِّمُ الْيُمْنَى عِنْدَ دُخُولِ أَوَّلَهُمَا لَا يُرَاعِي شَيْئًا بَعْدَ ذَلِكَ حَتَّى فِي الدُّخُولِ مِنْ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ؛ لِأَنَّهُمَا شَيْءٌ وَاحِدٌ، كَذَا رَأَيْت فِي حَاشِيَةِ الشَّيْخِ عَمِيرَةَ وَالشَّيْخِ ابْنِ قَاسِمٍ عَلَى شَرْحِ الْمَنْهَجِ الشَّافِعِيِّ وَلَا شَيْءَ عِنْدَنَا يُنَابَذُهُ. [كِتَابُ الصَّلَاةِ] [حُكْمُ الصَّلَاة] (كِتَابُ الصَّلَاةِ) (قَوْلُهُ: هِيَ لُغَةً الدُّعَاءُ) هَذَا مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَجَزَمَ بِهِ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ تَبَعًا لِأَبِي عَلِيٍّ وَاسْتَحْسَنَهُ ابْنُ جِنِّيٍّ إنَّ حَقِيقَةَ صَلَّى حَرَّكَ الصَّلَوَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمُصَلِّيَ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ وَقِيلَ لِلدَّاعِي مُصَلِّيًا تَشْبِيهًا فِي تَخَشُّعِهِ بِالرَّاكِعِ وَالسَّاجِدِ. اهـ. وَالصَّلَوَانِ بِالسُّكُونِ الْعَظْمَانِ النَّاتِئَانِ فِي أَعَالِي الْفَخْذَيْنِ اللَّذَانِ عَلَيْهِمَا الْأَلْيَتَانِ وَادَّعَى أَبُو حَيَّانَ أَنَّهُمَا عِرْقَانِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ صَلَّى حَقِيقَةٌ لُغَوِيَّةٌ فِي تَحَرُّكِ الصَّلَوَيْنِ مَجَازٌ لُغَوِيٌّ فِي الْأَرْكَانِ الْمَخْصُوصَةِ اسْتِعَارَةٌ يَعْنِي تَصْرِيحِيَّةٌ فِي الرُّتْبَةِ الثَّانِيَةِ فِي الدُّعَاءِ تُسَبِّبُهَا لِلدَّاعِي بِالرَّاكِعِ وَالسَّاجِدِ وَتَمَامُهُ فِي النَّهْرِ. (قَوْلُهُ: فَيَكُونُ تَغْيِيرًا لَا نَقْلًا) الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ فِي النَّقْلِ لَمْ يَبْقَ الْمَعْنَى الَّذِي وَضَعَهُ الْوَاضِعُ مَرْعِيًا وَفِي التَّغْيِيرِ يَكُونُ بَاقِيًا لَكِنَّهُ زِيدَ عَلَيْهِ شَيْءٌ آخَرُ وَفِي النَّهْيِ اخْتَلَفَ الْأُصُولِيُّونَ فِي الْأَلْفَاظِ الدَّالَّةِ عَلَى مَعَانٍ شَرْعِيَّةٍ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ أَهِيَ مَنْقُولَةٌ عَنْ مَعَانِيهَا اللُّغَوِيَّةِ إلَى حَقَائِقَ شَرْعِيَّةٍ أَمْ مُغَيَّرَةٌ قِيلَ بِالْأَوَّلِ قَالَ فِي الْغَايَةِ وَهُوَ الظَّاهِرُ لِوُجُودِهَا بِدُونِهِ فِي الْأُمِّيِّ وَقِيلَ بِالثَّانِي وَأَنَّهُ إنَّمَا زِيدَ عَلَى الدُّعَاءِ بَاقِي الْأَرْكَانِ الْمَخْصُوصَةِ وَأَطْلَقَ الْجُزْءَ عَلَى الْكُلِّ. (قَوْلُهُ: بَلْ لِمَا ذَكَرْنَاهُ) أَيْ مِنْ أَنَّ الدُّعَاءَ لَيْسَ مِنْ حَقِيقَتِهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ خِلَافُ الْقِرَاءَةِ وَمَنَعَهُ فِي النَّهْرِ وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ سَنَدًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 الْحُكْمِ بِلَا تَأْثِيرٍ وَالْعَلَامَةُ هِيَ الدَّالُّ عَلَى الْحُكْمِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ وَلَا إفْضَاءٍ وَلَا تَأْثِيرٍ فَهُوَ عَلَامَةٌ عَلَى الْوُجُوبِ وَالْعِلَّةُ فِي الْحَقِيقَةِ النِّعَمُ الْمُتَرَادِفَةُ فِي الْوَقْتِ وَهُوَ شَرْطُ صِحَّةٍ مُتَعَلِّقَةٍ بِالضَّرُورَةِ كَمَا يُفِيدُهُ كَوْنُهُ ظَرْفًا ثُمَّ عَامَّةُ مَشَايِخِنَا عَلَى أَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ إنْ اتَّصَلَ بِهِ الْأَدَاءُ وَإِنْ لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ انْتَقَلَتْ كَذَلِكَ إلَى مَا يَتَّصِلُ بِهِ وَإِلَّا فَالسَّبَبُ الْجُزْءُ الْأَخِيرُ وَبَعْدَ خُرُوجِهِ يُضَافُ إلَى جُمْلَتِهِ وَتَمَامُهُ فِي كِتَابِنَا الْمُسَمَّى بِلُبِّ الْأُصُولِ وَفِي شَرْحِ النُّقَايَةِ وَكَانَ فَرْضُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ وَهِيَ لَيْلَةُ السَّبْتِ لِسَبْعَ عَشَرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ شَهْرًا مِنْ مَكَّةَ إلَى السَّمَاءِ وَكَانَتْ الصَّلَاةُ قَبْلَ الْإِسْرَاءِ صَلَاتَيْنِ: صَلَاةٌ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَصَلَاةٌ قَبْلَ غُرُوبِهَا. قَالَ تَعَالَى {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ} [غافر: 55] ثُمَّ بَدَأَ بِالْأَوْقَاتِ لِتَقَدُّمِ السَّبَبِ عَلَى الْمُسَبَّبِ وَالشَّرْطُ وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ لَكِنَّ السَّبَبَ أَشْرَفُ مِنْهُ وَلِكَوْنِهِ شَرْطًا أَيْضًا وَقَدَّمَ الْفَجْرَ؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ النَّهَارِ أَوْ؛ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي أَوَّلِهِ وَلَا آخِرِهِ أَوْ لِأَنَّ أَوَّلَ مَنْ صَلَّاهَا آدَم - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حِينَ أُهْبِطَ مِنْ الْجَنَّةِ، وَإِنَّمَا قَدَّمَ الظُّهْرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ؛ لِأَنَّهَا أَوَّلُ صَلَاةٍ فُرِضَتْ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَى أُمَّتِهِ، كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَبِهَذَا انْدَفَعَ السُّؤَالُ الْمَشْهُورُ كَيْفَ تَرَكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاةَ الْفَجْرِ صَبِيحَةَ لَيْلَةِ الْإِسْرَاءِ الَّتِي اُفْتُرِضَ فِيهَا الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَفِي الْغَايَةِ إنَّ صَلَاةَ الْفَجْرِ أَوَّلُ الْخَمْسِ فِي الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّ الْفَجْرَ صَبِيحَةُ لَيْلَةِ الْإِسْرَاءِ فَيُحْتَاجُ إلَى الْجَوَابِ عَنْ الْفَجْرِ وَأَجَابَ عَنْهُ الْعِرَاقِيُّ أَنَّهُ كَانَ نَائِمًا وَقْتَ الصُّبْحِ وَالنَّائِمُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ. (قَوْلُهُ: وَقْتُ الْفَجْرِ مِنْ الصُّبْحِ الصَّادِقِ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ) لِحَدِيثِ أُمَامَةَ «أَتَانِي جِبْرِيلُ عِنْدَ الْبَيْتِ مَرَّتَيْنِ فَصَلَّى بِي الظُّهْرَ فِي الْأُولَى مِنْهُمَا حِينَ كَانَ الْفَيْءُ مِثْلَ الشِّرَاكِ، ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ حِينَ كَانَ كُلُّ شَيْءٍ مِثْلَ ظِلِّهِ، ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ حِينَ وَجَبَتْ الشَّمْسُ وَأَفْطَرَ الصَّائِمُ، ثُمَّ صَلَّى الْعِشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ، ثُمَّ صَلَّى الْفَجْرَ حِينَ بَزَقَ الْفَجْرُ وَحُرِّمَ الطَّعَامُ عَلَى الصَّائِمِ وَصَلَّى الْمَرَّةَ الثَّانِيَةَ الظُّهْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ كَوَقْتِ الْعَصْرِ بِالْأَمْسِ، ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ، ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ لِوَقْتِهِ الْأَوَّلَ، ثُمَّ صَلَّى الْعِشَاءَ الْأَخِيرَةَ حِينَ ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ، ثُمَّ صَلَّى الصُّبْحَ حِينَ أَسْفَرَتْ الْأَرْضُ، ثُمَّ الْتَفَتَ جِبْرِيلُ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ هَذَا وَقْتُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِك» وَالْوَقْتُ فِيمَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ وَبَزَقَ أَيْ بَزَغَ وَهُوَ أَوَّلُ طُلُوعِهِ وَقُيِّدَ بِالصَّادِقِ احْتِرَازًا عَنْ الْكَاذِبِ فَإِنَّهُ مِنْ اللَّيْلِ وَهُوَ الْمُسْتَطِيلُ الَّذِي يَبْدُو كَذَنَبِ الذِّئْبِ، ثُمَّ يَعْقُبُهُ الظَّلَامُ وَالْأَوَّلُ الْمُسْتَطِيرُ وَهُوَ الَّذِي يَنْتَشِرُ ضَوْءُهُ فِي الْأُفُقِ وَهِيَ أَطْرَافُ السَّمَاءِ وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ آخِرُهُ قُبَيْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَفِي الْمُجْتَبَى وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي أَنَّ الْعِبْرَةَ لِأَوَّلِ طُلُوعِهِ أَوْ لِاسْتِطَارَتِهِ أَوْ لِانْتِشَارِهِ. اهـ. وَالظَّاهِرُ الْأَخِيرُ لِتَعْرِيفِهِمْ الصَّادِقَ بِهِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ الصَّادِقُ هُوَ الْبَيَاضُ الْمُنْتَشِرُ فِي الْأُفُقِ. (قَوْلُهُ: وَالظُّهْرُ مِنْ الزَّوَالِ إلَى بُلُوغِ الظِّلِّ مِثْلَيْهِ سِوَى الْفَيْءِ) أَيْ وَقْتُ الظُّهْرِ، أَمَّا أَوَّلُهُ فَمَجْمَعٌ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 78] أَيْ لِزَوَالِهَا وَقِيلَ لِغُرُوبِهَا وَاللَّامُ لِلتَّأْقِيتِ ذَكَرَهُ الْبَيْضَاوِيُّ، وَأَمَّا آخِرَهُ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ الْأُولَى رَوَاهَا مُحَمَّدٌ عَنْهُ مَا فِي الْكِتَابِ وَالثَّانِيَةُ رِوَايَةُ الْحَسَنِ إذَا صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ سِوَى الْفَيْءِ وَهُوَ قَوْلُهُمَا وَالْأَوْلَى قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ إنَّهَا الْمَذْكُورَةُ فِي الْأَصْلِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَفِي النِّهَايَةِ إنَّهَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: الْمُسَمَّى بِلُبِّ الْأُصُولِ) هُوَ مُخْتَصَرُ تَحْرِيرِ ابْنِ الْهُمَامِ. (قَوْلُهُ: أَوْ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي أَوَّلِهِ وَلَا آخِرِهِ) سَيَأْتِي قَرِيبًا نُقِلَ الْخِلَافُ فِي أَوَّلِهِ عَنْ الْمُجْتَبَى وَنَبَّهَ عَلَيْهِ الْعَلَّامَةُ الْقُهُسْتَانِيُّ وَنُقِلَ عَنْ النَّظْمِ أَنَّ آخِرَهُ إلَى أَنْ يَرَى الرَّامِي مَوْضِعَ نَبْلِهِ، قَالَ فَفِي آخِرِهِ خِلَافٌ كَمَا فِي أَوَّلِهِ فَمَنْ قَالَ بِعَدَمِ الْخِلَافِ فَمِنْ عَدَمِ التَّتَبُّعِ. (قَوْلُهُ: وَبِهَذَا انْدَفَعَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَقُولُ: هَذَا بَعْدَ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ الْفَرْضَ كَانَ فِي الْإِسْرَاءِ لَيْلًا فِيهِ نَظَرٌ، وَلِذَا جَزَمَ السُّرُوجِيُّ بِأَنَّ الْفَجْرَ أَوَّلُ الْخَمْسِ وُجُوبًا وَيُحْمَلُ الْأَوَّلُ عَلَى الْكَيْفِيَّةِ أَيْ أَوَّلُ صَلَاةٍ بَيَّنَ كَيْفِيَّةَ افْتِرَاضِهَا الظُّهْرُ وَلَا شَكَّ أَنَّ وُجُوبَ الْأَدَاءِ مُتَوَقِّفٌ عَلَى الْعِلْمِ بِهَا فَلِذَا لَمْ يَقْضِ الْفَجْرَ وَقَوْلُ الْعِرَاقِيِّ إنَّهُ كَانَ نَائِمًا وَلَا وُجُوبَ عَلَى النَّائِمِ مَرْدُودٌ، وَقَدْ نَقَلُوا الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ الْمَعْذُورَ بِنَوْمٍ وَنَحْوِهِ إذَا فَاتَتْهُ صَلَاةٌ أَوْ صَوْمٌ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ نَعَمْ الْخِلَافُ ثَابِتٌ فِي التَّرْكِ عَمْدًا وَطَائِفَةٌ عَلَى عَدَمِهِ لَكِنَّهُ خِلَافُ قَوْلِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، وَقَدْ أَشْبَعَ ابْنُ الْعِزِّ فِي حَاشِيَتِهِ أَيْ عَلَى الْهِدَايَةِ الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ. اهـ. قُلْتُ: وَفِي شَرْحِ الْبَدِيعِ مِنْ كُتُبِ الْأُصُولِ لَا يَجِبُ الِانْتِبَاهُ عَلَى النَّائِمِ أَوَّلَ الْوَقْتِ وَيَجِبُ إذَا ضَاقَ الْوَقْتُ. اهـ. نَقَلَهُ الْعَلَّامَةُ الْبِيرِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ ثُمَّ قَالَ وَلَمْ نَرَ هَذَا الْفَرْعَ فِي كُتُبِ الْفُرُوعِ فَاغْتَنِمْهُ اهـ. [أَوْقَات الصَّلَاة] [وَقْتُ صَلَاة الْفَجْرِ] (قَوْلُهُ: وَالظَّاهِرُ الْأَخِيرُ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَقُولُ: بَلْ هُوَ الْأَوَّلُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي حَدِيثِ جِبْرِيلَ الَّذِي هُوَ أَصْلُ الْبَابِ «ثُمَّ صَلَّى بِي الْفَجْرَ يَعْنِي فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ حِينَ بَرِقَ وَحَرُمَ الطَّعَامُ عَلَى الصَّائِمِ» . (قَوْلُهُ: فِي الْأَصَحِّ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا فِي الْأَصْلِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 غَايَةِ الْبَيَانِ وَبِهَا أَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْهُ وَفِي الْمُحِيطِ وَالصَّحِيحُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي الْيَنَابِيعِ وَهُوَ الصَّحِيحُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي تَصْحِيحِ الْقُدُورِيِّ لِلْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ أَنَّ بُرْهَانَ الشَّرِيعَةِ الْمَحْبُوبِيَّ اخْتَارَهُ وَعَوَّلَ عَلَيْهِ النَّسَفِيُّ وَوَافَقَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَرَجَّحَ دَلِيلَهُ وَفِي الْغِيَاثِيَّةِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِلْمُصَنِّفِ أَنَّهُ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَاخْتَارَهُ أَصْحَابُ الْمُتُونِ وَارْتَضَاهُ الشَّارِحُونَ فَثَبَتَ أَنَّهُ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ فَقَوْلُ الطَّحَاوِيِّ وَبِقَوْلِهِمَا نَأْخُذُ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ الْمَذْهَبُ مَعَ مَا ذَكَرْنَاهُ وَمَا ذَكَرَهُ الْكَرْكِيُّ فِي الْفَيْضِ مِنْ أَنَّهُ يُفْتَى بِقَوْلِهِمَا فِي الْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ مُسَلَّمٌ فِي الْعِشَاءِ فَقَطْ عَلَى مَا فِيهِ أَيْضًا كَمَا سَنَذْكُرُهُ لَهُمَا إمَامَةُ جِبْرِيلَ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ فِي هَذَا الْوَقْتِ وَلَهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَبْرِدُوا بِالظُّهْرِ فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ» وَأَشَدُّ الْحَرِّ فِي دِيَارِهِمْ كَانَ فِي هَذَا الْوَقْتِ وَإِذَا تَعَارَضَتْ الْآثَارُ لَا يَنْقَضِي الْوَقْتُ بِالشَّكِّ وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّ الِاحْتِيَاطَ أَنْ لَا يُؤَخِّرَ الظُّهْرَ إلَى الْمِثْلِ وَأَنْ لَا يُصَلِّيَ الْعَصْرَ حَتَّى يَبْلُغَ الْمِثْلَيْنِ لِيَكُونَ مُؤَدِّيًا لِلصَّلَاتَيْنِ فِي وَقْتِهِمَا بِالْإِجْمَاعِ، كَذَا فِي السِّرَاجِ وَفِي الْمُغْرِبِ الْفَيْءُ بِوَزْنِ الشَّيْءِ مَا نَسَخَ الشَّمْسَ وَذَلِكَ بِالْعَشِيِّ وَالْجَمْعُ أَفَيَاءٌ وَفُيُوءٌ وَالظِّلُّ مَا نَسَخَتْهُ الشَّمْسُ وَذَلِكَ بِالْغَدَاةِ وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَالْفَيْءُ فِي اللُّغَةِ اسْمٌ لِلظِّلِّ بَعْدَ الزَّوَالِ سُمِّيَ فَيْئًا؛ لِأَنَّهُ فَاءَ مِنْ جِهَةِ الْمَغْرِبِ إلَى جِهَةِ الْمَشْرِقِ أَيْ رَجَعَ وَبِهِ انْدَفَعَ مَا قِيلَ أَنَّ الْفَيْءَ هُوَ الظِّلُّ الَّذِي يَكُونُ لِلْأَشْيَاءِ وَقْتَ الزَّوَالِ وَفِي مَعْرِفَةِ الزَّوَالِ رِوَايَاتٌ أَصَحُّهَا أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَةً مُسْتَوِيَةً فِي أَرْضٍ مُسْتَوِيَةٍ وَيَجْعَلَ عِنْدَ مُنْتَهَى ظِلِّهَا عَلَامَةً، فَإِنْ كَانَ الظِّلُّ يَنْقُصُ عَنْ الْعَلَامَةِ فَالشَّمْسُ لَمْ تَزُلْ وَإِنْ كَانَ الظِّلُّ يَطُولُ وَيُجَاوِزُ الْخَطَّ عُلِمَ أَنَّهَا زَالَتْ وَإِنْ امْتَنَعَ الظِّلُّ مِنْ الْقِصَرِ وَالطُّولِ فَهُوَ وَقْتُ الزَّوَالِ، كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَفِي الْمُجْتَبَى، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَا يَغْرِزُهُ لِمَعْرِفَةِ الْفَيْءِ وَالْأَمْثَالِ فَلْيَعْتَبِرْهُ بِقَامَتِهِ وَقَامَةُ كُلِّ إنْسَانٍ سِتَّةُ أَقْدَامٍ وَنِصْفٌ بِقَدَمِهِ، وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ وَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ سَبْعَةُ أَقْدَامٍ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِأَنْ يُعْتَبَرَ سَبْعَةَ أَقْدَامٍ مِنْ طَرَفِ سَمْتِ السَّاقِ وَسِتَّةً وَنِصْفٍ مِنْ طَرَفِ الْإِبْهَامِ وَاعْلَمْ أَنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ ظِلًّا وَقْتَ الزَّوَالِ إلَّا بِمَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فِي أَطْوَلِ أَيَّامِ السَّنَةِ؛ لِأَنَّ الشَّمْسَ فِيهَا تَأْخُذُ الْحِيطَانَ الْأَرْبَعَةَ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ. [وَقْت صَلَاة الْعَصْرُ] (قَوْلُهُ: وَالْعَصْرُ مِنْهُ إلَى الْغُرُوبِ) أَيْ وَقْتُ الْعَصْرِ مِنْ بُلُوغِ الظِّلِّ مِثْلَيْهِ سِوَى الْفَيْءِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ وَالْخِلَافُ فِي آخِرِ وَقْتِ الظُّهْرِ جَارٍ فِي أَوَّلِ وَقْتِ الْعَصْرِ وَفِي آخِرِهِ خِلَافٌ أَيْضًا فَإِنَّ الْحَسَنَ بْنَ زِيَادٍ يَقُولُ إذَا اصْفَرَّتْ الشَّمْسُ خَرَجَ وَقْتُ الْعَصْرِ وَلَنَا رِوَايَةُ الصَّحِيحَيْنِ «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ» . [وَقْت صَلَاة الْمَغْرِبُ] (قَوْلُهُ: وَالْمَغْرِبُ مِنْهُ إلَى غُرُوبِ الشَّفَقِ) أَيْ وَقْتُ الْمَغْرِبِ مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ إلَى غُرُوبِ الشَّفَقِ لِرِوَايَةِ مُسْلِمٍ «وَقْتُ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ مَا لَمْ يَسْقُطْ نُورُ الشَّفَقِ» وَضَبَطَهُ الشُّمُنِّيُّ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ الْمَفْتُوحَةِ وَهُوَ ثَوَرَان حُمْرَتِهِ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْبَيَاضُ) أَيْ الشَّفَقُ هُوَ الْبَيَاضُ عِنْدَ الْإِمَامِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَعُمَرَ وَمُعَاذٍ وَعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَعِنْدَهُمَا وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْهُ هُوَ الْحُمْرَةُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَصَرَّحَ فِي الْمَجْمَعِ بِأَنَّ عَلَيْهَا الْفَتْوَى وَرَدَّهُ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهُ لَا يُسَاعِدُهُ رِوَايَةٌ وَلَا دِرَايَةٌ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ خِلَافُ الرِّوَايَةِ الظَّاهِرَةِ عَنْهُ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ فُضَيْلٍ «وَإِنْ أَخَّرَ وَقْتَهَا حِينَ يَغِيبُ الْأُفُقُ» وَغَيْبُوبَتُهُ بِسُقُوطِ الْبَيَاضِ الَّذِي يَعْقُبُ الْحُمْرَةَ وَإِلَّا كَانَ بَادِيًا وَيَجِيءُ مَا تَقَدَّمَ يَعْنِي إذَا تَعَارَضَتْ الْأَخْبَارُ لَمْ يُنْقَضْ الْوَقْتُ بِالشَّكِّ وَرَجَّحَهُ أَيْضًا تِلْمِيذُهُ قَاسِمٌ فِي تَصْحِيحِ الْقُدُورِيِّ وَقَالَ فِي آخِرِهِ فَثَبَتَ أَنَّ قَوْلَ الْإِمَامِ هُوَ الْأَصَحُّ. اهـ. وَبِهَذَا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَأَشَدُّ الْحَرِّ إلَخْ) أَصْرَحُ مِنْهُ مَا عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ «كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَفَرٍ فَأَرَادَ الْمُؤَذِّنُ أَنْ يُؤَذِّنَ فَقَالَ لَهُ أَبْرِدْ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُؤَذِّنَ فَقَالَ لَهُ أَبْرِدْ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُؤَذِّنَ فَقَالَ لَهُ أَبْرِدْ حَتَّى سَاوَى الظِّلُّ التُّلُولَ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي بَابِ الْأَذَانِ لِلْمُسَافِرِينَ فَقَدْ صَرَّحَ بِأَنَّ الظِّلَّ قَدْ سَاوَى التُّلُولَ وَلَا قَدْرَ يُدْرَكُ لِفَيْءِ الزَّوَالِ ذَلِكَ الزَّمَانِ فِي دِيَارِهِمْ فَثَبَتَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَلَّى الظُّهْرَ حِينَ صَارَ الظِّلُّ مِثْلَهُ» وَلَا يُظَنُّ بِهِ أَنَّهُ صَلَّاهَا فِي وَقْتِ الْعَصْرِ فَكَانَ حُجَّةً عَلَى أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حُجَّةً عَلَى مَنْ يُجَوِّزُ الْجَمْعَ فِي السَّفَرِ وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ [وَقْت صَلَاة الظُّهْرُ] (قَوْلُهُ وَعِنْدَهُمَا وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْهُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَإِلَيْهِ رَجَعَ الْإِمَامُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى لِمَا ثَبَتَ عَنْهُ مِنْ حَمْلِ عَامَّةِ الصَّحَابَةِ الشَّفَقَ عَلَى الْحُمْرَةِ وَإِثْبَاتُ هَذَا الِاسْمِ لِلْبَيَاضِ قِيَاسٌ فِي اللُّغَةِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ، كَذَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ انْدَفَعَ مَا فِي الْفَتْحِ مِنْ أَنَّ هَذَا التَّرْجِيحَ لَا يُسَاعِدُهُ رِوَايَةٌ وَلَا الْقَوِيُّ مِنْ الدِّرَايَةِ؛ لِأَنَّهُ حَيْثُ ثَبَتَ رُجُوعُهُ فَقَدْ سَاعَدَتْهُ الرِّوَايَةُ وَلَا شَكَّ أَنَّ سَبَبَ الرُّجُوعِ قَوِيُّ الدِّرَايَةِ اهـ. لَكِنْ ذَكَرَ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ فِي تَصْحِيحِهِ أَنَّ رُجُوعَهُ لَمْ يَثْبُتْ لِمَا نَقَلَهُ الْكَافَّةُ مِنْ لَدُنْ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَإِلَى الْآنَ مِنْ حِكَايَةِ الْقَوْلَيْنِ وَدَعْوَى حَمْلِ عَامَّةِ الصَّحَابَةِ خِلَافُ الْمَنْقُولِ قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ الشَّفَقُ الْبَيَاضُ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 ظَهَرَ أَنَّهُ لَا يُفْتَى وَيُعْمَلُ إلَّا بِقَوْلِ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ وَلَا يُعْدَلُ عَنْهُ إلَى قَوْلِهِمَا أَوْ قَوْلِ أَحَدِهِمَا أَوْ غَيْرِهِمَا إلَّا لِضَرُورَةٍ مِنْ ضَعْفِ دَلِيلٍ أَوْ تَعَامُلٍ بِخِلَافِهِ كَالْمُزَارَعَةِ وَإِنْ صَرَّحَ الْمَشَايِخُ بِأَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا كَمَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ فَقَوْلُهُمَا أَوْسَعُ لِلنَّاسِ وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ أَحْوَطُ. (قَوْلُهُ: وَالْعِشَاءُ وَالْوِتْرُ مِنْهُ إلَى الصُّبْحِ) أَيْ وَقْتُهُمَا مِنْ غُرُوبِ الشَّفَقِ عَلَى الْخِلَافِ فِيهِ وَكَوْنِ وَقْتِهِمَا وَاحِدًا مَذْهَبُ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا وَقْتُ الْوِتْرِ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ لَهُ حَدِيثُ أَبِي دَاوُد «إنَّ اللَّهَ أَمَدَّكُمْ بِصَلَاةٍ هِيَ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ حُمُرِ النِّعَمِ وَهِيَ الْوِتْرُ فَجَعَلَهَا لَكُمْ فِيمَا بَيْنَ الْعِشَاءِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ» وَلَهُمَا مَا فِي بَعْضِ طُرُقِهِ فَجَعَلَهَا لَكُمْ فِيمَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ وَالْخِلَافُ فِيهِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ فَرْضٌ أَوْ سُنَّةٌ. (قَوْلُهُ: وَلَا يُقَدَّمُ عَلَى الْعِشَاءِ لِلتَّرْتِيبِ) أَيْ لَا يُقَدَّمُ الْوِتْرُ عَلَى الْعِشَاءِ لِوُجُوبِ التَّرْتِيبِ بَيْنَ الْعِشَاءِ وَالْوِتْرِ وَلِأَنَّهُمَا فَرْضَانِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا اعْتِقَادًا وَالْآخَرُ عَمَلًا فَأَفَادَ أَنَّهُ عِنْدَ التَّذَكُّرِ حَتَّى لَوْ قَدَّمَ الْوِتْرَ نَاسِيًا فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَعِنْدَهُمَا يُعِيدُهُ وَعِنْدَ النِّسْيَانِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ سُنَّةُ الْعِشَاءِ تَبَعًا لَهَا فَلَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ قَبْلَهَا كَالرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ وَقَوْلُ الشَّارِحِ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ عِنْدَهُمَا يَجُوزُ تَرْكُهُ أَصْلًا وَأَشَارَ إلَى أَنَّ التَّرْتِيبَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ وَاجِبٌ عِنْدَهُ كَمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ فِي بَابِ الْفَوَائِتَ وَعِنْدَهُمَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ لِسُنِّيَّتِهِ وَفِي النِّهَايَةِ، ثُمَّ أَنَّهُمَا يُوَافِقَانِ أَبَا حَنِيفَةَ فِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ فَلَوْ كَانَتْ سُنَّةً لَمَا وَجَبَ الْقَضَاءُ كَمَا فِي سَائِرِ السُّنَنِ وَمُرَادُهُ مِنْ الْوُجُوبِ الثُّبُوتُ لَا الْمُصْطَلَحُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ أَدَاءَهُ عِنْدَهُمَا سُنَّةٌ فَلَا يَكُونُ الْقَضَاءُ وَاجِبًا عِنْدَهُمَا وَإِلَّا فَهُوَ مُشْكِلٌ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ لَمْ يَجِدْ وَقْتَهُمَا لَمْ يَجِبَا) أَيْ الْعِشَاءُ وَالْوِتْرُ كَمَا لَوْ كَانَ فِي بَلَدٍ يَطْلُعُ فِيهِ الْفَجْرُ قَبْلَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ كَبُلْغَارَ وَفِي أَقْصَرِ لَيَالِي السَّنَةِ فِيمَا حَكَاهُ مُعْجَمُ صَاحِبِ الْبُلْدَانِ لِعَدَمِ السَّبَبِ وَأَفْتَى بِهِ الْبَقَّالِيُّ كَمَا يَسْقُطُ غَسْلُ الْيَدَيْنِ مِنْ الْوُضُوءِ عَنْ مَقْطُوعِهِمَا مِنْ الْمِرْفَقَيْنِ، وَأَفْتَى بَعْضُهُمْ بِوُجُوبِهَا وَاخْتَارَهُ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِثُبُوتِ الْفَرْقِ بَيْنَ عَدَمِ مَحَلِّ الْفَرْضِ وَبَيْنَ سَبَبِهِ الْجَعْلِيِّ الَّذِي جُعِلَ عَلَامَةً عَلَى الْوُجُوبِ الْخَفِيِّ الثَّابِتِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَجَوَازُ تَعَدُّدِ الْمُعَرِّفَاتِ لِلشَّيْءِ فَانْتِفَاءُ الْوَقْتِ انْتِفَاءُ الْمُعَرِّفِ وَانْتِفَاءُ الدَّلِيلِ عَلَى الشَّيْءِ لَا يَسْتَلْزِمُ انْتِفَاءَهُ لِجَوَازِ دَلِيلٍ آخَرَ وَهُوَ مَا تَوَاطَأَتْ عَلَيْهِ أَخْبَارُ الْإِسْرَاءِ مِنْ فَرْضِ اللَّهِ الصَّلَاةَ خَمْسًا إلَى آخِرِهِ وَالصَّحِيحُ   [منحة الخالق] قُلْتُ: وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَلَمْ يَرْوِ الْبَيْهَقِيُّ الشَّفَقَ الْأَحْمَرَ إلَّا عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَتَمَامُهُ فِيهِ. [وَقْت صَلَاة الْعِشَاءُ] (قَوْلُهُ: فِيمَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ) وَظَاهِرُ مَا أَخْرَجَ إِسْحَاقُ وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ زَادَكُمْ صَلَاةً هِيَ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ حُمُرِ النِّعَمِ وَهِيَ لَكُمْ فِيمَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ» ، فَإِنْ قُلْتُ: يَنْبَغِي حَمْلُ الرِّوَايَةِ عَلَى هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ بِأَنْ يُجْعَلَ لَفْظُ صَلَاةِ الْمَلْفُوظِ فِيهِمَا مُقَدَّرًا جَمْعًا بَيْنَهَا وَبَيْنَهُمَا قُلْتُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَا بَلْ الْأَمْرُ بِالْقَلْبِ فَإِنَّ الْعِشَاءَ مُحْكَمٌ فِي الْوَقْتِ وَصَلَاةُ الْعِشَاءِ مُحْتَمِلٌ لَهُ فَإِنَّهُ يُقَالُ آتِيَك لِصَلَاةِ كَذَا وَالْمُرَادُ آتِيَك لِوَقْتِهَا فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ كَمَا هُوَ الْقَاعِدَةُ فِي رَدِّ الْمُحْتَمِلِ إلَى الْمُحْكَمِ عِنْدَ صُورَةِ التَّعَارُضِ، وَقَدْ ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ نَظِيرَ هَذَا فِيمَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «الْمُسْتَحَاضَةُ تَتَوَضَّأُ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ» وَأَنَّهُ قَالَ «تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ» ، ثُمَّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ مِنْ الْوُجُوبِ، وَيُقَوِّي ذَلِكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْوِتْرُ حَقٌّ فَمَنْ لَمْ يُوتِرْ فَلَيْسَ مِنَّا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ. اهـ. ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَمَنْ لَمْ يَجِدْ وَقْتَهُمَا لَمْ يَجِبَا) أَيْ لَمْ يَجِبَا عَلَيْهِ فَحَذَفَ الْعَائِدَ عَلَى مَنْ وَهُوَ لَا يَسُوغُ حَذْفُهُ فِي مِثْلِهِ سَوَاءٌ كَانَتْ مَنْ مَوْصُولَةً أَوْ شَرْطِيَّةً، أَمَّا إذَا كَانَتْ مَوْصُولَةً فَلِأَنَّهَا مُبْتَدَأٌ وَمَا بَعْدَهَا صِلَتُهَا وَلَمْ يَجِبَا خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرُ مَتَى كَانَ جُمْلَةً فَلَا بُدَّ مِنْ ضَمِيرٍ يَعُودُ عَلَى الْمُبْتَدَأِ وَلَا يَجُوزُ حَذْفُهُ إلَّا إذَا كَانَ مَنْصُوبًا فِي الشِّعْرِ كَقَوْلِهِ وَخَالِدٌ يَحْمَدُ سَادَاتِنَا أَيْ يَحْمَدُهُ أَوْ كَانَ مَجْرُورًا بِشَرْطِ أَنْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى تَهْيِئَةِ الْعَامِلِ لِلْعَمَلِ وَقَطْعِهِ عَنْهُ كَقَوْلِهِمْ السَّمْنُ مَنَوَانِ بِدِرْهَمٍ أَيْ مِنْهُ، وَأَمَّا إذَا أَدَّى فَلَا يَسُوغُ حَذْفُهُ فَلَا يُقَالُ زَيْدٌ مَرَرْت وَهَذَا مِنْهُ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ شَرْطِيَّةً فَلِأَنَّ اسْمَ الشَّرْطِ أَوْ مَا أُضِيفَ إلَيْهِ لَا بُدَّ فِي الْجُمْلَةِ الْوَاقِعَةِ جَوَابًا لَهُ مِنْ ضَمِيرٍ عَائِدٍ عَلَيْهِ فَتَقُولُ مَنْ يَقُمْ أَقُمْ مَعَهُ وَغُلَامُ مَنْ تُكْرِمْ أُكْرِمْهُ وَلَا يَجُوزُ مَنْ يَقُمْ أَقُمْ وَلَا غُلَامَ مَنْ تُكْرِمْ أُكْرِمْ فَكَذَا هَذَا، كَذَا فِي التَّبْيِينِ. (قَوْلُهُ: وَاخْتَارَهُ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إلَخْ) أَقُولُ: رَدَّهُ الْعَلَّامَةُ الْحَلَبِيُّ شَارِحُ الْمُنْيَةِ وَوَافَقَهُ الْعَلَّامَةُ الْبَاقَانِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُلْتَقَى وَالشُّرُنْبُلاليّ فِي إمْدَادِ الْفَتَّاحِ وَحَوَاشِيهِ عَلَى الدُّرَرِ وَالْعَلَّامَةُ نُوحٌ أَفَنْدِي فِي حَاشِيَةِ الدُّرَرِ وَكَذَا أَخُو الْمُؤَلِّفِ فِي نَهْرِهِ وَتَابَعَهُمْ الشَّيْخُ عَلَاءُ الدِّينِ الْحَصْكَفِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى التَّنْوِيرِ وَلَكِنْ انْتَصَرَ لِلْمُحَقِّقِ ابْنُ الْهُمَامِ فَلْيُتَدَبَّرْ شَرْحُ التَّنْوِيرِ شَيْخُ مَشَايِخِنَا الْعَلَّامَةُ الشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ الْحَلَبِيُّ الْمَدَارِيُّ وَرَدَّ كَلَامَ شَارِحِ الْمُنْيَةِ فِي حَاشِيَتِهِ وَكَتَبْت فِي هَامِشِهِ مَا يَدْفَعُ جَوَابَهُ بِأَظْهَرِ وَجْهٍ وَأَبْيَنِهِ فَلْيُرَاجَعْ ذَلِكَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 أَنَّهُ لَا يَنْوِي الْقَضَاءَ لِفَقْدِ وَقْتِ الْأَدَاءِ وَمَنْ أَفْتَى بِوُجُوبِ الْعِشَاءِ يَجِبُ عَلَى قَوْلِهِ الْوِتْرُ أَيْضًا. (قَوْلُهُ: وَنُدِبَ تَأْخِيرُ الْفَجْرِ) لِمَا رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ «أَسْفِرُوا بِالْفَجْرِ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْأَجْرِ» وَحَمَلَهُ عَلَى تَبَيُّنِ طُلُوعِهِ يَأْبَاهُ مَا فِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ «كُلَّمَا أَصْبَحْتُمْ بِالصُّبْحِ فَهُوَ أَعْظَمُ لِلْأَجْرِ» أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الِابْتِدَاءَ وَالِانْتِهَاءَ فَيُسْتَحَبُّ الْبُدَاءَةُ بِالْإِسْفَارِ وَالْخَتْمُ بِهِ خِلَافًا لِلطَّحَاوِيِّ فَإِنَّهُ نُقِلَ عَنْ الْأَصْحَابِ اسْتِحْبَابُ الْبُدَاءَةِ بِالْغَلَسِ وَالْخَتْمُ بِالْإِسْفَارِ وَالْأَوَّلُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ وَقَالُوا يُسْفِرُ بِهَا بِحَيْثُ لَوْ ظَهَرَ فَسَادُ صَلَاتِهِ يُمْكِنُهُ أَنْ يُعِيدَهَا فِي الْوَقْتِ بِقِرَاءَةٍ مُسْتَحَبَّةٍ وَقِيلَ يُؤَخِّرُهَا جِدًّا؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ مَوْهُومٌ فَلَا يَتْرُكُ الْمُسْتَحَبَّ لِأَجْلِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْكِتَابِ لَكِنْ لَا يُؤَخِّرُهَا بِحَيْثُ يَقَعُ الشَّكُّ فِي طُلُوعِ الشَّمْسِ وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ حَدُّ الْإِسْفَارِ أَنْ يُصَلِّيَ فِي النِّصْفِ الثَّانِي وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْحَاجَّ بِمُزْدَلِفَةَ لَا يُؤَخِّرُهَا وَفِي الْمُبْتَغَى بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ الْأَفْضَلُ لِلْمَرْأَةِ فِي الْفَجْرِ الْغَلَسُ وَفِي غَيْرِهَا الِانْتِظَارُ إلَى فَرَاغِ الرِّجَالِ عَنْ الْجَمَاعَةِ. (قَوْلُهُ: وَظُهْرُ الصَّيْفِ) أَيْ نُدِبَ تَأْخِيرُهُ لِرِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ «كَانَ إذَا اشْتَدَّ الْبَرْدُ بَكَّرَ بِالصَّلَاةِ وَإِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ أَبْرَدَ بِالصَّلَاةِ» وَالْمُرَادُ الظُّهْرُ؛ لِأَنَّهُ جَوَابُ السُّؤَالِ عَنْهَا وَحَدُّهُ أَنْ يُصَلِّيَ قَبْلَ الْمِثْلِ أَطْلَقَهُ فَأَفَادَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُصَلِّيَ بِجَمَاعَةٍ أَوْ لَا وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي بِلَادٍ حَارَّةٍ أَوْ لَا وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ أَوْ لَا وَلِهَذَا قَالَ فِي الْمَجْمَعِ وَنُفَضِّلُ الْإِبْرَادَ بِالظُّهْرِ مُطْلَقًا فَمَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ مِنْ أَنَّهُ إنَّمَا يُسْتَحَبُّ الْإِبْرَادُ بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ فَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ عَلَى مَا قِيلَ وَالْجُمُعَةُ كَالظُّهْرِ أَصْلًا وَاسْتِحْبَابًا فِي الزَّمَانَيْنِ كَذَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ. (قَوْلُهُ: وَالْعَصْرُ مَا لَمْ تَتَغَيَّرْ) أَيْ نُدِبَ تَأْخِيرُهُ مَا لَمْ تَتَغَيَّرْ الشَّمْسُ لِرِوَايَةِ أَبِي دَاوُد «كَانَ يُؤَخِّرُ الْعَصْرَ مَا دَامَتْ الشَّمْسُ بَيْضَاءَ نَقِيَّةً» أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الصَّيْفَ وَالشِّتَاءَ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ تَكْثِيرِ النَّوَافِلِ لِكَرَاهَتِهَا بَعْدَ الْعَصْرِ وَأَرَادَ بِالتَّغَيُّرِ أَنْ تَكُونَ الشَّمْسُ بِحَالٍ لَا تَحَارُ فِيهَا الْعُيُونُ عَلَى الصَّحِيحِ فَإِنَّ تَأْخِيرَهَا إلَيْهِ مَكْرُوهٌ لَا الْفِعْلُ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهَا مَنْهِيٌّ عَنْ تَرْكِهَا فَلَا يَكُونُ الْفِعْلُ مَكْرُوهًا، كَذَا فِي السِّرَاجِ وَلَوْ شَرَعَ فِيهِ قَبْلَ التَّغَيُّرِ فَمَدَّهُ إلَيْهِ لَا يُكْرَهُ؛ لِأَنَّ الِاحْتِرَازَ عَنْ الْكَرَاهَةِ مَعَ الْإِقْبَالِ عَلَى الصَّلَاةِ مُتَعَذِّرٌ فَجُعِلَ عَفْوًا، كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَحُكْمُ الْآذَانِ حُكْمُ الصَّلَاةِ فِي الِاسْتِحْبَابِ تَعْجِيلًا وَتَأْخِيرًا صَيْفًا وَشِتَاءً كَمَا سَنَذْكُرُهُ فِي بَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (قَوْلُهُ: وَالْعِشَاءُ إلَى الثُّلُثِ) أَيْ نُدِبَ تَأْخِيرُهَا إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ لِمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَخَّرْتُ الْعِشَاءَ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ أَوْ نِصْفِهِ» وَفِي مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ إلَى مَا قَبْلَ الثُّلُثِ لِرِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ «كَانُوا يُصَلُّونَ الْعَتَمَةَ فِيمَا بَيْنَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ» وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهَا إلَى الثُّلُثِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ وَوُفِّقَ بَيْنَهُمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِابْنِ الْمَلَكِ بِحَمْلِ الْأَوَّلِ عَلَى الشِّتَاءِ وَالثَّانِي عَلَى الصَّيْفِ لِغَلَبَةِ النَّوْمِ. اهـ. وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الصَّيْفَ وَالشِّتَاءَ وَقِيلَ يُسْتَحَبُّ تَعْجِيلُ الْعِشَاءِ فِي الصَّيْفِ لِئَلَّا تَتَقَلَّلَ الْجَمَاعَةُ وَأَفَادَ أَنَّ التَّأْخِيرَ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ لَيْسَ بِمُسْتَحَبٍّ وَقَالُوا إنَّهُ مُبَاحٌ وَإِلَى مَا بَعْدَهُ مَكْرُوهٌ وَقِيلَ إلَى مَا بَعْدَ الثُّلُثِ مَكْرُوهٌ وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كَانَ يَسْتَحِبُّ أَنْ يُؤَخِّرَ الْعِشَاءَ وَكَانَ يَكْرَهُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: أَطْلَقَهُ فَأَفَادَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ فِي عِبَارَتِهِ فِي الْبَدَائِعِ الْمُسْتَحَبُّ هُوَ آخِرُ الْوَقْتِ فِي الصَّيْفِ وَشَرَطَ الشَّافِعِيُّ لَهُ شِدَّةَ الْحَرِّ وَحَرَارَةَ الْبَلَدِ وَالصَّلَاةَ فِي جَمَاعَةٍ وَقَصْدَ النَّاسِ لَهَا مِنْ بَعِيدٍ وَبِهِ جَزَمَ فِي السِّرَاجِ عَلَى أَنَّهُ مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ فِي الْمَجْمَعِ وَنُفَضِّلُ الْإِبْرَادَ مُطْلَقًا وَإِطْلَاقُ الْكِتَابِ يَأْبَاهُ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّ تَأْخِيرَهَا إلَيْهِ مَكْرُوهٌ لَا الْفِعْلُ) أَيْ أَنَّ الْكَرَاهَةَ فِي نَفْسِ التَّأْخِيرِ لَا فِي نَفْسِ الْفِعْلِ وَسَيَأْتِي فِي الشَّرْحِ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ وَتَرْجِيحُ كَوْنِ الْكَرَاهَةِ فِي كُلٍّ مِنْ التَّأْخِيرِ وَالْأَدَاءِ. (قَوْلُهُ: وَوَفَّقَ بَيْنَهُمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ بَعْدَ نَقْلِهِ عَنْ الْخَانِيَّةِ وَالتُّحْفَةِ وَمُحِيطِ رَضِيِّ الدِّينِ وَالْبَدَائِعِ تَقْيِيدُ التَّأْخِيرِ إلَى الثُّلُثِ بِالشِّتَاءِ، أَمَّا الصَّيْفُ فَيُنْدَبُ فِيهِ التَّعْجِيلُ فِيهِ نَظَرٌ لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّهُ يُنْدَبُ التَّعْجِيلُ فِي الصَّيْفِ وَكَلَامُ الْقُدُورِيِّ فِي التَّأْخِيرِ وَمِنْ ثَمَّ قَيَّدَهُ فِي السِّرَاجِ بِالشِّتَاءِ ثُمَّ رَأَيْت بَعْضَ الْمُحَقِّقِينَ قَالَ: يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْغَايَةُ دَاخِلَةً تَحْتَ الْمُغَيَّا فِي كَلَامِ الْقُدُورِيِّ وَغَيْرَ دَاخِلَةٍ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَخَّرْت الْعِشَاءَ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ» لِيَنْطَبِقَ الدَّلِيلُ عَلَى الْمُدَّعِي. اهـ. وَهَذَا أَحْسَنُ مَا بِهِ يَحْصُلُ التَّوْفِيقُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. اهـ. وَلَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ دُخُولِ الْغَايَةِ وَعَدَمِهِ فِي كَلَامِ الْقُدُورِيِّ؛ لِأَنَّهُ عَلَى كُلٍّ لَا يَدْخُلُ الثُّلُثُ لِوُجُودِ لَفْظَةِ قَبْلَ عَلَى أَنَّهُ تَبْقَى الْمُنَافَاةُ فِي قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ أَوْ نِصْفَهُ كَمَا مَرَّ فَتَدَبَّرْ وَوَفَّقَ فِي الدُّرَرِ بِأَنْ يَكُونَ ابْتِدَاؤُهَا قَبْلَ آخِرِ الثُّلُثِ وَانْتِهَاؤُهَا فِي آخِرِهِ وَلَوْ بِالتَّخْمِينِ وَقَالَ فِي الشرنبلالية، وَقَدْ ظَفِرْت بِأَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَيْنِ يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُ الْعِشَاءِ إلَى مَا قَبْلَ ثُلُثِ اللَّيْلِ فِي رِوَايَةٍ وَفِي رِوَايَةٍ إلَيْهِ وَوَجْهُ كُلٍّ فِي الْبُرْهَانِ وَهَذَا أَحْسَنُ مَا يُوَفَّقُ بِهِ لِفَكِّ التَّعَارُضِ. اهـ. أَيْ التَّعَارُضِ بَيْنَ عِبَارَتَيْ الْقُدُورِيِّ وَالْكَنْزِ كَمَا هُوَ مُنْشَأُ كَلَامِ صَاحِبِ الدُّرَرِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 النَّوْمَ قَبْلَهَا وَالْحَدِيثَ بَعْدَهَا» وَقَيَّدَ الطَّحَاوِيُّ كَرَاهَةَ النَّوْمِ قَبْلَهَا بِمَنْ خُشِيَ عَلَيْهِ فَوْتُ وَقْتِهَا أَوْ فَوْتُ الْجَمَاعَةِ فِيهَا وَإِلَّا فَلَا وَقَيَّدَ الشَّارِحُ كَرَاهَةَ الْحَدِيثِ بَعْدَهَا بِغَيْرِ الْحَاجَةِ، أَمَّا لَهَا فَلَا وَكَذَا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَالذِّكْرِ وَحِكَايَاتِ الصَّالِحِينَ وَمُذَاكَرَةُ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ مَعَ الضَّيْفِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَيُكْرَهُ الْكَلَامُ بَعْدَ انْفِجَارِ الصُّبْحِ وَإِذَا صَلَّى الْفَجْرَ جَازَ لَهُ الْكَلَامُ، وَفِي الْقُنْيَةِ تَأْخِيرُ الْعِشَاءِ إلَى مَا زَادَ عَلَى نِصْفِ اللَّيْلِ وَالْعَصْرِ إلَى وَقْتِ اصْفِرَارِ الشَّمْسِ وَالْمَغْرِبِ إلَى اشْتِبَاكِ النُّجُومِ يُكْرَهُ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ. (قَوْلُهُ: وَالْوِتْرُ إلَى آخِرِ اللَّيْلِ لِمَنْ يَثِقُ بِالِانْتِبَاهِ) أَيْ وَنُدِبَ تَأْخِيرُهُ لِرِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ «اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ وِتْرًا» وَالْأَمْرُ لِلنَّدْبِ لِرِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ «مَنْ خَشِيَ مِنْكُمْ أَنْ لَا يَسْتَيْقِظَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ فَلْيُوتِرْ أَوَّلَهُ وَمَنْ طَمِعَ مِنْكُمْ أَنْ يُوتِرَ فِي آخِرِ اللَّيْلِ فَلْيُوتِرْ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ فَإِنَّ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ فِي آخِرِ اللَّيْلِ مَحْضُورَةٌ» وَهِيَ أَفْضَلُ وَهُوَ دَلِيلٌ مَفْهُومٌ قَوْلُهُ لِمَنْ يَثِقُ بِهِ وَإِذَا أَوْتَرَ قَبْلَ النَّوْمِ، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وَصَلَّى مَا كُتِبَ لَهُ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ وَلَا يُعِيدُ الْوِتْرَ وَلَزِمَهُ تَرْكُ الْأَفْضَلِ الْمُفَادِ بِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ. (قَوْلُهُ: وَتَعْجِيلُ ظُهْرِ الشِّتَاءِ) أَيْ وَنُدِبَ تَعْجِيلُ ظُهْرِ الشِّتَاءِ لِمَا رَوَيْنَا فِي ظُهْرِ الصَّيْفِ وَفِي الْخُلَاصَةِ مَنْ أَخَّرَ الْإِيمَانَ إنْ كَانَ عِنْدَهُمْ حِسَابٌ يَعْرِفُونَ بِهِ الشِّتَاءَ وَالصَّيْفَ فَهُوَ عَلَى حِسَابِهِمْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَالشِّتَاءُ مَا اشْتَدَّ فِيهِ الْبَرْدُ عَلَى الدَّوَامِ وَالصَّيْفُ مَا يَشْتَدُّ فِيهِ الْحَرُّ عَلَى الدَّوَامِ، فَعَلَى قِيَاسِ هَذَا الرَّبِيعُ مَا يَنْكَسِرُ فِيهِ الْبَرْدُ عَلَى الدَّوَامِ وَالْخَرِيفُ مَا يَنْكَسِرُ فِيهِ الْحَرُّ عَلَى الدَّوَامِ وَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ قَالَ الشِّتَاءُ مَا يَحْتَاجُ النَّاسُ فِيهِ إلَى شَيْئَيْنِ إلَى الْوُقُودِ وَلُبْسِ الْحَشْوِ وَالصَّيْفُ مَا يُسْتَغْنَى فِيهِ عَنْهُمَا وَالرَّبِيعُ وَالْخَرِيفُ مَا يُسْتَغْنَى عَنْ أَحَدِهِمَا. اهـ. وَلَمْ أَرَ مَنْ تَكَلَّمَ عَلَى حُكْمِ صَلَاةِ الظُّهْرِ فِي الرَّبِيعِ وَالْخَرِيفِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الرَّبِيعَ مُلْحَقٌ بِالشِّتَاءِ فِي هَذَا الْحُكْمِ وَالْخَرِيفُ مُلْحَقٌ بِالصَّيْفِ فِيهِ. (قَوْلُهُ: وَالْمَغْرِبُ) أَيْ وَنُدِبَ تَعْجِيلُهَا لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «كَانَ يُصَلِّي الْمَغْرِبَ إذَا غَرُبَتْ الشَّمْسُ وَتَوَارَتْ بِالْحِجَابِ» وَيُكْرَهُ تَأْخِيرُهَا إلَى اشْتِبَاكِ النُّجُومِ لِرِوَايَةِ أَحْمَدَ «لَا تَزَالُ أُمَّتِي بِخَيْرٍ مَا لَمْ يُؤَخِّرُوا الْمَغْرِبَ حَتَّى تَشْتَبِكَ النُّجُومُ» ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَفِيهِ بَحْثٌ إذْ مُقْتَضَاهُ النَّدْبُ لَا الْكَرَاهَةُ لِجَوَازِ الْإِبَاحَةِ وَفِي الْمُبْتَغَى بِالْمُعْجَمَةِ وَيُكْرَهُ تَأْخِيرُ الْمَغْرِبِ فِي رِوَايَةٍ وَفِي أُخْرَى لَا مَا لَمْ يَغِبْ الشَّفَقُ الْأَصَحُّ هُوَ الْأَوَّلُ إلَّا مِنْ عُذْرٍ كَالسَّفَرِ وَنَحْوِهِ أَوْ يَكُونُ قَلِيلًا وَفِي الْكَرَاهَةِ بِتَطْوِيلِ الْقِرَاءَةِ خِلَافٌ. اهـ. وَفِي الْأَسْرَارِ تَعْجِيلُ الصَّلَاةِ أَدَاؤُهَا فِي النِّصْفِ الْأَوَّلِ مِنْ وَقْتِهَا وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ تَعْجِيلُهَا هُوَ أَنْ لَا يَفْصِلَ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ إلَّا بِجِلْسَةٍ خَفِيفَةٍ أَوْ سَكْتَةٍ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي سَيَأْتِي وَتَأْخِيرُهَا لِصَلَاةِ رَكْعَتَيْنِ مَكْرُوهَةٌ وَمَا رَوَى الْأَصْحَابُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَخَّرَهَا حَتَّى بَدَا نَجْمٌ فَأَعْتَقَ رَقَبَةً يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ الْقَلِيلَ الَّذِي لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ كَرَاهَةٌ هُوَ مَا قَبْلَ ظُهُورِ النَّجْمِ، وَفِي الْمُنْيَةِ لَا يُكْرَهُ لِلسَّفَرِ وَلِلْمَائِدَةِ أَوْ كَانَ يَوْمَ غَيْمٍ وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ إذَا جِيءَ بِجِنَازَةٍ بَعْدَ الْغُرُوبِ بَدَءُوا بِالْمَغْرِبِ، ثُمَّ بِهَا، ثُمَّ بِسُنَّةِ الْمَغْرِبِ. اهـ. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ كَرَاهَةَ تَأْخِيرِهَا تَحْرِيمِيَّةٌ. (قَوْلُهُ: وَمَا فِيهَا عَيْنُ يَوْمِ غَيْنٍ) أَيْ وَنُدِبَ تَعْجِيلُ كُلِّ صَلَاةٍ فِي أَوَّلِهَا عَيْنُ يَوْمِ الْغَيْمِ وَهِيَ الْعَصْرُ وَالْعِشَاءُ؛ لِأَنَّ فِي تَأْخِيرِ الْعَصْرِ احْتِمَالَ وُقُوعِهَا فِي الْوَقْتِ الْمَكْرُوهِ وَفِي تَأْخِيرِ الْعِشَاءِ تَقْلِيلَ الْجَمَاعَةِ عَلَى احْتِمَالِ الْمَطَرِ وَالطِّينِ الْغَيْنُ لُغَةٌ فِي الْغَيْمِ وَهُوَ السَّحَابُ، كَذَا فِي الصِّحَاحِ وَلَيْسَ فِيهِ وَهْمُ الْوُقُوعِ قَبْلَ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ الظُّهْرَ قَدْ أُخِّرَ فِي هَذَا الْيَوْمِ وَكَذَا الْمَغْرِبُ وَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا رَجَحَ بِهِ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ رِوَايَةُ الْحَسَنِ أَنَّ التَّأْخِيرَ أَفْضَلُ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ يَوْمَ الْغَيْمِ بِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الِاحْتِيَاطِ لِجَوَازِ الْأَدَاءِ بَعْدَ الْوَقْتِ لَا قَبْلَهُ. (قَوْلُهُ: وَيُؤَخِّرُ غَيْرَهُ فِيهِ) أَيْ وَيُؤَخِّرُ غَيْرَ مَا فِي أَوَّلِهِ عَيْنُ يَوْمِ غَيْنٍ وَهِيَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَلَمْ أَرَ مَنْ تَكَلَّمَ عَلَى حُكْمِ صَلَاةِ الظُّهْرِ إلَخْ) قَالَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي شَرْحِهِ الْكَبِيرِ لِنُورِ الْإِيضَاحِ نَقْلًا عَنْ مَجْمَعِ الرِّوَايَاتِ وَكَذَلِكَ فِي الرَّبِيعِ وَالْخَرِيفِ يُعَجَّلُ بِهَا إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ. اهـ. وَبِهِ يُعْلَمُ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِ صَاحِبِ الْبَحْرِ وَلَمْ أَرَ إلَخْ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَفِيهِ بَحْثٌ) أَقُولُ: لَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ الْبَحْثِ عَلَى الْمُتَأَمِّلِ. (قَوْلُهُ: يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ الْقَلِيلَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَفِي الْأَذَانِ مِنْ الْفَتْحِ قَوْلُهُمْ بِكَرَاهَةِ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ يُشِيرُ إلَى أَنَّ تَأْخِيرَ الْمَغْرِبِ قَدْرَهُمَا مَكْرُوهٌ وَقَدَّمْنَا عَنْ الْقُنْيَةِ اسْتِثْنَاءَ الْقَلِيلِ فَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى مَا هُوَ أَقَلُّ مِنْ قَدْرِهِمَا إذَا تَوَسَّطَ فِيهِمَا لِيَتَّفِقَ كَلَامُ الْأَصْحَابِ. اهـ. وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ. اهـ. وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ إلَى الرَّدِّ عَلَى صَاحِبِ الْفَتْحِ وَعَلَى صَاحِبِ الْبَحْرِ حَيْثُ اخْتَارَا عَدَمَ كَرَاهَةِ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ وَسَيَأْتِي لَهُ زِيَادَةٌ [الْأَوْقَات المنهي عَنْ الصَّلَاة فِيهَا] (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ فِي وَهْمِ الْوُقُوعِ قَبْلَ الْوَقْتِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: لِأَنَّ الظُّهْرَ قَدْ أَخَّرَ فِي تَأْخِيرِهِ إذَا كَانَ يَوْمَ غَيْمٍ فَإِذَا أَدَّاهُ فِي الْوَقْتِ عَلِمَ بِهِ دُخُولَ وَقْتِ الْعَصْرِ فَانْتَفَى الْوَهْمُ بِتَأْخِيرِ الظُّهْرِ وَكَذَلِكَ الْمَغْرِبُ يُنْدَبُ تَعْجِيلُهُ إلَّا فِي يَوْمِ الْغَيْمِ فَإِنَّهُ يُنْدَبُ تَأْخِيرُهُ حَتَّى يَتَيَقَّنَ الْغُرُوبَ بِغَالِبِ الظَّنِّ فَإِذَا أَخَّرَهُ إلَى هَذَا الْحَدِّ فَقَدْ حَفِظَ وَقْتَهُ وَبِهِ يُعْلَمُ دُخُولُ وَقْتِ الْعِشَاءِ فَيَنْتَفِي وَهْمُ الْوُقُوعِ قَبْلَ الْوَقْتِ إذْ التَّعْجِيلُ فِي الْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ يَكُونُ بَعْدَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 الْفَجْرُ وَالظُّهْرُ وَالْمَغْرِبُ؛ لِأَنَّ الْفَجْرَ وَالظُّهْرَ لَا كَرَاهَةَ فِي وَقْتِهِمَا فَلَا يُضَرُّ التَّأْخِيرُ وَالْمَغْرِبُ يُخَافُ وُقُوعُهَا قَبْلَ الْغُرُوبِ لِشِدَّةِ الِالْتِبَاسِ. (قَوْلُهُ: وَمُنِعَ عَنْ الصَّلَاةِ وَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ عِنْدَ الطُّلُوعِ وَالِاسْتِوَاءِ وَالْغُرُوبِ إلَّا عَصْرُ يَوْمِهِ) لِمَا رَوَى الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ مِنْ حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «ثَلَاثُ سَاعَاتٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْهَانَا أَنْ نُصَلِّيَ فِيهِنَّ وَأَنْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً حَتَّى تَرْتَفِعَ وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ حَتَّى تَمِيلَ وَحِينَ تَضَيَّفُ لِلْغُرُوبِ حَتَّى تَغْرُبَ» وَمَعْنَى تُضَيَّفُ تَمِيلُ وَهُوَ بِالْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ الْمَفْتُوحَةِ فَالضَّادُ الْمُعْجَمَةُ الْمَفْتُوحَةُ فَالْمُثَنَّاةُ التَّحْتِيَّةُ الْمُشَدَّدَةُ وَأَصْلُهُ تَتَضَيَّفُ حُذِفَ مِنْهُ إحْدَى التَّاءَيْنِ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَأَنْ نَقْبُرَ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ كِنَايَةٌ؛ لِأَنَّهَا ذِكْرُ الرَّدِيفِ وَإِرَادَةُ الْمَرْدُوفِ إذْ الدَّفْنُ غَيْرُ مَكْرُوهٍ خِلَافًا لِأَبِي دَاوُد لِمَا رَوَاهُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي الْإِمَامِ عَنْ عُقْبَةَ قَالَ «نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نُصَلِّيَ عَلَى مَوْتَانَا عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ» أَطْلَقَ الصَّلَاةَ فَشَمِلَ فَرْضَهَا وَنَفْلَهَا؛ لِأَنَّ الْكُلَّ مَمْنُوعٌ فَإِنَّ الْمَكْرُوهَ مِنْ قَبِيلِ الْمَمْنُوعِ؛ لِأَنَّهَا تَحْرِيمِيَّةٌ لِمَا عُرِفَ مِنْ أَنَّ النَّهْيَ الظَّنِّيَّ الثُّبُوتِ غَيْرُ الْمَصْرُوفِ عَنْ مُقْتَضَاهُ يُفِيدُ كَرَاهَةَ التَّحْرِيمِ وَإِنْ كَانَ قَطْعِيَّهُ أَفَادَ التَّحْرِيمَ فَالتَّحْرِيمُ فِي مُقَابَلَةِ الْفَرْضِ فِي الرُّتْبَةِ وَكَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ فِي رُتْبَةِ الْوَاجِبِ وَالتَّنْزِيهُ فِي رُتْبَةِ الْمَنْدُوبِ وَالنَّهْيُ فِي حَدِيثِ عُقْبَةَ مِنْ الْأَوَّلِ فَكَانَ الثَّابِتُ بِهِ كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ، فَإِنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ فَرْضًا أَوْ وَاجِبَةً فَهِيَ غَيْرُ صَحِيحَةٍ؛ لِأَنَّهَا لِنُقْصَانٍ فِي الْوَقْتِ بِسَبَبِ الْأَدَاءِ فِيهِ تَشْبِيهًا بِعِبَادَةِ الْكُفَّارِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ الشَّمْسَ تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ إذَا ارْتَفَعَتْ فَارَقَهَا، ثُمَّ إذَا اسْتَوَتْ قَارَنَهَا فَإِذَا زَالَتْ فَارَقَهَا فَإِذَا دَنَتْ لِلْغُرُوبِ قَارَنَهَا وَإِذَا غَرَبَتْ فَارَقَهَا وَنَهَى عَنْ الصَّلَاةِ فِي تِلْكَ السَّاعَاتِ» رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِنُقْصَانِ الْوَقْتِ وَإِلَّا فَالْوَقْتُ لَا نَقْصَ فِيهِ نَفْسُهُ بَلْ هُوَ وَقْتٌ كَسَائِرِ الْأَوْقَاتِ إنَّمَا النَّقْصُ فِي الْأَرْكَانِ فَلَا يَتَأَدَّى بِهَا مَا وَجَبَ كَامِلًا فَخَرَجَ الْجَوَابُ عَمَّا قِيلَ لَوْ تَرَكَ بَعْضَ الْوَاجِبَاتِ صَحَّتْ الصَّلَاةُ مَعَ أَنَّهَا نَاقِصَةٌ يَتَأَدَّى بِهَا الْكَامِلُ؛ لِأَنَّ تَرْكَ الْوَاجِبِ لَا يُدْخِلُ النَّقْصَ فِي الْأَرْكَانِ الَّتِي هِيَ الْمُقَوِّمَةُ لِلْحَقِيقَةِ بِخِلَافِ فِعْلِ الْأَرْكَانِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ، وَإِنَّمَا جَازَ الْقَضَاءُ فِي أَرْضِ الْغَيْرِ وَإِنْ كَانَ النَّهْيُ ثَمَّ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ النَّهْيَ ثَمَّ وَرَدَ لِلْمَكَانِ وَهُنَا لِلزَّمَانِ وَاتِّصَالُ الْفِعْلِ بِالزَّمَانِ أَكْثَرُ؛ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي مَاهِيَّتِه وَلِهَذَا فَسَدَ صَوْمُ يَوْمِ النَّحْرِ وَإِنْ وَرَدَ النَّهْيُ فِيهِ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ فِيهِ بِاعْتِبَارِ الْوَقْتِ وَالصَّوْمُ يَقُومُ بِهِ وَيَطُولُ بِطُولِهِ وَيَقْصُرُ بِقِصَرِهِ؛ لِأَنَّهُ مِعْيَارُهُ فَازْدَادَ الْأَثَرُ فَصَارَ فَاسِدًا وَإِنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ نَفْلًا فَهِيَ صَحِيحَةٌ مَكْرُوهَةٌ حَتَّى وَجَبَ قَضَاؤُهُ إذَا قَطَعَهُ وَيَجِبُ قَطْعُهُ وَقَضَاؤُهُ فِي غَيْرِ مَكْرُوهٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَلَوْ أَتَمَّهُ خَرَجَ عَنْ عُهْدَةِ مَا لَزِمَهُ بِذَلِكَ الشُّرُوعِ وَفِي الْمَبْسُوطِ الْقَطْعُ أَفْضَلُ وَالْأَوَّلُ هُوَ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ وَالْوِتْرُ دَاخِلٌ فِي الْفَرْضِ؛ لِأَنَّهُ فَرْضٌ عَمَلِيٌّ أَوْ فِي الْوَاجِبِ فَلَا يَصِحُّ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ كَمَا فِي الْكَافِي وَالْمَنْذُورُ الْمُطْلَقُ الَّذِي لَمْ يُقَيَّدْ بِوَقْتِ الْكَرَاهَةِ دَاخِلٌ فِيهِ أَيْضًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَالنَّفَلُ إذَا شُرِعَ فِيهِ فِي وَقْتٍ مُسْتَحَبٍّ، ثُمَّ أَفْسَدَهُ دَاخِلٌ فِيهِ أَيْضًا فَلَا يَصِحُّ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَضَى فِي وَقْتٍ مَكْرُوهٍ مَا قَطَعَهُ مِنْ النَّفْلِ الْمَشْرُوعِ فِيهِ فِي وَقْتٍ مَكْرُوهٍ وَحَيْثُ يُخْرِجُهُ عَنْ الْعُهْدَةِ وَإِنْ كَانَ آثِمًا؛ لِأَنَّ وُجُوبَهُ ضَرُورَةُ صِيَانَةِ الْمُؤَدِّي عَنْ الْبُطْلَانِ لَيْسَ غَيْرَ وَالصَّوْنُ عَنْ الْبُطْلَانِ يَحْصُلُ مَعَ النُّقْصَانِ كَمَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ فِي الْوَقْتِ الْمَكْرُوهِ فَأَدَّى فِيهِ يَصِحُّ وَيَأْثَمُ وَيَجِبُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي غَيْرِهِ وَقَوْلُ الشَّارِحِ فِيهِمَا وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي غَيْرِهِ ضَعِيفٌ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَيَدْخُلُ فِي الْوَاجِبِ رَكْعَتَا الطَّوَافِ فَلَا تَصِحُّ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ اُعْتُبِرَتْ وَاجِبَةً فِي حَقِّ هَذَا الْحُكْمِ وَنَفْلًا فِي كَرَاهَتِهَا بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَالْعَصْرِ احْتِيَاطًا   [منحة الخالق] التَّأْخِيرِ فِي الظُّهْرِ وَالْمَغْرِبِ تَأَمَّلْ. اهـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 فِيهِمَا وَعِبَارَةُ الْكِتَابِ أَوْلَى مِنْ عِبَارَةِ أَصْلِهِ الْوَافِي حَيْثُ قَالَ لَا تَصِحُّ صَلَاةٌ إلَى آخِرِهِ لِمَا عَلِمْت أَنَّ عَدَمَ الصِّحَّةِ إنَّمَا هُنَّ مِنْ الْفَرَائِضِ وَالْوَاجِبَاتِ لَا فِي النَّوَافِلِ بِخِلَافِ الْمَنْعِ فَإِنَّهُ يَعُمُّ الْكُلَّ وَأَرَادَ بِسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ مَا وَجَبَتْ قَبْلَ هَذِهِ الْأَوْقَاتِ، أَمَّا إذَا تَلَاهَا فِيهَا أَوْ حَضَرَتْ الْجِنَازَةُ فِيهَا فَأَدَّاهَا فَإِنَّهُ يُصْبِحُ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ إذْ الْوُجُوبُ بِالتِّلَاوَةِ وَالْحُضُورِ لَكِنَّ الْأَفْضَلَ التَّأْخِيرُ فِيهِمَا وَفِي التُّحْفَةِ الْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى الْجِنَازَةِ إذَا حَضَرَتْ فِي الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ وَلَا يُؤَخِّرَهَا بِخِلَافِ الْفَرَائِضِ وَظَاهِرُ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ أَنَّهُ لَوْ حَضَرَتْ الْجِنَازَةُ فِي غَيْرِ مَكْرُوهٍ فَأَخَّرَهَا حَتَّى صَلَّى فِي الْوَقْتِ الْمَكْرُوهِ فَإِنَّهَا لَا تَصِحُّ وَتَجِبُ إعَادَتُهَا كَسُجُودِ التِّلَاوَةِ وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ لَوْ صَلَّى صَلَاةَ الْجِنَازَةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ مَعَ الْكَرَاهَةِ وَلَا يُعِيدُ وَلَوْ سَجَدَ سَجْدَةَ التِّلَاوَةِ يُنْظَرُ إنْ قَرَأَهَا فِي هَذَا الْوَقْتِ تَجُوزُ مَعَ الْكَرَاهَةِ وَتَسْقُطُ عَنْ ذِمَّتِهِ وَإِنْ قَرَأَهَا قَبْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ سَجَدَهَا فِي هَذَا الْوَقْتِ لَا يَجُوزُ وَيُعِيدُ. اهـ. وَسَجْدَةُ السَّهْوِ كَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ حَتَّى لَوْ دَخَلَ وَقْتُ الْكَرَاهَةِ بَعْدَ السَّلَامِ وَعَلَيْهِ سَهْوٌ فَإِنَّهُ لَا يَسْجُدُ لِسَهْوِهِ وَسَقَطَ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ لِجَبْرِ النُّقْصَانِ الْمُتَمَكِّنِ فِي الصَّلَاةِ فَجَرَى ذَلِكَ مَجْرَى الْقَضَاءِ، وَقَدْ وَجَبَ ذَلِكَ كَامِلًا فَلَا يَتَأَدَّى بِالنَّاقِصِ، كَذَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَذُكِرَ فِي الْأَصْلِ مَا لَمْ تَرْتَفِعْ الشَّمْسُ قَدْرَ رُمْحٍ فَهِيَ فِي حُكْمِ الطُّلُوعِ وَاخْتَارَ الْفَضْلِيُّ أَنَّ الْإِنْسَانَ مَا دَامَ يَقْدِرُ عَلَى النَّظَرِ إلَى قُرْصِ الشَّمْسِ فِي الطُّلُوعِ فَلَا تَحِلُّ الصَّلَاةُ فَإِذَا عَجَزَ عَنْ النَّظَرِ حَلَّتْ وَهُوَ مُنَاسِبٌ لِتَفْسِيرِ التَّغَيُّرِ الْمُصَحَّحِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَأَرَادَ بِالْغُرُوبِ التَّغَيُّرَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ قَاضِي خان فِي فَتَاوِيهِ حَيْثُ قَالَ وَعِنْدَ احْمِرَارِ الشَّمْسِ إلَى أَنْ تَغِيبَ وَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَخْرَجَ مِنْ النَّهْيِ فِي حَدِيثِ عُقْبَةَ الْفَوَائِتَ عَمَلًا بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ كَوْنَهُ مُخَصِّصًا لِعُمُومِ النَّهْيِ مُتَوَقِّفٌ عَلَى الْمُقَارَنَةِ فَلَمَّا لَمْ تَثْبُتْ فَهُوَ مُعَارَضٌ فِي بَعْضِ الْأَفْرَادِ فَيُقَدَّمُ حَدِيثُ عُقْبَةَ؛ لِأَنَّهُ مُحَرِّمٌ وَلَوْ تَنَزَّلْنَا إلَى طَرِيقِهِمْ فِي كَوْنِ الْخَاصِّ مُخَصَّصًا كَيْفَمَا كَانَ فَهُوَ خَاصٌّ فِي الصَّلَاةِ عَامٌّ فِي الْأَوْقَاتِ، فَإِنْ وَجَبَ تَخْصِيصُ عُمُومِ الصَّلَاةِ فِي حَدِيثِ عُقْبَةَ وَجَبَ تَخْصِيصُ حَدِيثِ عُقْبَةَ عُمُومَ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّهُ خَاصٌّ فِي الْوَقْتِ وَتَخْصِيصُ عُمُومِ الْوَقْتِ هُوَ إخْرَاجُهُ الْأَوْقَاتَ الثَّلَاثَةَ مِنْ عُمُومِ وَقْتِ التَّذَكُّرِ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ الْفَائِتَةِ كَمَا أَنَّ تَخْصِيصَ الْآخَرِ هُوَ إخْرَاجُ الْفَوَائِتِ مِنْ عُمُومِ مَنْعِ الصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ وَحِينَئِذٍ فَيَتَعَارَضَانِ فِي الْفَائِتَةِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ إذْ تَخْصِيصُ حَدِيثِ عُقْبَةَ يَقْتَضِي إخْرَاجَهَا عَنْ الْحِلِّ فِي الثَّلَاثَةِ وَتَخْصِيصُ حَدِيثِ التَّذَكُّرِ لِلْفَائِتَةِ مِنْ عُمُومِ الصَّلَاةِ يَقْتَضِي حِلَّهَا فِيهَا، وَيَكُونُ إخْرَاجُ حَدِيثِ عُقْبَةَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ مُحَرِّمٌ وَأَخْرَجَ أَيْضًا النَّوَافِلَ بِمَكَّةَ لِعُمُومِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ لَا تَمْنَعُوا أَحَدًا طَافَ بِهَذَا الْبَيْتِ وَصَلَّى أَيَّةَ سَاعَةٍ شَاءَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ» وَجَوَابُهُ أَنَّهُ عَامٌّ فِي الصَّلَاةِ وَالْوَقْتِ فَيَتَعَارَضُ عُمُومُهُمَا فِي الصَّلَاةِ وَيُقَدَّمُ حَدِيثُ عُقْبَةَ لِمَا قُلْنَا وَكَذَا يَتَعَارَضَانِ فِي الْوَقْتِ إذْ الْخَاصُّ يُعَارِضُ الْعَامَّ عِنْدَنَا وَعَلَى أُصُولِهِمْ يَجِبُ أَنْ يَخُصَّ مِنْهُ حَدِيثَ عُقْبَةَ فِي الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّهُ خَاصٌّ فِيهَا وَأَخْرَجَ أَبُو يُوسُفَ مِنْهُ النَّفَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَقْتَ الزَّوَالِ لِمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ «نَهَى عَنْ الصَّلَاةِ نِصْفَ النَّهَارِ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ إلَّا يَوْمَ الْجُمُعَةِ» وَجَوَابُهُ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ عِنْدَنَا تَكَلُّمٌ بِالْبَاقِي فَيَكُونُ حَاصِلُهُ نَهْيًا مُقَيَّدًا بِكَوْنِهِ بِغَيْرِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ حَدِيثُ عُقْبَةَ الْمُعَارِضُ لَهُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مُحَرِّمٌ وَبَحَثَ فِيهِ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ بِأَنَّهُ يُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ لِاتِّحَادِهِمَا حُكْمًا وَحَادِثَةً وَلَمْ يُجِبْ عَنْهُ فَظَاهِرُهُ تَرْجِيحُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فَلِذَا قَالَ فِي الْحَاوِي وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا عَزَاهُ لَهُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَفِي الْعِنَايَةِ إنَّ حَدِيثَ أَبِي يُوسُفَ مُنْقَطِعٌ أَوْ مَعْنَاهُ وَلَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاسْتَثْنَى الْمُصَنِّفُ مِنْ الْمَنْعِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: فَإِنْ وَجَبَ تَخْصِيصُ عُمُومِ الصَّلَاةِ) تَخْصِيصٌ الْأَوَّلُ مَصْدَرٌ مُضَافٌ لِمَفْعُولِهِ وَالْأَصْلُ تَخْصِيصُهُ كَمَا هُوَ عِبَارَةُ الْفَتْحِ وَالضَّمِيرُ لِحَدِيثِ التَّذَكُّرِ وَتَخْصِيصٌ الثَّانِي مُضَافٌ لِفَاعِلِهِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ فِي كُلٍّ مِنْ الْحَدِيثَيْنِ خُصُوصًا وَعُمُومًا، فَإِنْ وَجَبَ تَخْصِيصُ أَحَدِهِمَا لِعُمُومِ الْآخَرِ وَجَبَ فِي الثَّانِي كَذَلِكَ بَقِيَ أَنَّ كَوْنَ حَدِيثِ التَّذَكُّرِ عَامًّا فِيهِ خَفَاءٌ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ مُطْلَقٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْعِنَايَةِ وَيُمْكِنُ اسْتِفَادَةُ الْعُمُومِ مِنْ إضَافَةِ الظَّرْفِ إلَى مَا بَعْدَهُ فَإِنَّ الْإِضَافَةَ تَأْتِي لِمَا تَأْتِي لَهُ الْأَلِفُ وَاللَّامُ. (قَوْلُهُ: وَأَخْرَجَ أَيْضًا إلَخْ) أَيْ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. (قَوْلُهُ: وَفِي الْعِنَايَةِ إلَخْ) عِبَارَتُهُ وَالْجَوَابُ عَنْ الثَّانِي أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ لَمْ تَثْبُتْ؛ لِأَنَّهَا شَاذَّةٌ أَوْ أَنَّ مَعْنَاهُ وَلَا بِمَكَّةَ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {إِلا خَطَأً} [النساء: 92] أَيْ وَلَا خَطَأَ. اهـ. زَادَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ أَوْ يُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ قَبْلَ النَّهْيِ. اهـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 عَصْرَ يَوْمِهِ فَأَفَادَ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ أَدَاؤُهُ وَقْتَ التَّغَيُّرِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْمَكْرُوهَ إنَّمَا هُوَ تَأْخِيرُهُ لَا أَدَاؤُهُ لِأَنَّهُ أَدَّاهُ كَمَا وَجَبَ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ آخِرُ الْوَقْتِ إنْ لَمْ يُؤَدَّ قَبْلَهُ وَإِلَّا فَالْجُزْءُ الْمُتَّصِلُ بِالْأَدَاءِ وَإِلَّا فَجَمِيعُ الْوَقْتِ وَعَلَّلَ الْمُصَنِّفُ فِي كَافِيهِ بِأَنَّهُ لَا يَسْتَقِيمُ إثْبَاتُ الْكَرَاهَةِ لِلشَّيْءِ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ وَقِيلَ الْأَدَاءُ مَكْرُوهٌ أَيْضًا. اهـ. وَعَلَى هَذَا مَشَى فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَالتُّحْفَةِ وَالْبَدَائِعِ وَالْحَاوِي وَغَيْرِهَا عَلَى أَنَّهُ الْمَذْهَبُ مِنْ غَيْرِ حِكَايَةِ خِلَافٍ وَهُوَ الْأَوْجَهُ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ الثَّابِتِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ وَقُيِّدَ بِعَصْرِ يَوْمِهِ؛ لِأَنَّ عَصْرَ أَمْسِهِ لَا يَجُوزُ وَقْتَ التَّغَيُّرِ؛ لِأَنَّ الْأَجْزَاءَ الصَّحِيحَةَ أَكْثَرُ فَيَجِبُ الْقَضَاءُ كَامِلًا تَرْجِيحًا لِلْأَكْثَرِ الصَّحِيحِ عَلَى الْأَقَلِّ الْفَاسِدِ وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ مَنْ بَلَغَ أَوْ أَسْلَمَ فِي الْجُزْءِ النَّاقِصِ لَا يَصِحُّ مِنْهُ فِي نَاقِصٍ غَيْرِهِ مَعَ تَعَذُّرِ الْإِضَافَةِ فِي حَقِّهِ إلَى الْكُلِّ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ وَأُجِيبَ بِأَنْ لَا رِوَايَةَ فِيهَا فَتَلْتَزِمُ الصِّحَّةَ وَالصَّحِيحُ أَنَّ النَّقْصَ لَازِمُ الْأَدَاءِ فِي ذَلِكَ الْجُزْءِ، وَأَمَّا الْجُزْءُ فَلَا نَقْصَ فِيهِ، غَيْرَ أَنْ تَحْمِلَ ذَلِكَ النَّقْصَ لَوْ أَدَّى فِيهِ الْعَصْرَ ضَرُورَةً؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْأَدَاءِ فِيهِ فَإِذَا لَمْ يُؤَدِّ لَمْ يُوجَدْ النَّقْصُ الضَّرُورِيُّ وَهُوَ فِي نَفْسِهِ كَامِلٌ فَيَثْبُتُ فِي ذِمَّتِهِ كَذَلِكَ فَلَا يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَتِهِ إلَّا بِالْكَامِلِ وَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا ذَكَرَهُ السِّرَاجُ الْهِنْدِيُّ فِي شَرْحِ الْمُغْنِي مِنْ أَنَّ السَّبَبَ لَمَّا كَانَ نَاقِصًا فِي الْأَصْلِ كَانَ مَا ثَبَتَ فِي الذِّمَّةِ نَاقِصًا أَيْضًا فَعِنْدَ مُضِيِّ الْوَقْتِ لَا يَتَّصِفُ بِالْكَمَالِ لِمَا عَلِمْت أَنَّهُ لَا نَقَصَ فِي الْوَقْتِ أَصْلًا، وَأَشَارَ إلَى أَنَّ فَجْرَ يَوْمِهِ يَبْطُلُ بِالطُّلُوعِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ السَّبَبَ فِي الْعَصْرِ آخِرُ الْوَقْتِ وَهُوَ وَقْتُ التَّغَيُّرِ وَهُوَ نَاقِصٌ فَإِذَا أَدَّاهَا فِيهِ أَدَّاهَا كَمَا وَجَبَتْ وَوَقْتُ الْفَجْرِ كُلُّهُ كَامِلٌ فَوَجَبَتْ كَامِلَةً فَتَبْطُلُ بِطُرُوِّ الطُّلُوعِ الَّذِي هُوَ وَقْتُ فَسَادٍ لِعَدَمِ الْمُلَاءَمَةِ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ قِيلَ رَوَى الْجَمَاعَةُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَهَا وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ» أُجِيبَ بِأَنَّ التَّعَارُضَ لَمَّا وَقَعَ بَيْنَ هَذَا الْحَدِيثِ وَبَيْنَ النَّهْيِ عَنْ الصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ فِي الْفَجْرِ رَجَعْنَا إلَى الْقِيَاسِ كَمَا هُوَ حُكْمُ التَّعَارُضِ فَرَجَّحْنَا حُكْمَ هَذَا الْحَدِيثِ فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ وَحُكْمَ النَّهْيِ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ، كَذَا فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ تَرْجِيحَ الْمُحَرِّمِ عَلَى الْمُبِيحِ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ عَدَمِ الْقِيَاسِ أَمَّا عِنْدَهُ فَالتَّرْجِيحُ لَهُ، وَفِي الْقُنْيَةِ كَسَالَى الْعَوَامّ إذَا صَلَّوْا الْفَجْرَ وَقْتَ الطُّلُوعِ لَا يُنْكَرُ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ مُنِعُوا يَتْرُكُونَهَا أَصْلًا ظَاهِرًا وَلَوْ صَلَّوْهَا تَجُوزُ عِنْدَ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ وَالْأَدَاءُ الْجَائِزُ عِنْدَ الْبَعْضِ أَوْلَى مِنْ التَّرْكِ أَصْلًا وَفِي الْبُغْيَةِ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْأَوْقَاتِ الَّتِي تُكْرَهُ فِيهَا الصَّلَاةُ وَالدُّعَاءُ وَالتَّسْبِيحُ أَفْضَلُ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ. اهـ. وَلَعَلَّهُ؛ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ رُكْنُ الصَّلَاةِ وَهِيَ مَكْرُوهَةٌ فَالْأَوْلَى تَرْكُ مَا كَانَ رُكْنًا لَهَا وَالتَّعْبِيرُ بِالِاسْتِوَاءِ أَوْلَى مِنْ التَّعْبِيرِ بِوَقْتِ الزَّوَالِ؛ لِأَنَّ وَقْتَ الزَّوَالِ لَا تُكْرَهُ فِيهِ الصَّلَاةُ إجْمَاعًا، كَذَا فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي. (قَوْلُهُ: وَعَنْ التَّنَفُّلِ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَالْعَصْرِ لَا عَنْ قَضَاءِ فَائِتَةٍ وَسَجْدَةِ تِلَاوَةٍ وَصَلَاةِ جِنَازَةٍ) أَيْ مُنِعَ عَنْ التَّنَفُّلِ فِي هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ قَصْدًا لَا عَنْ غَيْرِهِ لِرِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ «لَا صَلَاةَ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ وَلَا صَلَاةَ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ» وَهُوَ بِعُمُومِهِ مُتَنَاوِلٌ لِلْفَرَائِضِ فَأَخْرَجُوهَا مِنْهُ بِالْمَعْنَى   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ) أَقُولُ: عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ فِي كَافِيهِ مَعَ الْأَمْرِ بِهِ. (قَوْلُهُ: فَيَثْبُتُ فِي ذِمَّتِهِ كَذَلِكَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ عَلِمْت أَنَّهُ لَوْ صَلَّى الْعَصْرَ ثُمَّ اسْتَمَرَّ حَتَّى غَرُبَتْ أَنَّهَا تُفْسِدُ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الطَّلَبَةِ وَهُوَ مُتَّجَهٌ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا وَإِنْ فَاتَتْ إلَّا أَنَّهَا تَقَرَّرَتْ فِي ذِمَّتِهِ كَامِلَةً فَلَا تُؤَدَّى بِالنَّاقِصِ. اهـ. أَقُولُ: هَذَا الْبَحْثُ مَشْهُورٌ، وَقَدْ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمَنَارِ وَذَكَرَ جَوَابَهُ، وَعِبَارَتُهُ فِي الْجَوَابِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ الْوَقْتَ مُتَّسَعًا وَجَعَلَ لَهُ شَغْلَ كُلِّ الْوَقْتِ فَالْفَسَادُ الَّذِي يَعْتَرِضُ حَالَةَ الْبَقَاءِ جُعِلَ عُذْرًا؛ لِأَنَّ الِاحْتِرَازَ عَنْهُ فِي الْإِقْبَالِ عَلَى الصَّلَاةِ مُتَعَذِّرٌ. اهـ. وَقَالَ أَيْضًا لَكِنْ قَالَ فِي التَّنْقِيحِ هَذَا يُشْكِلُ بِالْفَجْرِ وَأَجَابَ عَنْهُ فِي التَّلْوِيحِ بِأَنَّ الْعَصْرَ يَخْرُجُ إلَى مَا هُوَ وَقْتٌ لِصَلَاةٍ فِي الْجُمْلَةِ بِخِلَافِ الْفَجْرِ أَوْ بِأَنَّ فِي الطُّلُوعِ دُخُولًا فِي الْكَرَاهَةِ وَفِي الْغُرُوبِ خُرُوجًا عَنْهُمَا. اهـ. (قَوْلُهُ: أُجِيبَ إلَخْ) وَفِي إمْدَادِ الْفَتَّاحِ بَعْدَ نَقْلِهِ ذَلِكَ وَرَوَى ابْنُ عُمَرَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «إذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ فَأَمْسِكْ عَنْ الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَرُوِيَ أَيْضًا «وَوَقْتُ صَلَاةِ الصُّبْحِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ مَا لَمْ تَطْلُعْ الشَّمْسُ فَإِذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ فَأَمْسِكْ عَنْ الصَّلَاةِ» عَلَى أَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْأَسْرَارِ أَنَّ النَّهْيَ عَنْهَا مُتَأَخِّرٌ؛ لِأَنَّهُ أَبَدًا يَطْرَأُ عَلَى الْأَصْلِ الثَّابِتِ وَلِأَنَّ الصَّحَابَةَ عَمِلَتْ بِهِ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَاحِقٌ بَلْ قَالَ الطَّحَاوِيُّ: إنَّهَا كُلَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِالنُّصُوصِ النَّاهِيَةِ وَإِلَّا يَلْزَمُ الْعَمَلُ بِبَعْضِ الْحَدِيثِ وَتَرْكِ بَعْضِهِ بِمُجَرَّدِ قَوْلِنَا طَرَأَ نَاقِصٌ عَلَى كَامِلٍ فِي الْفَجْرِ بِخِلَافِ عَصْرِ يَوْمِهِ مَعَ أَنَّ النَّقْصَ قَارَنَ الْعَصْرَ ابْتِدَاءً وَالْفَجْرَ بَقَاءً فَيَبْطُلُ فِي الْعَصْرِ كَالْفَجْرِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 وَهُوَ أَنَّ الْكَرَاهَةَ كَانَتْ لِحَقِّ الْفَرْضِ لِيَصِيرَ الْوَقْتُ كَالْمَشْغُولِ بِهِ لَا بِمَعْنَى فِي الْوَقْتِ فَلَمْ يَظْهَرْ فِي حَقِّ الْفَرَائِضِ، وَقَدْ بَحَثَ فِيهِ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ بِأَنَّ هَذَا الِاعْتِبَارَ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، ثُمَّ النَّظَرُ إلَيْهِ يَسْتَلْزِمُ نَقِيضَ قَوْلِهِمْ الْعِبْرَةُ فِي الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ لِعَيْنِ النَّصِّ لَا لِمَعْنَى النَّصِّ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ مُعَارَضَةَ النَّصِّ بِالْمَعْنَى وَالنَّظَرُ إلَى النُّصُوصِ يُفِيدُ مَنْعَ الْقَضَاءِ تَقْدِيمًا لِلنَّهْيِ الْعَامِّ عَلَى حَدِيثِ التَّذَكُّرِ نَعَمْ يُمْكِنُ إخْرَاجُ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ بِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِصَلَاةٍ مُطْلَقَةٍ وَيَكْفِي فِي إخْرَاجِ الْقَضَاءِ مِنْ الْفَسَادِ الْعِلْمُ بِأَنَّ النَّهْيَ لَيْسَ بِمَعْنًى فِي الْوَقْتِ وَذَلِكَ هُوَ الْمُوجِبُ لِلْفَسَادِ، وَأَمَّا مِنْ الْكَرَاهَةِ فَفِيهِ مَا سَبَقَ. اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الدَّلِيلَ يَقْتَضِي ثُبُوتَ الْكَرَاهَةِ فِي كُلِّ صَلَاةٍ وَتَخْصِيصُهُ بِلَا مُخَصِّصٍ شَرْعِيٍّ لَا يَجُوزُ أَطْلَقَ فِي الْفَائِتَةِ فَشَمِلَتْ الْوِتْرَ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى قَوْلِهِ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا فَهُوَ سُنَّةٌ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَقْضِيَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ لِكَرَاهَةِ التَّنَفُّلِ فِيهِ لَكِنْ فِي الْقُنْيَةِ الْوِتْرُ يُقْضَى بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ بِالْإِجْمَاعِ بِخِلَافِ سَائِرِ السُّنَنِ. اهـ. وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ وَاقْتَصَرَ عَلَى الثَّلَاثَةِ لِيُفِيدَ أَنَّ بَقِيَّةَ الْوَاجِبَاتِ مِنْ الصَّلَاةِ دَاخِلٌ فِي النَّفْلِ فَيُكْرَهُ فِيهِمَا كَالْمَنْذُورِ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَمَا شُرِعَ فِيهِ مِنْ النَّفْلِ، ثُمَّ أَفْسَدَهُ وَرَكْعَتَيْ الطَّوَافِ؛ لِأَنَّ مَا الْتَزَمَهُ بِالنَّذْرِ نَفْلٌ؛ لِأَنَّ النَّذْرَ سَبَبٌ مَوْضُوعٌ لِالْتِزَامِهِ بِخِلَافِ سُجُودِ التِّلَاوَةِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِنَفْلٍ؛ لِأَنَّ التَّنَفُّلَ بِالسَّجْدَةِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ فَيَكُونُ وَاجِبًا بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَلِأَنَّهُ تَعَلَّقَ وُجُوبُ النَّذْرِ بِسَبَبٍ مِنْ جِهَتِهِ وَسَجْدَةُ التِّلَاوَةِ بِإِيجَابِهِ تَعَالَى وَإِنْ كَانَتْ التِّلَاوَةُ فِعْلَهُ كَجَمْعِ الْمَالِ فِعْلُهُ وَوُجُوبُ الزَّكَاةِ بِإِيجَابِ الشَّرْعِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَقَدْ يُقَالُ: وُجُوبُ السَّجْدَةِ فِي التَّحْقِيقِ مُتَعَلِّقٌ بِالسَّمَاعِ لَا بِالِاسْتِمَاعِ وَلَا التِّلَاوَةِ وَذَلِكَ لَيْسَ فِعْلًا مِنْ الْمُكَلَّفِ بَلْ وَصْفٌ خَلْقِيٌّ فِيهِ بِخِلَافِ النَّذْرِ وَالطَّوَافِ وَالشُّرُوعُ فِعْلُهُ وَلَوْلَاهُ لَكَانَتْ الصَّلَاةُ نَفْلًا. اهـ. وَهُوَ قَاصِرٌ عَلَى السَّامِعِ لِلتِّلَاوَةِ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ فِي حَقِّهِ السَّمَاعُ عَلَى خِلَافٍ فِيهِ، وَأَمَّا التَّالِي فَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ السَّبَبَ فِي حَقِّهِ إنَّمَا هُوَ التِّلَاوَةُ وَلَا السَّمَاعُ وَأُطْلِقَ فِي التَّنَفُّلِ فَشَمِلَ مَا لَهُ سَبَبٌ وَمَا لَيْسَ لَهُ فَتُكْرَهُ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ فِيهِمَا لِلْعُمُومِ وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى عُمُومِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ» ؛ لِأَنَّهُ مُبِيحٌ وَذَلِكَ حَاظِرٌ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَوْ شَرَعَ فِي النَّفْلِ فِي وَقْتٍ مُسْتَحَبٍّ، ثُمَّ أَفْسَدَهُ، ثُمَّ قَضَاهُ فِيهِمَا فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ عَنْ ذِمَّتِهِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ أَفْسَدَ مِنْهُ الْفَجْرَ، ثُمَّ قَضَاهَا بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَى الْأَصَحِّ وَقِيلَ يَجُوزُ وَالْأَحْسَنُ أَنْ يَشْرَعَ فِي السُّنَّةِ، ثُمَّ يُكَبِّرُ بِالْفَرِيضَةِ فَلَا يَكُونُ مُفْسِدًا لِلْعَمَلِ وَيَكُونُ مُنْتَقِلًا مِنْ عَمَلٍ إلَى عَمَلٍ، كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَبَّرَ لِلْفَرِيضَةِ فَقَدْ أَفْسَدَ السُّنَّةَ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي بَابِ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِابْنِ الْمَلَكِ مَا قَالَهُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَنَّهُ إذَا أُقِيمَ لِلْفَجْرِ وَخَافَ رَجُلٌ فَوْتَ الْفَرْضِ يَشْرَعُ فِي السُّنَّةِ فَيَقْطَعَهَا فَيَقْضِيَهَا قَبْلَ الطُّلُوعِ مَرْدُودٌ لِكَرَاهَةِ قَضَاءِ التَّنَفُّلِ الَّذِي أَفْسَدَهُ فِيهِ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِالشُّرُوعِ لِلْقَطْعِ قَبِيحٌ شَرْعًا وَإِلَى أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ التَّنَفُّلُ قَبْلَ صَلَاةِ الْعَصْرِ فِي وَقْتِهِ وَإِلَى أَنَّ لِصَلَاةِ الْعَصْرِ مَدْخَلًا فِي كَرَاهَةِ النَّوَافِلِ فَيَنْشَأُ عَنْهُ كَرَاهَةُ التَّطَوُّعِ بَعْدَ الْعَصْرِ الْمَجْمُوعَةِ إلَى الظُّهْرِ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ بِعَرَفَاتٍ فِيمَا يَظْهَرُ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى التَّصْرِيحِ بِهِ لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ، كَذَا فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَاعْلَمْ أَنَّ قَضَاءَ الْفَائِتَةِ وَمَا مَعَهَا لَا تُكْرَهُ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ إلَى غَايَةِ التَّغَيُّرِ لَا إلَى الْغُرُوبِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ. (قَوْلُهُ: وَبَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ بِأَكْثَرَ مِنْ سُنَّةِ الْفَجْرِ) أَيْ وَمُنِعَ عَنْ التَّنَفُّلِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ بِأَكْثَرَ مِنْ سُنَّتِهِ   [منحة الخالق] [التَّنَفُّلِ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَالْعَصْرِ] (قَوْلُهُ: وَاقْتَصَرَ عَلَى الثَّلَاثَةِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَقُولُ: التَّحْقِيقُ أَنْ يُقَالَ لَمَّا كَانَ التَّقْيِيدُ بِالنَّفْلِ يُفْهَمُ الْجَوَازُ فِيمَا عَدَاهُ وَلَيْسَ بِالْوَاقِعِ نَصٌّ عَلَى مَا هُوَ الْجَائِزُ لِيُعْلَمَ عَدَمُ الْجَوَازِ فِيمَا عَدَاهُ مِنْ غَيْرِ النَّفْلِ وَلَوْلَا هَذِهِ النُّكْتَةُ لَمَا اُحْتِيجَ إلَى مَا ذُكِرَ إذْ التَّقْيِيدُ بِالتَّنَفُّلِ يُغْنِي عَنْهُ وَهَذَا دَقِيقٌ جِدًّا فَتَدَبَّرْهُ إذْ بِهِ يُسْتَغْنَى عَنْ إخْرَاجِ النَّفْلِ عَنْ مَعْنَاهُ الشَّرْعِيِّ؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ عَرَّفُوهُ بِأَنَّهُ فِعْلٌ لَيْسَ بِفَرْضٍ وَلَا وَاجِبٍ وَلَا مَسْنُونٍ. (قَوْلُهُ: وَأَشَارَ إلَخْ) الْإِشَارَةُ غَيْرُ ظَاهِرَةٍ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَلَمْ أَقِفْ عَلَى التَّصْرِيحِ بِهِ لِأَحَدٍ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ هَذَا عَجِيبٌ فَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مَا لَفْظُهُ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ لَا يَتَنَفَّلُ بَعْدَ صَلَاةِ الْجَمْعِ بِعَرَفَةَ وَالْمُزْدَلِفَةِ وَعَزَاهُ فِي الْمِعْرَاجِ إلَى الْمُجْتَبَى وَفِي الْقُنْيَةِ لِمَجْدِ الْأَئِمَّةِ التَّرْجُمَانِيِّ وَظَهِيرِ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيِّ. (قَوْلُهُ: وَاعْلَمْ أَنَّ قَضَاءَ الْفَائِتَةِ إلَخْ) يُخَالِفُهُ مَا فِي التَّبْيِينِ حَيْثُ قَالَ وَالْمُرَادُ بِمَا بَعْدَ الْعَصْرِ قَبْلَ تَغَيُّرِ الشَّمْسِ، وَأَمَّا بَعْدَهُ فَلَا يَجُوزُ فِيهِ الْقَضَاءُ أَيْضًا وَإِنْ كَانَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ الْعَصْرَ. اهـ. عَلَى أَنَّهُ يُخَالِفُ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ أَوَّلًا حَيْثُ قَالَ وَمَنَعَ عَنْ الصَّلَاةِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ عِنْدَ الطُّلُوعِ وَالِاسْتِوَاءِ وَالْغُرُوبِ، وَقَدْ قُدِّمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْغُرُوبِ التَّغَيُّرُ وَفِي الشرنبلالية عِنْدَ قَوْلِ الدُّرَرِ إلَّا فِي وَقْتِ الِاحْمِرَارِ فَإِنَّ الْقَضَاءَ فِيهِ مَكْرُوهٌ أَقُولُ: ظَاهِرُهُ الصِّحَّةُ مَعَ الْكَرَاهَةِ فَيُنَاقِضُ مَا قَدَّمَهُ مِنْ قَوْلِهِ لَا تَصِحُّ صَلَاةٌ إلَخْ وَيُخَالِفُهُ مَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ إلَخْ، ثُمَّ قَالَ قُلْتُ: وَلَا يُقَالُ إنَّهُ لَا مُخَالَفَةَ لِحَمْلِ نَفْيِ الْجَوَازِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 قَصْدًا لِمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد «لَا صَلَاةَ بَعْدَ الصُّبْحِ إلَّا رَكْعَتَيْنِ» وَفِي رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ «إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ فَلَا تُصَلُّوا إلَّا رَكْعَتَيْنِ» قَيَّدْنَا بِكَوْنِهِ قَصْدًا لِمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَوْ شَرَعَ فِي التَّطَوُّعِ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَلَمَّا صَلَّى رَكْعَةً طَلَعَ الْفَجْرُ قِيلَ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ وَقِيلَ يُتِمُّهَا وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُتِمُّهَا وَلَا تَنُوبُ عَنْ سُنَّةِ الْفَجْرِ عَلَى الْأَصَحِّ وَلَوْ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ وَقَالَ عَنْ التَّنَفُّلِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ بِأَكْثَرَ مِنْ سُنَّتِهِ وَبَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ لَأَغْنَاهُ عَنْ التَّطْوِيلِ كَمَا لَا يَخْفَى، وَإِنَّمَا أَتَى بِالْفَجْرِ ثَانِيًا ظَاهِرًا وَلَمْ يَقُلْ بِسُنَّتِهِ مُضْمِرًا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ سُنَّةَ الْفَجْرِ بِمَعْنَى الزَّمَنِ، وَإِنَّمَا هِيَ سُنَّةُ صَلَاةِ الْفَجْرِ فَهُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ بِأَكْثَرَ مِنْ سُنَّةِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَفِي الْمُجْتَبَى تَخَفُّفُ الْقِرَاءَةُ فِي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ قُيِّدَ بِالتَّنَفُّلِ؛ لِأَنَّ قَضَاءَ الْفَائِتَةِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ التَّنَفُّلِ فِيهِ لِحَقِّ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ حَتَّى يَكُونَ كَالْمَشْغُولِ بِهَا؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ مُتَعَيِّنٌ لَهَا حَتَّى لَوْ نَوَى تَطَوُّعًا كَانَ عَنْ سُنَّةِ الْفَجْرِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ مِنْهُ فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْفَرْضِ؛ لِأَنَّهُ فَوْقَهَا وَالْبَحْثُ الْمُتَقَدِّمُ لِابْنِ الْهُمَامِ يَجْرِي هُنَا لِلنَّهْيِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ وَفِي الْعِنَايَةِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا كَانَ النَّهْيُ فِيهِ لِمَعْنًى فِي الْوَقْتِ أَثَّرَ فِي الْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ جَمِيعًا، وَمَا كَانَ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ أَثَّرَ فِي النَّوَافِلِ دُونَ الْفَرَائِضِ وَمَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَبْلَ الْمَغْرِبِ) أَيْ وَمُنِعَ عَنْ التَّنَفُّلِ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ قَبْلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ لِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد «سُئِلَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَنْ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ فَقَالَ مَا رَأَيْت أَحَدًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّيهِمَا» وَهُوَ يَقْتَضِي نَفْيَ الْمَنْدُوبِيَّةِ، أَمَّا ثُبُوتُ الْكَرَاهَةِ فَلَا إلَّا أَنْ يَدُلَّ دَلِيلٌ آخَرُ وَمَا ذُكِرَ مِنْ اسْتِلْزَامِ تَأْخِيرِ الْمَغْرِبِ فَقَدْ قَدَّمْنَا عَنْ الْقُنْيَةِ اسْتِثْنَاءَ الْقَلِيلِ وَالرَّكْعَتَانِ لَا تَزِيدُ عَلَى الْقَلِيلِ إذْ تَجُوزُ فِيهِمَا وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «صَلُّوا قَبْلَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ» وَهُوَ أَمْرُ نَدْبٍ وَهُوَ الَّذِي يَنْبَغِي اعْتِقَادُهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ وَمَا ذَكَرُوهُ فِي الْجَوَابِ لَا يَدْفَعُهُ قَيْدُنَا بِالتَّنَفُّلِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ قَضَاءُ الْفَائِتَةِ وَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ وَسَجْدَةُ التِّلَاوَةِ فِي هَذَا الْوَقْتِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ كَقَاضِي خان وَصَاحِبُ الْخُلَاصَةِ يَعْنِي مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ يَبْدَأُ بِصَلَاةِ الْمَغْرِبِ، ثُمَّ يُصَلُّونَ عَلَى الْجِنَازَةِ، ثُمَّ يَأْتُونَ بِالسُّنَّةِ وَلَعَلَّهُ بَيَانُ الْأَفْضَلِ وَفِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ مَعْزِيًّا إلَى حُجَّةِ الدِّينِ الْبَلْخِيّ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى تَأْخِيرِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ عَنْ سُنَّةِ الْجُمُعَةِ وَهِيَ سُنَّةٌ فَعَلَى هَذَا تُؤَخَّرُ عَنْ سُنَّةِ الْمَغْرِبِ؛ لِأَنَّهَا آكَدُ. (قَوْلُهُ: وَوَقْتُ الْخُطْبَةِ) أَيْ وَمُنِعَ عَنْ التَّنَفُّلِ وَقْتَ الْخُطْبَةِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِمَاعَ فَرْضٌ وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ حَرَامٌ وَقْتَهَا لِرِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ «إذَا قُلْتُ: لِصَاحِبِك انْصَتْ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَقَدْ لَغَوْت» فَكَيْفَ بِالتَّنَفُّلِ، وَأَمَّا مَا رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ جَابِرٍ «أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى الْجُمُعَةِ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -   [منحة الخالق] عَلَى الْحِلِّ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ عَدَمُ الصِّحَّةِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي مَسْأَلَةِ الْكَافِرِ إذَا أَسْلَمَ وَالصَّبِيِّ إذَا بَلَغَ فِي الْوَقْتِ الْمَكْرُوهِ فَلَمْ يُؤَدِّ حَتَّى خَرَجَ الْوَقْتُ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ قَضَاءُ مَا فَاتَ فِي وَقْتٍ مَكْرُوهٍ مِثْلُهُ؛ لِأَنَّ مَا ثَبَتَ كَامِلٌ لِعَدَمِ نَقْصٍ فِي الْوَقْتِ نَفْسِهِ فَلَا يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَتِهِ إلَّا بِكَامِلٍ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فَمَنْ خُوطِبَ بِالصَّلَاةِ مِنْ أَوَّلِ وَقْتِهَا فَلَمْ يُؤَدِّهَا حَتَّى خَرَجَ الْوَقْتُ حُكْمُهُ كَذَلِكَ بِالْأَوْلَى وَمَا وَقَعَ فِي الْهِدَايَةِ مِنْ قَوْلِهِ وَيُكْرَهُ أَنْ يَتَنَفَّلَ بَعْدَ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُصَلِّيَ فِي هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ الْفَوَائِتَ لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ لِمَا قَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَلَا بَأْسَ بِالْقَضَاءِ فِيهِمَا إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ فِي الْفَجْرِ وَتَغَيُّرِهَا فِي الْعَصْرِ وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ أَوْلَى مِنْ عِبَارَةِ الْقُدُورِيِّ حَتَّى تَغْرُبَ؛ لِأَنَّ الْغُرُوبَ فِيهَا مُؤَوَّلٌ بِالتَّغَيُّرِ. اهـ. وَفِي شَرْحِ الدُّرَرِ لِلشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ قَالَ: وَقَدْ أَفْصَحَ بِهِ فِي الْخَبَّازِيَّةِ حَاشِيَةِ الْهِدَايَةِ أَيْضًا حَيْثُ قَالَ الْمُرَادُ حَتَّى تَتَغَيَّرَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ لَا بَأْسَ أَنْ يُصَلِّيَ فِي هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ الْفَوَائِتَ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْفَائِتَةَ لَا يَجُوزُ قَضَاؤُهَا بَعْدَ التَّغَيُّرِ إلَى الْغُرُوبِ. اهـ. وَحِينَئِذٍ فَيَتَعَيَّنُ تَأْوِيلُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ هُنَا بِحَمْلِ قَوْلِهِ إلَى غَايَةِ التَّغَيُّرِ عَلَى الْإِضَافَةِ الْبَيَانِيَّةِ أَيْ غَايَةٍ هِيَ التَّغَيُّرُ وَبِهِ يَصِحُّ كَلَامُهُ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ يَقْتَضِي نَفْيَ الْمَنْدُوبِيَّةِ إلَخْ) ذَكَرَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ النَّوَافِلِ وَاعْتَرَضَهُ فِي النَّهْرِ فَقَالَ: هَذَا لَا يُجَامِعُ مَا قَدَّمَهُ مِنْ وُجُوبِ حَمْلِ اسْتِثْنَاءِ الْقَلِيلِ عَلَى مَا هُوَ أَقَلُّ مِنْ قَدْرِهِمَا أَيْ مِمَّا لَا يُعَدُّ تَأْخِيرًا وَقَوْلُهُ فِي الْبَحْرِ الَّذِي يَنْبَغِي اعْتِقَادُهُ النَّدْبُ لِرِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ «صَلَّى قَبْلَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ» وَمَا ذُكِرَ مِنْ الْجَوَابِ لَا يَدْفَعُهُ مَمْنُوعٌ إذْ عَدَمُ ظُهُورِ الدَّلِيلِ لَا يُوجِبُ إبْطَالَ الْمَدْلُولِ عَلَى أَنَّ مَا مَرَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ ظَاهِرٌ فِي النُّسَخِ لِاسْتِبْعَادِ بَقَائِهِ مَعَ عَدَمِ فِعْلِ الصَّحَابَةِ لَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَقَدْ قَدَّمْنَا عَنْ الْقُنْيَةِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ الَّذِي قَدَّمَهُ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَالْمَغْرِبُ إنَّمَا هُوَ الْمُبْتَغَى بِالْمُعْجَمَةِ. اهـ. أَقُولُ: وَالْعِبَارَةُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ كَذَلِكَ وَهُوَ قَدْ قَدَّمَ الِاسْتِثْنَاءَ عَنْ الْقُنْيَةِ. (قَوْلُهُ: وَقَدْ قَدَّمْنَا إلَى قَوْلِهِ الْأَفْضَلُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ إنْ كَانَ ضَمِيرُ لَعَلَّهُ رَاجِعًا لِتَقْدِيمِ الْجِنَازَةِ عَلَى السُّنَّةِ فَمُسَلَّمٌ وَإِنْ كَانَ رَاجِعًا لِتَقْدِيمِ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ عَلَى الْجِنَازَةِ فَغَيْرُ مُسَلَّمٍ إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ لِتَعْلِيلِهِمْ بِأَنَّ الْمَغْرِبَ فَرْضُ عَيْنٍ وَالْجِنَازَةَ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَلِأَنَّ الْغَالِبَ فِي كَلَامِهِمْ فِي مِثْلِهِ إرَادَةُ الْوُجُوبِ تَأَمَّلْ اهـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 يَخْطُبُ فَقَالَ أَصَلَّيْت يَا فُلَانُ قَالَ لَا قَالَ صَلِّ رَكْعَتَيْنِ وَتَجَوَّزْ فِيهِمَا» وَسَمَّاهُ النَّسَائِيّ سُلَيْكًا الْغَطَفَانِيَّ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمْسَكَ لَهُ حَتَّى فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أَنَسٍ أَوْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْخُطْبَةِ كَمَا ذَكَرَهُ النَّسَائِيّ، كَذَا فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ وَاقْتَصَرَ الشَّارِحُ عَلَى الْأَوَّلِ وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا نَظَرٌ إذْ النَّفَلُ مَكْرُوهٌ بَعْدَ خُرُوجِ الْإِمَامِ لِلْخُطْبَةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ وَوَقْتِهَا سَوَاءٌ أَمْسَكَ الْخَطِيبُ عَنْهَا أَوْ لَا، أَطْلَقَ الْخُطْبَةَ فَشَمِلَتْ كُلَّ خُطْبَةٍ سَوَاءٌ كَانَتْ خُطْبَةَ جُمُعَةٍ أَوْ عِيدٍ أَوْ كُسُوفٍ أَوْ اسْتِسْقَاءٍ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ أَوْ حَجٍّ وَهِيَ ثَلَاثٌ أَوْ خَتْمٌ أَيْ خَتْمُ الْقُرْآنِ كَمَا فِي الْمُجْتَبَى أَوْ خُطْبَةَ نِكَاحٍ وَهِيَ مَنْدُوبَةٌ كَمَا فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَإِلَى هُنَا صَارَتْ الْأَوْقَاتُ الَّتِي تُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِيهَا ثَمَانِيَةً عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَسَيَأْتِي أَنَّهُ إذَا خَرَجَ الْإِمَامُ إلَى الْخُطْبَةِ فَلَا صَلَاةَ وَلَا كَلَامَ فَلِذَا لَمْ يَذْكُرْهُ هُنَا وَمِنْهَا إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَإِنَّ التَّطَوُّعَ مَكْرُوهٌ إلَّا سُنَّةَ الْفَجْرِ إنْ لَمْ يَخَفْ فَوْتَ الْجَمَاعَةِ وَمِنْهَا التَّنَفُّلُ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ مُطْلَقًا وَبَعْدَهَا فِي الْمَسْجِدِ لَا فِي الْبَيْتِ وَمِنْهَا التَّنَفُّلُ بَيْنَ صَلَاتَيْ الْجَمْعِ بِعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ وَمِنْهَا وَقْتُ الْمَكْتُوبَةِ إذَا ضَاقَ يُكْرَهُ أَدَاءُ غَيْرِ الْمَكْتُوبَةِ فِيهِ وَمِنْهَا وَقْتُ مُدَافَعَةِ الْأَخْبَثَيْنِ وَمِنْهَا وَقْتُ حُضُورِ الطَّعَامِ إذَا كَانَتْ النَّفْسُ تَائِقَةً إلَيْهِ وَالْوَقْتُ الَّذِي يُوجَدُ فِيهِ مَا يَشْغَلُ الْبَالَ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ وَيُخِلُّ بِالْخُشُوعِ كَائِنًا مَا كَانَ ذَلِكَ الشَّاغِلُ، كَذَا فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَذُكِرَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مِنْ الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ مَا بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ لِأَدَاءِ الْعِشَاءِ لَا غَيْرُ وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ لَيْسَ هُوَ وَقْتَ كَرَاهَةٍ، وَإِنَّمَا الْكَرَاهَةُ فِي التَّأْخِيرِ فَقَطْ. (قَوْلُهُ: وَعَنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي وَقْتٍ بِعُذْرٍ) أَيْ مُنِعَ عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ بِسَبَبِ الْعُذْرِ لِلنُّصُوصِ الْقَطْعِيَّةِ بِتَعْيِينِ الْأَوْقَاتِ فَلَا يَجُوزُ تَرْكُهُ إلَّا بِدَلِيلٍ مِثْلِهِ وَلِرِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ «وَاَلَّذِي لَا إلَهَ غَيْرُهُ مَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاةً قَطُّ إلَّا لِوَقْتِهَا إلَّا صَلَاتَيْنِ جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِعَرَفَةَ وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِجَمْعٍ» ، وَأَمَّا مَا رُوِيَ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فَمَحْمُولٌ عَلَى الْجَمْعِ فِعْلًا بِأَنْ صَلَّى الْأُولَى فِي آخِرِ وَقْتِهَا وَالثَّانِيَةَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا وَيُحْمَلُ تَصْرِيحُ الرَّاوِي بِالْوَقْتِ عَلَى الْمَجَازِ لِقُرْبِهِ مِنْهُ وَالْمَنْعُ عَنْ الْجَمْعِ الْمَذْكُورِ عِنْدَنَا مُقْتَضٍ لِلْفَسَادِ إنْ كَانَ جَمْعَ تَقْدِيمٍ وَلِلْحُرْمَةِ إنْ كَانَ جَمْعَ تَأْخِيرٍ مَعَ الصِّحَّةِ كَمَا لَا يَخْفَى وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ إلَى جَوَازِ الْجَمْعِ لِلْمُسَافِرِ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، وَقَدْ شَاهَدْت كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ فِي الْأَسْفَارِ خُصُوصًا فِي سَفَرِ الْحَجِّ مَاشِينَ عَلَى هَذَا تَقْلِيدًا لِلْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ فِي ذَلِكَ إلَّا أَنَّهُمْ يُخِلُّونَ بِمَا ذَكَرَتْ الشَّافِعِيَّةُ فِي كُتُبِهِمْ مِنْ الشُّرُوطِ لَهُ فَأَحْبَبْت إيرَادَهَا إبَانَةً لِفِعْلِهِ عَلَى وَجْهِهِ لِمُرِيدِهِ، اعْلَمْ أَنَّهُمْ بَعْدَ أَنْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ فِعْلَ كُلِّ صَلَاةٍ فِي وَقْتِهَا أَفْضَلُ إلَّا لِلْحَاجِّ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِعَرَفَةَ وَفِي حَقِّ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِمُزْدَلِفَةَ قَالُوا شُرُوطُ التَّقْدِيمِ ثَلَاثَةٌ الْبُدَاءَةُ بِالْأُولَى وَنِيَّةُ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا وَمَحِلُّ هَذِهِ النِّيَّةِ عِنْدَ التَّحْرِيمِ أَعْنِي فِي الْأُولَى وَيَجُوزُ فِي أَثْنَائِهَا فِي الْأَظْهَرِ وَلَوْ نَوَى مَعَ السَّلَامِ مِنْهَا جَازَ عَلَى الْأَصَحِّ وَالْمُوَالَاةُ بِأَنْ لَا يَطُولَ بَيْنَهُمَا فَصْلٌ، فَإِنْ طَالَ وَجَبَ تَأْخِيرُ الثَّانِيَةِ إلَى وَقْتِهَا وَلَا يَضُرُّ فَصْلٌ يَسِيرٌ وَمَا عَدَّهُ الْعُرْفُ فَصْلًا طَوِيلًا فَهُوَ طَوِيلٌ يَضُرُّ وَمَالًا فَلَا وَلِلْمُتَيَمِّمِ الْجَمْعُ عَلَى الصَّحِيحِ وَلَا يُشْتَرَطُ عَلَى الصَّحِيحِ فِي جَوَازِنَا تَأْخِيرُ الْأُولَى إلَى الثَّانِيَةِ سِوَى تَأْخِيرِهَا بِنِيَّةِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ نَوَى، وَقَدْ بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ مَا يَسَعُ رَكْعَةً كَفَى عَلَى مَا فِي الرَّافِعِيِّ وَالرَّوْضَةِ وَاعْتُبِرَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ قَدْرُ الصَّلَاةِ، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ كَمَا ذَكَرْنَا وَأَخَّرَ عَصَى فِي التَّأْخِيرِ وَكَانَتْ صَلَاتُهُ قَضَاءً قَالُوا وَإِذَا كَانَ سَائِرًا وَقْتَ الْأُولَى فَتَأْخِيرُهَا إلَى وَقْتِ الثَّانِيَةِ أَفْضَلُ، وَإِنْ كَانَ نَازِلًا فَتَقْدِيمُ الثَّانِيَةِ إلَى وَقْتِ الْأُولَى أَفْضَلُ ذَكَرَهُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ فِي مَنَاسِكِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [بَابُ الْأَذَانِ]   [منحة الخالق] [التَّنَفُّلِ وَقْتَ الْخُطْبَةِ] (قَوْلُهُ: أَوْ كُسُوفٍ) فِيهِ أَنَّ خُطْبَةَ الْكُسُوفِ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا مَذْهَبُنَا تَأَمَّلْ، وَأَمَّا خُطْبَةُ الِاسْتِسْقَاءِ فَهِيَ عَلَى قَوْلِ الصَّاحِبَيْنِ [الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي وَقْتٍ بِعُذْرٍ] (بَابُ الْأَذَانِ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 هُوَ لُغَةً الْإِعْلَامُ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [التوبة: 3] وَشَرْعًا إعْلَامٌ مَخْصُوصٌ فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ وَسَبَبُهُ الِابْتِدَائِيُّ أَذَانُ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ وَإِقَامَتُهُ حِينَ صَلَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إمَامًا بِالْمَلَائِكَةِ وَأَرْوَاحِ الْأَنْبِيَاءِ، ثُمَّ رُؤْيَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ الْمَلَكَ النَّازِلَ مِنْ السَّمَاءِ فِي الْمَنَامِ وَهُوَ مَشْهُورٌ وَصَحَّحَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَاخْتُلِفَ فِي هَذَا الْمَلَكِ فَقِيلَ جِبْرِيلُ وَقِيلَ غَيْرُهُ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَالْبَقَائِيُّ دُخُولُ الْوَقْتِ وَدَلِيلُهُ الْكِتَابُ {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} [الجمعة: 9] وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ وَصِفَتُهُ سَتَأْتِي وَرُكْنُهُ الْأَلْفَاظُ الْمَخْصُوصَةُ وَكَيْفِيَّتُهُ مَعْلُومَةٌ، وَأَمَّا سُنَنُهُ فَنَوْعَانِ سُنَنٌ فِي نَفْسِ الْأَذَانِ وَسُنَنٌ فِي صِفَاتِ الْمُؤَذِّنِ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَسَيَأْتِي، وَأَمَّا الثَّانِي فَأَنْ يَكُونَ رَجُلًا عَاقِلًا ثِقَةً عَالِمًا بِالسُّنَّةِ وَأَوْقَاتُ الصَّلَاةِ فَأَذَانُ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ لَيْسَ بِمُسْتَحَبٍّ وَلَا مَكْرُوهٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَلَا يُعَادُ وَيَشْهَدُ لَهُ الْحَدِيثُ «وَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ خِيَارُكُمْ» وَصَرَّحُوا بِكَرَاهَةِ أَذَانِ الْفَاسِقِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِكَوْنِهِ عَالِمًا أَوْ غَيْرِهِ، ثُمَّ يَدْخُلُ فِي كَوْنِهِ خِيَارًا أَنْ لَا يَأْخُذَ عَلَى الْأَذَانِ أَجْرًا فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لِلْمُؤَذِّنِ وَلَا لِلْإِمَامِ لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد «وَاتَّخِذْ مُؤَذِّنًا لَا يَأْخُذُ عَلَى الْأَذَانِ أَجْرًا» قَالُوا: فَإِنْ لَمْ يُشَارِطْهُمْ عَلَى شَيْءٍ لَكِنْ عَرَفُوا حَاجَتَهُ فَجَمَعُوا لَهُ فِي وَقْتٍ شَيْئًا كَانَ حَسَنًا وَيَطِيبُ لَهُ وَعَلَى هَذَا الْمُفْتِي لَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُ شَيْءٍ عَلَى ذَلِكَ لَكِنْ يَنْبَغِي لِلْقَوْمِ أَنْ يُهْدُوا إلَيْهِ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهُوَ عَلَى قَوْلِ الْمُتَقَدِّمِينَ أَمَّا عَلَى الْمُخْتَارِ لِلْفَتْوَى فِي زَمَانِنَا فَيَجُوزُ أَخْذُ الْأَجْرِ لِلْإِمَامِ وَالْمُؤَذِّنِ وَالْمُعَلِّمِ وَالْمُفْتِي كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي كِتَابِ الْإِجَارَاتِ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خان الْمُؤَذِّنُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِأَوْقَاتِ الصَّلَاةِ لَا يَسْتَحِقُّ ثَوَابَ الْمُؤَذِّنِينَ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فَفِي أَخْذِ الْأَجْرِ أَوْلَى. اهـ. وَقَدْ يُمْنَعُ لِمَا أَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ لِلْجَهَالَةِ الْمُوَقَّعَةِ فِي الْغَرَرِ لِغَيْرِهِ بِخِلَافِهِ فِي الثَّانِي وَهَلْ يَسْتَحِقُّ الْمَعْلُومَ الْمُقَدَّرَ فِي الْوَقْفِ لِلْمُؤَذِّنِ لَمْ أَرَهُ فِي كَلَامِ أَئِمَّتِنَا وَصَرَّحَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ بِأَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ أَذَانُهُ فِيمَنْ يُوَلِّي وَيُرَتِّبُ لِلْأَذَانِ وَاخْتُلِفَ هَلْ الْأَذَانُ أَفْضَلُ أَمْ الْإِمَامَةُ قِيلَ بِالْأَوَّلِ لِلْآيَةِ {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ} [فصلت: 33] فَسَّرَتْهُ عَائِشَةُ بِالْمُؤَذِّنِينَ وَلِلْحَدِيثِ «الْمُؤَذِّنُونَ أَطْوَلُ أَعْنَاقًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَاهُ عَلَى أَقْوَالٍ قِيلَ أَطْوَلُ النَّاسِ رَجَاءً يُقَالُ طَالَ عُنُقِي إلَى وَعْدِك أَيْ رَجَائِي وَقِيلَ أَكْثَرُ النَّاسِ اتِّبَاعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ لِأَنَّهُ يَتْبَعُهُمْ كُلُّ مَنْ يُصَلِّي بِأَذَانِهِمْ يُقَالُ جَاءَنِي عُنُقٌ مِنْ النَّاسِ أَيْ جَمَاعَةٌ وَقِيلَ أَعْنَاقُهُمْ تَطُولُ حَتَّى لَا يُلْجِمَهُمْ الْعَرَقُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقِيلَ إعْنَاقًا بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ أَيْ هُمْ أَشَدُّ النَّاسِ إسْرَاعًا فِي السَّيْرِ وَقِيلَ الْإِمَامَةُ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْخُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِهِ كَانُوا أَئِمَّةً وَلَمْ يَكُونُوا مُؤَذِّنِينَ وَهُمْ لَا يَخْتَارُونَ مِنْ الْأُمُورِ إلَّا أَفْضَلَهَا وَقِيلَ هُمَا سَوَاءٌ وَذَكَرَ الْفَخْرُ الرَّازِيّ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْمُؤْمِنُونَ إنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ اخْتَارَ الْإِمَامَةَ فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ أَخَافُ إنْ تَرَكْت الْفَاتِحَةَ أَنْ يُعَاتِبَنِي الشَّافِعِيُّ وَإِنْ قَرَأْتُهَا مَعَ الْإِمَامِ أَنْ يُعَاتِبَنِي أَبُو حَنِيفَةَ فَاخْتَرْت الْإِمَامَةَ طَلَبًا لِلْخَلَاصِ مِنْ هَذَا الِاخْتِلَافِ. اهـ. وَقَدْ كُنْت أَخْتَارُهَا لِهَذَا الْمَعْنَى بِعَيْنِهِ قَبْلَ الِاطِّلَاعِ عَلَى هَذَا النَّقْلِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ وَاخْتَارَ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ أَنَّهَا أَفْضَلُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَقَوْلُ عُمَرَ لَوْلَا الْخِلِّيفَى لَأَذَّنْت لَا يَسْتَلْزِمُ تَفْضِيلَهُ عَلَيْهَا بَلْ مُرَادُهُ لَأَذَّنْت مَعَ الْإِمَامَةِ لَا مَعَ تَرْكِهَا فَيُفِيدُ أَنَّ الْأَفْضَلَ كَوْنُ الْإِمَامِ هُوَ الْمُؤَذِّنُ وَهَذَا مَذْهَبُنَا وَعَلَيْهِ كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ كَمَا عُلِمَ مِنْ إخْبَارِهِ. اهـ. وَفِي الْقُنْيَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُؤَذِّنُ مَهِيبًا وَيَتَفَقَّدُ أَحْوَالَ النَّاسِ وَيَزْجُرُ الْمُتَخَلِّفِينَ عَنْ الْجَمَاعَاتِ وَلَا يُؤَذِّنُ لِقَوْمٍ آخَرِينَ إذَا صَلَّى فِي مَكَانِهِ وَيُسَنُّ الْأَذَانُ فِي مَوْضِعٍ عَالٍ وَالْإِقَامَةُ عَلَى الْأَرْضِ وَفِي أَذَانِ الْمَغْرِبِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ. اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُسَنُّ الْمَكَانُ الْعَالِي فِي أَذَانِ الْمَغْرِبِ أَيْضًا كَمَا سَيَأْتِي وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَيَنْبَغِي لِلْمُؤَذِّنِ أَنْ يُؤَذِّنَ فِي مَوْضِعٍ يَكُونُ أَسْمَعَ لِلْجِيرَانِ وَيَرْفَعَ صَوْتَهُ وَلَا يُجْهِدَ نَفْسَهُ؛ لِأَنَّهُ يَتَضَرَّرُ بِذَلِكَ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَلَا يُؤَذِّنُ فِي الْمَسْجِدِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَوِلَايَةُ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ لِمَنْ بَنَى الْمَسْجِدَ وَإِنْ كَانَ فَاسِقًا   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 وَالْقَوْمُ كَارِهُونَ لَهُ وَكَذَا الْإِمَامَةُ إلَّا أَنَّ هَهُنَا اسْتَثْنَى الْفَاسِقَ اهـ. يَعْنِي فِي الْإِمَامَةِ. (قَوْلُهُ: سُنَّ لِلْفَرَائِضِ) أَيْ سُنَّ الْأَذَانُ لِلصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَالْجُمُعَةِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ قَوِيَّةٌ قَرِيبَةٌ مِنْ الْوَاجِبِ حَتَّى أَطْلَقَ بَعْضُهُمْ عَلَيْهِ الْوُجُوبَ وَلِهَذَا قَالَ مُحَمَّدٌ لَوْ اجْتَمَعَ أَهْلُ بَلَدٍ عَلَى تَرْكِهِ قَاتَلْنَاهُمْ عَلَيْهِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُحْبَسُونَ وَيُضْرَبُونَ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى تَأَكُّدِهِ لَا عَلَى وُجُوبِهِ؛ لِأَنَّ الْمُقَاتَلَةَ لِمَا يَلْزَمُ مِنْ الِاجْتِمَاعِ عَلَى تَرْكِهِ مِنْ اسْتِخْفَافِهِمْ بِالدِّينِ بِخَفْضِ أَعْلَامِهِ؛ لِأَنَّ الْأَذَانَ مِنْ إعْلَامِ الدِّينِ كَذَلِكَ وَاخْتَارَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وُجُوبَهُ؛ لِأَنَّ عَدَمَ التَّرْكِ مَرَّةً دَلِيلُ الْوُجُوبِ وَلَا يَظْهَرُ كَوْنُهُ عَلَى الْكِفَايَةِ وَإِلَّا لَمْ يَأْثَمْ أَهْلُ بَلْدَةٍ بِالِاجْتِمَاعِ عَلَى تَرْكِهِ إذَا قَامَ بِهِ غَيْرُهُمْ وَلَمْ يُضْرَبُوا وَلَمْ يُحْبَسُوا وَاسْتُشْهِدَ عَلَى ذَلِكَ بِمَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ صَلَّوْا فِي الْحَضَرِ الظُّهْرَ أَوْ الْعَصْرَ بِلَا أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ أَخْطَئُوا السُّنَّةَ وَأَثِمُوا. اهـ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُوَاظَبَةَ الْمَقْرُونَةَ بِعَدَمِ التَّرْكِ مَرَّةً لَمَّا اقْتَرَنَتْ بِعَدَمِ الْإِنْكَارِ عَلَى مَنْ لَمْ يَفْعَلْهُ كَانَتْ دَلِيلَ السُّنِّيَّةِ لَا الْوُجُوبِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فِي بَابِ الِاعْتِكَافِ وَالظَّاهِرُ كَوْنُهُ عَلَى الْكِفَايَةِ بِمَعْنَى أَنَّهُ إذَا فَعَلَ فِي بَلَدٍ سَقَطَتْ الْمُقَاتَلَةُ عَنْ أَهْلِهَا لَا بِمَعْنَى أَنَّهُ إذَا أَذَّنَ وَاحِدٌ فِي بَلَدٍ سَقَطَ عَنْ سَائِرِ النَّاسِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ تِلْكَ الْبَلْدَةِ إذْ لَمْ يَحْصُلْ بِهِ إظْهَارُ أَعْلَامِ الدِّينِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْكِفَايَةِ بِهَذَا الْمَعْنَى لَكَانَ سُنَّةً فِي حَقِّ كُلِّ أَحَدٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ أَذَانُ الْحَيِّ يَكْفِينَا كَمَا سَيَأْتِي وَالِاسْتِشْهَادُ بِالْإِثْمِ عَلَى تَرْكِهِ لَا يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْوَاجِبِ وَالسُّنَّةِ الْمُؤَكَّدَةِ وَلِهَذَا كَانَ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَأْثَمُ إذَا تَرَكَ سُنَنَ الصَّلَوَاتِ الْمُؤَكَّدَةِ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ النَّوَافِلِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَعَلَّ الْإِثْمَ مَقُولٌ بِالتَّشْكِيكِ بَعْضُهُ أَقْوَى مِنْ بَعْضٍ وَلِهَذَا صَرَّحَ فِي الرِّوَايَةِ بِالسُّنِّيَّةِ حَيْثُ قَالَ أَخْطَئُوا السُّنَّةَ وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَالْمُحِيطِ وَالْقَوْلَانِ مُتَقَارِبَانِ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ الْمُؤَكَّدَةَ فِي مَعْنَى الْوَاجِبِ فِي حَقِّ لُحُوقِ الْإِثْمِ لِتَارِكِهِمَا. اهـ. وَخَرَجَ بِالْفَرَائِضِ مَا عَدَاهَا فَلَا أَذَانَ لِلْوِتْرِ وَلَا لِلْعِيدِ وَلَا لِلْجَنَائِزِ وَلَا لِلْكُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَالتَّرَاوِيحِ وَالسُّنَنِ الرَّوَاتِبِ؛ لِأَنَّهَا اتِّبَاعٌ لِلْفَرَائِضِ وَالْوِتْرُ وَإِنْ كَانَ وَاجِبًا عِنْدَهُ لَكِنَّهُ يُؤَدَّى فِي وَقْتِ الْعِشَاءِ فَاكْتَفَى بِأَذَانِهِ لَا لِأَنَّ الْأَذَانَ لَهُمَا عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ. (قَوْلُهُ: بِلَا تَرْجِيعٍ) أَيْ لَيْسَ فِيهِ تَرْجِيعٌ وَهُوَ أَنْ يَخْفِضَ بِالشَّهَادَتَيْنِ صَوْتَهُ، ثُمَّ يَرْجِعَ فَيَرْفَعَ بِهِمَا صَوْتَهُ «؛ لِأَنَّ بِلَالًا كَانَ لَا يُرَجِّعُ وَأَبُو مَحْذُورَةَ رَجَّعَ بِأَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلتَّعْلِيمِ» كَمَا كَانَ عَادَتُهُ فِي تَعْلِيمِ أَصْحَابِهِ لَا؛ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الْإِعْلَامُ وَلَا يَحْصُلُ بِالْإِخْفَاءِ فَصَارَ كَسَائِرِ كَلِمَاتِهِ وَالظَّاهِرُ مِنْ عِبَارَاتِهِمْ أَنَّ التَّرْجِيعَ عِنْدَنَا مُبَاحٌ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُحْبَسُونَ وَيُضْرَبُونَ) قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ كَذَا نَقَلَهُ بَعْضُهُمْ بِصُورَةِ نَقْلِ الْخِلَافِ وَلَا يَخْفَى أَنْ لَا تَنَافِيَ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ بِوَجْهٍ فَإِنَّ الْمُقَاتَلَةَ إنَّمَا تَكُونُ عِنْدَ الِامْتِنَاعِ وَعَدَمِ الْقَهْرِ لَهُمْ وَالضَّرْبُ وَالْحَبْسُ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ قَهْرِهِمْ فَجَازَ أَنْ يُقَاتَلُوا إذَا امْتَنَعُوا عَنْ قَبُولِ الْأَمْرِ بِالْأَذَانِ وَلَمْ يُسَلِّمُوا أَنْفُسَهُمْ فَإِذَا قُوتِلُوا فَظَهَرَ عَلَيْهِمْ ضُرِبُوا وَحُبِسُوا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْجَوَابُ إلَخْ) أَقُولُ: الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ الْفَتْحِ السَّابِقِ أَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى أَهْلِ كُلِّ بَلْدَةٍ بِحَيْثُ لَوْ تَرَكُوهُ أَثِمُوا لَا أَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَحِينَئِذٍ فَالْجَوَابُ الْمَذْكُورُ إنَّمَا يَصِحُّ لَوْ ثَبَتَ عَدَمُ الْإِنْكَارِ عَلَى أَهْلِ بَلْدَةٍ تَرَكُوهُ لَا عَلَى وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ جَوَازِ تَرْكِهِ لِوَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ بَلْدَةٍ جَوَازُ تَرْكِهِ لِجَمِيعِ أَهْلِ الْبَلْدَةِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَلَمْ أَرَ حُكْمَ الْبَلْدَةِ الْوَاحِدَةِ إذَا اتَّسَعَتْ أَطْرَافُهَا كَمِصْرِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ أَهْلَ كُلِّ مَحَلَّةٍ سَمِعُوا الْأَذَانَ وَلَوْ مِنْ مَحَلَّةٍ أُخْرَى يَسْقُطُ عَنْهُمْ لَا إنْ لَمْ يَسْمَعُوا. (قَوْلُهُ: وَالِاسْتِشْهَادُ بِالْإِثْمِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ الْمَذْكُورُ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ عَنْ مُحَمَّدٍ وَكَذَلِكَ فِي سَائِرِ السُّنَنِ وَبِهَذَا يَبْطُلُ الِاسْتِدْلَال عَلَى الْوُجُوبِ. (قَوْلُهُ: وَلَعَلَّ الْإِثْمَ إلَخْ) لَمْ يَجْزِمْ بِذَلِكَ هُنَا لَكِنْ سَيَجْزِمُ بِهِ فِي سُنَنِ الصَّلَاةِ مُسْتَنِدًا إلَى شَرْحِ الْمُنْيَةِ. (قَوْلُهُ: وَخَرَجَ بِالْفَرَائِضِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ فَلَا يُسَنُّ لِلْمَنْذُورَةِ وَرَأَيْت فِي كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ قَدْ يُسَنُّ الْأَذَانُ لِغَيْرِ الصَّلَاةِ كَمَا فِي أَذَانِ الْمَوْلُودِ وَالْمَهْمُومِ وَالْمَفْزُوعِ وَالْغَضْبَانِ وَمَنْ سَاءَ خُلُقُهُ مِنْ إنْسَانٍ أَوْ بَهِيمَةٍ وَعِنْدَ مُزْدَحِمِ الْجَيْشِ وَعِنْدَ الْحَرِيقِ قِيلَ وَعِنْدَ إنْزَالِ الْمَيِّتِ الْقَبْرَ قِيَاسًا عَلَى أَوَّلِ خُرُوجِهِ لِلدُّنْيَا لَكِنْ رَدَّهُ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ وَعِنْدَ تَغَوُّلِ الْغِيلَانِ أَيْ عِنْدَ تَمَرُّدِ الْجِنِّ لِخَبَرٍ صَحِيحٍ فِيهِ أَقُولُ: وَلَا بُعْدَ فِيهِ عِنْدَنَا. (قَوْلُهُ: وَأَبُو مَحْذُورَةَ رَجَعَ بِأَمْرِهِ إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَفِي الْعِنَايَةِ ذُكِرَ فِي الْأَسْرَارِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهُ بِذَلِكَ لِحِكْمَةٍ رُوِيَتْ فِي قِصَّتِهِ وَهِيَ أَنَّ أَبَا مَحْذُورَةَ كَانَ يُبْغِضُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ الْإِسْلَامِ بُغْضًا شَدِيدًا فَلَمَّا أَسْلَمَ أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْأَذَانِ فَلَمَّا بَلَغَ كَلِمَاتِ الشَّهَادَةِ خَفَضَ صَوْتَهُ حَيَاءً مِنْ قَوْمِهِ فَدَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَرَكَ أُذُنَهُ فَقَالَ لَهُ ارْجِعْ وَامْدُدْ بِهَا صَوْتَك إمَّا لِيُعْلِمَهُ أَنَّهُ لَا حَيَاءَ مِنْ الْحَقِّ أَوْ لِيَزِيدَهُ مَحَبَّةً لِلرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِتَكْرِيرِ كَلِمَاتِ الشَّهَادَةِ. (قَوْلُهُ: وَالظَّاهِرُ مِنْ عِبَارَتِهِمْ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَيَظْهَرُ أَنَّهُ خِلَافُ الْأُولَى، أَمَّا التَّرْجِيعُ بِمَعْنَى التَّغَنِّي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 فِيهِ لَيْسَ بِسُنَّةٍ وَلَا مَكْرُوهٍ لَكِنْ ذَكَرَ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ التَّرْجِيعُ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنُ وَلَا التَّطْرِيبُ فِيهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ التَّرْجِيعَ هُنَا لَيْسَ هُوَ التَّرْجِيعُ فِي الْأَذَانِ بَلْ هُوَ التَّغَنِّي وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ مَعْزِيًّا إلَى ابْنِ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ «كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَلَاثَةُ مُؤَذِّنِينَ: بِلَالٌ وَأَبُو مَحْذُورَةَ وَعَمْرُو بْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ فَإِذَا غَابَ بِلَالٌ أَذَّنَ أَبُو مَحْذُورَةَ وَإِذَا غَابَ أَبُو مَحْذُورَةَ أَذَّنَ عَمْرٌو» قَالَ التِّرْمِذِيُّ أَبُو مَحْذُورَةَ اسْمُهُ سَمُرَةُ بْنُ مُعِيرٍ. (قَوْلُهُ: وَلَحْنٌ) أَيْ لَيْسَ فِيهِ لَحْنٌ أَيْ تَلْحِينٌ وَهُوَ كَمَا فِي الْمُغْرِبِ التَّطْرِيبُ وَالتَّرَنُّمُ يُقَالُ لَحَّنَ فِي قِرَاءَتِهِ تَلْحِينًا طَرَّبَ فِيهَا وَتَرَنَّمَ، وَأَمَّا اللَّحْنُ فَهُوَ الْفِطْنَةُ وَالْفَهْمُ لِمَا لَا يَفْطِنُ لَهُ غَيْرُهُ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «لَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ» وَفِي الصِّحَاحِ اللَّحْنُ الْخَطَأُ فِي الْإِعْرَابِ وَالتَّلْحِينُ التَّخْطِئَةُ وَالْمُنَاسِبُ هُنَا الْمَعْنَى الْأَوَّلُ وَالثَّالِثُ وَلِهَذَا فَسَّرَهُ ابْنُ الْمَلَكِ بِالتَّغَنِّي بِحَيْثُ يُؤَدِّي إلَى تَغْيِيرِ كَلِمَاتِهِ، وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ فِيهِ وَتَحْسِينُ الصَّوْتِ لَا بَأْسَ بِهِ مِنْ غَيْرِ تَغَنٍّ، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ تَرْكَهُ أَوْلَى لَكِنْ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَتَحْسِينُ الصَّوْتِ مَطْلُوبٌ وَلَا تَلَازُمَ بَيْنَهُمَا وَقَيَّدَهُ الْحَلْوَانِيُّ بِمَا هُوَ ذِكْرٌ فَلَا بَأْسَ بِإِدْخَالِ الْمَدِّ فِي الْحَيْعَلَتَيْنِ فَظَهَرَ مِنْ هَذَا أَنَّ التَّلْحِينَ هُوَ إخْرَاجُ الْحَرْفِ عَمَّا يَجُوزُ لَهُ فِي الْأَدَاءِ مِنْ نَقْصٍ مِنْ الْحُرُوفِ أَوْ مِنْ كَيْفِيَّاتِهَا وَهِيَ الْحَرَكَاتُ وَالسَّكَنَاتُ أَوْ زِيَادَةُ شَيْءٍ فِيهَا وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ سَمَاعُ الْمُؤَذِّنِ إذَا لَحَّنَ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَدَلَّ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ فِي الْقِرَاءَةِ أَيْضًا بَلْ أَوْلَى قِرَاءَةً وَسَمَاعًا وَقَيَّدَهُ بِالتَّلْحِينِ؛ لِأَنَّ التَّفْخِيمَ لَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ أَحَدُ اللُّغَتَيْنِ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَفِي الْمُغْرِبِ أَنَّهُ تَغْلِيظُ اللَّامِ فِي اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ لُغَةُ أَهْلِ الْحِجَازِ وَمَنْ يَلِيهِمْ مِنْ الْعَرَبِ وَذَكَرَ فِي الْكَافِي خِلَافًا فِيهِ بَيْنَ الْقُرَّاءِ وَصَرَّحَ الشَّارِحُ بِكَرَاهَةِ الْخَطَأِ فِي إعْرَابِ كَلِمَاتِهِ. (قَوْلُهُ: وَيَزِيدُ بَعْدَ فَلَاحِ أَذَانَ الْفَجْرِ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ مَرَّتَيْنِ) «لِحَدِيثِ بِلَالٍ حَيْثُ ذَكَرَهَا حِينَ وُجِدَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَائِمًا فَلَمَّا انْتَبَهَ أَخْبَرَهُ بِهِ فَاسْتَحْسَنَهُ وَقَالَ اجْعَلْهُ فِي أَذَانِك» وَهُوَ لِلنَّدْبِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ مَا أَحْسَنَ هَذَا، وَإِنَّمَا خُصَّ الْفَجْرُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ نَوْمٍ وَغَفْلَةٍ فَخُصَّ بِزِيَادَةِ الْإِعْلَامِ دُونَ الْعِشَاءِ؛ لِأَنَّ النَّوْمَ قَبْلَهَا مَكْرُوهٌ أَوْ نَادِرٌ، وَإِنَّمَا كَانَ النَّوْمُ مُشَارِكًا لِلصَّلَاةِ فِي أَصْلِ الْخَيْرِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ عِبَادَةً كَمَا إذَا كَانَ وَسِيلَةً إلَى تَحْصِيلِ طَاعَةٍ أَوْ تَرْكِ مَعْصِيَةٍ أَوْ لِأَنَّ النَّوْمَ رَاحَةٌ فِي الدُّنْيَا وَالصَّلَاةُ رَاحَةٌ فِي الْآخِرَةِ فَتَكُونُ الرَّاحَةُ فِي الْآخِرَةِ أَفْضَلَ وَفِي قَوْلِهِ بَعْدَ فَلَاحٍ أَذَانَ الْفَجْرِ رَدٌّ عَلَى مَنْ يَقُولُ: إنَّ مَحِلَّهَا بَعْدَ الْأَذَانِ بِتَمَامِهِ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْفَضْلِيِّ هَكَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى. (قَوْلُهُ: وَالْإِقَامَةُ مِثْلُهُ) أَيْ مِثْلُ الْأَذَانِ فِي كَوْنِهِ سُنَّةَ الْفَرَائِضِ فَقَطْ وَفِي عَدَدِ كَلِمَاتِهِ وَفِي تَرْتِيبِهَا لِحَدِيثِ الْمَلَكِ النَّازِلِ مِنْ السَّمَاءِ فَإِنَّهُ أَذَّنَ مَثْنَى مَثْنَى وَأَقَامَ مَثْنَى مَثْنَى وَلِحَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ عَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ «عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْأَذَانَ تِسْعَ عَشَرَةَ كَلِمَةً وَالْإِقَامَةَ سَبْعَ عَشَرَةَ كَلِمَةً» ، وَإِنَّمَا قَالَ تِسْعَ عَشَرَةَ كَلِمَةً لِأَجْلِ التَّرْجِيعِ وَإِلَّا فَالْأَذَانُ عِنْدَنَا خَمْسَ عَشَرَةَ كَلِمَةً وَهَذَا الْحَدِيثُ لَمْ يَعْمَلْ بِمَجْمُوعِهِ الْفَرِيقَانِ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّةَ لَا يَقُولُونَ بِتَثْنِيَةِ الْإِقَامَةِ وَالْحَنَفِيَّةَ لَا يَقُولُونَ بِالتَّرْجِيعِ، وَأَمَّا مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ «أُمِرَ بِلَالٌ أَنْ يَشْفَعَ الْأَذَانَ وَيُوتِرَ الْإِقَامَةَ» فَمَحْمُولٌ عَلَى إيتَارِ صَوْتِهَا بِأَنْ يَحْدُرَ فِيهَا كَمَا هُوَ الْمُتَوَارَثُ لِيُوَافِقَ مَا رَوَيْنَاهُ مِنْ النَّصِّ الْغَيْرِ الْمُحْتَمَلِ لَا إيتَارُ أَلْفَاظِهَا وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ لَا يَقُولُونَ بِإِيتَارِ التَّكْبِيرِ بَلْ هُوَ مَثْنَى فِي الْإِقَامَةِ عِنْدَهُمْ، وَقَدْ قَالَ الطَّحَاوِيُّ تَوَاتَرَتْ الْآثَارُ عَنْ بِلَالٍ أَنَّهُ كَانَ يُثَنِّي الْإِقَامَةَ حَتَّى مَاتَ، وَفِي الْخُلَاصَةِ وَإِنْ أَذَّنَ رَجُلٌ وَأَقَامَ آخَرُ بِإِذْنِهِ لَا بَأْسَ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ بِهِ الْأَوَّلُ يُكْرَهُ وَهَذَا اخْتِيَارُ الْإِمَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ وَجَوَابُ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ مُطْلَقًا وَيَدُلُّ عَلَيْهِ إطْلَاقُ مَا فِي الْمَجْمَعِ حَيْثُ قَالَ: وَلَا نَكْرَهُهَا مِنْ غَيْرِهِ فَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْمَلَكِ فِي شَرْحِهِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ حَضَرَ وَلَمْ يَرْضَ بِإِقَامَةِ غَيْرِهِ يُكْرَهُ اتِّفَاقًا فِيهِ نَظَرٌ وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ وَالْأَفْضَلُ   [منحة الخالق] فَلَا يَحِلُّ فِيهِ فَفِي الْقُرْآنِ أَوْلَى. اهـ. وَفِي حَاشِيَةِ الْخَيْرِ الرَّمْلِيِّ قَالَ فِي مِنَحِ الْغَفَّارِ قُلْتُ: وَفِي الْمَنْبَعِ قَالَ: فَإِنْ قُلْتُ: ثَبَتَ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا تَرْجِيعَ فِي الْأَذَانِ لَكِنْ لَوْ رَجَّعَ هَلْ يَكُونُ الْأَذَانُ مَكْرُوهًا قُلْتُ: مَا رَأَيْت إطْلَاقَ الْكَرَاهَةِ عَلَيْهِ غَيْرَ أَنَّ فِي الْمَبْسُوطِ ذَكَرَ فِي وَجْهِ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى مَسْأَلَةِ كَرَاهَةِ التَّلْحِينِ فَقَالَ وَلِهَذَا يُكْرَهُ التَّرْجِيعُ فِي الْأَذَانِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْمُنَاسِبُ هُنَا الْمَعْنَى الْأَوَّلُ وَالثَّالِثُ) مُرَادُهُ بِالْأَوَّلِ التَّطْرِيبُ وَالتَّرَنُّمُ وَبِالثَّالِثِ الْخَطَأُ فِي الْإِعْرَابِ. (قَوْلُهُ: فَلَمَّا انْتَبَهَ أَخْبَرَهُ بِهِ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُخْبِرَ بِلَالٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَاَلَّذِي فِي الْعِنَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 أَنْ يَكُونَ الْمُقِيمُ هُوَ الْمُؤَذِّنُ وَلَوْ أَقَامَ غَيْرُهُ جَازَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْإِقَامَةَ آكَدُ فِي السُّنِّيَّةِ مِنْ الْأَذَانِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلِهَذَا قَالُوا يُكْرَهُ تَرْكُهَا لِلْمُسَافِرِ دُونَ الْأَذَانِ، وَقَالُوا إنَّ الْمَرْأَةَ تُقِيمُ وَلَا تُؤَذِّنُ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَالْإِقَامَةُ أَفْضَلُ مِنْ الْأَذَانِ وَفِي الْقُنْيَةِ ذَكَرَ فِي الصَّلَاةِ أَنَّهُ كَانَ مُحْدِثًا فَقَدَّمَ رَجُلًا جَاءَ سَاعَتَئِذٍ لَا تُسَنُّ إعَادَةُ الْإِقَامَةِ وَيَدْخُلُ فِي الْمِثْلِيَّةِ تَحْوِيلُ وَجْهِهِ بِالصَّلَاةِ وَالْفَلَاحِ فِيهَا كَالْأَذَانِ وَرَفْعُ الصَّوْتِ بِهَا كَهُوَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْقُنْيَةِ إلَّا أَنَّ الْإِقَامَةَ أَخْفَضُ مِنْهُ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ فَقَوْلُ الشَّارِحِ فِي عَدَدِ الْكَلِمَاتِ فِيهِ نَظَرٌ. (قَوْلُهُ وَيَزِيدُ بَعْدَ فَلَاحِهَا قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ مَرَّتَيْنِ) لِحَدِيثِ أَبِي مَحْذُورَةَ وَفِي رَوْضَةِ النَّاطِفِيِّ أَكْرَهُ لِلْمُؤَذِّنِ أَنْ يَمْشِيَ فِي إقَامَتِهِ وَفِي الْخُلَاصَةِ إذَا انْتَهَى الْمُؤَذِّنُ إلَى قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ إنْ شَاءَ أَتَمَّهَا فِي مَكَانِهِ وَإِنْ شَاءَ مَشَى إلَى مَكَانِ الصَّلَاةِ إمَامًا كَانَ الْمُؤَذِّنُ أَوْ غَيْرَهُ وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ إنْ كَانَ الْمُؤَذِّنُ غَيْرَ الْإِمَامِ أَتَمَّهَا فِي مَوْضِعِ الْبِدَايَةِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَوْ أَخَذَ الْمُؤَذِّنُ فِي الْإِقَامَةِ وَدَخَلَ رَجُلٌ فِي الْمَسْجِدِ فَإِنَّهُ يَقْعُدُ إلَى أَنْ يَقُومَ الْإِمَامُ فِي مُصَلَّاهُ وَفِي الْقُنْيَةِ وَلَا يَنْتَظِرُ الْمُؤَذِّنُ وَلَا الْإِمَامُ لِوَاحِدٍ بِعَيْنِهِ بَعْدَ اجْتِمَاعِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ شِرِّيرًا وَفِي الْوَقْتِ سَعَةٌ فَيُعْذَرُ وَقِيلَ يُؤَخَّرُ. (قَوْلُهُ: وَيَتَرَسَّلُ فِيهِ وَيَحْدُرُ فِيهَا) أَيْ يَتَمَهَّلُ فِي الْأَذَانِ وَيُسْرِعُ فِي الْإِقَامَةِ وَحَدُّهُ أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَ كَلِمَتَيْ الْأَذَانِ بِسَكْتَةٍ بِخِلَافِ الْإِقَامَةِ لِلتَّوَارُثِ وَلِحَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِبِلَالٍ «إذَا أَذَّنْت فَتَرَسَّلْ فِي أَذَانِك وَإِذَا أَقَمْت فَاحْدُرْ» فَكَانَ سُنَّةً فَيُكْرَهُ تَرْكُهُ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْأَذَانِ الْإِعْلَامُ وَالتَّرَسُّلُ بِحَالِهِ أَلْيَقُ وَمِنْ الْإِقَامَةِ الشُّرُوعُ فِي الصَّلَاةِ وَالْحَدْرُ بِحَالِهِ أَلْيَقُ وَفُسِّرَ التَّرَسُّلُ فِي الْفَوَائِدِ بِإِطَالَةِ كَلِمَاتِ الْأَذَانِ وَالْحَدْرُ قِصَرُهَا وَإِيجَازُهَا وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَوْ جَعَلَ الْأَذَانَ إقَامَةً يُعِيدُ الْأَذَانَ وَلَوْ جَعَلَ الْإِقَامَةَ أَذَانًا لَا يُعِيدُ؛ لِأَنَّ تَكْرَارَ الْأَذَانِ مَشْرُوعٌ دُونَ الْإِقَامَةِ فَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي مِنْ أَنَّهُ لَوْ تَرَسَّلَ فِيهِمَا أَوْ حَدَرَ فِيهِمَا أَوْ تَرَسَّلَ فِي الْإِقَامَةِ وَحَدَرَ فِي الْأَذَانِ جَازَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ الْإِعْلَامُ وَتَرْكُ مَا هُوَ زِينَةٌ لَا يَضُرُّ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْكَرَاهَةِ وَالْإِعَادَةِ، وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خان أَذَّنَ وَمَكَثَ سَاعَةً، ثُمَّ أَخَذَ فِي الْإِقَامَةِ فَظَنَّهَا أَذَانًا فَصَنَعَ كَالْأَذَانِ فَعَرَفَ يَسْتَقْبِلُ الْإِقَامَةَ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ فِي الْإِقَامَةِ الْحَدْرُ فَإِذَا تَرَسَّلَ تَرَكَ سُنَّةَ الْإِقَامَةِ وَصَارَ كَأَنَّهُ أَذَّنَ مَرَّتَيْنِ. اهـ. لَكِنْ قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَلَوْ جَعَلَ الْأَذَانَ إقَامَةً لَا يَسْتَقْبِلُ وَلَوْ جَعَلَ الْإِقَامَةَ أَذَانًا يَسْتَقْبِلُ؛ لِأَنَّ فِي الْإِقَامَةِ التَّغَيُّرَ وَقَعَ مِنْ أَوَّلِهَا إلَى آخِرِهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِسُنَّتِهَا وَهُوَ الْحَدْرُ وَفِي الْأَذَانِ التَّغَيُّرُ مِنْ آخِرِهِ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِسُنَّتِهِ فِي أَوَّلِهِ وَهُوَ التَّرَسُّلُ فَلِهَذَا لَا يُعِيدُ. اهـ. وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ لَكِنَّ تَعْلِيلَهُ يُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ بِجَعْلِ الْأَذَانِ إقَامَةً أَنَّهُ أَتَى فِيهِ بِقَوْلِهِ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ مَرَّتَيْنِ فَلْيَكُنْ هُوَ الْمُرَادُ مِمَّا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَتَصِيرُ مَسْأَلَةً أُخْرَى غَيْرَ مَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالْكَافِي وَهُوَ الظَّاهِرُ وَيُسَكِّنُ كَلِمَاتِ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ لَكِنْ فِي الْأَذَانِ يَنْوِي الْحَقِيقَةَ وَفِي الْإِقَامَةِ يَنْوِي الْوَقْفَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: فَقَوْلُ الشَّارِحِ فِي عَدَدِ الْكَلِمَاتِ فِيهِ نَظَرٌ) ؛ لِأَنَّ الْمِثْلِيَّةَ غَيْرُ مَقْصُورَةٍ عَلَى ذَلِكَ بَلْ هِيَ فِي غَيْرِهِ أَيْضًا وَاَلَّذِي تَحَصَّلَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهَا مِثْلُهُ فِي خَمْسَةٍ السُّنِّيَّةُ لِلْفَرَائِضِ وَالْعَدَدُ وَالتَّرْتِيبُ وَتَحْوِيلُ الْوَجْهِ وَرَفْعُ الصَّوْتِ لَكِنْ فِي النَّهْرِ الْأَوْلَى أَنْ تَكُونَ الْمُمَاثَلَةُ فِي السُّنِّيَّةِ وَعَدَمِ التَّرْجِيعِ وَاللَّحْنِ؛ لِأَنَّهُ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ أَوَّلًا قَالَ وَبِهِ يَنْدَفِعُ مَا قِيلَ أَنَّهُ لَا يَجْعَلُ أُصْبُعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ فَكَانَ يَنْبَغِي اسْتِثْنَاؤُهُ كَمَا فَعَلَ بَعْضُهُمْ. اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ وَارِدٌ عَلَى مَا قَرَّرَهُ فِي الْبَحْرِ، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ بَعْدَ وَيَسْتَدِيرُ فِي صَوْمَعَتِهِ شُرُوعٌ فِيمَا اُخْتُصَّ بِهِ الْأَذَانُ فَكَذَا مَا عَطَفَهُ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ وَيَجْعَلُ أُصْبُعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ وَذَلِكَ يَنْفِي الْمُمَاثَلَةَ بَيْنَهُمَا فِي ذَلِكَ فَلَا يُرَدُّ مَا ذُكِرَ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: مَرَّتَيْنِ) أَيْ مَعَ الْإِتْيَانِ بِالتَّرَسُّلِ أَيْضًا. (قَوْلُهُ: فَلْيَكُنْ هُوَ الْمُرَادُ مِمَّا فِي الظَّهِيرِيَّةِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَقُولُ: كَيْفَ يَكُونُ هُوَ الْمُرَادُ مِمَّا فِي الظَّهِيرِيَّةِ مَعَ أَنَّهُ يُعَادُ عَلَى مَا فِيهَا لَا عَلَى مَا فِي الْمُحِيطِ وَالْحَقُّ أَنَّ اخْتِلَافَ الْجَوَابِ لِاخْتِلَافِ الْمَوْضُوعِ وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى جَعَلَ الْأَذَانَ إقَامَةً عَلَى مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّهُ تَرَكَ التَّرَسُّلَ فِيهِ فَيُعِيدُ لِفَوَاتِ تَمَامِ الْمَقْصُودِ مِنْهُ وَعَلَى مَا فِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ زَادَ فِيهِ لَفْظَ الْإِقَامَةِ فَلَا يُعِيدُ لِوُجُودِ التَّرَسُّلِ فِيهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ نَعَمْ لَوْ جَعَلَ الْإِقَامَةَ أَذَانًا لَا يُعِيدُهُ عَلَى مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَيُعِيدُهُ عَلَى مَا فِي الْخَانِيَّةِ وَكَأَنَّ الْإِعَادَةَ إنَّمَا جَاءَتْ عَلَى الْقَوْلِ الْمُقَابِلِ لِلرَّاجِحِ السَّابِقِ وَبِهَذَا تَتَّفِقُ النُّقُولُ ثُمَّ الْإِعَادَةُ إنَّمَا هِيَ أَفْضَلُ فَقَطْ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ. (قَوْلُهُ: لَكِنْ فِي الْأَذَانِ يَنْوِي الْحَقِيقَةَ) لَا دَخْلَ لِذِكْرٍ يَنْوِي هُنَا وَلَيْسَ فِي عِبَارَةِ الشَّارِحِ وَنَصُّهَا وَيُسَكِّنُ كَلِمَاتِهَا لِمَا رُوِيَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ أَنَّهُ قَالَ شَيْئَانِ يُجْزَمَانِ كَانُوا لَا يُعْرِبُونَهُمَا الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ يَعْنِي عَلَى الْوَقْفِ لَكِنْ فِي الْأَذَانِ حَقِيقَةً وَفِي الْإِقَامَةِ يَنْوِي الْوَقْفَ. اهـ. وَفِي شَرْحِ الدُّرَرِ وَالْغُرَرِ لِلشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ وَمَا فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ فِي الْمُبْتَغَى: وَالتَّكْبِيرُ جَزْمٌ، فَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ سِيَاقَ كَلَامِ الْمُبْتَغَى يَقْتَضِي أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ تَكْبِيرُ الصَّلَاةِ وَلَفْظُهُ وَلَوْ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ بِالرَّفْعِ يَجُوزُ وَالْأَصْلُ فِيهِ الْجَزْمُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «التَّكْبِيرُ جَزْمٌ وَالتَّسْمِيعُ جَزْمٌ» اهـ. بِقَرِينَةِ الْمُقَابَلَةِ ثُمَّ فِي اللَّفْظِ مَجَازٌ وَالْمُرَادُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَكُونُ مُسَكَّنًا بِالْوَقْفِ عَلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَفِي الْمُبْتَغَى وَالتَّكْبِيرُ جَزْمٌ وَفِي الْمُضْمَرَاتِ أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فِي التَّكْبِيرَاتِ إنْ شَاءَ ذَكَرَهُ بِالرَّفْعِ وَإِنْ شَاءَ ذَكَرَهُ بِالْجَزْمِ وَإِنْ كَرَّرَ التَّكْبِيرَ مِرَارًا فَالِاسْمُ الْكَرِيمُ مَرْفُوعٌ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَذِكْرُ أَكْبَرَ فِيمَا عَدَا الْمَرَّةِ الْأَخِيرَةِ بِالرَّفْعِ وَفِي الْمَرَّةِ الْأَخِيرَةِ هُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ذَكَرَهُ بِالرَّفْعِ وَإِنْ شَاءَ ذَكَرَهُ بِالْجَزْمِ. (قَوْلُهُ: وَيَسْتَقْبِلُ بِهِمَا الْقِبْلَةَ) أَيْ بِالْآذَانِ وَالْإِقَامَةِ لِفِعْلِ الْمَلَكِ النَّازِلِ مِنْ السَّمَاءِ وَلِلتَّوَارُثِ عَنْ بِلَالٍ وَلَوْ تَرَكَ الِاسْتِقْبَالَ جَازَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَيُكْرَهُ لِمُخَالَفَةِ السُّنَّةِ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ لِمَا فِي الْمُحِيطِ وَإِذَا انْتَهَى إلَى الصَّلَاةِ وَالْفَلَاحِ حَوَّلَ وَجْهَهُ يَمْنَةً وَيَسْرَةً وَلَا يُحَوِّلُ قَدَمَيْهِ لِأَنَّهُ فِي حَالَةِ الذِّكْرِ وَالثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَالشَّهَادَةِ لَهُ بِالْوَحْدَانِيَّةِ وَلِنَبِيِّهِ بِالرِّسَالَةِ فَالْأَحْسَنُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَقْبِلًا، فَأَمَّا الصَّلَاةُ وَالْفَلَاحُ دُعَاءٌ إلَى الصَّلَاةِ وَأَحْسَنُ أَحْوَالِ الدَّاعِي أَنْ يَكُونَ مُقْبِلًا عَلَى الْمَدْعُوِّينَ وَيُسْتَثْنَى مِنْ سُنِّيَّةِ الِاسْتِقْبَالِ مَا إذَا أَذَّنَ رَاكِبًا فَإِنَّهُ لَا يُسَنُّ الِاسْتِقْبَالُ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مَاشِيًا ذَكَرَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ عَنْ مُحَمَّدٍ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَتَكَلَّمُ فِيهِمَا) أَيْ فِي الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْكِ الْمُوَالَاةِ وَلِأَنَّهُ ذِكْرٌ مُعَظَّمٌ كَالْخُطْبَةِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ كُلَّ كَلَامٍ فَلَا يَحْمَدُ لَوْ عَطَسَ هُوَ وَلَا يُشَمِّتُ عَاطِسًا وَلَا يُسَلِّمُ وَلَا يَرُدُّ السَّلَامَ وَفِيهِ خِلَافٌ وَالصَّحِيحُ مَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الرَّدُّ لَا بَعْدَهُ وَلَا قَبْلَهُ فِي نَفْسِهِ وَكَذَا لَوْ سَلَّمَ عَلَى الْمُصَلِّي أَوْ الْقَارِئِ أَوْ الْخَطِيبِ وَأَجْمَعُوا أَنَّ الْمُتَغَوِّطَ لَا يَلْزَمُهُ الرَّدُّ فِي الْحَالِ وَلَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ السَّلَامَ عَلَيْهِ حَرَامٌ بِخِلَافِ مَنْ فِي الْحَمَّامِ إذَا كَانَ بِمِئْزَرٍ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خان إذَا سَلَّمَ عَلَى الْقَاضِي وَالْمُدَرِّسِ قَالُوا: لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الرَّدُّ. اهـ. وَمِثْلُهُ ذُكِرَ فِي سَلَامِ الْمُكَدِّي وَلَوْ تَكَلَّمَ الْمُؤَذِّنُ فِي أَذَانِهِ اسْتَأْنَفَهُ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَإِنْ تَكَلَّمَ بِكَلَامٍ يَسِيرٍ لَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِقْبَالُ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالتَّنَحْنُحُ فِي الْأَذَانِ مَكْرُوهٌ إذَا لَمْ يَكُنْ لِتَحْصِيلِ الصَّوْتِ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَكَذَا فِي الْإِقَامَةِ وَإِنْ قَدَّمَ فِي أَذَانِهِ وَإِقَامَتِهِ شَيْئًا بِأَنْ قَالَ أَوَّلًا أَشْهَدُ أَنْ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ الْأَوَّلَ. (قَوْلُهُ: وَيَلْتَفِتُ يَمِينًا وَشِمَالًا بِالصَّلَاةِ وَالْفَلَاحِ) لِمَا قَدَّمْنَاهُ وَلِفِعْلِ بِلَالٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى مَا رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ، ثُمَّ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ وَحْدَهُ عَلَى الصَّحِيحِ لِكَوْنِهِ سُنَّةَ الْأَذَانِ فَلَا يَتْرُكُهُ خِلَافًا لِلْحَلْوَانِيِّ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ أَنَّهُ مِنْ سُنَنِ الْأَذَانِ فَلَا يُخِلُّ الْمُنْفَرِدُ بِشَيْءٍ مِنْهَا حَتَّى قَالُوا فِي الَّذِي يُؤَذِّنُ لِلْمَوْلُودِ يَنْبَغِي أَنْ يُحَوِّلَ. اهـ. وَقَيَّدَ بِالْيَمِينِ وَالشِّمَالِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُحَوِّلُ وَرَاءَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ اسْتِدْبَارِ الْقِبْلَةِ وَلَا أَمَامَهُ لِحُصُولِ الْإِعْلَامِ فِي الْجُمْلَةِ بِغَيْرِهَا مِنْ كَلِمَاتِ الْأَذَانِ وَقَوْلُهُ بِالصَّلَاةِ وَالْفَلَاحِ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ يَعْنِي أَنَّهُ يَلْتَفِتُ يَمِينًا بِالصَّلَاةِ وَشِمَالًا بِالْفَلَاحِ وَهُوَ الصَّحِيحُ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ: إنَّ الصَّلَاةَ بِالْيَمِينِ وَالشِّمَالِ وَالْفَلَاحَ كَذَلِكَ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّهُ الْأَوْجَهُ وَلَمْ يُبَيِّنْ وَجْهَهُ وَقَيَّدَ بِالِالْتِفَاتِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُحَوِّلُ قَدَمَيْهِ لِمَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ بِلَالٍ قَالَ «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا أَذَّنَّا أَوْ أَقَمْنَا أَنْ لَا نُزِيلَ أَقْدَامَنَا عَنْ مَوَاضِعِهَا» وَأَطْلَقَ فِي الِالْتِفَاتِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْأَذَانِ وَقَدَّمْنَا عَنْ الْغُنْيَةِ أَنَّهُ يُحَوِّلُ فِي الْإِقَامَةِ أَيْضًا وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ لَا يُحَوِّلُ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا لِإِعْلَامِ الْحَاضِرِينَ بِخِلَافِ الْأَذَانِ فَإِنَّهُ إعْلَامٌ لِلْغَائِبِينَ، وَقِيلَ يُحَوِّلُ إذَا كَانَ الْمَوْضِعُ مُتَّسِعًا. (قَوْلُهُ: وَيَسْتَدِيرُ فِي صَوْمَعَتِهِ) يَعْنِي إنْ لَمْ يَتِمَّ الْإِعْلَامُ بِتَحْوِيلِ وَجْهِهِ مَعَ ثَبَاتِ قَدَمَيْهِ فَإِنَّهُ يَسْتَدِيرُ فِي الْمِئْذَنَةِ لِيَحْصُلَ التَّمَامُ وَالصَّوْمَعَةُ الْمَنَارَةُ وَهِيَ فِي الْأَصْلِ مُتَعَبَّدُ الرَّاهِبِ ذَكَرَهُ الْعَيْنِيُّ وَلَمْ يَكُنْ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِئْذَنَةٌ، لَكِنْ رَوَى أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ قَالَتْ كَانَ بَيْتِي مِنْ أَطْوَلِ بَيْتٍ بِحَوْلِ الْمَسْجِدِ فَكَانَ بِلَالٌ يَأْتِي بِسَحَرٍ فَيَجْلِسُ عَلَيْهِ يَنْظُرُ إلَى الْفَجْرِ فَإِذَا رَآهُ أَذَّنَ وَفِي الْقُنْيَةِ يُؤَذِّنُ الْمُؤَذِّنُ فَتَعْوِي الْكِلَابُ فَلَهُ ضَرْبُهَا إنْ ظَنَّ أَنَّهَا تَمْتَنِعُ بِضَرْبِهِ وَإِلَّا فَلَا وَفِي الْخُلَاصَةِ. وَمِنْ سَمِعَ الْأَذَانَ فَعَلَيْهِ أَنْ يُجِيبَ وَإِنْ كَانَ جُنُبًا؛ لِأَنَّ   [منحة الخالق] [اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَة بِالْآذَانِ وَالْإِقَامَةِ] (قَوْلُهُ: وَلَمْ يُبَيِّنْ وَجْهَهُ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ كَوْنَهُ خَطَا بِالْقَوْمِ فَيُوَاجِهُهُمْ بِهِ لَا يَخُصُّ أَهْلَ الْيَمِينِ وَالْيَسَارِ بَلْ يَعُمُّ الْجَمِيعَ وَحِينَئِذٍ فَاخْتِصَاصُ الْيَمِينِ بِالصَّلَاةِ وَالشِّمَالِ بِالْفَلَاحِ تَحَكُّمٌ، قَالَ الرَّمْلِيُّ لَكِنَّ الصَّحِيحَ هُوَ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ الْمَنْقُولُ عَنْ السَّلَفِ، كَذَا فِي الْغَايَةِ. (قَوْلُهُ: وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ لَا يُحَوِّلُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ الثَّانِي أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ. (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَكُنْ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِئْذَنَةٌ) قَالَ فِي شَرْحِ الدُّرَرِ وَالْغُرَرِ وَفِي أَوَائِلِ السُّيُوطِيّ: إنَّ أَوَّلَ مَنْ رَقِيَ مَنَارَةَ مِصْرَ لِلْأَذَانِ شُرَحْبِيلُ بْنُ عَامِرٍ الْمُرَادِيُّ وَفِي عِرَافَتِهِ بَنِي سَلِمَةَ الْمَنَائِرَ لِلْأَذَانِ بِأَمْرِ مُعَاوِيَةَ وَلَمْ تَكُنْ قَبْلَ ذَلِكَ وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ بِالسَّنَدِ إلَى أُمِّ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ كَانَ بَيْتِي أَطْوَلَ بَيْتٍ حَوْلَ الْمَسْجِدِ فَكَانَ بِلَالٌ يُؤَذِّنُ فَوْقَهُ مِنْ أَوَّلِ مَا أَذَّنَ إلَى أَنْ بَنَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَانَ يُؤَذِّنُ بَعْدُ عَلَى ظَهْرِ الْمَسْجِدِ، وَقَدْ رُفِعَ لَهُ شَيْءٌ فَوْقَ ظَهْرِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 إجَابَةَ الْمُؤَذِّنِ لَيْسَتْ بِأَذَانٍ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خان إجَابَةُ الْمُؤَذِّنِ فَضِيلَةٌ وَإِنْ تَرَكَهَا لَا يَأْثَمُ، وَأَمَّا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مِنْ لَمْ يُجِبْ الْأَذَانَ فَلَا صَلَاةَ لَهُ» فَمَعْنَاهُ الْإِجَابَةُ بِالْقَدَمِ لَا بِاللِّسَانِ فَقَطْ، وَفِي الْمُحِيطِ يَجِبُ عَلَى السَّامِعِ لِلْأَذَانِ الْإِجَابَةُ وَيَقُولُ مَكَانَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ وَمَكَانَ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّ إعَادَةَ ذَلِكَ يُشْبِهُ الِاسْتِهْزَاءَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَسْبِيحٍ وَلَا تَهْلِيلٍ وَكَذَا إذَا قَالَ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ فَإِنَّهُ يَقُولُ صَدَقْت وَبَرَرْت وَلَا يَقْرَأُ السَّامِعُ وَلَا يُسَلِّمُ وَلَا يَرُدُّ السَّلَامَ وَلَا يَشْتَغِلُ بِشَيْءٍ سِوَى الْإِجَابَةِ وَلَوْ كَانَ السَّامِعُ يَقْرَأُ يَقْطَعُ الْقِرَاءَةَ وَيُجِيبُ وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ الْإِجَابَةُ بِالْقَدَمِ لَا بِاللِّسَانِ حَتَّى لَوْ أَجَابَ بِاللِّسَانِ وَلَمْ يَمْشِ إلَى الْمَسْجِدِ لَا يَكُونُ مُجِيبًا وَلَوْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ حِينَ سَمِعَ الْأَذَانَ لَيْسَ عَلَيْهِ الْإِجَابَةُ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَوْ كَانَ الرَّجُلُ فِي الْمَسْجِدِ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَسَمِعَ الْأَذَانَ لَا يَتْرُكُ الْقِرَاءَةَ؛ لِأَنَّهُ أَجَابَهُ بِالْحُضُورِ وَلَوْ كَانَ فِي مَنْزِلِهِ يَتْرُكُ الْقِرَاءَةَ وَيُجِيبُ لَعَلَّهُ مُتَفَرِّعٌ عَلَى قَوْلِ الْحَلْوَانِيِّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْإِجَابَةَ بِاللِّسَانِ وَاجِبَةٌ لِظَاهِرِ الْأَمْرِ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ» إذْ لَا تَظْهَرُ قَرِينَةٌ تَصْرِفُ عَنْهُ بَلْ رُبَّمَا يَظْهَرُ اسْتِنْكَارُ تَرْكِهِ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ عَدَمَ الِالْتِفَاتِ إلَيْهِ وَالتَّشَاغُلَ عَنْهُ وَفِي شَرْحِ النُّقَايَةِ وَمَنْ سَمِعَ الْإِقَامَةَ لَا يُجِيبُ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَشْتَغِلَ بِالدُّعَاءِ عِنْدَهُمَا وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إنَّ إجَابَةَ الْإِقَامَةِ مُسْتَحَبَّةٌ وَفِي غَيْرِهِ أَنَّهُ يَقُولُ إذَا سَمِعَ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ أَقَامَهَا اللَّهُ وَأَدَامَهَا وَفِي التَّفَارِيقِ إذَا كَانَ فِي الْمَسْجِدِ أَكْثَرُ مِنْ مُؤَذِّنٍ أَذَّنُوا وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ فَالْحُرْمَةُ لِلْأَوَّلِ وَسُئِلَ ظَهِيرُ الدِّينِ عَمَّنْ سَمِعَ فِي وَقْتٍ مِنْ جِهَاتٍ مَاذَا عَلَيْهِ قَالَ إجَابَةُ أَذَانِ مَسْجِدِهِ بِالْفِعْلِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهَذَا لَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ إذْ مَقْصُودُ السَّائِلِ أَيُّ مُؤَذِّنٍ يُجِيبُ بِاللِّسَانِ اسْتِحْبَابًا أَوْ وُجُوبًا وَاَلَّذِي   [منحة الخالق] [إجَابَةُ الْمُؤَذِّنِ] (قَوْلُهُ: وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَقُولُ: يَنْبَغِي أَنْ لَا تَجِبَ بِاللِّسَانِ اتِّفَاقًا عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ فِي الْأَذَانِ بَيْنَ يَدَيْ الْخَطِيبِ وَأَنْ تَجِبَ بِالْقَدَمِ اتِّفَاقًا فِي الْأَذَانِ الْأَوَّلِ وَمِنْ الْجُمُعَةِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَسْجِدِ وَبِاللِّسَانِ أَيْضًا عَلَى الْأَوَّلِ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْوَاجِبُ إنَّمَا هُوَ السَّعْيُ لَا إجَابَةُ الْمُؤَذِّنِ وَأَثَرُ الْخِلَافِ يَظْهَرُ فِيمَا لَوْ سَمِعَ الْأَذَانَ وَهُوَ يَقْرَأُ قَطَعَ الْقِرَاءَةَ عَلَى الْأَوَّلِ لِلْإِجَابَةِ لَا عَلَى الثَّانِي، وَصَرَّحَ فِي الْمُحِيطِ وَالتُّحْفَةِ بِأَنَّهُ عَلَى الْأَوَّلِ لَا يُسَلِّمُ وَلَا يَشْتَغِلُ بِمَا سِوَى الْإِجَابَةِ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي كَرَاهَةِ الْكَلَامِ عِنْدَ الْأَذَانِ فَمَا فِي التَّجْنِيسِ مِنْ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ إجْمَاعًا اسْتِدْلَالًا بِاخْتِلَافِهِمْ فِي كَرَاهَتِهِ عِنْدَ أَذَانِ الْخُطْبَةِ فَإِنَّ الْإِمَامَ إنَّمَا كَرِهَهُ لِإِلْحَاقِ هَذِهِ الْحَالَةِ بِحَالَةِ الْخُطْبَةِ فَكَانَ هَذَا اتِّفَاقًا عَلَى أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْحَالَةِ مَمْنُوعٌ، وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَ الْحَلْوَانِيِّ بِوُجُوبِ الْإِجَابَةِ بِالْقَدَمِ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ وُجُوبُ الْأَدَاءِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَفِي الْمَسْجِدِ إذْ لَا مَعْنَى لِإِيجَابِ الذَّهَابِ دُونَ الصَّلَاةِ وَمَا فِي شَهَادَاتِ الْمُجْتَبَى سَمِعَ الْأَذَانَ وَانْتَظَرَ الْإِقَامَةَ فِي بَيْتِهِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ مُخَرَّجٌ عَلَى قَوْلِهِ كَمَا لَا يَخْفَى، وَقَدْ سَأَلْت شَيْخَنَا الْأَخَ عَنْ هَذَا فَلَمْ يُبْدِ جَوَابًا. اهـ. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ ذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا كَانَ فِي زَمَنِ السَّلَفِ مِنْ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ مَرَّةً وَاحِدَةً وَعَدَمِ تَكَرُّرِهَا كَمَا هُوَ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي كَانَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ فَإِذَا فَرَغَ فَمَنْ تَخَلَّفَ تَفُوتُهُ الْجَمَاعَةُ وَسَيَأْتِي أَنَّ الرَّاجِحَ عِنْدَ أَهْلِ الْمَذْهَبِ وُجُوبُ الْجَمَاعَةِ فَيَجِبُ السَّعْيُ إلَيْهَا عِنْدَ وَقْتِهَا وَذَلِكَ بِالْأَذَانِ كَمَا فِي السَّعْيِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يَجِبُ بِالْأَذَانِ لِأَجْلِ الصَّلَاةِ لَا لِذَاتِهِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَلَعَلَّهُ يَحْصُلُ بِهِ التَّوْفِيقُ بَيْنَ كُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ وَيُؤَيِّدُ هَذَا مَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّ تَكْرَارَ الْجَمَاعَةِ فِي مَسْجِدٍ وَاحِدٍ مَكْرُوهٌ، قَالَ فِي شَرْحِ الدُّرَرِ وَالْغُرَرِ وَفِي الْكَافِي وَلَا تُكَرَّرُ جَمَاعَةٌ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجُوزُ كَمَا فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ لَنَا أَنَّا أُمِرْنَا بِتَكْثِيرِ الْجَمَاعَةِ وَفِي تَكْرَارِ الْجَمَاعَةِ فِي مَسْجِدٍ وَاحِدٍ تَقْلِيلُهَا؛ لِأَنَّهُمْ إذَا عَرَفُوا أَنَّهُمْ تَفُوتُهُمْ الْجَمَاعَةُ يَتَعَجَّلُونَ لِلْحُضُورِ فَتَكْثُرُ الْجَمَاعَةُ، وَفِي الْمِفْتَاحِ إذَا دَخَلَ الْقَوْمُ مَسْجِدًا قَدْ صَلَّى فِيهِ أَهْلُهُ كُرِهَ جَمَاعَةٌ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ وَلَكِنَّهُمْ يُصَلُّونَ وِحْدَانًا بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ لِيُصْلِحَ بَيْنَ الْأَنْصَارِ فَاسْتَخْلَفَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَرَجَعَ بَعْدَمَا صَلَّى فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْتَهُ وَجَمَعَ أَهْلَهُ فَصَلَّى بِهِمْ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ، فَلَوْ كَانَ يَجُوزُ إعَادَةُ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَسْجِدِ لَمَا تَرَكَ الصَّلَاةَ فِيهِ وَالصَّلَاةُ فِيهِ أَفْضَلُ. اهـ. فَقَدْ ظَهَرَ لَك أَنَّ الْقَوْلَ بِوُجُوبِ السَّعْيِ بِالْقَدَمِ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ التَّخَلُّفَ يَلْزَمُهُ أَحَدُ أَمْرَيْنِ تَفْوِيتُ الْجَمَاعَةِ أَوْ إعَادَتُهَا وَكُلٌّ مِنْهُمَا غَيْرُ جَائِزٍ، فَإِنْ قُلْتُ: مُقْتَضَى مَا قُلْتُهُ أَنْ يَكُونَ الظَّاهِرُ قَوْلَ الْحَلْوَانِيِّ خِلَافًا لِمَا اسْتَظْهَرَهُ الشَّارِحُ هُنَا وَغَيْرُهُ قُلْتُ: لَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَمَعَ بِأَهْلِهِ فَقَدْ أَتَى بِفَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ هُنَاكَ وَسَنَذْكُرُ عَنْ الْقُنْيَةِ أَنَّهُ الْأَصَحُّ، فَإِنْ قُلْتُ: فَعَلَى هَذَا لَا يَلْزَمُ أَحَدَ الْمَحْذُورَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْتهمَا قُلْت: لَا بَلْ يَلْزَمُ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ الْحَلْوَانِيِّ وَسَيَأْتِي فِي بَابِ الْإِمَامَةِ أَنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ يَجْمَعُ بِأَهْلِهِ أَحْيَانًا هَلْ يَنَالُ ثَوَابَ الْجَمَاعَةِ قَالَ لَا وَيَكُونُ بِدْعَةً وَمَكْرُوهًا بِلَا عُذْرٍ وَسَنَذْكُرُ هُنَاكَ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ ذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِهِ بِوُجُوبِ الْإِجَابَةِ بِالْقَدَمِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. فَقَدْ اتَّضَحَ الْحَالُ وَطَاحَ الْإِشْكَالُ. (قَوْلُهُ: فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُمَاثَلَةِ هَهُنَا الْمُشَابَهَةُ فِي مُجَرَّدِ الْقَوْلِ لَا فِي صِفَتِهِ كَرَفْعِ الصَّوْتِ. اهـ. سَيِّدُ زَادَهْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 يَنْبَغِي إجَابَةُ الْأَوَّلِ سَوَاءٌ كَانَ مُؤَذِّنَ مَسْجِدِهِ أَوْ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّهُ حَيْثُ سَمِعَ الْأَذَانَ نُدِبَ لَهُ الْإِجَابَةُ أَوْ وَجَبَتْ عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَفِي الْقُنْيَةِ سَمِعَ الْأَذَانَ وَهُوَ يَمْشِي فَالْأَوْلَى أَنْ يَقِفَ سَاعَةً وَيُجِيبَ. وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - إذَا سَمِعَ الْأَذَانَ فَمَا عَمِلَ بَعْدَهُ فَهُوَ حَرَامٌ وَكَانَتْ تَضَعُ مِغْزَلَهَا وَإِبْرَاهِيمُ الصَّائِغُ يُلْقِي الْمِطْرَقَةَ مِنْ وَرَائِهِ وَرَدَّ خَلَفٌ شَاهِدًا لِاشْتِغَالِهِ بِالنَّسِيجِ حَالَةَ الْأَذَانِ وَعَنْ السَّلْمَانِيِّ كَانَ الْأُمَرَاءُ يُوقِفُونَ أَفْرَاسَهُمْ لَهُ وَيَقُولُونَ كُفُّوا. اهـ. وَأَمَّا الْحَوْقَلَةُ عِنْدَ الْحَيْعَلَةِ فَهُوَ وَإِنْ خَالَفَ ظَاهِرَ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ» لَكِنَّهُ وَرَدَ فِيهِ حَدِيثٌ مُفَسَّرٌ لِذَلِكَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَاخْتَارَ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الْجَمْعَ بَيْنَ الْحَوْقَلَةِ وَالْحَيْعَلَةِ عَمَلًا بِالْأَحَادِيثِ؛ لِأَنَّهُ وَرَدَ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ طَلَبُهَا صَرِيحًا فِي مُسْنَدِ أَبِي يَعْلَى إذَا قَالَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ قَالَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ إلَى آخِرِهِ وَقَوْلُهُمْ إنَّهُ يُشْبِهُ الِاسْتِهْزَاءَ لَا يَتِمُّ إذْ لَا مَانِعَ مِنْ صِحَّةِ اعْتِبَارِ الْمُجِيبِ بِهِمَا دَاعِيًا لِنَفْسِهِ مُحَرِّكًا مِنْهَا السَّوَاكِنَ مُخَاطَبًا لَهَا، وَقَدْ أَطَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْكَلَامَ فِيهِ وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ مَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مِنْ أَنَّ سَامِعَ الْحَيْعَلَةِ لَا يَقُولُ مِثْلَ مَا يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الِاسْتِهْزَاءَ وَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ الْجَهَلَةِ فَذَاكَ لَيْسَ بِشَيْءٍ. اهـ. لِأَنَّهُ كَيْفَ يُنْسَبُ فَاعِلُهُ إلَى الْجَهْلِ مَعَ وُرُودِهِ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ وَالْأُصُولُ تَشْهَدُ لَهُ؛ لِأَنَّ عِنْدَنَا الْمُخَصَّصَ الْأَوَّلَ مَا لَمْ يَكُنْ مُتَّصِلًا لَا يُخَصَّصُ بَلْ يُعَارَضُ أَوْ يُقَدَّمُ الْعَامُّ وَقَالَ بِهِ بَعْضُ مَشَايِخِنَا كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَقَدْ رَأَيْنَا مِنْ مَشَايِخِ السُّلُوكِ مَنْ كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا فَيَدْعُو نَفْسَهُ، ثُمَّ يَتَبَرَّأُ مِنْ الْحَوْلِ وَالْقُوَّةِ لِيَعْمَلَ بِالْحَدِيثَيْنِ وَفِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ أَبِي أُمَامَةَ التَّنْصِيصُ عَلَى أَنْ لَا يَسْبِقَ الْمُؤَذِّنَ بَلْ يَعْقُبُ كُلَّ جُمْلَةٍ مِنْهُ بِجُمْلَةٍ مِنْهُ. اهـ. وَلَمْ أَرَ حُكْمَ مَا إذَا فَرَغَ الْمُؤَذِّنُ وَلَمْ يُتَابِعْهُ السَّامِعُ هَلْ يُجِيبُ بَعْدَ فَرَاغِهِ وَيَنْبَغِي أَنَّهُ إنْ طَالَ الْفَصْلُ لَا يُجِيبُ وَإِلَّا يُجِيبُ وَفِي الْمُجْتَبَى فِي ثَمَانِيَةِ مَوَاضِعَ إذَا سَمِعَ الْأَذَانَ لَا يُجِيبُ فِي الصَّلَاةِ وَاسْتِمَاعِ خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ وَثَلَاثِ خُطَبٍ الْمَوْسِمِ وَالْجِنَازَةِ وَفِي تَعَلُّمِ الْعِلْمِ وَتَعْلِيمِهِ وَالْجِمَاعِ وَالْمُسْتَرَاحِ وَقَضَاءِ الْحَاجَةِ وَالتَّغَوُّطِ، قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُثْنِي بِلِسَانِهِ وَكَذَا الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ لَا يَجُوزُ أَذَانُهُمَا وَكَذَا ثَنَاؤُهُمَا. اهـ. وَالْمُرَادُ بِالثَّنَاءِ الْإِجَابَةُ وَكَذَا لَا تَجِبُ الْإِجَابَةُ عِنْدَ الْأَكْلِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْته حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَفِي الْمُجْتَبَى مِنْ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ مَنْ سَمِعَ الْأَذَانَ وَانْتَظَرَ الْإِقَامَةَ فِي بَيْتِهِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ. (قَوْلُهُ: وَيَجْعَلُ أُصْبُعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اجْعَلْ أُصْبُعَيْك فِي أُذُنَيْك فَإِنَّهُ أَرْفَعُ لِصَوْتِك» وَالْأَمْرُ لِلنَّدْبِ بِقَرِينَةِ التَّعْلِيلِ فَلِهَذَا لَوْ لَمْ يَفْعَلْ كَانَ حَسَنًا وَكَذَا لَوْ جَعَلَ يَدَيْهِ عَلَى أُذُنَيْهِ، فَإِنْ قِيلَ تَرْكُ السُّنَّةِ كَيْفَ يَكُونُ حَسَنًا قُلْنَا: لِأَنَّ الْأَذَانَ مَعَهُ أَحْسَنُ فَإِذَا تَرَكَهُ بَقِيَ الْأَذَانُ حَسَنًا، كَذَا فِي الْكَافِي فَالْحَسَنُ رَاجِعٌ إلَى الْأَذَانِ، وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ أَبْلَغَ فِي الْإِعْلَامِ؛ لِأَنَّ الصَّوْتَ يَبْدَأُ مِنْ مَخَارِجِ النَّفَسِ فَإِذَا سَدَّ أُذُنَيْهِ اجْتَمَعَ النَّفَسُ فِي الْفَمِ فَخَرَجَ الصَّوْتُ عَالِيًا مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَفِيهِ فَائِدَةٌ أُخْرَى وَهِيَ رُبَّمَا لَمْ يَسْمَعْ إنْسَانٌ صَوْتَهُ لِصَمَمٍ أَوْ بُعْدٍ أَوْ غَيْرِهِمَا فَيَسْتَدِلُّ بِأُصْبُعَيْهِ عَلَى أَذَانِهِ وَلَا يُسْتَحَبُّ وَضْعُ الْأُصْبُعِ فِي الْأُذُنِ فِي الْإِقَامَةِ لِمَا قَدَّمْنَا أَنَّ الْإِقَامَةَ أَخْفَضُ مِنْ الْأَذَانِ. (قَوْلُهُ: وَيُثَوِّبُ) أَيْ الْمُؤَذِّنُ وَالتَّثْوِيبُ الْعَوْدُ إلَى الْإِعْلَامِ بَعْدَ الْإِعْلَامِ وَمِنْهُ الثَّيِّبُ؛ لِأَنَّ مُصِيبَهَا عَائِدٌ إلَيْهَا وَالثَّوَابُ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ عَمَلِهِ تَعُودُ إلَيْهِ وَالْمَثَابَةُ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَعُودُونَ إلَيْهِ وَوَقْتُهُ بَعْدَ الْأَذَانِ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا ذَكَرَهُ قَاضِي خان وَفَسَّرَهُ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ بِأَنْ يَمْكُثَ بَعْدَ الْأَذَانِ قَدْرَ عِشْرِينَ آيَةً، ثُمَّ يَثُوبُ، ثُمَّ يَمْكُثُ كَذَلِكَ، ثُمَّ يُقِيمُ وَهُوَ نَوْعَانِ قَدِيمٌ وَحَادِثٌ فَالْأَوَّلُ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ وَكَانَ بَعْدَ الْأَذَانِ إلَّا أَنَّ عُلَمَاءَ الْكُوفَةِ أَلْحَقُوهُ بِالْأَذَانِ وَالثَّانِي   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَقَدْ رَأَيْنَا مِنْ مَشَايِخِ السُّلُوكِ إلَخْ) أَقُولُ: مَنْ كَانَ يَقُولُ بِالْجَمْعِ مِنْ مَشَايِخِ السُّلُوكِ سُلْطَانُ الْعَارِفِينَ سَيِّدِي مُحْيِي الدِّينِ بْنِ الْعَرَبِيِّ كَمَا ذَكَرَهُ فِي كِتَابِهِ الْفُتُوحَاتِ الْمَكِّيَّةِ. (قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي أَنَّهُ إنْ طَالَ الْفَصْلُ إلَخْ) سَبَقَهُ إلَيْهِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ الْعَلَّامَةُ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمِنْهَاجِ حَيْثُ قَالَ فَلَوْ سَكَتَ حَتَّى فَرَغَ كُلُّ الْأَذَانِ ثُمَّ أَجَابَ قَبْلَ فَاصِلٍ طَوِيلٍ كَفَى فِي أَصْلِ سُنَّةِ الْإِجَابَةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ. اهـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 أَحْدَثُهُ عُلَمَاءُ الْكُوفَةِ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ مَرَّتَيْنِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ مَرَّتَيْنِ وَأَطْلَقَ فِي التَّثْوِيبِ فَأَفَادَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ لَفْظٌ يَخُصُّهُ بَلْ تَثْوِيبُ كُلِّ بَلَدٍ عَلَى مَا تَعَارَفُوهُ إمَّا بِالتَّنَحْنُحِ أَوْ بِقَوْلِهِ الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ أَوْ قَامَتْ قَامَتْ؛ لِأَنَّهُ لِلْمُبَالَغَةِ فِي الْإِعْلَامِ، وَإِنَّمَا يَحْصُلُ بِمَا تَعَارَفُوهُ فَعَلَى هَذَا إذَا أَحْدَثَ النَّاسُ إعْلَامًا مُخَالِفًا لِمَا ذُكِرَ جَازَ، كَذَا فِي الْمُجْتَبَى وَأَفَادَ أَنَّهُ لَا يَخُصُّ صَلَاةً بَلْ هُوَ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُتَأَخِّرِينَ لِزِيَادَةِ غَفْلَةِ النَّاسِ وَقَلَّمَا يَقُومُونَ عِنْدَ سَمَاعِ الْأَذَانِ وَعِنْدَ الْمُتَقَدِّمِينَ هُوَ مَكْرُوهٌ فِي غَيْرِ الْفَجْرِ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ كَمَا حَكَاهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا رَأَى مُؤَذِّنًا يُثَوِّبُ فِي الْعِشَاءِ فَقَالَ أَخْرِجُوا هَذَا الْمُبْتَدِعَ مِنْ الْمَسْجِدِ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ مِثْلُهُ وَلِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «مِنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ» وَأَفَادَ أَنَّهُ لَا يَخُصُّ شَخْصًا دُونَ آخَرَ فَالْأَمِيرُ وَغَيْرُهُ سَوَاءٌ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ النَّاسَ سَوَاسِيَةٌ فِي أَمْرِ الْجَمَاعَةِ وَخَصَّ أَبُو يُوسُفَ الْأَمِيرَ وَكُلَّ مَنْ كَانَ مُشْتَغِلًا بِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُفْتِي وَالْقَاضِي وَالْمُدَرِّسِ بِنَوْعِ إعْلَامٍ بِأَنْ يَقُولَ السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا الْأَمِيرُ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ الصَّلَاةَ يَرْحَمُك اللَّهُ وَاخْتَارَهُ قَاضِي خان وَغَيْرُهُ لَكِنْ ذَكَرَ ابْنُ الْمَلَكِ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ مَعَ مُحَمَّدٍ وَعَابَ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ فَقَالَ أُفٍّ لِأَبِي يُوسُفَ حَيْثُ يَخُصُّ الْأُمَرَاءَ بِالذِّكْرِ وَالتَّثْوِيبِ وَمَالَ إلَيْهِمْ وَلَكِنَّ أَبَا يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّمَا خَصَّ أُمَرَاءَ زَمَانِهِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا مَشْغُولِينَ بِأُمُورِ الرَّعِيَّةِ، أَمَّا إذَا كَانَ مَشْغُولًا بِالظُّلْمِ وَالْفِسْقِ فَلَا يَجُوزُ لِلْمُؤَذِّنِ الْمُرُورُ عَلَى بَابِهِ وَلَا التَّثْوِيبُ لَهُمْ إلَّا عَلَى وَجْهِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّصِيحَةِ كَمَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَغَيْرِهِ وَقَيَّدَ بِكَوْنِ الْمُثَوِّبِ هُوَ الْمُؤَذِّنُ لِمَا فِي الْقُنْيَةِ مَعْزِيًّا لِلْمُلْتَقِطِ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ لِمَنْ فَوْقَهُ فِي الْعِلْمِ وَالْجَاهِ حَانَ وَقْتُ الصَّلَاةِ سِوَى الْمُؤَذِّنِ؛ لِأَنَّهُ اسْتِفْضَالٌ لِنَفْسِهِ (فَرْعٌ) فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ لِلشَّافِعِيَّةِ يُكْرَهُ أَنْ يُقَالَ فِي الْأَذَانِ حَيَّ عَلَى خَيْرِ الْعَمَلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالزِّيَادَةُ فِي الْأَذَانِ مَكْرُوهَةٌ. اهـ. وَقَدْ سَمِعْنَاهُ الْآنَ عَنْ الزَّيْدِيَّةِ بِبَعْضِ الْبِلَادِ. (قَوْلُهُ: وَيَجْلِسُ بَيْنَهُمَا إلَّا فِي الْمَغْرِبِ) أَيْ وَيَجْلِسُ الْمُؤَذِّنُ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ عَلَى وَجْهِ السُّنِّيَّةِ إلَّا فِي الْمَغْرِبِ فَلَا يُسَنُّ الْجُلُوسُ بَلْ السُّكُوتُ مِقْدَارَ ثَلَاثِ آيَاتٍ قِصَارٍ أَوْ آيَةٍ طَوِيلَةٍ أَوْ مِقْدَارِ ثَلَاثِ خُطُوَاتٍ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا يَفْصِلُ أَيْضًا فِي الْمَغْرِبِ بِجِلْسَةٍ خَفِيفَةٍ قَدْرَ جُلُوسِ الْخَطِيبِ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ وَهِيَ مِقْدَارُ أَنْ تَتَمَكَّنَ مَقْعَدَتُهُ مِنْ الْأَرْضِ بِحَيْثُ يَسْتَقِرُّ كُلُّ عُضْوٍ مِنْهُ فِي مَوْضِعِهِ وَالْأَصْلُ أَنَّ الْوَصْلَ بَيْنَهُمَا فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ مَكْرُوهٌ إجْمَاعًا لِحَدِيثِ بِلَالٍ «اجْعَلْ بَيْنَ أَذَانِك وَإِقَامَتِك قَدْرَ مَا يَفْرُغُ الْآكِلُ مِنْ أَكْلِهِ» غَيْرَ أَنَّ الْفَصْلَ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ بِالسُّنَّةِ أَوْ مَا يُشْبِهُهَا لِعَدَمِ كَرَاهِيَةِ التَّطَوُّعِ قَبْلَهَا وَفِي الْمَغْرِبِ كُرِهَ التَّطَوُّعُ قَبْلَهُ فَلَا يَفْصِلُ بِهِ، ثُمَّ قَالَ الْجِلْسَةُ تُحَقِّقُ الْفَصْلَ كَمَا بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ وَلَا يَقَعُ الْفَصْلُ بِالسَّكْتَةِ؛ لِأَنَّهَا تُوجَدُ بَيْنَ كَلِمَاتِ الْأَذَانِ وَلَمْ تُعَدَّ فَاصِلَةً، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنَّ الْفَصْلَ بِالسَّكْتَةِ أَقْرَبُ إلَى التَّعْجِيلِ الْمُسْتَحَبِّ وَالْمَكَانُ هُنَا مُخْتَلِفٌ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يَكُونَ الْأَذَانُ فِي الْمَنَارَةِ وَالْإِقَامَةُ فِي الْمَسْجِدِ وَكَذَا النَّغْمَةُ وَالْهَيْئَةُ بِخِلَافِ خُطْبَتَيْ الْجُمُعَةِ لِاتِّحَادِ الْمَكَانِ وَالْهَيْئَةِ فَلَا يَقَعُ الْفَصْلُ إلَّا بِالْجِلْسَةِ، وَفِي الْخُلَاصَةِ وَلَوْ فَعَلَ الْمُؤَذِّنُ كَمَا قَالَا لَا يُكْرَهُ عِنْدَهُ وَلَوْ فَعَلَ كَمَا قَالَ لَا يُكْرَهُ عِنْدَهُمَا يَعْنِي أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي الْأَفْضَلِيَّةِ وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ التَّحَوُّلُ لِلْإِقَامَةِ إلَى غَيْرِهِ مَوْضِعَ الْأَذَانِ وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَعُلِمَ أَنَّ تَأْخِيرَ الْمَغْرِبِ قَدْرَ أَدَاءِ رَكْعَتَيْنِ مَكْرُوهٌ، وَقَدْ قَدَّمْنَا عَنْ الْقُنْيَةِ أَنَّ التَّأْخِيرَ الْقَلِيلَ لَا يُكْرَهُ فَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى مَا هُوَ أَقَلُّ مِنْ قَدْرِهِمَا إذَا تَوَسَّطَ فِيهِمَا لِيُتَّفَقَ كَلَامُ الْأَصْحَابِ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِقْدَارَ الْجُلُوسِ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْفَجْرِ قَدْرَ مَا يَقْرَأُ عِشْرِينَ آيَةً، ثُمَّ يُثَوِّبُ وَإِنْ صَلَّى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالتَّثْوِيبِ فَحَسَنٌ وَفِي الظُّهْرِ يُصَلِّي بَيْنَهُمَا أَرْبَعَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: سَوَاسِيَةٌ) أَيْ سَوَاءٌ تَقُولُ هُمَا فِي هَذَا الْأَمْرِ سَوَاءٌ وَإِنْ شِئْت سَوَآنِ وَهُمْ سَوَاءٌ لِلْجَمْعِ وَهُمْ أَسَوَاءٌ وَهُمْ سَوَاسِيَةٌ أَيْ أَشْبَاهٌ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ مِثْلُ ثَمَانِيَةٍ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ عَنْ الصِّحَاحِ. (قَوْلُهُ: فَقَالَ أُفٍّ لِأَبِي يُوسُفَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَلِكَ إنَّمَا كَانَ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الشُّغْلِ وَالْبَشَرُ لَا يَخْلُو عَنْ التَّغَيُّرِ وَالظَّنُّ بِهِ أَنَّهُ تَابَ وَإِلَى اللَّهِ تَعَالَى أَنَابَ، كَذَا فِي الدِّرَايَةِ [جُلُوسُ الْمُؤَذِّنِ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ] (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ إلَّا فِي الْمَغْرِبِ) قَالَ فِي الدُّرَرِ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ وَيُثَوِّبُ وَيَجْلِسُ بَيْنَهُمَا، أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ التَّثْوِيبَ لِإِعْلَامِ الْجَمَاعَةِ وَهُمْ فِي الْمَغْرِبِ حَاضِرُونَ لِضِيقِ وَقْتِهِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ التَّأْخِيرَ مَكْرُوهٌ فَيُكْتَفَى بِأَدْنَى الْفَصْلِ احْتِرَازًا عَنْهُ. اهـ. وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ الْأَوَّلَ مُنَافٍ لِقَوْلِ الْكُلِّ أَنَّهُ يُثَوِّبُ فِي الْكُلِّ. اهـ. قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْعِنَايَةِ مِنْ اسْتِثْنَائِهِ الْمَغْرِبَ فِي التَّثْوِيبِ وَبِهِ جَزَمَ فِي غُرَرِ الْأَذْكَارِ وَالنِّهَايَةِ وَالْبُرْجُنْدِيِّ وَابْنِ مَلَكٍ وَغَيْرِهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 رَكَعَاتٍ يَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ نَحْوَ عَشْرِ آيَاتٍ وَالْعِشَاءُ كَالظُّهْرِ وَإِنْ لَمْ يُصَلِّ فَلْيَجْلِسْ قَدْرَ ذَلِكَ وَلَمْ يَذْكُرُوا هُنَا أَنَّهُ يَجْلِسُ بَيْنَهُمَا بِقَدْرِ اجْتِمَاعِ الْجَمَاعَةِ، مَعَ أَنَّهُمْ قَالُوا يَنْبَغِي لِلْمُؤَذِّنِ مُرَاعَاةُ الْجَمَاعَةِ، فَإِنْ رَآهُمْ اجْتَمَعُوا أَقَامَ وَإِلَّا انْتَظَرَهُمْ وَلَعَلَّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مِقْدَارَهُ لِهَذَا؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُنْضَبِطٍ. (قَوْلُهُ: وَيُؤَذِّنُ لِلْفَائِتَةِ وَيُقِيمُ) ؛ لِأَنَّ الْأَذَانَ سُنَّةٌ لِلصَّلَاةِ لَا لِلْوَقْتِ فَإِذَا فَاتَتْهُ صَلَاةٌ تُقْضَى بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِلَالًا بِالْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ حِينَ نَامُوا عَنْ الصُّبْحِ وَصَلُّوهَا بَعْدَ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ» وَهُوَ الصَّحِيحُ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ كَمَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَلِأَنَّ الْقَضَاءَ يَحْكِي الْأَدَاءَ وَلِهَذَا يَجْهَرُ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ إنْ كَانَتْ صَلَاةً يُجْهَرُ فِيهَا وَإِلَّا خَافَتَ بِهَا، وَذَكَرَ الشَّارِحُ أَنَّ الضَّابِطَ عِنْدَنَا أَنَّ كُلَّ فَرْضٍ أَدَاءً كَانَ أَوْ قَضَاءً يُؤَذَّنُ لَهُ وَيُقَامُ سَوَاءٌ أَدَّى مُنْفَرِدًا أَوْ بِجَمَاعَةٍ إلَّا الظُّهْرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي الْمِصْرِ فَإِنَّ أَدَاءَهُ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ مَكْرُوهٌ يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ. اهـ. وَيُسْتَثْنَى أَيْضًا كَمَا فِي الْفَتْحِ مَا تُؤَدِّيه النِّسَاءُ أَوْ تَقْضِيه لِجَمَاعَتِهِنَّ؛ لِأَنَّ عَائِشَةَ أَمَّتْهُنَّ بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ حِينَ كَانَتْ جَمَاعَتُهُنَّ مَشْرُوعَةً وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْمُنْفَرِدَةَ أَيْضًا كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ تَرَكَهُمَا لَمَّا كَانَ هُوَ السُّنَّةُ حَالَ شَرْعِيَّةِ الْجَمَاعَةِ كَانَ حَالَ الِانْفِرَادِ أَوْلَى أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا قَضَاهَا فِي بَيْتِهِ أَوْ فِي الْمَسْجِدِ وَفِي الْمُجْتَبَى مَعْزِيًّا إلَى الْحَلْوَانِيِّ أَنَّهُ سُنَّةُ الْقَضَاءِ فِي الْبُيُوتِ دُونَ الْمَسَاجِدِ فَإِنَّ فِيهِ تَشْوِيشًا وَتَغْلِيظًا. اهـ. وَإِذَا كَانُوا قَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْفَائِتَةَ لَا تُقْضَى فِي الْمَسْجِدِ لِمَا فِيهِ مِنْ إظْهَارِ التَّكَاسُلِ فِي إخْرَاجِ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا فَالْوَاجِبُ الْإِخْفَاءُ فَالْأَذَانُ لِلْفَائِتَةِ فِي الْمَسْجِدِ أَوْلَى بِالْمَنْعِ وَحُكْمُ الْأَذَانِ لِلْوَقْتِيَّةِ قَدْ عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ أَوَّلُ الْبَابِ سُنَّ لِلْفَرَائِضِ وَسَيَأْتِي آخِرُ الْبَابِ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ تَرْكُهُمَا لِمَنْ يُصَلِّي فِي بَيْتِهِ فَتَعَيَّنَ أَنْ تَكُونَ السُّنَّةُ فِي الْأَدَاءِ إنَّمَا هُوَ إذَا صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ بِجَمَاعَةٍ أَوْ مُنْفَرِدًا أَوْ لَا وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ كَلَامُ الشَّارِحِ الْمُتَقَدِّمُ وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ وَيُؤَذِّنُ لِلْفَائِتَةِ احْتِرَازًا عَنْ الْوَقْتِيَّةِ فَإِنَّهُ إذَا صَلَّاهَا فِي بَيْتِهِ بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ لَمْ يُكْرَهْ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَصَرَّحَ بِهِ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ فَتَحَرَّرَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْقَضَاءَ مُخَالِفٌ لِلْأَدَاءِ فِي الْأَذَانِ؛ لِأَنَّهُ يُكْرَهُ تَرْكُهُمَا فِي الْقَضَاءِ وَلَا يُكْرَهُ فِي الْأَدَاءِ وَكِلَاهُمَا فِي بَيْتِهِ لَا فِي الْمَسْجِدِ وَسَيَأْتِي فِيهِ زِيَادَةُ إيضَاحٍ آخِرَ الْبَابِ وَهَلْ يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِأَذَانِ الْفَائِتَةِ فَيَنْبَغِي أَنَّهُ إنْ كَانَ الْقَضَاءُ بِالْجَمَاعَةِ يَرْفَعُ وَإِنْ كَانَ مُنْفَرِدًا، فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فِي الصَّحْرَاءِ يَرْفَعُ لِلتَّرْغِيبِ الْوَارِدِ فِي الْحَدِيثِ فِي رَفْعِ صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ لَا يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ إنْسٌ وَلَا جِنٌّ وَلَا مَدَرٌ إلَّا شَهِدَ لَهُ يَوْمُ الْقِيَامَةِ وَإِنْ كَانَ فِي الْبَيْتِ لَا يَرْفَعُ وَلَمْ أَرَهُ فِي كَلَامِ أَئِمَّتِنَا. (قَوْلُهُ: وَكَذَا لِأُولَى الْفَوَائِتِ وَخُيِّرَ فِيهِ لِلْبَاقِي) أَيْ فِي الْأَذَانِ إنْ شَاءَ أَذَّنَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ لِمَا رَوَى أَبُو يُوسُفَ بِسَنَدِهِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ شَغْلَهُمْ الْكُفَّارُ يَوْمَ الْأَحْزَابِ عَنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ عَنْ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ قَضَاهُنَّ عَلَى الْوَلَاءِ وَأَمَرَ بِلَالًا أَنْ يُؤَذِّنَ وَيُقِيمَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ» وَلِأَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى حَسَبِ الْأَدَاءِ وَلَهُ التَّرْكُ لِمَا عَدَا الْأُولَى؛ لِأَنَّ الْأَذَانَ لِلِاسْتِحْضَارِ وَهُمْ حُضُورٌ وَعَنْ مُحَمَّدٍ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ أَنَّ الْبَاقِيَ بِالْإِقَامَةِ لَا غَيْرُ قَالَ الرَّازِيّ إنَّهُ قَوْلُ الْكُلِّ وَالْمَذْكُورُ فِي الظَّاهِرِ مَحْمُولٌ عَلَى صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ وَهَذَا الْحَمْلُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ إنَّمَا هُوَ حُكْمُ الْفَوَائِتِ صَرِيحًا فَكَيْفَ يُحْمَلُ عَلَى الْوَاحِدَةِ وَكَيْفَ يَصِحُّ مَعَ هَذَا الْحَمْلِ أَنْ يُقَالَ يُؤَذِّنُ لِأُولَى الْفَوَائِتِ وَيُخَيَّرُ فِيهِ لِلْبَاقِي قَيَّدَ بِالْفَائِتَةِ احْتِرَازًا عَنْ الْفَاسِدَةِ إذَا أُعِيدَتْ فِي الْوَقْتِ فَإِنَّهُ لَا يُعَادُ الْأَذَانُ وَلَا الْإِقَامَةُ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْمُجْتَبَى قَوْمٌ ذَكَرُوا فَسَادَ صَلَاةٍ صَلَّوْهَا فِي الْمَسْجِدِ فِي الْوَقْتِ قَضَوْهَا بِجَمَاعَةٍ فِيهِ وَلَا يُعِيدُونَ الْأَذَانَ وَلَا الْإِقَامَةَ وَإِنْ قَضَوْهَا بَعْدَ الْوَقْتِ قَضَوْهَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَسْجِدِ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ وَفِي الْمُسْتَصْفَى التَّخْيِيرُ فِي الْأَذَانِ لِلْبَاقِي إنَّمَا هُوَ إذَا قَضَاهَا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، أَمَّا إذَا قَضَاهَا فِي مَجَالِسَ فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ كِلَاهُمَا. اهـ. . (قَوْلُهُ:   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَهَذَا يَقْتَضِي إلَخْ) هُوَ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ فَتْحِ الْقَدِيرِ. (قَوْلُهُ: وَلَا يُكْرَهُ فِي الْأَدَاءِ) أَيْ لِأَنَّ أَذَانَ الْحَيِّ يَكْفِيهِ وَهُوَ مَفْقُودٌ فِي الْقَضَاءِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ) الظَّاهِرُ أَنَّ لَفْظَةَ كَذَلِكَ زَائِدَةٌ لَا مَعْنَى لَهَا فَالْوَاجِبُ إسْقَاطُهَا تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ فِي الْبَيْتِ لَا يَرْفَعُ) يُنْظَرُ مَا عِلَّةُ ذَلِكَ مَعَ أَنَّ فِي رَفْعِ صَوْتِهِ زِيَادَةَ سَمَاعٍ مِمَّنْ تَقَدَّمَ مَعَ أَنَّهُ سَيَأْتِي فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَكُرِهَ تَرْكُهُمَا لِلْمُسَافِرِ مِنْ قَوْلِهِ وَبِهَذَا وَنَحْوِهِ إلَخْ مَا قَدْ يُفِيدُ شُمُولَ الْبَيْتِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: إنَّ الْبَاقِيَ بِالْإِقَامَةِ لَا غَيْرُ) أَيْ وَلَا يَكُونُ مُخَيَّرًا لِلْأَذَانِ فِي الْبَاقِي. (قَوْلُهُ: فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَسْجِدِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ ظَاهِرُهُ أَنَّهُمْ يَقْضُونَهَا فِي مَسْجِدٍ غَيْرِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْفَائِتَةَ لَا تُقْضَى فِي الْمَسْجِدِ لِمَا فِيهِ مِنْ إظْهَارِ التَّكَاسُلِ فَيَنْبَغِي تَخْصِيصُهُ بِغَيْرِ مَسْجِدٍ فَتَأَمَّلْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 وَلَا يُؤَذِّنُ قَبْلَ وَقْتٍ وَيُعَادُ فِيهِ) أَيْ فِي الْوَقْت إذَا أَذَّنَ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ يُرَادُ الْإِعْلَامُ بِالْوَقْتِ فَلَا يَجُوزُ قَبْلَهُ بِلَا خِلَافٍ فِي غَيْرِ الْفَجْرِ وَعَبَّرَ بِالْكَرَاهَةِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا تَحْرِيمِيَّةٌ، وَأَمَّا فِيهِ فَجَوَّزَهُ أَبُو يُوسُفَ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ» وَوَقْتُهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بَعْدَ ذَهَابِ نِصْفِ اللَّيْلِ وَهُوَ الصَّحِيحُ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ كَمَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَالسُّنَّةُ عِنْدَهُ أَنْ يُؤَذِّنَ لِلصُّبْحِ مَرَّتَيْنِ إحْدَاهُمَا قَبْلَ الْفَجْرِ وَالْأُخْرَى عَقِبَ طُلُوعِهِ وَلَمْ أَرَهُ لِأَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لَا يُؤَذِّنُ فِي الْفَجْرِ قَبْلَهُ لِمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ يَا بِلَالُ لَا تُؤَذِّنْ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ» قَالَ فِي الْإِمَامِ رِجَالُ إسْنَادِهِ ثِقَاتٌ وَلِرِوَايَةِ مُسْلِمٍ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ إذَا سَمِعَ الْأَذَانَ وَيُخَفِّفُهُمَا» وَيُحْمَلُ مَا رَوَوْهُ عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ لَا تَعْتَمِدُوا عَلَى أَذَانِهِ فَإِنَّهُ يُخْطِئُ فَيُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ تَحْرِيضًا لَهُ عَلَى الِاحْتِرَاسِ عَنْ مِثْلِهِ، وَأَمَّا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَذَانِ التَّسْحِيرُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ هَذَا إنَّمَا كَانَ فِي رَمَضَانَ كَمَا قَالَهُ فِي الْإِمَامِ فَلِذَا قَالَ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَالتَّذْكِيرُ الْمُسَمَّى فِي هَذَا الزَّمَانِ بِالتَّسْبِيحِ لِيُوقِظَ النَّائِمَ وَيَرْجِعَ الْقَائِمُ كَمَا قِيلَ إنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا حِزْبَيْنِ حِزْبًا مُجْتَهِدِينَ فِي النِّصْفِ الْأَوَّلِ وَحِزْبًا فِي الْأَخِيرِ وَكَانَ الْفَاصِلُ عِنْدَهُمْ أَذَانُ بِلَالٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا يَمْنَعُكُمْ مِنْ سُحُورِكُمْ أَذَانُ بِلَالٍ فَإِنَّهُ يُؤَذِّنُ لِيُوقِظَ نَائِمَكُمْ وَيَرْقُدَ قَائِمُكُمْ فَلَوْ أَوْقَع بَعْضَ كَلِمَاتِ الْأَذَانِ قَبْلَ الْوَقْتِ وَبَعْضَهَا فِي الْوَقْتِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ وَعَلَيْهِ اسْتِئْنَافُ الْأَذَانِ كُلُّهُ وَفُهِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ الْإِقَامَةَ قَبْلَ الْوَقْتِ لَا تَصِحُّ بِالْأَوْلَى كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْمَلَكِ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَأَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، لَكِنْ بَقِيَ الْكَلَامُ فِيمَا إذَا أَقَامَ فِي الْوَقْتِ وَلَمْ يُصَلِّ عَلَى فَوْرِهِ هَلْ تَبْطُلُ إقَامَتُهُ لَمْ أَرَهُ فِي كَلَامِ أَئِمَّتِنَا وَيَنْبَغِي أَنَّهُ إنْ طَالَ الْفَصْلُ تَبْطُلُ وَإِلَّا فَلَا، ثُمَّ رَأَيْت بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْقُنْيَةِ حَضَرَ الْإِمَامُ بَعْدَ إقَامَةِ الْمُؤَذِّنِ بِسَاعَةٍ أَوْ صَلَّى سُنَّةَ الْفَجْرِ بَعْدَهَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَتُهَا. اهـ. وَفِي الْمُجْتَبَى مَعْزِيًّا إلَى الْمُجَرَّدِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُؤَذَّنُ لِلْفَجْرِ بَعْدَ طُلُوعِهِ وَفِي الظُّهْرِ فِي الشِّتَاءِ حِينَ تَزُولُ الشَّمْسُ وَفِي الصَّيْفِ يُبْرِدُ وَفِي الْعَصْرِ يُؤَخِّرُهُ مَا لَمْ يَخَفْ تَغْيِيرَ الشَّمْسِ وَالْعِشَاءُ يُؤَخَّرُ قَلِيلًا بَعْدَ ذَهَابِ الْبَيَاضِ. اهـ. . (قَوْلُهُ: وَكُرِهَ أَذَانُ الْجُنُبِ وَإِقَامَتُهُ وَإِقَامَةُ الْمُحْدِثِ وَأَذَانُ الْمَرْأَةِ وَالْفَاسِقِ وَالْقَاعِدِ وَالسَّكْرَانِ) ، أَمَّا أَذَانُ الْجُنُبِ فَمَكْرُوهٌ رِوَايَةً وَاحِدَةً؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ دَاعِيًا إلَى مَا لَا يُجِيبُ إلَيْهِ وَإِقَامَتُهُ أَوْلَى بِالْكَرَاهَةِ قَيَّدَ بِالْجُنُبِ؛ لِأَنَّ أَذَانَ الْمُحْدِثِ لَا يُكْرَهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ لِلْأَذَانِ شَبَهًا بِالصَّلَاةِ حَتَّى يُشْتَرَطَ لَهُ دُخُولُ الْوَقْتِ وَتَرْتِيبُ كَلِمَاتِهِ كَمَا تَرَتَّبَتْ أَرْكَانُ الصَّلَاةِ وَلَيْسَ هُوَ بِصَلَاةٍ حَقِيقَةً فَاشْتُرِطَ لَهُ الطَّهَارَةُ عَنْ أَغْلَظِ الْحَدَثَيْنِ دُونَ أَخَفِّهِمَا عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ وَقِيلَ يُكْرَهُ لِحَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُؤَذِّنُ إلَّا مُتَوَضِّئٌ» ، وَأَمَّا إقَامَةُ الْمُحْدِثِ فَلِأَنَّهَا لَمْ تُشْرَعْ إلَّا مُتَّصِلَةً بِصَلَاةِ مَنْ يُقِيمُ وَيُرْوَى عَدَمُ كَرَاهَتُهَا كَالْأَذَانِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ، وَأَمَّا أَذَانُ الْمَرْأَةِ فَلِأَنَّهَا مَنْهِيَّةٌ عَنْ رَفْعِ صَوْتِهَا؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الْفِتْنَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْخُنْثَى كَالْمَرْأَةِ، وَأَمَّا الْفَاسِقُ فَلِأَنَّ قَوْلَهُ لَا يَوْثُقُ بِهِ وَلَا يُقْبَلُ فِي الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ وَلَا يَلْزَمُ أَحَدًا فَلَمْ يُوجَدْ الْإِعْلَامُ، وَأَمَّا الْقَاعِدُ فَلِتَرْكِ سُنَّةِ الْأَذَانِ مِنْ الْقِيَامِ أَطْلَقَهُ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يُؤَذِّنْ لِنَفْسِهِ، فَإِنْ أَذَّنَ لِنَفْسِهِ قَاعِدًا فَإِنَّهُ لَا يُكْرَهُ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى الْإِعْلَامِ وَيُفْهَمُ مِنْهُ كَرَاهَتُهُ مُضْطَجِعًا بِالْأَوْلَى وَأَمَّا السَّكْرَانُ فَلِعَدَمِ   [منحة الخالق] [الْأَذَانُ قَبْلَ الْوَقْتِ] (قَوْلُهُ: وَأَمَّا فِيهِ إلَخْ) أَيْ فِي الْفَجْرِ. (قَوْلُهُ: وَيُحْمَلُ مَا رَوَوْهُ إلَخْ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ، فَإِنْ قِيلَ: جَاءَ فِي الْحَدِيثِ لَا يَغُرَّنَّكُمْ أَذَانُ بِلَالٍ وَيَعْلَمُ بِهِ أَنَّهُ كَانَ يُؤَذِّنُ قَبْلَ الْوَقْتِ أُجِيبَ بِأَنَّهُ حُجَّةٌ لَنَا حَيْثُ لَمْ يَعْتَبِرْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَذَانَهُ وَنَهَاهُمْ عَنْ الِاغْتِرَارِ بِهِ وَاعْتِبَارِهِ، وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّ أَذَانَ بِلَالٍ أَنْكَرَهُ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَمَرَهُ أَنْ يُنَادِيَ عَلَى نَفْسِهِ إلَّا أَنَّ الْعَبْدَ قَدْ نَامَ يَعْنِي نَفْسَهُ أَيْ أَنَّهُ أَذَّنَ فِي حَالِ النَّوْمِ وَالْغَفْلَةِ وَكَانَ يَبْكِي وَيَطُوفُ حَوْلَ الْمَدِينَةِ وَيَقُولُ لَيْتَ بِلَالًا لَمْ تَلِدْهُ أُمُّهُ وَابْتَلَّ مِنْ نَضْحِ دَمِ جَبِينِهِ، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِكَثْرَةِ مُعَاتَبَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إيَّاهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي أَنَّهُ إنْ طَالَ الْفَصْلُ تَبْطُلُ وَإِلَّا فَلَا) تَابِعْهُ فِي النَّهْرِ فَقَالَ ظَاهِرُ مَا فِي الْقُنْيَةِ أَنَّهَا لَا تُعَادُ إلَّا أَنَّهُ يَنْبَغِي فِيمَا إذَا طَالَ الْفَصْلُ أَوْ وُجِدَ بَيْنَهُمَا مَا يُعَدُّ قَاطِعًا كَأَكْلٍ وَنَحْوِهِ. اهـ. أَقُولُ: وَكَذَا ظَاهِرُ مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمُجْتَبَى فِي الْقَوْلَةِ السَّابِقَةِ أَنَّهَا لَا تُعَادُ مَا دَامَ الْوَقْتُ بَاقِيًا وَهَذَا أَدَلُّ عَلَى الْمَقْصُودِ مِنْ عِبَارَةِ الْقُنْيَةِ وَكَأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ لَمْ أَرَهُ أَيْ صَرِيحًا تَأَمَّلْ. [أَذَانُ الْجُنُبِ وَإِقَامَتُهُ وَأَذَانُ الْمَرْأَةِ وَالْفَاسِقِ وَالْقَاعِدِ وَالسَّكْرَانِ] (قَوْلُهُ: فَلِأَنَّهَا مَنْهِيَّةٌ عَنْ رَفْعِ صَوْتِهَا) قَالَ فِي النَّهْرِ وَلَوْ خَفَضَتْهُ أَخَلَّتْ بِسُنَّةِ الْأَذَانِ. (قَوْلُهُ: فَلِأَنَّ قَوْلَهُ لَا يُوثَقُ بِهِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَهَذَا يَقْتَضِي ثُبُوتَهَا وَلَوْ كَانَ عَالِمًا بِالْأَوْقَاتِ وَلَمْ أَرَ لَهُمْ مَا إذَا لَمْ يُوجَدْ إلَّا جَاهِلٌ بِالْأَوْقَاتِ تَقِيٌّ وَعَالِمٌ بِهَا فَاسِقٌ أَيُّهُمَا، وَقَدْ قَالُوا فِي الْإِمَامَةِ: إنَّ الْفَاسِقَ أَوْلَى مِنْ الْجَاهِلِ وَعَكَسُوا ذَلِكَ فِي الْقَضَاءِ وَالْفَرْقُ لَا يَخْفَى إلَّا أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْأَذَانُ كَالْإِمَامَةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 الْوُثُوقِ بِقَوْلِهِ وَهُوَ دَاخِلٌ فِي الْفَاسِقِ لَكِنْ قَدْ يَكُونُ سُكْرُهُ مِنْ مُبَاحٍ فَلَا يَكُونُ فَاسِقًا فَلِذَا أَفْرَدَهُ بِالذِّكْرِ وَأَشَارَ بِهِ إلَى كَرَاهَةِ أَذَانِ الْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ بِالْأَوْلَى لِمَا ذَكَرْنَا وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ لِإِعَادَةِ أَذَانِ مَنْ كُرِهَ أَذَانُهُ وَفِيهِ تَفْصِيلٌ قَالُوا يُعَادُ أَذَانُ الْجُنُبِ لَا إقَامَتُهُ عَلَى الْأَشْبَهِ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي الْمُجْتَبَى؛ لِأَنَّ تَكْرَارَهُ مَشْرُوعٌ كَمَا فِي أَذَانِ الْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّهُ لِإِعْلَامِ الْغَائِبِينَ فَتَكْرِيرُهُ مُفِيدٌ لِاحْتِمَالِ عَدَمِ سَمَاعِ الْبَعْضِ بِخِلَافِ تَكْرَارِ الْإِقَامَةِ إذْ هُوَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ وَيُفْهَمُ مِنْهُ عَدَمُ إعَادَةِ إقَامَةِ الْمُحْدِثِ بِالْأَوْلَى وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّ الْإِعَادَةَ لِأَذَانِ الْجُنُبِ مُسْتَحَبَّةٌ لَا وَاجِبَةٌ؛ لِأَنَّهُ قَالَ وَإِنْ لَمْ يُعِدْ أَجْزَأَهُ الْأَذَانُ وَالصَّلَاةُ وَصَرَّحَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ بِاسْتِحْبَابِ إعَادَتِهِ وَصَرَّحَ قَاضِي خان بِأَنَّهُ تَجِبُ الطَّهَارَةُ فِيهِ عَنْ أَغْلَظِ الْحَدَثَيْنِ دُونَ أَخَفِّهِمَا فَظَاهِرُهُ كَغَيْرِهِ أَنَّ كَرَاهَةَ أَذَانِ الْجُنُبِ تَحْرِيمِيَّةٌ لِتَرْكِ الْوَاجِبِ وَإِنْ كَانَتْ إعَادَتُهُ مُسْتَحَبَّةٌ وَيُعَادُ أَذَانُ الْمَرْأَةِ وَالسَّكْرَانِ وَالْمَجْنُونِ وَالْمَعْتُوهِ وَالصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ لِعَدَمِ الِاعْتِمَادِ عَلَى أَذَانِ هَؤُلَاءِ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِمْ فَرُبَّمَا يَنْتَظِرُ النَّاسُ الْأَذَانَ الْمُعْتَبَرَ، وَالْحَالُ أَنَّهُ مُعْتَبَرٌ فَيُؤَدِّي إلَى تَفْوِيتِ الصَّلَاةِ أَوْ الشَّكِّ فِي صِحَّةِ الْمُؤَدَّى أَوْ إيقَاعُهَا فِي وَقْتٍ مَكْرُوهٍ وَهَذَا لَا يَنْتَهِضُ فِي الْجُنُبِ وَغَايَةُ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَنْهَضَ فِسْقُهُ وَصَرَّحَ بِكَرَاهَةِ أَذَانِ الْفَاسِقِ وَلَا يُعَادُ فَالْإِعَادَةُ فِيهِ لِيَقَعَ عَلَى وَجْهِ السُّنَّةِ وَفِي الْخُلَاصَةِ خَمْسُ خِصَالٍ إذَا وُجِدَتْ فِي الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَجَبَ الِاسْتِقْبَالُ إذَا غَشِيَ عَلَى الْمُؤَذِّنِ فِي أَحَدِهِمَا أَوْ مَاتَ أَوْ سَبَقَهُ حَدَثٌ فَذَهَبَ وَتَوَضَّأَ أَوْ حُصِرَ فِيهِ وَلَا مُلَقِّنَ أَوْ خَرِسَ يَجِبُ الِاسْتِقْبَالُ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خان مَعْنَاهُ فَإِنْ حُمِلَ الْوُجُوبُ عَلَى ظَاهِرِهِ اُحْتِيجَ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ نَفْسِ الْأَذَانِ فَإِنَّهُ سُنَّةٌ وَاسْتِقْبَالُهُ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِ وَتَحَقُّقِ الْعَجْزِ عَنْ إتْمَامِهِ، وَقَدْ يُقَالُ فِيهِ إذَا شَرَعَ فِيهِ، ثُمَّ قَطَعَ تَبَادَرَ إلَى ظَنِّ السَّامِعِينَ أَنَّ قَطْعَهُ لِلْخَطَأِ فَيَنْتَظِرُونَ الْأَذَانَ الْحَقَّ، وَقَدْ تَفُوتُ بِذَلِكَ الصَّلَاةُ فَوَجَبَ إزَالَةُ مَا يُفْضِي إلَى ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ أَذَانٌ أَصْلًا حَيْثُ لَا يَنْتَظِرُونَ بَلْ يُرَاقِبُ كُلٌّ مِنْهُمْ وَقْتَ الصَّلَاةِ بِنَفْسِهِ أَوْ يُنَصِّبُونَ لَهُمْ مُرَاقِبًا إلَّا أَنَّ هَذَا يَقْتَضِي وُجُوبَ الْإِعَادَةِ فِيمَنْ ذَكَرْنَاهُمْ آنِفًا إلَّا الْجُنُبَ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْوُجُوبَ لَيْسَ عَلَى حَقِيقَتِهِ بَلْ بِمَعْنَى الثُّبُوتِ لِمَا فِي الْمُجْتَبَى وَإِذَا غُشِيَ عَلَيْهِ فِي أَذَانِهِ أَوْ أَحْدَثَ فَتَوَضَّأَ أَوْ مَاتَ أَوْ ارْتَدَّ فَالْأَحَبُّ اسْتِقْبَالُ الْأَذَانِ وَكَذَا صَرَّحَ بِالِاسْتِحْبَابِ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَفِي الْقُنْيَةِ وَقَفَ فِي الْأَذَانِ لِتَنَحْنُحٍ أَوْ سُعَالٍ لَا يُعِيدُ وَإِنْ كَانَتْ الْوَقْفَةُ كَثِيرَةً يُعِيدُ. اهـ. وَذَكَرَ الشَّارِحُ أَنَّ إعَادَةَ أَذَانِ الْمَرْأَةِ وَالسَّكْرَانِ مُسْتَحَبَّةٌ فَصَارَ الْحَاصِلُ عَلَى هَذَا أَنَّ الْعَدَالَةَ وَالذُّكُورَةَ وَالطَّهَارَةَ صِفَاتُ كَمَالٍ لِلْمُؤَذِّنِ لَا شَرَائِطُ صِحَّةٍ فَأَذَانُ الْفَاسِقِ وَالْمَرْأَةِ وَالْجُنُبِ صَحِيحٌ حَتَّى يَسْتَحِقَّ الْمُؤَذِّنُ مَعْلُومَ وَظِيفَةِ الْأَذَانِ الْمُقَرَّرَةِ فِي الْوَقْفِ وَيَصِحُّ تَقْرِيرُ الْفَاسِقُ فِيهَا وَفِي صِحَّةِ تَقْرِيرِ الْمَرْأَةِ فِي الْوَظِيفَةِ تَرَدُّدٌ لَكِنْ ذُكِرَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ إذَا لَمْ يُعِيدُوا أَذَانَ الْمَرْأَةِ فَكَأَنَّهُمْ صَلُّوا بِغَيْرِ أَذَانٍ فَلِهَذَا كَانَ عَلَيْهِمْ الْإِعَادَةُ وَهُوَ يَقْتَضِي عَدَمَ صِحَّتِهِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ أَذَانُ الْفَاسِقِ بِالنِّسْبَةِ إلَى قَبُولِ خَبَرِهِ وَالِاعْتِمَادِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَتْ إعَادَتُهُ مُسْتَحَبَّةً) يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْإِعَادَةَ مَقَامٌ آخَرُ. (قَوْلُهُ: وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خان مَعْنَاهُ) أَيْ فِيهَا مَعْنَى مَا فِي الْخُلَاصَةِ وَقَوْلُهُ فَإِنَّ حَمْلَ الْوُجُوبِ كَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ. (قَوْلُهُ: إلَّا الْجُنُبُ) قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بَعْدَ هَذَا وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ فِيهِمْ إنْ عَلِمَ النَّاسُ حَالَهُمْ وَجَبَتْ وَإِلَّا اُسْتُحِبَّ لِيَقَعَ فِعْلُ الْأَذَانِ مُعْتَبَرًا وَعَلَى وَجْهِ السُّنَّةِ لَمْ يَبْعُدْ وَعَكْسُهُ فِي الْخَمْسِ الْمَذْكُورَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ يَقْتَضِي عَدَمَ صِحَّتِهِ) أَقُولُ: قَالَ فِي الْبَدَائِعِ يُكْرَهُ أَذَانُ الْمَرْأَةِ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ وَلَوْ أَذَّنَتْ لِلْقَوْمِ أَجْزَأَهُمْ حَتَّى لَا يُعَادَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ الْإِعْلَامُ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الْإِعَادَةُ وَكَذَا يُكْرَهُ أَذَانُ الصَّبِيِّ الَّذِي يَعْقِلُ وَإِنْ كَانَ جَائِزًا حَتَّى لَا يُعَادَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ، وَأَمَّا الصَّبِيُّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ فَلَا يُجْزِئُ وَيُعَادُ؛ لِأَنَّ مَا يَصْدُرُ لَا عَنْ عَقْلٍ لَا يُعْتَدُّ بِهِ كَصَوْتِ الطُّيُورِ وَيُكْرَهُ أَذَانُ الْمَجْنُونِ وَالسَّكْرَانِ وَهَلْ يُعَادُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُعَادَ. (قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ أَذَانُ الْفَاسِقِ إلَخْ) كَذَا فِي النَّهْرِ أَيْضًا وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُعَادُ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ عَنْ الْمُجْتَبَى أَنَّهُ يُكْرَهُ وَلَا يُعَادُ وَكَذَا نَقَلَهُ بَعْضُ الْأَفَاضِلِ عَنْ الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ عَنْ الذَّخِيرَةِ لَكِنْ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ اعْلَمْ أَنَّ إعَادَةَ أَذَانِ الْجُنُبِ وَالْمَرْأَةِ وَالْمَجْنُونِ وَالسَّكْرَانِ وَالصَّبِيِّ وَالْفَاجِرِ وَالرَّاكِبِ وَالْقَاعِدِ وَالْمَاشِي وَالْمُنْحَرِفِ عَنْ الْقِبْلَةِ وَاجِبَةٌ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ وَقِيلَ مُسْتَحَبَّةٌ فَإِنَّهُ مُعْتَدٌّ بِهِ إلَّا أَنَّهُ نَاقِصٌ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي التُّمُرْتَاشِيِّ. اهـ. فَقَدْ صَرَّحَ بِإِعَادَةِ أَذَانِ الْفَاجِرِ أَيْ الْفَاسِقِ لَكِنْ فِي كَوْنِ أَذَانِهِ مُعْتَدًّا بِهِ نَظَرٌ لِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ عَدَمِ قَبُولِ قَوْلِهِ فَحِينَئِذٍ لَا يُفِيدُ الْعِلْمَ بِدُخُولِ الْأَوْقَاتِ وَمِثْلُهُ الْمَجْنُونُ وَالسَّكْرَانُ وَالصَّبِيُّ فَالْمُنَاسِبُ أَنْ لَا يُعْتَدَّ بِأَذَانِهِمْ أَصْلًا وَلَا يَصِحُّ تَقْرِيرُهُمْ فِي وَظِيفَةِ الْأَذَانِ لِعَدَمِ حُصُولِ فَائِدَتِهِ، وَقَدْ يُقَالُ مُرَادُهُ بِالِاعْتِدَادِ بِهِ مِنْ جِهَةِ قِيَامِ الشَّعَائِرِ وَعَدَمِ وُجُوبِ الْمُقَاتَلَةِ بِتَرْكِهِ وَعَدَمِ الْإِثْمِ بِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 عَلَيْهِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّارِحُ، وَأَمَّا الْعَقْلُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ شَرْطَ صِحَّةٍ فَلَا يَصِحُّ أَذَانُ الصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ وَالْمَجْنُونِ وَالْمَعْتُوهِ أَصْلًا، وَأَمَّا الصَّبِيُّ الَّذِي يَعْقِلُ فَأَذَانُهُ صَحِيحٌ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ إلَّا أَنَّ أَذَانَ الْبَالِغِ أَفْضَلُ، كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَفِي الْمَجْمَعِ وَيُكْرَهُ أَذَانُ الصَّبِيِّ وَيُجْزِئُ وَأَطْلَقَهُ فَعَلَى هَذَا يَصِحُّ تَقْرِيرُهُ فِي وَظِيفَةِ الْأَذَانِ، وَأَمَّا الْإِسْلَامُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ شَرْطَ صِحَّةٍ فَلَا يَصِحُّ أَذَانُ كَافِرٍ عَلَى أَيِّ مِلَّةٍ كَانَ لَكِنْ هَلْ يَكُونُ بِالْأَذَانِ مُسْلِمًا قَالَ الْبَزَّازِيُّ فِي فَتَاوِيهِ مِنْ بَابِ السِّيَرِ وَإِنْ شَهِدُوا عَلَى الذِّمِّيِّ أَنَّهُ كَانَ يُؤَذِّنُ وَيُقِيمُ كَانَ مُسْلِمًا سَوَاءٌ كَانَ الْأَذَانُ فِي السَّفَرِ أَوْ الْحَضَرِ، وَإِنْ قَالُوا سَمِعْنَاهُ يُؤَذِّنُ فِي الْمَسْجِدِ فَلَا شَيْءَ حَتَّى يَقُولُوا هُوَ مُؤَذِّنٌ، فَإِنْ قَالُوا ذَلِكَ فَهُوَ مُسْلِمٌ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا قَالُوا هُوَ مُؤَذِّنٌ كَانَ ذَلِكَ عَادَةً لَهُ فَيَكُونُ مُسْلِمًا. اهـ. فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ بِالْأَذَانِ مُسْلِمًا إلَّا إذَا صَارَ عَادَةً لَهُ مَعَ إتْيَانِهِ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي الْعِيسَوِيَّةِ وَهُمْ طَائِفَةٌ مِنْ الْيَهُودِ يُنْسَبُونَ إلَى أَبِي عِيسَى الْيَهُودِيِّ الْأَصْبَهَانِيِّ يَعْتَقِدُونَ اخْتِصَاصَ رِسَالَةِ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى الْعَرَبِ فَهَذَا لَا يَصِيرُ بِالْأَذَانِ مُسْلِمًا، وَأَمَّا غَيْرُهُمْ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا بِنَفْسِ الْأَذَانِ. وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ. وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ إذَا ارْتَدَّ الْمُؤَذِّنُ بَعْدَ الْأَذَانِ لَا يُعَادُ أَذَانُهُ وَلَوْ أُعِيدَ فَهُوَ أَفْضَلُ. (قَوْلُهُ: لَا أَذَانُ الْعَبْدِ وَوَلَدِ الزِّنَا وَالْأَعْمَى وَالْأَعْرَابِيِّ) أَيْ لَا يَكْرَهُ أَذَانُ هَؤُلَاءِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُمْ مَقْبُولٌ فِي الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ فَيَكُونُ مُلْزِمًا فَيَحْصُلُ بِهِ الْإِعْلَامُ بِخِلَافِ الْفَاسِقِ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرُهُمْ أَوْلَى مِنْهُمْ، وَأَمَّا ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ الْأَعْمَى فَإِنَّ بِلَالًا كَانَ يُؤَذِّنُ قَبْلَهُ وَفِي النِّهَايَةِ وَمَتَى كَانَ مَعَ الْأَعْمَى مَنْ يَحْفَظُ عَلَيْهِ أَوْقَاتَ الصَّلَاةِ يَكُونُ حِينَئِذٍ تَأْذِينُهُ وَتَأْذِينُ الْبَصِيرِ سَوَاءً، وَإِنَّمَا كُرِهَتْ إمَامَتُهُمْ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَنْفِرُونَ مِنْ الصَّلَاةِ خَلْفَهُمْ أَوْ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ مَشْغُولٌ بِخِدْمَةِ مَوْلَاهُ فَلَا يَتَفَرَّغُ لِلْعِلْمِ كَالْأَعْرَابِيِّ وَهُوَ لَيْسَ بِمَوْجُودٍ فِي الْأَذَانِ لِعَدَمِ احْتِيَاجِهِ إلَى الْعِلْمِ وَيَنْبَغِي أَنَّ الْعَبْدَ إنْ أَذَّنَ لِنَفْسِهِ لَا يَحْتَاجُ إلَى إذْنِ سَيِّدِهِ وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ مُؤَذِّنًا لِلْجَمَاعَةِ لَمْ يَجُزْ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ إضْرَارًا بِخِدْمَتِهِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى مُرَاعَاةِ الْأَوْقَاتِ وَلَمْ أَرَهُ فِي كَلَامِهِمْ. (قَوْلُهُ: وَكُرِهَ تَرْكُهُمَا لِلْمُسَافِرِ) أَي ْ تَرْكُ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ لِمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ «أَتَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَا وَصَاحِبٌ لِي فَلَمَّا أَرَدْنَا الِانْتِقَالَ مِنْ عِنْدِهِ قَالَ لَنَا إذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَأَذِّنَا وَأَقِيمَا وَلْيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا» وَإِذَا كَانَ هَذَا الْخِطَابُ لَهُمَا وَلَا حَاجَةَ لَهُمَا مُتَرَافِقِينَ إلَى اسْتِحْضَارِ أَحَدٍ عُلِمَ أَنَّ الْمُنْفَرِدَ أَيْضًا يُسَنُّ لَهُ ذَلِكَ، وَقَدْ وَرَدَ فِي خُصُوصِ الْمُنْفَرِدِ أَحَادِيثُ فِي أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ «يَعْجَبُ رَبُّك مِنْ رَاعِي غَنَمٍ فِي رَأْسِ شَظِيَّةٍ يُؤَذِّنُ بِالصَّلَاةِ وَيُصَلِّي فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ اُنْظُرُوا إلَى عَبْدِي هَذَا يُؤَذِّنُ لِلصَّلَاةِ وَيُقِيمُ لِلصَّلَاةِ يَخَافُ مِنِّي قَدْ غَفَرْتُ لِعَبْدِي وَأَدْخَلْتُهُ الْجَنَّةَ» وَعَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ قَالَ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا كَانَ الرَّجُلُ بِأَرْضِ فَيْءٍ فَحَانَتْ الصَّلَاةُ فَلْيَتَوَضَّأْ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً فَلْيَتَيَمَّمْ، فَإِنْ أَقَامَ صَلَّى مَعَهُ مَلَكَاهُ وَإِنْ أَذَّنَ وَأَقَامَ صَلَّى خَلْفَهُ مِنْ جُنُودِ اللَّهِ مَا لَا يُرَى طَرَفَاهُ» رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَبِهَذَا وَنَحْوِهِ عُرِفَ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْأَذَانِ لَمْ يَنْحَصِرْ فِي الْإِعْلَامِ بَلْ كُلٌّ مِنْهُ وَمِنْ الْإِعْلَانِ بِهَذَا الذِّكْرِ نَشْرُ الذِّكْرِ لِلَّهِ وَدِينِهِ فِي أَرْضِهِ وَتَذْكِيرِ الْعِبَادِ مِنْ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ الَّذِينَ لَا يُرَى شَخْصُهُمْ فِي الْفَلَوَاتِ مِنْ الْعِبَادِ قَيَّدَ بِتَرْكِهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَ الْأَذَانَ وَأَتَى بِالْإِقَامَةِ لَا يُكْرَهُ لِأَثَرِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلَوْ عَكَسَ يُكْرَهُ كَمَا فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ. (قَوْلُهُ: لَا لِمُصَلٍّ فِي بَيْتِهِ فِي الْمِصْرِ) أَيْ لَا يُكْرَهُ تَرْكُهُمَا لَهُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمُقِيمَ إذَا صَلَّى بِدُونِهِمَا حَقِيقَةً فَقَدْ صَلَّى بِهِمَا حُكْمًا؛ لِأَنَّ الْمُؤَذِّنَ نَائِبٌ عَنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ فِيهِمَا فَيَكُونُ فِعْلُهُ كَفِعْلِهِمْ، وَأَمَّا الْمُسَافِرُ فَقَدْ صَلَّى بِدُونِهِمَا حَقِيقَةً وَحُكْمًا؛ لِأَنَّ الْمَكَانَ الَّذِي هُوَ فِيهِ لَمْ يُؤَذَّنْ فِيهِ أَصْلًا لِتِلْكَ الصَّلَاةِ، كَذَا فِي الْكَافِي وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُؤَذِّنُوا فِي الْحَيِّ   [منحة الخالق] [أَذَانُ الْعَبْدِ وَوَلَدِ الزِّنَا وَالْأَعْمَى وَالْأَعْرَابِيِّ] (قَوْلُهُ: وَفِي النِّهَايَةِ وَمَتَى كَانَ إلَخْ) إشَارَةٌ إلَى جَوَابٍ آخَرَ عَنْ أَذَانِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ؛ لِأَنَّهُ وَرَدَ أَنَّهُ لَا يُؤَذِّنُ حَتَّى يَسْمَعَ النَّاسَ يَقُولُونَ أَصْبَحْت أَصْبَحْت، وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَكَانَ مَعَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ مَنْ يَحْفَظُ عَلَيْهِ أَوْقَاتَ الصَّلَاةِ وَمَتَى كَانَ ذَلِكَ يَكُونُ تَأْذِينُهُ وَتَأْذِينُ الْبَصِيرِ سَوَاءً، كَذَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ. اهـ. (قَوْلُهُ: لَمْ يَجُزْ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْأَجِيرُ الْخَاصُّ كَذَلِكَ لَا يَحِلُّ أَذَانُهُ إلَّا بِإِذْنِ مُسْتَأْجِرِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 فَإِنَّهُ يُكْرَهُ تَرْكُهُمَا لِلْمُصَلِّي فِي بَيْتِهِ، وَقَدْ صُرِّحَ بِهِ فِي الْمُجْتَبَى أَنَّهُ لَوْ أَذَّنَ بَعْضُ الْمُسَافِرِينَ سَقَطَ عَنْ الْبَاقِينَ كَمَا لَا يَخْفَى وَأَطْلَقَ فِي الْمُصَلِّي فِي بَيْتِهِ فَأَفَادَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْوَاحِدِ وَالْجَمَاعَةِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْمٍ صَلَّوْا فِي الْمِصْرِ فِي مَنْزِلٍ وَاكْتَفَوْا بِأَذَانِ النَّاسِ أَجْزَأَهُمْ، وَقَدْ أَسَاءُوا فَفَرَّقَ بَيْنَ الْوَاحِدِ وَالْجَمَاعَةِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَالتَّقْيِيدُ بِالْبَيْتِ لَيْسَ احْتِرَازًا بَلْ الْمُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ إذَا صَلَّى بَعْدَ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ لَا يُكْرَهُ لَهُ تَرْكُهُمَا بَلْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَذِّنَ وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَإِنْ دَخَلَ مَسْجِدًا لِيُصَلِّيَ فَإِنَّهُ لَا يُؤَذِّنُ وَلَا يُقِيمُ وَإِنْ أَذَّنَ فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ وَصَلَّوْا يُكْرَهُ لِغَيْرِهِمْ أَنْ يُؤَذِّنُوا وَيُعِيدُوا الْجَمَاعَةَ وَلَكِنْ يُصَلُّوا وِحْدَانًا وَإِنْ كَانَ الْمَسْجِدُ عَلَى الطَّرِيقِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُؤَذِّنُوا فِيهِ وَيُقِيمُوا اهـ وَفِي الْخُلَاصَةِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْمَسْجِدِ أَذَّنُوا فِي الْمَسْجِدِ عَلَى وَجْهِ الْمُخَافَتَةِ بِحَيْثُ لَمْ يَسْمَعْ غَيْرُهُمْ، ثُمَّ حَضَرَ مِنْ أَهْلِ الْمَسْجِدِ قَوْمٌ وَعَلِمُوا فَلَهُمْ أَنْ يُصَلُّوا بِالْجَمَاعَةِ عَلَى وَجْهِهَا وَلَا عِبْرَةَ لِلْجَمَاعَةِ الْأُولَى وَالتَّقْيِيدُ بِالْمِصْرِ لَيْسَ احْتِرَازِيًّا أَيْضًا بَلْ الْقَرْيَةُ كَالْمِصْرِ إنْ كَانَ فِي الْقَرْيَةِ مَسْجِدٌ فِيهِ أَذَانٌ وَإِقَامَةٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا مَسْجِدٌ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُسَافِرِ كَذَا فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ لِلشُّمُنِّيِّ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَذَانَ وَالْإِقَامَةَ كُلٌّ مِنْهُمَا سُنَّةٌ فِي حَقِّ أَهْلِ الْمَسْجِدِ يُكْرَهُ تَرْكُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَذَانًا أَوْ إقَامَةً، وَأَمَّا غَيْرُهُمْ فَلَا يَكُونَانِ سُنَّةً مُؤَكَّدَةً. (قَوْلُهُ: وَنَدْبًا لَهُمَا) أَيْ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ لِلْمُسَافِرِ وَالْمُصَلِّي فِي بَيْتِهِ فِي الْمِصْرِ لِيَكُونَ الْأَدَاءُ عَلَى هَيْئَةِ الْجَمَاعَةِ وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَلَوْ أَذَّنَ الْمُسَافِرُ رَاكِبًا فَلَا بَأْسَ بِهِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ وَيَنْزِلُ لِلْإِقَامَةِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ بَيْتٌ لَهُ مَسْجِدٌ يُكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ وَيَتْرُكَ الْإِقَامَةَ. (قَوْلُهُ: لَا لِلنِّسَاءِ) أَيْ لَا يُنْدَبُ لِلنِّسَاءِ أَذَانٌ وَلَا إقَامَةٌ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ سُنَنِ الْجَمَاعَةِ الْمُسْتَحَبَّةِ قَيَّدَ بِالنِّسَاءِ أَيْ جَمَاعَةِ النِّسَاءِ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ الْمُنْفَرِدَةَ تُقِيمُ وَلَا تُؤَذِّنُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَظَاهِرُ مَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ أَنَّهَا لَا تُقِيمُ أَيْضًا، وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْعَبِيدَ لَا أَذَانَ وَلَا إقَامَةَ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهَا مِنْ سُنَنِ الْجَمَاعَةِ وَجَمَاعَتُهُمْ غَيْرُ مَشْرُوعَةٍ وَلِهَذَا لَمْ يُشْرَعْ التَّكْبِيرُ عَقِبَهَا أَيَّامَ التَّشْرِيقِ ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (بَابُ شُرُوطِ الصَّلَاةِ) وَهِيَ جَمْعُ شَرْطٍ عَلَى وَزْنِ فَعْلٍ وَأَصْلُهُ مَصْدَرٌ، وَأَمَّا الشَّرَائِطُ فَوَاحِدُهَا شَرِيطَةٌ، كَذَا فِي ضِيَاءِ الْحُلُومِ مُخْتَصَرِ شَمْسِ الْعُلُومِ فِي اللُّغَةِ فَمَنْ عَبَّرَ هُنَا بِالشَّرَائِطِ فَمُخَالِفٌ لِلُّغَةِ كَمَا عَرَفْت وَلِلْقَاعِدَةِ التَّصْرِيفِيَّةِ فَإِنَّ فَعَائِلَ لَمْ يُحْفَظْ جَمْعًا لِفَعْلٍ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ بِخِلَافِ التَّعْبِيرِ بِالْفَرَائِضِ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ مُفْرَدَهُ فَرِيضَةٌ كَصَحَائِفَ جَمْعُ صَحِيفَةٍ وَهُوَ فِي اللُّغَةِ الْعَلَامَةُ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَأَمَّا فِي الصِّحَاحِ الشَّرْطُ مَعْرُوفٌ وَالشَّرَطُ بِالتَّحْرِيكِ الْعَلَامَةُ وقَوْله تَعَالَى {فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا} [محمد: 18] أَيْ عَلَامَاتُهَا وَفِي الشَّرِيعَةِ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ وُجُودُ الشَّيْءِ وَلَا يَكُونُ دَاخِلًا فِيهِ، وَقَدْ قَسَّمَ الْأُصُولِيُّونَ الْخَارِجَ الْمُتَعَلِّقَ بِالْحُكْمِ إلَى مُؤَثِّرٍ   [منحة الخالق] [تَرْكُ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ] (قَوْلُهُ: وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُجْتَبَى) فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِذَلِكَ، وَإِنَّمَا يُفْهَمُ مِنْهُ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ قَوْلَهُ أَنَّهُ لَوْ أَذَّنَ بَعْضُ الْمُسَافِرِينَ لَيْسَ عِبَارَةَ الْمُجْتَبَى بَلْ أَصْلُهُ وَأَنَّهُ بِوَاوِ الْعَطْفِ عَلَى قَوْلِهِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُؤَذِّنُوا فَتَكُونُ الْوَاوُ سَقَطَتْ مِنْ قَلَمِ النَّاسِخِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَذَانَ وَالْإِقَامَةَ إلَخْ) لَوْ أَخَّرَهُ إلَى الْقَوْلَةِ الْآتِيَةِ لَكَانَ أَوْلَى. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمَرْأَةَ الْمُنْفَرِدَةَ تُقِيمُ وَلَا تُؤَذِّنُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ الَّذِي قَدَّمَهُ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَيُؤَذِّنُ لِلْفَائِتَةِ أَنَّ تَرْكَهُمَا هُوَ السُّنَّةُ حَالَةَ الِانْفِرَادِ بَلْ جَعَلَهُ أَوْلَوِيًّا فَرَاجِعْهُ [بَابُ شُرُوطِ الصَّلَاةِ] (قَوْلُهُ: وَأَصْلُهُ مَصْدَرٌ) أَيْ مَصْدَرُ شَرَطَ يَشْرُطُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ فِي الْمَاضِي وَضَمِّهَا وَكَسْرِهَا فِي الْمُضَارِعِ. اهـ. حِلْيَةٌ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا فِي الصِّحَاحِ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى مَا فِي كُتُبِ الْفِقْهِ مِنْ أَنَّ الْمُفَسَّرَ بِالْعَلَامَةِ هُوَ الشَّرْطُ مُحَرَّكًا فَقَيَّدُوهُ بِذَلِكَ وَفِي الْقَامُوسِ الشَّرْطُ إلْزَامُ الشَّيْءِ وَالْتِزَامُهُ فِي الْبَيْعِ وَنَحْوُهُ جَمْعُهُ شُرُوطٌ وَبِالتَّحْرِيكِ الْعَلَامَةُ جَمْعُهُ أَشْرَاطٌ. اهـ. وَلَعَلَّ الْفُقَهَاءَ وَقَفُوا عَلَى تَفْسِيرِهِ بِالْعَلَامَةِ أَيْضًا، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الشُّرُوطَ جَمْعُ شَرْطٍ سَاكِنًا وَالْأَشْرَاطُ جَمْعُهُ مُحَرَّكًا وَالشَّرَائِطُ جَمْعُ شَرِيطَةٍ وَهِيَ الْمَشْقُوقَةُ الْأُذُنِ مِنْ الْإِبِلِ وَالشَّاةِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ فَقَوْلُ النَّهْرِ وَهِيَ أَيْ الشُّرُوطُ جَمْعُ شَرْطٍ مُحَرَّكًا بِمَعْنَى الْعَلَامَةِ لُغَةٌ فَسَهْوٌ مِنْ قَلَمِ النَّاسِخِ (قَوْلُهُ: وَقَدْ قَسَّمَ الْأُصُولِيُّونَ إلَخْ) قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ اعْلَمْ أَنَّ الْمُتَعَلِّقَ بِالْمَشْرُوعِ إمَّا أَنْ يَكُونَ دَاخِلًا فِي مَاهِيَّتِهِ فَيُسَمَّى رُكْنًا كَالرُّكُوعِ فِي الصَّلَاةِ أَوْ خَارِجًا عَنْهُ وَهَذَا إمَّا أَنْ يُؤَثِّرَ فِيهِ كَعَقْدِ النِّكَاحِ لِلْحِلِّ فَيُسَمَّى عِلَّةً أَوْ لَا يُؤَثِّرَ وَهَذَا إمَّا أَنْ يَكُونَ مُوَصِّلًا إلَيْهِ فِي الْجُمْلَةِ كَالْوَقْتِ وَيُسَمَّى سَبَبًا أَوْ لَا يُوَصِّلُ وَهَذَا إمَّا أَنْ يَتَوَقَّفَ الشَّيْءُ عَلَيْهِ كَالْوُضُوءِ لِلصَّلَاةِ فَيُسَمَّى شَرْطًا أَوْ لَا يَتَوَقَّفَ كَالْأَذَانِ فَيُسَمَّى عَلَامَةً كَمَا بَسَطَهُ الْبُرْجَنْدِيُّ وَبِهِ يَتَّضِحُ مَا فِي قَوْلِهِ تَبَعًا لِلْعِنَايَةِ الشَّرْطُ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ وُجُودُ الشَّيْءِ وَلَا يَكُونُ دَاخِلًا فِيهِ مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُؤَثِّرٍ وَإِلَّا كَانَ عِلَّةً وَغَيْرَ مُوَصِّلٍ فِي الْجُمْلَةِ وَإِلَّا كَانَ سَبَبًا، وَمَا فِي غُرَرِ الْأَذْكَارِ مِنْ أَنَّ شَرْطَ الشَّيْءِ مَا يُوجَدُ ذَلِكَ الشَّيْءُ عِنْدَ وُجُودِهِ لَا بِوُجُودِهِ وَلَا بِدُونِهِ أَجْمَعَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 فِيهِ وَمُفْضٍ إلَيْهِ بِلَا تَأْثِيرٍ فَالْأَوَّلُ الْعِلَّةُ وَالثَّانِي السَّبَبُ وَإِلَّا، فَإِنْ تَوَقَّفَ عَلَيْهِ الْوُجُودُ فَالشَّرْطُ وَإِلَّا فَإِنْ دَلَّ عَلَيْهِ فَالْعَلَامَةُ وَالشَّرْطُ حَقِيقِيٌّ وَجَعْلِيٌّ فَالْأَوَّلُ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الشَّيْءُ فِي الْوَاقِعِ وَالثَّانِي شَرْعِيٌّ أَيْ بِجَعْلِ الشَّرْعِ فَيَتَوَقَّفُ شَرْعًا كَالشُّهُودِ لِلنِّكَاحِ وَالطَّهَارَةِ لِلصَّلَاةِ وَغَيْرِ شَرْعِيٍّ أَيْ بِجَعْلِ الْمُكَلَّفِ بِتَعْلِيقِ تَصَرُّفِهِ عَلَيْهِ مَعَ إجَازَةِ الشَّرْعِ كَإِنْ دَخَلْت الدَّارَ فَكَذَا وَذَكَرَ الشُّمُنِّيُّ أَنَّ الْمُرَادَ بِالشُّرُوطِ هُنَا مَا لَا يَكُونُ الْمُكَلَّفُ بِحُصُولِهَا شَارِعًا فِي الصَّلَاةِ احْتِرَازًا عَنْ التَّحْرِيمَةِ فَإِنَّهَا شَرْطٌ عِنْدَنَا وَلَا تُذْكَرُ فِي هَذَا الْبَابِ. اهـ. وَأَطْلَقَ الشُّرُوطَ وَلَمْ يُقَيِّدْهَا بِالتَّقَدُّمِ كَمَا فِي مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا صِفَةٌ كَاشِفَةٌ لَا مُخَصَّصَةٌ إذْ الشَّرْطُ لَا يَكُونُ إلَّا مُتَقَدِّمًا وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُونَ بِخِلَافِ ذَلِكَ فَقَدْ رَدَّهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. (قَوْلُهُ: هِيَ طَهَارَةُ بَدَنِهِ مِنْ حَدَثٍ وَخَبَثٍ وَثَوْبِهِ وَمَكَانِهِ) ، أَمَّا طَهَارَةُ بَدَنِهِ مِنْ الْحَدَثِ فَبِآيَةِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَمِنْ الْخَبَثِ فَبِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَنَزَّهُوا مِنْ الْبَوْلِ فَإِنَّ عَامَّةَ عَذَابِ الْقَبْرِ مِنْهُ» وَلِحَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ «اغْسِلِي عَنْك الدَّمَ وَصَلِّي» وَالْحَدَثُ مَانِعِيَّةٌ شَرْعِيَّةٌ قَائِمَةٌ بِالْأَعْضَاءِ إلَى غَايَةِ اسْتِعْمَالِ الْمُزِيلِ وَالْخَبَثُ عَيْنٌ مُسْتَقْذَرَةٌ شَرْعًا وَقَدَّمَ الْحَدَثَ لِقُوَّتِهِ؛ لِأَنَّ قَلِيلَهُ مَانِعٌ بِخِلَافِ قَلِيلِ الْخَبَثِ وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْقَطْرَةَ مِنْ الْخَمْرِ أَوْ الدَّمِ أَوْ الْبَوْلِ إذَا وَقَعَتْ فِي الْبِئْرِ تُنَجِّسُ وَالْجُنُبُ أَوْ الْمُحْدِثُ إذَا أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ لَا يَنْجُسُ وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ لَيْسَ فِيهِ تَقْدِيمٌ؛ لِأَنَّ الْوَاوَ لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ. اهـ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْأَنْجَاسِ شَيْءٌ مِنْهُ، وَأَمَّا طَهَارَةُ ثَوْبِهِ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 4] فَإِنَّ الْأَظْهَرَ أَنَّ الْمُرَادَ ثِيَابُك الْمَلْبُوسَةُ وَأَنَّ مَعْنَاهُ طَهِّرْهَا مِنْ النَّجَاسَةِ، وَقَدْ قِيلَ فِي الْآيَةِ غَيْرُ هَذَا لَكِنَّ الْأَرْجَحَ مَا ذَكَرْنَاهُ وَهُوَ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَلِعُمُومِ الْحَدِيثَيْنِ السَّابِقَيْنِ وَإِذَا وَجَبَ التَّطْهِيرُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الثَّوْبِ وَجَبَ فِي الْمَكَانِ وَالْبَدَنِ بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُمَا أَلْزَمُ لِلْمُصَلِّي مِنْهُ لِتَصَوُّرِ انْفِصَالِهِ بِخِلَافِهِمَا وَأَرَادَ بِالْخَبَثِ الْقَدْرَ الْمَانِعَ الَّذِي قَدَّمَهُ فِي بَابِ الْأَنْجَاسِ فَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ الْإِطْلَاقُ وَأَشَارَ بِاشْتِرَاطِ طَهَارَةِ الثَّوْبِ إلَى أَنَّهُ لَوْ حَمَلَ نَجَاسَةً مَانِعَةً فَإِنَّ صَلَاتَهُ بَاطِلَةٌ فَكَذَا لَوْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ فِي طَرَفِ عِمَامَتِهِ أَوْ مِنْدِيلِهِ الْمَقْصُودُ ثَوْبٌ هُوَ لَابِسُهُ فَأَلْقَى ذَلِكَ الطَّرَفَ عَلَى الْأَرْضِ وَصَلَّى فَإِنَّهُ إنْ تَحَرَّكَ بِحَرَكَتِهِ لَا يَجُوزُ وَإِلَّا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ بِتِلْكَ الْحَرَكَةِ يُنْسَبُ لِحَمْلِ النَّجَاسَةِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ الصَّبِيُّ إذَا كَانَ ثَوْبُهُ نَجِسًا أَوْ هُوَ نَجِسٌ فَجَلَسَ عَلَى حِجْرِ الْمُصَلِّي وَهُوَ يَسْتَمْسِكُ أَوْ الْحَمَامُ النَّجِسُ إذَا وَقَعَ عَلَى رَأْسِ الْمُصَلِّي وَهُوَ يُصَلِّي كَذَلِكَ جَازَتْ الصَّلَاةُ وَكَذَلِكَ الْجُنُبُ أَوْ الْمُحْدِثُ إذَا حَمَلَهُ الْمُصَلِّي لِأَنَّ الَّذِي عَلَى الْمُصَلِّي مُسْتَعْمِلٌ لَهُ فَلَمْ يَصِرْ الْمُصَلِّي حَامِلًا لِلنَّجَاسَةِ. اهـ. وَدَلَّ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَوْ صَلَّى وَرَأْسُهُ يَصِلُ إلَى السَّقْفِ النَّجِسِ أَوْ فِي كِلَّةٍ مُتَنَجِّسَةٍ أَوْ فِي خَيْمَةٍ كَذَلِكَ فَإِنَّهَا لَا تَصِحُّ لِكَوْنِهِ حَامِلًا لِلنَّجَاسَةِ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْقُنْيَةِ إذَا صَلَّى فِي الْخَيْمَةِ وَرَفَعَ سَقْفَهَا لِتَمَامِ قِيَامِهِ جَازَ إذَا كَانَتْ طَاهِرَةً وَإِلَّا فَلَا. اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ صَلَّى وَفِي يَدِهِ حَبْلٌ مَشْدُودٌ عَلَى عُنُقِ الْكَلْبِ تَجُوزُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ الْحَبْلَ لَمَّا سَقَطَ عَلَى الْأَرْضِ فَقَدْ انْقَطَعَ حُكْمُ الِاتِّصَالِ بِهِ فَصَارَ كَالْعِمَامَةِ الطَّوِيلَةِ. اهـ. وَكَذَا لَوْ كَانَ الْحَبْلُ مَشْدُودًا فِي وَسَطِهِ وَكَذَا لَوْ كَانَ مَرْبُوطًا فِي سَفِينَةٍ فِيهَا نَجَاسَةٌ وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَصِحُّ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ؛ لِأَنَّهُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُونَ إلَخْ) قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ هَذَا الْبَيَانُ الْوَاقِعُ وَقِيلَ لِإِخْرَاجِ الشَّرْطِ الْعَقْلِيِّ كَالْحَيَاةِ لِلْأَلَمِ وَالْجَعْلِيِّ كَدُخُولِ الدَّارِ لِلطَّلَاقِ وَقِيلَ لِإِخْرَاجِ مَا لَا يَتَقَدَّمُهَا كَالْقَعْدَةِ شَرْطُ الْخُرُوجِ وَتَرْتِيبُ مَا لَمْ يُشْرَعْ مُكَرَّرًا شَرْطُ الْبَقَاءِ عَلَى الصِّحَّةِ وَعَلَى الثَّانِي أَنَّ الشَّرْطَ عَقْلِيًّا أَوْ غَيْرَهُ مُتَقَدِّمٌ فَلَا يُخْرِجُ قَيْدَ التَّقَدُّمِ الْعَقْلِيِّ وَالْجَعْلِيِّ لِلْقَطْعِ بِتَقَدُّمِ الْحَيَاةِ وَدُخُولِ الدَّارِ عَلَى الْأَلَمِ مَثَلًا وَوُقُوعِ الطَّلَاقِ لَا يُقَالُ بَلْ الْجَعْلِيُّ سَبَبٌ لِوُقُوعِ الْمُعَلَّقِ إذْ الشَّرْطُ لَا يُؤَثِّرُ إلَّا فِي الْعَكْسِ فَالشَّرْطُ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ مِنْ غَيْرِ أَثَرٍ لَهُ فِيهِ غَيْرَ أَنَّهُ أُطْلِقَ عَلَيْهِ شَرْطٌ لُغَةً؛ لِأَنَّا نَمْنَعُهُ بَلْ السَّبَبُ هُوَ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ تَأَخَّرَ عَمَلُهُ إلَى وُجُودِ الشَّرْطِ الْجَعْلِيِّ فَصَدَقَ أَنَّهُ تَوَقَّفَ عَلَيْهِ لَا مُؤَثِّرَ فِيهِ فَتَعَيَّنَ الْأَوَّلُ وَلِأَنَّ قَوْلَهُ الَّتِي تَتَقَدَّمُهَا تَقْيِيدٌ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ لَا مُطْلَقُ الشَّرْطِ وَلَيْسَ لِلصَّلَاةِ شَرْطٌ جَعْلِيٌّ وَيَبْعُدُ الِاحْتِرَازُ عَنْ شَرْطِهَا الْعَقْلِيِّ مِنْ الْحَيَاةِ وَنَحْوِهَا إذْ الْكِتَابُ مَوْضُوعٌ لِبَيَانِ الْعَمَلِيَّاتِ فَلَا يَخْطُرُ غَيْرُهَا وَشَرْطُ الْخُرُوجِ وَالْبَقَاءِ عَلَى الصِّحَّةِ لَيْسَا شَرْطَيْنِ لِلصَّلَاةِ بَلْ لِأَمْرٍ آخَرَ وَهُوَ الْخُرُوجُ وَالْبَقَاءُ، وَإِنَّمَا يَسُوغُ أَنْ يُقَالَ شَرْطُ الصَّلَاةِ بِنَوْعٍ مِنْ التَّجَوُّزِ إطْلَاقًا لِاسْمِ الْكُلِّ عَلَى الْجُزْءِ وَعَلَى الْوَصْفِ الْمُجَاوِرِ. (قَوْلُهُ: وَقُدِّمَ الْحَدَثُ لِقُوَّتِهِ؛ لِأَنَّ قَلِيلَهُ مَانِعٌ إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْحَدَثَ لَا قَلِيلَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ وَيُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ بِقَلِيلِهِ اللُّمْعَةُ تَسَاهُلًا وَمَا أَوْرَدَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ غَيْرُ وَارِدٍ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ طَهَارَةِ الْمُسْتَعْمِلِ وَعَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَتِهِ يُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَغْلَظِيَّةِ الْأَغْلَظِيَّةُ مِنْ حَيْثُ مَنْعُ الصَّلَاةِ قَالَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ. (قَوْلُهُ: الْمَقْصُودُ ثَوْبٌ هُوَ لَابِسُهُ) أَقْحَمَ ذَلِكَ فِي أَثْنَاءِ الْكَلَامِ لِبَيَانِ أَنَّ الْمُرَادَ لَيْسَ خُصُوصُ الْمِنْدِيلِ بَلْ أَعَمُّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 حَامِلٌ لِلنَّجَاسَةِ كَمَا نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ وَلَوْ صَلَّى وَمَعَهُ جَرْوُ كَلْبٍ أَوْ كُلُّ مَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَوَضَّأَ بِسُؤْرِهِ قِيلَ لَمْ يَجُزْ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ كَانَ فَمُهُ مَفْتُوحًا لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ لُعَابَهُ يَسِيلُ فِي كُمِّهِ فَيَصِيرُ مُبْتَلًّا بِلُعَابِهِ فَيَتَنَجَّسُ كُمُّهُ فَيَمْنَعُ الْجَوَازَ إنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ وَإِنْ كَانَ فَمُهُ مَشْدُودًا بِحَيْثُ لَا يَصِلُ لُعَابُهُ إلَى ثَوْبِهِ جَازَ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ كُلِّ حَيَوَانٍ طَاهِرٌ وَلَا يَنْجُسُ إلَّا بِالْمَوْتِ وَنَجَاسَةُ بَاطِنِهِ فِي مَعْدِنِهِ فَلَا يَظْهَرُ حُكْمُهَا كَنَجَاسَةِ بَاطِنِ الْمُصَلِّي وَلَوْ صَلَّى وَفِي كُمِّهِ قَارُورَةٌ مَضْمُومَةٌ فِيهَا بَوْلٌ لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ مَعْدِنِهِ وَمَكَانِهِ وَلَوْ صَلَّى وَفِي كُمِّهِ بَيْضَةٌ مَذِرَةٌ قَدْ صَارَ مُحُّهَا دَمًا جَازَتْ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْدِنِهِ وَالشَّيْءُ مَا دَامَ فِي مَعْدِنِهِ لَا يُعْطَى لَهُ حُكْمُ النَّجَاسَةِ الْكُلُّ فِي الْمُحِيطِ وَأَرَادَ بِالْمَكَانِ مَوْضِعَ الْقَدَمِ وَالسُّجُودِ فَقَطْ أَمَّا طَهَارَةُ مَوْضِعِ الْقَدَمِ فَبِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ بِشَرْطِ أَنْ يَضَعَهُمَا عَلَى النَّجَاسَةِ، أَمَّا إنْ رَفَعَ الْقَدَمَ الَّتِي مَوْضِعُهَا نَجَسٌ وَصَلَّى جَازَ، وَأَمَّا طَهَارَةُ مَوْضِعِ السُّجُودِ فَفِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ قَوْلُهُمَا، وَأَمَّا إنْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ فِي مَوْضِعِ يَدَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَحِذَاءَ إبْطَيْهِ وَصَدْرِهِ جَازَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ الْوَضْعَ عَلَى النَّجَاسَةِ كَلَا وَضْعَ وَالسُّجُودُ عَلَى الْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ غَيْرُ وَاجِبٍ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَسْجُدْ عَلَيْهَا وَهَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَاخْتَارَ أَبُو اللَّيْثِ أَنَّ صَلَاتَهُ تَفْسُدُ وَصَحَّحَهُ فِي الْعُيُونِ وَلَوْ صَلَّى عَلَى مَكَان طَاهِرٍ إلَّا أَنَّهُ إذَا سَجَدَ تَقَعُ ثِيَابُهُ عَلَى أَرْضٍ نَجِسَةٍ جَازَتْ صَلَاتُهُ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّ قِيَامَهُ عَلَى مَكَان طَاهِرٍ وَلَوْ صَلَّى عَلَى بِسَاطٍ وَعَلَى طَرَفٍ مِنْهُ نَجَاسَةٌ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَجُوزُ كَبِيرًا كَانَ أَوْ صَغِيرًا؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْأَرْضِ فَلَا يَصِيرُ مُسْتَعْمِلًا لِلنَّجَاسَةِ وَهُوَ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ إذَا كَانَتْ لَا تَمْنَعُ فِي مَوْضِعِ الرُّكْبَتَيْنِ وَالْيَدَيْنِ فَهَهُنَا أَوْلَى، وَفِي الْخُلَاصَةِ وَلَوْ بَسَطَ بِسَاطًا رَقِيقًا عَلَى الْمَوْضِعِ النَّجِسِ وَصَلَّى عَلَيْهِ إنْ كَانَ الْبِسَاطُ بِحَالٍ يَصْلُحُ سَاتِرًا لِلْعَوْرَةِ تَجُوزُ الصَّلَاةُ وَإِنْ كَانَتْ رَطْبَةً فَأَلْقَى عَلَيْهَا ثَوْبًا وَصَلَّى إنْ كَانَ ثَوْبًا يُمْكِنُ أَنْ يَجْعَلَ مِنْ عَرْضِهِ ثَوْبًا يَجُوزُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَإِنْ كَانَ لَا يُمْكِنُ لَا يَجُوزُ وَكَذَا لَوْ أَلْقَى عَلَيْهَا لِبَدًا فَصَلَّى عَلَيْهِ يَجُوزُ وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ لَا يَجُوزُ حَتَّى يُلْقِيَ عَلَى هَذَا الطَّرَفِ الطَّرَفَ الْآخَرَ فَيَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ ثَوْبَيْنِ وَإِنْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ يَابِسَةً جَازَتْ يَعْنِي إذَا كَانَ يَصْلُحُ سَاتِرًا. اهـ. وَلَوْ صَلَّى عَلَى مَا لَهُ بِطَانَةٌ مُتَنَجِّسَةٌ وَهُوَ قَائِمٌ عَلَى مَا يَلِي مَوْضِعَ النَّجَاسَةِ مِنْ الطَّهَارَةِ عَنْ مُحَمَّدٍ يَجُوزُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجُوزُ وَقِيلَ جَوَابُ مُحَمَّدٍ فِي غَيْرِ الْمِضْرَبِ فَيَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ ثَوْبَيْنِ وَجَوَابُ أَبِي يُوسُفَ فِي الْمِضْرَبِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ ثَوْبٍ وَاحِدٍ فَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمَا، قَالَ فِي التَّجْنِيس وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْمِضْرَبَ عَلَى الْخِلَافِ ذَكَرَهُ الْحَلْوَانِيُّ وَلَوْ قَامَ عَلَى النَّجَاسَةِ وَفِي رِجْلَيْهِ نَعْلَانِ أَوْ جَوْرَبَانِ لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ قَامَ عَلَى مَكَان نَجِسٍ وَلَوْ افْتَرَشَ نَعْلَيْهِ وَقَامَ عَلَيْهِمَا جَازَتْ الصَّلَاةُ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ بَسَطَ الثَّوْبَ الطَّاهِرَ عَلَى الْأَرْضِ النَّجِسَةِ وَصَلَّى عَلَيْهِ جَازَ، وَفِي الْمَبْسُوطِ مِنْ كِتَابِ التَّحَرِّي يَجُوزُ لُبْسُ الثَّوْبِ النَّجِسِ لِغَيْرِ الصَّلَاةِ وَلَا يَلْزَمُهُ الِاجْتِنَابُ وَذَكَرَ فِي الْبُغْيَةِ تَلْخِيصِ الْقُنْيَةِ خِلَافًا فِيهِ. (قَوْلُهُ: وَسَتْرُ عَوْرَتِهِ) لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ فَرْضٌ فِي الصَّلَاةِ كَمَا نَقَلَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَئِمَّةِ النَّقْلِ إلَى أَنْ حَدَّثَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ فَخَالَفَ فِيهِ كَالْقَاضِي إسْمَاعِيلَ وَهُوَ لَا يَجُوزُ بَعْدَ تَقَرُّرِ الْإِجْمَاعِ وَيُعَضِّدُهُ قَوْله تَعَالَى {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31] أَيْ مَحِلِّهَا وَالْمُرَادُ مَا يُوَارِي عَوْرَتَهُ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ إطْلَاقًا، لِاسْمِ الْحَالِ عَلَى الْمَحِلِّ فِي الْأَوَّلِ وَعَكْسُهُ فِي الثَّانِي وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ حَائِضٍ إلَّا بِخِمَارٍ» أَيْ الْبَالِغَةِ سُمِّيَتْ حَائِضًا؛ لِأَنَّهَا بَلَغَتْ سِنَّ الْحَيْضِ وَالتَّقْيِيدُ بِالْحَائِضِ يُخْرِجُ الَّتِي دُونَ الْبُلُوغِ لِمَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ مُرَاهِقَةٌ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَأَرَادَ بِالْمَكَانِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَيْسَ فِي كَلَامِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى اخْتِصَاصِ الْمَكَانِ بِمَا ذُكِرَ بَلْ الظَّاهِرُ الْإِطْلَاقُ فَقَدْ اخْتَارَ الْفَقِيهُ خِلَافَ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَصَحَّحَهُ فِي الْعُيُونِ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِإِطْلَاقِ عَامَّةِ الْمُتُونِ وَفِي الْخَانِيَّةِ، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ فِي مَوْضِعِ السُّجُودِ أَوْ الرُّكْبَتَيْنِ أَوْ الْيَدَيْنِ يَعْنِي تُجْمَعُ وَلَا يُجْعَلُ كَأَنَّهُ لَمْ يَضَعْ الْعُضْوَ عَلَى النَّجَاسَةِ وَهَذَا كَمَا لَوْ صَلَّى رَافِعًا إحْدَى قَدَمَيْهِ جَازَتْ صَلَاتُهُ وَلَوْ وَضَعَ الْقَدَمَ عَلَى النَّجَاسَةِ لَا تَجُوزُ وَلَا يُجْعَلُ كَأَنَّهُ لَمْ يَضَعْ. اهـ. وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّ عَدَمَ اشْتِرَاطِ طَهَارَةِ مَكَانِ الْيَدَيْنِ أَوْ الرُّكْبَتَيْنِ إذَا لَمْ يَضَعْهُمَا، أَمَّا إنْ وَضَعَهُمَا اُشْتُرِطَتْ فَلْيُحْفَظْ هَذَا، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَأَقُولُ: لَوْ خَرَجَ مَا فِي الْخَانِيَّةِ عَلَى رَأْيِ الْفَقِيهِ لَكَانَ أَظْهَرَ فَتَدَبَّرْهُ. اهـ. هَذَا وَفِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي مَا نَصُّهُ ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ أَنَّهُ إذَا كَانَتْ النَّجَاسَةُ مَوْضِعَ الْكَفَّيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ جَازَتْ صَلَاتُهُ وَقَالَ فِي الْعُيُونِ هَذِهِ رِوَايَةٌ شَاذَّةٌ وَالصَّحِيحُ أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ فِي مَوْضِعِ رُكْبَتَيْهِ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ. اهـ. وَنَقَلَ شَارِحُهَا الشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ الْحَلَبِيُّ عِبَارَةَ الْخَانِيَّةِ السَّابِقَةَ ثُمَّ قَالَ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الرُّكْبَتَيْنِ وَالْيَدَيْنِ وَبَيْنَ مَوْضِعِ السُّجُودِ وَالْقَدَمَيْنِ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ اتِّصَالَ الْعُضْوِ بِالنَّجَاسَةِ بِمَنْزِلَةِ حَمْلِهَا وَإِنْ كَانَ وَضْعُ ذَلِكَ الْعُضْوِ لَيْسَ بِفَرْضٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: سَاتِرُ الْعَوْرَةِ) أَيْ بِأَنْ لَا يَصِفَ مَا تَحْتَهُ كَمَا سَيَأْتِي. (قَوْلُهُ: أَيْ مَحِلُّهَا) الضَّمِيرُ لِلزِّينَةِ وَمَحِلُّهَا الثَّوْبُ السَّاتِرُ كَمَا فَسَّرَهُ بِهِ بِقَوْلِهِ وَالْمُرَادُ مَا يُوَارِي عَوْرَتَهُ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ إلَى بَيَانِ الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 29] فَعَلَى الْأَوَّلِ أَطْلَقَ اسْمَ الْحَالِّ وَهُوَ الزِّينَةُ وَأُرِيدَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 صَلَّتْ بِغَيْرِ وُضُوءٍ أَوْ عُرْيَانَةً تُؤْمَرُ بِالْإِعَادَةِ وَإِنْ صَلَّتْ بِغَيْرِ قِنَاعٍ فَصَلَاتُهَا تَامَّةٌ اسْتِحْسَانًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تُصَلِّي حَائِضٌ بِغَيْرِ قِنَاعٍ» فَلَا يَتَنَاوَلُ غَيْرَ الْحَائِضِ وَلِأَنَّ سَتْرَ عَوْرَةِ الرَّأْسِ لَمَّا سَقَطَ بِعُذْرِ الرِّقِّ فَبِعُذْرِ الصِّبَا أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يَسْقُطُ بِعُذْرِ الصِّبَا الْخِطَابُ بِالْفَرَائِضِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الشَّرَائِطِ لَا يَسْقُطُ بِعُذْرِ الصِّبَا. اهـ. قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ سُمِّيَتْ الْعَوْرَةُ عَوْرَةً لِقُبْحِ ظُهُورِهَا وَلِغَضِّ الْأَبْصَارِ عَنْهَا مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْعَوَرِ وَهُوَ النَّقْصُ وَالْعَيْبُ وَالْقُبْحُ وَمِنْهُ عَوَرُ الْعَيْنِ وَالْكَلِمَةُ الْعَوْرَاءُ الْقَبِيحَةُ أُطْلِقَ فِيمَا يَسْتُرُ بِهِ فَشَمِلَ مَا يُبَاحُ لُبْسُهُ وَمَا لَا يُبَاحُ فَلَوْ سَتَرَهَا بِثَوْبِ حَرِيرٍ وَصَلَّى صَحَّتْ وَأَثِمَ كَالصَّلَاةِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ وَلَوْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ يُصَلِّي فِيهِ لَا عُرْيَانًا وَحَدُّ السَّتْرِ أَنْ لَا يُرَى مَا تَحْتَهُ حَتَّى لَوْ سَتَرَهَا بِثَوْبٍ رَقِيقٍ يَصِفُ مَا تَحْتَهُ لَا يَجُوزُ وَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ بِحَضْرَتِهِ أَحَدٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ حَتَّى لَوْ صَلَّى فِي بَيْتٍ مُظْلِمٍ عُرْيَانًا وَلَهُ ثَوْبٌ طَاهِرٌ لَا يَجُوزُ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ السِّتْرَ مُشْتَمِلٌ عَلَى حَقِّ اللَّهِ وَحَقِّ الْعِبَادِ وَإِنْ كَانَ مُرَاعًى فِي الْجُمْلَةِ بِسَبَبِ اسْتِتَارِهِ عَنْهُمْ فَحَقُّ اللَّهِ تَعَالَى لَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنْ قِيلَ السِّتْرُ لَا يُحْجَبُ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ يَرَى الْمَسْتُورَ كَمَا يَرَى الْمَكْشُوفَ أُجِيبَ بِأَنَّهُ يَرَى الْمَكْشُوفَ تَارِكًا لِلْأَدَبِ وَالْمَسْتُورَ مُتَأَدِّبًا وَهَذَا الْأَدَبُ وَاجِبٌ مُرَاعَاتُهُ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ وَإِنْ صَلَّى فِي الْمَاءِ عُرْيَانًا إنْ كَانَ كَدِرًا صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ كَانَ صَافِيًا يُمْكِنُ رُؤْيَةُ عَوْرَتِهِ لَا تَصِحُّ، كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَصُورَةُ الصَّلَاةِ فِي الْمَاءِ الصَّلَاةُ عَلَى جِنَازَةٍ وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ التَّصْوِيرُ وَأَرَادَ بِسِتْرِهَا السِّتْرَ عَنْ غَيْرِهِ لَا عَنْ نَفْسِهِ حَتَّى لَوْ رَأَى فَرْجَهُ مِنْ زِيَقَةٍ أَوْ كَانَ بِحَيْثُ يَرَاهُ لَوْ نَظَرَ إلَيْهِ فَإِنَّهَا صَحِيحَةٌ عِنْدَ الْعَامَّةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ لَكِنْ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ إذَا صَلَّى فِي قَمِيصٍ عَلَيْهِ بِغَيْرِ إزْرَارٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَزُرَّهُ لِمَا رُوِيَ عَنْ «سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ قَالَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أُصَلِّي فِي قَمِيصٍ وَاحِدٍ فَقَالَ زُرَّهُ عَلَيْك وَلَوْ بِشَوْكَةٍ» وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلِّيَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ قَمِيصٍ وَإِزَارٍ وَعِمَامَةٍ وَالْمَكْرُوهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي سَرَاوِيلَ وَاحِدٍ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ لُبْسَ السَّرَاوِيلِ فِي الصَّلَاةِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ؛ لِأَنَّ السِّتْرَ مِنْ أَسْفَلَ لَيْسَ بِلَازِمٍ بَلْ إنَّمَا يَلْزَمُ مِنْ جَوَانِبِهِ وَأَعْلَاهُ وَلِذَا قَالَ فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَمَنْ صَلَّى فِي قَمِيصٍ لَيْسَ لَهُ غَيْرُهُ فَلَوْ نَظَرَ إنْسَانٌ مِنْ تَحْتِهِ رَأَى عَوْرَتَهُ فَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ وَاعْلَمْ أَنَّ سِتْرَ الْعَوْرَةِ خَارِجَ الصَّلَاةِ بِحَضْرَةِ النَّاسِ وَاجِبٌ إجْمَاعًا إلَّا فِي مَوَاضِعَ وَفِي الْخَلْوَةِ فِيهِ خِلَافٌ وَالصَّحِيحُ الْوُجُوبُ إذَا لَمْ يَكُنْ الِانْكِشَافُ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ، كَذَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ. (قَوْلُهُ: وَهِيَ مِنْ تَحْتِ سُتْرَتِهِ إلَى تَحْتِ رُكْبَتِهِ) أَيْ مَا بَيْنَهُمَا فَالسُّرَّةُ لَيْسَتْ بِعَوْرَةٍ وَالرُّكْبَةُ عَوْرَةٌ فَالْغَايَةُ هُنَا لَمْ   [منحة الخالق] الْمَحَلُّ وَهُوَ السَّاتِرُ وَعَلَى الثَّانِي بِالْعَكْسِ أَيْ أَطْلَقَ اسْمَ الْمَحَلِّ وَهُوَ الْمَسْجِدُ وَأُرِيدَ الْحَالُّ وَهُوَ الصَّلَاةُ فَإِنَّ السِّتْرَ لَا يَجِبُ لِعَيْنِ الْمَسْجِدِ بِدَلِيلِ جَوَازِ الطَّوَافِ عُرْيَانًا فَيُعْلَمُ مِنْ هَذَا أَنَّ سِتْرَةَ الصَّلَاةِ لَا لِأَجْلِ النَّاسِ كَمَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ أَيْ لِأَنَّ النَّاسَ فِي الْأَسْوَاقِ أَكْثَرُ مِنْهُمْ فِي الْمَسَاجِدِ فَلَوْ كَانَ لِلنَّاسِ لَقَالَ عِنْدَ كُلِّ سُوقٍ وَنُقِلَ عَنْ شَيْخِهِ الْعَلَّامَةِ أَنَّ الْأَوَّلَ مِنْ قَبِيلِ إطْلَاقِ اسْمِ الْمُسَبِّبِ عَلَى السَّبَبِ قَالَ: لِأَنَّ الثَّوْبَ سَبَبُ الزِّينَةِ وَمَحَلُّ الزِّينَةِ الشَّخْصُ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ التَّصْوِيرُ) قَالَ فِي النَّهْرِ إنَّمَا لَمْ يَصِحَّ فِي غَيْرِهَا؛ لِأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الصَّافِي وَغَيْرِهِ يُؤَذِّنُ بِأَنَّ لَهُ ثَوْبًا إذْ الْعَادِمُ لَهُ يَسْتَوِي فِي حَقِّهِ الصَّافِي وَغَيْرُهُ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْإِيمَاءُ لِلْفَرْضِ. اهـ. قَالَ الْعَلَّامَةُ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ وَلِي فِي الْكَلَامَيْنِ نَظَرٌ لِإِمْكَانِ تَصْوِيرِ رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ فِي الْمَاءِ الْكَدِرِ بِحَيْثُ لَا يَظْهَرُ مِنْ بَدَنِهِ شَيْءٌ إذَا سَدَّ مَنَافِذَهُ بَلْ مَا يَفْعَلُهُ الْغَطَّاسُ فِي اسْتِخْرَاجِ الْغَرِيقِ أَبْلَغُ مِنْ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: لَكِنْ فِي السِّرَاجِ إلَخْ) وَجْهُ الِاسْتِدْرَاكِ أَنَّ قَوْلَهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَزُرَّهُ يُفِيدُ الْوُجُوبَ وَهُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ قَالَ الْبُرْهَانُ الْحَلَبِيُّ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَالدَّلِيلُ يُسَاعِدُهُ وَهُوَ أَنَّ السِّتْرَ وَجَبَ شَرْطًا لِلصَّلَاةِ ذَاتِهَا لَا لِخَوْفِ رُؤْيَةِ الْعَوْرَةِ فِيهَا وَإِذَا كَانَ بِحَالٍ لَوْ نَظَرَ لَرَأَى بِلَا تَكَلُّفٍ لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ وَهُوَ السِّتْرُ، وَلِذَا لَوْ صَلَّى عُرْيَانًا فِي الظُّلْمَةِ بِلَا عُذْرٍ لَا تَجُوزُ إجْمَاعًا وَلَوْ كَانَ الْوُجُوبُ لِخَوْفِ الرُّؤْيَةِ لَجَازَتْ لَكِنْ قَدْ يُقَالُ: إنَّمَا فَرْضُ السِّتْرِ فِي الصَّلَاةِ بِالْإِجْمَاعِ وَلَا إجْمَاعَ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُصَلِّي هُوَ الَّذِي بِحَيْثُ لَوْ نَظَرَ لَرَأَى عَوْرَةَ نَفْسِهِ لِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ بِعَدَمِ الْفَسَادِ فَاَلَّذِي يَنْبَغِي الْكَرَاهَةُ دُونَ الْفَسَادِ لِتَرْكِ الْوَاجِبِ دُونَ الشَّرْطِ وَقَوْلُهُمَا لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ لَا يُنَافِي الْكَرَاهَةَ فَكَانَ هَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَهِيَ مِنْ تَحْتِ سُرَّتِهِ إلَى تَحْتِ رُكْبَتِهِ) قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ عَنْ الْبُرْجَنْدِيِّ مَا تَحْتَ السُّرَّةِ هُوَ مَا تَحْتَ الْخَطِّ الَّذِي يَمُرُّ بِالسُّرَّةِ وَيَدُورُ عَلَى مُحِيطِ بَدَنِهِ بِحَيْثُ يَكُونُ بُعْدُهُ عَنْ مَوْقِعِهِ فِي جَمِيعِ جَوَانِبِهِ عَلَى السَّوَاءِ. اهـ. وَأَمَّا الرُّكْبَةُ فَسَيَأْتِي أَنَّهَا مُلْتَقَى عَظْمِ السَّاقِ وَالْفَخِذِ وَفِي حَوَاشِي الْخَيْرِ الرَّمْلِيِّ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ الْهَيْتَمِيُّ الشَّافِعِيُّ لَمْ أَرَ لِأَحَدٍ مِنْ أَئِمَّتِنَا تَحْدِيدَ الرُّكْبَةِ وَعَرَّفَهَا فِي الْقَامُوسِ بِأَنَّهَا مَوَاصِلُ مَا بَيْنَ أَطْرَافِ الْفَخِذِ وَأَعَالِي السَّاقِ قَالَ وَصَرِيحُ مَا يَأْتِي فِي الثَّامِنِ وَمَا بَعْدَهُ أَنَّهَا مِنْ أَوَّلِ الْمُنْحَدِرِ عَنْ آخِرِ الْفَخِذِ إلَى أَوَّلِ أَعْلَى السَّاقِ وَعَلَيْهِ فَكَأَنَّهُمْ اعْتَمَدُوا فِي ذَلِكَ الْعُرْفَ لِبُعْدِ تَقْيِيدِ الْأَحْكَامِ بِحَدِّهَا اللُّغَوِيِّ لِقِلَّتِهِ جِدًّا إلَّا أَنْ يُقَالَ أَرَادَ بِالْمَوْصِلِ مَا قَرَّرْنَاهُ وَهُوَ قَرِيبٌ ثُمَّ رَأَيْت فِي الصِّحَاحِ قَالَ وَالرُّكْبَةُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 تَدْخُلْ تَحْتَ الْمُغَيَّا لِمَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ مِنْ غَيْرِ تَعَقُّبٍ «مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ عَوْرَةٌ» وَلِرِوَايَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ «مَا تَحْتَ السُّرَّةِ إلَى الرُّكْبَةِ عَوْرَةٌ» وَلِرِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ «الْفَخِذُ عَوْرَةٌ» ، وَأَمَّا انْكِشَافُ فَخِذِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي زُقَاقِ خَيْبَرَ فَلَمْ يَكُنْ قَصْدًا، وَلِأَنَّ الرُّكْبَةَ مُلْتَقَى عَظْمَيْ السَّاقِ وَالْفَخِذِ وَالتَّمْيِيزُ بَيْنَهُمَا مُتَعَذِّرٌ فَاجْتَمَعَ الْمُحَرِّمُ وَالْمُبِيحُ فَغَلَبَ الْمُحَرِّمُ احْتِيَاطًا كَذَا قَالُوا، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ هَذَا يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ السُّرَّةُ عَوْرَةً كَمَا هُوَ رِوَايَةً عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ تَعَارَضَ فِي السُّرَّةِ الْمُحَرِّمُ وَالْمُبِيحُ، وَقَدْ يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُحَرِّمًا لِدَلِيلٍ اقْتَضَاهُ وَهُوَ مَا أَخْرَجَ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ عُمَيْرِ بْنِ إِسْحَاقَ «قَالَ كُنْت أَمْشِي مَعَ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْمَدِينَةِ فَلَقِيَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ فَقَالَ لِلْحَسَنِ اكْشِفْ لِي عَنْ بَطْنِك جُعِلْت فِدَاك حَتَّى أُقَبِّلَ حَيْثُ رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقَبِّلُهُ قَالَ فَكَشَفَ عَنْ بَطْنِهِ فَقَبَّلَ سُرَّتَهُ» كَذَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ يَقُولُ مِنْ السُّرَّةِ إلَى مَوْضِعِ نَبَاتِ شَعْرِ الْعَانَةِ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ لِتَعَامُلِ الْعُمَّالِ فِي إبْدَاءِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ عِنْدَ الِاتِّزَارِ وَفِي سِتْرِهِ نَوْعُ حَرَجٍ وَهَذَا الْقَوْلُ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ التَّعَامُلَ بِخِلَافِ النَّصِّ لَا يُعْتَبَرُ، كَذَا فِي السِّرَاجِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَحُكْمُ الْعَوْرَةِ فِي الرُّكْبَةِ أَخَفُّ مِنْهُ فِي الْفَخِذِ حَتَّى لَوْ رَأَى رَجُلٌ غَيْرَهُ مَكْشُوفَ الرُّكْبَةِ يُنْكِرُ عَلَيْهِ بِرِفْقٍ وَلَا يُنَازِعُهُ إنْ لَجَّ وَإِنْ رَآهُ مَكْشُوفَ الْفَخِذِ يُنْكِرُ عَلَيْهِ بِعُنْفٍ وَلَا يَضْرِبُهُ إنْ لَجَّ وَإِنْ رَآهُ مَكْشُوفَ السَّوْأَةِ أَمَرَهُ بِسِتْرِ الْعَوْرَةِ وَأَدَّبَهُ عَلَى ذَلِكَ إنْ لَجَّ. اهـ. وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّ لِكُلِّ مُسْلِمٍ التَّعْزِيرَ بِالضَّرْبِ فَإِنَّهُ لَمْ يُقَيِّدُهُ بِالْقَاضِي وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِهِ. (قَوْلُهُ: وَبَدَنُ الْحُرَّةِ عَوْرَةٌ إلَّا وَجْهُهَا وَكَفَّيْهَا وَقَدَمَيْهَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَجْهُهَا وَكَفَّيْهَا وَإِنْ كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ فَسَّرَهُ بِالثِّيَابِ كَمَا رَوَاهُ إسْمَاعِيلُ الْقَاضِي مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا بِسَنَدٍ جَيِّدٍ وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى الْمُحْرِمَةَ عَنْ لُبْسِ الْقُفَّازَيْنِ وَالنِّقَابِ» وَلَوْ كَانَا عَوْرَةً لَمَا حَرُمَ سِتْرُهُمَا وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَى إبْرَازِ الْوَجْهِ لِلْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَإِلَى إبْرَازِ الْكَفِّ لِلْأَخْذِ وَالْإِعْطَاءِ فَلَمْ يُجْعَلْ ذَلِكَ عَوْرَةً وَعَبَّرَ بِالْكَفِّ دُونَ الْيَدِ كَمَا وَقَعَ فِي الْمُحِيطِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِالْبَاطِنِ وَأَنَّ ظَاهِرَ الْكَفِّ عَوْرَةٌ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَفِي مُخْتَلِفَاتِ قَاضِي خان ظَاهِرُ الْكَفِّ وَبَاطِنُهُ لَيْسَا بِعَوْرَةٍ إلَى الرُّسْغِ وَرَجَّحَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ بِمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ عَنْ قَتَادَةَ مَرْفُوعًا «أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا حَاضَتْ لَمْ يَصْلُحْ أَنْ يُرَى مِنْهَا إلَّا وَجْهُهَا وَيَدَاهَا إلَى الْمِفْصَلِ» وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ إخْرَاجَ الْكَفِّ عَنْ كَوْنِهِ عَوْرَةً مَعْلُولٌ بِالِابْتِلَاءِ بِالْإِبْدَاءِ إذْ كَوْنُهُ عَوْرَةً مَعَ هَذَا الِابْتِلَاءِ مُوجِبٌ لِلْحَرَجِ وَهُوَ مَدْفُوعٌ بِالنَّصِّ وَهَذَا الِابْتِلَاءُ كَمَا هُوَ مُتَحَقِّقٌ فِي بَاطِنِ الْكَفِّ مُتَحَقِّقٌ فِي ظَاهِرِهِ. اهـ. وَالْمَذْهَبُ خِلَافُهُ وَلِلتَّنْصِيصِ عَلَى أَنَّ الذِّرَاعَ عَوْرَةٌ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ وَاخْتَارَهُ فِي الِاخْتِيَارِ لِلْحَاجَةِ إلَى كَشْفِهِ لِلْخِدْمَةِ وَلِأَنَّهُ مِنْ الزِّينَةِ الظَّاهِرَةِ وَهُوَ السِّوَارُ وَصُحِّحَ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّهُ عَوْرَةٌ وَصَحَّحَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ عَوْرَةٌ فِي الصَّلَاةِ لَا خَارِجَهَا وَالْمَذْهَبُ مَا فِي الْمُتُونِ لِأَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا مُلَازَمَةَ بَيْنَ كَوْنِهِ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ وَجَوَازِ النَّظَرِ إلَيْهِ فَحِلُّ النَّظَرِ مَنُوطٌ بِعَدَمِ خَشْيَةِ الشَّهْوَةِ مَعَ انْتِفَاءِ الْعَوْرَةِ وَلِذَا حَرُمَ النَّظَرُ إلَى وَجْهِهَا وَوَجْهِ الْأَمْرَدِ إذَا شَكَّ فِي الشَّهْوَةِ وَلَا عَوْرَةَ، كَذَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ قَالَ مَشَايِخُنَا تُمْنَعُ الْمَرْأَةُ الشَّابَّةُ مِنْ كَشْفِ وَجْهِهَا بَيْنَ الرِّجَالِ فِي زَمَانِنَا لِلْفِتْنَةِ وَشَمِلَ كَلَامُهُ الشَّعْرَ الْمُتَرَسِّلَ وَفِيهِ رِوَايَتَانِ وَفِي الْمُحِيطِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ عَوْرَةٌ، وَأَمَّا غَسْلُهُ فِي الْجَنَابَةِ فَمَوْضُوعٌ عَلَى الصَّحِيحِ وَاسْتَثْنَى الْمُصَنِّفُ الْقَدَمَ لِلِابْتِلَاءِ فِي إبْدَائِهِ خُصُوصًا الْفَقِيرَاتُ وَفِيهِ اخْتِلَافُ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْمَشَايِخِ   [منحة الخالق] مَعْرُوفَةٌ فَبَيَّنَ أَنَّ الْمَدَارَ فِيهَا عَلَى الْعُرْفِ وَالْكَلَامُ فِي الشَّرْعِ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَامُوسَ إنْ لَمْ تُحْمَلْ عِبَارَتُهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ اعْتَمَدَ فِي حَدِّهِ لَهَا بِذَلِكَ عَلَيْهِ وَكَثِيرًا مَا يَقَعُ لَهُ الْخُرُوجُ عَنْ اللُّغَةِ إلَى غَيْرِهَا كَمَا سَيَأْتِي فِي أَوَّلِ التَّعْزِيرِ. اهـ. وَاَلَّذِي فِي أَوَّلِ التَّعْزِيرِ وَالتَّعْزِيرُ ضَرْبٌ دُونَ الْحَدِّ، كَذَا فِي الْقَامُوسِ قَالَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ غَلَطٌ لِأَنَّ هَذَا وَضْعٌ شَرْعِيٌّ لَا لُغَوِيٌّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ فَكَيْفَ يُنْسَبُ لِأَهْلِ اللُّغَةِ الْجَاهِلِينَ لِذَلِكَ مِنْ أَصْلِهِ، وَقَدْ وَقَعَ لَهُ نَظِيرُ ذَلِكَ كَثِيرًا وَهُوَ غَلَطٌ يَنْبَغِي التَّفَطُّنُ لَهُ (قَوْلُهُ: لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِالْبَاطِنِ) عَزَاهُ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ إلَى الْمُسْتَصْفَى ثُمَّ قَالَ وَاعْتُرِضَ أَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْكَفِّ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ظَهْرَ الْكَفِّ عَوْرَةٌ؛ لِأَنَّ الْكَفَّ لُغَةً يَتَنَاوَلُ الظَّاهِرَ وَالْبَاطِنَ وَلِهَذَا يُقَالُ ظَهْرُ الْكَفِّ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْكَفَّ عُرْفًا وَاسْتِعْمَالًا لَا يَتَنَاوَلُ ظَهْرَهُ. اهـ. وَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ قَوْلِهِ الْحَقُّ أَنَّ الْمُتَبَادِرَ عَدَمُ دُخُولِ الظَّاهِرِ وَمَنْ تَأَمَّلَ قَوْلَ الْقَائِلِ الْكَفُّ يَتَنَاوَلُ ظَاهِرَهُ أَغْنَاهُ عَنْ تَوْجِيهِ الدَّفْعِ إذْ إضَافَةُ الظَّاهِرِ إلَى مُسَمَّى الْكَفِّ تَقْتَضِي أَنَّهُ لَيْسَ دَاخِلًا فِيهِ. اهـ. قَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْجَوَابِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مُرَادَهُ بِالتَّبَادُرِ مِنْ حَيْثُ الْعُرْفُ، وَأَمَّا قَوْلُهُ وَمَنْ تَأَمَّلَ إلَخْ فَقَدْ اعْتَرَضَهُ الْحَلَبِيُّ بِأَنَّ هَذَا مَغْلَطَةٌ؛ لِأَنَّ إضَافَةَ الشَّيْءِ إلَيْهِ لَا تَقْتَضِي عَدَمَ دُخُولِهِ فِيهِ وَإِلَّا لَاقْتَضَتْ إضَافَةُ الرَّأْسِ إلَى زَيْدٍ عَدَمَ دُخُولِ الرَّأْسِ فِي مُسَمَّى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 فَصُحِّحَ فِي الْهِدَايَةِ وَشَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خان أَنَّهُ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ وَاخْتَارَهُ فِي الْمُحِيطِ وَصَحَّحَ الْأَقْطَعُ وَقَاضِي خان فِي فَتَاوِيهِ عَلَى أَنَّهُ عَوْرَةٌ وَاخْتَارَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ والْمَرْغِينَانِيُّ وَصَحَّحَ صَاحِبُ الِاخْتِيَارِ أَنَّهُ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ فِي الصَّلَاةِ وَعَوْرَةٌ خَارِجَهَا وَرَجَّحَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ كَوْنَهُ عَوْرَةً مُطْلَقًا بِأَحَادِيثَ مِنْهَا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهَا سَأَلَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَتُصَلِّي الْمَرْأَةُ فِي دِرْعٍ وَخِمَارٍ وَلَيْسَ عَلَيْهَا إزَارٌ فَقَالَ إذَا كَانَ الدِّرْعُ سَابِغًا يُغَطِّي ظُهُورَ قَدَمَيْهَا» وَلِظَاهِرِ الْآيَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ تَفْسِيرِهَا عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا وَصَرَّحَ فِي النَّوَازِل بِأَنَّ نَغْمَةَ الْمَرْأَةِ عَوْرَةٌ وَبَنَى عَلَيْهِ أَنَّ تَعَلُّمَهَا الْقُرْآنَ مِنْ الْمَرْأَةِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ تَعَلُّمِهَا مِنْ الْأَعْمَى وَلِهَذَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «التَّسْبِيحُ لِلرِّجَالِ وَالتَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ» فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْمَعَهَا الرَّجُلُ وَمَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي فَقَالَ وَلَا تُلَبِّي جَهْرًا؛ لِأَنَّ صَوْتَهَا عَوْرَةٌ وَمَشَى عَلَيْهِ صَاحِبُ الْمُحِيطِ فِي بَابِ الْأَذَانِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَعَلَى هَذَا لَوْ قِيلَ إذَا جَهَرَتْ بِالْقُرْآنِ فِي الصَّلَاةِ فَسَدَتْ كَانَ مُتَّجَهًا. اهـ. وَفِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ الْأَشْبَهُ أَنَّ صَوْتَهَا لَيْسَ بِعَوْرَةٍ، وَإِنَّمَا يُؤَدِّي إلَى الْفِتْنَةِ كَمَا عَلَّلَ بِهِ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَغَيْرُهُ فِي مَسْأَلَةِ التَّلْبِيَةِ وَلَعَلَّهُنَّ إنَّمَا مُنِعْنَ مِنْ رَفْعِ الصَّوْتِ بِالتَّسْبِيحِ فِي الصَّلَاةِ لِهَذَا الْمَعْنَى وَلَا يَلْزَمُ مِنْ حُرْمَةِ رَفْعِ صَوْتِهَا بِحَضْرَةِ الْأَجَانِبِ أَنْ يَكُونَ عَوْرَةً كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ الصَّغِيرَةُ جِدًّا لَا تَكُونُ عَوْرَةً وَلَا بَأْسَ بِالنَّظَرِ إلَيْهَا وَمِنْهَا وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ، وَأَمَّا عَوْرَةُ الصَّبِيِّ وَالصَّبِيَّةِ فَمَا دَامَا لَمْ يُشْتَهَيَا فَالْقُبُلُ وَالدُّبُرُ، ثُمَّ يَتَغَلَّظُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى عَشْرِ سِنِينَ، ثُمَّ يَكُونُ كَعَوْرَةِ الْبَالِغِينَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ زَمَانٌ يُمْكِنُ بُلُوغُ الْمَرْأَةِ فِيهِ وَكُلُّ عُضْوٍ هُوَ عَوْرَةٌ مِنْ الْمَرْأَةِ إذَا انْفَصَلَ مِنْهَا هَلْ يَجُوزُ النَّظَرُ إلَيْهِ فِيهِ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا يَجُوزُ كَمَا يَجُوزُ النَّظَرُ إلَى رِيقِهَا وَدَمْعِهَا وَالثَّانِيَةُ لَا يَجُوزُ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَكَذَا الذَّكَرُ الْمَقْطُوعُ مِنْ الرَّجُلِ وَشَعْرُ عَانَتِهِ إذَا حَلَقَ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ. (قَوْلُهُ: وَكَشْفُ رُبْعِ سَاقِهَا يَمْنَعُ وَكَذَا الشَّعْرُ وَالْبَطْنُ وَالْفَخِذُ وَالْعَوْرَةُ الْغَلِيظَةُ) ؛ لِأَنَّ قَلِيلَ الِانْكِشَافِ عَفْوٌ عِنْدَنَا لِلضَّرُورَةِ فَإِنَّ ثِيَابَ الْفُقَرَاءِ لَا تَخْلُو عَنْ قَلِيلِ خَرْقٍ كَالنَّجَاسَةِ الْقَلِيلَةِ وَالْكَثِيرَةِ مُفْسِدٌ لِعَدَمِهَا فَاعْتُبِرَ الرُّبْعُ وَأُقِيمَ مُقَامَ الْكُلِّ احْتِيَاطًا؛ لِأَنَّ لِلرُّبْعِ شَبَهًا بِالْكُلِّ كَمَا فِي حَلْقِ رُبْعِ الرَّأْسِ فَإِنَّهُ يَجِبُ بِهِ الدَّمُ كَمَا لَوْ حَلَقَ كُلَّهُ وَأَمَّا مَا وَقَعَ فِي الْهِدَايَةِ مِنْ التَّشْبِيهِ بِمَسْحِ الرَّأْسِ فَفِيهِ إشْكَالٌ فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ الْوَاجِبُ فِيهِ مَسْحُ جَمِيعِ الرَّأْسِ؛ لِأَنَّ النَّصَّ لَمْ يَتَنَاوَلْ إلَّا الْبَعْضَ، أَمَّا فِي الْإِحْرَامِ فَالنَّصُّ تَنَاوَلَهُ كُلَّهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ} [البقرة: 196] فَأُقِيمَ رُبْعُهُ مُقَامَ كُلِّهِ أَطْلَقَ فِي الشَّعْرِ فَشَمِلَ مَا عَلَى الرَّأْسِ وَالْمُسْتَرْسِلَ وَفِي الثَّانِي خِلَافٌ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ عَوْرَةٌ وَأَرَادَ بِالْغَلِيظَةِ الْقُبُلَ وَالدُّبُرَ وَمَا حَوْلَهُمَا وَالْخَفِيفَةَ مَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَنَصَّ عَلَى الْغَلِيظَةِ لِلرَّدِّ عَلَى الْكَرْخِيِّ الْقَائِلِ بِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي الْغَلِيظَةِ مَا زَادَ عَلَى قَدْرِ الدِّرْهَمِ قِيَاسًا عَلَى النَّجَاسَةِ الْمُغَلَّظَةِ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي وَهَذَا لَيْسَ بِقَوِيٍّ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ بِهِ التَّغْلِيظَ فِي الْغَلِيظَةِ وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ تَخْفِيفٌ؛ لِأَنَّهُ اُعْتُبِرَ فِي الدُّبُرِ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ وَالدُّبُرُ لَا يَكُونُ أَكْثَرَ مِنْهُ فَهَذَا يَقْتَضِي جَوَازَ الصَّلَاةِ وَإِنْ كَانَ الْكُلُّ مَكْشُوفًا وَهُوَ تَنَاقُضٌ، وَقَدْ أَجَابَ عَنْهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهُ قَدْ قِيلَ الْغَلِيظَةُ الْقُبُلُ وَالدُّبُرُ مَعَ مَا حَوْلَهُمَا فَيَجُوزُ كَوْنُهُ اعْتَبَرَ ذَلِكَ فَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ مَا قَالُوهُ. اهـ. وَهُوَ عَجِيبٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفْهَمُ مِمَّا قِيلَ أَنَّ الْمَجْمُوعَ عُضْوٌ وَاحِدٌ بَلْ بَيَانُ الْعَوْرَةِ الْغَلِيظَةِ كَيْفَ، وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ كُلًّا مِنْ الذَّكَرِ وَالْخُصْيَتَيْنِ عُضْوٌ مُسْتَقِلٌّ وَصَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْخَانِيَّةِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُعْتَبَرُ عُضْوًا عَلَى حِدَتِهِ   [منحة الخالق] زَيْدٍ وَكَمَا يُقَالُ ظَهْرُ الْكَفِّ كَذَلِكَ يُقَالُ بَاطِنُ الْكَفِّ. اهـ. وَهُوَ وَجِيهٌ. (قَوْلُهُ: وَبُنِيَ عَلَيْهِ أَنَّ تَعَلُّمَهَا الْقُرْآنَ مِنْ الْمَرْأَةِ أَحَبُّ إلَيَّ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ فِيهِ تَدَافُعٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعْنَى التَّعَلُّمِ أَنْ تَسْمَعَ مِنْهُ فَقَطْ لَكِنْ حِينَئِذٍ لَا يَظْهَرُ الْبِنَاءُ عَلَيْهِ. اهـ. أَقُولُ: التَّدَافُعُ مَدْفُوعٌ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَعْنَى أَحَبُّ إلَى كَوْنِهِ مُخْتَارًا لِي وَذَلِكَ لَا يَسْتَلْزِمُ تَجْوِيزَ غَيْرِهِ بَلْ اخْتِيَارُهُ إيَّاهُ يَقْتَضِي عَدَمَ تَجْوِيزِ غَيْرِهِ، وَقَدْ يُقَالُ الْمُرَادُ بِالنَّغْمَةِ مَا فِيهِ تَمْطِيطٌ وَتَلْيِينٌ لَا مُجَرَّدُ الصَّوْتِ وَإِلَّا لَمَا جَازَ كَلَامُهَا مَعَ الرِّجَالِ أَصْلًا لَا فِي بَيْعٍ وَلَا غَيْرِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَلَمَّا كَانَتْ الْقِرَاءَةُ مَظِنَّةَ حُصُولِ النَّغْمَةِ مَعَهَا مُنِعَتْ مِنْ تَعَلُّمِهَا مِنْ الرَّجُلِ وَيَشْهَدُ لِمَا قُلْنَا مَا فِي إمْدَادِ الْفَتَّاحِ عَنْ خَطِّ شَيْخِهِ الْعَلَّامَةِ الْمَقْدِسِيَّ ذَكَرَ الْإِمَامُ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ فِي كِتَابِهِ فِي السَّمَاعِ وَلَا يَظُنُّ مَنْ لَا فِطْنَةَ عِنْدَهُ أَنَّا إذَا قُلْنَا صَوْتُ الْمَرْأَةِ عَوْرَةٌ أَنَّا نُرِيدُ بِذَلِكَ كَلَامَهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّا نُجِيزُ الْكَلَامَ مَعَ النِّسَاءِ الْأَجَانِبِ وَمُحَاوَرَتِهِنَّ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ وَلَا نُجِيزُ لَهُنَّ رَفْعَ أَصْوَاتِهِنَّ وَلَا تَمْطِيطَهَا وَلَا تَلْيِينَهَا وَتَقْطِيعَهَا لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ اسْتِمَالَةِ الرِّجَالِ إلَيْهِنَّ وَتَحْرِيكِ الشَّهَوَاتِ مِنْهُمْ وَمِنْ هَذَا لَمْ يَجُزْ أَنْ تُؤَذِّنَ الْمَرْأَةُ. اهـ. وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْعَوْرَةَ رَفْعُ الصَّوْتِ الَّذِي لَا يَخْلُو غَالِبًا عَنْ النَّغْمَةِ لَا مُطْلَقِ الْكَلَامِ فَلَمَّا كَانَتْ الْقِرَاءَةُ لَا تَخْلُو عَنْ ذَلِكَ قَالَ أَحَبُّ إلَيَّ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَفِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَهُوَ الَّذِي يَنْبَغِي اعْتِمَادُهُ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ يَتَغَلَّظُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى عَشْرِ سِنِينَ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَكَانَ يَنْبَغِي اعْتِبَارُ السَّبْعِ؛ لِأَنَّهُمَا يُؤْمَرَانِ بِالصَّلَاةِ إذَا بَلَغَا هَذَا السِّنَّ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ عَجِيبٌ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 فِي الدِّيَةِ فَكَذَا هُنَا لِلِاحْتِيَاطِ وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ الْكُلَّ عُضْوٌ وَاحِدٌ وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِأَنَّ الْقُبُلَ وَالدُّبُرَ عُضْوٌ وَاحِدٌ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ مُرَادَهُ أَنَّ الْقُبُلَ مَعَ مَا حَوْلَهُ عُضْوٌ وَالدُّبُرَ مَعَ مَا حَوْلَهُ عُضْوٌ، وَأَمَّا الرُّكْبَةُ مَعَ الْفَخِذِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُمَا عُضْوٌ وَاحِدٌ، كَذَا فِي التَّجْنِيسِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ؛ لِأَنَّ الرُّكْبَةَ مُلْتَقَى عَظْمِ السَّاقِ وَالْفَخِذِ فَلَيْسَتْ بِعُضْوٍ مُسْتَقِلٍّ فِي الْحَقِيقَةِ، وَإِنَّمَا جُعِلَتْ عَوْرَةً تَبَعًا لِلْفَخِذِ احْتِيَاطًا فَعَلَى هَذَا لَوْ صَلَّى وَرُكْبَتَاهُ مَكْشُوفَتَانِ وَالْفَخِذُ مُغَطًّى فَإِنَّهُ يَجُوزُ، كَذَا فِي الْمُنْيَةِ وَفِي شَرْحِهَا وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْكَعْبَ لَيْسَ بِعُضْوٍ مُسْتَقِلٍّ بَلْ هُوَ مَعَ السَّاقِ عُضْوٌ وَاحِدٌ فَعَلَى هَذَا إنَّمَا يُمْنَعُ رُبْعُ السَّاقِ مَعَ رُبْعِ الْكَعْبِ أَوْ مِقْدَارُ رُبْعِهِمَا وَالدُّبُرُ عُضْوٌ وَاحِدٌ وَكُلُّ أَلْيَةٍ عُضْوٌ وَاحِدٌ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَكُلُّ أُذُنٍ عُضْوٌ عَلَى حِدَةٍ وَثَدْيُ الْمَرْأَةِ إنْ كَانَتْ نَاهِدَةً فَهِيَ تَبَعٌ لِصَدْرِهَا وَإِنْ كَانَتْ مُنْكَسِرَةً فَهِيَ أَصْلٌ بِنَفْسِهَا وَالنَّاهِدَةُ بِمَعْنَى النَّافِرَةِ مِنْ الصَّدْرِ غَيْرُ مُسْتَرْخِيَةٍ وَالثَّدْيُ يَذَّكَّرُ وَيُؤَنَّثُ وَالتَّذْكِيرُ أَشْهَرُ وَلَمْ يُذْكَرْ فِي الْمُغْرِبِ سِوَى التَّذْكِيرِ وَمَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالْعَانَةِ عُضْوٌ وَالْمُرَادُ مِنْهُ حَوْلَ جَمِيعِ الْبَدَنِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَفِي الزِّيَادَاتِ امْرَأَةٌ صَلَّتْ فَانْكَشَفَ شَيْءٌ مِنْ فَخِذِهَا وَشَيْءٌ مِنْ سَاقِهَا وَشَيْءٌ مِنْ صَدْرِهَا وَشَيْءٌ مِنْ عَوْرَتِهَا الْغَلِيظَةِ وَلَوْ جُمِعَ بَلَغَ رُبْعَ عُضْوٍ صَغِيرٍ مِنْهَا لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهَا؛ لِأَنَّ جَمِيعَ الْأَعْضَاءِ عِنْدَ الِانْكِشَافِ كَعُضْوٍ وَاحِدٍ فَيُجْمَعُ كَالنَّجَاسَةِ الْمُتَفَرِّقَةِ فِي مَوَاضِعَ وَالطِّيبِ لِلْمُحْرِمِ فِي مَوَاضِعَ بِخِلَافِ الْخُرُوقِ كَمَا قَدَّمْنَا فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَذَكَرَ الشَّارِحُ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ بِالْأَجْزَاءِ وَإِلَّا يُمْنَعُ الْقَلِيلُ فَلَوْ انْكَشَفَ نِصْفُ ثُمُنِ الْفَخِذِ وَنِصْفُ ثُمُنِ الْأُذُنِ وَذَلِكَ يَبْلُغُ رُبْعَ الْأُذُنِ أَوْ أَكْثَرَ لَا رُبْعَ جَمِيعِ الْعَوْرَةِ الْمُنْكَشِفَةِ لَا تَبْطُلُ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يُنْظَرُ إلَى مَجْمُوعِ الْأَعْضَاءِ الْمُنْكَشِفَةِ بَعْضُهَا وَإِلَى مَجْمُوعِ الْمُنْكَشِفِ، فَإِنْ بَلَغَ مَجْمُوعُ الْمُنْكَشِفِ رُبْعَ مَجْمُوعِ الْأَعْضَاءِ مُنِعَ وَإِلَّا فَلَا وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ مُحَمَّدٍ فِي الزِّيَادَاتِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ حَيْثُ قَالَ إذَا صَلَّتْ وَانْكَشَفَ شَيْءٌ مِنْ شَعْرِهَا وَشَيْءٌ مِنْ ظَهْرِهَا وَشَيْءٌ مِنْ فَرْجِهَا إنْ كَانَ بِحَالِ لَوْ جُمِعَ بَلَغَ الرُّبْعَ مُنِعَ وَإِلَّا فَلَا ثُمَّ قَالَ الزَّاهِدِيُّ وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ بَلَغَ رُبْعَ أَصْغَرِهَا أَمْ أَكْبَرِهَا وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِابْنِ الْمَلَكِ اعْلَمْ أَنَّ انْكِشَافَ مَا دُونَ الرُّبْعِ مَعْفُوٌّ إذَا كَانَ فِي عُضْوٍ   [منحة الخالق] أَيْ مَا أَجَابَ بِهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ؛ لِأَنَّ مَا نَقَلَهُ مِنْ الْقِيلِ بَيَانٌ لِلْعَوْرَةِ الْغَلِيظَةِ وَذَلِكَ لَا يَقْتَضِي أَنَّ الْمَجْمُوعَ عُضْوٌ وَاحِدٌ إذْ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ أَنَّ الْقُبُلَ وَالدُّبُرَ عُضْوٌ وَاحِدٌ. (قَوْلُهُ: وَذَكَرَ الشَّارِحُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ بَعْدَ ذِكْرِهِ عِبَارَةَ الشَّارِحِ الزَّيْلَعِيِّ وَأَقَرَّهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَغَيْرِهِ قَالَ فِي عِقْدِ الْفَرَائِدِ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ فَهِمَ أَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ الْمُفْسِدَ إنَّمَا هُوَ رُبْعُ الْمُنْكَشِفِ وَهَذَا خُلْفٌ؛ لِأَنَّ الْمُفْسِدَ إنَّمَا يَكُونُ كَذَلِكَ إذَا كَانَ الِانْكِشَافُ فِي عُضْوٍ وَاحِدٍ وَثَمَّةَ يُعْتَبَرُ بِالْأَجْزَاءِ كَمَا إذَا انْكَشَفَ مِنْ فَخِذِهِ مَوَاضِعُ مُتَعَدِّدَةٌ، وَأَمَّا فِي صُورَتِنَا فَالِانْكِشَافُ حَصَلَ فِي أَعْضَاءٍ مُتَعَدِّدَةٍ كُلٌّ مِنْهَا عَوْرَةٌ وَالِاحْتِيَاطُ فِي اعْتِبَارِ أَدْنَاهَا لِأَنَّ بِهِ يُوجَدُ الْمَانِعُ فَيُنْظَرُ إلَى مِقْدَارِ الْمُنْكَشِفِ مِنْ جَمِيعِهَا، فَإِنْ بَلَغَ رُبْعَ أَصْغَرِهَا أَفْسَدَ احْتِيَاطًا وَإِلَّا لَزِمَ صِحَّةُ الصَّلَاةِ مَعَ انْكِشَافِ رُبْعِ عَوْرَةٍ مِنْ الْمُنْكَشِفِ وَهُوَ خِلَافُ الْقَاعِدَةِ الَّتِي نَقَلَهَا عَنْ مُحَمَّدٍ وَهَذَا لَازِمٌ عَلَى الِاعْتِبَارِ بِالْأَجْزَاءِ وَلَا قَائِلَ بِهِ. اهـ. وَإِذَا تَحَقَّقَتْ هَذَا ظَهَرَ لَك أَنَّ مَا قَالَهُ ابْنُ الْمَلَكِ مُوَافِقٌ لِمَا فِي الزِّيَادَاتِ وَقَوْلُهُ فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ تَفْصِيلٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ مَمْنُوعٌ، وَقَدْ قَالَ بَدِيعُ الدِّينِ: إنَّ مَا فِي الزِّيَادَاتِ نَصَّ عَلَى أَمْرَيْنِ النَّاسُ عَنْهُمَا غَافِلُونَ: أَحَدُهُمَا - أَنْ لَا يُقَيَّدَ الْجَمْعُ بِالْأَجْزَاءِ كَالْأَسْدَاسِ وَالْأَتْسَاعِ بَلْ بِالْقَدْرِ. وَالثَّانِي - أَنَّ الْمَكْشُوفَ مِنْ الْكُلِّ وَلَوْ كَانَ قَدْرَ رُبْعِ أَصْغَرِ الْأَعْضَاءِ مَنَعَ. اهـ. وَفِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ فَتَحَرَّرَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ رُبْعُ أَدْنَى عُضْوٍ انْكَشَفَ بَعْضُهُ لَا أَدْنَى عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهَا وَلَوْ لَمْ يَنْكَشِفْ مِنْهُ شَيْءٌ كَمَا تُوهِمُهُ عِبَارَةُ دُرَرِ الْبِحَارِ فَلْيُتَدَبَّرْ وَأَنَّ مَا فِي الْفَتْحِ مِنْ أَنَّهُ يَجْمَعُ الْمُتَفَرِّقَ مِنْ الْعَوْرَةِ وَشَرْحِ الْكَنْزِ لَيْسَ الْمَذْهَبُ كَمَا تَرَى وَعَلَى الْمَذْهَبِ مَا فِي شَرْحِ ابْنِ مَالِكٍ مَعْزِيًّا إلَى شَرْحِ الزِّيَادَاتِ ثُمَّ نَقَلَ عِبَارَةَ ابْنِ الشِّحْنَةِ مِنْ قَوْلِهِ وَفِيهِ أَيْ فِيمَا ذَكَرَهُ فِي الزِّيَادَاتِ وَمَا نَقَلَهُ بَدِيعُ الدِّينِ نَفْيٌ لِمَا ذَكَرَهُ شَارِحُ الْكَنْزِ إلَى أَنْ قَالَ وَالْعَجَبُ مِنْ شَيْخِنَا يَعْنِي ابْنَ الْهُمَامِ كَيْفَ تَبِعَهُ عَلَيْهِ وَأَقَرَّهُ مَعَ أَنَّهُ خِلَافُ مَنْصُوصِ مُحَمَّدٍ وَقَوْلُهُمْ إنَّ جَمِيعَ الْأَعْضَاءِ فِي الِانْكِشَافِ كَعُضْوٍ وَاحِدٍ الْمُرَادُ بِهِ فِي اعْتِبَارِ الْجَمْعِ لَا فِي اعْتِبَارِ رُبْعِ مَجْمُوعِهَا فَتَأَمَّلْهُ مُمْعِنًا فِيهِ النَّظَرَ وَاَللَّهُ تَعَالَى الْهَادِي إلَى الصَّوَابِ. اهـ. قُلْتُ: وَنَصُّ عِبَارَةِ الزِّيَادَاتِ عَلَى مَا فِي الْقُنْيَةِ انْكَشَفَ مِنْ شَعْرِهَا شَيْءٌ فِي صَلَاتِهَا وَمِنْ فَخِذِهَا شَيْءٌ وَمِنْ سَاقِهَا شَيْءٌ وَمِنْ ظَهْرِهَا وَمِنْ بَطْنِهَا فَلَوْ جُمِعَ يَكُونُ قَدْرُ رُبْعِ شَعْرِهَا أَوْ رُبْعِ سَاقِهَا أَوْ رُبْعِ فَخِذِهَا لَمْ تُجْزِهَا صَلَاتُهَا؛ لِأَنَّ كُلَّهَا عَوْرَةٌ وَاحِدَةٌ. اهـ. قَالَ فِي الْقُنْيَةِ وَهَذَا نَصٌّ عَلَى أَمْرَيْنِ النَّاسُ عَنْهُمَا غَافِلُونَ: أَحَدُهُمَا - أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ الْجَمْعُ بِالْأَجْزَاءِ كَالْأَسْدَاسِ وَالْأَسْبَاعِ وَالْأَتْسَاعِ بَلْ بِالْقَدْرِ. وَالثَّانِي - أَنَّ الْمَكْشُوفَ مِنْ الْكُلِّ لَوْ كَانَ قَدْرَ رُبْعِ أَصْغَرِهَا مِنْ الْأَعْضَاءِ الْمَكْشُوفَةِ يَمْنَعُ الْجَوَازَ حَتَّى لَوْ انْكَشَفَ مِنْ الْأُذُنِ تُسْعُهَا وَمِنْ السَّاقِ تُسْعُهَا تُمْنَعُ؛ لِأَنَّ الْمَكْشُوفَ قَدْرُ رُبْعِ الْأُذُنِ. اهـ. وَنَقَلَ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ عِبَارَةً لِلْقُنْيَةِ ثُمَّ قَالَ: إنَّ الْأَمْرَ الثَّانِيَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الْمُحِيطِ الرَّضَوِيِّ نَقْلًا مِنْ الزِّيَادَاتِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 وَاحِدٍ وَإِنْ كَانَ فِي عُضْوَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ وَجَمَعَ بَلَغَ رُبْعَ أَدْنَى عُضْوٍ مِنْهَا يَمْنَعُ جَوَازَ الصَّلَاةِ. اهـ. وَهُوَ تَفْصِيلٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ فَإِنَّ الدَّلِيلَ اقْتَضَى اعْتِبَارَ الرُّبْعِ سَوَاءٌ كَانَ فِي عُضْوٍ وَاحِدٍ أَوْ عُضْوَيْنِ وَأَطْلَقَ فِي الْمَنْعِ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ فِي الزَّمَنِ الْكَثِيرِ لِمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الْحَاصِلُ أَنَّ الِانْكِشَافَ الْكَثِيرَ فِي الزَّمَنِ الْقَلِيلِ لَا يُفْسِدُ وَالِانْكِشَافُ الْقَلِيلُ فِي الزَّمَنِ الْكَثِيرِ أَيْضًا لَا يُفْسِدُ وَالْمُفْسِدُ الِانْكِشَافُ الْكَثِيرُ فِي الزَّمَنِ الْكَثِيرِ، وَقَدْرُ الْكَثِيرِ مَا يُؤَدَّى فِيهِ رُكْنٌ وَالْقَلِيلُ دُونَهُ فَلَوْ انْكَشَفَ فَغَطَّاهَا فِي الْحَالِ لَا تَفْسُدُ إنْ لَمْ يَكُنْ بِفِعْلِهِ وَإِنْ كَانَ بِفِعْلِهِ فَسَدَتْ فِي الْحَالِ عِنْدَهُمْ، كَذَا فِي الْقُنْيَةِ وَهُوَ تَقْيِيدٌ غَرِيبٌ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ اعْتَبَرَ أَدَاءَ الرُّكْنِ حَقِيقَةً، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ قَامَ فِي صَفِّ النِّسَاءِ لِلِازْدِحَامِ أَوْ قَامَ عَلَى نَجَاسَةٍ مَانِعَةٍ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِالْمَنْعِ دُونَ الْفَسَادِ لِيَشْمَلَ مَا إذَا أَحْرَمَ مَكْشُوفَ الْعَوْرَةِ فَإِنَّهُ مَانِعٌ مِنْ الِانْعِقَادِ وَمَا إذَا انْكَشَفَ بَعْدَ الْإِحْرَامِ فَإِنَّهُ يَمْنَعُ صِحَّتَهَا، وَحُكْمُ النَّجَاسَةِ الْمَانِعَةِ كَالِانْكِشَافِ الْمَانِعِ وَتَفَرَّعَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مَا فِي الْمُحِيطِ أَمَةٌ صَلَّتْ بِغَيْرِ قِنَاعٍ فَرَعَفَتْ، ثُمَّ أُعْتِقَتْ فَتَوَضَّأَتْ، ثُمَّ تَقَنَّعَتْ وَعَادَتْ إلَى الصَّلَاةِ جَازَتْ؛ لِأَنَّهَا مَا أَدَّتْ شَيْئًا مِنْ الصَّلَاةِ مَعَ كَشْفِ الْعَوْرَةِ وَإِنْ عَادَتْ، ثُمَّ تَقَنَّعَتْ فَسَدَتْ؛ لِأَنَّهَا أَدَّتْ شَيْئًا مِنْ الصَّلَاةِ مَعَ الْكَشْفِ. (قَوْلُهُ: وَالْأَمَةُ كَالرَّجُلِ وَظَهْرُهَا وَبَطْنُهَا عَوْرَةٌ) ؛ لِأَنَّهَا مَحَلُّ الشَّهْوَةِ دُونَهُ وَكُلٌّ مِنْ الظَّهْرِ وَالْبَطْنِ مَوْضِعٌ مُشْتَهًى وَمَا عَدَا هَذِهِ الْجُمْلَةِ مِنْهَا لَيْسَ بِعَوْرَةٍ سَوَاءٌ كَانَ رَأْسًا أَوْ كَتِفًا أَوْ سَاقًا لِلْحَرَجِ، وَقَدْ أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ ضَرَبَ أَمَةً مُتَقَنَّعَةً وَقَالَ اكْشِفِي رَأْسَك لَا تَتَشَبَّهِي بِالْحَرَائِرِ فِي تَوْضِيحِ الْمَالِكِيَّةِ، فَإِنْ قِيلَ لِمَ مَنَعَ عُمَرُ الْإِمَاءَ مِنْ التَّشَبُّهِ بِالْحَرَائِرِ فَجَوَابُهُ أَنَّ السُّفَهَاءَ جَرَتْ عَادَتُهُمْ بِالتَّعَرُّضِ لِلْإِمَاءِ فَخَشِيَ عُمَرُ أَنْ يَلْتَبِسَ الْأَمْرُ فَيَتَعَرَّضَ السُّفَهَاءُ لِلْحَرَائِرِ فَتَكُونُ الْفِتْنَةُ أَشَدَّ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ} [الأحزاب: 59] أَيْ يَتَمَيَّزْنَ بِعَلَامَتِهِنَّ عَنْ غَيْرِهِنَّ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُكْرَهُ لِلْأَمَةِ سِتْرُ جَمِيعِ بَدَنِهَا وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ يُسْتَحَبُّ لَهَا ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ وَلَمْ أَرَهُ لِأَئِمَّتِنَا بَلْ هُوَ مَنْقُولُ الشَّافِعِيَّةِ كَمَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ وَالْأَمَةُ فِي اللُّغَةِ خِلَافُ الْحُرَّةِ، كَذَا فِي الصِّحَاحِ فَلِهَذَا أَطْلَقَهَا لِيَشْمَلَ الْقِنَّةَ وَالْمُدَبَّرَةَ وَالْمُكَاتَبَةَ وَالْمُسْتَسْعَاةَ وَأُمَّ الْوَلَدِ وَعِنْدَهُمَا الْمُسْتَسْعَاةُ حُرَّةٌ وَالْمُرَادُ بِالْمُسْتَسْعَاةِ مُعْتَقَةُ الْبَعْضِ، وَأَمَّا الْمُسْتَسْعَاةُ الْمَرْهُونَةُ إذَا أَعْتَقَهَا الرَّاهِنُ وَهُوَ مُعْسِرٌ فَهِيَ حُرَّةٌ اتِّفَاقًا، وَقَدْ وَقَعَ تَرَدُّدٌ فِي بَعْضِ الدُّرُوسِ فِي الْجَنْبِ هَلْ هُوَ عَوْرَةٌ أَوْ لَا فَذَكَرْت أَنَّهُ عَوْرَةٌ، ثُمَّ رَأَيْته فِي الْقُنْيَةِ قَالَ الْجَنْبُ تَبَعُ الْبَطْنِ وَالْأَوْجَهُ أَنَّ مَا يَلِي الْبَطْنَ تَبَعٌ لَهُ. اهـ. وَلَوْ أُعْتِقَتْ وَهِيَ فِي الصَّلَاةِ مَكْشُوفَةَ الرَّأْسِ وَنَحْوَهُ فَسَتَرَتْهُ بِعَمَلٍ قَلِيلٍ قَبْلَ أَدَاءِ رُكْنٍ جَازَتْ لَا بِكَثِيرٍ أَوْ بَعْدَ رُكْنٍ، كَذَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ وَقَيَّدَهُ الشَّارِحُ بِأَنْ تُؤَدِّيَ رُكْنًا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَقَدْرُ الْكَثِيرِ مَا يُؤَدَّى فِيهِ رُكْنٌ) أَيْ بِسُنَّتِهِ كَمَا قَيَّدَهُ فِي الْمُنْيَةِ قَالَ شَارِحُهَا ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ أَيْ بِمَا لَهُ مِنْ السُّنَّةِ أَيْ بِمَا هُوَ مَشْرُوعٌ فِيهِ مِنْ الْكَمَالِ السُّنِّيِّ كَالتَّسْبِيحَاتِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ مَثَلًا وَهُوَ تَقْيِيدٌ غَرِيبٌ وَوَجْهُهُ قَرِيبٌ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى التَّقْيِيدِ بِكَوْنِهِ قَصِيرًا أَوْ طَوِيلًا. اهـ. أَيْ تَقْيِيدُ الرُّكْنِ أَيْ هَلْ الْمُرَادُ مِنْهُ قَدْرُ رُكْنٍ طَوِيلٍ بِسُنَّتِهِ كَالْقُعُودِ الْأَخِيرِ أَوْ الْقِيَامِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى قِرَاءَةِ الْمَسْنُونِ أَوْ قَدْرِ رُكْنٍ قَصِيرٍ كَالرُّكُوعِ أَوْ السُّجُودِ بِسُنَّتِهِ أَيْ قَدْرُ ثَلَاثِ تَسْبِيحَاتٍ وَبِالثَّانِي جَزَمَ الْبُرْهَانُ إبْرَاهِيمُ الْحَلَبِيُّ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ حَيْثُ قَالَ وَذَلِكَ مِقْدَارُ ثَلَاثِ تَسْبِيحَاتٍ. اهـ. فَأَفَادَ أَنَّ الْمُرَادَ أَقْصَرُ رُكْنٍ وَكَأَنَّهُ؛ لِأَنَّهُ الْأَحْوَطُ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ تَقْيِيدٌ غَرِيبٌ) فِيهِ أَنَّهُ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الْخَانِيَّةِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْحِلْيَةِ لِابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ وَذَكَرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْبَدَائِعِ وَالذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْإِطْلَاقِ وَلَكِنَّ الْأَشْبَهَ تَخْصِيصُهُ بِمَا إذَا لَمْ يَتَعَمَّدْ ثُمَّ قَالَ نَعَمْ قَدْ تَدْعُو إلَى التَّعَمُّدِ ضَرُورَةً فِي الْجُمْلَةِ فَيُغْتَفَرُ ذَلِكَ التَّعَمُّدُ بِسَبَبِهَا حَتَّى يَكُونَ كَلَا تَعَمُّدٍ بِنَاءً عَلَى مَا يَظْهَرُ مِنْ الْخُلَاصَةِ حَيْثُ قَالَ رَجُلٌ زَحَمَهُ النَّاسُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَخَافَ أَنْ يُضَيِّعَ نَعْلَهُ فَرَفَعَهَا وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ وَكَانَ فِيهَا قَذَرٌ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ فَقَامَ وَالنَّعْلُ فِي يَدِهِ ثُمَّ وَضَعَهَا لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ حَتَّى يَرْكَعَ رُكُوعًا تَامًّا أَوْ رُكْنًا آخَرَ وَالنَّعْلُ فِي يَدِهِ. اهـ. قَالَ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا فَسَادَ إذَا لَمْ يُؤَدِّ رُكْنًا بِنَاءً عَلَى ضَرُورَةِ تَرْكِ التَّعَمُّدِ فِيهَا بِمَنْزِلَةِ عَدَمِهِ وَهِيَ خَوْفُ ضَيَاعِ النَّعْلِ فَعَدَمُ الْفَسَادِ عَلَى قَوْلِ الْكُلِّ (قَوْلُهُ: ثُمَّ رَأَيْته فِي الْقُنْيَةِ إلَخْ) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ الْجَنْبُ كَمَا فِي الْقَامُوسِ شِقُّ الْإِنْسَانِ. اهـ. فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ اسْمٌ لِمَا بَيْنَ الْإِبْطِ وَالْوَرِكِ فَمَعْنَى كَلَامِ الْقُنْيَةِ أَنَّ مَا يَلِي الْبَطْنَ تَبَعٌ لِلْبَطْنِ وَمَا لَمْ يَلِ الْبَطْنَ بِأَنْ وَلِيَ الصَّدْرَ فَتَبَعٌ لِلظَّهْرِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الظَّهْرَ أَعْلَى مِنْ الْبَطْنِ؛ لِأَنَّ الْبَطْنَ مَا لَانَ وَالصَّدْرُ قَفَصُ الْعِظَامِ وَالظَّهْرُ يُحَاذِيهِمَا غَايَتُهُ أَنَّ الْكَتِفَيْنِ غَيْرُ دَاخِلَيْنِ فِي الظَّهْرِ فَلَيْسَا بِعَوْرَةٍ. اهـ. أَقُولُ: وَهُوَ صَرِيحُ عِبَارَةِ الْقُنْيَةِ فَإِنَّهُ قَالَ الْأَوْجَهُ أَنَّ مَا يَلِي الْبَطْنَ تَبَعٌ لَهُ وَمَا يَلِي الظَّهْرَ تَبَعٌ لَهُ وَلَكِنْ نُقِلَ أَوَّلَ الْبَابِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ الْجَنْبَ عُضْوٌ مُسْتَقِلٌّ فَإِنَّهُ قَالَ رَفَعَتْ يَدَيْهَا لِلشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ فَانْكَشَفَ مِنْ كُمَّيْهَا رُبْعُ بَطْنِهَا أَوْ جَنْبِهَا لَا يَصِحُّ شُرُوعُهَا تَأَمَّلْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْعِتْقِ فَشَرَطَ عِلْمَهَا تَبَعًا لِمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالْمُصَرَّحُ بِهِ فِي الْمُجْتَبَى أَنَّهَا لَوْ صَلَّتْ شَهْرًا بِغَيْرِ قِنَاعٍ، ثُمَّ عَلِمَتْ بِالْعِتْقِ مُنْذُ شَهْرٍ تُعِيدُهَا، وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خان إذَا انْكَشَفَتْ عَوْرَتُهُ وَأَدَّى رُكْنًا مَعَهُ فَسَدَتْ عَلِمَ بِذَلِكَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ وَذَكَرَ نَحْوَهُ مَسَائِلَ كَثِيرَةً وَهَذَا أَنَّ الْمَنْطُوقَانِ أَوْجَهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَفْهُومِ الْمُخَالِفِ وَفِي عُدَّةِ الْفَتَاوَى رَجُلٌ مَاتَ بِمَكَّةَ فَلَزِمَ امْرَأَةً أَنْ تُعِيدَ صَلَاةَ سَنَةٍ فَقُلْ هُوَ رَجُلٌ عَلَّقَ عِتْقَ جَارِيَتِهِ بِمَوْتِهِ فَمَاتَ بِمَكَّةَ وَهِيَ لَمْ تَعْلَمْ بِمَوْتِهِ وَصَلَّتْ مَكْشُوفَةَ الرَّأْسِ فَإِنَّهَا تُعِيدُ الصَّلَاةَ مِنْ وَقْتِ مَوْتِهِ. اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ بِخِلَافِ الْعَارِي إذَا وَجَدَ الْكِسْوَةَ فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الِاسْتِقْبَالُ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ السِّتْرُ بِسَبَبٍ سَابِقٍ عَلَى الشُّرُوعِ وَهُوَ كَشْفُ الْعَوْرَةِ وَهُوَ مُتَحَقِّقٌ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَلَمَّا تَوَجَّهَ إلَيْهِ الْخِطَابُ بِالسِّتْرِ فِي الصَّلَاةِ اسْتَنَدَ إلَى سَبَبِهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ تَوَجَّهَ إلَيْهِ قَبْلَ الصَّلَاةِ، وَقَدْ تَرَكَهُ بِخِلَافِهَا إذْ الْعِتْقُ سَبَبُ خِطَابِهَا بِالسِّتْرِ، وَقَدْ وُجِدَ حَالَةَ الصَّلَاةِ، وَقَدْ سَتَرَتْ كَمَا قَدَرَتْ وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ عَاجِزَةً عَنْ السِّتْرِ فَلَمْ تَسْتَتِرْ كَالْحُرَّةِ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهَا وَهُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي مَعْزِيًّا إلَى الْبَدَائِعِ وَفِي شَرْحِ السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ الْخُنْثَى إذَا كَانَ رَقِيقًا فَعَوْرَتُهُ عَوْرَةُ الْأَمَةِ وَإِنْ كَانَ حُرًّا أَمَرْنَاهُ أَنْ يَسْتُرَ جَمِيعَ بَدَنِهِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ امْرَأَةً، فَإِنْ سَتَرَ مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ إلَى رُكْبَتِهِ وَصَلَّى قَالَ بَعْضُهُمْ تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ امْرَأَةً، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ رَجُلًا. فَرْعٌ حَسَنٌ لَمْ أَرَهُ مَنْقُولًا لِأَئِمَّتِنَا وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ إذَا قَالَ لِأَمَتِهِ إنْ صَلَّيْت صَلَاةً صَحِيحَةً فَأَنْت حُرَّةٌ قَبْلَهَا فَصَلَّتْ مَكْشُوفَةَ الرَّأْسِ إنْ كَانَ فِي حَالِ عَجْزِهَا عَنْ سِتْرِهِ صَحَّتْ صَلَاتُهَا وَعَتَقَتْ وَإِنْ كَانَتْ قَادِرَةً عَلَى السِّتْرِ صَحَّتْ صَلَاتُهَا وَلَا تُعْتَقُ؛ لِأَنَّهَا لَوْ عَتَقَتْ لَصَارَتْ حُرَّةً قَبْلَ الصَّلَاةِ وَحِينَئِذٍ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهَا مَكْشُوفَةَ الرَّأْسِ وَإِذَا لَمْ تَصِحَّ لَا تُعْتَقُ فَإِثْبَاتُ الْعِتْقِ يُؤَدِّي إلَى بُطْلَانِهِ وَبُطْلَانِ الصَّلَاةِ فَبَطَلَ وَصَحَّتْ الصَّلَاةُ. اهـ. وَسَيَأْتِي فِي الطَّلَاقِ أَنَّ الرَّاجِحَ فِي مَسْأَلَةِ الدَّوْرِ وَهِيَ إنْ طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا قَبْلَهُ أَنْ يَلْغُوَ قَوْلُهُ قَبْلَهُ، وَإِذَا طَلَّقَهَا وَقَعَ الثَّلَاثُ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فَمُقْتَضَاهُ هُنَا أَنْ يَلْغُوَ قَوْلُهُ قَبْلَهَا وَيَقَعُ الْعِتْقُ كَمَا لَا يَخْفَى. (قَوْلُهُ: وَلَوْ وَجَدَ ثَوْبًا رُبْعَهُ طَاهِرٌ وَصَلَّى عَارِيًّا لَمْ يَجُزْ) لِأَنَّ رُبْعَ الشَّيْءِ يَقُومُ مَقَامَ كُلِّهِ فَيُجْعَلُ كَأَنَّ كُلَّهُ طَاهِرٌ فِي مَوْضِعِ الضَّرُورَةِ فَيُفْتَرَضُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ فِيهِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَحِلَّهُ مَا إذَا لَمْ يَجِدْ مَا يُزِيلُ بِهِ النَّجَاسَةَ وَلَا مَا يُقَلِّلُهَا، فَإِنْ وَجَدَ فِي الصُّورَتَيْنِ وَجَبَ اسْتِعْمَالُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا وَجَدَ مَاءً يَكْفِي بَعْضَ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ وَلَا يَجِبُ اسْتِعْمَالُهُ كَمَا عُرِفَ فِي بَابِهِ وَعُلِمَ حُكْمُ مَا إذَا كَانَ الْأَكْثَرُ مِنْ الرُّبْعِ طَاهِرًا بِالْأَوْلَى. (قَوْلُهُ: وَخُيِّرَ إنْ طَهُرَ أَقَلُّ مِنْ رُبْعِهِ) يَعْنِي بَيْنَ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ وَهُوَ الْأَفْضَلُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِتْيَانِ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَسِتْرِ الْعَوْرَةِ وَبَيْنَ أَنْ يُصَلِّيَ عُرْيَانًا قَاعِدًا يُومِئُ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَهُوَ يَلِي الْأَوَّلَ فِي الْفَضْلِ لِمَا فِيهِ مِنْ سِتْرِ الْعَوْرَةِ الْغَلِيظَةِ وَبَيْنَ أَنْ يُصَلِّيَ قَائِمًا عُرْيَانًا بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ وَهُوَ دُونَهُمَا فِي الْفَضْلِ وَفِي مُلْتَقَى الْبِحَارِ إنْ شَاءَ صَلَّى عُرْيَانًا بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَوْ مُومِئًا بِهِمَا إمَّا قَاعِدًا وَإِمَّا قَائِمًا فَهَذَا نَصٌّ عَلَى جَوَازِ الْإِيمَاءِ قَائِمًا، وَظَاهِرُ الْهِدَايَةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَعَلَى الْأَوَّلِ الْمُخَيَّرُ فِيهِ أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الرَّابِعُ دُونَ الثَّالِثِ فِي الْفَضْلِ وَإِنْ كَانَ سِتْرُ الْعَوْرَةِ فِيهِ أَكْثَرَ لِلِاخْتِلَافِ فِي صِحَّتِهِ وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَيْسَ بِمُخَيَّرٍ وَلَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ إلَّا فِي الثَّوْبِ؛ لِأَنَّ خِطَابَ التَّطْهِيرِ سَقَطَ عَنْهُ لِعَجْزِهِ وَلَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ خِطَابُ السِّتْرِ لِقُدْرَتِهِ عَلَيْهِ فَصَارَ كَالطَّاهِرِ فِي حَقِّهِ وَلَهُمَا أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ هُوَ السِّتْرُ بِالطَّاهِرِ فَإِذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ سَقَطَ فَيَمِيلُ إلَى   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: أَوْجَهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَفْهُومِ) أَيْ مَفْهُومِ قَوْلِ الزَّيْلَعِيِّ بَعْدَ الْعِلْمِ. (قَوْلُهُ: وَفِي الْمُحِيطِ بِخِلَافِ الْعَارِي إلَخْ) يَعْنِي حُكْمَ الْأَمَةِ فِيمَا إذَا أُعْتِقَتْ فِي الصَّلَاةِ فَتَقَنَّعَتْ مِنْ سَاعَتِهَا حَيْثُ لَمْ تَبْطُلْ بِخِلَافِ الْعَارِي إذَا وَجَدَ السَّاتِرَ فَإِنَّهَا تَبْطُلُ بِمُجَرَّدِ وِجْدَانِهِ لَهُ. (قَوْلُهُ: فَهَذَا نَصٌّ عَلَى جَوَازِ الْإِيمَاءِ قَائِمًا) وَفِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ قَالَ وَنُقِلَ عَنْ فَتَاوَى الزَّاهِدِيِّ أَنَّهُ يُصَلِّي قَائِمًا يُومِئُ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَمُقْتَضَى مَا فِي الْمَنْبَعِ أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْإِيمَاءِ قَائِمًا وَقَاعِدًا وَتَبِعَهُ ابْنُ مَالِكٍ وَفِي الْمِفْتَاحِ أَوْمَأَ الْقَائِمُ أَوْ رَكَعَ أَوْ سَجَدَ الْقَاعِدُ جَازَ. اهـ. قُلْتُ: وَمَا فِي النَّهْرِ مِنْ قَوْلِهِ وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ مَنْعُهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تَحْرِيفٌ مِنْ النَّاسِخِ وَالْأَصْلِ وَظَاهِرُ الْهِدَايَةِ كَمَا عَبَّرَ فِي الْبَحْرِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ النَّهْرِ بَعْدُ كَمَا مَرَّ عَنْ الْهِدَايَةِ تَنَبَّهْ. وَالْحَاصِلُ عَلَى هَذَا أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ خَمْسَةِ أَشْيَاءَ صَلَاتِهِ بِهِ قَائِمًا بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ ثُمَّ عُرْيَانًا قَاعِدًا مُومِئًا ثُمَّ عُرْيَانًا قَاعِدًا بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ ثُمَّ عُرْيَانًا قَائِمًا بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ ثُمَّ عُرْيَانًا قَائِمًا مُومِئًا وَالْأَفْضَلِيَّةُ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ. (قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الرَّابِعُ دُونَ الثَّالِثِ فِي الْفَضْلِ) مُرَادُهُ بِالرَّابِعِ الْإِيمَاءُ قَائِمًا وَبِالثَّالِثِ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ وَبَيْنَ أَنْ يُصَلِّيَ قَائِمًا عُرْيَانًا بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ وَسَمَّاهُ رَابِعًا؛ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ مِنْ نَقْلِ عِبَارَةِ مُلْتَقَى الْبِحَارِ زِيَادَةً عَلَى الثَّلَاثَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا أَوَّلًا وَلِيُشِيرَ إلَى مَا فِيهَا مِنْ الْخِلَافِ نَعَمْ عِبَارَةُ الْمُلْتَقَى تُفِيدُ صُورَةً أُخْرَى غَيْرَ مَا ذَكَرَهُ أَوَّلًا وَهِيَ صَلَاتُهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 أَيِّهِمَا شَاءَ وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَخُيِّرَ إنْ طَهُرَ الْأَقَلُّ أَوْ كَانَ كُلُّهُ نَجِسًا لَكَانَ أَفْوَدَ إذْ الْحُكْمُ كَذَلِكَ مَذْهَبًا وَخِلَافًا كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا أَوْ اقْتَصَرَ عَلَى الثَّانِي لِيُفْهَمَ مِنْهُ الْأَوَّلُ بِالْأَوْلَى لَكَانَ أَوْلَى وَفِي الْأَسْرَارِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ أَحْسَنُ بِخِلَافٍ مَا لَوْ لَمْ يَجِدْ إلَّا جِلْدَ مَيْتَةٍ غَيْرَ مَدْبُوغٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتُرَ بِهِ عَوْرَتَهُ وَلَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُ فِيهِ؛ لِأَنَّ نَجَاسَةَ الْبَوْلِ أَوْ الدَّمِ أَوْ نَحْوِهِمَا فِي الثَّوْبِ كُلِّهِ تَزُولُ بِالْمَاءِ وَنَجَاسَةَ الْجِلْدِ لَا يُزِيلُهَا الْمَاءُ فَكَانَتْ أَغْلَظَ. وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَعَهُ ثَوْبَانِ رُبْعُ أَحَدِهِمَا طَاهِرٌ وَالْآخَرُ أَقَلُّ مِنْ الرُّبْعِ فَإِنَّهُ يُصَلِّي فِي الَّذِي رُبْعُهُ طَاهِرٌ وَلَا يَجُوزُ عَكْسُهُ لِمَا أَنَّ طَهَارَةَ الرُّبْعِ كَطَهَارَةِ الْكُلِّ وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ نَجَاسَةَ أَحَدِهِمَا لَوْ كَانَتْ قَدْرَ الرُّبْعِ وَالْآخَرُ أَقَلُّ وَجَبَ أَنْ يُصَلِّيَ فِي أَقَلِّهِمَا وَلَا يَجُوزُ عَكْسُهُ؛ لِأَنَّ لِلرُّبْعِ حُكْمَ الْكُلِّ وَلِمَا دُونَ الرُّبْعِ حُكْمَ الْعَدَمِ، وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَدْرُ الرُّبْعِ أَوْ كَانَ فِي أَحَدِهِمَا أَكْثَرُ لَكِنْ لَا يَبْلُغُ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِهِ وَفِي الْآخَرِ قَدْرُ الرُّبْعِ فَإِنَّهُ يُصَلِّي فِي أَيِّهِمَا شَاءَ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْحُكْمِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ مَعَهُ ثَوْبَانِ نَجَاسَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ يَتَخَيَّرُ مَا لَمْ يَبْلُغْ أَحَدُهُمَا رُبْعَ الثَّوْبِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْمَنْعِ، وَفِي الْمُحِيطِ وَلَوْ كَانَ الدَّمُ فِي نَاحِيَةٍ مِنْ الثَّوْبِ وَالطَّاهِرُ مِنْهُ بِقَدْرِ مَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَّزِرَ بِهِ لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ سِتْرُ الْعَوْرَةِ بِثَوْبٍ طَاهِرٍ وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَهُمَا إذَا تَحَرَّكَ الطَّرَفُ الْآخَرُ أَوْ لَمْ يَتَحَرَّك. اهـ. وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ التَّفْصِيلَ الْمُتَقَدِّمَ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ الِاخْتِيَارِ، أَمَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ فَلَا تَفْصِيلَ، ثُمَّ الْأَصْلُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ مَنْ اُبْتُلِيَ بِبَلِيَّتَيْنِ وَهُمَا مُتَسَاوِيَتَانِ يَأْخُذُ بِأَيِّهِمَا شَاءَ وَإِنْ اخْتَلَفَا فَعَلَيْهِ أَنْ يَخْتَارَ أَهْوَنَهُمَا، وَلِهَذَا لَوْ أَنَّ امْرَأَةً لَوْ صَلَّتْ قَائِمَةً يَنْكَشِفُ مِنْ عَوْرَتِهَا مَا يَمْنَعُ جَوَازَ الصَّلَاةِ وَلَوْ صَلَّتْ قَاعِدَةً لَا يَنْكَشِفُ مِنْهَا شَيْءٌ فَإِنَّهَا تُصَلِّي قَاعِدَةً لِمَا أَنَّ تَرْكَ الْقِيَامِ أَهْوَنُ وَلَوْ كَانَ الثَّوْبُ يُغَطِّي جَسَدَهَا وَرُبْعَ رَأْسِهَا فَتَرَكَتْ تَغْطِيَةَ الرَّأْسِ لَا يَجُوزُ وَلَوْ كَانَ يُغَطِّي أَقَلَّ مِنْ الرُّبْعِ لَا يَضُرُّ وَالسِّتْرُ أَفْضَلُ تَقْلِيلًا لِلِانْكِشَافِ وَلَوْ كَانَ جَرِيحٌ لَوْ سَجَدَ سَالَ جُرْحُهُ وَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ لَمْ يَسِلْ فَإِنَّهُ يُصَلِّي قَاعِدًا مُومِئًا؛ لِأَنَّ تَرْكَ السُّجُودِ أَهْوَنُ مِنْ الصَّلَاةِ مَعَ الْحَدَثِ، أَلَا تَرَى أَنَّ تَرْكَ السُّجُودِ جَائِزٌ حَالَةَ الِاخْتِيَارِ فِي التَّطَوُّعِ عَلَى الدَّابَّةِ وَمَعَ الْحَدَثِ لَا يَجُوزُ بِحَالٍ، فَإِنْ قَامَ وَقَرَأَ وَرَكَعَ، ثُمَّ قَعَدَ وَأَوْمَأَ لِلسُّجُودِ جَازَ لِمَا قُلْنَا وَالْأَوَّلُ أَفْضَلُ وَكَذَا شَيْخٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْقِرَاءَةِ قَائِمًا وَيَقْدِرُ عَلَيْهَا قَاعِدًا يُصَلِّي قَاعِدًا؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ حَالَةَ الِاخْتِيَارِ فِي النَّفْلِ وَلَا يَجُوزُ تَرْكُ الْقِرَاءَةِ بِحَالٍ وَلَوْ صَلَّى فِي الْفَصْلَيْنِ قَائِمًا مَعَ الْحَدَثِ وَتَرَكَ الْقِرَاءَةَ لَمْ يَجُزْ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ عَدِمَ ثَوْبًا صَلَّى قَاعِدًا مُومِئًا بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ الْقِيَامِ بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ) لِمَا عَنْ أَنَسٍ أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَكِبُوا فِي السَّفِينَةِ فَانْكَسَرَتْ بِهِمْ فَخَرَجُوا مِنْ الْبَحْرِ عُرَاةً فَصَلُّوا قُعُودًا بِإِيمَاءٍ أَرَادَ بِالثَّوْبِ مَا يَسْتُرُ عَامَّةَ عَوْرَتِهِ وَلَوْ حَرِيرًا أَوْ حَشِيشًا أَوْ نَبَاتًا أَوْ كَلَأً أَوْ طِينًا يُلَطِّخُ بِهِ عَوْرَتَهُ وَيَبْقَى عَلَيْهِ حَتَّى يُصَلِّيَ لَا الزُّجَاجُ الَّذِي يَصِفُ مَا تَحْتَهُ وَالْعَدَمُ الْمَذْكُورُ يَثْبُتُ بِعَدَمِ الْوُجُودِ فِي مِلْكِهِ وَبِعَدَمِ الْإِبَاحَةِ لَهُ حَتَّى لَوْ أُبِيحَ لَهُ ثَوْبٌ تَثْبُتُ الْقُدْرَةُ بِهِ عَلَى الْأَصَحِّ فَلَوْ صَلَّى عَارِيًّا لَمْ يَجُزْ كَالْمُتَيَمِّمِ إذَا أُبِيحَ لَهُ الْمَاءُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ فِي الْعُرْيَانِ يَعِدُهُ صَاحِبُهُ أَنَّهُ يُعْطِيهِ الثَّوْبَ إذَا صَلَّى فَإِنَّهُ يَنْتَظِرُهُ وَلَا يُصَلِّي عُرْيَانًا وَإِنْ خَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ، كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَفِي الْقُنْيَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يَنْتَظِرُهُ مَا لَمْ يَخَفْ فَوْتَ الْوَقْتِ وَأَبُو يُوسُفَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيَنْبَغِي تَرْجِيحُهُ قِيَاسًا عَلَى الْمُتَيَمِّمِ إذَا كَانَ يَرْجُو الْمَاءَ فِي آخِرِهِ وَأَطْلَقَ فِي الصَّلَاةِ قَاعِدًا فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ نَهَارًا أَوْ لَيْلًا فِي بَيْتٍ أَوْ صَحْرَاءَ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا بَيَّنَهُ فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ خَصَّهُ بِالنَّهَارِ أَمَّا فِي اللَّيْلِ فَيُصَلِّي قَائِمًا؛ لِأَنَّ ظُلْمَةَ اللَّيْلِ تَسْتُرُ عَوْرَتَهُ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَهَذَا لَيْسَ بِمَرْضِيٍّ؛ لِأَنَّ السِّتْرَ الَّذِي يَحْصُلُ فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ لَا عِبْرَةَ بِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ حَالَةَ الْقُدْرَةِ عَلَى الثَّوْبِ إذَا صَلَّى عُرْيَانًا فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ لَا يَجُوزُ   [منحة الخالق] عُرْيَانًا قَاعِدًا يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ مَرْتَبَتَهَا فِي الْفَضِيلَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ فَوْقَ الْقِيَامِ عُرْيَانًا بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ كَمَا قَدَّمْنَاهُ؛ لِأَنَّ السِّتْرَ فِيهَا أَبْلَغُ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَفِي الْأَسْرَارِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ أَحْسَنُ) نَظَرَ فِيهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فَرَاجِعْهُ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا لَوْ لَمْ يَجِدْ إلَّا جِلْدَ مَيْتَةٍ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ الْخِلَافَ فِي النَّجَاسَةِ الْعَارِضَةِ لَا الْأَصْلِيَّةِ فَلَا يَجُوزُ السِّتْرُ بِذَلِكَ اتِّفَاقًا كَمَا فِي النَّهْرِ لَكِنْ فِي كَوْنِ نَجَاسَةِ جِلْدَ الْمَيْتَةِ أَصْلِيَّةً نَظَرٌ بَلْ هِيَ عَارِضَةٌ بِالْمَوْتِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ التَّفْصِيلَ الْمُتَقَدِّمَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: لِأَنَّهُ لَا أَثَرَ لِتَحَرُّكِ الطَّرَفِ فِي الْآخَرِ هُنَا إذْ الظَّاهِرُ مِنْهُ أَنْ يَبْلُغَ رُبْعًا تَحَتَّمَ لُبْسُهُ سَوَاءٌ تَحَرَّكَ أَوْ لَا أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ خُيِّرَ إلَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى مَا عَلِمْت نَعَمْ الْمُنَاسِبُ حَمْلُ الْإِطْلَاقِ عَلَى قَوْلِهِ. (قَوْلُهُ: قِيَاسًا عَلَى الْمُتَيَمِّمِ إذَا كَانَ يَرْجُو الْمَاءَ فِي آخِرِهِ) أَقُولُ: تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَوْ وُعِدَ بِالْمَاءِ يَجِبُ عَلَيْهِ الِانْتِظَارُ وَإِنْ فَاتَ الْوَقْتُ فَيَنْبَغِي قِيَاسُ الثَّوْبِ عَلَيْهِ إذْ هُوَ أَقْرَبُ وَذَلِكَ يَقْتَضِي تَرْجِيحَ قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثُمَّ رَأَيْت بَعْضَ الْفُضَلَاءِ قَالَ الظَّاهِرُ مَا عَنْ مُحَمَّدٍ، فَإِنَّ فِيهِ قِيَاسَ الْمَوْعُودِ عَلَى الْمَوْعُودِ تَأَمَّلْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 فَصَارَ وُجُودُهُ وَعَدَمُهُ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ. اهـ. وَتَعَقَّبَهُ فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي بِأَنَّ الِاسْتِشْهَادَ الْمَذْكُورَ غَيْرُ مُتَّجَهٍ لِلْفَرْقِ بَيْنَ حَالَةِ الِاخْتِيَارِ وَحَالَةِ الِاضْطِرَارِ وَأَطَالَ إلَى أَنْ قَالَ وَيُؤَيِّدُهُ مَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ سُئِلَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ صَلَاةِ الْعُرْيَانِ قَالَ إنْ كَانَ حَيْثُ يَرَاهُ النَّاسُ صَلَّى جَالِسًا وَإِنْ كَانَ حَيْثُ لَا يَرَاهُ النَّاسُ صَلَّى قَائِمًا وَهُوَ وَإِنْ كَانَ سَنَدُهُ ضَعِيفًا فَلَا يَقْصُرُ عَنْ إفَادَةِ الِاسْتِئْنَاسِ، وَأَمَّا وَاقِعَةُ الصَّحَابَةِ الْمُتَقَدِّمَةُ فَقَدْ تَطَرَّقَ إلَيْهَا احْتِمَالَاتٌ إمَّا لِأَنَّهُمْ اخْتَارُوا الْأَوْلَى لِمَا فِيهِ مِنْ تَقْلِيلِ الِانْكِشَافِ أَوْ لِأَنَّهُمْ كَانُوا مُتَرَائِينَ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَيْلًا فَسَقَطَ بِهَا الِاسْتِدْلَال وَلَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ صِفَةَ الْقُعُودِ لِلِاخْتِلَافِ فِيهَا فَفِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي يَقْعُدُ كَمَا يَقْعُدُ فِي الصَّلَاةِ فَعَلَى هَذَا يَخْتَلِفُ فِي الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فَهُوَ يَفْتَرِشُ وَهِيَ تَتَوَرَّكُ وَفِي الذَّخِيرَةِ يَقْعُدُ وَيَمُدُّ رِجْلَيْهِ إلَى الْقِبْلَةِ وَيَضَعُ يَدَيْهِ عَلَى عَوْرَتِهِ الْغَلِيظَةِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ وَأَنَّهُ أَوْلَى لِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِهِ مِنْ الْمُبَالَغَةِ فِي السِّتْرِ مَا لَا يَحْصُلُ بِالْهَيْئَةِ الْمَذْكُورَةِ مَعَ خُلُوِّ هَذِهِ الْهَيْئَةِ عَنْ فِعْلِ مَا لَيْسَ بِأَوْلَى وَهُوَ مَدُّ رِجْلَيْهِ إلَى الْقِبْلَةِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْقُعُودَ عَلَى هَيْئَةٍ مُتَعَيِّنَةٍ لَيْسَ بِمُتَعَيَّنٍ بَلْ يَجُوزُ كَيْفَمَا كَانَ، وَإِنَّمَا كَانَ الْقُعُودُ أَفْضَلَ مِنْ الْقِيَامِ؛ لِأَنَّ سَتْرَ الْعَوْرَةِ أَهَمُّ مِنْ أَدَاءِ الْأَرْكَانِ؛ لِأَنَّهُ فَرْضٌ مُطْلَقًا وَالْأَرْكَانُ فَرَائِض الصَّلَاةِ لَا غَيْرُ، وَقَدْ أَتَى بِبَدَلِهَا وَإِنَّمَا كَانَ الْقِيَامُ جَائِزًا؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ تَرَكَ فَرْضَ السَّتْرِ فَقَدْ كَمَّلَ الْأَرْكَانَ الثَّلَاثَةَ وَبِهِ حَاجَةٌ إلَى تَكْمِيلِهَا، كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ يَنْبَغِي عَلَى هَذَا أَنْ لَا يَجُوزَ الْإِيمَاءُ قَائِمًا؛ لِأَنَّ تَجْوِيزَ تَرْكِ فَرْضِ السَّتْرِ إنَّمَا كَانَ لِأَجْلِ تَكْمِيلِ الْأَرْكَانِ الثَّلَاثَةِ وَالْمُومِئُ بِهِمَا قَائِمًا لَمْ يُحْرِزْهُمَا عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ مَعَ أَنَّ الْقِيَامَ إنَّمَا شُرِعَ لِتَحْصِيلِهِمَا عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ عَلَى مَا صَرَّحُوا بِهِ فِي صَلَاةِ الْمَرِيضِ أَنَّهُ لَوْ قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ دُونَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَوْمَأَ قَاعِدًا وَسَقَطَ عَنْهُ الْقِيَامُ وَفِي الْمُبْتَغَى بِالْمُعْجَمَةِ وَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ قِطْعَةٌ يَسْتُرُ بِهَا أَصْغَرَ الْعَوْرَاتِ فَلَمْ يَسْتُرْ فَسَدَتْ وَإِلَّا فَلَا وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَوْ وَجَدَ مَا يَسْتُرْ بَعْضَ الْعَوْرَةِ يَجِبُ اسْتِعْمَالُهُ وَيَسْتُرُ الْقُبُلَ وَالدُّبُرَ. اهـ. فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَا يَسْتُرُ بِهِ إلَّا أَحَدَهُمَا قِيلَ يَسْتُرُ الدُّبُرَ؛ لِأَنَّهُ أَفْحَشُ فِي حَالَةِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَقِيلَ يَسْتُرُ الْقُبُلَ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَقْبِلُ بِهِ الْقِبْلَةَ وَلِأَنَّهُ لَا يَسْتُرُ بِغَيْرِهِ وَالدُّبُرُ يُسْتَرُ بِالْأَلْيَتَيْنِ اهـ. كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَسَيَأْتِي فِي بَابِ الْإِمَامَةِ أَنَّ الْعُرَاةَ لَا يُصَلُّونَ جَمَاعَةً وَفِي الذَّخِيرَةِ وَأَسْتَرُ مَا يَكُونُ أَنْ يَتَبَاعَدَ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضِهِمْ إذَا أَمِنُوا الْعَدُوَّ وَالسَّبُعَ وَإِنْ صَلَّوْا جَمَاعَةً صَحَّتْ مَعَ الْكَرَاهَةِ وَيَقِفُ الْإِمَامُ وَسْطَهُمْ وَإِنْ تَقَدَّمَ جَازَ وَيَغُضُّونَ أَبْصَارَهُمْ سِوَى الْإِمَامِ، ثُمَّ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمْ يَذْكُرْ أَنَّ عَلَى الْعَارِي الْإِعَادَةَ إذَا وَجَدَ ثَوْبًا، وَقَدْ أَفَادَ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ أَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ إذَا صَلَّى عَارِيًّا لِلْعَجْزِ عَنْ السُّتْرَةِ. اهـ. وَيَنْبَغِي أَنْ تَلْزَمَهُ الْإِعَادَةُ عِنْدَنَا إذَا كَانَ الْعَجْزُ لِمَنْعٍ مِنْ الْعِبَادِ كَمَا إذَا غَصَبَ ثَوْبَهُ لِمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي كِتَابِ التَّيَمُّمِ أَنَّ الْمَنْعَ مِنْ الْمَاءِ إذَا كَانَ مِنْ قِبَلِ الْعِبَادِ يَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا كَانَ عَارِيًّا لَا ثَوْبَ لَهُ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى شِرَاءِ ثَوْبٍ هَلْ يَلْزَمُهُ شِرَاؤُهُ كَالْمَاءِ إذَا كَانَ يُبَاعُ بِثَمَنِ الْمِثْلِ وَلَهُ ثَمَنُهُ فَإِنَّهُ لَا يَتَيَمَّمُ. (قَوْلُهُ: وَالنِّيَّةُ بِلَا فَاصِلٍ) يَعْنِي مِنْ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَتَعَقَّبَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ إلَخْ) وَاخْتَارَ تَقْيِيدَ مَا قَالَهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ بِمَا إذَا كَانَ بِحَضْرَةِ النَّاسِ (قَوْلُهُ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ إلَخْ) ذَكَرَهُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ إذْ لَا شَكَّ أَنَّ مَنْ جَلَسَ كَهَيْئَةِ الْمُتَشَهِّدِ تَبْدُو عَوْرَتُهُ الْغَلِيظَةُ حَالَةَ الْإِيمَاءِ لِلرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَكْثَرَ مِمَّا إذَا جَلَسَ وَمَقْعَدَتَهُ عَلَى الْأَرْضِ مَادًّا رِجْلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يَحْصُلُ مِنْهُ إلَّا انْكِشَافٌ يَسِيرٌ حَالَةَ الْإِيمَاءِ وَفِي مَدِّ رِجْلَيْهِ زِيَادَةُ سِتْرٍ عَلَى مَا إذَا جَلَسَ مُتَرَبِّعًا وَلِذَا قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ الْكَبِيرَانِ مَا فِي الذَّخِيرَةِ أَوْلَى لِزِيَادَةِ السِّتْرِ فِيهِ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي شُرُوحِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا قُلْتُ: وَعَلَيْهِ مَشَى الزَّيْلَعِيُّ وَكَذَا فِي السِّرَاجِ وَالدُّرَرِ فَتَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إلَخْ) يُوَافِقُهُ مَا مَرَّ عَنْ ظَاهِرِ الْهِدَايَةِ فِي الْمَقُولَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذَا أَقُولُ: وَهَذَا الْبَحْثُ مَأْخُوذٌ مِنْ شَرْحِ الْمُنْيَةِ لِلْمُحَقِّقِ ابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ. (قَوْلُهُ: قِيلَ يَسْتُرُ الدُّبُرَ؛ لِأَنَّهُ أَفْحَشُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ الظَّاهِرُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ وَمُقْتَضَى تَعْلِيلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَوْ صَلَّى قَاعِدًا بِالْإِيمَاءِ تَعَيَّنَ سِتْرُ الْقُبُلِ. (قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي أَنْ تَلْزَمَهُ الْإِعَادَةُ عِنْدَنَا إلَخْ) وَافَقَهُ عَلَيْهِ فِي النَّهْرِ لَكِنْ قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ يُمْكِنُ تَأْيِيدُ الْإِطْلَاقِ بِأَنَّ طَهَارَةَ الْحَدَثِ لَمَّا كَانَتْ لَا تَسْقُطُ وَلَا بِعُذْرٍ كَمَا سَبَقَ جَرَى فِيهَا التَّفْصِيلُ لِأَهَمِّيَّتِهَا بِخِلَافِ سِتْرِ الْعَوْرَةِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ بِالْعُذْرِ كَمَا تَرَى فَلْيُتَأَمَّلْ. اهـ. وَفِيهِ بَحْثٌ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ مَقْطُوعَ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ إذَا كَانَ بِوَجْهِهِ جِرَاحَةٌ يُصَلِّي بِغَيْرِ طَهَارَةٍ وَحِينَئِذٍ فَقَدْ اسْتَوَيَا فِي السُّقُوطِ بِالْعُذْرِ فَاضْمَحَلَّ الْفَرْقُ. (قَوْلُهُ: هَلْ يَلْزَمُهُ شِرَاؤُهُ كَالْمَاءِ إلَخْ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا بِدُونِ هَلْ فَمُقْتَضَى النُّسْخَةِ الْأُولَى أَنَّهُ لَمْ يَرَ نَصًّا فِي ذَلِكَ وَيُوَافِقُهَا مَا سَبَقَ لَهُ مِنْ التَّرَدُّدِ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ عَلَى مَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ أَيْضًا وَلَكِنْ قَدَّمْنَا هُنَاكَ نَقْلَ مَسْأَلَةٍ عَنْ السِّرَاجِ وَأَنَّ فِيهَا قَوْلَيْنِ وَبِهِ يُعْلَمُ مَا فِي قَوْلِ النَّهْرِ وَلَوْ قَدَرَ عَلَيْهِ بِثَمَنِ مِثْلِهِ لَمْ يَذْكُرُوهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمَهُ قِيَاسًا عَلَى شِرَاءِ الْمَاءِ. اهـ. وَنَبَّهْنَا عَلَيْهِ فِيمَا مَرَّ ثُمَّ رَأَيْت فِي مَتْنِ مَوَاهِبِ الرَّحْمَنِ جَزَمَ بِأَنَّ الثَّوْبَ كَالْمَاءِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 شُرُوطِ الصَّلَاةِ لِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى ذَلِكَ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ، وَأَمَّا الِاسْتِدْلَال عَلَى اشْتِرَاطِهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5] كَمَا فَعَلَهُ السِّرَاجُ الْهِنْدِيُّ فِي شَرْحِ الْمُغْنِي فَلَيْسَ بِظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْعِبَادَةَ بِمَعْنَى التَّوْحِيدِ بِدَلِيلِ عَطْفِ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ عَلَيْهَا، وَأَمَّا الِاسْتِدْلَال بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا فَلَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْأُصُولِيِّينَ ذَكَرُوا أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ قَبِيلِ ظَنِّيِّ الثُّبُوتِ وَالدَّلَالَةِ؛ لِأَنَّهُ خَبَرُ وَاحِدٍ مُشْتَرَكُ الدَّلَالَةِ فَيُفِيدُ السُّنِّيَّةَ وَالِاسْتِحْبَابَ لَا الِافْتِرَاضَ، وَالنِّيَّةُ إرَادَةُ الصَّلَاةِ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى الْخُلُوصِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي الْوُضُوءِ الْكَلَامَ عَلَيْهَا وَقَوْلُ الشَّارِحِ إنَّ الْمُصَلِّيَ يَحْتَاجُ إلَى ثَلَاثِ نِيَّاتٍ: نِيَّةُ الصَّلَاةِ الَّتِي يَدْخُلُ فِيهَا وَنِيَّةُ الْإِخْلَاصِ لِلَّهِ تَعَالَى وَنِيَّةُ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ فِيهِ نَظَرٌ بَلْ الْمُحْتَاجُ إلَيْهِ نِيَّةٌ وَاحِدَةٌ وَهِيَ مَا ذَكَرْنَاهُ فَقَوْلُنَا عَلَى الْخُلُوصِ يُغْنِي عَنْ الثَّانِيَةِ وَأَمَّا نِيَّةُ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ فَلَيْسَتْ شَرْطًا عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ سَوَاءٌ كَانَ يُصَلِّي عَلَى الْمِحْرَابِ أَوْ فِي الصَّحْرَاءِ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ بِلَا فَاصِلٍ أَيْ بَيْنَ النِّيَّةِ وَالتَّكْبِيرِ الْفَاصِلِ الْأَجْنَبِيِّ وَهُوَ عَمَلٌ لَا يَلِيقُ فِي الصَّلَاةِ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَفْعَالَ تُبْطِلُ الصَّلَاةَ فَتُبْطِلُ النِّيَّةَ وَشِرَاءُ الْحَطَبِ وَالْكَلَامُ، وَأَمَّا الْمَشْيُ وَالْوُضُوءُ فَلَيْسَ بِأَجْنَبِيٍّ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ أَحْدَثَ فِي صَلَاتِهِ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ وَلَا يَمْنَعُهُ مِنْ الْبِنَاءِ، وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ الصَّلَاةَ تَجُوزُ بِنِيَّةٍ مُتَقَدِّمَةٍ عَلَى الشُّرُوطِ إذَا لَمْ يَفْصِلْ أَجْنَبِيٌّ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فَظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ يُفِيدُ أَنَّ النِّيَّةَ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ صَحِيحَةٌ كَالطَّهَارَةِ قَبْلَهُ، لَكِنْ ذَكَرَ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ عَنْ ابْنِ هُبَيْرَةَ اشْتِرَاطَ دُخُولِ الْوَقْتِ لِلنِّيَّةِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ مُشْكِلٌ وَفِي ثُبُوتِهِ تَرَدُّدٌ لَا يَخْفَى لِعَدَمِ وُجُودِهِ فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَجُوزُ تَقْدِيمُ النِّيَّةِ فِي الْعِبَادَاتِ هُوَ الصَّحِيحُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجُوزُ إلَّا فِي الصَّوْمِ. اهـ. وَفِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَالْأَحْوَطُ أَنْ يَنْوِيَ مُقَارِنًا لِلتَّكْبِيرِ وَمُخَالِطًا لَهُ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. اهـ. وَبِهِ قَالَ الطَّحَاوِيُّ لَكِنْ عِنْدَنَا هَذَا الِاحْتِيَاطُ مُسْتَحَبٌّ وَلَيْسَ بِشَرْطٍ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ شَرْطٌ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى النِّيَّةِ لِتَحَقُّقِ مَعْنَى الْإِخْلَاصِ وَذَلِكَ عِنْدَ الشُّرُوعِ لَا قَبْلَهُ قُلْنَا النَّصُّ مُطْلَقٌ فَلَا يَجُوزُ تَخْصِيصُهُ بِالرَّأْيِ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» يُفِيدُ أَنَّهُ يَكُونُ لَهُ مَا نَوَى إذَا تَقَدَّمَتْ النِّيَّةُ، فَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ لَا يَكُونُ لَهُ مَا نَوَى خِلَافُ النَّصِّ وَلِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْقِرَانِ لَا يَخْلُو عَنْ الْحَرَجِ مَعَ مَا فِي الْتِزَامِهِ مِنْ فَتْحِ بَابِ الْوَسْوَاسِ فَلَا يُشْتَرَطُ كَمَا فِي الصَّوْمِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ حَتَّى لَوْ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ يُرِيدُ الْحَجَّ فَأَحْرَمَ وَلَمْ تَحْضُرْهُ النِّيَّةُ جَازَ، ثُمَّ فَسَّرَ النَّوَوِيُّ الْقِرَانَ بِأَنْ يَأْتِيَ بِالنِّيَّةِ مَعَ أَوَّلِ التَّكْبِيرِ وَيَسْتَصْحِبَهَا إلَى آخِرِهِ، وَذَكَرَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ التَّدْقِيقُ فِي تَحْقِيقِ الْمُقَارَنَةِ وَأَنَّهُ يَكْفِي الْمُقَارَنَةُ الْعُرْفِيَّةُ فِي ذَلِكَ بِحَيْثُ يُعَدُّ مُسْتَحْضِرًا لِصَلَاتِهِ غَيْرَ غَافِلٍ عَنْهَا اقْتِدَاءً بِالسَّلَفِ الصَّالِحِينَ فِي مُسَامَحَتِهِمْ فِي ذَلِكَ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهَا لَا تَجُوزُ بِنِيَّةٍ مُتَأَخِّرَةٍ خِلَافًا لِلْكَرْخِيِّ قِيَاسًا عَلَى الصَّوْمِ وَهُوَ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ سُقُوطَ الْقِرَانِ لِمَكَانِ الْحَرَجِ وَالْحَرَجُ يَنْدَفِعُ بِتَقْدِيمِ النِّيَّةِ فَلَا ضَرُورَةَ إلَى التَّأْخِيرِ وَجُوِّزَ التَّأْخِيرُ فِي الصَّوْمِ لِلْحَرَجِ وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ مَا فِي خِزَانَةِ الْفَتَاوَى وَالْعَتَّابِيِّ نَسِيَ النِّيَّةَ فَنَوَى عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَا إلَهَ غَيْرُك يَصِيرُ شَارِعًا مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ عَلَى تَخْرِيجِ بَعْضِ الْمَشَايِخِ أَنَّهُ يَجُوزُ إلَى انْتِهَاءِ الثَّنَاءِ، وَقِيلَ إلَى أَنْ يَرْكَعَ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ مُحَمَّدٍ، كَذَا فِي الْمُجْتَبَى وَقِيلَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: لِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى ذَلِكَ) أَيْ عَلَى أَنَّهَا شَرْطٌ وَفِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ عَنْ كِتَابِ الرَّحْمَةِ التَّعْبِيرُ بِأَنَّهَا فَرْضٌ لِلصَّلَاةِ بِالْإِجْمَاعِ قَالَ وَهَذَا التَّعْبِيرُ هُوَ الصَّوَابُ لِتَصْرِيحِ الشَّافِعِيَّةِ بِرُكْنِيَّتِهَا فِيهَا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الِاسْتِدْلَال بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَخْ) قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ فِيهِ: إنَّ الْحَدِيثَ مَشْهُورٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَرُوِيَ بِأَلْفَاظٍ رَوَيْت كُلُّهَا فِي الصَّحِيحِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَسَبَقَ فِي بَابِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ الْخِلَافُ فِي الْمَشْهُورِ قِيلَ هُوَ أَحَدُ قِسْمَيْ الْمُتَوَاتِرِ وَقِيلَ حُجَّةٌ لِلْعَمَلِ بِمَنْزِلَتِهِ وَأَنَّهُ تَجُوزُ الزِّيَادَةُ بِهِ عَلَى الْكِتَابِ. (قَوْلُهُ: وَشِرَاءُ الْحَطَبِ وَالْكَلَامُ) مَعْطُوفٌ عَلَى الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْأَوْلَى ذِكْرُهُ عَقِبَهُ كَمَا يُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ. (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ وُجُودِهِ فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ) قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ قَدْ وُجِدَتْ الْمَسْأَلَةُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ فِي مَجْمُوعِ الْمَسَائِلِ وَهُوَ مِنْ كُتُبِ الْمَذْهَبِ وَاخْتَلَفُوا فِي النِّيَّةِ هَلْ يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا عَلَى التَّكْبِيرِ أَوْ تَكُونُ مُقَارَنَةً لَهُ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - يَجُوزُ تَقْدِيمُ النِّيَّةِ لِلصَّلَاةِ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ وَقَبْلَ التَّكْبِيرِ مَا لَمْ يَقْطَعْ بِعَمَلٍ. اهـ. وَفِي الْجَوَاهِرِ وَابْنِ صُبْرٍ بِضَمِّ الصَّادِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنُ صُبْرٍ الْقَاضِي الْبَغْدَادِيُّ الْفَقِيهُ وُلِدَ سَنَةَ عِشْرِينَ وَثَلَثِمِائَةٍ وَتُوُفِّيَ سَنَةَ ثَمَانِينَ وَثَلَثِمِائَةٍ. اهـ. فَمَا فِي النَّهْرِ مِنْ أَنَّهُ أَبُو صَبِرَةَ لَيْسَ بِصَوَابٍ. اهـ. وَمَا فِي نُسَخِ الْبَحْرِ مِنْ قَوْلِهِ ابْنُ هُبَيْرَةَ هُوَ الَّذِي رَأَيْته فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ لِابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ فَاسِدٌ إلَخْ) بِهَذَا يُعْلَمُ مَا فِي قَوْلِ الدُّرَرِ بَعْدَ نَقْلِهِ الْأَقْوَالَ الْآتِيَةَ وَفَائِدَةُ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ أَنَّ الْمُصَلِّي إذَا غَفَلَ عَنْ النِّيَّةِ أَمْكَنَ لَهُ التَّدَارُكُ فَإِنَّهُ أَحْسَنُ مِنْ إبْطَالِ الصَّلَاةِ. اهـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 إلَى أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ وَقِيلَ إلَى التَّعَوُّذِ وَفِي الْبَدَائِعِ لَوْ نَوَى بَعْدَ قَوْلِهِ اللَّهُ قَبْلَ أَكْبَرَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الشُّرُوعَ يَصِحُّ بِقَوْلِهِ اللَّهُ فَكَأَنَّهُ نَوَى بَعْدَ التَّكْبِيرِ وَجَعَلَهُ فِي الْمُحِيطِ مَذْهَبَ أَبِي حَنِيفَةَ وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (قَوْلُهُ: وَالشَّرْطُ أَنْ يَعْلَمَ بِقَلْبِهِ أَيَّ صَلَاةٍ يُصَلِّي) أَيْ الشَّرْطُ فِي اعْتِبَارِهَا عِلْمُهُ أَيَّ صَلَاةٍ يُصَلِّي أَيْ التَّمْيِيزُ، فَالنِّيَّةُ هِيَ الْإِرَادَةُ لِلْفِعْلِ وَشَرْطُهَا التَّعْيِينُ لِلْفَرَائِضِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُرَادُهُمْ مِنْ هَذَا الشَّرْطِ اشْتِرَاطُ التَّعْيِينِ لِلْفَرَائِضِ لَكَانَ تَكْرَارًا إذْ قَالُوا بَعْدَهُ وَلِلْفَرْضِ شَرْطُ تَعْيِينِهِ وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِابْنِ الْمَلَكِ الْمُرَادُ أَنَّ مَنْ قَصَدَ صَلَاةً فَعَلِمَ أَنَّهَا ظُهْرٌ أَوْ عَصْرٌ أَوْ نَفْلٌ أَوْ قَضَاءٌ يَكُونُ ذَلِكَ نِيَّةً لَهُ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ أُخْرَى لِلتَّعْيِينِ إذَا أَوْصَلَهَا بالتحريمية. اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ النَّفَلَ لَا يُشْتَرَطُ عِلْمُهُ وَالْحَقُّ أَنَّهُمْ إنَّمَا ذَكَرُوا الْعِلْمَ بِالْقَلْبِ لِإِفَادَةِ أَنَّ النِّيَّةَ إنَّمَا هِيَ عَمَلُ الْقَلْبِ وَأَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ بِاللِّسَانِ لَا أَنَّهُ شَرْطٌ زَائِدٌ عَلَى أَصْلِ النِّيَّةِ وَاشْتِرَاطِ التَّعْيِينِ، وَأَمَّا قَوْلُ الشَّارِحِ وَأَدْنَاهُ أَنْ يَصِيرَ بِحَيْثُ لَوْ سُئِلَ عَنْهَا أَمْكَنَهُ أَنْ يُجِيبَ مِنْ غَيْرِ فِكْرٍ وَعَزَاهُ فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي إلَى الْأَجْنَاسِ فَإِنَّمَا هُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْبَدَائِعِ وَالْخَانِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ وَإِلَّا فَالْمَذْهَبُ أَنَّهَا تَجُوزُ بِنِيَّةٍ مُتَقَدِّمَةٍ عَلَى الشُّرُوعِ بِشَرْطِهِ الْمُتَقَدِّمِ سَوَاءٌ كَانَ بِحَيْثُ يَقْدِرُ عَلَى الْجَوَابِ مِنْ غَيْرِ تَفَكُّرٍ أَوْ لَا وَلِهَذَا قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ وَلَوْ نَوَى قَبْلَ الشُّرُوعِ فَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَوْ نَوَى عِنْدَ الْوُضُوءِ أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ أَوْ الْعَصْرَ مَعَ الْإِمَامِ وَلَمْ يَشْتَغِلْ بَعْدَ النِّيَّةِ بِمَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الصَّلَاةِ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا انْتَهَى إلَى مَكَانِ الصَّلَاةِ لَمْ تَحْضُرْهُ النِّيَّةُ جَازَتْ صَلَاتُهُ بِتِلْكَ النِّيَّةِ، وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَفِي الْبَدَائِعِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فَمَنْ خَرَجَ مِنْ مَنْزِلِهِ يُرِيدُ الْفَرْضَ فِي الْجَمَاعَةِ فَلَمَّا انْتَهَى إلَى الْإِمَامِ كَبَّرَ وَلَمْ تَحْضُرْهُ النِّيَّةُ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ، قَالَ الْكَرْخِيُّ: وَلَا أَعْلَمُ أَنَّ أَحَدًا مِنْ عُلَمَائِنَا خَالَفَ أَبَا يُوسُفَ فِي ذَلِكَ. اهـ. وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّهُ يَكْفِي تَقَدُّمُ أَصْلِ النِّيَّةِ وَنِيَّةِ التَّعْيِينِ لِلْفَرَائِضِ وَلَا يُشْتَرَطُ الْمُقَارَنَةُ وَلَا الِاسْتِحْضَارُ لِمَا نَوَاهُ فِي أَثْنَائِهَا، بَلْ كَلَامُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَكْفِي مُقَارَنَةُ النِّيَّةِ لِلتَّكْبِيرِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الِاسْتِحْضَارِ لَهَا إلَى آخِرِ الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ قَالَ لَوْ احْتَاجَ إلَى تَفَكُّرٍ بَعْدَ السُّؤَالِ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ، وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ نَوَى بِقَلْبِهِ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ فَإِنَّهُ يَجُوزُ كَمَا حَكَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ فَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا بُدَّ مِنْ الذِّكْرِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَالْحَقُّ أَنَّهُمْ إنَّمَا ذَكَرُوا الْعِلْمَ إلَخْ) أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ قَوْلَهُمْ أَنْ يَعْلَمَ بِقَلْبِهِ أَيَّ صَلَاةٍ يُصَلِّي ظَاهِرٌ فِيمَا قَالَهُ فِي الْفَتْحِ وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ إفَادَةُ أَنَّهَا مِنْ عَمَلِ الْقَلْبِ لَقَالُوا وَالشَّرْطُ أَنْ يَعْلَمَ بِقَلْبِهِ أَيَّ شَيْءٍ يَفْعَلُ أَيْ لِيُمَيِّزَ الْعِبَادَةَ عَنْ الْعَادَةِ وَحِينَئِذٍ يُفِيدُ مَا قَالَ بِخِلَافِ مَا مَرَّ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ يُشْتَرَطُ تَمْيِيزُ كُلِّ صَلَاةٍ شَرَعَ فِيهَا عَنْ غَيْرِهَا وَذَلِكَ شَرْطٌ زَائِدٌ عَلَى أَصْلِ النِّيَّةِ لِأَنَّ النِّيَّةَ كَمَا مَرَّ هِيَ الْإِرَادَةُ أَيْ الْإِرَادَةُ الْجَازِمَةُ الْقَاطِعَةُ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ فِي اللُّغَةِ الْعَزْمُ وَالْعَزْمُ هُوَ الْإِرَادَةُ الْجَازِمَةُ الْقَاطِعَةُ وَالْإِرَادَةُ صِفَةٌ تُوجِبُ تَخْصِيصَ الْمَفْعُولِ بِوَقْتٍ وَحَالٍ دُونَ غَيْرِهِمَا فَالنِّيَّةُ هِيَ أَنْ يَجْزِمَ بِتَخْصِيصِ الصَّلَاةِ الَّتِي يَدْخُلُ فِيهَا وَالشَّرْطُ فِيهَا أَنْ يُمَيِّزَهَا عَنْ غَيْرِهَا لَكِنْ لَوْ كَانَتْ نَفْلًا يُشْتَرَطُ تَمْيِيزُهَا عَنْ فِعْلِ الْعَادَةِ وَلَوْ كَانَتْ فَرْضًا يُشْتَرَطُ أَيْضًا تَمْيِيزُهَا عَمَّا يُشَارِكُهَا فِي أَخَصِّ أَوْصَافِهَا فَاشْتِرَاطُ التَّمْيِيزِ هُنَا مُجْمَلٌ بَيْنَ فِيمَا بَعْدُ بِقَوْلِهِ وَيَكْفِيهِ مُطْلَقُ النِّيَّةِ إلَخْ فَالتَّكْرَارُ مُنْتَفٍ وَلَوْ سَلَّمَ يُرَدُّ عَلَى مَا ادَّعَى أَنَّهُ الْحَقُّ أَيْضًا فَتَأَمَّلْ مُنْصِفًا، ثُمَّ رَأَيْت بَعْضَ الْمُحَقِّقِينَ أَجَابَ بِحَاصِلِ مَا أَجَبْت بِهِ حَيْثُ قَالَ اشْتِرَاطُ التَّعْيِينِ هُنَا مُجْمَلٌ وَفِيمَا يَأْتِي مُفَصَّلٌ وَذِكْرُ الْمُفَصَّلِ بَعْدَ الْمُجْمَلِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُحْصَى. اهـ. فَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ ثُمَّ اعْتَرَضَ عَلَى الشَّارِحِ بِأَنَّ قَوْلَهُ لَا أَنَّهُ شَرْطٌ زَائِدٌ عَلَى أَصْلِ النِّيَّةِ يَقْتَضِي أَنَّ الْعِلْمَ هُوَ النِّيَّةُ وَهُوَ بَاطِلٌ كَمَا لَا يَخْفَى. اهـ. وَسَبَقَهُ إلَى هَذَا الِاعْتِرَاضِ فِي الشرنبلالية عَلَى الدُّرَرِ ثُمَّ قَالَ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَ الْهِدَايَةِ وَالشَّرْطُ أَنْ يَعْلَمَ بِقَلْبِهِ لَيْسَ تَفْسِيرًا لِلْإِرَادَةِ لِيَلْزَمَ مَا قِيلَ بَلْ هُوَ شَرْطٌ لِتَحَقُّقِ تِلْكَ الْإِرَادَةِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الشَّرْطَ غَيْرُ الْمَشْرُوطِ فَلَا يَتَأَتَّى نِسْبَةُ مَا ذُكِرَ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ غَيْرُ الظَّاهِرِ وَكَلَامُهَا ظَاهِرٌ. اهـ. وَهُوَ جَانِحٌ إلَى فَتْحِ الْقَدِيرِ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا قَوْلُ الشَّارِحِ وَأَدْنَاهُ أَنْ يَعْلَمَ إلَخْ) أَقُولُ: الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ مُرَادَ الشَّارِحِ بِذَلِكَ بَيَانُ الْمُرَادِ مِنْ الْعِلْمِ الْمَشْرُوطِ فِي النِّيَّةِ الْحَاصِلِ عِنْدَهَا، يَعْنِي أَنَّ الْعِلْمَ الْمَشْرُوطَ أَدْنَاهُ أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ يُمْكِنُهُ الْجَوَابُ فَوْرَ السُّؤَالِ وَإِلَّا لَمْ يَتَحَقَّقْ ذَلِكَ الْعِلْمُ إذْ لَوْ احْتَاجَ إلَى تَأَمُّلٍ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِقَلْبِهِ أَيَّ صَلَاةٍ يُصَلِّي وَذَلِكَ لَا يَقْتَضِي اسْتِمْرَارَ هَذِهِ الْحَالَةِ فِي جَمِيعِ الصَّلَاةِ وَلَيْتَ شِعْرِي مِنْ أَيْنَ يُفْهَمُ ذَلِكَ وَلِلَّهِ تَعَالَى دَرُّ الْحَصْكَفِيِّ حَيْثُ قَالَ وَهُوَ أَيْ عَمَلُ الْقَلْبِ أَنْ يَعْلَمَ عِنْدَ الْإِرَادَةِ بَدَاهَةً بِلَا تَأَمُّلٍ أَيَّ صَلَاةٍ يُصَلِّي حَيْثُ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ عِنْدَ الْإِرَادَةِ دَفْعًا لِمَا تَوَهَّمَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا بُدَّ مِنْ الذِّكْرِ بِاللِّسَانِ) فَإِنَّهُ لَيْسَ هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ بَلْ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّافِعِيَّةُ أَنَّهُ سُنَّةٌ وَسَيَأْتِي عَنْ شَرْحِ الْمُنْيَةِ أَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَفِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ سَبَقَ عَنْ الْعُيُونِ وَصَرَّحَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الذِّكْرُ بِاللِّسَانِ بِالْإِجْمَاعِ فَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالنِّهَايَةِ وَمَجْمُوعِ الْمَسَائِلِ وَالْمِفْتَاحِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَنَّهُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا بُدَّ مِنْهُ فِيهَا غَيْرُ صَحِيحٍ. اهـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 292 بِاللِّسَانِ مَرْدُودٌ، وَقَدْ اخْتَلَفَ كَلَامُ الْمَشَايِخِ فِي التَّلَفُّظِ بِاللِّسَانِ فَذَكَرَهُ فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَصَحَّحَهُ فِي الْمُجْتَبَى وَفِي الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي وَالتَّبْيِينِ أَنَّهُ يَحْسُنُ لِاجْتِمَاعِ عَزِيمَتِهِ وَفِي الِاخْتِيَارِ مَعْزِيًّا إلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ سُنَّةٌ وَهَكَذَا فِي الْمُحِيطِ وَالْبَدَائِعِ وَفِي الْقُنْيَةِ أَنَّهُ بِدْعَةٌ إلَّا أَنْ لَا يُمْكِنَهُ إقَامَتُهَا فِي الْقَلْبِ إلَّا بِإِجْرَائِهَا عَلَى اللِّسَانِ فَحِينَئِذٍ يُبَاحُ وَنُقِلَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ السُّنَّةَ الِاقْتِصَارُ عَلَى نِيَّةِ الْقَلْبِ، فَإِنْ عَبَّرَ عَنْهُ بِلِسَانِهِ جَازَ وَنُقِلَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ عَنْ بَعْضِهِمْ الْكَرَاهَةُ وَظَاهِرُ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ اخْتِيَارُ أَنَّهُ بِدْعَةٌ فَإِنَّهُ قَالَ: قَالَ بَعْضُ الْحُفَّاظِ: لَمْ يَثْبُتْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ طَرِيقٍ صَحِيحٍ وَلَا ضَعِيفٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ عِنْدَ الِافْتِتَاحِ أُصَلِّي كَذَا وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ بَلْ الْمَنْقُولُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ كَبَّرَ» وَهَذِهِ بِدْعَةٌ. اهـ. وَقَدْ يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ لِاجْتِمَاعِ عَزِيمَتِهِ أَنَّهُ لَا يَحْسُنُ لِغَيْرِ هَذَا الْقَصْدِ وَهَذَا لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَغْلِبُ عَلَيْهِ تَفَرُّقُ خَاطِرِهِ فَإِذَا ذَكَرَ بِلِسَانِهِ كَانَ عَوْنًا عَلَى جَمْعِهِ، ثُمَّ رَأَيْته فِي التَّجْنِيسِ قَالَ وَالنِّيَّةُ بِالْقَلْبِ؛ لِأَنَّهُ عَمَلُهُ وَالتَّكَلُّمُ لَا مُعْتَبَرَ بِهِ وَمَنْ اخْتَارَهُ اخْتَارَهُ لِتَجْتَمِعَ عَزِيمَتُهُ. اهـ. وَزَادَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ أَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ أَيْضًا فَتَحَرَّرَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ بِدْعَةٌ حَسَنَةٌ عِنْدَ قَصْدِ جَمْعِ الْعَزِيمَةِ، وَقَدْ اسْتَفَاضَ ظُهُورُ الْعَمَلِ بِذَلِكَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَعْصَارِ فِي عَامَّةِ الْأَمْصَارِ فَلَعَلَّ الْقَائِلَ بِالسُّنِّيَّةِ أَرَادَ بِهَا الطَّرِيقَةَ الْحَسَنَةَ لَا طَرِيقَةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَقِيَ الْكَلَامُ فِي كَيْفِيَّةِ التَّلَفُّظِ بِهَا فَفِي الْمُحِيطِ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ صَلَاةَ كَذَا فَيَسِّرْهَا لِي وَتَقَبَّلْهَا مِنِّي وَهَكَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَالْحَاوِي وَفِي الْقُنْيَةِ إذَا أَرَادَ النَّفَلَ أَوْ السُّنَّةَ يَقُولُ اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ الصَّلَاةَ فَيَسِّرْهَا لِي وَتَقَبَّلْهَا مِنِّي وَفِي الْفَرْضِ اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ أَنْ أُصَلِّيَ فَرْضَ الْوَقْتِ أَوْ فَرْضَ كَذَا فَيَسِّرْهُ لِي وَتَقَبَّلْهُ مِنِّي وَفِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ أَنْ أُصَلِّيَ لَك وَأَدْعُوَ لِهَذَا الْمَيِّتِ فَيَسِّرْهُ لِي وَتَقَبَّلْهُ مِنِّي وَالْمُقْتَدِي يَقُولُ اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ أَنْ أُصَلِّيَ فَرْضَ الْوَقْتِ مُتَابِعًا لِهَذَا الْإِمَامِ فَيَسِّرْهُ لِي وَتَقَبَّلْهُ مِنِّي. اهـ. وَهَذَا كُلُّهُ يُفِيدُ أَنَّ التَّلَفُّظَ بِهَا يَكُونُ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ لَا بِنَحْوِ نَوَيْت أَوْ أَنْوِي كَمَا عَلَيْهِ عَامَّةُ الْمُتَلَفِّظِينَ بِالنِّيَّةِ مِنْ عَامِّيٍّ وَغَيْرِهِ لَا يَخْفَى أَنَّ سُؤَالَ التَّوْفِيقِ وَالْقَبُولِ شَيْءٌ آخَرُ غَيْرُ التَّلَفُّظِ بِهَا، عَلَى أَنَّهُ قَدْ ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ مَشَايِخِنَا فِي وَجْهِ مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الْحَجِّ أَنَّ الْحَجَّ لَمَّا كَانَ مِمَّا يَمْتَدُّ وَيَقَعُ فِيهِ الْعَوَارِضُ وَالْمَوَانِعُ وَهُوَ عِبَادَةٌ عَظِيمَةٌ تَحْصُلُ بِأَفْعَالٍ شَاقَّةٍ اُسْتُحِبَّ طَلَبُ التَّيْسِيرِ وَالتَّسْهِيلِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَلَمْ يُشْرَعْ مِثْلُ هَذَا الدُّعَاءِ فِي الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ أَدَاءَهَا فِي وَقْتٍ يَسِيرٍ. اهـ. وَهُوَ صَرِيحٌ فِي نَفْيِ قِيَاسِ الصَّلَاةِ عَلَى الْحَجِّ وَفِي الْمُجْتَبَى مَنْ عَجَزَ عَنْ إحْضَارِ الْقَلْبِ فِي النِّيَّةِ يَكْفِيهِ اللِّسَانُ. اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ فِعْلَ اللِّسَانِ يَكُونُ بَدَلًا عَنْ فِعْلِ الْقَلْبِ وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ نَصْبَ الْإِبْدَالِ بِالرَّأْيِ لَا يَجُوزُ وَفِي الْغُنْيَةِ عَزَمَ عَلَى صَلَاةِ الظُّهْرِ وَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ نَوَيْت صَلَاةَ الْعَصْرِ يُجْزِئُهُ. (قَوْلُهُ: وَيَكْفِيهِ مُطْلَقُ النِّيَّةِ لِلنَّفْلِ وَالسُّنَّةِ وَالتَّرَاوِيحِ) ، أَمَّا فِي النَّفْلِ فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ اسْمِ الصَّلَاةِ يَنْصَرِفُ إلَى النَّفْلِ؛ لِأَنَّهُ الْأَدْنَى فَهُوَ مُتَيَقِّنٌ وَالزِّيَادَةُ مَشْكُوكٌ فِيهَا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَنْوِيَ الصَّلَاةَ أَوْ الصَّلَاةَ لِلَّهِ؛ لِأَنَّ الْمُصَلِّيَ لَا يُصَلِّي لِغَيْرِ اللَّهِ، وَأَمَّا فِي السُّنَّةِ وَالتَّرَاوِيحِ فَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ مَا فِي الْكِتَابِ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ وَالتَّجْنِيسِ وَجَعَلَهُ فِي الْهِدَايَةِ هُوَ الصَّحِيحُ وَفِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ قَوْلُ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ وَفِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي وَخِزَانَةِ الْفَتَاوَى أَنَّهُ الْمُخْتَارُ وَرَجَّحَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَنَسَبَهُ إلَى الْمُحَقِّقِينَ بِأَنَّ مَعْنَى السُّنَّةِ كَوْنُ النَّافِلَةِ مُوَاظَبًا عَلَيْهَا مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ الْفَرِيضَةِ الْمُعَيَّنَةِ أَوْ قَبْلَهَا فَإِذَا أَوْقَع الْمُصَلِّي النَّافِلَةَ فِي ذَلِكَ الْمَحِلِّ صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ فَعَلَ الْفِعْلَ الْمُسَمَّى سُنَّةً فَالْحَاصِلُ أَنَّ وَصْفَ السُّنَّةِ يَحْصُلُ بِنَفْسِ الْفِعْلِ الَّذِي فَعَلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ إنَّمَا كَانَ يَفْعَلُ عَلَى مَا سَمِعْت فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَنْوِي السُّنَّةَ بَلْ الصَّلَاةَ لِلَّهِ تَعَالَى فَعُلِمَ أَنَّ وَصْفَ السُّنَّةِ ثَبَتَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ نَصْبَ الْإِبْدَالِ بِالرَّأْيِ لَا يَجُوزُ) أَخَذَهُ مِنْ شَرْحِ الْمُنْيَةِ لِابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ وَعِبَارَتُهُ وَالْعَبْدُ الضَّعِيفُ لَهُ فِي هَذَا نَظَرٌ؛ لِأَنَّ إقَامَةَ فِعْلِ اللِّسَانِ فِي هَذَا مَقَامَ عَمَلِ الْقَلْبِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْهُ بَدَلًا مِنْهُ لَا يَكُونُ لِمُجَرَّدِ الرَّأْيِ؛ لِأَنَّ الْإِبْدَالَ لَا تُنْصِبُ بِالرَّأْيِ، وَقَدْ يَسْقُطُ الشَّرْطُ عِنْدَ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ لَا إلَى بَدَلٍ، وَقَدْ يَسْقُطُ إلَى بَدَلٍ، وَقَدْ يَسْقُطُ الْمَشْرُوطُ بِوَاسِطَةِ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى شَرْطِهِ فَإِثْبَاتُ أَحَدِ هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ دُونَ الْبَاقِي يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ وَأَيْنَ الدَّلِيلُ هُنَا عَلَى إقَامَةِ فِعْلِ اللِّسَانِ مُقَامَ فِعْلِ الْقَلْبِ فِي خُصُوصِ هَذَا الْأَمْرِ مِنْ الشَّارِعِ فَلْيُتَأَمَّلْ. اهـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 بَعْدَ فِعْلِهِ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ تَسْمِيَةٌ مِنَّا بِفِعْلِهِ الْمَخْصُوصِ لَا أَنَّهُ وَصْفٌ يَتَوَقَّفُ حُصُولُهُ عَلَى نِيَّتِهِ وَذَكَرَ قَاضِي خان فِي فَتَاوِيهِ فِي فَصْلِ التَّرَاوِيحِ اخْتِلَافَ الْمَشَايِخِ فِي السُّنَنِ وَالتَّرَاوِيحِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا لَا تَتَأَدَّى بِنِيَّةِ الصَّلَاةِ وَبِنِيَّةِ التَّطَوُّعِ؛ لِأَنَّهَا صَلَاةٌ مَخْصُوصَةٌ فَتَجِبُ مُرَاعَاةُ الصِّفَةِ لِلْخُرُوجِ عَنْ الْعُهْدَةِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَنْوِيَ السُّنَّةَ أَوْ مُتَابَعَةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَلْ يَحْتَاجُ لِكُلِّ شَفْعٍ مِنْ التَّرَاوِيحِ أَنْ يَنْوِيَ وَيُعَيِّنَ قَالَ بَعْضُهُمْ يَحْتَاجُ؛ لِأَنَّ كُلَّ شَفْعٍ صَلَاةٌ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ بِمَنْزِلَةِ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ. اهـ. فَقَدْ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ فَلِذَا قَالَ فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَالِاحْتِيَاطُ فِي التَّرَاوِيحِ أَنْ يَنْوِيَ التَّرَاوِيحَ أَوْ سُنَّةَ الْوَقْتِ أَوْ قِيَامَ اللَّيْلِ وَفِي السُّنَّةِ يَنْوِي السُّنَّةَ. اهـ. أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي السُّنَّةِ فَشَمِلَ سُنَّةَ الْفَجْرِ حَتَّى لَوْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ تَهَجُّدًا، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ صَلَّاهُمَا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَجْزَأَتَا عَنْ السُّنَّةِ وَفِي آخِرِ الْعُمْدَةِ لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ إذَا صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ تَطَوُّعًا قَبْلَ الْفَجْرِ فَوَقَعَ رَكْعَتَانِ بَعْدَ الطُّلُوعِ يُحْتَسَبُ مِنْ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ. اهـ. وَفِي الْخُلَاصَةِ وَبِهِ يُفْتَى وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ إنَّمَا تَكُونُ بِتَحْرِيمَةٍ مُبْتَدَأَةٍ بَعْدَ الطُّلُوعِ وَلَمْ تَحْصُلْ، وَقَدْ قَالُوا فِي سُجُودِ السَّهْوِ: إنَّهُ لَوْ قَامَ إلَى الْخَامِسَةِ بَعْدَ الْقُعُودِ عَلَى رَأْسِ الرَّابِعَةِ سَاهِيًا فَإِنَّهُ يَضُمُّ سَادِسَةً وَلَا يَنُوبَانِ عَنْ سُنَّةِ الظُّهْرِ لِمَا قُلْنَا فَكَذَا فِي سُنَّةِ الْفَجْرِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ لَمَّا كَانَ التَّنَفُّلُ مَكْرُوهًا فِي الْفَجْرِ جَعَلْنَاهُمَا سُنَّةً بِخِلَافِهِ فِي الظُّهْرِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْأَرْبَعَ الَّتِي تُصَلَّى بَعْدَ الْجُمُعَةِ عَلَى أَنَّهَا آخِرُ ظُهْرٍ عَلَيْهِ لِلشَّكِّ فِي الْجُمُعَةِ إذَا تَبَيَّنَ صِحَّةَ الْجُمُعَةِ فَإِنَّهَا تَنُوبُ عَنْ سُنَّتِهَا عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ؛ لِأَنَّهُ يَلْغُو الْوَصْفُ وَيَبْقَى الْأَصْلُ وَبِهِ تَتَأَدَّى السُّنَّةُ وَعَلَى قَوْلِ الْبَعْضِ لَا تَنُوبُ لِاشْتِرَاطِ التَّعْيِينِ. (قَوْلُهُ: وَلِلْفَرْضِ شَرْطُ تَعْيِينِهِ كَالْعَصْرِ مَثَلًا) لِاخْتِلَافِ الْفُرُوضِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّعْيِينِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا قَرَنَ بِالْيَوْمِ كَعَصْرِ الْيَوْمِ سَوَاءٌ خَرَجَ الْوَقْتُ أَوْ لَا لِأَنَّ غَايَتَهُ أَنَّهُ قَضَاءٌ بِنِيَّةِ الْأَدَاءِ وَهُوَ جَائِزٌ عَلَى الصَّحِيحِ يَدُلُّ عَلَى هَذَا مَسْأَلَةُ الْأَسِيرِ إذَا اشْتَبَهَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ فَتَحَرَّى شَهْرًا وَصَامَ فَوَقَعَ صَوْمُهُ بَعْدَ رَمَضَانَ وَهَذَا قَضَاءٌ بِنِيَّةِ الْأَدَاءِ، كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَشَمِلَ مَا إذَا قَرَنَ بِالْوَقْتِ كَعَصْرِ الْوَقْتِ أَوْ فَرَضَ الْوَقْتَ وَقَيَّدَهُمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِعَدَمِ خُرُوجِ الْوَقْتِ، فَإِنْ خَرَجَ وَنَسِيَهُ لَا يُجْزِئُهُ فِي الصَّحِيحِ وَجَعَلَ هَذَا الْقَيْدَ الشَّارِحُ قَيْدًا فِي فَرْضِ الْوَقْتِ فَقَطْ مُعَلِّلًا بِأَنَّ فَرْضَ الْوَقْتِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ غَيْرُ الظُّهْرِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: إذَا تَبَيَّنَ صِحَّةَ الْجُمُعَةِ) أَيْ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ ظُهْرٌ سَابِقٌ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَالنَّهْرِ. (قَوْلُهُ: وَجَعَلَ هَذَا الْقَيْدَ الشَّارِحُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ هَذَا وَهْمٌ فَإِنَّ لَفْظَ الشَّارِحِ وَيَكْفِيهِ أَنْ يَنْوِيَ ظُهْرَ الْوَقْتِ مَثَلًا أَوْ فَرْضَ الْوَقْتِ وَالْوَقْتُ بَاقٍ لِوُجُودِ التَّعْيِينِ فَلَوْ كَانَ الْوَقْتُ قَدْ خَرَجَ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِهِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْوَقْتِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ غَيْرُ الظُّهْرِ. اهـ. أَيْ وَكَذَلِكَ ظُهْرُ الْوَقْتِ فَقَدْ جَعَلَهُ قَيْدًا فِيهِمَا كَمَا تَرَى وَالْفَرْقُ بَيْنَ ظُهْرِ الْوَقْتِ وَظُهْرِ الْيَوْمِ غَنِيٌّ عَنْ الْبَيَانِ. اهـ. كَلَامُ النَّهْرِ. قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: وَمَنْ تَأَمَّلَ وَجَدَ الْحَقَّ مَعَ صَاحِبِ الْبَحْرِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إذَا دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ فَفِي وَقْتِ الْعَصْرِ صَلَاةٌ تُسَمَّى فَرْضُ الْوَقْتِ فَلَا تَصِحُّ بِنِيَّةِ فَرْضِ الْوَقْتِ لِلِاشْتِبَاهِ وَلَيْسَ فِيهِ صَلَاةٌ تُسَمَّى ظُهْرَ الْوَقْتِ فَلَا يَشْتَبِهُ الْحَالُ فَيَجِبُ أَنْ يَصِحَّ وَعِبَارَةُ الزَّيْلَعِيِّ قَابِلَةٌ لِمَا فَهِمَهُ فِي الْبَحْرِ بَلْ قَرِيبَةٌ لِمَنْ أَمْعَنَ النَّظَرَ. اهـ. لَكِنْ اعْتَرَضَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ صَاحِبُ الْبَحْرِ قَبْلَ رُؤْيَتِهِ كَلَامَ النَّهْرِ بِأَنَّ ظَاهِرَ الْعِبَارَةِ أَنَّ الْقَيْدَ لَهُمَا كَمَا فَعَلَهُ فِي الْفَتْحِ، وَأَمَّا أَخْذُهُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ التَّبْيِينِ فِي التَّعْلِيلِ؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْوَقْتِ لَيْسَ بِمُسَلَّمٍ؛ لِأَنَّ قَوْلَ التَّبْيِينِ بَعْدَهُ وَلَوْ نَوَى ظُهْرَ يَوْمِهِ يَجُوزُ مُطْلَقًا يُعْطِي خِلَافَهُ. اهـ. ثُمَّ نَقَلَ عَنْ النِّهَايَةِ وَالْكِفَايَةِ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا نَحْوَ عِبَارَةِ الزَّيْلَعِيِّ ثُمَّ قَالَ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ لَا تَخْلُو عَنْ إشَارَةٍ إلَى أَنَّ ظُهْرَ الْوَقْتِ كَفَرْضِ الْوَقْتِ لَا كَظُهْرِ يَوْمِهِ طِبَاقُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْفَتْحِ وَأَفْهَمَهُ التَّبْيِينُ قَالَ: ثُمَّ رَأَيْت ابْنَ مَلَكٍ وَهُوَ أَقْدَمُ مِنْ صَاحِبِ الْفَتْحِ صَرَّحَ بِذَلِكَ أَيْضًا حَيْثُ قَالَ وَفِي الْمُحِيطِ الْأَوْلَى فِي نِيَّةِ الْفَرْضِ مَثَلًا أَنْ يَقُولَ نَوَيْت ظُهْرَ الْيَوْمِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ ظُهْرَ الْوَقْتِ أَوْ فَرْضَهُ فَكَانَ الْوَقْتُ خَارِجًا وَهُوَ لَا يَعْلَمُهُ لَا يُجْزِئُهُ، أَمَّا لَوْ قَالَ ظُهْرَ الْيَوْمِ فَيُجْزِئُهُ سَوَاءٌ كَانَ الْوَقْتُ خَارِجًا أَوْ بَاقِيًا. اهـ. لَكِنْ فِي عُمْدَةِ الْمُفْتِي وَلَوْ شَكَّ فِي خُرُوجِ الْوَقْتِ فَنَوَى فَرْضَ الْوَقْتِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ ظُهْرًا، وَقَدْ يَكُونُ عَصْرًا وَلَوْ نَوَى ظُهْرَ الْوَقْتِ أَوْ عَصْرَهُ يَجُوزُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْقَضَاءَ بِنِيَّةِ الْأَدَاءِ وَالْأَدَاءُ بِنِيَّةِ الْقَضَاءِ يَجُوزُ عَلَى الْمُخْتَارِ ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ. اهـ. لَكِنَّ هَذَا يَرِدُ عَلَى حَصْرِ التَّبْيِينِ الْمُخَلِّصَ عَنْ الشَّكِّ فِي ظُهْرِ الْيَوْمِ إنْ لَمْ يُحْمَلْ عَلَى مَا سَلَكَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ مِنْ قَطْعِ ظُهْرِ الْوَقْتِ عَنْ التَّعْلِيلِ لَكِنَّ التَّحْقِيقَ أَنَّ بَيْنَ صُورَةِ الشَّكِّ وَبَيْنَ صُورَةِ مَسْأَلَتِنَا فَرْقًا مِنْ حَيْثُ وُجُودُ الشَّكِّ فِيهَا الْغَيْرِ الْمُمَحَّضِ النِّيَّةَ بِخِلَافِ صُورَتَيْ النِّسْيَانِ وَعَدَمِ الْعِلْمِ فَتَحَصَّلَ لَنَا أَنَّ نِيَّةَ ظُهْرِ الْوَقْتِ وَفَرْضَ الْوَقْتِ لَا تُجْزِيَانِ فِي صُورَةِ عَدَمِ الْعِلْمِ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ كَمَا فِي شَرْحِ ابْنِ مَالِكٍ وَالْفَتْحِ وَأَفْهَمَهَا عِبَارَاتُ الْكُتُبِ الْمَذْكُورَةِ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْفَتْحِ النِّسْيَانَ مَكَانَ عَدَمِ الْعِلْمِ وَتُجْزِئُ الْأُولَى فِي صُورَةِ الشَّكِّ فِي خُرُوجِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ، وَأَمَّا ظُهْرُ الْيَوْمِ فَيُجْزِئُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 فَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ نِيَّةُ عَصْرِ الْوَقْتِ صَحِيحَةً وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ وَيَكُونُ الْوَقْتُ كَالْيَوْمِ كَمَا لَا يَخْفَى وَيُسْتَثْنَى مِنْ فَرْضِ الْوَقْتِ الْجُمُعَةُ فَإِنَّهَا بَدَلُ فَرْضِ الْوَقْتِ لَا نَفْسِهِ فَلَا تَصِحُّ الْجُمُعَةُ بِنِيَّةِ فَرْضِ الْوَقْتِ إلَّا أَنْ يَكُونَ اعْتِقَادُهُ أَنَّهَا فَرْضُ الْوَقْتِ، وَشَمِلَ مَا إذَا نَوَى الْعَصْرَ بِلَا قَيْدٍ وَفِيهِ خِلَافٌ فَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ نَوَى الظُّهْرَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْوَقْتَ كَمَا يَقْبَلُ ظُهْرَ هَذَا الْيَوْمِ يَقْبَلُ ظُهْرًا آخَرُ وَقِيلَ يَجُوزُ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ مُتَعَيِّنٌ لَهُ هَذَا إذَا كَانَ مُؤَدِّيًا، فَإِنْ كَانَ قَاضِيًا، فَإِنْ صَلَّى بَعْدِ خُرُوجِ الْوَقْتِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ فَنَوَى الظُّهْرَ لَا يَجُوزُ أَيْضًا وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ يَنْوِي صَلَاةً عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَتْ وَقْتِيَّةً فَهِيَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ قَضَاءً فَهِيَ عَلَيْهِ أَيْضًا. اهـ. وَهَكَذَا صَحَّحَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مَعْزِيًّا إلَى فَتَاوَى الْعَتَّابِيِّ لَكِنْ جَزَمَ فِي الْخُلَاصَةِ بِعَدَمِ الْجَوَازِ وَصَحَّحَهُ السِّرَاجُ الْهِنْدِيُّ فِي شَرْحِ الْمُغْنِي فَاخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ كَمَا تَرَى وَيَنْبَغِي فِي مَسْأَلَةِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ أَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهِ صَلَاةٌ غَيْرَهَا وَإِلَّا فَلَا تَعْيِينَ وَأَفَادَ أَنَّهُ لَوْ نَوَى شَيْئَيْنِ فَإِنَّهُ   [منحة الخالق] فِي صُورَةِ عَدَمِ الْعِلْمِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ أَيْضًا وَفِي صُورَةِ الشَّكِّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْعَتَّابِيُّ وَالتَّبْيِينُ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْمُغَايَرَةِ بَيْنَ صُورَتَيْ الشَّكِّ وَعَدَمِ الْعِلْمِ قَوْلُ خِزَانَةِ الْفَتَاوَى وَفِي الْعَتَّابِيِّ يَنْبَغِي أَنْ يَنْوِيَ ظُهْرَ يَوْمِهِ وَكَذَا كُلُّ وَقْتٍ شَكَّ فِي خُرُوجِهِ وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الْوَقْتِيَّةَ هَلْ تَتَأَدَّى بِنِيَّةِ الْقَضَاءِ الْمُخْتَارِ أَنَّهُ يَجُوزُ إذَا كَانَ فِي قَلْبِهِ فَرْضُ الْوَقْتِ وَلَوْ خَرَجَ الْوَقْتُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ فَنَوَى ظُهْرَ الْيَوْمِ جَازَ. اهـ. إذْ لَوْلَا الْمُغَايَرَةُ لَكَانَ تَكْرَارًا وَقَوْلُ الْمُجْتَبَى وَلَوْ نَوَى فَرْضَ الْوَقْتِ بَعْدَمَا خَرَجَ لَا يَجُوزُ وَإِنْ شَكَّ فِي خُرُوجِهِ فَنَوَى فَرْضَ الْوَقْتِ جَازَ بِنَاءً عَلَى جَوَازِ الْقَضَاءِ بِنِيَّةِ الْأَدَاءِ. اهـ. ثُمَّ وَجَدْت صَاحِبَ النَّهْرِ قَالَ إلَخْ. اهـ. كَلَامُ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. أَقُولُ: وَذُكِرَ فِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة كُلُّ وَقْتٍ شَكَّ فِي خُرُوجِهِ فَنَوَى ظُهْرَ الْوَقْتِ مَثَلًا فَإِذَا هُوَ قَدْ خَرَجَ الْمُخْتَارُ الْجَوَازُ. اهـ. وَكَذَا فِي مَتْنِ الْمُنْيَةِ عَنْ الْمُحِيطِ وَالتَّصْرِيحِ بِأَنَّهُ الْمُخْتَارُ لَكِنْ بِزِيَادَةِ الْبِنَاءِ الْمَارِّ عَنْ عُمْدَةَ الْمُفْتِي وَكَانَ الْحَلَبِيُّ لَمْ يَرَ الْفَرْقَ بَيْنَ الشَّكِّ وَعَدَمَ الْعِلْمِ فَاعْتَرَضَ الْمُنْيَةُ بِمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْخُلَاصَةِ ثُمَّ قَالَ فَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ مَا اخْتَارَهُ فِي الْمُحِيطِ غَيْرُ الْمُخْتَارِ. اهـ. وَأَغْرَبَ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ حَيْثُ حَكَمَ بِأَنَّ مَا فِي الْمُنْيَةِ غَلَطٌ لَا يُسَاعِدُهُ الْوَجْهُ وَلَا الْمَسْطُورُ فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ كَمَا نَقَلَهُ الْحَمَوِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْأَشْبَاهِ عَنْهُ لِمَا عَلِمْت مِنْ نَقْلِهِ الْفَرْعَ الْمَذْكُورَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَعُمْدَةِ الْمُفْتِي وَالْمُحِيطِ فَإِنَّ صَاحِبَ الْمُنْيَةِ ثِقَةٌ لَا يَعْزُو بِغَيْرِ تَثَبُّتٍ وَوُجُودُهُ فِي هَذِهِ الْكُتُبِ الْمُعْتَبَرَةِ يُنَافِي ذَلِكَ وَاعْلَمْ أَنَّ الْحَاصِلَ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ دَفَعَ الْإِيرَادَ عَلَى حَصْرِ الزَّيْلَعِيِّ وَدَفَعَ الْمُنَافَاةَ بَيْنَ كَلَامِهِ لَوْ حُمِلَ عَلَى مَا قَرَّرَهُ فِي النَّهْرِ وَكَلَامِ الْعُمْدَةِ وَفِي كُلٍّ نَظَرٌ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ لَوْ حُمِلَ عَلَى مَا قَالَهُ فِي الْبَحْرِ لَا يَكُونُ فِي كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ نِيَّةَ ظُهْرِ الْوَقْتِ كَنِيَّةِ ظُهْرِ الْيَوْمِ بَلْ تَخْصِيصُ الْمُخَلِّصِ بِالثَّانِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَوَّلَ لَيْسَ كَذَلِكَ فَالْإِيرَادُ بَاقٍ وَلِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّغَايُرِ بَيْنَ الشَّكِّ وَعَدَمِ الْعِلْمِ لَا يُجْدِي فِي دَفْعِ الْمُنَافَاةِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّهُمَا قَوْلَانِ مُتَقَابِلَانِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ شَارِحِي الْمُنْيَةِ وَقَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ آخِرًا وَلَوْ نَوَى ظُهْرَ يَوْمِهِ يَجُوزُ مُطْلَقًا وَهُوَ مُخَلِّصٌ لِمَنْ يَشُكُّ فِي خُرُوجِ الْوَقْتِ. اهـ. مَعَ أَنَّ صَدْرَ كَلَامِهِ فِي عَدَمِ الْعِلْمِ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَرَ الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّكِّ وَلَا يَظْهَرُ دَفْعُ الْمُنَافَاةِ بَيْنَ كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ وَالْفَتْحِ وَمَنْ وَافَقَهُمَا وَبَيْنَ كَلَامِ الْعُمْدَةِ وَالْأَشْبَاهِ وَالْمُنْيَةِ بِمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْفَرْقِ بَلْ هُوَ يُؤَكِّدُ الْمُنَافَاةَ وَيُحْكَمُ بِأَنَّهُمَا قَوْلَانِ مُتَبَايِنَانِ كَمَا قُلْنَا، وَبَيَانُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ غَيْرَ عَالِمٍ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ وَنَوَى ظُهْرَ الْوَقْتِ فَاَلَّذِي فِي ظَنِّهِ أَنَّ الْوَقْتَ بَاقٍ فَيَكُونُ مُرَادُهُ بِالْوَقْتِ وَقْتَ الظُّهْرِ وَمَعَ هَذَا لَا تَجُوزُ نِيَّتُهُ فَإِذَا كَانَ شَاكًّا فِي خُرُوجِهِ يَكُونُ أَوْلَى فِي عَدَمِ الْجَوَازِ فَالْقَوْلُ بِالْجَوَازِ فِي هَذَا يُنَافِي الْقَوْلَ بِعَدَمِهِ فِي الْأَوَّلِ فَأَيْنَ التَّوْفِيقُ وَمَا اسْتَدَلَّ بِهِ مِنْ عِبَارَةِ الْخِزَانَةِ وَالْمُجْتَبَى لَا يَدُلُّ عَلَى دَفْعِ الْمُنَافَاةِ وَإِنْ دَلَّ عَلَى أَصْلِ التَّغَايُرِ عَلَى أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ عَلَى التَّغَايُرِ بَيْنَهُمَا مِمَّا لَا حَاجَةَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنْكِرُهُ أَحَدٌ وَعِبَارَةُ الْخِزَانَةِ لَيْسَتْ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ لِأَنَّ حَاصِلَهَا أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي نِيَّةِ ظُهْرِ الْوَقْتِ بَيْنَ مَسْأَلَتَيْ الشَّكِّ وَعَدَمِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي عِبَارَةِ الْمُجْتَبَى التَّعَرُّضُ لِعَدَمِ الْعِلْمِ فَثَبَتَ أَنَّهُمَا قَوْلَانِ وَأَنَّ الْمُخْتَارَ خِلَافُ مَا فِي الْمُنْيَةِ وَالْعُمْدَةِ كَمَا قَالَهُ الْحَلَبِيُّ ثُمَّ التَّحْقِيقُ أَنَّ تَعْلِيلَ الزَّيْلَعِيِّ يَصْلُحُ لِكُلٍّ مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَذَلِكَ أَنَّ أَلْ فِي الْوَقْتِ كَمَا قَالَ الْحَلَبِيُّ لِلْعَهْدِ لَا لِلْجِنْسِ فَإِذَا لَمْ يَعْلَمْ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ وَنَوَى ظُهْرَ الْوَقْتِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ لَا يَتَعَيَّنُ الظُّهْرُ إذْ لَيْسَ ذَلِكَ فَرْضُ الْوَقْتِ الْحَاضِرِ الْمَعْهُودِ بَلْ فَرْضُ الْوَقْتِ غَيْرُهُ فَقَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا فَرَضَ الْوَقْتَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَيْ حَالَةِ خُرُوجِ الْوَقْتِ غَيْرِ الظُّهْرِ عِلَّةٌ لِعَدَمِ جَوَازِ نِيَّةِ ظُهْرِ الْوَقْتِ وَفَرْضِ الْوَقْتِ بِلَا تَقْدِيرٍ فَلَا حَاجَةَ إلَى مَا قَالَهُ فِي النَّهْرِ، وَقَدْ ظَهَرَ مِنْ هَذَا التَّقْرِيرِ أَيْضًا دَفْعُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ بَعْضِ الْفُضَلَاءِ كَمَا لَا يَخْفَى. (قَوْلُهُ: وَهَكَذَا صَحَّحَهُ إلَخْ) رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ بِهِ وَقِيلَ يَجُوزُ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَكَذَا اسْتَظْهَرَهُ فِي الْعِنَايَةِ ثُمَّ قَالَ وَأَقُولُ: الشَّرْطُ الْمُتَقَدِّمُ وَهُوَ أَنْ يَعْلَمَ بِقَلْبِهِ أَيَّ صَلَاةٍ يُصَلِّي يَحْسِمُ مَادَّةَ هَذِهِ الْمَقَالَاتِ وَغَيْرِهَا فَإِنَّ الْعُمْدَةَ عَلَيْهِ لِحُصُولِ التَّمْيِيزِ بِهِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ. اهـ. قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ وَيُؤَيِّدُهُ مَا سَبَقَ مِنْ أَنَّهُ لَوْ نَوَى الظُّهْرَ وَتَلَفَّظَ بِالْعَصْرِ يَكُونُ شَارِعًا فِي الْعَصْرِ. (قَوْلُهُ: وَأَفَادَ أَنَّهُ لَوْ نَوَى شَيْئَيْنِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ إلَخْ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 لَا يَصِحُّ فَلَوْ نَوَى فَائِتَةً وَوَقْتِيَّةً كَمَا إذَا فَاتَتْهُ الظُّهْرُ فَنَوَى فِي وَقْتِ الْعَصْرِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ فَإِنَّهُ لَا يَصِيرُ شَارِعًا فِي وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَفِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَلَوْ نَوَى مَكْتُوبَتَيْنِ فَهِيَ الَّتِي دَخَلَ وَقْتُهَا وَعَلَّلَ لَهُ فِي الْمُحِيطِ بِأَنَّ الْوَقْتِيَّةَ وَاجِبَةٌ لِلْحَالِ وَغَيْرُهَا لَا. اهـ. وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّهُ لَيْسَ بِصَاحِبِ تَرْتِيبٍ وَإِلَّا فَالْفَائِتَةُ أَوْلَى كَمَا لَا يَخْفَى وَفِي الْمُنْيَةِ أَيْضًا لَوْ نَوَى فَائِتَةً وَوَقْتِيَّةً فَهِيَ لِلْفَائِتَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي آخِرِ وَقْتِ الْوَقْتِيَّةِ. اهـ. وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْأَوَّلِ وَأَفَادَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّ فِيهَا رِوَايَتَيْنِ وَلَوْ جَمَعَ بَيْنَ مَكْتُوبَتَيْنِ فَائِتَتَيْنِ فَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ لَكِنْ فِي الْخُلَاصَةِ أَنَّهُ يَكُونُ لِلْأُولَى مِنْهُمَا وَأَقَرَّهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَعَلَّلَ لَهُ فِي الْمُحِيطِ بِأَنَّ الثَّانِيَةَ   [منحة الخالق] أَقُولُ: ذَكَرَ الْخَلَّاطِيُّ فِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ لِلْإِمَامِ مُحَمَّدٍ مَا يُخَالِفُ بَعْضَ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ هُنَا فَلْنَذْكُرْ حَاصِلَ مَا ذَكَرَهُ فِي التَّلْخِيصِ مُوَضِّحًا مِنْ شَرْحِهِ لِلْفَارِسِيِّ اعْلَمْ أَنَّ نِيَّةَ الْفَرْضَيْنِ مَعًا إنْ كَانَتْ فِي الصَّلَاةِ كَانَتْ لَغْوًا عِنْدَ هُمَا وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ الْإِمَامِ وَصُورَتُهُ مَا لَوْ كَبَّرَ يَنْوِي ظُهْرًا أَوْ عَصْرًا عَلَيْهِ مِنْ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ عَالِمًا بِأَوَّلِهِمَا أَوْ لَا فَلَا يَصِيرُ شَارِعًا فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلتَّنَافِي بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ طَرَأَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ رَفَعَهُ وَأَبْطَلَهُ أَصْلًا حَتَّى لَوْ شَرَعَ فِي الظُّهْرِ ثُمَّ كَبَّرَ يَنْوِي عَصْرًا عَلَيْهِ بَطَلَتْ الظُّهْرُ وَصَحَّحَ شُرُوعَهُ فِي الْعَصْرِ لِامْتِنَاعِ كَوْنِهَا ظُهْرًا أَوْ عَصْرًا فَإِذَا كَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا قُوَّةُ رَفْعِ الْأُخْرَى بَعْدَ ثُبُوتِهَا يَكُونُ لَهَا قُوَّةُ دَفْعِهَا عَنْ الْمَحَلِّ قَبْلَ اسْتِقْرَارِهَا بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّ الدَّفْعَ أَسْهَلُ مِنْ الرَّفْعِ وَهَذَا عَلَى أَصْلِ مُحَمَّدٍ وَكَذَا عَلَى أَصْلِ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ التَّرْجِيحَ عِنْدَهُ إمَّا بِالْحَاجَةِ إلَى التَّعْيِينِ وَإِمَّا بِالْقُوَّةِ كَمَا سَيَأْتِي، وَقَدْ اسْتَوَيَا فِي الْأَمْرَيْنِ ثُمَّ إطْلَاقُ الْفَرْضَيْنِ يَتَنَاوَلُ مَا وَجَبَ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى كَالْمَكْتُوبَةِ أَوْ بِإِيجَابِ الْعَبْدِ كَالْمَنْذُورِ أَدَاءً أَوْ قَضَاءً وَمَا أُلْحِقَ بِهِ كَفَاسِدِ النَّفْلِ سَوَاءٌ كَانَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ كَالظُّهْرَيْنِ وَالْجِنَازَتَيْنِ وَالْمَنْذُورَتَيْنِ أَوْ مِنْ جِنْسَيْنِ كَالظُّهْرِ مَعَ الْعَصْرِ أَوْ مَعَ النَّذْرِ أَوْ مَعَ الْجِنَازَةِ وَقِيلَ: إنَّ نَاوِيَ الْفَرْضَيْنِ فِي الصَّلَاةِ مُتَنَفِّلٌ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَإِنْ كَانَتْ نِيَّةُ الْفَرْضَيْنِ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ كَالزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَالْكَفَّارَةِ كَانَتْ مُعْتَبَرَةً وَيَكُونُ مُتَنَفِّلًا إلَّا إذَا كَانَ الْفَرْضَانِ كَفَّارَتَيْنِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَيَكُونُ مُفْتَرِضًا فَإِذَا نَوَى بِكُلِّ الْمَالِ الْمَدْفُوعِ لِلْفَقِيرِ زَكَاةً وَكَفَّارَةً ظِهَارًا وَنَوَى الصَّوْمَ عَنْ قَضَاءٍ وَكَفَّارَةٍ أَوْ لَبَّى مَنْ كَانَ حَجَّ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ يَنْوِي حَجَّتَيْنِ مَنْذُورَتَيْنِ صَارَ شَارِعًا فِي نَفْلٍ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَيْنِ هُنَا تَدَافَعَا وَصْفًا وَهُوَ جِهَةُ الصَّدَقَةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ لَا أَصْلًا لِعَدَمِ التَّنَافِي بَيْنَهُمَا بِدَلِيلِ بُطْلَانِ الطَّارِئِ دُونَ الْقَائِمِ فَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ التَّدَافُعُ مِنْ حَيْثُ الْأَصْلُ بَقِيَ أَصْلُ النِّيَّةِ وَذَلِكَ يَكْفِي لِلنَّفْلِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ التَّدَافُعُ فِيهَا مِنْ حَيْثُ الْأَصْلُ عِنْدَ الْمُقَارَنَةِ فَبَطَلَا جَمِيعًا، وَأَمَّا فِي كَفَّارَتَيْنِ مِنْ جِنْسَيْنِ بِأَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً عَنْ ظِهَارَيْنِ مِنْ امْرَأَتَيْنِ أَوْ عَنْ إفْطَارَيْنِ مِنْ رَمَضَانَ أَوْ رَمَضَانَيْنِ فَإِنَّهُ لَا يَبْطُلُ الْجِهَتَانِ لَا أَصْلًا وَلَا وَصْفًا فَلَا يَلْغُو الْعِتْقُ كَمَا لَغَا فِي الصَّلَاةِ وَلَا يَقَعُ نَفْلًا كَمَا فِي الصَّوْمِ وَأَخَوَاتِهِ بَلْ يَقَعُ فَرْضًا عَنْ أَحَدِهِمَا اسْتِحْسَانًا لِإِلْغَاءِ التَّعْيِينِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُفِيدُ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ وَإِذَا لَغَا يَبْقَى نِيَّةُ أَصْلِ التَّكْفِيرِ فَيَكْفِي عَنْ أَحَدِهِمَا كَمَا لَوْ أَطْلَقَ وَإِذَا نَوَى فَرْضًا وَنَفْلًا فَهُوَ مُفْتَرِضٌ كَمَا إذَا نَوَى الظُّهْرَ وَالتَّطَوُّعَ بِتَحْرِيمَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ الصَّوْمَ عَنْ الْقَضَاءِ وَالتَّطَوُّعِ أَوْ أَهَلَّ مِنْ حَجٍّ لِلْإِسْلَامِ يَنْوِي حَجَّةَ نَذْرٍ وَتَطَوُّعٍ فَإِنَّهُ يَصِيرُ شَارِعًا فِي الْفَرْضِ وَتَبْطُلُ نِيَّةُ التَّطَوُّعِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ الْإِمَامِ تَرْجِيحًا لِلْفَرْضِ بِقُوَّتِهِ أَوْ حَاجَتِهِ إلَى التَّعْيِينِ فَيَلْغُو مَا لَا يَحْتَاجُ إلَى التَّعْيِينِ وَيُعْتَبَرُ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ كَمَا إذَا بَاعَ سِوَارًا وَعَبْدًا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَنَقَدَ مِنْ الثَّمَنِ بِقَدْرِ السِّوَارِ فَإِنَّهُ يَنْصَرِفُ إلَى حِصَّةِ السِّوَارِ لِئَلَّا يَفْسُدَ الْبَيْعُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ إنْ كَانَتْ نِيَّةُ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ فِي الصَّلَاةِ تَلْغُو فَلَا يَصِيرُ شَارِعًا فِي شَيْءٍ مِنْهُمَا سَوَاءٌ كَانَ ظُهْرًا أَوْ نَفْلًا أَوْ ظُهْرًا أَوْ صَلَاةَ جِنَازَةٍ وَإِنْ كَانَتْ فِي الصَّوْمِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ بِأَنْ نَوَى حَجَّةً مَنْذُورَةً وَحَجَّةً تَطَوُّعًا يَكُونُ مُتَنَفِّلًا بِخِلَافِ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَالتَّطَوُّعِ فَإِنَّهُ يَصِيرُ شَارِعًا فِي الْفَرْضِ بِالِاتِّفَاقِ، أَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَلِأَنَّ الْفَرْضَ أَقْوَى وَأَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَلِأَنَّهُ لَمَّا لَغَتْ نِيُّهُ الْجِهَتَيْنِ بَقِيَ أَصْلُ النِّيَّةِ وَذَلِكَ يَكْفِي لِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ هَذَا خُلَاصَةُ مَا فِي شَرْحِ تَلْخِيصِ الْجَامِعِ لِلْفَارِسِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَوْ نَوَى صَلَاتَيْنِ مَكْتُوبَتَيْنِ لَا تَصِحُّ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا وَلَا يَصِيرُ شَارِعًا فِي الصَّلَاةِ أَصْلًا سَوَاءٌ كَانَتَا فَائِتَتَيْنِ أَوْ فَائِتَةً وَوَقْتِيَّةً وَسَوَاءٌ كَانَ صَاحِبَ تَرْتِيبٍ أَوْ لَا وَسَوَاءٌ ضَاقَ وَقْتُ الْوَقْتِيَّةِ أَوْ لَا وَلَعَلَّهُ فِي الْأَخِيرَيْنِ اعْتَبَرَ بَعْضُهُمْ تَرْجِيحَ الْقُوَّةِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فَتَأَمَّلْ أَوْ هُمَا رِوَايَتَانِ كَمَا نَقَلَهُ الْمُؤَلِّفُ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ يُفِيدُ إلَخْ) هَذِهِ الْإِفَادَةُ إنَّمَا تَتِمُّ لَوْ حُمِلَ كَلَامُ الْمُنْيَةِ عَلَى مَا يَشْمَلُ الْوَقْتِيَّةَ مَعَ الْفَائِتَةِ أَوْ مَعَ الَّتِي لَمْ يَدْخُلُ وَقْتُهَا، أَمَّا لَوْ حُمِلَ عَلَى الثَّانِي فَقَطْ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ الْحَلَبِيُّ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ لَا يَتِمُّ مَا ذَكَرَهُ وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْحَمْلُ أَنَّهُ فِي الْمُنْيَةِ ذَكَرَ حُكْمَ الْوَقْتِيَّةِ مَعَ الْفَائِتَةِ فِيمَا يُعِيدُهُ مُغَايِرًا لِذَلِكَ فَيَلْزَمُ الْمُنَافَاةُ فَتَعَيَّنَ مَا قَالَهُ الْحَلَبِيُّ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْأَوَّلِ) أَيْ لِقَوْلِهِ وَلَوْ نَوَى مَكْتُوبَتَيْنِ إلَخْ لَكِنْ قَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمُرَادَ بِهِمَا الْوَقْتِيَّةُ مَعَ الَّتِي لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُهَا فَلَا مُخَالَفَةَ إلَّا أَنْ يُرِيدَ الْمُخَالَفَةَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا قَدَّمَهُ أَوَّلًا بِقَوْلِهِ فَلَوْ نَوَى فَائِتَةً وَوَقْتِيَّةً إلَخْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 لَا تَجُوزُ إلَّا بَعْدَ قَضَاءِ الْأُولَى وَهُوَ إنَّمَا يُتِمُّ فِيمَا إذَا كَانَ التَّرْتِيبُ بَيْنَهُمَا وَاجِبًا وَلَوْ نَوَى الْفَرْضَ وَالتَّطَوُّعَ جَازَ عَنْ الْفَرْضِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَقْوَى مِنْ النَّفْلِ فَلَا يُعَارِضُهُ فَتَلْغُو نِيَّةُ النَّفْلِ وَتَبْقَى نِيَّةُ الْفَرْضِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَكُونُ دَاخِلًا فِي الصَّلَاةِ أَصْلًا لِتَعَارُضِ الْوَصْفَيْنِ وَلَوْ نَوَى الظُّهْرَ وَالْجُمُعَةَ جَمِيعًا بَعْضُهُمْ جَوَّزُوا ذَلِكَ وَرَجَّحُوا نِيَّةَ الْجُمُعَةِ بِحُكْمِ الِاقْتِدَاءِ وَلَوْ نَوَى مَكْتُوبَةً وَصَلَاةَ جِنَازَةٍ فَهِيَ عَنْ الْمَكْتُوبَةِ وَلَوْ نَوَى نَافِلَةً وَصَلَاةَ جِنَازَةٍ فَهِيَ نَافِلَةٌ، كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَأَطْلَقَ نِيَّةَ التَّعْيِينِ فَشَمِلَ الْفَوَائِتَ أَيْضًا فَلِذَا قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَوْ كَانَتْ الْفَوَائِتُ كَثِيرَةً فَاشْتَغَلَ بِالْقَضَاءِ يَحْتَاجُ إلَى تَعْيِينِ الظُّهْرِ أَوْ الْعَصْرِ وَيَنْوِي أَيْضًا ظُهْرَ يَوْمِ كَذَا، فَإِنْ أَرَادَ تَسْهِيلَ الْأَمْرِ يَنْوِي أَوَّلَ ظُهْرٍ عَلَيْهِ أَوْ آخِرَ ظُهْرٍ عَلَيْهِ فَرْقٌ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ فَفِي الصَّوْمِ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ يَوْمَيْنِ فَقَضَى يَوْمًا وَلَمْ يُعَيِّنْ جَازَ؛ لِأَنَّ فِي الصَّوْمِ السَّبَبَ وَاحِدٌ وَهُوَ الشَّهْرُ فَكَانَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ إكْمَالَ الْعَدَدِ، أَمَّا فِي الصَّلَاةِ فَالسَّبَبُ مُخْتَلِفٌ وَهُوَ الْوَقْتُ وَبِاخْتِلَافِ السَّبَبِ يَخْتَلِفُ الْوَاجِبُ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّعْيِينِ حَتَّى لَوْ كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ يَوْمَيْنِ مِنْ رَمَضَانَيْنِ يَحْتَاجُ إلَى التَّعْيِينِ. اهـ. وَيَتَفَرَّعُ عَلَى اشْتِرَاطِ التَّعْيِينِ لِلْفَرَائِضِ مَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رَجُلٍ فَاتَتْهُ صَلَاةٌ مِنْ يَوْمٍ وَاشْتَبَهَتْ أَنَّهَا أَيَّةُ صَلَاةٍ فَإِنَّهُ يُصَلِّي صَلَاةَ كُلِّ الْيَوْمِ حَتَّى يَخْرُجَ عَمَّا عَلَيْهِ وَيَتَفَرَّعَ أَيْضًا مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ رَجُلٌ لَمْ يَعْرِفْ أَنَّ الصَّلَاةَ الْخَمْسَ فَرْضٌ عَلَى الْعِبَادِ إلَّا أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّيهَا فِي مَوَاقِيتِهَا لَا يَجُوزُ وَعَلَيْهِ قَضَاؤُهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِ الْفَرْضَ وَكَذَا إذَا عَلِمَ أَنَّ مِنْهَا فَرِيضَةً وَمِنْهَا سُنَّةً لَكِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْفَرِيضَةَ مِنْ السُّنَّةِ، فَإِنْ نَوَى الْفَرِيضَةَ فِي الْكُلِّ جَازَ وَإِنْ كَانَ لَا يَعْلَمُ أَنَّ بَعْضَهَا فَرِيضَةٌ وَبَعْضَهَا سُنَّةٌ فَصَلَّى مَعَ الْإِمَامِ وَنَوَى صَلَاةَ الْإِمَامِ جَازَتْ، فَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ الْفَرَائِضَ مِنْ السُّنَنِ لَكِنْ لَا يَعْلَمُ مَا فِي الصَّلَاةِ مِنْ الْفَرَائِضِ وَالسُّنَنِ جَازَتْ صَلَاتُهُ أَيْضًا، فَإِنْ أَمَّ هَذَا الرَّجُلُ غَيْرَهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ الْفَرَائِضَ مِنْ النَّوَافِلِ فَصَلَّى وَنَوَى الْفَرْضَ فِي الْكُلِّ جَازَتْ صَلَاتُهُ، أَمَّا صَلَاةُ الْقَوْمِ فَكُلُّ صَلَاةٍ لَيْسَتْ لَهَا سُنَّةٌ قَبْلَهَا كَصَلَاةِ الْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ يَجُوزُ أَيْضًا وَكُلُّ صَلَاةٍ قَبْلَهَا سُنَّةٌ مِثْلُهَا كَصَلَاةِ الْفَجْرِ وَالظُّهْرِ لَا تَجُوزُ صَلَاةُ الْقَوْمِ. اهـ. وَأَرَادَ الْمُصَنِّفُ بِالْفَرْضِ الْفَرْضَ الْعَمَلِيَّ فَيَشْمَلُ الْوَاجِبَ فَيَدْخُلُ فِيهِ قَضَاءُ مَا شَرَعَ فِيهِ مِنْ النَّفْلِ، ثُمَّ أَفْسَدَهُ وَالنَّذْرُ وَالْوِتْرُ وَصَلَاةُ الْعِيدَيْنِ وَرَكْعَتَا الطَّوَافِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّعْيِينِ لِإِسْقَاطِ الْوَاجِبِ عَنْهُ وَقَالُوا: إنَّهُ لَا يَنْوِي فِيهِ أَنَّهُ وَاجِبٌ لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ وَفِي الْقُنْيَةِ مِنْ سُجُودِ التِّلَاوَةِ لَا تَجِبُ نِيَّةُ التَّعْيِينِ فِي السَّجَدَاتِ. اهـ. وَأَمَّا نِيَّةُ التَّعْيِينِ لِسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ فَلَا بُدَّ مِنْهُ لِدَفْعِ الْمُزَاحِمِ مِنْ سَجْدَةِ الشُّكْرِ وَالسَّهْوِ وَأَرَادَ بِاشْتِرَاطِ التَّعْيِينِ وُجُودَهُ عِنْدَ الشُّرُوعِ فَقَطْ حَتَّى لَوْ نَوَى فَرْضًا وَشَرَعَ فِيهِ، ثُمَّ نَسِيَ فَظَنَّهُ تَطَوُّعًا فَأَتَمَّهُ عَلَى أَنَّهُ تَطَوُّعٌ فَهُوَ فَرْضٌ مُسْقِطٌ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ الْمُعْتَبَرَةَ إنَّمَا يُشْتَرَطُ قِرَانُهَا بِالْجُزْءِ الْأَوَّلِ وَمِثْلُهُ إذَا شَرَعَ بِنِيَّةِ التَّطَوُّعِ فَأَتَمَّهَا عَلَى ظَنِّ الْمَكْتُوبَةِ فَهِيَ تَطَوُّعٌ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَبَّرَ حِينَ شَكَّ يَنْوِي التَّطَوُّعَ فِي   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَهُوَ إنَّمَا يَتِمُّ فِيمَا إذَا كَانَ التَّرْتِيبُ بَيْنَهُمَا وَاجِبًا) الْعِبَارَةُ لِابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُنْيَةِ وَقَالَ بَعْدَهَا بَقِيَ مَا لَوْ لَمْ يَكُنْ التَّرْتِيبُ بَيْنَهُمَا وَاجِبًا وَيُمْكِنُ أَيْضًا أَنْ يُقَالَ أَنَّهَا لِلْأُولَى؛ لِأَنَّ تَقْدِيمَهَا أَوْلَى. اهـ. وَجَزَمَ بِهِ الْحَلَبِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُنْيَةِ أَيْضًا. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ فِي الصَّوْمِ السَّبَبَ وَاحِدٌ وَهُوَ الشَّهْرُ) أَقُولُ: يَرُدُّ عَلَيْهِ مَا قَالُوا مِنْ أَنَّ كُلَّ يَوْمٍ سَبَبٌ لِصَوْمِهِ خِلَافًا لِشَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَلِذَا وَجَبَ لِكُلِّ يَوْمٍ نِيَّةٌ ثُمَّ رَأَيْت الْمُحَقِّقَ اسْتَشْكَلَ ذَلِكَ وَقَالَ فَصَارَ الْيَوْمَانِ كَالظُّهْرَيْنِ ثُمَّ قَالَ لَكِنَّا سَنُبَيِّنُ مَا يَرْفَعُ هَذَا الْإِشْكَالَ. (قَوْلُهُ: حَتَّى لَوْ كَانَا مِنْ رَمَضَانَيْنِ يَحْتَاجُ إلَى التَّعْيِينِ) سَيَأْتِي فِي كِتَابِ الصَّوْمِ أَنَّهُ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ وَالصَّحِيحُ الْإِجْزَاءُ وَفِي الْفَتْحِ هُنَاكَ أَنَّهُ الْمُخْتَارُ وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الْإِمْدَادِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ أَمَّ هَذَا الرَّجُلُ غَيْرَهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ) الْأَظْهَرُ أَنْ يُقَالَ فَإِنَّ أَمَّ غَيْرَهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ إلَخْ وَيُسْقِطَ (هَذَا الرَّجُلُ) . (قَوْلُهُ: كَصَلَاةِ الْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ فِيهِ أَنَّ الْعَصْرَ وَالْعِشَاءَ قَبْلَهُمَا سُنَّةٌ وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مُؤَكَّدَةٍ فَمَتَى نَوَى الْفَرْضَ فِيهَا صَارَتْ فَرْضًا وَكَانَ مَا بَعْدَهَا نَفْلًا فَلَا يَصِحُّ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِينَ بِهِ فِيهَا وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ كَصَلَاةٍ لَمْ يُصَلِّ قَبْلَهَا مِثْلَهَا فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ كَمَا يَظْهَرُ لَك بِالتَّأَمُّلِ. (قَوْلُهُ: وَأَرَادَ الْمُصَنِّفُ بِالْفَرْضِ الْفَرْضَ الْعَمَلِيَّ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ فِيهِ نَظَرٌ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْعَمَلِيَّ مَا يَفُوتُ الْجَوَازُ بِفَوْتِهِ وَلَا شَكَّ فِي عَدَمِ صِدْقِهِ عَلَى الْعِيدَيْنِ وَمَا أَفْسَدَهُ مِنْ النَّفْلِ وَالتِّلَاوَةِ فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ أَرَادَ بِهِ اللَّازِمَ. (قَوْلُهُ: وَقَالُوا: إنَّهُ لَا يَنْوِي إلَخْ) أَيْ لَا يَلْزَمُهُ تَعْيِينُ الْوُجُوبِ لَا أَنَّ الْمُرَادَ مَنْعُهُ مِنْ أَنْ يَنْوِيَ وُجُوبَهُ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ حَنَفِيًّا يَنْبَغِي أَنْ يَنْوِيَهُ لِيُطَابِقَ اعْتِقَادَهُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُ لَا تَضُرُّهُ تِلْكَ النِّيَّةُ، كَذَا ذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ فِي بَابِ الْوِتْرِ. (قَوْلُهُ: وُجُودُهُ عِنْدَ الشُّرُوعِ فَقَطْ) أَيْ لِاسْتِمْرَارِهِ لَكِنْ فِي تَقْيِيدِهِ بِوَقْتِ الشُّرُوعِ نَظَرٌ بَلْ الشَّرْطُ التَّعْيِينُ عِنْدَ النِّيَّةِ كَمَا فِي النَّهْرِ سَوَاءٌ كَانَتْ عِنْدَ الشُّرُوعِ أَوْ قَبْلَهُ عَلَى مَا مَرَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 297 الْأَوَّلِ أَوْ الْمَكْتُوبَةَ فِي الثَّانِي حَيْثُ يَصِيرُ خَارِجًا إلَى مَا نَوَى ثَانِيًا لِقِرَانِ النِّيَّةِ بِالتَّكْبِيرِ وَسَيَأْتِي فِي الْمُفْسِدَاتِ، وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا ذَكَرَهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ قَطْعِ النِّيَّةِ لِصِحَّةِ الْمَنْوِيِّ فَلَوْ رَدَّدَ لَا يَصِحُّ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَقَيَّدَ بِنِيَّةِ التَّعْيِينِ؛ لِأَنَّ نِيَّةَ عَدَدِ الرَّكَعَاتِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِي الْفَرْضِ وَالْوَاجِبِ؛ لِأَنَّ قَصْدَ التَّعْيِينِ مُغْنٍ عَنْهُ وَلَوْ نَوَى الظُّهْرَ ثَلَاثًا وَالْفَجْرَ أَرْبَعًا جَازَ، وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ لَا مُعْتَبَرَ بِاللِّسَانِ أَنَّهُ لَوْ نَوَى الظُّهْرَ وَتَلَفَّظَ بِالْعَصْرِ فَإِنَّهُ يَكُونُ شَارِعًا فِي الظُّهْرِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ. (قَوْلُهُ: وَالْمُقْتَدِي يَنْوِي الْمُتَابَعَةَ أَيْضًا) لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْفَسَادُ مِنْ جِهَةِ إمَامِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْتِزَامِهِ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَنْوِيَ الِاقْتِدَاءَ عِنْدَ افْتِتَاحِ الْإِمَامِ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ الْأَفْضَلُ أَنْ يَنْوِيَ بَعْدَ تَكْبِيرِ الْإِمَامِ فِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ تَكْبِيرُ الْمُقْتَدِي بَعْدَ تَكْبِيرِ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ التَّكْبِيرَ إمَّا مُقَارَنٌ بِالنِّيَّةِ أَوْ مُتَأَخِّرٌ عَنْهُ وَسَيَأْتِي أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يُكَبِّرَ الْقَوْمُ مَعَ الْإِمَامِ ذَكَرَهُ مُلَّا خُسْرو فِي شَرْحِهِ، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِهِمَا وَلَوْ نَوَاهُ حِينَ وَقَفَ الْإِمَامُ مَوْقِفَ الْإِمَامَةِ جَازَ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ نَوَى الِاقْتِدَاءَ بِغَيْرِ الْمُصَلِّي، فَإِنْ نَوَى حِينَ وَقَفَ عَالِمًا بِأَنَّهُ لَمْ يَشْرَعْ جَازَ وَإِنْ نَوَاهُ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ شَرَعَ فِيهِ وَلَمْ يَشْرَعْ بَعْدُ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجُوزُ، كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ أَيْضًا إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ لِلْمُقْتَدِي مِنْ ثَلَاثِ نِيَّاتٍ: أَصْلُ الصَّلَاةِ وَنِيَّةُ التَّعْيِينِ وَنِيَّةُ الِاقْتِدَاءِ وَأَنَّ نِيَّةَ الِاقْتِدَاءِ لَا تَكْفِيهِ عَنْ التَّعْيِينِ حَتَّى لَوْ نَوَى الِاقْتِدَاءَ بِالْإِمَامِ أَوْ الشُّرُوعَ فِي صَلَاةِ الْإِمَامِ وَلَمْ يُعَيِّنْ الصَّلَاةَ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُ الْبَعْضِ وَالْأَصَحُّ الْجَوَازُ كَمَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ وَيَنْصَرِفُ إلَى صَلَاةِ الْإِمَامِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُقْتَدِي عِلْمٌ بِهَا؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ نَفْسَهُ تَبَعًا لِصَلَاةِ الْإِمَامِ فَلَوْ أَسْقَطَ قَوْلَهُ أَيْضًا لَكَانَ أَوْلَى بِخِلَافِ مَا إذَا نَوَى صَلَاةَ الْإِمَامِ وَلَمْ يَنْوِ الِاقْتِدَاءَ حَيْثُ لَا يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّهُ تَعْيِينٌ لِصَلَاةِ الْإِمَامِ وَلَيْسَ بِاقْتِدَاءٍ بِهِ، وَنَظِيرُهُ مَا لَوْ انْتَظَرَ تَكْبِيرَ الْإِمَامِ، ثُمَّ كَبَّرَ بَعْدَهُ فَإِنَّهُ لَا يَكْفِيهِ عَنْ نِيَّةِ الِاقْتِدَاءِ؛ لِأَنَّهُ مُتَرَدِّدٌ قَدْ يَكُونُ بِحُكْمِ الْعَادَةِ، وَقَدْ يَكُونُ لِقَصْدِ الِاقْتِدَاءِ فَلَا يَصِيرُ مُقْتَدِيًا بِالشَّكِّ خِلَافًا لِمَا ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُ الْمَشَايِخِ مِنْ أَنَّهُ يَكْفِيهِ عَنْ نِيَّةِ الِاقْتِدَاءِ وَرَدَّهُ فِي الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهِ وَأَطْلَقَ فِي اشْتِرَاطِ نِيَّةِ الْمُتَابَعَةِ فَشَمِلَ الْجُمُعَةَ لَكِنْ فِي الذَّخِيرَةِ وَفَتَاوَى قَاضِي خان لَوْ نَوَى الْجُمُعَةَ وَلَمْ يَنْوِ الِاقْتِدَاءَ بِالْإِمَامِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ لَا تَكُونُ إلَّا مَعَ الْإِمَامِ وَذَكَرَهُ فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي مَعْزِيًّا إلَى الْبَعْضِ وَأَفَادَ أَنَّ تَعْيِينَ الْإِمَامِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ فَلَوْ نَوَى الِاقْتِدَاءَ بِالْإِمَامِ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ زَيْدٌ فَإِذَا هُوَ عَمْرٌو يَصِحُّ إلَّا إذَا نَوَى الِاقْتِدَاءَ بِزَيْدٍ فَإِذَا هُوَ عَمْرٌو فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِمَا نَوَى وَلَوْ كَانَ يَرَى شَخْصَهُ فَنَوَى الِاقْتِدَاءَ بِهَذَا الْإِمَامِ الَّذِي هُوَ زَيْدٌ فَإِذَا هُوَ خِلَافُهُ جَازَ؛ لِأَنَّهُ عَرَفَهُ بِالْإِشَارَةِ فَلَغَتْ التَّسْمِيَةُ وَمِثْلُ مَا ذَكَرْنَا فِي الْخَطَأِ فِي تَعْيِينِ الْمَيِّتِ فَعِنْدَ الْكَثْرَةِ يَنْوِي الْمَيِّتَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْهِ الْإِمَامُ وَفِي عُدَّةِ الْفَتَاوَى وَلَوْ قَالَ اقْتَدَيْت بِهَذَا الشَّيْخِ وَهُوَ شَابٌّ صَحَّ؛ لِأَنَّ الشَّابَّ يُدْعَى شَيْخًا لِلتَّعْظِيمِ وَلَوْ قَالَ اقْتَدَيْت بِهَذَا الشَّابِّ فَإِذَا هُوَ شَيْخٌ لَمْ يَصِحَّ. اهـ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَيَنْبَغِي   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: فَلَوْ رَدَّدَ لَا يُصْبِحُ) أَقُولُ: هَذَا لَا يُنَافِي مَا مَرَّ أَنَّهُ لَوْ نَوَى الْفَرْضَ وَالتَّطَوُّعَ جَازَ عَنْ الْفَرْضِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَكُونُ دَاخِلًا فِي الصَّلَاةِ لِعَدَمِ التَّرَدُّدِ ثَمَّةَ؛ لِأَنَّهُ جَازِمٌ بِالصَّلَاتَيْنِ، وَقَدْ نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فَقَالَ هَذَا أَيْ الْخِلَافُ لَا يَقْتَضِي عَدَمَ اشْتِرَاطِ قَطْعِ النِّيَّةِ لِصِحَّةِ الْمَنْوِيِّ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ لِقَطْعِهَا عَلَى الصَّلَاتَيْنِ جَمِيعًا. اهـ. وَنُقِلَ فِي النَّهْرِ عِبَارَةُ الْفَتْحِ بِدُونِ التَّعْلِيلِ وَأَسْقَطَ لَفْظَةَ " لَا " فَأَوْرَثَتْ خَلَلًا فَتَنَبَّهْ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ نَوَى حِينَ وَقَفَ إلَخْ) أَيْ حِينَ وَقَفَ الْإِمَامُ ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا تَفْصِيلٌ لِقَوْلِهِ وَلَوْ نَوَى حِينَ وَقَفَ الْإِمَامُ وَالْمُرَادُ بِهِ بَيَانُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي صُورَةِ الظَّنِّ فَقَطْ، وَفِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ نَوَى الشُّرُوعَ فِي صَلَاةِ الْإِمَامِ وَالْإِمَامُ لَمْ يَشْرَعْ بَعْدُ وَهُوَ يَعْلَمُ بِذَلِكَ فَيَصِيرُ شَارِعًا فِي صَلَاةِ الْإِمَامِ إذَا شَرَعَ الْإِمَامُ؛ لِأَنَّهُ مَا قَصَدَ الشُّرُوعَ فِي صَلَاةِ الْإِمَامِ لِلْحَالِ إنَّمَا قَصَدَ الشُّرُوعَ فِي صَلَاةِ الْإِمَامِ إذَا شَرَعَ الْإِمَامُ وَلَوْ نَوَى الشُّرُوعَ عَلَى ظَنِّ أَنَّ الْإِمَامَ قَدْ شَرَعَ وَلَمْ يَشْرَعْ بَعْدُ اخْتَلَفُوا فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجُوزُ. اهـ. أَيْ لِأَنَّهُ قَصَدَ الشُّرُوعَ فِي صَلَاةِ الْإِمَامِ لِلْحَالِ بِنَاءً عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ الْإِمَامَ شَرَعَ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْجُمُعَةَ لَا تَكُونُ إلَخْ) قُلْتُ: وَكَذَلِكَ الْعِيدُ. اهـ. شُرُنْبُلَالِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ يَرَى شَخْصَهُ) هَذَا غَيْرُ قَيْدٍ لِقَوْلِهِ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ لِلْبُرْهَانِ إبْرَاهِيمَ سَوَاءٌ كَانَ يَرَى شَخْصَهُ أَوْ لَا. (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ اقْتَدَيْت بِهَذَا الشَّابِّ فَإِذَا هُوَ شَيْخٌ لَمْ يَصِحَّ) قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ بَعْدَ نَقْلِهِ ذَلِكَ وَالْإِشَارَةُ هُنَا لَا تَكْفِي؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ إشَارَةً إلَى الْإِمَامِ إنَّمَا هِيَ إلَى شَابٍّ أَوْ شَيْخٍ فَتَأَمَّلْ. اهـ. وَمُرَادُهُ الْجَوَابُ عَمَّا أَوْرَدَ أَنَّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ اجْتَمَعَتْ الْإِشَارَةُ مَعَ التَّسْمِيَةِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَلْغُوَ التَّسْمِيَةُ كَمَا لَغَتْ فِي هَذَا الْإِمَامِ الَّذِي هُوَ زَيْدٌ فَإِذَا هُوَ بَكْرٌ وَفِي هَذَا الشَّيْخُ فَإِذَا هُوَ شَابٌّ وَفِيهِ أَنَّهُ لَا دَلِيلَ عَلَى عَدَمِ الْكِفَايَةِ وَلَئِنْ سُلِّمَ اقْتَضَى التَّسْوِيَةَ بَيْنَ مَسْأَلَتَيْ الشَّابِّ وَالشَّيْخِ فِي الْحُكْمِ مَعَ أَنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ وَلَعَلَّهُ إلَى هَذَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ فَتَأَمَّلْ وَأَجَابَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ بِجَوَابٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّ تِلْكَ الْقَاعِدَةَ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُشَارُ إلَيْهِ مِمَّا يَقْبَلُ التَّسْمِيَةَ بِالِاسْمِ الْمُقَارِنِ لِاسْمِ الْإِشَارَةِ، أَمَّا فِي الْحَالِ كَمَا فِي هَذَا الْإِمَامِ الَّذِي هُوَ زَيْدٌ فَإِذَا هُوَ بَكْرٌ فَإِنَّ الَّذِي عَلِمَهُ بَكْرٌ يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ عِلْمُهُ زَيْدٌ فِي الْحَالِ وَكَمَا فِي هَذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 298 لِلْمُقْتَدِي أَنْ لَا يُعَيِّنَ الْإِمَامَ عِنْدَ كَثْرَةِ الْقَوْمِ وَلَا يُعَيِّنُ الْمَيِّتَ وَقَيَّدَ بِالْمُقْتَدِي؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ لَا يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ اقْتِدَاءِ الرِّجَالِ بِهِ نِيَّةُ الْإِمَامَةِ؛ لِأَنَّهُ مُنْفَرِدٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَؤُمَّ أَحَدًا فَصَلَّى وَنَوَى أَنْ لَا يَؤُمَّ أَحَدًا فَصَلَّى خَلْفَهُ جَمَاعَةٌ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ أَنْ يَقْصِدَ الْإِمَامَةَ وَلَمْ يُوجَدْ بِخِلَافِ مَا لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَؤُمَّ فُلَانًا لِرَجُلٍ بِعَيْنِهِ فَصَلَّى وَنَوَى أَنْ يَؤُمَّ النَّاسَ فَصَلَّى ذَلِكَ الرَّجُلُ مَعَ النَّاسِ خَلْفَهُ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا نَوَى النَّاسَ دَخَلَ فِيهِ هَذَا الرَّجُلُ، وَأَمَّا فِي حَقِّ النِّسَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُنَّ إذَا لَمْ يَنْوِ إمَامَتَهُنَّ؛ لِأَنَّ فِي تَصْحِيحِهِ بِلَا نِيَّةٍ إلْزَامًا عَلَيْهِ بِفَسَادِ صَلَاتِهِ إذَا حَاذَتْهُ مِنْ غَيْرِ الْتِزَامٍ مِنْهُ وَهُوَ مُنْتَفٍ وَخَالَفَ فِي هَذَا الْعُمُومِ بَعْضُهُمْ فَقَالُوا لَا يَصِحُّ اقْتِدَاءُ النِّسَاءِ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ الْإِمَامُ إمَامَتَهُنَّ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَصَحَّحَهُ صَاحِبُ الْخُلَاصَةِ وَالْجُمْهُورُ عَلَى اشْتِرَاطِهَا فِي حَقِّهِنَّ لِمَا ذَكَرْنَاهُ، وَأَمَّا صَلَاةُ الْجِنَازَةِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ اقْتِدَائِهَا بِهِ فِيهَا نِيَّةُ إمَامَتِهَا بِالْإِجْمَاعِ، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ. (قَوْلُهُ: وَلِلْجِنَازَةِ يَنْوِي الصَّلَاةَ لِلَّهِ وَالدُّعَاءَ لِلْمَيِّتِ) لِأَنَّهُ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ فَيَجِبُ تَعْيِينُهُ وَإِخْلَاصُهُ لِلَّهِ تَعَالَى فَلَا يَنْوِي الدُّعَاءَ لِلْمَيِّتِ فَقَطْ نَظَرًا إلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِصَلَاةٍ حَقِيقَةً فَإِنَّ مُطْلَقَ الدُّعَاءِ لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ. (قَوْلُهُ: وَاسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ) يَعْنِي مِنْ شُرُوطِهَا اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ وَهُوَ اسْتِفْعَالٌ مِنْ قَبِلَتْ الْمَاشِيَةُ الْوَادِي بِمَعْنَى قَابَلَتْهُ وَلَيْسَ السِّينُ فِيهِ لِلطَّلَبِ؛ لِأَنَّ طَلَبَ الْمُقَابَلَةِ لَيْسَ هُوَ الشَّرْطُ بَلْ الشَّرْطُ الْمَقْصُودُ بِالذَّاتِ الْمُقَابَلَةُ فَهُوَ بِمَعْنَى فَعَلَ كَاسْتَمَرَّ وَاسْتَقَرَّ وَالْقِبْلَةُ فِي الْأَصْلِ الْحَالَةُ الَّتِي يُقَابِلُ الشَّيْءُ عَلَيْهَا غَيْرَهُ كَالْجِلْسَةِ لِلْحَالَةِ الَّتِي يَجْلِسُ عَلَيْهَا وَالْآنَ، وَقَدْ صَارَتْ كَالْعَلَمِ لِلْجِهَةِ الَّتِي تُسْتَقْبَلُ فِي الصَّلَاةِ وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ النَّاسَ يُقَابِلُونَهَا فِي صَلَاتِهِمْ وَتَقَابُلُهُمْ وَهُوَ شَرْطٌ بِالْكِتَابِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: 144] وَاخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِالْمَسْجِدِ هُنَا فَقِيلَ الْمَسْجِدُ الْكَبِيرُ الَّذِي فِيهِ الْكَعْبَةُ؛ لِأَنَّ عَيْنَ الْكَعْبَةِ يَصْعُبُ اسْتِقْبَالُهَا لِصِغَرِهَا وَقِيلَ الْحَرَمُ كُلُّهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ الْحَرَمُ كَمَا فِي قَوْلِهِ {مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى} [الإسراء: 1] وَالصَّحِيحُ كَمَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ نَجْمُ الدِّينِ فِي تَفْسِيرِهِ وَالنَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْكَعْبَةُ فَهِيَ الْقِبْلَةُ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ عَامَّةُ الْأَحَادِيثِ وَمِنْهَا مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ الْبَرَاءِ «صَلَّيْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، ثُمَّ صُرِفْنَا نَحْوَ الْكَعْبَةِ» وَالنُّكْتَةُ فِي ذِكْرِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِرَادَةِ الْكَعْبَةِ كَمَا فِي الْكَشَّافِ وَحَوَاشِيهِ الدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ فِي حَقِّ الْغَائِبِ هُوَ الْجِهَةُ، وَبِالسُّنَّةِ كَثِيرٌ مِنْهَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لِلْمُسِيءِ صَلَاتَهُ إذَا قُمْت إلَى الصَّلَاةِ فَأَسْبِغْ الْوُضُوءَ، ثُمَّ اسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ وَكَبِّرْ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَانْعَقَدَ   [منحة الخالق] الشَّيْخُ فَإِذَا هُوَ شَابٌّ عَالِمٌ فَإِنَّ الشَّابَّ يَصِيرُ شَيْخًا فِي الْمُسْتَقْبَلِ سَوَاءٌ كَانَ عَالِمًا أَوْ جَاهِلًا. (قَوْلُهُ: لَمْ يَحْنَثْ) لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ فَفِي الْأَشْبَاهِ عَنْ الْخَانِيَّةِ يَحْنَثُ قَضَاءً لَا دِيَانَةً إلَّا إذَا أَشْهَدَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فَلَا حِنْثَ قَضَاءً (قَوْلُهُ: وَبِالسُّنَّةِ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِالْكِتَابِ. (قَوْلُهُ: إذَا قُمْت إلَى الصَّلَاةِ فَأَسْبِغْ إلَخْ) وَتَمَامُ حَدِيثِهِ مَا ذُكِرَ فِي الصَّحِيحَيْنِ بِإِسْنَادِهِ إلَى أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: إنَّ «رَجُلًا دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَالِسٌ فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ فَصَلَّى ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَيْك السَّلَامُ ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ فَرَجَعَ فَصَلَّى كَمَا صَلَّى ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَقَالَ وَعَلَيْك السَّلَامُ ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَقَالَ الرَّجُلُ وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ مَا أُحْسِنُ غَيْرَ هَذَا فَعَلِّمْنِي قَالَ إذَا قُمْت إلَى الصَّلَاةِ فَأَسْبِغْ الْوُضُوءَ ثُمَّ اسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ فَكَبِّرْ ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَسْتَوِيَ قَائِمًا ثُمَّ اُسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا ثُمَّ اُسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَسْتَوِيَ قَائِمًا ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِك كُلِّهَا» اسْتَدَلَّ الْفُقَهَاءُ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى فَرْضِيَّةِ مَا ذُكِرَ فِيهِ سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يُفْعَلُ فِي الصَّلَاةِ أَوْ خَارِجِهَا وَعَلَى عَدَمِ فَرْضِيَّةِ مَا لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ فِي الصَّلَاةِ، أَمَّا فَرْضِيَّةُ مَا ذُكِرَ فِيهِ فَلِكَوْنِهِ مَأْمُورًا بِهِ وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ كَمَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ، وَأَمَّا عَدَمُ فَرْضِيَّةِ مَا لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ فِي الصَّلَاةِ فَلِأَنَّ الْمَقَامَ مَقَامُ تَعْلِيمِ الصَّلَاةِ وَتَعْرِيفِ أَرْكَانِهَا وَذَلِكَ يَقْتَضِي انْحِصَارَ الْفَرَائِضِ فِيمَا ذُكِرَ فِيهِ لِئَلَّا يَلْزَمَ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَمَرَهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِالْوُضُوءِ وَاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَالتَّكْبِيرِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ بِمَا تَيَسَّرَ وَالرُّكُوعِ وَالرَّفْعِ مِنْهُ وَالسَّجْدَةِ الْأُولَى وَالرَّفْعِ مِنْهَا وَالثَّانِيَةِ وَالرَّفْعِ مِنْهَا فَيَدُلُّ الْأَمْرُ عَلَى وُجُوبِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَقَوْلُهُ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا وَحَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا وَحَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا وَحَتَّى تَسْتَوِيَ قَائِمًا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ تَعْدِيلِ الْأَرْكَانِ فِيهَا هَذَا مَا ذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ، وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ مَا لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ فَمِنْهُ مَا اسْتَدَلُّوا عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ دُعَاءِ الِاسْتِفْتَاحِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ وَمِنْهُ مَا اسْتَدَلَّ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ التَّشَهُّدِ لِذَلِكَ وَمِنْهُ مَا اسْتَدَلَّ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ السَّلَامِ لِذَلِكَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 الْإِجْمَاعُ عَلَيْهِ وَفِي عُدَّةِ الْفَتَاوَى الْكَعْبَةُ إذَا رُفِعَتْ عَنْ مَكَانِهَا لِزِيَارَةِ أَصْحَابِ الْكَرَامَةِ فَفِي تِلْكَ الْحَالَةِ جَازَتْ صَلَاةُ الْمُتَوَجِّهِينَ إلَى أَرْضِهَا. (قَوْلُهُ: فَلِلْمَكِّيِّ فَرْضُهُ إصَابَةُ عَيْنِهَا) أَيْ عَيْنِ الْقِبْلَةِ بِمَعْنَى الْكَعْبَةِ لِلْقُدْرَةِ عَلَى الْيَقِينِ أَطْلَقَ فِي الْمَكِّيِّ فَشَمِلَ مَنْ كَانَ بِمُعَايَنَتِهَا وَمَنْ لَمْ يَكُنْ حَتَّى لَوْ صَلَّى مَكِّيٌّ فِي بَيْتِهِ يَنْبَغِي أَنْ يُصَلِّيَ بِحَيْثُ لَوْ أُزِيلَتْ الْجُدْرَانُ يَقَعُ اسْتِقْبَالُهُ عَلَى شَطْرِ الْكَعْبَةِ بِخِلَافِ الْآفَاقِيِّ فَإِنَّهُ لَوْ أُزِيلَتْ الْمَوَانِعُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَقَعَ اسْتِقْبَالُهُ عَلَى عَيْنِ الْكَعْبَةِ لَا مَحَالَةَ، كَذَا فِي الْكَافِي وَهُوَ ضَعِيفٌ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ مَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَعْبَةِ حَائِلٌ الْأَصَحُّ أَنَّهُ كَالْغَائِبِ وَلَوْ كَانَ الْحَائِلُ أَصْلِيًّا كَالْجَبَلِ كَانَ لَهُ أَنْ يَجْتَهِدَ وَالْأَوْلَى أَنْ يَصْعَدَهُ لِيَصِلَ إلَى الْيَقِينِ، وَفِي التَّجْنِيسِ مَنْ كَانَ بِمُعَايَنَةِ الْكَعْبَةِ فَالشَّرْطُ إصَابَةُ عَيْنِهَا وَمَنْ لَمْ يَكُنْ بِمُعَايَنَتِهَا فَالشَّرْطُ إصَابَةُ جِهَتِهَا وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَعِنْدِي فِي جَوَازِ التَّحَرِّي مَعَ إمْكَانِ صُعُودِهِ إشْكَالٌ؛ لِأَنَّ الْمَصِيرَ إلَى الدَّلِيلِ الظَّنِّيِّ وَتَرْكَ الْقَاطِعِ مَعَ إمْكَانِهِ لَا يَجُوزُ وَمَا أَقْرَبَ قَوْلَهُ فِي الْكِتَابِ وَالِاسْتِخْبَارِ فَوْقَ التَّحَرِّي فَإِذَا امْتَنَعَ الْمَصِيرُ إلَى الظَّنِّيِّ لِإِمْكَانِ ظَنِّيٍّ أَقْوَى مِنْهُ فَكَيْفَ يُتْرَكُ الْيَقِينُ مَعَ إمْكَانِهِ لِلظَّنِّ. (قَوْلُهُ: وَلِغَيْرِهِ إصَابَةُ جِهَتِهَا) أَيْ لِغَيْرِ الْمَكِّيِّ فَرْضُهُ إصَابَةُ جِهَتِهَا وَهُوَ الْجَانِبُ الَّذِي إذَا تَوَجَّهَ إلَيْهِ الشَّخْصُ يَكُون مُسَامِتًا لِلْكَعْبَةِ أَوْ لِهَوَائِهَا إمَّا تَحْقِيقًا بِمَعْنَى أَنَّهُ لَوْ فَرَضَ خَطًّا مَنْ تِلْقَاءِ وَجْهِهِ عَلَى زَاوِيَةٍ قَائِمَةٍ إلَى الْأُفُقِ يَكُونُ مَارًّا عَلَى الْكَعْبَةِ أَوْ هَوَائِهَا وَإِمَّا تَقْرِيبًا بِمَعْنَى أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُنْحَرِفًا عَنْ الْكَعْبَةِ أَوْ هَوَائِهَا انْحِرَافًا لَا تَزُولُ بِهِ الْمُقَابَلَةُ بِالْكُلِّيَّةِ بِأَنْ بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ سَطْحِ الْوَجْهِ مُسَامِتًا لَهَا؛ لِأَنَّ الْمُقَابَلَةَ إذَا وَقَعَتْ فِي مَسَافَةٍ بَعْدَهُ لَا تَزُولُ بِمَا تَزُولُ بِهِ مِنْ الِانْحِرَافِ لَوْ كَانَتْ فِي مَسَافَةٍ قَرِيبَةٍ وَيَتَفَاوَتُ ذَلِكَ بِحَسَبِ تَفَاوُتِ الْبُعْدِ وَتَبْقَى الْمُسَامَتَةُ مَعَ انْتِقَالٍ مُنَاسِبٍ لِذَلِكَ الْبُعْدِ فَلَوْ فَرَضَ مَثَلًا خَطًّا مِنْ تِلْقَاءِ وَجْهِ الْمُسْتَقْبِلِ لِلْكَعْبَةِ عَلَى التَّحْقِيقِ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ وَخَطٌّ آخَرَ يَقْطَعُهُ عَلَى زَاوِيَتَيْنِ قَائِمَتَيْنِ مِنْ جَانِبِ يَمِينِ الْمُسْتَقْبِلِ وَشِمَالِهِ لَا تَزُولُ تِلْكَ الْمُقَابَلَةُ بِالِانْتِقَالِ إلَى الْيَمِينِ وَالشِّمَالِ عَلَى ذَلِكَ الْخَطِّ بِفَرَاسِخَ كَثِيرَةٍ وَلِهَذَا وَضَعَ الْعُلَمَاءُ قِبْلَةَ بَلَدٍ وَبَلَدَيْنِ وَبِلَادٍ عَلَى سَمْتٍ وَاحِدٍ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خان وَجِهَةُ الْكَعْبَةِ تُعْرَفُ بِالدَّلِيلِ وَالدَّلِيلُ فِي الْأَمْصَارِ وَالْقُرَى الْمَحَارِيبُ الَّتِي نَصَبَهَا الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ - فَعَلَيْنَا اتِّبَاعُهُمْ فِي اسْتِقْبَالِ الْمَحَارِيبِ الْمَنْصُوبَةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَالسُّؤَالُ مِنْ الْأَهْلِ، أَمَّا الْبِحَارُ وَالْمَفَاوِزُ فَدَلِيلُ الْقِبْلَةِ النُّجُومُ إلَى آخِرِهِ وَفِي الْمُبْتَغَى فِي مَعْرِفَةِ الْجِهَةِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا - فِي أَقْصَرِ يَوْمٍ مِنْ السَّنَةِ وَقْتَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَاجْعَلْ عَيْنَ الشَّمْسِ عِنْدَ مَطْلَعِهَا عَلَى رَأْسِ أُذُنِك الْيُسْرَى فَإِنَّك تُدْرِكُهَا. وَثَانِيهَا - فَاجْعَلْ عَيْنَ الشَّمْسِ عَلَى مُؤَخَّرِ عَيْنِك الْيُسْرَى عِنْدَ الزَّوَالِ فَإِنَّك تُصِيبُهَا. وَثَالِثُهَا - فَاجْعَلْ الشَّمْسَ عَلَى مُقَدِّمِ   [منحة الخالق] وَقَدْ كَثُرَ كَلَامُ الْفُقَهَاءِ فِيهِ طَرْدًا وَعَكْسًا وَقَالَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ رَدًّا لِاسْتِدْلَالِهِمْ وَالْحَقُّ أَنَّ هَذَا خَبَرٌ وَاحِدٌ لَا يُفِيدُ فَرْضِيَّةَ شَيْءٍ أَصْلًا أَقُولُ: الِاسْتِدْلَال مِنْهُمْ صَحِيحٌ، أَمَّا عَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُمَا يَرَيَانِ إثْبَاتَ الْفَرْضِ بِخَبَرٍ الْوَاحِدِ، وَأَمَّا عَلَى مَذْهَبِنَا فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا الِاسْتِدْلَالِ أَعْنِي بِهِ الِاسْتِدْلَالَ بِنَفْسِ مَفْهُومِ النَّصِّ الْغَيْرِ الْقَطْعِيِّ عَلَى إثْبَاتِ فَرْضِيَّةِ شَيْءٍ إذَا كَانَ دَلَالَتُهُ عَلَيْهِ قَطْعِيًّا شَائِعٌ كَثِيرٌ فِيمَا بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مُسْتَقِلًّا فِي إثْبَاتِهِ لِعَدَمِ قَطْعِيَّةِ ثُبُوتِهِ وَيَقْصِدُونَ بِذَلِكَ تَأْكِيدَ مَضْمُونِ الْقَطْعِيِّ بِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ يَقُولُونَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَوَاضِعِ فِي كُتُبِهِمْ لِإِثْبَاتِ فَرْضِيَّةِ شَيْءٍ أَنَّهُ فَرْضٌ بِالنَّقْلِ وَالْعَقْلِ وَمَقْصُودُهُمْ مِنْ إيرَادِ الْعَقْلِ تَقْوِيَةُ مَضْمُونِ النَّصِّ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بِالْقِيَاسِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْقِيَاسُ مُسْتَقِلًّا لِإِثْبَاتِ الْفَرْضِ وَخَبَرُ الْوَاحِدِ فَوْقَ الْقِيَاسِ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ فَبِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى أَنْ يَصِحَّ الِاسْتِدْلَال بِهِ عَلَى فَرْضِيَّةِ شَيْءٍ تَقْوِيَةً لِلنَّصِّ الْقَطْعِيِّ، فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَانْظُرْ بَعْدَ ذَلِكَ فَمَهْمَا تَجِدُهُ مِنْ مَفْهُومِ هَذَا الْحَدِيثِ وَقَعَ مُوَافِقًا لِلدَّلِيلِ الْقَطْعِيِّ فَقُلْ بِفَرْضِيَّتِهِ وَمَا لَمْ تَجِدْهُ مُوَافِقًا لِذَلِكَ لَا تَقُلْ بِفَرْضِيَّتِهِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ لَا يَثْبُتُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فَالْأَمْرُ بِاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَالتَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَقَعَ مُوَافِقًا لِلنَّصِّ الْقَطْعِيِّ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 144] {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} [المدثر: 3] {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج: 77] فَتَكُونُ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ فَرْضًا وَالْأَمْرُ بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ لِتَرْكِ تَعْدِيلِ الْأَرْكَانِ لَمْ يَكُنْ مُوَافِقًا لِلنَّصِّ الْقَطْعِيِّ بَلْ وَقَعَ مُخَالِفًا لِإِطْلَاقِهِ فَلَا يَكُونُ تَعْدِيلُ الْأَرْكَانِ فَرْضًا بَيَانُهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِالرُّكُوعِ وَهُوَ انْحِنَاءُ الظَّهْرِ وَبِالسُّجُودِ وَهُوَ الِانْخِفَاضُ لُغَةً فَتَتَعَلَّقُ الرُّكْنِيَّةُ بِالْأَدْنَى فِيهِمَا؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْفِعْلِ لَا يَقْتَضِي الدَّوَامَ وَيَتَعَلَّقُ الْكَمَالُ بِالسُّنِّيَّةِ لِئَلَّا يَلْزَمَ نَسْخُ الْكِتَابِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ إذْ الزِّيَادَةُ نَسْخٌ عَلَى مَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ. اهـ. كَلَامُ الْقَرْمَانِيِّ. (قَوْلُهُ: الْكَعْبَةُ إذَا رُفِعَتْ عَنْ مَكَانِهَا إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة نَقْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَنْ الْعَتَّابِيَّةِ وَهَذَا صَرِيحٌ فِي كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ فَيَرُدُّ بِهِ عَلَى مَنْ نَسَبَ إمَامَنَا إلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِهَا. (قَوْلُهُ: يَنْبَغِي أَنْ يُصَلِّيَ بِحَيْثُ إلَخْ) أَيْ يَنْبَغِي أَنْ يُصَلِّيَ وُجُوبًا بِحَيْثُ أَوْ التَّقْدِيرُ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: يَجِبُ أَنْ يُصَلِّيَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 عَيْنِك الْيُمْنَى مِمَّا يَلِي الْأَنْفَ عِنْدَ صَيْرُورَةِ ظِلِّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ بَعْدَ زَوَالِهَا فَإِنَّك تُدْرِكُهَا وَرَابِعُهَا فَاجْعَلْ عَيْنَ الشَّمْسِ عَلَى مُؤَخِّرِ عَيْنِك الْيُمْنَى عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَإِنَّك تُدْرِكُهَا، وَوَجْهٌ آخَرُ أَنَّهُ إذَا كَانَ قَبْلَ الْمِهْرَجَانِ بِشَهْرٍ فَاسْتَقْبَلَ الْعَقْرَبَ وَقْتَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ الْأَخِيرَةِ فَإِنَّك تُدْرِكُهَا وَإِذَا جَعَلَتْ بَنَاتَ نَعْشٍ الصُّغْرَى عَلَى أُذُنِك الْيُمْنَى وَانْحَرَفْت قَلِيلًا إلَى شِمَالِك فَإِنَّك تُدْرِكُهَا وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ أَقْوَى الْأَدِلَّةِ الْقُطْبُ وَهُوَ نَجْمٌ صَغِيرٌ فِي بَنَاتِ نَعْشٍ الصُّغْرَى بَيْنَ الْفَرْقَدَيْنِ وَالْجَدْيِ إذَا جَعَلَهُ الْوَاقِفُ خَلْفَ أُذُنِهِ الْيُمْنَى كَانَ مُسْتَقْبِلًا الْقِبْلَةَ إنْ كَانَ بِنَاحِيَةِ الْكُوفَةِ وَبَغْدَادَ وَهَمْدَانَ وَقَزْوِينَ وَطَبَرِسْتَانَ وَجُرْجَانَ وَمَا وَالَاهَا إلَى نَهْرِ الشَّاشِ وَيَجْعَلُهُ مَنْ بِمِصْرَ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرَ وَمَنْ بِالْعِرَاقِ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْمَنِ فَيَكُونُ مُسْتَقْبِلًا بَابَ الْكَعْبَةِ وَبِالْيَمَنِ قُبَالَةَ الْمُسْتَقْبِلِ مِمَّا يَلِي جَانِبَهُ الْأَيْسَرَ وَبِالشَّامِ وَرَاءَهُ وَفِي مَعْرِفَةِ الْجِهَةِ أَقْوَالٌ أُخْرَى مَذْكُورَةٌ فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا أَطْلَقَ فِي الِاكْتِفَاءِ بِالْجِهَةِ فَأَفَادَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ نِيَّةُ الْكَعْبَةِ وَشَرَطَهَا الْجُرْجَانِيُّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْفَرْضَ إصَابَةُ الْعَيْنِ لِلْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ وَلَا يُمْكِنُ إصَابَةُ الْعَيْنِ لِلْبَعِيدِ إلَّا مِنْ حَيْثُ النِّيَّةُ فَانْتَقَلَ ذَلِكَ إلَيْهَا وَذَهَبَ الْعَامَّةُ إلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ إصَابَةِ الْعَيْنِ فَلَا يُشْتَرَطُ نِيَّتُهَا لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ فَإِنَّ إصَابَةَ الْجِهَةِ تَحْصُلُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةِ الْعَيْنِ، فَالْحَاصِلُ أَنَّ نِيَّةَ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ سَوَاءٌ كَانَ الْفَرْضُ إصَابَةَ الْعَيْنِ فِي حَقِّ الْمَكِّيِّ أَوْ إصَابَةَ الْجِهَةِ فِي حَقِّ غَيْرِهِ كَمَا صَحَّحَهُ فِي التُّحْفَةِ وَالتَّجْنِيسِ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا حَتَّى قَالَ فِي الْبَدَائِعِ الْأَفْضَلُ أَنْ لَا يَنْوِيَ الْكَعْبَةَ لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا تُحَاذِيَ هَذِهِ الْجِهَةُ الْكَعْبَةَ فَلَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ اسْتِقْبَالَهَا شَرْطٌ مِنْ الشَّرَائِطِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ النِّيَّةُ كَالْوُضُوءِ وَغَيْرِهِ وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُمْ لَوْ نَوَى بِنَاءَ الْكَعْبَةِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْكَعْبَةِ الْعَرْصَةُ لَا الْبِنَاءُ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِالْبِنَاءِ جِهَةَ الْكَعْبَةِ فَيَجُوزُ ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ، وَقَوْلُهُمْ وَلَوْ نَوَى أَنَّ قِبْلَتَهُ مِحْرَابُ مَسْجِدِهِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ عَلَامَةٌ وَلَيْسَ بِقِبْلَةٍ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَقَوْلُهُمْ: لَوْ نَوَى مَقَامَ إبْرَاهِيمَ وَلَمْ يَنْوِ الْكَعْبَةَ قِيلَ: لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْجِهَةَ وَقِيلَ: إنْ لَمْ يَكُنْ الرَّجُلُ أَتَى مَكَّةَ أَجْزَأَهُ وَإِلَّا لَا يَجُوزُ وَاخْتَارَهُ فِي الْخَانِيَّةِ وَالْبَدَائِعِ وَالْمُحِيطِ مَبْنِيٌّ عَلَى الضَّعِيفِ الشَّارِطِ لِلنِّيَّةِ، أَمَّا عَلَى الصَّحِيحِ فَيَجُوزُ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ وَذُكِرَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ ثَمَرَة الْخِلَافِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا تَظْهَرُ أَيْضًا فِي الِانْحِرَافِ قَلِيلًا فَمَنْ قَالَ الْفَرْضُ التَّوَجُّهُ إلَى الْعَيْنِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ وَمَنْ قَالَ الْجِهَةُ صَحَّحَهَا وَسَيَأْتِي فِي بَابِ الصَّلَاةِ فِي الْكَعْبَةِ أَنَّ الصَّوَابَ أَنْ يُقَالَ الْقِبْلَةُ هِيَ الْعَرْصَةُ لَا الْكَعْبَةُ؛ لِأَنَّهَا الْبِنَاءُ وَفِي الْفَتَاوَى الِانْحِرَافُ الْمُفْسِدُ أَنْ يُجَاوِزَ الْمَشَارِقَ إلَى الْمَغَارِبِ وَفِي التَّجْنِيسِ وَإِذَا حَوَّلَ وَجْهَهُ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَتَفْسُدُ بِصَدْرِهِ قِيلَ هَذَا أَلْيَقُ بِقَوْلِهِمَا، أَمَّا عِنْدَهُ فَلَا تَفْسُدُ فِي الْوَجْهَيْنِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الِاسْتِدْبَارَ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى قَصْدِ الرَّفْضِ لَا تَفْسُدُ مَا دَامَ فِي الْمَسْجِدِ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا حَتَّى لَوْ انْصَرَفَ عَنْ الْقِبْلَةِ عَلَى ظَنِّ الْإِتْمَامِ فَتَبَيَّنَ عَدَمُهُ بَنَى مَا دَامَ فِي الْمَسْجِدِ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا. اهـ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلِقَائِلٍ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا بِعُذْرِهِ هُنَاكَ وَتَمَرُّدِهِ هُنَا وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّهُ إذَا حَوَّلَ صَدْرَهُ فَسَدَتْ وَإِنْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ إذَا كَانَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ كَمَا عَلَيْهِ عَامَّةُ الْكُتُبِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَمَنْ صَلَّى إلَى غَيْرِ جِهَةِ الْكَعْبَةِ مُتَعَمِّدًا لَا يَكْفُرُ هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ تَرْكَ جِهَةِ الْكَعْبَةِ جَائِزٌ فِي الْجُمْلَةِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ لِعَدَمِ الْجَوَازِ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ بِحَالٍ وَاخْتَارَهُ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ حُكْمَ الْفَرْضِ لُزُومُ الْكُفْرِ بِجَحْدِهِ لَا بِتَرْكِهِ، وَإِنَّمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ بِالْكُفْرِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ بِمُجَرَّدِ التَّرْكِ عَمْدًا لِلُزُومِ الِاسْتِهْزَاءِ بِهِ وَالِاسْتِخْفَافِ وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْمَسَائِلِ إذْ لَا أَثَرَ لِعَدَمِ الْجَوَازِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَحْوَالِ بَلْ الْمُوجِبُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَذُكِرَ عَنْ بَعْضِهِمْ إلَخْ) هُوَ ابْنُ هُبَيْرَةَ فِي الْإِفْصَاحِ كَمَا فِي الْحِلْيَةِ. (قَوْلُهُ: وَفِي الْفَتَاوَى الِانْحِرَافُ الْمُفْسِدُ أَنْ يُجَاوِزَ) الْمَشَارِقَ إلَى الْمَغَارِبِ كَذَا نَقَلَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهُوَ مُشْكِلٌ فَإِنَّ مُقْتَضَاهُ أَنَّ الِانْحِرَافَ إذَا لَمْ يُوَصِّلْهُ إلَى هَذَا الْقَدْرِ لَا يُفْسِدُ وَعِبَارَةُ التَّجْنِيسِ الَّتِي نَقَلَهَا الْمُؤَلِّفُ بَعْدَهُ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ جَعَلَ الْمُفْسِدَ انْحِرَافَ الصَّدْرِ فَيَصْدُقُ بِمَا دُونَ ذَلِكَ أَيْ بِأَنْ يَنْحَرِفَ بِصَدْرِهِ بِحَيْثُ لَا يَصِلُ إلَى اسْتِقْبَالِ الْمَشْرِقِ أَوْ الْمَغْرِبِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي عَنْ أَمَالِي الْفَتَاوَى وَنَصُّهُ وَذُكِرَ فِي أَمَالِي الْفَتَاوَى حَدُّ الْقِبْلَةِ فِي بِلَادِنَا يَعْنِي سَمَرْقَنْدَ مَا بَيْنَ الْمَغْرِبَيْنِ مَغْرِبَ الشِّتَاءِ وَمَغْرِبَ الصَّيْفِ، فَإِنْ صَلَّى إلَى جِهَةٍ خَرَجَتْ مِنْ الْمَغْرِبَيْنِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ. اهـ. قَالَ شَارِحُهَا ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ وَذَكَرَ هَذِهِ الْعِبَارَةَ فِي الْمُلْتَقَطِ مَعَ زِيَادَةٍ وَهِيَ وَقَالَ أَبُو مَنْصُورٍ يَنْظُرُ إلَى أَقْصَرِ يَوْمٍ فِي الشِّتَاءِ وَإِلَى أَطْوَلِ يَوْمٍ فِي الصَّيْفِ فَيَعْرِفُ مَغْرِبَيْهِمَا ثُمَّ يَتْرُكُ الثُّلُثَيْنِ عَنْ يَمِينِهِ وَالثُّلُثَ عَنْ يَسَارِهِ وَيُصَلِّي فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَهَذَا اسْتِحْبَابٌ وَالْأَوَّلُ لِلْجَوَازِ. اهـ. وَمَشَى عَلَى الْأَوَّلِ الرُّسْتُغْفَنِيُّ وَجَعَلَ فِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ مَا ذَكَرَهُ أَبُو مَنْصُورٍ هُوَ الْمُخْتَارُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلِقَائِلٍ أَنْ يُفَرِّقَ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ الْكَبِيرِ قَالَ الْفَقِيرُ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 لِلْإِكْفَارِ هُوَ الِاسْتِهَانَةُ وَهُوَ ثَابِتٌ فِي الْكُلِّ وَإِلَّا فَهُوَ مُنْتَفٍ فِي الْكُلِّ وَأَلْحَقَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الصَّلَاةَ فِي الثَّوْبِ النَّجِسِ كَالصَّلَاةِ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ وَهُوَ مُشْكِلٌ فَإِنَّ بَعْضَ أَئِمَّةِ الْمَالِكِيَّةِ يَقُولُ بِأَنَّ إزَالَتَهَا سُنَّةٌ لَا فَرْضٌ وَلَا يَكْفُرُ بِجَحْدِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ فَكَيْفَ يَتْرُكُهُ مِنْ غَيْرِ جَحْدٍ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ قَاضِي خان فِي فَتَاوِيهِ وَحُكِيَ فِي الذَّخِيرَةِ الِاخْتِلَافُ فِيمَا إذَا صَلَّى بِغَيْرِ طَهَارَةٍ، ثُمَّ قَالَ وَلَوْ اُبْتُلِيَ إنْسَانٌ بِذَلِكَ لِضَرُورَةٍ بِأَنْ كَانَ مَعَ قَوْمٍ فَأَحْدَثَ وَاسْتَحْيَا أَنْ يَظْهَرَ فَكَتَمَ ذَلِكَ وَصَلَّى هَكَذَا أَوْ كَانَ بِقُرْبِ الْعَدُوِّ فَقَامَ يُصَلِّي وَهُوَ غَيْرُ طَاهِرٍ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا لَا يَكُونُ كَافِرًا لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَهْزِئٍ وَمَنْ اُبْتُلِيَ بِذَلِكَ لِضَرُورَةٍ أَوْ لِحَيَاءٍ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَقْصِدَ بِالْقِيَامِ قِيَامَ الصَّلَاةِ وَلَا يَقْرَأَ شَيْئًا وَإِذَا حَنَى ظَهْرَهُ لَا يَقْصِدُ الرُّكُوعَ وَلَا يُسَبِّحُ حَتَّى لَا يَصِيرَ كَافِرًا بِالْإِجْمَاعِ. (قَوْلُهُ: وَالْخَائِفُ يُصَلِّي إلَى أَيْ جِهَةٍ قَدَرَ) لِأَنَّ اسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ شَرْطٌ زَائِدٌ يَسْقُطُ عِنْدَ الْعَجْزِ وَالْفِقْهُ فِيهِ أَنَّ الْمُصَلِّيَ فِي خِدْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا بُدَّ مِنْ الْإِقْبَالِ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ مُنَزَّهٌ عَنْ الْجِهَةِ فَابْتَلَاهُ بِالتَّوَجُّهِ إلَى الْكَعْبَةِ؛ لِأَنَّ الْعِبَادَةَ لَيْسَتْ لَهَا وَلِهَذَا لَوْ سَجَدَ لِلْكَعْبَةِ نَفْسِهَا كَفَرَ فَلَمَّا اعْتَرَاهُ الْخَوْفُ تَحَقَّقَ الْعُذْرُ فَأَشْبَهَ حَالَةَ الِاشْتِبَاهِ فِي تَحَقُّقِ الْعُذْرِ فَيَتَوَجَّهُ إلَى أَيِّ جِهَةٍ قَدَرَ؛ لِأَنَّ الْكَعْبَةَ لَمْ تُعْتَبَرْ لِعَيْنِهَا بَلْ لِلِابْتِلَاءِ وَهُوَ حَاصِلٌ بِذَلِكَ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْخَوْفَ مِنْ عَدُوٍّ أَوْ سَبُعٍ أَوْ لِصٍّ وَسَوَاءٌ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَلَى دَابَّتِهِ وَأَرَادَ بِالْخَائِفِ مَنْ لَهُ عُذْرٌ فَيَشْمَلُ الْمَرِيضَ إذَا كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى التَّوَجُّهِ وَلَيْسَ عِنْدَهُ مَنْ يُحَوِّلُهُ إلَيْهَا أَوْ كَانَ التَّحْوِيلُ يَضُرُّهُ وَالتَّقْيِيدُ بِعَدَمِ وُجُودِ مَنْ يُحَوِّلُهُ جَرَى عَلَى قَوْلِهِمَا، أَمَّا عِنْدَهُ فَالْقَادِرُ بِقُدْرَةِ غَيْرِهِ لَيْسَ بِقَادِرٍ كَمَا عُرِفَ فِي التَّيَمُّمِ وَيَشْمَلُ مَا إذَا كَانَ عَلَى لَوْحٍ فِي السَّفِينَةِ يَخَافُ الْغَرَقَ إذَا انْحَرَفَ إلَيْهَا وَمَا إذَا كَانَ فِي طِينٍ وَرَدْغَةٍ لَا يَجِدُ عَلَى الْأَرْضِ مَكَانًا يَابِسًا أَوْ كَانَتْ الدَّابَّةُ جُمُوحًا لَوْ نَزَلَ لَا يُمْكِنُهُ الرُّكُوبُ إلَّا بِمُعِينٍ أَوْ كَانَ شَيْخًا كَبِيرًا لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَرْكَبَ إلَّا بِمُعِينٍ وَلَا يَجِدُهُ فَكَمَا تَجُوزُ لَهُ الصَّلَاةُ عَلَى الدَّابَّةِ وَلَوْ كَانَتْ فَرْضًا وَتَسْقُطُ عَنْهُ الْأَرْكَانُ كَذَلِكَ يَسْقُطُ عَنْهُ التَّوَجُّهُ إلَى الْقِبْلَةِ إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ إذَا قَدَرَ، فَالْحَاصِلُ أَنَّ الطَّاعَةَ بِحَسَبِ الطَّاقَةِ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الْقِبْلَةُ تَحَرَّى) أَيْ إذَا عَجَزَ عَنْ تَعَرُّفِ الْقِبْلَةِ بِغَيْرِ التَّحَرِّي لَزِمَهُ التَّحَرِّي وَهُوَ بَذْلُ الْمَجْهُودِ لِنِيلِ الْمَقْصُودِ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ تَحَرَّوْا وَصَلَّوْا وَقِيلَ فِي قَوْله تَعَالَى {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: 115] أَيْ قِبْلَتُهُ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الصَّلَاةِ حَالَةَ الِاشْتِبَاهِ قَيَّدْنَا بِالْعَجْزِ عَنْ التَّعَرُّفِ إلَّا بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَدَرَ عَلَى تَعَرُّفِ الْقِبْلَةِ بِالسُّؤَالِ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ مِمَّنْ هُوَ عَالَمٌ بِالْقِبْلَةِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّحَرِّي؛ لِأَنَّ الِاسْتِخْبَارَ فَوْقَهُ لِكَوْنِ الْخَبَرِ مُلْزِمًا لَهُ وَلِغَيْرِهِ وَالتَّحَرِّي مُلْزِمٌ لَهُ دُونَ غَيْرِهِ فَلَا يُصَارُ إلَى الْأَدْنَى مَعَ إمْكَانِ الْأَعْلَى بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِهِ فَإِنَّهُ لَا يُقَلِّدُهُ؛ لِأَنَّ كَحَالِهِ، فَإِنْ لَمْ يُخْبِرْهُ الْمُسْتَخْبَرِينَ سَأَلَهُ فَصَلَّى بِالتَّحَرِّي، ثُمَّ أَخْبَرَهُ لَا يُعِيدُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَمَا إذَا كَانَ فِي طِينٍ وَرَدْغَةٍ إلَخْ) الرَّدْغَةُ بِالتَّحْرِيكِ وَكَذَا بِالتَّسْكِينِ الْمَاءُ وَالطِّينُ وَالْوَحْلُ الشَّدِيدُ كَمَا فِي الصِّحَاحِ وَفِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ لَوْ كَانَ فِي طِينٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى النُّزُولِ عَنْ الدَّابَّةِ جَازَ لَهُ الْإِيمَاءُ عَلَى الدَّابَّةِ وَاقِفَةً إنْ قَدَرَ وَإِلَّا فَسَائِرَةً مُتَوَجِّهَةً إلَى الْقِبْلَةِ إنْ قَدَرَ وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ قَدَرَ عَلَى النُّزُولِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ نَزَلَ وَأَوْمَأَ قَائِمًا وَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْقُعُودِ دُونَ السُّجُودِ أَوْمَأَ قَاعِدًا وَلَوْ كَانَتْ الْأَرْضُ نَدِيَّةً مُبْتَلَّةً بِحَيْثُ لَا يَغِيبُ وَجْهُهُ فِي الطِّينِ صَلَّى عَلَى الْأَرْضِ وَسَجَدَ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَفِي صُورَةِ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى النُّزُولِ يَجْعَلُونَ السُّجُودَ أَخْفَضَ مِنْ الرُّكُوعِ مُسْتَقْبِلِينَ الْقِبْلَةَ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِي الِاسْتِقْبَالِ هَهُنَا فَلَزِمَهُمْ الِاسْتِقْبَالُ، قَالَ فِي الْفَتَاوَى: إذَا كَانُوا فِي طِينٍ أَوْ رَدْغَةٍ صَلَّوْا إلَى الْقِبْلَةِ إذَا كَانَتْ دَوَابُّهُمْ وَاقِفَةً وَقَالَ غَيْرُهُ يُصَلُّونَ إلَى الْقِبْلَةِ وَلَوْ كَانَتْ دَوَابُّهُمْ سَائِرَةً، وَقَالَ مُحَمَّدٌ إذَا زَمُّوا وَالدَّوَابُّ تَسِيرُ لَمْ تُجْزِئْهُمْ إذَا قَدَرُوا أَنْ يُوقِفُوهَا، كَذَا فِي الْكَرْخِيِّ وَكَذَا فِي التَّنْبِيهِ قَالَ فِي الْفَتْحِ وَلَوْ كَانَ عَلَى الدَّابَّةِ يَخَافُ النُّزُولَ لِلطِّينِ وَالرَّدْغَةِ يَسْتَقْبِلُ قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَعِنْدِي هَذَا إذَا كَانَتْ وَاقِفَةً، فَإِنْ كَانَتْ سَائِرَةً يُصَلِّي حَيْثُ شَاءَ وَلِقَائِلٍ أَنْ يُفَصِّلَ بَيْنَ كَوْنِهِ لَوْ أَوْقَفَهَا لِلصَّلَاةِ خَافَ الِانْقِطَاعَ عَنْ الرُّفْقَةِ أَوْ لَا يَخَافُ فَلَا يَجُوزُ فِي الثَّانِي إلَّا أَنْ يُوقِفَهَا كَمَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي التَّيَمُّمِ إنْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ مَضَى إلَى الْمَاءِ تَذْهَبُ الْقَافِلَةُ وَيَنْقَطِعُ جَازَ وَإِلَّا ذَهَبَ إلَى الْمَاءِ وَاسْتَحْسَنُوهَا. اهـ. أَقُولُ: وَقَدْ أَشَارَ إلَى هَذَا فِي التَّبْيِينِ بِقَوْلِهِ إنْ قَدَرُوا وَفِي السِّرَاجِ بِقَوْلِهِ: لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ. وَأَشَارَ إلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ بِقَوْلِهِ آخِرًا إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُ ذَلِكَ أَيْضًا بِمَا إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى النُّزُولِ عَنْ الدَّابَّةِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ (قَوْلُهُ: قَيَّدْنَا بِالْعَجْزِ مَعَ قَوْلِهِ وَكَذَا إذَا كَانَ فِي الْمَفَازَةِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ قَيَّدَ الْقُدُورِيُّ بِأَنْ لَا يَكُونَ بِحَضْرَتِهِ مَنْ يَسْأَلُهُ، فَإِنْ كَانَ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْمَكَانِ مَقْبُولَ الشَّهَادَةِ قُدِّمَ عَلَى التَّحَرِّي وَحَدُّ الْحَضْرَةِ أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ لَوْ صَاحَ بِهِ سَمِعَهُ وَقَيَّدَهُ غَيْرُهُ بِأَنْ تَكُونَ السَّمَاءُ مُغَيِّمَةً، فَإِنْ كَانَتْ مُصْحِيَةً لَا يَجُوزُ وَلَوْ جَاهِلًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعُذْرٍ وَكَانَ الْمُصَنِّفُ اسْتَغْنَى عَنْ الْقَيْدِ الْأَوَّلِ بِذِكْرِ الِاشْتِبَاهِ وَذَلِكَ أَنَّ تَحَقُّقَهُ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ فَقْدِ الدَّلِيلِ وَأَهْمَلَ الثَّانِي لِعَدَمِ اعْتِبَارِهِ عِنْدَ آخَرِينَ وَعَلَيْهِ إطْلَاقُ عَامَّةِ الْمُتُونِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 302 وَلَوْ كَانَ مُخْطِئًا وَبِنَاءً عَلَى هَذَا مَا ذُكِرَ فِي التَّجْنِيسِ تَحَرَّى فَأَخْطَأَ فَدَخَلَ فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ، ثُمَّ عَلِمَ وَحَوَّلَ وَجْهَهُ إلَى الْقِبْلَةِ فَدَخَلَ رَجُلٌ فِي صَلَاتِهِ، وَقَدْ عَلِمَ حَالَتَهُ الْأُولَى لَا تَجُوزُ صَلَاةُ الدَّاخِلِ لِعِلْمِهِ أَنَّ الْإِمَامَ كَانَ عَلَى الْخَطَأِ فِي أَوَّلِ الصَّلَاةِ. اهـ. وَكَذَا إذَا كَانَ فِي الْمَفَازَةِ وَالسَّمَاءُ مُصْحِيَةٌ وَلَهُ عِلْمٌ بِالِاسْتِدْلَالِ بِالنُّجُومِ عَلَى الْقِبْلَةِ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّحَرِّي؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فَوْقَهُ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ رَجُلٌ صَلَّى بِالتَّحَرِّي إلَى الْجِهَةِ فِي الْمَفَازَةِ وَالسَّمَاءُ مُصْحِيَةٌ لَكِنَّهُ لَا يَعْرِفُ النُّجُومَ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ أَخْطَأَ الْقِبْلَةَ هَلْ يَجُوزُ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ أُسْتَاذُنَا ظَهِيرُ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيُّ يَجُوزُ وَقَالَ غَيْرُهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَا عُذْرَ لِأَحَدٍ فِي الْجَهْلِ بِالْأَدِلَّةِ الظَّاهِرَةِ الْمُعْتَادَةِ نَحْوَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، أَمَّا دَقَائِقُ عِلْمِ الْهَيْئَةِ وَصُوَرِ النُّجُومِ الثَّوَابِتِ فَهُوَ مَعْذُورٌ فِي الْجَهْلِ بِهَا. اهـ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ مَحَلَّ التَّحَرِّي أَنْ يَعْجِزَ عَنْ الِاسْتِقْبَالِ بِانْطِمَاسِ الْأَعْلَامِ وَتَرَاكُمِ الظَّلَامِ وَتَضَامِّ الْغَمَامِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي كَافِيهِ وَهُوَ يُرَجِّحُ مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ أَنَّ السَّمَاءَ إذَا كَانَتْ مُصْحِيَةً لَا يَجُوزُ التَّحَرِّي وَلَا يُعْذَرُ بِالْجَهْلِ وَذَكَرَ الشَّارِحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّحَرِّي مَعَ الْمَحَارِيبِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ رَجُلٌ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الْقِبْلَةُ فِي الْمَسْجِدِ وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يُعَرِّفُهُ الْقِبْلَةَ قَالَ فِي الْأُصُولِ يَجُوزُ لَهُ التَّحَرِّي؛ لِأَنَّهُ عَجَزَ عَمَّنْ يَسْأَلُهُ فَصَارَ كَالْمَفَازَةِ وَقَالَ أَئِمَّةُ بَلْخٍ مِنْهُمْ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ لَا تَجُوزُ لَهُ الصَّلَاةُ بِالتَّحَرِّي وَعَلَّلَ فَقَالَ إنَّ هَذِهِ نَائِبَةُ الْعُقْبَى فَتُعْتَبَرُ بِنَائِبَةِ الدُّنْيَا وَلَوْ حَدَثَتْ بِهِ نَائِبَةُ الدُّنْيَا فَإِنَّهُ يَسْتَغِيثُ بِجِيرَانِ الْمَسْجِدِ كَذَلِكَ هَاهُنَا يَجِبُ أَنْ يَسْتَغِيثَ بِهِمْ وَإِنْ كَانَ فِي مَسْجِدِ نَفْسِهِ قَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ كَالْبَيْتِ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّحَرِّي وَقَالَ بَعْضُهُمْ مَسْجِدُهُ وَمَسْجِدُ غَيْرِهِ سَوَاءٌ وَرَوَى أَبُو جَعْفَرٍ عَنْ سَلَّامٍ بْنِ حَكِيمٍ أَنَّهُ قَالَ مَحَارِيبُ خُرَاسَانَ كُلُّهَا مَنْصُوبَةٌ إلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَالْحَجَرُ الْأَسْوَدُ إلَى مَيْسَرَةِ الْكَعْبَةِ وَمَنْ تَوَجَّهَ إلَى الْكَعْبَةِ وَمَالَ بِوَجْهِهِ إلَى مَيْسَرَةِ الْكَعْبَةِ وَقَعَ وَجْهُهُ إلَى جَبَلِ أَبِي قُبَيْسٍ وَمَنْ مَالَ بِوَجْهِهِ إلَى يَمِينِهَا وَقَعَ وَجْهُهُ إلَى الْكَعْبَةِ وَلِهَذَا قِيلَ: يَجِبُ أَنْ يَمِيلَ إلَى يَمِينِهَا قَالَ وَمَحَارِيبُ الدُّنْيَا كُلُّهَا نُصِبَتْ بِالتَّحَرِّي حَتَّى مِنًى وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ شَيْئًا وَهَذَا خِلَافُ مَا نُقِلَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيّ فِي مِحْرَابِ الْمَدِينَةِ أَنَّهُ مَقْطُوعٌ بِهِ فَإِنَّهُ إنَّمَا نَصَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْوَحْيِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْبِقَاعِ حَتَّى قِيلَ: إنَّ مِحْرَابَ مِنًى نُصِبَ بِالتَّحَرِّي وَالْعَلَامَاتِ وَهُوَ أَقْرَبُ الْمَوَاضِعِ إلَى مَكَّةَ. اهـ. وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ قَوْلَهُمْ لِغَيْرِ الْمَكِّيِّ إصَابَةُ جِهَتِهَا لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ فِي غَيْرِ الْمَدَنِيِّ فَإِنَّ الْمَدَنِيَّ كَالْمَكِّيِّ يُفْتَرَضُ عَلَيْهِ إصَابَةُ عَيْنِهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ أَيْضًا وَأُطْلِقَ فِي الِاشْتِبَاهِ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ بِمَكَّةَ أَوْ بِالْمَدِينَةِ بِأَنْ كَانَ مَحْبُوسًا وَلَمْ يَكُنْ بِحَضْرَتِهِ مَنْ يَسْأَلُهُ فَصَلَّى بِالتَّحَرِّي، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَخْطَأَ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ وَكَانَ الرَّازِيّ يَقُولُ تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ؛ لِأَنَّهُ تَيَقَّنَ بِالْخَطَأِ إذَا كَانَ بِمَكَّةَ أَوْ بِالْمَدِينَةِ وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ، كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خان رَجُلٌ صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ بِالتَّحَرِّي فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ صَلَّى إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ جَازَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُقْرِعَ أَبْوَابَ النَّاسِ لِلسُّؤَالِ عَنْ الْقِبْلَةِ وَلَا يَعْرِفُ الْقِبْلَةَ بِمَسِّ الْجُدْرَانِ وَالْحِيطَانِ؛ لِأَنَّ الْحَائِطَ لَوْ كَانَتْ مَنْقُوشَةً لَا يُمْكِنُهُ تَمْيِيزُ الْمِحْرَابِ مِنْ غَيْرِهِ وَعَسَى يَكُونُ ثَمَّ هَامَةٌ مُؤْذِيَةٌ فَجَازَ لَهُ التَّحَرِّي اهـ. وَقُيِّدَ بِالِاشْتِبَاهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ صَلَّى فِي الصَّحْرَاءِ إلَى جِهَةٍ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ وَلَا تَحَرٍّ إنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَصَابَ أَوْ كَانَ أَكْبَرَ رَأْيِهِ أَوْ لَمْ يَظْهَرْ مِنْ حَالِهِ شَيْءٌ حَتَّى ذَهَبَ عَنْ الْمَوْضِعِ فَصَلَاتُهُ جَائِزَةٌ وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَخْطَأَ أَوْ كَانَ أَكْبَرَ رَأْيِهِ فَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ وَقُيِّدَ بِالتَّحَرِّي؛ لِأَنَّ مَنْ صَلَّى مِمَّنْ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ بِلَا تَحَرٍّ فَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ إلَّا إنْ عَلِمَ بَعْدَ الْفَرَاغِ أَنَّهُ أَصَابَ؛ لِأَنَّ مَا افْتَرَضَ لِغَيْرِهِ يُشْتَرَطُ حُصُولُهُ لَا تَحْصِيلُهُ وَإِنْ عَلِمَ فِي الصَّلَاةِ أَنَّهُ أَصَابَ يَسْتَقْبِلُ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ لِمَا ذَكَرْنَا قُلْنَا حَالَتُهُ قَوِيَتْ بِالْعِلْمِ وَبِنَاءُ الْقَوِيِّ عَلَى الضَّعِيفِ لَا يَجُوزُ، أَمَّا لَوْ تَحَرَّى وَصَلَّى إلَى غَيْرِ جِهَةِ التَّحَرِّي فَفِي الْخُلَاصَةِ وَالْخَانِيَّةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُخْشَى عَلَيْهِ الْكُفْرُ لِإِعْرَاضِهِ عَنْ الْقِبْلَةِ وَفِي الذَّخِيرَةِ اخْتَلَفَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ قَوْلَهُمْ لِغَيْرِ الْمَكِّيِّ إلَخْ) قَالَ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ فِيمَا نُقِلَ عَنْهُ لَمْ يَتَبَيَّنْ بِمَا ذُكِرَ أَنَّ الْمَدَنِيَّ كَالْمَكِّيِّ فِي لُزُومِ إصَابَةِ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّ غَايَةَ مَا لَزِمَ مِمَّا ذُكِرَ أَنَّ مِحْرَابَ الْمَدِينَةِ لَا يَجُوزُ مَعَهُ التَّحَرِّي وَيَجِبُ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ مَقْطُوعًا بِهِ، أَمَّا لِكَوْنِهِ عَلَى أَقْرَبِ الْجِهَاتِ أَوْ عَلَى نَفْسِ الْعَيْنِ وَمَا بَعُدَ عِنْدَهُ مِنْ أَمَاكِنِ الْمَدِينَةِ مِمَّا هُوَ عَلَى سَمْتِ الِاسْتِقَامَةِ لَا يَكُونُ عَلَى الْعَيْنِ قَطْعًا فَيَتَعَيَّنُ اتِّبَاعُ جِهَتِهِ وَلَا يَجُوزُ الْعُدُولُ عَنْهَا كَيْفَ، وَقَدْ قَالُوا فِي نَفْسِ مَكَّةَ مَعَ الْحَائِلِ تَكُونُ كَغَيْرِهَا. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْحَائِطَ لَوْ كَانَتْ مَنْقُوشَةً إلَخْ) قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ هَذَا الْقَوْلُ يَصِحُّ فِي بَعْضِ الْمَسَاجِدِ، فَأَمَّا فِي أَكْثَرِ الْمَسَاجِدِ فَيُمْكِنُ تَمْيِيزُ الْمِحْرَابِ مِنْ غَيْرِهِ فِي اللَّيْلَةِ الْمُظْلِمَةِ مِنْ غَيْرِ إيذَاءٍ كَمَا شَاهَدْنَا فِي أَكْثَرِ الْمَوَاضِعِ فَلَا يَجُوزُ التَّحَرِّي فِي مَسْجِدٍ، كَذَا فِي الْمِفْتَاحِ. (قَوْلُهُ: لِمَا ذَكَرْنَا) أَيْ مِنْ أَنَّ مَا اُفْتُرِضَ لِغَيْرِهِ إلَخْ وَهُوَ تَعْلِيلٌ لِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 الْمَشَايِخُ فِي كُفْرِهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَتْ قِبْلَةً فِي حَقِّهِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَظَنَّ بَعْضِ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْجِهَةَ الَّتِي أَدَّى إلَيْهَا التَّحَرِّي قِبْلَةٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَعِنْدَنَا وَهَذَا غَيْرُ مَرْضِيٍّ فَفِيهِ قَوْلٌ بِأَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ يُصِيبُ الْحَقَّ لَا مَحَالَةَ وَلَا نَقُولُ بِهِ لَكِنَّ الْمُجْتَهِدَ يُخْطِئُ مَرَّةً وَيُصِيبُ أُخْرَى. اهـ. وَأَمَّا صَلَاتُهُ فَلَا تُجْزِئُهُ وَإِنْ أَصَابَ مُطْلَقًا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ هِيَ مُشْكِلَةٌ عَلَى قَوْلِهِمَا؛ لِأَنَّ تَعْلِيلَهُمَا فِي هَذِهِ وَهُوَ أَنَّ الْقِبْلَةَ فِي حَقِّهِ جِهَةُ التَّحَرِّي، وَقَدْ تَرَكَهَا يَقْتَضِي الْفَسَادَ مُطْلَقًا فِي صُورَةِ تَرْكِ التَّحَرِّي؛ لِأَنَّ تَرْكَ جِهَةِ التَّحَرِّي تَصْدُقُ مَعَ تَرْكِ التَّحَرِّي وَتَعْلِيلُهُمَا فِي تِلْكَ بِأَنَّ مَا فُرِضَ لِغَيْرِهِ يُشْتَرَطُ مُجَرَّدُ حُصُولِهِ كَالسَّعْيِ يَقْتَضِي الصِّحَّةَ فِي هَذِهِ وَعَلَى هَذَا لَوْ صَلَّى فِي ثَوْبٍ وَعِنْدَهُ أَنَّهُ نَجِسٌ، ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ طَاهِرٌ أَوْ صَلَّى وَعِنْدَهُ أَنَّهُ مُحْدِثٌ فَظَهَرَ أَنَّهُ مُتَوَضِّئٌ أَوْ صَلَّى الْفَرْضَ وَعِنْدَهُ أَنَّ الْوَقْتَ لَمْ يَدْخُلْ فَظَهَرَ أَنَّهُ كَانَ قَدْ دَخَلَ لَا يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا حَكَمَ بِفَسَادِ صَلَاتِهِ بِنَاءً عَلَى دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ وَهُوَ تَحَرِّيهِ فَلَا يَنْقَلِبُ جَائِزًا إذَا ظَهَرَ خِلَافُهُ وَهَذَا التَّعْلِيلُ يَجْرِي فِي مَسْأَلَةِ الْعُدُولِ عَنْ جِهَةِ التَّحَرِّي إذَا ظَهَرَ صَوَابُهُ وَبِهِ يَنْدَفِعُ الْإِشْكَالُ الَّذِي أَوْرَدْنَاهُ؛ لِأَنَّ دَلِيلَ الشَّرْعِ عَلَى الْفَسَادِ هُوَ التَّحَرِّي أَوْ اعْتِقَادُ الْفَسَادِ عَنْ التَّحَرِّي فَإِذَا حَكَمَ بِالْفَسَادِ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ لَزِمَ وَذَلِكَ مُنْتَفٍ فِي صُورَةِ تَرْكِ التَّحَرِّي فَكَانَ ثُبُوتُ الْفَسَادِ فِيهَا قَبْلَ ظُهُورِ الصَّوَابِ إنَّمَا هُوَ لِمُجَرَّدِ اعْتِقَادِهِ الْفَسَادَ فَيُؤَاخَذُ بِاعْتِقَادِهِ الَّذِي لَيْسَ بِدَلِيلٍ إذَا لَمْ يَكُنْ عَنْ تَحَرٍّ وَفِي فَتَاوَى الْعَتَّابِيِّ تَحَرَّى فَلَمْ يَقَعْ تَحَرِّيه عَلَى شَيْءٍ قِيلَ يُؤَخِّرُ وَقِيلَ يُصَلِّي إلَى أَرْبَعِ جِهَاتٍ وَقِيلَ يُخَيَّرُ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَوْ تَحَرَّى رَجُلٌ وَاسْتَوَى الْحَالَانِ عِنْدَهُ وَلَمْ يَتَيَقَّنْ بِشَيْءٍ وَلَكِنْ صَلَّى إلَى جِهَةٍ إنْ ظَهَرَ أَنَّهُ أَصَابَ الْقِبْلَةَ جَازَ وَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ أَخْطَأَ فَكَذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ شَيْءٌ جَازَتْ صَلَاتُهُ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَوْ صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ إلَى أَرْبَعِ جِهَاتٍ جَازَ، ثُمَّ اخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِيمَا إذَا تَحَوَّلَ رَأْيُهُ إلَى الْجِهَةِ الْأُولَى بِالتَّحَرِّي فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يُتِمُّ الصَّلَاةَ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَسْتَقْبِلُ. اهـ. وَفِي الْبُغْيَةِ لَوْ صَلَّى إلَى جِهَةٍ بِتَحَرٍّ، ثُمَّ تَحَوَّلَ رَأْيُهُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ إلَى جِهَةٍ أُخْرَى فَتَحَوَّلَ وَتَذَكَّرَ أَنَّهُ تَرَكَ سَجْدَةً مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَيَجُوزُ التَّحَرِّي لِسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ كَمَا يَجُوزُ لِلصَّلَاةِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ أَخْطَأَ لَمْ يُعِدْ) ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِالْوَاجِبِ فِي حَقِّهِ وَهُوَ الصَّلَاةُ إلَى جِهَةِ تَحَرِّيه بِخِلَافِ مَنْ تَوَضَّأَ بِمَاءٍ أَوْ صَلَّى فِي ثَوْبٍ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ طَاهِرٌ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ نَجِسٌ حَيْثُ يُعِيدُ الصَّلَاةَ لِأَنَّهُ تَرَكَ مَا أُمِرَ بِهِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَأَمَّا صَلَاتُهُ) أَيْ صَلَاةُ الْمُصَلِّي إلَى غَيْرِ جِهَةِ تَحَرِّيهِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ أَصَابَ مُطْلَقًا) لِيَنْظُرَ مَا الْمُرَادُ بِهَذَا الْإِطْلَاقِ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِهِ سَوَاءٌ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَصَابَ فِي الصَّلَاةِ أَوْ بَعْدَهَا تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: يَقْتَضِي الْفَسَادَ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ عَلِمَ بَعْدَ الْفَرَاغِ أَنَّهُ أَصَابَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ. (قَوْلُهُ: إنَّمَا هُوَ لِمُجَرَّدِ اعْتِقَادِهِ الْفَسَادَ إلَخْ) فِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّ غَايَةَ مَا ثَبَتَ فِي صُورَةِ تَرْكِ التَّحَرِّي عَدَمُ الْجَزْمِ وَذَلِكَ لَا يَسْتَلْزِمُ اعْتِقَادَ الْفَسَادِ وَمُجَرَّدُ اعْتِقَادِ الْفَسَادِ لَيْسَ بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ فَلَا يَسْتَلْزِمُ الْفَسَادَ لِمَا قَدَّمَهُ أَنَّ دَلِيلَ الْفَسَادِ هُوَ التَّحَرِّي أَوْ الِاعْتِقَادُ النَّاشِئُ عَنْهُ وَبِدُونِ الدَّلِيلِ الْمُعْتَبَرِ أَيْنَ يَجِيءُ الْفَسَادُ حَتَّى يُؤَاخَذَ بِهِ فَالْمُنَاسِبُ فِي تَقْرِيرِ الْجَوَابِ مَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ لِلْعَلَّامَةِ الْحَلَبِيِّ حَيْثُ قَالَ بِخِلَافِ صُورَةِ عَدَمِ التَّحَرِّي فَإِنَّهُ لَمْ يَعْتَقِدْ الْفَسَادَ بَلْ هُوَ شَاكٌّ فِي الْجَوَازِ وَعَدَمِهِ عَلَى السَّوَاءِ فَإِذَا ظَهَرَ إصَابَتُهُ بَعْدَ تَمَامِ الْفِعْلِ زَالَ أَحَدُ الِاحْتِمَالَيْنِ وَتَقَرَّرَ الْآخَرُ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ الْبِنَاءُ إذَا عَلِمَ الْإِصَابَةَ قَبْلَ التَّمَامِ لِمَا قُلْنَا مِنْ لُزُومِ بِنَاءِ الْقَوِيِّ عَلَى الضَّعِيفِ وَلَا كَذَلِكَ بَعْدَ التَّمَامِ. اهـ. وَأَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْحَالَ لَا فِي الصَّلَاةِ وَلَا بَعْدَهَا فَمُقْتَضَى مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ عَلَيْهِ الْإِعَادَةَ إلَّا إنْ عَلِمَ بَعْدَ الْفَرَاغِ أَنَّهُ أَصَابَ وُجُوبَ الْإِعَادَةِ وَلَكِنَّ مَا سَيَأْتِي فِي تَعْلِيلِ مَسْأَلَةِ مَا إذَا صَلَّى مِنْ غَيْرِ شَكٍّ وَلَا تَحَرٍّ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ إذَا غَابَ عَنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَلَمْ يَظْهَرْ الْحَالُ بِأَنَّ الْأَصْلَ الْجَوَازُ وَلَمْ يُوجَدْ مَا يَرْفَعُهُ قَدْ يُظَنُّ جَرَيَانُ هَذَا التَّعْلِيلِ هُنَا فَيَقْتَضِي الصِّحَّةَ أَيْضًا وَيُجَابُ بِأَنَّ وُجُودَ الشَّكِّ هُنَا يُنَافِي كَوْنَ الْجَوَازِ هُوَ الْأَصْلُ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ يُخَيَّرُ) أَيْ إنْ شَاءَ أَخَّرَ وَإِنْ شَاءَ صَلَّى الصَّلَاةَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ إلَى أَرْبَعِ جِهَاتٍ وَهَذَا هُوَ الْأَحْوَطُ، كَذَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَذَكَرَ ابْنُ الْهُمَامِ فِي زَادِ الْفَقِيرِ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ جَازَ مَا بِهِ وَعَبَّرَ عَنْ الْقَوْلَيْنِ بَعْدَهُ بِقِيلِ، قُلْتُ: وَذُكِرَ فِي آخِرِ الْمُسْتَصْفَى أَنَّهُ إذَا ذَكَرَ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ فَالرَّاجِحُ هُوَ الْأَوَّلُ أَوْ الْأَخِيرُ لَا الْوَسَطُ وَلَا يَظْهَرُ مَا اخْتَارَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ كَيْفَ وَفِيهِ الصَّلَاةُ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ بِيَقِينٍ وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَالتَّوَجُّهُ إلَى الْقِبْلَةِ إنَّمَا يَجِبُ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ فَيَلْزَمُ عَلَيْهِ فِعْلُ الْمَنْهِيِّ لِأَجْلِ الْمَأْمُورِ وَتَرْكُ النَّهْيِ مُقَدَّمٌ عَلَى فِعْلِ الْمَأْمُورِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَعْنَى الْقَوْلِ الْأَخِيرِ أَنَّهُ يُخَيَّرُ فِي الصَّلَاةِ إلَى أَيِّ جِهَةٍ شَاءَ يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا نَقَلَهُ الْمُؤَلِّفُ بَعْدَهُ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ؛ لِأَنَّ حَاصِلَهُ أَنَّهُ لَوْ صَلَّى إلَى أَيِّ جِهَةٍ أَرَادَ جَازَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ أَخْطَأَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مُكَلَّفًا بِجِهَةٍ خَاصَّةٍ حَيْثُ لَمْ يُوجَدْ عِنْدَهُ الْمُرَجِّحُ لِأَحَدِهَا عَلَى غَيْرِهِ وَالطَّاعَةُ بِقَدْرِ الطَّاقَةِ وَلَا تَقْصِيرَ مِنْهُ بِذَلِكَ، فَإِنْ قِيلَ يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ؛ لِأَنَّ جِهَتَهُ جِهَةُ تَحَرِّيهِ وَلَمْ تُوجَدْ فَلَهُ وَجْهٌ وَإِنْ قِيلَ أَنَّهُ يُخَيَّرُ فِي الْجِهَةِ؛ لِأَنَّ التَّحَرِّيَ إنَّمَا يَجِبُ حَيْثُ أَمْكَنَ فَلَهُ وَجْهٌ، وَأَمَّا أَنَّهُ يُصَلِّي إلَى أَرْبَعِ جِهَاتٍ فَلَا يَظْهَرُ وَجْهُهُ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: إلَى أَرْبَعِ جِهَاتٍ) أَيْ بِأَنْ تَحَوَّلَ رَأْيُهُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ إلَى جِهَةٍ غَيْرِ الَّتِي صَلَّى إلَيْهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 304 وَهُوَ الصَّلَاةُ فِي ثَوْبٍ طَاهِرٍ وَعَلَى طَهَارَةٍ وَهُوَ قَدْ أَتَى بِمَا أُمِرَ بِهِ وَهُوَ التَّحَرِّي وَفِي الْكَافِي مَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ التَّحَرِّي فِي الْأَوَانِي وَالثِّيَابِ وَفِيهِ تَفْصِيلٌ مَذْكُورٌ فِي الظَّهِيرِيَّةِ قَالَ وَيَجُوزُ التَّحَرِّي فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ حَالَةَ الضَّرُورَةِ وَالثَّوْبَيْنِ وَالثِّيَابِ وَإِنْ كَانَ النَّجَسُ غَالِبًا وَفِي الْإِنَاءَيْنِ لَا يَجُوزُ إلَّا رِوَايَةً عَنْ أَبِي يُوسُفَ لَكِنَّهُ إذَا تَوَضَّأَ بِهِمَا وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ وَصَلَّى يَنْظُرُ إنْ تَوَضَّأَ بِالْأَوَّلِ وَصَلَّى جَازَ؛ لِأَنَّ وُضُوءَهُ مِنْ الْأَوَّلِ تَحَرٍّ مِنْهُ أَنَّهُ طَاهِرٌ كَمَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ، ثُمَّ وَطِئَ إحْدَاهُمَا تَعَيَّنَتْ الْأُخْرَى لِلطَّلَاقِ فَلَوْ تَوَضَّأَ بِالثَّانِي، ثُمَّ صَلَّى يَنْبَغِي أَنْ لَا تَجُوزَ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ تَوَضَّأَ بِمَاءٍ نَجِسٍ وَإِنْ لَمْ يُحْدِثْ وَلَمْ يُصَلِّ بَعْدَمَا تَوَضَّأَ مِنْ الْأَوَّلِ حَتَّى تَوَضَّأَ بِالثَّانِي قَالَ عَامَّتُهُمْ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ أَعْضَاءَهُ صَارَتْ نَجِسَةً وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَجُوزُ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ لِمَا لَمْ يَجُزْ التَّحَرِّي عِنْدَنَا لِغَلَبَةِ النَّجَاسَةِ أَوْ لِاسْتِوَاءِ الطَّاهِرِ بِالنَّجَسِ يُهْرِيقُ الْمِيَاهَ كُلَّهَا وَيَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي أَوْ يَخْلِطُ الْمِيَاهَ كُلَّهَا حَتَّى تَصِيرَ الْمِيَاهُ كُلُّهَا نَجِسَةً، ثُمَّ يَتَيَمَّمُ احْتِرَازًا عَنْ إضَاعَةِ الْمَاءِ وَلَوْ لَمْ يُهْرِقْهَا جَازَ لَهُ التَّيَمُّمُ قَالُوا هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا: لَا يَجُوزُ تَيَمُّمُهُ إلَّا بَعْدَ الْإِرَاقَةِ وَقَالَ ابْنُ زِيَادَةَ يَخْلِطُهَا، ثُمَّ يَتَيَمَّمُ وَإِنْ كَانَ عِنْدَ ثَلَاثَةٍ ثَلَاثٌ أَوْ أَنَّ أَحَدَهَا نَجِسٌ وَوَقَعَ تَحَرِّي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى إنَاءٍ جَازَتْ صَلَاتُهُمْ فُرَادَى وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا سُؤْرَ حِمَارٍ وَالْآخَرُ طَاهِرًا يَتَوَضَّأُ بِهِمَا وَلَا يَتَيَمَّمُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ عَلِمَ بِهِ فِي صَلَاتِهِ اسْتَدَارَ) أَيْ إنْ عَلِمَ بِالْخَطَأِ؛ لِأَنَّ تَبَدُّلَ الِاجْتِهَادِ بِمَنْزِلَةِ تَبَدُّلِ النَّسْخِ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ قَوْمًا مِنْ الْأَنْصَارِ كَانُوا يُصَلُّونَ بِمَسْجِدِ قُبَاءَ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَأُخْبِرُوا بِتَحَوُّلِ الْقِبْلَةِ فَاسْتَدَارُوا كَهَيْئَتِهِمْ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ نَسْخِ الْكِتَابِ السُّنَّةَ إذْ لَا نَصَّ عَلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ فِي الْقُرْآنِ فَعُلِمَ أَنَّهُ كَانَ ثَابِتًا بِالسُّنَّةِ، ثُمَّ نُسِخَ بِالْكِتَابِ وَعَلَى أَنَّ حُكْمَ النَّسْخِ لَا يَثْبُتُ حَتَّى يَبْلُغَ الْمُكَلَّفَ وَعَلَى أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ يُوجِبُ الْعَمَلَ، كَذَا ذَكَرَ الشَّارِحُ وَفِي كَوْنِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ثَبَتَ التَّوَجُّهُ إلَيْهِ بِالسُّنَّةِ فَقَطْ بَحْثٌ بَلْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ قَالَ تَعَالَى {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا} [البقرة: 142] قَالَ الْمُفَسِّرُونَ هِيَ بَيْتُ الْمَقْدِسِ، ثُمَّ مَسَائِلُ حُسْنِ التَّحَرِّي فِي الْقِبْلَةِ عَلَى عِشْرِينَ وَجْهًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ لَمْ يَشُكَّ وَلَمْ يَتَحَرَّ أَوْ شَكَّ وَتَحَرَّى أَوْ شَكَّ وَلَمْ يَتَحَرَّ أَوْ تَحَرَّى وَلَمْ يَشُكَّ وَكُلُّ وَجْهٍ عَلَى خَمْسَةٍ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَظْهَرَ أَنَّهُ أَصَابَ فِي الصَّلَاةِ أَوْ بَعْدَ الْفَرَاغِ أَوْ أَخْطَأَ فِي الصَّلَاةِ أَوْ بَعْدَهَا أَوْ لَمْ يَظْهَرْ شَيْءٌ، أَمَّا الْأَوَّلُ، فَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ أَخْطَأَ لَزِمَهُ الِاسْتِقْبَالُ سَوَاءٌ كَانَ فِي الصَّلَاةِ أَوْ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا وَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ أَصَابَ قَبْلَ الْفَرَاغِ فَفِيهِ اخْتِلَافٌ فَذَهَبَ الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ إلَى أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الِاسْتِقْبَالُ؛ لِأَنَّ افْتِتَاحَهُ كَانَ ضَعِيفًا، وَقَدْ قَوِيَ حَالُهُ بِظُهُورِ الصَّوَابِ وَلَا يَبْنِي الْقَوِيَّ عَلَى الضَّعِيفِ وَالصَّحِيحُ كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ وَالْخَانِيَّةِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِقْبَالُ؛ لِأَنَّ صَلَاتَهُ كَانَتْ جَائِزَةً مَا لَمْ يَظْهَرْ الْخَطَأُ فَإِذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَصَابَ لَا يَتَغَيَّرُ حَالُهُ وَإِنْ تَبَيَّنَ بَعْدَ الْفَرَاغِ أَنَّهُ أَصَابَ بِيَقِينٍ أَوْ بِأَكْبَرِ رَأْيِهِ أَوْ لَمْ يَظْهَرْ مِنْ حَالِهِ شَيْءٌ حَتَّى غَابَ عَنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَصَلَاتُهُ جَائِزَةٌ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْجَوَازُ وَلَمْ يُوجَدْ مَا يَرْفَعُهُ، وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ مَا إذَا شَكَّ وَتَحَرَّى فَحُكْمُهُ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ الصِّحَّةُ فِي الْوُجُوهِ الْخَمْسِ وَأَمَّا الثَّالِثُ وَهُوَ مَا إذَا شَكَّ وَلَمْ يَتَحَرَّ فَهِيَ فَاسِدَةٌ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا إلَّا إذَا تَبَيَّنَ لَهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ أَنَّهُ أَصَابَ الْقِبْلَةَ بِيَقِينٍ، فَإِنْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ أَصَابَهَا قَالَ قَاضِي خان اخْتَلَفُوا فِيهِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ، وَأَمَّا الرَّابِعُ فَهُوَ فَاسِدُ الْوَضْعِ؛ لِأَنَّ التَّحَرِّيَ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ الشَّكِّ فَإِذَا لَمْ يَشُكَّ لَمْ يَتَحَرَّ فَلِذَا لَمْ يَذْكُرُوهُ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَوْ صَلَّى بِالتَّحَرِّي وَخَلْفَهُ نَائِمٌ وَمَسْبُوقٌ فَبَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ تَحَوَّلَ رَأْيُهُمَا إلَى جِهَةٍ أُخْرَى فَالْمَسْبُوقُ يَتَحَوَّلُ إلَى الْجِهَةِ الَّتِي وَقَعَ تَحَرِّيه إلَيْهَا وَاللَّاحِقُ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ قُيِّدَ بِتَحْوِيلِ الرَّأْيِ فِي أَمْرِ الْقِبْلَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَحَرَّى فِي الثَّوْبَيْنِ فَصَلَّى فِي أَحَدِهِمَا بِالتَّحَرِّي، ثُمَّ تَحَوَّلَ تَحَرِّيهِ إلَى ثَوْبٍ آخَرَ فَكُلُّ صَلَاةٍ صَلَّاهَا فِي الثَّوْبِ الْأَوَّلِ جَازَتْ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَجُزْ التَّحَرِّي إلَخْ) هَذَا التَّعْلِيلُ غَيْرُ مُوَافِقٍ لِلْمُعَلَّلِ وَلَعَلَّ فِي الْعِبَارَةِ سَقْطًا فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: بَلْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ) فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا نَصَّ عَلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَإِنَّمَا السُّنَّةُ بَيَّنَتْ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قِبْلَتِهِمْ بَيْتُ الْمَقْدِسِ عَلَى أَنَّ ثُبُوتَ التَّوَجُّهِ إلَيْهِ لَمْ يَكُنْ حَاصِلًا بِهَذِهِ الْآيَةِ بَلْ كَانَ ثَابِتًا بِالسُّنَّةِ وَهَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى نَسْخِهِ، نَعَمْ فِيهَا دَلَالَةٌ بَعْدَ الْبَيَانِ عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهِ قَبْلَهَا وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِي مُجَرَّدِ مَشْرُوعِيَّتِهِ بَلْ فِي مُوجِبِهِ وَهِيَ لَمْ تَدُلَّ عَلَيْهِ فَلْيُتَأَمَّلْ كَذَا قَالَهُ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ أَقُولُ: وَفِي الْجَوَابِ الْأَوَّلِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَ إذَا بَيَّنَتْهُ السُّنَّةُ يَكُونُ الْحُكْمُ مُضَافًا إلَى الْكِتَابِ لَا إلَى السُّنَّةِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الْعِنَايَةِ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى مَسْحِ الرَّأْسِ نَعَمْ يَرُدُّ عَلَى الشَّارِحِ الزَّيْلَعِيِّ أَنَّ التَّوَجُّهَ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ مِنْ شَرَائِعِ مَنْ قَبْلَنَا وَهُوَ ثَابِتٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ} [الأنعام: 90] كَمَا ذَكَرَهُ فِي التَّلْوِيحِ فَيَكُونُ مِنْ نَسْخِ الْكِتَابِ بِالْكِتَابِ (قَوْلُهُ: التَّحَرِّي فِي الْقِبْلَةِ عَلَى عِشْرِينَ) أَيْ بِاعْتِبَارِ الْقِسْمَةِ الْعَقْلِيَّةِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ إمْكَانِ الْوُجُودِ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الرَّابِعُ فَهُوَ إلَخْ) أَيْ فَلَا وُجُودَ لَهُ فِي الْخَارِجِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 305 دُونَ الثَّانِي، كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ تَحَرَّى قَوْمٌ جِهَاتٍ وَجَهِلُوا حَالَ إمَامِهِمْ يُجْزِئُهُمْ) ؛ لِأَنَّ الْقِبْلَةَ فِي حَقِّهِمْ جِهَةُ التَّحَرِّي وَهَذِهِ الْمُخَالَفَةُ غَيْرُ مَانِعَةٍ لِصِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ كَمَا فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ فَإِنَّهُ لَوْ جَعَلَ بَعْضُ الْقَوْمِ ظَهْرَهُ إلَى ظَهْرِ الْإِمَامِ صَحَّ قَيَّدَ بِجَهْلِهِمْ إذْ لَوْ عَلِمَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ حَالَ إمَامِهِ حَالَةَ الْأَدَاءِ وَخَالَفَ جِهَتَهُ لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ اعْتَقَدَ إمَامَهُ عَلَى الْخَطَأِ بِخِلَافِ جَوْفِ الْكَعْبَةِ؛ لِأَنَّهُ مَا اعْتَقَدَ إمَامَهُ مُخْطِئًا إذْ الْكُلُّ قَبِلَهُ وَلَمْ يُقَيِّدْ الْمُصَنِّفُ بِعَدَمِ تَقَدُّمِ أَحَدٍ عَلَى الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ مَنْ تَقَدَّمَ عَلَى إمَامِهِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ كَمَا فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ لِتَرْكِهِ فَرْضَ الْمَقَامِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ مَسَائِلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَهِيَ فِي كِتَابِ الْأَصْلِ أَتَمُّ فَإِنَّهُ قَالَ لَوْ أَنَّ جَمَاعَةً صَلَّوْا فِي الْمَفَازَةِ عِنْدَ اشْتِبَاهِ الْقِبْلَةِ بِالتَّحَرِّي وَتَبَيَّنَ أَنَّهُمْ صَلَّوْا إلَى جِهَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ قَالَ مَنْ تَيَقَّنَ مُخَالَفَةَ إمَامِهِ فِي الْجِهَةِ حَالَةَ الْأَدَاءِ لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُ وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ عِنْدَ الْأَدَاءِ أَنَّهُ يُخَالِفُ إمَامَهُ فِي الْجِهَةِ فَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ فَشُرِطَ أَنْ يَكُونَ فِي الْمَفَازَةِ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّحَرِّيَ لَا يَجُوزُ فِي الْقَرْيَةِ وَالْمِصْرِ مِنْ غَيْرِ سُؤَالٍ، وَقَدْ أَسْلَفْنَاهُ وَأَفَادَ أَنَّ عِلْمَهُ بِالْمُخَالَفَةِ بَعْدَ الْأَدَاءِ لَا يَضُرُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ] شُرُوعٌ فِي الْمَقْصُودِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ مُقَدِّمَاتِهِ. قِيلَ: الصِّفَةُ وَالْوَصْفُ فِي اللُّغَةِ وَاحِدٌ وَفِي عُرْفِ الْمُتَكَلِّمِينَ بِخِلَافِهِ، وَالتَّحْرِيرُ أَنَّ الْوَصْفَ لُغَةً ذِكْرُ مَا فِي الْمَوْصُوفِ مِنْ الصِّفَةِ، وَالصِّفَةُ هِيَ مَا فِيهِ وَلَا يُنْكَرُ أَنَّهُ يُطْلَقُ الْوَصْفُ وَيُرَادُ الصِّفَةُ وَبِهَذَا لَا يَلْزَمُ الِاتِّحَادُ لُغَةً إذْ لَا شَكَّ فِي أَنَّ الْوَصْفَ مَصْدَرُ وَصَفَهُ إذَا ذَكَرَ مَا فِيهِ، ثُمَّ الْمُرَادُ هُنَا بِصِفَةِ الصَّلَاةِ الْأَوْصَافُ النَّفْسِيَّةُ لَهَا وَهِيَ الْأَجْزَاءُ الْعَقْلِيَّةُ الصَّادِقَةُ عَلَى الْخَارِجِيَّةِ الَّتِي هِيَ أَجْزَاءُ الْهُوِيَّةِ مِنْ الْقِيَامِ الْجُزْئِيِّ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ قِيَامِ الْعَرَضِ بِالْعَرَضِ؛ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ لَهَا حُكْمُ الْجَوَاهِرِ، وَلِهَذَا تُوصَفُ بِالصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ وَالْبُطْلَانِ وَالْفَسْخِ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِثُبُوتِ الشَّيْءِ سِتَّةُ أَشْيَاءَ: الْعَيْنُ وَهِيَ مَاهِيَّةُ الشَّيْءِ وَالرُّكْنُ وَهُوَ جُزْءُ الْمَاهِيَّةِ وَالْحُكْمُ وَهُوَ الْأَثَرُ الثَّابِتُ بِالشَّيْءِ وَمَحَلُّ ذَلِكَ الشَّيْءِ وَشَرْطُهُ وَسَبَبُهُ فَلَا يَكُونُ الشَّيْءُ ثَابِتًا إلَّا بِوُجُودِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ، فَالْعَيْنُ هُنَا الصَّلَاةُ، وَالرُّكْنُ الْقِيَامُ وَالْقِرَاءَةُ وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ، وَالْمَحَلُّ لِلشَّيْءِ هُوَ الْآدَمِيُّ الْمُكَلَّفُ، وَالشَّرْطُ هُوَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الطَّهَارَةِ وَغَيْرِهَا، وَالْحُكْمُ جَوَازُ الشَّيْءِ وَفَسَادُهُ وَثَوَابُهُ، وَالسَّبَبُ الْأَوْقَاتُ، وَمَعْنَى صِفَةِ الصَّلَاةِ أَيْ مَاهِيَّةُ الصَّلَاةِ (قَوْلُهُ فَرْضُهَا التَّحْرِيمَةُ) أَيْ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ فِيهَا فَإِنَّ الْفَرْضَ شَرْعًا مَا لَزِمَ فِعْلُهُ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ أَعَمَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ شَرْطًا أَوْ رُكْنًا وَالتَّحْرِيمُ جَعْلُ الشَّيْءِ مُحَرَّمًا وَخُصَّتْ التَّكْبِيرَةُ الْأُولَى بِهَا؛ لِأَنَّهَا تُحَرِّمُ الْأَشْيَاءَ الْمُبَاحَةَ قَبْلَ الشُّرُوعِ بِخِلَافِ سَائِرِ التَّكْبِيرَاتِ وَالدَّلِيلُ عَلَى فَرْضِيَّتِهَا قَوْله تَعَالَى {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} [المدثر: 3] جَاءَ فِي   [منحة الخالق] (بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ) . (قَوْلُهُ: قِيلَ الصِّفَةُ وَالْوَصْفُ فِي اللُّغَةِ وَاحِدٌ) قَالَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ ثُمَّ الْوَصْفُ وَالصِّفَةُ مَصْدَرَانِ كَالْوَعْظِ وَالْعِظَةِ وَالْوَعْدِ وَالْعِدَةِ وَالْوَزْنِ وَالزِّنَةِ، وَفِي الصِّحَاحِ وَصَفَ الشَّيْءَ وَصْفًا وَصِفَةً فَالْهَاءُ عِوَضٌ عَنْ الْوَاوِ كَمَا فِي الْوَعْدِ وَالْعِدَةِ، وَفِي اصْطِلَاحِ وَهُوَ قَوْلُهُ زَيْدٌ عَالِمٌ، وَالصِّفَةُ مَا قَامَ بِالْمَوْصُوفِ اهـ. وَنَحْوُهُ فِي النِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ، وَفِي الْقَامُوسِ وَصَفَهُ يَصِفُهُ وَصْفًا وَصِفَةً نَعَتَهُ فَاتَّصَفَ وَالصِّفَةُ كَالْعِلْمِ وَالسَّوَادِ اهـ. وَفِي شَرْحِ الْعَيْنِيِّ وَالصِّفَةُ وَالْوَصْفُ مَصْدَرَانِ مِنْ وَصَفَ وَالصِّفَةُ الْأَمَارَةُ اللَّازِمَةُ لِلشَّيْءِ، ثُمَّ اُعْتُرِضَ عَلَى الْمُتَكَلِّمِينَ بِقَوْلِهِ وَلَيْتَ شِعْرِي مِنْ أَيْنَ التَّخْصِيصُ اهـ. وَقَدْ ظَهَرَ مِنْ هَذَا أَنَّ الصِّفَةَ تَكُونُ مَصْدَرًا كَالْوَصْفِ وَتَكُونُ اسْمًا لِمَا قَامَ بِالْمَوْصُوفِ كَالْعِلْمِ مَثَلًا وَحِينَئِذٍ فَمُخَالَفَةُ الْمُتَكَلِّمِينَ مِنْ حَيْثُ تَخْصِيصُ الصِّفَةِ بِاسْتِعْمَالِهِمْ إيَّاهَا اسْمًا بِمَعْنَى الْأَمَارَةِ اللَّازِمَةِ مَعَ أَنَّهَا قَدْ تَكُونُ فِي اللُّغَةِ مَصْدَرًا وَالْجَوَابُ عَمَّا قَالَهُ الْإِمَامُ الْعَيْنِيُّ أَنَّ هَذَا اصْطِلَاحٌ وَلَا مُشَاحَّةَ فِيهِ. (قَوْلُهُ وَالتَّحْرِيرُ إلَخْ) كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَهُوَ مَيْلٌ إلَى مَا قَالَهُ الْمُتَكَلِّمُونَ مِنْ التَّفْرِقَةِ وَرَدٌّ عَلَى الشُّرَّاحِ النَّاقِلِينَ لِمَا يُفْهَمُ مِنْهُ الِاتِّحَادُ بَيْنَهُمَا هَكَذَا يُفْهَمُ مِنْ الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ. أَقُولُ: قَدْ عَلِمْت مِمَّا سَبَقَ أَنَّ النِّزَاعَ إنَّمَا هُوَ فِي أَنَّ الصِّفَةَ خَاصَّةٌ بِالْأَمَارَةِ اللَّازِمَةِ أَمْ لَا فَالْمُتَكَلِّمُونَ عَلَى الْأَوَّلِ وَاللُّغَوِيُّونَ عَلَى الثَّانِي، فَإِنَّهَا تُسْتَعْمَلُ عِنْدَهُمْ اسْمًا وَمَصْدَرًا كَمَا هُوَ صَرِيحُ عِبَارَةِ الْقَامُوسِ وَكَلَامِ الْعَيْنِيِّ، وَأَمَّا أَنَّ الْوَصْفَ قَدْ يُرَادُ بِهِ الصِّفَةُ فَلَيْسَ مِمَّا النِّزَاعُ فِيهِ فَلْيُتَأَمَّلْ وَأَيْضًا بَعْدَ نَقْلِ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْوَصْفِ وَالصِّفَةِ مَصْدَرَانِ لِوَصْفٍ كَيْفَ يَسُوغُ مَنْعُهُ بِدُونِ نَقْلٍ عَنْ الْعَرَبِ أَوْ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ وَلَعَلَّ مُرَادَ الْمُؤَلِّفِ الرَّدُّ عَلَى الْقَائِلِ بِأَنَّهُمَا وَاحِدٌ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ اتِّحَادِهِمَا إطْلَاقُ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى الْمَصْدَرِ وَعَلَى مَا قَامَ فِي الْمَوْصُوفِ، وَأَنَّ إطْلَاقَهُمَا عَلَى الْمَصْدَرِ ثَابِتٌ، وَأَمَّا إطْلَاقُ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى مَا قَامَ فِي الْمَوْصُوفِ فَغَيْرُ ثَابِتٍ وَإِنَّمَا الثَّابِتُ إطْلَاقُ الصِّفَةِ عَلَيْهِ دُونَ الْوَصْفِ نَعَمْ لَا يُنْكَرُ أَنْ يُطْلَقَ الْوَصْفُ وَيُرَادُ بِهِ الصِّفَةُ الْقَائِمَةُ بِالْمَوْصُوفِ وَلَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ اتِّحَادُهُمَا لِاحْتِمَالِ كَوْنِ ذَلِكَ الْإِطْلَاقِ مَجَازًا لَا حَقِيقَةً لُغَوِيَّةً (قَوْلُهُ أَيْ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ) تَفْسِيرٌ لِلْفَرْضِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 التَّفْسِيرِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ تَكْبِيرَةُ الِافْتِتَاحِ وَلِأَنَّ الْأَمْرَ لِلْإِيجَابِ وَمَا وَرَاءَهَا لَيْسَ بِفَرْضٍ فَتَعَيَّنَ أَنْ تَكُونَ مُرَادَةً لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى تَعْطِيلِ النَّصِّ، وَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطَّهُورُ وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ» ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا هَلْ هِيَ شَرْطٌ أَوْ رُكْنٌ؟ فَفِي الْحَاوِي هِيَ شَرْطٌ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ وَجَعَلَهُ فِي الْبَدَائِعِ قَوْلَ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ مَشَايِخِنَا، وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ قَوْلَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَاخْتَارَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا مِنْهُمْ عِصَامُ بْنُ يُوسُفَ وَالطَّحَاوِيُّ أَنَّهَا رُكْنٌ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ؛ لِأَنَّهَا ذِكْرٌ مَفْرُوضٌ فِي الْقِيَامِ فَكَانَ رُكْنًا كَالْقِرَاءَةِ، وَلِهَذَا شَرَطَ لَهَا مَا شَرَطَ لِسَائِرِ الْأَرْكَانِ مِنْ الطَّهَارَةِ وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ وَاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ، وَوَجْهُ الْأَصَحِّ وَهُوَ الْمَذْهَبُ عَطْفُ الصَّلَاةِ عَلَيْهَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى: 15] وَمُقْتَضَى الْعَطْفِ الْمُغَايَرَةُ وَالْمُغَايَرَةُ وَإِنْ كَانَتْ ثَابِتَةً عَلَى الْقَوْلِ بِرُكْنِيَّتِهَا أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ مِنْ بَابِ عَطْفِ الْكُلِّ عَلَى الْجُزْءِ وَهُوَ نَظِيرُ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ لَكِنَّ جَوَازَهُ لِنُكْتَةٍ بَلَاغِيَّةٍ، وَهِيَ غَيْرُ ظَاهِرَةٍ هُنَا فَيَلْزَمُ أَنْ لَا يَكُونَ التَّكْبِيرُ مِنْهَا فَهُوَ شَرْطٌ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ وَمُرَاعَاةُ الشَّرَائِطِ الْمَذْكُورَةِ لَيْسَ لَهَا بَلْ لِلْقِيَامِ الْمُتَّصِلِ بِهَا وَهُوَ رُكْنٌ إنْ سَلَّمْنَا مُرَاعَاتَهَا وَإِلَّا فَهُوَ مَمْنُوعٌ فَتَقْدِيمُ الْمَنْعِ عَلَى التَّسْلِيمِ أَوْلَى كَذَا فِي التَّلْوِيحِ فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ لَا نُسَلِّمُ مُرَاعَاتَهَا فَإِنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ إلَى آخِرِهِ وَلَئِنْ سَلَّمْنَا فَهِيَ لَيْسَ لَهَا بَلْ إلَى آخِرِهِ فَإِنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ حَامِلًا لِلنَّجَاسَةِ فَأَلْقَاهُ عِنْدَ فَرَاغِهِ مِنْهَا أَوْ مُنْحَرِفًا عَنْ الْقِبْلَةِ فَاسْتَقْبَلَهَا عِنْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا أَوْ مَكْشُوفَ الْعَوْرَةِ فَسَتَرَهَا عِنْدَ فَرَاغِهِ مِنْ التَّكْبِيرِ بِعَمَلٍ يَسِيرٍ أَوْ شَرَعَ فِي التَّكْبِيرِ قَبْلَ ظُهُورِ الزَّوَالِ، ثُمَّ ظَهَرَ عِنْدَ فَرَاغِهِ مِنْهَا جَازَ، وَفِي الْحَاوِي وَاَلَّذِي يُؤَيِّدُ أَنَّهَا شَرْطٌ انْعِقَادُ الْجُمُعَةِ مَعَ عَدَمِ مُشَارَكَةِ الْقَوْمِ الْإِمَامَ فِيهَا. وَثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ تَظْهَرُ فِي بِنَاءِ النَّفْلِ عَلَى تَحْرِيمَةِ الْفَرْضِ فَيَجُوزُ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِالشَّرْطِيَّةِ وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِالرُّكْنِيَّةِ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ إنَّهُ يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ بَيْنَ أَصْحَابِنَا، فِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ الْقَائِلِينَ بِالرُّكْنِيَّةِ مِنْ أَصْحَابِنَا لَا يُجَوِّزُونَهُ، وَأَمَّا بِنَاءُ الْفَرْضِ عَلَى الْفَرْضِ أَوْ عَلَى النَّفْلِ فَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَ صَدْرِ الْإِسْلَامِ لِمَا عَلِمْت أَنَّهَا شَرْطٌ كَالطَّهَارَةِ وَلَا يَجُوزُ عَلَى الظَّاهِرِ مِنْ الْمَذْهَبِ كَالنِّيَّةِ لَيْسَتْ مِنْ الْأَرْكَانِ وَمَعَ هَذَا لَا يَجُوزُ أَدَاءُ صَلَاةٍ بِنِيَّةِ صَلَاةٍ أُخْرَى إجْمَاعًا، وَأَمَّا أَدَاءُ النَّفْلِ بِتَحْرِيمَةِ النَّفْلِ فَلَا شَكَّ فِي صِحَّتِهِ اتِّفَاقًا لِمَا أَنَّ الْكُلَّ صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ بِدَلِيلِ أَنَّ الْقُعُودَ لَا يُفْتَرَضُ إلَّا فِي آخِرِهَا عَلَى الصَّحِيحِ، وَقَوْلُهُمْ: إنَّ كُلَّ رَكْعَتَيْنِ مِنْ النَّفْلِ صَلَاةٌ، لَا يُعَارِضُهُ؛ لِأَنَّهُ فِي أَحْكَامٍ دُونَ أُخْرَى، وَفِي الْمُحِيطِ الْأَخْرَسُ وَالْأُمِّيُّ افْتَتَحَا بِالنِّيَّةِ أَجْزَأَهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا أَتَيَا بِأَقْصَى مَا فِي وُسْعِهِمَا، وَفِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا تَحْرِيكُ اللِّسَانِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَمَا وَرَاءَهَا) أَيْ وَرَاءَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ (قَوْلُهُ وَاَلَّذِي يُؤَيِّدُ أَنَّهَا شَرْطٌ إلَخْ) مُقْتَضَاهُ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ رُكْنًا لَوَجَبَ مُشَارَكَةُ الْقَوْمِ فِيهَا فِي الْجُمُعَةِ لَكِنْ قَدْ يُقَالُ لَا يَلْزَمُ مُشَارَكَةُ الْقَوْمِ لَهُ فِيهَا فِي جَمِيعِ الْأَرْكَانِ لِأَنَّهُمْ لَوْ أَحْرَمُوا وَهُوَ رَاكِعٌ صَحَّتْ الْجُمُعَةُ مَعَ أَنَّهُمْ لَمْ يُشَارِكُوهُ فِي الْقِيَامِ حَقِيقَةً مَعَ أَنَّهُ رُكْنٌ، وَكَذَا لَوْ نَفَرُوا بَعْدَ سُجُودِهِ لِلرَّكْعَةِ الْأُولَى تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَقَوْلُ الشَّارِحِ أَنَّهُ يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ إلَخْ) دَفَعَ النَّظَرَ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ مُرَادَهُ إجْمَاعُ الْقَائِلِينَ بِأَنَّهَا شَرْطٌ (قَوْلُهُ فَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَ صَدْرِ الْإِسْلَامِ) ظَاهِرُ مَا فِي النِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ أَنَّ الْجَائِزَ عِنْدَ صَدْرِ الْإِسْلَامِ هُوَ الْأَوَّلُ فَقَطْ فَإِنَّهُ قَدْ قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَالْمِعْرَاجِ: قَدْ ذُكِرَ فِي فَتَاوَى الْقَاضِي ظَهِيرِ الدِّينِ: أَنَّ بِنَاءَ الْفَرْضِ مَعَ تَكْبِيرَةِ الْفَرْضِ، قِيلَ: لَا يَجُوزُ، وَقَالَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَجُوزُ، ثُمَّ قَالَ: قُلْت: بَقِيَ حُكْمُ بِنَاءِ الْفَرْضِ عَلَى النَّفْلِ وَلَمْ أَجِدْ فِيهِ رِوَايَةً، وَلَكِنْ يَجِبُ أَنْ لَا يَجُوزَ: أَمَّا عَلَى مَا اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْأَسْرَارِ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ فَظَاهِرٌ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَجُزْ بِنَاءُ الْفَرْضِ عَلَى تَحْرِيمَةِ فَرْضٍ آخَرَ، وَهُوَ مِثْلُهُ فَلَأَنْ لَا يَجُوزَ بِنَاءُ الْفَرْضِ عَلَى مَا دُونَهُ أَوْلَى، وَأَمَّا عَلَى اخْتِيَارِ صَدْرِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ إنَّمَا جَوَّزَ بِنَاءَ الْمِثْلِ فَهُوَ لَا يَدُلُّ عَلَى تَجْوِيزِهِ بِنَاءَ الْأَقْوَى عَلَى الْأَدْنَى، ثُمَّ الْمَعْنَى أَيْضًا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْجَوَازِ لِأَنَّ الشَّيْءَ يَسْتَتْبِعُ مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ، وَفِي بِنَاءِ الْفَرْضِ عَلَى النَّفْلِ جَعْلُ النَّفْلِ مُسْتَتْبِعًا لِلْفَرْضِ لِأَنَّ الْمَبْنِيَّ تَبَعٌ لِلْمَبْنِيِّ عَلَيْهِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ. اهـ. وَقَدْ نَبَّهَ أَيْضًا عَلَى ذَلِكَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ، ثُمَّ قَالَ: وَلِذَا اقْتَصَرَ فِي التَّبْيِينِ عَلَى صُورَةِ الْفَرْضِ عَلَى الْفَرْضِ فِي النَّقْلِ عَنْهُ اهـ. وَبِهَذَا ظَهَرَ عَدَمُ صِحَّةِ مَا فِي النَّهْرِ مِنْ قَوْلِهِ: وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ بِنَاءِ النَّفْلِ عَلَى النَّفْلِ وَالْفَرْضِ عَلَيْهِ فَتَنَبَّهْ. (قَوْلُهُ: كَالنِّيَّةِ لَيْسَتْ مِنْ الْأَرْكَانِ إلَخْ) بَيَانٌ لِمَنْعِ الْمُلَازَمَةِ بَيْنَ كَوْنِ التَّحْرِيمَةِ شَرْطًا وَجَوَازِ الْبِنَاءِ الْمَذْكُورِ بِأَنَّ النِّيَّةَ لَيْسَتْ مِنْ الْأَرْكَانِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَدَاءُ صَلَاةٍ بِالْبِنَاءِ عَلَى نِيَّةِ صَلَاةٍ أُخْرَى (قَوْلُهُ: وَفِي الْمُحِيطِ: الْأَخْرَسُ وَالْأُمِّيُّ افْتَتَحَا بِالنِّيَّةِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: يَنْبَغِي أَنْ يُشْتَرَطَ الْقِيَامُ فِي نِيَّتِهِمَا لِقِيَامِهَا مَقَامَ التَّحْرِيمَةِ وَأَنَّ تَقْدِيمَهَا لَا يَصِحُّ وَلَمْ أَرَهُ لَهُمْ. (قَوْلُهُ: فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا تَحْرِيكُ اللِّسَانِ) أَيْ فِي تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ، وَأَمَّا بَاقِي التَّكْبِيرَاتِ فَفِي النَّهْرِ عَنْ إطْلَاقِ الْفَتْحِ أَنَّهُ يُحَرِّكُ لِسَانَهُ بِهَا، قَالَ: وَكَانَ الْفَرْقُ أَنَّ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ لَهَا خَلَفٌ، وَهُوَ النِّيَّةُ بِخِلَافِ غَيْرِهَا اهـ أَقُولُ: يَظْهَرُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَا يُسَنُّ أَيْضًا تَحْرِيكُ اللِّسَانِ بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ تَأَمَّلْ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 عِنْدَنَا وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ فَرْضُهَا التَّحْرِيمَةُ قَائِمًا لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الِافْتِتَاحَ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي حَالَةِ الْقِيَامِ حَتَّى لَوْ كَبَّرَ قَاعِدًا، ثُمَّ قَامَ لَا يَصِيرُ شَارِعًا؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ فَرْضٌ حَالَ الِافْتِتَاحِ كَمَا بَعْدَهُ، وَلَوْ جَاءَ إلَى الْإِمَامِ وَهُوَ رَاكِعٌ فَحَنَى ظَهَرَهُ، ثُمَّ كَبَّرَ إنْ كَانَ إلَى الْقِيَامِ أَقْرَبَ يَصِحُّ، وَإِنْ كَانَ إلَى الرُّكُوعِ أَقْرَبَ لَا يَصِحُّ، وَلَوْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ رَاكِعًا فَكَبَّرَ قَائِمًا وَهُوَ يُرِيدُ تَكْبِيرَةَ الرُّكُوعِ جَازَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ نِيَّتَهُ لَغَتْ فَبَقِيَ التَّكْبِيرُ حَالَةَ الْقِيَامِ، وَلَوْ كَبَّرَ قَبْلَ إمَامِهِ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ مَا لَمْ يُجَدِّدْ؛ لِأَنَّهُ اقْتَدَى بِمَنْ لَيْسَ فِي الصَّلَاةِ فَلَا يَدْخُلُ فِي صَلَاتِهِ وَلَا فِي صَلَاةِ نَفْسِهِ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ الْمُشَارَكَةَ وَهِيَ غَيْرُ صَلَاةِ الِانْفِرَادِ وَلَوْ افْتَتَحَ بِ " اللَّهُ " قَبْلَ إمَامِهِ لَمْ يَصِرْ شَارِعًا فِي صَلَاتِهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ شَارِعًا فِي صَلَاةِ نَفْسِهِ قَبْلَ شُرُوعِ الْإِمَامِ، وَلَوْ مَدَّ الْإِمَامُ التَّكْبِيرَ وَحَذَفَ رَجُلٌ خَلْفَهُ فَفَرَغَ قَبْلَ فَرَاغِ الْإِمَامِ أَجْزَأَهُ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِمَا وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لَا يُجْزِئُهُ، وَلَوْ كَبَّرَ الْمُؤْتَمُّ وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ كَبَّرَ قَبْلَ الْإِمَامِ أَوْ بَعْدَهُ فَإِنْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ كَبَّرَ قَبْلَهُ لَا يُجْزِئُهُ وَإِلَّا أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّ أَمْرَهُ مَحْمُولٌ عَلَى الصَّلَاحِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ الْخَطَأُ بِيَقِينٍ أَوْ بِغَالِبِ الظَّنِّ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِمَا: أَنَّ الشُّرُوعَ يَصِحُّ بِ " اللَّهُ " بِدُونِ " أَكْبَرُ "، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَصِحُّ إلَّا بِهِمَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّجْنِيسِ هُنَا. بِهَذَا عُلِمَ أَنَّ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ قَوْلِهِ فَفَرَغَ الْإِمَامُ قَبْلَهُ، سَبْقُ قَلَمٍ وَالصَّوَابُ فَفَرَغَ الْمُقْتَدِي قَبْلَهُ أَيْ قَبْلَ تَكْبِيرِ الْإِمَامِ، كَمَا فِي التَّجْنِيسِ وَالْمُحِيطِ، وَقَوْلُهُ: أَوْ كَبَّرَ قَبْلَهُ غَيْرَ عَالِمٍ بِذَلِكَ، سَهْوٌ؛ لِأَنَّ الْمُقْتَدِيَ إذَا كَبَّرَ قَبْلَ الْإِمَامِ لَا يُقَالُ فِيهِ جَازَ فِي قِيَاسِ قَوْلِهِمَا لَا قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَإِنَّمَا حُكْمُهُ مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ الْمُحِيطِ، وَكَذَا فِي التَّجْنِيسِ مَسْأَلَةُ مَا إذَا مَدَّ الْإِمَامُ التَّكْبِيرَ وَلَمْ يَضُمَّ إلَيْهِ مَسْأَلَةَ مَا إذَا كَبَّرَ قَبْلَهُ وَذَكَرَ الشَّارِحُ فِي بَابِ الْإِحْرَامِ أَنَّ الشُّرُوعَ فِي الصَّلَاةِ بِالنِّيَّةِ عِنْدَ التَّكْبِيرِ لَا بِالتَّكْبِيرِ (قَوْلُهُ وَالْقِيَامُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] أَيْ مُطِيعِينَ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْقِيَامُ فِي الصَّلَاةِ بِإِجْمَاعِ الْمُفَسِّرِينَ، وَهُوَ فَرْضٌ فِي الصَّلَاةِ لِلْقَادِرِ عَلَيْهِ فِي الْفَرْضِ وَمَا هُوَ مُلْحَقٌ بِهِ، وَاتَّفَقُوا عَلَى رُكْنِيَّتِهِ وَحَدُّ الْقِيَامِ أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ إذَا مَدَّ يَدَيْهِ لَا تَنَالُ رُكْبَتَيْهِ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ، ثُمَّ اعْلَمْ، أَنَّ قَوْلَهُمْ: أَنَّ الْقِيَامَ فَرْضٌ فِي الْفَرْضِ لِلْقَادِرِ عَلَيْهِ، لَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ بَلْ يَخْرُجُ مِنْهُ مَسْأَلَةٌ يَسْتَوِي فِيهَا الْقِيَامُ وَالْقُعُودُ لِلْقَادِرِ عَلَى الْقِيَامِ، وَمَسَائِلُ يَتَعَيَّنُ فِيهَا تَرْكُ الْقِيَامِ، أَمَّا الْأُولَى: فَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي بَابِ صَلَاةِ الْمَرِيضِ أَنَّ الْمَرِيضَ لَوْ قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ دُونَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَإِنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ، وَإِنْ كَانَ الْقُعُودُ أَفْضَلُ فَقَدْ سَقَطَ عَنْهُ الْقِيَامُ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ: فَمِنْهَا مَا فِي الذَّخِيرَةِ وَالْمُحِيطِ فِي رَجُلٍ إنْ صَامَ رَمَضَانَ يُضْعِفْهُ وَيُصَلِّي قَاعِدًا، وَإِنْ أَفْطَرَ يُصَلِّي قَائِمًا فَإِنَّهُ يَصُومُ وَيُصَلِّي قَاعِدًا، وَمِنْهَا مَا فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي شَيْخٌ كَبِيرٌ إذَا قَامَ سَلِسَ بَوْلُهُ أَوْ بِهِ جِرَاحَةٌ تَسِيلُ، وَإِنْ جَلَسَ لَا تَسِيلُ يُصَلِّي جَالِسًا، قَالَ شَارِحُهَا: حَتَّى لَوْ صَلَّى قَائِمًا لَا يَجُوزُ، وَمِنْهَا مَا فِيهَا أَيْضًا: لَوْ كَانَ الشَّيْخُ بِحَالِ لَوْ صَلَّى قَائِمًا ضَعُفَ عَنْ الْقِرَاءَةِ يُصَلِّي قَاعِدًا بِقِرَاءَةٍ، وَمِنْهَا مَا فِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا: لَوْ كَانَ بِحَالِ لَوْ صَلَّى مُنْفَرِدًا يَقْدِرُ عَلَى الْقِيَامِ، وَلَوْ صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ لَا يَقْدِرُ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ إلَى الْجَمَاعَةِ وَيُصَلِّي قَاعِدًا، وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي الْمُجْتَبَى؛ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ الْقِيَامِ حَالَةَ الْأَدَاءِ وَهِيَ الْمُعْتَبَرَةُ وَصَحَّحَ فِي الْخُلَاصَةِ أَنَّهُ يُصَلِّي فِي بَيْتِهِ قَائِمًا. قَالَ وَبِهِ يُفْتَى وَاخْتَارَ فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي الْقَوْلَ الثَّالِثَ، وَهُوَ أَنَّهُ يَشْرَعُ قَائِمًا، ثُمَّ يَقْعُدُ فَإِذَا جَاءَ وَقْتُ الرُّكُوعِ يَقُومُ وَيَرْكَعُ وَالْأَشْبَهُ مَا صَحَّحَهُ فِي الْخُلَاصَةِ؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ فَرْضٌ فَلَا يَجُوزُ تَرْكُهُ لِأَجْلِ الْجَمَاعَةِ الَّتِي هِيَ سُنَّةٌ بَلْ يُعَدُّ هَذَا عُذْرًا فِي تَرْكِهَا وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا ذَكَرْنَا أَنَّ رُكْنِيَّةَ الْقِرَاءَةِ أَقْوَى مِنْ الرُّكْنِيَّةِ لِلْقِيَامِ وَسَيَأْتِي مَا فِيهِ (قَوْلُهُ وَالْقِرَاءَةُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] وَحَكَى الشَّارِحُ الْإِجْمَاعَ عَلَى فَرْضِيَّتِهَا وَهَكَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ حَتَّى ادَّعَى أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الْأَصَمَّ الْقَائِلَ بِالسُّنِّيَّةِ خَرَقَ الْإِجْمَاعَ، وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ قَبْلَهُ، وَاخْتُلِفَ فِي كَوْنِهَا رُكْنًا فَذَهَبَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ صَارَ شَارِعًا فِي صَلَاةِ نَفْسِهِ قَبْلَ شُرُوعِ الْإِمَامِ) مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا مِنْ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي صَلَاةِ نَفْسِهِ عَلَى الصَّحِيحِ قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى غَيْرِ الصَّحِيحِ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ. وَلَكِنْ فِيهِ أَنَّهُ ذُكِرَ عَنْ قَاضِي خَانْ مَا يَقْتَضِي عَدَمَ الْخِلَافِ فِي هَذِهِ بِخِلَافِ الَّتِي قَبْلَهَا فَإِنَّهُ قَالَ وَيُكَبِّرُ الْمُقْتَدِي مَعَ الْإِمَامِ فَإِنْ قَالَ الْمُقْتَدِي اللَّهُ أَكْبَرُ وَقَوْلُهُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَقَعَ قَبْلَ قَوْلِ الْإِمَامِ ذَلِكَ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو حَفْصٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَكُونُ شَارِعًا عِنْدَهُمْ، ثُمَّ قَالَ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمُقْتَدِيَ لَوْ فَرَغَ مِنْ قَوْلِهِ اللَّهُ قَبْلَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنْ ذَلِكَ لَا يَكُونُ شَارِعًا فِي الصَّلَاةِ فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَاتِ اهـ فَلْيُتَأَمَّلْ. [الْقِيَامُ فِي الصَّلَاةِ] (قَوْلُهُ أَمَّا الْأُولَى) أَيْ مَا يَسْتَوِي فِيهَا الْقِيَامُ وَالْقُعُودُ، أَقُولُ: وَلَهَا ثَانِيَةٌ وَهِيَ الصَّلَاةُ فِي السَّفِينَةِ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ فِيهَا أَدَاءُ الْفَرْضِ وَالْوَاجِبِ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ (قَوْلُهُ وَأَمَّا الثَّانِيَةُ) أَيْ مَا يَتَعَيَّنُ فِيهَا تَرْكُ الْقِيَامِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 308 الْغَزْنَوِيُّ صَاحِبُ الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ إلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِرُكْنٍ وَالْجُمْهُورُ إلَى أَنَّهَا رُكْنٌ غَيْرَ أَنَّهُمْ قَسَّمُوا الرُّكْنَ إلَى أَصْلِيٍّ، وَهُوَ مَا لَا يَسْقُطُ إلَّا لِضَرُورَةٍ، وَزَائِدٍ، وَهُوَ مَا يَسْقُطُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ مِنْ غَيْرِ تَحَقُّقِ ضَرُورَةٍ، وَجَعَلُوا الْقِرَاءَةَ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ فَإِنَّهَا تَسْقُطُ عَنْ الْمُقْتَدِي بِالِاقْتِدَاءِ عِنْدَنَا وَعَنْ الْمُدْرِكِ فِي الرُّكُوعِ بِالْإِجْمَاعِ وَقَدْ تَعَقَّبَ كَوْنَ الرُّكْنِ يَكُونُ زَائِدًا فَإِنَّ الرُّكْنَ مَا كَانَ دَاخِلَ الْمَاهِيَّةِ فَكَيْفَ يُوصَفُ بِالزِّيَادَةِ وَأَجَابَ الْأَكْمَلُ فِي شَرْحِ الْبَزْدَوِيِّ بِأَنَّهُمَا بِاعْتِبَارَيْنِ فَتَسْمِيَتُهُ رُكْنًا بِاعْتِبَارِ قِيَامِ ذَلِكَ الشَّيْءِ بِهِ فِي حَالَةٍ بِحَيْثُ يَسْتَلْزِمُ انْتِفَاؤُهُ انْتِفَاءَهُ، وَتَسْمِيَتُهُ زَائِدًا فَلِقِيَامِهِ بِدُونِهِ فِي حَالَةٍ أُخْرَى بِحَيْثُ لَا يَسْتَلْزِمُ انْتِفَاؤُهُ انْتِفَاءَهُ وَالْمُنَافَاةُ بَيْنَهُمَا إنَّمَا هِيَ بِاعْتِبَارٍ وَاحِدٍ وَهَذَا لِأَنَّهَا مَاهِيَّةٌ اعْتِبَارِيَّةٌ فَيَجُوزُ أَنْ يَعْتَبِرَهَا الشَّارِعُ تَارَةً بِأَرْكَانٍ وَأُخْرَى بِأَقَلَّ مِنْهَا، فَإِنْ قِيلَ: فَيَلْزَمُهُمْ عَلَى هَذَا تَسْمِيَةُ غَسْلِ الرِّجْلِ رُكْنًا زَائِدًا فِي الْوُضُوءِ فَالْجَوَابُ: أَنَّ الزَّائِدَ هُوَ مَا إذَا سَقَطَ لَا يَخْلُفُهُ بَدَلٌ وَالْمَسْحُ بَدَلُ الْغُسْلِ فَلَيْسَ بِزَائِدٍ اهـ. وَبِهَذَا خَرَجَ الْجَوَابُ عَنْ بَقِيَّةِ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا تَسْقُطُ مَعَ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِزَوَائِدَ لِوُجُودِ الْخَلَفِ لَهَا، وَذَكَرَ فِي التَّلْوِيحِ أَنَّ مَعْنَى الرُّكْنِ الزَّائِدِ هُوَ الْجُزْءُ الَّذِي إذَا انْتَفَى كَانَ حُكْمُ الْمُرَكَّبِ بَاقِيًا بِحَسَبِ اعْتِبَارِ الشَّرْعِ وَهَذَا قَدْ يَكُونُ بِاعْتِبَارِ الْكَمِيَّةِ كَالْإِقْرَارِ فِي الْإِيمَانِ أَوْ بِاعْتِبَارِ الْكَمْيَّةِ كَالْأَقَلِّ فِي الْمُرَكَّبِ مِنْهُ وَمِنْ الْأَكْثَرِ حَيْثُ يُقَالُ: لِلْأَكْثَرِ حُكْمُ الْكُلِّ اهـ وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ أَنَّ الْقِيَامَ رُكْنٌ أَصْلِيٌّ وَالْقِرَاءَةُ رُكْنٌ زَائِدٍ مَعَ أَنَّ الْقِرَاءَةَ أَقْوَى مِنْهُ بِدَلِيلِ الْفَرْعِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْهُمْ فِي بَحْثِ الْقِيَامِ، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّمَا أَوْجَبُوا عَلَيْهِ الْقُعُودَ مَعَ الْقِرَاءَةِ؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ لَهُ بَدَلٌ، وَهُوَ الْقُعُودُ، وَالْقِرَاءَةُ لَا بَدَلَ لَهَا، وَقَدْ خَالَفَ ابْنُ الْمَلِكِ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ الْجَمَّ الْغَفِيرَ وَجَعَلَ الْقِرَاءَةَ رُكْنًا أَصْلِيًّا، وَحَدُّ الْقِرَاءَةِ تَصْحِيحُ الْحُرُوفِ بِلِسَانِهِ بِحَيْثُ يُسْمِعُ نَفْسَهُ عَلَى الصَّحِيحِ وَسَيَأْتِي بَيَانُ الْخِلَافِ فِيهِ وَقَدْرِ الْفَرْضِ فِي الْفَرْضِ، وَفِي النَّفْلِ فِي فَصْلِ الْقِرَاءَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (قَوْلُهُ وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج: 77] وَلِلْإِجْمَاعِ عَلَى فَرْضِيَّتِهِمَا وَرُكْنِيَّتِهِمَا وَاخْتَلَفُوا فِي حَدِّ الرُّكُوعِ فَفِي الْبَدَائِعِ وَأَكْثَرِ الْكُتُبِ: الْقَدْرُ الْمَفْرُوضُ مِنْ الرُّكُوعِ أَصْلُ الِانْحِنَاءِ وَالْمَيْلِ، وَفِي الْحَاوِي: فَرْضُ الرُّكُوعِ انْحِنَاءُ الظَّهْرِ، وَفِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي: الرُّكُوعُ طَأْطَأَةُ الرَّأْسِ، وَمُقْتَضَى الْأَوَّلِ لَوْ طَأْطَأَ رَأْسَهُ وَلَمْ يَحْنِ ظَهْرَهُ أَصْلًا مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ لَا يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَةِ فَرْضِ الرُّكُوعِ، وَهُوَ حَسَنٌ، كَذَا فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي، وَفِيهَا: الْأَحْدَبُ إذَا بَلَغَتْ حُدُوبَتُهُ إلَى الرُّكُوعِ يَخْفِضُ رَأْسَهُ فِي الرُّكُوعِ فَإِنَّهُ الْقَدْرُ الْمُمْكِنُ فِي حَقِّهِ، وَحَقِيقَةُ السُّجُودِ وَضْعُ بَعْضِ الْوَجْهِ عَلَى الْأَرْضِ مِمَّا لَا سُخْرِيَةَ فِيهِ فَدَخَلَ الْأَنْفُ وَخَرَجَ الْخَدُّ وَالذَّقَنُ وَمَا إذَا رَفَعَ قَدَمَيْهِ فِي السُّجُودِ فَإِنَّ السُّجُودَ مَعَ رَفْعِ   [منحة الخالق] [الْقِرَاءَةُ فِي الصَّلَاةِ] (قَوْلُهُ إلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِرُكْنٍ) عِبَارَةُ ابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ إلَى أَنَّهَا فَرْضٌ وَلَيْسَتْ بِرُكْنٍ (قَوْلُهُ وَهُوَ مَا يَسْقُطُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ مِنْ غَيْرِ تَحَقُّقِ ضَرُورَةٍ) قَالَ فِي النَّهْرِ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ يَسْقُطُ بِلَا ضَرُورَةٍ لِيَلْزَمَ كَوْنُهُ زَائِدًا وَسُقُوطُهُ فِيمَا مَرَّ لِضَرُورَةِ الِاقْتِدَاءِ، وَمِنْ هُنَا ادَّعَى ابْنُ الْمَلَكِ أَنَّهُ أَصْلِيٌّ وَلَوْ سُلِّمَ فَلَا تَلْزَمُ زِيَادَتُهُ، أَلَا تَرَى أَنَّ غَسْلَ الرِّجْلَيْنِ يَسْقُطُ بِالْمَسْحِ بِلَا ضَرُورَةٍ فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: الزَّائِدُ هُوَ السَّاقِطُ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ بِلَا خَلَفٍ بِخِلَافِ الْأَصْلِيِّ. اهـ. وَقَدْ يُقَالُ عَلَيْهِ: إنَّ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ خَلَفٌ عَنْ قِرَاءَةِ الْمُؤْتَمِّ لِمَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِمَا قَالَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْخَلَفِ خَلَفٌ يَأْتِي بِهِ مَنْ فَاتَهُ الْأَصْلُ وَهَهُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ وَيَرُدُّ عَلَى كِلَا التَّعْرِيفَيْنِ الْقُعُودُ الْأَخِيرُ فَإِنَّهُ سَيَأْتِي أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ لَيْسَ بِرُكْنٍ أَصْلِيٍّ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ رُكْنٌ زَائِدٌ مَعَ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَإِذَا سَقَطَ سَقَطَ إلَى خَلَفٍ كَالِاضْطِجَاعِ أَوْ الِاسْتِلْقَاءِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ شَرْطٌ لَا رُكْنٌ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ لِابْنِ مَالِكٍ شُبْهَةً قَوِيَّةً فِي مُخَالَفَتِهِ لِلْجَمِّ الْغَفِيرِ فِي أَنَّ الْقِرَاءَةَ رُكْنٌ أَصْلِيٌّ (قَوْلُهُ وَقَدْرِ الْفَرْضِ فِي الْفَرْضِ) بِجَرِّ قَدْرٍ عَطْفًا عَلَى الْخِلَافِ الْمُضَافِ إلَى بَيَانٍ. [الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ فِي الصَّلَاة] (قَوْلُهُ وَمُقْتَضَى الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَوْ طَأْطَأَ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّ مُقْتَضَى كَلَامِ الْمُنْيَةِ أَنَّهُ لَوْ طَأْطَأَ رَأْسَهُ وَلَمْ يَحْنِ ظَهْرَهُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ يَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ مُرَادَهُ طَأْطَأَةُ الرَّأْسِ مَعَ انْحِنَاءِ الظَّهْرِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ الْآتِي وَإِنْ طَأْطَأَ رَأْسَهُ قَلِيلًا وَلَمْ يَعْتَدِلْ إنْ كَانَ إلَى الرُّكُوعِ أَقْرَبَ جَازَ وَإِنْ كَانَ إلَى الْقِيَامِ أَقْرَبَ لَا يَجُوزُ. اهـ. وَقَالَ الشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ فِي شَرْحِهَا طَأْطَأَةُ الرَّأْسِ أَيْ خَفْضُهُ مَعَ انْحِنَاءِ الظَّهْرِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ وَضْعِ اللُّغَةِ فَيَصْدُقُ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {ارْكَعُوا} [الحج: 77] ، وَأَمَّا كَمَا لَهُ فَبِانْحِنَاءِ الصُّلْبِ حَتَّى يَسْتَوِيَ الرَّأْسُ بِالْعَجُزِ مُحَاذَاةً، وَهُوَ حَدُّ الِاعْتِدَالِ فِيهِ اهـ. كَذَا فِي حَوَاشِي نُوحْ أَفَنْدِي (قَوْلُهُ وَخَرَجَ الْخَدُّ وَالذَّقَنُ) تَعَقَّبَهُ الْعَلَّامَةُ الْغُنَيْمِيُّ بِأَنَّ قَضِيَّتَهُ أَنَّ الْخَدَّ لَيْسَ مِنْ جُمْلَةِ الْوَجْهِ، وَقَدْ قَالُوا مِنْ فُرُوضِ الْوُضُوءِ غَسْلُ الْوَجْهِ: وَأَقُولُ: الْإِخْرَاجُ لَيْسَ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ لَيْسَ وَجْهًا بَلْ الظَّاهِرُ مِنْ الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ أَنَّهُ بِالْخَدِّ وَالذَّقَنِ وَالصُّدْغِ سُخْرِيَةً لَكِنْ فِيهِ نَظَرٌ بَلْ الصَّوَابُ زِيَادَةُ قَيْدِ مَعَ الِاسْتِقْبَالِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْفَتْحِ لِقَوْلِ السِّرَاجِ وَإِنْ سَجَدَ عَلَى خَدِّهِ أَوْ ذَقَنِهِ لَا يَجُوزُ لَا فِي حَالَةِ الْعُذْرِ وَلَا فِي غَيْرِهِ لَا أَنَّهُ فِي حَالَةِ الْعُذْرِ يُومِئُ إيمَاءً وَلَا يَسْجُدُ عَلَى الْخَدِّ لِأَنَّ الشَّرْعَ عَيَّنَ الْأَنْفَ وَالْجَبْهَةَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 309 الْقَدَمَيْنِ بِالتَّلَاعُبِ أَشْبَهُ مِنْهُ بِالتَّعْظِيمِ وَالْإِجْلَالِ وَسَيَأْتِي أَنَّهُ يَكْفِيه وَضْعُ أُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ، وَأَنَّهُ يَصِحُّ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْجَبْهَةِ وَعَلَى الْأَنْفِ وَحْدَهُ وَبَيَانُ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ، وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ عُلِمَ أَنَّ تَعْرِيفَ بَعْضِهِمْ السُّجُودَ بِوَضْعِ الْجَبْهَةِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ وَضْعَهَا لَيْسَ بِرُكْنٍ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْأَنْفِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَإِنْ كَانَ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا، وَالْمُرَادُ مِنْ السُّجُودِ: السَّجْدَتَانِ فَأَصْلُهُ ثَابِتٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَكَوْنُهُ مَثْنًى فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ، وَهُوَ أَمْرٌ تَعَبُّدِيٌّ لَمْ يُعْقَلْ لَهُ مَعْنًى عَلَى قَوْلِ أَكْثَرِ مَشَايِخِنَا تَحْقِيقًا لِلِابْتِدَاءِ: وَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ يَذْكُرُ لَهُ حِكْمَةً: فَقِيلَ: إنَّمَا كَانَ مَثْنًى تَرْغِيمًا لِلشَّيْطَانِ حَيْثُ لَمْ يَسْجُدْ فَإِنَّهُ أُمِرَ بِسَجْدَةٍ فَلَمْ يَفْعَلْ فَنَحْنُ نَسْجُدُ مَرَّتَيْنِ تَرْغِيمًا لَهُ، وَقِيلَ الْأُولَى لِامْتِثَالِ الْأَمْرِ وَالثَّانِيَةُ تَرْغِيمًا لَهُ حَيْثُ لَمْ يَسْجُدْ اسْتِكْبَارًا، وَقِيلَ: الْأُولَى لِشُكْرِ الْإِيمَانِ وَالثَّانِيَةُ لِبَقَائِهِ، وَقِيلَ: فِي الْأُولَى إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ خُلِقَ مِنْ الْأَرْضِ، وَفِي الثَّانِيَةِ إلَى أَنَّهُ يُعَادُ إلَيْهَا، وَقِيلَ: لَمَّا أُخِذَ الْمِيثَاقُ عَلَى ذُرِّيَّةِ آدَمَ أَمَرَهُمْ بِالسُّجُودِ تَصْدِيقًا لِمَا قَالُوا فَسَجَدَ الْمُسْلِمُونَ كُلُّهُمْ وَبَقِيَ الْكُفَّارُ فَلَمَّا رَفَعَ الْمُسْلِمُونَ رُءُوسَهُمْ رَأَوْا الْكُفَّارَ لَمْ يَسْجُدُوا فَسَجَدُوا ثَانِيًا شُكْرًا لِلتَّوْفِيقِ كَمَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ. (قَوْلُهُ وَالْقُعُودُ الْأَخِيرُ قَدْرَ التَّشَهُّدِ) وَهِيَ فَرْضٌ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ، وَقَدْ رَوَى الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا مِنْ طُرُقٍ عَدِيدَةٍ عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِين عَلَّمَ الْأَعْرَابِيَّ الْمُسِيءَ صَلَاتَهُ أَرْكَانَ الصَّلَاةِ إلَى أَنْ قَالَ فَإِذَا رَفَعْتَ رَأْسَك مِنْ آخِرِ سَجْدَةٍ وَقَعَدْتَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُك» قَالَ الشَّيْخُ قَاسِمٌ فِي شَرْحِ الدُّرَرِ قَدْ وَرَدَتْ أَدِلَّةٌ كَثِيرَةٌ بَلَغَتْ مَبْلَغَ التَّوَاتُرِ عَلَى أَنَّ الْقَعْدَةَ الْأَخِيرَةَ فَرْضٌ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} [المدثر: 3] وَكَذَا {وَقُومُوا لِلَّهِ} [البقرة: 238] {فَاقْرَءُوا} [المزمل: 20] {وَارْكَعُوا - وَاسْجُدُوا} [الحج: 43 - 77] أَوَامِرُ وَالْمُسْتَفَادُ مِنْهَا وُجُوبُ الْمَذْكُورَاتِ فِي الصَّلَاةِ وَهِيَ لَا تَنْفِي إجْمَالَ الصَّلَاةِ إذْ الْحَاصِلُ حِينَئِذٍ أَنَّ الصَّلَاةَ فِعْلٌ يَشْتَمِلُ عَلَى هَذِهِ. بَقِيَ كَيْفِيَّةُ تَرْتِيبِهَا فِي الْأَدَاءِ وَهَلْ الصَّلَاةُ هَذِهِ فَقَطْ أَوْ مَعَ أُمُورٍ أُخَرْ؟ وَقَعَ الْبَيَانُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ بِفِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَوْلِهِ، وَهُوَ لَمْ يَفْعَلْهَا قَطُّ بِدُونِ الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ وَالْمُوَاظَبَةُ مِنْ غَيْرِ تَرْكِ مَرَّةٍ دَلِيلُ الْوُجُوبِ فَإِذَا وَقَعَتْ بَيَانًا لِلْفَرْضِ أَعْنِي الصَّلَاةَ الْمُجْمَلَ كَانَ مُتَعَلِّقُهَا فَرْضًا بِالضَّرُورَةِ، وَلَوْ لَمْ يَقُمْ الدَّلِيلُ فِي غَيْرِهَا مِنْ الْأَفْعَالِ عَلَى سُنِّيَّتِهِ لَكَانَ فَرْضًا، وَلَوْ لَمْ يَلْزَمْ تَقْيِيدُ مُطْلَقِ الْكِتَابِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فِي الْفَاتِحَةِ وَالطُّمَأْنِينَةِ، وَهُوَ نَسْخٌ لِلْقَاطِعِ بِالظَّنِّيِّ لَكَانَا فَرْضَيْنِ، وَلَوْلَا أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَعُدْ إلَى الْقَعْدَة الْأُولَى لَمَّا تَرَكَهَا سَاهِيًا ثُمَّ عَلِمَ لَكَانَتْ فَرْضًا فَقَدْ عَرَفْت أَنَّ بَعْضَ الصَّلَاةِ عُرِفَ بِتِلْكَ النُّصُوصِ وَلَا إجْمَالَ فِيهَا وَأَنَّهُ لَا يَنْفِي الْإِجْمَالَ فِي الصَّلَاةِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فَمَا تَعَلَّقَ بِالْأَفْعَالِ نَفْسِهَا لَا يَكُونُ بَيَانًا، فَإِنْ كَانَ نَاسِخًا لِلْإِطْلَاقِ وَهُوَ قَطْعِيٌّ نَسَخَ لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَهُ، وَهُوَ أَدْرَى بِالْمُرَادِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَطْعِيًّا لَمْ يَصْلُحْ لِذَلِكَ وَإِلَّا لَزِمَ تَقْدِيمُ الظَّنِّيِّ عِنْدَ مُعَارَضَةِ الْقَطْعِيِّ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ فِي قَضِيَّةِ الْعَقْلِ وَعَمَّا ذَكَرْنَا كَانَ تَقْدِيمُ الْقِيَامِ عَلَى الرُّكُوعِ، وَالرُّكُوعِ عَلَى السُّجُودِ فَرْضًا؛ لِأَنَّهُ بَيَّنَهَا كَذَلِكَ اهـ. وَقَوْلُهُ (قَدْرَ التَّشَهُّدِ) بَيَانٌ لِقَدْرِ الْفَرْضِ مِنْهَا، وَهُوَ الْأَصَحُّ لِلْعِلْمِ بِأَنَّ شَرْعِيَّتَهَا لِقِرَاءَتِهِ، وَأَقَلُّ مَا يَنْصَرِفُ إلَيْهِ اسْمُ التَّشَهُّدِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ ذَلِكَ وَعَلَى هَذَا يَنْشَأُ إشْكَالٌ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَا شُرِعَ لِغَيْرِهِ بِمَعْنَى أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ شَرْعِيَّتِهِ غَيْرُهُ يَكُونُ آكَدَ مِنْ ذَلِكَ الْغَيْر مِمَّا لَمْ يُعْهَدْ بَلْ وَخِلَافُ الْمَعْقُولِ، فَإِذَا كَانَ شَرْعِيَّةُ الْقَعْدَةِ لِلذِّكْرِ أَوْ السَّلَامِ كَانَتْ دُونَهُمَا فَالْأَوْلَى أَنْ يُعَيَّنَ سَبَبَ شَرْعِيَّتِهَا الْخُرُوجُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي آخِرِ فَتَاوَاهُ مِنْ مَسَائِلَ مُتَفَرِّقَةٍ رَجُلٌ صَلَّى   [منحة الخالق] لِلْوَضْعِ لِأَنَّهُمَا مِمَّا يَتَأَتَّى مَعَ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَوَضْعُ الْخَدِّ لَا يَتَأَتَّى إلَّا بِالِانْحِرَافِ عَنْ الْقِبْلَةِ فَتَعَيَّنَتْ الْجَبْهَةُ وَالْأَنْفُ لِلسُّجُودِ شَرْعًا وَلِأَنَّ السُّجُودَ عَلَى الذَّقَنِ لَمْ يُعْهَدْ تَعْظِيمًا، وَالصَّلَاةُ إنَّمَا شُرِعَتْ بِأَفْعَالٍ تُعْرَفُ تَعْظِيمًا، وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا} [الإسراء: 107] فَمَعْنَاهُ: يَقَعُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ سُجَّدًا أَوْ الْمُرَادُ بِالْأَذْقَانِ: الْوُجُوهُ، كَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - كَذَا فِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ، وَفِي لُزُومِ زِيَادَةِ قَيْدِ الِاسْتِقْبَالِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ شَرْطٌ خَارِجٌ عَنْ حَقِيقَةِ السُّجُودِ الْمُعَرَّفِ. (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا) قَالَ فِي النَّهْرِ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ التَّعْرِيفَ حَيْثُ جَاءَ عَلَى الرَّاجِحِ فَلَا وَجْهَ لِدَعْوَى عَدَمِ صِحَّتِهِ قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ وَأَجَابَ عَنْهُ تِلْمِيذُهُ شَيْخُنَا أَمْتَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِحَيَاتِهِ: بِأَنَّ التَّعْرِيفَ الْمُطَابِقَ لِقَوْلِ الْكَنْزِ الَّذِي هُوَ بِصَدَدِ شَرْحِهِ إنَّمَا هُوَ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ قَوْلِهِمَا هُوَ الْمُفْتَى بِهِ أَنْ يَكُونَ مُطَابِقًا لِلْكَنْزِ وَأَقُولُ: إنْ أَرَادَ صَاحِبُ الْبَحْرِ بِالْبَعْضِ الْمُعَرَّفِ بِذَلِكَ أَحَدَ شُرَّاحِ الْكَنْزِ فَهَذَا الْجَوَابُ وَاضِحٌ لِعَدَمِ مُطَابَقَتِهِ حِينَئِذٍ الْمَشْرُوحَ، وَإِنْ أَرَادَ صَاحِبَ الْمُغْرِبِ حَيْثُ عَرَّفَ بِذَلِكَ وَغَيْرَهُ مِنْ شُرَّاحِ كَلَامِ مَنْ مَشَى عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ فَلَيْسَ بِكَافٍ فِي الْجَوَابِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (قَوْلُهُ فِي شَرْحِ الدُّرَرِ) يَعْنِي دُرَرَ الْبِحَارِ لِلْقُونَوِيِّ (قَوْلُهُ فَالَأَوْلَى أَنْ يُعَيَّنَ سَبَبَ شَرْعِيَّتِهَا الْخُرُوجُ) أَيْ لِيَنْدَفِعَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 310 أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَجَلَسَ جِلْسَةً خَفِيفَةً فَظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ ثَالِثَةً فَقَامَ، ثُمَّ تَذَكَّرَ فَجَلَسَ وَقَرَأَ بَعْضَ التَّشَهُّدِ وَتَكَلَّمَ إنْ كَانَ كِلَا الْجِلْسَتَيْنِ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ جَازَتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ فَسَدَتْ اهـ. وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ الْقُعُودَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْمُوَالَاةُ وَعَدَمُ الْفَاصِلِ، ثُمَّ بَعْدَ الِاتِّفَاقِ عَلَى فَرْضِيَّتِهَا اخْتَلَفُوا فِي رُكْنِيَّتِهَا، فَقَالَ: بَعْضُهُمْ هِيَ رُكْنٌ مِنْ الْأَرْكَانِ الْأَصْلِيَّةِ، قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَإِلَيْهِ مَالَ عِصَامُ بْنُ يُوسُفَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِرُكْنٍ أَصْلِيٍّ لِعَدَمِ تَوَقُّفِ الْمَاهِيَّةِ عَلَيْهَا شَرْعًا؛ لِأَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي يَحْنَثُ بِالرَّفْعِ مِنْ السُّجُودِ دُونَ تَوَقُّفٍ عَلَى الْقَعْدَةِ فَعُلِمَ أَنَّهَا شُرِعَتْ لِلْخُرُوجِ وَهَذَا لِأَنَّ الصَّلَاةَ أَفْعَالٌ وُضِعَتْ لِلتَّعْظِيمِ وَهِيَ بِنَفْسِهَا غَيْرُ صَالِحَةٍ لِلْخِدْمَةِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ بَابِ الِاسْتِرَاحَةِ فَتَمَكَّنَ الْخَلَلُ فِي كَوْنِهَا رُكْنًا أَصْلِيًّا وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِثَمَرَةِ هَذَا الِاخْتِلَافِ اهـ. (قَوْلُهُ وَالْخُرُوجُ بِصُنْعِهِ) أَيْ الْخُرُوجُ مِنْ الصَّلَاةِ قَصْدًا مِنْ الْمُصَلِّي بِقَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ يُنَافِي الصَّلَاةَ بَعْدَ تَمَامِهَا فَرْضٌ، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ قَوْلُهُ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ كَمَا تُعَيِّنُهُ لِذَلِكَ هُوَ الْوَاجِبُ، أَوْ كَانَ فِعْلًا مَكْرُوهًا كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ كَكَلَامِ النَّاسِ أَوْ أَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ أَوْ مَشْيٍ، وَإِنَّمَا كَانَ مَكْرُوهًا كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ لِكَوْنِهِ مُفَوِّتًا لِلْوَاجِبِ، وَهُوَ السَّلَامُ، وَهَذَا الْفَرْضُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ إنَّمَا هُوَ عَلَى تَخْرِيجِ أَبِي سَعِيدٍ الْبَرْدَعِيِّ فَإِنَّهُ فَهِمَ مِنْ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ بِالْفَسَادِ فِي الْمَسَائِلِ الاثنى عَشْرِيَّةِ أَنَّ الْخُرُوجَ مِنْهَا بِفِعْلِهِ فَرْضٌ وَعَلَّلَ لَهُ بِأَنَّ إتْمَامَهَا فَرْضٌ بِالْإِجْمَاعِ وَإِتْمَامُهَا بِإِنْهَائِهَا، وَإِنْهَاؤُهَا لَا يَكُونُ إلَّا بِمُنَافِيهَا؛ لِأَنَّ مَا كَانَ مِنْهَا لَا يُنْهِيهَا وَتَحْصِيلُ الْمُنَافِي صُنْعُ الْمُصَلِّي فَيَكُونُ فَرْضًا وَفَهِمَ مِنْ قَوْلِهِمَا بِعَدَمِ الْفَسَادِ فِيهَا بِأَنَّهُ لَيْسَ بِفَرْضٍ وَعَلَّلَ لَهُ بِأَنَّ الْخُرُوجَ بِصُنْعِهِ لَوْ كَانَ فَرْضًا لَتَعَيَّنَ بِمَا هُوَ قُرْبَةٌ كَسَائِرِ فَرَائِضِ الصَّلَاةِ وَذَلِكَ مُنْتَفٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ بِمَا هُوَ مَعْصِيَةٌ كَالْقَهْقَهَةِ وَالْحَدَثِ وَالْكَلَامِ الْعَمْدِ فَلَا يَجُوزُ وَصْفُهُ بِالْفَرْضِ، وَذَهَبَ الْكَرْخِيُّ إلَى أَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي أَنَّ الْخُرُوجَ بِفِعْلِ الْمُصَلِّي لَيْسَ بِفَرْضٍ وَلَمْ يُرْوَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ بَلْ هُوَ حَمْلٌ مِنْ أَبِي سَعِيدٍ كَمَا ذَكَرْنَاهُ، وَهُوَ غَلَطٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فَرْضًا لَاخْتَصَّ بِمَا هُوَ قُرْبَةٌ وَسَيَأْتِي وَجْهُ الْفَسَادِ عِنْدَهُ فِي الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ فِي مَحَلِّهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَصَحَّحَ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ قَوْلَ الْكَرْخِيِّ، وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ عَلَى رَأْيِ الْبَرْدَعِيِّ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا سَبَقَهُ الْحَدَثُ بَعْدَمَا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ فِي الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ فَإِنَّ صَلَاتَهُ تَامَّةٌ فَرْضًا عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَمْ تَتِمَّ صَلَاتُهُ فَرْضًا فَيَتَوَضَّأُ وَيَخْرُجُ مِنْهَا بِفِعْلٍ مُنَافٍ لَهَا فَلَوْ لَمْ يَتَوَضَّأْ وَلَمْ يَأْتِ بِالسَّلَامِ حَتَّى أَتَى بِمُنَافٍ فَسَدَتْ عِنْدَهُ لَا عِنْدَهُمَا وَاتَّفَقُوا عَلَى الْوُضُوءِ وَالسَّلَامِ كَذَا فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَشَرْحِهَا، وَفِيهِ نَظَرٌ سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْفَرَائِضَ الْمَذْكُورَةَ إذَا أَتَى بِهَا نَائِمًا فَإِنَّهَا لَا تُحْتَسَبُ بَلْ يُعِيدُهَا كَمَا إذْ قَرَأَ نَائِمًا أَوْ رَكَعَ نَائِمًا وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ يَكْثُرُ وُقُوعُهَا لَا سِيَّمَا فِي التَّرَاوِيح كَذَا فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ قِرَاءَةَ النَّائِمِ فِي صَلَاتِهِ هَلْ يُعْتَدُّ بِهَا؟ فَقِيلَ نَعَمْ وَاخْتَارَهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ النَّائِمَ كَالْمُسْتَيْقِظِ فِي الصَّلَاةِ تَعْظِيمًا لِأَمْرِ الْمُصَلِّي وَاخْتَارَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَغَيْرُهُمَا أَنَّهَا لَا تَجُوزُ وَنَصَّ فِي الْمُحِيطِ وَالْمُبْتَغَى عَلَى أَنَّهُ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ الِاخْتِيَارَ شَرْطٌ لِأَدَاءِ الْعِبَادَةِ وَلَمْ يُوجَدْ حَالَةَ النَّوْمِ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْأَوْجَهُ اخْتِيَارُ الْفَقِيهِ وَالِاخْتِيَارُ الْمَشْرُوطُ قَدْ وُجِدَ فِي ابْتِدَاءِ الصَّلَاةِ، وَهُوَ كَافٍ أَلَا يُرَى أَنَّهُ لَوْ رَكَعَ وَسَجَدَ ذَاهِلًا عَنْ فِعْلِهِ كُلَّ الذُّهُولِ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ اهـ وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ رَكَعَ وَسَجَدَ حَالَةَ النَّوْمِ يُجْزِئُهُ.   [منحة الخالق] الْإِشْكَالُ الْمَذْكُورُ وَلَكِنَّهُ لَا يَنْدَفِعُ عَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ الْآتِي (قَوْلُهُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِرُكْنٍ أَصْلِيٍّ) هَذَا يَقْتَضِي أَنَّهَا رُكْنٌ زَائِدٌ كَمَا فِي النَّهْرِ وَلَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مُرَادَهُ نَفْيُ الرُّكْنِيَّةِ أَصْلًا بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ لِأَنَّ عَدَمَ تَوَقُّفِ الْمَاهِيَّةِ عَلَيْهِ شَرْعًا لَا يَقْتَضِي كَوْنَهَا رُكْنًا زَائِدًا لِأَنَّ الرُّكْنَ الزَّائِدَ قَدْ تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْمَاهِيَّةُ كَالْقِرَاءَةِ وَمَنْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي فَصَلَّى رَكْعَةً بِلَا قِرَاءَةٍ لَا يَحْنَثُ فَكَيْفَ يُسْتَدَلُّ عَلَى أَنَّ الْقَعْدَةَ رُكْنٌ زَائِدٌ بِذَلِكَ فَتَعَيَّنَ أَنَّ مُرَادَهُ تَصْحِيحُ أَنَّهَا شَرْطٌ، وَلِذَا قَالَ فِي النَّهْرِ: الظَّاهِرُ شَرْطِيَّتُهُ لِقَوْلِهِمْ لَوْ كَانَ رُكْنًا لَتَوَقَّفَتْ الْمَاهِيَّةُ عَلَيْهِ لَكِنَّهَا لَا تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ فَإِنَّ مَنْ حَلَفَ إلَخْ (وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِثَمَرَةِ هَذَا الْخِلَافِ) بَيَّنَ الثَّمَرَةَ الشَّيْخُ حَسَنٌ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي إمْدَادِ الْفَتَّاحِ وَهِيَ الِاعْتِدَادُ بِهَا إذَا نَامَ فِيهَا كُلِّهَا وَعَدَمُهُ، فَعَلَى الْقَوْلِ بِرُكْنِيَّتِهَا لَا يُعْتَدُّ بِهَا وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِرُكْنٍ يُعْتَدُّ بِهَا كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا يَأْتِي عَنْ التَّحْقِيقِ لِلشَّيْخِ عَبْدِ الْعَزِيزِ. (قَوْلُهُ وَفِيهِ نَظَرٌ سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى) هُوَ قَوْلُهُ وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ لَا يَكَادُ يَصِحُّ لِأَنَّهُ إذَا أَتَى بِمُنَافٍ بَعْدَ سَبْقِ الْحَدَثِ فَقَدْ خَرَجَ مِنْهَا بِصُنْعِهِ وَلِهَذَا قَالَ الشَّارِحُ الزَّيْلَعِيُّ، وَكَذَا إنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ بَعْدَ التَّشَهُّدِ، ثُمَّ أَحْدَثَ مُتَعَمِّدًا قَبْلَ أَنْ يَتَوَضَّأَ تَمَّتْ صَلَاتُهُ وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا وَإِنَّمَا ثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا خَرَجَ مِنْهَا لَا بِصُنْعِهِ كَالْمَسَائِلِ الِاثْنَى عَشْرِيَّةِ اهـ. (قَوْلُهُ وَالِاخْتِيَارُ الْمَشْرُوطُ قَدْ وُجِدَ إلَخْ) قَالَ الْحَلَبِيُّ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَالْجَوَابُ أَنَّا نَمْنَعُ كَوْنَ الِاخْتِيَارِ فِي الِابْتِدَاءِ كَافِيًا وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الذَّاهِلَ غَيْرُ مُخْتَارٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 311 وَقَدْ نَصُّوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ. قَالَ فِي الْمُبْتَغَى رَكَعَ وَهُوَ نَائِمٌ لَا يَجُوزُ إجْمَاعًا اهـ. وَفَرْقُهُمْ بَيْنَ الْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ بِأَنَّ كُلًّا مِنْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ رُكْنٌ أَصْلِيٌّ بِخِلَافِ الْقِرَاءَةِ لَا يُجْدِي نَفْعًا وَعُرِفَ مِنْ هَذَا أَيْضًا جَوَازُ الْقِيَامِ حَالَةَ النَّوْمِ أَيْضًا، وَإِنْ نَصَّ بَعْضُهُمْ عَلَى عَدَمِ جَوَازِهِ، وَأَمَّا الْقَعْدَةُ الْأَخِيرَةُ نَائِمًا فَفِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي إذَا نَامَ فِي الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ كُلِّهَا فَلَمَّا انْتَبَهَ عَلَيْهِ أَنْ يَقْعُدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ، وَإِنْ لَمْ يَقْعُدْ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ، وَيُخَالِفُهُ مَا فِي جَامِعِ الْفَتَاوَى أَنَّهُ لَوْ قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ نَائِمًا يُعْتَدُّ بِهَا، وَعَلَّلَ لَهُ فِي التَّحْقِيقِ لِلشَّيْخِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبُخَارِيِّ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِرُكْنٍ وَمَبْنَاهَا عَلَى الِاسْتِرَاحَةِ فَيُلَائِمُهَا النَّوْمُ فَيَجُوزُ أَنْ تُحْتَسَبَ مِنْ الْفَرْضِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَفْعَالِ فَإِنَّ مَبْنَاهَا عَلَى الْمَشَقَّةِ فَلَا تَتَأَدَّى فِي حَالَةِ النَّوْمِ، وَيَتَرَجَّحُ أَيْضًا بِمَا رَجَّحَهُ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فِيمَا لَوْ قَرَأَ نَائِمًا فِي قَوْلِهِمْ لَوْ رَكَعَ نَائِمًا إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَوْ رَكَعَ فَنَامَ فِي رُكُوعِهِ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ، وَهُوَ كَذَلِكَ بَلْ فِي الْمُبْتَغَى جَازَ إجْمَاعًا، وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ نَامَ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ لَا يُعِيدُ شَيْئًا؛ لِأَنَّ الرَّفْعَ وَالْوَضْعَ حَصَلَ بِالِاخْتِيَارِ، ثُمَّ اعْلَمْ، أَنَّهُ يَتَفَرَّغُ عَلَى اشْتِرَاطِ الِاخْتِيَارِ فِي أَدَاءِ هَذِهِ الْأَفْعَالِ الْمَفْرُوضَةِ أَنَّ النَّائِمَ فِي الصَّلَاةِ لَوْ أَتَى بِرَكْعَةٍ تَامَّةٍ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ زَادَ رَكْعَةً لَا يُعْتَدُّ بِهَا وَالْمَسْأَلَةُ فِي الْمُحِيطِ أَيْضًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ وَوَاجِبُهَا قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ) وَقَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ إنَّهَا فَرْضٌ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] وَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا قُمْت إلَى الصَّلَاةِ فَأَسْبِغْ الْوُضُوءَ، ثُمَّ اسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ» فَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ مُطْلَقًا وَوَافَقَ نَصَّ الْكِتَابِ الْقَطْعِيِّ نَصُّ السُّنَّةِ فَلَا يَجُوزُ تَقْيِيدُ نَصِّ الْكِتَابِ الْقَطْعِيِّ بِمَا رَوَاهُ مِنْ السُّنَّةِ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ كَوْنِهِ ظَنِّيَّ الثُّبُوتِ وَالدَّلَالَةِ أَوْ ظَنِّيَّ الثُّبُوتِ فَقَطْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ النَّفْيَ مُتَسَلِّطٌ عَلَى الصِّحَّةِ؛ لِأَنَّ تَقْيِيدَ إطْلَاقِ نَصِّ الْكِتَابِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ نَسْخٌ لَهُ وَخَبَرُ الْوَاحِدِ لَا يَصْلُحُ نَاسِخًا لِلْقَطْعِيِّ بَلْ يُوجِبُ الْعَمَلَ بِهِ، وَأَيْضًا ثَبَتَ عَنْهُ الْمُوَاظَبَةُ عَلَى قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فِيهَا، وَلَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى تَعْيِينِهَا لِلْفَرْضِيَّةِ، وَالْمُوَاظَبَةُ وَحْدَهَا كَذَلِكَ مِنْ غَيْرِ تَرْكٍ ظَاهِرًا تُفِيدُ الْوُجُوبَ فَلَا تَفْسُدُ الصَّلَاةُ بِتَرْكِهَا عَامِدًا أَوْ سَاهِيًا بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ جَبْرًا لِلنُّقْصَانِ الْحَاصِلِ بِتَرْكِهَا سَهْوًا، وَالْإِعَادَةُ فِي الْعَمْدِ وَالسَّهْوِ إذَا لَمْ يَسْجُدْ لِتَكُونَ مُؤَدَّاةً عَلَى وَجْهٍ لَا نَقْصَ فِيهِ فَإِذَا لَمْ يُعِدْهَا كَانَتْ مُؤَدَّاةً أَدَاءً مَكْرُوهًا كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ، وَهَذَا هُوَ الْحُكْمُ فِي كُلِّ وَاجِبٍ تَرَكَهُ عَامِدًا أَوْ سَاهِيًا، وَبِهَذَا ظَهَرَ ضَعْفُ مَا فِي الْمُجْتَبَى مِنْ قَوْلِهِ: قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا تَرَكَ الْفَاتِحَةَ فِي الصَّلَاةِ يُؤْمَرُ بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ، وَلَوْ تَرَكَ قِرَاءَةَ السُّورَةِ لَا يُؤْمَرُ بِالْإِعَادَةِ اهـ. إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ وَاجِبٍ وَوَاجِبٍ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ تَرَكَ السُّورَةَ وَقَرَأَ ثَلَاثَ آيَاتٍ، وَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا، ثُمَّ اعْلَمْ، أَنَّهُمْ قَالُوا فِي بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ إنَّهُ لَوْ تَرَكَ أَكْثَرَ الْفَاتِحَةِ يَجِبُ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ، وَلَوْ تَرَكَ أَقَلَّهَا لَا يَجِبُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْفَاتِحَةَ بِتَمَامِهَا لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ، وَإِنَّمَا الْوَاجِبُ أَكْثَرُهَا وَلَا يَعْرَى عَنْ تَأَمُّلْ، وَفِي الْقُنْيَةِ يَخَافُ الْمُصَلِّي فَوْتَ الْوَقْتِ إنْ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ وَالسُّورَةَ يَجُوزُ أَنْ يَقْرَأَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِآيَةٍ فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ إنْ خَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ بِالزِّيَادَةِ اهـ. ثُمَّ الْفَاتِحَةُ وَاجِبَةٌ فِي الْأُولَيَيْنِ مِنْ الْفَرْضِ، وَفِي جَمِيعِ رَكَعَاتِ النَّفْلِ، وَفِي الْوِتْرِ وَالْعِيدَيْنِ، وَأَمَّا فِي الْأُخْرَيَيْنِ مِنْ الْفَرْضِ فَسُنَّةٌ كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ وَضَمُّ سُورَةٍ) وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ سُنَّةٌ، وَلَنَا رِوَايَةُ التِّرْمِذِيِّ مَرْفُوعًا «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِالْحَمْدِ وَسُورَةٍ فِي فَرِيضَةٍ أَوْ غَيْرِهَا» أَطْلَقَ السُّورَةَ وَأَرَادَ بِهَا ثَلَاثَ آيَاتٍ؛ لِأَنَّ أَقَلَّ سُورَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى ثَلَاثُ آيَاتٍ قِصَارٍ كَسُورَةِ {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} [الكوثر: 1] وَلَمْ يُرِدْ السُّورَةَ بِتَمَامِهَا بِدَلِيلِ مَا سَيَأْتِي صَرِيحًا فِي   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَعُرِفَ مِنْ هَذَا) الظَّاهِرُ أَنَّ الْإِشَارَةَ إلَى الِاقْتِصَارِ الْمَفْهُومِ مِمَّا سَبَقَ أَيْ عُرِفَ مِنْ اقْتِصَارِهِمْ عَلَى الْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ جَوَازُ الْقِيَامِ حَالَةَ النَّوْمِ، وَفِيهِ خَفَاءٌ بَلْ مُقْتَضَى مَا يَأْتِي مِنْ الْفَرْعِ عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَكَأَنَّهُ لِهَذَا لَمْ يُفَرِّقْ الشُّرُنْبُلَالِيُّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ، وَكَذَا الشَّيْخُ عَلَاءُ الدِّينِ تَبَعًا لِإِطْلَاقِ عِبَارَةِ مَتْنِ التَّنْوِيرِ، وَكَذَا الْحَلَبِيُّ فِي شَرْحِهِ الْكَبِيرِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ زَادَ رَكْعَةً لَا يُعْتَدُّ بِهَا) قَالَ فِي النَّهْرِ مَبْنِيٌّ عَلَى اخْتِيَارِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ فِي الْقِرَاءَةِ وَأَنَّ الْقِيَامَ مِنْهُ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ اهـ. أَيْ وَعَلَى أَنَّ الْقِيَامَ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُمْ قَالُوا إلَخْ) قَالَ الشَّيْخُ عَلَاءُ الدِّينِ فِي شَرْحِ التَّنْوِيرِ لَكِنْ فِي الْمُجْتَبَى يَسْجُدُ بِتَرْكِ آيَةٍ مِنْهَا هُوَ أَوْلَى، قُلْت: وَعَلَيْهِ فَكُلُّ آيَةٍ وَاجِبٌ. اهـ. (قَوْلُهُ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْفَاتِحَةَ بِتَمَامِهَا إلَخْ) قَالَ فِي الْمِنَحِ أَقُولُ: لَا يَدُلُّ ظَاهِرُهُ عَلَى مَا ذُكِرَ لِأَنَّ إيجَابَ السُّجُودِ إنَّمَا هُوَ بِتَرْكِهَا، وَهُوَ إذَا تَرَكَ أَكْثَرَهَا فَقَدْ تَرَكَهَا حُكْمًا لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمُ الْكُلِّ فَيَجِبُ عَلَيْهِ السُّجُودُ، وَأَمَّا إذَا تَرَكَ أَقَلَّهَا فَلَا يَكُونُ تَارِكًا لَهَا حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا اهـ. وَلَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّ مَا ذَكَرَهُ إنَّمَا هُوَ وَجْهٌ لِلْفَرْقِ بَيْنَ تَرْكِ الْأَكْثَرِ وَالْأَقَلِّ وَلَا نِزَاعَ فِيهِ إذْ فِيهِ تَسْلِيمٌ أَنَّ تَرْكَ الْأَقَلِّ لَا يُوجِبُ سُجُودَ السَّهْوِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِيمَا قَالَهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 312 كَلَامِهِ وَهَذَا الضَّمُّ وَاجِبٌ فِي الْأُولَيَيْنِ مِنْ الْفَرْضِ، وَفِي جَمِيعِ رَكَعَاتِ النَّفْلِ وَالْوِتْرِ كَالْفَاتِحَةِ، وَأَمَّا فِي الْأُخْرَيَيْنِ مِنْ الْفَرْضِ فَلَيْسَ بِوَاجِبٍ وَلَا سُنَّةٍ بَلْ هُوَ مَشْرُوعٌ فَلَوْ ضَمَّ السُّورَةَ إلَى الْفَاتِحَةِ فِي الْأُخْرَيَيْنِ لَا يَكُونُ مَكْرُوهًا كَمَا نَقَلَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ عَنْ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَسَيَأْتِي بِأَوْضَحَ مِنْ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (قَوْلُهُ وَتَعْيِينُ الْقِرَاءَةِ فِي الْأُولَيَيْنِ) أَيْ وَتَعْيِينُ الْأُولَيَيْنِ مِنْ الثُّلَاثِيَّةِ وَالرُّبَاعِيَّةِ الْمَكْتُوبَتَيْنِ لِلْقِرَاءَةِ الْمَفْرُوضَةِ حَتَّى لَوْ قَرَأَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ مِنْ الرُّبَاعِيَّةِ دُونَ الْأُولَيَيْنِ أَوْ فِي إحْدَى الْأُولَيَيْنِ وَإِحْدَى الْأُخْرَيَيْنِ سَاهِيًا وَجَبَ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَحَلَّ الْقِرَاءَةِ الْمَفْرُوضَةِ الْأُولَيَانِ عَيْنًا، وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي بَابِ الْوِتْرِ وَالنَّوَافِلِ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ التَّعَيُّنِ لَا فَرْضًا وَلَا وَاجِبًا لَا يَجِبُ سُجُودُ السَّهْوِ وَسَيَأْتِي تَضْعِيفُهُ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ فِي مَسْأَلَةِ الْقِرَاءَةِ الْوَاجِبَةِ وَاجِبَيْنِ آخَرَيْنِ لَمْ يَذْكُرْهُمَا الْمُصَنِّفُ صَرِيحًا: أَحَدُهُمَا: وُجُوبُ تَقْدِيمِ الْفَاتِحَةِ عَلَى السُّورَةِ لِثُبُوتِ الْمُوَاظَبَةِ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَذَلِكَ حَتَّى قَالُوا لَوْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ السُّورَةِ قَبْلَ الْفَاتِحَةِ سَاهِيًا، ثُمَّ تَذَكَّرَ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ، ثُمَّ السُّورَةَ وَيَلْزَمُهُ سُجُودُ السَّهْوِ، وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَا يُشِيرُ إلَى ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ: وَضَمُّ سُورَةٍ؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ تَقْدِيمَ الْفَاتِحَةِ؛ لِأَنَّ الْمَضْمُومَ إلَيْهِ شَيْءٌ يَقْتَضِي تَأَخُّرَهُ عَنْهُ. ثَانِيهِمَا: الِاقْتِصَارُ فِي الْأُولَيَيْنِ عَلَى قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ مَرَّةً وَاحِدَةً فِي كُلِّ رَكْعَةٍ حَتَّى إذَا قَرَأَهَا فِي رَكْعَةٍ مِنْهُمَا مَرَّتَيْنِ وَجَبَ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهَا لَكِنْ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ تَفْصِيلٌ، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا قَرَأَهَا مَرَّتَيْنِ عَلَى الْوَلَاءِ وَجَبَ السُّجُودُ، وَإِنْ فَصَلَ بَيْنَهُمَا بِالسُّورَةِ لَا يَجِبُ وَاخْتَارَهُ فِي الْمُحِيطِ وَالظَّهِيرِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ وَصَحَّحَهُ الزَّاهِدِيُّ لَمَّا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الذَّخِيرَةِ مِنْ لُزُومِ تَأْخِيرِ الْوَاجِبِ، وَهُوَ السُّورَةُ عَلَى التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي فَإِنَّ الرُّكُوعَ لَيْسَ وَاجِبًا بِأَثَرِ السُّورَةِ فَإِنَّهُ لَوْ جَمَعَ بَيْنَ سُوَرٍ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ. (قَوْلُهُ وَرِعَايَةُ التَّرْتِيبِ فِي فِعْلٍ مُكَرَّرٍ) أَطْلَقَهُ هُنَا وَقَيَّدَهُ فِي الْكَافِي بِالْمُتَكَرِّرِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ كَالسَّجْدَةِ حَتَّى لَوْ تَرَكَ السَّجْدَةَ الثَّانِيَةَ وَقَامَ إلَى الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَزَادَ عَلَيْهِ الشَّارِحُ أَوْ يَكُونُ مُتَكَرِّرًا فِي جَمِيعِ الصَّلَاةِ كَعَدَدِ الرَّكَعَاتِ فَإِنَّ مَا يَقْضِيه الْمَسْبُوقُ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ أَوَّلُ صَلَاتِهِ عِنْدَنَا، وَلَوْ كَانَ التَّرْتِيبُ فَرْضًا لَكَانَ آخِرًا اهـ. وَهُوَ مَرْدُودٌ فَإِنَّ مَا يَقْضِيه الْمَسْبُوقُ أَوَّلُ صَلَاتِهِ حُكْمًا لَا حَقِيقَةً وَأَيْضًا لَيْسَ هُوَ أَوَّلُ صَلَاتِهِ مُطْلَقًا بَلْ أَوَّلُهَا فِي حَقِّ الْقِرَاءَةِ وَآخِرُهَا فِي حَقِّ التَّشَهُّدِ عَلَى مَا سَيَأْتِي وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَدْخُلَ تَحْتَ التَّرْتِيبِ الْوَاجِبِ إذْ لَا شَيْءَ عَلَى الْمَسْبُوقِ وَلَا نَقْصَ فِي صَلَاتِهِ أَصْلًا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَقَيَّدَهُ فِي الْكَافِي بِالْمُتَكَرِّرِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ كَالسَّجْدَةِ) أَقُولُ: وَكَذَا فِي النِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ وَالْكِفَايَةِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ (قَوْلُهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَدْخُلَ تَحْتَ التَّرْتِيبِ الْوَاجِبِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: هَذَا وَهْمٌ إذْ التَّرْتِيبُ بَيْنَ الرَّكَعَاتِ لَيْسَ إلَّا وَاجِبًا قَالَ فِي الْفَتْحِ: إلَّا أَنَّهُ سَقَطَ فِي حَقِّ الْمَسْبُوقِ لِضَرُورَةِ الِاقْتِدَاءِ وَمَا فِي الشَّرْحِ مَأْخُوذٌ مِنْ الْخَبَّازِيَّةِ وَالنِّهَايَةِ وَعَلَيْهِ جَرَى فِي الدِّرَايَةِ وَالْفَتْحِ اهـ. وَكَأَنَّهُ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي النِّهَايَةِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَحَلِّ وَإِلَّا فَاَلَّذِي هُنَا مُوَافِقٌ لِمَا فِي الْكَافِي كَمَا مَرَّ، ثُمَّ حَاصِلُ كَلَامِ النَّهْرِ أَنَّ مَا فَهِمَهُ فِي الْبَحْرِ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ الزَّيْلَعِيِّ مِنْ أَنَّ التَّرْتِيبَ فِي الرَّكَعَاتِ وَاجِبٌ عَلَى الْمَسْبُوقِ غَيْرُ صَحِيحٍ بَلْ الْوُجُوبُ عَلَى غَيْرِهِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ بِفَرْضٍ وَإِلَّا لَمَا سَقَطَ عَنْ الْمَسْبُوقِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: فَإِنَّ مَا يَقْضِيه الْمَسْبُوقُ أَوَّلُ صَلَاتِهِ، وَلَوْ كَانَ التَّرْتِيبُ وَاجِبًا عَلَيْهِ لَحَكَمْنَا عَلَى أَنَّ مَا أَدْرَكَهُ مَعَ الْإِمَامِ أَوَّلُ صَلَاتِهِ وَمَا يَقْضِيه آخِرُهَا إذْ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ إيقَاعُ مَا أَدْرَكَهُ أَوَّلًا فِي الْآخِرِ أَوْ لَحَكَمْنَا عَلَيْهِ بِأَنْ يُصَلِّي أَوَّلًا رَكْعَتَيْنِ مَثَلًا، ثُمَّ يُتَابِعُ الْإِمَامَ وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ مُتَابَعَتُهُ وَقَضَاءُ مَا فَاتَهُ مِنْ أَوَّلِ صَلَاتِهِ وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ فَرْضِيَّتِهِ، وَهَذَا بِعَيْنِهِ مَعْنَى مَا فِي الْفَتْحِ حَيْثُ قَالَ: قَوْلُهُ فِيمَا شَرَعَ مُكَرَّرًا مِنْ الْأَفْعَالِ: أَرَادَ بِهِ مَا تَكَرَّرَ فِي كُلِّ الصَّلَاةِ كَالرَّكَعَاتِ إلَّا لِضَرُورَةِ الِاقْتِدَاءِ حَيْثُ يَسْقُطُ بِهِ التَّرْتِيبُ فَإِنَّ الْمَسْبُوقَ يُصَلِّي آخِرَ الرَّكَعَاتِ قَبْلَ أَوَّلِهَا أَوْ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ اهـ. وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ ظَهَرَ لَك عَدَمُ صِحَّةِ مَا اعْتَرَضَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى النَّهْرِ بِقَوْلِهِ: بَلْ هُوَ الْوَاهِمُ لِأَنَّ مَا اسْتَشْهَدَ بِهِ مِنْ كَلَامِ الْفَتْحِ صَرِيحٌ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ اهـ. بَقِيَ هُنَا إشْكَالٌ، وَهُوَ أَنَّ الْمُصَلِّيَّ إمَّا مُنْفَرِدٌ أَوْ إمَامٌ أَوْ مَأْمُومٌ وَلَا يُتَصَوَّرُ وُجُوبُ التَّرْتِيبِ بَيْنَ الرَّكَعَاتِ فِي حَقِّ الْأَوَّلَيْنِ لِأَنَّ كُلَّ رَكْعَةٍ يَأْتِيَانِ بِهَا أَوَّلًا فَهِيَ الْأُولَى وَثَانِيًا فَهِيَ الثَّانِيَةُ وَهَلُمَّ جَرَّا، أَمَّا الْمَأْمُومُ فَهُوَ إمَّا مُدْرِكٌ أَوْ مَسْبُوقٌ أَوْ لَاحِقٌ فَالْمُدْرِكُ حُكْمُهُ كَإِمَامِهِ وَالْمَسْبُوقُ قَدْ عَلِمْت أَنَّ الْكَلَامَ لَيْسَ فِيهِ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِعَكْسِ التَّرْتِيبِ وَاللَّاحِقُ لَا يُتَصَوَّرُ فِي حَقِّهِ وُجُوبُ التَّرْتِيبِ أَيْضًا لِمَا تَقَدَّمَ، فَمَا فَائِدَةُ هَذَا الْوَاجِبِ وَقَدْ يُقَالُ: لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ تَصَوُّرِ عَكْسِ التَّرْتِيبِ أَنْ لَا يُذْكَرَ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ قَالُوا بِفَرْضِيَّةِ تَرْتِيبِ الْقُعُودِ الْأَخِيرِ عَلَى مَا قَبْلَهُ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ أَخِيرًا لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ عَكْسُ التَّرْتِيبِ، نَعَمْ تَظْهَرُ الثَّمَرَةُ فِي نَفْيِ فَرْضِيَّتِهِ وَهِيَ أَنَّ الْمَسْبُوقَ يَقْضِي أَوَّلَ صَلَاتِهِ وَلَوْ كَانَ فَرْضًا لَمَا كَانَ كَذَلِكَ، وَلِبَعْضِهِمْ هُنَا كَلَامٌ تَرَكْنَاهُ لِعَدَمِ فَائِدَتِهِ. هَذَا وَالْحَقُّ أَنَّ الْإِشْكَالَ سَاقِطٌ مِنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 313 فَلِذَا اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْمُتَكَرِّرِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، وَإِنَّمَا كَانَ وَاجِبًا لِمُوَاظَبَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مُرَاعَاةِ التَّرْتِيبِ فِيهِ وَقِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَى عَدَمِ فَرْضِيَّتِهِ، وَهُوَ مَا ثَبَتَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ قَوْلِهِ «مَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَاقْضُوا» ، ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي أَمَّا تَرْتِيبُ الْقِيَامِ عَلَى الرُّكُوعِ وَتَرْتِيبُ الرُّكُوعِ عَلَى السُّجُودِ فَفَرْضٌ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ لَا تُوجَدُ إلَّا بِذَلِكَ وَهَكَذَا ذَكَرَ الشَّارِحُ وَشُرَّاحُ الْهِدَايَةِ وَعَلَّلُوا لَهُ بِأَنَّ مَا اتَّحَدَتْ شَرْعِيَّتُهُ يُرَاعَى وُجُودُهُ صُورَةً وَمَعْنًى فِي مَحَلِّهِ؛ لِأَنَّهُ كَذَلِكَ شُرِعَ فَإِذَا غَيَّرَهُ فَقَدْ قَلَبَ الْفِعْلَ وَعَكَسَهُ، وَقَلْبُ الْمَشْرُوعِ بَاطِلٌ، وَلَا كَذَلِكَ مَا تَعَدَّدَتْ شَرْعِيَّتُهُ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي كَافِيهِ مِنْ بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ إنَّ سُجُودَ السَّهْوِ يَجِبُ بِأَشْيَاءَ، مِنْهَا: تَقْدِيمُ رُكْنٍ بِأَنْ رَكَعَ قَبْلَ أَنْ يَقْرَأَ أَوْ سَجَدَ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ، ثُمَّ قَالَ أَمَّا التَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ فَلِأَنَّ مُرَاعَاةَ التَّرْتِيبِ وَاجِبَةٌ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ فَإِذَا تَرَكَ التَّرْتِيبَ فَقَدْ تَرَكَ الْوَاجِبَ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي التَّنَاقُضِ عَلَى مَا قِيلَ وَقَدْ وَقَعَ نَظِيرُهُ فِي الذَّخِيرَةِ حَتَّى اسْتَدَلَّ بِهِ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ عَلَى أَنَّ التَّرْتِيبَ بَيْنَ الْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ وَاجِبٌ بِدَلِيلِ وُجُوبِ سُجُودِ السَّهْوِ بِتَرْكِهِ حَتَّى قَالَ وَلَيْسَ فِيمَا تَكَرَّرَ قَيْدًا يُوجِبُ نَفْيَ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ فَإِنَّ مُرَاعَاةَ التَّرْتِيبِ فِي الْأَرْكَانِ الَّتِي لَا تُكَرَّرُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ أَيْضًا وَاجِبٌ؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا يَجِبُ سُجُودُ السَّهْوِ بِتَقْدِيمِ رُكْنٍ وَأَوْرَدُوا لِنَظِيرِهِ الرُّكُوعَ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ، وَسَجْدَةُ السَّهْوِ لَا تَجِبُ إلَّا لِتَرْكِ الْوَاجِبِ فَعُلِمَ أَنَّ التَّرْتِيبَ بَيْنَ الرُّكُوعِ وَالْقِرَاءَةِ وَاجِبٌ مَعَ أَنَّهُمَا غَيْرُ مُكَرَّرَيْنِ فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ فَعُلِمَ أَنَّ مُرَاعَاةَ التَّرْتِيبِ وَاجِبَةٌ مُطْلَقًا، وَيَخْطُرُ بِبَالِي أَنَّ الْمُرَادَ بِمَا تَكَرَّرَ: مَا تَكَرَّرَ فِي الصَّلَاةِ احْتِرَازًا عَمَّا لَا يَتَكَرَّرُ فِيهَا عَلَى سَبِيلِ الْفَرْضِيَّةِ، وَهُوَ تَكْبِيرَةُ الِافْتِتَاحِ وَالْقَعْدَةُ الْأَخِيرَةُ فَإِنَّ مُرَاعَاةَ التَّرْتِيبِ فِي ذَلِكَ فَرْضٌ اهـ. وَلَيْسَ كَمَا ظَنَّ وَلَيْسَ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ تَنَاقُضٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُمْ هُنَا بِأَنَّ هَذَا التَّرْتِيبَ شَرْطٌ   [منحة الخالق] أَصْلِهِ، وَذَلِكَ بِأَنَّ مُرَادَ الزَّيْلَعِيِّ وَغَيْرِهِ الْإِشَارَةَ، إلَى الْمَسْأَلَةِ الْخِلَافِيَّةِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ زُفَرَ فِي اللَّاحِقِ فَعِنْدَنَا التَّرْتِيبُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ وَعِنْدَهُ فَرْضٌ، وَذَلِكَ كَمَا إذَا أَدْرَكَ بَعْضَ صَلَاةِ الْإِمَامِ فَنَامَ، ثُمَّ انْتَبَهَ فَعَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ أَوَّلًا مَا نَامَ فِيهِ، ثُمَّ يُتَابِعَ الْإِمَامَ، فَلَوْ تَابَعَهُ أَوَّلًا، ثُمَّ صَلَّى مَا نَامَ فِيهِ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ جَازَ عِنْدَنَا وَأَثِمَ لِتَرْكِهِ الْوَاجِبَ، وَعِنْدَ زُفَرَ لَا يَجُوزُ قَالَ فِي السِّرَاجِ عَنْ الْفَتَاوَى الْمَسْبُوقُ إذَا بَدَأَ بِقَضَاءِ مَا فَاتَهُ فَإِنَّهُ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَاللَّاحِقُ إذَا تَابَعَ الْإِمَامَ قَبْلَ قَضَاءِ مَا فَاتَهُ لَا تَفْسُدُ خِلَافًا لِزُفَرَ اهـ. (قَوْلُهُ فَلِذَا اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ) أَيْ فِي كِتَابِهِ الْكَافِي. (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا كَانَ وَاجِبًا) أَيْ رِعَايَةُ التَّرْتِيبِ. (قَوْلُهُ يُرَاعِي وُجُودَهُ صُورَةً وَمَعْنًى فِي مَحَلِّهِ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ بَعْدَ هَذَا: تَحَرُّزًا عَنْ تَفْوِيتِ مَا تَعَلَّقَ بِهِ جُزْءًا أَوْ كُلًّا إذْ لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ مَا تَعَلَّقَ بِهِ جُزْءًا أَوْ كُلًّا مِنْ جِنْسِهِ لِضَرُورَةِ اتِّحَادِهِ فِي الشَّرْعِيَّةِ اهـ. قَوْلُهُ جُزْءًا أَوْ كُلًّا: حَالَانِ مِنْ قَوْلِهِ مَا تَعَلَّقَ وَمَا تَعَلَّقَ بِالْمُتَّحِدِ كُلُّ صَلَاةٍ الْقَعْدَةُ الْأَخِيرَةِ أَوْ جُزْؤُهَا، وَهُوَ الرَّكْعَةُ: الْقِيَامُ وَالرُّكُوعُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُتَّحِدَ لَمْ يُشْرَعْ شَيْءٌ آخَرُ مِنْ جِنْسِهِ فِي مَحَلِّهِ فَإِذَا فَاتَ فَاتَ أَصْلًا فَيَفُوتُ مَا تَعَلَّقَ بِهِ مِنْ جُزْءِ الصَّلَاةِ أَوْ كُلِّهَا، بِخِلَافِ الْمُتَكَرِّرِ فَإِنَّهُ لَوْ فَاتَ أَحَدُ فِعْلَيْهِ بَقِيَ الْآخَرُ مِنْ جِنْسِهِ فَلَمْ يَفُتْ أَصْلًا فَلَمْ يَفُتْ مَا تَعَلَّقَ بِهِ، كَمَا لَوْ أَتَى بِإِحْدَى السَّجْدَتَيْنِ فِي رَكْعَةٍ وَتَرَكَ الْأُخْرَى، وَإِنَّمَا قَالَ يُرَاعَى وُجُودُهُ صُورَةً وَمَعْنًى لِأَنَّ أَحَدَ فِعْلَيْ الْمُتَكَرِّرِ لَوْ فَاتَ عَنْ مَحَلِّهِ، ثُمَّ أَتَى بِهِ فِي مَحَلٍّ آخَرَ الْتَحَقَ بِمَحَلِّ الْأَوَّلِ فَكَانَ مَوْجُودًا فِيهِ مَعْنًى وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ صُورَةً، بِخِلَافِ الْمُتَّحِدِ فَإِنَّهُ لَمْ يَلْتَحِقْ بِمَحَلِّهِ الْأَوَّلِ، حَيْثُ فَاتَ بِفَوَاتِهِ فَلَمْ يُوجَدْ صُورَةً وَمَعْنًى. كَذَا فِي حَوَاشِي مِسْكِينٍ لِلسَّيِّدِ مُحَمَّدٍ أَبِي السُّعُودِ عَنْ الْعَلَّامَةِ السِّيرَامِيِّ (قَوْلُهُ حَتَّى قَالَ وَلَيْسَ فِيمَا تَكَرَّرَ قَيْدٌ إلَخْ) أَيْ لَفْظُ مَا تَكَرَّرَ فِي قَوْلِ الْوِقَايَةِ وَرِعَايَةُ التَّرْتِيبِ فِيمَا تَكَرَّرَ لَيْسَ قَيْدًا فَإِنَّ مَا لَا يَتَكَرَّرُ مُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ فِيهِ وَاجِبَةٌ أَيْضًا (قَوْلُهُ عَلَى سَبِيلِ الْفَرْضِيَّةِ) احْتِرَازٌ عَنْ تَكْبِيرَاتِ الِانْتِقَالَاتِ وَعَنْ الْقُعُودِ الْأَوَّلِ فِي غَيْرِ الثُّنَائِيَّةِ (قَوْلُهُ وَلَيْسَ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ تَنَاقُضٌ لِأَنَّ قَوْلَهُمْ إلَخْ) أَقُولُ: مُحَصِّلُ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ التَّرْتِيبَ فَرْضٌ بِاعْتِبَارِ فَسَادِ الرُّكْنِ الَّذِي هُوَ فِيهِ قَبْلَ الْإِعَادَةِ وَوَاجِبٌ بِاعْتِبَارِ عَدَمِ فَسَادِ الصَّلَاةِ بِتَرْكِ التَّرْتِيبِ صُورَةً بَعْدَ الْإِعَادَةِ، فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الِاعْتِبَارَيْنِ وَهَذَا كَلَامٌ عَجِيبٌ، وَتَصَرُّفٌ غَرِيبٌ، فَإِنَّ مَعْنَى التَّرْتِيبِ وُجُودُ كُلِّ رُكْنٍ فِي مَحَلِّهِ فَحَيْثُ أُعِيدَ السُّجُودُ وُجِدَ كُلٌّ مِنْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فِي مَحَلِّهِ فَلَا يَكُونُ هُنَاكَ تَرْكُ تَرْتِيبٍ أَصْلًا صُورَةً وَلَا مَعْنًى إذْ لَوْ كَانَ هُنَاكَ تَرْكُ التَّرْتِيبِ صُورَةً لَفَسَدَتْ الصَّلَاةُ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ مَا اتَّحَدَتْ شَرْعِيَّتُهُ يُرَاعَى وُجُودُهُ فِي مَحَلِّهِ صُورَةً وَمَعْنًى، لِأَنَّهُ كَذَلِكَ شُرِعَ فَإِذَا غَيَّرَهُ فَقَدْ قَلَبَ الْفِعْلَ وَعَكَسَهُ وَقَلْبُ الْمَشْرُوعِ بَاطِلٌ وَمَا تَعَدَّدَتْ شَرْعِيَّتُهُ يُرَاعَى وُجُودُهُ فِي مَحَلِّهِ مَعْنًى فَقَطْ، وَالْكَلَامُ فِيمَا اتَحَدَّتْ شَرْعِيَّتُهُ فَيُرَاعَى وُجُودُهُ فِي مَحَلِّهِ صُورَةً وَمَعْنًى وَعَدَمُ فَسَادِ الصَّلَاةِ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ لَيْسَ لِكَوْنِ التَّرْتِيبِ فِيهَا وَاجِبًا بَلْ لِأَنَّ سَبَبَ الْفَسَادِ كَانَ تَقْدِيمَ السُّجُودِ عَلَى الرُّكُوعِ، فَإِذَا أُعِيدَ إلَى مَحَلِّهِ زَالَ السَّبَبُ فَانْتَفَى الْمُسَبَّبُ فَلَمْ تَنْتَفِ الْمُعَارَضَةُ، وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: إنَّ الْمُرَادَ بِالْفَرْضِ هُنَا الْفَرْضُ الْعَمَلِيُّ الصَّادِقُ عَلَى الْوَاجِبِ الِاصْطِلَاحِيِّ لِيَرْتَفِعَ التَّنَاقُضُ وَهَذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 314 مَعْنَاهُ أَنَّ الرُّكْنَ الَّذِي هُوَ فِيهِ يَفْسُدُ بِتَرْكِهِ حَتَّى إذَا رَكَعَ بَعْدَ السُّجُودِ لَا يَقَعُ مُعْتَدًّا بِهِ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي النِّهَايَةِ فَيَلْزَمُهُ إعَادَةُ السُّجُودِ، وَقَوْلُهُمْ فِي سُجُودِ السَّهْوِ بِأَنَّ هَذَا التَّرْتِيبَ وَاجِبٌ مَعْنَاهُ أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَفْسُدُ بِتَرْكِ التَّرْتِيبِ إذَا أَعَادَ الرُّكْنَ الَّذِي أَتَى بِهِ فَإِذَا أَعَادَهُ فَقَدْ تَرَكَ التَّرْتِيبَ صُورَةً فَيَجِبُ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ، فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَشْرُوعَ فَرْضًا فِي الصَّلَاةِ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ: مَا يَتَّحِدُ فِي كُلِّ الصَّلَاةِ كَالْقَعْدَةِ أَوْ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ كَالْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ، وَمَا يَتَعَدَّدُ فِي كُلِّهَا كَالرَّكَعَاتِ أَوْ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ كَالسُّجُودِ فَالتَّرْتِيبُ شَرْطٌ بَيْنَ الْمُتَّحِدِ فِي كُلِّ الصَّلَاةِ وَجَمِيعِ مَا سِوَاهُ مِمَّا يَتَعَدَّدُ فِي كُلِّهَا كَالرَّكَعَاتِ أَوْ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَمَا يَتَّحِدُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ حَتَّى لَوْ تَذَكَّرَ بَعْدَ الْقَعْدَةِ قَبْلَ السَّلَامِ أَوْ بَعْدَهُ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ بِمُفْسِدِ رَكْعَةٍ أَوْ سَجْدَةٍ صُلْبِيَّةٍ أَوْ لِلتِّلَاوَةِ فَعَلَهَا وَأَعَادَ الْقَعْدَةَ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ، وَلَوْ تَذَكَّرَ رُكُوعًا قَضَاهُ وَقَضَى مَا بَعْدَهُ مِنْ السُّجُودِ أَوْ قِيَامًا أَوْ قِرَاءَةً صَلَّى رَكْعَةً تَامَّةً، وَكَذَا يُشْتَرَطُ التَّرْتِيبُ بَيْنَ مَا يَتَّحِدُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ كَالْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ، وَلِذَا قُلْنَا آنِفًا فِي تَرْكِ الْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ إنَّهُ يُصَلِّي رَكْعَةً تَامَّةً وَإِذَا عُرِفَ هَذَا فَقَوْلُهُ فِي النِّهَايَةِ: التَّرْتِيبُ لَيْسَ بِشَرْطٍ بَيْنَ مَا يَتَعَدَّدُ فِي كُلِّ الصَّلَاةِ يَعْنِي الرَّكَعَاتِ أَوْ يَتَّحِدُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَبَيْنَ مَا يَتَعَدَّدُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ، بَلْ بَيْنَ السُّجُودِ وَالْمُتَّحِدِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ تَفْصِيلٌ: إنْ كَانَ سُجُودُ ذَلِكَ الرُّكُوعِ بِأَنْ يَكُونَ رُكُوعًا وَسُجُودًا مِنْ رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ فَالتَّرْتِيبُ شَرْطٌ، وَإِنْ كَانَ رُكُوعًا مِنْ رَكْعَةٍ وَسُجُودًا مِنْ أُخْرَى بِأَنْ تَذَكَّرَ فِي سَجْدَةِ رُكُوعٍ رَكْعَةً قَبْلَ رُكُوعِ هَذِهِ السَّجْدَةِ قَضَى الرُّكُوعَ وَسَجْدَتَيْهِ وَإِنْ   [منحة الخالق] لَيْسَ بِشَيْءٍ أَيْضًا لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْفَرْضِ الْعَمَلِيِّ وَالْوَاجِبِ، وَإِنْ أُطْلِقَ عَلَى الْآخَرِ بِاعْتِبَارِ ثُبُوتِهَا بِالظَّنِّيِّ إلَّا أَنَّ بَيْنَهُمَا فَرْقًا، فَإِنَّ الْفَرْضَ الْعَمَلِيَّ يُوجِبُ الْفَسَادَ سَهْوًا كَانَ أَوْ عَمْدًا، بِخِلَافِ الْوَاجِبِ فَإِنَّ تَرْكَهُ سَهْوًا يُوجِبُ سُجُودَ السَّهْوِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ وَعَلَيْهِ جَرَى الْقُهُسْتَانِيُّ، قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ: لَا بُدَّ لِهَذَا الِاخْتِلَافِ مِنْ ثَمَرَةٍ وَلَمْ أَجِدْ فِي كَلَامِ أَحَدٍ التَّصْرِيحَ بِهَا، فَإِنْ قُلْت: إنَّ بَعْضَ الْفُضَلَاءِ اسْتَدَلَّ عَلَى كَوْنِ التَّرْتِيبِ وَاجِبًا بِعَدَمِ لُزُومِ إعَادَةِ الرُّكْنِ الَّذِي هُوَ فِيهِ فَهَلْ يَصْلُحُ هَذَا أَنْ يَكُونَ ثَمَرَةً لِلِاخْتِلَافِ؟ قُلْتُ: لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ دَلِيلًا عَلَى الْوُجُوبِ وَلَا ثَمَرَةً لِلِاخْتِلَافِ لِأَنَّ الْقَائِلِينَ بِالْفَرْضِيَّةِ وَالْقَائِلِينَ بِالْوُجُوبِ مُتَّفِقُونَ عَلَى لُزُومِ إعَادَةِ الرُّكْنِ الَّذِي أَتَى بِهِ وَفَسَادِ الصَّلَاةِ إنْ لَمْ يُعِدْهُ وَعَلَى عَدَمِ لُزُومِ إعَادَةِ الرُّكْنِ الَّذِي هُوَ فِيهِ، وَلَوْ قَالَ الْقَائِلُونَ بِالْوُجُوبِ بِعَدَمِ لُزُومِ إعَادَةِ الرُّكْنِ الَّذِي أَتَى بِهِ لَكَانَ لِهَذَا الِاخْتِلَافِ ثَمَرَةٌ. اهـ. وَسَيَأْتِي مِنْ الشَّارِحِ التَّنْبِيهُ عَلَى نَفْيِ مَا فِي السُّؤَالِ مِمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ حَيْثُ يَقُولُ: فَعُلِمَ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي الْإِعَادَةِ. (قَوْلُهُ مَعْنَاهُ أَنَّ الرُّكْنَ إلَخْ) أَيْ الرُّكْنَ الَّذِي قَدَّمَهُ عَلَى غَيْرِهِ كَالسُّجُودِ الَّذِي قَدَّمَهُ عَلَى الرُّكُوعِ فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ يَفْسُدُ هُوَ أَيْ الرُّكْنُ الْمَذْكُورُ وَلَا يَقَعُ مُعْتَدًّا بِهِ بِسَبَبِ تَرْكِ التَّرْتِيبِ أَيْ سَبَبِ تَقْدِيمِهِ عَلَى مَحَلِّهِ فَيَلْزَمُهُ إعَادَتُهُ. (قَوْلُهُ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَشْرُوعَ) هَذَا أَوَّلُ عِبَارَةِ الْفَتْحِ الْآتِي الْعَزْوُ إلَيْهَا (قَوْلُهُ فَالتَّرْتِيبُ شَرْطٌ بَيْنَ الْمُتَّحِدِ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ، الْأَنْوَاعَ الَّتِي ذَكَرَهَا أَرْبَعٌ هِيَ: مَا يَتَّحِدُ فِي كُلِّ الصَّلَاةِ وَمَا يَتَعَدَّدُ فِي كُلِّهَا وَمَا يَتَعَدَّدُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَمَا يَتَّحِدُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا لَهُ أَفْرَادٌ فَالْأَوَّلُ أَفْرَادُهُ: التَّحْرِيمَةُ وَالْقَعْدَةُ، وَالثَّانِي: الرَّكَعَاتُ، وَالثَّالِثُ: السَّجْدَتَانِ، وَالرَّابِعُ: الْقِرَاءَةُ فِي الثُّنَائِيَّةِ أَوْ غَيْرِهَا إذَا اقْتَصَرَ عَلَى الْقِرَاءَةِ فِي الْأُخْرَيَيْنِ وَالْقِيَامُ وَالرُّكُوعُ، وَالصُّوَرُ الْعَقْلِيَّةُ فِي التَّرْتِيبِ بَيْنَ نَوْعٍ وَنَوْعٍ آخَرَ سِتَّةٌ بِأَنْ تُعْتَبَرَ تَرْتِيبُ كُلِّ نَوْعٍ مَعَ مَا يَلِيه، وَالصُّوَرُ بَيْنَ تَرْتِيبِ فَرْدٍ مِنْ نَوْعٍ وَفَرْدٍ آخَرَ مِنْ ذَلِكَ النَّوْعِ خَمْسٌ بِأَنْ تَعْتَبِرَ التَّرْتِيبَ بَيْنَ التَّحْرِيمَةِ وَالْقَعْدَةِ وَبَيْنَ أَوَّلِ الرَّكَعَاتِ وَآخِرِهَا وَبَيْنَ السَّجْدَةِ وَالسَّجْدَةِ وَبَيْنَ الْقِرَاءَةِ وَالْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ، وَكَذَا بَيْنَ الْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ، وَهَذَا التَّرْتِيبُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ مِنْهُ شَرْطٌ وَمِنْهُ وَاجِبٌ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ التَّرْتِيبَ شَرْطٌ: فِي شَيْئَيْنِ، أَحَدُهُمَا: فِيمَا بَيْنَ النَّوْعِ الْأَوَّلِ وَبَيْنَ بَقِيَّةِ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ، فَيُشْتَرَطُ التَّرْتِيبُ بَيْنَ الْأَوَّلِ أَعْنِي مَا يَتَّحِدُ فِي كُلِّ الصَّلَاةِ كَالْقَعْدَةِ وَبَيْنَ مَا يَتَعَدَّدُ فِي كُلِّهَا كَالرَّكَعَاتِ وَمَثَّلَ لَهُ فِي ضِمْنِ قَوْلِهِ حَتَّى لَوْ تَذَكَّرَ بَعْدَ الْقَعْدَةِ رَكْعَةً، وَكَذَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا يَتَعَدَّدُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَمَثَّلَ لَهُ بِقَوْلِهِ أَوْ سَجْدَةٍ صُلْبِيَّةٍ أَوْ لِلتِّلَاوَةِ، وَكَذَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا يَتَّحِدُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَمَثَّلَ لَهُ بِقَوْلِهِ وَلَوْ تَذَكَّرَ رُكُوعًا قَضَاهُ إلَخْ، وَثَانِيهِمَا: التَّرْتِيبُ بَيْنَ مَا يَتَّحِدُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ كَالْقِرَاءَةِ وَالْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ وَبَيْنَ مَا يَتَعَدَّدُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ إذَا كَانَا فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى مَا سَيَأْتِي، وَكَذَا تَرْتِيبُ أَفْرَادِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ كَتَرْتِيبِ الْقِرَاءَةِ عَلَى الْقِيَامِ وَالْقِيَامِ عَلَى الرُّكُوعِ، وَأَمَّا التَّرْتِيبُ بَيْنَ مَا يَتَّحِدُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَبَيْنَ مَا يَتَعَدَّدُ فِي كُلِّ الصَّلَاةِ فَلَا فَائِدَةَ فِي اشْتِرَاطِهِ إذْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ صُورَةً يُمْكِنُ فَكُّ التَّرْتِيبِ فِيهَا حَتَّى يُشْتَرَطَ، كَمَا أَنَّ أَفْرَادَ مَا يَتَّحِدُ فِي كُلِّ الصَّلَاةِ كَتَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ وَالْقَعْدَةِ كَذَلِكَ كَمَا فِي الدُّرَرِ، وَأَمَّا التَّرْتِيبُ بَيْنَ مَا يَتَعَدَّدُ فِي كُلِّ الصَّلَاةِ وَبَيْنَ مَا يَتَعَدَّدُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ فَهُوَ وَاجِبٌ لَا شَرْطٌ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي النِّهَايَةِ، وَقَدْ ظَهَرَ مِنْ هَذَا وَجْهُ تَقْيِيدِهِ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ بِالْمُتَكَرِّرِ فِي رَكْعَةٍ إذْ لَيْسَ غَيْرُهُ وَاجِبًا كَمَا عَلِمْت، وَأَمَّا التَّرْتِيبُ فِي الرَّكَعَاتِ فَقَدْ مَرَّ مَا فِيهِ وَمِثْلُهُ التَّرْتِيبُ فِي السَّجْدَتَيْنِ نَفْسِهِمَا. (قَوْلُهُ يَعْنِي الرَّكَعَاتِ) تَفْسِيرٌ لِمَا يَتَعَدَّدُ. (قَوْلُهُ قَبْلَ رُكُوعِ هَذِهِ السَّجْدَةِ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 تَذَكَّر عَلَى الْقَلْبِ بِإِنْ تَذَكَّرَ فِي رُكُوعٍ أَنَّهُ لَمْ يَسْجُدْ فِي الرَّكْعَةِ قَبْلَهَا سَجَدَهَا وَهَلْ يُعِيدُ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ الْمُتَذَكَّرَ فِيهِ؟ فَفِي الْهِدَايَةِ أَنَّهُ لَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ بَلْ تُسْتَحَبُّ مُعَلِّلًا بِأَنَّ التَّرْتِيبَ لَيْسَ بِفَرْضٍ بَيْنَ مَا يَتَكَرَّرُ مِنْ الْأَفْعَالِ، وَاَلَّذِي فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ يُعِيدُ مُعَلِّلًا بِأَنَّهُ ارْتَفَضَ بِالْعَوْدِ إلَى مَا قَبْلَهُ مِنْ الْأَرْكَانِ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ الرَّفْعِ مِنْهُ يُقْبَلُ الرَّفْضُ، وَلِهَذَا ذَكَرَ هُوَ فِيمَا لَوْ تَذَكَّرَ سَجْدَةً بَعْدَمَا رَفَعَ مِنْ الرُّكُوعِ أَنَّهُ يَقْضِيهَا وَلَا يُعِيدُ الرُّكُوعَ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ مَا تَمَّ بِالرَّفْعِ لَا يُقْبَلُ الرَّفْضُ، فَعُلِمَ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي الْإِعَادَةِ لَيْسَ بِنَاءً عَلَى اشْتِرَاطِ التَّرْتِيبِ وَعَدَمِهِ بَلْ عَلَى أَنَّ الرُّكْنَ الْمُتَذَكَّرَ فِيهِ هَلْ يَرْتَفِضُ بِالْعَوْدِ إلَى مَا قَبْلَهُ مِنْ الْأَرْكَانِ أَوْ لَا، وَفِي الْكَافِي لِلْحَاكِمِ رَجُلٌ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ وَقَرَأَ وَرَكَعَ وَلَمْ يَسْجُدْ، ثُمَّ قَامَ فَقَرَأَ وَسَجَدَ وَلَمْ يَرْكَعْ فَهَذَا قَدْ صَلَّى رَكْعَةً، وَكَذَلِكَ إنْ رَكَعَ أَوَّلًا، ثُمَّ قَرَأَ وَرَكَعَ وَسَجَدَ فَإِنَّمَا صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً، وَكَذَلِكَ إنْ سَجَدَ أَوَّلًا سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ قَامَ فَقَرَأَ فِي الثَّانِيَةِ وَرَكَعَ وَلَمْ يَسْجُدْ، ثُمَّ قَامَ فَقَرَأَ وَسَجَدَ فِي الثَّالِثَةِ وَلَمْ يَرْكَعْ فَإِنَّمَا صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً، وَكَذَلِكَ إنْ رَكَعَ فِي الْأُولَى وَلَمْ يَسْجُدْ وَرَكَعَ فِي الثَّانِيَةِ وَلَمْ يَسْجُدْ، ثُمَّ سَجَدَ فِي الثَّالِثَةِ وَلَمْ يَرْكَعْ فَإِنَّمَا صَلَّى وَاحِدَةً اهـ. كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ ثُمَّ اعْلَمْ، أَنَّ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّرْتِيبُ، وَقُلْنَا: يَفْسُدُ بِتَرْكِهِ الرُّكْنُ الَّذِي هُوَ فِيهِ كَمَا قَدَّمْنَا، هَلْ تَفْسُدُ الصَّلَاةُ بِالْكُلِّيَّةِ؟ يُنْظَرُ إنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ رَكْعَةً تَامَّةً تَفْسُدُ لِمَا أَنَّ الرَّكْعَةَ لَا تَقْبَلُ الرَّفْضَ حَتَّى يُرَاعَى التَّرْتِيبُ الْمَشْرُوطُ بِرَفْضِهَا، وَأَمَّا إنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مَا دُونَ الرَّكْعَةِ فَلَا تَفْسُدُ. إلَيْهِ أَشَارَ فِي النِّهَايَةِ. (قَوْلُهُ وَتَعْدِيلُ الْأَرْكَانِ) ، وَهُوَ تَسْكِينُ الْجَوَارِحِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ حَتَّى تَطْمَئِنَّ مَفَاصِلُهُ وَأَدْنَاهُ مِقْدَارُ تَسْبِيحَةٍ، وَهُوَ وَاجِبٌ عَلَى تَخْرِيجِ الْكَرْخِيِّ، وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَسُنَّةٌ عَلَى تَخْرِيجِ الْجُرْجَانِيِّ وَفَرْضٌ عَلَى مَا نَقَلَهُ الطَّحَاوِيُّ عَنْ الثَّلَاثَةِ، وَاَلَّذِي نَقَلَهُ الْجَمُّ الْغَفِيرُ أَنَّهُ وَاجِبٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، فَرْضٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ مُسْتَدِلِّينَ لَهُ وَلِمَنْ وَافَقَهُ بِحَدِيثِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ حَيْثُ قَالَ: «ارْجِعْ فَصَلِّ فَأَنَّك لَمْ تُصَلِّ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ» وَأَمْرِهِ لَهُ بِالطُّمَأْنِينَةِ فَالْأَمْرُ بِالْإِعَادَةِ لَا يَجِبُ إلَّا عِنْدَ فَسَادِ الصَّلَاةِ وَمُطْلَقُ الْأَمْرِ يُفِيدُ الِافْتِرَاضَ وَبِمَا أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ مَرْفُوعًا «لَا تُجْزِئُ صَلَاةٌ لَا يُقِيمُ الرَّجُلُ فِيهَا صُلْبَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ» وَلَهُمَا قَوْله تَعَالَى {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج: 77] وَاللَّفْظَانِ خَاصَّانِ مَعْلُومٌ مَعْنَاهُمَا فَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِمَا بِخَبَرِ الْوَاحِدِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ نَاسِخًا لِلْكِتَابِ وَيَصْلُحُ مُكَمِّلًا فَيُحْمَلُ أَمْرُهُ بِالْإِعَادَةِ وَالطُّمَأْنِينَةِ عَلَى الْوُجُوبِ وَنَفْيُهُ لِلصَّلَاةِ عَلَى نَفْيِ كَمَالِهَا كَنَفْيِ الْإِجْزَاءِ فِي الْحَدِيثِ الثَّانِي عَلَى نَفْيِ الْإِجْزَاءِ الْكَامِلِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ آخِرُ حَدِيثِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ «فَإِذَا فَعَلْت ذَلِكَ فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُك، وَإِنْ انْتَقَصْت مِنْهُ شَيْئًا انْتَقَصْت مِنْ صَلَاتِك» فَقَدْ سَمَّاهَا صَلَاةً وَالْبَاطِلَةُ لَيْسَتْ صَلَاةً وَلِأَنَّهُ تَرَكَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَعْدَ أَوَّلِ رَكْعَةٍ حَتَّى أَتَمَّ، وَلَوْ كَانَ عَدَمُهَا مُفْسِدًا لَفَسَدَتْ بِأَوَّلِ رَكْعَةٍ وَبَعْدَ فَسَادٍ لَا يَحِلُّ الْمُضِيُّ فِي الصَّلَاةِ وَتَقْرِيرُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ وَيَدُلُّ عَلَى وُجُوبِهَا الْمُوَاظَبَةُ عَلَيْهَا وَبِهَذَا يَضْعُفُ قَوْلُ الْجُرْجَانِيِّ، وَلِهَذَا سُئِلَ مُحَمَّدٌ عَنْ تَرْكِهَا فَقَالَ إنِّي أَخَافُ أَنْ لَا تَجُوزَ، وَعَنْ السَّرَخْسِيِّ مَنْ تَرَكَ الِاعْتِدَالَ تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ تَلْزَمُهُ وَيَكُونُ الْفَرْضُ هُوَ الثَّانِي، وَلَا إشْكَالَ فِي وُجُوبِ الْإِعَادَةِ إذْ هُوَ الْحُكْمُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ أُدِّيَتْ مَعَ كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ وَيَكُونُ جَابِرًا لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ لَا يَتَكَرَّرُ، وَجَعْلُهُ الثَّانِيَ يَقْتَضِي عَدَمَ سُقُوطِهِ بِالْأَوَّلِ، وَهُوَ لَازِمُ تَرْكِ الرُّكْنِ لَا الْوَاجِبِ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ أَنَّ ذَلِكَ امْتِنَانٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى إذْ يَحْتَسِبُ الْكَامِلَ، وَإِنْ تَأَخَّرَ عَنْ الْفَرْضِ لَمَّا عَلِمَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ سَيُوقِعُهُ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَقَدْ يُقَالُ إنَّ   [منحة الخالق] الظَّرْفُ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ صِفَةٍ لِرَكْعَةٍ وَذَلِكَ بِأَنْ تَذَكَّرَ فِي سَجْدَةِ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مَثَلًا رُكُوعَ الرَّكْعَةِ الْأُولَى فَإِنَّهُ يَقْضِي هَذَا الرُّكُوعَ وَسَجْدَتَيْهِ (قَوْلُهُ وَهَلْ يُعِيدُ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ الْمُتَذَكَّرَ فِيهِ) لَفٌّ وَنَشْرٌ مُشَوَّشٌ لِأَنَّ الرُّكُوعَ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ وَالسُّجُودَ فِي الْأُولَى (قَوْلُهُ فَعُلِمَ أَنَّ الِاخْتِلَافَ) إلَى قَوْلِهِ وَفِي الْكَافِي لَيْسَ مِنْ عِبَارَةِ الْفَتْحِ بَلْ هُوَ مِنْ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ، وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ مَا فِي الْهِدَايَةِ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْإِعَادَةَ لَيْسَ بِفَرْضٍ، تَأَمَّلْ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ مُرَادَهُ أَنَّ الْخِلَافَ لَيْسَ مَبْنِيًّا عَلَى مَا ذُكِرَ بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ طَرَفِ الْهِدَايَةِ مَبْنِيًّا عَلَى أَنَّ التَّرْتِيبَ لَيْسَ بِرُكْنٍ لَكِنَّهُ مِنْ طَرَفِ الْخَانِيَّةِ لَيْسَ مَبْنِيًّا عَلَى أَنَّهُ رُكْنٌ بَلْ عَلَى الارتفاض تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ بَلْ عَلَى أَنَّ الرُّكْنَ الْمُتَذَكَّرَ قَبْلُ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَفِي بَعْضِهَا الْمُتَذَكَّرَ فِيهِ بَدَلَ قَوْلِهِ الْمُتَذَكَّرَ قَبْلُ وَهِيَ الصَّوَابُ (قَوْلُهُ وَفَرْضٌ عَلَى مَا نَقَلَهُ الطَّحَاوِيُّ عَنْ الثَّلَاثَةِ) أَيْ عَنْ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ، وَكَذَلِكَ هُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ قَالَ الْإِمَامُ الْعَيْنِيُّ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ لَكِنْ قَالَ فِي النَّهْرِ بَعْدَ نَقْلِهِ لِحَاصِلِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ مِمَّا سَيَجِيءُ أَنَّ مَا رَجَّحَهُ الْعَيْنِيُّ لِغَرَابَتِهِ لَمْ أَرَ مَنْ عَرَّجَ عَلَيْهِ حَتَّى أَوَّلَهُ بَعْضُ الْعَصْرِيِّينَ بِالْمُخْتَارِ مِنْ قَوْلَيْهِ (قَوْلُهُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ إلَخْ) أَيْ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ نَفْيُ الْكَمَالِ وَنَفْيُ الْإِجْزَاءِ الْكَامِلِ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ تَرَكَهُ) أَيْ تَرَكَ الْمُسِيءَ صَلَاتَهُ يُصَلِّي حَتَّى أَتَمَّ صَلَاتَهُ وَلَمْ يَنْهَهُ عَنْهَا، وَهُوَ فِيهَا (قَوْلُهُ وَجَعْلُهُ الثَّانِيَ) أَيْ جَعْلُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 316 قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ بِالْفَرْضِيَّةِ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ وَافَقَهُمَا فِي الْأُصُولِ أَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى الْخَاصِّ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ لَا تَجُوزُ فَكَيْفَ اسْتَقَامَ لَهُ الْقَوْلُ بِالْجَوَازِ هُنَا وَلِهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ: وَيُحْمَلُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ بِالْفَرْضِيَّةِ عَلَى الْفَرْضِ الْعَمَلِيِّ، وَهُوَ الْوَاجِبُ فَيَرْتَفِعُ الْخِلَافُ اهـ. وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ لَمْ يُذْكَرْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَلَى مَا قَالُوا كَمَا فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي، وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْ صَاحِبُ الْأَسْرَارِ خِلَافَ أَبِي يُوسُفَ، وَإِنَّمَا قَالَ: قَالَ عُلَمَاؤُنَا: الطُّمَأْنِينَةُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَفِي الِانْتِقَالِ مِنْ رُكْنٍ إلَى رُكْنٍ لَيْسَ بِرُكْنٍ، وَكَذَلِكَ الِاسْتِوَاءُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَبَيْنَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ اهـ. وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الطَّحَاوِيُّ مِنْ الِافْتِرَاضِ عَلَى الْفَرْضِ الْعَمَلِيِّ كَمَا قَرَّرْنَاهُ لِيُوَافِقَ أُصُولَ أَهْلِ الْمَذْهَبِ وَإِلَّا فَالْإِشْكَالُ أَشَدُّ. قَيَّدَ بِالطُّمَأْنِينَةِ فِي الْأَرْكَانِ أَيْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ؛ لِأَنَّ الطُّمَأْنِينَةَ فِي الْقَوْمَةِ وَالْجِلْسَةِ سُنَّةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ بِالِاتِّفَاقِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَرْضٌ كَمَا تَقَدَّمَ وَفِي شَرْحِ الزَّاهِدِيِّ مَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِهَا عِنْدَهُمَا كَوُجُوبِهَا فِي الْأَرْكَانِ فَإِنَّهُ قَالَ وَذَكَرَ صَدْرُ الْقُضَاةِ: وَإِتْمَامُ الرُّكُوعِ وَإِكْمَالُ كُلِّ رُكْنٍ وَاجِبٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَالشَّافِعِيِّ فَرْضٌ، وَكَذَا رَفْعُ الرَّأْسِ مِنْ الرُّكُوعِ وَالِانْتِصَابُ وَالْقِيَامُ وَالطُّمَأْنِينَةُ فِيهِ فَيَجِبُ أَنْ يُكْمِلَ الرُّكُوعَ حَتَّى يَطْمَئِنَّ كُلُّ عُضْوٍ مِنْهُ وَيَرْفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ حَتَّى يَنْتَصِبَ قَائِمًا وَيَطْمَئِنَّ كُلُّ عُضْوٍ مِنْهُ، وَكَذَا فِي السُّجُودِ، وَلَوْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ نَاسِيًا يَلْزَمُهُ سَجْدَتَا السَّهْوِ وَلَوْ تَرَكَهَا عَمْدًا يُكْرَهُ أَشَدَّ الْكَرَاهَةِ وَيَلْزَمُهُ أَنْ يُعِيدَ الصَّلَاةَ. اهـ. وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْقَوْمَةِ وَالْجِلْسَةِ وَسَيَأْتِي التَّصْرِيحُ بِسُنِّيَّتِهِمَا وَمُقْتَضَى الدَّلِيلِ وُجُوبُ الطُّمَأْنِينَةِ فِي الْأَرْبَعَةِ وَوُجُوبُ نَفْسِ الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ وَالْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ لِلْمُوَاظَبَةِ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ وَلِلْأَمْرِ فِي حَدِيثِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ، وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ فِي فَصْلِ مَا يُوجِبُ السَّهْوَ قَالَ: الْمُصَلِّي إذَا رَكَعَ وَلَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ حَتَّى خَرَّ سَاجِدًا سَاهِيًا تَجُوزُ صَلَاتُهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَعَلَيْهِ السَّهْوُ. اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ تَرَكَ تَعْدِيلَ الْأَرْكَانِ أَوْ الْقَوْمَةِ الَّتِي بَيْنَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ سَاهِيًا لَزِمَهُ سُجُودُ السَّهْوِ اهـ. فَيَكُونُ حُكْمُ الْجِلْسَةِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيهِمَا وَاحِدٌ وَالْقَوْلُ بِوُجُوبِ الْكُلِّ هُوَ مُخْتَارُ الْمُحَقِّقِ ابْنِ الْهُمَامِ وَتِلْمِيذِهِ ابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ حَتَّى قَالَ إنَّهُ الصَّوَابُ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ. (قَوْلُهُ وَالْقُعُودُ الْأَوَّلُ) لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاظَبَ عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ الْعُمْرِ وَذَا يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ إذَا قَامَ دَلِيلُ عَدَمِ الْفَرْضِيَّةِ، وَقَدْ قَامَ هُنَا؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَامَ إلَى الثَّالِثَةِ فَسُبِّحَ لَهُ فَلَمْ يَرْجِعْ» صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَلَوْ كَانَ فَرْضًا لَرَجَعَ وَمَا فِي الْكِتَابِ مِنْ الْوُجُوبِ قَوْلُ الْجُمْهُورِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعِنْد الطَّحَاوِيِّ وَالْكَرْخِيِّ هِيَ سُنَّةٌ، وَفِي الْبَدَائِعِ وَأَكْثَرُ مَشَايِخِنَا يُطْلِقُونَ عَلَيْهَا اسْمَ السُّنَّةِ إمَّا لِأَنَّ وُجُوبَهَا عُرِفَ بِالسُّنَّةِ فِعْلًا أَوْ لِأَنَّ السُّنَّةَ الْمُؤَكَّدَةَ فِي مَعْنَى الْوَاجِبِ وَهَذِهِ الْقَعْدَةُ لِلْفَصْلِ بَيْنَ الشَّفْعَيْنِ وَأَرَادَ بِالْأَوَّلِ غَيْرَ الْآخِرِ لَا الْفَرْضَ السَّابِقَ إذْ لَوْ أُرِيدَ بِهِ السَّابِقُ لَمْ يُفْهَمْ حُكْمُ الْقَعْدَةِ الثَّانِيَةِ   [منحة الخالق] الْفَرْضَ هُوَ الثَّانِيَ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّهُ رُكْنٌ (قَوْلُهُ فَيَرْتَفِعُ الْخِلَافُ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ صِحَّةَ رَفْعِ الْخِلَافِ مَوْقُوفَةٌ عَلَى أَنْ يُرَادَ بِالْوَاجِبِ عَلَى قَوْلِهِمَا أَقْوَى نَوْعَيْهِ، وَهُوَ مَا يَفُوتُ الْجَوَازُ بِفَوْتِهِ لَكِنَّهُ لَا يَفُوتُ عَلَى قَوْلِهِمَا وَيَفُوتُ عَلَى قَوْلِهِ، فَأَنَّى يَرْتَفِعُ؟ وَقَدْ صَرَّحَ فِي السَّهْوِ بِذَلِكَ حَيْثُ قَالَ لَوْ تَرَكَ الْقَوْمَةَ وَالْجَلْسَةَ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لَهُمَا اهـ. وَعَلَى هَذَا فَالْإِشْكَالُ بَاقٍ لَكِنْ قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ يُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ ذُكِرَ فِي الْآيَةِ الشَّرِيفَةِ مُطْلَقَيْنِ فَانْصَرَفَا إلَى الْكَامِلِ، وَهُوَ مَا كَانَ بِصِفَةِ التَّعْدِيلِ وَحِينَئِذٍ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ لُزُومُ الزِّيَادَةِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ اهـ. وَفِي حَوَاشِي الدُّرَرِ لِلْعَلَّامَةِ نُوحٍ أَفَنْدِي بَعْدَمَا قَرَّرَ نَحْوَ مَا فِي النَّهْرِ وَإِنَّ الْمَذْكُورَ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ يَقُولُ إنَّ الطُّمَأْنِينَةَ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالْقَوْمَةِ وَالْجَلْسَةِ فَرْضٌ قَطْعِيٌّ كَمَا قَالَتْ بِهِ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ مُسْتَدِلًّا بِالسُّنَّةِ، وَأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدًا يَقُولَانِ إنَّهَا لَيْسَتْ بِفَرْضٍ مُسْتَدِلَّيْنِ بِالْكِتَابِ بَلْ هِيَ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَاجِبَةٌ، وَفِي الْقَوْمَةِ وَالْجَلْسَةِ سُنَّةٌ عَلَى تَخْرِيجِ الْكَرْخِيِّ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَسُنَّةٌ فِي الْكُلِّ عَلَى تَخْرِيجِ الْجُرْجَانِيِّ قَالَ مَا نَصُّهُ: وَاَلَّذِي ظَهَرَ لِلْعَبْدِ الْفَقِيرِ فِي دَفْعِ هَذَا الْإِشْكَالِ الْعَسِيرِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فِي الْآيَةِ عِنْدَ هُمَا مَعْنَاهُمَا اللُّغَوِيُّ، وَهُوَ مَعْلُومٌ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْبَيَانِ فَلَوْ قُلْنَا بِافْتِرَاضِ التَّعْدِيلِ لَزِمَ الزِّيَادَةُ عَلَى النَّصِّ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ مَعْنَاهُمَا الشَّرْعِيُّ، وَهُوَ غَيْرُ مَعْلُومٍ فَيَحْتَاجُ إلَى الْبَيَانِ فَجُعِلَ خَبَرُ الْوَاحِدِ وَالْمُوَاظَبَةُ بَيَانًا لَهُ فَهُمَا خَاصَّانِ عِنْدَهُمَا مُجْمَلَانِ عِنْدَهُ، ثُمَّ رَأَيْت ابْنَ الْهُمَامِ أَشَارَ إلَى مَا سَنَحَ لِي حَيْثُ قَالَ: وَهَذِهِ أَيْ الْقَوْمَةُ وَالْجَلْسَةُ وَالطُّمَأْنِينَةُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَرَائِضُ لِلْمُوَاظَبَةِ الْوَاقِعَةِ بَيَانًا اهـ فَحَمِدْت اللَّهَ تَعَالَى عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ إنِّي رَأَيْت صَاحِبَ الْبُرْهَانِ أَوْضَحَ هَذَا الْمَقَامَ طِبْقَ مَا ظَهَرَ لِلْعَبْدِ الذَّلِيلِ فَحَمِدْت اللَّهَ تَعَالَى ثَانِيًا اهـ مُلَخَّصًا، وَهُوَ كَلَامٌ فِي غَايَةِ الْكَمَالِ، بِهِ يَنْقَطِعُ عِرْقُ الْإِشْكَالِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَأَرَادَ بِالْأَوَّلِ غَيْرَ الْآخِرِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: لَكِنْ يَرُدُّ عَلَيْهِ مَا فِي الْفَتْحِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 317 الَّتِي لَيْسَتْ أَخِيرَةً؛ لِأَنَّ الْقَعْدَةَ فِي الصَّلَاةِ قَدْ تَكُونُ أَكْثَرَ مِنْ اثْنَتَيْنِ فَإِنَّ الْمَسْبُوقَ بِثَلَاثٍ فِي الرُّبَاعِيَّةِ يَقْعُدُ ثَلَاثَ قَعَدَاتٍ كُلٌّ مِنْ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ وَاجِبٌ وَالثَّالِثَةُ هِيَ الْأَخِيرَةُ وَهِيَ فَرْضٌ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي مَسَائِلِ الْمَسْبُوقِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَى هَذَا وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ خِزَانَةِ الْفِقْهِ أَنَّ الْقُعُودَ فِي الصَّلَاةِ يَتَكَرَّرُ عَشْرَ مَرَّاتٍ. (قَوْلُهُ وَالتَّشَهُّدُ) أَيْ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي، وَفِي بَعْضِ نُسَخِ النُّقَايَةِ: وَالتَّشَهُّدَانِ، بِلَفْظِ التَّثْنِيَةِ لِلْمُوَاظَبَةِ الدَّالَّةِ عَلَى الْوُجُوبِ «وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِابْنِ مَسْعُودٍ قُلْ: التَّحِيَّاتُ» مِنْ غَيْرِ تَفْرِقَةٍ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي وَاخْتَارَ جَمَاعَةٌ سُنِّيَّةَ التَّشَهُّدِ فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى لِلْفَرْقِ بَيْنَ الْقَعْدَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْأَخِيرَةَ لَمَّا كَانَتْ فَرْضًا كَانَ تَشَهُّدُهَا وَاجِبًا وَالْأُولَى لَمَّا كَانَتْ وَاجِبَةً كَانَ تَشَهُّدُهَا سُنَّةً، وَأُجِيبَ بِمَنْعِ الْمُلَازَمَةِ فَإِنَّ التَّشَهُّدَ إنَّمَا هُوَ ذِكْرٌ مَشْرُوعٌ فِي حَالَةٍ مَخْصُوصَةٍ وَاظَبَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْقَعْدَتَيْنِ فَلِذَا كَانَ الْوُجُوبُ فِيهِمَا ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَالذَّخِيرَةِ وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ فِي بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ، وَإِنْ كَانَ سَكَتَ عَنْهُ فِي بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ فَقَوْلُ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ إنَّ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ جَعَلَهُ سُنَّةً غَيْرُ صَحِيحٍ وَغَفْلَةٌ عَنْ تَصْرِيحِهِ بِهِ فِي ذَلِكَ الْبَابِ وَلَعَلَّ صَاحِبَ الْكِتَابِ إنَّمَا لَمْ يَأْتِ بِالتَّثْنِيَةِ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّ كُلَّ تَشَهُّدٍ يَكُونُ فِي الصَّلَاةِ فَهُوَ وَاجِبٌ سَوَاءٌ كَانَ اثْنَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ كَمَا عَلِمْته فِي الْقُعُودِ. (قَوْلُهُ وَلَفْظُ السَّلَامِ) لِلْمُوَاظَبَةِ عَلَيْهِ وَذَهَبَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ إلَى افْتِرَاضِهِ حَتَّى قَالَ النَّوَوِيُّ لَوْ أَخَلَّ بِحَرْفٍ مِنْ حُرُوفِ " السَّلَامُ عَلَيْكُمْ " لَمْ تَصِحَّ كَمَا قَالَ: " السَّلَامُ عَلَيْك " أَوْ " سَلَامِي عَلَيْكُمْ " لِمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ عَنْ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا «مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطَّهُورُ وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ» وَلَنَا مَا فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ بَعْدَ أَنْ عَلَّمَهُ التَّشَهُّدَ: «إذَا قُلْتُ: هَذَا أَوْ فَعَلْت هَذَا فَقَدْ قَضَيْت صَلَاتَك إنْ شِئْت أَنْ تَقُومَ فَقُمْ، وَإِنْ شِئْت أَنْ تَقْعُدَ فَاقْعُدْ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَأَطْلَقَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ اسْمَ السُّنَّةِ عَلَيْهِ، وَهُوَ لَا يُنَافِي الْوُجُوبَ، وَالْخُرُوجُ مِنْ الصَّلَاةِ يَحْصُلُ عِنْدَنَا بِمُجَرَّدِ لَفْظِ السَّلَامِ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قَوْلِهِ: عَلَيْكُمْ، وَفِي قَوْلِهِ لَفْظُ السَّلَامِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الِالْتِفَاتَ بِهِ يَمِينًا وَيَسَارًا لَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَإِنَّمَا هُوَ سُنَّةٌ عَلَى مَا سَيَأْتِي وَإِلَى أَنَّ الْوَاجِبَ السَّلَامُ فَقَطْ دُونَ عَلَيْكُمْ وَإِلَى أَنَّ لَفْظًا آخَرَ لَا يَقُومُ مَقَامَهُ، وَلَوْ كَانَ بِمَعْنَاهُ حَيْثُ كَانَ قَادِرًا عَلَيْهِ بِخِلَافِ التَّشَهُّدِ فِي الصَّلَاةِ حَيْثُ لَا يَخْتَصُّ بِلَفْظِ الْعَرَبِيِّ بَلْ يَجُوزُ بِأَيِّ لِسَانٍ كَانَ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الْعَرَبِيِّ وَلِذَا لَمْ يَقُلْ: وَلَفْظُ التَّشَهُّدِ، وَقَالَ: وَلَفْظُ السَّلَامِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: وَإِصَابَةُ لَفْظِ السَّلَامِ. لَكِنَّ هَذِهِ الْإِشَارَةَ يُخَالِفُهَا صَرِيحُ الْمَنْقُولِ فَإِنَّهُ سَيَأْتِي أَنَّ الشَّارِحَ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ أَنَّ السَّلَامَ لَا يَخْتَصُّ بِلَفْظِ الْعَرَبِيِّ. (قَوْلُهُ وَقُنُوتُ الْوِتْرِ) أَيْ قِرَاءَةُ الْقُنُوتِ فِي الْوِتْرِ وَاجِبَةٌ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَهُوَ سُنَّةٌ كَنَفْسِ صَلَاةِ الْوِتْرِ وَاسْتُدِلَّ لِوُجُوبِهِ بِأَنَّهُ يُضَافُ إلَى الصَّلَاةِ فَيُقَالُ قُنُوتُ الْوِتْرِ فَدَلَّ أَنَّهُ مِنْ خَصَائِصِهِ، وَهُوَ إمَّا بِالْوُجُوبِ أَوْ بِالْفَرْضِ وَانْتَفَى الثَّانِي فَتَعَيَّنَ الْأَوَّلُ، وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ فَإِنَّ هَذِهِ الْإِضَافَةَ لَمْ تُسْمَعْ مِنْ الشَّارِعِ حَتَّى تُفِيدَ الِاخْتِصَاصَ، وَاسْتَدَلَّ بَعْضُهُمْ بِمَا رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُولُ فِي آخِرِ وِتْرِهِ «اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِرِضَاك مِنْ سَخَطِك وَبِمُعَافَاتِك مِنْ عُقُوبَتِك وَأَعُوذُ بِك مِنْك لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْك أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْت عَلَى نَفْسِك» فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي الْمُوَاظَبَةِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى الْمَطْلُوبِ وَسَيَأْتِي شَيْءٌ مِنْهُ فِي بَابِهِ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالْقُنُوتِ الدُّعَاءُ وَلَا يَخْتَصُّ بِلَفْظٍ حَتَّى قَالَ بَعْضُهُمْ: الْأَفْضَلُ أَنْ لَا يُؤَقِّتَ دُعَاءً وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِهِ إلَّا الدُّعَاءَ الْمَعْرُوفَ اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَعِينُك إلَى آخِرِهِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ دَعَا بِغَيْرِهِ جَازَ   [منحة الخالق] مِنْ سَبْقِ الْحَدَثِ لَوْ اسْتَخْلَفَ الْمُسَافِرُ مُقِيمًا حِينَ سَبَقَهُ الْحَدَثُ كَانَتْ الْقَعْدَةُ الْأُولَى فَرْضًا فِي حَقِّهِ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ هَذَا عَارِضٌ (قَوْلُهُ فَقَوْلُ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ إلَخْ) قَالَ فِي الْكَافِي، وَأَمَّا وُجُوبُ التَّشَهُّدِ فِي الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ فَفِي الْهِدَايَةِ عِنْدَ عَدِّ الْوَاجِبَاتِ وَقِرَاءَةِ التَّشَهُّدِ فِي الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ وَهَذَا التَّقْيِيدُ يُؤْذِنُ بِأَنَّ قِرَاءَتَهُ فِي الْأُولَى لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ إذْ التَّخْصِيصُ فِي الرِّوَايَاتِ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ مَا عَدَاهُ، يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ أَوَّلَ الْكِتَابِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: جَازَ الْوُضُوءُ، مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ يُشِيرُ إلَى تَنَجُّسِ الْمَاءِ مَوْضِعَ الْوُقُوعِ، وَقَالَ فِي بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ ثُمَّ ذِكْرُ التَّشَهُّدِ يَحْتَمِلُ الْقَعْدَةَ الْأُولَى وَالثَّانِيَةَ وَالْقِرَاءَةَ فِيهِمَا وَكُلُّ ذَلِكَ وَاجِبٌ، وَهُوَ تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ وَاجِبٌ، وَفِيهِ اخْتِلَافٌ وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ وَاجِبٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ سُنَّةً، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْبَعْضِ وَكَانَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ مَالَ إلَى هَذَا الْقَوْلِ، وَفِي بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ إلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ اهـ كَذَا فِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ وَبِهِ يَظْهَرُ أَنَّهُ لَا غَفْلَةَ مِنْ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ بِنَاءُ كَلَامِهِ عَلَى مَا قَالَهُ فِي الْكَافِي (قَوْلُهُ وَإِلَى أَنَّ لَفْظًا آخَرَ) إلَى قَوْلِهِ لَا يَخْتَصُّ بِلَفْظِ الْعَرَبِيِّ هَذِهِ الْعِبَارَةُ سَاقِطَةٌ مِنْ بَعْضِ النُّسَخِ وَمَوْجُودَةٌ فِي بَعْضِهَا [الْقُنُوتِ فِي الْوِتْرِ] (قَوْلُهُ وَإِنَّ الْمُرَادَ بِالْقُنُوتِ الدُّعَاءُ) مَعْطُوفٌ عَلَى شَيْءٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 318 وَلِهَذَا: قَالُوا مَنْ لَا يُحْسِنُ الْقُنُوتَ الْمَعْرُوفَ يَقُولُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي. (قَوْلُهُ وَتَكْبِيرَاتُ الْعِيدَيْنِ) أَيْ وَالتَّكْبِيرَاتُ الزَّوَائِدُ فِي صَلَاتَيْ الْعِيدَيْنِ وَهِيَ ثَلَاثٌ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَاسْتُدِلَّ لِلْوُجُوبِ بِالْإِضَافَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَفِيهِ مِنْ الْبَحْثِ مَا قَدَّمْنَاهُ وَذَكَرَ فِي الْفَتْحِ الْقَدِيرِ: أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَسْتَدِلَّ عَلَى وُجُوبِ الْأَذْكَارِ الْمَذْكُورَةِ بِالْمُوَاظَبَةِ الْمَقْرُونَةِ بِالتَّرْكِ فِي التَّشَهُّدِ لِلنِّسْيَانِ فَلَا يُلْحَقُ بِالْمُبَيَّنِ أَعْنِي الصَّلَاةَ لِيَكُونَ فَرْضًا، أَمَّا فِي قُنُوتِ الْوِتْرِ وَتَكْبِيرَاتِ الْعِيدَيْنِ فَلِأَنَّ أَصْلَهُمَا بِظَنِّيٍّ فَلَا تَكُونُ الْمُوَاظَبَةُ فِيهِمَا مُحْتَاجَةً إلَى الِاقْتِرَانِ بِالتَّرْكِ لِيَثْبُتَ بِهِ الْوُجُوبُ، وَالْمُوَاظَبَةُ فِي السَّلَامِ مُعَارَضَةٌ بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ فَلَمْ يَتَحَقَّقْ بَيَانًا لِمَا تَقَرَّرَ جُزْءًا لِلصَّلَاةِ اهـ. وَظَاهِرَةُ ثُبُوتِ الْمُوَاظَبَةِ عَلَى الْقُنُوتِ وَتَكْبِيرَاتِ الزَّوَائِدِ مِنْ غَيْرِ تَرْكٍ حَتَّى أَثْبَتَ بِهَا الْوُجُوبَ، وَقَدْ نَازَعَ هُوَ فِي ذَلِكَ فِي بَابِ صَلَاةِ الْوِتْرِ بِأَنَّ الْوَارِدَ مُطْلَقُ الْمُوَاظَبَةِ أَعَمُّ مِنْ الْمَقْرُونَةِ بِالتَّرْكِ أَحْيَانًا وَغَيْرِ الْمَقْرُونَةِ، وَلَا دَلَالَةَ لِلْأَعَمِّ عَلَى الْأَخَصِّ وَإِلَّا لَوَجَبَ الْكَلِمَاتُ الْوَارِدَةُ عَيْنًا أَوْ كَانَتْ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهَا وَذُكِرَ فِي الْمُسْتَصْفَى أَنَّ مِنْ الْوَاجِبَاتِ رِعَايَةُ لَفْظِ التَّكْبِيرِ فِي تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ إذَا قَالَ: اللَّهُ أَجَلُّ أَوْ أَعْظَمُ يَعْنِي سَاهِيًا بِخِلَافِ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ. اهـ. وَسَيَأْتِي بَيَانُ الْخِلَافِ فِي مُرَاعَاةِ لَفْظِ التَّكْبِيرِ لِلِافْتِتَاحِ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَأَنَّ الرَّاجِحَ وُجُوبُهَا فَحِينَئِذٍ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعِيدِ وَغَيْرِهَا، وَمِنْ الْوَاجِبَاتِ تَكْبِيرَةُ الْقُنُوتِ وَتَكْبِيرَةُ الرُّكُوعِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ صَلَاتَيْ الْعِيدَيْنِ ذَكَرَهُمَا الشَّارِحُ فِي بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ. [الْجَهْرُ وَالْإِسْرَارُ فِي الصَّلَاةِ] (قَوْلُهُ وَالْجَهْرُ وَالْإِسْرَارُ فِيمَا يُجْهَرُ وَيُسَرُّ) لِلْمُوَاظَبَةِ عَلَى ذَلِكَ أَطْلَقَهُ اعْتِمَادًا عَلَى مَا يُبَيِّنُهُ فِي مَحَلِّهِ مِنْ أَنَّ الْمُنْفَرِدَ مُخَيَّرٌ فِيمَا يَجْهَرُ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْإِخْفَاءَ فِي صَلَاةِ الْمُخَافَتَةِ وَاجِبٌ عَلَى الْمُصَلِّي إمَامًا كَانَ أَوْ مُنْفَرِدًا وَهِيَ صَلَاةُ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالرَّكْعَةُ الثَّالِثَةُ مِنْ الْمَغْرِبِ وَالْأُخْرَيَانِ مِنْ صَلَاةِ الْعِشَاءِ وَصَلَاةُ الْكُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ، وَهُوَ وَاجِبٌ عَلَى الْإِمَامِ اتِّفَاقًا وَعَلَى مُنْفَرِدٍ عَلَى الْأَصَحِّ، وَأَمَّا الْجَهْرُ فِي الصَّلَاةِ الْجَهْرِيَّةِ فَوَاجِبٌ عَلَى الْإِمَامِ فَقَطْ، وَهُوَ أَفْضَلُ فِي حَقِّ الْمُنْفَرِدِ وَهِيَ صَلَاةُ الصُّبْحِ وَالرَّكْعَتَانِ الْأُولَيَانِ مِنْ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَصَلَاةِ الْعِيدَيْنِ وَالتَّرَاوِيح وَالْوِتْرِ فِي رَمَضَانَ. (قَوْلُهُ وَسُنَنُهَا رَفْعُ الْيَدَيْنِ لِلتَّحْرِيمَةِ) لِلْمُوَاظَبَةِ وَهِيَ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ غَيْرِ تَرْكٍ تُفِيدُ الْوُجُوبَ لَكِنْ إذَا لَمْ يَكُنْ مَا يُفِيدُ أَنَّهَا لَيْسَتْ لِحَامِلِ الْوُجُوبِ، وَقَدْ وُجِدَ، وَهُوَ تَعْلِيمُهُ الْأَعْرَابِيَّ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ تَأْوِيلٍ، وَتَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ لَا يَجُوزُ، عَلَى أَنَّهُ حُكِيَ فِي الْخُلَاصَةِ خِلَافًا فِي تَرْكِهِ: قِيلَ يَأْثَمُ، وَقِيلَ لَا، قَالَ وَالْمُخْتَارُ إنْ اعْتَادَهُ أَثِمَ لَا إنْ كَانَ أَحْيَانًا. اهـ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَجْعَلَ شِقَّيْ هَذَا الْقَوْلِ مَحْمَلَ الْقَوْلَيْنِ فَلَا اخْتِلَافَ حِينَئِذٍ وَلَا إثْمَ لِنَفْسِ التَّرْكِ بَلْ لِأَنَّ اعْتِيَادَهُ لِلِاسْتِخْفَافِ وَإِلَّا فَمُشْكِلٌ أَوْ يَكُونُ وَاجِبًا. اهـ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْأَثِمَ مَنُوطٌ بِتَرْكِ الْوَاجِبِ أَوْ السُّنَّةِ الْمُؤَكَّدَةِ عَلَى الصَّحِيحِ لِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّ مَنْ تَرَكَ سُنَنَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ قِيلَ لَا يَأْثَمُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَأْثَمُ ذَكَرَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَتَصْرِيحِهِمْ بِالْإِثْمِ لِمَنْ تَرَكَ الْجَمَاعَةَ مَعَ أَنَّهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ، وَكَذَا فِي نَظَائِرِهِ لِمَنْ تَتَبَّعَ كَلَامَهُمْ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْأَثِمَ مَقُولٌ بِالتَّشْكِيكِ بَعْضُهُ أَشَدُّ مِنْ بَعْضٍ فَالْإِثْمُ لِتَارِكِ السُّنَّةِ الْمُؤَكَّدَةِ أَخَفُّ مِنْ الْإِثْمِ لِتَارِكِ الْوَاجِبِ، وَلِهَذَا قِيلَ فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: ثُمَّ الْمُرَادُ بِالْإِثْمِ عَلَى هَذَا إثْمٌ يَسِيرٌ كَمَا هُوَ حُكْمُ هَذِهِ السُّنَّةِ الْمُوَاظَبِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهَا عَلَى مَا ذَكَرَهُ صَدْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ اهـ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْقَائِلَ بِالْإِثْمِ فِي تَرْكِ الرَّفْعِ بَنَاهُ عَلَى أَنَّهُ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى فَهُوَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَالْقَائِلُ بِعَدَمِهِ بَنَاهُ عَلَى أَنَّهُ مِنْ سُنَنِ الزَّوَائِدِ بِمَنْزِلَةِ الْمُسْتَحَبِّ، وَقَدْ قَالَ فِي   [منحة الخالق] [تَكْبِير الْعِيدَيْنِ] (قَوْلُهُ: وَهُوَ أَفْضَلُ فِي حَقِّ الْمُنْفَرِدِ) مَحَلُّهُ فِي الْأَدَاءِ أَمَّا الْقَضَاءُ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمُنْفَرِدِ أَنْ يُخَافِتَ فِيهِ إذَا قَضَاهُ فِي وَقْتِ الْمُخَافَتَةِ كَمَا فِي الْمِنَحِ عَنْ السِّرَاجِ لَكِنْ سَيَأْتِي فِي الْمَتْنِ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ وَيَأْتِي تَصْحِيحُهُ أَيْضًا [سُنَنُ الصَّلَاة] (قَوْلُهُ لَكِنْ إذَا لَمْ يَكُنْ مَا يُفِيدُ إلَخْ) أَيْ أَنَّ الْمُوَاظَبَةَ مِنْ غَيْرِ تَرْكٍ تُفِيدُ الْوُجُوبَ لَكِنْ لَا مُطْلَقًا بَلْ تُفِيدُهُ إذَا لَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ يُفِيدُ أَنَّ تِلْكَ الْمُوَاظَبَةَ لَيْسَتْ لِأَجْلِ حَامِلٍ عَلَيْهَا هُوَ الْوُجُوبُ وَهُنَا قَدْ وُجِدَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَامِلَ عَلَيْهَا غَيْرُ الْوُجُوبِ (قَوْلُهُ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَيَنْبَغِي إلَخْ) أَيْ بِأَنْ يَجْعَلَ الشِّقَّ الْأَوَّلَ مِنْ الْقَوْلِ الْمُخْتَارِ مَحْمَلَ الْقَوْلِ بِالْإِثْمِ وَالشِّقَّ الثَّانِيَ مَحْمَلَ الْقَوْلِ بِعَدَمِهِ (قَوْلُهُ وَتَصْرِيحُهُمْ بِالْإِثْمِ لِمَنْ تَرَكَ الْجَمَاعَةَ) أَقُولُ: سَنَنْقُلُ فِي بَابِ الْإِمَامَةِ عَنْ النَّهْرِ أَنَّ الْخُرَاسَانِيِّينَ عَلَى أَنَّهُ يَأْثَمُ إذَا اعْتَادَ التَّرْكَ وَسَيَأْتِي أَيْضًا أَنَّ الْحَلَبِيَّ وَفَّقَ بَيْنَ الْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ وَالْقَوْلِ بِالسُّنِّيَّةِ بِالْمُوَاظَبَةِ وَالْإِتْيَانِ أَحْيَانًا فَالْأُولَى سُنَّةٌ وَالثَّانِيَةُ وَاجِبَةٌ وَعَلَى هَذَا فَالْفَرْقُ بَيْنَ الْوَاجِبِ وَالسُّنَّةِ ظَاهِرٌ، وَلَكِنْ يَحْتَاجُ إلَى أَنَّ الْإِثْمَ بِالْمُدَاوَمَةِ عَلَى تَرْكِهَا دُونَ الْإِثْمِ بِالْمُدَاوَمَةِ عَلَى تَرْكِ الْوَاجِبِ (قَوْلُهُ فَالْإِثْمُ لِتَارِكِ السُّنَّةِ الْمُؤَكَّدَةِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْكَشْفِ الْكَبِيرِ مَعْزِيًّا إلَى أُصُولِ أَبِي الْيُسْرِ حُكْمُ السُّنَّةِ أَنْ يُنْدَبَ إلَى تَحْصِيلِهَا وَيُلَامَ عَلَى تَرْكِهَا مَعَ لُحُوقِ إثْمٍ يَسِيرٍ، وَكَوْنُ الِاعْتِيَادِ لِلِاسْتِخْفَافِ يُوجِبُ إثْمًا فَقَطْ فِيهِ نَظَرٌ فَفِي الْبَزَّازِيَّةِ لَوْ لَمْ يَرَ السُّنَّةَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 319 الذَّخِيرَةِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْإِثْمِ فَإِنَّهُ قَالَ: إنْ تَرَكَ رَفْعَ الْيَدَيْنِ جَازَ، وَإِنْ رَفَعَ فَهُوَ أَفْضَلُ اهـ. وَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ وَنَشْرُ أَصَابِعِهِ) وَكَيْفِيَّتُهُ أَنْ لَا يَضُمَّ كُلَّ الضَّمِّ وَلَا يُفَرِّجُ كُلَّ التَّفْرِيجِ بَلْ يَتْرُكُهَا عَلَى حَالِهَا مَنْشُورَةً كَذَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّشْرِ عَدَمُ الطَّيِّ بِمَعْنَى أَنَّهُ يُسَنُّ أَنْ يَرْفَعَهُمَا مَنْصُوبَتَيْنِ لَا مَضْمُومَتَيْنِ حَتَّى تَكُونَ الْأَصَابِعُ مَعَ الْكَفِّ مُسْتَقْبِلَةً لِلْقِبْلَةِ وَمِنْ السُّنَنِ أَنْ لَا يُطَأْطِئَ رَأْسَهُ عِنْدَ التَّكْبِيرِ كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ، وَهُوَ بِدْعَةٌ (قَوْلُهُ وَجَهْرُ الْإِمَامِ بِالتَّكْبِيرِ) لِحَاجَتِهِ إلَى الْإِعْلَامِ بِالدُّخُولِ وَالِانْتِقَالِ. قَيَّدَ بِالْإِمَامِ لِأَنَّ الْمَأْمُومَ وَالْمُنْفَرِدَ لَا يُسَنُّ لَهُمَا الْجَهْرُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الذِّكْرِ الْإِخْفَاءُ وَلَا حَاجَةَ لَهُمَا إلَى الْجَهْرِ (قَوْلُهُ وَالثَّنَاءُ وَالتَّعَوُّذُ وَالتَّسْمِيَةُ وَالتَّأْمِينُ سِرًّا) لِلنَّقْلِ الْمُسْتَفِيضِ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ، وَقَوْلُهُ سِرًّا رَاجِعٌ إلَى الْأَرْبَعَةِ (قَوْلُهُ وَوَضْعُ يَمِينِهِ عَلَى يَسَارِهِ تَحْتَ سُرَّتِهِ) لِمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٌ أَنَّهُ قَالَ: «ثُمَّ وَضَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى» فَانْتَفَى بِهِ قَوْلُ مَالِكٍ بِالْإِرْسَالِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ مَحَلُّهُ مَا فَوْقَ السُّرَّةِ تَحْتَ الصَّدْرِ وَاسْتَدَلَّ لَهُ النَّوَوِيُّ بِمَا فِي صَحِيحِ ابْنِ خُزَيْمَةَ عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٌ «قَالَ صَلَّيْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى يَدِهِ الْيُسْرَى عَلَى صَدْرِهِ» وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا يُطَابِقُ الْمُدَّعَى، وَاسْتَدَلَّ مَشَايِخُنَا عَنْ النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «ثَلَاثٌ مِنْ سُنَن الْمُرْسَلِينَ وَذَكَرَ مِنْ جُمْلَتِهَا وَضْعَ الْيَمِينِ عَلَى الشِّمَالِ تَحْتَ السُّرَّةِ» لَكِنَّ الْمُخَرِّجِينَ لَمْ يَعْرِفُوا فِيهِ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا تَحْتَ السُّرَّةِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِي تَوْجِيهِ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الثَّابِتَ مِنْ السُّنَّةِ وَضْعُ الْيَمِينِ عَلَى الشِّمَالِ وَلَمْ يَثْبُتْ حَدِيثٌ يُوجِبُ تَعْيِينَ الْمَحَلِّ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ الْوَضْعُ مِنْ الْبَدَنِ إلَّا حَدِيثَ وَائِلٍ الْمَذْكُورَ، وَهُوَ مَعَ كَوْنِهِ وَاقِعَةَ حَالٍ لَا عُمُومَ لَهَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِبَيَانِ الْجَوَازِ فَيُحَالُ فِي ذَلِكَ كَمَا قَالَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ عَلَى الْمَعْهُودِ مِنْ وَضْعِهَا حَالَ قَصْدِ التَّعْظِيمِ فِي الْقِيَامِ، وَالْمَعْهُودُ فِي الشَّاهِدِ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ تَحْتَ السُّرَّةِ فَقُلْنَا بِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فِي حَقِّ الرَّجُلِ بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ فَإِنَّهَا تَضَعُ عَلَى صَدْرِهَا؛ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهَا فَيَكُونُ فِي حَقِّهَا أَوْلَى (قَوْلُهُ وَتَكْبِيرُ الرُّكُوعِ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُكَبِّرُ عِنْدَ كُلِّ رَفْعٍ وَخَفْضٍ» (وَقَوْلُهُ وَالرَّفْعُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الرُّكُوعِ، وَهُوَ بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى التَّكْبِيرَةِ وَلَا يَجُوزُ جَرُّهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُكَبِّرُ عِنْدَ الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ، وَإِنَّمَا يَأْتِي بِالتَّسْمِيعِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ الْوُجُوبُ لَا السُّنِّيَّةُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ (قَوْلُهُ وَتَسْبِيحُهُ ثَلَاثًا) أَيْ تَسْبِيحُ الرُّكُوعِ (قَوْلُهُ وَأَخْذُ رُكْبَتَيْهِ بِيَدَيْهِ وَتَفْرِيجُ أَصَابِعِهِ) لِحَدِيثِ أَنَسٍ «إذَا رَكَعْت فَضَعْ يَدَيْك عَلَى رُكْبَتَيْك وَفَرِّجَ بَيْنَ أَصَابِعِك» (قَوْلُهُ وَتَكْبِيرُ السُّجُودِ) لِمَا رَوَيْنَا قَالَ الشَّارِحُ، وَلَوْ قَالَ: وَتَكْبِيرُ السُّجُودِ وَالرَّفْعُ مِنْهُ كَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ التَّكْبِيرَ عِنْدَ الرَّفْعِ مِنْهُ سُنَّةٌ، وَكَذَا الرَّفْعُ نَفْسُهُ سُنَّةٌ اهـ. لَكِنَّ اسْتِفَادَةَ الْحُكْمَيْنِ مِنْ قَوْلِهِ وَالرَّفْعُ مِنْهُ مَحَلُّ نَظَرٍ؛ لِأَنَّهُ إنْ   [منحة الخالق] حَقًّا كَفَرَ لِأَنَّهُ اسْتِخْفَافٌ (قَوْلُهُ لَا يَجُوزُ زَجْرُهُ إلَخْ) قَالَ بَعْضُهُمْ يُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ بِالتَّكْبِيرِ ذِكْرٌ هُوَ تَعْظِيمُ اللَّهِ تَعَالَى سَوَاءٌ كَانَ بِلَفْظِ التَّكْبِيرِ أَوْ لَمْ يَكُنْ جَمْعًا بَيْنَ الرِّوَايَاتِ اهـ. أَيْ لِيَشْمَلَ رِوَايَتَيْ التَّسْمِيعِ وَالتَّكْبِيرِ عِنْدَ الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ وَسَيَأْتِي فِي الْفَصْلِ ذِكْرُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَنْ الْمُحِيطِ وَرَوْضَةِ النَّاطِفِيِّ وَلِذَا قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: وَاقْتَصَرَ الْكَرْمَانِيُّ عَلَى إعْرَابِهِ بِالْجَرِّ وَمَشَى عَلَى أَنْ يَكُونَ تَكْبِيرُ الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ مِنْ السُّنَنِ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «كَانَ يُكَبِّرُ عِنْدَ كُلِّ رَفْعٍ وَخَفْضٍ» ، وَقَدْ نُقِلَ تَوَاتُرُ الْعَمَلِ بِهِ بَعْدَهُ وَلَكِنَّ الْعَمَلَ بِهِ تُرِك فِي زَمَانِنَا. اهـ. وَسَيَأْتِي تَأْوِيلُ الْحَدِيثِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّكْبِيرِ الذِّكْرُ الَّذِي فِيهِ تَعْظِيمٌ كَمَا مَرَّ وَعَلَى هَذَا فَلَوْ فُرِضَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَقْصِدْ الرِّوَايَةَ الثَّانِيَةَ فَلْيَكُنْ الْمُرَادُ بِالتَّكْبِيرِ فِي كَلَامِهِ مَا ذُكِرَ يَشْمَلُ تَكْبِيرَ الرُّكُوعِ وَالتَّسْمِيعَ فِي الرَّفْعِ مِنْهُ رِعَايَةً لِلِاخْتِصَارِ الَّذِي بَنَى كِتَابَهُ عَلَيْهِ وَبِالْجُمْلَةِ فَالْأَنْسَبُ الْجَرُّ لِمَا قُلْنَا وَلِئَلَّا يَلْزَمَ التَّكْرَارُ الْمُنَافِي لِلِاخْتِصَارِ فِي قَوْلِهِ وَالْقَوْمَةُ وَالْجَلْسَةُ، وَدَفْعُهُ بِمَا سَيَأْتِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَوْمَةِ الْقَوْمَةُ مِنْ السُّجُودِ بَعِيدٌ وَمِمَّا يُؤَيِّدُ الْجَرَّ قَوْلُهُ بَعْدَهُ: وَتَسْبِيحِهِ ثَلَاثًا إذْ لَوْ كَانَ الرَّفْعُ مَرْفُوعًا لَكَانَ الْأَوْلَى تَقْدِيمُ قَوْلِهِ: وَتَسْبِيحِهِ عَلَى قَوْلِهِ: وَالرَّفْعُ مِنْهُ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ لَكِنَّ اسْتِفَادَةَ الْحُكْمَيْنِ إلَخْ) قَدْ يَمْنَعُ إرَادَةَ الشَّارِحِ الزَّيْلَعِيِّ اسْتِفَادَةَ الْحُكْمَيْنِ مِمَّا ذُكِرَ يَدُلُّ عَلَيْهِ اقْتِصَارُهُ فِي التَّعْلِيلِ عَلَى قَوْلِهِ لِأَنَّ التَّكْبِيرَ عِنْدَ الرَّفْعِ مِنْهُ سُنَّةٌ، ثُمَّ اسْتِئْنَافُهُ ذِكْرَ الرَّفْعِ بِقَوْلِهِ: وَكَذَا الرَّفْعُ نَفْسُهُ إذْ الْمُتَبَادَرُ مِنْ مِثْلِ هَذَا التَّرْكِيبِ فِي كَلَامِ الْعُلَمَاءِ التَّنْبِيهُ عَلَى أَمْرٍ آخَرَ غَيْرِ مَا ذُكِرَ قَبْلَهُ وَإِلَّا لَقَالَ لِأَنَّ الرَّفْعَ نَفْسَهُ وَالتَّكْبِيرَ عِنْدَهُ سُنَّتَانِ، وَلَوْ سُلِّمَ فَلَا مَانِعَ مِنْ إرَادَةِ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ قِرَاءَتِهِ بِالْوَجْهَيْنِ فَفِي كُلِّ وَجْهٍ يُرَادُ مَعْنَاهُ فَيُسْتَفَادُ الْحُكْمَانِ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ الْوَاحِدِ فِي وَقْتَيْنِ، وَقَدْ وَقَعَ نَظِيرُهُ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ} [الأعراف: 194] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 320 قُرِئَ بِالرَّفْعِ أَفَادَ سُنِّيَّةَ أَصْلِ الرَّفْعِ، وَإِنْ قُرِئَ بِالْجَرِّ أَفَادَ سُنِّيَّةَ التَّكْبِيرِ عِنْدَ الرَّفْعِ، وَأَمَّا اسْتَفَادَتُهُمَا مِنْهُ فَلَا، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الرَّفْعَ مِنْهُ فَرْضٌ، وَجْهُ الظَّاهِرِ: أَنَّ الْمَقْصُودَ الِانْتِقَالُ، وَهُوَ يَتَحَقَّقُ بِدُونِهِ بِأَنْ يَسْجُدَ عَلَى وِسَادَةٍ، ثُمَّ تُنْزَعَ وَيَسْجُدَ عَلَى الْأَرْضِ ثَانِيًا قَالَ الشَّارِحُ وَلَكِنْ لَا يُتَصَوَّرُ هَذَا إلَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ لَا يَشْتَرِطُ الرَّفْعَ حَتَّى يَكُونَ أَقْرَبَ إلَى الْجُلُوسِ (قَوْلُهُ وَتَسْبِيحُهُ ثَلَاثًا) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى ثَلَاثًا» (قَوْلُهُ وَوَضَعَ يَدَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ) يَعْنِي حَالَةَ السُّجُودِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَافْتِرَاشُ رِجْلِهِ الْيُسْرَى وَنَصْبُ الْيُمْنَى وَالْقَوْمَةُ وَالْجِلْسَةُ) تَقَدَّمَ أَنَّ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ وُجُوبُهُمَا، وَفِي قَوْلِهِ الْقَوْمَةُ نَوْعُ إشْكَالٍ فَإِنَّهُ قَدْ ذُكِرَ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَرِيبٍ أَنَّ الرَّفْعَ مِنْ الرُّكُوعِ سُنَّةٌ، وَهُوَ الْقَوْمَةُ فَيَكُونُ تَكْرَارًا كَذَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ، وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ أَرَادَ بِالْقَوْمَةِ الْقَوْمَةَ مِنْ السُّجُودِ فَلَا تَكْرَارَ وَالْقَوْمَةُ خِلَافُ الْجِلْسَةِ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَوْ هُوَ قَوْلُ عَامَّةِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إنَّهَا فَرْضٌ تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِتَرْكِهَا، وَقَدْ نَسَبَ قَوْمٌ مِنْ الْأَعْيَانِ الْإِمَامَ الشَّافِعِيَّ فِي هَذَا إلَى الشُّذُوذِ وَمُخَالَفَةِ الْإِجْمَاعِ مِنْهُمْ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ الْمُنْذِرِ وَالْخَطَّابِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ وَهَذِهِ عِبَارَتُهُ: أَجْمَعَ جَمِيعُ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ غَيْرُ وَاجِبَةٍ فِي التَّشَهُّدِ وَلَا سَلَفَ لِلشَّافِعِيِّ فِي هَذَا الْقَوْلِ وَلَا سُنَّةَ يَتَّبِعُهَا اهـ. فَإِنْ تَمَّ هَذَا كَانَ الْإِجْمَاعُ هُوَ الدَّلِيلُ عَلَى السُّنِّيَّةِ لَكِنْ تَعَقَّبَ غَيْرُ وَاحِدٍ دَعْوَى الْإِجْمَاعِ بَعْدَ التَّمَامِ؛ لِأَنَّ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ وَبَعْضِ التَّابِعِينَ مَا يُوَافِقُ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ، وَأَمَّا مُوجِبُ الْأَمْرِ فِي قَوْله تَعَالَى {صَلُّوا عَلَيْهِ} [الأحزاب: 56] فَهُوَ افْتِرَاضُهَا فِي الْعُمْرِ مَرَّةً وَاحِدَةً فِي الصَّلَاةِ أَوْ خَارِجِهَا؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ وَسَيَأْتِي كَيْفِيَّتُهَا وَأَحْكَامُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ وَالدُّعَاءُ) أَيْ لِنَفْسِهِ وَلِوَالِدَيْهِ إنْ كَانَا مُؤْمِنَيْنِ وَلِجَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ لِمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: «ثُمَّ يَتَخَيَّرُ مِنْ الْمَسْأَلَةِ مَا شَاءَ» وَلِمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ مَرْفُوعًا عَنْ أَبِي أُمَامَةَ «قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَيُّ الدُّعَاءِ أَسْمَعُ؟ قَالَ: جَوْفُ اللَّيْلِ الْأَخِيرِ وَدُبُرُ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ» بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِدُبُرِهَا مَا قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْهَا كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ أَيْ الْوَقْتُ الَّذِي يَلِيه وَقْتُ الْخُرُوجِ مِنْهَا؛ لِأَنَّ دُبُرَ كُلِّ شَيْءٍ مِنْهُ وَمُتَّصِلٌ بِهِ، وَقَدْ يُرَادُ بِدُبُرِ الشَّيْءِ وَرَاءَهُ وَعَقِبَهُ كَمَا نَصُّوا عَلَيْهِ أَيْضًا فَيَكُونُ حِينَئِذٍ الْمُرَادُ بِدُبُرِهَا الْوَقْتَ الَّذِي يَلِي وَقْتَ الْخُرُوجِ مِنْهَا لَكِنْ عِنْدَنَا السُّنَّةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الدُّعَاءِ الَّذِي هُوَ عَقِبُ الْفَرَاغِ. (قَوْلُهُ وَآدَابُهَا نَظَرُهُ إلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ) أَيْ فِي حَالِ الْقِيَامِ، وَأَمَّا فِي حَالَةِ الرُّكُوعِ فَإِلَى ظَهْرِ قَدَمَيْهِ، وَفِي سُجُودِهِ إلَى أَرْنَبَتِهِ، وَفِي قُعُودِهِ إلَى حِجْرِهِ وَعِنْدَ التَّسْلِيمَةِ الْأُولَى إلَى مَنْكِبِهِ الْأَيْمَنِ وَعِنْدَ الثَّانِيَةِ إلَى مَنْكِبِهِ الْأَيْسَرِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْخُشُوعُ (قَوْلُهُ وَكَظْمُ فَمِهِ عِنْدَ التَّثَاؤُبِ) أَيْ إمْسَاكُ فَمِهِ، وَالْمُرَادُ بِهِ سَدُّهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «التَّثَاؤُبُ فِي الصَّلَاةِ مِنْ الشَّيْطَانِ فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلِيَكْظِمْ مَا اسْتَطَاعَ» ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ غَطَّاهُ بِيَدِهِ أَوْ كُمِّهِ لِلْحَدِيثِ (قَوْلُهُ وَإِخْرَاجُ كَفَّيْهِ مِنْ كُمَّيْهِ عِنْدَ التَّكْبِيرِ) ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى التَّوَاضُعِ وَأَبْعَدُ مِنْ التَّشَبُّهِ بِالْجَبَابِرَةِ وَأَمْكَنُ مِنْ نَشْرِ الْأَصَابِعِ إلَّا لِضَرُورَةِ بَرْدٍ وَنَحْوِهِ (قَوْلُهُ وَدَفْعُ السُّعَالِ مَا اسْتَطَاعَ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ، وَلِهَذَا لَوْ كَانَ بِغَيْرِ عُذْرٍ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ فَيَجْتَنِبُهُ مَا أَمْكَنَ (قَوْلُهُ وَالْقِيَامُ حِينَ قِيلَ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ) ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ بِهِ فَيُسْتَحَبُّ الْمُسَارَعَةُ إلَيْهِ، أَطْلَقَهُ، فَشَمِلَ الْإِمَامَ وَالْمَأْمُومَ إنْ كَانَ الْإِمَامُ بِقُرْبِ الْمِحْرَابِ وَإِلَّا فَيَقُومُ كُلُّ صَفٍّ يَنْتَهِي إلَيْهِ الْإِمَامُ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ، وَإِنْ دَخَلَ مِنْ قُدَّامٍ وَقَفُوا حِينَ يَقَعُ بَصَرُهُمْ عَلَيْهِ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْمُؤَذِّنُ غَيْرَ الْإِمَامِ، فَإِنْ كَانَ وَاحِدًا أَوْ أَقَامَ فِي الْمَسْجِدِ فَالْقَوْمُ لَا يَقُومُونَ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ إقَامَتِهِ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ (قَوْلُهُ وَشُرُوعُ الْإِمَامِ مُذْ قِيلَ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ   [منحة الخالق] قُرِئَ بِتَشْدِيدِ إنَّ وَتَخْفِيفِهَا وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمَعْنَيَيْنِ مُخْتَلِفَانِ لِأَنَّ الْمَعْنَى عَلَى التَّشْدِيدِ الْإِثْبَاتُ وَعَلَى التَّخْفِيفِ النَّفْيُ وَمَوْرِدُ الْإِثْبَاتِ وَالنَّفْيِ مُخْتَلِفٌ كَمَا قُرِّرَ فِي كُتُبِ التَّفْسِيرِ وَلَا يُقَالُ إنْ قُرِئَ بِالتَّشْدِيدِ أَفَادَ مَعْنًى، وَإِنْ قُرِئَ بِالتَّخْفِيفِ أَفَادَ مَعْنًى لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ بِانْفِرَادِهِ يُفِيدُ كُلًّا مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ بَلْ الْمُرَادُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَصِحُّ إرَادَتُهُ بِقِرَاءَتِهِ مَا يُنَاسِبُهُ فَقَدْ صَحَّ إرَادَةُ مَعْنَيَيْنِ مُتَغَايِرَيْنِ مِنْ لَفْظٍ صُورَتُهُ فِي الرَّسْمِ وَاحِدَةٌ وَمِثْلُهُ مَا إذَا اتَّحَدَ اللَّفْظُ وَاخْتَلَفَ التَّقْدِيرُ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} [النساء: 127] يَصِحُّ التَّقْدِيرُ مِنْ: أَنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 321 وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَشْرَعُ إذَا فَرَغَ مِنْ الْإِقَامَةِ مُحَافَظَةً عَلَى فَضِيلَةِ مُتَابَعَةِ الْمُؤَذِّنِ وَإِعَانَةً لِلْمُؤَذِّنِ عَلَى الشُّرُوعِ مَعَهُ، وَلَهُمَا: أَنَّ الْمُؤَذِّنَ أَمِينٌ، وَقَدْ أَخْبَرَ بِقِيَامِ الصَّلَاةِ فَيَشْرَعُ عِنْدَهُ صَوْنًا لِكَلَامِهِ عَنْ الْكَذِبِ، وَفِيهِ مُسَارَعَةٌ إلَى الْمُنَاجَاةِ، وَقَدْ تَابَعَ الْمُؤَذِّنَ فِي الْأَكْثَرِ فَيَقُومُ مَقَامَ الْكُلِّ عَلَى أَنَّهُمْ قَالُوا: الْمُتَابَعَةُ فِي الْأَذَانِ دُونَ الْإِقَامَةِ. كَذَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا نَقَلْنَاهُ فِي بَابِ الْأَذَانِ أَنَّ إجَابَةَ الْإِقَامَةِ مُسْتَحَبَّةٌ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَلَوْ أَخَّرَ حَتَّى يَفْرُغَ الْمُؤَذِّنُ مِنْ الْإِقَامَةِ لَا بَأْسَ بِهِ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَصْلٌ مَا يَفْعَلهُ مِنْ أَرَادَ الدُّخُولَ فِي الصَّلَاةِ] (فَصْلٌ) هُوَ فِي اللُّغَةِ فَرْقُ مَا بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ، وَفِي الِاصْطِلَاحِ طَائِفَةٌ مِنْ الْمَسَائِلِ الْفِقْهِيَّةِ تَغَيَّرَتْ أَحْكَامُهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا قَبْلَهَا غَيْرُ مُتَرْجَمَةٍ بِالْكِتَابِ وَالْبَابِ (قَوْلُهُ وَإِذَا أَرَادَ الدُّخُولَ فِي الصَّلَاةِ كَبَّرَ) أَيْ تَكْبِيرَةَ الِافْتِتَاحِ قَائِمًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يَكُونُ شَارِعًا بِالنِّيَّةِ عِنْدَ التَّكْبِيرِ لَا بِهِ، وَأَنَّ الْعَاجِزَ عَنْ النُّطْقِ لَا يَلْزَمُهُ تَحْرِيكُ اللِّسَانِ عَلَى الصَّحِيحِ وَمِنْ سُنَنِ التَّكْبِيرِ حَذْفُهُ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَالْمُحِيطِ (قَوْلُهُ وَرَفَعَ يَدَيْهِ حِذَاءَ أُذُنَيْهِ) لِمَا رَوَيْنَاهُ وَلِمَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَنْ أَنَسٍ قَالَ «رَأَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَبَّرَ فَحَاذَى بِإِبْهَامَيْهِ أُذُنَيْهِ» وَمَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إلَى مَنْكِبَيْهِ» فَمَحْمُولٌ عَلَى حَالَةِ الْعُذْرِ حِينَ كَانَتْ عَلَيْهِمْ الْأَكْسِيَةُ وَالْبَرَانِسُ فِي زَمَنِ الشِّتَاءِ كَمَا أَخْبَرَ بِهِ وَائِلُ بْنُ حُجْرٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى مَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ عَنْهُ أَوْ الْمُرَادُ بِمَا رَوَيْنَاهُ: رُءُوسُ الْأَصَابِعِ وَبِالثَّانِي الْأَكُفُّ وَالْأَرْسَاغُ عَمَلًا بِالدَّلَائِلِ بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَاعْتَمَدَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الرَّجُلَ وَالْمَرْأَةَ، قَالُوا: لَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ رَفْعِهَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا كَالرَّجُلِ فِيهِ؛ لِأَنَّ كَفَّيْهَا لَيْسَتَا بِعَوْرَةٍ وَرَوَى ابْنُ مُقَاتِلٍ أَنَّهَا تَرْفَعُ حِذَاءَ مَنْكِبَيْهَا؛ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهَا وَصَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَالْمُرَادُ بِالْمُحَاذَاةِ أَنْ يَمَسَّ بِإِبْهَامَيْهِ شَحْمَتِي أُذُنَيْهِ لِيَتَيَقَّنَ بِمُحَاذَاةِ يَدَيْهِ بِأُذُنَيْهِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي النُّقَايَةِ وَلَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ وَقْتَ الرَّفْعِ؛ لِأَنَّهُ عَبَّرَ بِالْوَاوِ وَهِيَ لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ، وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: الْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَنَّهُ يَرْفَعُ مُقَارِنًا لِلتَّكْبِيرِ، وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ قَوْلًا وَالْمَحْكِيُّ عَنْ الطَّحَاوِيِّ فِعْلًا وَاخْتَارَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَقَاضِي خَانْ وَصَاحِبُ الْخُلَاصَةِ وَالتُّحْفَةِ وَالْبَدَائِعِ وَالْمُحِيطِ حَتَّى قَالَ الْبَقَّالِيُّ هَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا جَمِيعًا وَيَشْهَدُ لَهُ الْمَرْوِيُّ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَنَّهُ كَانَ يُكَبِّرُ عِنْدَ كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ» وَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ مَعَ التَّكْبِيرِ» وَفَسَّرَ قَاضِي خَانْ الْمُقَارَنَةَ بِأَنْ تَكُونَ بُدَاءَتُهُ عِنْدَ بُدَاءَتِهِ وَخَتْمُهُ عِنْدَ خَتْمِهِ. الْقَوْلُ الثَّانِي: وَقْتُهُ قَبْلَ التَّكْبِيرِ، وَنَسَبَهُ فِي الْمَجْمَعِ إلَى أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ إلَى عَامَّةِ عُلَمَائِنَا، وَفِي الْمَبْسُوطِ إلَى أَكْثَرِ مَشَايِخِنَا وَصَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَيَشْهَدُ لَهُ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يَكُونَا حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ كَبَّرَ» . الْقَوْلُ الثَّالِثُ: وَقْتُهُ بَعْدَ التَّكْبِيرِ فَيُكَبِّرُ أَوَّلًا، ثُمَّ يَرْفَعُ يَدَيْهِ وَيَشْهَدُ لَهُ مَا فِي الصَّحِيحِ لِمُسْلِمٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا صَلَّى كَبَّرَ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ» وَرَجَّحَ فِي الْهِدَايَةِ مَا صَحَّحَهُ بِأَنَّ فِعْلَهُ نَفَى الْكِبْرِيَاءَ عَنْ غَيْرِهِ تَعَالَى وَالنَّفْيُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْإِيجَابِ كَكَلِمَةِ الشَّهَادَةِ وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ ذَلِكَ فِي اللَّفْظِ فَلَا يَلْزَمُ فِي غَيْرِهِ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ لَمْ يَدَعْ لُزُومَهُ فِي غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ، فَفِي الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ رِوَايَةٌ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَيُؤْنَسُ بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَ كُلَّ ذَلِكَ وَيَتَرَجَّحُ مِنْ بَيْنِ أَفْعَالِهِ هَذِهِ تَقْدِيمُ الرَّفْعِ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ وَتُحْمَلُ ثُمَّ فِي قَوْلِهِ (ثُمَّ رَفَعَ) عَلَى الْوَاوِ (وَمَعَ) عَلَى مَعْنَى قَبْلُ   [منحة الخالق] تَنْكِحُوهُنَّ لِحُسْنِهِنَّ وَجَمَالِهِنَّ أَوْ عَنْ: أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ لِفَقْرِهِنَّ وَدَمَامَتِهِنَّ فَكَذَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فَتَدَبَّرْ. [آدَابُ الصَّلَاة] (فَصْلٌ فِي بَيَانِ تَرْكِيبِ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ) (قَوْلُهُ وَمِنْ سُنَنِ التَّكْبِيرِ حَذْفُهُ) أَيْ عَدَمُ إطَالَةِ الْقَوْلِ بِهِ كَمَا أُشِيرَ إلَيْهِ فِي الْقَامُوسِ وَفَسَّرَهُ فِي الدُّرَرِ بِأَنْ لَا يَأْتِيَ بِالْمَدِّ فِي هَمْزَةِ (اللَّهِ) وَلَا فِي بَاءِ (أَكْبَرَ) وَلَكِنَّهُ هُنَا غَيْرُ مُرَادٍ لِأَنَّ الْمَدَّ فِي ذَلِكَ مُفْسِدٌ وَعَمْدُهُ كُفْرٌ بَلْ الْمُرَادُ مَا سَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَكَبَّرَ بِلَا مَدٍّ وَرَكَعَ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ حَذْفُهُ مِنْ غَيْرِ تَطْوِيلٍ، وَهُوَ مَعْنَى مَا وَرَدَ التَّكْبِيرُ جَزْمٌ وَحَاصِلُهُ: الْإِمْسَاكُ عَنْ إشْبَاعِ الْحَرَكَةِ وَالتَّعَمُّقِ فِيهِ وَالْإِضْرَابُ عَنْ الْهَمْزَةِ الْمُفْرِطَةِ وَالْمَدِّ الْفَاحِشِ وَيُسْتَحَبُّ أَيْضًا أَنْ لَا يَحْذِفَ الْهَاءَ أَوْ يَمُدَّ اللَّامَ كَمَا ذَكَرَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي دُرِّ الْكُنُوزِ حَيْثُ قَالَ وَإِذَا حَذَفَ الْمُصَلِّي أَوْ الْحَالِفُ أَوْ الذَّابِحُ الْمَدَّ الَّذِي فِي اللَّامِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْجَلَالَةِ أَوْ حَذَفَ الْهَاءَ اُخْتُلِفَ فِي صِحَّةِ تَحْرِيمَتِهِ، وَفِي انْعِقَادِ يَمِينِهِ وَحِلِّ ذَبِيحَتِهِ فَلَا يُتْرَكُ ذَلِكَ احْتِيَاطًا اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ) قَالَ فِي النَّهْرِ: الْمَذْكُورُ فِي السِّرَاجِ أَنَّ الْأَمَةَ كَالرَّجُلِ فِي الرَّفْعِ وَكَالْحُرَّةِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ اهـ. أَقُولُ: عَبَّرَ عَنْهُ فِي الْقُنْيَةِ بِقِيلَ فَقَالَ: تَرْفَعُ الْمَرْأَةُ يَدَيْهَا فِي التَّكْبِيرِ إلَى مَنْكِبَيْهَا حِذَاءَ ثَدْيَيْهَا قِيلَ هُوَ السُّنَّةُ فِي الْحُرَّةِ فَأَمَّا الْأَمَةُ فَكَالرَّجُلِ لِأَنَّ كَفَّهَا لَيْسَتْ بِعَوْرَةٍ اهـ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ الْكَبِيرِ وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ كَفَّ الْحُرَّةِ أَيْضًا لَيْسَ بِعَوْرَةٍ اهـ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْحِلْيَةِ شَرْحِ الْمُنْيَةِ لِابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (قَوْلُهُ وَتُحْمَلُ ثُمَّ إلَخْ) الظَّاهِرُ التَّعْبِيرُ بِأَوْ لِيَكُونَ وَجْهًا آخَرَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 322 ؛ لِأَنَّ الظُّرُوفَ يَنُوبُ بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ تَقْدِيمَ النَّفْيِ فِي كَلِمَةِ الشَّهَادَةِ ضَرُورَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّكَلُّمُ بِالنَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ مَعًا بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ: وَرِوَايَةُ أَنَّهُ كَانَ يَرْفَعُ مَعَ التَّكْبِيرِ نَصٌّ مُحْكَمٌ فِي الْمُقَارَنَةِ، وَرِوَايَةُ أَنَّهُ كَانَ يَرْفَعُ ثُمَّ يُكَبِّرُ وَعَكْسُهُ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ فِيهِ ثُمَّ بِمَعْنَى الْوَاوِ، وَهُوَ يَصْدُقُ عَلَى الْقُرْآنِ كَالتَّرْتِيبِ فَيُحْمَلُ عَلَى الْقُرْآنِ جَمْعًا بَيْنَ الرِّوَايَاتِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَعْكِسْ؛ لِأَنَّ الْمُحْكَمَ رَاجِحٌ عَلَى الْمُحْتَمِلِ كَذَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ، وَفِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ، (ثُمَّ) مَوْضُوعَةٌ لِلتَّرْتِيبِ مَعَ التَّرَاخِي وَاسْتِعْمَالُهَا بِمَعْنَى الْوَاوِ مَجَازٌ فَهِيَ ظَاهِرَةٌ فِي مَعْنَاهَا كَمَا أَنَّ (مَعَ) ظَاهِرَةٌ فِي الْقُرْآنِ وَتَكُونُ بِمَعْنَى بَعْدُ مَجَازًا كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح: 6] وَكَمَا فِي قَوْلِهِ: أَنْت طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ مَعَ عِتْقِ مَوْلَاك كَمَا ذَكَرَهُ فِي بَابِ الطَّلَاقِ فَلَيْسَتْ مُحْكَمَةً كَمَا تَوَهَّمَهُ فَالْمُعَارَضَةُ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ ثَابِتَةٌ فَالتَّرْجِيحُ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ لَا بِمَا ذَكَرَهُ، وَأَمَّا التَّشْبِيهُ بِكَلِمَةِ الشَّهَادَةِ فَهِيَ مِنْ بَابِ التَّمْثِيلِ لَا الْقِيَاسِ الْمُصْطَلَحِ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَبَّرَ وَلَمْ يَرْفَعْ يَدَيْهِ حَتَّى فَرَغَ مِنْ التَّكْبِيرِ لَمْ يَأْتِ بِهِ لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ بِهِ عَلَى الْقَوْلِ الثَّالِثِ كَمَا لَا يَخْفَى، وَإِنْ ذَكَرَهُ فِي أَثْنَاءِ التَّكْبِيرِ رَفَعَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَفُتْ مَحَلُّهُ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ إلَى الْمَوْضِعِ الْمَسْنُونِ رَفَعَهُمَا قَدْرَ مَا يُمْكِنُ، وَإِنْ أَمْكَنَهُ رَفْعُ أَحَدِهِمَا دُونَ الْأُخْرَى رَفَعَهَا، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ الرَّفْعُ إلَّا بِالزِّيَادَةِ عَلَى الْمَسْنُونِ رَفَعَهُمَا كَذَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. (قَوْلُهُ وَلَوْ شَرَعَ بِالتَّسْبِيحِ أَوْ بِالتَّهْلِيلِ أَوْ بِالْفَارِسِيَّةِ صَحَّ) شُرُوعٌ فِي الْمُرَادِ بِتَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ فَأَفَادَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا كُلُّ لَفْظٍ هُوَ ثَنَاءٌ خَالِصٌ دَالٌ عَلَى التَّعْظِيمِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَصِيرُ شَارِعًا إلَّا بِأَلْفَاظٍ مُشْتَقَّةٍ مِنْ التَّكْبِيرِ وَهِيَ خَمْسَةُ أَلْفَاظٍ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ الْأَكْبَرُ اللَّهُ الْكَبِيرُ اللَّهُ كَبِيرٌ اللَّهُ الْكِبَارُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ إلَّا إذَا كَانَ لَا يُحْسِنُ التَّكْبِيرَ أَوْ لَا يَعْلَمُ أَنَّ الشُّرُوعَ فِي الصَّلَاةِ يَكُونُ بِهِ لِلْحَدِيثِ «وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ» وَهُوَ حَاصِلٌ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ؛ لِأَنَّ أَفْعَلَ وَفَعِيلًا فِي صِفَاتِهِ تَعَالَى سَوَاءٌ، وَلَهُمَا أَنَّ التَّكْبِيرَ لُغَةً: التَّعْظِيمُ وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ مَوْضُوعَةٌ لَهُ خُصُوصًا اللَّهُ أَعْظَمُ فَكَانَتْ تَكْبِيرًا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بِلَفْظِ التَّكْبِيرِ الْمَعْرُوفِ، وَفِي الْبَدَائِعِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ قَوْلَ اللَّهُ أَكْبَرُ، وَالرَّحْمَنُ أَكْبَرُ سَوَاءٌ قَوْله تَعَالَى {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الإسراء: 110] ، وَلِهَذَا يَجُوزُ الذَّبْحُ بِاسْمِ الرَّحْمَنِ أَوْ بِاسْمِ الرَّحِيمِ فَكَذَا هَذَا، ثُمَّ غَايَةُ مَا هُنَا أَنَّ الثَّابِتَ بِالنَّصِّ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى سَبِيلِ التَّعْظِيمِ وَلَفْظُ التَّكْبِيرِ ثَبَتَ بِالْخَبَرِ فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ حَتَّى يُكْرَهَ افْتِتَاحُ الصَّلَاةِ بِغَيْرِهِ لِمَنْ يُحْسِنُهُ كَمَا قُلْنَا فِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ مَعَ الْفَاتِحَةِ، وَفِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ مَعَ التَّعْدِيلِ ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي وَهَذَا يُفِيدُ الْوُجُوبَ، وَهُوَ الْأَشْبَهُ لِلْمُوَاظَبَةِ الَّتِي لَمْ تَقْتَرِنْ بِتَرْكٍ، فَعَلَى هَذَا مَا ذَكَرَهُ فِي التُّحْفَةِ وَالذَّخِيرَةِ وَالنِّهَايَةِ مِنْ أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ يُكْرَهُ الِافْتِتَاحُ بِغَيْرِ اللَّهُ أَكْبَرُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَالْمُرَادُ كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ؛ لِأَنَّهَا فِي رُتْبَةِ الْوَاجِبِ مِنْ جِهَةِ التَّرْكِ فَعَلَى هَذَا يَضْعُفُ مَا صَحَّحَهُ السَّرَخْسِيُّ مِنْ أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ مُسْتَدِلًّا بِمَا رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: كَانَ الْأَنْبِيَاءُ يَفْتَتِحُونَ الصَّلَاةَ بِلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَنَبِيُّنَا مِنْ جُمْلَتِهِمْ وَهَذَا عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ فَالْمُرَادُ غَيْرُ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِدَلِيلِ نَقْلِ الْمُوَاظَبَةِ عَنْهُ عَلَى لَفْظِ التَّكْبِيرِ وَيَضْعُفُ أَيْضًا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُسْتَصْفَى مِنْ أَنَّ مُرَاعَاةَ لَفْظِ التَّكْبِيرِ فِي الِافْتِتَاحِ وَاجِبَةٌ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ بِخِلَافِ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ لِمَا عَلِمْت أَنَّهَا وَاجِبَةٌ فِي الْكُلِّ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى تَصْحِيحِ السَّرَخْسِيِّ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرَهُ هُوَ فِي الْكَافِي وَأَرَادَ الْمُصَنِّفُ بِالتَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ اللَّفْظِ الدَّالِ عَلَى التَّعْظِيمِ لَا خُصُوصَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ فَأَفَادَ بِإِطْلَاقِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَسْمَاءِ الْخَاصَّةِ أَوْ الْمُشْتَرَكَةِ حَتَّى يَصِيرَ شَارِعًا بِ " الرَّحِيمُ أَكْبَرُ " أَوْ " أَجَلُّ " كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُحِيطِ وَالْبَدَائِعِ وَالْخُلَاصَةِ وَصَرَّحَ فِي الْمُجْتَبَى بِأَنَّهُ الْأَصَحُّ وَأَفْتَى بِهِ الْمَرْغِينَانِيِّ فَمَا فِي الذَّخِيرَةِ عَنْ فَتَاوَى الْفَضْلِيِّ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ شَارِعًا بِالرَّحِيمِ ضَعِيفٌ وَقَيَّدَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ بِأَنْ لَا يَقْتَرِنَ بِهِ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ   [منحة الخالق] وَإِلَّا بَعْدَ تَسْلِيمِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَ كُلَّ ذَلِكَ لَا مَعْنَى لِذَلِكَ الْحَمْلِ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ شُرُوعٌ فِي الْمُرَادِ بِتَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ) ظَاهِرُهُ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ كَبَّرَ وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ وَإِلَّا لَأَتَى بِالْفَاءِ، وَقَالَ: فَلَوْ شَرَعَ، بَلْ مُرَادُهُ بِالتَّكْبِيرِ ظَاهِرُهُ لِأَنَّهُ الْوَاجِبُ عَلَى مَنْ أَرَادَ الشُّرُوعَ وَقَوْلُهُ: وَلَوْ شَرَعَ بَيَانٌ لِصِحَّةِ الشُّرُوعِ بِغَيْرِهِ فَيُحْمَلُ كَلَامُهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ ذَلِكَ مِنْ الْحَدِيثِ لَا مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ ثُمَّ غَايَةُ مَا هُنَا إلَخْ) النَّصُّ هُوَ قَوْلُهُ {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى: 15] وَالذِّكْرُ يَشْمَلُ التَّكْبِيرَ وَغَيْرَهُ وَلَفْظُ التَّكْبِيرِ ثَبَتَ بِالْحَدِيثِ الْمَارِّ، وَهُوَ مَعَ الْمُوَاظَبَةِ عَلَيْهِ يُفِيدُ الْوُجُوبَ لَا الْفَرْضِيَّةَ لِئَلَّا يَلْزَمَ الزِّيَادَةُ عَلَى النَّصِّ، فَإِنْ قُلْت: قَدْ سَبَقَ أَنَّهُمَا حَمَلَا التَّكْبِيرَ عَلَى التَّعْظِيمِ فَكَيْفَ يُقَالُ إنَّ لَفْظَ التَّكْبِيرِ ثَبَتَ بِالْخَبَرِ؟ قُلْت: الظَّاهِرُ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيِّ أَوْ عَلَى تَعْيِينِ ذَلِكَ بِالْمُوَاظَبَةِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 323 أَمَّا إذَا قَرَنَ بِهِ مَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا يَصِيرُ شَارِعًا اتِّفَاقًا كَقَوْلِهِ الْعَالِمُ بِالْمَعْدُومِ وَالْمَوْجُودِ أَوْ بِأَحْوَالِ الْخَلْقِ كَمَا أَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بِكُلِّ اسْمٍ مُشْتَرَكٍ مُقَيَّدٍ بِمَا إذَا لَمْ يَقْتَرِنْ بِمَا يُزِيلُ اشْتِرَاكَهُ. أَمَّا إذَا قُرِنَ بِمَا يُزِيلُهُ لَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ كَقَوْلِهِ الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَالرَّحِيمُ بِعِبَادِهِ وَعَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَصِيرَ شَارِعًا بِاتِّفَاقِهِمْ عَلَى قَوْلِهِمْ اهـ. وَأَشَارَ بِذِكْرِ التَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ إلَى أَنَّهُ لَا يَصِيرُ شَارِعًا إلَّا بِجُمْلَةٍ تَامَّةٍ فَلَا يَصِيرُ شَارِعًا بِالْمُبْتَدَأِ وَحْدَهُ كَاللَّهُ أَوْ أَكْبَرُ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا نَقَلَهُ فِي التَّجْرِيدِ وَعَلَّلَ لَهُ بِأَنَّ التَّعْظِيمَ الَّذِي هُوَ مَعْنَى التَّكْبِيرِ حُكْمٌ عَلَى الْمُعَظَّمِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْخَبَرِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يَصِيرُ شَارِعًا بِكُلِّ اسْمٍ مُفْرَدٍ أَوْ خَبَرٍ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْجَلَالَةِ وَغَيْرِهَا، وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ وَفَرَّقَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ بَيْنَ الْأَلْفَاظِ، فَقَالَ: لَوْ قَالَ اللَّهُ أَوْ الرَّبُّ وَلَمْ يَزِدْ يَصِيرُ شَارِعًا، وَلَوْ قَالَ التَّكْبِيرُ أَوْ الْأَكْبَرُ أَوْ قَالَ أَكْبَرُ لَا يَصِيرُ شَارِعًا قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ كَانَ الْفَرْقُ الِاخْتِصَاصَ فِي الْإِطْلَاقِ وَعَدَمِهِ، وَفَائِدَةُ الِاخْتِلَافِ تَظْهَرُ فِي مَسَائِلَ، مِنْهَا: أَنَّ الْحَائِضَ إذَا طَهُرَتْ عَلَى عَشْرٍ، وَفِي الْوَقْتِ مَا يَسَعُ الِاسْمَ الشَّرِيفَ فَقَطْ لَا تَجِبُ تِلْكَ الصَّلَاةُ عَلَيْهَا عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَتَجِبُ عَلَى تِلْكَ الرِّوَايَةِ، وَمِنْهَا: أَنَّهُ يَنْبَغِي فِيمَا إذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي الرُّكُوعِ فَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ إلَّا أَنَّ قَوْلَ اللَّهُ كَانَ فِي قِيَامِهِ، وَقَوْلَهُ أَكْبَرُ كَانَ فِي رُكُوعِهِ أَنَّهُ يَكُونُ شَارِعًا عَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ لَا عَلَى الظَّاهِرِ لَكِنَّ الَّذِي فِي الْخَانِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ شَارِعًا وَلَمْ يَحْكِيَا غَيْرَهُ فَكَأَنَّهُمَا بَنَيَاهُ عَلَى الْقَوْلِ الْمُخْتَارِ وَمِنْهَا: مَا لَوْ وَقَعَ اللَّهُ مَعَ الْإِمَامِ وَأَكْبَرُ قَبْلَهُ لَا يَكُونُ شَارِعًا عَلَى الظَّاهِرِ، وَأَمَّا إذَا شَرَعَ بِالْفَارِسِيَّةِ فَإِنَّمَا يَصِحُّ لِمَا بَيَّنَّاهُ مِنْ أَنَّ التَّكْبِيرَ هُوَ التَّعْظِيمُ، وَهُوَ حَاصِلٌ بِأَيِّ لِسَانٍ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي النُّصُوصِ التَّعْلِيلُ فَلَا يُعْدَلُ عَنْهُ إلَّا بِدَلِيلٍ فَهُوَ كَالْإِيمَانِ فَإِنَّهُ لَوْ آمَن بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ جَازَ إجْمَاعًا لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ، وَكَذَا التَّلْبِيَةُ فِي الْحَجِّ وَالسَّلَامُ وَالتَّسْمِيَةُ عِنْدَ الذَّبْحِ بِهَا يَجُوزُ كَمَا سَيَأْتِي وَمُحَمَّدٌ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْعَرَبِيَّةِ حَتَّى يَصِيرَ شَارِعًا بِغَيْرِ لَفْظِ التَّكْبِيرِ مِنْ الْعَرَبِيَّةِ حَيْثُ دَلَّ عَلَى التَّعْظِيمِ وَمَعَ أَبِي يُوسُفَ فِي الْفَارِسِيَّةِ حَتَّى لَا يَكُونَ شَارِعًا فِي الصَّلَاةِ بِهَا حَيْثُ كَانَ يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْخُطْبَةُ وَالْقُنُوتُ وَالتَّشَهُّدُ، وَفِي الْأَذَانِ يُعْتَبَرُ التَّعَارُفُ. (قَوْلُهُ كَمَا لَوْ قَرَأَ بِهَا عَاجِزًا) أَيْ لَوْ قَرَأَ بِالْفَارِسِيَّةِ حَالَةَ الْعَجْزِ عَنْ الْعَرَبِيَّةِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَهَذَا بِالِاتِّفَاقِ قَيَّدَ بِالْعَجْزِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ قَادِرًا فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ اتِّفَاقًا عَلَى الصَّحِيحِ وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ أَوَّلًا يَقُولُ بِالصِّحَّةِ نَظَرًا إلَى عَدَمِ أَخْذِ الْعَرَبِيَّةِ فِي مَفْهُومِ الْقُرْآنِ وَلِذَا قَالَ تَعَالَى {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا} [فصلت: 44] فَإِنَّهُ يَسْتَلْزِمُ تَسْمِيَتَهُ قُرْآنًا أَيْضًا لَوْ كَانَ أَعْجَمِيًّا، ثُمَّ رَجَعَ عَنْ هَذَا الْقَوْلِ وَوَافَقَهُمَا فِي عَدَمِ الْجَوَازِ، وَهُوَ الْحَقُّ؛ لِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ الْقُرْآنِ بِاللَّازِمِ إنَّمَا هُوَ الْعَرَبِيُّ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ مِنْ قَوْله تَعَالَى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] وَأَمَّا قُرْآنُ الْمُنْكِرِ فَلَمْ يُعْهَدْ فِيهِ نَقْلٌ عَنْ الْمَفْهُومِ اللُّغَوِيِّ فَيَتَنَاوَلُ كُلَّ مَقْرُوءٍ وَمَا قِيلَ: النَّظْمُ مَقْصُودٌ لِلْإِعْجَازِ وَحَالَةُ الصَّلَاةِ الْمَقْصُودُ مِنْ الْقُرْآنِ فِيهَا الْمُنَاجَاةُ لَا الْإِعْجَازُ فَلَا يَكُونُ النَّظْمُ لَازِمًا فِيهَا فَمَرْدُودٌ؛ لِأَنَّهُ مُعَارَضَةٌ لِلنَّصِّ بِالْمَعْنَى فَإِنَّ النَّصَّ طَلَبٌ بِالْعَرَبِيِّ وَهَذَا التَّعْلِيلُ يُجِيزُهُ بِغَيْرِهَا وَالْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَثِيرٌ أُصُولًا وَفُرُوعًا وَالتَّقْيِيدُ بِالْفَارِسِيَّةِ لَيْسَ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ غَيْرِهَا فَإِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ الْفَارِسِيَّةَ وَغَيْرَهَا سَوَاءٌ فَحِينَئِذٍ كَانَ مُرَادُهُ مِنْ الْفَارِسِيَّةِ غَيْرَ الْعَرَبِيَّةِ، وَلَا يَجُوزُ بِالتَّفْسِيرِ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ كَلَامُ النَّاسِ، وَفِي الْهِدَايَةِ وَالْخِلَافُ فِي الْجَوَازِ إذَا اكْتَفَى بِهِ وَلَا خِلَافَ فِي عَدَمِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ لَا تَجِبُ تِلْكَ الصَّلَاةُ عَلَيْهَا) قَالَ فِي النَّهْرِ لَكِنْ فِي عَقْدِ الْفَوَائِدِ الْفَتْوَى عَلَى الْوُجُوبِ (قَوْلُهُ قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ فَرَاغِهِ بِأَنْ مَدَّ الْإِمَامُ التَّكْبِيرَ (قَوْلُهُ وَفِي الْأَذَانِ يُعْتَبَرُ التَّعَارُفَ) قَالَ فِي النَّهْرِ إلَّا أَنَّهُ فِي أَذَانِ السِّرَاجِ قَالَ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ، وَإِنْ عُرِفَ أَنَّهُ أَذَانٌ (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ كَمَا لَوْ قَرَأَ بِهَا عَاجِزًا) قَالَ فِي النَّهْرِ: شَرْطُ الْعَجْزِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهَا مَعَ الْقُدْرَةِ لَا تَجُوزُ، وَهُوَ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ الْإِمَامُ كَمَا رَوَاهُ نُوحُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ وَالرَّازِيِّ، وَهُوَ الْأَصَحُّ وَهَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ يَصِحُّ بِالْإِجْمَاعِ اهـ. قُلْت: وَتَقْيِيدُهُ بِالْعَجْزِ هُنَا دُونَ الشَّرْعِ يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْمُخْتَارَ فِي الشُّرُوعِ مَذْهَبُ الْإِمَامِ فِي أَنَّهُ يَصِحُّ بِالْفَارِسِيَّةِ بِدُونِ الْعَجْزِ بَلْ نَقَلَ الشَّيْخُ عَلَاءُ الدِّينِ الْحَصْكَفِيُّ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة أَنَّ جَعْلَهُ كَالتَّلْبِيَةِ يَجُوزُ اتِّفَاقًا، وَأَمَّا قَوْلُ الْعَيْنِيِّ فِي شَرْحِهِ، وَقَالَا لَا يَجُوزُ إلَّا عِنْدَ الْعَجْزِ وَبِهِ قَالَتْ الثَّلَاثَةُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَصَحَّ رُجُوعُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إلَى قَوْلِهِمَا اهـ. فَهُوَ اشْتِبَاهُ مَسْأَلَةِ الْقِرَاءَةِ بِمَسْأَلَةِ الشُّرُوعِ، وَقَدْ اعْتَرَضَهُ الشَّيْخُ عَلَاءُ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَقَالَ لَا سَلَفَ لَهُ فِيهِ وَلَا سَنَدَ يُقَوِّيه بَلْ ظَاهِرُ التَّتَارْخَانِيَّة رُجُوعُهُمَا إلَيْهِ لَا هُوَ إلَيْهِمَا فَاحْفَظْهُ فَقَدْ اشْتَبَهَ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ الْقَاصِرِينَ حَتَّى الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي كُلِّ كُتُبِهِ فَتَنَبَّهْ اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ رُجُوعُ الْإِمَامِ إلَى قَوْلِهِمَا فِي مَسْأَلَةِ الْقِرَاءَةِ، وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الشُّرُوعِ فَالصَّحِيحُ قَوْلُ الْإِمَامِ فِيهَا بَلْ مُقْتَضَى كَلَامِ التَّتَارْخَانِيَّة أَنَّهَا اتِّفَاقِيَّةٌ وَعَلَيْهِ فَيَكُونُ الرُّجُوعُ مِنْهُمَا إلَيْهِ لَا مِنْهُ إلَيْهِمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 324 الْفَسَادِ حَتَّى إذَا قَرَأَ مَعَهُ بِالْعَرَبِيَّةِ قَدْرَ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ جَازَتْ صَلَاتُهُ، وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ أَنَّهَا تَفْسُدُ عِنْدَهُمَا وَالتَّوْفِيقُ بَيْنَهُمَا بِحَمْلِ مَا فِي الْهِدَايَةِ عَلَى مَا إذَا كَانَ ذِكْرًا أَوْ تَنْزِيهًا وَيُحْمَلُ مَا فِي الْفَتَاوَى عَلَى مَا إذَا كَانَ الْمَقْرُوءُ مِنْ مَكَانِ الْقَصَصِ وَالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ كَالْقِرَاءَةِ الشَّاذَّةِ فَإِنَّهُمْ صَرَّحُوا فِي الْفُرُوعِ أَنَّهُ لَا يُكْتَفَى بِهَا وَلَا تَفْسُدُ وَفِي أُصُولِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ أَنَّ الصَّلَاةَ تَفْسُدُ بِهَا فَيُحْمَلُ الْأَوَّلُ عَلَى مَا إذَا كَانَ ذِكْرًا وَالثَّانِي عَلَى مَا إذَا كَانَ غَيْرَ ذِكْرٍ كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي كِتَابِنَا الْمُسَمَّى بِلُبِّ الْأُصُولِ (قَوْلُهُ أَوْ ذَبَحَ وَسَمَّى بِهَا) يَعْنِي يَصِحُّ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ فِيهِ الذِّكْرُ، وَهُوَ حَاصِلٌ بِأَيِّ لِسَانٍ كَانَ. (قَوْلُهُ لَا بِاللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي) أَيْ لَا يَكُونُ شَارِعًا فِي الصَّلَاةِ وَلَا مُسَمِّيًا عَلَى الذَّبِيحَةِ بِقَوْلِهِ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِثَنَاءٍ خَالِصٍ بَلْ مَشُوبٌ بِحَاجَتِهِ، قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ اللَّهُمَّ، اخْتَلَفُوا فِيهِ وَالصَّحِيحُ الْجَوَازُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَالْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَعْنَاهُ فَعِنْدَ سِيبَوَيْهِ وَالْبَصْرِيِّينَ مَعْنَاهُ: يَا اللَّهُ، وَضَمَّةُ الْهَاءِ فِيهِ هِيَ الضَّمَّةُ الَّتِي بُنِيَ عَلَيْهَا الْمُنَادَى وَالْمِيمُ الْمُشَدَّدَةُ فِي آخِرِهِ عِوَضٌ عَنْ حَرْفِ النِّدَاءِ الْمَحْذُوفِ، وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَرْفِ النِّدَاءِ لِئَلَّا يَلْزَمَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْعِوَضِ وَالْمُعَوَّضِ، وَيَصِحُّ الشُّرُوعُ بِيَا أَلَّلَهُ كَمَا فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا فَكَذَا مَا كَانَ بِمَعْنَاهُ وَعِنْدَ الْكُوفِيِّينَ مَعْنَاهُ: يَا أَلَّلَهُ أُمَّنَا بِخَيْرٍ أَيْ اقْصِدْنَا بِهِ فَحُذِفَ حَرْفُ النِّدَاءِ وَالْجُمْلَةُ اخْتِصَارًا لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ فَأُبْقِيَتْ ضَمَّةُ الْهَاءِ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ وَعُوِّضَتْ بِالْمِيمِ الْمُشَدَّدَةِ عَنْ الْجُمْلَةِ وَيَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ حَرْفِ النِّدَاءِ وَالْمِيمِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِعِوَضٍ عَنْهُ، وَقَدْ رُدَّ هَذَا الْقَوْلُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ} [الأنفال: 32] الْآيَةَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَوَّغُ أَنْ يُقَالَ: يَا أَلَّلَهُ أُمَّنَا بِخَيْرٍ إنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدَك فَأَمْطِرْ. الْآيَةَ. . . فَلَا جَرَمَ إنْ صَحَّحَ الْمَشَايِخُ الْقَوْلَ بِالصِّحَّةِ وَذَكَرَ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِفَخْرِ الْإِسْلَامِ أَنَّ فِيهِ قَوْلًا ثَالِثًا: وَهُوَ أَنَّ الْمِيمَ الْمُشَدَّدَةَ كِنَايَةٌ عَنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ فَهَذَا يُوجِبُ أَنْ يَصِحَّ الشُّرُوعُ بِهِ أَيْضًا اهـ. وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْلُ النَّضْرِ بْنِ شُمَيْلٍ مَنْ قَالَ: اللَّهُمَّ فَقَدْ دَعَا بِجَمِيعِ أَسْمَائِهِ، وَلِهَذَا قِيلَ إنَّهُ الِاسْمُ الْأَعْظَمُ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ اللَّهُمَّ: اُرْزُقْنِي أَوْ قَالَ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ أَوْ أَعُوذُ بِاَللَّهِ أَوْ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ فَإِنَّهُ لَا يَصِيرُ شَارِعًا كَمَا فِي الْمُنْيَةِ، وَلَوْ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَفِي الْمُبْتَغَى وَالْمُجْتَبَى يَجُوزُ، وَفِي الذَّخِيرَةِ لَا يَجُوزُ مُعَلِّلًا بِأَنَّ التَّسْمِيَةَ لِلتَّبَرُّكِ فَكَأَنَّهُ قَالَ بَارِكْ لِي فِي هَذَا الْأَمْرِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِ تَرْجِيحُهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ أَنَّهُ الْأَشْبَهُ وَيَنْبَغِي تَرْجِيحُ الْجَوَازِ؛ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ خَالِصٌ بِدَلِيلِ التَّسْمِيَةِ عَلَى الذَّبِيحَةِ مَعَ اشْتِرَاطِ الذِّكْرِ الْخَالِصِ فِيهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ} [الحج: 36] أَيْ خَالِصًا. (قَوْلُهُ وَوَضَعَ يَمِينَهُ عَلَى يَسَارِهِ تَحْتَ سُرَّتِهِ) كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَلَمْ يَذْكُرْ كَيْفِيَّةَ الْوَضْعِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُذْكَرْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَاخْتُلِفَ فِيهَا وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يَأْخُذُ رُسْغَهَا بِالْخِنْصَرِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَالتَّوْفِيقُ بَيْنَهُمَا إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: اخْتَارَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ الْمَقْرُوءَ إنْ كَانَ قَصَصًا أَوْ أَمْرًا أَوْ نَهْيًا فَسَدَتْ، وَإِنْ ذِكْرًا أَوْ تَنْزِيهًا لَا أَقُولُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ شِقَّيْ هَذَا الْقَوْلِ مَحْمُولًا عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَيَشْهَدُ لِهَذَا الِاخْتِيَارِ مَا فِي الْخُلَاصَةِ مِنْ زَلَّةِ الْقَارِئِ لَوْ أَبْدَلَ كَلِمَةً مِنْ الْقُرْآنِ بِأُخْرَى تُقَارِبُهَا فِي الْمَعْنَى إنْ مِنْ الْقَصَصِ وَنَحْوِهَا فَسَدَتْ، وَإِنْ حَمْدًا أَوْ تَنْزِيهًا أَوْ ذِكْرًا لَا اهـ كَلَامُ النَّهْرِ. أَقُولُ: قَدْ مَرَّ آنِفًا أَنَّ الْعَاجِزَ عَنْ الْعَرَبِيَّةِ تَصِحُّ قِرَاءَتُهُ بِالْفَارِسِيَّةِ اتِّفَاقًا فَلَوْ كَانَ الْقَصَصُ مُفْسِدًا اتِّفَاقًا لِكَوْنِهِ يَصِيرُ بِهِ مُتَكَلِّمًا كَمَا قَالَهُ فِي الْفَتْحِ لَلَزِمَ الْعَاجِزَ السُّكُوتُ إنْ لَمْ يَعْرِفْ غَيْرَ الْقَصَصِ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ تَخْصِيصَ الِاتِّفَاقِ بِغَيْرِ الْقَصَصِ (قَوْلُهُ كَالْقِرَاءَةِ الشَّاذَّةِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ عِنْدِي بَيْنَهُمَا فَرْقٌ وَذَلِكَ أَنَّ الْفَارِسِيَّ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْعَرَبِيِّ لَيْسَ قُرْآنًا أَصْلًا لِانْصِرَافِهِ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ إلَى الْعَرَبِيِّ فَإِذَا قَرَأَ قِصَّةً صَارَ مُتَكَلِّمًا بِكَلَامِ النَّاسِ بِخِلَافِ الشَّاذِّ فَإِنَّهُ قُرْآنٌ إلَّا أَنَّ فِي قُرْآنِيَّتِهِ شَكًّا فَلَا تَفْسُدُ بِهِ وَلَوْ قِصَّةً، وَحَكَوْا الِاتِّفَاقَ فِيهِ عَلَى عَدَمِهِ فَالْأَوْجَهُ مَا فِي الْمُحِيطِ مِنْ تَأْوِيلِهِ كَلَامَ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ بِمَا إذَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ اهـ. أَيْ أَنَّهُ إذَا اقْتَصَرَ عَلَى الشَّاذِّ تَفْسُدُ لِتَرْكِهِ فَرْضَ الْقِرَاءَةِ لَا أَنَّ الْفَسَادَ بِهِ (قَوْلُهُ أَيْ لَا يَكُونُ شَارِعًا فِي الصَّلَاةِ وَلَا مُسَمِّيًا عَلَى الذَّبِيحَةِ) أَفَادَ أَنَّ النَّفْيَ رَاجِعٌ إلَيْهِمَا، وَفِي النَّهْرِ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِجُمْهُورِ الشَّارِحِينَ لِأَنَّ الْمُحْدَثَ إنَّمَا هُوَ الشُّرُوعُ وَذِكْرُ التَّسْمِيَةِ لَيْسَ إلَّا تَبَعًا، ثُمَّ قَالَ إنْ أُرِيدَ خُصُوصُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي اتَّجَهَ مَا فِي الْبَحْرِ أَوْ كُلُّ مَا كَانَ خَبَرًا اتَّجَهَ مَا فِي الشَّرْحِ وَلَا مَعْنَى لِإِرَادَةِ الْمُصَنِّفِ خُصُوصَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي بَلْ كُلَّ مَا كَانَ خَبَرًا عَلَى مَا عَلِمْت وَالرَّاجِحُ فِي الشُّرُوعِ بِالتَّسْمِيَةِ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ وَلَا نَعْلَمُ خِلَافًا فِي إجْزَائِهَا لِلذَّبْحِ فَرُجُوعُ النَّفْيِ إلَى الشُّرُوعِ أَظْهَرُ. (قَوْلُهُ وَفِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ هُوَ الْأَشْبَهُ) قَالَ فِي النَّهْرِ، وَفِي السِّرَاجِ هُوَ الْأَصَحُّ، وَفِي فَتَاوَى الْمَرْغِينَانِيِّ أَنَّهُ الصَّحِيحُ، ثُمَّ قَالَ فَالرَّاجِحُ فِي التَّسْمِيَةِ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ وَالْأَرْجَحُ أَيْ فِي الْبَحْرِ الْإِجْزَاءُ (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَوَضَعَ يَمِينَهُ عَلَى يَسَارِهِ) قَالَ فِي النَّهْرِ: يَعْنِي الْكَفَّ عَلَى الْكَفِّ وَيُقَالُ عَلَى الْمِفْصَلِ قَالَهُ الْعَيْنِيُّ وَكَلَامُهُ يَحْتَمِلُهُمَا، وَفِيهِ إيمَاءٌ إلَى بَيَانِ كَيْفِيَّةِ الْوَضْعِ فَمَا فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ ذَلِكَ لِعَدَمِ ذِكْرِهِ فِي الظَّاهِرِ فِيهِ نَظَرٌ وَعَنْ الثَّانِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 325 وَالْإِبْهَامِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ الْأَخْذِ الْوَضْعُ وَلَا يَنْعَكِسُ وَهَذَا لِأَنَّ الْأَخْبَارَ اخْتَلَفَتْ ذُكِرَ فِي بَعْضِهَا الْوَضْعُ، وَفِي بَعْضِهَا الْأَخْذُ فَكَانَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا عَمَلًا بِالدَّلِيلَيْنِ أَوْلَى وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا وَقْتَ الْوَضْعِ فَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَقْتُهُ كُلَّمَا فَرَغَ مِنْ التَّكْبِيرِ فَهُوَ سُنَّةُ قِيَامٍ لَهُ قَرَارٌ فِيهِ ذِكْرٌ مَسْنُونٌ فَيَضَعُ حَالَةَ الثَّنَاءِ، وَفِي الْقُنُوتِ وَتَكْبِيرَاتِ الْجِنَازَةِ، وَقِيلَ سُنَّةُ الْقِرَاءَةِ فَقَطْ فَلَا يَضَعُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَا يُسَنُّ الْوَضْعُ فِي الْقِيَامِ الْمُتَخَلِّلِ بَيْنَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ؛ لِأَنَّهُ قَرَارٌ لَهُ وَلَا قِرَاءَةَ فِيهِ وَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ أَنَّ الْإِرْسَالَ فِي الْقَوْمَةِ بِنَاءً عَلَى الضَّابِطِ الْمَذْكُورِ يَقْتَضِي أَنْ لَيْسَ فِيهَا ذِكْرٌ مَسْنُونٌ، وَإِنَّمَا يَتِمُّ إذَا قِيلَ بِأَنَّ التَّحْمِيدَ وَالتَّسْمِيعَ لَيْسَ سُنَّةً فِيهَا بَلْ فِي نَفْسِ الِانْتِقَالِ إلَيْهَا لَكِنَّهُ خِلَافُ ظَاهِرِ النُّصُوصِ، وَالْوَاقِعُ أَنَّهُ قَلَّ مَا يَقَعُ التَّسْمِيعُ إلَّا فِي الْقِيَامِ حَالَةَ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا اهـ. لِمَا عَلِمْت أَنَّ كَلَامَهُمْ إنَّمَا هُوَ فِي قِيَامٍ لَهُ قَرَارٌ، وَفِي الْقُنْيَةِ، وَلَوْ تَرَكَ التَّسْمِيعَ حَتَّى اسْتَوَى قَائِمًا لَا يَأْتِي كَمَا لَوْ لَمْ يُكَبِّرْ حَالَةَ الِانْحِطَاطِ حَتَّى رَكَعَ أَوْ سَجَدَ تَرَكَهُ وَيَجِبُ أَنْ يَحْفَظَ هَذَا وَيُرَاعِيَ كُلَّ شَيْءٍ فِي مَحَلِّهِ. اهـ. وَهُوَ صَرِيحٌ   [منحة الخالق] يَقْبِضُ بِالْيُمْنَى رُسْغَ الْيُسْرَى وَاخْتَارَهُ الْهِنْدُوَانِيُّ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَضَعُهُمَا كَذَلِكَ وَيَكُونُ الرُّسْغُ وَسَطَ الْكَفِّ قَالَ السَّرَخْسِيُّ وَاسْتَحْسَنَ كَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ أَخْذَ الرُّسْغِ بِالْإِبْهَامِ وَالْخِنْصَرِ وَوَضْعَ الْبَاقِيَ لِيَكُونَ جَامِعًا بَيْنَ الْأَخْذِ وَالْوَضْعِ الْمَرْوِيَّيْنِ فِي السُّنَّةِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ اهـ. وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ بَعْدَ عَزْوِهِ هَذَا الْقَوْلَ لِلْمُجْتَبَى وَالظَّهِيرِيَّةِ وَالْمَبْسُوطِ بِزِيَادَةٍ لِيَكُونَ عَمَلًا بِالْحَدِيثَيْنِ وَالْمَذَاهِبِ احْتِيَاطًا قَالَ وَقِيلَ هَذَا خَارِجٌ عَنْ الْمَذَاهِبِ وَالْأَحَادِيثِ فَلَا يَكُونُ الْعَمَلُ بِهِ احْتِيَاطًا اهـ. (قَوْلُهُ فَهُوَ سُنَّةُ قِيَامٍ لَهُ قَرَارٌ) قَالَ الرَّمْلِيُّ هُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَا يُسَنُّ فِي حَقِّ مَنْ صَلَّى قَاعِدًا وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ وَالنَّاسُ عَنْهُ غَافِلُونَ وَإِذَا لَمْ يُسَنَّ فِي حَقِّهِ كَيْفَ يَضَعُ؟ الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَضَعُ يَدَيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ وَيَبْسُطُ أَصَابِعَهُ كَمَا يَفْعَلُ فِي الْقُعُودِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي، ثُمَّ رَأَيْت فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ الْمُسَمَّى بِتَوْفِيقِ الْعِنَايَةِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَيَضَعُ يَمِينَهُ إلَخْ صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ: يَضَعُ الْمُصَلِّي كَفَّهُ الْيُمْنَى عَلَى كَفِّهِ الْيُسْرَى وَيُحَلِّقُ بِالْخِنْصَرِ وَالْإِبْهَامِ عَلَى الرُّسْغِ فِي حَالَةِ الْقِيَامِ اهـ فَقَوْلُهُ فِي حَالَةِ الْقِيَامِ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ حَالَةَ الْجُلُوسِ تَأَمَّلْ وَرَأَيْت فِي كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ يَفْعَلُ فِي الْجُلُوسِ كَمَا يَفْعَلُ فِي الْقِيَامِ اهـ. قُلْتُ: ذَكَرَ نَحْوَ ذَلِكَ تِلْمِيذُهُ الشَّيْخُ عَلَاءُ الدِّينِ الْحَصْكَفِيُّ، وَقَالَ لَمْ أَرَهُ، ثُمَّ رَأَيْت فِي مَجْمَعِ الْأَنْهُرِ الْمُرَادُ مِنْ الْقِيَام مَا هُوَ الْأَعَمُّ لِأَنَّ الْقَاعِدَ يَفْعَلُ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ وَأَجْمَعُوا إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ فِي الْإِجْمَاعِ نَظَرٌ فَقَدْ ذَكَرَ فِي السِّرَاجِ عَنْ النَّسَفِيِّ وَالْحَاكِمِ وَالْجُرْجَانِيِّ وَالْفَضْلِيِّ أَنَّهُ يُعْتَمَدُ فِي الْقَوْمَةِ وَالْجِنَازَةِ وَزَوَائِدِ الْعِيدِ، وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِمَا حَكَاهُ الشَّارِحُ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ سُنَّةٌ لِكُلِّ قِيَامٍ وَحَكَى شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي مَوْضِعٍ أَنَّهُ عَلَى قَوْلِهِمَا يَمْسِكُ فِي الْقَوْمَةِ الَّتِي بَيْنَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ؛ لِأَنَّ فِي هَذَا الْقِيَامِ ذِكْرًا مَسْنُونًا، وَهُوَ التَّسْمِيعُ أَوْ التَّحْمِيدُ وَخَصَّ قَوْلَهُمَا لِمَا أَنَّهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ سُنَّةُ الْقِرَاءَةِ، وَقَوْلُهُمَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي السِّرَاجِ وَهَذَا التَّعْلِيلُ فِي حَقِّ الْمُؤْتَمِّ، وَالْإِمَامُ فِي حَيِّزِ الْمَنْعِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّسْمِيعَ أَوْ التَّحْمِيدَ إنَّمَا هُوَ سُنَّةٌ حَالَةَ الِانْتِقَالِ نَعَمْ هُوَ فِي حَقِّ الْمُنْفَرِدِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا مُسَلَّمٌ لِمَا أَنَّهُ يَقُولُ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ إذَا اسْتَوَى قَائِمًا فِي الْجَوَابِ الظَّاهِرِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ هَذَا قِيَامٌ لَا قَرَارَ لَهُ مُطْلَقًا لِقَوْلِهِمْ إنَّ مُصَلِّي النَّافِلَةِ وَلَوْ سُنَّةً يُسَنُّ لَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْأَدْعِيَةِ الْوَارِدَةِ نَحْوَ مِلْءَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ إلَى آخِرِهِ بَعْدَ التَّحْمِيدِ وَاَللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْحَدَّادِيَّ قَيَّدَ الْإِرْسَالَ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ ذِكْرٌ مَسْنُونٌ بِمَا إذَا لَمْ يُطِلْ الْقِيَامَ أَمَّا إذَا أَطَالَهُ فَيَعْتَمِدُ، وَفِي الْخُلَاصَةِ، وَكَذَا يُرْسِلُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فِي كُلِّ قِيَامٍ لَا ذِكْرَ فِيهِ وَلَا يُطَوِّلُ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يُزَادَ فِي الضَّابِطِ السَّابِقِ أَوْ يُطَوِّلَ وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ اهـ. قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ بَعْدَ نَقْلِهِ عَنْ شَرْحِ مِسْكِينٍ التَّقْيِيدَ بِالطَّوِيلِ قَالَ الْبُرْجَنْدِيُّ وَضْعُ الْيَدِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ سُنَّةٌ فِي كُلِّ قِيَامٍ شُرِعَ فِيهِ ذِكْرٌ فَرْضًا كَانَ الذِّكْرُ أَوْ وَاجِبًا أَوْ سُنَّةً وَالْمُرَادُ بِالْمَسْنُونِ الْمَشْرُوعُ، وَفِي شَرْحِ ابْنِ مَالِكٍ فَيَضَعُ فِي الْأَحْوَالِ الْمَذْكُورَةِ عِنْدَهُمَا لِأَنَّ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - فِي سُنَّةِ الْوَضْعِ عَامٌّ أَحْوَالَ الْقِيَامِ لَكِنْ خُصَّتْ الْقَوْمَةُ مِنْ الرُّكُوعِ مِنْ تِلْكَ الْأَحْوَالِ لِعَدَمِ امْتِدَادِهَا فَبَقِيَ مَا عَدَاهَا عَلَى الْأَصْلِ وَمِثْلُهُ فِي غُرَرِ الْأَذْكَارِ وَالْمَنْبَعِ وَفِي الْأَوَّلِينَ أَيْضًا فِي تَعْلِيلِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ لِأَنَّ شَرْعَ الْوَضْعِ لِلصِّيَانَةِ عَنْ اجْتِمَاعِ الدَّمِ فِي رُءُوسِ الْأَصَابِعِ وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُون فِي الْحَالَةِ الَّتِي السُّنَّةُ فِيهَا التَّطْوِيلُ وَهِيَ حَالَةُ الْقِرَاءَةِ. اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الِامْتِدَادَ وَالتَّطْوِيلَ هُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِ الْبَحْرِ لَهُ قَرَارٌ اهـ. كَلَامُهُ ثُمَّ اعْتَرَضَ عَلَى النَّهْرِ فِي نَقْلِهِ عَنْ الْفَضْلِيِّ الِاعْتِمَادَ أَنَّهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلْ الَّذِي فِي السِّرَاجِ عَنْهُ أَنَّهُ يُرْسِلُ فِي الْمَذْكُورَاتِ فَالصَّوَابُ عَدَمُ ذِكْرِهِ مَعَ النَّسَفِيِّ وَمَنْ بَعْدَهُ اهـ. هَذَا وَاعْتِرَاضُهُ عَلَى التَّعْلِيلِ فِي قَوْلِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ لِأَنَّ فِي هَذَا الْقِيَامِ ذِكْرًا مَسْنُونًا إلَخْ وَحَمْلُهُ لَهُ عَلَى الْمُنْفَرِدِ غَيْرُ ظَاهِرٍ لِأَنَّ التَّسْمِيعَ وَالتَّحْمِيدَ ذِكْرٌ بِأَوْ الَّتِي لِأَحَدِ الشَّيْئَيْنِ وَالْمُنْفَرِدُ يَأْتِي بِهِمَا عَلَى مَا ذَكَرَهُ فَلَا يَصِحُّ تَسْلِيمُهُ فِي الْمُنْفَرِدِ أَيْضًا بَلْ الظَّاهِرُ مُوَافَقَتُهُ لِمَا بَحَثَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ فَقَوْلُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ التَّسْمِيعُ أَيْ لَوْ كَانَ الْمُصَلِّي إمَامًا وَقَوْلُهُ أَوْ التَّحْمِيدُ لَوْ كَانَ مُؤْتَمًّا أَوْ مُنْفَرِدًا كَمَا يَأْتِي فِي الْمَتْنِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 326 فِي أَنَّ الْقَوْمَةَ لَيْسَ فِيهَا ذِكْرٌ مَسْنُونٌ وَذُكِرَ فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي أَنَّ شَيْخَ الْإِسْلَامِ ذَكَرَ فِي شَرْحِ كِتَابِ الصَّلَاةِ أَنَّهُ يُرْسِلُ فِي الْقَوْمَةِ الَّتِي تَكُونُ بَيْنَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ عَلَى قَوْلِهِمَا كَمَا هُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَذُكِرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّ عَلَى قَوْلِهِمَا يُعْتَمَدُ فَإِنَّ فِي هَذَا الْقِيَامِ ذِكْرًا مَسْنُونًا، وَهُوَ التَّسْمِيعُ أَوْ التَّحْمِيدُ وَعَلَى هَذَا مَشَى صَاحِبُ الْمُلْتَقَطِ. اهـ. وَهُوَ مُسَاعِدٌ لِمَا بَحَثَهُ الْمُحَقِّقُ آنِفًا وَعَلَى هَذَا فَالْمُرَادُ مِنْ الْإِجْمَاعِ الْمُتَقَدِّمِ اتِّفَاقُ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ عَلَى الصَّحِيحِ وَصَحَّحَ فِي الْبَدَائِعِ جَوَابَ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مُسْتَدِلًّا بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّا مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ أُمِرْنَا أَنْ نَضَعَ أَيْمَانَنَا عَلَى شَمَائِلِنَا فِي الصَّلَاةِ» مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ حَالٍ وَحَالٍ فَهُوَ عَلَى الْعُمُومِ إلَّا مَا خُصَّ بِدَلِيلٍ وَذَكَرَ الشَّارِحُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ فِي تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ سُنَّةُ الْقِيَامِ مُطْلَقًا حَتَّى يَضَعَ فِي الْكُلِّ وَحُكِيَ فِي الْبَدَائِعِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ فِي الْوَضْعِ فِيمَا بَيْنَ التَّكْبِيرَاتِ. (قَوْلُهُ مُسْتَفْتِحًا) هُوَ حَالٌ مِنْ الْوَضْعِ أَيْ يَضَعُ قَائِلًا: سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك وَتَبَارَكَ اسْمُك وَتَعَالَى جَدُّك وَلَا إلَهَ غَيْرُك، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ سُنَّةٌ لِرِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ أَنَّهُ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُهُ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ، أَطْلَقَهُ فَأَفَادَ أَنَّهُ يَأْتِي بِهِ كُلُّ مُصَلٍّ إمَامًا كَانَ أَوْ مَأْمُومًا أَوْ مُنْفَرِدًا لَكِنْ قَالُوا الْمَسْبُوقُ لَا يَأْتِي بِهِ إذَا كَانَ الْإِمَامُ يَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ لِلِاسْتِمَاعِ، وَصَحَّحَهُ فِي الذَّخِيرَةِ، ثُمَّ " سُبْحَانَ " فِي الْأَصْلِ مَصْدَرٌ كَغُفْرَانِ، وَهُوَ لَا يَكَادُ يُسْتَعْمَلُ إلَّا مُضَافًا مَنْصُوبًا بِإِضْمَارِ فِعْلِهِ وُجُوبًا فَمَعْنَى سُبْحَانَك أُسَبِّحُك تَسْبِيحًا أَيْ أُنَزِّهُك تَنْزِيهًا، وَقِيلَ أَعْتَقِدُ نَزَاهَتَك عَنْ كُلِّ صِفَةٍ لَا تَلِيقُ بِك " وَبِحَمْدِك " أَيْ نَحْمَدُك بِحَمْدِك فَهُوَ فِي الْمَعْنَى عَطْفُ الْجُمْلَةِ عَلَى الْجُمْلَةِ فَحُذِفَتْ الثَّانِيَةُ كَالْأُولَى وَأَبْقَى حَرْفَ الْعَطْفِ دَاخِلًا عَلَى مُتَعَلِّقِهَا مُرَادًا بِهِ الدَّلَالَةُ عَلَى الْحَالِيَّةِ مِنْ الْفَاعِلِ فَهُوَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ مِنْهُ، فَكَأَنَّهُ إنَّمَا أَبْقَى لِيُشْعِرَ بِأَنَّهُ قَدْ كَانَ هُنَا جُمْلَةٌ طُوِيَ ذِكْرُهَا إيجَازًا عَلَى أَنَّهُ لَوْ قِيلَ بِحَمْدِك بِلَا حَرْفِ الْعَطْفِ كَانَ جَائِزًا صَوَابًا كَمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُخِلُّ بِالْمَعْنَى الْمَقْصُودِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ نَفَى بِقَوْلِهِ " سُبْحَانَك " صِفَاتِ النَّقْصِ وَأَثْبَتَ بِقَوْلِهِ " بِحَمْدِك " صِفَاتِ الْكَمَالِ؛ لِأَنَّ الْحَمْدَ إظْهَارُ الصِّفَاتِ الْكَمَالِيَّةِ، وَمِنْ هُنَا يَظْهَرُ وَجْهُ تَقْدِيمِ التَّسْبِيحِ عَلَى التَّحْمِيدِ " وَتَبَارَكَ " لَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ وَلَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا لِلَّهِ تَعَالَى ذَكَرَهُ الْقَاضِي الْبَيْضَاوِيُّ وَلَعَلَّ الْمَعْنَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: تَكَاثَرَ خُيُورُ أَسْمَائِك الْحُسْنَى وَزَادَتْ عَلَى خُيُورِ سَائِرِ الْأَسْمَاءِ لِدَلَالَتِهَا عَلَى الذَّاتِ السُّبُّوحِيَّةِ الْقُدُّوسِيَّةِ الْعُظْمَى، وَالْأَفْعَالُ الْجَامِعَةُ لِكُلِّ مَعْنًى أَسْنَى " وَتَعَالَى جَدُّك " أَيْ ارْتَفَعَ عَظَمَتُك أَوْ سُلْطَانُك أَوْ غِنَاك عَمَّا سِوَاك " وَلَا إلَهَ غَيْرُك " فِي الْوُجُودِ فَأَنْتَ الْمَعْبُودُ بِحَقٍّ فَبَدَأَ بِالتَّنْزِيهِ الَّذِي يَرْجِعُ إلَى التَّوْحِيدِ، ثُمَّ خَتَمَ بِالتَّوْحِيدِ تَرَقِّيًا فِي الثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ ذِكْرِ النُّعُوتِ السَّلْبِيَّةِ وَالصِّفَاتِ الثُّبُوتِيَّةِ إلَى غَايَةِ الْكَمَالِ فِي الْجَلَالِ وَالْجَمَالِ وَسَائِرِ الْأَفْعَالِ، وَهُوَ الِانْفِرَادُ بِالْأُلُوهِيَّةِ وَمَا يَخْتَصُّ بِهِ مِنْ الْأَحَدِيَّةِ وَالصَّمَدِيَّةِ فَهُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ، وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٍ، وَأَشَارَ.   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا فَالْمُرَادُ مِنْ الْإِجْمَاعِ الْمُتَقَدِّمِ إلَخْ) أَيْ قَوْلُهُ: وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَا يُسَنُّ الْوَضْعُ فِي الْقِيَامِ إلَخْ وَبِهَذَا أُسْقِطَ اعْتِرَاضُ النَّهْرِ السَّابِقِ كَمَا لَا يَخْفَى. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْإِجْمَاعَ بَيْنَ أَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ، وَالِاخْتِلَافَ الْمَذْكُورَ إنَّمَا هُوَ بَيْنَ مَشَايِخِ الْمَذْهَبِ، وَلَكِنْ قَدْ يُقَالُ: لَوْ صَحَّ الْإِجْمَاعُ كَيْفَ يُسَوَّغُ لِلْمَشَايِخِ النِّزَاعُ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ لَكِنْ قَالُوا الْمَسْبُوقُ لَا يَأْتِي لَهُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ إلَّا إذَا شَرَعَ الْإِمَامُ فِي الْقِرَاءَةِ مَسْبُوقًا كَانَ أَوْ مُدْرِكًا، جَهَرَ أَوْ لَا لِمَا فِي الصُّغْرَى أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي الْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ يُثْنِي مَا لَمْ يَبْدَأْ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ وَقِيلَ فِي الْمُخَافَتَةِ يُثْنِي، وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ فِي الْقِرَاءَةِ بِخِلَافِ الْجَهْرِيَّةِ اهـ. فَقَوْلُهُ وَقِيلَ إلَخْ أَفَادَ أَنَّ مَا قَالَهُ الْمُؤَلِّفُ أَنَّهُ يُمْنَعُ عَنْ الثَّنَاءِ فِي صُورَةِ الْجَهْرِ فَقَطْ ضَعِيفٌ وَأَنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّهُ يُمْنَعُ عَنْ الثَّنَاءِ مَتَى شَرَعَ الْإِمَامُ فِي الْقِرَاءَةِ سِرًّا أَوْ جَهْرًا، وَحَاصِلُهُ: أَنَّ الْخِلَافَ فِيمَا إذَا شَرَعَ الْإِمَامُ فِي الْقِرَاءَةِ سِرًّا، فَالْمَفْهُومُ مِنْ الْبَحْرِ أَنَّهُ يُثْنِي وَعَبَّرَ عَنْهُ فِي الصُّغْرَى بِقِيلَ فَأَفَادَ ضَعْفَهُ، وَأَمَّا فِي قِرَاءَةِ الْجَهْرِ فَأَنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ الثَّنَاءِ بِلَا خِلَافٍ لَكِنَّ مُقْتَضَى قَوْلِهِ وَصَحَّحَهُ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّ فِيهِ خِلَافًا أَيْضًا، وَكَذَا قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْخُلَاصَةِ وَيَسْكُتُ الْمُؤْتَمُّ عَنْ الثَّنَاءِ إذَا جَهَرَ الْإِمَامُ هُوَ الصَّحِيحُ اهـ. وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ يَشْمَلُ الْمُدْرِكَ وَالْمَسْبُوقَ، وَقَدْ رَأَيْت فِي الذَّخِيرَةِ التَّصْرِيحَ بِالْخِلَافِ فِي الْجَهْرِيَّةِ وَصَحَّحَ أَنَّهُ لَا يُثْنِي بَعْدَمَا نَقَلَ عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ فِي الْمُخَافَتَةِ يُثْنِي لِأَنَّ الثَّنَاءَ سُنَّةٌ مَقْصُودَةٌ وَالْإِنْصَاتُ إنَّمَا يَجِبُ حَالَةَ الِاسْتِمَاعِ فَيُسَنُّ تَعْظِيمًا لِلْقُرْآنِ فَكَانَ سُنَّةً تَبَعًا لَا مَقْصُودًا بِنَفْسِهِ بِخِلَافِ الثَّنَاءِ فَمُرَاعَاةُ السُّنَّةِ الْمَقْصُودَةِ أَهَمُّ، فَإِنْ قِيلَ الْإِنْصَاتُ فَرْضٌ وَإِنْ كَانَ لَا يَسْتَمِعُ حَتَّى سَقَطَتْ التِّلَاوَةُ عَنْ الْمُقْتَدِي قُلْنَا إنَّمَا سَقَطَتْ لِأَنَّ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ لَا لِلْإِنْصَاتِ وَلَيْسَ ثَنَاءُ الْإِمَامِ ثَنَاءً لِلْمُقْتَدِي فَإِذَا لَمْ يَأْتِ بِهِ يَفُوتُهُ اهـ. مُلَخَّصًا. وَظَاهِرُهُ اعْتِمَادُ أَنَّهُ يَأْتِي بِهِ فِي الْمُخَافَتَةِ وَعَلَيْهِ مَشَى فِي الدُّرَرِ أَيْضًا، وَكَذَا فِي مَتْنِ التَّنْوِيرِ، وَكَذَا فِي الْخَانِيَّةِ حَيْثُ قَالَ وَيَنْبَغِي التَّفْصِيلُ إنْ كَانَ الْإِمَامُ يَجْهَرُ لَا يَأْتِي بِهِ، وَإِنْ كَانَ يُسِرُّ يَأْتِي بِهِ اهـ. وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الْمُنْيَةِ أَيْضًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 327 الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى الِاسْتِفْتَاحِ فَلَا يَأْتِي بِدُعَاءِ التَّوَجُّهِ، وَهُوَ وَجَّهْت وَجْهِي لَا قَبْلَ الشُّرُوعِ وَلَا بَعْدَهُ هُوَ الصَّحِيحُ الْمُعْتَمَدُ وَنَصَّ فِي الْبَدَائِعِ عَلَى أَنَّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَيْنِ: فِي رِوَايَةٍ يُقَدِّمُ التَّسْبِيحَ عَلَى التَّوَجُّهِ وَصَحَّحَهُ الزَّاهِدِيُّ، وَفِي رِوَايَةٍ: إنْ شَاءَ قَدَّمَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَخَّرَهُ، وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا» ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى النَّافِلَةِ؛ لِأَنَّ مَبْنَاهَا عَلَى التَّوَسُّعِ وَيَدْفَعُهُ مَا رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ «كَانَ إذَا قَامَ لِلصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا» وَمِنْهُمْ مِنْ أَجَابَ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جَهَرَ بِالتَّسْبِيحِ فَقَطْ لِتَقْتَدِيَ النَّاسُ بِهِ وَيَتَعَلَّمُوهُ فَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ وَحْدَهُ هُوَ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - آخِرَ الْأَمْرِ فِي الْفَرَائِضِ، وَفِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَإِذَا زَادَ " وَجَلَّ ثَنَاؤُك " لَا يَمْنَعُ، وَإِنْ سَكَتَ لَا يُؤْمَرُ بِهِ، وَفِي الْكَافِي أَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ فِي الْمَشَاهِيرِ، وَفِي الْبَدَائِعِ أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْمَشْهُودِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَوْلَى تَرْكُهُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ نَظَرًا إلَى الْمُحَافَظَةِ عَلَى الْمَرْوِيِّ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ عَلَيْهِ فِي خُصُوصِ هَذَا الْمَحَلِّ، وَإِنْ كَانَ ثَنَاءً عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، ثُمَّ اعْلَمْ، أَنَّهُ يَقُولُ فِي دُعَاءِ التَّوَجُّهِ: " وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ "، وَلَوْ قَالَ " وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ " اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي فَسَادِ صَلَاتِهِ وَالْأَصَحُّ عَدَمُ الْفَسَادِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ خِلَافٌ لِمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ بِكُلٍّ مِنْهُمَا وَتَعْلِيلُ الْفَسَادِ بِأَنَّهُ كَذِبٌ مَرْدُودٌ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ كَذِبًا إذَا كَانَ مُخْبِرًا عَنْ نَفْسِهِ لَا تَالِيًا وَإِذَا كَانَ مُخْبِرًا فَالْفَسَادُ عِنْدَ الْكُلِّ. (قَوْلُهُ وَتَعَوَّذَ سِرًّا) أَيْ قَالَ الْمُصَلِّي: أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي عَمْرٍو وَعَاصِمٍ وَابْنِ كَثِيرٍ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَنَا، وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ مِنْ أَصْحَابِنَا؛ لِأَنَّهُ الْمَنْقُولُ مِنْ اسْتِعَاذَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِهَذَا يَضْعُفُ مَا اخْتَارَهُ فِي الْهِدَايَةِ مِنْ أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: أَسْتَعِيذُ بِاَللَّهِ لِيُوَافِقَ الْقُرْآنَ يَعْنِي؛ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِيهِ {فَاسْتَعِذْ} [الأعراف: 200] بِصِيغَةِ الْأَمْرِ مِنْ الِاسْتِعَاذَةِ وَأَسْتَعِيذُ مُضَارِعُهَا فَيَتَوَافَقَانِ بِخِلَافِ أَعُوذُ فَإِنَّهُ مِنْ الْعَوْذِ لَا مِنْ الِاسْتِعَاذَةِ وَجَوَابُهُ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ لَفْظَ اسْتَعِذْ طَلَبُ الْعَوْذِ، وَقَوْلُهُ أَعُوذُ مِثَالٌ مُطَابِقٌ لِمُقْتَضَاهُ أَمَّا قُرْبُهُ مِنْ لَفْظِهِ فَمُهْدَرٌ، وَفِي الْبَدَائِعِ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَزِيدَ عَلَيْهِ أَنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ يَعْنِي كَمَا هُوَ اخْتِيَارُ نَافِعٍ وَابْنِ عَامِرٍ وَالْكِسَائِيِّ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ مِنْ بَابِ الثَّنَاءِ وَمَا بَعْدَ التَّعَوُّذِ مَحَلُّ الْقِرَاءَةِ لَا مَحَلُّ الثَّنَاءِ، وَقَدْ قَدَّمَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ سُنَّةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل: 98] أَيْ إذَا أَرَدْت قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ، فَأَطْلَقَ الْمُسَبَّبَ عَلَى السَّبَبِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا لِظَاهِرِ الْأَمْرِ؛ لِأَنَّ السَّلَفَ أَجْمَعُوا عَلَى سُنِّيَّتِهِ كَمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي وَلَمْ يُعَيِّنْ سَنَدَ الْإِجْمَاعِ الَّذِي هُوَ الصَّارِفُ لِلْأَمْرِ عَنْ ظَاهِرِهِ وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى سَنَدٍ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ لَهُمْ عِلْمًا ضَرُورِيًّا يَسْتَفِيدُونَ بِهِ الْحُكْمَ فَلَا إشْكَالَ وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَرْبَعٌ يُخْفِيهِنَّ الْإِمَامُ التَّعَوُّذُ وَالتَّسْمِيَةُ وَآمِينَ وَرَبَّنَا لَك الْحَمْدُ فَقَوْلُهُ سِرًّا عَائِدٌ إلَى الِاسْتِفْتَاحِ وَالتَّعَوُّذِ (قَوْلُهُ لِلْقِرَاءَةِ فَيَأْتِي بِهِ الْمَسْبُوقُ لَا الْمُقْتَدِي وَيُؤَخِّرُ عَنْ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدَيْنِ) يَعْنِي أَنَّ التَّعَوُّذَ سُنَّةُ الْقِرَاءَةِ فَيَأْتِي بِهِ كُلُّ قَارِئٍ لِلْقُرْآنِ؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ لَهَا صِيَانَةً عَنْ وَسَاوِسِ الشَّيْطَانِ فَكَانَ تَبَعًا لَهَا، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ هُوَ تَبَعٌ لِلثَّنَاءِ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي ثَلَاثِ مَسَائِلَ: إحْدَاهَا: أَنَّهُ لَا يَأْتِي بِهِ الْمُقْتَدِي عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَا قِرَاءَةَ عَلَيْهِ وَيَأْتِي بِهِ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ يَأْتِي بِالثَّنَاءِ، ثَانِيهَا: أَنَّ الْإِمَامَ يَأْتِي بِالتَّعَوُّذِ بَعْدَ تَكْبِيرَاتِ الزَّوَائِدِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى عِنْدَهُمَا وَيَأْتِي بِهِ الْإِمَامُ وَالْمُقْتَدِي بَعْدَ الثَّنَاءِ قَبْلَ التَّكْبِيرَاتِ عِنْدَهُ، ثَالِثُهَا: أَنَّ الْمَسْبُوقَ لَا يَأْتِي بِهِ لِلْحَالِ وَيَأْتِي بِهِ إذَا قَامَ إلَى   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ مِنْ أَصْحَابِنَا) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَجَعَلَهُ الشَّارِحُ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ وَادَّعَى بَعْضُهُمْ إجْمَاعَ الْقُرَّاءَ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ الرِّوَايَةُ وَهَذَا لِأَنَّ السُّنَنَ إنَّمَا دَخَلَتْ فِي الْأَمْرِ دَلَالَةً عَلَى طَلَبِ الِاسْتِعَاذَةِ، فَالْقَائِلُ أَعُوذُ مُمْتَثِلٌ لَا أَسْتَعِيذُ لِأَنَّهُ طَلَبٌ لِلِاسْتِعَاذَةِ لَا مُتَعَوِّذٌ وَلِذَا كَانَ أَعُوذُ هُوَ الْمَنْقُولُ مِنْ اسْتِعَاذَتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَقَوْلُ الْجَوْهَرِيِّ عُذْت بِفُلَانٍ وَاسْتَعَذْت بِهِ الْتَجَأْت إلَيْهِ مَرْدُودٌ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ اللِّسَانِ كَذَا فِي النَّشْرِ لِابْنِ الْجَزَرِيِّ (قَوْلُهُ لِأَنَّ السَّلَفَ أَجْمَعُوا عَلَى سُنِّيَّتِهِ) قَالَ فِي النَّهْرِ فِي دَعْوَى الْإِجْمَاعِ نِزَاعٌ فَقَدْ رُوِيَ الْوُجُوبُ عَنْ عَطَاءٍ وَالثَّوْرِيِّ، وَإِنْ كَانَ جُمْهُورُ السَّلَفِ عَلَى خِلَافِهِ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ فَقَوْلُهُ سِرًّا عَائِدٌ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ كَوْنُهُ قَيْدًا فِي الِاسْتِفْتَاحِ أَيْضًا بَعِيدٌ، وَعَلَيْهِ فَهُوَ مِنْ التَّنَازُعِ بَلْ هُوَ حَالٌ مِنْ فَاعِلِ تَعَوَّذَ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صِفَةً لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ بَلْ هُوَ أَوْلَى لِأَنَّ مَجِيءَ الْمَصْدَرِ الْمُنَكَّرِ حَالًا وَإِنْ كَثُرَ إلَّا أَنَّهُ سَمَاعِيٌّ. اهـ. وَفِي قَوْلِهِ فَهُوَ مِنْ التَّنَازُعِ نَظَرٌ لِمَا قَالَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَنْ هَمْعِ الْهَوَامِعِ مِنْ أَنَّ التَّنَازُعَ يَقَعُ فِي كُلِّ مَعْمُولٍ إلَّا الْمَفْعُولَ وَالتَّمْيِيزَ، وَكَذَا الْحَالُ خِلَافًا لِابْنِ مُعْطِي وَلِذَا قَالَ الشَّيْخُ عَلَاءُ الدِّينِ الْحَصْكَفِيُّ فَهُوَ كَالتَّنَازُعِ أَيْ شَبِيهٌ بِالتَّنَازُعِ الَّذِي هُوَ تَعَلُّقُ عَامِلَيْنِ فَأَكْثَرَ مِنْ الْفِعْلِ أَوْ شِبْهِهِ بِاسْمٍ فَأَكْثَرَ (قَوْلُهُ الرِّوَايَةُ) لَعَلَّهُ الدِّرَايَةُ تَأَمَّلْ اهـ مِنْهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 328 الْقَضَاءِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ يَأْتِي بِهِ مَرَّتَيْنِ عِنْدَ الدُّخُولِ بَعْدَ الثَّنَاءِ وَعِنْدَ الْقِرَاءَةِ، وَقَدْ ذَكَرَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَجَمَاعَةٌ الْخِلَافَ بَيْنَ الصَّاحِبَيْنِ وَأَبِي يُوسُفَ، وَفِي عَامَّةِ النُّسَخِ كَالْمَبْسُوطِ وَالْمَنْظُومَةِ وَشُرُوحِهَا بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ بَلْ وَذَكَرَ أَبُو الْيُسْرِ رِوَايَةً عَنْ مُحَمَّدٍ كَمَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ فَلِذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ صَحَّحَ صَاحِبُ الْخُلَاصَةِ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ تَبَعٌ لِلثَّنَاءِ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ مَحَلَّ التَّعَوُّذِ بَعْدَ الثَّنَاءِ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ تَعَوَّذَ قَبْلَ الثَّنَاءِ أَعَادَهُ بَعْدَهُ لِعَدَمِ وُقُوعِهِ فِي مَحَلِّهِ وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ نَسِيَ التَّعَوُّذَ فَقَرَأَ الْفَاتِحَةَ لَا يَتَعَوَّذُ لِفَوَاتِ الْمَحَلِّ وَقَيَّدَنَا بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّ التِّلْمِيذَ لَا يَتَعَوَّذُ إذَا قَرَأَ عَلَى أُسْتَاذِهِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَظَاهِرُهُ: أَنَّ الِاسْتِعَاذَةَ لَمْ تُشْرَعْ إلَّا عِنْدَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ أَوْ فِي الصَّلَاةِ، وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ، وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ أَنَّ الْمَسْبُوقَ يَأْتِي بِالثَّنَاءِ إلَّا إذَا كَانَ إمَامُهُ يَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ وَيَأْتِي بِهِ أَيْضًا إذَا قَامَ إلَى قَضَاءِ مَا سَبَقَ بِهِ وَإِذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي الرُّكُوعِ يَتَحَرَّى إنْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ لَوْ أَتَى بِهِ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي شَيْءٍ مِنْ الرُّكُوعِ يَأْتِي بِهِ قَائِمًا وَإِلَّا يُتَابِعُ الْإِمَامَ وَلَا يَأْتِي بِالثَّنَاءِ فِي الرُّكُوعِ لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ فَإِنَّهُ مَحَلُّ التَّسْبِيحَاتِ، وَإِنَّمَا يَأْتِي بِتَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ فِيهِ دُونَ تَسْبِيحَاتِهِ؛ لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ دُونَهَا، وَكَذَا لَوْ أَدْرَكَ الْمَسْبُوقُ الْإِمَامَ فِي السَّجْدَةِ فَهُوَ كَالرُّكُوعِ وَإِذَا لَمْ يُدْرِكْ الْإِمَامَ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لَا يَأْتِي بِهِمَا؛ لِأَنَّهُ انْفَرَدَ عَنْ الْإِمَامِ بَعْدَ الِاقْتِدَاءِ بِزِيَادَةٍ لَمْ يُعْتَدَّ بِهَا، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مُفْسِدَةٍ، لِمَا أَنَّ زِيَادَةَ مَا دُونَ الرَّكْعَةِ غَيْرُ مُفْسِدٍ، وَإِنْ أَدْرَكَ إمَامَهُ فِي الْقَعْدَةِ فَإِنَّهُ لَا يَأْتِي بِالثَّنَاءِ بَلْ يُكَبِّرُ لِلِافْتِتَاحِ، ثُمَّ لِلِانْحِطَاطِ، ثُمَّ يَقْعُدُ، وَقِيلَ يَأْتِي بِالثَّنَاءِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَفْصِلَ كَمَا فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَأَنْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَعْدَةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ. (قَوْلُهُ وَسَمَّى سِرًّا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ) أَيْ، ثُمَّ يُسَمِّي الْمُصَلِّي بِأَنْ يَقُولَ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، هَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِالتَّسْمِيَةِ هُنَا، وَأَمَّا فِي الْوُضُوءِ وَالذَّبِيحَةِ فَالْمُرَادُ مِنْهَا ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْمُرَادُ بِالْمُصَلِّي هُنَا الْإِمَامُ أَوْ الْمُنْفَرِدُ أَمَّا الْمُقْتَدِي فَلَا دَخْلَ لَهُ فِيهَا فَإِنَّهُ لَا يَقْرَأُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ قَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَتَعَوَّذُ، وَقَدْ عَدَّهَا الْمُصَنِّفُ فِيمَا سَبَقَ مِنْ السُّنَنِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ، وَقَدْ صَحَّحَ الزَّاهِدِيُّ فِي شَرْحِهِ، وَفِي الْقُنْيَةِ وُجُوبَهَا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَصَرَّحَ فِي بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ بِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ السَّهْوُ بِتَرْكِهَا وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ وَهْبَانَ فِي مَنْظُومَتِهِ قَالَ وَإِنَّ الْوُجُوبَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ وَالشَّارِحُ الزَّيْلَعِيُّ فِي بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ وَعَلَّلَ فِي الْبَدَائِعِ بِمَا يُفِيدُهُ، فَإِنَّهُ قَالَ رَوَى الْمُعَلَّى عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَأْتِي بِهَا فِي رَكْعَةٍ، هُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ إنْ لَمْ تُجْعَلْ مِنْ الْفَاتِحَةِ قَطْعًا لِخَبَرِ الْوَاحِدِ لَكِنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ يُوجِبُ الْعَمَلَ فَصَارَتْ مِنْ الْفَاتِحَةِ عَمَلًا فَمَتَى لَزِمَهُ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ يَلْزَمُهُ قِرَاءَةُ التَّسْمِيَةِ احْتِيَاطًا اهـ. وَهَذَا كُلُّهُ ضَعِيفٌ وَالْمُوَاظَبَةُ لَمْ تَثْبُتْ لِمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَنَسٍ صَلَّيْت خَلْفَ النَّبِيِّ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ مَحَلَّ التَّعَوُّذِ بَعْدَ الثَّنَاءِ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَا يَخْفَى بُعْدُ هَذِهِ الْإِشَارَةِ إذْ الْوَاوُ لَا تُفِيدُ تَرْتِيبًا اهـ. قَالَ الرَّمْلِيُّ أَقُولُ: التَّرْتِيبُ مُسْتَفَادٌ مِنْ صَنِيعِهِ لَا مِنْ الْوَاوِ فَانْظُرْ إلَى قَوْلِهِ: وَسَمَّى وَقَرَأَ إلَخْ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ) وَجْهُهُ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: أَنَّ الْأَمْرَ بِالِاسْتِعَاذَةِ مَعْلُولٌ بِدَفْعِ الْوَسْوَسَةِ فَيَجُوزُ الْإِتْيَانُ بِهِ فِي جَمِيعِ مَا يُخْشَى فِيهِ الْوَسْوَسَةُ. اهـ. وَقَدْ أَجَابَ عَنْهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ مَا فِي الذَّخِيرَةِ لَيْسَ فِي الْمَشْرُوعِيَّةِ وَعَدَمِهَا بَلْ فِي الِاسْتِنَانِ وَعَدَمِهِ اهـ. أَيْ فَتُسَنُّ لِلْقِرَاءَةِ وَلَا تُسَنُّ لِغَيْرِهَا وَنَفْيُ السُّنِّيَّةِ لَا يُنَافِي الْمَشْرُوعِيَّةَ وَنَصُّ عِبَارَةِ الذَّخِيرَةِ هَكَذَا: إذَا قَالَ الرَّجُلُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فَإِنْ أَرَادَ بِهِ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ يَتَعَوَّذُ قَبْلَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [النحل: 98] ، وَإِنْ أَرَادَ افْتِتَاحَ الْكَلَامِ كَمَا يَقْرَأُ التِّلْمِيذُ عَلَى الْأُسْتَاذِ لَا يَتَعَوَّذُ قَبْلَهُ لِأَنَّهُ لَا يُرِيدُ بِهِ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ، أَلَا يُرَى أَنَّ رَجُلًا لَوْ أَرَادَ أَنْ يَشْكُرَ فَيَقُولَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا يَحْتَاجُ إلَى التَّعَوُّذِ قَبْلَهُ فَعَلَى هَذَا الْجُنُبُ إذَا قَالَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فَإِنْ أَرَادَ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ أَرَادَ افْتِتَاحَ الْكَلَامِ أَوْ التَّسْمِيَةَ لَا بَأْسَ بِهِ اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا أَرَادَ أَنْ يَقُولَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ لَا يَأْتِي بِالتَّعَوُّذِ قَبْلَهَا إلَّا إذَا أَرَادَ بِهَا الْقِرَاءَةَ، أَمَّا إذَا أَرَادَ بِهَا افْتِتَاحَ الْكَلَامِ كَمَا يَأْتِي بِهَا التِّلْمِيذُ فِي أَوَّلِ دَرْسِهِ لِلْعِلْمِ لَا يَتَعَوَّذُ لِأَنَّ الْبَسْمَلَةَ تَخْرُجُ عَنْ الْقُرْآنِيَّةِ بِقَصْدِ الذِّكْرِ حَتَّى يَجُوزَ لِلْجُنُبِ الْإِتْيَانُ بِهَا إذَا لَمْ يَقْصِدْ بِهَا الْقُرْآنِيَّةَ وَمُلَخَّصُهُ أَنَّهُ إذَا أَتَى بِشَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ لَا يُسَنُّ التَّعَوُّذُ قَبْلَهُ إلَّا إذَا قَصَدَ بِهِ التِّلَاوَةَ، وَأَمَّا لَوْ أَتَى بِالْبَسْمَلَةِ لِافْتِتَاحِ الْكَلَامِ أَوْ بِالْحَمْدَلَةِ لِقَصْدِ الشُّكْرِ لَا عَلَى قَصْدِ الْقُرْآنِيَّةِ فَلَا يُسَنُّ التَّعَوُّذُ، وَكَذَا إذَا تَكَلَّمَ بِغَيْرِ مَا هُوَ مِنْ الْقُرْآنِ بِالْأَوْلَى، نَعَمْ تُطْلَبُ الِاسْتِعَاذَةُ عِنْدَ دُخُولِ الْخَلَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ بِكَلَامٍ، وَأَمَّا الْكَلَامُ فَغَيْرُ الْقُرْآنِ لَا تُسَنُّ لَهُ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَهَذَا كُلُّهُ ضَعِيفٌ) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَالْحَقُّ أَنَّهُمَا قَوْلَانِ مُرَجَّحَانِ إلَّا أَنَّ الْمُتُونَ عَلَى الْأَوَّلِ، وَوَجَّهَ الثَّانِيَ بِمَا مَرَّ عَنْ الْبَدَائِعِ، ثُمَّ قَالَ أَقُولُ: فِي إيجَابِ السَّهْوِ بِتَرْكِهَا مُنَافَاةٌ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَا يَجِبُ بِتَرْكِ أَقَلِّ الْفَاتِحَةِ فَتَدَبَّرْ اهـ. أَقُولُ: تَنْدَفِعُ الْمُنَافَاةُ بِمَا مَرَّ لَنَا فِي الْوَاجِبَاتِ عَنْ الْحَصْكَفِيِّ عَنْ الْمُجْتَبَى مِنْ وُجُوبِ السُّجُودِ بِتَرْكِ آيَةٍ مِنْهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 329 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ فَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْهُمْ يَقْرَأُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ أَجَابَ عَنْهُ أَئِمَّتُنَا بِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ نَفْيَ الْقِرَاءَةِ بَلْ السَّمَاعَ لِلْإِخْفَاءِ بِدَلِيلِ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْهُ فَكَانُوا لَا يَجْهَرُونَ بِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَهُوَ دَلِيلُنَا عَلَى الْإِخْفَاءِ بِهَا، وَلَوْلَا التَّصْرِيحُ بِلُزُومِ السَّهْوِ بِتَرْكِهَا لَقُلْتُ: إنَّ الْوُجُوبَ فِي كَلَامِهِمْ بِمَعْنَى الثُّبُوتِ، أَطْلَقَ فَشَمِلَ الصَّلَاةَ الْجَهْرِيَّةَ وَالسَّرِيَّةَ فَمَا فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي مِنْ أَنَّ الْإِمَامَ إذَا جَهَرَ لَا يَأْتِي بِهَا وَإِذَا خَافَتَ يَأْتِي بِهَا غَلَطٌ فَاحِشٌ مُخَالِفٌ لِكُلِّ الرِّوَايَاتِ، وَقَوْلُهُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ أَيْ فِي ابْتِدَاءِ كُلِّ رَكْعَةٍ فَلَا تُسَنُّ التَّسْمِيَةُ بَيْنَ الْفَاتِحَةِ وَالسُّورَةِ مُطْلَقًا عِنْدَهُمَا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ تُسَنُّ إذَا خَافَتَ لَا إنْ جَهَرَ وَصَحَّحَ فِي الْبَدَائِعِ قَوْلَهُمَا، وَالْخِلَافُ فِي الِاسْتِنَانِ أَمَّا عَدَمُ الْكَرَاهَةِ فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلِهَذَا صَرَّحَ فِي الذَّخِيرَةِ وَالْمُجْتَبَى بِأَنَّهُ إنْ سَمَّى بَيْنَ الْفَاتِحَةِ وَالسُّورَةِ كَانَ حَسَنًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ سَوَاءٌ كَانَتْ تِلْكَ السُّورَةِ مَقْرُوءَةً سِرًّا أَوْ جَهْرًا وَرَجَّحَهُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ وَتِلْمِيذُهُ الْحَلَبِيُّ لِشُبْهَةِ الِاخْتِلَافِ فِي كَوْنِهَا آيَةً مِنْ كُلِّ سُورَةٍ، وَإِنْ كَانَتْ الشُّبْهَةُ فِي ذَلِكَ دُونَ الشُّبْهَةِ النَّاشِئَةِ مِنْ الِاخْتِلَافِ فِي كَوْنِهَا آيَةً مِنْ الْفَاتِحَةِ، وَمَا فِي الْقُنْيَةِ مِنْ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ سُجُودُ السَّهْوِ بِتَرْكِهَا بَيْنَ الْفَاتِحَةِ وَالسُّورَةِ فَبَعِيدٌ جِدًّا، كَمَا أَنَّ قَوْلَ مَنْ قَالَ لَا يُسَمِّي إلَّا فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى قَوْلٌ غَيْرُ صَحِيحٍ بَلْ قَالَ الزَّاهِدِيُّ إنَّهُ غَلَطٌ عَلَى أَصْحَابِنَا غَلَطًا فَاحِشًا، وَفِي ذِكْرِ التَّسْمِيَةِ بَعْدَ التَّعَوُّذِ إشَارَةٌ إلَى مَحَلِّهَا فَلَوْ سَمَّى قَبْلَ التَّعَوُّذِ أَعَادَهَا بَعْدَهُ لِعَدَمِ وُقُوعِهَا فِي مَحَلِّهَا، لَوْ نَسِيَهَا حَتَّى فَرَغَ مِنْ الْفَاتِحَةِ لَا يُسَمِّي لِأَجْلِ فَوَاتِ مَحِلِّهَا. (قَوْلُهُ هِيَ آيَةٌ مِنْ الْقُرْآنِ أُنْزِلَتْ لِلْفَصْلِ بَيْنَ السُّوَرِ لَيْسَتْ مِنْ الْفَاتِحَةِ وَلَا مِنْ كُلِّ سُورَةٍ) بَيَانٌ لِلْأَصَحِّ مِنْ الْأَقْوَالِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ وَرَدٌّ لِلْقَوْلَيْنِ الْآخَرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا لَيْسَتْ قُرْآنًا، وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ مَشَايِخِنَا لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ وَالْأَخْبَارِ فِيهَا فَأَوْرَثَ شُبْهَةً، ثَانِيهِمَا: أَنَّهَا مِنْ الْفَاتِحَةِ وَمِنْ كُلِّ سُورَةٍ وَنُسِبَ إلَى الشَّافِعِيِّ، وَوَجْهُ الْأَصَحِّ إجْمَاعُهُمْ عَلَى كِتَابَتِهَا مَعَ الْأَمْرِ بِتَجْرِيدِ الْمُصْحَفِ، وَقَدْ تَوَاتَرَتْ فِيهِ، وَهُوَ دَلِيلُ تَوَاتُرِ كَوْنِهَا قُرْآنًا وَبِهِ انْدَفَعَتْ الشُّبْهَةُ لِلِاخْتِلَافِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُحْكَمْ بِكُفْرِ مُنْكِرِهَا؛ لِأَنَّ إنْكَارَ الْقَطْعِيِّ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ أَجَابَ عَنْهُ إلَخْ) اسْتِدْرَاكُ جَوَابٍ عَمَّا يَرِدُ أَنَّ مَا اسْتَدْلَلْتُمْ بِهِ هُوَ حُجَّةٌ عَلَيْكُمْ أَيْضًا فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ السُّنِّيَّةِ أَيْضًا وَأَنْتُمْ لَا تَقُولُونَ بِذَلِكَ. (قَوْلُهُ فَمَا فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَوَّلَهَا شَارِحُهَا الْحَلَبِيُّ بِقَوْلِهِ أَيْ لَا يَأْتِي بِهَا جَهْرًا بَلْ يَأْتِي بِهَا سِرًّا اهـ. وَلَا يَخْفَى بُعْدُهُ (قَوْلُهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ تُسَنُّ إنْ خَافَتَ) أَيْ تُسَنُّ فِي السِّرِّيَّةِ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَجَعَلَهُ فِي الْخُلَاصَةِ رِوَايَةَ الثَّانِي عَنْ الْإِمَامِ، وَفِي الْمُسْتَصْفَى وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَفِي الْبَدَائِعِ الصَّحِيحُ قَوْلُهُمَا، وَفِي الْعَتَّابِيَّةِ وَالْمُحِيطِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ هُوَ الْمُخْتَارُ وَنَقَلَ ابْنُ الضِّيَاءِ فِي شَرْحِ الْغَزْنَوِيَّةِ عَنْ شَرْحِ عُمْدَةِ الْمُصَلِّي أَنَّهُ إنَّمَا اُخْتِيرَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ هَذَا لِأَنَّ لَفْظَةَ الْفَتْوَى آكَدُ وَأَبْلَغُ مِنْ لَفْظَةِ الْمُخْتَارِ (قَوْلُهُ لَا يُسَمِّي لِأَجْلِ فَوَاتِ مَحَلِّهَا) عِبَارَةُ شَرْحِ الْمُنْيَةِ لِابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ لَا يُسَمِّي لِأَجْلِهَا لِفَوَاتِ مَحَلِّهَا (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا لَمْ يَحْكُمْ إلَخْ) عِبَارَتُهُ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمَنَارِ أَوْضَحُ مِمَّا هُنَا، وَنَصُّهَا: وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي الْبَسْمَلَةِ وَالْحَقُّ أَنَّهَا مِنْ الْقُرْآنِ لَكِنْ لَمْ يَكْفُرْ جَاحِدُهَا مَعَ إنْكَارِ الْقَطْعِيِّ لِلشُّبْهَةِ الْقَوِيَّةِ بِحَيْثُ يَخْرُجُ بِهَا كَوْنُهَا مِنْ الْقُرْآنِ مِنْ حَيِّزِ الْوُضُوحِ إلَى حَيِّزِ الْإِشْكَالِ فَهِيَ قُرْآنٌ لِتَوَاتُرِهَا فِي مَحَلِّهَا وَلَا كُفْرَ لِعَدَمِ تَوَاتُرِ كَوْنِهَا فِي الْأَوَائِلِ قُرْآنًا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُوجِبَ لِتَكْفِيرِ جَاحِدِهِ إنْكَارُ مَا تَوَاتَرَ فِي مَحَلِّهِ وَمَا تَوَاتَرَ كَوْنُهُ قُرْآنًا وَالْمُعْتَبَرُ فِي إثْبَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ الْأَوَّلُ فَقَطْ، انْتَهَتْ، وَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ قَوْلَهُ هُنَا بِتَوَاتُرِ كَوْنِهَا قُرْآنًا صَوَابُهُ بِعَدَمِ تَوَاتُرِ إلَخْ كَمَا لَا يَخْفَى، وَقَدْ رَأَيْته مُلْحَقًا فِي بَعْضِ النُّسَخِ. هَذَا وَاعْلَمْ أَنَّ فِي كَلَامِهِ فِي الْبَحْرِ اضْطِرَابًا وَذَلِكَ أَنَّهُ ذَكَرَ أَوَّلًا فِي وَجْهِ الْأَصَحِّ أَنَّ تَوَاتُرَهَا فِي الْمُصْحَفِ دَلِيلُ تَوَاتُرِ قُرْآنِيَّتِهَا، وَأَنَّ بِذَلِكَ انْدَفَعَتْ الشُّبْهَةُ فِي قُرْآنِيَّتِهَا وَمَعْلُومٌ أَنَّ تَوَاتُرَهَا فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ، وَقَدْ حَكَمَ بِأَنَّ ذَلِكَ دَلِيلُ تَوَاتُرِ قُرْآنِيَّتِهَا، وَاللَّازِمُ مِنْ ذَلِكَ تَوَاتُرُ كَوْنِهَا قُرْآنًا فِي الْأَوَائِلِ، ثُمَّ حَكَمَ بِأَنَّ فِيهَا شُبْهَةً فَنَاقَضَ صَدْرَ كَلَامِهِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فَالْمُوجِبُ لِتَكْفِيرِ مَنْ أَنْكَرَ الْقُرْآنَ إنْكَارُ مَا تَوَاتَرَ كَوْنُهُ قُرْآنًا مُنَاقِضٌ لِمَا قَبْلَهُ مِنْ إثْبَاتِ تَوَاتُرِ كَوْنِهَا قُرْآنًا، وَكَذَا قَوْلُهُ: وَبِتَوَاتُرِ كَوْنِهَا قُرْآنًا إلَخْ مُنَاقِضٌ لِقَوْلِهِ: فَالْمُوجِبُ إلَخْ وَعَلَى نُسْخَةٍ وَبِعَدَمِ تَوَاتُرِ مُنَاقِضٍ لِقَوْلِهِ: وَهُوَ دَلِيلُ تَوَاتُرِ كَوْنِهَا قُرْآنًا كَمَا لَا يَخْفَى وَالصَّوَابُ فِي تَقْرِيرِ هَذَا الْمَحَلِّ مَا ذَكَرَهُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ فِي كِتَابِهِ التَّحْرِيرِ، وَهُوَ أَنَّ الْقَطْعِيَّ إنَّمَا يَكْفُرُ مُنْكِرُهُ إذَا لَمْ تَثْبُتْ فِيهِ شُبْهَةٌ قَوِيَّةٌ كَإِنْكَارِ رُكْنٍ وَهُنَا قَدْ وُجِدَتْ وَذَلِكَ لِأَنَّ مَنْ أَنْكَرَهَا كَمَالِكٍ ادَّعَى عَدَمَ تَوَاتُرِ كَوْنِهَا قُرْآنًا فِي الْأَوَائِلِ وَأَنَّ كِتَابَتَهَا فِيهَا لِشُهْرَةِ اسْتِنَانِ الِافْتِتَاحِ بِهَا فِي الشَّرْعِ وَالْآخَرُ يَقُولُ إجْمَاعُهُمْ عَلَى كِتَابَتِهَا مَعَ أَمْرِهِمْ بِتَجْرِيدِ الْمَصَاحِفِ يُوجِبُ كَوْنَهَا قُرْآنًا وَالِاسْتِنَانُ لَا يُسَوِّغُ الْإِجْمَاعَ لِتَحَقُّقِهِ فِي الِاسْتِعَاذَةِ، وَالْأَحَقُّ أَنَّهَا مِنْ الْقُرْآنِ لِتَوَاتُرِهَا فِي الْمُصْحَفِ، وَهُوَ دَلِيلُ كَوْنِهَا قُرْآنًا وَلَا نُسَلِّمُ تَوَقُّفَ ثُبُوتِ الْقُرْآنِيَّةِ عَلَى تَوَاتُرِ الْأَخْبَارِ بِكَوْنِهَا قُرْآنًا بَلْ الشَّرْطُ فِيمَا هُوَ قُرْآنٌ تَوَاتُرُهُ فِي مَحَلِّهِ فَقَطْ، وَإِنْ لَمْ يَتَوَاتَرْ كَوْنُهُ فِي مَحَلِّهِ مِنْ الْقُرْآنِ اهـ. وَقَوْلُهُ وَلَا نُسَلِّمُ رَدٌّ لِمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 330 لَا يُوجِبُ الْكُفْرَ إلَّا إذَا لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ شُبْهَةٌ قَوِيَّةٌ، فَإِنْ ثَبَتَتْ فَلَا، كَمَا فِي الْبَسْمَلَةِ فَالْمُوجِبُ لِتَكْفِيرِ مَنْ أَنْكَرَ الْقُرْآنَ إنْكَارُ مَا تَوَاتَرَ كَوْنُهُ قُرْآنًا، وَأَمَّا الْبَسْمَلَةُ فَبِمَا تَوَاتَرَتْ فِي الْمُصْحَفِ ثَبَتَتْ قُرْآنِيَّتُهَا وَبِتَوَاتُرِ كَوْنِهَا قُرْآنًا فِي الْأَوَائِلِ لَمْ يَكْفُرْ جَاحِدُهَا، فَالتَّوَاتُرُ الْمُعْتَبَرُ فِي الْقُرْآنِ تَوَاتُرُهُ فِي مَحَلِّهِ وَالْمُعْتَبَرُ فِي التَّكْفِيرِ تَوَاتُرُ كَوْنِهِ قُرْآنًا، وَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا قِيلَ مِنْ الْإِشْكَالِ فِي التَّسْمِيَةِ، وَهُوَ أَنَّهَا إنْ كَانَتْ مُتَوَاتِرَةً لَزِمَ تَكْفِيرُ مُنْكِرِهَا وَلَمْ يَتَكَافَرُوا فِيهَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُتَوَاتِرَةً فَلَيْسَتْ قُرْآنًا، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ (آيَةٌ) إلَى أَنَّهَا فِي الْقُرْآنِ آيَةٌ وَاحِدَةٌ يُفْتَحُ بِهَا كُلُّ سُورَةٍ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ آيَاتٌ فِي السُّورَةِ وَالْخِلَافُ فِي غَيْرِ الْبَسْمَلَةِ الَّتِي فِي سُورَةِ النَّمْلِ أَمَّا هِيَ فَبَعْضُ آيَةٍ اتِّفَاقًا وَمِمَّا اُسْتُدِلَّ بِهِ لِمَذْهَبِنَا حَدِيثُ «قَسَمْت الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي فَإِذَا قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ» إلَى آخِرِهِ فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ الْبَسْمَلَةَ فَدَلَّ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْفَاتِحَةِ وَحَدِيثُ عَدَّ سُورَةَ الْمُلْكِ ثَلَاثِينَ آيَةً وَهِيَ ثَلَاثُونَ دُونَهَا وَالْكَلَامُ فِي الْبَسْمَلَةِ طَوِيلٌ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ، وَاسْتُفِيدَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يَحْرُمُ قِرَاءَتُهَا عَلَى الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَقَيَّدَهُ فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ بِأَنْ يَقْرَأَ عَلَى قَصْدِ الْقُرْآنِ، وَمُقْتَضَى كَوْنِهَا قُرْآنًا أَنْ تَحْرُمَ عَلَى الْجُنُبِ إلَّا إذَا قَصَدَ الذِّكْرَ أَوْ التَّيَمُّنَ، وَفِي الْمُجْتَبَى الْأَصَحُّ أَنَّهَا آيَةٌ فِي حَقِّ حُرْمَتِهَا عَلَى الْجُنُبِ لَا فِي حَقِّ جَوَازِ الصَّلَاةِ بِهَا فَإِنَّ فَرْضَ الْقِرَاءَةِ ثَابِتٌ بِيَقِينٍ فَلَا يَسْقُطُ بِمَا فِيهِ شُبْهَةٌ، وَكَذَا فِي الْمُحِيطِ. (قَوْلُهُ وَقَرَأَ الْفَاتِحَةَ وَسُورَةً أَوْ ثَلَاثَ آيَاتٍ) أَيْ قَرَأَ الْمُصَلِّي إذَا كَانَ إمَامًا أَوْ مُنْفَرِدًا عَلَى وَجْهِ الْوُجُوبِ مَا ذُكِرَ وَهُمَا وَاجِبَتَانِ لِلْمُوَاظَبَةِ، لَكِنَّ الْفَاتِحَةَ أَوْجَبُ حَتَّى يُؤْمَرَ بِالْإِعَادَةِ بِتَرْكِهَا دُونَ السُّورَةِ كَذَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ، وَقَدْ تَبِعَ فِيهِ الْفَقِيهَ، وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا وَاجِبٌ اتِّفَاقًا وَبِتَرْكِ الْوَاجِبِ تَثْبُتُ كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ، وَقَدْ قَالُوا كُلُّ صَلَاةٍ أُدِّيَتْ مَعَ كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ يَجِبُ إعَادَتُهَا فَتَعَيَّنَ الْقَوْلُ بِوُجُوبِ الْإِعَادَةِ عِنْدَ تَرْكِ السُّورَةِ وَمَا يَقُومُ مَقَامَهَا كَتَرْكِ الْفَاتِحَةِ، نَعَمْ الْفَاتِحَةُ آكَدُ فِي الْوُجُوبِ مِنْ السُّورَةِ لِلِاخْتِلَافِ فِي رُكْنِيَّتِهَا دُونَ السُّورَةِ وَالْآكَدِيَّةُ لَا تَظْهَرُ فِيمَا ذَكَرَهُ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْإِعَادَةِ حُكْمُ تَرْكِ الْوَاجِبِ مُطْلَقًا إلَّا الْوَاجِبَ الْمُتَأَكِّدَ، وَإِنَّمَا يَظْهَرُ فِي الْإِثْمِ؛ لِأَنَّهُ مَقُولٌ بِالتَّشْكِيكِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَالثَّلَاثُ آيَاتٍ الْقِصَارُ تَقُومُ مَقَامَ السُّورَةِ فِي الْإِعْجَازِ فَكَذَا هُنَا، وَكَذَا الْآيَةُ الطَّوِيلَةُ تَقُومُ مَقَامَهَا فَإِذَا نَقَصَ عَنْ ثَلَاثٍ قِصَارٍ أَوْ آيَةٍ طَوِيلَةٍ فَقَدْ ارْتَكَبَ كَرَاهَةَ التَّحْرِيمِ لِتَرْكِهِ الْوَاجِبَ وَإِذَا أَتَى بِهَا خَرَجَ عَنْ كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ، فَإِنْ قَرَأَ الْقَدْرَ الْمَسْنُونَ كَمَا سَيَأْتِي فَقَدْ خَرَجَ عَنْ كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ أَيْضًا وَإِلَّا فَقَدْ ارْتَكَبَهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي فَمَنْ قَالَ: خَرَجَ عَنْ الْكَرَاهَةِ إذَا قَرَأَ الْوَاجِبَ، أَرَادَ التَّحْرِيمِيَّةَ، وَمَنْ قَالَ: لَا يَخْرُجُ عَنْهَا، أَرَادَ التَّنْزِيهِيَّةَ. (قَوْلُهُ وَأَمَّنَ الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ سِرًّا) لِلْحَدِيثِ «إذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَهُوَ يُفِيدُ تَأْمِينَهُمَا لَكِنْ فِي حَقِّ الْإِمَامِ بِالْإِشَارَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسُقْ النَّصَّ لَهُ، وَفِي حَقِّ الْمَأْمُومِ بِالْعِبَارَةِ؛ لِأَنَّهُ سِيقَ لِأَجْلِهِ، وَبِهَذَا يَضْعُفُ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْإِمَامَ لَا يُؤَمِّنُ وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَالَ آمِينَ وَخَفَضَ بِهَا صَوْتَهُ» لَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَأَمَّنَ " الْمُصَلِّي " أَوْ " الْجَمِيعُ " كَمَا فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ الْمُنْفَرِدَ فَإِنَّهُ يُؤَمِّنُ أَيْضًا لِرِوَايَةِ مُسْلِمٍ «إذَا قَالَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ آمِينَ» الْحَدِيثَ قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ انْدَرَجَ الْمُنْفَرِدُ، وَأَطْلَقَ فِي إخْفَائِهَا فَشَمِلَ الصَّلَاةَ الْجَهْرِيَّةَ وَالسِّرِّيَّةَ وَكُلَّ مُصَلٍّ، لَكِنْ اخْتَلَفُوا فِي تَأْمِينِ الْمَأْمُومِ إذَا كَانَ الْإِمَامُ فِي السِّرِّيَّةِ وَسَمِعَ الْمَأْمُومُ تَأْمِينَهُ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَقُولُهُ هُوَ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْكِتَابِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْجَهْرَ لَا عِبْرَةَ بِهِ بَعْدَ الِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْقُرْآنِ، وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا ذَكَرْنَا أَنَّ الْمَأْمُومَ لَا يَقُولُهَا إلَّا إذَا   [منحة الخالق] تَضَمَّنَهُ كَلَامُ الْمُنْكِرِ مِنْ أَنَّ تَوَاتُرَهَا فِي مَحَلِّهَا لَا يَسْتَلْزِمُ قُرْآنِيَّتَهَا بَلْ لَا بُدَّ مِنْ تَوَاتُرِ الْأَخْبَارِ بِكَوْنِهَا قُرْآنًا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ تَوَاتُرَهَا فِي مَحَلِّهَا أَثْبَتَ أَصْلَ قُرْآنِيَّتِهَا، وَأَمَّا كَوْنُهَا قُرْآنًا مُتَوَاتِرًا فَهُوَ مُتَوَقِّفٌ عَلَى تَوَاتُرِ الْأَخْبَارِ بِهِ وَلِذَلِكَ لَمْ يَكْفُرْ مُنْكِرُهَا بِخِلَافِ غَيْرِهَا لِتَوَاتُرِ الْأَخْبَارِ بِقُرْآنِيَّتِهِ، وَقَدْ ظَهَرَ لَك مِنْ هَذَا التَّقْرِيرِ الشَّافِي أَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمَنَارِ صَحِيحٌ مُوَافِقٌ لِمَا قُلْنَاهُ، وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ هُنَا فَلَا لِمَا عَلِمْت وَتَصْحِيحُهُ بِإِسْقَاطِ قَوْلِهِ " تَوَاتُرِ " مِنْ قَوْلِهِ وَهُوَ دَلِيلُ تَوَاتُرِ كَوْنِهَا قُرْآنًا وَبِإِسْقَاطِ قَوْلِهِ وَبِهِ انْدَفَعَتْ الشُّبْهَةُ وَبِزِيَادَةِ لَفْظَةِ " عَدَمِ " فِي قَوْلِهِ وَبِتَوَاتُرِ كَوْنِهَا قُرْآنًا كَمَا مَرَّ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَلِيُّ التَّوْفِيقِ (قَوْلُهُ وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا ذَكَرْنَا إلَخْ) أَيْ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَسْمَعْ الْقِرَاءَةَ مِنْ الْإِمَامِ فِي الْجَهْرِيَّةِ لَا يَعْلَمُ وَقْتَ تَأْمِينِهِ لِمَا قَرَّرَهُ صَاحِبُ الْمَجْمَعِ فِي شَرْحِهِ عَلَيْهِ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيثِ الشَّيْخَيْنِ الْمَارِّ وَالْعِلْمُ بِقَوْلِ الْإِمَامِ آمِينَ يَحْصُلُ بِالْفَرَاغِ عَنْ الْفَاتِحَةِ فَصَحَّ التَّعْلِيقُ بِالْقَوْلِ الْمَعْلُومِ وُجُودُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَسْمُوعًا اهـ. لَكِنْ فِي الْجَوْهَرَةِ إذَا سَمِعَ الْمُقْتَدِي التَّأْمِينَ فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ قَالَ الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ يُؤَمِّنُ كَذَا فِي الْفَتَاوَى اهـ. قَالَ فِي الشرنبلالية قُلْتُ: فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَخْتَصَّ بِهِمَا بَلْ الْحُكْمُ فِي الْجَمَاعَةِ الْكَثِيرَةِ كَذَلِكَ اهـ. أَيْ: لِأَنَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 331 سَمِعَ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ لَا مُطْلَقًا، فَلَيْسَ هُوَ كَالْإِمَامِ مُطْلَقًا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْمُخْتَصَرِ، وَفِي آمِينَ أَرْبَعُ لُغَاتٍ: أَفْصَحُهُنَّ وَأَشْهُرُهُنَّ آمِينَ بِالْمَدِّ وَالتَّخْفِيفِ، وَالثَّانِيَةُ: بِالْقَصْرِ وَالتَّخْفِيفِ وَمَعْنَاهُ اسْتَجِبْ، وَالثَّالِثَةُ: بِالْإِمَالَةِ، وَالرَّابِعَةُ: بِالْمَدِّ وَالتَّشْدِيدِ فَالْأُولَتَانِ مَشْهُورَتَانِ وَالْأَخِيرَتَانِ حَكَاهُمَا الْوَاحِدِيُّ فِي أَوَّلِ الْبَسِيطِ، وَلِهَذَا كَانَ الْمُفْتَى بِهِ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَوْ قَالَ آمِينَ بِالتَّشْدِيدِ لَا تَفْسُدُ لِمَا عَلِمْت أَنَّهَا لُغَةٌ وَلِأَنَّهُ مَوْجُودٌ فِي الْقُرْآنِ وَلِأَنَّ لَهُ وَجْهًا كَمَا قَالَ الْحَلْوَانِيُّ إنَّ مَعْنَاهُ: نَدْعُوك قَاصِدِينَ إجَابَتَك؛ لِأَنَّ مَعْنَى آمِينَ قَاصِدِينَ، وَأَنْكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ مَشَايِخِنَا كَوْنَهَا لُغَةً وَحَكَمَ بِفَسَادِ الصَّلَاةِ وَمِنْ الْخَطَأِ فِي اسْتِعْمَالِهَا أَمَّنَ بِالتَّشْدِيدِ مَعَ حَذْفِ الْيَاءِ مَقْصُورًا وَمَمْدُودًا وَلَا يَبْعُدُ فَسَادُ الصَّلَاةِ فِيهِمَا. (قَوْلُهُ وَكَبَّرَ بِلَا مَدٍّ وَرَكَعَ) لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ يُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْكَعُ، ثُمَّ يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ حِينَ يَرْفَعُ صُلْبَهُ مِنْ الرُّكُوعِ، ثُمَّ يَقُولُ، وَهُوَ قَائِمٌ رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَهْوِي سَاجِدًا، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ، ثُمَّ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ كُلِّهَا حَتَّى يَقْضِيَهَا وَيُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ مِنْ الثِّنْتَيْنِ بَعْدَ الْجُلُوسِ» مَعْنَى قَوْلِهِ بِلَا مَدٍّ: حَذْفُهُ مِنْ غَيْرِ تَطْوِيلٍ، وَهُوَ مَعْنَى مَا وَرَدَ التَّكْبِيرُ جَزَمَ بِهِ وَحَاصِلُهُ الْإِمْسَاكُ عَنْ إشْبَاعِ الْحَرَكَةِ وَالتَّعَمُّقِ فِيهَا وَالْإِضْرَابِ عَنْ الْهَمْزَةِ الْمُفْرِطَةِ وَالْمَدِّ الْفَاحِشِ، وَفِي الْمَبْسُوطِ لَوْ مَدَّ أَلِفَ " اللَّهِ " لَا يَصِيرُ شَارِعًا وَخِيفَ عَلَيْهِ الْكُفْرُ إنْ كَانَ قَاصِدًا، وَكَذَا لَوْ مَدَّ أَلِفَ " أَكْبَرَ " أَوْ بَاءَهُ لَا يَصِيرُ شَارِعًا؛ لِأَنَّ أَكْبَارَ جَمْعُ كَبَرٍ، وَهُوَ الطَّبْلُ وَقِيلَ اسْمٌ لِلشَّيْطَانِ، وَلَوْ مَدَّ هَاءَ " اللَّهِ " فَهُوَ خَطَأٌ لُغَةً، وَكَذَا لَوْ مَدَّ رَاءَهُ وَمَدَّ لَامَ " اللَّهِ " صَوَابٌ وَجَزْمُ الْهَاءِ خَطَأٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِئْ إلَّا فِي ضَرُورَةِ الشِّعْرِ، وَقَدْ بَحَثَ الْأَكْمَلُ فِي الْعِنَايَةِ فِي قَوْلِهِمْ إنَّهُ إذَا مَدَّ الْهَمْزَةَ مِنْ " اللَّهِ " تَفْسُدُ وَيَكْفُرْ إنْ تَعَمَّدَهُ لِلشَّكِّ بِأَنَّ الْهَمْزَةَ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ لِلتَّقْرِيرِ فَلَا يَكُونُ هُنَاكَ لَا كُفْرٌ وَلَا فَسَادٌ اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ ابْنَ هِشَامٍ فِي الْمُغْنِي قَالَ: وَالرَّابِعُ التَّقْرِيرُ وَمَعْنَاهُ حَمْلُك الْمُخَاطَبَ عَلَى الْإِقْرَارِ وَالِاعْتِرَافِ بِأَمْرٍ قَدْ اسْتَقَرَّ عِنْدَهُ ثُبُوتُهُ أَوْ نَفْيُهُ وَيَجِبُ أَنْ يَلِيَهَا الشَّيْءُ الَّذِي يُقَرَّرُ بِهِ تَقُولُ فِي التَّقْرِيرِ بِالْفِعْلِ أَضْرَبْت زَيْدًا أَوْ بِالْفَاعِلِ أَأَنْتَ ضَرَبْت زَيْدًا أَوْ بِالْمَفْعُولِ أَزَيْدًا ضَرَبْت كَمَا يَجِبُ ذَلِكَ فِي الْمُسْتَفْهَمِ عَنْهُ اهـ. وَلَيْسَ " اللَّهُ أَكْبَرُ " مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ إذْ لَيْسَ هُنَا مُخَاطَبٌ كَمَا لَا يَخْفَى   [منحة الخالق] الْمَقْصُودَ أَنَّهُ إذَا كَانَ بَعِيدًا عَنْ الْإِمَامِ لَا يَسْمَعُ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ وَلَكِنْ سَمِعَ تَأْمِينَ الْمُقْتَدِي مَعَهُ السَّامِعِ لِقِرَاءَةِ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ يُؤَمِّنُ أَيْضًا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْعِلْمُ بِوُجُودِ تَأْمِينِ الْإِمَامِ (قَوْلُهُ وَفِي الْمَبْسُوطِ لَوْ مَدَّ أَلِفَ " اللَّهِ " إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ الْمَدَّ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي " اللَّهِ " أَوْ فِي " أَكْبَرَ "، وَإِنْ كَانَ فِي " اللَّهِ " فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ فِي أَوَّلِهِ أَوْ فِي وَسَطِهِ أَوْ فِي آخِرِهِ، فَإِنْ كَانَ فِي أَوَّلِهِ فَهُوَ مُفْسِدٌ لِلصَّلَاةِ وَلَا يَصِيرُ شَارِعًا بِهِ، وَإِنْ كَانَ لَا يُمَيِّزُ بَيْنَهُمَا لَا يَكْفُرُ لِأَنَّ الْإِكْفَارَ بِنَاءٌ عَلَى أَنَّهُ شَاكٌّ فِي مَضْمُونِ هَذِهِ الْجُمْلَةِ فَحَيْثُ كَانَ جَازِمًا فَلَا إكْفَارَ، وَإِنْ كَانَ فِي وَسَطِهِ فَهُوَ صَوَابٌ إلَّا أَنَّهُ لَا يُبَالِغُ فِيهِ، فَإِنْ بَالَغَ حَتَّى حَدَثَ مِنْ إشْبَاعِهِ أَلِفٌ بَيْنَ اللَّامِ وَالْهَاءِ فَهُوَ مَكْرُوهٌ، قِيلَ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهَا لَا تَفْسُدُ وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ، وَإِنْ كَانَ فِي آخِرِهِ فَهُوَ خَطَأٌ وَلَا تَفْسُدُ أَيْضًا وَعَلَى قِيَاسِ عَدَمِ الْفَسَادِ فِيهِمَا يَصِحُّ الشُّرُوعُ بِهِمَا، وَإِنْ كَانَ الْمَدُّ فِي " أَكْبَرَ " فَإِنْ كَانَ فِي أَوَّلِهِ فَهُوَ خَطَأٌ مُفْسِدٌ لِلصَّلَاةِ وَهَلْ يَكْفُرُ إذَا تَعَمَّدَهُ؟ قِيلَ نَعَمْ لِلشَّكِّ وَقِيلَ لَا، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَخْتَلِفَ فِي أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الشُّرُوعُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي وَسَطِهِ حَتَّى صَارَ " أَكْبَارَ " لَا يَصِيرُ شَارِعًا، وَإِنْ قَالَ فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ تَفْسُدُ، وَفِي زَلَّةِ الْقَارِئِ لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ يَصِيرُ شَارِعًا لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا مُقَيَّدًا بِمَا إذَا لَمْ يَقْصِدْ بِهِ الْمُخَالَفَةَ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، وَإِنْ كَانَ فِي آخِرِهِ فَقَدْ قِيلَ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَقِيَاسُهُ أَنْ لَا يَصِحَّ الشُّرُوعُ بِهِ أَيْضًا كَذَا فِي شَرْحِ الْأُسْتَاذِ عَلَى الْهِدَايَةِ عَنْ شَرْحِ الْمُنْيَةِ لِابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ (قَوْلُهُ وَخِيفَ عَلَيْهِ الْكُفْرُ إنْ كَانَ قَاصِدًا) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ الظَّاهِرُ أَنَّ مُجَرَّدَ قَصْدِ مَدِّ الْهَمْزَةِ لَا يُوجِبُ كُفْرًا بَلْ إذَا قَصَدَ الْمَعْنَى، وَهُوَ الِاسْتِفْهَامُ الْمُقْتَضِي سَبْقَ الشَّكِّ اهـ. تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ عَنْ شَرْحِ الْمُنْيَةِ، وَفِي شَرْحِ الْمِعْرَاجِ بَعْدَمَا نَقَلَ عَنْ الْخُلَاصَةِ وَلَوْ مَدَّ أَلِفَ " أَكْبَرُ " تَكَلَّمُوا فِي كُفْرِهِ وَلَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ مَا نَصُّهُ: لِأَنَّهُ إنْ لَزِمَ الْكُفْرُ فَظَاهِرٌ وَإِلَّا كَانَ كَلَامًا فِيهِ احْتِمَالُ الْكُفْرِ فَيُخْشَى عَلَيْهِ الْكُفْرُ، وَهُوَ خَطَأٌ أَيْضًا شَرْعًا لِأَنَّ الْهَمْزَةَ إذَا دَخَلَتْ عَلَى كَلَامٍ مَنْفِيٍّ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {أَلَمْ نَشْرَحْ} [الشرح: 1] تَكُونُ لِلتَّقْرِيرِ لَا فِي كَلَامِ مُثْبَتٍ ظَاهِرٍ كَذَا قِيلَ وَأَيْضًا أَفْعَلُ التَّفْضِيلِ لَا يَحْتَمِلُ الْمَدَّ اهـ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَلَا يَخْفَى عَلَيْك ضَعْفُ هَذَا الْقِيلِ إذْ لَا يُشْتَرَطُ فِي التَّقْرِيرِ دُخُولُهُ عَلَى مَنْفِيٍّ لِمَا أَنَّهُ حَمْلُ الْمُخَاطَبِ عَلَى الْإِقْرَارِ بِأَمْرٍ قَدْ اسْتَقَرَّ عِنْدَهُ ثُبُوتُهُ أَوْ نَفْيُهُ بَلْ أَغْلَبُ أَحْوَالِهِ دُخُولُهُ عَلَى الْمُثْبَتِ وَلِذَا أَوَّلُو التَّقْرِيرَ فِي {أَلَمْ نَشْرَحْ} [الشرح: 1] بِمَا بَعْدَ النَّفْيِ وَالْهَمْزَةُ فِيهَا لَيْسَتْ فِي التَّحْقِيقِ إلَّا لِلْإِنْكَارِ الْإِبْطَالِيِّ، وَإِنْكَارُ النَّفْيِ نَفْيٌ لَهُ وَنَفْيُ النَّفْيِ إثْبَاتٌ وَمِثْلُهُ قَوْله تَعَالَى {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} [الزمر: 36] (قَوْلُهُ أَوْ بَاءَهُ) قَالَ فِي النَّهْرِ، وَفِي الْقُنْيَةِ لَا تَفْسُدُ لِأَنَّهُ إشْبَاعٌ، وَهُوَ لُغَةُ قَوْمٍ، وَاسْتَبْعَدَهُ الشَّارِحُ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا فِي الشِّعْرِ وَقِيلَ هُوَ جَمْعُ كَبِيرٍ، وَفِي الْمُبْتَغَى لَا تَفْسُدُ وَقِيلَ تَفْسُدُ قَالَ الْحَلَبِيُّ فَظَاهِرُهُ تَرْجِيحُ عَدَمِ الْفَسَادِ وَعَلَيْهِ يَتَخَرَّجُ صِحَّةُ الشُّرُوعِ بِهِ وَيُوَافِقُهُ مَا فِي الْخُلَاصَةِ مَعْزِيًّا إلَى زَلَّةِ الْقَارِئِ لِلشَّهِيدِ لَوْ قَالَ " اللَّهُ أَكْبَارٌ " يَصِيرُ شَارِعًا قُلْتُ: لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ بِمَا إذَا لَمْ يَقْصِدْ الْمُخَالَفَةَ اهـ. أَقُولُ: إذَا كَانَ جَمْعًا لِلْكَبِيرِ فَلَا أَثَرَ لِإِرَادَتِهِ الْمُخَالَفَةَ فِي اللَّفْظِ فَقَطْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 332 لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْمُطَوَّلِ أَنَّ التَّقْرِيرَ يُقَالُ عَلَى التَّحَقُّقِ وَالثُّبُوتِ وَيُقَالُ عَلَى حَمْلِك الْمُخَاطَبَ. . . إلَى آخِرِهِ، وَلَعَلَّ الْأَكْمَلَ أَرَادَ الْمَعْنَى الْأَوَّلَ، وَقَدْ تَبِعَ الْمُصَنِّفُ الْقُدُورِيَّ فِي التَّعْبِيرِ بِالْوَاوِ، وَفِي قَوْلِهِ وَرَكَعَ الْمُحْتَمِلُ لِلْمُقَارَنَةِ وَضِدِّهَا، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ يُكَبِّرُ، ثُمَّ يَهْوِي وَعِبَارَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَيُكَبِّرُ مَعَ الِانْحِطَاطِ. قَالُوا وَهُوَ الْأَصَحُّ لِئَلَّا تَخْلُوَ حَالَةُ الِانْحِنَاءِ عَنْ الذِّكْرِ وَلِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُسَنُّ التَّكْبِيرُ عِنْدَ الْخُرُورِ وَابْتِدَاؤُهُ عِنْدَ أَوَّلِ الْخُرُورِ وَفَرَاغُهُ عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَلَيْسَ هُوَ مُوَافِقًا لِمَا فِي الْجَامِعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ فَرَاغُهُ عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ، وَفِي الْخُلَاصَةِ يَرْكَعُ حِينَ يَفْرُغُ مِنْ الْقِرَاءَةِ، وَهُوَ مُنْتَصِبٌ يُصَلِّي هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ اهـ. وَاحْتَرَزَ بِهِ عَمَّا حَكَاهُ فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ إذَا أَتَمَّ الْقِرَاءَةَ حَالَةَ الْخُرُورِ لَا بَأْسَ أَنْ يَكُونَ مَا بَقِيَ مِنْ الْقِرَاءَةِ حَرْفًا أَوْ كَلِمَةً لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْمَكْرُوهَاتِ أَنَّ مِنْهَا أَنْ يُتِمَّ الْقِرَاءَةَ فِي الرُّكُوعِ. (قَوْلُهُ وَرَكَعَ وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَفَرَّجَ أَصَابِعَهُ) لِمَا رَوَاهُ أَنَسٌ مِنْ صِفَةِ صَلَاتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَشَارَ إلَى أَنَّ التَّطْبِيقَ الْمَرْوِيَّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مَنْسُوخٌ، وَهُوَ أَنْ يَضُمَّ إحْدَى الْكَفَّيْنِ إلَى الْأُخْرَى وَيُرْسِلَهُمَا بَيْنَ فَخِذَيْهِ بِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَيَعْتَمِدُ بِيَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ نَاصِبًا سَاقَيْهِ، وَإِحْنَاؤُهُمَا شَبَهَ الْقَوْسِ كَمَا يَفْعَلُ عَامَّةُ النَّاسِ مَكْرُوهٌ، ذَكَرَهُ فِي رَوْضَةِ الْعُلَمَاءِ، وَإِنَّمَا يُفَرِّجُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنُ مِنْ الْأَخْذِ بِالرُّكَبِ وَلَا يُنْدَبُ إلَى التَّفْرِيجِ إلَّا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَلَا إلَى الضَّمِّ إلَّا فِي حَالَةِ السُّجُودِ، وَفِيمَا عَدَا ذَلِكَ يُتْرَكُ عَلَى الْعَادَةِ (قَوْلُهُ وَبَسَطَ ظَهْرَهُ وَسَوَّى رَأْسَهُ بِعَجُزِهِ) فَإِنَّهُ سُنَّةٌ كَمَا صَحَّ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلِهَذَا لَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ وَلَا يَخْفِضُهُ، وَفِي الْمُجْتَبَى وَالسُّنَّةُ فِي الرُّكُوعِ إلْصَاقُ الْكَعْبَيْنِ وَاسْتِقْبَالُ الْأَصَابِعِ لِلْقِبْلَةِ (قَوْلُهُ وَسَبَّحَ فِيهِ ثَلَاثًا) أَيْ فِي رُكُوعِهِ بِأَنْ يَقُولَ " سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ " ثَلَاثًا لِحَدِيثِ ابْنِ مَاجَهْ «إذَا رَكَعَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ ثَلَاثًا وَذَلِكَ أَدْنَاهُ وَإِذَا سَجَدَ فَلْيَقُلْ سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى ثَلَاثًا وَذَلِكَ أَدْنَاهُ» وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ، وَفِي سُجُودِهِ سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى» . ، وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد «لَمَّا نَزَلَتْ {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الواقعة: 74] قَالَ اجْعَلُوهَا فِي رُكُوعِكُمْ فَلَمَّا نَزَلَتْ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى: 1] قَالَ اجْعَلُوهَا فِي سُجُودِكُمْ» وَظَاهِرُ هَذَا الْأَمْرِ الْوُجُوبُ رُوِيَ عَنْ أَبِي مُطِيعٍ الْبَلْخِيّ أَنَّ التَّسْبِيحَاتِ رُكْنٌ لَوْ تَرَكَهُ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ، وَاَلَّذِي فِي الْبَدَائِعِ عَنْهُ: أَنَّ مَنْ نَقَصَ مِنْ الثَّلَاثِ فِي تَسْبِيحَاتِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ قَالَ وَهَذَا فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ تَعَلَّقَ بِفِعْلِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ مُطْلَقًا عَنْ شَرْطِ التَّسْبِيحِ فَلَا يَجُوزُ نَسْخُ الْكِتَابِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فَقُلْنَا بِالْجَوَازِ مَعَ كَوْنِ التَّسْبِيحِ سُنَّةً عَمَلًا بِالدَّلِيلَيْنِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ اهـ. وَقَدْ بَحَثَ فِيهِ الْعَلَّامَةُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ الْحَلَبِيُّ بِأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ الْعَمَلُ بِالدَّلِيلَيْنِ فِي جَعْلِ التَّسْبِيحِ سُنَّةً بَلْ يَكُونُ ذَلِكَ أَيْضًا فِي جَعْلِهِ وَاجِبًا وَالْمُوَاظَبَةُ الظَّاهِرَةُ مِنْ حَالِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْأَمْرُ بِهِ مُتَظَافِرَانِ عَلَى الْوُجُوبِ فَيَنْبَغِي إذَا تَرَكَهُ سَهْوًا أَنْ يَجِبَ السُّجُودُ وَإِذَا تَرَكَهُ عَمْدًا يُؤْمَرُ بِالْإِعَادَةِ وَنَقَلَ ابْنُ هُبَيْرَةَ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ مَرَّةً وَاحِدَةً فِي كُلٍّ مِنْهُمَا وَالتَّسْمِيعُ وَالتَّحْمِيدُ وَسُؤَالُ الْمَغْفِرَةِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَالتَّكْبِيرَاتُ وَاجِبٌ فِي الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ عَنْ أَحْمَدَ إلَّا أَنَّهُ إنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْهَا عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَسَهْوًا لَا، وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ. اهـ. وَقَدْ يُقَالُ إنَّمَا لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا عِنْدَنَا لِوُجُودِ الصَّارِفِ، وَهُوَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَذْكُرْهُ لِلْأَعْرَابِيِّ حِينَ عَلَّمَهُ، وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَذَكَرَهُ، وَالْمُوَاظَبَةُ لَمْ تُنْقَلْ صَرِيحًا وَهَذَا الصَّارِفُ مَنَعَ مِنْ الْقَوْلِ بِهَا ظَاهِرًا، فَلِهَذَا كَانَ الْأَمْرُ لِلِاسْتِحْبَابِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمَشَايِخِ فَعَلَى هَذَا فَالْمُرَادُ مِنْ الْكَرَاهَةِ فِي قَوْلِهِمْ لَوْ تَرَكَ التَّسْبِيحَاتِ أَصْلًا أَوْ نَقَصَ عَنْ الثَّلَاثِ فَهُوَ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ التَّنْزِيهِ؛ لِأَنَّهَا فِي مُقَابَلَةِ الْمُسْتَحَبِّ وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَذَلِكَ أَدْنَاهُ» فَقِيلَ: كَمَالُ السُّنَّةِ، وَقِيلَ أَدْنَى كَمَالِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَلَعَلَّ الْأَكْمَلَ أَرَادَ الْمَعْنَى الْأَوَّلَ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فَرْضًا اهـ. يَعْنِي يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلَى تَنْزِيلِ مُخَاطَبٍ يَحْمِلُهُ عَلَى الْإِقْرَارِ، ثُمَّ قَالَ فِي النَّهْرِ بَعْدَ ذِكْرِهِ حَاصِلَ مَا مَرَّ: وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ ظَهَرَ لَك أَنَّ مَا قَالَهُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ مِنْ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَخْتَلِفَ فِي عَدَمِ صِحَّةِ الشُّرُوعِ بِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الِاسْتِفْهَامَ حَقِيقِيٌّ وَمُقْتَضَى كَوْنِهِ تَقْرِيرًا أَنْ يَصِحَّ (قَوْلُهُ وَلَيْسَ هُوَ مُوَافِقًا لِمَا فِي الْجَامِعِ) أَيْ لَيْسَ مُوَافِقًا فِي اللَّفْظِ مِنْ حَيْثُ الْإِطْلَاقُ وَالتَّقْيِيدُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْمُنَافَاةُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُرَادَ الْجَامِعِ إذْ لَيْسَ فِي كَلَامِهِ مَا يَصْرِفُهُ عَنْ ذَلِكَ (قَوْلُهُ ابْنُ هُبَيْرَةَ) أَقُولُ: هُوَ مِنْ عُلَمَاءُ الْحَنَابِلَةِ (قَوْلُهُ وَهُوَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَذْكُرْهُ لِلْأَعْرَابِيِّ إلَخْ) هَذَا إنَّمَا يَتِمُّ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَّمَهُ الْفَرَائِضَ وَالْوَاجِبَاتِ كُلِّهَا وَلَمْ يَتْرُكْ لَهُ شَيْئًا مِنْهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 333 التَّسْبِيحِ، وَقِيلَ: أَدْنَى الْقَوْلِ الْمَسْنُونِ وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ وَعَلَى كُلٍّ فَالزِّيَادَةُ عَلَى الثَّلَاثِ أَفْضَلُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَخْتِمَ عَلَى وِتْرٍ خَمْسٍ أَوْ سَبْعٍ أَوْ تِسْعٍ لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «إنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ» وَلَا يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يُطِيلَ عَلَى وَجْهٍ يَمَلُّ الْقَوْمُ؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِلتَّنْفِيرِ وَأَنَّهُ مَكْرُوهٌ، وَلِهَذَا قَالَ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَلَوْ كَانَ إمَامًا يَقُولُهَا ثَلَاثًا عَلَى قَوْلِ بَعْضِهِمْ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَقُولُهَا أَرْبَعًا حَتَّى يَتَمَكَّنَ الْمُقْتَدِي مِنْ الثَّلَاثِ، وَلَوْ أَطَالَ الرُّكُوعَ لِإِدْرَاكِ الْجَائِي لَا تَقَرُّبًا لِلَّهِ تَعَالَى فَهُوَ مَكْرُوهٌ، وَفِي الذَّخِيرَةِ وَالْبَدَائِعِ وَغَيْرِهِمَا: قَالَ أَبُو يُوسُفَ سَأَلْت أَبَا حَنِيفَةَ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: أَخْشَى عَلَيْهِ أَمْرًا عَظِيمًا يَعْنِي الشِّرْكَ وَقَدْ وَهِمَ بَعْضُهُمْ فِي فَهْمِ كَلَامِ الْإِمَامِ فَاعْتَقَدَ مِنْهُ أَنْ يَصِيرَ الْمُنْتَظِرُ مُشْرِكًا يُبَاحُ دَمُهُ فَأَفْتَى بِإِبَاحَةِ دَمِهِ وَهَكَذَا ظَنَّ صَاحِبُ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي فَقَالَ: يُخْشَى عَلَيْهِ الْكُفْرُ وَلَا يَكْفُرُ وَكُلٌّ مِنْهُمَا غَلِطَ وَلَمْ يُرِدْهُ الْإِمَامُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَرَادَ أَنَّهُ يَخَافُ عَلَيْهِ الشِّرْكَ فِي عَمَلِهِ الَّذِي هُوَ الرِّيَاءُ، وَإِنَّمَا لَمْ يَقْطَعْ بِالرِّيَاءِ فِي عَمَلِهِ لِمَا أَنَّهُ غَيْرُ مَقْطُوعٍ بِهِ لِوُجُودِ الِاخْتِلَافِ فَإِنَّهُ نُقِلَ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ لَا بَاسَ بِهِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ، وَقَدْ نَهَى اللَّهُ عَنْ الْإِشْرَاكِ فِي الْعَمَلِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ} [الكهف: 110] الْآيَةَ وَأَعْجَبُ مِنْهُ مَا نَقَلَهُ فِي الْمُجْتَبَى عَنْ الْبَلْخِيّ أَنَّهُ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَيَكْفُرُ، ثُمَّ نَقَلَ بَعْدَهُ عَنْ الْجَامِعِ الْأَصْغَرِ أَنَّهُ مَأْجُورٌ عَلَى ذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2] وَعَنْ أَبِي اللَّيْثِ أَنَّهُ حَسَنٌ وَعَنْهُ التَّفْصِيلُ بَيْنَ أَنْ يَعْرِفَ الْجَائِيَّ فَلَا أَوْ لَا فَنَعَمْ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَا يَأْتِي فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ بِغَيْرِ التَّسْبِيحَاتِ وَمَا وَرَدَ فِي السُّنَّةِ مِنْ غَيْرِهَا فَمَحْمُولٌ عَلَى النَّوَافِلِ تَهَجُّدًا أَوْ غَيْرَهُ، لَوْ رَفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ قَبْلَ أَنْ يُتِمَّ الْمَأْمُومُ التَّسْبِيحَاتِ فِيهِ رِوَايَتَانِ أَصَحُّهُمَا وُجُوبُ الْمُتَابَعَةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ سَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يُتِمَّ الْمُقْتَدِي التَّشَهُّدَ فَإِنَّهُ لَا يُتَابِعُهُ؛ لِأَنَّ قِرَاءَةَ التَّشَهُّدِ وَاجِبَةٌ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ. (قَوْلُهُ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ) أَيْ مِنْ الرُّكُوعِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُ هَذَا الرَّفْعِ فِي عَدِّ الْوَاجِبَاتِ (قَوْلُهُ وَاكْتَفَى الْإِمَامُ بِالتَّسْمِيعِ وَالْمُؤْتَمُّ وَالْمُنْفَرِدُ بِالتَّحْمِيدِ) لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «إذَا قَالَ الْإِمَامُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ» فَقَسَمَ بَيْنَهُمَا وَالْقِسْمَةُ تُنَافِي الشَّرِكَةَ فَكَانَ حُجَّةً عَلَى أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ الْقَائِلَيْنِ بِأَنَّ الْإِمَامَ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا اسْتِدْلَالًا بِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْفِعْلِ وَحُجَّةً عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ إنَّ الْمُقْتَدِي يَجْمَعُ بَيْنَ الذِّكْرَيْنِ أَيْضًا وَحَكَاهُ الْأَقْطَعُ رِوَايَةً عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ غَرِيبٌ فَإِنَّ صَاحِبَ الذَّخِيرَةِ نَقَلَ أَنَّهُ لَا يَأْتِي بِالتَّسْمِيعِ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا، وَأَمَّا الْمُنْفَرِدُ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ أَنَّهُ يَأْتِي بِالتَّسْمِيعِ لَا غَيْرُ، وَهُوَ رِوَايَةُ الْمُعَلَّى عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُعَوَّلَ عَلَيْهَا وَلَمْ أَرَ مَنْ صَحَّحَهَا. الثَّانِي: أَنَّهُ يَأْتِي بِالتَّحْمِيدِ لَا غَيْرُ وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي، وَقَالَ فِي الْمَبْسُوطِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ وَاخْتَارَهُ الْحَلْوَانِيُّ وَالطَّحَاوِيُّ؛ لِأَنَّ التَّسْمِيعَ حَثٌّ لِمَنْ خَلْفَهُ عَلَى التَّحْمِيدِ وَلَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ لِيَحُثَّهُ عَلَيْهِ فَلَا يَأْتِي بِالتَّسْمِيعِ. الثَّالِثُ: الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَصَحَّحَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَقَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمَجْمَعِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَحَّ مِنْ فِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا وَلَا مَحْمَلَ لَهُ سِوَى حَالَةِ الِانْفِرَادِ تَوْفِيقًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَوْلِ الثَّالِثِ فِي الصَّحِيحَيْنِ فِي حَقِّ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ وَقَيَّدَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِانْفِرَادِهِ بِصَلَاةِ النَّفْلِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مُوَاظِبًا عَلَى الْجَمَاعَةِ فِي الْفَرْضِ، وَحَيْثُ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ كَمَا رَأَيْت فَلَا بُدَّ مِنْ التَّرْجِيحِ فَالْمُرَجِّحُ مِنْ جِهَةِ الْمَذْهَبِ مَا فِي الْمَتْنِ؛ لِأَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا صَرَّحَ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِهِ وَالْمُرَجَّحُ مِنْ جِهَةِ الدَّلِيلِ مَا صَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَفِي الْقُنْيَةِ أَمَّا الْمُنْفَرِدُ يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَإِذَا اسْتَوَى قَائِمًا قَالَ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ فِي الْجَوَابِ الظَّاهِرِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ. اهـ. وَفِي جَامِعِ التُّمُرْتَاشِيِّ، فَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِالتَّسْمِيعِ حَالَةَ الرَّفْعِ لَمْ يَأْتِ بِهِ حَالَةَ الِاسْتِوَاءِ، وَقَدْ قِيلَ: يَأْتِي بِهِمَا، وَالْمُرَادُ بِالتَّسْمِيعِ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ وَمَعْنَاهُ قَبِلَ اللَّهُ حَمْدَ مَنْ حَمِدَهُ وَقِيلَ أَجَابَ، وَقِيلَ غَفَرَ لَهُ وَالْهَاءُ فِي حَمِدَهُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَلَمْ أَرَ مَنْ صَحَّحَهَا) قَالَ فِي النَّهْرِ: قَدْ رَأَيْت ذَلِكَ وَلِلَّهِ الْمِنَّةُ فَفِي السِّرَاجِ عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ أَنَّهَا الْأَصَحُّ عَلَى قَوْلِ الرَّازِيّ يَنْبَغِي عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ أَنْ يَقْتَصِرَ الْمُنْفَرِدُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ إمَامٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ (قَوْلُهُ وَصَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَالَ الْحَلَبِيُّ وَتَصْحِيحُ الْهِدَايَةِ أَوْلَى. اهـ. وَسَيَأْتِي أَنَّهُ الْمُرَجَّحُ مِنْ جِهَةِ الدَّلِيلِ وَإِنَّ مَا فِي الْمَتْنِ هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَقَدْ قَالُوا مَا عَدَا ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ لَيْسَ مَذْهَبًا لِأَصْحَابِنَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 334 لِلْكِنَايَةِ كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى وَذَكَرَ فِي الْفَوَائِدِ الْحَمِيدِيَّةِ أَنَّهَا لِلسَّكْتَةِ وَالِاسْتِرَاحَةِ، وَالْمُرَادُ بِالتَّحْمِيدِ وَاحِدٌ مِنْ أَرْبَعَةِ أَلْفَاظٍ: أَفْضَلُهَا: اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ كَمَا فِي الْمُجْتَبَى وَيَلِيه: اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ، وَيَلِيه: رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ، وَيَلِيه الْمَعْرُوفُ: رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ، فَمَا فِي الْمُحِيطِ مِنْ أَفْضَلِيَّةِ الثَّانِي فَمَحْمُولٌ عَلَى أَفْضَلِيَّتِهِ عَلَى مَا بَعْدَهُ لَا عَلَى الْكُلِّ كَمَا لَا يَخْفَى لِمَا صَرَّحُوا بِهِ مِنْ أَنَّ زِيَادَةَ الْوَاوِ تُوجِبُ الْأَفْضَلِيَّةَ وَاخْتَلَفُوا فِيهَا: فَقِيلَ زَائِدَةٌ، وَقِيلَ: عَاطِفَةٌ تَقْدِيرُهُ رَبَّنَا حَمِدْنَاك وَلَك الْحَمْدُ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ الْمَتْنِ أَنَّهُ لَا يُكَبِّرُ حَالَ الِارْتِفَاعِ، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا ذُكِرَ فِي خِزَانَةِ الْفِقْهِ أَنَّ تَكْبِيرَاتِ فَرَائِضِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ أَرْبَعٌ وَتِسْعُونَ، وَإِنَّمَا يَسْتَقِيمُ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَ الرَّفْعِ تَكْبِيرٌ لَكِنْ ذُكِرَ فِي الْمُحِيطِ وَرَوْضَةٍ النَّاطِفِيِّ أَنَّهُ يُكَبِّرُ حَالَةَ الِارْتِفَاعِ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعَلِيًّا كَانُوا يُكَبِّرُونَ عِنْدَ كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ» كَمَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْ الْحَدِيثِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّكْبِيرِ الذِّكْرُ الَّذِي فِيهِ تَعْظِيمُ اللَّهِ تَعَالَى تَوْفِيقًا، كَذَا فِي الْمُجْتَبَى. (قَوْلُهُ، ثُمَّ كَبَّرَ وَوَضَعَ رُكْبَتَيْهِ، ثُمَّ يَدَيْهِ، ثُمَّ وَجْهَهُ بَيْنَ كَفَّيْهِ بِعَكْسِ النُّهُوضِ) كَمَا كَانَ يَفْعَلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلِحَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ «كَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إذَا سَجَدَ وَضَعَ وَجْهَهُ بَيْنَ كَفَّيْهِ» وَأَفَادَ أَنَّهُ إذَا أَرَادَ السُّجُودَ يَضَعُ أَوَّلًا مَا كَانَ أَقْرَبَ إلَى الْأَرْضِ فَيَضَعُ رُكْبَتَيْهِ أَوَّلًا، ثُمَّ أَنْفَهُ، ثُمَّ جَبْهَتَهُ وَإِذَا أَرَادَ الرَّفْعَ يَرْفَعُ أَوَّلًا جَبْهَتَهُ، ثُمَّ أَنْفَهُ، ثُمَّ يَدَيْهِ، ثُمَّ رُكْبَتَيْهِ وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَ الْإِمْكَانِ أَمَّا إذَا كَانَ مُتَخَفِّفًا فَإِنَّهُ يَضَعُ الْيَدَيْنِ قَبْلَ الرُّكْبَتَيْنِ وَيُقَدِّمُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى (قَوْلُهُ وَسَجَدَ بِأَنْفِهِ وَجَبْهَتِهِ) أَيْ سَجَدَ عَلَيْهِمَا لِتَحْصِيلِ الْأَكْمَلِ وَالْأَنْفُ اسْمٌ لِمَا صَلُبَ ، وَأَمَّا مَا لَانَ مِنْهُ فَلَا يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ بِإِجْمَاعِهِمْ كَمَا نَقَلَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ وَالْجَبْهَةُ اسْمٌ لِمَا يُصِيبُ الْأَرْضَ مِمَّا فَوْقَ الْحَاجِبَيْنِ إلَى قِصَاصِ الشَّعْرِ حَالَةَ السُّجُودِ، وَعَرَّفَهَا بَعْضُهُمْ بِأَنَّهَا مَا اكْتَنَفَهُ الْجَبِينَانِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى إنَّمَا هُوَ السُّجُودُ، وَهُوَ فِي اللُّغَةِ يُطْلَقُ لِطَأْطَأَةِ الرَّأْسِ وَالِانْحِنَاءِ وَلِلْخُضُوعِ وَلِلتَّوَاضُعِ وَلِلْمَيْلِ كَسَجَدَتْ النَّخْلَةُ: مَالَتْ، وَلِلتَّحِيَّةِ كَالسُّجُودِ لِآدَمَ تَكْرِمَةً لَهُ كَذَا فِي ضِيَاءِ الْحُلُومِ، وَفِي الشَّرِيعَةِ: وَضْعُ بَعْضِ الْوَجْهِ مِمَّا لَا سُخْرِيَةَ فِيهِ فَخَرَجَ الْخَدُّ وَالذَّقَنُ وَالصَّدْغُ وَمُقَدَّمُ الرَّأْسِ فَلَا يَجُوزُ السُّجُودُ عَلَيْهَا وَإِنْ كَانَ مِنْ عُذْرٍ بَلْ مَعَهُ يَجِبُ الْإِيمَاءُ بِالرَّأْسِ وَلَعَلَّهُ إنَّمَا قَالَ تَعَالَى {يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا} [الإسراء: 107] مَعَ أَنَّ الذَّقَنَ لَيْسَ مَحَلَّ السُّجُودِ؛ لِأَنَّ السَّاجِدَ أَوَّلَ مَا يَلْقَى بِهِ الْأَرْضَ مِنْ وَجْهِهِ الذَّقَنُ، وَهُوَ مُجْتَمَعُ اللَّحْيَيْنِ وَوَضْعُ بَعْضِ الْوَجْهِ يَتَحَقَّقُ بِالْأَنْفِ كَمَا فِي الْجَبْهَةِ فَيَجُوزُ بِالْجَبْهَةِ وَحْدَهَا اتِّفَاقًا عَلَى مَا عَلَيْهِ الْجَمُّ الْغَفِيرُ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ، وَمَا فِي الْمُفِيدِ وَالْمَزِيدِ: مِنْ أَنَّهُ لَا يَتَأَدَّى الْفَرْضُ عِنْدَهُمَا إلَّا بِوَضْعِهِمَا فَخِلَافُ الْمَشْهُورِ عَنْهُمَا، وَإِنَّمَا مَحَلُّ الِاخْتِلَافِ فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى الْأَنْفِ فَعِنْدَهُ يَجُوزُ مُطْلَقًا وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ إلَّا مِنْ عُذْرٍ بِالْجَبْهَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْوَجْهُ ظَاهِرٌ لِلْإِمَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ السُّجُودُ، وَهُوَ مَا قُلْنَا وَأَمَّا مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مَرْفُوعًا «أُمِرْت أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ عَلَى الْجَبْهَةِ وَأَشَارَ إلَى أَنْفِهِ وَالْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَأَطْرَافِ الْقَدَمَيْنِ وَلَا يَكُفُّ الثِّيَابَ وَالشَّعْرَ» فَلَا يُفِيدُ الِافْتِرَاضَ؛ لِأَنَّهُ ظَنِّيُّ الثُّبُوتِ قَطْعًا وَظَنِّيُّ الدَّلَالَةِ عَلَى خِلَافٍ فِيهِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ لَفْظَ " أُمِرْت " مُسْتَعْمَلٌ فِي الْوُجُوبِ وَالنَّدْبُ هُوَ الْأَعَمُّ بِمَعْنَى طُلِبَ مِنِّي ذَلِكَ أَوْ فِي النَّدْبِ أَوْ فِي الْوُجُوبِ فَقَوْلُهُمَا بِالِافْتِرَاضِ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُمَا الزِّيَادَةُ عَلَى الْكِتَابِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَهُمَا يَمْنَعَانِهِ فِي الْأُصُولِ كَأَبِي حَنِيفَةَ فَلِذَا قَالَ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ فَجَعَلَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ الْفَتْوَى عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى الْمُوَافِقَةِ لِقَوْلِهِمَا، لَمْ يُوَافِقْهُ دِرَايَةٌ وَلَا الْقَوِيُّ مِنْ الرِّوَايَةِ هَذَا وَلَوْ حُمِلَ قَوْلُهُمَا " لَا يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ إلَّا مِنْ عُذْرٍ " عَلَى وُجُوبِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ فَخَرَجَ الْخَدُّ وَالذَّقَنُ إلَخْ) تَقَدَّمَ مَا فِيهِ عِنْدَ ذِكْرِ الْفَرَائِضِ (قَوْلُهُ فَعِنْدَهُ يَجُوزُ مُطْلَقًا إلَخْ) قَالَ فِي الشرنبلالية هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ أَوَّلًا، وَالْأَصَحُّ رُجُوعُهُ إلَى قَوْلِهِمَا بِعَدَمِ جَوَازِ الِاقْتِصَارِ فِي السُّجُودِ عَلَى الْأَنْفِ بِلَا عُذْرٍ فِي الْجَبْهَةِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ اهـ. وَفِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ، ثُمَّ فِي الْهِدَايَةِ: أَنَّ قَوْلَهُمَا رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَفِي الْمَجْمَعِ: وَرُوِيَ عَنْهُ قَوْلُهُمَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَفِي الْحَقَائِقِ وَرُوِيَ عَنْهُ مِثْلُ قَوْلِهِمَا، قَالَ فِي الْعُيُونِ: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَفِي دُرَرِ الْبِحَارِ: وَالْفَتْوَى رُجُوعُهُ إلَى قَوْلِهِمَا لِأَنَّهُ الْمُتَعَارَفُ وَالْمُتَبَادَرُ إلَى الْفَهْمِ اهـ. وَفِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى لِلْحَصْكَفِيِّ: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْمَجْمَعِ وَشُرُوحِهِ وَالْوِقَايَةِ وَشُرُوحِهَا وَالْجَوْهَرَةِ وَصَدْرِ الشَّرِيعَةِ وَالْعُيُونِ (قَوْلُهُ وَأَشَارَ بِيَدِهِ إلَى أَنْفِهِ) قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ رِوَايَةُ " وَأَشَارَ بِيَدِهِ إلَى أَنْفِهِ " غَيْرُ ضَائِرَةٍ فَإِنَّ الْعِبْرَةَ لِلَّفْظِ الصَّرِيحِ وَالْإِشَارَةُ إلَى الْجَبْهَةِ تَقَعُ بِتَقْرِيبِ الْيَدِ إلَى جِهَةِ الْأَنْفِ لِلتَّقَارُبِ (وَقَوْلُهُ لَمْ يُوَافِقْهُ دِرَايَةٌ إلَخْ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَمُسَلَّمٌ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلَا لِمَا عَلِمْت مِمَّا مَرَّ عَلَى أَنَّهُ قَدْ يُمْنَعُ الْأَوَّلُ بِنَاءً عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْفَصْلِ السَّابِقِ بِأَنْ يُرَادَ بِالسُّجُودِ فِي الْآيَةِ السُّجُودُ الشَّرْعِيُّ فَيَكُونُ مُجْمَلًا بَيَّنَتْهُ السُّنَّةُ وَمُجْمَلُ الْكِتَابِ إذَا بَيَّنَتْهُ السُّنَّةُ يَكُونُ الْمُبَيَّنُ ثَابِتًا بِالْكِتَابِ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ السُّجُودَ اللُّغَوِيَّ أَيْضًا مُجْمَلٌ لِتَعَدُّدِ مَعَانِيهِ كَمَا مَرَّ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ هَذَا لَوْ حُمِلَ قَوْلُهُمَا لَا يَجُوزُ إلَخْ) قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ كُتُبَ الْمَذْهَبِ مَشْحُونَةٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 335 الْجَمْعِ كَانَ أَحْسَنَ إذْ يَرْتَفِعُ الْخِلَافُ بِنَاءً عَلَى مَا حَمَلْنَا الْكَرَاهَةَ مِنْهُ عَلَيْهِ مِنْ كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ وَلَمْ يَخْرُجَا عَنْ الْأُصُولِ اهـ. فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فَقَوْلُ الْإِمَامِ بِكَرَاهَةِ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْأَنْفِ الْمُرَادُ بِهَا كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ وَهِيَ فِي مُقَابَلَةِ تَرْكِ الْوَاجِبِ، وَقَوْلُهُمَا لِعَدَمِ الْجَوَازِ الْمُرَادُ بِهِ عَدَمُ الْحِلِّ، وَهُوَ كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ فَالسُّجُودُ عَلَى الْجَبْهَةِ وَاجِبٌ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ مُقْتَضَى الْحَدِيثِ وَالْمُوَاظَبَةُ الْمَرْوِيَّةُ فِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا سَجَدَ مَكَّنَ جَبْهَتَهُ وَأَنْفَهُ بِالْأَرْضِ» ، وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَهَكَذَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ لَكِنَّ هَذَا يَقْتَضِي وُجُوبَ السُّجُودِ عَلَى الْأَنْفِ كَالْجَبْهَةِ؛ لِأَنَّ الْمُوَاظَبَةَ الْمَنْقُولَةَ تَعُمُّهُمَا مَعَ أَنَّ الْمَنْقُولَ فِي الْبَدَائِعِ وَالتُّحْفَةِ وَالِاخْتِيَارِ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ بِتَرْكِ السُّجُودِ عَلَى الْأَنْفِ وَظَاهِرُ مَا فِي الْكِتَابِ يُخَالِفُهُ فَإِنَّهُ قَالَ وَكُرِهَ أَيْ الِاقْتِصَارُ عَلَى أَحَدِهِمَا سَوَاءٌ كَانَ الْجَبْهَةَ أَوْ الْأَنْفَ وَهِيَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ مُنْصَرِفَةٌ إلَى كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ، وَهَكَذَا فِي الْمُفِيدِ وَالْمَزِيدِ فَالْقَوْلُ بِعَدَمِ الْكَرَاهَةِ ضَعِيفٌ وَخَرَجَ أَيْضًا بِقَوْلِنَا: " مِمَّا لَا سُخْرِيَةَ فِيهِ " مَا إذَا رَفَعَ قَدَمَيْهِ فِي السُّجُودِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ السُّجُودَ مَعَ رَفْعِهِمَا بِالتَّلَاعُبِ أَشْبَهُ مِنْهُ بِالتَّعْظِيمِ وَالْإِجْلَالِ، وَيَكْفِيه وَضْعُ أُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ فَلَوْ لَمْ يَضَعْ الْأَصَابِعَ أَصْلًا وَوَضَعَ ظَهْرَ الْقَدَمِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ وَضْعَ الْقَدَمِ بِوَضْعِ الْأُصْبُعِ وَإِذَا وَضَعَ قَدَمًا وَرَفَعَ آخَرَ جَازَ مَعَ الْكَرَاهَةِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ كَمَا أَفَادَهُ قَاضِي خَانْ وَذَهَبَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ إلَى أَنَّ وَضْعَهُمَا سُنَّةٌ فَتَكُونُ الْكَرَاهَةُ تَنْزِيهِيَّةً وَالْأَوْجَهُ عَلَى مِنْوَالِ مَا سَبَقَ هُوَ الْوُجُوبُ فَتَكُونُ الْكَرَاهَةُ تَحْرِيمِيَّةً لِمَا سَبَقَ مِنْ الْحَدِيثِ وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّ وَضْعَهُمَا فَرْضٌ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَأَمَّا الْيَدَانِ وَالرُّكْبَتَانِ فَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَدَمُ افْتِرَاضِ وَضْعِهِمَا قَالَ فِي التَّجْنِيسِ وَالْخُلَاصَةِ وَعَلَيْهِ فَتْوَى مَشَايِخِنَا، وَفِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي لَيْسَ بِوَاجِبٍ عِنْدَنَا وَاخْتَارَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ الِافْتِرَاضَ وَصَحَّحَهُ فِي الْعُيُونِ وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْقَطْعِيَّ إنَّمَا أَفَادَ وَضْعَ بَعْضِ الْوَجْهِ عَلَى الْأَرْضِ دُونَ الْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَالظَّنِّيُّ الْمُتَقَدِّمُ لَا يُفِيدُهُ، لَكِنَّ مُقْتَضَاهُ وَمُقْتَضَى الْمُوَاظَبَةِ الْوُجُوبُ، وَقَدْ اخْتَارَهُ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَهُوَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ لِمُوَافَقَتِهِ الْأُصُولَ، وَإِنْ صَرَّحَ كَثِيرٌ مِنْ مَشَايِخِنَا بِالسُّنِّيَّةِ وَمِنْهُمْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَفِي الْمُجْتَبَى: سَجَدَ عَلَى طَرَفٍ مِنْ أَطْرَافِ جَبْهَتِهِ يَجُوزُ اهـ. وَظَاهِرُ مَا فِي التَّجْنِيسِ   [منحة الخالق] بِنَصْبِ الْخِلَافِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا، وَهُوَ يُبْعِدُ الْحَمْلَ عَلَى الِاتِّفَاقِ بِمَا ذُكِرَ بِمَرَاحِلَ كَمَا يَظْهَرُ لِلْمُتَتَبِّعِ، كَيْفَ وَلَفْظُ الْمَبْسُوطِ وَإِنْ سَجَدَ عَلَى الْأَنْفِ دُونَ الْجَبْهَةِ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيُكْرَهُ وَلَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَهُوَ رِوَايَةُ ابْنِ عُمَرَ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. اهـ. (قَوْلُهُ فَالْقَوْلُ بِعَدَمِ الْكَرَاهَةِ ضَعِيفٌ) أَيْ عَدَمُ كَرَاهَةِ تَرْكِ السُّجُودِ عَلَى الْأَنْفِ، قَالَ فِي النَّهْرِ: لَوْ حُمِلَتْ الْكَرَاهَةُ فِي رَأْيِ مَنْ أَثْبَتَهَا عَلَى التَّنْزِيهِ وَمَنْ نَفَاهَا عَلَى التَّحْرِيمِيَّةِ لَارْتَفَعَ التَّنَافِي، وَعِبَارَتُهُ فِي السِّرَاجِ: الْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَضَعَهُمَا اهـ. لَكِنْ قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ: وَفِي غُرَرِ الْأَذْكَارِ أَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى الْجَبْهَةِ يَجُوزُ بِلَا كَرَاهَةٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْأَنْفِ عُذْرٌ اتِّفَاقًا، وَكَذَلِكَ فِي مَجْمُوعِ الْمَسَائِلِ وَأَنَّهُ بِهِ يُفْتَى، وَفِي الِاخْتِيَارِ وَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى جَبْهَتِهِ جَازَ بِالْإِجْمَاعِ وَلَا إسَاءَةَ بَعْدَ أَنْ قَالَ فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى الْأَنْفِ جَازَ وَقَدْ أَسَاءَ، وَقَالَا لَا يَجُوزُ إلَّا مِنْ عُذْرٍ اهـ كَلَامُهُ، فَلْيُتَأَمَّلْ. وَيُبْعِدُ مَا قَالَهُ فِي النَّهْرِ قَوْلُ الْمَتْنِ وَكُرِهَ عَلَى أَحَدِهِمَا فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ حَمْلُهُ عَلَى التَّنْزِيهِيَّةِ نَظَرًا إلَى تَرْكِ السُّجُودِ عَلَى الْجَبْهَةِ لَكِنْ سَيَأْتِي حَمْلُ الْكَرَاهَةِ عَلَى طَلَبِ الْكَفِّ طَلَبًا غَيْرَ جَازِمٍ (قَوْلُهُ وَخَرَجَ أَيْضًا بِقَوْلِنَا " مِمَّا لَا سُخْرِيَةَ فِيهِ " مَا إذَا رَفَعَ قَدَمَيْهِ إلَخْ) مُقْتَضَاهُ أَنَّ وَضْعَ الْقَدَمَيْنِ مِنْ مَاهِيَّةِ السُّجُودِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَدَمُهُ حَيْثُ اقْتَصَرَ عَلَى بَيَانِهِ بِالْجَبْهَةِ أَوْ الْأَنْفِ وَإِذَا كَانَ مِنْ مَاهِيَّةِ السُّجُودِ فَهُوَ فَرْضٌ، وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ وَسَيَأْتِي تَضْعِيفُهُ وَعَلَى أَنَّ مَا عَلَّلَ بِهِ يَجْرِي فِي الْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ فَمَا وَجْهُ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْقَدَمَيْنِ؟ وَفِي الْعِنَايَةِ ذَكَرَ الْإِمَامُ التُّمُرْتَاشِيُّ أَنَّ الْيَدَيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ سَوَاءٌ فِي عَدَمِ الْفَرْضِيَّةِ، وَهُوَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ الشَّيْخِ الْإِسْلَامِ فِي مَبْسُوطِهِ، وَهُوَ الْحَقُّ اهـ. قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ بَعْدَ ذِكْرِ صَاحِبِ الدُّرَرِ ذَلِكَ لِأَنَّ السُّجُودَ لَا يُنْبِئُ عَنْ ذَلِكَ كَمَا فِي الْمُصَفَّى وَلِمَا سَبَقَ مِنْ أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ السُّجُودُ عَلَى الْوَجْهِ، وَهُوَ بِكُلِّهِ مُتَعَذِّرٌ فَكَانَ الْمُرَادُ بَعْضَهُ وَأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى النَّصِّ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ لَا تَجُوزُ، وَإِنْ صَرَّحَ بِأَنَّ الْفَتْوَى عَلَى مُقَابِلِهِ كَمَا مَرَّ بَسْطُهُ، ثُمَّ أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُوَفَّقَ هَاهُنَا بَيْنَ هَذَا وَمَا سَبَقَ آنِفًا مِنْ عَدَمِ الْجَوَازِ بِأَنَّ عَدَمَ الْفَرْضِيَّةِ لَا يَنْفِي الْوُجُوبَ، وَأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْجَوَازِ الْحِلُّ اهـ. لَكِنَّ الْعَلَّامَةَ إبْرَاهِيمَ الْحَلَبِيَّ قَدْ رَدَّ مَا قَالَهُ فِي الْعِنَايَةِ وَحَقَّقَ فَرْضِيَّةَ الْقَدَمَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا تَبَعًا لِلْمُنْيَةِ، وَأَنَّ الْمُرَادَ بِوَضْعِ الْقَدَمِ وَضْعُ أَصَابِعِهِ مُوَجَّهَةً إلَى الْقِبْلَةِ فَرَاجِعِهِ مُتَأَمِّلًا، وَانْظُرْهُ مَعَ قَوْلِهِ فِي مَكْرُوهَاتِ الصَّلَاةِ: أَنْ يُحَرِّفَ أَصَابِعَ يَدَيْهِ أَوْ رِجْلَيْهِ عَنْ الْقِبْلَةِ فِي السُّجُودِ لِتَرْكِ السُّنَّةِ (قَوْلُهُ وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ إلَخْ) قَدْ يُمْنَعُ بِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ ثُبُوتِ الْإِجْمَالِ فِي الْآيَةِ مَعَ بَيَانِ السُّنَّةِ لَهَا (قَوْلُهُ وَفِي الْمُجْتَبَى إلَى قَوْلِهِ كَمَا لَا يَخْفَى) قَالَ الرَّمْلِيُّ هَذَا الْحَمْلُ لَيْسَ بِجَيِّدٍ لِأَنَّ الطَّرَفَ كَمَا فِي الْقَامُوسِ مُنْتَهَى كُلِّ شَيْءٍ كَذَا ذَكَرَهُ مَوْلَانَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ الشَّيْخُ مُحَمَّدٌ الْغَزِّيِّ التُّمُرْتَاشِيُّ قَالَ فَيُحْمَلُ عَلَى اخْتِلَافِ الْقَوْلَيْنِ، وَأَقُولُ: الَّذِي فِي الْقَامُوسِ وَالطَّرَفُ مُحَرَّكًا النَّاحِيَةُ وَالطَّائِفَةُ مِنْ الشَّيْءِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 336 يُخَالِفُهُ فَإِنَّهُ قَالَ: إذَا وَضَعَ مِنْ الْجَبْهَةِ مِقْدَارَ الْأَنْفِ لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْأَنْفَ عُضْوٌ كَامِلٌ وَهَذَا الْمِقْدَارُ مِنْ الْجَبْهَةِ لَيْسَ بِعُضْوٍ كَامِلٍ وَلَا بِأَكْثَرَ مِنْهَا اهـ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ الطَّرَفُ عَلَى الْأَكْثَرِ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ وَكُرِهَ بِأَحَدِهِمَا أَوْ بِكَوْرِ عِمَامَتِهِ) أَيْ كُرِهَ السُّجُودُ عَلَيْهِ، وَهُوَ دَوْرُهَا يُقَالُ كَارَ الْعِمَامَةَ وَكَوَّرَهَا دَارَهَا عَلَى رَأْسِهِ وَهَذِهِ الْعِمَامَةُ عَشَرَةُ أَكْوَارٍ وَعِشْرُونَ كَوْرًا كَذَا فِي الْمُغْرِبِ، وَهُوَ بِفَتْحِ الْكَافِ كَمَا ضَبَطَهُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي شِدَّةِ الْحَرِّ فَإِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدُنَا أَنْ يُمَكِّنَ جَبْهَتَهُ مِنْ الْأَرْضِ بَسَطَ ثَوْبَهُ فَسَجَدَ عَلَيْهِ» وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ قَالَ الْحَسَنُ كَانَ الْقَوْمُ يَسْجُدُونَ عَلَى الْعِمَامَةِ وَالْقَلَنْسُوَةِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى الصِّحَّةِ، وَإِنَّمَا كُرِهَ لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْكِ نِهَايَةِ التَّعْظِيمِ، وَمَا فِي التَّجْنِيسِ مِنْ التَّعْلِيلِ بِتَرْكِ التَّعْظِيمِ رَاجِعٌ إلَيْهِ وَإِلَّا فَتَرْكُ التَّعْظِيمِ أَصْلًا مُبْطِلٌ لِلصَّلَاةِ، وَقَدْ نَبَّهَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ هُنَا تَنْبِيهًا حَسَنًا، وَهُوَ أَنَّ صِحَّةَ السُّجُودِ عَلَى الْكَوْرِ إذَا كَانَ الْكَوْرُ عَلَى الْجَبْهَةِ أَوْ بَعْضِهَا، أَمَّا إذَا كَانَ عَلَى الرَّأْسِ فَقَطْ وَسَجَدَ عَلَيْهِ وَلَمْ تُصِبْ جَبْهَتُهُ الْأَرْضَ عَلَى الْقَوْلِ بِتَعْيِينِهَا وَلَا أَنْفُهُ عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ تَعْيِينِهَا فَإِنَّ الصَّلَاةَ لَا تَصِحُّ لِعَدَمِ السُّجُودِ عَلَى مَحَلِّهِ وَكَثِيرٌ مِنْ الْعَوَامّ يَتَسَاهَلُ فِي ذَلِكَ وَيَظُنُّ الْجَوَازَ وَظَاهِرٌ أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَنْزِيهِيَّةٌ لِنَقْلِ فِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ مِنْ السُّجُودِ عَلَى الْعِمَامَةِ تَعْلِيمًا لِلْجَوَازِ فَلَمْ تَكُنْ تَحْرِيمِيَّةً، وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد عَنْ صَالِحِ بْنِ حَيَوَانَ أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى رَجُلًا يَسْجُدُ، وَقَدْ اعْتَمَّ عَلَى جَبْهَتِهِ فَحَسَرَ عَنْ جَبْهَتِهِ» إرْشَادًا لِمَا هُوَ الْأَفْضَلُ وَالْأَكْمَلُ وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَحَلَّ الْكَرَاهَةِ عِنْدَ عَدَمِ الْعُذْرِ أَمَّا مَعَهُ فَلَا، وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ اشْتِبَاهٌ فَإِنَّهُ جَعَلَ الْكَرَاهَةَ فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى أَحَدِهِمَا، وَفِي السُّجُودِ عَلَى الْكَوْرِ وَاحِدَةً، وَقَدْ حَقَّقْنَا أَنَّهَا تَحْرِيمِيَّةٌ فِي الْأَوَّلِ تَنْزِيهِيَّةٌ فِي الثَّانِي فَيُرَادُ بِالْكَرَاهَةِ طَلَبُ الْكَفِّ عَنْ فِعْلِهَا طَلَبًا غَيْرُ جَازِمٍ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْفِعْلِ إثْمٌ أَوْ لَا، وَأَشَارَ بِالْكَوْرِ إلَى أَنَّ كُلَّ حَائِلٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَرْضِ مُتَّصِلٌ بِهِ فَإِنَّ حُكْمَهُ كَذَلِكَ يَعْنِي الصِّحَّةَ كَمَا لَوْ سَجَدَ عَلَى فَاضِلِ ثَوْبِهِ أَوْ كُمِّهِ عَلَى مَكَان ظَاهِرٍ، وَأَمَّا الْكَرَاهَةُ فَفِي الذَّخِيرَةِ وَالْمُحِيطِ إذَا بَسَطَ كُمَّهُ وَسَجَدَ عَلَيْهِ إنْ بَسَطَ لِيَقِيَ التُّرَابَ عَنْ وَجْهِهِ كُرِهَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذَا النَّوْعَ تَكَبُّرٌ وَإِنْ بَسَطَ لِيَقِيَ التُّرَابَ عَنْ عِمَامَتِهِ أَوْ ثِيَابِهِ لَا يُكْرَهُ لِعَدَمِهِ وَنَصَّ قَاضِي خَانْ عَلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ كَرَاهَةً، وَفِي الزَّادِ: وَلَوْ سَجَدَ عَلَى كُمِّهِ إنْ كَانَ ثَمَّةَ تُرَابٌ أَوْ حَصَاةٌ لَا يُكْرَهُ؛ لِأَنَّهُ يَدْفَعُ الْأَذَى عَنْ نَفْسِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جَازَ وَيُكْرَهُ، وَالتَّوْفِيقُ بَيْنَهُمَا بِحَمْلِ مَا فِي الذَّخِيرَةِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَخَفْ ضَرَرًا وَقَصَدَ التَّرَفُّعَ فَيُكْرَهُ تَحْرِيمًا وَيُحْمَلُ مَا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ تَرَفُّعًا وَلَمْ يَخَفْ فَيُكْرَهُ تَنْزِيهًا وَهِيَ تَرْجِعُ إلَى خِلَافِ الْأُولَى وَكَلِمَةُ لَا بَأْسَ فِيمَا تَرَكَهُ أَوْلَى وَيُحْمَلُ مَا فِي الزَّادِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ تَرَفُّعًا وَخَافَ الْأَذَى فَيَكُونُ مُبَاحًا، وَقَيَّدْنَا بِكَوْنِ مَا تَحْتَهُ طَاهِرًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ بَسَطَ كُمَّهُ عَلَى نَجَاسَةٍ فَالْأَصَحُّ عَدَمُ الْجَوَازِ وَدَلَّ كَلَامُهُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ سَجَدَ عَلَى حَائِلٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَرْضِ مُنْفَصِلٍ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ بِالْأَوْلَى كَالسَّجَّادَةِ وَالْحَصِيرِ، وَذَكَرَ الْأَكْمَلُ فِي تَقْرِيرِهِ أَنَّ الْأَوْلَى لِلْإِمَامِ وَمَنْ يُقْتَدَى بِهِ كَالْمُفْتِي تَرْكُ السَّجَّادَةِ حَتَّى لَا يَحْمِلَ الْعَوَامَّ عَلَى مَا فِيهِ حَرَجٌ عَلَيْهِمْ بِخِلَافِهِ فِي الْخَلْوَةِ وَمَنْ لَا يُقْتَدَى بِهِ، وَحَمَلَهُ الْبَزَّازِيُّ عَلَى زَمَانِهِمْ، أَمَّا فِي زَمَانِنَا فَالْأَوْلَى الصَّلَاةُ عَلَيْهَا لِمَا أَنَّ النَّاسَ تَهَاوَنُوا فِي أَمْرِ الطَّهَارَةِ وَالْأَصْلُ كَمَا أَنَّهُ يَجُوزُ السُّجُودُ عَلَى الْأَرْضِ يَجُوزُ عَلَى مَا هُوَ بِمَعْنَى الْأَرْضِ مِمَّا تَجِدُ جَبْهَتُهُ حَجْمَهُ وَتَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ وَتَفْسِيرُ وِجْدَانِ الْحَجْمِ أَنَّ السَّاجِدَ لَوْ بَالَغَ لَا يَتَسَفَّلُ رَأْسُهُ أَبْلَغَ مِنْ ذَلِكَ فَيَصِحُّ السُّجُودُ عَلَى الطِّنْفِسَةِ وَالْحَصِيرَةِ وَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالسَّرِيرِ وَالْعَجَلَةِ إنْ كَانَتْ عَلَى الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهُ يَجِدُ حَجْمَ الْأَرْضِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ عَلَى ظَهْرِ الْحَيَوَانِ؛ لِأَنَّ قَرَارَهَا حِينَئِذٍ عَلَى الْحَيَوَانِ كَالْبِسَاطِ الْمَشْدُودِ بَيْنَ الْأَشْجَارِ وَلَوْ سَجَدَ عَلَى ظَهْرِ رَجُلٍ إنْ كَانَ لِلضَّرُورَةِ بِأَنْ لَمْ يَجِدْ   [منحة الخالق] وَمِثْلُهُ فِي مُخْتَارِ الصِّحَاحِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ كُتُبِ اللُّغَةِ فَإِذَا كَانَ الطَّرَفُ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ فَالْحَمْلُ حُجَّةٌ وَالتَّوْفِيقُ مُمْكِنٌ لَا بُعْدَ فِيهِ إذْ مِثْلُهُ وَقَعَ كَثِيرًا فِي كَلَامِهِمْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 337 مَوْضِعًا مِنْ الْأَرْضِ يَسْجُدُ عَلَيْهِ وَالْمَسْجُودُ عَلَى ظَهْرِهِ فِي الصَّلَاةِ جَازَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الصَّلَاةِ، أَوْ وَجَدَ فُرْجَةً لَا يَجُوزُ لِعَدَمِهَا وَقَيَّدَ فِي الْوَاقِعَاتِ أَنْ تَكُونَ صَلَاتُهُمَا مُتَّحِدَةً حَتَّى لَوْ سَجَدَ عَلَى ظَهْرِ مَنْ يُصَلِّي صَلَاةً أُخْرَى لَا يَجُوزُ لِعَدَمِهَا وَعَلَيْهِ مَشَى فِي الْخُلَاصَةِ وَفَتْحِ الْقَدِيرِ وَشَرَطَ فِي الْمُجْتَبَى شَرْطًا آخَرَ: وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمَسْجُودُ عَلَى ظَهْرِهِ سَاجِدًا عَلَى الْأَرْضِ فَلَوْ سَجَدَ عَلَى ظَهْرِ مُصَلٍّ سَاجِدٍ عَلَى ظَهْرِ مُصَلٍّ لَا يَجُوزُ فَالشُّرُوطُ أَرْبَعَةٌ، وَفِي الْمُحِيطِ وَلَوْ سَجَدَ عَلَى ظَهْرِ الْمَيِّتِ وَعَلَيْهِ لِبَدٌ إنْ وَجَدَ حَجْمَ الْمَيِّتِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ سَجَدَ عَلَى الْمَيِّتِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يَجِدُ حَجْمَهُ جَازَ؛ لِأَنَّهُ سَجَدَ عَلَى اللِّبَدِ، وَلَوْ سَجَدَ عَلَى الْأَرُزِّ أَوْ الْجَاوْرَسِ أَوْ الذُّرَةِ لَا يَجُوزُ لِعَدَمِ اسْتِقْرَارِ الْجَبْهَةِ عَلَيْهَا حَتَّى لَوْ كَانَ الْأَرُزُّ فِي الْجَوَالِقِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يَجِدُ الْحَجْمَ بِوَاسِطَةِ انْكِبَاسِهِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَإِنْ سَجَدَ عَلَى الثَّلْجِ إنْ لَمْ يُلَبِّدْهُ وَكَانَ يُغَيِّبُ وَجْهَهُ وَلَا يَجِدُ حَجْمَهُ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ لَبَّدَ جَازَ، وَكَذَا إذَا أَلْقَى الْحَشِيشَ فَسَجَدَ عَلَيْهِ إنْ وَجَدَ عَلَيْهِ حَجْمَهُ جَازَ وَإِلَّا فَلَا، وَكَذَا فِي التِّبْنِ وَالْقُطْنِ وَمِنْ هُنَا يُعْلَمُ جَوَازُ أَدَاءِ الصَّلَاةِ عَلَى الطَّرَّاحَةِ الْقُطْنِ، فَإِنْ وَجَدَ الْحَجْمَ جَازَ وَإِلَّا فَلَا وَهَذَا الْقَيْدُ لَا بُدَّ مِنْهُ فِي السُّجُودِ عَلَى كَوْرِ الْعِمَامَةِ وَطَرَفِ الْقَلَنْسُوَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُجْتَبَى، وَفِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي، وَلَوْ أَنَّ مَوْضِعَ السُّجُودِ أَرْفَعُ مِنْ مَوْضِعِ الْقَدَمَيْنِ مِقْدَارَ لَبِنَتَيْنِ مَنْصُوبَتَيْنِ جَازَ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ لَا يَجُوزُ أَرَادَ لَبِنَةَ بُخَارَى، وَهُوَ رُبْعُ ذِرَاعٍ. اهـ. وَفِي التَّجْنِيسِ، وَلَوْ سَجَدَ عَلَى حَجَرٍ صَغِيرٍ إنْ كَانَ أَكْثَرَ الْجَبْهَةِ عَلَى الْأَرْضِ يَجُوزُ وَإِلَّا فَلَا وَهَكَذَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ مَعْزِيًّا إلَى نُصَيْرٍ، وَفِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّ اسْمَ السُّجُودِ يَصْدُقُ بِوَضْعِ شَيْءٍ مِنْ الْجَبْهَةِ عَلَى الْأَرْضِ وَلَا دَلِيلَ عَلَى اشْتِرَاطِ أَكْثَرِهَا كَمَا قَالُوا: يَكْفِي فِي الْقَدَمَيْنِ وَضْعُ أُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ، وَلِهَذَا قَالَ فِي الْمُجْتَبَى سَجَدَ عَلَى طَرَفٍ مِنْ أَطْرَافِ جَبْهَتِهِ جَازَ، ثُمَّ نَقَلَ كَلَامَ نُصَيْرٍ فَدَلَّ عَلَى تَضْعِيفِهِ، نَعَمْ، وَضْعُ أَكْثَرِهَا وَاجِبٌ لِلْمُوَاظَبَةِ عَلَى تَمْكِينِ الْجَبْهَةِ مِنْ الْأَرْضِ وَعَلَى تَسْلِيمِ أَنَّ الْأَكْثَرَ شَرْطٌ فَيَجِبُ أَنَّهُ إذَا كَانَ مَا أَصَابَ الْحَجَرَ وَالْأَرْضَ يَبْلُغُ أَكْثَرَهَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَا يُعْتَدُّ بِمَا أَصَابَ الْحَجَرَ أَصْلًا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ وَقَيَّدَ بِكَوْنِ الْحَائِلِ تَبَعًا؛ لِأَنَّ الْحَائِلَ لَوْ كَانَ بَعْضَهُ فَإِنْ كَانَ كَفَّهُ يَجُوزُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَإِنْ كَانَ فَخِذَهُ يَجُوزُ بِعُذْرٍ لَا بِغَيْرِهِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَإِنْ كَانَ رُكْبَتَهُ لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ يُعْلَمُ لَكِنْ إنْ كَانَ بِعُذْرٍ كَفَاهُ بِاعْتِبَارِ مَا فِي ضِمْنِهِ مِنْ الْإِيمَاءِ وَكَانَ عَدَمُ الْخِلَافِ فِيهِ لِكَوْنِ السُّجُودِ يَقَعُ عَلَى حَرْفِ الرُّكْبَةِ، وَهُوَ لَا يَأْخُذُ قَدْرَ الْوَاجِبِ مِنْ الْجَبْهَةِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ التَّجْنِيسِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَاَلَّذِي يَنْبَغِي تَرْجِيحُ الْفَسَادِ عَلَى الْكَفِّ وَالْفَخِذِ (قَوْلُهُ وَأَبْدَى ضَبْعَيْهِ) أَيْ أَظْهَرَ عَضُدَيْهِ وَالضَّبُعُ بِالسُّكُونِ لَا غَيْرُ: الْعَضُدُ وَقِيلَ وَسَطُهُ بَاطِنُهُ كَذَا فِي الْمُغَرِّبِ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ هُنَا الثَّانِي لِلدَّلِيلِ الْآتِي وَلِأَنَّهُ الْمَسْنُونُ وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ أَنَّ فِيهِ لُغَتَيْنِ: سُكُونُ الْبَاءِ وَضَمُّهَا وَذَكَرَ فِي ضِيَاءِ الْحُلُومِ مُخْتَصَرِ شَمْسِ الْعُلُومِ أَنَّ الضَّبُعَ بِالسُّكُونِ الْعَضُدُ وَالضَّبُعُ بِالضَّمِّ الْأُنْثَى مِنْ الضِّبَاعِ وَيُقَالُ لِلسَّنَةِ الْمُجْدِبَةِ ، وَإِنَّمَا يُظْهِرُهُمَا لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ إذَا سَجَدَ فَرَّجَ بَيْنَ يَدَيْهِ حَتَّى يَبْدُوَ بَيَاضُ إبْطَيْهِ» وَلِحَدِيثِ مُسْلِمٍ «إذَا سَجَدْت فَضَعْ كَفَّيْك وَارْفَعْ مَرْفِقَيْك» ، ثُمَّ إنْ كَانَ فِي الصَّفِّ لَا يُبْدِيهِمَا حَذَرًا مِنْ إيذَاءِ جَارِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُؤَدِّ إلَى الْإِيذَاءِ كَمَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الصَّفِّ زِحَامٌ ذَكَرَهُ فِي الْمُجْتَبَى وَهَذَا أَوْلَى مِمَّا ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَتَابَعَهُ فِي الْكَافِي وَتَبِعَهُمَا الشَّارِحُ مِنْ أَنَّهُ إذَا كَانَ فِي الصَّفِّ لَا يُجَافِي بَطْنَهُ عَنْ فَخْذَيْهِ؛ لِأَنَّ الْإِيذَاءَ لَا يَحْصُلُ مِنْ مُجَرَّدِ الْمُجَافَاةِ، وَإِنَّمَا يَحْصُلُ مِنْ إظْهَارِ الْعَضُدَيْنِ (قَوْلُهُ وَجَافَى.   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَالْجَاوَرْسُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ بِجِيمٍ مَفْتُوحَةٍ بَعْدَهَا أَلِفٌ وَوَاوٌ مَفْتُوحَةٌ وَرَاءٌ سَاكِنَةٌ قِيلَ هُوَ الدُّخْنُ وَقِيلَ هُوَ ضَرْبٌ مِنْ الشَّعِيرِ صِغَارُ الْحَبِّ لَيْسَ لَهُ قِشْرٌ يَنْبُتُ بِالْغَرْبِ وَبِلَادِ الْهِنْدِ كَذَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ لِلشَّافِعِيَّةِ. (قَوْلُهُ فَدَلَّ عَلَى تَضْعِيفِهِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَفِي الْمِعْرَاجِ وَضْعُ جَمِيعِ أَطْرَافِ الْجَبْهَةِ لَيْسَ بِشَرْطٍ بِالْإِجْمَاعِ فَإِذَا اقْتَصَرَ عَلَى بَعْضِ الْجَبْهَةِ جَازَ وَإِنْ قَلَّ، كَذَا ذَكَرَ أَبُو جَعْفَرٍ (قَوْلُهُ وَقَيَّدَ بِكَوْنِ الْحَائِلِ تَبَعًا) أَيْ حَيْثُ ذَكَرَ كَوْرَ الْعِمَامَةِ مِمَّا هُوَ لَيْسَ بَعْضًا مِنْ السَّاجِدِ (قَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ يُعْلَمُ) يَرُدُّ عَلَيْهِ مَا نَقَلَهُ فِي إمْدَادِ الْفَتَّاحِ حَيْثُ قَالَ: قَالَ فِي الدِّرَايَةِ ذَكَرَ الْبَزْدَوِيُّ لَوْ سَجَدَ عَلَى إحْدَى رُكْبَتَيْهِ أَوْ يَدَيْهِ أَوْ كُمَّيْهِ جَازَ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَ الْحَسَنُ الْأَصَحُّ أَنَّهُ إذَا سَجَدَ عَلَى فَخْذَيْهِ أَوْ رُكْبَتَيْهِ بِعُذْرٍ جَازَ وَإِلَّا فَلَا (قَوْلُهُ وَكَأَنَّ عَدَمَ الْخِلَافِ فِيهِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ إنْ عَنَى بِالْوَاجِبِ الْفَرْضَ نَافَى مَا اخْتَارَهُ مِنْ أَنَّهُ يُوجَدُ بِوَضْعٍ وَإِنْ قَلَّ، وَإِنْ عَنَى بِهِ مَا هُوَ الْمُصْطَلَحُ عَلَيْهِ اقْتَضَى أَنَّهُ يَصِحُّ، وَغَيْرُ خَافٍ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مُؤَيَّدَةٌ بِمَا مَرَّ عَنْ نُصَيْرٍ اهـ هَذَا وَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ هُنَا مَأْخُوذٌ مِنْ الْفَتْحِ فَلَوْ عَزَاهُ إلَيْهِ لَتَخَلَّصَ مِنْ رِبْقَةِ الْإِشْكَالِ. (قَوْلُهُ: وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ أَنَّ فِيهِ لُغَتَيْنِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ ظَاهِرُ مَا فِي الْقَامُوسِ أَنَّهُ فِي الْعَضُدِ بِالسُّكُونِ لَا غَيْرُ وَفِي الْحَيَوَانِ بِهِ وَبِالضَّمِّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَجَافَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 338 بَطْنَهُ عَنْ فَخْذَيْهِ) أَيْ بَاعَدَهُ لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ «كَانَ إذَا سَجَدَ جَافَى بَيْنَ يَدَيْهِ حَتَّى لَوْ أَنَّ بُهَيْمَةً أَرَادَتْ أَنْ تَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ مَرَّتْ» وَلِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد فِي صِفَةِ صَلَاتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَإِذَا سَجَدَ فَرَّجَ بَيْنَ فَخْذَيْهِ غَيْرَ حَامِلٍ بَطْنَهُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَخْذَيْهِ» وَبُهَيْمَةٌ تَصْغِيرُ بَهْمَةٍ وَلَدُ الشَّاةِ بَعْدَ السَّخْلَةِ فَإِنَّهُ أَوَّلُ مَا تَضَعُهُ أُمُّهُ يَكُونُ سَخْلَةً، ثُمَّ يَكُونُ بَهْمَةً وَهِيَ بِصِيغَةِ الْمُكَبَّرِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَسُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ وَذَكَرَ بَعْضُ الْحُفَّاظِ أَنَّ الصَّوَابَ التَّصْغِيرُ، قَالُوا: وَالْحِكْمَةُ فِي الْإِبْدَاءِ وَالْمُجَافَاةِ أَنْ يَظْهَرَ كُلُّ عُضْوٍ بِنَفْسِهِ فَلَا تَعْتَمِدُ الْأَعْضَاءُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ وَهَذَا ضِدُّ مَا وَرَدَ فِي الصُّفُوفِ مِنْ الْتِصَاقِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَاكَ الِاتِّحَادُ بَيْنَ الْمُصَلِّينَ حَتَّى كَأَنَّهُمْ جَسَدٌ وَاحِدٌ وَلِأَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ أَشْبَهُ بِالتَّوَاضُعِ وَأَبْلَغُ فِي تَمْكِينِ الْجَبْهَةِ وَالْأَنْفِ مِنْ الْأَرْضِ وَأَبْعَدُ مِنْ هَيْئَاتِ الْكَسَالَى فَإِنَّ الْمُنْبَسِطَ يُشْبِهُ الْكَلْبَ وَيُشْعِرُ بِالتَّهَاوُنِ بِالصَّلَاةِ وَقِلَّةِ الِاعْتِنَاءِ بِهَا (قَوْلُهُ وَوَجَّهَ أَصَابِعَ رِجْلَيْهِ نَحْوَ الْقِبْلَةِ) لِحَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كَانَ إذَا سَجَدَ وَضَعَ يَدَيْهِ غَيْرَ مُفْتَرِشٍ وَلَا قَابِضَهُمَا وَاسْتَقْبَلَ بِأَطْرَافِ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ الْقِبْلَةَ» وَنَصَّ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي التَّجْنِيسِ عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يُوَجِّهْ الْأَصَابِعَ نَحْوَهَا فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ، ثُمَّ الظَّاهِرُ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَلَا قَابِضَهُمَا» أَنَّهُ نَاشِرٌ أَصَابِعَهُ عَنْ بَاطِنِ كَفَّيْهِ بِدَلِيلِ مَا فِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٌ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا سَجَدَ ضَمَّ أَصَابِعَهُ فَنَشَرَ أَصَابِعَهُ مِنْ الطَّيِّ ضَامًّا بَعْضَهَا إلَى بَعْضٍ» وَمِنْ هُنَا نَصَّ مَشَايِخُنَا عَلَى أَنَّهُ يَضُمُّ أَصَابِعَهُ كُلَّ الضَّمِّ فِي السُّجُودِ. قِيلَ وَالْحِكْمَةُ فِيهِ أَنَّ الرَّحْمَةَ تَنْزِلُ عَلَيْهِ فِي السُّجُودِ فَبِالضَّمِّ يَنَالُ أَكْثَرَ (قَوْلُهُ وَسَبَّحَ فِيهِ ثَلَاثًا) أَيْ فِي السُّجُودِ، وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ فِي تَسْبِيحَاتِ الرُّكُوعِ (قَوْلُهُ وَالْمَرْأَةُ تَنْخَفِضُ وَتَلْزَقُ بَطْنَهَا بِفَخْذَيْهَا) لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهَا فَإِنَّهَا عَوْرَةٌ مَسْتُورَةٌ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي مَرَاسِيلِهِ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَرَّ عَلَى امْرَأَتَيْنِ تُصَلِّيَانِ فَقَالَ إذَا سَجَدْتُمَا فَضُمَّا بَعْضَ اللَّحْمِ إلَى الْأَرْضِ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ لَيْسَتْ فِي ذَلِكَ كَالرَّجُلِ» وَذَكَرَ الشَّارِحُ أَنَّ الْمَرْأَةَ تُخَالِفُ الرَّجُلَ فِي عَشْرِ خِصَالٍ تَرْفَعُ يَدَيْهَا إلَى مَنْكِبَيْهَا وَتَضَعُ يَمِينَهَا عَلَى شِمَالِهَا تَحْتَ ثَدْيَيْهَا وَلَا تُجَافِي بَطْنَهَا عَنْ فَخْذَيْهَا وَتَضَعُ يَدَيْهَا عَلَى فَخْذَيْهَا تَبْلُغُ رُءُوسُ أَصَابِعِهَا رُكْبَتَيْهَا وَلَا تَفْتَحُ إبْطَيْهَا فِي السُّجُودِ وَتَجْلِسُ مُتَوَرِّكَةً وَلَا تُفَرِّجُ أَصَابِعَهَا فِي الرُّكُوعِ وَلَا تَؤُمُّ الرِّجَالَ وَتُكْرَهُ جَمَاعَتُهُنَّ وَتَقُومُ الْإِمَامُ وَسَطَهُنَّ اهـ. وَيُزَادُ عَلَى الْعَشْرِ أَنَّهَا لَا تَنْصِبُ أَصَابِعَ الْقَدَمَيْنِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمُجْتَبَى وَلَا يُسْتَحَبُّ فِي حَقِّهَا الْإِسْفَارُ بِالْفَجْرِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي مَحَلِّهِ وَلَا يُسْتَحَبُّ فِي حَقِّهَا الْجَهْرُ بِالْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ الْجَهْرِيَّة بَلْ قَدَّمْنَاهُ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ أَنَّهُ لَوْ قِيلَ بِالْفَسَادِ إذَا جَهَرَتْ لَأَمْكَنَ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ صَوْتَهَا عَوْرَةٌ وَالتَّتَبُّعُ يَقْتَضِي أَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَالْأَحْسَنُ عَدَمُ الْحَصْرِ. (قَوْلُهُ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مُكَبِّرًا وَجَلَسَ مُطْمَئِنًّا) يَعْنِي بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ هَذَا الْجُلُوسَ مَسْنُونٌ   [منحة الخالق] بَطْنَهُ إلَخْ) قَالَ الْفَاضِلُ الْبُرْجَنْدِيُّ فَلَعَلَّهُ أَيْ صَاحِبَ الْكَافِي أَرَادَ بِعَدَمِ الْمُجَافَاةِ عَدَمَ إبْدَاءِ الضَّبُعَيْنِ اهـ. قَالَ نُوحٌ أَفَنْدِي أَقُولُ: هَذِهِ الْإِرَادَةُ غَيْرُ ظَاهِرَةٍ فَلَا تَدْفَعُ الْإِيرَادَ، وَقَالَ فِي النَّهْرِ إنَّ بَيْنَهُمَا تَلَازُمًا عَادِيًّا قَالَ نُوحٌ أَفَنْدِي أَقُولُ: دَعْوَى الْمُلَازَمَةِ بَيْنَهُمَا مَمْنُوعَةٌ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ كَانَ «إذَا سَجَدَ جَافَى بَيْنَ يَدَيْهِ» الَّذِي فِي الْهِدَايَةِ وَفَتْحِ الْقَدِيرِ بِدُونِ زِيَادَةِ بَيْنَ يَدَيْهِ (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَوَجَّهَ أَصَابِعَ رِجْلَيْهِ نَحْوَ الْقِبْلَةِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ فِي سُجُودِهِ، وَهُوَ سُنَّةٌ كَمَا عَدَّهُ فِي زَادِ الْفَقِيرِ أَيْضًا، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا سَيَأْتِي عَنْ التَّجْنِيسِ، وَفِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ تَوْجِيهُ الْأَصَابِعِ كَذَلِكَ سُنَّةٌ كَمَا فِي الْبُرْجَنْدِيِّ، وَيُوَافِقُهُ مَا فِي التَّجْنِيسِ مِنْ أَنَّهُ إنْ لَمْ يُوَجِّهْ يُكْرَهُ وَعِبَارَةُ الْحَاوِي فِي سُنَنِ السُّجُودِ: وَتَوْجِيهُ أَصَابِعِ الْيَدَيْنِ وَأَنَامِلِ الرِّجْلَيْنِ إلَى الْقِبْلَةِ اهـ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ انْحِرَافُ أَصَابِعِهِمَا عَنْ الْقِبْلَةِ مَكْرُوهٌ كَمَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ فَتَوْجِيهُهَا نَحْوَهَا سُنَّةٌ كَمَا فِي الْجَلَّابِيِّ اهـ. أَقُولُ: وَصَرَّحَ بِالسُّنِّيَّةِ فِي الضِّيَاءِ أَيْضًا وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ مَا مَرَّ مِنْ الْخِلَافِ فِي أَنَّ وَضْعَ الْقَدَمَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا فِي السُّجُودِ فَرْضٌ أَوْ سُنَّةٌ إنَّمَا هُوَ فِي أَصْلِ الْوَضْعِ لَا فِي تَوْجِيهِ الْأَصَابِعِ نَحْوَ الْقِبْلَةِ فَإِنَّهُ سُنَّةٌ قَوْلًا وَاحِدًا عِنْدَنَا وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْمُحَقِّقَ ابْنَ الْهُمَامِ قَالَ فِي كِتَابِهِ زَادِ الْفَقِيرِ وَمِنْهَا أَيْ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ: السُّجُودُ وَيَكْفِي فِيهِ وَضْعُ جَبْهَتِهِ بِاتِّفَاقٍ، وَكَذَا الْأَنْفُ عِنْدَهُ، ثُمَّ قَالَ فِي سُنَنِ الصَّلَاةِ وَمِنْهَا: تَوْجِيهُ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ إلَى الْقِبْلَةِ وَوَضْعُ الرُّكْبَتَيْنِ، وَاخْتُلِفَ فِي الْقَدَمَيْنِ اهـ. فَانْظُرْ حَيْثُ جَعَلَ الْخِلَافَ فِي الْقَدَمَيْنِ أَيْ فِي وَضْعِهِمَا دُونَ تَوْجِيهِ الْأَصَابِعِ، فَهَذَا صَرِيحٌ فِيمَا قُلْنَا، وَكَذَا اخْتَارَ الْمُحَقِّقُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ كَوْنَ وَضْعِ الْقَدَمَيْنِ وَاجِبًا، ثُمَّ ذَكَرَ هُنَا مِنْ سُنَنِ السُّجُودِ تَوْجِيهَ الْأَصَابِعِ نَحْوَ الْقِبْلَةِ، ثُمَّ سَاقَ حَدِيثَ الْبُخَارِيِّ الْمَذْكُورَ هُنَا فَهَذَا صَرِيحٌ فِيمَا قُلْنَاهُ أَيْضًا فَاغْتَنِمْ هَذِهِ الْفَائِدَةَ الْجَلِيلَةَ فَإِنِّي لَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَيْهَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. (قَوْلُهُ وَتَضَعُ يَدَيْهَا عَلَى فَخْذَيْهَا إلَخْ) أَيْ قَوْلًا وَاحِدًا بِخِلَافِ الرَّجُلِ كَمَا سَيَأْتِي وَحَمَلَهُ فِي إمْدَادِ الْفَتَّاحِ عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ يَضَعُ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ قَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 339 وَمُقْتَضَى الدَّلِيلِ مِنْ الْمُوَاظَبَةِ عَلَيْهَا وُجُوبُهَا لَكِنَّ الْمَذْهَبَ خِلَافُهُ وَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ مِنْ أَنَّ الْأَصَحَّ وُجُوبُهَا إنْ كَانَ بِالنَّظَرِ إلَى الدِّرَايَةِ فَمُسَلَّمٌ لِمَا عَلِمْت مِنْ الْمُوَاظَبَةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ جِهَةِ الرِّوَايَةِ فَلَا، وَقَدْ صَرَّحَ الشَّارِحُونَ بِالسُّنِّيَّةِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ ذِكْرًا مَسْنُونًا، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَنَا، وَكَذَا بَعْدَ الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ وَمَا وَرَدَ فِيهِمَا مِنْ الدُّعَاءِ فَمَحْمُولٌ عَلَى التَّهَجُّدِ، قَالَ يَعْقُوبُ سَأَلْت أَبَا حَنِيفَةَ عَنْ الرَّجُلِ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ فِي الْفَرِيضَةِ أَيَقُولُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي قَالَ يَقُولُ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ وَسَكَتَ، وَكَذَلِكَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ فَقَدْ أَحْسَنَ حَيْثُ لَمْ يَنْهَهُ عَنْ الِاسْتِغْفَارِ صَرِيحًا مِنْ قُوَّةِ احْتِرَازِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا مِقْدَارَ الرَّفْعِ الَّذِي يَكُونُ فَاصِلًا بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ فَإِنَّ فِيهِ أَرْبَعَ رِوَايَاتٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، صَحَّحَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ أَنَّهُ إنْ كَانَ إلَى الْقُعُودِ أَقْرَبَ جَازَ، وَإِنْ كَانَ إلَى السُّجُودِ أَقْرَبَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يُعَدُّ سَاجِدًا وَصَحَّحَ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ أَنَّهُ كَانَ بِحَيْثُ لَا يُشْكِلُ عَلَى النَّاظِرِ أَنَّهُ رَفْعٌ يَجُوزُ وَصَحَّحَ صَاحِبُ الْمُحِيطِ أَنَّهُ يَكْتَفِي بِأَدْنَى مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الرَّفْعِ، وَالرِّوَايَةُ الرَّابِعَةُ: أَنَّهُ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِقْدَارَ مَا يَمُرُّ الرِّيحُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَرْضِ جَازَ وَلَمْ أَرَ مَنْ صَحَّحَهَا وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي الْكَافِي أَنَّهَا تَعُودُ إلَى الرِّوَايَةِ الثَّالِثَةِ الْمُصَحَّحَةِ فِي الْمُحِيطِ وَاخْتَارَهَا فِيهِ وَذَكَرَ أَنَّهَا الْقِيَاسُ لِتَعَلُّقِ الرُّكْنِيَّةِ بِالْأَدْنَى فِي سَائِرِ الْأَرْكَانِ (قَوْلُهُ وَكَبَّرَ وَسَجَدَ مُطْمَئِنًّا) وَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُ الطُّمَأْنِينَةِ (قَوْلُهُ وَكَبَّرَ لِلنُّهُوضِ بِلَا اعْتِمَادٍ وَقُعُودٍ) لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَعْتَمِدَ الرَّجُلُ عَلَى يَدَيْهِ إذَا نَهَضَ فِي الصَّلَاةِ» ، وَفِي حَدِيثِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٌ فِي صِفَةِ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَإِذَا نَهَضَ نَهَضَ عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَاعْتَمَدَ عَلَى فَخْذَيْهِ» وَلِحَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ يَنْهَضُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ إنَّ عَلَيْهِ الْعَمَلَ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَأَمَّا مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ أَنَّهُ «رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا كَانَ فِي وِتْرٍ مِنْ صَلَاتِهِ لَمْ يَنْهَضْ حَتَّى يَسْتَوِيَ قَاعِدًا» فَمَحْمُولٌ عَلَى حَالَةِ الْكِبَرِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَيُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ هَذَا الْحَمْلَ يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ، وَقَدْ «قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِمَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ لَمَّا أَرَادَ أَنْ يُفَارِقَهُ: صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» وَلَمْ يُفَصِّلْ فَكَانَ الْحَدِيثُ حُجَّةً لِلشَّافِعِيِّ فَالْأَوْلَى أَنْ يُحْمَلَ عَلَى تَعْلِيمِ الْجَوَازِ فَلِذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ إنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي الْأَفْضَلِيَّةِ حَتَّى لَوْ فَعَلَ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ لَا بَأْسَ بِهِ عِنْدَنَا اهـ. وَكَذَا تَرْكُ الِاعْتِمَادِ مُسْتَحَبٌّ لِمَنْ لَيْسَ بِهِ عُذْرٌ عِنْدَنَا عَلَى مَا هُوَ ظَاهِرُ كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ قَالَ الْوَبَرِيُّ لَا بَأْسَ يَعْتَمِدُ بِرَاحَتَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ عِنْدَ النُّهُوضِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ الْعُذْرِ وَعَدَمِهِ وَمِثْلُهُ مَا فِي الْمُحِيطِ عَنْ الطَّحَاوِيِّ لَا بَأْسَ بِأَنْ يَعْتَمِدَ بِيَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ شَيْخًا كَانَ أَوْ شَابًّا، وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ   [منحة الخالق] وَالصَّحِيحُ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ يَضَعَانِ عَلَى الْفَخْذِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ (قَوْلُهُ وَمُقْتَضَى الدَّلِيلِ مِنْ الْمُوَاظَبَةِ عَلَيْهِ وُجُوبُهَا) قَدْ تَقَدَّمَ فِي تَعْلِيلِ الْأَرْكَانِ نَقْلُهُ عَنْ شَرْحِ الزَّاهِدِيِّ وَالْمُحِيطِ وَالْفَتْحِ وَابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ، وَأَنَّهُ هُوَ الصَّوَابُ (قَوْلُهُ فَقَدْ أَحْسَنَ لَمْ يَنْهَهُ عَنْ الِاسْتِغْفَارِ إلَخْ) أَقُولُ: وَفِي عَدَمِ نَهْيِهِ عَنْهُ أَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَوْ فَعَلَ لَمْ يُكْرَهْ إذْ لَوْ كُرِهَ لَكَانَ الْأَوْلَى النَّهْيُ كَمَا نَهَى عَنْ الْقِرَاءَةِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَهَذَا نَظِيرُ التَّسْمِيَةِ بَيْنَ الْفَاتِحَةِ وَالسُّورَةِ فَإِنَّهَا لَا تُسَنُّ مَعَ أَنَّهُ لَوْ أَتَى لَا يُكْرَهُ، وَحَيْثُ قُلْنَا بِعَدَمِ الْكَرَاهَةِ فَيَنْبَغِي بِغَيْرِ حَالَةِ الْجَمَاعَةِ إذَا لَزِمَ مِنْهُ تَطْوِيلُ الصَّلَاةِ وَيَنْبَغِي بِنَاءً عَلَى مَا ذَكَرْنَا أَنْ يُنْدَبَ الدُّعَاءُ بِالْمَغْفِرَةِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِإِبْطَالِهِ الصَّلَاةَ بِتَرْكِهِ عَامِدًا وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ، لَكِنْ صَرَّحُوا بِاسْتِحْبَابِ مُرَاعَاةِ الْخِلَافِ وَهَذَا مِنْهُ كَمَا لَا يَخْفَى، نَعَمْ، لَوْ كَانَ الدُّعَاءُ الْمَذْكُورُ مَنْهِيًّا عَنْهُ عِنْدَنَا لَا تُسْتَحَبُّ الْمُرَاعَاةُ لِمَا يَلْزَمُ عَلَيْهَا مِنْ الْخُرُوجِ عَنْ الْمَذْهَبِ لَكِنَّ ثُبُوتَ الْكَرَاهَةِ يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ. (قَوْلُهُ وَصَحَّحَ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إنَّ الرِّوَايَةَ الثَّانِيَةَ تَعُودُ إلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى إذْ بِكَوْنِهِ إلَى الْقُعُودِ أَقْرَبُ، يَزُولُ الْإِشْكَالُ عَلَى النَّاظِرِ أَنَّهُ رَفَعَ فَيَكُونُ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ فَقَطْ، وَقَدْ اقْتَصَرَ مَثَلًا مِسْكِينٌ عَلَى نَقْلِ الْأُولَى وَالرَّابِعَةِ فَقَطْ فَفِيهِ إيمَاءٌ لِمَا قُلْنَا تَأَمَّلْ اهـ. وَفِي النَّهْرِ: وَلَا يَخْفَى قُرْبُ الثَّانِي مِنْ الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ فَالَأَوْلَى أَنْ يُحْمَلَ عَلَى تَعْلِيمِ الْجَوَازِ) قَدْ يُقَالُ: يُنَافِي ذَلِكَ الْحَمْلَ «قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِمَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ صَلُّوا» إلَخْ، وَفِي النَّهْرِ: أَقُولُ: لَا تَنَافِيَ بَيْنَ مَا فِي الْهِدَايَةِ وَمَا قَالَهُ الْحَلْوَانِيُّ بِوَجْهٍ إذْ الْمُدَّعَى طَلَبُ النُّهُوضِ وَتَرْكُهُ يُوجِبُ خِلَافَ الْأَوْلَى، وَهُوَ مَرْجِعٌ لَا بَأْسَ بِهِ فِي أَغْلَبِ اسْتِعْمَالِهِ وَلَا يُنَافِيه مَا فِي الْمِعْرَاجِ أَنَّ جَلْسَةَ الِاسْتِرَاحَةِ مَكْرُوهَةٌ عِنْدَنَا إذْ الْمُرَادُ بِهَا التَّنْزِيهُ، وَكَذَا قَوْلُ الطَّحَاوِيِّ لَا بَأْسَ بِأَنْ يَعْتَمِدَ إلَخْ فَقَوْلُهُ فِي الْبَحْرِ الْأَوْجَهُ أَنْ يَكُونَ سُنَّةً فَيُكْرَهُ تَرْكُهُ مَمْنُوعٌ اهـ. وَالْعَجَبُ أَنَّهُ قَدَّمَ ذَلِكَ قَرِيبًا عِنْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ: أَوْ بِكَوْرِ عِمَامَتِهِ، مِنْ أَنَّ مَرْجِعَ خِلَافِ الَأَوْلَى كَلَا بَأْسَ إلَى التَّنْزِيهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 340 اهـ. وَالْأَوْجَهُ أَنْ يَكُونَ سُنَّةً فَتَرْكُهُ يُكْرَهُ تَنْزِيهًا لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ النَّهْي وَذَكَرَ الشَّارِحُ أَنَّهُ يُكْرَهُ تَقْدِيمُ إحْدَى الرِّجْلَيْنِ عِنْدَ النُّهُوضِ وَيُسْتَحَبُّ الْهُبُوطُ بِالْيُمْنَى وَالنُّهُوضُ بِالشِّمَالِ وَلَمْ يَذْكُرْ لِلْكَرَاهَةِ دَلِيلًا وَذَكَرَهَا فِي الْمُجْتَبَى مَرْوِيَّةً عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. (قَوْلُهُ وَالثَّانِيَةُ كَالْأُولَى) أَيْ فِيمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الْأَرْكَانِ وَالْوَاجِبَاتِ وَالسُّنَنِ وَالْآدَابِ (إلَّا أَنَّهُ لَا يُثْنِي) أَيْ لَا يَأْتِي بِدُعَاءِ الِاسْتِفْتَاحِ؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ فِي أَوَّلِ الْعِبَادَةِ دُونَ أَثْنَائِهَا وَلِذَا سُمِّيَ دُعَاءَ الِاسْتِفْتَاحِ (قَوْلُهُ وَلَا يَتَعَوَّذُ) ؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ فِي أَوَّلِ الْقِرَاءَةِ لِدَفْعِ الْوَسْوَسَةِ فَلَا يَتَكَرَّرُ إلَّا بِتَبَدُّلِ الْمَجْلِسِ كَمَا لَوْ تَعَوَّذَ وَقَرَأَ، ثُمَّ سَكَتَ قَلِيلًا وَقَرَأَ وَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ فِي شَرْحِهِ مِنْ أَنَّهُ يَنْبَغِي عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ أَنْ يَتَعَوَّذَ فِي الثَّانِيَةِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ سُنَّةُ الْقِرَاءَةِ، وَالْقِرَاءَةُ تَتَجَدَّدُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ لِمَا عَلِمْت أَنَّهُ سُنَّةٌ فِي أَوَّلِ الْقِرَاءَةِ (قَوْلُهُ وَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ إلَّا فِي فقعس صمعج) أَيْ وَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ عَلَى وَجْهِ السُّنَّةِ الْمُؤَكَّدَةِ إلَّا فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ وَلَيْسَ مُرَادُهُ النَّفْيَ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ رَفْعَ الْأَيْدِي وَقْتَ الدُّعَاءِ مُسْتَحَبٌّ كَمَا عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ فِي سَائِرِ الْبِلَادِ فَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَلَا عِنْدَ الرَّفْعِ مِنْهُ وَلَا تَكْبِيرَاتِ الْجَنَائِزِ لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد عَنْ الْبَرَاءِ قَالَ «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَرْفَعُ يَدَيْهِ حِينَ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ، ثُمَّ لَمْ يَرْفَعْهُمَا حَتَّى انْصَرَفَ» وَلِحَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ «خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ مَا لِي أَرَاكُمْ رَافِعِي أَيْدِيكُمْ كَأَنَّهَا أَذْنَابُ خَيْلٍ شُمْسٍ اُسْكُنُوا فِي الصَّلَاةِ» وَشُمْسٌ بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْمِيمِ جَمْعُ شَمُوسٍ بِفَتْحِهَا وَضَمِّ الْمِيمِ أَيْ صَعْبٍ وَاعْتِرَاضُ الْبُخَارِيِّ فِي كِتَابِهِ رَفْعَ الْيَدَيْنِ بِأَنَّ هَذَا الرَّفْعَ كَانَ فِي التَّشَهُّدِ بِدَلِيلِ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ الْقِبْطِيَّةِ عَنْ جَابِرٍ أَيْضًا، رُدَّ بِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُمَا حَدِيثَانِ؛ لِأَنَّ الَّذِي يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَالَ التَّسْلِيمِ لَا يُقَالُ لَهُ اُسْكُنْ فِي الصَّلَاةِ وَبِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِعُمُومِ اللَّفْظِ، وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اُسْكُنُوا فِي الصَّلَاةِ» لَا لِخُصُوصِ السَّبَبِ، وَهُوَ الْإِيمَاءُ حَالَ التَّسْلِيمِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: وَاعْلَمْ، أَنَّ الْآثَارَ عَنْ الصَّحَابَةِ وَالطُّرُقَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَثِيرَةٌ جِدًّا وَالْكَلَامُ فِيهَا وَاسِعٌ مِنْ جِهَةِ الطَّحَاوِيِّ وَغَيْرِهِ وَالْقَدْرُ الْمُتَحَقِّقُ بَعْدَ ذَلِكَ كُلِّهِ ثُبُوتُ رِوَايَةِ كُلٍّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الرَّفْعُ عِنْدَ الرُّكُوعِ كَمَا رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَعَدَمُهُ كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ فَيَحْتَاجُ إلَى التَّرْجِيحِ لِقِيَامِ التَّعَارُضِ، وَيَتَرَجَّحُ مَا صِرْنَا إلَيْهِ بِأَنَّهُ قَدْ عُلِمَ أَنَّهَا كَانَتْ أَقْوَالٌ مُبَاحَةٌ فِي الصَّلَاةِ وَأَفْعَالٌ مِنْ جِنْسِ هَذَا الرَّفْعِ، وَقَدْ عُلِمَ نَسْخُهَا فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ هُوَ أَيْضًا مَشْمُولًا بِالنَّسْخِ خُصُوصًا، وَقَدْ ثَبَتَ مَا يُعَارِضُهُ ثُبُوتًا لَا مَرَدَّ لَهُ بِخِلَافِ عَدَمِهِ فَإِنَّهُ لَا يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ احْتِمَالُ عَدَمِ الشَّرْعِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ مَا عُهِدَ فِيهِ ذَلِكَ بَلْ مِنْ جِنْسِ السُّكُونِ الَّذِي هُوَ طَرِيقُ مَا أُجْمِعَ عَلَى طَلَبِهِ فِي الصَّلَاةِ أَعْنِي الْخُشُوعَ، وَكَذَا بِأَفْضَلِيَّةِ الرُّوَاةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ لِلْأَوْزَاعِيِّ فِي الْحِكَايَةِ الْمَشْهُورَةِ عَنْهُمَا وَأَفَادَ بِهَذِهِ الْحُرُوفِ سُنِّيَّةَ رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي ثَمَانِيَةِ مَوَاضِعَ: ثَلَاثَةٌ فِي الصَّلَاةِ فَالْفَاءُ لِتَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ وَالْقَافُ لِلْقُنُوتِ وَالْعَيْنُ لِلْعِيدَيْنِ، وَخَمْسَةٌ فِي الْحَجِّ: فَالسِّينُ عِنْدَ اسْتِلَامِ الْحَجَرِ وَالصَّادُ عِنْدَ الصُّعُودِ عَلَى الصَّفَا وَالْمِيمُ لِلْمَرْوَةِ وَالْعَيْنُ لِعَرَفَاتٍ وَالْجِيمُ لِلْجَمَرَاتِ وَالرَّفْعُ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ بِحِذَاءِ الْأُذُنَيْنِ، وَفِي الْخَمْسَةِ تَفْصِيلٌ فَفِي اسْتِلَامِ الْحَجَرِ وَعِنْدَ الْجَمْرَتَيْنِ الْأُولَى وَالْوُسْطَى يَرْفَعُ حِذَاءَ مَنْكِبَيْهِ وَيَجْعَلُ بَاطِنَهُمَا نَحْوَ الْكَعْبَةِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَعِنْدَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ (وَ) بِعَرَفَاتٍ يَرْفَعُهُمَا كَالدُّعَاءِ بَاسِطًا يَدَيْهِ نَحْوَ السَّمَاءِ كَذَا فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ الْمَنَاسِكِ. (قَوْلُهُ وَإِذَا فَرَغَ مِنْ سَجْدَتَيْ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ افْتَرَشَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى فَجَلَسَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ فِي الْحِكَايَةِ الْمَشْهُورَةِ عَنْهُمَا) ، وَهُوَ أَنَّهُ اجْتَمَعَ مَعَ الْأَوْزَاعِيِّ بِمَكَّةَ فِي دَارِ الْحَنَّاطِينَ كَمَا حَكَى ابْنُ عُيَيْنَةَ فَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ مَا بَالُكُمْ لَا تَرْفَعُونَ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَالرَّفْعِ مِنْهُ؟ فَقَالَ لِأَجْلِ أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ شَيْءٌ فَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ كَيْفَ لَمْ يَصِحَّ، وَقَدْ حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ، وَعِنْدَ الرُّكُوعِ، وَعِنْدَ الرَّفْعِ مِنْهُ» فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لَا يَرْفَعُ إلَّا عِنْدَ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ، ثُمَّ لَا يَعُودُ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ» فَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ أُحَدِّثُك عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ وَتَقُولُ حَدَّثَنِي حَمَّادٌ عَنْ إبْرَاهِيمَ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ كَانَ حَمَّادٌ أَفْقَهَ مِنْ الزُّهْرِيِّ وَكَانَ إبْرَاهِيمُ أَفْقَهَ مِنْ سَالِمٍ وَعَلْقَمَةُ لَيْسَ بِدُونِ ابْنِ عُمَرَ، وَإِنْ كَانَتْ لِابْنِ عُمَرَ صُحْبَةٌ وَلَهُ فَضْلٌ فَالْأَسْوَدُ لَهُ فَضْلٌ كَثِيرٌ وَعَبْدُ اللَّهِ عَبْدُ اللَّهِ فَرَجَّحَ بِفِقْهِ الرُّوَاةِ لَمَّا رَجَّحَ الْأَوْزَاعِيُّ بِعُلُوِّ الْإِسْنَادِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ الْمَنْصُورُ عِنْدَنَا كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 341 عَلَيْهَا وَنَصَبَ يُمْنَاهُ وَوَجَّهَ أَصَابِعَهُ نَحْوَ الْقِبْلَةِ) لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَقُولُ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ التَّحِيَّةَ وَكَانَ يَفْتَرِشُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَيَنْصِبُ الْيُمْنَى» وَهَذَا بَيَانُ السُّنَّةِ عِنْدَنَا حَتَّى لَوْ تَوَرَّكَ جَازَ، أَطْلَقَ الصَّلَاةَ فَشَمِلَ الْفَرْضَ وَالنَّفَلَ فَيَقْعُدُ فِيهِمَا عَلَى هَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ، فَمَا فِي الْمُجْتَبَى نَاقِلًا عَنْ صَلَاةِ الْجَلَّابِيِّ أَنَّ هَذَا فِي الْفَرْضِ، وَفِي النَّفْلِ يَقْعُدُ كَيْفَ شَاءَ كَالْمَرِيضِ مُخَالِفٌ لِإِطْلَاقِ الْكُتُبِ الْمُعْتَبَرَةِ الْمَشْهُورَةِ، نَعَمْ النَّفَلُ مَبْنَاهُ عَلَى التَّخْفِيفِ، وَلِذَا يَجُوزُ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ لَكِنَّ الْكَلَامَ إنَّمَا هُوَ فِي السُّنِّيَّةِ. (قَوْلُهُ وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى فَخْذَيْهِ وَبَسَطَ أَصَابِعَهُ) يَعْنِي وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى فَخْذِهِ الْيُمْنَى وَيَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى فَخْذِهِ الْيُسْرَى لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا كَذَلِكَ أَشَارَ إلَى رَدِّ مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ يَضَعُ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَيُفَرِّقُ بَيْنَ أَصَابِعِهِ كَحَالَةِ الرُّكُوعِ لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عُمَرَ كَذَلِكَ وَزَادَ فِيهِ وَعَقَدَ ثَلَاثَةً وَخَمْسِينَ وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَرَجَّحَ فِي الْخُلَاصَةِ الْكَيْفِيَّةَ الْأُولَى، فَقَالَ: وَلَا يَأْخُذُ الرُّكْبَةَ، هُوَ الْأَصَحُّ فَتُحْمَلُ الْكَيْفِيَّةُ الثَّانِيَةُ فِي الْحَدِيثِ عَلَى الْجَوَازِ، وَالْأُولَى عَلَى بَيَانِ الْأَفْضَلِيَّةِ، وَعَلَّلَ لَهُ فِي الْبَدَائِعِ بِأَنَّهُ عَلَى الْكَيْفِيَّةِ الْأُولَى تَكُونُ الْأَصَابِعُ مُتَوَجِّهَةً إلَى الْقِبْلَةِ وَعَلَى الثَّانِيَةِ إلَى الْأَرْضِ لَكِنَّهُ لَا يَتِمُّ إلَّا إذَا كَانَتْ الْأَصَابِعُ عُطِفَتْ عَلَى الرُّكْبَةِ أَمَّا إذَا كَانَتْ رُءُوسُهَا عِنْدَ رَأْسِ الرُّكْبَةِ فَلَا يَتِمَّ التَّرْجِيحُ، وَعَلَى اعْتِبَارِ هَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ الثَّالِثَةِ مَا فِي جَمْعِ التَّفَارِيقِ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَكُونُ أَطْرَافُ الْأَصَابِعِ عِنْدَ الرُّكْبَةِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمُجْتَبَى وَأَشَارَ بِبَسْطِ الْأَصَابِعِ إلَى أَنَّهُ لَا يُشِيرُ بِالسَّبَّابَةِ عِنْدَ الشَّهَادَتَيْنِ، وَهُوَ قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ الْمَشَايِخِ، وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَالتَّجْنِيسِ: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى؛ لِأَنَّ مَبْنَى الصَّلَاةِ عَلَى السُّكُونِ، وَكَرِهَهَا فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَرَجَّحَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الْقَوْلَ بِالْإِشَارَةِ وَأَنَّهُ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا قَالَ مُحَمَّدٌ فَالْقَوْلُ بِعَدَمِهَا مُخَالِفٌ لِلرِّوَايَةِ وَالدِّرَايَةِ وَرَوَاهَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ فِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي الْمُجْتَبَى لَمَّا اتَّفَقَتْ الرِّوَايَاتُ عَنْ أَصْحَابِنَا جَمِيعًا فِي كَوْنِهَا سُنَّةً، وَكَذَا عَنْ الْكُوفِيِّينَ وَالْمَدَنِيِّينَ وَكَثْرَةُ الْأَخْبَارِ وَالْآثَارِ كَانَ الْعَمَلُ بِهَا أَوْلَى. (قَوْلُهُ وَقَرَأَ تَشَهُّدَ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ، وَهُوَ مَا رَوَاهُ أَصْحَابُ الْكُتُبِ السِّتَّةِ، وَهُوَ: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَعَقَدَ ثَلَاثَةً وَخَمْسِينَ) قَالَ الرَّمْلِيُّ بِأَنْ يَضَعَ الْإِبْهَامَ تَحْتَ الْمُسَبِّحَةِ عَلَى طَرَفِ رَاحَتِهِ وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ كَعَاقِدٍ ثَلَاثَةً وَعِشْرِينَ قَالَ الْخَطِيبُ الشِّرْبِينِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَإِنَّمَا عَبَّرَ الْفُقَهَاءُ بِالْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي تَبَعًا لِرِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - وَاعْتُرِضَ فِي الْمَجْمُوعِ قَوْلُهُمْ كَعَاقِدِ ثَلَاثَةٍ وَخَمْسِينَ فَإِنَّ شَرْطَهُ عِنْدَ أَهْلِ الْحِسَابِ أَنْ يَضَعَ الْخِنْصَرَ عَلَى الْبِنْصِرَ وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ هُوَ أَنْ يَضَعَهَا عَلَى الرَّاحَةِ كَالْبِنْصِرِ وَالْوُسْطَى وَهِيَ الَّتِي يُسَمُّونَهَا تِسْعَةً وَخَمْسِينَ وَلَمْ يَنْطِقُوا بِهَا تَبَعًا لِلْخَبَرِ وَأَجَابَ فِي الْإِقْلِيدِ بِأَنَّ عِبْرَةَ وَضْعِ الْخِنْصَرَ عَلَى الْبِنْصِرِ فِي عَقْدِ ثَلَاثَةٍ وَخَمْسِينَ هِيَ طَرِيقَةُ أَقْبَاطِ مِصْرَ وَلَمْ يَعْتَبِرْ غَيْرُهُمْ فِيهَا ذَلِكَ، وَقَالَ فِي الْكِفَايَةِ عَدَمُ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ طَرِيقَةُ الْمُتَقَدِّمِينَ اهـ. وَقَالَ ابْنُ الْفِرْكَاحِ إنَّ عَدَمَ الِاشْتِرَاطِ طَرِيقَةٌ لِبَعْضِ الْحُسَّابِ وَعَلَيْهِ يَكُونُ تِسْعَةٌ وَخَمْسُونَ هَيْئَةً أُخْرَى أَوْ تَكُونُ الْهَيْئَةُ الْوَاحِدَةُ تَشْتَرِكُ بَيْنَ الْعَدَدَيْنِ فَيَحْتَاجُ إلَى قَرِينَةٍ اهـ. قَالَ الْحَلَبِيُّ فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَصِفَتُهَا أَنْ يُحَلِّقَ مِنْ يَدِهِ الْيُمْنَى عِنْدَ الشَّهَادَةِ الْإِبْهَامَ وَالْوُسْطَى وَيَقْبِضَ الْبِنْصِرَ وَالْخِنْصَرَ وَيَضَعَ رَأْسَ إبْهَامِهِ عَلَى حَرْفِ الْمِفْصَلِ الْأَوْسَطِ وَيَرْفَعَ الْأُصْبُعَ عِنْدَ النَّفْيِ وَيَضَعَهَا عِنْدَ الْإِثْبَاتِ، وَيُكْرَهُ أَنْ يُشِيرَ بِكِلْتَا مُسَبِّحَتَيْهِ. (قَوْلُهُ لَكِنَّهُ لَا يُتِمُّ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَا يَخْفَى أَنَّ وَضْعَ الْيَدَيْنِ عَلَيْهِ يَسْتَلْزِمُهُ (وَقَوْلُهُ وَرَجَّحَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الْقَوْلَ بِالْإِشَارَةِ) أَيْ مَعَ قَبْضِ الْأَصَابِعِ كَمَا هُوَ صَرِيحُ عِبَارَةِ الْفَتْحِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي حَيْثُ قَالَ: فَإِنْ أَشَارَ يَعْقِدُ الْخِنْصَرَ وَالْبِنْصِرَ وَيُحَلِّقُ الْوُسْطَى بِالْإِبْهَامِ وَيُقِيمُ السَّبَّابَةَ اهـ. فَالْإِشَارَةُ إنَّمَا هِيَ عَلَى كَيْفِيَّةٍ خَاصَّةٍ عِنْدَنَا وَهِيَ الْعَقْدُ الْمَذْكُورُ كَمَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ كَالْبَدَائِعِ وَالنِّهَايَةِ وَالْمِعْرَاجِ وَشُرُوحِ الْمُنْيَةِ وَالْقُهُسْتَانِيِّ وَالنَّهْرِ وَالظَّهِيرِيَّةِ وَشَرْحِ النُّقَايَةِ وَغَيْرِهَا، وَأَمَّا مَا نَقَلَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة عَنْ الْبُرْهَانِ مِنْ أَنَّهُ يُشِيرُ وَلَا يَعْقِدُ فَهُوَ قَوْلٌ ثَالِثٌ لَمْ أَرَ مَنْ عَوَّلَ عَلَيْهِ وَلَا مَنْ نَقَلَهُ سِوَاهُ فَالْعَمَلُ عَلَى مَا فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ مِنْ الْقَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا،: وَهُوَ الْمَشْهُورُ بَسْطُ الْأَصَابِعِ بِلَا إشَارَةٍ وَالثَّانِي الَّذِي رَجَّحَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ عَقْدُ الْأَصَابِعِ عِنْدَ الْإِشَارَةِ، وَأَمَّا مَا نَقَلَهُ فِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ عَنْ دُرَرِ الْبِحَارِ وَشَرْحِهِ مُوَافِقًا لِمَا نَقَلَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ عَنْ الْبُرْهَانِ فَغَيْرُ صَحِيحٍ فَإِنِّي رَاجَعْت دُرَرَ الْبِحَارِ وَشَرْحَهُ الْمُسَمَّى غُرَرَ الْأَفْكَارِ فَرَأَيْت فِيهِمَا أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى الْإِشَارَةِ مَعَ الْعَقْدِ، وَقَدْ أَوْضَحْت هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِنُقُولِهَا الْمُعْتَبَرَةِ فِي رِسَالَةٍ سَمَّيْتهَا رَفْعُ التَّرَدُّدِ فِي عَقْدِ الْأَصَابِعِ عِنْدَ التَّشَهُّدِ فَرَاجِعْهَا فَإِنَّهَا فَرِيدَةٌ فِي بَابِهَا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 342 وَرَسُولُهُ فَسُمِّيَ تَشَهُّدًا تَسْمِيَةً لِلْكُلِّ بِاسْمِ جُزْئِهِ الْأَشْرَفِ؛ لِأَنَّ التَّشَهُّدَ أَشْرَفُ أَذْكَارِهِ، ثُمَّ فِي تَفْسِيرِ أَلْفَاظِهَا أَقْوَالٌ كَثِيرَةٌ، أَحْسَنُهَا: أَنَّ التَّحِيَّاتِ الْعِبَادَاتُ الْقَوْلِيَّةُ وَالصَّلَوَاتِ الْعِبَادَاتُ الْبَدَنِيَّةُ وَالطَّيِّبَاتِ الْعِبَادَاتُ الْمَالِيَّةُ فَجَمِيعُ الْعِبَادَاتِ لِلَّهِ تَعَالَى لَا يَسْتَحِقُّهُ غَيْرُهُ وَلَا يَتَقَرَّبُ بِشَيْءٍ مِنْهُ إلَى مَا سِوَاهُ، ثُمَّ هُوَ عَلَى مِثَالِ مَنْ يَدْخُلُ عَلَى الْمُلُوكِ فَيُقَدِّمُ الثَّنَاءَ أَوَّلًا، ثُمَّ الْخِدْمَةَ ثَانِيًا، ثُمَّ بَذْلَ الْمَالِ ثَالِثًا، وَأَمَّا قَوْلُهُ: السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ حِكَايَةُ سَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى نَبِيِّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَهِيَ ثَلَاثَةٌ بِمُقَابَلَةِ الثَّلَاثِ الَّتِي أَثْنَى بِهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى رَبِّهِ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ، وَالسَّلَامُ مِنْ سَلَّمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ أَوْ مِنْ تَسْلِيمِهِ مِنْ الْآفَاتِ وَإِلَّا ظَهَرَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالرَّحْمَةِ هُنَا نَفْسُ الْإِحْسَانِ مِنْهُ تَعَالَى لَا إرَادَتُهُ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ الدُّعَاءُ بِهَا وَالدُّعَاءُ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمُمْكِنِ وَالْإِرَادَةُ قَدِيمَةٌ بِخِلَافِ نَفْسِ الْإِحْسَانِ، وَالْبَرَكَةُ النَّمَاءُ وَالزِّيَادَةُ مِنْ الْخَيْرِ وَيُقَالُ: الْبَرَكَةُ جِمَاعُ كُلِّ خَيْرٍ، ثُمَّ إنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَى سَهْمًا مِنْ هَذِهِ الْكَرَامَةِ لِإِخْوَانِهِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ وَصَالِحِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ؛ لِأَنَّهُ يَعُمُّهُمْ كَمَا شَهِدَتْ بِهِ السُّنَّةُ الصَّحِيحَةُ حَيْثُ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذِهِ الْكَلِمَاتِ فَإِنَّكُمْ إذَا قُلْتُمُوهَا أَصَابَتْ كُلَّ عَبْدٍ صَالِحٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَالْعِبَادُ جَمْعُ عَبْدٍ، قَالَ بَعْضُهُمْ: لَيْسَ شَيْءٌ أَشْرَفَ مِنْ الْعُبُودِيَّةِ، وَمُرَادُهُ مِنْ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ وَإِلَّا فَهِيَ مُنْبِئَةٌ عَنْ النَّقْصِ لِدَلَاتِهَا عَلَى الْحَاجَةِ وَالِافْتِقَارِ كَمَا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ فِي جَوَاهِرِ الْقُرْآنِ وَعَرَّفَهَا النَّسَفِيُّ بِأَنَّهَا الرِّضَا بِمَا يَفْعَلُهُ الرَّبُّ، وَالْعِبَادَةُ فِعْلُ مَا يُرْضِي الرَّبَّ وَأَنَّ الْعُبُودِيَّةَ أَقْوَى مِنْهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَسْقُطُ فِي الْعُقْبَى بِخِلَافِ الْعِبَادَةِ وَالصَّالِحُ هُوَ الْقَائِمُ بِحُقُوقِ اللَّهِ وَحُقُوقِ عِبَادِهِ وَلِذَا وَصَفَ الْأَنْبِيَاءُ نَبِيَّنَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِهِ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ فَقَالُوا: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَلِذَا قَالُوا لَا يَنْبَغِي الْجَزْمُ بِهِ فِي حَقِّ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ مِنْ غَيْرِ شَهَادَةِ الشَّارِعِ لَهُ بِهِ، وَإِنَّمَا يُقَالُ هُوَ صَالِحٌ فِيمَا أَظُنُّ أَوْ فِي ظَنِّي خَوْفًا مِنْ الشَّهَادَةِ بِمَا لَيْسَ فِيهِ، وَأَشْهَدُ مَعْنَاهُ أَعْلَمُ وَأَتَيَقَّنُ أُلُوهِيَّةَ اللَّهِ تَعَالَى وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَعُبُودِيَّةَ مُحَمَّدٍ وَرِسَالَتَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقُدِّمَتْ الْعُبُودِيَّةُ عَلَى الرِّسَالَةِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّهَا أَشْرَفُ صِفَاتِهِ، وَلِهَذَا وَصَفَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا فِي قَوْله تَعَالَى {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} [الإسراء: 1] وَفِي قَوْله تَعَالَى {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} [النجم: 10] وَاخْتِيرَ لَفْظُ الشَّهَادَةِ دُونَهُمَا؛ لِأَنَّهَا أَبْلَغُ فِي مَعْنَاهَا وَأَظْهَرُ مِنْهُمَا لِكَوْنِهَا مُسْتَعْمَلَةً فِي ظَوَاهِرِ الْأَشْيَاءِ وَبَوَاطِنِهَا، بِخِلَافِ الْعِلْمِ وَالْيَقِينِ فَإِنَّهُمَا يُسْتَعْمَلَانِ غَالِبًا فِي الْبَوَاطِنِ فَقَطْ، وَلِذَا لَوْ أَتَى الشَّاهِدُ بِلَفْظِ أَعْلَمُ أَوْ أَتَيَقَّنُ مَكَانَ أَشْهَدُ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ وَإِنَّمَا ذَكَرْنَا بَعْضَ مَعَانِي التَّشَهُّدِ لِمَا أَنَّ الْمُصَلِّيَ يَقْصِدُ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ مَعَانِيَهَا مُرَادَةً لَهُ عَلَى وَجْهِ الْإِنْشَاءِ مِنْهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُجْتَبَى بِقَوْلِهِ: وَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَقْصِدَ بِأَلْفَاظِ التَّشَهُّدِ مَعْنَاهَا الَّتِي وُضِعَتْ لَهَا مِنْ عِنْدِهِ كَأَنَّهُ يُحَيِّ اللَّهَ وَيُسَلِّمُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَى نَفْسِهِ وَأَوْلِيَائِهِ اهـ. وَعَلَى هَذَا فَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ السَّلَامُ عَلَيْنَا عَائِدٌ إلَى الْحَاضِرِينَ مِنْ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ وَالْمَلَائِكَةِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْغَايَةِ عَنْ النَّوَوِيِّ وَاسْتَحْسَنَهُ وَبِهَذَا يَضْعُفُ مَا ذَكَرَهُ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ أَنَّ قَوْلَهُ السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ حِكَايَةُ سَلَامِ اللَّهِ عَلَيْهِ لَا ابْتِدَاءُ سَلَامٍ مِنْ الْمُصَلِّي عَلَيْهِ وَاحْتَرَزَ بِتَشَهُّدِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْ غَيْرِهِ لِيُخْرِجَ تَشَهُّدَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَهُوَ: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ الزَّاكِيَاتُ لِلَّهِ الطَّيِّبَاتُ الصَّلَوَاتُ لِلَّهِ السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ وَعَمِلَ بِهِ إلَّا أَنَّهُ زَادَ عَلَيْهِ (وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ) الثَّابِتُ فِي تَشَهُّدِ عَائِشَةَ الْمَرْوِيِّ فِي الْمُوَطَّإِ أَيْضًا وَبِهِ عُلِمَ تَشَهُّدُهَا وَخَرَجَ تَشَهُّدُ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - الْمَرْوِيِّ فِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ مَرْفُوعًا: التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَه   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ دُونَهُمَا) أَيْ دُونَ أَعْلَمُ وَأَتَيَقَّن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 343 إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ إلَّا أَنَّ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ سَلَامٌ عَلَيْك بِالتَّنْكِيرِ وَبِهَذَا أَخَذَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ: إنَّهُ أَكْمَلُ التَّشَهُّدِ وَرَجَّحَ مَشَايِخُنَا تَشَهُّدَ ابْنِ مَسْعُودٍ بِوُجُوهٍ عَشْرَةٍ ذَكَرَهَا الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ أَحْسَنُهَا: أَنَّ حَدِيثَهُ اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ لَفْظًا وَمَعْنًى، وَاتَّفَقَ الْمُحَدِّثُونَ عَلَى أَنَّهُ أَصَحُّ أَحَادِيثِ التَّشَهُّدِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ حَتَّى قَالَ التِّرْمِذِيُّ إنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَيْهِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمِمَّنْ عَمِلَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَكَانَ يُعَلِّمُهُ النَّاسَ عَلَى الْمِنْبَرِ كَالْقُرْآنِ، ثُمَّ وَقَعَ لِبَعْضِ الشَّارِحِينَ أَنَّهُ قَالَ وَالْأَخْذُ بِتَشَهُّدِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَوْلَى فَيُفِيدُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ حَتَّى لَوْ تَشَهَّدَ بِغَيْرِهِ كَانَ آتِيًا بِالْوَاجِبِ وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ؛ لِأَنَّهُمْ جَعَلُوا التَّشَهُّدَ وَاجِبًا وَعَيَّنُوهُ فِي تَشَهُّدِ ابْنِ مَسْعُودٍ فَكَانَ وَاجِبًا، وَلِهَذَا قَالَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَيُكْرَهُ أَنْ يَزِيدَ فِي التَّشَهُّدِ حَرْفًا أَوْ يَبْتَدِئَ بِحَرْفٍ قَبْلَ حَرْفٍ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَلَوْ نَقَصَ مِنْ تَشَهُّدِهِ أَوْ زَادَ فِيهِ كَانَ مَكْرُوهًا؛ لِأَنَّ أَذْكَارَ الصَّلَاةِ مَحْصُورَةٌ فَلَا يُزَادُ عَلَيْهَا اهـ. وَإِذَا قُلْنَا بِتَعَيُّنِهِ لِلْوُجُوبِ كَانَتْ الْكَرَاهَةُ تَحْرِيمِيَّةً وَهِيَ الْمَحْمَلُ عِنْدَ إطْلَاقِهَا كَمَا ذَكَرْنَاهُ غَيْرَ مَرَّةٍ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى تَشَهُّدِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي الْقَعْدَةِ الْأَوْلَى فَلَا يَأْتِي بِالصَّلَاةِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهَا، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ عَلَى الصَّحِيحِ أَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ فِيهَا، لِلْجُمْهُورِ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ خُزَيْمَةَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ ثُمَّ إنْ «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي وَسَطِ الصَّلَاةِ نَهَضَ حِينَ فَرَغَ مِنْ تَشَهُّدِهِ» قَالَ الطَّحَاوِيُّ مَنْ زَادَ عَلَى هَذَا فَقَدْ خَالَفَ الْإِجْمَاعَ، فَإِنْ زَادَ فِيهَا، فَإِنْ كَانَ عَامِدًا فَهُوَ مَكْرُوهٌ وَلَا يَخْفَى وُجُوبُ إعَادَتِهَا، وَإِنْ كَانَ سَاهِيًا فَقَدْ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ وَالْمَشَايِخُ وَالْمُخْتَارُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ أَنَّهُ يَجِبُ السُّجُودُ لِلسَّهْوِ إذَا قَالَ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ لَا لِأَجْلِ خُصُوصِ الصَّلَاةِ بَلْ لِتَأْخِيرِ الْقِيَامِ الْمَفْرُوضِ وَاخْتَارَهُ قَاضِي خَانْ وَبِهَذَا ظَهَرَ ضَعْفُ مَا فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي مِنْ أَنَّهُ إذَا زَادَ حَرْفًا وَاحِدًا وَجَبَ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ عَلَى قَوْلِ أَكْثَرِ الْمَشَايِخِ؛ لِأَنَّ الْحَرْفَ أَوْ الْكَلِمَةَ يَسِيرٌ يَعْسُرُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ وَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي الْإِمَامُ مِنْ أَنَّ السُّجُودَ لَا يَجِبُ حَتَّى يَقُولَ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ التَّأْخِيرَ حَاصِلٌ بِمَا ذَكَرْنَاهُ وَمَا فِي الذَّخِيرَةِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَجِبُ حَتَّى يُؤَخِّرَ مُقَدَّرَ مَا يُؤَدِّي رُكْنًا فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ وَفِيمَا بَعْدَ الْأُولَيَيْنِ اكْتَفَى بِالْفَاتِحَةِ) يَعْنِي فِي الْفَرَائِضِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الثَّالِثَةَ مِنْ الْمَغْرِبِ وَالْأَخِيرَتَيْنِ مِنْ الرُّبَاعِيَّةِ وَهِيَ أَحْسَنُ مِنْ عِبَارَةِ الْقُدُورِيِّ حَيْثُ قَالَ يَقْرَأُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ بِالْفَاتِحَةِ إذْ لَا تَشْمَلُ الْمَغْرِبَ وَلَمْ يُبَيِّنْ صِفَةَ الْقِرَاءَةِ فِيمَا بَعْدَهُمَا لِلِاخْتِلَافِ فَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وُجُوبَهَا وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ الْقِرَاءَةِ وَالتَّسْبِيحِ ثَلَاثًا كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَالذَّخِيرَةِ وَالسُّكُوتِ قَدْرَ تَسْبِيحَةٍ كَمَا فِي   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ وَمَعْنَى قَوْلِهِمْ التَّشَهُّدُ وَاجِبٌ أَيْ التَّشَهُّدُ الْمَرْوِيُّ عَلَى الِاخْتِلَافِ لَا وَاحِدٌ بِعَيْنِهِ وَقَوَاعِدُنَا تَقْتَضِيهِ وَمَنْ صَبَغَ يَدَهُ فِي الْفِقْهِ وَعَلِمَ حَقِيقَةَ اصْطِلَاحِهِمْ رَضِيَهُ، تَأَمَّلْ، ثُمَّ رَأَيْت فِي النَّهْرِ قَرِيبًا مِمَّا قُلْتُ: فَإِنَّهُ قَالَ وَأَقُولُ: عِبَارَةُ بَعْضِهِمْ بَعْدَ سَبْرِ وُجُوهِ تَرْجِيحَاتِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَكَانَ الْأَخْذُ بِهِ أَوْلَى، وَقَالَ الشَّارِحُ فِي وُجُوهِ التَّرْجِيحَاتِ لَهُ إنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَهُ أَنْ يُعَلِّمَهُ النَّاسَ فِيمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ فَلَا يَنْزِلُ عَنْ الِاسْتِحْبَابِ وَهَذَا صَرِيحٌ فِي نَفْيِ الْوُجُوبِ وَعَلَيْهِ فَالْكَرَاهَةُ السَّابِقَةُ تَنْزِيهِيَّةٌ اهـ. وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ. وَأَقُولُ: لَوْ قُلْنَا تَحْرِيمِيَّةٌ فَالْمُرَادُ الزِّيَادَةُ وَالنَّقْصُ عَلَى الْمَرْوِيِّ بِمُطْلَقِهِ تَأَمَّلْ. اهـ. (وَقَوْلُهُ وَمَا ذَكَرَهُ) أَيْ وَظَهَرَ ضَعْفُ مَا ذَكَرَهُ قَالَ الرَّمْلِيُّ، وَفِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَالْأَوَّلُ وَهُوَ زِيَادَةُ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ. اهـ. وَقَدْ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ كَمَا تَرَى فَيَنْبَغِي تَرْجِيحُ مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي الْإِمَامُ تَأَمَّلْ اهـ. وَهَذَا مَا رَجَّحَهُ شَارِحُ الْمُنْيَةِ الشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ الْحَلَبِيُّ فِي شَرْحِهِ الصَّغِيرِ وَكَلَامُهُ فِي شَرْحِهِ الْكَبِيرِ يَدُلُّ عَلَى تَرْجِيحِ مَا رَجَّحَهُ الْمُؤَلِّفُ كَمَا نَذْكُرُهُ (قَوْلُهُ وَمَا فِي الذَّخِيرَةِ إلَخْ) أَقُولُ: مَا فِي الذَّخِيرَةِ لَا يُخَالِفُ الْأَوَّلَ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِمِقْدَارِ أَدَاءِ الرُّكْنِ مِقْدَارُ أَدَاءِ أَقْصَرِ رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ وَذَلِكَ قَدْرُ تَسْبِيحَةٍ، ثُمَّ رَأَيْت فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ قَالَ وَالصَّحِيحُ أَنَّ قَدْرَ زِيَادَةِ الْحَرْفِ وَنَحْوِهِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي جِنْسِ مَا يَجِبُ بِهِ سُجُودُ السَّهْوِ وَإِنَّمَا الْمُعْتَبَرُ مِقْدَارُ مَا يُؤَدَّى فِيهِ رُكْنٌ فِي الْجَهْرِ فِيمَا يُخَافِتُ وَعَكْسُهُ وَكَمَا فِي التَّفَكُّرِ حَالَ الشَّكِّ وَنَحْوِهِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي بَابِ السَّهْوِ، وَقَوْلُهُ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ يَشْغَلُ مِنْ الزَّمَانِ مَا يُمْكِنُ أَنْ يُؤَدَّى فِيهِ رُكْنٌ بِخِلَافِ مَا دُونَهُ لِأَنَّهُ زَمَنٌ قَلِيلٌ يَعْسُرُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ. اهـ. (قَوْلُهُ فَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وُجُوبَهَا) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَرَجَّحَهُ ابْنُ الْهُمَامِ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ وَعَلَى هَذَا يُكْرَهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى التَّسْبِيحِ أَوْ السُّكُوتِ اهـ. كَذَا فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي (قَوْلُهُ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَالذَّخِيرَةِ) عِبَارَةُ الْبَدَائِعِ، وَأَمَّا فِي الْأُخْرَيَيْنِ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَقْرَأَ فِيهِمَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَلَوْ سَبَّحَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ ثَلَاثَ تَسْبِيحَاتٍ مَكَانَ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ أَوْ سَكَتَ أَجْزَأَتْهُ صَلَاتُهُ وَلَا يَكُونُ مُسِيئًا إنْ كَانَ عَامِدًا وَلَا سَهْوَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ سَاهِيًا، كَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 344 النِّهَايَةِ أَوْ ثَلَاثًا كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَصَحَّحَ التَّخْيِيرَ فِي الذَّخِيرَةِ، وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ، وَفِي الْمُحِيطِ: ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْقِرَاءَةَ سُنَّةٌ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ، وَلَوْ سَبَّحَ فِيهِمَا وَلَمْ يَقْرَأْ لَمْ يَكُنْ مُسِيئًا؛ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ فِيهِمَا شُرِعَتْ عَلَى سَبِيلِ الذِّكْرِ وَالثَّنَاءِ حَتَّى قَالُوا: يَنْوِي بِهَا الذِّكْرَ وَالثَّنَاءَ دُونَ الْقِرَاءَةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ شُرِعَتْ الْمُخَافَتَةُ فِيهَا فِي سَائِرِ الْأَحْوَالِ وَذَلِكَ يَخْتَصُّ بِالْأَذْكَارِ وَلِذَا تَعَيَّنَتْ الْفَاتِحَةُ لِلْقِرَاءَةِ؛ لِأَنَّهَا كُلَّهَا ذِكْرٌ وَثَنَاءٌ، وَإِنْ سَكَتَ فِيهِمَا عَمْدًا يَكُونُ مُسِيئًا؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ السُّنَّةَ، وَإِنْ كَانَ سَاهِيًا لَمْ يَلْزَمْهُ سُجُودُ السَّهْوِ، وَفِي الْبَدَائِعِ إنَّ التَّخْيِيرَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَهُوَ مِمَّا لَا يُدْرَكُ بِالرَّأْيِ فَهُوَ كَالْمَرْفُوعِ، وَهُوَ الصَّارِفُ لِلْمُوَاظَبَةِ عَنْ الْوُجُوبِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَتَيْنِ، وَفِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» وَبِهَذَا ظَهَرَ ضَعْفُ مَا فِي الْمُحِيطِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُسِيئًا بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ فِيهِمَا لَكِنَّ مُقْتَضَى أَثَرِ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُسِيئًا بِالسُّكُوتِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي الْبَدَائِعِ وَالذَّخِيرَةِ وَالْخَانِيَّةِ، وَإِنْ كَانَ صَاحِبُ الْمُحِيطِ عَلَى خِلَافِهِ، وَاتَّفَقَ الْكُلُّ عَلَى أَنَّ الْقِرَاءَةَ أَفْضَلُ وَلَيْسَ بِمُنَافٍ لِلتَّخْيِيرِ كَالْحَلْقِ مَعَ التَّقْصِيرِ وَصَوْمِ الْمُسَافِرِ فِي رَمَضَانَ إذْ لَا مَانِعَ مِنْ التَّخْيِيرِ بَيْنَ الْفَاضِلِ وَالْأَفْضَلِ وَصَحَّحَ فِي الْمُجْتَبَى أَنَّهُ يَنْوِي الذِّكْرَ وَالثَّنَاءَ مُوَافِقًا لِمَا فِي الْمُحِيطِ وَاسْتَدَلَّ لَهُ فِي الْمَبْسُوطِ، وَفِي الْبَدَائِعِ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ عَائِشَةَ عَنْ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ، فَقَالَتْ: لِيَكُنْ عَلَى وَجْهِ الثَّنَاءِ، وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ فِي الْحَيْضِ أَنَّ الْقُرْآنَ يَخْرُجُ عَنْ الْقُرْآنِيَّةِ بِالْقَصْدِ وَأَنَّ بَعْضَهُمْ لَا يَرَى بِهِ فِي الْفَاتِحَةِ فَيَنْبَغِي كَذَلِكَ هُنَا وَمِنْ الْغَرِيبِ مَا نَقَلَهُ فِي الْمُجْتَبَى عَنْ غَرِيبِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ لَوْ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ بِنِيَّةِ الْقُرْآنِ يَضُمُّ إلَيْهَا السُّورَةَ اهـ. وَكَانَ وَجْهُهُ الْقِيَاسَ عَلَى الْأُولَيَيْنِ وَلَا يَخْفَى عَدَمُ صِحَّتِهِ لِمَا عُهِدَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ مِنْ التَّخْفِيفِ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ اكْتَفَى بِالْفَاتِحَةِ إلَى أَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَيْهَا عَلَى أَنَّهُ سُنَّةٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَيْهَا مُبَاحَةٌ لِمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ قَدْرَ ثَلَاثِينَ آيَةً، وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ قَدْرَ خَمْسَةَ عَشَرَ آيَةً أَوْ قَالَ نِصْفُ ذَلِكَ» ، وَلِهَذَا قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَتَبِعَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّ السُّورَةَ مَشْرُوعَةٌ نَفْلًا فِي الْأُخْرَيَيْنِ حَتَّى لَوْ قَرَأَهَا فِي الْأُخْرَيَيْنِ سَاهِيًا لَمْ يَلْزَمْهُ السُّجُودُ، وَفِي الذَّخِيرَةِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ، وَفِي الْمُحِيطِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَإِنْ كَانَ الْأَوْلَى الِاكْتِفَاءَ بِهَا لِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ السَّابِقِ وَيُحْمَلُ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ عَلَى تَعْلِيمِ الْجَوَازِ وَيُحْمَلُ مَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ مَعْزِيًّا إلَى الِاخْتِيَارِ مِنْ كَرَاهَةِ الزِّيَادَةِ عَلَى   [منحة الخالق] قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ وَالتَّسْبِيحِ وَالسُّكُوتِ وَهَذَا جَوَابُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِمَا رَوَيْنَا عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ إلَخْ وَعِبَارَةُ الذَّخِيرَةِ: وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ هُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَرَأَ، وَإِنْ شَاءَ سَبَّحَ، وَإِنْ شَاءَ سَكَتَ، ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ تَرَكَ الْقِرَاءَةَ وَالتَّسْبِيحَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ حَرَجٌ وَلَا سَجْدَتَا سَهْوٍ، وَإِنْ كَانَ سَاهِيًا لَكِنَّ الْقِرَاءَةَ أَفْضَلُ هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الرِّوَايَاتِ كَذَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ اهـ. عِبَارَةُ قَاضِي خَانْ فِي سُجُودِ السَّهْوِ: وَلَوْ لَمْ يَقْرَأْ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي وَلَمْ يُسَبِّحْ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا حَرَجَ عَلَيْهِ فِي الْعَمْدِ وَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ فِي السَّهْوِ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ اهـ. إنَّمَا نَقَلْنَا عِبَارَاتِهِمْ بِنُصُوصِهَا لِيَتَّضِحَ كَلَامُ الْمُؤَلِّفِ فَإِنَّهُ مَحَلُّ اشْتِبَاهٍ. (قَوْلُهُ وَفِي الْمُحِيطِ إلَخْ) حَاصِلُهُ: أَنَّ السُّنَّةَ مُطْلَقُ الذِّكْرِ لَكِنَّ كَوْنَهُ بِالْفَاتِحَةِ أَفْضَلُ فَلَوْ سَبَّحَ لَا يُكْرَهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ سَكَتَ فَصَارَ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْقِرَاءَةِ وَالتَّسْبِيحِ لَا بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ السُّكُوتِ بَلْ السُّكُوتُ مَكْرُوهٌ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْخِيَارَ بَيْنَ الْأُولَيْنِ فَقَطْ عَلَى مَا فِي الْمُحِيطِ وَبَيْنَ الثَّلَاثَةِ عَلَى مَا فِي غَيْرِهِ فَيُكْرَهُ السُّكُوتُ عَلَى الْأَوَّلِ لَا عَلَى الثَّانِي، وَالثَّانِي هُوَ الصَّحِيحُ الْمُعْتَمَدُ وَعَلَى كُلٍّ فَلَيْسَ تَعْيِينُ الْقِرَاءَةِ هُوَ السُّنَّةُ، وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ السُّكُوتُ مَكْرُوهًا عَلَى الْأَوَّلِ كَانَتْ الْقِرَاءَةُ سُنَّةً بِالنَّظَرِ إلَى السُّكُوتِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقْرَأْ وَسَكَتَ يُكْرَهُ لِتَرْكِ السُّنَّةِ، وَلَمَّا كَانَ غَيْرَ مَكْرُوهٍ عَلَى الثَّانِي لَمْ تَكُنْ الْقِرَاءَةُ سُنَّةً بَلْ هِيَ أَفْضَلُ عَلَى الْأَوَّلِ بِالنَّظَرِ إلَى التَّسْبِيحِ فَلِذَا اتَّفَقَ الْكُلُّ عَلَى أَنَّ الْقِرَاءَةَ أَفْضَلُ كَمَا سَيَأْتِي. (قَوْلُهُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ شُرِعَتْ الْمُخَافَتَةُ فِيهَا) أَيْ فِي الْقِرَاءَةِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ رَمْلِيٌّ (قَوْلُهُ لَكِنَّ مُقْتَضَى أَثَرِ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ اسْتِدْرَاكٌ عَلَى تَضْعِيفِ كَلَامِ الْمُحِيطِ بِأَنَّ مُقْتَضَى أَثَرِ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُسِيئًا بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ فِيهِمَا كَمَا قَالَهُ فِي الْمُحِيطِ وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُسِيئًا بِالسُّكُوتِ لِعِلْمِ عَدَمِ الْإِسَاءَةِ بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ بِالْأَوْلَى وَلِيُشِيرَ إلَى مُخَالَفَتِهِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَقَطْ لِكَلَامِ الْمُحِيطِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ صَاحِبَ الْبَحْرِ اخْتَارَ التَّخْيِيرَ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ لِلْأَثَرِ الْوَارِدِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَيُحْمَلُ مَا فِي السِّرَاجِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: لَا يَخْفَى مَا بَيْنَ دَعْوَى الْإِبَاحَةِ وَأَنَّ التَّرْكَ أَوْلَى مِنْ التَّنَافِي إذْ الْمُبَاحُ مَا اسْتَوَى طَرَفَاهُ وَالْمَنْدُوبُ مَا تَرَجَّحَ فِعْلُهُ عَلَى تَرْكِهِ أَقُولُ:: الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ الْبَحْرِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِبَاحَةِ الْحِلُّ لِاسْتِدْلَالِهِ بِالْحَدِيثِ وَقَوْلُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ أَنَّ السُّورَةَ مَشْرُوعَةٌ نَفْلًا تَأَمَّلْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 345 الْفَاتِحَةِ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ الَّتِي مَرْجِعُهَا إلَى خِلَافِ الْأَوْلَى وَقَيَّدْنَا بِالْفَرَائِضِ؛ لِأَنَّ النَّفَلَ الْوَاجِبَ تَجِبُ الْقِرَاءَةُ فِي جَمِيعِ الرَّكَعَاتِ بِالْفَاتِحَةِ وَالسُّورَةِ كَمَا سَيَأْتِي وَأَشَارَ أَيْضًا إلَى أَنَّهُ لَا يَأْتِي بِالثَّنَاءِ وَالتَّعَوُّذِ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي مِنْ الْفَرَائِضِ، وَالْوَاجِبُ كَالْفَرْضِ فِي هَذَا، بِخِلَافِ النَّوَافِلِ سُنَّةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَهَا، فَإِنَّهُ يَأْتِي بِالثَّنَاءِ وَالتَّعَوُّذِ فِيهِ كَالْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ كُلَّ شَفْعٍ صَلَاةٌ عَلَى حِدَةٍ وَلِذَا يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْقُعُودِ الْأَوَّلِ، وَاسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ فِي الْمُجْتَبَى الْأَرْبَعَ قَبْلَ الظُّهْرِ وَالْجُمُعَةِ وَبَعْدَهَا فَإِنَّهَا صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ كَالْفَرْضِ لَكِنْ هُوَ مُسَلَّمٌ فِي الْأَرْبَعِ قَبْلَ الظُّهْرِ لِمَا صَرَّحُوا بِهِ مِنْ أَنَّهُ لَا تَبْطُلُ شُفْعَةُ الشَّفِيعِ بِالِانْتِقَالِ إلَى الشَّفْعِ الثَّانِي مِنْهَا، وَلَوْ أَفْسَدَهَا قَضَى أَرْبَعًا وَالْأَرْبَعُ قَبْلَ الْجُمُعَةِ بِمَنْزِلَتِهَا، وَأَمَّا الْأَرْبَعُ بَعْدَ الْجُمُعَةِ فَغَيْرُ مُسَلَّمٍ بَلْ هِيَ كَغَيْرِهَا مِنْ السُّنَنِ فَإِنَّهُمْ لَمْ يُثْبِتُوا لَهَا تِلْكَ الْأَحْكَامَ الْمَذْكُورَةَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ وَالْقُعُودُ الثَّانِي كَالْأَوَّلِ) يَعْنِي فَيَفْتَرِشُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى فَيَجْلِسُ عَلَيْهَا وَيَنْصِبُ الْيُمْنَى كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَهُوَ احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ مِنْ أَنَّهُ يَتَوَرَّكُ فِيهَا، وَفِي خِزَانَةِ الْفِقْهِ لِأَبِي اللَّيْثِ وَأَكْثَرُ مَا يَقَعُ التَّشَهُّدُ فِي الصَّلَاةِ الْوَاحِدَةِ عَشْرُ مَرَّاتٍ، وَهُوَ أَنْ يُدْرِكَ الْإِمَامَ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ مِنْ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ، ثُمَّ يَتَشَهَّدَ مَعَهُ الثَّانِيَةَ وَعَلَى الْإِمَامِ سَهْوٌ فَيَسْجُدَ مَعَهُ وَيَتَشَهَّدَ الثَّالِثَةَ، ثُمَّ يَتَذَكَّرَ الْإِمَامُ أَنَّ عَلَيْهِ سَجْدَةَ تِلَاوَةٍ فَيَسْجُدَ وَيَتَشَهَّدَ مَعَهُ الرَّابِعَةَ، ثُمَّ يَسْجُدَ الْإِمَامُ لِهَذَا السَّهْوِ وَيَتَشَهَّدَ مَعَهُ الْخَامِسَةَ، ثُمَّ إذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ قَامَ الْمَأْمُومُ وَصَلَّى رَكْعَةً وَتَشَهَّدَ السَّادِسَةَ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَةً أُخْرَى وَتَشَهَّدَ السَّابِعَةَ، وَقَدْ كَانَ سَهَا فِيمَا يَقْضِي فَسَجَدَ لِلسَّهْوِ وَتَشَهَّدَ الثَّامِنَةَ، ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّهُ قَرَأَ آيَةَ سَجْدَةٍ فِيمَا يَقْضِي فَسَجَدَ وَتَشَهَّدَ التَّاسِعَةَ، ثُمَّ سَجَدَ لِهَذَا السَّهْوِ وَتَشَهَّدَ الْعَاشِرَةَ اهـ. مُرَادُهُ مِنْ التَّشَهُّدِ بَعْدَ سُجُودِ التِّلَاوَةِ تَشَهُّدُ الصَّلَاةِ فِي الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ؛ لِأَنَّ الْعَوْدَ إلَى سُجُودِ التِّلَاوَةِ يَرْفَعُ الْقَعْدَةَ كَمَا لَا يَخْفَى وَحِينَئِذٍ يُعِيدُهُ وَيُعِيدُ سُجُودَ السَّهْوِ لِبُطْلَانِهِ بِالْعَوْدِ إلَى سُجُودِ التِّلَاوَةِ (قَوْلُهُ وَتَشَهَّدَ وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ التَّشَهُّدَ وَاجِبٌ وَأَنَّ الصَّلَاةَ سُنَّةٌ وَقَدَّمْنَا دَلِيلَ السُّنِّيَّةِ وَأَنَّ مُوجِبَ الْأَمْرِ فِي الْآيَةِ إنَّمَا هُوَ الِافْتِرَاضُ فِي الْعُمْرِ مَرَّةً؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ وَهَذَا بِلَا خِلَافٍ، وَإِنَّمَا وَقَعَ الْخِلَافُ بَيْنَ الطَّحَاوِيِّ وَالْكَرْخِيِّ فِي وُجُوبِهَا كُلَّمَا سَمِعَ ذِكْرَهُ مِنْ غَيْرِهِ أَوْ مِنْ نَفْسِهِ الْمُوجِبِ لِلتَّفْسِيقِ بِالتَّرْكِ لَا فِي الِافْتِرَاضِ فَاخْتَارَ الطَّحَاوِيُّ تَكْرَارَ الْوُجُوبِ وَصَحَّحَهُ فِي التُّحْفَةِ وَالْمُحِيطِ وَاخْتَلَفَ عَلَى قَوْلِهِ أَنَّهُ لَوْ تَكَرَّرَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ هَلْ يَتَدَاخَلُ الْوُجُوبُ فَيَكْفِيه صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ أَوْ يَتَكَرَّرُ الْوُجُوبُ مِنْ غَيْرِ تَدَاخُلٍ؟ صَحَّحَ فِي الْكَافِي مِنْ بَابِ سُجُودِ التِّلَاوَةِ الْأَوَّلَ وَأَنَّ الزَّائِدَ نَدْبٌ، وَكَذَا التَّشْمِيتُ وَصَحَّحَ فِي الْمُجْتَبَى الثَّانِيَ وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ تَكْرَارِ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى فِي مَجْلِسٍ حَيْثُ يَكْفِي ثَنَاءٌ وَاحِدٌ. قَالَ وَلَوْ تَرَكَهُ لَا يَبْقَى عَلَيْهِ دَيْنًا، بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا تَصِيرُ دَيْنًا بِأَنَّ كُلَّ وَقْتٍ أَدَاءٌ لِلثَّنَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ تَجَدُّدِ نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ الْمُوجِبَةِ لِلثَّنَاءِ فَلَا يَكُونُ وَقْتًا لِلْقَضَاءِ كَالْفَاتِحَةِ فِي الْأُخْرَيَيْنِ، بِخِلَافِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا الْفَرْقُ لَيْسَ بِظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ الْأَوْقَاتِ، وَإِنْ كَانَتْ وَقْتًا لِلْأَدَاءِ لَكِنْ لَيْسَ مُطَالَبًا بِالْأَدَاءِ؛ لِأَنَّهُ رُخِّصَ لَهُ فِي التَّرْكِ فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ سَمَاعُهُ لِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى سَبَبًا فِي الْوُجُوبِ كَالصَّلَاةِ وَاخْتَارَ الْكَرْخِيُّ اسْتِحْبَابَ التَّكْرَارِ وَرَجَّحَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَقَدَحَ فِي قَوْلِ الطَّحَاوِيِّ بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ، فَإِنْ تَمَّ نَقْلُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَأَكْثَرُ مَا يَقَعُ التَّشَهُّدُ إلَخْ) أَوْصَلَهَا فِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ إلَى ثَمَانِيَةٍ وَسَبْعِينَ بَلْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ كَمَا أَوْضَحْنَاهُ فِيمَا عَلَّقْنَاهُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ ثُمَّ يَسْجُدُ الْإِمَامُ لِهَذَا السَّهْوِ) وَلَا يَكْفِيه الْأَوَّلُ لِأَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ لَا يُعْتَدُّ بِهِ إلَّا إذَا وَقَعَ خَاتَمًا لِأَفْعَالِ الصَّلَاةِ فَيَكُونُ الْأَوَّلُ بَاطِلًا بِعَوْدِهِ إلَى سُجُودِ التِّلَاوَةِ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ فَاخْتَارَ الطَّحَاوِيُّ تَكْرَارَ الْوُجُوبِ) أَيْ عَلَى سَبِيلِ الْكِفَايَةِ كَمَا فِي حَاشِيَةِ الدُّرِّ الْمُخْتَارِ عَنْ الْقَرْمَانِيِّ وَعِبَارَتُهُ اعْلَمْ أَنَّ تَكَرُّرَ وُجُوبِ الصَّلَاةِ عِنْدَ تَكَرُّرِ الذِّكْرِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الطَّحَاوِيِّ مَحْمُولٌ عَلَى وُجُوبِ الْكِفَايَةِ لَا وُجُوبِ الْعَيْنِيِّ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الْقَرْمَانِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى مُقَدِّمَةِ أَبِي اللَّيْثِ لَمَّا عَدَّ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ فَقَالَ ثُمَّ إنَّ كَوْنَهَا مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ يُخْرَجُ عَلَى قَوْلِ الطَّحَاوِيِّ يَعْنِي إذَا ذُكِرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُفْتَرَضُ عَلَيْهِمْ أَنْ يُصَلُّوا فَإِذَا صَلَّى عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ يَسْقُطُ عَنْ الْبَاقِينَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ، وَهُوَ تَعْظِيمُهُ وَإِظْهَارُ شَرَفِهِ عِنْدَ ذِكْرِ اسْمِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اهـ. فَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ مُرَادَ أَبِي اللَّيْثِ بِالِافْتِرَاضِ الْوُجُوبُ لِلْعِلْمِ بِأَنَّ الطَّحَاوِيَّ لَمْ يَقُلْ بِالِافْتِرَاضِ وَإِنَّمَا قَالَ بِالْوُجُوبِ الْمُصْطَلَحِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَحْرِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَهَذَا الْفَرْقُ لَيْسَ بِظَاهِرٍ) قَالَ فِي النَّهْرِ بَعْدَ نَقْلِهِ عَنْ الْفَتْحِ وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ كُلُّ وَقْتٍ مَحَلًّا إلَّا أَنَّ مَحَلِّيَّتَهُ فِي تَفْرِيغِ ذِمَّتِهِ بِالْقَضَاءِ أَوْلَى مِنْهُ بِغَيْرِهِ (وَقَوْلُهُ وَرَجَّحَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ) قَالَ فِي النَّهْرِ قَالَ السَّرَخْسِيُّ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى وَجَعَلَهُ فِي الْمَجْمَعِ قَوْلَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. (تَنْبِيهٌ) يَنْبَغِي أَنْ يَخُصَّ مِنْ قَوْلِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 346 الْإِجْمَاعِ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ تَرَجَّحَ وَإِلَّا فَالْأَوْلَى قَوْلُ الطَّحَاوِيِّ لِلْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِيهَا مِنْ الدُّعَاءِ، بِالرَّغْمِ وَالْإِبْعَادِ وَالشَّقَاءِ وَالْوَصْفِ بِالْبُخْلِ وَالْجَفَاءِ لِمَنْ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ إذَا ذُكِرَ عِنْدَهُ فَإِنَّ الْوَعِيدَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأُمُورِ عَلَى التَّرْكِ مِنْ عَلَامَاتِ الْوُجُوبِ، وَلَعَلَّ السَّرَخْسِيَّ ظَنَّ أَنَّ الطَّحَاوِيَّ قَائِلٌ بِالِافْتِرَاضِ فَرَدَّهُ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ إنَّمَا قَالَ بِالْوُجُوبِ الْمُصْطَلَحِ عَلَيْهِ عِنْدَنَا لِمَا أَنَّ مُسْتَنَدَهُ خَبَرٌ وَاحِدٌ وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ الصَّلَاةَ تَكُونُ فَرْضًا وَوَاجِبًا وَسُنَّةً وَمُسْتَحَبَّةً وَمَكْرُوهَةً، فَالْأَوَّلُ فِي الْعُمْرِ مَرَّةٌ، وَالثَّانِي كُلَّمَا ذُكِرَ عَلَى الصَّحِيحِ، وَالثَّالِثُ فِي الصَّلَاةِ، وَالرَّابِعُ فِي جَمِيعِ أَوْقَاتِ الْإِمْكَانِ وَالْخَامِسُ فِي الصَّلَاةِ فِي غَيْرِ التَّشَهُّدِ فِي الْقُعُودِ الْأَخِيرِ، وَظَهَرَ بِمَا قَرَّرْنَاهُ أَنَّ قَوْلَ الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهَا فَرْضٌ عِنْدَ سَمَاعِ اسْمِهِ كُلَّ مَرَّةٍ وَهَذَا أَصَحُّ اهـ. مَحْمُولٌ عَلَى الْوَاجِبِ كَمَا قَدَّمْنَا وَيُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ الصَّلَاةُ حَرَامًا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ فِي مَسْأَلَةِ مَا إذَا فَتَحَ التَّاجِرُ مَتَاعَهُ وَصَلَّى، وَكَذَا فِي الْفُقَّاعَيْ، وَفِي الْمُجْتَبَى مَعْزِيًّا إلَى خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى نَفْسِهِ، ثُمَّ فِي كَيْفِيَّتِهَا فِي الصَّلَاةِ وَخَارِجِهَا اخْتِلَافٌ، وَاَلَّذِي صَرَّحَ بِهِ ضَابِطُ الْمَذْهَبِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ عَلَى مَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْت عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكَتْ عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ» مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ " فِي الْعَالَمِينَ " وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ حَدِيثًا مَرْفُوعًا، وَنُقِلَ فِي الذَّخِيرَةِ عَنْ مُحَمَّدٍ الصَّلَاةُ الْمَذْكُورَةُ مَعَ تَكْرَارِ إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَهُوَ كَذَلِكَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَفِي إفْصَاحِ ابْنِ هُبَيْرَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ ذَكَرَ الصَّلَاةَ الْمَنْقُولَةَ عَنْهُ مَعَ زِيَادَةِ " فِي الْعَالَمِينَ " وَهِيَ ثَابِتَةٌ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ عِنْدَ مَالِكٍ وَمُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِمْ فَمَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ مَعْزِيًّا إلَى مُنْيَةِ الْمُصَلِّي مِنْ أَنَّهُ لَا يَأْتِي بِهَا ضَعِيفٌ وَمَعْنَى الصَّلَاةِ الرَّحْمَةُ وَإِنَّمَا كَرَّرَ حَرْفَ الْجَرِّ فِي الْآلِ لِلْإِشَارَةِ إلَى تَرَاخِي رُتْبَةِ آلِهِ عَنْهُ، وَاخْتُلِفَ فِيهِمْ: فَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُمْ قَرَابَتُهُ الَّذِينَ حَرُمَتْ الصَّدَقَةُ عَلَيْهِمْ وَصَحَّحَهُ بَعْضُهُمْ وَاخْتَارَ النَّوَوِيُّ أَنَّهُمْ جَمِيعُ الْأُمَّةِ، وَالتَّشْبِيهُ.   [منحة الخالق] الطَّحَاوِيَّ بِوُجُوبِ الصَّلَاةِ كُلَّمَا سَمِعَ اسْمَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ فَإِنَّهُ يَشْتَمِلُ عَلَى ذِكْرِ اسْمِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَتُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ تَحْرِيمًا عَلَى مَا مَرَّ فَضْلًا عَنْ الْوُجُوبِ وَيَلْزَمُ عَلَى قَوْلِهِ أَنَّ الصَّلَاةَ فِي قُعُودِ التَّشَهُّدِ الثَّانِي وَاجِبَةٌ وَلَا يُنَافِيه مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْوَاجِبَ إلَى " عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ " لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ التَّشَهُّدُ وَهَذَا مِنْ حَيْثُ الصَّلَاةُ وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ. اهـ. وَقَدْ يُجَابُ عَنْ اللُّزُومِ بِأَنَّ الْوُجُوبَ مُخَصَّصٌ بِغَيْرِ الذَّاكِرِ لِحَدِيثِ «مَنْ ذُكِرْت عِنْدَهُ» كَمَا فِي دُرَرِ الْبِحَارِ مُشِيرًا إلَى الْجَوَابِ عَمَّا أَوْرَدَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ عَلَى الطَّحَاوِيِّ بِأَنَّ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا تَخْلُو عَنْ ذِكْرِهِ فَلَوْ وَجَبَتْ كُلَّمَا ذُكِرَ، لَمْ يُوجَدْ فَرَاغٌ مِنْهَا مُدَّةً مِنْ الْعُمُرِ كَمَا نَقَلَهُ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ لَكِنْ قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ إنَّ مَا فِي دُرَرِ الْبِحَارِ غَرِيبٌ مُصَادِمٌ لِسَائِرِ عِبَارَاتِهِمْ، وَيُجَابُ عَمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ بِأَنَّ الْمَسْكُوتَ عَنْهُ مُسَاوٍ لِلْمَنْطُوقِ وَهَذَا لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْمَقْصُودُ التَّعْظِيمَ لَا يَفْتَرِقُ الْحَالُ بَيْنَ الذِّكْرِ مِنْهُ وَالذِّكْرِ عِنْدَهُ فَيَكُونُ الْأَوَّلُ مُلْحَقًا بِالثَّانِي دَلَالَةً نَحْوُ {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى} [النساء: 10] اهـ. وَالْجَوَابُ عَمَّا أَوْرَدَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ أَنَّ ذَلِكَ مُخَصَّصٌ عَقْلًا لِأَنَّ التَّسَلْسُلَ مُحَالٌ لِذَاتِهِ وَالتَّكْلِيفُ بِالْمُحَالِ لِذَاتِهِ مُمْتَنِعٌ عَقْلًا إجْمَاعًا، وَفِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ، وَقَدْ وَافَقَ الطَّحَاوِيَّ فِي الْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ الْحَلِيمِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَاللَّخْمِيُّ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ وَابْنُ بَطَّةَ مِنْ الْحَنَابِلَةِ ذَكَرَ الْفَاكِهِيُّ فِي كِتَابِهِ الْفَجْرِ الْمُنِيرِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ حَدِيثَ «الْبَخِيلُ مَنْ ذُكِرْت عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ» ثُمَّ قَالَ وَهَذَا يُقَوِّي قَوْلَ مَنْ يَقُولُ بِالْوُجُوبِ كُلَّمَا ذُكِرَ، وَهُوَ الَّذِي إلَيْهِ أَمِيلُ. (قَوْلُهُ فَالْأَوَّلُ فِي الْعُمْرِ مَرَّةً) قَالَ فِي النَّهْرِ وَعَلَى هَذَا لَوْ صَلَّى فِي أَوَّلِ بُلُوغِهِ صَلَاةً أَجْزَأَتْهُ الصَّلَاةُ فِي تَشَهُّدِهِ عَنْ الْفَرْضِ وَوَقَعَتْ فَرْضًا وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَى هَذَا، وَقَدْ مَرَّ نَظِيرُهُ فِي الِابْتِدَاءِ بِغَسْلِ الْيَدَيْنِ اهـ. أَقُولُ: نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الذَّخِيرَةِ وَنَصُّهُ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْإِنْسَانِ فِي الْعُمْرِ مَرَّةً إنْ شَاءَ جَعَلَهَا فِي الصَّلَاةِ أَوْ غَيْرِهَا (قَوْلُهُ مَعَ زِيَادَةِ فِي الْعَالَمِينَ) أَيْ بَعْدَ قَوْلِهِ كَمَا بَارَكْت عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ لِابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ، ثُمَّ قَالَ: وَفِي نُسْخَةٍ مِنْ الْإِفْصَاحِ أَيْ إفْصَاحِ ابْنِ هُبَيْرَةَ زِيَادَةُ " فِي الْعَالَمِينَ " بَعْدَ " كَمَا صَلَّيْت " أَيْضًا وَهِيَ مَذْكُورَةٌ فِي بَعْضِ أَحَادِيثِ هَذَا الْبَابِ لَكِنْ لَا يَحْضُرُنِي الْآنَ مَنْ رَوَاهَا مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَا مَنْ خَرَّجَهَا مِنْ الْحُفَّاظِ وَلَا ثُبُوتُهَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ اهـ. (قَوْلُهُ وَالتَّشْبِيهُ فِي قَوْلِهِ كَمَا صَلَّيْت إلَى قَوْلِهِ وَسَمَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى أَبًا لِلْمُسْلِمِينَ) قَالَ الشَّيْخُ خَيْرُ الدِّينِ قَالَ التِّلِمْسَانِيُّ فِي شَرْحِ الشِّفَاءِ قَدْ اشْتَهَرَ بَيْنَ الْمُتَأَخِّرِينَ سُؤَالٌ فِي الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَوْلِهِ كَمَا صَلَّيْت عَلَى إبْرَاهِيمَ، وَهُوَ أَنَّ الْمُشَبَّهَ دُونَ الْمُشَبَّهِ بِهِ فَكَيْفَ تَطْلُبُ صَلَاةً عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تُشْبِهُ الصَّلَاةَ عَلَى إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَذُكِرَ فِي ذَلِكَ خَمْسَةُ أَوْجُهٍ: قِيلَ: إنَّ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ إبْرَاهِيمَ وَقِيلَ: سَأَلَ صَلَاةً يَتَّخِذُهُ بِهَا خَلِيلًا كَمَا اتَّخَذَ إبْرَاهِيمَ خَلِيلًا وَقِيلَ: أَرَادَ الْمُشَابَهَةَ فِي أَصْلِ الصَّلَاةِ لَا فِي قَدْرِهَا كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ} [البقرة: 183] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 347 فِي قَوْلِهِ كَمَا صَلَّيْت إمَّا رَاجِعٌ لِآلِ مُحَمَّدٍ وَإِمَّا لِأَنَّ الْمُشَبَّهَ بِهِ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ أَعْلَى مِنْ الْمُشَبَّهِ أَوْ مُسَاوِيًا بَلْ قَدْ يَكُونُ أَدْنَى مِثْلَ قَوْله تَعَالَى {مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ} [النور: 35] وَسَبَبُ وُقُوعِهِ كَوْنُ الْمُشَبَّهِ بِهِ مَشْهُورًا فَهُوَ مِنْ بَابِ إلْحَاقِ غَيْرِ الْمَشْهُورِ بِالْمَشْهُورِ لَا النَّاقِصِ بِالْكَامِلِ وَالْوَاقِعُ أَنَّ الْقَدْرَ الْحَاصِلَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَآلِهِ أَزْيَدُ مِمَّا حَصَلَ لِغَيْرِهِ وَالنُّكْتَةُ فِي تَخْصِيصِ سَيِّدِنَا إبْرَاهِيمَ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ إمَّا لِسَلَامِهِ عَلَى أُمَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ أَوْ لِدُعَائِهِ بِقَوْلِهِ: رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ، أَوْ لِأَنَّهُ سَمَّانَا الْمُسْلِمِينَ وَسَمَّاهُ اللَّهُ أَبًا لِلْمُسْلِمِينَ وَحَسُنَ الْخَتْمُ بِ " إنَّكَ " حَمِيدٌ مَجِيدٌ؛ لِأَنَّ الدَّاعِيَ يُشْرَعُ لَهُ أَنْ يَخْتِمَ دُعَاءَهُ بِاسْمٍ مِنْ الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى مُنَاسِبٍ لِلْمَطْلُوبِ كَمَا عُلِمَ مِنْ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ، وَالصَّلَاةُ وَالتَّبْرِيكُ عَلَيْهِ يَشْتَمِلُ عَلَى الْحَمْدِ وَالْمَجْدِ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى ثَنَاءِ اللَّهِ وَتَكْرِيمِهِ وَرَفْعِ الذِّكْرِ لَهُ فَكَأَنَّ الْمُصَلِّيَ يَطْلُبُ مِنْ اللَّهِ أَنْ يَزِيدَهُ فِي حَمْدِهِ وَمَجْدِهِ فَنَاسَبَ أَنْ يَخْتِمَ بِهَذَيْنِ الِاسْمَيْنِ وَالْحِكْمَةُ فِي أَنَّ الْعَبْدَ يَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُصَلِّيَ وَلَا يُصَلِّيَ بِنَفْسِهِ مَعَ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالصَّلَاةِ: قُصُورُهُ عَنْ الْقِيَامِ بِهَذَا الْحَقِّ كَمَا يَنْبَغِي، فَالْمُرَادُ مِنْ الصَّلَاةِ فِي الْآيَةِ سُؤَالُهَا فَالْمُصَلِّي فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى وَنِسْبَتُهَا إلَى الْعَبْدِ مَجَازٌ، وَفِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَرُوِيَ عَنْ بَعْضِ الْمَشَايِخِ أَنَّهُ قَالَ: وَلَا يَقُولُ ارْحَمْ مُحَمَّدًا وَأَكْثَرُ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّهُ يَقُولُهُ لِلتَّوَارُثِ اهـ. قَالَ السَّرَخْسِيُّ لَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْأَثَرَ وَرَدَ بِهِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَلِأَنَّ أَحَدًا وَإِنْ جَلَّ قَدْرُهُ لَا يَسْتَغْنِي عَنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَصَحَّحَهُ الشَّارِحُ وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الْجَوَازِ وَعَدَمِهِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا يُقَالُ مَضْمُومًا إلَى الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ كَمَا أَفَادَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ حَجَرٍ فَلِذَا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُقَالُ ابْتِدَاءً رَحْمَةُ اللَّهِ، وَمِنْ الْعَجِيبِ مَا وَقَعَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ فِي آخِرِ بَابِ الْوِتْرِ وَالتَّرَاوِيحِ حَيْثُ قَالَ: وَإِذَا صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْقُنُوتِ قَالُوا لَا يُصَلِّي فِي الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ، وَكَذَا لَوْ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى سَاهِيًا لَا يُصَلِّي فِي الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ اهـ. وَكَانَ وَجْهُهُ أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ لَا تَتَكَرَّرُ فَإِذَا أَتَى بِهَا مَرَّةً، وَلَوْ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا لَا تُعَادُ لَكِنَّ هَذَا فِي الثَّانِي مُمْكِنٌ، وَأَمَّا فِي الْقُنُوتِ فَالصَّلَاةُ آخِرَهُ مَشْرُوعَةٌ كَمَا سَيَأْتِي فَالْحَقُّ خِلَافُهُ، وَأَعْجَبُ مِنْ هَذَا مَا فِي الْمُجْتَبَى: مِنْ أَنَّهُ إذَا شَرَعَ فِي التَّشَهُّدِ وَلَمْ يُتِمَّهُ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ   [منحة الخالق] الْآيَةَ وَقِيلَ: عَلَى ظَاهِرِهِ وَالْمُرَادُ اجْعَلْ لِمُحَمَّدٍ وَآلِهِ صَلَاةً بِمِقْدَارِ الصَّلَاةِ لِإِبْرَاهِيمَ وَآلِهِ فَالْمَسْئُولُ مُقَابَلَةُ الْجُمْلَةِ بِالْجُمْلَةِ لِأَنَّ الْمُخْتَارَ مِنْ الْقَوْلِ فِي الْآلِ أَنَّهُمْ جَمِيعُ الْأَنْبِيَاءِ فَيَدْخُلُ فِي آلِ إبْرَاهِيمَ خَلَائِقُ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَلَا يَدْخُلُ فِي آلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَبِيٌّ فَطَلَبَ إلْحَاقَ هَذِهِ الْجُمْلَةِ الَّتِي فِيهَا نَبِيٌّ وَاحِدٌ بِتِلْكَ الْجُمْلَةِ الَّتِي فِيهَا خَلَائِقُ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، وَقِيلَ: إنَّ التَّشْبِيهَ وَقَعَ عَلَى الْآلِ لَا عَلَى النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَكَانَ قَوْلُهُ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ مَقْطُوعًا مِنْ التَّشْبِيهِ وَتَمَّ الْكَلَامُ عِنْدَهُ وَقَوْلُهُ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ كَمَا صَلَّيْت عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ اهـ. وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِلنَّوَوِيِّ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَأَلَ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ وَلِأَهْلِ بَيْتِهِ لِتَتِمَّ النِّعْمَةُ عَلَيْهِمْ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى إبْرَاهِيمَ وَآلِهِ وَقِيلَ سَأَلَ ذَلِكَ لِأُمَّتِهِ وَقِيلَ بَلْ لِيَبْقَى ذَلِكَ لَهُ دَائِمًا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَيَجْعَلَ لَهُ بِهِ لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ كَإِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَفِي الْمَوَاهِبِ اللَّدُنْيَّةِ بَعْدَ أَنْ أَسْهَبَ فِي الْأَجْوِبَةِ قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ بَعْدَ أَنْ زَيَّفَ أَكْثَرَ الْأَجْوِبَةِ إلَّا تَشْبِيهَ الْمَجْمُوعِ بِالْمَجْمُوعِ: وَأَحْسَنُ مِنْهُ أَنْ يُقَالَ هُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ آلِ إبْرَاهِيمَ، وَقَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ} [آل عمران: 33] قَالَ: مُحَمَّدٌ مِنْ آلِ إبْرَاهِيمَ فَكَأَنَّهُ أَمَرَنَا أَنْ نُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ خُصُوصًا بِقَدْرِ مَا صَلَّيْنَا عَلَيْهِ مَعَ إبْرَاهِيمَ وَآلِ إبْرَاهِيمَ عُمُومًا، فَيَحْصُلُ لِآلِهِ مَا يَلِيقُ بِهِمْ وَيَبْقَى الْبَاقِي كُلُّهُ لَهُ وَذَلِكَ الْقَدْرُ أَزْيَدُ مِمَّا لِغَيْرِهِ مِنْ آلِ إبْرَاهِيمَ وَتَظْهَرُ حِينَئِذٍ فَائِدَةُ التَّشْبِيهِ وَأَنَّ الْمَطْلُوبَ لَهُ بِهَذَا اللَّفْظِ أَفْضَلُ مِنْ الْمَطْلُوبِ بِغَيْرِهِ مِنْ الْأَلْفَاظِ اهـ وَإِذَا أَرَدْت الْمَزِيدَ مِنْ ذَلِكَ فَرَاجِعِ الْمَوَاهِبَ الْمَذْكُورَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الْجَوَازِ وَعَدَمِهِ إنَّمَا هُوَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: عِبَارَةُ الشَّارِحِ فِي آخِرِ الْكِتَابِ تَقْتَضِي أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْكُلِّ وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ: اخْتَلَفُوا فِي التَّرَحُّمِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ ارْحَمْ مُحَمَّدًا قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّعْظِيمِ كَالصَّلَاةِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَجُوزُ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ مِنْ أَشْوَقِ الْعِبَادِ إلَى مَزِيدٍ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَاخْتَارَهُ السَّرَخْسِيُّ لِوُرُودِهِ فِي الْأَثَرِ وَلَا عَتَبَ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ، وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَأَنَا أَقُولُ: ارْحَمْ مُحَمَّدًا لِلتَّوَارُثِ فِي بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، وَاسْتَدَلَّ بَعْضُهُمْ عَلَى ذَلِكَ بِتَفْسِيرِهِمْ الصَّلَاةَ بِالرَّحْمَةِ وَاللَّفْظَانِ إذَا اسْتَوَيَا فِي الدَّلَالَةِ صَحَّ قِيَامُ أَحَدِهِمَا مَقَامَ الْآخَرِ وَلِذَا أَقَرَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْأَعْرَابِيَّ عَلَى قَوْلِهِ اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي وَمُحَمَّدًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 348 ؛ لِأَنَّهُ صَارَ فَرْضًا عَلَيْهِ بِالشُّرُوعِ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ الصِّحَّةَ وَعِنْدِي فِي صِحَّتِهِ عَنْ مُحَمَّدٍ بُعْدٌ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ فِي كُلِّ وَاجِبٍ شَرَعَ فِيهِ وَلَمْ يُتِمَّهُ كَالْفَاتِحَةِ، وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ التَّشَهُّدَ وَالصَّلَاةَ فَشَمِلَ الْمَسْبُوقَ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ فِي التَّشَهُّدِ كَغَيْرِهِ وَأَمَّا فِي الصَّلَاةِ وَالدُّعَاءِ فَاخْتَلَفُوا عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ اخْتَارَ ابْنُ شُجَاعٍ تَكْرَارَ التَّشَهُّدِ وَأَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ السُّكُوتَ وَصَحَّحَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ أَنَّهُ يَتَرَسَّلُ فِي التَّشَهُّدِ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهُ عِنْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ، وَصَحَّحَ صَاحِبُ الْمَبْسُوطِ أَنَّهُ يَأْتِي بِالصَّلَاةِ وَالدُّعَاءِ مُتَابَعَةً لِلْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الْمُصَلِّيَ لَا يَشْتَغِلُ بِالدُّعَاءِ فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَأْخِيرِ الْأَرْكَانِ وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يُوجَدُ هُنَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَقُومَ قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ وَيَنْبَغِي الْإِفْتَاءُ بِمَا فِي الْفَتَاوَى كَمَا لَا يَخْفَى، وَفِي عُمْدَةِ الْفَتَاوَى لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ الْإِمَامُ إذَا تَكَلَّمَ وَالْمُقْتَدِي بَعْدُ لَمْ يَقْرَأْ التَّشَهُّدَ قَرَأَ، وَإِنْ أَحْدَثَ الْإِمَامُ لَمْ يَقْرَأْ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ بِمَنْزِلَةِ السَّلَامِ وَالْإِمَامُ إذَا سَلَّمَ وَالْمُقْتَدِي لَمْ يَقْرَأْ التَّشَهُّدَ يَقْرَأُ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَبْقَى الْمُقْتَدِي فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبْقَى بَعْدَ حَدَثِ الْإِمَامِ عَمْدًا. (قَوْلُهُ وَدَعَا بِمَا يُشْبِهُ أَلْفَاظَ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ لَا كَلَامَ النَّاسِ) أَيْ بِالدُّعَاءِ الْمَوْجُودِ فِي الْقُرْآنِ وَلَمْ يُرِدْ حَقِيقَةَ الْمُشَابَهَةِ إذْ الْقُرْآنُ مُعْجِزٌ لَا يُشَابِهُهُ شَيْءٌ وَلَكِنْ أَطْلَقَهَا لِإِرَادَتِهِ نَفْسَ الدُّعَاءِ لَا قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ مِثْلَ {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا} [البقرة: 286] {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا} [آل عمران: 8] {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ} [نوح: 28] {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً} [البقرة: 201] إلَى آخِرِ كُلٍّ مِنْ الْآيَاتِ، وَقَوْلُهُ: وَالسُّنَّةُ، يَجُوزُ نَصْبُهُ عَطْفًا عَلَى أَلْفَاظٍ أَيْ دَعَا بِمَا يُشْبِهُ أَلْفَاظَ السُّنَّةِ وَهِيَ الْأَدْعِيَةُ الْمَأْثُورَةُ وَمِنْ أَحْسَنِهَا مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ» وَيَجُوزُ جَرُّهُ عَطْفًا عَلَى الْقُرْآنِ أَوْ مَا أَيْ دَعَا بِمَا يُشْبِهُ أَلْفَاظَ السُّنَّةِ أَوْ دَعَا بِالسُّنَّةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الدُّعَاءَ آخِرَهَا سُنَّةٌ لِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ «، ثُمَّ لِيَتَخَيَّرْ أَحَدُكُمْ مِنْ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ إلَيْهِ فَيَدْعُوَ بِهِ» وَلَفْظُ مُسْلِمٍ «، ثُمَّ لِيَتَخَيَّرْ مِنْ الْمَسْأَلَةِ مَا شَاءَ» وَلَهُ حَدِيثٌ أَيْضًا عِنْدَ أَحْمَدَ، وَإِنْ كَانَ فِي آخِرِهَا «دَعَا يَعْنِي النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ التَّشَهُّدِ بِمَا شَاءَ أَنْ يَدْعُوَ، ثُمَّ يُسَلِّمُ» وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ «قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الدُّعَاءِ أَسْمَعُ؟ قَالَ: جَوْفَ اللَّيْلِ الْأَخِيرِ وَدُبُرَ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَالدُّبُرُ يُطْلَقُ عَلَى مَا قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْهَا أَيْ الْوَقْتِ الَّذِي يَلِيه وَقْتُ الْخُرُوجِ مِنْهَا وَيُرَادُ بِهِ وَرَاءَهُ وَعَقِبَهُ أَيْ الْوَقْتَ الَّذِي يَلِيه وَقْتُ الْخُرُوجِ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْ الْوَقْتَيْنِ أَوْفَقُ لِاسْتِمَاعِ الدُّعَاءِ فِيهِ أَوْلَى بِاسْتِحْبَابِهِ وَأَطْلَقَ فِي الْمَدْعُوِّ لَهُ وَلَمْ يَخُصَّهُ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ أَنْ لَا يَخُصَّ الْمُصَلِّي نَفْسَهُ بِالدُّعَاءِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [محمد: 19] وَلِلْحَدِيثِ «مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَدْعُ فِيهَا لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ فَهِيَ خِدَاجٌ» ، ثُمَّ ظَاهِرُ النُّصُوصِ وَمِنْ جُمْلَتِهَا التَّشَهُّدُ فِي الصَّلَاةِ اسْتِحْبَابُ تَقْدِيمِ نَفْسِهِ فِي الدُّعَاءِ كَمَا ثَبَتَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا دَعَا بِدُعَاءٍ بَدَأَ بِنَفْسِهِ» ، وَهُوَ مِنْ آدَابِ الدُّعَاءِ وَلِذَا قَالَ فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَيَسْتَغْفِرُ لِنَفْسِهِ وَلِوَالِدَيْهِ إنْ كَانَا مُؤْمِنَيْنِ وَلِجَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِإِيمَانِهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الدُّعَاءُ بِالْمَغْفِرَةِ لِلْمُشْرِكِ وَلَقَدْ بَالَغَ الْقَرَافِيُّ الْمَالِكِيُّ كَمَا نَقَلَهُ فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي بِأَنْ قَالَ إنَّ الدُّعَاءَ بِالْمَغْفِرَةِ لِلْكَافِرِ كُفْرٌ لِطَلَبِهِ تَكْذِيبَ اللَّهِ تَعَالَى فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ، وَقَدْ صَرَّحَ الْمُفَسِّرُونَ بِأَنَّ وَالِدَيْ سَيِّدِنَا نُوحٍ كَانَا مُؤْمِنَيْنِ، ثُمَّ ظَاهِرُ مَا فِي الْمُنْيَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ الدُّعَاءُ بِالْمَغْفِرَةِ لِجَمِيعِ ذُنُوبِهِمْ، وَقَدْ صَرَّحَ الْقَرَافِيُّ بِتَحْرِيمِهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَكْذِيبًا لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمُصَرِّحَةِ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَعْذِيبِ طَائِفَةٍ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ بِالنَّارِ وَخُرُوجِهِمْ مِنْهَا بِشَفَاعَةٍ أَوْ بِغَيْرِ شَفَاعَةٍ، وَدُخُولُهُمْ النَّارَ إنَّمَا هُوَ بِذُنُوبِهِمْ وَلَا يُوجِبُ الْكُفْرَ كَالدُّعَاءِ لِلْمُشْرِكِ بِهَا لِلْفَرْقِ بَيْنَ تَكْذِيبِ الْآحَادِ وَالْقَطْعِيِّ، وَأَمَّا قَوْلُ الدَّاعِي اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ فَيَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ بِالْمَغْفِرَةِ لَهُ: الْمَغْفِرَةَ مِنْ جَمِيعِ الذُّنُوبِ وَأَمَّا لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ: فَإِنْ أَرَادَ الْمَغْفِرَةَ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ وَلَمْ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَقَدْ صَرَّحَ الْقَرَافِيُّ بِتَحْرِيمَتِهِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَنَقَلَهُ الْإِسْنَوِيُّ أَيْضًا عَنْ الشَّيْخِ عِزِّ الدِّينِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ شَيْخِ الْقَرَافِيِّ وَأَقَرَّهُمَا عَلَيْهِ، وَرَدَّهُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ اهـ. وَقَوْلُهُ، وَرَدَّهُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ غَيْرُ صَحِيحٍ لِمَا سَيَأْتِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 349 يُشْرِكْهُمْ فِيمَا طَلَبَهُ لِنَفْسِهِ فَهُوَ جَائِزٌ، وَإِنْ أَرَادَ الْمَغْفِرَةَ لِكُلِّ أَحَدٍ مِنْ جَمِيعِ ذُنُوبِهِ فَهُوَ الْمُحَرَّمُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَتَعَقَّبَهُ الْكَرْمَانِيُّ شَارِحُ الْبُخَارِيِّ وَرَدَّهُ فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَأَطَالَ الْكَلَامَ، وَالْحَقُّ أَنَّهُ يَكُونُ عَاصِيًا بِالدُّعَاءِ لِلْكَافِرِ بِالْمَغْفِرَةِ غَيْرَ عَاصٍ بِالدُّعَاءِ بِالْمَغْفِرَةِ لِجَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ؛ لِأَنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ الْعَفْوِ عَنْ الْمُشْرِكِ عَقْلًا، قِيلَ بِالْجَوَازِ؛ لِأَنَّ الْخُلْفَ فِي الْوَعِيدِ كَرَمٌ فَيَجُوزُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنْ كَانَ الْمُحَقِّقُونَ عَلَى خِلَافِهِ كَمَا ذَكَرَهُ التَّفْتَازَانِيُّ فِي شَرْحِ الْعَقَائِدِ، وَقَدْ قَالَ الْعَلَّامَةُ زَيْنُ الْعَرَبِ فِي شَرْحِ الْمَصَابِيحِ مِنْ بَحْثِ الْإِيمَانِ: لَيْسَ بِحَتْمٍ عِنْدَنَا أَيْ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنْ يَدْخُلَ النَّارَ أَحَدٌ مِنْ الْأُمَّةِ بَلْ الْعَفْوُ عَنْ الْجَمِيعِ مَرْجُوٌّ لِمُوجَبِ قَوْله تَعَالَى {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48] وقَوْله تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} [الزمر: 53] اهـ. فَيَجُوز أَنْ يَطْلُبَ لِلْمُؤْمِنِينَ لِفَرْطِ شَفَقَتِهِ عَلَى إخْوَانِهِ الْأَمْرَ الْجَائِزَ الْوُقُوعِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَاقِعًا، ثُمَّ فِي تَقْدِيمِ الصَّلَاةِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الدُّعَاءِ بَيَانٌ لِلسُّنَّةِ كَمَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الْمَرْوِيِّ فِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِالْحَمْدِ وَالثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ، ثُمَّ بِالصَّلَاةِ عَلَيَّ، ثُمَّ بِالدُّعَاءِ» وَلَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ كَلَامَ النَّاسِ هُنَا وَبَيَّنَهُ فِي الْكَافِي فَقَالَ: وَفَسَّرُوهُ بِمَا لَا يَسْتَحِيلُ سُؤَالُهُ مِنْ الْعِبَادِ نَحْوَ أَعْطِنِي كَذَا وَزَوِّجْنِي امْرَأَةً وَمَا لَا يُشْبِهُ كَلَامَهُمْ مَا يَسْتَحِيلُ سُؤَالُهُ مِنْهُمْ نَحْوَ اغْفِرْ لِي؛ لِأَنَّهُ يَخْتَصُّ بِهِ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا اللَّهُ} [آل عمران: 135] اهـ. وَهَكَذَا ذَكَرَهُ الْجُمْهُورُ، وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْمَغْفِرَةَ كَمَا ذَكَرُوهُ تَخْتَصُّ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَهُمْ فَصَّلُوا فَقَالُوا: لَوْ قَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعَمِّي أَوْ لِخَالِي تَفْسُدُ، ذَكَرَهُ فِي الْخُلَاصَةِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافٍ وَذَكَرَ فِيهَا أَنَّهُ لَوْ قَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ لَا تَفْسُدُ وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا وَحَكَى الْخِلَافَ فِيمَا إذَا قَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِأَخِي قَالَ الْحَلْوَانِيُّ لَا تَفْسُدُ، وَقَالَ ابْنُ الْفَضْلِ تَفْسُدُ وَصَحَّحَ فِي الْمُحِيطِ الْأَوَّلَ، وَوَجْهُهُ: أَنَّهُ مَوْجُودٌ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ حِكَايَةً عَنْ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأَخِي} [الأعراف: 151] ، وَفِي الذَّخِيرَةِ لَوْ قَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِزَيْدٍ أَوْ لِعَمْرٍو تَفْسُدُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَرَدَّهُ فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي) أَيْ لِلْعَلَّامَةِ مُحَمَّدِ بْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ قَالَ الْمَدَارِيُّ فِي حَوَاشِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ: الْحَقُّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ بَعْدَ كَلَامٍ طَوِيلٍ حَيْثُ قَالَ: ثُمَّ يَتَلَخَّصُ مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ أَنَّ الْمَدَارَ فِي جَوَازِ الدُّعَاءِ الْمَذْكُورِ جَوَازُ التَّخْصِيصِ لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ بِوَضْعِهِ اللُّغَوِيِّ مِنْ الْعُمُومِ فِي نُصُوصِ الْوَعِيدِ وَلَا بِدَعَ فِي ذَلِكَ، فَإِنْ قِيلَ: فَيُقَالُ مِثْلُهُ فِي الْوَعْدِ، قُلْنَا: لَا ضَيْرَ فِي الْتِزَامِهِ لِعَدَمِ الْمُوجِبِ لِلْفَرْقِ بَيْنَهُمَا فِي ذَلِكَ وَانْتِفَاءِ الْمَانِعِ مِنْ الْقَوْلِ بِهِ فَإِنَّهُ كَمَا دَخَلَ التَّخْصِيصُ فِي قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 8] بِمَنْ عُفِيَ عَنْهُ تَفَضُّلًا أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ فَلَمْ يَرَ شَرًّا مَعَ عَمَلِهِ لَهُ فَكَذَا دَخَلَ فِي قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: 7] بِمَنْ حَبِطَ عَمَلُهُ بِرَدِّهِ فَلَمْ يَرَ خَيْرًا مَعَ عَمَلِهِ لَهُ، وَحَاشَا اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يُرَادَ بِجَوَازِ الْخُلْفِ فِي الْوَعِيدِ أَنْ لَا يَقَعَ عَذَابُ مَنْ أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى الْإِخْبَارَ بِعَذَابِهِ فَإِنَّهُ مُحَالٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى قَطْعًا كَمَا أَنَّ عَدَمَ وُقُوعِ نَعِيمِ مَنْ أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى الْإِخْبَارَ عَنْهُ بِالنَّعِيمِ مُحَالٌ عَلَيْهِ قَطْعًا، وَكَيْفَ لَا وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلا} [النساء: 122] {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا} [النساء: 87] {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلا} [الأنعام: 115] {لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ} [الأنعام: 115] وَحِينَئِذٍ فَلْيُحْمَلْ قَوْلُ ابْنِ نَبَاتَةَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي إذَا وَعَدَ وَفَّى وَإِذَا أَوْعَدَ تَجَاوَزَ وَعَفَا، عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَعِيدِ صُورَةُ الْعُمُومِ وَبِالْوَعْدِ مَنْ أُرِيدَ بِالْخِطَابِ، ثُمَّ حَيْثُ كَانَ الْمُرَادُ هَذَا فَالْأَوْجَهُ تَرْكُ إطْلَاقِ جَوَازِ الْخُلْفِ فِي الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ دَفْعًا لِإِيهَامِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْهُ هَذَا الْمُحَالُ وَإِنَّمَا وَافَقْنَاهُمْ عَلَى الْإِطْلَاقِ لِشُهْرَةِ الْمَسْأَلَةِ بَيْنَهُمْ بِهَذِهِ التَّرْجَمَةِ وَنَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ مِنْ كُلِّ مَا لَيْسَ فِيهِ رِضَاهُ هَذَا كَلَامُهُ. إذَا عَرَفْت هَذَا فَمَا فِي الشَّرْحِ أَيْ الدُّرِّ الْمُخْتَارِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ الدُّعَاءُ بِالْمَغْفِرَةِ لِكُلِّ الْمُؤْمِنِينَ كُلَّ ذُنُوبِهِمْ تَبَعًا لِلْبَحْرِ غَيْرُ صَحِيحٍ وَلَا يَجُوزُ اعْتِقَادُهُ اهـ. قُلْتُ: وَمَا نَقَلَهُ هُنَا عَنْ ابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ قَدْ رَأَيْته مُلَخَّصًا فِي شَرْحِهِ عَلَى التَّحْرِيرِ الْأُصُولِيِّ لِشَيْخِهِ الْمُحَقِّقِ ابْنِ الْهُمَامِ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ الثَّالِثِ (قَوْلُهُ لَيْسَ بِحَتْمٍ عِنْدَنَا إلَخْ) أَقُولُ: ظَاهِرُ صَدْرِ الْكَلَامِ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ شَرْعًا وَظَاهِرُ قَوْلِهِ آخِرًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَاقِعًا أَنَّهُ جَائِزٌ عَقْلًا لَا شَرْعًا، فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ الثَّانِيَ فَكَيْفَ يَجُوزُ مَا خَالَفَ الشَّرْعَ؟ وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ فَهُوَ مُشْكِلٌ جِدًّا إذْ نَقَلَ غَيْرُ وَاحِدٍ إجْمَاعَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ نُفُوذِ الْوَعِيدِ فِي بَعْضِ الْعُصَاةِ مِنْ الْمُوَحِّدِينَ، وَهُوَ مِمَّا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ، وَلَكِنْ وَقَعَ التَّرَدُّدُ فِي أَنَّهُ هَلْ مِمَّا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ أَنَّ كُلَّ نَوْعٍ مِنْ الْكَبَائِرِ لَا بُدَّ مِنْ عِقَابِ طَائِفَةٍ مِنْ مُرْتَكِبِيهِ أَوْ يَكْفِي فِي أَدَاءِ الْوَاجِبِ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ نَوْعَ الْكَبَائِرِ يُعَذَّبُ طَائِفَةٌ مِنْ مُرْتَكِبِيهَا مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى عُمُومِ أَنْوَاعِهَا وَلَا خُصُوصٍ بَعْضِهَا، فِيهِ تَرَدُّدٌ كَمَا ذَكَرَهُ الْأَبِيُّ وَعِبَارَتُهُ عَلَى مَا فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ لِلْبُرْهَانِ إبْرَاهِيمَ اللَّقَانِيِّ عَلَى جَوْهَرَتِهِ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ نُفُوذِ الْوَعِيدِ فِي طَائِفَةٍ مِنْ الْعُصَاةِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَوَعَّدَهُمْ وَكَلَامُهُ تَعَالَى صَدَقَ فَلَا بُدَّ مِنْ وُقُوعِهِ، ثُمَّ يَبْقَى النَّظَرُ هَلْ الْمُرَادُ طَائِفَةٌ مِنْ جَمِيعِ الْعُصَاةِ أَوْ طَائِفَةٌ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ مِنْهُمْ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَوَعَّدَ كُلَّ صِنْفٍ عَلَى حِدَتِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي هُنَا انْتَهَتْ، ثُمَّ نَقَلَ اللَّقَانِيُّ الْإِجْمَاعَ عَنْ النَّوَوِيِّ أَيْضًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 350 صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ، وَاَلَّذِي ظَهَرَ لِلْعَبْدِ الضَّعِيفِ أَنَّ هَذِهِ الْفُرُوعَ الْمُفَصَّلَةَ فِي الْمَغْفِرَةِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ الَّذِي يُفَسِّرُ مَا لَيْسَ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ بِمَا يَسْتَحِيلُ سُؤَالُهُ مِنْ الْعِبَادِ وَكَانَ فِي الْقُرْآنِ أَوْ فِي السُّنَّةِ أَمَّا عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ وَالْمُقْتَصِرِينَ عَلَى الْأَوَّلِ فَلَا تَفْصِيلَ فِي سُؤَالِ الْمَغْفِرَةِ أَصْلًا فَلَا تَفْسُدُ الصَّلَاةُ بِهِ وَلِذَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذِهِ الْفُرُوعِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا عَنْهَا. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ سَأَلَ مَا يَسْتَحِيلُ سُؤَالُهُ مِنْ الْخَلْقِ لَا تَفْسُدُ إذَا كَانَ فِي الْقُرْآنِ وَكَانَ مَأْثُورًا، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَمْ يُشْتَرَطْ كَوْنُهُ فِي الْقُرْآنِ أَوْ كَوْنُهُ مَأْثُورًا بَلْ قَالَ إنْ كَانَ يَسْتَحِيلُ سُؤَالُهُ مِنْ الْخَلْقِ لَا تَفْسُدُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَسْتَحِيلُ تَفْسُدُ اهـ. بِلَفْظِهِ، فَظَهَرَ أَنَّ التَّفْصِيلَ إنَّمَا هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى غَيْرِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَإِنَّ الْجَامِعَ الصَّغِيرَ مِنْ كُتُبِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بَلْ كُلُّ تَأْلِيفٍ لِمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ مَوْصُوفٌ بِالصَّغِيرِ فَهُوَ بِاتِّفَاقِ الشَّيْخَيْنِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ بِخِلَافِ الْكَبِيرِ فَإِنَّهُ لَمْ يُعْرَضْ عَلَى أَبِي يُوسُفَ لَكِنْ يُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ قَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعَمِّي تَفْسُدُ اتِّفَاقًا إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى اتِّفَاقِ الْمَشَايِخِ الْمَبْنِيِّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَلِهَذَا قَالَ فِي الْمُجْتَبَى، وَفِي أَقْرِبَائِي أَوْ أَعْمَامِي اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ. اهـ. لِأَنَّهُ يُشْكِلُ بِقَوْلِهِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِزَيْدٍ أَوْ لِعَمْرٍو، فَإِنَّ صَاحِبَ الذَّخِيرَةِ قَدْ صَرَّحَ بِالْفَسَادِ بِهِ مَعَ أَنَّ سُؤَالَ الْمَغْفِرَةِ مِمَّا يَسْتَحِيلُ سُؤَالُهُ مِنْ الْعِبَادِ وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ خِلَافًا وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ أَيْضًا وَإِنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ الْفَسَادِ بِهِ، وَلِهَذَا قَالَ فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ مِنْ سُنَنِ الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ الدُّعَاءُ بِمَا شَاءَ مِنْ صَلَاحِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا لِنَفْسِهِ وَلِوَالِدَيْهِ وَأُسْتَاذِهِ وَجَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ، وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِأُسْتَاذِي لَا تَفْسُدُ مَعَ أَنَّ الْأُسْتَاذَ لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ فَيَقْتَضِي عَدَمَ الْفَسَادِ بِقَوْلِهِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِزَيْدٍ، وَفِي الذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهَا لَوْ قَالَ اللَّهُمَّ اُرْزُقْنِي مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ عَيْنَهُ فِي الْقُرْآنِ وَلَوْ قَالَ اللَّهُمَّ اُرْزُقْنِي بَقْلًا وَقِثَّاءً وَعَدَسًا وَبَصَلًا تَفْسُدُ؛ لِأَنَّ عَيْنَ هَذَا اللَّفْظِ لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ، وَفِي الْهِدَايَةِ اللَّهُمَّ اُرْزُقْنِي مِنْ كَلَامِ النَّاسِ لِاسْتِعْمَالِهَا فِيمَا بَيْنَهُمْ يُقَالُ رَزَقَ الْأَمِيرُ الْجَيْشَ وَتَعَقَّبَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِأَنَّ إسْنَادَ الرِّزْقِ إلَى الْأَمِيرِ مَجَازٌ فَإِنَّ الرَّازِقَ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى، وَقَدْ صَرَّحَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ بِأَنَّ سُؤَالَ الرِّزْقِ كَسُؤَالِ الْمَغْفِرَةِ وَفَصَّلَ فِي الْخُلَاصَةِ فَقَالَ لَوْ قَالَ اُرْزُقْنِي فُلَانَةَ الْأَصَحُّ أَنَّهَا تَفْسُدُ بِخِلَافِ اُرْزُقْنِي الْحَجَّ الْأَصَحُّ أَنَّهَا لَا تَفْسُدُ، وَكَذَا اُرْزُقْنِي رُؤْيَتَك، وَفِي الْمُضْمَرَاتِ شَرْحِ الْقُدُورِيِّ وَلَوْ قَالَ اللَّهُمَّ اقْضِ دَيْنِي تَفْسُدُ، وَلَوْ قَالَ اللَّهُمَّ اقْضِ دَيْنَ وَالِدِي لَا تَفْسُدُ، وَهُوَ مُشْكِلٌ فَإِنَّ الدُّعَاءَ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ لِنَفْسِهِ وَرَدَ فِي السُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ فِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ مِنْ قَوْلِهِ «اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ وَأَغْنِنَا مِنْ الْفَقْرِ» فَإِنَّ التَّفْصِيلَ بَيْنَ كَوْنِهِ مُسْتَحِيلًا أَوَّلًا إنَّمَا هُوَ فِي غَيْرِ الْمَأْثُورِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخَانِيَّةِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ بِالْمَأْثُورِ أَنْ يَكُونَ وَرَدَ فِي الصَّلَاةِ لَا مُطْلَقًا، وَهُوَ بَعِيدٌ وَفِي فَتَاوَى الْحُجَّةِ، وَلَوْ قَالَ اللَّهُمَّ الْعَنْ الظَّالِمِينَ لَا يَقْطَعُ صَلَاتَهُ، وَلَوْ قَالَ اللَّهُمَّ الْعَنْ فُلَانًا يَعْنِي ظَالِمَهُ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ. اهـ. وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ أَنَّ الَّذِي يُشْبِهُ كَلَامَ النَّاسِ إنَّمَا يُفْسِدُهَا إذَا كَانَ قَبْلَ تَمَامِ فَرَائِضِهَا أَمَّا إذَا كَانَ بَعْدَ التَّشَهُّدِ لَا يُفْسِدُهَا؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ كَلَامِ النَّاسِ لَا يُبْطِلُهَا فَهَذَا أَوْلَى، وَإِنَّمَا لَمْ يَدْعُ بِكَلَامِ النَّاسِ فِي آخِرِهَا لِلْحَدِيثِ «إنَّ صَلَاتَنَا هَذِهِ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ» فَيُقَدَّمُ عَلَى الْمُبِيحِ، وَهُوَ عُمُومُ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «، ثُمَّ لِيَتَخَيَّرْ أَحَدُكُمْ مِنْ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ إلَيْهِ» ، وَفِي فَتَاوَى الْوَلْوَالِجِيِّ الْمُصَلِّي يَنْبَغِي أَنْ يَدْعُوَ فِي الصَّلَاةِ بِدُعَاءٍ مَحْفُوظٍ لَا بِمَا يَحْضُرُهُ؛ لِأَنَّهُ يُخَافُ أَنْ يَجْرِيَ عَلَى لِسَانِهِ مَا يُشْبِهُ كَلَامَ النَّاسِ فَتَفْسُدُ صَلَاتُهُ، فَأَمَّا فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَدْعُوَ بِمَا يَحْضُرُهُ وَلَا يَسْتَظْهِرُ الدُّعَاءَ؛ لِأَنَّ حِفْظَ الدُّعَاءِ يَمْنَعُهُ عَنْ الرِّقَّةِ. (قَوْلُهُ وَسَلَّمَ مَعَ الْإِمَامِ كَالتَّحْرِيمَةِ عَنْ يَمِينِهِ وَيَسَارِهِ نَاوِيًا الْقَوْمَ وَالْحَفَظَةَ وَالْإِمَامَ فِي الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ أَوْ الْأَيْسَرِ أَوْ فِيهِمَا لَوْ مُحَاذِيًا) لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ السَّلَامَ مِنْ وَاجِبَاتِهَا عِنْدَنَا وَمِنْ أَرْكَانِهَا عِنْدَ الْأَئِمَّةِ   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 351 الثَّلَاثَةِ، وَمَنْ أَطْلَقَ مِنْ مَشَايِخِنَا عَلَيْهِ اسْمَ السُّنَّةِ فَضَعِيفٌ وَالْأَصَحُّ وُجُوبُهُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ أَوْ لِأَنَّهُ ثَبَتَ وُجُوبُهُ بِالسُّنَّةِ لِلْمُوَاظَبَةِ، وَهُوَ صِيغَةُ السَّلَامِ عَلَى وَجْهِ الْأَكْمَلِ أَنْ يَقُولَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ مَرَّتَيْنِ، وَالسُّنَّةُ أَنْ تَكُونَ الثَّانِيَةُ أَخْفَضَ مِنْ الْأُولَى كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ، وَجَعَلَهُ فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي خَاصًّا بِالْإِمَامِ، فَإِنْ قَالَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَوْ السَّلَامُ أَوْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ أَوْ عَلَيْكُمْ السَّلَامُ أَجْزَأَهُ وَكَانَ تَارِكًا لِلسُّنَّةِ وَصَرَّحَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ بِالْكَرَاهَةِ فِي الْأَخِيرِ وَأَنَّهُ لَا يَقُولُ: وَبَرَكَاتُهُ وَصَرَّحَ النَّوَوِيُّ بِأَنَّهُ بِدْعَةٌ وَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ ثَابِتٌ لَكِنْ فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ أَنَّهُ مَرْوِيٌّ وَتَعَقَّبَ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ النَّوَوِيَّ بِأَنَّهَا جَاءَتْ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد مِنْ حَدِيثِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٌ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، وَقَوْلُهُ عَنْ يَمِينِهِ وَيَسَارِهِ بَيَانٌ لِلسُّنَّةِ وَرَدٌّ عَلَى مَالِكٍ الْقَائِلِ بِأَنَّهُ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً تِلْقَاءَ وَجْهِهِ، وَلَوْ بَدَأَ بِالْيَسَارِ عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا فَإِنَّهُ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ وَلَا يُعِيدُهُ عَلَى يَسَارِهِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَوْ سَلَّمَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ فَإِنَّهُ يُسَلِّمُ عَنْ يَسَارِهِ، وَلَوْ سَلَّمَ عَنْ يَمِينِهِ وَنَسِيَ عَنْ يَسَارِهِ حَتَّى قَامَ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ وَيَقْعُدُ وَيُسَلِّمُ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ أَوْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَسْجِدِ، وَفِي الْمُجْتَبَى وَلَمْ يَذْكُرْ قَدْرَ مَا يُحَوِّلُ بِهِ وَجْهَهُ وَقَدْ وَرَدَ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ الْأَيْمَنِ وَعَنْ يَسَارِهِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ الْأَيْسَرِ» ، وَفِي النَّوَازِلِ لَوْ قَالَ: السَّلَامُ، وَدَخَلَ فِي الصَّلَاةِ لَا يَكُونُ دَاخِلًا فَثَبَتَ أَنَّ الْخُرُوجَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى عَلَيْكُمْ، وَقَوْلُهُ مَعَ الْإِمَامِ بَيَانٌ لِلْأَفْضَلِ يَعْنِي الْأَفْضَلَ لِلْمَأْمُومِ الْمُقَارَنَةُ فِي التَّحْرِيمَةِ وَالسَّلَامِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا الْأَفْضَلُ عَدَمُهَا لِلِاحْتِيَاطِ وَلَهُ أَنَّ الِاقْتِدَاءَ عَقْدُ مُوَافَقَةٍ وَأَنَّهَا فِي الْقِرَانِ لَا فِي التَّأْخِيرِ، وَإِنَّمَا شَبَّهَ السَّلَامَ بِالتَّحْرِيمَةِ؛ لِأَنَّ الْمُقَارَنَةَ فِي التَّحْرِيمَةِ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَمَّا فِي السَّلَامِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ لَكِنَّ الْأَصَحَّ مَا فِي الْكِتَابِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَقَوْلُهُ: نَاوِيًا الْقَوْمَ بَيَانٌ لِلْأَفْضَلِ لِمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَمَا يَكْفِي أَحَدَكُمْ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى فَخْذِهِ، ثُمَّ يُسَلِّمُ عَلَى أَخِيهِ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ» قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِهِ الْمُرَادُ بِالْأَخِ الْجِنْسُ مِنْ إخْوَانِهِ الْحَاضِرِينَ عَنْ الْيَمِينِ وَالشِّمَالِ وَيُزَادُ عَلَيْهِ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ أَمَامَهُ أَوْ وَرَاءَهُ بِالدَّلَالَةِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ ذَلِكَ مَزِيدُ التَّوَدُّدِ، وَأَمَّا مَا عَلَّلُوا بِهِ مِنْ أَنَّهُ لَمَّا اشْتَغَلَ بِمُنَاجَاةِ رَبِّهِ صَارَ بِمَنْزِلَةِ الْغَائِبِ عَنْ الْخَلْقِ وَعِنْدَ التَّحَلُّلِ يَصِيرُ خَارِجًا فَيُسَلِّمُ كَمُسَافِرٍ قَدِمَ مِنْ سَفَرِهِ فَلَا يُفِيدُ الِاقْتِصَارَ عَلَى مَنْ مَعَهُ فِي الصَّلَاةِ بَلْ يَعُمُّ الْحَاضِرِينَ مُصَلِّيًا أَوْ غَيْرَهُ، وَإِنَّمَا اُحْتِيجَ إلَى النِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ مُقِيمٌ لِلسُّنَّةِ فَيَنْوِيَهَا كَسَائِرِ السُّنَنِ، وَكَذَا ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ إذَا سَلَّمَ عَلَى أَحَدٍ خَارِجَ الصَّلَاةِ يَنْوِي السُّنَّةَ وَخَالَفَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ فَقَالَ: لَا حَاجَةَ لِلْإِمَامِ إلَى النِّيَّةِ فِي السَّلَامِ آخِرَ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ يَجْهَرُ بِالسَّلَامِ وَيُشِيرُ إلَيْهِمْ فَهُوَ فَوْقَ النِّيَّةِ وَرُدَّ بِأَنَّ الْجَهْرَ لِلْإِعْلَامِ بِالْخُرُوجِ وَالنِّيَّةَ لِإِقَامَةِ السُّنَّةِ وَأَرَادَ بِالْقَوْمِ مَنْ كَانَ مَعَهُ فِي الصَّلَاةِ فَقَطْ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَصَحَّحَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ بِخِلَافِ سَلَامِ التَّشَهُّدِ فَإِنَّهُ يَنْوِي جَمِيعَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ فَمَا فِي الْخُلَاصَةِ مِنْ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ يَنْوِي مَنْ كَانَ مَعَهُ فِي الْمَسْجِدِ ضَعِيفٌ، وَكَذَا مَا اخْتَارَهُ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ أَنَّهُ كَلَامُ التَّشَهُّدِ وَزَادَ السُّرُوجِيُّ وَأَنَّهُ يَنْوِي الْمُؤْمِنِينَ مِنْ الْجِنِّ أَيْضًا وَخَرَجَ بِذِكْرِ الْقَوْمِ النِّسَاءُ، وَلِهَذَا قَالُوا: لَا يَنْوِي النِّسَاءَ فِي زَمَانِنَا لِعَدَمِ حُضُورِهِنَّ الْجَمَاعَةَ أَوْ لِكَرَاهِيَّتِهِ، لَكِنْ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ يَنْوِي الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ، وَفِي الْحَقِيقَةِ لَا اخْتِلَافَ فَمَا فِي الْأَصْلِ مَبْنِيٌّ عَلَى حُضُورِهِنَّ الْجَمَاعَةَ وَمَا ذَكَرَهُ الْمَشَايِخُ مَبْنِيٌّ عَلَى عَدَمِهِ فَصَارَ الْمَدَارُ فِي النِّيَّةِ وَعَدَمِهَا حُضُورَهُنَّ وَعَدَمَهُ حَتَّى إذَا كَانَ مِنْ الْمُقْتَدِينَ خَنَاثَى   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ أَنْ تَكُونَ الثَّانِيَةُ أَخْفَضَ مِنْ الْأُولَى) قَالَ فِي الْمُنْيَةِ وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ يَخْفِضُ الثَّانِيَةَ قَالَ الْحَلَبِيُّ وَكَانَ مُرَادُهُ أَنَّهُ يُخْفِيهَا وَلَا يَجْهَرُ بِهَا أَصْلًا لِمَا قُلْنَا مِنْ عَدَمِ الِاحْتِيَاجِ إلَى الْجَهْرِ أَيْ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْجَهْرِ الْإِعْلَامُ، وَقَدْ حَصَلَ بِالْأُولَى، وَهَذَا بِخِلَافِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ يَجْهَرُ بِهَا دُونَ الْجَهْرِ بِالْأُولَى وَالْأَصَحُّ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ الْأُولَى وَإِنْ دَلَّتْ عَلَى تَعْقِيبِ الثَّانِيَةِ إيَّاهَا إلَّا أَنَّ الْمُقْتَدِينَ يَنْتَظِرُونَ الْإِمَامَ فِيهَا وَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ يَأْتِي بِهَا أَوْ يَسْجُدُ قَبْلَهَا لِسَهْوٍ حَصَلَ لَهُ (قَوْلُهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَوْ سَلَّمَ عَنْ يَمِينِهِ) كَذَا فِي النُّسَخِ، وَفِي بَعْضِهَا زِيَادَةٌ وَهِيَ، وَلَوْ سَلَّمَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ فَإِنَّهُ يُسَلِّمُ عَنْ يَسَارِهِ، وَلَوْ سَلَّمَ إلَخْ (قَوْلُهُ أَوْ يَخْرُجُ مِنْ الْمَسْجِدِ) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ إنْ اسْتَدْبَرَ الْقِبْلَةَ لَا يَأْتِي بِهِ كَذَا فِي الْقُنْيَةِ (قَوْلُهُ لَا يَكُونُ دَاخِلًا) أَيْ لَوْ اقْتَدَى بِهِ إنْسَانٌ بَعْدَ قَوْلِهِ: السَّلَامُ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ عَلَيْكُمْ لَا يَصِيرُ دَاخِلًا فِي صَلَاتِهِ لِأَنَّهُ اقْتِدَاءٌ بِغَيْرِ مُصَلٍّ (قَوْلُهُ فَمَا فِي الْخُلَاصَةِ مِنْ أَنَّ الصَّحِيحَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ يُمْكِنُ تَخْرِيجُ مَا فِي الْخُلَاصَةِ عَلَى الرَّاجِحِ وَلَفْظُهُ: وَيَنْوِي مَنْ كَانَ مَعَهُ فِي الْمَسْجِدِ هُوَ الصَّحِيحُ فَعَلَى هَذَا لَا يَنْوِي النِّسَاءَ فِي زَمَانِنَا. اهـ. إذْ الْمَعْنَى مَنْ مَعَهُ فِي الصَّلَاةِ كَائِنًا فِي الْمَسْجِدِ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ وَهَذَا أَوْلَى مِنْ الْجَزْمِ بِضَعْفِهِ (قَوْلُهُ وَخَرَجَ بِذِكْرِ الْقَوْمِ النِّسَاءُ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْقَوْمَ مُخْتَصٌّ بِالرِّجَالِ لُغَةً، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ} [الحجرات: 11] الْآيَةَ وَقَوْلِ الشَّاعِرِ أَقَوْمٌ آلُ حِصْنٍ أَمْ نِسَاءُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 352 أَوْ صِبْيَانٌ نَوَاهُمْ أَيْضًا، وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّ هَذَا شَيْءٌ تَرَكَهُ جَمِيعُ النَّاسِ؛ لِأَنَّهُ قَلَّمَا يَنْوِي أَحَدٌ شَيْئًا وَهَذَا حَقٌّ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ كَالشَّرِيعَةِ الْمَنْسُوخَةِ وَقَوْلُهُ نَاوِيًا الْقَوْمَ وَالْحَفَظَةَ يَعُمُّ الْإِمَامَ وَالْمَأْمُومَ، وَقَوْلُهُ وَالْإِمَامُ مَعْطُوفٌ عَلَى الْقَوْمِ خَاصٌّ بِالْمَأْمُومِ يَعْنِي أَنَّ الْمَأْمُومَ يَزِيدُ فِي نِيَّتِهِ نِيَّةَ السَّلَامِ عَلَى إمَامِهِ فِي التَّسْلِيمَةِ الْأُولَى إذَا كَانَ الْإِمَامُ عَنْ يَمِينِهِ أَوْ فِي الثَّانِيَةِ إنْ كَانَ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ فِي التَّسْلِيمَتَيْنِ لَوْ كَانَ مُحَاذِيًا لَهُ؛ لِأَنَّهُ ذُو حَظٍّ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْمُنْفَرِدَ يَنْوِي الْحَفَظَةَ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُمْ فَيَنْوِي بِالْأُولَى مَنْ عَلَى يَمِينِهِ مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَبِالثَّانِيَةِ مَنْ عَلَى يَسَارِهِ مِنْهُمْ وَعَلَى مَا صَحَّحَهُ فِي الْخُلَاصَةِ يَنْوِي الْحَاضِرِينَ مَعَهُ فِي الْمَسْجِدِ أَيْضًا وَعَلَى مَا اخْتَارَهُ الْحَاكِمُ يَنْوِي جَمِيعَ الْمُؤْمِنِينَ أَيْضًا، ثُمَّ قَدَّمَ الْمُصَنِّفُ الْقَوْمَ عَلَى الْحَفَظَةِ تَبَعًا لِلْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَفِي الْأَصْلِ عَلَى الْعَكْسِ فَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ فَإِنَّ الْوَاوَ لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ مِنْ غَيْرِ تَرْتِيبٍ وَلِأَنَّ النِّيَّةَ عَمَلُ الْقَلْبِ وَهِيَ تَنْظِيمُ الْكُلِّ بِلَا تَرْتِيبٍ وَاخْتَارَهُ الشَّارِحُ تَبَعًا لِمَا فِي الْبَدَائِعِ لَكِنْ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلْبُدَاءَةِ أَثَرٌ فِي الِاهْتِمَامِ، وَلِذَا قَالَ أَصْحَابُنَا فِي الْوَصَايَا بِالنَّوَافِلِ أَنَّهُ يَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ بِهِ الْمَيِّتُ فَدَلَّ مَا ذُكِرَ هُنَا وَهُوَ آخِرُ التَّصْنِيفَيْنِ أَنَّ مُؤْمِنِي الْبَشَرِ أَفْضَلُ مِنْ الْمَلَائِكَةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ وَذَلِكَ أَنَّ عِنْدَهُمْ صَاحِبُ الْكَبِيرَةِ خَارِجٌ مِنْ الْإِيمَانِ وَقَلَّ مَا يَسْلَمُ مُؤْمِنٌ مِنْ الْكَبَائِرِ وَعِنْدَنَا هُوَ كَامِلُ الْإِيمَانِ، ثُمَّ هُوَ مُبْتَلًى بِالْإِيمَانِ بِالْغَيْبِ فَكَانَ أَحَقَّ مِنْ الْمَلَائِكَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ جَعَلَ الْمَلَائِكَةَ مَنْزِلَةَ خَدَمِ الْمُؤْمِنِينَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ اهـ. وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ الْمُعْتَزِلَةِ نَسَبَهُ الشَّارِحُ إلَى الْبَاقِلَّانِيِّ مِنْ أَئِمَّتِنَا وَمَا اخْتَارَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ مِنْ تَفَضُّلِ الْجُمْلَةِ عَلَى الْجُمْلَةِ نَسَبَهُ فِي الْمُحِيطِ إلَى بَعْضِ أَهْلِ السُّنَّةِ، ثُمَّ قَالَ وَالْمُخْتَارُ عِنْدَنَا أَنَّ خَوَاصَّ بَنِي آدَمَ وَهُمْ الْأَنْبِيَاءُ وَالْمُرْسَلُونَ أَفْضَلُ مِنْ جُمْلَةِ الْمَلَائِكَةِ وَعَوَامَّ بَنِي آدَمَ مِنْ الْأَتْقِيَاءِ أَفْضَلُ مِنْ عَوَامِّ الْمَلَائِكَةِ وَخَوَاصَّ الْمَلَائِكَةِ أَفْضَلُ مِنْ عَوَامِّ بَنِي آدَمَ، وَنَصَّ قَاضِي خَانْ عَلَى أَنَّ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الْمَرَضِيُّ، وَالْمُرَادُ هُنَا بِالْأَتْقِيَاءِ مَنْ اتَّقَى الشِّرْكَ لَا مَنْ اتَّقَاهُ مَعَ الْمَعَاصِي فَإِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ فَسَقَةَ الْمُؤْمِنِينَ أَفْضَلُ مِنْ عَوَامِّ الْمَلَائِكَةِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي رَوْضَةِ الْعُلَمَاءِ لِلْإِمَامِ أَبِي الْحَسَنِ الْبُخَارِيِّ أَنَّ الْأُمَّةَ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - أَفْضَلُ الْخَلِيقَةِ وَنَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْضَلُهُمْ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ أَفْضَلَ الْخَلَائِقِ بَعْدَ الْأَنْبِيَاءِ جِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ وِإِسْرَافِيلُ وَعِزْرَائِيلُ وَحَمَلَةُ الْعَرْشِ وَالرُّوحَانِيُّونَ وَرَضْوَانُ وَمَالِكٌ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الصَّحَابَةَ وَالتَّابِعِينَ وَالشُّهَدَاءَ وَالصَّالِحِينَ أَفْضَلُ مِنْ سَائِرِ الْمَلَائِكَةِ وَاخْتَلَفُوا أَنَّ سَائِرَ النَّاسِ بَعْدَ هَؤُلَاءِ أَفْضَلُ أَمْ سَائِرُ الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ سَائِرُ النَّاسِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَفْضَلُ وَقَالَا: سَائِرُ الْمَلَائِكَةِ أَفْضَلُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْله تَعَالَى {يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ - سَلامٌ} [الرعد: 23 - 24] الْآيَةَ فَأَخْبَرَ أَنَّهُمْ يَزُورُونَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْجَنَّةِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّ هَذَا شَيْءٌ إلَخْ) عِبَارَتُهُ وَعَنْ صَدْرِ الْإِسْلَامِ هَذَا شَيْءٌ تَرَكَهُ جَمِيعُ النَّاسِ لِأَنَّهُ قَلَّمَا يَنْوِي أَحَدٌ شَيْئًا وَهَذَا حَقٌّ لِأَنَّ النِّيَّةَ فِي السَّلَامِ صَارَتْ كَالشَّرِيعَةِ الْمَنْسُوخَةِ وَلِهَذَا لَوْ سَأَلْت أُلُوفَ أُلُوفٍ مِنْ النَّاسِ إيشِ نَوَيْت بِسَلَامِك؟ لَا يَكَادُ يُجِيبُ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِمَا فِيهِ طَائِلٌ إلَّا الْفُقَهَاءُ، وَفِيهِمْ نَظَرٌ انْتَهَتْ (قَوْلُهُ يَعُمَّ الْإِمَامَ وَالْمَأْمُومَ) قَالَ فِي النَّهْرِ هَذَا سَهْوٌ إذْ قَوْلُهُ حِينَئِذٍ وَالْإِمَامُ تَكْرَارٌ مَحْضٌ (قَوْلُهُ فَدَلَّ مَا ذُكِرَ هُنَا إلَخْ) أَيْ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ الَّذِي هُوَ بَعْدَ الْأَصْلِ تَصْنِيفًا (قَوْلُهُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ إلَخْ) أَقُولُ: لَكِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا مَرَّ عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّ الْأَوَّلَ قَسَّمَ الْبَشَرَ إلَى قِسْمَيْنِ: خَوَاصُّ وَهُمْ الْأَنْبِيَاءُ، وَعَوَامُّ وَهُمْ مَنْ سِوَاهُمْ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ، وَكَذَا الْمَلَائِكَةُ، وَالثَّانِي قَسَّمَهُمْ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: خَوَاصُّ وَهُمْ الْأَنْبِيَاءُ، وَأَوْسَاطٌ وَهُمْ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ وَالشُّهَدَاءُ وَالصَّالِحُونَ، وَعَوَامُّ وَهُمْ مَنْ سِوَاهُمْ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ، وَجَعَلَ الْمَلَائِكَةَ قِسْمَيْنِ، ثُمَّ إنَّ الْأَوَّلَ جَعَلَ عَوَامَّ الْبَشَرِ الَّذِينَ مِنْ جُمْلَتِهِمْ الْأَوْسَاطُ عَلَى الثَّانِي أَفْضَلَ مِمَّنْ عَدَا خَوَاصِّ الْمَلَائِكَةِ، وَالثَّانِيَ جَعَلَ أَوْسَاطَ الْبَشَرِ أَفْضَلَ مِنْ بَقِيَّةِ الْمَلَائِكَةِ، وَكَذَا عَوَامُّ الْبَشَرِ أَفْضَلُ مِنْ بَقِيَّةِ الْمَلَائِكَةِ عِنْدَ الْإِمَامِ فَقَدْ اتَّفَقَتْ الْعِبَارَتَانِ عَلَى أَنَّ خَوَاصَّ الْبَشَرِ أَفْضَلُ مِنْ خَوَاصِّ الْمَلَائِكَةِ وَأَنَّ أَوْسَاطَ الْبَشَرِ أَفْضَلُ مِنْ بَقِيَّةِ الْمَلَائِكَةِ وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ كَمَا صَرَّحَتْ بِهِ عِبَارَةُ الرَّوْضَةُ. بَقِيَ الْكَلَامُ فِيمَنْ عَدَا الْأَوْسَاطَ مِنْ الْبَشَرِ فَعِنْدَ الْإِمَامِ هُمْ كَالْأَوْسَاطِ أَفْضَلُ مِنْ بَقِيَّةِ الْمَلَائِكَةِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الرَّوْضَةِ اخْتِيَارُهُ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ كَلَامُ الْمُحِيطِ بِأَنْ يُرَادَ بِالْعَوَامِّ مَا يَشْمَلُ الْأَوْسَاطَ وَمَنْ دُونَهُمْ لِقَوْلِ قَاضِي خَانْ عَمَّا فِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ الْمَرْضِيُّ لِيَتَوَارَدَ الِاخْتِيَارَانِ عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ. إذَا عَلِمْت ذَلِكَ ظَهَرَ لَك أَنَّ مَا فِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ عَنْ مَجْمَعِ الْأَنْهُرِ مِنْ أَنَّ خَوَاصَّ الْبَشَرِ وَأَوْسَاطَهُ أَفْضَلُ مِنْ خَوَاصِّ الْمَلَكِ وَأَوْسَاطِهِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْمَشَايِخِ غَيْرُ مُخَالِفٍ لِمَا مَرَّ كَمَا زَعَمَهُ بَعْضُهُمْ إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْمَشَايِخِ مُشْعِرٌ بِالْخِلَافِ وَكَلَامُ الرَّوْضَةِ يُفِيدُ الْإِجْمَاعَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ مَنْ عَدَا أَوْسَاطَ الْبَشَرِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْخِلَافِ بَيْنَ الْإِمَامِ وَصَاحِبَيْهِ، وَقَدْ عَلِمْت مَا هُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 353 وَالْمَزُورُ أَفْضَلُ مِنْ الزَّائِرِ اهـ. وَالْحَفَظَةُ جَمْعُ حَافِظٍ كَكَتَبَةٍ جَمْعُ كَاتِبٍ وَسُمُّوا بِهِ لِحِفْظِهِمْ مَا يَصْدُرُ مِنْ الْإِنْسَانِ مِنْ قَوْلٍ وَعَمَلٍ أَوْ لِحِفْظِهِمْ إيَّاهُ مِنْ الْجِنِّ وَأَسْبَابِ الْمَعَاطِبِ وَالثَّانِي يَشْمَلُ جَمِيعَ مَنْ مَعَهُ مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَالْأَوَّلُ يَخُصُّ الْكِرَامَ الْكَاتِبِينَ، وَفِي الْمُجْتَبَى وَاخْتُلِفَ فِي نِيَّةِ الْحَفَظَةِ فَقِيلَ يَنْوِي الْمَلَكَيْنِ الْكَاتِبَيْنِ، وَقِيلَ الْحَفَظَةَ الْخَمْسَةَ، وَفِي الْحَدِيثِ «إنَّ مَعَ كُلِّ مُؤْمِنٍ خَمْسَةً مِنْهُمْ وَاحِدٌ عَنْ يَمِينِهِ وَوَاحِدٌ عَنْ يَسَارِهِ يَكْتُبَانِ أَعْمَالَهُ وَوَاحِدٌ أَمَامَهُ يُلَقِّنُهُ الْخَيْرَاتِ وَوَاحِدٌ وَرَاءَهُ يَدْفَعُ عَنْهُ الْمَكَارِهَ وَوَاحِدٌ عَنْ نَاصِيَتِهِ يَكْتُبُ مَنْ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» ، وَفِي بَعْضِهَا «مَعَ كُلِّ مُؤْمِنٍ سِتُّونَ مَلَكًا» ، وَفِي بَعْضِهَا «مِائَةٌ وَسِتُّونَ» وَرُجِّحَ الْأَوَّلُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ لِمُوَافَقَتِهِ كِتَابَ اللَّهِ تَعَالَى، وَفِي الْهِدَايَةِ وَلَا يَنْوِي فِي الْمَلَائِكَةِ عَدَدًا مَحْصُورًا؛ لِأَنَّ الْأَخْبَارَ عَنْ عَدَدِهِمْ قَدْ اخْتَلَفَتْ فَأَشْبَهَ الْإِيمَانَ بِالْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - اهـ. مَعَ أَنَّهُ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ عَدَدُ الْأَنْبِيَاءِ أَوْ الرُّسُلِ فَقَالَ بَعْدَمَا سُئِلَ عَنْ الْأَنْبِيَاءِ: إنَّهُمْ مِائَةُ أَلْفٍ وَأَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفًا وَالرُّسُلُ ثَلَاثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةَ عَشَرَ جَمْعًا غَفِيرًا كَذَا فِي الْكَشَّافِ فِي سُورَةِ الْحَجِّ لَكِنْ لَمَّا كَانَ ظَنِّيًّا؛ لِأَنَّهُ خَبَرٌ وَاحِدٌ لَمْ يُعَارِضْ قَوْله تَعَالَى {وَرُسُلا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ} [النساء: 164] وَاخْتُلِفَ فِي الْمَلَكَيْنِ الْكَاتِبَيْنِ هَلْ يَتَبَدَّلَانِ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ فَقِيلَ يَتَبَدَّلَانِ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ» بِنَاءً عَلَى أَنَّهُمْ الْحَفَظَةُ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ كَمَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ لَكِنْ ذَكَرَ الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَنَّ الْأَظْهَرَ أَنَّهُمْ غَيْرُهُمْ، وَقِيلَ لَا يَتَغَيَّرَانِ عَلَيْهِ مَا دَامَ حَيًّا وَاخْتُلِفَ فِي مَحَلِّ جُلُوسِهِمَا، فَقِيلَ: فِي الْفَمِ، وَإِنَّ اللِّسَانَ قَلَمُهُمَا وَالرِّيقَ مِدَادُهُمَا لِلْحَدِيثِ «نَقُّوا أَفْوَاهَكُمْ بِالْخِلَالِ فَإِنَّهَا مَجْلِسُ الْمَلَكَيْنِ الْحَافِظَيْنِ» إلَى آخِرِهِ، وَقِيلَ تَحْتَ الشَّعْرِ عَلَى الْحَنَكِ، وَقِيلَ الْيَمِينُ وَالْيَسَارُ، ثُمَّ قَالُوا: إنَّ كَاتِبَ السَّيِّئَاتِ يُفَارِقُهُ عِنْدَ الْغَائِطِ وَالْجِمَاعِ زَادَ الْقُرْطُبِيُّ، وَفِي الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَفْعَلُ سَيِّئَةً فِيهَا، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِيمَا يَكْتُبَانِهِ، فَقِيلَ: مَا فِيهِ أَجْرٌ أَوْ وِزْرٌ وَعَزَاهُ فِي الِاخْتِيَارِ إلَى مُحَمَّدٍ، وَقِيلَ: يَكْتُبَانِ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى أَنِينَهُ فِي مَرَضِهِ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا مَتَى يُمْحَى الْمُبَاحُ، فَقِيلَ: آخِرَ النَّهَارِ، وَقِيلَ: يَوْمَ الْخَمِيسِ، وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهَا تُمْحَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَا فِي الِاخْتِيَارِ وَذَكَرَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّهُ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ وَالْمُخْتَارُ أَنَّ كَيْفِيَّةَ الْكِتَابَةِ وَالْمَكْتُوبَ فِيهِ مِمَّا لَا يَعْلَمُهَا إلَّا اللَّهُ تَعَالَى، وَقَدْ أَوْسَعَ الْكَلَامَ فِي هَذِهِ الْعَلَّامَةُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَذَكَرَ أَنَّ الصَّبِيَّ الْمُمَيِّزَ لَا يَنْوِي الْكَتَبَةَ إذْ لَيْسُوا مَعَهُ، وَإِنَّمَا يَنْوِي الْحَافِظِينَ لَهُ مِنْ الشَّيَاطِينِ وَلِذَا لَمْ يَقُلْ الْمُصَنِّفُ وَالْكَتَبَةَ، لِيَعُمَّ كُلَّ مُصَلٍّ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ مَا يَفْعَلُهُ بَعْدَ السَّلَامِ وَقَدْ قَالُوا: إنْ كَانَ إمَامًا وَكَانَتْ صَلَاةً يُتَنَفَّلُ بَعْدَهَا فَإِنَّهُ يَقُومُ وَيَتَحَوَّلُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَالثَّانِي) أَيْ التَّعْلِيلُ الثَّانِي لِتَسْمِيَتِهِمْ حَفَظَةً (قَوْلُهُ ثُمَّ قَالُوا إنَّ كَاتِبَ السَّيِّئَاتِ يُفَارِقُهُ إلَخْ) قَالَ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ قَدْ قِيلَ: إنَّ الْمَلَائِكَةَ يَتَجَنَّبُونَ الْإِنْسَانَ عِنْدَ غَائِطِهِ، وَعِنْدَ جِمَاعِهِ قُلْت: وَيَحْتَاجُ الْجَزْمُ بِهَذَا إلَى وُجُودِ سَمْعِيٍّ ثَابِتٍ يُفِيدُهُ، وَلَوْ ثَبَتَ مَا ذَكَرَهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَانَ إذَا أَرَادَ الدُّخُولَ فِي الْخَلَاءِ يَبْسُطُ رِدَاءَهُ وَيَقُولُ أَيُّهَا الْمَلَكَانِ الْحَافِظَانِ عَلَيَّ اجْلِسَا هَاهُنَا فَإِنِّي قَدْ عَاهَدْت اللَّهَ تَعَالَى أَنْ لَا أَتَكَلَّمَ فِي الْخَلَاءِ لَكَانَ فِيهِ رَدٌّ لِهَذَا لَكِنْ ذَكَرَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ أَنَّهُ ضَعِيفٌ اهـ كَلَامُهُ. وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِأَنَّ الْمُفَارِقَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ الْمَلَكَانِ مَعًا اللَّقَانِيُّ فِي شَرْحِهِ الْكَبِيرِ عَلَى الْجَوْهَرَةِ وَزَادَ أَنَّهُمَا يَكْتُبَانِ مَا حَصَلَ مِنْهُ بَعْدَ فَرَاغِهِ بِعَلَامَةٍ يَجْعَلُهَا اللَّهُ تَعَالَى لَهُمَا وَلَكِنَّهُ لَمْ يَسْتَنِدْ فِي ذَلِكَ إلَى دَلِيلٍ فَلْيُرَاجَعْ مَا دَلِيلُ الْمُفَارَقَةِ وَمِنْ أَيْنَ أَخَذَ صَاحِبُ الْبَحْرِ تَخْصِيصَهَا بِكَاتِبِ السَّيِّئَاتِ كَذَا فِي حَوَاشِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ لِلْمَدَارِيِّ. (قَوْلُهُ زَادَ الْقُرْطُبِيُّ فِي الصَّلَاةِ إلَخْ) يُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ إلَى الصَّلَاةِ فَلَا يَبْصُقُ أَمَامَهُ فَإِنَّمَا يُنَاجِي اللَّهَ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ وَلَا عَنْ يَمِينِهِ فَإِنَّ عَنْ يَمِينِهِ مَلَكًا وَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ» كَذَا ذَكَرَهُ الْقُرْطُبِيُّ قَالَ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ وَالْحَدِيثُ بِهَذَا اللَّفْظِ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ، وَفِي دَلَالَتِهِ عَلَى الْمَطْلُوبِ نَظَرٌ بَلْ الْأَشْبَهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَلَكِ الَّذِي عَنْ يَمِينِهِ قَرِينُهُ مِنْ الْمَلَائِكَةِ الْمُشَارُ إلَيْهِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إلَّا وَقَدْ وُكِّلَ بِهِ قَرِينُهُ مِنْ الْجِنِّ وَقَرِينُهُ مِنْ الْمَلَائِكَة، قَالُوا: وَإِيَّاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: وَإِيَّايَ» الْحَدِيثَ وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ «إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ فِي مُصَلَّاهُ فَإِنَّمَا يَقُومُ بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ تَعَالَى مُسْتَقْبِلَ رَبِّهِ وَمَلَكُهُ عَنْ يَمِينِهِ وَقَرِينُهُ عَنْ يَسَارِهِ وَالْبُزَاقُ عَنْ يَسَارِهِ إنَّمَا يَقَعُ عَلَى الشَّيْطَانِ» وَلَمْ يَزِدْ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا نَهَى عَنْ الْبُزَاقِ عَنْ الْيَمِينِ تَشْرِيفًا لَهَا. اهـ. وَأَمَّا أَنَّهُ لَيْسَ فِي الصَّلَاةِ مَا يَكْتُبُهُ مَلَكُ السَّيِّئَاتِ فَفِيهِ نَظَرٌ أَيْضًا لِأَنَّهُ قَدْ يَقَعُ مِنْهُ فِيهَا مَا يَكُون سَيِّئَةً عَلَى أَنَّهُ إنْ كَانَتْ الْعِلَّةُ لِمُلَازَمَةِ الْمَلَكِ لَهُ تَلَبُّسَهُ بِمَا هُوَ مَظِنَّةٌ لِوُجُودِ مَا يَكْتُبُهُ وَلِمُفَارَقَتِهِ تَلَبُّسَهُ بِمَا هُوَ مَظِنَّةٌ لِعَدَمِ ذَلِكَ يَنْبَغِي أَيْضًا أَنْ يَكُونَ مَلَكُ السَّيِّئَاتِ مُفَارِقًا لَهُ فِي حَالِ تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ وَالذِّكْرِ وَنَحْوِهِ، وَأَنْ يَكُونَ الْمَلَكَانِ مُفَارِقَيْنِ لَهُ فِي حَالَةِ النَّوْمِ وَنَحْوِهِ، وَهُوَ بَعِيدٌ، فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ. كَلَامُهُ. كَذَا فِي حَوَاشِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ لِلْمَدَارِيِّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 354 عَنْ مَكَانِهِ إمَّا يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً أَوْ خَلْفَهُ وَالْجُلُوسُ مُسْتَقْبِلًا بِدْعَةٌ، وَإِنْ كَانَ لَا يُتَنَفَّلُ بَعْدَهَا يَقْعُدُ مَكَانَهُ، وَإِنْ شَاءَ انْحَرَفَ يَمِينًا أَوْ شِمَالًا، وَإِنْ شَاءَ اسْتَقْبَلَهُمْ بِوَجْهِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِحِذَائِهِ مُصَلٍّ سَوَاءٌ كَانَ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ أَوْ فِي الْأَخِيرِ وَالِاسْتِقْبَالُ إلَى الْمُصَلِّي مَكْرُوهٌ هَذَا مَا صَحَّحَهُ فِي الْبَدَائِعِ وَاخْتَارَ فِي الْخَانِيَّةِ وَالْمُحِيطِ اسْتِحْبَابَ أَنْ يَنْحَرِفَ عَنْ يَمِينِ الْقِبْلَةِ وَأَنْ يُصَلِّيَ فِيهَا، وَيَمِينُ الْقِبْلَةِ مَا بِحِذَاءِ يَسَارِ الْمُسْتَقْبِلِ وَيَشْهَدُ لَهُ مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ «كُنَّا إذَا صَلَّيْنَا خَلْفَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحْبَبْنَا أَنْ نَكُونَ عَنْ يَمِينِهِ يُقْبِلُ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ» . (قَوْلُهُ وَجَهَرَ بِقِرَاءَةِ الْفَجْرِ وَأُولَى الْعِشَاءَيْنِ، وَلَوْ قَضَاءً وَالْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَيُسِرُّ فِي غَيْرِهَا كَمُتَنَفِّلٍ بِالنَّهَارِ وَخُيِّرَ الْمُنْفَرِدُ فِيمَا يَجْهَرُ كَمُتَنَفِّلٍ بِاللَّيْلِ) شُرُوعٌ فِي بَيَانِ الْقِرَاءَةِ وَصِفَتِهَا وَقَدَّمَ صِفَتَهَا مِنْ الْجَهْرِ وَالْإِخْفَاءِ؛ لِأَنَّهُ يَعُمُّ الْمَفْرُوضَ وَغَيْرَهُ وَالْأَصْلُ فِيهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ يَجْهَرُ بِالْقُرْآنِ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا فِي الِابْتِدَاءِ وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يُؤْذُونَهُ وَيَسُبُّونَ مَنْ أَنْزَلَ وَأُنْزِلَ عَلَيْهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا} [الإسراء: 110] » أَيْ لَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِك كُلِّهَا وَلَا تُخَافِتْ بِهَا كُلِّهَا {وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلا} [الإسراء: 110] بِأَنْ تَجْهَرَ بِصَلَاةِ اللَّيْلِ وَتُخَافِتَ بِصَلَاةِ النَّهَارِ فَكَانَ يُخَافِتُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا مُسْتَعِدِّينَ لِلْإِيذَاءِ فِي هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ وَيَجْهَرُ فِي الْمَغْرِبِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا مَشْغُولِينَ بِالْأَكْلِ، وَفِي الْعِشَاءِ وَالْفَجْرِ لِكَوْنِهِمْ رُقُودًا، وَفِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ؛ لِأَنَّهُ أَقَامَهُمَا بِالْمَدِينَةِ وَمَا كَانَ لِلْكُفَّارِ بِهَا قُوَّةٌ، وَهَذَا الْعُذْرُ وَإِنْ زَالَ بِغَلَبَةِ الْمُسْلِمِينَ فَالْحُكْمُ بَاقٍ؛ لِأَنَّ بَقَاءَهُ يَسْتَغْنِي عَنْ بَقَاءِ السَّبَبِ وَلِأَنَّهُ أَخْلَفَ عُذْرًا آخَرَ، وَهُوَ كَثْرَةُ اشْتِغَالِ النَّاسِ فِي هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ دُونَ غَيْرِهِمَا اهـ. وَقَدْ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى الْجَهْرِ فِيمَا ذَكَرَهُ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْجَهْرَ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ وَاجِبٌ عَلَى الْإِمَامِ لِلْمُوَاظَبَةِ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَخْصِيصُهُ بِالْإِمَامِ مَفْهُومٌ مِنْ قَوْلِهِ هُنَا: وَخُيِّرَ الْمُنْفَرِدُ فِيمَا يَجْهَرُ، فَأَفَادَ أَنَّ الْإِمَامَ لَيْسَ بِمُخَيَّرٍ قَالُوا: وَلَا يُجْهِدُ الْإِمَامُ نَفْسَهُ بِالْجَهْرِ، وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ: الْإِمَامُ إذَا جَهَرَ فَوْقَ حَاجَةِ النَّاسِ فَقَدْ أَسَاءَ، وَأَفَادَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي حَقِّ الْإِمَامِ بَيْنَ الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَحْكِي الْأَدَاءَ، وَأَلْحَقَ بِالْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ التَّرَاوِيحَ وَالْوِتْرَ فِي رَمَضَانَ لِلتَّوَارُثِ الْمَنْقُولِ، وَالْمُرَادُ بِغَيْرِهِمَا الثَّالِثَةُ مِنْ الْمَغْرِبِ وَالْأُخْرَيَانِ مِنْ الْعِشَاءِ وَجَمِيعُ رَكَعَاتِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَقَدْ أَفَادَ أَنَّ الْمُتَنَفِّلَ بِالنَّهَارِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِخْفَاءُ مُطْلَقًا وَالْمُتَنَفِّلَ بِاللَّيْلِ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْإِخْفَاءِ إنْ كَانَ مُنْفَرِدًا أَمَّا إنْ كَانَ إمَامًا فَالْجَهْرُ وَاجِبٌ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَنَّ الْمُنْفَرِدَ لَيْسَ بِمُخَيَّرٍ فِي الصَّلَاةِ السِّرِّيَّةِ بَلْ يَجِبُ الْإِخْفَاءُ عَلَيْهِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِخْفَاءُ فَالْمُنْفَرِدُ أَوْلَى وَذَكَرَ عِصَامُ بْنُ يُوسُفَ أَنَّ الْمُنْفَرِدَ مُخَيَّرٌ فِيمَا يُخَافِتُ فِيهِ أَيْضًا اسْتِدْلَالًا بِعَدَمِ وُجُوبِ سُجُودِ السَّهْوِ عَلَيْهِ وَتَعَقَّبَهُ الشَّارِحُ بِأَنَّ الْإِمَامَ إنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ؛ لِأَنَّ جِنَايَتَهُ أَعْظَمُ؛ لِأَنَّهُ ارْتَكَبَ الْجَهْرَ وَالْإِسْمَاعَ بِخِلَافِ الْمُنْفَرِدِ وَتَعَقَّبَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّا لَا نُنْكِرُ أَنَّ وَاجِبًا قَدْ يَكُونُ آكَدُ مِنْ وَاجِبٍ لَكِنْ لَمَّا لَمْ يُنَطْ وُجُوبُ السَّهْوِ إلَّا بِتَرْكِ الْوَاجِبِ لَا بِآكَدِ الْوَاجِبِ وَلَا بِرُتْبَةٍ مَخْصُوصَةٍ مِنْهُ فَحَيْثُ كَانَتْ الْمُخَافَتَةُ وَاجِبَةً عَلَى الْمُنْفَرِدِ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ بِتَرْكِهَا السُّجُودُ، وَفِي الْعِنَايَةِ أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْمُنْفَرِدَ مُخَيَّرٌ فِيمَا يُخَافِتُ فِيهِ أَيْضًا، وَفِيهِ تَأَمُّلٌ وَالظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ الْوُجُوبُ، وَفِي قَوْلِهِ: فِيمَا يَجْهَرُ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْمُنْفَرِدَ مُخَيَّرٌ فِي الصَّلَاةِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَالْمُتَنَفِّلُ بِاللَّيْلِ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْإِخْفَاءِ إنْ كَانَ مُنْفَرِدًا إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ بَعْدَ تَقْيِيدِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بِذَلِكَ: وَلَمْ أَرَ مَنْ عَرَّجَ عَلَى هَذَا مِنْ شُرَّاحِ هَذَا الْكِتَابِ وَأَعْتَذِرُ عَنْ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّهُ اسْتَغْنَى عَنْ التَّقْيِيدِ لِكَوْنِ الْكَلَامِ فِيهِ اهـ. وَهَذَا عَجِيبٌ إذْ هُوَ مَذْكُورٌ هُنَا تَبَعًا لِلشَّارِحِ هَذَا، وَفِي السِّرَاجِ بَعْدَ ذِكْرِهِ التَّخْيِيرَ اعْتِبَارًا بِالْفَرْضِ قَالَ: وَالْجَهْرُ أَفْضَلُ، وَعَزَاهُ إلَى الْمَبْسُوطِ (قَوْلُهُ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ بِتَرْكِهَا السُّجُودُ) قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ أَقُولُ: وُجُوبُ سُجُودِ السَّهْوِ عَلَى الْمُنْفَرِدِ إذَا جَهَرَ فِيمَا يُخَافِتُ فِيهِ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ذُكِرَتْ فِي الذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهَا، وَفِي الْبُرْجَنْدِيِّ مَعْزِيًّا إلَى الظَّهِيرِيَّةِ: وَرَوَى أَبُو سُلَيْمَانَ أَنَّ الْمُنْفَرِدَ إذَا ظَنَّ أَنَّهُ إمَامٌ فَجَهَرَ كَمَا يَجْهَرُ الْإِمَامُ يَلْزَمُهُ سُجُودُ السَّهْوِ: وَيُلَائِمُهُ مَا فِي الْمُحِيطِ إذَا جَهَرَ الْمُنْفَرِدُ فِي صَلَاةِ الْمُخَافَتَةِ كَانَ مُسِيئًا، وَفِي صَلَاةِ الْجَهْرِ يَتَخَيَّرُ كَذَا فِي عَامَّةِ الرِّوَايَاتِ، وَاَلَّذِي جَزَمَ الْحَلْوَانِيُّ بِأَنَّهُ ظَاهِرُ الْجَوَابِ أَنَّهُ لَا سَهْوَ عَلَى الْمُنْفَرِدِ، وَفِي الْخُلَاصَةِ لَا سَهْوَ عَلَى الْمُنْفَرِدِ إذَا خَافَتَ فِيمَا يَجْهَرُ بِهِ وَبِالْعَكْسِ وَسَيَأْتِي مُفَصَّلًا فِي بَابِهِ اهـ. قُلْتُ: فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُحِيطِ وَالذَّخِيرَةِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ فِي بَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (قَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ الْوُجُوبُ) فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ مَا فِي الْعِنَايَةِ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي شُرُوحِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا أَيْضًا كَالنِّهَايَةِ وَالْكِفَايَةِ وَالْمِعْرَاجِ وَفِي الْهِدَايَةِ فِي بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ: وَهَذَا فِي حَقِّ الْإِمَامِ دُونَ الْمُنْفَرِدِ لِأَنَّ الْجَهْرَ وَالْمُخَافَتَةَ مِنْ خَصَائِصِ الْجَمَاعَةِ، قَالَ الشُّرَّاحُ: إنَّ مَا ذَكَرَهُ جَوَابُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَأَمَّا جَوَابُ رِوَايَةِ النَّوَادِرِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ سَجْدَةُ السَّهْوِ، وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُحِيطِ: وَأَمَّا الْمُنْفَرِدُ فَلَا سَهْوَ عَلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 355 الْجَهْرِيَّةِ إذَا فَاتَتْ وَقَضَاهَا نَهَارًا كَمَا هُوَ حُكْمُ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَحْكِي الْأَدَاءَ، وَالْجَهْرُ أَفْضَلُ، وَصَحَّحَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَالْخَانِيَّةِ وَاخْتَارَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي الْمَبْسُوطِ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ وَصَحَّحَ فِي الْهِدَايَةِ الْإِخْفَاءَ حَتْمًا؛ لِأَنَّ الْجَهْرَ مُخْتَصٌّ إمَّا بِالْجَمَاعَةِ حَتْمًا أَوْ بِالْوَقْتِ فِي حَقِّ الْمُنْفَرِدِ عَلَى وَجْهِ التَّخْيِيرِ وَلَمْ يُوجَدْ أَحَدُهُمَا، وَتَعَقَّبَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِأَنَّ الْحُكْمَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْلُولًا بِعِلَلٍ شَتَّى وَعِلَّةُ الْجَهْرِ هُنَا أَنَّ الْقَضَاءَ يَحْكِي الْأَدَاءَ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُؤَذِّنُ وَيُقِيمُ لِلْقَضَاءِ كَالْأَدَاءِ وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ، وَلَوْ سُبِقَ رَجُلٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِرَكْعَةٍ، ثُمَّ قَامَ لِقَضَاءِ مَا فَاتَهُ كَانَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ الْجَهْرَ، وَإِنْ شَاءَ خَافَتَ كَالْمُنْفَرِدِ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ، وَفِي الْخُلَاصَةِ عَنْ الْأَصْلِ: رَجُلٌ يُصَلِّي وَحْدَهُ فَجَاءَ رَجُلٌ وَاقْتَدَى بِهِ بَعْدَ مَا قَرَأَ الْفَاتِحَةَ أَوْ بَعْضَهَا يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ ثَانِيًا وَيَجْهَرُ اهـ. يَعْنِي إذَا كَانَتْ الصَّلَاةُ جَهْرِيَّةً وَلَمْ يَجْهَرْ الْمُصَلِّي، وَوَجْهُهُ: أَنَّ الْجَهْرَ فِيمَا بَقِيَ صَارَ وَاجِبًا بِالِاقْتِدَاءِ وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْمُخَافَتَةِ فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ شَنِيعٌ، وَقَيَّدَ الْمُصَنِّفُ بِالْقِرَاءَةِ؛ لِأَنَّ مَا عَدَاهَا مِنْ الْأَذْكَارِ فِيهِ تَفْصِيلٌ إنْ كَانَ ذِكْرًا وَجَبَ لِلصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يَجْهَرُ بِهِ كَتَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ وَمَا لَيْسَ بِفَرْضٍ فَمَا وُضِعَ لِلْعَلَامَةِ فَإِنَّهُ يَجْهَرُ بِهِ كَتَكْبِيرَاتِ الِانْتِقَالِ عِنْدَ كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ إذَا كَانَ إمَامًا أَمَّا الْمُنْفَرِدُ وَالْمُقْتَدِي فَلَا يَجْهَرَانِ بِهِ، وَإِنْ كَانَ يَخْتَصُّ بِبَعْضِ الصَّلَاةِ كَتَكْبِيرَاتِ الْعِيدَيْنِ جَهَرَ بِهِ، وَكَذَا الْقُنُوتُ فِي مَذْهَبِ الْعِرَاقِيِّينَ وَاخْتَارَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ الْإِخْفَاءَ بِهِ وَأَمَّا مَا سِوَى ذَلِكَ فَلَا يَجْهَرُ بِهِ مِثْلَ التَّشَهُّدِ وَآمِينَ وَالتَّسْبِيحَاتِ؛ لِأَنَّهَا أَذْكَارٌ لَا يُقْصَدُ بِهَا الْعَلَامَةُ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَلَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ حَدَّ الْجَهْرِ وَالْأَخِفَّاءِ لِلِاخْتِلَافِ مَعَ اخْتِلَافِ التَّصْحِيحِ فَذَهَبَ الْكَرْخِيُّ إلَى أَنَّ أَدْنَى الْجَهْرِ أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ وَأَدْنَى الْمُخَافَتَةِ تَصْحِيحُ الْحُرُوفِ، وَفِي الْبَدَائِعِ: مَا قَالَهُ الْكَرْخِيُّ أَقْيَسُ وَأَصَحُّ، وَفِي كِتَابِ الصَّلَاةِ لِمُحَمَّدٍ إشَارَةٌ إلَيْهِ فَإِنَّهُ قَالَ: إنْ شَاءَ قَرَأَ فِي نَفْسِهِ، وَإِنْ شَاءَ جَهَرَ وَأَسْمَعَ نَفْسَهُ اهـ. وَأَكْثَرُ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ الْجَهْرَ أَنْ يُسْمِعَ غَيْرَهُ وَالْمُخَافَتَةَ أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ، وَهُوَ قَوْلُ الْهِنْدُوَانِيُّ، وَكَذَا كُلُّ مَا يَتَعَلَّقُ بِالنُّطْقِ كَالتَّسْمِيَةِ عَلَى الذَّبِيحَةِ وَوُجُوبِ السَّجْدَةِ بِالتِّلَاوَةِ وَالْعَتَاقِ وَالطَّلَاقِ وَالِاسْتِثْنَاءِ حَتَّى لَوْ طَلَّقَ وَلَمْ يُسْمِعْ نَفْسَهُ لَا يَقَعُ، وَإِنْ صَحَّحَ الْحُرُوفَ، وَفِي الْخُلَاصَةِ الْإِمَامُ إذَا قَرَأَ فِي صَلَاةِ الْمُخَافَتَةِ بِحَيْثُ سَمِعَ رَجُلٌ أَوْ رَجُلَانِ لَا يَكُونُ جَهْرًا وَالْجَهْرُ أَنْ يَسْمَعَ الْكُلُّ اهـ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: وَاعْلَمْ أَنَّ الْقِرَاءَةَ وَإِنْ كَانَتْ فِعْلَ اللِّسَانِ لَكِنَّ فِعْلَهُ الَّذِي هُوَ كَلَامٌ وَالْكَلَامُ بِالْحُرُوفِ وَالْحُرُوفُ كَيْفِيَّةٌ تَعْرِضُ لِلصَّوْتِ، وَهُوَ أَخَصُّ مِنْ النَّفَسِ فَإِنَّ النَّفَسَ الْمَعْرُوضَ بِالْقَرْعِ فَالْحَرْفُ عَارِضٌ لِلصَّوْتِ لَا لِلنَّفَسِ فَمُجَرَّدُ تَصْحِيحِهَا بِلَا صَوْتٍ   [منحة الخالق] إذَا خَافَتَ فِيمَا يَجْهَرُ لِأَنَّ الْجَهْرَ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَيْهِ، وَكَذَا إذَا جَهَرَ فِيمَا يُخَافَتُ لِأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ وَاجِبًا لِأَنَّ الْمُخَافَتَةَ إنَّمَا وَجَبَتْ لِنَفْيِ الْمُغَالَطَةِ، وَفِي الذَّخِيرَةِ: الْمُنْفَرِدُ إذَا جَهَرَ فِيمَا يُخَافَتُ عَلَيْهِ السَّهْوُ، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا سَهْوَ عَلَيْهِ سَيَأْتِي لِهَذَا مَزِيدٌ فِي سُجُودِ السَّهْوِ، وَاَلَّذِي مَالَ إلَيْهِ فِي النَّهْرِ وَالْفَتْحِ وَشَرْحِ الْمُنْيَةِ وَالْمِنَحِ: عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ فِي وُجُوبِ الْمُخَافَتَةِ (قَوْلُهُ كَمَا هُوَ حُكْمُ الْإِمَامِ) التَّشْبِيهُ فِي أَصْلِ الْجَهْرِ وَإِلَّا فَالْإِمَامُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ الْجَهْرُ كَمَا مَرَّ لَا مُخَيَّرٌ (قَوْلُهُ إلَى أَنَّ أَدْنَى الْجَهْرِ أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ إلَخْ) أَقْحَمَ لَفْظَ أَدْنَى فِي الْمَوْضِعَيْنِ تَبَعًا لِلْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا، وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّ أَعْلَى الْجَهْرِ أَنْ يُسْمِعَ غَيْرَهُ وَأَعْلَى الْمُخَافَتَةِ أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ وَالثَّانِي مُشْكِلٌ لِاقْتِضَائِهِ أَنْ يَكُونَ إسْمَاعُ نَفْسِهِ جَهْرًا وَمُخَافَتَةً مَعَ أَنَّهُمَا مُتَقَابِلَانِ وَلَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ فِي الْقَوْلِ الثَّانِي، وَقَدْ ذُكِرَ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ، وَهُوَ مُشْكِلٌ أَيْضًا لِأَنَّهُ إذَا قِيلَ أَدْنَى الْجَهْرِ أَنْ يُسْمِعَ غَيْرَهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يُرَادَ بِالْغَيْرِ الْوَاحِدُ لِيَكُونَ أَعْلَى الْجَهْرِ إسْمَاعَ الْكَثِيرِ وَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا إذَا قِيلَ أَدْنَى الْمُخَافَتَةِ أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ أَنْ يَكُونَ أَعْلَاهَا أَنْ يُسْمِعَ غَيْرَهُ كَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ فَيَكُونُ إسْمَاعُ الْغَيْرِ جَهْرًا أَوْ مُخَافَتَةً، وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ أَعْلَاهَا تَصْحِيحُ الْحُرُوفِ مَعَ أَنَّهُ قَوْلُ الْكَرْخِيِّ وَلَعَلَّهُ لِهَذَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي الْقَوْلِ الثَّانِي لَكِنْ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ أَنَّ فِي قَوْلِهِ وَأَدْنَى الْمُخَافَتَةِ إسْمَاعُ نَفْسِهِ إشْعَارًا بِأَنَّ أَعْلَى الْمُخَافَتَةِ تَصْحِيحُ الْحُرُوفِ فَقَطْ وَهَذَا قَوْلُ الْكَرْخِيِّ وَأَبِي بَكْرٍ الْأَعْمَشِ وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ وَأَبِي الْحَسَنِ الثَّوْرِيِّ وَأَبِي نَصْرِ بْنِ سَلَّامٍ فَزَادَ أَدْنَى إشَارَةً إلَى أَنَّ قَوْلَ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ غَيْرُ سَاقِطٍ عَنْ حَيِّزِ الِاعْتِبَارِ أَصْلًا اهـ فَلْيُتَأَمَّلْ. وَقَدْ يُجَابُ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ أَعْلَى الْمُخَافَتَةِ لَيْسَ أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ بَلْ أَنْ يَقْرَأَ فِي قَلْبِهِ بِلَا تَحْرِيكِ لِسَانٍ، وَهُوَ الظَّاهِرُ وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: وَلَوْ قَرَأَ بِقَلْبِهِ وَلَمْ يُحَرِّكْ لِسَانَهُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَلَوْ حَرَّكَ لِسَانَهُ بِالْحُرُوفِ أَجْزَأَهُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَسْمَعُ مِنْهُ اهـ. (قَوْلُهُ وَالْجَهْرُ أَنْ يُسْمِعَ الْكُلَّ) قَالَ فِي النَّهْرِ هَذَا مُشْكِلٌ وَجَعَلَهُ فِي الْمِعْرَاجِ قَوْلَ الْفَضْلِيِّ وَكَأَنَّهُ اخْتِيَارٌ لَهُ اهـ. أَقُولُ: ذُكِرَ فِي الْمِعْرَاجِ الْفَضْلِيِّ مَعَ الْهِنْدُوَانِيُّ وَسَيَأْتِي عَنْ الْمُجْتَبَى أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ عِنْدَ الْهِنْدُوَانِيُّ مَا لَمْ تَسْمَعْ أُذُنَاهُ وَمَنْ بِقُرْبِهِ، وَعَلَى هَذَا فَالْمُرَادُ بِقَوْلِ الْخُلَاصَةِ بِحَيْثُ سَمِعَ رَجُلٌ أَوْ رَجُلَانِ مِمَّنْ بِقُرْبِهِ وَبِقَوْلِهَا الْجَهْرُ أَنْ يُسْمِعَ الْكُلَّ أَيْ مَنْ لَيْسَ بِقُرْبِهِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ كُلَّ فَرْدٍ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مُتَعَذِّرًا أَوْ مُتَعَسِّرًا فَظَهَرَ أَنَّ مَا فِي الْخُلَاصَةِ لَا إشْكَالَ فِيهِ بَلْ هُوَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 356 إيمَاءٌ إلَى الْحُرُوفِ بِعَضَلَاتِ الْمَخَارِجِ لَا حُرُوفٍ فَلَا كَلَامَ. بَقِيَ أَنَّ هَذَا لَا يَقْتَضِي أَنْ يَلْزَمَ فِي مَفْهُومِ الْقِرَاءَةِ أَنْ يَصِلَ إلَى السَّمْعِ بَلْ كَوْنُهُ بِحَيْثُ يُسْمَعُ، وَهُوَ قَوْلُ بِشْرٍ الْمَرِيسِيِّ وَلَعَلَّهُ الْمُرَادُ بِقَوْلِ الْهِنْدُوَانِيُّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الظَّاهِرَ سَمَاعُهُ بَعْدَ وُجُودِ الصَّوْتِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَانِعٌ اهـ. فَاخْتَارَ أَنَّ قَوْلَ بِشْرٍ وَالْهِنْدُوَانِي مُتَّحِدَانِ، وَهُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ بَلْ الظَّاهِرُ مِنْ عِبَارَاتِهِمْ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ قَالَ الْكَرْخِيُّ: إنَّ الْقِرَاءَةَ تَصْحِيحُ الْحُرُوفِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الصَّوْتُ بِحَيْثُ يُسْمَعُ، وَقَالَ بِشْرٌ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ يُسْمَعُ، وَقَالَ الْهِنْدُوَانِيُّ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَسْمُوعًا لَهُ، زَادَ فِي الْمُجْتَبَى فِي النَّقْلِ عَنْ الْهِنْدُوَانِيُّ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ مَا لَمْ يَسْمَعْ أُذُنَاهُ وَمَنْ بِقُرْبِهِ اهـ. وَنَقَلَ فِي الذَّخِيرَةِ عَنْ الْحَلْوَانِيِّ أَنَّ الْأَصَحَّ هَذَا، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُجْعَلَ قَوْلًا رَابِعًا بَلْ هُوَ قَوْلُ الْهِنْدُوَانِيُّ الْأَوَّلِ، وَفِي الْعَادَةِ أَنَّ مَا كَانَ مَسْمُوعًا لَهُ يَكُونُ لِمَنْ هُوَ بِقُرْبِهِ أَيْضًا، وَفِي الذَّخِيرَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْقَاضِي عَلَاءِ الدِّينِ فِي شَرْحِ مُخْتَلِفَاتِهِ أَنَّ الْأَصَحَّ عِنْدِي أَنَّ فِي بَعْضِ التَّصَرُّفَاتِ يُكْتَفَى بِسَمَاعِهِ، وَفِي بَعْضِ التَّصَرُّفَاتِ يُشْتَرَطُ سَمَاعُ غَيْرِهِ، مَثَلًا فِي الْبَيْعِ لَوْ أَدْنَى الْمُشْتَرِي صِمَاخَهُ إلَى فَمِ الْبَائِعِ وَسَمِعَ يَكْفِي، وَلَوْ سَمِعَ الْبَائِعُ بِنَفْسِهِ وَلَمْ يُسْمِعْهُ الْمُشْتَرِي لَا يَكْفِي، وَفِيمَا إذَا حَلَفَ: لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا فَنَادَاهُ مِنْ بَعِيدٍ بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُ لَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ نَصَّ عَلَى هَذَا فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ وُجُودُ الْكَلَامِ مَعَهُ وَلَمْ يُوجَدْ. اهـ. . (قَوْلُهُ وَلَوْ تَرَكَ السُّورَةَ أُولَى الْعِشَاءِ قَرَأَهَا فِي الْأُخْرَيَيْنِ مَعَ الْفَاتِحَةِ جَهْرًا، وَلَوْ تَرَكَ الْفَاتِحَةَ لَا) أَيْ لَا يَقْرَؤُهَا فِي الْأُخْرَيَيْنِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَقْضِي وَاحِدَةً مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ إذَا فَاتَ عَنْ وَقْتِهِ لَا يُقْضَى إلَّا بِدَلِيلٍ، وَلَهُمَا: وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْوَجْهَيْنِ: أَنَّ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ شُرِعَتْ عَلَى وَجْهٍ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ السُّورَةُ فَلَوْ قَضَاهَا فِي الْأُخْرَيَيْنِ تَتَرَتَّبُ الْفَاتِحَةُ عَلَى السُّورَةِ، وَهَذَا خِلَافُ الْمَوْضُوعِ بِخِلَافِ مَا إذَا تَرَكَ السُّورَةَ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ قَضَاؤُهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُرَبَّعَةٌ فَالْقَوْلُ الثَّالِثُ مَا رَوَاهُ الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَقْضِيهِمَا، وَقَالَ عِيسَى بْنُ أَبَانَ يَقْضِي الْفَاتِحَةَ دُونَ السُّورَةِ؛ لِأَنَّهَا أَهَمُّ الْأَمْرَيْنِ، وَفِي تَعْبِيرِهِ بِالْخَبَرِ فِي قَوْلِهِ قَرَأَهَا تَبَعًا لِلْجَامِعِ الصَّغِيرِ إشَارَةٌ إلَى الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّ الْأَخْبَارَ فِي الْوُجُوبِ آكَدُ مِنْ الْأَمْرِ وَصَرَّحَ فِي الْأَصْلِ بِالِاسْتِحْبَابِ فَإِنَّهُ قَالَ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَقْضِيَ السُّورَةَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ، وَإِنَّمَا كَانَ   [منحة الخالق] جَارٍ عَلَى قَوْلِ الْهِنْدُوَانِيُّ وَالْفَضْلِيِّ وَانْدَفَعَ مَا قِيلَ إنَّهُ قَوْلٌ آخَرُ غَيْرُ الثَّلَاثَةِ الْآتِيَةِ، تَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ إنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ) أَقُولُ: وَبِهِ صَرَّحَ فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ، وَلَكِنْ قَدْ يُقَالُ يَتَعَيَّنُ مَا قَالَهُ الْكَمَالُ لِأَنَّهُ قَدْ يَحْصُلُ مَانِعٌ مِنْ إسْمَاعِ نَفْسِهِ فَيَلْزَمُ أَنْ لَا يَكُونَ مُخَافَتَةٌ إلَّا بِرَفْعِ صَوْتِهِ جِدًّا، وَهُوَ بَعِيدٌ عَلَى أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ أَصَمَّ فَيُقَالُ عَلَيْهِ مَا حَقِيقَةُ الْمُخَافَتَةِ فِي حَقِّهِ وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا أَنَّهُ اشْتَرَطَ فِي الْجَهْرِ إسْمَاعَ غَيْرِهِ وَكَيْفَ يَسُوغُ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ عَلَى ظَاهِرِهِ حَتَّى لَوْ كَانَ إمَامًا وَكَانَ ثَمَّ مَانِعٌ مِنْ سَمَاعِ صَوْتِهِ أَوْ كَانَ مَنْ اقْتَدَى بِهِ أَصَمُّ هَلْ يُقَالُ إنَّهُ تَرَكَ الْجَهْرَ الْوَاجِبَ وَصَلَاتُهُ نَاقِصَةٌ، وَاَلَّذِي يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ لَا يَقُولُ بِهِ أَحَدٌ، ثُمَّ رَأَيْت الْعَلَّامَةَ خَيْرَ الدِّينِ الرَّمْلِيَّ بَحَثَ فِي فَتَاوِيهِ بِنَحْوِ مَا قُلْته وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ وَذَلِكَ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ نَقْلِهِ كَلَامَ الْبَحْرِ: هَذَا وَدَعْوَى خِلَافِ الظَّاهِرِ لِمَا قَالَهُ الْكَمَالُ بَعِيدٌ إذْ أَغْلَبُ الشُّرَّاحِ لَمْ يَنْقُلُوا فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلًا ثَالِثًا بَلْ اقْتَصَرُوا عَلَى ذِكْرِ الْكَرْخِيِّ وَالْهِنْدُوَانِي مَعَ ظُهُورِ وَجْهِ مَا قَالَهُ الْكَمَالُ وَكَوْنِهِ وَسَطًا إذْ يَبْعُدُ اشْتِرَاطُ حَقِيقَةِ السَّمَاعِ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ آلَتِهِ وَرُبَّمَا تَخَلَّفَ مَعَ حَقِيقَةِ الْجَهْرِ وَلَا بُدَّ مِنْ إرَادَتِهِ تَقْلِيلًا لِلْأَقْوَالِ بَلْ إنْ ادَّعَى وُجُوبَ الْمَصِيرِ إلَيْهِ فَهُوَ مُتَّجِهٌ، بِدَلِيلِ أَنَّ مَنْ بِهِ صَمَمٌ لَا يُسْمِعُ نَفْسَهُ إلَّا بِاسْتِعْمَالِ مَا هُوَ جَهْرٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِ، وَقَدْ لَا يَتَهَيَّأُ مَعَهُ لَهُ ذَلِكَ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الرِّفْقِ وَعَدَمِ الْحَرَجِ فَإِنَّهُ مَعَ التَّعْوِيلِ عَلَى قَوْلِ الْهِنْدُوَانِيُّ وَعَدَمِ اعْتِبَارِ مَا سِوَاهُ مِنْ الْأَقْوَالِ لَوْ أَخَذَ فِيهِ هَذَا الشَّرْطَ لَزِمَ عَدَمُ صِحَّةِ أَكْثَرِ الصَّلَوَاتِ مِنْ كُلِّ خَاصٍّ وَعَامٍّ فَتَبَيَّنَ صِحَّةُ مَا اسْتَظْهَرَهُ الْكَمَالُ بْنُ الْهُمَامِ، وَالْمَحَلُّ مُحْتَمَلٌ لِزِيَادَةِ الْبَحْثِ وَلَكِنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا أَوْلَى لِأَنَّ الْأَسْمَاعَ تُضْرِبُ عَمَّا فِيهِ إطَالَةٌ، وَإِنْ تَعَلَّقَ بِمَبْحَثِ السَّمَاعِ. وَالْحَاصِلُ أَنْ يُقَالَ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ: قَوْلٌ لِلْكَرْخِيِّ وَقَوْلٌ لِلْهِنْدُوَانِيِّ وَالِاعْتِمَادُ عَلَى قَوْلِ الْهِنْدُوَانِيُّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي بَعْضِ التَّصَرُّفَاتِ يُشْتَرَطُ إلَخْ) حَرَّرَ فِي الشرنبلالية عَنْ الْكَافِي وَالْمُحِيطِ أَنَّهُ ضَعِيفٌ، وَأَنَّ الصَّحِيحَ قَوْلُ الشَّيْخَيْنِ أَعْنِي الْهِنْدُوَانِيُّ وَالْفَضْلِيَّ (قَوْلُهُ فَلَوْ قَضَاهَا فِي الْأُخْرَيَيْنِ تَتَرَتَّبُ الْفَاتِحَةُ عَلَى السُّورَةِ) إذْ التَّقْدِيرُ أَنَّهُ قَرَأَ السُّورَةَ، ثُمَّ يَقْضِي الْفَاتِحَةَ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي، وَاَلَّذِي وَقَعَ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي بَعْدَ الَّذِي وَقَعَ فِي الشَّفْعِ الْأَوَّلِ فَتَكُونُ الْفَاتِحَةُ بَعْدَ السُّورَةِ وَهَذَا خِلَافُ الْمَوْضُوعِ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ وَنُوقِضَ بِتَرَتُّبِ الْفَاتِحَةِ الَّتِي فِي الشَّفْعِ الثَّانِي عَلَى السُّورَةِ الَّتِي فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الشَّفْعِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ تَتَرَتَّبُ الْفَاتِحَةُ عَلَى السُّورَةِ، وَهُوَ مَشْرُوعٌ لَا مَحَالَةَ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الدُّعَاءِ وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ عَلَى وَجْهِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 357 مُسْتَحَبًّا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ مُرَاعَاتُهَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فِي الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهَا، وَإِنْ كَانَتْ مُؤَخَّرَةً عَنْ الْفَاتِحَةِ فَهِيَ غَيْرُ مَوْصُولَةٍ بِهَا؛ لِأَنَّ السُّورَةَ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي وَالْفَاتِحَةَ فِي الْأَوَّلِ، وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَالْأَصَحُّ مَا قَالَهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ؛ لِأَنَّهُ آخِرُ التَّصْنِيفَيْنِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَا فِي الْأَصْلِ أَصْرَحُ فَيَجِبُ التَّعْوِيلُ عَلَيْهِ فِي الرِّوَايَةِ. اهـ. وَقَدْ يُقَالُ أَيْضًا: إنَّ الْإِخْبَارَ إنَّمَا يَكُونُ آكَدُ مِنْ الْأَمْرِ لَوْ كَانَ مِنْ الشَّارِعِ أَمَّا مِنْ الْفُقَهَاءِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ بَلْ وَالْأَمْرُ مِنْهُمْ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ فَكَانَ الْمَذْهَبُ الِاسْتِحْبَابَ، ثُمَّ ظَاهِرُ الْكِتَابِ أَنَّهُ يَجْهَرُ بِالسُّورَةِ وَالْفَاتِحَةِ وَجَعَلَهُ الشَّارِحُ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ وَصَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْمُخَافَتَةِ فِي رَكْعَةٍ شَنِيعٌ وَتَغْيِيرُ النَّفْلِ وَهُوَ الْفَاتِحَةُ أَوْلَى وَصَحَّحَ التُّمُرْتَاشِيُّ أَنَّهُ يَجْهَرُ بِالسُّورَةِ فَقَطْ وَجَعَلَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الظَّاهِرَ مِنْ الْجَوَابِ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ الصَّوَابَ قَوْلًا بِعَدَمِ التَّغْيِيرِ وَلَا يَلْزَمُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي رَكْعَةٍ؛ لِأَنَّ السُّورَةَ تَلْتَحِقُ بِمَوْضِعِهَا تَقْدِيرًا، وَلَمْ يُبَيِّنْ كَيْفَ يُرَتِّبُهُمَا؟ فَقِيلَ: يُقَدِّمُ السُّورَةَ، وَقِيلَ: الْفَاتِحَةَ وَيَنْبَغِي تَرْجِيحُهُ، وَفِي قَوْلِهِ مَعَ الْفَاتِحَةِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ إذَا أَرَادَ قَضَاءَ السُّورَةِ لَيْسَ لَهُ تَرْكُ الْفَاتِحَةِ فَتَصِيرُ وَاجِبَةً كَالسُّورَةِ، وَفِيهِ قَوْلَانِ وَيَنْبَغِي تَرْجِيحُ عَدَمِ الْوُجُوبِ كَمَا هُوَ الْأَصْلُ فِيهَا وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِ تَرَكَ الْفَاتِحَةَ فِي الْأُولَيَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ نَسِيَ الْفَاتِحَةَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةِ وَقَرَأَ السُّورَةَ، ثُمَّ تَذَكَّرَ قَبْلَ الرُّكُوعِ فَإِنَّهُ يَأْتِي بِهَا وَيُعِيدُ السُّورَةَ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَتَى بِهَا تَكُونُ فَرْضًا كَالسُّورَةِ فَصَارَ كَمَا لَوْ تَذَكَّر السُّورَةَ فِي الرُّكُوعِ فَإِنَّهُ يَأْتِي بِهَا وَيُعِيدُ الرُّكُوعَ. (قَوْلُهُ وَفَرْضُ الْقِرَاءَةِ آيَةٌ) هِيَ فِي اللُّغَةِ الْعَلَامَةُ الظَّاهِرَةُ وَمِنْ هُنَا سُمِّيَتْ الْمُعْجِزَةُ آيَةً لِدَلَالَتِهَا عَلَى النُّبُوَّةِ وَصِدْقِ مَنْ ظَهَرَتْ عَلَى يَدِهِ، وَتُقَالُ الْآيَةُ لِكُلِّ جُمْلَةٍ دَالَّةٍ عَلَى حُكْمٍ مِنْ أَحْكَامِهِ تَعَالَى وَلِكُلِّ كَلَامٍ مُنْفَصِلٍ عَمَّا قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ بِفَصْلٍ تَوْقِيفِيٍّ لَفْظِيٍّ، وَقِيلَ: جَمَاعَةُ حُرُوفٍ وَكَلِمَاتٍ مِنْ قَوْلِهِمْ: خَرَجَ الْقَوْمُ بِآيَتِهِمْ أَيْ بِجَمَاعَتِهِمْ كَذَا فِي شَرْحِ الْمَصَابِيحِ لِزَيْنِ الْعَرَبِ فِي بَعْضٍ، وَفِي بَعْضِ حَوَاشِي الْكَشَّافِ وَالْآيَةُ طَائِفَةٌ مِنْ الْقُرْآنِ مُتَرْجَمَةٌ، أَقَلُّهَا سِتَّةُ أَحْرُفٍ صُورَةً اهـ. وَيَرُدُّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {لَمْ يَلِدْ} [الإخلاص: 3] فَإِنَّهَا آيَةٌ، وَلِهَذَا جَوَّزَ أَبُو حَنِيفَةَ الصَّلَاةَ بِهَا وَهِيَ خَمْسَةُ أَحْرُفٍ، وَفِي فَرْضِ الْقِرَاءَةِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ: ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا نَقَلَهُ الْمَشَايِخُ مَا فِي الْكِتَابِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ إلَّا أَنَّ مَا دُونَ الْآيَةِ خَارِجٌ مِنْهُ وَإِلَّا آيَةٌ لَيْسَتْ فِي مَعْنَاهُ، وَفِي رِوَايَةٍ: مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْقُرْآنِ وَلَمْ يُشْبِهْ قَصْدَ خِطَابِ أَحَدٍ وَصَحَّحَهُ الْقُدُورِيُّ وَرَجَّحَهُ الشَّارِحُ بِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْقَوَاعِدِ الشَّرْعِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يَنْصَرِفُ إلَى الْأَدْنَى، وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ الْمُطْلَقُ يَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلِ فِي الْمَاهِيَّةِ، وَفِي رِوَايَةٍ: ثَلَاثُ آيَاتٍ قِصَارٍ أَوْ آيَةٌ طَوِيلَةٌ، وَهُوَ قَوْلُهُمَا وَرَجَّحَهُ فِي الْأَسْرَارِ بِأَنَّهُ احْتِيَاطٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ {لَمْ يَلِدْ} [الإخلاص: 3] {ثُمَّ نَظَرَ} [المدثر: 21] لَا يُتَعَارَفُ قُرْآنًا، وَهُوَ قُرْآنٌ حَقِيقَةً فَمِنْ حَيْثُ الْحَقِيقَةِ حُرِّمَتَا عَلَى الْحَائِضِ وَالْجُنُبِ وَمِنْ حَيْثُ الْعَدَمِ لَمْ تَجُزْ الصَّلَاةُ بِهِ حَتَّى يَأْتِيَ بِمَا يَكُونُ قُرْآنًا حَقِيقَةً وَعُرْفًا فَالْأَمْرُ الْمُطْلَقُ لَا يَنْصَرِفُ إلَى مَا لَا يُتَعَارَفُ قُرْآنًا وَالِاحْتِيَاطُ أَمْرٌ حَسَنٌ فِي الْعِبَادَاتِ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي أَنَّ الْخِلَافَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلٍ، وَهُوَ أَنَّ الْحَقِيقَةَ الْمُسْتَعْمَلَةَ أَوْلَى عِنْدَهُ مِنْ الْمَجَازِ الْمُتَعَارَفِ، وَعِنْدَهُمَا بِالْعَكْسِ. أَطْلَقَ الْآيَةَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ أَمَّا مِنْ الْفُقَهَاءِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: لَا يَخْفَى أَنَّ أَمْرَ الْمُجْتَهِدِ نَاشِئٌ مِنْ أَمْرِ الشَّارِعِ فَكَذَا إخْبَارُهُ، نَعَمْ، قَالَ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ: إنَّمَا يَكُونُ دَلِيلًا إذَا كَانَ مُسْتَعْمَلًا فِي الْأَمْرِ الْإِيجَابِيِّ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ وَأَقُولُ: لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الِاسْتِحْبَابَ وَتَكُونُ الْقَرِينَةُ عَلَيْهِ مَا فِي الْأَصْلِ كَمَا أُرِيدَ بِمَا مَرَّ مِنْ قَوْلِهِ افْتَرَشَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى فَخْذَيْهِ وَأَمْثَالِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَهِيَ خَمْسَةُ أَحْرُفٍ) أَيْ خَمْسَةٌ صُورَةً وَلَفْظًا وَإِلَّا فَهِيَ سِتَّةٌ لِأَنَّ أَصْلَ يَلِدُ يُولَدُ قَالَ فِي النَّهْرِ، ثُمَّ قِيلَ: إنَّ آيَ الْإِخْلَاصِ أَرْبَعٌ وَقِيلَ: خَمْسٌ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَا فِي الْحَوَاشِي بِنَاءً عَلَى الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ وَفِيهِ نَظَرٌ إلَخْ) قَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ: الْمُطْلَقَ فِي بَابِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ يَنْصَرِفُ إلَى الْأَدْنَى بِمَعْنَى أَنَّ الْعَبْدَ يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَةِ التَّكْلِيفِ بِهِ لِأَنَّهُ الْمُتَحَقِّقُ، وَأَمَّا الْأَعْلَى الْكَامِلُ فَيَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ خَاصٍّ وَلِذَا اكْتَفَى فِي الْأَمْرِ بِالسُّجُودِ وَالرُّكُوعِ بِمَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ أَصْلُهُمَا دُونَ تَوَقُّفٍ عَلَى الْكَامِلِ مِنْهُمَا وَإِلَّا كَانَتْ الطُّمَأْنِينَةُ فَرْضًا لَا وَاجِبَةً تَأَمَّلْ، وَمَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَرَأَ آيَةً طَوِيلَةً فِي رَكْعَتَيْنِ يَجُوزُ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ وَصَحَّحَهُ فِي الْمُنْيَةِ، يُفِيدُ أَرْجَحِيَّةَ رِوَايَةِ الْقُدُورِيِّ وَتَعْلِيلَ الزَّيْلَعِيِّ لَهَا وَجَوَابَنَا عَنْ النَّظَرِ الْمَذْكُورِ (قَوْلُهُ وَهُوَ أَنَّ الْحَقِيقَةَ الْمُسْتَعْمَلَةَ أَوْلَى إلَخْ) مَعْنَاهُ أَنَّ كَوْنَهُ غَيْرَ قَارِئٍ مَجَازٌ مُتَعَارَفٌ وَكَوْنَهُ قَارِئًا بِذَلِكَ حَقِيقَةٌ مُسْتَعْمَلَةٌ فَإِنَّهُ لَوْ قِيلَ هَذَا قَارِئٌ لَمْ يُخْطِئْ الْمُتَكَلِّمُ نَظَرًا إلَى الْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ مَنَعَ مَا دُونَ الْآيَةِ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ كَوْنِهِ قَارِئًا عُرْفًا، وَأَجَازَ الْآيَةَ الْقَصِيرَةَ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي مَعْنَاهُ أَيْ فِي أَنَّهُ لَا يُعَدُّ بِهِ قَارِئًا بَلْ يُعَدُّ بِهَا قَارِئًا عُرْفًا فَالْحَقُّ أَنَّهُ يَبْتَنِي عَلَى الْخِلَافِ فِي قِيَامِ الْعُرْفِ فِي عَدِّهِ قَارِئًا بِالْقَصِيرَةِ قَالَا: لَا يُعَدُّ، وَهُوَ يَمْنَعُ. نَعَمْ ذَلِكَ مَبْنَاهُ عَلَى رِوَايَةِ مَا يَتَنَاوَلُهُ اسْمُ الْقُرْآنِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 358 فَشَمِلَ الطَّوِيلَةَ وَالْقَصِيرَةَ وَالْكَلِمَةَ الْوَاحِدَةَ وَمَا كَانَ مُسَمَّاهُ حَرْفًا فَيَجُوزُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {ثُمَّ نَظَرَ} [المدثر: 21] {مُدْهَامَّتَانِ} [الرحمن: 64] {ص} [ص: 1] {ق} [ق: 1] {ن} [القلم: 1] وَلَا خِلَافَ فِي الْأَوَّلِ، وَأَمَّا الثَّانِي وَالثَّالِثُ فَفِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يُسَمَّى عَادًّا لَا قَارِئًا كَذَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُونَ، وَهُوَ مُسَلَّمٌ فِي {ص} [ص: 1] وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّ نَحْوَ {ص} [ص: 1] لَيْسَ بِآيَةٍ لِعَدَمِ انْطِبَاقِ تَعْرِيفِهَا عَلَيْهَا، وَأَمَّا فِي نَحْوِ {مُدْهَامَّتَانِ} [الرحمن: 64] فَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَصَاحِبُ الْبَدَائِعِ أَنَّهُ يَجُوزُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافٍ بَيْنَ الْمَشَايِخِ وَمَا وَقَعَ فِي عِبَارَةِ الْمَشَايِخِ مِنْ أَنَّ {ص} [ص: 1] وَنَحْوَهُ حَرْفٌ فَقَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إنَّهُ غَلَطٌ فَإِنَّهَا كَلِمَةٌ مُسَمَّاهَا حَرْفٌ وَلَيْسَ الْمَقْرُوءَ، وَإِنَّمَا الْمَقْرُوءُ صَادٌ وَقَافٌ وَنُونٌ وَأَفَادَ لَوْ قَرَأَ نِصْفَ آيَةٍ طَوِيلَةٍ فِي رَكْعَةٍ وَنِصْفَهَا فِي أُخْرَى فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ مَا قَرَأَ آيَةً طَوِيلَةً، وَفِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ، وَعَامَّتُهُمْ عَلَى الْجَوَازِ؛ لِأَنَّ بَعْضَ هَذِهِ الْآيَاتِ تَزِيدُ عَلَى ثَلَاثِ آيَاتٍ قِصَارٍ أَوْ تَعْدِلُهَا فَلَا يَكُونُ أَدْنَى مِنْ آيَةٍ وَصَحَّحَهُ فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَعُلِمَ مِنْ تَعْلِيلِهِمْ أَنَّ كَوْنَ الْمَقْرُوءِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ النِّصْفَ لَيْسَ بِشَرْطٍ بَلْ أَنْ يَكُونَ الْبَعْضُ الْمَقْرُوءُ يَبْلُغُ مَا يُعَدُّ بِقِرَاءَتِهِ قَارِئًا عُرْفًا وَأَفَادَ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ قَرَأَ نِصْفَ آيَةٍ مَرَّتَيْنِ أَوْ كَلِمَةً وَاحِدَةً مِرَارًا حَتَّى بَلَغَ قَدْرَ آيَةٍ تَامَّةٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ وَأَنَّ مَنْ لَا يُحْسِنُ الْآيَةَ لَا يَلْزَمُهُ التَّكْرَارُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ قَالُوا: وَعِنْدَهُمَا يَلْزَمُهُ التَّكْرَارُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَأَمَّا مَنْ يُحْسِنُ ثَلَاثَ آيَاتٍ إذَا كَرَّرَ آيَةً وَاحِدَةً ثَلَاثًا فَفِي الْمُجْتَبَى أَنَّهُ لَا يَتَأَدَّى بِهِ الْفَرْضُ عِنْدَهُمَا وَذَكَرَ فِي الْخُلَاصَةِ أَنَّ فِيهِ اخْتِلَافَ الْمَشَايِخِ عَلَى قَوْلِهِمَا، وَفِي الْمُضْمَرَات شَرْحِ الْقُدُورِيِّ: اعْلَمْ أَنَّ حِفْظَ قَدْرِ مَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ بِهِ مِنْ الْقُرْآنِ فَرْضُ عَيْنٍ عَلَى الْمُسْلِمِينَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] وَحِفْظُ جَمِيعِ الْقُرْآنِ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَحِفْظُ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ. (قَوْلُهُ وَسُنَّتُهَا فِي السَّفَرِ الْفَاتِحَةُ وَأَيُّ سُورَةٍ شَاءَ) لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَأَ بِالْمُعَوِّذَتَيْنِ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ فِي السَّفَرِ» وَلِأَنَّ السَّفَرَ أَثَّرَ فِي إسْقَاطِ شَطْرِ الصَّلَاةِ فَلَأَنْ يُؤَثِّرَ فِي تَخْفِيفِ الْقِرَاءَةِ أَوْلَى أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ حَالَةَ الضَّرُورَةِ وَالِاخْتِيَارِ وَحَالَةَ الْعَجَلَةِ وَالْقَرَارِ، وَهَكَذَا وَقَعَ الْإِطْلَاقُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى حَالَةِ الْعَجَلَةِ فِي السَّيْرِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ فِي أَمْنٍ وَقَرَارٍ فَإِنَّهُ يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ نَحْوَ سُورَةِ الْبُرُوجِ وَانْشَقَّتْ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ مُرَاعَاةُ السُّنَّةِ مَعَ التَّخْفِيفِ، وَفِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَالظُّهْرُ كَالْفَجْرِ، وَفِي الْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ دُونَ ذَلِكَ، وَفِي الْمَغْرِبِ بِالْقِصَارِ جِدًّا، فَلَيْسَ لَهُ أَصْلٌ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ الرِّوَايَةِ وَلَا مِنْ جِهَةِ الدِّرَايَةِ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَمَا عَلِمْته مِنْ إطْلَاقِ الْجَامِعِ وَعَلَيْهِ أَصْحَابُ الْمُتُونِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْمُسَافِرَ إذَا كَانَ عَلَى أَمْنٍ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَفِي الْمُضْمَرَاتِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ بَعْدَ نَقْلِهِ عِبَارَةَ الْمُضْمَرَاتِ وَأَمَّا الْمَسْنُونُ سَفَرًا أَوْ حَضَرًا فَسَيَأْتِي وَالْمَكْرُوهُ نَقْصُ شَيْءٍ مِنْ الْوَاجِبِ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَحَيْثُ كَانَتْ هَذِهِ الْأَقْسَامُ ثَابِتَةً فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَمَا قِيلَ لَوْ قَرَأَ الْبَقَرَةَ وَنَحْوَهَا وَقَعَ الْكُلُّ فَرْضًا كَإِطَالَةِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ مُشْكِلٌ إذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَتَحَقَّقْ قَدْرُ الْقِرَاءَةِ إلَّا فَرْضًا فَأَيْنَ بَاقِي الْأَقْسَامِ اهـ. وَجَوَابُهُ أَنَّ هَذِهِ الْأَقْسَامَ بِالنَّظَرِ إلَى مَا قَبْلَ الْإِيقَاعِ اهـ. (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ الْفَاتِحَةُ وَأَيُّ سُورَةٍ شَاءَ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَوْ قَالَ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ أَيَّ سُورَةٍ شَاءَ لَكَانَ أَوْلَى إذْ كَلَامُهُ بِظَاهِرِهِ يُفِيدُ أَنَّ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ سُنَّةٌ وَلَيْسَ بِالْوَاقِعِ اهـ. وَالْجَوَابُ: أَنَّ الْمُرَاد أَنَّ قِرَاءَةَ مَا ذَكَرَهُ هِيَ السُّنَّةُ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الْمَقْرُوءِ وَاجِبًا إذْ الشَّيْءُ مَعَ غَيْرِهِ غَيْرُهُ فِي نَفْسِهِ، أَلَا تَرَى إلَى عَدِّهِمْ التَّثْلِيثَ فِي الْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ مِنْ السُّنَنِ مَعَ أَنَّ أَصْلَ الْغُسْلِ فَرْضٌ (قَوْلُهُ فَلَيْسَ لَهُ أَصْلٌ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَقُولُ: الْقِرَاءَةُ فِي الْمُفَصَّلِ سُنَّةٌ وَالْمِقْدَارُ الْخَاصُّ مِنْهُ أُخْرَى، وَقَدْ أَمْكَنَ مُرَاعَاةُ الْأَوْلَى فَأَيُّ مَانِعٍ مِنْ الْإِتْيَانِ بِهَا، وَهَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُفْهَمَ قَوْلُ الْهِدَايَةِ لِإِمْكَانِ مُرَاعَاةِ السُّنَّةِ مَعَ التَّخْفِيفِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ شُرَّاحِهَا كَالنِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا، فَإِنْ قُلْت: إذَا كَانَ فِي أَمَنَةٍ وَقَرَارٍ كَانَ هُوَ وَالْمُقِيمُ سَوَاءً فِي أَنَّهُ لَا مَشَقَّةَ عَلَيْهِ فِي مُرَاعَاةِ سُنِّيَّةِ الْقِرَاءَةِ بِالتَّطْوِيلِ وَالْمُقِيمُ يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ بِأَرْبَعِينَ إلَى سِتِّينَ؟ قُلْت: قِيَامُ السَّفَرِ أَوْجَبَ التَّخْفِيفَ وَالْحُكْمُ يَدُورُ مَعَ الْعِلَّةِ لَا مَعَ الْحُكْمِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْفِطْرُ وَإِنْ كَانَ فِي أَمَنَةٍ وَقَرَارٍ؟ وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ ذِكْرَ نَحْوِ سُورَةِ الْبُرُوجِ وَالِانْشِقَاقِ لَيْسَ لِعَدَدِ آيَاتِهِمَا بَلْ لِأَنَّهُمَا مِنْ طِوَالِ الْمُفَصَّلِ فَانْدَفَعَ بِهِ قَوْلُ أَنَّ التَّحْدِيدَ بِسُورَةِ الْبُرُوجِ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَدَعْوَى أَنَّ السُّنَّةَ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِالْمُوَاظَبَةِ إنْ أُرِيدَ مُطْلَقُهَا مَنَعْنَاهُ أَوْ الْمُؤَكَّدَةُ فَبَعْدَ تَسْلِيمِهِ لَيْسَ مِمَّا الْكَلَامُ فِيهِ وَإِقْرَارُ شُرَّاحِ الْهِدَايَةِ عَلَى مَا فِيهَا وَجَزْمُ الشَّارِحِ بِهِ وَغَيْرِهِ دَلِيلٌ عَلَى تَقْيِيدِ ذَلِكَ الْإِطْلَاقِ اهـ. أَقُولُ: قَوْلُهُ الْقِرَاءَةُ مِنْ الْمُفَصَّلِ سُنَّةٌ إنْ أَرَادَ مُطْلَقَ الْمُفَصَّلِ فَمَمْنُوعٌ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْفَجْرِ وَالسُّنَّةُ فِيهِ طِوَالُ الْمُفَصَّلِ، وَإِنْ أَرَادَ الطِّوَالَ مِنْهُ، وَهُوَ الظَّاهِرُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ آخِرًا بَلْ لِأَنَّهُمَا مِنْ طِوَالِ الْمُفَصَّلِ يَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْبُرُوجَ مِنْ الْأَوْسَاطِ كَمَا سَيَأْتِي عَنْ الْكَافِي فَالظَّاهِرُ مَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ لِلْحَلَبِيِّ مِنْ حَمْلِهِ التَّخْفِيفَ عَلَى أَنَّ الْوَسَطَ فِي الْحَضَرِ يُجْعَلُ طَوِيلًا فِي السَّفَرِ وَلَكِنَّ تَعْبِيرَهُ بِالْوَسَطِ وَالطَّوِيلِ مُحْتَمِلٌ لِمَعْنَيَيْنِ: الْأَوَّلُ أَنَّ الْمُرَادَ الْوَسَطُ مِنْ الْمُفَصَّلِ يُجْعَلُ كَالطِّوَالِ مِنْهُ كَمَا حَمَلَهُ عَلَيْهِ فِي الشرنبلالية وَتَكَلَّفَ إلَى الْجَوَابِ عَنْ الِانْشِقَاقِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 359 وَقَرَارٍ صَارَ كَالْمُقِيمِ سَوَاءً، فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُرَاعِيَ السُّنَّةَ وَالسَّفَرَ، وَإِنْ كَانَ مُؤَثِّرًا فِي التَّخْفِيفِ لَكِنَّ التَّحْدِيدَ بِقَدْرِ سُورَةِ الْبُرُوجِ فِي الْفَجْرِ وَالظُّهْرِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ دَلِيلٍ وَلَمْ يَنْقُلُوهُ وَكَوْنُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَأَ فِي السَّفَرِ شَيْئًا لَا يَدُلُّ عَلَى سُنِّيَّتِهِ إلَّا لَوْ وَاظَبَ عَلَيْهِ وَلَمْ يُوجَدْ فَالظَّاهِرُ الْإِطْلَاقُ وَشَمِلَ سُورَةَ الْكَوْثَرِ فَمَا فِي الْحَاوِي مِنْ تَعْيِينِهِ بِمِقْدَارِ الْمُعَوِّذَتَيْنِ فَصَاعِدًا مُشِيرًا بِذَلِكَ إلَى إخْرَاجِ سُورَةِ الْكَوْثَرِ فَضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ تَعْلِيلَ التَّعْمِيمِ وَالتَّفْوِيضِ إلَى مَشِيئَتِهِ بِدَفْعِ الْحَرَجِ عَنْهُ الْحَاصِلِ مِنْ التَّقْيِيدِ بِسُورَةٍ دُونَ سُورَةٍ يَدُلُّ عَلَى الشُّمُولِ. (قَوْلُهُ وَفِي الْحَضَرِ طِوَالُ الْمُفَصَّلِ لَوْ فَجْرًا أَوْ ظُهْرًا وَأَوْسَاطُهُ لَوْ عَصْرًا أَوْ عِشَاءً وَقِصَارُهُ لَوْ مَغْرِبًا) وَالْأَصْلُ فِيهِ كِتَابُ عُمَرَ إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنْ اقْرَأْ فِي الْفَجْرِ وَالظُّهْرِ بِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ، وَفِي الْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ بِأَوْسَاطِ الْمُفَصَّلِ، وَفِي الْمَغْرِبِ قِصَارُ الْمُفَصَّلِ وَلِأَنَّ مَبْنَى الْمَغْرِبِ عَلَى الْعَجَلَةِ وَالتَّخْفِيفُ أَلْيَقُ بِهَا وَالْعَصْرُ وَالْعِشَاءُ يُسْتَحَبُّ فِيهِمَا التَّأْخِيرُ، وَقَدْ يَقَعَانِ فِي التَّطْوِيلِ فِي وَقْتٍ غَيْرِ مُسْتَحَبٍّ فَيُؤَقَّتُ فِيهِمَا بِالْأَوْسَاطِ، وَالطِّوَالُ وَالْقِصَارُ بِكَسْرِ الْأَوَّلِ فِيهِمَا جَمْعُ طَوِيلَةٍ وَقَصِيرَةٍ كَكِرَامٍ وَكَرِيمَةٍ، وَأَمَّا الطُّوَالُ بِالضَّمِّ فَهُوَ الرَّجُلُ الطَّوِيلُ وَالْأَوْسَاطُ جَمْعُ وَسَطٍ بِفَتْحِ السِّينِ مَا بَيْنَ الْقِصَارِ وَالطِّوَالِ وَلَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ الْمُفَصَّلَ لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ، وَاَلَّذِي عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا أَنَّهُ مِنْ الْحُجُرَاتِ إلَى وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ طِوَالٌ، وَمِنْهَا إلَى لَمْ يَكُنْ أَوْسَاطٌ، وَمِنْهَا آخِرَ الْقُرْآنِ قِصَارٌ وَبِهِ صَرَّحَ فِي النُّقَايَةِ وَسُمِّيَ مُفَصَّلًا لِكَثْرَةِ الْفُصُولِ فِيهِ، وَقِيلَ لِقِلَّةِ النُّسُوخِ فِيهِ وَأَطْلَقَ فَشَمِلَ الْإِمَامَ وَالْمُنْفَرِدَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُجْتَبَى مِنْ أَنَّهُ يُسَنُّ فِي حَقِّ الْمُنْفَرِدِ مَا يُسَنُّ فِي حَقِّ الْإِمَامِ مِنْ الْقِرَاءَةِ، وَأَفَادَ أَنَّ الْقِرَاءَةَ فِي الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ الْمُفَصَّلِ خِلَافُ السُّنَّةِ، وَلِهَذَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ، وَفِي الْفَتَاوَى قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ عَلَى التَّأْلِيفِ فِي الصَّلَاةِ لَا بَأْسَ بِهَا؛ لِأَنَّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانُوا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ عَلَى التَّأْلِيفِ فِي الصَّلَاةِ، وَمَشَايِخُنَا اسْتَحْسَنُوا قِرَاءَةَ الْمُفَصَّلِ لِيَسْتَمِعَ الْقَوْمُ وَيَتَعَلَّمُوا اهـ. وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ عَدَدَ الْآيَاتِ الَّتِي تُقْرَأُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ   [منحة الخالق] الْمَذْكُورَةِ فِي الْهِدَايَةِ فَإِنَّهَا مِنْ الطِّوَالِ فَحَمَلَهُ عَلَى مَا قِيلَ إنَّهَا مِنْ الْأَوْسَاطِ. الثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْأَوْسَطِ مِنْ حَيْثُ الْمِقْدَارُ يُجْعَلُ طَوِيلًا لِلتَّخْفِيفِ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَعَلَى هَذَا فَمَعْنَى قَوْلِ الْهِدَايَةِ لِإِمْكَانِ مُرَاعَاةِ السُّنَّةِ مَعَ التَّخْفِيفِ أَنَّ نَحْوَ الْبُرُوجِ وَانْشَقَّتْ فِيهِ مُرَاعَاةُ السُّنَّةِ فِي الْمِقْدَارِ فِي الْجُمْلَةِ لِأَنَّهُمَا أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِينَ آيَةً مَعَ التَّخْفِيفِ عَنْ طَلَبِ سِتِّينَ آيَةً فَأَكْثَرَ (قَوْلُهُ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا أَنَّهُ مِنْ الْحُجُرَاتِ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ اُخْتُلِفَ فِي أَوَّلِ الْمُفَصَّلِ فَقِيلَ سُورَةُ الْقِتَالِ، وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا الْحُجُرَاتُ فَهُوَ السُّبْعُ الْأَخِيرُ وَقِيلَ مِنْ " ق " وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ أَنَّهُ الْجَاثِيَةُ، وَهُوَ غَرِيبٌ فَالطِّوَالُ مِنْ أَوَّلِهِ عَلَى الْخِلَافِ إلَى الْبُرُوجِ وَالْأَوْسَاطُ مِنْهَا إلَى لَمْ يَكُنْ وَالْقِصَارُ الْبَاقِي، وَقِيلَ الطِّوَالُ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى عَبَسَ وَالْأَوْسَاطُ مِنْهَا إلَى وَالضُّحَى وَالْبَاقِي الْقِصَارُ اهـ. وَقِيلَ غَيْرُهَا قَالَ الرَّمْلِيُّ وَنَظَمَ ابْنُ أَبِي شَرِيفٍ الْأَقْوَالَ فِي الْمُفَصَّلِ فِي بَيْتَيْنِ فَقَالَ مُفَصَّلُ قُرْآنٍ بِأَوَّلِهِ أَتَى ... خِلَافٌ فَصَافَّاتٌ وَقَافٌ وَسَبِّحْ وَجَاثِيَةٌ مُلْكٌ وَصَفٌّ قِتَالُهَا ... وَفَتْحٌ ضُحَى حُجُرَاتُهَا ذَا الْمُصَحَّحْ زَادَ السُّيُوطِيّ فِي الْإِتْقَانِ قَوْلَيْنِ فَأَوْصَلَهَا إلَى اثْنَيْ عَشَرَ قَوْلًا: الرَّحْمَنُ قَالَ حَكَاهُ ابْنُ السَّيِّدِ فِي أَمَالِيهِ عَلَى الْمُوَطَّإِ وَالْإِنْسَانُ اهـ. (تَنْبِيهٌ) الْغَايَةُ لَيْسَتْ مِمَّا قَبْلَهَا فَالْبُرُوجُ مِنْ الْأَوْسَاطِ لَا الطِّوَالِ لِمَا قَالَ فِي الْكَافِي، وَفِي الْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ بِأَوْسَاطِ الْمُفَصَّلِ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَرَأَ فِي الْعَصْرِ فِي الْأُولَى الْبُرُوجَ، وَفِي الثَّانِيَة سُورَةَ الطَّارِقِ» اهـ. كَذَا فِي الشرنبلالية أَقُولُ: وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي النَّهْرِ حَيْثُ قَالَ وَلَا يَخْفَى دُخُولُ الْغَايَةِ فِي الْمُغَيَّا هُنَا اهـ. وَنَقَلَ مِثْلَهُ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ عَنْ الْبُرْجَنْدِيِّ، ثُمَّ قَالَ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ خُرُوجُهَا فِيمَا عَدَا الْآخِرَ لِمَا صَرَّحَ بِهِ الزَّيْلَعِيُّ مِنْ أَنَّ آخِرَ الْمُفَصَّلِ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ بِلَا خِلَافٍ وَيُمْكِنُ إرْجَاعُ كَلَامِ النَّهْرِ وَالْبُرْجُنْدِيِّ إلَيْهِ، وَإِنْ احْتَمَلَتْ الْإِشَارَةُ بِهُنَا إلَى جَمِيعِ حُدُودِ الْمُفَصَّلِ وَلَا مَحْذُورَ فِي التَّوْزِيعِ بِهَذَا الطَّرِيقِ إذَا أَوْصَلَ إلَى التَّوْفِيقِ فَلْيُتَأَمَّلْ. اهـ. وَقَدْ حَمَلَ الرَّمْلِيُّ كَلَامَ النَّهْرِ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا. أَقُولُ: لَكِنَّ كَلَامَ النَّهْرِ فِيمَا مَرَّ صَرِيحٌ فِي أَنَّهَا مِنْ الطِّوَالِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْهِدَايَةِ أَيْضًا عَلَى مَا قَرَّرَهُ فِي عِبَارَتِهَا حَيْثُ رَدَّ عَلَى أَخِيهِ (قَوْلُهُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ عَدَدَ الْآيَاتِ الَّتِي تُقْرَأُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ إلَخْ) لَمْ يُبَيِّنْ أَنَّ الْعَدَدَ الْمَذْكُورَ هَلْ هُوَ سُنَّةٌ أَوْ مُسْتَحَبٌّ وَتَقَدَّمَ عَنْ النَّهْرِ أَنَّ الْقِرَاءَةَ مِنْ الْمُفَصَّلِ سُنَّةٌ وَمِقْدَارُ الْخَاصِّ سُنَّةٌ أُخْرَى لَكِنْ فِي السِّرَاجِ عَنْ الْمُحِيطِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمِقْدَارَ الْمَذْكُورَ مُسْتَحَبٌّ فَإِنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ الْقِرَاءَةَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ: فَرْضٌ وَوَاجِبٌ وَسُنَّةٌ وَمُسْتَحَبٌّ وَمَكْرُوهٌ. وَالْفَرْضُ آيَةٌ، الْوَاجِبُ الْفَاتِحَةُ وَسُورَةٌ، وَالْمَسْنُونُ طِوَالُ الْمُفَصَّلِ فِي الْفَجْرِ وَالظُّهْرِ وَأَوْسَاطُهُ فِي الْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ وَقِصَارُهُ فِي الْمَغْرِبِ، وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ فِي الْفَجْرِ إذَا كَانَ مُقِيمًا فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى قَدْرَ ثَلَاثِينَ آيَةً أَوْ أَرْبَعِينَ سِوَى الْفَاتِحَةِ، وَفِي الثَّانِيَةِ قَدْرَ عِشْرِينَ إلَى ثَلَاثِينَ سِوَى الْفَاتِحَةِ، وَالْمَكْرُوهُ أَنْ يَقْرَأَ الْفَاتِحَةَ وَحْدَهَا أَوْ الْفَاتِحَةَ وَمَعَهَا آيَةٌ أَوْ آيَتَانِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 360 لِاخْتِلَافِ الْآثَارِ وَالْمَشَايِخِ وَالْمَنْقُولُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ سِوَى الْفَاتِحَةِ أَرْبَعِينَ أَوْ خَمْسِينَ أَوْ سِتِّينَ آيَةً وَاقْتَصَرَ فِي الْأَصْلِ عَلَى الْأَرْبَعِينَ وَرَوَى الْحَسَنُ فِي الْمُجَرَّدِ مَا بَيْنَ سِتِّينَ إلَى مِائَةٍ وَوَرَدَتْ الْأَخْبَارُ بِذَلِكَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ قَالُوا يُعْمَلُ بِالرِّوَايَاتِ كُلِّهَا بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ، وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ الْعَمَلِ بِهِ، فَقِيلَ: مَا فِي الْمُجَرَّدِ مِنْ الْمِائَةِ مَحْمَلُ الرَّاغِبِينَ وَمَا فِي الْأَصْلِ مَحْمَلُ الْكَسَالَى أَوْ الضُّعَفَاءِ وَمَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مِنْ السِّتِّينَ مَحْمَلُ الْأَوْسَاطِ، وَقِيلَ: يُنْظَرُ إلَى طُولِ اللَّيَالِيِ وَقِصَرِهَا وَإِلَى كَثْرَةِ الْأَشْغَالِ، وَقِلَّتِهَا قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الْأَوْلَى أَنْ يُجْعَلَ هَذَا مَحْمَلَ اخْتِلَافِ فِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِخِلَافِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ فِعْلُهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا كُسَالَى، فَيُجْعَلُ قَاعِدَةً لِفِعْلِ الْأَئِمَّةِ فِي زَمَانِنَا وَيُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ فِي الْحَضَرِ عَنْ الْأَرْبَعِينَ وَإِنْ كَانُوا كُسَالَى؛ لِأَنَّ الْكُسَالَى مَحْمَلُهَا اهـ. فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ عَنْ الْأَرْبَعِينَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ فِي الْفَجْرِ عَلَى كُلِّ حَالٍ عَلَى جَمِيعِ الْأَقْوَالِ، وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ قَالَ مَشَايِخُنَا إذَا كَانَتْ الْآيَاتُ قِصَارًا فَمِنْ السِّتِّينَ إلَى مِائَةٍ وَإِذَا كَانَتْ أَوْسَاطًا فَخَمْسِينَ وَإِذَا كَانَتْ طِوَالًا فَأَرْبَعِينَ وَجَعَلَ الْمُصَنِّفُ الظُّهْرَ كَالْفَجْرِ، وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ بِالطِّوَالِ وَذُكِرَ فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي مَعْزِيًّا إلَى الْقُدُورِيِّ أَنَّ الظُّهْرَ كَالْعَصْرِ يَقْرَأُ فِيهِ بِالْأَوْسَاطِ وَأَمَّا فِي عَدَدِ الْآيَاتِ فَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ الظُّهْرَ كَالْفَجْرِ فِي الْعَدَدِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي سَعَةِ الْوَقْتِ، وَقَالَ فِي الْأَصْلِ أَوْ دُونَهُ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ الِاشْتِغَالِ فَيَنْقُصُ عَنْهُ تَحَرُّزًا عَنْ الْمَلَالِ وَعَيَّنَهُ فِي الْحَاوِي بِأَنَّهُ دُونَ أَرْبَعِينَ إلَى سِتِّينَ، وَأَمَّا عَدَدُ الْآيِ فِي الْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ فَعِشْرُونَ آيَةً فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنْهُمَا كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ أَوْ خَمْسَةَ عَشَرَ آيَةً فِيهِمَا كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَذَكَرَ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَأَمَّا قَدْرُ مَا فِي الْمَغْرِبِ فَفِي التُّحْفَةِ وَالْبَدَائِعِ سُورَةٌ قَصِيرَةٌ خَمْسُ آيَاتٍ أَوْ سِتُّ آيَاتٍ سِوَى الْفَاتِحَةِ وَعَزَاهُ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ إلَى الْأَصْلِ وَذَكَرَ فِي الْحَاوِي أَنَّ حَدَّ التَّطْوِيلِ فِي الْمَغْرِبِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ خَمْسُ آيَاتٍ أَوْ سُورَةٌ قَصِيرَةٌ وَحْدُ الْوَسَطِ وَالِاخْتِصَارِ سُورَةٌ مِنْ قِصَارِ الْمُفَصَّلِ وَاخْتَارَ فِي الْبَدَائِعِ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْقِرَاءَةِ تَقْدِيرٌ مُعَيَّنٌ بَلْ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْوَقْتِ وَحَالِ الْإِمَامِ وَالْقَوْمِ وَالْجُمْلَةُ فِيهِ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْرَأَ مِقْدَارَ مَا يَخِفُّ عَلَى الْقَوْمِ وَلَا يُثْقِلُ عَلَيْهِمْ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ عَلَى التَّمَامِ وَهَكَذَا فِي الْخُلَاصَةِ. (قَوْلُهُ وَتُطَالُ أُولَى الْفَجْرِ فَقَطْ) بَيَانٌ لِلسُّنَّةِ وَهَذَا أَعْنِي إطَالَةَ الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِنْ الْفَجْرِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ لِلتَّوَارُثِ عَلَى ذَلِكَ مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى يَوْمِنَا هَذَا كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَلِأَنَّهُ وَقْتُ نَوْمٍ وَغَفْلَةٍ فَيُعِينُ الْإِمَامُ الْجَمَاعَةَ بِتَطْوِيلِهَا رَجَاءَ أَنْ يُدْرِكُوهَا؛ لِأَنَّهُ لَا تَفْرِيطَ مِنْهُمْ بِالنَّوْمِ وَلَمْ يُبَيِّنْ الْمُخْتَصَرُ حَدَّ التَّطْوِيلِ وَبَيَّنَهُ فِي الْكَافِي بِأَنْ يَكُونَ التَّفَاوُتُ بِقَدْرِ الثُّلُثِ وَالثُّلُثَيْنِ، الثُّلُثَانِ فِي الْأُولَى وَالثُّلُثُ فِي الثَّانِيَةِ قَالَ وَهَذَا بَيَانُ الِاسْتِحْبَابِ أَمَّا بَيَانُ الْحُكْمِ فَالتَّفَاوُتُ، وَإِنْ كَانَ فَاحِشًا لَا بَأْسَ بِهِ لِوُرُودِ الْأَثَرِ. اهـ. وَاخْتَارَ فِي الْخُلَاصَةِ قَدْرَ النِّصْفِ فَإِنَّهُ قَالَ: وَحَدُّ الْإِطَالَةِ فِي الْفَجْرِ أَنْ يَقْرَأَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ عِشْرِينَ إلَى ثَلَاثِينَ، وَفِي الْأُولَى مِنْ ثَلَاثِينَ إلَى سِتِّينَ آيَةً، وَفِي قَوْلِهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُسَنُّ التَّطْوِيلُ فِي غَيْرِ الْفَجْرِ، وَهُوَ قَوْلُهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ لِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كَانَ يُطَوِّلُ الرَّكْعَةَ الْأُولَى مِنْ الظُّهْرِ وَيُقَصِّرُ الثَّانِيَةَ وَهَكَذَا فِي الْعَصْرِ وَهَكَذَا فِي الصُّبْحِ» وَاسْتَدَلَّ لِلْمَذْهَبِ بِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كَانَ يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ فِي الْأُولَيَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قَدْرَ ثَلَاثِينَ آيَةً، وَفِي الْعَصْرِ فِي الْأُولَيَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ خَمْسَ عَشَرَ آيَةً» فَإِنَّهُ نَصٌّ ظَاهِرٌ فِي   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَقِيلَ يَنْظُرُ إلَخْ) أَيْ فَيَقْرَأُ فِي الشِّتَاءِ مِائَةً، وَفِي الصَّيْفِ أَرْبَعِينَ، وَفِي الْخَرِيفِ وَالرَّبِيعِ خَمْسِينَ إلَى سِتِّينَ كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَقُولُ: يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِالْكُسَالَى الضُّعَفَاءُ وَلَا يُنْكَرُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ فِي أَصْحَابِهِ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ الضُّعَفَاءُ فَجَازَ أَنَّهُ كَانَ يُرَاعِي حَالَهُمْ إذَا صَلُّوا مَعَهُ (قَوْلُهُ وَاخْتَارَ فِي الْبَدَائِعِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَعَمَلُ النَّاسِ الْيَوْمَ عَلَى مَا اخْتَارَهُ فِي الْبَدَائِعِ. (قَوْلُهُ بَيَانٌ لِلسُّنَّةِ) وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ الْبَهْنَسِيُّ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى مِنْ أَنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ فَغَرِيبٌ وَلِذَا قَالَ تِلْمِيذُهُ الْبَاقَانِيُّ فِي شَرْحِهِ، وَفِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ مِنْ كُتُبِ الْمَذْهَبِ أَنَّ إطَالَةَ الرَّكْعَةِ الْأُولَى عَلَى الثَّانِيَةِ مَسْنُونَةٌ وَلَمْ أَرَ فِي الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ فِي الْمَذْهَبِ مَنْ قَالَ بِالْوُجُوبِ فَلْيُرَاجَعْ اهـ. أَقُولُ: بَلْ نَقَلَ الْحَلَبِيُّ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ الْإِجْمَاعَ عَلَى سُنِّيَّتِهَا. (قَوْلُهُ وَاخْتَارَ فِي الْخُلَاصَةِ قَدْرَ النِّصْفِ) اعْتَرَضَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ بِمَا حَاصِلُهُ: أَنَّ كَلَامَ الْخُلَاصَةِ لَا يُفِيدُ ذَلِكَ وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ كَلَامِ الْكَافِي إذْ لَوْ قَرَأَ فِي الْأُولَى سِتِّينَ، وَفِي الثَّانِيَة ثَلَاثِينَ كَانَ التَّفَاوُتُ بِقَدْرِ الثُّلُثِ وَالثُّلُثَيْنِ، وَلَوْ فَرَضْنَا أَنَّهُ صَرَّحَ فِي الْخُلَاصَةِ بِقَدْرِ النِّصْفِ لَمْ يُنَافِ ذَلِكَ أَيْضًا لِأَنَّ مَا فِي الثَّانِيَةِ نِصْفُ مَا فِي الْأُولَى فَلَيْسَ قَوْلًا آخَرَ مُغَايِرًا لِمَا فِي الْكَافِي كَمَا يُشْعِرُ بِهِ مُقَابَلَتُهُ لَهُ، تَدَبَّرْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 361 الْمُسَاوَاةِ فِي الْقِرَاءَةِ بِخِلَافِ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ فَإِنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ التَّطْوِيلُ فِيهِ نَاشِئًا مِنْ جُمْلَةِ الثَّنَاءِ وَالتَّعَوُّذِ وَالتَّسْمِيَةِ وَقِرَاءَةِ مَا دُونَ الثَّلَاثِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ جَمْعًا بَيْنَ الْمُتَعَارِضَيْنِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ وَبَحَثَ فِيهِ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّ الْحَمْلَ لَا يَتَأَتَّى فِي قَوْلِهِ وَهَكَذَا الصُّبْحُ، وَإِنْ حُمِلَ عَلَى التَّشْبِيهِ فِي أَصْلِ الْإِطَالَةِ لَا فِي قَدْرِهَا فَهُوَ غَيْرُ الْمُتَبَادَرِ وَلِذَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ إنَّهُ أَحَبُّ اهـ. وَتَعَقَّبَهُ تِلْمِيذُهُ الْحَلَبِيُّ بِأَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ قَوْلُهُمَا بِاسْتِنَانِ تَطْوِيلِ الْأُولَى عَلَى الثَّانِيَةِ فِي الْفَجْرِ مِنْ حَيْثُ الْقَدْرِ عَلَى الِاحْتِجَاجِ بِهَذَا الْحَدِيثِ فَإِنَّ لَهُمَا أَنْ يُثْبِتَاهُ بِدَلِيلٍ آخَرَ فَالْأَحَبُّ قَوْلُهُمَا لَا قَوْلُهُ وَحَيْثُ ظَهَرَ قُوَّةُ دَلِيلِهِمَا كَانَ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا فَمَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ مِنْ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ ضَعِيفٌ وَفِي الْمُحِيطِ مَعْزِيًّا إلَى الْفَتَاوَى الْإِمَامُ إذَا طَوَّلَ الْقِرَاءَةَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى لِكَيْ يُدْرِكَهَا النَّاسُ لَا بَأْسَ إذَا كَانَ تَطْوِيلًا لَا يُثْقِلُ عَلَى الْقَوْمِ اهـ. فَأَفَادَ أَنَّ التَّطْوِيلَ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ إنْ كَانَ لِقَصْدِ الْخَيْرِ فَلَيْسَ بِمَكْرُوهٍ وَإِلَّا فَفِيهِ بَأْسٌ، وَهُوَ بِمَعْنَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ أَنَّ الْجُمُعَةَ وَالْعِيدَيْنِ عَلَى الْخِلَافِ، وَهُوَ كَذَلِكَ فِي جَامِعِ الْمَحْبُوبِيِّ، وَفِي نَظْمِ الزَّنْدَوَسْتِيِّ تَسْتَوِي الرَّكْعَتَانِ فِي الْقِرَاءَةِ فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ بِالِاتِّفَاقِ وَقَيَّدَ بِالْأُولَى؛ لِأَنَّ إطَالَةَ الثَّانِيَةِ عَلَى الْأُولَى تُكْرَهُ إجْمَاعًا، وَإِنَّمَا يُكْرَهُ التَّفَاوُتُ بِثَلَاثِ آيَاتٍ، فَإِنْ كَانَ آيَةً أَوْ آيَتَيْنِ لَا يُكْرَهُ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَرَأَ فِي الْمَغْرِبِ بِالْمُعَوِّذَتَيْنِ» وَإِحْدَاهُمَا أَطْوَلُ مِنْ الْأُخْرَى بِآيَةٍ كَذَا فِي الْكَافِي وَيُشْكِلُ عَلَى هَذَا الْحُكْمِ مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ «قِرَاءَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ فِي الْأُولَى بِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى، وَفِي الثَّانِيَةِ بِهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ» مَعَ أَنَّ الثَّانِيَةَ أَطْوَلُ مِنْ الْأُولَى بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِ آيَاتٍ فَإِنَّ الْأُولَى تِسْعَ عَشَرَةَ آيَةً وَالثَّانِيَةَ سِتٌّ وَعِشْرُونَ آيَةً، وَقَدْ يُجَابُ: بِأَنَّ هَذِهِ الْكَرَاهَةَ فِي غَيْرِ مَا وَرَدَتْ بِهِ السُّنَّةُ وَأَمَّا مَا وَرَدَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي شَيْءٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ فَلَا أَوْ الْكَرَاهَةُ تَنْزِيهِيَّةٌ وَفِعْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تَعْلِيمًا لِلْجَوَازِ لَا يُوصَفُ بِهَا وَالْأَوَّلُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِاسْتِنَانِ قِرَاءَةِ هَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَقَيَّدَ بِالْفَرْضِ؛ لِأَنَّهُ يُسَوَّى فِي السُّنَنِ وَالنَّوَافِلِ بَيْنَ رَكَعَاتِهَا فِي الْقِرَاءَةِ إلَّا فِيمَا وَرَدَتْ بِهِ السُّنَّةُ أَوْ الْأَثَرُ كَذَا فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَصَرَّحَ فِي الْمُحِيطِ بِكَرَاهَةِ تَطْوِيلِ رَكْعَةٍ مِنْ التَّطَوُّعِ وَنَقْصِ أُخْرَى وَأَطْلَقَ فِي جَامِعِ الْمَحْبُوبِيِّ عَدَمَ كَرَاهَةِ إطَالَةِ الْأُولَى عَلَى الثَّانِيَةِ فِي السُّنَنِ وَالنَّوَافِلِ؛ لِأَنَّ أَمْرَهَا سَهْلٌ اخْتَارَهُ أَبُو الْيُسْرِ وَمَشَى عَلَيْهِ فِي خِزَانَةِ الْفَتَاوَى كَمَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي فَكَانَ الظَّاهِرُ عَدَمَ الْكَرَاهَةِ. (قَوْلُهُ وَلَمْ يَتَعَيَّنْ شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ لِصَلَاةٍ)   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَلِذَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ إلَخْ) قَالَ الشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ عِبَارَةُ الْخُلَاصَةِ هَكَذَا: وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُطِيلُ الرَّكْعَةَ الْأُولَى عَلَى الثَّانِيَةِ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا وَهَذَا أَحَبُّ كَمَا فِي الْفَجْرِ اهـ. وَهَذَا لَا يُفِيدُ أَنَّ لَفْظَ " هَذَا أَحَبُّ " مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الْخُلَاصَةِ بَلْ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ مِنْ تَتِمَّةِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ اهـ. أَيْ صَاحِبُ الْمُنْيَةِ حَيْثُ قَالَ: وَقَالَ مُحَمَّدٌ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُطِيلَ الْأُولَى عَلَى الثَّانِيَةِ فِي الصَّلَاةِ كُلِّهَا (قَوْلُهُ وَيُشْكِلُ عَلَى هَذَا الْحُكْمِ إلَخْ) قَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ أَقُولُ: فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي لِلْحَلَبِيِّ، وَفِي الْقُنْيَةِ إنْ قَرَأَ فِي الْأُولَى وَالْعَصْرِ، وَفِي الثَّانِيَةِ الْهُمَزَةَ يُكْرَهُ لِأَنَّ الْأُولَى ثَلَاثُ آيَاتٍ وَالثَّانِيَةَ تِسْعُ آيَاتٍ وَتُكْرَهُ الزِّيَادَةُ الْكَثِيرَةُ، وَأَمَّا مَا رُوِيَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَأَ فِي الْأُولَى مِنْ الْجُمُعَةِ سَبِّحْ اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى، وَفِي الثَّانِيَةِ هَلْ أَتَاك حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ فَزَادَ الثَّانِيَةَ عَلَى الْأُولَى بِسَبْعٍ لَكِنَّ السَّبْعَ فِي السُّوَرِ الطِّوَالِ يَسِيرٌ دُونَ الْقِصَارِ لِأَنَّ السِّتَّ هُنَا ضِعْفُ الْأَصْلِ وَالسَّبْعُ ثَمَّةَ أَقَلُّ مِنْ نِصْفِهِ اهـ فَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الْإِطَالَةَ الْمَذْكُورَةَ فَاحِشَةُ الطُّولِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى عَدَدِ الْآيَاتِ اهـ. كَلَامُهُ فِي الشَّرْحِ. وَأَقُولُ: قَوْلُهُ لِأَنَّ السِّتَّ هُنَا أَيْ فِي الْهُمَزَةِ ضِعْفُ الْأَصْلِ أَيْ الْعَصْرِ وَقَوْلُهُ وَالسَّبْعُ ثَمَّةَ أَيْ فِي هَلْ أَتَى أَقَلُّ مِنْ نِصْفِهِ أَيْ الْأَصْلِ الَّذِي هُوَ سَبِّحْ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ اهـ كَلَامُ الرَّمْلِيُّ أَقُولُ: فِي عِبَارَةِ الشَّيْخِ إبْرَاهِيمَ الْحَلَبِيِّ فِي شَرْحِهِ الْكَبِيرِ زِيَادَةٌ يَنْبَغِي ذِكْرُهَا وَذَلِكَ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ كَلَامِ الْقُنْيَةِ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الثَّلَاثَ آيَاتٍ إنَّمَا تُكْرَهُ فِي السُّوَرِ الْقِصَارِ لِظُهُورِ الطُّولِ فِيهَا بِذَلِكَ الْقَدْرِ ظُهُورًا بَيِّنًا، وَهُوَ حَسَنٌ إلَّا أَنَّهُ رُبَّمَا يُتَوَهَّمُ مِنْهُ أَنَّهُ مَتَى كَانَتْ الزِّيَادَةُ بِمَا دُونَ النِّصْفِ لَا تُكْرَهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنَّ الزِّيَادَةَ إذَا كَانَتْ ظَاهِرَةً ظُهُورًا تَامًّا تُكْرَهُ وَإِلَّا فَلَا لِلُزُومِ الْحَرَجِ فِي التَّحَرُّزِ عَنْ الْحَقِيقَةِ، وَلِوُرُودِ مِثْلُ هَذَا فِي الْحَدِيثِ وَلَا تَغْفُلْ عَمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ التَّقْدِيرَ بِالْآيَاتِ إنَّمَا يُعْتَبَرُ عِنْدَ تَقَارُبِهَا، وَأَمَّا عِنْدَ تَفَاوُتِهَا فَالْمُعْتَبَرُ التَّقْدِيرُ بِالْكَلِمَاتِ وَالْحُرُوفِ وَإِلَّا فَأَلَمْ نَشْرَحْ لَك ثَمَانُ آيَاتٍ وَلَمْ يَكُنْ ثَمَانُ آيَاتٍ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَوْ قَرَأَ الْأُولَى فِي الْأُولَى وَالثَّانِيَةَ فِي الثَّانِيَةِ أَنَّهُ يُكْرَهُ لِمَا قُلْنَا مِنْ ظُهُورِ الزِّيَادَةِ وَالطُّولِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ حَيْثُ الْآيُ لَكِنَّهُ مِنْ حَيْثُ الْكَلِمُ وَالْحُرُوفُ وَقِسْ عَلَى هَذَا اهـ. وَبِهَذَا الْمَذْكُورِ مِنْ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ التَّقْدِيرُ بِالْكَلِمَاتِ عِنْدَ التَّفَاوُتِ بِطُولِ الْآيِ وَقِصَرِهَا انْدَفَعَ الْإِشْكَالُ أَيْضًا كَمَا ذَكَرَهُ فِي الشرنبلالية قَالَ إذْ التَّفَاوُتُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 362 لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] أَرَادَ بِعَدَمِ التَّعْيِينِ عَدَمَ الْفَرْضِيَّةِ وَإِلَّا فَالْفَاتِحَةُ مُتَعَيِّنَةٌ عَلَى وَجْهِ الْوُجُوبِ لِكُلِّ صَلَاةٍ، وَأَشَارَ إلَى كَرَاهَةِ تَعْيِينِ سُورَةٍ لِصَلَاةٍ لِمَا فِيهِ مِنْ هَجْرِ الْبَاقِي وَإِيهَامِ التَّفْضِيلِ كَتَعْيِينِ سُورَةِ السَّجْدَةِ وَهَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ فِي فَجْرِ كُلِّ جُمُعَةٍ وَسَبِّحْ اسْمَ رَبِّك وَقُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ فِي الْوِتْرِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُدَاوَمَةَ مَكْرُوهَةٌ مُطْلَقًا سَوَاءٌ اعْتَقَدَ أَنَّ الصَّلَاةَ تَجُوزُ بِغَيْرِهِ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ دَلِيلَ الْكَرَاهَةِ لَمْ يُفَصِّلْ، وَهُوَ إيهَامُ التَّفْضِيلِ وَهَجْرُ الْبَاقِي فَحِينَئِذٍ لَا حَاجَةَ إلَى مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ والإسبيجابي مِنْ أَنَّ الْكَرَاهَةَ إذَا رَآهُ حَتْمًا يُكْرَهُ غَيْرُهُ أَمَّا لَوْ قَرَأَ لِلتَّيْسِيرِ عَلَيْهِ أَوْ تَبَرُّكًا بِقِرَاءَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا كَرَاهَةَ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَقْرَأَ غَيْرَهَا أَحْيَانًا لِئَلَّا يَظُنَّ الْجَاهِلُ أَنَّ غَيْرَهَا لَا يَجُوزُ اهـ. وَالْأَوْلَى أَنْ يُجْعَلَ دَلِيلَ كَرَاهَةِ الْمُدَاوَمَةِ إيهَامُ التَّعْيِينِ لَا هَجْرُ الْبَاقِي؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُ لَوْ لَمْ يَقْرَأْ الْبَاقِي فِي صَلَاةٍ أُخْرَى، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ عَدَمُ الْمُدَاوَمَةِ عَلَى الْعَدَمِ كَمَا يَفْعَلُهُ حَنَفِيَّةُ الْعَصْرِ بَلْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ ذَلِكَ أَحْيَانًا تَبَرُّكًا بِالْمَأْثُورِ فَإِنَّ الْإِيهَامَ يَنْتَفِي بِالتَّرْكِ أَحْيَانًا وَلِذَا قَالُوا: السُّنَّةُ أَنْ يَقْرَأَ فِي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ بِقُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَظَاهِرُ هَذَا إفَادَةُ الْمُوَاظَبَةِ عَلَى ذَلِكَ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِيهَامَ الْمَذْكُورَ مُنْتَفٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُصَلِّي نَفْسِهِ. اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا صَرَّحَ بِهِ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مِنْ كَرَاهَةِ الْمُوَاظَبَةِ عَلَى قِرَاءَةِ السُّوَرِ الثَّلَاثِ فِي الْوِتْرِ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ فِي رَمَضَانَ إمَامًا أَوْ لَا، فَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ إيهَامُ التَّعْيِينِ، وَأَمَّا عَلَى مَا عَلَّلَ بِهِ الْمَشَايِخُ مِنْ هَجْرِ الْبَاقِي فَهُوَ مَوْجُودٌ سَوَاءٌ كَانَ يُصَلِّي وَحْدَهُ أَوْ إمَامًا وَسَوَاءٌ كَانَ فِي الْفَرْضِ أَوْ فِي غَيْرِهِ فَتُكْرَهُ الْمُدَاوَمَةُ مُطْلَقًا. (قَوْلُهُ وَلَا يَقْرَأُ الْمُؤْتَمُّ بَلْ يَسْتَمِعُ وَيُنْصِتُ، وَإِنْ قَرَأَ آيَةَ التَّرْغِيبِ أَوْ التَّرْهِيبِ أَوْ خَطَبَ أَوْ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالنَّائِي كَالْقَرِيبِ) لِلْحَدِيثِ الْمَرْوِيِّ مِنْ طُرُقٍ عَدِيدَةٍ «مَنْ كَانَ لَهُ إمَامٌ فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ» فَكَانَ مُخَصِّصًا لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ} [المزمل: 20] بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ خُصَّ مِنْهُ الْمُدْرِكُ فِي الرُّكُوعِ إجْمَاعًا فَجَازَ تَخْصِيصُهُ بَعْدَهُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَلِعُمُومِ الْحَدِيثِ «لَا صَلَاةَ إلَّا بِقِرَاءَةٍ» فَإِنْ قُلْت: حَيْثُ جَازَ تَخْصِيصُهُ بَعْدَهُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فَيَنْبَغِي تَخْصِيصُ عُمُومِهَا بِالْفَاتِحَةِ عَمَلًا بِخَبَرِ الْفَاتِحَةِ قُلْت: التَّخْصِيصُ الْأَوَّلُ إنَّمَا هُوَ فِي الْمَأْمُورِينَ وَلَمْ يَقَعْ تَخْصِيصٌ لِعُمُومِ الْمَقْرُوءِ فَلَمْ يَجُزْ تَخْصِيصُهُ بِالظَّنِّيِّ، أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الصَّلَاةَ الْجَهْرِيَّةَ وَالسِّرِّيَّةَ، وَفِي الْهِدَايَةِ وَيُسْتَحْسَنُ عَلَى سَبِيلِ الِاحْتِيَاطِ فِيمَا يُرْوَى عَنْ مُحَمَّدٍ وَيُكْرَهُ عِنْدَهُمَا لِمَا فِيهِ مِنْ الْوَعِيدِ وَتَعَقَّبَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِأَنَّ مُحَمَّدًا صَرَّحَ فِي كُتُبِهِ بِعَدَمِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ فِيمَا يَجْهَرُ فِيهِ وَفِيمَا لَا يَجْهَرُ فِيهِ قَالَ وَبِهِ نَأْخُذُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ لَمْ يَجْزِمْ بِأَنَّهُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ بَلْ ظَاهِرُهُ أَنَّهَا رِوَايَةٌ ضَعِيفَةٌ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْحَقُّ أَنَّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ كَقَوْلِهِمَا، وَالْمُرَادُ مِنْ الْكَرَاهَةِ كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ، وَفِي بَعْضِ الْعِبَارَاتِ أَنَّهَا لَا تَحِلُّ خَلْفَهُ، وَإِنَّمَا لَمْ يُطْلِقُوا اسْمَ الْحُرْمَةِ عَلَيْهَا لِمَا عُرِفَ مِنْ أَنَّ أَصْلَهُمْ أَنَّهُمْ لَا يُطْلِقُونَهَا إلَّا إذَا كَانَ الدَّلِيلُ قَطْعِيًّا وَدَعْوَى الِاحْتِيَاطِ فِي الْقِرَاءَةِ خَلْفَهُ مَمْنُوعَةٌ بَلْ الِاحْتِيَاطُ تَرْكُهَا؛ لِأَنَّهُ الْعَمَلُ بِأَقْوَى الدَّلِيلَيْنِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عِدَّةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ فَسَادُ الصَّلَاةِ   [منحة الخالق] بَيْنَ السُّورَتَيْنِ مِنْ حَيْثُ الْكَلِمَاتُ لِتَفَاوُتِ آيَاتِهِمَا فِي الطُّولِ وَالْقِصَرِ مِنْ غَيْرِ تَقَارُبٍ وَتَفَاوُتُهُمَا فِي الْكَلِمَاتِ يَسِيرٌ (قَوْلُهُ وَالْأَوْلَى أَنْ يُجْعَلَ إلَخْ) هَذَا مَأْخُوذٌ مِنْ الْفَتْحِ حَيْثُ قَالَ: فَالْحَقُّ أَنَّهُ أَيْ دَلِيلَ الْكَرَاهَةِ إيهَامُ التَّعْيِينِ اهـ. وَمُقْتَضَى جَعْلِ دَلِيلِ الْكَرَاهَةِ ذَلِكَ دُونَ هَجْرِ الْبَاقِي أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ التَّعْيِينُ لِلْمُنْفَرِدِ لِانْتِفَاءِ الْإِيهَامِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ كَمَا سَيَأْتِي عَنْ الْفَتْحِ مَعَ أَنَّ الْمُؤَلِّفَ لَمْ يَرْضَ بِذَلِكَ وَنَظَرَ فِيهِ بِمَا سَيَنْقُلُهُ عَنْ غَايَةِ الْبَيَانِ (قَوْلُهُ فَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مَبْنِيٌّ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَقُولُ: قَدْ عَلَّلَ الْمَشَايِخُ بِهِمَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْهِدَايَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا عِلَّةٌ وَاحِدَةٌ لَا عِلَّتَانِ وَبِهَذَا اتَّجَهَ مَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ، وَإِنْ قَرَأَ آيَةَ التَّرْغِيبِ أَوْ التَّرْهِيبِ) أَيْ يَسْتَمِعُ الْمُؤْتَمُّ، وَإِنْ قَرَأَ الْإِمَامُ مَا ذُكِرَ قَالَ فِي النَّهْرِ، وَكَذَا الْإِمَامُ لَا يَشْتَغِلُ بِغَيْرِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ سَوَاءٌ أَمَّ فِي الْفَرْضِ أَوْ النَّفْلِ أَمَّا الْمُنْفَرِدُ فَفِي الْفَرْضِ كَذَلِكَ، وَفِي النَّفْلِ يَسْأَلُ الْجَنَّةَ وَيَتَعَوَّذُ مِنْ النَّارِ عِنْدَ ذِكْرِهِمَا وَيَتَفَكَّرُ فِي آيَةِ الْمَثَلِ، وَقَدْ ذَكَرُوا فِيهِ حَدِيثَ «حُذَيْفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَإِنَّهُ صَلَّى مَعَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَمَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا ذِكْرُ الْجَنَّةِ إلَّا سَأَلَ فِيهَا وَمَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا ذِكْرُ النَّارِ إلَّا تَعَوَّذَ فِيهَا» وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْإِمَامَ يَفْعَلُ فِي النَّافِلَةِ، وَهُمْ صَرَّحُوا بِالْمَنْعِ إلَّا أَنَّهُمْ عَلَّلُوا بِالتَّطْوِيلِ عَلَى الْمُقْتَدِي وَعَلَى هَذَا لَوْ أَمَّ مَنْ يُطْلَبُ مِنْهُ ذَلِكَ فَعَلَهُ يَعْنِي فِي التَّرَاوِيحِ وَالْكُسُوفِ وَإِلَّا فَالتَّجَمُّعُ فِي النَّافِلَةِ مَكْرُوهٌ وَفِي غَيْرِهِمَا (قَوْلُهُ وَلَمْ يَقَعْ تَخْصِيصٌ لِعُمُومِ الْمَقْرُوءِ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ فِي الْآيَةِ صِيغَتَيْ عُمُومٍ عَلَامَةُ الْجَمْعِ وَمَا، وَالتَّخْصِيصُ حَصَلَ لِلْأُولَى فَيَلْحَقُهَا التَّخْصِيصُ ثَانِيًا بِخِلَافِ الثَّانِيَةِ (قَوْلُهُ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ) أَيْ فَيَكُونُ مَبْنِيًّا عَلَى مَا قَالُوهُ، وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لِمَذْهَبِهِ مِنْ عَدَمِ جَوَازِ الْجَمْعِ رِعَايَةً لِلِاخْتِصَارِ وَالْأَصْوَبُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ جَارٍ عَلَى مَذْهَبِنَا أَيْضًا بِنَاءً عَلَى مَا اخْتَارَهُ صَاحِبُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 363 بِالْقِرَاءَةِ خَلْفَهُ، فَأَقْوَاهُمَا الْمَنْعُ، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ بَلْ يَسْتَمِعُ وَيُنْصِتُ إلَى آخِرِهِ إلَى أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي الصَّلَاةِ وَهِيَ قَوْله تَعَالَى {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف: 204] وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ التَّفْسِيرِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ نَزَلَتْ فِي الْخُطْبَةِ قَالَ فِي الْكَافِي وَلَا تَنَافِيَ بَيْنَهُمَا فَإِنَّمَا أُمِرُوا بِهِمَا فِيهَا لِمَا فِيهَا مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَحَاصِلُ الْآيَةِ: أَنَّ الْمَطْلُوبَ بِهَا أَمْرَانِ: الِاسْتِمَاعُ وَالسُّكُوتُ فَيُعْمَلُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا وَالْأَوَّلُ يَخُصُّ الْجَهْرِيَّةَ وَالثَّانِي لَا فَيَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ فَيَجِبُ السُّكُوتُ عِنْدَ الْقِرَاءَةِ مُطْلَقًا، وَلَمَّا كَانَ الْعِبْرَةُ إنَّمَا هُوَ لِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا لِخُصُوصِ السَّبَبِ وَجَبَ الِاسْتِمَاعُ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ خَارِجَ الصَّلَاةِ أَيْضًا، وَلِهَذَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ رَجُلٌ يَكْتُبُ الْفِقْهَ وَبِجَنْبِهِ رَجُلٌ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَلَا يُمْكِنُهُ اسْتِمَاعُ الْقُرْآنِ فَالْإِثْمُ عَلَى الْقَارِئِ وَعَلَى هَذَا لَوْ قَرَأَ عَلَى السَّطْحِ فِي اللَّيْلِ جَهْرًا وَالنَّاسُ نِيَامٌ يَأْثَمُ، وَفِي الْقُنْيَةِ وَغَيْرِهَا: الصَّبِيُّ إذَا كَانَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَأَهْلُهُ يَشْتَغِلُونَ بِالْأَعْمَالِ وَلَا يَسْتَمِعُونَ إنْ كَانَ شَرَعُوا فِي الْعَمَلِ قَبْلَ قِرَاءَتِهِ لَا يَأْثَمُونَ وَإِلَّا أَثِمُوا وَقَوْلُهُ " وَإِنْ " لِلْوَصْلِ، وَآيَةُ التَّرْغِيبِ هِيَ مَا كَانَ فِيهَا ذِكْرُ الْجَنَّةِ أَوْ الرَّحْمَةِ، وَآيَةُ التَّرْهِيبِ مَا كَانَ فِيهَا ذِكْرُ النَّارِ، وَالتَّرْهِيبُ التَّخْوِيفُ، وَفِي عِبَارَتِهِ رِعَايَةُ الْأَدَبِ حَيْثُ قَالَ يَسْتَمِعُ وَيُنْصِتُ وَلَمْ يَقُلْ لَا يَسْأَلُ الْجَنَّةَ وَلَا يَتَعَوَّذُ النَّارَ، وَإِنَّمَا لَمْ يَسْأَلْ وَيَتَعَوَّذْ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِخْلَالِ بِفَرْضِ الِاسْتِمَاعِ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَعَدَهُ بِالرَّحْمَةِ إذَا اسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ وَوَعْدُهُ حَتْمٌ وَإِجَابَةُ الدُّعَاءِ غَيْرُ مَجْزُومٍ بِهِ خُصُوصًا الْمُتَشَاغِلُ عَنْ سَمَاعِ الْقُرْآنِ بِالدُّعَاءِ وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ قَرَأَ رَاجِعٌ إلَى الْإِمَامِ، وَكَذَا فِي خَطَبَ وَصَلَّى وَحِينَئِذٍ فَلَفْظُ الْمُؤْتَمِّ حَقِيقَةٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى قَوْلِهِ وَإِنْ قَرَأَ آيَةَ التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ، مَجَازٌ بِاعْتِبَارِ مَا يَئُولَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ وَيَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ الْخَلَلِ فِي عِبَارَةِ الْمُخْتَصَرِ وَاسْتَثْنَى الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى مَا إذَا ذَكَرَ الْخَطِيبُ آيَةَ {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ} [الأحزاب: 56] فَإِنَّ السَّامِعَ يُصَلِّي فِي نَفْسِهِ سِرًّا ائْتِمَارًا لِلْأَمْرِ وَجَعْلُ الْبَعِيدِ كَالْقَرِيبِ لِلْخَطِيبِ فِي أَنَّهُ يَسْكُتُ هُوَ الِاحْتِيَاطُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ (بَابُ الْإِمَامَةِ) اعْلَمْ أَنَّ الْكَلَامَ هُنَا فِي مَوَاضِعَ: الْأَوَّلُ فِي بَيَانِ شَرَائِطِ صِحَّتِهَا. الثَّانِي فِي بَيَانِ شَرَائِطِ كَمَالِهَا. الثَّالِثُ فِي بَيَانِ مَنْ تُكْرَهُ إمَامَتُهُ. الرَّابِعُ فِي بَيَانِ صِفَتِهَا. الْخَامِسُ فِي بَيَانِ أَقَلِّهَا. السَّادِسُ فِي بَيَانِ مَنْ تَجِبُ لَهُ. السَّابِعُ فِي بَيَانِ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ. الثَّامِنُ فِي حِكْمَةِ مَشْرُوعِيَّتِهَا. أَمَّا الْأَوَّلُ فَحَاصِلُهُ مُجْمَلًا مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَنَّهُ مَتَى أَمْكَنَ تَضْمِينُ صَلَاةِ الْمُقْتَدِي فِي صَلَاةِ الْإِمَامِ صَحَّ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ لَا يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ وَالشَّيْءُ إنَّمَا يَتَضَمَّنُ مَا هُوَ مِثْلَهُ أَوْ دُونَهُ وَلَا يَتَضَمَّنُ مَا هُوَ فَوْقَهُ وَسَيَأْتِي بَيَانُهَا مُفَصَّلًا فِي قَوْلِهِ   [منحة الخالق] الْهِدَايَةِ وَغَيْرُهُ مِنْ جَوَازِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فِي سِيَاقِ النَّفْي وَمَا هُنَا كَذَلِكَ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُرَادَ صَاحِبِ الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ وَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ إلَخْ) وَذَلِكَ حَيْثُ قَالَ وَقَوْلُهُ فِي الْمُخْتَصَرِ أَوْ خَطَبَ إلَخْ ظَاهِرُهُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَرَأَ مِنْ قَوْلِهِ: وَإِنْ قَرَأَ آيَةَ التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ فَلَا يَسْتَقِيمُ فِي الْمَعْنَى لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْإِنْصَاتُ وَاجِبًا قَبْلَ الْخُطْبَةِ فَيَصِيرُ مَعْنَى الْكَلَامِ: يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِنْصَاتُ فِيهَا، وَإِنْ قَرَأَ آيَةَ التَّرْغِيبِ أَوْ التَّرْهِيبِ أَوْ خَطَبَ وَأَيْضًا يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ الْخُطْبَةُ وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَاقِعَيْنِ فِي نَفْسِ الصَّلَاةِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ ذَلِكَ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنْ يُنْصِتُوا إذَا خَطَبَ، وَإِنْ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اهـ. قَالَ فِي النَّهْرِ وَأَجَابَ الْعَيْنِيُّ بِأَنَّ فَاعِلَ قَرَأَ هُوَ الْإِمَامُ وَخَطَبَ هُوَ الْخَطِيبُ، وَهُوَ فِي حَالَةِ الْخُطْبَةِ غَيْرُ الْإِمَامِ فَيَكُونُ مِنْ عَطْفِ الْجُمَلِ وَلَا يَلْزَمُ مَا ذُكِرَ، وَأَجَابَ مُنْلَا خُسْرو بِأَنَّ الْمُؤْتَمَّ بِمَعْنَى مَنْ شَأْنُهُ أَنْ يَأْتَمَّ وَقَوْلُهُ أَوْ خَطَبَ عَطْفٌ عَلَى قَرَأَ الْمَحْذُوفِ وَالْمَعْنَى لَا يَقْرَأُ الْمُؤْتَمُّ إذَا قَرَأَ إمَامُهُ بَلْ يَسْتَمِعُ وَيُنْصِتُ، وَإِنْ قَرَأَ آيَةَ تَرْغِيبٍ أَوْ تَرْهِيبٍ، وَلَا يَقْرَأُ الْمُؤْتَمُّ إذَا خَطَبَ إمَامُهُ أَوْ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ يَسْتَمِعُ وَيُنْصِتُ، وَإِنْ قَرَأَ آيَةَ تَرْغِيبٍ أَوْ تَرْهِيبٍ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ مَا قَالَهُ الْعَيْنِيُّ إنَّمَا يَتِمُّ عَلَى التَّجَوُّزِ فِي الْمُؤْتَمِّ وَيَلْزَمُ عَلَى مَا قَالَهُ خُسْرو التَّجَوُّزُ فِي الْإِمَامِ أَيْضًا وَتَقْيِيدُ مَنْعِ الْمُؤْتَمِّ عَنْ الْقِرَاءَةِ بِمَا إذَا خَطَبَ مَعَ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ بِمُجَرَّدِ خُرُوجِهِ لِلْخُطْبَةِ اهـ كَلَامُ النَّهْرِ. وَأَجَابَ ابْنُ كَمَالْ بَاشَا عَنْ اعْتِرَاضِ الزَّيْلَعِيِّ بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ الْخُطْبَةُ قَائِمَةً مَقَامَ رَكْعَتَيْ الظُّهْرِ نَزَّلَ مَنْ حَضَرَهَا مَنْزِلَةَ الْمُؤْتَمِّ فَلَا دَلَالَةَ فِي أَوْ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنْ تَكُونَ الْخُطْبَةُ وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاقِعَتَيْنِ فِي نَفْسِ الصَّلَاةِ وَلَا اتِّجَاهَ لِمَا قِيلَ إنَّهُ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْإِنْصَاتُ وَاجِبًا قَبْلَ الْخُطْبَةِ لِانْعِدَامِ التَّنْزِيلِ الْمَذْكُورِ فَتَدَبَّرْ اهـ. (قَوْلُهُ وَاسْتَثْنَى الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ إلَّا أَنَّ إطْلَاقَهُ يَقْتَضِي عَدَمَهُ قَالَ فِي الْفَتْحِ، وَهُوَ الْأَشْبَهُ وَرُدَّ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَوْ كَتَبَ حَالَةَ الْخُطْبَةِ كُرِهَ أَيْضًا، وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي السِّرَاجِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا يَأْتِي بِمَا يَفُوتُ بِهِ الِاسْتِمَاعُ فَلَا يُشَمِّتُ عَاطِسًا وَلَا يَرُدُّ سَلَامًا [بَابُ الْإِمَامَةِ] [شَرَائِطِ صِحَّة الْإِمَامَة] (بَابُ الْإِمَامَةِ) . وَهِيَ صُغْرَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 364 وَفَسَدَ اقْتِدَاءُ رَجُلٍ بِامْرَأَةٍ إلَى آخِرِهِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَهُوَ أَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ بِنَاءَ الْإِمَامَةِ عَلَى الْفَضِيلَةِ وَالْكَمَالِ فَكُلُّ مَنْ كَانَ أَكْمَلَ وَأَفْضَلَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا وَسَيَأْتِي مُفَصَّلًا مَعَ بَيَانِ مَنْ تُكْرَهُ إمَامَتُهُ. وَأَمَّا صِفَتُهَا فَمَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (الْجَمَاعَةُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ) أَيْ قَوِيَّةٌ تُشْبِهُ الْوَاجِبَ فِي الْقُوَّةِ وَالرَّاجِحُ عِنْدَ أَهْلِ الْمَذْهَبِ الْوُجُوبُ وَنَقَلَهُ فِي الْبَدَائِعِ عَنْ عَامَّةِ مَشَايِخِنَا، وَذَكَرَ هُوَ وَغَيْرُهُ أَنَّ الْقَائِلَ مِنْهُمْ أَنَّهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ لَيْسَ مُخَالِفًا فِي الْحَقِيقَةِ بَلْ فِي الْعِبَارَةِ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ الْمُؤَكَّدَةَ وَالْوَاجِبَ سَوَاءٌ خُصُوصًا مَا كَانَ مِنْ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ، وَدَلِيلُهُ مِنْ السُّنَّةِ الْمُوَاظَبَةُ مِنْ غَيْرِ تَرْكٍ مَعَ النَّكِيرِ عَلَى تَارِكِهَا بِغَيْرِ عُذْرٍ فِي أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ، وَفِي الْمُجْتَبَى وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ أَرَادُوا بِالتَّأْكِيدِ الْوُجُوبَ لِاسْتِدْلَالِهِمْ بِالْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ بِالْوَعِيدِ الشَّدِيدِ بِتَرْكِ الْجَمَاعَةِ وَصَرَّحَ فِي الْمُحِيطِ بِأَنَّهُ لَا يُرَخَّصُ لِأَحَدٍ فِي تَرْكِهَا بِغَيْرِ عُذْرٍ حَتَّى لَوْ تَرَكَهَا أَهْلُ مِصْرٍ يُؤْمَرُونَ بِهَا فَإِنْ ائْتَمَرُوا وَإِلَّا يَحِلُّ مُقَاتَلَتُهُمْ، وَفِي الْقُنْيَةِ وَغَيْرِهَا بِأَنَّهُ يَجِبُ التَّعْزِيرُ عَلَى تَارِكِهَا بِغَيْرِ عُذْرٍ وَيَأْثَمُ الْجِيرَانُ بِالسُّكُوتِ، وَفِيهَا لَوْ انْتَظَرَ الْإِقَامَةَ لِدُخُولِ الْمَسْجِدِ فَهُوَ مُسِيءٌ، وَفِي الْمُجْتَبَى وَمَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ كُرِهَ لَهُ الِاشْتِغَالُ بِالْعَمَلِ، وَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ حَرَامٌ يَعْنِي حَالَةَ الْأَذَانِ، وَإِنْ عَمِلَ بَعْدَهُ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَا بَأْسَ بِالْإِسْرَاعِ إلَى الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ مَا لَمْ يُجْهِدْ نَفْسَهُ وَالسَّكِينَةُ أَفْضَلُ فِيهَا اهـ. وَفِي الْخُلَاصَةِ يَجُوزُ التَّعْزِيرُ بِأَخْذِ الْمَالِ وَمِنْ ذَلِكَ رَجُلٌ لَا يَحْضُرُ الْجَمَاعَةَ. اهـ. وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَحَلِّهِ أَنَّ مَعْنَاهُ حَبْسُ مَالِهِ عَنْهُ مُدَّةً ثُمَّ دَفْعُهُ لَهُ لَا أَخْذُهُ عَلَى وَجْهِ التَّمَلُّكِ كَمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَذَكَرَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مَعْزِيًّا إلَى الْأَجْنَاسِ أَنَّ تَارِكَ الْجَمَاعَةِ يَسْتَوْجِبُ إسَاءَةً وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ إذَا تَرَكَهَا اسْتِخْفَافًا بِذَلِكَ وَمَجَانَةً، أَمَّا إذَا تَرَكَهَا سَهْوًا أَوْ تَرَكَهَا بِتَأْوِيلٍ بِأَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ مِنْ أَهْلِ   [منحة الخالق] وَكُبْرَى فَالصُّغْرَى اقْتِدَاءُ الْغَيْرِ بِالْمُصَلِّي وَالْكُبْرَى اسْتِحْقَاقُ تَصَرُّفٍ عَامٍّ كَمَا فِي السِّيَرِ. وَاعْلَمْ أَنَّ شَرَائِطَ الْقُدْوَةِ مُفَصَّلَةٌ: الْأُولَى: أَنْ لَا يَتَقَدَّمَ الْمَأْمُومُ عَلَى إمَامِهِ مَعَ اتِّحَادِ الْجِهَةِ، فَإِنْ تَقَدَّمَ مَعَ اخْتِلَافِهَا كَالتَّحَلُّقِ حَوْلَ الْكَعْبَةِ صَحَّ. الثَّانِي: عِلْمُهُ بِانْتِقَالَاتِ إمَامِهِ بِرُؤْيَةٍ أَوْ سَمَاعٍ، فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ يَشْتَبِهُ عَلَيْهِ انْتِقَالَاتُهُ لَمْ يَصِحَّ. الثَّالِثُ: اتِّحَادُ مَوْقِفِهِمَا، فَإِنْ اخْتَلَفَ كَمَا إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا نَهْرٌ أَوْ طَرِيقٌ لَمْ يَصِحَّ وَالْمَسْجِدُ مَكَانٌ وَاحِدٌ وَإِنْ تَبَاعَدَ وَفِنَاؤُهُ مُلْحَقٌ بِهِ. الرَّابِعُ: نِيَّةُ الْمَأْمُومِ الِاقْتِدَاءَ مُقَارِنَةً لِتَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ، فَإِنْ تَأَخَّرَتْ عَنْهُ لَمْ يَصِحَّ. الْخَامِسُ: أَنْ لَا يَكُونَ حَالُ الْإِمَامِ أَدْنَى مِنْ حَالِ الْمَأْمُومِ فِي الشَّرَائِطِ وَالْأَرْكَانِ، فَإِنْ اسْتَوَيَا أَوْ كَانَ حَالُ الْإِمَامِ أَعْلَى صَحَّ وَيُعَادُ عِنْدَ قَوْلِهِ وَفَسَدَ إلَخْ. السَّادِسُ: مُشَارَكَةُ الْإِمَامِ فِي الْأَرْكَانِ، فَإِنْ سَبَقَهُ الْمَأْمُومُ بِرُكْنٍ وَلَمْ يُشَارِكْهُ إمَامُهُ فِيهِ لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ. السَّابِعُ: عَدَمُ مُحَاذَاةِ امْرَأَةٍ لَهُ إنْ نَوَى إمَامُهُ إمَامَتَهَا. الثَّامِنُ: عِلْمُهُ بِحَالِ إمَامِهِ مِنْ إقَامَةٍ وَسَفَرٍ فَلَوْ اقْتَدَى بِإِمَامٍ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ مُقِيمٌ أَوْ مُسَافِرٌ لَمْ تَصِحَّ. التَّاسِعُ: أَنْ يَكُونَ بِحَالٍ يَصِحُّ لَهُ الدُّخُولُ بِنِيَّةِ إمَامِهِ فَلَا يَجُوزُ بِنَاءُ فَرْضٍ عَلَى فَرْضٍ آخَرَ. الْعَاشِرُ: صِحَّةُ صَلَاةِ إمَامِهِ. اهـ. كَذَا فِي هَامِشِ النُّسَخِ الْمُصَحَّحَةِ مَعْزُوًّا إلَى خَطِّ الْمُؤَلِّفِ فِي كِتَابِهِ قُلْتُ وَبَقِيَ شُرُوطُ الْإِمَامَةِ، وَقَدْ عَدَّهَا الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي نُورِ الْإِيضَاحِ فَقَالَ وَشُرُوطُ الْإِمَامَةِ لِلرِّجَالِ الْأَصِحَّاءِ سِتَّةُ أَشْيَاءَ: الْإِسْلَامُ وَالْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ وَالذُّكُورَةُ وَالْقِرَاءَةُ وَالسَّلَامَةُ مِنْ الْأَعْذَارِ كَالرُّعَافِ وَالْفَأْفَأَةِ وَالتَّمْتَمَةِ وَاللَّثَغِ وَفَقْدِ شَرْطٍ كَطَهَارَةٍ وَسَتْرِ عَوْرَةٍ اهـ. وَقَدْ نَظَمْت شُرُوطَ الْقُدْوَةِ وَالْإِمَامَةِ السِّتَّةَ عَشَرَ بِقَوْلِي أَخِي إنْ تَرْمُ إدْرَاكَ شَرْطٍ لِقُدْوَةٍ ... فَذَلِكَ عَشْرٌ قَدْ أَتَاك مُعَدَّدًا تَأَخُّرُ مُؤْتَمٍّ وَعِلْمُ انْتِقَالِ مَنْ ... بِهِ ائْتَمَّ مَعْ كَوْنِ الْمَكَانَيْنِ وَاحِدًا وَكَوْنُ إمَامٍ لَيْسَ دُونَ تَبِيعِهِ ... بِشَرْطٍ وَأَرْكَانٌ وَنِيَّةُ الِاقْتِدَا مُشَارِكَةٌ فِي كُلِّ رُكْنٍ وَعِلْمُهُ ... بِحَالِ إمَامٍ حَلَّ أَمْ سَارَ مُبْعَدًا وَأَنْ لَا تُحَاذِيَهُ الَّتِي مَعَهُ اقْتَدَتْ ... وَصِحَّةُ مَا صَلَّى الْإِمَامُ مَنْ ابْتِدَا كَذَاك اتِّحَادُ الْفَرْضِ هَذَا تَمَامُهَا ... وَسِتُّ شُرُوطٍ لِلْإِمَامَةِ فِي الْمَدَى بُلُوغٌ وَإِسْلَامٌ وَعَقْلٌ ذُكُورَةٌ ... قِرَاءَةُ مُجْزٍ وَانْتِفَا مَانِعٍ اقْتِدَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [صِفَة الْإِمَامَة فِي الصَّلَاة] (قَوْلُهُ وَذَكَرَ هُوَ وَغَيْرُهُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَفِي الْمُفِيدِ الْجَمَاعَةُ وَاجِبَةٌ وَسُنَّةٌ لِوُجُوبِهَا بِالسُّنَّةِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ بَعْضِهِمْ تَسْمِيَتُهَا وَاجِبَةً وَسُنَّةً مُؤَكَّدَةً سَوَاءٌ، إلَّا أَنَّ هَذَا يَقْتَضِي الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّ تَرْكَهَا بِلَا عُذْرٍ يُوجِبُ إثْمًا مَعَ أَنَّهُ قَوْلُ الْعِرَاقِيِّينَ، وَالْخُرَاسَانِيُّونَ عَلَى أَنَّهُ يَأْثَمُ إذَا اعْتَادَ التَّرْكَ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ اهـ. وَفِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ لِلْحَلَبِيِّ وَالْأَحْكَامُ تَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ مِنْ أَنَّ تَارِكَهَا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ يُعَزَّرُ وَتُرَدُّ شَهَادَتُهُ وَيَأْثَمُ الْجِيرَانُ بِالسُّكُوتِ عَنْهُ وَهَذِهِ كُلُّهَا أَحْكَامُ الْوَاجِبِ، وَقَدْ يُوَفَّقُ بِأَنَّ تَرْتِيبَ الْوَعِيدِ فِي الْحَدِيثِ وَهَذِهِ الْأَحْكَامُ مِمَّا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الْوُجُوبِ مُقَيَّدٌ بِالْمُدَاوَمَةِ عَلَى التَّرْكِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا يَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ» وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ «يُصَلُّونَ فِي بُيُوتِهِمْ» كَمَا يُعْطِيهِ ظَاهِرُ إسْنَادِ الْمُضَارِعِ، نَحْوُ بَنُو فُلَانٍ يَأْكُلُونَ الْبُرَّ أَيْ عَادَتُهُمْ فَيَكُونُ الْوَاجِبُ الْحُضُورَ أَحْيَانَا وَالسُّنَّةُ الْمُؤَكَّدَةُ الَّتِي تَقْرُبُ مِنْهُ الْمُوَاظَبَةُ عَلَيْهَا وَحِينَئِذٍ فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ مَا تَقَدَّمَ وَبَيْنَ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «صَلَاةُ الرَّجُلِ فِي الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ عَلَى صَلَاتِهِ فِي بَيْتِهِ أَوْ سُوقِهِ سَبْعًا وَعِشْرِينَ ضِعْفًا» اهـ. (قَوْلُهُ إذَا تَرَكَهَا اسْتِخْفَافًا) أَيْ تَهَاوُنًا وَتَكَاسُلًا وَلَيْسَ الْمُرَادُ حَقِيقَةَ الِاسْتِخْفَافِ الَّذِي هُوَ الِاحْتِقَارُ فَإِنَّهُ كُفْرٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 365 الْأَهْوَاءِ أَوْ مُخَالِفًا لِمَذْهَبِ الْمُقْتَدِي لَا يُرَاعِي مَذْهَبَهُ فَلَا يَسْتَوْجِبُ الْإِسَاءَةَ وَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ اهـ. وَفِي شَرْحِ النُّقَايَةِ عَنْ نَجْمِ الْأَئِمَّةِ رَجُلٌ يَشْتَغِلُ بِتَكْرَارِ الْفِقْهِ لَيْلًا وَنَهَارًا وَلَا يَحْضُرُ الْجَمَاعَةَ لَا يُعْذَرُ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، وَقَالَ أَيْضًا رَجُلٌ يَشْتَغِلُ بِتَكْرَارِ اللُّغَةِ فَتَفُوتُهُ الْجَمَاعَةُ لَا يُعْذَرُ بِخِلَافِ تَكْرَارِ الْفِقْهِ قِيلَ جَوَابُهُ الْأَوَّلُ فِيمَنْ وَاظَبَ عَلَى تَرْكِ الْجَمَاعَةِ تَهَاوُنًا وَالثَّانِي فِيمَنْ لَا يُوَاظِبُ عَلَى تَرْكِهَا اهـ. وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ بَقِيَّةَ أَحْكَامِهَا فَمِنْهَا أَنَّ أَقَلَّهَا اثْنَانِ وَاحِدٌ مَعَ الْإِمَامِ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّهَا مَأْخُوذَةٌ مِنْ الِاجْتِمَاعِ وَهُمَا أَقَلُّ مَا يَتَحَقَّقُ بِهِمَا الِاجْتِمَاعُ وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الِاثْنَانِ فَمَا فَوْقَهُمَا جَمَاعَةٌ» وَهُوَ ضَعِيفٌ كَمَا فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْوَاحِدُ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً حُرًّا أَوْ عَبْدًا أَوْ صَبِيًّا يَعْقِلُ وَلَا عِبْرَةَ بِغَيْرِ الْعَاقِلِ وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ لَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي بِجَمَاعَةٍ وَأَمَّ صَبِيًّا يَعْقِلُ حَنِثَ فِي يَمِينِهِ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ بَيْتِهِ حَتَّى لَوْ صَلَّى فِي بَيْتِهِ بِزَوْجَتِهِ أَوْ جَارِيَتِهِ أَوْ وَلَدِهِ فَقَدْ أَتَى بِفَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ، وَمِنْهَا أَنَّهَا وَاجِبَةٌ لِلصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ إلَّا لِلْجُمُعَةِ فَإِنَّهَا شَرْطٌ فِيهَا وَتَجِبُ لِصَلَاةِ الْعِيدَيْنِ عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِهَا، وَتُسَنُّ فِيهَا عَلَى الْقَوْلِ بِسُنِّيَّتِهَا، وَفِي الْكُسُوفِ وَالتَّرَاوِيحِ سُنَّةٌ وَسَيَأْتِي أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهَا فِي التَّرَاوِيحِ سُنَّةٌ عَلَى الْكِفَايَةِ وَنَصَّ فِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ عَلَى أَنَّهَا فِيهَا وَاجِبَةٌ وَهُوَ غَرِيبٌ وَيُسْتَحَبُّ فِي الْوِتْرِ فِي رَمَضَانَ عَلَى قَوْلٍ وَلَا يُسْتَحَبُّ فِيهِ عَلَى قَوْلٍ وَهِيَ مَكْرُوهَةٌ فِي صَلَاةِ الْخُسُوفِ وَقِيلَ لَا، وَأَمَّا مَا عَدَا هَذِهِ الْجُمْلَةَ فَفِي الْخُلَاصَةِ الِاقْتِدَاءُ فِي الْوِتْرِ خَارِجَ رَمَضَانَ يُكْرَهُ، وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ وَأَصْلُ هَذَا أَنَّ التَّطَوُّعَ بِالْجَمَاعَةِ إذَا كَانَ عَلَى سَبِيلِ التَّدَاعِي يُكْرَهُ فِي الْأَصْلِ لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ أَمَّا إذَا صَلَّوْا بِجَمَاعَةٍ بِغَيْرِ أَذَانٍ وَإِقَامَةٍ فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ لَا يُكْرَهُ، وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ إنْ كَانَ سِوَى الْإِمَامِ ثَلَاثَةٌ لَا يُكْرَهُ بِالِاتِّفَاقِ، وَفِي الْأَرْبَعِ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُكْرَهُ اهـ. كَذَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْجَمَاعَةَ فِي الْعِيدَيْنِ وَإِنْ كَانَتْ وَاجِبَةً أَوْ سُنَّةً عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِيهَا فَهِيَ شَرْطُ الصِّحَّةِ عَلَى كُلِّ قَوْلٍ؛ لِأَنَّ شَرَائِطَ الْعِيدَيْنِ وُجُوبًا وَصِحَّةً شَرَائِطُ الْجُمُعَةِ إلَّا الْخُطْبَةَ فَلَا تَصِحُّ صَلَاةُ الْعِيدَيْنِ مُنْفَرِدًا كَالْجُمُعَةِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ بُطْلَانِ الْوَصْفِ بُطْلَانُ الْأَصْلِ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَمِنْهَا حُكْمُ تَكْرَارِهَا فِي مَسْجِدٍ وَاحِدٍ فَفِي الْمَجْمَعِ وَلَا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ صَلَّى فِي بَيْتِهِ بِزَوْجَتِهِ إلَخْ) سَيَأْتِي خِلَافُهُ عَنْ الْحَلْوَانِيِّ مِنْ أَنَّهُ لَا يَنَالُ الثَّوَابَ وَيَكُونُ بِدْعَةً وَمَكْرُوهًا لَكِنْ قَالَ فِي الْقُنْيَةِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي إقَامَتِهَا فِي الْبَيْتِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا كَإِقَامَتِهَا فِي الْمَسْجِدِ إلَّا فِي الْفَضْلِيَّةِ وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. اهـ. قُلْتُ وَيَظْهَرُ لِي أَنَّ مَا سَيَأْتِي عَنْ الْحَلْوَانِيِّ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا مَرَّ عَنْهُ فِي الْأَذَانِ مِنْ وُجُوبِ الْإِجَابَةِ بِالْقِدَمِ وَتَقَدَّمَ أَنَّ الظَّاهِرَ خِلَافُهُ فَلِذَا صَحَّحُوا خِلَافَ مَا قَالَهُ هُنَا أَيْضًا. (قَوْلُهُ الِاقْتِدَاءُ فِي الْوِتْرِ خَارِجَ رَمَضَانَ يُكْرَهُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ سَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي الْحَاشِيَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَيُوتِرُ بِجَمَاعَةٍ فِي رَمَضَانَ فَقَطْ وَإِنَّ الْكَرَاهَةَ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ (قَوْلُهُ أَمَّا إذَا صَلَّوْا بِجَمَاعَةٍ إلَخْ) لَا مَحَلَّ لِهَذِهِ الْجُمْلَةِ هُنَا، وَإِنَّمَا مَحِلُّهَا فِيمَا بَعْدُ عِنْدَ ذِكْرِ حُكْمِ تَكْرَارِهَا (قَوْلُهُ وَمِنْهَا حُكْمُ تَكْرَارِهَا فِي مَسْجِدٍ وَاحِدٍ إلَخْ) قَالَ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ رَجُلٌ دَخَلَ مَسْجِدًا قَدْ صَلَّى فِيهِ أَهْلُهُ فَإِنَّهُ يُصَلِّي بِغَيْرِ أَذَانٍ وَإِقَامَةٍ لِأَنَّ فِي تَكْرَارِ الْجَمَاعَةِ تَقْلِيلَهَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ لِأَنَّ أَدَاءَ الصَّلَاةِ بِالْجَمَاعَةِ حَقُّ الْمُسْلِمِينَ وَالْآخَرُونَ فِيهَا كَالْأَوَّلِينَ وَالصَّحِيحُ مَا قُلْنَا وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُمْ إذَا فَاتَتْهُمْ الْجَمَاعَةُ صَلَّوْا وُحْدَانًا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ قَالَ إنَّمَا يُكْرَهُ تَكْرَارُ الْجَمَاعَةِ إذَا كَثُرَ الْقَوْمُ أَمَّا إذَا صَلَّوْا وُحْدَانًا فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ لَا يُكْرَهُ وَهَذَا إذَا كَانَ صَلَّى فِيهِ أَهْلُهُ فَإِنْ صَلَّى فِيهِ قَوْمٌ مِنْ الْغُرَبَاءِ بِالْجَمَاعَةِ فَلِأَهْلِ الْمَسْجِدِ أَنْ يُصَلُّوا بَعْدَهُمْ بِجَمَاعَةٍ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ لِأَنَّ إقَامَةَ الْجَمَاعَةِ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ حَقُّهُمْ، وَلِهَذَا كَانَ لَهُمْ نَصْبُ الْمُؤَذِّنِ وَغَيْرُ ذَلِكَ فَلَا يَبْطُلُ حَقُّهُمْ بِإِقَامَةِ غَيْرِهِمْ وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْمَسْجِدُ عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ، فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَلَا بَأْسَ بِتَكْرَارِ الْجَمَاعَةِ فِيهِ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَهْلٌ مَعْلُومٌ فَكَانَتْ حُرْمَتُهُ أَخَفَّ، وَلِهَذَا لَا يُقَامُ فِيهِ بِاعْتِكَافِ الْوَاجِبِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الرِّبَاطِ فِي الْمَفَاوِزِ وَهُنَاكَ تُعَادُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى فَهَذَا كَذَلِكَ اهـ. بِحُرُوفِهِ وَمِثْلُهُ فِي الْحَقَائِقِ وَقَدَّمْنَا نَحْوَهُ فِي الْأَذَانِ عَنْ الْكَافِي وَالْمِفْتَاحِ وَذَكَرَ مِثْلَهُ الْمُؤَلِّفُ عَنْ السِّرَاجِ، أَقُولُ: وَمُفَادُ هَذِهِ النُّقُولِ كَرَاهَةُ التَّكْرَارِ مُطْلَقًا أَيْ وَلَوْ بِدُونِ أَذَانٍ وَإِقَامَةٍ وَأَنَّ مَعْنَى قَوْلِ قَاضِي خَانْ الْمَارِّ يُصَلِّي بِغَيْرِ أَذَانٍ وَإِقَامَةٍ أَنَّهُ يُصَلِّي مُنْفَرِدًا لَا بِالْجَمَاعَةِ بِدَلِيلِ التَّعْلِيلِ وَالِاسْتِدْلَالِ بِالْمَرْوِيِّ عَنْ الصَّحَابَةِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ وُحْدَانًا اهـ وَحِينَئِذٍ يُشْكِلُ مَا نَقَلَهُ الرَّمْلِيُّ عَنْ رِسَالَةِ الْعَلَّامَةِ السِّنْدِيِّ عَنْ الْمُلْتَقَطِ وَشَرْحِ الْمَجْمَعِ وَشَرْحِ دُرَرِ الْبِحَارِ وَالْعُبَابِ مِنْ أَنَّهُ يَجُوزُ تَكْرَارُ الْجَمَاعَةِ بِلَا أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ ثَانِيَةٍ اتِّفَاقًا. قَالَ وَفِي بَعْضِهَا إجْمَاعًا ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ مَا يَفْعَلُهُ أَهْلُ الْحَرَمَيْنِ مَكْرُوهٌ اتِّفَاقًا وَأَنَّهُ نُقِلَ عَنْ بَعْضِ مَشَايِخِنَا إنْكَارُهُ صَرِيحًا حِينَ حَضَرَ الْمَوْسِمَ بِمَكَّةَ سَنَةَ إحْدَى وَخَمْسِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ مِنْهُمْ الشَّرِيفُ الْغَزْنَوِيُّ وَأَنَّهُ أَفْتَى الْإِمَامُ أَبُو قَاسِمٍ الْجَانُّ الْمَالِكِيُّ سَنَةَ خَمْسِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ بِمَنْعِ الصَّلَاةِ بِأَئِمَّةٍ مُتَعَدِّدَةٍ وَجَمَاعَاتٍ مُتَرَتِّبَةٍ وَعَدَمِ جَوَازِهَا عَلَى مَذْهَبِ الْعُلَمَاءِ الْأَرْبَعَةِ، وَرُدَّ عَلَى مَنْ قَالَ بِخِلَافِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 366 نُكَرِّرُهَا فِي مَسْجِدِ مَحَلَّةٍ بِأَذَانٍ ثَانٍ، وَفِي الْمُجْتَبَى وَيُكْرَهُ تَكْرَارُهَا فِي مَسْجِدٍ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إنَّمَا يُكْرَهُ تَكْرَارُهَا بِقَوْمٍ كَثِيرٍ أَمَّا إذَا صَلَّى وَاحِدٌ بِوَاحِدٍ وَاثْنَيْنِ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَعَنْهُ لَا بَأْسَ بِهِ مُطْلَقًا إذَا صَلَّى فِي غَيْرِ مَقَامِ الْإِمَامِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ إنَّمَا يُكْرَهُ تَكْرَارُهَا عَلَى سَبِيلِ التَّدَاعِي أَمَّا إذَا كَانَ خُفْيَةً فِي زَاوِيَةِ الْمَسْجِدِ لَا بَأْسَ بِهِ، وَقَالَ الْقُدُورِيُّ لَا بَأْسَ بِهَا فِي مَسْجِدٍ فِي قَارِعَةِ الطَّرِيقِ، وَفِي أَمَالِي قَاضِي خَانْ مَسْجِدٌ لَيْسَ لَهُ إمَامٌ وَلَا مُؤَذِّنٌ وَيُصَلِّي النَّاسُ فِيهِ فَوْجًا فَوْجًا فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَ كُلُّ فَرِيقٍ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ عَلَى حِدَةٍ، وَلَوْ صَلَّى بَعْضُ أَهْلِ الْمَسْجِدِ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ مُخَافَتَةً ثُمَّ ظَهَرَ بَقِيَّتُهُمْ فَلَهُمْ أَنْ يُصَلُّوا جَمَاعَةً عَلَى وَجْهِ الْإِعْلَانِ اهـ. وَمِنْهَا أَنَّهَا لَا تَجِبُ إلَّا عَلَى الرِّجَالِ الْبَالِغِينَ الْأَحْرَارِ الْقَادِرِينَ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ حَرَجٍ فَلَا تَجِبُ عَلَى شَيْخٍ كَبِيرٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْمَشْيِ وَمَرِيضٍ وَزَمِنٍ وَأَعْمَى، وَلَوْ وَجَدَ مَنْ يَقُودُهُ وَيَحْمِلُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِمَا عُرِفَ أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِقُدْرَةِ الْغَيْرِ وَحَقَّقَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّهُ اتِّفَاقٌ وَالْخِلَافُ فِي الْجُمُعَةِ لَا الْجَمَاعَةِ وَتَسْقُطُ بِعُذْرِ الْبَرْدِ الشَّدِيدِ وَالظُّلْمَةِ الشَّدِيدَةِ، وَذَكَرَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ أَنَّ مِنْهَا الْمَطَرَ وَالرِّيحَ فِي اللَّيْلَةِ الْمُظْلِمَةِ، وَأَمَّا فِي النَّهَارِ فَلَيْسَتْ الرِّيحُ عُذْرًا وَكَذَا إذَا كَانَ يُدَافِعُ الْأَخْبَثَيْنِ أَوْ أَحَدَهُمَا أَوْ كَانَ إذَا خَرَجَ يَخَافُ أَنْ يَحْبِسَهُ غَرِيمُهُ فِي الدَّيْنِ أَوْ كَانَ يَخَافُ الظُّلْمَةَ أَوْ يُرِيدُ سَفَرًا وَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَيَخْشَى أَنْ تَفُوتَهُ الْقَافِلَةُ أَوْ يَكُونُ قَائِمًا بِمَرِيضٍ أَوْ يَخَافُ ضَيَاعَ مَالِهِ وَكَذَا إذَا حَضَرَ الْعَشَاءُ وَأُقِيمَتْ صَلَاةُ الْعِشَاءِ وَنَفْسُهُ تَتُوقُ إلَيْهِ وَكَذَا إذَا حَضَرَ الطَّعَامُ فِي غَيْرِ وَقْتِ الْعِشَاءِ وَنَفْسُهُ تَتُوقُ إلَيْهِ اهـ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَإِذَا فَاتَتْهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الطَّلَبُ فِي الْمَسَاجِدِ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا بَلْ إنْ أَتَى مَسْجِدًا لِلْجَمَاعَةِ آخَرَ فَحَسَنٌ، وَإِنْ صَلَّى فِي مَسْجِدِ حَيِّهِ مُنْفَرِدًا فَحَسَنٌ، وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ يَجْمَعُ بِأَهْلِهِ وَيُصَلِّي بِهِمْ يَعْنِي وَيَنَالُ ثَوَابَ الْجَمَاعَةِ، وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْأَوْلَى فِي زَمَانِنَا تَتَبُّعُهَا وَسُئِلَ الْحَلْوَانِيُّ عَمَّنْ يَجْمَعُ بِأَهْلِهِ أَحْيَانًا هَلْ يَنَالُ ثَوَابَ الْجَمَاعَةِ أَوْ لَا قَالَ لَا وَيَكُونُ بِدْعَةً وَمَكْرُوهًا بِلَا عُذْرٍ. وَاخْتُلِفَ فِي الْأَفْضَلِ مِنْ جَمَاعَةِ مَسْجِدِ حَيِّهِ وَجَمَاعَةِ الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ وَإِذَا كَانَ مَسْجِدَانِ يَخْتَارُ أَقْدَمَهُمَا فَإِنْ اسْتَوَيَا فَالْأَقْرَبُ فَإِنْ صَلَّوْا فِي الْأَقْرَبِ وَسَمِعَ إقَامَةَ غَيْرِهِ فَإِنْ كَانَ دَخَلَ فِيهِ لَا يَخْرُجُ وَإِلَّا فَيَذْهَبُ إلَيْهِ وَهَذَا عَلَى الْإِطْلَاقِ تَفْرِيعٌ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ الْأَقْرَبِ مُطْلَقًا لَا عَلَى مِنْ فَضَّلَ الْجَامِعَ فَلَوْ كَانَ الرَّجُلُ مُتَفَقِّهًا فَمَجْلِسُ أُسْتَاذِهِ لِدَرْسِهِ أَوْ مَجْلِسُ الْعَامَّةِ أَفْضَلُ بِالِاتِّفَاقِ اهـ. وَأَمَّا حِكْمَةُ مَشْرُوعِيَّتِهَا فَقَدْ ذُكِرَ فِي ذَلِكَ وُجُوهٌ: أَحَدُهَا قِيَامُ نِظَامِ الْأُلْفَةِ بَيْنَ الْمُصَلِّينَ وَلِهَذِهِ الْحِكْمَةِ شُرِعَتْ الْمَسَاجِدُ فِي الْمَحَالِّ لِتَحْصِيلِ التَّعَاهُدِ بِاللِّقَاءِ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ بَيْنَ الْجِيرَانِ، ثَانِيهَا دَفْعُ حَصْرِ النَّفْسِ أَنْ تَشْتَغِلَ بِهَذِهِ الْعِبَادَةِ وَحْدَهَا، ثَالِثُهَا تَعَلُّمُ الْجَاهِلِ مِنْ الْعَالِمِ أَفْعَالَ الصَّلَاةِ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهَا ثَابِتَةٌ بِالْكِتَابِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البقرة: 43] فَهِيَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. وَأَمَّا فَضَائِلُهَا فَفِي السُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ أَنَّ «صَلَاةَ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلَاةَ الْمُنْفَرِدِ بِبِضْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً» ، وَفِي الْمُضْمَرَاتِ أَنَّهُ مَكْتُوبٌ فِي التَّوْرَاةِ صِفَةُ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ وَجَمَاعَتِهِمْ وَأَنَّهُ بِكُلِّ رَجُلٍ فِي صُفُوفِهِمْ تُزَادُ فِي صَلَاتِهِمْ صَلَاةٌ تَعْنِي إذَا كَانُوا أَلْفَ رَجُلٍ يُكْتَبُ لِكُلِّ رَجُلٍ أَلْفُ صَلَاةٍ. (قَوْلُهُ وَالْأَعْلَمُ أَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ) أَيْ أَوْلَى بِهَا وَلَمْ يُبَيِّنْ الْمَعْلُومَ وَفَسَّرَهُ فِي الْمُضْمَرَاتِ بِأَحْكَامِ الصَّلَاةِ، وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ بِمَا يُصْلِحُ الصَّلَاةَ وَيُفْسِدُهَا، وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِالْفِقْهِ وَأَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ وَالظَّاهِرُ هُوَ الْأَوَّلُ وَيَقْرَبُ مِنْهُ الثَّانِي، وَأَمَّا الثَّالِثُ فَمَحْمُولٌ عَلَى الْأَوَّلِ لِظُهُورِ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ الْفِقْهِ غَيْرَ أَحْكَامِ الصَّلَاةِ وَلِهَذَا وَقَعَ فِي عِبَارَةِ أَكْثَرِهِمْ الْأَعْلَمُ بِالسُّنَّةِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ أَحْكَامَ الصَّلَاةِ لَمْ تُسْتَفَدْ إلَّا مِنْ السُّنَّةِ، وَأَمَّا الصَّلَاةُ فِي الْكِتَابِ فَمُجْمَلَةٌ وَقَدَّمَ أَبُو يُوسُفَ   [منحة الخالق] وَنُقِلَ إنْكَارُ ذَلِكَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ حَضَرُوا الْمَوْسِمَ سَنَةَ إحْدَى وَخَمْسِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ اهـ. (قَوْلُهُ وَتَسْقُطُ بِعُذْرِ الْبَرْدِ الشَّدِيدِ إلَخْ) أَقُولُ: قَدْ أَوْصَلَهَا فِي مَتْنِ التَّنْوِيرِ وَشَرْحِهِ الدُّرَّ الْمُخْتَارِ إلَى عِشْرِينَ، وَقَدْ نَظَمْتهَا بِقَوْلِي خُذْ عُدَّ أَعْذَارًا لِتَرْكِ جَمَاعَةٍ ... عِشْرِينَ نَظْمًا قَدْ أَتَى مِثْلَ الدُّرَرْ مَرَضٌ وَإِقْعَادٌ عَمًى وَزَمَانَةٌ ... مَطَرٌ وَطِينٌ ثُمَّ بَرْدٌ قَدْ أَضَرّ قَطْعٌ لِرِجْلٍ مَعَ يَدٍ أَوْ دُونَهَا ... فَلْجٌ وَعَجْزُ الشَّيْخِ قَصْدٌ لِلسَّفَرْ خَوْفٌ عَلَى مَالٍ كَذَا مِنْ ظَالِمٍ ... أَوْ دَائِنٍ وَشَهِيُّ أَكْلٍ قَدْ حَضَرْ وَالرِّيحُ لَيْلًا ظُلْمَةٌ تَمْرِيضُ ذِي ... أَلَمٍ مُدَافَعَةً لِبَوْلٍ أَوْ قَذَرْ ثُمَّ اشْتِغَالٌ لَا بِغَيْرِ الْفِقْهِ فِي ... بَعْضٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ عُذْرٌ مُعْتَبَرْ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 367 الْأَقْرَأَ لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ إسْلَامًا وَلَا يُؤَمُّ الرَّجُلُ فِي سُلْطَانِهِ وَلَا يُقْعَدُ فِي بَيْتِهِ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ» وَأَجَابَ عَنْهُ فِي الْهِدَايَةِ بِأَنَّ أَقْرَأَهُمْ كَانَ أَعْلَمَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَلَقَّوْنَهُ بِأَحْكَامِهِ فَقُدِّمَ فِي الْحَدِيثِ وَلَا كَذَلِكَ فِي زَمَانِنَا فَقَدَّمْنَا الْأَعْلَمَ وَلِأَنَّ الْقِرَاءَةَ يُفْتَقَرُ إلَيْهَا لِرُكْنٍ وَاحِدٍ وَالْعِلْمَ لِسَائِرِ الْأَرْكَانِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَأَحْسَنُ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ لِلْمَذْهَبِ حَدِيثُ «مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ» وَكَانَ ثَمَّةَ مَنْ هُوَ أَقْرَأُ مِنْهُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَقْرَؤُكُمْ أُبَيٌّ» وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ أَعْلَمَهُمْ بِدَلِيلِ قَوْلِ أَبِي سَعِيدٍ كَانَ أَبُو بَكْرٍ أَعْلَمَنَا وَهَذَا آخِرُ الْأَمْرِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي الْخُلَاصَةِ الْأَكْثَرُ عَلَى تَقْدِيمِ الْأَعْلَمِ فَإِنْ كَانَ مُتَبَحِّرًا فِي عِلْمِ الصَّلَاةِ لَكِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَظٌّ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْعُلُومِ فَهُوَ أَوْلَى اهـ. وَقَيَّدَ فِي الْمُجْتَبَى الْأَعْلَمَ بِأَنْ يَكُونَ مُجْتَنِبًا لِلْفَوَاحِشِ الظَّاهِرَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَرِعًا وَقَيَّدَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ تَقْدِيمَ الْأَعْلَمِ بِغَيْرِ الْإِمَامِ الرَّاتِبِ، وَأَمَّا الْإِمَامُ الرَّاتِبُ فَهُوَ أَحَقُّ مِنْ غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ أَفْقَهَ مِنْهُ وَقَيَّدَ الشَّارِحُ وَجَمَاعَةٌ تَقْدِيمَ الْأَعْلَمِ بِأَنْ يَكُونَ حَافِظًا مِنْ الْقُرْآنِ قَدْرَ مَا تَقُومُ بِهِ سُنَّةُ الْقِرَاءَةِ وَقَيَّدَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي بِأَنْ يَكُونَ حَافِظًا قَدْرَ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُخْتَارُ قَوْلًا ثَالِثًا وَهُوَ أَنْ يَكُونَ حَافِظًا لِلْقَدْرِ الْمَفْرُوضِ وَالْوَاجِبِ وَلَمْ أَرَهُ مَنْقُولًا لَكِنَّ الْقَوَاعِدَ لَا تَأْبَاهُ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ مُقْتَضَاهُ الْإِثْمُ بِالتَّرْكِ وَيُوَرِّثُ النُّقْصَانَ فِي الصَّلَاةِ. (قَوْلُهُ ثُمَّ الْأَقْرَأُ) مُحْتَمِلٌ لِشَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ أَحْفَظُهُمْ لِلْقُرْآنِ وَهُوَ الْمُتَبَادَرُ، الثَّانِي أَحْسَنَهُمْ تِلَاوَةً لِلْقُرْآنِ بِاعْتِبَارِ تَجْوِيدِ قِرَاءَتِهِ وَتَرْتِيلِهَا وَقَدْ اقْتَصَرَ الْعَلَّامَةُ تِلْمِيذُ الْمُحَقِّقِ ابْنِ الْهُمَامِ فِي شَرْحِ زَادِ الْفَقِيرِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ ثُمَّ الْأَوْرَعُ) أَيْ الْأَكْثَرُ اجْتِنَابًا لِلشُّبُهَاتِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْوَرَعِ وَالتَّقْوَى أَنَّ الْوَرَعَ اجْتِنَابُ الشُّبُهَاتِ وَالتَّقْوَى اجْتِنَابُ الْمُحَرَّمَاتِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْوَرَعَ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ فِيهِ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ الْهِجْرَةَ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ وَاجِبَةً فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ قَبْلَ الْفَتْحِ فَلَمَّا انْتَسَخَتْ بَعْدَهُ أَقَمْنَا الْوَرَعَ مَقَامَهَا وَاسْتَثْنَى فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ مِنْ نَسْخِ وُجُوبِهَا بَعْدَهُ مَا إذَا أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَإِنَّهُ تَلْزَمُهُ الْهِجْرَةُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ لَكِنَّ الَّذِي نَشَأَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْلَى مِنْهُ إذَا اسْتَوَيَا فِيمَا قَبْلَهَا. (قَوْلُهُ ثُمَّ الْأَسَنُّ) لِحَدِيثِ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ وَلِصَاحِبٍ لَهُ إذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَأَذِّنَا ثُمَّ أَقِيمَا ثُمَّ لِيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا» وَقَدْ اسْتَوَيَا فِي الْهِجْرَةِ وَالْعِلْمِ وَالْقِرَاءَةِ وَعَلَّلَ لَهُ فِي الْبَدَائِعِ بِأَنَّ مَنْ امْتَدَّ عُمُرُهُ فِي الْإِسْلَامِ كَانَ أَكْثَرَ طَاعَةً وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَسَنِّ الْأَقْدَمُ إسْلَامًا وَيَشْهَدُ لَهُ حَدِيثُ الصَّحِيحَيْنِ الْمُتَقَدِّمُ مِنْ قَوْلِهِ «فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ إسْلَامًا» فَعَلَى هَذَا لَا يُقَدَّمُ شَيْخٌ أَسْلَمَ قَرِيبًا عَلَى شَابٍّ نَشَأَ فِي الْإِسْلَامِ أَوْ أَسْلَمَ قَبْلَهُ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ ظَاهِرٌ فِي تَقْدِيمِ الْأَوْرَعِ عَلَى الْأَسَنِّ وَهَكَذَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ، وَفِي الْمُحِيطِ مَا يُخَالِفُهُ فَإِنَّهُ قَالَ: وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَكْبَرَ وَالْآخَرُ أَوْرَعَ فَالْأَكْبَرُ أَوْلَى إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ فِسْقٌ ظَاهِرٌ اهـ.   [منحة الخالق] [الْأَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ فِي الصَّلَاة] (قَوْلُهُ لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ) أَيْ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي تَخْرِيجِ أَحَادِيثِ الْهِدَايَةِ لِلْحَافِظِ ابْنِ حَجَرٍ فَإِنَّهُ لَمْ يَعْزُهُ إلَّا لِمُسْلِمٍ وَالْأَرْبَعَةِ، وَكَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ قَالَ أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ (قَوْلُهُ وَأَجَابَ عَنْهُ فِي الْهِدَايَةِ إلَخْ) قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ نَظَرَ فِيهِ بِرِوَايَةِ الْحَاكِمِ عِوَضَ فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ فَأَفْقَهُهُمْ فِقْهًا وَإِنْ كَانُوا فِي الْفِقْهِ سَوَاءً فَأَكْبَرُهُمْ سِنًّا وَلَوْ صَحَّ فَإِنَّمَا مُفَادُهُ أَنَّ الْأَقْرَأَ أَعْلَمُ بِأَحْكَامِ الْكِتَابِ فَصَارَ الْحَاصِلُ يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ أَيْ أَعْلَمُهُمْ بِالْقِرَاءَةِ وَأَحْكَامِ الْكِتَابِ فَإِنَّهُمَا مُتَلَازِمَانِ عَلَى مَا ادَّعَى وَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ وَالْعِلْمِ بِأَحْكَامِ الْكِتَابِ سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ، وَهَذَا أَوَّلًا يَقْتَضِي فِي رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا مُتَبَحِّرٌ فِي مَسَائِلِ الصَّلَاةِ وَالْآخَرُ مُتَبَحِّرٌ فِي الْقِرَاءَةِ وَسَائِرِ الْعُلُومِ وَمِنْهَا أَحْكَامُ الْكِتَابِ أَنَّ التَّقْدِمَةَ لِلثَّانِي لَكِنَّ الْمُصَرَّحَ فِي الْفُرُوعِ عَكْسُهُ بَعْدَ إحْسَانِ الْقَدْرِ الْمَسْنُونِ، وَالتَّعْلِيلُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ يُفِيدُهُ حَيْثُ قَالَ لِأَنَّ الْعِلْمَ يُحْتَاجُ فِي سَائِرِ الْأَرْكَانِ وَالْقِرَاءَةَ لِرُكْنٍ وَاحِدٍ، وَثَانِيًا يَكُونُ النَّصُّ سَاكِتًا عَنْ الْحَالِ بَيْنَ مَنْ انْفَرَدَ بِالْعِلْمِ عَنْ الْأَقْرَئِيَّةِ بَعْدَ إحْسَانِ الْمَسْنُونِ وَمَنْ انْفَرَدَ بِالْأَقْرَئِيَّةِ عَنْ الْعِلْمِ لَا كَمَا ظَنَّ الْمُصَنِّفُ فَإِنَّهُ لَمْ يُقَدَّمْ الْأَعْلَمُ مُطْلَقًا فِي الْحَدِيثِ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ بَلْ مَنْ اجْتَمَعَ فِيهِ الْأَقْرَئِيَّةُ وَالْأَعْلَمِيَّةُ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّهُ أَرَادَ بِلَفْظِ الْأَقْرَأِ الْأَعْلَمَ فَقَطْ أَيْ الَّذِي لَيْسَ بِأَقْرَأَ مَجَازًا فَيَكُونُ خِلَافَ الظَّاهِرِ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ الْأَقْرَأَ غَيْرَ أَنَّ الْأَقْرَأَ يَكُونُ أَعْلَمَ بِاتِّفَاقِ الْحَالِ إذْ ذَاكَ، فَأَمَّا الْمُنْفَرِدُ بِالْأَقْرَئِيَّةِ وَالْمُنْفَرِدُ بِالْأَعْلَمِيَّةِ فَلَمْ يَتَنَاوَلْهُمَا النَّصُّ فَلَا يَجُوزُ الِاسْتِدْلَال بِهِ عَلَى الْحَالِ بَيْنَهُمَا كَمَا فَعَلَ الْمُصَنِّفُ (قَوْلُهُ وَلَمْ أَرَهُ مَنْقُولًا) قَالَ فِي النَّهْرِ أَقُولُ: ذُكِرَ فِي الدِّرَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمَبْسُوطِ الْأَعْلَمُ أَوْلَى إذَا قَدَرَ عَلَى الْقِرَاءَةِ قَدْرَ مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ، وَهَذَا كَمَا تَرَى صَرِيحٌ فِي اشْتِرَاطِ كَوْنِهِ حَافِظًا لِمِقْدَارِ الْوَاجِبِ أَيْضًا لِظُهُورِ أَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي تَكْمِيلِ صَلَاتِهِ بَلْ حِفْظُ الْمَسْنُونِ يَحْتَاجُ إلَيْهِ أَيْضًا اهـ. أَقُولُ: بِاعْتِرَافِهِ أَنَّ الْمَسْنُونَ يَحْتَاجُ إلَيْهِ أَيْضًا خَرَجَ عَمَّا الْكَلَامُ فِيهِ وَرَجَعَ إلَى مَا نَقَلَهُ الْمُؤَلِّفُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 368 وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُمَا لَوْ اسْتَوَيَا فِي سَائِرِ الْفَضَائِلِ إلَّا أَنَّ أَحَدَهُمَا أَقْدَمُ وَرَعًا قُدِّمَ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ ثُمَّ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى هَذِهِ الْأَوْصَافِ الْأَرْبَعَةِ أَعْنِي الْعِلْمَ وَالْقِرَاءَةَ وَالْوَرَعَ وَالسِّنَّ وَقَدْ ذَكَرُوا أَوْصَافًا أُخَرَ فَفِي الْمُحِيطِ فَإِنْ اسْتَوَيَا فِي السِّنِّ قَالُوا أَحْسَنُهُمَا خُلُقًا أَوْلَى، فَإِنْ اسْتَوَيَا فَأَحْسَنُهُمَا وَجْهًا أَوْلَى وَفَسَّرَ الشُّمُنِّيُّ الْخُلُقَ بِالْإِلْفِ بَيْنَ النَّاسِ وَفَسَّرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي أَحْسَنَهُمْ وَجْهًا بِأَكْثَرِهِمْ صَلَاةً بِاللَّيْلِ لِلْحَدِيثِ «مَنْ كَثُرَتْ صَلَاتُهُ بِاللَّيْلِ حَسُنَ وَجْهُهُ بِالنَّهَارِ» ، وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا عِنْدَ الْمُحْدِثِينَ، وَذَكَرَ فِي الْبَدَائِعِ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى هَذَا التَّكَلُّفِ بَلْ يَبْقَى عَلَى ظَاهِرِهِ؛ لِأَنَّ صَبَاحَةَ الْوَجْهِ سَبَبٌ لِكَثْرَةِ الْجَمَاعَةِ خَلْفَهُ وَقُدِّمَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الْحَسَبُ عَلَى صَبَاحَةِ الْوَجْهِ، فَإِنْ اسْتَوَوْا فَأَشْرَفَهُمْ نَسَبًا وَزَادَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ عَلَى ذَلِكَ أَوْصَافًا ثَلَاثَةً أُخْرَى وَهِيَ، فَإِنْ اسْتَوَوْا فَأَكْبَرَهُمْ رَأْسًا وَأَصْغَرَهُمْ عُضْوًا، فَإِنْ اسْتَوَوْا فَأَكْثَرُهُمْ مَالًا أَوْلَى حَتَّى لَا يَطَّلِعَ عَلَى النَّاسِ، فَإِنْ اسْتَوَوْا فِي ذَلِكَ فَأَكْثَرُهُمْ جَاهًا أَوْلَى وَزَادَ فِي الْمِعْرَاجِ ثَانِيَ عَشَرَ وَهُوَ أَنْظَفُهُمْ ثَوْبًا وَاخْتُلِفَ فِي الْمُسَافِرِ مَعَ الْمُقِيمِ قِيلَ هُمَا سَوَاءٌ وَقِيلَ الْمُقِيمُ أَوْلَى وَيَنْبَغِي تَرْجِيحُهُ كَمَا لَا يَخْفَى، وَفِي الْخُلَاصَةِ، فَإِنْ اجْتَمَعَتْ هَذِهِ الْخِصَالُ فِي رَجُلَيْنِ فَإِنَّهُ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا، أَوْ الْخِيَارُ إلَى الْقَوْمِ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِالْأَحَقِّيَّةِ إلَى أَنَّ الْقَوْمَ لَوْ قَدَّمُوا غَيْرَ الْأَقْرَأِ مَعَ وُجُودِهِ فَإِنَّهُمْ قَدْ أَسَاءُوا وَلَكِنْ لَا يَأْثَمُونَ كَمَا فِي التَّجْنِيسِ وَغَيْرِهِ وَهَذَا كُلُّهُ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُونَا فِي بَيْتِ شَخْصٍ أَمَّا إذَا كَانَا فِي بَيْتِ إنْسَانٍ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ يَؤُمَّ وَيُؤَذِّنَ، وَصَاحِبُ الْبَيْتِ أَوْلَى بِالْإِمَامَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُ سُلْطَانٌ أَوْ قَاضٍ فَهُوَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ وِلَايَتَهُمَا عَامَّةٌ كَذَا ذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَيَشْهَدُ لَهُ حَدِيثُ الصَّحِيحَيْنِ السَّابِقُ وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَيُقَدَّمُ الْوَالِي عَلَى الْجَمِيعِ وَعَلَى إمَامِ الْمَسْجِدِ وَصَاحِبِ الْبَيْتِ، وَالْمُسْتَأْجِرُ أَوْلَى مِنْ الْمَالِكِ؛ لِأَنَّهُ أَحَقُّ بِمَنَافِعِهِ وَكَذَا الْمُسْتَعِيرُ أَوْلَى مِنْ الْمُعِيرِ اهـ. وَفِي تَقْدِيمِ الْمُسْتَعِيرِ نَظَرٌ لِأَنَّ لِلْمُعِيرِ أَنْ يَرْجِعَ أَيَّ وَقْتٍ شَاءَ بِخِلَافِ الْمُؤَجِّرِ، وَفِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا رَجُلٌ أَمَّ قَوْمًا وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ إنْ كَانَتْ الْكَرَاهِيَةُ لِفَسَادٍ فِيهِ أَوْ؛ لِأَنَّهُمْ أَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ هُوَ أَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ لَا يُكْرَهُ ذَلِكَ. اهـ. وَفِي بَعْضِ الْكُتُبِ وَالْكَرَاهَةُ عَلَى الْقَوْمِ وَهُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهَا نَاشِئَةٌ عَنْ الْأَخْلَاقِ الذَّمِيمَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ تَحْرِيمِيَّةً فِي حَقِّ الْإِمَامِ فِي صُورَةِ الْكَرَاهَةِ لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا «ثَلَاثَةٌ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُمْ صَلَاةً مَنْ تَقَدَّمَ قَوْمًا وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ وَرَجُلٌ أَتَى الصَّلَاةَ دِبَارًا» وَالدِّبَارُ أَنْ يَأْتِيَهَا بَعْدَ أَنْ تَفُوتَهُ «وَرَجُلٌ اعْتَبَدَ مُحَرَّرَهُ» كَذَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ. (قَوْلُهُ وَكُرِهَ إمَامَةُ الْعَبْدِ وَالْأَعْرَابِيِّ وَالْفَاسِقِ وَالْمُبْتَدِعِ وَالْأَعْمَى وَوَلَدِ الزِّنَا) بَيَانٌ لِلشَّيْئَيْنِ الصِّحَّةِ وَالْكَرَاهَةِ أَمَّا الصِّحَّةُ فَمَبْنِيَّةٌ عَلَى وُجُودِ الْأَهْلِيَّةِ لِلصَّلَاةِ مَعَ أَدَاءِ الْأَرْكَانِ وَهُمَا مَوْجُودَانِ مِنْ غَيْرِ نَقْصٍ فِي الشَّرَائِطِ وَالْأَرْكَانِ وَمِنْ السُّنَّةِ حَدِيثُ «صَلُّوا خَلْفَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ» ، وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُصَلِّي خَلْفَ الْحَجَّاجِ وَكَفَى بِهِ فَاسِقًا كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ إنَّهُ أَفْسَقُ أَهْلِ زَمَانِهِ، وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ لَوْ جَاءَتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِخَبِيثَاتِهَا وَجِئْنَا بِأَبِي مُحَمَّدٍ لَغَلَبْنَاهُمْ وَإِمَامَةُ عِتْبَانُ بْنِ مَالِكٍ الْأَعْمَى لِقَوْمِهِ مَشْهُورَةٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَاسْتِخْلَافُ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ الْأَعْمَى عَلَى الْمَدِينَةِ كَذَلِكَ فِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ، وَأَمَّا الْكَرَاهَةُ فَمَبْنِيَّةٌ عَلَى قِلَّةِ رَغْبَةِ النَّاسِ فِي الِاقْتِدَاءِ بِهَؤُلَاءِ فَيُؤَدِّي إلَى تَقْلِيلِ الْجَمَاعَةِ الْمَطْلُوبِ تَكْثِيرُهَا تَكْثِيرًا لِلْأَجْرِ وَلِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَتَفَرَّغُ لِلتَّعَلُّمِ وَالْغَالِبُ عَلَى الْأَعْرَابِ الْجَهْلُ وَالْفَاسِقُ لَا يَهْتَمُّ لِأَمْرِ دِينِهِ وَالْأَعْمَى لَا يَتَوَقَّى النَّجَاسَةَ وَلَيْسَ لِوَلَدِ الزِّنَا أَبٌ يُرَبِّيهِ وَيُؤَدِّبُهُ وَيُعَلِّمُهُ فَيَغْلِبُ عَلَيْهِ الْجَهْلُ. أَطْلَقَ الْكَرَاهَةَ فِي هَؤُلَاءِ وَقَيَّدَ كَرَاهَةَ إمَامَةِ الْأَعْمَى فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ بِأَنْ لَا يَكُونَ أَفْضَلَ الْقَوْمِ، فَإِنْ كَانَ أَفْضَلَهُمْ فَهُوَ أَوْلَى وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ تَقْدِيمُ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ الرِّجَالِ الصَّالِحِينَ لِلْإِمَامَةِ فِي الْمَدِينَةِ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِنْهُ حِينَئِذٍ وَلَعَلَّ عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ كَانَ أَفْضَلَ مَنْ كَانَ يَؤُمُّهُ   [منحة الخالق] عَنْ الشَّارِحِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ فَأَكْبَرُهُمْ رَأْسًا وَأَصْغَرُهُمْ عُضْوًا) لِيَنْظُرَ مَا الْمُرَادُ بِالْعُضْوِ، وَقَدْ قِيلَ فِي تَفْسِيرِهِ بِمَا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُذْكَرَ (قَوْلُهُ لِأَنَّ لِلْمُعِيرِ أَنْ يَرْجِعَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ هَذَا لَا أَثَرَ لَهُ يَظْهَرُ وَسَيَأْتِي أَنَّ الْعَارِيَّةَ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ كَالْإِجَارَةِ لَكِنْ بِلَا عِوَضٍ بِخِلَافِهَا وَإِذَا رَجَعَ خَرَجَ عَنْ مَوْضُوعِ الْمَسْأَلَةِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 369 أَيْضًا وَعَلَى قِيَاسِ هَذَا إذَا كَانَ الْأَعْرَابِيُّ أَفْضَلَ الْحَاضِرِينَ كَانَ أَوْلَى وَلِهَذَا قَالَ فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي أَرَادَ بِالْأَعْرَابِيِّ الْجَاهِلَ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي كَرَاهَةِ إمَامَةِ الْعَامِّيِّ الَّذِي لَا عِلْمَ عِنْدَهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ فِي الْعَبْدِ وَوَلَدِ الزِّنَا إذَا كَانَ أَفْضَلَ الْقَوْمِ فَلَا كَرَاهَةَ إذَا لَمْ يَكُونَا مُحْتَقَرَيْنِ بَيْنَ النَّاسِ لِعَدَمِ الْعِلَّةِ لِلْكَرَاهَةِ وَالْأَعْرَابِيُّ مَنْ يَسْكُنُ الْبَادِيَةَ عَرَبِيًّا كَانَ أَوْ عَجَمِيًّا، وَأَمَّا مَنْ يَسْكُنُ الْمُدُنَ فَهُوَ عَرَبِيٌّ وَفِي الْمُجْتَبَى وَهَذِهِ الْكَرَاهَةُ تَنْزِيهِيَّةٌ لِقَوْلِهِ فِي الْأَصْلِ إمَامَةُ غَيْرِهِمْ أَحَبُّ إلَيَّ وَهَكَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ، وَفِي الْفَتَاوَى لَوْ صَلَّى خَلْفَ فَاسِقٍ أَوْ مُبْتَدِعٍ يَنَالُ فَضْلَ الْجَمَاعَةِ لَكِنْ لَا يَنَالُ كَمَا يَنَالُ خَلْفَ تَقِيٍّ وَرِعٍ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ صَلَّى خَلْفَ عَالِمٍ تَقِيٍّ فَكَأَنَّمَا صَلَّى خَلْفَ نَبِيٍّ» قَالَ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ وَلَمْ يَجِدْهُ الْمُخَرِّجُونَ نَعَمْ أَخْرَجَ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ مَرْفُوعًا «إنْ سَرَّكُمْ أَنْ يَقْبَلَ اللَّهُ صَلَاتَكُمْ فَلْيَؤُمَّكُمْ خِيَارُكُمْ فَإِنَّهُمْ وَفْدُكُمْ فِيمَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ رَبِّكُمْ» ، وَذَكَرَ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ أَنَّ الْفَاسِقَ إذَا تَعَذَّرَ مَنْعُهُ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ خَلْفَهُ، وَفِي غَيْرِهَا يَنْتَقِلُ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ وَعَلَّلَ لَهُ فِي الْمِعْرَاجِ بِأَنَّ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ يَجِدُ إمَامًا غَيْرَهُ فَقَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَعَلَى هَذَا فَيُكْرَهُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ فِي الْجُمُعَةِ إذَا تَعَدَّدَتْ إقَامَتُهَا فِي الْمِصْرِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْمُفْتَى بِهِ؛ لِأَنَّهُ بِسَبِيلٍ مِنْ التَّحَوُّلِ حِينَئِذٍ، وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ، فَإِنْ قُلْتُ: فَمَا الْأَفْضَلِيَّةُ أَنْ يُصَلِّيَ خَلْفَ هَؤُلَاءِ أَوْ الِانْفِرَادُ؟ قِيلَ أَمَّا فِي حَقِّ الْفَاسِقِ فَالصَّلَاةُ خَلْفَهُ أَوْلَى لِمَا ذُكِرَ فِي الْفَتَاوَى كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَأَمَّا الْآخَرُونَ فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الِانْفِرَادُ أَوْلَى لِجَهْلِهِمْ بِشُرُوطِ الصَّلَاةِ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ عَلَى قِيَاسِ الصَّلَاةِ خَلْفَ الْفَاسِقِ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَ خَلْفَ غَيْرِهِمْ اهـ. فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُكْرَهُ لِهَؤُلَاءِ التَّقَدُّمُ وَيُكْرَهُ الِاقْتِدَاءُ بِهِمْ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ، فَإِنْ أَمْكَنَ الصَّلَاةُ خَلْفَ غَيْرِهِمْ فَهُوَ أَفْضَلُ وَإِلَّا فَالِاقْتِدَاءُ أَوْلَى مِنْ الِانْفِرَادِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ كَرَاهَةِ الِاقْتِدَاءِ بِهِمْ عِنْدَ وُجُودِ غَيْرِهِمْ وَإِلَّا فَلَا كَرَاهَةَ كَمَا لَا يَخْفَى وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ اجْتَمَعَ مُعْتَقٌ وَحُرٌّ أَصْلِيٌّ فَالْحُرُّ الْأَصْلِيُّ أَوْلَى بَعْدَ الِاسْتِوَاءِ فِي الْعِلْمِ وَالْقِرَاءَةِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَأَمَّا الْمُبْتَدِعُ فَهُوَ صَاحِبُ الْبِدْعَةِ وَهِيَ كَمَا فِي الْمُغْرِبِ اسْمٌ مِنْ ابْتَدَعَ الْأَمْرَ إذَا ابْتَدَأَهُ وَأَحْدَثَهُ كَالرِّفْقَةِ مِنْ الِارْتِفَاقِ وَالْخِلْفَةِ مِنْ الِاخْتِلَافِ ثُمَّ غَلَبَتْ عَلَى مَا هُوَ زِيَادَةٌ فِي الدِّينِ أَوْ نُقْصَانٌ مِنْهُ اهـ. وَعَرَّفَهَا الشُّمُنِّيُّ بِأَنَّهَا مَا أُحْدِثَ عَلَى خِلَافِ الْحَقِّ الْمُتَلَقَّى عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ عِلْمٍ أَوْ عَمَلٍ أَوْ حَالٍ بِنَوْعِ شُبْهَةٍ وَاسْتِحْسَانٍ وَجُعِلَ دِينًا قَوِيمًا وَصِرَاطًا مُسْتَقِيمًا اهـ. وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُبْتَدِعِ فَشَمِلَ كُلَّ مُبْتَدِعٍ هُوَ مِنْ أَهْلِ قِبْلَتِنَا وَقَيَّدَهُ فِي الْمُحِيطِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُجْتَبَى وَغَيْرِهَا بِأَنْ لَا تَكُونَ بِدْعَتُهُ تُكَفِّرُهُ، فَإِنْ كَانَتْ تُكَفِّرُهُ فَالصَّلَاةُ خَلْفَهُ لَا تَجُوزُ وَعِبَارَةُ الْخُلَاصَةِ هَكَذَا وَفِي الْأَصْلِ الِاقْتِدَاءُ بِأَهْلِ الْأَهْوَاءِ جَائِزٌ إلَّا الْجَهْمِيَّةَ وَالْقَدَرِيَّةَ وَالرَّوَافِضَ الْغَالِي وَمَنْ يَقُولُ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ وَالْخَطَّابِيَّةَ وَالْمُشَبِّهَةَ وَجُمْلَتُهُ أَنَّ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ قِبْلَتِنَا وَلَمْ يَغْلُ فِي هَوَاهُ حَتَّى يُحْكَمَ بِكُفْرِهِ تَجُوزُ الصَّلَاةُ خَلْفَهُ وَتُكْرَهُ، وَلَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ خَلْفَ مَنْ يُنْكِرُ شَفَاعَةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ يُنْكِرُ الْكِرَامَ الْكَاتِبِينَ أَوْ يُنْكِرُ الرُّؤْيَةَ؛ لِأَنَّهُ كَافِرٌ، وَإِنْ قَالَ إنَّهُ لَا يُرَى لِجَلَالِهِ وَعَظَمَتِهِ فَهُوَ مُبْتَدِعٌ وَالْمُشَبِّهُ إنْ قَالَ إنَّ لِلَّهِ يَدًا أَوْ رِجْلًا كَمَا لِلْعِبَادِ فَهُوَ كَافِرٌ، وَإِنْ قَالَ إنَّهُ جِسْمٌ لَا كَالْأَجْسَامِ فَهُوَ مُبْتَدِعٌ، وَالرَّافِضِيُّ إنْ فَضَّلَ عَلِيًّا عَلَى غَيْرِهِ فَهُوَ مُبْتَدِعٌ، وَإِنْ أَنْكَرَ خِلَافَةَ الصِّدِّيقِ فَهُوَ كَافِرٌ وَمَنْ أَنْكَرَ الْإِسْرَاءَ مِنْ مَكَّةَ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَهُوَ كَافِرٌ وَمَنْ أَنْكَرَ الْمِعْرَاجَ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَلَيْسَ بِكَافِرٍ اهـ. وَأَلْحَقَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ عُمَرَ بِالصِّدِّيقِ فِي هَذَا الْحُكْمِ وَلَعَلَّ مُرَادَهُمْ بِإِنْكَارِ الْخِلَافَةِ إنْكَارُ اسْتِحْقَاقِهِمَا الْخِلَافَةَ فَهُوَ مُخَالِفٌ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ لَا إنْكَارُ وُجُودِهَا لَهُمَا وَعَلَّلَ لِعَدَمِ كُفْرِهِ فِي قَوْلِهِ لَا كَالْأَجْسَامِ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلَّا إطْلَاقُ لَفْظِ الْجِسْمِ عَلَيْهِ وَهُوَ مُوهِمٌ لِلنَّقْصِ فَرَفَعَهُ بِقَوْلِهِ لَا كَالْأَجْسَامِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا مُجَرَّدُ الْإِطْلَاقِ وَذَلِكَ مَعْصِيَةٌ تَنْهَضُ سَبَبًا لِلْعِقَابِ لِمَا قُلْنَا مِنْ الْإِيهَامِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَهُ عَلَى   [منحة الخالق] [إمَامَةُ الْعَبْدِ وَالْأَعْرَابِيِّ وَالْفَاسِقِ وَالْمُبْتَدِعِ وَالْأَعْمَى وَوَلَدِ الزِّنَا] (قَوْلُهُ وَعَلَى قِيَاسِ هَذَا إلَخْ) وَقَوْلُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ فِي الْعَبْدِ إلَخْ قَالَ فِي النَّهْرِ أَقُولُ: هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ عِلَّةَ الْكَرَاهَةِ غَلَبَةُ الْجَهْلِ فِيهِمْ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلِأَنَّ فِي تَقْدِيمِ هَؤُلَاءِ تَنْفِيرَ الْجَمَاعَةِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ وَحَاصِلُ كَلَامِهِ الْكَرَاهَةُ فِيمَنْ سِوَى الْفَاسِقِ لِلتَّنْفِيرِ وَالْجَهْلِ ظَاهِرٌ وَفِي الْفَاسِقِ أَوْلَى لِظُهُورِ تَسَاهُلِهِ فِي الطَّهَارَةِ وَنَحْوِهَا. اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا عِلَّتَانِ وَمُقْتَضَى الثَّانِيَةِ ثُبُوتُ الْكَرَاهَةِ مَعَ انْتِفَاءِ الْجَهْلِ لَكِنْ وَرَدَ فِي الْأَعْمَى نَصٌّ خَاصٌّ وَهَذَا هُوَ الْمُنَاسِبُ لِإِطْلَاقِهِمْ وَاقْتِصَارِهِمْ عَلَى اسْتِثْنَاءِ الْأَعْمَى. (قَوْلُهُ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُكْرَهُ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ ذَكَرَ الْحَلَبِيُّ فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي أَنَّ كَرَاهَةَ تَقْدِيمِ الْفَاسِقِ وَالْمُبْتَدِعِ كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ، وَأَمَّا الْعَبْدُ وَالْأَعْرَابِيُّ وَوَلَدُ الزِّنَا وَالْأَعْمَى فَالْكَرَاهَةُ فِيهِمْ دُونَ الْكَرَاهَةِ فِيهِمَا وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَا هُنَا أَوْجَهُ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الدَّلِيلِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ الْغَالِي) الَّذِي فِي الْفَتْحِ الْغَالِيَةُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 370 التَّشْبِيهِ فَإِنَّهُ كَافِرٌ وَقِيلَ يَكْفُرُ بِمُجَرَّدِ الْإِطْلَاقِ أَيْضًا وَهُوَ حَسَنٌ بَلْ هُوَ أَوْلَى بِالتَّكْفِيرِ اهـ. فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَكْفُرُ فِي لَفْظَيْنِ هُوَ جِسْمٌ كَالْأَجْسَامِ هُوَ جِسْمٌ، وَيَصِيرُ مُبْتَدِعًا فِي الثَّالِثِ هُوَ جِسْمٌ لَا كَالْأَجْسَامِ ثُمَّ قَالَ وَاعْلَمْ أَنَّ الْحُكْمَ بِكُفْرِ مَنْ ذَكَرْنَا مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ مَعَ مَا ثَبَتَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ مِنْ عَدَمِ تَكْفِيرِ أَهْلِ الْقِبْلَةِ مِنْ الْمُبْتَدِعَةِ كُلِّهِمْ مَحْمَلُهُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْمُعْتَقَدَ نَفْسَهُ كُفْرٌ فَالْقَائِلُ بِهِ قَائِلٌ بِمَا هُوَ كُفْرٌ، وَإِنْ لَمْ يَكْفُرْ بِنَاءً عَلَى كَوْنِ قَوْلِهِ ذَلِكَ عَنْ اسْتِفْرَاغِ وُسْعِهِ مُجْتَهِدًا فِي طَلَبِ الْحَقِّ لَكِنَّ جَزْمَهُمْ بِبُطْلَانِ الصَّلَاةِ خَلْفَهُ لَا يُصَحِّحُ هَذَا الْجَمْعَ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِعَدَمِ الْجَوَازِ خَلْفَهُمْ عَدَمُ الْحِلِّ أَيْ عَدَمُ حِلِّ أَنْ يَفْعَلَ وَهُوَ لَا يُنَافِي الصِّحَّةَ وَإِلَّا فَهُوَ مُشْكِلٌ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. بِخِلَافِ مُطْلَقِ اسْمِ الْجِسْمِ مَعَ التَّشْبِيهِ فَإِنَّهُ يَكْفُرُ لِاخْتِيَارِهِ إطْلَاقَ مَا هُوَ مُوهِمٌ لِلنَّقْصِ بَعْدَ عِلْمِهِ بِذَلِكَ، وَلَوْ نَفَى التَّشْبِيهَ لَمْ يَبْقَى مِنْهُ إلَّا التَّسَاهُلُ وَالِاسْتِخْفَافُ بِذَلِكَ اهـ. وَهَكَذَا اسْتَشْكَلَ هَذِهِ الْفُرُوعَ مَعَ مَا صَحَّ عَنْ الْمُجْتَهِدِينَ الْمُحَقِّقُ سَعْدٍ التَّفْتَازَانِيُّ فِي شَرْحِ الْعَقَائِدِ، وَفِيمَا أَجَابَ بِهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ تَعْلِيلَهُ فِي الْخُلَاصَةِ فِيمَنْ أَنْكَرَ الرُّؤْيَةَ وَنَحْوَهَا بِأَنَّهُ كَافِرٌ يَرُدُّ هَذَا الْحَمْلَ فَالْأَوْلَى مَا ذَكَرَهُ هُوَ فِي بَابِ الْبُغَاةِ أَنَّ هَذِهِ الْفُرُوعَ الْمَنْقُولَةَ فِي الْفَتَاوَى مِنْ التَّكْفِيرِ لَمْ تُنْقَلْ عَنْ الْفُقَهَاءِ أَيْ الْمُجْتَهِدِينَ وَإِنَّمَا الْمَنْقُولُ عَنْهُمْ عَدَمُ تَكْفِيرِ مَنْ كَانَ مِنْ قِبْلَتِنَا حَتَّى لَمْ يَحْكُمُوا بِتَكْفِيرِ الْخَوَارِجِ الَّذِينَ يَسْتَحِلُّونَ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ وَأَمْوَالَهُمْ وَسَبَّ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِكَوْنِهِ عَنْ تَأْوِيلٍ وَشُبْهَةٍ وَلَا عِبْرَةَ بِغَيْرِ الْمُجْتَهِدِينَ اهـ. وَذُكِرَ فِي الْمُسَايَرَةِ أَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يُكَفَّرُ أَحَدٌ مِنْهُمْ، وَإِنْ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ لِجَهْمٍ اُخْرُجْ عَنِّي يَا كَافِرُ حَمْلًا عَلَى التَّشْبِيهِ وَهُوَ مُخْتَارُ الرَّازِيّ، وَذَكَرَ فِي شَرْحِهَا لِلْكَمَالِ بْنِ أَبِي شَرِيفٍ أَنَّ عَدَمَ تَكْفِيرِهِمْ هُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ جُمْهُورِ الْمُتَكَلِّمِينَ وَالْفُقَهَاءِ فَإِنَّ الشَّيْخَ أَبَا الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيَّ قَالَ فِي كِتَابِ مَقَالَاتِ الْإِسْلَامِيِّينَ اخْتَلَفَ الْمُسْلِمُونَ بَعْدَ نَبِيِّهِمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَشْيَاءَ ضَلَّلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَتَبَرَّأَ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ فَصَارُوا فِرَقًا مُتَبَايَنِينَ إلَّا أَنَّ الْإِسْلَامَ يَجْمَعُهُمْ وَيَعُمُّهُمْ اهـ. وَقَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ أَقْبَلُ شَهَادَةَ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ إلَّا الْخَطَّابِيَّةِ؛ لِأَنَّهُمْ يَشْهَدُونَ بِالزُّورِ لِمُوَافِقِيهِمْ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ ظَاهِرُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ جَزَمَ بِحِكَايَتِهِ عَنْهُ الْحَاكِمُ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ فِي كِتَابِ الْمُنْتَقَى وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ اهـ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَذْهَبَ عَدَمُ تَكْفِيرِ أَحَدٍ مِنْ الْمُخَالِفِينَ فِيمَا لَيْسَ مِنْ الْأُصُولِ الْمَعْلُومَةِ مِنْ الدِّينِ ضَرُورَةً، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَبُولُ شَهَادَتِهِمْ إلَّا الْخَطَّابِيَّةِ وَلَمْ يُفَصِّلُوا فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْفُرُوعَ الْمَنْقُولَةَ مِنْ الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا بِصَرِيحِ التَّكْفِيرِ لَمْ تُنْقَلْ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِنَّمَا هِيَ مِنْ تَفْرِيعَاتِ الْمَشَايِخِ كَأَلْفَاظِ التَّكْفِيرِ الْمَنْقُولَةِ فِي الْفَتَاوَى وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ هُوَ الْمُوَفِّقُ. وَفِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ وَشَرْحِهِ وَلَا نُكَفِّرُ أَحَدًا مِنْ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ مَحْمَلُهُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْمُعْتَقَدَ نَفْسَهُ كُفْرٌ إلَخْ) قَالَ الْحَلَبِيُّ وَعَلَى هَذَا يَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ الْمَنْقُولُ عَلَى مَا عَدَا غُلَاةَ الرَّوَافِضِ وَمَنْ ضَاهَاهُمْ فَإِنَّ أَمْثَالَهُمْ لَا يَحْصُلُ مِنْهُمْ بَذْلُ وُسْعٍ فِي الِاجْتِهَادِ فَإِنَّ مَنْ يَقُولُ بِأَنَّ عَلِيًّا هُوَ الْإِلَهُ أَوْ بِأَنَّ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - غَلِطَ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ السُّخْفِ إنَّمَا هُوَ مُبْتَدَعٌ بِمَحْضٍ الْهَوَى وَهُوَ أَسْوَأُ حَالًا مِمَّنْ قَالَ {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: 3] فَلَا يَتَأَتَّى مِنْ مِثْلِ الْإِمَامَيْنِ الْعَظِيمَيْنِ أَنْ لَا يَحْكُمَا بِأَنَّهُمْ مِنْ أَكْفَرِ الْكَفَرَةِ، وَإِنَّمَا كَلَامُهُمَا فِي مِثْلِ مَنْ لَهُ شُبْهَةٌ فِيمَا ذَهَبَ إلَيْهِ وَإِنْ كَانَ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ عِنْدَ التَّحْقِيقِ فِي حَدِّ ذَاتِهِ كُفْرًا كَمُنْكِرِ الرُّؤْيَةِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا عُلِمَ فِي الْكَلَامِ وَكَمُنْكِرِ خِلَافَةِ الشَّيْخَيْنِ وَالسَّابِّ لَهُمَا فَإِنَّ فِيهِ إنْكَارَ الْإِجْمَاعِ الْقَطْعِيِّ إلَّا أَنَّهُمْ يُنْكِرُونَ حُجِّيَّةَ الْإِجْمَاعِ بِاتِّهَامِهِمْ الصَّحَابَةِ فَكَانَ لَهُمْ شُبْهَةٌ فِي الْجُمْلَةِ وَإِنْ كَانَتْ ظَاهِرَةَ الْبُطْلَانِ بِالنَّظَرِ إلَى الدَّلِيلِ فَبِسَبَبِ تِلْكَ الشُّبْهَةِ الَّتِي أَدَّى إلَيْهَا اجْتِهَادُهُمْ لَمْ يُحْكَمْ بِكُفْرِهِمْ مَعَ أَنَّ مُعْتَقَدَهُمْ كُفْرٌ احْتِيَاطًا بِخِلَافِ مِثْلِ مَنْ ذَكَرْنَا مِنْ الْغُلَاةِ فَتَأَمَّلْ اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ تَعْلِيلَهُ فِي الْخُلَاصَةِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ كَيْفَ يَرُدُّهُ مَعَ إمْكَانِ حَمْلِ كَافِرٍ عَلَى مَعْنَى قَائِلٍ بِمَا هُوَ كُفْرٌ وَلَا يُنْكِرُ أَنَّهُ صَرْفُ اللَّفْظِ عَنْ خِلَافِ ظَاهِرِهِ (قَوْلُهُ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْفُرُوعَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ هَذِهِ الْمَقَالَةُ رَدَّهَا الْبَزَّازِيُّ فِي الْفَتَاوَى بِمَا يَطُولُ ذِكْرُهُ فَرَاجِعْهُ. اهـ. قُلْتُ: وَنَصُّ كَلَامِهِ فِي بَابِ الرِّدَّةِ وَيُحْكَى عَنْ بَعْضِ مَنْ لَا سَلَفَ لَهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ مَا ذُكِرَ فِي الْفَتَاوَى أَنَّهُ يَكْفُرُ بِكَذَا، وَكَذَا فَذَلِكَ لِلتَّخْوِيفِ وَالتَّهْوِيلِ لَا لِحَقِيقَةِ الْكُفْرِ وَهَذَا كَلَامٌ بَاطِلٌ وَحَاشَا أَنْ يَلْعَبَ أُمَنَاءُ اللَّهِ تَعَالَى أَعْنِي عُلَمَاءَ الْأَحْكَامِ بِالْحَرَامِ وَالْحَلَالِ وَالْكُفْرِ وَالْإِسْلَامِ بَلْ لَا يَقُولُونَ إلَّا الْحَقَّ الثَّابِتَ عَنْ سَيِّدِ الْأَنَامِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَمَا أَدَّى إلَيْهِ اجْتِهَادُ الْإِمَامِ مِنْ نَصِّ الْقُرْآنِ أَنْزَلَهُ الْمَلِكُ الْعَلَّامُ أَوْ شَرَعَهُ سَيِّدُ الرُّسُلِ الْعِظَامِ أَوْ قَالَهُ الصَّحْبُ الْكِرَامُ وَاَلَّذِي حَرَّرْته هُوَ مُخْتَارُ مَشَايِخِي الشَّافِينَ لِدَاءِ النِّغَامِ بَوَّأَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى بِفَضْلِهِ دَارَ السَّلَامِ وَكُلَّ مَنْ يَأْتِي بَعْدَهُمْ مِنْ عُلَمَاءِ الدَّهْرِ وَالْأَيَّامِ مَا بَقِيَ دِينُ الْإِسْلَامِ اهـ. حَرَّرَ الْعَلَّامَةُ نُوحٌ أَفَنْدِي أَنَّ مُرَادَ الْإِمَامِ بِمَا نُقِلَ عَنْهُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْفِقْهِ الْأَكْبَرِ مِنْ عَدَمِ التَّكْفِيرِ بِالذَّنْبِ الَّذِي هُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ تَأَمَّلْ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 371 أَهْلِ الْقِبْلَةِ بِبِدْعَةٍ كَمُنْكِرِي صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَخَلْقِهِ أَفْعَالَ عِبَادِهِ وَجَوَازِ رُؤْيَتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنَّا مَنْ كَفَّرَهُمْ أَمَّا مَنْ خَرَجَ بِبِدْعَتِهِ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ كَمُنْكِرِي حُدُوثِ الْعَالَمِ وَالْبَعْثِ وَالْحَشْرِ لِلْأَجْسَامِ وَالْعِلْمِ بِالْجُزْئِيَّاتِ فَلَا نِزَاعَ فِي كُفْرِهِمْ لِإِنْكَارِهِمْ بَعْضَ مَا عُلِمَ مَجِيءُ الرَّسُولِ بِهِ ضَرُورَةً اهـ. وَفِي الْخُلَاصَةِ عَنْ الْحَلْوَانِيِّ يُمْنَعُ عَنْ الصَّلَاةِ خَلْفَ مَنْ يَخُوضُ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ وَيُنَاظِرُ صَاحِبَ الْأَهْوَاءِ وَحَمَلَهُ فِي الْمُجْتَبَى عَلَى مَنْ يُرِيدُ بِالْمُنَاظَرَةِ أَنْ يُزِلَّ صَاحِبَهُ، وَأَمَّا مَنْ أَرَادَ الْوُصُولَ بِهِ إلَى الْحَقِّ وَهِدَايَةَ الْخَلْقِ فَهُوَ مِمَّنْ يُتَبَرَّكُ بِالِاقْتِدَاءِ بِهِ وَيَنْدَفِعُ الْبَلَاء عَنْ الْخَلْقِ بِهِدَايَتِهِ وَاهْتِدَائِهِ، وَأَمَّا الصَّلَاةُ خَلْفَ الشَّافِعِيَّةِ فَحَاصِلُ مَا فِي الْمُجْتَبَى أَنَّهُ إذَا كَانَ مُرَاعِيًا لِلشَّرَائِطِ وَالْأَرْكَانِ عِنْدَنَا فَالِاقْتِدَاءُ بِهِ صَحِيحٌ عَلَى الْأَصَحِّ وَيُكْرَهُ وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ أَصْلًا وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِ الْوِتْرِ وَلَا خُصُوصِيَّةَ لِلشَّافِعِيَّةِ بَلْ الصَّلَاةُ خَلْفَ كُلِّ مُخَالِفٍ لِلْمَذْهَبِ كَذَلِكَ. (قَوْله وَتَطْوِيلُ الصَّلَاةِ) أَيْ وَكُرِهَ لِلْإِمَامِ تَطْوِيلُهَا لِلْحَدِيثِ «إذَا أَمَّ أَحَدُكُمْ النَّاسَ فَلْيُخَفِّفْ» وَاسْتَثْنَى الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ صَلَاةَ الْكُسُوفِ فَإِنَّ السُّنَّةَ فِيهَا التَّطْوِيلُ حَتَّى تَنْجَلِيَ الشَّمْسُ وَأَرَادَ بِالتَّطْوِيلِ مَا زَادَ عَلَى الْقَدْرِ الْمَسْنُونِ كَمَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ لَا كَمَا قَدْ يَتَوَهَّمُهُ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ فَيَقْرَأُ يَسِيرًا فِي الْفَجْرِ كَغَيْرِهَا، وَفِي الْمُضْمَرَاتِ شَرْحُ الْقُدُورِيِّ أَيْ لَا يَزِيدُ عَلَى الْقِرَاءَةِ الْمُسْتَحَبَّةِ وَلَا يُثْقِلُ عَلَى الْقَوْمِ وَلَكِنْ يُخَفِّفُ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ عَلَى التَّمَامِ وَالِاسْتِحْبَابِ اهـ. وَذَكَرَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بَحْثًا وَعَلَّلَ لَهُ بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ التَّطْوِيلِ وَكَانَتْ قِرَاءَتُهُ هِيَ الْمَسْنُونَةُ فَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ مَا نَهَى عَنْهُ غَيْرَ مَا كَانَ دَأْبُهُ إلَّا لِضَرُورَةٍ كَمَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ «قَرَأَ بِالْمُعَوِّذَتَيْنِ فِي الْفَجْرِ فَلَمَّا فَرَغَ قِيلَ لَهُ أَوْجَزْت قَالَ سَمِعْت بُكَاءَ صَبِيٍّ فَخَشِيت أَنْ تَفْتَتِنُ أُمُّهُ» وَفِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَيُكْرَهُ لِلْإِمَامِ أَنْ يُعَجِّلَهُمْ عَنْ إكْمَالِ السُّنَّةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا فِي تَطْوِيلِ الصَّلَاةِ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ لِلْأَمْرِ بِالتَّخْفِيفِ وَهُوَ لِلْوُجُوبِ إلَّا لِصَارِفٍ وَلِإِدْخَالِ الضَّرَرِ عَلَى الْغَيْرِ وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الْقَوْمُ يُحْصَوْنَ أَوْ لَا رَضُوا بِالتَّطْوِيلِ أَوْ لَا لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ، وَأَطْلَقَ فِي التَّطْوِيلِ فَشَمِلَ إطَالَةَ الْقِرَاءَةِ أَوْ الرُّكُوعِ أَوْ السُّجُودِ أَوْ الْأَدْعِيَةِ وَاخْتَارَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ أَنَّهُ يُطِيلُ الرُّكُوعَ لِإِدْرَاكِ الْجَائِي إذَا لَمْ يَعْرِفْهُ، فَإِنْ عَرَفَهُ فَلَا وَأَبُو حَنِيفَةَ مَنَعَ مِنْهُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ شِرْكٌ أَيْ رِيَاءٌ. (قَوْلُهُ وَجَمَاعَةُ النِّسَاءِ) أَيْ وَكُرِهَ جَمَاعَةُ النِّسَاءِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَخْلُو عَنْ ارْتِكَابِ مُحَرَّمٍ وَهُوَ قِيَامُ الْإِمَامِ وَسَطَ الصَّفِّ فَيُكْرَهُ كَالْعُرَاةِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ؛ لِأَنَّ التَّقَدُّمَ وَاجِبٌ عَلَى الْإِمَامِ لِلْمُوَاظَبَةِ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهِ وَتَرْكُ الْوَاجِبِ مُوجِبٌ لِكَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلْإِثْمِ وَيَدُلُّ عَلَى كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ فِي جَمَاعَةِ الْعُرَاةِ بِالْأَوْلَى وَاسْتَثْنَى الشَّارِحُونَ جَمَاعَتَهُنَّ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ فَإِنَّهَا لَا تُكْرَهُ؛ لِأَنَّهَا فَرِيضَةٌ وَتَرْكُ التَّقَدُّمِ مَكْرُوهٌ فَدَارَ الْأَمْرُ بَيْنَ فِعْلِ الْمَكْرُوهِ لِفِعْلِ الْفَرْضِ أَوْ تَرْكِ الْفَرْضِ لِتَرْكِهِ فَوَجَبَ الْأَوَّلُ بِخِلَافِ جَمَاعَتِهِنَّ فِي غَيْرِهَا، وَلَوْ صَلَّيْنَ فُرَادَى فَقَدْ تَسْبِقُ إحْدَاهُنَّ فَتَكُونُ صَلَاةُ الْبَاقِيَاتِ نَفْلًا وَالتَّنَفُّلُ بِهَا مَكْرُوهٌ فَيَكُونُ فَرَاغُ تِلْكَ مُوجِبًا لِفَسَادِ الْفَرِيضَةِ لِصَلَاةِ الْبَاقِيَاتِ كَتَقْيِيدِ الْخَامِسَةِ بِالسَّجْدَةِ لِمَنْ تَرَكَ الْقَعْدَةَ وَأَفَادَ أَنَّ إمَامَةَ الْمَرْأَةِ لِلنِّسَاءِ صَحِيحَةٌ وَاسْتَثْنَى فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ مَسْأَلَةً وَهِيَ مَا لَوْ اسْتَخْلَفَ الْإِمَامُ امْرَأَةً وَخَلْفَهُ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ فَسَدَتْ صَلَاةُ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْإِمَامِ وَالْمُقَدَّمَةِ فِي قَوْلِ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ خِلَافًا لِزُفَرَ أَمَّا فَسَادُ صَلَاةِ الرِّجَالِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا فَسَادُ صَلَاةِ النِّسَاءِ فَلِأَنَّهُمْ دَخَلُوا فِي تَحْرِيمَةٍ كَامِلَةٍ فَإِذَا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ فَالِاقْتِدَاءُ بِهِ صَحِيحٌ عَلَى الْأَصَحِّ وَيُكْرَهُ) أَقُولُ: عِبَارَةُ الْمُجْتَبَى هَكَذَا، وَأَمَّا الصَّلَاةُ خَلْفَ الشَّافِعِيَّةِ فَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ يَمِيلُ عَنْ الْقِبْلَةِ أَوْ لَمْ يَتَوَضَّأْ بِالْخَارِجِ النَّجِسِ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ أَوْ لَمْ يَغْسِلْ الْمَنِيَّ الَّذِي أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ لَا يَجُوزُ عَلَى الْأَصَحِّ وَإِلَّا فَيَجُوزُ وَقِيلَ لَكِنَّهُ يُكْرَهُ انْتَهَتْ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَاسْتَثْنَى الْمُحَقِّقُ إلَخْ) اعْتَرَضَهُ صَاحِبُ النَّهْرِ وَالرَّمْلِيُّ بِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ بَعْدَ كَوْنِ الْمُرَادِ بِالتَّطْوِيلِ مَا زَادَ عَلَى الْقَدْرِ الْمَسْنُونِ (قَوْلُهُ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ) جَزَمَ بِهِ فِي النَّهْرِ، وَقَالَ وَإِطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ الْكَرَاهَةَ عَلَى مَا يَعُمُّ التَّحْرِيمَ وَالتَّنْزِيهَ فِيهِ مُؤَاخَذَةٌ ظَاهِرَةٌ (قَوْلُهُ رَضُوا بِالتَّطْوِيلِ أَوْ لَا) الْقَوْلُ بِالْكَرَاهَةِ لَا سِيَّمَا التَّحْرِيمِيَّةُ مَحَلُّ تَوَقُّفٍ وَكَيْفَ يُقَالُ بِالْإِطْلَاقِ وَالْحُكْمُ مُشَارٌ فِي الْحَدِيثِ إلَى تَعْلِيلِهِ بِمَا يُسْتَنْبَطُ مِنْهُ خِلَافُ ذَلِكَ فَلْيُتَأَمَّلْ كَذَا فِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ. [جَمَاعَةُ النِّسَاءِ فِي الصَّلَاة] (قَوْلُهُ فَيُكْرَهُ كَالْعُرَاةِ) أَيْ فَتُكْرَهُ جَمَاعَتُهُنَّ كَجَمَاعَةِ الْعُرَاةِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا فَرِيضَةٌ) أَيْ لِأَنَّ جَمَاعَتَهُنَّ فَرِيضَةٌ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ لِفِعْلِ الْفَرْضِ، وَأَطْلَقَ الْفَرْضَ عَلَى الْوَاجِبِ لِقَوْلِهِ فَوَجَبَ الْأَوَّلُ أَوْ هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَوَجَبَ بِمَعْنَى ثَبَتَ وَلَزِمَ لَمَّا دَارَ الْأَمْرُ بَيْنَ الْمَحْذُورَيْنِ ثَبَتَ وَتَعَيَّنَ الْأَوَّلُ وَهُوَ جَمَاعَتُهُنَّ هَذَا وَلَا يَخْفَى مَا فِي تَسْمِيَةِ جَمَاعَتِهِنَّ بِالْفَرْضِ مِنْ الْبُعْدِ، وَكَذَا بِالْوَاجِبِ لِمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ الْمُؤَلِّفُ فِي الْجَنَائِزِ مِنْ أَنَّ الْجَمَاعَةَ فِيهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 372 انْتَقَلُوا إلَى تَحْرِيمَةٍ نَاقِصَةٍ لَمْ يَجُزْ كَأَنَّهُمْ خَرَجُوا مِنْ فَرْضٍ إلَى فَرْضٍ آخَرَ (قَوْلُهُ فَإِنْ فَعَلْنَ تَقِفُ الْإِمَامُ وَسَطَهُنَّ كَالْعُرَاةِ) لِأَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَعَلَتْ كَذَلِكَ وَحُمِلَ فِعْلُهَا الْجَمَاعَةَ عَلَى ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ وَلِأَنَّ فِي التَّقَدُّمِ زِيَادَةَ الْكَشْفِ وَأَرَادَ بِالتَّعْبِيرِ بِقَوْلِهِ تَقِفُ أَنَّهُ وَاجِبٌ فَلَوْ تَقَدَّمَتْ أَثِمَتْ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالصَّلَاةُ صَحِيحَةٌ فَإِذَا تَوَسَّطَتْ لَا تَزُولُ الْكَرَاهَةُ وَإِنَّمَا أَرْشَدُوا إلَى التَّوَسُّطِ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ كَرَاهِيَةً مِنْ التَّقَدُّمِ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ، وَلَوْ تَأَخَّرَتْ لَمْ يَصِحَّ الِاقْتِدَاءُ بِهَا عِنْدَنَا لِعَدَمِ شَرْطِهِ وَهُوَ عَدَمُ التَّأَخُّرِ عَنْ الْمَأْمُومِ، وَذَكَرَ فِي الْمُغْرِبِ الْإِمَامُ مَنْ يُؤْتَمُّ بِهِ أَيْ يُقْتَدَى بِهِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، وَفِي الْوَاوِ مَعَ السِّينِ الْوَسَطُ بِالتَّحْرِيكِ اسْمٌ لِعَيْنِ مَا بَيْنَ طَرَفَيْ الشَّيْءِ كَمَرْكَزِ الدَّائِرَةِ، وَبِالسُّكُونِ اسْمٌ مُبْهَمٌ لِدَاخِلِ الدَّائِرَةِ مَثَلًا وَلِذَلِكَ كَانَ ظَرْفًا فَالْأَوَّلُ يُجْعَلُ مُبْتَدَأً وَفَاعِلًا وَمَفْعُولًا بِهِ وَدَاخِلًا عَلَيْهِ حَرْفُ الْجَرِّ وَلَا يَصِحُّ شَيْءٌ مِنْ هَذَا فِي الثَّانِي تَقُولُ وَسَطُهُ خَيْرٌ مِنْ طَرَفِهِ وَاتَّسَعَ وَسَطُهُ وَضَرَبْت وَسَطَهُ وَجَلَسْت فِي وَسَطِ الدَّارِ، وَجَلَسْت وَسْطَهَا بِالسُّكُونِ لَا غَيْرُ، وَيُوصَفُ بِالْأَوَّلِ مُسْتَوِيًا فِيهِ الْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ وَالِاثْنَانِ وَالْجَمْعُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: 143] وَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُهْدِيَ شَاتَيْنِ وَسَطًا إلَى بَيْتِ اللَّهِ أَوْ أَعْتِقَ عَبْدَيْنِ وَسَطًا، وَقَدْ بُنِيَ مِنْهُ أَفْعَلُ التَّفْضِيلِ فَقِيلَ لِلذَّكَرِ الْأَوْسَطُ وَلِلْمُؤَنَّثِ الْوُسْطَى قَالَ تَعَالَى {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} [المائدة: 89] يَعْنِي الْمُتَوَسِّطَ بَيْنَ الْإِسْرَافِ وَالتَّقْتِيرِ، وَقَدْ أَكْثَرُوا فِي ذَلِكَ وَهُوَ فِي مَحَلِّ الرَّفْعِ عَلَى الْبَدَلِ مِنْ إطْعَامٍ أَوْ كِسْوَتِهِمْ مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ وَالصَّلَاةُ الْوُسْطَى الْعَصْرُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ اهـ. وَضَبَطُهُ هُنَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ بِسُكُونِ السِّينِ لَا غَيْرُ، وَفِي الصِّحَاحِ كُلُّ مَوْضِعٍ صَلَحَ فِيهِ بَيْنٌ فَهُوَ وَسْطٌ بِالتَّسْكِينِ كَجَلَسْتُ وَسْطَ الْقَوْمِ، وَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ فِيهِ فَهُوَ بِالتَّحْرِيكِ كَجَلَسْتُ وَسَطَ الدَّارِ وَرُبَّمَا سُكِّنَ وَلَيْسَ بِالْوَجْهِ اهـ. وَفِي ضِيَاءِ الْحُلُومِ الْوَسْطُ بِالسُّكُونِ ظَرْفُ مَكَان وَبِفَتْحِ السِّينِ اسْمٌ تَقُولُ وَسْطَ رَأْسِهِ دُهْنٌ بِسُكُونِ السِّينِ وَفَتْحِ الطَّاءِ فَهَذَا ظَرْفٌ وَإِذَا فَتَحْت السِّينَ رَفَعْت الطَّاءَ وَقُلْتُ: وَسَطُ رَأْسِهِ دُهْنٌ فَهَذَا اسْمٌ اهـ. وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَالتَّشْبِيهُ بِالْعُرَاةِ لَيْسَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بَلْ فِي أَفْضَلِيَّةِ الْإِفْرَادِ وَأَفْضَلِيَّةِ قِيَامِ الْإِمَامِ وَسَطَهُنَّ، وَأَمَّا الْعُرَاةُ فَيُصَلُّونَ قُعُودًا وَهُوَ أَفْضَلُ وَالنِّسَاءُ قَائِمَاتٍ، وَفِي الْخُلَاصَةِ يُصَلُّونَ قُعُودًا بِإِيمَاءٍ، وَإِنْ صَلَّوْا بِقِيَامٍ وَرُكُوعٍ وَسُجُودٍ بِجَمَاعَةٍ أَجْزَأَهُمْ، وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَكَذَلِكَ يُكْرَهُ أَنْ يَؤُمَّ النِّسَاءَ فِي بَيْتٍ وَلَيْسَ مَعَهُنَّ رَجُلٌ وَلَا مَحْرَمٌ مِنْهُ مِثْلَ زَوْجَتِهِ وَأَمَتِهِ وَأُخْتِهِ، فَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ فَلَا يُكْرَهُ وَكَذَلِكَ إذَا أَمَّهُنَّ فِي الْمَسْجِدِ لَا يُكْرَهُ وَإِطْلَاقُ الْمَحْرَمِ عَلَى مَنْ ذُكِرَ تَغْلِيبٌ وَإِلَّا فَلَيْسَ هُوَ مَحْرَمًا لِزَوْجَتِهِ وَأَمَتِهِ. (قَوْلُهُ وَيَقِفُ الْوَاحِدُ عَنْ يَمِينِهِ وَالِاثْنَانِ خَلْفَهُ) لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى بِهِ وَأَقَامَهُ عَنْ يَمِينِهِ» وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي مُحَاذَاةِ الْيَمِينِ وَهِيَ الْمُسَاوَاةُ وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ خِلَافًا لِمَا عَنْ مُحَمَّدٍ مِنْ أَنَّهُ يَجْعَلُ أُصْبُعَهُ عِنْدَ عَقِبِ الْإِمَامِ وَأَفَادَ الشَّارِحُ أَنَّهُ لَوْ وَقَفَ عَنْ يَسَارِهِ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ يَعْنِي اتِّفَاقًا، وَلَوْ وَقَفَ خَلْفَهُ فِيهِ رِوَايَتَانِ أَصَحُّهُمَا الْكَرَاهَةُ، وَأَطْلَقَ فِي الْوَاحِدِ فَشَمِلَ الْبَالِغَ وَالصَّبِيَّ وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ الْمَرْأَةِ فَإِنَّهَا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَالتَّشْبِيه إلَخْ) فِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّ وُقُوفَهُ وَسْطَهُمْ وَاجِبٌ كَالنِّسَاءِ لِأَنَّهُ شَبَّهَ صَلَاتَهُمْ وَقِيَامَ إمَامِهِمْ بِالنِّسَاءِ، وَقَدْ عَلَّلَ قَبْلَهُ كَرَاهَةَ جَمَاعَتِهِنَّ بِقَوْلِهِ وَلِأَنَّ جَمَاعَتَهُنَّ لَا تَخْلُو عَنْ ارْتِكَابِ مُحَرَّمٍ لِأَنَّ فِي التَّقَدُّمِ زِيَادَةَ كَشْفٍ وَفِي التَّوَسُّطِ تَرْكَ الْمَقَامِ وَكُلُّ ذَلِكَ حَرَامٌ وَصَدْرُ عِبَارَتِهِ يَدُلُّ عَلَى هَذَا حَيْثُ قَالَ قَوْلُهُ كَالْعُرَاةِ فَإِنَّهُمْ أُمِرُوا بِتَرْكِ الْجَمَاعَةِ لِيَتَبَاعَدَ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ فَلَا يَقَعُ بَصَرُ بَعْضِهِمْ عَلَى عَوْرَةِ الْبَعْضِ لِأَنَّ السَّتْرَ يَحْصُلُ بِهِ وَلَكِنَّ الْأَوْلَى لِإِمَامِهِمْ إذَا أَمَّهُمْ أَنْ يَقُومَ وَسْطَهُمْ وَإِنْ تَقَدَّمَهُمْ جَازَ وَحَالُهُمْ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ كَحَالِ النِّسَاءِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطَيْنِ، وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يُصَلُّونَ بِالْجَمَاعَةِ لِأَنَّهُمْ يَتَوَصَّلُونَ إلَى إقَامَتِهَا مِنْ غَيْرِ ارْتِكَابِ مَكْرُوهٍ بِأَنْ يُقَدِّمُوا إمَامَهُمْ وَيَغُضُّوا أَبْصَارَهُمْ قُلْنَا غَضُّ الْبَصَرِ مَكْرُوهٌ حَالَةَ الِاخْتِيَارِ كَقِيَامِ الْإِمَامِ وَسْطَ الصَّفِّ فَصَحَّ أَنَّهُمْ لَا يَتَوَصَّلُونَ إلَى إقَامَتِهَا بِدُونِ ارْتِكَابِ أَمْرٍ مَكْرُوهٍ وَالْجَمَاعَةُ سُنَّةٌ فَتَرْكُ السُّنَّةِ أَوْلَى مِنْ ارْتِكَابِ الْمَكْرُوهِ فَعُلِمَ بِهَذَا كُلِّهِ أَنَّ التَّشْبِيهَ إلَخْ فَظَهَرَ أَنَّ قَوْلَهُ بَلْ فِي أَفْضَلِيَّةِ الْإِفْرَادِ إلَخْ لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ جَائِزٌ وَالْإِفْرَادُ وَالْقِيَامُ أَفْضَلُ بَلْ الْمُرَادُ بِالْأَفْضَلِيَّةِ الْوُجُوبُ، وَكَذَا قَوْلُ الْمَبْسُوطَيْنِ أَوْلَى لِقَوْلِهِمَا: وَحَالُهُمْ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ كَحَالِ النِّسَاءِ تَأَمَّلْ. وَفِي النَّهْرِ وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إيمَاءٌ إلَى كَرَاهَةِ جَمَاعَةِ الْعُرَاةِ أَيْضًا كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ لِاتِّحَادِ اللَّازِمِ وَهُوَ إمَّا تَرْكُ وَاجِبِ التَّقَدُّمِ أَوْ زِيَادَةُ الْكَشْفِ كَذَا فِي الْفَتْحِ لَكِنْ فِي السِّرَاجِ الْأَوْلَى أَنْ يُصَلُّوا وُحْدَانًا وَفِي الْخُلَاصَةِ الْأَوْلَى لِإِمَامِ الْعُرَاةِ أَنْ يَقِفَ وَسْطَهُمْ، وَمُقْتَضَى مَا فِي الْفَتْحِ أَنْ يَكُونَ تَحْرِيمًا بِالْأُولَى وَهُوَ أَوْلَى اهـ. أَقُولُ: يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْأُولَى فِي كَلَامِ السِّرَاجِ وَالْخُلَاصَةِ كَمَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْ كَلَامِ الْمَبْسُوطَيْنِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَإِطْلَاقُ الْمَحْرَمِ عَلَى مَنْ ذُكِرَ تَغْلِيبٌ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ ذَكَرَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ الزَّوْجَ مَحْرَمٌ مُسْتَنِدًا لِمَا فِي الذَّخِيرَةِ وَالْمَحْرَمُ الزَّوْجُ وَمَنْ لَا يَجُوزُ مُنَاكَحَتُهَا عَلَى التَّأْبِيدِ وَسَيَأْتِي تَحْقِيقُهُ فِي الْحَجِّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 373 لَا تَكُونُ إلَّا خَلْفَهُ فَلَوْ كَانَ مَعَهُ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ فَإِنَّهُ يُقِيمُ الرَّجُلَ عَنْ يَمِينِهِ وَالْمَرْأَةَ خَلْفَهُمَا، وَإِنْ كَانَ رَجُلَانِ وَامْرَأَةٌ أَقَامَ الرَّجُلَيْنِ خَلْفَهُ وَالْمَرْأَةَ خَلْفَهُمَا وَإِنَّمَا يَتَقَدَّمُ الرَّجُلَيْنِ «؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تَقَدَّمَ عَلَى أَنَسٍ وَالْيَتِيمِ حِينَ صَلَّى بِهِمَا» وَهُوَ دَلِيلُ الْأَفْضَلِيَّةِ وَمَا وَرَدَ مِنْ فِعْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ مِنْ أَنَّهُ تَوَسَّطَهُمَا فَهُوَ دَلِيلُ الْإِبَاحَةِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا، وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَعَهُ رَجُلَانِ فَإِمَامُهُمْ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ تَقَدَّمَ، وَإِنْ شَاءَ أَقَامَ فِيمَا بَيْنَهُمَا، وَلَوْ كَانُوا جَمَاعَةً فَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَتَقَدَّمَ، وَلَوْ لَمْ يَتَقَدَّمْ إلَّا أَنَّهُ أَقَامَ عَلَى مَيْمَنَةِ الصَّفِّ أَوْ عَلَى مَيْسَرَتِهِ أَوْ قَامَ فِي وَسَطِ الصَّفِّ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَيُكْرَهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بِحِذَاءِ الْإِمَامِ مَنْ هُوَ أَفْضَلُ، وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ كَمَا فِي النُّقَايَةِ لَكَانَ أَوْلَى وَالزَّائِدُ خَلْفَهُ لِشُمُولِ الزَّائِدِ الِاثْنَيْنِ وَالْأَكْثَرَ وَفِي الْخُلَاصَةِ، وَلَوْ كَانَ الْمُقْتَدِي عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ فَجَاءَ ثَالِثٌ وَجَذَبَ الْمُؤْتَمَّ إلَى نَفْسِهِ بَعْدَ مَا كَبَّرَ الثَّالِثُ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ إنَّمَا هُوَ لِلْقَدَمِ لَا لِلرَّأْسِ فَلَوْ كَانَ الْإِمَامُ أَقْصَرَ مِنْ الْمُقْتَدِي تَقَعُ رَأْسُ الْمُقْتَدِي قُدَّامَ الْإِمَامِ يَجُوزُ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ مُحَاذِيًا بِقَدَمِهِ أَوْ مُتَأَخِّرًا قَلِيلًا وَكَذَا فِي مُحَاذَاةِ الْمَرْأَةِ كَمَا سَيَأْتِي، وَإِنْ تَفَاوَتَتْ الْأَقْدَامُ صِغَرًا وَكِبَرًا فَالْعِبْرَةُ بِالسَّاقِ وَالْكَعْبِ وَالْأَصَحُّ مَا لَمْ يَتَقَدَّمْ أَكْثَرُ قَدَمِ الْمُقْتَدِي لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ كَذَا فِي الْمُجْتَبَى، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَلَوْ جَاءَ وَالصَّفُّ مُتَّصِلٌ انْتَظَرَ حَتَّى يَجِيءَ الْآخَرُ، فَإِنْ خَافَ فَوْتَ الرَّكْعَةِ جَذَبَ وَاحِدًا مِنْ الصَّفِّ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يُؤْذِيهِ، وَإِنْ اقْتَدَى بِهِ خَلْفَ الصُّفُوفِ جَازَ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ أَبَا بَكْرَةَ قَامَ خَلْفَ الصَّفِّ فَدَبَّ رَاكِعًا حَتَّى الْتَحَقَ بِالصَّفِّ فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ يَا أَبَا بَكْرَةَ زَادَك اللَّهُ حِرْصًا فِي الدِّينِ» ، وَلَوْ كَانَ فِي الصَّحْرَاءِ يَنْبَغِي أَنْ يُكَبِّرَ أَوَّلًا ثُمَّ يَجْذِبُهُ، وَلَوْ جَذَبَهُ أَوَّلًا فَتَأَخَّرَ ثُمَّ كَبَّرَ هُوَ قِيلَ تَفْسُدُ صَلَاةُ الَّذِي تَأَخَّرَ ذَكَرَهُ الزَّنْدَوَسْتِيُّ فِي نَظْمِهِ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ هَذَا إجَابَةٌ بِالْفِعْلِ فَيُعْتَبَرُ بِالْإِجَابَةِ بِالْقَوْلِ، وَلَوْ أَجَابَ بِالْقَوْلِ فَسَدَتْ كَمَا إذَا أُخْبِرَ بِخَبَرٍ يَسُرُّهُ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ اهـ. وَفِي الْقُنْيَةِ وَالْقِيَامُ وَحْدَهُ أَوْلَى فِي زَمَانِنَا لِغَلَبَةِ الْجَهْلِ عَلَى الْعَوَامّ. (قَوْلُهُ وَيَصُفُّ الرِّجَالَ ثُمَّ الصِّبْيَانَ ثُمَّ النِّسَاءُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لِيَلِيَنِّي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى» وَلِأَنَّ الْمُحَاذَاةَ مُفْسِدَةٌ فَيُؤَخَّرُونَ، وَلِيَلِنِي أَمْرُ الْغَائِبِ مِنْ الْوَلْيِ وَهُوَ الْقُرْبُ، وَالْأَحْلَامُ جَمْعُ حُلْمٍ بِضَمِّ الْحَاءِ وَهُوَ مَا يَرَاهُ النَّائِمُ أُرِيدَ بِهِ الْبَالِغُونَ مَجَازًا؛ لِأَنَّ الْحُلُمَ سَبَبُ الْبُلُوغِ، وَالنُّهَى جَمْعُ نُهْيَةٍ وَهِيَ الْعَقْلُ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْخَنَاثَى كَمَا فِي الْمَجْمَعِ وَغَيْرِهِ لِنُدْرَةِ وُجُودِهِ، وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَنَّهُ يَقُومُ الرِّجَالُ صَفًّا مِمَّا يَلِي الْإِمَامَ ثُمَّ الصِّبْيَانُ بَعْدَهُمْ ثُمَّ الْخَنَاثَى ثُمَّ الْإِنَاثُ ثُمَّ الصَّبِيَّاتُ الْمُرَاهِقَاتُ، وَفِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي الْمَذْكُورُ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ. قِيلَ وَلَيْسَ هَذَا التَّرْتِيبُ لِهَذِهِ الْأَقْسَامِ بِحَاصِرٍ لِجُمْلَةِ الْأَقْسَامِ الْمُمْكِنَةِ فَإِنَّهَا تَنْتَهِي إلَى اثْنَيْ عَشَرَ قِسْمًا وَالتَّرْتِيبُ الْحَاصِرُ لَهَا أَنْ يُقَدَّمَ الْأَحْرَارُ الْبَالِغُونَ، ثُمَّ الْأَحْرَارُ الصِّبْيَانُ، ثُمَّ الْعَبِيدُ الْبَالِغُونَ، ثُمَّ الْعَبِيدُ الصِّبْيَانُ، ثُمَّ الْأَحْرَارُ الْخَنَاثَى الْكِبَارُ، ثُمَّ الْأَحْرَارُ الْخَنَاثَى الصِّغَارُ، ثُمَّ الْأَرِقَّاءُ الْخَنَاثَى الْكِبَارُ، ثُمَّ الْأَرِقَّاءُ الْخَنَاثَى الصِّغَارُ، ثُمَّ الْحَرَائِرُ الْكِبَارُ، ثُمَّ الْحَرَائِرُ الصِّغَارُ، ثُمَّ الْإِمَاءُ الْكِبَارُ، ثُمَّ الْإِمَاءُ الصِّغَارُ اهـ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ مُتُونًا وَشُرُوحًا تَقْدِيمُ الرِّجَالِ عَلَى الصِّبْيَانِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانُوا أَحْرَارًا أَوْ عَبِيدًا فَإِنَّ الصَّبِيَّ الْحُرَّ وَإِنْ كَانَ لَهُ شَرَفُ الْحُرِّيَّةِ لَكِنَّ الْمَطْلُوبَ هُنَا قُرْبُ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ بِالْحَدِيثِ السَّابِقِ نَعَمْ يُقَدَّمُ الْبَالِغُ الْحُرُّ عَلَى الْبَالِغِ الْعَبْدِ، وَالصَّبِيُّ الْحُرُّ عَلَى الصَّبِيِّ الْعَبْدِ وَالْحُرَّةُ الْبَالِغَةُ عَلَى الْأَمَةِ الْبَالِغَةِ وَالصَّبِيَّةُ الْحُرَّةُ عَلَى الصَّبِيَّةِ الْأَمَةِ لِشَرَفِ الْحُرِّيَّةِ مِنْ غَيْرِ مُعَارِضٍ وَلَمْ أَرَ صَرِيحًا حُكْمَ مَا إذَا صَلَّى وَمَعَهُ رَجُلٌ وَصَبِيٌّ، وَإِنْ كَانَ دَاخِلًا تَحْتَ قَوْلِهِ وَالِاثْنَانِ خَلْفَهُ وَظَاهِرُ حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّهُ يُسَوِّي بَيْنَ الرَّجُلِ وَالصَّبِيِّ وَيَكُونَانِ خَلْفَهُ فَإِنَّهُ قَالَ فَصَفَفْت أَنَا وَالْيَتِيمُ وَرَاءَهُ وَالْعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا وَيَقْتَضِي أَيْضًا أَنَّ الصَّبِيَّ الْوَاحِدَ لَا يَكُونُ مُنْفَرِدًا عَنْ   [منحة الخالق] [وُقُوف الْمَأْمُومِينَ فِي الصَّلَاة خَلْف الْإِمَام] (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَيُكْرَهُ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ فِي تَوَسُّطِهِ الصَّفَّ تَنْزِيهِيَّةٌ وَيُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ أَوْلَى فَيَنْبَغِي وَاَلَّذِي فِي النَّهْرِ أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَحْرِيمِيَّةٌ قَالَ لِتَرْكِ الْوَاجِبِ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي الْهِدَايَةِ فِي وَجْهِ كَرَاهَةِ إمَامَةِ النِّسَاءِ لِأَنَّهَا لَا تَخْلُو عَنْ ارْتِكَابِ مُحَرَّمٍ وَهُوَ قِيَامُ الْإِمَامِ وَسْطَ الصَّفِّ (قَوْلُهُ وَالزَّائِدُ خَلْفَهُ) هُوَ الَّذِي فِي النُّقَايَةِ وَقَوْلُهُ لِشُمُولِ الزَّائِدِ إلَخْ تَعْلِيلٌ لِلْأَوْلَوِيَّةِ وَأَجَابَ فِي النَّهْرِ بِأَنَّهُ قَدْ عُلِمَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ تَقَدُّمُهُ عَلَى مَا زَادَ بِالْأَوْلَى اهـ. وَهُوَ الظَّاهِرُ (قَوْلُهُ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ مُحَاذِيًا بِقَدَمِهِ أَوْ مُتَأَخِّرًا قَلِيلًا) أَقُولُ: أَفْرَدَ الْقَدَمَ فَأَفَادَ أَنَّ الْمُحَاذَاةَ تُعْتَبَرُ بِوَاحِدَةٍ وَلَمْ أَرَهُ صَرِيحًا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُعْتَمِدًا عَلَى قَدَمٍ وَاحِدَةٍ فَالْعِبْرَةُ لَهَا وَلَوْ اعْتَمَدَ عَلَى الْقَدَمَيْنِ، فَإِنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا مُحَاذِيَةً وَالْأُخْرَى مُتَأَخِّرَةً فَلَا كَلَامَ فِي الصِّحَّةِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَتْ الْأُخْرَى مُتَقَدِّمَةً فَهَلْ يَصِحُّ نَظَرًا لِلْمُحَاذِيَةِ أَوْ لَا نَظَرًا لِلْمُتَقَدِّمَةِ؟ مَحَلُّ نَظَرٍ، وَقَدْ رَأَيْت فِيهِ فِي كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ اخْتِلَافَ تَرْجِيحٍ. (قَوْلُهُ لِيَلِنِي إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 374 صَفِّ الرِّجَالِ بَلْ يَدْخُلُ فِي صَفِّهِمْ وَأَنَّ مَحَلَّ هَذَا التَّرْتِيبِ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ حُضُورِ جَمْعٍ مِنْ الرِّجَالِ وَجَمْعٍ مِنْ الصِّبْيَانِ فَحِينَئِذٍ تُؤَخَّرُ الصِّبْيَانُ بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ فَإِنَّهَا تَتَأَخَّرُ عَنْ الصُّفُوفِ كَجَمَاعَتِهِنَّ، وَيَنْبَغِي لِلْقَوْمِ إذَا قَامُوا إلَى الصَّلَاةِ أَنْ يَتَرَاصُّوا وَيَسُدُّوا الْخَلَلَ وَيُسَوُّوا بَيْنَ مَنَاكِبِهِمْ فِي الصُّفُوفِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْمُرَهُمْ الْإِمَامُ بِذَلِكَ وَيَنْبَغِي أَنْ يُكْمِلُوا مَا يَلِي الْإِمَامَ مِنْ الصُّفُوفِ، ثُمَّ مَا يَلِي مَا يَلِيهِ وَهَلُمَّ جَرًّا وَإِذَا اسْتَوَى جَانِبَا الْإِمَامِ فَإِنَّهُ يَقُومُ الْجَائِي عَنْ يَمِينِهِ، وَإِنْ تَرَجَّحَ الْيَمِينُ فَإِنَّهُ يَقُومُ عَنْ يَسَارِهِ وَإِنْ وَجَدَ فِي الصَّفِّ فُرْجَةً سَدَّهَا وَإِلَّا فَيَنْتَظِرُ حَتَّى يَجِيءَ آخَرُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أُقِيمُوا الصُّفُوفَ وَحَاذُوا بَيْنَ الْمَنَاكِبِ وَسُدُّوا الْخَلَلَ وَلِينُوا بِأَيْدِي إخْوَانِكُمْ وَلَا تَذَرُوا فُرُجَاتٍ لِلشَّيْطَانِ وَمَنْ وَصَلَ صَفًّا وَصَلَهُ اللَّهُ وَمَنْ قَطَعَ صَفًّا قَطَعَهُ اللَّهُ» . وَرَوَى الْبَزَّارُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ سَدَّ فُرْجَةً فِي الصَّفِّ غُفِرَ لَهُ» . وَفِي أَبِي دَاوُد عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «خِيَارُكُمْ أَلْيَنُكُمْ مَنَاكِبَ فِي الصَّلَاةِ» وَبِهَذَا يُعْلَمُ جَهْلُ مَنْ يَسْتَمْسِكُ عِنْدَ دُخُولِ دَاخِلٍ بِجَنْبِهِ فِي الصَّفِّ وَيَظُنُّ أَنَّ فَسْحَهُ لَهُ رِيَاءٌ بِسَبَبِ أَنَّهُ يَتَحَرَّكُ لِأَجْلِهِ بَلْ ذَلِكَ إعَانَةٌ لَهُ عَلَى إدْرَاكِ الْفَضِيلَةِ وَإِقَامَةٌ لِسَدِّ الْفُرُجَاتِ الْمَأْمُورِ بِهَا فِي الصَّفِّ وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ شَهِيرَةٌ اهـ وَفِي الْقُنْيَةِ وَالْقِيَامُ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ أَفْضَلُ مِنْ الثَّانِي، وَفِي الثَّانِي أَفْضَلُ مِنْ الثَّالِثِ هَكَذَا؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ فِي الْأَخْبَارِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إذَا أَنْزَلَ الرَّحْمَةَ عَلَى الْجَمَاعَةِ يُنْزِلُهَا أَوَّلًا عَلَى الْإِمَامِ، ثُمَّ تَتَجَاوَزُ عَنْهُ إلَى مَنْ بِحِذَائِهِ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ، ثُمَّ إلَى الْمَيَامِنِ، ثُمَّ إلَى الْمَيَاسِرِ، ثُمَّ إلَى الصَّفِّ الثَّانِي وَرُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ «يُكْتَبُ لِلَّذِي خَلْفَ الْإِمَامِ بِحِذَائِهِ مِائَةُ صَلَاةٍ وَلِلَّذِي فِي الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ خَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ صَلَاةً وَلِلَّذِي فِي الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ خَمْسُونَ صَلَاةً وَلِلَّذِي فِي سَائِرِ الصُّفُوفِ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ صَلَاةً» . وَجَدَ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ فُرْجَةً دُونَ الثَّانِي فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ وَيَخْرِقَ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ لَا حُرْمَةَ لَهُ لِتَقْصِيرِهِمْ حَيْثُ لَمْ يَسُدُّوا الصَّفَّ الْأَوَّلَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ حَاذَتْهُ مُشْتَهَاةٌ فِي صَلَاةٍ مُطْلَقَةٍ مُشْتَرَكَةٍ تَحْرِيمَةً وَأَدَاءً فِي مَكَان مُتَّحِدٍ بِلَا حَائِلٍ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ إنْ نَوَى إمَامَتَهَا) بَيَانٌ لِفَائِدَةِ تَأْخِيرِهَا وَلِحُكْمِ مُحَاذَاتِهَا لِلرَّجُلِ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَفْسُدَ اعْتِبَارًا بِصَلَاتِهَا وَبِمُحَاذَاةِ الْأَمْرَدِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ حَدِيثُ مُسْلِمٍ السَّابِقُ مِنْ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ الْعَجُوزَ خَلْفَ الصَّفِّ» ، وَلَوْلَا أَنَّ الْمُحَاذَاةَ مُفْسِدَةٌ مَا تَأَخَّرَتْ الْعَجُوزُ؛ لِأَنَّ الِانْفِرَادَ خَلْفَ الصَّفِّ مَكْرُوهٌ عِنْدَنَا وَمُفْسِدٌ عِنْدَ أَحْمَدَ وَلِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ «أَخِّرُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَخَّرَهُنَّ اللَّهُ» وَالْحَنَفِيَّةُ يَذْكُرُونَهُ مَرْفُوعًا وَالْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ مَنَعَ رَفْعَهُ بَلْ هُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ، وَهُوَ يُفِيدُ افْتِرَاضَ تَأَخُّرِهِنَّ عَنْ الرِّجَالِ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ آحَادًا وَقَعَ بَيَانًا لِمُجْمَلِ الْكِتَابِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} [البقرة: 228] فَإِذَا لَمْ يُشِرْ إلَيْهَا بِالتَّأَخُّرِ بَعْدَمَا دَخَلَتْ فِي   [منحة الخالق] يَجُوزُ إثْبَاتُ الْيَاءِ مَعَ فَتْحِهَا وَتَشْدِيدِ النُّونِ، وَحَذْفُ الْيَاءِ مَعَ كَسْرِ اللَّامِ وَتَخْفِيفِ النُّونِ وَانْظُرْ لِمَا كَتَبْنَا فِي حَاشِيَتِنَا عَلَى الْعَيْنِيِّ. (قَوْلُهُ وَالْقِيَامُ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ أَفْضَلُ مِنْ الثَّانِي إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ ذَكَرُوا أَنَّ الْإِيثَارَ بِالْقُرْبِ مَكْرُوهٌ كَمَا لَوْ كَانَ فِي الْأَوَّلِ فَلَمَّا أُقِيمَتْ آثَرَ غَيْرَهُ وَقَوَاعِدُنَا لَا تَأْبَاهُ لِمَا قَدْ عَلِمْت اهـ. قُلْتُ ذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ فِي كِتَابِهِ الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ، وَقَالَ لَمْ أَرَهَا الْآنَ لِأَصْحَابِنَا وَنَقَلَ فُرُوعًا عَنْ الشَّافِعِيَّةِ قَالَ ثُمَّ رَأَيْت فِي الْهِبَةِ مِنْ مُنْيَةِ الْمُفْتِي فَقِيرٌ مُحْتَاجٌ مَعَهُ دَرَاهِمُ فَأَرَادَ أَنْ يُؤْثِرَ الْفُقَرَاءَ عَلَى نَفْسِهِ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ يَصْبِرُ عَلَى الشِّدَّةِ فَالْإِيثَارُ أَفْضَلُ وَإِلَّا فَالْإِنْفَاقُ عَلَى نَفْسِهِ أَفْضَلُ اهـ. وَفِي حَاشِيَتِهَا لِلسَّيِّدِ الْحَمَوِيِّ عَنْ الْمُضْمَرَاتِ نَقْلًا عَنْ النِّصَابِ وَإِنْ سَبَقَ أَحَدٌ بِالدُّخُولِ إلَى الْمَسْجِدِ مَكَانَهُ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ فَدَخَلَ رَجُلٌ أَكْبَرُ مِنْهُ سِنًّا أَوْ أَهْلُ عِلْمٍ يَنْبَغِي أَنْ يَتَأَخَّرَ وَيُقَدِّمَهُ تَعْظِيمًا لَهُ اهـ. قَالَ فَهَذَا مُفِيدٌ لِجَوَازِ الْإِيثَارِ فِي الْقُرْبِ عَمَلًا بِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: 9] إلَّا إذَا قَامَ دَلِيلُ تَخْصِيصٍ. (قَوْلُهُ وَالْحَنَفِيَّةُ يَذْكُرُونَهُ مَرْفُوعًا إلَخْ) قَالَ الْبَلْبَانِيُّ فِي شَرْحِ تَلْخِيصِ الْجَامِعِ ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ فِي جَامِعِ الْأُصُولِ وَعَزَاهُ إلَى كِتَابِ رَزِينِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْعَبْدَرِيِّ الَّذِي جَمَعَ فِيهِ بَيْنَ الْكُتُبِ السِّتَّةِ، وَإِنَّمَا عَزَاهُ ابْنُ الْأَثِيرِ إلَيْهِ وَإِنْ كَانَ لَهُ فِيهِ سَنَدٌ بِالْإِجَازَةِ لِأَنَّهُ أَشَارَ فِي كِتَابِهِ إلَى أَنَّهُ لَمْ يَجِدْهُ فِي أُصُولِهِ الَّتِي سَمِعَهَا، وَهَذَا الْحَدِيثُ مَشْهُورٌ مَذْكُورٌ فِي عَامَّةِ كُتُبِ أَصْحَابِنَا الْمُصَنَّفَةِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَذَكَرَهُ إلْكِيَا الْهِرَّاسِيُّ فِي بَعْضِ مَا تَفَرَّدَ بِهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالْمُوَفَّقُ بْنُ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي وَهُوَ وَإِنْ كَانَ مُنْقَطِعًا عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ إلَّا أَنَّ اسْتِدْلَالَ عَامَّةِ الْفُحُولِ مِنْ عُلَمَائِنَا وَالْعُدُولِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَفُقَهَائِنَا مَعَ تَوَفُّرِ دَوَاعِي الْمُخَالِفِينَ عَلَى رَدِّ مِثْلِهِ يَرْفَعُ وَهْمَ مَنْ يَتَوَهَّمُ ضَعْفَهُ كَيْفَ وَإِطْلَاقُهُمْ الْقَوْلَ بِشُهْرَتِهِ ظَاهِرٌ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى ثُبُوتِهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَإِنْ انْقَطَعَ بَعْدَ ذَلِكَ طَرِيقُ سَنَدِهِ كَمَا فِي مُسْتَنَدِ الْإِجْمَاعِ مِنْ النُّصُوصِ اهـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 375 الصَّلَاةِ وَنَوَى الْإِمَامُ إمَامَتَهَا فَقَدْ تَرَكَ فَرْضَ الْمَقَامِ فَبَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِذَا أَشَارَ إلَيْهَا بِالتَّأَخُّرِ فَلَمْ تَتَأَخَّرْ تَرَكَتْ حِينَئِذٍ فَرْضَ الْمَقَامِ فَبَطَلَتْ صَلَاتُهَا دُونَهُ وَلَمْ يُمْكِنْهُ التَّقَدُّمُ بِخُطْوَةٍ أَوْ خُطْوَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ مَكْرُوهٌ فَلَا يُؤْمَرُ بِهِ وَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ، وَهَذَا فِي مُحَاذَاةِ غَيْرِ الْإِمَامِ، أَمَّا فِي مُحَاذَاةِ إمَامِهَا فَصَلَاتُهُمَا فَاسِدَةٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ إذَا فَسَدَتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ فَسَدَتْ صَلَاةُ الْمَأْمُومِ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ الْمَرْأَةُ إذَا صَلَّتْ مَعَ زَوْجِهَا فِي الْبَيْتِ إنْ كَانَ قَدَمُهَا بِحِذَاءِ قَدَمِ الزَّوْجِ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُمَا بِالْجَمَاعَةِ، وَفِي الْمُحِيطِ إذَا حَاذَتْ إمَامَهَا فَسَدَتْ صَلَاةُ الْكُلِّ، وَأَمَّا مُحَاذَاةُ الْأَمْرَدِ فَقَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ صَرَّحَ الْكُلُّ بِعَدَمِ الْفَسَادِ إلَّا مَنْ شَذَّ وَلَا مُتَمَسَّكَ لَهُ فِي الرِّوَايَةِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَلَا فِي الدِّرَايَةِ لِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّ الْفَسَادَ فِي الْمَرْأَةِ غَيْرُ مَعْلُولٍ بِعُرُوضِ الشَّهْوَةِ بَلْ هُوَ لِتَرْكِ فَرْضِ الْمَقَامِ وَلَيْسَ هَذَا فِي الصَّبِيِّ وَمَنْ تَسَاهَلَ فَعَلَّلَ بِهِ صَرَّحَ بِنَفْيِهِ فِي الصَّبِيِّ مُدَّعِيًا عَدَمَ اشْتِهَائِهِ اهـ. وَعَلَى هَذَا فَمَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ عَنْ الْمُلْتَقَطِ مِنْ أَنَّ الْأَمْرَدَ مِنْ قَرْنِهِ إلَى قَدَمِهِ عَوْرَةٌ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ الشَّاذِّ الَّذِي يُلْحِقُهُ بِالْمَرْأَةِ، وَذَكَرَ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْمُحَاذَاةِ السَّاقُ وَالْكَعْبُ فِي الْأَصَحِّ وَبَعْضُهُمْ اعْتَبَرَ الْقَدَمَ اهـ. وَهُوَ قَاصِرُ الْإِفَادَةِ فَإِنَّهُ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ الْمَرْأَةُ الْوَاحِدَةُ تُفْسِدُ صَلَاةَ ثَلَاثَةٍ إذَا وَقَفَتْ فِي الصَّفِّ مَنْ عَنْ يَمِينِهَا وَمَنْ عَنْ يَسَارِهَا وَمَنْ خَلْفَهَا وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُحَاذَاةَ بِالسَّاقِ وَالْكَعْبِ لَمْ تَتَحَقَّقْ فِيمَنْ خَلْفَهَا فَالتَّفْسِيرُ الصَّحِيحُ لِلْمُحَاذَاةِ مَا فِي الْمُجْتَبَى وَالْمُحَاذَاةُ الْمُفْسِدَةُ أَنْ تَقُومَ بِجَنْبِ الرَّجُلِ مِنْ غَيْرِ حَائِلٍ أَوْ قُدَّامَهُ اهـ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ مُمَاسَّةَ بَدَنِهَا لِبَدَنِهِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ بَلْ أَنْ تَكُونَ عَنْ جَنْبِهِ بِلَا حَائِلٍ وَلَا فُرْجَةٍ وَسَيَأْتِي تَفْسِيرُ الْحَائِلِ وَالْفُرْجَةِ وَلِهَذَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا عَلَى الدُّكَّانِ دُونَ الْقَامَةِ وَالْآخَرُ عَلَى الْأَرْضِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ لِوُجُودِ الْمُحَاذَاةِ لِبَعْضِ بَدَنِهَا لِكَوْنِهَا عَنْ جَنْبِهِ وَلَيْسَ هُنَا مُحَاذَاةٌ بِالسَّاقِ وَالْكَعْبِ وَلَا بِالْقَدَمِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ الْمَرْأَةُ إذَا صَلَّتْ فِي بَيْتِهَا مَعَ زَوْجِهَا إنْ كَانَتْ قَدَمَاهَا خَلْفَ قَدَمِ الزَّوْجِ إلَّا أَنَّهَا طَوِيلَةٌ يَقَعُ رَأْسُهَا فِي السُّجُودِ قِبَلَ رَأْسِ الْإِمَامِ جَازَتْ صَلَاتُهُمَا؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْقَدَمِ اهـ. وَقَالَ قَاضِي خَانْ فِي بَابِ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ: وَحَدُّ الْمُحَاذَاةِ أَنْ يُحَاذِيَ عُضْوٌ مِنْهَا عُضْوًا مِنْ الرَّجُلِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى الظُّلَّةِ وَالرَّجُلُ بِحِذَائِهَا أَسْفَلَ مِنْهَا أَوْ خَلْفَهَا إنْ كَانَ يُحَاذِي الرَّجُلُ شَيْئًا مِنْهَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَقَيَّدَ بِالْمُشْتَهَاةِ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْمُشْتَهَاةِ لَا تُفْسِدُ صَلَاتَهُ، وَإِنْ كَانَتْ مُمَيِّزَةً وَاخْتَلَفُوا فِي حَدِّ الْمُشْتَهَاةِ وَصَحَّحَ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِالسِّنِّ مِنْ السَّبْعِ عَلَى مَا قِيلَ أَوْ التِّسْعِ عَلَى مَا قِيلَ وَإِنَّمَا الْمُعْتَبَرُ أَنْ تَصْلُحَ لِلْجِمَاعِ بِأَنْ تَكُونَ ضَخْمَةً عَبْلَةً وَالْعَبْلَةُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَهُوَ قَاصِرٌ) أَيْ اعْتِبَارُ السَّاقِ وَالْكَعْبِ أَوْ الْقَدَمِ وَفِي النَّهْرِ أَقُولُ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ قَاصِرٌ لِأَنَّ مَنْ خَلْفَهَا إنَّمَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ إذَا كَانَ مُحَاذِيًا لَهَا كَمَا قَيَّدَ بِهِ الشَّارِحُ وَذَكَرَهُ فِي السِّرَاجِ أَيْضًا وَصَرَّحَ بِهِ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي كَافِيهِ يَعْنِي بِالسَّاقِ وَالْكَعْبِ. نَعَمْ هَذَا التَّخْصِيصُ يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ وَمُقْتَضَى دَلِيلِهِمْ الْإِطْلَاقُ اهـ. أَقُولُ: وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمُحَاذَاةَ تَتَحَقَّقُ فِيمَنْ خَلْفَهَا أَيْضًا بِأَنْ يَكُونَ فِي الصَّفِّ الثَّانِي مُسَامِتًا لَهَا بِالسَّاقِ وَالْكَعْبِ أَيْ غَيْرَ مُنْحَرِفٍ عَنْ يَمْنَةٍ أَوْ يَسْرَةٍ فَلَوْ كَانَ خَلْفَهَا لَكِنَّهُ مُنْحَرِفٌ يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً لَمْ يَكُنْ مُحَاذِيًا لَهَا بِالسَّاقِ وَالْكَعْبِ فَلَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ فِي الْأَصَحِّ لِوُجُودِ الْفُرْجَةِ بِذَلِكَ الِانْحِرَافِ وَهَذَا الْمَعْنَى سَيَذْكُرُهُ الْمُؤَلِّفُ تَوْفِيقًا بَيْنَ كَلَامِهِمْ كَمَا سَنُنَبِّهُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَفِي الْخَانِيَّةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ إلَخْ) هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُحَاذَاةِ الْقَدَمُ فَقَطْ كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي آخِرِ الْعِبَارَةِ وَمَا ذَكَرَهُ بَعْدَهُ عَنْ قَاضِي خَانْ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ أَيْضًا قَالَ فِي السِّرَاجِ عَنْ النِّهَايَةِ نَصَّ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ أَنْ يُحَاذِيَ عُضْوًا مِنْهَا هُوَ قَدَمُهَا لَا غَيْرُهَا فَإِنَّ مُحَاذَاةَ غَيْرِ قَدَمِهَا لِشَيْءٍ مِنْ الرَّجُلِ لَا يُسَبِّبُ فَسَاد صَلَاتِهِ اهـ. لَكِنَّهُ لَا يُنَاسِبُهُ التَّفْرِيعُ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ إلَخْ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ وَهُوَ الْفَسَادُ بِمُحَاذَاةِ أَيِّ عُضْوٍ مِنْهَا لَا بِقَيْدِ كَوْنِهِ السَّاقَ وَالْكَعْبَ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي الْمِعْرَاجِ شَرَطْنَا الْمُحَاذَاةَ مُطْلَقًا لِيَتَنَاوَلَ كُلَّ الْأَعْضَاءِ وَبَعْضَهَا فَإِنَّهُ ذَكَرَ أَبُو عَلِيٍّ النَّسَفِيُّ الْمُحَاذَاةَ أَنْ يُحَاذِيَ عُضْوًا مِنْهَا عُضْوٌ مِنْهُ حَتَّى لَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى الظُّلَّةِ وَرَجُلٌ بِحِذَائِهَا أَسْفَلَ مِنْهَا إنْ كَانَ يُحَاذِي الرَّجُلَ شَيْءٌ مِنْهَا تَفْسُدُ صَلَاةُ الرَّجُلِ اهـ. لَكِنْ قَالَ فِي النِّهَايَةِ بَعْدَ نَقْلِهِ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا عَيَّنَ هَذِهِ الصُّورَةَ لِتَكُونَ قَدَمُ الْمَرْأَةِ مُحَاذِيَةً لِلرَّجُلِ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ أَنْ يُحَاذِيَ عُضْوًا مِنْهَا هُوَ قَدَمُ الْمَرْأَةِ لَا غَيْرُهَا فَإِنَّ مُحَاذَاةَ غَيْرِ قَدَمِهَا الشَّيْءَ مِنْ الرَّجُلِ لَا يُوجِبُ فَسَادَ صَلَاةِ الرَّجُلِ نَصَّ عَلَى هَذَا فِي فَتَاوَى الْإِمَامِ قَاضِي خَانْ فِي أَوَاسِطِ فَصْلِ مَنْ يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ وَمِنْ لَا يَصِحُّ وَقَالَ الْمَرْأَةُ إذَا صَلَّتْ مَعَ زَوْجِهَا فِي الْبَيْتِ إلَخْ فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ إطْلَاقَ الْعُضْوِ غَيْرُ مُرَادٍ خِلَافًا لِمَا فَهِمَهُ الْمُؤَلِّفُ وَنَقَلَ فِي السِّرَاجِ كَلَامَ النِّهَايَةِ وَأَقَرَّهُ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ مَا نَقَلَهُ الْمُؤَلِّفُ ثَانِيًا عَنْ قَاضِي خَانْ أَيْضًا مِنْ قَوْلِهِ وَحَدُّ الْمُحَاذَاةِ إلَخْ مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا أَيْضًا بِدَلِيلِ الصُّورَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا فَإِنَّ تَعْيِينَ هَذِهِ الصُّورَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِعُضْوِ الْمَرْأَةِ الْقَدَمُ لَا غَيْرُ كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْقَدَمِ) أَيْ وَهِيَ هُنَا غَيْرُ مُحَاذِيَةٍ بِسَبَبِ تَأَخُّرِ قَدَمِهَا عَنْهُ أَمَّا لَوْ وَقَفَتْ إلَى جَنْبِهِ مُحَاذِيَةً لَهُ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ مَا لَمْ تَكُنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 376 الْمَرْأَةُ التَّامَّةُ الْخَلْقِ وَأَطْلَقَهَا فَشَمِلَتْ الْأَجْنَبِيَّةَ وَالزَّوْجَةَ وَالْمَحْرَمَ وَالْمُشْتَهَاةَ حَالًا أَوْ مَاضِيًا مُرَاهِقَةً أَوْ بَالِغَةً فَدَخَلَتْ الْعَجُوزُ الشَّوْهَاءُ وَلَمْ يُقَيِّدْهَا بِالْعَاقِلَةِ كَمَا فَعَلَ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّ الْمَجْنُونَةَ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهَا فَلَمْ يُوجَدْ الِاشْتِرَاكُ وَقَيَّدَ بِالصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ لَمْ تَكُنْ فِي الصَّلَاةِ فَلَا فَسَادَ وَقَيَّدَ الصَّلَاةَ بِالْإِطْلَاقِ وَهِيَ مَا عُهِدَ مُنَاجَاةً لِلرَّبِّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَهِيَ ذَاتُ الرُّكُوعِ أَوْ السُّجُودِ أَوْ الْإِيمَاءِ لِلْعُذْرِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْمُحَاذَاةِ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ فَإِنَّهَا لَا تَفْسُدُ وَقَيَّدَ بِالِاشْتِرَاكِ؛ لِأَنَّ مُحَاذَاةَ الْمُصَلِّيَةِ لِمُصَلٍّ لَيْسَ فِي صَلَاتِهَا لَا تُفْسِدُ صَلَاتَهُ لَكِنَّهُ مَكْرُوهٌ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقَيَّدَ الِاشْتِرَاكَ بِالتَّحْرِيمَةِ وَالْأَدَاءِ؛ لِأَنَّ اللَّاحِقَ إذَا حَاذَتْهُ اللَّاحِقَةُ عِنْدَ الذَّهَابِ إلَى الْوُضُوءِ أَوْ عِنْدَ الْمَجِيءِ قَبْلَ الِاشْتِغَالِ بِعَمَلِ الصَّلَاةِ فَلَا فَسَادَ وَإِنْ وُجِدَ الِاشْتِرَاكُ حَالَةَ الْمُحَاذَاةِ تَحْرِيمَةً لِعَدَمِ الِاشْتِرَاكِ أَدَاءً حَالَةَ الْمُحَاذَاةِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْحَالَةَ لَيْسَتْ حَالَةَ الْأَدَاءِ وَكَذَا الْمَسْبُوقُ إذَا حَاذَتْهُ الْمَسْبُوقَةُ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ عِنْدَ قَضَاءِ مَا سُبِقَا بِهِ لِعَدَمِ الِاشْتِرَاكِ فِي الْأَدَاءِ؛ لِأَنَّ الْمَسْبُوقَ مُنْفَرِدٌ فِيمَا يَقْضِي إلَّا فِي مَسَائِلَ سَنَذْكُرُهَا، وَإِنْ وُجِدَ الِاشْتِرَاكُ فِي التَّحْرِيمَةِ وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ الِاشْتِرَاكِ فِي التَّحْرِيمَةِ تَحْصِيلُ الرَّكْعَةِ الْأُولَى مَعَ الْإِمَامِ، وَلِهَذَا قَالَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ تُدْرِكَ أَوَّلَ الصَّلَاةِ فِي الصَّحِيحِ بَلْ لَوْ سَبَقَهَا بِرَكْعَةٍ أَوْ بِرَكْعَتَيْنِ فَحَاذَتْهُ فِيمَا أَدْرَكَتْ تُفْسِدُ عَلَيْهِ اهـ. فَالْمُشَارَكَةُ فِي التَّحْرِيمَةِ بِنَاءُ صَلَاتِهَا عَلَى صَلَاةِ مَنْ حَاذَتْهُ أَوْ عَلَى صَلَاةِ إمَامِ مَنْ حَاذَتْهُ فَحِينَئِذٍ لَا تُمْكِنُ الْمُشَارَكَةُ فِي الْأَدَاءِ بِدُونِ الْمُشَارَكَةِ فِي التَّحْرِيمَةِ فَلِذَا ذَكَرُوا الْمُشَارَكَةَ تَحْرِيمَةً وَأَدَاءً وَلَمْ يَكْتَفُوا بِالْمُشَارَكَةِ فِي الْأَدَاءِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ ثُمَّ لَوْ قِيلَ بَدَلَ مُشْتَرَكَةٍ تَحْرِيمَةً وَأَدَاءً مُشْتَرَكَةٍ أَدَاءً وَيُفَسِّرُهَا بِأَنْ يَكُونَ لَهُمَا إمَامٌ فِيمَا يُؤَدِّيَانِهِ حَالَةَ الْمُحَاذَاةِ أَوْ أَحَدُهُمَا إمَامٌ لِلْآخَرِ لَعَمَّ الِاشْتِرَاكَيْنِ اهـ. قُلْنَا نَعَمْ يَعُمُّ لَكِنْ يَلْزَمُ مِنْ الِاشْتِرَاكِ أَدَاءُ الِاشْتِرَاكِ تَحْرِيمَةً فَلِهَذَا ذَكَرُوهُمَا، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُقْتَدِيَ إمَّا مُدْرِكٌ أَوْ لَاحِقٌ غَيْرُ مَسْبُوقٍ أَوْ لَاحِقٌ مَسْبُوقٌ أَوْ مَسْبُوقٌ غَيْرُ لَاحِقٍ فَالْمُدْرِكُ مَنْ أَدْرَكَ الرَّكَعَاتِ كُلَّهَا مَعَ الْإِمَامِ فَإِذَا حَاذَتْهُ أَبْطَلَتْ صَلَاتَهُ لِوُجُودِ الِاشْتِرَاكِ تَحْرِيمَةً وَأَدَاءً، وَاللَّاحِقُ الْغَيْرُ الْمَسْبُوقِ هُوَ الَّذِي أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ الْأُولَى وَفَاتَتْهُ رَكْعَةٌ أَوْ أَكْثَرُ مِنْهَا بِعُذْرٍ كَنَوْمٍ أَوْ حَدَثٍ أَوْ غَفْلَةٍ أَوْ زَحْمَةٍ أَوْ لِأَنَّهُ مِنْ الطَّائِفَةِ الْأُولَى فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ وَحُكْمُهُ أَنَّهُ إذَا زَالَ عُذْرُهُ فَإِنَّهُ يَبْدَأُ بِقَضَاءِ مَا فَاتَهُ بِالْعُذْرِ، ثُمَّ يُتَابِعُ الْإِمَامَ إنْ لَمْ يَفْرُغْ وَهَذَا وَاجِبٌ لَا شَرْطٌ حَتَّى لَوْ عَكَسَ فَإِنَّهُ يَصِحُّ فَلَوْ نَامَ فِي الثَّالِثَةِ وَاسْتَيْقَظَ فِي الرَّابِعَةِ فَإِنَّهُ يَأْتِي بِالثَّالِثَةِ بِلَا قِرَاءَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَاحِقٌ فِيهَا فَإِذَا فَرَغَ مِنْهَا قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ الْإِمَامُ الرَّابِعَةَ صَلَّى مَعَهُ الرَّابِعَةَ، وَإِنْ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ صَلَّى الرَّابِعَةَ وَحْدَهَا بِلَا قِرَاءَةٍ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَاحِقٌ فَلَوْ تَابَعَ الْإِمَامَ، ثُمَّ قَضَى الثَّالِثَةَ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ صَحَّ وَأَثِمَ وَمِنْ حُكْمِهِ أَنَّهُ مُقْتَدٍ حُكْمًا فِيمَا يَقْضِي، وَلِهَذَا لَا يَقْرَأُ وَلَا يَلْزَمُهُ سُجُودٌ بِسَهْوِهِ وَإِذَا تَبَدَّلَ اجْتِهَادُهُ فِي الْقِبْلَةِ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ، وَلَوْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ وَهُوَ مُسَافِرٌ فَدَخَلَ مِصْرَهُ لِلْوُضُوءِ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ لَا يَنْقَلِبُ أَرْبَعًا وَكَذَا لَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ وَقَدْ جَعَلُوا فِعْلَهُ فِي   [منحة الخالق] بَيْنَهُمَا فُرْجَةٌ أَوْ حَائِلٌ (قَوْلُهُ فَحِينَئِذٍ لَا تُمْكِنُ الْمُشَارَكَةُ فِي الْأَدَاءِ بِدُونِ الْمُشَارَكَةِ فِي التَّحْرِيمَةِ) حَاصِلُهُ أَنَّ بَيْنَهُمَا الْعُمُومَ وَالْخُصُوصَ الْمُطْلَقَ، وَالْمُشَارَكَةُ فِي التَّحْرِيمَةِ أَعَمُّ لِانْفِرَادِهَا فِي الْمَسْبُوقَيْنِ وَعَدَمُ انْفِرَادِ الْمُشَارَكَةِ فِي الْأَدَاءِ بِنَاءٌ عَلَى مَا فَسَرُّوهَا بِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهُمَا إمَامٌ فِيمَا يُؤَدِّيَانِهِ إمَّا حَقِيقَةً كَالْمُقْتَدِيَيْنِ وَإِمَّا حُكْمًا كَاللَّاحِقِينَ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ إذَا سَبَقَهُ الْحَدَثُ فَاسْتَخْلَفَ آخَرَ فَاقْتَدَى وَاحِدٌ بِالْخَلِيفَةِ فَالشَّرِكَةُ فِي الْأَدَاءِ ثَابِتَةٌ بَيْنَ الَّذِي اقْتَدَى بِالْخَلِيفَةِ وَبَيْنَ الْإِمَامِ الْأَوَّلِ وَكُلِّ مَنْ اقْتَدَى بِهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ لَهُمْ إمَامًا فِيمَا يُؤَدُّونَهُ وَهُوَ الْخَلِيفَةُ وَلَا شَرِكَةَ بَيْنَهُمْ فِي التَّحْرِيمَةِ؛ لِأَنَّ الْمُقْتَدِيَ بِالْخَلِيفَةِ بَنَى تَحْرِيمَتَهُ عَلَى تَحْرِيمَةِ الْخَلِيفَةِ، وَالْإِمَامُ الْأَوَّلُ وَمَنْ اقْتَدَى بِهِ لَمْ يَبْنُوا تَحْرِيمَتَهُمْ عَلَى تَحْرِيمَةِ الْخَلِيفَةِ فَلَمْ تُوجَدْ بَيْنَهُمْ الشَّرِكَةُ تَحْرِيمَةً وَمَعَ ذَلِكَ لَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ فَحَاذَتْ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى تَفْسُدُ بِاعْتِبَارِ الشَّرِكَةِ فِي الْأَدَاءِ لَا التَّحْرِيمَةِ، وَقَدْ يُقَالُ الشَّرِكَةُ فِيهَا أَيْضًا ثَابِتَةٌ تَقْدِيرًا فَلَمْ تَنْفَرِدْ الْمُشَارَكَةُ أَدَاءً وَعَلَى هَذَا يَثْبُتُ أَنَّهُ لَا تُمْكِنُ الْمُشَارَكَةُ فِي الْأَدَاءِ بِدُونِ الْمُشَارَكَةِ فِي التَّحْرِيمَةِ وَكَانَ مُقْتَضَاهُ أَنْ لَا يَذْكُرُوا الثَّانِيَةَ وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ ذَلِكَ بِطَرِيقِ اللُّزُومِ وَلَمْ يَكْتَفُوا بِهِ فِي مَقَامِ تَعْلِيمِ الْأَحْكَامِ فَكَانَ التَّصْرِيحُ أَوْلَى تَقْرِيبًا عَلَى الْأَفْهَامِ وَهَذَا مَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ بِقَوْلِهِ فَلِهَذَا ذَكَرُوا إلَخْ فَافْهَمْ تَغْنَمْ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ قُلْنَا نَعَمْ لَكِنْ إلَخْ) حَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّهُ تَصْرِيحٌ بِمَا عُلِمَ الْتِزَامًا وَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّنْصِيصِ عَلَى الشَّيْءِ وَبَيْنَ كَوْنِهِ لَازِمًا لِشَيْءٍ ظَاهِرٌ، وَمَا وَقَعَ هُنَا فِي النَّهْرِ مِنْ الِاعْتِرَاضِ بِأَنَّ هَذَا الْجَوَابَ لَا يُجْدِي نَفْعًا غَيْرُ ظَاهِرٍ ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَهُ كَلَامًا مُتَنَاقِضًا حَذْفُهُ أَوْلَى مَعَ أَنَّهُ رَجَعَ آخِرًا إلَى مَا اعْتَرَضَ عَلَيْهِ فَرَاجِعْهُ مُتَأَمِّلًا. وَأَجَابَ ابْنُ كَمَالٍ بَاشَا كَمَا فِي الشرنبلالية بِأَنَّهُمْ أَفْرَدُوا كُلًّا بِالذِّكْرِ تَفْصِيلًا لِمَحِلِّ الْخِلَافِ عَنْ مَحَلِّ الْوِفَاقِ كَمَا هُوَ دَأْبُهُمْ وَذَلِكَ أَنَّ الِاشْتِرَاكَ تَحْرِيمَةً شَرْطٌ اتِّفَاقًا وَالِاشْتِرَاكَ أَدَاءً شَرْطٌ عَلَى الْأَصَحِّ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ اهـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 377 الْأُصُولِ أَدَاءً شَبِيهًا بِالْقَضَاءِ فَلِهَذَا لَا يَتَغَيَّرُ فَرْضُهُ بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُؤَثِّرُ فِي الْقَضَاءِ وَمِمَّا أُلْحِقَ بِاللَّاحِقِ الْمُقِيمُ إذَا اقْتَدَى بِمُسَافِرٍ فَإِنَّهُ بَعْدَ سَلَامِ إمَامِهِ كَاللَّاحِقِ، وَلِهَذَا لَا يَقْرَأُ وَلَا يَسْجُدُ لِسَهْوِهِ وَلَا يَقْتَدِي بِهِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَأَمَّا اللَّاحِقُ الْمَسْبُوقُ فَهُوَ مَنْ لَمْ يُدْرِكْ الرَّكْعَةَ الْأُولَى مَعَ الْإِمَامِ وَفَاتَهُ بَعْدَ الشُّرُوعِ رَكْعَةٌ أَوْ أَكْثَرُ بِعُذْرٍ، وَلِهَذَا اخْتَارَ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ اللَّاحِقَ هُوَ مَنْ فَاتَهُ بَعْدَ مَا دَخَلَ مَعَ الْإِمَامِ بَعْضُ صَلَاةِ الْإِمَامِ لِيَشْمَلَ اللَّاحِقُ الْمَسْبُوقَ وَتَعْرِيفُهُمْ اللَّاحِقَ بِأَنَّهُ مَنْ أَدْرَكَ أَوَّلَ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَفَاتَهُ شَيْءٌ مِنْهَا بِعُذْرٍ تَسَاهُلٌ اهـ. لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ الْمُقِيمُ إذَا اقْتَدَى بِمُسَافِرٍ فَإِنَّهُ لَاحِقٌ وَلَمْ يَشْمَلْهُ تَعْرِيفُهُ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ مُلْحَقٌ بِهِ وَلَيْسَ هُوَ حَقِيقَةً وَحُكْمُهُ إذَا زَالَ عُذْرُهُ مَا قَالَ فِي الْمَجْمَعِ أَنْ يُصَلِّيَ فِيمَا أَدْرَكَ مَا نَامَ فِيهِ، ثُمَّ يَقْضِيَ مَا فَاتَهُ، وَلَوْ تَابَعَ فِيمَا بَقِيَ، ثُمَّ قَضَى الْفَائِتَ، ثُمَّ مَا نَامَ فِيهِ أَجَزْنَاهُ وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ يَصِحُّ مَعَ الْإِثْمِ لِتَرْكِ الْوَاجِبِ، وَأَمَّا الْمَسْبُوقُ فَقَطْ فَهُوَ مَنْ لَمْ يُدْرِكْ الرَّكْعَةَ الْأُولَى مَعَ الْإِمَامِ وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بَيَانُ أَحْكَامِهِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَصَحَّ اسْتِخْلَافُ الْمَسْبُوقِ وَقَالُوا لَوْ اقْتَدَيَا فِي الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ، ثُمَّ أَحْدَثَا فَذَهَبَا لِلْوُضُوءِ، ثُمَّ حَاذَتْهُ فِي الْقَضَاءِ يُنْظَرُ، فَإِنْ حَاذَتْهُ فِي الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةِ وَهِيَ الثَّالِثَةُ وَالرَّابِعَةُ لِلْإِمَامِ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ لِوُجُودِ الشَّرِكَةِ فِيهِمَا تَقْدِيرًا لِكَوْنِهِمَا لَاحِقَيْنِ فِيهِمَا، وَإِنْ حَاذَتْهُ فِي الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ لَا تَفْسُدُ لِعَدَمِ الْمُشَارَكَةِ فِيهِمَا لِكَوْنِهِمَا مَسْبُوقَيْنِ وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ اللَّاحِقَ الْمَسْبُوقَ يَقْضِي أَوَّلًا مَا لَحِقَ فِيهِ، ثُمَّ مَا سُبِقَ فِيهِ وَهَذَا عِنْدَ زُفَرَ ظَاهِرٌ وَعِنْدَنَا، وَإِنْ صَحَّ عَكْسُهُ لَكِنْ يَجِبُ هَذَا بِاعْتِبَارِهِ تَفْسُدُ وَقَيَّدَ بِاتِّحَادِ الْمَكَانِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اخْتَلَفَ فَلَا فَسَادَ سَوَاءٌ كَانَ هُنَاكَ حَائِلٌ أَوْ لَا، وَلِهَذَا قَالَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ لَوْ كَانَ عَلَى الدُّكَّانِ أَوْ الْحَائِطِ وَهُوَ قَدْرُ قَامَةٍ وَهِيَ عَلَى الْأَرْضِ لَا تَفْسُدُ لِعَدَمِ اتِّحَادِ الْمَكَانِ وَهَكَذَا فِي الْكَافِي قَالَ فِي النَّوَازِلِ قَوْمٌ صَلَّوْا عَلَى ظَهْرِ ظُلَّةٍ فِي الْمَسْجِدِ وَبِحِذَائِهِمْ مِنْ تَحْتِهِمْ نِسَاءٌ أَجْزَأَتْهُمْ صَلَاتُهُمْ لِعَدَمِ اتِّحَادِ الْمَكَانِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ قُدَّامَهُمْ نِسَاءٌ فَإِنَّهَا فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّهُ تَخَلَّلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْإِمَامِ صَفٌّ مِنْ النِّسَاءِ وَهُوَ مَانِعٌ مِنْ الِاقْتِدَاءِ كَمَا سَيَأْتِي، وَفِي الْمُجْتَبَى اقْتَدَيْنَ عَلَى رَفَّةِ الْمَسْجِدِ وَتَحْتَهُ صُفُوفُ الرِّجَالِ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُمْ وَقَيَّدَ بِعَدَمِ الْحَائِلِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ حَائِلٌ فَلَا فَسَادَ وَأَدْنَاهُ قَدْرُ مُؤَخِّرَةِ الرَّجُلِ أَوْ مُقَدِّمَتُهُ؛ لِأَنَّ أَدْنَى أَحْوَالِ الصَّلَاةِ الْقُعُودُ فَقَدَّرْنَا الْحَائِلَ بِهِ وَهُوَ قَدْرُ ذِرَاعٍ كَذَلِكَ فِي الْمُحِيطِ وَفِي الْمُجْتَبَى لَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا أُسْطُوَانَةٌ أَوْ سُتْرَةٌ قَدْرَ مُؤَخِّرَةِ الرَّحْلِ أَوْ عُودٌ أَوْ قَصَبَةٌ مُنْتَصِبَةٌ لِلسُّتْرَةِ أَوْ حَائِطٌ أَوْ دُكَّانٌ قَدْرَ الذِّرَاعِ لَا تَفْسُدُ، وَذَكَرَ الشَّارِحُ أَنَّ أَدْنَاهُ قَدْرُ مُؤَخِّرَةِ الرَّحْلِ وَغِلَظُهُ مِثْلُ غِلَظِ الْأُصْبُعِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الْفُرْجَةَ مِنْ غَيْرِ حَائِلٍ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِهَا وَأَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا كَانَتْ عَنْ يَمِينِهِ أَوْ عَنْ يَسَارِهِ وَبَيْنَهُمَا فُرْجَةٌ بِلَا حَائِلٍ فَإِنَّهَا تُفْسِدُ صَلَاتَهُ، وَذَكَرَ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ أَنَّ الْفُرْجَةَ كَالْحَائِلِ وَأَدْنَاهَا قَدْرُ مَا يَقُومُ فِيهَا الرَّجُلُ، وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا عَلَى دُكَّانٍ قَدْرَ قَامَةِ الرَّجُلِ وَالْآخَرُ أَسْفَلَ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْمُحَاذَاةِ وَصَرَّحَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا فُرْجَةٌ تَسَعُ الرَّجُلَ أَوْ أُسْطُوَانَةٌ قِيلَ لَا تَفْسُدُ، وَكَذَا إذَا قَامَتْ أَمَامَهُ وَبَيْنَهُمَا هَذِهِ الْفُرْجَةُ وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْمُجْتَبَى عَنْ صَلَاةِ الْبَقَّالِيِّ وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا اتَّفَقُوا عَلَى نَقْلِهِ عَنْ أَصْحَابِنَا كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ لَوْ قَامَتْ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَلِهَذَا اخْتَارَ الْمُحَقِّقُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَلَمْ يُقَيِّدْ الْفَوَاتَ بِالنَّوْمِ أَوْ الزَّحْمَةِ كَمَا وَقَعَ لِبَعْضِهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَقَيَّدُ بِهِ لِمَا أَنَّ الطَّائِفَةَ الْأُولَى فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ لَاحِقُونَ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ لِعُذْرٍ إلَّا أَنَّهُ يَرِدُ عَلَيْهِ مَا فِي الْخُلَاصَةِ لَوْ سَبَقَ إمَامَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ قَضَى رَكْعَةً بِلَا قِرَاءَةٍ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ يَلْحَقُ بِهِ أَيْضًا. (قَوْلُهُ لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ الْمُقِيمُ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَرِدُ عَلَى تَعْرِيفِهِمْ وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ اللَّاحِقَ الْمَسْبُوقَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَيَنْبَغِي أَنَّهُ إنْ نَوَى قَضَاءَ مَا سُبِقَ بِهِ أَوَّلًا أَنْ يَنْعَكِسَ حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ وَهَذَا أَحَدُ الْمَوَاضِعِ الَّتِي خَالَفَ فِيهَا اللَّاحِقُ الْمَسْبُوقَ وَمِنْهَا لَوْ نَسِيَ الْقَعْدَةَ الْأُولَى أَتَى بِهَا الْمَسْبُوقُ لَا اللَّاحِقُ وَمِنْهَا لَوْ ضَحِكَ الْإِمَامُ أَوْ أَحْدَثَ عَمْدًا فِي مَوْضِعِ السَّلَامِ فَسَدَتْ صَلَاةُ الْمَسْبُوقِ وَفِي اللَّاحِقِ رِوَايَتَانِ وَالْأَصَحُّ عَدَمُ الْفَسَادِ وَمِنْهَا لَوْ قَالَ الْإِمَامُ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْفَجْرِ كُنْت مُحْدِثًا فِي الْعِشَاءِ فَسَدَتْ صَلَاةُ الْمَسْبُوقِ وَفِي اللَّاحِقِ رِوَايَتَانِ، وَمِنْهَا لَوْ عَلِمَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مُخَالَفَةَ تَحْرِيمَتِهِمَا لِتَحْرِيمَةِ الْإِمَامِ فَسَدَتْ صَلَاةُ الْمَسْبُوقِ وَفِي اللَّاحِقِ رِوَايَتَانِ، وَكَذَا لَوْ خَرَجَ وَقْتُ الْجُمُعَةِ، وَمِنْهَا لَوْ تَذَكَّرَ الْمَسْبُوقُ فَائِتَةً عَلَيْهِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَفِي اللَّاحِقِ رِوَايَتَانِ، وَكَذَا لَوْ كَانَا مُتَيَمِّمَيْنِ فَرَأَيَا مَاءً أَوْ انْقَضَتْ مُدَّةُ مَسْحِهِمَا فَسَدَتْ صَلَاتُهُمَا اتِّفَاقًا، وَكَذَا لَوْ خَرَجَ الْفَجْرُ أَوْ الْعِيدُ، وَمِنْهَا لَوْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ فِي الْفَجْرِ فَسَدَتْ فِي الْمَسْبُوقِ لَا فِي اللَّاحِقِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَمِنْهَا لَوْ تَحَوَّلَ رَأْيُهُ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ فَسَدَتْ فِي اللَّاحِقِ وَبَنَى الْمَسْبُوقُ، وَمِنْهَا لَوْ تَذَكَّرَ الْإِمَامُ فَائِتَةً بَعْدَ فَرَاغِهِ لَا تَفْسُدُ صَلَاةُ الْمَسْبُوقِ وَإِلَّا ظَهَرَ فِي صَلَاةِ اللَّاحِقِ الْفَسَادُ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ (قَوْلُهُ وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا اتَّفَقُوا إلَخْ) أَصْلُ الْإِشْكَالِ مَأْخُوذٌ مِنْ الْفَتْحِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ بَعْدَ نَقْلِهِ عِبَارَةَ الدِّرَايَةِ السَّابِقَةِ وَلَا يَبْعُدُ النَّظَرُ فِي صِحَّةِ هَذَا الْقِيلِ إذْ مُقْتَضَاهُ أَنْ لَا يُفْسِدَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 378 امْرَأَةٌ بِحِذَاءِ الْإِمَامِ، وَقَدْ نَوَى إمَامَتَهَا تَفْسُدُ صَلَاةُ الْإِمَامِ وَالْقَوْمِ، وَإِنْ قَامَتْ فِي الصَّفِّ تَفْسُدُ صَلَاةُ رَجُلَيْنِ مِنْ جَانِبَيْهَا وَصَلَاةُ رَجُلٍ خَلْفَهَا، وَلَوْ تَقَدَّمَتْ عَلَى الْإِمَامِ لَا تَفْسُدُ صَلَاةُ الْإِمَامِ وَالْقَوْمِ وَلَكِنْ تَفْسُدُ صَلَاتُهَا، وَلَوْ كَانَ صَفٌّ مِنْ النِّسَاءِ بَيْنَ الْإِمَامِ وَالرِّجَالِ لَا يَصِحُّ اقْتِدَاءُ الرِّجَالِ بِالْإِمَامِ وَيَجْعَلُ حَائِلًا، وَلَوْ كَانَ فِي صَفِّ الرِّجَالِ ثِنْتَانِ مِنْ النِّسَاءِ تَفْسُدُ صَلَاةُ رَجُلٍ عَنْ يَمِينِهِمَا وَصَلَاةُ رَجُلٍ عَنْ يَسَارِهِمَا وَصَلَاةُ رَجُلَيْنِ خَلْفَهُمَا فَقَطْ، وَلَوْ كَانَ ثَلَاثَةٌ تَفْسُدُ صَلَاةُ ثَلَاثَةٍ ثَلَاثَةٍ خَلْفَهُنَّ إلَى آخِرِ الصُّفُوفِ وَوَاحِدٍ عَنْ أَيْمَانِهِنَّ وَوَاحِدٍ عَنْ يَسَارِهِنَّ؛ لِأَنَّ الثَّلَاثَةَ جَمْعٌ صَحِيحٌ فَصَارَ كَالصَّفِّ فَيَمْنَعُ صِحَّةَ الِاقْتِدَاءِ فِي حَقِّ مَنْ صِرْنَ حَائِلَاتٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ إمَامِهِ وَفِي الْمُحِيطِ عَنْ الْجُرْجَانِيِّ لَوْ كَبَّرَتْ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ وَرَكَعَتْ فِي الصَّفِّ الثَّانِي وَسَجَدَتْ فِي الصَّفِّ الثَّالِثِ فَسَدَتْ صَلَاةُ مَنْ عَنْ يَمِينِهَا وَيَسَارِهَا وَخَلْفَهَا فِي كُلِّ صَفٍّ؛ لِأَنَّهَا أَدَّتْ فِي كُلِّ صَفٍّ رُكْنًا مِنْ الْأَرْكَانِ فَصَارَ كَالْمَدْفُوعِ إلَى صَفِّ النِّسَاءِ، وَوَجْهُ إشْكَالِهِ أَنَّ الرَّجُلَ الَّذِي هُوَ خَلْفَهَا أَوْ الصَّفَّ الَّذِي هُوَ خَلْفَهُنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ فُرْجَةٌ قَدْرَ قَامَةِ الرَّجُلِ، وَقَدْ جَعَلُوا الْفُرْجَةَ كَالْحَائِلِ فِيمَنْ عَنْ جَانِبِهَا أَوْ خَلْفَهَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْمُجْتَبَى وَغَيْرِهِ فَتَعَيَّنَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا إذَا كَانَ خَلْفَهَا مِنْ غَيْرِ فُرْجَةٍ مُحَاذِيًا لَهَا بِحَيْثُ لَا يَكُونُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَهُ قَدْرُ قَامَةِ الرَّجُلِ، وَلِهَذَا قَالَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ، وَلَوْ قَامَتْ الْمَرْأَةُ وَسَطَ الصَّفِّ فَإِنَّهَا تُفْسِدُ صَلَاةَ ثَلَاثَةٍ: وَاحِدٍ عَنْ يَمِينِهَا وَوَاحِدٍ عَنْ يَسَارِهَا وَوَاحِدٍ خَلْفَهَا بِحِذَائِهَا وَلَا تُفْسِدُ صَلَاةَ الْبَاقِينَ اهـ. فَقَدْ شَرَطَ أَنْ يَكُونَ مَنْ خَلْفَهَا مُحَاذِيًا لَهَا لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا إذَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا فُرْجَةٌ، وَكَذَا صَرَّحَ الزَّيْلَعِيُّ الشَّارِحُ فَقَالَ فِي الْمَرْأَتَيْنِ يُفْسِدَانِ صَلَاةَ رَجُلَيْنِ خَلْفَهُمَا بِحِذَائِهِمَا، ثُمَّ رَأَيْت بَعْدَ ذَلِكَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ، وَفِي الْمُجْتَبَى، وَلَوْ كَانَ الرَّجُلُ عَلَى سُتْرَةٍ أَوْ رَفٍّ وَالْمَرْأَةُ قُدَّامَهُ تُفْسِدُ سَوَاءٌ كَانَ قَدْرَ قَامَةِ الرَّجُلِ أَوْ دُونَهُ وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الرَّفِّ سُتْرَةٌ فَأَمَّا إذَا كَانَ عَلَيْهِ سُتْرَةٌ قَدْرَ ذِرَاعٍ لَا تُفْسِدُ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ اهـ. وَقَدَّمْنَا عَنْ   [منحة الخالق] صَفُّ النِّسَاءِ عَلَى الصَّفِّ الَّذِي خَلْفَهُ مِنْ الرِّجَالِ اهـ. قَالَ فِي النَّهْرِ بَعْدَهُ أَقُولُ: لَوْ حُمِلَ الْفَسَادُ فِي الصَّفِّ عَلَى مَا إذَا كَانَ الرِّجَالُ بِحِذَائِهِنَّ لَاسْتَقَامَ، وَقَدْ قَيَّدَ الشَّارِحُ فَسَادَ مَنْ خَلْفَ الِاثْنَتَيْنِ بِمَا إذَا كَانَ بِحِذَائِهِمَا وَلَا فَرْقَ يَظْهَرُ فَتَدَبَّرْهُ أَيْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الِاثْنَتَيْنِ وَبَيْنَ الصَّفِّ فِي التَّقْيِيدِ بِالْمُحَاذَاةِ وَهَذَا مَيْلٌ إلَى مَا جَمَعَ بِهِ أَخُوهُ الْمُؤَلِّفَ بِقَوْلِهِ الْآتِي فَتَعَيَّنَ إلَخْ (قَوْلُهُ قَدْرَ قَامَةِ الرَّجُلِ) قَدْ فَسَّرَ الْفُرْجَةَ فِيمَا مَرَّ بِأَنْ تَكُونَ قَدْرَ مَا يَقُومُ بِهِ الرَّجُلُ وَهَذَا الْقَدْرُ أَقَلُّ مِنْ قَدْرِ قَامَتِهِ، فَإِنْ أَرَادَ بِقَدْرِ الْقَامَةِ مَا مَرَّ يَكُونُ تَسَاهَلَ بِالتَّعْبِيرِ وَإِلَّا فَيَحْتَاجُ إلَى ثَبْتٍ وَنُقِلَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفُرْجَةِ ذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا نَقَلَهُ عَنْهُمْ وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَامَةَ مُحَرَّفَةٌ مِنْ مَقَامٍ فَإِنَّهُ فِي الْفَتْحِ عَبَّرَ بِهِ حَيْثُ قَالَ وَالْفُرْجَةُ تَقُومُ مَقَامَ الْحَائِلِ وَأَدْنَاهَا قَدْرُ مَقَامِ الرَّجُلِ (قَوْلُهُ فَتَعَيَّنَ أَنْ يُحْمَلَ إلَخْ) يُؤَيِّدُ هَذَا الْحَمْلَ قَوْلُ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ الْمَارُّ فِي تَقْيِيدِ عَدَمِ الْفَسَادِ إذَا قَامَتْ أَمَامَهُ وَبَيْنَهُمَا هَذِهِ الْفُرْجَةُ فَأَشَارَ بِهَذِهِ إلَى الْفُرْجَةِ السَّابِقَةِ وَهِيَ مَا تَسَعُ الرَّجُلَ وَاعْتَرَضَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ فَقَالَ الْحَقُّ أَنَّ تَقَدُّمَهَا عَلَى مَنْ خَلْفَهَا بِإِزَائِهَا مُفْسِدٌ كَيْفَمَا كَانَ وَحَيْثُ اتَّفَقُوا عَلَى نَقْلِهِ عَنْ أَصْحَابِنَا كَمَا قَدَّمَهُ عَنْ غَايَةِ الْبَيَانِ فَلَا يُعَارِضُهُ مَا عَنْ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَالْبَقَّالِي؛ لِأَنَّهُ مَحْكِيٌّ بِقِيلَ، وَمَا عَيَّنَهُ وَإِنْ صَحَّ فِي الْمَرْأَةِ بِأَنْ يَكُونَ مَنْ خَلْفَهَا قَرِيبًا مِنْهَا بِحَيْثُ لَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا قَدْرُ مَا يَسَعُ الرَّجُلَ، وَكَذَا الْمَرْأَتَانِ لَكِنَّهُ لَا يَصِحُّ فِي الثَّلَاثِ حَيْثُ صَرَّحُوا بِبُطْلَانِ ثَلَاثَةٍ ثَلَاثَةٍ إلَى آخِرِ الصُّفُوفِ فَإِنَّ مَنْ فِي الصَّفِّ الثَّانِي وَمَنْ بَعْدَهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُنَّ حَائِلٌ وَمَعَ ذَلِكَ حَكَمُوا بِبُطْلَانِ صَلَاتِهِ وَقَوْلُهُ فَقَدْ شُرِطَ إلَخْ مَمْنُوعٌ فَإِنَّ الْمُحَاذَاةَ صَادِقَةٌ بِالْقُرْبِ وَالْبُعْدِ وَلَوْ كَانَتْ الْمُحَاذَاةُ مُسْتَلْزِمَةً لِعَدَمِ الْفُرْجَةِ لَمْ يَكُنْ لِلتَّقْيِيدِ بِقَوْلِهِمْ وَلَا حَائِلَ بَيْنَهُمَا أَوْ فُرْجَةً تَسَعُ رَجُلًا بَعْدَ قَوْلِهِمْ وَإِنْ حَاذَتْهُ مَعْنَى اهـ. أَقُولُ: قَوْلُ هَذَا الْمُعْتَرِضِ لَكِنَّهُ لَا يَصِحُّ فِي الثَّلَاثِ إلَخْ يُؤْخَذُ الْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ الزَّيْلَعِيِّ وَلَوْ كَانَ صَفٌّ تَامٌّ مِنْ النِّسَاءِ خَلْفَ الْإِمَامِ وَوَرَاءَهُنَّ صُفُوفٌ مِنْ الرِّجَالِ فَسَدَتْ صَلَاةُ تِلْكَ الصُّفُوفِ كُلِّهَا وَفِي الْقِيَاسِ أَنْ تَفْسُدَ صَلَاةُ صَفٍّ وَاحِدٍ لَا غَيْرُ لِوُجُودِ الْحَائِلِ فِي حَقِّ بَاقِي الصُّفُوفِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَثَرِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَيْ قَوْلِهِ مَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ إمَامِهِ طَرِيقٌ أَوْ نَهْرٌ أَوْ صَفٌّ مِنْ نِسَاءٍ فَلَيْسَ هُوَ مَعَ الْإِمَامِ، وَقَدْ ذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ عَنْ غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّ الثَّلَاثَ كَالصَّفِّ وَلَكِنْ فِي حَقِّ مَنْ حَلَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِمَامِ فَأَفَادَ أَنَّ مُقْتَضَى الْقِيَاسِ ذَلِكَ وَلَكِنْ عَدَلَ عَنْهُ لِمَا ذُكِرَ، هَذَا وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ مِنْ التَّوْفِيقِ بِمَا ذَكَرَهُ لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ خَلْفَهَا بِحِذَائِهَا مُلْتَصِقًا بِهَا فَإِنَّ ذَلِكَ بَعِيدٌ عَنْ الْفَهْمِ جِدًّا؛ لِأَنَّ إطْلَاقَهُمْ الصَّفَّ يَنْصَرِفُ إلَى مَا هُوَ الْعَادَةُ فِيهِ وَالْعَادَةُ فِي الصُّفُوفِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ فُرْجَةٌ يُمْكِنُ سُجُودُ الصَّفِّ الْمُتَأَخِّرِ فِيهَا وَهَذِهِ الْفُرْجَةُ أَكْثَرُ مِمَّا يَسَعُ الرَّجُلَ بَلْ الْمُرَادُ بِاشْتِرَاطِ فَسَادِ مَنْ خَلْفَهَا بِأَنْ يَكُونَ مُحَاذِيًا لَهَا أَنْ يَكُونَ مُسَامِتًا لَهَا مَنْ خَلْفَهَا احْتِرَازٌ عَنْ غَيْرِ الْمُسَامِتِ بِأَنْ يَكُونَ خَلْفَهَا مِنْ جِهَةِ الْيَمِينِ أَوْ الْيَسَارِ وَقَوْلُهُ فِي السِّرَاجِ وَسَطَ الصَّفِّ احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا قَامَتْ فِي طَرَفِهِ فَإِنَّهُ لَا تَفْسُدُ صَلَاةَ ثَلَاثَةٍ بَلْ اثْنَيْنِ مَنْ فِي جَانِبِهَا وَمَنْ خَلْفَهَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 379 النَّوَازِلِ أَنَّهُنَّ لَوْ كُنَّ بِحِذَائِهِمْ لَا تَفْسُدُ وَقَيَّدَ بِنِيَّةِ الْإِمَامَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَنْوِ الْإِمَامُ إمَامَتَهَا لَا تَفْسُدُ صَلَاةُ مَنْ حَاذَتْهُ مُطْلَقًا وَلَا حَاجَةَ إلَى هَذَا الْقَيْدِ؛ لِأَنَّهُ عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ مُشْتَرَكَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا اشْتِرَاكَ إلَّا بِنِيَّةِ الْإِمَامِ إمَامَتَهَا فَإِذَا لَمْ يَنْوِ إمَامَتَهَا لَمْ يَصِحَّ اقْتِدَاؤُهَا وَجَرَى أَكْثَرُهُمْ عَلَى هَذَا الْعُمُومِ حَتَّى فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْفَسَادُ مِنْ جِهَتِهَا بِتَقْدِيرِ مُحَاذَاتِهَا فَاشْتُرِطَ الْتِزَامُهُ وَالْمَأْمُومُ تَبَعٌ لِإِمَامِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَشْتَرِطُهَا فِيهِمَا وَصَحَّحَهُ صَاحِبُ الْخُلَاصَةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَمَكَّنُ مِنْ الْوُقُوفِ بِجَنْبِ الْإِمَامِ لِلِازْدِحَامِ وَلَا تَقْدِرُ أَنْ تُؤَدِّيَهَا وَحْدَهَا وَيُشْتَرَطُ نِيَّةُ الْإِمَامِ وَقْتَ الشُّرُوعِ لَا بَعْدَهُ وَلَا يُشْتَرَطُ حُضُورُهَا عِنْدَ النِّيَّةِ فِي رِوَايَةٍ وَيُشْتَرَطُ فِي أُخْرَى كَمَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ إلَى أَنَّهَا لَوْ اقْتَدَتْ بِهِ مُقَارِنَةً لِتَكْبِيرِهِ مُحَاذِيَةً لَهُ وَقَدْ نَوَى إمَامَتَهَا لَمْ تَنْعَقِدْ تَحْرِيمَةُ الْإِمَامِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ؛ لِأَنَّ الْمُفْسِدَ لِلصَّلَاةِ إذَا قَارَنَ الشُّرُوعَ مَنَعَ مِنْ الِانْعِقَادِ وَلَوْ نَوَى إمَامَةَ النِّسَاءِ إلَّا وَاحِدَةً فَهُوَ كَمَا نَوَى فَإِذَا حَاذَتْهُ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَلَا يُشْتَرَطُ اتِّحَادُ صَلَاتِهِمَا حَتَّى لَوْ اقْتَدَتْ بِهِ فِي الظُّهْرِ وَهُوَ يُصَلِّي الْعَصْرَ وَحَاذَتْهُ أَبْطَلَتْ صَلَاتَهُ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ؛ لِأَنَّ اقْتِدَاءَهَا، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ فَرْضًا يَصِحُّ نَفْلًا عَلَى الْمَذْهَبِ فَكَانَ بِنَاءُ النَّفْلِ عَلَى الْفَرْضِ لَكِنْ هُوَ مُتَفَرِّعٌ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي بَقَاءِ أَصْلِ الصَّلَاةِ عِنْدَ فَسَادِ الِاقْتِدَاءِ وَسَنُبَيِّنُ مَا هُوَ الْمَذْهَبُ فِيهِ، وَفِي نَظَائِرِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ كَوْنَهَا فِي رُكْنٍ كَامِلٍ لِلْخِلَافِ فِيهِ فَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ الْمُحَاذَاةُ مُفْسِدَةٌ قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ وَفِي الْمَجْمَعِ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ يُفْسِدُهَا بِالْمُحَاذَاةِ قَدْرَ أَدَاءِ رُكْنٍ وَاشْتَرَطَ مُحَمَّدٍ أَدَاءَ الرُّكْنِ فَفِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ، وَظَاهِرُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ اخْتِيَارُ الْأَوَّلِ وَلَمْ يَذْكُرْ أَيْضًا اتِّحَادَ الْجِهَةِ قَالُوا وَلَا بُدَّ مِنْهُ حَتَّى لَوْ اخْتَلَفَتْ كَمَا فِي جَوْفِ الْكَعْبَة وَبِالتَّحَرِّي فِي اللَّيْلَةِ الْمُظْلِمَةِ فَلَا فَسَادَ بِالْمُحَاذَاةِ. (قَوْلُهُ وَلَا يَحْضُرْنَ الْجَمَاعَاتِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب: 33] وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَلَاتُهَا فِي قَعْرِ بَيْتِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا فِي صَحْنِ دَارِهَا وَصَلَاتُهَا فِي صَحْنِ دَارِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا فِي مَسْجِدِهَا وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ» وَلِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ الْفِتْنَةُ مِنْ خُرُوجِهِنَّ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الشَّابَّةَ وَالْعَجُوزَ وَالصَّلَاةَ النَّهَارِيَّةَ وَاللَّيْلِيَّةَ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي وَالْفَتْوَى الْيَوْمُ عَلَى الْكَرَاهَةِ فِي الصَّلَاةِ كُلِّهَا لِظُهُورِ الْفَسَادِ وَمَتَى كُرِهَ حُضُورُ الْمَسْجِدِ لِلصَّلَاةِ فَلَأَنْ يُكْرَهَ حُضُورُ مَجَالِسِ الْوَعْظِ خُصُوصًا عِنْدَ هَؤُلَاءِ الْجُهَّالِ الَّذِينَ تَحَلَّوْا بِحِلْيَةِ الْعُلَمَاءِ أَوْلَى. ذَكَرَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ اهـ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الْمُعْتَمَدُ مَنْعُ الْكُلِّ فِي الْكُلِّ إلَّا الْعَجَائِزَ الْمُتَفَانِيَةَ فِيمَا يَظْهَرُ لِي دُونَ الْعَجَائِزِ الْمُتَبَرِّجَاتِ وَذَوَاتِ الرَّمَقِ. اهـ. وَقَدْ يُقَالُ هَذِهِ الْفَتْوَى الَّتِي اعْتَمَدَهَا الْمُتَأَخِّرُونَ مُخَالِفَةٌ لِمَذْهَبِ الْإِمَامِ وَصَاحِبَيْهِ فَإِنَّهُمَا نَقَلُوا أَنَّ الشَّابَّةَ تُمْنَعُ مُطْلَقًا اتِّفَاقًا، وَأَمَّا الْعَجُوزُ فَلَهَا حُضُورُ الْجَمَاعَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الصَّلَاةِ إلَّا فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْجُمُعَةِ، وَقَالَا يَخْرُجُ الْعَجَائِزُ فِي الصَّلَاةِ كُلِّهَا كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمَجْمَعِ وَغَيْرِهِمَا فَالْإِفْتَاءُ بِمَنْعِ الْعَجُوزِ فِي الْكُلِّ مُخَالِفٌ لِلْكُلِّ فَالِاعْتِمَادُ عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ، وَفِي الْخُلَاصَةِ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ يَجُوزُ لِلزَّوْجِ أَنْ يَأْذَنَ لَهَا بِالْخُرُوجِ إلَى سَبْعَةِ مَوَاضِعَ: زِيَارَةُ الْوَالِدَيْنِ وَعِيَادَتُهُمَا وَتَعْزِيَتُهُمَا أَوْ أَحَدِهِمَا وَزِيَارَةُ الْمَحَارِمِ، فَإِنْ كَانَتْ قَابِلَةً أَوْ غَسَّالَةً أَوْ كَانَ لَهَا عَلَى آخَرَ حَقٌّ تَخْرُجُ بِالْإِذْنِ وَبِغَيْرِ الْإِذْنِ وَالْحَجُّ عَلَى هَذَا، وَفِيمَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ زِيَارَةِ غَيْرِ الْمَحَارِمِ وَعِيَادَتِهِمْ وَالْوَلِيمَةِ لَا يَأْذَنُ لَهَا وَلَا تَخْرُجُ، وَلَوْ أَذِنَ وَخَرَجَتْ كَانَا عَاصِيَيْنِ وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (قَوْلُهُ وَفَسَدَ اقْتِدَاءُ رَجُلٍ بِامْرَأَةٍ أَوْ صَبِيٍّ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الْحَدِيثِ وَنَقَلَ فِي الْمُجْتَبَى الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ، وَأَمَّا إمَامَةُ الصَّبِيِّ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَيُشْتَرَطُ فِي أُخْرَى) عَبَّرَ عَنْهُ بِقِيلَ فِي شَرْحِ تَلْخِيصِ الْجَامِعِ فَلِذَا اسْتَظْهَرَ الْمُؤَلِّفُ الرِّوَايَةَ الْأُولَى (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ فَرْضًا يَصِحُّ نَفْلًا عَلَى الْمَذْهَبِ) هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا سَيَذْكُرُهُ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَمُفْتَرِضٍ بِمُتَنَفِّلٍ مِنْ أَنَّ الْمَذْهَبَ عَدَمُ صِحَّةِ الشُّرُوعِ إذَا فَسَدَ الِاقْتِدَاءُ فَكَيْفَ يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهَا نَفْلًا عَلَى الْمَذْهَبِ فَكَانَ الصَّوَابُ إسْقَاطَ قَوْلِهِ هُنَا عَلَى الْمَذْهَبِ وَيَكُونُ مَا ذَكَرَهُ مِنْ صِحَّةِ اقْتِدَائِهَا نَفْلًا مَبْنِيًّا عَلَى الْقَوْلِ الْمُقَابِلِ لِلْمَذْهَبِ لَكِنْ سَيَأْتِي فِي ذَلِكَ كَلَامٌ وَتَحْقِيقٌ؛ لِأَنَّ الْمَذْهَبَ مَا هُنَا مِنْ صِحَّةِ الشُّرُوعِ لَا مَا هُنَاكَ (قَوْلُهُ وَسَنُبَيِّنُ مَا هُوَ الْمَذْهَبُ إلَخْ) أَيْ عِنْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ وَمُفْتَرِضٍ بِمُتَنَفِّلٍ. [حُضُور النِّسَاء الْجَمَاعَاتِ ومَجَالِسِ الْوَعْظِ] (قَوْلُهُ وَقَدْ يُقَالُ هَذِهِ الْفَتْوَى إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ فِيهِ نَظَرٌ بَلْ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِ الْإِمَامِ وَذَلِكَ أَنَّهُ إنَّمَا مَنَعَهَا لِقِيَامِ الْحَامِلِ وَهُوَ فَرْطُ الشَّهْوَةِ غَيْرَ أَنَّ الْفَسَقَةَ لَا يَنْتَشِرُونَ فِي الْمَغْرِبِ؛ لِأَنَّهُمْ بِالطَّعَامِ مَشْغُولُونَ وَفِي الْفَجْرِ وَالْعِشَاءِ نَائِمُونَ فَإِذَا فُرِضَ انْتِشَارُهُمْ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ لِغَلَبَةِ فِسْقِهِمْ كَمَا هُوَ فِي زَمَانِنَا بَلْ تَحَرِّيهِمْ إيَّاهَا خَوْفَ التَّرَائِي كَانَ الْمَنْعُ فِيهَا أَظْهَرَ مِنْ الظُّهْرِ وَإِذَا مُنِعَتْ عَنْ حُضُورِ الْجَمَاعَةِ فَمَنْعُهَا مِنْ حُضُورِ الْوَعْظِ وَالِاسْتِسْقَاءُ أَوْلَى وَأَدْخَلَهُ الْعَيْنِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْجَمَاعَاتِ وَمَا قُلْنَاهُ أَوْلَى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 380 فَلِأَنَّ صَلَاتَهُ نَفْلٌ لِعَدَمِ التَّكْلِيفِ فَلَا يَجُوزُ بِنَاءُ الْفَرْضِ عَلَيْهِ لِمَا سَيَأْتِي، قَيَّدَ بِالرَّجُلِ؛ لِأَنَّ اقْتِدَاءَ الْمَرْأَةِ بِالْمَرْأَةِ صَحِيحٌ مَكْرُوهٌ، وَكَذَا اقْتِدَاءُ الصَّبِيِّ بِالصَّبِيِّ صَحِيحٌ وَقَيَّدَ بِالْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ الِاقْتِدَاءَ بِالرَّجُلِ جَائِزٌ سَوَاءٌ نَوَى الْإِمَامَةَ أَوْ لَا، وَبِالْخُنْثَى فِيهِ تَفْصِيلٌ، فَإِنْ كَانَ الْمُقْتَدِي رَجُلًا فَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ امْرَأَةً، وَإِنْ كَانَ امْرَأَةً فَهُوَ صَحِيحٌ إلَّا أَنَّهُ يَتَقَدَّمُ وَلَا يَقُومُ وَسْطَ الصَّفِّ حَتَّى لَا تَفْسُدَ صَلَاتُهُ بِالْمُحَاذَاةِ، وَإِنْ كَانَ خُنْثَى لَا يَجُوزُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ امْرَأَةً وَالْمُقْتَدِي رَجُلًا كَذَا ذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ، وَقَيَّدَ بِفَسَادِ الِاقْتِدَاءِ؛ لِأَنَّ صَلَاةَ الْإِمَامِ تَامَّةٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَأَطْلَقَ فَسَادَ الِاقْتِدَاءِ بِالصَّبِيِّ فَشَمِلَ الْفَرْضَ وَالنَّفَلَ وَهُوَ الْمُخْتَارُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَهُوَ قَوْلُ الْعَامَّةِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَغَيْرُهُ؛ لِأَنَّ نَفْلَ الْبَالِغِ مَضْمُونٌ حَتَّى يَجِبُ الْقَضَاءُ إذَا أَفْسَدَهُ وَنَفْلَ الصَّبِيِّ لَيْسَ بِمَضْمُونٍ حَتَّى لَا يَجِبُ الْقَضَاءُ عَلَيْهِ بِالْإِفْسَادِ فَيَكُونُ نَفْلُ الصَّبِيِّ دُونَ نَفْلِ الْبَالِغِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبْنِيَ الْقَوِيُّ عَلَى الضَّعِيفِ وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ الِاقْتِدَاءُ بِالظَّانِّ أَيْ بِمَنْ ظَنَّ أَنَّ عَلَيْهِ فَرْضًا، ثُمَّ تَبَيَّنَّ خِلَافُهُ فَإِنَّ الِاقْتِدَاءَ بِهِ صَحِيحٌ نَفْلًا مَعَ أَنَّ نَفْلَ الْمُقْتَدِي مَضْمُونٌ عَلَيْهِ بِالْإِفْسَادِ حَتَّى يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ وَنَفْلُ الْإِمَامِ لَيْسَ بِمَضْمُونٍ عَلَيْهِ حَتَّى لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ؛ لِأَنَّهُ مُجْتَهِدٌ فِي وُجُوبِ قَضَائِهِ عَلَى الظَّانِّ فَإِنَّ زُفَرَ يَقُولُ بِوُجُوبِهِ فَاعْتُبِرَ الظَّنُّ الْعَارِضُ عَدَمًا فِي حَقِّ الْمُقْتَدِي بِخِلَافِ الصَّبِيِّ، وَمَشَايِخُ بَلْخٍ جَوَّزُوا اقْتِدَاءَ الْبَالِغِ بِالصَّبِيِّ فِي غَيْرِ الْفَرْضِ قِيَاسًا عَلَى الْمَظْنُونِ، وَقَدْ عَلِمْت جَوَابَهُ، وَفِي النِّهَايَةِ وَالِاخْتِلَافُ رَاجِعٌ إلَى أَنَّ صَلَاةَ الصَّبِيِّ هَلْ هِيَ صَلَاةٌ أَمْ لَا؟ قِيلَ لَيْسَتْ بِصَلَاةٍ وَإِنَّمَا يُؤْمَرُ بِهَا تَخَلُّقًا، وَلِهَذَا لَوْ صَلَّتْ الْمُرَاهِقَةُ بِغَيْرِ قِنَاعٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَقِيلَ هِيَ صَلَاةٌ، وَلِهَذَا لَوْ قَهْقَهَ الْمُرَاهِقُ فِي الصَّلَاةِ يُؤْمَرُ بِالْوُضُوءِ اهـ. فَظَاهِرُهُ تَرْجِيحُ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِصَلَاةٍ، وَلِهَذَا كَانَ الْمُخْتَارُ عَدَمَ جَوَازِ الِاقْتِدَاءِ بِهِ فِي كُلِّ صَلَاةٍ، وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ لَوْ اقْتَدَى الرَّجُلُ بِالْمَرْأَةِ، ثُمَّ أَفْسَدَهَا لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ وَلَا يَكُونُ تَطَوُّعًا وَظَاهِرُهُ مَعَ مَا فِي الْمُخْتَصَرِ صِحَّةُ الشُّرُوعِ وَسَيَأْتِي اخْتِلَافُ التَّصْحِيحِ فِيهِ، وَفِي نَظَائِرِهِ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِالْمَجْنُونِ بِالْأَوْلَى لَكِنْ شَرَطَ فِي الْخُلَاصَةِ أَنْ يَكُونَ مُطْبِقًا أَمَّا إذَا كَانَ يُجَنُّ وَيُفِيقُ يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ فِي حَالَةِ الْإِفَاقَةِ قَالَ وَلَا يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِالسَّكْرَانِ. (قَوْلُهُ وَطَاهِرٍ بِمَعْذُورٍ) أَيْ وَفَسَدَ اقْتِدَاءُ طَاهِرٍ بِصَاحِبِ الْعُذْرِ الْمُفَوِّتِ لِلطَّهَارَةِ؛ لِأَنَّ الصَّحِيحَ أَقْوَى حَالًا مِنْ الْمَعْذُورِ وَالشَّيْءُ لَا يَتَضَمَّنُ مَا هُوَ فَوْقَهُ وَالْإِمَامُ ضَامِنٌ بِمَعْنَى تَضْمَنُ صَلَاتُهُ صَلَاةَ الْمُقْتَدِي، وَقَيَّدَ الْمَعْذُورَ فِي الْمُجْتَبَى بِأَنْ يُقَارِنَ الْوُضُوءَ الْحَدَثُ أَوْ يَطْرَأَ عَلَيْهِ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا إذَا تَوَضَّأَ عَلَى الِانْقِطَاعِ وَصَلَّى كَذَلِكَ فَإِنَّهُ يَصِحُّ   [منحة الخالق] [اقْتِدَاءُ رَجُلٍ بِامْرَأَةٍ أَوْ صَبِيٍّ فِي الصَّلَاة] (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ خُنْثَى إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ يُعْلَمُ بِهِ فَسَادُ اقْتِدَاءِ الْخُنْثَى بِالْمَرْأَةِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ رَجُلٌ فَيَكُونُ فِيهِ اقْتِدَاءُ الرَّجُلِ بِالْمَرْأَةِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ وَلَمْ يَذْكُرْ هَذِهِ لِظُهُورِهَا (قَوْلُهُ مَعَ أَنَّ نَفْلَ الْمُقْتَدِي مَضْمُونٌ عَلَيْهِ إلَخْ) ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ كَذَلِكَ فِي السِّرَاجِ، وَقَالَ فَلَوْ خَرَجَ الظَّانُّ مِنْهَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا بِالْخُرُوجِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ وَيَجِبُ عَلَى الْمُقْتَدِي الْقَضَاءُ اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ وُجُوبَ الْقَضَاءِ عَلَى الْمُقْتَدِي بِخُرُوجِ إمَامِهِ مِنْهَا أَيْ بِإِفْسَادِهِ لَهَا وَيُخَالِفُهُ مَا فِي الْفَصْلِ الْعَاشِرِ مِنْ التَّتَارْخَانِيَّة فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ نَقْلًا عَنْ الْعُيُونِ حَيْثُ قَالَ رَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ قَالَ رَجُلٌ افْتَتَحَ الظُّهْرَ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّهَا فَدَخَلَ رَجُلٌ فِي صَلَاتِهِ يُرِيدُ بِهِ التَّطَوُّعَ ثُمَّ ذَكَرَ الْإِمَامُ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ الظُّهْرُ فَرَفَضَ صَلَاتَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى مَنْ اقْتَدَى بِهِ اهـ. (قَوْلُهُ فَاعْتُبِرَ الظَّنُّ الْعَارِضُ عَدَمًا) إنَّمَا كَانَ عَارِضًا؛ لِأَنَّهُ عَارِضٌ غَيْرُ مُمْتَدٍّ عَرَضَ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ كَمَا فِي السِّرَاجِ (قَوْلُهُ وَمَشَايِخُ بَلْخٍ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَفِي التَّرَاوِيحِ وَالسُّنَنِ الْمُطْلَقَةِ جَوَّزَهُ مَشَايِخُ بَلْخٍ وَلَمْ يُجَوِّزْهُ مَشَايِخُنَا وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّقَ الْخِلَافَ فِي النَّفْلِ الْمُطْلَقِ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا اهـ. وَالْمُرَادُ بِالسُّنَنِ الْمُطْلَقَةِ السُّنَنُ الرَّوَاتِبُ وَصَلَاةُ الْعِيدِ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَالْوِتْرُ عِنْدَهُمَا وَالْكُسُوفَانِ وَالِاسْتِسْقَاءُ عِنْدَهُمَا، وَقَوْلُهُ وَلَمْ يُجَوِّزْهُ مَشَايِخُنَا يَعْنِي الْبُخَارِيِّينَ، وَقَوْلُهُ وَمِنْهُمْ إلَخْ أَيْ قَالُوا لَا يَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا فِي السُّنَنِ، وَكَذَا فِي النَّفْلِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَيَجُوزُ فِيهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَالْمُخْتَارُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَبِمَا تَقَرَّرَ تَعْلَمُ مَا فِي كَلَامِ النَّهْرِ حَيْثُ قَالَ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّقَ الْخِلَافَ فِي النَّفْلِ الْمُطْلَقِ فَجَعَلَ الْجَوَازَ قَوْلَ مُحَمَّدٍ وَالْمَنْعَ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ أَمَّا التَّرَاوِيحُ فَلَا يَجُوزُ إجْمَاعًا اهـ حَيْثُ اقْتَصَرَ عَلَى التَّرَاوِيحِ. (قَوْلُهُ فَظَاهِرُهُ تَرْجِيحُ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِصَلَاةٍ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَاَلَّذِي يَنْبَغِي اعْتِمَادُهُ هُوَ الثَّانِي بِدَلِيلِ أَنَّ الْمُرَاهِقَة لَوْ حَاذَتْ رَجُلًا فِي الصَّلَاةِ تُفْسِدُ صَلَاتَهُ وَإِنْ كَانَ مَا فِي الدِّرَايَةِ ظَاهِرًا فِي تَرْجِيحِ الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ وَظَاهِرُهُ مَعَ مَا فِي الْمُخْتَصَرِ صِحَّةُ الشُّرُوعِ) أَيْ ظَاهِرُ مَا ذَكَرَهُ فِي السِّرَاجِ حَيْثُ قَالَ ثَمَّ أَفْسَدَهَا فَإِنَّهُ يَقْتَضِي صِحَّةَ الشُّرُوعِ سَابِقَةً عَلَى الْإِفْسَادِ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمَتْنِ أَيْضًا حَيْثُ قَصَرَ الْفَسَادَ عَلَى الِاقْتِدَاءِ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي صِحَّةَ الشُّرُوعِ وَإِلَّا لَمْ يُوجَدْ الِاقْتِدَاءُ فَلَا يُنَاسِبُ الْقَوْلَ بِفَسَادِهِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ عَدَمُ صِحَّةِ الشُّرُوعِ بِزِيَادَةِ لَفْظَةِ عَدَمِ وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ عَلَى أَنَّ الْمُؤَلِّفَ سَيَذْكُرُ فِيمَا سَيَأْتِي فِي اخْتِلَافِ التَّصْحِيحِ تَحْتَ قَوْلِ الْمَتْنِ وَمُفْتَرِضٍ بِمُتَنَفِّلٍ أَنَّهُ فِي السِّرَاجِ صَحَّحَ أَنَّهُ يَصِيرُ شَارِعًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 381 الِاقْتِدَاءُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الطَّاهِرِ وَقَيَّدَ بِالطَّاهِرِ؛ لِأَنَّ اقْتِدَاءَ الْمَعْذُورِ صَحِيحٌ إنْ اتَّحَدَ عُذْرُهُمَا، وَأَمَّا إنْ اخْتَلَفَ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ مَنْ بِهِ انْفِلَاتُ رِيحٍ خَلْفَ مَنْ بِهِ سَلَسُ الْبَوْلِ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ مَعَهُ حَدَثٌ وَنَجَاسَةٌ فَكَانَ الْإِمَامُ صَاحِبَ عُذْرَيْنِ وَالْمَأْمُومَ صَاحِبُ عُذْرٍ، وَكَذَا لَا يُصَلِّي مَنْ بِهِ سَلَسُ الْبَوْلِ خَلْفَ مَنْ بِهِ انْفِلَاتُ رِيحٍ وَجُرْحٌ لَا يَرْقَى؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ صَاحِبُ عُذْرَيْنِ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ سَلَسَ الْبَوْلِ وَالْجُرْحَ مِنْ قَبِيلِ الْمُتَّحِدِ، وَكَذَا سَلَسُ الْبَوْلِ وَاسْتِطْلَاقُ الْبَطْنِ، وَفِي الْمُجْتَبَى وَاقْتِدَاءُ الْمُسْتَحَاضَةِ بِالْمُسْتَحَاضَةِ وَالضَّالَّةِ بِالضَّالَّةِ لَا يَجُوزُ كَالْخُنْثَى الْمُشْكِلِ بِالْمُشْكِلِ اهـ. لَعَلَّهُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ حَائِضًا أَمَّا إذَا انْتَفَى الِاحْتِمَالُ فَيَنْبَغِي الْجَوَازُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْمُتَّحِدِ، وَفِي الْخُلَاصَةِ وَإِمَامَةُ الْمُفْتَصِدِ لِغَيْرِهِ مِنْ الْأَصِحَّاءِ صَحِيحَةٌ إذَا كَانَ يَأْمَنُ خُرُوجَ الدَّمِ. اهـ. . (قَوْلُهُ وَقَارِئٍ بِأُمِّيٍّ) أَيْ وَفَسَدَ اقْتِدَاءُ حَافِظِ الْآيَةِ مِنْ الْقُرْآنِ بِمَنْ لَا يَحْفَظُهَا وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْأُمِّيِّ فَهُوَ عِنْدَنَا مَنْ لَا يُحْسِنُ الْقِرَاءَةَ الْمَفْرُوضَةَ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ مَنْ لَا يُحْسِنُ الْفَاتِحَةَ وَإِنَّمَا فَسَدَ؛ لِأَنَّ الْقَارِئَ أَقْوَى حَالًا مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ يُصَلِّي مَعَ عَدَمِ رُكْنِهَا لِلضَّرُورَةِ وَلَا ضَرُورَةَ فِي حَقِّ الْمُقْتَدِي وَسَيَأْتِي أَنَّ صَلَاةَ الْأُمِّيِّ الْإِمَامِ تَفْسُدُ أَيْضًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اقْتِدَاءُ الْقَارِئِ بِالْأَخْرَسِ بِالْأَوْلَى وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اقْتِدَاءُ الْأُمِّيِّ بِالْأَخْرَسِ؛ لِأَنَّ الْأُمِّيَّ أَقْوَى حَالًا مِنْهُ لِقُدْرَتِهِ عَلَى التَّحْرِيمَةِ وَإِلَى جَوَازِ اقْتِدَاءِ الْأَخْرَسِ بِالْأُمِّيِّ. (قَوْلُهُ وَمُكْتَسٍ بِعَارٍ) لِأَنَّ صَلَاةَ الْعَارِي جَائِزَةٌ مَعَ فَقْدِ الشَّرْطِ لِلضَّرُورَةِ وَلَا ضَرُورَةَ فِي حَقِّ الْمُقْتَدِي، وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ لَوْ قَالَ وَلَا مَسْتُورِ الْعَوْرَةِ خَلْفَ الْعَارِي لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ مَنْ سَتَرَ عَوْرَتَهُ بِالسِّرْوَالِ أَوْ نَحْوِهِ لَا يُسَمَّى مُكْتَسِيًا فِي الْعُرْفِ وَتَصِحُّ صَلَاةُ الْمُكْتَسِي خَلْفَهُ؛ لِأَنَّهُ مَسْتُورُ الْعَوْرَةِ اهـ. لَكِنْ اخْتَلَفُوا فِي السَّرَاوِيلِ هَلْ يَكُونُ كِسْوَةً شَرْعًا فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ؟ وَصَحَّحَ صَاحِبُ الْخُلَاصَةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ وَلَا لِلْمَرْأَةِ أَيْ لَا يَكُونُ كِسْوَةً، قَيَّدَ بِالْمُكْتَسِي؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَمَّ الْعَارِي عُرَاةً وَلَابِسِينَ فَصَلَاةُ الْإِمَامِ وَمَنْ هُوَ مِثْلُهُ جَائِزَةٌ بِلَا خِلَافٍ، وَكَذَا صَاحِبُ الْجُرْحِ السَّائِلِ بِمِثْلِهِ وَبِصَحِيحٍ بِخِلَافِ الْأُمِّيِّ إذَا أَمَّ أُمِّيًّا وَقَارِئًا فَإِنَّ صَلَاةَ الْكُلِّ فَاسِدَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْأُمِّيَّ يُمْكِنُ أَنْ يَجْعَلَ صَلَاتَهُ بِقِرَاءَةٍ إذَا اقْتَدَى بِقَارِئٍ؛ لِأَنَّ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ وَلَيْسَتْ طَهَارَةُ الْإِمَامِ وَسُتْرَتُهُ طَهَارَةً وَسُتْرَةً لِلْمَأْمُومِ حُكْمًا فَافْتَرَقَا (قَوْلُهُ وَغَيْرِ مُومِئٍ بِمُومِئٍ) أَيْ فَسَدَ اقْتِدَاءُ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ بِمَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِمَا لِلْعُذْرِ لِقُوَّةِ حَالِ الْمُقْتَدِي، قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّ اقْتِدَاءَ الْمُومِئِ بِالْمُومِئِ صَحِيحٌ لِلْمُمَاثَلَةِ كَمَا سَيَأْتِي. (قَوْلُهُ وَمُفْتَرِضٍ بِمُتَنَفِّلٍ وَبِمُفْتَرِضٍ آخَرَ) أَيْ وَفَسَدَ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِإِمَامٍ مُتَنَفِّلٍ أَوْ بِإِمَامٍ يُصَلِّي فَرْضًا غَيْرَ فَرْضِ الْمُقْتَدِي؛ لِأَنَّ الِاقْتِدَاءَ بِنَاءٌ، وَوَصْفُ الْفَرْضِيَّةِ مَعْدُومٌ فِي حَقِّ الْإِمَام فِي الْأُولَى وَهُوَ مُشَارَكَةٌ وَمُوَافَقَةٌ فَلَا بُدَّ مِنْ الِاتِّحَادِ وَهُوَ مَعْدُومٌ فِي الثَّانِيَةِ وَاَلَّذِي صَحَّ عِنْدَ أَئِمَّتِنَا وَتَرَجَّحَ أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ كَانَ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَفْلًا وَبِقَوْمِهِ فَرْضًا لِقَوْلِهِ حِينَ شَكَوْا تَطْوِيلَهُ بِهِمْ يَا مُعَاذُ إمَّا أَنْ تُصَلِّيَ مَعِي وَإِمَّا أَنْ تُخَفِّفَ عَلَى قَوْمِك كَمَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فَشَرَعَ لَهُ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ الصَّلَاةُ مَعَهُ وَلَا يُصَلِّي بِقَوْمِهِ أَوْ الصَّلَاةُ بِقَوْمِهِ عَلَى وَجْهِ التَّخْفِيفِ وَلَا يُصَلِّي مَعَهُ. هَذَا حَقِيقَةُ اللَّفْظِ أَفَادَهُ مَنْعُهُ مِنْ الْإِمَامَةِ إذَا صَلَّى مَعَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَلَا تَمْتَنِعُ إمَامَتُهُ مُطْلَقًا بِالِاتِّفَاقِ فَعُلِمَ أَنَّهُ مَنَعَهُ مِنْ الْفَرْضِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ اتِّحَادَ الصَّلَاتَيْنِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ وَذَلِكَ بِأَنْ يُمْكِنَهُ الدُّخُولُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ مَعَهُ حَدَثٌ وَنَجَاسَةٌ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ مُقْتَضَى التَّعْلِيلِ أَنْ يَجُوزَ اقْتِدَاءُ مَنْ بِهِ السَّلَسُ بِمَنْ فِيهِ انْفِلَاتُ الرِّيحِ وَلَيْسَ بِالْوَاقِعِ لِاخْتِلَافِ عُذْرِهِمَا وَالْأَوْلَى أَنْ يُعَلَّلَ بِمَحْضِ اخْتِلَافِ عُذْرِهِمَا لَا بِكَوْنِ الْإِمَامِ صَاحِبَ عُذْرَيْنِ وَالْمُقْتَدِي صَاحِبَ عُذْرٍ وَاحِدٍ فَقَطْ فَتَدَبَّرْهُ اهـ. أَقُولُ: مَا ذَكَرَهُ هُوَ ظَاهِرُ تَعْبِيرِهِمْ بِاتِّحَادِ الْعُذْرِ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ هُوَ ظَاهِرُ تَعْلِيلِ الْهِدَايَةِ فِيمَا سَبَقَ بِأَنَّ الصَّحِيحَ أَقْوَى حَالًا مِنْ الْمَعْذُورِ إلَى آخِرِ مَا مَرَّ، وَكَذَا قَوْلُ النِّهَايَةِ الْأَصْلُ فِي جِنْس هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ الْمُقْتَدِي إذَا كَانَ أَقْوَى حَالًا مِنْ الْإِمَامِ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ وَإِنْ كَانَ دُونَهُ أَوْ مِثْلَهُ جَازَ وَنَحْوُهُ فِي الْعِنَايَةِ. هَذَا وَاَلَّذِي رَأَيْته فِي السِّرَاجِ مَا نَصُّهُ وَيُصَلِّي مَنْ بِهِ سَلَسُ الْبَوْلِ خَلْفَ مِثْلِهِ، وَأَمَّا إذَا صَلَّى مَنْ بِهِ السَّلَسُ خَلْفَ مَنْ بِهِ السَّلَسُ وَانْفِلَاتُ رِيحٍ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ صَاحِبُ عُذْرَيْنِ وَالْمُؤْتَمَّ صَاحِبُ عُذْرٍ وَاحِدٍ اهـ. فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لَعَلَّهُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَمْ يَرَ التَّعْلِيلَ لِغَيْرِهِ، وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي الْقُنْيَةِ حَيْثُ قَالَ مَنْ جَوَّزَ اقْتِدَاءَ الضَّالَّةِ بِالضَّالَّةِ فَقَدْ غَلِطَ غَلَطًا فَاحِشًا لِاحْتِمَالِ اقْتِدَائِهَا بِالْحَائِضِ اهـ وَذَكَرَ رِوَايَتَيْنِ فِي اقْتِدَاءِ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ بِمِثْلِهِ. (قَوْلُهُ وَكَذَا صَاحِبُ الْجُرْحِ السَّائِلِ بِمِثْلِهِ وَبِصَحِيحٍ) أَيْ وَكَذَا ائْتِمَامُ صَاحِبِ الْجُرْحِ السَّائِلِ بِمِثْلِهِ وَبِصَحِيحٍ وَالْأَوْلَى حَذْفُ الْبَاءِ مِنْ الْمَوْضِعَيْنِ. [اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِإِمَامٍ مُتَنَفِّلٍ أَوْ بِإِمَامٍ يُصَلِّي فَرْضًا غَيْرَ فَرْضِ الْمُقْتَدِي] (قَوْلُهُ يُصَلِّي فَرْضًا غَيْرَ فَرْضِ الْمُقْتَدِي) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ آخَرَ لَيْسَ صِفَةً لِمُفْتَرِضٍ لِفَسَادِ الْمَعْنَى، وَإِنَّمَا هُوَ صِفَةٌ لِمَحْذُوفٍ أَيْ فَرْضًا آخَرَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 382 فِي صَلَاتِهِ بِنِيَّةِ صَلَاةِ الْإِمَامِ فَتَكُونَ صَلَاةُ الْإِمَامِ مُتَضَمِّنَةً لِصَلَاةِ الْمُقْتَدِي وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْإِمَامُ ضَامِنٌ» أَيْ تَتَضَمَّنُ صَلَاتُهُ صَلَاةَ الْمُقْتَدِي وَأَشَارَ بِمَنْعِ اقْتِدَاءِ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ إلَى مَنْعِ اقْتِدَاءِ النَّاذِرِ بِالنَّاذِرِ؛ لِأَنَّ صَلَاةَ الْإِمَامِ نَفْلٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُقْتَدِي؛ لِأَنَّ الْتِزَامَهُ إنَّمَا يَظْهَرُ عَلَيْهِ فَقَطْ إلَّا إذَا نَذَرَ أَحَدُهُمَا عَيْنَ مَا نَذَرَهُ الْآخَرُ فَاقْتَدَى أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِلِاتِّحَادِ وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ أَفْسَدَ كُلٌّ مِنْهُمَا التَّطَوُّعَ ثُمَّ اقْتَدَى أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ فِي قَضَائِهِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ لِلِاخْتِلَافِ كَمَا لَوْ اقْتَدَى مَنْ أَفْسَدَ بِمَنْ يُصَلِّي مَنْذُورَةً إلَّا إذَا كَانَ اقْتَدَى أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ تَطَوُّعًا ثُمَّ أَفْسَدَاهُ، ثُمَّ قَضَيَاهُ بِالِاقْتِدَاءِ يَجُوزُ لِلِاتِّحَادِ، وَمُصَلِّيَا رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ كَالنَّاذِرَيْنِ؛ لِأَنَّ طَوَافَ هَذَا غَيْرُ طَوَافِ الْآخَرِ وَهُوَ السَّبَبُ فَهُوَ اقْتِدَاءُ الْوَاجِبِ بِالنَّفْلِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ الِاقْتِدَاءُ عَلَى الْقَوْلِ بِسُنِّيَّةِ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ كَمَا لَا يَخْفَى وَأَشَارَ بِمَنْعِ مُفْتَرِضٍ خَلْفَ مُفْتَرِضٍ آخَرَ إلَى مَنْعِ اقْتِدَاءِ النَّاذِرِ بِالْحَالِفِ؛ لِأَنَّ الْمَنْذُورَةَ أَقْوَى مِنْ الْمَحْلُوفِ بِهَا لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ قَصْدًا وَوُجُوبُ الْمَحْلُوفِ بِهَا عَارِضٌ لِتَحْقِيقِ الْبِرِّ، وَلِهَذَا صَحَّ اقْتِدَاءُ الْحَالِفِ بِالْحَالِفِ وَالْحَالِفِ بِالنَّاذِرِ وَصُورَةُ الْحَلِفِ بِهَا كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ أَنْ يَقُولَ وَاَللَّهِ لَأُصَلِّيَنَّ رَكْعَتَيْنِ، وَذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ أَنَّ اقْتِدَاءَ الْحَالِفِ بِالْمُتَطَوِّعِ أَوْ الْمُفْتَرِضِ جَائِزٌ بِخِلَافِ اقْتِدَاءِ النَّاذِرِ بِالْمُتَطَوِّعِ أَوْ الْمُفْتَرِضِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ اهـ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ صَلَاةَ الْحَالِفِ لَمْ تَخْرُجْ عَنْ كَوْنِهَا نَفْلًا بِالْحَلِفِ، وَقَدْ يُقَالُ إنَّهَا وَاجِبَةٌ لِتَحَقُّقِ الْبِرِّ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ خَلْفَ الْمُتَطَوِّعِ، وَلَوْ اقْتَدَى مَنْ يَرَى وُجُوبَ الْوِتْرِ فِيهِ بِمَنْ يَرَى سُنِّيَّتَهُ صَحَّ لِلِاتِّحَادِ وَلَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الِاعْتِقَادِ، وَلَوْ اقْتَدَى مَنْ يُصَلِّي سُنَّةً بِمَنْ يُصَلِّي سُنَّةً أُخْرَى فَإِنَّهُ يَجُوزُ كَسُنَّةِ الْعِشَاءِ خَلْفَ مَنْ يُصَلِّي التَّرَاوِيحَ أَوْ سُنَّةِ الظُّهْرِ الْبَعْدِيَّةِ خَلْفَ مَنْ يُصَلِّي الْقَبْلِيَّةَ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالْمُجْتَبَى وَأَطْلَقَ فِي مَنْعِ اقْتِدَاءِ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ فَشَمِلَ الِاقْتِدَاءَ فِي جَمِيعِ الْأَفْعَالِ، وَفِي بَعْضِهَا وَهُوَ قَوْلُ الْعَامَّةِ فَلَا يَرِدُ مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ مِنْ أَنَّ الْإِمَامَ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ فَاقْتَدَى بِهِ إنْسَانٌ فَسَبَقَ الْإِمَامَ الْحَدَثُ قَبْلَ السُّجُودِ فَاسْتَخْلَفَهُ صَحَّ وَيَأْتِي بِالسَّجْدَتَيْنِ وَيَكُونَانِ نَفْلًا لِلْخَلِيفَةِ حَتَّى يُعِيدُهُمَا بَعْدَ ذَلِكَ وَفَرْضًا فِي حَقِّ مَنْ أَدْرَكَ أَوَّلَ الصَّلَاةِ لِمَنْعِ النَّفْلِيَّةِ فِي حَقِّ الْخَلِيفَةِ بَلْ هُمَا فَرْضٌ عَلَيْهِ، وَلِذَا لَوْ تَرَكَهُمَا فَسَدَتْ؛ لِأَنَّهُ قَامَ مَقَامَ الْأَوَّلِ فَلَزِمَهُ مَا لَزِمَهُ وَكَذَا لَا يَرِدُ الْمُتَنَفِّلُ إذَا اقْتَدَى بِالْمُفْتَرِضِ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي فَإِنَّهُ يَجُوزُ مَعَ أَنَّهُ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُنْتَفَلِ فِي حَقِّ الْقِرَاءَةِ لِكَوْنِ صَلَاةِ الْمُقْتَدِي أَخَذَتْ حُكْمَ الْفَرْضِ بِسَبَبِ الِاقْتِدَاءِ، وَلِذَا لَزِمَهُ قَضَاءُ مَا لَمْ يُدْرِكْهُ مَعَ الْإِمَامِ مِنْ الشَّفْعِ الْأَوَّلِ وَلِذَا لَوْ أَفْسَدَ عَلَى نَفْسِهِ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الْأَرْبَعِ، وَالتَّحْقِيقُ مَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مِنْ أَنَّ قِرَاءَةَ الْمَأْمُومِ مَحْظُورَةٌ فَكَيْفَ يُقَالُ إنَّهَا مَفْرُوضَةٌ؟ فَالْحَقُّ أَنَّ الْإِيرَادَ سَاقِطٌ مِنْ أَصْلِهِ، وَفِي الْمُجْتَبَى وَغَيْرِهِ لَا يَصِحُّ اقْتِدَاءُ الْمَسْبُوقِ بِالْمَسْبُوقِ وَلَا اللَّاحِقِ بِاللَّاحِقِ، وَكَذَا الْمُقِيمَانِ إذَا اقْتَدَيَا بِالْمُسَافِرِ، ثُمَّ اقْتَدَى أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ فِي الْقَضَاءِ وَلَوْ صَلَّيَا الظُّهْرَ وَنَوَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إمَامَةَ صَاحِبِهِ صَحَّتْ صَلَاتُهُمَا، وَلَوْ نَوَيَا الِاقْتِدَاءَ فَسَدَتْ وَمِنْ مُخْتَلِفَيْ الْفَرْضِ الظُّهْرُ خَلْفَ الْجُمُعَةِ أَوْ عَكْسُهُ، وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَنَّ مَنْ اقْتَدَى فِي مَوْضِعٍ يَجِبُ عَلَيْهِ الِانْفِرَادُ كَالْمَسْبُوقِ إذَا اقْتَدَى بِمَسْبُوقٍ أَوْ انْفَرَدَ فِي مَوْضِعٍ يَجِبُ عَلَيْهِ الِاقْتِدَاءُ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ كَمَا إذَا قَامَ الْمَسْبُوقُ إلَى قَضَاءِ مَا سَبَقَ بِهِ، ثُمَّ تَذَكَّرَ الْإِمَامُ أَنَّ عَلَيْهِ سَجْدَةَ التِّلَاوَةِ وَلَمْ يَعُدْ الْمَسْبُوقُ إلَى مُتَابَعَةِ الْإِمَامِ، ثُمَّ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَكَرَ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ الثَّمَانِيَةِ فَسَدَ الِاقْتِدَاءُ، وَلَمْ يُذْكَرْ هَلْ يَصِيرُ شَارِعًا أَوْ لَا لِلِاخْتِلَافِ قَالُوا فِيهِ رِوَايَتَانِ وَصَحَّحَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ أَنَّهُ يَصِيرُ شَارِعًا فِي صَلَاةِ نَفْسِهِ وَصَحَّحَ فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ شَارِعًا قَالَ فِي الْمِعْرَاجِ وَفِي الْمُحِيطِ الصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ يَعْنِي عَدَمَ الشُّرُوعِ؛ لِأَنَّهُ نَصَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ حَتَّى لَوْ كَانَ مُتَطَوِّعًا لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ، وَذَكَرَ الشَّارِحُ أَنَّ الْأَشْبَهَ أَنْ يُقَالَ إنْ فَسَدَ لَفَقَدَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَمُصَلِّيَا) تَثْنِيَةُ مُصَلٍّ مَرْفُوعٌ بِالْأَلِفِ لِأَنَّهُ مُبْتَدَأٌ وَسَقَطَتْ نُونُهُ لِلْإِضَافَةِ كَنُونِ الْمُضَافِ إلَيْهِ أَيْضًا وَقَوْلُهُ كَالنَّاذِرَيْنِ خَبَرٌ. (قَوْلُهُ فَشَمِلَ الِاقْتِدَاءَ إلَخْ) رَدٌّ لِمَا قِيلَ إنَّمَا لَا يَجُوزُ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ فِي جَمِيعِ الصَّلَاةِ لَا فِي بَعْضِهِمَا مُسْتَدِلًّا بِمَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ وَبِالْفَرْعِ الَّذِي بَعْدَهُ (قَوْلُهُ لِمَنْعِ النَّفْلِيَّةِ) أَيْ نَفْلِيَّةِ السَّجْدَتَيْنِ وَهُوَ تَعْلِيلٌ لِعَدَمِ الْوُرُودِ قَالَ فِي الْفَتْحِ وَالْعَامَّةُ عَلَى الْمَنْعِ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ كَانَ فِي جَمِيعِ الصَّلَاةِ أَوْ فِي بَعْضِهَا وَمَنَعُوا نَفْلِيَّةَ السَّجْدَتَيْنِ بَلْ هُمَا فَرْضٌ عَلَى الْخَلِيفَةِ إلَخْ (قَوْلُهُ فَالْحَقُّ أَنَّ الْإِيرَادَ سَاقِطٌ مِنْ أَصْلِهِ) أَيْ الْإِيرَادُ الثَّانِي قَالَ فِي النَّهْرِ وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ هِيَ فَرْضٌ عَلَيْهِ وَحُظِرَتْ لِتَحَمُّلِ الْإِمَامِ إيَّاهَا عَنْهُ وَلَوْ صَحَّ مَا ادَّعَاهُ لَبَطَلَ تَعْلِيلُهُمْ عَدَمَ صِحَّةِ اقْتِدَاءِ الْمُسَافِرِ بِالْمُقِيمِ بَعْدَ الْوَقْتِ بِأَنَّهُ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ فِي حَقِّ الْقِرَاءَةِ كَمَا سَيَأْتِي فَتَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ وَلَمْ يَعُدْ الْمَسْبُوقُ إلَى مُتَابَعَةِ الْإِمَامِ) أَيْ قَبْلَ أَنْ يَتَأَكَّدَ انْفِرَادُهُ بِأَنْ كَانَ لَمْ يَسْجُدْ لِلرَّكْعَةِ وَإِلَّا فَلَا يُتَابِعُهُ وَإِنْ تَابَعَهُ فَسَدَتْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 383 شَرْطُ الصَّلَاةِ كَالطَّاهِرِ خَلْفَ الْمَعْذُورِ لَا يَكُونُ شَارِعًا فِيهِ، وَإِنْ كَانَ لِلِاخْتِلَافِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ شَارِعًا فِيهِ غَيْرَ مَضْمُونٍ بِالْقَضَاءِ لِاجْتِمَاعِ شَرَائِطِهِ فَصَارَ كَالظَّانِّ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي حَقِّ بُطْلَانِ الْوُضُوءِ بِالْقَهْقَهَةِ اهـ. وَيَرُدُّ هَذَا التَّفْصِيلَ مَا ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ فِي كَافِيهِ مِنْ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا نَوَتْ الْعَصْرَ خَلْفَ مُصَلِّي الظُّهْرِ لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهَا وَلَمْ تُفْسِدْ عَلَى الْإِمَامِ صَلَاتَهُ اهـ. فَهُوَ صَرِيحٌ فِي عَدَمِ صِحَّةِ شُرُوعِهَا لِاخْتِلَافِ الصَّلَاتَيْنِ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ رَجُلٌ قَارِئٌ دَخَلَ فِي صَلَاةِ أُمِّيٍّ تَطَوُّعًا أَوْ فِي صَلَاةِ امْرَأَةٍ أَوْ جُنُبٍ أَوْ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ، ثُمَّ أَفْسَدَهَا فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي صَلَاةٍ تَامَّةٍ اهـ. فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ الْمَذْهَبَ تَصْحِيحُ الْمُحِيطِ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ الشُّرُوعِ؛ لِأَنَّ الْكَافِيَ جَمَعَ كَلَامَ مُحَمَّدٍ فِي كُتُبِهِ الَّتِي هِيَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ مَا يَمْنَعُ الِاقْتِدَاءَ مِنْ الْحَائِلِ وَذَكَرَ فِي الْكَافِي لِلْحَاكِمِ أَنَّهُ إذَا كَانَ بَيْنَ الْمُصَلِّي وَالْإِمَامِ طَرِيقٌ يَمُرُّ فِيهِ النَّاسُ أَوْ نَهْرٌ عَظِيمٌ لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُ إلَّا أَنْ تَكُونَ الصُّفُوفُ مُتَّصِلَةً عَلَى الطَّرِيقِ فَيَجُوزُ حِينَئِذٍ، وَقَدَّمَ قَبْلَهُ أَنَّ صَفَّ النِّسَاءِ مُفْسِدٌ لِصَلَاةِ الصُّفُوفِ الَّتِي وَرَاءَهُ كُلِّهَا اسْتِحْسَانًا فَالْمَانِعُ ثَلَاثَةٌ، وَفِيهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِمَامِ حَائِطٌ أَجْزَأَتْهُ صَلَاتُهُ اهـ. أَطْلَقَ فِي الْحَائِطِ فَشَمِلَ الصَّغِيرَ وَالْكَبِيرَ وَمَا يَشْتَبِهُ فِيهِ حَالُ الْإِمَامِ أَوْ لَا لَكِنْ قَيَّدَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا بِعَدَمِ الِاشْتِبَاهِ، فَإِنْ أَمْكَنَهُ الْوُصُولُ إلَى الْإِمَامِ فَهُوَ صَحِيحٌ اتِّفَاقًا، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ وَلَمْ يُشْتَبَهْ اخْتَلَفُوا فِيهِ، وَلَوْ قَامَ عَلَى سَطْحِ الْمَسْجِدِ وَاقْتَدَى بِالْإِمَامِ أَوْ فِي الْمِئْذَنَةِ مُقْتَدِيًا بِالْإِمَامِ فِي الْمَسْجِدِ، فَإِنْ كَانَ لَهُمَا بَابٌ فِي الْمَسْجِدِ وَلَا يَشْتَبِهُ يَجُوزُ فِي قَوْلِهِمْ، فَإِنْ كَانَ مِنْ خَارِجِ الْمَسْجِدِ وَلَا يَشْتَبِهُ فَعَلَى الْخِلَافِ، وَفِي الْخُلَاصَةِ اخْتَارَ الصِّحَّةَ، وَكَذَا عَلَى جِدَارٍ   [منحة الخالق] كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ وَيَرُدُّ هَذَا التَّفْصِيلَ مَا ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ قَدْ قَدَّمَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْمُحَاذَاةِ عَنْ السِّرَاجِ أَنَّ الصَّحِيحَ فَسَادُ صَلَاتِهِ وَجَزَمَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ. اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا صَحَّحَهُ الْحَاكِمُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ لِمَا سَيَأْتِي وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْخُلَاصَةِ كَمَا فِي الْمِنَحِ حَيْثُ قَالَ وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ هَلْ يَصِيرُ شَارِعًا فِي صَلَاةِ نَفْسِهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا، وَعِنْدَهُمَا يَصِيرُ شَارِعًا؛ لِأَنَّ لِلصَّلَاةِ جِهَتَيْنِ عِنْدَهُمَا وَلَهَا جِهَةٌ وَاحِدَةٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ فَهُوَ يُفِيدُ أَنَّهُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ خَاصَّةً وَعَزَاهُ الزَّيْلَعِيُّ إلَى بَعْضِ الْمَشَايِخِ، وَقَالَ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ وَهُوَ مَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ حَيْثُ قَالَ قَالُوا فِيهِ رِوَايَتَانِ لَكِنْ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ الْمُؤَلِّفُ مِنْ كَلَامِ الْحَاكِمِ لَا يَدُلُّ لَهُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهَا يَحْتَمِلُ أَنَّ مَعْنَاهُ صَلَاةُ الْفَرْضِ أَيْ لَمْ تُجْزِهَا هَذِهِ الصَّلَاةُ عَنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ الَّتِي نَوَتْهَا مَعَ الْإِمَامِ لِفَسَادِ اقْتِدَائِهَا وَإِنْ صَحَّ شُرُوعُهَا نَفْلًا، وَلِذَا قَالَ وَلَمْ تُفْسِدْ عَلَى الْإِمَامِ صَلَاتَهُ أَيْ؛ لِأَنَّهَا لَمْ يَصِحَّ اقْتِدَاؤُهَا وَعِبَارَةُ الْحَاكِمِ الثَّانِيَةُ أَصْرَحُ فِي ذَلِكَ فَإِنَّ قَوْلَهُ ثُمَّ أَفْسَدَهَا صَرِيحٌ فِي صِحَّةِ شُرُوعِهِ، وَكَذَا قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي صَلَاةٍ تَامَّةٍ يُفِيدُ دُخُولَهُ فِي صَلَاةٍ غَيْرِ تَامَّةٍ أَيْ لِأَنَّهَا انْعَقَدَتْ نَفْلًا غَيْرَ مَضْمُونٍ بِالْقَضَاءِ وَهَذَا يَرُدُّ تَفْصِيلَ الزَّيْلَعِيِّ إذْ لَا شَكَّ أَنَّ الْفَسَادَ فِي عِبَارَةِ الْحَاكِمِ الثَّانِيَةِ لِفَقْدِ شَرْطِ الصَّلَاةِ وَمَعَ هَذَا دَلَّتْ عَلَى صِحَّةِ شُرُوعِهِ فِي نَفْلٍ غَيْرِ مَضْمُونٍ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الصَّوَابَ أَنَّ كَلَامَ الْحَاكِمِ دَلِيلٌ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي السِّرَاجِ مِنْ تَصْحِيحِ الشُّرُوعِ وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فَسَدَ اقْتِدَاؤُهُ حَيْثُ لَمْ يَقُلْ لَمْ يَصِحَّ شُرُوعُهُ، فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ الْمَذْهَبَ تَصْحِيحُ السِّرَاجِ وَهُوَ مَا نَصَّ الْمُؤَلِّفُ عَلَيْهِ فِيمَا مَضَى. (قَوْلُهُ أَطْلَقَ فِي الْحَائِطِ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ لَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا حَائِطٌ، فَإِنْ كَانَ قَصِيرًا ذَلِيلًا بِأَنْ كَانَ طُولُهُ دُونَ الْقَامَةِ وَعَرْضُهُ غَيْرَ زَائِدٍ عَلَى مَا بَيْنَ الصَّفَّيْنِ لَا يَمْنَعُ لِعَدَمِ الِاشْتِبَاهِ وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ فِيهِ بَابٌ أَوْ كُوَّةٌ يُمْكِنُ الْوُصُولُ إلَى الْإِمَامِ مِنْهُ وَهُوَ مَفْتُوحٌ فَكَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ، وَإِنْ كَانَ الْبَابُ مَسْدُودًا أَوْ الْكُوَّةُ صَغِيرَةً لَا يُمْكِنُ النُّفُوذُ مِنْهَا أَوْ مُشَبَّكَةً فَإِنْ كَانَ لَا يَشْتَبِهُ عَلَيْهِ حَالُ الْإِمَامِ بِرُؤْيَةٍ أَوْ سَمَاعٍ لَا يَمْنَعُ عَلَى مَا اخْتَارَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَكَذَا اخْتَارَهُ قَاضِي خَانْ وَغَيْرُهُ وَإِنْ كَانَ الْحَائِطُ عَلَى خِلَافِ مَا ذُكِرَ بِأَنْ كَانَ عَرِيضًا طَوِيلًا وَلَيْسَ فِيهِ ثُقْبٌ مَنَعَ اهـ. (قَوْلُهُ فَشَمِلَ الصَّغِيرَ وَالْكَبِيرَ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الْحَائِطُ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ لَكِنْ قَيَّدَهُ فِي الْخُلَاصَةِ إلَخْ) فِي الْخَانِيَّةِ، فَإِنْ كَانَ الْحَائِطُ كَبِيرًا وَعَلَيْهِ بَابٌ مَفْتُوحٌ أَوْ ثُقْبٌ لَوْ أَرَادَ الْوُصُولَ إلَى الْإِمَامِ يُمْكِنُهُ وَلَا يَشْتَبِهُ عَلَيْهِ حَالُ الْإِمَامِ سَمَاعًا أَوْ رُؤْيَةً صَحَّ الِاقْتِدَاءُ فِي قَوْلِهِمْ. زَادَ فِي الْخُلَاصَةِ قَوْلَهُ جَمِيعًا وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ بَابٌ مَسْدُودٌ أَوْ ثُقْبٌ صَغِيرٌ مِثْلُ الْبَنْجَرَةِ لَوْ أَرَادَ الْوُصُولَ إلَى الْإِمَامِ لَا يُمْكِنُهُ لَكِنْ لَا يَشْتَبِهُ عَلَيْهِ حَالُ الْإِمَامِ اخْتَلَفُوا فِيهِ ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي هَذَا لِاشْتِبَاهِ حَالِ الْإِمَامِ وَعَدَمِهِ لَا لِلتَّمَكُّنِ مِنْ الْوُصُولِ إلَى الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الِاقْتِدَاءَ مُتَابَعَةٌ وَمَعَ الِاشْتِبَاهِ لَا يُمْكِنُهُ الْمُتَابَعَةُ اهـ. وَنَحْوُهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْفَيْضِ قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ وَاَلَّذِي يُصَحِّحُ هَذَا الِاخْتِيَارَ مَا رَوَيْنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي فِي حُجْرَةِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاتِهِ وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ مَا كَانُوا يَتَمَكَّنُونَ مِنْ الْوُصُولِ إلَى حُجْرَةِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - اهـ وَفِيهِ تَأَمُّلٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 384 بَيْنَ دَارِهِ وَبَيْنَ الْمَسْجِدِ بِخِلَافِ مَا إذَا اقْتَدَى مِنْ سَطْحِ دَارِهِ الْمُتَّصِلَةِ بِالْمَسْجِدِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ مُطْلَقًا، وَفِي الْمُحِيطِ، وَلَوْ اقْتَدَى بِالْإِمَامِ فِي الصَّحْرَاءِ وَبَيْنَهُمَا قَدْرُ صَفَّيْنِ فَصَاعِدًا لَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ وَدُونَهُ يَصِحُّ وَصَحَّحَ أَنَّ النَّهْرَ الْعَظِيمَ مَا تَجْرِي فِيهِ السُّفُنُ وَفِي الْمُجْتَبَى وَفِنَاءُ الْمَسْجِدِ لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الصُّفُوفُ مُتَّصِلَةً وَلَا تَصِحُّ فِي دَارِ الضِّيَافَةِ إلَّا إذَا اتَّصَلَتْ الصُّفُوفُ اهـ. وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ الِاقْتِدَاءَ مِنْ صَحْنِ الْخَانْقَاهْ الشَّيْخُونِيَّةِ بِالْإِمَامِ فِي الْمِحْرَابِ صَحِيحٌ، وَإِنْ لَمْ تَتَّصِلْ الصُّفُوفُ؛ لِأَنَّ الصَّحْنَ فِنَاءُ الْمَسْجِدِ، وَكَذَا اقْتِدَاءُ مَنْ بِالْخَلَاوِي السُّفْلِيَّةِ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ أَبْوَابَهَا فِي فِنَاءِ الْمَسْجِدِ وَلَمْ يَشْتَبِهْ حَالُ الْإِمَامِ، وَأَمَّا اقْتِدَاءُ مَنْ بِالْخَلَاوِي الْعُلْوِيَّةِ بِإِمَامِ الْمَسْجِدِ فَغَيْرُ صَحِيحٍ حَتَّى الْخَلْوَتَيْنِ اللَّتَيْنِ فَوْقَ الْإِيوَانِ الصَّغِيرِ، وَإِنْ كَانَ مَسْجِدًا؛ لِأَنَّ أَبْوَابَهَا خَارِجَةٌ عَنْ فِنَاءِ الْمَسْجِدِ سَوَاءٌ اشْتَبَهَ حَالُ الْإِمَامِ أَوْ لَا كَالْمُقْتَدِي مِنْ سَطْحِ دَارِهِ الْمُتَّصِلَةِ بِالْمَسْجِدِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ مُطْلَقًا وَعَلَّلَهُ فِي الْمُحِيطِ بِاخْتِلَافِ الْمَكَانِ. (قَوْلُهُ لَا اقْتِدَاءُ مُتَوَضِّئٍ بِمُتَيَمِّمٍ) أَيْ لَا يَفْسُدُ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الِاقْتِدَاءَ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ أَوْ غَيْرِهَا وَلَا خِلَافَ فِي صِحَّتِهِ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَاخْتَلَفُوا فِي غَيْرِهَا فَذَهَبَ مُحَمَّدٌ إلَى فَسَادِهِ، وَذَهَبَا إلَى صِحَّتِهِ وَالْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْخَلْفِيَّةَ هَلْ هِيَ بَيْنَ الْآلَتَيْنِ وَهُمَا الْمَاءُ وَالتُّرَابُ وَبِهِ قَالَا أَوْ بَيْنَ الطَّهَارَتَيْنِ وَبِهِ أَخَذَ مُحَمَّدٌ فَعِنْدَهُ هُوَ بِنَاءُ الْقَوِيِّ عَلَى الضَّعِيفِ وَعِنْدَهُمَا الطَّهَارَتَانِ سَوَاءٌ وَتَمَامُهُ فِي الْأُصُولِ وَتَرَجَّحَ الْمَذْهَبُ بِفِعْلِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ حِينَ صَلَّى بِقَوْمِهِ بِالتَّيَمُّمِ لِخَوْفِ الْبَرْدِ مِنْ غُسْلِ الْجَنَابَةِ وَهُمْ مُتَوَضِّئُونَ وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِالْإِعَادَةِ حِينَ عَلِمَ، وَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ مَعَ الْمُتَوَضِّئِينَ مَاءٌ أَوْ لَا لَكِنْ قَيَّدَهُ فِي الْمُجْتَبَى بِأَنْ لَا يَكُونَ مَعَ الْمُتَوَضِّئِينَ مَاءٌ أَمَّا إذَا كَانَ مَعَهُمْ مَاءٌ فَلَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ، وَذَكَرَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ هَذَا التَّقْيِيدَ يُبْتَنَى عَلَى فَرْعٍ إذَا رَأَى الْمُتَوَضِّئُ الْمُقْتَدِي بِمُتَيَمِّمٍ مَاءً فِي الصَّلَاةِ لَمْ يَرَهُ الْإِمَامُ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ لِاعْتِقَادِهِ فَسَادَ صَلَاةِ الْإِمَامِ لِوُجُودِ الْمَاءِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْكَمَ أَنَّ مَحَلَّ الْفَسَادِ عِنْدَهُمْ إذَا ظَنَّ عِلْمَ إمَامِهِ بِهِ؛ لِأَنَّ اعْتِقَادَهُ فَسَادَ صَلَاةِ إمَامِهِ بِذَلِكَ. اهـ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ فِي طَهَارَةِ التَّيَمُّمِ جِهَةَ الْإِطْلَاقِ بِاعْتِبَارِ عَدَمِ تَوَقُّتِهَا وَجِهَةَ الضَّرُورَةِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمَصِيرَ إلَيْهَا ضَرُورَةُ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَاءِ فَاعْتَبَرَ مُحَمَّدٌ جِهَةَ الضَّرُورَةِ فِي هَذَا الْبَابِ احْتِيَاطًا وَجِهَةَ الْإِطْلَاقِ فِي بَابِ الرَّجْعَةِ احْتِيَاطًا وَهُمَا اعْتَبَرَا جِهَةَ الْإِطْلَاقِ هُنَا لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَجِهَةَ الضَّرُورَةِ فِي الرَّجْعَةِ كَمَا سَيَأْتِي إيضَاحُهُ فِيهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَفِي الْمُجْتَبَى مَعْزِيًّا إلَى أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيّ جَوَازُ إمَامَةِ مَنْ تَوَضَّأَ بِسُؤْرِ الْحِمَارِ وَتَيَمُّمِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا اقْتَدَى مِنْ سَطْحِ دَارِهِ إلَخْ) أَيْ لِأَنَّ بَيْنَ الْمَسْجِدِ وَبَيْنَ سَطْحِ دَارِهِ كَثِيرُ التَّخَلُّلِ فَصَارَ الْمَكَانُ مُخْتَلِفًا أَمَّا فِي الْبَيْتِ مَعَ الْمَسْجِدِ لَمْ يَتَخَلَّلْ إلَّا الْحَائِطُ وَلَمْ يَخْتَلِفْ الْمَكَانُ كَذَا فِي الدُّرَرِ إذْ لَا فَاصِلَ مِنْ طَرِيقٍ وَاسِعٍ أَوْ نَهْرٍ كَبِيرٍ كَذَا فِي شَرْحِ الدُّرَرِ لِلشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ قَالَ فِي الشرنبلالية هَذَا خِلَافُ الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ مِثْلَهُ فِي مُخْتَصَرِ الظَّهِرِيَّةِ ثُمَّ قَالَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي بَابِ الْحَدَثِ. اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ وَجْهَهُ أَنَّ السَّطْحَ لَا يَحْصُلُ بِهِ اخْتِلَافُ الْمَكَانِ فَلَا يُعَدُّ فَاصِلًا كَمَا لَوْ اقْتَدَى عَلَى سَطْحِ الْمَسْجِدِ أَوْ مِنْ بَيْتِهِ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَسْجِدِ حَائِطٌ وَلَمْ يَحْصُلْ اشْتِبَاهٌ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ اخْتِلَافَ الْمَكَانِ مَانِعٌ عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ وَإِنْ لَمْ يَشْتَبِهْ لَا يَمْنَعُ وَلَا عِبْرَةَ بِالْوُصُولِ وَعَدَمِهِ، وَأَمَّا الْفَاصِلُ مِنْ طَرِيقٍ أَوْ نَهْرٍ أَوْ فَضَاءٍ فَإِنَّهُ مَانِعٌ وَلَوْ لَمْ يَشْتَبِهْ فَلْيُتَأَمَّلْ فِي الْفَرْقِ. (قَوْلُهُ وَصَحَّحَ أَنَّ النَّهْرَ الْعَظِيمَ مَا تَجْرِي فِيهِ السُّفُنُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَذَكَرَ كَثِيرٌ فِي الطَّرِيقِ أَنَّهُ مَا تَمُرُّ فِيهِ الْعَجَلَةُ (قَوْلُهُ وَأَمَّا اقْتِدَاءُ مَنْ بِالْخَلَاوِي الْعُلْوِيَّةِ إلَخْ) قَالَ فِي الشرنبلالية تَفْرِيعٌ عَلَى غَيْرِ الصَّحِيحِ وَالصَّحِيحُ صِحَّةُ الِاقْتِدَاءِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَلِمَا قَالَهُ فِي الْبُرْهَانِ لَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا حَائِطٌ كَبِيرٌ لَا يُمْكِنُ الْوُصُولُ مِنْهُ إلَى الْإِمَامِ وَلَكِنْ لَا يَشْتَبِهُ حَالُهُ عَلَيْهِ بِسَمَاعٍ أَوْ رُؤْيَةٍ لِانْتِقَالَاتِهِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الِاقْتِدَاءِ فِي الصَّحِيحِ وَهُوَ اخْتِيَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ اهـ. وَعَلَى الصَّحِيحِ يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِإِمَامِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فِي الْمَحَالِّ الْمُتَّصِلَةِ بِهِ وَإِنْ كَانَتْ أَبْوَابُهَا مِنْ خَارِجِ الْمَسْجِدِ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ مَسْجِدًا إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ يُعَكِّرُ عَلَيْهِ مَا فِي الضِّيَاءِ الْمَعْنَوِيِّ شَرْحِ مُقَدِّمَةِ الْغَزْنَوِيِّ وَلَوْ قَامَ الْإِمَامُ عَلَى سَطْحِ الْمَسْجِدِ وَالْقَوْمُ فِي الْمَسْجِدِ وَلَا يَشْتَبِهُ عَلَيْهِمْ حَالُ الْإِمَامِ صَحَّ الِاقْتِدَاءُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَابٌ لَكِنْ لَا يَشْتَبِهُ عَلَيْهِمْ حَالُ الْإِمَامِ صَحَّ الِاقْتِدَاءُ اهـ. وَأَنْتَ عَلَى عِلْمٍ أَنَّهُ إذَا كَانَ عَلَى سَطْحِ الْمَسْجِدِ وَالْقَوْمُ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ عَكْسُهُ لَمْ يَخْتَلِفْ الْمَكَانُ؛ لِأَنَّ لِسَطْحِ الْمَسْجِدِ حُكْمَ الْمَسْجِدِ فَكَانَ الْكُلُّ كَبُقْعَةٍ وَاحِدَةٍ بِخِلَافِ سَطْحِ دَارِهِ تَأَمَّلْ [اقْتِدَاءُ مُتَوَضِّئٍ بِمُتَيَمِّمٍ] (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَحْكُمَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَكِنْ عَلَّلَ الشَّارِحُ الْبُطْلَانَ فِي الِاثْنَيْ عَشَرِيَّةِ بِأَنَّ إمَامَهُ قَادِرٌ عَلَى الْمَاءِ بِإِخْبَارِهِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفَسَادِ هُنَا هُوَ فَسَادُ الْوَصْفِ فَقَدْ قَالَ فِي الْمُحِيطِ الْمُتَوَضِّئُ خَلْفَ الْمُتَيَمِّمِ إذَا رَأَى الْمَاءَ أَوْ كَانَ عَلَى الْإِمَامِ فَائِتَةٌ لَا يَذْكُرُهَا أَوْ صَلَّى إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ وَالْمُقْتَدِي يَعْلَمُ فَقَهْقَهَ الْمُقْتَدِي كَانَ عَلَيْهِ إعَادَةُ الْوُضُوءِ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ بِنَاءً عَلَى مَا مَرَّ إلَّا أَنَّهُ يَنْبَغِي عَلَى مَا اخْتَارَهُ الشَّارِحُ أَنْ يَبْطُلَ الْأَصْلُ أَيْضًا إذْ الْفَسَادُ لِفَقْدِ شَرْطٍ وَهُوَ الطَّهَارَةُ فَتَأَمَّلْ. اهـ. . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 385 الْمُتَوَضِّئِينَ. (قَوْلُهُ وَغَاسِلٍ بِمَاسِحٍ) لِاسْتِوَاءِ حَالِهِمَا؛ لِأَنَّ الْخُفَّ مَانِعٌ سِرَايَةَ الْحَدَثِ إلَى الْقَدَمِ وَمَا حَلَّ بِالْخُفِّ يُزِيلُهُ الْمَسْحُ بِخِلَافِ الْمُسْتَحَاضَةِ؛ لِأَنَّ الْحَدَثَ مَوْجُودٌ حَقِيقَةً، وَإِنْ جُعِلَ فِي حَقِّهَا مَعْدُومًا لِلضَّرُورَةِ. أَطْلَقَ الْمَاسِحَ فَشَمِلَ مَاسِحَ الْخُفِّ وَمَاسِحَ الْجَبِيرَةِ وَهُوَ أَوْلَى بِالْجَوَازِ؛ لِأَنَّهُ كَالْغَسْلِ لِمَا تَحْتَهُ (قَوْلُهُ وَقَائِمٍ بِقَاعِدٍ وَبِأَحْدَبَ) أَيْ لَا يَفْسُدُ اقْتِدَاءُ قَائِمٍ بِقَاعِدٍ وَبِأَحْدَبَ أَمَّا الْأَوَّلُ فَهُوَ قَوْلُهُمَا وَحَكَمَ مُحَمَّدٌ بِالْفَسَادِ نَظَرًا إلَى أَنَّهُ بِنَاءُ الْقَوِيِّ عَلَى الضَّعِيفِ وَلَهُمَا اقْتِدَاءُ النَّاسِ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَرَضِ مَوْتِهِ وَهُوَ قَاعِدٌ وَهُمْ قِيَامٌ وَهُوَ آخِرُ أَحْوَالِهِ فَتَعَيَّنَ الْعَمَلُ بِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ إمَامًا وَأَبُو بَكْرٍ مُبَلِّغًا لِلنَّاسِ تَكْبِيرَهُ وَبِهِ اسْتَدَلَّ عَلَى جَوَازِ رَفْعِ الْمُؤَذِّنِينَ أَصْوَاتَهُمْ فِي   [منحة الخالق] [اقْتِدَاء غَاسِلٍ بِمَاسِحٍ فِي الصَّلَاة] (قَوْلُهُ وَبِهِ اسْتَدَلَّ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ وَلَيْسَ مَقْصُودُهُ خُصُوصَ الرَّفْعِ الْكَائِنِ فِي زَمَانِنَا بَلْ أَصْلُ الرَّفْعِ لِإِبْلَاغِ الِانْتِقَالَاتِ أَمَّا خُصُوصُ هَذَا الَّذِي تَعَارَفُوهُ فِي هَذِهِ الْبِلَادِ فَلَا يَبْعُدُ أَنَّهُ مُفْسِدٌ فَإِنَّهُ غَالِبًا يَشْتَمِلُ عَلَى مَدِّ هَمْزَةِ اللَّهُ أَكْبَرُ أَوْ بَائِهِ وَذَلِكَ مُفْسِدٌ وَإِنْ لَمْ يَشْتَمِلْ؛ لِأَنَّهُمْ بَالِغُونَ فِي الصِّيَاحِ زِيَادَةً عَلَى حَاجَةِ الْإِبْلَاغِ وَالِاشْتِغَالِ بِتَحْرِيرَاتِ النَّغَمِ إظْهَارًا لِلصِّنَاعَةِ النَّغَمِيَّةِ لَا إقَامَةً لِلْعِبَادَةِ وَالصِّيَاحُ مُلْحَقٌ بِالْكَلَامِ الَّذِي بِسَاطُهُ ذَلِكَ الصِّيَاحُ، وَسَيَأْتِي فِي بَابِ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ أَنَّهُ إذَا ارْتَفَعَ بُكَاؤُهُ مِنْ ذِكْرِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ لَا تَفْسُدُ وَلِمُصِيبَةٍ بَلَغَتْهُ تَفْسُدُ؛ لِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ يَعْرِضُ بِسُؤَالِ الْجَنَّةِ وَالتَّعَوُّذِ مِنْ النَّارِ إنْ كَانَ يُقَالُ إنَّ الْمُرَادَ إذَا حَصَلَ بِهِ الْحُرُوفُ وَلَوْ صَرَّحَ بِهِ لَا تَفْسُدُ، وَفِي الثَّانِي لِإِظْهَارِهَا وَلَوْ صَرَّحَ بِهَا فَقَالَ وَامُصِيبَتَاهُ أَوْ أَدْرِكُونِي أَفْسَدَ فَهُوَ بِمَنْزِلَتِهِ، وَهُنَا مَعْلُومٌ أَنَّ قَصْدَهُ إعْجَابُ النَّاسِ بِهِ وَلَوْ قَالَ اعْجَبُوا مِنْ حُسْنِ صَوْتِي وَتَحْرِيرِي فِيهِ أَفْسَدَ وَحُصُولُ الْحَرْفِ لَازِمٌ مِنْ التَّلْحِينِ وَلَا أَرَى ذَلِكَ يَصْدُرُ مِمَّنْ فَهِمَ مَعْنَى الدُّعَاءِ وَالسُّؤَالِ وَمَا ذَلِكَ إلَّا نَوْعُ لَعِبٍ فَإِنَّهُ لَوْ قَدَرَ فِي الشَّاهِدِ سَائِلُ حَاجَةٍ مِنْ مَلِكٍ أَدَّى سُؤَالَهُ وَطَلَبَهُ بِتَحْرِيرِ النَّغَمِ فِيهِ مِنْ الرَّفْعِ وَالْخَفْضِ وَالتَّغْرِيبِ وَالرُّجُوعِ كَالتَّغَنِّي نُسِبَ أَلْبَتَّةَ إلَى قَصْدِ السُّخْرِيَةِ وَاللَّعِبِ إذْ مَقَامُ طَلَبِ الْحَاجَةِ التَّضَرُّعُ لَا التَّغَنِّي اهـ. وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ فِي النَّهْرِ، وَقَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ، وَقَدْ أَجَادَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِيمَا أَوْضَحَ وَأَفَادَ اهـ. أَقُولُ: فِي كَوْنِ الصِّيَاحِ بِمَا هُوَ ذُكِرَ مُلْحَقًا بِالْكَلَامِ فَيَكُونُ مُفْسِدًا وَإِنْ لَمْ يَشْتَمِلْ عَلَى مَدِّ هَمْزَةِ اللَّهُ أَوْ بَاءِ أَكْبَرُ نُظِرَ فَقَدْ صَرَّحَ فِي السِّرَاجِ بِأَنَّ الْإِمَامَ إذَا جَهَرَ فَوْقَ حَاجَةِ النَّاسِ فَقَدْ أَسَاءَ اهـ. وَالْإِسَاءَةُ دُونَ الْكَرَاهَةِ لَا تُوجِبُ فَسَادًا عَلَى أَنَّ كَلَامَهُ يَئُولَ بِالْآخِرَةِ إلَى أَنَّ الْإِفْسَادَ إنَّمَا حَصَلَ بِحُصُولِ الْحَرْفِ لَا بِمُجَرَّدِ رَفْعِ الصَّوْتِ زِيَادَةً عَلَى حَاجَةِ الْإِبْلَاغِ وَالْقِيَاسُ عَلَى مَا ارْتَفَعَ بُكَاؤُهُ لِمُصِيبَةٍ بَلَغَتْهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ مَا هُنَا ذُكِرَ بِصِيغَةٍ فَلَا يَتَغَيَّرُ بِعَزِيمَتِهِ وَالْمُفْسِدُ لِلصَّلَاةِ الْمَلْفُوظُ لَا عَزِيمَةُ الْقَلْبِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ بِخِلَافِ ارْتِفَاعِ الصَّوْتِ بِالْبُكَاءِ لِمُصِيبَةٍ بَلَغَتْهُ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِذِكْرٍ فَيَتَغَيَّرُ بِعَزِيمَتِهِ عَلَى أَنَّ الْقِيَاسَ بَعْدَ الْأَرْبَعِمِائَةِ مُنْقَطِعٌ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ بَعْدَهَا أَنْ يَقِيسَ مَسْأَلَةً عَلَى مَسْأَلَةٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْعَلَّامَةُ زَيْنُ بْنُ نُجَيْمٍ فِي رَسَائِلِهِ كَذَا ذَكَرَ السَّيِّدُ أَحْمَدُ الْحَمَوِيُّ فِي رِسَالَتِهِ الْقَوْلُ الْبَلِيغُ فِي حُكْمِ التَّبْلِيغِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قُلْت - وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ - الْحَقُّ مَا قَالَهُ الْإِمَامُ الْمُحَقِّقُ وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ كَثِيرٌ وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ السَّيِّدُ الْحَمَوِيُّ مِنْ النَّظَرِ فَهُوَ سَاقِطٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ الْفَسَادَ مَبْنِيًّا عَلَى مُجَرَّدِ الرَّفْعِ حَتَّى يُرَدَّ عَلَيْهِ بِمَا فِي السِّرَاجِ بَلْ بَنَاهُ عَلَى زِيَادَةِ الرَّفْعِ الْمُلْحَقِ بِالصِّيَاحِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى النَّغَمِ مَعَ قَصْدِ إظْهَارِهِ لِذَلِكَ وَالْإِعْرَاضِ عَنْ إقَامَةِ الْعِبَادَةِ وَقَوْلُهُ عَلَى أَنَّ كَلَامَهُ إلَخْ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّهُ بَنَى كَلَامَهُ عَلَى أَنَّ مَبْنَى الْفَسَادِ مَا مَرَّ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ بِهِ حُرُوفٌ زَائِدَةٌ فَمُجَرَّدُ ذَلِكَ كَافٍ فِي الْفَسَادِ كَمَا هُوَ صَرِيحُ أَوَّلِ كَلَامِهِ وَآخِرِهِ حَيْثُ قَالَ فَإِنَّهُ لَوْ قَدَرَ فِي الشَّاهِدِ إلَخْ فَقَوْلُهُ وَحُصُولُ الْحَرْفِ لَازِمٌ مِنْ التَّلْحِينِ بَيَانٌ لِشَيْءٍ يَسْتَلْزِمُهُ ذَلِكَ الْمُفْسِدُ مِمَّا قَدْ يَكُونُ مُفْسِدًا فِي نَفْسِهِ وَإِنْ فُرِضَ عَدَمُ إفْسَادِ الْمَلْزُومِ بِأَنْ يَمُدَّ هَمْزَةَ الْجَلَالَةِ أَوْ بَاءَ أَكْبَرُ وَقَوْلُهُ؛ لِأَنَّ مَا هُنَا ذُكِرَ بِصِيغَةِ إلَخْ كَلَامٌ سَاقِطٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ بَانِيًا عَلَيْهِ عَدَمَ الْفَسَادِ فِيمَا لَوْ فَتَحَ الْمُصَلِّي عَلَى غَيْرِ إمَامِهِ أَوْ أَجَابَ الْمُؤَذِّنُ أَوْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ جَوَابًا لِمَنْ قَالَ أَمَعَ اللَّهِ إلَهٌ أَوْ أَخْبَرَ بِمَا سَرَّهُ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ أَوْ بِمَا يُعْجِبُهُ فَقَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ عَلَى قَصْدِ الْجَوَابِ وَنَحْوَ ذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي وَالْمَذْهَبُ الْفَسَادُ وَهُوَ قَوْلُهُمَا؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيمٌ وَتَعَلُّمٌ فِي الْأُولَى وَفِيمَا بَقِيَ قَدْ أَخْرَجَ الْكَلَامَ مَخْرَجَ الْجَوَابِ وَهُوَ يَحْتَمِلُهُ فَإِنَّ مَنَاطَ كَوْنِهِ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ عِنْدَهُمَا كَوْنُهُ لَفْظًا أُفِيدَ بِهِ مَعْنَى لَيْسَ مِنْ أَعْمَالِ الصَّلَاةِ لَا كَوْنُهُ وُضِعَ لِإِفَادَةِ ذَلِكَ وَكَوْنُهُ لَمْ يَتَغَيَّرْ بِعَزِيمَتِهِ مَمْنُوعٌ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْفَتْحِ قَالَ فِي النَّهْرِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْجُنُبَ إذَا قَرَأَ الْفَاتِحَةَ عَلَى قَصْدِ الثَّنَاءِ جَازَ. اهـ. وَقَدْ ذَكَرُوا أَشْيَاءَ تُفْسِدُ اتِّفَاقًا كَمَا لَوْ كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ كِتَابٌ وَعِنْدَهُ رَجُلٌ اسْمُهُ يَحْيَى فَقَالَ يَا يَحْيَى خُذْ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَنَحْوَهَا مِمَّا سَيَأْتِي وَهَذَا وَارِدٌ عَلَى أَصْلِ أَبِي يُوسُفَ وَقَوْلُهُ عَلَى أَنَّ الْقِيَاسَ بَعْدَ الْأَرْبَعِمِائَةِ مُنْقَطِعٌ إلَخْ نَقُولُ بِمُوجَبِهِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُحَقِّقُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ بَلْ هُوَ تَخْرِيجٌ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ أَصْلِهِمَا كَمَا هُوَ دَأْبُ الْمَشَايِخِ كَقَاضِي خَانْ وَأَضْرَابِهِ مِنْ تَخْرِيجِهِمْ مَا لَيْسَ فِيهِ نَصٌّ عَلَى أَصْلٍ ظَاهِرٍ وَمِثْلُهُ مَا يَذْكُرُهُ الْمُؤَلِّفُ وَغَيْرُهُ مِنْ قَوْلِهِمْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَذَا وَمُقْتَضَى الْقَوَاعِدِ كَذَا فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ الْقِيَاسِ كَيْفَ يُسَوَّغُ لَهُ اسْتِعْمَالُهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 386 الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَغَيْرِهِمَا كَمَا فِي الْمُجْتَبَى وَلَيْسَ هُوَ بِنَاءُ الْقَوِيِّ عَلَى الضَّعِيفِ؛ لِأَنَّ الْقُعُودَ قِيَامٌ مِنْ وَجْهٍ كَالرُّكُوعِ لِانْتِصَابِ أَحَدِ نِصْفَيْهِ وَصَارَ كَالِاقْتِدَاءِ بِالْمُنْحَنَى مِنْ الْهَرَمِ وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ الْإِيمَاءُ فَإِنَّهُ بَعْضُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَمْ يَصِحَّ اقْتِدَاءُ الرَّاكِعِ وَالسَّاجِدِ بِالْمُومِئِ لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْقِيَامَ لَيْسَ بِرُكْنٍ مَقْصُودٍ، وَلِهَذَا جَازَ تَرْكُهُ فِي النَّفْلِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَجَازَ أَنْ يَسُدَّ النَّاقِصُ مَسَدَّهُ لِعَدَمِ فَوَاتِ الْمَقْصُودِ فَكَانَ حَالُ الْإِمَامِ مِثْلَ حَالِ الْمُقْتَدِي فِي الْمَقْصُودِ وَهُوَ نِهَايَةُ التَّعَبُّدِ بِخِلَافِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَإِنَّهُمَا رُكْنَانِ مَقْصُودَانِ، وَقَدْ فَاتَا فِي حَقِّ الْإِمَامِ الْمُومِئِ وَلِأَنَّ الْقُعُودَ يُسَمَّى قِيَامًا يُقَالُ لِمَنْ قَعَدَ نَاهِضًا عَنْ نَوْمِهِ قَامَ عَنْ فِرَاشِهِ وَقَامَ عَنْ مَضْجَعِهِ وَيُقَالُ لِلْمُضْطَجِعِ قُمْ وَاقْرَأْ فَإِذَا نَهَضَ وَقَعَدَ يَكُونُ مُمْتَثِلًا لِأَمْرِهِ بِالْقِيَامِ بِخِلَافِ الْإِيمَاءِ فَإِنَّهُ لَا يُسَمَّى سُجُودًا، وَذَكَرَ فِي الْمُجْتَبَى فَرْقًا إجْمَالِيًّا وَهُوَ أَنَّ الْمُتَنَفِّلَ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ وَلَا يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْإِيمَاءِ وَالسُّجُودِ وَلَا بَيْنَ الْقُعُودِ وَالِاسْتِلْقَاءِ، وَفِي الْحَقَائِقِ الْخِلَافُ فِي قَاعِدٍ يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ يُومِئُ وَالْقَوْمُ يَرْكَعُونَ وَيَسْجُدُونَ لَا يَجُوزُ اتِّفَاقًا وَمَحَلُّ الِاخْتِلَافِ الِاقْتِدَاءُ فِي الْفَرْضِ وَالْوَاجِبِ حَيْثُ كَانَ لِلْإِمَامِ عُذْرٌ أَمَّا فِي النَّفْلِ فَيَجُوزُ اتِّفَاقًا وَاخْتُلِفَ فِي اقْتِدَاءِ الْقَائِمِ بِالْقَاعِدِ فِي التَّرَاوِيحِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ جَائِزٌ عِنْدَ الْكُلِّ كَمَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ، وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ اقْتِدَاءُ الْقَائِمِ بِالْأَحْدَبِ فَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا بَلَغَ حَدَبُهُ حَدَّ الرُّكُوعِ وَمَا إذَا لَمْ يَبْلُغْ وَلَا خِلَافَ فِي الثَّانِي، وَاخْتَلَفُوا فِي الْأَوَّلِ فَفِي الْمُجْتَبَى أَنَّهُ جَائِزٌ عِنْدَهُمَا وَبِهِ أَخَذَ عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ، وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ لَا تَصِحُّ إمَامَةُ الْأَحْدَبِ لِلْقَائِمِ هَكَذَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ وَقِيلَ يَجُوزُ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ اهـ. وَلَا يَخْفَى ضَعْفُهُ فَإِنَّهُ لَيْسَ هُوَ أَدْنَى حَالًا مِنْ الْقَاعِدِ؛ لِأَنَّ الْقُعُودَ اسْتِوَاءُ النِّصْفِ الْأَعْلَى، وَفِي الْحَدَبِ اسْتِوَاءُ النِّصْفِ الْأَسْفَلِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَأَشَارَ إلَى أَنَّ اقْتِدَاءَ الْقَاعِدِ خَلْفَ مِثْلِهِ جَائِزٌ اتِّفَاقًا، وَكَذَا الِاقْتِدَاءُ بِالْأَعْرَجِ أَوْ مَنْ بِقَدَمِهِ عِوَجٌ، وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ أَوْلَى، وَفِي الْخُلَاصَةِ وَلَا يَجُوزُ اقْتِدَاءُ النَّازِلِ بِالرَّاكِبِ، وَلَوْ صَلَّوْا عَلَى الدَّابَّةِ بِجَمَاعَةٍ جَازَتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ عَلَى دَابَّتِهِ وَلَا تَجُوزُ صَلَاةُ غَيْرِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ (قَوْلُهُ وَمُومِئٍ بِمِثْلِهِ) أَيْ لَا يَفْسُدُ اقْتِدَاءُ مُومِئٍ بِمُومِئٍ لِاسْتِوَاءِ حَالِهِمَا أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الْإِمَامُ يُومِئُ قَائِمًا أَوْ قَاعِدًا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْإِمَامُ مُضْطَجِعًا وَالْمُؤْتَمُّ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِقُوَّةِ حَالِ الْمَأْمُومِ؛ لِأَنَّ الْقُعُودَ مُعْتَبَرٌ بِدَلِيلِ وُجُوبِهِ عَلَيْهِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ بِخِلَافِ الْقِيَامِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ لِذَاتِهِ، وَلِهَذَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِيَامُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ إذَا عَجَزَ عَنْ السُّجُودِ، وَفِي الشُّرَّاحِ أَنَّهُ الْمُخْتَارُ رَدًّا لِمَا صَحَّحَهُ التُّمُرْتَاشِيُّ مِنْ الْجَوَازِ عِنْدَ الْكُلِّ. (قَوْلُهُ وَمُتَنَفِّلٍ بِمُفْتَرِضٍ) أَيْ لَا يَفْسُدُ اقْتِدَاءُ مُتَنَفِّلٍ بِمُفْتَرِضِ؛ لِأَنَّهُ بِنَاءُ الضَّعِيفِ عَلَى الْقَوِيِّ وَالْقِرَاءَةُ فِي النَّفْلِ وَإِنْ كَانَتْ فَرْضًا فِي الْأَخِيرَتَيْنِ نَفْلًا فِي الْفَرْضِ لَكِنْ إنَّمَا تَكُونُ فَرْضًا إذَا كَانَ الْمُصَلِّي مُنْفَرِدًا أَمَّا إذَا كَانَ مُقْتَدِيًا فَلَا؛ لِأَنَّهَا مَحْظُورَةٌ كَذَا فِي الْغَايَةِ وَلِأَنَّهُ بِالِاقْتِدَاءِ صَارَ تَبَعًا لِلْإِمَامِ فِي الْقِرَاءَةِ فَكَانَتْ نَفْلًا فِيهِمَا فِي حَقِّهِ كَإِمَامِهِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ اقْتِدَاءَ مَنْ يُصَلِّي التَّرَاوِيحَ بِالْمَكْتُوبَةِ، وَذَكَرَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ اخْتِلَافًا وَأَنَّ الصَّحِيحَ عَدَمُ   [منحة الخالق] مَعَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ الْقِيَاسَ انْقَطَعَ فَتَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ وَلَا يَخْفَى ضَعْفُهُ) أَيْ ضَعْفُ مَا صَحَّحَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ تَصِحُّ عِنْدَهُمَا إمَامَةُ الْقَاعِدِ لِلْقَائِمِ وَالْأَحْدَبُ لَيْسَ أَدْنَى حَالًا مِنْ الْقَاعِدِ فَتَصْحِيحُ عَدَمِ الْجَوَازِ غَيْرُ ظَاهِرٍ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ التَّصْحِيحُ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَبِهِ جَزَمَ فِي الْفَتْحِ فَقَالَ: وَأَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَا تَصِحُّ إمَامَةُ الْأَحْدَبِ لِلْقَائِمِ ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ يَصِحُّ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ اهـ. فَعَلَى هَذَا فَمَعْنَى قَوْلِهِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ أَيْ مِنْ قَوْلَيْ مُحَمَّدٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي النَّهْرِ قَالَ وَكَأَنَّهُ فِي الْبَحْرِ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى هَذَا فَجَزَمَ بِأَنَّهُ ضَعِيفٌ وَأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ. [اقْتِدَاءُ مُتَنَفِّلٍ بِمُفْتَرِضِ فِي الصَّلَاة] (قَوْلُهُ وَذَكَرَ قَاضِي خَانْ اخْتِلَافًا إلَخْ) قَالَ فِي الشرنبلالية قُلْتُ: لَيْسَ فِي عِبَارَةِ قَاضِي خَانْ نَفْيُ صِحَّةِ اقْتِدَاءِ مَنْ يُصَلِّي التَّرَاوِيحَ بِالْمَكْتُوبَةِ فَإِنَّهُ قَالَ فَعَلَى هَذَا أَيْ عَلَى رِوَايَةِ أَنَّ السُّنَّةَ لَا تَتَأَدَّى بِنِيَّةِ التَّطَوُّعِ إذَا صَلَّى التَّرَاوِيحَ مُقْتَدِيًا بِمَنْ يُصَلِّي نَافِلَةً غَيْرَ التَّرَاوِيحِ وَاخْتَلَفُوا فِيهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الْإِمَامُ يُصَلِّي التَّرَاوِيحَ فَاقْتَدَى بِهِ رَجُلٌ وَلَمْ يَنْوِ التَّرَاوِيحَ وَلَا صَلَاةَ الْإِمَامِ لَا يَجُوزُ كَمَا لَوْ اقْتَدَى بِرَجُلٍ يُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ فَنَوَى الِاقْتِدَاءَ بِهِ وَلَمْ يَنْوِ الْمَكْتُوبَةَ وَلَا صَلَاةَ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ. اهـ. وَقَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَصْلِ مَنْ يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ وَلَا يَصِحُّ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ وَعَلَى الْقَلْبِ يَجُوزُ اهـ. نَعَمْ مَا نَسَبَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ لِقَاضِي خَانْ صَرَّحَ بِهِ فِي مُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ فَقَالَ لَوْ صَلَّى التَّرَاوِيحَ مُقْتَدِيًا بِمَنْ يُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ أَوْ بِمَنْ يُصَلِّي نَافِلَةً غَيْرَ التَّرَاوِيحِ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اهـ. قُلْتُ: يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِنَفْيِ الْجَوَازِ عَدَمَ الِاعْتِدَادِ بِهَا عَنْ التَّرَاوِيحِ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ لِمَا سَنَذْكُرُ أَنَّهُ إذَا تَعَمَّدَ فَلَمْ يُسَلِّمْ عَلَى كُلِّ شَفْعٍ يُكْرَهُ اهـ. أَقُولُ: حَيْثُ صَرَّحَ قَاضِي خَانْ بِأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ إذَا صَلَّى التَّرَاوِيحَ مُقْتَدِيًا بِمُتَنَفِّلِ بِغَيْرِهَا لَا يَجُوزُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ السُّنَّةَ لَا تَتَأَدَّى بِنِيَّةِ التَّطَوُّعِ يَكُونُ ذَلِكَ تَصْحِيحًا لِعَدَمِ جَوَازِ اقْتِدَاءِ مُصَلِّي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 387 الْجَوَازِ وَهُوَ مُشْكِلٌ فَإِنَّهُ بِنَاءُ الضَّعِيفِ عَلَى الْقَوِيِّ وَأَشَارَ إلَى أَنَّ اقْتِدَاءَ الْمُتَنَفِّلِ بِمِثْلِهِ جَائِزٌ، وَفِي اقْتِدَاءِ الْحَنَفِيِّ فِي الْوِتْرِ بِمَنْ يَرَاهُ سُنَّةً اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ، وَلَوْ تَكَلَّمَ الْإِمَامُ فِي شَفْعِ التَّرْوِيحَةِ، ثُمَّ أَمَّهُمْ فِي ذَلِكَ الشَّفْعِ جَازَ، وَكَذَا إذَا اقْتَدَى فِي سُنَّةِ الْعِشَاءِ بِمَنْ يُصَلِّي التَّرَاوِيحَ أَوْ فِي السُّنَّةِ بَعْدَ الظُّهْرِ بِمَنْ يُصَلِّي الْأَرْبَعَ قَبْلَ الظُّهْرِ صَحَّ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ ظَهَرَ أَنَّ إمَامَهُ مُحْدِثٌ أَعَادَ) أَيْ عَلَى سَبِيلِ الْفَرْضِ فَالْمُرَادُ بِالْإِعَادَةِ الْإِتْيَانُ بِالْفَرْضِ لَا الْإِعَادَةُ فِي اصْطِلَاحِ الْأُصُولِيِّينَ الْجَابِرَةُ لِلنَّقْصِ فِي الْمُؤَدَّى فَلَوْ قَالَ بَطَلَتْ لَكَانَ أَوْلَى، وَإِنَّمَا بَطَلَتْ صَلَاةُ الْمَأْمُومِ؛ لِأَنَّ الِاقْتِدَاءَ بِنَاءٌ وَالْبِنَاءُ عَلَى الْمَعْدُومِ مُحَالٌ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَظْهَرَ أَنَّ الْإِمَامَ عَدِمَ رُكْنًا أَوْ شَرْطًا، وَفِي الْمُجْتَبَى وَلَوْ أَخْبَرَهُمْ الْإِمَامُ أَنَّهُ أَمَّهُمْ شَهْرًا بِغَيْرِ طَهَارَةٍ أَوْ مَعَ عِلْمِهِ بِالنَّجَاسَةِ الْمَانِعَةِ لَا يَلْزَمُ الْإِعَادَةُ؛ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِكُفْرِهِ، وَقَوْلُ الْفَاسِقِ غَيْرُ مَقْبُولٍ فِي الدِّيَانَاتِ فَكَيْفَ قَوْلُ الْكَافِرِ اهـ. وَهُوَ مُشْكِلٌ فَإِنَّهُ لَا يَكْفُرُ إذَا صَلَّى بِالنَّجَاسَةِ الْمَانِعَةِ عَمْدًا لِلِاخْتِلَافِ فِي وُجُوبِ إزَالَتِهَا فَإِنَّ مَالِكًا يَقُولُ فِي قَوْلٍ بِسُنِّيَّتِهَا، وَفِي الْمُبْتَغَى بِالْمُعْجَمَةِ وَمَنْ عَلِمَ أَنَّ إمَامَهُ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ أَعَادَ وَإِلَّا فَلَا وَلَا يَلْزَمُ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُعْلِمَ الْجَمَاعَةَ بِحَالِهِ وَلَا يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ، وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَلَا يَلْزَمُ عَلَى الْإِمَام الْإِعْلَامُ إذَا كَانُوا قَوْمًا غَيْرَ مُعَيَّنِينَ، وَفِي الْمُجْتَبَى، وَلَوْ أَمَّ قَوْمًا مُحْدِثٌ أَوْ جُنُبٌ، ثُمَّ عَلِمَ بَعْدَ التَّفَرُّقِ يَجِبُ الْإِخْبَارُ بِقَدْرِ الْمُمْكِنِ بِلِسَانِهِ أَوْ كِتَابٍ أَوْ رَسُولٍ عَلَى الْأَصَحِّ، وَفِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ؛ لِأَنَّهُ سَكَتَ عَنْ خَطَإٍ مَعْفُوٍّ عَنْهُ، وَعَنْ الْوَبَرِيِّ يُخْبِرُهُمْ، وَإِنْ كَانَ مُخْتَلَفًا فِيهِ وَنَظِيرُهُ إذَا رَأَى غَيْرَهُ يَتَوَضَّأُ مِنْ مَاءٍ نَجِسٍ أَوْ عَلَى ثَوْبِهِ نَجَاسَةٌ. اهـ. . (قَوْلُهُ وَإِنْ اقْتَدَى أُمِّيٌّ وَقَارِئٌ بِأُمِّيٍّ أَوْ اسْتَخْلَفَ أُمِّيًّا فِي الْأُخْرَيَيْنِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُمْ) أَمَّا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فَهُوَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا صَلَاةُ الْإِمَامِ وَمَنْ لَمْ يَقْرَأْ تَامَّةً؛ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ أَمَّ قَوْمًا مَعْذُورِينَ وَغَيْرَ مَعْذُورِينَ فَصَارَ كَمَا إذَا أَمَّ الْعَارِي عُرَاةً وَلَابِسِينَ وَلَهُ أَنَّ الْإِمَامَ تَرَكَ فَرْضَ الْقِرَاءَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا فَتَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَهَذَا لِأَنَّهُ لَوْ اقْتَدَى بِالْقَارِئِ تَكُونُ قِرَاءَتُهُ قِرَاءَةً لَهُ بِخِلَافِ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ وَأَمْثَالِهَا؛ لِأَنَّ الْمَوْجُودَ فِي حَقِّ الْإِمَامِ لَا يَكُونُ مَوْجُودًا فِي حَقِّ الْمُقْتَدِي. قَيَّدَ بِالِاقْتِدَاءِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ يُصَلِّي الْأُمِّيُّ وَحْدَهُ وَالْقَارِئُ وَحْدَهُ فَإِنَّهُ جَائِزٌ هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُمَا رَغْبَةٌ فِي الْجَمَاعَةِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَفِي النِّهَايَةِ لَوْ افْتَتَحَ الْأُمِّيُّ، ثُمَّ حَضَرَ الْقَارِئُ فَفِيهِ قَوْلَانِ، وَلَوْ حَضَرَ الْأُمِّيُّ بَعْدَ افْتِتَاحِ الْقَارِئِ فَلَمْ يَقْتَدِ بِهِ وَصَلَّى مُنْفَرِدًا الْأَصَحُّ أَنَّ صَلَاتَهُ فَاسِدَةٌ وَأَشَارَ بِفَسَادِ الصَّلَاةِ إلَى صِحَّةِ شُرُوعِ الْقَارِئِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي فَرْضِ التَّحْرِيمَةِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفَا فِي الْقِرَاءَةِ وَلَا يُقَالُ لِمَ لَا يَلْزَمُ الْقَضَاءُ عَلَى الْمُقْتَدِي إذَا أَفْسَدَ، وَقَدْ صَحَّ شُرُوعُهُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَمَّا   [منحة الخالق] التَّرَاوِيحِ بِالْمُفْتَرِضِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى أَنَّ السُّنَّةَ لَا تَتَأَدَّى بِنِيَّةِ التَّطَوُّعِ أَنَّهَا لَا بُدَّ لَهَا مِنْ التَّعْيِينِ وَالْإِمَامُ غَيْرُ مُعَيِّنٍ لِلتَّرَاوِيحِ سَوَاءٌ كَانَ مُصَلِّيًا نَفْلًا أَوْ فَرْضًا فَلَا تَصِحُّ نِيَّةُ التَّرَاوِيحِ مِنْ الْمُقْتَدِي، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ فِي فَتَاوِيهِ ضِمْنَ رِسَالَةٍ فَقَالَ فَصْلٌ إذَا صَلَّى التَّرَاوِيحَ مُقْتَدِيًا بِمَنْ يُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ أَوْ وِتْرًا أَوْ نَافِلَةً غَيْرَ التَّرَاوِيحِ اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْهُمْ مَنْ بَنَى هَذَا الِاخْتِلَافَ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي النِّيَّةِ مَنْ قَالَ مِنْ الْمَشَايِخِ إنَّ التَّرَاوِيحَ لَا تَتَأَدَّى إلَّا بِنِيَّتِهَا فَلَا تَتَأَدَّى بِنِيَّةِ الْإِمَامِ وَهِيَ بِخِلَافِ نِيَّتِهِ وَمَنْ قَالَ مِنْهُمْ إنَّهَا تَتَأَدَّى بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ هُنَا إنَّهُ يَصِحُّ وَالْأَصَحُّ لَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ وَعَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ إذَا لَمْ يُسَلِّمْ مِنْ الْعِشَاءِ وَبَنَى عَلَيْهَا التَّرَاوِيحَ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَهَذَا أَظْهَرُ؛ لِأَنَّهُ مَكْرُوهٌ اهـ. ثُمَّ رَاجَعْت الْفَتَاوَى الْخَانِيَّةَ فَوَجَدْت فِيهَا مَا نَقَلَهُ الْمُؤَلِّفُ فَظَهَرَ أَنَّ فِي نُسْخَةِ الشُّرُنْبُلَالِيُّ سَقْطًا وَأَنَّ الصَّوَابَ مَا نَقَلَهُ الْمُؤَلِّفُ. (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ ظَهَرَ أَنَّ إمَامَهُ مُحْدِثٌ) قَالَ فِي النَّهْرِ بِأَنْ شَهِدُوا أَنَّهُ أَحْدَثَ ثُمَّ صَلَّى أَوْ أَخْبَرَ الْإِمَامُ عَنْ نَفْسِهِ وَكَانَ عَدْلًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نُدِبَ فَقَطْ كَذَا فِي السِّرَاجِ (قَوْلُهُ فَلَوْ قَالَ بَطَلَتْ لَكَانَ أَوْلَى إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ فِيهِ نَظَرٌ إذْ الْبُطْلَانُ يُؤْذِنُ بِسَبْقِ الصِّحَّةِ. نَعَمْ الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ لَا يُجْتَزَى بِمَا أَدَّاهُ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُحْدِثَ كَمَا عَرَفْت لَيْسَ قَيْدًا فَلَوْ قَالَ وَلَوْ ظَهَرَ أَنَّ بِإِمَامِهِ مَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الصَّلَاةِ أَعَادَهَا لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ مَا لَوْ أَخَلَّ بِرُكْنٍ أَوْ شَرْطٍ وَالْعِبْرَةُ لِرَأْيِ الْمُقْتَدِي حَتَّى لَوْ رَأَى عَلَى الْإِمَامِ نَجَاسَةً أَقَلَّ مِنْ الدِّرْهَمِ وَاعْتَقَدَ الْمُقْتَدِي أَنَّهُ مَانِعٌ وَالْإِمَامُ خِلَافُهُ أَعَادَ وَفِي عَكْسِهِ وَالْإِمَامُ لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ لَا يُعِيدُ، وَلَوْ اقْتَدَى أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ فَإِذَا قَطْرَةٌ مِنْ دَمٍ وَكُلٌّ مِنْهُمَا يَزْعُمُ أَنَّهَا مِنْ صَاحِبِهِ أَعَادَ الْمُقْتَدِي لِفَسَادِ صَلَاتِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ (قَوْلُهُ وَفِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ لِأَنَّهُ سَكَتَ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ صَوَابُهُ لَا؛ لِأَنَّهُ سَكَتَ إلَخْ فَحَرْفُ النَّفْيِ سَاقِطٌ مِنْ خَطِّهِ وَلَا بُدَّ مِنْهُ قَالَ فِي الْحَاوِي الزَّاهِدِي (يو) عَلِمَ الْإِمَامُ بِفَسَادِ صَلَاتِهِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا فَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِالْإِعَادَةِ لَا يَسَعُهُ وَيَجِبُ الْعَمَلُ فِيهِ عَلَى مَا يَعْتَقِدُهُ (صبح) تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ صَلَّى بِغَيْرِ وُضُوءٍ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِخْبَارُ بِقَدْرِ الْمُمْكِنِ (حك) لَا يَلْزَمُهُ الْإِخْبَارُ؛ لِأَنَّهُ مَا سَكَتَ عَنْ مَعْصِيَةٍ بَلْ خَطَأٍ مَعْفُوٍّ عَنْهُ قَالَ وَهَذَا أَصَحُّ مِنْ جَوَابِ (يو صبح) وَإِلَيْهِ أَشَارَ أَبُو يُوسُفَ وَسَوَاءٌ كَانَ فَسَادُ صَلَاتِهِ مُخْتَلَفًا فِيهِ أَوْ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ فَإِنَّ الْإِمَامَ إذَا لَمْ يَعْلَمْ فَسَادَ صَلَاتِهِ لَا تَفْسُدُ صَلَاةُ الْمُقْتَدِينَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَلْزَمَ الْإِمَامَ إخْبَارُهُمْ بِذَلِكَ أَصْلًا. اهـ. . [اقْتَدَى أُمِّيٌّ وَقَارِئٌ بِأُمِّيٍّ أَوْ اسْتَخْلَفَ أُمِّيًّا فِي الْأُخْرَيَيْنِ] (قَوْلُهُ الْأَصَحُّ أَنَّ صَلَاتَهُ فَاسِدَةٌ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 388 شَرَعَ فِي صَلَاةِ الْأُمِّيِّ أَوْجَبَهَا عَلَى نَفْسِهِ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ فَلَمْ يَلْزَمْهُ الْقَضَاءُ كَنَذْرِ صَلَاةٍ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ لَا تَلْزَمُهُ إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَصَحَّحَ فِي الذَّخِيرَةِ عَدَمَ صِحَّةِ شُرُوعِهِ، وَفَائِدَتُهُ تَظْهَرُ فِي انْتِقَاضِ وُضُوئِهِ بِالْقَهْقَهَةِ وَأَطْلَقَ فَشَمِلَ مَا إذَا عَلِمَ الْأُمِّيُّ أَنَّ خَلْفَهُ قَارِئًا أَوْ لَمْ يَعْلَمْ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ الْفَرَائِضَ لَا يَخْتَلِفُ فِيهَا الْحَالُ بَيْنَ الْجَهْلِ وَالْعِلْمِ وَشَمِلَ مَا إذَا نَوَى الْأُمِّيُّ إمَامَةَ الْقَارِئِ أَوْ لَمْ يَنْوِ؛ لِأَنَّ الْوَجْهَ الْمَذْكُورَ وَهُوَ تَرْكُ الْفَرْضِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ بَعْدَ ظُهُورِ الرَّغْبَةِ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ يُوجِبُ الْفَسَادَ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ وَدَلَّ كَلَامُهُ عَلَى أَنَّ الْقَارِئَ وَالْأَخْرَسَ إذَا اقْتَدَيَا بِالْأَخْرَسِ فَهُوَ كَذَلِكَ بِالْأَوْلَى لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ شُرُوعُ الْقَارِئِ اتِّفَاقًا لِعَدَمِ الِاسْتِوَاءِ فِي التَّحْرِيمَةِ، وَفِي الْمُجْتَبَى لَوْ أَمَّ مَنْ يَقْرَأُ بِالْفَارِسِيَّةِ وَهُوَ لَا يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ الْقَارِئِينَ جَازَ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا، وَالْأَخْرَسُ إذَا أَمَّ خُرْسَانًا جَازَتْ صَلَاتُهُمْ بِالِاتِّفَاقِ، وَفِي إمَامَةِ الْأَخْرَسِ الْأُمِّيَّ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ اهـ فَالْحَاصِلُ أَنَّ إمَامَةَ الْإِنْسَانِ لِمُمَاثِلِهِ صَحِيحَةٌ إلَّا إمَامَةَ الْمُسْتَحَاضَةِ وَالضَّالَّةِ وَالْخُنْثَى الْمُشْكِلِ لِمِثْلِهِ غَيْرُ صَحِيحَةٍ وَلِمَنْ دُونَهُ صَحِيحَةٌ مُطْلَقًا وَلِمَنْ فَوْقَهُ لَا تَصِحُّ مُطْلَقًا، وَأَمَّا فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ فَهُوَ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ لِتَأَدِّي فَرْضِ الْقِرَاءَةِ وَلَنَا أَنَّ كُلَّ رَكْعَةٍ صَلَاةٌ فَلَا تَخْلُو عَنْ الْقِرَاءَةِ إمَّا تَحْقِيقًا أَوْ تَقْدِيرًا وَلَا تَقْدِيرَ فِي حَقِّ الْأُمِّيِّ لِانْعِدَامِ الْأَهْلِيَّةِ فَقَدْ اسْتَحْلَفَ مَنْ لَا يَصْلُحُ لِلْإِمَامَةِ فَفَسَدَتْ صَلَاتُهُمْ. أَمَّا صَلَاةُ الْإِمَامِ فَلِأَنَّهُ عَمَلٌ كَثِيرٌ وَصَلَاةُ الْقَوْمِ مَبْنِيَّةٌ عَلَيْهَا، وَشَمِلَ كَلَامُهُ مَا إذَا قَدَّمَهُ فِي التَّشَهُّدِ أَيْ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْهُ أَمَّا لَوْ اسْتَخْلَفَهُ بَعْدَهُ فَهُوَ صَحِيحٌ بِالْإِجْمَاعِ لِخُرُوجِهِ مِنْ الصَّلَاةِ بِصُنْعِهِ وَقِيلَ تَفْسُدُ صَلَاتُهُمْ عِنْدَهُ لَا عِنْدَهُمَا وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ. كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَإِنَّمَا اعْتَبَرَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي مَسَائِلِ الْأُمِّيِّ قُدْرَةَ الْغَيْرِ مَعَ أَنَّ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّ الْقَادِرَ بِقُدْرَةِ غَيْرِهِ لَيْسَ بِقَادِرٍ؛ لِأَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا تَعَلَّقَ بِاخْتِيَارِ ذَلِكَ الْغَيْرِ أَمَّا هُنَا الْأُمِّيُّ قَادِرٌ عَلَى الِاقْتِدَاءِ بِالْقَارِئِ مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارِ الْقَارِئِ فَيُنَزَّلُ قَادِرًا عَلَى الْقِرَاءَةِ، وَلِهَذَا قَالُوا لَوْ تَحَرَّمَ نَاوِيًا أَنْ يَؤُمَّ أَحَدًا فَائْتَمَّ بِهِ رَجُلٌ صَحَّ اقْتِدَاؤُهُ، وَفِي الْمُغْرِبِ الْأُمِّيُّ فِي اللُّغَةِ مَنْسُوبٌ إلَى أُمَّةِ الْعَرَبِ وَهِيَ لَمْ تَكُنْ تَكْتُبُ وَلَا تَقْرَأُ فَاسْتُعِيرَ لِكُلِّ مَنْ لَا يَعْرِفُ الْكِتَابَةَ وَالْقِرَاءَةَ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْأُمِّيُّ يَجِبُ عَلَيْهِ كُلُّ الِاجْتِهَادِ فِي تَعَلُّمِ مَا تَصِحُّ بِهِ الصَّلَاةُ، ثُمَّ فِي الْقَدْرِ الْوَاجِبِ وَإِلَّا فَهُوَ آثِمٌ وَقَدَّمْنَا نَحْوَهُ فِي إخْرَاجِ الْحَرْفِ الَّذِي يَقْدِرُ عَلَى إخْرَاجِهِ وَسُئِلَ ظَهِيرُ الدِّينِ عَنْ الْقِيَامِ هَلْ يَتَقَدَّرُ بِالْقِرَاءَةِ فَقَالَ لَا، وَكَذَلِكَ ذُكِرَ فِي اللَّاحِقِ فِي الشَّافِي اهـ. أَيْ فِي الْكِتَابِ الْمُسَمَّى بِالشَّافِي لِلْبَيْهَقِيِّ، وَفِي الْخُلَاصَةِ وَإِمَامَةُ الْأَلْثَغِ لِغَيْرِهِ ذَكَرَ الْفُضَيْلِيُّ أَنَّهَا جَائِزَةٌ وَصَحَّحَ فِي الْمُجْتَبَى عَدَمَ الْجَوَازِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (بَابُ الْحَدَثِ فِي الصَّلَاةِ) ثَابِتٌ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ مِنْ الْعَوَارِضِ وَهُوَ لَيْسَ بِمُفْسِدٍ فِي كُلِّ الْأَحْوَالِ فَقَدَّمَهُ عَلَى مَا يُفْسِدُهَا وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْحَدَثَ مَانِعِيَّةٌ شَرْعِيَّةٌ قَائِمَةٌ بِالْأَعْضَاءِ إلَى غَايَةِ اسْتِعْمَالِ الْمُزِيلِ. (قَوْلُهُ وَمَنْ سَبَقَهُ حَدَثٌ تَوَضَّأَ وَبَنَى) وَالْقِيَاسُ فَسَادُهَا؛ لِأَنَّ الْحَدَثَ يُنَافِيهَا وَالْمَشْيُ وَالِانْحِرَافُ يُفْسِدَانِهَا فَأَشْبَهَ الْحَدَثُ الْعَمْدَ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ قَاءَ أَوْ رَعَفَ أَوْ أَمْذَى فَلْيَنْصَرِفْ وَلْيَتَوَضَّأْ وَلْيَبْنِ عَلَى صَلَاتِهِ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ» وَلَا نِزَاعَ فِي صِحَّتِهِ مُرْسَلًا وَهُوَ حُجَّةٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَمَذْهَبُنَا ثَابِتٌ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَكَفَى بِهِمْ قُدْوَةً فَوَجَبَ تَرْكُ الْقِيَاسِ بِهِ وَالْبَلْوَى فِيمَا يَسْبِقُ دُونَ مَا يَتَعَمَّدُهُ فَلَا يَلْحَقُ بِهِ، ثُمَّ لِجَوَازِ الْبِنَاءِ شُرُوطٌ: الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ الْحَدَثُ سَمَاوِيًّا وَهُوَ الْمُرَادُ بِالسَّبْقِ وَهُوَ مَا لَا اخْتِيَارَ لِلْعَبْدِ   [منحة الخالق] قَالَ فِي الشرنبلالية فِيهِ مُخَالَفَةٌ فِي الْهِدَايَةِ مِنْ التَّصْحِيحِ اهـ. أَيْ لِأَنَّ تَعْلِيلَ الْهِدَايَةِ يَقْتَضِي الصِّحَّةَ مَعَ أَنَّهُ ظَاهِرُ الْإِطْلَاقِ، وَقَدْ أَشَارَ إلَى الْمُخَالَفَةِ فِي الْفَتْحِ وَحَرَّرْنَا الْمَقَامَ فِيمَا عَلَّقْنَاهُ عَلَى شَرْحِ التَّنْوِيرِ فَرَاجِعْهُ. [بَابُ الْحَدَثِ فِي الصَّلَاةِ] (قَوْلُهُ مَانِعِيَّةٌ شَرْعِيَّةٌ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ هَذَا تَعْرِيفٌ بِالْحُكْمِ وَعَرَّفَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِأَنَّهُ وَصْفٌ شَرْعِيٌّ يَحِلُّ فِي الْأَعْضَاءِ يُزِيلُ الطَّهَارَةَ. قَالَ وَحُكْمُهُ الْمَانِعِيَّةُ لِمَا جُعِلَتْ الطَّهَارَةُ شَرْطًا لَهُ وَهُوَ الْمَنْوِيُّ رَفْعُهُ عِنْدَ الْوُضُوءِ دُونَ الْمَعْذُورِ وَالْمُتَيَمِّمِ. (قَوْلُ الْمُصَنِّفُ مَنْ سَبَقَهُ حَدَثٌ تَوَضَّأَ وَبَنَى) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَقُولُ: يَعْنِي تَوَضَّأَ عِنْدَ وُجُودِ الْمَاءِ وَقُدْرَتِهِ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ تَيَمَّمَ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِهِ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ أَوْ عِيدَ وَلَوْ بِنَاءً، وَإِنَّمَا لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ لِلْعِلْمِ بِهِ مِنْهُ وَمِنْ إطْلَاقِ قَوْلِهِ فِيهِ تَيَمَّمَ لِبُعْدِهِ مِيلًا إلَخْ اهـ. أَقُولُ: وَفِي الذَّخِيرَةِ سُئِلَ الْقَاضِي الْإِمَامُ مَحْمُودٌ الْأُوزْجَنْدِيُّ عَمَّنْ أَحْدَثَ فِي صَلَاتِهِ فَذَهَبَ لِيَتَوَضَّأَ فَلَمْ يَجِدْ الْمَاءَ فَتَيَمَّمَ وَانْصَرَفَ ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ هَلْ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ قَالَ لَا. قِيلَ لِلذَّهَابِ وَالْمَجِيءِ حُكْمُ الصَّلَاةِ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لَمْ يَزِدْ شَيْئًا فِي الصَّلَاةِ. قِيلَ لِمَ لَا تَفْسُدُ بِالضَّرْبَةِ لِلتَّيَمُّمِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ قَالَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ كَانَ مُفِيدًا اهـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 389 فِيهِ وَلَا فِي سَبَبِهِ فَلَا يَبْنِي بِشَجَّةٍ وَعَضَّةٍ، وَلَوْ مِنْهُ لِنَفْسِهِ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا وَقَعَتْ طُوبَةٌ مِنْ سَطْحٍ أَوْ سَفَرْجَلَةٌ مِنْ شَجَرٍ أَوْ تَعَثَّرَ فِي شَيْءٍ مَوْضُوعٍ فِي الْمَسْجِدِ فَأَدْمَاهُ وَصَحَّحُوا عَدَمَ الْبِنَاءِ فِيمَا إذَا سَبَقَهُ الْحَدَثُ مِنْ عُطَاسِهِ أَوْ تَنَحْنُحِهِ، وَلَوْ سَقَطَ مِنْ الْمَرْأَةِ كُرْسُفُهَا مَبْلُولًا بِغَيْرِ صُنْعِهَا بَنَتْ وَبِتَحْرِيكِهَا لَا تَبْنِ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا. الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْحَدَثُ مُوجِبًا لِلْوُضُوءِ فَلَا يَبْنِي مَنْ نَامَ فَاحْتَلَمَ فِي الصَّلَاةِ وَلَا مَنْ أَصَابَتْهُ نَجَاسَةٌ مَانِعَةٌ مِنْ الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ سَبْقِ حَدَثٍ سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ بَدَنِهِ أَوْ مِنْ خَارِجٍ. الثَّالِثُ: أَنْ لَا يَكُونَ الْحَدَثُ يَنْدُرُ وُجُودُهُ فَلَا يَبْنِي بِإِغْمَاءٍ وَقَهْقَهَةٍ وَهَذَا وَالثَّانِي سَيُصَرِّحُ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَإِدْخَالُ الْكَلَامِ هُنَا كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مَعَ أَنَّ الْكَلَامَ مُفْسِدٌ لَا حَدَثٌ لِكَوْنِ شَرْطِهِ أَنْ لَا يَأْتِيَ بِمُنَافٍ بَعْدَهُ. الرَّابِعُ: أَنْ لَا يَفْعَلَ فِعْلًا لَهُ مِنْهُ بُدٌّ فَلَوْ فَعَلَهُ اسْتَقْبَلَ كَمَا لَوْ اسْتَقَى الْمَاءَ مِنْ الْبِئْرِ عَلَى الْمُخْتَارِ أَوْ كَانَ دَلْوُهُ مُتَخَرِّقًا فَخَرَزَهُ، وَكَذَا لَوْ وَجَدَ مَاءً لِلْوُضُوءِ فَذَهَبَ إلَى مَاءٍ أَبْعَدَ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرِ النِّسْيَانِ وَنَحْوِهِ إلَّا إذَا كَانَ الْمَاءُ الْقَرِيبُ فِي بِئْرٍ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَإِلَّا إذَا كَانَ قَلِيلًا قَدْرَ صَفَّيْنِ كَمَا إذَا وَجَدَ مَشْرَعَةً مِنْ الْمَاءِ فَتَرَكَهَا وَذَهَبَ إلَى أُخْرَى بِجَنْبِهَا فَإِنَّهُ يَبْنِي، وَكَذَا لَوْ رَدَّ الْبَابَ عَلَيْهِ بِالْيَدَيْنِ لَا لِقَصْدِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ فَلَوْ كَانَ لَهُ لَا تَفْسُدُ أَوْ بِيَدٍ وَاحِدَةٍ لَا تَفْسُدُ مُطْلَقًا، وَكَذَا لَوْ حَمَلَ آنِيَةً لِغَيْرِ حَاجَةٍ بِيَدَيْهِ فَلَوْ كَانَ لِحَاجَةٍ لَا تَفْسُدُ مُطْلَقًا أَوْ بِيَدٍ وَاحِدَةٍ لَا تَفْسُدُ مُطْلَقًا، وَكَذَا لَوْ تَوَضَّأَ وَرَجَعَ، ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّهُ نَسِيَ شَيْئًا فَذَهَبَ وَأَخَذَهُ فَسَدَتْ، وَلَوْ كَشَفَ عَوْرَتَهُ لِلِاسْتِنْجَاءِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَكَذَا إذَا كَشَفَتْ الْمَرْأَةُ ذِرَاعَيْهَا لِلْوُضُوءِ وَهُوَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَلَوْ مِنْهُ لِنَفْسِهِ) كَذَا فِي الْفَتْحِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْأَوْلَى وَلَوْ مِنْ غَيْرِهِ لَهُ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا وَقَعَتْ طُوبَةٌ إلَخْ) ، وَكَذَا إذَا مَسَّ قُرُوحَهُ شَيْءٌ فَسَالَتْ أَوْ دَخَلَ الشَّوْكُ رِجْلَهُ أَوْ جَبْهَتَهُ فَسَالَ مِنْهَا الدَّمُ أَوْ رَمَاهُ إنْسَانٌ بِحَجَرٍ فَشَجَّهُ فَفِي هَذَا كُلِّهِ يَسْتَأْنِفُ عِنْدَهُمَا وَلَا يَبْنِي وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَبْنِي كَمَا فِي السِّرَاجِ، وَنَحْوُهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَفِي الْمُحِيطِ وَإِنْ أَصَابَ الْمُصَلِّي حَدَثٌ بِغَيْرِ فِعْلِهِ بِأَنْ شَجَّهُ إنْسَانٌ اسْتَقْبَلَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَبْنِي، وَقَالَ النَّاطِفِيُّ فِي هِدَايَتِهِ رَأَيْت فِي صَلَاةِ الْأَثَرِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الرَّجُلِ تُصِيبُهُ بُنْدُقَةٌ أَوْ حَجَرٌ فِي صَلَاتِهِ فَشَجَّهُ فَغَسَلَهُ يَبْنِي فَصَارَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ إسْمَاعِيلُ قَالَ الرَّمْلِيُّ، وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُحِيطِ. وَلَوْ سَقَطَ مِنْ السَّطْحِ مَدَرٌ فَشَجَّ رَأْسَهُ إنْ كَانَ بِمُرُورِ الْمَارِّ فَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ وَإِنْ كَانَ لَا بِمُرُورِ الْمَارِّ فَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ قَالَ يَبْنِي بِلَا خِلَافٍ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ عَلَى الْخِلَافِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ اهـ. أَقُولُ: عُلِمَ بِهِ أَنَّ الصَّحِيحَ عَدَمُ الْبِنَاءِ مُطْلَقًا وَأَقُولُ: يُقَاسُ عَلَيْهِ وُقُوعُ السَّفَرْجَلَةِ، فَإِنْ كَانَ بِهَزِّهَا فَعَلَى الْخِلَافِ وَإِلَّا فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَبْنِي بِلَا خِلَافٍ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ (قَوْلُهُ وَصَحَّحُوا عَدَمَ الْبِنَاءِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ ذُكِرَ فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي لِلْحَلَبِيِّ مَسْأَلَةُ الْعُطَاسِ وَالتَّنَحْنُحِ وَالْخِلَافُ فِيهَا ثُمَّ قَالَ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَبْنِي يَعْنِي فِي مَسْأَلَةِ الْعُطَاسِ لِكَوْنِهِ سَمَاوِيًّا وَإِنْ أَحْدَثَ بِتَنَحْنُحِهِ فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَبْنِي. (قَوْلُهُ وَإِدْخَالُ الْكَلَامِ هُنَا إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا وَقَعَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ حَيْثُ ذَكَرَ الْكَلَامَ وَالْقَهْقَهَةَ فِي هَذَا الْمَحِلِّ فَقَالَ وَلَا يَبْنِي لِقَهْقَهَةٍ وَكَلَامٍ وَاحْتِلَامٍ فَإِنَّ كَلَامَنَا فِي الْحَدَثِ وَالْكَلَامُ مُفْسِدٌ لَا حَدَثٌ لَكِنَّهُ ذَكَرَهُ مَعَ الْقَهْقَهَةِ لِكَوْنِ مِنْ شُرُوطِ الْبِنَاءِ أَيْضًا أَنْ لَا يَأْتِيَ بِمُنَافٍ بَعْدَ الْحَدَثِ فَلِذَا ذَكَرَهُ هُنَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ كَمَا فَعَلَ الْمُؤَلِّفُ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ أَوَّلًا أَنَّ شَرْطَ الْبِنَاءِ كَوْنُهُ حَدَثًا سَمَاوِيًّا مِنْ الْبَدَنِ غَيْرَ مُوجِبٍ لِلْغُسْلِ لَا اخْتِيَارَ لَهُ فِيهِ وَلَا فِي سَبَبِهِ وَلَمْ يُوجَدْ بَعْدَهُ مُنَافٍ لَهُ مِنْهُ بُدٌّ ثُمَّ أَخَذَ الْمُحْتَرَزَاتِ فَقَالَ فَلَا يَبْنِي بِشَجَّةٍ وَعَضَّةٍ إلَى أَنْ قَالَ وَلَا لِقَهْقَهَةٍ وَكَلَامٍ وَاحْتِلَامٍ، فَلَيْسَ فِي كَلَامِهِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ الْكَلَامَ وَمَا مَعَهُ مِنْ وَادٍ وَاحِدٍ بَلْ ذَكَرَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا لِلِاحْتِرَازِ وَلِبَيَانِ فَائِدَةِ الْقُيُودِ السَّابِقَةِ (قَوْلُهُ كَمَا لَوْ اسْتَقَى) الْمُنَاسِبُ ذِكْرُ هَذِهِ الصُّورَةِ وَاَلَّتِي بَعْدَهَا تَحْتَ الشَّرْطِ الْخَامِسِ كَمَا لَا يَخْفَى قَالَ فِي السِّرَاجِ مِنْ شُرُوطِ جَوَازِ الْبِنَاءِ أَنْ لَا يَفْعَلَ فِعْلًا يُنَافِي الصَّلَاةَ مِنْ الْكَلَامِ وَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالِاسْتِقَاءِ مِنْ الْبِئْرِ وَفِي الْمَرْغِينَانِيِّ لَهُ أَنْ يَسْتَقِيَ مِنْ الْبِئْرِ وَيَبْنِيَ إذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَاءٌ آخَرُ، وَقَالَ الْكَرْخِيُّ لَا يَبْنِي مَعَ الِاسْتِقَاءِ مِنْ الْبِئْرِ اهـ. وَفِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَلَوْ كَانَ الْمَاءُ بَعِيدًا وَبِقُرْبِهِ بِئْرُ مَاءٍ يَتْرُكُ الْبِئْرَ؛ لِأَنَّ النَّزْعَ يَمْنَعُ الْبِنَاءَ عَلَى الْمُخْتَارِ وَقِيلَ لَا يَمْنَعُ إنْ عَدِمَ غَيْرَهُ. اهـ. وَإِنَّمَا كَانَ الْمُنَاسِبُ مَا قُلْنَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ حُمِلَ كَلَامُ الْمُؤَلِّفِ عَلَى مَا إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى غَيْرِهِ كَمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ آخِرُ عِبَارَتِهِ اقْتَضَى بِمَفْهُومِهِ جَوَازَ الِاسْتِقَاءِ إنْ لَمْ يَكُنْ قَادِرًا عَلَى غَيْرِهِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ عِبَارَةِ السِّرَاجِ حَيْثُ جَعَلَهُ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَمُخَالِفٌ لِمَا هُوَ الْمُخْتَارُ مِنْ الْمَنْعِ مُطْلَقًا كَمَا عَلِمْت وَإِنْ لَمْ يُحْمَلْ عَلَى ذَلِكَ فَلَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ اخْتَارَ خِلَافَ مَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَهُوَ مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمَرْغِينَانِيِّ (قَوْلُهُ لَا لِقَصْدِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ) كَأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى جَوَازِ كَشْفِ الْعَوْرَةِ وَسَيَأْتِي أَنَّهَا تُبْطِلُ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ (قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا كَشَفَتْ الْمَرْأَةُ ذِرَاعَيْهَا) قَالَ الرَّمْلِيُّ هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا فِي السِّرَاجِيَّةِ فَإِنَّهُ قَالَ الْمَرْأَةُ إذَا سَبَقَهَا الْحَدَثُ فَكَشَفَتْ ذِرَاعَيْهَا عِنْدَ غَسْلِ الْيَدَيْنِ جَازَ لَهَا الْبِنَاءُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ الْمُخْتَارُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 390 الصَّحِيحُ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ عَنْ أَبِي عَلِيٍّ النَّسَفِيِّ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَجِدْ بُدًّا مِنْهُ لَمْ تَفْسُدْ، وَكَذَا الْمَرْأَةُ إذَا احْتَاجَتْ إلَى الْبِنَاءِ لَهَا أَنْ تَكْشِفَ عَوْرَتَهَا وَأَعْضَاءَهَا فِي الْوُضُوءِ وَتَغْسِلَ إذَا لَمْ تَجِدْ بُدًّا مِنْ ذَلِكَ. اهـ. وَيَتَوَضَّأُ مَنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ ثَلَاثًا ثَلَاثًا وَيَسْتَوْعِبُ رَأْسَهُ بِالْمَسْحِ وَيَتَمَضْمَضُ وَيَسْتَنْشِقُ وَيَأْتِي بِسَائِرَ السُّنَنِ وَقِيلَ يَتَوَضَّأُ مَرَّةً مَرَّةً، وَإِنْ زَادَ فَسَدَتْ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ يَقُومُ بِالْكُلِّ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَلَوْ غَسَلَ نَجَاسَةً مَانِعَةً أَصَابَتْهُ، فَإِنْ كَانَ مِنْ سَبْقِ الْحَدَثِ بَنَى، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ خَارِجٍ لَا يَبْنِي، وَإِنْ كَانَتْ مِنْهُمَا لَا يَبْنِي، وَلَوْ أَلْقَى الثَّوْبَ الْمُتَنَجِّسَ مِنْ غَيْرِ حَدَثِهِ وَعَلَيْهِ غَيْرُهُ مِنْ الثِّيَابِ أَجْزَأَهُ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ. الْخَامِسُ: أَنْ لَا يَأْتِيَ بِمُنَافٍ لِلصَّلَاةِ فَلَوْ تَكَلَّمَ بِكَلَامِ النَّاسِ بَعْدَ الْحَدَثِ فَسَدَتْ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ طَلَبَ الْمَاءَ بِالْإِشَارَةِ أَوْ اشْتَرَاهُ بِالتَّعَاطِي فَسَدَتْ. السَّادِسُ: أَنْ يَنْصَرِفَ مِنْ سَاعَتِهِ فَلَوْ مَكَثَ قَدْرَ أَدَاءِ رُكْنٍ بِغَيْرِ عُذْرٍ فَسَدَتْ، وَلَوْ كَانَ لِعُذْرٍ فَلَا كَمَا لَوْ أَحْدَثَ بِالنَّوْمِ وَمَكَثَ سَاعَةً، ثُمَّ انْتَبَهَ فَإِنَّهُ يَبْنِي أَوْ مَكَثَ لِعُذْرِ الزَّحْمَةِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَفِي الْمُنْتَقَى إنْ لَمْ يَنْوِ بِمَقَامِهِ الصَّلَاةَ لَا تَفْسُدُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤَدِّ جُزْءًا مِنْ الصَّلَاةِ مَعَ الْحَدَثِ قُلْنَا هُوَ فِي حُرْمَتِهَا فَمَا وُجِدَ مِنْهُ صَالِحًا لِكَوْنِهِ جُزْءًا مِنْهَا انْصَرَفَ إلَى ذَلِكَ غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِالْقَصْدِ إذَا كَانَ غَيْرَ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ أَخَذَهُ الرُّعَافُ وَلَمْ يَنْقَطِعْ يَمْكُثُ إلَى أَنْ يَنْقَطِعَ، ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وَيَبْنِي. السَّابِعُ: أَنْ لَا يُؤَدِّيَ رُكْنًا مَعَ الْحَدَثِ فَلَوْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ فِي سُجُودِهِ فَرَفَعَ رَأْسَهُ قَاصِدًا الْأَدَاءَ اسْتَقْبَلَ، وَكَذَا لَوْ قَرَأَ فِي ذَهَابِهِ لَا إنْ سَبَّحَ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْأَجْزَاءِ، وَفِي الْمُجْتَبَى أَحْدَثَ فِي رُكُوعِهِ أَوْ فِي سُجُودِهِ لَا يَرْفَعُ مُسْتَوِيًا فَتَفْسُدُ صَلَاتُهُ بَلْ يَتَأَخَّرُ مُحْدَوْدِبًا، ثُمَّ يَنْصَرِفُ اهـ وَظَاهِرُهُ عَدَمُ اشْتِرَاطِ قَصْدِ الْأَدَاءِ. الثَّامِنُ: أَنْ لَا يُؤَدِّيَ رُكْنًا مَعَ الْمَشْيِ فِي حَالَةِ الرُّجُوعِ فَلَوْ قَرَأَ بَعْدَ الْوُضُوءِ اسْتَقْبَلَ. التَّاسِعُ: أَنْ لَا يَظْهَرَ حَدَثُهُ السَّابِقُ بَعْدَ الْحَدَثِ السَّمَاوِيِّ فَلَوْ سَبَقَهُ حَدَثٌ فَذَهَبَ فَانْقَضَتْ مُدَّةُ مَسْحِهِ أَوْ كَانَ مُتَيَمِّمًا فَرَأَى الْمَاءَ أَوْ كَانَتْ مُسْتَحَاضَةً فَخَرَجَ الْوَقْتُ اسْتَقْبَلَ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا فِي الْمُحِيطِ. الْعَاشِرُ: إذَا كَانَ مُقْتَدِيًا أَنْ يَعُودَ إلَى الْإِمَامِ إنْ لَمْ يَكُنْ فَرَغَ الْإِمَامُ وَكَانَ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ يَمْنَعُ جَوَازَ الِاقْتِدَاءِ فَلَوْ كَانَ مُنْفَرِدًا خُيِّرَ بَيْنَ الْعَوْدِ وَالْإِتْمَامِ فِي مَكَانِ الْوُضُوءِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْأَفْضَلِ، وَلَوْ كَانَ مُقْتَدِيًا فَرَغَ إمَامُهُ فَلَا يَعُودُ فَلَوْ عَادَ اخْتَلَفُوا فِي فَسَادِ صَلَاتِهِ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا مَانِعٌ فَلَهُ الِاقْتِدَاءُ مِنْ مَكَانِهِ مِنْ غَيْرِ عَوْدٍ. الْحَادِيَ عَشَرَ: أَنْ لَا يَتَذَكَّرَ فَائِتَةً عَلَيْهِ بَعْدَ الْحَدَثِ السَّمَاوِيِّ وَهُوَ صَاحِبُ تَرْتِيبٍ. الثَّانِيَ عَشَرَ إذَا كَانَ إمَامًا لَا يَسْتَخْلِفُ مَنْ لَا يَصْلُحُ لِلْإِمَامَةِ فَلَوْ اسْتَخْلَفَ امْرَأَةً اسْتَقْبَلَ. (قَوْلُهُ وَاسْتَخْلَفَ لَوْ إمَامًا) مَعْطُوفٌ عَلَى تَوَضَّأَ أَيْ مَنْ سَبَقَهُ حَدَثٌ وَكَانَ إمَامًا فَإِنَّهُ يَسْتَخْلِفُ رَجُلًا مَكَانَهُ يَأْخُذُ بِثَوْبِ رَجُلٍ إلَى الْمِحْرَابِ أَوْ يُشِيرُ إلَيْهِ وَالسُّنَّةُ أَنْ يَفْعَلَهُ مُحْدَوْدِبَ الظَّهْرِ وَاضِعًا يَدَهُ فِي أَنْفِهِ يُوهِمُ أَنَّهُ قَدْ رَعَفَ لِيَنْقَطِعَ عَنْهُ كَلَامُ النَّاسِ، وَلَوْ تَكَلَّمَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُمْ، وَلَوْ تَرَكَ رُكُوعًا يُشِيرُ بِوَضْعِ يَدِهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ أَوْ سُجُودًا يُشِيرُ بِوَضْعِهَا عَلَى جَبْهَتِهِ أَوْ قِرَاءَةً يُشِيرُ بِوَضْعِهَا عَلَى فَمِهِ، وَإِنْ بَقِيَ عَلَيْهِ رَكْعَةٌ وَاحِدَةٌ يُشِيرُ بِأُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ، وَإِنْ كَانَ اثْنَيْنِ فَبِأُصْبُعَيْنِ هَذَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْخَلِيفَةُ ذَلِكَ أَمَّا إذَا عَلِمَ فَلَا حَاجَةَ إلَى ذَلِكَ وَلِسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ بِوَضْعِ أُصْبُعِهِ عَلَى الْجَبْهَةِ وَاللِّسَانِ وَلِلسَّهْوِ عَلَى صَدْرِهِ وَقِيلَ يُحَوِّلُ رَأْسَهُ يَمِينًا وَشِمَالًا كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ، ثُمَّ الِاسْتِخْلَافُ لَيْسَ بِمُتَعَيِّنٍ حَتَّى لَوْ كَانَ الْمَاءُ فِي الْمَسْجِدِ فَإِنَّهُ يَتَوَضَّأُ وَيَبْنِي وَلَا حَاجَةَ إلَى الِاسْتِخْلَافِ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْمَسْجِدِ فَالْأَفْضَلُ الِاسْتِخْلَافُ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُسْتَصْفَى بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَفْضَلَ لِلْإِمَامِ وَالْمُقْتَدِي الْبِنَاءُ صِيَانَةً لِلْجَمَاعَةِ وَلِلْمُنْفَرِدِ الِاسْتِقْبَالُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ عَنْ أَبِي عَلِيٍّ النَّسَفِيِّ إلَخْ) قَالَ قَاضِي خَانْ هُوَ الصَّحِيحُ وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا لَوْ كُشِفَتْ الْعَوْرَةَ فِي الصَّلَاةِ ابْتِدَاءً كَذَا فِي الشرنبلالية (قَوْلُهُ لَوْ طَلَبَ الْمَاءَ بِالْإِشَارَةِ) قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ صَرَّحَ بِهِ فِي الْخَانِيَّةِ وَالسِّرَاجِ اهـ. وَاسْتَشْكَلَهُ فِي الشرنبلالية بِمَسْأَلَةِ دَرْءِ الْمَارِّ بِالْإِشَارَةِ وَبِمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ عَنْ الْغَايَةِ طُلِبَ مِنْ الْمُصَلِّي شَيْءٌ فَأَشَارَ بِيَدِهِ أَوْ بِرَأْسِهِ بِنَعَمْ أَوْ بِلَا لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ، وَكَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا ثُمَّ قَالَ نُقِلَ فِي الْبَحْرِ عَنْ شَرْحِ الْمَجْمَعِ أَنَّهُ لَوْ رَدَّ السَّلَامَ بِيَدِهِ فَسَدَتْ قَالَ وَالْحَقُّ مَا ذَكَرَهُ الْحَلَبِيُّ أَنَّ الْفَسَادَ لَيْسَ بِثَابِتٍ فِي الْمَذْهَبِ، وَإِنَّمَا اسْتَنْبَطَهُ بَعْضُهُمْ مِمَّا فِي الظَّهِيرِيَّةِ صَافَحَ الْمُصَلِّي إنْسَانًا بِنِيَّةِ السَّلَامِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ قَالَ فَعَلَى هَذَا تَفْسُدُ أَيْضًا إذَا رَدَّ بِالْإِشَارَةِ إلَى آخِرِ مَا سَيَذْكُرُهُ الْمُؤَلِّفُ مِنْ تَرْجِيحِ عَدَمِ الْفَسَادِ بِالْإِشَارَةِ قَالَ فِي الشرنبلالية فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ عَدَمُ فَسَادِ الصَّلَاةِ بِطَلَبِ الْمَاءِ بِالْإِشَارَةِ كَرَدِّ السَّلَامِ وَغَيْرِهِ بِالْإِشَارَةِ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ قَرَأَ فِي ذَهَابِهِ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَسْتَقْبِلُ بِالْقِرَاءَةِ وَلَوْ كَانَ سَبَقَ الْحَدَثُ فِي غَيْرِ حَالَةِ الْقِيَامِ مَعَ أَنَّ الْقِرَاءَةَ لَا تَكُونُ رُكْنًا إلَّا فِي الْقِيَامِ ثُمَّ رَأَيْت فِي الْمِعْرَاجِ قَالَ وَفِي الْمُجْتَبَى أَحْدَثَ فِي قِيَامِهِ فَسَبَّحَ ذَاهِبًا أَوْ جَائِيًا لَمْ تَفْسُدْ وَلَوْ قَرَأَ فَسَدَتْ وَقِيلَ إنَّمَا تَفْسُدُ إذَا قَرَأَ ذَاهِبًا وَقِيلَ عَلَى الْعَكْسِ، وَالْمُخْتَارُ مَا قُلْنَا وَلَوْ أَحْدَثَ فِي رُكُوعِهِ أَوْ سُجُودِهِ لَا تَفْسُدُ بِالْقِرَاءَةِ اهـ. . [سَبَقَهُ حَدَثٌ وَكَانَ إمَامًا فِي الصَّلَاة] (قَوْلُهُ صِيَانَةً لِلْجَمَاعَةِ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَقَيَّدَهُ فِي السِّرَاجِ بِمَا إذَا كَانَ لَا يَجِدُ جَمَاعَةً أُخْرَى وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقِيلَ إذَا كَانَ فِي الْوَقْتِ سَعَةٌ وَيَنْبَغِي وُجُوبُهُ عِنْدَ الضِّيقِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 391 تَحَرُّزًا عَنْ الْخِلَافِ وَصَحَّحَهُ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُتُونِ أَنَّ الِاسْتِئْنَافَ أَفْضَلُ فِي حَقِّ الْكُلِّ فَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِابْنِ الْمَلَكِ مِنْ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ الِاسْتِخْلَافُ صِيَانَةً لِصَلَاةِ الْقَوْمِ فَفِيهِ نَظَرٌ وَإِذَا اسْتَخْلَفَ لَا يَخْرُجُ الْإِمَامُ عَنْ الْإِمَامَةِ بِمُجَرَّدِهِ، وَلِهَذَا لَوْ اقْتَدَى بِهِ إنْسَانٌ مِنْ سَاعَتِهِ قَبْلَ الْوُضُوءِ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ، وَلِهَذَا قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالْخَانِيَّةِ إنَّ الْإِمَامَ لَوْ تَوَضَّأَ فِي الْمَسْجِدِ وَخَلِيفَتُهُ قَائِمٌ فِي الْمِحْرَابِ وَلَمْ يُؤَدِّ رُكْنًا فَإِنَّهُ يَتَأَخَّرُ الْخَلِيفَةُ وَيَتَقَدَّمُ الْإِمَامُ وَلَوْ خَرَجَ الْإِمَامُ الْأَوَّلُ مِنْ الْمَسْجِدِ وَتَوَضَّأَ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى الْمَسْجِدِ وَخَلِيفَتُهُ لَمْ يُؤَدِّ رُكْنًا فَالْإِمَامُ هُوَ الثَّانِي، ثُمَّ الِاسْتِخْلَافُ حَقِيقِيٌّ وَحُكْمِيٌّ فَالْأَوَّلُ ظَاهِرٌ وَالثَّانِي أَنْ يَتَقَدَّمَ رَجُلٌ وَاحِدٌ مِنْ الْقَوْمِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ الْإِمَامُ مِنْ الْمَسْجِدِ فَإِنَّ صَلَاتَهُمْ جَائِزَةٌ، وَلَوْ تَقَدَّمَ رَجُلَانِ فَأَيُّهُمَا سَبَقَ إلَى مَكَانِ الْإِمَامِ فَهُوَ أَوْلَى، وَلَوْ قَدَّمَ الْإِمَامُ رَجُلًا وَالْقَوْمُ رَجُلًا فَمَنْ قَدَّمَهُ الْإِمَامُ فَهُوَ أَوْلَى، وَإِنْ نَوَيَا مَعًا الْإِمَامَةَ جَازَ صَلَاةُ الْمُقْتَدِي بِخَلِيفَةِ الْإِمَامِ وَفَسَدَتْ عَلَى الْمُقْتَدِي بِخَلِيفَةِ الْقَوْمِ، وَإِنْ تَقَدَّمَ أَحَدُهُمَا إنْ كَانَ خَلِيفَةَ الْإِمَامِ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ خَلِيفَةَ الْقَوْمِ فَاقْتَدَوْا بِهِ ثُمَّ نَوَى الْآخَرُ فَاقْتَدَى بِهِ الْبَعْضُ جَازَ صَلَاةُ الْأَوَّلِينَ دُونَ الْآخَرِينَ، وَلَوْ قَدَّمَ بَعْضُ الْقَوْمِ رَجُلًا وَالْبَعْضُ رَجُلًا فَالْعِبْرَةُ لِلْأَكْثَرِ، وَلَوْ اسْتَوَيَا فَسَدَتْ صَلَاتُهُمْ، وَلَوْ اسْتَخْلَفَ الْإِمَامُ مِنْ آخِرِ الصُّفُوفِ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ إنْ نَوَى الْخَلِيفَةُ الْإِمَامَةَ مِنْ سَاعَتِهِ صَارَ إمَامًا فَتَفْسُدُ صَلَاةُ مَنْ كَانَ مُتَقَدِّمَهُ دُونَ صَلَاتِهِ وَصَلَاةَ الْإِمَامِ الْأَوَّلِ وَمَنْ عَلَى يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ فِي صَفِّهِ وَمَنْ خَلْفَهُ وَإِنْ نَوَى أَنْ يَكُونَ إمَامًا إذَا قَامَ مَقَامَ الْأَوَّلِ وَخَرَجَ الْأَوَّلُ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ الْخَلِيفَةُ إلَى مَكَانِهِ أَوْ قَبْلَ أَنْ يَنْوِيَ الْإِمَامَةَ فَسَدَتْ صَلَاتُهُمْ، وَشَرْطُ جَوَازِ صَلَاةِ الْخَلِيفَةِ وَالْقَوْمِ أَنْ يَصِلَ الْخَلِيفَةُ إلَى الْمِحْرَابِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ الْإِمَامُ عَنْ الْمَسْجِدِ وَلَمْ يُبَيِّنْ مُحَمَّدٌ حَالَ الْإِمَامِ، وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ صَلَاتَهُ فَاسِدَةٌ أَيْضًا، وَذَكَرَ أَبُو عِصْمَةَ أَنَّ صَلَاتَهُ لَا تَفْسُدُ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَلَوْ لَمْ يَسْتَخْلِفْ فِي الْمَسْجِدِ وَاسْتَخْلَفَ مِنْ الرَّحْبَةِ، وَفِيهَا قَوْمٌ جَازَتْ صَلَاةُ الْكُلِّ إذَا كَانَتْ الرَّحْبَةُ مُتَّصِلَةً بِالْمَسْجِدِ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَإِذَا اسْتَخْلَفَ الْإِمَامُ رَجُلًا فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ لِلْإِمَامَةِ إنْ قَامَ مَقَامَ الْأَوَّلِ حَتَّى لَوْ تَأَخَّرَ بَعْدَ التَّقَدُّمِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَإِذَا قَامَ الْخَلِيفَةُ مَقَامَهُ صَارَ الْأَوَّلُ مُقْتَدِيًا بِهِ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ أَوْ لَا حَتَّى لَوْ تَذَكَّرَ فَائِتَةً أَوْ تَكَلَّمَ لَمْ تَفْسُدْ صَلَاةُ الْقَوْمِ وَمُقْتَضَى مَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ مُقْتَدِيًا بِالْخَلِيفَةِ مَا دَامَ فِي الْمَسْجِدِ وَلِلْخَلِيفَةِ الِاسْتِخْلَافُ إذَا أَحْدَثَ فَلَوْ اسْتَخْلَفَ الْخَلِيفَةُ مِنْ غَيْرِ حَدَثٍ إنْ قَدَّمَهُ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ فِي مَكَانِ الْإِمَامَةِ وَالْإِمَامُ فِي الْمَسْجِدِ جَازَ، وَلَوْ تَذَكَّرَ الْخَلِيفَةُ أَنَّهُ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ فَقَدَّمَ آخَرَ وَلَمْ يُقِمْ فِي مَوْضِعِ الْإِمَامَةِ جَازَ إذَا كَانَ الْأَوَّلُ فِي الْمَسْجِدِ، وَلَوْ أَحْدَثَ الْخَلِيفَةُ بَعْدَ مَا قَامَ فِي مَوْضِعِ الْإِمَامَةِ فَانْصَرَفَ فَقَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ دَخَلَ الْأَوَّلُ مُتَوَضِّئًا فَقَدَّمَهُ جَازَ، وَلَوْ لَمْ يُقِمْ الْخَلِيفَةُ فِي مَوْضِعِ الْإِمَامَةِ حَتَّى أَحْدَثَ فَدَخَلَ الْأَوَّلُ فَقَدَّمَهُ لَمْ يَجُزْ وَالْمَسْأَلَةُ مُتَأَوَّلَةٌ وَتَأْوِيلُهَا إذَا كَانَ مَعَ الْإِمَامِ رَجُلٌ آخَرُ سِوَاهُ، وَلَوْ كَبَّرَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ فَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ إلَخْ) لَا يَخْفَى مَا فِيهِ عَلَى النِّيَّةِ فَإِنَّ كَلَامَ الْمُتُونِ فِي الِاسْتِئْنَافِ وَكَلَامَ شَرْحِ الْمَجْمَعِ فِي الِاسْتِخْلَافِ فَمَا أَفَادَهُ كَلَامُ الْمُتُونِ مِنْ أَنَّ الْأَفْضَلَ فِي حَقِّ الْإِمَامِ الِاسْتِئْنَافُ مَعْنَاهُ إذَا اسْتَخْلَفَ ثُمَّ تَوَضَّأَ فَالْأَفْضَلُ فِي حَقِّهِ أَنْ يَسْتَأْنِفَ صَلَاتَهُ وَلَا يَبْنِيَ عَلَى مَا صَلَّى فَلَا يُنَافِي كَوْنَ الِاسْتِخْلَافِ وَاجِبًا. نَعَمْ يُنَافِيهِ مَا نَقَلَهُ عَنْ الْمُسْتَصْفَى مِنْ أَنَّ الِاسْتِخْلَافَ أَفْضَلُ فَإِنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْهُ عَدَمُ وُجُوبِهِ وَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ إلَّا أَنْ يَضِيقَ الْوَقْتُ فَيَنْبَغِي الْوُجُوبُ لِئَلَّا تَفُوتَ الْجَمَاعَةُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أَوْ قَبْلَ أَنْ يَنْوِيَ الْإِمَامُ الْإِمَامَةَ) هَذَا رَاجِعٌ إلَى الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَهِيَ مَا إذَا نَوَى الْخَلِيفَةُ الْإِمَامَةَ مِنْ سَاعَتِهِ أَيْ لَمْ يَنْوِ تَأْخِيرَ نِيَّةِ الْإِمَامَةِ إلَى أَنْ يَصِلَ إلَى الْمِحْرَابِ وَالْأَوْلَى إسْقَاطُهُ؛ لِأَنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْ قَوْلِهِ مِنْ سَاعَتِهِ أَنَّهُ نَوَى حِينَ الِاسْتِخْلَافِ فَلَا يُتَصَوَّرُ خُرُوجُ الْإِمَامِ مِنْ الْمَسْجِدِ قَبْلَ أَنْ يَنْوِيَ الْخَلِيفَةُ الْإِمَامَةَ وَلِذَا لَمْ يَذْكُرْ قَوْلَهُ أَوْ قَبْلَ أَنْ يَنْوِيَ إلَخْ لَا فِي الذَّخِيرَةِ وَلَا فِي الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ وَشَرْطُ جَوَازِ صَلَاةِ الْخَلِيفَةِ وَالْقَوْمِ أَنْ يَصِلَ الْخَلِيفَةُ إلَى الْمِحْرَابِ إلَخْ) يَعْنِي أَوْ يَنْوِيَ الْخَلِيفَةُ الْإِمَامَةَ حِينَ الِاسْتِخْلَافِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ وَلَوْ اسْتَخْلَفَ الْإِمَامُ مِنْ آخِرِ الصُّفُوفِ إلَخْ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ بِقِيَامِهِ مَقَامَهُ يَصِيرُ إمَامًا وَإِنْ لَمْ يَنْوِ وَسَيَأْتِي الِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَكُونُ إمَامًا مَا لَمْ يَنْوِ الْإِمَامَةَ (قَوْلُهُ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ الْإِمَامُ عَنْ الْمَسْجِدِ) أَيْ أَوْ يُجَاوِزَ الصُّفُوفَ فِي الصَّحْرَاءِ (قَوْلُهُ وَمُقْتَضَى مَا قَدَّمْنَاهُ أَنْ لَا يَصِيرَ مُقْتَدِيًا إلَخْ) الَّذِي قَدَّمَهُ هُوَ قَوْلُهُ وَإِذَا اسْتَخْلَفَ لَا يَخْرُجُ الْإِمَامُ عَنْ الْإِمَامَةِ بِمُجَرَّدِهِ إلَخْ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ مَا دَامَ فِي الْمَسْجِدِ وَلَمْ يُؤَدِّ الْخَلِيفَةُ رُكْنًا يَبْقَى عَلَى إمَامَتِهِ لَكِنْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي النَّهْرِ بِأَنَّ مَا تَقَدَّمَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَقُمْ الْخَلِيفَةُ مَقَامَهُ نَاوِيًا الْإِمَامَةَ اهـ. لَكِنْ يُنَافِيهِ عِبَارَةُ الظَّهِيرِيَّةِ وَالْخَانِيَّةِ السَّابِقَةُ هُنَاكَ فَإِنَّ مُقْتَضَاهَا أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْ الْإِمَامَةِ مَا لَمْ يُؤَدِّ الْخَلِيفَةُ رُكْنًا وَإِنْ كَانَ قَائِمًا مَقَامَهُ نَاوِيًا الْإِمَامَةَ إلَّا أَنْ تُحْمَلَ تِلْكَ الْعِبَارَةُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَنْوِ الْخَلِيفَةُ الْإِمَامَةَ وَإِنْ كَانَ قَامَ مَقَامَهُ وَمَا هُنَا عَلَى مَا إذَا قَامَ مَقَامَهُ وَنَوَى الْإِمَامَةَ لِمَا فِي الدِّرَايَةِ اتَّفَقَتْ الرِّوَايَاتُ عَلَى أَنَّ الْخَلِيفَةَ لَا يَكُونُ إمَامًا مَا لَمْ يَنْوِ الْإِمَامَةَ (قَوْلُهُ لَمْ يَجُزْ) أَيْ لِخُلُوِّ مَقَامِ الْإِمَامِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 392 الْخَلِيفَةُ يَنْوِي الِاسْتِقْبَالَ جَازَتْ صَلَاةُ مَنْ اسْتَقْبَلَ وَفَسَدَتْ صَلَاةُ مَنْ لَمْ يَسْتَقْبِلْ، وَكَذَا صَلَاةُ الْإِمَامِ الْأَوَّلِ تَفْسُدُ إنْ بَنَى عَلَى صَلَاةِ نَفْسِهِ وَفِي الْخُلَاصَةِ، فَإِنْ نَوَى الثَّانِي بَعْدَ مَا تَقَدَّمَ إلَى الْمِحْرَابِ أَنْ لَا يَكُونَ خَلِيفَةً لِلْأَوَّلِ وَيُصَلِّيَ صَلَاةَ نَفْسِهِ لَمْ يُفْسِدْ ذَلِكَ صَلَاةَ مَنْ اقْتَدَى بِهِ، وَفِي الْمُجْتَبَى وَالْإِمَامُ الْمُحْدِثُ عَلَى إمَامَتِهِ مَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَسْجِدِ أَوْ يَقُومُ خَلِيفَتُهُ مَقَامَهُ أَوْ يَسْتَخْلِفُ الْقَوْمُ غَيْرَهُ أَوْ يَتَقَدَّمُ بِنَفْسِهِ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ رَجُلَانِ وَجَدَا فِي السَّفَرِ مَاءً قَلِيلًا فَقَالَ أَحَدُهُمَا هُوَ نَجِسٌ وَقَالَ الْآخَرُ هُوَ طَاهِرٌ فَتَوَضَّأَ أَحَدُهُمَا وَتَيَمَّمَ الْآخَرُ، ثُمَّ أَمَّهُمَا مَنْ تَوَضَّأَ بِمَاءٍ مُطْلَقٍ، ثُمَّ سَبَقَهُ الْحَدَثُ يُصَلِّي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُقْتَدِيَيْنِ وَحْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْتَدِيَ بِالْآخَرِ فَلَوْ رَجَعَ الْإِمَامُ بَعْدَ مَا تَوَضَّأَ يَقْتَدِي بِمَنْ يَظُنُّهُ طَاهِرًا اهـ. ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَخْرُجَ الْإِمَامُ مِنْ الْمَسْجِدِ أَوْ لَمْ يَخْرُجْ وَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ مِنْ الْمَسْجِدِ خَرَجَ عَنْ الْإِمَامَةِ وَلَمْ يَبْقَ لَهُمَا إمَامٌ، وَقَدْ صَرَّحُوا بِبُطْلَانِ صَلَاةِ الْمُقْتَدِي فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَلِذَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ رَجُلٌ أَمَّ رَجُلًا فَأَحْدَثَا مَعًا وَخَرَجَا مِنْ الْمَسْجِدِ فَصَلَاةُ الْإِمَامِ تَامَّةٌ وَصَلَاةُ الْمُقْتَدِي فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لَهُ إمَامٌ فِي الْمَسْجِدِ اهـ. فَبَقَاؤُهُمَا فِيهَا مِنْ غَيْرِ إمَامٍ مُشْكِلٌ إلَّا أَنْ يُقَالَ ذَلِكَ لِلضَّرُورَةِ إذْ لَا يُمْكِنُ اقْتِدَاءُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ؛ لِأَنَّ الْمُتَيَمِّمَ إنْ تَقَدَّمَ فَفِي اعْتِقَادِ الْمُتَوَضِّئِ أَنَّ تَيَمُّمَهُ بَاطِلٌ لِطَهَارَةِ الْمَاءِ عِنْدَهُ وَإِنْ تَقَدَّمَ الْمُتَوَضِّئُ فَفِي اعْتِقَادِ الْمُتَيَمِّمِ أَنَّهُ تَوَضَّأَ بِمَاءٍ نَجِسٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ، وَفِي الْمُجْتَبَى، وَفِي جَوَازِ الِاسْتِخْلَافِ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ. (قَوْلُهُ كَمَا لَوْ حَصِرَ عَنْ الْقِرَاءَةِ) أَيْ جَازَ لِمَنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ الِاسْتِخْلَافُ إذَا كَانَ إمَامًا كَمَا جَازَ لِلْإِمَامِ الِاسْتِخْلَافُ إذَا عَجَزَ عَنْ الْقِرَاءَةِ وَحَصِرَ بِوَزْنِ تَعِبَ فِعْلًا وَمَصْدَرًا الْعِيُّ وَضِيقُ الصَّدْرِ وَيُقَالُ حَصِرَ يَحْصَرُ حِصْرًا مِنْ بَابِ عَلِمَ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَصَرَ فِعْلُ مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ مِنْ حَصَرَهُ إذَا حَبَسَهُ مِنْ بَابِ نَصَرَ وَمَعْنَاهُ مُنِعَ وَحُبِسَ عَنْ الْقِرَاءَةِ بِسَبَبِ خَجَلٍ أَوْ خَوْفٍ قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَبِالْوَجْهَيْنِ حَصَلَ لِي السَّمَاعُ، وَقَدْ وَرَدَتْ اللُّغَتَانِ بِهِمَا فِي كُتُبِ اللُّغَةِ كَالصِّحَاحِ وَغَيْرِهِ، وَأَمَّا إنْكَارُ الْمُطَرِّزِيُّ ضَمَّ الْحَاءِ فَهُوَ فِي مَكْسُورِ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَازِمٌ لَا يَجِيءُ لَهُ مَفْعُولٌ مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ لَا فِي مَفْتُوحِ الْعَيْنِ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ يَجُوزُ بِنَاءُ الْفِعْلِ مِنْهُ لِلْمَفْعُولِ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ إذَا لَمْ يَقْدِرْ الْإِمَامُ عَلَى الْقِرَاءَةِ لِأَجْلِ خَجَلٍ يَعْتَرِيهِ أَمَّا إذَا نَسِيَ الْقِرَاءَةَ أَصْلًا لَا يَجُوزُ الِاسْتِخْلَافُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ أُمِّيًّا وَاسْتِخْلَافُ الْأُمِّيِّ لَا يَجُوزُ هَذَا كُلُّهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يَنْدُرُ وُجُودُهُ وَلَهُ أَنَّ الِاسْتِخْلَافَ فِي الْحَدَثِ بِعِلَّةِ الْعَجْزِ وَهُوَ هُنَا أَلْزَمُ وَالْعَجْزُ عَنْ الْقِرَاءَةِ غَيْرُ نَادِرٍ وَأَشَارَ بِالْمَنْعِ عَنْ الْقِرَاءَةِ إلَى أَنَّهُ لَمْ يَقْرَأْ مِقْدَارَ الْفَرْضِ فَيُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ قَرَأَهُ لَا يَجُوزُ الِاسْتِخْلَافُ إجْمَاعًا لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ وَذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ بِصِيغَةِ قِيلَ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمَذْهَبَ الْإِطْلَاقُ وَهُوَ الَّذِي يَنْبَغِي اعْتِمَادُهُ لِمَا صَرَّحُوا فِي فَتْحِ الْمُصَلِّي عَلَى إمَامِهِ بِأَنَّهَا لَا تَفْسُدُ عَلَى الصَّحِيحِ سَوَاءٌ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ يُصَلِّي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُقْتَدِيَيْنِ وَحْدَهُ) لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ أَنَّ صَاحِبَهُ مُحْدِثٌ بِهِ، أَفْتَى أَئِمَّةُ بَلْخٍ كَذَا فِي النَّهْرِ عَنْ تَيَمُّمِ الْقُنْيَةِ قَالَ فَإِطْلَاقُ فَسَادِ صَلَاةِ الْقَوْمِ يُسْتَثْنَى مِنْهُ هَذَا وَقِيَاسُهُ أَنَّهُ لَوْ أَمَّ صَبِيًّا وَامْرَأَةً ثُمَّ سَبَقَهُ الْحَدَثُ فَذَهَبَ قَبْلَ الِاسْتِخْلَافِ وَأَتَمَّ كُلٌّ صَلَاةَ نَفْسِهِ أَنْ يَصِحَّ بِجَامِعٍ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ غَيْرُ صَالِحٍ لِلْإِمَامَةِ، وَيَظْهَرُ لِي أَنَّ مَا فِي الْقُنْيَةِ ضَعِيفٌ بَلْ صَلَاتُهُمَا فَاسِدَةٌ لِخُلُوِّ مَكَانِ الْإِمَامِ وَلِذَا أَطْلَقَهُ الْكَثِيرُ وَسَيَأْتِي فِي آخِرِ الْبَابِ مَا يُرْشِدُ إلَى ذَلِكَ وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَى هَذَا اهـ. قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ أَقُولُ: الْقِيَاسُ الْمَذْكُورُ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الصَّبِيِّ وَالْمَرْأَةِ صَلَاتُهُ لَا شُبْهَةَ فِي صِحَّتِهَا مِنْ حَيْثُ نَفْسُ الْأَمْرِ، وَأَمَّا الْمُتَوَضِّئُ وَالْمُتَيَمِّمُ فَلَا يَخْلُو أَمْرُهُمَا مِنْ أَحَدِ شَيْئَيْنِ: إمَّا نَجَاسَةِ الْمَاءِ فَالتَّيَمُّمُ صَحِيحٌ وَالْوُضُوءُ بَاطِلٌ، أَوْ بِالْعَكْسِ فَالْمُقْتَدِي بِالنَّظَرِ إلَى نَفْسِ الْأَمْرِ وَاحِدٌ وَاعْتِقَادُ كُلٍّ مِنْهُمَا ذَلِكَ وَإِذَا كَانَ وَاحِدًا فَحُكْمُهُ الِانْفِرَادُ كَمَا سَيَأْتِي مَعَ أَنَّ قَوْلَهُ فِي صُورَةِ الصَّبِيِّ وَالْمَرْأَةِ فَذَهَبَ قَبْلَ الِاسْتِخْلَافِ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ أَنْ لَيْسَ غَيْرَهُمَا فَبِهِمَا لَا يَتَأَتَّى الِاسْتِخْلَافُ وَمَا ظَهَرَ لَهُ مِنْ الضَّعْفِ ضَعِيفٌ لِعَدَمِ مُلَاحَظَةِ الْمُدْرِكِ فَلْيُتَدَبَّرْ اهـ. وَكَانَ مَعْنَى قَوْلِهِ فَحُكْمُهُ الِانْفِرَادُ أَيْ الِاسْتِقْلَالُ بِالِاسْتِخْلَافِ كَمَا يَأْتِي آخِرَ الْبَابِ مَتْنًا. قُلْتُ: وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ تَنْحَلُّ عُرَا الْإِشْكَالِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ (قَوْلُهُ يَقْتَدِي بِمَنْ ظَنَّهُ طَاهِرًا) أَيْ يَقْتَدِي الْإِمَامُ بِمَنْ ظَنَّهُ مِنْهُمَا أَنَّهُ مُتَطَهِّرٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا ظَنَّهُ مُتَطَهِّرًا تَكُونُ صَلَاتُهُ صَحِيحَةً فِي زَعْمِهِ فَيَقْتَدِي بِهِ لِتَعَيُّنِهِ لِلِاسْتِخْلَافِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ وَفِي جَوَازِ الِاسْتِخْلَافِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَالْأَصَحُّ جَوَازُهُ كَمَا فِي السِّرَاجِ (قَوْلُهُ لَا يَجُوزُ الِاسْتِخْلَافُ بِالْإِجْمَاعِ إلَخْ) أَقُولُ: لَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ صَلَاةِ الْقَوْمِ وَلَا حُكْمَ صَلَاتِهِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَظَاهِرٌ وَهُوَ أَنَّ صَلَاتَهُمْ تَفْسُدُ؛ لِأَنَّ إمَامَهُمْ صَارَ أُمِّيًّا وَهُوَ لَيْسَ أَهْلًا لَهَا، وَأَمَّا صَلَاةُ الْإِمَامِ فَقَدْ رَأَيْت فِي الْفَصْلِ السَّابِعِ مِنْ الذَّخِيرَةِ أَنَّ الْقَارِئَ إذَا صَلَّى بَعْضَ صَلَاتِهِ فَنَسِيَ الْقِرَاءَةَ وَصَارَ أُمِّيًّا فَسَدَتْ صَلَاتُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيَسْتَقْبِلُهَا وَعَلَى قَوْلِهِمَا لَا تَفْسُدُ وَيَبْنِي عَلَيْهَا اسْتِحْسَانًا وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ اهـ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 393 قَرَأَ الْإِمَامُ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ أَوْ لَا، فَكَذَلِكَ هُنَا يَجُوزُ الِاسْتِخْلَافُ مُطْلَقًا وَقَيَّدَ بِالْمَنْعِ عَنْهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَصَابَ الْإِمَامَ وَجَعٌ فِي الْبَطْنِ فَاسْتَخْلَفَ رَجُلًا لَمْ يَجُزْ فَلَوْ قَعَدَ وَأَتَمَّ صَلَاتَهُ جَازَ، وَلَوْ صَارَ الْإِمَامُ حَاقِنًا بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ الْمُضِيُّ فَذَكَرَ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِيِّ أَنَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لَهُ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ فَرَّقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الْحَصْرِ فِي الْقِرَاءَةِ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالْحَاقِنُ الَّذِي لَهُ بَوْلٌ كَثِيرٌ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ، وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ، ثُمَّ عِنْدَهُمَا إذَا لَمْ يَسْتَخْلِفْ كَيْفَ يَصْنَعُ؟ قَالَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ يُتِمُّ صَلَاتَهُ بِلَا قِرَاءَةٍ إلْحَاقًا لَهُ بِالْأُمِّيِّ وَهَذَا سَهْوٌ؛ لِأَنَّ مَذْهَبَهُمَا أَنَّهُ يَسْتَقْبِلُ وَبِهِ صَرَّحَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ أَنَّ الْحَصْرَ لَمَّا كَانَ نَادِرًا أَشْبَهَ الْجَنَابَةَ وَبِهَا لَا تَتِمُّ الصَّلَاةُ فَكَذَا بِالْحَصْرِ اهـ. وَالْعَجَبُ مِنْ الشَّارِحِ أَنَّهُ جَعَلَ الْحَصْرَ عَنْ الْقِرَاءَةِ كَالْجَنَابَةِ وَنُقِلَ عَنْهُمَا أَنَّهُ يُتِمُّهَا بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ، وَكَذَا الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِي الْبَائِعِ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ وَتَفْسُدُ صَلَاتُهُمْ وَهُوَ شَاهِدٌ لِمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ عَنْهُمَا رِوَايَتَيْنِ. (قَوْلُهُ وَإِنْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ بِظَنِّ الْحَدَثِ أَوْ جُنَّ أَوْ احْتَلَمَ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ اسْتَقْبَلَ) أَمَّا فَسَادُهَا بِالْخَرُوجِ مِنْ الْمَسْجِدِ لِتَوَهُّمِ الْحَدَثِ وَلَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا فَلِوُجُودِ الْمُنَافِي مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَالْقِيَاسُ فَسَادُهَا بِالِانْحِرَافِ عَنْ الْقِبْلَةِ مُطْلَقًا لِمَا ذَكَرْنَا لَكِنْ اسْتَحْسَنُوا بَقَاءَهَا عِنْدَ عَدَمِ الْخُرُوجِ؛ لِأَنَّهُ انْصَرَفَ عَلَى قَصْدِ الْإِصْلَاحِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَحَقَّقَ مَا تَوَهَّمَهُ بَنَى عَلَى صَلَاتِهِ فَأُلْحِقَ قَصْدُ الْإِصْلَاحِ بِحَقِيقَتِهِ مَا لَمْ يَخْتَلِفْ الْمَكَانُ بِالْخُرُوجِ، وَقَدْ فَهِمَ بَعْضُهُمْ مِنْ هَذَا كَمَا ذَكَرَهُ فِي التَّجْنِيسِ أَنَّ الْمُصَلِّي إذَا حَوَّلَ صَدْرَهُ عَنْ الْقِبْلَةِ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَأَنَّ الْقَوْلَ بِفَسَادِهَا أَلْيَقُ بِقَوْلِهِمَا وَلَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ إنَّمَا قَالَ بِعَدَمِ فَسَادِ صَلَاتِهِ عِنْدَ عَدَمِ الْخُرُوجِ لِأَجْلِ أَنَّهُ مَعْذُورٌ بِتَوَهُّمِ الْحَدَثِ، وَأَمَّا مَنْ حَوَّلَ صَدْرَهُ عَنْ الْقِبْلَةِ فَهُوَ مُتَمَرِّدٌ عَاصٍ لَا يَسْتَحِقُّ التَّخْفِيفَ فَالْقَوْلُ بِالْفَسَادِ أَلْيَقُ بِقَوْلِ الْكُلِّ كَمَا لَا يَخْفَى، قَيَّدَ بِظَنِّ الْحَدَثِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ظَنَّ أَنَّهُ افْتَتَحَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ أَوْ كَانَ مَاسِحًا عَلَى الْخُفَّيْنِ فَظَنَّ أَنَّ مُدَّةَ مَسْحِهِ قَدْ انْقَضَتْ أَوْ كَانَ مُتَيَمِّمًا فَرَأَى سَرَابًا فَظَنَّهُ مَاءً أَوْ كَانَ فِي الظُّهْرِ فَظَنَّ أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ الْفَجْرَ أَوْ رَأَى حُمْرَةً فِي ثَوْبِهِ فَظَنَّ أَنَّهَا نَجَاسَةٌ فَانْصَرَفَ حَيْثُ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّ الِانْصِرَافَ عَلَى سَبِيلِ الرَّفْضِ، وَلِهَذَا لَوْ تَحَقَّقَ مَا تَوَهَّمَهُ يَسْتَقْبِلُ وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ وَالِاسْتِخْلَافُ كَالْخُرُوجِ مِنْ الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ كَثِيرٌ فَيُبْطِلُهَا وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِالظَّنِّ دُونَ التَّوَهُّمِ؛ لِأَنَّهُ الطَّرَفُ الرَّاجِحُ وَالْوَهْمُ هُوَ الطَّرَفُ الْمَرْجُوحُ وَصَوَّرَ مَسْأَلَةَ الظَّنِّ الشُّمُنِّيُّ بِأَنْ خَرَجَ شَيْءٌ مِنْ أَنْفِهِ فَظَنَّ أَنَّهُ رَعْفٌ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ لِلظَّنِّ دَلِيلٌ بِأَنْ شَكَّ فِي خُرُوجِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ فَكَذَلِكَ هُنَا إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَقُولُ: يُمْكِنُ الْفَرْقُ بِأَنَّ عَدَمَ الْفَسَادِ فِي الْفَتْحِ لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ الْآتِي وَالْفَسَادُ هُنَا لِلْعَمَلِ الْكَثِيرِ بِلَا حَاجَةٍ اهـ. وَفِيهِ أَنَّ الْحَاجَةَ لِلْإِتْيَانِ بِالْوَاجِبِ أَوْ الْمَسْنُونِ بَاقِيَةٌ وَلِذَا أَيَّدَ فِي الشرنبلالية كَلَامَ الْمُؤَلِّفِ بِمَا ذَكَرَهُ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى أَنَّهُ كَتَبَ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ عَلَى قِيَاسِ مَا ذُكِرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ نَفْسَ الْفَتْحِ لَا يُفْسِدُ فَلَا يُفْسِدُ أَيْضًا هُنَا؛ لِأَنَّ الْفَتْحَ لَيْسَ بِعَمَلٍ كَثِيرٍ فَلَوْ أَفْسَدَ إنَّمَا يُفْسِدُ لَا لِأَنَّهُ عَمَلٌ كَثِيرٌ لَكِنْ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ وَهُنَا هُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ فَلَا يُفْسِدُ اهـ. وَالِاحْتِيَاجُ لِمَا قُلْنَا (قَوْلُهُ وَالْحَاقِنُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ مَنْ يُدَافِعُ الْغَائِطَ وَبِالزَّايِ مَنْ يُدَافِعُهُمَا قَالَ بَعْضُهُمْ وَالْحَاذِقُ مَنْ يَدْفَعُ وَمَنْ أَثْبَتَهُ فِي الْبَوْلِ فَفِيهِمَا أَوْ فِي الْغَائِطِ أَوْلَى (قَوْلُهُ إذَا لَمْ يَسْتَخْلِفْ) أَيْ مَنْ حُصِرَ عَنْ الْقِرَاءَةِ (قَوْلُهُ قَالَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ) هُوَ الْإِمَامُ السِّغْنَاقِيُّ صَاحِبُ النِّهَايَةِ، وَكَذَا قَالَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ (قَوْلُهُ وَالْعَجَبُ مِنْ الشَّارِحِ إلَخْ) وَذَلِكَ أَنَّ فِي كَلَامِهِ تَدَافُعًا قَالَ فِي النَّهْرِ إذْ تَمَامُهَا بِلَا قِرَاءَةٍ يُؤْذِنُ بِصِحَّتِهَا وَكَوْنُهُ كَالْجَنَابَةِ يَقْتَضِي الْفَسَادَ (قَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ عَنْهُمَا رِوَايَتَيْنِ) وَعَلَى هَذَا فَيُحْمَلُ قَوْلُ الشَّارِحِ كَالْجَنَابَةِ عَلَى أَنَّ التَّشْبِيهَ رَاجِعٌ إلَى مُجَرَّدِ النُّدُورِ فَقَطْ وَيَكُونُ قَوْلُهُ أَنَّهُ يُتِمُّهَا مَبْنِيًّا عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فَيَصِحُّ كَلَامُهُ (قَوْلُهُ وَالِاسْتِخْلَافُ كَالْخُرُوجِ مِنْ الْمَسْجِدِ إلَخْ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ وَإِنْ كَانَ قَدْ اسْتَخْلَفَ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يُحْدِثْ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَسْجِدِ لِوُجُودِ الْعَمَلِ الْكَثِيرِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، بِخِلَافِ مَا إذَا تَحَقَّقَ مَا تَوَهَّمَهُ فَإِنَّ الْعَمَلَ غَيْرُ مُفْسِدٍ لِقِيَامِ الْعُذْرِ فَكَانَ الِاسْتِخْلَافُ كَالْخُرُوجِ مِنْ الْمَسْجِدِ يَحْتَاجُ لِصِحَّتِهِ عَلَى قَصْدِ الْإِصْلَاحِ وَقِيَامِ الْعُذْرِ اهـ. (قَوْلُهُ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ لِلظَّنِّ دَلِيلٌ إلَخْ) فِيهِ بَحْثٌ فَإِنَّ مُقْتَضَاهُ جَرَيَانُ ذَلِكَ فِي التَّوَهُّمِ بِالْأَوْلَى مَعَ أَنَّهُ صَرَّحَ فِي الْمُحِيطِ بِخِلَافِهِ وَلَفْظُهُ إمَامٌ تَوَهَّمَ أَنَّهُ رَعَفَ فَاسْتَخْلَفَ الْغَيْرَ فَقَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ الْإِمَامُ مِنْ الْمَسْجِدِ ظَهَرَ أَنَّهُ كَانَ مَاءً وَلَمْ يَكُنْ دَمًا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ إنْ كَانَ الْخَلِيفَةُ أَدَّى رُكْنًا مِنْ الصَّلَاةِ لَمْ يَجُزْ لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْخُذَ الْإِمَامَةَ مَرَّةً ثَانِيَةً وَلَكِنَّهُ يَقْتَدِي بِالْخَلِيفَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَدَّى رُكْنًا لَكِنَّهُ قَامَ فِي الْمِحْرَابِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْإِمَامَةَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ قَالَ مُحَمَّدٌ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ اهـ وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا بَحَثَهُ لَا يُسَاعِدُهُ هَذَا الْمَنْقُولُ الْمَفْهُومُ مِنْهُ صُورَةُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 394 رِيحٍ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ يَسْتَقْبِلُ مُطْلَقًا بِالِانْحِرَافِ عَمَلًا بِمَا هُوَ الْقِيَاسُ لَكِنِّي لَمْ أَرَهُ مَنْقُولًا وَإِنَّمَا فِي التَّجْنِيسِ لَوْ شَكَّ الْإِمَامُ فِي الصَّلَاةِ فَاسْتَخْلَفَ فَسَدَتْ صَلَاتُهُمْ وَلَوْ خَافَ سَبْقَ الْحَدَثِ فَانْصَرَفَ، ثُمَّ سَبَقَهُ الْحَدَثُ فَالِاسْتِئْنَافُ لَازِمٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ كَذَا فِي الْمَجْمَعِ، وَالدَّارُ وَمُصَلَّى الْجِنَازَةِ وَالْجَبَّانَةُ كَالْمَسْجِدِ إذْ لَهُ حُكْمُ الْبُقْعَةِ الْوَاحِدَةِ كَذَا قَالُوا إلَّا فِي الْمَرْأَةِ فَإِنَّهَا إنْ خَرَجَتْ عَنْ مُصَلَّاهَا فَسَدَتْ صَلَاتُهَا وَلَيْسَ الْبَيْتُ لَهَا كَالْمَسْجِدِ لِلرَّجُلِ، وَقَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ النَّسَفِيُّ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهَا وَالْبَيْتُ لَهَا كَالْمَسْجِدِ لِلرَّجُلِ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ، وَإِنْ كَانَ يُصَلِّي فِي الصَّحْرَاءِ فَمِقْدَارُ الصُّفُوفِ لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ إنْ مَشَى يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً أَوْ خَلْفًا، وَإِنْ مَشَى أَمَامَهُ وَلَيْسَ بَيْنَ يَدَيْهِ سُتْرَةٌ فَالصَّحِيحُ هُوَ التَّقْدِيرُ بِمَوْضِعِ السُّجُودِ، وَإِنْ كَانَ وَحْدَهُ فَمَسْجِدُهُ مَوْضِعُ سُجُودِهِ مِنْ الْجَوَانِبِ الْأَرْبَعِ إلَّا إذَا مَشَى أَمَامَهُ وَبَيْنَ يَدَيْهِ سُتْرَةٌ فَيُعْطَى لِدَاخِلِهَا حُكْمُ الْمَسْجِدِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْأَوْجَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ سُتْرَةٌ أَنْ يُعْتَبَرَ مَوْضِعُ سُجُودِهِ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ مُنْفَرِدٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَالْمُنْفَرِدُ حُكْمُهُ ذَلِكَ اهـ. وَهَذَا الْبَحْثُ هُوَ مَا صَحَّحَهُ فِي الْبَدَائِعِ فَعُلِمَ أَنَّ مَا فِي الْهِدَايَةِ مِنْ أَنَّ الْإِمَامَ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ سُتْرَةٌ فَمِقْدَارُ الصُّفُوفِ خَلْفَهُ ضَعِيفٌ وَأَمَّا فَسَادُهَا بِمَا ذُكِرَ مِنْ الْجُنُونِ وَالْإِغْمَاءِ وَالِاحْتِلَامِ فَلِأَنَّهُ يَنْدُرُ وُجُودُ هَذِهِ الْعَوَارِضِ فَلَمْ تَكُنْ فِي مَعْنَى مَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ مِنْ الْقَيْءِ وَالرُّعَافِ، وَكَذَلِكَ إذَا قَهْقَهَ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْكَلَامِ وَهُوَ قَاطِعٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَلْيَبْنِ عَلَى صَلَاتِهِ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ» ، وَكَذَا لَوْ نَظَرَ إلَى امْرَأَةٍ فَأَنْزَلَ. وَمَحَلُّ الْفَسَادِ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ قَبْلَ الْقُعُودِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ أَمَّا بَعْدَهُ فَلَا لِمَا سَنَذْكُرُهُ مِنْ أَنَّ تَعَمُّدَ الْحَدَثِ بَعْدَهُ لَا يُفْسِدُهَا فَهَذَا أَوْلَى، وَلَا يَخْلُو الْمَوْصُوفُ بِهَا عَنْ اضْطِرَابٍ أَوْ مُكْثٍ وَكَيْفَمَا كَانَ فَالصُّنْعُ مِنْهُ مَوْجُودٌ عَلَى الْقَوْلِ بِاشْتِرَاطِهِ لِلْخُرُوجِ، أَمَّا فِي الِاضْطِرَابِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا فِي الْمُكْثِ فَلِأَنَّهُ يَصِيرُ بِهِ مُؤَدِّيًا جُزْءًا مِنْ الصَّلَاةِ مَعَ الْحَدَثِ وَالْأَدَاءُ صُنْعٌ مِنْهُ، وَفِي الْعِنَايَةِ وَإِنَّمَا قَالَ أَوْ نَامَ فَاحْتَلَمَ؛ لِأَنَّ النَّوْمَ بِانْفِرَادِهِ لَيْسَ بِمُفْسِدٍ، وَكَذَا الِاحْتِلَامُ الْمُنْفَرِدُ عَنْ النَّوْمِ وَهُوَ الْبُلُوغُ بِالسِّنِّ فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا بَيَانًا لِلْمُرَادِ اهـ. فَعَلَى هَذَا الِاحْتِلَامُ هُوَ الْبُلُوغُ أَعَمُّ مِنْ الْإِنْزَالِ أَوْ السِّنِّ فَالْمُرَادُ فِي الْمُخْتَصَرِ هُوَ الْأَوَّلُ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ الْمُصَلِّي إذَا نَعَسَ فِي صَلَاتِهِ فَاضْطَجَعَ قِيلَ تَنْتَقِضُ طَهَارَتُهُ فَيَتَوَضَّأُ وَيَبْنِي وَقِيلَ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَلَا تَنْتَقِضُ طَهَارَتُهُ اهـ. وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ إنَّمَا عَبَّرَ بِالِاسْتِقْبَالِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ كَغَيْرِهِ دُونَ الْفَسَادِ لِمَا أَنَّ الْفَسَادَ فِيهَا لَيْسَ مَقْصُودًا فَيُثَابُ عَلَى مَا فَعَلَهُ مِنْهَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَفْسَدَهَا قَصْدًا فَإِنَّهُ لَا ثَوَابَ لَهُ فِيمَا أَدَّاهُ بَلْ يَأْثَمُ؛ لِأَنَّ قَطْعَهَا لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ حَرَامٌ (قَوْلُهُ، وَإِنْ سَبَقَهُ حَدَثٌ بَعْدَ التَّشَهُّدِ تَوَضَّأَ وَسَلَّمَ) ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ وَاجِبٌ وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ الْوُضُوءِ لِيَأْتِيَ بِهِ فَالْوُضُوءُ وَالسَّلَامُ وَاجِبَانِ فَلَوْ لَمْ يَفْعَلْ كُرِهَ تَحْرِيمًا. وَالشُّرُوطُ الَّتِي   [منحة الخالق] الشَّكِّ بِالْأَوْلَى مَعَ تَعْبِيرِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا عَنْ الظَّنِّ ثَانِيًا بِالتَّوَهُّمِ، وَأَمَّا مَا فِي التَّجْنِيسِ فَلَيْسَ صَرِيحًا فِي الْمُدَّعِي لِاحْتِمَالِ إرَادَةِ ظَاهِرِهِ وَهُوَ الشَّكُّ فِي ذَاتِهَا لِيَكُونَ اسْتِخْلَافُهُ نَاشِئًا عَنْ الرَّفْضِ فَلَا يَصِحُّ فَلْيُتَأَمَّلْ. كَذَا فِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ أَقُولُ: مَا نَقَلَهُ عَنْ الْمُحِيطِ هُوَ ظَنٌّ لَا تَوَهُّمٌ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ ظَهَرَ أَنَّهُ كَانَ مَاءً وَلَمْ يَكُنْ دَمًا فَالتَّوَهُّمُ فِي عِبَارَةِ الْمُحِيطِ بِمَعْنَى الظَّنِّ الْمَبْنِيِّ عَلَى دَلِيلٍ فَهُوَ مُسَاوٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ عَنْ الشُّمُنِّيِّ (قَوْلُهُ فَعُلِمَ أَنَّ مَا فِي الْهِدَايَةِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَقُولُ: أَغْلَبُ الْكُتُبِ عَلَى مَا فِي الْهِدَايَةِ حَتَّى قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة نَقْلًا عَنْ الْمُحِيطِ وَإِنْ تَقَدَّمَ إمَامُهُ وَلَيْسَ بَيْنَ يَدَيْهِ بِنَاءٌ وَلَا سُتْرَةٌ، فَإِنْ تَقَدَّمَ مِقْدَارَ مَا لَوْ تَأَخَّرَ جَاوَزَ الصُّفُوفَ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ لَا تَفْسُدُ وَصَلَّى مَا بَقِيَ وَإِنْ كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ حَائِطٌ أَوْ سُتْرَةٌ، فَإِنْ جَاوَزَهَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَذَكَرَ هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ حَتَّى يَتَقَدَّمَ مِثْلَ مَا لَوْ تَأَخَّرَ خَرَجَ عَنْ الصُّفُوفِ وَجَاوَزَ أَصْحَابَهُ وَإِنْ كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ سُتْرَةٌ اهـ فَكَيْفَ يَكُونُ مَا فِي الْهِدَايَةِ ضَعِيفًا وَأَغْلَبُ الْكُتُبِ عَلَى اعْتِمَادِهِ فَرَاجِعْ الْكُتُبَ يَظْهَرُ لَك ذَلِكَ. (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِي الْبِدَايَةِ الَّتِي هِيَ مَتْنُ الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ النَّوْمَ بِانْفِرَادِهِ لَيْسَ بِمُفْسِدٍ) قَالَ الرَّمْلِيُّ ذَكَرَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة أَقْوَالًا وَاخْتِلَافَ تَصْحِيحٍ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَكَذَلِكَ ذَكَرَ فِي الْجَوْهَرَةِ فِي نَوْمِ الْمُضْطَجِعِ وَالْمَرِيضِ فِي الصَّلَاةِ اخْتِلَافًا وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُنْقَضُ وَبِهِ نَأْخُذُ وَنَقَلَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُحِيطِ فِي النَّوْمِ مُضْطَجِعًا الْحَالُ لَا يَخْلُو إنْ غَلَبَتْ عَيْنَاهُ فَنَامَ ثُمَّ اضْطَجَعَ فِي حَالَةِ نَوْمِهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ يَتَوَضَّأُ وَيَبْنِي وَلَوْ تَعَمَّدَ النَّوْمَ فِي الصَّلَاةِ مُضْطَجِعًا فَإِنَّهُ يَتَوَضَّأُ وَيَسْتَقْبِلُ الصَّلَاةَ هَكَذَا حُكِيَ عَنْ مَشَايِخِنَا اهـ فَرَاجِعْ الْمَنْقُولَ وَلَا تَغْتَرَّ بِمَا أَطْلَقَهُ هُنَا. اهـ. (قَوْلُهُ فَعَلَى هَذَا الِاحْتِلَامُ هُوَ الْبُلُوغُ) قَالَ فِي النَّهْرِ فِيهِ نَظَرٌ لِقَوْلِ أَهْلِ اللُّغَةِ الِاحْتِلَامُ اسْمٌ لِمَا يَرَاهُ النَّائِمُ ثُمَّ غَلَبَ عَلَى مَا يَرَاهُ مِنْ خَاصٍّ وَأَيْضًا لَوْ كَانَ نَفْسَ الْبُلُوغِ لَكَانَ قَوْلُ الْقُدُورِيِّ وَغَيْرِهِ بُلُوغُ الصَّبِيِّ بِالِاحْتِلَامِ وَالْإِحْبَالِ وَالْإِنْزَالِ وَإِلَّا فَحَتَّى يَتِمَّ لَهُ ثَمَانِيَ عَشَرَةَ سَنَةً غَيْرُ وَاقِعٍ فِي مَحِلِّهِ وَكَأَنَّ الدَّاعِيَ إلَى هَذَا التَّكَلُّفِ ذِكْرُ النَّوْمِ مَعَهُ وَلَا يَكُونُ تَصْرِيحًا بِمَا عُلِمَ الْتِزَامًا زِيَادَةً فِي الْإِيضَاحِ وَلَا سِيَّمَا وَالْكِتَابُ أَلَّفَهُ لِوَلَدِهِ اهـ. قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ نَعَمْ مَا ذَكَرَهُ فِي الْعِنَايَةِ أَشَارَ إلَى نَحْوِهِ فِي الْمُغْرِبِ بِقَوْلِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 395 قَدَّمْنَاهَا لِصِحَّةِ الْبِنَاءِ لَا بُدَّ مِنْهَا لِلسَّلَامِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَتَوَضَّأْ فَوْرًا أَوْ أَتَى بِمُنَافٍ بَعْدَهُ فَاتَهُ السَّلَامُ وَوَجَبَ عَلَيْهِ إعَادَتُهَا لِإِقَامَةِ الْوَاجِبِ؛ لِأَنَّهُ حُكْمُ كُلِّ صَلَاةٍ أُدِّيَتْ مَعَ كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ، وَإِنْ كَانَ إمَامًا اسْتَخْلَفَ مَنْ يُسَلِّمُ بِالْقَوْمِ. (قَوْلُهُ وَإِنْ تَعَمَّدَهُ أَوْ تَكَلَّمَ تَمَّتْ صَلَاتُهُ) أَيْ تَعَمَّدَ الْحَدَثَ لِحَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا أَحْدَثَ يَعْنِي الرَّجُلَ، وَقَدْ جَلَسَ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ فَقَدْ جَازَتْ صَلَاتُهُ» وَمَعْنَى قَوْلِهِ تَمَّتْ صَلَاتُهُ تَمَّتْ فَرَائِضُهَا، وَلِهَذَا لَمْ تَفْسُدْ بِفِعْلِ الْمُنَافِي وَإِلَّا فَمَعْلُومٌ أَنَّهَا لَمْ تَتِمَّ بِسَائِرِ مَا يُنْسَبُ إلَيْهَا مِنْ الْوَاجِبَاتِ لِعَدَمِ خُرُوجِهِ بِلَفْظِ السَّلَامِ وَهُوَ وَاجِبٌ بِالِاتِّفَاقِ حَتَّى أَنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ تَكُونُ مُؤَدَّاةً عَلَى وَجْهٍ مَكْرُوهٍ فَتُعَادُ عَلَى وَجْهٍ غَيْرِ مَكْرُوهٍ كَمَا هُوَ الْحُكْمُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ أُدِّيَتْ مَعَ الْكَرَاهَةِ كَذَا فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي، وَفِيهِ أَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ فِي أَنَّ مَنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ بَعْدَهُ يَتَوَضَّأُ وَيُسَلِّمُ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا لَمْ يَتَوَضَّأْ حَتَّى أَتَى بِمُنَافٍ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِعَدَمِ الْخُرُوجِ بِصُنْعِهِ وَعِنْدَهُمَا لَا تَبْطُلُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِفَرْضٍ عِنْدَهُمَا اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ لَا يَكَادُ يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَتَى بِمُنَافٍ بَعْدَ سَبْقِ الْحَدَثِ فَقَدْ خَرَجَ مِنْهَا بِصُنْعِهِ، وَلِهَذَا قَالَ الشَّارِحُ الزَّيْلَعِيُّ، وَكَذَا إذَا سَبَقَهُ الْحَدَثُ بَعْدَ التَّشَهُّدِ، ثُمَّ أَحْدَثَ مُتَعَمِّدًا قَبْلَ أَنْ يَتَوَضَّأَ تَمَّتْ صَلَاتُهُ وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا وَإِنَّمَا ثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا خَرَجَ مِنْهَا لَا بِصُنْعِهِ كَالْمَسَائِلِ الِاثْنَيْ عَشَرِيَّةِ كَمَا سَنُقَرِّرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَشَمِلَ تَعَمُّدُ الْحَدَثِ الْقَهْقَهَةَ عَمْدًا فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ وَبَطَلَ وُضُوءُهُ لِوُجُودِهَا فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ فَصَارَ كَنِيَّةِ الْإِقَامَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَكَذَا لَوْ قَهْقَهَ فِي سُجُودِ السَّهْوِ، وَإِنْ قَهْقَهَ الْإِمَامُ أَوْ أَحْدَثَ مُتَعَمِّدًا ثُمَّ قَهْقَهَ الْقَوْمُ فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ دُونَهُمْ لِخُرُوجِهِمْ مِنْهَا بِحَدَثِ الْإِمَامِ بِخِلَافِ قَهْقَهَتِهِمْ بَعْدَ سَلَامِهِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَخْرُجُونَ مِنْهَا بِسَلَامَةٍ فَبَطَلَتْ طَهَارَتُهُمْ، وَإِنْ قَهْقَهُوا مَعًا أَوْ الْقَوْمُ ثُمَّ الْإِمَامُ فَعَلَيْهِمْ الْوُضُوءُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْقَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنْ الصَّلَاةِ بِحَدَثِ الْإِمَامِ عَمْدًا اتِّفَاقًا، وَلِهَذَا لَا يُسَلِّمُونَ وَلَا يَخْرُجُونَ مِنْهَا بِسَلَامِهِ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ، وَأَمَّا بِكَلَامِهِ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ كَالسَّلَامِ فَيُسَلِّمُونَ وَتَنْتَقِضُ طَهَارَتُهُمْ بِالْقَهْقَهَةِ، وَفِي رِوَايَةٍ كَالْحَدَثِ الْعَمْدُ فَلَا سَلَامَ وَلَا نَقْضَ بِهَا كَذَا فِي الْمُحِيطِ. (قَوْلُهُ وَبَطَلَتْ إنْ رَأَى مُتَيَمِّمٌ مَاءً) أَيْ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ بِالْقُدْرَةِ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ وَلَا عِبْرَةَ بِالرُّؤْيَةِ الْمُجَرَّدَةِ عَنْ الْقُدْرَةِ بِدَلِيلِ مَا قَدَّمَهُ فِي بَابِهِ وَإِنَّمَا بَطَلَتْ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْمَاءِ شَرْطٌ فِي الِابْتِدَاءِ فَكَانَ شَرْطُ الْبَقَاءِ كَسَائِرِ الشُّرُوطِ وَكَالْمُكَفِّرِ بِالصَّوْمِ إذَا أَيْسَرَ لَيْسَ لَهُ الْبِنَاءُ؛ لِأَنَّهُ بِرُؤْيَةِ الْمَاءِ ظَهَرَ حُكْمُ الْحَدَثِ السَّابِقِ فَكَأَنَّهُ شَرَعَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ بِخِلَافِ مَا إذَا سَبَقَهُ الْحَدَثُ؛ لِأَنَّهُ شَرَعَ بِوُضُوءٍ تَامٍّ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا رَأَى الْمُتَيَمِّمُ قَبْلَ سَبْقِ الْحَدَثِ أَوْ بَعْدَهُ، وَفِي الثَّانِي خِلَافٌ وَالصَّحِيحُ هُوَ الْبُطْلَانُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَجَزَمَ بِهِ الشَّارِحُ وَاخْتَارَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّهُ يَبْنِي دُونَ فَسَادٍ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْأَسْبَابَ الْمُتَعَاقِبَةَ كَالْبَوْلِ ثُمَّ الرُّعَافِ ثُمَّ الْقَيْءِ إذَا أَوْجَبَتْ أَحْدَاثًا مُتَعَاقِبَةً يُجْزِئُهُ عَنْهَا وُضُوءٌ وَاحِدٌ فَالْأَوْجَهُ مَا فِي شَرْحِ الْكَنْزِ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ قَوْلِ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَتَوَضَّأُ مِنْ الرُّعَافِ فَبَالَ، ثُمَّ رَعَفَ، ثُمَّ تَوَضَّأَ أَنَّهُ يَحْنَثُ وَإِنْ قُلْنَا لَا يُوجِبُ كَمَا قَدَّمْنَا النَّظَرَ فِيهِ فِي بَابِ الْغُسْلِ فَالْأَوْجَهُ مَا فِي النِّهَايَةِ وَهُوَ الْحَقُّ فِي اعْتِقَادِي لَكِنَّ كَلَامَ النِّهَايَةِ لَيْسَ عَلَيْهِ بَلْ عَلَى مَا نُقِلَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي بَابِ الْغُسْلِ فَلَا تَتَفَرَّغُ مَسْأَلَةُ التَّيَمُّمِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ عَلَى مَا هُوَ ظَاهِرُ اخْتِيَارِهِ اهـ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ هَذَا لَيْسَ مَبْنِيًّا عَلَى هَذَا الْفَرْعِ فَإِنَّهُمْ عَلَّلُوا الِاسْتِقْبَالَ بِأَنَّهُ لَمَّا ظَهَرَ الْحَدَثُ السَّابِقُ تَبَيَّنَ كَوْنُهُ شَرَعَ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ فَلَيْسَ لَهُ الْبِنَاءُ سَوَاءٌ قُلْنَا إنَّهَا تُوجِبُ أَحْدَاثًا أَوْ حَدَثًا كَمَا لَا يَخْفَى، وَذَكَرَ الشَّارِحُ وَتَقْيِيدُهُ بِالْمُتَيَمِّمِ لِبُطْلَانِ الصَّلَاةِ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْمَاءِ لَا يُفِيدُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُتَوَضِّئٌ يُصَلِّي خَلْفَ مُتَيَمِّمٍ فَرَأَى الْمُؤْتَمُّ الْمَاءَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِعِلْمِهِ أَنَّ إمَامَهُ قَادِرٌ   [منحة الخالق] وَالْحَالِمُ الْمُحْتَلِمُ فِي الْأَصْلِ ثُمَّ عَمَّ فَقِيلَ لِمَنْ بَلَغَ مَبْلَغَ الرِّجَالِ حَالِمٌ وَهُوَ الْمُرَادُ بِهِ فِي الْحَدِيثِ خُذْ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 396 عَلَى الْمَاءِ بِإِخْبَارِهِ وَصَلَاةُ الْإِمَامِ تَامَّةٌ لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ، وَلَوْ قَالَ وَبَطَلَتْ إنْ رَأَى مُتَيَمِّمٌ أَوْ الْمُقْتَدَى بِهِ مَاءً لَشَمِلَ الْكُلَّ اهـ. وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْمُقْتَدِيَ بِالْمُتَيَمِّمِ إذَا رَأَى مَاءً لَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْإِمَامُ فَإِنَّ صَلَاةَ الْمُقْتَدِي لَمْ تَبْطُلْ أَصْلًا وَإِنَّمَا بَطَلَ وَصْفُهَا وَهُوَ الْفَرْضِيَّةُ وَكَلَامُهُ فِي بُطْلَانِ أَصْلِهَا بِرُؤْيَةِ الْمَاءِ، وَلِهَذَا صَرَّحَ فِي الْمُحِيطِ بِأَنَّ الْمُتَوَضِّئَ خَلْفَ الْمُتَيَمِّمِ إذَا رَأَى الْمَاءَ أَوْ كَانَ عَلَى الْإِمَامِ فَائِتَةٌ لَا يَذْكُرُهَا وَالْمُؤْتَمُّ يَذْكُرُهَا أَوْ كَانَ الْإِمَامُ عَلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُهُ وَالْمُؤْتَمُّ يَعْلَمُهُ فَقَهْقَهَ الْمُؤْتَمُّ فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْفَرْضِيَّةَ مَتَى فَسَدَتْ لَا تَنْقَطِعُ التَّحْرِيمَةُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ اهـ وَأَيْضًا نَفْيُ الْفَائِدَةِ مُطْلَقًا مَمْنُوعٌ فَإِنَّ الْمُتَوَضِّئَ إذَا رَأَى مَاءً لَا يَضُرُّهُ فَقَدْ أَفَادَ. (قَوْلُهُ أَوْ تَمَّتْ مُدَّةُ مَسْحِهِ) أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ وَاجِدًا لِلْمَاءِ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَاجِدًا وَهُوَ اخْتِيَارُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ، وَذَكَرَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ أَنَّهُ لَوْ تَمَّتْ الْمُدَّةُ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ وَلَا مَاءَ يَمْضِي عَلَى الْأَصَحِّ فِي صَلَاتِهِ إذْ لَا فَائِدَةَ فِي النَّزْعِ؛ لِأَنَّهُ لِلْغَسْلِ وَلَا مَاءَ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ مِنْ الْمَشَايِخِ تَفْسُدُ. اهـ. وَاخْتَارَ الْقَوْلَ بِالْفَسَادِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ فِي بَابِهِ (قَوْلُهُ أَوْ نَزَعَ خُفَّيْهِ بِعَمَلٍ يَسِيرٍ) بِأَنْ كَانَا وَاسِعَيْنِ لَا يَحْتَاجُ فِيهِمَا إلَى الْمُعَالَجَةِ فِي النَّزْعِ قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ الْكَثِيرَ يَخْرُجُ بِهِ عَنْ الصَّلَاةِ فَتَتِمُّ صَلَاتُهُ حِينَئِذٍ اتِّفَاقًا وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذِكْرَ الْخُفِّ بِلَفْظِ الْمُثَنَّى اتِّفَاقِيٌّ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ فِي الْخُفِّ الْوَاحِدِ لِمَا قَدَّمَهُ فِي بَابِهِ مِنْ أَنَّ نَزْعَ الْخُفِّ نَاقِضٌ لِلْمَسْحِ وَلِذَا أَفْرَدَهُ فِي الْمَجْمَعِ. (قَوْلُهُ أَوْ تَعَلَّمَ أُمِّيٌّ سُورَةً) وَهُوَ مَنْسُوبٌ إلَى أُمَّةِ الْعَرَبِ وَهِيَ الْأُمَّةُ الْخَالِيَةُ عَنْ الْعِلْمِ وَالْكِتَابَةِ وَالْقِرَاءَةِ فَاسْتُعِيرَ لِمَنْ لَا يَعْرِفُ الْكِتَابَةَ وَالْقِرَاءَةَ وَالْمُرَادُ بِالتَّعَلُّمِ تَذَكُّرُهُ إيَّاهَا بَعْدَ النِّسْيَانِ؛ لِأَنَّ التَّعَلُّمَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ التَّعْلِيمِ وَذَلِكَ فِعْلٌ يُنَافِي الصَّلَاةَ فَتَتِمُّ صَلَاتُهُ اتِّفَاقًا وَقِيلَ سَمِعَهُ بِلَا اخْتِيَارٍ وَحَفِظَهُ بِلَا صُنْعٍ بِأَنْ سَمِعَ سُورَةَ الْإِخْلَاصِ مَثَلًا مِنْ قَارِئٍ فَحَفِظَهَا مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إلَى التَّلَبُّسِ بِمَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ مِنْ عَمَلٍ كَثِيرٍ كَذَا قَالُوا وَقَوْلُهُ سُورَةً وَقَعَ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ الْآيَةَ تَكْفِي وَهُمَا وَإِنْ قَالَا بِافْتِرَاضِ ثَلَاثِ آيَاتٍ لَمْ يَشْتَرِطَا السُّورَةَ وَأَطْلَقَ فَشَمِلَ كُلَّ مُصَلٍّ، وَفِيمَا إذَا كَانَ يُصَلِّي خَلْفَ قَارِئٍ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ فَعَامَّتُهُمْ عَلَى أَنَّهَا تَفْسُدُ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ بِالْقِرَاءَةِ حَقِيقَةً فَوْقَ الصَّلَاة بِالْقِرَاءَةِ حُكْمًا فَلَا يُمْكِنُهُ الْبِنَاءُ عَلَيْهَا وَقِيلَ لَا تَبْطُلُ وَصَحَّحَهُ فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ قَالَ الْأُمِّيُّ إذَا تَعَلَّمَ سُورَةً خَلْفَ الْقَارِئِ فَإِنَّهُ يَمْضِي عَلَى صَلَاتِهِ وَهُوَ الصَّحِيحُ اهـ. وَوَجْهُهُ أَنَّ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ قِرَاءَةٌ لَهُ فَقَدْ تَكَامَلَ أَوَّلَ الصَّلَاةِ وَآخِرَهَا وَبِنَاءُ الْكَامِلِ عَلَى الْكَامِلِ جَائِزٌ. قَالَ أَبُو اللَّيْثِ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ اتِّفَاقًا وَبِهِ نَأْخُذُ. (قَوْلُهُ أَوْ وَجَدَ عَارٍ ثَوْبًا) أَيْ ثَوْبًا تَجُوزُ فِيهِ الصَّلَاةُ بِأَنْ لَمْ تَكُنْ فِيهِ نَجَاسَةٌ مَانِعَةٌ مِنْ الصَّلَاةِ أَوْ كَانَتْ فِيهِ وَعِنْدَهُ مَا يُزِيلُ بِهِ النَّجَاسَةَ أَوْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَا يُزِيلُ بِهِ النَّجَاسَةَ وَلَكِنَّ رُبُعَهُ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ طَاهِرٌ وَهُوَ سَاتِرٌ لِلْعَوْرَةِ (قَوْلُهُ أَوْ قَدَرَ مُومٍ) أَيْ عَلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ؛ لِأَنَّ آخِرَ صَلَاتِهِ أَقْوَى فَلَا يَجُوزُ بِنَاؤُهُ عَلَى الضَّعِيفِ (قَوْلُهُ أَوْ تَذَكَّرَ فَائِتَةً) أَيْ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى إمَامِهِ وَلَمْ يَسْقُطْ التَّرْتِيبُ بَعْدُ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ   [منحة الخالق] [رَأَى الْإِمَام المُتَيَمِّمٌ مَاءً] (قَوْلُهُ وَفِيهِ نَظَرٌ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَا يَخْفَى أَنَّ الْمُصَنِّفَ اسْتَعْمَلَ الْبُطْلَانَ بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ أَعْنِي إعْدَامَ الْفَرْضِ فَبَقِيَ الْأَصْلُ وَإِلَّا فَالْأَوْلَى مَا قَالَهُ الْعَيْنِيُّ أَنَّ مَسْأَلَةَ الْمُقْتَدِي بِمُتَيَمِّمٍ لَيْسَ فِيهَا إلَّا خِلَافُ زُفَرَ وَلَا خِلَافَ فِيهَا بَيْنَ الْإِمَامِ وَصَاحِبَيْهِ وَهَذِهِ الْمَسَائِلُ لَيْسَ فِيهَا إلَّا قَوْلُ الْإِمَامِ وَصَاحِبَيْهِ اهـ. وَقَدْ يُجَابُ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ بِأَنَّهُ بَنَى كَلَامَهُ عَلَى مُخْتَارِهِ مِنْ أَنَّهُ إذَا فَسَدَ الِاقْتِدَاءُ لِفَقْدِ شَرْطٍ كَطَاهِرٍ بِمَعْذُورٍ لَمْ تَنْعَقِدْ أَصْلًا وَإِنْ كَانَ لِاخْتِلَافِ الصَّلَاتَيْنِ تَنْعَقِدُ نَفْلًا غَيْرَ مَضْمُونٍ فَهُنَا لَمَّا فُقِدَ الشَّرْطُ وَهُوَ الْوُضُوءُ بَطَلَتْ صَلَاةُ الْمُقْتَدِي مِنْ أَصْلِهَا، لَكِنْ يُخَالِفُهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ عَنْ الْمُحِيطِ، وَقَدْ يُقَالُ مَا فِي الْمُحِيطِ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ صَلَاةَ الْإِمَامِ غَيْرُ جَائِزَةٍ فِي اعْتِقَادِ الْمُقْتَدِي فَكَيْفَ تَنْتَقِضُ طَهَارَتُهُ بِقَهْقَهَتِهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ لَا يَلْزَمُ مِنْ فَسَادِ اقْتِدَائِهِ عَدَمُ بَقَاءِ تَحْرِيمَتِهِ فَإِذَا ظَهَرَ لَهُ عَدَمُ صِحَّةِ صَلَاةِ إمَامِهِ فَسَدَ اقْتِدَاؤُهُ فَبَقِيَ شَارِعًا فِي صَلَاةِ نَفْسِهِ بِنَاءً عَلَى خِلَافِ مُخْتَارِ الزَّيْلَعِيِّ لَكِنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْ عِبَارَةِ الْمُحِيطِ أَنَّ الَّذِي فَسَدَ هُوَ وَصْفُ الْفَرْضِيَّةِ فَقَطْ مَعَ بَقَاءِ الِاقْتِدَاءِ مُتَنَفِّلًا فَبَقِيَ كَلَامُهُ مُشْكِلًا فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ إذَا رَأَى مَاءً لَا يَضُرُّهُ فَقَدْ أَفَادَ) يَعْنِي أَنَّهُ يُفِيدُ الِاحْتِرَازَ عَمَّا لَوْ كَانَ مُتَوَضِّئًا وَرَأَى الْمَاءَ فَإِنَّهَا لَا تَبْطُلُ (قَوْلُهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ وَاجِدًا لِلْمَاءِ أَوْ لَمْ يَكُنْ) وَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ قَبْلَ الْحَدَثِ أَوْ بَعْدَهُ وَيَجْرِي فِيهِ مَا مَرَّ قَالَ فِي النَّهْرِ وَصَحَّحَ الشَّارِحُ وَالْحَدَّادِيُّ أَنَّهُ يَسْتَقْبِلُ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا سَبَقَ عَنْ الْمُحِيطِ فِي الْمُتَيَمِّمِ إذَا رَأَى الْمَاءَ بَعْدَ مَا سَبَقَهُ الْحَدَثُ (قَوْلُهُ كَذَا قَالُوا) كَأَنَّهُ تَبَرَّأَ مِنْهُ لِبُعْدِهِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ الِاجْتِهَادُ فِي التَّعَلُّمِ دَائِمًا وَمَنْ هُوَ كَذَلِكَ يَبْعُدُ عَادَةً تَعَلُّمُهُ بِمُجَرَّدِ السَّمَاعِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَصَحَّحَهُ فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ) قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَلْوَالِجِيِّ فِي الْفَصْلِ الثَّامِنِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ فَارِقًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَتْرِ الْعَوْرَةِ بِأَنَّ عَلَيْهِ سَتْرَهَا بِخِلَافِ الْقِرَاءَةِ حِينَئِذٍ (قَوْلُهُ قَالَ أَبُو اللَّيْثِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَصَرَّحَ بِمِثْلِ مَا هُنَا فِي خِزَانَةِ السُّرُوجِيِّ وَفِي الْجَوْهَرَةِ لَا تَبْطُلُ إجْمَاعًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 397 الْمَأْمُومَ إذَا تَذَكَّرَ فَائِتَةً عَلَى إمَامِهِ وَلَمْ يَتَذَكَّرْهَا الْإِمَامُ فَسَدَ وَصْفُ الْفَرْضِيَّةِ لَا أَصْلُهَا، وَكَذَا إذَا تَذَكَّرَ فَائِتَةً عَلَيْهِ فَإِنَّ أَصْلَ الصَّلَاةِ لَمْ يَبْطُلْ، وَإِنَّمَا انْقَلَبَتْ نَفْلًا لِمَا عُرِفَ أَنَّ بُطْلَانَ الْوَصْفِ لَا يُوجِبُ بُطْلَانَ الْأَصْلِ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ، وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ، ثُمَّ هَذِهِ الصَّلَاةُ لَا تَبْطُلُ قَطْعًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بَلْ تَبْقَى مَوْقُوفَةً إنْ صَلَّى بَعْدَهَا خَمْسَ صَلَوَاتٍ وَهُوَ يَذْكُرُ الْفَائِتَةَ فَإِنَّهَا تَنْقَلِبُ جَائِزَةً اهـ. فَذِكْرُ الْمُصَنِّفَ لَهَا فِي سِلْكِ الْبَاطِلِ اعْتِمَادٌ عَلَى مَا يَذْكُرُهُ فِي بَابِ الْفَوَائِتِ. (قَوْلُهُ أَوْ اسْتَخْلَفَ أُمِّيًّا) يَعْنِي عِنْدَ سَبْقِ الْحَدَثِ عَلَى مَا اخْتَارَهُ فِي الْهِدَايَةِ؛ لِأَنَّ فَسَادَ الصَّلَاةِ بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ وَهُوَ عَدَمُ صَلَاحِيَّتِهِ لِلْإِمَامَةِ فِي حَقِّ الْقَارِئِ لَا بِالِاسْتِخْلَافِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُفْسِدٍ حَتَّى جَازَ اسْتِخْلَافُهُ الْقَارِئَ وَاخْتَارَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ لَا فَسَادَ بِالِاسْتِخْلَافِ بَعْدَ التَّشَهُّدِ بِالْإِجْمَاعِ وَصَحَّحَهُ فِي الْكَافِي وَغَايَةِ الْبَيَانِ؛ لِأَنَّ اسْتِخْلَافَ الْأُمِّيِّ فِعْلٌ مُنَافٍ لِلصَّلَاةِ فَيَكُونُ مُخْرَجًا مِنْهَا وَكَوْنُهُ لَيْسَ بِمُنَافٍ لَهَا إنَّمَا هُوَ فِي مُطْلَقِ الِاسْتِخْلَافِ، وَأَمَّا الِاسْتِخْلَافُ الْمُقَيَّدُ وَهُوَ اسْتِخْلَافُ الْأُمِّيِّ فَهُوَ مُنَافٍ لَهَا (قَوْلُهُ أَوْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ فِي الْفَجْرِ أَوْ دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ فِي الْجُمُعَةِ) لِأَنَّهَا مُفْسِدَةٌ لِلصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ عَدَمُ فَسَادِهَا بِطُلُوعِهَا تَمَسُّكًا بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَهَا» وَلَنَا حَدِيثُ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ الْمُتَقَدِّمُ مِنْ النَّهْيِ عَنْهَا فِي الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ فَإِنَّهُ يُفِيدُ بِطَرِيقِ الِاسْتِدْلَالِ الْفَسَادَ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ وَإِذَا تَعَارَضَا قُدِّمَ النَّهْيُ، فَيَجِبُ حَمْلُ مَا رَوَوْا عَلَى مَا قَبْلَ النَّهْيِ عَنْ الصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ، فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَتَحَقَّقُ الْخِلَافُ فِي الْبُطْلَانِ بِدُخُولِ وَقْتِ الْعَصْرِ فِي الْجُمُعَةِ فَإِنَّ الدُّخُولَ عِنْدَهُ إذَا صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ وَعِنْدَهُمَا إذَا صَارَ مِثْلَهُ قُلْنَا هَذَا عَلَى قَوْلِ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ فَإِنَّ عِنْدَهُ وَقْتًا مُهْمَلًا بَيْنَ خُرُوجِ الظُّهْرِ وَدُخُولِ الْعَصْرِ فَإِذَا صَارَ الظِّلُّ مِثْلَهُ يَتَحَقَّقُ الْخُرُوجُ عِنْدَهُمَا وَالصَّلَاةُ تَامَّةٌ وَعِنْدَهُ بَاطِلَةٌ كَذَا فِي الْكَافِي، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا أَوْ دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ وَلَمْ يَقُولُوا أَوْ خَرَجَ وَقْتُ الظُّهْرِ وَقِيلَ يُمْكِنُ أَنْ يَقْعُدَ فِي الصَّلَاةِ بَعْدَ مَا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ مِقْدَارَ مَا صَارَ الظِّلُّ مِثْلَيْهِ فَحِينَئِذٍ يَتَحَقَّقُ الْخِلَافُ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ وَالظَّاهِرُ فِي الْجَوَابِ مَا نَقَلَهُ فِي الْمِعْرَاجِ عَنْ الْمُسْتَصْفَى بَعْدَ هَذَا الْكَلَامِ مِنْ أَنَّ هَذَا عَلَى اخْتِلَافِ الْقَوْلَيْنِ فَعِنْدَهُمَا إذَا صَارَ الظِّلُّ مِثْلَهُ وَعِنْدَهُ إذَا صَارَ مِثْلَيْهِ (قَوْلُهُ أَوْ سَقَطَتْ جَبِيرَتُهُ عَنْ بُرْءٍ أَوْ زَالَ عُذْرُ الْمَعْذُورِ) قَيَّدَ بِالْبُرْءِ؛ لِأَنَّ سُقُوطَهَا لَا عَنْ بُرْءٍ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ اتِّفَاقًا لِمَا بَيَّنَّاهُ فِي بَابِهِ وَالْمُرَادُ بِزَوَالِ الْعُذْرِ اسْتِمْرَارُ انْقِطَاعِهِ وَقْتًا كَامِلًا فَإِذَا انْقَطَعَ عُذْرُهُ بَعْدَ الْقُعُودِ فَالْأَمْرُ مَوْقُوفٌ، فَإِنْ دَامَ وَقْتًا كَامِلًا بَعْدَ الْوَقْتِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ وَوَقَعَ الِانْقِطَاعُ فِيهِ فَحِينَئِذٍ يَظْهَرُ أَنَّهُ انْقِطَاعٌ هُوَ بُرْءٌ فَيَظْهَرُ الْفَسَادُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَيَقْضِيهَا وَإِلَّا فَمُجَرَّدُ الِانْقِطَاعِ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ عَادَ فِي الْوَقْتِ الثَّانِي فَالصَّلَاةُ الْأُولَى صَحِيحَةٌ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي بَابِهِ، وَقَدْ ذَكَرَ هُنَا اثْنَيْ عَشَرَ مَسْأَلَةً وَلَقَبُهَا اثْنَا عَشَرِيَّةٍ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَهِيَ مَشْهُورَةٌ عِنْدَهُمْ بِهَذِهِ النِّسْبَةِ إلَّا أَنَّ هَذَا الْإِطْلَاقَ غَيْرُ جَائِرٍ مِنْ حَيْثُ الْعَرَبِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُنْسَبُ إلَى صَدْرِ الْعَدَدِ الْمُرَكَّبِ فِي مِثْلِهِ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ عَلَمًا عَلَى مَا عُرِفَ فِي فَنِّهِ فَيُقَالُ فِي النِّسْبَةِ إلَى خَمْسَةَ عَشَرَ عَلَمًا عَلَى رَجُلٍ أَوْ غَيْرِهِ خَمْسِيٌّ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ مُسَمًّى بِهِ وَأُرِيدَ بِهِ الْعَدَدُ فَلَا يُنْسَبُ إلَيْهِ أَصْلًا؛ لِأَنَّ الْجُزْأَيْنِ حِينَئِذٍ مَقْصُودَانِ بِالْمَعْنَى فَلَوْ حُذِفَ أَحَدُهُمَا اخْتَلَّ الْمَعْنَى، وَلَوْ لَمْ يُحْذَفْ اُسْتُثْقِلَ، قَالُوا وَقَدْ زِيدَ عَلَيْهَا مَسَائِلُ فَمِنْهَا إذَا كَانَ يُصَلِّي بِالثَّوْبِ النَّجِسِ فَوَجَدَ مَاءً يَغْسِلُ بِهِ وَهُوَ مُسْتَفَادٌ مِنْ مَسْأَلَةِ مَا إذَا وَجَدَ الْعَارِي ثَوْبًا، وَمِنْهَا مَا إذَا كَانَ يُصَلِّي الْقَضَاءَ فَدَخَلَ عَلَيْهِ الْأَوْقَاتُ الْمَكْرُوهَةُ وَهُوَ مُسْتَفَادٌ مِنْ مَسْأَلَةِ طُلُوعِ الشَّمْسِ فِي الْفَجْرِ، وَمِنْهَا إذَا خَرَجَ الْوَقْتُ عَلَى الْمَعْذُورِ وَهِيَ تَرْجِعُ إلَى ظُهُورِ الْحَدَثِ السَّابِقِ، وَمِنْهَا الْأَمَةُ إذَا كَانَتْ تُصَلِّي بِغَيْرِ قِنَاعٍ فَأُعْتِقَتْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَلَمْ تَسْتَتِرْ مِنْ سَاعَتِهَا وَهُوَ مُسْتَفَادٌ مِمَّا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ أَنَّهُ لَا فَسَادَ بِالِاسْتِخْلَافِ بَعْدَ التَّشَهُّدِ) الْأَصْوَبُ إسْقَاطُ قَوْلِهِ بَعْدَ التَّشَهُّدِ لِإِيهَامِهِ أَنَّ كَلَامَ الْمَتْنِ شَامِلٌ لِغَيْرِهِ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا حُكْمًا لَكِنَّهُ خِلَافُ الْمُرَادِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِخْلَافَ فِي غَيْرِ هَذِهِ الصُّورَةِ فِيهِ خِلَافُ زُفَرَ كَمَا مَرَّ قُبَيْلَ هَذَا الْبَابِ وَاَلَّذِي فِيهِ خِلَافُ الْإِمَامِ وَصَاحِبَيْهِ مَا لَوْ كَانَ بَعْدَهُ لَا مُطْلَقًا (قَوْلُهُ قَالُوا وَقَدْ زِيدَ عَلَيْهَا مَسَائِلُ) الْقَائِلُ الْإِمَامُ الزَّيْلَعِيُّ وَتَبِعَهُ ابْنُ الْهُمَامِ وَصَاحِبُ الدُّرَرِ لَكِنَّهُمْ اقْتَصَرُوا عَلَى ثَلَاثَةٍ مِنْهَا وَهِيَ مَا عَدَا الثَّالِثَةَ، وَكَذَا ذَكَرَ الثَّلَاثَةَ ابْنُ شَعْبَانَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ كَمَا ذَكَرَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ قَالَ وَنَوَّعَ دُخُولَ الْوَقْتِ الْمَكْرُوهِ عَلَى مُصَلِّي الْقَضَاءِ بِالزَّوَالِ وَتَغَيُّرِ الشَّمْسِ، وَكَذَلِكَ طُلُوعُهَا وَنَقَلَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ أَيْضًا عَنْ الذَّخِيرَةِ لَوْ سَلَّمَ الْأُمِّيُّ ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّ عَلَيْهِ سُجُودَ السَّهْوِ فَعَادَ إلَيْهِ فَلَمَّا سَجَدَ تَعَلَّمَ سُورَةً فَسَدَتْ عِنْدَ الْإِمَامِ لَا عِنْدَهُمَا فَتَصِيرُ مِنْ الِاثْنَيْ عَشَرِيَّةِ وَلَوْ سَلَّمَ ثُمَّ تَعَلَّمَ سُورَةً ثُمَّ تَذَكَّرَ سَجْدَةَ تِلَاوَةٍ لَمْ يَذْكُرْ هَذَا فِي الْكِتَابِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِنْ الِاثْنَيْ عَشَرِيَّةِ اهـ كَلَامُ الذَّخِيرَةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 398 إذَا وَجَدَ الْعَارِي ثَوْبًا فَفِي التَّحْقِيقِ لَا زِيَادَةَ عَلَى مَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَحَاصِلُهَا يَرْجِعُ إلَى ظُهُورِ الْحَدَثِ السَّابِقِ وَقُوَّةِ حَالِهِ بَعْدَ ضَعْفِهَا وَطُرُوِّ الْوَقْتِ النَّاقِصِ عَلَى الْكَامِلِ، وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ أَنَّ الصَّلَاةَ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ إذَا بَطَلَتْ لَا تَنْقَلِبُ نَفْلًا إلَّا فِي ثَلَاثِ مَسَائِلَ وَهُوَ مَا إذَا تَذَكَّرَ فَائِتَةً أَوْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ أَوْ خَرَجَ وَقْتُ الظُّهْرِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي بُطْلَانِهَا بِهَذِهِ الْعَوَارِضِ فَشَمِلَ مَا قَبْلَ الْقُعُودِ وَمَا بَعْدَهُ وَلَا خِلَافَ فِي بُطْلَانِهَا فِي الْأَوَّلِ وَأَمَّا فِي حُدُوثِهَا بَعْدَهُ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ بِالْبُطْلَانِ، وَقَالَا بِالصِّحَّةِ؛ لِأَنَّهُ مَعْنًى مُفْسِدٌ لَهَا فَصَارَ كَالْحَدَثِ وَالْكَلَامِ، وَقَدْ حَدَثَتْ بَعْدَ التَّمَامِ فَلَا فَسَادَ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَذَهَبَ الْبَرْدَعِيُّ إلَى أَنَّهُ إنَّمَا قَالَ بِالْبُطْلَانِ؛ لِأَنَّ الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ بِصُنْعِ الْمُصَلِّي فَرْضٌ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهَا لَا تَبْطُلُ إلَّا بِتَرْكِ فَرْضٍ وَلَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ سِوَى الْخُرُوجِ بِصُنْعِهِ وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ الْعَامَّةُ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ وَذَهَبَ الْكَرْخِيُّ إلَى أَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ أَنَّ الْخُرُوجَ بِصُنْعِهِ مِنْهَا لَيْسَ بِفَرْضٍ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِابْنِ مَسْعُودٍ «إذَا قُلْتُ: هَذَا أَوْ فَعَلْت هَذَا فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُك، فَإِنْ شِئْت أَنْ تَقُومَ فَقُمْ، وَإِنْ شِئْت أَنْ تَقْعُدَ فَاقْعُدْ» وَلَيْسَ فِيهِ نَصٌّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَإِنَّمَا اسْتَنْبَطَهُ الْبَرْدَعِيُّ مِنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَهُوَ غَلَطٌ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فَرْضًا كَمَا زَعَمَهُ لَاخْتَصَّ بِمَا هُوَ قُرْبَةٌ وَهُوَ السَّلَامُ، وَإِنَّمَا حَكَمَ الْإِمَامُ بِالْبُطْلَانِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ هَذِهِ الْمَعَانِي مُغَيِّرَةٌ لِلْفَرْضِ فَاسْتَوَى فِي حُدُوثِهَا أَوَّلُ الصَّلَاةِ وَآخِرُهَا أَصْلُهُ نِيَّةُ الْإِقَامَةِ قَالَ الْإِمَامُ الْأَقْطَعُ فِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ وَهَذِهِ الْعِلَّةُ مُسْتَمِرَّةٌ فِي جَمِيعِ الْمَسَائِلِ إلَّا فِي طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَّا أَنَّهُ يَقِيسُهُ عَلَى بَقِيَّةِ الْمَسَائِلِ بِعِلَّةِ أَنَّهُ مَعْنًى مُفْسِدٌ لِلصَّلَاةِ حَصَلَ بِغَيْرِ فِعْلِهِ بَعْدَ التَّشَهُّدِ اهـ. وَلَا حَاجَةَ إلَى الِاسْتِثْنَاءِ؛ لِأَنَّ طُلُوعَ الشَّمْسِ بَعْدَ الْفَجْرِ مُغَيِّرٌ لِلْفَرْضِ مِنْ الْفَرْضِ إلَى النَّفْلِ كَرُؤْيَةِ الْمَاءِ فَإِنَّهَا مُغَيِّرَةٌ لِلْفَرْضِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ فَرْضُهُ التَّيَمُّمَ فَتَغَيَّرَ فَرْضُهُ إلَى الْوُضُوءِ بِسَبَبٍ سَابِقٍ عَلَى الصَّلَاةِ، وَكَذَا سَائِرُ أَخَوَاتِهَا بِخِلَافِ الْكَلَامِ فَإِنَّهُ قَاطِعٌ لَا مُغَيِّرٌ وَالْحَدَثُ الْعَمْدُ وَالْقَهْقَهَةُ مُبْطِلَةٌ لَا مُغَيِّرَةٌ قَالَ فِي الْمُجْتَبَى وَعَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَذَكَرَ فِي الْمِعْرَاجِ مَعْزِيًّا إلَى شَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَالصَّحِيحُ مَا قَالَهُ الْكَرْخِيُّ، وَقَالَ صَاحِبُ التَّأْسِيسِ مَا قَالَهُ أَبُو الْحَسَنِ أَحْسَنُ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَيْسَ بِمَنْصُوصٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَرَجَّحَ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ قَوْلَهُمَا بِأَنَّ اقْتِضَاءَ الْحُكْمِ الِاخْتِيَارُ لِيَنْتَفِيَ الْجَبْرُ إنَّمَا هُوَ فِي الْمَقَاصِدِ لَا فِي الْوَسَائِلِ، وَلِهَذَا لَوْ حُمِلَ مُغْمًى عَلَيْهِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ فَفِي التَّحْقِيقِ لَا زِيَادَةَ) نَازَعَهُ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ وَبَحَثَ فِيمَا أَوَّلَ بِهِ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ الْعَلَّامَةُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي رِسَالَتِهِ الْمَسَائِلُ الْبَهِيَّةُ الزَّكِيَّةُ عَلَى الْمَسَائِلِ الِاثْنَيْ عَشَرِيَّةِ وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ أَنَّ الثَّوْبَ الَّذِي ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ نَجِسَةٌ يَلْزَمُهُ السَّتْرُ بِهِ عِنْدَ فَقْدِ غَيْرِهِ وَإِذَا وَجَدَ الْمَاءَ عِنْدَ السَّلَامِ كَانَ الْبُطْلَانُ لِعَدَمِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ حِينَئِذٍ لَا لِتَرْكِ السِّتْرِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مُسْتَتِرًا بِهِ غَيْرَ أَنَّهُ سَقَطَ اعْتِبَارُ مَا بِهِ مِنْ النَّجَسِ ثُمَّ لَزِمَ إزَالَتُهُ، وَكَذَا سَتْرُ الرَّأْسِ فِي الْأَمَةِ كَانَ غَيْرَ لَازِمٍ عَلَيْهَا مَعَ وُجُودِ السَّاتِرِ فَلَمَّا أُعْتِقَتْ وَهُوَ مَعَهَا لَزِمَهَا لِزَوَالِ الرِّقِّ لَا لِوُجُودِ مَا كَانَ مُنْعَدِمًا، قَالَ ثُمَّ أَقُولُ: إنَّهُ يَرِدُ عَلَيْهِ دُخُولُ وَقْتِ الْعَصْرِ فِي الْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ فِي الْفَجْرِ، وَقَدْ ذُكِرَ مَعْدُودًا وَكَانَ عَلَى مُقْتَضَى قَوْلِهِ أَنْ يَتْرُكَ ذِكْرَهُ مِنْ أَصْلِ الْعَدِّ فَتَرْجِعُ الْمَسَائِلُ إلَى إحْدَى عَشَرَةَ وَهُوَ خِلَافُ الْعَدَدِ فِي الرِّوَايَاتِ الْمَشْهُورَةِ. اهـ. وَقَدْ تَضَمَّنَ قَوْلُهُ ثُمَّ أَقُولُ: الْجَوَابَ عَمَّا قَالَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي الثَّانِيَةِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْجَوَابِ عَمَّا قَالَهُ فِي الثَّالِثَةِ لَكِنَّهُ تَضَمَّنَهُ كَلَامُهُ أَيْضًا وَيُقَالُ عَلَيْهِ أَيْضًا إنَّهُمْ لَمْ يَذْكُرُوا مِنْ الْمَسَائِلِ ظُهُورَ الْحَدَثِ السَّابِقِ، وَإِنَّمَا ذَكَرُوا رُؤْيَةَ الْمُتَيَمِّمِ الْمَاءَ وَلَوْ كَانَ مُرَادُهُمْ ذَلِكَ وَمَا يُشْبِهُهُ لَاسْتَغْنَوْا بِذَلِكَ عَنْ مَسْأَلَةِ نَزْعِ الْخُفِّ وَمَسْأَلَةِ سُقُوطِ الْجَبِيرَةِ فَذِكْرُ أَحَدِهَا يُغْنِي عَنْ الْأُخْرَيَيْنِ؛ لِأَنَّ ظُهُورَ الْحَدَثِ السَّابِقِ مَوْجُودٌ فِي كُلٍّ مِنْهَا عَلَى أَنَّ الْمُؤَلِّفَ نَفْسَهُ ذَكَرَ فِي بَابِ الْعِيدِ أَنَّ حُكْمَهُ كَالْجُمُعَةِ يَبْطُلُ بِخُرُوجِ وَقْتِهِ بِزَوَالِ الشَّمْسِ وَذَكَرَ أَنَّهُ يُزَادُ عَلَى الْمَسَائِلِ مَعَ أَنَّهَا تَرْجِعُ إلَى مَسْأَلَةِ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَمَسْأَلَةِ دُخُولِ وَقْتِ الْعَصْرِ وَعَنْ هَذَا وَنَحْوِهِ مِمَّا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ أَنَّهَا غَيْرُ مَحْصُورَةٍ فِيمَا ذَكَرُوهُ زَادَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهَا قَرِيبًا مِنْ مِائَةِ مَسْأَلَةٍ لِوُجُودِ الْأَصْلِ الْمَبْنِيِّ عَلَيْهِ بُطْلَانُ الصَّلَاةِ فِيهَا وَهُوَ أَنَّ الْأَصْلَ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ فِعْلَ الْمُصَلِّي الَّذِي يُفْسِدُ الصَّلَاةَ بِوُجُودِهِ فِيهَا قَبْلَ الْجُلُوسِ إذَا وُجِدَ بَعْدَ الْجُلُوسِ الْأَخِيرِ لَا يُفْسِدُهَا بِإِجْمَاعِ أَصْحَابِنَا مِثْلَ الْكَلَامِ وَالْحَدَثِ الْعَمْدِ وَالْقَهْقَهَةِ وَأَمَّا مَا لَيْسَ مِنْ فِعْلِ الْمُصَلِّي بَلْ هُوَ عَارِضٌ سَمَاوِيٌّ وَإِذَا اعْتَرَضَ يَكُونُ مُفْسِدًا بِوُجُودِهِ فِي أَثْنَائِهَا فَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي بُطْلَانِهَا بِهِ إذَا وُجِدَ بَعْدَ الْقُعُودِ الْأَخِيرِ فَعِنْدَهُ تَبْطُلُ وَعِنْدَهُمْ لَا، ثُمَّ حَقَّقَ أَنَّ الْخِلَافَ مَبْنِيٌّ عَلَى افْتِرَاضِ الْخُرُوجِ بِالصُّنْعِ وَعَدَمِهِ وَأَيَّدَ كَلَامَ الْبَرْدَعِيِّ الْآتِي بِمَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ وَأَنَّ الِاحْتِيَاطَ فِي صِحَّةِ الْعِبَادَاتِ أَصْلٌ أَصِيلٌ وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا بِقَوْلِ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ أَنَّهَا تَبْطُلُ فَالْأَخْذُ بِقَوْلِهِ أَوْلَى لِتَبْرَأَ ذِمَّةُ الْمُكَلَّفِ بِيَقِينٍ ثُمَّ ذَكَرَ الْمَسَائِلَ الَّتِي زَادَهَا وَأَطَالَ الْكَلَامَ عَلَيْهَا فَارْجِعْ إنْ أَرَدْت إلَيْهَا. (قَوْلُهُ بِأَنَّ اقْتِضَاء الْحُكْمِ الِاخْتِيَارُ إلَخْ) ذَكَرَ ذَلِكَ فِي الْفَتْحِ مَنْعًا لِمَا اسْتَدَلَّ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ لِلْإِمَامِ بِقَوْلِهِ وَلَهُ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَدَاءُ صَلَاةٍ أُخْرَى إلَّا بِالْخُرُوجِ عَنْ هَذِهِ وَمَا لَا يُتَوَسَّلُ إلَى الْفَرْضِ إلَّا بِهِ يَكُونُ فَرْضًا اهـ قَالَ فِي الْفَتْحِ قَوْلُهُ وَمَا لَا يُتَوَصَّلُ إلَى الْفَرْضِ إلَّا بِهِ يَكُونُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 399 إلَى الْمَسْجِد فَأَفَاقَ فَتَوَضَّأَ فِيهِ أَجْزَأَهُ عَنْ السَّعْيِ، وَلَوْ لَمْ يُحْمَلْ وَجَبَ عَلَيْهِ السَّعْيُ لِلتَّوَسُّلِ فَكَذَا إذَا تَحَقَّقَ الْقَاطِعُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بِلَا اخْتِيَارٍ حَصَلَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْقُدْرَةِ عَلَى صَلَاةٍ أُخْرَى، وَلَوْ لَمْ يَتَحَقَّقْ وَجَبَ عَلَيْهِ فِعْلٌ هُوَ قُرْبَةٌ قَاطِعٌ فَلَوْ فَعَلَ مُخْتَارًا قَاطِعًا مُحَرَّمًا أَثِمَ لِمُخَالَفَةِ الْوَاجِبِ وَالْجَوَابُ بِأَنَّ الْفَسَادَ عِنْدَهُ لَا لِعَدَمِ الْفِعْلِ بَلْ لِلْأَدَاءِ مَعَ الْحَدَثِ بِالرُّؤْيَةِ، وَانْقِضَاءُ الْمُدَّةِ وَانْقِطَاعُ الْعُذْرِ يُظْهِرُ الْحَدَثَ السَّابِقَ فَيَسْتَنِدُ النَّقْصُ فَيَظْهَرُ فِي هَذِهِ لِقِيَامِ حُرْمَتِهَا حَالَةَ الظُّهُورِ بِخِلَافِ الْمُنْقَضِيَةِ لَيْسَ بِمُطَّرِدٍ اهـ وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى تَعْلِيلِ الْبَرْدَعِيِّ وَأَمَّا عَلَى تَخْرِيجِ الْكَرْخِيِّ فَلَا يَرِدُ كَمَا لَا يَخْفَى، وَذَكَرَ الشَّارِحُ أَنَّهُ لَوْ سَلَّمَ الْإِمَامُ وَعَلَيْهِ سَهْوٌ فَعَرَضَ لَهُ وَاحِدٌ مِنْهَا، فَإِنْ سَجَدَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِلَّا فَلَا، وَلَوْ سَلَّمَ الْقَوْمُ قَبْلَ الْإِمَامِ بَعْدَمَا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ، ثُمَّ عَرَضَ لَهُ وَاحِدٌ مِنْهَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ دُونَ الْقَوْمِ، وَكَذَا إذَا سَجَدَ هُوَ لِلسَّهْوِ وَلَمْ يَسْجُدْ الْقَوْمُ، ثُمَّ عَرَضَ لَهُ. (قَوْلُهُ وَصَحَّ اسْتِخْلَافُ الْمَسْبُوقِ) لِوُجُودِ الْمُشَارَكَةِ فِي التَّحْرِيمَةِ، وَالْأَوْلَى لِلْإِمَامِ أَنْ يُقَدِّمَ مُدْرِكًا؛ لِأَنَّهُ أَقْدَرُ عَلَى إتْمَامِ صَلَاتِهِ وَيَنْبَغِي لِهَذَا الْمَسْبُوقِ أَنْ لَا يَتَقَدَّمَ لِعَجْزِهِ عَنْ السَّلَامِ فَلَوْ تَقَدَّمَ يَبْتَدِئُ مِنْ حَيْثُ انْتَهَى إلَيْهِ الْإِمَامُ لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ، وَإِذَا انْتَهَى إلَى السَّلَامِ يُقَدِّمُ مُدْرِكًا يُسَلِّمُ بِهِمْ فَلَوْ اسْتَخْلَفَ فِي الرُّبَاعِيَّةِ مَسْبُوقًا بِرَكْعَتَيْنِ فَصَلَّى الْخَلِيفَةُ رَكْعَتَيْنِ وَلَمْ يَقْعُدْ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ، وَلَوْ أَشَارَ إلَيْهِ الْإِمَامُ أَنَّهُ لَمْ يَقْرَأْ فِي الْأُولَيَيْنِ لَزِمَهُ أَنْ يَقْرَأَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْإِمَامِ وَإِذَا قَرَأَ الْتَحَقَتْ بِالْأُولَيَيْنِ فَخَلَتْ الْأُخْرَيَانِ عَنْ الْقِرَاءَةِ فَصَارَ كَأَنَّ الْخَلِيفَةَ لَمْ يَقْرَأْ فِي الْأُخْرَيَيْنِ فَإِذَا قَامَ إلَى قَضَاءِ مَا سَبَقَهُ لَزِمَهُ الْقِرَاءَةُ فِيمَا سُبِقَ بِهِ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ فَقَدْ لَزِمَهُ الْقِرَاءَةُ فِي جَمِيعِ الْفَرْضِ الرُّبَاعِيِّ، وَلَوْ لَمْ يُعْلِمْ الْمَسْبُوقُ الْخَلِيفَةَ كَمِّيَّةَ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَلَا الْقَوْمِ بِأَنْ كَانَ الْكُلُّ مَسْبُوقِينَ مِثْلَهُ إنْ كَانَ الْإِمَامُ سَبَقَهُ الْحَدَثُ وَهُوَ قَائِمٌ صَلَّى الَّذِي تَقَدَّمَ رَكْعَةً وَقَعَدَ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ، ثُمَّ قَامَ وَأَتَمَّ صَلَاةَ نَفْسِهِ وَالْقَوْمُ لَا يَقْتَدُونَ بِهِ وَلَكِنَّهُمْ يَمْكُثُونَ إلَى أَنْ يَفْرُغَ هَذَا مِنْ صَلَاتِهِ فَإِذَا فَرَغَ قَامَ الْقَوْمُ فَيَقْضُونَ مَا بَقِيَ مِنْ صَلَاتِهِمْ وُحْدَانًا؛ لِأَنَّ مِنْ الْجَائِزِ أَنَّ الَّذِي بَقِيَ عَلَى الْإِمَامِ آخِرُ الرَّكَعَاتِ فَحِينَ صَلَّى الْخَلِيفَةُ تِلْكَ الرَّكْعَةَ تَمَّتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ فَلَوْ اقْتَدَوْا بِهِ فِيمَا يَقْضِي هُوَ كَانُوا اقْتَدَوْا بِمَسْبُوقٍ فِيمَا يَقْضِي فَتَفْسُدُ صَلَاتُهُمْ، وَلَا يَشْتَغِلُونَ بِالْقَضَاءِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ مَا يَقْضِي هَذَا الْخَلِيفَةُ مِمَّا بَقِيَ عَلَى الْإِمَامِ الْأَوَّلِ فَيَكُونُ الْقَوْمُ قَدْ انْفَرَدُوا قَبْلَ فَرَاغِ إمَامِهِمْ مِنْ جَمِيعِ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ فَتَفْسُدُ صَلَاتُهُمْ فَالْأَحْوَطُ فِي ذَلِكَ مَا قُلْنَا كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَيَقْعُدُ هَذَا الْخَلِيفَةُ فِيمَا بَقِيَ عَلَى الْإِمَامِ الْأَوَّلِ عَلَى كُلِّ رَكْعَةٍ وَهَكَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَلَمْ يُبَيِّنُوا مَا إذَا سَبَقَهُ الْحَدَثُ وَهُوَ قَاعِدٌ وَاقْتَدَوْا بِهِ وَهُوَ قَاعِدٌ فَاسْتَخْلَفَ وَاحِدًا مِنْهُمْ وَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهَا الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةُ وَالْفَرْضُ رُبَاعِيٌّ كَالظُّهْرِ وَيَنْبَغِي عَلَى قِيَاسِ مَا ذَكَرُوهُ أَنْ يُصَلِّيَ الْخَلِيفَةُ رَكْعَتَيْنِ وَحْدَهُ وَهُمْ جُلُوسٌ فَإِذَا فَرَغَ مِنْهُمَا قَامُوا وَصَلَّى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَرْبَعًا وَحْدَهُ وَالْخَلِيفَةُ مَا بَقِيَ وَلَا يَشْتَغِلُونَ بِالْقَضَاءِ قَبْلَ فَرَاغِهِ مِنْ الْأُولَيَيْنِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ الْقَعْدَةُ الَّتِي لِلْإِمَامِ هِيَ الْأَخِيرَةُ، وَحِينَئِذٍ لَيْسَ لَهُمْ الِاقْتِدَاءُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الْأُولَى وَحِينَئِذٍ لَيْسَ لَهُمْ الِانْفِرَادُ وَحَقِيقَةُ الْمَسْبُوقِ هُوَ مَنْ لَمْ يُدْرِكْ أَوَّلَ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَالْمُرَادُ بِالْأَوَّلِ الرَّكْعَةُ الْأُولَى وَلَهُ أَحْكَامٌ كَثِيرَةٌ فَمِنْهَا أَنَّهُ مُنْفَرِدٌ فِيمَا يَقْضِي إلَّا فِي أَرْبَعِ مَسَائِلَ إحْدَاهَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اقْتِدَاؤُهُ وَلَا الِاقْتِدَاءُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ بَانَ تَحْرِيمَةً فَلَوْ اقْتَدَى   [منحة الخالق] فَرْضًا وَمَعْلُومٌ أَنَّ الطَّلَبَ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِفِعْلِ الْمُكَلَّفِ بِنَاءً عَلَى اخْتِيَارِهِ لَا بِلَا اخْتِيَارِهِ، وَقَدْ يُقَالُ اقْتِضَاءُ الْحُكْمِ إلَخْ (قَوْلُهُ لَيْسَ بِمُطَّرِدٍ) خَبَرُ قَوْلِهِ وَالْجَوَابُ وَوَجْهُ عَدَمِ اطِّرَادِ الْجَوَابِ بِمَا ذُكِرَ أَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى فِي مِثْلِ طُلُوعِ الشَّمْسِ إذْ لَيْسَ فِيهِ أَدَاءٌ مَعَ الْحَدَثِ وَقَوْلُ الْمُؤَلِّفِ وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى تَعْلِيلِ الْبَرْدَعِيِّ إلَخْ غَيْرُ ظَاهِرٍ بَلْ أَوَّلُ كَلَامِ الْكَمَالِ إنَّمَا هُوَ بِنَاءٌ عَلَى تَعْلِيلِ الْبَرْدَعِيِّ وَقَوْلُهُ وَالْجَوَابُ بِأَنَّ الْفَسَادَ إلَخْ بِنَاءٌ عَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ؛ لِأَنَّ الْبَرْدَعِيَّ قَائِلٌ بِأَنَّ الْفَسَادَ لِعَدَمِ الْفِعْلِ أَيْ عَدَمِ الْخُرُوجِ بِصُنْعِهِ فَصَارَ حَاصِلُ كَلَامِ الْكَمَالِ أَنَّهُ بَحْثٌ فِي دَلِيلِ الْإِمَامِ عَلَى التَّخْرِيجَيْنِ أَمَّا عَلَى تَخْرِيجِ الْبَرْدَعِيِّ الْقَائِلِ بِأَنَّ الْفَسَادَ لِعَدَمِ الْفِعْلِ فَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ اشْتِرَاطَ الْفِعْلِ الِاخْتِيَارِيِّ إنَّمَا يَلْزَمُ فِي الْمَقَاصِدِ لَا فِي الْوَسَائِلِ إلَخْ، وَأَمَّا عَلَى تَعْلِيلِ الْكَرْخِيِّ الْقَائِلِ بِأَنَّ الْفَسَادَ لَا لِعَدَمِ الْفِعْلِ بَلْ لِلْأَدَاءِ مَعَ الْحَدَثِ فَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ غَيْرُ مُطَّرِدٍ فَقَوْلُهُ وَالْجَوَابُ مَعْنَاهُ أَنَّ الْجَوَابَ عَنْ الْإِمَامِ بِمَا قَالَهُ الْكَرْخِيُّ غَيْرُ مُطَّرِدٍ فَتَنَبَّهْ. [اسْتِخْلَافُ الْمَسْبُوقِ فِي الصَّلَاة] (قَوْلُهُ وَلَا يَشْتَغِلُونَ بِالْقَضَاءِ إلَخْ) تَصْرِيحٌ بِمَا عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ وَلَكِنَّهُمْ يَمْكُثُونَ إلَى أَنْ يَفْرُغَ وَبَيَانٌ لِوَجْهِهِ (قَوْلُهُ وَلَمْ يُبَيِّنُوا مَا إذَا سَبَقَهُ الْحَدَثُ) أَيْ سَبَقَ الْإِمَامَ الْأَوَّلَ وَذَلِكَ حَيْثُ قَيَّدَ أَوَّلًا بِقَوْلِهِ إنْ كَانَ الْإِمَامُ سَبَقَهُ الْحَدَثُ وَهُوَ قَائِمٌ (قَوْلُهُ إحْدَاهَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اقْتِدَاؤُهُ وَلَا الِاقْتِدَاءُ بِهِ) كَذَا فِي الْفَتْحِ لَكِنَّ الثَّانِيَةَ ظَاهِرَةٌ، وَأَمَّا الْأُولَى فَقَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ لِلنَّظَرِ فِي إدْخَالِهَا فِي الْمَسَائِلِ الْمُسْتَثْنَاةِ مَجَالٌ؛ لِأَنَّ الْمُنْفَرِدَ أَيْضًا لَيْسَ لَهُ بَعْدَ التَّحْرِيمَةِ أَنْ يَقْتَدِيَ بِأَحَدٍ وَلَعَلَّهُ الدَّاعِي إلَى تَرْكِ الْمُصَنِّفِ التَّعَرُّضَ لَهَا فَلْيُتَدَبَّرْ اهـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 400 مَسْبُوقٌ بِمَسْبُوقٍ فَسَدَتْ صَلَاةُ الْمُقْتَدِي قَرَأَ أَوْ لَمْ يَقْرَأْ دُونَ الْإِمَامِ وَاسْتَثْنَى مُنْلَا خُسْرو فِي الدُّرَرِ وَالْغُرَرِ مِنْ قَوْلِهِمْ لَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِالْمَسْبُوقِ أَنَّ إمَامَهُ لَوْ أَحْدَثَ فَاسْتَخْلَفَهُ صَحَّ اسْتِخْلَافُهُ وَصَارَ إمَامًا اهـ. وَهُوَ سَهْوٌ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُمْ فِيمَا إذَا قَامَ إلَى قَضَاءِ مَا سُبِقَ بِهِ وَهُوَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ أَصْلًا فَلَا اسْتِثْنَاءَ، وَلَوْ ظَنَّ الْإِمَامُ أَنَّ عَلَيْهِ سَهْوًا فَسَجَدَ لِلسَّهْوِ فَتَابَعَهُ الْمَسْبُوقُ فِيهِ، ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ سَهْوٌ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ وَالْأَشْهَرُ أَنَّ صَلَاةَ الْمَسْبُوقِ تَفْسُدُ؛ لِأَنَّهُ اقْتَدَى فِي مَوْضِعِ الِانْفِرَادِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي زَمَانِنَا لَا تَفْسُدُ؛ لِأَنَّ الْجَهْلَ فِي الْقُرَّاءِ غَالِبٌ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ لَمْ تَفْسُدْ فِي قَوْلِهِمْ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ قَامَ الْإِمَامُ إلَى الْخَامِسَةِ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ فَتَابَعَهُ الْمَسْبُوقُ إنْ قَعَدَ الْإِمَامُ عَلَى رَأْسِ الرَّابِعَةِ تَفْسُدُ صَلَاةُ الْمَسْبُوقِ، وَإِنْ لَمْ يَقْعُدْ لَمْ تَفْسُدْ حَتَّى يُقَيِّدَ الْخَامِسَةَ بِالسَّجْدَةِ فَإِذَا قَيَّدَهَا بِالسَّجْدَةِ فَسَدَتْ صَلَاةُ الْكُلِّ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ إذَا قَعَدَ عَلَى الرَّابِعَةِ تَمَّتْ صَلَاتُهُ فِي حَقِّ الْمَسْبُوقِ فَلَا يَجُوزُ لِلْمَسْبُوقِ مُتَابَعَتُهُ، وَلَوْ نَسِيَ أَحَدُ الْمَسْبُوقَيْنِ الْمُتَسَاوِيَيْنِ كَمِّيَّةَ مَا عَلَيْهِ فَقَضَى مُلَاحِظًا لِلْآخَرِ بِلَا اقْتِدَاءٍ بِهِ صَحَّ. ثَانِيهَا لَوْ كَبَّرَ نَاوِيًا لِلِاسْتِئْنَافِ يَصِيرُ مُسْتَأْنِفًا قَاطِعًا لِلْأُولَى بِخِلَافِ الْمُنْفَرِدِ عَلَى مَا يَأْتِي. ثَالِثُهَا لَوْ قَامَ لِقَضَاءِ مَا سُبِقَ بِهِ وَعَلَى الْإِمَامِ سَجْدَتَا سَهْوٍ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ مَعَهُ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ فَيَسْجُدَ مَعَهُ مَا لَمْ يُقَيِّدْ الرَّكْعَةَ بِسَجْدَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَعُدْ حَتَّى سَجَدَ يَمْضِي وَعَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ بِخِلَافِ الْمُنْفَرِدِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ السُّجُودُ لِسَهْوٍ وَغَيْرِهِ. رَابِعُهَا يَأْتِي بِتَكْبِيرِ التَّشْرِيقِ اتِّفَاقًا بِخِلَافِ الْمُنْفَرِدِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَفِيمَا سِوَى ذَلِكَ هُوَ مُنْفَرِدٌ لِعَدَمِ الْمُشَارَكَةِ فِيمَا يَقْضِيهِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا وَمِنْ أَحْكَامِهِ أَنَّهُ لَوْ سَلَّمَ مَعَ الْإِمَامِ سَاهِيًا أَوْ قَبْلَهُ لَا يَلْزَمُهُ سُجُودُ السَّهْوِ؛ لِأَنَّهُ مُقْتَدٍ، وَإِنْ سَلَّمَ بَعْدَهُ لَزِمَهُ، وَإِنْ سَلَّمَ مَعَ الْإِمَامِ عَلَى ظَنِّ أَنَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ مَعَ الْإِمَامِ فَهُوَ سَلَامُ عَمْدٍ فَتَفْسُدُ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَمِنْ أَحْكَامِهِ أَنَّهُ لَا يَقُومُ إلَى الْقَضَاءِ قَبْلَ التَّسْلِيمَتَيْنِ بَلْ يَنْتَظِرُ فَرَاغَ الْإِمَامِ بَعْدَهُمَا لِاحْتِمَالِ سَهْوٍ عَلَى الْإِمَامِ فَيَصْبِرُ حَتَّى يَفْهَمَ أَنَّهُ لَا سَهْوَ عَلَيْهِ إذْ لَوْ كَانَ لَسَجَدَ وَقَيَّدَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بَحْثًا بِأَنَّ مَحَلَّهُ مَا إذَا اقْتَدَى بِمَنْ يَرَى سُجُودَ السَّهْوِ بَعْدَ السَّلَامِ إمَّا إذَا اقْتَدَى بِمَنْ يَرَاهُ قَبْلَهُ فَلَا قُلْتُ: الْخِلَافُ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ إنَّمَا هُوَ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ فَرُبَّمَا اخْتَارَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ أَنْ يَسْجُدَ بَعْدَ السَّلَامِ عَمَلًا بِالْجَائِزِ فَلِهَذَا أَطْلَقُوا اسْتِنْظَارَهُ وَمِنْ أَحْكَامِهِ أَنَّهُ لَا يَقُومُ الْمَسْبُوقُ قَبْلَ السَّلَامِ بَعْدَ قَدْرِ التَّشَهُّدِ إلَّا فِي مَوَاضِعَ إذَا خَافَ وَهُوَ مَاسِحٌ تَمَامَ الْمُدَّةِ لَوْ انْتَظَرَ سَلَامَ الْإِمَامِ أَوْ خَافَ الْمَسْبُوقُ فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَالْفَجْرِ أَوْ الْمَعْذُورُ خُرُوجَ الْوَقْتِ أَوْ خَافَ أَنْ يَبْتَدِرَهُ الْحَدَثُ أَوْ أَنْ تَمُرَّ النَّاسُ بَيْن يَدَيْهِ وَلَوْ قَامَ فِي غَيْرِهَا بَعْدَ قَدْرِ التَّشَهُّدِ صَحَّ وَيُكْرَهُ تَحْرِيمًا؛ لِأَنَّ الْمُتَابَعَةَ وَاجِبَةٌ بِالنَّصِّ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ» وَهَذِهِ مُخَالَفَةٌ لَهُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحَادِيثِ الْمُفِيدَةِ لِلْوُجُوبِ، وَلَوْ قَامَ قَبْلَهُ قَالَ فِي النَّوَازِلِ إنْ قَرَأَ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنْ التَّشَهُّدِ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ جَازَ وَإِلَّا فَلَا. هَذَا فِي الْمَسْبُوقِ بِرَكْعَةٍ أَوْ رَكْعَتَيْنِ، فَإِنْ كَانَ بِثَلَاثٍ فَإِنْ وُجِدَ مِنْهُ قِيَامٌ بَعْدَ تَشَهُّدِ الْإِمَامِ جَازَ وَإِنْ لَمْ يَقْرَأْ؛ لِأَنَّهُ سَيَقْرَأُ فِي الْبَاقِيَتَيْنِ وَالْقِرَاءَةُ فَرْضٌ فِي كُلِّ الرَّكْعَتَيْنِ، وَلَوْ قَامَ حَيْثُ يَصِحُّ وَفَرَغَ قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ وَتَابَعَهُ فِي السَّلَامِ قِيلَ تَفْسُدُ وَالْفَتْوَى عَلَى أَنْ لَا تَفْسُدَ، وَإِنْ كَانَ اقْتِدَاؤُهُ بَعْدَ الْمُفَارَقَةِ مُفْسِدًا؛ لِأَنَّ هَذَا مُفْسِدٌ بَعْدَ الْفَرَاغِ فَهُوَ كَتَعَمُّدِ الْحَدَثِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَمِنْ أَحْكَامِهِ أَنَّ الْإِمَامَ لَوْ تَذَكَّرَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَاسْتَثْنَى مُنْلَا خُسْرو فِي الدُّرَرِ وَالْغُرَرِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَقُولُ: عِبَارَتُهُ فِيهَا الْمَسْبُوقُ فِيمَا يَقْضِي لَهُ جِهَتَانِ جِهَةُ الِانْفِرَادِ حَقِيقَةً حَتَّى يُثْنِيَ وَيَتَعَوَّذَ وَيَقْرَأَ وَجِهَةَ الِاقْتِدَاءِ حَتَّى لَا يُؤْتَمَّ بِهِ وَإِنْ صَلَحَ لِلْخِلَافَةِ أَيْ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ مَسْبُوقًا لَا بِخُصُوصِ كَوْنِهِ قَاضِيًا وَمِنْ الْعَجَبِ أَنَّ مَا حَكَمَ عَلَيْهِ هُنَا بِأَنَّهُ سَهْوٌ جَزَمَ بِهِ فِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ عَلَى أَنَّهُ مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِهِمْ وَلَا يَقْتَدِي بِهِ، وَقَدْ عَلِمْت مَا هُوَ الْوَاقِعُ اهـ. لَكِنْ لَا يَخْفَى عَلَيْك ظُهُورُ مَا قَالَهُ الْمُؤَلِّفُ هُنَا وَإِنْ جَارَاهُ فِي الْأَشْبَاهِ فَإِنَّ قَوْلَ الدُّرَرِ فِيمَا يَقْضِي يُنَافِي مَا أَدْرَجَهُ فِي النَّهْرِ بِقَوْلِهِ أَيْ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ مَسْبُوقًا، وَكَذَا تَتِمَّةُ عِبَارَةِ الدُّرَرِ تُنَافِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَالَ حَتَّى لَا يُؤْتَمَّ بِهِ وَتَقْطَعَ تَكْبِيرَةُ الِافْتِتَاحِ تَحْرِيمَتَهُ، وَيَلْزَمُهُ الْعَوْدُ إلَى سَهْوِ إمَامِهِ وَيَأْتِي بِتَكْبِيرِ التَّشْرِيقِ فَإِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ فِيمَا يَقْضِي كَمَا هُوَ صَرِيحُ صَدْرِ كَلَامِهِ فَإِخْرَاجُ قَوْلِهِ وَإِنْ صَلَحَ لِلْخِلَافَةِ عَنْ تِلْكَ الْحَيْثِيَّةِ إلَى حَيْثِيَّةٍ أُخْرَى تَأْوِيلٌ بَعِيدٌ جِدًّا لَا يُعْتَرَضُ بِمِثْلِهِ عَلَى مَا جَرَى عَلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ مِنْ التَّحْقِيقِ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَامَ قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ قَدْرِ التَّشَهُّدِ رَمْلِيٌّ (قَوْلُهُ فَإِنْ وُجِدَ مِنْهُ قِيَامٌ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ يَعْنِي أَنَّهُ لَا يُعْتَدُّ بِقِيَامِ الْمَسْبُوقِ قَبْلَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنْ التَّشَهُّدِ فَكَأَنَّهُ قَبْلَ فَرَاغِهِ مِنْهُ لَمْ يَقُمْ وَبَعْدَ فَرَاغِهِ يُعْتَبَرُ قَائِمًا حَتَّى إذَا وُجِدَ جُزْءٌ قَلِيلٌ مِنْ قِيَامٍ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْهُ جَازَ وَإِنْ لَمْ يَقْرَأْ؛ لِأَنَّهُ سَيَقْرَأُ فِي الْبَاقِيَتَيْنِ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ وَأَوْضَحَ الْمَسْأَلَةَ أَيْضًا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ مِنْ سُجُودِ السَّهْوِ. (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ اقْتِدَاؤُهُ بَعْدَ الْمُفَارَقَةِ مُفْسِدٌ إلَخْ) هَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَوْ اقْتَدَى بِهِ بَعْدَ الْمُفَارَقَةِ قَبْلَ الْفَرَاغِ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ تَأَمَّلْ وَلَعَلَّ مُرَادَ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ فَسَادُ مَا بَقِيَ وَمَا مَضَى وَمُرَادَ الثَّانِي لَا يَفْسُدُ مَا مَضَى وَيَفْسُدُ مَا بَقِيَ وَلَكِنَّ الْقَوْلَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 401 سَجْدَةً فَإِمَّا تِلَاوِيَّةً أَوْ صُلْبِيَّةً، فَإِنْ كَانَتْ تِلَاوِيَّةً وَسَجَدَهَا إنْ لَمْ يُقَيِّدْ الْمَسْبُوقُ رَكْعَتَهُ بِسَجْدَةٍ فَإِنَّهُ يَرْفُضُ ذَلِكَ وَيُتَابِعُهُ وَيَسْجُدُ مَعَهُ لِلسَّهْوِ، ثُمَّ يَقُومُ إلَى الْقَضَاءِ، وَلَوْ لَمْ يَعُدْ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ عَوْدَ الْإِمَامِ إلَى سُجُودِ التِّلَاوَةِ يَرْفَعُ الْقَعْدَةَ وَهُوَ بَعْدُ لَمْ يَصِرْ مُنْفَرِدًا؛ لِأَنَّ مَا أَتَى بِهِ دُونَ رَكْعَةٍ فَيَرْتَفِضُ فِي حَقِّهِ أَيْضًا وَإِذَا ارْتَفَضَتْ لَا يَجُوزُ لَهُ الِانْفِرَادُ؛ لِأَنَّ هَذَا أَوَانُ افْتِرَاضِ الْمُتَابَعَةِ وَالِانْفِرَادُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مُفْسِدٌ لِلصَّلَاةِ وَلَوْ تَابَعَهُ بَعْدَ تَقْيِيدِهَا بِالسَّجْدَةِ فِيهَا فَسَدَتْ رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَإِنْ لَمْ يُتَابِعْهُ فَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ عَدَمُ الْفَسَادِ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَهُوَ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ؛ لِأَنَّ ارْتِفَاضَهَا فِي حَقِّ الْإِمَامِ لَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْمَسْبُوقِ، وَلَوْ تَذَكَّرَ الْإِمَامُ سَجْدَةً صُلْبِيَّةً وَعَادَ إلَيْهَا يُتَابِعُهُ، وَإِنْ لَمْ يُتَابِعْهُ فَسَدَتْ، وَإِنْ كَانَ قَيَّدَ رَكْعَتَهُ بِالسَّجْدَةِ تَفْسُدُ فِي الرِّوَايَاتِ كُلِّهَا عَادَ أَوْ لَمْ يَعُدْ؛ لِأَنَّهُ انْفَرَدَ وَعَلَيْهِ رُكْنَانِ السَّجْدَةُ وَالْقَعْدَةُ وَهُوَ عَاجِزٌ عَنْ مُتَابَعَتِهِ بَعْدَ إكْمَالِ الرَّكْعَةِ، وَالْأَصْلُ أَنَّهُ إذَا اقْتَدَى فِي مَوْضِعِ الِانْفِرَادِ أَوْ انْفَرَدَ فِي مَوْضِعِ الِاقْتِدَاءِ تَفْسُدُ، وَمِنْ أَحْكَامِهِ أَنَّهُ يَقْضِي أَوَّلَ صَلَاتِهِ فِي حَقِّ الْقِرَاءَةِ وَآخِرَهَا فِي حَقِّ التَّشَهُّدِ حَتَّى لَوْ أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً مِنْ الْمَغْرِبِ فَإِنَّهُ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ بِالْفَاتِحَةِ وَالسُّورَةِ، وَلَوْ تَرَكَ الْقِرَاءَةَ فِي أَحَدِهِمَا فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَعَلَيْهِ أَنْ يَقْضِيَ رَكْعَةً بِتَشَهُّدٍ؛ لِأَنَّهَا ثَانِيَتُهُ، وَلَوْ تَرَكَ جَازَتْ اسْتِحْسَانًا لَا قِيَاسًا، وَلَوْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الرُّبَاعِيَّةِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَقْضِيَ رَكْعَةً وَيَقْرَأُ فِيهَا الْفَاتِحَةَ وَالسُّورَةَ وَيَتَشَهَّدُ؛ لِأَنَّهُ يَقْضِي الْآخِرَ فِي حَقِّ التَّشَهُّدِ وَيَقْضِي رَكْعَةً يَقْرَأُ فِيهَا كَذَلِكَ وَلَا يَتَشَهَّدُ وَفِي الثَّالِثَةِ يَتَخَيَّرُ وَالْقِرَاءَةُ أَفْضَلُ، وَلَوْ أَدْرَكَ رَكْعَتَيْنِ يَقْضِي رَكْعَتَيْنِ يَقْرَأُ فِيهِمَا وَيَتَشَهَّدُ، وَلَوْ تَرَكَ فِي أَحَدِهِمَا فَسَدَتْ. وَمِنْ أَحْكَامِهِ أَنَّهُ لَوْ بَدَأَ   [منحة الخالق] الْأَوَّلَ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ تَابَعَهُ فِي السَّلَامِ فَقَطْ وَذَلِكَ بَعْدَ فَرَاغِهِ وَتِلْكَ الْمُتَابَعَةُ فِعْلُ عَمْدٍ فَإِفْسَادُهَا مَا مَضَى لَا وَجْهَ لَهُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلَوْ لَمْ يُعِدْ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ) كَذَا أَطْلَقَهُ فِي الْفَتْحِ لَكِنْ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُتَابِعْ الْإِمَامَ يَنْظُرُ إنْ وَجَدَ مِنْهُ الْقِيَامَ وَالْقِرَاءَةَ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنْ الْقَعْدَةِ الثَّانِيَةِ مِقْدَارَ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ جَازَتْ صَلَاتُهُ وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّ بِعَوْدِ إمَامِهِ إلَى سُجُودِ التِّلَاوَةِ ارْتَفَعَتْ الْقَعْدَةُ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَامَ إلَى قَضَاءِ مَا سُبِقَ بِهِ قَبْلَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنْ التَّشَهُّدِ اهـ. مُلَخَّصًا. وَلَمْ يَذْكُرْ مِثْلَ ذَلِكَ فِي السَّجْدَةِ الصُّلْبِيَّةِ؛ لِأَنَّ نَفْسَهَا رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ فَعَدَمُ الْمُتَابَعَةِ فِيهَا مُفْسِدٌ بِخِلَافِ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ؛ لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ لَا رُكْنٌ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ يَقْضِي أَوَّلَ صَلَاتِهِ إلَخْ) مَا ذَكَرَهُ تَبَعًا لِلْفَتْحِ وَالدُّرَرِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ فِي السِّرَاجِ الْمَسْبُوقُ إذَا قَامَ إلَى الْقَضَاءِ فَاَلَّذِي يَقْضِيهِ هُوَ أَوَّلُ صَلَاتِهِ حُكْمًا عِنْدَهُمَا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ آخِرُهَا إلَّا فِي حَقِّ الْقِرَاءَةِ وَالْقُنُوتِ حَتَّى أَنَّهُ يَسْتَفْتِحُ فِيمَا يَقْضِي وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَسْتَفْتِحُ حَالَ دُخُولِهِ مَعَ الْإِمَامِ وَلَا يَظْهَرُ الْخِلَافُ فِي الْقِرَاءَةِ وَالْقُنُوتِ حَتَّى لَوْ أَدْرَكَ ثَالِثَةَ الْوِتْرِ فَقَنَتَ مَعَ الْإِمَامِ لَا يَقْنُتُ فِيمَا يَقْضِي بِالْإِجْمَاعِ وَفِي الْوَجِيزِ مَا أَدْرَكَهُ الْمَسْبُوقُ مَعَ الْإِمَامِ فَهُوَ آخِرُ صَلَاةِ الْمَسْبُوقِ وَمَا يَقْضِيهِ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ فَهُوَ أَوَّلُ صَلَاتِهِ عِنْدَهُمَا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ مَا صَلَّاهُ مَعَ الْإِمَامِ هُوَ أَوَّلُ صَلَاتِهِ وَمَا يَقْضِيهِ فَهُوَ آخِرُهَا بَيَانُهُ إذَا سُبِقَ بِثَلَاثِ رَكَعَاتٍ فَإِنَّهُ إذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَةً بِالْفَاتِحَةِ وَسُورَةٍ ثُمَّ يَقُومُ مِنْ غَيْرِ تَشَهُّدٍ فَيُصَلِّي أُخْرَى بِالْفَاتِحَةِ وَسُورَةٍ ثُمَّ يَقْعُدُ وَيَتَشَهَّدُ ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي أُخْرَى بِالْفَاتِحَةِ لَا غَيْرَ وَيَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ وَهَذَا عِنْدَهُمَا، وَقَالَ مُحَمَّد يَقْضِي رَكْعَةً بِالْفَاتِحَةِ وَسُورَةٍ وَيَقْعُدُ وَيَتَشَهَّدُ ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بِالْفَاتِحَةِ خَاصَّةً وَيَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ وَيُحْكَى أَنَّ يَحْيَى الْبَكَّاءَ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - سَأَلَ مُحَمَّدًا عَنْ الْمَسْبُوقِ أَنَّهُ يَقْضِي أَوَّلَ صَلَاتِهِ أَمْ آخِرَهَا فَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي حُكْمِ الْقِرَاءَةِ وَالْقُنُوتِ آخِرَهَا وَفِي حَقِّ الْقَعْدَةِ أَوَّلَهَا فَقَالَ يَحْيَى عَلَى وَجْهِ السُّخْرِيَةِ هَذِهِ صَلَاةٌ مَعْكُوسَةٌ فَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا أَفْلَحْت فَكَانَ كَمَا قَالَ أَفْلَحَ جَمِيعُ أَصْحَابِهِ وَلَمْ يُفْلِحْ يَحْيَى اهـ. قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ لَكِنْ فِي صَلَاةِ الْجَلَّابِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ بِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ ضَعِيفًا وَأَنَّهُ قَوْلُهُمَا وَهُوَ مَا جَزَمَ بِهِ الزَّيْلَعِيُّ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ أَنْ يَقْضِيَ رَكْعَةً بِتَشَهُّدٍ) يَعْنِي الرَّكْعَةَ الْأُولَى مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ حَتَّى لَوْ أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً مِنْ الْمَغْرِبِ فَإِنَّهُ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْفَاتِحَةَ وَالسُّورَةَ وَيَقْعُدُ فِي أَوَّلِهِمَا؛ لِأَنَّهَا ثَانِيَتُهُ وَلَوْ لَمْ يَقْعُدْ جَازَ اسْتِحْسَانًا لَا قِيَاسًا وَلَمْ يَلْزَمْهُ سُجُودُ السَّهْوِ وَلَوْ سَهْوًا لِكَوْنِهَا أَوْلَى مِنْ وَجْهٍ اهـ. وَلَا يُخَالِفُهُ مَا نَقَلَهُ الْعَيْنِيُّ عَنْ الْمَبْسُوطِ مِنْ أَنَّ هَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَقْعُدَ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذِهِ الرَّكْعَةَ ثَانِيَةٌ لِهَذَا الْمَسْبُوقِ وَالْقَعْدَةُ بَعْدَ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْمَغْرِبِ سُنَّةٌ اهـ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ نَظَرَ إلَى أَوْلَوِيَّةِ الرَّكْعَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْقِرَاءَةِ فَالْقِيَاسُ الْقُعُودُ بَعْدَ مَا بَعْدَهَا وَالِاسْتِحْسَانُ الْقُعُودُ بَعْدَهَا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ أَوْلَى مِنْ وَجْهٍ، وَالثَّانِي نَظَرَ إلَى أَنَّ مَا يَقْضِيهِ الْمَسْبُوقُ وَإِنْ كَانَ بِالنَّظَرِ إلَى الْأَخِيرِ كَمَا مَرَّ فَالْقِيَاسُ بِالنِّسْبَةِ إلَى هَذَا الْقُعُودِ بَعْدَهَا وَالِاسْتِحْسَانُ بَعْدَ مَا بَعْدَهَا فَلْيُتَأَمَّلْ كَذَا فِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْجَوَازِ اسْتِحْسَانًا الْحِلُّ لَا الصِّحَّةُ وَإِلَّا لَاقْتَضَى عَدَمَهَا فِي الْقِيَاسِ وَلَا وَجْهَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِفَرْضٍ فَلَا يُنَافِي تَرْكُهُ الصِّحَّةَ عَلَى أَنَّك قَدْ عَلِمْت أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ سُجُودُ السَّهْوِ بِتَرْكِهِ فَقَوْلُ الرَّمْلِيِّ قَوْلُهُ لَا قِيَاسًا؛ لِأَنَّهُ كَأَنَّهُ تَرَكَ الْقُعُودَ الْأَخِيرَ تَأَمَّلْ اهـ غَيْرَ ظَاهِرٍ فَتَدَبَّرْ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 402 بِقَضَاءِ مَا فَاتَهُ فَفِي الْخَانِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ يُكْرَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ السُّنَّةَ وَلَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَصَحَّحَهُ فِي الْحَاوِي الْحَصِيرِيِّ مَعْزِيًّا إلَى الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ عَمِلَ بِالْمَنْسُوخِ وَقَوَّاهُ بِمَا قَالُوا إنَّ الْمَسْبُوقَ لَوْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي السَّجْدَةِ الْأُولَى فَرَكَعَ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَدْرَكَ فِي السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ فَرَكَعَ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ حَيْثُ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَاخْتَارَهُ فِي الْبَدَائِعِ مُعَلِّلًا بِأَنَّهُ انْفَرَدَ فِي مَوْضِعٍ وَجَبَ عَلَيْهِ الِاقْتِدَاءُ وَهُوَ مُفْسِدٌ فَقَدْ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ وَإِلَّا ظَهَرَ الْقَوْلُ بِالْفَسَادِ لِمُوَافَقَتِهِ الْقَاعِدَةَ وَمِنْ أَحْكَامِهِ أَنَّهُ يُتَابِعُهُ فِي السَّهْوِ وَلَا يُتَابِعُهُ فِي التَّسْلِيمِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّلْبِيَةِ فَإِنْ تَابَعَهُ فِي التَّسْلِيمِ وَالتَّلْبِيَةِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ تَابَعَهُ فِي التَّكْبِيرِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ مَسْبُوقٌ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَإِلَيْهِ مَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ. وَالْمُرَادُ مِنْ التَّكْبِيرِ تَكْبِيرُ التَّشْرِيقِ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِصِحَّةِ اسْتِخْلَافِ الْمَسْبُوقِ إلَى صِحَّةِ اسْتِخْلَافِ اللَّاحِقِ وَالْمُقِيمِ إذَا كَانَ الْإِمَامُ مُسَافِرًا وَهُوَ خِلَافُ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَقْدِرَانِ عَلَى الْإِتْمَامِ وَلَا يَنْبَغِي لَهُمَا التَّقَدُّمُ، وَإِنْ تَقَدَّمَا يُقَدِّمَا مُدْرِكًا لِلسَّلَامِ أَمَّا الْمُقِيمُ فَلِأَنَّ الْمُسَافِرِينَ خَلْفَهُ لَا يَلْزَمُهُمْ الْإِتْمَامُ بِالِاقْتِدَاءِ بِهِ كَمَا لَا يَلْزَمُهُمْ بِنِيَّةِ الْأَوَّلِ الْإِقَامَةُ بَعْدَ الِاسْتِخْلَافِ أَوْ بِنِيَّةِ الْخَلِيفَةِ لَوْ كَانَ مُسَافِرًا فِي الْأَصْلِ. أَمَّا لَوْ نَوَى الْإِمَامُ الْأَوَّلُ الْإِقَامَةَ قَبْلَ الِاسْتِخْلَافِ، ثُمَّ اسْتَخْلَفَ فَإِنَّهُ يُتِمُّ الْخَلِيفَةُ صَلَاةَ الْمُقِيمِينَ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ مُسَافِرٌ صَلَّى رَكْعَةً فَجَاءَ مُسَافِرٌ آخَرُ وَاقْتَدَى بِهِ فَأَحْدَثَ الْإِمَامُ وَاسْتَخْلَفَ الْمَسْبُوقَ فَذَهَبَ الْإِمَامُ الْأَوَّلُ لِلْوُضُوءِ وَنَوَى الْإِقَامَةَ وَالْإِمَامُ الثَّانِي نَوَى الْإِقَامَةَ أَيْضًا، ثُمَّ جَاءَ الْإِمَامُ الْأَوَّلُ كَيْفَ يَفْعَلُ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ إذَا حَضَرَ الْأَوَّلُ يَقْتَدِي بِالثَّانِي فِي الَّذِي هُوَ بَاقِي صَلَاتِهِ فَإِذَا صَلَّى الْإِمَامُ الثَّانِي الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ يَقْعُدُ قَدْرَ التَّشَهُّدِ وَيَسْتَخْلِفُ رَجُلًا مُسَافِرًا مِنْ الَّذِي أَدْرَكَ أَوَّلَ صَلَاتِهِ حَتَّى يُسَلِّمَ بِالْقَوْمِ، ثُمَّ يَقُومُ الثَّانِي فَيُصَلِّي ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ وَالْإِمَامُ الْأَوَّلُ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ الثَّانِي وَلَا يَتَغَيَّرُ فَرْضُ الْقَوْمِ بِنِيَّةِ الْإِمَامِ الثَّانِي وَلَا فَرْضُ الْإِمَامِ الْأَوَّلِ اهـ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَأَمَّا اللَّاحِقُ فَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ فِي حَقِّهِ تَقْدِيمُ غَيْرِهِ إذَا خَالَفَ الْوَاجِبَ بِأَنْ بَدَأَ بِإِتْمَامِ صَلَاةِ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يُقَدِّمُ غَيْرَهُ لِلْإِتْمَامِ، ثُمَّ يَشْتَغِلُ بِمَا فَاتَهُ مَعَهُ أَمَّا إذَا فَعَلَ الْوَاجِبَ بِأَنْ قَدَّمَ مَا فَاتَهُ مَعَ الْإِمَامِ لِيَقَعَ الْأَدَاءُ مُرَتَّبًا فَيُشِيرُ إلَيْهِمْ إذَا تَقَدَّمَ أَنْ لَا يُتَابِعُوهُ فَيَنْتَظِرُونَهُ حَتَّى يَفْرُغَ مِمَّا فَاتَهُ مَعَ الْإِمَامِ، ثُمَّ يُتَابِعُونَهُ وَيُسَلِّمُ بِهِمْ اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ يَتَحَقَّقُ فِي حَقِّهِ تَقْدِيمُ الْغَيْرِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ فِعْلِ الْوَاجِبِ انْتِظَارُهُمْ وَهُوَ مَكْرُوهٌ فَلِذَا إذَا تَقَدَّمَ لَهُ أَنْ يَتَأَخَّرَ وَيُقَدِّمَ رَجُلًا كَمَا فِي الْمُحِيطِ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ الْمَسْبُوقُ يُخَالِفُ اللَّاحِقَ فِي الْقَضَاءِ فِي سِتَّةِ أَشْيَاءَ: فِي مُحَاذَاةِ الْمَرْأَةِ وَالْقِرَاءَةِ وَالسَّهْوِ وَالْقَعْدَةِ الْأُولَى إذَا تَرَكَهَا الْإِمَامُ، وَفِي ضَحِكِ الْإِمَامِ فِي مَوْضِعِ السَّلَامِ، وَفِي نِيَّةِ الْإِمَامِ الْإِقَامَةَ إذَا قَيَّدَ الْمَسْبُوقُ الرَّكْعَةَ بِسَجْدَةٍ. اهـ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَحْثِ الْمُحَاذَاةِ شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِ اللَّاحِقِ (قَوْلُهُ فَلَوْ أَتَمَّ صَلَاةَ الْإِمَامِ تَفْسُدُ بِالْمُنَافِي صَلَاتُهُ دُونَ الْقَوْمِ) أَيْ لَوْ أَتَمَّ الْمَسْبُوقُ الْخَلِيفَةُ صَلَاةَ الْإِمَامِ الْمُحْدِثِ فَأَتَى بِمَا يُنَافِي الصَّلَاةَ مِنْ ضَحِكٍ أَوْ كَلَامٍ أَوْ خُرُوجٍ مِنْ الْمَسْجِدِ أَوْ انْحِرَافٍ عَنْ الْقِبْلَةِ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ دُونَ صَلَاةِ الْقَوْمِ؛ لِأَنَّ الْمُفْسِدَ فِي حَقِّهِ وُجِدَ فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ، وَفِي حَقِّهِمْ بَعْدَ إتْمَامِ أَرْكَانِهَا أَرَادَ بِالْقَوْمِ الْمُدْرِكِينَ، وَأَمَّا مَنْ حَالُهُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَالْأَوَّلُ أَقْوَى لِسُقُوطِ التَّرْتِيبِ اهـ. قُلْتُ: وَفِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ عَنْ جَامِعِ الْفَتَاوَى أَنَّهُ تَجُوزُ عِنْدَ الْمُتَأَخِّرِينَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى (قَوْلُهُ حَيْثُ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَكَانَ وَجْهُ الْفَسَادِ أَنَّهُ زَادَ فِي صَلَاتِهِ رَكْعَةً غَيْرَ مُعْتَدٍّ بِهَا وَهَذَا إنَّمَا يَأْتِي فِيمَا لَوْ أَدْرَكَهُ فِي الثَّانِيَةِ، وَلَوْ صَحَّ كَوْنُهُ قَاضِيًا لَمَا فَسَدَتْ بِخِلَافِ الْأُولَى لِمَا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ مُتَابَعَةُ الْإِمَامِ فِيهَا فَلَمْ تَكُنْ الرَّكْعَةُ كُلُّهَا غَيْرَ مُعْتَدٍّ بِهَا (قَوْلُهُ إذَا كَانَ الْإِمَامُ مُسَافِرًا إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ وَخَلْفَهُ قَوْمٌ مُسَافِرُونَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَلِأَنَّ الْمُسَافِرِينَ خَلْفَهُ لَا يَلْزَمُهُمْ الْإِتْمَامُ (قَوْلُهُ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ مُسَافِرٌ صَلَّى رَكْعَةً) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ وَخَلْفَهُ قَوْمٌ مُسَافِرُونَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ يُسَلِّمُ بِالْقَوْمِ (قَوْلُهُ وَاسْتَخْلَفَ الْمَسْبُوقُ) أَيْ الْمُسَافِرُ الْآخَرَ الَّذِي اقْتَدَى بِهِ بَعْدَمَا صَلَّى رَكْعَةً (قَوْلُهُ ثُمَّ يَقُومُ الثَّانِي) أَيْ الْإِمَامُ الثَّانِي الَّذِي هُوَ خَلِيفَةُ الْإِمَامِ الْأَوَّلِ وَالْمَقَامُ مَقَامُ إضْمَارٍ وَلَكِنْ صَرَّحَ بِالْفَاعِلِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ عَوْدُ الضَّمِيرِ عَلَى الْخَلِيفَةِ الثَّانِي الْمُدْرِكِ. (قَوْلُهُ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ الثَّانِي) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ الَّذِي خَلَفَهُ الْخَلِيفَةُ الَّذِي سَلَّمَ بِالْقَوْمِ (قَوْلُهُ وَلَا فَرْضُ الْإِمَامِ الْأَوَّلِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ صَوَابُهُ وَلَا بِنِيَّةِ الْإِمَامِ الْأَوَّلِ اهـ. أَيْ لِأَنَّ الْمَعْنَى عَلَيْهِ مَعَ أَنَّ الْعِبَارَةَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ وَفِيهِ نَظَرٌ إلَخْ) أَقُولُ: عِبَارَةُ الْفَتْحِ هَكَذَا وَكَمَا يُقَدِّمُ مُدْرِكًا لِلسَّلَامِ لَوْ تَقَدَّمَ كَذَا لِآخَرَانِ أَمَّا الْمُقِيمُ فَلِكَذَا، وَأَمَّا اللَّاحِقُ فَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ فِي حَقِّهِ تَقْدِيمُ غَيْرِهِ إلَخْ أَيْ تَقْدِيمُهُ لِلسَّلَامِ كَمَا هُوَ مَبْنَى التَّفْصِيلِ وَهَذَا أَيْضًا هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ عِبَارَةِ الْمُؤَلِّفِ أَوَّلًا وَمَعْلُومٌ أَنَّ تَقَدُّمَ غَيْرِهِ لِلسَّلَامِ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا إذَا خَالَفَ الْوَاجِبَ فَسَقَطَ النَّظَرُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 403 مِثْلُ حَالِهِ فَصَلَاتُهُ فَاسِدَةٌ لِمَا ذَكَرْنَا وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِصَلَاةِ الْإِمَامِ الْمُحْدِثِ؛ لِأَنَّ فِيهِ اخْتِلَافًا وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ إنْ كَانَ فَرَغَ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ، وَإِنْ لَمْ يَفْرُغْ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَأْمُومًا بِالْخَلِيفَةِ بَعْدَ الْخُرُوجِ مِنْ الْمَسْجِدِ وَلِذَا قَالُوا، وَلَوْ تَذَكَّرَ الْخَلِيفَةُ فَائِتَةً فَسَدَتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي وَالْقَوْمِ، وَلَوْ تَذَكَّرَهَا الْأَوَّلُ بَعْدَ مَا خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ خَاصَّةً أَوْ قَبْلَ خُرُوجِهِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَصَلَاةُ الْخَلِيفَةِ وَالْقَوْمِ، وَقَالُوا لَوْ صَلَّى الْإِمَامُ الْمُحْدِثُ مَا بَقِيَ مِنْ صَلَاتِهِ فِي مَنْزِلِهِ قَبْلَ فَرَاغِ هَذَا الْمُسْتَخْلَفِ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ انْفَرَدَاهُ قَبْلَ فَرَاغِ الْإِمَامِ لَا يَجُوزُ (قَوْلُهُ كَمَا تَفْسُدُ بِقَهْقَهَةِ إمَامِهِ لَدَى اخْتِتَامِهِ لَا بِخُرُوجِهِ مِنْ الْمَسْجِدِ وَكَلَامِهِ) أَيْ كَمَا تَفْسُدُ صَلَاةُ الْمَسْبُوقِ بِحَدَثِ إمَامِهِ عَامِدًا بَعْدَ الْقُعُودِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ وَلَا تَفْسُدُ صَلَاةُ الْمَسْبُوقِ بِخُرُوجِ إمَامِهِ مِنْ الْمَسْجِدِ وَكَلَامِهِ بَعْدَ الْقُعُودِ، وَلَا خِلَافَ فِي الثَّانِي وَخَالَفَا فِي الْأَوَّلِ قِيَاسًا عَلَى الثَّانِي؛ لِأَنَّ صَلَاةَ الْمُقْتَدِي مَبْنِيَّةٌ عَلَى صَلَاةِ الْإِمَامِ صِحَّةً وَفَسَادًا وَلَمْ تَفْسُدْ صَلَاةُ الْإِمَامِ اتِّفَاقًا فِي الْكُلِّ فَكَذَا الْمُقْتَدِي وَفَرَّقَ الْإِمَامُ بِأَنَّ الْحَدَثَ مُفْسِدٌ لِلْجُزْءِ الَّذِي يُلَاقِيهِ مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ فَيَفْسُدُ مِثْلُهُ مِنْ صَلَاةِ الْمُقْتَدِي غَيْرَ أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْبِنَاءِ وَالْمَسْبُوقُ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ وَالْبِنَاءُ عَلَى الْفَاسِدِ فَاسِدٌ بِخِلَافِ السَّلَامِ؛ لِأَنَّهُ مُنْهٍ وَالْكَلَامُ فِي مَعْنَاهُ، وَلِهَذَا لَا يَخْرُجُ الْمُقْتَدِي مِنْهَا بِسَلَامِ الْإِمَامِ وَكَلَامِهِ وَخُرُوجِهِ فَيُسَلِّمُ وَيَخْرُجُ بِحَدَثِهِ عَمْدًا فَلَا يُسَلِّمُ بَعْدَهُ، قَيَّدَ بِالْمَسْبُوقِ؛ لِأَنَّ صَلَاةَ الْمُدْرِكِ لَا تَفْسُدُ اتِّفَاقًا، وَفِي صَلَاةِ اللَّاحِقِ رِوَايَتَانِ وَصَحَّحَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ الْفَسَادَ وَصَحَّحَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ عَدَمَهُ مُعَلِّلًا بِأَنَّ النَّائِمَ كَأَنَّهُ خَلْفَ الْإِمَامِ وَالْإِمَامُ قَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ فَكَذَلِكَ صَلَاةُ النَّائِمِ تَقْدِيرًا اهـ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ شَيْءٌ بِخِلَافِ اللَّاحِقِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ لَوْ كَانَ فِي الْقَوْمِ لَاحِقٌ إنْ فَعَلَ الْإِمَامُ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ قَامَ يَقْضِي مَا فَاتَهُ مَعَ الْإِمَامِ لَا تَفْسُدُ وَإِلَّا تَفْسُدُ عِنْدَهُ وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِ عِنْدَ اخْتِتَامِهِ؛ لِأَنَّ الْحَدَثَ الْعَمْدَ لَوْ حَصَلَ قَبْلَ الْقُعُودِ بَطَلَتْ صَلَاةُ الْكُلِّ اتِّفَاقًا، وَقَيَّدُوا فَسَادَ الْمَسْبُوقِ عِنْدَهُ بِمَا إذَا لَمْ يَتَأَكَّدْ انْفِرَادُهُ فَلَوْ قَامَ قَبْلَ سَلَامِهِ تَارِكًا لِلْوَاجِبِ فَقَضَى رَكْعَةً فَسَجَدَ لَهَا ثُمَّ فَعَلَ الْإِمَامُ ذَلِكَ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحْكَمَ انْفِرَادُهُ حَتَّى لَا يَسْجُدَ لَوْ سَجَدَ الْإِمَامُ لِسَهْوٍ عَلَيْهِ وَلَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ لَوْ فَسَدَتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ بَعْدَ سُجُودِهِ. (قَوْلُهُ وَلَوْ أَحْدَثَ فِي رُكُوعِهِ أَوْ سُجُودِهِ تَوَضَّأَ وَبَنَى وَأَعَادَهُمَا) ؛ لِأَنَّ إتْمَامَ الرُّكْنِ بِالِانْتِقَالِ وَمَعَ الْحَدَثِ لَا يَتَحَقَّقُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِعَادَةِ أَمَّا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَالسَّجْدَةُ، وَإِنْ تَمَّتْ بِالْوَضْعِ لَكِنَّ الْجَلْسَةَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ فَرْضٌ عِنْدَهُ وَلَا تَتَحَقَّقُ هِيَ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ، وَالِانْتِقَالُ مِنْ رُكْنٍ إلَى رُكْنٍ فَرْضٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي أَنَّ التَّمَامَ عَلَى نَوْعَيْنِ: تَمَامُ مَاهِيَّةٍ وَتَمَامٌ مُخْرِجٌ عَنْ الْعُهْدَةِ، فَالسَّجْدَةُ وَإِنْ تَمَّتْ بِالْوَضْعِ مَاهِيَّةً لَمْ تَتِمَّ تَمَامًا مُخْرِجًا عَنْ الْعُهْدَةِ اهـ. فَالْإِعَادَةُ هُنَا عَلَى سَبِيلِ الْفَرْضِ وَهِيَ مَجَازٌ عَنْ الْأَدَاءِ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَصِحَّا فَلِذَا لَوْ لَمْ يَعُدْ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ، وَلَوْ كَانَ إمَامًا فَقَدَّمَ غَيْرَهُ وَدَامَ الْمُقَدَّمُ عَلَى رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الْإِتْمَامُ بِالِاسْتِدَامَةِ عَلَيْهِ، وَلِهَذَا قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَلَوْ أَحْدَثَ الْإِمَامُ فِي الرُّكُوعِ فَقَدَّمَ غَيْرَهُ فَالْخَلِيفَةُ لَا يُعِيدُ الرُّكُوعَ وَيُتِمُّ. كَذَلِكَ ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَقَيَّدَ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي بِنَاءَهُ بِمَا إذَا لَمْ يَرْفَعْ مُرِيدًا الْأَدَاءَ فَلَوْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ فِي الرُّكُوعِ فَرَفَعَ رَأْسَهُ قَائِلًا سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَصَلَاةُ الْقَوْمِ، وَلَوْ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ، وَقَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ مُرِيدًا بِهِ أَدَاءَ رُكْنٍ فَسَدَتْ صَلَاةُ الْكُلِّ، وَإِنْ لَمْ يُرِدْ بِهِ أَدَاءَ الرُّكْنِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. اهـ. وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ. (قَوْلُهُ وَلَوْ ذَكَرَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا سَجْدَةً فَسَجَدَهَا لَمْ يُعِدْهُمَا) ؛ لِأَنَّ الِانْتِقَالَ مَعَ الطَّهَارَةِ شَرْطٌ، وَقَدْ وُجِدَ؛ لِأَنَّ التَّرْتِيبَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِيمَا شُرِعَ مُكَرَّرًا مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ، وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْوَافِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ يُعِيدُهُمَا وَلَا تَنَاقُضَ؛ لِأَنَّ مَا فِي الْكَنْزِ لِبَيَانِ عَدَمِ اللُّزُومِ وَمَا فِي أَصْلِهِ لِبَيَانِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ مُنْهٍ) اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ أَنْهَى يُنْهِي قَالَ فِي الْعِنَايَةِ الْمُنْهِي مَا اعْتَبَرَهُ الشَّرْعُ رَافِعًا لِلتَّحْرِيمَةِ عِنْدَ فَرَاغِ الصَّلَاةِ كَالتَّسْلِيمِ وَالْخُرُوجِ بِصُنْعِ الْمُصَلِّي فَإِنَّ الشَّرْعَ اعْتَبَرَهُمَا كَذَلِكَ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمَ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ} [الجمعة: 10] . اهـ. (قَوْلُهُ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ لَوْ كَانَ فِي الْقَوْمِ لَاحِقٌ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ قَدْ سَبَقَ أَنَّ الْإِمَامَ الْأَوَّلَ إذَا لَمْ يَفْرُغْ مِنْ صَلَاتِهِ، وَقَدْ أَتَى الْمَسْبُوقُ الْخَلِيفَةَ بِمُنَافٍ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ عَلَى الرَّاجِحِ مَعَ أَنَّهُ لَاحِقٌ وَهَذَا يُعَكِّرُ عَلَى مَا فِي الْفَتْحِ وَيُؤَيِّدُ مَا فِي السِّرَاجِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 404 الْأَفْضَلِ لِتَقَعَ الْأَفْعَالُ مُرَتَّبَةً بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ إعَادَتُهُمَا وَاجِبَةً؛ لِأَنَّ التَّرْتِيبَ الْمَذْكُورَ وَاجِبٌ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي وَلَئِنْ كَانَ التَّرْتِيبُ وَاجِبًا فَقَدْ سَقَطَ بِعُذْرِ النِّسْيَانِ وَتَبِعَهُ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِآنِ التَّرْتِيبَ السَّاقِطَ بِعُذْرِ النِّسْيَانِ إنَّمَا هُوَ تَرْتِيبُ الْفَوَائِتِ، وَأَمَّا الْوَاجِبُ فِي الصَّلَاةِ إذَا تَرَكَهُ نَاسِيًا فَإِنَّ حُكْمَهُ سُجُودُ السَّهْوِ وَجَوَابُهُ أَنَّهُمْ لَمْ يَمْنَعُوا وُجُوبَ سُجُودِ السَّهْوِ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي إعَادَتِهِ لِأَجْلِ تَرْكِهِ التَّرْتِيبَ فَالْمُعَلَّلُ لَهُ عَدَمُ لُزُومِ الْإِعَادَةِ لَا عَدَمُ وُجُوبِ السُّجُودِ. أَطْلَقَ فِي السَّجْدَةِ فَشَمِلَتْ الصَّلَاتِيَّةَ وَالتِّلَاوِيَّةَ وَقَيَّدَ بِالتَّذَكُّرِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَذَكَّرَ سَجْدَةً صُلْبِيَّةً فِي الْقُعُودِ الْأَخِيرِ فَسَجَدَهَا أَوْ تَذَكَّرَ فِي الرُّكُوعِ أَنَّهُ لَمْ يَقْرَأْ السُّورَةَ فَعَادَ لِقِرَاءَتِهَا ارْتَفَضَ مَا كَانَ فِيهِ؛ لِأَنَّ التَّرْتِيبَ فِيهِ فَرْضٌ كَمَا أَسْلَفْنَاهُ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ لَهُ أَنْ يَقْضِيَ السَّجْدَةَ الْمَتْرُوكَةَ عَقِبَ التَّذَكُّرِ وَلَهُ أَنْ يُؤَخِّرَهَا إلَى آخِرِ الصَّلَاةِ فَيَقْضِيَهَا هُنَاكَ اهـ. وَبِمَا ذُكِرَ هُنَا ظَهَرَ ضَعْفُ مَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ مِنْ أَنَّ الْإِمَامَ لَوْ صَلَّى رَكْعَةً وَتَرَكَ مِنْهَا سَجْدَةً وَصَلَّى أُخْرَى وَسَجَدَ لَهَا فَتَذَكَّرَ الْمَتْرُوكَةَ فِي السُّجُودِ أَنَّهُ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ وَيَسْجُدُ الْمَتْرُوكَةَ، ثُمَّ يُعِيدُ مَا كَانَ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا ارْتَفَضَتْ فَيُعِيدُهَا اسْتِحْسَانًا اهـ. فَإِنَّك قَدْ عَلِمْت أَنَّهَا لَا تَرْتَفِضُ وَأَنَّ الْإِعَادَةَ مُسْتَحَبَّةٌ وَمُقْتَضَى الِارْتِفَاضِ افْتِرَاضُ الْإِعَادَةِ وَهُوَ مُقْتَضٍ لِافْتِرَاضِ التَّرْتِيبِ، وَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى وُجُوبِهِ. (قَوْلُهُ وَيَتَعَيَّنُ الْمَأْمُومُ الْوَاحِدُ لِلِاسْتِخْلَافِ بِلَا نِيَّةٍ) لِمَا فِيهِ مِنْ صِيَانَةِ الصَّلَاةِ، وَتَعْيِينُ الْأَوَّلِ لِقَطْعِ الْمُزَاحَمَةِ وَلَا مُزَاحِمَ وَصَارَ الْإِمَامُ مُؤْتَمًّا إذَا خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَسْجِدِ فَهُوَ عَلَى إمَامَتِهِ حَتَّى يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ، وَكَذَا لَوْ تَوَضَّأَ فِي الْمَسْجِدِ يَسْتَمِرُّ عَلَى إمَامَتِهِ. أَطْلَقَ فِي الْمَأْمُومِ فَشَمِلَ مَنْ يَصْلُحُ لِلْإِمَامَةِ وَمَنْ لَا يَصْلُحُ مِثْلَ الْمَرْأَةِ وَالصَّبِيِّ وَالْخُنْثَى وَالْأُمِّيِّ وَالْأَخْرَسِ وَالْمُتَنَفِّلِ خَلْفَ الْمُفْتَرِضِ وَالْمُقِيمِ خَلْفَ الْمُسَافِرِ فِي الْقَضَاءِ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ قِيلَ بِفَسَادِ صَلَاةِ الْإِمَامِ خَاصَّةً وَقِيلَ بِفَسَادِ صَلَاتِهِمَا وَالْأَصَحُّ فَسَادُ صَلَاةِ الْمُقْتَدِي دُونَ الْإِمَامِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَةَ لَمْ تَتَحَوَّلْ عَنْهُ فَبَقِيَ إمَامًا وَبَقِيَ الْمُقْتَدِي بِلَا إمَامٍ لَهُ فَحِينَئِذٍ يَتَعَيَّنُ لِلْإِمَامَةِ فَإِطْلَاقُ الْمُخْتَصَرِ مُنْصَرِفٌ لِمَنْ يَصْلُحُ لِلْإِمَامَةِ وَمَحَلُّ الِاخْتِلَافِ عِنْدَ عَدَمِ الِاسْتِخْلَافِ، وَأَمَّا إذَا اسْتَخْلَفَهُ فَأَجْمَعُوا عَلَى بُطْلَانِ صَلَاةِ الْإِمَامِ الْمُسْتَخْلَفِ وَقَيَّدَ بِكَوْنِ الْمَأْمُومِ وَاحِدًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُتَعَدِّدًا فَلَا يَتَعَيَّنُ إلَّا بِتَعْيِينِ الْإِمَامِ أَوْ الْقَوْمِ أَوْ يَتَعَيَّنُ هُوَ بِالْمُتَقَدِّمِ وَيَقْتَدِي بِهِ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَفِي التَّجْنِيسِ رَجُلٌ أَمَّ رَجُلًا وَاحِدًا فَأَحْدَثَا جَمِيعًا وَخَرَجَا جَمِيعًا مِنْ الْمَسْجِدِ فَصَلَاةُ الْإِمَامِ تَامَّةٌ؛ لِأَنَّهُ مُنْفَرِدٌ يَبْنِي عَلَى صَلَاتِهِ وَصَلَاةُ الْمُقْتَدِي فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّهُ مُقْتَدٍ لَيْسَ لَهُ إمَامٌ فِي الْمَسْجِدِ. اهـ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ لَمْ تَتَحَوَّلْ عَنْهُ) أَيْ لِعَدَمِ صَلَاحِيَّةِ الْمُؤْتَمِّ لَهَا قَالَ فِي النَّهْرِ وَلَا بُدَّ أَنْ يُقَيَّدَ هَذَا بِمَا إذَا خَرَجَ الْإِمَامُ مِنْ الْمَسْجِدِ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَخْرُجْ فَهُوَ عَلَى إمَامَتِهِ حَتَّى لَوْ تَوَضَّأَ فِي الْمَسْجِدِ وَعَادَ إلَى مَكَانِهِ صَحَّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 405 بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (بَابُ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ وَمَا يُكْرَهُ فِيهَا) لَمَّا كَانَ سَبْقُ الْحَدَثِ عَارِضًا سَمَاوِيًّا وَالْمُفْسِدَاتُ عَارِضًا كَسْبِيًّا قَدَّمَ ذَاكَ وَأَخَّرَ هَذَا وَالْفَسَادُ وَالْبُطْلَانُ فِي الْعِبَادَاتِ سَوَاءٌ (قَوْلُهُ يُفْسِدُ الصَّلَاةَ التَّكَلُّمُ) لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ «إنَّ صَلَاتَنَا هَذِهِ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ إنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ» وَفِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ «إنَّمَا هِيَ» وَمَا لَا يَصْلُحُ فِيهَا مُبَاشَرَتُهُ يُفْسِدُهَا مُطْلَقًا كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْمَكْرُوهُ غَيْرُ صَالِحٍ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ وَالنَّصُّ يَقْتَضِي انْتِفَاءَ الصَّلَاحِ مُطْلَقًا أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْعَمْدَ وَالنِّسْيَانَ وَالْخَطَأَ وَالْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ لِإِصْلَاحِ صَلَاتِهِ أَوْ لَا عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ أَوْ لَا وَلِهَذَا عَبَّرَ بِالتَّكَلُّمِ دُونَ الْكَلَامِ لِيَشْمَلَ الْكَلِمَةَ الْوَاحِدَةَ كَمَا عَبَّرَ بِهَا فِي الْمَجْمَعِ لِأَنَّ التَّكَلُّمَ هُوَ النُّطْقُ يُقَالُ تَكَلَّمَ بِكَلَامٍ وَتَكَلَّمَ كَلَامًا كَذَا فِي ضِيَاءِ الْحُلُومِ وَسَوَاءٌ أَسْمَعَ غَيْرَهُ أَوْ لَا وَإِنْ لَمْ يُسْمِعْ نَفْسَهُ وَصَحَّحَ الْحُرُوفَ فَعَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ تَفْسُدُ وَحُكِيَ عَنْ الْإِمَامِ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ عَدَمُهُ وَالِاخْتِلَافُ فِيهِ نَظِيرُ الِاخْتِلَافِ فِيمَا إذَا قَرَأَ فِي صَلَاتِهِ وَلَمْ يُسْمِعْ نَفْسَهُ هَلْ تَجُوزُ صَلَاتُهُ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَفِي الْمُحِيطِ النَّفْخُ الْمَسْمُوعُ الْمُهَجِّي مُفْسِدٌ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ لَهُمَا أَنَّ الْكَلَامَ اسْمٌ لِحُرُوفٍ مَنْظُومَةٍ مَسْمُوعَةٍ مِنْ مَخْرَجِ الْكَلَامِ لِأَنَّ الْإِفْهَامَ بِهَذَا يَقَعُ وَأَدْنَى مَا يَقَعُ بِهِ انْتِظَامُ الْحُرُوفِ حَرْفَانِ اهـ. وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنَّ أَدْنَاهُ حَرْفَانِ أَوْ حَرْفٌ مُفْهِمٌ كَعِ أَمْرٌ أَوْ كَذَا ق فَإِنَّ فَسَادَ الصَّلَاةِ بِهِمَا ظَاهِرٌ وَشَمِلَ الْكَلَامَ فِي النَّوْمِ وَهُوَ قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ الْمَشَايِخِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَاخْتَارَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ   [منحة الخالق] [بَابُ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ وَمَا يُكْرَهُ فِيهَا] (قَوْلُهُ وَالْفَسَادُ وَالْبُطْلَانُ فِي الْعِبَادَاتِ سَوَاءٌ) لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِمَا خُرُوجُ الْعِبَادَةِ عَنْ كَوْنِهَا عِبَادَةً بِسَبَبِ فَوَاتِ بَعْضِ الْفَرَائِضِ وَعَبَّرُوا عَمَّا يُفَوِّتُ الْوَصْفَ مَعَ بَقَاءِ الْفَرَائِضِ مِنْ الشُّرُوطِ وَالْأَرْكَانِ بِالْكَرَاهَةِ بِخِلَافِ الْمُعَامَلَاتِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ كَذَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا (قَوْلُهُ كَمَا عَبَّرَ بِهَا فِي الْمَجْمَعِ) حَيْثُ قَالَ وَنُفْسِدُهَا بِالْكَلِمَةِ الْوَاحِدَةِ اهـ. وَكَانَ النُّسْخَةُ الَّتِي وَقَعَتْ لِصَاحِبِ النَّهْرِ عَبَّرَ فِيهَا بِالْكَلَامِ بَدَلَ الْكَلِمَةِ فَقَالَ وَهَذَا أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ الْمَجْمَعِ بِالْكَلَامِ كَذَا فِي الْبَحْرِ وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ مَبْنَاهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ النَّحْوِيُّ وَلَيْسَ بِمُتَعَيَّنٍ لِجَوَازِ أَنْ يُرَادَ بِهِ اللُّغَوِيُّ بَلْ هُوَ الظَّاهِرُ اهـ يَعْنِي إذَا كَانَ الْمُرَادُ بِالْكَلَامِ اللُّغَوِيَّ يَكُونُ شَامِلًا لِلْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَيُسَاوِي تَعْبِيرَ الْمُصَنِّفِ بِالتَّكَلُّمِ فَلَا يَكُونُ أَوْلَى لَكِنْ قَدْ عَلِمْت مَا عَبَّرَ بِهِ فِي الْمَجْمَعِ عَلَى أَنَّ الْمُؤَلِّفَ لَمْ يَدَّعِ الْأَوْلَوِيَّةَ بَلْ دَعْوَاهُ أَنَّ التَّكَلُّمَ شَامِلٌ لِلْكَثِيرِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ عِبَارَةُ الْمَجْمَعِ مَفْهُومًا وَلِلْقَلِيلِ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ مَنْطُوقًا وَلَيْسَ فِيهِ مَا يُشْعِرُ بِتَقْيِيدِهِ بِالنَّحْوِيِّ أَوْ اللُّغَوِيِّ فِي عِبَارَةِ الْمَجْمَعِ (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ إنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ نَحْوِ ع وق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 2 وَغَيْرُهُ أَنَّهَا لَا تَفْسُدُ وَأَمَّا مَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ «إنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» فَهُوَ مِنْ بَابِ الْمُقْتَضَى وَلَا عُمُومَ لَهُ لِأَنَّهُ ضَرُورِيٌّ فَوَجَبَ تَقْدِيرُهُ عَلَى وَجْهٍ يَصِحُّ وَالْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ عَلَى أَنَّ رَفْعَ الْإِثْمِ مُرَادٌ فَلَا يُرَادُ غَيْرُهُ وَإِلَّا لَزِمَ تَعْمِيمُهُ وَهُوَ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الضَّرُورَةِ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إنَّ حَدِيثَ ذِي الْيَدَيْنِ الثَّابِتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ فَإِنَّهُ تَكَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ حِينَ سَلَّمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ سَاهِيًا وَتَكَلَّمَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَانَ حُجَّةً لِلْجُمْهُورِ بِأَنَّ كَلَامَ النَّاسِي وَمَنْ يَظُنُّ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا لَا يُفْسِدُهَا فَإِنْ أُجِيبَ بِأَنَّ حَدِيثَ ذِي الْيَدَيْنِ مَنْسُوخٌ كَانَ فِي الِابْتِدَاءِ حِينَ كَانَ الْكَلَامُ فِيهَا مُبَاحًا فَمَمْنُوعٌ لِأَنَّهُ رِوَايَةُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ مُتَأَخِّرُ الْإِسْلَامِ وَإِنْ أُجِيبَ بِجَوَازِ أَنْ يَرْوِيَهُ عَنْ غَيْرِهِ وَلَمْ يَكُنْ حَاضِرًا فَغَيْرُ صَحِيحٍ لِمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْهُ «بَيْنَمَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَسَاقَ الْوَاقِعَةَ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي حُضُورِهِ وَلَمْ أَرَ عَنْهُ جَوَابًا شَافِيًا وَأَرَادَ مِنْ التَّكَلُّمِ التَّكَلُّمَ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ لِمَا سَيَأْتِي أَنَّهُ لَوْ عَطَسَ أَوْ تَجَشَّا فَحَصَلَ مِنْهُ كَلَامٌ لَا تَفْسُدُ لِتَعَذُّرِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَدَخَلَ فِي التَّكَلُّمِ الْمَذْكُورِ قِرَاءَةُ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالزَّبُورِ فَإِنَّهُ يُفْسِدُ كَمَا فِي الْمُجْتَبَى وَقَالَ فِي الْأَصْلِ لَمْ يُجْزِهِ وَفِي جَامِعِ الْكَرْخِيِّ فَسَدَتْ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إنْ أَشْبَهَ التَّسْبِيحَ جَازَ. (قَوْلُهُ وَالدُّعَاءُ بِمَا يُشْبِهُ كَلَامَنَا) أَفْرَدَهُ وَإِنْ دَخَلَ فِي التَّكَلُّمِ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ لَا يُفْسِدُهَا بِالدُّعَاءِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَتَعَلَّقَ قَوْلُهُ بِمَا يُشْبِهُ كَلَامَنَا بِالتَّكَلُّمِ وَالدُّعَاءِ وَقَدْ قَدَّمْنَا بِأَنَّ الدُّعَاءَ بِمَا يُشْبِهُ كَلَامَنَا هُوَ مَا أَمْكَنَ سُؤَالُهُ مِنْ الْعِبَادِ كَاللَّهُمَّ أَطْعِمْنِي أَوْ اقْضِ دَيْنِي وَارْزُقْنِي فُلَانَةَ عَلَى الصَّحِيحِ وَمَا اسْتَحَالَ طَلَبُهُ مِنْ الْعِبَادِ فَلَيْسَ مِنْ كَلَامِنَا مِثْلَ الْعَافِيَةِ وَالْمَغْفِرَةِ وَالرِّزْقِ سَوَاءٌ كَانَ لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ وَلَوْ لِأَخِيهِ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَوْ قَالَ أَلْ ثُمَّ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ أَوْ لَمْ يَقُلْ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَقَالَ الْمَرْغِينَانِيُّ إنَّ أَنْصَافَ الْكَلِمَةِ مِثْلُ كُلِّ الْكَلِمَةِ تُفْسِدُ صَلَاتَهُ ثُمَّ ذَكَرَ ضَابِطًا لِلدُّعَاءِ بِمَا يُشْبِهُ كَلَامَنَا فَقَالَ الْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا دَعَا بِمَا جَاءَ فِي الصَّلَاةِ أَوْ فِي الْقُرْآنِ أَوْ فِي الْمَأْثُورِ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْقُرْآنِ أَوْ فِي الْمَأْثُورِ وَلَا يَسْتَحِيلُ سُؤَالُهُ تَفْسُدُ وَإِنْ كَانَ يَسْتَحِيلُ سُؤَالُهُ لَا تَفْسُدُ اهـ وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعَمِّي أَوْ خَالِي   [منحة الخالق] مُنْتَظِمٌ مِنْ حُرُوفٍ تَقْدِيرًا فَهُوَ دَاخِلٌ فِي تَعْرِيفِ الْكَلَامِ الْمَذْكُورِ وَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلَمْ أَرَ عَنْهُ جَوَابًا شَافِيًا) . أَقُولُ: فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَسْتَقِيمُ هَذَا فَإِنَّ رَاوِيَ حَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ أَبُو هُرَيْرَةَ وَهُوَ أَسْلَمَ بَعْدَ فَتْحِ خَيْبَرَ وَقَدْ «قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَتَحْرِيمُ الْكَلَامِ كَانَ ثَابِتًا حِينَ قَدِمَ ابْنُ مَسْعُودٍ مِنْ الْحَبَشَةِ وَذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْهِجْرَةِ قُلْنَا مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى بِنَا أَيْ صَلَّى بِأَصْحَابِنَا وَلَا وَجْهَ لِلْحَدِيثِ إلَّا هَذَا لِأَنَّ ذَا الْيَدَيْنِ قُتِلَ بِبَدْرٍ وَاسْمُهُ مَشْهُورٌ شَهِدَ بَدْرًا وَذَلِكَ قَبْلَ فَتْحِ خَيْبَرَ بِزَمَانٍ طَوِيلٍ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَانْظُرْ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ الزَّيْلَعِيُّ يَظْهَرُ لَك الْجَوَابُ عَلَى أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ مِنْ الرِّوَايَةِ قَدْ ذَكَرَهُ فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ مِنْ حَدِيثٍ آخَرَ غَيْرِ حَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ وَعِبَارَةُ الْفَتْحِ قَوْلُهُ وَلَنَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّ صَلَاتَنَا» إلَخْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيُّ قَالَ «بَيْنَمَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ» إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ وَأَظُنُّ أَنَّ الْمُؤَلِّفَ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ هَذَا الْحَدِيثُ بِحَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ وَدَخَلَ فِي التَّكَلُّمِ الْمَذْكُورِ قِرَاءَةُ التَّوْرَاةِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَقُولُ: يَجِبُ حَمْلُ مَا فِي الْمُجْتَبَى عَلَى الْمُبْدَلِ مِنْهَا إنْ لَمْ يَكُنْ ذِكْرًا أَوْ تَنْزِيهًا وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ غَيْرَ الْمُبْدَلِ يَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ قِرَاءَتُهُ [الدُّعَاءُ بِمَا يُشْبِهُ كَلَامَنَا فِي الصَّلَاةِ] (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَتَعَلَّقَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ ظَاهِرُ مَا فِي الشَّرْحِ وَعَلَيْهِ جَرَى الْعَيْنِيُّ أَنَّهُ قُيِّدَ فِي الدُّعَاءِ فَقَطْ وَهُوَ الظَّاهِرُ لِاشْتِمَالِ الدُّعَاءِ عَلَى مَا يُشْبِهُ كَلَامَنَا وَمَا لَا يُشْبِهُهُ بِخِلَافِ التَّكَلُّمِ فَإِنَّهُ يُفْسِدُ وَإِنْ لَمْ يُشْبِهْ كَلَامَنَا كَالْمُهْمَلِ وَلَا شَكَّ أَنَّ كَوْنَهُ قَيْدًا فِيهِ يُخْرِجُهُ فَتَدَبَّرْ اهـ. وَتَعَقَّبَهُ الْغُنَيْمِيُّ بِمَا قَدَّمَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ التَّكَلُّمِ النُّطْقُ بِالْحُرُوفِ سُمِّيَ كَلَامًا أَوْ لَا فَكَأَنَّهُ نَسِيَ ذَلِكَ وَنَسِيَ أَيْضًا اعْتِرَاضَهُ عَلَى أَخِيهِ الْفَهَّامَةِ حَيْثُ قَالَ وَهَذَا أَيْ تَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِالتَّكَلُّمِ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ الْمَجْمَعِ بِالْكَلَامِ حَيْثُ قَالَ فِي الِاعْتِرَاضِ عَلَى ذَلِكَ وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ مَبْنَاهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ النَّحْوِيُّ وَلَيْسَ بِمُتَعَيَّنٍ لِجَوَازِ أَنْ يُرِيدَ اللُّغَوِيَّ بَلْ هُوَ الظَّاهِرُ اهـ. اعْتِرَاضُهُ فَأَنْتَ تَرَاهُ اسْتَظْهَرَ أَنَّ الْمُرَادَ الْكَلَامُ اللُّغَوِيُّ وَحِينَئِذٍ فَدَعْوَاهُ أَنَّ الْمُهْمَلَ لَا يُشْبِهُ كَلَامَ النَّاسِ مَمْنُوعٌ بَلْ هُوَ مُشْبِهٌ لِكَلَامِهِمْ لُغَةً مِنْ حَيْثُ إنَّهُ صَوْتٌ فِيهِ حُرُوفٌ وَقَوْلُهُ لَا شَكَّ أَنَّ كَوْنَهُ قَيْدًا فِيهِ يُخْرِجُهُ قَدْ عَلِمْت مِمَّا سَبَقَ أَنَّ كَوْنَهُ قَيْدًا فِيهِ يُدْخِلُهُ اهـ. كَذَا فِي حَوَاشِي شَرْحِ مِسْكِينٍ (قَوْلُهُ وَقَالَ الْمَرْغِينَانِيُّ إلَخْ) أَقُولُ: قَالَ فِي التَّجْنِيسِ وَإِنْ وَقَفَ عَلَى شَطْرِ كَلِمَةٍ ثُمَّ اسْتَأْنَفَ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَإِنْ قَبُحَ مَعْنَى الشَّطْرِ لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ اهـ. وَفِي زَلَّةِ الْقَارِئِ مِنْ فَتْحِ الْقَدِيرِ عَنْ الْخَانِيَّةِ إذَا أَرَادَ أَنْ يَقْرَأَ كَلِمَةً فَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ شَطْرَ كَلِمَةٍ فَرَجَعَ وَقَرَأَ الْأُولَى أَوْ رَكَعَ وَلَمْ يُتِمَّهَا إنْ كَانَ شَطْرُ كَلِمَةٍ لَوْ أَتَمَّهَا لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ لَا تَفْسُدْ وَإِنْ كَانَ لَوْ أَتَمَّهَا تَفْسُدْ وَلِلشَّطْرِ حُكْمُ الْكُلِّ وَهُوَ الصَّحِيحُ. اهـ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 3 فَإِنَّهُ نُقِلَ أَنَّهَا تَفْسُدُ اتِّفَاقًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ وَالْأَنِينُ وَالتَّأَوُّهُ وَارْتِفَاعُ بُكَائِهِ مِنْ وَجَعٍ أَوْ مُصِيبَةٍ لَا مِنْ ذِكْرِ جَنَّةٍ أَوْ نَارٍ) أَيْ يُفْسِدُهَا أَمَّا الْأَنِينُ فَهُوَ أَنْ يَقُولَ آهٍ كَمَا فِي الْكَافِي وَالتَّأَوُّهُ هُوَ أَنْ يَقُولَ أَوَّهْ وَيُقَالُ أَوَّهَ الرَّجُلُ تَأْوِيهًا وَتَأَوَّهَ تَأَوُّهًا إذَا قَالَ أَوَّهْ وَقَالَ فِي الْمُغْرِبِ وَهِيَ كَلِمَةُ تَوَجُّعٍ وَرَجُلٌ أَوَّاهٌ كَثِيرُ التَّأَوُّهِ وَذَكَرَ الْعَلَّامَةُ الْحَلَبِيُّ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ أَنَّ فِيهَا ثَلَاثَ عَشْرَةَ لُغَةً فَالْهَمْزَةُ مَفْتُوحَةٌ فِي سَائِرِهَا ثُمَّ قَدْ تُمَدُّ وَقَدْ لَا تُمَدُّ مَعَ تَشْدِيدِ الْوَاوِ الْمَفْتُوحَةِ وَسُكُونِ الْهَاءِ فَهَاتَانِ لُغَتَانِ وَلَا تُمَدُّ مَعَ تَشْدِيدِ الْوَاوِ الْمَكْسُورَةِ وَسُكُونِ الْهَاءِ وَكَسْرِهَا فَهَاتَانِ أُخْرَيَانِ وَمَعَ سُكُونِ الْوَاوِ وَكَسْرِ الْهَاءِ فَهَذِهِ خَامِسَةٌ وَمَعَ تَشْدِيدِ الْوَاوِ مَفْتُوحَةً وَمَكْسُورَةً بِلَا هَاءٍ فَهَاتَانِ سَادِسَةٌ وَسَابِعَةٌ وأَوْ عَلَى مِثَالِ أَوْ الْعَاطِفَةِ فَهَذِهِ ثَامِنَةٌ وَتُمَدُّ لَكِنْ يَلِيهَا هَاءٌ سَاكِنَةٌ وَمَكْسُورَةٌ بِلَا وَاوٍ فَهَاتَانِ تَاسِعَةٌ وَعَاشِرَةٌ وَالْحَادِيَةَ عَشْرَةَ وَالثَّانِيَةَ عَشْرَةَ أَوَّيَاهْ بِمَدِّ الْهَمْزَةِ وَعَدَمِهِ وَفَتْحِ الْوَاوِ الْمَشْدُودَةِ يَلِيهَا يَاءٌ مُثَنَّاهُ ثُمَّ أَلِفٌ ثُمَّ هَاءٌ سَاكِنَةٌ وَالثَّالِثَةَ عَشْرَةَ آوُوهُ بِمَدِّ الْهَمْزَةِ وَضَمِّ الْوَاوِ الْأُولَى وَسُكُونِ الثَّانِيَةِ بَعْدَهَا هَاءٌ سَاكِنَةٌ وَحِينَئِذٍ فَتَسْمِيَةُ آهٍ أَنِينًا وَأَوْهِ تَأَوُّهًا اصْطِلَاحٌ اهـ. يَعْنِي لَا لُغَةً لِأَنَّ مِنْ لُغَاتِ التَّأَوُّهِ آهٍ وَهِيَ الْعَاشِرَةُ وَأَمَّا ارْتِفَاعُ الْبُكَاءِ فَهُوَ أَنْ يَحْصُلَ بِهِ حُرُوفٌ وَقَوْلُهُ مِنْ وَجَعٍ أَوْ مُصِيبَةٍ قَيْدٌ لِلثَّلَاثَةِ وَقَوْلُهُ لَا مِنْ ذِكْرِ جَنَّةٍ أَوْ نَارٍ عَائِدٌ إلَى الْكُلِّ أَيْضًا فَالْحَاصِلُ أَنَّهَا إنْ كَانَتْ مِنْ ذِكْرِ الْجَنَّةِ أَوْ النَّارِ فَهُوَ دَالٌّ عَلَى زِيَادَةِ الْخُشُوعِ وَلَوْ صَرَّحَ بِهِمَا فَقَالَ اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك الْجَنَّةَ وَأَعُوذُ بِك مِنْ النَّارِ لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ وَجَعٍ أَوْ مُصِيبَةٍ فَهُوَ دَالٌّ عَلَى إظْهَارِهِمَا فَكَأَنَّهُ قَالَ إنِّي مُصَابٌ وَالدَّلَالَةُ تَعْمَلُ عَمَلَ الصَّرِيحِ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ صَرِيحٌ يُخَالِفُهَا وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَهُمَا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إنَّ قَوْلَهُ آهٍ لَا يُفْسِدُ فِي الْحَالَيْنِ وَأَوْهِ يُفْسِدُ وَقِيلَ الْأَصْلُ عِنْدَهُ أَنَّ الْكَلِمَةَ إذَا اشْتَمَلَتْ عَلَى حَرْفَيْنِ وَهُمَا زَائِدَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا لَا تُفْسِدُ، وَإِنْ كَانَتَا أَصْلِيَّتَيْنِ تُفْسِدُ وَحُرُوفُ الزَّوَائِدِ مَجْمُوعَةٌ فِي قَوْلِنَا أَمَانٌ وَتَسْهِيلٌ وَنَعْنِي بِالزَّوَائِدِ أَنَّ الْكَلِمَةَ لَوْ زِيدَ فِيهَا حَرْفٌ لَكَانَ مِنْ هَذِهِ الْحُرُوفِ لَا أَنَّ هَذِهِ الْحُرُوفَ زَوَائِدُ أَيْنَمَا وَقَعَتْ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ لَا يَقْوَى لِأَنَّ كَلَامَ النَّاسِ فِي مُتَفَاهَمِهِمْ أَيْ أَهْلِ الْعُرْفِ يَتْبَعُ وُجُودَ حُرُوفِ الْهِجَاءِ وَإِفْهَامَ الْمَعْنَى وَيَتَحَقَّقُ ذَلِكَ فِي حُرُوفٍ كُلُّهَا زَوَائِدُ اهـ. وَتَعَقَّبَهُ الشَّارِحُونَ بِأَنَّ أَبَا يُوسُفَ إنَّمَا يَجْعَلُ حُرُوفَ الزَّوَائِدِ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ إذَا قَلَّتْ لَا إذَا كَثُرَتْ وَأَجَابَ عَنْهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهُ أَرَادَ بِالْجَمْعِ الِاثْنَيْنِ فَصَاعِدًا وَجَعَلَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ مَحَلَّ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا أَمْكَنَ الِامْتِنَاعُ عَنْهُ أَمَّا مَا لَا يُمْكِنُ الِامْتِنَاعُ عَنْهُ فَلَا يُفْسِدُ عِنْدَ الْكُلِّ كَالْمَرِيضِ إذَا لَمْ يَمْلِكْ نَفْسَهُ مِنْ الْأَنِينِ وَالتَّأَوُّهِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ كَالْعُطَاسِ وَالْجُشَاءِ إذَا حَصَلَ بِهِمَا حُرُوفٌ قَيَّدَ بِالْأَنِينِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ لَوْ اسْتَعْطَفَ كَلْبًا أَوْ هِرَّةً أَوْ سَاقَ حِمَارًا لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ صَوْتٌ لَا هِجَاءَ لَهُ وَقَيَّدَ بِارْتِفَاعِ بُكَائِهِ لِأَنَّهُ لَوْ خَرَجَ دَمْعُهُ مِنْ غَيْرِ صَوْتٍ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ بِلَا خِلَافٍ فِي كُلِّ حَالٍ كَذَا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ وَالتَّأْفِيفُ كَالْأَنِينِ كَأُفْ وَتُفْ ثُمَّ أُفْ اسْمُ فِعْلٍ لِأَتَضَجَّر وَقِيلَ لِتَضَجَّرْت وَسَوَاءٌ أَرَادَ بِهِ تَنْقِيَةَ مَوْضِعِ سُجُودِهِ أَوْ أَرَادَ بِهِ التَّأْفِيفَ فَإِنَّ الصَّلَاةَ تَفْسُدُ عِنْدَهُمَا مُطْلَقًا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ بِعَدَمِهِ لَكِنْ فِي الْمُجْتَبَى الصَّحِيحُ أَنَّ خِلَافَهُ إنَّمَا هُوَ فِي الْمُخَفَّفِ وَفِي الْمُشَدَّدِ تَفْسُدُ عِنْدَهُمْ وَيُعَارِضُهُ مَا فِي الْخُلَاصَةِ أَنَّ الْأَصْلَ عِنْدَهُ أَنَّ فِي الْحَرْفَيْنِ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَفِي أَرْبَعَةِ أَحْرُفٍ تَفْسُدُ وَفِي ثَلَاثَةِ أَحْرُفٍ   [منحة الخالق] [الْأَنِينُ وَالتَّأَوُّهُ وَارْتِفَاعُ بُكَائِهِ فِي الصَّلَاةِ] قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَارْتِفَاعُ بُكَائِهِ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَفِي الصِّحَاحِ اُلْبُكَا يُمَدُّ وَيُقْصَرُ فَإِذَا مَدَدْت أَرَدْت الصَّوْتَ الَّذِي مَعَ الْبُكَاءِ وَإِذَا قَصَرْت أَرَدْت الدُّمُوعَ وَخُرُوجَهَا (قَوْلُهُ فَهُوَ أَنْ يَقُولَ آهٍ) قَالَ فِي النَّهْرِ الْأَنِينُ هُوَ صَوْتُ الْمُتَوَجِّعِ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَخَصَّهُ الْعَيْنِيُّ بِالْحَاصِلِ مِنْ قَوْلِهِ آهٍ وَقِيلَ هُوَ قَوْلُ آهْ اهـ. وَهُوَ بِقَصْرِ الْهَمْزَةِ مَفْتُوحَةً كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ لِلشَّيْخِ إبْرَاهِيمَ الْحَلَبِيِّ وَمِثْلُهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ تَاجِ الشَّرِيعَةِ وَزَادَ أَنَّهُ تَوَجُّعُ الْعَجَمِ وَهُوَ عَلَى وَزْنِ دَعْ اهـ. وَهَذَا هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ الْعِنَايَةِ حَيْثُ جَعَلَهُ حَرْفَيْنِ فِي أَثْنَاءِ تَقْرِيرِ الْمَتْنِ (قَوْلُهُ ثَلَاثَ عَشْرَةَ) أَقُولُ: كَانَ نُسْخَةُ الرَّمْلِيِّ ثَلَاثَةَ عَشَرَ فَاعْتَرَضَ بِأَنَّ الصَّوَابَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ (قَوْلُهُ فَتَسْمِيَةُ آهٍ أَنِينًا وَأَوَّهْ تَأَوُّهًا اصْطِلَاحٌ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا إنَّمَا يَتَأَتَّى عَلَى مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَفْظُ آهٍ أَمَّا عَلَى أَنَّهُ صَوْتُ الْمُتَوَجِّعِ فَإِنَّ الْفَرْقَ بَيِّنٌ اهـ. أَقُولُ: وَكَذَلِكَ الْفَرْقُ بَيِّنٌ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَفْظُ آهٍ لِأَنَّ مَا هُنَا مَمْدُودٌ وَمَا مَا مَرَّ مَقْصُورٌ كَمَا عَلِمْته مِمَّا نَقَلْنَاهُ عَنْ شَرْحِ الْمُنْيَةِ والشُّرُنبُلالِيَّة (قَوْلُهُ وَحُرُوفُ الزَّوَائِدِ مَجْمُوعَةٌ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ قَالَ الشَّيْخُ شَعْبَانُ فِي تَصْحِيحِ أَلْفِيَّةِ ابْنِ مُعْطِي أَنَّهَا جُمِعَتْ عِشْرِينَ جَمْعًا وَسَرَدَهَا لَكِنْ بَعْضُهَا مُؤَاخَذٌ فِيهِ وَلَمْ يَجْمَعْهَا أَحَد أَرْبَعَ مَرَّاتٍ إلَّا ابْنَ مَالِكٍ فِي شَرْحِ الْكَافِيَةِ حَيْثُ قَالَ هَنَاءٌ وَتَسْلِيمٌ تَلَا يَوْمَ أُنْسِهِ ... نِهَايَةُ مَسْئُولٍ أَمَانٌ وَتَسْهِيلٌ قَالَ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ تَلَا ثُلَاثِيٌّ مِنْ بَنَاتِ الْيَاءِ وَإِذَا رُسِمَ بِهَا تَكَرَّرَ مَعْنَى وَضْعِ الْيَاءِ كَمَا تَكَرَّرَ مَعْنَى وَضْعِ لَفْظِ الْهَاءِ وَلَيْسَ بِجَيِّدٍ وَالصَّوَابُ أَنْ يُؤْتِيَ بِهَا عَلَى لَفْظِ الْمُطَابَقَةِ لَفْظًا وَخَطًّا كَقَوْلِ بَعْضِهِمْ سَأَلْتُمُونِيهَا أَوْ قَوْلِي أَسْهَلُ مَا تَنْوِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 4 اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهَا وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا لَا تَفْسُدُ اهـ. وَبِمَا فِيهَا انْدَفَعَ مَا اعْتَرَضَ بِهِ الشَّارِحُونَ عَلَى الْهِدَايَةِ فِي قَوْلِهِ وَيَتَحَقَّقُ ذَلِكَ فِي حُرُوفٍ كُلُّهَا زَوَائِدُ كَمَا لَا يَخْفَى وَفِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ لَدَغَتْهُ عَقْرَبُ أَوْ أَصَابَهُ وَجَعٌ فَقَالَ بِسْمِ اللَّهِ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْأَنِينِ وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَقِيلَ لَا تَفْسُدُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ وَفِي النِّصَابِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَجَزَمَ بِهِ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَكَذَا لَوْ قَالَ يَا رَبِّ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَوْ وَسْوَسَهُ الشَّيْطَانُ فَقَالَ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ إنْ كَانَ ذَلِكَ لِأَمْرِ الْآخِرَةِ لَا تَفْسُدُ وَإِنْ كَانَ لِأَمْرِ الدُّنْيَا تَفْسُدُ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَلَوْ عَوَّذَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ لِلْحُمَّى وَنَحْوِهَا تَفْسُدُ عِنْدَهُمْ اهـ بِخِلَافِ التَّعَوُّذِ لِدَفْعِ الْوَسْوَسَةِ لَا تَفْسُدُ مُطْلَقًا كَمَا فِي الْقُنْيَةِ (قَوْلُهُ وَالتَّنَحْنُحُ بِلَا عُذْرٍ) وَهُوَ أَنْ يَقُولَ أَحْ بِالْفَتْحِ وَالضَّمِّ وَالْعُذْرُ وَصْفٌ يَطْرَأُ عَلَى الْمُكَلَّفِ يُنَاسِبُ التَّسْهِيلَ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ التَّنَحْنُحُ لِعُذْرٍ فَإِنَّهُ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ حَصَلَ بِهِ حُرُوفٌ لِأَنَّهُ جَاءَ مِنْ قِبَلِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ فَجُعِلَ عَفْوًا، وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَلَا غَرَضٍ صَحِيحٍ فَهُوَ مُفْسِدٌ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ فِي الْحَرْفَيْنِ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ عُذْرٍ لَكِنْ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ كَتَحْسِينِ صَوْتِهِ لِلْقِرَاءَةِ أَوْ لِلْإِعْلَامِ أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ أَوْ لِيَهْتَدِيَ إمَامُهُ عِنْدَ خَطَئِهِ فَفِيهِ اخْتِلَافٌ فَظَاهِرُ الْكِتَابِ وَالظَّهِيرِيَّةِ اخْتِيَارُ الْفَسَادِ لَكِنْ الصَّحِيحُ عَدَمُهُ لِأَنَّ مَا لِلْقِرَاءَةِ مُلْحَقٌ بِهَا كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَغَيْرِهِ فَلَوْ قَالَ بِلَا عُذْرٍ وَغَرَضٍ صَحِيحٍ لَكَانَ أَوْلَى إلَّا أَنْ يَسْتَعْمِلَ الْعُذْرَ فِيمَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْمُضْطَرِّ إلَيْهِ قَيَّدْنَا بِأَنْ يَظْهَرَ لَهُ حُرُوفٌ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ حُرُوفٌ مُهَجَّاةٌ فَإِنَّهُ لَا يُفْسِدُهَا اتِّفَاقًا لَكِنَّهُ مَكْرُوهٌ وَهُوَ مَحْمَلُ قَوْلِ مَنْ قَالَ إنَّ التَّنَحْنُحَ قَصْدًا وَاخْتِيَارًا مَكْرُوهٌ لِأَنَّهُ عَبَثٌ لِعُرُوُّهِ عَنْ الْفَائِدَةِ وَقَيَّدَ بِالتَّنَحْنُحِ لِأَنَّهُ لَوْ تَثَاءَبَ فَحَصَلَ مِنْهُ صَوْتٌ أَوْ عَطْسٌ فَحَصَلَ مِنْهُ صَوْتٌ مَعَ الْحُرُوفِ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ ثُمَّ قَالَ التَّنَحْنُحُ فِي الصَّلَاةِ إنْ لَمْ يَكُنْ مَسْمُوعًا لَا تَفْسُدُ وَإِنْ كَانَ مَسْمُوعًا يُفْسِدُ ظَنَّ بَعْضُ مَشَايِخِنَا أَنَّ الْمَسْمُوعَ مَا يَكُونُ مُهْجًى نَحْوَ أَحْ وَتُفْ وَغَيْرَ الْمَسْمُوعِ مَا لَا يَكُونُ مُهْجًى إلَى هَذَا مَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا لَمْ يَشْتَرِطُوا وَإِلَيْهِ مَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ خُوَاهَرْ زَادَهْ حَتَّى قِيلَ إذَا قَالَ فِي صَلَاتِهِ مَا يُسَاقُ بِهِ الْحِمَارُ لَا تَفْسُدُ إذَا لَمْ يَحْصُلْ بِهِ الْحُرُوفُ. اهـ. وَاخْتَارَ الْأَوَّلَ صَاحِبُ الْخُلَاصَةِ وَذَكَرَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُفْسِدْ فَهُوَ مَكْرُوهٌ (قَوْلُهُ وَجَوَابُ عَاطِسٍ بِيَرْحَمُك اللَّهُ) أَيْ يُفْسِدُهَا لِأَنَّهُ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِقَائِلِهِ وَهُوَ مُعَاوِيَةُ بْنُ الْحَكَمِ إنَّ صَلَاتَنَا هَذِهِ لَا يَصِحُّ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ فَجَعْلُ التَّشْمِيتِ مِنْهُ قَيْدٌ بِكَوْنِهِ جَوَابًا لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ الْعَاطِسُ لِنَفْسِهِ يَرْحَمُك اللَّهُ يَا نَفْسِي لَا تَفْسُدُ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ خِطَابًا لِغَيْرِهِ لَمْ يُعْتَبَرْ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ كَمَا إذَا قَالَ يَرْحَمُنِي اللَّهُ وَقُيِّدَ بِقَوْلِهِ يَرْحَمُك اللَّهُ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ الْعَاطِسُ أَوْ السَّامِعُ الْحَمْدُ لِلَّهِ لَا تَفْسُدُ لِأَنَّهُ لَمْ يُتَعَارَفْ جَوَابًا وَإِنْ قَصَدَهُ وَفِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ وَمَحَلُّهُ عِنْدَ إرَادَةِ الْجَوَابِ أَمَّا إذَا لَمْ يُرِدْهُ بَلْ قَالَهُ رَجَاءَ الثَّوَابِ لَا تَفْسُدُ بِالِاتِّفَاقِ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَمَحَلُّهُ أَيْضًا عِنْدَ عَدَمِ إرَادَةِ التَّفْهِيمِ فَلَوْ أَرَادَهُ تَفْسُدُ صَلَاةُ السَّامِعِ الْقَائِلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ لِأَنَّهُ تَعْلِيمٌ لِلْغَيْرِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ كَمَا فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَشَرْحِهَا وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِالْجَوَابِ إلَى أَنَّ الْمُصَلِّي لَوْ عَطَسَ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ يَرْحَمُك اللَّهُ فَقَالَ الْعَاطِسُ آمِينَ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَلِهَذَا قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ رَجُلَانِ يُصَلِّيَانِ فَعَطَسَ أَحَدُهُمَا فَقَالَ رَجُلٌ خَارِجَ الصَّلَاةِ يَرْحَمُك اللَّهُ فَقَالَا جَمِيعًا آمِينَ تَفْسُدُ صَلَاةُ الْعَاطِسِ وَلَا تَفْسُدُ صَلَاةُ الْآخَرِ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْعُ لَهُ اهـ. أَيْ لَمْ يُجِبْهُ وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا فِي الذَّخِيرَةِ إذَا أَمَّنَ الْمُصَلِّي لِدُعَاءِ رَجُلٍ لَيْسَ فِي الصَّلَاةِ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ اهـ. وَهُوَ يُفِيدُ فَسَادَ صَلَاةِ الْمُؤَمِّنِ الَّذِي لَيْسَ بِعَاطِسٍ وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ كَمَا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَيُعَارِضُهُ مَا فِي الْخُلَاصَةِ أَنَّ الْأَصْلَ عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَطُرُقٍ فِي النَّهْرِ احْتِمَالَ أَنَّ عَنْهُ رِوَايَتَيْنِ وَعَلَيْهِ فَلَا مُعَارَضَةَ [التَّنَحْنُحُ بِلَا عُذْرٍ فِي الصَّلَاةِ] (قَوْلُهُ لَكِنْ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ إلَخْ) قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ قُلْت يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْغَرَضِ الصَّحِيحِ التَّنَحْنُحُ لِلتَّسْبِيحِ أَوْ التَّكْبِيرُ لِلِانْتِقَالَاتِ وَهِيَ حَادِثَةٌ. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ مَا لِلْقِرَاءَةِ مُلْحَقٌ بِهَا) لَا يَشْمَلُ التَّنَحْنُحَ لِإِعْلَامِ أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ (قَوْلُهُ وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا لَمْ يَشْتَرِطُوا) أَيْ أَنْ يَكُونَ مُهْجًى بَلْ الشَّرْطُ كَوْنُهُ مَسْمُوعًا وَعِبَارَةُ الْفَتْحِ وَبَعْضُهُمْ لَا يَشْتَرِطُ الْحُرُوفَ فِي الْإِفْسَادِ بَعْدَ كَوْنِهِ مَسْمُوعًا وَعَلَى هَذَا لَوْ نَفَّرَ طَائِرًا أَوْ دَعَاهُ بِمَا هُوَ مَسْمُوعٌ اهـ. فَقَوْلُهُ حَتَّى قِيلَ إذَا قَالَ فِي صَلَاتِهِ مَا يُسَاقُ بِهِ الْحِمَارُ لَا تَفْسُدُ إلَخْ تَفْرِيعٌ عَلَى الْأَوَّلِ إنْ كَانَتْ لَا فِي قَوْلِهِ لَا تَفْسُدُ ثَابِتَةً فِي أَصْلِ جَمِيعِ نُسَخِ الظَّهِيرِيَّةِ وَإِلَّا فَهُوَ تَفْرِيغٌ عَلَى الثَّانِي كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ وَاَلَّذِي رَأَيْته فِيمَا عِنْدِي مِنْ نُسْخَةِ الظَّهِيرِيَّةِ ثُبُوتُهَا فَتَأَمَّلْ [تشميت العاطس فِي الصَّلَاة] (قَوْلُهُ أَيْ لَمْ يُجِبْهُ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الضَّمِيرَ الْمَنْصُوبَ فِي قَوْلِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْعُ لَهُ عَائِدٌ إلَى الْمُصَلِّي الْآخَرِ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ عَائِدٌ إلَى الرَّجُلِ الْخَارِجِ أَيْ لِأَنَّ الْقَائِلَ يَرْحَمُك اللَّهُ إنَّمَا دَعَا بِذَلِكَ لِلْعَاطِسِ لَا لِلْمُصَلِّي الْآخَرِ فَكَانَ قَوْلُ الْعَاطِسِ آمِينَ جَوَابًا لِلدَّاعِي لَهُ بِخِلَافِ الْمُصَلِّي الْآخَرِ فَلَمْ يَكُنْ تَأْمِينُهُ جَوَابًا لَهُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَهُوَ يُفِيدُ فَسَادَ صَلَاةِ الْمُؤَمِّنِ الَّذِي لَيْسَ بِعَاطِسٍ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الثَّانِيَ تَأْمِينٌ لِدُعَائِهِ لِانْقِطَاعِهِ بِالْأَوَّلِ وَإِلَى هَذَا يُشِيرُ التَّعْلِيلُ اهـ. أَيْ التَّعْلِيلُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 5 لَا يَخْفَى وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْمُصَلِّي إذَا سَمِعَ الْأَذَانَ فَقَالَ مِثْلَ مَا يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ إنْ أَرَادَ جَوَابَهُ تَفْسُدُ وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ تَفْسُدُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْإِجَابَةَ وَكَذَلِكَ إذَا سَمِعَ اسْمَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَلَّى عَلَيْهِ فَهَذَا إجَابَةٌ فَتَفْسُدُ وَإِنْ صَلَّى عَلَيْهِ وَلَمْ يَسْمَعْ اسْمَهُ لَا تَفْسُدُ وَلَوْ قَالَ لَبَّيْكَ سَيِّدِي حِينَ قَرَأَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا فَفِيهِ قَوْلَانِ وَالْأَحْسَنُ أَنْ لَا يَفْعَلَ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَفِي الذَّخِيرَةِ مَعْزِيًّا إلَى نَوَادِرِ بِشْرٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا عَطَسَ الرَّجُلُ فِي الصَّلَاةِ حَمِدَ اللَّهَ فَإِنْ كَانَ وَحْدَهُ فَإِنْ شَاءَ أَسَرَّ بِهِ وَحَرَّكَ لِسَانَهُ وَإِنْ شَاءَ أَعْلَنَ وَإِنْ كَانَ خَلْفَ إمَامٍ أَسَرَّ بِهِ وَحَرَّكَ لِسَانَهُ ثُمَّ رَجَعَ أَبُو يُوسُفَ وَقَالَ لَا يُحَرِّكُ لِسَانَهُ مُطْلَقًا اهـ. وَهُوَ مُتَعَيَّنٌ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ فِي نَفْسِهِ وَالْأَحْسَنُ هُوَ السُّكُوتُ وَفِي الْقُنْيَةِ مَسْجِدٌ كَبِيرٌ يَجْهَرُ الْمُؤَذِّنُ فِيهِ بِالتَّكْبِيرَاتِ فَدَخَلَ فِيهِ رَجُلٌ نَادَى الْمُؤَذِّنَ أَنْ يَجْهَرَ بِالتَّكْبِيرِ فَرَفَعَ الْإِمَامُ لِلْحَالِ وَجَهَرَ الْمُؤَذِّنُ بِالتَّكْبِيرِ فَإِنْ قَصَدَ جَوَابَهُ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَكَذَا لَوْ قَالَ عِنْدَ خَتْمِ الْإِمَامِ قِرَاءَتَهُ صَدَقَ اللَّهُ وَصَدَقَ الرَّسُولُ وَكَذَا إذَا ذَكَرَ فِي تَشَهُّدِهِ الشَّهَادَتَيْنِ عِنْدَ ذِكْرِ الْمُؤَذِّنِ الشَّهَادَتَيْنِ تَفْسُدُ إنْ قَصَدَ الْإِجَابَةَ اهـ. (قَوْلُهُ وَفَتْحُهُ عَلَى غَيْرِ إمَامِهِ) أَيْ يُفْسِدُهَا لِأَنَّهُ تَعْلِيمٌ وَتَعَلُّمٌ لِغَيْرِ حَاجَةٍ قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُ لَوْ فَتَحَ عَلَى إمَامِهِ فَلَا فَسَادَ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ إصْلَاحُ صَلَاتِهِ أَمَّا إنْ كَانَ الْإِمَامُ لَمْ يَقْرَأْ الْفَرْضَ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا إنْ كَانَ قَرَأَ فَفِيهِ اخْتِلَافٌ وَالصَّحِيحُ عَدَمُ الْفَسَادِ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَفْتَحْ رُبَّمَا يَجْرِي عَلَى لِسَانِهِ مَا يَكُونُ مُفْسِدًا فَكَانَ فِيهِ إصْلَاحُ صَلَاتِهِ لِإِطْلَاقِ مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذَا اسْتَطْعَمَكُمْ الْإِمَامُ فَأَطْعِمُوهُ وَاسْتِطْعَامُهُ سُكُوتُهُ وَلِهَذَا لَوْ فَتَحَ عَلَى إمَامِهِ بَعْدَمَا انْتَقَلَ إلَى آيَةٍ أُخْرَى لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ لِإِطْلَاقِ الْمُرَخِّصِ وَفِي الْمُحِيطِ مَا يُفِيدُ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ فَإِنْ فِيهِ وَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ إذَا فَتَحَ عَلَى إمَامِهِ يَجُوزُ مُطْلَقًا لِأَنَّ الْفَتْحَ وَإِنْ كَانَ تَعْلِيمًا وَلَكِنَّ التَّعْلِيمَ لَيْسَ بِعَمَلٍ كَثِيرٍ وَأَنَّهُ تِلَاوَةٌ حَقِيقَةً فَلَا يَكُونُ مُفْسِدًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحْتَاجًا إلَيْهِ وَصَحَّحَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّهُ لَا تَفْسُدُ صَلَاةُ الْفَاتِحِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَتَفْسُدُ صَلَاةُ الْإِمَامِ إذَا أَخَذَ مِنْ الْفَاتِحِ بَعْد مَا انْتَقَلَ إلَى آيَةٍ أُخْرَى وَصَحَّحَ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي أَنَّهُ لَا تَفْسُدُ صَلَاةُ الْإِمَامِ أَيْضًا فَصَارَ الْحَاصِلُ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْفَتْحَ عَلَى إمَامِهِ لَا يُوجِبُ فَسَادَ صَلَاةِ أَحَدٍ لَا الْفَاتِحِ وَلَا الْآخِذِ مُطْلَقًا فِي كُلِّ حَالٍ ثُمَّ قِيلَ يَنْوِي الْفَاتِحُ بِالْفَتْحِ عَلَى إمَامِهِ التِّلَاوَةَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَنْوِي الْفَتْحَ دُونَ الْقِرَاءَةِ لِأَنَّ قِرَاءَةَ الْمُقْتَدِي مَنْهِيٌّ عَنْهَا وَالْفَتْحُ عَلَى إمَامِهِ غَيْرُ مَنْهِيٍّ عَنْهُ قَالُوا يُكْرَهُ لِلْمُقْتَدِي أَنْ يَفْتَحَ عَلَى إمَامِهِ مِنْ سَاعَتِهِ وَكَذَا يُكْرَهُ لِلْإِمَامِ أَنْ يُلْجِئَهُمْ إلَيْهِ بِأَنْ يَقِفَ سَاكِتًا بَعْدَ الْحَصْرِ أَوْ يُكَرِّرَ الْآيَةَ بَلْ يَرْكَعُ إذَا جَاءَ أَوَانُهُ أَوْ يَنْتَقِلُ إلَى آيَةٍ أُخْرَى لَمْ يَلْزَمْ مِنْ وَصْلِهَا مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ أَوْ يَنْتَقِلُ إلَى سُورَةٍ أُخْرَى كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي وَقْتٍ أَوَانِ الرُّكُوعِ فَفِي بَعْضِهَا اُعْتُبِرَ أَوَانُهُ الْمُسْتَحَبُّ وَفِي بَعْضِهَا اُعْتُبِرَ فَرْضُ الْقِرَاءَةِ يَعْنِي إذَا قَرَأَ مِقْدَارَ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ رَكَعَ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَأَرَادَ مِنْ الْفَتْحِ عَلَى غَيْرِ إمَامِهِ تَلْقِينَهُ عَلَى قَصْدِ التَّعْلِيمِ أَمَّا إنْ قَصَدَ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ فَلَا تَفْسُدُ عِنْدَ الْكُلِّ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا وَأَطْلَقَ فِي الْفَتْحِ الْمَذْكُورِ فَشَمِلَ مَا إذَا تَكَرَّرَ   [منحة الخالق] بِأَنَّهُ لَمْ يُجِبْهُ فَإِنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ الْإِجَابَةَ حَصَلَتْ بِتَأْمِينِ الْعَاطِسِ فَلَمْ يَكُنْ الثَّانِي تَأْمِينًا لِدُعَائِهِ وَكَلَامُ الذَّخِيرَةِ فِيهِ فَلْيُتَأَمَّلْ وَفِي شَرْحِ نَظْمِ الْكَنْزِ لِلْعَلَّامَةِ الْمَقْدِسِيَّ أَنَّ مَا فِي الذَّخِيرَةِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا دَعَا لَهُ لِيَكُونَ جَوَابًا أَمَّا إذَا دَعَا لِغَيْرِهِ فَلَا يَظْهَرُ كَوْنُهُ جَوَابًا فَلَا تَفْسُدُ اهـ. وَهُوَ أَوْلَى مِمَّا فِي النَّهْرِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّأْمِينَ فِي نَفْسِهِ غَيْرُ مُفْسِدٍ وَإِنَّمَا يُفْسِدُ إذَا كَانَ جَوَابًا وَهُوَ كَذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ الذَّخِيرَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الدُّعَاءُ لِلْمُصَلِّي بِخِلَافِ مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ لِأَنَّ الْجَوَابَ إنَّمَا يَكُونُ مِنْ الْمَدْعُوِّ لَهُ وَهُوَ الْعَاطِسُ فَقَطْ فَتَأْمِينُهُ مُفْسِدٌ بِخِلَافِ تَأْمِينِ الْآخَرِ وَيُوَضِّحُ هَذَا مَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ قَاضِي خَانْ لَوْ عَطَسَ الْمُصَلِّي فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ يَرْحَمُك اللَّهُ فَقَالَ الْمُصَلِّي آمِينَ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ أَجَابَهُ وَلَوْ قَالَ مَنْ بِجَنْبِهِ مَعَهُ أَيْضًا آمِينَ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ لِأَنَّ تَأْمِينَهُ لَيْسَ بِجَوَابٍ اهـ. وَالْمُرَادُ بِمَنْ بِجَنْبِهِ أَيْ مِنْ الْمُصَلِّينَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ لَكِنْ سَيَأْتِي بَعْدَ نَحْوِ وَرَقَةٍ عَنْ الْمُبْتَغَى لَوْ سَمِعَ الْمُصَلِّي مِنْ مُصَلٍّ آخَرَ {وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] فَقَالَ آمِينَ لَا تَفْسُدُ وَقِيلَ تَفْسُدُ وَعَلَيْهِ الْمُتَأَخِّرُونَ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْمُصَلِّيَ إذَا سَمِعَ الْآذَانَ إلَخْ) أَدْخَلَ فِي النَّهْرِ هَذِهِ الْفُرُوعَ تَحْتَ قَوْلِهِ وَالْجَوَابُ بِلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ قَالَ وَمَا سَلَكْنَاهُ أَوْلَى [الْفَتْحُ عَلَى غَيْرِ إمَامِهِ فِي الصَّلَاةِ] (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ تَعْلِيمٌ وَتَعَلُّمٌ لِغَيْرِ حَاجَةٍ) لِأَنَّ الْمُسْتَفْتِحَ كَأَنَّهُ يَقُولُ إذَا انْتَهَيْت إلَى هَذَا فَبَعْدَهُ مَاذَا وَاَلَّذِي فَتَحَ عَلَيْهِ كَأَنَّهُ يَقُولُ إذَا انْتَهَيْتَ إلَى هَذَا فَبَعْدَهُ هَذَا فَيَكُونُ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ كَذَا فِي السِّرَاجِ (قَوْلُهُ فَفِي بَعْضِهَا اُعْتُبِرَ أَوَانُهُ الْمُسْتَحَبُّ) قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ جِهَةِ الدَّلِيلِ أَلَا تَرَى إلَى مَا ذَكَرُوا «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِأُبَيٍّ هَلَّا فَتَحْتَ عَلَيَّ» مَعَ أَنَّهَا كَانَتْ سُورَةُ الْمُؤْمِنِينَ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ (قَوْلُهُ وَأَطْلَقَ فِي الْفَتْحِ الْمَذْكُورَ) أَيْ أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي الْفَتْحِ الْمُفْسِدِ وَهُوَ مَا يَكُونُ عَلَى غَيْرِ إمَامِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 6 مِنْهُ أَوْ كَانَ مَرَّةً وَاحِدَةً وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّهُ لَمَّا اُعْتُبِرَ كَلَامًا جَعَلَ نَفْسَهُ قَاطِعًا مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ كَمَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَفَصَّلَ فِي الْبَدَائِعِ بِأَنَّهُ إنْ فَتَحَ بَعْدَ اسْتِفْتَاحٍ فَصَلَاتُهُ تَفْسُدُ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ اسْتِفْتَاحٍ فَلَا تَفْسُدُ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ إنَّمَا تَفْسُدُ بِالتَّكْرَارِ اهـ. وَهُوَ خِلَافُ الْمَذْهَبِ كَمَا سَمِعْت وَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الْمَفْتُوحُ عَلَيْهِ مُصَلِّيًا أَوْ لَا أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ أَخَذَ الْمُصَلِّي غَيْرُ الْإِمَامِ بِفَتْحِ مَنْ فَتَحَ عَلَيْهِ فَإِنَّ صَلَاتَهُ تَفْسُدُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فَلَا تَفْسُدُ صَلَاةُ الْفَاتِحِ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ قُرْآنٌ فَلَا يَتَغَيَّرُ بِقَصْدِ الْقَارِئِ عِنْدَهُ وَفِي الْقُنْيَةِ اُرْتُجَّ عَلَى الْإِمَامِ فَفَتَحَ عَلَيْهِ مَنْ لَيْسَ فِي صَلَاتِهِ وَتَذَكَّرَ فَإِذَا أَخَذَ فِي التِّلَاوَةِ قَبْلَ تَمَامِ الْفَتْحِ لَمْ تَفْسُدْ وَإِلَّا فَتَفْسُدُ لِأَنَّ تَذَكُّرَهُ يُضَافُ إلَى الْفَتْحِ وَفَتْحُ الْمُرَاهِقِ كَالْبَالِغِ وَلَوْ سَمِعَهُ الْمُؤْتَمُّ مِمَّنْ لَيْسَ فِي الصَّلَاةِ فَفَتَحَهُ عَلَى إمَامِهِ يَجِبُ أَنْ تَبْطُلَ صَلَاةُ الْكُلِّ لِأَنَّ التَّلْقِينَ مِنْ خَارِجٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْجَوَابُ بِلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ) أَيْ يُفْسِدُهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَكُونُ مُفْسِدًا لِأَنَّهُ ثَنَاءٌ بِصِيغَتِهِ فَلَا يَتَغَيَّرُ بِعَزِيمَتِهِ وَلَهُمَا أَنَّهُ أَخْرَجَ الْكَلَامَ مَخْرَجَ الْجَوَابِ وَهُوَ يَحْتَمِلُهُ فَيُجْعَلُ جَوَابًا كَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ وَلَيْسَ مَقْصُودُ الْمُصَنِّفِ خُصُوصَ الْجَوَابِ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ بَلْ كُلُّ كَلِمَةٍ هِيَ ذِكْرٌ أَوْ قُرْآنٌ قَصَدَ بِهَا الْجَوَابَ فَهِيَ عَلَى الْخِلَافِ كَمَا إذَا أُخْبِرَ بِخَبَرٍ يَسُرُّهُ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ أَوْ بِأَمْرٍ عَجِيبٍ فَقَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ ثُمَّ نَصَّ الْمَشَايِخُ عَلَى أَشْيَاءَ مُوجِبَةٍ لِلْفَسَادِ بِاتِّفَاقِهِمْ وَهُوَ مَا لَوْ كَانَ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي كِتَابٌ مَوْضُوعٌ وَعِنْدَهُ رَجُلٌ اسْمُهُ يَحْيَى فَقَالَ {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ} [مريم: 12] أَوْ رَجُلٌ اسْمُهُ مُوسَى وَبِيَدِهِ عَصًا فَقَالَ لَهُ {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى} [طه: 17] أَوْ كَانَ فِي السَّفِينَةِ وَابْنُهُ خَارِجَهَا فَقَالَ {يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا} [هود: 42] أَوْ طُرِقَ عَلَيْهِ الْبَابُ أَوْ نُودِيَ مِنْ خَارِجِهِ فَقَالَ {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران: 97] وَأَرَادَ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظَ الْخِطَابَ لِأَنَّهُ لَا يُشْكِلُ عَلَى أَحَدٍ أَنَّهُ مُتَكَلِّمٌ لَا قَارِئٌ وَهِيَ مُؤَيِّدَةٌ لِمَا قَالَاهُ وَارِدَةٌ عَلَى أَبِي يُوسُفَ وَمِمَّا أُورِدَ عَلَى أَبِي يُوسُفَ الْفَتْحُ عَلَى غَيْرِ إمَامِهِ فَإِنَّهُ مُفْسِدٌ عِنْدَهُ وَهُوَ قُرْآنٌ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَأَجَابَ عَنْهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِأَنَّ الْفَسَادَ عِنْدَهُ فِيهِ لِأَمْرٍ آخَرَ وَهُوَ التَّعْلِيمُ وَالْإِيرَادُ مَدْفُوعٌ مِنْ أَصْلِهِ لِأَنَّ أَبَا يُوسُفَ لَا يَقُولُ بِالْفَسَادِ بِالْفَتْحِ عَلَى غَيْرِ إمَامِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ ثُمَّ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيمَا إذَا أُخْبِرَ بِخَبَرِ يَسُوءُهُ فَاسْتَرْجَعَ لِذَلِكَ بِأَنْ قَالَ إنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ مُرِيدًا بِذَلِكَ الْجَوَابَ وَصَحَّحَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي الْفَسَادَ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ إنَّهُ مُفْسِدٌ اتِّفَاقًا وَنَسَبَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ إلَى عَامَّةِ الْمَشَايِخِ وَقَالَ قَاضِي خَانْ إنَّهُ الظَّاهِرُ وَلَعَلَّ الْفَرْقَ عَلَى قَوْلِهِ أَنَّ الِاسْتِرْجَاعَ لِإِظْهَارِ الْمُصِيبَةِ وَمَا شُرِعَتْ الصَّلَاةُ لِأَجْلِهِ وَالتَّحْمِيدَ لِإِظْهَارِ الشُّكْرِ وَالصَّلَاةُ شُرِعَتْ لِأَجْلِهِ وَحُكْمُ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ كَالِاسْتِرْجَاعِ كَمَا هُوَ فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ لَوْ قَالَهَا لِدَفْعِ الْوَسْوَسَةِ لِأَمْرِ الدُّنْيَا تَفْسُدُ وَلِأَمْرِ الْآخِرَةِ لَا تَفْسُدُ ثُمَّ أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ الْجَوَازَ بِلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَقَيَّدَهُ فِي الْكَافِي بِصُورَةٍ بِأَنْ قِيلَ بَيْنَ يَدَيْهِ أَمَعَ اللَّهِ إلَهٌ آخَرُ فَقَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَالظَّاهِرُ عَدَمُ التَّقْيِيدِ بِهَذِهِ الصُّورَةِ لِمَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ أَنَّهُ لَوْ أُخْبِرَ بِخَبَرٍ يَهُولُهُ فَقَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ أَوْ اللَّهُ أَكْبَرُ وَأَرَادَ الْجَوَابَ فَسَدَتْ وَمِمَّا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَفِي الْقُنْيَةِ اُرْتُجَّ عَلَى الْإِمَامِ إلَى قَوْلِهِ وَتَذَكَّرَ) . أَقُولُ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّهُ تَذَكَّرَ بِسَبَبِ الْفَتْحِ وَأَنْ يَكُونَ تَذَكَّرَ بِنَفْسِهِ وَلَكِنَّهُ صَادَفَ تَذَكُّرَهُ وَفَتْحَ مَنْ لَيْسَ فِي صَلَاتِهِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ تَذَكُّرُهُ مِنْ نَفْسِهِ لَا يَظْهَرُ فَرْقٌ بَيْنَ أَخْذِهِ فِي التِّلَاوَةِ قَبْلَ تَمَامِ الْفَتْحِ أَوْ بَعْدَهُ وَلَا يَظْهَرُ وَجْهُ الْفَسَادِ لِأَنَّ الْفَسَادَ لَيْسَ بِمُجَرَّدِ الْفَتْحِ وَإِنَّمَا هُوَ بِالْأَخْذِ بِسَبَبِ الْفَتْحِ وَإِذَا كَانَ تَذَكُّرُهُ مِنْ نَفْسِهِ لَمْ يُوجَدْ الْأَخْذُ بِسَبَبِ الْفَتْحِ وَكَوْنُ الظَّاهِرِ أَنَّهُ أَخَذَ بِالْفَتْحِ فَيُضَافُ إلَيْهِ لَا عِبْرَةَ لَهُ مَعَ مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الدِّيَانَاتِ مِنْ الْأُمُورِ الرَّاجِعَةِ إلَى الْقَضَاءِ حَتَّى يُعْتَبَرَ الظَّاهِرُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ فَتَحَ عَلَى غَيْرِ إمَامِهِ قَاصِدًا الْقِرَاءَةَ لَا التَّعْلِيمَ لَا تَفْسُدُ عِنْدَ الْكُلِّ وَمِنْ أَنَّهُ لَوْ سَمِعَ الْأَذَانَ فَقَالَ مِثْلَ مَا يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ تَفْسُدُ إنْ أَرَادَ الْجَوَابَ وَإِلَّا فَلَا وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا اُعْتُبِرَ فِيهِ مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَا الظَّاهِرُ الْمُتَبَادِرُ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَهِيَ مُؤَيِّدَةٌ لِمَا قَالَاهُ وَأَوْرَدَهُ عَلَى أَبِي يُوسُفَ) أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ الْفَسَادَ بِهَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا لِلتَّغَيُّرِ بِعَزِيمَةٍ بَلْ لِمَا فِيهِ مِنْ الْخِطَابِ بِخِلَافِ مَا قَصَدَ بِهِ الْجَوَابَ وَلَيْسَ فِيهِ خِطَابٌ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ قَصْدِ الْجَوَابِ وَقَصْدِ الْخِطَابِ بِمَا فِيهِ أَدَاةُ نِدَاءٍ أَوْ أَدَاةُ خِطَابٍ لِأَنَّ قَصْدَ الْخِطَابِ بِمَا فِيهِ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ فَلَيْسَ ذِكْرًا بِصِيغَتِهِ وَإِنْ وَافَقَهُ فِي اللَّفْظِ بِخِلَافِ مَا قَصَدَ بِهِ الْجَوَابَ وَمِنْهُ مَا لَوْ اسْتَأْذَنَهُ رَجُلٌ مِنْ خَارِجِ الْبَابِ لِيَدْخُلَ عَلَيْهِ فَقَالَ {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران: 97] فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ خِطَابِهِ بِقَوْلِهِ اُدْخُلْ وَالظَّاهِرُ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدًا يَقُولَانِ إنَّ هَذِهِ الْخِطَابَاتِ الْقُرْآنِيَّةَ لَا تَصِيرُ خِطَابًا لِلْحَاضِرِ الْمَخْصُوصِ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَالنِّيَّةُ لَا تُغَيِّرُ الصِّيغَةَ الْأَصْلِيَّةَ عِنْدَهُمَا (قَوْلُهُ وَلَعَلَّ الْفَرْقَ عَلَى قَوْلِهِ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ فِيهِ اعْتِبَارَ الْعَزِيمَةِ وَقَدْ مَرَّ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ لَا يُغَيِّرُ الصِّيغَةَ بِهَا تَأَمَّلْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 7 أُلْحِقَ بِالْجَوَابِ مَا فِي الْمُجْتَبَى لَوْ سَبَّحَ أَوْ هَلَّلَ يُرِيدُ زَجْرًا عَنْ فِعْلٍ أَوْ أَمْرًا بِهِ فَسَدَتْ عِنْدَهُمَا وَقَيَّدَ بِالْجَوَابِ لِأَنَّهُ لَوْ أَرَادَ بِهِ إعْلَامَهُ أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ كَمَا إذَا اسْتَأْذَنَ عَلَى الْمُصَلِّي إنْسَانٌ فَسَبَّحَ وَأَرَادَ بِهِ إعْلَامَهُ أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ لَمْ يَقْطَعْ صَلَاتَهُ وَكَذَا لَوْ عَرَضَ لِلْإِمَامِ شَيْءٌ فَسَبَّحَ الْمَأْمُومُ لَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهِ إصْلَاحُ الصَّلَاةِ فَسَقَطَ حُكْمُ الْكَلَامِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَى الْإِصْلَاحِ وَلَا يُسَبِّحُ لِلْإِمَامِ إذَا قَامَ إلَى الْأُخْرَيَيْنِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الرُّجُوعُ إذَا كَانَ إلَى الْقِيَامِ أَقْرَبُ فَلَمْ يَكُنْ التَّسْبِيحُ مُفِيدًا كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَيَنْبَغِي فَسَادُ الصَّلَاةِ بِهِ لِأَنَّ الْقِيَاسَ فَسَادُهَا بِهِ عِنْدَ قَصْدِ الْإِعْلَامِ وَإِنَّمَا تُرِكَ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «مَنْ نَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلَاتِهِ فَلْيُسَبِّحْ» فَلِلْحَاجَةِ لَمْ يُعْمَلْ بِالْقِيَاسِ فَعِنْدَ عَدَمِهَا يَبْقَى الْأَمْرُ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ ثُمَّ رَأَيْته فِي الْمُجْتَبَى قَالَ وَلَوْ قَامَ إلَى الثَّالِثَةِ فِي الظُّهْرِ قَبْلَ أَنْ يَقْعُدَ فَقَالَ الْمُقْتَدِي سُبْحَانَ اللَّهِ قِيلَ لَا تَفْسُدُ وَعَنْ الْكَرْخِيِّ تَفْسُدُ عِنْدَهُمَا. اهـ. وَقَدْ قَدَّمْنَا حُكْمَ مَا إذَا أَجَابَ الْمُؤَذِّنَ أَوْ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَوْ لَعَنَ الشَّيْطَانَ فِي الصَّلَاةِ عِنْدَ قِرَاءَةِ ذِكْرِهِ لَا تَفْسُدُ وَفِي الْخَانِيَّةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ وَلَوْ قَرَأَ الْإِمَامُ آيَةَ التَّرْغِيبِ أَوْ التَّرْهِيبِ فَقَالَ الْمُقْتَدِي صَدَقَ اللَّهُ وَبَلَّغَتْ رُسُلُهُ فَقَدْ أَسَاءَ وَلَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ اهـ. وَهُوَ مُشْكِلٌ لِأَنَّهُ جَوَابٌ لِإِمَامِهِ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْمُبْتَغَى بِالْمُعْجَمَةِ وَلَوْ سَمِعَ الْمُصَلِّي مِنْ مُصَلٍّ آخَرَ {وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] فَقَالَ آمِينَ لَا تَفْسُدُ وَقِيلَ تَفْسُدُ وَعَلَيْهِ الْمُتَأَخِّرُونَ وَكَذَا بِقَوْلِهِ عِنْدَ خَتْمِ الْإِمَامِ قِرَاءَتَهُ صَدَقَ اللَّهُ وَصَدَقَ الرَّسُولُ اهـ. وَفِي الْمُجْتَبَى وَلَوْ لَبَّى الْحَاجُّ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَلَوْ قَالَ الْمُصَلِّي فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا تَفْسُدُ وَلَوْ أَذَّنَ فِي الصَّلَاةِ وَأَرَادَ بِهِ الْأَذَانَ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا تَفْسُدُ حَتَّى يَقُولَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ وَلَوْ جَرَى عَلَى لِسَانِهِ نَعَمْ إنْ كَانَ هَذَا الرَّجُلُ يَعْتَادُ فِي كَلَامِهِ نَعَمْ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَادَةً لَهُ لَا تَفْسُدُ لِأَنَّ هَذِهِ الْكَلِمَةَ فِي الْقُرْآنِ فَتُجْعَلُ مِنْهُ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ وَقَعَ فِي الْمُجْتَبَى وَقِيلَ لَا تَفْسُدُ فِي قَوْلِهِمْ أَيْ لَا تَفْسُدُ الصَّلَاةُ بِشَيْءٍ مِنْ الْأَذْكَارِ الْمُتَقَدِّمَةِ إذَا قَصَدَ بِهَا الْجَوَابَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ خِلَافُ الْمَشْهُورِ الْمَنْقُولِ مُتُونًا وَشُرُوحًا وَفَتَاوَى لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ أَنَّهُ لَوْ أَجَابَ بِالْقَوْلِ بِأَنْ يُخْبَرَ بِخَبَرٍ يَسُرُّهُ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ أَوْ بِخَبَرٍ يَسُوءُهُ فَقَالَ إنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ اهـ وَهُوَ تَصْحِيحٌ مُخَالِفٌ لِلْمَشْهُورِ (قَوْلُهُ وَالسَّلَامُ وَرَدُّهُ) لِأَنَّهُ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْعَمْدَ وَالسَّهْوَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ وَشَمِلَ مَا إذَا قَالَ السَّلَامُ فَقَطْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقُولَ عَلَيْكُمْ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ أَيْضًا وَفِي الْهِدَايَةِ مَا يُخَالِفُهُ فَإِنَّهُ قَالَ بِخِلَافِ السَّلَامِ سَاهِيًا لِأَنَّهُ مِنْ الْأَذْكَارِ فَيُعْتَبَرُ ذِكْرًا فِي حَالَةِ النِّسْيَانِ وَكَلَامًا فِي حَالَةِ التَّعَمُّدِ لِمَا فِيهِ مِنْ كَافِ الْخِطَابِ اهـ. وَتَبِعَهُ الشَّارِحُونَ وَهَكَذَا قَيَّدَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ السَّلَامَ بِالْعَمْدِ وَلَمْ يُقَيِّدْ الرَّدَّ بِهِ قَالَ الشُّمُنِّيُّ لِأَنَّ رَدَّ السَّلَامِ مُفْسِدٌ عَمْدًا كَانَ أَوْ سَهْوًا لِأَنَّ رَدَّ السَّلَامِ لَيْسَ مِنْ الْأَذْكَارِ بَلْ هُوَ كَلَامٌ وَخِطَابٌ وَالْكَلَامُ مُفْسِدٌ مُطْلَقًا اهـ. وَهَكَذَا قَيَّدَ السَّلَامَ بِالْعَمْدِ فِي الْمَجْمَعِ وَلَمْ أَرَ مِنْ مَنْ وَفَّقَ بَيْنَ الْعِبَارَاتِ وَقَدْ ظَهَرَ لِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّلَامِ الْمُفْسِدِ مُطْلَقًا أَنْ يَكُونَ لِمُخَاطَبٍ حَاضِرٍ فَهَذَا لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْعَمْدِ وَالنِّسْيَانِ أَيْ نِسْيَانِ كَوْنِهِ فِي الصَّلَاةِ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّلَامِ الْمُفْسِدِ حَالَةَ الْعَمْدِ فَقَطْ أَنْ لَا يَكُونَ لِمُخَاطَبٍ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَقَيَّدَ بِالْجَوَابِ لِأَنَّهُ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ الْإِفْسَادَ لَيْسَ مَنُوطًا بِأَنْ يَقْصِدَ بِالْكَلَامِ الْجَوَابَ فَقَطْ لِيَكُونَ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ بَلْ مَنَاطُهُ كَمَا فِي الْفَتْحِ كَوْنُهُ لَفْظًا أُفِيدَ بِهِ مَعْنًى لَيْسَ مِنْ أَعْمَالِ الصَّلَاةِ اهـ. وَلِذَا فَسَدَتْ بِقَوْلِهِ {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ} [مريم: 12] {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى} [طه: 17] وَ {يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا} [هود: 42] عِنْدَ قَصْدِ الْخِطَابِ كَمَا مَرَّ وَبِفَتْحِهِ عَلَى غَيْرِ إمَامِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ فِيهِ جَوَابٌ فَلَيْسَ ذِكْرُ الْمُصَنِّفُ الْجَوَابَ بِقَيْدٍ احْتِرَازِيٍّ بِنَاءً عَلَى مَا قَدَّمَهُ الْمُؤَلِّفُ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ خُصُوصَ قَوْلِهِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ بَلْ كُلُّ ذِكْرٍ نَعَمْ لَوْ أُرِيدَ خُصُوصُ هَذِهِ الْكَلِمَةِ صَحَّ كَوْنُهُ احْتِرَازِيًّا عَمَّا إذَا قَصَدَ بِهِ الْإِعْلَامَ وَإِنَّمَا لَا يُفْسِدُ لِلْحَدِيثِ الْآتِي كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ ثُمَّ رَأَيْته فِي الْمُجْتَبَى قَالَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الِاخْتِلَافَ لَهُ الْتِفَاتٌ إلَى آخَرَ هُوَ أَنَّهُ لَوْ عَادَ بَعْدَ مَا كَانَ إلَى الْقِيَامِ أَقْرَبُ فَفِي فَسَادِ صَلَاتِهِ خِلَافٌ وَعَلَى عَدَمِهِ فَهُوَ مُفِيدٌ اهـ. أَيْ وَعَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ الْفَسَادِ فَالتَّسْبِيحُ مُفِيدٌ وَسَيَأْتِي فِي السَّهْوِ تَصْحِيحُ الْمُؤَلِّفِ الْقَوْلَ بِعَدَمِ الْفَسَادِ وَأَنَّهُ الْحَقُّ فَمَا بَحَثَهُ هُنَا مَبْنِيٌّ عَلَى خِلَافِ مَا سَيُحَقِّقُهُ لَكِنْ قَدْ يُقَالُ إنَّ دَعْوَى إفَادَتِهِ عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ الْفَسَادِ مَمْنُوعَةٌ لِأَنَّهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ مَمْنُوعٌ عَنْ الْعَوْدِ لِأَنَّ مَنْ يَقُولُ بِعَدَمِ الْفَسَادِ لَا يَقُولُ الْأَوْلَى أَنْ يَعُودَ لِيَكُونَ مُفِيدًا كَيْفَ وَفِيهِ رَفْضُ الْفَرْضِ لِغَيْرِ جِنْسِهِ بَعْدَ التَّلَبُّسِ بِهِ تَدَبَّرْ (قَوْلُهُ وَهُوَ مُشْكِلٌ لِأَنَّهُ جَوَابٌ لِإِمَامِهِ) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ هَذَا يَتَخَرَّجُ عَلَى مَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ إذَا قَالَ الْعَاطِسُ أَوْ السَّامِعُ الْحَمْدُ لِلَّهِ لَا تَفْسُدُ وَإِنْ عَنَى الْجَوَابَ فَلَا مَعْنَى لِاسْتِشْكَالِهِ اهـ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَقَدْ ظَهَرَ لِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّلَامِ إلَخْ) يُؤَيِّدُهُ عَطْفُ الْمُصَنِّفِ الرَّدَّ عَلَى السَّلَامِ فَإِنَّهُ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ سَلَامُ التَّحِيَّةِ وَهَذَا لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْعَمْدِ وَالنِّسْيَانِ فَلِذَا أَطْلَقَهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 8 حَاضِرٍ كَمَا قَالُوا لَوْ سَلَّمَ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ فِي الرُّبَاعِيَّةِ سَاهِيًا فَإِنَّ صَلَاتَهُ لَا تَفْسُدُ وَكَذَا لَوْ سَلَّمَ الْمَسْبُوقُ مَعَ الْإِمَامِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ رَأَيْت التَّصْرِيحَ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ أَنَّ السَّلَامَ عَلَى إنْسَانٍ مُبْطِلٌ مُطْلَقًا وَأَمَّا السَّلَامُ وَهُوَ الْخُرُوجُ مِنْ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ مُفْسِدٌ إنْ كَانَ عَمْدًا وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ وَفِي الْقُنْيَةِ سَلَّمَ قَائِمًا عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ أَتَمَّ الصَّلَاةَ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يُتِمَّ فَسَدَتْ وَقِيلَ يَبْنِي لِأَنَّهُ سَلَّمَ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ بِخِلَافِ الْقُعُودِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ اهـ. وَهُوَ مُقَيَّدٌ لِإِطْلَاقِهِمْ بِمَا إذَا كَانَ السَّلَامُ حَالَةَ الْقُعُودِ وَفِيهَا سَلَّمَ الْمَسْبُوقُ سَاهِيًا وَدَعَا بِدُعَاءٍ كَانَ عَادَتَهُ أَعَادَ وَلَوْ قَالَ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَهُوَ عَادَتُهُ لَا يُعِيدُ وَلَوْ قَالَ الْمَسْبُوقُ بَعْدَ التَّرْوِيحَةِ سُبْحَانَ اللَّهِ إلَى آخِرِهِ كَمَا هُوَ الْمُعْتَادُ يَنْبَغِي أَنْ لَا تَفْسُدَ قَرَأَ الْمَسْبُوقُ الْفَاتِحَةَ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ عَلَى الْمُحْتَاجِ نَاسِيًا فَسَدَتْ اهـ. ثُمَّ هَذَا كُلُّهُ إذَا سَلَّمَ أَوْ رَدَّ بِلِسَانِهِ أَمَّا إذَا رَدَّ السَّلَامَ بِيَدِهِ فَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمَا لَوْ سَلَّمَ إنْسَانٌ عَلَى الْمُصَلِّي فَأَشَارَ إلَى رَدِّ السَّلَامِ بِرَأْسِهِ أَوْ بِيَدِهِ أَوْ بِأُصْبُعِهِ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَلَوْ طَلَبَ إنْسَانُ مِنْ الْمُصَلِّي شَيْئًا فَأَوْمَأَ بِرَأْسِهِ أَوْ قِيلَ لَهُ أَجَيِّدٌ هَذَا فَأَوْمَأَ بِرَأْسِهِ بِلَا أَوْ بِنَعَمْ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ اهـ. وَفِي الْمَجْمَعِ لَوْ رَدَّ السَّلَامَ بِلِسَانِهِ أَوْ بِيَدِهِ فَسَدَتْ وَمِنْ الْعَجَبِ أَنَّ الْعَلَّامَةَ ابْنَ أَمِيرِ حَاجٍّ الْحَلَبِيَّ مَعَ سَعَةِ إطْلَاعِهِ قَالَ إنَّ بَعْضَ مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ قَدْ عَزَى إلَى أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الصَّلَاةَ تَفْسُدُ بِالرَّدِّ بِالْيَدِ وَأَنَّهُ لَمْ يَعْرِفْ أَنَّ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ نَقَلَ الْفَسَادَ فِي رَدِّ السَّلَامِ بِالْيَدِ وَإِنَّمَا يَذْكُرُونَ عَدَمَ الْفَسَادِ مِنْ غَيْرِ حِكَايَةِ خِلَافٍ فِي الْمَذْهَبِ فِيهِ بَلْ وَصَرِيحُ كَلَامِ الطَّحَاوِيِّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ يُفِيدُ أَنَّ عَدَمَ الْفَسَادِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَكَأَنَّ هَذَا الْقَائِلَ فَهِمَ مِنْ نَفْيِ الرَّدِّ بِالْإِشَارَةِ الْفَسَادَ عَلَى تَقْدِيرِهِ كَمَا هُوَ كَذَلِكَ فِي الرَّدِّ بِالنُّطْقِ لَكِنْ الثَّبْتَ مَا ذَكَرْنَا اهـ. فَإِنَّ صَاحِبَ الْمَجْمَعِ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَالْحَقُّ مَا ذَكَرَهُ الْعَلَّامَةُ الْحَلَبِيُّ أَنَّ الْفَسَادَ لَيْسَ بِثَابِتٍ فِي الْمَذْهَبِ وَإِنَّمَا اسْتَنْبَطَهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ فِي فَرْعٍ نَقَلَهُ مِنْ الظَّهِيرِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُ لَوْ صَافَحَ الْمُصَلِّي إنْسَانًا بِنِيَّةِ السَّلَامِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَنَقَلَ الزَّاهِدِيُّ بَعْدَ نَقْلِهِ عَنْ حُسَامِ الْأَئِمَّةِ الْمَوْدَنِيِّ أَنَّهُ قَالَ فَعَلَى هَذَا تَفْسُدُ أَيْضًا إذَا رَدَّ بِالْإِشَارَةِ لِأَنَّهُ كَالتَّسْلِيمِ بِالْيَدِ وَكَذَا ذَكَره الْبَقَّالِيُّ وَقَالَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا تَفْسُدُ اهـ. وَيَدُلُّ لِعَدَمِ كَوْنِهِ مُفْسِدًا مَا ثَبَتَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «خَرَجَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى قُبَاءَ فَصَلَّى فِيهِ قَالَ فَجَاءَتْهُ الْأَنْصَارُ فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ وَهُوَ يُصَلِّي فَقُلْت لِبِلَالٍ كَيْفَ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَرُدُّ السَّلَامَ عَلَيْهِمْ حِينَ كَانُوا يُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ وَهُوَ يُصَلِّي قَالَ يَقُولُ هَكَذَا وَبَسَطَ كَفَّهُ وَبَسَطَ جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ كَفَّهُ وَجَعَلَ بَطْنَهُ أَسْفَلَ وَجَعَلَ ظَهْرَهُ إلَى فَوْقَ» . وَمَا «عَنْ صُهَيْبٍ مَرَرْت بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يُصَلِّي فَسَلَّمْت عَلَيْهِ فَرَدَّ عَلَيَّ إشَارَةً. وَلَا أَعْلَمُهُ» قَالَ الْإِشَارَةَ بِأُصْبُعِهِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ فَإِنْ قُلْت إنَّهَا تَقْضِي عَدَمَ الْكَرَاهَةِ وَقَدْ صَرَّحُوا كَمَا فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَغَيْرِهَا بِكَرَاهَةِ السَّلَامِ عَلَى الْمُصَلِّي وَرَدَّهُ بِالْإِشَارَةِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ رَأَيْت التَّصْرِيحَ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ إلَخْ) وَمِثْلُ مَا فِي الْبَدَائِعِ مَا فِي شَرْحِ الْعَلَّامَةِ الْمَقْدِسِيَّ عَنْ الزَّادِ حَيْثُ قَالَ وَفِي الْهَارُونِيَّاتِ لَوْ سَلَّمَ قَائِمًا عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ أَتَمَّ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يُتِمَّ تَفْسُدُ لِأَنَّهُ سَلَّمَ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ بِخِلَافِ الْقُعُودِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَلَوْ سَلَّمَ عَلَى إنْسَانٍ سَاهِيًا فَقَالَ السَّلَامُ ثُمَّ عَلِمَ فَسَكَتَ تَفْسُدُ اهـ. وَفِي النَّهْرِ ثُمَّ رَأَيْت فِي زَادِ الْفَقِيرِ لِلْعَلَّامَةِ ابْنِ الْهُمَامِ كَلَامًا حَسَنًا قَالَ الْكَلَامُ مُفْسِدٌ إلَّا السَّلَامَ سَاهِيًا وَلَيْسَ مَعْنَاهُ السَّلَامُ عَلَى إنْسَانٍ إذْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ إذَا سَلَّمَ عَلَى إنْسَانٍ سَاهِيًا فَقَالَ السَّلَامُ ثُمَّ عَلِمَ فَسَكَتَ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ بَلْ الْمُرَادُ السَّلَامُ لِلْخُرُوجِ مِنْ الصَّلَاةِ سَاهِيًا قَبْلَ إتْمَامِهَا وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَظُنَّ أَنَّهُ أَكْمَلَ أَمَّا إذَا سَلَّمَ فِي الرُّبَاعِيَّةِ مَثَلًا سَاهِيًا بَعْدَ رَكْعَتَيْنِ عَلَى ظَنِّ أَنَّهَا تَرْوِيحَةٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ فَلْيُحْفَظْ هَذَا اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ سَلَّمَ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ) تَعْلِيلٌ لِلْفَسَادِ لَا لِقَوْلِهِ وَقِيلَ يَبْنِي كَمَا تُوهِمُهُ الْعِبَارَةُ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ وَقِيلَ يُبْنِي لَيْسَ مَوْجُودًا فِيمَا رَأَيْته فِي الْقُنْيَةِ (قَوْلُهُ عَلَى الْمُحْتَاجِ) كَذَا هُوَ فِي الْقُنْيَةِ وَانْظُرْ مَا مَعْنَاهُ وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْبَحْرِ عَلَى الْمُعْتَادِ وَفِي بَعْضِهَا عَلَى الْمُخْتَارِ (قَوْلُهُ وَكَأَنَّ هَذَا الْقَائِلَ) وَهُوَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِبَعْضِ مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ فَهِمَ مِنْ نَفْيِ الرَّدِّ بِالْإِشَارَةِ الْفَسَادَ أَيْ فَهِمَ مِنْ قَوْلِهِمْ وَلَا يَرُدُّ بِالْإِشَارَةِ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهَا تَفْسُدُ عَلَى تَقْدِيرِ الرَّدِّ بِهَا كَمَا أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ فِي الرَّدِّ بِالنُّطْقِ فَقَوْلُهُ مِنْ نَفْيِ الرَّدِّ مَصْدَرٌ مَجْرُورٌ بِمِنْ مُضَافٌ إلَى مَفْعُولِهِ وَقَوْلُهُ بِالْإِشَارَةِ مُتَعَلِّقٌ بِالرَّدِّ وَقَوْلُهُ الْفَسَادَ بِالنَّصْبِ مَفْعُولُ فَهِمَ (قَوْلُهُ فَإِنَّ صَاحِبَ الْمَجْمَعِ) تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ وَمِنْ الْعَجَبِ إلَخْ وَقَوْلُهُ وَالْحَقُّ حَاصِلُهُ إقْرَارُ الْعَلَّامَةِ الْحَلَبِيِّ عَلَى أَنَّ الْفَسَادَ لَيْسَ بِثَابِتٍ فِي الْمَذْهَبِ بَعْدَ انْتِقَادِ قَوْلِهِ وَأَنَّهُ لَمْ يَعْرِفْ أَنَّ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ نَقَلَ الْفَسَادَ بِأَنَّ صَاحِبَ الْمَجْمَعِ نَقَلَهُ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ وَهَذَا مَنْشَأُ الْعَجَبِ (قَوْلُهُ فَإِنْ قُلْت إنَّهَا تَقْتَضِي عَدَمَ الْكَرَاهَةِ) ذَكَرَ الشَّارِحُ الزَّيْلَعِيُّ مَا يَمْنَعُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَالَ وَلَا يَرُدُّ بِالْإِشَارَةِ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَرُدَّ بِالْإِشَارَةِ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ وَلَا عَلَى جَابِرٍ وَمَا رُوِيَ مِنْ قَوْلِ «صُهَيْبٍ سَلَّمْت عَلَى النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَهُوَ يُصَلِّي فَرَدَّ عَلَيَّ بِالْإِشَارَةِ» يَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَانَ نَهْيًا لَهُ عَنْ السَّلَامِ أَوْ كَانَ فِي حَالَةِ التَّشَهُّدِ وَهُوَ يُشِيرُ فَظَنَّهُ رَدًّا اهـ. وَفِي شَرْحِ الْعَلَّامَةِ الْمَقْدِسِيَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 9 أَجَابَ الْعَلَّامَةُ الْحَلَبِيُّ بِأَنَّهَا كَرَاهَةٌ تَنْزِيهِيَّةٌ وَفِعْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَهَا إنَّمَا كَانَ تَعْلِيمًا لِلْجَوَازِ فَلَا يُوصَفُ بِالْكَرَاهَةِ وَقَدْ أَطَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْكَلَامَ هُنَا إطَالَةً حَسَنَةً كَمَا هُوَ دَأْبُهُ وَحِينَئِذٍ فَيُحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُصَافَحَةِ وَالرَّدِّ بِالْيَدِ وَقَدْ عَلَّلَ الْوَلْوَالِجِيُّ لِفَسَادِهَا بِالْمُصَافَحَةِ بِأَنَّهَا سَلَامٌ وَهُوَ مُفْسِدٌ وَعَلَّلَ الزَّيْلَعِيُّ بِأَنَّهَا كَلَامٌ مَعْنًى وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ الرَّدَّ بِالْإِشَارَةِ كَلَامٌ مَعْنًى فَالظَّاهِرُ اسْتِوَاءُ حُكْمِهِمَا وَهُوَ عَدَمُ الْفَسَادِ لِلْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ يُكْرَهُ السَّلَامُ عَلَى الْمُصَلِّي وَالْقَارِئِ وَالْجَالِسِ لِلْقَضَاءِ أَوْ الْبَحْثِ فِي الْفِقْهِ أَوْ التَّخَلِّي وَلَوْ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ الرَّدُّ لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ كَذَا ذَكَرَ الشَّارِحُ وَصَرَّحَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ بَابِ الْأَذَانِ أَنَّ السَّلَامَ عَلَى الْمُتَغَوِّطِ حَرَامٌ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ إذْ الدَّلِيلُ لَيْسَ بِقَطْعِيٍّ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَافْتِتَاحُ الْعَصْرِ أَوْ التَّطَوُّعِ لَا الظُّهْرِ بَعْدَ رَكْعَةِ الظُّهْرِ) أَيْ يُفْسِدُهَا انْتِقَالُهُ مِنْ صَلَاةٍ إلَى أُخْرَى مُغَايَرَةً لِلْأُولَى فَقَوْلُهُ بَعْدَ رَكْعَةِ الظُّهْرِ ظَرْفٌ لِلِافْتِتَاحِ وَصُورَتُهَا صَلَّى رَكْعَةً مِنْ الظُّهْرِ ثُمَّ افْتَتَحَ الْعَصْرَ أَوْ التَّطَوُّعَ بِتَكْبِيرَةٍ فَقَدْ أَفْسَدَ الظُّهْرَ وَتَفْسِيرُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ لَا يَكُونَ صَاحِبَ تَرْتِيبٍ بِأَنْ بَطَلَ عَنْهُ بِضِيقِ الْوَقْتِ أَوْ بِكَثْرَةِ الْفَوَائِتِ فَإِنْ كَانَ صَاحِبَ تَرْتِيبٍ فَالْمُنْتَقِلُ إلَى الْعَصْرِ مُتَطَوِّعٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ بُطْلَانِ الْوَصْفِ بُطْلَانُ الْأَصْلِ عِنْدَهُمَا وَإِنْ انْتَقَلَ إلَى عَصْرٍ سَابِقٍ عَلَى الظُّهْرِ فَقَدْ اُنْتُقِضَ وَصْفُ الْفَرْضِيَّةِ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي الْعَصْرِ لِلتَّرْتِيبِ وَإِنَّمَا انْتَقَلَ عَنْ تَطَوُّعٍ لَا فَرْضٍ كَذَا فِي الْكَافِي وَإِنَّمَا بَطَلَ ظُهْرُهُ لِأَنَّهُ صَحَّ شُرُوعُهُ فِي غَيْرِهِ لِأَنَّهُ نَوَى تَحْصِيلَ مَا لَيْسَ بِحَاصِلٍ فَيَخْرُجُ عَنْهُ ضَرُورَةً لِمُنَافَاةٍ بَيْنَهُمَا فَمَنَاطُ الْخُرُوجِ عَنْ الْأُولَى صِحَّةُ الشُّرُوعِ فِي الْمُغَايِرِ وَلَوْ مِنْ وَجْهٍ فَلِذَا لَوْ كَانَ مُنْفَرِدًا فِي فَرْضٍ فَكَبَّرَ يَنْوِي الِاقْتِدَاءَ أَوْ النَّفَلَ أَوْ الْوَاجِبَ أَوْ شَرَعَ فِي جِنَازَةٍ فَجِيءَ بِأُخْرَى فَكَبَّرَ يَنْوِيهِمَا أَوْ الثَّانِيَةَ يَصِيرُ مُسْتَأْنِفًا عَلَى الثَّانِيَةِ فَقَطْ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَنْوِ شَيْئًا وَلَوْ كَانَ مُقْتَدِيًا فَكَبَّرَ لِلِانْفِرَادِ يَفْسُدُ مَا أَدَّى قَبْلَهُ وَيَصِيرُ مُفْتَتِحًا مَا أَدَّاهُ ثَانِيًا وَقَوْلُهُ لَا الظُّهْرِ يَعْنِي لَوْ صَلَّى رَكْعَةً مِنْ الظُّهْرِ فَكَبَّرَ يَنْوِي الِاسْتِئْنَافَ لِلظُّهْرِ بِعَيْنِهَا فَلَا يَفْسُدُ مَا أَدَّاهُ فَيَحْتَسِبُ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَقْعُدْ فِيمَا بَقِيَ الْقَعْدَةَ الْأَخِيرَةَ بِاعْتِبَارِهَا فَسَدَتْ الصَّلَاةُ فَلَغَتْ النِّيَّةُ الثَّانِيَةُ وَتَفَرَّعَ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ إذَا صَلَّى   [منحة الخالق] بَعْدَ ذِكْرِهِ لِحَاصِلِ مَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ أَقُولُ: وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَرُدُّ هَذَا لِأَنَّ الرَّدَّ مُشْتَرَكٌ يُرَادُ بِهِ عَدَمُ الْقَبُولِ وَلَعَلَّهُ الْمُرَادُ مِنْ فِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَأَنَّهُ يَرُدُّ عَلَيْهِمْ سَلَامَهُمْ وَيُعَلِّمُهُمْ أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ وَيُرَادُ بِهِ الْمُكَافَأَةُ عَلَى السَّلَامِ الَّذِي هُوَ حَقٌّ عَلَى الْمُسْلِمِ لِأَخِيهِ وَلَيْسَ هَذَا بِمُرَادٍ فِي هَذَا الْمَقَامِ وَبِهَذَا التَّوْفِيقِ يُسْتَغْنَى عَنْ التَّطْوِيلِ وَالتَّعَسُّفِ وَجَعْلُهُ مَكْرُوهًا تَنْزِيهًا لِوُقُوعِهِ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اهـ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ الْمَيْلُ إلَى الْقَوْلِ بِالْفَسَادِ وَلَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّهُ إذَا قِيلَ سَلَّمْت عَلَيْهِ فَرَدَّ عَلَيَّ سَلَامِي إنَّمَا يُسْتَعْمَلُ الرَّدُّ فِيهِ بِمَعْنَى جَوَابِ التَّحِيَّةِ بِقَرِينَةِ الْمَقَامِ وَالِاسْتِعْمَالِ وَلَوْ كَانَ بِمَعْنَى عَدَمِ الْقَبُولِ وَالنَّهْيِ عَنْ السَّلَامِ كَانَ الْوَاجِبُ أَنْ يُقَالَ فَلَمْ يُجِبْ سَلَامِي أَوْ لَمْ يَقْبَلْ أَوْ نَهَانِي وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُوهِمُ خِلَافَ الْمُرَادِ وَحَمْلُ الْأَدِلَّةِ عَلَى الْمُتَبَادِرِ مِنْهَا أَوْلَى وَغَيْرُهُ تَعَسُّفٌ لَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا بِمُلْجِئٍ (قَوْلُهُ وَيَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّ الرَّدَّ بِالْإِشَارَةِ كَلَامٌ مَعْنًى) قَالَ فِي النَّهْرِ فَالْأَوْلَى أَنْ يُعَلَّلَ الْفَسَادُ بِالْمُصَافَحَةِ بِأَنَّهُ عَمَلٌ كَثِيرٌ بِخِلَافِ الرَّدِّ بِالْيَدِ اهـ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ إبْرَاهِيمَ الْحَلَبِيِّ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ (قَوْلُهُ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ يُكْرَهُ السَّلَامُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَزِيدَ عَلَيْهِ مَوَاضِعُ وَأَحْسَنُ مَنْ جَمَعَهَا الشَّيْخُ صَدْرُ الدِّينِ الْغَزِّيِّ فَقَالَ سَلَامُك مَكْرُوهٌ عَلَى مَنْ سَتَسْمَعُ ... وَمِنْ بَعْدِ مَا أُبْدِيَ يُسَنُّ وَيُشْرَعُ لِمُصَلٍّ وَتَالٍ ذَاكِرٍ وَمُحَدِّثٍ ... خَطِيبٍ وَمَنْ يَصْغَى إلَيْهِمْ وَيَسْمَعُ مُكَرِّرِ فِقْهٍ جَالِسٍ لِقَضَائِهِ ... وَمَنْ بَحَثُوا فِي الْعِلْمِ دَعْهُمْ لِيَنْفَعُوا مُؤَذِّنٍ أَيْضًا أَوْ مُقِيمٍ مُدَرِّسٍ ... كَذَا الْأَجْنَبِيَّاتُ الْفَتَيَاتُ تُمْنَعُ وَلَعَّابُ شِطْرَنْجٍ وَشِبْهٌ بِخُلُقِهِمْ ... وَمَنْ هُوَ مَعَ أَهْلٍ لَهُ يَتَمَتَّعُ وَدَعْ كَافِرًا وَمَكْشُوفَ عَوْرَةٍ ... وَمَنْ هُوَ فِي حَالِ التَّغَوُّطِ أَشْنَعُ وَدَعْ آكِلًا إلَّا إذَا كُنْت جَائِعًا ... وَتَعْلَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَيْسَ يَمْنَعُ وَقَدْ زِدْتُ عَلَيْهِ الْمُتَفَقِّهَ عَلَى أُسْتَاذِهِ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ وَالْمُغَنِّيَ وَمُطَيِّرَ الْحَمَامِ وَأَلْحَقْته فَقُلْت كَذَلِكَ أُسْتَاذٌ مُغَنٍّ مُطَيِّرٌ ... فَهَذَا خِتَامٌ وَالزِّيَادَةُ تَنْفَعُ اهـ. (قَوْلُهُ فَقَدْ انْتَقَضَ وَصْفُ الْفَرْضِيَّةِ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي الْعَصْرِ) هَذَا إنَّمَا يَظْهَرُ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَلَا لِأَنَّ فَسَادَهُ مَوْقُوفٌ عَلَى قَضَاءِ الْعَصْرِ قَبْلَ صَيْرُورَتِهَا سِتًّا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ يَصِيرُ مُسْتَأْنِفًا عَلَى الثَّانِيَةِ فَقَطْ) أَيْ عَلَى الصَّلَاةِ الثَّانِيَةِ أَيْ مَا نَوَاهُ ثَانِيًا فِي الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ لَا فِي الْأَخِيرَةِ فَقَطْ كَمَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُهُمْ فَاعْتُرِضَ بِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ مُسَلَّمٌ فِيمَا إذَا كَبَّرَ يَنْوِي الثَّانِيَةَ أَمَّا إذَا نَوَاهُمَا يَصِيرُ مُسْتَأْنِفًا عَلَيْهِمَا فَتَدَبَّرْ ثُمَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ هُنَا مَأْخُوذٌ مِنْ الْفَتْحِ وَنَقَلَهُ عَنْهُ فِي النَّهْرِ وَفِي النِّهَايَةِ مَا يُخَالِفُهُ حَيْثُ قَالَ وَفِي نَوَادِرِ الصَّلَاةِ لَوْ صَلَّى الرَّجُلُ عَلَى جِنَازَةٍ فَكَبَّرَ تَكْبِيرَةً ثُمَّ جِيءَ بِأُخْرَى فَوُضِعَتْ بِجَنْبِهَا فَإِنْ كَبَّرَ التَّكْبِيرَةَ الثَّانِيَةَ يَنْوِي الصَّلَاةَ عَلَى الْأُولَى أَوْ عَلَيْهِمَا أَوْ لَا نِيَّةَ لَهُ فَهُوَ عَلَى الْجِنَازَةِ الْأُولَى عَلَى حَالِهِ يُتِمُّهَا ثُمَّ يَسْتَقْبِلُ الصَّلَاةَ عَلَى الثَّانِيَةِ لِأَنَّهُ نَوَى اتِّحَادَ الْمَوْجُودِ وَهُوَ لَغْوٌ وَإِنْ كَبَّرَ يَنْوِي الصَّلَاةَ عَلَى الثَّانِيَةِ يَصِيرُ رَافِضًا لِلْأُولَى شَارِعًا فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 10 الظُّهْرَ أَرْبَعًا فَلَمَّا سَلَّمَ تَذَكَّرَ أَنَّهُ تَرَكَ سَجْدَةً مِنْهَا سَاهِيًا ثُمَّ قَامَ وَاسْتَقْبَلَ الصَّلَاةَ وَصَلَّى أَرْبَعًا وَسَلَّمَ وَذَهَبَ فَسَدَ ظُهْرُهُ لِأَنَّ نِيَّةَ دُخُولِهِ فِي الظُّهْرِ ثَانِيًا وَقَعَ لَغْوًا فَإِذَا صَلَّى رَكْعَةً فَقَدْ خَلَطَ الْمَكْتُوبَةَ بِالنَّافِلَةِ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الْمَكْتُوبَةِ اهـ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا إذَا لَمْ يَتَلَفَّظْ بِلِسَانِهِ فَإِنْ قَالَ نَوَيْت أَنْ أُصَلِّيَ إلَى آخِرِهِ فَسَدَتْ الْأُولَى وَصَارَ مُسْتَأْنِفًا لِلْمَنْوِيِّ ثَانِيًا مُطْلَقًا لِأَنَّ الْكَلَامَ مُفْسِدٌ وَقَيَّدَ بِالصَّلَاةِ لِأَنَّهُ لَوْ صَامَ قَضَاءَ رَمَضَانَ وَأَمْسَكَ بَعْدَ الْفَجْرِ ثُمَّ نَوَى بَعْدَهُ نَفْلًا لَمْ يَخْرُجْ عَنْهُ بِنِيَّةِ النَّفْلِ لِأَنَّ الْفَرْضَ وَالنَّفَلَ فِي الصَّلَاةِ جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ لَا رُجْحَانَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ فِي التَّحْرِيمَةِ وَهُمَا فِي الصَّوْمِ وَالزَّكَاةِ جِنْسٌ وَاحِدٌ كَذَا فِي الْمُحِيطِ (قَوْلُهُ وَقِرَاءَتُهُ مِنْ مُصْحَفٍ) أَيْ يُفْسِدُهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا هِيَ تَامَّةٌ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ انْضَافَتْ إلَى عِبَادَةٍ إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ لِأَنَّهُ تَشَبُّهٌ بِصَنِيعِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ حَمْلَ الْمُصْحَفِ وَالنَّظَرَ فِيهِ وَتَقْلِيبَ الْأَوْرَاقِ عَمَلٌ كَثِيرٌ الثَّانِي أَنَّهُ تَلَقَّنَ مِنْ الْمُصْحَفِ فَصَارَ كَمَا إذَا تَلَقَّنَ مِنْ غَيْرِهِ وَعَلَى هَذَا الثَّانِي لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَوْضُوعِ وَالْمَحْمُولِ عِنْدَهُ وَعَلَى الْأَوَّلِ يَفْتَرِقَانِ وَصَحَّحَ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي الثَّانِيَ وَقَالَ إنَّهَا تَفْسُدُ بِكُلِّ حَالٍ تَبَعًا لِمَا صَحَّحَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَرُبَّمَا يُسْتَدَلُّ لِأَبِي حَنِيفَةَ كَمَا ذَكَرَهُ الْعَلَّامَةُ الْحَلَبِيُّ بِمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي دَاوُد عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ نَهَانَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ نَؤُمَّ النَّاسَ فِي الْمُصْحَفِ فَإِنَّ الْأَصْلَ كَوْنُ النَّهْيِ يَقْتَضِي الْفَسَادَ وَأَرَادَ بِالْمُصْحَفِ الْمَكْتُوبَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ فَإِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ لَوْ قَرَأَ مِنْ الْمِحْرَابِ فَسَدَتْ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى الْوَجْهِ الثَّانِي كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ وَمَا إذَا لَمْ يَكُنْ حَافِظًا أَوْ حَافِظًا لِلْقُرْآنِ وَهُوَ إطْلَاقُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّهُ إنَّمَا تَفْسُدُ إذَا قَرَأَ آيَةً وَبَعْضُهُمْ إذَا قَرَأَ الْفَاتِحَةَ وَقَالَ الرَّازِيّ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَحْفَظْ الْقُرْآنَ وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَقْرَأَ إلَّا مِنْ مُصْحَفٍ فَأَمَّا الْحَافِظُ فَلَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ السَّرَخْسِيُّ فِي جَامِعِهِ الصَّغِيرِ عَلَى مَا فِي النِّهَايَةِ وَأَبُو نَصْرٍ الصَّفَّارُ عَلَى مَا فِي الذَّخِيرَةِ مُعَلِّلًا بِأَنَّ هَذِهِ الْقِرَاءَةَ مُضَافَةٌ إلَى حِفْظِهِ لَا إلَى تَلَقُّنِهِ مِنْ الْمُصْحَفِ وَجَزَمَ بِهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالنِّهَايَةِ وَالتَّبْيِينِ وَهُوَ أَوْجَهُ كَمَا لَا يَخْفَى وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ ثُمَّ لَمْ يَذْكُرْ فِي الْكِتَابِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ قَادِرًا إلَّا عَلَى الْقِرَاءَةِ مِنْ الْمُصْحَفِ فَصَلَّى بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ هَلْ تَجُوزُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا لَا تَجُوزُ اهـ. وَيُخَالِفُهُ مَا فِي النِّهَايَةِ نَقْلًا عَنْ مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَكَانَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ يَقُولُ فِي التَّعْلِيلِ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ إذَا كَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَقْرَأَ مِنْ الْمُصْحَفِ وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَقْرَأَ عَلَى ظَهْرِ قَلْبِهِ أَنَّهُ لَوْ صَلَّى بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ وَلَوْ كَانَتْ الْقِرَاءَةُ مِنْ الْمُصْحَفِ جَائِزَةً لَمَا أُبِيحَتْ الصَّلَاةُ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ وَلَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُمَا لَا يُسَلِّمَانِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَبِهِ قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ. اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ مُتَفَرِّعٌ عَلَى أَنَّ عِلَّةَ الْفَسَادِ حَمْلُهُ وَالْعَمَلُ الْكَثِيرُ فَإِذَا لَمْ يَحْفَظْ شَيْئًا عَلَى ظَهْرِ قَلْبِهِ يُمْكِنُهُ أَنْ يَقْرَأَ مِنْ الْمُصْحَفِ وَهُوَ مَوْضُوعٌ فَلَيْسَ أُمِّيًّا لِتَجُوزَ صَلَاتُهُ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ وَمَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الْفَضْلِيُّ مُتَفَرِّعٌ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ أَنَّ عِلَّةَ الْفَسَادِ تَلَقُّنُهُ وَلَوْ كَانَ مَوْضُوعًا فَحِينَئِذٍ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى الْقِرَاءَةِ فَكَانَ أُمِّيًّا وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ تَصْحِيحَ الظَّهِيرِيَّةِ مُفَرَّعٌ عَلَى الضَّعِيفِ وَأَطْلَقَ فِي الْمُصَلِّي فَشَمِلَ الْإِمَامَ وَالْمُنْفَرِدَ فَمَا فِي الْهِدَايَةِ مِنْ تَقْيِيدِهِ بِالْإِمَامِ اتِّفَاقِيٌّ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ التَّشْبِيهَ بِأَهْلِ الْكِتَابِ لَا يُكْرَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ وَإِنَّا نَأْكُلُ وَنَشْرَبُ كَمَا يَفْعَلُونَ إنَّمَا الْحَرَامُ هُوَ التَّشَبُّهُ فِيمَا كَانَ مَذْمُومًا وَفِيمَا يُقْصَدُ بِهِ التَّشْبِيهُ كَذَا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَعَلَى هَذَا لَوْ لَمْ يَقْصِدْ التَّشَبُّهَ لَا يُكْرَهُ عِنْدَهُمَا (قَوْلُهُ وَالْأَكْلُ وَالشُّرْبُ) أَيْ يُفْسِدَانِهَا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَمَلٌ كَثِيرٌ وَلَيْسَ مِنْ أَعْمَالِ الصَّلَاةِ وَلَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ وَعَلَّلَ قَاضِي خَانْ وَجْهَ كَوْنِهِ كَثِيرًا بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ عَمَلُ الْيَدِ وَالْفَمِ وَاللِّسَانِ قَالَ الْعَلَّامَةُ الْحَلَبِيُّ وَهُوَ مُشْكِلٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا لَوْ أَخَذَ مِنْ خَارِجٍ سِمْسِمَةٍ فَابْتَلَعَهَا أَوْ وَقَعَ فِي فِيهِ قَطْرَةُ مَطَرٍ فَابْتَلَعَهَا فَإِنَّهُمْ نَصُّوا   [منحة الخالق] الثَّانِيَةِ لِأَنَّهُ نَوَى مَا لَيْسَ بِمَوْجُودٍ فَصَحَّتْ نِيَّتُهُ اهـ. وَنَحْوُهُ فِي التَّبْيِينِ [الْقِرَاءَة مِنْ مُصْحَفٍ فِي الصَّلَاة] (قَوْلُهُ وَقَالَ الرَّازِيّ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَقُولُ: إطْلَاقُ عَدَمِ الْفَسَادِ فِي الْحَافِظِ إنَّمَا يَتِمُّ عَلَى الْعِلَّةِ الثَّانِيَةِ أَمَّا عَلَى الْأُولَى فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَافِظِ وَغَيْرِهِ وَعِبَارَةُ الشَّارِحِ وَلَوْ كَانَ يَحْفَظُ وَقَرَأَ مِنْ غَيْرِ حَمْلٍ قَالُوا لَا تَفْسُدُ لِعَدَمِ الْأَمْرَيْنِ وَفِي الْفَتْحِ وَلَوْ كَانَ يَحْفَظُ إلَّا أَنَّهُ نَظَرَ وَقَرَأَ لَا تَفْسُدُ وَهَاتَانِ الْعِبَارَتَانِ لَا غُبَارَ عَلَيْهِمَا اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِ عَدَمِ الْفَسَادِ فِي الْحَافِظِ بِأَنْ يَكُونَ مِنْ غَيْرِ حَمْلٍ (قَوْلُهُ ثُمَّ اعْلَمْ إلَخْ) أَقُولُ: قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ الْبُرْهَانِيَّةِ قُبَيْلَ كِتَابِ التَّحَرِّي قَالَ هِشَامٌ رَأَيْت عَلَى أَبِي يُوسُفَ نَعْلَيْنِ مَخْسُوفَيْنِ بِمَسَامِيرَ فَقُلْت أَتَرَى بِهَذَا الْحَدِيدِ بَأْسًا قَالَ لَا فَقُلْت إنَّ سُفْيَانَ وَثَوْرَ بْنَ يَزِيدَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى كَرِهَا ذَلِكَ لِأَنَّ فِيهِ تَشَبُّهًا بِالرُّهْبَانِ فَقَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَلْبَسُ النِّعَالَ الَّتِي لَهَا شَعْرٌ وَأَنَّهَا مِنْ لِبَاسِ الرُّهْبَانِ» فَقَدْ أَشَارَ إلَى أَنَّ صُورَةَ الْمُشَابَهَةِ فِيمَا تَعَلَّقَ بِهِ صَلَاحُ الْعِبَادِ لَا يَضُرُّ وَقَدْ تَعَلَّقَ بِهَذَا النَّوْعِ مِنْ الْأَحْكَامِ صَلَاحُ الْعِبَادِ فَإِنَّ الْأَرْضَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ قَطْعُ الْمَسَافَةِ الْبَعِيدَةِ فِيهَا إلَّا بِهَذَا النَّوْعِ مِنْ الْأَحْكَامِ اهـ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 11 عَلَى فَسَادِ الصَّلَاةِ فِي كُلٍّ مِنْ هَذِهِ الصُّوَرِ مُطْلَقًا اهـ. أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْعَمْدَ وَالنِّسْيَانَ لِأَنَّ حَالَةَ الصَّلَاةِ مُذَكِّرَةً فَلَا يُعْفَى النِّسْيَانُ بِخِلَافِ الصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَا مُذَكِّرَ فِيهِ وَشَمِلَ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ وَلِهَذَا فَسَّرَهُ فِي الْحَاوِي بِقَدْرِ مَا يَصِلُ إلَى الْحَلْقِ وَقَيَّدَهُ الشَّارِحُ بِمَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ وَمَا لَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ اهـ. وَهُوَ مَمْنُوعٌ كُلِّيًّا فَإِنَّهُ لَوْ ابْتَلَعَ شَيْئًا بَيْنَ أَسْنَانِهِ وَكَانَ قَدْرَ الْحِمَّصَةِ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَفِي الصَّوْمِ يَفْسُدُ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا الْوَلْوَالِجِيُّ وَصَاحِبُ الْمُحِيطِ بِأَنَّ فَسَادَ الصَّلَاةِ مُعَلَّقٌ بِعَمَلٍ كَثِيرٍ وَلَمْ يُوجَدْ بِخِلَافِ فَسَادِ الصَّوْمِ فَإِنَّهُ مُعَلَّقٌ بِوُصُولِ الْمُغَذِّي إلَى جَوْفِهِ لَكِنْ فِي الْبَدَائِعِ وَالْخُلَاصَةِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ فَسَادِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ فِي قَدْرِ الْحِمَّصَةِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ ابْتَلَعَ دَمًا خَرَجَ مِنْ بَيْنِ أَسْنَانِهِ لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مِلْءَ الْفَمِ اهـ. وَقَالُوا فِي بَابِ الصَّوْمِ لَوْ خَرَجَ مِنْ بَيْنِ أَسْنَانِهِ دَمٌ وَدَخَلَ حَلْقَهُ وَهُوَ صَائِمٌ إنْ كَانَ الْغَلَبَةُ لِلدَّمِ أَوْ كَانَا سَوَاءً فَطَّرَهُ لِأَنَّ لَهُ حُكْمَ الْخَارِجِ وَإِنْ كَانَتْ الْغَلَبَةُ لِلْبُزَاقِ لَا يَضُرُّهُ كَمَا فِي الْوُضُوءِ فَقَدْ فَرَّقُوا بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ قَاءَ أَقَلَّ مِنْ مِلْءِ الْفَمِ فَعَادَ إلَى جَوْفِهِ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ إمْسَاكَهُ لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ وَإِنْ أَعَادَهُ إلَى جَوْفِهِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَمُجَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَلَى قِيَاسِ الصَّوْمِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا تَفْسُدُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تَفْسُدُ وَإِنْ تَقَيَّأَ فِي صَلَاتِهِ إنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ مِلْءِ الْفَمِ لَا تَفْسُدُ وَإِنْ كَانَ مِلْءَ الْفَمِ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ وَلَوْ مَضَغَ الْعِلْكَ كَثِيرًا فَسَدَتْ وَكَذَا لَوْ كَانَ فِي فَمِهِ إهْلِيلَجَةٌ فَلَاكَهَا فَإِنْ دَخَلَ فِي حَلْقِهِ مِنْهَا شَيْءٌ يَسِيرٌ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَلُوكَهَا لَا تَفْسُدُ وَإِنْ كَثُرَ ذَلِكَ فَسَدَتْ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَلَوْ أَكَلَ شَيْئًا مِنْ الْحَلَاوَةِ وَابْتَلَعَ عَيْنَهَا فَدَخَلَ فِي الصَّلَاةِ فَوَجَدَ حَلَاوَتَهَا فِي فِيهِ وَابْتَلَعَهَا لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَلَوْ دَخَلَ الْفَانِيدُ أَوْ السُّكَّرُ فِي فِيهِ وَلَمْ يَمْضُغْهُ لَكِنْ يُصَلِّي وَالْحَلَاوَةُ تَصِلُ إلَى جَوْفِهِ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ اهـ. وَأَشَارَ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ إلَى أَنَّ كُلَّ عَمَلٍ كَثِيرٍ فَهُوَ مُفْسِدٌ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْكَثِيرَ مُفْسِدٌ وَالْقَلِيلَ لَا لِإِمْكَانِ الِاحْتِرَازِ عَنْ الْكَثِيرِ دُونَ الْقَلِيلِ فَإِنَّ فِي الْحَيِّ حَرَكَاتٌ مِنْ الطَّبْعِ وَلَيْسَتْ مِنْ الصَّلَاةِ فَلَوْ اُعْتُبِرَ الْعَمَلُ مُفْسِدًا مُطْلَقًا لَزِمَ الْحَرَجُ فِي إقَامَةِ صِحَّتِهَا وَهُوَ مَدْفُوعٌ بِالنَّصِّ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِيمَا يُعَيِّنُ الْكَثْرَةَ وَالْقِلَّةَ عَلَى أَقْوَالٍ أَحَدِهَا مَا اخْتَارَهُ الْعَامَّةُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالْخَانِيَّةِ أَنَّ كُلَّ عَمَلٍ لَا يَشُكُّ النَّاظِرُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الصَّلَاةِ فَهُوَ كَثِيرٌ وَكُلَّ عَمَلٍ يَشْتَبِهُ عَلَى النَّاظِرِ أَنَّ عَامِلَهُ فِي الصَّلَاةِ فَهُوَ قَلِيلٌ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَهَذَا أَصَحُّ وَتَابَعَهُ الشَّارِحُ والْوَلْوَالِجِيُّ وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ إنَّهُ الْأَحْسَنُ وَقَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ إنَّهُ الصَّوَابُ وَذَكَرَ الْعَلَّامَةُ الْحَلَبِيُّ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مُرَادَهُمْ بِالنَّاظِرِ مَنْ لَيْسَ عِنْدَهُ عِلْمٌ بِشُرُوعِ الْمُصَلِّي فِي الصَّلَاةِ فَحِينَئِذٍ إذَا رَآهُ عَلَى هَذَا الْعَمَلِ وَتَيَقَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الصَّلَاةِ فَهُوَ عَمَلٌ كَثِيرٌ وَإِنْ شَكَّ فَهُوَ قَلِيلٌ ثَانِيهَا إنَّ مَا يُقَامُ بِالْيَدَيْنِ عَادَةً كَثِيرٌ وَإِنْ فَعَلَهُ بِيَدٍ وَاحِدَةٍ كَالتَّعَمُّمِ وَلُبْسِ الْقَمِيصِ وَشَدِّ السَّرَاوِيلِ وَالرَّمْيِ عَنْ الْقَوْسِ وَمَا يُقَامُ بِيَدٍ وَاحِدَةٍ قَلِيلٌ وَلَوْ فَعَلَهُ بِالْيَدَيْنِ كَنَزْعِ الْقَمِيصِ وَحَلِّ السَّرَاوِيلِ وَلُبْسِ الْقَلَنْسُوَةِ وَنَزْعِهَا وَنَزْعُ اللِّجَامِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ كَذَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَلَمْ يُقَيِّدْ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْخَانِيَّةِ مَا يُقَامُ بِالْيَدَيْنِ بِالْعُرْفِ وَقَيَّدَ فِي الْخَانِيَّةِ مَا يُقَامُ بِيَدٍ وَاحِدَةٍ بِمَا إذَا لَمْ يَتَكَرَّرْ وَالْمُرَادُ بِالتَّكَرُّرِ ثَلَاثٌ مُتَوَالِيَاتٌ لِمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَإِنْ حَكَّ ثَلَاثًا فِي رُكْنٍ وَاحِدٍ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ هَذَا إذَا رَفَعَ يَدَهُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ أَمَّا إذَا لَمْ يَرْفَعْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ فَلَا تَفْسُدُ لِأَنَّهُ حَكٌّ وَاحِدٌ اهـ. وَهُوَ تَقْيِيدٌ غَرِيبٌ وَتَفْصِيلٌ عَجِيبٌ يَنْبَغِي حِفْظُهُ لَكِنْ فِي الظَّهِيرِيَّةِ مَعْزِيًّا إلَى الصَّدْرِ الشَّهِيدِ حُسَامِ الدِّينِ لَوْ حَكَّ مَوْضِعًا مِنْ جَسَدِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ بِدَفْعَةٍ وَاحِدَةٍ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ اهـ. وَلَمْ أَرَ مَنْ صَحَّحَ الْقَوْلَ الثَّانِي فِي تَحْدِيدِ الْعَمَلِ وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ فَإِنَّهُ لَوْ مَضَغَ الْعِلْكَ فِي صَلَاتِهِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ كَذَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ لِأَنَّ النَّاظِرَ إلَيْهِ مِنْ بَعِيدٍ لَا يَشُكُّ أَنَّهُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ وَلَيْسَ فِيهِ اسْتِعْمَالُ الْيَدِ رَأْسًا فَضْلًا عَنْ اسْتِعْمَالِ الْيَدَيْنِ وَكَذَا الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ يَعْمَلُ بِيَدٍ   [منحة الخالق] [الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ فِي الصَّلَاةِ] (قَوْلُهُ لَكِنْ فِي الْبَدَائِعِ وَالْخُلَاصَةِ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ مُفِيدٌ لِدَفْعِ الْمَنْعِ (قَوْلُهُ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ ابْتَلَعَ دَمًا خَرَجَ مِنْ بَيْنِ أَسْنَانِهِ) ظَاهِرُ الْإِطْلَاقِ هُنَا وَالتَّفْصِيلُ فِيمَا يَأْتِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْغَالِبِ وَالْمَغْلُوبِ لَكِنْ إذَا كَانَ غَالِبًا يَكُونُ مِنْ مَسَائِلِ سَبْقِ الْحَدَثِ وَهُوَ لَا يُنَافِي عَدَمَ الْفَسَادِ (قَوْلُهُ وَلَمْ أَرَ مَنْ صَحَّحَ الْقَوْلَ الثَّانِيَ) قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ بَعْدَ ذِكْرِ الدُّرَرِ هَذَا الْقَوْلُ الثَّانِي وَهُوَ اخْتِيَارُ الشَّيْخِ الْإِمَامِ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ وَقَدَّمَهُ جَازِمًا بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْعَتَّابِيُّ وَفِي عُمْدَةَ الْمُفْتِي ثُمَّ قَالَ بَلْ ظَاهِرُ مَا فِي الْحَاوِي آخِرًا التَّفْرِيعُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَا يَخْفَى أَنَّ قَيْدَ الْحَيْثِيَّةِ مُرَاعًى فَمَعْنَى مَا يَعْمَلُ بِالْيَدَيْنِ كَثِيرٌ أَيْ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَعْمَلُ بِهِمَا اهـ. لَكِنْ عَلَى هَذَا يَبْقَى مَضْغُ الْعِلْكِ غَيْرُ مَعْلُومِ الْحُكْمِ وَلَا مَانِعَ مِنْ اعْتِبَارِ شَيْءٍ آخَرَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَدْخُلُهُ (قَوْلُهُ لَوْ مَضَغَ الْعِلْكَ فِي صَلَاتِهِ فَسَدَتْ إلَخْ) أَيْ إذَا كَانَ الْمَضْغُ كَثِيرًا كَمَا فِي التَّجْنِيسِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 12 وَاحِدَةٍ وَهُوَ مُبْطِلٌ اتِّفَاقًا وَكَذَا قَوْلُهُمْ لَوْ دَهَنَ رَأْسَهُ أَوْ سَرَّحَ شَعْرَهُ سَوَاءٌ كَانَ شَعْرَ رَأْسِهِ أَوْ لِحْيَتِهِ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ لَا يَتَخَرَّجُ عَلَى أَنَّ الْعَمَلَ الْكَثِيرَ مَا يُقَامُ بِالْيَدَيْنِ لِأَنَّ دَهْنَ الرَّأْسِ وَتَسْرِيحَ الشَّعْرِ عَادَةً يَكُونُ بِيَدٍ وَاحِدَةٍ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِالدَّهْنِ تَنَاوُلَهُ الْقَارُورَةَ وَصَبَّ الدُّهْنِ مِنْهَا بِيَدِهِ الْأُخْرَى وَهُوَ كَذَلِكَ فَإِنَّ فِي الْمُحِيطِ قَالَ وَلَوْ صَبَّ الدُّهْنَ عَلَى رَأْسِهِ بِيَدٍ وَاحِدَةٍ لَا تَفْسُدُ وَتَعْلِيلُ الْوَلْوَالِجِيِّ بِأَنَّ تَسْرِيحَ الشَّعْرِ يُفْعَلُ بِالْيَدَيْنِ مَمْنُوعٌ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ وَلَوْ حَمَلَتْ صَبِيًّا فَأَرْضَعَتْهُ تَفْسُدُ فَهُوَ عَلَى سَائِرِ التَّفَاسِيرِ لَكِنْ مَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالْخَانِيَّةِ الْمَرْأَةُ إذَا أَرْضَعَتْ وَلَدَهَا تَفْسُدُ صَلَاتُهَا لِأَنَّهَا صَارَتْ مُرْضِعَةً فَشَمِلَ مَا إذَا حُمِلَ إلَيْهَا فَدَفَعَتْ إلَيْهِ الثَّدْيَ فَرَضَعَهَا وَأَمَّا إذَا ارْتَضَعَ مِنْ ثَدْيِهَا وَهِيَ كَارِهَةٌ فَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْخَانِيَّةِ إنْ مَصَّ ثَلَاثًا فَسَدَتْ وَإِنْ لَمْ يَنْزِلْ اللَّبَنُ فَإِنْ كَانَ مَصَّةً أَوْ مَصَّتَيْنِ فَإِنْ نَزَلَ لَبَنٌ فَسَدَتْ وَإِلَّا فَلَا وَفِي الْمُنْيَةِ وَالْمُحِيطِ إنْ خَرَجَ اللَّبَنُ فَسَدَتْ وَإِلَّا فَلَا مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِعَدَدٍ وَصَحَّحَهُ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ لَوْ ضَرَبَ إنْسَانًا بِيَدٍ وَاحِدَةٍ أَوْ بِسَوْطٍ تَفْسُدُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَالْخُلَاصَةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ وَالْمُنْيَةِ فَلَا يَتَفَرَّعُ عَلَى مَا يُقَامُ بِالْيَدَيْنِ بَلْ عَلَى الصَّحِيحِ لَكِنْ فِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ ضَرَبَ دَابَّتَهُ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ لَا تَفْسُدُ وَإِنْ ضَرَبَهَا ثَلَاثًا فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ تَفْسُدُ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعِنْدِي إذَا ضَرَبَ مَرَّةً وَاحِدَةً وَسَكَنَ ثُمَّ ضَرَبَ مَرَّةً أُخْرَى وَسَكَنَ ثُمَّ ضَرَبَ مَرَّةً أُخْرَى لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ كَمَا قُلْنَا فِي الْمَشْيِ اهـ. وَهَذَا يَصْلُحُ أَنْ يَتَفَرَّعَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَأَمَّا اعْتِبَارُهُمْ الْمَرَّاتِ الثَّلَاثَ فِي الْحَكِّ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْخُلَاصَةِ فَالظَّاهِرُ تَفْرِيعُهُ عَلَى قَوْلِ مَنْ فَسَّرَ الْعَمَلَ الْكَثِيرَ بِمَا تَكَرَّرَ ثَلَاثًا وَهُوَ الْقَوْلُ الثَّالِثُ لَا عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ لَوْ قَتَلَ الْقَمْلَةَ مِرَارًا إنْ قَتَلَ قَتْلًا مُتَدَارَكًا تَفْسُدُ وَإِنْ كَانَ بَيْنَ الْقِتْلَاتِ فُرْجَةٌ لَا تَفْسُدُ فَيَصْلُحُ تَفْرِيعُهُ عَلَى الْأَقْوَالِ كُلِّهَا وَأَمَّا قَوْلُهُمْ لَوْ قَبَّلَ الْمُصَلِّي امْرَأَتَهُ بِشَهْوَةٍ أَوْ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ أَوْ مَسَّهَا بِشَهْوَةٍ فَسَدَتْ يَنْبَغِي تَفْرِيعُهُ عَلَى الْقَوْلِ الْأَصَحِّ وَكَذَا عَلَى قَوْلِ مَنْ فَسَّرَ الْعَمَلَ الْكَثِيرَ بِمَا يَسْتَفْحِشُهُ الْمُصَلِّي وَأَمَّا عَلَى اعْتِبَارِ مَا يَفْعَلُ بِالْيَدَيْنِ أَوْ بِمَا تَكَرَّرَ ثَلَاثًا فَلَا وَهُوَ مِمَّا يُضْعِفُهُمَا كَمَا لَا يَخْفَى وَكَذَا لَوْ جَامَعَهَا فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ مِنْ غَيْرِ إنْزَالٍ بِخِلَافِ النَّظَرِ إلَى فَرْجِهَا بِشَهْوَةٍ فَإِنَّهُ لَا يُفْسِدُ عَلَى الْمُخْتَارِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ لَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ هِيَ الْمُصَلِّيَةُ دُونَهُ فَقَبَّلَهَا فَسَدَتْ بِشَهْوَةٍ أَوْ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ وَلَوْ كَانَ هُوَ الْمُصَلِّي فَقَبَّلَتْهُ وَلَمْ يَشْتَهِهَا فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ فَمُشْكِلٌ إذْ لَيْسَ مِنْ الْمُصَلِّي فِعْلٌ فِي الصُّورَتَيْنِ فَمُقْتَضَاهُ عَدَمُ الْفَسَادِ فِيهِمَا فَإِنْ جَعَلْنَا تَمْكِينَهُ مِنْ الْفِعْلِ بِمَنْزِلَةِ فِعْلِهِ اقْتَضَى الْفَسَادَ فِيهِمَا وَهُوَ الظَّاهِرُ عَلَى اعْتِبَارِ أَنَّ الْعَمَلَ الْكَثِيرَ مَا لَوْ نَظَرَ إلَيْهِ النَّاظِرُ لَتَيَقَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الصَّلَاةِ أَوْ مَا اسْتَفْحَشَهُ الْمُصَلِّي لَكِنْ فِي شَرْحِ الزَّاهِدِيِّ وَلَوْ قَبَّلَ الْمُصَلِّيَةَ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهَا وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ إنْ كَانَ بِشَهْوَةٍ فَسَدَتْ اهـ. وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالْخَانِيَّةِ مُسَاوٍ لِتَقْبِيلِهِ وَتَقْبِيلِهَا وَفِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي الْمَشْيُ فِي الصَّلَاةِ إذَا كَانَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ لَا يُفْسِدُ إذَا لَمْ يَكُنْ مُتَلَاحِقًا وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَسْجِدِ وَفِي الْفَضَاءِ مَا لَمْ يَخْرُجْ عَنْ الصُّفُوفِ هَذَا كُلُّهُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ يَكُونُ بِيَدٍ وَاحِدَةٍ) سَيَأْتِي (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِالدَّهْنِ تَنَاوُلُهُ إلَخْ) وَيَبْقَى الْكَلَامُ فِي التَّسْرِيحِ وَالْجَوَابُ تَعْلِيلُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ لَهُ بِقَوْلِهِ فِي التَّجْنِيسِ لِأَنَّهُ يَقُومُ بِالْيَدَيْنِ غَالِبًا (قَوْلُهُ وَأَمَّا إذَا ارْتَضَعَ مِنْ ثَدْيِهَا) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ بِأَمَّا الشَّرْطِيَّةِ وَفِي بَعْضِهَا وَمَا إذَا بِدُونِ هَمْزَةٍ وَعَلَيْهَا يُتَوَجَّهُ قَوْلُ النَّهْرِ هَذَا سَهْوٌ ظَاهِرٌ وَأَنَّى يُقَالُ ارْتِضَاعُهُ مِنْ غَيْرِ فِعْلٍ مِنْهَا أَنَّهَا أَرْضَعَتْهُ اهـ وَيُؤَيِّدُ النُّسْخَةَ الْأُولَى أَنَّ الْمَعْنَى عَلَيْهَا وَذِكْرَ الْفَاءَ فِي جَوَابِ أَمَّا (قَوْلُهُ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ إلَى قَوْلِهِ فَمُشْكِلٌ) قَالَ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ نَقْلِهِ ذَلِكَ عَنْ الْخُلَاصَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِوَجْهِ الْفَرْقِ وَفِي النَّهْرِ وَعَلَى مَا فِي الْخُلَاصَةِ قَدْ فَرَّقَ بِأَنَّ الشَّهْوَةَ لَمَّا كَانَتْ فِي النِّسَاءِ أَغْلَبَ كَانَ تَقْبِيلُهُ مُسْتَلْزِمًا لِاشْتِهَائِهَا عَادَةً بِخِلَافِ تَقْبِيلِهَا اهـ. وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ الْعَلَّامَةِ الْمَقْدِسِيَّ بِزِيَادَةٍ وَعِبَارَتُهُ وَفَتَحَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِهِ وَهُوَ أَنَّ الشَّهْوَةَ غَالِبَةٌ عَلَى النِّسَاءِ فَهِيَ فِي حُكْمِ الْمَوْجُودَةِ مِنْهَا وَلِهَذَا حَرُمَ نَظَرُ الرَّجُلِ إلَيْهَا عِنْدَ غَلَبَةِ ظَنِّهِ بِالشَّهْوَةِ أَوْ الشَّكِّ قَالُوا لِتَحَقُّقِ الشَّهْوَةِ مِنْهَا حُكْمًا وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ كَانَ كَثِيرَ عَمَلٍ لِوُقُوعِهِ بَيْنَ مُتَفَاعِلَيْنِ وَإِذَا قَبَّلَتْهُ وَلَمْ يَشْتَهِ لَمْ يُوجَدْ مِنْ جَانِبِهِ أَصْلًا وَيُوَشِّحُ هَذَا مَا مَرَّ مِنْ اعْتِبَارِ نُزُولِ اللَّبَنِ كَثِيرَ عَمَلٍ اهـ. لَكِنْ ذَكَرَ الْبَاقَانِيُّ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى مَا لَا يُحْتَاجُ مَعَهُ إلَى هَذَا التَّكَلُّفِ حَيْثُ قَالَ أَقُولُ: عِبَارَةُ الْخُلَاصَةِ لَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ فِي الصَّلَاةِ فَجَامَعَهَا زَوْجُهَا تَفْسُدُ صَلَاتُهَا وَإِنْ لَمْ يَنْزِلْ مَنِيٌّ وَكَذَا لَوْ قَبَّلَهَا بِشَهْوَةٍ أَوْ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ أَوْ مَسَّهَا لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْجِمَاعِ أَمَّا لَوْ قَبَّلَتْ الْمَرْأَةُ الْمُصَلِّيَ وَلَمْ يَشْتَهِهَا لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ هَذِهِ عِبَارَةُ الْخُلَاصَةِ فَالْعَجَبُ مِنْ هَذَا الْعَلَّامَةُ الْإِمَامُ ابْنُ الْهُمَامِ كَيْفَ غَفَلَ عَنْ الْفَرْقِ الْمَذْكُورِ فِي هَذَا الْمَقَامِ اهـ. قُلْت وَبِهَذَا التَّعْلِيلِ عَلَّلَ فِي التَّجْنِيسِ (قَوْلُهُ وَفِي الْفَضَاءِ مَا لَمْ يَخْرُجْ عَنْ الصُّفُوفِ) أَقُولُ: قَالَ فِي التَّجْنِيسِ رَجُلٌ صَلَّى فِي الصَّحْرَاءِ فَتَأَخَّرَ عَنْ مَوْضِعِ قِيَامِهِ الْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَيُعْتَبَرُ مِقْدَارُ سُجُودِهِ مِنْ خَلْفِهِ وَعَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ كَمَا فِي وَجْهِ الْقِبْلَةِ سَوَاءٌ فَمَا لَمْ يَتَأَخَّرْ عَنْ هَذَا الْمَوْضِعِ لَمْ يَتَأَخَّرْ عَنْ الْمَسْجِدِ فَلَا تَفْسُدْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 13 إذَا لَمْ يَسْتَدْبِرْ الْقِبْلَةَ وَأَمَّا إذَا اسْتَدْبَرَهَا فَسَدَتْ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ الْمُخْتَارُ فِي الْمَشْيِ أَنَّهُ إذَا أَكْثَرَ أَفْسَدَهَا وَأَمَّا قَوْلُهُمْ كَمَا فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي لَوْ أَخَذَ حَجَرًا فَرَمَى بِهِ تَفْسُدُ وَلَوْ كَانَ مَعَهُ حَجَرٌ فَرَمَى لَا تَفْسُدُ وَقَدْ أَسَاءَ فَظَاهِرُهُ التَّفْرِيعُ عَلَى الصَّحِيحِ لَا عَلَى تَفْسِيرِهِ بِمَا يُقَامُ بِالْيَدَيْنِ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا لَوْ كَتَبَ قَدْرَ ثَلَاثِ كَلِمَاتٍ تَفْسُدُ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ لَا فَالظَّاهِرُ تَفْرِيعُهُ عَلَى أَنَّ الْكَثِيرَ مَا يَسْتَكْثِرُهُ الْمُبْتَلَى بِهِ أَوْ أَنَّهُ مَا تَكَرَّرَ ثَلَاثًا مُتَوَالِيَاتٍ وَأَمَّا عَلَى الصَّحِيحِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْفَسَادَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى كِتَابَةِ ثَلَاثِ كَلِمَاتٍ بَلْ يَحْصُلُ الْفَسَادُ بِكِتَابَةِ كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ مُسْتَبِينَةٍ عَلَى الْأَرْضِ وَنَحْوِهَا وَقَدْ يَشْهَدُ بِذَلِكَ إطْلَاقُ مَا فِي الْمُحِيطِ قَالَ مُحَمَّدٌ لَوْ كَتَبَ فِي صَلَاتِهِ عَلَى شَيْءٍ فَسَدَتْ وَإِنْ كَتَبَ عَلَى شَيْءٍ لَا يُرَى لَا تَفْسُدُ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى كِتَابَةً وَأَمَّا قَوْلُهُمْ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ لَوْ حَرَّكَ رِجْلًا لَا عَلَى الدَّوَامِ لَا تَفْسُدُ وَإِنْ حَرَّكَ رِجْلَيْهِ تَفْسُدُ فَمُشْكِلٌ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ تَحْرِيكَ الْيَدَيْنِ فِي الصَّلَاةِ لَا يُبْطِلُهَا حَتَّى يَلْحَقَ بِهِمَا تَحْرِيكُ الرِّجْلَيْنِ وَالْأَوْجَهُ قَوْلُ بَعْضِهِمْ إنَّهُ إنْ حَرَّكَ رِجْلَيْهِ قَلِيلًا لَا تَفْسُدُ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا فَسَدَتْ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ أَيْضًا وَلَعَلَّهُ مُفَوَّضٌ إلَى مَا يَعُدُّهُ الْعُرْفُ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ إذَا تَخَمَّرَتْ الْمَرْأَةُ فَسَدَتْ صَلَاتُهَا وَلَوْ أَغْلَقَ الْبَابَ لَا تَفْسُدُ وَإِنْ فَتَحَ الْبَابَ الْمُغْلَقَ تَفْسُدُ وَإِنْ نَزَعَ الْقَمِيصَ لَا تَفْسُدُ وَلَوْ لَبِسَ تَفْسُدُ وَلَوْ شَدَّ السَّرَاوِيلَ تَفْسُدُ وَلَوْ فَتَحَ لَا تَفْسُدُ وَمَنْ أَخَذَ عَنَانَ دَابَّتِهِ أَوْ مَقُودَهَا وَهُوَ نَجِسٌ إنْ كَانَ مَوْضِعُ قَبْضِهِ نَجِسًا لَمْ يَجُزْ وَإِنْ كَانَ النَّجِسُ مَوْضِعًا آخَرَ جَازَ وَإِنْ كَانَ يَتَحَرَّكُ بِتَحَرُّكِهِ هُوَ الْمُخْتَارُ وَإِنْ جَذَبَتْهُ الدَّابَّةُ حَتَّى أَزَالَتْهُ عَنْ مَوْضِعِ سُجُودِهِ تَفْسُدُ وَلَوْ آذَاهُ حَرُّ الشَّمْسِ فَتَحَوَّلَ إلَى الظِّلِّ خُطْوَةً أَوْ خُطْوَتَيْنِ لَا تَفْسُدُ وَقِيلَ فِي الثَّلَاثِ كَذَلِكَ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَلَوْ رَفَعَ رَجَلٌ الْمُصَلِّي عَنْ مَكَانِهِ ثُمَّ وَضَعَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُحَوِّلَهُ عَنْ الْقِبْلَةِ لَا تَفْسُدُ وَلَوْ وَضَعَهُ عَلَى الدَّابَّةِ تَفْسُدُ وَلَوْ زَرَّ قَمِيصًا أَوْ قَبَاءً فَسَدَتْ لَا إنْ حَلَّهُ وَإِنْ أَلْجَمَ دَابَّةً فَسَدَتْ لَا إنْ خَلَعَهُ وَلَوْ لَبِسَ خُفَّيْهِ فَسَدَتْ لَا إنْ تَنَعَّلَ أَوْ خَلَعَ نَعْلَيْهِ كَمَا لَوْ تَقَلَّدَ سَيْفًا أَوْ نَزَعَهُ أَوْ وَوَضَعَ الْفَتِيلَةَ فِي مِسْرَجَةٍ أَوْ تَرَوَّحَ بِمِرْوَحَةٍ أَوْ بِكُمِّهِ أَوْ سَوَّى مِنْ عِمَامَتِهِ كَوْرًا أَوْ كَوْرَيْنِ أَوْ لَبِسَ قَلَنْسُوَةً أَوْ بَيْضَةً وَالْحَاصِلُ أَنَّ فُرُوعَهُمْ فِي هَذَا الْبَابِ قَدْ اخْتَلَفَتْ وَلَمْ تَتَفَرَّعْ كُلُّهَا عَلَى قَوْلٍ وَاحِدٍ بَلْ بَعْضُهَا عَلَى قَوْلٍ وَبَعْضُهَا عَلَى غَيْرِهِ كَمَا يَظْهَرُ لِلْمُتَأَمِّلِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ أَكْثَرَهَا تَفْرِيعَاتُ الْمَشَايِخِ لَمْ تَكُنْ مَنْقُولَةً عَنْ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ وَلِهَذَا جُعِلَ الِاخْتِلَافُ فِي حَدِّ الْعَمَلِ الْكَثِيرِ وَالْقَلِيلِ فِي التَّجْنِيسِ إنَّمَا هُوَ بَيْنَ الْمَشَايِخِ وَقَدْ ذَكَرْنَا مِنْ الْأَقْوَالِ أَرْبَعَةً وَذَكَرُوا قَوْلًا خَامِسًا وَهُوَ أَنَّ الْعَمَلَ الْكَثِيرَ مَا يَكُونُ مَقْصُودًا لِلْفَاعِلِ بِأَنْ أَفْرَدَ لَهُ مَجْلِسًا عَلَى حِدَةٍ وَلَقَدْ صَدَقَ مَنْ قَالَ كَثْرَةُ الْمَقَالَاتِ تُؤْذِنُ بِكَثْرَةِ الْجَهَالَاتِ وَلَقَدْ صَدَقَ صَاحِبُ الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ حَيْثُ قَالَ فِي الْفَصْلِ الثَّالِثِ فِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ إنَّ كُلَّ مَا لَمْ يُرْوَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِيهِ قَوْلٌ بَقِيَ كَذَلِكَ مُضْطَرِبًا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كَمَا حُكِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ كَانَ يَضْطَرِبُ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ وَكَانَ يَقُولُ كُلُّ مَسْأَلَةٍ لَيْسَ لِشَيْخِنَا فِيهَا قَوْلٌ فَنَحْنُ فِيهَا هَكَذَا اهـ. وَإِلَى هُنَا تَبَيَّنَ أَنَّ الْمُفْسِدَ لِلصَّلَاةِ كَلَامُ النَّاسِ مُطْلَقًا وَالْعَمَلُ الْكَثِيرُ وَمِنْ الْمُفْسِدِ الْمَوْتُ وَالِارْتِدَادُ بِالْقَلْبِ وَالْجُنُونُ وَالْإِغْمَاءُ وَكُلُّ حَدَثٍ عَمْدٍ وَمَا أَوْجَبَ الْغُسْلَ كَالِاحْتِلَامِ وَالْحَيْضِ   [منحة الخالق] صَلَاتُهُ وَلَوْ خَطَّ حَوْلَهُ خَطًّا وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْخَطِّ لَكِنْ تَأَخَّرَ عَمَّا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَوْضِعِ فَسَدَتْ لِأَنَّ الْخَطَّ لَيْسَ بِشَيْءٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ أَغْلَقَ الْبَابَ لَا تَفْسُدُ إلَخْ) قَالَ فِي التَّجْنِيسِ وَالْمَزِيدِ لَوْ فَتَحَ بَابًا أَوْ أَغْلَقَهُ فَدَفَعَهُ بِيَدِهِ مِنْ غَيْرِ مُعَالَجَةٍ بِمِفْتَاحِ غَلَقٍ أَوْ قُفْلٍ كُرِهَ ذَلِكَ وَلَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ عَمَلٌ قَلِيلٌ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ إذَا أَغْلَقَ تَفْسُدُ تَأْوِيلُهُ إذَا كَانَ فِيهِ يَحْتَاجُ إلَى مُعَالَجَةٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَمَنْ أَخَذَ عَنَانَ دَابَّتِهِ إلَخْ) لَا دَخْلَ لِهَذَا الْفَرْعِ هُنَا (قَوْلُهُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ فُرُوعَهُمْ فِي هَذَا الْبَابِ قَدْ اخْتَلَفَتْ إلَخْ) أَقُولُ: يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لَمَّا رَأَى مَشَايِخُ الْمَذْهَبِ الْفُرُوعَ الْمَذْكُورَةَ فَكُلٌّ مِنْهُمْ عَرَّفَ الْعَمَلَ الْكَثِيرَ بِتَعْرِيفٍ يَنْطَبِقُ عَلَى مَا رَآهُ مِنْ الْفُرُوعِ وَبِضَمِّ التَّعَارِيفِ إلَى بَعْضِهَا تَنْتَظِمُ الْفُرُوعُ جَمِيعًا بِأَنْ يُقَالَ الْعَمَلُ الْكَثِيرُ هُوَ مَا لَا يَشُكُّ النَّاظِرُ إلَيْهِ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الصَّلَاةِ أَوْ مَا كَانَ بِحَرَكَاتٍ مُتَوَالِيَةٍ أَوْ مَا كَانَ يُعْمَلُ بِالْيَدَيْنِ أَوْ مَا يَسْتَكْثِرُهُ الْمُبْتَلَى بِهِ أَوْ مَا يَكُونُ مَقْصُودًا لِلْفَاعِلِ بِأَنْ أَفْرَدَ لَهُ مَجْلِسًا عَلَى حِدَةٍ لَكِنْ يُمْكِنُ إدْخَالُ سَائِرِ الْفُرُوعِ فِي الْأَوَّلَيْنِ وَالِاسْتِغْنَاءُ بِهِمَا عَنْ الثَّلَاثَةِ الْبَاقِيَةِ فَتَأَمَّلْ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ التَّوْفِيقِ فَإِنَّ فِيهِ إحْسَانَ الظَّنِّ بِمَشَايِخِ الْمَذْهَبِ فَإِنَّ هَذِهِ الْفُرُوعَ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ كُلُّهَا مَنْقُولَةً عَنْ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ لَكِنْ الْمَشَايِخُ خَرَّجُوا بَعْضَهَا عَلَى الْمَنْقُولِ لَا بِمُجَرَّدِ الرَّأْيِ وَمَا كَانَ مُخَرَّجًا عَلَى الْمَذْهَبِ مِنْ أَهْلِ التَّخْرِيجِ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي الْمَذْهَبِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِفِكْرِي الْقَاصِرِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ ثُمَّ رَأَيْت الْعَلَّامَةَ الشَّيْخَ إبْرَاهِيمَ الْحَلَبِيَّ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُنْيَةِ ذَكَرَ مَا ذَكَرْتُهُ حَيْثُ قَالَ وَأَكْثَرُ الْفُرُوعِ أَوْ جَمِيعُهَا مُخَرَّجٌ عَلَى أَحَدِ الطَّرِيقَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ ثَانِيَهُمَا لَيْسَ خَارِجًا عَنْ الْأَوَّلِ لِأَنَّ مَا يُقَامُ بِالْيَدَيْنِ عَادَةً يَغْلِبُ ظَنُّ النَّاظِرِ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الصَّلَاةِ وَكَذَا قَوْلُ مَنْ اعْتَبَرَ التَّكْرَارَ إلَى ثَلَاثٍ مُتَوَالِيَةٍ فَإِنَّ التَّكْرَارَ يُغَلِّبُ الظَّنُّ بِذَلِكَ فَلِذَا اخْتَارَهُ جُمْهُورُ الْمَشَايِخِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَذَكَرُوا قَوْلًا خَامِسًا وَهُوَ إلَخْ) قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُحِيطِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 14 وَمُحَاذَاةُ الْمَرْأَةِ بِشُرُوطِهِ وَتَرْكُ رُكْنٍ مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ أَوْ شَرْطٍ لِغَيْرِ عُذْرٍ وَأَمَّا اسْتِخْلَافُ الْقَارِئِ لِلْأُمِّيِّ وَالْفَتْحُ عَلَى غَيْرِ إمَامِهِ فَدَاخِلٌ تَحْتَ الْعَمَلِ الْكَثِيرِ وَأَمَّا تَرْكُ الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ مَعَ التَّقْيِيدِ بِالسَّجْدَةِ وَقُدْرَةُ الْمُومِئِ عَلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَتَذَكُّرُ صَاحِبِ التَّرْتِيبِ الْفَائِتَةَ فِيهَا وَطُلُوعُ الشَّمْسِ فِي الْفَجْرِ وَدُخُولُ وَقْتِ الْعَصْرِ فِي الْجُمُعَةِ وَنَظَائِرِهَا فَمِمَّا يُفْسِدُ وَصْفَ الْفَرْضِيَّةِ لَا أَصْلَ الصَّلَاةِ وَأَمَّا فَسَادُهَا بِتَقَدُّمِ الْإِمَامِ أَمَامَ الْمُصَلِّي أَوْ طَرْحِهِ فِي صَفِّ النِّسَاءِ أَوْ فِي مَكَان نَجِسٍ أَوْ سُقُوطِ الثَّوْبِ عَنْ عَوْرَتِهِ مَعَ التَّعَمُّدِ مُطْلَقًا وَمَعَ أَدَاءِ رُكْنٍ إنْ لَمْ يَتَعَمَّدْ عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ وَمَعَ الْمُكْثِ قَدْرَهُ إنْ لَمْ يُؤَدِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ فَرَاجِعٌ إلَى فَوْتِ الشَّرْطِ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ وَلَوْ نَظَرَ إلَى مَكْتُوبٍ وَفَهِمَهُ أَوْ أَكَلَ مَا بَيْنَ أَسْنَانِهِ أَوْ مَرَّ مَارٌّ فِي مَوْضِعِ سُجُودِهِ لَا تَفْسُدُ وَإِنْ أَثِمَ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْفَسَادَ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ فِي مِثْلِهِ بِالْقِرَاءَةِ وَبِالنَّظَرِ مَعَ الْفَهْمِ لَمْ تَحْصُلْ وَصَحَّحَ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي أَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَنْ حَلَفَ لَا يَقْرَأُ كِتَابَ فُلَانٍ فَنَظَرَ إلَيْهِ وَفَهِمَهُ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِيهِ الْفَهْمُ وَالْوُقُوفُ عَلَى سِرِّهِ أَطْلَقَ الْمَكْتُوبَ فَشَمِلَ مَا هُوَ قُرْآنٌ وَغَيْرُهُ لَكِنْ فِي الْقُرْآنِ لَا تَفْسُدُ إجْمَاعًا بِالِاتِّفَاقِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَشَمِلَ مَا إذَا اسْتَفْهَمَ أَوْ لَا لَكِنْ إذَا لَمْ يَكُنْ مُسْتَفْهِمًا لَا تَفْسُدُ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ كَانَ مُسْتَفْهِمًا فَفِي الْمُنْيَةِ تَفْسُدُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَالصَّحِيحُ عَدَمُهُ اتِّفَاقًا لِعَدَمِ الْفِعْلِ مِنْهُ وَلِشُبْهَةِ الِاخْتِلَافِ قَالُوا يَنْبَغِي لِلْفَقِيهِ أَنْ لَا يَضَعَ جُزْءَ تَعْلِيقِهِ بَيْنَ يَدَيْهِ فِي الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَقَعُ بَصَرُهُ عَلَى مَا فِي الْجُزْءِ فَيَفْهَمُ ذَلِكَ فَيَدْخُلُ فِيهِ شُبْهَةُ الِاخْتِلَافِ اهـ. وَعَبَّرَ فِي النِّهَايَةِ بِالْوُجُوبِ عَلَى الْفَقِيهِ أَنْ لَا يَضَعَ لَكِنْ قَدْ عَلِمْت أَنَّ شُبْهَةَ الِاخْتِلَافِ فِيمَا إذَا كَانَ مُسْتَفْهِمًا وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ مُسْتَفْهِمًا فَلَا يُعَلَّلُ بِمَا ذُكِرَ لِعَدَمِ الِاخْتِلَافِ فِيهِ بَلْ لِاشْتِغَالِ قَلْبِهِ بِهِ إذَا خَافَ مِنْ وَضْعِهِ بَيْنَ يَدَيْهِ اشْتِغَالَهُ بِالنَّظَرِ إلَيْهِ وَلَمْ يَذْكُرُوا كَرَاهَةَ النَّظَرِ إلَى الْمَكْتُوبِ مُتَعَمِّدًا وَفِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي مَا يَقْتَضِيهَا فَإِنَّهُ قَالَ وَلَوْ أَنْشَأَ شِعْرًا أَوْ خُطْبَةً وَلَمْ يَتَكَلَّمْ بِلِسَانِهِ لَا تَفْسُدُ وَقَدْ أَسَاءَ وَعَلَّلَ الْإِسَاءَةَ شَارِحُهَا بِاشْتِغَالِهِ بِمَا لَيْسَ مِنْ أَعْمَالِ الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ قَالَ ثُمَّ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ إذَا أَشْغَلَهُ ذَلِكَ عَنْ أَدَاءِ رُكْنٍ أَوْ وَاجِبٍ سَهْوًا اهـ. وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ تَرْكَ الْخُشُوعِ لَا يُخِلُّ بِالصِّحَّةِ بَلْ بِالْكَمَالِ وَلِذَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْخَانِيَّةِ إذَا تَفَكَّرَ فِي صَلَاتِهِ فَتَذَكَّرَ شِعْرًا أَوْ خُطْبَةً فَقَرَأَهُمَا بِقَلْبِهِ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ بِلِسَانِهِ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ اهـ. وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ أَكْلُهُ مَا بَيْنَ أَسْنَانِهِ فَلِأَنَّهُ عَمَلٌ قَلِيلٌ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ قَدْرَ الْحِمَّصَةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْمُحِيطِ والولوالجية مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَفِي الْبَدَائِعِ إنْ كَانَ دُونَ الْحِمَّصَةِ لَمْ يَضُرَّهُ وَإِنْ كَانَ قَدْرَ الْحِمَّصَةِ فَصَاعِدًا فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَهَكَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ بِمَا دُونَ مِلْءِ الْفَمِ وَعَلَيْهِ مَشَى فِي الْخُلَاصَةِ حَيْثُ قَالَ وَقَالَ الْإِمَامُ خُوَاهَرْ زَادَهْ وَلَوْ أَكَلَ بَعْضَ اللُّقْمَةِ وَبَقِيَ الْبَعْضُ فِي فِيهِ حَتَّى شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ وَابْتَلَعَ الْبَاقِيَ لَا تَفْسُدْ صَلَاتُهُ مَا لَمْ يَكُنْ مِلْءَ الْفَمِ فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَمَا تَرَى وَالشَّأْنُ فِيمَا هُوَ الرَّاجِحُ مِنْهَا وَهُوَ يَنْبَنِي عَلَى مَعْرِفَةِ الْعَمَلِ الْكَثِيرِ وَفِيهِ اخْتِلَافٌ كَمَا سَبَقَ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ الِاخْتِلَافِ فِيمَا إذَا ابْتَلَعَ مَا بَيْنَ أَسْنَانِهِ مِنْ غَيْرِ مَضْغٍ أَمَّا إذَا مَضَغَهُ كَثِيرًا فَلَا خِلَافَ فِي فَسَادِهَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي مَضْغِ الْعِلْكِ وَعَلَى هَذَا فَلَوْ عَبَّرَ   [منحة الخالق] وَهَذَا الْقَائِلُ يَسْتَدِلُّ بِامْرَأَةٍ صَلَّتْ فَلَمَسَهَا زَوْجُهَا أَوْ قَبَّلَهَا بِشَهْوَةٍ تَفْسُدُ صَلَاتُهَا وَكَذَا إذَا مَصَّ صَبِيٌّ ثَدْيَهَا وَخَرَجَ اللَّبَنُ تَفْسُدُ صَلَاتُهَا (قَوْلُهُ وَأَمَّا فَسَادُهَا بِتَقَدُّمِ الْإِمَامِ أَمَامَ الْمُصَلِّي) كَذَا فِي النُّسَخِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ فِيهِ تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا مِنْ النَّاسِخِ وَأَصْلُ الْعِبَارَةِ بِتَقَدُّمِ الْمُصَلِّي أَمَامَ الْإِمَامِ (قَوْلُهُ قَالَ ثُمَّ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ إلَخْ) قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ لِي فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ إنْ فَاتَ الرُّكْنُ بِالْكُلِّيَّةِ فَلَا فَائِدَةَ فِي السُّجُودِ لِكَوْنِهِ لَا يُجْزِئُ عَنْهُ وَإِنْ لَمْ يَفُتْ فَسُجُودُ السَّهْوِ عَلَيْهِ لِتَأْخِيرِ الرُّكْنِ عَنْ مَحِلِّهِ مُقَرَّرٌ كَمَا يَأْتِي وَكَلَامُهُ يُوهِمُ أَنَّهُ بَحْثٌ مِنْهُ (قَوْلُهُ وَهُوَ يَنْبَنِي عَلَى مَعْرِفَةِ الْعَمَلِ الْكَثِيرِ) أَقُولُ: قَدْ سَبَقَ تَرْجِيحُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّهُ لَوْ ابْتَلَعَ مَا فَوْقَ الْحِمَّصَةِ بِدُونِ مَضْغٍ يَكُونُ الْأَصَحُّ عَدَمَ الْفَسَادِ فَلْيُتَأَمَّلْ هَذَا وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِهِ قَوْلَ الْمُؤَلِّفِ وَهُوَ يَنْبَنِي إلَخْ وَفِيهِ تَأَمُّلٌ لِأَنَّ الْقَائِلَ بِأَنَّ مِلْءَ الْفَمِ يُفْسِدُ وَكَذَا نَحْوُهُ لَا يَشْتَرِطُ مَعَهُ الْعَمَلَ الْكَثِيرَ بَلْ عِلَّتُهُ إمْكَانُ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ بِلَا كُلْفَةٍ بِخِلَافِ الْقَلِيلِ لِكَوْنِهِ تَبَعًا لِرِيقِهِ فَلَا يُفْسِدُ إلَّا بِالْعَمَلِ الْكَثِيرِ وَفِي مَعْرِفَتِهِ الِاخْتِلَافُ الْمَعْلُومُ اهـ. وَاعْتَرَضَهُ الرَّمْلِيُّ أَيْضًا بِأَنَّهُ لَا يُتَّجَهُ ذَلِكَ مَعَ تَصْرِيحِهِمْ بِفَسَادِهَا بِابْتِلَاعِ سِمْسِمَةٍ تَنَاوَلَهَا مِنْ خَارِجٍ وَقَطْرَةِ مَاءٍ وَقَعَتْ فِي فَمِهِ إذْ لَمْ يُنِيطُوا فِي ذَلِكَ الْفَسَادَ بِهِ وَكَذَا لَوْ كَانَ فِي فَمِهِ سُكَّرٌ أَوْ فَانِيدٌ وَابْتَلَعَ ذَوْبَهُ (قَوْلُهُ أَمَّا إذَا مَضَغَهُ كَثِيرًا) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ بِأَنْ تَوَالَتْ ثَلَاثُ مَضَغَاتٍ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ لِلْحَلَبِيِّ اهـ. قُلْت عَدَمُ تَقْدِيرِهِ بِالثَّلَاثِ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَخْتَصُّ بِذَلِكَ بِالْقَوْلِ الثَّالِثِ (قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ فِيهِ بَحْثٌ إذْ قَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ الْعَمَلَ الْقَلِيلَ لَا يُفْسِدُ وَلَا شَكَّ أَنَّ مَا دُونَ الْحِمَّصَةِ غَنِيٌّ عَنْ الْكَثِيرِ مِنْ الْمَضْغِ بَلْ لَا يَتَأَتَّى فِيهِ مَضْغٌ لِتَلَاشِيهِ بَيْنَ الْأَسْنَانِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 15 الْمُصَنِّفُ بِالِابْتِلَاعِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالْمُحِيطِ والولوالجية وَكَثِيرٍ دُونَ الْأَكْلِ لَكَانَ أَوْلَى ثُمَّ إذَا كَانَ ابْتِلَاعُ مَا بَيْنَ أَسْنَانِهِ غَيْرَ مُفْسِدٍ بِشَرْطِهِ عَلَى الْخِلَافِ فَهُوَ مَكْرُوهٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَعْمَالِ الصَّلَاةِ وَلَا ضَرُورَةَ فِيهِ فَكَانَ مَكْرُوهًا وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا وَأَمَّا الثَّالِثُ وَهُوَ مُرُورُ الْمَارِّ فِي مَوْضِعِ سُجُودِ الْمُصَلِّي فَإِنَّمَا لَا يُفْسِدُهَا عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَارُّ امْرَأَةً أَوْ حِمَارًا أَوْ كَلْبًا أَوْ غَيْرَهَا لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي وَأَنَا مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ يَدَيْهِ فَإِذَا سَجَدَ غَمَزَنِي فَقَبَضْتُ رِجْلِي فَإِذَا قَامَ بَسَطْتُهُمَا وَالْبُيُوتُ يَوْمئِذٍ لَيْسَ فِيهَا مَصَابِيحُ» . وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ مُرُورُ شَيْءٍ وَادْرَءُوا مَا اسْتَطَعْتُمْ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ» لَكِنْ ضَعَّفَهُ النَّوَوِيُّ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَنْزِلُ عَنْ الْحَسَنِ لِأَنَّهُ يُرْوَى مِنْ عِدَّةِ طُرُقٍ ثُمَّ الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي سَبْعَةَ عَشَرَ مَوْضِعًا الْأَوَّلُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ مِنْ عَدَمِ الْفَسَادِ الثَّانِي أَنَّ الْمَارَّ آثِمٌ لِلْحَدِيثِ «لَوْ يَعْلَمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ مِنْ الْوِزْرِ لَوَقَفَ أَرْبَعِينَ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ قَالَ الرَّاوِي لَا أَدْرِي أَرْبَعِينَ عَامًا أَوْ شَهْرًا أَوْ يَوْمًا» وَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ وَقَالَ أَرْبَعِينَ خَرِيفًا وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَوْ يَعْلَمُ أَحَدُكُمْ مَا لَهُ فِي أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْ أَخِيهِ مُعْتَرِضًا فِي الصَّلَاةِ كَانَ لَأَنْ يُقِيمَ مِائَةَ عَامٍ خَيْرٌ لَهُ مِنْ الْخَطْوَةِ الَّتِي خَطَا» وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَحْرِيمِيَّةٌ لِتَصْرِيحِهِمْ بِالْإِثْمِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَإِنْ أَثِمَ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيْهِ، الثَّالِثُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يُكْرَهُ الْمُرُورُ فِيهِ وَفِيهِ اخْتِلَافٌ وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ مَوْضِعُ سُجُودِهِ وَصَحَّحَهُ فِي الْكَافِي لِأَنَّ هَذَا الْقَدْرَ مِنْ الْمَكَانِ حَقُّهُ وَفِي تَحْرِيمِ مَا وَرَاءَهُ تَضْيِيقٌ عَلَى الْمَارَّةِ وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ بِمَوْضِعِ سُجُودِهِ مَوْضِعُ صَلَاتِهِ وَهُوَ مِنْ قَدَمِهِ إلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّارِحُ وَهُوَ مُخْتَارُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَشَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ وَقَاضِي خَانْ وَفِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ الْأَحْسَنُ لِأَنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ مَوْضِعُ صَلَاتِهِ دُونَ مَا وَرَاءَهُ وَذَكَرَ التُّمُرْتَاشِيُّ أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ إنْ كَانَ بِحَالٍ لَوْ صَلَّى صَلَاةَ خَاشِعٍ لَا يَقَعُ بَصَرُهُ عَلَى الْمَارِّ فَلَا يُكْرَهُ الْمُرُورُ نَحْوُ أَنْ يَكُونَ مُنْتَهَى بَصَرِهِ فِي قِيَامِهِ إلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ وَفِي رُكُوعِهِ إلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ وَفِي سُجُودِهِ إلَى أَرْنَبَةِ أَنْفِهِ وَفِي قُعُودِهِ إلَى حِجْرِهِ وَفِي سَلَامِهِ إلَى مَنْكِبَيْهِ وَاخْتَارَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ قَالَ إذَا صَلَّى رَامِيًا بِبَصَرِهِ إلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ فَلَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ بَصَرُهُ لَمْ يُكْرَهْ وَهَذَا حَسَنٌ وَفِي الْبَدَائِعِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ قَدْرَ مَا يَقَعُ بَصَرُهُ عَلَى الْمَارِّ لَوْ صَلَّى بِخُشُوعٍ وَفِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ لَا يُكْرَهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَرَجَّحَهُ فِي النِّهَايَةِ بِأَنَّهُ أَشْبَهُ إلَى الصَّوَابِ لِأَنَّ الْمُصَلِّي إذَا صَلَّى عَلَى الدُّكَّانِ وَحَاذَى أَعْضَاءُ الْمَارِّ أَعْضَاءَهُ فَإِنَّ الْمُرُورَ أَسْفَلَ الدُّكَّانِ مَكْرُوهٌ وَهُوَ لَيْسَ بِمَوْضِعِ سُجُودِ الْمُصَلِّي فَهِيَ وَارِدَةٌ عَلَى مَنْ اعْتَبَرَ مَوْضِعَ السُّجُودِ فَمَا اخْتَارَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ يَمْشِي فِي كُلِّ الصُّوَرِ كَمَا هُوَ دَأْبُهُ فِي اخْتِيَارَاتِهِ وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَوَفَّقَ بَيْنَهُمَا فِي الْعِنَايَةِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِمَوْضِعِ السُّجُودِ الْمَوْضِعُ الْقَرِيبُ مِنْ مَوْضِعِ السُّجُودِ فَيَئُولُ إلَى مَا اخْتَارَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ بِدَلِيلِ أَنَّ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ بَعْدَ اعْتِبَارِهِ مَوْضِعَ السُّجُودِ شَرَطَ عَدَمَ الْحَائِلِ كَالْأُسْطُوَانَةِ وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ الْحَائِلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَوْضِعِ سُجُودِهِ وَبِدَلِيلِ أَنَّهُ صَرَّحَ بِمَسْأَلَةِ الْمُرُورِ أَسْفَلَ الدُّكَّانِ اهـ. وَهُوَ تَكَلُّفٌ وَاَلَّذِي   [منحة الخالق] فَلَا يُفْسِدُ بِخِلَافِ الْحِمَّصَةِ اهـ. قُلْت كَلَامُ الْمُؤَلِّفِ فِيمَا إذَا مَضَغَهُ كَثِيرًا وَلَا يُنَافِيهِ كَوْنُهُ غَنِيًّا عَنْ الْمَضْغِ وَدَعْوَى عَدَمِ تَأَتِّي الْمَضْغِ فِيهِ فِي حَيِّزِ الْمَنْعِ فَإِنَّ الْمَضْغَ عَلَى مَا فِي الْقَامُوسِ لَوْكُ الشَّيْءِ بِالسِّنِّ وَالسِّنُّ يَشْمَلُ الثَّنَايَا فَيُمْكِنُ أَنْ يَلُوكَهُ بِهَا كَثِيرًا (قَوْلُهُ وَهُوَ مُخْتَارُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ) قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ بَعْدَ ذِكْرِهِ عَلَى مَا قِيلَ اهـ. قُلْت تَصْرِيحُ صَاحِبِ النِّهَايَةِ وَالْكِفَايَةِ بِأَنَّ ذَلِكَ مُخْتَارُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ يُفِيدُ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ تَضْعِيفًا لَهُ وَكَأَنَّهُ أَتَى بِهِ لِيُشِيرَ إلَى الْخِلَافِ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مُخْتَارٌ لَهُ تَصْحِيحُهُ لَهُ فِي التَّجْنِيسِ كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا وَالْخِلَافُ الْمُشَارُ إلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْفَتْحِ بِقَوْلِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَدَّرَهُ بِثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ وَمِنْهُمْ بِخَمْسَةٍ وَمِنْهُمْ بِأَرْبَعِينَ وَمِنْهُمْ بِمِقْدَارِ صَفَّيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُمْ بِكَوْنِهِ مُخْتَارَ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ أَنَّهُ اخْتَارَهُ فِي كِتَابِهِ التَّجْنِيسِ لَا فِي الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ وَوَفَّقَ بَيْنَهُمَا فِي الْعِنَايَةِ إلَخْ) . أَقُولُ: مِمَّا يُؤَيِّدُ هَذَا التَّوْفِيقَ عِبَارَةُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ فِي التَّجْنِيسِ وَالْمَزِيدِ وَنَصُّهَا فَإِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ كَمْ مِقْدَارُ مَا يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَكُونَ مُرُورُهُ مَكْرُوهًا وَالصَّحِيحُ مِقْدَارُ مُنْتَهَى بَصَرِهِ وَهُوَ مَوْضِعُ سُجُودِهِ وَقَالَ أَبُو نَصْرٍ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ مِقْدَارُ مَا بَيْنَ الصَّفِّ الْأَوَّلِ وَبَيْنَ مَقَامِ الْإِمَامِ وَهَذَا عَيْنُ الْأَوَّلِ وَلَكِنْ بِعِبَارَةٍ أُخْرَى قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَفِيمَا قَرَأْنَا عَلَى شَيْخِنَا مِنْهَاجَ الْأَئِمَّةِ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ أَنْ يَمُرَّ بِحَيْثُ يَقَعُ بَصَرُهُ وَهُوَ يُصَلِّي صَلَاةَ الْخَاشِعِينَ وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ أَوْضَحُ انْتَهَتْ عِبَارَتُهُ بِحُرُوفِهَا وَهَذَا أَدَلُّ دَلِيلٍ عَلَى الْمُدَّعِي مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ تَعْيِينَ مَوْضِعِ السُّجُودِ حَيْثُ جُعِلَ الْفَرْقُ فِي التَّعْبِيرِ فَقَطْ وَأَنَّ الثَّالِثَةَ أَوْضَحُ مِمَّا قَبْلَهَا فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْمُرَادِ وَانْظُرْ إلَى الْعِبَارَةِ الثَّالِثَةِ وَإِلَى عِبَارَةِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّك لَا تَكَادُ تَجِدُ بَيْنَهُمَا فَرْقًا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 16 يَظْهَرُ لِلْعَبْدِ الضَّعِيفِ أَنَّ الرَّاجِحَ مَا فِي الْهِدَايَةِ وَأَنَّهُ لَا يَرِدُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِمَّا ذُكِرَ لِأَنَّ مَسْأَلَةَ الدُّكَّانِ إنَّمَا تَرِدُ عَلَيْهِ نَقْضًا لَوْ سَكَتَ عَنْهَا وَأَمَّا إذَا صَرَّحَ بِهَا فَلَا فَكَأَنَّهُ قَالَ الْعِبْرَةُ بِمَوْضِعِ السُّجُودِ إنْ لَمْ يَكُنْ يُصَلِّي عَلَى دُكَّانٍ فَأَمَّا إذَا كَانَ يُصَلِّي عَلَيْهَا فَالْعِبْرَةُ لِلْمُحَاذَاةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ عِبَارَتِهِ لِمَنْ تَأَمَّلَهَا وَإِنَّمَا شَرَطَ عَدَمَ الْحَائِلِ لِأَنَّهُ يُتَصَوَّرُ وُجُودُ الْحَائِلِ فِي مَوْضِعِ السُّجُودِ كَأَنْ يُصَلِّيَ قَرِيبًا مِنْ جِدَارٍ بِالْإِيمَاءِ لِلْمَرَضِ بِحَيْثُ لَوْ لَمْ يَكُنْ الْجِدَارُ لَكَانَ مَوْضِعُهُ مَوْضِعَ السُّجُودِ فَلَا مُنَافَاةَ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ أَوْ أَنَّ اشْتِرَاطَ عَدَمِ الْحَائِلِ إنَّمَا هُوَ بَيَانٌ لِمَحِلِّ الْخِلَافِ فَإِنَّ الْمُرُورَ وَرَاءَ الْحَائِلِ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ اتِّفَاقًا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ عِبَارَتِهِمْ لَا شَرْطٌ فِي الْمُرُورِ فِي مَوْضِعِ السُّجُودِ وَمِمَّا يُضْعِفُ تَصْحِيحَ النِّهَايَةِ أَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَوْضِعَ الَّذِي يُكْرَهُ الْمُرُورُ فِيهِ مُخْتَلِفٌ يَكُونُ فِي حَالَةِ الْقِيَامِ مُخَالِفًا لِحَالَةِ الرُّكُوعِ وَفِي حَالَةِ الْجُلُوسِ مُخَالِفًا لِلْكُلِّ فَيَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ مَرَّ إنْسَانٌ بَيْنَ يَدَيْهِ فِي مَوْضِعِ سُجُودِهِ وَهُوَ جَالِسٌ لَا يُكْرَهُ لِأَنَّ بَصَرَهُ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ حَالَةَ كَوْنِهِ خَاشِعًا وَلَوْ مَرَّ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ بِعَيْنِهِ وَهُوَ قَائِمٌ يُكْرَهُ لِأَنَّ بَصَرَهُ يَقَعُ عَلَيْهِ حَالَةَ خُشُوعِهِ وَأَنَّهُ لَوْ مَرَّ دَاخِلَ مَوْضِعِ سُجُودِهِ وَهُوَ رَاكِعٌ لَا يُكْرَهُ لِأَنَّ بَصَرَهُ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ حَالَةَ خُشُوعِهِ وَأَنَّهُ لَوْ مَرَّ عَنْ يَمِينِهِ وَهُوَ يُسَلِّمُ بِحَيْثُ يَقَعُ بَصَرُهُ عَلَيْهِ خَاشِعًا يُكْرَهُ وَهَذَا كُلُّهُ بَعِيدٌ عَنْ الْمَذْهَبِ لِعَدَمِ انْضِبَاطِهِ كَمَا لَا يَخْفَى وَالِاخْتِلَافُ فِي مَوْضِعِ الْمُرُورِ إنَّمَا هُوَ مُنْشَأٌ بَيْنَ الْمَشَايِخِ لِعَدَمِ ذِكْرِهِ فِي الْكِتَابِ لِمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَحَيْثُ لَمْ يَنُصَّ صَاحِبُ الْمُذْهَبِ عَلَى شَيْءٍ فَالتَّرْجِيحُ لِمَا فِي الْهِدَايَةِ لِانْضِبَاطِهِ وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ يَشْمَلُ الصَّحْرَاءَ وَالْمَسْجِدَ وَفِي الْمَسْجِدِ اخْتِلَافٌ فَفِي الْخُلَاصَةِ وَإِذَا كَانَ فِي الْمَسْجِدِ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَائِطِ الْقِبْلَةِ وَصَحَّحَ فِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ لَوْ مَرَّ عَنْ بُعْدٍ فِي الْمَسْجِدِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ وَكَذَا صَحَّحَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَذَكَرَ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِهِ أَنَّ الْمَسْجِدَ إذَا كَانَ كَبِيرًا فَحُكْمُهُ حُكْمُ الصَّحْرَاءِ وَفِي الذَّخِيرَةِ مِنْ الْفَصْلِ التَّاسِعِ إنْ كَانَ الْمَسْجِدُ صَغِيرًا يُكْرَهُ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ يَمُرُّ وَإِلَيْهِ أَشَارَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْإِمَامِ إذَا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ فَإِنْ كَانَتْ صَلَاةٌ لَا تَطَوُّعَ بَعْدَهَا فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ انْحَرَفَ عَنْ يَمِينِهِ أَوْ شِمَالِهِ وَإِنْ شَاءَ قَامَ وَذَهَبَ وَإِنْ شَاءَ اسْتَقْبَلَ النَّاسَ بِوَجْهِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ بِحِذَائِهِ رَجُلٌ يُصَلِّي وَلَمْ يُفَصِّلْ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ الْمُصَلِّي فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ أَوْ فِي الصَّفِّ الْأَخِيرِ وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ وَجْهُهُ مُقَابِلَ وَجْهِ الْإِمَامِ فِي حَالِ قِيَامِهِ يُكْرَهُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا صُفُوفٌ وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ مُحَمَّدًا جَعَلَ جُلُوسَ الْإِمَامِ فِي مِحْرَابِهِ وَهُوَ مُسْتَقْبِلٌ لَهُ بِمَنْزِلَةِ جُلُوسِهِ بَيْنَ يَدَيْهِ وَمَوْضِعِ سُجُودِهِ وَكَذَا مُرُورُ الْمَارِّ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ يَكُونُ مِنْ الْمَسْجِدِ بِمَنْزِلَةِ مُرُورِهِ بَيْنَ يَدَيْهِ وَفِي مَوْضِعِ سُجُودِهِ وَإِنْ كَانَ الْمَسْجِدُ كَبِيرًا بِمَنْزِلَةِ الْجَامِعِ قَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَسْجِدِ الصَّغِيرِ فَيُكْرَهُ الْمُرُورُ فِي جَمِيعِ الْأَمَاكِنِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الصَّحْرَاءِ اهـ.   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ لِأَنَّ مَسْأَلَةَ الدُّكَّانِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ إنَّمَا أَوْرَدَ الْمَشَايِخُ مَسْأَلَةَ الدُّكَّانِ عَلَى مَا اخْتَارَهُ السَّرَخْسِيُّ لَا عَلَى مَا اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَلِذَا قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَغَيْرِهِ فَكَانَتْ مَسْأَلَةُ الدُّكَّانِ نَقْضًا لِمَا اخْتَارَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ بِخِلَافِ مَا اخْتَارَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ يَتَمَشَّى فِي كُلِّ الصُّوَرِ غَيْرَ مَنْقُوضٍ. اهـ. قُلْت وَلَا يَخْفَى عَلَيْك مَا فِيهِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يُتَصَوَّرُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا إنَّمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ عَلَى تَفْسِيرِ الْحَائِلِ بِالْجِدَارِ وَالْأُسْطُوَانَةِ وَلَيْسَ بِلَازِمٍ لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ سِتَارَةً تَرْتَفِعُ إذَا سَجَدَ وَتَعُودُ إذَا قَامَ كَمَا قَالَ مُلَّا سَعْدِي. اهـ. قُلْت وَلَا يَخْفَى عَلَيْك مَا فِي ذَلِكَ كُلِّهِ مِنْ التَّكَلُّفِ وَأَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْعِنَايَةِ أَقَلُّ تَكَلُّفًا مِنْ ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَمِمَّا يُضْعِفُ تَصْحِيحَ النِّهَايَةِ إلَخْ) . أَقُولُ: الَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ مَا ذَكَرَهُ غَيْرُ وَارِدٍ وَمَا قَرَّرَهُ غَيْرُ مُرَادٍ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يَبْعُدُ غَايَةَ الْبُعْدِ أَنْ يَكُونَ مَا ذَكَرَهُ عَنْ التُّمُرْتَاشِيِّ سَابِقًا بَيَانًا لِلْأَمَاكِنِ الَّتِي يُكْرَهُ الْمُرُورُ فِيهَا فَإِنَّ مِنْ جُمْلَةِ مَا ذَكَرَهُ قَوْلُهُ وَفِي سُجُودِهِ إلَى أَرْنَبَةِ أَنْفِهِ وَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ إنَّ ذَلِكَ مِنْ الْمَوَاضِعِ الَّتِي يُكْرَهُ الْمُرُورُ فِيهَا فَإِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُمْكِنٍ وَكَذَا قَوْلُهُ وَفِي سَلَامِهِ إلَى مَنْكِبَيْهِ مَعَ أَنَّ الْمَكْرُوهَ بِنَصِّ الْحَدِيثِ الْمُرُورُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلَا يَنْبَغِي حَمْلُ كَلَامِ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ الْأَعْلَامِ عَلَى هَذَا الْمَرَامِ وَإِنْ أَوْهَمَهُ ظَاهِرُ الْكَلَامِ بَلْ يَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى مَا تَقْبَلُهُ الْأَفْهَامُ وَيَسْتَدْعِيهِ الْمَقَامُ وَذَلِكَ بِأَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ بَصَرُهُ لَوْ نَظَرَ إلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ وَمَا ذَكَرَهُ فِي بَقِيَّةِ عِبَارَتِهِ بَيَانٌ لِصَلَاةِ الْخَاشِعِ لَا أَنَّ الْمُرَادَ التَّحْدِيدُ بِهِ وَهَذَا مَعْنًى قَرِيبٌ يَقْبَلُهُ الطَّبْعُ السَّلِيمُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ إذَا صَلَّى رَامِيًا بِبَصَرِهِ إلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ فَلَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ بَصَرُهُ لَمْ يُكْرَهْ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمُرَادُ مِنْ كَلَامِ غَيْرِهِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَكَيْفَ يَضْعُفُ مَا فِي النِّهَايَةِ مَعَ أَنَّهُ رَجَّحَهُ الْإِمَامُ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ عَلَى أَنَّك عَلِمْت رُجْحَانَ رُجُوعِ مَا فِي الْهِدَايَةِ إلَى مَا فِي النِّهَايَةِ وَاَللَّهُ وَلِيُّ الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ إنْ كَانَ الْمَسْجِدُ صَغِيرًا) وَهُوَ أَقَلُّ مِنْ سِتِّينَ ذِرَاعًا وَقِيلَ مِنْ أَرْبَعِينَ وَهُوَ الْمُخْتَارُ قُهُسْتَانِيٌّ عَنْ الْجَوَاهِرِ كَذَا فِي حَاشِيَةِ شَرْحِ مِسْكِينٍ لِلسَّيِّدِ مُحَمَّدٍ أَبِي السُّعُودِ قُلْت وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ أَيْضًا وَيَنْبَغِي أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ الدَّارُ وَالْبَيْتُ (قَوْلُهُ وَلَمْ يُفَصِّلْ إلَخْ) هَذَا أَيْضًا مِنْ كَلَامِ الذَّخِيرَةِ وَلَكِنْ ذَكَرَهُ فِي الْفَصْلِ الرَّابِعِ عِنْدَ ذِكْرِ مَسَائِلِ السُّجُودِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 17 وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ مَا صَحَّحَهُ فِي الذَّخِيرَةِ فِي الْفَصْلِ الرَّابِعِ أَنَّ بِقَاعِ الْمَسْجِدِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ عَلَى السَّوَاءِ إنَّمَا هُوَ فِي الْمَسْجِدِ الصَّغِيرِ وَرَجَّحَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَسْجِدِ وَغَيْرِهِ فَإِنَّ الْمُؤْثِمَ الْمُرُورُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَكَوْنُ ذَلِكَ الْبَيْتِ بِرُمَّتِهِ اُعْتُبِرَ بُقْعَةً وَاحِدَةً فِي حَقِّ بَعْضِ الْأَحْكَامِ لَا يَسْتَلْزِمُ تَغْيِيرَ الْأَمْرِ الْحِسِّيِّ مِنْ الْمُرُورِ مِنْ بَعِيدٍ فَيَجْعَلُ الْبَعِيدَ قَرِيبًا اهـ. فَحَاصِلُ الْمَذْهَبِ عَلَى الصَّحِيحِ أَنَّ الْمَوْضِعَ الَّذِي يُكْرَهُ الْمُرُورُ فِيهِ هُوَ أَمَامَ الْمُصَلِّي فِي مَسْجِدٍ صَغِيرٍ وَمَوْضِعُ سُجُودِهِ فِي مَسْجِدٍ كَبِيرٍ أَوْ فِي الصَّحْرَاءِ أَوْ أَسْفَلَ مِنْ الدُّكَّانِ أَمَامَ الْمُصَلِّي لَوْ كَانَ يُصَلِّي عَلَيْهَا بِشَرْطِ مُحَاذَاةِ أَعْضَاءِ الْمَارِّ أَعْضَاءَهُ قَالَ فِي النِّهَايَةِ إنَّمَا شُرِطَ هَذَا فَإِنَّهُ لَوْ صَلَّى عَلَى الدُّكَّانِ وَالدُّكَّانُ مِثْلُ قَامَةِ الرَّجُلِ وَهُوَ سُتْرَةٌ فَلَا يَأْثَمُ الْمَارُّ وَكَذَا السَّطْحُ وَالسَّرِيرُ وَكُلُّ مُرْتَفِعٍ وَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ حَدَّهُ بِقَدْرِ السُّتْرَةِ وَهُوَ ذِرَاعٌ وَهُوَ غَلَطٌ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا كُرِهَ مُرُورُ الرَّاكِبِ وَإِنْ اسْتَتَرَ بِظَهْرِ إنْسَانٍ جَالِسٍ كَانَ سُتْرَةً وَإِنْ كَانَ قَائِمًا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَإِنْ اسْتَتَرَ بِدَابَّةٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَقَالُوا حِيلَةُ الرَّاكِبِ إذَا أَرَادَ أَنْ يَمُرَّ يَنْزِلُ فَيَصِيرُ وَرَاءَ الدَّابَّةِ وَيَمُرَّا فَتَصِيرُ الدَّابَّةُ سُتْرَةً وَلَا يَأْثَمُ وَكَذَا لَوْ مَرَّ رَجُلَانِ مُتَحَاذِيَانِ فَإِنَّ كَرَاهَةَ الْمُرُورِ وَإِثْمَهُ يَلْحَقُ الَّذِي يَلِي الْمُصَلِّيَ اهـ. الرَّابِعُ: أَنَّهُ يَنْبَغِي لِمَنْ يُصَلِّي فِي الصَّحْرَاءِ أَنْ يَتَّخِذَ أَمَامَهُ سُتْرَةً لِمَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيُصَلِّ إلَى سُتْرَةٍ وَلَا يَدَعُ أَحَدًا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ» . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَيْضًا «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا خَرَجَ يَوْمَ الْعِيدِ أَمَرَ بِالْحَرْبَةِ فَتُوضَعُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَيُصَلِّي إلَيْهَا وَالنَّاسُ وَرَاءَهُ وَكَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السَّفَرِ» وَفِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَتُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِي الصَّحْرَاءِ مِنْ غَيْرِ سُتْرَةٍ إذَا خَافَ الْمُرُورَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ لِمُخَالَفَةِ الْأَمْرِ الْمَذْكُورِ لَكِنْ فِي الْبَدَائِعِ وَالْمُسْتَحَبُّ لِمَنْ يُصَلِّي فِي الصَّحْرَاءِ إنْ يَنْصِبَ شَيْئًا وَيَسْتَتِرَ فَأَفَادَ أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَنْزِيهِيَّةٌ فَحِينَئِذٍ كَانَ الْأَمْرُ لِلنَّدَبِ لَكِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى صَارِفٍ عَنْ الْحَقِيقَةِ قَالَ الْعَلَّامَةُ الْحَلَبِيُّ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ إنَّمَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ فِي الصَّحْرَاءِ لِأَنَّهَا الْمَحَلُّ الَّذِي يَقَعُ فِيهِ الْمُرُورُ غَالِبًا وَإِلَّا فَالظَّاهِرُ كَرَاهَةُ تَرْكِ السُّتْرَةِ فِيمَا يُخَافُ فِيهِ الْمُرُورُ أَيُّ مَوْضِعٍ كَانَ. الْخَامِسُ أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ أَنْ يَكُونَ مِقْدَارُهَا ذِرَاعًا فَصَاعِدًا لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ سُتْرَةِ الْمُصَلِّي فَقَالَ بِقَدْرِ مُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ» وَمُؤَخِّرَةٌ بِضَمِّ الْمِيمِ وَهَمْزَةٍ سَاكِنَةٍ وَكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ الْعُودُ الَّذِي فِي آخِرِ الرَّحْلِ مِنْ كَوْرِ الْبَعِيرِ وَفَسَّرَهَا عَطَاءٌ بِأَنَّهَا ذِرَاعٌ فَمَا فَوْقَهُ كَمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد السَّادِسُ اخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِ غِلَظِهَا فَفِي الْهِدَايَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ فِي غِلَظِ الْإِصْبَعِ لِأَنَّ مَا دُونَهُ لَا يَبْدُو   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَرَجَّحَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَسْجِدِ وَغَيْرِهِ) أَيْ فِي أَنَّهُ يُكْرَهُ الْمُرُورُ فِيمَا يَقَعُ عَلَيْهِ بَصَرُهُ فَإِنَّهُ قَالَ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ تَرَجُّحُ مَا اخْتَارَهُ فِي النِّهَايَةِ مِنْ مُخْتَارِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَكَوْنُهُ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ بَيْنَ الْمَسْجِدِ وَغَيْرِهِ فَإِنَّ الْمُؤَثِّمَ الْمُرُورُ إلَخْ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَسْجِدِ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ أَيْضًا فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا كَالصَّحْرَاءِ (قَوْلُهُ فِي حَقِّ بَعْضِ الْأَحْكَامِ) أَيْ كَاسْتِقْبَالِ وَجْهِ الْمُصَلِّي عَلَى مَا مَرَّ فِي عِبَارَةِ الذَّخِيرَةِ وَكَعَدِمِ جَعْلِ الْفَاصِلِ بِقَدْرِ الصَّفَّيْنِ مَانِعًا مِنْ الِاقْتِدَاءِ بِخِلَافِ الْمَسْجِدِ الْكَبِيرِ فَإِنَّهُ مَانِعٌ كَمَا فِي الصَّحْرَاءِ (قَوْلُهُ فَيُجْعَلُ الْبَعِيدُ قَرِيبًا) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ تَغْيِيرٌ أَيْ لَا يَسْتَلْزِمُ تَغْيِيرَ الْأَمْرِ الْحِسِّيِّ وَهُوَ الْمُرُورُ مِنْ بَعِيدٍ بِأَنْ يُجْعَلَ ذَلِكَ الْبَعِيدُ قَرِيبًا أَيْ بِأَنْ يُجْعَلَ فِي حُكْمِ الْمُرُورِ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي (قَوْلُهُ أَوْ أَسْفَلَ مِنْ الدُّكَّانِ أَمَامَ الْمُصَلِّي) الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا مُصَوَّرٌ فِي غَيْرِ مَا مَرَّ مِنْ الْمَسْجِدِ الصَّغِيرِ أَوْ الْكَبِيرِ أَوْ الصَّحْرَاءِ بِأَنْ يَكُونَ فِي بَيْتٍ أَوْ نَحْوِهِ وَإِلَّا فَلَا فَائِدَةَ لِذِكْرِهِ لِأَنَّهُ فِي الْمَسْجِدِ الصَّغِيرِ قَدْ ذَكَرَ أَنَّهُ يُكْرَهُ الْمُرُورُ بَيْنَ يَدَيْهِ أَيْ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَائِطِ الْقِبْلَةِ كَمَا مَرَّ وَفِي الْكَبِيرِ وَالصَّحْرَاءُ مَوْضِعُ السُّجُودِ وَمَا تَحْتَ الدُّكَّانِ لَيْسَ مَوْضِعَ السُّجُودِ كَمَا مَرَّ فَتَعَيَّنَ مَا قُلْنَا وَيُمْكِنُ أَنْ يُتَصَوَّرَ فِي الْمَسْجِدِ الصَّغِيرِ أَيْضًا وَأَنَّ حُكْمَهُ كَالْبَيْتِ وَيَكُونُ فَائِدَةُ ذِكْرِهِ وَإِنْ دَخَلَ تَحْتَ قَوْلِهِ أَمَامَ الْمُصَلِّي دَفْعَ تَوَهُّمِ أَنَّ الدُّكَّانَ حَائِلٌ هَذَا وَمَا فِي مِنَحِ الْغَفَّارِ مِنْ تَخْصِيصِ الْإِثْمِ بِالْمُرُورِ إذَا كَانَ الْمُصَلِّي عَلَى الدُّكَّانِ بِرِوَايَةِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ دُونَ رِوَايَةِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ مُخَالِفٌ لِمَا مَرَّ فَإِنَّ ظَاهِرَهُ الِاتِّفَاقُ عَلَيْهِ حَيْثُ أَوْرَدَ وَالْمَسْأَلَةَ نَقْضًا عَلَى مَا اخْتَارَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَقَدْ صَرَّحَ بِالِاتِّفَاقِ عَلَى الْكَرَاهَةِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فَتَنَبَّهْ (قَوْلُهُ بِشَرْطِ مُحَاذَاةِ أَعْضَاءِ الْمَارِّ أَعْضَاءَهُ) أَيْ أَعْضَاءَ الْمُصَلِّي كُلَّهَا كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ أَوْ أَكْثَرَهَا كَمَا قَالَ آخَرُونَ كَمَا فِي الْكَرْمَانِيِّ وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ لَوْ حَاذَى أَقَلَّهَا أَوْ نِصْفَهَا لَمْ يُكْرَهْ وَفِي الزَّادِ أَنَّهُ يُكْرَهُ إذَا حَاذَى نِصْفُهُ الْأَسْفَلُ النِّصْفَ الْأَعْلَى مِنْ الْمُصَلِّي كَمَا إذَا كَانَ الْمَارُّ عَلَى فَرَسٍ كَذَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَفِيهِ أَيْضًا الدُّكَّانُ الْمَوْضِعُ الْمُرْتَفِعُ كَالسَّطْحِ وَالسَّرِيرِ وَهُوَ بِالضَّمِّ وَالتَّشْدِيدِ فِي الْأَصْلِ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ كَمَا فِي الصِّحَاحِ أَوْ عَرَبِيٌّ مِنْ دَكَنْت الْمَتَاعَ إذَا نَضَدْت بَعْضَهُ فَوْقَ بَعْضٍ كَمَا فِي الْمَقَابِيسِ. اهـ. (قَوْلُهُ لَكِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى صَارِفٍ عَنْ الْحَقِيقَةِ) قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ قُلْت الصَّارِفُ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد «عَنْ الْفَضْلِ وَالْعَبَّاسِ رَأَيْنَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَادِيَةِ لَنَا يُصَلِّي فِي صَحْرَاءَ لَيْسَ بَيْنَ يَدَيْهِ سُتْرَةٌ» وَلِأَحْمَدَ وَابْنِ عَبَّاسٍ «صَلَّى فِي فَضَاءٍ لَيْسَ بَيْنَ يَدَيْهِ شَيْءٌ» اهـ. كَذَا بِخَطِّ شَيْخِنَا اهـ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 18 لِلنَّاظِرِ وَكَانَ مُسْتَنَدُهُ مَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ مَرْفُوعًا «اسْتَتِرُوا فِي صَلَاتِكُمْ وَلَوْ بِسَهْمٍ» وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «يُجْزِئُ مِنْ السَّتْرِ قَدْرُ مُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ وَلَوْ بِدِقَّةِ شَعْرَةٍ» وَلِهَذَا جُعِلَ بَيَانُ الْغِلَظِ فِي الْبَدَائِعِ قَوْلًا ضَعِيفًا وَأَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِالْعَرْضِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ. السَّابِعُ أَنَّ مِنْ السُّنَّةِ غَرْزُهَا إنْ أَمْكَنَ. الثَّامِنُ أَنَّ فِي اسْتِنَانِ وَضْعِهَا عِنْدَ تَعَذُّرِ غَرْزِهَا اخْتِلَافًا فَاخْتَارَ فِي الْهِدَايَةِ أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِالْإِلْقَاءِ وَعَزَاهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ إلَى أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَصَحَّحَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُعَلِّلًا بِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ الْمَقْصُودَ وَقِيلَ يُسَنُّ الْإِلْقَاءُ وَنَقَلَهُ الْقُدُورِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ ثُمَّ قِيلَ يَضَعُهُ طُولًا لَا عَرْضًا لِيَكُونَ عَلَى مِثَالِ الْغَرْزِ. التَّاسِعُ أَنَّ السُّنَّةَ الْقُرْبُ مِنْهَا لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد مَرْفُوعًا «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيُصَلِّ إلَى سُتْرَةٍ وَلْيَدْنُ مِنْهَا» وَذَكَرَ الْعَلَّامَةُ الْحَلَبِيُّ أَنَّ السُّنَّةَ أَنْ لَا يَزِيدَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ. الْعَاشِرُ أَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يَجْعَلَهَا عَلَى أَحَدِ حَاجِبَيْهِ لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد عَنْ الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ قَالَ «مَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي إلَى عُودٍ أَوْ شَجَرَةٍ إلَّا جَعَلَهُ عَلَى حَاجِبِهِ الْأَيْمَنِ أَوْ الْأَيْسَرِ وَلَا يَصْمُدُ إلَيْهِ صَمْدًا» أَيْ لَا يُقَابِلُهُ مُسْتَوِيًا مُسْتَقِيمًا بَلْ كَانَ يَمِيلُ عَنْهُ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ. الْحَادِيَ عَشَرَ أَنَّ سُتْرَةَ الْإِمَامِ تُجْزِئُ عَنْ أَصْحَابِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ الثَّابِتَةِ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ الِاقْتِصَارِ عَلَى سُتْرَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي أَنَّ سُتْرَةَ الْإِمَامِ هَلْ هِيَ بِنَفْسِهَا سُتْرَةٌ لِلْقَوْمِ وَلَهُ أَوْ هِيَ سُتْرَةٌ لَهُ خَاصَّةً وَهُوَ سُتْرَةٌ لِمَنْ خَلْفَهُ فَظَاهِرُ كَلَامِ أَئِمَّتِنَا الْأَوَّلُ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَسُتْرَةُ الْإِمَامِ سُتْرَةٌ لِلْقَوْمِ. الثَّانِيَ عَشَرَ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالْمُرُورِ وَرَاءَ السُّتْرَةِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ الثَّابِتُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ مُرُورِهِ وَرَاءَ السُّتْرَةِ وَلَمْ يُنْكَرْ عَلَيْهِ. الثَّالِثَ عَشَرَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَجِدْ مَا يَتَّخِذُهُ سُتْرَةً فَهَلْ يَنُوبُ الْخَطُّ بَيْنَ يَدَيْهِ مَنَابَهَا فَفِيهِ رِوَايَتَانِ الْأُولَى أَنَّهُ لَيْسَ بِمَسْنُونٍ وَمَشَى عَلَيْهِ كَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ وَاخْتَارَهُ فِي الْهِدَايَةِ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ بِهِ إذْ لَا يَظْهَرُ مِنْ بَعِيدٍ وَالثَّانِيَةُ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَخُطُّ لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد «فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ عَصًا فَلْيَخُطَّ خَطًّا» وَأَجَابَ عَنْهُ فِي الْبَدَائِعِ بِأَنَّهُ شَاذٌّ فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى وَصَرَّحَ النَّوَوِيُّ بِضَعْفِهِ وَتُعُقِّبَ بِتَصْحِيحِ أَحْمَدَ وَابْنِ حِبَّانَ وَغَيْرِهِمَا لَهُ كَمَا ذَكَرَهُ الْعَلَّامَةُ الْحَلَبِيُّ وَجَزَمَ بِهِ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقَالَ إنَّ السُّنَّةَ أَوْلَى بِالِاتِّبَاعِ مَعَ أَنَّهُ يَظْهَرُ فِي الْجُمْلَةِ إذْ الْمَقْصُودُ جَمْعُ الْخَاطِرِ بِرَبْطِ الْخَيَالِ بِهِ كَيْ لَا يَنْتَشِرَ. الرَّابِعَ عَشَرَ فِي بَيَانِ كَيْفِيَّتِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَخُطُّ بَيْنَ يَدَيْهِ عَرْضًا مِثْلَ الْهِلَالِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَخُطُّهُ بَيْنَ يَدَيْهِ طُولًا وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ أَنَّهُ الْمُخْتَارُ لِيَصِيرَ شِبْهَ ظِلِّ السُّتْرَةِ. الْخَامِسَ عَشَرَ دَرْءُ الْمَارِّ بَيْنَ يَدَيْهِ قَالُوا وَيَدْرَؤُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ سُتْرَةً أَوْ مَرَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا لِلْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ وَهُوَ بِالْإِشَارَةِ بِالْيَدِ أَوْ بِالرَّأْسِ أَوْ بِالْعَيْنِ أَوْ بِالتَّسْبِيحِ وَزَادَ الْوَلْوَالِجِيُّ أَنَّهُ يَكُونُ بِرَفْعِ الصَّوْتِ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّهُ فِي الصَّلَاةِ الْجَهْرِيَّةِ فِيمَا يُجْهَرُ فِيهِ مِنْهَا وَفِي الْهِدَايَةِ وَيُكْرَهُ الْجَمْعُ بَيْنَ التَّسْبِيحِ وَالْإِشَارَةِ لِأَنَّ بِأَحَدِهِمَا كِفَايَةً قَالُوا هَذَا فِي حَقِّ الرِّجَالِ أَمَّا النِّسَاءُ فَإِنَّهُنَّ يُصَفِّقْنَ لِلْحَدِيثِ وَكَيْفِيَّتُهُ أَنْ تَضْرِبَ بِظُهُورِ أَصَابِعِ الْيُمْنَى عَلَى صَفْحَةِ الْكَفِّ مِنْ الْيُسْرَى وَلِأَنَّ فِي صَوْتِهِنَّ فِتْنَةً فَكُرِهَ لَهُنَّ التَّسْبِيحُ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ. السَّادِسَ عَشَرَ أَنَّ تَرْكَ الدَّرْءِ أَفْضَلُ لِمَا فِي الْبَدَائِعِ وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ إنَّ الدَّرْءَ رُخْصَةٌ وَالْأَفْضَلُ أَنْ لَا يَدْرَأَ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَعْمَالِ الصَّلَاةِ وَكَذَا رَوَاهُ الْمَاتُرِيدِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْأَمْرُ بِالدَّرْءِ فِي الْحَدِيثِ لِبَيَانِ الرُّخْصَةِ كَالْأَمْرِ بِقَتْلِ الْأَسْوَدَيْنِ اهـ. وَذَكَرَ الشَّارِحُ عَنْ السَّرَخْسِيِّ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْمُقَاتَلَةِ مَحْمُولٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ حِينَ كَانَ الْعَمَلُ فِيهَا مُبَاحًا وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ مَعْنَى الْمُقَاتَلَةِ الدَّفْعُ الْعَنِيفُ. السَّابِعَ عَشَرَ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِتَرْكِ السُّتْرَةِ إذَا أَمِنَ الْمُرُورَ وَلَمْ يُوَاجِهْ الطَّرِيقَ لِأَنَّ اتِّخَاذَ السُّتْرَةِ لِلْحِجَابِ عَنْ الْمَارِّ وَلَا حَاجَةَ بِهَا عِنْدَ عَدَمِ الْمَارِّ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ تَرَكَهُ فِي طَرِيقِ الْحِجَازِ غَيْرَ مَرَّةٍ وَقَالَ الْعَلَّامَةُ الْحَلَبِيُّ وَيَظْهَرُ أَنَّ الْأَوْلَى   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّهُ فِي الصَّلَاةِ الْجَهْرِيَّةِ إلَخْ) قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ فِيهِ تَأَمُّلٌ لِأَنَّ الْجَهْرِيَّةَ الْعِلْمُ حَاصِلٌ بِهَا اهـ وَفِيهِ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ دَرْءِ الْمَارِّ مَنْعُهُ عَنْ الْمُرُورِ لَا إعْلَامُ أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مَعَ عِلْمِ الْمَارِّ أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ وَالْمُرَادُ رَفْعُ الصَّوْتِ زِيَادَةً عَلَى مَا كَانَ يَجْهَرُ بِهِ وَبِذَلِكَ يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ مِنْ الدَّرْءِ كَمَا لَا يَخْفَى وَأَمَّا السِّرِّيَّةِ فَفِي الْجَهْرِ بِهَا تَرْكُ الْإِسْرَارِ وَفِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ وَفِيهِ أَنَّهُ إذَا كَانَ لِهَذَا الْقَصْدِ وَقُلْنَا بِجَوَازِهِ بِالْيَدِ وَغَيْرِهَا يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِهِ فِي السِّرِّيَّةِ بَلْ هُوَ الظَّاهِرُ فِي التَّنْبِيهِ مِنْ إطْلَاقِ عِبَارَةِ الْوَلْوَالِجِيِّ نَعَمْ لَوْ قِيلَ فِي حَقِّ الْمُنْفَرِدِ فَقَطْ لِلْوُجُوبِ فِي حَقِّ الْإِمَامِ عَلَى مَا مَرَّ لَأَمْكَنَ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ. أَيْ لِوُجُوبِ الْجَهْرِ فِي حَقِّ الْإِمَامِ وَكَأَنَّهُ حَمَلَ الْجَهْرَ عَلَى أَصْلِهِ فَخَصَّهُ بِالْمُنْفَرِدِ أَيْ إذَا كَانَ يُسِرُّ لِجَوَازِهِ لَهُ دُونَ الْإِمَامِ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمُرَادَ زِيَادَةُ الرَّفْعِ بِالْجَهْرِ فَيَعُمُّ الْإِمَامَ وَالْمُنْفَرِدَ إذَا كَانَا يَجْهَرَانِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الظَّاهِرَ إبْقَاءُ كَلَامِ الْوَلْوَالِجِيِّ عَلَى إطْلَاقِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 19 اتِّخَاذُهَا فِي هَذَا الْحَالِ وَإِنْ لَمْ يُكْرَهْ التَّرْكُ لِمَقْصُودٍ آخَرَ وَهُوَ كَفُّ بَصَرِهِ عَمَّا وَرَاءَهَا وَجَمْعُ خَاطِرِهِ بِرَبْطِ الْخَيَالِ بِهَا. اهـ. وَقَيَّدُوا بِقَوْلِهِمْ وَلَمْ يُوَاجِهْ الطَّرِيقَ لِأَنَّ الصَّلَاةَ فِي الطَّرِيقِ أَيْ فِي طَرِيقِ الْعَامَّةِ مَكْرُوهَةٌ وَعَلَّلَهُ فِي الْمُحِيطِ بِمَا يُفِيدُ أَنَّهَا كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ فِيهِ مَنْعَ النَّاسِ عَنْ الْمُرُورِ وَالطَّرِيقُ حَقُّ النَّاسِ أُعِدَّ لِلْمُرُورِ فِيهِ فَلَا يَجُوزُ شَغْلُهُ بِمَا لَيْسَ لَهُ حَقُّ الشَّغْلِ وَإِذَا اُبْتُلِيَ بَيْنَ الصَّلَاةِ فِي الطَّرِيقِ وَبَيْنَ أَرْضِ غَيْرِهِ فَإِنْ كَانَتْ مَزْرُوعَةً فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي الطَّرِيقِ لِأَنَّ لَهُ حَقًّا فِي الطَّرِيقِ وَلَا حَقَّ لَهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَزْرُوعَةً فَإِنْ كَانَتْ لِمُسْلِمٍ يُصَلِّي فِيهَا لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ يَرْضَى بِهِ لِأَنَّهُ إذَا بَلَغَهُ يُسَرُّ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ أَحْرَزَ أَجْرًا مِنْ غَيْرِ اكْتِسَابٍ مِنْهُ وَفِي الطَّرِيقِ لَا إذْنَ لِأَنَّ الطَّرِيقَ حَقُّ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ وَإِنْ كَانَتْ لِكَافِرٍ يُصَلِّي عَلَى الطَّرِيقِ لِأَنَّهُ لَا يَرْضَى بِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَكُرِهَ عَبَثُهُ بِثَوْبِهِ وَبَدَنِهِ) شُرُوعٌ فِي بَيَانِ الْمَكْرُوهَاتِ بَعْدَ بَيَانِ الْمُفْسِدَاتِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مِنْ الْعَوَارِضِ إلَّا أَنَّهُ قَدَّمَ الْمُفْسِدَ لِقُوَّتِهِ وَالْمَكْرُوهُ فِي هَذَا الْبَابِ نَوْعَانِ أَحَدُهُمَا مَا كُرِهَ تَحْرِيمًا وَهُوَ الْمَحْمَلُ عِنْدَ إطْلَاقِهِمْ الْكَرَاهَةَ كَمَا ذَكَرَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ كِتَابِ الزَّكَاةِ وَذَكَرَ أَنَّهُ فِي رُتْبَةِ الْوَاجِبِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِمَا يَثْبُتُ بِهِ الْوَاجِبُ يَعْنِي بِالنَّهْيِ الظَّنِّيَّ الثُّبُوتِ وَأَنَّ الْوَاجِبَ يَثْبُتُ بِالْأَمْرِ الظَّنِّيِّ الثُّبُوتِ ثَانِيهِمَا الْمَكْرُوهُ تَنْزِيهًا وَمَرْجِعُهُ إلَى مَا تَرْكُهُ أَوْلَى وَكَثِيرًا مَا يُطْلِقُونَهُ كَمَا ذَكَرَهُ الْعَلَّامَةُ الْحَلَبِيُّ فِي مَسْأَلَةِ مَسْحِ الْعَرَقِ فَحِينَئِذٍ إذَا ذَكَرُوا مَكْرُوهًا فَلَا بُدَّ مِنْ النَّظَرِ فِي دَلِيلِهِ فَإِنْ كَانَ نَهْيًا ظَنِّيًّا يُحْكَمُ بِكَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ إلَّا لِصَارِفٍ لِلنَّهْيِ عَنْ التَّحْرِيمِ إلَى النَّدْبِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الدَّلِيلُ نَهْيًا بَلْ كَانَ مُفِيدًا لِلتَّرْكِ الْغَيْرِ الْجَازِمِ فَهِيَ تَنْزِيهِيَّةٌ وَاخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِ الْعَبَثِ فَذَكَرَ الْكُرْدِيُّ أَنَّهُ فِعْلٌ فِيهِ غَرَضٌ لَيْسَ بِشَرْعِيٍّ وَالسَّفَهُ مَا لَا غَرَضَ فِيهِ أَصْلًا وَالْمَذْكُورُ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا أَنَّ الْعَبَثَ الْفِعْلُ لِغَرَضٍ غَيْرِ صَحِيحٍ حَتَّى قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ كُلَّ عَمَلٍ هُوَ مُفِيدٌ لِلْمُصَلِّي فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَأْتِيَ بِهِ أَصْلُهُ مَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَرِقَ فِي صَلَاةٍ فَسَلَتَ الْعَرَقَ عَنْ جَبِينِهِ» أَيْ مَسَحَهُ لِأَنَّهُ كَانَ يُؤْذِيهِ فَكَانَ مُفِيدًا وَفِي زَمَنِ الصَّيْفِ «كَانَ إذَا قَامَ مِنْ السُّجُودِ نَفَّضَ ثَوْبَهُ يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً» لِأَنَّهُ كَانَ مُفِيدًا كَيْ لَا يَبْقَى صُورَةً فَأَمَّا مَا لَيْسَ بِمُفِيدٍ فَهُوَ الْعَبَثُ اهـ. وَتَعَقَّبَهُ الْعَلَّامَةُ الْحَلَبِيُّ بِأَنَّهُ إذَا كَانَ يُكْرَهُ رَفْعُ الثَّوْبِ كَيْ لَا يَتَتَرَّبَ وَأَنَّهُ قَدْ وَقَعَ الْخِلَافُ فِي أَنَّهُ يُكْرَهُ مَسْحُ التُّرَابِ عَنْ جَبْهَتِهِ فِي الصَّلَاةِ وَأَنَّهُ قَدْ وَقَعَ النَّدْبُ إلَى تَتْرِيبِ الْوَجْهِ فِي السُّجُودِ فَضْلًا عَنْ الثَّوْبِ فَكَوْنُ نَفْضِ الثَّوْبِ مِنْ التُّرَابِ عَمَلًا مُفِيدًا وَأَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ مُطْلَقًا فِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ وَأَمَّا أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِسَلْتِ الْعَرَقِ فِي الصَّلَاةِ فَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ وَاخْتَارَهُ فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا وَفِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَيُكْرَهُ أَنْ يَمْسَحَ عَرَقَهُ أَوْ التُّرَابَ عَنْ جَبْهَتِهِ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ أَوْ فِي التَّشَهُّدِ قَبْلَ السَّلَامِ وَوَفَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَرَقِ الْمَمْسُوحِ عَرَقٌ لَمْ تَدْعُهُ حَاجَةٌ إلَى مَسْحِهِ وَبِالْكَرَاهَةِ الْكَرَاهَةُ التَّنْزِيهِيَّةُ فَحِينَئِذٍ   [منحة الخالق] وَشُمُولِهِ لِلْإِمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ فِي السِّرِّيَّةِ وَالْجَهْرِيَّةِ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْجَهْرِ بِالْقِرَاءَةِ أَوْ بِالتَّسْبِيحِ عَلَى أَنَّ الْقَلِيلَ مِنْ الْجَهْرِ فِي مَوْضِعِ الْمُخَافَتَةِ عَفْوٌ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الصَّلَاةَ فِي الطَّرِيقِ) أَيْ الْمَفْهُومَةَ بِالْأَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ وَلَمْ يُوَاجِهْ الطَّرِيقَ فَإِنَّ كَرَاهَةَ السُّتْرَةِ عِنْدَ مُوَاجَهَتِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ مَنْعِ الْعَامَّةِ عَنْ الْمُرُورِ يُفِيدُ كَرَاهَةَ الصَّلَاةِ فِيهِ بِالْأَوْلَى تَأَمَّلْ أَوْ لِمُرَادِ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْمُوَاجَهَةِ حَيْثُ لَمْ يَقُولُوا وَلَمْ يُصَلِّ فِي الطَّرِيقِ لِأَنَّ الصَّلَاةَ فِي الطَّرِيقِ مَكْرُوهَةٌ وَهَذَا أَظْهَرُ [الْعَبَثُ بِالثَّوْبِ وَالْبَدَنِ فِي الصَّلَاةِ] (قَوْلُهُ وَمَرْجِعُهُ إلَى مَا تَرْكُهُ أَوْلَى) وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِمْ أَيْضًا لَا بَأْسَ كَمَا يَأْتِي قَرِيبًا وَانْظُرْ مَا سَنَذْكُرُهُ بَعْدُ كُرَّاسٍ قُبَيْلَ الْفَصْلِ الْآتِي (قَوْلُهُ وَالْمَذْكُورُ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الثَّانِيَ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ الْكَرْدَرِيُّ وَفِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ فِيهِ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْعَبَثِ شَرْعًا وَالظَّاهِرُ أَنَّ كَلَامَهُمَا مُتَّحِدٌ وَالنَّفْيُ فِي التَّعْرِيفِ الثَّانِي دَاخِلٌ عَلَى الْقَيْدِ وَالصِّحَّةِ لِكَوْنِهِ شَرْعِيًّا فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ كَيْ لَا يَبْقَى صُورَةً) يَعْنِي حِكَايَةَ صُورَةِ الْأَلْيَة كَذَا فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ (قَوْلُهُ وَتَعَقَّبَهُ) أَيْ تَعَقَّبَ مَا فِي النِّهَايَةِ مِنْ قَوْلِهِ إنَّ كُلَّ عَمَلٍ هُوَ مُفِيدٌ لِلْمُصَلِّي فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَأْتِيَ بِهِ (قَوْلُهُ فَكَوْنُ نَفْضِ الثَّوْبِ مِنْ التُّرَابِ) إلَخْ) لَيْسَ فِي كَلَامِ النِّهَايَةِ دَعْوَى أَنَّ نَفْضَ الثَّوْبِ مِنْ التُّرَابِ عَمَلًا مُفِيدًا وَلَا أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ وَلَعَلَّهُ فَهِمَهُ مِنْ الْحَدِيثِ السَّابِقِ وَلَكِنْ قَدْ عَلِمْت بِمَا قَدَّمْنَا عَنْ السَّعْدِيَّةِ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ نَفْضَهُ مِنْ التُّرَابِ بَلْ لِإِزَالَةِ صُورَةِ الْأَلْيَة لِالْتِصَاقِ الثَّوْبِ بِهَا (قَوْلُهُ وَوَفَّقَ بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالْمَسْحِ وَبَيْنَ الْقَوْلِ بِكَرَاهَتِهِ وَفِيهِ بَحْثٌ لِأَنَّ حَمْلَ الْمَسْحِ عَلَى مَا لَمْ تَدْعُ إلَيْهِ حَاجَةٌ يَجْعَلُهُ مِنْ الْعَبَثِ فِي الصَّلَاةِ الَّذِي هُوَ مَكْرُوهٌ تَحْرِيمًا كَمَا سَيَأْتِي فَحَمْلُ الْكَرَاهَةِ عَلَى التَّنْزِيهِيَّةِ مُخَالِفٌ لِذَلِكَ وَحَمْلُ فِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَنَّهُ بَيَانٌ لِلْجَوَازِ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا قَالَهُ وَإِلَّا فَدَعْوَى الْجَوَازِ فِي الْمَكْرُوهِ تَحْرِيمًا مَمْنُوعَةٌ قُلْت وَيَنْبَغِي التَّوْفِيقُ بِحَمْلِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ عَلَى مَا إذَا دَعَتْ إلَى مَسْحِهِ حَاجَةٌ وَيَكُونُ تَرْكُهُ حِينَئِذٍ أَوْلَى عَلَى نَحْوِ مَا يَأْتِي فِي قَلْبِ الْحَصَى وَحُمِلَ الثَّانِي عَلَى مَا إذَا لَمْ تَدْعُ إلَيْهِ حَاجَةٌ فَلْيُتَأَمَّلْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 20 لَا مُنَافَاةَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ قَوْلِهِمْ لَا بَأْسَ لِأَنَّ تَرْكَهُ أَوْلَى وَيُحْمَلُ فِعْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنْ ثَبَتَ عَلَى أَنَّ بِهِ حَاجَةً إلَى مَسْحِهِ أَوْ بَيَانًا لِلْجَوَازِ اهـ. وَفِي الْخَانِيَّةِ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَمْسَحَ جَبْهَتَهُ مِنْ التُّرَابِ أَوْ الْحَشِيشِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ وَقَبْلَهُ إذَا كَانَ يَضُرُّهُ ذَلِكَ وَيَشْغَلُهُ عَنْ الصَّلَاةِ وَإِذَا كَانَ لَا يَضُرُّهُ ذَلِكَ يُكْرَهُ فِي وَسَطِ الصَّلَاةِ وَلَا يُكْرَهُ قَبْلَ التَّشَهُّدِ وَالسَّلَامِ. اهـ. وَصَحَّحَهُ فِي الْمُحِيطِ وَهُوَ مَعَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ تَعْرِيفِ الْعَبَثِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَكَّ بِيَدِهِ فِي بَدَنِهِ إنَّمَا يَكُونُ عَبَثًا إذَا كَانَ لِغَيْرِ حَاجَةٍ أَمَّا إذَا أَكَلَهُ شَيْءٌ فِي بَدَنِهِ ضَرَّهُ وَأَشْغَلَهُ فَلَا بَأْسَ بِحَكِّهِ وَلَا يَكُونُ مِنْ الْعَبَثِ ثُمَّ ذَكَرَ الشَّارِحُونَ أَنَّهُمْ إنَّمَا قَدَّمُوا مَسْأَلَةَ الْعَبَثِ لِأَنَّهَا كُلِّيَّةٌ وَغَيْرَهَا نَوْعِيَّةٌ لِأَنَّ تَقْلِيبَ الْحَصَا وَالْفَرْقَعَةَ وَالتَّخَصُّرَ مِنْ أَنْوَاعِ الْعَبَثِ وَالْكُلِّيُّ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّوْعِيِّ وَتَعَقَّبَهُ فِي الْعِنَايَةِ بِأَنَّ الْعَبَثَ بِالثَّوْبِ لَا يَشْمَلُ مَا بَعْدَهُ مِنْ تَقْلِيبِ الْحَصَا وَغَيْرِهِ بَلْ إنَّمَا قَدَّمُوهُ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ وُقُوعًا اهـ. وَقَدْ يُقَالُ إنَّ الشَّامِلَ لِلتَّقْلِيبِ وَغَيْرِهِ الْعَبَثُ بِالْبَدَنِ وَلَا يَتِمُّ مَا قَالَهُ إلَّا لَوْ اقْتَصَرُوا عَلَى الْعَبَثِ بِالثَّوْبِ ثُمَّ إنَّ كَرَاهَةَ الْعَبَثِ تَحْرِيمِيَّةٌ لِمَا أَخْرَجَهُ الْقُضَاعِيُّ فِي مُسْنَدِ الشِّهَابِ مُرْسَلًا عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كُثَيِّرٌ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلَاثًا الْعَبَثَ فِي الصَّلَاةِ وَالرَّفَثَ فِي الصِّيَامِ وَالضَّحِكَ فِي الْمَقَابِرِ» وَعَلَّلَهُ فِي الْهِدَايَةِ بِأَنَّ الْعَبَثَ خَارِجَ الصَّلَاةِ حَرَامٌ فَمَا ظَنُّك فِي الصَّلَاةِ اهـ. وَأَرَادَ بِهِ كَرَاهَةَ التَّحْرِيمِ وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِأَنَّهُ إذَا كَانَ حَرَامًا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُفْسِدًا كَالْقَهْقَهَةِ وَأَجَابَ بِأَنَّ فَسَادَ الْقَهْقَهَةِ لَا بِاعْتِبَارِ حُرْمَتِهَا بَلْ بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا تَنْقُضُ الطَّهَارَةَ وَهِيَ شَرْطٌ وَلِهَذَا لَا يُفْسِدُهَا النَّظَرُ إلَى الْأَجْنَبِيَّةِ وَإِنْ كَانَ حَرَامًا إلَّا إذَا كَثُرَ الْعَبَثُ فَحِينَئِذٍ يُفْسِدُهَا لِكَوْنِهِ عَمَلًا كَثِيرًا وَفِي الْغَايَةِ لِلسُّرُوجِيِّ قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الْعَبَثَ خَارِجَ الصَّلَاةِ حَرَامٌ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْعَبَثَ خَارِجَهَا بِثَوْبِهِ أَوْ بَدَنِهِ خِلَافُ الْأَوْلَى وَلَا يَحْرُمُ وَالْحَدِيثُ قَيَّدَ بِكَوْنِهِ فِي الصَّلَاةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَلْبُ الْحَصَا إلَّا لِلسُّجُودِ مَرَّةً) أَيْ كُرِهَ قَلْبُهُ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ لِمَا أُخْرِجَ فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ عَنْ مُعَيْقِيبٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا تَمْسَحْ الْحَصَا وَأَنْتَ تُصَلِّي فَإِنْ كُنْتَ لَا بُدَّ فَاعِلًا فَوَاحِدَةٌ» «وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّهُ قَالَ سَأَلْت خَلِيلِي عَنْ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى سَأَلْته عَنْ تَسْوِيَةِ الْحَصَا فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ يَا أَبَا ذَرٍّ مَرَّةً أَوْ ذَرْ» وَلِأَنَّهُ نَوْعُ عَبَثٍ أَمَّا إذَا كَانَ لَا يُمْكِنُهُ السُّجُودُ عَلَيْهِ فَيُسَوِّيهِ مَرَّةً لِأَنَّ فِيهِ إصْلَاحَ صَلَاتِهِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ يَعْنِي فِيهِ تَحْصِيلَ السُّجُودِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَطْلُوبِ شَرْعًا وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّ تَسْوِيَتَهُ مَرَّةً لِهَذَا الْغَرَضِ أَوْلَى مِنْ تَرْكِهَا وَصَرَّحَ فِي الْبَدَائِعِ بِأَنَّ التَّسْوِيَةَ مَرَّةً رُخْصَةٌ وَأَنَّ التَّرْكَ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْخُشُوعِ وَفِي النِّهَايَةِ وَالْخُلَاصَةِ إنَّ التَّرْكَ أَحَبُّ إلَيَّ مُسْتَدِلًّا فِي النِّهَايَةِ بِمَا وَرَدَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ «وَإِنْ تَرَكْتَهَا فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ مِنْ مِائَةِ نَاقَةٍ سَوْدَاءَ الْحَدَقَةِ تَكُونُ لَك» اهـ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّسْوِيَةَ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ مَرَّةً هَلْ هِيَ رُخْصَةٌ أَوْ عَزِيمَةٌ وَقَدْ تَعَارَضَ فِيهَا جِهَتَانِ فَبِالنَّظَرِ إلَى أَنَّ التَّسْوِيَةَ مُقْتَضِيَةٌ لِلسُّجُودِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَسْنُونِ كَانَتْ التَّسْوِيَةُ عَزِيمَةً وَبِالنَّظَرِ إلَى أَنَّ تَرْكَهَا أَقْرَبُ إلَى الْخُشُوعِ كَانَ تَرْكُهَا عَزِيمَةً وَالظَّاهِرُ مِنْ الْأَحَادِيثِ الثَّانِي وَيُرَجِّحُهُ أَنَّ الْحُكْمَ إذَا تَرَدَّدَ بَيْنَ سُنَّةٍ وَبِدْعَةٍ كَانَ تَرْكُ الْبِدْعَةِ رَاجِحًا عَلَى فِعْلِ السُّنَّةِ مَعَ أَنَّهُ قَدْ كَانَ يُمْكِنُهُ التَّسْوِيَةُ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ وَتَقْيِيدُ الْمُصَنِّفِ بِالْمَرَّةِ هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَالزِّيَادَةُ عَلَيْهَا مَكْرُوهَةٌ وَقِيلَ يُسَوِّيهَا مَرَّتَيْنِ ذَكَرَهُ فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي (قَوْلُهُ وَفَرْقَعَةُ الْأَصَابِعِ) وَهُوَ غَمْزُهَا أَوْ مَدُّهَا حَتَّى تُصَوِّتَ وَنُقِلَ فِي الدِّرَايَةِ الْإِجْمَاعُ عَلَى كَرَاهَتِهَا فِيهَا وَمِنْ السُّنَّةِ مَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مَرْفُوعًا «لَا تُفَرْقِعْ أَصَابِعَك وَأَنْتَ تُصَلِّي» لَكِنَّهُ مَعْلُولٌ بِالْحَارِثِ. وَرَوَى أَحْمَدُ عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذٍ رَفَعَهُ «الضَّاحِكُ فِي الصَّلَاةِ وَالْمُلْتَفِتُ وَالْمُفَرْقِعُ أَصَابِعَهُ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ» وَلَعَلَّ الْمُرَادَ التَّسَاوِي فِي الْمَعْصِيَةِ وَإِلَّا فَالضَّحِكُ مُبْطِلٌ لَهَا وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ كَرَاهَةُ الْفَرْقَعَةِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ) لِأَنَّ فِيهِ إزَالَةَ الْأَذَى عَنْ نَفْسِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ بَلْ يُسْتَحَبُّ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ وَإِنَّمَا كُرِهَ إذَا كَانَ فِي وَسَطِ الصَّلَاةِ وَكَانَ لَا يَضُرُّهُ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ لِأَنَّهُ يَسْجُدُ بَعْدَهُ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأَخِيرَةِ (قَوْلُهُ يَعْنِي فِيهِ) أَيْ يَعْنِي صَاحِبُ الْهِدَايَةِ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ فِيهِ إصْلَاحَ صَلَاتِهِ أَنَّ فِيهِ أَيْ فِي ذَلِكَ الْفِعْلِ تَحْصِيلَ السُّجُودِ التَّامِّ وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ لَا يُمْكِنُهُ السُّجُودُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ نَفْيَ أَصْلِ الْإِمْكَانِ لَكَانَتْ التَّسْوِيَةُ وَاجِبَةً وَلَوْ بِأَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ (قَوْلُهُ بَيْنَ سُنَّةٍ وَبِدْعَةٍ) قَيَّدَ بِالسُّنَّةِ لِأَنَّ مَا تَرَدَّدَ بَيْنَ وَاجِبٍ وَبِدْعَةٍ يَأْتِي بِهِ احْتِيَاطًا كَمَا سَيَذْكُرُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ وَقَنَتَ فِي ثَالِثَتِهِ قَبْلَ الرُّكُوعِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 21 تَحْرِيمِيَّةً لِلنَّهْيِ الْوَارِدِ فِي ذَلِكَ وَلِأَنَّهَا مِنْ أَفْرَادِ الْعَبَثِ بِخِلَافِ الْفَرْقَعَةِ خَارِجَ الصَّلَاةِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ وَلَوْ لِإِرَاحَةِ الْمَفَاصِلِ فَإِنَّهَا تَنْزِيهِيَّةٌ عَلَى الْقَوْلِ بِالْكَرَاهَةِ كَمَا فِي الْمُجْتَبَى أَنَّهُ كَرِهَهَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ لِأَنَّهَا مِنْ الشَّيْطَانِ بِالْحَدِيثِ اهـ. لَكِنْ لَمَّا لَمْ يَكُنْ فِيهَا خَارِجَهَا نَهْيٌ لَمْ تَكُنْ تَحْرِيمِيَّةً كَمَا أَسْلَفْنَاهُ قَرِيبًا وَأَلْحَقَ فِي الْمُجْتَبَى الْمُنْتَظِرَ لِلصَّلَاةِ وَالْمَاشِيَ إلَيْهَا بِمَنْ فِي الصَّلَاةِ فِي كَرَاهَتِهَا وَرَوَى فِي ذَلِكَ حَدِيثًا أَنَّهُ «نَهَى أَنْ يُفَرْقِعَ الرَّجُلُ أَصَابِعَهُ وَهُوَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ وَفِي رِوَايَةٍ وَهُوَ يَمْشِي إلَيْهَا» وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى كَرَاهَةِ تَشْبِيكِ الْأَصَابِعِ وَهُوَ أَنْ يُدْخِلَ إحْدَى أَصَابِعِ يَدَيْهِ بَيْنَ أَصَابِعِ الْأُخْرَى فِي الصَّلَاةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ لِمَا رَوَى أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُمَا مَرْفُوعًا «إذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ ثُمَّ خَرَجَ عَامِدًا إلَى الْمَسْجِدِ فَلَا يُشَبِّكْ بَيْنَ يَدَيْهِ فَإِنَّهُ فِي الصَّلَاةِ» وَنُقِلَ فِي الدِّرَايَةِ إجْمَاعُ الْعُلَمَاءِ عَلَى كَرَاهَتِهِ فِيهَا ثُمَّ يَظْهَرُ أَيْضًا أَنَّهَا تَحْرِيمِيَّةٌ لِلنَّهْيِ الْمَذْكُورِ وَظَاهِرُهُ الْكَرَاهَةُ أَيْضًا حَالَةَ السَّعْيِ إلَى الصَّلَاةِ فَإِذَا كَانَ مُنْتَظِرًا لَهَا بِالْأَوْلَى وَذَكَرَ الْعَلَّامَةُ الْحَلَبِيُّ أَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَى حُكْمِهِ خَارِجَ الصَّلَاةِ لِمَشَايِخِنَا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ فِي غَيْرِ هَذَيْنِ الْمَوْضِعَيْنِ لَا لِلْعَبَثِ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ وَلَوْ لِإِرَاحَةِ الْأَصَابِعِ وَإِنْ كَانَ عَلَى سَبِيلِ الْعَبَثِ يُكْرَهُ تَنْزِيهًا. اهـ. وَقَدْ قَدَّمْنَا عَنْ الْهِدَايَةِ أَنَّ الْعَبَثَ خَارِجَ الصَّلَاةِ حَرَامٌ وَحَمَلْنَاهُ عَلَى كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْعَبَثُ خَارِجَهَا لِغَيْرِ حَاجَةٍ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ وَالتَّخَصُّرُ) وَهُوَ وَضْعُ الْيَدِ عَلَى الْخَاصِرَةِ وَهِيَ مَا فَوْقَ الطَّفْطَفَةِ وَالشَّرَاسِيفِ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ لِنَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهُ كَمَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَهَذَا التَّفْسِيرُ هُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ وَرَدَ مُفَسَّرًا هَكَذَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ كَمَا فِي السُّنَنِ وَحِكْمَتُهُ أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ رَاحَةُ أَهْلِ النَّارِ كَمَا رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ قَالَ ابْنُ حِبَّانَ يَعْنِي فِعْلَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى فِي صَلَاتِهِمْ وَهُمْ أَهْلُ النَّارِ لَا أَنَّ لَهُمْ رَاحَةً فِي النَّارِ أَوْ أَنَّهُ فِعْلُ الْمُتَكَبِّرِينَ وَلَا يَلِيقُ بِالصَّلَاةِ أَوْ أَنَّهُ فِعْلُ الشَّيْطَانِ حَتَّى قِيلَ إنَّ إبْلِيسَ أُهْبِطَ مِنْ الْجَنَّةِ لِذَلِكَ فَلِهَذَا قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْمُجْتَبَى وَيُكْرَهُ التَّخَصُّرُ خَارِجَ الصَّلَاةِ أَيْضًا وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهَا تَحْرِيمِيَّةٌ فِيهَا لِلنَّهْيِ الْمَذْكُورِ وَقَدْ فُسِّرَ التَّخَصُّرُ بِغَيْرِ هَذَا أَيْضًا مِنْهَا أَنْ يَتَوَكَّأَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى عَصًا وَمِنْهَا أَنْ يَخْتَصِرَ السُّورَةَ فَيَقْرَأَ مِنْ أَوَّلِهَا آيَةً أَوْ آيَتَيْنِ وَمِنْهَا أَنْ يَخْتَصِرَهَا فَيَقْرَأَ آخِرَهَا وَمِنْهَا أَنْ يَحْذِفَ آيَةَ السَّجْدَةِ وَمِنْهَا أَنْ يَخْتَصِرَ صَلَاتَهُ فَلَا يُتِمَّ حُدُودَهَا وَلَا شَكَّ فِي كَرَاهَةِ الْإِتْكَاءِ فِي الْفَرْضِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ لَا فِي النَّفْلِ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا فِي الْمُجْتَبَى وَأَمَّا الِاخْتِصَارُ فِي الْقِرَاءَةِ فَإِنْ أَخَلَّ بِوَاجِبٍ بِأَنْ نَقَصَ عَنْ ثَلَاثِ آيَاتٍ مَعَ الْفَاتِحَةِ كَانَ مَكْرُوهًا كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ لِتَرْكِ بَعْضِ الْوَاجِبِ وَإِلَّا فَلَا وَقَدْ صَرَّحَ أَصْحَابُ الْفَتَاوَى بِأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ لَا تُكْرَهُ الْقِرَاءَةُ مِنْ آخِرِ السُّورَةِ وَقَدْ صَرَّحُوا بِكَرَاهَةِ قِرَاءَتِهِ السُّورَةَ وَتَرْكِ آيَةِ السَّجْدَةِ فِي بَابِهَا وَأَمَّا اخْتِصَارُ الصَّلَاةِ بِحَيْثُ لَا يُتِمُّ حُدُودَهَا فَإِنْ لَزِمَ مِنْهُ تَرْكُ وَاجِبٍ كُرِهَ تَحْرِيمًا وَإِنْ أَخَلَّ بِسُنَّةٍ كُرِهَ تَنْزِيهًا هَذَا مَا تَقْتَضِيهِ الْقَوَاعِدُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ (قَوْلُهُ وَالِالْتِفَاتُ) لِمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ «سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَن ْ الِالْتِفَاتِ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ هُوَ اخْتِلَاسٌ يَخْتَلِسُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ صَلَاةِ الْعَبْدِ» . وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إيَّاكَ وَالِالْتِفَاتَ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّ الِالْتِفَاتَ فِي الصَّلَاةِ هَلَكَةٌ فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ فَفِي التَّطَوُّعِ لَا فِي الْفَرِيضَةِ» ثُمَّ الْمَذْكُورُ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ أَنَّ الِالْتِفَاتَ الْمَكْرُوهَ هُوَ تَحْوِيلُ وَجْهِهِ عَنْ الْقِبْلَةِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ وَالنِّهَايَةِ وَالْغَايَةِ وَالتَّبْيِينِ وَفَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْمُجْتَبَى وَالْكَافِي وَشَرْحِ الْمَجْمَعِ وَقَيَّدَهُ فِي الْغَايَةِ بِأَنْ يَكُونَ لِغَيْرِ عُذْرٍ أَمَّا تَحْوِيلُ الْوَجْهِ لِعُذْرٍ فَغَيْرُ مَكْرُوهٍ، وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ تَحْرِيمِيَّةً كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ قَالُوا وَإِنَّمَا كُرِهَ لِغَيْرِ عُذْرٍ لِأَنَّهُ انْحِرَافٌ عَنْ الْقِبْلَةِ بِبَعْضِ بَدَنِهِ وَلَوْ انْحَرَفَ عَنْهَا   [منحة الخالق] [فَرْقَعَةُ الْأَصَابِعِ فِي الصَّلَاةِ] (قَوْلُهُ لِإِرَاحَةِ الْمَفَاصِلِ) الْمُتَبَادِرُ أَنَّهُ تَعْمِيمٌ لِلْحَاجَةِ وَأَصْرَحُ مِمَّا هُنَا مَا فِي شَرْحِ الْمَقْدِسِيَّ حَيْثُ قَالَ إلَّا لِغَرَضٍ كَإِرَاحَةِ الْمَفَاصِلِ وَيَقْرُبُ مِنْهُ مَا يَأْتِي قَرِيبًا عَنْ الْحَلَبِيِّ (قَوْلُهُ وَقَدْ قَدَّمْنَا عَنْ الْهِدَايَةِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَأَنْتَ قَدْ عَلِمْت أَنَّ مَا فِي الْهِدَايَةِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ اهـ أَيْ بِمَا مَرَّ عَنْ غَايَةِ السُّرُوجِيِّ [التَّخَصُّرُ فِي الصَّلَاةِ] (قَوْلُهُ وَهِيَ مَا فَوْقَ الطَّفْطَفَةِ وَالشَّرَاسِيفِ) الطَّفْطَفَةُ أَطْرَافُ الْخَاصِرَةِ وَالشَّرَاسِيفُ أَطْرَافُ الضِّلْعِ الَّذِي يُشْرِفُ عَلَى الْبَطْنِ نِهَايَةً عَنْ الْمُغْرِبِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 22 بِجَمِيعِ بَدَنِهِ فَسَدَتْ فَإِنْ انْحَرَفَ بِبَعْضِ بَدَنِهِ كُرِهَ كَالْعَمَلِ الْقَلِيلِ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ لِأَنَّ كَثِيرَهُ مُفْسِدٌ وَيَدُلُّ لِعَدَمِ فَسَادِهَا بِهَذَا الِالْتِفَاتِ قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ «يَخْتَلِسُهَا الشَّيْطَانُ مِنْ صَلَاةِ الْعَبْدِ» فَإِنَّهُ سَمَّاهَا صَلَاةً مَعَهُ وَإِنَّمَا لَمْ يُكْرَهْ لِلْعُذْرِ لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ «اشْتَكَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَلَّيْنَا وَرَاءَهُ وَهُوَ قَاعِدٌ فَالْتَفَتَ إلَيْنَا فَرَآنَا قِيَامًا فَأَشَارَ إلَيْنَا فَقَعَدْنَا» وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْتِفَاتَ الْبَصَرُ يَمْنَةً وَيَسْرَةً مِنْ غَيْرِ تَحْوِيلِ الْوَجْهِ أَصْلًا غَيْرُ مَكْرُوهٍ مُطْلَقًا وَالْأَوْلَى تَرْكُهُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّ فِعْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إيَّاهُ كَانَ لِحَاجَةِ تَفَقُّدِ أَحْوَالِ الْمُقْتَدِينَ بِهِ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ بَيَانِ الْجَوَازِ وَإِلَّا فَهُوَ كَانَ يَنْظُرُ مِنْ خَلْفِهِ كَمَا يَنْظُرُ أَمَامَهُ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَقَدْ خَالَفَ صَاحِبُ الْخُلَاصَةِ عَامَّةَ الْكُتُبِ فِي الِالْتِفَاتِ الْمَكْرُوهِ فَجَعَلَهُ مُفْسِدًا وَعِبَارَتُهُ وَلَوْ حَوَّلَ الْمُصَلِّي وَجْهَهُ عَنْ الْقِبْلَةِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَسَدَتْ وَكَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَجُعِلَ فِيهَا الِالْتِفَاتُ الْمَكْرُوهُ أَنْ يُحَوِّلَ بَعْضَ وَجْهِهِ عَنْ الْقِبْلَةِ وَالْأَشْبَهُ مَا فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ مِنْ أَنَّ الِالْتِفَاتَ الْمَكْرُوهَ أَعَمُّ مِنْ تَحْوِيلِ جَمِيعِ الْوَجْهِ أَوْ بَعْضِهِ وَذَكَرَ فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي أَنَّ كَرَاهَةَ الِالْتِفَاتِ بِالْوَجْهِ فِيمَا إذَا اسْتَقْبَلَ مِنْ سَاعَتِهِ يَعْنِي فَلَوْ لَمْ يَسْتَقْبِلْ مِنْ سَاعَتِهِ فَسَدَتْ وَكَأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ مَا فِي الْفَتَاوَى وَبَيْنَ مَا فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ بِحَمْلِ مَا فِي الْفَتَاوَى عَلَى مَا إذَا لَمْ يَسْتَقْبِلْ مِنْ سَاعَتِهِ وَحَمَلَ مَا فِي الْعَامَّةِ عَلَى مَا إذَا اسْتَقْبَلَ مِنْ سَاعَتِهِ وَكَأَنَّهُ نَاظِرٌ إلَى أَنَّهُ إذَا لَمْ يَسْتَقْبِلْ مِنْ سَاعَتِهِ صَارَ عَمَلًا كَثِيرًا فَأَفْسَدَهَا وَإِذَا اسْتَقْبَلَ مِنْ سَاعَتِهِ كَانَ عَمَلًا قَلِيلًا فَكُرِهَ وَهُوَ بَعِيدٌ فَإِنَّ الِاسْتِدَامَةَ عَلَى هَذَا الْقَلِيلِ لَا يَجْعَلُهُ كَثِيرًا وَإِنَّمَا كَثِيرُهُ تَحْوِيلُ صَدْرِهِ وَقَدْ صَرَّحُوا بِالْفَسَادِ عِنْدَ تَحْوِيلِ الصَّدْرِ وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِهِ بِعَدَمِ الْعُذْرِ كَمَا فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي لِتَصْرِيحِهِمْ كَمَا سَبَقَ بِأَنَّهُ لَوْ ظَنَّ أَنَّهُ أَحْدَثَ فَاسْتَدْبَرَ الْقِبْلَةَ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يُحْدِثْ قَبْلَ الْخُرُوجِ مِنْ الْمَسْجِدِ لَا تَبْطُلُ وَمُقْتَضَى الْقَوَاعِدِ الْمَذْهَبِيَّةِ اشْتِرَاطُ أَنْ يُؤَدِّيَ رُكْنًا وَهُوَ مُسْتَدْبِرٌ لِمَا صَرَّحُوا بِهِ مِنْ أَنَّ انْكِشَافَ الْعَوْرَةِ إنَّمَا يُفْسِدُهَا إذَا لَمْ يَسْتَتِرْ مِنْ سَاعَتِهِ حَتَّى أَدَّى رُكْنًا أَمَّا إذَا سَتَرَهَا قَبْلَ أَدَاءِ الرُّكْنِ فَلَا فَكَذَا اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ بِجَامِعِ الشَّرْطِيَّةِ وَالْمُكْثُ قَدْرَ أَدَاءِ الرُّكْنِ فِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فَأَبُو يُوسُفَ لَا يَجْعَلُهُ كَأَدَاءِ الرُّكْنِ وَمُحَمَّدٌ جَعَلَهُ كَمَا عُرِفَ وَذَكَرَ الشَّارِحُ أَنَّهُ يُكْرَهُ رَفْعُ بَصَرِهِ إلَى السَّمَاءِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إلَى السَّمَاءِ فِي الصَّلَاةِ لَيَنْتَهُنَّ أَوْ لَتُخْطَفَنَّ أَبْصَارُهُمْ» وَفِي التَّجْنِيسِ وَيُكْرَهُ أَنْ يُمِيلَ أَصَابِعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ عَنْ الْقِبْلَةِ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِتَوْجِيهِهَا قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «فَلْيُوَجِّهْ مِنْ أَعْضَائِهِ إلَى الْقِبْلَةِ مَا اسْتَطَاعَ» (قَوْلُهُ وَالْإِقْعَاءُ) «لِنَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ عُقْبَةِ الشَّيْطَانِ» كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَهُوَ الْإِقْعَاءُ وَلِمَا فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «نَهَانِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ثَلَاثَةٍ عَنْ نَقْرَةٍ كَنَقْرَةِ الدِّيكِ وَإِقْعَاءٍ كَإِقْعَاءِ الْكَلْبِ وَالْتِفَاتٍ كَالْتِفَاتِ الثَّعْلَبِ» شَبَّهَ مِنْ يُسْرِعُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَيُخَفِّفُ فِيهِمَا بِالدِّيكِ الَّذِي يَلْتَقِطُ الْحَبَّةَ كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَهِيَ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ لِلنَّهْيِ الْمَذْكُورِ كَمَا أَسْلَفْنَاهُ مِنْ الْأَصْلِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي الْإِقْعَاءِ الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِيثِ فَصَحَّحَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَعَامَّتُهُمْ أَنَّهُ أَنْ يَضَعَ أَلْيَتَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ وَيَنْصِبَ رُكْبَتَيْهِ نَصْبًا كَمَا هُوَ قَوْلُ الطَّحَاوِيِّ وَزَادَ كَثِيرٌ وَيَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ وَزَادَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَضُمَّ رُكْبَتَيْهِ إلَى صَدْرِهِ لِأَنَّ إقْعَاءَ الْكَلْبِ يَكُونُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ إلَّا أَنَّ إقْعَاءَ الْكَلْبِ يَكُونُ فِي نَصْبِ الْيَدَيْنِ وَإِقْعَاءَ الْآدَمِيِّ فِي نَصْبِ الرُّكْبَتَيْنِ إلَى صَدْرِهِ وَذَهَبَ الْكَرْخِيُّ إلَى أَنَّهُ أَنْ يَنْصِبَ قَدَمَيْهِ وَيَقْعُدَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَاضِعًا يَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ وَهُوَ عَقِبُ الشَّيْطَانِ   [منحة الخالق] [الِالْتِفَاتِ فِي الصَّلَاةِ] (قَوْلُهُ وَالْأَوْلَى تَرْكُهُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ) أَيْ فَيَكُونُ مَكْرُوهًا تَنْزِيهًا كَمَا هُوَ مَرْجِعُ خِلَافِ الْأَوْلَى كَمَا مَرَّ وَبِهِ صَرَّحَ فِي النَّهْرِ وَفِي الزَّيْلَعِيِّ وَشَرْحِ الْمُلْتَقَى لِلْبَاقَانِيِّ أَنَّهُ مُبَاحٌ «لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُلَاحِظُ أَصْحَابَهُ فِي صَلَاتِهِ بِمُوقِ عَيْنَيْهِ» وَلَعَلَّ الْمُرَادَ عِنْدَ عَدَمِ الْحَاجَةِ فَلَا يُنَافِي مَا هُنَا (قَوْلُهُ وَكَأَنَّهُ جَمَعَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ فِيهِ بَحْثٌ اهـ. وَفِي شَرْحِ نَظْمِ الْكَنْزِ لِلْعَلَّامَةِ الْمَقْدِسِيَّ لَكِنْ ظَهَرَ لِي وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ أَنَّ مُرَادَ الْخُلَاصَةِ بِتَحْوِيلِ الْوَجْهِ الْمُفْسِدِ تَحْوِيلُ جَمِيعِهِ عَنْ الْقِبْلَةِ وَذَلِكَ يَلْزَمُ مِنْهُ تَحْوِيلُ الصَّدْرِ لِأَنَّ الْوَجْهَ لَيْسَ بِمُسْتَوٍ بَلْ فِيهِ اسْتِدَارَةٌ فَإِذَا حُوِّلَ عَنْ الْقِبْلَةِ بِأَنْ أُزِيلَ بَعْضُهُ عَنْ مُسَامَتَتِهَا كَالْجَانِبِ الْأَيْمَنِ مِنْهُ بَقِيَ الْجَانِبُ الْأَيْسَرُ مِنْهُ مُسَامِتًا فَلَا تَفْسُدُ فَإِذَا حَوَّلَ الْجَمِيعَ كَانَ الصَّدْرُ أَيْضًا مُحَوَّلًا فَتَفْسُدُ الصَّلَاةُ وَلِهَذَا قَالُوا فِي بَابِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ لَا تَفْسُدُ إلَّا بِتَحَوُّلِهِ مِنْ الْمَشَارِقِ إلَى الْمَغَارِبِ فَلْيُتَأَمَّلْ. اهـ. قُلْت وَيُشْعِرُ بِذَلِكَ جَعْلُ الْخَانِيَّةَ الِالْتِفَاتَ الْمَكْرُوهَ أَنْ يُحَوِّلَ بَعْضَ وَجْهِهِ وَلَعَلَّ هَذَا مُرَادُ النَّهْرِ بِالْبَحْثِ فِيمَا قَالَهُ الْمُؤَلِّفُ (قَوْلُهُ وَمُقْتَضَى الْقَوَاعِدِ الْمَذْهَبِيَّةِ إلَخْ) كَأَنَّهُ لَمْ يَرَ فِيهِ نَقْلًا صَرِيحًا وَقَدْ رَأَيْت فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ مَا ظَاهِرُهُ ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ فِي مُفْسِدَاتِ الصَّلَاةِ وَكَذَا اسْتِدْبَارُ الْقِبْلَةِ وَانْكِشَافُ الْعَوْرَةِ مِقْدَارَ أَدَاءِ رُكْنٍ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ [الْإِقْعَاءُ فِي الصَّلَاةِ] (قَوْلُهُ وَهُوَ عَقِبُ الشَّيْطَانِ إلَخْ) أَيْ الْإِقْعَاءُ عَلَى التَّفْسِيرِ الثَّانِي الَّذِي قَالَهُ الْكَرْخِيُّ هُوَ الْمُرَادُ بِعَقِبِ الشَّيْطَانِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا سَيَأْتِي عَنْ الْمُغْرِبِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 23 الَّذِي نَهَى عَنْهُ فِي الْحَدِيثِ وَالْكُلُّ مَكْرُوهٌ لِأَنَّ فِيهِ تَرْكَ الْجِلْسَةِ الْمَسْنُونَةِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ وَالْمُجْتَبَى زَادَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ قَوْلَهُ الصَّحِيحُ أَيْ كَوْنُ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ فِي الْحَدِيثِ لَا أَنَّ مَا قَالَهُ الْكَرْخِيُّ غَيْرُ مَكْرُوهٍ بَلْ يُكْرَهُ ذَلِكَ أَيْضًا. اهـ. وَالْعُقْبَةُ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الْقَافِ وَالْعَقِبُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِ الْقَافِ بِمَعْنَى الْإِقْعَاءِ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَأَمَّا مَا رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ طَاوُسٍ قُلْت لِابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْإِقْعَاءِ عَلَى الْقَدَمَيْنِ فَقَالَ هِيَ السُّنَّةُ فَقُلْت إنَّا نَرَاهُ جَفَاءً بِالرَّجُلِ فَقَالَ بَلْ هِيَ سُنَّةُ نَبِيِّكَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُمْ كَانُوا يُقْعُونَ فَالْجَوَابُ الْمُحَقَّقُ عَنْهُ أَنَّ الْإِقْعَاءَ عَلَى ضَرْبَيْنِ أَحَدُهُمَا مُسْتَحَبٌّ أَنْ يَضَعَ أَلْيَتَيْهِ عَلَى عَقِبَيْهِ وَرُكْبَتَاهُ فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ الْعَبَادِلَةِ وَالْمَنْهِيُّ أَنْ يَضَعَ أَلْيَتَيْهِ وَيَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ وَيَنْصِبَ سَاقَيْهِ اهـ. وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ هُوَ وَغَيْرُهُ أَنَّ الْإِقْعَاءَ بِنَوْعِيَّةِ مَكْرُوهٌ وَالْحَقُّ أَنَّ هَذَا الْجَوَابَ لَيْسَ لِأَئِمَّتِنَا وَإِنَّمَا هُوَ جَوَابُ الْبَيْهَقِيّ وَالنَّوَوِيِّ وَغَيْرِهِمَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّك قَدْ عَلِمْت كَرَاهَتَهُ عِنْدَنَا بِنَوْعَيْهِ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْهُ إمَّا بِحَمْلِهِ عَلَى حَالَةِ الْعُذْرِ إنْ ثَبَتَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِ أَنَّهُ كَانَ فِي الصَّلَاةِ أَوْ بِحَمْلِهِ عَلَى كَوْنِهِ خَارِجَ الصَّلَاةِ إنْ لَمْ يَثْبُتْ أَوْ لِأَنَّ الْمَانِعَ وَالْمُبِيحَ إذَا تَعَارَضَا وَلَمْ يُعْلَمْ التَّارِيخُ كَانَ التَّرْجِيحُ لِلْمَانِعِ وَقَدْ فَسَّرَ صَاحِبُ الْمُغْرِبِ عَقِبَ الشَّيْطَانِ بِالْإِقْعَاءِ عِنْدَ الْكَرْخِيِّ فَكَانَ مَانِعًا وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ كَرَاهَتُهُ تَنْزِيهِيَّةً بِخِلَافِ النَّوْعِ الْمُتَّفَقِ عَلَى كَرَاهَتِهِ (قَوْلُهُ وَافْتِرَاشُ ذِرَاعَيْهِ) لِمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -   [منحة الخالق] لَكِنْ نَقَلَ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ فِي فَتَاوَاهُ عَنْ لِسَانِ الْعَرَبِ وَالنِّهَايَةِ لِابْنِ الْأَثِيرِ أَنْ عُقْبَةَ الشَّيْطَانِ أَنْ يَجْلِسَ عَلَى قَدَمَيْهِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ اهـ. مَعَ أَنَّ الْإِقْعَاءَ مَكْرُوهٌ فِي التَّشَهُّدَيْنِ أَيْضًا قَالَ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ بَيْنَ أَصْحَابِ الْمَذَاهِبِ نَصَّ عَلَى كَرَاهَتِهِ مِنْ عُلَمَائِنَا الْكَرْخِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ ا. هـ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَالْحَقُّ أَنَّ هَذَا الْجَوَابَ لَيْسَ لِأَئِمَّتِنَا إلَخْ) يُؤَيِّدُهُ مَا قَالَهُ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ فِي فَتَاوِيهِ وَأَمَّا نَصْبُ الْقَدَمَيْنِ وَالْجُلُوسُ عَلَى الْعَقِبَيْنِ فَمَكْرُوهٌ فِي جَمِيعِ الْجِلْسَاتِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ نَعْرِفُهُ إلَّا مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ النَّوَوِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ فِي قَوْلٍ لَهُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الْجُلُوسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي مُوَطَّئِهِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَجْلِسَ عَلَى عَقِبَيْهِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَلَكِنَّهُ يَجْلِسُ بَيْنَهُمَا كَجُلُوسِهِ فِي صَلَاتِهِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ إمَّا بِحَمْلِهِ عَلَى حَالَةِ الْعُذْرِ) يُنَافِيهِ قَوْلُهُ بَلْ هِيَ سُنَّةُ نَبِيِّك - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَذَا قَالَ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ وَحَمْلُهُ عَلَى حَالَةِ الْعُذْرِ بَعِيدٌ لِقَوْلِهِ وَهُوَ سُنَّةُ نَبِيِّك - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلْيُتَأَمَّلْ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ بِحَمْلِهِ عَلَى كَوْنِهِ خَارِجَ الصَّلَاةِ) جَزَمَ الشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ الْحَلَبِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُنْيَةِ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ نَقْلِهِ كَلَامَ الْفَتْحِ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى خَارِجِ الصَّلَاةِ فَإِنَّ مَا ذَكَرَ مِنْ الْحَدِيثَيْنِ لَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْقُعُودُ فِي الصَّلَاةِ وَإِلَّا فَوَضْعُ الْأَلْيَتَيْنِ عَلَى الْعَقِبَيْنِ فِي الصَّلَاةِ مَكْرُوهٌ أَيْضًا لِمُخَالَفَةِ الْجُلُوسِ الْمَسْنُونِ وَهُوَ افْتِرَاشُ الرِّجْلِ الْيُسْرَى وَلَكِنْ يُفْهَمُ حِينَئِذٍ أَنَّ الْإِقْعَاءَ بِنَصْبِ الرُّكْبَتَيْنِ مَكْرُوهٌ خَارِجَ الصَّلَاةِ أَيْضًا وَلَا بُعْدَ فِيهِ لِأَنَّهُ جُلُوسُ الْجُفَاةِ بِخِلَافِ الِاحْتِبَاءِ إذْ لَيْسَ فِيهِ كَرَاهَةٌ خَارِجَ الصَّلَاةِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الِاحْتِبَاءِ وَالْإِقْعَاءِ أَنَّ الِاحْتِبَاءَ يَكُونُ بِشَدِّ الرُّكْبَتَيْنِ إلَى الظَّهْرِ عِنْدَ نَصْبِهِمَا بِيَدَيْهِ أَوْ بِثَوْبٍ أَوْ غَيْرِهِ وَهُوَ أَكْثَرُ جُلُوسِ أَشْرَافِ الْعَرَبِ اهـ (قَوْلُهُ فَكَانَ مَانِعًا) أَيْ فَيَتَرَجَّحُ عَلَى مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْبَيْهَقِيُّ مِمَّا يُفِيدُ إبَاحَتَهُ وَلَكِنْ لَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّ كَوْنَ الْمُرَادِ مِنْ الْإِقْعَاءِ هُوَ الْإِقْعَاءُ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْكَرْخِيُّ مُخَالِفًا لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْإِقْعَاءُ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ فَلَمْ يَكُنْ الْمُرَادُ مِنْ الْإِقْعَاءِ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ هُوَ الْمُرَادُ مِنْ حَدِيثِ عَقِبِ الشَّيْطَانِ فَلَا تَعَارُضَ حِينَئِذٍ فَلَا تَرْجِيحَ قُلْت وَلَوْ أَسْقَطَ قَوْلَهُ وَقَدْ فَسَّرَ صَاحِبُ الْمُغْرِبِ إلَخْ لَاسْتَقَامَ الْجَوَابُ مِنْ غَيْرِ إيهَامٍ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُبِيحِ مَا مَرَّ عَنْ مُسْلِمٍ وَالْبَيْهَقِيِّ وَبِالْمَانِعِ حَدِيثُ النَّهْيِ عَنْ عَقِبِ الشَّيْطَانِ فَيَكُونُ مُرَجَّحًا عَلَى الْمُبِيحِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ عَقِبِ الشَّيْطَانِ هُوَ الْإِقْعَاءُ عِنْدَ الْكَرْخِيِّ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَإِنَّمَا كَانَتْ تَنْزِيهِيَّةً عَلَى الثَّانِي بِنَاءً عَلَى أَنَّ هَذَا الْفِعْلَ لَيْسَ بِإِقْعَاءٍ وَإِنَّمَا الْكَرَاهَةُ لِتَرْكِ الْجِلْسَةِ الْمَسْنُونَةِ كَمَا عَلَّلَ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ وَلَوْ فُسِّرَ الْإِقْعَاءُ بِقَوْلِ الْكَرْخِيِّ تَعَاكَسَتْ الْأَحْكَامُ. اهـ. قُلْت لَا يَخْفَى عَلَيْك مَا فِي هَذَا الْكَلَامِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْفِعْلَيْنِ يُسَمَّى إقْعَاءً وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي الْمُرَادِ فِي الْحَدِيثِ مِنْهُمَا كَمَا مَرَّ فَكَانَ الصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ إنَّمَا كَانَتْ تَنْزِيهِيَّةً عَلَى الثَّانِي بِنَاءً عَلَى أَنَّ هَذَا الْفِعْلَ لَيْسَ بِمُرَادٍ فِي الْحَدِيثِ أَيْ فَلَا يَكُونُ دَاخِلًا تَحْتَ النَّهْيِ وَإِنَّمَا كُرِهَ لِتَرْكِ الْجِلْسَةِ الْمَسْنُونَةِ فَتَكُونُ تَنْزِيهِيَّةً بِخِلَافِ النَّوْعِ الْأَوَّلِ فَهِيَ فِيهِ تَحْرِيمِيَّةٌ لِوُجُودِ النَّهْيِ وَتَرْكِ الْجِلْسَةِ الْمَسْنُونَةِ وَلَوْ أُرِيدَ بِالْإِقْعَاءِ فِي الْحَدِيثِ الْإِقْعَاءُ عِنْدَ الْكَرْخِيِّ كَانَ هُوَ الْمَكْرُوهُ تَحْرِيمًا لِوُجُودِ الْأَمْرَيْنِ السَّابِقَيْنِ وَكَانَ الْأَوَّلُ مَكْرُوهًا تَنْزِيهًا لِعَدَمِ النَّهْيِ وَبُعْدُ هَذَا فِيهِ بَحْثٌ أَيْضًا لِأَنَّ عَقِبَ الشَّيْطَانِ هُوَ الْإِقْعَاءُ عَلَى تَفْسِيرِ الْكَرْخِيِّ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ عَنْ الْمُغْرِبِ فَقَدْ وُجِدَ فِي الْإِقْعَاءِ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ كُلٌّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ أَيْضًا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 24 «وَكَانَ يَعْنِي النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْهَى أَنْ يَفْتَرِشَ الرَّجُلُ ذِرَاعَيْهِ افْتِرَاشَ السَّبُعِ» وَافْتِرَاشُهُمَا إلْقَاؤُهُمَا عَلَى الْأَرْضِ كَمَا فِي الْمُغْرِبِ قِيلَ وَإِنَّمَا نَهَى عَنْ ذَلِكَ لِأَنَّهَا صِفَةُ الْكَسْلَانِ وَالتَّهَاوُنِ بِحَالِهِ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ التَّشَبُّهِ بِالسِّبَاعِ وَالْكِلَابِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا تَحْرِيمِيَّةٌ لِلنَّهْيِ الْمَذْكُورِ مِنْ غَيْرِ صَارِفٍ (قَوْلُهُ وَرَدُّ السَّلَامِ بِيَدِهِ) أَيْ بِالْإِشَارَةِ وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ فِي بَيَانِ الْمُفْسِدَاتِ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ وَالتَّرَبُّعُ بِلَا عُذْرٍ) لِأَنَّ فِيهِ تَرْكَ سُنَّةِ الْقُعُودِ فِي الصَّلَاةِ كَذَا عَلَّلَ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا وَمَا قِيلَ فِي وَجْهِ الْكَرَاهَةِ أَنَّهُ جُلُوسُ الْجَبَابِرَةِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ جُلُّ قُعُودِهِ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ مَعَ أَصْحَابِهِ التَّرَبُّعَ وَكَذَا عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَذَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ وَتَعْلِيلُهُمْ بِأَنَّ فِيهِ تَرْكَ السُّنَّةِ يُفِيدُ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ تَنْزِيهًا إذْ لَيْسَ فِيهِ نَهْيٌ خَاصٌّ لِيَكُونَ فِيهِ تَحْرِيمًا وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِ بِلَا عُذْرٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ مَعَ الْعُذْرِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ يُتْرَكُ مَعَ الْعُذْرِ فَالسُّنَّةُ أَوْلَى وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ كَانَ يَرَى عَبْدَ اللَّهَ بْنَ عُمَرَ يَتَرَبَّعُ فِي الصَّلَاةِ إذَا جَلَسَ فَفَعَلْتُهُ وَأَنَا يَوْمئِذٍ حَدِيثُ السِّنِّ فَنَهَانِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَقَالَ إنَّمَا سُنَّةُ الصَّلَاةِ أَنْ تَنْصِبَ رِجْلَكَ الْيُمْنَى وَتُثْنِيَ الْيُسْرَى فَقُلْت إنَّك تَفْعَلُ ذَلِكَ فَقَالَ إنَّ رِجْلِي لَا يَحْمِلَانِي وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا فِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ عَنْ عَائِشَةَ «رَأَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي مُتَرَبِّعًا» أَوْ تَعْلِيمًا لِلْجَوَازِ ثُمَّ الْجُلُوسُ مُتَرَبِّعًا مَعْرُوفٌ وَإِنَّمَا سُمِّيَ بِالتَّرَبُّعِ لِأَنَّ صَاحِبَ هَذِهِ الْجِلْسَةِ قَدْ رَبَّعَ نَفْسَهُ كَمَا يُرَبَّعُ الشَّيْءُ إذَا جُعِلَ أَرْبَعًا وَالْأَرْبَعُ هُنَا السَّاقَانِ وَالْفَخِذَانِ رَبَّعَهَا بِمَعْنَى أَدْخَلَ بَعْضَهَا تَحْتَ بَعْضٍ [عَقْصُ شَعْرِ الرَّأْسِ فِي الصَّلَاةِ] (قَوْلُهُ وَعَقْصُ شَعْرِهِ) أَيْ عَقْصُ شَعْرِ الرَّأْسِ فِيهَا بِمَعْنَى أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ قَبْلَ الدُّخُولِ فِيهَا ثُمَّ يَدْخُلُ كَذَلِكَ لِمَا رَوَى أَصْحَابُ الْكُتُبِ السِّتَّةِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «أُمِرْت أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةٍ وَأَنْ لَا أَكُفَّ شَعْرًا وَلَا ثَوْبًا» وَفِي الْعَقْصِ كَفُّهُ وَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ كُرَيْبٌ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَأَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَارِثِ يُصَلِّي وَرَأْسُهُ مَعْقُوصٌ مِنْ وَرَائِهِ فَجَعَلَ يَحُلُّهُ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ مَالَكَ وَلِرَأْسِي قَالَ إنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «إنَّمَا مَثَلُ هَذَا مَثَلُ الَّذِي يُصَلِّي وَهُوَ مَكْتُوفٌ» وَلِهَذَا قَالَ الْعُلَمَاءُ حِكْمَةُ النَّهْيِ عَنْهُ أَنَّ الشَّعْرَ يَسْجُدُ مَعَهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَحْرِيمِيَّةٌ لِلنَّهْيِ الْمَذْكُورِ بِلَا صَارِفٍ وَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ أَنْ يَتَعَمَّدَهُ لِلصَّلَاةِ أَوْ لَا وَهُوَ فِي اللُّغَةِ جَمْعُ الشَّعْرِ عَلَى الرَّأْسِ وَقِيلَ لَيُّهُ وَإِدْخَالُ أَطْرَافِهِ فِي أُصُولِهِ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيهِ عَلَى أَقْوَالٍ فَقِيلَ أَنْ يَجْمَعَهُ وَسْطَ رَأْسِهِ ثُمَّ يَشُدَّهُ وَقِيلَ أَنْ يَلُفَّ ذَوَائِبَهُ حَوْلَ رَأْسِهِ كَمَا يَفْعَلُهُ النِّسَاءُ وَقِيلَ أَنْ يَجْمَعَهُ مِنْ قِبَلِ الْقَفَا وَيُمْسِكَهُ بِخَيْطٍ أَوْ خِرْقَةٍ وَكُلُّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَيُكْرَهُ الِاعْتِجَارُ وَهُوَ لَفُّ الْعِمَامَةِ حَوْلَ رَأْسِهِ وَإِبْدَاءُ الْهَامَةِ كَمَا يَفْعَلُهُ الشُّطَّارُ اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ وَيُكْرَهُ الِاعْتِجَارُ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَهَى عَنْهُ وَهُوَ أَنْ يُكَوِّرَ عِمَامَتَهُ وَيَتْرُكَ وَسَطَ رَأْسِهِ مَكْشُوفًا كَهَيْئَةِ الْأَشْرَارِ وَقِيلَ أَنْ يَتَنَقَّبَ بِعِمَامَتِهِ فَيُغَطِّيَ أَنْفَهُ كَمِعْجَرِ النِّسَاءِ إمَّا لِأَجْلِ الْحَرِّ أَوْ الْبَرْدِ أَوْ لِلتَّكَبُّرِ وَهُوَ مَكْرُوهٌ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ لَا يُغَطِّي الرَّجُلُ أَنْفَهُ وَهُوَ يُصَلِّي اهـ وَفِي الْمُغْرِبِ وَتَفْسِيرُ مَنْ قَالَ هُوَ أَنْ يَلُفَّ الْعِمَامَةَ عَلَى رَأْسِهِ وَيُبْدِيَ الْهَامَةَ أَقْرَبُ لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ مِعْجَرِ الْمَرْأَةِ وَهُوَ ثَوْبٌ كَالْعِصَابَةِ تَلُفُّهُ الْمَرْأَةُ عَلَى اسْتِدَارَةِ رَأْسِهَا اهـ. وَالْمِعْجَرُ عَلَى وَزْنِ مِنْبَرٍ وَعَلَّلَ كَرَاهَةَ الِاعْتِجَارِ الْإِمَامُ الْوَلْوَالِجِيُّ بِأَنَّهُ تَشَبُّهٌ بِأَهْلِ الْكِتَابِ قَالَ وَهُوَ مَكْرُوهٌ خَارِجَ الصَّلَاةِ فَفِيهَا أَوْلَى (قَوْلُهُ وَكَفُّ ثَوْبِهِ) لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ بَيْنَ يَدَيْهِ أَوْ مِنْ خَلْفِهِ عِنْدَ الِانْحِطَاطِ لِلسُّجُودِ وَالْكَفُّ هُوَ الضَّمُّ وَالْجَمْعُ وَلِأَنَّ فِيهِ تَرْكَ سُنَّةِ الْيَدِ وَذَكَرَ فِي الْمُغْرِبِ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ الِائْتِزَارَ فَوْقَ الْقَمِيصِ مِنْ الْكَفِّ اهـ. فَعَلَى هَذَا يُكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ مَشْدُودَ الْوَسَطِ فَوْقَ الْقَمِيصِ وَنَحْوِهِ أَيْضًا وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي الْعَتَّابِيَّةِ مُعَلِّلًا بِأَنَّهُ صَنِيعُ   [منحة الخالق] لِأَنَّ عُقْبَةَ الشَّيْطَانِ مَنْهِيٌّ عَنْهَا أَيْضًا كَمَا مَرَّ فَيَكُونُ الْإِقْعَاءُ عَلَى تَفْسِيرِ الْكَرْخِيِّ مَكْرُوهًا تَحْرِيمًا سَوَاءٌ كَانَ هُوَ الْمُرَادُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَة أَوْ لَا إلَّا أَنْ يُوجَدَ صَارِفٌ لِلنَّهْيِ عَنْ التَّحْرِيمِ إلَى النَّدْبِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 25 أَهْلِ الْكِتَابِ لَكِنْ فِي الْخُلَاصَةِ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ كَذَا فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَيَدْخُلُ أَيْضًا فِي كَفِّ الثَّوْبِ تَشْمِيرُ كُمَّيْهِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَظَاهِرُهُ الْإِطْلَاقُ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَمُنْيَةِ الْمُصَلِّي قَيَّدَ الْكَرَاهَةَ بِأَنْ يَكُونَ رَافِعًا كُمَّيْهِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ إذَا كَانَ يَرْفَعهُمَا إلَى مَا دُونَهُمَا وَالظَّاهِرُ الْإِطْلَاقُ لِصِدْقِ كَفِّ الثَّوْبِ عَلَى الْكُلِّ وَذَكَرَ فِي الْمُجْتَبَى فِي كَرَاهَةِ تَشْمِيرِ الْكُمَّيْنِ قَوْلَيْنِ وَذَكَرَ فِي الْقُنْيَةِ أَنَّ الْقَوْلَ بِإِمْسَاكِ الْكُمَّيْنِ أَحْوَطُ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ وَفِي مَذْهَبِ مَالِكٍ تَفْصِيلٌ قَدْ كُنْت رَأَيْته لِأَئِمَّتِنَا فِي بَعْضِ الْفَتَاوَى وَلَمْ يَحْضُرْنِي تَعْيِينُهَا الْآنَ وَهُوَ أَنَّهُ يُكْرَهُ إنْ كَانَ لِلصَّلَاةِ لَا إذَا كَانَ لِأَجْلِ شُغْلٍ ثُمَّ حَضَرَتْهُ الصَّلَاةُ فَصَلَّى وَهُوَ عَلَى تِلْكَ الْهَيْئَةِ، وَمِنْ كَفِّ الثَّوْبِ رَفْعُهُ كَيْ لَا يَتَتَرَّبَ كَمَا فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَقِيلَ لَا بَأْسَ بِصَوْنِهِ عَنْ التُّرَابِ كَمَا فِي الْمُجْتَبَى (قَوْلُهُ وَسَدْلُهُ) لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْهُ كَمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ يُقَالُ سَدَلَ الثَّوْبَ سَدْلًا مِنْ بَابِ طَلَبَ إذَا أَرْسَلَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَضُمَّ جَانِبَهُ وَقِيلَ هُوَ أَنْ يُلْقِيَهُ عَلَى رَأْسِهِ وَيُرْخِيَهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ وَأَسْدَلَ خَطَأٌ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَذَكَرَ فِي الْبَدَائِعِ أَنَّ الْكَرْخِيَّ فَسَّرَهُ بِأَنْ يَجْعَلَ ثَوْبَهُ عَلَى رَأْسِهِ أَوْ عَلَى كَتِفَيْهِ وَيُرْسِلَ أَطْرَافَهُ مِنْ جَوَانِبِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ سَرَاوِيلُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُكْرَهُ السَّدْلُ عَلَى الْقَمِيصِ وَعَلَى الْإِزَارِ وَقَالَ لِأَنَّهُ صَنِيعُ أَهْلِ الْكِتَابِ فَإِنْ كَانَ السَّدْلُ بِدُونِ السَّرَاوِيلِ فَكَرَاهَتُهُ لِاحْتِمَالِ كَشْفِ الْعَوْرَةِ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَإِنْ كَانَ مَعَ الْإِزَارِ فَكَرَاهَتُهُ لِأَجْلِ التَّشَبُّهِ بِأَهْلِ الْكِتَابِ فَهُوَ مَكْرُوهٌ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ لِلْخُيَلَاءِ أَوْ لِغَيْرِهِ لِلنَّهْيِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ اهـ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ السَّدْلَ يَصْدُقُ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمِنْدِيلُ مُرْسَلًا مِنْ كَتِفَيْهِ كَمَا يَعْتَادُهُ كَثِيرٌ فَيَنْبَغِي لِمَنْ عَلَى عُنُقِهِ مِنْدِيلٌ أَنْ يَضَعَهُ عِنْدَ الصَّلَاةِ وَيَصْدُقُ أَيْضًا عَلَى لُبْسِ الْقَبَاءِ مِنْ غَيْرِ إدْخَالِ الْيَدَيْنِ فِي كُمَّيْهِ وَقَدْ صَرَّحَ بِالْكَرَاهَةِ فِيهِ اهـ. وَكَذَا صَرَّحَ فِي النِّهَايَةِ بِإِدْخَالِ الْقَبَاءِ الْمَذْكُورِ فِي السَّدْلِ وَعَزَاهُ إلَى مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَالْخُلَاصَةِ لَكِنْ الَّذِي فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى الْمُصَلِّي إذَا كَانَ لَابِسًا شَقَّةً أَوْ فَرْجِيَّةً وَلَمْ يُدْخِلْ يَدَيْهِ اخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي الْكَرَاهَةِ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ اهـ. وَظَاهِرُ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ الشَّدَّ الَّذِي يُعْتَادُ وَضْعُهُ عَلَى الْكَتِفَيْنِ إذَا أَرْسَلَ طَرَفًا عَلَى صَدْرِهِ وَطَرَفًا عَلَى ظَهْرِهِ لَا يَخْرُجُ عَنْ الْكَرَاهَةِ فَإِنَّهُ عَيْنُ الْوَضْعِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الثَّوْبُ مَحْفُوظًا مِنْ الْوُقُوعِ أَوْ لَا فَعَلَى هَذَا يُكْرَهُ فِي الطَّيْلَسَانِ الَّذِي يُجْعَلُ عَلَى الرَّأْسِ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ وَصَرَّحَ الْعَلَّامَةُ الْحَلَبِيُّ بِأَنَّ مَحَلَّ كَرَاهَةِ السَّدْلِ عِنْدَ عَدَمِ الْعُذْرِ وَأَمَّا عِنْدَ الْعُذْرِ فَلَا كَرَاهَةَ وَأَنَّهُ إنْ كَانَ لِلتَّكْبِيرِ فَهُوَ مَكْرُوهٌ مُطْلَقًا وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي كَرَاهَةِ السَّدْلِ خَارِجَ الصَّلَاةِ كَمَا فِي الدِّرَايَةِ وَصَحَّحَ فِي الْقُنْيَةِ مِنْ بَابِ الْكَرَاهِيَةِ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ وَمِنْ الْمَكْرُوهِ اشْتِمَالُ الصَّمَّاءِ لِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا كَانَ لِأَحَدِكُمْ ثَوْبَانِ فَلْيُصَلِّ فِيهِمَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَّا ثَوْبٌ فَلْيَتَّزِرْ بِهِ وَلَا يَشْتَمِلْ اشْتِمَالَ الْيَهُودِ» اهـ. وَاشْتِمَالُ الْيَهُودِ هُوَ الصَّمَّاءُ وَهُوَ إدَارَةُ الثَّوْبِ عَلَى الْجَسَدِ مِنْ غَيْرِ إخْرَاجِ الْيَدِ سُمِّيَ بِهَا لِعَدَمِ مَنْفَذٍ يُخْرِجُ يَدَهُ مِنْهَا كَالصَّخْرَةِ الصَّمَّاءِ وَفَسَّرَهَا فِي الْمُحِيطِ بِأَنْ يَجْمَعَ طَرَفَيْ ثَوْبِهِ وَيُخْرِجَهُمَا تَحْتَ إحْدَى يَدَيْهِ عَلَى أَحَدِ كَتِفَيْهِ اهـ. وَقَيَّدَهُ فِي الْبَدَائِعِ بِأَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهِ سَرَاوِيلُ وَإِنَّمَا كُرِهَ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ انْكِشَافُ الْعَوْرَةِ وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَصَّلَ بَيْنَ الِاضْطِبَاعِ وَلُبْسَةِ الصَّمَّاءِ فَقَالَ إنَّمَا تُكْرَهُ الصَّمَّاءُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إزَارٌ فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ إزَارٌ فَهُوَ اضْطِبَاعٌ لِأَنَّهُ يُدْخِلُ طَرَفَيْ ثَوْبِهِ تَحْتَ إحْدَى ضَبْعَيْهِ وَهُوَ مَكْرُوهٌ لِأَنَّهُ لُبْسُ أَهْلِ الْكِبْرِ اهـ. وَفِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا لَا بَأْسَ أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ مُتَوَشِّحًا بِهِ جَمِيعَ بَدَنِهِ وَيَؤُمَّ كَذَلِكَ   [منحة الخالق] [افْتِرَاشُ ذِرَاعَيْهِ فِي الصَّلَاةِ] (قَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ الْإِطْلَاقُ) فِيهِ نَظَرٌ إنْ يَكُنْ سَنَدُهُ مَا ذَكَرَهُ عَنْ فَتْحِ الْقَدِيرِ لِأَنَّ الْكَمَالَ وَإِنْ أَطْلَقَ هُنَا قَدْ قَيَّدَ كَلَامَهُ فِيمَا بَعْدُ عِنْدَ اسْتِطْرَادِ فُرُوعٍ ذَكَرَهَا فَقَالَ وَتُكْرَهُ الصَّلَاةُ أَيْضًا مَعَ تَشْمِيرِ الْكُمِّ عَنْ السَّاعِدِ فَلَا مُخَالَفَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْخُلَاصَةِ وَالْمُنْيَةِ كَذَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَفِي مَذْهَبِ مَالِكٍ تَفْصِيلٌ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ الْمَذْكُورُ فِي الْقُنْيَةِ أَنَّهُ لَوْ شَمَّرَ كُمَّيْهِ لِعَمَلٍ كَانَ يَعْمَلُهُ قَبْلَ الصَّلَاةِ اخْتَلَفُوا فِي الْكَرَاهَةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي الْكَرَاهَةِ فِيمَا لَوْ شَمَّرَ لَهَا اهـ. وَعِبَارَةُ الْقُنْيَةِ وَاخْتُلِفَ فِيمَنْ صَلَّى وَقَدْ شَمَّرَ كُمَّيْهِ لِعَمَلٍ كَانَ يَعْمَلُهُ قَبْلَ الصَّلَاةِ أَوْ هَيْئَتُهُ ذَلِكَ وَفِيهَا أَيْضًا عَنْ نَجْمِ الْأَئِمَّةِ وَكَانَ يُرْسِلُ كُمَّيْهِ فِي الصَّلَاةِ وَيَقُولُ لِأَنَّ فِي إمْسَاكِهِمَا كَفُّ الثَّوْبِ وَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ ثُمَّ رَمَزَ إلَى مَجْدِ الْأَئِمَّةِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُمْ كَانُوا يُمْسِكُونَ ذَلِكَ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَهُوَ الْأَحْوَطُ اهـ. (قَوْلُهُ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَمِثْلُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَاخْتَارَ قَاضِي خَانْ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ يُكْرَهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَذَا ذَكَرَهُ الْحَلَبِيُّ فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي (قَوْلُهُ وَصَحَّحَ فِي الْقُنْيَةِ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَيْ تَحْرِيمًا وَإِلَّا فَمُقْتَضَى مَا مَرَّ أَنَّهُ يُكْرَهُ تَنْزِيهًا. اهـ. وَمَا مَرَّ هُوَ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ صَنِيعُ أَهْلِ الْكِتَابِ قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ وَفِيهِ بَحْثٌ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ تَخْصِيصَ أَهْلِ الْكِتَابِ بِفِعْلِهِ مُعْتَبَرٌ فِيهِ كَوْنُهُ فِي الصَّلَاةِ فَلَا يَظْهَرُ التَّشَبُّهُ وَكَرَاهَتُهُ خَارِجَهَا فَلْيُتَأَمَّلْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 26 وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ قَمِيصٍ وَإِزَارٍ وَعِمَامَةٍ أَمَّا لَوْ صَلَّى فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ مُتَوَشِّحًا بِهِ جَمِيعَ بَدَنِهِ كَإِزَارِ الْمَيِّتِ تَجُوزُ صَلَاتُهُ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ وَتَفْسِيرُهُ مَا يَجْعَلُهُ الْقَصَّارُ فِي الْمُقَصَّرَةِ، وَإِنْ صَلَّى فِي إزَارٍ وَاحِدٍ يَجُوزُ وَيُكْرَهُ وَكَذَا فِي السَّرَاوِيلِ فَقَطْ لِغَيْرِ عُذْرٍ وَكَذَا مَكْشُوفُ الرَّأْسِ لِلتَّهَاوُنِ وَالتَّكَاسُلِ لَا لِلْخُشُوعِ وَفَسَّرَ فِي الذَّخِيرَةِ التَّوْشِيحَ أَنْ يَكُونَ الثَّوْبُ طَوِيلًا يَتَوَشَّحُ بِهِ فَيَجْعَلُ بَعْضَهُ عَلَى رَأْسِهِ وَبَعْضَهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ وَعَلَى كُلِّ مَوْضِعٍ مِنْ بَدَنِهِ وَذَكَرَ فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي أَنَّ سَتْرَ الْمَنْكِبَيْنِ فِي الصَّلَاةِ مُسْتَحَبٌّ يُكْرَهُ تَرْكُهُ تَنْزِيهًا عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَفَسَّرَهُ فِي الْمُغْرِبِ بِأَنْ يُدْخِلَهُ تَحْتَ يَدِهِ الْيُمْنَى وَيُلْقِيَهُ عَلَى مَنْكِبِهِ الْأَيْسَرِ كَمَا يَفْعَلُهُ الْمُحْرِمُ اهـ. وَفَسَّرَهُ ابْنُ السِّكِّيتِ بِأَنْ يَأْخُذَ طَرَفَ الثَّوْبِ الَّذِي أَلْقَاهُ عَلَى مَنْكِبِهِ الْأَيْمَنِ مِنْ تَحْتِ يَدِهِ الْيُسْرَى وَيَأْخُذَ طَرَفَهُ الَّذِي أَلْقَاهُ عَلَى الْأَيْسَرِ مِنْ تَحْتِ يَدِهِ الْيُمْنَى ثُمَّ يَعْقِدَهُمَا عَلَى صَدْرِهِ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّهُ «رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ فِي بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ قَدْ أَلْقَى طَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقِهِ وَفِي لَفْظٍ مُشْتَمِلًا بِهِ وَاضِعًا طَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقَيْهِ وَفِي لَفْظٍ مُخَالِفًا بَيْنَ طَرَفَيْهِ وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ مُتَوَشِّحًا بِهِ» وَالْأَلْفَاظُ كُلُّهَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ كَمَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَمِنْ الْمَكْرُوهِ التَّلَثُّمُ وَتَغْطِيَةُ الْأَنْفِ وَالْوَجْهِ فِي الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ فِعْلَ الْمَجُوسِ حَالَ عِبَادَتِهِمْ النِّيرَانَ كَذَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ لَكِنَّ التَّلَثُّمَ هُوَ تَغْطِيَةُ الْأَنْفِ وَالْوَجْهِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَلَوْ سَتَرَ قَدَمَيْهِ فِي السَّجْدَةِ يُكْرَهُ (قَوْلُهُ وَالتَّثَاؤُبُ) وَهُوَ التَّنَفُّسُ الَّذِي يَنْفَتِحُ مِنْهُ الْفَمُ لِدَفْعِ الْبُخَارَاتِ وَهُوَ يَنْشَأُ مِنْ امْتِلَاءِ الْمَعِدَةِ وَثِقَلِ الْبَدَنِ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «التَّثَاؤُبُ مِنْ الشَّيْطَانِ فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَكْظِمْ مَا اسْتَطَاعَ» وَالْأَدَبُ أَنْ يَكْظِمَهُ مَا اسْتَطَاعَ أَيْ يَرُدَّهُ وَيَحْبِسَهُ لِمَا رَوَيْنَا فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فَلْيَضَعْ يَدَهُ أَوْ كُمَّهُ عَلَى فِيهِ وَوَضْعُ الْيَدِ ثَابِتٌ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَوَضْعُ الْكُمِّ قِيَاسٌ عَلَيْهِ وَصَرَّحَ فِي الْخُلَاصَةِ بِأَنَّهُ إنْ أَمْكَنَهُ عِنْدَ التَّثَاؤُبِ أَنْ يَأْخُذَ شَفَتَيْهِ بِسِنِّهِ فَلَمْ يَفْعَلْ وَغَطَّى فَاهُ بِيَدِهِ أَوْ بِثَوْبِهِ يُكْرَهُ كَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ. وَوَجْهُهُ أَنَّ تَغْطِيَةَ الْفَمِ مَنْهِيٌّ عَنْهَا فِي الصَّلَاةِ لِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَإِنَّمَا أُبِيحَتْ لِلضَّرُورَةِ وَلَا ضَرُورَةَ إذَا أَمْكَنَهُ الدَّفْعُ ثُمَّ إذَا وَضَعَ يَدَهُ عَلَى فِيهِ يَضَعُ ظَهْرَ يَدِهِ كَذَا فِي مُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ قَالَ الْعَلَّامَةُ الْحَلَبِيُّ وَهَلْ يَفْعَلُ ذَلِكَ بِيَدِهِ الْيُمْنَى أَوْ الْيُسْرَى لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ مَسْطُورًا لِمَشَايِخِنَا اهـ. وَهُوَ عَجِيبٌ مَعَ كَثْرَةِ مُطَالَعَتِهِ لِلْمُجْتَبَى وَنَقْلِهِ عَنْهُ وَقَدْ صَرَّحَ بِأَنَّهُ يُغَطِّي فَاهُ بِيَمِينِهِ وَقِيلَ بِيَمِينِهِ فِي الْقِيَامِ وَفِي غَيْرِهِ بِيَسَارِهِ اهـ. وَمِنْ الْمَكْرُوهِ التَّمَطِّي لِأَنَّهُ مِنْ التَّكَاسُلِ (قَوْلُهُ وَتَغْمِيضُ عَيْنَيْهِ) لِمَا رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ فَلَا يُغْمِضْ عَيْنَيْهِ» إلَّا أَنَّ فِي سَنَدِهِ مَنْ ضُعِّفَ وَالْكَرَاهَةُ مَرْوِيَّةٌ عَنْ مُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ وَعَلَّلَهُ فِي الْبَدَائِعِ بِأَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يَرْمِيَ بَصَرَهُ إلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ وَفِي التَّغْمِيضِ تَرْكُ هَذِهِ السُّنَّةِ وَلِأَنَّ كُلَّ عُضْوٍ وَطَرَفٍ ذُو حَظٍّ مِنْ هَذِهِ الْعِبَادَةِ فَكَذَا الْعَيْنُ اهـ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يُغْمِضُ فِي السُّجُودِ وَقَدْ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الصُّوفِيَّةِ نَفَّعَنَا اللَّهُ بِهِمْ يَفْتَحُ عَيْنَيْهِ فِي السُّجُودِ لِأَنَّهُمَا يَسْجُدَانِ وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْكَرَاهَةُ تَنْزِيهِيَّةً إذَا كَانَ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ وَلَا مَصْلَحَةٍ أَمَّا لَوْ خَافَ فَوَاتَ خُشُوعٍ بِسَبَبِ رُؤْيَةِ مَا يُفَرِّقُ الْخَاطِرَ فَلَا يُكْرَهُ غَمْضُهُمَا بِسَبَبِ ذَلِكَ بَلْ رُبَّمَا يَكُونُ أَوْلَى لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لِكَمَالِ الْخُشُوعِ (قَوْلُهُ وَقِيَامُ الْإِمَامِ لَا سُجُودُهُ فِي الطَّاقِ) أَيْ الْمِحْرَابِ لِأَنَّ قِيَامَهُ فِيهِ يُشْبِهُ صَنِيعَ أَهْلِ الْكِتَابِ بِخِلَافِ سُجُودِهِ فِيهِ وَقِيَامِهِ خَارِجَهُ هَكَذَا عَلَّلَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَهُوَ أَحَدُ الطَّرِيقَيْنِ لِلْمَشَايِخِ وَأَصْلُهُ أَنَّ مُحَمَّدًا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَفَسَّرَهُ فِي الْمُغْرِبِ) أَيْ فَسَّرَ التَّوَشُّحَ (قَوْلُهُ لَكِنْ التَّلَثُّمُ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى الشَّارِحِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ التَّلَثُّمَ يُغْنِي عَنْ قَوْلِهِ وَتَغْطِيَةُ الْأَنْفِ وَالْوَجْهِ (قَوْلُهُ وَلَوْ سَتَرَ قَدَمَيْهِ فِي السَّجْدَةِ يُكْرَهُ) قَالَ الشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ الْحَلَبِيُّ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَلَعَلَّ مُرَادَهُمْ قَصْدُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ فِعْلٌ زَائِدٌ لَا فَائِدَةَ فِيهِ أَمَّا لَوْ وَقَعَ بِغَيْرِ قَصْدٍ فَلَا وَجْهَ لِكَرَاهَتِهِ بَلْ يُكْرَهُ تَكَلُّفُ الْكَشْفِ لِأَنَّهُ اشْتِغَالٌ بِمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَالتَّثَاؤُبُ) بِالْهَمْزِ كَمَا فِي الصِّحَاحِ وَفِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ يُكْرَهُ وَلَوْ خَارِجَهَا ذَكَرَهُ مِسْكِينٌ لِأَنَّهُ مِنْ الشَّيْطَانِ وَالْأَنْبِيَاءُ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - مَحْفُوظُونَ مِنْهُ. (فَائِدَةٌ) قَالَ فِي شَرْحِ تُحْفَةِ الْمُلُوكِ الْمُسَمَّى بِهَدِيَّةِ الصُّعْلُوكِ قَالَ الزَّاهِدِيُّ الطَّرِيقُ فِي دَفْعِ التَّثَاؤُبِ أَنْ يَخْطِرَ بِبَالِهِ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ مَا تَثَاءَبُوا قَطُّ قَالَ الْقُدُورِيُّ جَرَّبْنَاهُ مِرَارًا فَوَجَدْنَاهُ كَذَلِكَ. اهـ. (قَوْلُهُ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ) دَلِيلٌ لِلْكَرَاهَةِ (قَوْلُهُ وَهُوَ عَجِيبٌ إلَخْ) أَعْجَبُ مِنْهُ قَوْلُ النَّهْرِ وَأَفَادَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُجْتَبَى أَنَّهُ يُغَطِّي فِي الْقِيَامِ بِالْيُمْنَى وَفِي غَيْرِهِ بِالْيُسْرَى وَاَلَّذِي رَأَيْته فِيهِ أَنَّهُ يُغَطِّي بِالْيُمْنَى وَقِيلَ إنْ كَانَ فِي الْقِيَامِ وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِهِ فَبِالْيُسْرَى اهـ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي نُسْخَةِ الْبَحْرِ الَّتِي اطَّلَعَ عَلَيْهَا سَقْطٌ [تَغْمِيضُ عَيْنَيْهِ فِي الصَّلَاةِ] (قَوْلُهُ مَنْ ضُعِّفَ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ عَيْنِ ضُعِّفَ مَبْنِيًّا لِلْمَجْهُولِ (قَوْلُ الْمُصَنِّف وَقِيَامُ الْإِمَامِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّهَا كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ تَأَمَّلْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 27 صَرَّحَ بِالْكَرَاهَةِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَلَمْ يُفَصِّلْ فَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي سَبَبِهَا فَقِيلَ كَوْنُهُ يَصِيرُ مُمْتَازًا عَنْهُمْ فِي الْمَكَانِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى بَيْتٍ آخَرَ وَذَلِكَ صَنِيعُ أَهْلِ الْكِتَابِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْهِدَايَةِ وَاخْتَارَهُ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ وَقَالَ إنَّهُ الْأَوْجَهُ وَقِيلَ اشْتِبَاهُ حَالِهِ عَلَى مَنْ عَلَى يَمِينِهِ وَيَسَارِهِ فَعَلَى الطَّرِيقَةِ الْأُولَى يُكْرَهُ مُطْلَقًا وَعَلَى الثَّانِيَةِ لَا يُكْرَهُ عِنْدَ عَدَمِ الِاشْتِبَاهِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ امْتِيَازَ الْإِمَامِ مُقَرَّرٌ مَطْلُوبٌ فِي الشَّرْعِ فِي حَقِّ الْمَكَانِ حَتَّى كَانَ التَّقَدُّمُ وَاجِبًا عَلَيْهِ وَغَايَةُ مَا هُنَا كَوْنُهُ فِي خُصُوصِ مَكَان وَلَا أَثَرَ لِذَلِكَ لِأَنَّهُ يُحَاذِي وَسْطَ الصَّفِّ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ إذْ قِيَامُهُ فِي غَيْرِ مُحَاذَاتِهِ مَكْرُوهٌ وَغَايَتُهُ اتِّفَاقُ الْمِلَّتَيْنِ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ وَلَا بِدْعَ فِيهِ عَلَى أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ إنَّمَا يَخُصُّونَ الْإِمَامَ بِالْمَكَانِ الْمُرْتَفِعِ عَلَى مَا قِيلَ فَلَا تَشَبُّهَ اهـ. وَقَدْ يُقَالُ إنَّ امْتِيَازَ الْإِمَامِ الْمَطْلُوبِ فِي الشَّرْعِ حَاصِلٌ بِتَقَدُّمِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقِفَ فِي مَكَان آخَرَ فَمَتَى أَمْكَنَ تَمْيِيزُهُ مِنْ غَيْرِ تَشَبُّهٍ بِأَهْلِ الْكِتَابِ تَعَيَّنَ فَحِينَئِذٍ وُقُوفُهُ فِي الْمِحْرَابِ تَشَبُّهٌ بِأَهْلِ الْكِتَابِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ فَكُرِهَ مُطْلَقًا وَلِهَذَا قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوِيهِ وَصَاحِبُ التَّجْنِيسِ إذَا ضَاقَ الْمَسْجِدُ بِمَنْ خَلْفَ الْإِمَامِ عَلَى الْقَوْمِ لَا بَأْسَ بِأَنْ يَقُومَ الْإِمَامُ فِي الطَّاقِ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ الْأَمْرُ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَضِقْ الْمَسْجِدُ بِمَنْ خَلْفَ الْإِمَامِ لَا يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَقُومَ فِي الطَّاقِ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ تَبَايُنَ الْمَكَانَيْنِ اهـ. يَعْنِي: وَحَقِيقَةُ اخْتِلَافِ الْمَكَانِ تَمْنَعُ الْجَوَازَ فَشُبْهَةُ الِاخْتِلَافِ تُوجِبُ الْكَرَاهَةَ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ الْمِحْرَابُ مِنْ الْمَسْجِدِ كَمَا هِيَ الْعَادَةُ الْمُسْتَمِرَّةُ فَصُورَتُهُ وَهَيْئَتُهُ اقْتَضَتْ شُبْهَةَ الِاخْتِلَافِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ مُقْتَضَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَرَاهَةُ قِيَامِهِ فِي الْمِحْرَابِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ اشْتَبَهَ حَالُ الْإِمَامِ أَوْ لَا وَسَوَاءٌ كَانَ الْمِحْرَابُ مِنْ الْمَسْجِدِ أَمْ لَا وَإِنَّمَا لَمْ يُكْرَهْ سُجُودُهُ فِي الْمِحْرَابِ إذَا كَانَ قَدَمَاهُ خَارِجَهُ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْقَدَمِ فِي مَكَانِ الصَّلَاةِ حَتَّى تُشْتَرَطَ طَهَارَتُهُ رِوَايَةً وَاحِدَةً بِخِلَافِ مَكَانِ السُّجُودِ إذْ فِيهِ رِوَايَتَانِ وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ يَحْنَثُ بِوَضْعِ الْقَدَمَيْنِ وَإِنْ كَانَ بَاقِي بَدَنِهِ خَارِجَهَا وَالصَّيْدُ إذَا كَانَ رِجْلَاهُ فِي الْحَرَمِ وَرَأْسُهُ خَارِجٌ مِنْهُ فَهُوَ صَيْدُ الْحَرَمِ فَفِيهِ الْجَزَاءُ (قَوْلُهُ وَانْفِرَادُ الْإِمَامِ عَلَى الدُّكَّانِ وَعَكْسُهُ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِحَدِيثِ الْحَاكِمِ مَرْفُوعًا «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَقُومَ الْإِمَامُ فَوْقَ وَيَبْقَى النَّاسُ خَلْفَهُ» وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّهُ تَشَبُّهٌ بِأَهْلِ الْكِتَابِ فَإِنَّهُمْ يَتَّخِذُونَ لِإِمَامِهِمْ دُكَّانًا أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الدُّكَّانُ قَدْرَ قَامَةِ الرَّجُلِ أَوْ دُونَ ذَلِكَ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَصَحَّحَهُ فِي الْبَدَائِعِ لِإِطْلَاقِ النَّهْيِ وَقَيَّدَهُ الطَّحَاوِيُّ بِقَدْرِ الْقَامَةِ وَنَفَى الْكَرَاهَةَ فِيمَا دُونَهُ وَقَالَ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إنَّهُ مُقَدَّرٌ بِذِرَاعٍ اعْتِبَارًا بِالسُّتْرَةِ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ لَكِنْ قَالَ الْأَوْجَهُ الْإِطْلَاقُ وَهُوَ مَا يَقَعُ بِهِ الِامْتِيَازُ لِأَنَّ الْمُوجِبَ وَهُوَ شَبَهُ الِازْدِرَاءِ يَتَحَقَّقُ فِيهِ غَيْرَ مُقْتَصِرٍ عَلَى قَدْرِ الذِّرَاعِ اهـ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّصْحِيحَ قَدْ اخْتَلَفَ وَالْأَوْلَى الْعَمَلُ بِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ وَأَمَّا عَكْسُهُ وَهُوَ انْفِرَادُ الْقَوْمِ عَلَى الدُّكَّانِ بِأَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ أَسْفَلَ فَهُوَ مَكْرُوهٌ أَيْضًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ لِأَنَّ الْمُوجِبَ لِلْكَرَاهَةِ التَّشَبُّهُ بِأَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا تَشَبُّهَ هُنَاكَ لِأَنَّ مَكَانَ إمَامِهِمْ لَا يَكُونُ أَسْفَلَ وَجَوَابُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَقْرَبُ إلَى الصَّوَابِ لِأَنَّ كَرَاهَةَ كَوْنِ الْمَكَانِ أَرْفَعَ كَانَ مَعْلُولًا بِعِلَّتَيْنِ التَّشَبُّهُ بِأَهْلِ الْكِتَابِ وَوُجُودُ بَعْضِ الْمُفْسِدِ وَهُوَ اخْتِلَافُ الْمَكَانِ وَهَاهُنَا وُجِدَتْ إحْدَى الْعِلَّتَيْنِ وَهِيَ وُجُودُ بَعْضِ الْمُخَالَفَةِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ عَلَّلَ الْكَرَاهَةَ فِي الثَّانِيَةِ بِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ شَبَهِ الِازْدِرَاءِ بِالْإِمَامِ وَلَعَلَّهُ أَوْلَى وَعَلَى مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ مِنْ عَدَمِ الْكَرَاهَةِ مَشَى قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ وَعَزَاهُ إلَى النَّوَادِرِ وَقَالَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَقَدْ يُقَالُ إلَخْ) ذَكَرَ نَحْوَهُ الشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ الْحَلَبِيُّ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ لَكِنْ جَنَحَ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ الْحَلَبِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُنْيَةِ إلَى تَأْيِيدِ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ حَيْثُ قَالَ قُلْت وَيُؤَيِّدُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ قَاضِي خَانْ أَنَّ التَّشَبُّهَ بِأَهْلِ الْكِتَابِ لَا يُكْرَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَخْ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ الْمَذْمُومِ فِي شَيْءٍ وَكَوْنُهُ يُشْبِهُ اخْتِلَافَ الْمَكَانَيْنِ وَحَقِيقَةُ الِاخْتِلَافِ تَمْنَعُ الْجَوَازَ فَشُبْهَةُ الِاخْتِلَافِ تُوجِبُ الْكَرَاهَةَ يُعَارَضُ بِمَا لَوْ تَقَدَّمَ فِي بَعْضِ بِقَاعِ الْمَسْجِدِ عَلَى الْقَوْمِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَدْخُلَ الْمِحْرَابَ وَلَا قَائِلَ بِالْكَرَاهِيَةِ فِيهِ فَكَذَا هُنَا اهـ. قُلْت: يُجَابُ عَنْ الْمُعَارَضَةِ الْمَذْكُورَةِ بِمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ مِنْ أَنَّ الْمِحْرَابَ وَإِنْ كَانَ مِنْ الْمَسْجِدِ لَكِنْ صُورَتُهُ وَهَيْئَتُهُ تَقْتَضِي شُبْهَةَ اخْتِلَافِ الْمَكَانِ لِأَنَّهُ لَيْسَ كَبَقِيَّةِ بِقَاعِ الْمَسْجِدِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُصَلِّي فِيهِ بِخُصُوصِهِ كُلُّ أَحَدٍ وَإِنَّمَا جُعِلَ عَلَامَةً لِمَكَانِ وُقُوفِ الْإِمَامِ وَأَنْ يَكُونَ سُجُودُهُ فِيهِ لَا قِيَامُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُبْنَ لَأَنْ يَقُومَ الْإِمَامُ فِي دَاخِلِهِ وَلَا لَأَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ النَّاسُ وَإِنَّمَا هُوَ عَلَامَةٌ كَمَا قُلْنَا فَأَشْبَهَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ مَكَانِ آخَرَ بِخِلَافِ بَقِيَّةِ بِقَاعِ الْمَسْجِدِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَعَلَّلُوهُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ هَذَا التَّعْلِيلُ يَقْتَضِي أَنَّهَا تَنْزِيهِيَّةٌ وَالْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ يَقْتَضِي أَنَّهَا تَحْرِيمِيَّةٌ إلَّا أَنْ يُوجَدَ صَارِفٌ تَأَمَّلْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 28 وَعَلَيْهِ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ اهـ وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَ عَدَمِ الْعُذْرِ أَمَّا عِنْدَ الْعُذْرِ كَمَا فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ فَإِنَّ الْقَوْمَ يَقُومُونَ عَلَى الرُّفُوفِ وَالْإِمَامَ عَلَى الْأَرْضِ وَلَمْ يُكْرَهْ ذَلِكَ لِضِيقِ الْمَكَانِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَذَكَرَ فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَهَلْ يَدْخُلُ فِي الْحَاجَةِ فِي حَقِّ الْإِمَامِ إرَادَةُ تَعْلِيمِ الْمَأْمُومِينَ أَعْمَالَ الصَّلَاةِ وَفِي حَقِّ الْمَأْمُومِينَ إرَادَةُ تَبْلِيغِ انْتِقَالَاتِ الْإِمَامِ عِنْدَ اتِّسَاعِ الْمَكَانِ وَكَثْرَةِ الْمُصَلِّينَ فَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ نَعَمْ قِيلَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ. قَيَّدَ بِالِانْفِرَادِ لِأَنَّهُ لَوْ قَامَ بَعْضُ الْقَوْمِ مَعَ الْإِمَامِ قِيلَ يُكْرَهُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ وَبِهِ جَرَتْ الْعَادَةُ فِي جَوَامِعِ الْمُسْلِمِينَ فِي أَغْلَبِ الْأَمْصَارِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَذَكَرَ فِي الْبَدَائِعِ أَنَّ مَنْ اعْتَبَرَ مَعْنَى التَّشَبُّهِ قَالَ لَا يُكْرَهُ وَهُوَ قِيَاسُ رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ لِزَوَالِ مَعْنَى التَّشَبُّهِ لِأَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ لَا يُشَارِكُونَ الْإِمَامَ فِي الْمَكَانِ وَمَنْ اعْتَبَرَ وُجُودَ بَعْضِ الْمُفْسِدِ قَالَ يُكْرَهُ وَهُوَ قِيَاسُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِوُجُودِ بَعْضِ الْمُخَالَفَةِ فِي الْمَكَانِ اهـ وَفِيهِ نَظَرٌ لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ وَلُبْسُ ثَوْبٍ فِيهِ تَصَاوِيرُ) لِأَنَّهُ يُشْبِهُ حَامِلَ الصَّنَمِ فَيُكْرَهُ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَتُكْرَهُ التَّصَاوِيرُ عَلَى الثَّوْبِ صَلَّى فِيهِ أَوْ لَمْ يُصَلِّ اهـ. وَهَذِهِ الْكَرَاهَةُ تَحْرِيمِيَّةٌ وَظَاهِرُ كَلَامِ النَّوَوِيِّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ الْإِجْمَاعُ عَلَى تَحْرِيمِ تَصْوِيرِهِ صُورَةَ الْحَيَوَانِ وَأَنَّهُ قَالَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ تَصْوِيرُ صُوَرِ الْحَيَوَانِ حَرَامٌ شَدِيدُ التَّحْرِيمِ وَهُوَ مِنْ الْكَبَائِرِ لِأَنَّهُ مُتَوَعَّدٌ عَلَيْهِ بِهَذَا الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ الْمَذْكُورِ فِي الْأَحَادِيثِ يَعْنِي مِثْلَ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْمُصَوِّرُونَ يُقَالُ لَهُمْ أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ» ثُمَّ قَالَ وَسَوَاءٌ صَنَعَهُ لِمَا يُمْتَهَنُ أَوْ لِغَيْرِهِ فَصَنْعَتُهُ حَرَامٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ لِأَنَّ فِيهِ مُضَاهَاةً لِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى وَسَوَاءٌ كَانَ فِي ثَوْبٍ أَوْ بِسَاطٍ أَوْ دِرْهَمٍ وَدِينَارٍ وَفَلْسٍ وَإِنَاءٍ وَحَائِطٍ وَغَيْرِهَا اهـ. فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حَرَامًا لَا مَكْرُوهًا إنْ ثَبَتَ الْإِجْمَاعُ أَوْ قَطْعِيَّةُ الدَّلِيلِ لِتَوَاتُرِهِ قَيَّدَ بِالثَّوْبِ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ فِي يَدِهِ وَهُوَ يُصَلِّي لَا تُكْرَهُ لِأَنَّهُ مَسْتُورٌ بِثِيَابِهِ كَذَا لَوْ كَانَ عَلَى خَاتَمِهِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَفِي الْمُحِيطِ رَجُلٌ فِي يَدَيْهِ تَصَاوِيرُ وَهُوَ يَؤُمُّ النَّاسَ لَا تُكْرَهُ إمَامَتُهُ لِأَنَّهَا مَسْتُورَةٌ بِالثِّيَابِ فَصَارَ كَصُورَةٍ فِي نَقْشِ خَاتَمٍ وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَبِينٍ اهـ. وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّ الْمُسْتَبِينَ فِي الْخَاتَمِ تُكْرَهُ الصَّلَاةُ مَعَهُ وَيُفِيدُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ وَمَعَهُ صُرَّةٌ أَوْ كِيسٌ فِيهِ دَنَانِيرُ أَوْ دَرَاهِمُ فِيهَا صُوَرٌ صِغَارٌ لِاسْتِتَارِهَا وَيُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ فَوْقَ الثَّوْبِ الَّذِي فِيهِ صُورَةُ ثَوْبٌ سَاتِرٌ لَهُ فَإِنَّهُ لَا يُكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ لِاسْتِتَارِهَا بِالثَّوْبِ الْآخَرِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَأَنْ يَكُونَ فَوْقَ رَأْسِهِ أَوْ بَيْنَ يَدَيْهِ أَوْ بِحِذَائِهِ صُورَةٌ) لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ» وَفِي الْمُغْرِبِ الصُّورَةُ عَامٌّ فِي كُلِّ مَا يُصَوَّرُ مُشَبَّهًا بِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ ذَوَاتِ الرُّوحِ وَغَيْرِهَا وَقَوْلُهُمْ وَيُكْرَهُ التَّصَاوِيرُ الْمُرَادُ بِهَا التَّمَاثِيلُ اهـ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ الصُّورَةَ عَامٌّ وَالتَّمَاثِيلَ خَاصٌّ وَالْمُرَادُ هُنَا الْخَاصُّ فَإِنَّ غَيْرَ ذِي الرُّوحِ لَا يُكْرَهُ كَالشَّجَرِ لِمَا سَيَأْتِي وَالْمُرَادُ بِحِذَائِهِ يَمِينُهُ وَيَسَارُهُ وَلَمْ يَذْكُرْ مَا إذَا كَانَتْ خَلْفَهُ لِلِاخْتِلَافِ فَفِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ لَا يُكْرَهُ لِأَنَّهُ لَا يُشْبِهُ الْعِبَادَةَ وَصَرَّحَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِالْكَرَاهَةِ وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الْخُلَاصَةِ وَبِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ فِي مَوْضِعِ قِيَامِهِ أَوْ جُلُوسِهِ لَا يُكْرَهُ لِأَنَّهَا اسْتِهَانَةٌ بِهَا وَكَذَلِكَ عَلَى الْوِسَادَةِ إنْ كَانَتْ قَائِمَةً يُكْرَهُ لِأَنَّهُ تَعْظِيمٌ لَهَا وَإِنْ كَانَتْ مَفْرُوشَةً لَا تُكْرَهُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ قَالُوا وَأَشَدُّهَا كَرَاهَةً مَا يَكُونُ عَلَى الْقِبْلَةِ أَمَامَ الْمُصَلِّي وَاَلَّذِي يَلِيه مَا يَكُونُ فَوْقَ رَأْسِهِ وَاَلَّذِي يَلِيهِ مَا يَكُونُ عَنْ يَمِينِهِ وَيَسَارِهِ عَلَى الْحَائِطِ وَاَلَّذِي يَلِيهِ مَا يَكُونُ خَلْفَهُ عَلَى الْحَائِطِ أَوْ السِّتْرِ وَإِنَّمَا لَمْ تُكْرَهْ الصَّلَاةُ فِي بَيْتٍ فِيهِ صُورَةٌ مُهَانَةٌ عَلَى بِسَاطٍ يُوطَأُ أَوْ مَرْفَقَةٌ يُتَّكَأُ عَلَيْهَا مَعَ عُمُومِ الْحَدِيثِ مِنْ أَنَّ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَذَكَرَهُ فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي إلَخْ) . أَقُولُ: فِي الْمِعْرَاجِ مَا نَصُّهُ وَبِقَوْلِنَا قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إلَّا إذَا أَرَادَ الْإِمَامُ تَعْلِيمَ الْقَوْمِ أَفْعَالَ الصَّلَاةِ أَوْ أَرَادَ الْمَأْمُومُ تَبْلِيغَ الْقَوْمِ فَحِينَئِذٍ لَا يُكْرَهُ عِنْدَنَا. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَوْ قَامَ بَعْضُ الْقَوْمِ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبَعْضِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْقَوْمِ لَا وَاحِدٌ لِمَا فِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ فِي بَابِ الْإِمَامَةِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَامَ وَاحِدٌ بِجَنْبِ الْإِمَامِ وَخَلْفَهُ صَفٌّ كُرِهَ إجْمَاعًا (قَوْلُهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حَرَامًا) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ وَظَاهِرُ كَلَامِ النَّوَوِيِّ إلَخْ ثُمَّ الْمُتَبَادِرُ مِنْ سِيَاقِهِ كَلَامِ النَّوَوِيِّ وَالتَّفْرِيعِ عَلَيْهِ أَنَّ مُرَادَهُ الِاعْتِرَاضُ عَلَى مَا نَقَلَهُ عَنْ الْخُلَاصَةِ مِنْ قَوْلِهِ وَتُكْرَهُ التَّصَاوِيرُ عَلَى الثَّوْبِ إلَخْ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لَيْسَ مُرَادُ الْخُلَاصَةِ تَصْوِيرَ التَّصَاوِيرِ بَلْ اسْتِعْمَالُهَا أَيْ اسْتِعْمَالُ الثَّوْبِ الَّتِي هِيَ فِيهِ فَيُسَاوِي كَلَامَ الْمُصَنِّفِ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ قَوْلُ الْخُلَاصَةِ بَعْدَ عِبَارَتِهِ السَّابِقَةِ أَمَّا إذَا كَانَ فِي يَدِهِ وَهُوَ يُصَلِّي لَا يُكْرَهُ إلَى آخِرِ مَا يَأْتِي تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَيُفِيدُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ غَيْرُ خَافٍ أَنَّ عَدَمَ الْكَرَاهَةِ فِي الصِّغَارِ غَنِيٌّ عَنْ التَّعْلِيلِ بِالِاسْتِتَارِ بَلْ مُقْتَضَاهُ ثُبُوتُهَا إذَا كَانَتْ مُنْكَشِفَةً وَسَيَأْتِي أَنَّهَا لَا تُكْرَهُ الصَّلَاةُ لَكِنْ يُكْرَهُ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ جَعْلُ الصُّورَةِ فِي الْبَيْتِ لِخَبَرِ «إنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ أَوْ صُورَةٌ» الجزء: 2 ¦ الصفحة: 29 الْمَلَائِكَةَ لَا تَدْخُلُهُ وَهُوَ عِلَّةُ الْكَرَاهَةِ لِأَنَّ شَرَّ الْبِقَاعِ بُقْعَةٌ لَا تَدْخُلُهَا الْمَلَائِكَةُ لِوُجُودِ مُخَصِّصٍ وَهُوَ مَا فِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ «اسْتَأْذَنَ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ اُدْخُلْ فَقَالَ كَيْفَ أَدْخُلُ وَفِي بَيْتِكَ سِتْرٌ فِيهِ تَصَاوِيرُ فَإِنْ كُنْت لَا بُدَّ فَاعِلًا فَاقْطَعْ رُءُوسَهَا أَوْ اقْطَعْهَا وَسَائِدَ أَوْ اجْعَلْهَا بُسُطًا» وَفِي الْبُخَارِيِّ فِي كِتَابِ الْمَظَالِمِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّهَا اتَّخَذَتْ عَلَى سَهْوَةٍ لَهَا سِتْرًا فِيهِ تَمَاثِيلُ فَهَتَكَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَتْ فَاِتَّخَذْتُ مِنْهُ نِمْرِقَتَيْنِ فَكَانَتَا فِي الْبَيْتِ نَجْلِسُ عَلَيْهِمَا» زَادَ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ «وَلَقَدْ رَأَيْته مُتَّكِئًا عَلَى أَحَدِهِمَا وَفِيهِ صُورَةٌ» وَالسَّهْوَةُ كَالصُّفَّةِ تَكُونُ بَيْنَ الْبَيْتِ وَقِيلَ بَيْتٌ صَغِيرٌ كَالْخِزَانَةِ وَالنِّمْرُقَةُ بِكَسْرِ النُّونِ وِسَادَةٌ صَغِيرَةٌ وَالْوِسَادَةُ الْمِخَدَّةُ لَكِنَّهُ يَقْتَضِي عَدَمَ كَرَاهَةِ الصَّلَاةِ عَلَى بِسَاطٍ فِيهِ صُورَةٌ وَإِنْ كَانَتْ فِي مَوْضِعِ السُّجُودِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِمَانِعٍ مِنْ دُخُولِ الْمَلَائِكَةِ كَمَا أَفَادَتْهُ النُّصُوصُ الْمُخَصِّصَةُ وَإِنْ عُلِّلَ بِالتَّشَبُّهِ بِعِبَادَةِ الْأَصْنَامِ فَمَمْنُوعٌ فَإِنَّهُمْ لَا يَسْجُدُونَ عَلَيْهَا وَإِنَّمَا يَنْصِبُونَهَا وَيَتَوَجَّهُونَ إلَيْهَا إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ فِيهَا صُورَةَ التَّشَبُّهِ بِعِبَادَتِهَا حَالَ الْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ وَفِيهِ تَعْظِيمٌ لَهَا إنْ سَجَدَ عَلَيْهَا وَلِهَذَا أَطْلَقَ الْكَرَاهَةَ فِي الْأَصْلِ فِيمَا إذَا كَانَ عَلَى الْبِسَاطِ الْمُصَلَّى عَلَيْهِ صُورَةٌ لِأَنَّ الَّذِي يُصَلَّى عَلَيْهِ مُعَظَّمٌ فَوَضْعُ الصُّورَةِ فِيهِ تَعْظِيمٌ لَهَا بِخِلَافِ الْبِسَاطِ الَّذِي لَيْسَ بِمُصَلًّى وَتَقَدَّمَ عَنْ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ التَّقْيِيدُ بِمَوْضِعِ السُّجُودِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ إطْلَاقُ الْأَصْلِ عَلَيْهِ وَأَنَّهَا إذَا كَانَتْ تَحْتَ قَدَمَيْهِ لَا يُكْرَهُ اتِّفَاقًا وَفِي الْخُلَاصَةِ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُصَلِّيَ عَلَى بِسَاطٍ فِيهِ تَصَاوِيرُ لَكِنْ لَا يَسْجُدُ عَلَيْهَا ثُمَّ قَالَ ثُمَّ التِّمْثَالُ إنْ كَانَ عَلَى وِسَادَةٍ أَوْ بِسَاطٍ لَا بَأْسَ بِاسْتِعْمَالِهِمَا وَإِنْ كَانَ يُكْرَهُ اتِّخَاذُهُمَا ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا كَانَتْ الصُّورَةُ عَلَى الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ هَلْ تَمْنَعُ الْمَلَائِكَةَ مِنْ دُخُولِ الْبَيْتِ بِسَبَبِهَا فَذَهَبَ الْقَاضِي عِيَاضٌ إلَى أَنَّهُمْ لَا يَمْتَنِعُونَ وَأَنَّ الْأَحَادِيثَ مُخَصَّصَةٌ وَذَهَبَ النَّوَوِيُّ إلَى الْقَوْلِ بِالْعُمُومِ ثُمَّ الْمُرَادُ بِالْمَلَائِكَةِ الْمَذْكُورِينَ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ لَا الْحَفَظَةُ لِأَنَّهُمْ لَا يُفَارِقُونَهُ إلَّا فِي خَلْوَتِهِ بِأَهْلِهِ وَعِنْدَ الْخَلَاءِ (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ تَكُونَ صَغِيرَةً) لِأَنَّ الصِّغَارَ جِدًّا لَا تُعْبَدُ فَلَيْسَ لَهَا حُكْمُ الْوَثَنِ فَلَا تُكْرَهُ فِي الْبَيْتِ وَالْكَرَاهَةُ إنَّمَا كَانَتْ بِاعْتِبَارِ شَبَهِ الْعِبَادَةِ كَذَا قَالُوا وَقَدْ عَرَفْت مَا فِيهِ وَالْمُرَادُ بِالصَّغِيرَةِ الَّتِي لَا تَبْدُو لِلنَّاظِرِ عَلَى بُعْدٍ وَالْكَبِيرَةِ الَّتِي تَبْدُو لِلنَّاظِرِ عَلَى بُعْدٍ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَنَقَلَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّهُ كَانَ عَلَى خَاتَمِ أَبِي مُوسَى ذُبَابَتَانِ وَأَنَّهُ لَمَّا وُجِدَ خَاتَمُ دَانْيَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي عَهْدِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وُجِدَ عَلَيْهِ أَسَدٌ وَلَبُؤَةٌ بَيْنَهُمَا صَبِيٌّ يَلْحَسَانِهِ وَذَلِكَ أَنَّ بُخْتَ نَصَّرَ قِيلَ لَهُ يُولَدُ مَوْلُودٌ يَكُونُ هَلَاكُك عَلَى يَدَيْهِ فَجَعَلَ يَقْتُلُ مَنْ يُولَدُ فَلَمَّا وَلَدَتْ أُمُّ دَانْيَالَ أَلْقَتْهُ فِي غَيْضَةٍ رَجَاءَ أَنْ يَسْلَمَ فَقَيَّضَ اللَّهُ لَهُ أَسَدًا يَحْفَظُهُ وَلَبُؤَةً تُرْضِعُهُ فَنَقَشَهُ بِمَرْأًى مِنْهُ لِيَتَذَكَّرَ نِعَمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَدَفَعَهُ عُمَرُ إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَكَانَ لِابْنِ عَبَّاسٍ كَانُونٌ مَحْفُوفٌ بِصُوَرٍ صِغَارٍ اهـ. وَفِي الْخُلَاصَةِ مِنْ كِتَابِ الْكَرَاهَةِ رَجُلٌ صَلَّى وَمَعَهُ دَرَاهِمُ وَفِيهَا تَمَاثِيلُ مِلِكٍ لَا بَأْسَ بِهِ لِصِغَرِهَا. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ مَقْطُوعَ الرَّأْسِ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الْأَصْلِ أَوْ كَانَ لَهَا رَأْسٌ وَمُحِيَ وَسَوَاءٌ كَانَ الْقَطْعُ بِخَيْطٍ خِيطَ عَلَى جَمِيعِ الرَّأْسِ حَتَّى لَمْ يَبْقَ لَهَا أَثَرٌ أَوْ يَطْلِيهِ بِمِغْرَةٍ وَنَحْوِهَا أَوْ بِنَحْتِهِ أَوْ بِغَسْلِهِ وَإِنَّمَا لَمْ يُكْرَهْ لِأَنَّهَا لَا تُعْبَدُ بِدُونِ الرَّأْسِ عَادَةً وَلِمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي جِنَازَةٍ فَقَالَ أَيُّكُمْ يَنْطَلِقُ إلَى الْمَدِينَةِ فَلَا يَدَعُ بِهَا وَثَنًا إلَّا كَسَرَهُ وَلَا قَبْرًا إلَّا سَوَّاهُ وَلَا صُورَةً إلَّا لَطَّخَهَا» اهـ. وَأَمَّا قَطْعُ الرَّأْسِ عَنْ الْجَسَدِ بِخَيْطٍ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ لِوُجُودِ مُخَصِّصٍ) تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ لَمْ تُكْرَهْ (قَوْلُهُ لِأَنَّ ذَلِكَ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ يَقْتَضِي أَيْ لِأَنَّ عِلَّةَ الْكَرَاهَةِ عَدَمُ دُخُولِ الْمَلَائِكَةِ كَمَا مَرَّ وَإِذَا كَانَتْ مُهَانَةً لَا تَمْتَنِعُ الْمَلَائِكَةُ مِنْ الدُّخُولِ كَمَا أَفَادَتْهُ النُّصُوصُ الْمُخَصِّصَةُ وَإِذَا انْتَفَتْ الْعِلَّةُ ثَبَتَ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ وَقَوْلُهُ وَإِنْ عُلِّلَ بِالتَّشَبُّهِ إلَخْ دَفْعٌ لِمَا يُقَالُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لِلْكَرَاهَةِ عِلَّةٌ أُخْرَى وَهِيَ التَّشَبُّهُ فَانْتِفَاءُ تِلْكَ الْعِلَّةِ لَا يُوجِبُ ثُبُوتَ عَدَمِ الْكَرَاهَةِ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ يُكْرَهُ اتِّخَاذُهُمَا) اُنْظُرْ مَا الْمُرَادُ بِذَلِكَ بَعْدَ قَوْلِهِ لَا بَأْسَ بِاسْتِعْمَالِهِمَا وَنُظِرَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ فِي دَعْوَى الْكَرَاهَةِ لِمَا مَرَّ مِنْ الْأَحَادِيثِ وَلِمَا فِي الْهِدَايَةِ لَوْ كَانَتْ الصُّورَةُ عَلَى وِسَادَةٍ مُلْقَاةٍ أَوْ عَلَى بِسَاطٍ مَفْرُوشٍ لَا يُكْرَهُ لِأَنَّهَا تُدَاسُ وَتُوطَأُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْوِسَادَةُ مَنْصُوبَةً أَوْ كَانَتْ مَعَ السِّتْرِ لِأَنَّهُ تَعْظِيمٌ لَهَا. اهـ. قُلْت وَقَدْ يُقَالُ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ لَا بَأْسَ بِاسْتِعْمَالِهَا أَيْ بِأَنْ يَتَّكِئَ عَلَى الْوِسَادَةِ وَيَفْرِشَ الْبِسَاطَ وَقَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ يُكْرَهُ اتِّخَاذُهُمَا أَيْ اتِّخَاذُهُمَا لِزِينَةٍ وَنَحْوِهَا مِمَّا فِيهِ تَعْظِيمٌ أَوْ يُقَالُ الْمُرَادُ بِالِاتِّخَاذِ فِعْلُ التَّصْوِيرِ فِيهِمَا أَيْ أَنَّ التَّصْوِيرَ فِيهِمَا مَكْرُوهٌ دُونَ اسْتِعْمَالِهِمَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَقَدْ عَرَفْت مَا فِيهِ) أَيْ مِنْ أَنَّ الْعِلَّةَ لَيْسَتْ التَّشَبُّهَ بَلْ الْعِلَّةُ عَدَمُ دُخُولِ الْمَلَائِكَةِ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - بَيْتًا هِيَ فِيهِ (قَوْلُهُ الَّتِي لَا تَبْدُو لِلنَّاظِرِ عَلَى بُعْدٍ) لَمْ يُبَيِّنْ هُنَا حَدَّ الْبُعْدِ وَيُفَسِّرُهُ مَا فِي الْمُنْيَةِ وَشَرْحِهَا بِحَيْثُ لَا تَبْدُو لِلنَّاظِرِ إذَا كَانَ قَائِمًا وَهِيَ عَلَى الْأَرْضِ أَيْ لَا تَتَبَيَّنُ أَعْضَاؤُهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 30 مَعَ بَقَاءِ الرَّأْسِ عَلَى حَالِهِ فَلَا يَنْفِي الْكَرَاهَةَ لِأَنَّ مِنْ الطُّيُورِ مَا هُوَ مُطَوَّقٌ فَلَا يَتَحَقَّقُ الْقَطْعُ بِذَلِكَ وَلِهَذَا فَسَّرَ فِي الْهِدَايَةِ الْمَقْطُوعَ بِمَحْوِ الرَّأْسِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ قَيَّدَ بِالرَّأْسِ لِأَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِإِزَالَةِ الْحَاجِبَيْنِ أَوْ الْعَيْنَيْنِ لِأَنَّهَا تُعْبَدُ بِدُونِهَا وَكَذَا لَا اعْتِبَارَ بِقَطْعِ الْيَدَيْنِ أَوْ الرِّجْلَيْنِ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَكَذَا لَوْ مَحَى وَجْهَ الصُّورَةِ فَهُوَ كَقَطْعِ الرَّأْسِ (قَوْلُهُ أَوْ لِغَيْرِ ذِي رُوحٍ) لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَيْسَ بِتِمْثَالٍ وَلِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ إنِّي رَجُلٌ أُصَوِّرُ هَذِهِ الصُّوَرَ فَأَفْتِنِي فِيهَا فَقَالَ لَهُ اُدْنُ مِنِّي فَدَنَا ثُمَّ قَالَ لَهُ اُدْنُ مِنِّي فَدَنَا حَتَّى وَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ وَقَالَ أُنَبِّئُك بِمَا سَمِعْت مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «كُلُّ مُصَوِّرٍ فِي النَّارِ يُجْعَلُ لَهُ بِكُلِّ صُورَةٍ صَوَّرَهَا نَفْسًا فَتُعَذِّبُهُ فِي جَهَنَّمَ» قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَإِنْ كُنْت لَا بُدَّ فَاعِلًا فَاصْنَعْ الشَّجَرَ وَمَا لَا نَفْسَ لَهُ اهـ. وَلَا فَرْقَ فِي الشَّجَرِ بَيْنَ الْمُثْمِرِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً إلَّا مُجَاهِدًا فَإِنَّهُ كَرِهَ الْمُثْمِرَ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَلَوْ رَأَى صُورَةً فِي بَيْتِ غَيْرِهِ يَجُوزُ لَهُ مَحْوُهَا وَتَغْيِيرُهَا وَفِي النِّهَايَةِ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي الْأَجِيرِ لِتَصْوِيرِ تَمَاثِيلِ الرِّجَالِ أَوْ لِيُزَخْرِفَهَا وَالْأَصْبَاغُ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ قَالَ لَا أَجْرَ لَهُ لِأَنَّ عَمَلَهُ مَعْصِيَةٌ وَفِي التَّفَارِيقِ هَدَمَ بَيْتًا مُصَوَّرًا بِالْأَصْبَاغِ ضَمِنَ قِيمَةَ الْبَيْتِ وَالْأَصْبَاغَ غَيْرَ مُصَوَّرٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعَدُّ الْآيِ وَالتَّسْبِيحِ) أَيْ وَيُكْرَهُ عَدُّ الْآيَاتِ مِنْ الْقُرْآنِ وَالتَّسْبِيحِ وَكَذَا السُّوَرُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَعْمَالِ الصَّلَاةِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْعَدَّ فِي الْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ جَمِيعًا بِاتِّفَاقِ أَصْحَابِنَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَرُوِيَ عَنْهُمَا فِي غَيْرِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْعَدَّ بِالْيَدِ لَا بَأْسَ بِهِ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا لَكِنْ فِي الْكَافِي وَقَالَا لَا بَأْسَ بِهِ فَجَزَمَ بِهِ عَنْهُمَا وَعَلَّلَ لَهُمَا بِأَنَّ الْمُصَلِّيَ يَضْطَرُّ إلَى ذَلِكَ لِمُرَاعَاةِ سُنَّةِ الْقِرَاءَةِ وَالْعَمَلِ بِمَا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ فِي صَلَاةِ التَّسْبِيحِ «وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِنِسْوَةٍ سَأَلَتْهُ عَنْ التَّسْبِيحِ اُعْدُدْنَهُ بِالْأَنَامِلِ فَإِنَّهُنَّ مَسْئُولَاتٌ مُسْتَنْطَقَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَقَوْلُهُ فِي الْهِدَايَةِ قُلْنَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَعُدَّ ذَلِكَ قَبْلَ الشُّرُوعِ إنَّمَا يَأْتِي هَذَا فِي الْآيِ دُونَ التَّسْبِيحَاتِ اهـ. قَالُوا وَمَحَلُّ الِاخْتِلَافِ هُوَ الْعَدُّ بِالْيَدِ كَمَا وَقَعَ التَّقْيِيدُ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ سَوَاءٌ كَانَ بِأَصَابِعِهِ أَوْ بِخَيْطٍ يُمْسِكُهُ أَمَّا الْغَمْزُ بِرُءُوسِ الْأَصَابِعِ أَوْ الْحِفْظُ بِالْقَلْبِ فَهُوَ غَيْرُ مَكْرُوهٍ اتِّفَاقًا وَالْعَدُّ بِاللِّسَانِ مُفْسِدٌ اتِّفَاقًا وَقَيَّدَ بِالْآيِ وَالتَّسْبِيحِ لِأَنَّ عَدَّ النَّاسِ وَغَيْرِهِمْ مَكْرُوهٌ اتِّفَاقًا كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَقَيَّدَ بِالصَّلَاةِ لِأَنَّ الْعَدَّ خَارِجَ الصَّلَاةِ لَا يُكْرَهُ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُسْتَصْفَى لِأَنَّهُ أَسْكَنُ لِلْقَلْبِ وَأَجْلَبُ لِلنَّشَاطِ وَلِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ «عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّهُ دَخَلَ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى امْرَأَةٍ وَبَيْنَ يَدَيْهَا نَوًى أَوْ حَصًا تُسَبِّحُ بِهِ فَقَالَ أُخْبِرُك بِمَا هُوَ أَيْسَرُ عَلَيْك مِنْ هَذَا أَوْ أَفْضَلُ فَقَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ مَا خَلَقَ فِي السَّمَاءِ وَسُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ مَا خَلَقَ فِي الْأَرْضِ وَسُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ مَا بَيْنَ ذَلِكَ وَسُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ مَا هُوَ خَالِقٌ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ مِثْلُ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ مِثْلُ ذَلِكَ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مِثْلُ ذَلِكَ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ مِثْلُ ذَلِكَ» فَلَمْ يَنْهَهَا عَنْ ذَلِكَ وَإِنَّمَا أَرْشَدَهَا إلَى مَا هُوَ أَيْسَرُ وَأَفْضَلُ وَلَوْ كَانَ مَكْرُوهًا لَبَيَّنَ لَهَا ذَلِكَ ثُمَّ هَذَا الْحَدِيثُ وَنَحْوُهُ مِمَّا يَشْهَدُ بِأَنَّهُ لَا بَأْسَ بِاتِّخَاذِ السُّبْحَةِ الْمَعْرُوفَةِ لِإِحْصَاءِ عَدَدِ الْأَذْكَارِ إذْ لَا تَزِيدُ السُّبْحَةُ عَلَى مَضْمُونِ هَذَا الْحَدِيثِ إلَّا بِضَمِّ النَّوَى وَنَحْوِهِ فِي خَيْطٍ وَمِثْلُ هَذَا لَا يَظْهَرُ تَأْثِيرُهُ فِي الْمَنْعِ فَلَا جَرَمَ إنْ نُقِلَ اتِّخَاذُهَا وَالْعَمَلُ بِهَا عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصُّوفِيَّةِ الْأَخْيَارِ وَغَيْرِهِمْ اللَّهُمَّ إلَّا إذَا تَرَتَّبَ عَلَيْهَا رِيَاءٌ وَسُمْعَةٌ فَلَا كَلَامَ لَنَا فِيهِ وَهَذَا الْحَدِيثُ أَيْضًا يَشْهَدُ لِأَفْضَلِيَّةِ هَذَا الذِّكْرِ الْمَخْصُوصِ عَلَى ذِكْرٍ مُجَرَّدٍ عَنْ هَذِهِ الصِّيغَةِ وَلَوْ تَكَرَّرَ يَسِيرًا ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْعَلَّامَةَ الْحَلَبِيَّ ذَكَرَ أَنَّ كَرَاهَةَ الْعَدِّ بِالْيَدِ فِي الصَّلَاةِ تَنْزِيهِيَّةٌ وَظَاهِرُ النِّهَايَةِ أَنَّهَا تَحْرِيمِيَّةٌ فَإِنَّهُ قَالَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُبَاحُ الْعَدُّ أَصْلًا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْكِتَابِ فَصْلٌ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ وَقَدْ يَصِيرُ الْعَدُّ عَمَلًا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ دُونَ التَّسْبِيحَاتِ) أَيْ فَيُزَادُ مِنْ طَرَفِ الْإِمَامِ بِأَنْ يُقَالَ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ وَلَوْ احْتَاجَ إلَيْهِ عَدَّهُ إشَارَةً أَوْ بِقَلْبِهِ (قَوْلُهُ ثُمَّ هَذَا الْحَدِيثُ وَنَحْوُهُ مِمَّا يَشْهَدُ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِبِدْعَةٍ فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ الْهَيْتَمِيُّ فِي شَرْحِ الْأَرْبَعِينَ النَّوَاوِيَّةِ السُّبْحَةُ وَرَدَ لَهَا أَصْلٌ أَصِيلٌ عَنْ بَعْضِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَأَقَرَّهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَظَاهِرُ النِّهَايَةِ أَنَّهَا تَحْرِيمِيَّةٌ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ فِيهِ نَظَرٌ إذْ الْمَكْرُوهُ تَنْزِيهًا غَيْرُ مُبَاحٍ أَيْ غَيْرُ مُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ اهـ. قَالَ الرَّمْلِيُّ الْغَالِبُ إطْلَاقُهُمْ غَيْرَ الْمُبَاحِ عَلَى الْمُحَرَّمِ أَوْ الْمَكْرُوهِ تَحْرِيمًا وَإِنْ كَانَ يُطْلَقُ عَلَى مَا ذُكِرَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 31 كَثِيرًا فَيُوجِبُ فَسَادَ الصَّلَاةِ وَمَا رُوِيَ فِي الْأَحَادِيثِ مَنْ قَرَأَ فِي الصَّلَاةِ كَذَا وَكَذَا مَرَّةً {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] وَكَذَا كَذَا تَسْبِيحَةً فَتِلْكَ الْأَحَادِيثُ لَمْ يُصَحِّحْهَا الثِّقَاتُ أَمَّا صَلَاةُ التَّسْبِيحِ فَقَدْ أَوْرَدَهَا الثِّقَاتُ وَهِيَ صَلَاةٌ مُبَارَكَةٌ فِيهَا ثَوَابٌ عَظِيمٌ وَمَنَافِعُ كَثِيرَةٌ فَإِنَّهُ يَقْدِرُ أَنْ يَحْفَظَ بِالْقَلْبِ وَإِنْ احْتَاجَ يَعُدُّ بِالْأَنَامِلِ حَتَّى لَا يَصِيرَ عَمَلًا كَثِيرًا اهـ. ثُمَّ صَلَاةُ التَّسْبِيحِ هَذِهِ مَا رَوَاهَا عِكْرِمَةُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَا عَبَّاسُ يَا عَمَّاهُ أَلَا أُعْطِيك أَلَا أَمْنَحُك أَلَا أَحْبُوك أَلَا أَفْعَلُ بِك عَشْرَ خِصَالٍ إذَا أَنْتَ فَعَلْت ذَلِكَ غَفَرَ اللَّهُ لَك ذَنْبَك أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ قَدِيمَهُ وَحَدِيثَهُ خَطَأَهُ وَعَمْدَهُ صَغِيرَهُ وَكَبِيرَهُ سِرَّهُ وَعَلَانِيَتَهُ عَشْرَ خِصَالٍ أَنْ تُصَلِّيَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ تَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ فَإِذَا فَرَغْت مِنْ الْقِرَاءَةِ فِي أَوَّلِ رَكْعَةٍ فَقُلْ وَأَنْتَ قَائِمٌ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ خَمْسَ عَشْرَةَ مَرَّةً ثُمَّ تَرْكَعُ فَتَقُولُ وَأَنْتَ رَاكِعٌ عَشْرًا ثُمَّ تَرْفَعُ رَأْسَك مِنْ الرُّكُوعِ فَتَقُولُهَا عَشْرًا ثُمَّ تَهْوِي سَاجِدًا فَتَقُولُهَا وَأَنْتَ سَاجِدٌ عَشْرًا ثُمَّ تَرْفَعُ رَأْسَكَ مِنْ السُّجُودِ فَتَقُولُهَا عَشْرًا ثُمَّ تَسْجُدُ الثَّانِيَةَ فَتَقُولُهَا عَشْرًا ثُمَّ تَرْفَعُ رَأْسَك مِنْ السُّجُودِ فَتَقُولُهَا عَشْرًا فَذَلِكَ خَمْسٌ وَسَبْعُونَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ تَفْعَلُ ذَلِكَ فِي أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ إنْ اسْتَطَعْت أَنْ تُصَلِّيَهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ مَرَّةً فَافْعَلْ فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَفِي كُلِّ جُمُعَةٍ مَرَّةً فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَفِي كُلِّ شَهْرٍ مَرَّةً فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَفِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً فَإِنْ لَمْ تَفْعَلَ فَفِي عُمْرِكَ مَرَّةً» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَالطَّبَرَانِيُّ وَقَالَ فِي آخِرِهِ «فَلَوْ كَانَتْ ذُنُوبُك مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ أَوْ رَمْلِ عَالِجٍ غَفَرَ اللَّهُ لَك» قَالَ الْحَافِظُ عَبْدُ الْعَظِيمِ الْمُنْذِرِيُّ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَأَمْثَلُهَا حَدِيثُ عِكْرِمَةُ هَذَا وَقَدْ صَحَّحَهُ جَمَاعَةٌ اهـ. وَذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَالَ مَشَايِخُنَا إنْ احْتَاجَ الْمَرْءُ إلَى الْعَدِّ يَعُدُّ إشَارَةً لَا إفْصَاحًا وَيُعْمَلُ بِقَوْلِهِمَا فِي الْمُضْطَرِّ. اهـ. (قَوْلُهُ لَا قَتْلُ الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ) أَيْ لَا يُكْرَهُ قَتْلُهُمَا لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «اُقْتُلُوا الْأَسْوَدَيْنِ فِي الصَّلَاةِ الْحَيَّةَ وَالْعَقْرَبَ» وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مَرْفُوعًا «أَمَرَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِقَتْلِ الْكَلْبِ الْعَقُورِ وَالْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ فِي الصَّلَاةِ» وَأَقَلُّ مَرَاتِبِ الْأَمْرِ الْإِبَاحَةُ وَفِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَيُسْتَحَبُّ قَتْلُ الْعَقْرَبِ بِالنَّعْلِ الْيُسْرَى إنْ أَمْكَنَ لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد كَذَلِكَ وَلَا بَأْسَ بِقِيَاسِ الْحَيَّةِ عَلَى الْعَقْرَبِ فِي هَذَا اهـ. أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ جَمِيعَ أَنْوَاعِ الْحَيَّاتِ وَصَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ وَجَمِيعِ الْمَوَاضِعِ وَفِي الْمُحِيطِ قَالُوا وَيَنْبَغِي أَنْ لَا تُقْتَلَ الْحَيَّةُ الْبَيْضَاءُ الَّتِي تَمْشِي مُسْتَوِيَةً لِأَنَّهَا جَانٌّ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «اُقْتُلُوا ذَا الطُّفْيَتَيْنِ وَالْأَبْتَرَ وَإِيَّاكُمْ وَالْحَيَّةَ الْبَيْضَاءَ فَإِنَّهَا مِنْ الْجِنِّ» وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ لَا بَأْسَ بِقَتْلِ الْكُلِّ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَهْدُهُ مَعَ الْجِنِّ أَنْ لَا يَدْخُلُوا بُيُوتَ أُمَّتِهِ وَإِذَا دَخَلُوا لَمْ يَظْهَرُوا لَهُمْ فَإِذَا دَخَلُوا فَقَدْ نَقَضُوا الْعَهْدَ فَلَا ذِمَّةَ لَهُمْ وَالْأَوْلَى هُوَ الْإِعْذَارُ وَالْإِنْذَارُ فَيُقَالُ ارْجِعْ بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِنْ أَبِي قَتَلَهُ اهـ. يَعْنِي: الْإِنْذَارَ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ وَفِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى صَدْرِ الْإِسْلَامِ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْجَوَابِ أَنْ يَحْتَاطَ فِي قَتْلِ الْحَيَّاتِ حَتَّى لَا يَقْتُلَ جِنِّيًّا فَإِنَّهُمْ يُؤْذُونَهُ إيذَاءً كَثِيرًا بَلْ إذَا رَأَى حَيَّةً وَشَكَّ أَنَّهُ جِنِّيٌّ يَقُولُ لَهُ خَلِّ طَرِيقَ الْمُسْلِمِينَ وَمُرَّ فَإِنْ مَرَّتْ تَرَكَهُ فَإِنَّ وَاحِدًا مِنْ إخْوَانِي هُوَ أَكْبَرُ سِنًّا مِنِّي قَتَلَ حَيَّةً كَبِيرَةً بِسَيْفٍ فِي دَارٍ لَنَا فَضَرَبَهُ الْجِنُّ حَتَّى جَعَلُوهُ زَمِنًا كَانَ لَا يَتَحَرَّكُ رِجْلَاهُ قَرِيبًا مِنْ الشَّهْرِ ثُمَّ عَالَجْنَاهُ وَدَاوَيْنَاهُ بِإِرْضَاءِ الْجِنِّ حَتَّى تَرَكُوهُ فَزَالَ مَا بِهِ وَهَذَا مِمَّا عَايَنْتُهُ بِعَيْنِي اهـ. وَأَطْلَقَ فِي الْقَتْلِ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ بِعَمَلٍ كَثِيرٍ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ ثُمَّ صَلَاةُ التَّسْبِيحِ إلَخْ) اقْتَصَرَ الْمُؤَلِّفُ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَة كَمَا فَعَلَ فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ وَثَمَّ رِوَايَةٌ أُخْرَى أَوْرَدَهَا التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ وَقَدْ ذَكَرَ الرِّوَايَتَيْنِ الْحَلَبِيُّ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَاقْتَصَرَ عَلَى الثَّانِيَةِ فِي الْقُنْيَةِ فَقَالَ فِي حَدِيثِهَا رَوَاهُ أَبُو عِيسَى فِي جَامِعِهِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي حَفْصٍ فِي جَامِعِهِ وَحُمَيْدَ بْنُ زَنْجُوَيْهِ فِي التَّرْغِيبِ بِرِوَايَتَيْنِ وَالْمُخْتَارُ مِنْهُمَا أَنْ يُكَبِّرَ وَيَقْرَأَ سُبْحَانَك اللَّهُمَّ إلَخْ ثُمَّ يَقُولَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ خَمْسَ عَشْرَةَ مَرَّةً ثُمَّ يَقْرَأَ الْفَاتِحَةَ وَسُورَةً مِثْلِ سُورَةِ {وَالضُّحَى} [الضحى: 1] ثُمَّ يَقُولَ سُبْحَانَ اللَّهِ إلَخْ عَشْرَ مَرَّاتٍ ثُمَّ يَرْكَعَ وَيَقُولَ سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ ثَلَاثًا ثُمَّ يَقُولَ سُبْحَانَ اللَّهِ عَشْرًا ثُمَّ يَرْفَعَ رَأْسَهُ وَيَقُولَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبّنَا لَك الْحَمْدُ وَيَقُولَ سُبْحَانَ اللَّهِ إلَخْ عَشْرَ مَرَّاتٍ ثُمَّ يُكَبِّرَ وَيَسْجُدَ وَيُسَبِّحَ ثَلَاثًا ثُمَّ يَقُولَ سُبْحَانَ اللَّهِ إلَخْ عَشْرًا ثُمَّ يَرْفَعَ رَأْسَهُ وَيُكَبِّرَ وَيَقْعُدَ ثُمَّ يَقُولَ سُبْحَانَ اللَّهِ إلَخْ عَشْرًا ثُمَّ يُكَبِّرَ وَيَسْجُدَ وَيُسَبِّحَ ثَلَاثًا ثُمَّ يَقُولَ سُبْحَانَ اللَّهِ إلَخْ عَشْرًا ثُمَّ يَقُومُ وَيَفْعَلُ فِي الثَّانِيَةِ مِثْلَ الْأُولَى يُصَلِّي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ وَبِقَعْدَتَيْنِ اهـ. وَفِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَقِيلَ لِابْنِ الْمُبَارَكِ إنْ سَهَا فِي هَذِهِ الصَّلَاةِ هَلْ يُسَبِّحُ فِي سَجْدَةِ السَّهْوِ عَشْرًا عَشْرًا قَالَ لَا إنَّمَا هِيَ ثَلَثُمِائَةِ تَسْبِيحَةٍ اهـ. وَهَذِهِ الصِّفَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا ابْنُ الْمُبَارَكِ هِيَ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي مُخْتَصَرِ الْبَحْرِ وَهِيَ الْمُوَافَقَةُ لِمَذْهَبِنَا لِعَدَمِ الِاحْتِيَاجِ فِيهَا إلَى جِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ إذْ هِيَ مَكْرُوهَةٌ عِنْدَنَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي مَوْضِعِهِ اهـ. وَكَانَ هَذَا هُوَ الدَّاعِي لِاخْتِيَارِ صَاحِبِ الْقُنْيَةِ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ وَلَكِنْ حَيْثُ ثَبَتَتْ الطَّرِيقَةُ الْأُخْرَى عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُقَالُ بِكَرَاهَتِهَا وَفِي اقْتِصَار الْمُؤَلِّفِ وَصَاحِبِ الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ عَلَيْهَا إشْعَارٌ بِذَلِكَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 32 قَالَ السَّرَخْسِيُّ وَهُوَ الْأَظْهَرُ لِأَنَّ هَذَا عَمَلٌ رُخِّصَ فِيهِ لِلْمُصَلِّي فَهُوَ كَالْمَشْيِ بَعْدَ الْحَدَثِ وَالِاسْتِقَاءِ مِنْ الْبِئْرِ وَالتَّوَضُّؤِ اهـ. وَتَعَقَّبَهُ فِي النِّهَايَةِ بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا عَلَيْهِ عَامَّةُ رِوَايَةِ شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَرِوَايَةِ مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُمْ لَمْ يُبِيحُوا الْعَمَلَ الْكَثِيرَ فِي قَتْلِهَا اهـ. وَتَعَقَّبَهُ أَيْضًا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الِاسْتِقَاءَ غَيْرُ مُفْسِدٍ فِي سَبْقِ الْحَدَثِ وَقَدْ تَقَدَّمَ خِلَافُهُ وَبَحَثَهُ بِأَنَّهُ لَا يُفْسِدُ لِلرُّخْصَةِ بِالنَّصِّ يَسْتَلْزِمُ مِثْلَهُ فِي عِلَاجِ الْمَارِّ إذَا كَثُرَ فَإِنَّهُ أَيْضًا مَأْمُورٌ بِهِ بِالنَّصِّ كَمَا قَدَّمْنَاهُ لَكِنَّهُ مُفْسِدٌ عِنْدَهُمَا فَمَا هُوَ جَوَابُهُ عَنْ عِلَاجِ الْمَارِّ هُوَ جَوَابُنَا فِي قَتْلِ الْحَيَّةِ ثُمَّ الْحَقُّ فِيمَا يَظْهَرُ الْفَسَادُ وَقَوْلُهُمْ الْأَمْرُ بِالْقِتَالِ لَا يَسْتَلْزِمُ بَقَاءَ الصِّحَّةِ عَلَى نَهْجِ مَا قَالُوهُ مِنْ الْفَسَادِ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ إذَا قَاتَلُوا فِي الصَّلَاةِ بَلْ أَثَرُهُ فِي رَفْعِ الْإِثْمِ بِمُبَاشَرَةِ الْمُفْسِدِ فِي الصَّلَاةِ بَعْدَ أَنْ كَانَ حَرَامًا صَحِيحٌ اهـ. وَفِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْجَامِعِ الصَّغِيرِ الْبُرْهَانِيِّ إنَّمَا يُبَاحُ قَتْلُهَا فِي الصَّلَاةِ إذَا مَرَّتْ بَيْنَ يَدَيْهِ وَخَافَ أَنْ تُؤْذِيَهُ وَإِلَّا فَيُكْرَهُ، وَقَيَّدَ بِالْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ لِأَنَّ فِي قَتْلِ الْقَمْلَةِ وَالْبُرْغُوثِ اخْتِلَافًا قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ فَإِنْ أَخَذَ قَمْلَةً فِي الصَّلَاةِ كُرِهَ لَهُ أَنْ يَقْتُلَهَا لَكِنْ يَدْفِنُهَا تَحْتَ الْحَصَى وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَرُوِيَ عَنْهُ إذَا أَخَذَ قَمْلَةً أَوْ بُرْغُوثًا فَقَتَلَهُ أَوْ دَفَنَهُ فَقَدْ أَسَاءَ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَقْتُلُهَا وَقَتْلُهَا أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ دَفْنِهَا وَأَيَّ ذَلِكَ فَعَلَ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُكْرَهُ كِلَاهُمَا فِي الصَّلَاةِ اهـ. وَذَكَرَ فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي أَنَّ دَفْنَهُمَا مَكْرُوهٌ فِي الْمَسْجِدِ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ وَأَنَّ الْحَاصِلَ أَنَّهُ يُكْرَهُ التَّعَرُّضُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بِالْأَخْذِ فَضْلًا عَنْ الْقَتْلِ أَوْ الدَّفْنِ عِنْدَ عَدَمِ تَعَرُّضِهِمَا لَهُ بِالْأَذَى، وَأَمَّا عِنْدَ تَعَرُّضِهِمَا لَهُ بِالْأَذَى فَإِنْ كَانَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ فَلَا بَأْسَ حِينَئِذٍ بِالْأَخْذِ وَالْقَتْلِ أَوْ الدَّفْنِ بَعْدَ أَنْ لَا يَكُونَ ذَلِكَ بِعَمَلٍ كَثِيرٍ فَإِنَّهُ كَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مِنْ دَفْنِهَا رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقْتُلُونَ الْقَمْلَ وَالْبَرَاغِيثَ فِي الصَّلَاةِ وَلَعَلَّ أَبَا حَنِيفَةَ إنَّمَا اخْتَارَ الدَّفْنَ عَلَى الْقَتْلِ لِمَا فِيهِ مِنْ النَّزَاهَةِ عَنْ إصَابَةِ دَمِهِمَا لِيَدِ الْقَاتِلِ أَوْ ثَوْبِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مَعْفُوًّا عَنْهُ وَأَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ فَعَلَ أَحْسَنَ الْجَائِزَيْنِ وَإِنْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ فَلَا بَأْسَ بِالْقَتْلِ بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ وَلَا يَطْرَحْهَا فِي الْمَسْجِدِ بِطَرِيقِ الدَّفْنِ وَلَا غَيْرِهِ إلَّا إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يَظْفَرُ بِهَا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ وَبِهَذَا التَّفْصِيلِ يَحْصُلُ الْجَمْعُ بَيْنَ مَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ أَنَّهُ يَدْفِنُهَا فِي الصَّلَاةِ وَبَيْنَ مَا عَنْهُ أَنَّهُ لَوْ دَفَنَهَا فِي الْمَسْجِدِ فَقَدْ أَسَاءَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالصَّلَاةُ إلَى ظَهْرِ قَاعِدٍ يَتَحَدَّثُ) أَيْ لَا تُكْرَهُ كَذَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ وَقِبَلَهُ نِيَامٌ أَوْ قَوْمٌ يَتَحَدَّثُونَ لِمَا أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا «نُهِيت أَنْ أُصَلِّيَ إلَى النِّيَامِ وَالْمُحَدِّثِينَ» وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ فِي النَّائِمِينَ عَلَى مَا إذَا خَافَ ظُهُورَ صَوْتٍ مِنْهُمْ يُضْحِكُهُ وَيُخْجِلُ النَّائِمَ إذَا انْتَبَهَ وَفِي الْمُحَدِّثِينَ عَلَى مَا إذَا كَانَ لَهُمْ أَصْوَاتٌ يَخَافُ مِنْهَا التَّغْلِيطَ أَوْ شَغْلَ الْبَالِ وَنَحْنُ نَقُولُ بِالْكَرَاهَةِ فِي هَذَا ثُمَّ يُعَارِضُ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ فِي النَّائِمِينَ وَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ لِقُوَّتِهِ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي صَلَاةَ اللَّيْلِ كُلَّهَا وَأَنَا مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُوتِرَ أَيْقَظَنِي فَأَوْتَرْتُ» وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ يَتَحَدَّثُ لِيُفِيدَ عَدَمَ الْكَرَاهَةِ إلَى ظَهْرِ مَنْ لَا يَتَحَدَّثُ بِالْأَوْلَى وَلَعَلَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَقَدْ كَانَ يَفْعَلُهُ ابْنُ عُمَرَ إذَا لَمْ يَجِدْ سَارِيَةً يَقُولُ لِنَافِعٍ وَلِّ ظَهْرَك وَأَفَادَ كَلَامُهُمْ هُنَا أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ عَلَى الْمُتَحَدِّثِ وَلِهَذَا نَقَلَ الشَّارِحُ عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَنَّ بَعْضَهُمْ كَانُوا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ وَبَعْضُهُمْ يَتَذَاكَرُونَ الْعِلْمَ وَالْمَوَاعِظَ وَبَعْضُهُمْ يُصَلُّونَ وَلَمْ يَنْهَهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ مَكْرُوهًا لَنَهَاهُمْ اهـ. وَقَيَّدَ بِالظَّهْرِ لِأَنَّ الصَّلَاةَ إلَى وَجْهِ أَحَدٍ مَكْرُوهَةٌ كَمَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَالَ فِي الْمُنْيَةِ وَالِاسْتِقْبَالُ إلَى الْمُصَلِّي مَكْرُوهٌ سَوَاءٌ كَانَ الْمُصَلِّي فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ أَوْ فِي الصَّفِّ الْأَخِيرِ وَلِهَذَا قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ يُكْرَهُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْمُصَلِّيَ وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا صُفُوفٌ وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ   [منحة الخالق] [قَتْلُ الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ فِي الصَّلَاةِ] (قَوْلُهُ ثُمَّ الْحَقُّ فِيمَا يَظْهَرُ الْفَسَادُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَالَ الْعَلَّامَةُ الْحَلَبِيُّ وَالْأَصَحُّ هُوَ الْفَسَادُ إلَّا أَنَّهُ يُبَاحُ لَهُ فَسَادُهَا بِقَتْلِهَا كَمَا يُبَاحُ لِإِغَاثَةِ مَلْهُوفٍ وَتَخْلِيصِ أَحَدٍ مِنْ سَبَبِ هَلَاكٍ كَسُقُوطٍ مِنْ سَطْحٍ أَوْ غَرَقٍ أَوْ حَرْقٍ وَنَحْوِهِ وَكَذَا إذَا خَافَ ضَيَاعَ مَا قِيمَتُهُ دِرْهَمٌ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَوْلُهُمْ إلَخْ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ الْآتِي صَحِيحٌ (قَوْلُهُ بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ) وَهُوَ قَوْلُهُ بَعْدَ أَنْ لَا يَكُونَ بِعَمَلٍ كَثِيرٍ (قَوْلُهُ وَبِهَذَا التَّفْصِيلِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَالَ الْعَلَّامَةُ الْحَلَبِيُّ وَالْأَخْذُ بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ أَوْلَى إذَا قَرَصَهُ لِئَلَّا يَذْهَبَ خُشُوعُهُ بِأَلَمِهَا وَيُحْمَلُ مَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ عَلَى الْأَخْذِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ أَيْ الْقَرْصِ (قَوْلُهُ وَلَعَلَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) أَيْ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ إلَى ظَهْرِ مَنْ لَا يَتَحَدَّثُ وَفِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ لِلشَّيْخِ إبْرَاهِيمَ وَقَوْله يَتَحَدَّثُ لِإِفَادَةِ نَفْيِ قَوْلِ مَنْ قَالَ بِالْكَرَاهَةِ بِحَضْرَةِ الْمُتَحَدِّثِينَ وَكَذَا بِحَضْرَةِ النَّائِمِينَ وَمَا رُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تُصَلُّوا خَلْفَ النَّائِمِ وَلَا مُتَحَدِّثٍ» ضَعِيفٌ وَتَمَامُهُ فِيهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 33 الْمَذْهَبِ ذَكَرَهُ فِي الْفَصْلِ الرَّابِعِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ اسْتِقْبَالَ الْمُصَلِّي إلَى وَجْهِ الْإِنْسَانِ مَكْرُوهٌ وَاسْتِقْبَالَ الْإِنْسَانِ وَجْهَ الْمُصَلِّي مَكْرُوهٌ فَالْكَرَاهَةُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ قَالَ الْعَلَّامَةُ الْحَلَبِيُّ وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَوْ صَلَّى إلَى وَجْهِ إنْسَانٍ وَبَيْنَهُمَا ثَالِثٌ ظَهْرُهُ إلَى وَجْهِ الْمُصَلِّي لَمْ يُكْرَهْ (قَوْلُهُ وَإِلَى مُصْحَفٍ أَوْ سَيْفٍ مُعَلَّقٍ) أَيْ لَا يُكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ وَأَمَامَهُ مُصْحَفٌ أَوْ سَيْفٌ سَوَاءٌ كَانَ مُعَلَّقًا أَوْ بَيْنَ يَدَيْهِ أَمَّا الْمُصْحَفُ فَلِأَنَّ فِي تَقْدِيمِهِ تَعْظِيمَهُ وَتَعْظِيمُهُ عِبَادَةٌ وَالِاسْتِخْفَافُ بِهِ كُفْرٌ فَانْضَمَّتْ هَذِهِ الْعِبَادَةُ إلَى عِبَادَةٍ أُخْرَى فَلَا كَرَاهَةَ وَمَنْ قَالَ بِالْكَرَاهَةِ إذَا كَانَ مُعَلَّقًا مُعَلِّلًا بِأَنَّهُ تَشَبُّهٌ بِأَهْلِ الْكِتَابِ مَرْدُودٌ لِأَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ يَفْعَلُونَهُ لِلْقِرَاءَةِ مِنْهُ وَلَيْسَ كَلَامُنَا فِيهِ وَأَمَّا السَّيْفُ فَلِأَنَّهُ سِلَاحٌ وَلَا يُكْرَهُ التَّوَجُّهُ إلَيْهِ فَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي لِلْعَنَزَةِ وَهِيَ سِلَاحٌ» (قَوْلُهُ أَوْ شَمْعٍ أَوْ سِرَاجٍ) لِأَنَّهُمَا لَا يُعْبَدَانِ وَالْكَرَاهَةُ بِاعْتِبَارِهَا وَإِنَّمَا يَعْبُدُهَا الْمَجُوسُ إذَا كَانَتْ فِي الْكَانُونِ وَفِيهَا الْجَمْرُ أَوْ فِي التَّنُّورِ فَلَا يُكْرَهُ التَّوَجُّهُ إلَيْهَا عَلَى غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ وَذَكَرَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ اخْتِلَافَ الْمَشَايِخِ فِي التَّوَجُّهِ إلَى الشَّمْعِ أَوْ السِّرَاجِ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ اهـ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ فِيمَا إذَا كَانَ الشَّمْعُ عَلَى جَانِبَيْهِ كَمَا هُوَ الْمُعْتَادُ فِي مِصْرَ الْمَحْرُوسَةِ فِي لَيَالِي رَمَضَانَ لِلتَّرَاوِيحِ قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي أَدَبِ الْكَاتِبِ فِي بَابِ مَا جَاءَ فِيهِ لُغَتَانِ اسْتَعْمَلَ النَّاسُ أَضْعَفَهُمَا الشَّمْعُ بِالسُّكُونِ وَالْأَوْجَهُ فَتْحُ الْمِيمِ اهـ (قَوْلُهُ وَعَلَى بِسَاطٍ فِيهِ تَصَاوِيرُ إنْ لَمْ يَسْجُدْ عَلَيْهَا) أَيْ لَا يُكْرَهُ وَالتَّقْيِيدُ الْمَذْكُورُ بِنَاءً عَلَى مَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَقَدْ قَدَّمْنَا مَفْهُومَهُ وَمَا فِي الْأَصْلِ فَلَا حَاجَةَ إلَى إعَادَتِهِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَسْتَوْفِ ذِكْرَ الْمَكْرُوهَاتِ فِي الصَّلَاةِ فَمِنْهَا أَنَّ كُلَّ سُنَّةٍ تَرَكَهَا فَهُوَ مَكْرُوهٌ تَنْزِيهًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي مِنْ قَوْلِهِ وَيُكْرَهُ وَضْعُ الْيَدَيْنِ عَلَى الْأَرْضِ قَبْلَ الرُّكْبَتَيْنِ إذَا سَجَدُ وَرَفْعُهُمَا قَبْلَهُمَا إذَا قَامَ إلَّا مِنْ عُذْرٍ وَأَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ أَوْ يُنَكِّسَهُ فِي الرُّكُوعِ وَأَنْ يَجْهَرَ بِالتَّسْمِيَةِ وَالتَّأْمِينِ وَأَنْ لَا يَضَعَ يَدَيْهِ فِي مَوْضِعِهِمَا إلَّا مِنْ عُذْرٍ وَأَنْ يَتْرُكَ التَّسْبِيحَاتِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَأَنْ يُنْقِصَ مِنْ ثَلَاثِ تَسْبِيحَاتٍ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَأَنْ يَأْتِيَ بِالْأَذْكَارِ الْمَشْرُوعَةِ فِي الِانْتِقَالَاتِ بَعْدَ تَمَامِ الِانْتِقَالِ وَفِيهِ خَلَلَانِ تَرْكُهَا فِي مَوْضِعِهَا وَتَحْصِيلُهَا فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا ذَكَرَهُ فِي مَوَاضِعَ مُتَفَرِّقَةٍ مِنْ مَكْرُوهَاتِ الصَّلَاةِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ السُّنَّةَ إذَا كَانَتْ مُؤَكَّدَةً قَوِيَّةً لَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ تَرْكُهَا مَكْرُوهًا كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ كَتَرْكِ الْوَاجِبِ فَإِنَّهُ كَذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مُؤَكَّدَةٍ فَتَرْكُهَا مَكْرُوهٌ تَنْزِيهًا كَمَا فِي هَذِهِ الْأَمْثِلَةِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الشَّيْءُ مُسْتَحَبًّا أَوْ مَنْدُوبًا وَلَيْسَ بِسُنَّةٍ كَمَا هُوَ عَلَى اصْطِلَاحِنَا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ تَرْكُهُ مَكْرُوهًا أَصْلًا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ مِنْ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ يَوْمَ الْأَضْحَى أَنْ لَا يَأْكُلَ أَوَّلًا إلَّا مِنْ أُضْحِيَّتِهِ قَالُوا وَلَوْ أَكَلَ مِنْ غَيْرِهَا فَلَيْسَ بِمَكْرُوهٍ فَلَمْ يَلْزَمْ مِنْ تَرْكِ الْمُسْتَحَبِّ ثُبُوتُ كَرَاهَتِهِ إلَّا أَنَّهُ يُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا قَالُوهُ مِنْ أَنَّ الْمَكْرُوهَ تَنْزِيهًا مَرْجِعُهُ إلَى خِلَافِ الْأَوْلَى وَلَا شَكَّ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَقَدْ صَرَّحُوا إلَخْ) أَيْ لِأَنَّ الثَّالِثَ صَارَ كَالْفَاصِلِ كَمَا فِي النَّهْرِ قَالَ وَقِيَاسُهُ أَنَّهُ لَوْ صَلَّى إلَى وَجْهِ إنْسَانٍ هُوَ عَلَى مَكَان عَالٍ يَنْظُرُهُ إذَا قَامَ لَا إذَا قَعَدَ لَا يُكْرَهُ وَلَمْ أَرَهُ لَهُمْ وَفِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ بَعْدَ نَقْلِهِ كَلَامَ الْحَلَبِيِّ وَمُقْتَضَاهُ مَعَ مَا سَبَقَ مِنْ كَوْنِ الظَّهْرِ سُتْرَةً تَقْيِيدُ مَا فِي الذَّخِيرَةِ بِمَا إذَا كَانَ الْمُصَلِّي مُتَوَجِّهًا إلَى مَا بَيْنَ الْقَاعِدِينَ فِي الصُّفُوفِ مِنْ الْفُرَجِ لَا إلَى ظَهْرِ أَحَدِهِمْ فَلْيُتَأَمَّلْ. اهـ. قُلْت وَهَذَا الْجَوَابُ مَعَ مَا بَحَثَهُ فِي النَّهْرِ يُنَافِيهِ بَقِيَّةُ كَلَامِ الذَّخِيرَةِ حَيْثُ قَالَ وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ وَجْهُهُ مُقَابِلَ وَجْهِ الْإِمَامِ فِي حَالِ قِيَامِهِ يُكْرَهُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا صُفُوفٌ اهـ. فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ بَيْنَ الصُّفُوفِ فُرَجٌ لَمْ يَكُنْ لِتَقْيِيدِ الْمُقَابَلَةِ بِحَالِ الْقِيَامِ فَائِدَةٌ كَمَا لَا يَخْفَى لِأَنَّ الْمُقَابَلَةَ حِينَئِذٍ مَوْجُودَةٌ فِي حَالِ قُعُودِهِ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي الْكَرَاهَةِ إذَا كَانَتْ الْمُوَاجَهَةُ فِي حَالِ الْقِيَامِ فَقَطْ وَقَدْ أَجَابَ الرَّمْلِيُّ بِجَوَابٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّ مَا نَقَلَهُ الْحَلَبِيُّ فِي حَقِّ الْمُصَلِّي وَمَا فِي الذَّخِيرَةِ فِي حَقِّ الْمُسْتَقْبِلِ فَلَا مُنَافَاةَ تَأَمَّلْ اهـ. وَقَدْ يُحْمَلُ مَا ذَكَرَهُ الْحَلَبِيُّ عَلَى صُورَةٍ لَا تَحْصُلُ بِهَا الْمُوَاجَهَةُ بِأَنْ يَكُونَ الثَّالِثُ قَائِمًا أَوْ قَاعِدًا وَالْمُصَلِّي مِثْلَهُ وَبِهِ يَحْصُلُ التَّوْفِيقُ وَهُوَ أَقْرَبُ مِمَّا مَرَّ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ هَذَا فِي حَقِّ الْإِمَامِ وَأَمَّا فِي حَقِّ الْقَوْمِ فَقَدْ يَكُونُ بَعْضُهُمْ مُتَوَجِّهًا إلَيْهَا وَهُوَ الْمُقَابِلُ لَهَا فَتَلْحَقُهُ الْكَرَاهَةُ عَلَى الْقُوَيْلَةِ الضَّعِيفَةِ الْمُقَابِلَةِ لِلْمُخْتَارَةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَرَفْعُهُمَا قَبْلَهُمَا) أَيْ رَفْعُ الرُّكْبَتَيْنِ قَبْلَ الْيَدَيْنِ (قَوْلُهُ لَا يَبْعُدُ إلَخْ) يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا مَرَّ فِي بَابِ الْأَذَانِ عَنْ غَايَةِ الْبَيَانِ وَالْمُحِيطِ أَنَّ الْقَوْلَ بِوُجُوبِهِ وَالْقَوْلَ بِسُنِّيَّتِهِ مُتَقَارِبَانِ لِأَنَّ السُّنَّةَ الْمُؤَكَّدَةَ فِي مَعْنَى الْوَاجِبِ فِي حَقِّ لُحُوقِ الْإِثْمِ لِتَارِكِهِمَا. اهـ. . (قَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُ يُشْكِلُ عَلَيْهِ إلَخْ) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ يُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ الْكَرَاهَةَ الْمَنْفِيَّةَ التَّحْرِيمِيَّةُ فَلَا يُنَافِي ثُبُوتَ التَّنْزِيهِيَّةِ كَمَا لَا يَخْفَى اهـ. وَعَلَى هَذَا فَفِي تَرْكِ الْمُسْتَحَبِّ وَالْمَنْدُوبِ كَرَاهَةٌ إلَّا أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ دُونَ كَرَاهَةِ تَرْكِ السُّنَّةِ غَيْرِ الْمُؤَكَّدَةِ كَمَا قَدَّمَهُ الْمُؤَلِّفُ مِنْ أَنَّ الْإِثْمَ فِي تَرْكِ السُّنَّةِ الْمُؤَكَّدَةِ دُونَهُ فِي تَرْكِ الْوَاجِبِ وَأَنَّهُ مَقُولٌ بِالتَّشْكِيكِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 34 أَنَّ تَرْكَ الْمُسْتَحَبِّ خِلَافُ الْأَوْلَى وَمِنْهَا مَا فِي الْخُلَاصَةِ والولوالجية وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَقْرَأَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ آخِرَ سُورَةٍ عَلَى حِدَةٍ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَقْرَأَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ آخِرَ سُورَةٍ وَاحِدَةٍ وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ السُّورَةِ إنْ كَانَ الْآخِرُ أَكْثَرَ آيَةً اهـ. وَصَحَّحَ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَدَمَ الْكَرَاهَةِ وَإِنْ كَانَ الْأَفْضَلُ خِلَافَهُ وَمِنْهَا الِانْتِقَالُ مِنْ آيَةٍ مِنْ سُورَةٍ إلَى آيَةٍ أُخْرَى مِنْ سُورَةٍ أُخْرَى أَوْ آيَةٍ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ بَيْنَهُمَا آيَاتٌ وَكَذَا الْجَمْعُ بَيْنَ السُّورَتَيْنِ بَيْنَهُمَا سُوَرٌ أَوْ سُورَةٌ وَاحِدَةٌ فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ مَكْرُوهٌ وَفِي الرَّكْعَتَيْنِ إنْ كَانَ بَيْنَهُمَا سُوَرٌ لَا يُكْرَهُ وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا سُورَةٌ وَاحِدَةٌ قَالَ بَعْضُهُمْ يُكْرَهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنْ كَانَتْ السُّورَةُ طَوِيلَةً لَا يُكْرَهُ كَمَا إذَا كَانَتْ بَيْنَهُمَا سُورَتَانِ قَصِيرَتَانِ وَمِنْهَا أَنْ يَقْرَأَ فِي رَكْعَةٍ أُخْرَى سُورَةً وَفِي رَكْعَةٍ أُخْرَى سُورَةً فَوْقَ تِلْكَ السُّورَةِ أَوْ فَعَلَ ذَلِكَ فِي رَكْعَةٍ فَهُوَ مَكْرُوهٌ وَإِنْ وَقَعَ هَذَا مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ بِأَنْ قَرَأَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [الناس: 1] يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ هَذِهِ السُّورَةُ أَيْضًا وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْفَرَائِضِ أَمَّا فِي النَّوَافِلِ لَا يُكْرَهُ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَمِنْهَا مَا إذَا افْتَتَحَ سُورَةً وَقَصْدُهُ سُورَةٌ أُخْرَى فَلَمَّا قَرَأَ آيَةً أَوْ آيَتَيْنِ أَرَادَ أَنْ يَتْرُكَ تِلْكَ السُّورَةَ وَيَفْتَتِحَ الَّتِي أَرَادَهَا يُكْرَهُ وَكَذَا لَوْ قَرَأَ أَقَلَّ مِنْ آيَةٍ وَإِنْ كَانَ حَرْفًا وَمِنْهَا أَنْ يُصَلِّيَ فِي ثِيَابِ الْبِذْلَةِ وَالْمِهْنَةِ وَاحْتَجَّ لَهُ فِي الذَّخِيرَةِ بِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا فَعَلَ ذَلِكَ فَقَالَ أَرَأَيْتُك لَوْ كُنْتُ أَرْسَلْتُك إلَى بَعْضِ النَّاسِ أَكُنْت تَمُرُّ فِي ثِيَابِك هَذِهِ فَقَالَ لَا فَقَالَ عُمَرُ اللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُتَزَيَّنَ لَهُ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَلْبَسْ ثَوْبَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ أَحَقُّ أَنْ يُتَزَيَّنَ لَهُ» وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا تَنْزِيهِيَّةٌ وَفَسَّرَ ثِيَابَ الْبِذْلَةِ فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ بِمَا يَلْبَسُهُ فِي بَيْتِهِ وَلَا يَذْهَبُ بِهِ إلَى الْأَكَابِرِ وَمِنْهَا أَنْ يَحْمِلَ صَبِيًّا فِي صَلَاتِهِ وَأَمَّا «حَمْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُمَامَةَ بِنْتَ زَيْنَبَ فِي الصَّلَاةِ» فَأُجِيبَ عَنْهُ بِوُجُوهٍ مِنْهَا أَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ «إنَّ فِي الصَّلَاةِ لَشُغْلًا» وَقَدْ أَطَالَ الْكَلَامَ فِيهِ الْعَلَّامَةُ الْحَلَبِيُّ وَمِنْهَا أَنْ يَضَعَ فِي فِيهِ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ بِحَيْثُ لَا تَمْنَعُهُ عَنْ الْقِرَاءَةِ وَإِنْ مَنَعَهُ عَنْ أَدَاءِ الْحُرُوفِ لَا يَجُوزُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا وَمِنْهَا أَنْ يُتِمَّ الْقِرَاءَةَ فِي الرُّكُوعِ كَمَا فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنْ يَقْرَأَ فِي غَيْرِ حَالَةِ الْقِيَامِ وَمِنْهَا أَنْ يَقُومَ خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ مُقْتَدِيًا بِالْإِمَامِ إلَّا إذَا لَمْ يَجِدْ فُرْجَةً وَكَذَا يُكْرَهُ لِلْمُنْفَرِدِ أَنْ يَقُومَ فِي خِلَالِ الصُّفُوفِ فَيُصَلِّي فَيُخَالِفَهُمْ فِي الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ وَمِنْهَا أَنَّهُ تُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِي مَعَاطِنِ الْإِبِلِ وَالْمَزْبَلَةِ وَالْمَجْزَرَةِ وَالْمُغْتَسَلِ وَالْحَمَّامِ وَالْمَقْبَرَةِ وَعَلَى سَطْحِ الْكَعْبَةِ وَذَكَرَ فِي الْفَتَاوَى إذَا غَسَلَ مَوْضِعًا فِي الْحَمَّامِ لَيْسَ فِيهِ تِمْثَالٌ وَصَلَّى فِيهِ لَا بَأْسَ بِهِ وَكَذَا فِي الْمَقْبَرَةِ إذَا كَانَ فِيهَا مَوْضِعٌ آخَرُ أُعِدَّ لِلصَّلَاةِ وَلَيْسَ فِيهِ قَبْرٌ وَلَا نَجَاسَةٌ وَمِنْهَا أَنَّهُ يُكْرَهُ لِلْإِمَامِ أَنْ يُعَجِّلَهُمْ عَنْ إكْمَالِ السُّنَّةِ وَمِنْهَا وَيُكْرَهُ أَنْ يَمْكُثَ فِي مَكَانِهِ بَعْدَ مَا سَلَّمَ فِي صَلَاةٍ بَعْدَهَا سُنَّةٌ إلَّا قَدْرَ مَا يَقُولُ اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْك السَّلَامُ تَبَارَكْتَ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ بِهِ وَرَدَ الْأَثَرُ كَمَا فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَمِنْهَا أَنْ يَدْخُلَ فِي الصَّلَاةِ وَقَدْ أَخَذَهُ غَائِطٌ أَوْ بَوْلٌ وَإِنْ كَانَ الِاهْتِمَامُ يَشْغَلُهُ يَقْطَعُهَا وَإِنْ مَضَى عَلَيْهَا أَجْزَأَهُ وَقَدْ أَسَاءَ وَكَذَا إنْ أَخَذَهُ بَعْدَ الِافْتِتَاحِ وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «لَا صَلَاةَ بِحَضْرَةِ طَعَامٍ وَلَا وَهُوَ يُدَافِعُهُ الْأَخْبَثَانِ» وَجَعَلَ الشَّارِحُ مُدَافَعَةَ الرِّيحِ كَالْأَخْبَثَيْنِ   [منحة الخالق] وَلَا مَانِعَ مِنْ أَنْ تَكُونَ الْكَرَاهَةُ كَذَلِكَ تَأَمَّلْ ثُمَّ رَأَيْت فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ مَا نَصُّهُ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ فِي حَقِّ الْكُلِّ وَصْلُ السُّنَّةِ بِالْمَكْتُوبَةِ مِنْ غَيْرِ تَأْخِيرٍ إلَّا أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ فِي حَقِّ الْإِمَامِ أَشَدُّ حَتَّى يُؤَدِّيَ تَأْخِيرُهُ إلَى الْكَرَاهَةِ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - بِخِلَافِ الْمُقْتَدِي وَالْمُنْفَرِدِ وَنَظِيرُ هَذَا قَوْلُهُمْ يُسْتَحَبُّ الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ لِمُسَافِرٍ وَلِمَنْ يُصَلِّي فِي بَيْتِهِ فِي الْمِصْرِ وَيُكْرَهُ تَرْكُهُمَا لِلْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي فَعُلِمَ أَنَّ مَرَاتِبَ الِاسْتِحْبَابِ مُتَفَاوِتَةٌ كَمَرَاتِب السُّنَّةِ وَالْوَاجِبِ وَالْفَرْضِ اهـ. وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ الْبَاقَانِيِّ وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ بَعْضُ الْمُسْتَحَبَّاتِ تَرْكُهَا مَكْرُوهًا تَنْزِيهًا وَبَعْضُهَا غَيْرَ مَكْرُوهٍ وَمِنْهُ الْأَكْلُ يَوْمَ الْأَضْحَى فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ يُؤَخِّرْهُ إلَى مَا بَعْدَ الصَّلَاةِ لَا يُكْرَهُ مَعَ أَنَّ التَّأْخِيرَ مُسْتَحَبٌّ وَالْمُرَادُ نَفْيُ الْكَرَاهَةِ أَصْلًا خِلَافًا لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ بَعْضِ الْفُضَلَاءِ لِمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ الْعِيدِ مِنْ قَوْلِهِ لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ دَلِيلٍ خَاصٍّ وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَبِذَلِكَ يَنْدَفِعُ الْإِشْكَالُ لِأَنَّ الْمَكْرُوهَ تَنْزِيهًا الَّذِي ثَبَتَتْ كَرَاهَتُهُ بِالدَّلِيلِ يَكُونُ خِلَافَ الْأَوْلَى وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الشَّيْءِ خِلَافَ الْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ مَكْرُوهًا تَنْزِيهًا مَا لَمْ يُوجَدْ دَلِيلُ الْكَرَاهَةِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ خِلَافَ الْأَوْلَى أَعَمُّ مِنْ الْمَكْرُوهِ تَنْزِيهًا وَتَرْكُ الْمُسْتَحَبِّ خِلَافُ الْأَوْلَى دَائِمًا لَا مَكْرُوهٌ تَنْزِيهًا دَائِمًا بَلْ قَدْ يَكُونُ مَكْرُوهًا إنْ وُجِدَ دَلِيلُ الْكَرَاهَةِ وَإِلَّا فَلَا (قَوْلُهُ وَذَكَرَ فِي الْفَتَاوَى إلَخْ) وَقِيلَ يُكْرَهُ لِأَنَّهُ مَأْوَى الشَّيَاطِينِ وَبِالْأَوَّلِ يُفْتَى كَذَا فِي الْفَيْضِ وَلَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ فِي مَوْضِعِ جُلُوسِ الْحَمَّامِيِّ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَهُوَ مَوْضِعُ نَزْعِ الثِّيَابِ الْمُصَرَّحِ بِهِ فِي النَّهْرِ كَذَا فِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ (قَوْلُهُ أُعِدَّ لِلصَّلَاةِ) لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ مُعَلَّلَةٌ بِالتَّشَبُّهِ بِأَهْلِ الْكِتَابِ وَهُوَ مُنْتَفٍ فِيمَا كَانَ عَلَى الصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ حَلَبِيٌّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 35 وَأَنَّ الْحَدِيثَ مَحْمُولٌ عَلَى الْكَرَاهِيَةِ وَنَفْيِ الْفَضِيلَةِ حَتَّى لَوْ ضَاقَ الْوَقْتُ بِحَيْثُ لَوْ اشْتَغَلَ بِالْوُضُوءِ يَفُوتُهُ يُصَلِّي لِأَنَّ الْأَدَاءَ مَعَ الْكَرَاهِيَةِ أَوْلَى مِنْ الْقَضَاءِ وَمِنْهَا أَنَّ كُلَّ عَمَلٍ قَلِيلٍ لِغَيْرِ عُذْرٍ فَهُوَ مَكْرُوهٌ كَمَا لَوْ تَرَوَّحَ عَلَى نَفْسِهِ بِمِرْوَحَةٍ أَوْ كُمِّهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الْكَرَاهَةِ فِي الصَّلَاةِ شَرَعَ فِي بَيَانِهَا خَارِجَهَا مِمَّا هُوَ مِنْ تَوَابِعِهَا (قَوْلُهُ كُرِهَ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ بِالْفَرْجِ فِي الْخَلَاءِ وَاسْتِدْبَارُهَا) وَالْخَلَاءُ بِالْمَدِّ بَيْتُ التَّغَوُّطِ وَأَمَّا بِالْقَصْرِ فَهُوَ النَّبْتُ وَالْكَرَاهَةُ تَحْرِيمِيَّةٌ لِمَا أَخْرَجَهُ السِّتَّةُ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا أَتَيْتُمْ الْغَائِطَ فَلَا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ وَلَا تَسْتَدْبِرُوهَا وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرَّبُوا» وَلِهَذَا كَانَ الْأَصَحُّ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ كَرَاهَةَ الِاسْتِدْبَارِ كَالِاسْتِقْبَالِ وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ يَتَنَاوَلُ الْفَضَاءَ وَالْبُنْيَانَ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَوْ نَسِيَ فَجَلَسَ مُسْتَقْبِلًا فَذَكَرَ يُسْتَحَبُّ لَهُ الِانْحِرَافُ بِقَدْرِ مَا يُمْكِنُهُ لِمَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ مَرْفُوعًا «مَنْ جَلَسَ يَبُولُ قُبَالَةَ الْقِبْلَةِ فَذَكَرَ فَانْحَرَفَ عَنْهَا إجْلَالًا لَهَا لَمْ يَقُمْ مِنْ مَجْلِسِهِ حَتَّى يُغْفَرَ لَهُ» وَكَمَا يُكْرَهُ لِلْبَالِغِ ذَلِكَ يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَمْسِكَ الصَّبِيَّ نَحْوَهَا لِيَبُولَ وَقَالُوا يُكْرَهُ أَنْ يَمُدَّ رِجْلَيْهِ فِي النَّوْمِ وَغَيْرِهِ إلَى الْقِبْلَةِ أَوْ الْمُصْحَفِ أَوْ كُتُبِ الْفِقْهِ إلَّا أَنْ تَكُونَ عَلَى مَكَان مُرْتَفِعٍ عَنْ الْمُحَاذَاةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَغَلْقُ بَابِ الْمَسْجِدِ) لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْمَنْعَ مِنْ الصَّلَاةِ قَالَ تَعَالَى {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} [البقرة: 114] وَالْإِغْلَاقُ يُشْبِهُ الْمَنْعَ فَيُكْرَهُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَقِيلَ لَا بَأْسَ بِهِ إذَا خِيفَ عَلَى مَتَاعِ الْمَسْجِدِ اهـ. وَهُوَ أَحْسَنُ مِنْ التَّقْيِيدِ بِزَمَانِنَا كَمَا فِي عِبَارَةِ بَعْضِهِمْ فَالْمَدَارُ خَشْيَةُ الضَّرَرِ عَلَى الْمَسْجِدِ فَإِنْ ثَبَتَ فِي زَمَانِنَا فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ ثَبَتَ كَذَلِكَ إلَّا فِي أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ أَوْ لَا فَلَا أَوْ فِي بَعْضِهَا فَفِي بَعْضِهَا كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي الْعِنَايَةِ وَالتَّدْبِيرُ فِي الْغَلْقِ لِأَهْلِ الْمَحَلَّةِ فَإِنَّهُمْ إذَا اجْتَمَعُوا عَلَى رَجُلٍ وَجَعَلُوهُ مُتَوَلِّيًا بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي يَكُونُ مُتَوَلِّيًا اهـ. وَفِي النِّهَايَةِ وَكَانَ الْمُتَقَدِّمُونَ يَكْرَهُونَ شَدَّ الْمَصَاحِفِ وَاتِّخَاذَ الْمُشِدَّةِ لَهَا كَيْ لَا يَكُونَ ذَلِكَ فِي صُورَةِ الْمَنْعِ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فَهَذَا مِثْلُهُ أَوْ فَوْقَهُ لِأَنَّ الْمُصْحَفَ مِلْكٌ لِصَاحِبِهِ وَالْمَسْجِدُ لَيْسَ بِمِلْكٍ لِأَحَدٍ اهـ. وَمِنْ هُنَا يُعْلَمُ جَهْلُ بَعْضِ مُدَرِّسِي زَمَانِنَا مِنْ مَنْعِهِمْ مَنْ يَدْرُسُ فِي مَسْجِدٍ تَقَرَّرَ فِي تَدْرِيسِهِ أَوْ كَرَاهَتِهِمْ لِذَلِكَ زَاعِمِينَ الِاخْتِصَاصَ بِهَا دُونَ غَيْرِهِمْ حَتَّى سَمِعْت مِنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ يُضِيفُهَا إلَى نَفْسِهِ وَيَقُولُ هَذِهِ مَدْرَسَتِي أَوْ لَا تَدْرُسْ فِي مَدْرَسَتِي وَأَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا غَضِبَ عَلَى شَخْصٍ يَمْنَعُهُ مِنْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ خُصُوصًا بِسَبَبِ أَمْرٍ دُنْيَوِيٍّ وَهَذَا كُلُّهُ جَهْلٌ عَظِيمٌ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ كَبِيرَةً فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ} [الجن: 18] وَمَا تَلَوْنَاهُ مِنْ الْآيَةِ السَّابِقَةِ فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ مُطْلَقًا أَنْ يَمْنَعَ مُؤْمِنًا مِنْ عِبَادَةٍ يَأْتِي بِهَا فِي الْمَسْجِدِ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ مَا بُنِيَ إلَّا لَهَا مِنْ صَلَاةٍ وَاعْتِكَافٍ وَذِكْرٍ شَرْعِيٍّ وَتَعْلِيمِ عِلْمٍ وَتَعَلُّمِهِ وَقِرَاءَةِ قُرْآنٍ وَلَا يَتَعَيَّنُ مَكَانٌ مَخْصُوصٌ لِأَحَدٍ حَتَّى لَوْ كَانَ لِلْمُدَرِّسِ مَوْضِعٌ مِنْ الْمَسْجِدِ يُدَرِّسُ فِيهِ فَسَبَقَهُ غَيْرُهُ إلَيْهِ لَيْسَ لَهُ إزْعَاجُهُ وَإِقَامَتُهُ مِنْهُ فَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ الزَّاهِدِيُّ فِي فَتَاوِيهِ الْمُسَمَّاةِ بِالْقُنْيَةِ مَعْزِيًّا إلَى فَتَاوَى الْعَصْرِ لَهُ فِي الْمَسْجِدِ مَوْضِعٌ مُعَيَّنٌ يُوَاظِبُ عَلَيْهِ وَقَدْ شَغَلَهُ غَيْرُهُ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ لَهُ أَنْ يُزْعِجَهُ وَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ عِنْدَنَا اهـ. وَمِنْ الْفُرُوعِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ مُدَرِّسَ الْمَسْجِدِ كَغَيْرِهِ مَا قَالَهُ فِي الْقُنْيَةِ أَيْضًا لَيْسَ لِلْمُدَرِّسِ فِي الْمَسْجِدِ أَنْ يَجْعَلَ مِنْ بَيْتِهِ بَابًا إلَى الْمَسْجِدِ وَإِنْ فَعَلَ أَدَّى ضَمَانَ نُقْصَانِ الْجِدَارِ إنْ وَقَعَ فِيهِ اهـ. وَأَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ بَعْضَ مُدَرِّسِي الْأَرْوَامِ يَعْتَقِدُ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي لَهُ مُدَرِّسٌ أَنَّهُ مَدْرَسَةٌ وَلَيْسَ بِمَسْجِدٍ حَتَّى يَنْتَهِكَ حُرْمَتَهُ بِالْمَشْيِ فِيهِ بِنَعْلِهِ الْمُتَنَجِّسِ مَعَ تَصْرِيحِ الْوَاقِفِ بِجَعْلِهِ مَسْجِدًا وَسَيَأْتِي شُرُوطُ الْمَسْجِدِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِ الْوَقْفِ [الْوَطْءُ فَوْقَ الْمَسْجِدِ وَالْبَوْلُ وَالتَّغَوُّطُ] (قَوْلُهُ وَالْوَطْءُ فَوْقَهُ وَالْبَوْلُ وَالتَّخَلِّي) أَيْ وَكُرِهَ الْوَطْءُ فَوْقَ الْمَسْجِدِ وَكَذَا الْبَوْلُ وَالتَّغَوُّطُ لِأَنَّ سَطْحَ الْمَسْجِدِ لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ حَتَّى يَصِحَّ الِاقْتِدَاءُ مِنْهُ بِمَنْ تَحْتَهُ وَلَا   [منحة الخالق] [فَصْلٌ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ بِالْفَرْجِ فِي الْخَلَاءِ وَاسْتِدْبَارُهَا] فَصْلٌ (قَوْلُهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ الِانْحِرَافُ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَلَوْ تَذَكَّرَ بَعْدَ اسْتِقْبَالِهَا فَانْحَرَفَ عَنْهَا فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 36 يَبْطُلُ الِاعْتِكَافُ بِالصُّعُودِ إلَيْهِ وَلَا يَحِلُّ لِلْجُنُبِ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ وَالْمُرَادُ بِالْكَرَاهَةِ كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ وَصَرَّحَ الشَّارِحُ بِأَنَّ الْوَطْءَ فِيهِ حَرَامٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187] وَذَكَرَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ الْحَقَّ أَنَّهَا كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ لِأَنَّ الْآيَةَ ظَنِّيَّةُ الدَّلَالَةِ لِأَنَّهَا مُحْتَمِلَةٌ كَوْنَ التَّحْرِيمِ لِلِاعْتِكَافِ أَوْ لِلْمَسْجِدِ وَبِمِثْلِهَا لَا يَثْبُتُ التَّحْرِيمُ وَلِأَنَّ تَطْهِيرَهُ وَاجِبٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [البقرة: 125] وَلِمَا أَخْرَجَهُ الْمُنْذِرِيُّ مَرْفُوعًا «جَنِّبُوا مَسَاجِدَكُمْ صِبْيَانَكُمْ وَمَجَانِينَكُمْ وَبَيْعَكُمْ وَشِرَاءَكُمْ وَرَفْعَ أَصْوَاتِكُمْ وَسَلَّ سُيُوفِكُمْ وَإِقَامَةَ حُدُودِكُمْ وَجَمِّرُوهَا فِي الْجُمَعِ وَاجْعَلُوا عَلَى أَبْوَابِهَا الْمَطَاهِرَ» اهـ. وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي كَرَاهِيَةِ إخْرَاجِ الرِّيحِ فِي الْمَسْجِدِ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إدْخَالُ النَّجَاسَةِ الْمَسْجِدَ وَهُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فَلِذَا ذَكَرَ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ فِي بَعْضِ فَتَاوِيهِ أَنَّ قَوْلَهُمْ إنَّ الدُّهْنَ الْمُتَنَجِّسَ يَجُوزُ الِاسْتِصْبَاحُ بِهِ مُقَيَّدٌ بِغَيْرِ الْمَسَاجِدِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاسْتِصْبَاحُ بِهِ فِي الْمَسْجِدِ لِمَا ذَكَرْنَا وَلِهَذَا قَالَ فِي التَّجْنِيسِ وَيَنْبَغِي لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ أَنْ يَتَعَاهَدَ النَّعْلَ وَالْخُفَّ عَنْ النَّجَاسَةِ ثُمَّ يَدْخُلُ فِيهِ احْتِرَازًا عَنْ تَلْوِيثِ الْمَسْجِدِ وَقَدْ قِيلَ دُخُولُ الْمَسْجِدِ مُتَنَعِّلًا مِنْ سُوءِ الْأَدَبِ وَكَانَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ يَكْرَهُ خَلْعَ النَّعْلَيْنِ وَيَرَى الصَّلَاةَ مَعَهَا أَفْضَلَ لِحَدِيثِ خَلْعِ النِّعَالِ وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَانَ لَهُ زَوْجَانِ مِنْ نَعْلٍ إذَا تَوَضَّأَ انْتَعَلَ بِأَحَدِهِمَا إلَى بَابِ الْمَسْجِدِ ثُمَّ يَخْلَعُهُ وَيَنْتَعِلُ بِالْآخَرِ وَيَدْخُلُ الْمَسْجِدَ إلَى مَوْضِعِ صَلَاتِهِ وَلِهَذَا قَالُوا إنَّ الصَّلَاةَ مَعَ النِّعَالِ وَالْخِفَافِ الطَّاهِرَةِ أَقْرَبُ إلَى حُسْنِ الْأَدَبِ اهـ. وَفِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا وَيُكْرَهُ الْوُضُوءُ وَالْمَضْمَضَةُ فِي الْمَسْجِدِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَوْضِعٌ فِيهِ اُتُّخِذَ لِلْوُضُوءِ وَلَا يُصَلَّى فِيهِ زَادَ فِي التَّجْنِيسِ لَوْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ وَقْتَ الْخُطْبَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَإِنْ وَجَدَ الطَّرِيقَ انْصَرَفَ وَتَوَضَّأَ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ الْخُرُوجُ يَجْلِسُ وَلَا يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ فَإِنْ وَجَدَ مَاءً فِي الْمَسْجِدِ وَضَعَ ثَوْبَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ حَتَّى يَقَعَ الْمَاءُ عَلَيْهِ وَيَتَوَضَّأُ بِحَيْثُ لَا يُنَجِّسُ الْمَسْجِدَ وَيَسْتَعْمِلُ الْمَاءَ عَلَى التَّقْدِيرِ ثُمَّ بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْ الْمَسْجِدِ يَغْسِلُ ثَوْبَهُ وَهَذَا حَسَنٌ جِدًّا وَيُكْرَهُ مَسْحُ الرَّجُلِ مِنْ الطِّينِ وَالرَّدْغَةِ بِأُسْطُوَانَةِ الْمَسْجِدِ أَوْ بِحَائِطٍ مِنْ حِيطَانِ الْمَسْجِدِ لِأَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ وَإِنْ مَسَحَ بِبُرْدَيْ الْمَسْجِدِ أَوْ بِقِطْعَةِ حَصِيرٍ مُلْقَاةٍ فِيهِ لَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّ حُكْمَهُ لَيْسَ حُكْمَ الْمَسْجِدِ وَلَا لَهُ حُرْمَةُ الْمَسْجِدِ وَهَكَذَا قَالُوا أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ لَا يَفْعَلَ وَإِنْ مَسَحَ بِتُرَابٍ فِي الْمَسْجِدِ فَإِنْ كَانَ مَجْمُوعًا لَا بَأْسَ بِهِ وَإِنْ كَانَ التُّرَابُ مُنْبَسِطًا يُكْرَهُ هُوَ الْمُخْتَارُ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو الْقَاسِمِ الصَّفَّارُ لِأَنَّ لَهُ حُكْمَ الْأَرْضِ فَكَانَ مِنْ الْمَسْجِدِ وَإِنْ مَسَحَ بِخَشَبَةٍ مَوْضُوعَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَلَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِهَذِهِ الْخَشَبَةِ حُكْمُ الْمَسْجِدِ فَلَا يَكُونُ لَهَا حُرْمَةُ الْمَسْجِدِ وَكَذَا إذَا مَسَحَ بِحَشِيشٍ مُجْتَمِعٍ أَوْ حَصِيرٍ مُخَرَّقٍ لَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّهُ لَا حُرْمَةَ لَهُ إنَّمَا الْحُرْمَةُ لِلْمَسْجِدِ. اهـ. وَلِكَوْنِ الْمَسْجِدِ يُصَانُ عَنْ الْقَاذُورَاتِ وَلَوْ كَانَتْ طَاهِرَةً يُكْرَهُ الْبُصَاقُ فِيهِ وَلَا يُلْقَى لَا فَوْقَ الْبَوَارِي وَلَا تَحْتَهَا لِلْحَدِيثِ الْمَعْرُوفِ «إنَّ الْمَسْجِدَ لَيَنْزَوِي مِنْ النُّخَامَةِ كَمَا يَنْزَوِي الْجِلْدُ مِنْ النَّارِ» وَيَأْخُذُ النُّخَامَةَ بِكُمِّهِ أَوْ بِشَيْءٍ مِنْ ثِيَابِهِ فَإِنْ اُضْطُرَّ إلَى ذَلِكَ كَانَ الْبُصَاقُ فَوْقَ الْبَوَارِي خَيْرًا مِنْ الْبُصَاقِ تَحْتَهَا لِأَنَّ الْبَوَارِيَ لَيْسَتْ مِنْ الْمَسْجِدِ حَقِيقَةً وَلَهَا حُكْمُ الْمَسْجِدِ فَإِذَا اُبْتُلِيَ بِبَلِيَّتَيْنِ يَخْتَارُ أَهْوَنَهُمَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا بَوَارٍ يَدْفِنُهَا فِي التُّرَابِ وَلَا يَدَعُهَا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وَقَالُوا إذَا نُزِحَ الْمَاءُ النَّجِسُ مِنْ الْبِئْرِ كُرِهَ لَهُ أَنْ يَبُلَّ بِهِ الطِّينَ فَيُطَيِّنُ بِهِ الْمَسْجِدَ عَلَى قَوْلِ مَنْ اعْتَبَرَ نَجَاسَةَ الطِّينِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَغَيْرِهَا وَيُكْرَهُ غَرْسُ الْأَشْجَارِ فِي الْمَسْجِدِ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْبِيعَةَ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِهِ نَفْعٌ لِلْمَسْجِدِ كَأَنْ يَكُونَ ذَا نَزٍّ أَوْ أُسْطُوَانِيَّةٌ لَا تَسْتَقِرُّ فَيَغْرِسُ لِيَجْذِبَ عُرُوقَ الْأَشْجَارِ ذَلِكَ النَّزُّ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ وَإِلَّا فَلَا وَإِنَّمَا جَوَّزَ مَشَايِخُنَا فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ بِبُخَارَى لِمَا فِيهِ مِنْ الْحَاجَةِ قَالُوا وَلَا يُتَّخَذُ فِي الْمَسْجِدِ بِئْرُ مَاءِ لِأَنَّهُ يُخِلُّ حُرْمَةَ الْمَسْجِدِ فَإِنَّهُ يَدْخُلُهُ الْجُنُبُ وَالْحَائِضُ وَإِنْ حَفَرَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ كَأَنْ يَكُونَ ذَا نَزٍّ) أَيْ صَاحِبَ نَزٍّ بِالنُّونِ وَالزَّايِ قَالَ فِي الصِّحَاحِ النَّزُّ وَالنِّزُّ مَا يَتَحَلَّبُ مِنْ الْأَرْضِ مِنْ الْمَاءِ وَقَدْ نَزَّتْ الْأَرْضُ صَارَتْ ذَاتَ نَزٍّ وَفِي قَوْلِهِ وَإِلَّا فَلَا دَلِيلَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إحْدَاثُ الْغَرْسِ فِي الْمَسْجِدِ وَلَا إبْقَاؤُهُ فِيهِ لِغَيْرِ ذَلِكَ الْعُذْرِ وَلَوْ كَانَ الْمَسْجِدُ وَاسِعًا كَمَسْجِدِ الْقُدْسِ الشَّرِيفِ وَلَوْ قَصَدَ بِهِ الِاسْتِغْلَالَ لِلْمَسْجِدِ لِأَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى تَجْوِيزِ إحْدَاثِ دُكَّانٍ فِيهِ أَوْ بَيْتٍ لِلِاسْتِغْلَالِ أَوْ تَجْوِيزِ إبْقَاءِ ذَلِكَ بَعْدَ إحْدَاثِهِ وَلَمْ يَقُلْ بِذَلِكَ أَحَدٌ بِلَا ضَرُورَةٍ دَاعِيَةٍ وَلِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ مَا بُنِيَ الْمَسْجِدُ لِأَجْلِهِ مِنْ صَلَاةٍ وَاعْتِكَافٍ وَنَحْوِهِمَا وَقَدْ رَأَيْت فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ رِسَالَةً بِخَطِّ الْعَلَّامَةِ ابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ الْحَلَبِيِّ أَلَّفَهَا فِي الرَّدِّ عَلَى مَنْ أَجَازَ ذَلِكَ فِي الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى وَرَأَيْت فِي آخِرِهَا بِخَطِّ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ وَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ الْعَلَّامَةُ الْكَمَالُ بْنُ أَبِي شَرِيفٍ الشَّافِعِيُّ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 37 فَهُوَ ضَامِنٌ بِمَا حَفَرَ إلَّا أَنَّ مَا كَانَ قَدِيمًا فَيُتْرَكُ كَبِئْرِ زَمْزَمَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَلَا بَأْسَ بِرَمْيِ عُشِّ الْخُفَّاشِ وَالْحَمَامِ لِأَنَّ فِيهِ تَنْقِيَةَ الْمَسْجِدِ مِنْ زُرْقِهَا وَقَالُوا وَلَا يَجُوزُ أَنْ تُعْمَلَ فِيهِ الصَّنَائِعُ لِأَنَّهُ مُخْلَصٌ لِلَّهِ تَعَالَى فَلَا يَكُونُ مَحَلًّا لِغَيْرِ الْعِبَادَةِ غَيْرَ أَنَّهُمْ قَالُوا فِي الْخَيَّاطِ إذَا جَلَسَ فِيهِ لِمَصْلَحَتِهِ مِنْ دَفْعِ الصِّبْيَانِ وَصِيَانَةِ الْمَسْجِدِ لَا بَأْسَ بِهِ لِلضَّرُورَةِ وَلَا يَدُقُّ الثَّوْبَ عِنْدَ طَيِّهِ دَقًّا عَنِيفًا وَاَلَّذِي يُكْتَبُ إنْ كَانَ بِأَجْرٍ يُكْرَهُ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ أَجْرٍ لَا يُكْرَهُ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ هَذَا إذَا كَتَبَ الْقُرْآنَ وَالْعِلْمَ لِأَنَّهُ فِي عِبَادَةٍ أَمَّا هَؤُلَاءِ الْمُكْتِبُونَ الَّذِينَ يَجْتَمِعُ عِنْدَهُمْ الصِّبْيَانُ وَاللَّغَطُ فَلَا وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَغَطٌ لِأَنَّهُمْ فِي صِنَاعَةٍ لَا عِبَادَةٍ إذْ هُمْ يَقْصِدُونَ الْإِجَارَةَ لَيْسَ هُوَ لِلَّهِ بَلْ لِلِارْتِزَاقِ وَمُعَلِّمُ الصِّبْيَانِ الْقُرْآنَ كَالْكَاتِبِ إنْ كَانَ لِأَجْرٍ لَا وَحِسْبَةٍ لَا بَأْسَ بِهِ اهـ. وَفِي الْخُلَاصَةِ رَجُلٌ يَمُرُّ فِي الْمَسْجِدِ وَيَتَّخِذُهُ طَرِيقًا إنْ كَانَ لِغَيْرِ عُذْرٍ لَا يَجُوزُ وَبِعُذْرٍ يَجُوزُ ثُمَّ إذَا جَازَ يُصَلِّي كُلَّ يَوْمٍ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ مَرَّةً اهـ. وَفِي الْقُنْيَةِ يَعْتَادُ الْمُرُورَ فِي الْجَامِعِ يَأْثَمُ وَيَفْسُقُ وَلَوْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ لِلْمُرُورِ فَلَمَّا تَوَسَّطَهُ نَدِمَ قِيلَ يَخْرُجُ مِنْ بَابٍ غَيْرِ الَّذِي قَصَدَهُ وَقِيلَ يُصَلِّي ثُمَّ يَتَخَيَّرُ فِي الْخُرُوجِ وَقِيلَ إنْ كَانَ مُحْدِثًا يَخْرُجُ مِنْ حَيْثُ دَخَلَ إعْدَامًا لِمَا جَنَى وَيُكْرَهُ تَخْصِيصُ مَكَان فِي الْمَسْجِدِ لِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ يُخِلُّ بِالْخُشُوعِ أَعْظَمُ الْمَسَاجِدِ حُرْمَةً الْمَسْجِدُ الْحَرَامِ ثُمَّ مَسْجِدُ الْمَدِينَةِ ثُمَّ مَسْجِدُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ثُمَّ الْجَوَامِعُ ثُمَّ مَسَاجِدُ الْمَحَالِّ ثُمَّ مَسَاجِدُ الشَّوَارِعِ فَإِنَّهَا أَخَفُّ مَرْتَبَةً حَتَّى لَا يَعْتَكِفُ فِيهَا أَحَدٌ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا إمَامٌ مَعْلُومٌ وَمُؤَذِّنٌ ثُمَّ مَسَاجِدُ الْبُيُوتِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاعْتِكَافُ فِيهَا إلَّا لِلنِّسَاءِ وَإِذَا قَسَّمَ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ الْمَسْجِدَ وَضَرَبُوا فِيهِ حَائِطًا وَلِكُلٍّ مِنْهُمْ إمَامٌ عَلَى حِدَةٍ وَمُؤَذِّنُهُمْ وَاحِدٌ لَا بَأْسَ بِهِ وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ طَائِفَةٍ مُؤَذِّنٌ كَمَا يَجُوزُ لِأَهْلِ الْمَحَلَّةِ أَنْ يَجْعَلُوا الْمَسْجِدَ الْوَاحِدَ مَسْجِدَيْنِ فَلَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوا الْمَسْجِدَيْنِ وَاحِدًا لِإِقَامَةِ الْجَمَاعَاتِ أَمَّا لِلتَّدْرِيسِ أَوْ لِلتَّذْكِيرِ فَلَا لِأَنَّهُ مَا بُنِيَ لَهُ وَإِنْ جَازَ فِيهِ وَلَا يَجُوزُ التَّعْلِيمُ فِي دُكَّانٍ فِي فِنَاءِ الْمَسْجِدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ إذَا لَمْ يَضُرَّ بِالْعَامَّةِ اهـ. مَا فِي الْقُنْيَةِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمَسْجِدَ الْجَامِعَ تَدْبِيرُهُ وَعِمَارَتُهُ وَإِصْلَاحُهُ لِلْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي كِتَابِ الْقَسَامَةِ فَلِلْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ أَنْ يَجْعَلَ الْجَامِعَ مَسْجِدَيْنِ بِضَرْبِ حَائِطٍ وَنَحْوِهِ كَمَا لِأَهْلِ الْمَحَلَّةِ. وَلَا بُدَّ أَنْ نَذْكُرَ أَحْكَامَ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ فَنَقُولُ هِيَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ تَحِيَّةِ رَبِّ الْمَسْجِدِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا التَّقَرُّبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لَا إلَى الْمَسْجِدِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا دَخَلَ بَيْتَ الْمَلِكِ فَإِنَّمَا يُحَيِّي الْمَلِكَ لَا بَيْتَهُ كَذَا ذَكَرَهُ الْعَلَّامَةُ الْحَلَبِيُّ وَقَدْ حَكَى الْإِجْمَاعَ عَلَى سُنِّيَّتِهَا غَيْرَ أَنَّ أَصْحَابَنَا يَكْرَهُونَهَا فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ تَقْدِيمًا لِعُمُومِ الْحَاظِرِ عَلَى عُمُومِ الْمُبِيحِ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ إذَا تَكَرَّرَ دُخُولُهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ فَإِنَّهُ يَكْفِيهِ رَكْعَتَانِ لَهَا فِي الْيَوْمِ وَذَكَرَ فِي الْغَايَةِ أَنَّهَا لَا تَسْقُطُ بِالْجُلُوسِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْحَاكِمِ إذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ لِلْحُكْمِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ عِنْدَنَا إنْ شَاءَ صَلَّى تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ عِنْدَ دُخُولِهِ وَإِنْ شَاءَ صَلَّاهَا عِنْدَ انْصِرَافِهِ فَلَمْ تَسْقُطْ بِالْجُلُوسِ لِأَنَّهَا لِتَعْظِيمِ الْمَسْجِدِ وَحُرْمَتِهِ فَفِي أَيِّ وَقْتٍ صَلَّاهَا حَصَلَ الْمَقْصُودُ مِنْ ذَلِكَ اهـ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي صَلَاةِ التَّحِيَّةِ أَنَّهُ يَجْلِسُ ثُمَّ يَقُومُ وَيُصَلِّي أَوْ يُصَلِّي قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ قَالَ بَعْضُهُمْ يَجْلِسُ ثُمَّ يَقُومُ وَعَامَّةُ الْعُلَمَاءِ قَالُوا يُصَلِّي كُلَّمَا يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ. اهـ. قُلْت وَيَشْهَدُ لِقَوْلِ الْعَامَّةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلَا يَجْلِسْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ» وَإِنَّمَا قُلْنَا بِعَدَمِ سُقُوطِهَا بِالْجُلُوسِ لِمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ «عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ دَخَلْت الْمَسْجِدَ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَالِسٌ وَحْدَهُ فَقَالَ يَا أَبَا ذَرٍّ إنَّ لِلْمَسْجِدِ تَحِيَّةً وَإِنَّ تَحِيَّتَهُ رَكْعَتَانِ فَقُمْ فَارْكَعْهُمَا فَقُمْت فَرَكَعْتُهُمَا» اهـ. وَقَدْ قَالُوا إنَّ كُلَّ صَلَاةٍ صَلَّاهَا عِنْدَ دُخُولِهِ فَرْضًا أَوْ سُنَّةً فَإِنَّهَا تَقُومُ مَقَامَ التَّحِيَّةِ بِلَا نِيَّةٍ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهِ فَلَوْ نَوَى التَّحِيَّةَ مَعَ الْفَرْضِ فَظَاهِرُ مَا فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ يَصِحُّ   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 38 عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَكُونُ دَاخِلًا فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهُمْ قَالُوا لَوْ نَوَى الدُّخُولَ فِي الظُّهْرِ وَالتَّطَوُّعِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ عَنْ الْفَرْضِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَكُونُ دَاخِلًا وَصَرَّحَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ بِكَرَاهَةِ الْحَدِيثِ أَيْ كَلَامِ النَّاسِ فِي الْمَسْجِدِ لَكِنْ قَيَّدَهُ بِأَنْ يَجْلِسَ لِأَجْلِهِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الْكَلَامُ الْمُبَاحُ فِيهِ مَكْرُوهٌ يَأْكُلُ الْحَسَنَاتِ وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ أَمَّا إنْ جَلَسَ لِلْعِبَادَةِ ثُمَّ بَعْدَهَا تَكَلَّمَ فَلَا وَأَمَّا النَّوْمُ فِي الْمَسْجِدِ فَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ وَفِي التَّجْنِيسِ الْأَشْبَهُ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمَسَائِلِ أَنَّهُ يُكْرَهُ لِأَنَّهُ مَا أُعِدَّ لِذَلِكَ وَإِنَّمَا بُنِيَ لِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ وَأَمَّا الْجُلُوسُ فِي الْمَسْجِدِ لِلْمُصِيبَةِ فَمَكْرُوهٌ لِأَنَّهُ لَمْ يُبْنَ لَهُ وَعَنْ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ «لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ بَلَغَهُ قَتْلُ جَعْفَرٍ وَزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ جَلَسَ فِي الْمَسْجِدِ وَالنَّاسُ يَأْتُونَهُ وَيُعَزُّونَهُ» وَالْمُفْتَى بِهِ أَنَّهُ لَا يُلَازِمُ غَرِيمَهُ فِي الْمَسْجِدِ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ بُنِيَ لِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَيَجُوزُ الْجُلُوسُ فِي الْمَسْجِدِ لِغَيْرِ الصَّلَاةِ وَلَا بَأْسَ بِهِ لِلْقَضَاءِ كَالتَّدْرِيسِ وَالْفَتْوَى. اهـ. وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بَقِيَّةُ أَحْكَامِ الْمَسْجِدِ فِي الْوَقْفِ وَالْكَرَاهِيَةِ وَالْجِنَايَاتِ وَمَسْأَلَةِ الذَّهَابِ إلَى الْأَقْدَمِ أَوْ إلَى مَسْجِدِ حَيِّهِ أَوْ إلَى مَنْ كَانَ إمَامُهُ أَصْلَحَ مَذْكُورَةً فِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا بِتَفَارِيعِهَا. (قَوْلُهُ لَا فَوْقَ بَيْتٍ فِيهِ مَسْجِدٌ) أَيْ لَا يُكْرَهُ مَا ذُكِرَ فِي بَيْتٍ فِيهِ أَوْ فَوْقَهُ فِي ذَلِكَ الْبَيْتِ مَسْجِدٌ وَهُوَ مَكَانٌ فِي الْبَيْتِ أُعِدَّ لِلصَّلَاةِ فَإِنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ حُكْمَ الْمَسْجِدِ وَإِنْ كَانَ يُسْتَحَبُّ لِلْإِنْسَانِ رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً أَنْ يَتَّخِذَ فِي دَارِهِ مَكَانًا خَالِيًا لِصَلَاتِهِ وَبِهِ أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصْحَابَهُ وَاخْتَلَفُوا فِي مُصَلَّى الْجِنَازَةِ وَالْعِيدِ فَصَحَّحَ فِي الْمُحِيطِ فِي مُصَلَّى الْجَنَائِزِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ أَصْلًا وَصَحَّحَ فِي مُصَلَّى الْعِيدِ كَذَلِكَ إلَّا فِي حَقِّ جَوَازِ الِاقْتِدَاءِ وَإِنْ لَمْ تَتَّصِلْ الصُّفُوفُ وَفِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا وَالْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي اُتُّخِذَ لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَالْعِيدِ أَنَّهُ مَسْجِدٌ فِي حَقِّ جَوَازِ الِاقْتِدَاءِ وَإِنْ انْفَصَلَ الصُّفُوفُ رِفْقًا بِالنَّاسِ وَفِيمَا عَدَا ذَلِكَ لَيْسَ لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ. اهـ. وَظَاهِرُ مَا فِي النِّهَايَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ الْوَطْءُ وَالْبَوْلُ وَالتَّخَلِّي فِي مُصَلَّى الْجَنَائِزِ وَالْعِيدِ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ فَإِنَّ الْبَانِيَ لَمْ يَعُدَّهُ لِذَلِكَ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَجُوزَ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ وَإِنْ حَكَمْنَا بِكَوْنِهِ غَيْرَ مَسْجِدٍ وَإِنَّمَا تَظْهَرُ فَائِدَتُهُ فِي بَقِيَّةِ الْأَحْكَامِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَمِنْ حِلِّ دُخُولِهِ لِلْجُنُبِ وَالْحَائِضِ. (قَوْلُهُ وَلَا نَقْشُهُ بِالْجَصِّ وَمَاءِ الذَّهَبِ) أَيْ وَلَا يُكْرَهُ نَقْشُ الْمَسْجِدِ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِلَفْظٍ لَا بَأْسَ بِهِ وَقِيلَ يُكْرَهُ لِلْحَدِيثِ إنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ تَزْيِينَ الْمَسَاجِدِ وَقِيلَ مُسْتَحَبٌّ لِأَنَّهُ مِنْ عِمَارَتِهِ وَقَدْ مَدَحَ اللَّهُ فَاعِلَهَا بِقَوْلِهِ {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ} [التوبة: 18] وَأَصْحَابُنَا قَالُوا بِالْجَوَازِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ وَلَا اسْتِحْبَابٍ لِأَنَّ مَسْجِدَ رَسُولِ اللَّهِ كَانَ مُسَقَّفًا مِنْ جَرِيدِ النَّخْلِ وَكَانَ يُكَفُّ إذَا جَاءَ الْمَطَرُ وَكَانَ كَذَلِكَ إلَى زَمَنِ عُثْمَانَ ثُمَّ رَفَعَهُ عُثْمَانُ وَبَنَاهُ وَبَسَطَ فِيهِ الْحَصَى كَمَا هُوَ الْيَوْمُ كَذَلِكَ وَمَحَلُّ الِاخْتِلَافِ فِي غَيْرِ نَقْشِ الْمِحْرَابِ أَمَّا نَقْشُهُ فَهُوَ مَكْرُوهٌ لِأَنَّهُ يُلْهِي الْمُصَلِّيَ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَغَيْرِهِ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي وَهَذَا إذَا فَعَلَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ أَمَّا الْمُتَوَلِّي فَإِنَّمَا يَفْعَلُ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ مَا يَحْكُمُ الْبِنَاءَ دُونَ النَّقْشِ فَلَوْ فَعَلَ ضَمِنَ حِينَئِذٍ لِمَا فِيهِ مِنْ تَضْيِيعِ الْمَالِ فَإِنْ اجْتَمَعَتْ أَمْوَالُ الْمَسَاجِدِ وَخَافَ الضَّيَاعَ بِطَمَعِ الظَّلَمَةِ فِيهَا لَا بَأْسَ بِهِ حِينَئِذٍ اهـ. وَصَرَّحَ فِي الْغَايَةِ أَنَّ جَعْلَ الْبَيَاضِ فَوْقَ السَّوَادِ لِلنَّقَاءِ مُوجِبٌ لِضَمَانِ الْمُتَوَلِّي وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَحَلَّهُ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْوَاقِفُ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ أَمَّا إنْ كَانَ كَذَلِكَ فَلَهُ الْبَيَاضُ لِقَوْلِهِمْ فِي عِمَارَةِ الْوَقْفِ إنَّهُ يُعَمَّرُ كَمَا كَانَ وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِ لِلنَّقَاءِ إذْ لَوْ قَصَدَ بِهِ إحْكَامَ الْبِنَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ وَقَيَّدُوا بِالْمَسْجِدِ إذْ نَقْشُ غَيْرِهِ مُوجِبٌ   [منحة الخالق] [أَعْظَمُ الْمَسَاجِدِ حُرْمَةً] (قَوْلُهُ قَيَّدَهُ بِأَنْ يَجْلِسَ لِأَجْلِهِ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَالْإِطْلَاقُ أَوْجَهُ. (قَوْلُهُ وَصُحِّحَ فِي مُصَلَّى الْعِيدِ كَذَلِكَ) يُخَالِفُهُ مَا قَالَهُ تَاجُ الشَّرِيعَةِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ أَيْ مُصَلَّى الْعِيدِ يَأْخُذُ حُكْمَهَا أَيْ الْمَسَاجِدِ لِأَنَّهُ أُعِدَّ لِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ فِيهِ بِالْجَمَاعَةِ لِأَعْظَمِ الْجُمُوعِ عَلَى وَجْهِ الْإِعْلَانِ إلَّا أَنَّهُ أُبِيحَ إدْخَالُ الدَّوَابِّ فِيهَا ضَرُورَةَ الْخَشْيَةِ عَلَى ضَيَاعِهَا وَقَدْ يَجُوزُ إدْخَالُ الدَّوَابِّ فِي بُقْعَةِ الْمَسَاجِدِ لِمَكَانِ الْعُذْرِ وَالضَّرُورَةِ اهـ. فَقَدْ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ فِي مُصَلَّى الْعِيدِ وَاتَّفَقَ فِي مُصَلَّى الْجِنَازَةِ كَذَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ (قَوْلُهُ فِي حَقِّ بَقِيَّةِ الْأَحْكَامِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا) أَيْ كَجَوَازِ الْوُضُوءِ وَالْمَضْمَضَةِ فِيهِ وَمَسْحِ الرِّجْلِ مِنْ الطِّينِ بِحَشِيشِهِ وَالْبُصَاقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا مَرَّ. [نَقْشُ الْمَسْجِدِ] (قَوْلُهُ وَهُوَ الْمَذْكُورُ إلَخْ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي قَوْلِهِ لَا بَأْسَ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يُؤْجَرُ بِذَلِكَ فَيَكْفِيهِ أَنْ يَنْجُوَ رَأْسًا بِرَأْسٍ. اهـ. لِأَنَّ فِي لَفْظَةِ لَا بَأْسَ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ غَيْرُهُ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْبَأْسَ الشِّدَّةُ. اهـ. قُلْت وَفِيهِ نَفْيٌ لِقَوْلِ مَنْ جَعَلَهُ قُرْبَةً لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْظِيمِ الْمَسْجِدِ وَإِجْلَالِ الدِّينِ وَبِهِ صَرَّحَ الزَّيْلَعِيُّ ثُمَّ قَالَ وَعِنْدَنَا لَا بَأْسَ بِهِ وَلَا يُسْتَحَبُّ وَصَرْفُهُ إلَى الْمَسَاكِينِ أَحَبُّ اهـ. وَأَفْعَلُ التَّفْضِيلِ لَيْسَ عَلَى بَابِهِ لِأَنَّهُ نَفَى اسْتِحْبَابَ صَرْفِهِ بِمَا تَقَدَّمَ كَذَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يُلْهِي الْمُصَلِّيَ) قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ قُلْت فَعَلَى هَذَا لَا يَخْتَصُّ بِالْمِحْرَابِ بَلْ فِي أَيِّ مَحَلٍّ يَكُونُ أَمَامُ مَنْ يُصَلِّي بَلْ أَعَمُّ مِنْهُ وَبِهِ صَرَّحَ الْكَمَالُ فَقَالَ بِكَرَاهَةِ التَّكَلُّفِ بِدَقَائِقِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 39 لِلضَّمَانِ إلَّا إذَا كَانَ مَكَانًا مُعَدًّا لِلِاسْتِغْلَالِ تَزِيدُ الْأُجْرَةُ بِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَأَرَادُوا مِنْ الْمَسْجِدِ دَاخِلَهُ لِقَوْلِ صَاحِبِ النِّهَايَةِ وَلِأَنَّ فِي تَزْيِينِهِ تَرْغِيبُ النَّاسِ فِي الِاعْتِكَافِ وَالْجُلُوسِ فِي الْمَسْجِدِ لِانْتِظَارِ الصَّلَاةِ وَذَلِكَ حَسَنٌ اهـ. فَيُفِيدُ أَنَّ تَزْيِينَ خَارِجِهِ مَكْرُوهٌ وَأَمَّا مِنْ مَالِ الْوَقْفِ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُتَوَلِّي فِعْلُهُ مُطْلَقًا لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِيهِ خُصُوصًا إذَا قَصَدَ بِهِ حِرْمَانَ أَرْبَابِ الْوَظَائِفِ كَمَا شَاهَدْنَاهُ فِي زَمَانِنَا مِنْ دَهْنِهِمْ الْحِيطَانِ الْخَارِجَةِ وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا فِي كِتَابِ الْوَقْفِ وَفِي النِّهَايَةِ وَلَيْسَ بِمُسْتَحْسَنٍ كِتَابَةُ الْقُرْآنِ عَلَى الْمَحَارِيبِ وَالْجُدْرَانِ لِمَا يُخَافُ مِنْ سُقُوطِ الْكِتَابَةِ وَأَنْ تُوطَأَ وَفِي جَامِعِ النَّسَفِيِّ مُصَلَّى أَوْ بِسَاطٌ فِيهِ أَسْمَاءُ اللَّهِ تَعَالَى يُكْرَهُ بَسْطُهُ وَاسْتِعْمَالُهُ فِي شَيْءٍ وَكَذَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ الْمَلِكُ لَا غَيْرُ أَوْ الْأَلِفُ وَاللَّامُ وَحْدَهَا وَكَذَا يُكْرَهُ إخْرَاجُهُ عَنْ مِلْكِهِ إذَا لَمْ يَأْمَنْ مِنْ اسْتِعْمَالِ الْغَيْرِ فَالْوَاجِبُ أَنْ يُوضَعَ فِي أَعْلَى مَوْضِعٍ لَا يُوضَعُ فَوْقَهُ شَيْءٌ وَكَذَا يُكْرَهُ كِتَابَةُ الرِّقَاعِ وَإِلْصَاقُهَا فِي الْأَبْوَابِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِهَانَةِ اهـ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (بَابُ الْوِتْرِ وَالنَّوَافِلِ) لَا خَفَاءَ فِي حُسْنِ تَأْخِيرِهِمَا عَنْ الْفَرَائِضِ وَالْوِتْرُ فِي اللُّغَةِ خِلَافُ الشَّفْعِ وَأَوْتَرَ صَلَّى الْوِتْرَ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَهُوَ فِي الشَّرْعِ صَلَاةٌ مَخْصُوصَةٌ وَهِيَ ثَلَاثَةُ رَكَعَاتٍ بَعْدَ الْعِشَاءِ وَالنَّفَلُ فِي اللُّغَةِ الزِّيَادَةُ وَفِي الشَّرِيعَةِ زِيَادَةُ عِبَادَةٍ شُرِعَتْ لَنَا لَا عَلَيْنَا وَوُجُوهُ اشْتِقَاقِهِ يَدُلُّ عَلَى الزِّيَادَةِ وَلِهَذَا يُسَمَّى وَلَدُ الْوَلَدِ نَافِلَةً لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ عَلَى الْوَلَدِ الصُّلْبِيِّ وَتُسَمَّى الْغَنِيمَةُ نَفْلًا لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ عَلَى أَصْلِ الْمَالِ (قَوْلُهُ الْوِتْرُ وَاجِبٌ) وَهَذَا آخِرُ أَقْوَالِ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَالْأَصَحُّ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِهِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ فَرْضٌ وَعَنْهُ أَنَّهُ سُنَّةٌ وَوَفَّقَ الْمَشَايِخُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ فَرْضٌ عَمَلًا وَاجِبٌ اعْتِقَادًا سُنَّةٌ ثُبُوتًا وَدَلِيلًا وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَسُنَّةٌ عَمَلًا وَاعْتِقَادًا وَدَلِيلًا لَكِنْ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ آكَدُ مِنْ سَائِرِ السُّنَنِ الْمُؤَقَّتَةِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ لِظُهُورِ أَثَرِ السُّنَنِ فِيهِ حَيْثُ لَا يُؤَذَّنُ لَهُ وَلَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُمَا دَلِيلُ الْوُجُوبِ فَنَفَيَاهُ وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُ فِي الْهِدَايَةِ لَهُمَا بِأَنَّهُ لَا يُكَفَّرُ جَاحِدُهُ لَا يُفِيدُ إذْ إثْبَاتُ اللَّازِمِ لَا يَسْتَلْزِمُ إثْبَاتَ الْمَلْزُومِ الْمُعَيَّنِ إلَّا إذَا سَاوَاهُ وَهُوَ هُنَا أَعَمُّ فَإِنَّ عَدَمَ الْإِكْفَارِ بِالْجَحْدِ لَازِمُ الْوُجُوبِ كَمَا هُوَ لَازِمُ السُّنَّةِ وَالْمُدَّعِي الْوُجُوبَ لَا الْفَرْضَ وَأَمَّا الْإِمَامُ فَثَبَتَ عِنْدَهُ دَلِيلُ الْوُجُوبِ وَهُوَ الْحَدِيثُ وَأَحْسَنُ مَا يُعَيَّنُ مِنْهُ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مَرْفُوعًا «الْوِتْرُ حَقٌّ فَمَنْ لَمْ يُوتِرْ فَلَيْسَ مِنِّي الْوِتْرُ حَقٌّ فَمَنْ لَمْ يُوتِرْ فَلَيْسَ مِنِّي الْوِتْرُ حَقٌّ فَمَنْ لَمْ يُوتِرْ فَلَيْسَ مِنِّي» رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مَرْفُوعًا «أَوْتِرُوا قَبْلَ أَنْ تُصْبِحُوا» وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ وَأَمَّا مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَوْتَرَ عَلَى بَعِيرِهِ» فَوَاقِعَةُ حَالٍ لَا عُمُومَ لَهَا فَيَجُوزُ كَوْنُهُ كَانَ لِلْعُذْرِ وَالِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّ الْفَرْضَ يُصَلَّى عَلَى الدَّابَّةِ لِعُذْرِ الطِّينِ وَالْمَرَضِ وَنَحْوِهِ أَوْ أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ وُجُوبِهِ لِأَنَّ وُجُوبَهُ لَمْ يُقَارِنْ وُجُوبَ الْخَمْسِ بَلْ مُتَأَخِّرٌ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ «- عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يَنْزِلُ لِلْوِتْرِ» وَأَمَّا «حَدِيثُ الْأَعْرَابِيِّ حِينَ قَالَ لَهُ هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا أَيْ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا إلَّا أَنْ تَطَوَّعَ» فَلَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْوِتْرِ كَمَا زَعَمَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِأَنَّهُ كَانَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ وَجَبَ الْوِتْرُ بَعْدَهُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنْ الْعِبَادَةِ الْمَالِيَّةِ فَأَخْبَرَهُ بِالزَّكَاةِ فَقَالَ هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا فَقَالَ لَا كَمَا ذَكَرَ فِي الصَّلَاةِ مَعَ أَنَّ صَدَقَةَ الْفِطْرِ فَرْضٌ عِنْدَهُمْ بِدَلِيلِهِ فَمَا هُوَ جَوَابُهُمْ عَنْهَا فَهُوَ جَوَابُنَا عَنْهُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْقَوْلِ بِوُجُوبِهِ الزِّيَادَةُ عَلَى الْفَرَائِضِ الْخَمْسِ الْقَطْعِيَّةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِفَرْضٍ قَطْعِيٍّ وَذَكَرَ فِي الْبَدَائِعِ حِكَايَةً هِيَ أَنَّ يُوسُفَ بْنَ خَالِدٍ السَّمْتِيَّ كَانَ مِنْ أَعْيَانِ فُقَهَاءِ الْبَصْرَةِ فَسَأَلَ أَبَا حَنِيفَةَ عَنْهُ فَقَالَ إنَّهُ وَاجِبٌ   [منحة الخالق] النُّقُوشِ وَنَحْوِهَا خُصُوصًا فِي الْمِحْرَابِ اهـ. وَبِهِ يُعْلَمُ مَا فِي كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ [بَابُ الْوِتْرِ وَالنَّوَافِل] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 40 فَقَالَ لَهُ كَفَرْت يَا أَبَا حَنِيفَةَ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُ يَقُولُ أَنَّهُ فَرِيضَةٌ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أَيَهُولُنِي إكْفَارُك إيَّايَ وَأَنَا أَعْرِفُ الْفَرْقَ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالْوَاجِبِ كَفَرْقِ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ بَيَّنَ لَهُ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا فَاعْتَذَرَ إلَيْهِ وَجَلَسَ عِنْدَهُ لِلتَّعَلُّمِ اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ لَا يَجُوزُ الْوِتْرُ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ وَلَا عَلَى رَاحِلَتِهِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ لِأَنَّ عِنْدَهُ الْوِتْرَ وَاجِبٌ وَأَدَاءُ الْوَاجِبَاتِ وَالْفَرَائِضِ عَلَى الرَّاحِلَةِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ لَا يَجُوزُ وَعِنْدَهُمَا وَإِنْ كَانَ سُنَّةً لَكِنْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ كَانَ يَتَنَفَّلُ عَلَى رَاحِلَتِهِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فِي اللَّيْلِ وَإِذَا بَلَغَ الْوِتْرُ نَزَلَ فَيُوتِرُ عَلَى الْأَرْضِ» اهـ. فَأَفَادَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَاعِدًا وَرَاكِبًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ بِاتِّفَاقِ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ وَصَرَّحَ فِي الْهِدَايَةِ بِأَنَّهُ يَجِبُ قَضَاؤُهُ إذَا فَاتَهُ بِالْإِجْمَاعِ وَصَحَّحَهُ فِي التَّجْنِيسِ وَعَلَّلَ لَهُ فِي الْمُحِيطِ بِقَوْلِهِ أَمَّا عِنْدَهُ فَلِأَنَّهُ وَاجِبٌ وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ نَامَ عَنْ وِتْرٍ أَوْ نَسِيَهُ فَلْيُصَلِّهِ إذَا ذَكَرَهُ» اهـ. وَصَرَّحَ فِي الْكَافِي بِأَنَّ وُجُوبَ قَضَائِهِ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْهُمَا وَرُوِيَ عَنْهُمَا عَدَمُهُ وَسَيَأْتِي أَنَّهُ لَا يُصَلَّى خَلْفَ النَّفْلِ اتِّفَاقًا فَظَهَرَ بِهَذَا أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِهِ بِوُجُوبِهِ وَبَيْنَ قَوْلِهِمَا بِسُنِّيَّتِهِ مِنْ جِهَةِ الْأَحْكَامِ فَإِنَّ السُّنَّةَ الْمُؤَكَّدَةَ بِمَنْزِلَةِ الْوَاجِبِ إلَّا فِي فَسَادِ الصُّبْحِ بِتَذَكُّرِهِ وَفِي قَضَائِهِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ قَالَ فِي التَّجْنِيسِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَقْضِيهِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَبَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ عِنْدَهُ فَيَجُوزُ قَضَاؤُهُ فِيهِ كَقَضَاءِ سَائِرِ الْفَرَائِضِ وَعِنْدَهُمَا لَا لِأَنَّهُ سُنَّةٌ عِنْدَهُمَا اهـ. لَكِنْ تَعَقَّبَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهُ سُنَّةٌ عِنْدَهُمَا فَوُجُوبُ الْقَضَاءِ مَحَلُّ النِّزَاعِ وَقَدْ عَلِمْت دَفْعَهُ بِمَا فِي الْمُحِيطِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ والولوالجية وَالتَّجْنِيسِ وَغَيْرِهِمَا أَهْلُ قَرْيَةٍ اجْتَمَعُوا عَلَى تَرْكِ الْوِتْرِ أَدَّبَهُمْ الْإِمَامُ وَحَبَسَهُمْ فَإِنْ لَمْ يَمْتَنِعُوا قَاتَلَهُمْ وَإِنْ امْتَنَعُوا عَنْ أَدَاءِ السُّنَنِ فَجَوَابُ أَئِمَّةِ بُخَارَى بِأَنَّ الْإِمَامَ يُقَاتِلُهُمْ كَمَا يُقَاتِلُهُمْ عَلَى تَرْكِ الْفَرَائِضِ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ أَنَّهُ قَالَ لَوْ أَنَّ أَهْلَ بَلْدَةٍ أَنْكَرُوا سُنَّةَ السِّوَاكِ لَقَاتَلْتُهُمْ كَمَا نُقَاتِلُ الْمُرْتَدِّينَ اهـ. وَفِي الْعُمْدَةِ اجْتَمَعَ قَوْمٌ عَلَى تَرْكِ الْأَذَانِ يُؤَدِّبُهُمْ الْإِمَامُ وَعَلَى تَرْكِ السُّنَنِ يُقَاتِلُهُمْ زَادَ فِي الْخُلَاصَةِ بِأَنَّ هَذَا إذَا تَرَكَهَا جَفَاءً لَكِنْ رَآهَا حَقًّا فَإِنْ لَمْ يَرَهَا حَقًّا يُكَفَّرُ وَذَكَرَ فِي التَّحْقِيقِ لِصَاحِبِ الْكَشْفِ أَنَّ الْوَاجِبَ نَوْعَانِ وَاجِبٌ فِي قُوَّةِ الْفَرْضِ فِي الْعَمَلِ كَالْوِتْرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى مَنَعَ تَذَكُّرُهُ صِحَّةَ الْفَجْرِ كَتَذَكُّرِ الْعِشَاءِ وَوَاجِبٌ دُونَ الْفَرْضِ فِي الْعَمَلِ فَوْقَ السُّنَّةِ كَتَعْيِينِ الْفَاتِحَةِ حَتَّى وَجَبَ سُجُودُ السَّهْوِ بِتَرْكِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْسُدُ الصَّلَاةُ اهـ. وَفِي الْبَدَائِعِ أَنَّ وُجُوبَهُ لَا يَخْتَصُّ بِالْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ بَلْ يَعُمُّ النَّاسَ أَجْمَعَ مِنْ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى إنْ كَانَ أَهْلًا لِلْوُجُوبِ لِعُمُومِ الدَّلَائِلِ. (قَوْلُهُ وَهُوَ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ بِتَسْلِيمَةٍ) أَيْ الْوِتْرُ لِمَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَقَالَ عَلَى شَرْطِهِمَا عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُوتِرُ بِثَلَاثٍ لَا يُسَلِّمُ إلَّا فِي آخِرِهِنَّ» قِيلَ لِلْحَسَنِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُسَلِّمُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ مِنْ الْوِتْرِ فَقَالَ كَانَ عُمَرُ أَفْقَهَ مِنْهُ وَكَانَ يَنْهَضُ فِي الثَّانِيَةِ بِالتَّكْبِيرِ اهـ. وَنَقَلَهُ الطَّحَاوِيُّ عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَمَّا «قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى وَإِذَا خَشِيَ الصُّبْحَ صَلَّى وَاحِدَةً فَأَوْتَرْت لَهُ مَا صَلَّى» فَلَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْوِتْرَ وَاحِدَةٌ بِتَحْرِيمَةٍ مُسْتَأْنَفَةٍ لِيَحْتَاجَ إلَى الِاشْتِغَالِ بِجَوَابِهِ إذْ يَحْتَمِلُ كُلًّا مِنْ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ فَظَهَرَ بِهَذَا إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَقُولُ: بِخَطِّ شَيْخِ شَيْخِنَا عَلِيٍّ الْمَقْدِسِيَّ كَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ وَقَدْ صَرَّحُوا فِي الْمُتُونِ بِالْفَرْقِ وَفَرَّعُوا عَلَى كُلِّ قَوْلٍ أَحْكَامًا لِلْآخَرِ كَفَسَادِ الْفَجْرِ بِتَذَكُّرِهِ وَفَسَادِهِ بِتَذَكُّرِ فَرْضٍ قَبْلَهُ اهـ. قُلْت وَهُوَ عَجِيبٌ وَنَقْلُ الْعَلَّامَةِ الرَّمْلِيِّ لَهُ أَعْجَبُ وَكَأَنَّ مَنْشَأَهُ الْغَفْلَةُ عَنْ قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ إلَّا فِي فَسَادِ الصُّبْحِ إلَخْ (قَوْلُهُ إلَّا فِي فَسَادِ الصُّبْحِ بِتَذَكُّرِهِ إلَخْ) أَيْ وَإِلَّا فِي عَدَمِ إعَادَتِهِ لَوْ ظَهَرَ فَسَادُ الْعِشَاءِ دُونَهُ عِنْدَهُ لَا عِنْدَهُمَا قَالَ فِي الْمَنْظُومَةِ وَالْوِتْرُ فَرْضٌ وَيَرَى بِذِكْرِهِ ... فِي فَجْرِهِ فَسَادَ فَرْضِ فَجْرِهِ وَلَا يُعَادُ الْوِتْرُ إذْ يُعَادُ ... عِشَاؤُهُ إنْ ظَهَرَ الْفَسَادُ اهـ. وَإِلَّا فِي فَسَادِهِ بِتَذَكُّرِ فَرْضٍ قَبْلَهُ (قَوْلُهُ لَكِنْ تَعَقَّبَ إلَخْ) عِبَارَةُ الْفَتْحِ قَوْلُهُ وَلِهَذَا وَجَبَ الْقَضَاءُ بِالْإِجْمَاعِ أَيْ ثَبَتَ وَإِلَّا فَوُجُوبُ الْقَضَاءِ مَحَلُّ النِّزَاعِ أَيْضًا وَالْمَعْنَى أَنَّهُ صَلَاةٌ مَقْضِيَّةٌ مُؤَقَّتَةٌ فَتَجِبُ كَالْمَغْرِبِ اهـ. وَكَانَ الْحَامِلُ لَهُ عَلَى تَأْوِيلٍ وَجَبَ بِثَبْتِ أَنَّ إيجَابَ الْقَضَاءِ بِدُونِ إيجَابِ الْأَدَاءِ مِمَّا لَمْ يُعْهَدْ كَمَا قَالَهُ فِي النَّهْرِ مُتَعَقِّبًا لِمَا مَرَّ عَنْ الْمُحِيطِ وَلِمَا أَجَابَ بِهِ بَعْضُهُمْ عَنْ الْهِدَايَةِ أَنَّ الْمُرَادَ إجْمَاعُ الْأَصْحَابِ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْهُمْ وَنَقَلَ جَوَابًا آخَرَ أَنَّ الْمُرَادَ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ لِقَوْلِ الطَّحَاوِيِّ إنَّ وُجُوبَهُ ثَبَتَ بِإِجْمَاعِهِمْ وَإِلَى هَذَا يُشِيرُ قَوْلُ الْفَتْحِ إنْ وَجَبَ بِمَعْنَى ثَبَتَ قَالَ وَهَذَا الْجَوَابُ اخْتَارَهُ كَثِيرٌ مِنْ الشَّارِحِينَ وَلَا يَخْفَى أَنَّ فِيهِ عُدُولًا عَنْ الظَّاهِرِ اهـ. وَفِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ وَالتَّحْقِيقُ مَا فِي الْفَتْحِ لِمَا يَلْزَمُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ مِنْ تَفْرِيقِ الْأَحْكَامِ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَمَا ذُكِرَ فِي الْجَوَابِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ظَاهِرٌ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ. - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الجزء: 2 ¦ الصفحة: 41 ذَلِكَ وَمِنْ كَوْنِهِ إذَا خَشِيَ الصُّبْحَ صَلَّى وَاحِدَةً مُتَّصِلَةً وَمَعَ الِاحْتِمَالِ لَا يُقَاوَمُ الصَّرَائِحُ الْوَارِدَةُ وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ بِسَنَدِهِ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يَقْرَأُ فِي الْأُولَى بِ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى: 1] وَفِي الثَّانِيَةِ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] وَفِي الثَّالِثَةِ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] » وَمَا وَقَعَ فِي السُّنَنِ وَغَيْرِهَا مِنْ زِيَادَةِ الْمُعَوِّذَتَيْنِ أَنْكَرَهَا الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَعِينٍ وَلَمْ يَخْتَرْهَا أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ كَمَا ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ كَذَا فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَصَحَّحَ الشَّارِحُ الزَّيْلَعِيُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اقْتِدَاءُ الْحَنَفِيِّ بِمَنْ يُسَلِّمُ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ فِي الْوِتْرِ وَجَوَّزَهُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ وَيُصَلِّي مَعَهُ بَقِيَّةَ الْوِتْرِ لِأَنَّ إمَامَهُ لَمْ يَخْرُجْ بِسَلَامِهِ عِنْدَهُ وَهُوَ مُجْتَهِدٌ فِيهِ كَمَا لَوْ اقْتَدَى بِإِمَامٍ قَدْ رَعَفَ وَاشْتِرَاطُ الْمَشَايِخِ لِصِحَّةِ اقْتِدَاءِ الْحَنَفِيِّ فِي الْوِتْرِ بِالشَّافِعِيِّ أَنْ لَا يَفْصِلَهُ عَلَى الصَّحِيحِ مُفِيدٌ لِصِحَّتِهِ إذَا لَمْ يَفْصِلْهُ اتِّفَاقًا وَيُخَالِفُهُ مَا ذَكَرَ فِي الْإِرْشَادِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ فِي الْوِتْرِ بِالشَّافِعِيِّ بِإِجْمَاعِ أَصْحَابِنَا لِأَنَّهُ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ فَإِنَّهُ يُفِيدُ عَدَمَ الصِّحَّةِ فَصْلَ أَوْ وَصْلَ فَلِذَا قَالَ بَعْدَهُ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ مُشِيرًا إلَى أَنَّ عَدَمَ الصِّحَّةِ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ الْفَصْلِ لَا مُطْلَقًا مُعَلِّلًا بِأَنَّ اعْتِقَادَ الْوُجُوبِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَى الْحَنَفِيِّ اهـ. فَمُرَادُهُ مِنْ الْأَوَّلِ هُوَ قَوْلُهُ فِي شُرُوطِ الِاقْتِدَاءِ بِالشَّافِعِيِّ وَلَا يَقْطَعُ وِتْرَهُ بِالسَّلَامِ هُوَ الصَّحِيحُ وَيَشْهَدُ لِلشَّارِحِ مَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ أَنَّ الِاقْتِدَاءَ بِهِ فِي الْعِيدَيْنِ صَحِيحٌ وَلَمْ يَرِدْ فِيهِ خِلَافٌ مَعَ أَنَّهُ سُنَّةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَوَاجِبٌ عِنْدَنَا وَمَا نَقَلَهُ أَصْحَابُ الْفَتَاوَى عَنْ ابْنِ الْفَضْلِ أَنَّ اقْتِدَاءَ الْحَنَفِيِّ فِي الْوِتْرِ بِمَنْ يَرَى أَنَّهُ سُنَّةٌ كَالْيُوسُفِيِّ صَحِيحٌ لِأَنَّ كُلًّا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةِ الْوِتْرِ فَلَمْ تَخْتَلِفُ نِيَّتُهُمَا فَأُهْدِرَ اخْتِلَافُ الِاعْتِقَادِ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ وَاعْتُبِرَ مُجَرَّدَ اتِّحَادِ النِّيَّةِ وَاسْتَشْكَلَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِمَا ذَكَرَهُ فِي التَّجْنِيسِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّ الْفَرْضَ لَا يَتَأَدَّى بِنِيَّةِ النَّفْلِ وَيَجُوزُ عَكْسُهُ فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ وِتْرُ الْحَنَفِيِّ اقْتِدَاءً بِوِتْرِ الشَّافِعِيِّ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ شُرُوعُهُ فِي الْوِتْرِ لِأَنَّهُ بِنِيَّتِهِ إيَّاهُ إنَّمَا نَوَى النَّفَلَ الَّذِي هُوَ الْوِتْرُ فَلَا يَتَأَدَّى الْوَاجِبُ بِنِيَّةِ النَّفْلِ وَحِينَئِذٍ فَالِاقْتِدَاءُ بِهِ فِيهِ بِنَاءً عَلَى الْمَعْدُومِ فِي زَعْمِ الْمُقْتَدِي نَعَمْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لَوْ لَمْ يَخْطِرْ بِخَاطِرِهِ عِنْدَ النِّيَّةِ صِفَةٌ مِنْ السُّنَّةِ أَوْ غَيْرِهَا بَلْ مُجَرَّدُ الْوِتْرِ يَنْتَفِي الْمَانِعُ فَيَجُوزُ لَكِنْ إطْلَاقُ مَسْأَلَةِ التَّجْنِيسِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَإِنْ لَمْ يَخْطِرْ بِخَاطِرِهِ نَفْلِيَّةٌ وَفَرْضِيَّةٌ بَعْدَ أَنْ كَانَ الْمُتَقَرِّرُ فِي اعْتِقَادِهِ نَفْلِيَّتَهُ وَهُوَ غَيْرُ بَعِيدٍ لِلْمُتَأَمِّلِ اهـ. وَحَاصِلُهُ تَرْجِيحُ مَا فِي الْإِرْشَادِ وَتَضْعِيفُ تَصْحِيحِ الزَّيْلَعِيِّ وَمَا فِي الْفَتَاوَى عَنْ ابْنِ الْفَضْلِ وَلَيْسَ فِيمَا ذَكَرَهُ دَلِيلٌ عَلَيْهِ لِأَنَّ مَا فِي التَّجْنِيسِ وَغَيْرِهِ إنَّمَا هُوَ فِي الْفَرْضِ الْقَطْعِيِّ وَالْوِتْرُ لَيْسَ بِفَرْضٍ قَطْعِيٍّ إنَّمَا هُوَ وَاجِبٌ ظَنِّيٌّ ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ فَلَا يَلْزَمُ اعْتِقَادُ وُجُوبِهِ لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ فَلَمْ يَلْزَمْ فِي صِحَّتِهِ تَعْيِينُ وُجُوبِهِ بَلْ تَعْيِينُ كَوْنِهِ وِتْرًا بَلْ صَرَّحَ فِي الْمُحِيطِ وَالْبَدَائِعِ بِأَنَّهُ يَنْوِي صَلَاةَ الْوِتْرِ وَالْعِيدَيْنِ فَقَطْ وَصَرَّحَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ كَمَا فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي بِأَنَّهُ لَا يَنْوِي فِي الْوِتْرِ أَنَّهُ وَاجِبٌ لِلِاخْتِلَافِ فِي وُجُوبِهِ فَظَهَرَ بِهَذَا أَنَّ الْمَذْهَبَ الصَّحِيحَ صِحَّةُ الِاقْتِدَاءِ بِالشَّافِعِيِّ فِي الْوِتْرِ إنْ لَمْ يُسَلِّمْ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ وَعَدَمُهَا إنْ سَلَّمَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ لِأَنَّ إمَامَهُ لَمْ يَخْرُجْ بِسَلَامِهِ عِنْدَهُ) فِيهِ أَنَّهُ إنْ رَجَعَ الضَّمِيرُ فِي عِنْدَهُ إلَى الْمُقْتَدِي الْحَنَفِيِّ فَلَا شَكَّ فِي أَنَّ هَذَا السَّلَامَ عِنْدَهُ مُخْرِجٌ مِنْ الصَّلَاةِ حَتَّى جَازَ لَهُ بَعْدَهُ الْكَلَامُ وَنَحْوُهُ وَكَذَا إذَا رَجَعَ إلَى الْإِمَامِ لِأَنَّهُ كَذَلِكَ مُخْرِجٌ مِنْ الصَّلَاةِ نَعَمْ عِنْدَ الْحَنَفِيِّ سَلَامُهُ مُبْطِلٌ لِلصَّلَاةِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ مُتَمِّمٌ وَمُخْرِجٌ مِنْهَا وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ لَمْ يَخْرُجْ بِسَلَامِهِ عِنْدَهُ أَيْ عِنْدَ إمَامِهِ أَيْ لَمْ يَبْطُلْ وِتْرُهُ لِصِحَّةِ فَصْلِهِ عِنْدَهُ وَيَكُونُ هَذَا الْقَوْلُ مَبْنِيًّا عَلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ لِرَأْيِ الْإِمَامِ كَمَا سَيَأْتِي نَقْلُهُ عَنْ الْهِنْدُوَانِيُّ وَجَمَاعَةٍ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ كَمَا لَوْ اقْتَدَى بِإِمَامٍ قَدْ رَعَفَ (قَوْلُهُ مُفِيدٌ لِصِحَّتِهِ إلَخْ) فِي هَذِهِ الْإِفَادَةِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ بِالشَّافِعِيِّ عَدَمُ الْفَصْلِ عَلَى الصَّحِيحِ مُفِيدٌ لِلْخِلَافِ عِنْدَ عَدَمِ الْفَصْلِ لَا لِلِاتِّفَاقِ وَلَعَلَّ قَوْلَهُ عَلَى الصَّحِيحِ سَبْقُ قَلَمٍ وَعِبَارَةُ الْفَتْحِ هُنَا هَكَذَا وَمَا ذُكِرَ فِي الْإِرْشَادِ لَا يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ فِي الْوِتْرِ بِإِجْمَاعِ أَصْحَابِنَا لِأَنَّهُ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ يُخَالِفُهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ اشْتِرَاطِ الْمَشَايِخِ فِي الِاقْتِدَاءِ بِشَافِعِيٍّ فِي الْوِتْرِ أَنْ لَا يَفْصِلَهُ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي صِحَّةَ الِاقْتِدَاءِ عِنْدَ عَدَمِ فَصْلِهِ وَلَا غُبَارَ عَلَيْهَا (قَوْلُهُ فَلِذَا قَالَ بَعْدَهُ) أَيْ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ بَعْدَ كَلَامِ الْإِرْشَادِ وَالْأَوَّلُ أَيْ اشْتِرَاطُ عَدَمِ الْقَطْعِ بِالسَّلَامِ أَصَحُّ وَفِي ذَلِكَ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ عَدَمَ الصِّحَّةِ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ الْفَصْلِ فَقَطْ ثُمَّ لِيُنْظَرْ فِيمَا عَلَّلَ بِهِ مِنْ عَدَمِ وُجُوبِ اعْتِقَادِ الْوُجُوبِ عَلَى الْحَنَفِيِّ فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مَنْ قَلَّدَ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْقَائِلَ بِوُجُوبِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ اعْتِقَادُ ذَلِكَ وَإِلَّا لَمَا وَجَبَ عَلَيْهِ التَّرْتِيبُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى أَنَّهُ قَدْ مَرَّ عَنْ الْمَشَايِخِ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ وَاجِبٌ اعْتِقَادًا أَيْ وَاجِبُ اعْتِقَادِهِ لِأَنَّهُ تَمْيِيزٌ مُحَوَّلٌ عَنْ الْفَاعِلِ وَأَمَّا قَوْلُ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّهُ لَازِمٌ عَمَلًا لَا عِلْمًا فَالْمُرَادُ نَفْيُ الْعِلْمِ الْقَطْعِيِّ وَلِذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمَنَارِ وَحُكْمُهُ اللُّزُومُ عَمَلًا لَا عِلْمًا عَلَى الْيَقِينِ وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ عَلَيْهِ بِأَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ نَفْيُ الِافْتِرَاضِ وَالْيَقِينِ أَيْ لَا يُفْتَرَضُ عَلَيْهِ اعْتِقَادُ الْوُجُوبِ لِيَظْهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فَإِنَّهَا وَاجِبَةٌ عَمَلًا وَعِلْمًا أَيْ يَلْزَمُهُ فِعْلُهَا وَاعْتِقَادُهَا (قَوْلُهُ فَلَا يَلْزَمُهُ اعْتِقَادُ وُجُوبِهِ) فِيهِ مَا مَرَّ فَتَدَبَّرْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 42 وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ لَكِنْ إطْلَاقُ مَسْأَلَةِ التَّجْنِيسِ يَقْتَضِي إلَى آخِرِهِ غَفْلَةٌ عَمَّا ذَكَرَهُ صَاحِبُ التَّجْنِيسِ فِي بَابِ الْوِتْرِ مِنْهُ وَلَفْظُهُ إذَا اقْتَدَى فِي الْوِتْرِ بِمَنْ يَرَاهُ سُنَّةً وَهُوَ يَرَاهُ وَاجِبًا يَنْظُرُ إنْ كَانَ نَوَى الْوِتْرَ وَهُوَ يَرَاهُ سُنَّةً أَوْ تَطَوُّعًا جَازَ الِاقْتِدَاءُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ صَلَّى الظُّهْرَ خَلْفَ آخَرَ وَهُوَ يَرَى أَنَّ الرُّكُوعَ سُنَّةٌ أَوْ تَطَوُّعٌ وَإِنْ كَانَ افْتَتَحَ الْوِتْرَ بِنِيَّةِ التَّطَوُّعِ أَوْ بِنِيَّةِ السُّنِّيَّةِ لَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ لِأَنَّهُ يَصِيرُ اقْتِدَاءَ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ كَذَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الرُّسْتُغْفَنِيُّ هَذَا وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُفْهَمَ مِنْ قَوْلِهِمْ أَنَّهُ لَا يَنْوِي أَنَّهُ وَاجِبٌ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ تَعْيِينُ الْوُجُوبِ لَا أَنَّ الْمُرَادَ مَنْعُهُ مِنْ أَنْ يَنْوِيَ وُجُوبَهُ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ حَنَفِيًّا أَوْ غَيْرَهُ فَإِنْ كَانَ حَنَفِيًّا فَيَنْبَغِي أَنَّهُ يَنْوِيهِ لِيُطَابِقَ اعْتِقَادَهُ وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ فَلَا تَضُرُّهُ تِلْكَ النِّيَّةُ فَإِنَّ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ انْتِفَاءَ الْوَصْفِ لَا يُوجِبُ انْتِفَاءَ الْأَصْلِ فَيَبْقَى الْأَصْلُ وَهُوَ صَلَاةُ الْوِتْرِ هُنَا وَقَدْ كَانَ يَخْرُجُ بِهِ عَنْ الْعُهْدَةِ. (قَوْلُهُ وَقَنَتَ فِي ثَالِثَتِهِ قَبْلَ الرُّكُوعِ أَبَدًا) لِمَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَقْنُتُ قَبْلَ الرُّكُوعِ» وَمَا فِي حَدِيثِ أَنَسٍ مِنْ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَنَتَ بَعْدَ الرُّكُوعِ» فَالْمُرَادُ مِنْهُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ شَهْرًا مِنْهُ فَقَطْ بِدَلِيلِ مَا فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ سَأَلْت أَنَسًا عَنْ الْقُنُوتِ فِي الصَّلَاةِ قَالَ نَعَمْ قُلْت أَكَانَ قَبْلَ الرُّكُوعِ أَوْ بَعْدَهُ قَالَ قَبْلَهُ قُلْت فَإِنَّ فُلَانًا أَخْبَرَنِي عَنْك أَنَّك قُلْت بَعْدَهُ قَالَ كَذَبَ إنَّمَا «قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ الرُّكُوعِ شَهْرًا» وَظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ يَدُلُّ عَلَى الْقُنُوتِ فِي جَمِيعِ السُّنَّةِ وَأَمَّا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جَمَعَ النَّاسَ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فَكَانَ يُصَلِّي بِهِمْ عِشْرِينَ لَيْلَةً مِنْ الشَّهْرِ يَعْنِي رَمَضَانَ وَلَا يَقْنُتُ بِهِمْ إلَّا فِي النِّصْفِ الثَّانِي فَإِذَا كَانَ الْعَشْرُ الْأَوَاخِرُ تَخَلَّفَ فَصَلَّى فِي بَيْتِهِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى تَخْصِيصِهِ بِالنِّصْفِ الثَّانِي مِنْ رَمَضَانَ لِأَنَّ الْقُنُوتَ فِيهِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ طُولَ الْقِيَامِ فَإِنَّهُ يُقَالُ عَلَيْهِ كَمَا يُقَالُ عَلَى الدُّعَاءِ وَتَرَجَّحَ الْأَوَّلُ لِتَخْصِيصِ النِّصْفِ الْأَخِيرِ بِزِيَادَةِ الِاجْتِهَادِ فَلَيْسَ هُوَ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ وَالْكَلَامُ فِي الْقُنُوتِ فِي خَمْسَةِ مَوَاضِعَ فِي صِفَتِهِ وَمَحَلِّ أَدَائِهِ وَمِقْدَارِهِ وَدُعَائِهِ وَحُكْمِهِ إذَا فَاتَ أَمَّا الْأَوَّلُ فَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ مِنْ الْوَاجِبَاتِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا سُنَّةٌ كَالْوِتْرِ وَيَشْهَدُ لِلْوُجُوبِ «قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْحَسَنِ حِينَ عَلَّمَهُ الْقُنُوتَ اجْعَلْ هَذَا فِي وِتْرِك» وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ لَكِنَّهُ تَعَقَّبَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ وَمِنْهُمْ مَنْ حَاوَلَ الِاسْتِدْلَالَ بِالْمُوَاظَبَةِ الْمُفَادَةِ مِنْ الْأَحَادِيثِ وَهُوَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَلَفْظُهُ إذَا اقْتَدَى إلَخْ) هَذَا كَمَا يَدْفَعُ قَوْلَ الْفَتْحِ يَقْتَضِي إلَخْ يَدْفَعُ قَوْلَهُ أَيْضًا لِأَنَّهُ بِنِيَّتِهِ إيَّاهُ إنَّمَا نَوَى النَّفَلَ إلَخْ لِأَنَّهُ يُقَالُ عَلَيْهِ أَنَّهُ نَوَى صَلَاةً مَخْصُوصَةً عَيَّنَهَا بِالْوَتْرِيَّةِ وَهَذَا كَافٍ فِي صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ عِبَارَةُ التَّجْنِيسِ هَذِهِ وَقَدْ دَلَّتْ أَيْضًا عَلَى أَنَّ قَوْلَ التَّجْنِيسِ أَوَّلًا أَنَّ الْفَرْضَ لَا يَتَأَدَّى بِنِيَّةِ النَّفْلِ مَعْنَاهُ إذَا نَوَى صَرِيحَ النَّفْلِ كَالسُّنَّةِ أَوْ التَّطَوُّعِ فَالنِّيَّةُ بِعِنْوَانِ الْوِتْرِيَّةِ لَيْسَتْ نِيَّةَ النَّفْلِيَّةِ قَالَ فِي النَّهْرِ بَعْدَ تَقْرِيرِهِ لِحَاصِلِ مَا قُلْنَا وَإِذَا تَحَقَّقَتْ هَذَا ظَهَرَ لَك أَنَّ قَوْلَهُ فِي الْبَحْرِ مَا فِي التَّجْنِيسِ أَوَّلًا فِي الْفَرْضِ الْقَطْعِيِّ وَالْوِتْرُ لَيْسَ كَذَلِكَ غَيْرُ صَحِيحٍ إذْ مُفَادُهُ أَنَّ الْوِتْرَ يَتَأَدَّى بِنِيَّةِ النَّفْلِ وَهُوَ خِلَافُ الْوَاقِعِ فَتَدَبَّرْهُ اهـ. وَهُوَ ظَاهِرٌ وَإِنْ قَالَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ لَيْسَ بِصَوَابٍ بَلْ مُفَادُهُ جَوَازُهُ بِعِنْوَانِ الْوِتْرِيَّةِ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ وَاَلَّذِي يَنْبَغِي إلَخْ) أَقُولُ: هَذَا خِلَافُ الظَّاهِرِ الْمُتَبَادِرِ مِنْ كَلَامِهِمْ بَلْ الْمَفْهُومُ مِنْهُ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى نِيَّةِ الْوِتْرِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ وُجُوبٍ وَعِبَارَةُ الْمُحِيطِ وَالْبَدَائِعِ صَرِيحَةٌ فِي ذَلِكَ وَإِنَّمَا قَالُوا كَذَلِكَ لِلِاخْتِلَافِ فِي وُجُوبِهِ وَسُنِّيَّتِهِ فَلَيْسَ بِوَاجِبٍ قَطْعًا وَلَا بِسُنَّةٍ قَطْعًا فَإِذَا أَطْلَقَهُ عَنْ الْوُجُوبِ يَكُونُ مُوَافِقًا لِكُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَا كَانَ سُنَّةً وَإِنْ كَانَ لَا تَضُرُّهُ نِيَّةُ الْوُجُوبِ لَكِنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى فَكَانَ الْأَوْلَى عَدَمُ تَعْيِينِ الْوُجُوبِ سِيَّمَا وَقَدْ قِيلَ إنَّهُ فَرْضٌ كَمَا هُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ كَمَا مَرَّ قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ قَالَ أَبُو بَكْرِ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْعَارِضَةِ مَالَ سَحْنُونٌ وَأَصْبَغُ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ إلَى وُجُوبِهِ يُرِيدُ بِهِ الْفَرْضَ وَحُكِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ وَاجِبٌ أَيْ فَرْضٌ وَحَكَى ابْنُ بَطَّالٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَحُذَيْفَةَ أَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى أَهْلِ الْقُرْآنِ دُونَ غَيْرِهِمْ وَالْمُرَادُ بِالْوُجُوبِ الْفَرْضُ وَاخْتَارَ الشَّيْخُ عَلَمُ الدِّينِ السَّخَاوِيُّ الْمُقْرِي أَنَّهُ فَرْضٌ وَعَمَلٌ فِيهِ جَزَاءٌ وَسَاقَ الْأَحَادِيثَ الدَّالَّةَ عَلَى فَرْضِيَّتِهِ ثُمَّ قَالَ فَلَا يَرْتَابُ ذُو فَهْمٍ بَعْدَ هَذَا أَنَّهَا أُلْحِقَتْ بِالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فِي الْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا وَفِي الْمُغْنِي عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ مَنْ تَرَكَ الْوِتْرَ عَمْدًا فَهُوَ رَجُلُ سُوءٍ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ تُقْبَلَ شَهَادَتُهُ اهـ مَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ فَلَا جَرَمَ قَالَ الْمَشَايِخُ بِنِيَّةِ الْوِتْرِ فَقَطْ لِيَخْرُجَ عَنْ الْعُهْدَةِ بِيَقِينٍ فَتَأَمَّلْ مُنْصِفًا. (قَوْلُهُ لَكِنَّهُ تَعَقَّبَهُ إلَخْ) حَيْثُ قَالَ وَهُوَ بِهَذَا اللَّفْظِ غَرِيبٌ وَالْمَعْرُوفُ مَا أَخَّرُوهُ فِي السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ أَبِي الْجَوْزَاءِ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَلِمَاتٍ أَقُولُهُنَّ فِي الْوِتْرِ وَفِي لَفْظٍ فِي قُنُوتِ الْوِتْرِ اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْت» إلَخْ ثُمَّ قَالَ فِي الْفَتْحِ وَهُوَ أَيْ إثْبَاتُ الْوُجُوبِ مُتَوَقِّفٌ عَلَى ثُبُوتِ صِيغَةِ الْأَمْرِ فِيهِ أَعْنِي قَوْلَهُ اجْعَلْ هَذَا فِي وِتْرِك وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِهِ فَلَمْ يَثْبُتْ لِي اهـ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 43 مُتَوَقِّفٌ عَلَى كَوْنِهَا غَيْرَ مَقْرُونَةٍ بِالتَّرْكِ مَرَّةً لَكِنَّ مُطْلَقَ الْمُوَاظَبَةِ أَعَمُّ مِنْ الْمَقْرُونَةِ بِهِ أَحْيَانًا وَغَيْرَ الْمَقْرُونَةِ وَلَا دَلَالَةَ لِلْأَعَمِّ عَلَى الْأَخَصِّ وَإِلَّا لَوَجَبَتْ بِهَذِهِ الْكَلِمَاتِ عَيْنًا أَوْ كَانَتْ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهَا لَكِنَّ الْمُتَقَرِّرَ عِنْدَهُمْ الدُّعَاءُ الْمَعْرُوفُ اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَعِينُك كَمَا سَيَأْتِي اهـ. وَأَطْلَقَهُ فَشَمَلَ الْأَدَاءَ وَالْقَضَاءَ فَلِذَا قَالُوا وَمَنْ يَقْضِي الصَّلَوَاتِ وَالْأَوْتَارَ يَقْنُتُ فِي الْأَوْتَارِ احْتِيَاطًا وَعَلَّلَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوِيهِ بِأَنَّهُ إنْ كَانَ عَلَيْهِ الْوِتْرُ كَانَ عَلَيْهِ الْقُنُوتُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ الْوِتْرُ فَالْقُنُوتُ يَكُونُ فِي التَّطَوُّعِ وَالْقُنُوتُ فِي التَّطَوُّعِ لَا يَضُرُّ اهـ. وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّ قَضَاءَهُ لَيْسَ لِكَوْنِهِ لَمْ يُؤَدَّ حَقِيقَةً بَلْ احْتِيَاطًا وَلَيْسَ هُوَ بِمُسْتَحَبٍّ قَالَ فِي مَآلِ الْفَتَاوَى وَلَوْ لَمْ يَفُتْهُ شَيْءٌ مِنْ الصَّلَوَاتِ وَأُحِبُّ أَنْ يَقْضِيَ جَمِيعَ الصَّلَوَاتِ الَّتِي صَلَّاهَا مُتَدَارِكًا لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ ذَلِكَ إلَّا إذَا كَانَ غَالِبُ ظَنِّهِ فَسَادُ مَا صَلَّى وَرَدَ النَّهْيُ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَا حُكِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَضَى صَلَاةَ عُمُرِهِ فَإِنْ صَحَّ النَّقْلُ فَنَقُولُ كَانَ يُصَلِّي الْمَغْرِبَ وَالْوِتْرَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ بِثَلَاثِ قَعَدَاتٍ اهـ. وَفِي التَّجْنِيسِ شَكَّ فِي الْوِتْرِ وَهُوَ فِي حَالَةِ الْقِيَامِ أَنَّهُ فِي الثَّانِيَةِ أَمْ فِي الثَّالِثَةِ يُتِمُّ تِلْكَ الرَّكْعَةَ وَيَقْنُتُ فِيهَا لِجَوَازِ أَنَّهَا الثَّالِثَةُ ثُمَّ يَقْعُدُ فَيَقُومُ فَيُضِيفُ إلَيْهَا رَكْعَةً أُخْرَى وَيَقْنُتُ فِيهَا أَيْضًا وَهُوَ الْمُخْتَارُ فَرْقٌ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْمَسْبُوقِ بِرَكْعَتَيْنِ فِي الْوِتْرِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ إذَا قَنَتَ مَعَ الْإِمَامِ فِي الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ حَيْثُ لَا يَقْنُتُ فِي الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ إذَا قَامَ إلَى الْقَضَاءِ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا وَالْفَرْقُ أَنَّ تَكْرَارَ الْقُنُوتِ فِي مَوْضِعِهِ لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ وَهَاهُنَا أَحَدُهُمَا فِي مَوْضِعِهِ وَالْآخَرُ لَيْسَ فِي مَوْضِعِهِ فَجَازَ فَأَمَّا الْمَسْبُوقُ فَهُوَ مَأْمُورٌ بِأَنْ يَقْنُتَ مَعَ الْإِمَامِ فَصَارَ ذَلِكَ مَوْضِعًا لَهُ فَلَوْ أَتَى بِالثَّانِي كَانَ ذَلِكَ تَكْرَارًا لِلْقُنُوتِ فِي مَوْضِعِهِ اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ مَعْزِيًّا إلَى الْأَجْنَاسِ لَوْ شَكَّ أَنَّهُ فِي الْأُولَى أَوْ فِي الثَّانِيَةِ أَوْ فِي الثَّالِثَةِ فَإِنَّهُ يَقْنُتُ فِي الرَّكْعَةِ الَّتِي هُوَ فِيهَا ثُمَّ يَقْعُدُ ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بِقَعْدَتَيْنِ وَيَقْنُتُ فِيهِمَا احْتِيَاطًا وَفِي قَوْلٍ آخَرَ لَا يَقْنُتُ فِي الْكُلِّ أَصْلًا لِأَنَّ الْقُنُوتَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ وَالْأُولَى بِدْعَةٌ وَتَرْكُ السُّنَّةِ أَسْهَلُ مِنْ الْإِتْيَانِ بِالْبِدْعَةِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّ الْقُنُوتَ وَاجِبٌ وَمَا تَرَدَّدَ بَيْنَ الْوَاجِبِ وَالْبِدْعَةِ يَأْتِي بِهِ احْتِيَاطًا اهـ. وَفِي الذَّخِيرَةِ إنْ قَنَتَ فِي الْأُولَى أَوْ فِي الثَّانِيَةِ سَاهِيًا لَمْ يَقْنُتْ فِي الثَّالِثَةِ لِأَنَّهُ لَا يَتَكَرَّرُ فِي الصَّلَاةِ الْوَاحِدَةِ اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مَعَ الشَّكِّ فِي كَوْنِهِ فِي مَحَلِّهِ يُعِيدُهُ لِيَقَعَ فِي مَحَلِّهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَمَعَ الْيَقِينِ بِكَوْنِهِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ أَوْلَى أَنْ يُعِيدَهُ كَمَا لَوْ قَعَدَ بَعْدَ الْأُولَى سَاهِيًا لَا يَمْنَعُهُ أَنْ يَقْعُدَ بَعْدَ الثَّانِيَةِ وَلَعَلَّ مَا فِي الذَّخِيرَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ الْقَائِلِ بِأَنَّهُ لَا يَقْنُتُ فِي الْكُلِّ أَصْلًا كَمَا لَا يَخْفَى وَأَمَّا الثَّانِي فَقَدْ ذَكَرْنَاهُ وَأَمَّا مِقْدَارُهُ فَقَدْ ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّ مِقْدَارَ الْقِيَامِ فِي الْقُنُوتِ مِقْدَارُ سُورَةِ {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} [الانشقاق: 1] وَكَذَا ذَكَرَ فِي   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَإِلَّا لَوَجَبَتْ هَذِهِ الْكَلِمَاتُ) أَيْ قَوْلُهُ اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْت إلَخْ أَوْ كَانَتْ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهَا مَعَ أَنَّ الْمُتَقَرِّرَ عِنْدَ مَنْ اسْتَدَلَّ بِهِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَعِينُك إلَخْ وَفِي كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ إجْحَافٌ لِأَنَّ الْمُشَارَ إلَيْهِ غَيْرُ مَذْكُورٍ فِي كَلَامِهِ بَلْ ظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكَلِمَاتِ اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَعِينُك وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا عَلِمْتَهُ مِنْ الْقَوْلَةِ السَّابِقَةِ وَلِحُصُولِ الْمُنَاقَضَةِ فِي قَوْلِهِ لَكِنَّ الْمُتَقَرِّرَ عِنْدَهُمْ لَوْ حُمِلَ عَلَى ظَاهِرِهِ (قَوْلُهُ فَإِنْ صَحَّ النَّقْلُ فَنَقُولُ إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ صَلَّاهَا أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ يَكُونُ مُسْتَحَبًّا مَعَ أَنَّهُ قَيَّدَ الِاسْتِحْبَابَ بِمَا إذَا كَانَ غَالِبُ ظَنِّهِ فَسَادُ مَا صَلَّى عَلَى أَنَّ فِيهِ زِيَادَةَ الْقَعْدَةِ فِي الثَّالِثَةِ وَهِيَ مَكْرُوهَةٌ سِيَّمَا مَعَ وُرُودِ النَّهْيِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَلَوْ أَتَى بِالثَّانِي إلَخْ) . أَقُولُ: قَدْ قَدَّمْنَا فِي بَابِ الْحَدَثِ فِي الصَّلَاةِ الْخِلَافَ فِيمَا يَقْضِيهِ الْمَسْبُوقُ هَلْ هُوَ أَوَّلُ الصَّلَاةِ أَوْ آخِرُهَا وَأَنَّهُ لَا يَظْهَرُ الْخِلَافُ فِي الْقِرَاءَةِ وَالْقُنُوتِ لِأَنَّ مَنْ قَالَ يَقْضِي آخِرَ صَلَاتِهِ يَقُولُ إلَّا فِي حَقِّ الْقِرَاءَةِ وَالْقُنُوتِ وَعَلَى هَذَا فَقُنُوتُهُ مَعَ الْإِمَامِ يَكُونُ فِي مَوْضِعِهِ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ فَلَوْ قَنَتَ فِيمَا يَقْضِي لَا يَكُونُ تَكْرَارًا لَهُ فِي مَوْضِعِهِ أَمَّا عَلَى الْأَوَّلِ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا عَلَى الثَّانِي فَكَذَلِكَ لِمَا عَلِمْتَ مِنْ أَنَّهُ جَعَلَ مَا يَقْضِيهِ آخِرُ صَلَاتِهِ إلَّا فِي الْقِرَاءَةِ وَالْقُنُوتِ وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ شَرْعِيَّةَ الْقُنُوتِ أَنَّهَا هِيَ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا كَمَا فِي غَيْرِ الْمَسْبُوقِ أَوْ حُكْمًا فَقَطْ كَمَا فِي الْمَسْبُوقِ فَإِنَّ مَا يَقْضِيهِ الْمَسْبُوقُ بِالنَّظَرِ إلَى مَا أَدْرَكَهُ مَعَ الْإِمَامِ آخِرَ صَلَاتِهِ وَمَا أَدْرَكَهُ أَوَّلَهَا حَقِيقَةٌ لِأَنَّ الْأَوَّلَ اسْمٌ لِفَرْدٍ سَابِقٍ وَبِالنَّظَرِ إلَى صَلَاةِ الْإِمَامِ يَكُونُ أَوَّلَ صَلَاتِهِ لِأَنَّ مَا أَدْرَكَهُ مَعَ الْإِمَامِ آخِرَ صَلَاةِ الْإِمَامِ فَيَكُونُ مَا يَقْضِيهِ أَوَّلَ صَلَاتِهِ تَحْقِيقًا لِلتَّبَعِيَّةِ وَتَصْحِيحًا لِلِاقْتِدَاءِ لَكِنَّهَا أَوَّلِيَّةٌ حُكْمِيَّةٌ وَيَكُونُ مَا أَدَّاهُ مَعَ الْإِمَامِ أَوَّلَ صَلَاتِهِ حَقِيقَةً عَلَى النَّظَرِ الْأَوَّلِ وَآخِرَهَا حُكْمًا عَلَى النَّظَرِ الثَّانِي وَقَدْ اُعْتُبِرَ الْحُكْمُ فِي حَقِّ الْقُنُوتِ كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى تَكْرَارِهِ الَّذِي هُوَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ وَحِينَئِذٍ فَإِذَا قَنَتَ مَعَ الْإِمَامِ يَكُونُ قُنُوتُهُ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ حُكْمًا وَإِذَا قَنَتَ فِيمَا يَقْضِي أَيْضًا يَكُونُ فِي آخِرِهَا حَقِيقَةً فَلَزِمَ تَكْرَارُهُ فِي مَوْضِعِهِ الَّذِي هُوَ آخِرُ الصَّلَاةِ وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الشَّاكِّ فَلَمْ يَلْزَمْ ذَلِكَ فِيهَا لِأَنَّ أَحَدَ الْقُنُوتَيْنِ لَيْسَ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ وَكَانَ مُقْتَضَى عَدَمِ مَشْرُوعِيَّةِ تَكْرَارِهِ الْمَنْعَ وَلَكِنَّهُ أَمَرَ بِهِ لِمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُؤَلِّفُ عَنْ الْمُحِيطِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ فَقَدْ ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ إلَخْ) هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَا سَيَأْتِي أَنَّ الْقُنُوتَ الْوَاجِبَ هُوَ طُولُ الْقِيَامِ دُونَ الدُّعَاءِ فَمَا ذُكِرَ بَيَانٌ لِمِقْدَارِ ذَلِكَ الطُّولِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 44 الْأَصْلِ لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ فِي الْقُنُوتِ اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَعِينُك، اللَّهُمَّ اهْدِنَا» وَكِلَاهُمَا عَلَى مِقْدَارِ هَذِهِ السُّورَةِ وَرُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ لَا يُطَوِّلُ فِي دُعَاءِ الْقُنُوتِ» كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَأَمَّا دُعَاؤُهُ فَلَيْسَ فِيهِ دُعَاءٌ مُؤَقَّتٌ كَذَا ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ الصَّحَابَةِ أَدْعِيَةٌ مُخْتَلِفَةٌ فِي حَالِ الْقُنُوتِ وَلِأَنَّ الْمُؤَقَّتَ مِنْ الدُّعَاءِ يَذْهَبُ بِالرِّقَّةِ كَمَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ فَيَبْعُدُ عَنْ الْإِجَابَةِ وَلِأَنَّهُ لَا يُؤَقَّتُ فِي الْقِرَاءَةِ لِشَيْءٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ فَفِي دُعَاءِ الْقُنُوتِ أَوْلَى وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ لَيْسَ فِيهِ دُعَاءٌ مُؤَقَّتٌ مَا سِوَى اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَعِينُك لِأَنَّ الصَّحَابَةَ اتَّفَقُوا عَلَيْهِ فَالْأَوْلَى أَنْ يَقْرَأَهُ وَلَوْ قَرَأَ غَيْرَهُ جَازَ وَلَوْ قَرَأَ مَعَهُ غَيْرَهُ كَانَ حَسَنًا وَالْأَوْلَى أَنْ يَقْرَأَ بَعْدَهُ مَا عَلَّمَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ فِي قُنُوتِهِ «اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْت» إلَى آخِرِهِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْأَفْضَلُ فِي الْوِتْرِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ دُعَاءٌ مُؤَقَّتٌ لِأَنَّ الْإِمَامَ رُبَّمَا يَكُونُ جَاهِلًا فَيَأْتِي بِدُعَاءٍ يُشْبِهُ كَلَامَ النَّاسِ فَتَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَمَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ مِنْ أَنَّ التَّوْقِيتَ فِي الدُّعَاءِ يَذْهَبُ بِرِقَّةِ الْقَلْبِ مَحْمُولٌ عَلَى أَدْعِيَةِ الْمَنَاسِكِ دُونَ الصَّلَاةِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَرَجَّحَ فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي قَوْلَ الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ لَمَّا ذَكَرُوا وَتَبَرُّكًا بِالْمَأْثُورِ الْوَارِدِ بِهِ الْأَخْبَارَ وَتَوَارَثَهُ الْخَلْفُ عَنْ السَّلَفِ فِي سَائِرِ الْأَعْصَارِ اهـ. لَكِنْ ذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ عَدَمُ تَوْقِيتِهِ ثُمَّ إنَّ الدُّعَاءَ الْمَشْهُورَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَعِينُك وَنَسْتَغْفِرُك وَنُؤْمِنُ بِك وَنَتَوَكَّلُ عَلَيْك وَنُثْنِي عَلَيْك الْخَيْرَ كُلَّهُ نَشْكُرُك وَلَا نَكْفُرُك وَنَخْلَعُ وَنَتْرُكُ مَنْ يُفْجِرُك اللَّهُمَّ إيَّاكَ نَعْبُدُ وَلَك نُصَلِّي وَنَسْجُدُ وَإِلَيْك نَسْعَى وَنَحْفِدُ نَرْجُو رَحْمَتَك وَنَخْشَى عَذَابَك إنَّ عَذَابَك بِالْكُفَّارِ مُلْحَقٌ لَكِنْ فِي الْمُقَدِّمَةِ الْغَزْنَوِيَّةِ إنَّ عَذَابَك الْجِدُّ وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ إلَّا أَنَّهُ أَسْقَطَ الْوَاوَ مِنْ نَخْلَعُ وَالظَّاهِرُ ثُبُوتُهُمَا أَمَّا إثْبَاتُ الْجِدِّ فَفِي مَرَاسِيلِ أَبِي دَاوُد وَأَمَّا إثْبَاتُ الْوَاوِ فِي وَنَخْلَعُ فَفِي رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ وَالْبَيْهَقِيِّ وَبِهِ انْدَفَعَ مَا ذَكَرَهُ الشُّمُنِّيُّ فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ أَنَّهُ لَا يَقُولُ الْجِدُّ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ بِكَسْرِ الْجِيمِ بِمَعْنَى الْحَقِّ وَاخْتَلَفُوا فِي مُلْحَقٌ وَصَحَّحَ الْإِسْبِيجَابِيُّ كَسْرَ الْحَاءِ بِمَعْنَى لَاحِقٌ بِهِمْ وَقِيلَ بِفَتْحِهَا وَنَصَّ الْجَوْهَرِيُّ عَلَى أَنَّهُ صَوَابٌ وَأَمَّا نَحْفِدُ فَهُوَ بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْفَاءِ وَبِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ مِنْ الْحَفْدِ بِمَعْنَى السُّرْعَةِ وَيَجُوزُ ضَمُّ النُّونِ يُقَالُ حَفَدَ بِمَعْنَى أَسْرَعَ وَأَحْفَدَ لُغَةً فِيهِ حَكَاهَا ابْنُ مَالِكٍ فِي فَعَلَ وَأَفْعَلَ وَصَرَّحَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ بِأَنَّهُ لَوْ قَرَأَهَا بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَلَعَلَّهُ لِأَنَّهَا كَلِمَةٌ مُهْمَلَةٌ لَا مَعْنَى لَهَا ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمَشَايِخَ اخْتَلَفُوا فِي حَقِيقَةِ الْقُنُوتِ الَّذِي هُوَ وَاجِبٌ عِنْدَهُ فَنُقِلَ فِي الْمُجْتَبَى عَنْ شَرْحِ الْمُؤَذِّنِيِّ الْقُنُوتُ طُولُ الْقِيَامِ دُونَ الدُّعَاءِ وَعَنْ أَبِي عَمْرٍو لَا أَعْرِفُ مِنْ الْقُنُوتِ إلَّا طُولَ الْقِيَامِ وَبِهِ فَسَّرَ قَوْله تَعَالَى {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ} [الزمر: 9] وَعَنْ الْفَتَاوَى الصُّغْرَى الْقُنُوتُ فِي الْوِتْرِ هُوَ الدُّعَاءُ دُونَ الْقِيَامِ اهـ. وَيَنْبَغِي تَصْحِيحُهُ وَمَنْ لَا يُحْسِنُ الْقُنُوتَ بِالْعَرَبِيَّةِ أَوْ لَا يَحْفَظُهُ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ مُخْتَارَةٍ قِيلَ يَقُولُ يَا رَبُّ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ يَرْكَعُ وَقِيلَ يَقُولُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَقِيلَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي الْأَفْضَلِيَّةِ لَا فِي الْجَوَازِ وَأَنَّ الْأَخِيرَ أَفْضَلُ لِشُمُولِهِ وَأَنَّ التَّقْيِيدَ بِمَنْ لَا يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ لَيْسَ بِشَرْطٍ بَلْ يَجُوزُ لِمَنْ يَعْرِفُ الدُّعَاءَ الْمَعْرُوفَ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى وَاحِدٍ مِمَّا ذُكِرَ لِمَا عَلِمْت أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ عَدَمُ تَوْقِيتِهِ وَأَمَّا حُكْمُهُ إذَا فَاتَ مَحَلُّهُ فَنَقُولُ إذَا نَسِيَ الْقُنُوتَ حَتَّى رَكَعَ ثُمَّ تَذَكَّرَ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ رَفْعِ الرَّأْسِ مِنْ الرُّكُوعِ لَا يَعُودُ وَسَقَطَ عَنْهُ الْقُنُوتُ وَإِنْ تَذَكَّرَهُ فِي الرُّكُوعِ فَكَذَلِكَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَصَحَّحَهُ فِي الْخَانِيَّةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَعُودُ إلَى الْقُنُوتِ لِشَبَهِهِ بِالْقُرْآنِ كَمَا لَوْ تَرَكَ الْفَاتِحَةَ أَوْ السُّورَةَ فَتَذَكَّرَهَا فِي الرُّكُوعِ أَوْ بَعْدَ رَفْعِ الرَّأْسِ مِنْهُ فَإِنَّهُ يَعُودُ وَيُنْتَقَضُ رُكُوعُهُ وَالْفَرْقُ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ نَقْضَ الرُّكُوعِ فِي الْمَقِيسِ عَلَيْهِ لَا كَمَالِهِ لِأَنَّهُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا إلَخْ) صَحَّحَهُ الشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي (قَوْلُهُ اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَعِينُك) زَادَ بَعْدَهُ فِي الدُّرَرِ وَنَسْتَهْدِيك قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ كَذَا فِي الْمَنْبَعِ وَلَيْسَ فِي الْمُغْرِبِ وَلَا فِيمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي مَرَاسِيلِهِ وَذَكَرَهُ فِي جَامِعِ الْفَتَاوَى وَالْجَوْهَرِيَّةِ وَالْمِفْتَاحِ بَعْدَ قَوْلِهِ وَنَسْتَغْفِرُك اهـ ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِ الدُّعَاءِ وَفِي الْبُرْجَنْدِيِّ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ الْخَتْمُ عِنْدَ قَوْلِهِ مُلْحَقٌ وَلَيْسَ فِي الْمَشْهُورِ نَسْتَهْدِيك وَلَا كَلِمَةُ كُلِّهِ اهـ. وَزَادَ فِي الدُّرَرِ أَيْضًا بَعْدَ وَنَسْتَغْفِرُك وَنَتُوبُ إلَيْك قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ كَذَا فِي الْمَنْبَعِ وَالتَّاجِيَّةِ وَلَيْسَ فِي الْكُتُبِ الْمَذْكُورَةِ اهـ. وَزَادَ فِي الدُّرَرِ أَيْضًا وَنَخْضَعُ لَك بَعْدَ قَوْلِهِ وَلَا نَكْفُرُك قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ كَذَا فِي مَرَاسِيلِ أَبِي دَاوُد وَلَيْسَ فِي الْمَنْبَعِ وَغَيْرِهِ مِمَّا ذُكِرَ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَنَخْلَعُ وَنَسَبَهَا أَيْضًا إلَى الْوَانِيَةِ ثُمَّ قَالَ وَلَعَلَّهُ نَخْنَعُ بِالنُّونِ أَيْ نَخْضَعُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 45 يَتَكَامَلُ بِقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ وَالسُّورَةِ لِكَوْنِهِ لَا يُعْتَبَرُ بِدُونِ الْقِرَاءَةِ أَصْلًا وَفِي الْمَقِيسِ لَيْسَ نَقْضُهُ لَا كَمَالُهُ لِأَنَّهُ لَا قُنُوتَ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَالرُّكُوعُ مُعْتَبَرٌ بِدُونِهِ فَلَوْ نُقِضَ لَكَانَ نَقْضُ الْفَرْضِ لِلْوَاجِبِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ فَإِنْ عَادَ إلَى الْقِيَامِ وَقَنَتَ وَلَمْ يُعِدْ الرُّكُوعَ لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ لِأَنَّ رُكُوعَهُ قَائِمٌ لَمْ يُرْتَفَضْ بِخِلَافِ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ لِأَنَّ بِعَوْدِهِ صَارَتْ قِرَاءَةُ الْكُلِّ فَرْضًا وَالتَّرْتِيبُ بَيْنَ الْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ فَرْضٌ فَارْتُفِضَ رُكُوعُهُ فَلَوْ لَمْ يَرْكَعْ بَطَلَتْ فَلَوْ رَكَعَ وَأَدْرَكَهُ رَجُلٌ فِي الرُّكُوعِ الثَّانِي كَانَ مُدْرِكًا لِتِلْكَ الرَّكْعَةِ وَإِنَّمَا لَمْ يُشْرَعْ الْقُنُوتُ فِي الرُّكُوعِ مِثْلَ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ إذَا تَذَكَّرَهَا فِي حَالِ الرُّكُوعِ حَيْثُ يُكَبِّرُ فِيهِ لِأَنَّهُ لَمْ يُشْرَعْ إلَّا فِي مَحْضِ الْقِيَامِ غَيْرِ مَعْقُولِ الْمَعْنَى فَلَا يَتَعَدَّى إلَى مَا هُوَ قِيَامٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ وَهُوَ الرُّكُوعُ وَأَمَّا تَكْبِيرَاتُ الْعِيدِ فَلَمْ تَخْتَصَّ بِمَحْضِ الْقِيَامِ لِأَنَّ تَكْبِيرَةَ الرُّكُوعِ يُؤْتَى بِهَا فِي حَالِ الِانْحِطَاطِ وَهِيَ مَحْسُوبَةٌ مِنْ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ فَإِذَا جَازَ أَدَاءُ وَاحِدَةٍ مِنْهَا فِي غَيْرِ مَحْضِ الْقِيَامِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ جَازَ أَدَاءُ الْبَاقِي مَعَ قِيَامِ الْعُذْرِ بِالْأُولَى وَلَمْ يُقَيِّدْ الْمُصَنِّفُ الْقُنُوتَ بِالْمُخَافَتَةِ لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ اسْتَحْسَنُوا الْجَهْرَ فِي بِلَادِ الْعَجَمِ لِلْإِمَامِ لِيَتَعَلَّمُوا كَمَا جَهَرَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِالثَّنَاءِ حِينَ قَدِمَ عَلَيْهِ وَفْدُ الْعِرَاقِ وَنَصَّ فِي الْهِدَايَةِ عَلَى أَنَّ الْمُخْتَارَ الْمُخَافَتَةُ وَفِي الْمُحِيطِ عَلَى أَنَّهُ الْأَصَحُّ وَفِي الْبَدَائِعِ وَاخْتَارَ مَشَايِخُنَا بِمَا وَرَاءَ النَّهْرِ الْإِخْفَاءَ فِي دُعَاءِ الْقُنُوتِ فِي حَقِّ الْإِمَامِ وَالْقَوْمِ جَمِيعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} [الأعراف: 55] وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «خَيْرُ الدُّعَاءِ الْخَفِيُّ» وَهُوَ مَرْوِيٌّ فِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ وَفَصَّلَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْقَوْمُ لَا يَعْلَمُونَهُ فَالْأَفْضَلُ لِلْأُمِّ الْجَهْرُ لِيَتَعَلَّمُوا وَإِلَّا فَالْإِخْفَاءُ أَفْضَلُ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ وَمَنْ اخْتَارَ الْجَهْرَ بِهِ أَنْ يَكُونَ دُونَ جَهْرِ الْقِرَاءَةِ كَمَا فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي. (قَوْلُهُ وَقَرَأَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِنْهُ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَسُورَةً) بَيَانٌ لِمُخَالَفَتِهِ لِلْفَرَائِضِ فَيَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِنْهُ حَتْمًا وَنَقَلَ فِي الْهِدَايَةِ أَنَّهُ بِالْإِجْمَاعِ وَفِي التَّجْنِيسِ لَوْ تَرَكَ الْقِرَاءَةَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ مِنْهُ لَمْ يَجُزْ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا اهـ. أَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِأَنَّهُ نَفْلٌ وَفِي النَّفْلِ تَجِبُ الْقِرَاءَةُ فِي الْكُلِّ وَكَذَا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ الْوِتْرَ عِنْدَهُ وَاجِبٌ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ نَفْلٌ وَلَكِنْ يَتَرَجَّحُ جِهَةُ الْفَرْضِيَّةِ بِدَلِيلٍ فِيهِ شُبْهَةٌ فَكَانَ الِاحْتِيَاطُ فِيهِ وُجُوبُ الْقِرَاءَةِ فِي الْكُلِّ وَقَدْ قَدَّمْنَا مِنْ فِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى: 1] وَفِي الثَّانِيَةِ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] وَفِي الثَّالِثَةِ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] » فَالْحَاصِلُ أَنَّ قِرَاءَةَ آيَةٍ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِنْهُ فَرْضٌ وَتَعْيِينَ الْفَاتِحَةِ مَعَ قِرَاءَةِ ثَلَاثِ آيَاتٍ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَاجِبٌ وَالسُّوَرُ الثَّلَاثُ فِيهِ سُنَّةٌ لَكِنْ ذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَقْرَأَ سُورَةً مُتَعَيِّنَةً عَلَى الدَّوَامِ لِأَنَّ الْفَرْضَ هُوَ مُطْلَقُ الْقِرَاءَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] وَالتَّعْيِينُ عَلَى الدَّوَامِ يُفْضِي إلَى أَنْ يَعْتَقِدَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ أَصْلًا) قَيْدٌ لِقَوْلِهِ بِدُونِ الْقِرَاءَةِ لَا لِقَوْلِهِ لَا يُعْتَبَرُ أَيْ أَنَّهُ إذَا فُقِدَتْ الْقِرَاءَةُ أَصْلًا لَا يُعْتَبَرُ وَقَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُ لَوْ وُجِدَ مِنْ الْقِرَاءَةِ آيَةٌ وَاحِدَةٌ يَكُونُ الرُّكُوعُ بَعْدَهَا مُعْتَبَرًا (قَوْلُهُ لَكَانَ نَقْضُ الْفَرْضِ لِلْوَاجِبِ) قَدْ يُقَالُ هُوَ كَذَلِكَ فِيمَا لَوْ عَادَ لِقِرَاءَةِ السُّورَةِ فَإِنْ أُجِيبَ بِمَا يَذْكُرُهُ الْمُؤَلِّفُ مِنْ أَنَّهُ بِعَوْدِهِ صَارَتْ قِرَاءَةُ الْكُلِّ فَرْضًا يُقَالُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ فَرْضًا إلَّا بَعْدَ الْقِرَاءَةِ وَأَمَّا قَبْلَهَا فَهُوَ وَاجِبٌ فَإِذَا رَفَضَ الرُّكُوعَ يَكُونُ رَفَضَ الْفَرْضَ لِلْوَاجِبِ فَيَكُونُ كَرَفْضِهِ لِلْقُنُوتِ إلَّا أَنْ يُقَالَ فَرْقٌ بَيْنَ مَا هُوَ وَاجِبٌ حَالًا وَمَآلًا وَمَا هُوَ وَاجِبٌ حَالًا فَرْضٌ مَآلًا فَرَفْضُ الرُّكُوعِ لَا يَكُونُ فَرْضًا وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِيهِ وَاجِبًا لَيْسَ كَرَفْضِهِ إلَى مَا هُوَ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ (قَوْلُهُ حَيْثُ يُكَبِّرُ فِيهِ) كَذَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ لِابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ الْحَلَبِيِّ وَمَشَى عَلَيْهِ فِي مَتْنِ التَّنْوِيرِ مِنْ بَابِ الْعِيدِ وَاَلَّذِي فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ لِلشَّيْخِ إبْرَاهِيمَ الْحَلَبِيِّ أَنَّهُ يَعُودُ إلَى الْقِيَامِ فَيُكَبِّرُ فِيهِ فَإِنَّهُ قَالَ لَكِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْقُنُوتِ وَبَيْنَ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ مُشْكِلٌ حَيْثُ ذَكَرُوا أَنَّهُ لَوْ تَذَكَّرَ أَنَّهُ تَرَكَهَا وَهُوَ فِي الرُّكُوعِ يَعُودُ إلَى الْقِيَامِ عَلَى مَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْكَافِي وَكَذَا فِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَصَرَّحَ بِهِ فِي شَرْحِهِ وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ فِي التَّلْخِيصِ أَنَّهُ يَجُوزُ رَفْضُ رُكْنٍ لَمْ يَتِمَّ لِأَجْلِ وَاجِبٍ لَمْ يَفُتْ مَحَلُّهُ فَعَلَى هَذَا جَازَ رَفْضُ الرُّكُوعِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتِمَّ لِأَنَّ تَمَامَهُ بِالرَّفْعِ لِأَجْلِ تَكْبِيرِ الْعِيدِ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ لَمْ يَفُتْ مَحَلُّهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِأَنَّ الرَّاكِعَ قَائِمٌ حُكْمًا فَيُقَالُ الْقُنُوتُ أَيْضًا كَذَلِكَ وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِلْفَرْقِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ كَوْنُ تَكْبِيرِ الْعِيدِ مُجْمَعًا عَلَيْهِ دُونَ الْقُنُوتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى وَيُخَالِفُ هَذَا كُلُّهُ مَا سَيَذْكُرُهُ الْمُؤَلِّفُ فِي بَابِ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ حَيْثُ قَالَ وَلَوْ أَدْرَكَهُ فِي الْقِيَامِ فَلَمْ يُكَبِّرْ حَتَّى رَكَعَ لَا يُكَبِّرُ فِي الرُّكُوعِ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا لَوْ رَكَعَ الْإِمَامُ قَبْلَ أَنْ يُكَبِّرَ فَإِنَّ الْإِمَامَ لَا يُكَبِّرُ فِي الرُّكُوعِ وَلَا يَعُودُ إلَى الْقِيَامِ لِيُكَبِّرَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ اهـ. وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ لِابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ فِي بَابِ الْعِيدِ حَيْثُ قَالَ وَإِنْ تَذَكَّرَ فِي الرُّكُوعِ فَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يُكَبِّرُ وَيَمْضِي عَلَى صَلَاتِهِ وَعَلَى مَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ وَمَشَى عَلَيْهِ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ وَهُوَ رِوَايَةُ النَّوَادِرِ يَعُودُ إلَى الْقِيَامِ وَيُكَبِّرُ وَيُعِيدُ الرُّكُوعَ وَلَا يُعِيدُ فِي الْفَصْلَيْنِ الْقِرَاءَةَ اهـ. وَعَلَى هَذَا الَّذِي هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ لَا حَاجَةَ إلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 46 بَعْضُ النَّاسِ أَنَّهُ وَاجِبٌ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ لَكِنْ لَوْ قَرَأَ بِمَا وَرَدَ بِهِ الْآثَارُ أَحْيَانًا يَكُونُ حَسَنًا وَلَكِنْ لَا يُوَاظِبُ لِمَا ذَكَرْنَا اهـ. وَقَدْ يُقَالُ أَنَّهُمْ رَجَّحُوا جِهَةَ النَّفْلِيَّةِ فِيهِ احْتِيَاطًا فِي الْقِرَاءَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَقْضِيَ فِي الْوَقْتِ الْمَكْرُوهِ كَمَا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَبَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ احْتِيَاطًا لِجِهَةِ النَّفْلِيَّةِ لِأَنَّ النَّفَلَ فِيهِ مَمْنُوعٌ وَقَدْ قَدَّمْنَا عَنْ التَّجْنِيسِ خِلَافَهُ وَفِيهِ: وَالْوِتْرُ بِمَنْزِلَةِ النَّفْلِ فِي حَقِّ الْقِرَاءَةِ إلَّا أَنَّهُ يُشْبِهُ الْمَغْرِبَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَوْ اسْتَتَمَّ قَائِمًا فِي الثَّالِثَةِ قَبْلَ الْقُعُودِ ثُمَّ تَذَكَّرَ لَا يَعُودُ لِأَنَّهَا صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ وَفِي النَّفْلِ يَعُودُ لِأَنَّ كُلَّ شَفْعٍ صَلَاةٌ عَلَى حِدَةٍ اهـ. وَفِي الْمُجْتَبَى وَلَا تَجِبُ الْقَعْدَةُ الْأُولَى فِي الْوِتْرِ وَفِي الِامْتِحَانِ صَلَّى الْوِتْرَ وَلَمْ يَقْعُدْ فِي الثَّانِيَةِ نَاسِيًا ثُمَّ تَذَكَّرَ فِي الرُّكُوعِ لَا يَعُودُ وَإِنْ عَادَ لَا يُنْتَقَضُ رُكُوعُهُ اهـ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ لِأَنَّ الْقَعْدَةَ الْأُولَى وَاجِبَةٌ فِي الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ وَالْوِتْرُ ذُو شَبَهٍ لَهُمَا فَوَجَبَتْ الْقَعْدَةُ الْأُولَى فِيهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَرْفَعُ يَدَيْهِ عِنْدَ تَكْبِيرَةِ الْقُنُوتِ كَمَا يَرْفَعُهُمَا عِنْدَ الِافْتِتَاحِ وَفِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ الدُّعَاءُ أَرْبَعَةٌ دُعَاءُ رَغْبَةٍ وَدُعَاءُ رَهْبَةٍ وَدُعَاءُ تَضَرُّعٍ وَدُعَاءُ خُفْيَةٍ فَفِي دُعَاءِ الرَّغْبَةِ يَجْعَلُ بُطُونَ كَفَّيْهِ نَحْوَ السَّمَاءِ وَفِي دُعَاءِ الرَّهْبَةِ يَجْعَلُ ظَهْرَ كَفَّيْهِ إلَى وَجْهِهِ كَالْمُسْتَغِيثِ مِنْ الشَّيْءِ وَفِي دُعَاءِ التَّضَرُّعِ يَعْقِدُ الْخِنْصَرَ وَالْبِنْصِرِ وَيُحَلِّقُ بِالْإِبْهَامِ وَالْوُسْطَى وَيُشِيرُ بِالسَّبَّابَةِ وَدُعَاءُ الْخُفْيَةِ مَا يَفْعَلُهُ الْمَرْءُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْقُنُوتِ لِلِاخْتِلَافِ فِيهَا وَاخْتَارَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ أَنَّ الْأَوْلَى الصَّلَاةُ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّ الْقُنُوتَ دُعَاءٌ وَالْأَوْلَى فِي الدُّعَاءِ أَنْ يَكُونَ مُشْتَمِلًا عَلَيْهَا وَذَهَبَ أَبُو الْقَاسِمِ الصَّفَّارُ إلَى أَنَّهُ لَا يُصَلِّي فِيهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَوْضِعَهَا وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْحَقُّ هُوَ الْأَوَّلُ لِمَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ أَنَّ فِي حَدِيثِ الْقُنُوتِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَلِمَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ عَلِيٍّ كُلُّ دُعَاءٍ مَحْجُوبٌ حَتَّى يُصَلَّى عَلَى مُحَمَّدٍ وَفِي الْوَاقِعَاتِ وَيُسْتَحَبُّ فِي كُلِّ دُعَاءٍ أَنْ تَكُونَ فِيهِ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ اهـ. وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّهُ يُصَلِّي عَلَيْهِ فِي الْقُنُوتِ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ وَهُوَ الْأَوْلَى وَمِنْ الْغَرِيبِ مَا فِي الْمُجْتَبَى لَوْ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْقُنُوتِ لَا يُصَلِّي فِي الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ وَكَذَا لَوْ صَلَّى عَلَيْهِ فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى سَهْوًا لَا يُصَلِّي عَلَيْهِ فِي الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ وَلَا يُصَلِّي فِي الْقُنُوتِ اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا يَقْنُتُ فِي غَيْرِهِ) أَيْ فِي غَيْرِ الْوِتْرِ لِمَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَقْنُتْ فِي الْفَجْرِ قَطُّ إلَّا شَهْرًا وَاحِدًا لَمْ يُرَ قَبْلَ ذَلِكَ وَلَا بَعْدَهُ وَإِنَّمَا قَنَتَ فِي ذَلِكَ الشَّهْرِ يَدْعُو عَلَى أُنَاسٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ» وَكَذَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَنَتَ شَهْرًا يَدْعُو عَلَى قَوْمٍ مِنْ الْعَرَبِ ثُمَّ تَرَكَهُ» وَقَدْ أَطَالَ الْمُحَقِّقُ   [منحة الخالق] إبْدَاءِ الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقُنُوتِ لِاتِّحَادِهِمَا فِي الْحُكْمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ وَفِيهِ) أَيْ فِي التَّجْنِيسِ (قَوْلُهُ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ) أَيْ مَا فِي كَلَامِ الْمُجْتَبَى وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ نَفْيُ الْفَرْضِيَّةِ (قَوْلُهُ وَهُوَ الْأَوْلَى) لَعَلَّ وَجْهَهُ كَوْنُهُ مُوَافِقًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ» إلَخْ لِمَا قِيلَ لَهُ كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْك وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ إنَّهَا أَفْضَلُ الصِّيَغِ وَبِهَا يَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ بِيَقِينٍ بِخِلَافِ غَيْرِهَا. [الْقُنُوت فِي غَيْرِ الْوِتْرِ] (قَوْلُهُ وَقَدْ أَطَالَ الْمُحَقِّقُ إلَخْ) أَقُولُ: ذَكَرَ الشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ الْحَلَبِيُّ جُمْلَةً مِمَّا فِي الْفَتْحِ إلَى أَنْ قَالَ إنَّ جَمِيعَ مَا وَرَدَ مِنْ قُنُوتِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقُنُوتِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَغَيْرِهِمْ مِمَّا اُخْتُلِفَ فِيهِ إنَّمَا هُوَ قُنُوتُ النَّوَازِلِ فَإِنَّهُ مَحَلُّ الِاجْتِهَادِ لِأَنَّ حَدِيثَ أَنَسٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَزَلْ يَقْنُتُ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا» وَنَحْوُهُ مِمَّا عَنْ الصَّحَابَةِ يُثْبِتُهُ فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ قَنَتَ عِنْدَ مُحَارَبَةِ مُسَيْلِمَةَ وَكَذَلِكَ قَنَتَ عُمَرُ وَكَذَا عَلِيٌّ وَمُعَاوِيَةُ عِنْدَ تَحَارُبِهِمَا وَحَدِيثُ أَبِي حَنِيفَةَ وَنَحْوِهِ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَنَتَ شَهْرًا ثُمَّ لَمْ يَقْنُتْ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ» يَنْفِيهِ فَوَجَبَ كَوْنُ بَقَاءِ الْقُنُوتِ فِي النَّوَازِلِ أَمْرًا مُجْتَهَدًا فِيهِ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يُؤْثَرْ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ لَا قُنُوتَ فِي نَازِلَةٍ بَعْدَ هَذِهِ بَلْ مُجَرَّدُ الْعَدَمِ بَعْدَهَا فَيُتَّجَهُ الِاجْتِهَادُ بِأَنْ يُظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ لِرَفْعِ شَرْعِيَّتِهِ وَنَسْخِهِ نَظَرًا إلَى سَبَبِ تَرْكِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا أَنْزَلَ {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ} [آل عمران: 128] وَأَنَّهُ لِعَدَمِ وُقُوعِ نَازِلَةٍ تَسْتَدْعِي الْقُنُوتَ بَعْدَهَا فَتَكُونُ شَرْعِيَّتُهُ مُسْتَمِرَّةً وَهُوَ مَحْمَلُ قُنُوتِ مَنْ قَنَتَ مِنْ الصَّحَابَةِ بَعْدَ وَفَاتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَهُوَ مَذْهَبُنَا وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ قَالَ الْحَافِظُ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ إنَّمَا لَا يَقْنُتُ عِنْدَنَا فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ مِنْ غَيْرِ بَلِيَّةٍ فَإِذَا وَقَعَتْ فِتْنَةٌ أَوْ بَلِيَّةٌ فَلَا بَأْسَ بِهِ فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَمَّا الْقُنُوتُ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا عِنْدَ النَّوَازِلِ فَلَمْ يَقُلْ بِهِ إلَّا الشَّافِعِيُّ وَكَأَنَّهُمْ حَمَلُوا مَا رُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ قَنَتَ فِي الظُّهْرِ وَالْعِشَاءِ عَلَى مَا فِي مُسْلِمٍ وَأَنَّهُ قَنَتَ فِي الْمَغْرِبِ أَيْضًا عَلَى مَا فِي الْبُخَارِيِّ عَلَى النَّسْخِ لِعَدَمِ وُرُودِ الْمُوَاظَبَةِ وَالتَّكْرَارِ الْوَارِدَيْنِ فِي الْفَجْرِ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اهـ. وَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّ الْقُنُوتَ لِنَازِلَةٍ خَاصٌّ بِالْفَجْرِ وَيُخَالِفُهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ مُعَزِّيًا إلَى الْغَايَةِ مِنْ قَوْلِهِ فِي صَلَاةِ الْجَهْرِ وَلَعَلَّهُ مُحَرَّفٌ عَنْ الْفَجْرِ وَقَدْ وَجَدْته بِهَذَا اللَّفْظِ فِي حَوَاشِي مِسْكِينٍ وَكَذَا فِي الْأَشْبَاهِ وَكَذَا فِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ لَكِنَّهُ عَزَاهُ إلَى غَايَةِ الْبَيَانِ وَلَمْ أَجِدْ الْمَسْأَلَةَ فِيهَا فَلَعَلَّهُ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ غَايَةُ السُّرُوجِيِّ بِغَايَةِ الْبَيَانِ لَكِنْ نَقَلَ عَنْ الْبِنَايَةِ مَا نَصُّهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 47 ابْنُ الْهُمَامِ هُنَا فِي الْكَلَامِ مَعَ الشَّافِعِيِّ كَمَا هُوَ دَأْبُهُ وَلَسْنَا بِصَدَدِهِ وَفِي شَرْحِ النُّقَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْغَايَةِ وَإِنْ نَزَلَ بِالْمُسْلِمِينَ نَازِلَةٌ قَنَتَ الْإِمَامُ فِي صَلَاةِ الْجَهْرِ وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَأَحْمَدَ وَقَالَ جُمْهُورُ أَهْلِ الْحَدِيثِ الْقُنُوتُ عِنْدَ النَّوَازِلِ مَشْرُوعٌ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا اهـ. (قَوْلُهُ وَيُتْبَعُ الْمُؤْتَمُّ قَانِتَ الْوِتْرِ) وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَأْتِي بِهِ الْمَأْمُومُ بَلْ يُؤَمِّنُ لِأَنَّ لِلْقُنُوتِ شُبْهَةَ الْقُرْآنِ لِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ فِي قَوْلِهِ اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَعِينُك أَنَّهُ مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ لَا فَأَوْرَثَ شُبْهَةً وَهُوَ لَا يَقْرَأُ حَقِيقَةَ الْقُرْآنِ فَكَذَا مَا لَهُ شُبْهَةٌ وَالْمُخْتَارُ مَا فِي الْكِتَابِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ وَصَحَّحُوهُ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ حَقِيقَةً كَسَائِرِ الْأَدْعِيَةِ وَالثَّنَاءِ وَالتَّشَهُّدِ وَالتَّسْبِيحَاتِ وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ قِرَاءَتُهُ لِلْجُنُبِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقُرْآنٍ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ (قَوْلُهُ لَا الْفَجْرِ) أَيْ لَا يَتْبَعُ الْمُؤْتَمُّ الْإِمَامَ الْقَانِتَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُتَابِعُهُ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْإِمَامِ وَالْقُنُوتُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ وَلَهُمَا أَنَّهُ مَنْسُوخٌ فَصَارَ كَمَا لَوْ كَبَّرَ خَمْسًا فِي الْجِنَازَةِ حَيْثُ لَا يُتَابِعُهُ فِي الْخَامِسَةِ وَإِذَا لَمْ يُتَابِعْهُ فِيهِ فَقِيلَ يَقْعُدُ تَحْقِيقًا لِلْمُخَالَفَةِ لِأَنَّ السَّاكِتَ شَرِيكُ الدَّاعِي بِدَلِيلِ مُشَارَكَةِ الْإِمَامِ فِي الْقِرَاءَةِ وَإِذَا قَعَدَ فُقِدَتْ الْمُشَارَكَةُ وَلَا يُقَالُ كَيْفَ يَقْعُدُ تَحْقِيقًا لِلْمُخَالَفَةِ وَهِيَ مُفْسِدَةٌ لِلصَّلَاةِ لِأَنَّ الْمُخَالَفَةَ فِيمَا هُوَ مِنْ الْأَرْكَانِ وَالشَّرَائِطِ مَفْسَدَةٌ لَا فِي غَيْرِهَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْأَظْهَرُ وُقُوفُهُ سَاكِتًا وَصَحَّحَهُ قَاضِي خَانْ وَغَيْرُهُ لِأَنَّ فِعْلَ الْإِمَامِ يَشْتَمِلُ عَلَى مَشْرُوعٍ وَغَيْرِهِ فَمَا كَانَ مَشْرُوعًا يَتْبَعُهُ فِيهِ وَمَا كَانَ غَيْرَ مَشْرُوعٍ لَا يَتْبَعُهُ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَقَدْ يُقَالُ إنَّ طُولَ الْقِيَامِ بَعْدَ رَفْعِ الرَّأْسِ مِنْ الرُّكُوعِ لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ فَلَا يُتَابِعُهُ فِيهِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَدَلَّتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى جَوَازِ الِاقْتِدَاءِ بِالشَّفْعَوِيَّةِ وَإِذَا عَلِمَ الْمُقْتَدِي مِنْهُ مَا يَزْعُمُ بِهِ فَسَادَ صَلَاتِهِ كَالْفَصْدِ وَغَيْرِهِ لَا يُجْزِئُهُ اهـ. وَوَجْهُ دَلَالَتِهَا أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَصِحَّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ لَمْ يَصِحَّ اخْتِلَافُ عُلَمَائِنَا فِي أَنَّهُ يَسْكُتُ أَوْ يُتَابِعُهُ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِهَا بِالشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ الصَّوَابُ لِمَا عُرِفَ مِنْ وُجُوبِ حَذْفِ يَاءِ النَّسَبِ إذَا نُسِبَ إلَى مَا هِيَ فِيهِ وَوَضْعِ الْيَاءِ الثَّانِيَةِ مَكَانَهَا حَتَّى تَتَّحِدَ الصُّورَةُ قَبْلَ النِّسْبَةِ الثَّانِيَةِ وَبَعْدَهَا وَالتَّمْيِيزُ حِينَئِذٍ مِنْ خَارِجٍ فَالْيَاءُ الْمُشَدَّدَةُ فِيهِ يَاءُ النِّسْبَةِ لَا آخِرُ الْكَلِمَةِ كَكُرْسِيٍّ وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ بَنُو شَافِعٍ مِنْ بَنِي الْمُطَّلِبِ ابْنِ عَبْدِ مَنَافٍ مِنْهُمْ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ الْفَقِيهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَنْ قَالَ فِي نِسْبَتِهِ الشَّفْعَوِيُّ فَهُوَ عَامِّيٌّ وَحَقُّهُ أَنْ يُقَالَ بِالشَّافِعِيِّ الْمَذْهَبِ فَحَاصِلُهُ أَنَّ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ جَوَّزَ الِاقْتِدَاءَ بِالشَّافِعِيِّ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَعْلَمَ الْمُقْتَدِي مِنْهُ مَا يَمْنَعُ صِحَّةَ صَلَاتِهِ فِي رَأْيِ الْمُقْتَدِي كَالْفَصْدِ وَنَحْوِهِ وَعَدَدِ مَوَاضِعِ عَدَمِ صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ بِهِ فِي الْعِنَايَةِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ بِقَوْلِهِ كَمَا إذَا لَمْ يَتَوَضَّأْ مِنْ الْفَصْدِ وَالْخَارِجِ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ وَكَمَا إذَا كَانَ شَاكًّا فِي إيمَانِهِ بِقَوْلِهِ أَنَا مُؤْمِنٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَوْ مُتَوَضِّئًا مِنْ الْقُلَّتَيْنِ أَوْ يَرْفَعُ يَدَيْهِ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَعِنْدَ رَفْعِ الرَّأْسِ مِنْ الرُّكُوعِ أَوْ لَمْ يَغْسِلْ ثَوْبَهُ مِنْ الْمَنِيِّ وَلَمْ يَفْرُكْهُ أَوْ انْحَرَفَ عَنْ الْقِبْلَةِ إلَى الْيَسَارِ أَوْ صَلَّى الْوِتْرَ بِتَسْلِيمَتَيْنِ أَوْ اقْتَصَرَ عَلَى رَكْعَةٍ أَوْ لَمْ يُوتِرْ أَصْلًا أَوْ قَهْقَهَ فِي الصَّلَاةِ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ أَوْ صَلَّى فَرْضَ الْوَقْتِ مَرَّةً ثُمَّ أَمَّ الْقَوْمَ فِيهِ زَادَ فِي النِّهَايَةِ وَأَنْ لَا يُرَاعِيَ   [منحة الخالق] إذَا وَقَعَتْ نَازِلَةٌ قَنَتَ الْإِمَامُ فِي الصَّلَاةِ الْجَهْرِيَّةِ وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ لَا يَقْنُتُ عِنْدَنَا فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ فِي غَيْرِ بَلِيَّةٍ أَمَّا إذَا وَقَعَتْ فَلَا بَأْسَ بِهِ اهـ. وَلَعَلَّ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ فَلْيُرَاجَعْ ثُمَّ لِيَنْظُرَ هَلْ الْقُنُوتُ لِلنَّازِلَةِ قَبْلَ الرُّكُوعِ أَوْ بَعْدَهُ وَظَاهِرُ حَمْلِهِمْ مَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْفَجْرِ عَلَى النَّازِلَةِ يَقْتَضِي الثَّانِيَ ثُمَّ رَأَيْت الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي مَرَاقِي الْفَلَاحِ صَرَّحَ بِذَلِكَ وَاسْتَظْهَرَ الْحَمَوِيُّ فِي حَوَاشِي الْأَشْبَاهِ الْأَوَّلَ وَمَا ذَكَرْنَاهُ أَظْهَرُ. (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَيَتْبَعُ الْمُؤْتَمُّ قَانِتَ الْوِتْرِ) أَيْ وَلَوْ كَانَ الْإِمَامُ شَافِعِيًّا يَقْنُتُ بَعْدَ الرُّكُوعِ لِأَنَّ اخْتِلَافَهُمْ فِي الْفَجْرِ مَعَ كَوْنِهِ مَنْسُوخًا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يُتَابِعُهُ فِي قُنُوتِ الْوِتْرِ لِكَوْنِهِ ثَابِتًا بِيَقِينٍ كَذَا فِي الدُّرَرِ وَصَدْرِ الشَّرِيعَةِ وَفِي الشرنبلالية لَا يَخْفَى أَنَّ الشَّافِعِيَّ يَقْنُتُ بِاَللَّهُمِ اهْدِنَا وَالْحَنَفِيُّ بِاَللَّهُمِ إنَّا نَسْتَعِينُك فَمَا يَفْعَلُهُ فَلْيُنْظَرْ اهـ. قَالَ فِي حَوَاشِي مِسْكِينٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُتَابَعَةَ فِي مُطْلَقِ الْقُنُوتِ لَا فِي خُصُوصِ مَا قَنَتَ بِهِ ثُمَّ رَأَيْت الشَّيْخَ عَبْدَ الْحَيِّ ذَكَرَ طِبْقَ مَا فَهِمْته اهـ. عَلَى أَنَّهُ قَدَّمَ الْمُؤَلِّفُ أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ لَا تَوْقِيتَ فِيهِ (قَوْلُهُ وَلَهُمَا أَنَّهُ مَنْسُوخٌ) قَالَ الْعَلَّامَةُ نُوحٌ أَفَنْدِي هَذَا عَلَى إطْلَاقِهِ مُسَلَّمٌ فِي غَيْرِ النَّوَازِلِ وَأَمَّا عِنْدَ النَّوَازِلِ فِي الْقُنُوتِ فِي الْفَجْرِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُتَابِعَهُ عِنْدَ الْكُلِّ لِأَنَّ الْقُنُوتَ فِيهَا عِنْدَ النَّوَازِلِ لَيْسَ بِمَنْسُوخٍ عَلَى مَا هُوَ التَّحْقِيقُ كَمَا مَرَّ وَأَمَّا فِي الْقُنُوتِ فِي غَيْرِ الْفَجْرِ عِنْدَ النَّوَازِلِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فَلَا يُتَابِعُهُ عِنْدَ الْكُلِّ فَإِنَّ الْقُنُوتَ فِي غَيْرِ الْفَجْرِ مَنْسُوخٌ عِنْدَنَا اتِّفَاقًا اهـ. فَعَلَى هَذَا فَالْمُرَادُ نَسْخُ عُمُومِ الْحُكْمِ لَا نَسْخُ الْحُكْمِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ السَّاكِتَ شَرِيكُ الدَّاعِي) قَالَ فِي الْفَتْحِ مُشْتَرِكُ الْإِلْزَامِ فَإِنَّ الْجَالِسَ أَيْضًا سَاكِتٌ فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِهِ مُشَارَكَتَهُ الدَّاعِيَ بِحَالِ مُوَافَقَتِهِ فِي خُصُوصِ هَيْئَةِ الدَّاعِي لَكِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ مُشَارِكًا إذَا رَفَعَ يَدَهُ مِثْلَهُ لِأَنَّهَا مِنْ هَيْئَةِ الْإِمَامِ إلَّا أَنْ يُلْغِيَ ذَلِكَ وَيُقَالُ مُجَرَّدُ الْوُقُوفِ خَلْفَ الدَّاعِي الْوَاقِفِ سَاكِتًا يُعَدُّ شَرِكَةً لَهُ فِي ذَلِكَ عُرْفًا رَفَعَ يَدَيْهِ مِثْلَهُ أَوْ لَا وَهُوَ حَقٌّ (قَوْلُهُ أَوْ لَمْ يُوتِرْ أَصْلًا) الظَّاهِرُ أَنَّ الْعِلَّةَ فِيهِ عَدَمُ مُرَاعَاةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 48 التَّرْتِيبَ فِي الْفَوَائِتِ وَأَنْ لَا يَمْسَحَ رُبُعَ رَأْسِهِ وَزَادَ قَاضِي خَانْ وَأَنْ يَكُونَ مُتَعَصِّبًا وَالْكُلُّ ظَاهِرٌ مَا عَدَا خَمْسَةَ أَشْيَاءَ الْأَوَّلُ مَسْأَلَةُ التَّوَضُّؤِ مِنْ الْقُلَّتَيْنِ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ عِنْدَنَا إذَا لَمْ يَقَعْ فِي الْمَاءِ نَجَاسَةٌ وَلَمْ يَخْتَلِطْ بِمُسْتَعْمَلٍ مُسَاوٍ لَهُ أَوْ أَكْثَرَ فَلَا بُدَّ أَنْ يُقَيِّدَ قَوْلَهُمْ بِالْقُلَّتَيْنِ الْمُتَنَجِّسِ مَاؤُهُمَا أَوْ الْمُسْتَعْمَلِ بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ لَا مُطْلَقًا الثَّانِي مَسْأَلَةُ رَفْعِ الْيَدَيْنِ مِنْ وَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ أَنَّ الْفَسَادَ بِرَفْعِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَعِنْدَ رَفْعَ الرَّأْسِ مِنْهُ رِوَايَةٌ شَاذَّةٌ رَوَاهَا مَكْحُولٌ النَّسَفِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَيْسَتْ بِصَحِيحَةٍ رِوَايَةً وَدِرَايَةً لِأَنَّ الْمُخْتَارَ فِي الْعَمَلِ الْكَثِيرِ الْمُفْسِدِ لَهَا مَا لَوْ رَآهُ شَخْصٌ مِنْ بَعِيدٍ ظَنَّهُ لَيْسَ فِي الصَّلَاةِ لَا مَا يُقَامُ بِالْيَدَيْنِ وَلِأَنَّ وَضْعَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الِاقْتِدَاءِ بِالشَّافِعِيِّ وَبَقَائِهِ إلَى وَقْتِ الْقُنُوتِ حَتَّى اخْتَلَفُوا هَلْ يُتَابِعُهُ فِيهِ أَوْ لَا كَمَا فِي الْهِدَايَةِ مَعَ وُجُودِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي الرَّكَعَاتِ الثَّلَاثِ الثَّانِي أَنَّ الْفَسَادَ عِنْدَ الرُّكُوعِ لَا يَقْتَضِي عَدَمَ صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ مِنْ الِابْتِدَاءِ مَعَ أَنَّ عُرُوضَ الْبُطْلَانِ غَيْرُ مَقْطُوعٍ بِهِ حَتَّى يُجْعَلَ كَالْمُتَحَقِّقِ عِنْدَ الشُّرُوعِ لِأَنَّ الرَّفْعَ جَائِزُ التَّرْكِ عِنْدَهُمْ لِسُنِّيَّتِهِ الثَّالِثُ مَسْأَلَةُ الِانْحِرَافِ عَنْ الْقِبْلَةِ إلَى الْيَسَارِ لِأَنَّ الِانْحِرَافَ الْمَانِعَ عِنْدَنَا أَنْ يُجَاوِزَ الْمَشَارِقَ إلَى الْمَغَارِبِ كَمَا نَقَلَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فِي اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَالشَّافِعِيَّةِ لَا يَنْحَرِفُونَ هَذَا الِانْحِرَافَ الرَّابِعُ مَسْأَلَةُ التَّعَصُّبِ وَهُوَ تَعَصُّبٌ لِأَنَّ التَّعَصُّبَ عَلَى تَقْدِيرِ وُجُودِهِ مِنْهُمْ إنَّمَا يُوجِبُ الْفِسْقَ لَا الْكُفْرَ وَالْفِسْقُ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الِاقْتِدَاءِ وَالظَّاهِرُ مِنْ الشَّارِطِينَ لِعَدَمِهِ أَنَّهُ يُوجِبُ الْكُفْرَ لِكَوْنِهِ فِي الدِّينِ وَهُوَ بَعِيدٌ كَمَا لَا يَخْفَى الْخَامِسُ مَسْأَلَةُ الِاسْتِثْنَاءِ فِي الْإِيمَانِ فَاعْلَمْ أَنَّ عِبَارَتَهُمْ قَدْ اخْتَلَفَتْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَذَهَبَ طَائِفَةٌ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ إلَى تَكْفِيرِ مَنْ قَالَ أَنَا مُؤْمِنٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَلَمْ يُقَيِّدُوهُ بِأَنْ يَكُونَ شَاكًّا فِي إيمَانِهِ وَمِنْهُمْ الْأَتْقَانِيُّ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَصَرَّحَ فِي رَوْضَةِ الْعُلَمَاءِ بِأَنَّ قَوْلَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ يَرْفَعُ إيمَانَهُ فَيَبْقَى بِلَا إيمَانٍ فَلَا يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ وَذَكَرَ فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ الْمَوَاعِظِ أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ سُئِلَ عَمَّنْ يُسْتَثْنَى فِي الْإِيمَانِ فَقَالَ إنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ذَكَرَ فِي كِتَابِهِ ثَلَاثَةَ أَصْنَافٍ قَالَ تَعَالَى فِي مَوْضِعٍ {أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا} [الأنفال: 4] وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ {أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا} [النساء: 151] وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ {مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاءِ} [النساء: 143] فَمَنْ قَالَ بِالِاسْتِثْنَاءِ فِي الْإِيمَانِ فَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْمُذَبْذَبِينَ اهـ. وَفِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ عَنْ الْإِمَامِ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ مَنْ قَالَ أَنَا مُؤْمِنٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَهُوَ كَافِرٌ لَا تَجُوزُ الْمُنَاكَحَةُ مَعَهُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَفْصٍ فِي فَوَائِدِهِ لَا يَنْبَغِي لِلْحَنَفِيِّ أَنْ يُزَوِّجَ بِنْتَهُ مِنْ رَجُلٍ شَفْعَوِيِّ الْمَذْهَبِ وَهَكَذَا قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا وَلَكِنْ يَتَزَوَّجُ بِنْتَهمْ زَادَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ تَنْزِيلًا لَهُمْ مَنْزِلَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ اهـ. وَذَهَبَ طَائِفَةٌ إلَى تَكْفِيرِ مَنْ شَكَّ مِنْهُمْ فِي إيمَانِهِ بِقَوْلِهِ أَنَا مُؤْمِنٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ عَلَى وَجْهِ الشَّكِّ لَا مُطْلَقًا وَهُوَ الْحَقُّ لِأَنَّهُ لَا مُسْلِمَ يَشُكُّ فِي إيمَانِهِ وَقَوْلُ الطَّائِفَةِ الْأُولَى أَنَّهُ يَكْفُرُ غَلَطٌ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنِ الْعُلَمَاءِ فِي أَنَّهُ لَا يُقَالُ أَنَا مُؤْمِنٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ لِلشَّكِّ فِي ثُبُوتِهِ لِلْحَالِ بَلْ ثُبُوتُهُ فِي الْحَالِ مَجْزُومٌ بِهِ كَمَا نَقَلَهُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ فِي الْمُسَايَرَةِ وَإِنَّمَا مَحَلُّ الِاخْتِلَافِ فِي جَوَازِهِ لِقَصْدِ إيمَانِ الْمُوَافَاةِ فَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ إلَى مَنْعِهِ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ وَأَجَازَ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ لِأَنَّ بَقَاءَهُ إلَى الْوَفَاةِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمُسَمَّى بِإِيمَانِ الْمُوَافَاةِ غَيْرُ مَعْلُومٍ وَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ هُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي النَّجَاةِ كَانَ هُوَ الْمَلْحُوظُ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِ فِي رَبْطِهِ بِالْمَشِيئَةِ وَهُوَ أَمْرٌ مُسْتَقْبَلٌ فَالِاسْتِثْنَاءُ فِيهِ اتِّبَاعٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا} [الكهف: 23] {إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف: 24] وَقَالَ أَئِمَّةُ الْحَنَفِيَّةِ لَمَّا كَانَ ظَاهِرُ التَّرْكِيبِ الْإِخْبَارُ بِقِيَامِ الْإِيمَانِ بِهِ فِي الْحَالِ مَعَ اقْتِرَانِ كَلِمَةِ الِاسْتِثْنَاءِ بِهِ كَانَ تَرْكُهُ أَبْعَدَ عَنْ التُّهْمَةِ فَكَانَ تَرْكُهُ وَاجِبًا وَأَمَّا مَنْ عُلِمَ قَصْدُهُ فَرُبَّمَا تَعْتَادُ النَّفْسُ التَّرَدُّدَ لِكَثْرَةِ إشْعَارِهَا بِتَرَدُّدِهَا فِي ثُبُوتِ الْإِيمَانِ   [منحة الخالق] التَّرْتِيبِ أَيْ فَلَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ فِي الْفَجْرِ مَثَلًا إنْ كَانَ لَمْ يُوتِرْ وَلَكِنْ يَتَكَرَّرُ هَذَا مَعَ قَوْلِهِ وَأَنْ لَا يُرَاعِيَ التَّرْتِيبَ فَلْيُتَأَمَّلْ مَا الْمُرَادُ (قَوْلُهُ وَالشَّافِعِيَّةِ لَا يَنْحَرِفُونَ هَذَا الِانْحِرَافَ) . أَقُولُ: بَلْ لَا يَنْحَرِفُونَ أَصْلًا لِأَنَّ مَذْهَبَهُمْ أَضْيَقُ مِنْ مَذْهَبِنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِوُجُوبِ اسْتِقْبَالِ الْعَيْنِ عِنْدَهُمَا وَغَايَةُ مَا يَفْعَلُونَهُ أَنَّهُمْ يَضَعُونَ الْيَدَيْنِ عَلَى مَا يُحَاذِي الْقَلْبَ مِنْ جِهَةِ الْيَسَارِ وَبِذَلِكَ لَا يَحْصُلُ انْحِرَافٌ أَصْلًا لِأَنَّهُ بِالصَّدْرِ وَالْوَجْهِ لَا بِالْيَدَيْنِ وَأَفَادَ شَيْخُنَا حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الْمُرَادَ انْحِرَافُهُمْ إذَا اجْتَهَدُوا فِي الْقِبْلَةِ مَعَ وُجُودِ الْمَحَارِيبِ الْقَدِيمَةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَهُمْ لَا عِنْدَنَا فَلَوْ انْحَرَفَ عَنْ الْمِحْرَابِ الْقَدِيمِ لَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 49 وَاسْتِمْرَارِهِ وَهَذِهِ مَفْسَدَةٌ إذْ قَدْ يَجُرُّ إلَى وُجُودِهِ آخَرَ الْحَيَاةِ الِاعْتِيَادُ خُصُوصًا وَالشَّيْطَانُ مُنْقَطِعٌ مُجَرِّدٌ نَفْسَهُ لِسَبِيلٍ لَا شُغْلَ لَهُ سِوَاك فَيَجِبُ تَرْكَ الْمُؤَدِّي إلَى هَذِهِ الْمَفْسَدَةِ اهـ. فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي هَذَا الشَّرْطِ وَهُوَ قَوْلُ الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ أَنْ لَا يَكُونَ شَاكًّا فِي إيمَانِهِ إذْ لَا مُسْلِمَ يَشُكُّ فِيهِ وَأَمَّا التَّكْفِيرُ بِمُطْلَقِ الِاسْتِثْنَاءِ فَقَدْ عَلِمْت غَلَطَهُ وَأَقْبَحُ مِنْ ذَلِكَ مَنْ مَنَعَ مُنَاكَحَتَهُمْ وَلَيْسَ هُوَ إلَّا مَحْضُ تَعَصُّبٍ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا خُصُوصًا قَدْ نَقَلَ الْإِمَامُ السُّبْكِيُّ فِي رِسَالَةٍ أَلَّفَهَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْقَوْلَ بِدُخُولِ الِاسْتِثْنَاءِ فِي الْإِيمَانِ هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ السَّلَفِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَمِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ الْأَشْعَرِيَّةُ وَالْكُلَّابِيَّةِ قَالَ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ اهـ. فَالْقَوْلُ بِتَكْفِيرِ هَؤُلَاءِ مِنْ أَقْبَحِ الْأَشْيَاءِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ صَرَّحَ فِي النِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ وَغَيْرِهِمَا بِكَرَاهَةِ الِاقْتِدَاءِ بِالشَّافِعِيِّ إذَا لَمْ يُعْلَمْ حَالُهُ حَتَّى صَرَّحَ فِي النِّهَايَةِ بِأَنَّهُ إذَا عُلِمَ مِنْهُ مَرَّةً عَدَمُ الْوُضُوءِ مِنْ الْحِجَامَةِ ثُمَّ غَابَ عَنْهُ ثُمَّ رَآهُ يُصَلِّي فَالصَّحِيحُ جَوَازُ الِاقْتِدَاءِ بِهِ مَعَ الْكَرَاهَةِ فَصَارَ الْحَاصِلُ أَنَّ الِاقْتِدَاءَ بِالشَّافِعِيِّ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ الْأَوَّلُ أَنْ يَعْلَمَ مِنْهُ الِاحْتِيَاطَ فِي مَذْهَبِ الْحَنَفِيِّ فَلَا كَرَاهَةَ فِي الِاقْتِدَاءِ بِهِ الثَّانِي أَنْ يَعْلَمَ مِنْهُ عَدَمَهُ فَلَا صِحَّةَ لَكِنْ اخْتَلَفُوا هَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَعْلَمَ مِنْهُ عَدَمَهُ فِي خُصُوصِ مَا يَقْتَدِي بِهِ أَوْ فِي الْجُمْلَةِ صَحَّحَ فِي النِّهَايَةِ الْأَوَّلَ وَغَيْرُهُ اخْتَارَ الثَّانِيَ وَفِي فَتَاوَى الزَّاهِدِيِّ إذَا رَآهُ احْتَجَمَ ثُمَّ غَابَ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَتَوَضَّأَ احْتِيَاطًا وَحُسْنُ الظَّنِّ بِهِ أَوْلَى الثَّالِثُ أَنْ لَا يَعْلَمَ شَيْئًا فَالْكَرَاهَةُ وَلَا خُصُوصِيَّةَ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ بَلْ إذَا صَلَّى حَنَفِيٌّ خَلْفَ مُخَالِفٍ لِمَذْهَبِهِ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ وَظَاهِرُ الْهِدَايَةِ أَنَّ الِاعْتِبَارَ لِاعْتِقَادِ الْمُقْتَدِي وَلَا اعْتِبَارَ لِاعْتِقَادِ الْإِمَامِ حَتَّى لَوْ شَاهَدَ الْحَنَفِيُّ إمَامَهُ الشَّافِعِيَّ مَسَّ امْرَأَةً   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَهُوَ) تَفْسِيرٌ لِلشَّرْطِ (قَوْلُهُ الْأَوَّلُ أَنْ يَعْلَمَ مِنْهُ الِاحْتِيَاطَ فِي مَذْهَبِ الْحَنَفِيِّ) اُنْظُرْ هَلْ الْمُرَادُ بِالِاحْتِيَاطِ الْإِتْيَانُ بِالشُّرُوطِ وَالْأَرْكَانِ أَوْ مَا يَشْمَلُ تَرْكَ الْمَكْرُوهِ عِنْدَنَا كَتَرْكِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ الِانْتِقَالَاتِ وَتَأْخِيرِ الْقِيَامِ عَنْ مَحَلِّهِ فِي الْقُعُودِ الْأَوَّلِ بِسَبَبِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ إبْرَاهِيمَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ الْأَوَّلُ فَإِنَّهُ قَالَ وَأَمَّا الِاقْتِدَاءُ بِالْمُخَالِفِ فِي الْفُرُوعِ كَالشَّافِعِيِّ فَيَجُوزُ مَا لَمْ يَعْلَمْ مِنْهُ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ عَلَى اعْتِقَادِ الْمُقْتَدِي عَلَيْهِ الْإِجْمَاعَ إنَّمَا اُخْتُلِفَ فِي الْكَرَاهَةِ اهـ. إذْ مَفْهُومُهُ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي الْكَرَاهَةِ عِنْدَ عَدَمِ الْعِلْمِ بِالْمُفْسِدِ وَالْمُفْسِدُ إنَّمَا هُوَ تَرْكُ شَرْطٍ أَوْ رُكْنٍ فَقَطْ ثُمَّ رَأَيْت التَّصْرِيحَ بِذَلِكَ فِي رِسَالَةٍ فِي الِاقْتِدَاءِ لِمُنْلَا عَلِيٍّ الْقَارِي وَأَنَّهُ فِيمَا عَدَا الْمُبْطِلِ يَتْبَعُ مَذْهَبَهُ وَأَنَّ الِاحْتِيَاطَ فِي الْمُبْطِلِ فَإِذَا فَعَلَ فَهُوَ جَائِزٌ بِدُونِ كَرَاهَةٍ وَهَذَا هُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنْ سِيَاقِ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ وَعَلَى عَدَمِ الْكَرَاهَةِ فَهَلْ الِاقْتِدَاءُ بِهِ أَفْضَلُ أَمْ الِانْفِرَادُ قَالَ الرَّمْلِيُّ لَمْ أَرَهُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ الثَّانِي وَاَلَّذِي يَحْسُنُ عِنْدِي الْأَوَّلُ وَرُبَّمَا أَشْعَرَ كَلَامُهُمْ بِهِ وَقَدْ كُتِبَتْ عَلَى شَرْحِ زَادِ الْفَقِيرِ لِلْغَزِّيِّ كِتَابَةٌ حَسَنَةٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَرَاجِعْهَا إنْ شِئْت وَصُورَةُ مَا كَتَبَهُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ جَازَ الِاقْتِدَاءُ بِهِ بِلَا كَرَاهَةٍ بَقِيَ الْكَلَامُ فِي الْأَفْضَلِ مَا هُوَ الِاقْتِدَاءُ بِهِ أَوْ الِانْفِرَادُ لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ مِنْ عُلَمَائِنَا وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ الثَّانِي وَاَلَّذِي يَظْهَرُ وَيَحْسُنُ عِنْدِي الْأَوَّلُ لِأَنَّ فِي الثَّانِي تَرْكَ الْجَمَاعَةِ حَيْثُ لَا تَحْصُلُ إلَّا بِهِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ بِأَنْ كَانَ هُنَاكَ حَنَفِيٌّ يُقْتَدَى بِهِ الْأَفْضَلُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ وَكَيْفَ يَكُونُ الْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَ مُنْفَرِدًا مَعَ وُجُودِ شَافِعِيٍّ صَالِحٍ عَالِمٍ تَقِيٍّ نَقِيٍّ يُرَاعِي الْخِلَافَ بِهِ تَحْصُلُ فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ مَا أَظُنُّ فَقِيهَ نَفْسٍ يَقُولُ بِهِ وَرُبَّمَا أَشْعَرَ كَلَامُهُمْ بِمَا جَنَحْتُ إلَيْهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ اهـ. قُلْت: وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي السِّرَاجِ حَيْثُ قَالَ فَإِنْ قُلْت فَمَا الْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَ خَلْفَ هَؤُلَاءِ أَوْ الِانْفِرَادُ قِيلَ أَمَّا فِي حَقِّ الْفَاسِقِ فَالصَّلَاةُ خَلْفَهُ أَوْلَى فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي الْفَتَاوَى أَنَّ الرَّجُلَ إذَا صَلَّى خَلْفَهُ يُحْرِزُ ثَوَابَ الْجَمَاعَةِ لَكِنْ لَا يَنَالُ ثَوَابَ مَنْ يُصَلِّي خَلْفَ تَقِيٍّ وَأَمَّا الْآخَرُونَ يَعْنِي الْعَبْدَ وَالْأَعْرَابِيَّ وَالْفَاسِقَ وَوَلَدَ الزِّنَا فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الِانْفِرَادُ أَوْلَى لِجَهْلِهِمْ بِشُرُوطِ الصَّلَاةِ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونُوا عَلَى قِيَاسِ الصَّلَاةِ خَلْفَ الْفَاسِقِ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَ خَلْفَ غَيْرِهِمْ لِأَنَّ النَّاسَ تَكْرَهُ إمَامَتَهُمْ اهـ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ فِي بَابِ الْإِمَامَةِ أَنَّ هَذِهِ الْكَرَاهَةَ تَنْزِيهِيَّةٌ وَأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُقَيِّدَ بِمَا إذَا وَجَدَ غَيْرَهُمْ وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ فِيمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ إذَا كَانَ شَافِعِيٌّ تَقِيٌّ يَحْتَاطُ لَمْ تُوجَدْ فِيهِ عِلَّةُ الْكَرَاهَةِ الْمَذْكُورَةِ هُنَا وَإِذَا كَانَتْ أَفْضَلَ خَلْفَ فَاسِقٍ مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ مَأْمُونٍ عَلَى الدَّيْنِ فَمَا بَالُكَ بِشَافِعِيٍّ تَقِيٍّ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الظَّاهِرَ مَا قَالَهُ الرَّمْلِيُّ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا نَفْيُ الْمُؤَلِّفِ الْكَرَاهَةَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا التَّنْزِيهِيَّةُ الثَّابِتَةُ فِي غَيْرِهِ (قَوْلُهُ الثَّانِي أَنْ يَعْلَمَ) تَقَدَّمَ عَنْ الْمُجْتَبَى أَنَّهُ إنْ كَانَ مُرَاعِيًا لِلشَّرَائِطِ وَالْأَرْكَانِ عِنْدَنَا فَالِاقْتِدَاءُ بِهِ صَحِيحٌ عَلَى الْأَصَحِّ وَيُكْرَهُ وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ أَصْلًا (قَوْلُهُ فِي خُصُوصِ مَا يُقْتَدَى بِهِ) أَيْ بِأَنْ رَآهُ احْتَجَمَ وَصَلَّى مِنْ غَيْرِ غَيْبَةٍ وَلَا إعَادَةِ وُضُوءٍ فَلَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ فِي هَذِهِ الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ عَلِمَ مِنْهُ عَدَمَ الْمُرَاعَاةِ فِي خُصُوصِ مَا يُقْتَدَى بِهِ وَقَوْلُهُ أَوْ فِي الْجُمْلَةِ أَيْ بِأَنْ رَآهُ صَلَّى بِلَا إعَادَةِ الْوُضُوءِ ثُمَّ رَآهُ بَعْدَ ذَلِكَ يُصَلِّي فَهَذِهِ الصَّلَاةُ الثَّانِيَةُ لَمْ يُعْلَمْ مِنْهُ عَدَمُ الْمُرَاعَاةِ فِيهَا لَكِنَّهُ قَدْ عَلِمَهُ مِنْهُ فِي صَلَاةٍ غَيْرِهَا فَقَدْ عَلِمَ مِنْهُ عَدَمَ الِاحْتِيَاطِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 50 وَلَمْ يَتَوَضَّأْ ثُمَّ اقْتَدَى بِهِ فَإِنَّ أَكْثَرَ مَشَايِخِنَا قَالُوا يَجُوزُ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَغَيْرِهِ وَقَالَ الْهِنْدُوَانِيُّ وَجَمَاعَةٌ لَا يَجُوزُ وَرَجَّحَهُ فِي النِّهَايَةِ بِأَنَّهُ يُصَلُّ لَمَّا أَنْ زَعَمَ الْإِمَامُ أَنَّ صَلَاتَهُ لَيْسَتْ بِصَلَاةٍ فَكَانَ الِاقْتِدَاءُ حِينَئِذٍ بِنَاءُ الْمَوْجُودِ عَلَى الْمَعْدُومِ فِي زَعْمِ الْإِمَامِ وَهُوَ الْأَصْلُ فَلَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ اهـ. وَرُدَّ بِأَنَّ الْمُقْتَدِيَ يَرَى جَوَازَهَا وَالْمُعْتَبَرُ فِي حَقِّهِ رَأْيُ نَفْسِهِ لَا غَيْرِهِ وَأَيْضًا يَنْبَغِي حَمْلُ حَالَ الْإِمَامِ عَلَى التَّقْلِيدِ لِأَبِي حَنِيفَةَ حَمْلًا لِحَالِ الْمُسْلِمِ عَلَى الصَّلَاحِ مَا أَمْكَنَ فَيَتَّحِدُ اعْتِقَادُهُمَا وَإِلَّا لَزِمَ مِنْهُ تَعَمُّدُ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ عَلَى اعْتِقَادِهِ وَهُوَ حَرَامٌ إلَّا أَنْ تُفْرَضَ الْمَسْأَلَةُ أَنَّ الْمَأْمُورَ عَلِمَ بِهِ وَالْإِمَامُ لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فَيُقْتَصَرُ عَلَى الْجَوَابِ الْأَوَّلِ. (قَوْلُهُ وَالسُّنَّةُ قَبْلَ الْفَجْرِ وَبَعْدَ الظُّهْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ رَكْعَتَانِ وَقَبْلَ الظُّهْرِ وَالْجُمُعَةِ وَبَعْدَهَا أَرْبَعٌ) شَرَعَ فِي بَيَانِ النَّوَافِلِ بَعْدَ ذِكْرِ الْوَاجِبِ فَذَكَرَ أَنَّهَا نَوْعَانِ سُنَّةٌ وَمَنْدُوبٌ فَالْأَوَّلُ فِي كُلِّ يَوْمٍ مَا عَدَا الْجُمُعَةِ ثَنَتَا عَشْرَةَ رَكْعَةً وَفِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ رَكْعَةً وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ ثَابَرَ عَلَى ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً مِنْ السُّنَّةِ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ» وَذَكَرَهَا كَمَا فِي الْكِتَابِ وَرَوَى مُسْلِمٌ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُصَلِّيهَا وَبَدَأَ الْمُصَنِّفُ بِسُنَّةِ الْفَجْرِ لِأَنَّهَا أَقْوَى السُّنَنِ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ «لَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى شَيْءٍ مِنْ النَّوَافِلِ أَشَدَّ تَعَاهُدًا مِنْهُ عَلَى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ» وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ «رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» وَفِي أَوْسَطِ الطَّبَرَانِيِّ عَنْهَا أَيْضًا «لَمْ أَرَهُ تَرَكَ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ فِي سَفَرٍ وَلَا حَضَرٍ وَلَا صِحَّةٍ وَلَا سَقَمٍ» وَقَدْ ذَكَرُوا مَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِهَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ أَجْمَعُوا أَنَّ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ قَاعِدًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ لَا يَجُوزُ كَذَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ. وَفِي النِّهَايَةِ قَالَ مَشَايِخُنَا الْعَالِمُ إذَا صَارَ مَرْجِعًا فِي الْفَتَاوَى يَجُوزُ لَهُ تَرْكُ سَائِرِ السُّنَنِ لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَى فَتْوَاهُ إلَّا سُنَّةَ الْفَجْرِ اهـ. وَفِي الْمُضْمَرَاتِ مَعْزِيًّا إلَى الْعَتَّابِيِّ مَنْ أَنْكَرَ سُنَّةَ الْفَجْرِ يُخْشَى عَلَيْهِ الْكُفْرُ وَفِي الْخُلَاصَةِ الظَّاهِرُ مِنْ الْجَوَابِ أَنَّ السُّنَّةَ لَا تُقْضَى إلَّا سُنَّةُ الْفَجْرِ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِهَا مَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَدَعُوا رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَلَوْ طَرَدَتْكُمْ الْخَيْلُ» فَقَدْ وَجَدْتَ الْمُوَاظَبَةَ عَلَيْهَا بِمَا قَدَّمْنَاهُ وَالنَّهْيَ عَنْ تَرْكِهَا لَكِنَّ الْمَنْقُولَ فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ أَنَّهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَإِنْ قُلْنَا إنَّهَا بِمَعْنَى الْوَاجِبِ هُنَا لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهَا تَتَأَدَّى بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ قَالَ فِي التَّجْنِيسِ رَجُلٌ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ تَطَوُّعًا وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّ الْفَجْرَ لَمْ يَطْلُعْ فَإِذَا الْفَجْرُ طَالِعٌ يُجْزِئُهُ عَنْ رَكْعَتَيْ   [منحة الخالق] فِي الْجُمْلَةِ وَالْقَوْلُ بِفَسَادِ الِاقْتِدَاءِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَضْيَقُ مِنْ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ وَقَالَ الْهِنْدُوَانِيُّ وَجَمَاعَةٌ لَا يَجُوزُ) أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ عِنْدَهُمْ هُوَ رَأْيُ الْإِمَامِ قَالَ فِي النَّهْرِ وَعَلَى هَذَا فَيَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ وَإِنْ لَمْ يَحْتَطْ اهـ. وَظَاهِرُهُ الْجَوَازُ وَإِنْ تَرَكَ بَعْضَ الْأَرْكَانِ وَالشَّرَائِطِ عِنْدَنَا لَكِنْ ذَكَرَ الْعَلَّامَةُ نُوحٌ أَفَنْدِي فِي حَوَاشِي الدُّرَرِ أَنَّ مَنْ قَالَ إنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي جَوَازِ الِاقْتِدَاءِ بِالْمُخَالِفِ رَأْيُ الْإِمَامِ عِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ الْهِنْدُوَانِيُّ أَرَادَ بِهِ رَأْيَ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ مَعًا لَا رَأْيَ الْإِمَامِ فَقَطْ كَمَا فَهِمَهُ بَعْضُ النَّاسِ فَإِنَّ الِاخْتِلَافَ فِي اعْتِبَارِ رَأْيِ الْإِمَامِ لَا فِي اعْتِبَارِ رَأْيِ الْمَأْمُومِ فَإِنَّ اعْتِبَارَ رَأْيِهِ فِي الْجَوَازِ وَعَدَمِهِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ فَالْحَنَفِيُّ الْمُقْتَدِي إذَا رَأَى فِي ثَوْبِ الشَّافِعِيِّ الْإِمَامِ مَنِيًّا لَا يَجُوزُ لَهُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ اتِّفَاقًا لِأَنَّ الْمَنِيَّ نَجَسٌ عَلَى رَأْيِ الْحَنَفِيِّ وَإِذَا رَأَى فِي ثَوْبِهِ نَجَاسَةً قَلِيلَةً يَجُوزُ لَهُ الِاقْتِدَاءُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ الْبَعْضِ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ الْقَلِيلَةَ مَانِعَةٌ عَلَى رَأْيِ الْإِمَامِ وَالْمُعْتَبَرُ رَأْيُهُمْ. اهـ. وَلَكِنْ لِيُتَأَمَّلَ هَذَا مَعَ مَا مَرَّ مِنْ تَجْوِيزِ الرَّازِيِّ اقْتِدَاءَ الْحَنَفِيِّ بِمَنْ يُسَلِّمُ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ فِي الْوِتْرِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُخْرِجْهُ هَذَا السَّلَامُ فِي اعْتِقَادِهِ مَعَ أَنَّهُ فِي رَأْيِ الْمُؤْتَمِّ قَدْ خَرَجَ فَلْيُحَرَّرْ. [الصَّلَاة الْمَسْنُونَة كُلّ يَوْم] (قَوْلُهُ لَا يَجُوزُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ لَا يَصِحُّ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ أَوْ لَا وَقَدْ ذَكَرُوا مَا يَدُلّ عَلَى وُجُوبِهَا وَقَدْ فَهِمَ بَعْضٌ أَنَّ مَعْنَاهُ لَا يَحِلُّ وَهُوَ غَيْرُ سَدِيدٍ اهـ. قُلْت قَدْ مَرَّ عَدَمُ جَوَازِ صَلَاةِ الْوِتْرِ قَاعِدًا عِنْدَ الْإِمَامَيْنِ أَيْضًا مَعَ أَنَّهُمَا قَائِلَانِ بِسُنِّيَّتِهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ يُخْشَى عَلَيْهِ مِنْ الْكُفْرِ) وَقَعَ فِي عِبَارَةِ مِسْكِينٍ حَتَّى يَكْفُرَ جَاحِدُهَا وَاسْتَشْكَلَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ بِمَا صَرَّحُوا بِهِ مِنْ عَدَمِ تَكْفِيرِ جَاحِدِ الْوِتْرِ إجْمَاعًا وَغَايَةُ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ أَنْ تَكُونَ كَالْوِتْرِ فَكَيْفَ يَكْفُرُ جَاحِدُهَا وَأَجَابَ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْجُحُودِ فِي جَانِبِ الْوِتْرِ جُحُودُ وُجُوبِهِ لَا أَصْلِهِ بِخِلَافِهِ فِي جَانِبِ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ جُحُودُ أَصْلِ السُّنَّةِ فَلَا تَنَافِي حَتَّى لَوْ أَنْكَرَ الْوِتْرَ نَفْسَهُ يَكْفُرُ وَأَيَّدَهُ بَعْضُهُمْ بِمَا نَقَلَهُ عَنْ الشَّيْخِ قَاسِمٍ فِي الْأَلْفَاظِ الْمُكَفِّرَةِ مِنْ قَوْلِهِ وَمَنْ أَنْكَرَ أَصْلَ الْوِتْرِ وَأَصْلَ الْأُضْحِيَّةِ كَفَرَ اهـ لَكِنْ يُنَافِيهِ ظَاهِرُ قَوْلِ الزَّيْلَعِيِّ وَإِنَّمَا لَا يَكْفُرُ جَاحِدُهُ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فَلَا يَعْرُو عَنْ شُبْهَةِ اهـ. وَقَدْ يُقَالُ الْمُرَادُ جَحْدُ الْوُجُوبِ لَا أَصْلُ الْمَشْرُوعِيَّةِ لِانْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَيْهَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَإِنْ قُلْنَا إنَّهَا بِمَعْنَى الْوَاجِبِ) لَا يَخْفَى أَنَّ السُّنَّةَ الْمُؤَكَّدَةَ هِيَ مَا كَانَ بِمَعْنَى الْوَاجِبِ مِنْ جِهَةِ الْإِثْمِ كَمَا مَرَّ وَيَأْتِي قَرِيبًا فَكَانَ حَقُّ التَّعْبِيرِ أَنْ يَقُولَ وَإِنْ قُلْنَا أَنَّهَا وَاجِبَةٌ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 51 الْفَجْرِ هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ السُّنَّةَ تَطَوُّعٌ فَتَتَأَدَّى بِنِيَّةِ التَّطَوُّعِ اهـ. لَكِنْ فِي الْخُلَاصَةِ الْأَصَحُّ أَنَّهَا لَا تَنُوبُ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ وَفِيهَا أَيْضًا عَنْ مُتَفَرِّقَاتِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ رَجُلٌ صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فِي اللَّيْلِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ الْآخِرَتَيْنِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ تُحْتَسَبُ عَنْ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ عِنْدَهُمَا وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ وَبِهِ يُفْتَى اهـ. وَرَدَّهُ فِي التَّجْنِيسِ بِأَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهَا لَا تَنُوبُ عَنْ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ كَمَا إذَا صَلَّى الظُّهْرَ سِتًّا وَقَدْ قَعَدَ عَلَى رَأْسِ الرَّابِعَةِ فَإِنَّهُ لَا تَنُوبُ الرَّكْعَتَانِ عَنْ رَكْعَتَيْ السُّنَّةِ فِي الصَّحِيحِ مِنْ الْجَوَابِ كَذَا هَذَا وَهَذَا لِأَنَّ السُّنَّةَ مَا وَاظَبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهَا وَمُوَاظَبَتُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَتْ بِتَحْرِيمَةٍ مُبْتَدَأَةٍ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَالسُّنَّةُ فِي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ ثَلَاثٌ أَحَدُهَا أَنْ يَقْرَأَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] وَفِي الثَّانِيَةِ الْإِخْلَاصَ وَالثَّانِيَةُ أَنْ يَأْتِيَ بِهِمَا أَوَّلَ الْوَقْتِ وَالثَّالِثَةُ أَنْ يَأْتِيَ بِهِمَا فِي بَيْتِهِ وَإِلَّا فَعَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ وَإِلَّا فَفِي الْمَسْجِدِ الشَّتْوِيِّ إنْ كَانَ الْإِمَامُ فِي الصَّيْفِيِّ أَوْ عَكْسُهُ إنْ كَانَ يَرْجُو إدْرَاكَهُ وَإِنْ كَانَ الْمَسْجِدُ وَاحِدًا يَأْتِي بِهِمَا فِي نَاحِيَةٍ مِنْ الْمَسْجِدِ وَلَا يُصَلِّيهِمَا مُخَالِطًا لِلصَّفِّ مُخَالِفًا لِلْجَمَاعَةِ فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ يُكْرَهُ أَشَدَّ الْكَرَاهَةِ وَلَا يُطَوِّلُ الْقِرَاءَةَ فِيهِمَا وَلَوْ تَذَكَّرَ فِي الْفَجْرِ أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ لَمْ يَقْطَعْ اهـ وَذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ إمَامٌ يُصَلِّي الْفَجْرَ فِي الْمَسْجِدِ الدَّاخِلِ فَجَاءَ رَجُلٌ يُصَلِّي الْفَجْرَ فِي الْمَسْجِدِ الْخَارِجِ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ يُكْرَهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يُكْرَهُ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ كَمَكَانٍ وَاحِدٍ بِدَلِيلِ جَوَازِ الِاقْتِدَاءِ لِمَنْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ الْخَارِجِ بِمَنْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ الدَّاخِلِ وَإِذَا اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فَالِاحْتِيَاطُ أَنْ لَا يَفْعَلَ اهـ. وَفِي الْقُنْيَةِ إذَا لَمْ يَسَعْ وَقْتُ الْفَجْرِ إلَّا الْوِتْرَ وَالْفَجْرَ أَوْ السُّنَّةَ وَالْفَجْرَ فَإِنَّهُ يُوتِرُ وَيَتْرُكُ السُّنَّةَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا السُّنَّةُ أَوْلَى مِنْ الْوِتْرِ اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ وَلَوْ صَلَّى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ مَرَّتَيْنِ بَعْدَ الطُّلُوعِ فَالسُّنَّةُ آخِرُهُمَا لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْمَكْتُوبَةِ وَلَمْ يَتَخَلَّلْ بَيْنَهُمَا صَلَاةٌ وَالسُّنَّةُ مَا تُؤَدَّى مُتَّصِلًا بِالْمَكْتُوبَةِ اهـ. وَفِي الْقُنْيَةِ وَاخْتُلِفَ فِي آكَدِ السُّنَنِ بَعْدَ سُنَّةِ الْفَجْرِ فَقِيلَ الْأَرْبَعُ قَبْلَ الظُّهْرِ وَالرَّكْعَتَانِ بَعْدَهُ وَالرَّكْعَتَانِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ كُلُّهَا سَوَاءٌ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْأَرْبَعَ قَبْلَ الظُّهْرِ آكَدُ اهـ. وَهَكَذَا صَحَّحَهُ فِي الْعِنَايَةِ وَالنِّهَايَةِ لِأَنَّ فِيهَا وَعِيدًا مَعْرُوفًا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ تَرَكَ أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ لَمْ تَنَلْهُ شَفَاعَتِي» وَفِي التَّجْنِيسِ وَالنَّوَازِلِ وَالْمُحِيطِ رَجُلٌ تَرَكَ سُنَنَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ إنْ لَمْ يَرَ السُّنَنَ حَقًّا فَقَدْ كَفَرَ لِأَنَّهُ تَرَكَ اسْتِخْفَافًا وَإِنْ رَأَى حَقًّا مِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا يَأْثَمُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَأْثَمُ لِأَنَّهُ جَاءَ الْوَعِيدُ بِالتَّرْكِ اهـ. وَتَعَقَّبَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّ الْإِثْمَ مَنُوطٌ بِتَرْكِ الْوَاجِبِ وَقَدْ «قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلَّذِي قَالَ وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ لَا أَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ شَيْئًا أَفْلَحَ إنْ صَدَقَ» اهـ. وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ السُّنَّةَ الْمُؤَكَّدَةَ بِمَنْزِلَةِ الْوَاجِبِ فِي الْإِثْمِ بِالتَّرْكِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ كَثِيرًا وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحِيطِ هُنَا وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَرْكُ السُّنَنِ الْمُؤَكَّدَةِ وَلَوْ صَلَّى وَحْدَهُ وَهُوَ أَحْوَطُ اهـ وَبِأَنَّ حَدِيثَ الْأَعْرَابِيِّ كَانَ مُتَقَدِّمًا وَقَدْ شُرِعَ بَعْدَهُ أَشْيَاءُ كَالْوِتْرِ فَجَازَ أَنْ تَكُونَ السُّنَنُ الْمُؤَكَّدَةُ كَذَلِكَ لِمَا قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ لَهُ صَدَقَةَ الْفِطْرِ وَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ يَأْثَمُ بِتَرْكِهَا وَفِي النِّهَايَةِ وَذَكَرَ الْحَلْوَانِيُّ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِأَنْ يَقْرَأَ بَيْنَ الْفَرِيضَةِ وَالسُّنَّةِ الْأَوْرَادَ وَفِي شَرْحِ الشَّهِيدِ الْقِيَامُ إلَى السُّنَّةِ مُتَّصِلًا بِالْفَرْضِ مَسْنُونٌ وَفِي الشَّافِي   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ) فِيهِ نَظَرٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مَبْنِيًّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الرَّاتِبَةَ لَا تَتَأَدَّى إلَّا بِالتَّعْيِينِ وَهُوَ الَّذِي صَحَّحَهُ قَاضِي خَانْ وَإِنْ كَانَ الْجُمْهُورُ عَلَى خِلَافِهِ كَمَا مَرَّ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ وَيَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَا مَا فِي الذَّخِيرَةِ مِنْ الْفَصْلِ الْحَادِيَ عَشَرَ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تَشْهَدُ أَنَّ السُّنَّةَ تَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ اهـ. وَالْإِشَارَةُ إلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي صَحَّحَهَا صَاحِبُ الْخُلَاصَةِ (قَوْلُهُ وَرَدَّهُ فِي التَّجْنِيسِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَتَرْجِيحُ التَّجْنِيسِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ أَوْجُهٌ أَيْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا (قَوْلُهُ فَجَاءَ رَجُلٌ يُصَلِّي الْفَجْرَ) أَيْ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي عِبَارَةِ التَّجْنِيسِ (قَوْلُهُ فَالسُّنَّةُ آخِرُهُمَا إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْأَفْضَلَ إيلَاؤُهُمَا لِلْفَرْضِ وَقَبْلَ تَقْدِيمِهِمَا أَوَّلَ الْوَقْتِ وَجَزَمَ فِي الْخُلَاصَةِ بِهِ وَعَلَيْهِ فَيَنْبَغِي كَوْنُ السُّنَّةِ أَوَّلَهُمَا اهـ. (خَاتِمَةٌ) فِي الْمُوَطَّإِ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ أَخْبَرَنَا نَافِعٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا رَكَعَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ ثُمَّ اضْطَجَعَ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا شَأْنُهُ فَقَالَ نَافِعٌ قُلْت يَفْصِلُ بَيْنَ صَلَاتِهِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - وَأَيُّ فَصْلٍ أَفْضَلُ مِنْ السَّلَامِ قَالَ مُحَمَّدٌ بِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ نَأْخُذُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ. كَذَا فِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ (قَوْلُهُ وَفِي الْقُنْيَةِ وَاخْتُلِفَ فِي آكَدِ السُّنَنِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَالَ الْعَلَّامَةُ الْحَلَبِيُّ فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي أَقْوَى السُّنَنِ الْمُؤَكَّدَةِ رَكْعَتَا الْفَجْرِ حَتَّى رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهَا لَا تَجُوزُ مَعَ الْقُعُودِ لِغَيْرِ عُذْرٍ لِقَوْلِهِ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلُّوهَا وَلَوْ طَرَدَتْكُمْ الْخَيْلُ» ثُمَّ الْآكَدُ بَعْدَهَا قِيلَ رَكْعَتَا الْمَغْرِبِ ثُمَّ الَّتِي بَعْدَ الظُّهْرِ ثُمَّ الَّتِي بَعْدَ الْعِشَاءِ ثُمَّ الَّتِي قَبْلَ الظُّهْرِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الَّتِي قَبْلَ الظُّهْرِ آكَدُ بَعْدَ سُنَّةِ الْفَجْرِ ثُمَّ الْبَاقِي عَلَى السَّوَاءِ وَقَدْ نَقَلَ مِثْلَهُ فِي النَّهْرِ ثُمَّ قَالَ وَصَحَّحَهُ يَعْنِي الَّذِي قَبْلَ هَذَا الْأَصَحِّ الْمُحْسَنِ وَقَدْ أَحْسَنَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 52 كَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا سَلَّمَ يَمْكُثُ قَدْرَ مَا يَقُولُ اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْك السَّلَامُ وَإِلَيْك يَعُودُ السَّلَامُ تَبَارَكَتْ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ» وَكَذَلِكَ عَنْ الْبَقَّالِيِّ وَلَمْ يَمُرَّ بِي لَوْ تَكَلَّمَ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ هَلْ تَسْقُطُ السُّنَّةُ قِيلَ تَسْقُطُ وَقِيلَ لَا تَسْقُطُ وَلَكِنَّ ثَوَابَهُ أَنْقَصُ مِنْ ثَوَابِهِ قَبْلَ التَّكَلُّمِ اهـ. وَفِي الْقُنْيَةِ الْكَلَامُ بَعْدَ الْفَرْضِ لَا يُسْقِطُ السُّنَّةَ وَلَكِنْ يَنْقُصُ ثَوَابُهُ وَكُلُّ عَمَلٍ يُنَافِي التَّحْرِيمَةَ أَيْضًا وَهُوَ الْأَصَحُّ اهـ. وَفِي الْخُلَاصَةِ لَوْ صَلَّى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ أَوْ الْأَرْبَعَ قَبْلَ الظُّهْرِ وَاشْتَغَلَ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ أَوْ الْأَكْلِ فَإِنَّهُ يُعِيدُ السُّنَّةَ أَمَّا بِأَكْلِ لُقْمَةٍ أَوْ شَرْبَةٍ لَا تَبْطُلُ السُّنَّةُ اهـ. وَفِي الْمُجْتَبَى وَفِي الْأَرْبَعِ قَبْلَ الظُّهْرِ وَالْجُمُعَةِ وَبَعْدَهَا لَا يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى وَلَا يَسْتَفْتِحُ إذَا قَامَ إلَى الثَّالِثَةِ بِخِلَافِ سَائِرِ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ مِنْ النَّوَافِلِ اهـ. وَصَحَّحَ فِي فَتَاوَاهُ أَنَّهُ لَا يَأْتِي بِهِمَا فِي الْكُلِّ لِأَنَّهَا صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ اهـ. وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ فَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ وَالدَّلِيلُ عَلَى اسْتِنَانِ الْأَرْبَعِ قَبْلَ الْجُمُعَةِ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مَرْفُوعًا «مَنْ كَانَ مُصَلِّيًا قَبْلَ الْجُمُعَةِ فَلْيُصَلِّ أَرْبَعًا» مَعَ مَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَرْكَعُ مِنْ قَبْلِ الْجُمُعَةِ أَرْبَعًا لَا يَفْصِلُ فِي شَيْءٍ مِنْهُنَّ» وَعَلَى اسْتِنَانِ الْأَرْبَعِ بَعْدَهَا مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ الْجُمُعَةَ فَلْيُصَلِّ بَعْدَهَا أَرْبَعًا» وَفِي رِوَايَةٍ «إذَا صَلَّيْتُمْ بَعْدَ الْجُمُعَةِ فَصَلُّوا أَرْبَعًا» وَذَكَرَ فِي الْبَدَائِعِ أَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُصَلِّيَ أَرْبَعًا ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الِاعْتِكَافِ أَنَّ الْمُعْتَكِفَ يَمْكُثُ فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ مِقْدَارَ مَا يُصَلِّي أَرْبَعًا أَوْ سِتًّا اهـ. وَفِي الذَّخِيرَةِ وَالتَّجْنِيسِ وَكَثِيرٌ مِنْ مَشَايِخِنَا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَفِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَالْأَفْضَلُ عِنْدَنَا أَنْ يُصَلِّيَ أَرْبَعًا ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ وَفِي الْقُنْيَةِ صَلَّى الْفَرِيضَةَ وَجَاءَ الطَّعَامُ فَإِنْ ذَهَبَ حَلَاوَةُ الطَّعَامِ أَوْ بَعْضُهَا يَتَنَاوَلُ ثُمَّ يَأْتِي بِالسُّنَّةِ وَإِنْ خَافَ الْوَقْتَ يَأْتِي بِالسُّنَّةِ ثُمَّ يَتَنَاوَلُ الطَّعَامَ وَلَوْ نَذَرَ بِالسُّنَنِ وَأَتَى بِالْمَنْذُورِ بِهِ فَهُوَ السُّنَّةُ وَقَالَ تَاجُ الدِّينِ أَبُو صَاحِبِ الْمُحِيطِ لَا يَكُونُ آتِيًا بِالسُّنَّةِ لِأَنَّهُ لَمَّا الْتَزَمَهَا صَارَتْ أُخْرَى فَلَا تَنُوبُ مَنَابَ السُّنَّةِ وَلَوْ أَخَّرَ السُّنَّةَ بَعْدَ الْفَرْضِ ثُمَّ أَدَّاهَا فِي آخِرِ الْوَقْتِ لَا تَكُونُ سُنَّةً وَقِيلَ تَكُونُ سُنَّةً اهـ. وَالْأَفْضَلُ فِي السُّنَنِ أَدَاؤُهَا فِي الْمَنْزِلِ إلَّا التَّرَاوِيحَ وَقِيلَ إنَّ الْفَضِيلَةَ لَا تَخْتَصُّ بِوَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ وَهُوَ الْأَصَحُّ لَكِنْ كُلُّ مَا كَانَ أَبْعَدَ مِنْ الرِّيَاءِ وَأَجْمَعَ لِلْخُشُوعِ وَالْإِخْلَاصِ فَهُوَ أَفْضَلُ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَفِي الْخُلَاصَةِ فِي سُنَّةِ الْمَغْرِبِ إنْ خَافَ لَوْ رَجَعَ إلَى بَيْتِهِ شَغَلَهُ شَأْنٌ آخَرُ يَأْتِي بِهَا فِي الْمَسْجِدِ وَإِنْ كَانَ لَا يَخَافُ صَلَّاهَا فِي الْمَنْزِلِ وَكَذَا فِي سَائِرِ السُّنَنِ حَتَّى الْجُمُعَةِ وَالْوِتْرُ فِي الْبَيْتِ أَفْضَلُ اهـ. (قَوْلُهُ وَنُدِبَ الْأَرْبَعُ قَبْلَ الْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ وَبَعْدَهَا وَالسِّتُّ بَعْدَ الْمَغْرِبِ) بَيَانٌ لِلْمَنْدُوبِ مِنْ النَّوَافِلِ أَمَّا الْأَرْبَعُ قَبْلَ الْعَصْرِ فَلِمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي قَبْلَ الْعَصْرِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ بِالتَّسْلِيمِ عَلَى الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُؤْمِنِينَ» وَرَوَى أَبُو دَاوُد عَنْهُ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الْعَصْرِ رَكْعَتَيْنِ» فَلِذَا خَيَّرَهُ فِي الْأَصْلِ بَيْنَ الْأَرْبَعِ وَبَيْنَ الرَّكْعَتَيْنِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَفِي الْخُلَاصَةِ لَوْ صَلَّى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ رُبَّمَا يَدَّعِي عَدَمَ الْمُخَالَفَةِ بَيْنَ كَلَامَيْهِمَا بِحَمْلِ قَوْلِهِ يُعِيدُ السُّنَّةَ أَيْ لِتَلَافِي النُّقْصَانِ الْحَاصِلِ بِالِاشْتِغَالِ بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ وَقَوْلُهُ بِأَكْلِ لُقْمَةٍ أَوْ شَرْبَةٍ لَا تَبْطُلُ السُّنَّةُ أَيْ لَا يَنْقُصُ ثَوَابُهَا إذْ حَقِيقَةُ الْبُطْلَانِ بَعِيدَةٌ لِعَدَمِ الْمُنَافِي تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فِي الْكُلِّ لِأَنَّهَا صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ) وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَفِيمَا بَعْدَ الْأُولَيَيْنِ اُكْتُفِيَ بِالْفَاتِحَةِ أَنَّ مَا ذَكَرَ مُسَلَّمٌ فِيمَا قَبْلَ الظُّهْرِ لِمَا صَرَّحُوا بِهِ مِنْ أَنَّهُ لَا تَبْطُلُ شُفْعَةُ الشَّفِيعِ بِالِانْتِقَالِ إلَى الشَّفْعِ الثَّانِي مِنْهَا وَلَوْ أَفْسَدَهَا قَضَى أَرْبَعًا وَالْأَرْبَعُ قَبْلَ الْجُمُعَةِ بِمَنْزِلَتِهَا وَأَمَّا الْأَرْبَعُ بَعْدَ الْجُمُعَةِ فَغَيْرُ مُسَلَّمٍ بَلْ هِيَ كَغَيْرِهَا مِنْ السُّنَنِ فَإِنَّهُمْ لَمْ يُثْبِتُوا لَهَا تِلْكَ الْأَحْكَامَ الْمَذْكُورَةَ اهـ. لَكِنْ ذَكَرَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ هَذِهِ السُّنَنَ الثَّلَاثَ وَفَرَّعَ عَلَيْهَا تِلْكَ الْأَحْكَامَ (قَوْلُهُ وَعَلَى اسْتِنَانِ الْأَرْبَعِ بَعْدَهَا مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ إلَخْ) الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ وَالثَّانِي عَلَى الِاسْتِحْبَابِ فَقُلْنَا بِالسُّنَّةِ مُؤَكَّدَةً جَمْعًا بَيْنَهُمَا كَذَا أَفَادَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَفِي الشرنبلالية وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ يَعْنِي صَاحِبَ الدُّرَرِ أَنَّ حُكْمَ سُنَّةِ الْجُمُعَةِ كَالَّتِي قَبْلَ الظُّهْرِ حَتَّى لَوْ أَدَّاهَا بِتَسْلِيمَتَيْنِ لَا يَكُونُ مُعْتَدًّا بِهَا وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِعَدَمِ الْعُذْرِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا صَلَّيْتُمْ بَعْدَ الْجُمُعَةِ فَصَلُّوا أَرْبَعًا فَإِنْ عَجَّلَ بِك شَيْءٌ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ فِي الْمَسْجِدِ وَرَكْعَتَيْنِ إذَا رَجَعْت» ذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي الْبُرْهَانِ فِي اسْتِدْلَالِهِ عَلَى ثُبُوتِ الْأَرْبَعِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ اهـ (قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إلَخْ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ يُصَلِّي سِتًّا رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أَرْبَعًا وَعَنْهُ رِوَايَةٌ أُخْرَى أَنَّهُ يُصَلِّي بَعْدَهَا سِتًّا أَرْبَعًا ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ وَبِهِ أَخَذَ أَبُو يُوسُفَ وَالطَّحَاوِيُّ وَكَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وَعَلَى هَذَا قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْأَصْلُ أَنْ يُصَلِّيَ أَرْبَعًا ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ فَقَدْ أَشَارَ إلَى أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنً تَقْدِيمِ الْأَرْبَعِ وَبَيْنَ تَقْدِيمِ الْمَثْنَى وَلَكِنَّ الْأَفْضَلَ تَقْدِيمُ الْأَرْبَعِ كَيْ لَا يَصِيرَ مُتَطَوِّعًا بَعْدَ الْفَرْضِ مِثْلَهَا اهـ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 53 وَالْأَفْضَلُ الْأَرْبَعُ وَإِنَّمَا لَمْ تَكُنْ الرَّكْعَتَانِ سُنَّةً رَاتِبَةً لِأَنَّهَا ثَابِتَةٌ بِيَقِينٍ وَيَكُونُ الْأَرْبَعُ مُسْتَحَبًّا لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لِلْعَصْرِ سُنَّةً رَاتِبَةً أَصْلًا كَمَا فِي الْبَدَائِعِ فَلِذَا لَمْ يُجْعَلْ لَهُ سُنَّةٌ وَأَمَّا الْأَرْبَعُ قَبْلَ الْعِشَاءِ فَذَكَرُوا فِي بَيَانِهِ أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّ التَّطَوُّعَ بِهَا مِنْ السُّنَنِ الرَّاتِبَةِ فَكَانَ حَسَنًا لِأَنَّ الْعِشَاءَ نَظِيرُ الظُّهْرِ فِي أَنَّهُ يَجُوزُ التَّطَوُّعُ قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَلَمْ يَنْقُلُوا حَدِيثًا فِيهِ بِخُصُوصِهِ لِاسْتِحْبَابِهِ وَأَمَّا الْأَرْبَعُ بَعْدَهَا فَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ شُرَيْحِ بْنِ هَانِئٍ قَالَ سَأَلْت عَائِشَةَ عَنْ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ «مَا صَلَّى الْعِشَاءَ قَطُّ فَدَخَلَ بَيْتِي إلَّا صَلَّى فِيهِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ أَوْ سِتَّ رَكَعَاتٍ» قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ كَوْنَ الْأَرْبَعِ بَعْدَ الْعِشَاءِ سُنَّةً لِنَقْلِ الْمُوَاظَبَةِ عَلَيْهَا فِي أَبِي دَاوُد فَإِنَّهُ نَصَّ فِي مُوَاظَبَتِهِ عَلَى الْأَرْبَعِ دُونَ السِّتِّ لِلْمُتَأَمِّلِ اهـ. وَقَدْ يُقَالُ إنَّمَا لَمْ تَكُنْ الْأَرْبَعُ سُنَّةً لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ «ابْنِ عُمَرَ قَالَ صَلَّيْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ» وَحَدَّثَتْنِي حَفْصَةُ بِنْتُ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ بَعْدَمَا يَطْلُعُ الْفَجْرَ» اهـ فَهُوَ مُعَارِضٌ لِنَقْلِ الْمُوَاظَبَةِ عَلَى الْأَرْبَعِ فَلِذَا لَمْ تَكُنْ سُنَّةً وَأَمَّا السِّتَّةُ بَعْدَ الْمَغْرِبِ فَلِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ صَلَّى بَعْدَ الْمَغْرِبِ سِتَّ رَكَعَاتٍ كُتِبَ مِنْ الْأَوَّابِينَ وَتَلَا قَوْله تَعَالَى {فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا} [الإسراء: 25] » وَذَكَرَ فِي التَّجْنِيسِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلِّيَ السِّتَّ بِثَلَاثِ تَسْلِيمَاتٍ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْمَنْدُوبَاتِ الْأَرْبَعَ بَعْدَ الظُّهْرِ وَصَرَّحَ بِاسْتِحْبَابِهَا جَمَاعَةٌ مِنْ الْمَشَايِخِ لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيُّ وَحَكَى فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ اخْتِلَافًا بَيْنَ أَهْلِ عَصْرِهِ فِي مَسْأَلَتَيْنِ الْأُولَى هَلْ السُّنَّةُ الْمُؤَكَّدَةُ مَحْسُوبَةٌ مِنْ الْمُسْتَحَبِّ فِي الْأَرْبَعِ بَعْدَ الظُّهْرِ وَبَعْدَ الْعِشَاءِ وَفِي السِّتِّ بَعْدَ الْمَغْرِبِ أَوْ لَا الثَّانِيَةُ عَلَى تَقْدِيرِ الْأَوَّلِ هَلْ يُؤَدِّي الْكُلَّ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ بِتَسْلِيمَتَيْنِ وَاخْتَارَ الْأَوَّلَ فِيهِمَا وَأَطَالَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا ثَابِتَةٌ بِيَقِينٍ) تَعْلِيلٌ لِلْمَنْفِيِّ وَقَوْلُهُ وَيَكُونُ مُسْتَأْنَفٌ وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ مَجْزُومًا عَطْفًا عَلَى تَكُنْ الْمَنْفِيِّ بِلَمْ وَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ تَعْلِيلَ لِلنَّفْيِ أَعْنِي قَوْلَهُ لَمْ تَكُنْ وَحَاصِلُ كَلَامِهِ أَنَّ الْحَدِيثَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ قَدْ اتَّفَقَا عَلَى رَكْعَتَيْنِ وَزَادَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ رَكْعَتَيْنِ وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ سُنَّةً لِأَنَّهُ ثَابِتٌ مِنْهُمَا بِيَقِينٍ وَيَكُونُ الْأَرْبَعُ مُسْتَحَبًّا وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لِلْعَصْرِ سُنَّةٌ رَاتِبَةٌ لَا رَكْعَتَيْنِ وَلَا أَرْبَعًا فَيَقْتَضِي عَدَمَ الْمُوَاظَبَةِ عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ أَيْضًا وَلَا بُدَّ مِنْ الْمُوَاظَبَةِ حَتَّى تَثْبُتَ السُّنَّةُ هَذَا وَمُقْتَضَى الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْأَوْلَى فِي الْأَرْبَعِ الْفَصْلُ لَكِنْ ذَكَرَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ عَنْ التِّرْمِذِيِّ أَنَّ إِسْحَاقَ بْنَ إبْرَاهِيمَ اخْتَارَ أَنْ لَا يَفْصِلَ فِي الْأَرْبَعِ قَبْلَ الْعَصْرِ وَاحْتَجَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَقَالَ مَعْنَى أَنَّهُ يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ بِالتَّسْلِيمِ يَعْنِي التَّشَهُّدَ اهـ. وَلَعَلَّهُ جَوَابُ عُلَمَائِنَا أَيْضًا (قَوْلُهُ وَلَمْ يَنْقُلُوا حَدِيثًا فِيهِ بِخُصُوصِهِ) نُقِلَ فِي الِاخْتِيَارِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الْعِشَاءِ أَرْبَعًا ثُمَّ يُصَلِّي بَعْدَهَا أَرْبَعًا ثُمَّ يَضْطَجِعُ» اهـ. وَنَقَلَهُ عَنْهُ أَيْضًا فِي إمْدَادِ الْفَتَّاحِ ثُمَّ قَالَ وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ إنْ تَطَوَّعَ قَبْلَ الْعَصْرِ بِأَرْبَعٍ وَقَبْلَ الْعِشَاءِ بِأَرْبَعٍ فَحَسَنٌ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُوَاظِبْ عَلَيْهَا (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ نَصٌّ فِي مُوَاظَبَتِهِ عَلَى الْأَرْبَعِ إلَخْ) لِأَنَّ مُفَادُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَارَةٌ يُصَلِّي سِتًّا وَتَارَةً يَقْتَصِرُ عَلَى الْأَرْبَعِ وَعَلَى كُلٍّ فَالْأَرْبَعُ مُوَاظِبٌ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا بَعْضُ السِّتَّةِ (قَوْلُهُ وَقَدْ يُقَالُ إلَخْ) أَيْ قَدْ يُقَالُ فِي دَفْعِ الْمُوَاظَبَةِ. أَقُولُ: وَلِي هُنَا نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ الْمَذْكُورَةِ فِي حَدِيث ابْنِ عُمَرَ أَنَّهَا الرَّاتِبَةُ أَوْ غَيْرَ الرَّاتِبَةِ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ يَرِدُ مِثْلُ مَا أَوْرَدَهُ فِي الَّتِي قَبْلَ الظُّهْرِ وَاَلَّتِي بَعْدَ الْجُمُعَةِ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي عَدَمَ الْمُوَاظَبَةِ عَلَى الْأَرْبَعِ فِيهِمَا وَإِنْ كَانَ الثَّانِي وَهُوَ الَّذِي جَمَعَ بِهِ فِي الْفَتْحِ بَيْنَ هَذَا الْحَدِيثِ وَحَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ يُصَلِّي أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ» بِقَوْلِهِ أَمَّا بِأَنَّ الْأَرْبَعَ كَانَ يُصَلِّيهَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي بَيْتِهِ وَمَا رَآهُ ابْنُ عُمَرَ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ أَوْ بِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَرَى تِلْكَ وِرْدًا آخَرَ سَبَبُهُ الزَّوَالُ وَهُوَ مَذْهَبُ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ اهـ. ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يُصَلِّي أَرْبَعًا بَعْدَ أَنْ تَزُولَ الشَّمْسُ» ثُمَّ قَالَ وَقَدْ صَرَّحَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا بِعَيْنِ هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ سُنَّةَ الْجُمُعَةِ كَالظُّهْرِ لِعَدَمِ الْفَصْلِ فِيهِ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْجُمُعَةِ وَلَمْ يَجِبْ عَنْ الَّتِي بَعْدَ الْجُمُعَةِ وَلَا الَّتِي بَعْدَ الْعِشَاءِ فَيَقْتَضِي أَنَّ الْأَرْبَعَ بَعْدَ الْجُمُعَةِ غَيْرُ رَاتِبَةٍ وَأَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ هِيَ الرَّاتِبَةُ وَبِهِ يُتِمُّ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ مِنْ الدَّفْعِ لَكِنْ يَحْتَاجُ إلَى الْجَوَابِ عَنْ الَّتِي بَعْدَ الْجُمُعَةِ نَعَمْ هُوَ ظَاهِرٌ عَلَى رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ذَكَرَهَا فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّهَا رَكْعَتَانِ فَلْيُتَأَمَّلْ وَقَدْ يُقَالُ أَنَّهَا الرَّكْعَتَانِ الزَّائِدَتَانِ عَلَى الْأَرْبَعِ كَمَا هُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ وَاخْتَارَ الْأَوَّلَ فِيهِمَا) أَيْ اخْتَارَ مَا تَضَمَّنَهُ التَّرْدِيدُ الْأَوَّلُ فِي كُلٍّ مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرُوهُ فِي صَلَاةِ السِّتِّ بَعْدَ الْمَغْرِبِ فَإِنَّ مُقْتَضَى كَلَامِهِ أَنَّ الْأَوْلَى فِيهَا أَنْ تَكُونَ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةً وَقَدْ صَرَّحَ بِأَنَّ الرَّاتِبَةَ تُحْتَسَبُ مِنْهَا وَالتَّصْرِيحُ بِخِلَافِ كُلٍّ ثَابِتٌ قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ وَفِي الْمِفْتَاحِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 54 الْكَلَامَ فِيهِ إطَالَةً حَسَنَةً كَمَا هُوَ دَأْبُهُ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ فِي كَلَامِ مَنْ تَقَدَّمَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْمَنْدُوبَاتِ صَلَاةَ الضُّحَى لِلِاخْتِلَافِ فِيهَا فَقِيلَ لَا تُسْتَحَبُّ لِمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ إنْكَارِ ابْنِ عُمَرَ لَهَا وَقِيلَ مُسْتَحَبَّةٌ لِمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يُصَلِّي الضُّحَى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَيَزِيدُ مَا شَاءَ» وَهَذَا هُوَ الرَّاجِحُ وَلَا يُخَالِفُهُ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهَا «مَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي سُبْحَةَ الضُّحَى قَطُّ وَإِنِّي لَأُسَبِّحُهَا» لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا أَخْبَرَتْ فِي النَّفْيِ عَنْ رُؤْيَتِهَا وَمُشَاهَدَتِهَا وَفِي الْإِثْبَاتِ عَنْ خَبَرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَوْ خَبَرِ غَيْرِهِ عَنْهُ أَوْ أَنَّهَا أَنْكَرَتْهَا مُوَاظَبَةً وَإِعْلَانًا وَيَدُلُّ لِذَلِكَ كُلِّهِ قَوْلُهَا وَإِنِّي لَأُسَبِّحُهَا وَفِي رِوَايَةِ الْمُوَطَّإِ وَإِنِّي لَأَسْتَحِبُّهَا مِنْ الِاسْتِحْبَابِ وَهُوَ أَظْهَرُ فِي الْمُرَادِ وَظَاهِرُ مَا فِي الْمُنْيَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَقَلَّهَا رَكْعَتَانِ وَأَكْثَرَهَا ثَنَتَا عَشْرَةَ رَكْعَةً لِمَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ صَلَّى الضُّحَى رَكْعَتَيْنِ لَمْ يُكْتَبْ مِنْ الْغَافِلِينَ وَمَنْ صَلَّى أَرْبَعًا كُتِبَ مِنْ الْعَابِدِينَ وَمَنْ صَلَّى سِتًّا كَفَى ذَلِكَ الْيَوْمَ وَمَنْ صَلَّى ثَمَانِيًا كَتَبَهُ اللَّهُ مِنْ الْقَانِتِينَ وَمَنْ صَلَّى اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَمَا مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إلَّا وَلِلَّهِ مَنٌّ يَمُنُّ بِهِ عَلَى عِبَادِهِ وَصَدَقَةٌ وَمَا مَنَّ اللَّهُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ عِبَادِهِ أَفْضَلَ مِنْ أَنْ يُلْهِمَهُ ذِكْرَهُ» قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ وَلَمْ أَرَ بَيَانَ أَوَّلَ وَقْتِهَا وَآخِرَهُ لِمَشَايِخِنَا هُنَا وَلَعَلَّهُمْ تَرَكُوهُ لِلْعِلْمِ بِهِ وَهُوَ أَنَّهُ مِنْ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ إلَى زَوَالِهَا كَمَا لَا يَخْفَى ثُمَّ رَأَيْت صَاحِبَ الْبَدَائِعِ صَرَّحَ بِهِ فِي كُتُبِ الْأَيْمَانِ فِيمَا إذَا حَلَفَ لَيُكَلِّمَنَّهُ الضُّحَى فَقَالَ أَنَّهُ مِنْ السَّاعَةِ الَّتِي تَحِلُّ فِيهَا الصَّلَاةُ إلَى الزَّوَالِ وَهُوَ وَقْتُ صَلَاةِ الضُّحَى اهـ. . وَمِنْ الْمَنْدُوبَاتِ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ وَقَدْ قَدَّمْنَاهَا فِي أَحْكَامِ الْمَسْجِدِ قُبَيْلَ بَابِ الْوِتْرِ وَصَرَّحَ فِي الْخُلَاصَةِ بِاسْتِحْبَابِهَا وَأَنَّهَا رَكْعَتَانِ وَمِنْ الْمَنْدُوبَاتِ رَكْعَتَانِ عَقِيبَ الْوُضُوءِ كَمَا فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ وَالتَّبْيِينِ وَمِنْ الْمَنْدُوبَاتِ صَلَاةُ الِاسْتِخَارَةِ وَقَدْ أَفْصَحَتْ السُّنَّةُ بِبَيَانِهَا فَعَنْ جَابِرٍ   [منحة الخالق] وَنُدِبَ سِتُّ رَكَعَاتٍ بَعْدَ الْمَغْرِبِ يَعْنِي غَيْرَ سُنَّةِ الْمَغْرِبِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ صَلَّى بَعْدَ الْمَغْرِبِ سِتَّ رَكَعَاتٍ لَمْ يَتَكَلَّمْ فِيمَا بَيْنَهُنَّ بِسُوءٍ عَدَلْنَ عِبَادَةَ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً» كَذَا فِي الْإِيضَاحِ اهـ. وَفِي الْغَزْنَوِيَّةِ وَصَلَاةُ الْأَوَّابِينَ وَهِيَ مَا بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ سِتُّ رَكَعَاتٍ بِثَلَاثِ تَسْلِيمَاتٍ قَالَ أَبُو الْبَقَاءِ الْقُرَشِيُّ فِي شَرْحِهَا يُصَلِّي سِتَّ رَكَعَاتٍ بِنِيَّةِ صَلَاةِ الْأَوَّابِينَ يَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] مَرَّةً {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] ثَلَاثَ مَرَّاتٍ قَالَهُ الشَّيْخُ عَبْدُ اللَّهِ الْبِسْطَامِيُّ اهـ. وَكَذَلِكَ صَرَّحَ فِي التَّجْنِيسِ وَغُرَرِ الْأَذْكَارِ بِأَنَّهَا بِثَلَاثِ تَسْلِيمَاتٍ ثُمَّ قَالَ فِي الْغُرَرِ الْأَذْكَارِيَّةِ وَفَسَّرَهُ يَعْنِي أَنَسًا رَاوِيَ الْحَدِيثِ بِثَلَاثِ تَسْلِيمَاتٍ اهـ. كَلَامُ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ ثُمَّ قَالَ مَعَ أَنَّ الْحَدِيثَ يُشِيرُ إلَى ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ لَمْ يَتَكَلَّمْ فِيمَا بَيْنَهُنَّ بِسُوءٍ إذْ مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ تَكَلَّمَ بِخَيْرٍ اسْتَحَقَّ الْمَوْعُودَ اهـ فَظَهَرَ أَنَّهَا سِتٌّ مُسْتَقِلَّةٌ كَمَا هُوَ صَرِيحُ الْمِفْتَاحِ وَظَاهِرُ شَرْحِ الْغَزْنَوِيَّةِ وَأَنَّهَا بِثَلَاثِ تَسْلِيمَاتٍ وَإِنْ قَالَ فِي الدُّرَرِ وَالتَّنْوِيرِ أَنَّهَا بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ قَالَ الرَّمْلِيُّ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي فِي وَجْهِ الْفَرْقِ بَيْنَ هَذِهِ السِّتِّ وَبَيْنَ الْأَرْبَعِ فِي الظُّهْرِ وَالْعِشَاءِ أَنَّهَا لَمَّا زَادَتْ عَنْ الْأَرْبَعِ وَكَانَ جَمْعُهَا بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ خِلَافَ الْأَفْضَلِ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْأَفْضَلَ فِيهِمَا رُبَاعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ سَلَّمَ عَلَى رَأْسِ الْأَرْبَعِ لَزِمَ أَنْ يُسَلِّمَ فِي الشَّفْعِ الثَّالِثِ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ فَيَكُونُ فِيهِ مُخَالَفَةٌ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ فَكَانَ الْمُسْتَحَبُّ فِيهِ ثَلَاثَ تَسْلِيمَاتٍ لِيَكُونَ عَلَى نَسَقٍ وَاحِدٍ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي مِنْ الْوَجْهِ وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِي فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ وَهُوَ حَسَنٌ (قَوْلُهُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْمَنْدُوبَاتِ إلَخْ) أَقُولُ: لَمْ يَذْكُرْ الْمُؤَلِّفُ أَيْضًا صَلَاةَ التَّوْبَةِ وَصَلَاةَ الْوَالِدَيْنِ وَصَلَاةَ رَكْعَتَيْنِ عِنْدَ نُزُولِ الْغَيْثِ وَرَكْعَتَيْنِ عِنْدَ الْخُرُوجِ إلَى السَّفَرِ وَرَكْعَتَيْنِ فِي السِّرِّ لِدَفْعِ النِّفَاقِ وَالصَّلَاةَ حِينَ يَدْخُلُ بَيْتَهُ وَيَخْرُجُ تَوَقِّيًا عَنْ فِتْنَةِ الْمَدْخَلِ وَالْمَخْرَجِ كَمَا فِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ عَنْ الشِّرْعَةِ (قَوْلُهُ وَلَمْ أَرَ إلَخْ) . أَقُولُ: لَمْ يَذْكُرْ وَقْتَهَا الْمُخْتَارَ وَفِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ عَنْ الشِّرْعَةِ وَيَتَحَرَّى لَهَا وَقْتَ تَعَالِي النَّهَارِ حَتَّى تَرْمَضَ الْفِصَالُ مِنْ الظَّهِيرَةِ قَالَ وَفِي شَرْحِهَا تَعَالِي النَّهَارِ عُلُوُّهُ وَارْتِفَاعُهُ وَتَرْمَضُ مِنْ بَابِ عَلِمَ أَيْ تَحْتَرِقُ أَخْفَافُ الْفِصَالِ جَمْعُ فَصِيلٍ وَلَدُ النَّاقَةِ إذَا فُصِلَ عَنْ أُمِّهِ وَالظَّهِيرَةُ نِصْفُ النَّهَارِ هَذَا مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِيمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَشَارِقِ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَلَاةُ الْأَوَّابِينَ إذَا رَمِضَتْ الْفِصَالُ» قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ أَقُولُ: وَمُقْتَضَاهُ أَفْضَلِيَّةُ كَوْنَهَا أَقْرَبَ إلَى الظَّهِيرَةِ اهـ. قُلْت: وَفِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ عَنْ الْحَاوِي وَوَقْتُهَا الْمُخْتَارُ إذَا مَضَى رُبُعٌ النَّهَارِ ثُمَّ ذَكَرَ الْحَدِيثَ وَذَكَرَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ عَنْ الشِّرْعَةِ أَنَّهُ يَقْرَأُ فِيهَا سُورَتَيْ الضُّحَى أَيْ سُورَةَ {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} [الشمس: 1] وَسُورَةَ {وَالضُّحَى - وَاللَّيْلِ} [الضحى: 1 - 2] اهـ. قُلْت رَأَيْت فِي التُّحْفَةِ لِابْنِ حَجَرٍ الشَّافِعِيِّ مَا نَصُّهُ: قَالَ بَعْضُهُمْ: وَيُسَنُّ قِرَاءَةُ وَالشَّمْسِ وَالضُّحَى لِحَدِيثٍ فِيهِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ اهـ. قَالَ وَلَمْ يُبَيِّنْ أَنَّهُ يَقْرَؤُهُمَا فِيمَا إذَا زَادَ عَلَى رَكْعَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ مِنْ رَكَعَاتِهَا أَوْ فِي الْأُولَيَيْنِ فَقَطْ وَعَلَيْهِ فَمَا عَدَاهُمَا يَقْرَأُ فِيهِ الْكَافِرُونَ وَالْإِخْلَاصَ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ اهـ. وَمُرَادُهُ بِمَا مَرَّ مَا نَقَلَهُ عَنْ بَعْضِهِمْ بَحْثًا أَنَّهُمَا يُسَنَّانِ أَيْضًا فِي سَائِرِ السُّنَنِ الَّتِي لَمْ تَرِدْ لَهَا قِرَاءَةٌ مَخْصُوصَةٌ (قَوْلُهُ وَمِنْ الْمَنْدُوبَاتِ صَلَاةُ الِاسْتِخَارَةِ) قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ وَفِي شَرْحِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 55 قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُعَلِّمُنَا الِاسْتِخَارَةَ فِي الْأُمُورِ كُلِّهَا كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ يَقُولُ إذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالْأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ ثُمَّ لِيَقُلْ اللَّهُمَّ إنِّي أَسْتَخِيرُك بِعِلْمِك وَأَسْتَقْدِرُك بِقُدْرَتِك وَأَسْأَلُك مِنْ فَضْلِك الْعَظِيمِ فَإِنَّك تَقْدِرُ وَلَا أَقْدِرُ وَتَعْلَمُ وَلَا أَعْلَمُ وَأَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ اللَّهُمَّ إنْ كُنْت تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي أَوْ قَالَ عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ فَقَدِّرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ وَإِنْ كُنْت تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي أَوْ قَالَ عَاجِلِهِ فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عَنْهُ وَقَدِّرْ لِي الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ رَضِّنِي بِهِ قَالَ وَيُسَمِّي حَاجَتَهُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ وَمِنْ الْمَنْدُوبَاتِ صَلَاةُ الْحَاجَةِ وَهِيَ رَكْعَتَانِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي مَعَ مَا قَبْلَهُ مِنْ الِاسْتِخَارَةِ وَالْأَحَادِيثُ بِهَا مَذْكُورَةٌ فِي التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ وَمِنْ الْمَنْدُوبَاتِ صَلَاةُ اللَّيْلِ حَثَّتْ السَّنَةُ الشَّرِيفَةُ عَلَيْهَا كَثِيرًا وَأَفَادَتْ أَنْ لِفَاعِلِهَا أَجْرًا كَبِيرًا فَمِنْهَا مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مَرْفُوعًا «أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمِ وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ» وَرَوَى ابْنُ خُزَيْمَةَ مَرْفُوعًا «عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ فَإِنَّهُ دَأْبُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ وَقُرْبَةٌ إلَى رَبِّكُمْ وَمَكْفَرَةٌ لِلسَّيِّئَاتِ وَمَنْهَاةٌ عَنْ الْإِثْمِ» وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ مَرْفُوعًا «لَا بُدَّ مِنْ صَلَاةٍ بِلَيْلٍ وَلَوْ حَلْبَ شَاةٍ وَمَا كَانَ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ فَهُوَ مِنْ اللَّيْلِ» اهـ. وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّ هَذِهِ السُّنَّةَ تَحْصُلُ بِالتَّنَفُّلِ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ قَبْلَ النَّوْمِ وَقَدْ تَرَدَّدَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فِي صَلَاةِ التَّهَجُّدِ أَهِيَ سُنَّةٌ فِي حَقِّنَا أَمْ تَطَوُّعٌ وَأَطَالَ الْكَلَامَ عَلَى وَجْهِ التَّحْقِيقِ كَمَا هُوَ دَأْبُهُ وَأَوْسَعُ مِنْهُ مَا ذَكَرَهُ فِي أَوَاخِرِ شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَمِنْ الْمَنْدُوبَاتِ إحْيَاءُ لَيَالِي الْعَشْرِ مِنْ رَمَضَانَ وَلَيْلَتَيْ الْعِيدَيْنِ وَلَيَالِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ وَلَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ كَمَا وَرَدَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ وَذَكَرَهَا فِي التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ مُفَصَّلَةً وَالْمُرَادُ بِإِحْيَاءِ اللَّيْلِ قِيَامُهُ وَظَاهِرُهُ الِاسْتِيعَابُ وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ غَالِبُهُ وَيُكْرَهُ الِاجْتِمَاعُ عَلَى إحْيَاءِ لَيْلَةٍ مِنْ هَذِهِ اللَّيَالِي فِي الْمَسَاجِدِ قَالَ فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ وَلَا يُصَلَّى تَطَوُّعٌ بِجَمَاعَةٍ غَيْرَ التَّرَاوِيحِ وَمَا رُوِيَ مِنْ الصَّلَوَاتِ فِي الْأَوْقَاتِ الشَّرِيفَةِ كَلَيْلَةِ الْقَدْرِ وَلَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ وَلَيْلَتَيْ الْعِيدِ وَعَرَفَةَ وَالْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا تُصَلَّى فُرَادَى انْتَهَى وَمِنْ هُنَا يُعْلَمُ كَرَاهَةَ الِاجْتِمَاعِ عَلَى صَلَاةِ الرَّغَائِبِ الَّتِي تُفْعَلُ فِي رَجَبٍ   [منحة الخالق] الشِّرْعَةِ مَنْ هَمَّ بِأَمْرٍ وَكَانَ لَا يَدْرِي عَاقِبَتَهُ وَلَا يَعْرِفُ أَنَّ الْخَيْرَ فِي تَرْكِهِ أَوْ الْإِقْدَامَ عَلَيْهِ فَقَدْ «أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَرْكَعَ رَكْعَتَيْنِ يَقْرَأُ فِي الْأُولَى فَاتِحَةَ الْكِتَابِ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] وَفِي الثَّانِيَةِ الْفَاتِحَةَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] فَإِذَا فَرَغَ قَالَ اللَّهُمَّ» إلَخْ ثُمَّ الْمَسْمُوعُ مِنْ الْمَشَايِخِ يَنْبَغِي أَنْ يَنَامَ عَلَى الطَّهَارَةِ وَمُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ بَعْدَ قِرَاءَةِ الدُّعَاءِ الْمَذْكُورِ فَإِنْ رَأَى فِي مَنَامِهِ بَيَاضًا أَوْ خُضْرَةً فَذَلِكَ الْأَمْرُ خَيْرٌ وَإِنْ رَأَى فِيهِ سَوَادًا أَوْ حُمْرَةً فَهُوَ شَرٌّ يَنْبَغِي أَنْ يَجْتَنِبَ عَنْهُ اهـ. (قَوْلُهُ وَمِنْ الْمَنْدُوبَاتِ صَلَاةُ الْحَاجَةِ إلَخْ) قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ ذَكَرَهَا فِي التَّجْنِيسِ وَالْمُلْتَقَطِ وَخِزَانَةِ الْفَتَاوَى وَكَثِيرٍ مِنْ الْفَتَاوَى وَفِي الْحَاوِي وَشَرْحِ الْمُنْيَةِ أَمَّا فِي الْحَاوِي فَذَكَرَ أَنَّهَا ثِنْتَا عَشْرَةَ رَكْعَةً وَبَيَّنَ كَيْفِيَّتَهَا بِمَا فِيهِ كَلَامٌ وَأَمَّا فِي التَّجْنِيسِ وَغَيْرِهِ فَذَكَرَ أَنَّهَا أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ بَعْدَ الْعِشَاءِ وَأَنَّ فِي الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ يَقْرَأُ فِي الْأُولَى فَاتِحَةَ الْكِتَابِ مَرَّةً وَثَلَاثَ مَرَّاتٍ آيَةَ الْكُرْسِيِّ وَفِي الثَّانِيَةِ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ مَرَّةً وَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] مَرَّةً {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} [الفلق: 1] مَرَّةً وَ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [الناس: 1] مَرَّةً وَفِي الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ كَذَلِكَ كُنَّ لَهُ مِثْلُهُنَّ مِنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ قَالَ مَشَايِخُنَا صَلَّيْنَا هَذِهِ الصَّلَاةَ فَقُضِيَتْ حَوَائِجُنَا مَذْكُورٌ فِي الْمُلْتَقَطِ وَالتَّجْنِيسِ وَكَثِيرٍ مِنْ الْفَتَاوَى كَذَا فِي خِزَانَةِ الْفَتَاوَى وَأَمَّا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ فَذَكَرَ أَنَّهَا رَكْعَتَانِ وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ كَانَتْ لَهُ إلَى اللَّهِ حَاجَةٌ أَوْ إلَى أَحَدٍ مِنْ بَنِي آدَمَ فَلْيَتَوَضَّأْ وَلْيُحْسِنْ الْوُضُوءَ ثُمَّ لِيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ لِيُثْنِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَلْيُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ لِيَقُلْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ الْحَلِيمُ الْكَرِيمُ سُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ أَسْأَلُك مُوجِبَاتِ رَحْمَتِك وَعَزَائِمَ مَغْفِرَتِك وَالْغَنِيمَةَ مِنْ كُلِّ بِرٍّ وَالسَّلَامَةَ مِنْ كُلِّ إثْمٍ لَا تَدَعْ لِي ذَنْبًا إلَّا غَفَرْتَهُ وَلَا هَمًّا إلَّا فَرَّجْتَهُ وَلَا حَاجَةَ هِيَ لَك رِضًا إلَّا قَضَيْتَهَا يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ» اهـ. (قَوْلُهُ وَقَدْ تَرَدَّدَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إلَخْ) حَيْثُ قَالَ بَقِيَ أَنَّ صِفَةَ صَلَاةِ اللَّيْلِ فِي حَقِّنَا السُّنَّةُ أَوْ الِاسْتِحْبَابُ يَتَوَقَّفُ عَلَى صِفَتِهَا فِي حَقِّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنْ كَانَتْ فَرْضًا فِي حَقِّهِ فَهِيَ مَنْدُوبَةٌ فِي حَقِّنَا لِأَنَّ الْأَدِلَّةَ الْقَوْلِيَّةَ فِيهَا إنَّمَا تُفِيدُ النَّدْبَ وَالْمُوَاظَبَةَ الْفِعْلِيَّةَ لَيْسَتْ عَلَى تَطَوُّعٍ لِتَكُونَ سُنَّةً فِي حَقِّنَا وَإِنْ كَانَتْ تَطَوُّعًا فَسُنَّةٌ لَنَا وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ ثُمَّ ذَكَرَ الْأَدِلَّةَ لِلْفَرِيقَيْنِ وَاَلَّذِي حَطَّ عَلَيْهِ كَلَامَهُ أَنَّ الْفَرْضِيَّةَ مَنْسُوخَةٌ كَمَا قَالَتْهُ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِي حَدِيثٍ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ (قَوْلُهُ وَمِنْ هُنَا يُعْلَمُ إلَخْ) قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ وَقَدْ ذَكَرَ الْغَزْنَوِيُّ صَلَاةَ الرَّغَائِبِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ بِسِتِّ تَسْلِيمَاتٍ وَصَلَاةَ الِاسْتِفْتَاحِ عِشْرِينَ رَكْعَةً فِي النِّصْفِ مِنْ رَجَبٍ بِهِ صَلَاةَ لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ مِائَةَ رَكْعَةٍ بِخَمْسِينَ تَسْلِيمَةً وَيَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى الِانْفِرَادِ كَمَا مَرَّ وَصَلَاةُ لَيْلَةِ النِّصْفِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 56 فِي أَوَّلِ لَيْلَةِ جُمُعَةٍ مِنْهُ وَأَنَّهَا بِدْعَةٌ وَمَا يَحْتَالُهُ أَهْلُ الرُّومِ مِنْ نَذْرِهَا لِتَخْرُجَ عَنْ النَّفْلِ وَالْكَرَاهَةِ فَبَاطِلٌ وَقَدْ أَوْضَحَهُ الْعَلَّامَةُ الْحَلَبِيُّ وَأَطَالَ فِيهِ إطَالَةً حَسَنَةً كَمَا هُوَ دَأْبُهُ وَفِي الْفَتَاوَى الْبَزَّازِيَّةِ (قَوْلُهُ وَكُرِهَ الزِّيَادَةُ عَلَى أَرْبَعٍ فِي نَفْلِ النَّهَارِ وَعَلَى ثَمَانٍ لَيْلًا) أَيْ بِتَسْلِيمَةٍ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ النَّوَافِلَ شُرِعَتْ تَوَابِعَ لِلْفَرَائِضِ وَالتِّبْعُ لَا يُخَالِفُ الْأَصْلَ فَلَوْ زِيدَتْ عَلَى الْأَرْبَعِ فِي النَّهَارِ لَخَالَفَتْ الْفَرَائِضَ وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ فِي اللَّيْلِ إلَّا أَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى الْأَرْبَعِ إلَى الثَّمَانِ عَرَفْنَاهُ بِالنَّصِّ وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ «كَانَ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ خَمْسَ رَكَعَاتٍ سَبْعَ رَكَعَاتٍ تِسْعَ رَكَعَاتٍ إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً» وَالثَّلَاثُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَعْدَادِ الْوِتْرُ وَرَكْعَتَانِ سُنَّةُ الْفَجْرِ فَيَبْقَى رَكْعَتَانِ وَأَرْبَعٌ وَسِتٌّ وَثَمَانٌ فَيَجُوزُ إلَى هَذَا الْقَدْرِ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى الثَّمَانِ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ مَعَ اخْتِلَافِ التَّصْحِيحِ فَصَحَّحَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ عَدَمَ الْكَرَاهَةِ مُعَلِّلًا بِأَنَّ فِيهِ وَصْلَ الْعِبَادَةِ بِالْعِبَادَةِ وَهُوَ أَفْضَلُ وَرَدَّهُ فِي الْبَدَائِعِ بِأَنَّهُ يُشْكِلُ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الْأَرْبَعِ فِي النَّهَارِ قَالَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُكْرَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُرْوَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انْتَهَى وَفِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي أَنَّ الزِّيَادَةَ الْمَذْكُورَةَ مَكْرُوهَةٌ بِالْإِجْمَاعِ أَيْ بِإِجْمَاعِ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ وَبِهِ يُضَعَّفُ قَوْلُ السَّرَخْسِيُّ وَصَحَّحَ فِي الْخُلَاصَةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ السَّرَخْسِيُّ وَيَشْهَدُ لَهُ مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ أَنَّهُ «كَانَ يُصَلِّي تِسْعَ رَكَعَاتٍ لَا يَجْلِسُ فِيهِنَّ إلَّا فِي الثَّامِنَةِ فَيَذْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى وَيَحْمَدُهُ وَيَدْعُوهُ ثُمَّ يَنْهَضُ وَلَا يُسَلِّمُ فَيُصَلِّي التَّاسِعَةَ ثُمَّ يَقْعُدُ فَيَذْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى وَيَحْمَدُهُ وَيَدْعُوهُ ثُمَّ يُسَلِّمُ تَسْلِيمًا يُسْمِعُنَا» إلَّا أَنَّ هَذَا يَقْتَضِي عَدَمَ جَوَازِ الْقُعُودِ فِيهَا أَصْلًا إلَّا بَعْدَ الثَّامِنَةِ وَجَوَازُ التَّنَفُّلِ بِالْوِتْرِ مِنْ الرَّكَعَاتِ وَكَلِمَتُهُمْ عَلَى وُجُوبِ الْقَعْدَةِ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ مِنْ النَّفْلِ مُطْلَقًا وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْفَسَادِ بِتَرْكِهَا وَعَلَى كَرَاهَةِ التَّنَفُّلِ بِالْوِتْرِ مِنْ الرَّكَعَاتِ وَمِنْ الْعَجَبِ مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ مِنْ رَدِّهِ اسْتِدْلَالَهُمْ عَلَى إبَاحَةِ الثَّمَانِ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ بِمَا ثَبَتَ عَنْ عَائِشَةَ مِنْ رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ يُسَلِّمُ مَنْ كُلِّ اثْنَتَيْنِ مِنْهُنَّ وَلَمْ نَجِدْ عَنْهُ مِنْ فِعْلِهِ وَلَا مِنْ قَوْلِهِ أَنَّهُ أَبَاحَ أَنْ يُصَلِّيَ فِي اللَّيْلِ بِتَكْبِيرَةٍ أَكْثَرَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ وَبِذَلِكَ نَأْخُذُ وَهُوَ أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ انْتَهَى وَذَكَرَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّ الْحَقَّ مَا قَالَهُ الطَّحَاوِيُّ لِأَنَّ اسْتِدْلَالَهُمْ اسْتِدْلَالٌ بِالْمُحْتَمَلِ فَلَا يَكُونُ حُجَّةً وَهَذَا لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُصَلِّي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فَرْضَ الْعِشَاءِ وَأَرْبَعَ رَكَعَاتٍ سُنَّةَ الْعِشَاءِ وَثَلَاثَ رَكَعَاتٍ الْوِتْرَ فَيَكُونُ الْمَجْمُوعُ إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ قَيْدُ التَّطَوُّعِ حَتَّى يَدُلَّ عَلَى إبَاحَةِ الثَّمَانِ عَلَى أَنَّ عَائِشَةَ فِي رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ فَسَّرَتْ الْإِجْمَالَ وَأَزَالَتْ الِاحْتِمَالَ فَلَمْ يَدُلَّ عَلَى إبَاحَةِ ثَمَانِ رَكَعَاتٍ بِتَسْلِيمَةٍ انْتَهَى لِأَنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ   [منحة الخالق] ذَكَرَهَا الْغَافِقِيُّ الْمُحَدِّثُ فِي لَمَحَاتِ الْأَنْوَارِ وَصَاحِبُ أُنْسِ الْمُنْقَطِعِينَ وَأَبُو طَالِبٍ الْمَكِّيُّ فِي الْقُوتِ عَبْدُ الْعَزِيزِ الدِّيرِينِيُّ فِي طَهَارَةِ الْقُلُوبِ وَابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِ النُّورِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ قَالَ الْحَافِظُ الطَّبَرِيُّ جَرَتْ الْعَادَةُ فِي كُلِّ قُطْرٍ مِنْ أَقْطَارِ الْمُكَلَّفِينَ بِتَطَابُقِ الْكَافَّةِ عَلَى صَلَاةِ مِائَةِ رَكْعَةٍ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ بِأَلْفٍ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَتُرْوَى فِي صِحَّتِهَا آثَارٌ وَأَخْبَارٌ لَيْسَ عَلَيْهَا الِاعْتِمَادُ وَلَا نَقُولُ أَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ كَمَا قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فَإِنَّ الْحُكْمَ بِالْوَضْعِ أَمْرُهُ خَطِيرٌ وَشَأْنُهُ كَبِيرٌ مَعَ أَنَّهَا أَخْبَارُ تَرْغِيبٍ وَالْعَامِلُ عَلَيْهَا بِنِيَّتِهِ يُثَابُ وَيَصْدُقُ عَزْمُهُ وَإِخْلَاصُهُ فِي ابْتِهَالِهِ يُجَابُ وَالْأَوْلَى تَلَقِّيهَا بِالْقَبُولِ مِنْ غَيْرِ حُكْمٍ بِصِحَّتِهَا وَلَا حَرَجٍ فِي الْعَمَلِ بِهَا اهـ. (قَوْلُهُ وَفِي الْفَتَاوَى الْبَزَّازِيَّةِ) أَيْ وَأَوْضَحَهُ فِي الْفَتَاوَى الْبَزَّازِيَّةِ. (قَوْلُهُ يُشْكِلُ بِالزِّيَادَةِ إلَخْ) يُفِيدُ أَنَّ الزِّيَادَةَ فِي نَفْلِ النَّهَارِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا وَبِهِ صَرَّحَ فِي النَّهْرِ فَقَالَ وَكُرِهَ الزِّيَادَةُ عَلَى أَرْبَعٍ بِتَسْلِيمَةٍ فِي نَفْلِ النَّهَارِ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - زَادَ عَلَى ذَلِكَ وَلَوْلَا الْكَرَاهَةُ لَزَادَ تَعْلِيمًا لِلْجَوَازِ كَذَا قَالُوا وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّهَا تَحْرِيمِيَّةٌ اهـ. لَكِنْ فِي هَذِهِ الْإِفَادَةِ نَظَرٌ لِتَوَقُّفِهَا عَلَى ثُبُوتِ أَنَّ كُلَّ مَا كَانَ جَائِزًا كَانَ يَفْعَلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تَعْلِيمًا لِلْجَوَازِ وَأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ لَمْ يَفْعَلْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَكُونُ غَيْرَ جَائِزٍ وَلَيْسَ بِالْوَاقِعِ وَالْكَرَاهَةُ التَّحْرِيمِيَّةُ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ دَلِيلٍ خَاصٍّ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ إلَّا أَنَّ هَذَا يَقْتَضِي إلَخْ) قَالَ فِي الْبُرْهَانِ مُجِيبًا عَنْ هَذَا الْإِشْكَالِ اتِّفَاقُ الْأَئِمَّةِ عَلَى الْقُعُودِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ شَفْعٍ لِمَا رَوَيْنَا دَلِيلُ انْتِسَاخِهِ أَوْ أَنَّهُ مِنْ خَصَائِصِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَذَا فِي حَاشِيَةِ نُوحٍ أَفَنْدِي عَلَى الدُّرَرِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ إلَخْ) قَالَ فِي إمْدَادِ الْفَتَّاحِ عَنْ الْبُرْهَانِ بَعْدَمَا أَوْرَدَ عَلَى الطَّحَاوِيِّ حَدِيثَ مُسْلِمٍ إلَّا أَنَّ اتِّفَاقَ الْأَئِمَّةِ عَلَى الْقُعُودِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ شَفْعٍ لِمَا رَوَيْنَا دَلِيلُ انْتِسَاخِهِ أَوْ أَنَّهُ مِنْ خَصَائِصِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اهـ. وَأَجَابَ فِي الْإِمْدَادِ عَنْ الطَّحَاوِيِّ بِأَنَّهُ لَيْسَ مُرَادُهُ نَفْيَ الْوِجْدَانِ مِنْ أَصْلِهِ بَلْ وِجْدَانَ مَا لَيْسَ مُعَارِضًا وَلَا حَاظِرًا وَلَا مَنْسُوخًا وَيَكُونُ الْمَرْوِيُّ فِي مُسْلِمٍ مُحْتَمِلًا لِبَيَانِ الصِّحَّةِ لَوْ فُعِلَ لَا نَدْبِ الْفِعْلِ وَلِذَا قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ وَصَلَاةُ اللَّيْلِ رَكْعَتَانِ بِتَسْلِيمَةٍ أَوْ أَرْبَعٍ أَوْ سِتٍّ أَوْ ثَمَانٍ وَكُلُّ ذَلِكَ نُقِلَ فِي تَهَجُّدِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الجزء: 2 ¦ الصفحة: 57 صَحِيحِ مُسْلِمٍ صَرِيحٌ فِي رَدِّ كَلَامِ الطَّحَاوِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ لِأَنَّ الثَّمَانَ كَانَتْ نَفْلًا بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ. [الزِّيَادَةُ عَلَى أَرْبَعٍ فِي نَفْلِ النَّهَارِ وَعَلَى ثَمَانٍ لَيْلًا] (قَوْلُهُ وَالْأَفْضَلُ فِيهِمَا الرُّبَاعُ) أَيْ الْأَفْضَلُ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا فِي اللَّيْلِ رَكْعَتَانِ لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ صَلَاةُ اللَّيْلِ قَالَ مَثْنَى مَثْنَى فَإِذَا خِفْت الصُّبْحَ فَأَوْتِرْ بِوَاحِدَةٍ» وَلِأَبِي حَنِيفَةَ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «مَا كَانَ يَزِيدُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي رَمَضَانَ وَلَا فِي غَيْرِهِ عَلَى إحْدَى عَشْرَ رَكْعَةً يُصَلِّي أَرْبَعًا فَلَا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا فَلَا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ ثُمَّ يُصَلِّي ثَلَاثًا» وَمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ «كَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يُصَلِّي الضُّحَى أَرْبَعًا وَلَا يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ بِسَلَامٍ» وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ وَغَيْرِهِ فِي سُنَّةِ الظُّهْرِ وَالْجُمُعَةِ ثُمَّ الْجَوَابُ عَنْ دَلِيلِهِمَا كَمَا أَفَادَهُ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مُخْتَصِرًا أَنَّ مُقْتَضَى لَفْظِ الْحَدِيثِ إمَّا مَثْنَى فِي حَقِّ الْفَضِيلَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَرْبَعِ أَوْ فِي حَقِّ الْإِبَاحَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْفَرْدِ وَتَرْجِيحُ أَحَدِهِمَا بِمُرَجَّحٍ وَفِعْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَدَ عَلَى كِلَا النَّحْوَيْنِ لَكِنْ عَقَلْنَا زِيَادَةَ فَضِيلَةِ الْأَرْبَعِ لِأَنَّهَا أَكْثَرُ مَشَقَّةً عَلَى النَّفْسِ بِسَبَبِ طُولِ تَقْيِيدِهَا فِي مَقَامِ الْخِدْمَةِ وَرَأَيْنَاهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّمَا أَجْرُك عَلَى قَدْرِ نَصَبِك» فَحَكَمْنَا بِأَنَّ الْمُرَادَ الثَّانِي لَا وَاحِدَةٌ أَوْ ثَلَاثٌ وَلِهَذَا ذَكَرَ فِي زِيَادَاتِ الزِّيَادَاتِ أَنَّ مَنْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ أَرْبَعًا بِتَسْلِيمَةٍ فَصَلَّاهَا بِتَسْلِيمَتَيْنِ لَمْ يُجْزِهِ وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ أَرْبَعًا بِتَسْلِيمَتَيْنِ فَصَلَّاهَا بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ جَازَ عَنْ نَذْرِهِ وَفِي الْمُحِيطِ وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا فِي التَّرَاوِيحِ مَثْنَى مَثْنَى لِأَنَّهَا تُؤَدَّى بِالْجَمَاعَةِ وَأَدَاؤُهَا عَلَى النَّاسِ مَثْنَى مَثْنَى أَخَفُّ وَأَيْسَرُ.   [منحة الخالق] اهـ. وَالشَّأْنُ فِي بَيَانِ الْأَفْضَلِ انْتَهَى لَكِنْ لَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّ قَوْلَ الطَّحَاوِيِّ لَمْ نَجِدْ أَنَّهُ أَبَاحَ إلَخْ يُنَافِيهِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّأْوِيلِ لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ وَمَا نَقَلَهُ عَنْ الِاخْتِيَارِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ إنْكَارَ كَوْنِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يُصَلِّي أَرْبَعًا بَعِيدٌ جِدًّا وَلِذَا قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ لَا يَخْفَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي أَرْبَعًا كَمَا كَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ فَرِوَايَةُ بَعْضِ فِعْلِهِ أَعْنِي فِعْلَ الْأَرْبَعِ لَا يُوجِبُ الْمُعَارَضَةَ اهـ. وَأَبْعَدُ مِنْهُ مَا قَالَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ إذْ لَا يَخْفَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَتَهَجَّدُ مِنْ اللَّيْلِ بَلْ كَانَ فَرْضًا عَلَيْهِ وَالْكَلَامُ فِي نَسْخِ الْفَرْضِيَّةِ كَمَا مَرَّ عَلَى أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَا كَانَ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ يُصَلِّي الْوِتْرَ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُصَلِّي خَمْسَ رَكَعَاتٍ سَبْعَ رَكَعَاتٍ الْحَدِيثَ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة وَمَا رُوِيَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى أَحَدَ عَشْرَ رَكَعَاتٍ فَثَلَاثٌ مِنْهَا كَانَ وِتْرًا وَثَمَانِي رَكَعَاتٍ صَلَاةُ اللَّيْلِ وَمَا رُوِيَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى ثَلَاثَةَ عَشْرَ رَكْعَةً فَثَلَاثٌ مِنْهَا كَانَ وِتْرًا وَثَمَانِي رَكَعَاتٍ صَلَاةُ اللَّيْلِ وَرَكْعَتَانِ لِلْفَجْرِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ التَّفْسِيرُ مَنْقُولٌ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَيْرُ مُسْتَخْرَجٍ مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِنَا. (قَوْلُهُ وَقَالَا فِي اللَّيْلِ رَكْعَتَيْنِ) قَالَ فِي النَّهْرِ قَالَ فِي الْعُيُونِ وَبِقَوْلِهِمَا يُفْتِي اتِّبَاعًا لِلْحَدِيثِ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ وَرَدَّهُ الشَّيْخُ قَاسِمٌ بِمَا اسْتَدَلَّ بِهِ الْمَشَايِخُ لِلْإِمَامِ مِنْ حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ (قَوْلُهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ إلَخْ) وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ كُلُّ أَرْبَعٍ بِتَسْلِيمٍ لَقَالَتْ كَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ أَوْ كَانَ يُصَلِّي ثَمَانِيًا (قَوْلُهُ أَنَّ مُقْتَضَى لَفْظِ الْحَدِيثِ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ مُقْتَضَى لَفْظِ الْحَدِيثِ حَصْرُ الْمُبْتَدَأِ فِي الْخَبَرِ وَلَيْسَ بِمُرَادٍ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى جَوَازِ الْأَرْبَعِ أَيْضًا وَعَلَى كَرَاهَةِ الْوَاحِدَةِ وَالثَّلَاثِ فِي غَيْرِ الْوِتْرِ وَإِذَا انْتَفَى كَوْنُ الْمُرَادِ لَا تُبَاحُ الِاثْنَتَيْنِ أَوْ لَا تَصِحُّ لَزِمَ كَوْنُ الْحُكْمِ بِمَثْنَى أَمَّا فِي حَقِّ الْفَضِيلَةِ إلَخْ مَا ذَكَرَهُ هُنَا وَذَكَرَ فِي الْفَتْحِ جَوَابًا آخَرَ وَهُوَ أَنَّ مَثْنَى مَثْنَى عِبَارَةٌ عَنْ قَوْلِهِ أَرْبَعٌ صَلَاةٌ عَلَى حِدَةٍ أَرْبَعٌ صَلَاةٌ عَلَى حِدَةٍ لِأَنَّ مَثْنَى مَعْدُولٌ عَنْ الْعَدَدِ الْمُكَرَّرِ وَهُوَ اثْنَانِ اثْنَانِ فَمُرَادُهُ حِينَئِذٍ اثْنَانِ اثْنَانِ صَلَاةٌ عَلَى حِدَةٍ ثُمَّ اثْنَانِ اثْنَانِ صَلَاةٌ عَلَى حِدَةٍ وَهَلُمَّ جَرًّا بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَتَكَرَّرْ لِأَنَّ مَعْنَاهُ حِينَئِذٍ الصَّلَاةُ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ وَسَبَبُ الْعُدُولِ عَنْ أَرْبَعٍ أَرْبَعٍ مَعَ أَنَّهُ أَكْثَرُ اسْتِعْمَالًا وَأَشْهُرُ لِإِفَادَةِ كَوْنِ الْأَرْبَعِ مَفْصُولَةً بِغَيْرِ السَّلَامِ وَهُوَ التَّشَهُّدُ فَقَطْ وَإِلَّا كَانَ كُلُّ صَلَاةٍ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ وَقَدْ كَانَتْ أَرْبَعًا قَالَ وَقَدْ وَقَعَ فِي بَعْضِ الْأَلْفَاظِ مَا يَحْسُنُ تَفْسِيرًا عَلَى مَا قُلْنَا وَهُوَ مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ الْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «الصَّلَاةُ مَثْنَى مَثْنَى بِتَشَهُّدٍ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ» اهـ. مُخْتَصَرًا وَكَأَنَّ الْمُؤَلِّفَ لَمْ يَذْكُرْهُ لِأَنَّ هَذَا التَّأْوِيلَ يُنَافِيهِ حَدِيثُ عَائِشَةَ الَّذِي تَقَدَّمَ عَنْ الطَّحَاوِيِّ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ اثْنَيْنِ» وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ مَثْنَى الثَّانِيَةُ تَأْكِيدًا لِلْأُولَى وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُنَافِي الْحَمْلَ الْمَذْكُورَ إذْ لَا يُنْكَرُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ يُصَلِّي كُلَّ رَكْعَتَيْنِ بِتَسْلِيمَةٍ وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي الْأَفْضَلِيَّةِ كَمَا مَرَّ وَظَاهِرُ حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّهُ كَانَ عَامَّةُ أَحْوَالِهِ صَلَاةَ الْأَرْبَعِ بِتَسْلِيمَةٍ لِقَوْلِهِمَا مَا كَانَ يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلَا فِي غَيْرِهِ فَالْأَوْلَى حَمْلُ حَدِيثِ مَثْنَى مَثْنَى عَلَيْهِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ أَخَفُّ وَأَيْسَرُ) قُلْت يَحْتَاجُ إلَى الْجَوَابِ أَيْضًا عَنْ السِّتِّ بَعْدَ الْمَغْرِبِ فَإِنَّ الْأَفْضَلَ فِيهَا أَنْ تَكُونَ بِثَلَاثِ تَسْلِيمَاتٍ كَمَا تَقَدَّمَ فَالْأَوْلَى التَّعْلِيلُ بِاتِّبَاعِ الْآثَارِ الْوَارِدَةِ فِي كُلٍّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 58 (قَوْلُهُ وَطُولُ الْقِيَامِ أَحَبُّ مِنْ كَثْرَةِ السُّجُودِ) أَيْ أَفْضَلُ مِنْ عَدَدِ الرَّكَعَاتِ وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّقْلُ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَنَقَلَ الطَّحَاوِيُّ عَنْهُ فِي شَرْحِ الْآثَارِ كَمَا فِي الْكِتَابِ وَصَحَّحَهُ فِي الْبَدَائِعِ وَنَسَبَ مَا قَابَلَهُ إلَى الشَّافِعِيِّ وَوَجْهُهُ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أَفْضَلُ الصَّلَاةِ طُولُ الْقُنُوتِ» وَالْمُرَادُ بِالْقُنُوتِ الْقِيَامُ بِدَلِيلِ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد مَرْفُوعًا «أَيْ الصَّلَاةُ أَفْضَلُ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - طُولُ الْقِيَامِ» وَلِأَنَّ ذِكْرَهُ الْقِرَاءَةُ وَذِكْرَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ التَّسْبِيحُ وَنُقِلَ عَنْهُ فِي الْمُجْتَبَى أَنَّ كَثْرَةَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَفْضَلُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلسَّائِلِ كَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «عَلَيْك بِكَثْرَةِ السُّجُودِ وَلِآخَرَ أَعِنِّي عَلَى نَفْسِك بِكَثْرَةِ السُّجُودِ» وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ» وَلِأَنَّ السُّجُودَ غَايَةُ التَّوَاضُعِ وَالْعُبُودِيَّةِ وَلِتَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ تَوَقَّفَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلَمْ يَحْكُمْ فِيهَا بِشَيْءٍ وَفَصَّلَ الْإِمَامُ أَبُو يُوسُفَ كَمَا فِي الْمُجْتَبَى وَالْبَدَائِعِ فَقَالَ إذَا كَانَ لَهُ وِرْدٌ مِنْ اللَّيْلِ بِقِرَاءَةٍ مِنْ الْقُرْآنِ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُكْثِرَ عَدَدَ الرَّكَعَاتِ وَإِلَّا فَطُولُ الْقِيَامِ أَفْضَلُ لِأَنَّ الْقِيَامَ فِي الْأَوَّلِ لَا يَخْتَلِفُ وَيُضَمُّ إلَيْهِ زِيَادَةُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ انْتَهَى وَاَلَّذِي ظَهَرَ لِلْعَبْدِ الضَّعِيفِ أَنَّ كَثْرَةَ الرَّكَعَاتِ أَفْضَلُ مِنْ طُولِ الْقِيَامِ لِأَنَّ الْقِيَامَ إنَّمَا شُرِعَ وَسِيلَةً إلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي صَلَاةِ الْمَرِيضِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ سَقَطَ عَنْهُ الْقِيَامُ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ لِعَجْزِهِ عَمَّا هُوَ الْمَقْصُودُ فَلَا تَكُونُ الْوَسِيلَةُ أَفْضَلَ مِنْ الْمَقْصُودِ وَأَمَّا لُزُومُهُ لِكَثْرَةِ الْقِرَاءَةِ فَلَا يُفِيدُ الْأَفْضَلِيَّةَ أَيْضًا لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ رُكْنٌ زَائِدٌ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ مَعَ الِاخْتِلَافِ فِي أَصْلِ رُكْنِيَّتِهَا بِخِلَافِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَجْمَعُوا عَلَى رُكْنِيَّتِهِمَا وَأَصَالَتِهِمَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ مَعَ تَخَلُّفِ الْقِيَامِ عَنْ الْقِرَاءَةِ فِي الْفَرْضِ فِيمَا زَادَ عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ فَتَرَجَّحَ هَذَا الْقَوْلُ بِمَا ذَكَرْنَا بَعْدَ تَعَارُضِ الدَّلَائِلِ الْمُتَقَدِّمَةِ. (قَوْلُهُ وَالْقِرَاءَةُ فَرْضٌ فِي رَكْعَتَيْ الْفَرْضِ) أَيْ فَرْضٌ عَمَلِيٌّ كَمَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَلَمْ يُقَيِّدْ الرَّكْعَتَيْنِ بِالْأُولَيَيْنِ لِأَنَّ تَعْيِينَهُمَا لِلْقِرَاءَةِ لَيْسَ بِفَرْضٍ وَإِنَّمَا هُوَ وَاجِبٌ عَلَى الْمَشْهُورِ فِي الْمَذْهَبِ وَصَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي عَدِّ الْوَاجِبَاتِ وَصَحَّحَ فِي الْبَدَائِعِ أَنَّ مَحَلَّهَا الرَّكْعَتَانِ الْأُولَيَانِ عَيْنًا فِي الصَّلَاةِ الرُّبَاعِيَّةِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ رَكْعَتَانِ مِنْهَا غَيْرُ عَيْنٍ مَعَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَرَأَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ فَقَطْ فَإِنَّهَا صَحِيحَةٌ وَأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ إنْ كَانَ سَاهِيًا عَلَى كِلَا الْقَوْلَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فَفَائِدَةُ الِاخْتِلَافِ إنَّمَا هُوَ فِي سَبَبِ سُجُودِ السَّهْوِ فَعَلَى مَا صَحَّحَهُ سَبَبُهُ تَغْيِيرُ الْفَرْضِ عَنْ مَحَلِّهِ وَتَكُونُ قِرَاءَتُهُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ قَضَاءً عَنْ قِرَاءَتِهِ فِي الْأَوَّلِيَّيْنِ وَعَلَى قَوْلِ الْبَعْضِ سَبَبُهُ تَرْكُ   [منحة الخالق] مِنْ صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ وَصَلَاةِ الْأَوَّابِينَ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّهَا مَثْنَى مَثْنَى (قَوْلُهُ وَاَلَّذِي ظَهَرَ لِلْعَبْدِ الضَّعِيفِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ فِيهِ نَظَرٌ مِنْ وُجُوهٍ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ الْقِيَامَ وَإِنْ كَانَ وَسِيلَةً إلَّا أَنَّ أَفْضَلِيَّةَ طُولِهِ إنَّمَا كَانَتْ بِكَثْرَةِ الْقِرَاءَةِ فِيهِ وَهِيَ وَإِنْ بَلَغَتْ كُلَّ الْقُرْآنِ تَقَعُ فَرْضًا بِخِلَافِ التَّسْبِيحَاتِ فَإِنَّهَا وَإِنْ كَثُرَتْ لَا تَزِيدُ عَلَى السُّنَّةِ وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ كَوْنَ الْقِرَاءَةِ رُكْنًا زَائِدًا مِمَّا لَا أَثَرَ لَهُ فِي الْفَضِيلَةِ بِخِلَافِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَأَمَّا ثَالِثًا فَلِأَنَّ كَوْنَ الْقِيَامِ يَتَخَلَّفُ عَنْ الْقِرَاءَةِ فِي الْفَرْضِ لَيْسَ مِمَّا الْكَلَامُ فِيهِ إذْ مَوْضُوعُ الْمَسْأَلَةِ فِي النَّقْلِ وَفِيهِ تَجِبُ الْقِرَاءَةُ فِي كُلِّهِ وَلَمْ أَرَ فِي كَلَامِهِمْ مَا لَوْ تَطَوَّعَ الْأَخْرَسُ هَلْ يَكُونُ طُولُ الْقِيَامِ فِي حَقِّهِ أَفْضَلَ كَالْقَارِئِ أَمْ لَا فَتَدَبَّرْ اهـ. وَأَقُولُ: عَلَى أَنَّ الْأَحَادِيثَ الدَّالَّةَ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ الْقِيَامِ نَصٌّ فِي الْمَطْلُوبِ لَا تَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ بِخِلَافِ غَيْرِهَا لِاحْتِمَالِ كَوْنِ الْمُرَادِ مِنْ كَثْرَةِ السُّجُودِ كَثْرَةَ الِاشْتِغَالِ بِالصَّلَاةِ مِنْ إطْلَاقِ الْجُزْءِ عَلَى الْكُلِّ فَإِنَّ السُّجُودَ يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ الصَّلَاةُ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [البقرة: 125] وقَوْله تَعَالَى {وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ} [الشعراء: 219] وَبِهِ تَأَيَّدَ مَا فِي الْمُتُونِ الَّذِي هُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ وَصَرَّحَ بِتَصْحِيحِهِ فِي الْبَدَائِعِ وَالْعَجَبُ مِنْ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْغَزِّيِّ حَيْثُ تَبِعَ شَيْخَهُ وَخَالَفَ الْمُتُونَ وَمَشَى فِي مَتْنِ التَّنْوِيرِ عَلَى مَا اخْتَارَهُ شَيْخُهُ هُنَا مَعَ أَنَّ الْمُتُونَ مَوْضُوعَةٌ لِنَقْلِ الْمَذْهَبِ. (قَوْلُهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إلَخْ) يُوهِمُ أَنَّهُ قَوْلٌ آخَرُ غَيْرُ الْقَوْلَيْنِ السَّابِقَيْنِ مَعَ أَنَّهُ عَيْنُ الْأَوَّلِ الْمُعَبَّرِ عَنْهُ بِالْمَشْهُورِ (قَوْلُهُ فَفَائِدَةُ الِاخْتِلَافِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَكِنْ سَيَأْتِي فِي السَّهْوِ أَنَّ تَأْخِيرَ الْفَرْضِ فِيهِ تَرْكُ وَاجِبٍ أَيْضًا وَيُمْكِنُ أَنْ يَظْهَرَ فِي اخْتِلَافِ مَرَاتِبِ الْإِثْمِ فَعَلَى الْأَوَّلِ يَأْثَمُ إثْمَ تَارِكِ الْوَاجِبِ وَعَلَى الثَّانِي إثْمَ تَارِكِ الْفَرْضِ الْعَمَلِيِّ الَّذِي هُوَ أَقْوَى نَوْعَيْ الْوَاجِبِ عَلَى مَا مَرَّ تَحْقِيقُهُ اهـ. قُلْت: لِي هُنَا شُبْهَةٌ أَشْكَلَتْ عَلَيَّ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا خِلَافَ عِنْدَنَا فِي فَرْضِيَّةِ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي تَعْيِينِ مَحَلِّهَا وَحِينَئِذٍ فَمَعْنَى الْقَوْلِ الَّذِي صَحَّحَهُ فِي الْبَدَائِعِ أَنَّ الْقِرَاءَةَ فَرْضٌ وَكَوْنُهَا فِي الْأُولَيَيْنِ فَرْضًا آخَرَ وَمُقْتَضَى هَذَا بُطْلَانُ الصَّلَاةِ بِتَرْكِهَا فِي الْأُولَيَيْنِ وَعَدَمُ اعْتِبَارِ كَوْنِهَا قَضَاءً فِي الْأُخْرَيَيْنِ لِأَنَّهُ إذَا قَرَأَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ فَقَدْ أَتَى بِفَرْضِ الْقِرَاءَةِ وَأَمَّا فَرْضُ كَوْنِهَا فِي الْأُولَيَيْنِ فَقَدْ فَاتَ وَلَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 59 الْوَاجِبِ وَقِرَاءَتُهُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ أَدَاءٌ لَا قَضَاءٌ وَالْأَمْرُ سَهْلٌ وَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مِنْ أَنَّ تَعْيِينَ الْقِرَاءَةِ فِي الْأَوَّلِيَّيْنِ أَفْضَلُ إنْ شَاءَ قَرَأَ فِيهِمَا وَإِنْ شَاءَ قَرَأَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ أَوْ فِي إحْدَى الْأُولَيَيْنِ وَإِحْدَى الْأُخْرَيَيْنِ ضَعِيفٌ لِتَصْرِيحِ الْجَمِّ الْغَفِيرِ بِالْوُجُوبِ فِي الْأُولَيَيْنِ لَا بِالْأَفْضَلِيَّةِ وَإِنَّمَا كَانَتْ فَرْضًا فِي رَكْعَتَيْنِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] وَهُوَ لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ فَكَانَ مُؤَدَّاهُ افْتِرَاضَهَا فِي رَكْعَةٍ إلَّا أَنَّ الثَّانِيَةَ اُعْتُبِرَتْ شَرْعًا كَالْأُولَى فَإِيجَابُ الْقِرَاءَةِ فِيهَا إيجَابٌ فِيهِمَا دَلَالَةً وَأَمَّا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي حَدِيثِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ «ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِهِ ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِك كُلِّهَا» فَلَا يَثْبُتُ بِهِ الْفَرْضُ لِأَنَّ الْقَطْعِيَّ لَا يَثْبُتُ بِالظَّنِّيِّ وَإِنَّمَا لَمْ تَكُنْ الْقِرَاءَةُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ وَاجِبَةً فِي الْفَرْضِ كَمَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ مَعَ وُجُودِ الْأَمْرِ الْمَذْكُورِ الْمَقْضِيِّ لِلْوُجُوبِ لِوُجُودِ صَارِفٍ لَهُ عَنْهُ وَهُوَ قَوْلُ الصَّحَابَةِ عَلَى خِلَافِهِ كَمَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ اقْرَأْ فِي الْأُولَيَيْنِ وَسَبِّحْ فِي الْأُخْرَيَيْنِ لَكِنْ ذَكَرَ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ صَارِفًا إلَّا إذَا لَمْ يَرِدْ عَنْ غَيْرِهِمَا مِنْ الصَّحَابَةِ خِلَافٌ وَإِلَّا فَاخْتِلَافُهُمْ فِي الْوُجُوبِ لَا يَصْرِفُ دَلِيلَ الْوُجُوبِ عَنْهُ فَالْأَحْوَطُ رِوَايَةُ الْحَسَنِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِالْوُجُوبِ فِي الْأُخْرَيَيْنِ انْتَهَى وَقَدْ يُقَالُ أَنَّ مُقْتَضَاهُ لُزُومُ قِرَاءَةِ مَا تَيَسَّرَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ وُجُوبًا لَا تَعْيِينُ الْفَاتِحَةِ كَمَا هُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ فَلَيْسَ مُوَافِقًا لِكُلٍّ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ وَفِي الْقُنْيَةِ لَمْ يَقْرَأْ فِي الْأُولَيَيْنِ وَقَرَأَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ الْفَاتِحَةَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى قَصْدِ الثَّنَاءِ وَالدُّعَاءِ لَا يُجْزِئُهُ انْتَهَى مَعَ أَنَّ الْمَنْقُولَ فِي التَّجْنِيسِ أَنَّهُ إذَا قَرَأَ الْفَاتِحَةَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى قَصْدِ الثَّنَاءِ جَازَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ وُجِدَتْ الْقِرَاءَةُ فِي مَحَلِّهَا فَلَا يَتَغَيَّرُ حُكْمُهَا بِقَصْدِهِ وَهَكَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَهُ مَا فِي الْقُنْيَةِ عَنْ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْقِرَاءَةَ لَيْسَتْ فِي مَحَلِّهَا فَتَغَيَّرَتْ بِقَصْدِهِ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ تَعْلِيلُهُ فِي التَّجْنِيسِ. (قَوْلُهُ وَكُلُّ النَّفْلِ وَالْوِتْرِ) أَيْ الْقِرَاءَةُ فَرْضٌ فِي جَمِيعِ رَكَعَاتِ النَّفْلِ وَالْوِتْرِ أَمَّا النَّفَلُ فَلِأَنَّ كُلَّ شَفْعٍ مِنْهُ صَلَاةٌ عَلَى حِدَةٍ وَالْقِيَامُ إلَى الثَّالِثَةِ كَتَحْرِيمَةٍ مُبْتَدَأَةٍ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ بِالتَّحْرِيمَةِ الْأُولَى إلَّا رَكْعَتَانِ فِي الْمَشْهُورِ عَنْ أَصْحَابِنَا وَلِهَذَا قَالُوا يَسْتَفْتِحُ فِي الثَّالِثَةِ وَأَمَّا الْوِتْرُ فَلِلِاحْتِيَاطِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَزَادَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي كُلِّ قَعْدَةٍ وَقِيَاسُهُ أَنْ يَتَعَوَّذَ فِي كُلِّ شَفْعٍ انْتَهَى إلَّا أَنَّهُ لَا يَتِمُّ لِأَنَّهُ   [منحة الخالق] كَمَا لَوْ أَتَى بِتَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ وَلَمْ يَقْرَأْ بَعْدَهَا وَلَيْسَ هَذَا كَتَأْخِيرِ سَجْدَةٍ إلَى آخِرِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ تَأْخِيرُ فَرْضٍ لَكِنْ عَدَمُ التَّأْخِيرِ لَيْسَ بِفَرْضٍ وَإِنَّمَا هُوَ وَاجِبٌ وَمَا نَحْنُ فِيهِ فَرْضٌ وَكَوْنُهُ فَرْضًا عَمَلِيًّا لَا يَقْتَضِي عَدَمَ الْبُطْلَانِ لِأَنَّهُ مَا يَفُوتُ الْجَوَازُ بِفَوَاتِهِ كَمَسْحِ الرَّأْسِ فَهُوَ فِي قُوَّةِ الْقَطْعِيِّ فِي الْعَمَلِ كَمَا مَرَّ صَدْرَ الْكِتَابِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ وَإِنْ كَانَ فِي قُوَّةِ الْقَطْعِيِّ لَكِنَّهُ ظَنِّيٌّ وَكَانَ مُقْتَضَى تَرْكِهِ الْفَسَادُ لَكِنَّهُ لَمْ يَحْكُمْ بِهِ احْتِيَاطًا لِكَوْنِهِ فَصْلًا مُجْتَهَدًا فِيهِ عَلَى نَحْوِ مَا سَيَأْتِي فِي الْمَسَائِلِ الثَّمَانِيَةِ فِي تَخْرِيجِ قَوْلِ الْإِمَامِ تَأَمَّلْ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ مَا فِي الْبَدَائِعِ مِنْ أَنَّ مَحَلَّهَا الرَّكْعَتَانِ الْأُولَيَانِ عَيْنًا أَرَادَ بِهِ التَّعْيِينَ عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ لَا الِافْتِرَاضِ وَأَنَّ مَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّ مَحَلَّهَا رَكْعَتَانِ غَيْرُ عَيْنٍ مُرَادُهُ أَنَّ تَعْيِينَ الْأُولَيَيْنِ أَفْضَلُ وَهُوَ مَا سَيَأْتِي عَنْ غَايَةِ الْبَيَانِ فَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ لَا ثَلَاثَةٌ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ ابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ عَلَى الْمُنْيَةِ عِنْدَ ذِكْرِ فَرَائِضِ الصَّلَاةِ حَيْثُ قَالَ قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ لِلْإِسْبِيجَابِيِّ قَالَ أَصْحَابُنَا الْقِرَاءَةُ فَرْضٌ فِي رَكْعَتَيْنِ بِغَيْرِ أَعْيَانِهِمَا وَأَفْضَلُهَا فِي الْأُولَيَيْنِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْقُدُورِيُّ أَيْضًا لَكِنْ نَصَّ فِي التُّحْفَةِ وَالْبَدَائِعِ عَلَى أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا أَنَّ مَحَلَّ الْقِرَاءَةِ الْمَفْرُوضَةِ الرَّكْعَتَانِ الْأُولَيَانِ عَيْنًا وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي الْأَصْلِ حَيْثُ قَالَ إذَا تَرَكَ الْقِرَاءَةَ فِي الْأُولَيَيْنِ يَقْضِيهَا فِي الْأُخْرَيَيْنِ وَعَلَيْهِ مَشَى فِي الذَّخِيرَةِ وَالْمُحِيطِ الرَّضَوِيِّ وَغَيْرِهِمَا ثُمَّ ذَكَرَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ عِنْدَ وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ أَنَّ ثَمَرَةَ الْخِلَافِ فِي وُجُوبِ سُجُودِ السَّهْوِ وَعَدَمِهِ لَوْ تَرَكَهَا فِي الْأُولَيَيْنِ أَوْ إحْدَاهُمَا فَيَجِبُ عَلَى الْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ بِتَأْخِيرِ الْوَاجِبِ عَنْ مَحَلِّهِ سَهْوًا وَعَلَى السُّنِّيَّةِ لَا اهـ. مُلَخَّصًا وَهُوَ كَالصَّرِيحِ فِيمَا قُلْنَا. (قَوْلُهُ إيجَابٌ فِيهِمَا دَلَالَةً) لَا يَخْفَى مَا فِيهِ وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ إيجَابٌ فِي الثَّانِيَةِ دَلَالَةً (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْقَطْعِيَّ إلَخْ) تَسْمِيَتُهُ قَطْعِيًّا مُخَالِفٌ لِمَا صَرَّحَ بِهِ أَوَّلًا أَنَّهُ فَرْضٌ عَمَلِيٌّ وَهَذَا لَيْسَ بِقَطْعِيٍّ وَإِنَّمَا هُوَ ظَنِّيٌّ نَعَمْ هُوَ فِي قُوَّةِ الْقَطْعِيِّ فِي الْعَمَلِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْقِرَاءَةَ إلَخْ) فِيهِ بَحْثٌ لِأَنَّهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِي مَحَلِّهَا حَقِيقَةً لَكِنَّهَا فِي حُكْمِهَا لِالْتِحَاقِهَا بِالْأُولَيَيْنِ فَلَا تَتَغَيَّرُ بِقَصْدِهِ بِدَلِيلِ وُجُوبِ الْقِرَاءَةِ عَلَى الْخَلِيفَةِ الْمَسْبُوقِ لَوْ أَشَارَ إلَيْهِ الْإِمَامُ أَنَّهُ لَمْ يَقْرَأْ فِي الْأُولَيَيْنِ فَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ إذَا قَرَأَ الْتَحَقَتْ بِالْأُولَيَيْنِ فَخَلَتْ الْأُخْرَيَانِ عَنْ الْقِرَاءَةِ فَيَلْزَمُهُ الْقِرَاءَةُ فِيمَا سَبَقَ بِهِ أَيْضًا وَبِدَلِيلِ عَدَمِ صِحَّةِ اقْتِدَاءِ مُسَافِرٍ فِي الْوَقْتِ بِمُقِيمٍ لَمْ يَقْرَأْ فِي الْأُولَيَيْنِ وَبِدَلِيلِ وُجُوبِ الْقِرَاءَةِ عَلَى الْمَسْبُوقِ وَإِنْ لَمْ يَقْرَأْ إمَامُهُ فِي الْأُولَيَيْنِ وَالظَّاهِرُ فِي تَوْجِيهِهِ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِفَرْضِيَّةِ الْقِرَاءَةِ فِي الْأُولَيَيْنِ ثُمَّ رَأَيْت الْعَلَّامَةَ الرَّمْلِيَّ نَقَلَ ذَلِكَ عَنْ خَطِّ الْعَلَّامَةِ الْمَقْدِسِيَّ فَتَدَبَّرْ لَكِنْ قَدْ عَلِمْت مَا فِيهِ. [الْقِرَاءَةُ فِي رَكَعَاتِ النَّفْلِ وَالْوِتْرِ] (قَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُ لَا يَتِمُّ إلَخْ) قَدْ يُجَابُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 60 لَا يَشْمَلُ السُّنَّةَ الرُّبَاعِيَّةَ الْمُؤَكَّدَةَ كَسُنَّةِ الظُّهْرِ الْقَبْلِيَّةَ فَإِنَّ الْقِرَاءَةَ فَرْضٌ فِي جَمِيعِ رَكَعَاتِهَا مَعَ أَنَّ الْقِيَامَ إلَى الثَّالِثَةِ لَيْسَ كَتَحْرِيمَةٍ مُبْتَدَأَةٍ بَلْ هِيَ صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ وَلِهَذَا لَا يَسْتَفْتِحُ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي وَلَا يُصَلِّي فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى وَلَا يَبْطُلُ خِيَارُهَا بِقِيَامِهَا فِيهَا إلَى الشَّفْعِ الثَّانِي وَإِنْ أُرِيدَ بِالنَّفْلِ فِي كَلَامِهِمْ مَا لَيْسَ سُنَّةً مُؤَكَّدَةً لَمْ يَتِمَّ أَيْضًا لِخُلُوِّهِ عَنْ إفَادَةِ حُكْمِ الْقِرَاءَةِ فِي السُّنَّةِ الْمُؤَكَّدَةِ وَإِنَّمَا لَمْ تَكُنْ الْقَعْدَةُ عَلَى رَأْسِ كُلِّ شَفْعٍ فَرْضًا كَمَا هُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّهَا فَرْضٌ لِلْخُرُوجِ مِنْ الصَّلَاةِ فَإِذَا قَامَ إلَى الثَّالِثَةِ تَبَيَّنَ أَنَّ مَا قَبْلَهَا لَمْ يَكُنْ أَوْ أَنَّ الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ فَلَمْ تَبْقَ الْقَعْدَةُ فَرِيضَةً بِخِلَافِ الْقِرَاءَةِ فَإِنَّهَا رُكْنٌ مَقْصُودٌ بِنَفْسِهِ فَإِذَا تَرَكَهُ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ. (قَوْلُهُ وَلَزِمَ النَّفَلُ بِالشُّرُوعِ وَلَوْ عِنْدَ الْغُرُوبِ وَالطُّلُوعِ) بَيَانٌ لِمَا وَجَبَ عَلَى الْعَبْدِ مِنْ الصَّلَاةِ بِالْتِزَامِهِ وَهُوَ نَوْعَانِ مَا وَجَبَ بِالْقَوْلِ وَهُوَ النَّذْرُ وَمَا وَجَبَ بِالْفِعْلِ وَهُوَ الشُّرُوعُ فِي النَّفْلِ فَنَبْدَأُ بِهِ تَبَعًا لِلْكِتَابِ فَنَقُولُ إنَّ إبْطَالَ الْعَمَلِ حَرَامٌ بِالنَّصِّ {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] فَيَلْزَمَهُ الْإِتْمَامُ لِأَنَّ الِاحْتِرَازَ عَنْ إبْطَالِ الْعَمَلِ فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ الْوَصْفَ بِالتَّحَرِّي لَا يَكُونُ إلَّا بِالتَّمَامِ لِأَنَّ الْمُؤَدَّى وَقَعَ قُرْبَةً بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ بَعْدَ الْقَدْرِ الْمُؤَدَّى يَصِيرُ مُثَابًا وَقَدْ اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى لُزُومِ الْقَضَاءِ فِي إفْسَادِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ سَوَاءٌ كَانَ بِعُذْرٍ كَالْحَيْضِ فِي خِلَالِهِمَا أَوْ بِغَيْرِ عُذْرٍ وَأَنَّهُ يَحِلُّ الْإِفْسَادُ لِعُذْرٍ فِيهِمَا وَأَنَّهُ لَا يَحِلُّ الْإِفْسَادُ فِي الصَّلَاةِ لِغَيْرِ عُذْرٍ وَاخْتَلَفُوا فِي إبَاحَتِهِ فِي الصَّوْمِ لِغَيْرِ عُذْرٍ فَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يُبَاحُ وَفِي رِوَايَةِ الْمُنْتَقَى يُبَاحُ كَمَا سَيَأْتِي فِي الصَّوْمِ وَقَوْلُهُ وَلَوْ عِنْدَ الْغُرُوبِ بَيَانٌ لِكَوْنِهِ لَازِمًا لَهُ إذَا شَرَعَ فِيهِ فِي وَقْتٍ مَكْرُوهٍ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ فَإِذَا أَفْسَدَهُ لَزِمَهُ قَضَاؤُهُ بِخِلَافِ الصَّوْمِ إذَا شَرَعَ فِي وَقْتٍ مَكْرُوهٍ فَإِنَّهُ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ بِالْإِفْسَادِ وَسَيَأْتِي الْفَرْقُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الصَّوْمِ وَفِي الْبَدَائِعِ وَعِنْدَنَا الْأَفْضَلُ أَنْ يَقْطَعَهَا وَإِنْ أَتَمَّ فَقَدْ أَسَاءَ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أَدَّاهَا كَمَا وَجَبَتْ فَإِذَا قَطَعَهَا لَزِمَهُ الْقَضَاءُ انْتَهَى وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْقَطْعُ وَاجِبًا خُرُوجًا عَلَى الْمَكْرُوهِ تَحْرِيمًا وَلَيْسَ بِإِبْطَالٍ لِلْعَمَلِ لِأَنَّهُ إبْطَالٌ لِيُؤَدِّيَهُ عَلَى وَجْهٍ أَكْمَلَ فَلَا يُعَدُّ إبْطَالًا وَلَوْ قَضَاهُ فِي وَقْتٍ مَكْرُوهٍ آخَرَ أَجْزَأَهُ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ نَاقِصَةً وَأَدَّاهَا كَمَا وَجَبَتْ فَيَجُوزُ كَمَا لَوْ أَتَمَّهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أُطْلِقَ الشُّرُوعُ فَانْصَرَفَ إلَى الصَّحِيحِ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ صَحِيحًا لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ شَرَعَ فِي صَلَاةٍ أُمِّيٍّ مُتَطَوِّعًا أَوْ فِي صَلَاةِ امْرَأَةٍ أَوْ جُنُبٍ أَوْ مُحْدِثٍ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَانْصَرَفَ إلَى الْقَصْدِيِّ فَالشُّرُوعُ فِي الصَّلَاةِ الْمَظْنُونَةِ غَيْرُ مُوجِبٍ وَالْمُرَادُ بِالشُّرُوعِ هُوَ الدُّخُولُ فِيهَا بِتَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ أَوْ بِالْقِيَامِ إلَى الشَّفْعِ الثَّانِي بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْأَوَّلِ صَحِيحًا فَإِذَا أَفْسَدَ الشَّفْعَ الثَّانِيَ لَزِمَهُ قَضَاؤُهُ فَقَطْ وَلَا يَسْرِي إلَى الْأَوَّلِ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ كُلَّ شَفْعٍ مِنْهُ صَلَاةٌ عَلَى حِدَةٍ إلَّا إذَا صَلَّى ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ بِقَعْدَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَفَسَدَ الشَّفْعُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ مَا اتَّصَلَ بِهِ الْقَعْدَةُ وَهِيَ الرَّكْعَةُ الْأَخِيرَةُ فَسَدَتْ لِأَنَّ التَّنَفُّلَ بِالرَّكْعَةِ الْوَاحِدَةِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ فَيَفْسُدُ مَا قَبْلَهَا كَذَا فِي الْبَدَائِعِ ثُمَّ هَذَا النَّفَلُ إذَا صَارَ لَازِمًا بِالشُّرُوعِ لَا يَخْرُجُ عَنْ أَصْلِ النَّفْلِيَّةِ وَلِهَذَا لَوْ اقْتَدَى مُتَطَوِّعًا بِإِمَامٍ مُفْتَرِضٍ ثُمَّ قَطَعَهُ ثُمَّ اقْتَدَى بِهِ وَلَمْ يَنْوِ الْقَضَاءَ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ وَلَوْ نَوَى تَطَوُّعًا آخَرَ ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ يَنُوبُ عَمَّا لَزِمَهُ بِالْإِفْسَادِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَذُكِرَ فِي زِيَادَاتِ الزِّيَادَاتِ أَنَّهُ لَا يَنُوبُ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ أَيْضًا وَأَمَّا مَا يَجِبُ بِالْقَوْلِ وَهُوَ النَّذْرُ فَفِي الْقُنْيَةِ أَدَاءُ النَّفْلِ بَعْدَ النَّذْرِ أَفْضَلُ مِنْ أَدَائِهِ بِدُونِ النَّذْرِ ثُمَّ نُقِلَ أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ نَوَافِلَ قِيلَ يَنْذِرُهَا ثُمَّ يُصَلِّيهَا وَقِيلَ يُصَلِّيهَا كَمَا هِيَ انْتَهَى وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ النَّهْيِ عَنْ النَّذْرِ وَهُوَ   [منحة الخالق] بِأَنَّهُمْ اعْتَبَرُوا الْمُؤَكَّدَةَ صَلَاةً وَاحِدَةً فِي حَقِّ الْقِرَاءَةِ فَقَطْ احْتِيَاطًا كَمَا فِي الْوِتْرِ فَإِنَّهُمْ أَوْجَبُوا الْقِرَاءَةَ فِي جَمِيعِ رَكَعَاتِهِ احْتِيَاطًا كَمَا مَرَّ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ سُنَّةً مُؤَكَّدَةً (قَوْلُهُ وَلَا يَبْطُلُ خِيَارُهَا إلَخْ) أَيْ خِيَارُ الْمَرْأَةِ الَّتِي قَالَ لَهَا زَوْجُهَا اخْتَارِي نَفْسَك وَهِيَ فِي سُنَّةِ الظُّهْرِ الْقَبْلِيَّةِ. (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلَزِمَ النَّفَلُ بِالشُّرُوعِ) أَيْ صَلَاةً أَوْ صَوْمًا كَذَا قَالَ الْعَيْنِيُّ وَتَعَقَّبَهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّهُ مِنْ اسْتِعْجَالِ الشَّيْءِ قَبْلَ أَوَانِهِ وَهَلَّا قَالَ أَوْ حَجًّا اهـ. وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ تَنْصِيصٌ عَلَى مَا فِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ بِخِلَافِ الْحَجِّ إذْ لَا خِلَافَ لَهُ فِيهِ وَلَا فِي الْعُمْرَةِ عَلَى مَا يُعْلَمُ مِنْ الزَّيْلَعِيِّ اهـ. وَالظَّاهِرُ تَخْصِيصُ الصَّلَاةِ فَقَطْ لِأَنَّ الْمَقَامَ لَهَا وَلِأَنَّهُ يَنْبُو عَنْ الصَّوْمِ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلَوْ عِنْدَ الْغُرُوبِ وَالطُّلُوعِ كَمَا لَا يَخْفَى هَذَا وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْ الِاسْتِوَاءَ لِأَنَّهُ وَقْتٌ ضَيِّقٌ لَا يَتَأَتَّى فِيهِ أَدَاءُ الصَّلَاةِ كَذَا نَقَلَهُ بَعْضُهُمْ عَنْ الشَّلَبِيِّ وَفِيهِ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الشُّرُوعِ لَا فِي الْأَدَاءِ وَمُدَّةُ الشُّرُوعِ يَسِيرَةٌ يُمْكِنُ فِيهِ فَالْأَوْلَى الْجَوَابُ بِأَنَّ تَحَرِّيَ الشُّرُوعِ عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ نَادِرٌ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِهِ غَالِبًا بِخِلَافِ الطُّلُوعِ وَالْغُرُوبِ (قَوْلُهُ وَلَوْ نَوَى تَطَوُّعًا آخَرَ) أَيْ مَعَ الْإِمَامِ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ (قَوْلُهُ وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ) وَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَلَفْظُهُ «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ النَّذْرِ وَقَالَ إنَّهُ لَا يَرُدُّ شَيْئًا وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ» الجزء: 2 ¦ الصفحة: 61 مُرَجِّحٌ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ لَا يَنْذِرُهَا لَكِنَّ بَعْضَهُمْ حَمَلَ النَّهْيَ عَلَى النَّذْرِ الْمُعَلَّقِ عَلَى شَرْطٍ لِأَنَّهُ يَصِيرُ حُصُولَ الشَّرْطِ كَالْعِوَضِ لِلْعِبَادَةِ فَلَمْ يَكُنْ مُخَلِّصًا وَوَجْهُ مَنْ قَالَ بِنَذْرِهَا وَإِنْ كَانَتْ تَصِيرُ وَاجِبَةً بِالشُّرُوعِ أَنَّ الشُّرُوعَ فِي النَّذْرِ يَكُونُ وَاجِبًا فَيَحْصُلُ لَهُ ثَوَابُ الْوَاجِبِ بِهِ بِخِلَافِ النَّفْلِ وَالْأَحْسَنُ عِنْدَ الْعَبْدِ الضَّعِيفِ أَنَّهُ لَا يَنْذِرُهَا خُرُوجًا عَنْ عُهْدَةِ النَّهْيِ بِيَقِينٍ ثُمَّ الْمَنْذُورُ قِسْمَانِ مُنَجَّزٌ وَمُعَلَّقٌ فَالْمُنَجَّزُ يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ إنْ كَانَ عِبَادَةً مَقْصُودَةً بِنَفْسِهَا وَمِنْ جِنْسِهَا وَاجِبٌ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِنَذْرِ مَعْصِيَةٍ وَلَا يَلْزَمُهُ بِنَذْرٍ مُبَاحٍ مِنْ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَلُبْسٍ وَجِمَاعٍ وَطَلَاقٍ وَلَا بِنَذْرِ مَا لَيْسَ بِعِبَادَةٍ مَقْصُودَةٍ كَنَذْرِ الْوُضُوءِ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَكَذَا لَوْ نَذَرَ سَجْدَةَ التِّلَاوَةِ خِلَافًا لِمَا فِي الْقُنْيَةِ مِنْ أَنَّهَا تَلْزَمُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ سَجْدَةً لَا تَلْزَمُهُ وَلَا بِنَذْرِ مَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبٌ كَعِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَتَشْيِيعِ الْجِنَازَةِ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَمِنْ شُرُوطِهِ أَنْ يَكُونَ قُرْبَةً مَقْصُودَةً فَلَا يَصِحُّ النَّذْرُ بِعِيَادَةِ الْمَرْضَى وَتَشْيِيعِ الْجَنَائِزِ وَالْوُضُوءِ وَالِاغْتِسَالِ وَدُخُولِ الْمَسْجِدِ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ وَالْأَذَانِ وَبِنَاءِ الرِّبَاطَاتِ وَالْمَسَاجِدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ قُرَبًا لِأَنَّهَا غَيْرُ مَقْصُودَةٍ فَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُصَلِّيَ أَوْ أُصَلِّيَ صَلَاةً أَوْ عَلَيَّ صَلَاةٌ لَزِمَهُ رَكْعَتَانِ وَكَذَا لَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُصَلِّيَ يَوْمًا لَزِمَهُ رَكْعَتَانِ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ فَلَوْ نَذَرَ صَلَوَاتِ شَهْرٍ فَعَلَيْهِ صَلَوَاتُ شَهْرٍ كَالْمَفْرُوضَاتِ مَعَ الْوِتْرِ دُونَ السُّنَنِ لَكِنَّهُ يُصَلِّي الْوِتْرَ وَالْمَغْرِبَ أَرْبَعًا وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَةً لَزِمَهُ رَكْعَتَانِ أَوْ ثَلَاثًا فَأَرْبَعٌ لِأَنَّ ذِكْرَ بَعْضِ مَا لَا يَتَجَزَّأُ كَذِكْرِ كُلِّهِ كَمَا عُرِفَ وَلَوْ نَذَرَ نِصْفَ رَكْعَةٍ لَزِمَهُ رَكْعَتَانِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ الْمُخْتَارُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالتَّجْنِيسِ وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ ثَمَانِيًا أَوْ أَنْ يُزَكِّيَ النِّصَابَ عُشْرًا أَوْ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ مَرَّتَيْنِ لَا يَلْزَمُهُ الزَّائِدُ لِأَنَّهُ الْتِزَامُ غَيْرِ الْمَشْرُوعِ فَهُوَ نَذْرٌ بِمَعْصِيَةٍ كَمَا لَوْ نَذَرَ صَلَاةً بِغَيْرِ وُضُوءٍ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِعِبَادَةٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ نَذَرَهَا بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ أَوْ عُرْيَانًا فَإِنَّهَا تَلْزَمُهُ بِقِرَاءَةٍ مَسْتُورًا عَلَى الْمُخْتَارِ لِأَنَّهَا بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ عِبَادَةٌ كَصَلَاةِ الْمَأْمُومِ وَالْأُمِّيِّ وَبِغَيْرِ ثَوَابٍ لِعَادِمِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُمْ بِغَيْرِ وُضُوءٍ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ أَصْلًا تَجَوُّزًا بِالْخَاصِّ عَنْ الْعَامِّ لِيَكُونَ الْمَشْرُوعُ الْأَصْلِيَّ فِي مِثْلِهِ هُوَ الْخَاصُّ وَإِلَّا فَالصَّلَاةُ بِغَيْرِ وُضُوءٍ مَشْرُوعَةٌ بِالتَّيَمُّمِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمَ النَّذْرَ بِالصَّلَاةِ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ كَمَا قَالَ بِهِ بِغَيْرِ وُضُوءٍ لِأَنَّهُ يَقُولُ بِمَشْرُوعِيَّتِهَا لِفَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ كَمَا عُرِفَ وَكَأَنَّهُ لِنُدْرَتِهِ لَمْ يُفَرِّعْ عَلَيْهِ وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِمُصَنَّفِهِ لَوْ قَالَ صَلَاةً بِطَهَارَةٍ بِلَا طَهَارَةٍ يَلْزَمُهُ بِطَهَارَةٍ اتِّفَاقًا وَأَمَّا الْمُعَلَّقُ فَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِهِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَاخْتَارَ الْمُحَقِّقُونَ أَنَّهُ إنْ كَانَ مُعَلَّقًا عَلَى شَرْطٍ يُرِيدُ كَوْنَهُ لِجَلْبِ مَنْفَعَةٍ أَوْ دَفْعِ مَضَرَّةٍ كَأَنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي أَوْ مَاتَ عَدُوِّي فَلِلَّهِ عَلَيَّ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ عَنْ عُهْدَةِ النَّهْيِ) أَيْ النَّهْيِ عَنْ النَّذْرِ فَإِنَّ النَّهْيَ الَّذِي فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ مُطْلَقٌ وَتَقْيِيدُهُ بِالنَّذْرِ الْمُعَلَّقِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ وَيَحْتَمِلُ عَدَمَهُ جَرْيًا عَلَى ظَاهِرِ الْإِطْلَاقِ فَالْأَحْوَطُ عَدَمُ النَّذْرِ لَكِنْ ذَكَرَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فِي فُرُوعٍ قُبَيْلَ كِتَابِ الْحَجِّ لَوْ ارْتَدَّ عَقِيبَ نَذْرِ الِاعْتِكَافِ ثُمَّ أَسْلَمَ لَمْ يَلْزَمْهُ مُوجِبُ النَّذْرِ لِأَنَّ نَفْسَ النَّذْرِ بِالْقُرْبَةِ قُرْبَةٌ فَيَبْطُلُ بِالرِّدَّةِ كَسَائِرِ الْقُرَبِ اهـ. فَفِيهِ التَّصْرِيحُ بِأَنَّ النَّذْرَ بِالْقُرْبَةِ قُرْبَةٌ فَلَيْسَ بِمَنْهِيٍّ عَنْهُ فَيَتَعَيَّنُ تَأْوِيلُ الْحَدِيثِ بِالْمُعَلَّقِ بِمَا لَا يُرِيدُ كَوْنَهُ كَإِنْ دَخَلْتُ دَارَ فُلَانٍ فَلِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ كَذَا وَنَحْوَهُ فَإِنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ الْقُرْبَةَ وَكَذَا الْمُعَلَّقُ بِمَا يُرِيدُ كَوْنَهُ كَإِنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي أَوْ رَدَّ غَائِبِي فَلِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا فَإِنَّهُ لَمْ يَخْلُصْ مِنْ شَائِبَةِ الْعِوَضِ حَيْثُ جَعَلَ الْقُرْبَةَ فِي مُقَابَلَةِ الشِّفَاءِ وَنَحْوِهِ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ إيهَامِ أَنَّ الشِّفَاءَ حَصَلَ بِسَبَبِهِ فَلِذَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ إنَّهُ لَا يَرُدُّ شَيْئًا وَإِنَّمَا يَسْتَخْرِجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ فَإِنَّ هَذَا الْكَلَامَ قَدْ وَقَعَ مَوْقِعَ التَّعْلِيلِ لِلنَّهْيِ بِخِلَافِ النَّذْرِ غَيْرِ الْمُعَلَّقِ عَلَى شَيْءٍ أَصْلًا فَإِنَّهُ تَبَرُّعٌ مَحْضٌ بِالْقُرْبَةِ لِلَّهِ تَعَالَى فَلَا وَجْهَ لِجَعْلِهِ دَاخِلًا تَحْتَ النَّهْيِ هَذَا وَقَدْ حَمَلَ بَعْضُ شُرَّاحِ الْبُخَارِيِّ النَّهْيَ فِي الْحَدِيثِ عَلَى مَنْ يَعْتَقِدُ أَنَّ النَّذْرَ مُؤَثِّرٌ فِي تَحْصِيلِ غَرَضِهِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ وَمَا قُلْنَاهُ أَقْرَبُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَمِنْ جِنْسِهَا وَاجِبٌ) اُنْظُرْ مَا فَائِدَةُ التَّقْيِيدِ بِهِ فَإِنَّ عِيَادَةَ الْمَرِيضِ وَتَشْيِيعَ الْجِنَازَةِ قَدْ خَرَجَا بِعِبَادَةٍ مَقْصُودَةٍ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ مَا سَيَنْقُلُهُ عَنْ الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمَ النَّذْرَ بِالصَّلَاةِ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ) مُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَرَ التَّصْرِيحَ بِذَلِكَ وَهُوَ عَجِيبٌ فَقَدْ صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْمَجْمَعِ فِي شَرْحِهِ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ سَيَنْقُلُهُ عَنْهُ قَرِيبًا وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِمُصَنَّفِهِ هَكَذَا إذَا نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ لَزِمَاهُ بِطَهَارَةٍ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ صَدْرَ كَلَامِهِ نَذْرٌ صَحِيحٌ مُلْزِمٌ لِلطَّهَارَةِ اقْتِضَاءً فَكَانَ قَوْلُهُ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ مُنَاقِضًا لَهُ فَسَقَطَ وَبَقِيَ الْبَاقِي عَلَى الصِّحَّةِ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ غَدًا أَوْ غَدًا الْيَوْمَ أَوْ لِلَّهِ عَلَيَّ رَكْعَتَيْنِ بِطَهَارَةٍ أَوْ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِأَنَّهُ نَذْرٌ بِمَعْصِيَةٍ فَلَا يَلْزَمُهُ وَالْكَلَامُ وَاحِدٌ فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِهِ بِخِلَافِ الْإِفْصَاحِ بِشَرْطِ الصِّحَّةِ لِأَنَّهُ يُعَدُّ رُجُوعًا عَنْ الْمَنْطُوقِ بَعْدَ صِحَّتِهِ وَلُزُومِهِ انْتَهَتْ وَبِهَا يُعْلَمُ مَا فِي عِبَارَتِهِ الَّتِي نَقَلَهَا عَنْ شَرْحِ الْمَجْمَعِ مِنْ التَّحْرِيفِ عَلَى مَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ فَإِنَّ فِي بَعْضِهَا لَوْ قَالَ صَلَاةً بِطَهَارَةٍ بِلَا طَهَارَةٍ وَالصَّوَابُ فِيهَا أَوْ بِلَا طَهَارَةٍ وَفِي بَعْضِهَا الِاقْتِصَارُ عَلَى قَوْلِهِ بِلَا طَهَارَةٍ وَهِيَ صَحِيحَةٌ وَعَلَيْهَا فَقَدْ عَلِمْت مَا فِي كَلَامِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 62 صَوْمٌ أَوْ صَدَقَةٌ أَوْ صَلَاةٌ لَا يُجْزِئُهُ إلَّا فِعْلُ عَيْنِهِ وَإِنْ كَانَ مُعَلَّقًا عَلَى شَرْطٍ لَا يُرِيدُ كَوْنَهُ كَأَنْ دَخَلْت الدَّارَ أَوْ كَلَّمْت فُلَانًا كَانَ مُخَيَّرًا بَيْنَ الْوَفَاءِ بِهِ وَبَيْنَ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَصَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَقَالَ إنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَجَعَ عَنْ غَيْرِهِ وَكَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَبِهِ كَانَ يُفْتِي إسْمَاعِيلُ الزَّاهِدُ ثُمَّ فِي الْمُعَلَّقِ لَا يَجُوزُ تَعْجِيلُهُ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ بِخِلَافِ الْمُضَافِ كَأَنْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ فِي غَدٍ فَصَلَّى الْيَوْمَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُعَلَّقَ لَا يَنْعَقِدُ سَبَبًا فِي الْحَالِ بَلْ عِنْدَ الشَّرْطِ وَالْمُضَافُ يَنْعَقِدُ فِي الْحَالِ كَمَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ وَأَوْضَحْنَاهُ فِي لُبِّ الْأُصُولِ وَلَوْ عَيَّنَ مَكَانًا فَصَلَّى فِيمَا هُوَ أَشْرَفُ مِنْهُ أَوْ دُونَهُ جَازَ خِلَافًا لِزُفَرَ فِي الثَّانِي وَذَكَرَ فِي الْمُصَفَّى أَنَّ أَقْوَى الْأَمَاكِنِ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ ثُمَّ مَسْجِدُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ مَسْجِدُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ثُمَّ الْجَامِعُ ثُمَّ مَسْجِدُ الْحَيِّ ثُمَّ الْبَيْتُ وَذَكَرَ فِي الْغَايَةِ بَعْدَ مَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ مَسْجِدَ قُبَاءَ ثُمَّ الْأَقْدَمَ فَالْأَقْدَمَ ثُمَّ الْأَعْظَمَ وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ أَنَّ هَذِهِ الْفَضِيلَةَ مُخْتَصَّةٌ بِمَسْجِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي كَانَ فِي زَمَانِهِ دُونَ مَا زِيدَ فِيهِ بَعْدَهُ فَعَلَى هَذَا تَكُونُ الصَّلَاةُ فِي مَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ أَفْضَلَ مِنْ الصَّلَاةِ فِي تِلْكَ الزِّيَادَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِنَاءُ هَذَا الْمَسْجِدِ فِي حُكْمِهِ فِي الْفَضِيلَةِ تَشْرِيفًا لَهُ وَهِيَ كَانَتْ مِنْ فِنَائِهِ قَبْلَ أَنْ تُجْعَلَ مِنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَفِي عِدَّةِ الْمُفْتِي لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ مَرِيضٌ قَالَ إنْ شَفَانِي اللَّهُ تَعَالَى عَلَى أَنْ أَقْدِرَ فَأُصَلِّي رَكْعَةً فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِدِرْهَمٍ هَكَذَا إلَى أَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ فَقَدَرَ عَلَى أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ يَجِبُ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ بِعَشْرَةِ دَرَاهِمَ انْتَهَى وَوَجْهُهُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ بِالرَّكْعَةِ الْأُولَى دِرْهَمٌ وَبِالثَّانِيَةِ دِرْهَمَانِ وَبِالثَّالِثَةِ ثَلَاثَةٌ وَبِالرَّابِعَةِ أَرْبَعَةٌ فَالْجُمْلَةُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَفِي الْقُنْيَةِ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ صَلَاةً فِي وَقْتٍ بِعَيْنِهِ يَتَعَيَّنُ وَلَوْ فَاتَ يَقْضِيهَا كَالصَّوْمِ وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ أَرْبَعًا بِتَسْلِيمَةٍ يُصَلِّي فِي التَّشَهُّدِ وَيَسْتَفْتِحُ إذَا قَامَ إلَى الثَّالِثَةِ اهـ. (قَوْلُهُ وَقَضَى رَكْعَتَيْنِ لَوْ نَوَى أَرْبَعًا وَأَفْسَدَهُ بَعْدَ الْقُعُودِ الْأَوَّلِ أَوْ قَبْلَهُ) يَعْنِي فَيَلْزَمُهُ الشَّفْعُ الثَّانِي إنْ أَفْسَدَهُ بَعْدَ الْقُعُودِ الْأَوَّلِ وَالشُّرُوعِ فِي الثَّانِي وَالشَّفْعِ الْأَوَّلِ فَقَطْ إنْ أَفْسَدَهُ قَبْلَ الْقُعُودِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ بِتَحْرِيمَةِ النَّفْلِ أَكْثَرُ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ وَإِنْ نَوَى أَكْثَرَ مِنْهُمَا وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ أَصْحَابِنَا إلَّا بِعَارِضِ الِاقْتِدَاءِ وَصَحَّحَ فِي الْخُلَاصَةِ رُجُوعَ أَبِي يُوسُفَ إلَى قَوْلِهِمَا فَهُوَ بِاتِّفَاقِهِمْ لِأَنَّ الْوُجُوبَ بِسَبَبِ الشُّرُوعِ لَمْ يَثْبُتْ وَضْعًا بَلْ لِصِيَانَةِ الْمُؤَدِّي وَهُوَ حَاصِلٌ بِتَمَامِ الرَّكْعَتَيْنِ فَلَا تَلْزَمُ الزِّيَادَةُ بِلَا ضَرُورَةِ قَيْدٍ بِقَوْلِهِ نَوَى أَرْبَعًا لِأَنَّهُ لَوْ شَرَعَ فِي النَّفْلِ وَلَمْ يَنْوِ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا رَكْعَتَانِ اتِّفَاقًا وَقَيَّدَ بِالشُّرُوعِ لِأَنَّهُ لَوْ نَذَرَ صَلَاةً وَنَوَى أَرْبَعًا لَزِمَهُ أَرْبَعٌ بِلَا خِلَافٍ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ لِأَنَّ سَبَبُ الْوُجُوبِ فِيهِ هُوَ النَّذْرُ بِصِيغَتِهِ وَضْعًا وَأَطْلَقَ فِي النَّفْلِ فَشَمَلَ السُّنَّةَ الْمُؤَكَّدَةَ كَسُنَّةِ الظُّهْرِ فَلَا يَجِبُ بِالشُّرُوعِ فِيهَا إلَّا رَكْعَتَانِ حَتَّى لَوْ قَطَعَهَا قَضَى رَكْعَتَيْنِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْ أَصْحَابِنَا لِأَنَّهَا نَفْلٌ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يَقْضِي أَرْبَعًا فِي التَّطَوُّعِ فَفِي السُّنَّةِ أَوْلَى وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ اخْتَارَ قَوْلَهُ فِي السُّنَّةِ الْمُؤَكَّدَةِ لِأَنَّهَا صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ بِدَلِيلِ الْأَحْكَامِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَسْتَفْتِحُ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي وَلَوْ أَخْبَرَ الشَّفِيعُ بِالْبَيْعِ فَانْتَقَلَ إلَى الشَّفِيعِ الثَّانِي لَا تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ وَكَذَا الْمُخَيَّرَةُ وَتَمْنَعُ صِحَّةَ الْخَلْوَةِ وَظَاهِرُ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالتَّبْيِينِ وَالْبَدَائِعِ الِاتِّفَاقُ عَلَى هَذِهِ الْأَحْكَامِ وَيَنْبَغِي أَنْ تَخْتَصَّ بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَتَنْعَكِسُ عَلَى مَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ لَكِنْ ذَكَرَ فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي أَنَّ هَذِهِ الْأَحْكَامَ مُسَلَّمَةٌ عِنْدَ أَهْلِ الْمَذْهَبِ فَلِذَا اخْتَارَ ابْنُ الْفَضْلِ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ وَنَصَّ صَاحِبُ النِّصَابِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ حَيْثُ قَالَ وَإِنْ قَطَعَ سُنَّةَ الظُّهْرِ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ أَوْ الثَّالِثَةِ وَشَرَعَ فِي الْفَرْضِ لَزِمَهُ قَضَاءُ الْأَرْبَعِ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّهُ بِالشُّرُوعِ صَارَ بِمَنْزِلَةِ الْفَرْضِ انْتَهَى وَقَيَّدْنَا بِقَوْلِنَا إلَّا بِعَارِضِ الِاقْتِدَاءِ لِأَنَّ الْمُتَطَوِّعَ لَوْ اقْتَدَى بِمُصَلِّي الظُّهْرِ ثُمَّ قَطَعَهَا فَإِنَّهُ يَقْضِي أَرْبَعًا سَوَاءٌ اقْتَدَى بِهِ فِي أَوَّلِهَا أَوْ فِي الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ لِأَنَّهُ بِالِاقْتِدَاءِ الْتَزَمَ صَلَاةَ الْإِمَامِ وَهِيَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ قَدْ عَلِمْت رُجُوعَهُ فَالْخِلَافُ لَيْسَ بِنَاءً عَلَى قَوْلِهِ بَلْ اخْتِيَارٌ لِبَعْضِ الْمَشَايِخِ وَعَزَاهُ فِي الدِّرَايَةِ لِلْفَضْلِيِّ وَعَلَيْهِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا فَرْقَ فِي وُجُوبِ الْأَرْبَعِ بَيْنَ نِيَّتِهَا أَوْ لَا لِأَنَّهَا صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ (قَوْلُهُ وَظَاهِرُ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالتَّبْيِينِ وَالْبَدَائِعِ إلَخْ) أَقُولُ: نَعَمْ مَا فِي الْفَتْحِ وَالتَّبْيِينِ ظَاهِرُهُ ذَلِكَ وَأَمَّا مَا فِي الْبَدَائِعِ فَلَا بَلْ ظَاهِرُهُ الْخِلَافُ فَإِنَّهُ قَالَ وَمِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ اخْتَارَ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ فِيمَا يُؤَدِّي مِنْ الْأَرْبَعِ مِنْهَا بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ وَهُوَ الْأَرْبَعُ قَبْلَ الظُّهْرِ وَقَالُوا لَوْ قَطَعَهَا يَقْضِي أَرْبَعًا وَلَوْ أَخْبَرَ بِالْبَيْعِ فَانْتَقَلَ إلَى الشَّفْعِ الثَّانِي لَا تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ وَيَمْنَعُ صِحَّةَ الْخَلْوَةِ اهـ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 63 أَرْبَعٌ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ بَعْدَ الْقُعُودِ لِأَنَّهُ لَوْ صَلَّى ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ وَلَمْ يَقْعُدْ وَأَفْسَدَهَا لَزِمَهُ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي بَحْثًا وَهُوَ مَنْقُولٌ فِي الْبَدَائِعِ كَمَا سَلَفَ فَقَوْلُهُمْ إنَّ كُلَّ شَفْعٍ فِي النَّفْلِ صَلَاةٌ عَلَى حِدَةٍ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا قَعَدَ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ وَإِلَّا فَالْكُلُّ صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ بِمَنْزِلَةِ الْفَرْضِ فَإِذَا أَفْسَدَهُ لَزِمَهُ الْكُلُّ. (قَوْلُهُ أَوْ لَمْ يَقْرَأْ فِيهِنَّ شَيْئًا أَوْ قَرَأَ فِي الْأُولَيَيْنِ أَوْ الْأُخْرَيَيْنِ) أَيْ قَضَى رَكْعَتَيْنِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ وَهِيَ مِنْ الْمَسَائِلِ الْمَعْرُوفَةِ بِالثَّمَانِيَةِ وَالْأَصْلُ فِيهَا أَنَّ الشَّفْعَ الْأَوَّلَ مَتَى فَسَدَ بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ تَبْقَى التَّحْرِيمَةُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ رُكْنٌ زَائِدٌ أَلَا تَرَى أَنَّ لِلصَّلَاةِ وُجُودًا بِدُونِهَا غَيْرَ أَنَّهُ لَا صِحَّةَ لِلْأَدَاءِ إلَّا بِهَا وَفَسَادُ الْأَدَاءِ لَا يَزِيدُ عَلَى تَرْكِهِ فُلًّا تَبْطُلُ التَّحْرِيمَةُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ مَتَى فَسَدَ الشَّفْعُ الْأَوَّلُ لَا تَبْقَى التَّحْرِيمَةُ فَلَا يَصِحُّ الشُّرُوعُ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ فَرْضٌ فِي كُلٍّ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ فَكَمَا يَفْسُدُ الشَّفْعُ بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ فِيهِمَا يَفْسُدُ بِتَرْكِهَا فِي إحْدَاهُمَا وَإِذَا فَسَدَتْ الْأَفْعَالُ لَمْ تَبْقَ التَّحْرِيمَةُ لِأَنَّهَا تَعَقُّدٌ لِلْأَفْعَالِ وَقَدْ فَسَدَتْ وَعِنْدَ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ إنْ فَسَدَ الشَّفْعُ الْأَوَّلُ بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ فِيهِمَا بَطَلَتْ التَّحْرِيمَةُ فَلَا يَصِحُّ الشُّرُوعُ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي وَإِنْ فَسَدَ بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ فِي إحْدَاهُمَا بَقِيَتْ التَّحْرِيمَةُ فَصَحَّ الشُّرُوعُ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي إلَّا أَنَّ الْقِيَاسَ مَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ لَكِنْ فَسَادُهَا بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ مُجْتَهَدٌ فِيهِ لِأَنَّ الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ كَانَ يَقُولُ بِجَوَازِهَا بِوُجُودِ الْقِرَاءَةِ فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ وَقَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ فَاسِدًا لَكِنْ إنَّمَا عَرَفْنَا فَسَادَهُ بِدَلِيلٍ اجْتِهَادِيٍّ غَيْرِ مُوجِبٍ عَلَى الْيَقِينِ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الصَّحِيحُ قَوْلَهُ غَيْرَ أَنَّا عَرَفْنَا صِحَّةَ مَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ وَفَسَادَ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ بِغَالِبِ الرَّأْيِ فَلَمْ يُحْكَمْ بِبُطْلَانِ التَّحْرِيمَةِ الثَّانِيَةِ بِيَقِينٍ بِالشَّكِّ وَإِذَا عُرِفَ هَذَا فَنَقُولُ إذَا تَرَكَ الْقِرَاءَةَ فِي الْأَرْبَعِ قَضَى الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ فَقَطْ عِنْدَهُمَا لِبُطْلَانِ التَّحْرِيمَةِ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ لِبَقَائِهَا عِنْدَهُ فَيَقْضِي الشَّفْعَيْنِ وَإِنْ تَرَكَ الْقِرَاءَةَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ فَقَدْ أَفْسَدَهُمَا فَقَطْ فَيَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُمَا إجْمَاعًا وَإِذَا تَرَكَ الْقِرَاءَةَ فِي الْأُولَيَيْنِ فَقَطْ لَزِمَهُ قَضَاؤُهُمَا فَقَطْ إجْمَاعًا لِفَسَادِهِمَا وَلَمْ يَصِحَّ الشُّرُوعُ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي عِنْدَهُمَا هُمَا حَتَّى لَوْ قَهْقَهَ فِيهِ لَا تُنْتَقَضُ طَهَارَتُهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ قَدْ صَحَّ وَلَمْ يَفْسُدْ لِوُجُودِ الْقِرَاءَةِ فِيهِ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِهَذِهِ الثَّلَاثِ إلَى ثَلَاثٍ أُخْرَى أَيْضًا فَتَصِيرُ الْمَسَائِلُ سِتًّا مِنْ الثَّمَانِيَةِ إحْدَاهَا لَوْ قَرَأَ فِي الْأُولَيَيْنِ وَإِحْدَى الْأُخْرَيَيْنِ فَعَلَيْهِ قَضَاءُ الْأُخْرَيَيْنِ إجْمَاعًا ثَانِيهَا لَوْ قَرَأَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ وَإِحْدَى الْأُولَيَيْنِ فَعَلَيْهِ قَضَاءُ الْأُولَيَيْنِ إجْمَاعًا ثَالِثُهَا لَوْ قَرَأَ فِي إحْدَى الْأُخْرَيَيْنِ لَا غَيْرَ لَزِمَهُ قَضَاءُ الْأُولَيَيْنِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَقْضِي أَرْبَعًا وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ فَسَادَ الشَّفْعِ الثَّانِي يَسْرِي إلَى الْأَوَّلِ إذَا لَمْ يَقْعُدْ بَيْنَهُمَا فَقَوْلُهُ أَوْ قَرَأَ فِي الْأُولَيَيْنِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا قَعَدَ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ وَإِلَّا فَعَلَيْهِ قَضَاءُ الْأَرْبَعِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ وَفِي الْبَدَائِعِ هَذَا كُلُّهُ إذَا قَعَدَ بَيْنَ الشَّفْعَيْنِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ فَأَمَّا إذَا لَمْ يَقْعُدْ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ بِتَرْكِ الْقَعْدَةِ فَلَا تَتَأَتَّى هَذِهِ التَّفْرِيعَاتُ عِنْدَهُ انْتَهَى ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْمَسَائِلَ السِّتَّ تِسْعٌ مِنْ حَيْثُ التَّصْوِيرِ لِأَنَّ الرَّابِعَةَ صَادِقَةٌ بِصُورَتَيْنِ مَا إذَا تَرَكَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ أَوْ تَرَكَ فِي الرَّكْعَةِ الرَّابِعَةِ وَالْخَامِسَةُ صَادِقَةٌ بِصُورَتَيْنِ أَيْضًا مَا إذَا تَرَكَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى أَوْ تَرَكَ فِي الثَّانِيَةِ وَالسَّادِسَةُ صَادِقَةٌ بِصُورَتَيْنِ أَيْضًا مَا إذَا قَرَأَ فِي الثَّالِثَةِ أَوْ قَرَأَ فِي الرَّابِعَةِ فَالْمَسَائِلُ الَّتِي يَجِبُ فِيهَا رَكْعَتَانِ تِسْعٌ فِي التَّحْقِيقِ فَإِنَّ هَذِهِ الْمَسَائِلَ وَإِنْ اُشْتُهِرَتْ بِالثَّمَانِيَةِ لَكِنْ هِيَ فِي التَّحْقِيقِ خَمْسَةَ عَشْرَ تِسْعٌ مِنْهَا يَلْزَمُ فِيهَا رَكْعَتَانِ وَسِتٌّ مِنْهَا يَلْزَمُ فِيهَا أَرْبَعٌ أَشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ. (وَأَرْبَعًا لَوْ قَرَأَ فِي إحْدَى الْأُولَيَيْنِ وَإِحْدَى الْأُخْرَيَيْنِ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ عَلَى رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ لِبَقَاءِ التَّحْرِيمَةِ عِنْدَهُمَا لِمَا عُرِفَ فِي الْأَصْلِ السَّابِقِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ قَضَاءُ الْأُولَيَيْنِ لَا غَيْرَ لِأَنَّ التَّحْرِيمَةَ قَدْ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَفَسَادُ الْأَدَاءِ لَا يَزِيدُ عَلَى تَرْكِهِ) أَيْ لَا يَكُونُ أَقْوَى مِنْ تَرْكِ الْأَدَاءِ بِأَنْ أَحْرَمَ وَاقِفًا ثُمَّ تَرَكَ أَدَاءَ كُلِّ الْأَفْعَالِ بِأَنْ وَقَفَ سَاكِتًا طَوِيلًا لَا تَبْطُلُ التَّحْرِيمَةُ وَهَذَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ لَمْ تُعْقَدْ إلَّا لِهَذَا الشَّفْعِ فَإِنَّ بِنَاءَ الشَّفْعِ الثَّانِي جَائِزٌ فَعُلِمَ أَنَّهَا لَهُ وَلِغَيْرِهِ فَبِفَسَادِهِ لَا تَنْتَفِي فَائِدَتُهَا بِالْكُلِّيَّةِ لِتَفْسُدَ هِيَ كَمَا بَسَطَهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ) لَا يَخْفَى أَنَّ بِهَذَا التَّقْرِيرِ لَمْ يَحْصُلْ الْجَوَابُ عَمَّا قَرَّرَ لِأَبِي يُوسُفَ بَلْ جَوَابُهُ مَنَعَ أَنَّ فَسَادَهُ لَا يَزِيدُ عَلَى تَرْكِهِ لِأَنَّ التَّرْكَ مُجَرَّدُ تَأْخِيرٍ وَالْفَسَادَ فِعْلٌ مُفْسِدٌ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ لَكِنَّ فَسَادَهَا إلَخْ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ فَإِنْ قُلْت كَمَا أَنَّ تَرْكَ الْقِرَاءَةِ فِي رَكْعَةٍ مُجْتَهَدٌ فِيهِ كَذَلِكَ عَدَمُ الْفَسَادِ بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ فِي الْكُلِّ مُجْتَهَدٌ فِيهِ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ لَيْسَتْ بِفَرْضٍ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ الْأَصَمِّ الْجَوَابُ أَنَّ قَوْلَهُ مُخَالِفٌ لِلدَّلِيلِ الْقَطْعِيِّ فَلَا يُعْتَبَرُ اهـ. (قَوْلُهُ عَلَى رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ) قَيْدٌ لِقَوْلِهِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 64 ارْتَفَعَتْ عِنْدَهُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَقَدْ أَنْكَرَ أَبُو يُوسُفَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ عَنْهُ وَقَالَ رَوَيْت لَك عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ رَكْعَتَيْنِ وَمُحَمَّدٌ لَمْ يَرْجِعْ عَنْ رِوَايَتِهِ عَنْهُ انْتَهَى وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَاعْتَمَدَ مَشَايِخُنَا رِوَايَةَ مُحَمَّدٍ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَا حَكَى أَبُو يُوسُفَ مِنْ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ قِيَاسًا وَمَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ اسْتِحْسَانًا ذِكْرُ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانُ فِي الْأَصْلِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ انْتَهَى وَذَكَرَ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ مَا رَوَاهُ مُحَمَّدٌ هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَاعْتَمَدَ الْمَشَايِخُ رِوَايَةَ مُحَمَّدٍ مَعَ تَصْرِيحِهِمْ فِي الْأُصُولُ بِأَنَّ تَكْذِيبَ الْفَرْعِ الْأَصْلَ يُسْقِطُ الرِّوَايَةَ إذَا كَانَ صَرِيحًا وَالْعِبَارَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْكِتَابِ وَغَيْرِهِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ مِنْ مِثْلِ الصَّرِيحِ عَلَى مَا يُعْرَفُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَلْيَكُنْ لَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ رِوَايَةٌ بَلْ تَفْرِيعٌ صَحِيحٌ عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِلَّا فَهُوَ مُشْكِلٌ انْتَهَى وَبِمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ قَاضِي خَانْ ارْتَفَعَ الْإِشْكَالُ لِتَصْرِيحِهِ بِأَنَّهَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَأَنَّهُ لِثُبُوتِهَا بِالسَّمَاعِ لِمُحَمَّدٍ مِنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا بِوَاسِطَةِ أَبِي يُوسُفَ فَلِذَا اعْتَمَدَهَا الْمَشَايِخُ وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ مَعْزِيًّا إلَى فَخْرِ الْإِسْلَامِ كَانَ أَبُو يُوسُفَ يَتَوَقَّعُ مِنْ مُحَمَّدٍ أَنْ يَرْوِيَ كِتَابًا عَنْهُ فَصَنَّفَ مُحَمَّدٌ هَذَا الْكِتَابَ أَيْ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَأَسْنَدَهُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إلَى أَبِي حَنِيفَةَ فَلَمَّا عُرِضَ عَلَى أَبِي يُوسُفَ اسْتَحْسَنَهُ وَقَالَ حَفِظَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ إلَّا مَسَائِلَ خَطَّأَهُ فِي رِوَايَتِهَا عَنْهُ فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ مُحَمَّدٌ اقَالَ حَفِظَتْهَا وَنَسِيَ وَهِيَ سِتُّ مَسَائِلَ مَذْكُورَةٍ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ انْتَهَى وَلَمْ يُبَيِّنْهَا وَذَكَرَ الْعَلَّامَةُ السَّرَّاجُ الْهِنْدِيُّ فِي شَرْحِ الْمُغْنِي فَقَالَ الْأَوْلَى مَسْأَلَةُ تَرْكِ الْقِرَاءَةِ وَقَدْ عَلِمْتهَا الثَّانِيَةُ مُسْتَحَاضَةٌ تَوَضَّأَتْ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ تُصَلِّي حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُ الظُّهْرِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ إنَّمَا رَوَيْت لَك حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُ الظُّهْرِ الثَّالِثَةُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ إذَا أَعْتَقَ ثُمَّ أَجَازَ الْمَالِكُ الْبَيْعَ نَفِدَ الْعِتْقُ قَالَ إنَّمَا رَوَيْت لَك أَنَّهُ لَا يَنْفَدُ الرَّابِعَةُ الْمُهَاجِرَةُ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا وَيَجُوزُ نِكَاحُهَا إلَّا أَنْ تَكُونَ حُبْلَى فَحِينَئِذٍ لَا يَجُوزُ نِكَاحُهَا قَالَ إنَّمَا رَوَيْت لَك أَنَّهُ يَجُوزُ نِكَاحُهَا وَلَكِنْ   [منحة الخالق] قَالَ فِي الْهِدَايَةِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَضَى الْأَرْبَعَ وَكَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ. فَقَوْلُهُ وَكَذَا قَالَ فِي الْعِنَايَةِ هُوَ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ قَوْلَهُ بِاتِّفَاقٍ بَيْنَهُمَا بَلْ إنَّمَا هُوَ قَوْلُهُ عَلَى رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ وَهُوَ فَصْلٌ أَصَابَ نَحْرَهُ كَمَا تَرَى (قَوْلُهُ بَلْ تَفْرِيعٌ صَحِيحٌ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَقُولُ: فِي كَوْنِهِ تَخْرِيجًا عَلَى أَصْلِ الْإِمَامِ نَظَرٌ يُوَضِّحُهُ سُلُوكُ طَرِيقِ الْإِسْنَادِ فِي الْحُكْمِ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ بَلْ حَفِظْتُهَا وَنَسِيَ وَدَعْوَى أَنَّهُ رَوَاهُ بِلَا وَاسِطَةٍ مُنَافٍ لِمَا ادَّعَاهُ مِنْ الرِّوَايَةِ عَنْ الثَّانِي نَعَمْ لَوْ قِيلَ إنَّمَا اعْتَمَدَ الْمَشَايِخُ ذَلِكَ لَا بِنَاءً عَلَى مَا رَوَاهُ عَنْ الثَّانِي بَلْ بِنَاءً عَلَى مَا سَمِعَهُ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ فَإِنَّهُ وَإِنْ بَطَلَتْ رِوَايَتُهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ إلَّا أَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ ثُبُوتِهَا مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى فَقَدْ ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ فِيهِ قِيَاسٌ وَاسْتِحْسَانٌ وَأَنَّ مَا ادَّعَى أَبُو يُوسُفَ رِوَايَتَهُ قِيَاسٌ وَمَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ اسْتِحْسَانٌ ثُمَّ رَأَيْت فِي شَهَادَاتِ فَتْحِ الْقَدِيرِ لَوْ سَمِعَ مِنْ غَيْرِهِ حَدِيثًا ثُمَّ نَسِيَ الْأَصْلُ رِوَايَتَهُ لِلْفَرْعِ ثُمَّ سَمِعَ الْفَرْعَ يَرْوِيهِ عَنْهُ عِنْدَهُمَا لَا يُعْمَلُ بِهِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُعْمَلُ بِهِ وَمِنْ ذَلِكَ الْمَسَائِلُ الَّتِي رَوَاهَا مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَنَسِيَهَا أَبُو يُوسُفَ وَهِيَ سِتَّةٌ فَكَانَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَعْتَبِرُ رِوَايَةَ مُحَمَّدٍ وَمُحَمَّدٌ لَا يَدَعُ رِوَايَتَهَا عَنْهُ كَذَا قَالُوا وَفِيهِ إشْكَالٌ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ أَنْكَرَ وَقَالَ مَا رَوَيْت لَك عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ذَلِكَ وَهَذِهِ الصُّورَةُ لَيْسَتْ مِنْ نِسْيَانِ الْأَصْلِ رِوَايَةَ الْفَرْعِ بِخِلَافِ مَا إذَا نَسِيَ الْأَصْلَ وَلَمْ يَجْزِمْ بِالْإِنْكَارِ فَلَا يَنْبَغِي اعْتِبَارُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ إلَّا إذَا صَحَّ اعْتِبَارُ مَا ذَكَرَهُ تَخْرِيجًا عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ. مُلَخَّصًا. وَأَجَابَ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ بِقَوْلِهِ أَقُولُ: لَعَلَّهُ حَمَلَهُ مُحَمَّدٌ عَلَى النِّسْيَانِ لِطُولِ الْعَهْدِ وَاشْتِغَالِهِ بِالْقَضَاءِ اهـ. (قَوْلُهُ وَبِمَا ذَكَرْنَاهُ إلَخْ) فِيهِ بَحْثٌ لِأَنَّ مَسَائِلَ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ هِيَ مَا وُجِدَ فِي بَعْضِ كُتِبَ مُحَمَّدٍ الْمَبْسُوطِ وَالزِّيَادَاتِ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا ثَابِتَةٌ عَنْهُ إمَّا مُتَوَاتِرَةً أَوْ مَشْهُورَةً وَهِيَ الطَّبَقَةُ الْأُولَى الثَّانِيَةُ مَسَائِلُ النَّوَادِرِ كالكيسانيات وَالْهَارُونِيَّاتِ وَتُسَمَّى غَيْرَ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّهَا لَمْ تَثْبُتْ عَنْ مُحَمَّدٍ ثُبُوتًا ظَاهِرًا كَالْأُولَى وَالطَّبَقَةُ الثَّالِثَةُ مَا اسْتَنْبَطَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ مِمَّا لَمْ يَجِدُوا فِيهِ رِوَايَةً عَنْ أَصْحَابِ الْمَذْهَبِ كَمَا بَسَطَهُ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي صَدْرِ شَرْحِهِ وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُ قَاضِي خَانْ مَا رَوَاهُ مُحَمَّدٌ هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ مَعْنَاهُ أَنَّهُ مَذْكُورٌ فِي كُتُبِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَهُوَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَقَوْلُ الْمُؤَلِّفِ كَانَ لِثُبُوتِهَا بِالسَّمَاعِ إلَخْ رُبَّمَا يُوهِمُ أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ مَا سَمِعَهُ مُحَمَّدٌ مِنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ لَا يَكُونَ الْجَامِعُ الصَّغِيرُ مِنْ كُتُبِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّهُ بِوَاسِطَةِ أَبِي يُوسُفَ كَمَا يَأْتِي مَعَ أَنَّهُ نَفْسُهُ صَرَّحَ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَدَعَا بِمَا يُشْبِهُ الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ أَنَّهُ مِنْ كُتُبِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ تَأَمَّلْ ثُمَّ رَأَيْت الْعَلَّامَةَ الْمَقْدِسِيَّ ذَكَرَ نَحْوَ مَا بَحَثْته فِي شَرْحِهِ عَلَى نَظْمِ الْكَنْزِ فَاعْتَرَضَهُ بِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْجَوَابِ يَتَوَقَّفُ عَلَى أَنَّ مُرَادَ قَاضِي خَانْ بِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ غَيْرُ مَا ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ وَنَحْوِهِ كَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ مِنْ كُتُبِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَزَادَ عَلَى مَا قُلْته أَنَّ مُحَصَّلَ كَلَامِهِ هُوَ مَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْكَمَالِ مِنْ التَّفْرِيعِ الصَّحِيحِ عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَنَّ الْإِشْكَالَ فِي تَصْمِيمِ مُحَمَّدٍ عَلَى مُخَالَفَةِ مَنْ رَوَى عَنْهُ لَا تَرْتَفِعُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 65 لَا يَقْرَبُهَا زَوْجُهَا حَتَّى تَضَعَ الْحَمْلَ الْخَامِسَةُ عَبْدٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ قَتَلَ مَوْلًى لَهُمَا فَعَفَا أَحَدُهُمَا بَطَلَ الدَّمُ كُلُّهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا يَدْفَعُ رُبُعَهُ إلَى شَرِيكِهِ أَوْ يَفْدِيهِ بِرُبُعِ الدِّيَةِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنَّمَا حُكِيَتْ لَك عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ كَقَوْلِنَا وَإِنَّمَا الِاخْتِلَافُ الَّذِي رَوَيْتُهُ فِي عَبْدٍ قَتَلَ مَوْلَاهُ عَمْدًا وَلَهُ ابْنَانِ فَعَفَا أَحَدُهُمَا إلَّا أَنَّ مُحَمَّدًا ذَكَرَ الِاخْتِلَافَ فِيهِمَا وَذَكَرَ قَوْلَ نَفْسِهِ مَعَ أَبِي يُوسُفَ فِي الْأُولَى السَّادِسَةُ رَجُلٌ مَاتَ وَتَرَكَ ابْنًا لَهُ وَعَبْدًا لَا غَيْرَ فَادَّعَى الْعَبْدُ أَنَّ الْمَيِّتَ كَانَ أَعْتَقَهُ فِي صِحَّتِهِ وَادَّعَى رَجُلٌ عَلَى الْمَيِّتِ أَلْفَ دِينَارٍ وَقِيمَةُ الْعَبْدِ أَلْفٌ فَقَالَ الِابْنُ صَدَقْتُمَا يَسْعَى الْعَبْدُ فِي قِيمَتِهِ وَهُوَ حُرٌّ وَيَأْخُذُهَا الْغَرِيمُ بِدَيْنِهِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنَّمَا رَوَيْت لَك مَا دَامَ يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ أَنَّهُ عَبْدٌ انْتَهَى وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إلَى مَسْأَلَةٍ أُخْرَى تَمَامَ الثَّمَانِيَةِ (وَ) هِيَ مَا إذَا قَرَأَ (فِي إحْدَى الْأُولَيَيْنِ) لَا غَيْرَ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ أَرْبَعٍ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَكْعَتَانِ وَفِي التَّحْقِيقِ هِيَ إشَارَةٌ إلَى خَمْسَةٍ أُخْرَى فَمَسَائِلُ لُزُومِ الْأَرْبَعِ سِتٌّ تَمَامَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ فَإِنَّ مَسْأَلَةَ الْكِتَابِ أَعْنِي مَا إذَا قَرَأَ فِي إحْدَى الْأُولَيَيْنِ وَإِحْدَى الْأُخْرَيَيْنِ صَادِقَةٌ بِأَرْبَعِ صُوَرٍ لِأَنَّ إحْدَى الْأُولَيَيْنِ صَادِقَةٌ بِصُورَتَيْنِ مَا إذَا قَرَأَ فِي الْأُولَى فَقَطْ أَوْ فِي الثَّانِيَةِ فَقَطْ وَإِحْدَى الْأُخْرَيَيْنِ صَادِقَةٌ بِصُورَتَيْنِ مَا إذَا قَرَأَ فِي الثَّالِثَةِ فَقَطْ أَوْ فِي الرَّابِعَةِ فَقَطْ وَمَسْأَلَةُ مَا إذَا قَرَأَ فِي إحْدَى الْأُولَيَيْنِ لَا غَيْرَ صَادِقَةٌ بِصُورَتَيْنِ مَا إذَا قَرَأَ فِي الْأُولَى فَقَطْ أَوْ فِي الثَّانِيَةِ فَقَطْ فَصَارَ الْحَاصِلُ أَنَّ مَسَائِلَ تَرْكِ الْقِرَاءَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا فِي الْعِنَايَةِ مُجْمَلَةً وَقَالَ فَعَلَيْك بِتَمْيِيزِ الْمُتَدَاخِلَةِ بِالتَّفْتِيشِ فِي الْأَقْسَامِ وَقَدْ يَسَّرَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ لِلْعَبْدِ الضَّعِيفِ مُفَصَّلَةً مُمَيَّزَةً فَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ وَفِي الْبَدَائِعِ وَلَوْ كَانَ خَلْفَهُ رَجُلٌ اقْتَدَى بِهِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ إمَامِهِ يَقْضِي مَا يَقْضِي إمَامُهُ لِأَنَّ صَلَاةَ الْمُقْتَدِي مُتَعَلِّقَةٌ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ صِحَّةً وَفَسَادًا وَلَوْ تَكَلَّمَ الْمُقْتَدِي وَقَدْ أَتَمَّ الْإِمَامُ الْأَرْبَعَ فَإِنْ تَكَلَّمَ قَبْلَ قُعُودِ الْإِمَامِ فَعَلَيْهِ قَضَاءُ الْأُولَيَيْنِ فَقَطْ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ الشَّفْعَ الْأَخِيرَ وَإِنْ تَكَلَّمَ بَعْدَ قُعُودِهِ قَبْلَ قِيَامِهِ إلَى الثَّالِثَةِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَأَمَّا إذَا قَامَ إلَى الثَّالِثَةِ ثُمَّ تَكَلَّمَ الْمُقْتَدِي لَمْ تُذْكَرْ فِي الْأَصْلِ وَذَكَرَ عِصَامٌ أَنَّ عَلَيْهِ قَضَاءَ أَرْبَعٍ وَخَصَّهُ أَبُو الْمُعِينِ بِقَوْلِهِمَا أَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَيَلْزَمُهُ قَضَاءُ الْأَخِيرِ لَا غَيْرَ انْتَهَى وَفِي الْمُحِيطِ وَلَوْ اقْتَدَى بِهِ فِي الْأُخْرَيَيْنِ وَصَلَّاهُمَا مَعَ الْإِمَامِ قَضَى الْأُولَيَيْنِ لِأَنَّهُ بِالِاقْتِدَاءِ الْتَزَمَ مَا لَزِمَ الْإِمَامُ. (قَوْلُهُ «وَلَا يُصَلِّي بَعْدَ صَلَاةٍ مِثْلِهَا» ) هَذَا لَفْظُ الْحَدِيثِ كَمَا فِي كُتُبِ الْفِقْهِ وَجَعَلَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ أَثَرًا عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ لَا يُصَلِّي عَلَى أَثَرِ صَلَاةٍ مِثْلَهَا وَهَذَا الْحَدِيثُ خُصَّ مِنْهُ الْبَعْضُ لِأَنَّهُ يُصَلِّي سُنَّةَ الْفَجْرِ ثُمَّ الْفَرْضَ وَهُمَا مِثْلَانِ وَكَذَا يُصَلِّي سُنَّةَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا ثُمَّ يُصَلِّي الْفَرْضَ أَرْبَعًا وَكَذَا يُصَلِّي الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ فِي السَّفَرِ ثُمَّ يُصَلِّي السُّنَّةَ رَكْعَتَيْنِ فَلَمَّا لَمْ يُمْكِنْ إجْرَاؤُهُ عَلَى الْعُمُومِ وَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى أَخَصِّ الْخُصُوصِ كَمَا هُوَ الْحُكْمُ فِي الْعَامِّ إذَا لَمْ يُمْكِنْ الْعَمَلُ بِعُمُومِهِ فَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ الْمُرَادُ مِنْهُ أَنْ لَا يُصَلِّيَ بَعْدَ أَدَاءِ الظُّهْرِ نَافِلَةً رَكْعَتَانِ بِقِرَاءَةٍ وَرَكْعَتَانِ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ يَعْنِي لَا تُصَلَّى النَّافِلَةُ كَذَلِكَ حَتَّى لَا تَكُونَ مَثَلًا لِلْفَرْضِ بَلْ يَقْرَأُ فِي جَمِيعِ رَكَعَاتِ النَّفْلِ قَالَ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَلَوْ حُمِلَ عَلَى النَّهْيِ عَنْ تَكْرَارِ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ عَلَى النَّهْيِ عَنْ قَضَاءِ الْفَرَائِضِ مَخَافَةَ الْخَلَلِ فِي الْمُؤَدَّى كَانَ حَسَنًا فَإِنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ انْتَهَى وَاسْتَدَلَّ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ لِلْأَوَّلِ بِمَا فِي أَبِي دَاوُد عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ أَتَيْت ابْنَ عُمَرَ عَلَى الْبَلَاطِ وَهُمْ يُصَلُّونَ قُلْت أَلَا تُصَلِّي مَعَهُمْ قَالَ قَدْ صَلَّيْت إنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «لَا تُصَلُّوا صَلَاةً فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ» وَرَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ حَدَّثَنَا نَافِعٌ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ فَقَالَ إنِّي أُصَلِّي فِي بَيْتِي ثُمَّ أُدْرِكُ الصَّلَاةَ مَعَ الْإِمَامِ أَفَأُصَلِّي مَعَهُ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ نَعَمْ فَقَالَ أَيَّتُهُمَا أَجْعَلُ صَلَاتِي فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ لَيْسَ ذَلِكَ إلَيْك إنَّمَا ذَلِكَ إلَى اللَّهِ يَجْعَلُ أَيَّتَهُمَا شَاءَ فَهَذَا مِنْ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَقَدْ أَتَمَّ الْإِمَامُ الْأَرْبَعَ) أَيْ أَتَمَّهَا بَعْدَ تَكَلُّمِ الْمُقْتَدِي كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ لَكِنَّ الْعِبَارَةَ مُوهِمَةٌ. (قَوْلُهُ لِلْأَوَّلِ) صَوَابُهُ لِلثَّانِي أَيْ قَوْلُهُ وَعَلَى النَّهْيِ عَنْ قَضَاءِ الْفَرَائِضِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 66 ابْنُ عُمَرَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الَّذِي رُوِيَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْهُ إنَّمَا أَرَادَ كِلْتَاهُمَا عَلَى وَجْهِ الْفَرْضِ أَوْ إذَا صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ فَلَا يُعِيدُ وَفِيهِ نَفْيٌ لِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ انْتَهَى فَالْحَاصِلُ أَنَّ تَكْرَارَ الصَّلَاةِ إنْ كَانَ مَعَ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى هَيْئَتِهِ الْأَوْلَى فَمَكْرُوهٌ وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ فِي وَقْتٍ يُكْرَهُ التَّنَفُّلُ بَعْدَ الْفَرْضِ فَمَكْرُوهٌ كَمَا بَعْدَ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ لِخَلَلٍ فِي الْمُؤَدَّى فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْخَلَلُ مُحَقَّقًا إمَّا بِتَرْكِ وَاجِبٍ أَوْ بِارْتِكَابِ مَكْرُوهٍ فَغَيْرُ مَكْرُوهٍ بَلْ وَاجِبٌ كَمَا قَدَّمْنَاهُ مِرَارًا وَصَرَّحَ بِهِ فِي الذَّخِيرَةِ وَقَالَ إنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُهُ النَّهْيُ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْخَلَلُ غَيْرَ مُحَقَّقٍ بَلْ نَشَأَ عَنْ وَسْوَسَةٍ فَهُوَ مَكْرُوهٌ وَفِي مَآلِ الْفَتَاوَى وَلَوْ لَمْ يَفُتْهُ شَيْءٌ مِنْ الصَّلَوَاتِ وَأُحِبُّ أَنْ يَقْضِيَ جَمِيعَ الصَّلَوَاتِ الَّتِي صَلَّاهَا مُتَدَارِكًا لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ ذَلِكَ إلَّا إذَا كَانَ غَالِبُ ظَنِّهِ فَسَادَ مَا صَلَّى لِوُرُودِ النَّهْيِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَا حُكِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَضَى صَلَاةَ عُمُرِهِ فَإِنْ صَحَّ النَّقْلُ فَنَقُولُ كَانَ يُصَلِّي الْمَغْرِبَ وَالْوِتْرَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ بِثَلَاثِ قَعَدَاتٍ انْتَهَى وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَمَّا صَلَّى الْفَجْرَ ضُحَى النَّهَارِ بَعْدَ لَيْلَةِ التَّعْرِيسِ قَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ مِنْ الْغَدِ أَلَا نُعِيدُ صَلَاةَ الْأَمْسِ فَقَالَ إنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ عَنْ الرِّبَا أَفَيَقْبَلُهُ مِنْكُمْ» كَذَا ذَكَرَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ ظَهَرَ أَنَّ ذِكْرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُخْتَصَرِ لَفْظَ الْحَدِيثِ مَعَ أَنَّ عُمُومَهُ لَيْسَ بِمُرَادٍ مِمَّا لَا يَنْبَغِي. (قَوْلُهُ وَيَتَنَفَّلُ قَاعِدًا مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الْقِيَامِ ابْتِدَاءً وَبِنَاءً) بَيَانٌ أَيْضًا لِمَا خَالَفَ فِيهِ النَّفَلُ الْفَرَائِضَ وَالْوَاجِبَاتِ وَهُوَ جَوَازُهُ بِالْقُعُودِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ وَقَدْ حُكِيَ فِيهِ إجْمَاعُ الْعُلَمَاءِ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَمُتْ حَتَّى كَانَ يُصَلِّي كَثِيرًا مِنْ صَلَاتِهِ وَهُوَ جَالِسٌ» وَرَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ عِمْرَانَ بْنَ الْحُصَيْنِ مَرْفُوعًا «مَنْ صَلَّى قَائِمًا فَهُوَ أَفْضَلُ وَمَنْ صَلَّى قَاعِدًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَائِمِ» وَقَدْ ذَكَرَ الْجُمْهُورُ كَمَا نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى صَلَاةِ النَّفْلِ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ وَأَمَّا إذَا صَلَّاهُ مَعَ عَجْزِهِ فَلَا يَنْقُصُ ثَوَابُهُ عَنْ ثَوَابِهِ قَائِمًا وَأَمَّا الْفَرْضُ فَلَا يَصِحُّ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ وَيَأْثَمُ وَيَكْفُرُ إنْ اسْتَحَلَّهُ وَإِنْ صَلَّى قَاعِدًا لِعَجْزِهِ أَوْ مُضْطَجِعًا لِعَجْزِهِ فَثَوَابُهُ كَثَوَابِهِ اهـ. وَتَعَقَّبَهُ الْأَكْمَلُ فِي شَرْحِ الْمَشَارِقِ بِأَنَّهُ وَرَدَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِ «وَمَنْ صَلَّى نَائِمًا أَيْ مُضْطَجِعًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَاعِدِ» وَلَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى النَّفْلِ مَعَ الْقُدْرَةِ إذْ لَا يَصِحُّ مُضْجِعًا اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُحْكَمَ بِشُذُوذِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَفِي النِّهَايَةِ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ صَلَاةَ الْقَاعِدِ لِعُذْرٍ بِعَجْزِهِ عَنْ الْقِيَامِ مُسَاوِيَةٌ لِصَلَاةِ الْقَائِمِ فِي الْفَضِيلَةِ وَالْأَجْرِ انْتَهَى وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ عَلَى النِّصْفِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْخَلَلُ مُحَقَّقًا إلَخْ) يُفِيدُ بِإِطْلَاقِهِ أَنَّهُ لَوْ صَلَّى الْفَرِيضَةَ مُنْفَرِدًا بِلَا عُذْرٍ أَنَّهُ لَهُ إعَادَتُهَا مَعَ الْجَمَاعَةِ فِي سَائِرِ الْأَوْقَاتِ لِارْتِكَابِ الْمَكْرُوهِ وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ لَكِنْ يُخَالِفُهُ مَا ذَكَرُوهُ فِي الْفَصْلِ الْآتِي مِنْ التَّفْصِيلِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ صَلَّى رَكْعَةً فَأُقِيمَتْ يَقْطَعُ وَيَقْتَدِي إلَى آخِرِ مَا يَأْتِي إلَّا أَنْ يُحْمَلَ ذَاكَ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ صَلَاتُهُ مُنْفَرِدًا مَعَ الْعُذْرِ الْمُسَوِّغِ لِتَرْكِ الْجَمَاعَةِ وَهُوَ بَعِيدٌ (قَوْلُهُ وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ إلَخْ) دَفَعَهُ فِي النَّهْرِ بِمَا نَقَلَهُ عَنْ الْعِنَايَةِ بِقَوْلِهِ وَذِكْرُ الْمُصَنِّفُ لِهَذَا بَعْدَ إفَادَةِ أَنَّ الْقِرَاءَةَ وَاجِبَةٌ فِي جَمِيعِ النَّفْلِ وَمَا تَرَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الثَّمَانِيَةِ دَلِيلٌ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ. [التَّنَفُّلُ قَاعِدًا مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الْقِيَامِ] (قَوْلُهُ وَأَمَّا إذَا صَلَّاهُ مَعَ عَجْزِهِ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ وَاسْتَدَلُّوا لَهُ بِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ فِي الْجِهَادِ «إذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا» (قَوْلُهُ وَلَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ وَلَا نَعْلَمُ الصَّلَاةَ نَائِمًا تَسُوغُ إلَّا فِي الْفَرْضِ حَالَةَ الْعَجْزِ عَنْ الْقُعُودِ وَهَذَا حِينَئِذٍ يُعَكِّرُ عَلَى حَمْلِهِمْ الْحَدِيثَ عَلَى النَّفْلِ وَعَلَى كَوْنِهِ فِي الْفَرْضِ لَا يَسْقُطُ مِنْ أَجْرِ الْقَائِمِ شَيْءٌ وَالْحَدِيثُ الَّذِي اسْتَدَلُّوا بِهِ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ أَيْ حَدِيثُ الْبُخَارِيِّ فِي الْجِهَادِ إنَّمَا يُفِيدُ كِتَابَةَ مِثْلَ مَا كَانَ يَعْمَلُهُ مُقِيمًا صَحِيحًا وَإِنَّمَا عَاقَهُ الْمَرَضُ عَنْ أَنْ يَعْمَلَ شَيْئًا أَصْلًا وَذَلِكَ لَا يَسْتَلْزِمُ احْتِسَابَ مَا صَلَّى قَاعِدًا بِالصَّلَاةِ قَائِمًا لِجَوَازِ احْتِسَابِهِ نِصْفًا ثُمَّ يُكْمِلُ لَهُ كُلَّ عَمَلِهِ مِنْ ذَلِكَ وَغَيْرِهِ فَضْلًا وَإِلَّا فَالْمُعَارَضَةُ قَائِمَةٌ لَا تَزُولُ إلَّا بِتَجْوِيزِ النَّافِلَةِ قَائِمًا وَلَا أَعْلَمُهُ فِي فِقْهِنَا (قَوْلُهُ وَفِيهِ نَظَرٌ إلَخْ) أَقُولُ: هَذَا النَّظَرُ ظَاهِرٌ لِأَنَّ مَا نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ هُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنْ الْحَدِيثِ لِوُجُوهٍ الْأَوَّلُ كَلِمَةُ مَنْ فَإِنَّهَا عَامَّةٌ فِي كُلِّ مُصَلٍّ الثَّانِي قَوْلُهُ وَمَنْ صَلَّى نَائِمًا وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ الثَّالِثُ أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَتْ بِهِ بَوَاسِيرُ فَسَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَبِهَذَا الْوَجْهِ مِنْ الَّذِينَ قَبْلَهُ يَبْعُدُ حَمْلُهُ عَلَى صَلَاةِ النَّفْلِ خَاصَّةً مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَالْأَوْلَى الْمَصِيرُ إلَى مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْفَتْحِ مِنْ احْتِمَالِ صَلَاتِهِ نِصْفًا وَإِكْمَالِهَا لَهُ فَضْلًا وَفِي الْكَشَّافِ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 95] الْآيَةَ فَإِنْ قُلْت قَدْ ذَكَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مُفَضَّلِينَ دَرَجَةً وَاحِدَةً وَمُفَضَّلِينَ دَرَجَاتٍ فَمَنْ هُمْ قُلْت أَمَّا الْمُفَضَّلُونَ دَرَجَةً وَاحِدَةً فَهُمْ الَّذِي فُضِّلُوا عَلَى الْقَاعِدِينَ الْأُخَرَاءِ وَأَمَّا الْمُفَضَّلُونَ دَرَجَاتٍ فَاَلَّذِينَ فُضِّلُوا عَلَى الْقَاعِدِينَ الَّذِينَ أُذِنَ لَهُمْ فِي التَّخَلُّفِ اكْتِفَاءً بِغَيْرِهِمْ لِأَنَّ الْغَزْوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ اهـ. قُلْت: فَفِي الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعَامِلَ أَفْضَلُ مِنْ التَّارِكِ لِعُذْرٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 67 مِنْ صَلَاةِ الْقَائِمِ مَعَ الْعُذْرِ وَعَلَيْهِ حُمِلَ الْحَدِيثُ فَلَا إجْمَاعَ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِهِ إجْمَاعَ أَئِمَّتِنَا وَذَكَرَ فِي الْمُجْتَبَى بَعْدَمَا نَقَلَ الْحَدِيثَ قَالُوا وَهَذَا فِي حَقِّ الْقَادِرِ أَمَّا الْعَاجِزُ فَصَلَاتُهُ بِإِيمَاءٍ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ الْقَائِمِ الرَّاكِعِ السَّاجِدِ لِأَنَّهُ جُهْدُ الْمُقِلِّ انْتَهَى وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ بَلْ الظَّاهِرُ الْمُسَاوَاةُ كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَقَدْ عُدَّ مِنْ خَصَائِصِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ نَافِلَتَهُ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ كَنَافِلَتِهِ قَائِمًا تَشْرِيفًا لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَشْهَدُ لَهُ مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَقَالَ حُدِّثْت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّ صَلَاةَ الرَّجُلِ قَاعِدًا نِصْفُ الصَّلَاةِ قَالَ فَأَتَيْته فَوَجَدْته يُصَلِّي قَاعِدًا فَوَضَعْت يَدِي عَلَى رَأْسِهِ فَقَالَ مَا لَكَ يَا عَبْدَ اللَّهَ بْنَ عُمَرَ وَقُلْت حُدِّثْت يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَّك قُلْت صَلَاةُ الرَّجُلِ قَاعِدًا عَلَى نِصْفِ الصَّلَاةِ وَأَنْتَ تُصَلِّي قَاعِدًا قَالَ أَجَلْ وَلَكِنِّي لَسْت كَأَحَدٍ مِنْكُمْ» انْتَهَى أُطْلِقَ فِي التَّنَفُّلِ فَشَمَلَ السُّنَّةَ الْمُؤَكَّدَةَ وَالتَّرَاوِيحَ لَكِنْ ذَكَرَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ مِنْ بَابِ التَّرَاوِيحِ الْأَصَحُّ أَنَّ سُنَّةَ الْفَجْرِ لَا يَجُوزُ أَدَاؤُهَا قَاعِدًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَالتَّرَاوِيحُ يَجُوزُ أَدَاؤُهَا قَاعِدًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَالْفَرْقُ أَنَّ سُنَّةَ الْفَجْرِ مُؤَكَّدَةٌ لَا خِلَافَ فِيهَا وَالتَّرَاوِيحَ فِي التَّأْكِيدِ دُونَهَا انْتَهَى وَقَدْ نَقَلْنَاهُ فِي سُنَّةِ الْفَجْرِ فِي مَوْضِعِهَا مِنْ رِوَايَةِ الْحَسَنِ وَهَكَذَا صَحَّحَهُ حُسَامُ الدِّينِ ثُمَّ قَالَ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ فِي التَّرَاوِيحِ لِمُخَالَفَتِهِ لِلتَّوَارُثِ وَعَمَلِ السَّلَفِ وَهَذَا كُلُّهُ فِي الِابْتِدَاءِ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَبِنَاءً بِأَنْ شَرَعَ فِيهِ قَائِمًا ثُمَّ قَعَدَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَعِنْدَهُمَا لَا يُجْزِئُهُ وَهُوَ قِيَاسٌ لِأَنَّ الشُّرُوعَ مُعْتَبَرٌ بِالنَّذْرِ وَلَهُ أَنَّهُ لَمْ يُبَاشِرْ الْقِيَامَ فِيمَا بَقِيَ وَلِمَا بَاشَرَ صِحَّةً بِدُونِهِ بِخِلَافِ النَّذْرِ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ نَصًّا حَتَّى لَوْ لَمْ يَنُصَّ عَلَى الْقِيَامِ لَا يَلْزَمُهُ الْقِيَامُ عِنْدَ بَعْضِهِمْ كَمَا لَوْ نَذَرَ صَلَاةً لِأَنَّهُ فِي النَّفْلِ وَصْفٌ زَائِدٌ فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا بِشَرْطٍ وَعِنْدَ الْبَعْضِ يَلْزَمُهُ الْقِيَامُ لِأَنَّ إيجَابَ الْعَبْدِ مُعْتَبَرٌ بِإِيجَابِ اللَّهِ وَأَيْنَمَا أَوْجَبَهَا اللَّهُ تَعَالَى أَوْجَبَهَا قَائِمًا وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ كَالتَّتَابُعِ فِي الصَّوْمِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ وَرَجَحَ الثَّانِي فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بَحْثًا بِأَنَّ الصَّلَاةَ عِبَارَةٌ عَنْ الْقِيَامِ وَالْقِرَاءَةِ إلَى آخِرِهَا فَهُوَ الرُّكْنُ الْأَصْلِيُّ غَيْرَ أَنَّهُ يَجُوزُ تَرْكُهُ إلَى الْقُعُودِ رُخْصَةً فِي النَّفْلِ فَلَا يَنْصَرِفُ الْمُطْلَقُ إلَّا إلَيْهِ قَيَّدْنَا بِكَوْنِهِ شَرَعَ قَائِمًا ثُمَّ قَعَدَ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَى عَكْسِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ اتِّفَاقًا وَهُوَ فِعْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا رَوَتْ عَائِشَةُ أَنَّهُ كَانَ يَفْتَتِحُ التَّطَوُّعَ قَاعِدًا فَيَقْرَأُ وَرَدَّهُ حَتَّى إذَا بَقِيَ عَشْرُ آيَاتٍ وَنَحْوُهَا قَامَ إلَى آخِرِهِ وَهَكَذَا كَانَ يَفْعَلُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ وَذَكَرَ فِي التَّجْنِيسِ أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَقُومَ فَيَقْرَأَ شَيْئًا ثُمَّ يَرْكَعَ لِيَكُونَ مُوَافِقًا لِلسُّنَّةِ وَلَوْ لَمْ يَقْرَأْ وَلَكِنَّهُ اسْتَوَى قَائِمًا ثُمَّ رَكَعَ جَازَ وَإِنْ لَمْ يَسْتَوِ قَائِمًا وَرَكَعَ لَا يُجْزِئُهُ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ رُكُوعًا قَائِمًا وَلَا رُكُوعًا قَاعِدًا انْتَهَى وَلَيْسَ هُوَ بِنَاءَ الْقَوِيِّ عَلَى الضَّعِيفِ لِأَنَّ الْقُعُودَ وَالْقِيَامَ فِي النَّفْلِ سَوَاءٌ وَالْفَرْقُ لِمُحَمَّدٍ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ قَوْلِهِ بِبُطْلَانِ صَلَاةِ الْمَرِيضِ إذَا قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهِ أَنَّ تَحْرِيمَةَ الْمُتَطَوِّعِ لَمْ تَنْعَقِدْ لِلْقُعُودِ أَلْبَتَّةَ بَلْ لِلْقِيَامِ لِأَنَّهُ أَصْلٌ هُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِ ثُمَّ جَازَ لَهُ شَرْعًا تَرْكُهُ بِخِلَافِ الْمَرِيضِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْقِيَامِ فَمَا انْعَقَدَ إلَّا لِلْمَقْدُورِ وَهُوَ الْقُعُودُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ كَيْفِيَّةَ الْقُعُودِ فِي النَّفْلِ لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ فَفِي الذَّخِيرَةِ وَالنِّهَايَةِ أَنَّهُ فِي التَّشَهُّدِ يَقْعُدُ كَمَا يَقْعُدُ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ إجْمَاعًا سَوَاءٌ كَانَ بِعُذْرٍ أَوْ بِغَيْرِهِ أَمَّا حَالَةُ الْقِرَاءَةِ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ تَخْيِيرُهُ بَيْنَ الْقُعُودِ وَالتَّرَبُّعِ وَالِاحْتِبَاءِ وَنَقَلَهُ الْكَرْخِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَحْتَبِي وَعَنْهُمَا يَتَرَبَّعُ ثُمَّ قَالَ أَبُو يُوسُفَ مَحَلُّ الْقَعْدَةِ عِنْدَ السُّجُودِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَعَنْ زُفَرَ أَنَّهُ يَقْعُدُ فِي جَمِيعِ الصَّلَاةِ كَمَا فِي التَّشَهُّدِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَاخْتَارَهُ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ لِأَنَّهُ الْمَعْهُودُ شَرْعًا فِي الصَّلَاةِ وَاخْتَارَ الْإِمَامُ خُوَاهَرْ زَادَهْ الِاحْتِبَاءَ لِأَنَّ عَامَّةَ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -   [منحة الخالق] وَهَذَا لَا يُنَافِي مَا مَرَّ مِنْ حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ فِي الْجِهَادِ لِإِمْكَانِ حَمْلِ مَا هُنَاكَ عَلَى كِتَابَةِ أَصْلِ الثَّوَابِ وَمَا هُنَا عَلَى زِيَادَةِ الْمُضَاعَفَةِ بِسَبَبِ الْمَشَقَّةِ نَظِيرَ مَا قِيلَ فِي أَنَّ الْإِخْلَاصَ تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَلَهُ) أَيْ لِلْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْمُصَلِّيَ لَمْ يُبَاشِرْ الْقِيَامَ فِيمَا بَقِيَ أَيْ فِيمَا قَعَدَ فِيهِ أَيْ لَمْ يَشْرَعْ فِيهِ قَائِمًا بَعْدُ فَلَا يَلْزَمُهُ الْقِيَامُ فِيهِ وَلِمَا أَيْ وَلِلَّذِي بَاشَرَهُ مِنْ الصَّلَاةِ بِصِفَةِ الْقِيَامِ أَوْ لِلَّذِي بَاشَرَهُ مِنْ الصَّلَاةِ النَّافِلَةِ مُطْلَقًا صِحَّةٌ بِدُونِ الْقِيَامِ بِخِلَافِ النَّذْرِ وَحَاصِلُهُ مَنْعُ كَوْنِ الشُّرُوعِ مُوجِبًا غَيْرَ أَصْلِ مَا شَرَعَ فِيهِ بِنَاءً عَلَى مَنْعِ إلْحَاقِ الشُّرُوعِ بِالنَّذْرِ مُطْلَقًا بَلْ فِي إيجَابِ أَصْلِ الْفِعْلِ (قَوْلُهُ وَرَجَحَ الثَّانِي) أَيْ الْقَوْلُ الثَّانِي الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ وَعِنْدَ الْبَعْضِ يَلْزَمُ الْقِيَامُ (قَوْلُهُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَلَمْ يُبَيِّنْ لِلْقُعُودِ كَيْفِيَّةً لِمَا أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْجَوَازِ وَلَا شَكَّ فِي حُصُولِهِ عَلَى أَيِّ حَالٍ كَانَ وَبِهِ سَقَطَ مَا فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ إنَّمَا الِاخْتِلَافُ فِي تَعْيِينِ مَا هُوَ الْأَفْضَلُ وَالْمُخْتَارُ مَا قَالَهُ زُفَرُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَنْ يَقْعُدَ كَمَا فِي التَّشَهُّدِ قَالَ أَبُو اللَّيْثِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ إذَا جَاءَ أَوَانُ التَّشَهُّدِ جَلَسَ كَذَلِكَ سَوَاءٌ سَقَطَ الْقِيَامُ بِعُذَرٍ أَمْ لَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 68 فِي آخِرِ الْعُمُرِ كَانَ مُحْتَبِيًا وَلِأَنَّهُ يَكُونُ أَكْثَرَ تَوْجِيهًا لِأَعْضَائِهِ إلَى الْقِبْلَةِ لِأَنَّ السَّاقَيْنِ يَكُونَانِ مُتَوَجِّهَيْنِ كَمَا يَكُونُ حَالَةَ الْقِيَامِ اهـ. وَتَفْسِيرُ الِاحْتِبَاءِ أَنْ يَنْصِبَ رُكْبَتَيْهِ وَيَجْمَعَ يَدَيْهِ عِنْدَ سَاقَيْهِ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَذَكَرَ فِي الْخُلَاصَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِيهِ ثَلَاثَ رِوَايَاتٍ فَحِينَئِذٍ فَالْإِفْتَاءُ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَاتِ وَلَا حَاجَةَ إلَى أَنْ تُضَافَ إلَى زُفَرَ كَمَا لَا يَخْفَى وَقَيَّدَ بِالتَّنَفُّلِ قَاعِدًا لِأَنَّ الْمُتَنَفِّلَ مُضْطَجِعًا لَا يَجُوزُ عِنْدَ عَدَمِ الْعُذْرِ كَمَا سَبَقَ وَالشُّرُوعُ وَهُوَ مُنْحَنٍ قَرِيبًا مِنْ الرُّكُوعِ لَا يَصِحُّ أَيْضًا فِي التَّنَفُّلِ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ كَلَامُ التَّجْنِيسِ السَّابِقُ وَصَرَّحَ بِهِ فِي مَوْضِعٍ مِنْ شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي. (قَوْلُهُ وَرَاكِبًا خَارِجَ الْمِصْرِ مُومِيًا إلَى أَيِّ جِهَةٍ تَوَجَّهَتْ دَابَّتُهُ) أَيْ يَتَنَفَّلُ رَاكِبًا لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي النَّوَافِلَ عَلَى رَاحِلَتِهِ فِي كُلِّ وَجْهٍ يُومِئُ إيمَاءً وَلَكِنَّهُ يُخْفِضُ السَّجْدَةَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ» أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ مَا إذَا كَانَ مُسَافِرًا أَوْ مُقِيمًا خَرَجَ إلَى بَعْضِ النَّوَاحِي لِحَاجَةٍ وَصَحَّحَهُ فِي النِّهَايَةِ وَمَا إذَا قَدَرَ عَلَى النُّزُولِ أَوْ لَا وَقَيَّدَ بِخَارِجِ الْمِصْرِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّنَفُّلُ عَلَيْهَا فِي الْمِصْرِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا بَأْسَ بِهِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَجُوزُ وَيُكْرَهُ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَاخْتَلَفُوا فِي حَدِّ خَارِجِ الْمِصْرِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا تَجُوزُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ يَجُوزُ لِلْمُسَافِرِ أَنْ يَقْصُرَ فِيهِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَغَيْرِهَا وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ تَوَجَّهَتْ دَابَّتُهُ دُونَ أَنْ يَقُولَ وَجَّهَ دَابَّتَهُ إلَيْهِ إلَى أَنَّ مَحَلَّ جَوَازِهَا عَلَيْهَا مَا إذَا كَانَتْ وَاقِفَةً أَوْ سَارَتْ بِنَفْسِهَا أَمَّا إذَا كَانَتْ تَسِيرُ بِتَسْيِيرِ صَاحِبِهَا فَلَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَيْهَا لَا فَرْضًا وَلَا نَفْلًا كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَإِلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ فِي الِابْتِدَاءِ لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ الصَّلَاةُ إلَى غَيْرِ جِهَةِ الْكَعْبَةِ جَازَ الِافْتِتَاحُ إلَى غَيْرِ جِهَتِهَا كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَإِلَى أَنَّهُ إذَا صَلَّى إلَى غَيْرِ مَا تَوَجَّهَتْ بِهِ دَابَّتُهُ لَا يَجُوزُ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ إلَى ذَلِكَ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْمُصَنِّفُ طَهَارَةَ الدَّابَّةِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِشَرْطٍ عَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِ سَوَاءٌ كَانَتْ عَلَى السَّرْجِ أَوْ عَلَى الرِّكَابَيْنِ أَوْ الدَّابَّةِ لِأَنَّ فِيهَا ضَرُورَةً فَيَسْقُطُ اعْتِبَارُهَا وَصَرَّحَ فِي الْمُحِيطِ وَالْكَافِي بِأَنَّهُ الْأَصَحُّ وَفِي الْخُلَاصَةِ بِأَنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ وَعَلَّلَهُ فِي الْبَدَائِعِ بِأَنَّهُ لَمَّا سَقَطَ اعْتِبَارُ الْأَرْكَانِ الْأَصْلِيَّةِ فَلَأَنْ يَسْقُطَ شَرْطُ طَهَارَةِ الْمَكَانِ أَوْلَى وَقَيَّدَ بِالنَّفْلِ لِأَنَّ الْفَرْضَ وَالْوَاجِبَ بِأَنْوَاعِهِ لَا يَجُوزُ عَلَى الدَّابَّةِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ مِنْ الْوِتْرِ وَالْمَنْذُورِ وَمَا لَزِمَهُ بِالشُّرُوعِ وَالْإِفْسَادِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَالسَّجْدَةِ الَّتِي تُلِيَتْ عَلَى الْأَرْضِ لِعَدَمِ لُزُومِ الْحَرَجِ فِي النُّزُولِ وَلَا يَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ إذَا اسْتَطَاعَ النُّزُولَ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَغَيْرِهَا وَمِنْ الْأَعْذَارِ أَنْ يَخَافَ اللِّصَّ أَوْ السَّبُعَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ وَلَمْ يَقِفْ لَهُ رُفَقَاؤُهُ وَكَذَا إذَا كَانَتْ الدَّابَّةُ جَمُوحًا لَا يَقْدِرُ عَلَى رُكُوبِهَا إلَّا بِمُعِينٍ أَوْ هُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ لَا يَجِدُ مَنْ يُرْكِبُهُ وَمِنْ الْأَعْذَارِ الطِّينُ وَالْمَطَرُ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ بِحَالٍ يَغِيبُ وَجْهُهُ فِي الطِّينِ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ وَالْأَرْضُ نَدِيَّةٌ فَإِنَّهُ يُصَلِّي هُنَاكَ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ اعْتِبَارَ الْمُعِينِ هُنَا إنَّمَا هُوَ عَلَى قَوْلِهِمَا لِمَا عُرِفَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ لَا يَعْتَبِرُ قُدْرَةَ الْغَيْرِ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَالظَّهِيرِيَّةِ الرَّجُلُ إذَا حَمَلَ امْرَأَتَهُ مِنْ الْقَرْيَةِ إلَى الْمِصْرِ كَانَ لَهَا أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى الدَّابَّةِ فِي الطَّرِيقِ إذَا كَانَتْ لَا تَقْدِرُ عَلَى الرُّكُوبِ وَالنُّزُولِ انْتَهَى وَالظَّاهِرُ مِنْهُ أَنَّهَا   [منحة الخالق] [التَّنَفُّلُ رَاكِبًا] (قَوْلُهُ أَمَّا إذَا كَانَتْ تَسِيرُ بِتَسْيِيرِ صَاحِبِهَا إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ يَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ بِمَا إذَا كَانَ بِعَمَلٍ كَبِيرٍ لِقَوْلِهِمْ إذَا حَرَّكَ رِجْلَهُ أَوْ ضَرَبَ دَابَّتَهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ كَثِيرًا اهـ. قُلْت: وَيُفْهَمُ ذَلِكَ أَيْضًا مِنْ قَوْلِ الْبَزَّازِيَّةِ فِي تَعْلِيلِ الْمَسْأَلَةِ بِأَنَّهُ عَمَلٌ كَثِيرٌ وَفِي الذَّخِيرَةِ عَنْ شَرْحِ السِّيَرِ إذَا كَانَتْ لَا تَنْسَاقُ بِنَفْسِهَا فَسَاقَهَا هَلْ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ قَالَ إنْ كَانَ مَعَهُ سَوْطٌ فَهَيَّبَهَا بِهِ وَنَخَسَهَا لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ عَمَلٌ قَلِيلٌ اهـ. وَهُوَ نَصٌّ فِي الْمُرَادِ (قَوْلُهُ وَعَلَّلَهُ فِي الْبَدَائِعِ بِأَنَّهُ لَمَّا سَقَطَ إلَخْ) أَقُولُ: يُفْهَمُ مِنْ تَخْصِيصِ السُّقُوطِ لِطَهَارَةِ الْمَكَانِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ خَلْعُ النَّعْلَيْنِ لَوْ كَانَ فِيهِمَا نَجَاسَةٌ مَانِعَةٌ وَلَمْ أَرَهُ صَرِيحًا فَلْيُرَاجَعْ ثُمَّ رَأَيْت فِي النَّهْرِ قَالَ وَقِيَاسُ هَذَا وَلَوْ عَلَى الْمُصَلِّي أَيْضًا مَعَ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ الْمَنْعُ فِي هَذَا وَالْفَرْقُ قَدْ يَعْسُرُ فَتَدَبَّرْ اهـ. قُلْت: الظَّاهِرُ أَنَّهُ غَيْرُ عَسِيرٍ لِأَنَّ الدَّابَّةَ وَمَا يَتْبَعُهَا مِنْ السَّرْجِ وَنَحْوِهِ مَظِنَّةُ النَّجَاسَةِ لِنَوْمِهَا عَلَى عَذِرَتِهَا وَتَمَرُّغِهَا بِهَا فَلَوْ اشْتَرَطَ طَهَارَتَهَا لَرُبَّمَا أَدَّى إلَى الْحَرَجِ بِخِلَافِ الْمُصَلِّي إذْ يُمْكِنُهُ خَلْعُ ثَوْبِهِ الْمُتَنَجِّسِ عَلَى أَنَّهُ يَنْدُرُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا تَأَمَّلْ ثُمَّ رَأَيْت بَعْضَ الْفُضَلَاءِ تَعَقَّبَ النَّهْرَ بِقَوْلِهِ الْفَرْقُ أَظْهَرُ مِنْ نَارٍ عَلَى عَلَمٍ وَهُوَ أَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ فِيهَا عَلَى الْمُصَلِّي بِخِلَافِ مَا فِي مَوْضِعِ الْجُلُوسِ أَوْ الرِّكَابَيْنِ اهـ. (قَوْلُهُ مِنْ الْوِتْرِ إلَخْ) بَيَانٌ لِأَنْوَاعِ الْوَاجِبِ (قَوْلُهُ وَلَا يَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ إذَا اسْتَطَاعَ النُّزُولَ) قَالَ الرَّمْلِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّ هُنَا أَيْ قَبْلَ قَوْلِهِ وَلَا يَلْزَمُهُ كَلَامًا مَحْذُوفًا وَهُوَ وَيَجُوزُ مِنْ عُذْرٍ تَأَمَّلْ اهـ. (قَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ اعْتِبَارَ الْمُعِينِ هُنَا إلَخْ) أَيْ فِي قَوْلِهِ وَكَذَا إذَا كَانَتْ الدَّابَّةُ جَمُوحًا إلَخْ لَكِنْ فِيهِ أَنَّهُ لَمْ يَعْتَبِرْ الْمُعِينَ إذْ لَوْ اُعْتُبِرَ لَزِمَهُ النُّزُولُ إذَا وُجِدَ الْمُعِينُ نَعَمْ قَوْلُهُ أَوْ شَيْخٌ كَبِيرٌ لَا يَجِدُ مَنْ يُرْكِبُهُ يَدُلُّ بِمَفْهُومِهِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ وَجَدَ مَنْ يُرْكِبُهُ يَلْزَمُهُ النُّزُولُ فَبَدَلٌ عَلَى اعْتِبَارِ الْمُعِينِ فَالْمَسْأَلَةُ الْأُولَى دَلَّتْ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِ الْمُعِينِ وَالثَّانِيَةُ دَلَّتْ عَلَى اعْتِبَارِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 69 لَا تَقْدِرُ بِنَفْسِهَا مِنْ غَيْرِ مُعِينٍ حَتَّى إذَا قَدَرَتْ عَلَى الرُّكُوبِ وَالنُّزُولِ بِمَحْرَمِهَا أَوْ زَوْجِهَا فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا ذَلِكَ وَيَجُوزُ لَهَا صَلَاةُ الْفَرْضِ عَلَى الدَّابَّةِ لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ لَا يَجْعَلُ قُدْرَةَ الْإِنْسَانِ بِغَيْرِهِ كَقُدْرَتِهِ بِنَفْسِهِ لَكِنْ ذَكَرَ فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهَا مَحْرَمٌ فَإِنَّهُ تَجُوزُ صَلَاتُهَا عَلَى الدَّابَّةِ إذَا لَمْ تَقْدِرْ عَلَى النُّزُولِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ اشْتِرَاطَ عَدَمِ الْمَحْرَمِ مَعَهَا مُفَرَّعٌ عَلَى قَوْلِهِمَا فَقَطْ وَلَمْ أَرَ حُكْمَ مَا إذَا كَانَ رَاكِبًا مَعَ امْرَأَتِهِ أَوْ أُمِّهِ كَمَا وَقَعَ لِلْفَقِيرِ مَعَ أُمِّهِ فِي سَفَرِ الْحَجِّ وَلَمْ تَقْدِرْ الْمَرْأَةُ عَلَى النُّزُولِ وَالرُّكُوبِ أَيَجُوزُ لِلرَّجُلِ الْمُعَادِلِ لَهَا أَنْ يُصَلِّيَ الْفَرْضَ عَلَى الدَّابَّةِ كَمَا يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ إذَا كَانَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ النُّزُولِ وَحْدَهُ لِمَيْلِ الْمَحْمَلِ بِنُزُولِهِ وَحْدَهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لَهُ ذَلِكَ كَمَا لَا يَخْفَى وَأَطْلَقَ فِي الدَّابَّةِ فَشَمَلَ جَمِيعَ الدَّوَابِّ وَقَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُ لَا تَجُوزُ صَلَاةُ الْمَاشِي بِالْإِجْمَاعِ كَذَا فِي الْمُجْتَبَى وَأَطْلَقَ فِي النَّفْلِ فَشَمَلَ السُّنَنَ الْمُؤَكَّدَةَ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالسُّنَنُ الرَّوَاتِبُ نَوَافِلُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَنْزِلُ لِسُنَّةِ الْفَجْرِ لِأَنَّهَا آكَدُ مِنْ سَائِرِهَا انْتَهَى بَلْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ وَعَلَى هَذَا أَدَاؤُهَا قَاعِدًا كَمَا أَسْلَفْنَاهُ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ يَنْزِلُ لِلْوِتْرِ اتِّفَاقًا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا وَأَطْلَقَ فِي الرُّكُوبِ خَارِجَ الْمِصْرِ فَشَمَلَ مَا إذَا كَانَ خَارِجُهُ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً إلَى سَلَامِهِ أَوْ ابْتِدَاءً فَقَطْ لِمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَلَوْ افْتَتَحَهَا خَارِجَ الْمِصْرِ ثُمَّ دَخَلَ الْمِصْرَ أَتَمَّ عَلَى الدَّابَّةِ وَقَالَ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِنَا يَنْزِلُ وَيُتِمُّهَا عَلَى الْأَرْضِ انْتَهَى وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَإِذَا صَلَّى عَلَى الدَّابَّةِ فِي مَحْمَلٍ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى النُّزُولِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى الدَّابَّةِ إذَا كَانَتْ الدَّابَّةُ وَاقِفَةً إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَحْمَلُ عَلَى عِيدَانٍ عَلَى الْأَرْضِ أَمَّا الصَّلَاةُ عَلَى الْعَجَلَةِ إنْ كَانَ طَرَفُ الْعَجَلَةِ عَلَى الدَّابَّةِ وَهِيَ تَسِيرُ أَوْ لَا تَسِيرُ فَهِيَ صَلَاةٌ عَلَى الدَّابَّةِ تَجُوزُ فِي حَالَةِ الْعُذْرِ وَلَا تَجُوزُ فِي غَيْرِ حَالَةِ الْعُذْرِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ طَرَفُ الْعَجَلَةِ عَلَى الدَّابَّةِ جَازَ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الصَّلَاةِ عَلَى السَّرِيرِ انْتَهَى وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْفَرْضِ أَمَّا فِي النَّفْلِ فَيَجُوزُ عَلَى الْمَحْمَلِ وَالْعَجَلَةِ مُطْلَقًا كَمَا لَا يَخْفَى وَفِي الْخُلَاصَةِ وَكَيْفِيَّةُ الصَّلَاةِ عَلَى الدَّابَّةِ أَنْ يُصَلِّيَ بِالْإِيمَاءِ وَيَجْعَلَ السُّجُودَ أَخْفَضَ مِنْ الرُّكُوعِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَضَعَ رَأْسَهُ عَلَى شَيْءٍ سَائِرَةً أَوْ وَاقِفَةً دَابَّتُهُ وَيُصَلُّونَ فُرَادَى فَإِنْ صَلَّوْا بِجَمَاعَةٍ فَصَلَاةُ الْإِمَامِ تَامَّةٌ وَصَلَاةُ الْقَوْمِ فَاسِدَةٌ وَعَنْ مُحَمَّدٍ يَجُوزُ إذَا كَانَ الْبَعْضُ بِجَنْبِ الْبَعْضِ انْتَهَى وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ رَجُلَانِ فِي مَحْمَلٍ وَاحِدٍ فَاقْتَدَى أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ فِي التَّطَوُّعِ أَجْزَأَهُمَا وَهَذَا لَا يُشْكِلُ إذَا كَانَا فِي شِقٍّ وَاحِدٍ وَإِذَا كَانَا فِي شِقَّيْنِ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ قَالَ بَعْضُهُمْ إذَا كَانَ أَحَدُ الشِّقَّيْنِ مَرْبُوطًا بِالْآخَرِ يَجُوزُ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَرْبُوطًا لَا يَجُوزُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَجُوزُ كَيْفَمَا كَانَ إذَا كَانَا عَلَى دَابَّةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا لَوْ كَانَا عَلَى الْأَرْضِ اهـ. وَفِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَلَوْ سَجَدَ عَلَى شَيْءٍ وُضِعَ عِنْدَهُ أَوْ عَلَى سَرْجِهِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الدَّابَّةِ شُرِعَتْ بِالْإِيمَاءِ اهـ. وَيَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ بِحَيْثُ يَخْفِضُ رَأْسَهُ وَإِلَّا فَقَدْ صَرَّحُوا فِي صَلَاةِ الْمَرِيضِ أَنَّهُ لَا يَرْفَعُ إلَى وَجْهِهِ شَيْئًا يَسْجُدُ عَلَيْهِ فَإِنْ فَعَلَ وَهُوَ يَخْفِضُ رَأْسَهُ أَجْزَأَهُ لِوُجُودِ الْإِيمَاءِ وَإِنْ وَضَعَ ذَلِكَ عَلَى جَبْهَتِهِ لَا يُجْزِئُهُ لِانْعِدَامِهِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا (قَوْلُهُ وَبَنَى بِنُزُولِهِ لَا بِعَكْسِهِ) أَيْ إذَا افْتَتَحَ النَّفَلَ رَاكِبًا ثُمَّ نَزَلَ بَنَى وَلَا يَبْنِي إذَا افْتَتَحَهُ نَازِلًا ثُمَّ رَكِبَ لِأَنَّ إحْرَامَ الرَّاكِبِ انْعَقَدَ مُجَوِّزًا لِلرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لِقُدْرَتِهِ عَلَى النُّزُولِ فَإِذَا أَتَى بِهِمَا صَحَّ وَإِحْرَامُ النَّازِلِ انْعَقَدَ مُوجِبًا لِلرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَلَا يَقْدِرُ عَلَى تَرْكِ مَا لَزِمَهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَسْتَقْبِلُ إذَا نَزَلَ أَيْضًا وَكَذَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ إذَا نَزَلَ بَعْدَمَا صَلَّى رَكْعَةً وَالْأَصَحُّ هُوَ الظَّاهِرُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَقَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ بَيَانٌ لِلْوَاقِعِ لَا لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْعُذْرِ فَإِنَّ الْمَنْقُولَ فِي الْخَانِيَّةِ أَنَّ الْمُصَلِّيَ إذَا رَكِبَ الدَّابَّةَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لَهُ ذَلِكَ) قَدْ يُقَالُ بِخِلَافِهِ لِأَنَّ الرَّجُلَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ قَادِرٌ عَلَى النُّزُولِ وَالْعَجْزُ مِنْ الْمَرْأَةِ لَيْسَ عُذْرًا قَائِمًا فِيهِ بَلْ هُوَ قَائِمٌ فِيهَا إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الْكَلَامَ هُوَ عِنْدَ عَدَمِ إمْكَانِ رُكُوبِ الْمَرْأَةِ إذَا نَزَلَ الرَّجُلُ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ يَلْزَمُ مِنْ نُزُولِهِ سُقُوطُ الْمَحْمَلِ عَلَى الْأَرْضِ أَوْ عَقْرُ الْجَمَلِ أَوْ هَلَاكُ الْمَرْأَةِ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ فَيَكُونُ عُذْرًا قَائِمًا فِيهِ رَاجِعًا إلَيْهِ كَخَوْفِهِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَإِذَا صَلَّى عَلَى الدَّابَّةِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ الْفَرْضَ تَأَمَّلْ قُلْت لَا حَاجَةَ لِلتَّأَمُّلِ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْفَرْضِ بِدَلِيلِ بَقِيَّةِ عِبَارَةِ الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ حَالَةِ الْعُذْرِ وَغَيْرِهَا عَلَى أَنَّ الْمُؤَلِّفَ سَيُصَرِّحُ قَرِيبًا بَعْدَ تَمَامِ الْعِبَارَةِ بِذَلِكَ (قَوْلُهُ أَمَّا الصَّلَاةُ عَلَى الْعَجَلَةِ إلَخْ) لِيُنْظَرْ الْفَرْقُ بَيْنَهَا فِي حَالَةِ عَدَمِ السَّيْرِ وَبَيْنَ الْمَحْمَلِ إذَا كَانَ عَلَى عِيدَانٍ عَلَى الْأَرْضِ فَإِنَّ الْعَجَلَةَ الَّتِي طَرَفٌ مِنْهَا عَلَى الدَّابَّةِ مِثْلُ الْمَحْمَلِ إذَا كَانَ عَلَى الدَّابَّةِ وَتَحْتَهُ عِيدَانٌ عَلَى الْأَرْضِ فَلْيُتَأَمَّلْ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِالْعَجَلَةِ غَيْرُ مَعْنَاهَا الْمَشْهُورِ فَإِنَّ الْمَشْهُورَ فِيهَا مَا فِي الْمُغْرِبِ مِنْ أَنَّهَا شَيْءٌ مِثْلُ الْمِحَفَّةِ يُحْمَلُ عَلَيْهَا الْأَثْقَالُ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذِهِ يَكُونُ قَرَارُهَا عَلَى الْأَرْضِ وَلَكِنَّهَا تُرْبَطُ بِحَبْلٍ وَنَحْوِهِ وَتَجُرُّهَا بِهِ الْبَقَرُ أَوْ الْإِبِلُ وَلَكِنْ يُرَادُ بِهَا هُنَا مَا يُسَمَّى فِي عُرْفِنَا تَخْتًا وَهُوَ مِحَفَّةٌ لَهَا أَعْوَادٌ أَرْبَعَةٌ مِنْ طَرَفَيْهَا مِثْلُ النَّعْشِ تُحْمَلُ عَلَى جَمَلَيْنِ أَوْ بَغْلَيْنِ (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ إذْ الْمُنْتَفَى إنَّمَا هُوَ كَوْنُهُ سُجُودًا اهـ. فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَقَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 70 فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَرَدَّ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ تَعْلِيلَ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ النُّزُولَ عَمَلٌ قَلِيلٌ وَالرُّكُوبَ عَمَلٌ كَثِيرٌ بِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ لِأَنَّهُ لَوْ رُفِعَ الْمُصَلِّي وَوُضِعَ عَلَى السَّرْجِ لَا يَبْنِي مَعَ أَنَّ الْعَمَلَ لَمْ يُوجَدْ فَضْلًا عَنْ الْعَمَلِ الْكَثِيرِ وَالْفَرْقُ الصَّحِيحُ مَا فِي الْهِدَايَةِ اهـ. وَأَوْرَدَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّ الْقَوْلَ بِالْبِنَاءِ فِيمَا إذَا نَزَلَ يُؤَدِّي إلَى بِنَاءِ الْقَوِيِّ عَلَى الضَّعِيفِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ كَالْمَرِيضِ إذَا صَلَّى بَعْضَ صَلَاتِهِ بِالْإِيمَاءِ ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الْأَرْكَانِ لَا يَجُوزُ لَهُ الْبِنَاءُ تَحَرُّزًا عَمَّا قُلْنَا وَأَجَابَ بِأَنَّ الْإِيمَاءَ مِنْ الْمَرِيضِ دُونَ الْإِيمَاءِ مِنْ الرَّاكِبِ لِأَنَّ الْإِيمَاءَ مِنْ الْمَرِيضِ بَدَلٌ عَنْ الْأَرْكَانِ وَالْإِيمَاءَ مِنْ الرَّاكِبِ لَيْسَ بِبَدَلٍ عَنْهَا لِأَنَّ الْبَدَلَ فِي الْعِبَادَاتِ اسْمٌ لِمَا يُصَارُ إلَيْهِ عِنْدَ عَجْزِ غَيْرِهِ وَالْمَرِيضُ أَعْجَزَهُ مَرَضُهُ عَنْ الْأَرْكَانِ فَكَانَ الْإِيمَاءُ بَدَلًا عَنْهَا وَالرَّاكِبُ لَمْ يُعْجِزْهُ الرُّكُوبُ عَنْ الْأَرْكَانِ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الِانْتِصَابَ عَلَى الرِّكَابَيْنِ فَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْهُ قِيَامًا وَكَذَلِكَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَخِرَّ رَاكِعًا وَسَاجِدًا وَمَعَ هَذَا أَطْلَقَ الشَّارِعُ فِي الْإِيمَاءِ فَلَا يَكُونُ الْإِيمَاءُ بَدَلًا فَكَانَ قَوِيًّا فِي نَفْسِهِ فَلَا يُؤَدِّي إلَى بِنَاءِ الْقَوِيِّ عَلَى الضَّعِيفِ وَفَرَّقَ فِي الْمُحِيطِ بِوَجْهٍ آخَرَ هُوَ أَنَّ فِي الْمَرِيضِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْتَتِحَ الصَّلَاةَ بِالْإِيمَاءِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَلِذَلِكَ إذَا قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ فِي خِلَالِ صَلَاتِهِ لَا يَبْنِي أَمَّا الرَّاكِبُ هُنَا لَهُ أَنْ يَفْتَتِحَ الصَّلَاةَ بِالْإِيمَاءِ عَلَى الدَّابَّةِ مَعَ الْقُدْرَةِ فَالنُّزُولُ لَا يَمْنَعُهُ مِنْ الْبِنَاءِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ قُلْتُ وَعَلَى هَذَا الْفَرْقِ يَجِبُ أَنْ لَا يَبْنِيَ فِي الْمَكْتُوبَةِ فِيمَا إذَا افْتَتَحَهَا رَاكِبًا ثُمَّ نَزَلَ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْتَتِحَهَا بِالْإِيمَاءِ عَلَى الدَّابَّةِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ فَلِذَلِكَ قَيَّدَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْهِدَايَةِ بِالتَّطَوُّعِ وَذَكَرَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَنَّ اسْتِقْبَالَ الْمَرِيضِ فِيمَا إذَا صَحَّ فِي خِلَالِ صَلَاتِهِ إنَّمَا كَانَ فِي الْمَكْتُوبَةِ وَلَا رِوَايَةَ عَنْهُمْ فِي التَّطَوُّعِ فِي حَقِّ الْمَرِيضِ فَاحْتَمَلَ أَنَّ الْمَرِيضَ لَا يَسْتَقْبِلُ أَيْضًا فِي التَّطَوُّعِ فَحِينَئِذٍ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ يَسْتَقْبِلُ بِخِلَافِ الرَّاكِبِ وَالْفَرْقُ مَا بَيَّنَّاهُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَسُنَّ فِي رَمَضَانَ عِشْرُونَ رَكْعَةً بَعْدَ الْعِشَاءِ قَبْلَ الْوِتْرِ وَبَعْدَهُ بِجَمَاعَةٍ وَالْخَتْمُ مَرَّةً بِجِلْسَةٍ بَعْدَ كُلِّ أَرْبَعٍ بِقَدْرِهَا) بَيَانٌ لِصَلَاةِ التَّرَاوِيحِ وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهَا مَعَ السُّنَنِ الْمُؤَكَّدَةِ قَبْلَ النَّوَافِلِ الْمُطْلَقَةِ لِكَثْرَةِ شُعَبِهَا وَلِاخْتِصَاصِهَا بِحُكْمٍ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ السُّنَنِ وَالنَّوَافِلِ وَهُوَ الْأَدَاءُ بِجَمَاعَةٍ وَالتَّرَاوِيحُ جَمْعُ تَرْوِيحَةٍ وَهِيَ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الِاسْتِرَاحَةِ سُمِّيَتْ بِهِ الْأَرْبَعُ رَكَعَاتٍ الْمَخْصُوصَةِ لِاسْتِلْزَامِهَا اسْتِرَاحَةً بَعْدَهَا كَمَا هُوَ السُّنَّةُ فِيهَا وَصَرَّحَ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّهَا سُنَّةٌ وَصَحَّحَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ وَذَكَرَ فِي الْخُلَاصَةِ أَنَّ الْمَشَايِخَ اخْتَلَفُوا فِي كَوْنِهَا سُنَّةً وَانْقَطَعَ الِاخْتِلَافُ بِرِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا سُنَّةٌ وَذَكَرَ فِي الِاخْتِيَارِ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ سَأَلَ أَبَا حَنِيفَةَ عَنْهَا وَمَا فَعَلَهُ عُمَرُ فَقَالَ التَّرَاوِيحُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَلَمْ، يَتَخَرَّجْهُ عُمَرُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ مُبْتَدِعًا وَلَمْ يَأْمُرْ بِهِ إلَّا عَنْ أَصْلٍ لَدَيْهِ وَعَهْدٍ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُ الْقُدُورِيِّ أَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ كَمَا فَهِمَهُ فِي الْهِدَايَةِ عَنْهُ لِأَنَّهُ إنَّمَا قَالَ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْتَمِعَ النَّاسُ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الِاجْتِمَاعَ مُسْتَحَبٌّ وَلَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ التَّرَاوِيحَ مُسْتَحَبَّةٌ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَفِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَحَكَى غَيْرُ وَاحِدٍ الْإِجْمَاعَ عَلَى سُنِّيَّتِهَا وَقَدْ سَنَّهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَدَبَنَا إلَيْهَا وَأَقَامَهَا فِي بَعْضِ اللَّيَالِي ثُمَّ تَرَكَهَا خَشْيَةَ أَنْ تُكْتَبَ عَلَى أُمَّتِهِ كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا ثُمَّ وَقَعَتْ الْمُوَاظَبَةُ عَلَيْهَا فِي أَثْنَاءِ خِلَافَةِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَوَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ عَامَّةُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كَمَا وَرَدَ ذَلِكَ فِي السُّنَنِ ثُمَّ مَا زَالَ النَّاسُ مِنْ ذَلِكَ الصَّدْرِ إلَى يَوْمِنَا هَذَا عَلَى إقَامَتِهَا مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ وَكَيْفَ لَا وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ» كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَأَطْلَقَهُ فَشَمَلَ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْخَانِيَّةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ وَقَوْلُهُ عِشْرُونَ رَكْعَةً بَيَانٌ لِكَمِّيَّتِهَا وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ لِمَا فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ   [منحة الخالق] أَيْ قَوْلُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ فِي تَعْلِيلِ الْمَسْأَلَةِ. [صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ] (قَوْلُهُ فَشَمَلَ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ) أَيْ خِلَافًا لِمَا قَالَهُ بَعْضُ الرَّوَافِضِ مِنْ أَنَّهَا سُنَّةُ الرِّجَالِ فَقَطْ كَمَا فِي الدُّرَرِ وَعَزَاهُ نُوحٌ أَفَنْدِي إلَى الْكَافِي ثُمَّ قَالَ لَكِنَّ الْمَشْهُورَ عَنْهُمْ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِسُنَّةٍ أَصْلًا قَالَ فِي الْبُرْهَانِ قَدْ اجْتَمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى شَرْعِيَّةِ التَّرَاوِيحِ وَجَوَازِهَا وَلَمْ يُنْكِرْهَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ إلَّا الرَّوَافِضُ اهـ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 71 يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ قَالَ كَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ رَكْعَةً وَعَلَيْهِ عَمِلَ النَّاسُ شَرْقًا وَغَرْبًا لَكِنْ ذَكَرَ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مَا حَاصِلُهُ أَنَّ الدَّلِيلَ يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ السُّنَّةُ مِنْ الْعِشْرِينَ مَا فَعَلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهَا ثُمَّ تَرَكَهُ خَشْيَةَ أَنْ تُكْتَبَ عَلَيْنَا وَالْبَاقِي مُسْتَحَبٌّ وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً بِالْوِتْرِ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ فَإِذَنْ يَكُونُ الْمَسْنُونُ عَلَى أُصُولِ مَشَايِخِنَا ثَمَانِيَةٌ مِنْهَا وَالْمُسْتَحَبُّ اثْنَا عَشَرَ انْتَهَى وَذَكَرَ الْعَلَّامَةُ الْحَلَبِيُّ أَنَّ الْحِكْمَةَ فِي كَوْنِهَا عِشْرِينَ أَنَّ السُّنَنَ شُرِعَتْ مُكَمِّلَاتٍ لِلْوَاجِبَاتِ وَهِيَ عِشْرُونَ بِالْوِتْرِ فَكَانَتْ التَّرَاوِيحُ كَذَلِكَ لِتَقَعَ الْمُسَاوَاةُ بَيْنَ الْمُكَمِّلِ وَالْمُكَمِّلِ انْتَهَى وَأَرَادَ بِالْعِشْرِينِ أَنْ تَكُونَ بِعَشْرِ تَسْلِيمَاتٍ كَمَا هُوَ الْمُتَوَارَثُ يُسَلِّمُ عَلَى رَأْسِ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ فَلَوْ صَلَّى الْإِمَامُ أَرْبَعًا بِتَسْلِيمَةٍ وَلَمْ يَقْعُدْ فِي الثَّانِيَةِ فَأَظْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ عَدَمُ الْفَسَادِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا هَلْ تَنُوبُ عَنْ تَسْلِيمَةٍ أَوْ تَسْلِيمَتَيْنِ قَالَ أَبُو اللَّيْثِ تَنُوبُ عَنْ تَسْلِيمَتَيْنِ وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَابْنُ الْفَضْلِ تَنُوبُ عَنْ وَاحِدَةٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالْخَانِيَّةِ وَفِي الْمُجْتَبَى وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَلَوْ قَعَدَ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجُوزُ عَنْ تَسْلِيمَتَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ الْعَامَّةِ وَفِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي إذَا شَكُّوا أَنَّهُمْ صَلَّوْا تِسْعَ تَسْلِيمَاتٍ أَوْ عَشْرَ تَسْلِيمَاتٍ فَفِيهِ اخْتِلَافٌ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ بِتَسْلِيمَةٍ أُخْرَى فُرَادَى وَلَوْ سَلَّمَ الْإِمَامُ عَلَى رَأْسِ رَكْعَةٍ سَاهِيًا فِي الشَّفْعِ الْأَوَّلِ ثُمَّ صَلَّى مَا بَقِيَ عَلَى وَجْهِهَا قَالَ مَشَايِخُ بُخَارَى يَقْضِي الشَّفْعَ الْأَوَّلَ لَا غَيْرَ وَقَالَ مَشَايِخُ سَمَرْقَنْدَ عَلَيْهِ قَضَاءُ الْكُلِّ وَهَذَا إذَا لَمْ يَفْعَلْ بَعْدَ السَّلَامِ الْمَذْكُورِ شَيْئًا مِمَّا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ مِنْ أَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ أَوْ كَلَامٍ أَمَّا إذَا فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا قَضَاءُ الشَّفْعِ الْأَوَّلِ لَا غَيْرَ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمَا وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ صَلَّى التَّرَاوِيحَ كُلَّهَا بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ وَقَدْ قَعَدَ عَلَى رَأْسِ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَجُوزُ عَنْ الْكُلِّ لِأَنَّهُ قَدْ أَكْمَلَ الصَّلَاةَ وَلَمْ يُخِلَّ بِشَيْءٍ مِنْ الْأَرْكَانِ إلَّا أَنَّهُ جَمَعَ الْمُتَفَرِّقَ وَاسْتَدَامَ التَّحْرِيمَةَ فَكَانَ أَوْلَى بِالْجَوَازِ لِأَنَّهُ أَشَقُّ وَأَتْعَبُ لِلْبَدَنِ انْتَهَى وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَكْرَهُ وَقَدْ صَرَّحَ بِعَدَمِ الْكَرَاهَةِ فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ لِمُخَالَفَتِهِ الْمُتَوَارَثَ مَعَ تَصْرِيحِهِمْ بِكَرَاهَةِ الزِّيَادَةِ عَلَى ثَمَانٍ فِي مُطْلَقِ التَّطَوُّعِ لَيْلًا فَلَأَنْ يَكْرَهَ هُنَا أَوْلَى فَلِهَذَا نَقَلَ الْعَلَّامَةُ الْحَلَبِيُّ أَنَّ فِي النِّصَابِ وَخِزَانَةِ الْفَتَاوَى الصَّحِيحَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ إلَخْ) أَيْ الْحَدِيثُ السَّابِقُ عِنْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ وَالْأَفْضَلُ فِيهِمَا رُبَاعُ وَفِيهِ مَا كَانَ يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلَا غَيْرِهِ عَلَى إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً قَالَ فِي الْفَتْحِ وَأَمَّا مَا رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ وَالطَّبَرَانِيُّ وَعِنْدَ الْبَيْهَقِيّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ يُصَلِّي فِي رَمَضَانَ عِشْرِينَ رَكْعَةً سِوَى الْوِتْرِ» فَضَعِيفٌ بِأَبِي شَيْبَةَ إبْرَاهِيمَ بْنِ عُثْمَانَ جَدِّ الْإِمَامِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ مُتَّفَقٌ عَلَى ضَعْفِهِ مَعَ مُخَالَفَتِهِ لِلصَّحِيحِ اهـ. قُلْت: أَمَّا مُخَالَفَتُهُ لِلصَّحِيحِ فَقَدْ يُجَابُ عَنْهَا بِأَنَّ مَا فِي الصَّحِيحِ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا هُوَ الْغَالِبُ مِنْ أَحْوَالِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذَا كَانَ لَيْلَتَيْنِ فَقَطْ ثُمَّ تَرَكَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَلِذَا لَمْ تَذْكُرْهُ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - وَأَمَّا تَضْعِيفُ الْحَدِيثِ بِمَنْ ذَكَرَ فَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ اعْتَضَدَ بِمَا مَرَّ مِنْ نَقْلِ الْإِجْمَاعِ عَلَى سُنِّيَّتِهَا مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ مَعَ قَوْلِ الْإِمَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّ مَا فَعَلَهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يَتَخَرَّجْهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ مُبْتَدِعًا وَلَمْ يَأْمُرْ بِهِ إلَّا عَنْ أَصْلٍ لَدَيْهِ وَعُهِدَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هـ فَتَأَمَّلْ مُنَصَّفًا (قَوْلُهُ ثُمَّ اخْتَلَفُوا إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَقُولُ: عَلَى الْقَوْلَيْنِ يَجِبُ سُجُودُ السَّهْوِ فَتَأَمَّلْ اهـ. قُلْت: هَذَا فِي السَّهْوِ أَمَّا الْعَمْدُ فَسَيَأْتِي أَنَّ انْجِبَارَهُ بِالسُّجُودِ ضَعِيفٌ (قَوْلُهُ وَالصَّحِيحُ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ إنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِكَرَاهَةِ الْإِمَامَةِ فِي النَّفْلِ فِي غَيْرِ التَّرَاوِيحِ فَلِمَا احْتَمَلَ أَنَّهَا عَشْرَةٌ وَهَذِهِ زَائِدَةٌ عَلَيْهَا كَانَ الْأَفْضَلُ كَوْنَهَا فُرَادَى (قَوْلُهُ ثُمَّ صَلَّى مَا بَقِيَ عَلَى وَجْهِهَا) أَيْ قَبْلَ أَنْ يُعِيدَ ذَلِكَ الشَّفْعَ (قَوْلُهُ يَقْضِي الشَّفْعَ الْأَوَّلَ لَا غَيْرَ) أَيْ لِأَنَّ كُلَّ شَفْعٍ صَلَاةٌ عَلَى حِدَةٍ وَقَدْ خَرَجَ مِنْ الشَّفْعِ الْأَوَّلِ بِشُرُوعِهِ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي فَلَا يَفْسُدُ مَا بَعْدَ الشَّفْعِ الْأَوَّلِ فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا قَضَاؤُهُ (قَوْلُهُ عَلَيْهِ قَضَاءُ الْكُلِّ) أَيْ كُلُّ التَّرَاوِيحِ لِفَسَادِهَا كُلِّهَا لِأَنَّ ذَلِكَ السَّلَامَ لَا يُخْرِجُهُ مِنْ حُرْمَةِ الصَّلَاةِ لِكَوْنِهِ سَهْوًا فَإِذَا قَامَ إلَى الشَّفْعِ الثَّانِي صَحَّ شُرُوعُهُ فِيهِ وَكَانَ قُعُودُهُ فِيهِ عَلَى الثَّالِثَةِ فَإِذَا سَلَّمَ كَانَ سَلَامُهُ سَهْوًا بِنَاءً عَلَى السَّهْوِ الْأَوَّلِ فَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ الصَّلَاةِ وَلَا يَصِحُّ شُرُوعُهُ فِي الشَّفْعِ الثَّالِثِ وَحَصَلَ قُعُودُهُ وَسَلَامُهُ فِيهِ عَلَى الْخَامِسَةِ سَهْوًا وَهَكَذَا إلَى آخِرِ الْأَشْفَاعِ فَقَدْ تَرَكَ الْقَعْدَةَ عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ فِي الْأَشْفَاعِ كُلِّهَا فَتَفْسُدُ بِأَسْرِهَا وَقَيَّدَ بِالسَّلَامِ سَاهِيًا لِأَنَّهُ لَوْ سَلَّمَ عَمْدًا لَا يَلْزَمُهُ إلَّا قَضَاءُ الشَّفْعِ الْأَوَّلِ إجْمَاعًا وَفُهِمَ مِنْ التَّوْجِيهِ الْمَذْكُورِ أَنَّ الْحُكْمَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَتَذَكَّرْ أَنَّهُ سَلَّمَ فِي الْأَوَّلِ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَةِ إلَى أَنْ أَتَمَّ التَّرَاوِيحَ حَتَّى لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ سَهَا وَسَلَّمَ عَلَى رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ صَحَّ مَا صَلَّاهُ بَعْدَ الْعِلْمِ سِوَى رَكْعَتَيْنِ لِكَوْنِ سَلَامِهِ بَعْدَهُمَا عَمْدًا لَا سَهْوًا فَكَانَ مُخْرِجًا لَهُ عَنْ التَّحْرِيمَةِ وَإِنْ كَانَ عَلَى وِتْرٍ فَلْيُتَأَمَّلْ كَذَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ لِلشَّيْخِ إبْرَاهِيمَ الْحَلَبِيِّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 72 أَنَّهُ لَوْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ يُكْرَهُ فَلَوْ لَمْ يَقْعُدْ إلَّا فِي آخِرِهَا فَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ عَنْ تَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ فِيمَا لَوْ صَلَّى أَرْبَعًا بِتَسْلِيمَةٍ فَكَذَلِكَ هُنَا وَقَوْلُهُ بَعْدَ الْعِشَاءِ قَبْلَ الْوِتْرِ وَبَعْدَهُ بَيَانٌ لِوَقْتِهَا وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ الْأَوَّلُ مَا اخْتَارَهُ إسْمَاعِيلُ الزَّاهِدِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ بُخَارَى أَنَّ اللَّيْلَ كُلَّهُ وَقْتٌ لَهَا قَبْلَ الْعِشَاءِ وَبَعْدَهُ وَقَبْلَ الْوِتْرِ وَبَعْدَهُ لِأَنَّهَا قِيَامُ اللَّيْلِ وَلَمْ أَرَ مَنْ صَحَّحَهُ الثَّانِي مَا قَالَهُ عَامَّةُ مَشَايِخِ بُخَارَى وَقْتُهَا مَا بَيْنَ الْعِشَاءِ إلَى الْوِتْرِ وَصَحَّحَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَرَجَّحَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِأَنَّ الْحَدِيثَ وَرَدَ كَذَلِكَ وَكَانَ أُبَيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُصَلِّي بِهِمْ التَّرَاوِيحَ كَذَلِكَ الثَّالِثُ مَا اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَعَزَاهُ فِي الْكَافِي إلَى الْجُمْهُورِ وَصَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْخَانِيَّةِ وَالْمُحِيطِ لِأَنَّهَا نَوَافِلُ سُنَّتْ بَعْدَ الْعِشَاءِ وَثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا لَوْ صَلَّاهَا قَبْلَ الْعِشَاءِ فَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ هِيَ صَلَاةُ التَّرَاوِيحِ وَعَلَى الْأَخِيرَيْنِ لَا وَفِيمَا إذَا صَلَّاهَا بَعْدَ الْوِتْرِ فَعَلَى الثَّانِي لَا وَعَلَى الثَّالِثِ نَعَمْ هِيَ صَلَاةُ التَّرَاوِيحِ وَتَظْهَرُ فِيمَا إذَا فَاتَتْهُ تَرْوِيحَةٌ أَوْ تَرْوِيحَتَانِ وَلَوْ اشْتَغَلَ بِهَا يَفُوتُهُ الْوِتْرُ بِالْجَمَاعَةِ فَعَلَى الْأَوَّلِ يَشْتَغِلُ بِالْوِتْرِ ثُمَّ يُصَلِّي مَا فَاتَهُ مِنْ التَّرَاوِيحِ وَعَلَى الثَّانِي يَشْتَغِلُ بِالتَّرْوِيحَةِ الْفَائِتَةِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْإِتْيَانُ بَعْدَ الْوِتْرِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الثَّالِثُ كَالثَّانِي كَمَا لَا يَخْفَى وَلَوْ فَاتَتْهُ تَرْوِيحَةٌ وَخَافَ لَوْ اشْتَغَلَ بِهَا تَفُوتُهُ مُتَابَعَةُ الْإِمَامِ فَمُتَابَعَةُ الْإِمَامِ أَوْلَى وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِيمَا لَوْ تَذَكَّرَ تَسْلِيمَةً بَعْدَ الْوِتْرِ فَقِيلَ لَا يُصَلُّونَ بِجَمَاعَةٍ وَقِيلَ يُصَلُّونَ بِهَا كَمَا فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُفَرَّعًا عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَيُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُ التَّرَاوِيحِ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ وَالْأَفْضَلُ اسْتِيعَابُ أَكْثَرَ اللَّيْلِ بِالتَّرَاوِيحِ فَإِنْ أَخَّرُوهَا إلَى مَا بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ وَإِذَا فَاتَتْ التَّرَاوِيحُ لَا تُقْضَى بِجَمَاعَةٍ وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا لَا تُقْضَى أَصْلًا فَإِنْ قَضَاهَا وَحْدَهُ كَانَ نَفْلًا مُسْتَحَبًّا لَا تَرَاوِيحَ كَسُنَّةِ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَقَوْلُهُ بِجَمَاعَةٍ مُتَعَلِّقٌ بِسُنَّ بَيَانٌ لِكَوْنِ الْجَمَاعَةِ سُنَّةً فِيهَا وَفِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ الْأَوَّلُ مَا اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ سُنَّةٌ عَلَى الْأَعْيَانِ حَتَّى أَنَّ مَنْ صَلَّى التَّرَاوِيحَ مُنْفَرِدًا فَقَدْ أَسَاءَ لِتَرْكِهِ السُّنَّةَ وَإِنْ صُلِّيَتْ فِي الْمَسَاجِدِ وَبِهِ كَانَ يُفْتِي ظَهِيرُ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيُّ لِصَلَاتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إيَّاهَا بِالْجَمَاعَةِ وَبَيَانُ الْعُذْرِ فِي تَرْكِهَا الثَّانِي مَا اخْتَارَهُ الطَّحَاوِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ حَيْثُ قَالَ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلِّيَ التَّرَاوِيحَ فِي بَيْتِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فَقِيهًا عَظِيمًا يُقْتَدَى بِهِ فَيَكُونُ فِي حُضُورِهِ تَرْغِيبٌ لِغَيْرِهِ وَفِي امْتِنَاعِهِ تَقْلِيلُ الْجَمَاعَةِ مُسْتَدِلًّا بِحَدِيثِ «أَفْضَلُ صَلَاةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ» وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ كَمَا فِي الْكَافِي الثَّالِثُ مَا صَحَّحَهُ فِي الْمُحِيطِ وَالْخَانِيَّةِ وَاخْتَارَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْمَشَايِخِ عَلَى مَا فِي الذَّخِيرَةِ وَقَوْلُ الْجُمْهُورِ عَلَى مَا فِي الْكَافِي إنَّ إقَامَتَهَا بِالْجَمَاعَةِ سُنَّةٌ عَلَى الْكِفَايَةِ حَتَّى لَوْ تَرَكَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ كُلُّهُمْ الْجَمَاعَةَ فَقَدْ أَسَاءُوا وَأَثِمُوا وَإِنْ أُقِيمَتْ التَّرَاوِيحُ بِالْجَمَاعَةِ فِي الْمَسْجِدِ وَتَخَلَّفَ عَنْهَا أَفْرَادُ النَّاسِ وَصَلَّى فِي بَيْتِهِ لَمْ يَكُنْ مُسِيئًا لِأَنَّ أَفْرَادَ الصَّحَابَةِ يُرْوَى عَنْهُمْ التَّخَلُّفُ كَابْنِ عُمَرَ عَلَى مَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ وَالْجَوَابُ عَنْ دَلِيلِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّ قِيَامَ رَمَضَانَ مُسْتَثْنًى مِنْ الْحَدِيثِ لِفِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إيَّاهُ فِي الْمَسْجِدِ ثُمَّ فِعْلِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ بَعْدَهُ إذْ لَا يُخْتَارُ الْمَفْضُولُ وَيُجْمِعُونَ عَلَيْهِ وَأَمَّا مَنْ تَخَلَّفَ مِنْ الصَّحَابَةِ فَإِمَّا لِعُذْرٍ أَوْ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ فِي اجْتِهَادِهِ وَهُوَ مُعَارَضٌ بِمَا هُوَ أَوْلَى مِنْهُ وَهُوَ اتِّفَاقُ الْجَمِّ الْغَفِيرِ عَلَى خِلَافِهِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ اتَّفَقَا عَلَى أَفْضَلِيَّتِهَا وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي الْإِسَاءَةِ بِالتَّرْكِ مِنْ الْبَعْضِ وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي الْجَمَاعَةِ وَلَمْ يُقَيِّدْهَا بِالْمَسْجِدِ لِمَا فِي الْكَافِي وَالصَّحِيحُ أَنَّ لِلْجَمَاعَةِ فِي بَيْتِهِ فَضِيلَةً وَلِلْجَمَاعَةِ فِي الْمَسْجِدِ فَضِيلَةً أُخْرَى فَهُوَ حَازَ إحْدَى الْفَضِيلَتَيْنِ وَتَرَكَ الْفَضِيلَةَ الْأُخْرَى انْتَهَى وَفِي الْخُلَاصَةِ إذَا صَلَّى التَّرْوِيحَةَ الْوَاحِدَةَ إمَامَانِ كُلُّ إمَامٍ رَكْعَتَيْنِ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ وَلَكِنْ كُلُّ تَرْوِيحَةٍ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ كَالثَّانِي) صَوَابُهُ كَالْأَوَّلِ كَمَا رَأَيْته فِي بَعْضِ النُّسَخِ مُصَلَّحًا وَمَا بَحَثَهُ هُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَيُبْتَنَى عَلَى أَنَّهَا تَجُوزُ بَعْدَ الْوِتْرِ أَمْ لَا إنَّهُ إنْ فَاتَتْهُ إلَخْ ثُمَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحُكْمِ الْمَذْكُورِ اللُّزُومُ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى التَّفْرِيعِ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْإِتْيَانُ بَعْدَ الْوِتْرِ أَمَّا إنْ أُرِيدَ الْأَوْلَوِيَّةُ فَإِنَّهُ يَأْتِي فِيهِ الْخِلَافُ الْآتِي فِي أَنَّ الْأَفْضَلَ الْإِتْيَانُ بِالْوِتْرِ بِالْجَمَاعَةِ أَمْ فِي الْمَنْزِلِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَلَكِنْ قَدْ عَلِمْت أَنَّ مَبْنَى الْكَلَامِ عَلَى اللُّزُومِ فَهُوَ يُؤَكِّدُ أَنَّ الصَّوَابَ فِي الْعِبَارَةِ مَا قُلْنَا لِأَنَّهُ لَا لُزُومَ عَلَى الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُفَرَّعًا) أَيْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا الْخِلَافُ مُفَرَّعًا عَلَى الْخِلَافِ فِي وَقْتِهَا فَمَنْ قَالَ لَا يُصَلُّونَ بِجَمَاعَةٍ يَكُونُ قَدْ بَنَاهُ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي وَمَنْ قَالَ يُصَلُّونَ بِهَا يَكُونُ قَدْ بَنَاهُ عَلَى الثَّالِثِ وَاسْتَظْهَرَ الثَّانِيَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ قَالَ لِأَنَّهُ بِنَاءٌ عَلَى الْقَوْلِ الْمُخْتَارِ فِي وَقْتِهَا وَقَدْ عَلِمْت مِنْ هَذَا نُكْتَةً اقْتِصَارُهُ عَلَى الثَّالِثِ دُونَ أَنْ يَذْكُرَ مَعَهُ الْأَوَّلَ أَيْضًا لِمَا مَرَّ مِنْ عَدَمِ تَصْحِيحِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 73 يُؤَدِّيهَا إمَامٌ وَاحِدٌ إمَامٌ يُصَلِّي التَّرَاوِيحَ فِي مَسْجِدَيْنِ كُلُّ مَسْجِدٍ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَا يَتَكَرَّرُ وَلَوْ اقْتَدَى بِالْإِمَامِ فِي التَّرَاوِيحِ وَهُوَ قَدْ صَلَّى مَرَّةً لَا بَأْسَ بِهِ وَيَكُونُ هَذَا اقْتِدَاءُ الْمُتَطَوِّعُ بِمَنْ يُصَلِّي السُّنَّةَ وَلَوْ صَلَّوْا التَّرَاوِيحَ ثُمَّ أَرَادُوا أَنْ يُصَلُّوا ثَانِيًا يُصَلُّونَ فُرَادَى انْتَهَى وَقَوْلُهُ وَالْخَتْمُ مَرَّةً مَعْطُوفٌ عَلَى عِشْرُونَ بَيَانٌ لِسُنَّةِ الْقِرَاءَةِ فِيهَا وَفِيهِ اخْتِلَافٌ وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ السُّنَّةَ الْخَتْمُ مَرَّةً فَلَا يُتْرَكُ لِكَسَلِ الْقَوْمِ وَيُخْتَمُ فِي اللَّيْلَةِ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ لِكَثْرَةِ الْإِخْبَارِ أَنَّهَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ وَمَرَّتَيْنِ فَضِيلَةٌ وَثَلَاثُ مَرَّاتٍ فِي كُلِّ عَشْرٍ مَرَّةً أَفْضَلُ كَذَا فِي الْكَافِي وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ وَالِاخْتِيَارُ أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَقْرَأَ فِيهَا مِقْدَارَ مَا لَا يُؤَدِّي إلَى تَنْفِيرِ الْقَوْمِ فِي زَمَانِنَا لِأَنَّ تَكْثِيرَ الْجَمْعِ أَفْضَلُ مِنْ تَطْوِيلِ الْقِرَاءَةِ وَفِي الْمُجْتَبَى وَالْمُتَأَخِّرُونَ كَانُوا يُفْتُونَ فِي زَمَانِنَا بِثَلَاثِ آيَاتٍ قِصَارٍ أَوْ آيَةٍ طَوِيلَةٍ حَتَّى لَا يَمَلَّ الْقَوْمُ وَلَا يَلْزَمُ تَعْطِيلُهَا وَهَذَا حَسَنٌ فَإِنَّ الْحَسَنَ رَوَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إنْ قَرَأَ فِي الْمَكْتُوبَةِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ ثَلَاثَ آيَاتٍ فَقَدْ أَحْسَنَ وَلَمْ يُسِئْ هَذَا فِي الْمَكْتُوبَةِ فَمَا ظَنُّك فِي غَيْرِهَا اهـ. وَفِي التَّجْنِيسِ ثُمَّ بَعْضُهُمْ اعْتَادُوا قِرَاءَةَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَبَعْضُهُمْ اخْتَارُوا قِرَاءَةَ سُورَةِ الْفِيلِ إلَى آخِرِ الْقُرْآنِ وَهَذَا حَسَنٌ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَبَهُ عَلَيْهِ عَدَدٌ الرَّكَعَاتِ وَلَا يَشْتَغِلُ قَلْبُهُ بِحِفْظِهَا فَيَتَفَرَّغُ لِلتَّدَبُّرِ وَالتَّفَكُّرِ اهـ. وَصَرَّحَ فِي الْهِدَايَةِ بِأَنَّ أَكْثَرَ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّ السُّنَّةَ فِيهَا الْخَتْمُ وَفِي مُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ أَنْ يَقْرَأَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ عَشْرَ آيَاتٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ السُّنَّةَ فِيهَا الْخَتْمُ لِأَنَّ جَمِيعَ عَدَدِ الرَّكَعَاتِ فِي جَمِيعِ الشَّهْرِ سِتُّمِائَةِ رَكْعَةٍ وَجَمِيعُ آيَاتِ الْقُرْآنِ سِتَّةُ آلَافٍ اهـ. وَنَصَّ فِي الْخَانِيَّةِ عَلَى أَنَّهُ الصَّحِيحُ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَغَيْرِهِ وَإِذَا كَانَ إمَامُ مَسْجِدِ حَيِّهِ لَا يَخْتِمُ فَلَهُ أَنْ يَتْرُكَ إلَى غَيْرِهِ فَالْحَاصِلُ أَنْ الْمُصَحَّحَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ الْخَتْمَ سُنَّةٌ لَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمُ تَرْكِهِ إذَا لَزِمَ مِنْهُ تَنْفِيرُ الْقَوْمِ وَتَعْطِيلُ كَثِيرٍ مِنْ الْمَسَاجِدِ خُصُوصًا فِي زَمَانِنَا فَالظَّاهِرُ اخْتِيَارُ الْأَخَفِّ عَلَى الْقَوْمِ كَمَا تَفْعَلُهُ الْأَئِمَّةُ فِي زَمَانِنَا مِنْ بُدَاءَتِهِمْ بِقِرَاءَةِ سُورَةِ التَّكَاثُرِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَبِقِرَاءَتِهِمْ سُورَةَ الْإِخْلَاصِ فِي الثَّانِيَةِ إلَى أَنْ تَكُونَ قِرَاءَتُهُمْ فِي الرَّكْعَةِ التَّاسِعَةَ عَشْرَ سُورَةَ تَبَّتْ وَفِي الْعِشْرِينَ سُورَةَ الْإِخْلَاصِ وَلَيْسَ فِيهِ كَرَاهَةٌ فِي الشَّفْعِ الْأَوَّلِ مِنْ التَّرْوِيحَةِ الْأَخِيرَةِ بِسَبَبِ الْفَصْلِ بَيْنَ الرَّكْعَتَيْنِ بِسُورَةٍ وَاحِدَةٍ لِأَنَّهُ خَاصٌّ بِالْفَرَائِضِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا إلَّا أَنَّهُ قَدْ زَادَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ مِنْ فِعْلِهَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مُنْكَرَاتٍ مِنْ هَذْرَمَةِ الْقِرَاءَةِ وَعَدَمِ الطُّمَأْنِينَةِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَفِيمَا بَيْنَهُمَا وَفِيمَا بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ مَعَ اشْتِمَالِهَا عَلَى تَرْكِ الثَّنَاءِ وَالتَّعَوُّذِ وَالْبَسْمَلَةِ فِي أَوَّلِ كُلِّ شَفْعٍ وَتَرْكِ الِاسْتِرَاحَةِ فِيمَا بَيْنَ كُلِّ تَرْوِيحَتَيْنِ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَالْأَفْضَلُ التَّعْدِيلُ فِي الْقِرَاءَةِ بَيْنَ التَّسْلِيمَاتِ كَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّ فَضْلَ الْبَعْضِ عَلَى الْبَعْضِ فِي الْقِرَاءَةِ لَا بَأْسَ بِهِ أَمَّا التَّسْلِيمَةُ الْوَاحِدَةُ إنَّ فَضْلَ الثَّانِيَةِ عَلَى الْأُولَى لَا شَكَّ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ وَإِنَّ فَضْلَ الْأُولَى عَلَى الثَّانِيَةِ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْفَرْضِ الْإِمَامُ إذَا فَرَغَ مِنْ التَّشَهُّدِ فِي التَّرَاوِيحِ إنْ عَلِمَ أَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى قَدْرِ التَّشَهُّدِ لَا تُثْقِلُ يَأْتِي بِالدَّعَوَاتِ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهَا تُثْقِلُ يَقْتَصِرُ عَلَى الصَّلَاةِ لِأَنَّ الصَّلَاةَ فَرْضٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فَيُحْتَاطُ اهـ. وَعَلَّلَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّ الصَّلَاةَ فَرْضٌ أَوْ سُنَّةٌ وَلَا تُتْرَكُ السُّنَنُ لِلْجَمَاعَاتِ كَالتَّسْبِيحَاتِ اهـ. وَقَوْلُهُ بِجِلْسَةٍ مُتَعَلِّقٌ بِسُنَّ بَيَانٌ لِكَوْنِهِ سُنَّةً فِيهَا وَتَعَقَّبَهُ الشَّارِحُ بِأَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ لَا سُنَّةٌ وَصَرَّحَ فِي الْهِدَايَةِ بِاسْتِحْبَابِهِ بَيْنَ التَّرْوِيحَتَيْنِ وَبَيْنَ الْخَامِسَةِ وَبَيْنَ الْوِتْرِ لِعَادَةِ أَهْلِ الْحَرَمَيْنِ وَاسْتَحْسَنَ الْبَعْضُ الِاسْتِرَاحَةَ عَلَى خَمْسِ تَسْلِيمَاتٍ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ اهـ. وَفِي الْكَافِي وَالِاسْتِرَاحَةُ عَلَى خَمْسِ تَسْلِيمَاتٍ تُكْرَهُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ لِأَنَّهُ خِلَافُ عَمَلِ أَهْلِ الْحَرَمَيْنِ اهـ. وَذَكَرَ الْعَلَّامَةُ الْحَلَبِيُّ وَيُعْرَفُ مِنْ هَذَا كَرَاهَةُ تَرْكِ الِاسْتِرَاحَةِ مِقْدَارَ تَرْوِيحَةٍ عَلَى رَأْسِ سَائِرِ الْأَشْفَاعِ كَمَا هُوَ شَأْنُ أَكْثَرِ أَئِمَّةِ أَهْلِ زَمَانِنَا فِي الْبِلَادِ الشَّامِيَّةِ وَالْمِصْرِيَّةِ بِطَرِيقِ   [منحة الخالق] أَحَدٍ لَهُ فَالظَّاهِرُ بِنَاءُ هَذَا الْقَوْلِ عَلَى الثَّالِثِ فَقَطْ وَإِنْ صَحَّ بِنَاؤُهُ عَلَى الْأَوَّلِ أَيْضًا تَدَبَّرْ (قَوْلُهُ مَعْطُوفٌ عَلَى عِشْرُونَ) أَيْ فَهُوَ مَرْفُوعٌ وَالْأَظْهَرُ الْجَرُّ عَطْفًا عَلَى جَمَاعَةٍ لِيَكُونَ نَصًّا فِي سُنِّيَّةِ الْخَتْمِ فِي الصَّلَاةِ (قَوْلُهُ وَلَيْسَ فِيهِ كَرَاهَةٌ فِي الشَّفْعِ الْأَوَّلِ مِنْ التَّرْوِيحَةِ الْأَخِيرَةِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ لِقِرَاءَتِهِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِنْهُ بِالنَّصْرِ وَفِي الثَّانِيَةِ مِنْهُ بِالْإِخْلَاصِ وَفِيهِ فَصْلٌ بِسُورَةِ تَبَّتْ (قَوْلُهُ وَتَعَقَّبَهُ الشَّارِحُ بِأَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ لَا سُنَّةٌ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي نَدْبِهَا عَلَى رَأْسِ الْخَامِسَةِ لَكِنْ فِي الْخُلَاصَةِ أَكْثَرُهُمْ عَلَى عَدَمِ الِاسْتِحْبَابِ وَهُوَ الصَّحِيحُ اهـ. قُلْت إنْ أَرَادَ مِنْ الْخَامِسَةِ التَّسْلِيمَةَ الْخَامِسَةَ وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الْآتِيَةُ عَنْ الْكَافِي فَمَا ادَّعَاهُ مِنْ الظُّهُورِ مَمْنُوعٌ إذْ لَا تَعَرُّضَ لَهُ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ أَصْلًا وَإِنْ أَرَادَ مِنْهَا التَّرْوِيحَةَ الْخَامِسَةَ فَكَلَامُ الْخُلَاصَةِ لَيْسَ فِيهَا لِأَنَّ نَصَّ عِبَارَةِ الْخُلَاصَةِ هَكَذَا وَالِاسْتِرَاحَةُ عَلَى خَمْسِ تَسْلِيمَاتٍ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ وَهُوَ الصَّحِيحُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 74 أَوْلَى اهـ. وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ لِأَنَّ الِاسْتِرَاحَةَ لَمْ تُوجَدْ أَصْلًا فِي مَسْأَلَةِ الْكَافِي إلَّا عَلَى خَمْسِ تَسْلِيمَاتٍ مَعَ أَنَّهَا لَيْسَتْ مَحَلَّ الِاسْتِرَاحَةِ وَلِهَذَا قَالَ الْإِمَامُ حُسَامُ الدَّيْنِ فِي تَأْلِيفٍ لَهُ خَاصٌّ بِالتَّرَاوِيحِ لِاسْتِرَاحَةٍ عَلَى خَمْسِ تَسْلِيمَاتٍ لَا تُسْتَحَبُّ عَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فَإِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ إلَّا عِنْدَ تَمَامِ كُلِّ تَرْوِيحَةٍ وَهِيَ خَمْسُ تَرْوِيحَاتٍ اهـ. بِخِلَافِ فِعْلِ الْأَئِمَّةِ فَإِنَّ الِاسْتِرَاحَةَ قَدْ وُجِدَتْ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَامَّةً فَكَيْفَ تَكُونُ مَكْرُوهَةً بِالْأَوْلَى وَقَدْ قَالُوا أَنَّهُمْ مُخَيَّرُونَ فِي حَالَةِ الْجُلُوسِ إنْ شَاءُوا سَبَّحُوا وَإِنْ شَاءُوا قَرَءُوا الْقُرْآنَ وَإِنْ شَاءُوا صَلُّوا أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فُرَادَى وَإِنْ شَاءُوا قَعَدُوا سَاكِتِينَ وَأَهْلُ مَكَّةَ يَطُوفُونَ أُسْبُوعًا وَيُصَلُّونَ رَكْعَتَيْنِ وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ يُصَلُّونَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فُرَادَى وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّهُ لَوْ قَالَ بِانْتِظَارٍ بَعْدَ كُلِّ تَرْوِيحَةٍ بَدَلَ قَوْلِهِ بِجِلْسَةٍ لَكَانَ أَوْلَى وَفِي الْخَانِيَّةِ يُكْرَهُ لِلْمُقْتَدِي أَنْ يَقْعُدَ فِي التَّرَاوِيحِ فَإِذَا أَرَادَ الْإِمَامُ أَنْ يَرْكَعَ يَقُومُ لِأَنَّ فِيهِ إظْهَارَ التَّكَاسُلِ فِي الصَّلَاةِ وَالتَّشَبُّهَ بِالْمُنَافِقِينَ قَالَ تَعَالَى {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى} [النساء: 142] اهـ. (قَوْلُهُ وَيُوتِرُ بِجَمَاعَةٍ فِي رَمَضَانَ فَقَطْ) أَيْ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْبَابِ وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْأَفْضَلِ فَفِي الْخَانِيَّةِ الصَّحِيحُ أَنَّ أَدَاءَ الْوِتْرِ بِجَمَاعَةٍ فِي رَمَضَانَ أَفْضَلُ لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يَؤُمُّهُمْ فِي الْوِتْرِ وَفِي النِّهَايَةِ اخْتَارَ عُلَمَاؤُنَا أَنْ يُوتِرَ فِي مَنْزِلِهِ لَا بِجَمَاعَةٍ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ لَمْ يَجْتَمِعُوا عَلَى الْوِتْرِ بِجَمَاعَةٍ فِي رَمَضَانَ كَمَا اجْتَمَعُوا عَلَى التَّرَاوِيحِ لِأَنَّ عُمَرَ كَانَ يَؤُمُّهُمْ فِيهِ فِي رَمَضَانَ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ كَانَ لَا يَؤُمُّهُمْ اهـ وَرَجَّحَ الْأَوَّلَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ أَوْتَرَ بِهِمْ ثُمَّ بَيَّنَ الْعُذْرَ فِي تَأَخُّرِهِ عَنْ مِثْلِ مَا صَنَعَ فِيمَا مَضَى فَالْوِتْرُ كَالتَّرَاوِيحِ فَكَمَا أَنَّ الْجَمَاعَةَ فِيهَا سُنَّةٌ فَكَذَلِكَ فِي الْوِتْرِ وَلَوْ صَلَّوْا الْوِتْرَ بِجَمَاعَةٍ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ فَهُوَ صَحِيحٌ مَكْرُوهٌ كَالتَّطَوُّعِ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ بِجَمَاعَةٍ وَقَيَّدَهُ فِي الْكَافِي بِأَنْ يَكُونَ عَلَى سَبِيلِ التَّدَاعِي أَمَّا لَوْ اقْتَدَى وَاحِدٌ بِوَاحِدٍ أَوْ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ لَا يُكْرَهُ وَإِذَا اقْتَدَى ثَلَاثَةٌ بِوَاحِدٍ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَإِنْ اقْتَدَى أَرْبَعَةٌ بِوَاحِدٍ كُرِهَ اتِّفَاقًا اهـ. وَفِي الْقُنْيَةِ صَلَّى الْعِشَاءَ وَحْدَهُ فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ التَّرَاوِيحَ مَعَ الْإِمَامِ وَلَوْ تَرَكُوا الْجَمَاعَةَ فِي الْفَرْضِ لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يُصَلُّوا التَّرَاوِيحَ جَمَاعَةً لِأَنَّهَا تَبَعٌ لِلْجَمَاعَةِ وَلَوْ لَمْ يُصَلِّ التَّرَاوِيحَ جَمَاعَةً مَعَ الْإِمَامِ فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الْوِتْرَ مَعَهُ ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَهُ أَنَّهُ لَوْ صَلَّى التَّرَاوِيحَ مَعَ غَيْرِهِ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الْوِتْرَ مَعَهُ هُوَ الصَّحِيحُ اهـ. وَمَنْ رَامَ الزِّيَادَةَ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَحْكَامِ التَّرَاوِيحِ فَعَلَيْهِ بِمُؤَلَّفِ خَاصٍّ بِهَا لِلْإِمَامِ الْأَجَلِّ حُسَامِ الدِّينِ قَدْ اطَّلَعْت عَلَيْهِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ. (بَابُ إدْرَاكِ الْفَرِيضَةِ) حَقِيقَةُ هَذَا الْبَابِ مَسَائِلُ شَتَّى تَتَعَلَّقُ بِالْفَرَائِضِ فِي الْأَدَاءِ الْكَامِلِ وَكُلُّهُ مَسَائِلُ الْجَامِعِ (قَوْلُهُ صَلَّى رَكْعَةً مِنْ الظُّهْرِ فَأُقِيمَ يُتِمُّ شَفْعًا وَيَقْتَدِي) لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ نَقْضَ الْعِبَادَةِ قَصْدًا بِلَا عُذْرٍ حَرَامٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] وَلِإِفْضَائِهِ إلَى السَّفَهِ خُصُوصًا إذَا كَانَتْ فَرْضًا وَأَنَّ النَّقْضَ لِلْإِكْمَالِ إكْمَالٌ مَعْنًى فَيَجُوزُ كَنَقْضِ الْمَسْجِدِ لِلْإِصْلَاحِ وَكَنَقْضِ الظُّهْرِ لِلْجُمُعَةِ وَكَمَنْ أَصَابَ جَبْهَتَهُ شَوْكٌ فِي سُجُودِهِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ إلَخْ) أَقُولُ: أَظُنُّ أَنَّ لَفْظَةَ تَرَكَ فِي عِبَارَةِ الْحَلَبِيِّ زَائِدَةٌ مِنْ بَعْضِ النُّسَّاخِ أَلْحَقَهَا اسْتِبْعَادًا لَأَنْ يَكُونَ شَأْنُ الْأَئِمَّةِ ذَلِكَ إذْ شَأْنُهُمْ الْمُسَاهَلَةُ وَلَعَلَّ ذَلِكَ كَانَ فِي زَمَانِهِ وَإِنْ ثَبَتَ مَا قُلْنَا يَنْدَفِعُ الْإِيرَادُ عَنْ كَلَامِ هَذَا الْعَلَّامَةِ وَإِلَّا فَهُوَ كَلَامٌ مُتَهَافِتٌ يَبْعُدُ صُدُورُهُ مِنْ أَمْثَالِهِ (قَوْلُهُ وَقَدْ قَالُوا إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَالَ الْحَلَبِيُّ وَمِنْ الْمَكْرُوهِ مَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ الْجُهَّالِ مِنْ صَلَاةِ رَكْعَتَيْنِ مُنْفَرِدًا بَعْدَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ لِأَنَّهَا بِدْعَةٌ مَعَ مُخَالَفَةِ الْإِمَامِ وَالصَّفِّ اهـ. قُلْت: لَكِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ غَيْرُ الْمَذْكُورَةِ هُنَا لِأَنَّ هَذِهِ بَعْدَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ وَالْمَذْكُورَةُ هُنَا بَعْدَ كُلِّ أَرْبَعٍ. (قَوْلُهُ وَرَجَّحَ الْأَوَّلَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَفِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ لِلْعَلَّامَةِ الْحَلَبِيِّ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْجَمَاعَةَ فِيهَا أَفْضَلُ إلَّا أَنَّ سُنِّيَّتَهَا لَيْسَتْ كَسُنِّيَّةِ جَمَاعَةِ التَّرَاوِيحِ اهـ. وَهَذَا الَّذِي عَلَيْهِ عَامَّةُ النَّاسِ الْيَوْمَ (قَوْلُهُ وَلَوْ صَلَّوْا الْوِتْرَ بِجَمَاعَةٍ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ عَلَّلَ لَهُ فِي الضِّيَاءِ الْمَعْنَوِيِّ بِأَنَّهَا نَفْلٌ مِنْ وَجْهٍ حَتَّى وَجَبَتْ الْقِرَاءَةُ فِي جَمِيعِهَا وَتُؤَدَّى بِغَيْرِ أَذَانٍ وَإِقَامَةٍ وَالنَّفَلُ بِالْجَمَاعَةِ غَيْرُ مُسْتَحَبٍّ وَلِأَنَّهُ لَمْ تَفْعَلْهُ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - بِجَمَاعَةٍ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ اهـ. وَفِي النِّهَايَةِ مِثْلُهُ وَهَذَا كَالصَّرِيحِ فِي أَنَّهَا كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ تَأَمَّلْ. [بَابُ إدْرَاكِ فَرِيضَةِ الصَّلَاة] (بَابُ إدْرَاكِ الْفَرِيضَةِ) (قَوْلُهُ حَقِيقَةُ هَذَا الْبَابِ) كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَفَتْحِ الْقَدِيرِ وَجَعَلَهُ فِي الْعِنَايَةِ شُرُوعًا فِي الْأَدَاءِ الْكَامِلِ وَهُوَ الْأَدَاءُ بِالْجَمَاعَةِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ بَيَانِ إدْرَاكِ الْفَرَائِضِ وَالْوَاجِبَاتِ وَالنَّوَافِلِ قَالَ فِي النَّهْرِ وَهَذَا أَوْلَى إذْ عَادَتُهُمْ أَنَّهُمْ لَا يُبَوِّبُونَ لِمَسَائِلَ شَتَّى بَابًا بَلْ يُتَرْجِمُونَ عَنْهَا بِشَتَّى أَوْ مُتَفَرِّقَةً أَوْ مَنْثُورَةً فَكَانَ هَذَا الدَّاعِي لِعُدُولِهِ فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهِ إلَى مَا مَرَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 75 فَرَفَعَ ثُمَّ وَضَعَ لَمْ يَجْعَلْ سَجْدَتَيْنِ وَلِلْجَمَاعَةِ مَزِيَّةٌ عَلَى الصَّلَاةِ مُنْفَرِدًا بِالْحَدِيثِ فَجَازَ نَقْضُ الصَّلَاةِ مُنْفَرِدًا لِإِحْرَازِ الْجَمَاعَةِ وَلَكِنْ هَذَا إذَا لَمْ تَثْبُتْ شُبْهَةُ الْفَرَاغِ مِنْ صَلَاتِهِ مُنْفَرِدًا فَإِنْ ثَبَتَتْ شُبْهَتُهُ لَا يَنْقُضُهَا لِأَنَّ الْعِبَادَةَ بَعْدَمَا فَرَغَ مِنْهَا لَا تَقْبَلُ الْبُطْلَانَ إلَّا بِالرِّدَّةِ فَنَقُولُ إنْ صَلَّى رَكْعَةً مِنْ الظُّهْرِ يَضُمُّ إلَيْهَا أُخْرَى ثُمَّ يُسَلِّمُ وَيَدْخُلُ مَعَ الْقَوْمِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ إحْرَازُ الْجَمَاعَةِ مَعَ إحْرَازِ النَّفْلِ بِإِضَافَةِ رَكْعَةٍ أُخْرَى إلَيْهَا إذْ التَّطَوُّعُ شُرِعَ شَفْعًا لَا وِتْرًا وَمَتَى أَمْكَنَ إدْرَاكُ الْعِبَادَتَيْنِ لَا يُصَارُ إلَى إبْطَالِ أَحَدِهِمَا وَقَدْ صَرَّحَ الْكُلُّ هُنَا بِأَنَّهُ إنَّمَا يَضُمُّ رَكْعَةً أُخْرَى صِيَانَةً لِلْمُؤَدَّى عَنْ الْبُطْلَانِ وَهُوَ صَرِيحٌ فِيمَنْ صَلَّى رَكْعَةً فَقَطْ فَهِيَ بَاطِلَةٌ لَا أَنَّهَا صَحِيحَةٌ مَكْرُوهَةٌ كَمَا تَوَهُّمُهُ بَعْضُ حَنَفِيَّةِ عَصْرِنَا فَإِنْ قِيلَ لَوْ ضَمَّ تَفُوتُهُ تَكْبِيرَةُ الِافْتِتَاحِ قُلْنَا ذَلِكَ أَيْسَرُ مِنْ إبْطَالِ الْعَمَلِ إذْ صِيَانَتُهُ عَنْ الْبُطْلَانِ وَاجِبَةٌ وَإِدْرَاكُهَا فَضِيلَةٌ وَجَازَ الْإِبْطَالُ لِمَا هُوَ سُنَّةٌ لِأَنَّهُ إكْمَالٌ مَعْنًى كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَالْمَعَانِي أَحَقُّ بِالِاعْتِبَارِ مِنْ الصُّوَرِ كَمَنْ تَذَكَّرَ فِي الرُّكُوعِ السُّورَةَ فَإِنَّهُ يَرْفُضُهُ لِأَجْلِهَا مَعَ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ وَهُوَ فَرْضٌ لِأَنَّ فِي رَفْضِهِ إقَامَتَهُ عَلَى أَكْمَلِ الْوُجُوهِ فَصَارَ حَسَنًا مَعَ أَنَّهُ إبْطَالٌ لِلْوَصْفِ فَقَطْ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ بُطْلَانُ الْوَصْفِ يَسْتَلْزِمُ بُطْلَانَ الْأَصْلِ هُوَ فِيمَا إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ إخْرَاجِ نَفْسِهِ عَنْ الْعُهْدَةِ بِالْمُضِيِّ كَمَا إذَا قَيَّدَ خَامِسَةَ الظُّهْرِ بِسَجْدَةٍ وَلَمْ يَكُنْ قَعَدَ الْأَخِيرَةَ أَمَّا إذَا كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ الْمُضِيِّ لَكِنَّهُ أَذِنَ لَهُ الشَّرْعُ فِي عَدَمِهِ فَلَا يَبْطُلُ أَصْلُهَا بَلْ تَبْقَى نَفْلًا إذَا ضَمَّ الثَّانِيَةَ أَرَادَ بِالظُّهْرِ الْفَرْضَ الرُّبَاعِيَّ وَأَرَادَ بِالْإِقَامَةِ شُرُوعَ الْإِمَامِ فِي مَوْضِعٍ هُوَ فِيهِ لَا إقَامَةَ الْمُؤَذِّنِ لِأَنَّهُ لَا يَقْطَعُ صَلَاتَهُ إذَا أَقَامَ الْمُؤَذِّنُ وَإِنْ لَمْ يُقَيِّدْ بِالسَّجْدَةِ بَلْ يُتِمُّهَا رَكْعَتَيْنِ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَغَيْرِهِ وَلَوْ أُقِيمَتْ فِي الْمَسْجِدِ وَهُوَ فِي الْبَيْتِ أَوْ كَانَ فِي مَسْجِدٍ فَأُقِيمَتْ فِي مَسْجِدٍ آخَرَ الْفَرِيضَةُ لَا يَقْطَعُهَا مُطْلَقًا كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ وَقَيَّدَ بِالرَّكْعَةِ الَّتِي تَتِمُّ بِالسَّجْدَةِ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُقَيِّدْ الْأُولَى بِالسَّجْدَةِ فَإِنَّهُ يَقْطَعُ وَيَشْرَعُ مَعَ الْإِمَامِ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ بِمَحَلِّ الرَّفْضِ وَالْقَطْعِ لِلْإِكْمَالِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَفِي الْمُحِيطِ وَالْكَافِي هُوَ الْأَشْبَهُ وَقَيَّدَ بِالْفَرْضِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي النَّفْلِ لَا يَقْطَعُ مُطْلَقًا وَإِنَّمَا يُتِمُّهُ رَكْعَتَيْنِ وَاخْتَلَفُوا فِي السُّنَّةِ قَبْلَ الظُّهْرِ أَوْ الْجُمُعَةِ إذَا أُقِيمَتْ أَوْ خَطَبَ الْإِمَامُ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُتِمُّهَا أَرْبَعًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْوَلْوَالِجِيُّ وَصَاحِبُ الْمُبْتَغَى وَالْمُحِيطِ ثُمَّ الشُّمُنِّيِّ لِأَنَّهَا صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ وَلَيْسَ الْقَطْعُ لِلْإِكْمَالِ بَلْ لِلْإِبْطَالِ صُورَةً وَمَعْنًى وَقِيلَ يَقْطَعُ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ وَرَجَّحَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بَحْثًا بِأَنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ قَضَائِهَا بَعْدَ الْفَرْضِ وَلَا إبْطَالَ فِي التَّسْلِيمِ عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ فَلَا يَفُوتُ فَرْضُ الِاسْتِمَاعِ وَالْأَدَاءُ عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ بِلَا سَبَبٍ اهـ. وَالظَّاهِرُ مَا صَحَّحَهُ الْمَشَايِخُ لِأَنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّ فِي التَّسْلِيمِ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ إبْطَالَ وَصْفِ السُّنِّيَّةِ لَا لِإِكْمَالِهَا وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَيَشْهَدُ لَهُمْ إثْبَاتُ أَحْكَامِ الصَّلَاةِ الْوَاحِدَةِ لِلْأَرْبَعِ مِنْ عَدَمِ الِاسْتِفْتَاحِ وَالتَّعَوُّذِ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي إلَى غَيْرِ ذَلِكَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَأَرَادَ مِنْ الظُّهْرِ الظُّهْرَ الْمُؤَدَّى لِأَنَّهُ لَوْ شَرَعَ فِي قَضَاءِ الْفَوَائِتِ ثُمَّ أُقِيمَتْ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَهُوَ صَرِيحٌ فِيمَنْ صَلَّى رَكْعَةً فَقَطْ فَهِيَ بَاطِلَةٌ) عَلَّلَهُ فِي الْعِنَايَةِ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ الْبُتَيْرَاءَ مَنْهِيٌّ عَنْهَا قَالَ بَعْضُهُمْ فِيهِ أَنَّ النَّهْيَ عَنْهَا لَا يَقْتَضِي بُطْلَانَهَا قُلْت لَكِنْ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ قَالَ قَوْلُهُ لِأَنَّ الْبُتَيْرَاءَ مَنْهِيٌّ عَنْهَا يُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّ النَّهْيَ بِمَعْنَى النَّفْيِ وَإِلَّا لَمْ يَلْزَمْ الْبُطْلَانُ اهـ. (قَوْلُهُ كَمَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُ حَنَفِيَّةِ عَصْرِنَا) قَالَ فِي النَّهْرِ وَبُطْلَانُ هَذَا التَّوَهُّمِ غَنِيٌّ عَنْ الْبَيَانِ (قَوْلُهُ أَرَادَ بِالظُّهْرِ الْفَرْضَ الرُّبَاعِيَّ) قَالَ الرَّمْلِيُّ فِيهِ جَمْعٌ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ فَالْأَوْلَى الْإِلْحَاقُ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ اهـ. قُلْت: وَهَذَا هُوَ الْمُنَاسِبُ وَإِنْ أَمْكَنَ الْجَوَابُ عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ تَقْيِيدَهُ بِالظُّهْرِ لَهُ فَائِدَةٌ سَيُنَبِّهُ عَلَيْهَا الْمُؤَلِّفُ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَوْ صَلَّى ثَلَاثًا (قَوْلُهُ وَقَيَّدَ بِالرَّكْعَةِ الَّتِي لَا تَتِمُّ إلَّا بِالسَّجْدَةِ) يَعْنِي قَيَّدَ إتْمَامَ الشَّفْعِ بِمَا إذَا صَلَّى رَكْعَةً كَامِلَةً لِأَنَّهَا لَا تَسَمَّى رَكْعَةً إلَّا بِالسَّجْدَةِ فَأَفَادَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُصَلِّ رَكْعَةً كَامِلَةً بِأَنْ لَمْ يُقَيِّدْهَا بِالسَّجْدَةِ لَا يَتِمُّ شَفْعًا بَلْ يَقْطَعُ وَيَشْرَعُ (قَوْلُهُ وَرَجَّحَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ) قَالَ فِي الشرنبلالية وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِلَيْهِ مَالَ السَّرَخْسِيُّ وَهُوَ الْأَوْجَهُ (قَوْلُهُ وَأَرَادَ مِنْ الظُّهْرِ الظُّهْرَ الْمُؤَدَّاةَ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ لَمْ أَرَ حُكْمَ مَا إذَا أُقِيمَتْ قَبْلَ أَنْ يَشْرَعَ فِي قَضَاءِ الْفَائِتَةِ وَخَافَ إنْ اشْتَغَلَ بِهَا فَوْتَ الْجَمَاعَةِ الْحَاضِرَةِ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ إنْ كَانَ صَاحِبَ تَرْتِيبٍ فِي وُجُوبِ الِابْتِدَاءِ بِالْفَائِتَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَاحِبَ تَرْتِيبٍ فَلِكُلٍّ مِنْ الِابْتِدَاءِ بِالْفَائِتَةِ وَالصَّلَاةِ الْحَاضِرَةِ وَجْهٌ أَمَّا الْأَوَّلُ لِيَكُونَ الْأَدَاءُ عَلَى حَسَبِ مَا وَجَبَ وَلْيَخْرُجْ مِنْ خِلَافِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنَّ التَّرْتِيبَ عِنْدَهُ لَا يَسْقُطُ بِشَيْءٍ مِنْ الْأَعْذَارِ الْمَذْكُورَةِ كَمَا نَصَّ عَلَى مَذْهَبِهِ فِي الْمُجْتَبَى وَأَمَّا الثَّانِي فَلِإِحْرَازِ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ الَّتِي وَرَدَ الْوَعْدُ وَالْوَعِيدُ فِيهَا وَجَوَازُ تَأْخِيرِ الْقَضَاءِ وَعَدَمُ إمْكَانِ تَلَافِي فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ إذَا فَاتَتْ وَتَلَافِي قَضَاءِ الْفَائِتَةِ مَعَ تَقْدِيمِ أَدَاءِ الْحَاضِرَةِ مَعَ الْجَمَاعَةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ مِنْ إشَارَةِ قَوْلِهِ لَوْ شَرَعَ فِي قَضَاءِ الْفَوَائِتِ ثُمَّ أُقِيمَتْ لَا يَقْطَعُ فَإِنَّ فِيهِ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَوْ أُقِيمَتْ قَبْلَ شُرُوعِهِ يُقَدِّمُ الْحَاضِرَةَ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَرْجَحِيَّةُ هَذَا إذْ فِي الِابْتِدَاءِ بِالْفَائِتَةِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ تَفْوِيتُ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ وَلَيْسَ فِي الِابْتِدَاءِ بِالْحَاضِرَةِ تَفْوِيتُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 76 لَا يَقْطَعُ كَالنَّفْلِ وَالْمَنْذُورَةِ كَالْفَائِتَةِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَقَيَّدْنَا بِكَوْنِ الْإِبْطَالِ حَرَامًا لِغَيْرِ عُذْرٍ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لِعُذْرٍ فَإِنَّهُ جَائِزٌ كَالْمَرْأَةِ إذَا فَارَ قِدْرُهَا وَالْمُسَافِرِ إذَا نَدَّتْ دَابَّتُهُ أَوْ خَافَ فَوْتَ دِرْهَمٍ مِنْ مَالِهِ بَلْ قَدْ يَكُونُ وَاجِبًا كَالْقَطْعِ لِإِنْجَاءِ غَرِيقٍ وَفِي فَتَاوَى الْوَلْوَالِجِيِّ الْمُصَلِّي إذَا دَعَاهُ أَحَدُ أَبَوَيْهِ فَلَا يُجِيبُهُ مَا لَمْ يَفْرُغْ مِنْ صَلَاتِهِ إلَّا أَنْ يَسْتَغِيثَ بِهِ لِأَنَّ قَطْعَ الصَّلَاةِ لَا يَجُوزُ إلَّا لِضَرُورَةٍ وَكَذَلِكَ الْأَجْنَبِيُّ إذَا خَافَ أَنْ يَسْقُطَ مِنْ سَطْحٍ أَوْ تَحْرُقَهُ النَّارُ أَوْ يُغْرِقَهُ الْمَاءُ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَقْطَعَ الصَّلَاةَ هَذَا إذَا كَانَ فِي الْفَرْضِ فَأَمَّا فِي النَّوَافِلِ إذَا نَادَاهُ أَحَدُ أَبَوَيْهِ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ وَنَادَاهُ لَا بَأْسَ بِهِ أَنْ لَا يُجِيبَهُ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ يُجِيبُهُ اهـ. وَمِنْ الْعُذْرِ مَا إذَا شَرَعَ فِي نَفْلٍ فَحَضَرَتْ جِنَازَةٌ خَافَ إنْ لَمْ يَقْطَعْهَا تَفُوتُهُ فَإِنَّهُ يَقْطَعُهَا وَيُصَلِّي عَلَيْهَا لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْمَصْلَحَتَيْنِ مَعًا وَقَطْعُ النَّفْلِ مُعْقِبٌ لِلْقَضَاءِ بِخِلَافِ الْجِنَازَةِ لَوْ اخْتَارَ تَفْوِيتَهَا كَانَ لَا إلَى خُلْفٍ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. (قَوْلُهُ وَلَوْ صَلَّى ثَلَاثًا يُتِمُّ وَيَقْتَدِي مُتَطَوِّعًا) لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ فَلَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ وَإِنَّمَا يَقْتَدِي مُتَطَوِّعًا لِأَنَّ الْفَرْضَ لَا يَتَكَرَّرُ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَصَرَّحَ فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ أَنَّ مَا يُؤَدَّى مَعَ الْإِمَامِ نَافِلَةٌ يُدْرِكُ بِهَا فَضِيلَةَ الْجَمَاعَةِ وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ الْعَصْرُ فَإِنَّهُ لَا يَقْتَدِي بَعْدَهَا لِمَا عُلِمَ مِنْ بَابِ الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ وَلِهَذَا قَيَّدَ بِالظُّهْرِ وَقَيَّدَ بِالثَّلَاثِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي الثَّالِثَةِ وَلَمْ يُقَيِّدْهَا بِالسَّجْدَةِ فَإِنَّهُ يَقْطَعُهَا لِأَنَّهُ بِمَحَلِّ الرَّفْضِ وَيَتَخَيَّرُ إنْ شَاءَ عَادَ وَقَعَدَ وَسَلَّمَ وَإِنْ شَاءَ كَبَّرَ قَائِمًا يَنْوِي الدُّخُولَ فِي صَلَاةِ الْإِمَامِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَفِي الْمُحِيطِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ يَقْطَعُ قَائِمًا بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ لِأَنَّ الْقُعُودَ مَشْرُوطٌ لِلتَّحَلُّلِ وَهَذَا قَطْعٌ وَلَيْسَ بِتَحَلُّلٍ فَإِنَّ التَّحَلُّلَ عَنْ الظُّهْرِ لَا يَكُونُ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ وَتَكْفِيهِ تَسْلِيمَةٌ وَاحِدَةٌ لِلْقَطْعِ اهـ. وَهَكَذَا صَحَّحَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مَعْزِيًّا إلَى فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا عَادَ هَلْ يُعِيدُ التَّشَهُّدَ قِيلَ نَعَمْ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يَكُنْ قُعُودَ خَتْمٍ وَقِيلَ يَكْفِيهِ ذَلِكَ التَّشَهُّدُ لِأَنَّهُ لَمَّا قَعَدَ ارْتَفَضَ ذَلِكَ الْقِيَامُ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَقُمْ وَأَوْرَدَ عَلَى قَوْلِهِ وَيَقْتَدِي مُتَطَوِّعًا أَنَّ التَّطَوُّعَ بِجَمَاعَةٍ مَكْرُوهٌ خَارِجَ رَمَضَانَ وَأُجِيبُ بِنَعَمْ إذَا كَانَ الْإِمَامُ وَالْقَوْمُ مُتَطَوِّعِينَ أَمَّا إذَا أَدَّى الْإِمَامُ الْفَرْضَ وَالْقَوْمُ النَّفَلَ فَلَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلرَّجُلَيْنِ «إذَا صَلَّيْتُمَا فِي رِحَالِكُمَا ثُمَّ أَتَيْتُمَا صَلَاةَ قَوْمٍ فَصَلِّيَا مَعَهُمْ وَاجْعَلَا صَلَاتَكُمَا مَعَهُمْ سُبْحَةً» أَيْ نَافِلَةً كَذَا فِي الْكَافِي. (قَوْلُهُ فَإِنْ صَلَّى رَكْعَةً مِنْ الْفَجْرِ أَوْ الْمَغْرِبِ فَأُقِيمَ يَقْطَعُ وَيَقْتَدِي) لِأَنَّهُ لَوْ أَضَافَ إلَيْهَا أُخْرَى لَفَاتَتْهُ الْجَمَاعَةُ لِوُجُودِ الْفَرَاغِ حَقِيقَةً فِي الْفَجْرِ أَوْ شَبَهِهِ فِي الْمَغْرِبِ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ وَشَمَلَ كَلَامُهُ مَا إذَا قَامَ إلَى الثَّانِيَةِ وَلَمْ يُقَيِّدْهَا بِالسَّجْدَةِ وَقَيَّدَ بِالرَّكْعَةِ احْتِرَازًا عَمَّا إذَا قَيَّدَ الثَّانِيَةَ بِسَجْدَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَقْطَعُهَا وَيُتِمُّهَا وَلَا يَشْرَعُ مَعَ الْإِمَامِ لِكَرَاهَةِ النَّفْلِ بَعْدَ الْفَجْرِ وَكَذَا بَعْدَ الْمَغْرِبِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَلَّلَهُ فِي الْكَافِي بِأَنَّهُ إنْ وَافَقَ إمَامَهُ خَالَفَ السُّنَّةَ بِالتَّنَفُّلِ بِالثَّلَاثِ وَإِنْ وَافَقَ السُّنَّةَ فَجَعَلَهَا أَرْبَعًا خَالَفَ إمَامَهُ وَكُلُّ ذَلِكَ بِدْعَةٌ فَإِنْ شَرَعَ أَتَمَّهَا أَرْبَعًا لِأَنَّهُ أَحْوَطُ إذْ فِيهِ زِيَادَةُ الرَّكْعَةِ وَمُوَافَقَةُ السُّنَّةِ أَحَقُّ لِأَنَّ مُخَالَفَةَ الْإِمَامِ مَشْرُوعَةٌ فِي الْجُمْلَةِ كَالْمَسْبُوقِ فِيمَا يَقْضِي وَالْمُقْتَدِي إذَا اقْتَدَى بِالْمُسَافِرِ وَمُخَالَفَةُ السُّنَّةِ لَمْ تُشْرَعْ أَصْلًا كَذَا فِي الْكَافِي وَعَلَّلَهُ فِي الْهِدَايَةِ بِأَنَّ التَّنَفُّلَ بِالثَّلَاثِ مَكْرُوهٌ وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّهُ بِدْعَةٌ وَفِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ أَنَّهُ حَرَامٌ وَالظَّاهِرُ مَا فِي الْهِدَايَةِ وَيُرَادُ بِالْكَرَاهَةِ التَّحْرِيمِيَّةُ لِأَنَّ الْمَشَايِخَ يَسْتَدِلُّونَ بِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَهَى عَنْ الْبُتَيْرَاءِ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَهُوَ مِنْ قَبِيلِ ظَنِّيِّ الثُّبُوتِ قَطْعِيِّ الدَّلَالَةِ فَيُفِيدُ كَرَاهَةَ التَّحْرِيمِ عَلَى أُصُولِنَا   [منحة الخالق] ذَلِكَ تَأَمَّلْ وَرَاجِعْ فَعَسَى تَظْفَرُ بِالْمَنْقُولِ ثُمَّ نَقَلَ عَنْ النَّوَوِيِّ أَنَّ الْأَفْضَلَ التَّرْتِيبُ لِلْخِلَافِ فِي وُجُوبِهِ وَعَنْ الْإِسْنَوِيِّ الْبُدَاءَةُ بِالْحَاضِرَةِ جَمَاعَةً ثُمَّ قَالَ فَانْظُرْ كَيْفَ اخْتَلَفَ مِثْلُ هَؤُلَاءِ الْأَجِلَّاءِ فِي تَرْجِيحِ أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَقَوَاعِدُنَا لَا تَأْبَى ذَلِكَ فِي سَاقِطِ التَّرْتِيبِ فَإِنَّ مَذْهَبَنَا كَمَذْهَبِهِمْ فِيهِ اهـ. وَيَظْهَرُ لِي أَرْجَحِيَّةُ مَا رَجَّحَهُ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ وَاجِبَةٌ عِنْدَنَا أَوْ فِي حُكْمِ الْوَاجِبِ وَمُرَاعَاةُ خِلَافِ الْإِمَامِ مَالِكٍ مُسْتَحَبَّةٌ فَلَا يَنْبَغِي تَفْوِيتُ الْوَاجِبِ لِأَجْلِ الْمُسْتَحَبِّ تَأَمَّلْ. (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلَوْ صَلَّى ثَلَاثًا يُتِمُّ) قَالَ أَيْ الرَّمْلِيُّ وُجُوبًا فَلَوْ قَطَعَ وَاقْتَدَى كَانَ آثِمًا اهـ. قُلْت: لَكِنْ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ فَرْضُهُ مَا يُصَلِّي مَعَ الْإِمَامِ فَالْحِيلَةُ أَنْ لَا يَقْعُدَ فِي الرَّابِعَةِ مِنْ صَلَاتِهِ الَّتِي أَدَّاهَا وَحْدَهُ وَيُصَلِّي الْخَامِسَةَ وَالسَّادِسَةَ وَيَصِيرُ ذَلِكَ نَفْلًا وَيَكُونُ فَرْضُهُ مَا يُصَلِّي مَعَ الْإِمَامِ ثُمَّ نَقَلَ بَعْدَهُ أَيْضًا الْحِيلَةَ أَنْ يُصَلِّيَ الرَّابِعَةَ قَاعِدًا فَتَنْقَلِبُ هَذِهِ نَفْلًا عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ اهـ. فَلْيُتَأَمَّلْ. ثُمَّ رَأَيْت فِي الْقُهُسْتَانِيِّ ذَكَرَ أَنَّ فِي قَوْلِهِ يُتِمُّ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَا يَشْتَغِلُ بِحِيلَةٍ مِثْلُ أَنْ لَا يَقْعُدَ عَلَى الرَّابِعَةِ وَيُصَيِّرَهَا سِتًّا كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَمِثْلُ أَنْ يُصَلِّيَ الرَّابِعَةَ قَاعِدًا لِتَنْقَلِبَ نَفْلًا لِأَنَّ الْإِتْمَامَ فَرْضٌ كَمَا فِي الْمُنْيَةِ اهـ. (قَوْلُهُ وَلِهَذَا قَيَّدَ بِالظُّهْرِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَقُولُ: هَذَا يُنَاقِضُ مَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالظُّهْرِ الرُّبَاعِيَّةُ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ أَوْ شَبَهِهِ فِي الْمَغْرِبِ) عَلَّلَهُ فِي النَّهْرِ بِغَيْرِ هَذَا وَهُوَ لُزُومُ النَّفْلِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ وَقَدْ مَرَّ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ اهـ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 77 وَلَوْ سَلَّمَ مَعَ الْإِمَامِ فَعَنْ بِشْرٍ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَقِيلَ فَسَدَتْ وَيَقْضِي أَرْبَعًا لِأَنَّهُ الْتَزَمَ بِالِاقْتِدَاءِ ثَلَاثًا فَيَلْزَمُهُ أَرْبَعٌ كَمَا لَوْ نَذَرَ ثَلَاثًا وَإِذَا أَتَمَّهَا أَرْبَعًا يُصَلِّي رَكْعَةً وَيَقْعُدُ لِأَنَّ الْأُولَى مِنْ الصَّلَاةِ ثَانِيَةُ صَلَاتِهِ وَلَوْ تَرَكَهَا جَازَتْ فِي الِاسْتِحْسَانِ لَا الْقِيَاسِ وَلَوْ صَلَّى الْإِمَامُ أَرْبَعًا سَاهِيًا بَعْدَمَا قَعَدَ عَلَى رَأْسِ الثَّلَاثِ وَقَدْ اقْتَدَى بِهِ الرَّجُلُ مُتَطَوِّعًا قَالَ ابْنُ الْفَضْلِ تَفْسُدُ صَلَاةُ الْمُقْتَدِي لِأَنَّ الرَّابِعَةَ وَجَبَتْ عَلَى الْمُقْتَدِي بِالشُّرُوعِ وَعَلَى الْإِمَامِ بِالْقِيَامِ إلَيْهَا فَصَارَ كَرَجُلٍ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ بِالنَّذْرِ فَاقْتَدَى فِيهِنَّ بِغَيْرِهِ لَا تَجُوزُ صَلَاةُ الْمُقْتَدِي كَذَا هَذَا كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ الْمُخْتَارُ فَسَادُ صَلَاةِ الْمُقْتَدِي قَعَدَ الْإِمَامُ عَلَى رَأْسِ الثَّالِثَةِ أَوْ لَمْ يَقْعُدْ اهـ. (قَوْلُهُ وَكُرِهَ خُرُوجُهُ مِنْ مَسْجِدٍ أُذِّنَ فِيهِ حَتَّى يُصَلِّيَ وَإِنْ صَلَّى لَا إلَّا فِي الظُّهْرِ وَالْعِشَاءِ إنْ شُرِعَ فِي الْإِقَامَةِ) لِحَدِيثِ ابْنِ مَاجَهْ «مَنْ أَدْرَكَ الْأَذَانَ فِي الْمَسْجِدِ ثُمَّ خَرَجَ لَمْ يَخْرُجْ لِحَاجَةٍ وَهُوَ لَا يُرِيدُ الرُّجُوعَ فَهُوَ مُنَافِقٌ» وَأَخْرَجَ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ قَالَ «كُنَّا مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْمَسْجِدِ فَخَرَجَ رَجُلٌ حِينَ أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ لِلْعَصْرِ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَمَّا هَذَا فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ» وَالْمَوْقُوفُ فِي مِثْلِهِ كَالْمَرْفُوعِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَحْرِيمِيَّةٌ وَهِيَ الْمَحْمَلُ عِنْدَ إطْلَاقِهَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَاسْتَثْنَى الْمَشَايِخُ مِنْهَا مَا إذَا كَانَ يَنْتَظِمُ بِهِ أَمْرُ جَمَاعَةٍ أُخْرَى بِأَنْ كَانَ مُؤَذِّنًا أَوْ إمَامًا فِي مَسْجِدٍ تَتَفَرَّقُ الْجَمَاعَةُ بِغَيْبَتِهِ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ بَعْدَ النِّدَاءِ لِأَنَّهُ تَرَكَ صُورَةَ تَكْمِيلٍ مَعْنًى وَالْعِبْرَةُ لِلْمَعْنَى زَادَ فِي النِّهَايَةِ أَوْ يَكُونُ خَرَجَ لِيُصَلِّيَ فِي مَسْجِدِ حَيِّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ فَلَا بَأْسَ بِهِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ بِالْإِمَامِ وَالْمُؤَذِّنِ اهـ. وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ إذْ خُرُوجُهُ مَكْرُوهٌ تَحْرِيمًا وَالصَّلَاةُ فِي مَسْجِدِ حَيِّهِ مَنْدُوبَةٌ فَلَا يَرْتَكِبُ الْمَكْرُوهَ لِأَجْلِ الْمَنْدُوبِ وَلَا دَلِيلَ يَدُلُّ عَلَى تَقْيِيدِهَا بِمَا ذَكَرَهُ وَأَطْلَقَهُ الْمُصَنِّفُ فَشَمَلَ مَا أَذَّنَ فِيهِ وَهُوَ دَاخِلُهُ أَوْ دَخَلَ بَعْدَ الْأَذَانِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُمْ مِنْ الْأَذَانِ فِيهِ هُوَ دُخُولُ الْوَقْتِ وَهُوَ دَاخِلُهُ سَوَاءٌ أَذَّنَ فِيهِ أَوْ فِي غَيْرِهِ كَمَا أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ الْخُرُوجِ مِنْ غَيْرِ صَلَاةٍ عَدَمُ الصَّلَاةِ مَعَ الْجَمَاعَةِ سَوَاءٌ خَرَجَ أَوْ كَانَ مَاكِثًا فِي الْمَسْجِدِ مِنْ غَيْرِ صَلَاةٍ كَمَا نُشَاهِدُهُ فِي زَمَانِنَا مِنْ بَعْضِ الْفَسَقَةِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ الْجَمَاعَةُ يُؤَخِّرُونَ لِدُخُولِ الْوَقْتِ الْمُسْتَحَبِّ كَالصُّبْحِ مَثَلًا فَخَرَجَ إنْسَانٌ مِنْ الْمَسْجِدِ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ ثُمَّ رَجَعَ وَصَلَّى مَعَ الْجَمَاعَةِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ مَكْرُوهًا وَلَمْ أَرَهُ كُلَّهُ مَنْقُولًا وَقَوْلُهُ وَإِنْ صَلَّى لَا أَيْ وَإِنْ صَلَّى الْفَرْضَ وَحْدَهُ لَا يُكْرَهُ خُرُوجُهُ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ مَعَ الْجَمَاعَةِ لِأَنَّهُ قَدْ أَجَابَ دَاعِيَ اللَّهِ مَرَّةً فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ ثَانِيًا وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُمْ عَدَمُ كَرَاهَةِ الْخُرُوجِ لَا عَدَمُهَا مُطْلَقًا لِأَنَّ مَنْ صَلَّى وَحْدَهُ فَقَدْ ارْتَكَبَ الْمَكْرُوهَ وَهُوَ تَرْكُ الْجَمَاعَةِ لِأَنَّهَا عَلَى الصَّحِيحِ إمَّا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ أَوْ وَاجِبَةٌ وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَيْهِ وَاسْتَثْنَى الْمُصَنِّفُ الظُّهْرَ وَالْعِشَاءَ عِنْدَ الشُّرُوعِ فِي الْإِقَامَةِ فَإِنَّهُ يَكْرَهُ لِمَنْ صَلَّى وَحْدَهُ أَنْ يَخْرُجَ قَبْلَ الصَّلَاةِ مَعَ الْجَمَاعَةِ لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ بِمُخَالَفَةِ الْجَمَاعَةِ عِيَانًا وَالنَّفَلُ بَعْدَ هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ وَأَمَّا فِي الْفَجْرِ وَالْعَصْرِ فَلَا يُكْرَهُ لَهُ الْخُرُوجُ لِكَرَاهَةِ التَّنَفُّلِ بَعْدَهُمَا وَأَمَّا فِي الْمَغْرِبِ فَلِمَا فِيهِ مِنْ التَّنَفُّلِ بِالثَّلَاثِ أَوْ مُخَالَفَةِ الْإِمَامِ إنْ أَتَمَّهَا أَرْبَعًا وَكُلٌّ مِنْهُمَا مَكْرُوهٌ كَمَا سَبَقَ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ الْمُكْثِ فِي الْمَسْجِدِ بِلَا صَلَاةٍ أَمَّا فِي مَوْضِعٍ لَا يُكْرَهُ التَّنَفُّلُ فَالْكَرَاهَةُ ظَاهِرَةٌ وَأَمَّا فِي مَوْضِعٍ يُكْرَهُ التَّنَفُّلُ فَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ فِي الْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْفَجْرِ يَخْرُجُ لِكَرَاهَةِ التَّطَوُّعِ بَعْدَهَا فَإِنْ مَكَثَ وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ مَعَهُمْ يُكْرَهُ لِأَنَّ مُخَالَفَةَ الْجَمَاعَةِ وِزْرٌ عَظِيمٌ اهـ. (قَوْلُهُ وَمَن ْ خَافَ فَوْتَ الْفَجْرِ إنْ أَدَّى سُنَّتَهُ أَيُتِمُّ وَتَرَكَهَا وَإِلَّا لَا)   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَإِذَا أَتَمَّهَا إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ يَعْنِي إذَا أَرَادَ أَنْ يُتِمَّهَا هَذَا الْمُقْتَدِي أَرْبَعًا يُصَلِّي رَكْعَةً وَيَقْعُدُ لِأَنَّ الْأُولَى مِنْ صَلَاتِهِ الَّتِي أَتَى بِهَا بَعْدَ مُفَارَقَةِ الْإِمَامِ هِيَ ثَانِيَةُ صَلَاتِهِ فَالْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي الصَّلَاةِ بَدَلٌ مِنْ الْإِضَافَةِ تَأَمَّلْ. [الْخُرُوج مِنْ الْمَسْجِد بَعْد الْأَذَان] (قَوْلُهُ كَمَا أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ الْخُرُوجِ إلَخْ) حَمَلَ فِي النَّهْرِ الْخُرُوجَ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَجَعَلَ الْمُكْثَ مَفْهُومًا بِالدَّلَالَةِ فَقَالَ وَإِذَا كَانَ الْخُرُوجُ إعْرَاضًا كَانَ عَدَمُ الصَّلَاةِ مَعَ الْمُكْثِ حِينَ الْإِقَامَةِ بِالْإِعْرَاضِ أَوْلَى ثُمَّ اعْتَرَضَ عَلَى الْمُؤَلِّفِ بِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ مِمَّا لَا حَاجَةَ إلَيْهِ وَأَنَّ هَذَا الْمَجَازَ لَا قَرِينَةَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ مَنْ صَلَّى وَحْدَهُ فَقَدْ ارْتَكَبَ الْمَكْرُوهَ) أَيْ وَمَنْ ارْتَكَبَ مَكْرُوهًا تَحْرِيمًا تَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَةُ الصَّلَاةِ أَوْ مَكْرُوهًا تَنْزِيهًا تُسْتَحَبُّ كَمَا سَنَذْكُرُهُ فِي الْبَابِ الْآتِي وَالرَّاجِحُ فِي الْمَذْهَبِ وُجُوبُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ تَجِبُ إعَادَةُ مَنْ صَلَّاهَا مُنْفَرِدًا بِالْجَمَاعَةِ أَوْ تُسَنُّ لِيُوَافِقَ الْقَاعِدَةَ الْمَذْكُورَةَ لَكِنْ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِيمَا مَرَّ وَلَوْ صَلَّى ثَلَاثًا يُتِمُّ وَيَقْتَدِي مُتَطَوِّعًا يُنَافِي ذَلِكَ فَالْأَوْلَى تَأْوِيلُ الْقَاعِدَةِ بِأَنْ يُرَادَ بِالْوَاجِبِ وَالسُّنَّةِ الَّذِي تُعَادُ الصَّلَاةُ بِتَرْكِهِ مَا كَانَ مِنْ أَجْزَاءِ الصَّلَاةِ وَمَاهِيَّتِهَا وَالْجَمَاعَةُ وَصْفٌ لَهَا خَارِجٌ عَنْهَا فَلَا تُعَادُ الصَّلَاةُ لِتَرْكِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أَمَّا فِي مَوْضِعٍ لَا يُكْرَهُ التَّنَفُّلُ) الْمُرَادُ بِالْمَوْضِعِ الْوَقْتُ لَا الْمَكَانُ (قَوْلُهُ لِأَنَّ مُخَالَفَةَ الْجَمَاعَةِ وِزْرٌ عَظِيمٌ) قَالَ فِي النَّهْرِ هَذَا يَقْتَضِي أَنَّهَا أَشَدُّ كَرَاهَةً مِنْ التَّنَفُّلِ وَعَلَى هَذَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 78 لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ سُنَّةَ الْفَجْرِ لَهَا فَضِيلَةٌ عَظِيمَةٌ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» وَكَذَا مَا قَدَّمْنَاهُ وَكَذَا لِلْجَمَاعَةِ بِالْأَحَادِيثِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَإِذَا تَعَارَضَا عُمِلَ بِهَا بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ بِأَنْ خَشِيَ فَوْتَ الرَّكْعَتَيْنِ أَحْرَزَ أَحَقَّهُمَا وَهُوَ الْجَمَاعَةُ لِوُرُودِ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ فِي الْجَمَاعَاتِ وَالسُّنَّةُ وَإِنْ وَرَدَ الْوَعْدُ فِيهَا لَمْ يُرِدْ الْوَعِيدَ بِتَرْكِهَا وَلِأَنَّ ثَوَابَ الْجَمَاعَةِ أَعْظَمُ لِأَنَّهَا مُكَمِّلَةٌ ذَاتِيَّةٌ وَالسُّنَّةُ مُكَمِّلَةٌ خَارِجِيَّةٌ وَالذَّاتِيَّةُ أَقْوَى وَشَمَلَ كَلَامُهُ مَا إذَا كَانَ يَرْجُو إدْرَاكَهُ فِي التَّشَهُّدِ فَإِنَّهُ يَأْتِي بِالسُّنَّةِ وَظَاهِرُ مَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ حَيْثُ قَالَ إنْ خَافَ أَنْ تَفُوتَهُ الرَّكْعَتَانِ دَخَلَ مَعَ الْإِمَامِ أَنْ لَا يَأْتِيَ بِالسُّنَّةِ وَفِي الْخُلَاصَةِ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَدْخُلُ مَعَ الْإِمَامِ وَرَجَّحَهُ فِي الْبَدَائِعِ بِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ فَكَأَنَّ الْكُلَّ قَدْ فَاتَهُ فَيُقَدِّمُ الْجَمَاعَةَ وَنَقَلَ فِي الْكَافِي وَالْمُحِيطِ أَنَّهُ يَأْتِي بِهَا عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ لِأَنَّ إدْرَاكَ الْقَعْدَةِ عِنْدَهُمَا كَإِدْرَاكِ رَكْعَةٍ فِي الْجُمُعَةِ خِلَافًا لَهُ وَقَدْ جَعَلَ الْمُصَنِّفُ لِسُنَّةِ الْفَجْرِ حُكْمَيْنِ أَمَّا الْفِعْلُ إنْ لَمْ يَخَفْ فَوْتَ الْجَمَاعَةِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِفَوْتِ الْفَجْرِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ أَيُتِمُّ وَأَمَّا التَّرْكُ إنْ خَافَ فَوْتَ الْجَمَاعَةِ فَانْدَفَعَ مَا ذَكَرَهُ الْفَقِيهُ إسْمَاعِيلُ الزَّاهِدُ مِنْ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَفْتَتِحَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ ثُمَّ يَقْطَعُهُمَا وَيَدْخُلُ مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى تَلْزَمَهُ بِالشُّرُوعِ فَيَتَمَكَّنُ مِنْ الْقَضَاءِ بَعْدَ الْفَجْرِ وَهُوَ مَرْدُودٌ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ أَنَّ مَا وَجَبَ بِالشُّرُوعِ لَا يَكُونُ أَقْوَى مِمَّا وَجَبَ بِالنَّذْرِ وَقَدْ نَصَّ مُحَمَّدٌ أَنَّ الْمَنْذُورَةَ لَا تُؤَدَّى بَعْدَ الْفَجْرِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ ثَانِيهمَا مَا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ الْمَشَايِخَ نَكِرُوا عَلَيْهِ ذَلِكَ لِأَنَّ هَذَا أَمْرٌ بِافْتِتَاحِ الصَّلَاةِ عَلَى قَصْدِ أَنْ يَقْطَعَ وَلَا يُتِمُّ وَأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَحْسَنٍ ثُمَّ إنَّ هُنَا قَيْدًا تَرَكَهُ الْمُصَنِّفُ فِي قَوْلِهِ وَإِلَّا لَا وَهُوَ أَنْ يَجِدَ مَكَانًا عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ يُصَلِّي السُّنَّةَ فِيهِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُصَلِّيَ السُّنَّةَ لِأَنَّ تَرْكَ الْمَكْرُوهِ مُقَدَّمٌ عَلَى فِعْلِ السُّنَّةِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهُوَ مُتَفَرِّعٌ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ لِمَا فِي الْمُحِيطِ وَلَوْ صَلَّاهُمَا فِي الْمَسْجِدِ الْخَارِجِ وَالْإِمَامُ يُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ الدَّاخِلِ قِيلَ لَا يُكْرَهُ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ بِصُورَةِ الْمُخَالَفَةِ لِلْقَوْمِ لِاخْتِلَافِ الْمَكَانِ حَقِيقَةً وَقِيلَ يُكْرَهُ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ كَمَكَانٍ وَاحِدٍ فَإِذَا اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ كَانَ الْأَفْضَلُ أَنْ لَا يَفْعَلَ اهـ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ حُكْمَ الْمُصَلِّي نَافِلَةً أَوْ سُنَّةً لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ قَبْلَ شُرُوعِ الْإِمَامِ فِي الْفَرْضِ أَوْ بَعْدَهُ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ وَقْتَ إقَامَةِ الْمُؤَذِّنِ أَوْ قَبْلَهُ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ إقَامَةِ الْمُؤَذِّنِ فَلَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِهِمَا فِي أَيِّ مَوْضِعٍ أَرَادَ مِنْ الْمَسْجِدِ أَوْ غَيْرِهِ إلَّا فِي الطَّرِيقِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَإِنْ كَانَ وَقْتَ إقَامَةِ الْمُؤَذِّنِ فَفِي الْبَدَائِعِ إذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ لِلصَّلَاةِ وَقَدْ كَانَ الْمُؤَذِّنُ أَخَذَ فِي الْإِقَامَةِ يُكْرَهُ لَهُ التَّطَوُّعُ سَوَاءٌ كَانَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ أَوْ غَيْرَهُمَا لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ بِأَنَّهُ لَا يَرَى صَلَاةَ   [منحة الخالق] فَيَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ خُرُوجُهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ اهـ. لَكِنْ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الشَّامِلِ لَوْ قَيَّدَ الثَّانِيَةَ بِالسَّجْدَةِ أَتَمَّهَا وَخَرَجَ لِأَنَّهُ لَا تَطَوُّعَ بَعْدَ الْفَجْرِ وَالْمُكْثُ مَعَهُمْ بِلَا صَلَاةٍ مِنْ سُوءِ الْأَدَبِ. [خَافَ فَوْتَ الْفَجْرِ إنْ أَدَّى سُنَّتَهُ] (قَوْلُهُ وَكَذَا لِلْجَمَاعَةِ) أَيْ لَهَا فَضْلٌ رَمْلِيٌّ (قَوْلُهُ وَفِي الْخُلَاصَةِ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَدْخُلُ) كَذَا ذَكَرَ فِي النَّهْرِ أَنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَعَزَاهُ إلَى التَّجْنِيسِ وَغَيْرِهِ ثُمَّ قَالَ وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ عُلِمَ أَنَّ قَوْلَهُ فِي الْبَحْرِ أَنَّ كَلَامَهُ شَامِلٌ لِمَا إذَا كَانَ يَرْجُو إدْرَاكَهُ فِي التَّشَهُّدِ تَخْرِيجٌ عَلَى رَأْيٍ ضَعِيفٍ لَا ضَرُورَةَ تَدْعُو إلَيْهِ اهـ. أَقُولُ: مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ هُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنْ عِبَارَةِ الْمَتْنِ فَبَيَانُهُ لِذَلِكَ ثُمَّ بَيَانُهُ مَا هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ لَا لَوْمَ عَلَيْهِ بِهِ بَلْ قَوْلُهُ قَبْلَ هَذَا وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ بِأَنْ خَشِيَ فَوْتَ الرَّكْعَتَيْنِ يُشْعِرُ بِاخْتِيَارِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ (قَوْلُهُ وَفِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ يَأْتِي بِهَا عِنْدَهُمَا إلَخْ) قَالَ فِي الشرنبلالية الَّذِي تَحَرَّرَ عِنْدِي أَنَّهُ يَأْتِي بِالسُّنَّةِ إذَا كَانَ يُدْرِكُهُ وَلَوْ فِي التَّشَهُّدِ بِالِاتِّفَاقِ فِيمَا بَيْنَ مُحَمَّدٍ وَشَيْخَيْهِ وَلَا يَتَقَيَّدُ بِإِدْرَاكِ رَكْعَةٍ وَتَفْرِيعُ الْخِلَافِ هُنَا عَلَى خِلَافِهِمْ فِي مُدْرِكِ تَشَهُّدِ الْجُمُعَةِ غَيْرُ ظَاهِرٍ لِأَنَّ الْمَدَارَ هُنَا عَلَى إدْرَاكِ فَضْلِ الْجَمَاعَةِ وَهُوَ حَاصِلٌ بِإِدْرَاكِ التَّشَهُّدِ بِالِاتِّفَاقِ نَصَّ عَلَى الِاتِّفَاقِ الْكَمَالُ لَا كَمَا ظَنَّهُ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يُحْرِزْ فَضْلَهَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِقَوْلِهِ فِي مُدْرِكِ أَقَلِّ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْجُمُعَةِ لَمْ يُدْرِكْ الْجُمُعَةَ حَتَّى يَبْنِيَ عَلَيْهَا الظُّهْرَ بَلْ قَوْلُهُ هُنَا كَقَوْلِهِمَا مِنْ أَنَّهُ يُحْرِزُ ثَوَابَهَا وَإِنْ لَمْ يَقُلْ فِي الْجُمُعَةِ كَذَلِكَ احْتِيَاطًا لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ شَرْطُهَا وَلِذَا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي الظُّهْرَ جَمَاعَةً فَأَدْرَكَ رَكْعَةً لَا يَحْنَثُ وَإِنْ أَدْرَكَ فَضْلَهَا نَصَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ قَالَ الْكَمَالُ وَهَذَا يُعَكِّرُ عَلَى مَا قِيلَ فِيمَنْ يَرْجُو إدْرَاكَ التَّشَهُّدِ فِي الْفَجْرِ لَوْ اشْتَغَلَ بِرَكْعَتَيْهِ مِنْ أَنَّهُ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لَا اعْتِبَارَ بِهِ فَيَتْرُكُ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ عَلَى قَوْلِهِ فَالْحَقُّ خِلَافُهُ لِنَصِّ مُحَمَّدٍ هُنَا عَلَى مَا يُنَاقِضُهُ اهـ. هَذَا كَلَامُ الشرنبلالية وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ مُتَابِعٌ لِلْمُحَقِّقِ الْكَمَالِ فِي ذَلِكَ وَالْوَجْهُ مَعَهُ وَقَدْ نَقَلَ الشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ الْحَلَبِيُّ كَلَامَ الْكَمَالِ وَأَقَرَّهُ وَكَذَا الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِ النَّظْمِ وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الْمِنَحِ فَلْيُتَأَمَّلْ مَعَ مَا مَرَّ (قَوْلُهُ وَهُوَ مَرْدُودٌ إلَخْ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ أَقُولُ: إنْ أَرَادَ الْفَقِيهُ بِقَوْلِهِ بَعْدَ الْفَجْرِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَالتَّزْيِيفُ مُوَجَّهٌ وَإِنْ أَرَادَ بَعْدَهُ فَلَا وَالْقَصْدُ لِلْقَطْعِ نَقْضٌ لِلْإِكْمَالِ فَلَا بَأْسَ بِهِ اهـ. وَفِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ فِيهِ بَحْثٌ إذْ لَا إكْمَالَ فِيهَا فَإِنَّهَا لَا تُؤَدَّى بِالْجَمَاعَةِ أَلَا تَرَى إلَى مَا مَرَّ مِنْ قَوْلِهِ بِخِلَافِ النَّفْلِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْإِكْمَالِ وَكَانَ الصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ لِيُؤَدِّيَهَا مَرَّةً أُخْرَى وَجَوَابُهُ أَنَّ إبْطَالَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 79 الْجَمَاعَةِ وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَقِفَنَّ مَوَاقِفَ التُّهَمِ» اهـ. وَبَحَثَ الْعَلَّامَةُ الْحَلَبِيُّ بِأَنَّ هَذَا الظَّنَّ يَزُولُ عَنْهُ فِي ثَانِي الْحَالِ إذَا شُوهِدَ شُرُوعُهُ فِيهَا بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ السُّنَّةِ وَقَدْ نَصَّ مُحَمَّدٌ فِي كُتِبَ الصَّلَاةِ مِنْ الْأَصْلِ فِي الْمُؤَذِّنِ يَأْخُذُ فِي الْإِقَامَةِ أَيُكْرَهُ أَنْ يَتَطَوَّعَ قَالَ نَعَمْ إلَّا رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي فَهْمِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ مَوْضُوعُهَا فِيمَا إذَا انْتَهَى إلَى الْإِمَامِ وَقَدْ سَبَقَهُ بِالتَّكْبِيرِ فَيَأْتِي بِرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَعَامَّتُهُمْ عَلَى الْإِطْلَاقِ سَوَاءٌ وَصَلَ إلَى الْإِمَامِ بَعْدَ شُرُوعِهِ أَوْ قَبْلَهُ فِي الْإِقَامَةِ كَمَا ذَكَرَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ اهـ. يَعْنِي فَمَا فِي الْبَدَائِعِ مِنْ التَّعْمِيمِ لِرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ لَيْسَ عَلَى قَوْلِ الْعَامَّةِ وَيَشْهَدُ لَهُ مَا فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ وَالْمُحِيطِ وَلَا يَتَطَوَّعُ إذَا أَخَذَ الْمُؤَذِّنُ فِي الْإِقَامَةِ إلَّا رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ اهـ. إلَّا أَنَّهُ قَدْ يُقَالُ إنَّ مَا يُوقِعُ فِي التُّهْمَةِ لَا يُرْتَكَبُ وَإِنْ ارْتَفَعَتْ بَعْدَهُ كَمَا وَرَدَ عَنْ عَلِيٍّ إيَّاكَ وَمَا يَسْبِقُ إلَى الْقُلُوبِ إنْكَارُهُ وَإِنْ كَانَ عِنْدَك اعْتِذَارُهُ وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَيُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَشْتَغِلَ بِنَفْلٍ أَوْ سُنَّةٍ مُؤَكَّدَةٍ إلَّا سُنَّةَ الْفَجْرِ عَلَى التَّفْصِيلِ السَّابِقِ ثُمَّ السُّنَّةُ فِي السُّنَنِ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا فِي بَيْتِهِ أَوْ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنُ فَفِي الْمَسْجِدِ الْخَارِجِ وَإِنْ كَانَ الْمَسْجِدُ وَاحِدًا فَخَلْفَ الْأُسْطُوَانَةِ وَنَحْوَ ذَلِكَ أَوْ فِي آخِرِ الْمَسْجِدِ بَعِيدًا عَنْ الصُّفُوفِ فِي نَاحِيَةٍ مِنْهُ وَتُكْرَهُ فِي مَوْضِعَيْنِ الْأَوَّلُ أَنْ يُصَلِّيَهَا مُخَالِطًا لِلصَّفِّ مُخَالِفًا لِلْجَمَاعَةِ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ خَلْفَ الصَّفِّ مِنْ غَيْرِ حَائِلٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّفِّ وَالْأَوَّلُ أَشَدُّ كَرَاهَةً مِنْ الثَّانِي وَأَمَّا السُّنَنُ الَّتِي بَعْدَ الْفَرَائِضِ فَالْأَفْضَلُ فِعْلُهَا فِي الْمَنْزِلِ إلَّا إذَا خَافَ الِاشْتِغَالَ عَنْهَا لَوْ ذَهَبَ إلَى الْبَيْتِ فَيَأْتِي بِهَا فِي الْمَسْجِدِ فِي أَيِّ مَكَان مِنْهُ وَلَوْ فِي مَكَان صَلَّى فِيهِ فَرْضَهُ وَالْأَوْلَى أَنْ يَتَنَحَّى خُطْوَةً وَيُكْرَهُ لِلْإِمَامِ أَنْ يُصَلِّيَ فِي مَكَان صَلَّى فِيهِ فَرْضَهُ كَذَا فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ. (قَوْلُهُ وَلَمْ تُقْضَ إلَّا تَبَعًا) أَيْ لَمْ تُقْضَ سُنَّةُ الْفَجْرِ إلَّا إذَا فَاتَتْ مَعَ الْفَرْضِ فَتُقْضَى تَبَعًا لِلْفَرْضِ سَوَاءٌ قَضَاهَا مَعَ الْجَمَاعَةِ أَوْ وَحْدَهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي السُّنَّةِ أَنْ لَا تُقْضَى لِاخْتِصَاصِ الْقَضَاءِ بِالْوَاجِبِ وَالْحَدِيثُ وَرَدَ فِي قَضَائِهَا تَبَعًا لِلْفَرْضِ فِي غَدَاةِ لَيْلَةِ التَّعْرِيسِ فَبَقِيَ مَا وَرَاءَهُ عَلَى الْأَصْلِ فَأَفَادَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهَا لَا تُقْضَى قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ أَصْلًا وَلَا بَعْدَ الطُّلُوعِ إذَا كَانَ قَدْ أَدَّى الْفَرْضَ وَشَمَلَ كَلَامُهُ مَا إذَا قَضَاهُمَا بَعْدَ الزَّوَالِ أَوْ قَبْلَهُ وَلَا خِلَافَ فِي الثَّانِي وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي الْأَوَّلِ عَلَى قَوْلِهِمَا وَالصَّحِيحُ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّهَا لَا تُقْضَى تَبَعًا لِأَنَّ النَّصَّ وَرَدَ بِقَضَائِهَا فِي الْوَقْتِ الْمُهْمَلِ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ وَمَا وَرَدَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَغَيْرُهُ عَلَيْهِ لَا يُقَاسُ وَهِيَ وَارِدَةٌ عَلَى الْمُصَنِّفِ فَلَوْ قَالَ وَلَمْ تُقْضَ إلَّا تَبَعًا قَبْلَ الزَّوَالِ لَكَانَ أَوْلَى وَقَيَّدَ بِسُنَّةِ الْفَجْرِ لِأَنَّ سَائِرَ السُّنَنِ لَا تُقْضَى بَعْدَ الْوَقْتِ لَا تَبَعًا وَلَا مَقْصُودًا وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي قَضَائِهَا تَبَعًا لِلْفَرْضِ   [منحة الخالق] الْعَمَلِ قَصْدًا مَنْهِيٌّ وَدَرْءُ الْمَفْسَدَةِ مُقَدَّمٌ عَلَى جَلْبِ الْمَصْلَحَةِ اهـ. (قَوْلُهُ يَعْنِي فَمَا فِي الْبَدَائِعِ مِنْ التَّعْمِيمِ لِرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ لَيْسَ عَلَى قَوْلِ الْعَامَّةِ) تَخْصِيصُهُ بِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى قَوْلِ الْعَامَّةِ مَحَلُّ نَظَرٍ بَلْ الْمَفْهُومُ مِنْ الْكَلَامِ قَبْلَهُ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى قَوْلِ الْجَمِيعِ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ ثُمَّ السُّنَّةُ فِي السُّنَنِ إلَخْ) أَقُولُ: الْمَذْكُورُ فِي النِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ وَشَرْحِ قَاضِي خَانْ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ مَا ذُكِرَ هُوَ السُّنَّةُ فِي سُنَّةِ الْفَجْرِ وَأَمَّا غَيْرُهَا فَفِي التَّبْيِينِ إنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ الْإِمَامُ أَتَى بِهَا خَارِجَ الْمَسْجِدِ ثُمَّ شَرَعَ فِي الْفَرْضِ مَعَهُ لِأَنَّهُ أَمْكَنَهُ إحْرَازُ الْفَضِيلَتَيْنِ وَإِنْ خَافَ فَوْتَ رَكْعَةٍ شَرَعَ مَعَهُ بِخِلَافِ سُنَّةِ الْفَجْرِ عَلَى مَا مَرَّ اهـ. فَالصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ ثُمَّ السُّنَّةُ فِي السُّنَّةِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِهِ وَقَدْ رَأَيْته كَذَلِكَ فِي أَصْلِ بَعْضِ النُّسَخِ لَكِنَّهُ مُصَلَّحٌ بِالسُّنَنِ وَهَذَا الْإِصْلَاحُ إفْسَادٌ كَمَا رَأَيْت ثُمَّ هَذَا الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ إذَا كَانَ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الْفَرِيضَةِ كَمَا فِي الْمُنْيَةِ قَالَ وَأَمَّا قَبْلَ شُرُوعِهِمْ فِي الْفَرِيضَةِ فَيَأْتِي بِهَا فِي أَيِّ مَوْضِعٍ شَاءَ اهـ. وَقَدْ عُلِمَ هَذَا مِمَّا مَرَّ وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ الصَّوَابَ مَا قُلْنَاهُ لِأَنَّ غَيْرَ سُنَّةِ الْفَجْرِ لَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا بَيَّنَهُ الْمُؤَلِّفُ. [قَضَاء سُنَّةُ الْفَجْرِ] (قَوْلُهُ لِأَنَّ سَائِرَ السُّنَنِ لَا تُقْضَى) إلَى آخِرِ عِبَارَتِهِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَأَمَّا سَائِرُ السُّنَنِ سِوَاهَا لَا تُقْضَى بَعْدَ الْوَقْتِ وَحْدَهَا وَفِي قَضَائِهَا تَبَعًا لِلْفَرْضِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ اهـ. أَيْ قَالَ بَعْضُهُمْ يَقْضِيهَا لِأَنَّهُ كَمْ مِنْ شَيْءٍ يَثْبُتُ ضِمْنًا وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ قَصْدًا وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا يُسَمَّى تَبَعًا لَا ضِمْنًا وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا لِاخْتِصَاصِ الْقَضَاءِ بِالْوَاجِبِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَبِهَذَا يُعْلَمُ مَا فِي كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ وَلِذَا قَالَ فِي النَّهْرِ أَنَّهُ سَهْوٌ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي قَضَائِهَا بَعْدَ الْوَقْتِ تَبَعًا وَقَدْ عَلِمْت ثُبُوتَهُ وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ الْخِلَافَ فِي الْقَضَاءِ بَعْدَ الْوَقْتِ تَبَعًا لَيْسَ هُوَ الْخِلَافُ الْآتِي مَعَ بَقَائِهِ وَلِذَا كَانَ الرَّاجِحُ فِي الْأَوَّلِ عَدَمَ الْقَضَاءِ وَفِي الثَّانِي الْقَضَاءَ اهـ لَكِنْ قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ فِيهِ كَلَامٌ أَمَّا أَوَّلًا فَإِطْلَاقُ الْبَحْرِ بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا وَقَعَ لِلْبُرْجُنْدِيِّ وَغَيْرِهِ وَأَمَّا قَوْلُهُ ثَانِيًا وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ إلَخْ فَبِنَاءً عَلَى دَأْبِهِمْ فِيمَا اُخْتُلِفَ فِيهِ التَّصْحِيحُ حَيْثُ يُعَبِّرُونَ بِنَحْوِ ذَلِكَ فِيهِ وَالتَّصْحِيحُ مُخْتَلِفٌ فِي الْأَرْبَعِ قَبْلَ الظُّهْرِ كَمَا مَرَّ فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ نَفْيٌ الِاخْتِلَافِ عَمَّا قَبْلَهُ فَلْيُتَدَبَّرْ وَأَمَّا ثَانِيًا فَصَاحِبُ الْبَحْرِ لَمْ يَجْعَلْ الْخِلَافَ فِي الْقَضَاءِ بَعْدَ الْوَقْتِ تَبَعًا لِلْخِلَافِ الْآتِي مَعَ بَقَائِهِ بَلْ ذَكَرَ أَنَّهُ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ فِي الْقَضَاءِ تَبَعًا فِي الْوَقْتِ وَالظَّاهِرُ الْقَضَاءُ وَأَنَّهَا سُنَّةٌ لِلِاخْتِلَافِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 80 فِي الْوَقْتِ وَالظَّاهِرُ قَضَاؤُهَا وَأَنَّهَا سُنَّةٌ لِاخْتِلَافِ الشَّيْخَيْنِ فِي قَضَاءِ الْأَرْبَعِ قَبْلَ الظُّهْرِ قَبْلَ الرَّكْعَتَيْنِ أَوْ بَعْدَهُمَا كَمَا سَيَأْتِي. (قَوْلُهُ وَقَضَى الَّتِي قَبْلَ الظُّهْرِ فِي وَقْتِهِ قَبْلَ شَفْعِهِ) بَيَانٌ لِشَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا الْقَضَاءُ وَالثَّانِي مَحَلُّهُ أَمَّا الْأَوَّلُ فَفِيهِ اخْتِلَافٌ وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا تُقْضَى كَمَا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِهِ مُسْتَدِلًّا بِمَا عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ إذَا فَاتَتْهُ الْأَرْبَعُ قَبْلَ الظُّهْرِ قَضَاهُنَّ بَعْدَهُ» وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهَا سُنَّةٌ لَا نَفْلٌ مُطْلَقٌ وَذَكَرَ قَاضِي خَانْ أَنَّهُ إذَا قَضَاهَا فَهِيَ لَا تَكُونُ سُنَّةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا سُنَّةٌ وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ وَتَعَقَّبَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهُ مِنْ تَصَرُّفِ الْمُصَنَّفِينَ فَإِنَّ الْمَذْكُورَ مِنْ وَضْعِ الْمَسْأَلَةِ الِاتِّفَاقُ عَلَى قَضَاءِ الْأَرْبَعِ وَإِنَّمَا الِاخْتِلَافُ فِي تَقْدِيمِهَا أَوْ تَأْخِيرِهَا وَالِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّهَا تُقْضَى اتِّفَاقٌ عَلَى وُقُوعِهَا سُنَّةً إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ وَأَمَّا الثَّانِي فَاخْتُلِفَ فِيهِ النَّقْلُ عَنْ الشَّيْخَيْنِ فَذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلْحُسَامِيِّ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ يُقَدِّمُ الرَّكْعَتَيْنِ وَمُحَمَّدٌ يُؤَخِّرُهُمَا وَفِي الْمَنْظُومَةِ وَشُرُوحِهَا عَلَى الْعَكْسِ وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْإِمَامَيْنِ رِوَايَتَانِ وَرَجَّحَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ تَقْدِيمَ الرَّكْعَتَيْنِ لِأَنَّ الْأَرْبَعَ فَاتَتْ عَنْ الْمَوْضِعِ الْمَسْنُونِ فَلَا يَفُوتُ الرَّكْعَتَيْنِ عَنْ مَوْضِعِهِمَا قَصْدًا بِلَا ضَرُورَةٍ اهـ. وَحُكْمُ الْأَرْبَعِ قَبْلَ الْجُمُعَةِ كَالْأَرْبَعِ قَبْلَ الظُّهْرِ كَمَا لَا يَخْفَى. (قَوْلُهُ وَلَمْ يُصَلِّ الظُّهْرَ جَمَاعَةً بِإِدْرَاكِ رَكْعَةٍ) لِمَا فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ إذَا قَالَ عَبْدُهُ حُرٌّ إنْ صَلَّى الظُّهْرَ بِجَمَاعَةٍ فَسَبَقَ بِبَعْضِهَا لَمْ يَحْنَثْ وَهُوَ شَامِلٌ لِمَا إذَا سَبَقَ بِرَكْعَةٍ أَوْ بِأَكْثَرَ وَذَكَرَ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِهِ أَنَّ الظَّاهِرَ الْجَوَابُ أَنَّهُ إذَا فَاتَتْهُ رَكْعَةٌ مَعَ الْإِمَامِ وَصَلَّى الثَّلَاثَ مَعَهُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ الْكُلَّ مَعَ الْإِمَامِ فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ بِإِدْرَاكِ بَعْضِهَا لَكَانَ أَوْلَى لَكِنْ ذَكَرَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ أَنَّهُ يَحْنَثُ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ وَلَا يَحْنَثُ إذَا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ فَقَطْ اتِّفَاقًا كَمَا لَا يَخْفَى أَمَّا عَلَى الْأَوَّلِ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ السَّرَخْسِيِّ فَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَكْثَرَ حَتَّى يُقَامَ مَقَامَ الْكُلِّ وَمِمَّا يُضْعِفُ قَوْلَ السَّرَخْسِيِّ مَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ فِي بَابِ الْأَيْمَانِ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذَا الرَّغِيفَ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِأَكْلِ كُلِّهِ فَإِنَّ الْأَكْثَرَ لَا يُقَامُ مَقَامَ الْكُلِّ لَكِنْ فِي الْخُلَاصَةِ مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ لَوْ حَلَفَ لَا يَقْرَأُ سُورَةً فَقَرَأَهَا إلَّا حَرْفًا حَنِثَ وَلَوْ قَرَأَهَا إلَّا آيَةً طَوِيلَةً لَا يَحْنَثُ. (قَوْلُهُ بَلْ أَدْرَكَ فَضْلَهَا) أَي ْ فَضْلَ الْجَمَاعَةِ لِأَنَّ مَنْ أَدْرَكَ آخِرَ الشَّيْءِ فَقَدْ أَدْرَكَهُ وَلِحَدِيثِ الصَّحِيحِ «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصَّلَاةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ» وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا خَصَّ مُحَمَّدٌ ابِالذِّكْرِ فِي الْهِدَايَةِ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ وَرَدَتْ عَلَى قَوْلِهِ أَنَّ مُدْرِكَ الْإِمَامِ فِي التَّشَهُّدِ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ لَا يَكُونُ مُدْرِكًا لِلْجُمُعَةِ فَكَانَ مُقْتَضَى قَوْلِهِ أَنْ لَا يُدْرِكَ فَضِيلَةَ الْجَمَاعَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِأَنَّهُ مُدْرِكٌ لِلْأَقَلِّ فَأَزَالَ الْوَهْمَ بِذِكْرِ مُحَمَّدٍ وَذَكَرَ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ عَبْدُهُ حُرٌّ إنْ أَدْرَكَ الظُّهْرَ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِإِدْرَاكِ رَكْعَةٍ لِأَنَّ إدْرَاكَ الشَّيْءِ بِإِدْرَاكِ آخِرِهِ يُقَالُ أَدْرَكْت أَيَّامَهُ أَيْ آخِرَهَا وَفِي الْخُلَاصَةِ مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ مِنْ الْفَصْلِ الْحَادِيَ عَشَرَ لَوْ قَالَ عَبْدُهُ حُرٌّ إنْ أَدْرَكَ الظُّهْرَ مَعَ الْإِمَامِ فَأَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي التَّشَهُّدِ وَدَخَلَ فِي صَلَاتِهِ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ اهـ. فَعَلِمَ أَنَّ إدْرَاكَ الرَّكْعَةِ   [منحة الخالق] الْآتِي فَالْحَاصِلُ أَنَّ السَّهْوَ ظَاهِرٌ فِي كَلَامِ النَّهْرِ لَا الْبَحْرِ مِنْ تِلْكَ الْجِهَةِ نَعَمْ فِي قَوْلِ الْبَحْرِ تَبَعًا فِي الْوَقْتِ الظَّاهِرِ أَنَّ لَفْظَ تَبَعًا سَهْوٌ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ فِي الْوَقْتِ لَا يَكُونُ تَبَعًا لِأَنَّ الْفَرْضَ يَكُونُ أَدَاءً وَالْمُتَابَعَةُ تَكُونُ فِي الْقَضَاءِ فَلْيُتَدَبَّرْ اهـ. [قَضَاء السَّنَة الَّتِي قَبْلَ الظُّهْرِ فِي وَقْتِهِ] (قَوْلُهُ وَحُكْمُ الْأَرْبَعِ قَبْلَ الْجُمُعَةِ إلَخْ) أَقُولُ: قَالَ شَيْخُنَا الشَّيْخُ مُحَمَّدٌ السِّرَاجِيُّ الْحَانُوتِيُّ وَأَمَّا كَوْنُهَا هَلْ تُقْضَى أَوْ لَا فَعَلَى مَا قَالُوهُ فِي الْمُتُونِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَنَّ سُنَّةَ الظُّهْرِ تُقْضَى يَقْتَضِي أَنْ تُقْضَى سُنَّةُ الْجُمُعَةِ إذْ لَا فَرْقَ لَكِنْ فِي رَوْضَةِ الْعُلَمَاءِ فِي بَابِ فَضْلِ مَنْ سَمِعَ الْأَذَانَ وَإِذَا جَاءَ الرَّجُلُ إلَى الْجُمُعَةِ فِي وَقْتِ الْإِمَامَةِ هَلْ يُصَلِّي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ الَّتِي يُصَلِّيهَا قَبْلَ الْجُمُعَةِ أَمْ لَا قَالَ لَا يُصَلِّي بَلْ يَسْكُتُ ثُمَّ يَدْخُلُ مَعَ الْإِمَامِ فِي صَلَاتِهِ وَسَقَطَتْ عَنْهُ هَذِهِ الْأَرْبَعُ لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «إذَا خَرَجَ الْإِمَامُ فَلَا صَلَاةَ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ» اهـ. ذَكَرَهُ فِي فَتَاوَاهُ الَّتِي وَقَعَتْ لَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ خَيْرُ الدَّيْنِ الرَّمْلِيُّ أَقُولُ: وَفِي هَذَا الِاسْتِدْلَالِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَا تُصَلَّى بَعْدَ خُرُوجِهِ لَا عَلَى أَنَّهَا تَسْقُطُ بِالْكُلِّيَّةِ حَتَّى أَنَّهَا لَا تُقْضَى بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْمَكْتُوبَةِ وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ لَا تُقْضَى سُنَّةُ الظُّهْرِ أَيْضًا إذَا جَاءَ وَوُجِدَ الْإِمَامُ شَارِعًا فِي الظُّهْرِ مَعَ أَنَّهُ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْ الصَّلَاةِ عِنْدَ الْإِقَامَةِ كَمَا فِي حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا «إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ» نَعَمْ قَدْ يُقَالُ إنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ قَضَائِهَا إذَا فَاتَتْ عَنْ مَحَلِّهَا وَأَمَّا سُنَّةُ الظُّهْرِ فَإِنَّمَا قَالُوا بِقَضَائِهَا لِحَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا فَاتَتْهُ الْأَرْبَعُ قَبْلَ الظُّهْرِ قَضَاهُنَّ بَعْدَهُ كَمَا قَدَّمَهُ الْمُؤَلِّفُ فَتَكُونُ سُنَّةُ الظُّهْرِ خَارِجَةً عَنْ الْقِيَاسِ لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فَلَا تُقَاسُ عَلَيْهَا سُنَّةُ الْجُمُعَةِ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ لَكِنْ فِي الْخُلَاصَةِ إلَخْ) قَالَ الْعَلَّامَةُ نُوحٌ أَفَنْدِي الْفَرْقُ بَيْنَ الْحَرْفِ وَالْآيَةِ لَا يَخْفَى عَلَى ذَوِي الْأَفْهَامِ فَالِاسْتِدْرَاكُ الَّذِي ذَكَرَهُ هَذَا الْفَاضِلُ لَا يَخْلُو عَنْ الْكَلَامِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 81 لَيْسَ بِشَرْطٍ فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ بَلْ يَكُونُ مُدْرِكًا لَهَا لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ الثَّوَابَ وَالْحِنْثَ فِي الْيَمِينِ الْمَذْكُورَةِ وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّ الْمَسْبُوقَ يَكُونُ مُدْرِكًا لِثَوَابِ الْجَمَاعَةِ لَكِنْ لَا يَكُونُ ثَوَابُهُ مِثْلَ ثَوَابِ مَنْ أَدْرَكَ أَوَّلَ الصَّلَاةِ مَعَ الْإِمَامِ لِفَوَاتِ التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى اهـ. وَقَدْ صَرَّحَ الْأُصُولِيُّونَ بِأَنَّ فِعْلَ الْمَسْبُوقِ أَدَاءٌ قَاصِرٌ بِخِلَافِ الْمُدْرِكِ فَإِنَّهُ أَدَاءٌ كَامِلٌ وَأَمَّا اللَّاحِقُ فَصَرَّحُوا بِأَنَّ مَا يَقْضِيهِ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ أَدَاءٌ شَبِيهٌ بِالْقَضَاءِ فَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّ اللَّاحِقَ كَالْمُدْرِكِ لِكَوْنِهِ خَلْفَ الْإِمَامِ حُكْمًا وَلِهَذَا لَا يَقْرَأُ اهـ. فَيَقْتَضِي أَنْ يَحْنَثَ فِي يَمِينِهِ لَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي بِجَمَاعَةٍ وَلَوْ فَاتَهُ مَعَ الْإِمَامِ الْأَكْثَرِ فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي التَّشَهُّدِ فَقَدْ أَدْرَكَ فَضْلَهَا. (قَوْلُهُ وَتَطَوَّعَ قَبْلَ الْفَرْضِ إنْ أَمِنَ فَوْتَ الْوَقْتِ وَإِلَّا لَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَأْمَنْ لَا يَتَطَوَّعُ لِأَنَّ صَلَاةَ التَّطَوُّعِ عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ حَرَامٌ لِتَفْوِيتِهَا الْفَرْضَ وَإِنْ لَمْ يَضِقْ الْوَقْتُ فَلَهُ أَنْ يَتَطَوَّعَ فَإِنْ كَانَتْ سُنَّةً مُؤَكَّدَةً وَلَمْ تَفُتْهُ الْجَمَاعَةُ فَإِنَّهُ يُسَنُّ فِي حَقِّهِ الْإِتْيَانُ بِهَا بِاتِّفَاقِ الْمَشَايِخِ وَإِنْ فَاتَتْهُ الْجَمَاعَةُ فَفِيهِ اخْتِلَافٌ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُسَنُّ الْإِتْيَانُ بِهَا كَمَا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِهِ لِكَوْنِهَا مُكَمِّلَاتٍ لِلْفَرَائِضِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُؤَكِّدَةً فَإِنْ كَانَ مِنْ الْمُسْتَحَبَّاتِ يُسْتَحَبُّ الْإِتْيَانُ بِهَا وَإِلَّا فَهُوَ مُخَيَّرٌ. (قَوْلُهُ وَإِن ْ أَدْرَكَ إمَامَهُ رَاكِعًا فَكَبَّرَ وَوَقَفَ حَتَّى رَفَعَ رَأْسَهُ لَمْ يُدْرِكْ الرَّكْعَةَ) خِلَافًا لِزُفَرَ هُوَ يَقُولُ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِيمَا لَهُ حُكْمُ الْقِيَامِ وَلَنَا أَنَّ الشَّرْطَ هُوَ الْمُشَارَكَةُ فِي أَفْعَالِ الصَّلَاةِ وَلَمْ يُوجَدْ لَا فِي الْقِيَامِ وَلَا فِي الرُّكُوعِ وَذَكَرَ قَاضِي خَانْ أَنَّ ثَمَرَةَ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي أَنَّ هَذَا عِنْدَهُ لَاحِقٌ فِي هَذِهِ الرَّكْعَةِ حَتَّى يَأْتِيَ بِهَا قَبْلَ فَرَاغِ الْإِمَامِ وَعِنْدَنَا هُوَ مَسْبُوقٌ بِهَا حَتَّى يَأْتِيَ بِهَا بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ انْتَهَى إلَى الْإِمَامِ وَهُوَ قَائِمٌ فَكَبَّرَ وَلَمْ يَرْكَعْ مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى رَكَعَ الْإِمَامُ ثُمَّ رَكَعَ أَنَّهُ يَصِيرُ مُدْرِكًا لِتِلْكَ الرَّكْعَةِ وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ اقْتَدَى بِهِ فِي قَوْمَةِ الرُّكُوعِ لَمْ يَصِرْ مُدْرِكًا لِتِلْكَ الرَّكْعَةِ اهـ. وَفِي الْمُصَفَّى وَهَذَا إذَا أَمْكَنَهُ الرُّكُوعُ أَمَّا إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ لَا يُعْتَدُّ بِهِ عِنْدَ زُفَرَ أَيْضًا وَفِي حَيْرَةِ الْفُقَهَاءِ إمَامٌ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ فَلَمَّا رَكَعَ وَرَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ ظَنَّ أَنَّهُ لَمْ يَقْرَأْ السُّورَةَ فَرَجَعَ وَقَرَأَ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ كَانَ قَرَأَ السُّورَةَ فَجَاءَ رَجُلٌ وَدَخَلَ مَعَهُ فِي الصَّلَاةِ ثُمَّ رَكَعَ ثَانِيًا فَإِنَّ هَذَا الْمَسْبُوقَ يَصِيرُ دَاخِلًا فِي الصَّلَاةِ لَكِنْ عَلَيْهِ أَنْ يَقْضِيَ رَكْعَةً لِأَنَّ الرُّكُوعَ الْأَوَّلُ كَانَ فَرْضًا تَامًّا وَالْآخَرُ نَفْلًا فَصَارَ كَأَنَّ الْمَسْبُوقَ لَمْ يُدْرِكْ الرُّكُوعَ مِنْ هَذِهِ الرَّكْعَةِ اهـ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَمُدْرِكُ الْإِمَامِ فِي الرُّكُوعِ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَكْبِيرَتَيْنِ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ وَلَوْ نَوَى بِتِلْكَ التَّكْبِيرَةِ الْوَاحِدَةِ الرُّكُوعَ لَا الِافْتِتَاحَ جَازَ وَلَغَتْ   [منحة الخالق] [فَضْلَ الْجَمَاعَةِ] (قَوْلُهُ فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ بَلْ يَكُونُ مُدْرِكًا لَهَا إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَالْعُذْرُ لَهُ أَنَّ الْبَابَ لَمْ يَنْعَقِدْ لِذَلِكَ وَذَكَرَ مَسْأَلَةَ الْجَمَاعَةِ كَالتَّوْطِئَةِ لِقَوْلِهِ بَلْ أَدْرَكَ فَضْلَهَا إذْ رُبَّمَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ بَيْنَ إدْرَاكِ الْفَرْضِ وَالْجَمَاعَةِ تَلَازُمًا فَاحْتَاجَ إلَى دَفْعِهِ. [صَلَاةَ التَّطَوُّعِ عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ] (قَوْلُهُ وَإِنْ فَاتَتْهُ الْجَمَاعَةُ) أَيْ وَصَلَّى مُنْفَرِدًا كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ (قَوْلُهُ كَمَا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِهِ) أَقُولُ: نَصُّ كَلَامِهِ: الْإِنْسَانُ إذَا صَلَّى وَحْدَهُ إنْ شَاءَ أَتَى بِالسُّنَنِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهَا وَهُوَ قَوْلُ الْكَرْخِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَا أَتَى بِالسُّنَنِ إلَّا عِنْدَ أَدَاءِ الْمَكْتُوبَاتِ بِالْجَمَاعَةِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَالْأَخْذُ بِهِ أَحْوَطُ لِأَنَّ السُّنَّةَ بَعْدَ الْمَكْتُوبَةِ شُرِعَتْ لِجَبْرِ نُقْصَانٍ يُمْكِنُ فِي الْمَكْتُوبَةِ وَقَبْلَهَا لِقَطْعِ طَمَعِ الشَّيْطَانِ عَنْ الْمُصَلِّي فَيَقُولُ لَمَّا لَمْ يُطِعْنِي فِي تَرْكِ مَا لَمْ يُكْتَبْ عَلَيْهِ كَيْفَ يُطِيعُنِي فِي تَرْكِ مَا كُتِبَ عَلَيْهِ وَالْمُنْفَرِدُ إلَى ذَلِكَ أَحْوَجُ اهـ. وَفِي الزَّيْلَعِيِّ الْمُصَلِّي لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُؤَدِّيَ الْفَرْضَ بِجَمَاعَةٍ أَوْ مُنْفَرِدًا فَإِنْ كَانَ بِجَمَاعَةٍ فَإِنَّهُ يُصَلِّي السُّنَنَ الرَّوَاتِبَ قَطْعًا وَإِنْ كَانَ يُؤَدِّيهِ مُنْفَرِدًا فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ فِي رِوَايَةٍ وَقِيلَ يَتَخَيَّرُ وَالْأَوَّلُ أَحْوَطُ اهـ. وَالْعَجَبُ مِمَّا وَقَعَ لِصَاحِبِ النَّهْرِ فِي هَذَا الْمَحَلِّ فَإِنَّهُ بَعْدَمَا ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ عَلَى الصَّوَابِ قَالَ قَيَّدَ بِفَوْتِ الْفَرْضِ لِأَنَّهُ لَوْ خَشِيَ فَوْتَ الْجَمَاعَةِ لَوْ أَتَى بِهَا اخْتَلَفُوا وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُسَنُّ الْإِتْيَانُ بِهَا كَمَا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِهِ كَذَا فِي الْبَحْرِ وَهُوَ مُشْكِلٌ كَيْفَ وَالْجَمَاعَةُ وَاجِبَةٌ كَمَا مَرَّ اهـ. وَأَنْتَ قَدْ سَمِعْت نَصَّ كَلَامِ قَاضِي خَانْ وَأَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ هُوَ مَا نَقَلْنَاهُ عَنْهُ وَلَا إشْعَارَ لَهُ بِمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ النَّهْرِ أَصْلًا وَقَدْ وَقَعَ هَذَا الْوَهْمُ أَيْضًا لِتِلْمِيذِ الْمُؤَلِّفِ فِي مِنَحِ الْغَفَّارِ فَذَكَرَ عِبَارَةَ شَيْخِهِ ثُمَّ اسْتَشْكَلَ بِمَا تَقَدَّمَ فِي الْفَجْرِ وَأَعْجَبُ مِنْ هَذَا أَنَّ عِبَارَةَ الدُّرَرِ كَعِبَارَةِ قَاضِي خَانْ وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ إشْكَالَ صَاحِبِ النَّهْرِ وَوَجَّهَهُ عَلَيْهَا وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ إشْكَالَ النَّهْرِ لَيْسَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَوَقَعَ لِلشَّيْخِ عَلَاءِ الدِّينِ فِي شَرْحِ التَّنْوِيرِ نَظِيرُ مَا وَقَعَ لِلشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ بَلْ أَبْدَعَ وَأَغْرَبَ مُحَشِّيهِ الْمَدَارِيُّ الْحَلَبِيُّ فَجَزَمَ بِأَنَّ مَا فِي الدُّرَرِ بَاطِلٌ وَتَعَجَّبَ مِنْ الشُّرُنْبُلَالِيُّ حَيْثُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِذَلِكَ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الدُّرَرِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ أَصْلَ السَّهْوِ مِنْ صَاحِبِ النَّهْرِ وَالْمِنَحِ مَنْشَؤُهُ عَدَمُ فَهْمِ الْمَسْأَلَةِ وَقَدْ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الْعَلَّامَةُ الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْمِنَحِ وَفِي حَاشِيَتِهِ عَلَى هَذَا الْكِتَابِ فَقَالَ بَعْدَ تَصْوِيرِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى وَجْهِ الصَّوَابِ فَافْهَمْ ذَلِكَ وَكُنْ عَلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 82 نِيَّتُهُ اهـ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مُدْرِكًا لِلرَّكْعَةِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُتَابِعَ الْإِمَامَ فِي السَّجْدَتَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَحْتَسِبَا لَهُ كَمَا لَوْ اقْتَدَى بِالْإِمَامِ بَعْدَمَا رَفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ صَرَّحَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ بِأَنَّ عَلَيْهِ الْمُتَابَعَةَ فِي السَّجْدَتَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَحْتَسِبَا لَهُ وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ وَصَرَّحَ فِي الذَّخِيرَةِ بِأَنَّ الْمُتَابَعَةَ فِيهِمَا وَاجِبَةٌ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ تَرَكَهُمَا لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَقَدْ تَوَقَّفْنَا فِي ذَلِكَ مُدَّةً حَتَّى رَأَيْت فِي التَّجْنِيسِ مَعْزِيًّا إلَى فَتَاوَى أَئِمَّةِ سَمَرْقَنْدَ أَنَّهُ لَا تَفْسُدُ لَوْ تَرَكَ وَعِبَارَتُهُ رَجُلٌ انْتَهَى إلَى الْإِمَامِ وَقَدْ سَجَدَ سَجْدَةً فَكَبَّرَ وَنَوَى الِاقْتِدَاءَ بِهِ وَمَكَثَ قَائِمًا حَتَّى قَامَ الْإِمَامُ وَلَمْ يُتَابِعْهُ فِي السَّجْدَةِ ثُمَّ تَابَعَهُ فِي بَقِيَّةِ الصَّلَاةِ فَلَمَّا فَرَغَ الْإِمَامُ قَامَ وَقَضَى مَا سَبَقَ بِهِ تَجُوزُ الصَّلَاةُ إلَّا أَنَّهُ يُصَلِّي تِلْكَ الرَّكْعَةَ الْفَائِتَةَ بِسَجْدَتَيْهَا بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ وَإِنْ كَانَتْ الْمُتَابَعَةُ حِينَ يَشْرَعُ وَاجِبَةً فِي تِلْكَ السَّجْدَةِ اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ رَكَعَ مُقْتَدٍ فَأَدْرَكَهُ إمَامُهُ فِيهِ صَحَّ) وَقَالَ زُفَرُ لَا يُجْزِئُهُ لِأَنَّ مَا أَتَى بِهِ قَبْلَ الْإِمَامِ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ فَكَذَا مَا يُنَبِّهُ عَلَيْهِ وَلَنَا أَنَّ الشَّرْطَ هُوَ الْمُشَارَكَةُ فِي جُزْءٍ وَاحِدٍ كَمَا فِي الطَّرَفِ الْأَوَّلِ قَيَّدَ بِكَوْنِ إمَامِهِ شَارَكَهُ فِيهِ لِأَنَّ الْمُقْتَدِي لَوْ رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ الْإِمَامُ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ اتِّفَاقًا لِعَدَمِ الْمُشَارَكَةِ فِيهِ وَالْمُتَابَعَةِ وَأَرَادَ بِالرُّكُوعِ كُلَّ رُكْنٍ سَبَقَهُ الْمَأْمُومُ بِهِ وَقَيَّدَهُ فِي الذَّخِيرَةِ بِأَنْ يَرْكَعَ الْمُقْتَدِي بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنْ الْقِرَاءَةِ أَمَّا لَوْ رَكَعَ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ الْإِمَامُ فِي الْقِرَاءَةِ ثُمَّ قَرَأَ الْإِمَامُ وَرَكَعَ وَالرَّجُلُ رَاكِعٌ فَأَدْرَكَهُ فِي الرُّكُوعِ لَا يُجْزِئُهُ عَنْ الرُّكُوعِ لِأَنَّهُ رَكَعَ قَبْلَ أَوَانِهِ وَلَوْ رَكَعَ بَعْدَمَا قَرَأَ الْإِمَامُ ثَلَاثَ آيَاتٍ ثُمَّ أَتَمَّ الْقِرَاءَةَ وَأَدْرَكَهُ جَازَ وَلَوْ رَكَعَ الْإِمَامُ بَعْدَمَا قَرَأَ الْفَاتِحَةَ وَنَسِيَ السُّورَةَ فَرَفَعَ الْمُقْتَدِي مَعَهُ ثُمَّ عَادَ الْإِمَامُ إلَى السُّورَةِ ثُمَّ رَكَعَ وَالْمُقْتَدِي عَلَى رُكُوعِهِ الْأَوَّلِ أَجْزَأَهُ الرُّكُوعُ وَلَوْ تَذَكَّرَ الْإِمَامُ فِي رُكُوعِهِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ أَنَّهُ تَرَكَ سَجْدَةً مِنْ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ فَاسْتَوَى الْإِمَامُ فَسَجَدَ لِلثَّانِيَةِ وَأَعَادَ التَّشَهُّدَ ثُمَّ قَامَ وَرَكَعَ لِلثَّالِثَةِ وَالرَّجُلُ عَلَى حَالِهِ رَاكِعٌ لَمْ يُجْزِ الْمُقْتَدِيَ ذَلِكَ الرُّكُوعُ وَالْوَجْهُ ظَاهِرٌ اهـ. وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ أَنَّهُ يَصِحُّ وَيُكْرَهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تُبَادِرُونِي بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ» وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَمَا يَخْشَى الَّذِي يَرْكَعُ قَبْلَ الْإِمَامِ وَيَرْفَعُ أَنْ يُحَوِّلَ اللَّهُ رَأْسَهُ رَأْسَ حِمَارٍ» اهـ. وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّهَا كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ لِلنَّهْيِ الْمَذْكُورِ وَفِي الْخُلَاصَةِ الْمُقْتَدِي إذَا أَتَى بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ قَبْلَ الْإِمَامِ هَذِهِ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ إمَّا أَنْ يَأْتِيَ بِهِمَا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ بِالرُّكُوعِ قَبْلَهُ وَسَجَدَ مَعَهُ أَوْ بِالرُّكُوعِ مَعَهُ وَسَجَدَ قَبْلَهُ أَوْ أَتَى بِهِمَا قَبْلَهُ وَيُدْرِكُهُ الْإِمَامُ فِي آخِرِ الرَّكَعَاتِ فَإِنْ أَتَى بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ قَبْلَ الْإِمَامِ فِي كُلِّهَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ رَكْعَةٍ بِلَا قِرَاءَةٍ وَيُتِمُّ صَلَاتَهُ وَإِذَا رَكَعَ مَعَهُ وَسَجَدَ قَبْلَهُ يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ رَكْعَتَيْنِ وَإِذَا رَكَعَ قَبْلَهُ وَسَجَدَ مَعَهُ يَقْضِي أَرْبَعًا بِلَا قِرَاءَةٍ وَإِذَا رَكَعَ بَعْدَ الْإِمَامِ وَسَجَدَ بَعْدَهُ جَازَتْ صَلَاتُهُ اهـ. وَوَجْهُهُ   [منحة الخالق] بَصِيرَةٍ مِنْهُ فَإِنَّ صَاحِبَ النَّهْرِ وَمِنَحِ الْغَفَّارِ وَقَدْ خَلَطَا وَخَبَطَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ خَلْطًا فَاحِشًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [أَدْرَكَ إمَامَهُ رَاكِعًا فَكَبَّرَ وَوَقَفَ حَتَّى رَفَعَ رَأْسَهُ] (قَوْلُهُ وَلَوْ رَكَعَ بَعْدَمَا قَرَأَ الْإِمَامُ ثَلَاثَ آيَاتٍ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ كَانَ يَنْبَغِي الِاكْتِفَاءُ بِالْوَاحِدَةِ لِأَنَّهُ الْمَفْرُوضُ وَبَعْدَ بَحْثِنَا هَذَا رَأَيْنَا فِي النَّهْرِ وَالتَّقْيِيدُ بِثَلَاثِ آيَاتٍ يُفِيدُ أَنَّ أَوَانَهُ بَعْدَ الْوَاجِبِ وَكَانَ يَنْبَغِي اعْتِبَارُ الْآيَةِ وَأَنَّهُ لَوْ رَكَعَ بَعْدَمَا قَرَأَهَا الْإِمَامُ فَأَدْرَكَهُ فِيهِ أَنَّهُ يَصِحُّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ وَالْوَجْهُ ظَاهِرٌ) أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى ارْتِفَاضِ الرَّكْعَةِ الَّتِي كَانَ فِيهَا وَحِينَئِذٍ فَرُكُوعُ الْمُقْتَدِي غَيْرُ مُعْتَبَرٍ وَلَكِنْ قَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَوْ ذَكَرَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا سَجْدَةً فَسَجَدَهَا لَمْ يُعِدْهُمَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ إعَادَتُهُمَا وَلَكِنَّهُ أَفْضَلُ وَذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ هُنَاكَ مَا نَصُّهُ وَبِمَا ذَكَرَ هُنَا ظَهَرَ ضَعْفُ مَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ مِنْ أَنَّ الْإِمَامَ لَوْ صَلَّى رَكْعَةً وَتَرَكَ مِنْهَا سَجْدَةً وَصَلَّى أُخْرَى وَسَجَدَ لَهَا فَتَذَكَّرَ الْمَتْرُوكَةَ فِي السُّجُودِ أَنَّهُ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ وَيَسْجُدُ الْمَتْرُوكَةَ ثُمَّ يُعِيدُ مَا كَانَ فِيهَا لِأَنَّهَا ارْتُفِضَتْ فَيُعِيدُهَا اسْتِحْسَانًا اهـ. فَإِنَّكَ قَدْ عَلِمْت أَنَّهَا لَا تُرْتَفَضُ وَأَنَّ الْإِعَادَةَ مُسْتَحَبَّةٌ وَمُقْتَضَى الِارْتِفَاضُ افْتِرَاضُ الْإِعَادَةِ وَهُوَ مُقْتَضٍ لِافْتِرَاضِ التَّرْتِيبِ وَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى وُجُوبِهِ اهـ فَلْيُتَأَمَّلْ. ثُمَّ رَأَيْت فِي الْفَصْلِ الثَّانِي عَشَرَ مِنْ الذَّخِيرَةِ تَفْصِيلًا فِي الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ رُكُوعِ الثَّالِثَةِ وَتَذَكَّرَ السَّجْدَةَ مِنْ الثَّانِيَةِ أَنَّهُ يَسْجُدُهَا ثُمَّ يَتَشَهَّدُ لِلثَّانِيَةِ ثُمَّ يَسْجُدُ لِلثَّالِثَةِ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ يُتِمُّ صَلَاتَهُ قَالَ لِأَنَّ عَوْدَهُ إلَى السَّجْدَةِ الْمَتْرُوكَةِ لَا يَرْفُضُ الرُّكُوعَ بَعْدَ تَمَامِهِ وَهَذَا إنَّمَا يَسْتَقِيمُ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَإِنْ تَذَكَّرَ وَهُوَ رَاكِعٌ يَسْجُدُهَا وَيَتَشَهَّدُ وَيُصَلِّي الثَّالِثَةَ وَالرَّابِعَةَ بِرُكُوعِهِمَا وَسُجُودِهِمَا لِأَنَّ الرُّكُوعَ قَبْلَ التَّمَامِ قَابِلٌ لِلرَّفْضِ بِخِلَافِهِ بَعْدَ رَفْعِ الرَّأْسِ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ اهـ. فَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا هُنَا عَلَى غَيْرِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أَوْ بِالرُّكُوعِ قَبْلَهُ وَسَجَدَ مَعَهُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ جَعَلَ قَوْلَهُ أَوْ بِالرُّكُوعِ قَبْلَهُ وَسَجَدَ مَعَهُ مُؤَخَّرًا عَنْ قَوْلِهِ أَوْ بِالرُّكُوعِ مَعَهُ وَسَجَدَ قَبْلَهُ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِلتَّفْصِيلِ الْآتِي (قَوْلُهُ وَيُدْرِكُهُ الْإِمَامُ فِي آخِرِ الرَّكَعَاتِ) الْأَظْهَرُ تَعْبِيرُ النَّهْرِ بِقَوْلِهِ وَيُدْرِكُهُ فِي كُلِّ الرَّكَعَاتِ اهـ. أَيْ يُدْرِكُهُ إمَامُهُ فِي آخِرِهِمَا فِي كُلِّ الرَّكَعَاتِ (قَوْلُهُ جَازَتْ صَلَاتُهُ) وَكَذَا فِي الصُّورَةِ الْخَامِسَةِ وَهِيَ مَا إذَا أَتَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 83 فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّ مُدْرِكَ أَوَّلِ صَلَاةِ الْإِمَامِ لَاحِقٌ وَهُوَ يَقْضِي قَبْلَ فَرَاغِ الْإِمَامِ فَفِي الصُّورَةِ الْأُولَى فَاتَتْهُ الرَّكْعَةُ الْأُولَى فَرُكُوعُهُ وَسُجُودُهُ فِي الثَّانِيَةِ قَضَاءٌ عَنْ الْأُولَى وَفِي الثَّالِثَةِ عَنْ الثَّانِيَةِ وَفِي الرَّابِعَةِ عَنْ الثَّالِثَةِ وَيَقْضِي بَعْدَ الْإِمَامِ رَكْعَةً بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ لِأَنَّهُ لَاحِقٌ وَفِي الثَّانِيَةِ تُلْتَحَقُ سَجْدَتَاهُ فِي الثَّانِيَةِ بِرُكُوعِهِ فِي الْأُولَى لِأَنَّهُ كَانَ مُعْتَبَرًا وَيَلْغُو رُكُوعُهُ فِي الثَّانِيَةِ لِوُقُوعِهِ عَقِبَ رُكُوعِهِ الْأَوَّلِ بِلَا سُجُودٍ بَقِيَ عَلَيْهِ رَكْعَةٌ ثُمَّ رُكُوعُهُ فِي الثَّالِثَةِ مَعَ الْإِمَامِ مُعْتَبَرٌ وَيُلْتَحَقُ بِهِ سُجُودُهُ فِي رَابِعَةِ الْإِمَامِ فَيَصِيرُ عَلَيْهِ الثَّانِيَةُ وَالرَّابِعَةُ فَيَقْضِي رَكْعَتَيْنِ وَقَضَاءُ الْأَرْبَعِ فِي الثَّالِثَةِ ظَاهِرٌ اهـ. وَفِي الْخُلَاصَةِ الْمُقْتَدِي إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السَّجْدَةِ قَبْلَ الْإِمَامِ وَأَطَالَ الْإِمَامُ السَّجْدَةَ فَظَنَّ الْمُقْتَدِي أَنَّ الْإِمَامَ فِي السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ فَسَجَدَ ثَانِيًا وَالْإِمَامُ فِي السَّجْدَةِ الْأُولَى إنْ نَوَى مُتَابَعَةَ الْإِمَامِ أَوْ نَوَى السَّجْدَةَ الَّتِي فِيهَا الْإِمَامُ أَوْ نَوَى السَّجْدَةَ الْأُولَى جَازَ وَإِنْ نَوَى السَّجْدَةَ الثَّانِيَةَ وَكَانَ الْإِمَامُ فِي الْأُولَى فَرَفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ مِنْ السَّجْدَةِ وَانْحَطَّ لِلثَّانِيَةِ فَقَبْلَ أَنْ يَضَعَ الْإِمَامُ جَبْهَتَهُ عَلَى الْأَرْضِ لِلسَّجْدَةِ رَفَعَ الْمُقْتَدِي مِنْ الثَّانِيَةِ لَا تَجُوزُ سَجْدَةُ الْمُقْتَدِي وَكَانَ عَلَيْهِ إعَادَةُ تِلْكَ السَّجْدَةِ وَلَوْ لَمْ يَعُدْ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ اهـ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (بَابُ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ) . لَمَّا كَانَ الْقَضَاءُ فَرْعُ الْأَدَاءِ أَخَّرَهُ وَقَدْ قَسَّمَ الْأُصُولِيُّونَ الْمَأْمُورَ بِهِ إلَى أَدَاءٍ وَإِعَادَةٍ وَقَضَاءٍ فَالْأَدَاءُ ابْتِدَاءُ فِعْلِ الْوَاجِبِ فِي وَقْتِهِ الْمُقَيَّدِ بِهِ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْوَقْتُ الْعُمْرَ أَوْ غَيْرَهَ وَإِنَّمَا لَمْ نَقُلْ أَنَّهُ فَعْلُ الْوَاجِبِ كَمَا قَالَ غَيْرُنَا لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِعْلُهُ كُلُّهُ فِي وَقْتِهِ لِيَكُونَ أَدَاءً لِأَنَّ وُجُودَ التَّحْرِيمَةِ فِي الْوَقْتِ كَافٍ لِكَوْنِ الْفِعْلِ أَدَاءً وَالْإِعَادَةُ فِعْلٌ مِثْلُهُ فِي وَقْتِهِ لِخَلَلٍ   [منحة الخالق] بِهِمَا قَبْلَهُ وَأَدْرَكَهُ الْإِمَامُ فِي كُلِّ الرَّكَعَاتِ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الثَّانِيَةِ وَالْخَامِسَةِ كَمَا فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ وَقَضَاءُ الْأَرْبَعِ فِي الثَّالِثَةِ ظَاهِرٌ) أَيْ الْوَاقِعَةُ ثَالِثَةً فِي التَّفْصِيلِ وَوَجْهُهُ كَمَا نُقِلَ عَنْ الْخَانِيَّةِ أَنَّ الرُّكُوعَ قَبْلَ الْإِمَامِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فَلَا يَكُونُ السُّجُودُ مَعَهُ مُعْتَبَرًا اهـ. أَيْ فَلَمْ يَكُنْ آتَيَا بِالرَّكَعَاتِ كُلِّهَا قَالَ الرَّمْلِيُّ وَوَجْهُ عَدَمِ قَضَاءِ شَيْءٍ فِي صُورَةِ مَا إذَا أَتَى بِهِمَا بَعْدَهُ أَوْ قَبْلَهُ وَأَدْرَكَهُ الْإِمَامُ ظَاهِرٌ أَيْضًا وَذَلِكَ لِلْمُتَابَعَةِ فِي صُورَةِ الْبَعْدِيَّةِ وَالْمُشَارَكَةِ فِي الْقَبْلِيَّةَ مَعَ إدْرَاكِ الْإِمَامِ لَهُ فِيهِمَا (قَوْلُهُ وَإِنْ نَوَى السَّجْدَةَ الثَّانِيَةَ) أَيْ وَلَمْ يَنْوِ الْمُتَابَعَةَ أَيْضًا أَمَّا إذَا نَوَاهُمَا تَكُونُ عَنْ الْأُولَى تَرْجِيحًا لِلْمُتَابَعَةِ وَتَلْغُو نِيَّةُ غَيْرِهِ لِلْمُخَالَفَةِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَكَذَا إذَا لَمْ يَنْوِ شَيْئًا حَمْلًا لِأَمْرِهِ عَلَى الصَّوَابِ فَالْحَاصِلُ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى سِتَّةِ أَوْجُهٍ فِي الْخَمْسَةِ يَصِيرُ سَاجِدًا السَّجْدَةَ الْأُولَى وَفِي السَّادِسَةِ وَهِيَ مَا إذَا نَوَى الثَّانِيَةَ فَحَسْبَ يَصِيرُ سَاجِدًا عَنْ الثَّانِيَةِ لِأَنَّ هَذِهِ ثَانِيَةٌ بِاعْتِبَارِ فِعْلِهِ فَالنِّيَّةُ صَادَفَتْ مَحَلَّهَا وَلَمْ يُوجَدْ فِي مُعَارَضَتِهِ نِيَّةٌ أُخْرَى ثُمَّ ذَكَرَ مَسْأَلَةَ مَا إذَا أَطَالَ الْمُقْتَدِي السَّجْدَةَ الْأُولَى وَسَجَدَ الْإِمَامُ الثَّانِيَةَ ثُمَّ رَفَعَ الْمُقْتَدِي رَأْسَهُ فَرَأَى الْإِمَامَ سَاجِدًا فَظَنَّ أَنَّهُ فِي السَّجْدَةِ الْأُولَى فَسَجَدَ قَالَ فَالْمَسْأَلَةُ أَيْضًا عَلَى سِتَّةِ أَوْجُهٍ وَفِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا يَصِيرُ سَاجِدًا عَنْ الثَّانِيَةِ [بَابُ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ] (قَوْلُهُ فَالْأَدَاءُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ بَعْدَ نَقْلِهِ تَعْرِيفَ الْأَدَاءِ عَنْ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ بِأَنَّهُ تَسْلِيمُ عَيْنِ الْوَاجِبِ الثَّابِتِ بِالْأَمْرِ وَالْقَضَاءِ بِتَسْلِيمِ مِثْلِ الْوَاجِبِ بِهِ اهـ. وَبِهِ عَلِمَ أَنَّ مَا فِي الْبَحْرِ مَدْفُوعٌ إمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ كَوْنَ الْوَقْتِ الْمُقَيَّدِ يَدْخُلُ فِيهِ الْمُطْلَقُ جَمَعَ بَيْنَ الْمُتَنَافِيَيْنِ وَإِمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ هَذَا مِمَّا لَا حَاجَةَ إلَيْهِ إذْ تَسْلِيمُ الْعَيْنِ يَشْمَلُ هَذَا النَّوْعُ مِنْ الْأَدَاءِ وَإِلَّا كَانَ مَثَلًا فَيَكُونُ قَضَاءً اهـ. وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ الْمُرَادَ بِتَقْيِيدِهِ بِهِ جَعَلَهُ ظَرْفًا لِإِيقَاعِهِ لَا تَخْصِيصِهِ بِوَقْتٍ مُعَيَّنٍ مِنْ بَيْنِ الْأَوْقَاتِ حَتَّى يَرُدَّ التَّنَافِي وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ مَنْ عَرَّفَهُ بِأَنَّهُ فِعْلُ الْوَاجِبِ فِي وَقْتِهِ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لِكَوْنِهِ أَدَاءَ وُجُودِ جَمِيعِهِ فِيهِ فَزَادَ قَيْدَ الِابْتِدَاءِ لِيَدْخُلَ ذَلِكَ وَالْإِلْزَامُ عَدَمُ انْعِكَاسِ التَّعْرِيفِ فَلْيُتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ فِعْلُ مِثْلِهِ) أَيْ الْوَاجِبِ خَرَجَ بِهِ الْقَضَاءُ بِنَاءً عَلَى التَّعْرِيفِ الرَّاجِحِ لَهُ وَقَوْلُهُ فِي وَقْتِهِ خَرَجَ بِهِ الْقَضَاءُ بِنَاءً عَلَى التَّعْرِيفِ الْمَرْجُوحِ لَهُ وَخَرَجَ بِهِ أَيْضًا فِعْلُ مِثْلِهِ بَعْدَهُ لِخَلَلٍ غَيْرِ الْفَسَادِ وَعَدَمِ صِحَّةِ الشُّرُوعِ فَهُوَ خَارِجٌ عَنْ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ فِي التَّحْرِيرِ لَكِنْ قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ فِي شَرْحِهِ أَنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْبَعْضُ وَإِلَّا فَقَوْلُ الْمِيزَانِ الْإِعَادَةُ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ إتْيَانٌ بِمِثْلِ الْفِعْلِ الْأَوَّلِ عَلَى صِفَةِ الْكَمَالِ بِأَنْ وَجَبَ عَلَى الْمُكَلَّفِ فِعْلٌ مَوْصُوفٌ بِصِفَةِ الْكَمَالِ فَأَدَّاهُ عَلَى وَجْهِ النُّقْصَانِ وَهُوَ نُقْصَانٌ فَاحِشٌ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ وَهُوَ إتْيَانُ مِثْلِ الْأَوَّلِ ذَاتًا مَعَ صِفَةِ الْكَمَالِ اهـ. يُفِيدُ أَنَّهُ إذَا فَعَلَ ثَانِيًا فِي الْوَقْتِ أَوْ خَارِجَ الْوَقْتِ يَكُونُ إعَادَةً كَمَا قَالَ صَاحِبُ الْكَشْفِ اهـ. وَنَحْوُهُ فِي شَرْحِ أُصُولِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ لِلشَّيْخِ أَكْمَلِ الدِّينِ فَإِنَّهُ قَالَ وَلَمْ يَذْكُرْ الشَّيْخُ الْإِعَادَةَ وَهِيَ فِعْلُ مَا فَعَلَ أَوَّلًا مَعَ ضَرْبٍ مِنْ الْخَلَلِ ثَانِيًا وَقِيلَ هُوَ إتْيَانٌ مِثْلُ الْأَوَّلِ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ وَاجِبَةً بِأَنْ وَقَعَ الْأَوَّلُ فَاسِدًا فَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي الْأَدَاءِ أَوْ الْقَضَاءِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً بِأَنْ وَقَعَ الْأَوَّلُ نَاقِصًا فَاسِدًا فَلَا يَدْخُلُ فِي هَذَا التَّقْسِيمِ لِأَنَّهُ تَقْسِيمُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 84 غَيْرِ الْفَسَادِ وَعَدَمِ صِحَّةِ الشُّرُوعِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِمْ كُلُّ صَلَاةٍ أُدِّيَتْ مَعَ كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ فَسَبِيلُهَا الْإِعَادَةُ فَكَانَتْ وَاجِبَةً فَلِذَا دَخَلَتْ فِي أَقْسَامِ الْمَأْمُورِ بِهِ وَالْقَضَاءُ لَهُ تَعْرِيفَانِ أَحَدُهُمَا عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ مِنْ أَنَّ الْقَضَاءَ يَجِبُ بِمَا يَجِبُ بِهِ الْأَدَاءُ هُوَ فِعْلُ الْوَاجِبِ بَعْدَ وَقْتِهِ وَإِنْ عُرِفَ بِمَا يَشْمَلُ غَيْرَ الْوَاجِبِ مِنْ السُّنَنِ الَّتِي تُقْضَى فَيُبَدَّلُ الْوَاجِبُ بِالْعِبَادَةِ فَيُقَالُ هُوَ فِعْلُ الْعِبَادَةِ بَعْدَ وَقْتِهَا وَلَا يَكُونُ خَارِجًا عَنْ الْمُقْسِمِ لِأَنَّ الْمَنْدُوبَ مَأْمُورٌ بِهِ أَيْضًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ} [الحج: 77] لَكِنَّهُ مَجَازٌ فَلِهَذَا لَمْ يُدْخِلْهُ أَكْثَرُهُمْ فِي تَعْرِيفِهِ وَإِطْلَاقُ الْقَضَاءِ فِي عِبَارَةِ الْفُقَهَاءِ عَلَى مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ مَجَازٌ كَمَا وَقَعَ فِي عِبَارَةِ الْمُخْتَصَرِ حَيْثُ قَالَ وَقَضَى الَّتِي قَبْلَ الظُّهْرِ وَكَذَا إطْلَاقُ الْفُقَهَاءِ الْقَضَاءَ لِلْحَجِّ بَعْدَ فَسَادِهِ مَجَازٌ إذْ لَيْسَ لَهُ وَقْتٌ يَصِيرُ بِخُرُوجِهِ قَضَاءً ثَانِيهِمَا عَلَى الْقَوْلِ الْمَرْجُوحِ مِنْ أَنَّ الْقَضَاءَ يَجِبُ بِسَبَبٍ جَدِيدٍ فَهُوَ تَسْلِيمٌ مِثْلُ الْوَاجِبِ وَمَنْ زَادَ عَلَيْهِ بِالْأَمْرِ كَصَاحِبِ الْمَنَارِ فَقَدْ تَنَاقَضَ كَلَامُهُ لِأَنَّ الْمَفْعُولَ بَعْدَ الْوَقْتِ عَيْنُ الْوَاجِبِ بِالْأَمْرِ لَا مِثْلُهُ إذْ الْمُسْتَفَادُ مِنْ الْأَمْرِ طَلَبُ شَيْئَيْنِ الْفِعْلُ وَكَوْنُهُ فِي وَقْتِهِ فَإِذَا عَجَزَ عَنْ الثَّانِي لِفَوَاتِهِ بَقِيَ الْأَمْرُ مُقْتَضِيًا لِلْأَوَّلِ فَتَصْرِيحُهُ بِالْمِثْلِ مُقْتَضٍ لِكَوْنِهِ بِسَبَبٍ جَدِيدٍ وَتَصْرِيحُهُ بِالْأَمْرِ مُقْتَضٍ لِكَوْنِهِ عَيْنَهُ وَتَمَامُ تَحْقِيقِهِ فِي كِتَابِنَا الْمُسَمَّى بِلُبِّ الْأُصُولِ مُخْتَصَرِ تَحْرِيرِ الْأُصُولِ وَلَمْ يَظْهَرْ لِلِاخْتِلَافِ الْمَذْكُورِ فِي سَبَبِ الْقَضَاءِ أَثَرٌ كَمَا يَعْلَمْهُ مَنْ طَالَعَ كُتُبَ الْأُصُولِ وَفِي كَشْفِ الْأَسْرَارِ أَنَّ الْمِثْلِيَّةَ فِي الْقَضَاءِ فِي حَقِّ إزَالَةِ الْمَأْثَمِ لَا فِي إحْرَازِ الْفَضِيلَةِ. اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَأْثَمِ تَرْكُ الصَّلَاةِ فَلَا يُعَاقَبُ عَلَيْهَا إذَا قَضَاهَا وَأَمَّا إثْمُ تَأْخِيرِهَا عَنْ الْوَقْتِ الَّذِي هُوَ كَبِيرَةٌ فَبَاقٍ لَا يَزُولُ بِالْقَضَاءِ الْمُجَرَّدِ عَنْ التَّوْبَةِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْهَا هَذَا وَيَجُوزُ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا لِعُذْرٍ كَمَا قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوِيهِ الْقَائِلَةِ إذَا اشْتَغَلْت بِالصَّلَاةِ تَخَافُ أَنْ يَمُوتَ الْوَلَدُ لَا بَأْسَ بِأَنْ تُؤَخِّرَ الصَّلَاةَ وَتُقْبِلَ عَلَى الْوَلَدِ لِأَنَّ تَأْخِيرَ الصَّلَاةِ عَنْ الْوَقْتِ يَجُوزُ بِعُذْرٍ أَلَا تَرَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَخَّرَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا يَوْمَ الْخَنْدَقِ» وَكَذَا الْمُسَافِرُ إذَا خَافَ مِنْ اللُّصُوصِ وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ جَازَ لَهُمْ أَنْ يُؤَخِّرُوا الْوَقْتِيَّةَ لِأَنَّهُ بِعُذْرٍ اهـ. وَفِي الْمُجْتَبَى الْأَصَحُّ أَنَّ تَأْخِيرَ الْفَوَائِتِ لِعُذْرِ السَّعْيِ عَلَى الْعِيَالِ وَفِي الْحَوَائِجِ يَجُوزُ قِيلَ وَإِنْ وَجَبَ عَلَى الْفَوْرِ يُبَاحُ لَهُ التَّأْخِيرُ وَعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ وَالنَّذْرِ الْمُطْلَقِ وَقَضَاءِ رَمَضَانَ مُوَسَّعٌ وَضَيَّقَ الْحَلْوَانِيُّ وَالْعَامِرِيُّ اهـ. وَذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ مِنْ الصَّوْمِ أَنَّ قَضَاءَ   [منحة الخالق] الْوَاجِبِ وَهِيَ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ وَبِالْأَوَّلِ يَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ وَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْكَرَاهَةِ عَلَى الْأَصَحِّ فَالْفِعْلُ الثَّانِي بِمَنْزِلَةِ الْجَبْرِ كَالْجَبْرِ بِسُجُودِ السَّهْوِ اهـ. وَهُوَ مُوَافِقٌ لِكَلَامِ الْمِيزَانِ حَيْثُ لَمْ يُقَيِّدْهَا بِالْوَقْتِ وَمُخَالِفٌ لَهُ حَيْثُ صَرَّحَ بِعَدَمِ وُجُوبِهَا وَفِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ هَلْ تَكُونُ الْإِعَادَةُ وَاجِبَةً فَصَرَّحَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ شُرَّاحِ أُصُولِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ وَأَنَّ الْأَوَّلَ يَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ وَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْكَرَاهَةِ عَلَى الْأَصَحِّ وَأَنَّ الثَّانِيَ بِمَنْزِلَةِ الْجَبْرِ وَالْأَوْجَهُ الْوُجُوبُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْهِدَايَةِ وَصَرَّحَ بِهِ بَعْضُهُمْ كَالشَّيْخِ حَافِظِ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْمَنَارِ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا عَنْ السَّرَخْسِيِّ وَأَبِي الْيُسْرِ مِنْ تَرْكِ الِاعْتِدَالِ تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ زَادَ أَبُو الْيُسْرِ وَيَكُونُ الْفَرْضُ هُوَ الثَّانِيَ وَعَلَى هَذَا يَدْخُلُ فِي تَقْسِيمِ الْوَاجِبِ ثُمَّ نُقِلَ عَنْ شَيْخِهِ ابْنِ الْهُمَامِ لَا إشْكَالَ فِي وُجُوبِ الْإِعَادَةِ إذْ هُوَ الْحُكْمُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ أُدِّيَتْ مَعَ كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ وَيَكُونُ جَابِرًا لِلْأَوَّلِ لِأَنَّ الْفَرْضَ لَا يَتَكَرَّرُ وَجَعْلُهُ الثَّانِيَ يَقْتَضِي عَدَمَ سُقُوطِهِ بِالْأَوَّلِ إذْ هُوَ لَازِمُ تَرْكِ الرُّكْنِ لَا الْوَاجِبِ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ أَنَّ ذَلِكَ امْتِنَانٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى إذْ يَحْتَسِبُ الْكَامِلَ وَإِنْ تَأَخَّرَ عَنْ الْفَرْضِ لَمَّا عَلِمَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ سَيُوقِعُهُ. اهـ. أَقُولُ: وَيَظْهَرُ لِي التَّوْفِيقَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْوُجُوبِ الِافْتِرَاضُ فِي عِبَارَةِ الشَّيْخِ أَكْمَلِ الدِّينِ لِأَنَّهُ ذَكَرَ وُجُوبَهَا عِنْدَ وُقُوعِ الْأَوَّلِ فَاسِدًا وَلَا شُبْهَةَ فِي أَنَّهَا حِينَئِذٍ فَرْضٌ وَذَكَرَ عَدَمَ الْوُجُوبِ عِنْدَ وُقُوعِ الْأَوَّلِ نَاقِصًا لَا فَاسِدًا وَلَا شُبْهَةَ فِي عَدَمِ افْتِرَاضِهَا حِينَئِذٍ وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ كَلَامُ شُرَّاحِ أُصُولِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ فَلَا يُنَافِي ذَلِكَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْهِدَايَةِ وَصَرَّحَ بِهِ فِي شَرْحِ الْمَنَارِ مِنْ أَنَّ الْأَوْجَهَ الْوُجُوبُ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْوُجُوبُ الْمُصْطَلَحُ لَا الِافْتِرَاضُ (قَوْلُهُ غَيْرُ الْفَسَادِ وَعَدَمُ صِحَّةِ الشُّرُوعِ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ إذْ اخْتِلَالُ الشَّيْءِ يُؤَذِّنُ بِبَقَائِهِ وَلَا وُجُودَ لَهُ فِيمَا ذُكِرَ. اهـ. قُلْت: قَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْخَلَلَ وَإِنْ لَزِمَ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ بِغَيْرِ الْفَسَادِ وَعَدَمِ صِحَّةِ الشُّرُوعِ لَكِنَّ التَّصْرِيحَ بِاللَّازِمِ فِي التَّعْرِيفِ غَيْرُ بِدْعِيٍّ تَدَبَّرْ وَاحْتَرِزْ عَنْ الْخَلَلِ بِغَيْرِ مَا ذُكِرَ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بِوَاحِدٍ مِنْهُ فَالْفِعْلُ يَكُونُ أَدَاءً إنْ وَقَعَ فِي الْوَقْتِ وَقَضَاءً إنْ وَقَعَ خَارِجَهُ (قَوْلُهُ وَمَنْ زَادَ عَلَيْهِ بِالْأَمْرِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّ الْعَيْنِيَّةَ وَالْمِثْلِيَّةَ بِالْقِيَاسِ إلَى مَا عُلِمَ مِنْ الْأَمْرِ إذْ الْمَأْمُورُ بِهِ إنْ يَكُنْ عَيْنَ مَا عُلِمَ فَهُوَ الْأَدَاءُ وَإِنْ كَانَ مِثْلَهُ فَهُوَ الْقَضَاءُ وَهَذَا لِأَنَّ الشَّارِعَ إنَّمَا أَمَرَهُ بِالصَّلَاةِ وَلَمْ يُؤَدِّهَا بَقِيَتْ فِي ذِمَّتِهِ وَلَهُ قُدْرَةٌ عَلَى مِثْلِهَا لِأَنَّ النَّفَلَ شُرِعَ لَهُ مِنْ جِنْسِ مَا عَلَيْهِ وَهُوَ مِثْلُهُ فَأَمَرَ بِصَرْفِ مَالِهِ مِنْ النَّفْلِ إلَى مَا عَلَيْهِ مِنْ الْقَضَاءِ وَبِهَذَا انْدَفَعَ التَّنَاقُضُ فَتَدَبَّرْهُ اهـ. قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ التَّكْلِيفِ وَأَتَى يُقَالُ بِأَنَّهُ صَرَفَ مَالَهُ مِنْ النَّفْلِ إلَى مَا عَلَيْهِ مِنْ قَضَاءِ الْفَرْضِ فَلْيُتَدَبَّرْ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 85 الصَّوْمِ عَلَى التَّرَاخِي وَقَضَاءَ الصَّلَاةِ عَلَى الْفَوْرِ إلَّا لِعُذْرٍ. (قَوْلُهُ وَالتَّرْتِيبُ بَيْنَ الْفَائِتَةِ وَالْوَقْتِيَّةِ وَبَيْنَ الْفَوَائِتِ مُسْتَحَقٌّ) مُفِيدٌ لِشَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا بِالْعِبَارَةِ وَالْآخَرُ بِالِاقْتِضَاءِ أَمَّا الثَّانِي فَهُوَ لُزُومُ قَضَاءِ الْفَائِتَةِ فَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ كُلَّ صَلَاةٍ فَاتَتْ عَنْ الْوَقْتِ بَعْدَ ثُبُوتِ وُجُوبِهَا فِيهِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ قَضَاؤُهَا سَوَاءٌ تَرَكَهَا عَمْدًا أَوْ سَهْوًا أَوْ بِسَبَبِ نَوْمٍ وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْفَوَائِتُ كَثِيرَةً أَوْ قَلِيلَةً فَلَا قَضَاءَ عَلَى مَجْنُونٍ حَالَةَ جُنُونِهِ مَا فَاتَهُ فِي حَالَةِ عَقْلِهِ كَمَا لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ فِي حَالَةِ عَقْلِهِ لَمَّا فَاتَهُ حَالَةَ جُنُونِهِ وَلَا عَلَى مُرْتَدٍّ مَا فَاتَهُ زَمَنَ رِدَّتِهِ وَلَا عَلَى مُسْلِمٍ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَمْ يُصَلِّ مُدَّةً لِجَهْلِهِ بِوُجُوبِهَا وَلَا عَلَى مُغْمًى عَلَيْهِ أَوْ مَرِيضٍ عَجَزَ عَنْ الْإِيمَاءِ مَا فَاتَهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ وَزَادَتْ الْفَوَائِتُ عَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَمِنْ حُكْمِهِ أَنَّ الْفَائِتَةَ تُقْضَى عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي فَاتَتْ عَنْهُ إلَّا لِعُذْرٍ وَضَرُورَةٍ فَيَقْضِي الْمُسَافِرُ فِي السَّفَرِ مَا فَاتَهُ فِي الْحَضَرِ مِنْ الْفَرْضِ الرُّبَاعِيِّ أَرْبَعًا وَالْمُقِيمُ فِي الْإِقَامَةِ مَا فَاتَهُ فِي السَّفَرِ مِنْهَا رَكْعَتَيْنِ كَمَا سَيَأْتِي فِي آخِرِ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ وَقَدْ قَالُوا إنَّمَا تُقْضَى الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْوِتْرُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَلَاةُ الْعِيدِ إذَا فَاتَتْ مَعَ النَّاسِ عَلَى تَفْصِيلٍ يَأْتِي فِي بَابِهَا وَسُنَّةُ الْفَجْرِ تَبَعًا لِلْفَرْضِ قَبْلَ الزَّوَالِ وَالْقَضَاءُ فَرْضٌ فِي الْفَرْضِ وَاجِبٌ فِي الْوَاجِبِ سُنَّةٌ فِي السُّنَّةِ ثُمَّ لَيْسَ لِلْقَضَاءِ وَقْتٌ مُعَيَّنٌ بَلْ جَمِيعُ أَوْقَاتِ الْعُمْرِ وَقْتٌ لَهُ إلَّا ثَلَاثَةً وَقْتُ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَوَقْتُ الزَّوَالِ وَوَقْتُ الْغُرُوبِ فَإِنَّهُ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ لِمَا مَرَّ فِي مَحَلِّهِ وَأَمَّا الْأَوَّلُ وَهُوَ التَّرْتِيبُ بَيْنَ الْفَائِتَةِ وَالْوَقْتِيَّةِ وَبَيْنَ الْفَوَائِتِ فَهُوَ وَاجِبٌ عِنْدَنَا يَفُوتُ الْجَوَازُ بِفَوْتِهِ فَهُوَ شَرْطٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحِيطِ لَكِنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ حَقِيقَةً لِأَنَّ بِتَرْكِهِ لَا تَفُوتُ الصِّحَّةُ أَصْلًا بَلْ الْأَمْرُ مَوْقُوفٌ كَمَا سَيَأْتِي وَلَوْ كَانَ شَرْطًا لَمْ يَسْقُطْ بِالنِّسْيَانِ كَغَيْرِهِ مِنْ الشُّرُوطِ وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا اصْطِلَاحِيًّا وَلَا فَرْضًا لِعَدَمِ قَطْعِيَّةِ الدَّلِيلِ وَلَا شَرْطًا كَذَلِكَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ أُبْهِمَ أَمْرُهُ فَعَبَّرَ بِالِاسْتِحْقَاقِ وَالدَّلِيلُ عَلَى وُجُوبِهِ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّ «عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ شُغِلَ بِسَبَبِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّه مَا كِدْت أُصَلِّي الْعَصْرَ حَتَّى كَادَتْ الشَّمْسُ أَنْ تَغْرُبَ فَقَالَ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَاَللَّهِ مَا صَلَّيْتهَا قَالَ: فَنَزَلْنَا بَطْحَانَ فَتَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَوَضَّأْنَا فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْعَصْرَ بَعْدَمَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ وَصَلَّيْنَا بَعْدَهَا الْمَغْرِبَ» وَلَوْ كَانَ التَّرْتِيبُ مُسْتَحَبًّا لَمَا أَخَّرَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِأَجْلِهِ الْمَغْرِبَ الَّتِي تَأْخِيرُهَا مَكْرُوهٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْكَرَاهَةَ لِلتَّحْرِيمِ فَلَا تُرْتَكَبُ لِفِعْلِ مُسْتَحَبٍّ وَبِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّأْخِيرَ قَدْرُ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ مَكْرُوهٌ، لَكِنْ لَا دَلِيلَ عَلَى كَوْنِهِ وَاجِبًا يَفُوتُ الْجَوَازُ بِفَوْتِهِ، وَقَدْ أَطَالَ فِيهِ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إطَالَةً حَسَنَةً كَمَا هُوَ دَأْبُهُ وَغَرَضُنَا فِي هَذَا الْكِتَابِ تَحْرِيرُ الْمَذْهَبِ فِي الْأَحْكَامِ لَا تَحْرِيرُ الدَّلَائِلِ وَأَمَّا التَّرْتِيبُ بَيْنَ الْفَوَائِتِ فَلِمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ مِنْ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «شُغِلَ عَنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ يَوْمَ الْخَنْدَقِ فَقَضَاهُنَّ مُرَتَّبَةً» وَقَالَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» فَدَلَّ عَلَى الْوُجُوبِ قُيِّدَ بِالْفَائِتَةِ لِأَنَّ غَيْرَ الْفَائِتَةِ لَا يُقْضَى وَلِهَذَا قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ رَجُلٌ يَقْضِي صَلَوَاتِ عُمْرِهِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَفُتْهُ شَيْءٌ مِنْهَا احْتِيَاطًا قَالَ بَعْضُهُمْ يُكْرَهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يُكْرَهُ لِأَنَّهُ أَخَذَ بِالِاحْتِيَاطِ لَكِنَّهُ لَا يَقْضِي بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَلَا بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ وَيَقْرَأُ فِي الرَّكَعَاتِ كُلِّهَا الْفَاتِحَةَ مَعَ السُّورَةِ. اهـ. وَقَدْ قَدَّمْنَا عَنْ مَآلِ الْفَتَاوَى أَنَّهُ يُصَلِّي الْمَغْرِبَ أَرْبَعًا بِثَلَاثِ قَعَدَاتٍ وَكَذَا الْوِتْرُ وَذَكَرَ فِي الْقُنْيَةِ قَوْلَيْنِ فِيهَا وَأَنَّ الْإِعَادَةَ أَحْسَنُ إذَا كَانَ فِيهَا اخْتِلَافُ الْمُجْتَهِدِينَ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْإِعَادَةَ فِعْلُ مِثْلِهِ فِي وَقْتِهِ لِخَلَلٍ غَيْرِ الْفَسَادِ وَعَدَمِ صِحَّةِ الشُّرُوعِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ لَا إعَادَةَ وَيَتَمَكَّنُ الْخَلَلُ فِيهَا مَعَ أَنَّ قَوْلَهُمْ كُلُّ صَلَاةٍ أُدِّيَتْ مَعَ الْكَرَاهَةِ فَسَبِيلُهَا الْإِعَادَةُ وُجُوبًا مُطْلَقٌ وَفِي الْقُنْيَةِ مَا يُفِيدُ التَّقْيِيدَ بِالْوَقْتِ فَإِنَّهُ قَالَ إذَا لَمْ يُتِمَّ رُكُوعَهُ وَلَا سُجُودَهُ يُؤْمَرُ بِالْإِعَادَةِ فِي الْوَقْتِ لَا بَعْدَهُ ثُمَّ رَقَّمَ رَقْمًا آخَرَ أَنَّ الْإِعَادَةَ   [منحة الخالق] [التَّرْتِيبُ بَيْنَ صَلَاة الْفَائِتَةِ وَالْوَقْتِيَّةِ وَبَيْنَ الْفَوَائِتِ] (قَوْلُهُ فَلَا قَضَاءَ عَلَى مَجْنُونٍ) إلَى قَوْلِهِ وَلَا عَلَى مُرْتَدٍّ الْعِبَارَةُ مَقْلُوبَةٌ وَحَقُّ التَّعْبِيرِ الْمُنَاسِبِ لِمَا نَحْنُ فِيهِ أَنْ يُقَالَ فَلَا قَضَاءَ عَلَى مَجْنُونٍ فِي حَالَةِ عَقْلِهِ مَا فَاتَهُ حَالَ جُنُونِهِ كَمَا لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ حَالَةَ جُنُونِهِ مَا فَاتَهُ فِي حَالَةِ عَقْلِهِ لِأَنَّ الْمُرَادَ بَيَانُ مُحْتَرَزِ قَوْلِهِ بَعْدَ ثُبُوتِ وُجُوبِهَا (قَوْلُهُ سُنَّةٌ فِي السُّنَّةِ) يَرُدُّ عَلَى عُمُومِهِ الْوِتْرُ عَلَى قَوْلِهِمَا فَإِنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ وُجُوبُ قَضَائِهِ عِنْدَهُمَا أَيْضًا كَمَا مَرَّ مَعَ قَوْلِهِمَا بِسُنِّيَّتِهِ لَكِنْ قَدْ يُجَابُ بِأَنَّ كَلَامَهُ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ صَاحِبِ الْمَذْهَبِ (قَوْلُهُ وَقَالَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ إلَخْ) هَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الْهِدَايَةِ ثُمَّ قَالَ صَلُّوا لِإِيهَامِهِ أَنَّهُمَا حَدِيثٌ وَاحِدٌ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 86 أَوْلَى فِي الْحَالَتَيْنِ اهـ. فَعَلَى الْقَوْلَيْنِ لَا وُجُوبَ بَعْدَ الْوَقْتِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ مَنْ تَرَكَ وَاجِبًا مِنْ وَاجِبَاتِهَا أَوْ ارْتَكَبَ مَكْرُوهًا تَحْرِيمِيًّا لَزِمَهُ وُجُوبًا أَنْ يُعِيدَ فِي الْوَقْتِ فَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ بِلَا إعَادَةٍ أَثِمَ وَلَا يَجِبُ جَبْرُ النُّقْصَانِ بَعْدَ الْوَقْتِ فَلَوْ فَعَلَ فَهُوَ أَفْضَلُ وَلِهَذَا حَمَلَ صَاحِبُ الْقُنْيَةِ قَوْلَهُمْ بِكَرَاهَةِ قَضَاءِ صَلَاةِ عُمُرِهِ مَرَّةً ثَانِيَةً عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا شُبْهَةُ الْخِلَافِ وَلَمْ تَكُنْ مُؤَدَّاةً عَلَى وَجْهِ الْكَرَاهَةِ وَفِي التَّجْنِيسِ وَغَيْرِهِ رَجُلٌ فَاتَتْهُ صَلَاةٌ مِنْ يَوْمٍ وَاحِدٍ وَلَا يَدْرِي أَيَّ صَلَاةٍ هِيَ يُعِيدُ صَلَاةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لِأَنَّ صَلَاةَ يَوْمٍ كَانَتْ وَاجِبَةً بِيَقِينٍ فَلَا يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَةِ الْوَاجِبِ بِالشَّكِّ وَإِذَا شَكَّ فِي صَلَاةٍ أَنَّهُ صَلَّاهَا أَمْ لَا فَإِنْ كَانَ فِي الْوَقْتِ أَنْ يُعِيدَ لِأَنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ قَائِمٌ وَإِنَّمَا لَا يَعْمَلُ هَذَا السَّبَبُ بِشَرْطِ الْأَدَاءِ قَبْلَهُ وَفِيهِ شَكٌّ وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ ثُمَّ شَكَّ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ قَدْ فَاتَ وَإِنَّمَا يَجِبُ الْقَضَاءُ بِشَرْطِ عَدَمِ الْأَدَاءِ قَبْلَهُ وَفِيهِ شَكٌّ وَإِنْ شَكَّ فِي نُقْصَانِ الصَّلَاةِ أَنَّهُ تَرَكَ رَكْعَةً وَإِنْ لَمْ يَفْرُغْ مِنْ الصَّلَاةِ فَعَلَيْهِ إتْمَامُهَا وَيَقْعُدُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَإِنْ شَكَّ بَعْدَمَا فَرَغَ وَسَلَّمَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِمَا قُلْنَا اهـ. وَذَكَرَ فِي الْخُلَاصَةِ فِي مَسْأَلَةِ الشَّكِّ فِي الصَّلَاةِ هَلْ صَلَّاهَا أَوْ لَا وَكَانَ فِي الْوَقْتِ لَوْ كَانَ الشَّكُّ فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ وَلَا يَقْرَأُ فِي الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ اهـ. وَكَانَ وَجْهُهُ أَنَّ التَّنَفُّلَ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ فَالْحَاصِلُ أَنَّ مَنْ تَرَكَ وَاجِبًا إلَخْ) نَقَلَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ عَنْ الْعَلَّامَةِ الْمَقْدِسِيَّ أَنَّهُ يَجِبَ أَنْ لَا يُعْتَمَدَ عَلَى هَذَا لِمَا ذَكَرَهُ قَرِيبًا مِنْ قَوْلِهِمْ كُلُّ صَلَاةٍ أُدِّيَتْ مَعَ الْكَرَاهَةِ سَبِيلُهَا الْإِعَادَةُ مُطْلَقًا وَأَوَّلُ قَوْلِ الْقُنْيَةِ إذَا لَمْ يُتِمَّ رُكُوعَهُ وَلَا سُجُودَهُ إلَخْ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَطْمَئِنَّ فِيهَا زِيَادَةَ اطْمِئْنَانٍ قُلْت وَفِي هَذَا التَّأْوِيلِ نَظَرٌ نَعَمْ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ خَارِجَ الْوَقْتِ أَيْضًا وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ شَرْحِ التَّحْرِيرِ مِنْ أَنَّ الْإِعَادَةَ وَاجِبَةٌ وَأَنَّ تَقْيِيدَهَا بِكَوْنِهَا فِي الْوَقْتِ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا قَالَهُ الْبَعْضُ فَإِنْ مُقْتَضَى هَذَا وُجُوبُهَا بَعْدَ الْوَقْتِ أَيْضًا وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ كَلَامُ الْقُنْيَةِ عَلَى ظَاهِرِهِ وَيَكُونُ قَوْلُهُ يُؤْمَرُ بِالْإِعَادَةِ فِي الْوَقْتِ لَا بَعْدَهُ مَبْنِيًّا عَلَى قَوْلِ مَنْ قَيَّدَ الْإِعَادَةَ بِالْوَقْتِ وَهَاهُنَا تَوْفِيقٌ آخَرُ مُوَافِقٌ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي هَذَا الْحَاصِلِ وَدَافِعٌ لِمَا تَوَقَّفَ فِيهِ أَوَّلًا وَلِمَا اعْتَرَضَ بِهِ عَلَيْهِ الْمَقْدِسِيَّ وَهُوَ أَنْ نَقُولَ الْإِعَادَةُ فِعْلُ مِثْلِهِ فِي وَقْتِهِ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ تَبَعًا لِلتَّحْرِيرِ وَغَيْرِهِ وَقَوْلُهُمْ كُلُّ صَلَاةٍ أُدِّيَتْ مَعَ الْكَرَاهَةِ فَسَبِيلُهَا الْإِعَادَةُ وُجُوبًا غَيْرُ مُطْلَقٍ بِنَاءً عَلَى هَذَا التَّعْرِيفِ لِلْإِعَادَةِ لِأَنَّهَا بَعْدَ الْوَقْتِ لَا تُسَمَّى إعَادَةً كَمَا مَرَّ عَنْ التَّحْرِيرِ فَصَارَ مَعْنَاهُ سَبِيلُهَا وُجُوبُ الْإِعَادَةِ فِي الْوَقْتِ وَيَنْطَبِقُ عَلَيْهِ كَلَامُ الْقُنْيَةِ وَمَا رَقَّمَ لَهُ فِي الْقُنْيَةِ ثَانِيًا يَكُونُ مَبْنِيًّا عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ وُجُوبِ الْإِعَادَةِ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ شُرَّاحِ أُصُولِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ كَمَا مَرَّ وَنَقَلَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ عَنْ الْمُضْمَرَاتِ بِصِيغَةِ الْأَوْلَى الْإِعَادَةُ قَالَ وَمِثْلُهُ فِي الْمُحِيطِ وَالْقُنْيَةِ وَنَوَادِرِ الْفَتَاوَى وَالتَّرْغِيبِ اهـ. وَذَكَرَ فِي الْمِعْرَاجِ أَنَّ فِي الْمَبْسُوطِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْأَوْلَوِيَّةِ وَالِاسْتِحْبَابِ وَعَلَى الْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ يَكُونُ فِعْلُهَا بَعْدَ الْوَقْتِ أَفْضَلُ كَمَا حَمَلَ عَلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ كَلَامَ الْقُنْيَةِ الْآخَرَ وَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّ مَنْ قَالَ بِوُجُوبِ الْإِعَادَةِ يُقَيِّدُهَا بِالْوَقْتِ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْمَنَارِ الْإِعَادَةُ الْإِتْيَانُ بِمِثْلِ مَا فَعَلَ أَوَّلًا مَعَ نُقْصَانٍ فَاحِشٍ ذَاتًا مَعَ صِفَةِ الْكَمَالِ لِأَنَّهُ إذَا وَجَبَ عَلَى الْمُكَلَّفِ فِعْلُ مَوْصُوفٍ بِصِفَةٍ فَأَدَّاهُ نَاقِصًا نُقْصَانًا فَاحِشًا يَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَتُهُ فِي وَقْتِهِ اهـ. وَيَكُونُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ فِعْلُهَا بَعْدَ الْوَقْتِ أَفْضَلَ كَمَا أَفَادَهُ كَلَامُ الْقُنْيَةِ فِي مَسْأَلَةِ قَضَاءِ صَلَاةِ الْعُمْرِ وَعَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ فِي الْإِعَادَةِ يَكُونُ هِيَ الْأَفْضَلَ فِي الْوَقْت وَبَعْدَهُ كَمَا أَفَادَهُ مَا رَقَّمَ لَهُ فِي الْقُنْيَةِ ثَانِيًا فَقَدْ ظَهَرَ لَكَ أَنْ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي هَذَا الْحَاصِلِ مُوَافِقٌ لِمَا ذَكَرَهُ فِي تَعْرِيفِ الْإِعَادَةِ وَأَنَّهُ لَا مُخَالَفَةَ بَيْنَ التَّعْرِيفِ وَبَيْنَ قَوْلِهِمْ كُلُّ صَلَاةٍ إلَخْ خِلَافًا لِمَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ وَقَدْ قَدَّمْنَا إلَخْ وَانْدَفَعَ مَا ذَكَرَهُ الْمَقْدِسِيَّ بَقِيَ هُنَا شَيْءٌ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ الْمُؤَلِّفُ وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ أَدَّاهَا مَعَ كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ فَالْأَفْضَلُ إعَادَتُهَا أَيْضًا كَمَا ذَكَرَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي إمْدَادِ الْفَتَّاحِ مُسْتَدِلًّا بِعُمُومِ قَوْلِ التَّجْنِيسِ كُلُّ صَلَاةٍ أُدِّيَتْ مَعَ الْكَرَاهَةِ فَإِنَّهَا تُعَادُ لَا عَلَى وَجْهِ الْكَرَاهَةِ قَالَ وَهَذَا شَامِلٌ لِلْإِعَادَةِ بِكَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ وَلَا يَمْنَعُ مِنْهُ تَمْثِيلُ الشَّيْخِ أَكْمَلِ الدِّينِ بِالْوَاجِبِ فِي قَوْلِهِ وَتُعَادُ عَلَى وَجْهٍ غَيْرِ مَكْرُوهٍ أَيْ تُعَادُ الصَّلَاةُ لِلِاحْتِيَاطِ عَلَى وَجْهٍ لَيْسَ فِيهِ كَرَاهَةٌ وَهُوَ الْحُكْمُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ أُدِّيَتْ مَعَ الْكَرَاهَةِ كَمَا إذَا تَرَكَ وَاجِبًا مِنْ وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ. اهـ. لِأَنَّ الْإِعَادَةَ بِتَرْكِ الْوَاجِبِ وَاجِبَةٌ فَلَا يَمْنَعُ أَنْ تَكُونَ الْإِعَادَةُ مَنْدُوبَةً بِتَرْكِ سُنَّةٍ لِأَنَّ الْمَكْرُوهَ مَوْجُودٌ بِتَرْكِ السَّنَةِ وَالنَّكِرَةُ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ بِقَوْلِهِ تُعَادُ عَلَى وَجْهٍ لَيْسَ فِيهِ كَرَاهَةٌ تَعُمُّ الْمَكْرُوهَ تَنْزِيهًا وَتَحْرِيمًا اهـ. كَلَامُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ قُلْت وَيُوَافِقُهُ مَا قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ وَفِي التُّمُرْتَاشِيِّ لَوْ صَلَّى وَفِي ثَوْبِهِ صُورَةٌ وَجَبَ الْإِعَادَةُ وَقَالَ أَبُو الْيُسْرِ هَذَا هُوَ الْحُكْمُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ أُدِّيَتْ مَعَ كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّ كَرَاهَةَ التَّنْزِيهِ لَا تُوجِبُ وُجُوبَ الْإِعَادَةِ وَكَذَا كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ عِنْدَ غَيْرِ أَبِي الْيُسْرِ بَلْ الْأَوْلَى أَنْ تُعَادَ عِنْدَهُمْ اهـ. وَفِي مَكْرُوهَاتِ الصَّلَاةِ مِنْ فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْحَقُّ التَّفْصِيلُ بَيْنَ كَوْنِ تِلْكَ الْكَرَاهَةِ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ فَتَجِبُ الْإِعَادَةُ أَوْ تَنْزِيهٍ فَتُسْتَحَبُّ اهـ. فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 87 مَكْرُوهٌ فَإِنْ قَرَأَ فِي الْكُلِّ أَوْ فِي الْأُولَيَيْنِ كَانَ مُتَنَفِّلًا بِالْأَرْبَعِ أَوْ بِالْأُولَيَيْنِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُ صَلَّى الْفَرْضَ أَوَّلًا وَإِذَا تَرَكَ الْقِرَاءَةَ فِي رَكْعَةٍ مِنْ كُلِّ شَفْعٍ تَمَحَّضَ لِلْفَرْضِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ أَوْ لِلْفَسَادِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُ صَلَّى الْفَرْضَ أَوَّلًا فَلَمْ يَكُنْ مُتَنَفِّلًا عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ لَكِنَّ مُقْتَضَاهُ أَنْ يَقُولَ يَقْرَأُ فِي كُلِّ شَفْعٍ مِنْ الشَّفْعَيْنِ فِي رَكْعَةٍ وَيَتْرُكُ الْقِرَاءَةَ فِي رَكْعَةٍ مِنْ كُلِّ شَفْعٍ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ لِلْقِرَاءَةِ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ فِي الْفَرْضِ فِي رَكْعَتَيْنِ غَيْرُ عَيْنٍ كَمَا سَبَقَ تَقْرِيرُهُ وَقَدْ يُقَالُ إنَّ التَّنَفُّلَ الْمَكْرُوهَ وَالْقَصْدِيَّ وَهَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ فَلَا يَكُونُ مَكْرُوهًا كَمَا لَا يَخْفَى فَيَقْرَأُ فِي الْأَوَّلَيْنِ أَوْ فِي الْكُلِّ وَفِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ لَوْ شَكَّ فِي إتْمَامِ صَلَاتِهِ فَأَخْبَرَهُ عَدْلَانِ أَنَّك لَا تَتِمُّ أَعَادَ وَبِقَوْلِ الْوَاحِدِ لَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ اهـ. وَفِيهِ بَحْثٌ لِأَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ مَقْبُولٌ فِي الدِّيَانَاتِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ فِيهِ إلْزَامًا مِنْ كُلٍّ فَشَابَهَ حُقُوقَ الْعِبَادِ وَقَيَّدَهُ فِي الْمُحِيطِ بِالْإِمَامِ وَعَلَّلَهُ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ لِأَنَّ حُكْمَهُ يَلْزَمُ الْغَيْرَ دُونَ الْمُخْبِرِ وَشَهَادَةُ الْفَرْدِ لَا تُقْبَلُ اهـ. فَيُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ إمَامًا فَقَوْلُ الْوَاحِدِ مَقْبُولٌ فَإِطْلَاقُ الْحَاوِي لَيْسَ بِالْحَاوِي وَفِي الْحَاوِي أَيْضًا لَوْ تَذَكَّرَ أَنَّهُ تَرَكَ الْقِرَاءَةَ فِي رَكْعَةٍ مِنْ صَلَاةِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ قَضَى الْفَجْرَ وَالْوِتْرَ اهـ. وَوَجْهُهُ إنَّ تَرْكَ الْقِرَاءَةِ فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ لَا يُبْطِلُهَا فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ إلَّا الْفَجْرَ وَالْوِتْرَ وَيَنْبَغِي تَقْيِيدَهُ بِأَنْ لَا يَكُونَ مُسَافِرًا أَمَّا لَوْ كَانَ مُسَافِرًا فَيَنْبَغِي أَنْ يُعِيدَ صَلَاةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ كَمَا لَا يَخْفَى وَفِي الْمُحِيطِ رَجُلٌ صَلَّى شَهْرًا ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّهُ تَرَكَ عَشْرَ سَجَدَاتٍ مِنْ هَذِهِ الصَّلَوَاتِ يَقْضِي صَلَوَاتِ عَشْرَةِ أَيَّامٍ لِجَوَازِ أَنَّهُ تَرَكَ كُلَّ سَجْدَةٍ فِي يَوْمٍ اهـ. وَتَوْضِيحُهُ أَنَّ الْعَشْرَ سَجَدَاتٍ تُجْعَلُ مُفَرَّقَةً عَلَى عَشْرِ صَلَوَاتٍ احْتِيَاطًا فَصَارَ كَأَنَّهُ تَرَكَ صَلَاةً مِنْ صَلَوَاتِ كُلِّ يَوْمٍ وَإِذَا تَرَكَ صَلَاةً وَلَمْ يَرِدْ تَعَيُّنَهَا يَقْضِي صَلَاةَ يَوْمٍ كَامِلٍ فَلَزِمَهُ قَضَاءُ الْعَشَرَةِ الْأَيَّامِ وَفِي الْقُنْيَةِ صَبِيٌّ بَلَغَ وَقْتَ الْفَجْرِ وَلَمْ يُصَلِّ الْفَجْرَ وَصَلَّى الظُّهْرَ مَعَ تَذَكُّرِهِ يَجُوزُ وَلَا يَجِبُ التَّرْتِيبُ بِهَذَا الْقَدْرِ اهـ. وَهُوَ إنْ صَحَّ يَكُونُ مُخَصِّصًا لِلْمُتُونِ وَفِي صِحَّتِهِ نَظَرٌ عِنْدِي لِأَنَّهُ بِالْبُلُوغِ صَارَ مُكَلَّفًا اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ جَاهِلًا بِهِ فَيُعْذَرُ لِقُرْبِ عَهْدِهِ مِنْ زَمَنِ الصِّبَا. (قَوْلُهُ وَيَسْقُطُ بِضِيقِ الْوَقْتِ) أَيْ يَسْقُطُ التَّرْتِيبُ الْمُسْتَحَقُّ بِضِيقِ وَقْتِ الْمَكْتُوبَةِ لِأَنَّهُ وَقْتٌ لِلْوَقْتِيَّةِ بِالْكِتَابِ وَوَقْتٌ لِلْفَائِتَةِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا» وَالْكِتَابُ مُقَدَّمٌ عَلَى خَبَرِ الْوَاحِدِ فَلَوْ قَدَّمَ الْفَائِتَةَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَلَمْ يَكُنْ وَقْتُ كَرَاهَةٍ فَهِيَ صَحِيحَةٌ لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ تَقْدِيمِهَا لِمَعْنًى فِي غَيْرِهَا وَهُوَ لُزُومُ تَفْوِيتِ الْوَقْتِيَّةِ وَهُوَ لَا يَعْدَم الْمَشْرُوعِيَّةَ وَاخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِالنَّهْيِ هُنَا فَقِيلَ نَهْيُ الشَّارِعِ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ وَقِيلَ نَهْيُ الْإِجْمَاعِ لِإِجْمَاعِهِمْ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقَدِّمُ الْفَائِتَةَ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ وَإِنَّمَا قُلْنَا صَحِيحَةً وَلَمْ نَقُلْ جَائِزَةً لِأَنَّ هَذَا الْفِعْلَ حَرَامٌ كَمَا لَوْ اشْتَغَلَ بِالنَّافِلَةِ عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ يَحْكُمُ بِصِحَّتِهَا مَعَ الْإِثْمِ وَتَفْسِيرُ ضِيقِ الْوَقْتِ أَنْ يَكُونَ الْبَاقِي مِنْهُ لَا يَسَعُهُمَا مَعًا عِنْدَ الشُّرُوعِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَا بِحَسَبِ ظَنِّهِ حَتَّى لَوْ ظَنَّ ضِيقَهُ فَصَلَّى الْوَقْتِيَّةَ فَلَمَّا فَرَغَ ظَهَرَ أَنَّ فِيهِ سَعَةً بَطَلَ مَا أَدَّاهُ وَفِي الْمُجْتَبَى وَمَنْ عَلَيْهِ الْعِشَاءُ فَظَنَّ ضِيقَ وَقْتِ الْفَجْرِ فَصَلَّاهَا وَفِي الْوَقْتِ سَعَةٌ يُكَرِّرُهَا إلَى أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَفَرْضُهُ مَا يَلِي الطُّلُوعَ وَمَا قَبْلَهُ تَطَوُّعٌ وَلَوْ كَانَ فِيهِ سَعَةٌ عِنْدَ الشُّرُوعِ فَشَرَعَ فِي الْوَقْتِيَّةِ وَأَطَالَ الْقِرَاءَةَ فَلَمَّا فَرَغَ ضَاقَ الْوَقْتُ بَطَلَ مَا أَدَّاهُ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا كَانَ الْبَاقِي مِنْهُ يَسَعُ بَعْضَ الْفَوَائِتِ فَقَطْ فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ تَرْجِيحُ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الْوَقْتِيَّةُ مَا لَمْ يَقْضِ ذَلِكَ الْبَعْضَ وَفِي الْمُجْتَبَى خِلَافُهُ فَإِنَّهُ وَلَوْ فَاتَتْهُ أَرْبَعٌ وَالْوَقْتُ لَا يَسَعُ إلَّا الْفَائِتَتَيْنِ وَالْوَقْتِيَّةُ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ تَجُوزُ الْوَقْتِيَّةُ. اهـ. . وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ اعْتِبَارُ أَصْلِ الْوَقْتِ فِي الضِّيقِ لَا الْوَقْتِ الْمُسْتَحَبِّ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَلِذَا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِيهِ بَيْنَ الْمَشَايِخِ وَنَسَبَ الطَّحَاوِيُّ الْأَوَّلَ إلَى أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَالثَّانِيَ إلَى مُحَمَّدٍ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ وَثَمَرَتُهُ تَظْهَرُ فِيمَا لَوْ تَذَكَّرَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ فَيُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ إمَامًا إلَخْ) إنْ كَانَ مُرَادُهُ أَنَّ الْمُفِيدَ لِذَلِكَ التَّقْيِيدِ بِالْإِمَامِ فَمُسَلَّمٌ لَكِنَّ التَّعْلِيلَ يَشْمَلُ غَيْرَهُ أَيْضًا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَفِي صِحَّتِهِ نَظَرٌ عِنْدِي إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ يُمْكِنُ تَخْرِيجُهُ عَلَى مَا رَوَى الْحَسَنُ أَنَّ مَنْ جَهِلَ فَرْضِيَّةَ التَّرْتِيبِ يَلْحَقُ بِالنَّاسِي وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَئِمَّةِ بُخَارَى كَمَا فِي الْبِنَايَةِ وَالتَّقْيِيدُ بِالصَّبِيِّ يُرْشِدُ إلَيْهِ اهـ. قُلْت: وَسَيَذْكُرُ الْمُؤَلِّفُ هَذِهِ الرِّوَايَةَ عَنْ الْمُجْتَبَى فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمَتْنِ وَالنِّسْيَانِ. [سُقُوط التَّرْتِيب بَيْن صَلَاةِ الْفَائِتَةِ] (قَوْلُهُ الْمُصَنِّفُ وَيَسْقُطُ بِضِيقِ الْوَقْتِ) أَيْ وَقْتِ الْفَرْضِ بِحَيْثُ لَوْ اشْتَغَلَ بِالْفَائِتَةِ وَقَرَأَ مِقْدَارَ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ بِلَا كَرَاهَةٍ تَفُوتُ الْوَقْتِيَّةُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَطَالَ الْقِرَاءَةَ فَإِنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ كَذَا فِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ عَنْ الْبُرْجَنْدِيِّ (قَوْلُهُ وَفِي الْمُجْتَبَى خِلَافُهُ) قَالَ شَيْخُ مَشَايِخِنَا الرَّحْمَتِيُّ الَّذِي رَأَيْته فِي الْمُجْتَبَى أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الْوَقْتِيَّةُ اهـ. لَكِنَّ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ جَازَتْ الْوَقْتِيَّةُ عَلَى الصَّحِيحِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 88 فِي وَقْتِ الْعَصْرِ أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ الظُّهْرَ وَعَلِمَ أَنَّهُ لَوْ اشْتَغَلَ بِالظُّهْرِ يَقَعُ قَبْلَ التَّغَيُّرِ وَيَقَعُ الْعَصْرُ أَوْ بَعْضُهَا فِيهِ فَعَلَى الْأَوَّلِ يُصَلِّي الظُّهْرَ ثُمَّ الْعَصْرَ وَعَلَى الثَّانِي يُصَلِّي الْعَصْرَ ثُمَّ الظُّهْرَ بَعْدَ الْغُرُوبِ وَاخْتَارَ الْأَوَّلَ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَذَكَرَهُ بِصِيغَةِ عِنْدَنَا وَفِي الْمَبْسُوطِ وَأَكْثَرُ مَشَايِخِنَا عَلَى أَنَّهُ يَلْزَمُهُ مُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ هَاهُنَا عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ وَصَحَّحَ فِي الْمُحِيطِ الثَّانِيَ فَقَالَ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَسْقُطُ التَّرْتِيبُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَغْيِيرِ حُكْمِ الْكِتَابِ وَهُوَ نُقْصَانُ الْوَقْتِيَّةِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ اهـ. فَعَلَى هَذَا الْمُرَادُ يَسْقُطُ بِضِيقِ الْوَقْتِ الْمُسْتَحَبِّ وَرَجَّحَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ بِمَا فِي الْمُنْتَقَى مِنْ أَنَّهُ إذَا افْتَتَحَ الْعَصْرَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا وَهُوَ نَاسٍ لِلظُّهْرِ ثُمَّ احْمَرَّتْ الشَّمْسُ ثُمَّ ذَكَرَ الظُّهْرَ مَضَى فِي الْعَصْرِ قَالَ فَهَذَا نَصٌّ عَلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْوَقْتِ الْمُسْتَحَبِّ اهـ. فَحِينَئِذٍ انْقَطَعَ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ حَيْثُ لَمْ تُذْكَرْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَثَبَتَتْ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى تَعَيَّنَ الْمَصِيرُ إلَيْهَا وَفِي الْمُجْتَبَى إنْ لَمْ يُمْكِنْهُ أَدَاءُ الْوَقْتِيَّةِ إلَّا مَعَ التَّخْفِيفِ فِي قَصْرِ الْقِرَاءَةِ وَالْأَفْعَالِ فَيُرَتِّبُ وَيَقْتَصِرُ عَلَى أَقَلِّ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ. (قَوْلُهُ وَالنِّسْيَانُ) أَيْ وَيَسْقُطُ التَّرْتِيبُ بِالنِّسْيَانِ وَهُوَ عَدَمُ تَذَكُّرِ الشَّيْءِ وَقْتَ حَاجَتِهِ وَهُوَ عُذْرٌ سَمَاوِيٌّ مُسْقِطٌ لِلتَّكْلِيفِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ وَلِأَنَّ الْوَقْتَ وَقْتٌ لِلْفَائِتَةِ بِالتَّذَكُّرِ وَمَا لَمْ يَتَذَكَّرْ لَا يَكُونُ وَقْتًا لَهَا وَمِمَّا أُلْحِقَ بِالنِّسْيَانِ الظَّنُّ فَلَيْسَ مُسْقِطًا رَابِعًا كَمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ فَهُوَ قِسْمَانِ مُعْتَبَرٌ وَغَيْرُ مُعْتَبَرٍ وَاخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُهُمْ فِيهِ فَفِي كَشْفِ الْأَسْرَارِ شَرْحِ أُصُولِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ أَنَّ الظَّنَّ إنَّمَا يَكُونُ مُعْتَبَرًا إذَا كَانَ الرَّجُلُ مُجْتَهِدًا قَدْ ظَهَرَ عِنْدَهُ أَنَّ مُرَاعَاةَ التَّرْتِيبِ لَيْسَتْ بِفَرْضٍ فَهُوَ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ كَالنِّسْيَانِ وَأَمَّا إذَا كَانَ ذَاكِرًا وَهُوَ غَيْرُ مُجْتَهِدٍ فَمُجَرَّدُ ظَنِّهِ لَيْسَ بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ فَلَا يُعْتَبَرُ اهـ. فَجَعَلَ الْمُعْتَبَرَ ظَنَّ الْمُجْتَهِدِ لَا غَيْرَهُ وَذَكَرَ شَارِحُو الْهِدَايَةِ كَصَاحِبِ النِّهَايَةِ وَفَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ فَسَادَ الصَّلَاةِ إنْ كَانَ قَوِيًّا كَعَدَمِ الطَّهَارَةِ اسْتَتْبَعَ الصَّلَاةَ الَّتِي بَعْدَهُ وَإِنْ كَانَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَاخْتَارَ الْأَوَّلَ قَاضِي خَانْ إلَخْ) أَقُولُ: عِبَارَتُهُ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ هَكَذَا رَجُلٌ صَلَّى الْعَصْرَ وَهُوَ ذَاكِرٌ أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ الظُّهْرَ لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا كَانَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ وَهُوَ بِنَاءً عَلَى فَضْلِ التَّرْتِيبِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ وَإِنَّمَا أَعَادَهُ وَوَضْعُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْعَصْرِ لِمَعْرِفَةِ آخِرِ الْوَقْتِ فَعِنْدَنَا آخِرُ وَقْتِ الْعَصْرِ فِي حُكْمِ التَّرْتِيبِ غُرُوبُ الشَّمْسِ وَفِي حُكْمِ جَوَازِ تَأْخِيرِ الْعَصْرِ بِغَيْرِ الشَّمْسِ وَعَلَى قَوْلِ الْحَسَنِ آخِرُ وَقْتِ الْعَصْرِ عِنْدَ تَغَيُّرِ الشَّمْسِ فَعَلَى مَذْهَبِهِ إذَا كَانَ يَتَمَكَّنُ مِنْ أَدَاءِ الصَّلَاتَيْنِ قَبْلَ تَغَيُّرِ الشَّمْسِ يَلْزَمُهُ التَّرْتِيبُ وَإِلَّا فَلَا وَعِنْدَنَا إذَا كَانَ يَتَمَكَّنُ مِنْ أَدَاءِ الظُّهْرِ قَبْلَ تَغَيُّرِ الشَّمْسِ وَيَقَعُ كُلُّ الْعَصْرِ أَوْ بَعْضُهُ بَعْدَ تَغَيُّرِ الشَّمْسِ يَلْزَمُهُ التَّرْتِيبُ وَإِنْ كَانَ يَتَمَكَّنُ مِنْ أَدَاءِ الصَّلَاتَيْنِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ لَكِنْ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ الظُّهْرِ قَبْلَ تَغَيُّرِ الشَّمْسِ لَا يَلْزَمُهُ التَّرْتِيبُ لِأَنَّ أَدَاءَ شَيْءٍ مِنْ الظُّهْرِ لَا يَجُوزُ بَعْدَ التَّغَيُّرِ وَمَا بَعْدَ تَغَيُّرِ الشَّمْسِ لَيْسَ وَقْتًا لِأَدَاءِ شَيْءٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ إلَّا عَصْرَ يَوْمِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَحِينَئِذٍ انْقَطَعَ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ إلَخْ) أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ مَا مَرَّ عَنْ الطَّحَاوِيِّ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمَسْأَلَةَ لَيْسَتْ مَبْنِيَّةً عَلَى اخْتِلَافِ الْمَشَايِخِ بَلْ هِيَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَةِ عَنْ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ بَلْ مُقْتَضَى مَا مَرَّ عَنْ الْمَبْسُوطِ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهَا فَيُعِينُ تَرْجِيحَ كَوْنِ الْمُعْتَبَرِ أَصْلَ الْوَقْتِ لِوُجُوهٍ الْأَوَّلُ كَوْنُهُ مُوَافِقًا لِإِطْلَاقِ الْمُتُونِ وَإِذَا اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ فَالْعَمَلُ بِمَا وَافَقَ الْمُتُونَ أَوْلَى كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُؤَلِّفُ قُبَيْلَ قَوْلِهِ وَلَمْ تُعَدْ بِعَوْدِهَا إلَى الْقِلَّةِ الثَّانِي كَوْنُهُ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَالْآخَرُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ بِدَلِيلِ مَا فِي الْمَبْسُوطِ مِنْ أَنَّ الْأَوَّلَ قَوْلُ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ أَيْ وَهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ ثُمَّ رَأَيْت التَّصْرِيحَ بِأَنَّهُ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ الْكَبِيرِ وَجَزَمَ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَصْلُ الْوَقْتِ لَا الْوَقْتُ الْمُسْتَحَبُّ الثَّالِثُ كَوْنُهُ قَدْ صَحَّحَهُ قَاضِي خَانْ وَهُوَ مِنْ أَجَلِّ مَنْ يَعْتَمِدُ عَلَى تَصْحِيحِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ لِأَنَّهُ فَقِيهُ النَّفْسِ الرَّابِعُ كَوْنُ أَكْثَرِ الْمَشَايِخِ عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمَبْسُوطِ وَإِذَا اخْتَلَفَ فِي مَسْأَلَةٍ فَالْعَمَلُ بِمَا قَالَهُ الْأَكْثَرُ أَوْلَى كَمَا ذَكَرَهُ الْبِيرِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْأَشْبَاهِ الْخَامِسُ أَنَّ تَصْحِيحَ سُقُوطِ التَّرْتِيبِ فِيمَا إذَا لَزِمَ وُقُوعَ الْعَصْرِ فِي وَقْتٍ نَاقِصٍ لَا يَلْزَمُهُ تَصْحِيحُ كَوْنِ الْمُرَادِ الْوَقْتَ الْمُسْتَحَبَّ فِي سَائِرِ الْأَوْقَاتِ إذْ يَبْعُدُ غَايَةَ الْبَعْدِ أَنْ يُقَالَ بِسُقُوطِ التَّرْتِيبِ إذَا فَاتَهُ صَلَوَاتٌ وَلَزِمَ مِنْ قَضَائِهَا تَأْخِيرُ ظُهْرِ الشِّتَاءِ أَوْ تَأْخِيرُ الْمَغْرِبِ عَنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ مَعَ أَنَّهُ لَوْ تَذَكَّرَ الْفَائِتَةَ وَالْخَطِيبُ يَخْطُبُ يَقُومُ وَيَقْضِيهَا وَإِنْ فَاتَهُ الِاسْتِمَاعُ الْوَاجِبُ فَكَيْفَ لَا يَقْضِيهَا إذَا لَزِمَ فَوَاتُ الْوَقْتِ الْمُسْتَحَبِّ السَّادِسُ إنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ قَوْلِ الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّ مَا فِي الْمُنْتَقَى نَصٌّ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْوَقْتِ الْمُسْتَحَبِّ فِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ لِأَنَّ مَا فِي الْمُنْتَقَى لَا خِلَافَ فِيهِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ أَمَّا عَلَى اعْتِبَارِ الْوَقْتِ الْمُسْتَحَبِّ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا عَلَى اعْتِبَارِ أَصْلِ الْوَقْتِ فَلِأَنَّ شَرْطَهُ أَنْ لَا تَقَعَ الْفَائِتَةُ فِي وَقْتِ تَغَيُّرِ الشَّمْسِ لِأَنَّ تِلْكَ الْوَقْتَ لَا يَصِحُّ فِيهِ إلَّا عَصْرُ يَوْمِهِ كَمَا عَلِمْت مِنْ عِبَارَةِ قَاضِي خَانْ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ هَاهُنَا غَيْرُ مُحَرَّرٍ وَإِنْ تَبِعَهُ مَنْ بَعْدَهُ عَلَيْهِ حَتَّى الْعَلَائِيِّ شَارِحِ التَّنْوِيرِ وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَى مَا قُلْته فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 89 ضَعِيفًا كَعَدَمِ التَّرْتِيبِ لَا يَسْتَتْبِعُ وَفَرَّعُوا عَلَى ذَلِكَ فَرْعَيْنِ أَحَدُهُمَا لَوْ صَلَّى الظُّهْرَ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ ذَاكِرًا لَهَا وَجَبَ عَلَيْهِ إعَادَةُ الْعَصْرِ لِأَنَّ فَسَادَ الظُّهْرِ قَوِيٌّ لِعَدَمِ الطَّهَارَةِ فَأَوْجَبَ فَسَادَ الْعَصْرِ وَإِنْ ظَنَّ عَدَمَ وُجُوبِ التَّرْتِيبِ ثَانِيهِمَا لَوْ صَلَّى هَذِهِ الظُّهْرَ بَعْدَ هَذِهِ الْعَصْرِ وَلَمْ يُعِدْ الْعَصْرَ حَتَّى صَلَّى الْمَغْرِبَ ذَاكِرًا لَهَا فَالْمَغْرِبُ صَحِيحَةٌ إذَا ظَنَّ عَدَمَ وُجُوبِ التَّرْتِيبِ لِأَنَّ فَسَادَ الْعَصْرِ ضَعِيفٌ لِقَوْلِ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ بِعَدَمِهِ فَلَا يَسْتَتْبِعُ فَسَادَ الْمَغْرِبِ وَذَكَرَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ لَهُ أَصْلًا فَقَالَ إذَا صَلَّى وَهُوَ ذَاكِرٌ لِلْفَائِتَةِ وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ يُجْزِئُهُ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ إنْ كَانَتْ الْفَائِتَةُ وَجَبَ إعَادَتُهَا بِالْإِجْمَاعِ أَعَادَ الَّتِي صَلَّى وَهُوَ ذَاكِرٌ لَهَا وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ عِنْدَنَا وَفِي قَوْلِ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ لَيْسَ عَلَيْهِ وَهُوَ يَرَى أَنَّ ذَلِكَ يُجْزِئُهُ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ وَذَكَرَ الْفَرْعَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ وَعَلَّلَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِلْمُصَنِّفِ لِلْفَرْعِ الثَّانِي بِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الْجَوَازِ كَوْنُ الْفَائِتَةِ مَتْرُوكَةً بِيَقِينٍ فَلَمْ يَتَنَاوَلُهَا النَّصُّ الْمُقْتَضِي لِمُرَاعَاةِ التَّرْتِيبِ لِاخْتِصَاصِهِ بِالْمَتْرُوكِ بِيَقِينٍ وَالْحَقُّ أَنَّ الْمُجْتَهِدَ لَا كَلَامَ فِيهَا أَصْلًا وَأَنَّ ظَنَّهُ مُعْتَبَرٌ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَتْ تِلْكَ الْفَائِتَةُ وَجَبَ إعَادَتُهَا بِالْإِجْمَاعِ أَوْ لَا إذْ لَا يَلْزَمُهُ اجْتِهَادُ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَا غَيْرُهُ وَإِنْ كَانَ مُقَلِّدًا فَإِنْ كَانَ مُقَلِّدًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فَلَا عِبْرَةَ بِرَأْيِهِ الْمُخَالِفِ لِمَذْهَبِ إمَامِهِ فَيَلْزَمُهُ إعَادَةُ الْمَغْرِبِ أَيْضًا وَإِنْ كَانَ مُقَلِّدًا لِلشَّافِعِيِّ فَلَا يَلْزَمُهُ إعَادَةُ الْعَصْرِ أَيْضًا وَإِنْ كَانَ عَامِّيًّا لَيْسَ لَهُ مَذْهَبٌ مُعَيَّنٌ فَمَذْهَبُهُ فَتْوَى مُفْتِيهِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فَإِنْ أَفْتَاهُ حَنَفِيٌّ أَعَادَ الْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَإِنْ أَفْتَاهُ شَافِعِيٌّ فَلَا يُعِيدُهُمَا وَلَا عِبْرَةَ بِرَأْيِهِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَفْتِ أَحَدًا وَصَادَفَ الصِّحَّةَ عَلَى مَذْهَبٍ مُجْتَهِدٍ أَجْزَأَهُ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْخُلَاصَةِ مُعَزِّيًا إلَى الْفَتَاوَى الصُّغْرَى رَجُلٌ يَرَى التَّيَمُّمَ إلَى الرُّسْغِ وَالْوِتْرَ رَكْعَةً ثُمَّ رَأَى التَّيَمُّمَ إلَى الْمِرْفَقِ وَالْوِتْرَ ثَلَاثًا لَا يُعِيدُ مَا صَلَّى وَإِنْ فَعَلَ عَنْ جَهْلٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْأَلَ أَحَدًا ثُمَّ سَأَلَ فَأَمَرَ بِالثَّلَاثِ يُعِيدُ مَا صَلَّى شَفْعَوِيُّ الْمَذْهَبِ إذَا صَارَ حَنَفِيًّا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَالْحَقُّ أَنَّ الْمُجْتَهِدَ لَا كَلَامَ فِيهِ أَصْلًا) رَدَّ لِمَا فِي الْكَشْفِ وَقَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ مُقَلِّدًا إلَخْ رَدٌّ لِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُونَ (قَوْلُهُ فَلَا عِبْرَةَ بِرَأْيِهِ الْمُخَالِفِ لِمَذْهَبِ إمَامِهِ) قَالَ فِي النَّهْرِ فِيهِ نَظَرٌ إذْ كَوْنُ هَذَا الظَّنِّ لَا عِبْرَةَ بِهِ لِمُخَالَفَتِهِ لِرَأْيِ إمَامِهِ فِي حَيِّزِ الْمَنْعِ وَكَيْفَ يَكُونُ مُخَالِفًا لَهُ وَقَدْ اعْتَبَرَهُ وَحِينَئِذٍ فَإِفْتَاءُ الْحَنَفِيِّ بِإِعَادَةِ الْمَغْرِبِ غَيْرُ صَحِيحٍ اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ صِحَّةِ الْمَغْرِبِ حِينَ ظَنِّهِ عَدَمَ وُجُوبِ التَّرْتِيبِ هُوَ مَذْهَبُ إمَامِهِ لِأَنَّهُ قَدْ اعْتَبَرَ ظَنَّهُ وَحَكَمَ بِصِحَّةِ صَلَاتِهِ فَالْإِفْتَاءُ بِعَدَمِهَا مُخَالِفٌ لَهُ فَلَا يَكُونُ صَحِيحًا هَذَا مَعْنَى كَلَامِ النَّهْرِ وَبِهِ سَقَطَ قَوْلُ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ بَعْدَ نَقْلِهِ كَلَامَ النَّهْرِ فِيهِ كَلَامٌ إذْ الْفَرْضُ كَوْنُهُ مُقَلِّدًا وَعَمَلُهُ بِرَأْيِهِ خُرُوجٌ عَمَّا هُوَ بِصَدَدِهِ مِنْ التَّقْلِيدِ فَلَا يُعْتَبَرُ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ وَكَيْفَ يَكُونُ إلَخْ لَا يَظْهَرُ مَعْنًى صَحِيحٌ فَلْيَتَأَمَّلْ اهـ. إذْ قَدْ عَلِمْت أَنَّ عَمَلَهُ قَدْ صَادَفَ رَأْيَ إمَامِهِ وَكَيْفَ يَصِحُّ الْإِفْتَاءُ بِإِعَادَةِ الْمَغْرِبِ وَقَدْ نَصُّوا عَلَى عَدَمِهَا وَلَيْسَ مَا ذَكَرَهُ الشُّرَّاحُ مِنْ الْفَرْعَيْنِ تَفْرِيعًا بِرَأْيِهِمْ إذْ الْمَسْأَلَةُ مَذْكُورَةٌ فِي غَيْرِ مَا كِتَابٍ كَشَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ وَغَيْرِهِ وَذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّهَا مَرْوِيَّةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ رَوَاهَا عَنْهُ ابْنُ سِمَاعَةَ فِي نَوَادِرِهِ وَعَزَاهَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة إلَى الْأَصْلِ وَقَالَ فِي أَثْنَائِهَا فَإِنْ أَعَادَ الظُّهْرَ وَحْدهَا ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّ الْعَصْرَ لَهُ جَائِزٌ قَالَ يُجْزِئُهُ الْمَغْرِبُ وَيُعِيدُ الْعَصْرَ فَقَطْ وَلَوْ كَانَ عِنْدَهُ أَنَّ الْعَصْرَ لَا يُجْزِئُهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْمَغْرِبُ نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ اهـ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ الطَّعْنُ فِي ذَلِكَ حَيْثُ لَمْ يَجْعَلْهُ مُصَوَّرًا بِصُورَةٍ مَعَ أَنَّهُ مَنْقُولٌ فِي الْمَذْهَبِ كَمَا عَلِمْت وَقَدْ تَابَعَ الْمُؤَلِّفُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي إمْدَادِ الْفَتَّاحِ لَكِنَّهُ قَالَ فَتَعَيَّنَ حَمْلِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى عَامِّيٍّ لَيْسَ لَهُ مَذْهَبٌ وَلَمْ يَسْتَفْتِ أَحَدًا فَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ لِمُصَادِفَتِهَا مُجْتَهَدًا فِيهِ فَلَا يَتَعَرَّضُ لَهُ مَنْ عَلِمَ مِنْ غَيْرِ اسْتِفْتَائِهِ اهـ. وَهُوَ بَعِيدٌ إذْ لَا فَرْقَ حِينَئِذٍ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَيَقْتَضِي أَنْ لَا تَفْسُدَ الْعَصْرُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَيْضًا لِمُصَادِفَتِهِ فَصْلًا مُجْتَهَدًا فِيهِ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ لَا يَقُولُ بِوُجُوبِهِ أَيْضًا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَتَعَيَّنَ حَمْلُ الْمَسْأَلَةِ عَلَى مُقَلِّدٍ لِأَبِي حَنِيفَةَ جَهِلَ هَذَا الْحُكْمَ ثُمَّ اسْتَفْتَى حَنَفِيًّا فَإِنَّهُ لَا يَأْمُرُهُ بِإِعَادَةِ الْمَغْرِبِ اعْتِبَارًا لِظَنِّهِ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ الظَّنُّ مَتَى لَاقَى فَصْلًا مُجْتَهَدًا فِيهِ وَقَعَ مُعْتَبَرًا وَإِنْ كَانَ خَطَأً وَالتَّرْتِيبُ لَا يُوجِبُهُ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَكَانَ ظَنُّهُ مُوَافِقًا لِرَأْيِهِ وَصَارَ كَمَا إذْ عَفَا أَحَدُ مَنْ لَهُ الْقِصَاصُ وَظَنَّ صَاحِبُهُ أَنَّ عَفْوَ صَاحِبِهِ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ فِي حَقِّهِ فَقَتَلَ ذَلِكَ الْقَاتِلَ لَا يُقْتَصُّ مِنْهُ وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا قَتْلٌ بِغَيْرِ حَقٍّ لَكِنْ لَمَّا كَانَ مُتَأَوِّلًا وَمُجْتَهِدًا فِي ذَلِكَ الظَّنِّ مَانِعًا وُجُوبَ الْقِصَاصِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ اهـ. لَكِنَّ قَوْلَهُ الظَّنَّ مَتَى لَاقَى فَصْلًا مُجْتَهَدًا فِيهِ إلَخْ يَتَوَقَّفُ عَلَى مَا حَقَّقَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ لِيُنَاسِبَ مَا نَحْنُ فِيهِ وَهُوَ أَنَّ مُجَرَّدَ كَوْنِ الْمَحَلِّ مُجْتَهَدًا فِيهِ لَا يَسْتَلْزِمُ اعْتِبَارَ الظَّنِّ فِيهِ مِنْ الْجَاهِلِ بَلْ إنْ كَانَ الْمُجْتَهِدُ فِيهِ ابْتِدَاءً لَا يُعْتَبَرُ الظَّنُّ وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُبْنَى عَلَى الْمُجْتَهِدِ وَيَسْتَتْبِعُهُ اُعْتُبِرَ ذَلِكَ الظَّنُّ لِزِيَادَةِ الضَّعْفِ فَفَسَادُ الْعَصْرِ هُوَ الْمُجْتَهَدُ فِيهِ ابْتِدَاءً وَفَسَادُ الْمَغْرِبِ بِسَبَبِ ذَلِكَ فَاعْتُبِرَ اهـ. وَفِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ مَحَلَّ اعْتِبَارِ هَذَا الظَّنِّ وَعَدَمَهُ فِي الْجَاهِلِ لَا الْعَالِمِ بِوُجُوبِ التَّرْتِيبِ كَمَا يَأْتِي عَنْ الْقُدُورِيِّ الْكَبِيرِ وَأَمَّا مَا سَيَأْتِي أَيْضًا مِنْ أَنَّهُ لَمْ يُفَرِّقْ فِي الْأَصْلِ بَيْنَ الْعَالِمِ وَالْجَاهِلِ وَقَالَ فِي الْبِنَايَةِ أَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ فَقَدْ قَالَ فِي النَّهْرِ أَنَّهُ مُشْكِلٌ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 90 وَقَدْ فَاتَتْهُ صَلَوَاتٌ فِي وَقْتٍ كَانَ شَفْعَوِيًّا ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَقْضِيَهَا فِي الْوَقْتِ الَّذِي صَارَ حَنَفِيًّا يَقْضِي عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ. وَفِي الْمُجْتَبَى مَنْ جَهِلَ فَرْضِيَّةَ التَّرْتِيبَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ كَالنَّاسِي وَهُوَ قَوْلُهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَئِمَّةِ بَلْخٍ وَفِي الْقُدُورِيِّ الْكَبِيرِ تَرَكَ الظُّهْرَ وَصَلَّى الْعَصْرَ ذَاكِرًا حَتَّى فَسَدَ ثُمَّ قَضَى الظُّهْرَ وَصَلَّى الْمَغْرِبَ قَبْلَ إعَادَةِ الْعَصْرِ صَحَّ مَغْرِبُهُ وَلَوْ عَلِمَ أَنَّ عَلَيْهِ إعَادَةَ الْعَصْرِ لَمْ تَجُزْ مَغْرِبُهُ وَلَمْ يَفْصِلْ فِي الْأَصْلِ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ عَالِمًا أَوْ جَاهِلًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ الْفَاسِدِ لَا يُوجِبُ التَّرْتِيبُ هَذَا مَا ظَهَرَ لِلْعَبْدِ الضَّعِيفِ هَذَا وَقَدْ ذُكِرَ فِي الْمُحِيطِ مَعْزِيًّا إلَى النَّوَادِرِ لَوْ صَلَّى الظُّهْرَ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ مُتَوَضِّئٌ ثُمَّ تَوَضَّأَ وَصَلَّى الْعَصْرَ ثُمَّ تَبَيَّنَ يُعِيدُ الظُّهْرَ خَاصَّةً لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ النَّاسِي فِي حَقِّ الظُّهْرِ فَلَمْ يَلْزَمْهُ مُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ اهـ. وَلَيْسَ بِمُخَالِفٍ لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُمْ لِأَنَّ فِيمَا قَدَّمْنَاهُ كَانَ وَقْتُ الْعَصْرِ ذَاكِرًا أَنَّهُ صَلَّى الظُّهْرَ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ وَفِي مَسْأَلَةِ النَّوَادِرِ التَّذَكُّرُ حَصَلَ بَعْدَ أَدَاءِ الْعَصْرِ. (قَوْلُهُ وَصَيْرُورَتُهَا سِتًّا) أَيْ وَيَسْقُطُ التَّرْتِيبُ بِصَيْرُورَةِ الْفَوَائِتِ سِتَّ صَلَوَاتٍ لِدُخُولِهَا فِي حَدِّ الْكَثْرَةِ الْمُفْضِيَةِ لِلْحَرَجِ لَوْ قُلْنَا بِوُجُوبِهِ وَالْكَثْرَةُ بِالدُّخُولِ فِي حَدِّ التَّكْرَارِ وَهُوَ أَنْ تَكُونَ الْفَوَائِتُ سِتًّا وَهُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ انْدَفَعَ مَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ دُخُولُ السَّادِسَةِ وَانْدَفَعَ مَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ وَكَثِيرٌ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ دُخُولُ وَقْتِ السَّابِعَةِ لِتَصِيرَ الْفَوَائِتُ سِتًّا إذْ لَا يَتَوَقَّفُ صَيْرُورَتُهَا سِتًّا عَلَى دُخُولِ السَّابِعَةِ كَمَا لَوْ تَرَكَ صَلَاةَ يَوْمٍ كَامِلٍ وَفَجْرَ الْيَوْمِ الثَّانِي فَإِنَّ الْفَوَائِتَ صَارَتْ سِتَّةً بِطُلُوعِ الشَّمْسِ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَلَمْ يَدْخُلْ وَقْتُ السَّابِعَةِ وَقَدْ يُقَالُ لَمَّا كَانَ فَائِدَةُ السُّقُوطِ صِحَّةُ الْوَقْتِيَّةِ وَهِيَ لَا تَكُونُ إلَّا بِدُخُولِ وَقْتِ السَّابِعَةِ اُعْتُبِرَ وَقْتُ السَّابِعَةِ وَجَوَابُهُ أَنَّ فَائِدَةَ السُّقُوطِ لَمْ تَنْحَصِرْ فِيمَا ذُكِرَ لِأَنَّهُ بِدُخُولِ وَقْتِ السَّابِعَةِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّرْتِيبُ فِيمَا بَيْنَ الْفَوَائِتِ أَيْضًا كَمَا سَيَأْتِي وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ أَوْلَى مِنْ عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ وَالْقُدُورِيِّ حَيْثُ قَالَا إلَّا أَنْ تَزِيدَ الْفَوَائِتُ عَلَى سِتِّ صَلَوَاتٍ اسْتِثْنَاءً مِنْ قَوْلِهِ رَتَّبَهَا فِي الْقَضَاءِ لِمَا يَلْزَمُ مِنْ ظَاهِرِهَا مِنْ كَوْنِ الْفَوَائِتِ سَبْعًا عَلَى مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَوْ تِسْعًا عَلَى مَا فِي النِّهَايَةِ وَإِنْ أَجَابَ عَنْهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْفَوَائِتِ الْأَوْقَاتُ مَجَازًا لِلِاشْتِبَاهِ مَعَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ عَدَمِ اشْتِرَاطِ دُخُولِ وَقْتِ السَّابِعَةِ وَصَرَّحَ فِي الْمُحِيطِ بِأَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ أَنَّ التَّرْتِيبَ يَسْقُطُ بِصَيْرُورَةِ الْفَوَائِتِ سِتًّا مُوَافِقًا لِمَا فِي الْمُخْتَصَرِ وَصَحَّحَهُ فِي الْكَافِي وَبِهِ انْدَفَعَ مَا صَحَّحَهُ الشَّارِحُ الزَّيْلَعِيُّ مِنْ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي سُقُوطِ التَّرْتِيبِ أَنْ تَبْلُغَ الْأَوْقَاتُ الْمُتَخَلَّلَةُ مُنْذُ فَاتَتْهُ سِتَّةَ أَوْقَاتٍ وَإِنْ أَدَّى مَا بَعْدَهَا فِي أَوْقَاتِهَا وَلِهَذَا ذَكَرَ فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ تَذَكَّرَ فَائِتَةً بَعْدَ شَهْرٍ لَا تَجُوزُ الْوَقْتِيَّةُ مَعَ تَذَكُّرِ الْفَائِتَةِ إلَّا إذَا كَانَتْ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَفِي الْمُجْتَبَى مَنْ جَهِلَ) نَقَلَهُ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِهِ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ وَقَالَ وَكَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ أَخَذُوا بِقَوْلِهِ وَمِثْلُهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة. (قَوْلُهُ دُخُولُ السَّادِسَةِ) أَيْ دُخُولُ وَقْتِ السَّادِسَةِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ وَقَدْ يُقَالُ) أَيْ فِيمَا لَوْ أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ مِنْ الْيَوْمِ الثَّانِي فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَصِحُّ أَدَاؤُهَا لِسُقُوطِ التَّرْتِيبِ بِصَيْرُورَةِ الْفَوَائِتِ سِتًّا (قَوْلُهُ مِنْ كَوْنِ الْفَوَائِتِ سَبْعًا) أَيْ بِتَقْدِيمِ السِّينِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَقَوْلُهُ أَوْ تِسْعًا أَيْ بِتَقْدِيمِ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ عَلَى السِّينِ وَوَجْهُ أَنَّهُ ذَكَرَ الْفَوَائِتَ بِلَفْظِ الْجَمْعِ وَالزَّائِدُ غَيْرُ الْمَزِيدِ عَلَيْهِ سِتٌّ وَالْفَوَائِتُ الزَّائِدَةُ ثَلَاثًا لِأَنَّهَا أَدْنَى مَرَاتِبَ الْجَمْعِ فَيَصِيرُ الْمَجْمُوعُ تِسْعَةً وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يَفْهَمُ مِنْ قَوْلِك هَذِهِ الدَّرَاهِمُ تَزِيدُ عَلَى مِائَةِ إلَّا أَنَّ عَدَدَهَا يَزِيدُ عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ وَالْمُرَادُ هُنَا كَذَلِكَ (قَوْلُهُ وَإِنْ أَجَابَ عَنْهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ إلَخْ) قَالَ بَعْدَ تَقْرِيرِهِ وَحَاصِلُهُ إلَّا أَنْ يَزِيدَ بِفَوْتِ سِتِّ صَلَوَاتٍ بِدُخُولِ وَقْتِ السَّابِعَةِ فَيَسْقُطُ التَّرْتِيبُ وَهَذَا مَا عِنْدِي مِنْ الْبَيَانِ اهـ. وَرَدَّهُ فِي الْعِنَايَةِ بِأَنَّ الزِّيَادَةَ لَا بُدَّ وَأَنْ تَكُونَ مِنْ جِنْسِ الْمَزِيدِ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ وَالْحَقُّ أَنْ يُقَدِّرَ مُضَافًا وَتَقْدِيرُهُ إلَّا أَنْ تَزِيدَ أَوْقَاتُ سِتِّ صَلَوَاتٍ بِحَسَبِ دُخُولِ الْأَوْقَاتِ دُونَ خُرُوجِهَا وَرَدَّهُ فِي السَّعْدِيَّةِ بِأَنَّ الزَّائِدَ عَلَى أَوْقَاتِ سِتِّ صَلَوَاتٍ لَيْسَ وَقْتَ الْفَائِتَةِ بَلْ عَلَى الْعَكْسِ حَيْثُ زَادَ عَلَى أَوْقَاتِ الْفَوَائِتِ السِّتَّةِ وَقْتَ صَلَاةٍ أُخْرَى وَاخْتَارَ فِي الْجَوَابِ أَنَّ الْكَلَامَ عَلَى الْقَلْبِ أَيْ إلَّا أَنْ تَزِيدَ الصَّلَوَاتُ الْمَفْرُوضَةُ عَلَى سِتِّ فَوَائِتَ قَالَ وَهَذَا مَعْنًى صَحِيحٌ لَا غُبَارَ عَلَيْهِ وَالْقَلْبُ فَنٌّ مُعْتَبَرٌ مِنْ الْبَلَاغَةِ سِيَّمَا عِنْدَ صَاحِبِ الْمِفْتَاحِ اهـ. لَكِنَّ فِيهِ اعْتِبَارُ مُحَاوَرَاتِ الْبَلَاغَةِ فِي أَدَاءِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ غَيْرُ ظَاهِرٍ لَا سِيَّمَا فِيمَا يُؤَدِّي إلَى اشْتِبَاهِ الْحُكْمِ كَمَا هُنَا وَثَمَّ تَأْوِيلَاتٌ أُخَرُ (قَوْلُهُ لِلِاشْتِبَاهِ) تَعْلِيلٌ لِلْأَوْلَوِيَّةِ وَقَوْلُهُ مَعَ مَا قَدَّمْنَاهُ وَجْهٌ آخَرُ لِلْأَوْلَوِيَّةِ أَيْضًا (قَوْلُهُ وَبِهِ انْدَفَعَ مَا صَحَّحَهُ الشَّارِحُ الزَّيْلَعِيُّ) وَعِبَارَتُهُ ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ فِيهِ أَنْ تَبْلُغَ الْأَوْقَاتُ الْمُتَخَلِّلَةُ مُذْ فَاتَتْهُ سِتَّةً وَإِنْ أَدَّى مَا بَعْدَهَا فِي أَوْقَاتِهَا وَقِيلَ يُعْتَبَرُ أَنْ تَبْلُغَ الْفَوَائِتُ سِتًّا وَلَوْ كَانَتْ مُتَفَرِّقَةً وَثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا تَرَكَ ثَلَاثَ صَلَوَاتٍ مَثَلًا إلَخْ (قَوْلُهُ وَلِهَذَا ذَكَرَ إلَخْ) تَعْلِيلٌ لِلِانْدِفَاعِ لَكِنَّ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ قَوْلِهِ وَقَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ إلَخْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 91 الْفَوَائِتُ سِتًّا وَقَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ حُسَامُ الدِّينِ فِي وَاقِعَاتِهِ أَنَّهُ يَجُوزُ اهـ. وَفِي التَّجْنِيسِ أَنَّ الْجَوَازَ مُخْتَارُ الطَّحَاوِيِّ وَالْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ وَبِهِ نَأْخُذُ لِأَنَّ الْمُتَخَلِّلَ بَيْنَهُمَا أَكْثَرُ مِنْ سِتِّ صَلَوَاتٍ اهـ. وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمَشَايِخِ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِتَصْحِيحِ الشَّارِحِ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا هَلْ الْمُعْتَبَرُ صَيْرُورَةُ الْفَوَائِتِ سِتًّا فِي نَفْسِهَا وَلَوْ كَانَتْ مُتَفَرِّقَةً أَوْ كَوْنَ الْأَوْقَاتِ الْمُتَخَلِّلَةِ سِتًّا وَثَمَرَتُهُ تَظْهَرُ فِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْفُرُوعِ وَالظَّاهِرُ اعْتِمَادُ مَا وَافَقَ الْمُتُونَ مِنْ اعْتِبَارِ صَيْرُورَةِ الْفَوَائِتِ سِتًّا حَقِيقَةً وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ الزَّيْلَعِيُّ ثَمَرَةً لِلْخِلَافِ الْمَذْكُورِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ ثَلَاثَ صَلَوَاتٍ مَثَلًا الظُّهْرَ مِنْ يَوْمٍ وَالْعَصْرَ مِنْ يَوْمٍ وَالْمَغْرِبَ مِنْ يَوْمٍ وَلَا يَدْرِي أَيَّتَهَا أَوْلَى فَعَلَى اعْتِبَارِ الْأَوْقَاتِ سَقَطَ التَّرْتِيبُ لِأَنَّ الْمُتَخَلِّلَ بَيْنَ الْفَوَائِتِ كَثِيرَةٌ فَيُصَلِّي ثَلَاثًا فَقَطْ وَعَلَى اعْتِبَارِ الْفَوَائِتِ فِي نَفْسِهَا لَا يَسْقُطُ فَيُصَلِّي سَبْعَ صَلَوَاتٍ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ اهـ. فَغَيْرُ صَحِيحٍ لِوَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ كَوْنُ الْمُتَخَلِّلَاتِ سِتَّ فَوَائِتَ لِأَنَّ مَذْهَبَهُ أَنَّ الْوَقْتِيَّةَ الْمُؤَدَّاةَ مَعَ تَذَكُّرِ الْفَائِتَةِ تَفْسُدُ فَسَادًا مَوْقُوفًا إلَى أَنْ يُصَلِّيَ كَمَالَ خَمْسِ وَقْتِيَّاتٍ فَإِنْ لَمْ يُعِدْ شَيْئًا مِنْهَا حَتَّى دَخَلَ وَقْتُ السَّادِسَةِ صَارَتْ كُلُّهَا صَحِيحَةً كَمَا سَيَأْتِي فَقَوْلُهُ وَقِيلَ يُعْتَبَرُ أَنْ تَبْلُغَ الْفَوَائِتُ سِتًّا وَلَوْ كَانَتْ مُتَفَرِّقَةً غَيْرَ مُتَصَوَّرٍ عَلَى قَوْلِهِ فَلَا يَبْنِي عَلَيْهِ شَيْءٌ، الثَّانِي أَنَّ اخْتِلَافَ الْمَشَايِخِ فِي لُزُومِ السَّبْعِ أَوْ الثَّلَاثِ لَيْسَ مَبْنِيًّا عَلَى مَا ذُكِرَ وَإِنَّمَا هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي سُقُوطِ التَّرْتِيبِ لِتَحْقِيقِ فَوْتِ السِّتِّ حَقِيقَةً أَوْ مَعْنًى فَمَنْ أَوْجَبَ السَّبْعَ نَظَرَ إلَى الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ لَمْ يَفُتْهُ إلَّا ثَلَاثٌ فَلَمْ يَسْقُطْ التَّرْتِيبُ فَيُعِيدُ مَا صَلَّى أَوَّلًا وَمَنْ اقْتَصَرَ عَلَى الثَّلَاثِ نَظَرَ إلَى الثَّانِي لِأَنَّ بِإِيجَابِ السَّبْعِ بِإِيجَابِ التَّرْتِيبِ تَصِيرُ الْفَوَائِتُ كَسَبْعٍ مَعْنًى فَإِذَا كَانَ التَّرْتِيبُ يَسْقُطُ بِسِتٍّ فَأَوْلَى أَنْ يَسْقُطَ بِسَبْعٍ فَالْحَاصِلُ أَنَّا لَوْ قُلْنَا بِوُجُوبِ التَّرْتِيبِ لَلَزِمَهُ قَضَاءُ سَبْعٍ وَهِيَ كَسَبْعِ فَوَائِتَ فَلِذَا أَسْقَطْنَا التَّرْتِيبَ وَقَوْلُ مَنْ أَسْقَطَهُ أَوْجَهُ لِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ سَقَطَ التَّرْتِيبُ بِالسِّتِّ وَهُوَ الدُّخُولُ فِي حَدِّ الْكَثْرَةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلْحَرَجِ مَوْجُودٌ فِي إيجَابِ سَبْعٍ بِعَيْنِهِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي التَّجْنِيسِ مِنْ غَيْرِ حِكَايَةِ خِلَافٍ ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَهُ الْخِلَافَ وَقَالَ إنَّ السُّقُوطَ هُوَ مُخْتَارُنَا وَغَيْرُهُ لَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ وَذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ أَنَّ مَنْ أَوْجَبَ التَّرْتِيبَ فِيهِ لَا اعْتِمَادَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قَدْ زَادَ عَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَلَا يَبْقَى التَّرْتِيبُ وَاجِبًا. اهـ. وَصَحَّحَهُ فِي الْحَقَائِقِ مُعَلِّلًا بِأَنَّ إعَادَةَ ثَلَاثِ صَلَوَاتٍ فِي وَقْتِ الْوَقْتِيَّةِ لِأَجْلٍ التَّرْتِيبِ مُسْتَقِيمٌ أَمَّا إيجَابُ سَبْعِ صَلَوَاتٍ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ لَا يَسْتَقِيمُ لِتَضَمُّنِهِ تَفْوِيتَ الْوَقْتِيَّةِ اهـ يَعْنِي: أَنَّهُ مَظِنَّةُ تَفْوِيتِ الْوَقْتِيَّةِ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا قَضَاءُ مَا تَرَكَهُ مِنْ غَيْرِ إعَادَةِ شَيْءٍ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ إذَا كَانَتْ الْفَوَائِتُ ثَلَاثًا أَوْ أَكْثَرَ فَيَلْزَمُهُ قَضَاءُ ثَلَاثٍ فِي الْفَرْعِ الْمَذْكُورِ وَلَوْ تَرَكَ مَعَ ذَلِكَ عِشَاءً مِنْ يَوْمٍ آخَرَ لَزِمَهُ أَرْبَعُ وَلَوْ تَرَكَ صُبْحًا آخَرَ لَزِمَهُ خَمْسٌ وَلَا يُعِيدُ شَيْئًا مِمَّا صَلَّاهُ وَعَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ فَفِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى يُصَلِّي سَبْعًا لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يُصَلِّيَ ظُهْرًا بَيْنَ عَصْرَيْنِ أَوْ عَصْرًا بَيْنَ ظُهْرَيْنِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مَا صَلَّاهُ أَوَّلًا هُوَ الْآخَرُ فَيُعِيدُهُ ثُمَّ يُصَلِّي الْمَغْرِبَ ثُمَّ يُعِيدُ مَا صَلَّاهُ أَوَّلًا لِاحْتِمَالِ كَوْنِ الْمَغْرِبِ أَوَّلًا وَفِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ يَقْضِي خَمْسَ عَشْرَةِ صَلَاةً السَّبْعَةَ الْأُولَى كَمَا ذَكَرْنَا ثُمَّ يُصَلِّي بَعْدَهَا الْعِشَاءَ ثُمَّ يُعِيدُ السَّبْعَةَ الْأُولَى لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ الْعِشَاءُ هِيَ الْأُولَى وَفِي الْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ يَقْضِي إحْدَى وَثَلَاثِينَ صَلَاةً الْخَمْسَةَ عَشْرَ الْأُولَى ثُمَّ يُصَلِّي الْفَجْرَ ثُمَّ يُعِيدُ الْخَمْسَةَ عَشْرَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْفَجْرُ هِيَ الْأُولَى وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِكَوْنِ الْفَائِتِ ثَلَاثَةً فَأَكْثَرَ لِأَنَّهُ لَوْ فَاتَتْهُ صَلَاتَانِ الظُّهْرُ مِنْ يَوْمٍ وَالْعَصْرُ مِنْ يَوْمٍ وَلَا يَدْرِي الْأَوَّلَ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ ثَلَاثِ صَلَوَاتٍ وَهُوَ إمَّا ظُهْرٌ بَيْنَ عَصْرَيْنِ أَوْ عَصْرٌ بَيْنَ ظُهْرَيْنِ لِأَنَّ الْمَتْرُوكَ أَوَّلًا إنْ كَانَ هُوَ الْمُؤَدَّى أَوَّلًا فَالْأَخِيرُ نَفْلٌ وَإِلَّا فَالْأَوَّلُ نَفْلٌ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَهُوَ مُوَافِقٌ إلَخْ) أَيْ مَا ذَكَرَهُ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَمَا فِي التَّجْنِيسِ والولوالجية مُوَافِقٌ لِتَصْحِيحِ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ سَقَطَ التَّرْتِيبُ) قَالَ فِي الْفَتْحِ يَعْنِي بَيْنَ الْمَتْرُوكَاتِ اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ بَيْنَ الْمَتْرُوكَاتِ وَالْوَقْتِيَّةِ عَلَى كُلٍّ مِنْ الِاعْتِبَارَيْنِ كَمَا يُفِيدُهُ أَيْضًا مَا سَيَذْكُرُهُ الْمُؤَلِّفُ عَنْ الْحَقَائِقِ (قَوْلُهُ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ عَلَى قَوْلِهِ) لِأَنَّهُ مَعَ دُخُولِ وَقْتِ السَّادِسَةِ ثَبَتَتْ الصِّحَّةُ فَلَا نَتَحَقَّقُ فَائِتًا سِوَى الْمَتْرُوكَةِ إذْ ذَاكَ وَالْمُسْقِطُ هُوَ سِتُّ فَوَائِتَ لَا مُجَرَّدُ أَوْقَاتٍ لَا فَوَائِتَ فِيهَا كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَتَمَامُ الْكَلَامِ فِيهِ وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهَا فَائِتَةٌ حُكْمًا وَلِذَا لَوْ تَرَكَ صَلَاةً وَصَلَّى بَعْدَهَا خَمْسًا ذَاكِرًا لَهَا سَقَطَ عَنْهُ التَّرْتِيبُ مَعَ أَنَّ الْفَائِتَ حَقِيقَةٌ وَاحِدَةٌ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَالْحَاصِلُ) أَيْ حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ فِي تَوْجِيهِ قَوْلِ مَنْ اقْتَصَرَ عَلَى الثَّلَاثِ (قَوْلُهُ فَفِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى) أَيْ مَسْأَلَةِ مَا لَوْ كَانَتْ الْفَوَائِتُ ثَلَاثًا ظُهْرٌ مِنْ يَوْمٍ وَعَصْرٌ مِنْ يَوْمٍ وَمَغْرِبٌ مِنْ يَوْمٍ وَلَا يَدْرِي تَرْتِيبَهَا وَلَمْ يَقَعْ تَحَرِّيهِ عَلَى شَيْءٍ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يُصَلِّيَ إلَخْ) تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ يُصَلِّي سَبْعًا وَقَوْلُهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 92 وَقَالَا لَا يَلْزَمُهُ إلَّا صَلَاتَانِ إلْحَاقًا لَهُ بِالنَّاسِي فَيَسْقُطُ التَّرْتِيبُ وَأَبُو حَنِيفَةَ أَلْحَقَهُ بِنَاسِي التَّعْيِينِ وَهُوَ مَنْ فَاتَهُ صَلَاةٌ لَمْ يَدْرِ مَا هِيَ وَلَمْ يَقَعْ تَحَرِّيهِ عَلَى شَيْءٍ يُعِيدُ صَلَاةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ بِجَامِعِ تَحَقُّقِ طَرِيقٍ يَخْرُجُ بِهَا عَنْ الْعُهْدَةِ بِيَقِينٍ فَيَجِبُ سُلُوكُهَا وَهَذَا الْوَجْهُ يُصَرِّحُ بِإِيجَابِ التَّرْتِيبِ فِي الْقَضَاءِ عِنْدَهُ فَيَجِبُ الطَّرِيقُ الَّتِي يُعَيِّنُهَا لَا كَمَا قِيلَ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَهُمْ فَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا كَأَنَّهُ تَخْفِيفٌ عَلَى النَّاسِ لِكَسَلِهِمْ وَإِلَّا فَدَلِيلُهُمَا لَا يَتَرَجَّحُ عَلَى دَلِيلِهِ وَقَدْ ذَكَرَ فِي آخِرِ الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ أَنَّهُ إذَا اخْتَلَفَ أَبُو حَنِيفَةَ وَصَاحِبَاهُ فَالْأَصَحُّ أَنَّ الِاعْتِبَارَ لِقُوَّةِ الدَّلِيلِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَصَحَّ الْمُفْتَى بِهِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ إلَّا بِقَدْرِ مَا تَرَكَ سَوَاءٌ كَانَ الْمَتْرُوكُ صَلَاتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ وَقَدْ أَفَادَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْفَوَائِتَ إذَا كَثُرَتْ سَقَطَ التَّرْتِيبُ فِيمَا بَيْنَ الْفَوَائِتِ نَفْسِهَا كَمَا سَقَطَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْوَقْتِيَّةِ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحِيطِ وَعَلَّلَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِأَنَّ الْكَثْرَةَ إذَا كَانَتْ مُسْقِطَةً لِلتَّرْتِيبِ فِي غَيْرِهَا كَانَتْ مُسْقِطَةً لَهُ فِي نَفْسِهَا بِالطَّرِيقِ الْأُولَى لِأَنَّ الْعِلَّةَ إذَا كَانَ لَهَا أَثَرٌ فِي غَيْرِ مَحَلِّهَا فَلَأَنْ يَكُونَ لَهَا أَثَرٌ فِي مَحَلِّهَا أَوْلَى. اهـ. وَنَصَّ الزَّاهِدِيُّ عَلَى أَنَّهُ الْأَصَحُّ وَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالْخَانِيَّةِ مِنْ أَنَّ الْفَوَائِتَ لَوْ كَثُرَتْ وَأَرَادَ أَنْ يَقْضِيَهَا فَإِنَّهُ يُرَاعِي التَّرْتِيبَ فِي الْقَضَاءِ وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا قَضَى فَائِتَةً ثُمَّ فَائِتَةً فَإِنْ كَانَ بَيْنَ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ فَوَائِتُ سِتٌّ يَجُوزُ لَهُ قَضَاءُ الثَّانِيَةِ وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ سِتٍّ لَا يَجُوزُ قَضَاءُ الثَّانِيَةِ مَا لَمْ يَقْضِ مَا قَبْلَهَا وَقِيلَ فِي الْفَوَائِتِ إذَا كَثُرَتْ سَقَطَ التَّرْتِيبُ حَتَّى لَوْ قَضَى ثَلَاثِينَ فَجْرًا ثُمَّ قَضَى ثَلَاثِينَ ظُهْرًا ثُمَّ قَضَى ثَلَاثِينَ عَصْرًا جَازَ اهـ. وَأَفَادَ كَلَامُهُ أَيْضًا أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْفَوَائِتِ الْقَدِيمَةِ وَالْحَدِيثَةِ حَتَّى لَوْ تَرَكَ صَلَاةَ شَهْرٍ فِسْقًا ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى الصَّلَاةِ ثُمَّ تَرَكَ فَائِتَةً حَادِثَةً فَإِنَّ الْوَقْتِيَّةَ جَائِزَةٌ مَعَ تَذَكُّرِ الْفَائِتَةِ الْحَادِثَةِ لِانْضِمَامِهَا إلَى الْفَوَائِتِ الْقَدِيمَةِ وَهِيَ كَثِيرَةٌ فَلَمْ يَجِبْ التَّرْتِيبُ وَلِأَنَّ بِالْحَدِيثَةِ ازْدَادَتْ الْكَثْرَةُ فَيَتَأَكَّدُ السُّقُوطُ وَلِأَنَّهُ لَوْ اشْتَغَلَ بِهَذِهِ الْفَائِتَةِ لَكَانَ تَرْجِيحًا بِلَا مُرَجِّحٍ وَلَوْ اشْتَغَلَ بِالْكُلِّ تَفُوتُ الْوَقْتِيَّةُ فَتَعَيَّنَ مَا ذَكَرْنَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنَّ الْمُسْقَطَ الْفَوَائِتُ الْحَدِيثَةُ وَأَمَّا الْقَدِيمَةُ فَلَا تَسْقُطُ وَيُجْعَلُ الْمَاضِي كَأَنْ لَمْ يَكُنْ زَجْرًا لَهُ عَنْ التَّهَاوُنِ بِالصَّلَوَاتِ فَلَا تَجُوزُ الْوَقْتِيَّةُ مَعَ تَذَكُّرِهَا وَصَحَّحَهُ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمُحِيطِ لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ وَفِي التَّجْنِيسِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَذَكَرَ فِي الْمُجْتَبَى أَنَّ الْأَوَّلَ أَصَحُّ وَفِي الْكَافِي وَالْمِعْرَاجِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى فَقَدْ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ وَالْفَتْوَى كَمَا رَأَيْت وَالْعَمَلُ بِمَا وَافَقَ إطْلَاقَ الْمُتُونِ أَوْلَى خُصُوصًا أَنَّ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي يُؤَدِّي إلَى التَّهَاوُنِ لَا إلَى زَجْرِهِ عَنْهُ فَإِنَّ مَنْ اعْتَادَ تَفْوِيتَ الصَّلَوَاتِ لَوْ أَفْتَى بِعَدَمِ الْجَوَازِ يُفَوِّتُ أُخْرَى ثُمَّ وَثُمَّ حَتَّى تَبْلُغَ الْحَدِيثَةُ حَدَّ الْكَثْرَةِ كَمَا فِي الْكَافِي. (قَوْلُهُ وَلَمْ يُعِدْ بِعَوْدِهَا إلَى الْقِلَّةِ) أَيْ لَمْ يُعِدْ وُجُوبَ التَّرْتِيبِ بِعَوْدِ الْفَوَائِتِ إلَى الْقِلَّةِ بِسَبَبِ الْقَضَاءِ بَعْدَ سُقُوطِهِ بِكَثْرَتِهَا كَمَا إذَا تَرَكَ رَجُلٌ صَلَاةَ شَهْرٍ مَثَلًا ثُمَّ قَضَاهَا إلَّا صَلَاةً ثُمَّ صَلَّى الْوَقْتِيَّةَ ذَاكِرًا لَهَا فَإِنَّهَا صَحِيحَةٌ لِأَنَّ السَّاقِطَ قَدْ تَلَاشَى فَلَا يَحْتَمِلُ الْعَوْدَ كَالْمَاءِ الْقَلِيلِ إذَا تَنَجَّسَ فَدَخَلَ عَلَيْهِ الْمَاءُ الْجَارِي حَتَّى كَثُرَ وَسَالَ ثُمَّ عَادَ إلَى الْقِلَّةِ لَا يَعُودُ نَجَسًا وَاخْتَارَهُ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ وَالْإِمَامُ الْبَزْدَوِيُّ حَيْثُ قَالَا وَمَتَى سَقَطَ التَّرْتِيبُ لَمْ يُعِدْ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ وَصَحَّحَهُ أَيْضًا فِي الْكَافِي وَالْمُحِيطِ وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَغَيْرِهِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَقِيلَ يَعُودُ التَّرْتِيبُ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ قَبِيلِ عَوْدِ السَّاقِطِ بَلْ مِنْ قَبِيلِ زَوَالِ الْمَانِعِ كَحَقِّ الْحَضَانَةِ إذَا ثَبَتَ لِلْأُمِّ ثُمَّ تَزَوَّجَتْ ثُمَّ ارْتَفَعَتْ الزَّوْجِيَّةُ فَإِنَّهُ يَعُودُ لَهَا وَاخْتَارَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَقَالَ إنَّهُ الْأَظْهَرُ مُسْتَدِلًّا بِمَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ تَرَكَ صَلَاةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَجَعَلَ يَقْضِي مِنْ الْغَدِ مَعَ كُلِّ وَقْتِيَّةٍ فَائِتَةً فَالْفَوَائِتُ جَائِزَةٌ عَلَى كُلِّ حَالٍّ وَالْوَقْتِيَّاتُ فَاسِدَةٌ إنْ قَدَّمَهَا لِدُخُولِ الْفَوَائِتِ فِي حَدِّ الْقِلَّةِ   [منحة الخالق] لِاحْتِمَالِ تَعْلِيلِ لِلتَّعْلِيلِ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يُصَلِّي الظُّهْرَ ثُمَّ الْعَصْرَ ثُمَّ الظُّهْرَ ثُمَّ الْمَغْرِبَ ثُمَّ الظُّهْرَ ثُمَّ الْعَصْرَ ثُمَّ الظُّهْرَ لِمَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّعْلِيلِ الثَّانِي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 93 وَإِنْ أَخَّرَهَا فَكَذَلِكَ إلَّا الْعِشَاءَ الْأَخِيرَةَ لِأَنَّهُ لَا فَائِتَةَ عَلَيْهِ فِي ظَنِّهِ حَالَ أَدَائِهَا اهـ. وَرَدَّهُ فِي الْكَافِي وَالتَّبْيِينِ بِأَنَّهُ لَا دَلَالَةَ فِيهِ لِأَنَّ التَّرْتِيبَ لَوْ سَقَطَ لَجَازَتْ الْوَقْتِيَّةُ الَّتِي بَدَأَ بِهَا وَلِأَنَّ التَّرْتِيبَ إنَّمَا يَسْقُطُ بِخُرُوجِ وَقْتِ السَّادِسَةِ وَلَمْ يَخْرُجْ هُنَا وَلَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ التَّرْتِيبَ يَسْقُطُ بِدُخُولِ وَقْتِ السَّادِسَةِ لِأَنَّ حُكْمَهُ بِفَسَادِ الْوَقْتِيَّةِ الَّتِي بَدَأَ بِهَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ إذْ لَوْ كَانَ مُرَادُهُ عَلَى تِلْكَ الرِّوَايَةِ لَمَا فَسَدَتْ الَّتِي بَدَأَ بِهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ لِسُقُوطِ التَّرْتِيبِ عِنْدَهُ وَذَكَرَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَارْتَضَاهُ وَرَدَّهُ الشَّيْخُ قَاسِمٌ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الزَّيْلَعِيِّ بِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ فَقَدْ نَصَّ جَمَاعَةٌ مِنْ مُحَقِّقِي الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّ مِنْ أَصْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إذَا دَخَلَ وَقْتَ السَّادِسَةِ سَقَطَ التَّرْتِيبُ إلَّا أَنَّ سُقُوطَهُ يَتَقَرَّرُ بِخُرُوجِ وَقْتِ السَّادِسَةِ فَإِذَا أَدَّى وَقْتِيَّةٌ تَوَقَّفَ جَوَازُهَا عَلَى قَضَاءِ الْفَائِتَةِ وَعَدَمِهِ فَإِذَا قُضِيَ دَخَلَتْ الْفَوَائِتُ فِي حَدِّ الْقِلَّةِ فَبَطَلَتْ الْوَقْتِيَّةُ لِأَنَّهَا أُدِّيَتْ عِنْدَ ذِكْرِ الْفَائِتَةِ وَلِذَا صَرَّحَ فِي رِوَايَةِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي تَعْلِيلِ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ كُلَّمَا قَضَى فَائِتَةً عَادَتْ الْفَوَائِتُ أَرْبَعًا وَفَسَدَتْ الْوَقْتِيَّةُ إلَّا الْعِشَاءَ فَإِنَّهُ صَلَّاهَا وَعِنْدَهُ أَنَّ جَمِيعَ مَا عَلَيْهِ قَدْ قَضَاهُ فَأَشْبَهَ النَّاسِيَ اهـ. وَمَا أُجِيبَ بِهِ فِي الْمِعْرَاجِ مِنْ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ مَفْرُوضَةٌ فِيمَنْ مَدَّ الْوَقْتِيَّةَ الَّتِي شَرَعَ فِيهَا إلَى آخِرِ الْوَقْتِ ثُمَّ قَضَى الْفَائِتَةَ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الشُّرُوعُ فِي سَعَةِ الْوَقْتِ إذْ لَوْ كَانَ عِنْدَ الضِّيقِ لَكَانَتْ الْوَقْتِيَّةُ صَحِيحَةً رُدَّ بِقَوْلِهِ فِي الْكِتَابِ صَلَّى مَعَ كُلِّ فَائِتَةٍ وَقْتِيَّةٌ وَمَعَ لِلْقِرَانِ وَذَكَرَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ إبْطَالَ الدَّلِيلِ الْمُعَيَّنِ لَا يَسْتَلْزِمُ بُطْلَانَ الْمَدْلُولِ فَكَيْفَ بِالِاسْتِشْهَادِ وَحَاصِلُهُ بُطْلَانُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ نَصًّا عَنْ مُحَمَّدٍ فِي الْمَسْأَلَةِ فَلْيَكُنْ كَذَلِكَ فَهُوَ غَيْرُ مَنْصُوصٍ عَلَيْهِ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ لَكِنَّ الْوَجْهَ يُسَاعِدُهُ بِجَعْلِهِ مِنْ قَبِيلِ انْتِهَاءِ الْحُكْمِ بِانْتِهَاءِ عِلَّتِهِ وَذَلِكَ أَنَّ سُقُوطَ التَّرْتِيبِ كَانَ بِعِلَّةِ الْكَثْرَةِ الْمُفْضِيَةِ إلَى الْحَرَجِ أَوْ أَنَّهَا مَظِنَّةُ تَفْوِيتِ الْوَقْتِيَّةِ فَمَا قُلْت زَالَتْ الْعِلَّةُ فَعَادَ الْحُكْمُ الَّذِي كَانَ قَبْلُ كَحَقِّ الْحَضَانَةِ اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّا قَدْ نَقَلْنَا عَنْ الْإِمَامَيْنِ السَّرَخْسِيِّ وَالْبَزْدَوِيِّ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّهُ مَتَى سَقَطَ التَّرْتِيبُ لَمْ يُعِدْ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ وَفِي الْمُحِيطِ لَمْ يُعِدْ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَاتِ فَكَيْفَ يُقَالُ إنَّهُ غَيْرُ مَنْصُوصٍ عَلَيْهِ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَهُوَ أَصَحُّ الرِّوَايَاتِ عَنْ الْمُتَقَدِّمِينَ إذْ الرِّوَايَاتُ إنَّمَا هِيَ مَنْسُوبَةٌ إلَيْهِمْ لَا إلَى الْمَشَايِخِ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ قَبِيلِ زَوَالِ الْمَانِعِ فِي التَّحْقِيقِ لِأَنَّ الْمُقْتَضِيَ لِلتَّرْتِيبِ مَعَ كَثْرَةِ الْفَوَائِتِ لَيْسَ بِمَوْجُودٍ أَصْلًا وَلِذَا اتَّفَقَتْ كَلِمَتُهُمْ مُتُونًا وَشُرُوحًا عَلَى أَنَّ التَّرْتِيبَ يَسْقُطُ بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ فَصَرَّحَ الْكُلُّ بِالسُّقُوطِ وَالسَّاقِطُ لَا يَعُودُ اتِّفَاقًا بِخِلَافِ حَقِّ الْحَضَانَةِ فَإِنَّهُ الْمُقْتَضِي لَهَا مَوْجُودٌ مَعَ التَّزَوُّجِ لِأَنَّهُ الْقَرَابَةُ الْمَحْرَمِيَّةُ مَعَ صِغَرِ الْوَلَدِ وَقَدْ مَنَعَ التَّزَوُّجُ مِنْ عَمَلِ الْمُقْتَضِي فَإِذَا زَالَ التَّزَوُّجُ زَالَ الْمَانِعُ فَعَمَلُ الْمُقْتَضِي عَمَلُهُ فَالْفَارِقُ بَيْنَ الْبَابَيْنِ وُجُودُ الْمُقْتَضِي وَعَدَمُهُ وَلِذَا كَانَ الْأَصَحُّ فِي مَسْأَلَةِ الْمَنِيِّ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ مُسْتَدِلًّا بِمَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ إلَخْ) وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّهُ إذَا قَدَّمَ الْوَقْتِيَّةَ صَارَتْ هِيَ سَادِسَةُ الْمَتْرُوكَاتِ فَسَقَطَ التَّرْتِيبُ فَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ لَا يَعُودَ كَانَ يَنْبَغِي أَنَّهُ إذَا قَضَى بَعْدَهَا فَائِتَةً حَتَّى عَادَتْ الْمَتْرُوكَاتُ الْوَقْتِيَّةُ الثَّانِيَةُ قَدَّمَهَا أَوْ أَخَّرَهَا وَإِنْ وَقَعَتْ بَعْدَ عِدَّةٍ لَا تُوجِبُ سُقُوطَ التَّرْتِيبِ أَعْنِي خَمْسًا أَوْ أَرْبَعًا لِسُقُوطِ التَّرْتِيبِ قَبْلَ أَنْ تَصِيرَ إلَى الْخَمْسِ كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَا فَائِتَةَ عَلَيْهِ فِي ظَنِّهِ حَالَ أَدَائِهَا) مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ جَاهِلًا أَمَّا لَوْ اعْتَقَدَ وُجُوبَ التَّرْتِيبِ كَانَتْ أَيْضًا فَاسِدَةً وَعَلَيْهِ أَنْ يُقَالَ إذَا كَانَ الْفَرْضُ جَهْلَ وُجُوبِ التَّرْتِيبِ وَإِنَّهُ مُعْتَبَرٌ فِي صِحَّةِ الْعِشَاءِ إذَا أَخَّرَهَا لِمُصَادَفَتِهِ مَحَلَّ اجْتِهَادٍ فَلَا وَجْهَ لِلْفَصْلِ بَيْنَ تَقْدِيمِهَا وَتَأْخِيرِهَا بَلْ يَجِبُ أَنْ يَصِحَّ وَإِنْ قَدَّمَهَا لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ جَاهِلٌ وُجُوبَ التَّرْتِيبِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْفَائِتَةِ الَّتِي عَلَيْهِ وَالْجَوَابُ يُعْلَمُ مِنْ جَوَابِهِمْ لِطَلَبِ الْفَرْقِ بَيْنَ مَا لَوْ صَلَّى الظُّهْرَ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ ذَاكِرًا لَهَا إلَى آخِرِ مَا مَرَّ مِنْ الْمَسْأَلَةِ وَجَوَابِهَا وَكَذَا مَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّهُ إذَا أَخَّرَ الْعِشَاءَ فَفَسَادُهَا بِسَبَبِ فَسَادِ الْوَقْتِيَّاتِ وَفَسَادُ الْوَقْتِيَّاتِ هُوَ الْفَسَادُ الْمُجْتَهَدُ فِيهِ فَهُوَ نَظِيرُ الْعَصْرِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ وَإِذَا قَدَّمَهَا فَفَسَادُهَا حِينَئِذٍ لِوُجُودِ الْفَائِتَةِ بِيَقِينٍ وَهِيَ آخِرُ الْمَتْرُوكَاتِ كَذَا حَقَّقَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ وَلَمْ يَخْرُجْ هُنَا) أَيْ وَحِينَئِذٍ فَإِنْ قَضَى فَائِتَةً قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ بَقِيَتْ الْفَوَائِتُ أَرْبَعًا وَصَارَتْ خَمْسًا بِخُرُوجِ الْوَقْتِ فَكَانَ الْعَوْدُ مِنْ الْخَمْسِ إلَى الْأَرْبَعِ وَمِنْ الْأَرْبَعِ إلَى الْخَمْسِ فَلَمْ تَتَحَقَّقْ الْكَثْرَةُ (قَوْلُهُ وَمَا أُجِيبُ بِهِ فِي الْمِعْرَاجِ) أَيْ عَنْ الرَّدِّ عَلَى صَاحِبِ الْهِدَايَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْكَافِي وَالتَّبْيِينِ (قَوْلُهُ الْمَسْأَلَةُ) أَيْ الَّتِي اسْتَدَلَّ بِهَا فِي الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ رُدَّ بِقَوْلِهِ فِي الْكِتَابِ إلَخْ) أَقُولُ: قَدْ ذَكَرَ فِي الْمِعْرَاجِ هَذَا الرَّدَّ بِصُورَةِ سُؤَالٍ ثُمَّ أَجَابَ عَنْهُ وَعِبَارَتُهُ فَإِنْ قِيلَ قَالَ فِي الْكِتَابِ صَلَّى مَعَ كُلِّ وَقْتِيَّةٍ فَائِتَةً وَمَعَ لِلْقِرَانِ فَلَنَا أَنَّ الْقِرَانَ غَيْرُ مُرَادٍ إجْمَاعًا فَإِنَّ الصَّلَاتَيْنِ لَا تُؤَدِّيَانِ مَعًا فَيَكُونُ الْمُرَادُ أَنَّ كُلَّ فَائِتَةٍ تُقْضَى مَعَ مَا يُجَانِسُهَا مِنْ الْوَقْتِيَّةِ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ الْبَيَانِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ اهـ. قَالَ فِي النَّهْرِ فَذِكْرُهُ السُّؤَالَ بِدُونِ الْجَوَابِ مِمَّا لَا يَنْبَغِي وَقَالَ إنَّ هَذَا الْجَوَابَ أَيْ الْمَذْكُورَ فِي الْمِعْرَاجِ أَحْسَنُ الْأَجْوِبَةِ اهـ. لَكِنْ اسْتَشْكَلَهُ شَيْخُنَا بِمَا مَرَّ عَنْ الشَّيْخِ قَاسِمٍ مِنْ أَصْلِ مُحَمَّدٍ فَإِنَّ مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُؤَدِّ الْفَائِتَةَ فِي وَقْتِ السَّادِسَةِ يَتَقَرَّرُ سُقُوطُ التَّرْتِيبِ فَيَلْزَمُ صِحَّةُ الْوَقْتِيَّةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَذَكَرَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ) أَيْ جَوَابًا عَمَّا ذَكَرَهُ سَابِقًا مِنْ الرَّدِّ عَلَى الْهِدَايَةِ تَبَعًا لِلْكَافِي وَالتَّبْيِينِ (قَوْلُهُ فَكَيْفَ بِالِاسْتِشْهَادِ) أَيْ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ عَنْ مُحَمَّدٍ اسْتِشْهَادٌ عَلَى مُدَّعَاهُ لَا اسْتِدْلَالٌ فَإِبْطَالُهُ لَا يَسْتَلْزِمُ بُطْلَانَ الْمُسْتَشْهَدِ عَلَيْهِ بِالْأَوْلَى (قَوْلُهُ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ قُبَيْلِ زَوَالِ الْمَانِعِ إلَخْ) سَبَقَهُ إلَى هَذِهِ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ فِي فَتَاوِيهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 94 إذَا فُرِكَ مِنْ الثَّوْبِ ثُمَّ أَصَابَهُ مَاءٌ وَأَخَوَاتُهَا عَدَمُ عَوْدِ النَّجَاسَةِ كَمَا ذَكَرْنَا وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَلَمْ يُعِدْ بِزَوَالِهَا لِيَكُونَ الضَّمِيرُ رَاجِعًا إلَى الثَّلَاثَةِ أَعْنِي ضِيقَ الْوَقْتِ وَالنِّسْيَانَ وَصَيْرُورَتُهَا سِتًّا لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ فِيهَا قَالَ فِي الْمُجْتَبَى وَلَوْ سَقَطَ التَّرْتِيبُ لِضِيقِ الْوَقْتِ ثُمَّ خَرَجَ الْوَقْتُ لَا يَعُودُ عَلَى الْأَصَحِّ حَتَّى لَوْ خَرَجَ فِي خِلَالِ الْوَقْتِيَّةِ لَا تَفْسُدُ عَلَى الْأَصَحِّ وَهُوَ مُؤَدٍّ عَلَى الْأَصَحِّ لَا قَاضٍ وَاقْتِدَاءُ الْمُسَافِرِ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فِي الْعَصْرِ بِمُقِيمٍ شَرَعَ فِيهِ فِي الْوَقْتِ لَا يَصِحُّ وَكَذَا لَوْ سَقَطَ مَعَ النِّسْيَانِ ثُمَّ تَذَكَّرَ لَا يَعُودُ وَلَوْ نَسِيَ الظُّهْرَ وَافْتَتَحَ الْعَصْرَ ثُمَّ ذَكَرَهُ عِنْدَ احْمِرَارِ الشَّمْسِ يَمْضِي لِضِيقِ الْوَقْتِ وَكَذَا لَوْ غَرَبَتْ وَكَذَا لَوْ افْتَتَحَهَا عِنْدَ الِاصْفِرَارِ ذَاكِرًا ثُمَّ غَرَبَتْ اهـ. وَقَوْلُهُ وَاقْتِدَاءُ الْمُسَافِرِ يُنْتِجُهُ كَوْنُهُ مُؤَدِّيًا كَمَا لَا يَخْفَى وَاَلَّذِي ظَهَرَ لِلْعَبْدِ الضَّعِيفِ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْمُجْتَبَى مِنْ عَدَمِ عَوْدِهِ بِالتَّذَكُّرِ خَطًّا لِأَنَّ كَلِمَتَهُمْ اتَّفَقَتْ عِنْدَ ذِكْرِ الْمَسَائِلِ الِاثْنَى عَشْرِيَّةَ السَّابِقَةَ أَنَّهُ لَوْ تَذَكَّرَ فَائِتَةً وَهُوَ يُصَلِّي فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْقُعُودِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ اتِّفَاقًا وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْقُعُودِ بَطَلَتْ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا لَا تَبْطُلُ فَقَدْ حَكَمُوا بِعَوْدِهِ بِالتَّذَكُّرِ وَلِهَذَا قَالَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَالنِّهَايَةِ أَنَّهُ لَوْ سَقَطَ بِالنِّسْيَانِ وَضِيقِ الْوَقْتِ فَإِنَّهُ يَعُودُ بِالتَّذَكُّرِ وَسَعَةِ الْوَقْتِ بِالِاتِّفَاقِ اهـ. وَلِذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اقْتَصَرَ فِي الْمُخْتَصَرِ عَلَى عَدَمِ الْعَوْدِ بِقِلَّةِ الْفَوَائِتِ وَإِنْ حَمَلَ مَا فِي الْمُجْتَبَى عَلَى تَذَكُّرِهِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ فَيَكُونُ مَحَلُّ الْخِلَافِ التَّرْتِيبَ بَيْنَ الْفَائِتَةِ وَالْوَقْتِيَّةِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَا فِيمَا صَلَّاهُ حَالَةَ النِّسْيَانِ وَتَذَكَّرَ قَبْلَ الْفَرَاغِ فَبَعِيدٌ مُخَالِفٌ لِسِيَاقِ كَلَامِهِ فِي ضِيقِ الْوَقْتِ لِتَصْرِيحِهِ فِيهِ بِعَدَمِ الْعَوْدِ وَلَوْ خَرَجَ فِي خِلَالِهِ بَقِيَ هَاهُنَا كَلَامٌ وَهُوَ أَنَّهُ بَعْدَ أَنْ حَكَمَ بِاسْتِحْقَاقِ التَّرْتِيبِ بَيْنَ الْفَائِتَةِ وَالْوَقْتِيَّةِ وَبَيْنَ الْفَوَائِتِ حَكَمَ بِسُقُوطِهِ بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ فَشَمِلَ النَّوْعَيْنِ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ سُقُوطَهُ بِكَثْرَةِ الْفَوَائِتِ يَشْمَلُ النَّوْعَيْنِ وَأَمَّا بِالنِّسْيَانِ فَالظَّاهِرُ شُمُولُهُ لَهُمَا وَأَمَّا بِضِيقِ الْوَقْتِ فَهُوَ خَاصٌّ بِالتَّرْتِيبِ بَيْنَ الْفَائِتَةِ وَالْوَقْتِيَّةِ وَأَمَّا التَّرْتِيبُ فِيمَا بَيْنَ الْفَوَائِتِ فَلَا يَسْقُطُ بِهِ حَتَّى لَوْ قَدَّمَ الْمُتَأَخِّرَةَ مِنْ الْفَوَائِتِ عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُسْقِطٍ حَقِيقَةً وَإِنَّمَا قُدِّمَتْ الْوَقْتِيَّةُ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا لِقُوَّتِهَا مَعَ بَقَاءِ التَّرْتِيبِ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ. (قَوْلُهُ فَلَوْ صَلَّى فَرْضًا ذَاكِرًا فَائِتَةً وَلَوْ وِتْرًا فَسَدَ فَرْضُهُ مَوْقُوفًا) أَيْ فَسَادُ هَذَا الْفَرْضِ مَوْقُوفٌ عَلَى قَضَاءِ الْفَائِتَةِ قَبْلَ أَنْ تَصِيرَ الْفَوَائِتُ كَثِيرَةً مَعَ الْفَائِتَةِ فَإِنْ قَضَاهَا قَبْلَهُ فَسَدَ هَذَا الْفَرْضُ وَمَا صَلَّاهُ بَعْدَهُ مُتَذَكِّرًا وَإِنْ لَمْ يَقْضِهَا حَتَّى صَارَتْ الْفَوَائِتُ مَعَ الْفَائِتَةِ سِتَّ صَلَوَاتٍ فَمَا صَلَّاهُ مُتَذَكِّرًا لَهَا صَحِيحٌ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ هِيَ الَّتِي يُقَالُ وَاحِدَةٌ تُصَحِّحُ خَمْسًا وَوَاحِدَةٌ تُفْسِدُ خَمْسًا فَالْوَاحِدَةُ الْمُصَحِّحَةُ لِلْخَمْسِ هِيَ السَّادِسَةُ قَبْلَ قَضَاءِ الْمَتْرُوكَةِ وَالْوَاحِدَةُ الْمُفْسِدَةُ لِلْخَمْسِ هِيَ الْمَتْرُوكَةُ تُقْضَى قَبْلَ السَّادِسَةِ اهـ. وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا الْفَسَادُ مُتَحَتِّمٌ لَا يَزُولُ وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّ سُقُوطَ التَّرْتِيبِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَلَمْ يُعِدْ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا أَوْلَوِيَّةَ فِي ذَلِكَ بَلْ لَوْ قَالَ ذَلِكَ مُوَافِقًا لِلْمُجْتَبَى لَمْ يَصِحَّ لِمَا سَتَعْلَمُهُ مِنْ جَعْلِهِ مَا فِي الْمُجْتَبَى خَطَأً (قَوْلُهُ يَمْضِي لِضِيقِ الْوَقْتِ) فِي هَذَا التَّعْلِيلِ نَظَرٌ بَلْ الظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ قَضَاءُ الظُّهْرِ فِي وَقْتِ الِاحْمِرَارِ فَإِنَّ ذَلِكَ الْوَقْتَ لَا يَصِحُّ فِيهِ إلَّا عَصْرُ يَوْمِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ شَرْحِ قَاضِي خَانْ (قَوْلُهُ وَقَوْلُهُ وَاقْتِدَاءُ الْمُسَافِرِ نَتِيجَةُ كَوْنِهِ مُؤَدِّيًا) أَقُولُ: وَهُوَ نَتِيجَةُ كَوْنِهِ قَاضِيًا أَيْضًا لِأَنَّ اقْتِدَاءَ الْمُسَافِرِ بَعْدَ الْوَقْتِ بِالْمُقِيمِ غَيْرُ صَحِيحٍ سَوَاءٌ كَانَ الْمُقِيمُ مُؤَدِّيًا أَمْ قَاضِيًا عَلَى أَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِلنَّتِيجَةِ وَلَا لِلْمُنْتِجِ فِي هَذَا الْمَحِلِّ وَلَا مِسَاسَ لَهُ بِالْمَقَامِ أَصْلًا فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَيَكُونُ مَحَلُّ الْخِلَافِ إلَخْ) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ فِيهِ إنَّ بَعْدَ الْحَمْلِ انْتَفَى الْخِلَافُ اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ عَلَى هَذَا الْحَمْلِ يَكُونُ مَعْنَى مَا فِي الْمُجْتَبَى أَنَّهُ لَوْ تَذَكَّرَ بَعْدَ الْفَرَاغِ لَا يَعُودُ التَّرْتِيبُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَيُخَالِفُ حِكَايَةَ الِاتِّفَاقِ عَلَى عَوْدِهِ (قَوْلُهُ وَتَذَكَّرَ قَبْلَ الْفَرَاغِ فَبَعِيدٌ) قَالَ الرَّمْلِيُّ نَقْلًا عَنْ خَطِّ شَيْخِ شَيْخِهِ الْعَلَّامَةِ الْمَقْدِسِيَّ قَوْلُهُ بَعِيدٌ هُوَ الْبَعِيدُ لِأَنَّ صَاحِبَ الْمُجْتَبَى أَعْلَى مَقَامًا مِنْ أَنْ تَخْفَى عَلَيْهِ مَسْأَلَةٌ مَشْهُورَةٌ فِي الْمُتُونِ حَتَّى يَجِيءَ مِثْلُك يُخَطِّئُهُ فِيهَا فَيُحْمَلُ كَلَامُهُ فِي كُلِّ مَقَامٍ عَلَى مَا يَلِيقُ بِهِ فَأَمَّا ضِيقُ الْوَقْتِ فَإِذَا خَرَجَ الْوَقْتُ وَهُوَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ زَالَ ضِيقُ الْوَقْتِ بِخُرُوجِهِ وَلَا يَعُودُ التَّرْتِيبُ وَأَمَّا التَّذَكُّرُ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ فَلَا يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِهِ لِمَا اُشْتُهِرَ بَيْنَ الصِّغَارِ فِي الِاثْنَى عَشْرِيَّةِ فَيُحْمَلُ عَلَى مَا يُمْكِنُ وَهُوَ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ ظُهْرٌ وَعَصْرٌ مَثَلًا فَصَلَّى الْمَغْرِبَ نَاسِيًا لَهُمَا ثُمَّ تَذَكَّرَهُمَا بَعْدَ الْمَغْرِبِ فَلَا يُعِيدُهُمَا وَإِنْ كَانَ مُقْتَضَى الشَّرْطِيَّةِ ذَلِكَ فَبَعْدَ دُخُولِ وَقْتِ الْعِشَاءِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُقَدِّمَ الْعِشَاءَ فَحَمْلُك كَلَامَ الْمُجْتَبَى عَلَى مَا يُوجِبُ الْخَطَأَ هُوَ الْخَطَأُ. اهـ. قُلْت وَلَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّ هَذَا الْجَوَابَ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا فِي نَفْسِهِ لَكِنَّهُ بَعِيدٌ مِنْ الْإِفْهَامِ وَكَثْرَةُ التَّعْنِيفِ لَا تُرَوِّجُهُ عِنْدَ مَنْ لَهُ أَدْنَى إلْمَامٍ وَقَدْ سَلَّمَ فِي النَّهْرِ مَا فَهِمَهُ الْمُحَقِّقُ لَكِنَّهُ قَالَ الْأَوْلَى أَنْ يَحْكُمَ بِضَعْفِهِ وَإِنَّ مَنْ حَكَى الِاتِّفَاقَ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهِ لِشُذُوذِهِ (قَوْلُهُ فَشَمِلَ النَّوْعَيْنِ) أَيْ نَوْعَيْ التَّرْتِيبِ وَهُمَا بَيْنَ الْفَائِتَةِ وَالْوَقْتِيَّةِ وَبَيْنَ الْفَوَائِتِ نَفْسِهَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 95 حُكْمٌ وَالْكَثْرَةُ عِلَّةٌ لَهُ فَإِنَّمَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ إذَا ثَبَتَتْ الْعِلَّةُ فِي حَقِّ مَا بَعْدَهَا فَأَمَّا فِي حَقِّ نَفْسِهَا فَلَا وَهَذَا لِأَنَّ الْعِلَّةَ مَا تَحِلُّ بِالْمَحَلِّ فَيَتَغَيَّرُ لِحُلُولِهِ الْمَحِلُّ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَفْسُ الْعِلَّةِ مَحَلًّا لِلْعِلَّةِ لِلِاسْتِحَالَةِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْحُكْمَ مَعَ الْعِلَّةِ يَقْتَرِنَانِ لِمَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ وَالْكَثْرَةُ صِفَةُ هَذَا الْمَجْمُوعِ وَحُكْمُهَا سُقُوطُ التَّرْتِيبِ فَإِذَا ثَبَتَتْ صِفَةُ الْكَثْرَةِ بِوُجُودِ الْأَخِيرَةِ اسْتَنَدَتْ الصِّفَةُ إلَى أَوَّلِهَا بِحُكْمِهَا فَيَجُوزُ الْكُلُّ كَمَرَضِ الْمَوْتِ لَمَّا ثَبَتَ لَهُ هَذَا الْوَصْفُ اسْتَنَدَ إلَيْهِ بِحُكْمِهِ وَلِهَذَا لَوْ أَعَادَهَا بِلَا تَرْتِيبٍ جَازَتْ عِنْدَهُمَا أَيْضًا وَهَذَا لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الْجَوَازِ قِلَّتُهَا وَقَدْ زَالَتْ فَيَزُولُ الْمَنْعُ وَفِي الْعِنَايَةِ لَا يُقَالُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ آحَادِهَا جُزْؤُهَا مُتَقَدِّمَةٌ عَلَيْهَا فَكَيْفُ يَكُونُ مَعْلُولًا لَهَا لِأَنَّهَا جُزْؤُهَا مِنْ حَيْثُ الْوُجُودُ وَلَا كَلَامَ فِيهِ وَإِنَّمَا الْكَلَامُ مِنْ حَيْثُ الْجَوَازُ وَذَلِكَ مُتَأَخِّرٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا قَبْلَ الْكَثْرَةِ وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَتَوَقَّفَ حُكْمٌ عَلَى أَمْرٍ حَتَّى يَتَبَيَّنَ حَالُهُ كَتَعْجِيلِ الزَّكَاةِ إلَى الْفَقِيرِ يَتَوَقَّفُ كَوْنُهَا فَرْضًا عَلَى تَمَامِ الْحَوْلِ وَالنِّصَابُ نَامٍ فَإِنْ تَمَّ عَلَى نَمَائِهِ كَانَ فَرْضًا وَإِلَّا نَفْلٌ وَكَوْنُ الْمَغْرِبِ فِي طَرِيقِ مُزْدَلِفَةَ فَرْضًا عَلَى عَدَمِ إعَادَتِهَا قَبْلَ الْفَجْرِ فَإِنْ أَعَادَهَا كَانَتْ نَفْلًا وَالظُّهْرُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى عَدَمِ شُهُودِهَا فَإِنْ شَهِدَهَا كَانَتْ نَفْلًا وَصِحَّةُ صَلَاةِ الْمَعْذُورِ إذَا انْقَطَعَ الْعُذْرُ فِيهَا عَلَى عَوْدِهِ فِي الْوَقْتِ الثَّانِي فَإِنْ لَمْ يَعُدْ فَسَدَتْ وَإِلَّا صَحَّتْ وَكَوْنُ الزَّائِدِ عَلَى الْعَادَةِ حَيْضًا عَلَى عَدَمِ مُجَاوِرَةِ الْعَشَرَةِ فَإِنْ جَاوَزَتْ فَاسْتِحَاضَةٌ وَإِلَّا حَيْضٌ وَصِحَّةُ الصَّلَاةِ الَّتِي صَلَّتْهَا صَاحِبَةُ الْعَادَةِ فِيمَا إذَا انْقَطَعَ دَمُهَا دُونَ الْعَادَةِ فَاغْتَسَلَتْ وَصَلَّتْ عَلَى عَدَمِ الْعَوْدِ فَإِنْ عَادَتْ فَفَاسِدَةٌ وَإِلَّا فَصَحِيحَةٌ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْهِدَايَةِ وَشُرُوحِهَا كَالنِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ وَكَذَا فِي الْكَافِي وَالتَّبْيِينِ وَأَكْثَرِ الْكُتُبِ أَنَّ انْقِلَابَ الْكُلِّ جَائِزًا مَوْقُوفٌ عَلَى أَدَاءِ سِتِّ صَلَوَاتٍ وَعِبَارَةُ الْهِدَايَةِ ثُمَّ الْعَصْرُ تَفْسُدُ فَسَادًا مَوْقُوفًا حَتَّى لَوْ صَلَّى سِتَّ صَلَوَاتٍ وَلَمْ يُعِدْ الظُّهْرَ انْقَلَبَ الْكُلُّ جَائِزًا وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ حَتَّى لَوْ صَلَّى خَمْسَ صَلَوَاتٍ وَخَرَجَ وَقْتُ الْخَامِسَةِ مِنْ غَيْرِ قَضَاءِ الْفَائِتَةِ انْقَلَبَ الْكُلُّ جَائِزًا لِأَنَّ الْكَثْرَةَ الْمُسْقِطَةَ بِصَيْرُورَةِ الْفَوَائِتِ سِتًّا فَإِذَا صَلَّى خَمْسًا وَخَرَجَ وَقْتُ الْخَامِسَةِ صَارَتْ الصَّلَوَاتُ سِتًّا بِالْفَائِتَةِ الْمَتْرُوكَةِ أَوَّلًا وَعَلَى مَا صَوَّرَهُ يَقْتَضِي أَنْ تَصِيرَ الصَّلَوَاتِ سَبْعًا وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بَحْثًا ثُمَّ أَطْلَعَنِي اللَّهُ عَلَيْهِ بِفَضْلِهِ مَنْقُولًا فِي الْمُجْتَبَى وَعِبَارَتُهُ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ فَسَادَ الصَّلَاةِ بِتَرْكِ التَّرْتِيبِ مَوْقُوفٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنْ كَثُرَتْ وَصَارَتْ الْفَوَاسِدُ مَعَ الْفَائِتَةِ سِتًّا ظَهَرَ صِحَّتُهَا وَإِلَّا فَلَا اهـ. وَلَقَدْ أَحْسَنَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَجَادَ هُنَا كَمَا هُوَ دَأْبُهُ فِي التَّحْقِيقِ وَنَقَلَ الْغَرَائِبَ وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُ صَاحِبِ الْمَبْسُوطِ إنَّ الْوَاحِدَةَ الْمُصَحِّحَةَ لِلْخَمْسِ هِيَ   [منحة الخالق] [صَلَّى فَرْضًا ذَاكِرًا فَائِتَةً] (قَوْلُهُ وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بَحْثًا) وَعِبَارَتُهُ فَإِنْ قُلْت إنَّمَا ذَكَرَ مَنْ رَأَيْت أَنَّهُ إذَا صَلَّى السَّادِسَةَ مِنْ الْمُؤَدِّيَاتِ وَهِيَ سَابِعَةُ الْمَتْرُوكَةِ صَارَتْ الْخَمْسُ صَحِيحَةً وَلَمْ يَحْكُمُوا بِالصِّحَّةِ عَلَى قَوْلِهِ بِمُجَرَّدِ دُخُولِ وَقْتِهَا وَالْجَوَابُ أَنَّهُ يَجِبُ كَوْنُ هَذَا مِنْهُمْ اتِّفَاقِيًّا لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ يُؤَدِّي السَّادِسَةَ فِي وَقْتِهَا لَا بَعْدَ خُرُوجِهِ فَأُقِيمَ أَدَاؤُهَا مَقَامَ دُخُولِ وَقْتِهَا لِمَا سَنَذْكُرُ. اهـ. وَمَا سَيَذْكُرُهُ هُوَ قَوْلُهُ بَعْدَ نَحْوِ وَرَقَتَيْنِ وَلَا يَخْفَى عَلَى مُتَأَمِّلٍ أَنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ الْمَذْكُورَ يُوجِبُ ثُبُوتَ صِحَّةِ الْمُؤَدِّيَاتِ بِمُجَرَّدِ دُخُولِ وَقْتِ سَادِسَتِهَا الَّتِي هِيَ سَابِعَةُ الْمَتْرُوكَةِ لِأَنَّ الْكَثْرَةَ ثَبَتَتْ حِينَئِذٍ وَهِيَ الْمُسْقِطَةُ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى أَدَائِهَا كَمَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي التَّصْوِيرِ فِي سَائِرِ الْكُتُبِ اهـ. قَالَ فِي النَّهْرِ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ بِخُرُوجِ وَقْتِ خَامِسَتِهَا الَّتِي هِيَ سَادِسَةُ الْمَتْرُوكَةِ لِأَنَّ دُخُولَ وَقْتِ السَّادِسَةِ غَيْرُ شَرْطٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ فَجْرَ يَوْمٍ وَأَدَّى بَاقِيَ صَلَاتِهِ انْقَلَبَتْ صَحِيحَةً بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ (قَوْلُهُ مَنْقُولًا فِي الْمُجْتَبَى) نَقَلَهُ فِي النَّهْرِ عَنْ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ أَيْضًا حَيْثُ قَالَ اعْلَمْ أَنَّ الشَّرْطَ لِتَصْحِيحِ الْخَمْسِ صَيْرُورَةُ الْفَوَائِتِ سِتًّا بِخُرُوجِ وَقْتِ الْخَامِسَةِ الَّتِي هِيَ سَادِسَةُ الْفَوَائِتِ لَا أَدَاءُ السَّادِسَةِ لَا مَحَالَةَ إلَّا أَنَّهُمْ ذَكَرُوا أَدَاءَ السَّادِسَةِ الَّتِي هِيَ سَابِعَةُ الْفَوَائِتِ لِتَصِيرَ الْفَوَائِتُ سِتًّا بِيَقِينٍ لَا أَنَّهُ شَرْطٌ أَلْبَتَّةَ ثُمَّ قَالَ كَانَ يَنْبَغِي أَنَّهُ لَوْ أَدَّى الْخَامِسَةَ ثُمَّ قَضَى الْمَتْرُوكَةَ قَبْلَ خُرُوجِ وَقْتِهَا أَنْ لَا تَفْسُدَ الْمُؤَادَةُ بَلْ تَصِحُّ لِوُقُوعِهَا غَيْرَ جَائِزَةٍ وَبِهَا تَصِيرُ الْفَوَائِتُ سِتًّا وَأَجَابَ بِمَنْعِ كَوْنهَا فَائِتَةً مَا بَقِيَ الْوَقْتُ إذْ احْتِمَالُ الْأَدَاءِ عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ قَائِمٌ اهـ. وَفِي إمْدَادِ الْفَتَّاحِ مَا ذُكِرَ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ إلَّا تَأْكِيدَ خُرُوجِ وَقْتِ الْخَامِسَةِ مِنْ الْمُؤَدِّيَاتِ لَا اشْتِرَاطُ أَدَاءِ السَّادِسَةِ بَلْ وَلَا دُخُولَ وَقْتِهَا لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ خُرُوجِ الْوَقْتِ دُخُولُ غَيْرِهِ ثُمَّ قَالَ ثُمَّ أَطْلَعَنِي اللَّهُ بِمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ عَلَى مُوَافَقَتِهِ وَذَكَرَ عِبَارَتَهُ ثُمَّ نَقَلَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ عَنْ مَجْمَعِ الرِّوَايَاتِ والتتارخانية وَالسِّغْنَاقِيِّ وَقَاضِي خَانْ ثُمَّ قَالَ فَهَذِهِ نُصُوصٌ تُطَابِقُ بَحْثَ الْمُحَقِّقِ الْكَمَالِ بْنِ الْهُمَامِ وَهَذَا الَّذِي قُلْنَاهُ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ صَاحِبِ الْبَحْرِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ إلَخْ إذْ لَيْسَ قَوْلُهُمْ خَطَأً كَمَا عَلِمْته وَكَذَا حُكْمُهُ عَلَى قَوْلِ صَاحِبِ الْمَبْسُوطِ أَنَّ الْمُصَحِّحَةَ لِلْخَمْسِ هِيَ السَّادِسَةُ بِأَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ لَيْسَ كَمَا يَنْبَغِي نَعَمْ لَوْ قَالَ هِيَ مُظْهِرَةٌ فَلَمَّا كَانَتْ مُظْهِرَةً لِلصِّحَّةِ أُضِيفَتْ إلَيْهَا لَكَانَ حَسَنًا كَمَا قَدْ عَلِمْته وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ اهـ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 96 السَّادِسَةُ قَبْلَ قَضَاءِ الْمَتْرُوكَةِ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ الْمُصَحِّحَ لِلْخَمْسِ خُرُوجُ وَقْتِ الْخَامِسَةِ كَمَا عَلِمْت وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ التَّوَقُّفَ فَشَمِلَ مَا إذَا ظَنَّ وُجُوبَ التَّرْتِيبِ أَوْ ظَنَّ عَدَمَهُ وَتَعْلِيلُهُمْ أَيْضًا يُرْشِدُ إلَيْهِ فَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِلْمُصَنِّفِ مَعْزِيًّا إلَى الْمُحِيطِ مِنْ أَنَّ عَدَمَ وُجُوبِ الْإِعَادَةِ عِنْدَهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ مَنْ فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ وُجُوبَ التَّرْتِيبِ وَفَسَادَ صَلَاتِهِ بِدُونِهِ أَمَّا إذَا عَلِمَ فَعَلَيْهِ إعَادَةُ الْكُلِّ اتِّفَاقًا لِأَنَّ الْعَبْدَ مُكَلَّفٌ بِمَا عِنْدَهُ ضَعِيفٌ وَعَلَّلَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّ التَّعْلِيلَ الْمَذْكُورَ يَقْطَعُ بِإِطْلَاقِ الْجَوَابِ ظَنَّ عَدَمَ الْوُجُوبِ أَوَّلًا وَقُيِّدَ بِفَسَادِ الْفَرِيضَةِ لِأَنَّهُ لَا يُبْطِلُ أَصْلَ الصَّلَاةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُبْطِلُ لِأَنَّ التَّحْرِيمَةَ عُقِدَتْ لِلْفَرْضِ فَإِذَا بَطَلَتْ الْفَرْضِيَّةُ بَطَلَتْ التَّحْرِيمَةُ أَصْلًا وَلَهُمَا أَنَّهَا عُقِدَتْ لِأَصْلِ الصَّلَاةِ بِوَصْفِ الْفَرِيضَةِ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ ضَرُورَةِ بُطْلَانِ الْوَصْفِ بُطْلَانُ الْأَصْلِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَفَائِدَتُهُ تَظْهَرُ فِي انْتِقَاضِ الطَّهَارَةِ بِالْقَهْقَهَةِ كَذَا فِي الْغَايَةِ وَأَطْلَقَ فِي التَّذَكُّرِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْعِلْمِ لِمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ رَجُلٌ دَخَلَ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ ثُمَّ شَكَّ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ أَنَّهُ صَلَّاهَا أَمْ لَا فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ تَيَقَّنَ أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ الْفَجْرَ يُصَلِّي الْفَجْرَ ثُمَّ يُعِيدُ الظُّهْرَ لِأَنَّهُ لَمَّا تَحَقَّقَ ظَنَّهُ صَارَ كَأَنَّهُ فِي الِابْتِدَاءِ مُتَيَقِّنٌ كَالْمُسَافِرِ إذَا تَيَمَّمَ وَصَلَّى ثُمَّ رَأَى فِي صَلَاتِهِ سَرَابًا فَمَضَى عَلَى صَلَاتِهِ ثُمَّ ظَهَرَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الصَّلَاةِ أَنَّهُ كَانَ مَاءً يَتَوَضَّأُ وَيُعِيدُ الصَّلَاةَ كَذَا هَاهُنَا اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ رَجُلٌ لَمْ يُصَلِّ الْفَجْرَ وَصَلَّى بَعْدَهَا أَرْبَعَ صَلَوَاتٍ مِنْ يَوْمٍ شَهْرًا قِيلَ لَا تُجْزِئُهُ الصَّلَوَاتُ الْأَرْبَعَةُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَتُجْزِئُهُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي لِسُقُوطِ التَّرْتِيبِ عَنْهُ لِكَثْرَةِ الْفَوَائِتِ وَلَا تُجْزِئُهُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ لِكَثْرَةِ التَّرْتِيبِ وَهَكَذَا يَجْرِي فَمِنْ كُلِّ عَشْرَةِ صَلَوَاتٍ سِتَّةُ صَلَوَاتٍ فَاسِدَةٌ وَأَرْبَعَةٌ مِنْهَا جَائِزَةٌ وَكَذَا لَوْ صَلَّى الْفَجْرَ شَهْرًا وَلَمْ يُصَلِّ سَائِرَ الصَّلَوَاتِ يُجْزِئُهُ خَمْسُ عَشْرَةَ صَلَاةٍ مِنْ الْفَجْرِ لَا يُجْزِئُهُ غَيْرُهَا وَقِيلَ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ الصَّلَوَاتُ الْأَرْبَعَةُ فِي كُلِّ يَوْمٍ إلَّا فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَيُجْزِئُهُ كُلُّ الْفَجْرِ إلَّا الْفَجْرَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي لِأَنَّهُ صَلَّى الْفَجْرَ الثَّانِيَ وَعَلَيْهِ أَرْبَعُ صَلَوَاتٍ فَلَمْ يَجُزْهُ لِقِلَّةِ الْفَوَائِتِ وَبَعْدَ ذَلِكَ كَثُرَتْ الْفَوَائِتُ فَسَقَطَ التَّرْتِيبُ وَالتَّرْتِيبُ مَتَى سَقَطَ لَا يَعُودُ اهـ. وَاقْتَصَرَ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ فِي التَّجْنِيسِ وَقَالَ أَنَّهُ يُؤَيِّدُ قَوْلَ مَنْ لَا يَعْتَبِرُ الْفَوَائِتَ الْقَدِيمَةَ فِي إسْقَاطِ التَّرْتِيبِ وَقَدْ أَجَابَ الْإِمَامُ حُسَامُ الدِّينِ فِي نَظِيرِهِ فِي الْفَصْلِ الَّذِي قَبْلَهُ بِخِلَافِ هَذَا. اهـ. فَالْمُفْتَى بِهِ هُوَ الْقَوْلُ الثَّانِي كَمَا لَا يَخْفَى وَقَوْلُهُ وَلَوْ وِتْرًا بَيَانٌ لِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ عِنْدَهُ الْوِتْرَ فَرْضٌ عَمَلِيٌّ فَوَجَبَ التَّرْتِيبُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَقْتِيَّةِ حَتَّى لَوْ صَلَّى الْفَجْرَ ذَاكِرًا لِلْوِتْرِ فَسَدَ فَجْرُهُ عِنْدَهُ مَوْقُوفًا كَمَا تَقَدَّمَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَفْسُدُ لِأَنَّ الْوِتْرَ سُنَّةٌ وَلَا تَرْتِيبَ بَيْنَ الْفَرَائِضِ وَالسُّنَنِ حَتَّى لَوْ تَذَكَّرَ فَائِتَةً فِي تَطَوُّعِهِ لَمْ يَفْسُدْ لِأَنَّهُ عُرِفَ وَاجِبًا فِي الْفَرْضِ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ فَلَا يَلْحَقُ بِهِ غَيْرُهُ يُضْرَبُ وَيُحْبَسُ حَتَّى يُصَلِّيَهَا وَلَا يُقْتَلُ وَإِذَا جَحَدَ وَاسْتَخَفَّ وُجُوبَهَا يُقْتَلُ وَفِي الْكَافِي وَمَنْ قَضَى الْفَوَائِتَ يَنْوِي أَوَّلَ ظُهْرٍ لِلَّهِ عَلَيْهِ أَوْ آخِرَ ظُهْرٍ لِلَّهِ عَلَيْهِ احْتِيَاطًا وَلَوْ لَمْ يَقُلْ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَقَالَ نَوَيْت الظُّهْرَ الْفَائِتَةَ جَازَ فِي الْخُلَاصَةِ غُلَامٌ احْتَلَمَ بَعْدَمَا صَلَّى الْعِشَاءَ وَلَمْ يَسْتَيْقِظْ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ لَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءُ الْعِشَاءِ وَالْمُخْتَارُ أَنَّ عَلَيْهِ قَضَاءَ الْعِشَاءِ وَإِذَا اسْتَيْقَظَ قَبْلَ الطُّلُوعِ عَلَيْهِ قَضَاءُ الْعِشَاءِ بِالْإِجْمَاعِ وَهِيَ وَاقِعَةُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ سَأَلْتهَا أَبَا حَنِيفَةَ فَأَجَابَهُ بِمَا ذَكَرْنَا فَأَعَادَ الْعِشَاءَ إذَا فَاتَتْ صَلَاةٌ عَنْ وَقْتِهَا يَنْبَغِي أَنْ يَقْضِيَهَا فِي بَيْتِهِ وَلَا يَقْضِيَهَا فِي الْمَسْجِدِ إذَا مَاتَ الرَّجُلُ وَعَلَيْهِ صَلَوَاتٌ فَائِتَةٌ وَأَوْصَى بِأَنْ يُعْطَى كَفَّارَةُ صَلَاتِهِ يُعْطَى   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَتَعْلِيلُهُمْ أَيْضًا يُرْشِدُ إلَيْهِ) أَيْ تَعْلِيلُهُمْ السَّابِقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُرْشِدُ إلَى أَنَّ فَسَادَ هَذَا الْفَرْضِ مَوْقُوفٌ عَلَى قَضَاءِ الْفَائِتَةِ قَبْلَ أَنْ تَصِيرَ الْفَوَائِتُ كَثِيرَةً وَأَنَّهُ لَا تَتَوَقَّفُ الصِّحَّةُ إذَا صَارَتْ كَثِيرَةً عَلَى مَا إذَا كَانَ ظَانًّا عَدَمَ وُجُوبِ التَّرْتِيبِ عِنْدَهُ (قَوْلُهُ وَعَلَّلَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ) أَيْ عَلَّلَ الضَّعْفَ لَكِنْ فِي الْفَتْحِ لَمْ يُصَرِّحْ بِأَنَّهُ ضَعِيفٌ بَلْ يُفْهَمُ مِنْهُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَالَ وَلَا يَخْفَى عَلَى مُتَأَمِّلٍ أَنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ الْمَذْكُورَ يُوجِبُ أَنَّهُ لَا تَتَوَقَّفُ الصِّحَّةُ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ ظَانًّا عَدَمَ وُجُوبِ التَّرْتِيبِ عِنْدَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا ظَنَّهُ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمُحِيطِ عَنْ مَشَايِخِهِمْ فَإِنَّ التَّعْلِيلَ يَقْطَعُ إلَخْ (قَوْلُهُ لَا تُجْزِئُهُ الصَّلَوَاتُ الْأَرْبَعَةُ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْقَوْلَيْنِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَاَلَّتِي بَعْدَهَا مَبْنِيَّانِ عَلَى قَوْلِ الصَّاحِبَيْنِ مِنْ أَنَّ الْفَسَادَ مُحْتَمٍ لَا يَزُولُ بِكَثْرَةِ الْفَوَائِتِ (قَوْلُهُ إذَا مَاتَ الرَّجُلُ وَعَلَيْهِ فَوَائِتُ إلَخْ) قَالَ الْعَارِفُ فِي شَرْحِهِ عَلَى هَدِيَّةِ ابْنِ الْعَامِدِ وَرَأَيْت بِخَطِّ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَعْزِيًّا إلَى أَحْكَامِ الْجَنَائِزِ مَا صُورَتُهُ ثُمَّ طَرِيقُ إسْقَاطِ الصَّلَاةِ الَّذِي يَفْعَلُهُ الْأَئِمَّةُ فِي زَمَانِنَا هُوَ أَنَّ السَّنَةَ إمَّا شَمْسِيَّةٌ وَإِمَّا قَمَرِيَّةٌ فَالسَّنَةُ الشَّمْسِيَّةُ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي صَدْرِ الشَّرِيعَةِ فِي بَابِ الْعِنِّينِ مُدَّةُ وُصُولِ الشَّمْسِ إلَى الْقِبْلَةِ الَّتِي فَارَقَتْهَا فِي ذَلِكَ الْبُرُوجُ وَذَلِكَ فِي ثَلَثِمِائَةٍ وَخَمْسٍ وَسِتِّينَ يَوْمًا وَرُبْعِ يَوْمٍ وَالسَّنَةُ الْقَمَرِيَّةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا قَمَرِيًّا وَمُدَّتُهَا ثَلَثُمِائَةٍ وَأَرْبَعَةٌ وَخَمْسُونَ يَوْمًا وَثُلُثُ يَوْمٍ وَثُلُثُ عُشْرِ يَوْمٍ فَبَقِيَ أَنْ تُحْسَبَ فِدْيَةُ الصَّلَاةِ بِالسَّنَةِ الشَّمْسِيَّةِ أَخْذًا بِالِاحْتِيَاطِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ رُبْعِ الْيَوْمِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 97 لِكُلِّ صَلَاةٍ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ وَلِلْوِتْرِ نِصْفُ صَاعٍ وَلِصَوْمِ يَوْمٍ نِصْفُ صَاعٍ وَإِنَّمَا يُعْطَى مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ مَالًا تَسْتَقْرِضُ وَرَثَتُهُ نِصْفَ صَاعٍ وَيُدْفَعُ إلَى الْمِسْكَيْنِ ثُمَّ يَتَصَدَّقُ الْمِسْكِينُ عَلَى بَعْضِ وَرَثَتِهِ ثُمَّ يَتَصَدَّقُ ثُمَّ وَثُمَّ حَتَّى يَتِمَّ لِكُلِّ صَلَاةٍ مَا ذَكَرْنَا وَلَوْ قَضَاهَا وَرَثَتُهُ بِأَمْرِهِ لَا يَجُوزُ وَفِي الْحَجِّ يَجُوزُ اهـ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ اتَّفَقَ الْمَشَايِخُ عَلَى تَنْفِيذِ هَذِهِ الْوَصِيَّةِ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ وَاخْتَلَفُوا هَلْ يَقُومُ الْإِطْعَامُ مَقَامَ الصَّلَاةِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ يَقُومُ وَقَالَ الْبَلْخِيّ لَا يَقُومُ وَلَا رِوَايَةَ فِي سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ أَنَّهُ يَجِبُ أَوَّلًا وَلَوْ أَعْطَى فَقِيرًا وَاحِدًا جُمْلَةً جَازَ بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَلَوْ أَعْطَى عَنْ خَمْسِ صَلَوَاتٍ تِسْعَةَ أُمَنَاءٍ فَقِيرًا وَمَنًّا فَقِيرًا آخَرَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْكَافُ يَجُوزُ ذَلِكَ كُلُّهُ وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ يَجُوزُ عَنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ دُونِ الْخَامِسَةِ لِأَنَّهُ مُتَفَرِّقٌ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَ كُلَّ مِسْكِينٍ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ صَاعٍ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ فَكَذَلِكَ هَذَا فَالْحَاصِلُ أَنَّ كَفَّارَةَ الصَّلَاةِ تُفَارِقُ كَفَّارَةَ الْيَمِينِ فِي حَقِّ أَنَّهُ لَا يَشْتَرِطُ فِيهَا الْعَدَدَ وَتَوَافُقُهَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَوْ أَدَّى أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ صَاعٍ إلَى فَقِيرٍ وَاحِدٍ لَا يَجُوزُ اهـ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (بَابُ سُجُودِ السَّهْوِ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَا يَكُونُ جَابِرًا النُّقْصَانَ يَقَعُ فِيهِمَا كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ لَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ الصَّلَاةِ نَفْلَهَا وَفَرْضَهَا أَدَاءً وَقَضَاءً شَرَعَ فِيمَا يَكُونُ جَابِرًا لِنُقْصَانٍ يَقَعُ فِيهَا فَإِنَّ سُجُودَ السَّهْوِ فِي مُطْلَقِ الصَّلَاةِ وَلَا يَخْتَصُّ بِالْفَرَائِضِ وَهَذِهِ الْإِضَافَةُ مِنْ بَابِ إضَافَةِ الْحُكْمِ إلَى السَّبَبِ وَهِيَ الْأَصْلُ فِي الْإِضَافَاتِ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ لِلِاخْتِصَاصِ وَأَقْوَى وُجُوهِ الِاخْتِصَاصِ اخْتِصَاصُ الْمُسَبِّبِ بِالسَّبَبِ وَذُكِرَ فِي التَّحْرِيرِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي اللُّغَةِ بَيْنَ النِّسْيَانِ وَالسَّهْوِ وَهُوَ عَدَمُ الِاسْتِحْضَارِ فِي وَقْتِ الْحَاجَةِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ بِأَنَّ النِّسْيَانَ عُزُوبُ الشَّيْءِ عَنْ النَّفْسِ بَعْدَ حُضُورِهِ وَالسَّهْوُ وَقَدْ يَكُونُ عَمَّا يَكُونُ كَانَ الْإِنْسَانُ عَالِمًا بِهِ وَعَمَّا لَا يَكُونُ عَالِمًا بِهِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْجَمِّ الْغَفِيرِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ السُّجُودُ فِي الْعَمْدِ وَإِنَّمَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ إذَا تَرَكَ وَاجِبًا عَمْدًا جَبْرًا لِنُقْصَانِهِ وَذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوِيهِ أَنَّ الْوَاجِبَ إذَا تَرَكَهُ عَمْدًا لَا يَنْجَبِرُ بِسَجْدَتَيْ السَّهْوِ وَلِأَنَّهُمَا عُرِفَتَا جَابِرَتَيْنِ بِالشَّرْعِ وَالشَّرْعُ وَرَدَ حَالَةَ السَّهْوِ وَجَعَلَهُمَا مَثَلًا لِهَذَا الْفَائِتِ لَا فَوْقَهُ لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يُجْبِرُ بِمَا فَوْقَهُ وَالنُّقْصَانُ الْمُتَمَكِّنُ بِتَرْكِ الْوَاجِبِ عَامِدًا فَوْقَ النُّقْصَانِ الْمُتَمَكِّنِ بِتَرْكِهِ سَاهِيًا وَهَذَا الْجَابِرُ إذَا كَانَ مَثَلًا لِلْفَائِتِ سَهْوًا كَانَ أَدْوَنَ مِنْ الْفَائِتِ عَمْدًا وَالشَّيْءُ لَا يُجْبَرُ بِمَا هُوَ دُونَهُ اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمُلَاءَمَةَ بَيْنَ السَّبَبِ وَالْمُسَبَّبِ شَرْطٌ وَالْعَمْدُ جِنَايَةٌ مَحْضَةٌ وَالسَّجْدَةُ عِبَادَةٌ فَلَا تَصْلُحُ سَبَبًا لَهَا وَهَذَا   [منحة الخالق] فِدْيَةَ كُلِّ فَرْضٍ مِنْ الْحِنْطَةِ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا وَلِلْوِتْرِ كَذَلِكَ فَتَكُونُ فِدْيَةُ صَلَاةِ كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ مِنْ الْحِنْطَةِ ثَلَاثَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ وَمِائَةً وَعِشْرِينَ دِرْهَمًا وَفِدْيَةُ كُلِّ سَنَةٍ شَمْسِيَّةٍ مِائَةٌ وَاثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ كَيْلًا بِكَيْلٍ قُسْطَنْطِينِيَّةَ وَسَبْعُ أُوقِيَّةٍ فَحِينَئِذٍ يَجْمَعُ الْوَارِثُ عَشَرَةَ رِجَالٍ لَيْسَ فِيهِمْ غَنِيٌّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة: 60] الْآيَةَ وَلَا عَبْدٌ وَلَا صَبِيٌّ وَلَا مَجْنُونٌ لِأَنَّ هِبَتَهُمْ لَا تَصِحُّ ثُمَّ يُحْسَبُ سِنُّ الْمَيِّتِ فَيُطْرَحُ مِنْهُ اثْنَا عَشَرَ سَنَةً لِمُدَّةِ بُلُوغِهِ إنْ كَانَ الْمَيِّتُ ذَكَرًا وَتِسْعُ سِنِينَ إنْ كَانَتْ أُنْثَى لِأَنَّ أَقَلَّ مُدَّةِ بُلُوغِ الرَّجُلِ اثْنَا عَشْرَ سَنَةً وَمُدَّةُ بُلُوغِ الْمَرْأَةِ تِسْعَ سِنِينَ ثُمَّ يَأْخُذُ الْوَارِثُ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ وُجُوبًا إنْ أَوْصَى وَاسْتِحْبَابًا إنْ لَمْ يُوصِ أَرْبَعَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ وَاثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَيْئًا قِيمَتُهُ ذَلِكَ أَوْ يَأْخُذُ الْأَجْنَبِيُّ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ تَبَرُّعًا مِقْدَارُ مَا ذُكِرَ فَيَدُورُ الْمُسْقِطُ بِنَفْسِهِ وَارِثًا كَانَ أَوْ غَيْرَ وَارِثٍ أَوْ يُوَكِّلُ غَيْرَهُ فَيَقُولُ الْمُسْقِطُ أَوْ وَكِيلُهُ لِوَاحِدٍ مِنْ الْفُقَرَاءِ هَكَذَا فُلَانُ ابْنُ فُلَانٍ وَيَذْكُرُ اسْمَهُ وَاسْمَ أَبِيهِ فَاتَتْهُ صَلَوَاتُ سَنَةٍ هَذِهِ فِدْيَتُهَا مِنْ مَالِهِ نُمَلِّكُك إيَّاهَا وَيَعْلَمُ أَنَّ الْمَالَ الْمَدْفُوعَ إلَيْهِ صَارَ مِلْكًا لَهُ ثُمَّ يَقُولُ الْفَقِيرُ هَكَذَا وَأَنَا قَبِلْتهَا وَتَمَلَّكْتهَا مِنْك فَيَدْفَعُ الْمُعْطِي وَيُسَلِّمُ إلَيْهِ فَيَقْبِضُ الْمُعْطِي فَحِينَئِذٍ تَصِيرُ فِدْيَةَ صَلَاةِ سَنَةٍ كَامِلَةٍ مُؤَدَّاةٍ ثُمَّ يَفْعَلُ مَعَ فَقِيرٍ آخَرَ هَكَذَا إلَى أَنْ تَتِمَّ الْعَشَرَةُ فَحِينَئِذٍ تَصِيرُ فِدْيَةَ عَشْرِ سِنِينَ مُؤَدَّاةٍ فِي دَوْرٍ وَاحِدٍ ثُمَّ يَفْعَلُ هَكَذَا مَرَّةً أُخْرَى ثُمَّ وَثُمَّ إلَى أَنْ تَتِمَّ فِدْيَةُ فَوَائِتِهِ بِحَسَبِ الْحِسَابِ فَإِذَا تَمَّتْ فِدْيَةُ فَوَائِتِهِ مِنْ الصَّلَاةِ يَقُولُ الْمُعْطِي لِفَقِيرٍ وَاحِدٍ مِنْ تِلْكَ الْعَشَرَةِ هَكَذَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ مَلَّكَك سَائِرَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ إنْ كَانَ الْمَيِّتُ ذَكَرًا وَإنْ كَانَ أُنْثَى يَقُولُ فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانٍ مَلَّكْتُك جَمِيعَ مَا وَجَبَ عَلَيْهَا فِي مَالِهَا وَيَفْعَلُ مَعَ كُلِّ فَقِيرٍ كَذَلِكَ فَيَعْتَرِفُونَ كُلُّهُمْ بِالْقَبُولِ ثُمَّ يَهَبُونَهُ الْمَالَ فَيَأْخُذُهُ صَاحِبُهُ وَارِثًا كَانَ أَوْ غَيْرَ وَارِثٍ ثُمَّ يَتَصَدَّقُ عَلَى الْفُقَرَاءِ الْعَشَرَةِ مَا شَاءَ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَلَا يَجِبُ تَقْسِيمَ الْمَالِ الْمَذْكُورِ جَمِيعًا عَلَى الْفُقَرَاءِ وَهَذِهِ حِيلَةٌ شَرْعِيَّةٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. اهـ. (قَوْلُهُ تِسْعَةَ أَمْنَاءٍ) جَمْعُ مَنٍّ وَهُوَ رِطْلَانِ وَالصَّاعُ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ فَالْمَنُّ رُبْعُ الصَّاعِ. [بَابُ سُجُودِ السَّهْوِ] [سُجُودَ السَّهْوِ فِي مُطْلَقِ الصَّلَاةِ وَلَا يَخْتَصُّ بِالْفَرَائِضِ] (بَابُ سُجُودِ السَّهْوِ) (قَوْلُهُ وَلَا يَخْتَصُّ بِالْفَرَائِضِ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَقُولُ: قَدْ مَرَّ عَنْ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 98 بِإِطْلَاقِهِ يُفِيدُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ وَاجِبٍ وَوَاجِبٍ فَمَا فِي الْمُجْتَبَى مِنْ أَنَّهُ لَا سُجُودَ فِي تَرْكِهِ عَمْدًا إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ ذَكَرَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ الْبَدِيعِيُّ إذَا تَرَكَ الْقَعْدَةَ الْأُولَى عَمْدًا أَوْ شَكَّ فِي بَعْضِ أَفْعَالِ صَلَاتِهِ فَتَفَكَّرَ عَمْدًا حَتَّى شَغَلَهُ ذَلِكَ عَنْ رُكْنٍ قُلْت لَهُ كَيْفَ يَجِبُ سُجُودُ السَّهْوِ بِالْعَمْدِ قَالَ ذَلِكَ سُجُودُ الْعُذْرِ لَا سُجُودُ السَّهْوِ اهـ. وَمَا فِي الْيَنَابِيعِ عَنْ النَّاطِفِيِّ لَا يَجِبُ سُجُودُ السَّهْوِ فِي الْعَمْدِ إلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ الْأَوَّلُ تَأْخِيرُ إحْدَى سَجْدَتَيْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى إلَى آخِرِ الصَّلَاةِ وَالثَّانِي تَرْكُ الْقَعْدَةِ الْأُولَى اهـ. فَتَحْصُلُ أَنَّهَا ثَلَاثَةُ مَوَاضِعَ مُشْكِلٌ وَلَعَلَّهُمْ نَظَرُوا إلَى أَنَّ هَذِهِ الْوَاجِبَاتِ الثَّلَاثَةِ أَدْنَى الْوَاجِبَاتِ فَصَلَحَ أَنْ يَجْبُرَهَا سُجُودُ السَّهْوِ حَالَةَ الْعَمْدِ أَمَّا الْقَعْدَةُ الْأُولَى فَلِلِاخْتِلَافِ فِي وُجُوبِهَا بَلْ قَدْ أَطْلَقَ أَكْثَرُ مَشَايِخِنَا عَلَيْهَا اسْمَ السُّنَّةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَكَذَا الثَّانِي وَالثَّالِثُ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا دَلِيلٌ صَرِيحٌ فِي الْوُجُوبِ (قَوْلُهُ يَجِبُ بَعْدَ السَّلَامِ سَجْدَتَانِ بِتَشَهُّدٍ وَتَسْلِيمٍ بِتَرْكِ وَاجِبٍ وَإِنْ تَكَرَّرَ) بَيَانٌ لِأَحْكَامِ الْأَوَّلِ وُجُوبُ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ لِأَنَّهُ شُرِعَ لِرَفْعِ نَقْصٍ تَمَكَّنَ فِي الصَّلَاةِ وَرَفْعُ ذَلِكَ وَاجِبٌ وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّهُ سُنَّةٌ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَصَحَّحَ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا الْوُجُوبُ لِأَنَّهَا تَجِبُ لِجَبْرِ نُقْصَانٍ تَمَكَّنَ فِي الْعِبَادَةِ فَتَكُونُ وَاجِبَةً كَالدِّمَاءِ فِي الْحَجِّ وَيَشْهَدُ لَهُ مِنْ السُّنَّةِ مَا وَرَدَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ مِنْ الْأَمْرِ بِالسُّجُودِ وَالْأَصْلُ فِي الْأَمْرِ أَنْ يَكُونَ لِلْوُجُوبِ وَمُوَاظَبَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ عَلَى ذَلِكَ وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ إنَّمَا جُبِرَ النُّقْصَانُ فِي بَابِ الْحَجِّ بِالدَّمِ وَفِي بَابِ الصَّلَاةِ بِالسُّجُودِ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الْجَبْرَ مِنْ جِنْسِ الْكَسْرِ وَلِلْمَالِ مَدْخَلٌ فِي بَابِ الْحَجِّ فَيُجْبَرُ نُقْصَانُهُ بِالدَّمِ وَلَا مَدْخَلَ لِلْمَالِ فِي بَابِ الصَّلَاةِ فَيُجْبَرُ النُّقْصَانُ بِالسَّجْدَةِ. اهـ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَسْجُدْ فَإِنَّهُ يَأْثَمُ بِتَرْكِ الْوَاجِبِ وَلِتَرْكِ سُجُودِ السَّهْوِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْوُجُوبَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ الْوَقْتُ صَالِحًا حَتَّى أَنَّ مَنْ عَلَيْهِ السَّهْوُ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ إذَا لَمْ يَسْجُدْ حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ بَعْدَ السَّلَامِ الْأَوَّلِ سَقَطَ عَنْهُ السُّجُودُ وَكَذَا إذَا سَهَا فِي قَضَاءِ الْفَائِتَةِ فَلَمْ يَسْجُدْ حَتَّى احْمَرَّتْ وَكَذَا فِي الْجُمُعَةِ إذَا خَرَجَ وَقْتُهَا وَكُلُّ مَا يَمْنَعُ الْبِنَاءَ إذَا وُجِدَ بَعْدَ السَّلَامِ يَسْقُطُ السَّهْوُ. الثَّانِي مَحَلُّهُ الْمَسْنُونُ بَعْدَ السَّلَامِ سَوَاءٌ كَانَ السَّهْوُ بِإِدْخَالِ زِيَادَةٍ فِي الصَّلَاةِ أَوْ نُقْصَانٍ مِنْهَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ قَبْلَهُ فِيهِمَا وَعِنْدَ مَالِكٍ قَبْلَهُ فِي النُّقْصَانِ وَبَعْدَهُ فِي الزِّيَادَةِ وَأَلْزَمَهُ أَبُو يُوسُفَ فِيمَا إذَا كَانَ عَنْهُمَا فَتَحَيَّرَ وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ سَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ وَصَحَّ أَنَّهُ سَجَدَ بَعْدَهُ فَتَعَارَضَتْ رِوَايَتَا فِعْلِهِ فَرَجَعْنَا إلَى قَوْلِهِ   [منحة الخالق] أَنَّ الْأَدَاءَ يُقَالُ عَلَى النَّفْلِ أَيْضًا وَقَدْ أَفْصَحَ عَنْ ذَلِكَ فِي الدِّرَايَةِ فَقَالَ لَمَّا ذَكَرَ الْفَرَائِضَ أَتْبَعَهَا النَّوَافِلَ لِأَنَّهَا مِنْ الْأَدَاءِ (قَوْلُهُ فَتَحْصُلُ أَنَّهَا ثَلَاثَةُ مَوَاضِعُ) زَادَ فِي النَّهْرِ عَنْ أَلْغَازِ ابْنِ الشِّحْنَةِ رَابِعَةً وَهِيَ مَا إذَا صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى قَالَ الرَّمْلِيُّ وَذَكَرَ فِي الْجَوَاهِرِ عَنْ الزَّاهِدِيِّ فِي كِتَابِهِ بُغْيَةِ الْمُنْيَةِ وَكَذَا لَوْ تَرَكَ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ فَتَكُونُ خَمْسًا (قَوْلُهُ مُشْكِلٌ) خَبَرُ مَا فِي قَوْلِهِ فَمَا فِي الْمُجْتَبَى إلَخْ (قَوْلُهُ وَلَعَلَّهُمْ نَظَرُوا إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ فِيهِ مَا لَا يَخْفَى اهـ. أَيْ لِأَنَّ هَذَا الْجَوَابَ لَا يَدْفَعُ أَصْلَ الْإِشْكَالِ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ نَظَرُهُمْ إلَى ذَلِكَ لَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ فِيمَا لَوْ تَرَكَ قِرَاءَةَ التَّشَهُّدِ فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى وَفِيمَا لَوْ تَرَكَ الطُّمَأْنِينَةَ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَإِنَّ الْأَوَّلَ سُنَّةٌ عِنْدَ الْأُسْرُوشَنِيِّ وَكَذَا الثَّانِي عِنْدَ الْجُرْجَانِيِّ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ فِي بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ هَذَا وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ قَوْلُهُ إذْ فِي الْعَمْدِ يَأْثَمُ وَلَا يَجِبُ سَجْدَةٌ أَقُولُ: أَشَارَ بِهِ إلَى ضَعْفِ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَجِبُ السَّهْوُ بِتَرْكِ بَعْضِ الْوَاجِبَاتِ عَمْدًا كَمَا نَقَلَهُ الْمَقْدِسِيَّ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ اهـ. وَرَأَيْت فِي فَتَاوَى الْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ مَا صُورَتُهُ وَأَمَّا قَوْلُ النَّاطِفِيِّ فِي الْعَمْدِ وَقَوْلُ الْبَدِيعِ أَنَّ هَذَا سُجُودُ الْعُذْرِ فَمِمَّا لَمْ نَعْلَمْ لَهُ أَصْلًا فِي الرِّوَايَةِ وَلَا وَجْهًا فِي الدِّرَايَةِ وَيُخَالِفُهُ قَوْلُهُ فِي الْمُحِيطِ وَلَا يَجِبُ بِتَرْكِهِ أَوْ بِتَغْيِيرِهِ عَمْدًا لِأَنَّ السَّجْدَةَ شُرِعَتْ جَابِرَةً نَظَرًا لِلْمَعْذُورِ لَا لِلْمُتَعَمِّدِ وَلَمَّا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ مِنْ أَنَّ سَبَبَ وُجُوبِهِ تَرْكُ الْوَاجِبِ الْأَصْلِيِّ أَوْ تَغْيِيرُهُ سَاهِيًا وَهَذَا هُوَ الَّذِي يُعْتَمَدُ لِلْفَتْوَى وَالْعَمَلِ اهـ. (قَوْلُهُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ فِيهِ نَظَرٌ بَلْ إنَّمَا يَأْثَمُ لِتَرْكِ الْجَابِرِ فَقَطْ إذْ لَا إثْمَ عَلَى السَّاهِي نَعَمْ هُوَ فِي صُورَةِ الْعَمْدِ ظَاهِرٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يَرْتَفِعَ هَذَا الْإِثْمُ بِإِعَادَتِهَا (قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا سَهَا فِي قَضَاءِ الْفَائِتَةِ إلَخْ) أَيْ فِي قَضَائِهَا فِي وَقْتِ الْعَصْرِ وَتَقْيِيدُهُ بِالْفَائِتَةِ مُخْرِجٌ لِمَا إذَا كَانَ يُصَلِّي الْعَصْرَ الْوَقْتِيَّةَ فَلَمْ يَسْجُدْ حَتَّى احْمَرَّتْ فَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ يَسْجُدُ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْقُنْيَةِ مت بِرَمْزِ مَجْدِ الْأَئِمَّةِ التُّرْكُمَانِيِّ صَلَّى الْعَصْرَ وَعَلَيْهِ سَهْوٌ فَاصْفَرَّتْ الشَّمْسُ لَا يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ اهـ. لَكِنَّ هَذَا مُشْكِلٌ فَالظَّاهِرُ حَمْلُ الْعَصْرِ فِي كَلَامِ الْقُنْيَةِ عَلَى الْقَضَاءِ كَمَا هُنَا لِأَنَّ وَقْتَ الِاحْمِرَارِ لَيْسَ وَقْتًا لَهُ بِخِلَافِ الْوَقْتِيَّةِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ إنْشَاؤُهَا فِيهِ فَإِيقَاعُ السُّجُودِ فِيهِ يَصِحُّ بِالْأَوْلَى تَأَمَّلْ. [مَحَلُّ سُجُود السَّهْو] (قَوْلُهُ فَتَعَارَضَتْ رِوَايَتَا فِعْلِهِ إلَخْ) أَقُولُ: دَعْوَى التَّعَارُضِ إنَّمَا تَظْهَرُ عَلَى رِوَايَةٍ غَيْرِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مِنْ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ قَبْلَ السَّلَامِ كَمَا يَأْتِي وَإِلَّا فَعَلَى الرِّوَايَةِ الظَّاهِرَةِ لَا تَعَارُضَ إذْ يُحْمَلُ أَحَدُ الْفِعْلَيْنِ عَلَى بَيَانِ الْجَوَازِ ثُمَّ يُرَجِّحُ أَحَدُهُمَا بِالرِّوَايَةِ الْقَوْلِيَّةِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي ثُمَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 99 الْمَرْوِيُّ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «لِكُلِّ سَهْوٍ سَجْدَتَانِ بَعْدَ السَّلَامِ» . وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فِي بَابِ التَّوَجُّهِ نَحْوَ الْقِبْلَةِ حَيْثُ كَانَ فِي حَدِيثٍ قَالَ فِيهِ «إذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ فَلْيُتِمَّ عَلَيْهِ ثُمَّ لِيُسَلِّمْ ثُمَّ لِيُسْجِدَ سَجْدَتَيْنِ» فَهَذَا تَشْرِيعٌ عَامٌّ قَوْلِيٌّ بَعْدَ السَّلَامِ عَنْ سَهْوِ الشَّكِّ وَالتَّحَرِّي وَلَا قَائِلَ بِالْفَصْلِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ تَحَقُّقِ الزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ وَهَذَا الْخِلَافُ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ حَتَّى لَوْ سَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ لَا يُعِيدُهُ لِأَنَّهُ لَوْ أَعَادَ يَتَكَرَّرُ وَإِنَّهُ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ وَذَلِكَ كَانَ مُجْتَهِدًا فِيهِ وَرُوِيَ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ وَيُعِيدُهُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّ الْجَوَازَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَفِي التَّجْنِيسِ لَوْ كَانَ الْإِمَامُ يَرَى سَجْدَتَيْ السَّهْوِ قَبْلَ السَّلَامِ وَالْمَأْمُومُ بَعْدَ السَّلَامِ قَالَ بَعْضُهُمْ يُتَابِعُ الْإِمَامُ لِأَنَّ حُرْمَةَ الصَّلَاةِ بَاقِيَةٌ فَيَتْرُكُ رَأْيَهُ بِرَأْيِ الْإِمَامِ تَحْقِيقًا لِلْمُتَابَعَةِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يُتَابَعُ وَلَوْ تَابَعَهُ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ اهـ. وَكَانَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ مَبْنِيٌّ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَالثَّانِي عَلَى غَيْرِهَا كَمَا لَا يَخْفَى وَذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي الْخِزَانَةِ أَنَّهُ قَبْلَ السَّلَامِ مَكْرُوهٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ وَعَلَّلَ فِي الْهِدَايَةِ لِكَوْنِهِ بَعْدَ السَّلَامِ أَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ مِمَّا لَا يَتَكَرَّرُ فَيُؤَخَّرُ عَنْ السَّلَامِ حَتَّى لَوْ سَهَا عَنْ السَّلَامِ يَنْجَبِرُ بِهِ وَصُوَرٌ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ السَّهْوُ عَنْ السَّلَامِ بِأَنْ قَامَ إلَى الْخَامِسَةِ مَثَلًا سَاهِيًا يَلْزَمُهُ سُجُودُ السَّهْوِ لِتَأَخُّرِ السَّلَامِ وَصُورَةُ الْإِسْبِيجَابِيِّ وَصَاحِبِ التَّجْنِيسِ بِمَا إذَا بَقِيَ قَاعِدًا عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ سَلَّمَ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ فَإِنَّهُ يُسَلِّمُ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَلِكَوْنِ سُجُودِ السَّهْوِ لَا يَتَكَرَّرُ لَوْ شَكَّ فِي سُجُودِ السَّهْوِ فَإِنَّهُ يَتَحَرَّى وَلَا يَسْجُدُ لِهَذَا السَّهْوِ وَحُكِيَ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ قَالَ لِلْكِسَائِيِّ ابْنِ خَالَتِهِ فَلِمَ لَا تَشْتَغِلُ بِالْفِقْهِ فَقَالَ مَنْ أَحْكَمَ عِلْمًا فَذَلِكَ يَهْدِيهِ إلَى سَائِرِ الْعُلُومِ فَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَا أُلْقِي عَلَيْك شَيْئًا مِنْ مَسَائِلِ الْفِقْهِ فَتُخْرِجَ جَوَابَهُ مِنْ النَّحْوِ فَقَالَ هَاتِ قَالَ فَمَا تَقُولُ فِيمَنْ سَهَا فِي سُجُودِ السَّهْوِ فَتَفَكَّرَ سَاعَةً فَقَالَ لَا سُجُودَ عَلَيْهِ فَقَالَ مِنْ أَيِّ بَابٍ مِنْ النَّحْوِ خَرَّجْتَ هَذَا الْجَوَابَ فَقَالَ مِنْ بَابِ أَنَّ الْمُصَغَّرَ لَا يُصَغَّرُ فَتَحَيَّرَ مِنْ فِطْنَتِهِ وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي السَّلَامِ فَانْصَرَفَ إلَى الْمَعْهُودِ فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ تَسْلِيمَتَانِ كَمَا هُوَ فِي الْحَدِيثِ وَصَحَّحَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالْهِدَايَةِ وَذَكَرَ فِي التَّجْنِيسِ أَنَّهُ الْمُخْتَارُ وَعَلَّلَ عَلَى الْبَزْدَوِيِّ فَقَالَ لَمْ يُجَنَّ مَلِكُ الشِّمَالِ حَتَّى تَتْرُكَ السَّلَامَ عَلَيْهِ وَعَزَاهُ فِي الْبَدَائِعِ إلَى عَامَّتِهِمْ وَاخْتَارَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ يَسْجُدُ بَعْدَ التَّسْلِيمَةِ الْأُولَى وَيَكُونُ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ لَا يَنْحَرِفُ وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ الْأَصْوَبُ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لِلتَّحْلِيلِ وَالثَّانِي لِلتَّحِيَّةِ وَهَذَا السَّلَامُ لِلتَّحْلِيلِ لَا لِلتَّحِيَّةِ فَكَانَ ضَمُّ الثَّانِي إلَى الْأَوَّلِ عَبَثًا وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي وَقَالَ إنَّ عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي الْأَصْلِ وَهُوَ الصَّوَابُ فَقَدْ تَعَارَضَ النَّقْلُ عَنْ الْجُمْهُورِ وَهُنَاكَ قَوْلَانِ آخَرَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ فَقَطْ وَصَحَّحَهُ فِي الْمُجْتَبَى ثَانِيهِمَا لَوْ سَلَّمَ التَّسْلِيمَتَيْنِ سَقَطَ عَنْهُ سُجُودُ السَّهْوِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْكَلَامِ حَكَاهُ الشَّارِحُ عَنْ خُوَاهَرْ زَادَهْ فَقَدْ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ فِيهَا وَاَلَّذِي يَنْبَغِي الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ تَصْحِيحُ الْمُجْتَبَى أَنَّهُ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ فَقَطْ لِأَنَّ السَّلَامَ عَنْ الْيَمِينِ مَعْهُودٌ وَبِهِ يَحْصُلُ التَّحْلِيلُ فَلَا حَاجَةَ إلَى غَيْرِهِ. الثَّالِثُ فِيمَا يَفْعَلُهُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ فَذَكَرَ أَنَّهُ التَّشَهُّدُ وَالسَّلَامُ وَالظَّاهِرُ وُجُوبُهُمَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُجْتَبَى وَلِمَا فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ أَنَّ كُلَّ قَعْدَةٍ فِي الصَّلَاةِ غَيْرِ الْأَخِيرَةِ فَهِيَ وَاجِبَةٌ وَلَمْ يَذْكُرْ تَكْبِيرَ السُّجُودِ وَتَسْبِيحَهُ ثَلَاثًا لِلْعِلْمِ بِهِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُسِنُّونَ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ وَأَشَارَ بِالتَّشَهُّدِ وَالسَّلَامِ إلَى أَنَّ التَّشَهُّدَ وَالسَّلَامَ فِي   [منحة الخالق] رَأَيْت الْمُحَقِّقَ ابْنَ الْهُمَامِ صَرَّحَ بِهِ فِي الْفَتْحِ فَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ (قَوْلُهُ وَهَذَا الْخِلَافُ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ) عَلَى هَذَا فَقَوْلُ الْمَتْنِ بَعْدَ السَّلَامِ لَيْسَ مُتَعَلِّقًا بِيَجِبُ كَمَا فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ وَلِكَوْنِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ الْآتِي يَتَحَرَّى فَهُوَ عِلَّةٌ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْمَعْلُولِ (قَوْلُهُ وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ) أَيْ فِي قَوْلِهِ يَجِبُ بَعْدَ السَّلَامِ وَالْمُرَادُ هُنَا بَيَانُ تَحْقِيقِ الْمُرَادِ بِالسَّلَامِ وَكَيْفِيَّتُهُ بَعْدَ بَيَانِ أَنَّ مَحِلَّهُ بَعْدَ السَّلَامِ لَا قَبْلَهُ فَقَطْ أَوْ قَبْلَهُ تَارَةً وَبَعْدَهُ أُخْرَى (قَوْلُهُ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ فَقَطْ) ظَاهِرُهُ بَلْ صَرِيحُهُ أَنَّهُ قَوْلٌ ثَالِثٌ خَارِجٌ عَنْ الْقَوْلَيْنِ السَّابِقَيْنِ وَأَنَّ الْقَوْلَ الثَّانِيَ مِنْهُمَا كَوْنُ التَّسْلِيمَةِ الْوَاحِدَةِ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ وَهَذَا الْقَوْلُ يُخَالِفُهُ بِكَوْنِ التَّسْلِيمَةِ عَنْ يَمِينِهِ وَفِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ مَا يُخَالِفُهُ فَإِنَّهُ قَالَ ثُمَّ قِيلَ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ مِنْهُمْ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ وَقَالَ فِي الْكَافِي إنَّهُ الصَّوَابُ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي الْأَصْلِ اهـ. إلَّا أَنَّ مُخْتَارَ فَخْرِ الْإِسْلَامِ كَوْنُهَا تِلْقَاءَ وَجْهِهِ مِنْ غَيْرِ انْحِرَافٍ إلَخْ اهـ. فَأَفَادَ أَنَّ الْقَائِلِينَ بِأَنَّهَا تَسْلِيمَةٌ وَاحِدَةٌ قَائِلُونَ بِأَنَّهَا عَنْ الْيَمِينِ إلَّا فَخْرُ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ يَقُولُ بِأَنَّهَا تِلْقَاءُ وَجْهِهِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ لِابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ وَكَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْعِنَايَةِ وَالْمِعْرَاجِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا صَحَّحَهُ فِي الْمُجْتَبَى هُوَ بِعَيْنِهِ مَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَأَنَّهُ الْأَصْوَبُ وَالصَّوَابُ وَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا أَوْرَدَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى مَا اعْتَمَدَهُ الْمُؤَلِّفُ مِنْ أَنَّ تَصْحِيحَ الْمُجْتَبَى لَا يُقَاوِمُ تَصْحِيحَ أُولَئِكَ الْجَمَاعَةِ (قَوْلُهُ ثَانِيهِمَا إلَخْ) اسْتَظْهَرَ فِي النَّهْرِ أَنَّ هَذَا لَيْسَ قَوْلًا آخَرَ بَلْ هُوَ مُفَرَّعٌ عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّسْلِيمَةِ الْوَاحِدَةِ قُلْت وَكَلَامُ ابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ كَالصَّرِيحِ فِي ذَلِكَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 100 الْقُعُودِ الْأَخِيرِ قَدْ ارْتَفَعَا بِالسُّجُودِ وَإِنَّمَا لَمْ يَرْفَعْ السُّجُودُ الْقُعُودَ لِأَنَّهُ أَقْوَى مِنْ السُّجُودِ لِفَرْضِيَّتِهِ وَلِذَا قَالَ فِي التَّجْنِيسِ لَوْ سَجَدَهُمَا وَلَمْ يَقْعُدْ لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ لِأَنَّ الْقُعُودَ لَيْسَ بِرُكْنٍ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ فِي السَّجْدَةِ الصُّلْبِيَّةِ لَوْ تَذَكَّرَهَا بَعْدَ قُعُودِهِ فَسَجَدَهَا فَإِنَّ الْقُعُودَ قَدْ ارْتُفِضَ فَيَقْعُدُ لِلْفَرْضِ لِأَنَّ السَّجْدَةَ الصُّلْبِيَّةَ أَقْوَى مِنْ الْقَعْدَةِ وَفِيمَا إذَا تَذَكَّرَ سَجْدَةَ تِلَاوَةٍ فَسَجَدَهَا رِوَايَتَانِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهَا كَالصُّلْبِيَّةِ لِأَنَّهَا أَثَرُ الْقِرَاءَةِ وَهِيَ رُكْنٌ فَأَخَذَتْ حُكْمَهَا وَعَلَيْهِ تَفْرِيعُ مَا فِي عُمْدَةِ الْفَتَاوَى إذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ وَتَفَرَّقَ الْقَوْمُ ثُمَّ تَذَكَّرَ فِي مَكَانِهِ أَنَّ عَلَيْهِ سَجْدَةَ التِّلَاوَةِ وَيَسْجُدُ وَيَقْعُدُ قَدْرَ التَّشَهُّدِ فَإِنْ لَمْ يَقْعُدْ فَسَدَتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ وَصَلَاةُ الْقَوْمِ تَامَّةٌ لِأَنَّ ارْتِفَاضَ الْقَعْدَةِ فِي حَقِّ الْإِمَامِ ثَبَتَ بَعْدَ انْقِطَاعِ الْمُتَابَعَةِ اهـ. وَلَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ الصَّلَاةِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْقَعْدَتَيْنِ وَالْأَدْعِيَةِ لِلِاخْتِلَافِ فَصَحَّحَ فِي الْبَدَائِعِ وَالْهِدَايَةِ أَنَّهُ يَأْتِي بِالصَّلَاةِ وَالدُّعَاءِ فِي قَعْدَةِ السَّهْوِ لِأَنَّ الدُّعَاءَ مَوْضِعُهُ آخِرُ الصَّلَاةِ وَنِسْبَةُ الْأَوَّلِ إلَى عَامَّةِ الْمَشَايِخِ بِمَا وَرَاءَ النَّهْرِ وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ اخْتِيَارُ عَامَّةِ أَهْلِ النَّظَرِ مِنْ مَشَايِخِنَا وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَنَا وَاخْتَارَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ يَأْتِي بِهِمَا فِيهِمَا وَذَكَرَ قَاضِي خَانْ وَظَهِيرُ الدِّينِ أَنَّهُ الْأَحْوَطُ وَجَزَمَ بِهِ فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي فِي الصَّلَاةِ وَنَقَلَ الِاخْتِلَافَ فِي الدُّعَاءِ وَقِيلَ أَنَّهُ يَأْتِي بِهِمَا فِي الْأَوَّلِ فَقَطْ وَصَحَّحَهُ الشَّارِحُ مَعْزِيًّا إلَى الْمُفِيدِ لِأَنَّهَا لِلْخَتْمِ. الرَّابِعُ سَبَبُهُ تَرْكُ وَاجِبٍ مِنْ وَاجِبَاتٍ الصَّلَاةِ الْأَصْلِيَّةِ سَهْوًا وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ بِتَرْكِ وَاجِبٍ لَا كُلِّ وَاجِبٍ بِدَلِيلِ مَا سَنَذْكُرُهُ مِنْ أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ تَرْتِيبَ السُّوَرِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مَعَ كَوْنِهِ وَاجِبًا وَهُوَ أَجْمَعُ مَا قِيلَ فِيهِ وَصَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَأَكْثَرُ الْكُتُبِ وَمَا فِي الْقُدُورِيِّ مِنْ قَوْلِهِ أَوْ تَرَكَ فِعْلًا مَسْنُونًا أَرَادَ بِهِ فِعْلًا وَاجِبًا ثَبَتَ وُجُوبُهُ بِالسُّنَّةِ وَقَدْ عَدَّهَا الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ اثْنَيْ عَشَرَ وَاجِبًا الْأَوَّلُ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ فَإِنْ تَرَكَهَا فِي إحْدَى الْأُولَيَيْنِ أَوْ أَكْثَرِهَا وَجَبَ عَلَيْهِ السُّجُودُ وَإِنْ تَرَكَ أَقَلَّهَا لَا يَجِبُ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَسَوَاءٌ كَانَ إمَامًا أَوْ مُنْفَرِدًا كَذَا فِي التَّجْنِيسِ وَفِي الْمُجْتَبَى إذَا تَرَكَ مِنْ الْفَاتِحَةِ آيَةً وَجَبَ عَلَيْهِ السُّجُودُ وَإِنْ تَرَكَهَا فِي الْآخِرَيْنِ لَا يَجِبُ إنْ كَانَ فِي الْفَرْضِ وَإِنْ كَانَ فِي النَّفْلِ أَوْ الْوِتْرِ وَجَبَ عَلَيْهِ لِوُجُوبِهَا فِي الْكُلِّ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَوْ تَرَكَهَا فِي الْأُولَيَيْنِ لَا يَقْضِيهَا فِي الْآخِرَيْنِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بِخِلَافِ السُّورَةِ وَبَيَّنَّا الْفَرْقَ. الثَّانِي ضَمُّ سُورَةٍ إلَى الْفَاتِحَةِ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا ثَلَاثُ آيَاتٍ قِصَارٍ أَوْ آيَةٌ طَوِيلَةٌ فَلَوْ لَمْ يَقْرَأْ شَيْئًا مَعَ الْفَاتِحَةِ أَوْ قَرَأَ آيَةً قَصِيرَةً لَزِمَهُ السُّجُودُ كَذَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ ضَمَّ إلَى الْفَاتِحَةِ آيَتَيْنِ قَصِيرَتَيْنِ وَتَرَكَ آيَةً فَإِنَّهُ لَا سَهْوَ عَلَيْهِ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ كَمَا قَالُوا فِي الْفَاتِحَةِ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ وُجُوبَ الْفَاتِحَةِ آكَدُ لِلِاخْتِلَافِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي رُكْنِيَّتِهَا لَكِنَّ فِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ وَآيَتَيْنِ فَخَرَّ رَاكِعًا سَاهِيًا ثُمَّ تَذَكَّرَ فَعَادَ وَأَتَمَّ ثَلَاثَ آيَاتٍ فَعَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ وَفِي الْمُحِيطِ وَلَوْ تَرَكَ السُّورَةَ فَذَكَرَهَا قَبْلَ السُّجُودِ عَادَ وَقَرَأَهَا وَكَذَا لَوْ تَرَكَ الْفَاتِحَةَ فَذَكَرَهَا قَبْلَ السُّجُودِ قَرَأَهَا وَيُعِيدُ السُّورَةَ لِأَنَّهَا تَقَعُ فَرْضًا بِالْقِرَاءَةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ تَذَكَّرَ الْقُنُوتَ فِي الرُّكُوعِ فَإِنَّهُ لَا يُعِيدُ وَمَتَى عَادَ فِي الْكُلِّ فَإِنَّهُ يُعِيدُ رُكُوعَهُ لِارْتِفَاضِهِ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ فِيمَا إذَا عَادَ أَوْ لَمْ يَعُدْ إلَى الْقِرَاءَةِ وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي ذِكْرِ الْوَاجِبَاتِ أَنَّهُ يَجِبُ تَقْدِيمُ الْفَاتِحَةِ عَلَى السُّورَةِ وَأَنَّهُ يَجِبُ أَنْ لَا يُؤَخِّرَ السُّورَةَ عَنْ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فَكَذَا لَوْ بَدَأَ بِالسُّورَةِ ثُمَّ تَذَكَّرَ يَبْدَأُ بِالْفَاتِحَةِ ثُمَّ يَقْرَأُ السُّورَةَ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَإِنْ قَرَأَ مِنْ السُّورَةِ حَرْفًا كَذَا فِي الْمُجْتَبَى وَقَيَّدَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنْ يَكُونَ مِقْدَارُ مَا يَتَأَدَّى بِهِ رُكْنٌ عَنْ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ وَلَوْ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ مَرَّتَيْنِ يَجِبُ عَلَيْهِ السُّجُودُ لِتَأْخِيرِ السُّورَةِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ لَيْسَ بِرُكْنٍ) أَيْ بَلْ هُوَ وَاجِبٌ كَمَا فِي النَّهْرِ عَنْ الْفَتْحِ وَفِيهِ نَظَرٌ وَلِذَا قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ لَيْسَ بِرُكْنٍ أَصْلِيٍّ بِخِلَافِ السَّجْدَةِ الصُّلْبِيَّةِ لِأَنَّهَا رُكْنٌ أَصْلِيٌّ وَهُوَ أَقْوَى مِنْ غَيْرِهِ لِأَصْلِيَّتِهِ تَأَمَّلْ. اهـ. وَقَدْ مَرَّ فِي وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ أَنَّ الْقُعُودَ الْأَخِيرَ فَرْضٌ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي رُكْنِيَّتِهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ رُكْنٌ أَصْلِيٌّ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَيْسَ بِأَصْلِيٍّ. [سَبَبُ سُجُودُ السَّهْوِ] (قَوْلُهُ مِنْ وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ الْأَصْلِيَّةِ) يُرَدُّ عَلَيْهِ مَا سَيَأْتِي عَنْ الْخُلَاصَةِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَخَّرَ التِّلَاوِيَّةِ عَنْ مَوْضِعِهَا عَلَيْهِ السَّهْوُ وَأَمَّا مَا يَذْكُرُهُ الْمُؤَلِّفُ عَنْ التَّجْنِيسِ مِنْ أَنَّهُ لَا سَهْوَ عَلَيْهِ فَسَيَأْتِي جَزْمُ الْخُلَاصَةِ بِأَنَّهُ لَا اعْتِمَادَ عَلَيْهِ وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهَا لَمَّا كَانَتْ أَثَرُ الْقِرَاءَةِ أَخَذَتْ حُكْمَهَا كَمَا مَرَّ فِي وَجْهٍ رَفْعهَا الْقَعْدَةَ كَالصُّلْبِيَّةِ (قَوْلُهُ وَفِي الْمُجْتَبَى إذَا تَرَكَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَهُوَ الْأَوْلَى وَيُؤَيِّدُهُ مَا سَيَأْتِي وَحَكَاهُ فِي الْمِعْرَاجِ عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ قَالَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ إذَا قَرَأَ أَكْثَرَهَا لَا يَجِبُ اهـ. وَالْمُرَادُ بِمَا سَيَأْتِي عِبَارَةُ الظَّهِيرِيَّةِ الْآتِيَة قَرِيبًا. (قَوْلُهُ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ ضَمَّ إلَخْ) دَفَعَهُ فِي إمْدَادِ الْفَتَّاحِ بِأَنَّ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ مَعَ ثَلَاثِ آيَاتٍ قِصَارٍ وَاجِبٌ بِالْإِجْمَاعِ اهـ. فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَقَيَّدَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إلَخْ) أَيَّدَهُ الْعَلَّامَةُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ فِي وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ بِمَا ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمَشَايِخِ مِنْ أَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى التَّشَهُّدِ فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى الْمُوجِبَةِ لِسُجُودِ السَّهْوِ بِسَبَبِ تَأْخِيرِ الْقِيَامِ عَنْ مَحَلِّهِ مُقَدَّرَةٌ بِمِقْدَارِ أَدَاءِ رُكْنٍ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ نَظِيرَتُهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 101 كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهَا وَذَكَرَ قَاضِي خَانْ وَجَمَاعَةٌ أَنَّهَا إنْ قَرَأَهَا مَرَّتَيْنِ عَلَى الْوَلَاءِ وَجَبَ السُّجُودُ وَإِنْ فَصَلَ بَيْنَهُمَا بِالسُّورَةِ لَا يَجِبُ وَصَحَّحَهُ الزَّاهِدِيُّ لِلُّزُومِ تَأْخِيرِ السُّورَةِ فِي الْأَوَّلِ لَا فِي الثَّانِي إذْ لَيْسَ الرُّكُوعُ وَاجِبًا بِأَثَرِ السُّورَةِ فَإِنَّهُ لَوْ جَمَعَ بَيْنَ سُورَتَيْنِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ لَمْ يَمْتَنِعْ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ بِفِعْلِ مِثْلِ ذَلِكَ فِي الْآخِرَيْنِ لِأَنَّهُمَا مَحَلُّ الْقِرَاءَةِ وَهِيَ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ فِيهِمَا وَقِرَاءَةُ أَكْثَرِ الْفَاتِحَةِ ثُمَّ إعَادَتُهَا كَقِرَاءَتِهَا مَرَّتَيْنِ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَوْ ضَمَّ السُّورَةَ إلَى الْفَاتِحَةِ فِي الْآخِرَيْنِ لَا سَهْوَ عَلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ وَفِي التَّجْنِيسِ لَوْ قَرَأَ سُورَةً ثُمَّ قَرَأَ فِي الثَّانِيَةِ سُورَةً قَبْلَهَا سَاهِيًا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ السُّجُودُ لِأَنَّ مُرَاعَاةَ تَرْتِيبِ السُّوَرِ مِنْ وَاجِبَاتِ نَظْمِ الْقُرْآنِ لَا مِنْ وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ فَتَرْكُهَا لَا يُوجِبُ سُجُودَ السَّهْوِ الثَّالِثُ تَعْيِينُ الْقِرَاءَةِ فِي الْأُولَيَيْنِ فَلَوْ قَرَأَ فِي الْآخِرَيْنِ أَوْ فِي إحْدَى الْأُولَيَيْنِ وَإِحْدَى الْآخِرَيْنِ سَاهِيًا لَزِمَهُ السُّجُودُ وَهُوَ خَاصٌّ بِالْفَرْضِ أَمَّا فِي النَّفْلِ وَالْوِتْرِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْقِرَاءَةِ فِي الْكُلِّ وَاخْتَلَفُوا فِي قِرَاءَتِهِ فِي الْآخِرَيْنِ هَلْ هِيَ قَضَاءٌ عَنْ الْأُولَيَيْنِ أَوْ أَدَاءٌ فَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّهَا أَدَاءٌ لِأَنَّ الْفَرْضَ هُوَ الْقِرَاءَةُ فِي رَكْعَتَيْنِ غَيْرُ عَيْنٍ وَقَالَ غَيْرُهُ أَنَّهُ قَضَاءٌ اسْتِدْلَالًا بِعَدَمِ صِحَّةِ اقْتِدَاءِ الْمُسَافِرِ بِالْمُقِيمِ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْإِمَامُ قَرَأَ فِي الشَّفْعِ الْأَوَّلِ وَلَوْ كَانَتْ فِي الْآخِرَيْنِ أَدَاءً لَجَازَ لِأَنَّهُ يَكُونُ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُفْتَرِضِ فِي حَقِّ الْقِرَاءَةِ فَلَمَّا لَمْ يَجُزْ عُلِمَ أَنَّهَا قَضَاءٌ وَأَنَّ الْآخِرَيْنِ خَلَتْ عَنْ الْقِرَاءَةِ وَبِوُجُوبِ الْقِرَاءَةِ عَلَى مَسْبُوقٍ أَدْرَكَ إمَامَهُ فِي الْآخِرَيْنِ وَلَمْ يَكُنْ قَرَأَ فِي الْأُولَيَيْنِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ. الرَّابِعُ رِعَايَةُ التَّرْتِيبِ فِي فِعْلٍ مُكَرَّرٍ فَلَوْ تَرَكَ سَجْدَةً مِنْ رَكْعَةٍ فَتَذَكَّرَهَا فِي آخِرِ صَلَاةٍ سَجَدَهَا وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ لِتَرْكِ التَّرْتِيبِ فِيهِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ إعَادَةُ مَا قَبْلَهَا وَكَذَا لَوْ قَدَّمَ الرُّكُوعَ عَلَى الْقِرَاءَةِ لَزِمَهُ السُّجُودُ لَكِنْ لَا يَعْتَدُّ بِالرُّكُوعِ فَيُفْتَرَضُ إعَادَتُهُ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ وَفِي الْمُجْتَبَى وَفِي تَأْخِيرِ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ رِوَايَتَانِ وَجَزَمَ فِي التَّجْنِيسِ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ لِأَنَّ سَجْدَةَ التِّلَاوَةِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ أَصْلِيٍّ فِي الصَّلَاةِ. الْخَامِسُ تَعْدِيلُ الْأَرْكَانِ وَهُوَ الطُّمَأْنِينَةُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي وُجُوبِ السُّجُودِ بِتَرْكِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ وَاجِبٌ أَوْ سُنَّةٌ وَالْمَذْهَبُ الْوُجُوبُ وَلُزُومُ السُّجُودِ بِتَرْكِهِ سَاهِيًا وَصَحَّحَهُ فِي الْبَدَائِعِ قَالَ فِي التَّجْنِيسِ وَهَذَا التَّفْرِيعُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لِأَنَّ تَعْدِيلَ الْأَرْكَانِ فَرْضٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ. السَّادِسُ الْقُعُودُ الْأَوَّلُ وَكَذَا كُلُّ قَعْدَةٍ لَيْسَتْ أَخِيرَةً سَوَاءٌ كَانَ فِي الْفَرْضِ أَوْ فِي النَّفْلِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ سُجُودُ السَّهْوِ بِتَرْكِهَا سَاهِيًا. السَّابِعُ التَّشَهُّدُ فَإِنَّهُ يَجِبُ سُجُودُ السَّهْوِ بِتَرْكِهِ وَلَوْ قَلِيلًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّهُ ذِكْرُ وَاحِدٍ مَنْظُومٍ فَتَرْكُ بَعْضِهِ كَتَرْكِ كُلِّهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَعْدَةِ الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةِ وَلِهَذَا قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ تَرَكَ قِرَاءَةَ التَّشَهُّدِ سَاهِيًا فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةِ وَتَذَكَّرَ بَعْدَ السَّلَامِ يَلْزَمُهُ سُجُودُ السَّهْوِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يَلْزَمُهُ قَالُوا إنْ كَانَ الْمُصَلِّي إمَامًا يَأْخُذُ بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إمَامًا يَأْخُذُ بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ ثُمَّ قَدْ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَهُوَ خَاصٌّ بِالْفَرْضِ) أَيْ تَعْيِينُ الْقِرَاءَةِ فِي الْأُولَيَيْنِ (قَوْلُهُ هَلْ هِيَ قَضَاءٌ عَنْ الْأُولَيَيْنِ أَوْ أَدَاءٌ) قُلْت فَعَلَى الْأَوَّلِ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ لَا الثَّانِي فَتَأَمَّلْ كَذَا فِي شَرْحِ الْمَقْدِسِيَّ وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ لِابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ عِنْدَ ذِكْرِ وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ. [تَرَكَ سَجْدَةً مِنْ رَكْعَةٍ فَتَذَكَّرَهَا فِي آخِرِ صَلَاةٍ] (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ قَدَّمَ الرُّكُوعَ عَلَى الْقِرَاءَةِ لَزِمَهُ السُّجُودُ) أَيْ سُجُودُ السَّهْوِ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ التَّرْتِيبَ بَيْنَ الْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ وَاجِبٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الدُّرَرِ فِي وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ وَيُنَافِيهِ قَوْلُهُ لَكِنْ لَا يَعْتَدُّ بِالرُّكُوعِ إلَخْ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ التَّرْتِيبَ بَيْنَهُمَا فَرْضٌ وَإِنَّ سُجُودَ السَّهْوِ لِزِيَادَةِ الرُّكُوعِ وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَصَحَّ الرُّكُوعُ الْمُتَأَخِّرُ عَنْ الْقِرَاءَةِ كَمَا صَحَّتْ السَّجْدَةُ الَّتِي تَذَكَّرَهَا آخِرَ الصَّلَاةِ وَصَحَّ مَا قَبْلَهَا سِوَى الْقَعْدَةِ (قَوْلُهُ وَجَزَمَ فِي التَّجْنِيسِ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ) قَالَ فِي النَّهْرِ هَذَا ضَعِيفٌ فَفِي الْخُلَاصَةِ لَوْ أَخَّرَ سَجْدَةَ التِّلَاوَةِ عَنْ مَوْضِعِهَا أَوْ الصُّلْبِيَّةَ كَانَ عَلَيْهِ السَّهْوُ وَذَكَرَ فِي التُّحْفَةِ أَنَّهُ لَوْ أَخَّرَ وَاجِبًا أَصْلِيًّا أَوْ تَرَكَهُ سَاهِيًا يَجِبُ عَلَيْهِ السَّهْوُ أَمَّا إذَا أَخَّرَ التِّلَاوَةَ أَوْ سَلَّمَ سَاهِيًا لَا سَهْوَ عَلَيْهِ وَمَا ذَكَرَ فِي التُّحْفَةِ سَهْوٌ لَا اعْتِمَادَ عَلَيْهِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ اهـ. أَقُولُ: قَوْلُهُ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لَمْ أَرَهُ فِي الْخُلَاصَةِ مَعَ أَنَّهُ لَا يُنَاسِبُ مَا قَبْلَهُ نَعَمْ هُوَ مِنْ كَلَامِ الْوَلْوَالِجيَّةِ وَعِبَارَتُهُ الْمُصَلِّي إذَا تَلَا آيَةَ سَجْدَةٍ وَنَسِيَ أَنْ يَسْجُدَ بِهَا ثُمَّ ذَكَرَهَا وَسَجَدَ وَجَبَ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ وَلِأَنَّهُ تَرَكَ الْوَصْلَ وَهُوَ وَاجِبٌ وَقِيلَ لَا سَهْوَ عَلَيْهِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ انْتَهَتْ وَيُشِيرُ قَوْلُ النَّهْرِ هَذَا ضَعِيفٌ وَقَوْلُ الْوَلْوَالِجِيِّ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ إلَى أَنَّ قَوْلَ الْخُلَاصَةِ سَهْوٌ لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَكَأَنَّ التَّسْهِيَةَ فِي الْجَزْمِ بِهِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ الْخَامِسُ تَعْدِيلُ الْأَرْكَانِ إلَخْ) أَقُولُ: قَالَ فِي الضِّيَاءِ الْمَعْنَوِيِّ شَرْحِ مُقَدِّمَةِ الْغَزْنَوِيِّ أَنَّ فِي تَرْكِ الطُّمَأْنِينَةِ لَا يَجِبُ سُجُودُ السَّهْوِ لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ لِلْغَيْرِ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ مُكَمِّلَةً لِفَرْضٍ وَهَذَا دَلِيلُ السُّنَّةِ فَشَابَهَتْ السُّنَّةَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَإِنْ كَانَتْ وَاجِبَةً وَبِتَرْكِ السُّنَّةِ لَا يَجِبُ سُجُودُ السَّهْوِ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ فِي عُمْدَةِ الْمُصَلِّي اهـ. تَأَمَّلْ. لَكِنْ قَدَّمَ الْمُؤَلِّفُ فِي وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ التَّصْرِيحَ بِلُزُومِ وُجُوبِ السَّهْوِ بِتَرْكِهَا عَنْ الْقُنْيَةِ وَالْمُحِيطِ وَكَذَا فِي الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ. (قَوْلُهُ يَأْخُذُ بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ) لَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ إذَا تَذَكَّرَ بَعْدَ السَّلَامِ يَكُونُ قَدْ تَفَرَّقَ بَعْضُ الْجَمَاعَةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 102 لَا يَتَحَقَّقُ تَرْكُ التَّشَهُّدِ عَلَى وَجْهٍ يُوجِبُ السُّجُودَ إلَّا فِي الْأَوَّلِ أَمَّا فِي التَّشَهُّدِ الثَّانِي فَإِنَّهُ لَوْ تَذَكَّرَهُ بَعْدَ السَّلَامِ يَقْرَأُ ثُمَّ يُسَلِّمُ ثُمَّ يَسْجُدُ فَإِنْ تَذَكَّرَهُ بَعْدَ شَيْءٍ يَقْطَعُ الْبِنَاءَ لَمْ يُتَصَوَّرْ إيجَابُ السُّجُودِ وَمِنْ فُرُوعِ هَذَا أَنَّهُ لَوْ اشْتَغَلَ بَعْدَ السَّلَامِ وَالتَّذَكُّرِ بِهِ فَلَمَّا قَرَأَ بَعْضَهُ سَلَّمَ قَبْلَ تَمَامِهِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ بِعَوْدِهِ إلَى قِرَاءَةِ التَّشَهُّدِ ارْتُفِضَ قُعُودُهُ فَإِذَا سَلَّمَ قَبْلَ إتْمَامِهِ فَقَدْ سَلَّمَ قَبْلَ قُعُودِهِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تَجُوزُ صَلَاتُهُ لِأَنَّ قُعُودَهُ مَا ارْتُفِضَ أَصْلًا لِأَنَّ مَحَلَّ قِرَاءَةِ التَّشَهُّدِ الْقَعْدَةُ فَلَا ضَرُورَةَ إلَى رَفْضِهَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ تَذَكَّرَهُ بَعْدَ السَّلَامِ وَلَمْ يَقْرَأْهُ لَا يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ بِتَرْكِهِ لِأَنَّهُ لَمَّا تَذَكَّرَهُ وَأَمْكَنَهُ فِعْلُهُ وَلَمْ يَفْعَلْهُ صَارَ كَأَنَّهُ تَرَكَهُ عَمْدًا فَلَا يَلْزَمُهُ السُّجُودُ وَإِنَّمَا يَكُونُ مُسِيئًا وَلَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ السُّجُودُ لَتَحَقَّقَ وُجُوبُهُ بِتَرْكِهِ وَعَلَى هَذَا تَصِيرُ كُلِّيَّةَ أَنَّ مَنْ تَرَكَ وَاجِبًا سَهْوًا وَأَمْكَنَهُ فِعْلُهُ بَعْدَ تَذَكُّرِهِ فَلَمْ يَفْعَلْهُ لَا سُجُودَ عَلَيْهِ كَمَنْ تَرَكَهُ عَمْدًا وَفِي الْهِدَايَةِ ثُمَّ ذَكَرَ التَّشَهُّدَ يَحْتَمِلُ الْقَعْدَةَ الْأُولَى وَالثَّانِيَةَ وَالْقِرَاءَةُ فِيهِمَا وَكُلُّ ذَلِكَ وَاجِبٌ وَفِيهَا سَجْدَةٌ هُوَ الصَّحِيحُ وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِالْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ فَإِنَّهَا فَرْضٌ لَا وَاجِبٌ فَأَجَابَ فِي الْمِعْرَاجِ بِأَنَّ الْمُرَادَ غَيْرُهَا إذْ التَّخْصِيصُ شَائِعٌ بِقَرِينَةِ ذِكْرِهِ لَهَا سَابِقًا أَنَّهَا فَرْضٌ وَمَا أَجَابَ بِهِ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مِنْ حَمْلِ التَّرْكِ فِيهَا عَلَى تَأْخِيرِهَا فَاسِدٌ لِأَنَّهُ أَرَادَ حَقِيقَةَ التَّرْكِ فِي غَيْرِهَا فَلَوْ أَرَادَ التَّأْخِيرَ فِيهَا لَزِمَ الْجَمْعَ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ وَكَذَا لَوْ أَرَادَ بِالْوَاجِبِ حِينَئِذٍ الْفَرْضَ فِيهَا وَالْوَاجِبَ الِاصْطِلَاحِيَّ فِي غَيْرِهَا وَهُوَ جَمْعٌ كَذَلِكَ كَذَا فِي الْغَايَةِ وَرَدَّهُ فِي الْكَافِي بِأَنَّ الْمَمْنُوعَ اجْتِمَاعُهُمَا مُرَادَيْنِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ وَهُوَ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْإِرَادَةِ بَلْ قَالَ يَحْتَمِلُ هَذَا وَذَاكَ وَلَا فَسَادَ كَاحْتِمَالِ الْقُرْءِ الْحَيْضَ وَالطُّهْرَ كَمَا فِي الْمُجْتَبَى وَغَيْرِهِ وَمَا فِي النِّهَايَةِ مِنْ أَنَّ الْأَوْجَهَ فِيهِ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ بِأَنَّهُ تَجُوزُ الصَّلَاةُ بِدُونِ الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ لَيْسَ بِأَوْجَهَ لِأَنَّهَا رِوَايَةٌ ضَعِيفَةٌ جِدًّا لِأَنَّهُمْ نَقَلُوا الْإِجْمَاعَ عَلَى فَرْضِيَّتِهَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ سَهْوٌ وَقَعَ مِنْ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ. الثَّامِنُ لَفْظُ السَّلَامِ وَلَا يُتَصَوَّرُ إيجَابُ السُّجُودِ بِتَرْكِهِ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْقُعُودِ الْأَخِيرِ إذَا لَمْ يَأْتِ بِمُنَافٍ فَإِنَّهُ يُسَلِّمُ وَإِنْ أَتَى بِمُنَافٍ فَلَا سُجُودَ وَلِهَذَا قَالَ فِي التَّجْنِيسِ وَالسَّهْوُ عَنْ السَّلَامِ يُوجِبُ سُجُودَ السَّهْوِ وَالسَّهْوُ عَنْهُ أَنْ يُطِيلَ الْقَعْدَةَ وَيَقَعَ عِنْدَهُ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ الصَّلَاةِ ثُمَّ يَعْلَمُ ذَلِكَ فَيُسَلِّمُ وَيَسْجُدُ لِأَنَّهُ أَخَّرَ وَاجِبًا أَوْ رُكْنًا عَلَى اخْتِلَافِ الْأَصْلَيْنِ اهـ. وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ إيجَابُهُ بِتَأْخِيرِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَذَكَرْنَا فِي بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ أَنَّ الْوَاجِبَ مِنْهُ التَّسْلِيمَةُ الْأُولَى وَهِيَ السَّلَامُ دُونَ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَفِي الْبَدَائِعِ أَنَّهُ لَوْ سَلَّمَ عَنْ يَسَارِهِ أَوَّلًا لَا سَهْوَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ تَرَكَ السُّنَّةَ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَإِذَا سَلَّمَ الرَّجُلُ عَنْ يَمِينِهِ وَسَهَا عَنْ التَّسْلِيمَةِ الْأُخْرَى فَمَا دَامَ فِي الْمَسْجِدِ يَأْتِي بِالْأُخْرَى وَإِنْ اسْتَدْبَرَ الْقِبْلَةَ وَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَأْتِي مَتَى اسْتَدْبَرَ الْقِبْلَةَ اهـ. [ترك قُنُوتُ الْوِتْرِ] التَّاسِعُ قُنُوتُ الْوِتْرِ وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِدُعَاءٍ وَأَنَّهُ لَا يَعُودُ إلَيْهِ لَوْ رَكَعَ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا فِي الْمُجْتَبَى وَغَيْرِهِ فَحِينَئِذٍ يَتَحَقَّقُ تَرْكُهُ بِالرُّكُوعِ وَأَنَّهُ سُنَّةٌ عِنْدَهُمَا كَالْوِتْرِ فَالْوُجُوبُ بِتَرْكِهِ إنَّمَا هُوَ قَوْلُهُ فَقَطْ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَوْ قَرَأَ الْقُنُوتَ فِي الثَّالِثَةِ وَنَسِيَ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ أَوْ السُّورَةِ أَوْ كِلَيْهِمَا فَتَذَكَّرَ بَعْدَمَا رَكَعَ قَامَ وَقَرَأَ وَأَعَادَ الْقُنُوتَ وَالرُّكُوعَ لِأَنَّهُ رَجَعَ إلَى مَحَلِّهِ قَبْلَهُ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ بِخِلَافِ مَا لَوْ نَسِيَ سَجْدَةَ التِّلَاوَةِ وَمَحَلُّهَا فَتَذَكَّرَهَا فِي الرُّكُوعِ أَوْ السُّجُودِ أَوْ الْقُعُودِ فَإِنَّهُ يَنْحَطُّ لَهَا ثَمَّ يَعُودُ إلَى مَا كَانَ فِيهِ فَيُعِيدُهُ اسْتِحْبَابًا اهـ. وَمِمَّا أَلْحَقَ بِهِ تَكْبِيرُهُ وَجَزَمَ الشَّارِحُ بِوُجُوبِ السُّجُودِ بِتَرْكِهَا وَذَكَرَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ تَكْبِيرَةَ الْقُنُوتِ فَإِنَّهُ لَا رِوَايَةَ لِهَذَا وَقِيلَ يَجِبُ سُجُودُ السَّهْوِ اعْتِبَارًا بِتَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ وَقِيلَ لَا يَجِبُ اهـ. وَيَنْبَغِي تَرْجِيحُ عَدَمِ الْوُجُوبِ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ فَإِنَّ دَلِيلَ الْوُجُوبِ الْمُوَاظَبَةُ مَعَ قَوْله تَعَالَى {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} [الحج: 28] [الْإِمَامَ إذَا سَهَا عَنْ التَّكْبِيرَاتِ حَتَّى رَكَعَ] الْعَاشِرُ تَكْبِيرَاتُ الْعِيدَيْنِ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ إذَا تَرَكَهَا أَوْ نَقَصَ مِنْهَا أَوْ زَادَ عَلَيْهَا أَوْ أَتَى بِهَا فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ السُّجُودُ وَذَكَرَ فِي كَشْفِ الْأَسْرَارِ أَنَّ الْإِمَامَ إذَا   [منحة الخالق] أَوْ يَحْصُلُ لَهُمْ اشْتِبَاهٌ فَالْأَسْهَلُ الْأَخْذُ بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ إمَامًا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ تَذَكَّرَهُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ فِيهِ نَظَرٌ وَذَلِكَ أَنَّ تَرْكَهُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ إذَا أَتَى بِمَا يَمْنَعُ الْبِنَاءَ وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَمْتَنِعُ السُّجُودَ عَنْ كُلِّ وَاجِبٍ تُرِكَ لَا أَنَّ امْتِنَاعَهُ لِتَرْكِهِ إيَّاهُ عَمْدًا وَالْكُلِّيَّةُ مَمْنُوعَةٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ تَذَكَّرَ فِي رُكُوعِهِ أَنَّهُ تَرَكَ الْفَاتِحَةَ فَلَمْ يُعِدْ مَعَ إمْكَانِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ السُّجُودُ. اهـ. أَقُولُ: قَدْ يُجَابُ عَنْ الْمَنْعِ بِأَنَّ الْمُرَادَ إمْكَانُهُ عَلَى وَجْهٍ لَا يُؤَدِّي إلَى تَرْكِ وَاجِبٍ آخَرَ وَهُنَا وَإِنْ أَمْكَنَهُ الْعَوْدُ إلَى قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ يَلْزَمُهُ تَأْخِيرُ الرُّكُوعِ تَأَمَّلْ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 103 سَهَا عَنْ التَّكْبِيرَاتِ حَتَّى رَكَعَ فَإِنَّهُ يَعُودُ إلَى الْقِيَامِ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى حَقِيقَةِ الْأَدَاءِ فَلَا يَعْمَلُ بِشَبَهٍ بِخِلَافِ الْمَسْبُوقِ إذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي الرُّكُوعِ فَإِنَّهُ يَأْتِي بِالتَّكْبِيرَاتِ فِي الرُّكُوعِ لِأَنَّهُ عَجَزَ عَنْ حَقِيقَتِهِ فَيَعْمَلُ بِشَبَهِهِ اهـ. وَمِمَّا أُلْحِقَ بِهَا تَكْبِيرَةُ الرُّكُوعِ الثَّانِي مِنْ صَلَاةِ الْعِيدِ فَإِنَّهُ يَجِبُ سُجُودُ السَّهْوِ بِتَرْكِهَا لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ تَبَعًا لِتَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ بِخِلَافِ تَكْبِيرَةِ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مُلْحَقَةً بِهَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَصَاحِبُ الْمُجْتَبَى وَفِي الْبَدَائِعِ وَلَوْ نَسِيَ التَّكْبِيرَ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لَا سَهْوَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ وَاجِبًا مِنْ وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ. [الْإِمَامِ إذَا جَهَرَ فِيمَا يُخَافِتُ أَوْ خَافَتَ فِيمَا يَجْهَرُ] الْحَادِيَ عَشَرَ وَالثَّانِيَ عَشَرَ الْجَهْرُ عَلَى الْإِمَامِ فِيمَا يَجْهَرُ فِيهِ وَالْمُخَافَتَةُ مُطْلَقًا فِيمَا يُخَافِتُ فِيهِ وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي الْمِقْدَارِ وَالْأَصَحُّ قَدْرُ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ فِي الْفَصْلَيْنِ لِأَنَّ الْيَسِيرَ مِنْ الْجَهْرِ وَالْإِخْفَاءِ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ وَعَنْ الْكَثِيرِ يُمْكِنُ وَمَا تَصِحُّ بِهِ الصَّلَاةُ كَثِيرٌ غَيْرَ أَنَّ ذَلِكَ عِنْدَهُ آيَةٌ وَاحِدَةٌ وَعِنْدَهُمَا ثَلَاثُ آيَاتٍ وَهَذَا فِي حَقِّ الْإِمَامِ دُونَ الْمُنْفَرِدِ لِأَنَّ الْجَهْرَ وَالْمُخَافَتَةَ مِنْ خَصَائِصِ الْجَمَاعَةِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَذَكَرَهَا قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ وُجُوبُ السُّجُودِ عَلَى الْإِمَامِ إذَا جَهَرَ فِيمَا يُخَافِتُ أَوْ خَافَتَ فِيمَا يَجْهَرُ قَلَّ ذَلِكَ أَوْ كَثُرَ وَكَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالذَّخِيرَةِ زَادَ فِي الْخُلَاصَةِ وَعَلَيْهِ اعْتِمَادُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ لَا عَلَى رِوَايَةِ النَّوَادِرِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَرَوَى أَبُو سُلَيْمَانَ أَنَّ الْمُنْفَرِدَ إذَا ظَنَّ أَنَّهُ إمَامٌ فَجَهَرَ كَمَا يَجْهَرُ الْإِمَامُ يَلْزَمُهُ سُجُودُ السَّهْوِ اهـ. وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى وُجُوبِ الْمُخَافَتَةِ عَلَيْهِ وَهُوَ رِوَايَةُ الْأَصْلِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَفِي الْعِنَايَةِ أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْإِخْفَاءَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ وَذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ أَنَّهُ إذَا جَهَرَ فِيمَا يُخَافِتُ فِيهِ يَجِبُ سَجْدَةُ السَّهْوِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ وَإِذَا خَافَتَ فِيمَا يَجْهَرُ بِهِ لَا يَجِبُ مَا لَمْ يَكُنْ قَدْرُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وُجُوبُ الصَّلَاةِ عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي مَرَّ وَهَذَا أَصَحُّ اهـ. فَقَدْ اخْتَلَفَ التَّرْجِيحُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ وَيَنْبَغِي عَدَمُ الْعُدُولِ عَنْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ الَّذِي نَقَلَهُ الثِّقَاتُ   [منحة الخالق] [السَّهْوُ عَنْ السَّلَامِ] (قَوْلُهُ وَالْمُخَافَتَةُ مُطْلَقًا) أَيْ عَلَى الْإِمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ وَهَذَا بِنَاءً عَلَى مَا يَأْتِي عَنْ الْبَدَائِعِ وَإِلَّا فَاَلَّذِي فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا تَخْصِيصُهُ بِالْإِمَامِ وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِمَّا يَأْتِي عَنْ قَاضِي خَانْ والْوَلْوَالِجِيِّ وَفِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ عَنْ الْكَافِي وَفِي الْإِمَامِ فَإِنْ كَانَ مُنْفَرِدًا لَا يَجِبُ سُجُودُ السَّهْوِ أَمَّا فِي الْجَهْرِيَّة فَهُوَ مُخَيَّرٌ فَلَا يَتَمَكَّنُ النُّقْصَانُ جَهَرَ أَوْ خَافَتَ وَأَمَّا فِي السِّرِّيَّةِ فَجَهْرُ الْمُنْفَرِدِ يَكُونُ بِقَدْرِ إسْمَاعِهِ نَفْسَهُ وَهُوَ غَيْرُ مَنْهِيٍّ عَنْهُ فَلِذَا لَا يَلْزَمُهُ سُجُودُ السَّهْوِ اهـ وَفِي شَرْحِ الزَّيْلَعِيِّ وَمِنَحِ الْغَفَّارِ والشُّرُنبُلالِيَّة وَالْمُنْفَرِدُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ السُّجُودُ بِالْجَهْرِ وَالْإِخْفَاءِ لِأَنَّهُمَا مِنْ خَصَائِصِ الْجَمَاعَةِ وَسَنَذْكُرُ مِثْلَهُ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة (قَوْلُهُ وَالْأَصَحُّ قَدْرُ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ) صَحَّحَهُ أَيْضًا الزَّيْلَعِيُّ وَابْنُ الْهُمَامِ (قَوْلُهُ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَرَوَى أَبُو سُلَيْمَانَ إلَخْ) قُلْت وَفِي الْمِعْرَاجِ قَالَ أَبُو الْيُسْرِ الْمُنْفَرِدُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْمُخَافَتَةِ قَالُوا هَذَا إذَا كَانَ يَجْهَرُ قَلِيلًا أَمَّا إذَا كَانَ يُسْمِعُ النَّاسَ يَلْزَمُهُ السَّهْوُ لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْ ذَلِكَ اهـ. وَفِي فَصْلِ الْقِرَاءَةِ مِنْ الْهِدَايَةِ فِي الْمُنْفَرِدِ إنْ شَاءَ جَهَرَ وَأَسْمَعَ نَفْسَهُ اهـ. وَيُوَافِقُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْكَافِي مِنْ أَنَّ جَهْرَ الْمُنْفَرِدِ يَكُونُ بِقَدْرِ إسْمَاعِهِ نَفْسَهُ (قَوْلُهُ وَفِي الْعِنَايَةِ) أَقُولُ: وَكَذَا فِي النِّهَايَةِ وَالْكِفَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ بَعْدَمَا تَقَدَّمَ وَهَذَا فِي الْإِمَامِ دُونَ الْمُنْفَرِدِ لِأَنَّ الْجَهْرَ وَالْمُخَافَتَةَ مِنْ خَصَائِصِ الْجَمَاعَةِ قَالَ الشُّرَّاحُ إنَّ مَا ذَكَرَهُ جَوَابُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَأَمَّا جَوَابُ رِوَايَةِ النَّوَادِرِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ سَجْدَةُ السَّهْوِ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُحِيطِ وَأَمَّا الْمُنْفَرِدُ فَلَا سَهْوَ عَلَيْهِ إذَا خَافَتَ فِيمَا يَجْهَرُ لِأَنَّ الْجَهْرَ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ إذَا جَهَرَ فِيمَا يُخَافِتُ لِأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ وَاجِبًا لِأَنَّ الْمُخَافَتَةَ إنَّمَا وَجَبَتْ لِنَفْيِ الْمُغَالَطَةِ وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى هَذَا فِي صَلَاةٍ تُؤَدَّى عَلَى سَبِيلِ الشَّهْرِ وَالْمُنْفَرِدُ يُؤَدِّي عَلَى سَبِيلِ الْخَفِيَّةِ وَفِي الذَّخِيرَةِ الْمُنْفَرِدُ إذَا جَهَرَ فِيمَا يُخَافِتُ أَنَّ عَلَيْهِ السَّهْوَ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا سَهْوَ عَلَيْهِ وَقَدْ مَرَّ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ فَرَاجِعْهُ وَفِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَمَيْلُ الشَّيْخِ كَمَالِ الدِّينِ بْنِ الْهُمَامِ إلَى أَنَّ الْمُخَافَتَةَ وَاجِبَةٌ عَلَى الْمُنْفَرِدِ فِي مَوْضِعِهَا فَيَجِبُ بِتَرْكِهَا السَّهْوَ وَهُوَ الِاحْتِيَاطُ اهـ. وَإِلَيْهِ جَنَحَ الْمُؤَلِّفُ وَأَخُوهُ. (قَوْلُهُ وَذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ إلَخْ) عَزَا هَذَا التَّفْصِيلَ فِي الْمِعْرَاجِ إلَى النَّوَادِرِ وَقَالَ وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ حُكْمَ الْجَهْرِ فِيمَا يُخَافِتُ أَغْلَطُ مِنْ الْمُخَافَتَةِ فِيمَا يَجْهَرُ لِأَنَّ الصَّلَاةَ الَّتِي يَجْهَرُ فِيهَا لَهَا حَظٌّ مِنْ الْمُخَافَتَةِ اهـ. وَفِيهِ بَحْثٌ لِلْمُحَقِّقِ ابْنُ الْهُمَامِ ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ فَقَدْ اخْتَلَفَ التَّرْجِيحُ) أَيْ فِي مِقْدَارِ مَا يَجِبُ بِهِ السُّجُودُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ الْأَوَّلُ مَا فِي الْهِدَايَةِ مِنْ تَقْدِيرِهِ بِمَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ فِي الْفَصْلَيْنِ الثَّانِي مَا فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرُهَا مِنْ عَدَمِ التَّقْدِيرِ بِشَيْءٍ فِيهِمَا الثَّالِثُ مَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ مِنْ عَدَمِ التَّقْدِيرِ فِيمَا إذَا جَهَرَ فِيمَا يُخَافِتُ وَالتَّقْدِيرُ فِي عَكْسِهِ (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي عَدَمُ الْعُدُولِ عَنْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ) أَيْ الْقَوْلُ الثَّانِي قَالَ فِي النَّهْرِ وَأَقُولُ: بَلْ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ مَا فِي الْبَدَائِعِ لِلْمُوَاظَبَةِ عَلَى أَنَّ مَا فِي الْأَصْلِ هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ اهـ. قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ وَيُؤَيِّدُهُ زِيَادَةُ قَوْلِهِ وَهُوَ الصَّحِيحُ لَكِنْ عَبَّرَ فِي الْحُجَّةِ فِيهِ بِظَاهِرِ رِوَايَةِ الْأَصْلِ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ. وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ كَلَامَ الْمُؤَلِّفِ فِي بَيَانِ الْمِقْدَارِ كَمَا هُوَ صَرِيحُ قَوْلِهِ أَوَّلًا وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي الْمِقْدَارِ وَقَوْلُهُ ثَانِيًا فَقَدْ اخْتَلَفَ التَّرْجِيحُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ فَقَوْلُهُ وَيَنْبَغِي إلَخْ تَرْجِيحٌ لِمَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَاَلَّذِي فِي الْبَدَائِعِ مَسْأَلَةٌ أُخْرَى وَهِيَ وُجُوبُ الْمُخَافَتَةِ عَلَى الْمُنْفَرِدِ وَالْقَوْلُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 104 مِنْ أَصْحَابِ الْفَتَاوَى كَمَا لَا يَخْفَى وَذَكَرَ فِي الْخُلَاصَةِ أَنَّهُ لَوْ أَسْمَعَ رَجُلًا أَوْ رَجُلَيْنِ لَا يَكُونُ جَهْرًا وَالْجَهْرُ أَنْ يُسْمِعَ الْكُلَّ اهـ. وَصَرَّحُوا بِأَنَّهُ إذَا جَهَرَ سَهْوًا بِشَيْءٍ مِنْ الْأَدْعِيَةِ وَالْأَثْنِيَةِ وَلَوْ شَهِدَا فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ السُّجُودُ قَالَ الْعَلَّامَةُ الْحَلَبِيُّ وَلَا يُعَرِّي الْقَوْلَ بِذَلِكَ فِي التَّشَهُّدِ مَنْ تَأَمَّلَ اهـ. وَقَدْ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى هَذِهِ الْوَاجِبَاتِ فِي بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ وَبَقِيَ وَاجِبٌ آخَرُ وَهُوَ عَدَمُ تَأْخِيرِ الْفَرْضِ وَالْوَاجِبِ وَعَدَمُ تَغْيِيرِهِمَا وَعَلَيْهِ تَفَرَّعَ مَسَائِلُ مِنْهَا لَوْ رَكَعَ رُكُوعَيْنِ أَوْ سَجَدَ ثَلَاثًا فِي رَكْعَةٍ لَزِمَهُ السُّجُودُ لِتَأْخِيرِ الْفَرْضِ وَهُوَ السُّجُودُ فِي الْأَوَّلِ وَالْقِيَامُ فِي الثَّانِي وَكَذَا لَوْ قَعَدَ فِي مَحَلِّ الْقِيَامِ أَوْ قَامَ فِي مَحَلِّ الْقُعُودِ الْمَفْرُوضِ وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِالْفُرُوضِ لِأَنَّهُ لَوْ قَامَ فِي مَحَلِّ الْوَاجِبِ فَقَدْ لَزِمَهُ السُّجُودُ لِتَرْكِ الْوَاجِبِ لَا لِتَأْخِيرِهِ وَكَذَا لَوْ قَرَأَ آيَةً فِي الرُّكُوعِ أَوْ السُّجُودِ أَوْ الْقَوْمَةِ فَعَلَيْهِ السَّهْوُ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَغَيْرِهَا وَعَلَّلَهُ فِي الْمُحِيطِ بِتَأْخِيرِ رُكْنٍ أَوْ وَاجِبٍ عَلَيْهِ وَكَذَا لَوْ قَرَأَهَا فِي الْقُعُودِ إنْ بَدَأَ بِالْقِرَاءَةِ وَإِنْ بَدَأَ بِالتَّشَهُّدِ ثُمَّ قَرَأَهَا فَلَا سَهْوَ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَفِي الْبَدَائِعِ لَوْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فِي رُكُوعِهِ أَوْ فِي سُجُودِهِ لَا سَهْوَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ ثَنَاءٌ وَهَذِهِ الْأَرْكَانُ مَوَاضِعُ الثَّنَاءِ اهـ. وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ فَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ وَمِنْهَا لَوْ كَرَّرَ الْفَاتِحَةَ فِي الْأُولَيَيْنِ فَعَلَيْهِ السَّهْوُ لِتَأْخِيرِ السُّورَةِ وَمِنْهَا لَوْ تَشَهَّدَ فِي قِيَامِهِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ لَزِمَهُ السُّجُودُ وَقَبْلَهَا لَا عَلَى الْأَصَحِّ لِتَأْخِيرِ الْوَاجِبِ فِي الْأَوَّلِ وَهُوَ السُّورَةُ وَفِي الثَّانِي مَحَلُّ الثَّنَاءِ وَهُوَ مِنْهُ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ تَشَهَّدَ فِي الْقِيَامِ إنْ كَانَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَإِنْ كَانَ فِي الثَّانِيَةِ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ اهـ. فَقَدْ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ الْمَنْقُولُ فِي التَّبْيِينِ وَغَيْرِهِ وَمِنْهَا لَوْ كَرَّرَ التَّشَهُّدَ فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى فَعَلَيْهِ السَّهْوُ لِتَأْخِيرِ الْقِيَامِ وَلَوْ كَذَا لَوْ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهَا لِتَأْخِيرِهِ وَاخْتَلَفُوا فِي قَدْرِهِ وَالْأَصَحُّ وُجُوبُهُ بِاَللَّهُمِ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ وَعَلَى آلِهِ وَذَكَرَ فِي الْبَدَائِعِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ السُّجُودُ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجِبُ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ لَوَجَبَ لِجَبْرِ النُّقْصَانِ وَلَا يُعْقَلُ نُقْصَانٌ فِي الصَّلَاةِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلْ بِتَأْخِيرِ الْفَرْضِ وَهُوَ الْقِيَامُ إلَّا أَنَّ التَّأْخِيرَ حَصَلَ بِالصَّلَاةِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا تَأْخِيرٌ لَا مِنْ حَيْثُ إنَّهَا صَلَاةٌ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اهـ. وَقَدْ حُكِيَ فِي الْمَنَاقِبِ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَنَامِ فَقَالَ لَهُ كَيْفَ أَوْجَبَتْ عَلَى مَنْ صَلَّى عَلَيَّ سُجُودَ السَّهْوِ فَأَجَابَهُ بِكَوْنِهِ صَلَّى عَلَيْك سَاهِيًا فَاسْتَحْسَنَهُ مِنْهُ وَلَوْ كَرَّرَ التَّشَهُّدَ فِي الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ فَلَا سَهْوَ عَلَيْهِ وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ لَمْ يَفْصِلْ وَقَالَ لَا سَهْوَ عَلَيْهِ فِيهِمَا كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَمِنْهَا إذَا شَكَّ فِي صَلَاتِهِ فَتَفَكَّرَ حَتَّى اسْتَيْقَنَ وَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَشُكَّ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الصَّلَاةِ أَوْ فِي صَلَاةٍ قَبْلَهَا وَكُلٌّ عَلَى وَجْهَيْنِ أَمَّا إنْ طَالَ تَفَكُّرُهُ بِأَنْ كَانَ مِقْدَارُ مَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُؤَدِّيَ فِيهِ رُكْنًا مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ أَوْ لَمْ يَطُلْ وَإِنْ لَمْ يَطُلْ فَلَا سَهْوَ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ تَفَكُّرُهُ بِسَبَبِ شَكٍّ فِي هَذِهِ الصَّلَاةِ أَوْ فِي غَيْرِهَا لِأَنَّ الْفِكْرَ الْقَلِيلَ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ فَكَانَ عَفْوًا دَفْعًا لِلْحَرَجِ وَإِنْ طَالَ تَفَكُّرُهُ فَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ هَذِهِ الصَّلَاةِ فَلَا سَهْوَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ فِيهَا فَعَلَيْهِ السَّهْوُ وَاسْتِحْسَانًا لِتَأْخِيرِ الْأَرْكَانِ عَنْ أَوْقَاتِهَا فَتَمَكَّنَ النُّقْصَانَ فِيهَا بِخِلَافِ مَا إذَا شَكَّ فِي صَلَاةٍ أُخْرَى وَهُوَ فِي هَذِهِ الصَّلَاةِ لِأَنَّ الْمُوجِبَ لِلسَّهْوِ فِي هَذِهِ الصَّلَاةِ سَهْوُ هَذِهِ الصَّلَاةِ لَا سَهْوَ صَلَاةٍ أُخْرَى كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَفِي الذَّخِيرَةِ هَذَا إذَا كَانَ   [منحة الخالق] الَّذِي رَجَّحَهُ الْمُؤَلِّفُ أَعْنِي مَا فِي الْخَانِيَّةِ وَإِنْ كَانَ يُفْهَمُ مِنْهُ مَا يُخَالِفُ مَا فِي الْبَدَائِعِ مُوَافِقًا لِمَا فِي الْعِنَايَةِ لَكِنْ لَمْ يَقْصِدْ الْمُؤَلِّفُ تَرْجِيحَهُ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ أَيْضًا بَلْ تَرْجِيحُ مَا هُوَ بِصَدَدِهِ مِنْ مَسْأَلَةِ الْمِقْدَارِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِي بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ بَعْدَ نَقْلِهِ مَا فِي الْعِنَايَةِ وَفِيهِ تَأَمُّلٌ وَالظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ الْوُجُوبُ وَكَذَا صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَحَلِّ وَبِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَالْمُخَافَتَةُ مُطْلَقًا فِيمَا يُخَافِتُ فِيهِ أَيْ سَوَاءٌ كَانَ إمَامًا أَوْ لَا كَمَا بَيَّنَّاهُ فَعَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ مُرَادُهُ تَرْجِيحَ الْقَوْلِ بِعَدَمِ وُجُوبِ الْإِخْفَاءِ عَلَى الْمُنْفَرِدِ بَلْ تَرْجِيحُ الْقَوْلِ بِأَنَّ الْجَهْرَ وَالْإِخْفَاءَ غَيْرُ مُقَدَّرَيْنِ بِمِقْدَارِ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ خِلَافًا لِمَا فِي الْهِدَايَةِ مِنْ التَّقْدِيرِ فِيهِمَا وَلِمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ مِنْ التَّقْدِيرِ فِي الثَّانِي فَقَطْ عَلَى أَنَّهُ حَيْثُ كَانَ يُفْهَمُ مِمَّا فِي الْخَانِيَّةِ تَخْصِيصُ وُجُوبِ الْمُخَافَتَةِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بِالْإِمَامِ دُونَ الْمُنْفَرِدِ وَصَرَّحَ بِهَذَا الْمَفْهُومِ فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا فَلَا يُعَارِضُهُ تَصْرِيحُ الْبَدَائِعِ بِأَنَّ وُجُوبَ الْمُخَافَتَةِ عَلَى الْمُنْفَرِدِ رِوَايَةُ الْأَصْلِ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مَا فِي الْأَصْلِ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ مَا فِي غَيْرِهِ غَيْرَ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بَلْ الشَّأْنُ تَرْجِيحُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ وَذَلِكَ بِقَوْلِ الْبَدَائِعِ وَهُوَ الصَّحِيحُ لَا بِقَوْلِهِ وَهُوَ رِوَايَةُ الْأَصْلِ كَمَا قَالَ صَاحِبُ النَّهْرِ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ) قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ لَكِنْ فِي الْمُحِيطِ وَقَالَ الشَّيْخُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ مَا قَالَ فِي الْكِتَابِ وَإِنْ شَغَلَهُ تَفَكُّرُهُ لَيْسَ يُرِيدُ أَنَّهُ شَغَلَهُ التَّفَكُّرُ عَنْ رُكْنٍ أَوْ وَاجِبٍ فَإِنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ سُجُودَ السَّهْوِ بِالْإِجْمَاعِ وَلَكِنْ أَرَادَ بِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 105 التَّفَكُّرُ يَمْنَعُهُ عَنْ التَّسْبِيحِ أَمَّا إذَا كَانَ يُسَبِّحُ أَوْ يَقْرَأُ وَيَتَفَكَّرُ فَلَا سَهْوَ عَلَيْهِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَوْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ فَذَهَبَ لِيَتَوَضَّأَ فَشَكَّ أَنَّهُ صَلَّى ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا وَشَغَلَهُ ذَلِكَ عَنْ وُضُوئِهِ سَاعَةً ثُمَّ اسْتَيْقَنَ فَأَتَمَّ وُضُوءَهُ فَعَلَيْهِ السَّهْوُ لِأَنَّهُ فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ فَكَانَ الشَّكُّ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بِمَنْزِلَةِ الشَّكِّ فِي حَالَةِ الْأَدَاءِ وَإِذَا قَعَدَ فِي صَلَاتِهِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ ثُمَّ شَكَّ فِي شَيْءٍ مِنْ صَلَاتِهِ أَنَّهُ صَلَّى ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا حَتَّى شَغَلَهُ ذَلِكَ عَنْ التَّسْلِيمِ ثُمَّ اسْتَيْقَنَ وَأَتَمَّ صَلَاتَهُ فَعَلَيْهِ السَّهْوُ اهـ. فَالْأَحْسَنُ أَنْ يُفَسِّرَ طُولَ التَّفْكِيرِ بِأَنْ يَشْغَلَهُ عَنْ مِقْدَارِ أَدَاءِ رُكْنٍ أَوْ وَاجِبٍ لِيَدْخُلَ السَّلَامُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ قَيَّدَ بِتَرْكِ الْوَاجِبِ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ بِتَرْكِ سُنَّةٍ كَالثَّنَاءِ وَالتَّعَوُّذِ وَالتَّسْمِيَةِ وَتَكْبِيرَاتِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَتَسْبِيحَاتِهَا وَرَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ وَتَكْبِيرَاتِ الْعِيدَيْنِ وَالتَّأْمِينِ وَالتَّسْمِيعِ وَالتَّحْمِيدِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَالْخُلَاصَةِ وَجَزَمَ الشَّارِحُ بِوُجُوبِ السُّجُودِ بِتَرْكِ التَّسْمِيَةِ مَصْدَرًا بِهِ ثُمَّ قَالَ وَقِيلَ لَا يَجِبُ وَكَذَا فِي الْمُجْتَبَى وَصَرَّحَ فِي الْقُنْيَةِ بِأَنَّ الصَّحِيحَ وُجُوبُ التَّسْمِيَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَتَبِعَهُ الْعَلَّامَةُ ابْنُ وَهْبَانَ فِي مَنْظُومَتِهِ وَكُلُّهُ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ الْمَذْهَبِ الْمَذْكُورِ فِي الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ وَالْفَتَاوَى مِنْ أَنَّهَا سُنَّةٌ لَا وَاجِبٌ فَلَا يَجِبُ بِتَرْكِهَا شَيْءٌ وَلَوْ تَرَكَ فَرْضًا فَإِنَّهُ لَا يَنْجَبِرُ بِالسُّجُودِ بَلْ تَبْطُلُ الصَّلَاةُ أَصْلًا وَفِي الْبَدَائِعِ وَأَمَّا بَيَانُ أَنَّ الْمَتْرُوكَ سَاهِيًا هَلْ يُقْضَى أَوْ لَا فَنَقُولُ أَنَّهُ يُقْضَى إنْ أَمْكَنَهُ التَّدَارُكُ بِالْقَضَاءِ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الْأَفْعَالِ أَوْ الْأَذْكَارِ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ فَإِنْ كَانَ الْمَتْرُوكُ فَرْضًا فَسَدَتْ وَإِنْ كَانَ وَاجِبًا لَا تَفْسُدُ وَلَكِنَّهُ يَنْقُصُ وَيَدْخُلُ فِي حَدِّ الْكَرَاهَةِ فَإِذَا تَرَكَ سَجْدَةً صُلْبِيَّةً مِنْ رَكْعَةٍ قَضَاهَا فِي آخِرِهَا إذَا تَذَكَّرَ وَلَا تَلْزَمُهُ إعَادَةُ مَا بَعْدَهَا وَإِذَا كَانَا سَجْدَتَيْنِ قَضَاهُمَا وَيَبْدَأُ بِالْأُولَى ثُمَّ بِالثَّانِيَةِ لِأَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى حَسْبِ الْأَدَاءِ وَلَوْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا سَجْدَةَ تِلَاوَةٍ وَتَرَكَهَا مِنْ الْأُولَى وَالْأُخْرَى صُلْبِيَّةً تَرَكَهَا مِنْ الثَّانِيَةِ يُرَاعِي التَّرْتِيبَ أَيْضًا فَيَبْدَأُ بِالتِّلَاوِيَّةِ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ وَلَوْ كَانَ الْمَتْرُوكُ رُكُوعًا فَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْقَضَاءُ وَكَذَا إذَا تَرَكَ سَجْدَتَيْنِ مِنْ رَكْعَةٍ لِأَنَّهُ لَا يُعْتَدُّ بِالسُّجُودِ قَبْلَ الرُّكُوعِ لِعَدَمِ مُصَادِفَتِهِ مَحِلَّهُ فَلَوْ قَرَأَ وَسَجَدَ وَلَمْ يَرْكَعْ ثُمَّ قَامَ فَقَرَأَ وَرَكَعَ وَسَجَدَ فَهَذَا قَدْ صَلَّى رَكْعَةً وَلَا يَكُونُ هَذَا الرُّكُوعُ قَضَاءً عَنْ الْأَوَّلِ وَكَذَا لَوْ قَرَأَ وَرَكَعَ وَلَمْ يَسْجُدْ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَرَأَ وَلَمْ يَرْكَعْ ثُمَّ سَجَدَ فَهَذَا قَدْ صَلَّى رَكْعَةً وَلَا يَكُونُ هَذَا السُّجُودُ قَضَاءً عَنْ الْأَوَّلِ وَكَذَا إذَا قَرَأَ وَرَكَعَ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَقَرَأَ وَرَكَعَ وَسَجَدَ فَإِنَّمَا صَلَّى رَكْعَةً وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ الرُّكُوعُ الْأَوَّلُ لِكَوْنِهِ صَادَفَ مَحَلَّهُ فَوَقَعَ الثَّانِي مُكَرَّرًا وَكَذَا إذَا قَرَأَ وَلَمْ يَرْكَعْ وَسَجَدَ ثُمَّ قَامَ فَقَرَأَ وَرَكَعَ وَلَمْ يَسْجُدْ ثُمَّ قَامَ فَقَرَأَ وَلَمْ يَرْكَعْ وَسَجَدَ فَإِنَّمَا صَلَّى رَكْعَةً وَأَمَّا الْأَذْكَارُ فَإِذَا تَرَكَ الْقِرَاءَةَ فِي الْأُولَيَيْنِ قَضَاهَا فِي الْآخِرَيْنِ وَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُ تَرْكِ الْفَاتِحَةِ أَوْ السُّورَةِ فِي الْأُولَيَيْنِ وَإِذَا تَرَكَ التَّشَهُّدَ فِي الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ ثُمَّ قَامَ فَتَذَكَّرَ عَادَ وَتَشَهَّدَ إذَا لَمْ يُقَيِّدْ بِالسَّجْدَةِ بِخِلَافِهِ فِي الْأُولَى كَمَا سَيَأْتِي مُفَصَّلًا. الْخَامِسُ أَنَّهُ لَا يَتَكَرَّرُ الْوُجُوبُ بِتَرْكِ   [منحة الخالق] شُغْلَ قَلْبِهِ بَعْدَ أَنْ تَكُونَ جَوَارِحُهُ مَشْغُولَةً بِأَدَاءِ الْأَرْكَانِ ثُمَّ ذَكَرَ عِبَارَةَ الذَّخِيرَةِ الْآتِيَةَ وَغَيْرَهَا ثُمَّ قَالَ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مِنْهُمْ مَنْ أَطْلَقَهَا كَصَاحِبِ عُمْدَةَ الْمُفْتِي فَقَالَ وَلَوْ شَكَّ فِي رُكُوعِهِ أَوْ فِي سُجُودِ وَطَالَ تَفَكُّرُهُ يَلْزَمُهُ السَّهْوُ وَمِنْهُمْ مَنْ ذَكَرَهَا بِخُصُوصِ الْقِيَامِ كَصَاحِبِ جَامِعِ الْفَتَاوَى وَهُوَ فِي الْقُنْيَةِ بِعَلَامَةِ ظَهِيرِ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيِّ فَقَالَ فَرَغَ مِنْ الْفَاتِحَةِ وَتَذَكَّرَ سَاعَةً سَاكِنًا أَيْ سُورَةً يَقْرَأُ مِقْدَارَ رُكْنٍ يَلْزَمُهُ السَّهْوُ وَمِنْهُمْ مَنْ فَصَّلَهُ بِالطُّولِ وَعَدَمِهِ وَأَطْلَقَ آخِرًا كَصَاحِبِ خِزَانَةِ الْفَتَاوَى فَقَالَ تَفَكَّرَ فِي الصَّلَاةِ إنْ طَالَ يَجِبُ سُجُودُ السَّهْوِ وَإِلَّا فَلَا وَالْفَاصِلُ أَنَّهُ إذَا شَغَلَهُ عَنْ شَيْءٍ مِنْ فِعْلِ الصَّلَاةِ وَإِنْ قَلَّ يَجِبُ سُجُودُ السَّهْوِ وَمِنْهُمْ مَنْ خَصَّصَ الْمَشْغُولَ عَنْهُ كَصَاحِبِ الْخُلَاصَةِ فَقَالَ وَإِنَّمَا يَجِبُ لَوْ طَالَ تَفَكُّرُهُ حَتَّى شَغَلَهُ عَنْ رُكُوعٍ أَوْ سَجْدَةٍ وَالظَّاهِرُ مَا فِي الْبَدَائِعِ أَوَّلًا لِظُهُورِ وَجْهِهِ وَمَا ذَكَرَهُ الشَّمْسُ فِي بَيَانِهِ آخِرًا وَإِطْلَاقُهُمْ وُجُوبُ السُّجُودِ بِتَأْخِيرِ الرُّكْنِ فِيمَا مَرَّ يُرَجِّحُ عَدَمَ التَّقْيِيدِ بِمَا فِي الذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهَا اهـ. كَلَامُهُ. وَقَدْ ذَكَرَ قَبْلَ هَذَا أَنَّ مَا فِي الذَّخِيرَةِ نَقَلَهُ فِي الْمُحِيطِ عَنْ أَبِي نَصْرٍ الصَّفَّارِ اهـ وَذَكَرَ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ فِي فَتَاوِيهِ أَنَّ شَمْسَ الْأَئِمَّةِ خَالَفَهُ وَذَكَرَ عِبَارَتَهُ السَّابِقَةَ وَذَكَرَ أَنَّ قَوْلَ الْبَدَائِعِ وَإِنْ كَانَ تَفَكُّرُهُ فِي غَيْرِ هَذِهِ الصَّلَاةِ إلَخْ جَعَلَهُ فِي الْمُحِيطِ بَعْضَ الرِّوَايَاتِ وَذَكَرَ عِبَارَتَهُ ثُمَّ قَالَ وَهَذَا تَرْجِيحٌ لِخِلَافِ مَا فِي الْبَدَائِعِ وَالذَّخِيرَةِ (قَوْلُهُ وَكُلُّهُ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ الْمَذْهَبِ) قَالَ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ قَالَ شَيْخُنَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ السَّمْدِيسِيُّ فِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ فَقَدْ حَكَى الْمُحَقِّقُونَ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ كَالْإِمَامِ أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيّ وَالْإِمَامِ أَبِي بَكْرٍ الْكَاشَانِيِّ وَغَيْرِهِمَا الْخِلَافَ بَيْنَ أَئِمَّتِنَا فِي السُّنِّيَّةِ لَا فِي الْوُجُوبِ قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ وَالْقَوْلُ بِوُجُوبِ الْبَسْمَلَةِ لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ فِي الرِّوَايَةِ وَمَا نُسِبَ إلَى أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْوُجُوبِ فَهُوَ مِنْ طُغْيَانِ الْيَرَاعِ وَمَنْ نُسِبَ إلَيْهِ الْقَوْلُ بِالْوُجُوبِ فَلَيْسَ بِمَشْهُورِ الِاخْتِيَارِ. [تَرَكَ جَمِيعَ وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ سَاهِيًا] (قَوْلُهُ الْخَامِسُ أَنَّهُ لَا يَتَكَرَّرُ) أَيْ مِنْ الْأَحْكَامِ الَّتِي بَيَّنَهَا الْمُصَنِّفُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ بِقَوْلِهِ فِي صَدْرِ الْقَوْلِ بِبَيَانِ الْأَحْكَامِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 106 أَكْثَرَ مِنْ وَاجِبٍ حَتَّى لَوْ تَرَكَ جَمِيعَ وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ سَاهِيًا فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ مِنْ سَجْدَتَيْنِ لِأَنَّهُ تَأَخَّرَ عَنْ زَمَانِ الْعِلَّةِ وَهُوَ وَقْتُ وُقُوعِ السَّهْوِ مَعَ أَنَّ الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ لَا تُؤَخَّرُ عَنْ عِلَلِهَا فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يَتَكَرَّرُ إذْ الشَّرْعُ لَمْ يَرِدْ بِهِ وَسَيَأْتِي أَنَّ الْمَسْبُوقَ يُتَابِعُ إمَامَهُ فِي سُجُودِ السَّهْوِ وَثُمَّ إذَا قَامَ إلَى الْقَضَاءِ وَسَهَا فَإِنَّهُ يَسْجُدُ ثَانِيًا فَقَدْ تَكَرَّرَ سُجُودُ السَّهْوِ وَأَجَابَ عَنْهُ فِي الْبَدَائِعِ بِأَنَّ التَّكْرَارَ فِي صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ غَيْرُ مَشْرُوعٍ وَهُمَا صَلَاتَانِ حُكْمًا وَإِنْ كَانَتْ التَّحْرِيمَةُ وَاحِدَةً لِأَنَّ الْمَسْبُوقَ فِيمَا يَقْضِي كَالْمُنْفَرِدِ وَنَظِيرُهُ الْمُقِيمُ إذَا اقْتَدَى بِالْمُسَافِرِ فَسَهَا الْإِمَامُ يُتَابِعُهُ الْمُقِيمُ فِي السَّهْوِ وَإِنْ كَانَ الْمُقِيمُ رُبَّمَا يَسْهُو فِي إتْمَامِ صَلَاتِهِ وَعَلَى تَقْدِيرِ السَّهْوِ وَيَسْجُدُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ لَكِنْ لَمَّا كَانَ مُنْفَرِدًا فِي ذَلِكَ كَانَ صَلَاتَيْنِ حُكْمًا اهـ. وَعَلَّلَهُ فِي الْمُحِيطِ بِأَنَّ السَّجْدَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ لَا تَرْفَعُ النُّقْصَانَ الْمُتَأَخِّرَ فَأَمَّا السَّجْدَةُ الْمُتَأَخِّرَةُ فَإِنَّهَا تَرْفَعُ النُّقْصَانَ الْمُتَقَدِّمَ وَلَا يَشْكُلُ عَلَيْهِ مَا فِي عُمْدَةِ الْفَتَاوَى لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ وَخِزَانَةِ الْفِقْهِ لِأَبِي اللَّيْثِ مِنْ أَنَّ التَّشَهُّدَ يَقَعُ فِي صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ عَشْرُ مَرَّاتٍ وَصُورَتُهُ رَجُلٌ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ مِنْ الْمَغْرِبِ وَتَشَهَّدَ مَعَهُ ثُمَّ يَتَشَهَّدُ مَعَهُ فِي الثَّانِيَةِ وَكَانَ عَلَى الْإِمَامِ سَهْوٌ فَتَشَهَّدَ مَعَهُ فِي الثَّالِثَةِ ثُمَّ ذَكَرَ الْإِمَامُ أَنَّ عَلَيْهِ سَجْدَةَ التِّلَاوَةِ فَإِنَّهُ يَسْجُدُ مَعَهُ وَيَتَشَهَّدُ مَعَهُ الرَّابِعَةَ ثُمَّ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَيَتَشَهَّدُ مَعَهُ الْخَامِسَةَ فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ فَإِنَّهُ يَقُومُ إلَى قَضَاءِ مَا سُبِقَ بِهِ فَيُصَلِّي رَكْعَةً وَيَتَشَهَّدُ السَّادِسَةَ فَإِذَا صَلَّى رَكْعَةً أُخْرَى يَتَشَهَّدُ السَّابِعَةَ وَكَانَ قَدْ سَهَا فِيمَا يَقْضِي فَيَسْجُدُ وَيَتَشَهَّدُ الثَّامِنَةَ ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّهُ قَرَأَ آيَةَ السَّجْدَةِ فِي قَضَائِهِ فَإِنَّهُ يَسْجُدُ وَيَتَشَهَّدُ التَّاسِعَةَ ثُمَّ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَيَتَشَهَّدُ لِلْعَاشِرَةِ اهـ. مَعَ أَنَّهُ قَدْ تَكَرَّرَ السُّجُودُ لِلسَّهْوِ فِي صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ حَقِيقَةً وَحُكْمًا وَهِيَ صَلَاةُ الْإِمَامِ وَالْمَسْبُوقِ بِسَبَبِ السَّجْدَةِ الْخَامِسَةِ فِيهِمَا وَأَمَّا التَّشَهُّدُ الرَّابِعُ فَلِكَوْنِهِ بِسَبَبِ سُجُودِ التِّلَاوَةِ ارْتَفَعَ تَشَهُّدُ الْقَعْدَةِ لَا أَنَّ لِسُجُودِ التِّلَاوَةِ تَشَهُّدًا لِأَنَّ سُجُودَ التِّلَاوَةِ رَفَعَ مَا كَانَ قَبْلَهُ مِنْ التَّشَهُّدِ وَالْقُعُودِ وَسُجُودِ السَّهْوِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَسْجُدْ لِلسَّهْوِ فَلِذَا يَسْجُدُ آخِرًا كَمَا لَوْ سَجَدَ لِلسَّهْوِ ثُمَّ نَوَى الْإِقَامَةَ حَتَّى صَارَ فَرْضُهُ أَرْبَعًا فَإِنَّهُ يُعِيدُ سُجُودَ السَّهْوِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ إذَا سَهَا الْإِمَامُ ثُمَّ سَهَا خَلِيفَتُهُ سَجَدَ الثَّانِي سَجْدَتَيْنِ وَكَفَاهُ. (قَوْلُهُ وَبِسَهْوِ إمَامه لَا بِسَهْوِهِ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِتَرْكِ وَاجِبٍ فَأَفَادَ أَنَّ السُّجُودَ لَهُ سَبَبَانِ إمَّا تَرْكُ الْوَاجِبِ أَوْ سَهْوُ إمَامِهِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ مُتَابَعَتُهُ إذَا سَجَدَ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سَجَدَ لَهُ وَتَبِعَهُ الْقَوْمُ وَلِأَنَّهُ تَبِعَ لِإِمَامِهِ فَيَلْزَمُهُ حُكْمُ فِعْلِهِ كَالْمُفْسِدِ وَنِيَّةُ الْإِقَامَةِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ مُقْتَدِيًا بِهِ وَقْتَ السَّهْوِ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَمَا إذَا سَجَدَ سَجْدَةً وَاحِدَةً ثُمَّ اقْتَدَى بِهِ فَإِنَّهُ يُتَابِعُهُ فِي الْأُخْرَى وَلَا يَقْضِي الْأُولَى كَمَا لَا يَقْضِيهِمَا لَوْ اقْتَدَى بِهِ بَعْدَ مَا سَجَدَهُمَا لِأَنَّهُ حِينَ دَخَلَ فِي تَحْرِيمَةِ الْإِمَامِ كَانَ النَّقْصُ قَدْ انْجَبَرَ بِالسَّجْدَتَيْنِ أَوْ بِإِحْدَاهُمَا وَلَا يُعْقَلُ وُجُوبُ جَابِرٍ مِنْ غَيْرِ نَقْصٍ وَقُيِّدَ بِأَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ سَجَدَ لِأَنَّهُ لَوْ سَقَطَ عَنْ الْإِمَامِ بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ بِأَنْ تَكَلَّمَ أَوْ أَحْدَثَ مُتَعَمِّدًا أَوْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ عَنْ الْمُقْتَدِي بِخِلَافِ تَكْبِيرِ التَّشْرِيقِ حَيْثُ يَأْتِي بِهِ الْمُؤْتَمُّ وَإِنْ تَرَكَهُ الْإِمَامُ لِكَوْنِهِ لَا يُؤَدِّي فِي حُرْمَتِهَا وَشَمِلَ كَلَامُهُ الْمُدْرِكَ وَالْمَسْبُوقَ وَاللَّاحِقَ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُمْ بِسَهْوِ إمَامِهِمْ لَكِنَّ اللَّاحِقَ لَا يُتَابِعُ الْإِمَامَ فِي سُجُودِ السَّهْوِ إذَا انْتَبَهَ فِي حَالِ اشْتِغَالِ الْإِمَامِ بِسُجُودِ السَّهْوِ أَوْ جَاءَ إلَيْهِ مِنْ الْوُضُوءِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ إنَّمَا يَبْدَأُ بِقَضَاءِ مَا فَاتَهُ ثُمَّ يَسْجُدُ فِي آخَرِ صَلَاتِهِ وَالْمَسْبُوقُ وَالْمُقِيمُ خَلْفَ الْمُسَافِرِ يُتَابِعَانِ الْإِمَامَ فِي سُجُودِ السَّهْوِ ثُمَّ يَشْتَغِلَانِ بِالْإِتْمَامِ وَالْفَرْقُ أَنَّ اللَّاحِقَ الْتَزَمَ مُتَابَعَةَ الْإِمَامِ فِيمَا اقْتَدَى بِهِ عَلَى نَحْوِ مَا يُصَلِّي الْإِمَامُ وَإِنَّهُ اقْتَدَى بِهِ فِي جَمِيعِ الصَّلَاةِ فَيُتَابِعُهُ فِي جَمِيعِهَا عَلَى نَحْوِ مَا أَدَّى الْإِمَامُ وَالْإِمَامُ أَدَّى الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ وَسَجَدَ لِسَهْوِهِ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ فَكَذَا اللَّاحِقُ فَأَمَّا الْمَسْبُوقُ فَقَدْ الْتَزَمَ بِالِاقْتِدَاءِ بِهِ مُتَابَعَةً بِقَدْرِ مَا هُوَ صَلَاةُ الْإِمَامِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَأَمَّا التَّشَهُّدُ الرَّابِعُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ هَذَا جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ كَأَنَّهُ قِيلَ قَدْ تَقَرَّرَ أَنَّهُ لَا تَشَهُّدَ فِي سُجُودِ التِّلَاوَةِ فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ وَأَمَّا التَّشَهُّدُ إلَخْ (قَوْلُهُ لِأَنَّ سُجُودَ التِّلَاوَةِ رَفْعٌ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ هَذَا جَوَابٌ مِمَّا نَشَأَ مِنْ قَوْلِهِ أَوَّلًا وَلَا يُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا فِي عِدَّةِ الْفَتَاوَى إلَخْ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 107 وَقَدْ أَدْرَكَ هَذَا الْقَدْرَ فَيُتَابِعُهُ فِيهِ ثُمَّ يَنْفَرِدُ وَكَذَا الْمُقِيمُ الْمُقْتَدِي بِالْمُسَافِرِ فَلَوْ كَانَ مَسْبُوقًا بِثَلَاثٍ وَلَاحِقًا بِرَكْعَةٍ فَسَجَدَ إمَامُهُ لِلسَّهْوِ فَإِنَّهُ يَقْضِي رَكْعَةً بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ لِأَنَّهُ لَاحِقٌ وَيَتَشَهَّدُ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ لِأَنَّ ذَلِكَ مَوْضِعُ سُجُودِ الْإِمَامِ ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَةً بِقِرَاءَةٍ وَيَقْعُدُ لِأَنَّهَا ثَانِيَةَ صَلَاتِهِ وَلَوْ كَانَ عَلَى الْعَكْسِ سَجَدَ لِلسَّهْوِ بَعْدَ الثَّالِثَةِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَلَوْ سَجَدَ اللَّاحِقُ مَعَ الْإِمَامِ لِلسَّهْوِ لَمْ يَجُزْهُ لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ أَوَانِهِ فِي حَقِّهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ إذَا فَرَغَ مِنْ قَضَاءِ مَا عَلَيْهِ وَلَكِنْ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ مَا زَادَ إلَّا سَجْدَتَيْنِ بِخِلَافِ الْمَسْبُوقِ إذَا تَابَعَ الْإِمَامَ فِي سُجُودِ السَّهْوِ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْإِمَامِ سَهْوٌ حَيْثُ تَفْسُدُ صَلَاةُ الْمَسْبُوقِ لِكَوْنِهِ اقْتَدَى فِي مَوْضِعِ الِانْفِرَادِ لَا لِزِيَادَةِ السَّجْدَتَيْنِ وَلَمْ يُوجَدْ فِي اللَّاحِقِ لِأَنَّهُ مُقْتَدٍ فِي جَمِيعِ مَا يُؤَدِّي كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَفَصَّلَ فِي الْمُحِيطِ بَيْنَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى إمَامِهِ سَهْوٌ فَيُفِيدُ وَبَيْنَ أَنْ لَا يَعْلَمَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فَلَا يَفْسُدُ لِأَنَّ كَثِيرًا مَا يَقَعُ لِجَهَلَةِ الْأَئِمَّةِ فَسَقَطَ اعْتِبَارُ الْمُفْسِدِ هُنَا لِلضَّرُورَةِ اهـ. وَلَوْ لَمْ يُتَابِعْ الْمَسْبُوقُ إمَامَهُ وَقَامَ إلَى قَضَاءِ مَا سُبِقَ بِهِ فَإِنَّهُ يَسْجُدُ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّ التَّحْرِيمَةَ مُتَّحِدَةٌ فَجَعَلَ كَأَنَّهَا صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ وَلَوْ سَهَا فِيمَا يَقْضِي وَلَمْ يَسْجُدْ لِسَهْوِ إمَامِهِ كَفَاهُ سَجْدَتَانِ وَلَوْ سَجَدَ مَعَ الْإِمَامِ ثُمَّ سَهَا فِيمَا يَقْضِي فَعَلَيْهِ السَّهْوُ ثَانِيًا لِمَا مَرَّ أَنَّ ذَلِكَ أَدَاءُ السَّهْوِ فِي صَلَاتَيْنِ حُكْمًا فَلَمْ يَكُنْ تَكْرَارًا ثُمَّ الْمَسْبُوقُ إنَّمَا يُتَابِعُ الْإِمَامَ فِي السَّهْوِ لَا فِي السَّلَامِ فَيَسْجُدُ مَعَهُ وَيَتَشَهَّدُ فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ قَامَ إلَى الْقَضَاءِ فَإِنْ سَلَّمَ فَإِنْ كَانَ عَامِدًا فَسَدَتْ وَإِلَّا فَلَا وَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ إنْ سَلَّمَ قَبْلَ الْإِمَامِ أَوْ مَعَهُ وَإِنْ سَلَّمَ بَعْدَهُ لَزِمَهُ لِكَوْنِهِ مُنْفَرِدًا حِينَئِذٍ وَعَلَى هَذَا لَوْ أَحْدَثَ الْإِمَامُ بَعْدَ السَّلَامِ قَبْلَ السُّجُودِ فَاسْتَخْلَفَ مَسْبُوقًا وَارْتَكَبَ خِلَافَ الْأُولَى وَتَقَدَّمَ يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَخْلِفَ مُدْرِكًا لِيَسْجُدَ بِهِمْ وَيَسْجُدُ هُوَ مَعَهُمْ فَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ مَعَ خَلِيفَتِهِ سَجَدَ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْمَسْبُوقُ مُدْرِكًا وَكَانُوا كُلُّهُمْ مَسْبُوقِينَ قَامُوا وَقَضَوْا مَا سُبِقُوا بِهِ فُرَادَى ثُمَّ إذَا فَرَغُوا يَسْجُدُونَ وَلَوْ قَامَ الْمَسْبُوقُ إلَى قَضَاءِ مَا سُبِقَ بِهِ بَعْدَمَا سَلَّمَ الْإِمَامُ ثُمَّ تَذَكَّرَ الْإِمَامُ أَنَّ عَلَيْهِ سُجُودَ السَّهْوِ قَبْلَ أَنْ يُقَيِّدَ الْمَسْبُوقَ رَكْعَةً بِسَجْدَةٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَرْفُضَ ذَلِكَ وَيَعُودُ إلَى مُتَابَعَةِ الْإِمَامِ ثُمَّ إذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ قَامَ إلَى قَضَاءِ مَا سُبِقَ بِهِ وَلَا يَعْتَدُّ بِمَا فَعَلَ مِنْ الْقِيَامِ وَالْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ وَلَوْ لَمْ يَعُدْ إلَى الْإِمَامِ وَمَضَى عَلَى صَلَاتِهِ يَجُوزُ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ بَعْدَمَا فَرَغَ مِنْ الْقَضَاءِ اسْتِحْسَانًا وَلَوْ تَذَكَّرَ الْإِمَامُ أَنَّ عَلَيْهِ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ بَعْدَ مَا قَيَّدَ الْمَسْبُوقُ رَكْعَتَهُ بِسَجْدَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَعُودُ إلَى الْإِمَامِ وَلَا يُتَابِعُهُ فِي سُجُودِ السَّهْوِ وَلَوْ تَابَعَهُ فِيهَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ لِزِيَادَةِ رَكْعَةٍ وَقَدْ ذَكَرْنَا بَقِيَّةَ مَسَائِلِ الْمَسْبُوقِ فِي بَابِ الْحَدَثِ فِي الصَّلَاةِ وَلَوْ سَهَا الْإِمَامُ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ سَجَدَ لِلسَّهْوِ وَتَابَعَهُ فِيهَا الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ وَأَمَّا الطَّائِفَةُ الْأُولَى فَإِنَّمَا يَسْجُدُونَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْإِتْمَامِ لِأَنَّ الثَّانِيَةَ بِمَنْزِلَةِ الْمَسْبُوقِينَ وَالْأُولَى بِمَنْزِلَةِ اللَّاحِقِينَ وَإِنَّمَا لَمْ يَلْزَمْ الْمَأْمُومَ سَهْوُ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ لَوْ سَجَدَ وَحْدَهُ كَانَ مُخَالِفًا لِإِمَامِهِ إنْ سَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ وَإِنْ أَخَّرَهُ إلَى مَا بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ يَخْرُجُ مِنْ الصَّلَاةِ بِسَلَامِ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ سَلَامُ عَمْدٍ مِمَّنْ لَا سَهْوَ عَلَيْهِ وَلَوْ تَابَعَهُ الْإِمَامُ يَنْقَلِبُ التَّبَعُ أَصْلًا وَشَمِلَ كَلَامُهُ الْمُدْرِكَ وَاللَّاحِقَ فَإِنَّهُ مُقْتَدٍ فِي جَمِيعِ صَلَاتِهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا قِرَاءَةَ عَلَيْهِ فَلَا سُجُودَ لَوْ سَهَا فِيمَا يَقْضِيهِ مُطْلَقًا وَأَمَّا الْمُقِيمُ إذَا اقْتَدَى بِالْمُسَافِرِ ثُمَّ قَامَ لِإِتْمَامِ صَلَاتِهِ وَسَهَا فَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّهُ كَاللَّاحِقِ فَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَقْرَأُ وَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ السُّجُودُ وَصَحَّحَهُ فِي الْبَدَائِعِ لِأَنَّهُ إنَّمَا اقْتَدَى بِالْإِمَامِ بِقَدْرِ صَلَاةِ الْإِمَامِ فَإِذَا انْقَضَتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ صَارَ مُنْفَرِدًا فِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ وَإِنَّمَا لَا يَقْرَأُ فِيمَا يَتِمُّ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ فَرْضٌ فِي الْأُولَيَيْنِ وَقَدْ قَرَأَ الْإِمَامُ فِيهِمَا وَشَمِلَ الْمَسْبُوقُ فِيمَا يُؤَدِّيهِ مَعَ الْإِمَامِ وَأَمَّا فِيمَا يَقْضِيهِ فَهُوَ كَالْمُنْفَرِدِ كَمَا تَقَدَّمَ وَعَلَيْهِ يُفَرَّعُ مَا إذَا سَلَّمَ سَاهِيًا فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْإِمَامِ أَوْ مَعَهُ فَلَا سَهْوَ وَإِنْ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ يَخْرُجُ مِنْ الصَّلَاةِ بِسَلَامِ الْإِمَامِ) قَالَ فِي النَّهْرِ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْهَا بِسَلَامِهِ وَقَدْ سَبَقَ خِلَافٌ فِيمَنْ لَا سَهْوَ عَلَيْهِ فَكَيْفَ بِمَنْ عَلَيْهِ السَّهْوُ وَحِينَئِذٍ فَيُمْكِنُهُ أَنْ يَأْتِيَ بِهَذَا الْجَابِرِ اهـ. وَمُرَادُهُ بِالْخِلَافِ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي بَابِ الْحَدَثِ فِي الصَّلَاةِ عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّ الْقَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنْ الصَّلَاةِ بِحَدَثِ الْإِمَامِ عَمْدًا اتِّفَاقًا وَلِهَذَا لَا يُسَلِّمُونَ وَلَا يَخْرُجُونَ مِنْهَا بِسَلَامِهِ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَأَمَّا بِكَلَامِهِ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - رِوَايَتَانِ اهـ. لَكِنْ ذَكَرَ فِي نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ لَوْ ضَحِكَ الْقَوْمُ بَعْدَمَا أَحْدَثَ الْإِمَامُ مُتَعَمِّدًا لَا وُضُوءَ عَلَيْهِمْ وَكَذَا بَعْدَمَا تَكَلَّمَ الْإِمَامُ وَكَذَا بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ هُوَ الْأَصَحُّ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَقِيلَ إذَا قَهْقَهُوا بَعْدَ سَلَامِهِ بَطَلَ وُضُوءُهُمْ وَالْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ هَلْ هُوَ فِي الصَّلَاةِ إلَى أَنْ يُسَلِّمَ بِنَفْسِهِ أَوْ لَا اهـ. وَعَلَيْهِ فَمُقْتَضَى كَلَامِ الْخُلَاصَةِ أَنَّ الْأَصَحَّ الثَّانِيَ وَلِذَا جَزَمَ بِهِ هُنَا وَظَاهِرُهُ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ مَنْ عَلَيْهِ سَهْوٌ أَوْ لَا فَسَقَطَ كَلَامُ النَّهْرِ فَتَدَبَّرْ وَفِي النَّهْرِ أَيْضًا ثُمَّ مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يُعِيدُهَا لِثُبُوتِ الْكَرَاهَةِ مَعَ تَعَذُّرِ الْجَابِرِ (قَوْلُهُ وَقَدْ قَرَأَ الْإِمَامُ فِيهِمَا) قَالَ فِي النَّهْرِ وَبِهَذَا عَلِمَ أَنَّهُ كَاللَّاحِقِ فِي حَقِّ الْقِرَاءَةِ فَقَطْ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 108 كَانَ بَعْدَهُ فَعَلَيْهِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ وَفِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ وَيَنْبَغِي لِلْمَسْبُوقِ أَنْ يَمْكُثَ سَاعَةً بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ ثُمَّ يَقُومُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْإِمَامِ سَهْوٌ. (قَوْلُهُ وَإِنْ سَهَا عَنْ الْقُعُودِ الْأَوَّلِ وَهُوَ إلَيْهِ أَقْرَبُ عَادَ وَإِلَّا لَا) أَيْ إلَى الْقُعُودِ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ مَا يَقْرُبُ مِنْ الشَّيْءِ يَأْخُذُ حُكْمَهُ كَفِنَاءِ الْمِصْرِ وَحَرِيمِ الْبِئْرِ فَإِنْ كَانَ أَقْرَبَ إلَى الْقُعُودِ بِأَنْ رَفَعَ أَلْيَتَيْهِ مِنْ الْأَرْضِ وَرَكِبَتَاهُ عَلَيْهَا أَوْ مَا لَمْ يَنْتَصِبْ النِّصْفُ الْأَسْفَلُ وَصَحَّحَهُ فِي الْكَافِي فَكَأَنَّهُ لَمْ يَقُمْ أَصْلًا فَإِنْ كَانَ إلَى الْقِيَامِ أَقْرَبُ فَكَأَنَّهُ قَدْ قَامَ وَهُوَ فَرْضٌ قَدْ تَلَبَّسَ بِهِ فَلَا يَجُوزُ رَفْضُهُ لِأَجْلِ وَاجِبٍ وَهُوَ الْقَعْدَةُ وَهَذَا التَّفْصِيلُ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَاخْتَارَهُ مَشَايِخُ بُخَارَى وَارْتَضَاهُ أَصْحَابُ الْمُتُونِ وَفِي الْكَافِي وَاسْتَحْسَنَ مَشَايِخُنَا رِوَايَتَهُ وَذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ إذَا لَمْ يَسْتَتِمَّ قَائِمًا يَعُودُ وَإِذَا اسْتَتَمَّ قَائِمًا لَا يَعُودُ لِأَنَّهُ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَامَ مِنْ الثَّانِيَةِ إلَى الثَّالِثَةِ قَبْلَ أَنْ يَقْعُدَ فَسَبَّحُوا بِهِ فَعَادَ وَرُوِيَ أَنَّهُ لَمْ يَعُدْ وَكَانَ بَعْدَمَا اسْتَتَمَّ قَائِمًا وَهَذَا لِأَنَّهُ لَمَّا اسْتَتَمَّ قَائِمًا اشْتَغَلَ بِفَرْضِ الْقِيَامِ فَلَا يُتْرَكُ. اهـ. وَصَحَّحَهُ الشَّارِحُ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَالتَّوْفِيقُ بَيْنَ الْفِعْلَيْنِ الْمَرْوِيَّيْنِ بِالْحَمْلِ عَلَى حَالَتَيْ الْقُرْبِ مِنْ الْقِيَامِ وَعَدَمِهِ لَيْسَ بِأَوْلَى مِنْهُ بِالْحَمْلِ عَلَى الِاسْتِوَاءِ وَعَدَمِهِ ثُمَّ لَوْ عَادَ فِي مَوْضِعِ وُجُوبِ عَدَمِهِ اخْتَلَفُوا فِي فَسَادِ صَلَاتِهِ فَصَحَّحَ الشَّارِحُ الْفَسَادَ لِتَكَامُلِ الْجِنَايَةِ بِرَفْضِ الْفَرْضِ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِ لِأَجْلِ مَا لَيْسَ بِفَرْضٍ وَفِي الْمُبْتَغَى بَالِغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ أَنَّهُ غَلَطٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَرْكٍ وَإِنَّمَا هُوَ تَأْخِيرٌ كَمَا لَوْ سَهَا عَنْ السُّورَةِ فَرَكَعَ فَإِنَّهُ يَرْفُضُ الرُّكُوعَ وَيَعُودُ إلَى الْقِيَامِ وَيَقْرَأُ لِأَجْلِ الْوَاجِبِ وَكَمَا لَوْ سَهَا عَنْ الْقُنُوتِ فَرَكَعَ فَإِنَّهُ لَوْ عَادَ وَقَنَتَ لَا تَفْسُدُ عَلَى الْأَصَحِّ وَقَدْ يُقَالُ أَنَّهُ لَوْ عَادَ وَقَرَأَ السُّورَةَ صَارَتْ السُّورَةُ فَرْضًا فَقَدْ عَادَ مِنْ فَرْضٍ إلَى فَرْضٍ وَالْقُنُوتُ لَهُ شُبْهَةُ الْقُرْآنِيَّةِ عَلَى مَا قِيلَ أَنَّهُ كَانَ قُرْآنًا فَنُسِخَ فَقَدْ عَادَ إلَى مَا فِيهِ شُبْهَةُ الْقُرْآنِيَّةِ أَوْ عَادَ إلَى فَرْضٍ وَهُوَ الْقِيَامُ فَإِنَّ كُلَّ رُكْنٍ طُولُهُ فَإِنَّهُ يَقَعُ فَرْضًا كُلُّهُ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي النَّفْسِ مِنْ التَّصْحِيحِ شَيْءٌ وَذَلِكَ أَنَّ غَايَةَ الْأَمْرِ فِي الرُّجُوعِ إلَى الْقَعْدَةِ الْأُولَى أَنْ تَكُونَ زِيَادَةَ قِيَامِ مَا فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ لَا يَحِلُّ فَهُوَ بِالصِّحَّةِ لَا يَخْلُ لِمَا عُرِفَ أَنَّ زِيَادَةَ مَا دُونَ رَكْعَةٍ لَا يَفْسُدُ إلَّا أَنْ يُفَرِّقَ بِاقْتِرَانِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ بِالرَّفْضِ لَكِنْ قَدْ يُقَالُ الْمُسْتَحَقُّ لُزُومُ الْإِثْمِ أَيْضًا بِالرَّفْضِ أَمَّا الْفَسَادُ فَلَمْ يَظْهَرْ وَجْهُ اسْتِلْزَامِهِ إيَّاهُ فَتَرَجَّعَ بِهَذَا الْبَحْثِ الْقَوْلُ الْمُقَابِلُ لِلْمُصَحِّحِ اهـ. فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى تَصْحِيحٍ آخَرَ وَقَدْ ذُكِرَ فِي الْمُجْتَبَى وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ أَنَّهُ لَوْ عَادَ بَعْدَ الِانْتِصَابِ مُخْطِئًا قِيلَ يَتَشَهَّدُ لِنَقْضِهِ الْقِيَامَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَتَشَهَّدُ وَيَقُومُ وَلَا يَنْتَقِضُ قِيَامُهُ بِقُعُودٍ لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ كَمَنْ نَقَضَ الرُّكُوعَ بِسُورَةٍ لَا يَنْتَقِضُ رُكُوعُهُ اهـ. فَقَدْ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ كَمَا رَأَيْت وَالْحَقُّ   [منحة الخالق] قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَهُوَ إلَيْهِ أَقْرَبُ) قَالَ فِي النَّهْرِ فِي كَلَامِهِ تَقْدِيمُ مَعْمُولِ أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ عِنْدَهُمْ وَجَوَّزَهُ صَدْرُ الْأَفَاضِلِ تَوْسِعَةً (قَوْلُهُ وَصَحَّحَهُ الشَّارِحُ) أَقُولُ: وَنَقَلَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ تَصْحِيحَهُ عَنْ الْبُرْهَانِ وَمَشَى عَلَيْهِ فِي مَتْنِهِ نُورِ الْإِيضَاحِ وَكَذَا تِلْمِيذُ الْمُؤَلِّفِ فِي مَتْنِهِ التَّنْوِيرِ (قَوْلُهُ وَقَدْ يُقَالُ أَنَّهُ إذَا عَادَ إلَخْ) ذَكَرَهُ الْمَقْدِسِيَّ أَيْضًا وَقَالَ بَعْدَهُ وَلَا غَلَطَ فِي كَلَامِهِمْ إنْ أَرَادُوا تَرْكًا مُقَيَّدًا بِذَلِكَ الْوَقْتِ لَيْسَ تَرْكًا بِالْكُلِّيَّةِ فَهُوَ مَعْنَى التَّأْخِيرِ فَتَأَمَّلْ اهـ. وَحَاصِلُهُ إبْدَاءُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْعَوْدِ إلَى الْقُعُودِ فِي مَسْأَلَتِنَا وَالْعَوْدِ إلَى الْقِيَامِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَقِيسِ عَلَيْهَا بِأَنَّ عَوْدَهُ إلَى الْقِيَامِ عَوْدٌ مِنْ فَرْضٍ إلَى فَرْضٍ بِخِلَافِ عَوْدِهِ إلَى الْقُعُودِ لَكِنْ يُجَابُ أَنَّهُ فِي مَسْأَلَةِ الْقُنُوتِ لَمْ يَعُدْ إلَى فَرْضٍ لِأَنَّ رُكُوعَهُ لَمْ يُرْتَفَضْ فَقِيَامُهُ بَعْدَهُ لَيْسَ قِيَامَ فَرْضٍ بَلْ هُوَ قِيَامُ الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ وَهُوَ سُنَّةٌ أَوْ وَاجِبٌ فَكَانَ فِي قِرَاءَتِهِ لِلْقُنُوتِ تَأْخِيرُ فَرْضِ لَا تَرْكُهُ فَهُوَ نَظِيرُ عَوْدِهِ إلَى الْقُعُودِ (قَوْلُهُ وَالْقُنُوتُ لَهُ شُبْهَةُ الْقُرْآنِيَّةِ إلَخْ) هَذَا مُسَلَّمٌ لَوْ كَانَ الْوَاجِبُ فِي الْقُنُوتِ دُعَاءَهُ الْمَخْصُوصَ الَّذِي قِيلَ إنَّهُ كَانَ سُورَتَيْنِ مِنْ الْقُرْآنِ فَنُسِخَ مَعَ أَنَّهُ سُنَّةٌ وَالْوَاجِبُ غَيْرُ مُؤَقَّتٍ بِهِ كَمَا مَرَّ فِي مَحِلِّهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ مِنْ التَّصْحِيحِ) أَيْ مِنْ تَصْحِيحِ الزَّيْلَعِيِّ الْفَسَادَ (قَوْلُهُ وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْمُجْتَبَى إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَقُولُ: صَرَّحَ ابْنُ وَهْبَانَ بِأَنَّ الْخِلَافَ فِي التَّشَهُّدِ وَعَدَمِهِ مُفَرَّعٌ عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ الْفَسَادِ وَتَرْجِيحُ أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ بِنَاءً عَلَيْهِ لَا يَسْتَلْزِمُ تَرْجِيحَ عَدَمِ الْفَسَادِ ظَاهِرًا نَعَمْ قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْبَرِّ رَأَيْت بِخَطِّ الْعَلَّامَةِ نِظَامِ الدِّينِ السِّيرَامِيِّ تَصْحِيحَ عَدَمِ الْفَسَادِ ثُمَّ قَالَ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَمْنَعَ قَوْلَ الْمُحَقِّقِ غَايَةَ مَا وُجِدَ إلَخْ بِأَنَّ الْفَسَادَ لَمْ يَأْتِ مِنْ قِبَلِ الزِّيَادَةِ بَلْ مِنْ رَفْضِ الرُّكْنِ لِلْوَاجِبِ وَاَلَّذِي رَأَيْته مَنْقُولًا عَنْ شَرْحِ الْقُدُورِيِّ لِابْنِ عَوْفٍ وَالزَّوْزَنِيِّ أَنَّ الْقَوْلَ بِعَدَمِ الْفَسَادِ فِي صُورَةِ مَا إذَا كَانَ إلَى الْقِيَامِ أَقْرَبَ وَأَنَّهُ فِي الِاسْتِوَاءِ قَائِمًا لَا خِلَافَ فِي الْفَسَادِ اهـ. وَقَدْ نَقَلَ الْمَقْدِسِيَّ عَنْ شَرْحَيْ الْقُدُورِيِّ لِلْمَذْكُورَيْنِ بَعْدَ نَقْلِهِ تَصْحِيحَ الصِّحَّةِ عَنْ الْمِعْرَاجِ وَالدِّرَايَةِ مَا نَصُّهُ إنْ عَادَ لِلْقُعُودِ يَكُونُ مُسِيئًا وَلَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَيَسْجُدُ لِتَأْخِيرِ الْوَاجِبِ اهـ. وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا بَحَثَهُ الْمُحَقِّقُ وَيُوَافِقُهُ أَيْضًا فِي الْقُنْيَةِ تَرْكُ الْقَعْدَةِ الْأُولَى فِي الْفَرْضِ فَلَمَّا قَامَ عَادَ إلَيْهَا وَذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ الْقُعُودُ يَقُومُ فِي الْحَالِ وَفِيهَا أَيْضًا وَلَوْ عَادَ الْإِمَامُ يَعْنِي إلَى الْقَعْدَةِ الْأُولَى بَعْدَمَا قَامَ لَا يَعُودُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 109 عَدَمُ الْفَسَادِ وَلَا يَلْزَمُ سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ فَإِنَّهُ يَتْرُكُ الْفَرْضَ لِأَجْلِهَا وَهِيَ وَاجِبَةٌ لِأَنَّ ذَلِكَ ثَبَتَ بِالنَّصِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ وَأَرَادَ بِالْقُعُودِ الْأَوَّلِ الْقُعُودَ فِي صَلَاةِ الْفَرْضِ رُبَاعِيًّا كَانَ أَوْ ثُلَاثِيًّا وَكَذَا فِي صَلَاةِ الْوِتْرِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ أَمَّا فِي النَّفْلِ إذَا قَامَ إلَى الثَّالِثَةِ مِنْ غَيْرِ قَعْدَةٍ فَإِنَّهُ يَعُودُ وَلَوْ اسْتَتَمَّ قَائِمًا مَا لَمْ يُقَيِّدْهَا بِسَجْدَةٍ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَحَكَى فِيهِ خِلَافًا فِي الْمُحِيطِ قِيلَ لَا يَعُودُ لِأَنَّهُ صَارَ كَالْفَرْضِ وَقِيلَ يَعُودُ مَا لَمْ يُقَيِّدْهَا بِالسَّجْدَةِ لِأَنَّ كُلَّ شَفْعٍ صَلَاةٌ عَلَى حِدَةٍ فِي حَقِّ الْقِرَاءَةِ فَأَمَرْنَاهُ بِالْعَوْدِ إلَى الْقَعْدَةِ احْتِيَاطًا وَمَتَى عَادَ تَبَيَّنَ أَنَّ الْقَعْدَةَ وَقَعَتْ فَرْضًا فَيَكُونُ رَفْضُ الْفَرْضِ لِمَكَانِ الْفَرْضِ فَيَجُوزُ اهـ. وَهَذَا كُلُّهُ فِي حَقِّ الْإِمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ وَأَمَّا الْمَأْمُومُ إذَا قَامَ سَاهِيًا فَإِنَّهُ يَعُودُ وَيَقْعُدُ لِأَنَّ الْقُعُودَ فَرْضٌ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْمُتَابَعَةِ إلَيْهِ أَشَارَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ فَإِنَّهُ قَالَ إذَا تَشَهَّدَ الْإِمَامُ وَقَامَ مِنْ الْقَعْدَةِ الْأُولَى إلَى الثَّالِثَةِ فَنَسِيَ بَعْضَ مَنْ خَلْفَهُ التَّشَهُّدَ حَتَّى قَامُوا جَمِيعًا فَعَلَى مَنْ لَمْ يَتَشَهَّدْ أَنْ يَعُودَ وَيَتَشَهَّدَ ثُمَّ يَتْبَعَ إمَامَهُ وَإِنْ خَافَ أَنْ تَفُوتَهُ الرَّكْعَةُ الثَّالِثَةُ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِإِمَامِهِ فَيَلْزَمُهُ أَنْ يَتَشَهَّدَ بِطَرِيقِ الْمُتَابَعَةِ وَهَذَا بِخِلَافِ الْمُنْفَرِدِ لِأَنَّ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ فِي حَقِّهِ سُنَّةٌ وَبَعْدَمَا اشْتَغَلَ بِفَرْضِ الْقِيَامِ لَا يَعُودُ إلَى السُّنَّةِ وَهَاهُنَا التَّشَهُّدُ فُرِضَ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْمُتَابَعَةِ اهـ. وَكَذَا فِي الْقُنْيَةِ فَفِي الْقُعُودِ أَوْلَى وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَعُدْ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ لِتَرْكِ الْفَرْضِ وَفِي الْمَجْمَعِ وَلَوْ نَامَ لَاحِقٌ سَهَا إمَامُهُ عَنْ الْقَعْدَةِ الْأُولَى فَاسْتَيْقَظَ بَعْدَ الْفَرَاغِ أَمَرْنَاهُ بِتَرْكِ الْقَعْدَةِ اهـ. وَفِي آخَرِ فَتَاوَى الْوَلْوَالِجِيِّ مِنْ مَسَائِلَ مُتَفَرِّقَةٍ مَرِيضٌ يُصَلِّي بِالْإِيمَاءِ فَلَمَّا بَلَغَ حَالَةَ التَّشَهُّدِ فَظَنَّ أَنَّهُ حَالَةُ الْقِيَامِ فَاشْتَغَلَ بِالْقِرَاءَةِ ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّهُ حَالَةُ التَّشَهُّدِ فَلَا يَخْلُو إمَّا إنْ كَانَ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ أَوْ التَّشَهُّدَ الثَّانِيَ فَإِنْ كَانَ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ فَحَالَةُ الْقِرَاءَةِ تَنُوبُ عَنْ الْقِيَامِ فَلَا يَعُودُ إلَى التَّشَهُّدِ وَيُتِمُّ الصَّلَاةَ وَإِنْ كَانَ التَّشَهُّدُ الثَّانِي رَجَعَ إلَى التَّشَهُّدِ وَيُتِمُّ الصَّلَا وَكَذَلِكَ الْجَوَابُ فِي الصَّحِيحِ إذَا قَامَ قَبْلَ أَنْ يَتَشَهَّدَ اهـ. (قَوْلُهُ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ) خَاصٌّ بِقَوْلِهِ وَإِلَّا لَا كَمَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي تَبَعًا لِصَاحِبِ الْهِدَايَةِ لِتَرْكِ الْوَاجِبِ وَأَمَّا إذَا كَانَ إلَى الْقُعُودِ أَقْرَبَ وَعَادَ فَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ كَمَا إذَا لَمْ يَقُمْ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَعْتَبِرْهُ قِيَامًا وَإِلَّا لَمْ يُطْلَقْ لَهُ الْقُعُودُ فَكَانَ مُعْتَبَرًا قُعُودًا أَوْ انْتِقَالًا لِلضَّرُورَةِ وَهَذَا الِاعْتِبَارُ يُنَافِيهِ اعْتِبَارُ التَّأْخِيرِ الْمُسْتَتْبَعِ لِوُجُوبِ السُّجُودِ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَفِي رِوَايَةِ إذَا قَامَ عَلَى رُكْبَتَيْهِ لِيَنْهَضَ يَقْعُدُ وَعَلَيْهِ السَّهْوُ وَيَسْتَوِي فِيهِ الْقَعْدَةُ الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ وَإِنْ رَفَعَ أَلْيَتَيْهِ عَنْ الْأَرْضِ وَرَكِبَتَاهُ عَلَى الْأَرْضِ وَلَمْ يَرْفَعْهُمَا لَا سَهْوَ عَلَيْهِ كَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَفِي الْأَجْنَاسِ عَلَيْهِ السَّهْوُ وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ الْقَعْدَةِ الْأُولَى وَالْأَخِيرَةِ اهـ. فَالْحَاصِلُ عَلَى هَذَا الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ إنْ كَانَ إلَى الْقُعُودِ أَقْرَبَ فَإِنَّهُ يَعُودُ مُطْلَقًا فَإِنْ رَفَعَ رُكْبَتَيْهِ مِنْ الْأَرْضِ لَزِمَهُ السُّجُودُ وَإِلَّا فَلَا وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلتَّصْحِيحِ السَّابِقِ فِي بَعْضِهِ وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ الْمُخْتَارُ وُجُوبُ السُّجُودِ لِأَنَّهُ بِقَدْرِ مَا اشْتَغَلَ بِالْقِيَامِ صَارَ مُؤَخِّرًا وَاجِبًا وَجَبَ وَصْلُهُ بِمَا قَبْلَهُ مِنْ الرُّكْنِ فَصَارَتَا كَالْوَاجِبِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ سَجْدَتَا السَّهْوِ اهـ. فَاخْتَلَفَ التَّرْجِيحُ عَلَى أَقْوَالٍ ثَلَاثَةٍ وَالْأَكْثَرُ عَلَى الْأَوَّلِ. (قَوْلُهُ وَإِنْ سَهَا عَنْ الْأَخِيرِ عَادَ مَا لَمْ يَسْجُدْ) لِأَنَّ فِيهِ إصْلَاحَ صَلَاتِهِ فَأَمْكَنَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ مَا دُونَ الرَّكْعَةِ بِمَحَلِّ الرَّفْضِ أَرَادَ بِالْأَخِيرِ الْقُعُودَ الْمَفْرُوضَ لِيَشْمَلَ الْفَرْضَ الرُّبَاعِيَّ وَالثُّلَاثِيَّ وَالثُّنَائِيَّ فَإِنَّ قُعُودَهُ لَيْسَ مُتَعَدِّدًا إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ يُسَمَّى أَخِيرًا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ آخِرُ الصَّلَاةِ لَا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مَسْبُوقٌ بِمِثْلِهِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا لَمْ يَقْعُدْ أَصْلًا أَوْ جَلَسَ جِلْسَةً خَفِيفَةً أَقَلَّ مِنْ قَدْرِ التَّشَهُّدِ وَإِذَا عَادَ اُحْتُسِبَ لَهُ الْجِلْسَةُ الْخَفِيفَةُ حَتَّى لَوْ كَانَ كِلَا الْجِلْسَتَيْنِ   [منحة الخالق] مَعَهُ الْقَوْمُ تَحْقِيقًا لِلْمُخَالَفَةِ وَذَكَرَ الْبَعْضُ أَنَّهُمْ يَعُودُونَ مَعَهُ اهـ. وَهَذَا كَمَا قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ يُفِيدُ عَدَمَ الْفَسَادِ بِالْعَوْدِ (قَوْلُهُ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُعِدْ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَفِيهِ مَا لَا يَخْفَى وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ فِي الْوَاجِبِ فَرْضٌ فِي الْفَرْضِ (قَوْلُهُ فِي الصَّحِيحِ) أَيْ فِي الْمُصَلِّي الصَّحِيحِ غَيْرِ الْمَرِيضِ (قَوْلُهُ أَوْ انْتِقَالًا) أَيْ انْتِقَالًا عَنْ الْقُعُودِ وَعَلَى كُلٍّ فَلَيْسَ بِقِيَامٍ (قَوْلُهُ وَإِنْ رَفَعَ أَلْيَتَيْهِ عَنْ الْأَرْضِ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ هِيَ الصُّورَةُ الَّتِي قَبْلَهَا فَيَكُونُ الْحَاصِلُ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ اخْتِلَافُ الرِّوَايَةِ وَقَدْ اخْتَارَ فِي الْأَجْنَاسِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَنَّ عَلَيْهِ السَّهْوَ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ الْأَوَّلُ عَلَى مَا إذَا فَارَقَتْ رُكْبَتَاهُ الْأَرْضَ دُونَ أَنْ يَسْتَوِيَ نِصْفُهُ الْأَسْفَلُ شَبَهَ الْجَالِسِ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ (قَوْلُهُ فَالْحَاصِلُ عَلَى هَذَا) أَيْ عَلَى مَا فِي الْخُلَاصَةِ وَقَوْلُهُ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلتَّصْحِيحِ السَّابِقِ فِي بَعْضِهِ أَيْ لِلتَّصْحِيحِ الَّذِي قَدَّمَهُ عَنْ الْكَافِي وَالْهِدَايَةِ فَإِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ مَتَى كَانَ إلَى الْقُعُودِ أَقْرَبَ وَعَادَ لَا سُجُودَ عَلَيْهِ سَوَاءٌ رَفَعَ رُكْبَتَيْهِ مِنْ الْأَرْضِ أَوْ لَا فَيُوَافِقُهُ مَا فِي الْخُلَاصَةِ فِيمَا إذَا لَمْ يَرْفَعْ رُكْبَتَيْهِ وَيُخَالِفُهُ فِيمَا إذَا رَفَعَهُمَا وَقَوْلُهُ وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ إلَخْ جَعَلَهُ قَوْلًا ثَالِثًا لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ مَتَى كَانَ إلَى الْقُعُودِ أَقْرَبَ يَلْزَمُهُ السُّجُودُ سَوَاءٌ رَفَعَ رُكْبَتَيْهِ مِنْ الْأَرْضِ أَوْ لَا. (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ عَادَ مَا لَمْ يَسْجُدْ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَيْ مَا لَمْ يُقَيِّدْ رَكْعَتَهُ بِسَجْدَةٍ وَهَذَا أَرَادَ لَا مَا إذَا سَجَدَ دُونَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 110 مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ ثُمَّ تَكَلَّمَ بَعْدَهُ جَازَتْ صَلَاتُهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ (قَوْلُهُ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ) لِتَأْخِيرِهِ فَرْضًا وَهُوَ الْقُعُودُ الْأَخِيرُ وَعَلَّلَهُ فِي الْهِدَايَةِ بِأَنَّهُ أَخَّرَ وَاجِبًا فَقَالُوا أَرَادَ بِهِ الْوَاجِبَ الْقَطْعِيَّ وَهُوَ الْفَرْضُ وَهُوَ أَوْلَى مِمَّا فِي الْعِنَايَةِ مِنْ تَفْسِيرٍ بِإِصَابَةِ لَفْظِ السَّلَامِ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤَخِّرْهُ عَنْ مَحِلِّهِ لِأَنَّ مَحِلَّهُ بَعْدَ الْقُعُودِ وَلَمْ يَقْعُدْ وَإِنَّمَا آخِرَ الْقُعُودِ وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ أَرَادَ بِهِ الْوَاجِبَ الَّذِي يَفُوتُ الْجَوَازُ بِفَوْتِهِ إذْ لَيْسَ دَلِيلُهَا قَطْعِيًّا (قَوْلُهُ فَإِنْ سَجَدَ بَطَلَ فَرْضُهُ بِرَفْعِهِ) لِأَنَّهُ اسْتَحْكَمَ شُرُوعُهُ فِي النَّافِلَةِ قَبْلَ إكْمَالِ أَرْكَانِ الْمَكْتُوبَةِ وَمِنْ ضَرُورَتِهِ خُرُوجُهُ عَنْ الْفَرْضِ وَهَذَا لِأَنَّ الرَّكْعَةَ بِسَجْدَةٍ وَاحِدَةٍ صَلَاةٌ حَقِيقَةً حَتَّى يَحْنَثَ فِي يَمِينِهِ لَا يُصَلِّي وَقَوْلُهُ بِرَفْعِهِ أَيْ بِرَفْعِ الْوَجْهِ عَنْ الْأَرْضِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُخْتَارَ لِلْفَتْوَى أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِوَضْعِ الْجَبْهَةِ كَمَا هُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ تَمَامَ الشَّيْءِ بِآخِرِهِ وَآخِرُ السَّجْدَةِ الرَّفْعُ إذْ الشَّيْءُ إنَّمَا يَنْتَهِي بِضِدِّهِ وَلِهَذَا لَوْ سَجَدَ قَبْلَ إمَامِهِ فَأَدْرَكَهُ إمَامُهُ فِيهِ جَازَ وَلَوْ تَمَّتْ بِالْوَضْعِ لَمَا جَازَ لِأَنَّ كُلَّ رُكْنٍ أَدَّاهُ قَبْلَ إمَامِهِ لَا يَجُوزُ وَلِأَنَّهُ لَوْ تَمَّ قَبْلَ الرَّفْعِ لَمْ يَنْقُضْهُ الْحَدَثُ لَكِنَّ الِاتِّفَاقَ عَلَى لُزُومِ إعَادَةِ كُلِّ رُكْنٍ وُجِدَ فِيهِ سَبْقُ الْحَدَثِ بِقَيْدِ الْبِنَاءِ وَثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ فِيمَا إذَا أَحْدَثَ فِي السُّجُودِ فَانْصَرَفَ وَتَوَضَّأَ ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّهُ لَمْ يَقْعُدْ فِي الرَّابِعَةِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَعُودُ إلَى الْقُعُودِ وَبَطَلَ فَرْضُهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَعُودُ وَيُتِمُّ فَرْضَهُ قَالُوا أَخْبَرَ أَبُو يُوسُفَ بِجَوَابِ مُحَمَّدٍ فَقَالَ زِهْ صَلَاةٌ فَسَدَتْ يُصْلِحُهَا الْحَدَثُ وَهَذَا مَعْنَى مَا يَسْأَلُهُ الْعَامَّةُ أَيْ صَلَاةٌ يُصْلِحُهَا الْحَدَثُ فَهِيَ هَذِهِ الصَّلَاةُ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَزِهْ كَلِمَةُ اسْتِعْجَابٍ وَإِنَّمَا قَالَهَا أَبُو يُوسُفَ تَهَكُّمًا وَقِيلَ الصَّوَابُ بِالضَّمِّ وَالزَّايُ لَيْسَتْ بِخَالِصَةٍ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهَذَا أَعْنِي صِحَّةَ الْبِنَاءِ بِسَبَبِ سَبْقِ الْحَدَثِ إذَا لَمْ يَتَذَكَّرْ فِي ذَلِكَ السُّجُودِ أَنَّهُ تَرَكَ سَجْدَةً صُلْبِيَّةً مِنْ صَلَاتِهِ فَإِنْ تَذَكَّرَ ذَلِكَ فَسَدَتْ اتِّفَاقًا اهـ. وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ بَلْ لَا يَصِحُّ هَذَا التَّقْيِيدُ لِأَنَّهُ إذَا سَبَقَهُ الْحَدَثُ وَهُوَ سَاجِدٌ لَمْ يَخْلِطْ النَّفَلَ بِالْفَرْضِ قَبْلَ إكْمَالِهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ سَوَاءٌ تَذَكَّرَ أَنَّ عَلَيْهِ سَجْدَةً صُلْبِيَّةً أَوْ لَا إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ رُكْنٌ وَاحِدٌ أَوْ رُكْنَانِ وَعِبَارَةُ الْخُلَاصَةِ أَوْلَى وَهِيَ وَلَوْ قَيَّدَ الْخَامِسَةَ بِالسَّجْدَةِ فَتَذَكَّرَ أَنَّهُ تَرَكَ سَجْدَةً صُلْبِيَّةً مِنْ صَلَاتِهِ لَا تَنْصَرِفُ هَذِهِ السَّجْدَةُ إلَيْهَا لَمَا أَنَّهُ تُشْتَرَطُ النِّيَّةُ فِي السَّجْدَةِ وَصَلَاتُهُ فَاسِدَةٌ اهـ. وَإِذَا بَطَلَ فَرْضُ الْإِمَامِ بِرَفْعِهِ بَطَلَ فَرْضُ الْمَأْمُومِ سَوَاءٌ كَانَ قَعَدَ أَوْ لَا وَلِذَا ذَكَرَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ وَلَوْ أَنَّ الْإِمَامَ لَمْ يَقْعُدْ عَلَى رَأْسِ الرَّابِعَةِ وَقَامَ إلَى   [منحة الخالق] رُكُوعٍ فَإِنَّهُ يَعُودُ أَيْضًا لِعَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِهَذَا السُّجُودِ (قَوْلُهُ لِتَأْخِيرِهِ فَرْضًا) قَالَ فِي النَّهْرِ لَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ إلَى الْقُعُودِ أَقْرَبَ أَوْ لَا وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَسْجُدَ فِيمَا إذَا كَانَ إلَيْهِ أَقْرَبَ كَمَا فِي الْأُولَى لِمَا سَبَقَ قَالَ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْقَرِيبَ مِنْ الْقُعُودِ وَإِنْ جَازَ أَنْ يُعْطِيَ لَهُ حُكْمَ الْقَاعِدِ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ بِقَاعِدٍ حَقِيقَةً فَاعْتُبِرَ جَانِبُ الْحَقِيقَةِ فِيمَا إذَا سَهَا عَنْ الثَّانِيَةِ وَأَعْطَى حُكْمَ الْقَاعِدِ فِي السَّهْوِ الْأُولَى إظْهَارًا لِلتَّفَاوُتِ بَيْنَ الْوَاجِبِ وَالْفَرْضِ وَبِهِ عَلِمَ أَنَّ مَنْ فَسَّرَ الْوَاجِبَ بِالْقَطْعِيِّ فَقَدْ أَصَابَ وَإِلَّا أَشْكَلَ الْفَرْقَ وَقَدْ يُقَالُ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُفَسِّرَ بِالْقَوِيِّ مِنْ نَوْعَيْهِ وَهُوَ مَا يَفُوتُ الْجَوَازُ بِفَوْتِهِ وَلَا يُشْكِلُ بِثُبُوتِ التَّفَاوُتِ بَيْنَ نَوْعَيْهِ نَعَمْ يُشْكِلُ عَلَى مَنْ فَسَّرَهُ بِإِصَابَةِ لَفْظِ السَّلَامِ أَوْ التَّشَهُّدِ (قَوْلُهُ وَهُوَ أَوْلَى مِمَّا فِي الْعِنَايَةِ) اعْتَرَضَهُ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ بِأَنَّ الَّذِي فِي الْعِنَايَةِ تَفْسِيرُهُ بِالْقَطْعِيِّ فَلَيْسَ النَّقْلُ بِصَوَابٍ نَعَمْ فَسَّرَ فِي الْعِنَايَةِ الْوَاجِبَ بِذَلِكَ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ مَا إذَا قَعَدَ الْأَخِيرَ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤَخِّرْهُ عَنْ مَحِلِّهِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ مَدْفُوعٌ بِأَنَّ التَّأْخِيرَ وَاقِعٌ فِيهِمَا فَصَحَّ إضَافَةُ السُّجُودِ إلَى أَيِّهِمَا كَانَ قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ يُمْكِنُ نِسْبَتُهُ إلَى الْأَقْوَى وَهُوَ الْفَرْضُ هَذَا مَعَ إرْخَاءِ الْعَنَانِ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ حَصَلَ سَهْوٌ فِي النَّقْلِ (قَوْلُهُ فَسَدَتْ اتِّفَاقًا اهـ) . قَالَ الرَّمْلِيُّ قَالَ الْمَرْحُومُ شَيْخُ شَيْخِنَا عَلِيٍّ الْمَقْدِسِيَّ لَمْ يَنْتَهِ بَلْ ذَكَرَ بَعْدَهُ مَا يَنْدَفِعُ بِهِ عَنْهُ الْإِشْكَالُ فَإِنَّهُ قَالَ لِمَا سَنَذْكُرُهُ فِي تَتِمَّةٍ نَعْقِدُهَا لِلسَّجَدَاتِ وَذَكَرَ هُنَاكَ مَا يُوَضِّحُهُ اهـ. وَذَكَرَ فِي النَّهْرِ مَا قَرَّرَهُ فِي تِلْكَ التَّتِمَّةِ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا عَلِمَ أَنَّهَا مِنْ غَيْرِ الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ أَوْ تَحَرَّى فَوَقَعَ تَحَرِّيهِ عَلَى ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَقَعْ تَحَرِّيهِ عَلَى شَيْءٍ وَبَقِيَ شَاكًّا فِي أَنَّهَا مِنْ الْأَخِيرَةِ أَوْ مَا قَبْلَهَا وَجَبَ عَلَيْهِ نِيَّةُ الْقَضَاءِ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهَا مِنْ الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ لَمْ يَحْتَجْ إلَى نِيَّةٍ وَعَلَى هَذَا مَا ذُكِرَ فِيمَنْ سَلَّمَ مِنْ الْفَجْرِ وَعَلَيْهِ السَّهْوُ فَسَجَدَ وَقَعَدَ وَتَكَلَّمَ ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّ عَلَيْهِ صُلْبِيَّةً مِنْ الْأُولَى فَسَدَتْ وَإِنَّ مِنْ الثَّانِيَةِ لَا وَنَابَتْ إحْدَى سَجْدَتَيْ السَّهْوِ عَنْ الصُّلْبِيَّةِ اهـ. قَالَ فِي النَّهْرِ وَهَذَا التَّقْرِيرُ يَقْتَضِي مَا قَدَّمَهُ مِنْ دَعْوَى الِاتِّفَاقِ عَلَى الْفَسَادِ بِتَذَكُّرِ الصُّلْبِيَّةِ وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا عَلِمَ أَنَّهَا مِنْ الْأَخِيرَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَفْسُدَ اتِّفَاقًا لِانْصِرَافِهَا إلَيْهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهَا أَوْ لَمْ يَعْلَمْ وَقَدْ نَوَاهَا فَكَذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ لَا يُعِيدُهَا لِمَا مَرَّ أَمَّا إذَا لَمْ يَنْوِهَا فَسَدَتْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ لِعَدَمِ انْصِرَافِهَا إلَيْهَا وَعَلَى هَذَا فَمَا فِي الْخُلَاصَةِ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ فَسَادُهَا إنَّمَا هُوَ عَلَى قَوْلِ الثَّانِي فَقَطْ اهـ. وَقَوْلُهُ لِعَدَمِ انْصِرَافِهَا عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ فَسَدَتْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَأَمَّا عَدَمُهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَلَمَّا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ وَبِمَا قَرَّرَهُ فِي النَّهْرِ ظَهَرَ مَا فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 111 الْخَامِسَةِ سَاهِيًا وَتَشَهَّدَ الْمُقْتَدِي وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يُقَيِّدَ الْإِمَامُ الْخَامِسَةَ بِالسَّجْدَةِ ثُمَّ قَيَّدَهَا بِالسَّجْدَةِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُمْ جَمِيعًا اهـ. وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَأْمُومُ مَسْبُوقًا أَوْ مُدْرِكًا كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَإِذَا لَمْ يَبْطُلْ فَرْضُ الْإِمَامِ بِعَوْدِهِ قَبْلَ السُّجُودِ لَمْ يَبْطُلْ فَرْضُ الْمَأْمُومِ وَإِنْ سَجَدَ لِمَا فِي الْمُحِيطِ لَوْ صَلَّى إمَامٌ وَلَمْ يَقْعُدْ فِي الرَّابِعَةِ مِنْ الظُّهْرِ وَقَامَ إلَى الْخَامِسَةِ فَرَكَعَ وَتَابَعَهُ الْقَوْمُ ثُمَّ عَادَ الْإِمَامُ إلَى الْقَعْدَةِ وَلَمْ يَعْلَمْ الْقَوْمُ حَتَّى سَجَدُوا سَجْدَةً لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُمْ لِأَنَّهُمْ لَمَّا عَادَ الْإِمَامُ إلَى الْقَعْدَةِ ارْتُفِضَ رُكُوعُهُ فَيُرْتَفَضُ رُكُوعُ الْقَوْمِ أَيْضًا تَبَعًا لَهُ لِأَنَّهُ بِنَاءً عَلَيْهِ فَبَقِيَ لَهُمْ زِيَادَةُ سَجْدَةٍ وَذَلِكَ لَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ اهـ. وَهَذَا مِمَّا يُلْغَزُ بِهِ فَيُقَالُ مُصَلٍّ تَرَكَ الْقَعْدَةَ الْأَخِيرَةَ وَقَيَّدَ الْخَامِسَةَ بِسَجْدَةٍ وَلَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ وَمُصَلٍّ قَعَدَ وَلَمْ يُعْتَبَرْ قُعُودُهُ وَبَطَلَتْ بِتَرْكِهِ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ الْقَوْمَ لِمَا فِي الْمُجْتَبَى أَنَّهُ لَوْ عَادَ الْإِمَامُ إلَى الْقُعُودِ قَبْلَ السُّجُودِ وَسَجَدَ الْمُقْتَدِي عَمْدًا تَفْسُدُ وَفِي السَّهْوِ خِلَافٌ وَالْأَحْوَطُ الْإِعَادَةُ اهـ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَا يَخْفَى عَدَمُ مُتَابَعَتِهِمْ لَهُ فِيمَا إذَا قَامَ قَبْلَ الْقَعْدَةِ وَإِذَا عَادَ لَا يُعِيدُوا التَّشَهُّدَ. (قَوْلُهُ فَصَارَتْ نَفْلًا فَيَضُمُّ إلَيْهَا سَادِسَةً) لِمَا سَبَقَ مِرَارًا مِنْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ بُطْلَانِ الْوَصْفِ بُطْلَانُ الْأَصْلِ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ فَيَضُمُّ سَادِسَةً لِأَنَّ التَّنَفُّلَ بِالْوِتْرِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ وَلَوْ لَمْ يَضُمَّ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ ظَانٌّ وَشُرُوعُهُ لَيْسَ بِمُلْزِمٍ وَإِذَا اقْتَدَى بِهِ إنْسَانٌ فِي الْخَامِسَةِ ثُمَّ أَفْسَدَهَا فَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لَا يُتَصَوَّرُ الْقَضَاءُ وَعِنْدَهُمَا يَقْضِي سِتًّا لِشُرُوعِهِ فِي تَحْرِيمِهِ السِّتَّ بِخِلَافِ مَا إذَا عَادَ الْإِمَامُ قَبْلَ السَّجْدَةِ فَإِنَّهُ يَقْضِي أَرْبَعًا ثُمَّ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ فِي الْوَافِي بِأَنَّ ضَمَّ السَّادِسَةِ مَنْدُوبٌ وَتَرَكَهُ فِي الْمُخْتَصَرِ لِلِاخْتِلَافِ وَفِي عِبَارَةِ الْقُدُورِيِّ تَبَعًا لِرِوَايَةِ الْأَصْلِ إشَارَةٌ إلَى الْوُجُوبِ فَإِنَّهُ قَالَ وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَضُمَّ إلَيْهَا رَكْعَةً سَادِسَةً وَوَجْهُهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِعَدَمِ جَوَازِ التَّنَفُّلِ بِالْوِتْرِ وَفِي الْمَبْسُوطِ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُشَفِّعَ الْخَامِسَةَ لِأَنَّ النَّفَلَ شُرِعَ شَفْعًا لَا وِتْرًا كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَإِلَّا ظَهَرَ النَّدْبُ لِأَنَّ عَدَمَ جَوَازِ التَّنَفُّلِ بِالْوِتْرِ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ الْقَصْدِ أَمَّا عِنْدَ عَدَمِهِ فَلَا وَلِهَذَا لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لَوْ قَطَعَهُ وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ أَنَّ ضَمَّ السَّادِسَةِ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ إلَّا فِي الْعَصْرِ فَإِنَّهُ لَا يَضُمُّ إلَيْهَا لِأَنَّهُ يَكُونُ تَطَوُّعًا قَبْلَ الْمَغْرِبِ وَذَلِكَ مَكْرُوهٌ وَفِي قَاضِي خَانْ إلَّا الْفَجْرَ فَإِنَّهُ لَا يُضِيفُ إلَيْهَا لِأَنَّ التَّنَفُّلَ قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا مَكْرُوهٌ اهـ. وَسَيَأْتِي أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ لَوْ قَعَدَ عَلَى رَأْسِ الرَّابِعَةِ وَقَامَ إلَى الْخَامِسَةِ وَقَيَّدَهَا بِسَجْدَةٍ فَإِنَّهُ يَضُمُّ سَادِسَةً وَلَوْ كَانَ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُكْرَهَ هُنَا أَيْضًا عَلَى الصَّحِيحِ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ سُجُودَ السَّهْوِ لِأَنَّ الْأَصَحَّ عَدَمُهُ لِأَنَّ النُّقْصَانَ بِالْفَسَادِ لَا يَنْجَبِرُ بِالسُّجُودِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي عَدَمِ الْبُطْلَانِ عِنْدَ الْعَوْدِ قَبْلَ السُّجُودِ وَالْبُطْلَانِ إنْ قُيِّدَ بِالسُّجُودِ بَيْنَ الْعَمْدِ وَالسَّهْوِ وَلِذَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ فَإِنْ قَامَ إلَى الْخَامِسَةِ عَمْدًا أَيْضًا لَا تَفْسُدُ مَا لَمْ يُقَيِّدْ الْخَامِسَةَ بِالسَّجْدَةِ عِنْدَنَا ثُمَّ اعْلَمْ أَيْضًا أَنَّ الْبُطْلَانَ بِالتَّقْيِيدِ بِالسَّجْدَةِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ قَدْ قَرَأَ فِي الرَّكْعَةِ الْخَامِسَةِ أَوْ لَا كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَقَدْ يُقَالُ إنَّ الْمُفْسِدَ خَلَطَ النَّفَلَ بِالْفَرْضِ قَبْلَ إكْمَالِهِ وَالرَّكْعَةُ بِلَا قِرَاءَةٍ فِي النَّفْلِ غَيْرُ صَحِيحَةٍ فَلَمْ يُوجَدْ الْخَلْطُ فَكَانَ زِيَادَةُ مَا دُونَ الرَّكْعَةِ وَهُوَ لَيْسَ   [منحة الخالق] كَلَامِ الرَّمْلِيِّ عَنْ الْمَقْدِسِيَّ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ وَمُصَلٍّ قَعَدَ وَلَمْ يُعْتَبَرْ قُعُودُهُ) الْمُرَادُ بِهِ الْقُعُودُ الْأَخِيرُ وَهَذَا مُصَوَّرٌ فِي فَرْعِ الْخَانِيَّةِ الْمَذْكُورِ آنِفًا وَلَكِنَّ قَوْلَهُ وَبَطَلَتْ بِتَرْكِهِ لَمْ يَظْهَرْ لِي فَائِدَتُهُ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يَكُونُ تَطَوُّعًا قَبْلَ الْمَغْرِبِ) لَعَلَّ الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ لِأَنَّهُ يَكُونُ تَطَوُّعًا بَعْدَ الْعَصْرِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَفِي قَاضِي خَانْ إلَّا الْفَجْرَ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ مَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ قَاضِي خَانْ مِنْ الْفَجْرِ هُوَ الصَّوَابُ وَذَلِكَ أَنَّ مَوْضُوعَ الْمَسْأَلَةِ حَيْثُ كَانَ فِيمَا إذَا لَمْ يَقْعُدْ وَبَطَلَ فَرْضُهُ كَيْفَ لَا يَضُمُّ فِي الْعَصْرِ وَلَا كَرَاهَةَ فِي التَّنَفُّلِ قَبْلَهُ ثُمَّ بَعْدَ مُدَّةٍ عَنَّ لِي حِينَ إقْرَاءِ هَذَا بِالْجَامِعِ الْأَزْهَرِ أَنَّهُ يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا كَانَ يَقْضِي عَصْرًا أَوْ ظُهْرًا بَعْدَ الْعَصْرِ فَإِنَّهُ لَا يَضُمُّ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَعَلَيْهِ فَيَصِحُّ التَّوْجِيهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ. اهـ. أَقُولُ: فَعَلَى زِيَادَتِهِ الظُّهْرَ لَا يَظْهَرُ اقْتِصَارُ السِّرَاجِ عَلَى زِيَادَتِهِ الْعَصْرَ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ اسْتِثْنَاءَ السِّرَاجِ بِالنَّظَرِ إلَى الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ وَهِيَ مَا لَوْ قَعَدَ عَلَى رَأْسِ الرَّابِعَةِ ثُمَّ قَامَ وَإِلَيْهِ يُشِيرُ تَعْلِيلُهُ فَتَدَبَّرْهُ كَذَا فِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ قُلْت هَذَا غَيْرُ ظَاهِرٍ إذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَذَكَرَهَا فِي مَحِلِّهَا مَعَ أَنَّهُ ذَكَرَهَا هُنَا وَلَكِنْ قَدْ يَرْتَكِبُ ذَلِكَ تَصْحِيحًا لِكَلَامِهِ لِعُلُوِّ مَقَامِهِ هَذَا وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ لِابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ قُلْت وَأَمَّا الْمَغْرِبُ إذَا لَمْ يَقْعُدْ عَلَى الثَّالِثَةِ مِنْهَا وَقَيَّدَ الرَّابِعَةَ بِالسَّجْدَةِ يَقْطَعُ عَلَيْهَا وَلَا يَضُمُّ إلَيْهَا أُخْرَى لِنَصِّهِمْ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنَفُّلِ قَبْلَهَا وَعَلَى كَرَاهَتِهِ بِالْوِتْرِ مُطْلَقًا اهـ (قَوْلُهُ وَقَدْ يُقَالُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ السُّجُودَ الْخَالِيَ عَنْ الرُّكُوعِ لَا يَعْتَدُّ بِهِ فَكَذَا الْخَالِي عَنْ الْقِرَاءَةِ إلَّا أَنْ يُفَرِّقَ بِأَنَّهُ قَدْ عَهِدَ إتْمَامَ الرَّكْعَةِ دُونَ الْقِرَاءَةِ كَمَا فِي الْمُقْتَدِي بِخِلَافِ الْخَالِيَةِ عَنْ الرُّكُوعِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 112 بِمُفْسِدٍ. (قَوْلُهُ وَإِنْ قَعَدَ فِي الرَّابِعَةِ ثُمَّ قَامَ عَادَ وَسَلَّمَ) لِأَنَّ التَّسْلِيمَ فِي حَالَةِ الْقِيَامِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ وَأَمْكَنَهُ الْإِقَامَةُ عَلَى وَجْهِهِ بِالْقُعُودِ لِأَنَّ مَا دُونَ الرَّكْعَةِ بِمَحَلِّ الرَّفْضِ ثُمَّ إذَا عَادَ لَا يُعِيدُ التَّشَهُّدَ وَكَذَا لَوْ نَامَ قَاعِدًا وَقَالَ النَّاطِفِيُّ يُعِيدُ ثُمَّ قِيلَ الْقَوْمُ يَتْبَعُونَهُ فَإِنْ عَادَ عَادُوا مَعَهُ وَإِنْ مَضَى فِي النَّافِلَةِ اتَّبَعُوهُ لِأَنَّ صَلَاتَهُمْ تَمَّتْ بِالْقَعْدَةِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُمْ لَا يَتَّبِعُونَهُ لِأَنَّهُ لَا اتِّبَاعَ فِي الْبِدْعَةِ فَإِنْ عَادَ قَبْلَ تَقْيِيدِ الْخَامِسَةِ بِالسَّجْدَةِ اتَّبَعُوا بِالسَّلَامِ فَإِنْ قَيَّدَ سَلَّمُوا فِي الْحَالِ. (قَوْلُهُ وَإِنْ سَجَدَ لِلْخَامِسَةِ تَمَّ فَرْضُهُ وَضَمَّ إلَيْهِ سَادِسَةً) أَيْ لَمْ يَفْسُدْ فَرْضُهُ بِسُجُودِهِ كَمَا فَسَدَ فِيمَا إذَا لَمْ يَقْعُدْ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِالتَّمَامِ وَإِلَّا فَصَلَاتُهُ نَاقِصَةٌ كَمَا سَيَأْتِي وَإِنَّمَا لَمْ يَفْسُدْ لِأَنَّ الْبَاقِيَ أَصَابَهُ لَفْظُ السَّلَامِ وَهِيَ وَاجِبَةٌ وَإِنَّمَا يَضُمُّ إلَيْهَا أُخْرَى لِتَصِيرَ الرَّكْعَتَانِ لَهُ نَفْلًا لِلنَّهْيِ عَنْ الرَّكْعَةِ الْوَاحِدَةِ وَإِذَا ضَمَّ فَإِنَّهُ يَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ ثُمَّ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ كَمَا سَيَأْتِي ثُمَّ لَا يَنُوبَانِ عَنْ سُنَّةِ الظُّهْرِ هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ الْمُوَاظَبَةَ عَلَيْهِمَا إنَّمَا كَانَتْ بِتَحْرِيمَةٍ مُبْتَدَأَةٍ أَطْلَقَ فِي الضَّمِّ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ فِي وَقْتٍ مَكْرُوهٍ كَمَا بَعْدَ الْفَجْرِ وَالْعَصْرِ لِأَنَّ التَّطَوُّعَ إنَّمَا يُكْرَهُ فِيهِمَا إذَا كَانَ عَنْ اخْتِيَارٍ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ عَنْ اخْتِيَارٍ فَلَا وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ وَكَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَذَا فِي الْمُجْتَبَى لَكِنْ اخْتَلَفَ فِي الضَّمِّ فِي غَيْرِ وَقْتِ الْكَرَاهَةِ قِيلَ بِالْوُجُوبِ وَقِيلَ بِالِاسْتِحْبَابِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَأَمَّا فِي وَقْتِ الْكَرَاهَةِ فَقِيلَ بِالْكَرَاهَةِ وَالْمُعْتَمَدُ الْمُصَحَّحُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ كَمَا عَبَّرُوا بِهِ بِمَعْنَى أَنَّ الْأَوْلَى تَرْكُهُ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِوُجُوبِهِ وَلَا بِاسْتِحْبَابِهِ وَفَرَّقَ الشَّارِحُ بَيْنَ الْفَجْرِ وَالْعَصْرِ فَصَحَّ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ فِي الْعَصْرِ وَجَزَمَ بِالْكَرَاهَةِ فِي الصُّبْحِ وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْفَجْرِ وَالْعَصْرِ فَكَمَا صَحَّحَ عَدَمَهَا فِي الْعَصْرِ لَزِمَهُ تَصْحِيحُ عَدَمِهَا فِي الْفَجْرِ وَلِذَا سَوَّى بَيْنَهُمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقَالَ وَالنَّهْيُ عَنْ التَّنَفُّلِ الْقَصْدِيِّ بَعْدَهُمَا وَلِذَا إذَا تَطَوَّعَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ فَلَمَّا صَلَّى رَكْعَةً طَلَعَ الْفَجْرُ الْأَوَّلُ أَنْ يُتِمَّهَا ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَنَفَّلْ بِأَكْثَرَ مِنْ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ قَصْدًا اهـ. وَصَرَّحَ فِي التَّجْنِيسِ بِأَنَّ الْفَتْوَى عَلَى رِوَايَةِ هِشَامٍ مِنْ عَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ فِي عَدَمِ كَرَاهَةِ الضَّمِّ وَإِنْ لَمْ يُتِمَّ الرَّكْعَتَيْنِ نَفْلًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَفِي الْمُحِيطِ وَإِنْ شَرَعَ مَعَهُ رَجُلٌ فِي الْخَامِسَةِ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ سِتًّا بِنَاءً عَلَى أَنَّ إحْرَامَ الْفَرْضِ انْقَطَعَ بِالِانْتِقَالِ إلَى النَّفْلِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ مِنْ ضَرُورَةِ الِانْتِقَالِ إلَى النَّفْلِ انْقِطَاعَ الْفَرْضِ فَلَمْ يَصِحَّ شَارِعًا إلَّا فِي هَذَا الشَّفْعِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَمْ يَنْقَطِعْ إحْرَامُ الْفَرْضِ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّهُ صَارَ شَارِعًا فِي النَّفْلِ مِنْ غَيْرِهِ تَكْبِيرَةً جَدِيدَةً وَلَوْ انْقَطَعَتْ التَّحْرِيمَةُ لَاحْتَاجَ إلَى تَكْبِيرَةٍ جَدِيدَةٍ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ الْجَدِيدَ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِتَكْبِيرَةٍ جَدِيدَةٍ وَلَمَّا بَقِيَتْ التَّحْرِيمَةُ صَارَ شَارِعًا فِي الْكُلِّ وَلَوْ قَطَعَ الْمُقْتَدِي هَذَا النَّفَلَ قَالَ مُحَمَّدٌ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَضْمُونَةٍ عَلَى الْإِمَامِ فَلَا تَصِيرُ مَضْمُونَةً عَلَى الْمُقْتَدِي وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ النَّفَلَ مَضْمُونٌ فِي الْأَصْلِ وَإِنَّمَا لَمْ يَصِرْ مَضْمُونًا عَلَى الْإِمَامِ هُنَا لِعَارِضٍ وَهُوَ شُرُوعُهُ فِيهِ سَاهِيًا وَقَدْ انْعَدَمَ هَذَا الْعَارِضُ فِي حَقِّ الْمُقْتَدِي صَلَاةُ الْإِمَامِ مَضْمُونَةٌ فِي حَقِّ الْمُقْتَدِي بِخِلَافِ اقْتِدَاءِ الْبَالِغِ بِالصَّبِيِّ فِي النَّوَافِلِ فَلَا يَصِحُّ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ لِأَنَّ التَّطَوُّعَ إنَّمَا لَمْ يَصِرْ مَضْمُونًا عَلَى الصَّبِيِّ بِأَمْرٍ أَصْلِيٍّ وَهُوَ الصِّبَا فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ مَعْدُومًا فِي حَقِّ الْمُقْتَدِي فَبَقِيَ بِمَنْزِلَةِ اقْتِدَاءِ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ اهـ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُصَحَّحَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ فِي كَوْنِهِ يُصَلِّي سِتًّا وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ فِي لُزُومِ رَكْعَتَيْنِ لَوْ أَفْسَدَهَا وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ إذَا اقْتَدَى بِهِ فِي الْخَامِسَةِ وَلَمْ يَكُنْ قَعَدَ الْإِمَامُ قَدْرَ التَّشَهُّدِ وَلَمْ يَعُدْ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ السِّتُّ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى الْتَزَمَ صَلَاةَ الْإِمَامِ وَهِيَ سِتُّ رَكَعَاتٍ نَفْلًا وَالشُّرُوعُ فِي النَّفْلِ لَا يُوجِبُ أَكْثَرَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ إلَّا بِالِاقْتِدَاءِ وَهَاهُنَا الْإِمَامُ لَمْ يَكُنْ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَمَعَ ذَلِكَ لَوْ سَلَّمَ قَائِمًا صَحَّ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ. [سَجَدَ لِلْخَامِسَةِ فِي الصَّلَاةِ] (قَوْلُهُ وَالْمُعْتَمَدُ الْمُصَحَّحُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَعَلَى هَذَا فَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ مَعْنَى ضَمَّ أَيْ جَازَ لَهُ الضَّمُّ لِيَعُمَّ كُلَّ وَقْتٍ وَإِلَّا يَخْرُجُ عَنْ كَلَامِهِ بِتَقْدِيرِ حَمْلِهِ عَلَى النَّدْبِ وَالْوُجُوبِ وَقْتَ الْكَرَاهَةِ اهـ. وَقَدْ يُقَالُ أَنَّ مُرَادَهُمْ النَّدْبَ لِأَنَّ الصَّلَاةَ أَقَلُّ مَرَاتِبِهَا الِاسْتِحْبَابُ لَا الْإِبَاحَةُ بِدَلِيلِ مَا يَأْتِي مِنْ أَنَّهُ إذَا تَطَوَّعَ فَصَلَّى رَكْعَةً ثُمَّ طَلَعَ الْفَجْرُ فَالْأَوْلَى أَنْ يُتِمَّهَا وَإِنَّمَا عَبَّرُوا هُنَا بِلَا بَأْسٍ لِأَنَّ الْوَقْتَ الْمَكْرُوهَ هُنَا مَحَلُّ تَوَهُّمِ أَنَّ فِي الصَّلَاةِ فِيهِ بَأْسًا فَعَبَّرُوا بِلَا بَأْسَ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ التَّطَوُّعُ فِيهِ وَذَلِكَ لَا يُنَافِي أَنَّ الْإِتْمَامَ أَفْضَلُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ قَوْلِهِمْ وَضَمَّ سَادِسَةٍ لِشُمُولِهِ الْوَقْتَ الْمَكْرُوهَ تَأَمَّلْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 113 مُتَنَفِّلًا إلَّا بِرَكْعَتَيْنِ فَلَزِمَ الْمَأْمُومَ رَكْعَتَانِ وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ إذَا قَعَدَ فِي الرَّابِعَةِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ وَقَامَ إلَى الْخَامِسَةِ سَاهِيًا وَاقْتَدَى بِهِ رَجُلٌ لَا يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ وَلَوْ عَادَ إلَى الْقَعْدَةِ لِأَنَّهُ لَمَّا قَامَ إلَى الْخَامِسَةِ فَقَدْ شَرَعَ فِي النَّفْلِ فَكَانَ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ وَلَوْ لَمْ يَقْعُدْ التَّشَهُّدَ صَحَّ الِاقْتِدَاءُ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْفَرْضِ قَبْلَ أَنْ يُقَيِّدَهَا بِسَجْدَةٍ اهـ. (قَوْلُهُ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ) الظَّاهِرُ رُجُوعُهُ إلَى كُلٍّ مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَإِنْ كَانَتْ الْأُولَى وَهِيَ مَا إذَا عَادَ وَسَلَّمَ فَظَاهِرٌ لِأَنَّهُ أَخَّرَ الْوَاجِبَ وَهُوَ السَّلَامُ وَكَذَا إذَا شَكَّ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ أَثْلَاثًا صَلَّى أَمْ أَرْبَعًا فَاشْتَغَلَ بِفِكْرِهِ حَتَّى أَخَّرَ السَّلَامَ لَزِمَهُ السَّهْوُ وَإِنْ كَانَتْ الثَّانِيَةَ وَهِيَ مَا إذَا لَمْ يَعُدْ حَتَّى سَجَدَ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ سَبَبُ سُجُودِهِ النُّقْصَانُ الْمُتَمَكِّنُ فِي النَّفْلِ بِالدُّخُولِ فِيهِ لَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَسْنُونِ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لَأَنْ يَجِبَ لِجَبْرِ نُقْصَانٍ فِي الْفَرْضِ لِأَنَّهُ قَدْ انْتَقَلَ مِنْهُ إلَى النَّفْلِ وَمَنْ سَهَا فِي صَلَاةٍ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَ فِي أُخْرَى وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ هُوَ لِجَبْرِ نُقْصَانٍ تَمَكَّنَ بِالدُّخُولِ فِيهِ فِي الْفَرْضِ بِتَرْكِ الْوَاجِبِ وَهُوَ السَّلَامُ وَصَحَّحَ الْمَاتُرِيدِيُّ أَنَّهُ جَابِرٌ لِلنَّقْصِ الْمُتَمَكِّنِ فِي الْإِحْرَامِ فَيَنْجَبِرُ النَّقْصُ الْمُتَمَكِّنُ فِي الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ جَمِيعًا وَاخْتَارَهُ فِي الْهِدَايَةِ. (قَوْلُهُ وَلَوْ سَجَدَ لِلسَّهْوِ فِي شَفْعِ التَّطَوُّعِ لَمْ يَبْنِ شَفْعًا آخَرَ عَلَيْهِ) لِأَنَّ السُّجُودَ يَبْطُلُ لِوُقُوعِهِ فِي وَسَطِ الصَّلَاةِ وَهُوَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ إلَّا عَلَى سَبِيلِ الْمُتَابَعَةِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يُكْرَهُ الْبِنَاءُ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ لِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّهُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الْحَاصِلُ أَنَّ نَقْضَ الْوَاجِبِ وَإِبْطَالَهُ لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا اسْتَلْزَمَ تَصْحِيحَهُ نَقْضُ مَا هُوَ فَوْقَهُ اهـ. وَإِنَّمَا قَالَ لَمْ يَبْنِ وَلَمْ يَقُلْ لَمْ يَصِحَّ الْبِنَاءُ لِأَنَّ الْبِنَاءَ صَحِيحٌ وَإِنْ كَانَ مَكْرُوهًا لِبَقَاءِ التَّحْرِيمَةِ وَاخْتَلَفُوا فِي إعَادَةِ سُجُودِ السَّهْوِ وَالْمُخْتَارُ إعَادَتُهُ لِأَنَّ مَا أَتَى بِهِ مِنْ السُّجُودِ وَقَعَ فِي وَسَطِ الصَّلَاةِ فَلَا يَعْتَدُّ بِهِ كَالْمُسَافِرِ إذَا نَوَى الْإِقَامَةَ بَعْدَمَا سَجَدَ لِلسَّهْوِ وَيَلْزَمُ الْأَرْبَعَ وَيُعِيدُ السُّجُودَ قَيَّدَ بِشَفْعِ التَّطَوُّعِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُسَافِرًا فَسَجَدَ لِلسَّهْوِ ثُمَّ نَوَى الْإِقَامَةَ فَلَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَبْنِ وَقَدْ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَفِي الْبِنَاءِ نَقْضُ الْوَاجِبِ وَنَقْضُ الْوَاجِبِ أَدْنَى فَيُحْتَمَلُ دَفْعًا لِلْأَعْلَى لَكِنْ يُرَدُّ عَلَى التَّقْيِيدِ بِشَفْعِ التَّطَوُّعِ أَنَّهُ لَوْ صَلَّى فَرْضًا تَامًّا وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَبْنِيَ نَفْلًا عَلَيْهِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِمَا تَقَدَّمَ فَلَوْ قَالَ فَلَوْ سَجَدَ فِي صَلَاةٍ لَمْ يَبْنِ صَلَاةً عَلَيْهَا إلَّا فِي الْمُسَافِرِ لَكَانَ أَوْلَى وَلِذَا لَمْ يُقَيِّدْ فِي الْخُلَاصَةِ بِالتَّطَوُّعِ وَإِنَّمَا قَالَ وَإِذَا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَسَهَا فِيهَا فَسَجَدَ لِسَهْوِهِ بَعْدَ السَّلَامِ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَبْنِيَ عَلَيْهَا رَكْعَتَيْنِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ بِخِلَافِ الْمُسَافِرِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الْحُكْمَ فِي الْفَرْضِ يَكُونُ بِالْأُولَى لِأَنَّهُ يُكْرَهُ الْبِنَاءُ عَلَى تَحْرِيمَتِهِ سَوَاءٌ كَانَ سَجَدَ لِلسَّهْوِ أَوْ لَا بِخِلَافِ شَفْعِ التَّطَوُّعِ. (قَوْلُهُ وَلَوْ سَلَّمَ السَّاهِي فَاقْتَدَى بِهِ غَيْرُهُ فَإِنْ سَجَدَ صَحَّ وَإِلَّا لَا) قَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ صَحِيحٌ سَجَدَ الْإِمَامُ أَوْ لَمْ يَسْجُدْ لِأَنَّ عِنْدَهُ سَلَامَ مَنْ عَلَيْهِ السَّهْوُ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ الصَّلَاةِ أَصْلًا لِأَنَّهَا وَجَبَتْ جَبْرًا لِلنُّقْصَانِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِي إحْرَامِ الصَّلَاةِ وَعِنْدَهُمَا يُخْرِجُهُ عَلَى سَبِيلِ التَّوَقُّفِ لِأَنَّهُ مُحَلَّلٌ فِي نَفْسِهِ وَإِنَّمَا لَا يَعْمَلُ لِحَاجَتِهِ إلَى أَدَاءِ السَّجْدَةِ فَلَا تَظْهَرُ دُونَهَا وَلَا حَاجَةَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ هُوَ لِجَبْرِ نُقْصَانٍ إلَخْ) قَالَ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُنْيَةِ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ الْمُعْتَمَدُ لِلْفَتْوَى وَصَاحِبُ الْمُحِيطِ هُوَ الْأَصَحُّ اهـ. (قَوْلُهُ تَمَكَّنَ بِالدُّخُولِ فِيهِ) الْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ وَضَمِيرُ فِيهِ رَاجِعٌ لِلنَّفْلِ وَقَوْلُهُ فِي الْفَرْضِ مُتَعَلِّقٌ بِنُقْصَانٍ أَوْ بِتَمَكُّنٍ وَقَوْلُهُ بِتَرْكِ الْوَاجِبِ بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ بِالدُّخُولِ فِيهِ (قَوْلُهُ وَاخْتَارَهُ فِي الْهِدَايَةِ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَكِنَّ كَلَامَ الشَّارِحِينَ لَهَا يَأْبَاهُ وَلَوْلَا خَوْفُ الْإِطَالَةِ لَبَيَّنَّاهُ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ السُّجُودَ يَبْطُلُ لِوُقُوعِهِ فِي وَسَطِ الصَّلَاةِ) أَقُولُ: مُقْتَضَى هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَسْجُدْ فِي آخِرِ الشَّفْعِ لَهُ الْبِنَاءُ وَهُوَ ظَاهِرٌ فَيَأْتِي بِهِ فِي آخِرِ الشَّفْعِ الثَّانِي لِأَنَّهَا صَارَتْ وَاحِدَةً وَفِي الْقُنْيَةِ بِرَمْزِ نَجْمِ الْأَئِمَّةِ الْحَكِيمَيْ نح تَطَوَّعَ رَكْعَتَيْنِ وَسَهَا ثُمَّ بَنَى عَلَيْهِ رَكْعَتَيْنِ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَلَوْ بَنَى عَلَى الْفَرْضِ تَطَوُّعًا وَقَدْ سَهَا فِي الْفَرْضِ لَا يَسْجُدُ. اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ وَجْهَ الثَّانِي كَوْنُ النَّفْلِ الْمَبْنِيِّ عَلَى الْفَرْضِ صَارَ صَلَاةً أُخْرَى وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ سُجُودُ السَّهْوِ لِصَلَاةٍ وَاقِعًا فِي صَلَاةٍ أُخْرَى وَإِنْ كَانَتْ تَحْرِيمَةُ الْفَرْضِ بَاقِيَةً لَكِنْ يَرُدُّ عَلَيْهِ الْمَسْأَلَةَ الْمَارَّةَ آنِفًا فَإِنَّهُ يَسْجُدُ فِي الشَّفْعِ الْمَبْنِيِّ عَلَى الْفَرْضِ إلَّا أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ النَّفْلِ الْمَبْنِيِّ عَلَى الْفَرْضِ قَصْدًا وَالْمَبْنِيِّ بِلَا قَصْدٍ لِأَنَّهُ صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا قَالَ لَمْ يَبْنِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ ذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَيْنِ وَأَقُولُ: يَجِبُ أَنَّ تَقَيُّدَ صِحَّةِ الْبِنَاءِ بِمَا إذَا لَمْ يُسَلِّمْ مِنْهُ لِلْقَطْعِ أَمَّا إذَا سَلَّمَ لِقَطْعِ الصَّلَاةِ يَمْتَنِعُ الْبِنَاءَ لِأَنَّ سَلَامَهُ مِمَّنْ لَيْسَ عَلَيْهِ سُجُودُ سَهْوٍ وَهُوَ مُخْرِجٌ مِنْ الصَّلَاةِ فَكَيْفَ يَتَأَتَّى الْبِنَاءُ عَلَى الشَّفْعِ السَّابِقِ مَعَهُ وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَيْهِ تَأَمَّلْ. اهـ. (قَوْلُهُ لَكِنْ يُرَدُّ إلَخْ) أَقُولُ: ظَاهِرُهُ أَنَّ الْبِنَاءَ عَلَى الْفَرْضِ كَالْبِنَاءِ عَلَى النَّفْلِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُعِيدُ سُجُودَ السَّهْوِ وَيُخَالِفُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْقُنْيَةِ آنِفًا وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ السِّرُّ فِي تَقْيِيدِ الْمُصَنِّفِ بِالتَّطَوُّعِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَسَجَدَ لِسَهْوِهِ بَعْدَ السَّلَامِ) تَقْيِيدُهُ بِمَا بَعْدَ السَّلَامِ لَا يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ سَجَدَ قَبْلَهُ لَهُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ كَمَا تَوَهَّمَهُ الرَّمْلِيُّ بَلْ تَقْيِيدُهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّ ذَلِكَ مَحَلُّهُ عِنْدَنَا تَأَمَّلْ. [سَلَّمَ السَّاهِي فَاقْتَدَى بِهِ غَيْرُهُ] (قَوْلُهُ فَلَا تَظْهَرُ دُونَهَا) أَيْ فَلَا تَظْهَرُ الْحَاجَةُ دُونَ السَّجْدَةِ يَعْنِي إذَا سَجَدَ لِلسَّهْوِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 114 عَلَى اعْتِبَارِ عَدَمِ الْعَوْدِ وَيَظْهَرُ الِاخْتِلَافُ فِي صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ وَفِي انْتِقَاضِ الطَّهَارَةِ بِالْقَهْقَهَةِ وَتَغْيِيرُ الْفَرْضِ بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا وَظَاهِرُهُ أَنَّ الطَّهَارَةَ تَنْتَقِضُ عِنْدَهُ بِالْقَهْقَهَةِ مُطْلَقًا وَعِنْدَهُمَا إنْ عَادَ إلَى السُّجُودِ انْتَقَضَتْ وَإِلَّا فَلَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَهُوَ غَلَطٌ فَإِنَّهُ لَا تَفْصِيلَ فِيهِ بَيْنَ السُّجُودِ وَعَدَمِهِ عِنْدَهُمَا لِأَنَّ الْقَهْقَهَةَ أَوْجَبَتْ سُقُوطَ سُجُودِ السَّهْوِ عِنْدَ الْكُلِّ لِفَوَاتِ حُرْمَةِ الصَّلَاةِ لِأَنَّهَا كَلَامٌ وَإِنَّمَا الْحُكْمُ هُوَ النَّقْضُ عِنْدَهُ وَعَدَمُهُ عِنْدَهُمَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحِيطِ وَشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَظَاهِرُهُ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ فَالْأَمْرُ مَوْقُوفٌ عِنْدَهُمَا إنْ سَجَدَ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ وَإِلَّا فَلَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُتِمُّ مُطْلَقًا وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَهُوَ غَلَطٌ أَيْضًا فَإِنَّ الْحُكْمَ فِيهِ إذَا نَوَى الْإِقَامَةَ قَبْلَ السُّجُودِ أَنَّهُ لَا يَتَغَيَّرُ فَرْضُهُ عِنْدَهُمَا وَيَسْقُطُ عِنْدَ سُجُودِ السَّهْوِ لِأَنَّهُ لَوْ سَجَدَ فَقَدْ   [منحة الخالق] تَتَحَقَّقُ الْحَاجَةُ فَسَقَطَ مَعْنَى التَّحْلِيلِ عَنْ السَّلَامِ لِلْحَاجَةِ فَلَا تَتَحَقَّقُ الْحَاجَةُ إذَا لَمْ يَعُدْ إلَى سُجُودِ السَّهْوِ (قَوْلُهُ وَيَظْهَرُ الِاخْتِلَافُ إلَخْ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ بَعْدَ تَقْرِيرِهِ هَذِهِ الْفُرُوعُ قُلْت وَبِهَذَا يُعْرَفُ أَنَّ عِنْدَهُمَا مَنْ سَلَّمَ لِلسَّهْوِ وَيَخْرُجُ عَنْ حُرْمَةِ الصَّلَاةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لَا أَنْ يَكُونَ مَعْنَى التَّوَقُّفِ أَنْ يَثْبُتَ الْخُرُوجُ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ ثُمَّ بِالسُّجُودِ يَدْخُلُ فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ مِنْ وَجْهٍ لَكَانَتْ الْأَحْكَامُ عَلَى عَكْسِهَا عِنْدَهُمَا أَيْضًا كَمَا هُوَ مَذْهَبُ مُحَمَّدٍ مِنْ انْتِفَاضِ الطَّهَارَةِ بِالْقَهْقَهَةِ وَلُزُومِ الْأَدَاءِ بِالِاقْتِدَاءِ وَلُزُومِ الْأَرْبَعِ عِنْدَ نِيَّةِ الْإِقَامَةِ عَمَلًا بِالِاحْتِيَاطِ اهـ. وَتَابَعَهُ فِي الْعِنَايَةِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَعْنَى التَّوَقُّفِ كَوْنُهُ فِي حُرْمَتِهَا مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ الْمُقَابِلُ لِمَا اخْتَارَهُ مِمَّا اسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِالْفُرُوعِ مِنْ أَنَّهُ الْخُرُوجُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَفِي الْفَتْحِ هَذَا غَيْرُ لَازِمٍ مِنْ الْقَوْلِ بِالتَّوَقُّفِ لِلْمُتَأَمِّلِ إذْ حَقِيقَتُهُ تَوَقُّفُ الْحُكْمِ بِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ حُرْمَةِ الصَّلَاةِ أَوَّلًا فَالثَّابِتُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ أَحَدُهُمَا عَيْنًا وَالسُّجُودُ وَعَدَمُهُ مُعَرَّفٌ كَمَا يُقَيِّدُهُ مَا هُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ مِنْ التَّجَوُّزَيْنِ وَهَذَا قَطُّ لَا يُوجِبُ الْحُكْمَ بِكَوْنِهِ بَعْدَ السَّلَامِ فِي الصَّلَاةِ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ بَلْ الْوُقُوفُ عَنْ الْحُكْمِ بِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ أَوْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ وَجْهٍ أَصْلًا فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَهُوَ غَلَطٌ إلَخْ) أَقُولُ: قَدْ صَرَّحَ بِمِثْلٍ مَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ فِي هَذَا وَفِي الَّذِي بَعْدَهُ أَيْضًا فِي الدُّرَرِ وَمَتْنِ الْمُلْتَقَى وَمَتْنِ التَّنْوِيرِ قَالَ الْبَاقَانِيُّ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى وَتَبِعَ الْمَتْنَ صَاحِبُ الْوِقَايَةِ وَنَسَبَ أَبُو الْمَكَارِمِ صَاحِبَ الْوِقَايَةِ إلَى الْغَفْلَةِ حَيْثُ قَالَ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ وَإِنْ قَهْقَهَ انْتَقَضَ الْوُضُوءُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا وَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ إجْمَاعًا وَسَقَطَ عَنْهُ سُجُودُ السَّهْوِ وَإِنْ نَوَى الْإِقَامَةَ انْقَلَبَ فَرْضُهُ أَرْبَعًا عِنْدَهُ وَيَسْجُدُ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ وَعِنْدَهُمَا لَا يَنْقَلِبُ أَرْبَعًا وَيَسْقُطُ عَنْهُ سُجُودُ السَّهْوِ إذْ إيجَابُهُ يُوجِبُ إبْطَالَهُ كَذَا فِي الْكَافِي وَالْهِدَايَةِ وَشُرُوحُهَا وَفَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَعِدَّةٌ مِنْ الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ وَمَا ذَكَرَ صَاحِبُ الْوِقَايَةِ مِنْ أَنَّهُ يَبْطُلُ وُضُوءٌ بِالْقَهْقَهَةِ وَيَصِيرُ فَرْضُهُ أَرْبَعًا بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ إنْ سَجَدَ بَعْدُ وَإِلَّا فَلَا فَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ وَلَمَا ذَكَرَ هُوَ فِي شَرْحِهِ لِلْهِدَايَةِ مِنْ أَنَّهُ بَعْدَ مَا قَهْقَهَ يَتَعَذَّرُ سُجُودُ السَّهْوِ لِبُطْلَانِ التَّحْرِيمَةِ الْمَوْقُوفَةِ بِالْقَهْقَهَةِ فَلَعَلَّ ذَلِكَ هَفْوَةٌ مِنْهُ اهـ. هَذَا مَا فِي الْبَاقَانِيِّ مُلَخَّصًا وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا لَيْسَ كَمَا ادَّعَاهُ الْمُؤَلِّفُ لَكِنَّ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ اقْتَصَرَ عَلَى تَفْرِيعِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فَقَطْ عَلَى الِاخْتِلَافِ الْمَذْكُورِ وَذَكَرَ أَنَّ الْفَرْعَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ لَيْسَا مِنْ فُرُوعِهِ فِي شَيْءٍ وَقَالَ وَفِي الْوِقَايَةِ هُنَا سَهْوٌ مَشْهُورٌ اهـ. قُلْت وَبِاَللَّهِ تَعَالَى أَسْتَعِينُ لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ لَهُ أَدْنَى بَصِيرَةٌ أَنَّ الْفُرُوعَ الثَّلَاثَةَ حُكْمُهَا مُخْتَلَفٌ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ فَالتَّفْرِيعُ صَحِيحٌ لِأَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي الْخُرُوجِ بَاتًّا أَوْ مَوْقُوفًا لَكِنْ لَمَّا أَمْكَنَ التَّفْصِيلَ عِنْدَهُمَا بَيْنَ الْعَوْدِ إلَى السُّجُودِ وَعَدَمِهِ فِي الْفَرْعِ الْأَوَّلِ ذَكَرُوهُ فِيهِ وَلَمَّا لَمْ يُمْكِنْ فِي الْأَخِيرَيْنِ كَمَا عَلِمْت حَكَمُوا بِعَدَمِ انْتِقَاضِ الطَّهَارَةِ وَعَدَمِ تَغَيُّرِ الْفَرْضِ عِنْدَ هُمَا وَلَمْ يُفَصِّلُوا بَيْنَ مَا إذَا عَادَ أَوَّلًا كَمَا فَصَّلُوا فِي الْأَوَّلِ فَظَهَرَ أَنَّهُ لَيْسَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ وَإِنَّ التَّفْرِيغَ الَّذِي أَطْبَقَ عَلَيْهِ عَامَّةُ الْكُتُبِ صَحِيحٌ لَا كَمَا قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ مِنْ عَدَمِ صِحَّتِهِ فِي الْآخِرَيْنِ إذْ لَمْ يَذْكُرُوا التَّفْصِيلَ فِيهِمَا أَيْضًا نَعَمْ الْغَلَطُ مِمَّنْ ذَكَرَهُ كَصَاحِبِ غَايَةِ الْبَيَانِ وَالْوُقَايَةِ وَغَيْرِهِمَا حَيْثُ قَيَّدُوا تَرْتِيبَ الْأَحْكَامِ فِي الْفُرُوعِ الثَّلَاثَةِ عِنْدَهُمَا بِقَوْلِهِمْ إنْ سَجَدَ وَإِلَّا فَلَا (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَوْ سَجَدَ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ لِأَنَّ إيجَابَهُ يُؤَدِّي إلَى إبْطَالِهِ كَمَا مَرَّ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَعِنْدَهُمَا خَرَجَ مِنْهَا وَلَا يَعُودُ إلَّا بِعَوْدِهِ إلَى سُجُودِ السَّهْوِ وَلَا يُمْكِنْهُ الْعَوْدُ إلَى سُجُودِهِ إلَّا بَعْدَ تَمَامِ الصَّلَاةِ وَلَا يُمْكِنُهُ إتْمَامُ الصَّلَاةِ إلَّا بَعْدَ الْعَوْدِ إلَى السُّجُودِ فَجَاءَ الدَّوْرُ وَبَيَانُهُ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْعَوْدُ إلَى سُجُودِهِ لِأَنَّ سُجُودَهُ مَا يَكُونُ جَابِرًا وَالْجَابِرُ بِالنَّصِّ هُوَ الْوَقَاعُ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ وَلَا آخَرَ لَهَا قَبْلَ التَّمَامِ فَقُلْنَا بِأَنَّهُ تَمَّتْ صَلَاتُهُ وَخَرَجَ مِنْهَا قَطْعًا لِلدَّوْرِ اهـ. وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ سُجُودَهُ مَا يَكُونُ جَابِرًا أَنَّهُ وَإِنْ سَجَدَ لَا يَعُودُ إلَى حُرْمَةِ الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ غَيْرُ جَابِرٍ لِلنَّقْصِ نَظِيرُ مَا إذَا سَلَّمَ وَأَتَى بِمَا يُنَافِي السُّجُودَ فَإِنَّهُ لَا يَعُودُ إلَى حُرْمَةِ الصَّلَاةِ وَإِنْ سَجَدَ لِأَنَّهُ غَيْرُ جَابِرٍ بَلْ يَكُونُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 115 عَادَ إلَى حُرْمَةِ الصَّلَاةِ فَيَتَغَيَّرُ فَرْضُهُ أَرْبَعًا فَيَقَعُ سُجُودُهُ فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ فَلَا يُعْتَدُّ بِهِ فَلَا فَائِدَةَ فِي الْإِشْغَالِ بِهِ وَعِنْدَهُ يُتِمُّهَا أَرْبَعًا وَيَسْجُدُ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَذَكَرَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ أَنَّ عِنْدَهُمَا لَا يَتَغَيَّرُ فَرْضُهُ سَوَاءٌ سَجَدَ لِلسَّهْوِ أَوْ لَا لِأَنَّهُ لَوْ تَغَيَّرَ قَبْلَ السُّجُودِ لَصَحَّتْ النِّيَّةُ قَبْلَ السُّجُودِ وَلَوْ صَحَّتْ لَوَقَعَتْ السَّجْدَةُ وَفِي وَسَطِ الصَّلَاةِ فَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَسْجُدْ أَصْلًا فَلَوْ صَحَّتْ لَصَحَّتْ بِلَا سُجُودٍ لَا وَجْهَ لَهُ عِنْدَهُمَا لِأَنَّهُ يَحْصُلُ بَعْدَ الْخُرُوجِ فَلَا يَتَغَيَّرُ فَرْضُهُ اهـ. وَقَيَّدْنَا بِكَوْنِهِ نَوَى الْإِقَامَةَ قَبْلَ السُّجُودِ لِأَنَّهُ لَوْ نَوَاهَا بَعْدَمَا سَجَدَ سَجْدَةً أَوْ سَجْدَتَيْنِ تَغَيَّرَ فَرْضُهُ اتِّفَاقًا وَيَسْجُدُ فِي آخِرِهَا لِلسَّهْوِ وَلِأَنَّ النِّيَّةَ صَادَفَتْ حُرْمَةَ الصَّلَاةِ فَصَارَ مُقِيمًا كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مِنْ أَنَّ ثَمَرَةَ الِاخْتِلَافِ تَظْهَرُ فِي مَسْأَلَةٍ رَابِعَةٍ وَهِيَ مَا اقْتَدَى بِهِ إنْسَانٌ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ ثُمَّ وَجَدَ مِنْهُ مَا يُنَافِي الصَّلَاةَ قَصْدًا هَلْ يَقْضِي أَمْ لَا فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَقْضِي سَجَدَ الْإِمَامُ أَوْ لَمْ يَسْجُدْ لِصِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ وَعِنْدَهُمَا لَا يَقْضِي لِعَدَمِ صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ فَلَيْسَتْ مَسْأَلَةً رَابِعَةً بَلْ مُتَفَرِّعَةً عَلَى مَسْأَلَةِ الْمَتْنِ وَهِيَ صِحَّةُ الِاقْتِدَاءِ فَإِنَّهُ إنْ صَحَّ الِاقْتِدَاءُ أَوْ أَفْسَدَهَا لَزِمَهُ الْقَضَاءُ وَإِلَّا فَلَا وَجَعَلَ فِي الْخُلَاصَةِ ثَمَرَةَ الِاخْتِلَافِ تَظْهَرُ أَيْضًا فِي الصَّلَاةِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْأَدْعِيَةِ فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَأْتِي بِهِمَا فِي الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ وَهِيَ قَعْدَةُ سُجُودِ السَّهْوِ لِأَنَّهَا قَعْدَةُ الْخَتْمِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَأْتِي بِهِمَا فِي قَعْدَةِ الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ لَمَّا عَادَ إلَى السُّجُودِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ خَارِجًا فَكَانَتْ الْأُولَى قَعْدَةَ الْخَتْمِ. (قَوْلُهُ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ وَإِنْ سَلَّمَ لِلْقَطْعِ) رَفَعَ لِإِيهَامِ التَّخْيِيرِ بَيْنَ السُّجُودِ وَعَدَمِهِ مِنْ قَوْلِهِ فَإِنْ سَجَدَ صَحَّ وَإِلَّا لَا فَأَفَادَ أَنَّ السُّجُودَ وَاجِبٌ وَإِنْ قَصَدَ بِسَلَامِهِ قَطْعَ صَلَاتِهِ لِأَنَّ هَذَا السَّلَامَ غَيْرُ قَاطِعٍ لِحُرْمَةِ الصَّلَاةِ أَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَظَاهِرٌ لِأَنَّهُ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ حُرْمَتِهَا أَصْلًا عِنْدَهُ وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلَا يُخْرِجُهُ خُرُوجًا بَاتًّا فَلَا يَنْقَطِعُ الْإِحْرَامُ مُطْلَقًا فَلَمَّا نَوَى الْقَطْعَ تَكُونُ نِيَّتُهُ مُبَدِّلَةً لِلْمَشْرُوعِ فَلَغَتْ كَنِيَّةِ الْإِبَانَةِ بِصَرِيحِ الطَّلَاقِ وَكَنِيَّةِ الظُّهْرِ سِتًّا بِخِلَافِ مَا إذَا نَوَى الْكُفْرَ فَإِنَّهُ يُحْكَمُ بِكُفْرِهِ لِزَوَالِ الِاعْتِقَادِ قَيَّدَ بِسُجُودِ السَّهْوِ لِأَنَّهُ لَوْ سَلَّمَ وَهُوَ ذَاكِرٌ لِلسَّجْدَةِ الصُّلْبِيَّةِ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَالْفَرْقُ أَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ يُؤْتَى بِهِ فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ وَهِيَ بَاقِيَةٌ وَالصُّلْبِيَّةُ يُؤْتَى بِهَا فِي حَقِيقَتِهَا وَقَدْ بَطَلَتْ بِالسَّلَامِ الْعَمْدِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَاعْلَمْ أَنَّ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ قَوْلِنَا إنَّ سَلَامَ مَنْ عَلَيْهِ السَّهْوُ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ حُرْمَةِ الصَّلَاةِ لَا يَسْتَلْزِمُ وُقُوعَهُ قَاطِعًا وَإِلَّا لَمْ يَعُدْ إلَى حُرْمَتِهَا بَلْ الْحَاصِلُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ إذَا وَقَعَ فِي مَحَلِّهِ كَانَ مُحَلِّلًا مُخْرِجًا وَبَعْدَ ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِمَّا يَجِبُ وُقُوعُهُ فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ كَانَ قَاطِعًا مَعَ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ فَإِنْ سَلَّمَ ذَاكِرٌ لَهُ وَهُوَ مِنْ الْوَاجِبَاتِ فَقَدْ قَطَعَ وَتَقَرَّرَ النَّقْصُ وَتَعَذَّرَ جَبْرُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْوَاجِبُ نَفْسَ سُجُودِ السَّهْوِ وَإِنْ كَانَ رُكْنًا فَسَدَتْ وَإِنْ سَلَّمَ غَيْرَ ذَاكِرٍ أَنَّ عَلَيْهِ شَيْئًا لَمْ يَصِرْ خَارِجًا وَعَلَى هَذَا تَجْرِي الْفُرُوعُ اهـ. وَأَمَّا إذَا سَلَّمَ وَعَلَيْهِ سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ فَقَدْ ذَكَرَ فِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا وَلَوْ سَلَّمَ وَعَلَيْهِ سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ وَسَجْدَتَا السَّهْوِ إنْ سَلَّمَ وَهُوَ غَيْرُ ذَاكِرٍ لَهُمَا أَوْ ذَاكِرٌ لِلسَّهْوِ خَاصَّةً فَإِنَّ سَلَامَهُ لَا يَكُونُ قَاطِعًا لِلصَّلَاةِ وَيَسْجُدُ لِلتِّلَاوَةِ أَوَّلًا ثُمَّ يَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ ثُمَّ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَإِنْ سَلَّمَ وَهُوَ ذَاكِرٌ لَهُمَا أَوْ ذَاكِرٌ لِلتِّلَاوَةِ خَاصَّةً فَإِنَّ سَلَامَهُ يَكُونُ قَاطِعًا وَسَقَطَتْ عَنْهُ التِّلَاوَةُ وَالسَّهْوُ وَإِنْ سَلَّمَ وَعَلَيْهِ سَجْدَةٌ صُلْبِيَّةٌ وَسَجْدَتَا السَّهْوِ إنْ سَلَّمَ وَهُوَ غَيْرُ ذَاكِرٍ لَهُمَا أَوْ ذَاكِرٌ لِلسَّهْوِ فَإِنَّ سَلَامَهُ لَا يَكُونُ قَاطِعًا وَيَسْجُدُ لِلصُّلْبِيَّةِ وَيَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ ثُمَّ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَإِنْ سَلَّمَ وَهُوَ ذَاكِرٌ لَهُمَا أَوْ ذَاكِرٌ لِلصُّلْبِيَّةِ خَاصَّةً فَإِنَّ سَلَامَهُ يَكُونُ قَاطِعًا وَفَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَلَوْ سَلَّمَ وَعَلَيْهِ السَّجْدَةُ الصُّلْبِيَّةُ وَالتِّلَاوَةُ وَالسَّهْوُ إنْ سَلَّمَ وَهُوَ غَيْرُ ذَاكِرٍ لِلْكُلِّ أَوْ ذَاكِرٌ لِلسَّهْوِ لَا يَكُونُ سَلَامُهُ قَاطِعًا وَيَسْجُدُ لِلْأَوَّلِ فَالْأَوَّلُ إنْ كَانَتْ سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ أَوَّلًا فَإِنَّهُ يَسْجُدُهَا   [منحة الخالق] قَدْ خَرَجَ بِالسَّلَامِ خُرُوجًا بَاتًّا وَفِي مَسْأَلَتِنَا كَذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي قَوْلِهِ فَقُلْنَا تَمَّتْ صَلَاتُهُ وَخَرَجَ مِنْهَا وَحِينَئِذٍ فَلَمْ تَحْصُلْ نِيَّةُ الْإِقَامَةِ فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ وَفِي النِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ وَالْفَتْحِ فَلَا يَتَغَيَّرُ فَرْضُهُ سَوَاءٌ سَجَدَ بَعْدَهَا أَوْ لَمْ يَسْجُدْ كَمَا يَأْتِي التَّصْرِيحُ بِهِ عَنْ الدِّرَايَةِ وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَظْهَرُ لَك انْدِفَاعُ مَا ذَكَرَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ مُنْتَصِرًا لِصَاحِبِ غَايَةِ الْبَيَانِ جَازِمًا بِأَنَّهُ إنْ سَجَدَ يَعُودُ وَيَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ حِينَئِذٍ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ مَا إذَا نَوَى بَعْدَ السُّجُودِ حَيْثُ اتَّفَقُوا عَلَى صِحَّتِهَا. (قَوْلُهُ وَلَوْ سَلَّمَ وَعَلَيْهِ سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ وَسَجْدَتَا السَّهْوِ إلَخْ) ذَكَرَ فِي الْبَدَائِعِ أَيْضًا مَا لَوْ سَلَّمَ وَعَلَيْهِ سَجْدَةُ تِلَاوَةٍ أَوْ قِرَاءَةُ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرَةُ قَالَ فَإِنْ سَلَّمَ وَهُوَ ذَاكِرٌ لَهَا سَقَطَتْ عَنْهُ لِأَنَّ سَلَامَهُ سَلَامُ عَمْدٍ فَيُخْرِجُهُ مِنْ الصَّلَاةِ وَلَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ لَكِنَّهَا تَنْقُصُ لِتَرْكِ الْوَاجِبِ وَإِنْ كَانَ سَاهِيًا عَنْهَا لَا تَسْقُطُ لِأَنَّ سَلَامَ السَّهْوِ لَا يُخْرِجُ مِنْ الصَّلَاةِ حَتَّى يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ وَيَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ بِالْقَهْقَهَةِ وَيَتَحَوَّلُ فَرْضُهُ أَرْبَعًا بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ لَوْ كَانَ مُسَافِرًا (قَوْلُهُ وَسَقَطَتْ عَنْهُ التِّلَاوَةُ وَالسَّهْوُ) أَيْ وَلَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ لِمَا مَرَّ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ أَيْ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ وَلَكِنَّ صَلَاتَهُ نَاقِصَةٌ لِتَرْكِ الْوَاجِبِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 116 وَإِنْ كَانَتْ الصُّلْبِيَّةُ أَوَّلًا فَإِنَّهُ يَسْجُدُهَا ثُمَّ يَتَشَهَّدُ بَعْدَهَا وَسَلَّمَ ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ وَإِنْ كَانَ ذَاكِرًا لِلصُّلْبِيَّةِ أَوْ التِّلَاوَةِ أَوَّلَهُمَا فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَصَارَ سَلَامُهُ قَاطِعًا لِلصَّلَاةِ لِأَنَّهُ سَلَامُ سَهْوٍ فِي حَقِّ أَحَدِهِمَا وَسَلَامُ عَمْدٍ فِي حَقِّ الْآخَرِ وَسَلَامُ السَّهْوِ لَا يُخْرِجُ وَسَلَامُ الْعَمْدِ يُخْرِجُ فَتَرَجَّحَ جَانِبُ الْخُرُوجِ احْتِيَاطًا وَلَوْ سَلَّمَ وَعَلَيْهِ السَّهْوُ وَالتَّكْبِيرُ وَالتَّلْبِيَةُ بِأَنْ كَانَ مُحَرَّمًا وَهُوَ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ ذَلِكَ كُلُّهُ سَوَاءٌ كَانَ ذَاكِرًا لِلْكُلِّ أَوْ سَاهِيًا لِلْكُلِّ اهـ وَبِهَذَا عَلِمَ أَنَّ قَوْلَهُ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ وَإِنْ سَلَّمَ لِلْقَطْعِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ سَجْدَةٌ صُلْبِيَّةٌ أَوْ سَجْدَةُ تِلَاوَةٍ مُتَذَكِّرًا لَهَا فَإِنْ كَانَتْ صُلْبِيَّةً فَسَدَتْ الصَّلَاةُ وَإِنْ كَانَتْ تِلَاوَةً لَمْ تَفْسُدْ وَسَقَطَ عَنْهُ سُجُودُ السَّهْوِ كَمَا سَقَطَ عَنْهُ سُجُودُ التِّلَاوَةِ وَفِي نَفْسِي مِنْ سُقُوطِ سُجُودِ السَّهْوِ شَيْءٌ لِأَنَّ التِّلَاوَةَ إنَّمَا سَقَطَتْ لِكَوْنِ الصَّلَاتِيَّةِ لَا تُقْضَى خَارِجَهَا وَقَدْ صَارَ خَارِجًا وَأَمَّا سُجُودُ السَّهْوِ فَإِنَّهُ لَا يُؤَدِّي فِي نَفْسِ الصَّلَاةِ وَإِنَّمَا يُؤَدِّي فِي حُرْمَتِهَا وَقَدْ عَلَّلَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ لِسُقُوطِهِمَا بِامْتِنَاعِ الْبِنَاءِ بِسَبَبِ الِانْقِطَاعِ إلَّا إذَا تَذَكَّرَ أَنَّهُ لَمْ يَتَشَهَّدْ فَإِنَّهُ يَتَشَهَّدُ وَيَسْجُدُ لِلتِّلَاوَةِ وَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ اهـ. عَلَّلَ لِسُقُوطِهَا فِي الْبَدَائِعِ بِأَنَّهُ سَلَامُ عَمْدٍ صَارَ بِهِ خَارِجًا مِنْ الصَّلَاةِ اهـ. وَلَعَلَّهُ لَمَّا صَارَ قَاطِعًا بِالنِّسْبَةِ إلَى التِّلَاوَةِ صَارَ قَاطِعًا لِسُجُودِ السَّهْوِ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ تِلَاوِيَّةٌ وَلَا صُلْبِيَّةٌ فَإِنَّهُ لَمْ يُجْعَلْ قَاطِعًا بِالنِّسْبَةِ إلَى شَيْءٍ وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَلَوْ سَهَا فَسَلَّمَ ثُمَّ قَامَ فَكَبَّرَ وَدَخَلَ فِي صَلَاةٍ أُخْرَى فَرْضًا كَانَ أَوْ نَفْلًا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ لِأَنَّ التَّحْرِيمَةَ الْأُولَى قَدْ انْقَطَعَتْ وَهَذِهِ تَحْرِيمَةٌ قَدْ اُسْتُؤْنِفَتْ فَالنُّقْصَانُ الَّذِي حَصَلَ فِي التَّحْرِيمَةِ الْأُولَى لَا يُمْكِنُ جَبْرُهُ بِفِعْلِهِ فِي التَّحْرِيمَةِ الْأُخْرَى. (قَوْلُهُ وَإِنْ شَكَّ أَنَّهُ كَمْ صَلَّى أَوَّلَ مَرَّةٍ اسْتَأْنَفَ وَإِنْ كَثُرَ تَحَرَّى وَإِلَّا أَخَذَ بِالْأَقَلِّ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَسْتَقْبِلْ» بِحَمْلِهِ عَلَى مَا إذَا كَانَ أَوَّلَ شَكٍّ عَرَضَ لَهُ تَوْفِيقًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا فِي الصَّحِيحِ مَرْفُوعًا إذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ فَلْيُتِمَّ عَلَيْهِ بِحَمْلِهِ عَلَى مَا إذَا كَانَ الشَّكُّ يُعْرَضُ لَهُ كَثِيرًا وَبَيْنَ مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مَرْفُوعًا «إذَا سَهَا أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ وَاحِدَةً صَلَّى أَوْ ثِنْتَيْنِ فَلْيَبْنِ عَلَى وَاحِدَةٍ وَإِنْ لَمْ يَدْرِ ثِنْتَيْنِ صَلَّى أَوْ ثَلَاثًا فَلْيَبْنِ عَلَى ثِنْتَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَدْرِ ثَلَاثًا صَلَّى أَوْ أَرْبَعًا فَلْيَبْنِ عَلَى ثَلَاثٍ وَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ» وَصَحَّحَهُ بِحَمْلِهِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ظَنٌّ فَإِنَّهُ يَبْنِي عَلَى الْأَقَلِّ وَيُسَاعِدُ هَذَا الْجَمْعَ الْمَعْنَى وَهُوَ أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى إسْقَاطِ مَا عَلَيْهِ دُونَ حَرَجٍ لِأَنَّ الْحَرَجَ بِإِلْزَامِ الِاسْتِقْبَالِ إنَّمَا يَلْزَمُ عِنْدَ كَثْرَةِ عُرُوضِ الشَّكِّ لَهُ وَصَارَ كَمَا إذَا شَكَّ أَنَّهُ صَلَّى أَوْ لَا وَالْوَقْتُ بَاقٍ يَلْزَمُهُ الصَّلَاةُ لِقُدْرَتِهِ عَلَى حُكْمِ الظَّاهِرِ وَحُمِلَ عَدَمُ الْفَسَادِ الَّذِي تَظَافَرَ عَلَيْهِ الْحَدِيثَانِ الْآخَرَانِ عَلَى مَا إذَا كَانَ يَكْثُرُ مِنْهُ لِلُزُومِ الْحَرَجِ بِتَقْدِيرِ الْإِلْزَامِ وَهُوَ مُنْتَفٍ شَرْعًا بِالنَّافِي فَوَجَبَ أَنَّ حُكْمَهُ بِالْعَمَلِ بِمَا يَقَعُ عَلَيْهِ التَّحَرِّي قُيِّدَ بِالشَّكِّ فِي الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ لَوْ شَكَّ فِي أَرْكَانِ الْحَجِّ ذَكَرَ الْجَصَّاصُ أَنَّهُ يَتَحَرَّى كَمَا فِي الصَّلَاةِ وَقَالَ عَامَّةُ مَشَايِخِنَا يُؤَدِّي ثَانِيًا لِأَنَّ تَكْرَارَ الرُّكْنِ وَالزِّيَادَةَ عَلَيْهِ لَا تُفْسِدُ الْحَجَّ وَزِيَادَةَ الرَّكْعَةِ تُفْسِدُ الصَّلَاةَ فَكَانَ التَّحَرِّي فِي بَابِ الصَّلَاةِ أَحْوَطَ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَفِي الْبَدَائِعِ أَنَّهُ يَبْنِي فِي الْحَجِّ عَلَى الْأَقَلِّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَأَفَادَ كَلَامُهُ أَنَّ الشَّكَّ كَانَ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْهَا فَلَوْ شَكَّ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا أَنَّهُ صَلَّى ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ صَلَّى أَرْبَعًا حَمْلًا لِأَمْرِهِ عَلَى الصَّلَاحِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَالْمُرَادُ بِالْفَرَاغِ مِنْهَا الْفَرَاغُ مِنْ أَرْكَانِهَا سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ السَّلَامِ أَوْ بَعْدَهُ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَاسْتَثْنَى فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مَا إذَا وَقَعَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ سَلَامٌ سَهْوًا إلَخْ) تَعْلِيلٌ لِمَا إذَا كَانَ ذَاكِرًا لِلصُّلْبِيَّةِ أَوْ التِّلَاوِيَّةِ فَإِنَّ سَلَامَهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الَّتِي كَانَ ذَاكِرًا لَهَا عَمْدٌ وَإِلَى غَيْرِهَا سَهْوٌ وَلَمْ يُعَلِّلْ لِمَا إذَا كَانَ ذَاكِرًا لَهُمَا لِظُهُورِهِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ ذَاكِرًا لِلصُّلْبِيَّةِ فَقَطْ فَالْحُكْمُ بِالْفَسَادِ ظَاهِرٌ لِأَنَّهَا بَطَلَتْ بِالسَّلَامِ الْعَمْدِ وَإِنَّمَا الْمُشْكِلُ مَا إذَا سَلَّمَ وَهُوَ ذَاكِرٌ لِلتِّلَاوِيَّةِ فَقَطْ مَعَ أَنَّهُ قَدْ مَرَّ فِي صَدْرِ الْعِبَارَةِ أَنَّهُ تَسْقُطُ عَنْهُ التِّلَاوَةُ وَالسَّهْوُ وَذَكَرْنَا هُنَاكَ أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَفْسُدُ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِهَا وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ الصُّلْبِيَّةُ مَتْرُوكَةً هُنَا وَهِيَ رُكْنٌ تَرَجَّحَ جَانِبُ الْخُرُوجِ بِالسَّلَامِ وَإِنْ كَانَ سَهْوًا فِي جَانِبِهَا عَمْدًا فِي جَانِبِ التِّلَاوَةِ لِأَنَّا لَوْ لَمْ نَحْكُمْ بِفَسَادِ الصَّلَاةِ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَصِحَّ إتْيَانُهُ بِالصُّلْبِيَّةِ وَإِذَا أَتَى بِهَا يَلْزَمُ أَنْ يَأْتِيَ بِالتِّلَاوَةِ أَيْضًا لِبَقَاءِ التَّحْرِيمَةِ وَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ لِأَنَّهُ سَلَّمَ وَهُوَ ذَاكِرٌ لِلتِّلَاوَةِ فَكَانَ عَمْدًا فِي حَقِّهَا كَمَا فِي الْبَدَائِعِ قَالَ وَقِرَاءَةُ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ فِي هَذَا الْحُكْمِ كَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ (قَوْلُهُ وَقَدْ عَلَّلَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ عَلَى هَذَا التَّعْلِيلِ وَاَلَّذِي يَأْتِي بَعْدَهُ عَنْ الْبَدَائِعِ أَنَّ سَلَامَ مَنْ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ لَا يَقْطَعُ وَإِنْ نَوَى بِهِ الْقَطْعَ فَلَوْ قُلْنَا بِوُجُوبِهِ عَلَيْهِ هُنَا لَمْ يَلْزَمْ الْمَحْذُورَ وَلَكِنْ أَشَارَ إلَى جَوَابِهِ بِقَوْلِهِ الْآتِي وَلَعَلَّهُ إلَخْ. [شَكَّ أَنَّهُ كَمْ صَلَّى أَوَّلَ مَرَّةٍ] (قَوْلُهُ وَصَحَّحَهُ) مَعْطُوفٌ عَلَى رَوَاهُ (قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ بِالْفَرَاغِ مِنْهَا) قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَلَوْ شَكَّ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ التَّشَهُّدِ فِي الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ عَلَى نَحْوِ مَا بَيَّنَّا فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ أَتَمَّ الصَّلَاةَ هَكَذَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ اهـ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 117 الشَّكُّ فِي التَّعْيِينِ لَيْسَ غَيْرُ بِأَنْ تَذَكَّرَ بَعْدَ الْفَرَاغِ أَنَّهُ تَرَكَ فَرْضًا وَشَكَّ فِي تَعْيِينِهِ قَالُوا: يَسْجُدُ سَجْدَةً وَاحِدَةً ثُمَّ يَقْعُدُ ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَةً بِسَجْدَتَيْنِ ثُمَّ يَقْعُدُ ثُمَّ يَسْجُدُ إلَى آخِرِهِ وَلَا حَاجَةَ إلَى هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ لِأَنَّ كَلَامَنَا فِي الشَّكِّ بَعْدَ الْفَرَاغِ وَهَذَا قَدْ تَذَكَّرَ تَرْكَ رُكْنٍ يَقِينًا إنَّمَا وَقَعَ الشَّكُّ فِي تَعْيِينِهِ نَعَمْ يُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْخُلَاصَةِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَخْبَرَهُ رَجُلٌ عَدْلٌ بَعْدَ السَّلَامِ أَنَّك صَلَّيْت الظُّهْرَ ثَلَاثًا وَشَكَّ فِي صِدْقِهِ وَكَذِبِهِ فَإِنَّهُ يُعِيدُ احْتِيَاطًا لِأَنَّ الشَّكَّ فِي صِدْقِهِ شَكٌّ فِي الصَّلَاةِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ عِنْدَهُ أَنَّهُ صَلَّى أَرْبَعًا فَإِنَّهُ لَا يَلْتَفِتُ إلَى قَوْلِ الْمُخْبِرِ وَكَذَا لَوْ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْقَوْمِ إنْ كَانَ الْإِمَامُ عَلَى يَقِينٍ لَا يُعِيدُ وَإِلَّا أَعَادَ بِقَوْلِهِمْ وَلَوْ اخْتَلَفَ الْقَوْمُ قَالَ بَعْضُهُمْ صَلَّى ثَلَاثًا وَقَالَ بَعْضُهُمْ صَلَّى أَرْبَعًا وَالْإِمَامُ مَعَ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ يَأْخُذُ بِقَوْلِ الْإِمَامِ وَإِنْ كَانَ مَعَهُ وَاحِدٌ فَإِنْ أَعَادَ الْإِمَامُ الصَّلَاةَ وَأَعَادَ الْقَوْمُ مَعَهُ مُقْتَدِينَ بِهِ صَحَّ اقْتِدَاؤُهُمْ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْإِمَامُ صَادِقًا يَكُونُ هَذَا اقْتِدَاءَ الْمُتَنَفِّلِ بِالْمُتَنَفِّلِ وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا يَكُونُ اقْتِدَاءَ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُفْتَرِضِ إلَى آخِرِ مَا فِي الْخُلَاصَةِ وَقَيَّدَ بِكَوْنِ الشَّكِّ فِي الْعَدَدِ بِتَغْيِيرِهِ بِكَلِمَةِ كَمْ لِأَنَّ مُصَلِّيَ الظُّهْرِ إذَا صَلَّى رَكْعَةً بِنِيَّةِ الظُّهْرِ ثُمَّ شَكَّ فِي الثَّانِيَةِ أَنَّهُ فِي الْعَصْرِ ثُمَّ شَكَّ فِي الثَّالِثَةِ أَنَّهُ فِي التَّطَوُّعِ ثُمَّ شَكَّ فِي الرَّابِعَةِ أَنَّهُ فِي الظُّهْرِ قَالُوا يَكُونُ فِي الظُّهْرِ وَالشَّكُّ لَيْسَ بِشَيْءٍ وَلَوْ تَذَكَّرَ مُصَلِّي الْعَصْرِ أَنَّهُ تَرَكَ سَجْدَةً وَلَا يَدْرِي أَنَّهُ تَرَكَهَا مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ أَوْ مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ الَّذِي هُوَ فِيهَا فَإِنَّهُ يَتَحَرَّى فَإِنْ لَمْ يَقَعْ تَحَرِّيهِ عَلَى شَيْءٍ يُتِمُّ الْعَصْرَ وَيَسْجُدُ سَجْدَةً وَاحِدَةً لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ تَرَكَهَا مِنْ الْعَصْرِ ثُمَّ يُعِيدُ الظُّهْرَ احْتِيَاطًا ثُمَّ يُعِيدُ الْعَصْرَ فَإِنْ لَمْ يَعُدْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى قَوْلِهِمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَأَكْثَرُ مَشَايِخِنَا كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالْخَانِيَّةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ أَوَّلَ مَا وَقَعَ لَهُ فِي عُمُرِهِ يَعْنِي لَمْ يَكُنْ سَهَا فِي صَلَاةٍ قَطُّ بَعْدَ بُلُوغِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَذَهَبَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ إلَى أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ السَّهْوَ لَيْسَ بِعَادَةٍ لَهُ لَا أَنَّهُ لَمْ يَسْهُ قَطُّ وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ أَيْ فِي هَذِهِ الصَّلَاةِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْفَضْلِ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَكِلَاهُمَا قَرِيبٌ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ بَيْنَ الْعِبَارَاتِ أَنَّهُ إذَا سَهَا فِي صَلَاتِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَاسْتَقْبَلَهُ ثُمَّ وَقَفَ سِنِينَ ثُمَّ سَهَا عَلَى قَوْلِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ يَسْتَأْنِفُ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ عَادَتِهِ وَإِنَّمَا حَصَلَ لَهُ مَرَّةً وَاحِدَةً وَالْعَادَةُ إنَّمَا هِيَ مِنْ الْمُعَاوَدَةِ وَعَلَى الْعِبَارَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ يَجْتَهِدُ فِي ذَلِكَ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ يَسْتَأْنِفُ عَلَى عِبَارَةِ السَّرَخْسِيِّ وَفَخْرِ الْإِسْلَامِ وَيَتَحَرَّى عَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِ فَقَطْ لِأَنَّهُ أَوَّلُ سَهْوٍ وَقَعَ لَهُ فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ فَيَسْتَأْنِفُ عَلَى قَوْلِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ كَمَا لَا يَخْفَى وَهَذَا الِاخْتِلَافُ يُفَسِّرُ قَوْلَهُمْ وَإِنْ كَثُرَ تَحَرَّى فَعَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِ الْمُرَادُ بِالْكَثْرَةِ مَرَّتَانِ بَعْدَ بُلُوغِهِ وَعَلَى قَوْلِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ مَرَّتَانِ فِي صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ وَفِي الْمُجْتَبَى وَقِيلَ مَرَّتَيْنِ فِي سُنَّتِهِ وَلَعَلَّهُ عَلَى قَوْلِ السَّرَخْسِيِّ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ شَكَّ فِي بَعْضِ وُضُوئِهِ وَهُوَ أَوَّلُ مَا عَرَضَ لَهُ غُسْلُ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَإِنْ كَانَ يَعْرِضُ لَهُ كَثِيرًا لَا يَلْتَفِتُ إلَيْهِ كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَفِي الْمُجْتَبَى وَالْمُبْتَغَى وَمَنْ شَكَّ أَنَّهُ كَبَّرَ لِلِافْتِتَاحِ أَوْ لَا أَوْ هَلْ أَحْدَثَ أَوْ لَا أَوْ هَلْ أَصَابَتْ النَّجَاسَةُ ثَوْبَهُ أَوْ لَا أَوْ مَسَحَ رَأْسَهُ أَمْ لَا اسْتَقْبَلَ إنْ كَانَ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَّا فَلَا اهـ. بِخِلَافِ مَا لَوْ شَكَّ أَنَّ هَذِهِ تَكْبِيرَةُ الِافْتِتَاحِ أَوْ الْقُنُوتِ فَإِنَّهُ لَا يَصِيرُ شَارِعًا لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ لَهُ شُرُوعٌ بَعْدَ الْجُعْلِ لِلْقُنُوتِ وَلَا يُعْلَمُ أَنَّهُ نَوَى لِيَكُونَ لِلِافْتِتَاحِ وَالْمُرَادُ بِالِاسْتِقْبَالِ الْخُرُوجُ مِنْ الصَّلَاةِ بِعَمَلٍ مُنَافٍ لَهَا وَالدُّخُولُ فِي صَلَاةٍ أُخْرَى وَالِاسْتِقْبَالُ بِالسَّلَامِ قَاعِدًا أَوْلَى لِأَنَّهُ عُرْفٌ مُحَلِّلًا دُونَ الْكَلَامِ وَمُجَرَّدُ النِّيَّةِ لَغْوٌ لَا يَخْرُجُ بِهَا مِنْ الصَّلَاةِ كَذَا قَالُوا وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ عَمَلٍ فَلَوْ لَمْ يَأْتِ بِمُنَافٍ وَأَكْمَلَهَا عَلَى غَالِبِ ظَنِّهِ لَمْ تَبْطُلْ إلَّا أَنَّهَا تَكُونُ نَفْلًا وَلَزِمَهُ أَدَاءُ الْفَرْضِ لَوْ كَانَتْ الصَّلَاةُ الَّتِي شَكَّ فِيهَا فَرْضًا فَلَوْ كَانَتْ نَفْلًا يَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمَهُ قَضَاؤُهُ وَإِنْ أَكْمَلَهَا لِوُجُوبِ الِاسْتِئْنَافِ وَلَمْ أَرَ هَذَا التَّفْرِيعَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ إلَى آخِرِ مَا فِي الْخُلَاصَةِ) أَقُولُ: وَتَمَامُ عِبَارَتِهَا وَلَوْ اسْتَيْقَنَ وَاحِدٌ مِنْ الْقَوْمِ أَنَّهُ صَلَّى ثَلَاثًا وَاسْتَيْقَنَ وَاحِدٌ أَنَّهُ صَلَّى أَرْبَعًا وَالْإِمَامُ وَالْقَوْمُ فِي شَكٍّ لَيْسَ عَلَى الْإِمَامِ وَالْقَوْمِ شَيْءٌ وَعَلَى الْمُسْتَيْقِنِ بِالنُّقْصَانِ الْإِعَادَةُ وَلَوْ كَانَ الْإِمَامُ اسْتَيْقَنَ أَنَّهُ صَلَّى ثَلَاثًا كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ بِالْقَوْمِ وَلَا إعَادَةَ عَلَى الَّذِي تَيَقُّنَ بِالتَّمَامِ وَلَوْ اسْتَيْقَنَ وَاحِدٌ مِنْ الْقَوْمِ بِالنُّقْصَانِ وَشَكَّ الْإِمَامُ وَالْقَوْمُ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي الْوَقْتِ أَعَادُوهَا احْتِيَاطًا وَإِنْ لَمْ يُعِيدُوا لَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ إلَّا إذَا اسْتَيْقَنَ عَدْلَانِ بِالنُّقْصَانِ وَأَخْبَرَا بِذَلِكَ اهـ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 118 مَنْقُولًا إلَّا أَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الِاسْتِقْبَالَ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا بِالْخُرُوجِ عَنْ الْأُولَى وَذَلِكَ بِعَمَلٍ مُنَافٍ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ بُطْلَانِهَا بِمُجَرَّدِ الشَّكِّ كَمَا لَا يَخْفَى وَالتَّحَرِّي طَلَبُ الْأَحْرَى وَهُوَ مَا يَكُونُ أَكْبَرُ رَأْيِهِ عَلَيْهِ وَعَبَّرُوا عَنْهُ تَارَةً بِالظَّنِّ وَتَارَةً بِغَالِبِ الظَّنِّ وَذَكَرُوا أَنَّ الشَّكَّ تَسَاوِي الْأَمْرَيْنِ وَالظَّنُّ رُجْحَانُ جِهَةِ الصَّوَابِ وَالْوَهْمُ رُجْحَانُ جِهَةِ الْخَطَأِ فَإِنْ لَمْ يَتَرَجَّحْ عِنْدَهُ شَيْءٌ بَعْدَ الطَّلَبِ فَإِنَّهُ يَبْنِي عَلَى الْأَقَلِّ فَيَجْعَلُهَا وَاحِدَةً لَوْ شَكَّ أَنَّهَا ثَانِيَةٌ وَثَانِيَةٌ لَوْ شَكَّ أَنَّهَا ثَالِثَةٌ وَثَالِثَةٌ لَوْ شَكَّ أَنَّهَا رَابِعَةٌ وَعِنْدَ الْبِنَاءِ عَلَى الْأَقَلِّ يَقْعُدُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ يَتَوَهَّمُ أَنَّهُ مَحَلُّ قُعُودٍ فَرْضًا كَانَ الْقُعُودُ أَوْ وَاجِبًا كَيْ لَا يَصِيرُ تَارِكًا فَرْضَ الْقَعْدَةِ أَوْ وَأَحَبَّهَا فَإِنْ وَقَعَ فِي رُبَاعِيٍّ أَنَّهَا الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةُ يَجْعَلُهَا الْأُولَى ثُمَّ يَقْعُدُ ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَةً أُخْرَى وَيَقْعُدُ ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَةً أُخْرَى وَيَقْعُدُ ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَةً أُخْرَى فَيَأْتِي بِأَرْبَعِ قَعَدَاتٍ قَعْدَتَانِ مَفْرُوضَتَانِ وَهِيَ الثَّالِثَةُ وَالرَّابِعَةُ وَقَعْدَتَانِ وَاجِبَتَانِ لَكِنْ اقْتَصَرَ فِي الْهِدَايَةِ عَلَى قَوْلِهِ يَقْعُدُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ يَتَوَهَّمُ أَنَّهُ آخِرَ صَلَاتِهِ كَيْ لَا يَصِيرَ تَارِكًا فَرْضَ الْقَعْدَةِ فَنَسَبَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إلَى الْقُصُورِ، وَالْعُذْرُ لَهُ إنَّ قُعُودَهُ فِي مَوْضِعٍ يَتَوَهَّمُ أَنَّهُ مَحَلُّ الْقُعُودِ الْوَاجِبِ لَيْسَ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ بَلْ فِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمُجْتَبَى فَلَعَلَّ مَا فِي الْهِدَايَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَإِنْ كَانَ الظَّاهِرُ خِلَافَهُ وَهُوَ الْقُعُودُ مُطْلَقًا وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقُعُودَ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ آخِرُ صَلَاتِهِ فَرْضٌ وَلَوْ شَكَّ أَنَّهَا الثَّانِيَةُ أَوْ الثَّالِثَةُ أَتَمَّهَا وَقَعَدَ ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى أُخْرَى وَقَعَدَ ثُمَّ الرَّابِعَةَ وَقَعَدَ وَلَوْ شَكَّ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ وَهُوَ فِي الْقِيَامِ أَنَّهَا الثَّالِثَةُ أَوْ الْأُولَى لَا يُتِمُّ رَكْعَتَهُ بَلْ يَقْعُدُ قَدْرَ التَّشَهُّدِ وَبِرَفْضِ الْقِيَامِ ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَيَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ ثُمَّ يَتَشَهَّدُ ثُمَّ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَإِنْ شَكَّ وَهُوَ سَاجِدٌ فَإِنْ شَكَّ أَنَّهَا الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةُ فَإِنَّهُ يَمْضِي فِيهَا سَوَاءٌ شَكَّ فِي السَّجْدَةِ الْأُولَى أَمْ الثَّانِيَةِ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ الْأُولَى لَزِمَهُ الْمُضِيُّ فِيهَا وَإِنْ كَانَتْ الثَّانِيَةَ يَلْزَمُهُ تَكْمِيلُهَا وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ يَقْعُدُ قَدْرَ التَّشَهُّدِ ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَةً وَلَوْ شَكَّ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ فِي سُجُودِهِ أَنَّهُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا إنْ كَانَ فِي السَّجْدَةِ الْأُولَى أَمْكَنَهُ إصْلَاحُ صَلَاتِهِ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَانَ عَلَيْهِ إتْمَامُ هَذِهِ الرَّكْعَةِ لِأَنَّهَا ثَانِيَةٌ فَيَجُوزُ وَإِنْ كَانَتْ ثَالِثَةً مِنْ وَجْهٍ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِأَنَّهُ كَمَا تَذَكَّرَ فِي السَّجْدَةِ الْأُولَى ارْتَفَعَتْ تِلْكَ السَّجْدَةُ وَصَارَتْ كَأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ كَمَا لَوْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ فِي السَّجْدَةِ الْأُولَى فِي الرَّكْعَةِ الْخَامِسَةِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ زِهْ وَإِنْ كَانَ هَذَا الشَّكُّ فِي السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَلَوْ شَكَّ فِي الْفَجْرِ أَنَّهَا ثَانِيَةٌ أَمْ ثَالِثَةٌ وَلَمْ يَقَعْ تَحَرِّيهِ عَلَى شَيْءٍ وَكَانَ قَائِمًا يَقْعُدُ فِي الْحَالِ ثُمَّ يَقُومُ وَيُصَلِّي رَكْعَةً وَيَقْعُدُ وَإِنْ كَانَ قَاعِدًا وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا يَتَحَرَّى إنْ وَقَعَ تَحَرِّيهِ أَنَّهَا ثَانِيَةً مَضَى عَلَى صَلَاتِهِ وَإِنْ وَقَعَ تَحَرِّيهِ أَنَّهَا ثَالِثَةٌ يَتَحَرَّى فِي الْقَعَدَاتِ إنْ وَقَعَ تَحَرِّيهِ أَنَّهُ لَمْ يَقْعُدْ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ لَمْ يَقَعْ تَحَرِّيهِ عَلَى شَيْءٍ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ أَيْضًا وَكَذَا فِي ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ إذَا شَكَّ أَنَّهَا الرَّابِعَةُ أَوْ الْخَامِسَةُ وَلَوْ شَكَّ أَنَّهَا ثَالِثَةٌ أَوْ خَامِسَةٌ فَعَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الْفَجْرِ فَيَعُودُ إلَى الْقَعْدَةِ ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَةً أُخْرَى وَيَتَشَهَّدُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَعَبَّرُوا عَنْهُ تَارَةً بِالظَّنِّ وَتَارَةً بِغَالِبِ الظَّنِّ) يُوهِمُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا لَكِنَّهُ قَدَّمَ فِي التَّيَمُّمِ عَنْ أُصُولِ اللَّامِشِيِّ أَنَّ أَحَدَ الطَّرَفَيْنِ إذَا قَوِيَ وَتَرَجَّحَ عَلَى الْآخَرِ وَلَمْ يَأْخُذْ الْقَلْبُ مَا تَرَجَّحَ بِهِ وَلَمْ يَطْرَحْ الْآخَرَ فَهُوَ الظَّنُّ وَإِذَا عَقَدَ الْقَلْبُ عَلَى أَحَدِهِمَا وَتَرَكَ الْآخَرَ فَهُوَ أَكْبَرُ الظَّنِّ وَغَالِبُ الرَّأْيِ اهـ. لَكِنْ ذَكَرَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ فِي أَوَائِلِ شَرْحِهِ عَلَى التَّحْرِيرِ أَنَّ هَذَا الْفَرْقَ غَرِيبٌ بَلْ الْمَعْرُوفُ أَنَّ الظَّنَّ هُوَ الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ أَخَذَ الْقَلْبَ بِهِ وَطَرَحَ الْمَرْجُوحَ أَوْ لَمْ يَأْخُذْ وَلَمْ يَطْرَحْ الْآخَرَ وَأَنَّ غَلَبَةَ الظَّنِّ زِيَادَةٌ عَلَى أَصْلِ الرُّجْحَانِ لَا تَبْلُغُ بِهِ الْجَزْمَ الَّذِي هُوَ الْعِلْمُ اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ شَكَّ أَنَّهَا الثَّانِيَةُ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ شَكَّ فِي الرَّكْعَةِ الَّتِي قَامَ إلَيْهَا أَنَّهَا الثَّانِيَةُ أَوْ الثَّالِثَةُ إلَخْ وَلَوْ شَكَّ فِي الَّتِي قَامَ عَنْهَا أَنَّهَا الثَّانِيَةُ أَوْ الثَّالِثَةُ لَا يَقْعُدُ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ ثَالِثَةً فَظَاهِرٌ وَإِنْ كَانَتْ ثَانِيَةً فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا قَامَ عَنْ الْقَعْدَةِ الْأُولَى لَا يَعُودُ إلَّا فِي الْمَغْرِبِ وَالْوِتْرِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا ثَالِثَةٌ وَالْقُعُودُ فَرْضٌ فِيهِمَا فَيَتَشَهَّدُ وَيَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَةً أُخْرَى لِاحْتِمَالِ أَنَّ تِلْكَ رَكْعَةٌ ثَانِيَةٌ كَذَا فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي لِلْحَلَبِيِّ (قَوْلُهُ ارْتَفَعَتْ تِلْكَ السَّجْدَةُ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ وَهَذَا أَيْضًا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ مَا فِي الْهِدَايَةِ بِمَا قَدَّمْنَاهُ فِي تَذَكُّرِ صُلْبِيَّةٍ مِنْ أَنَّ إعَادَةَ الرُّكْنِ الَّذِي فِيهِ التَّذَكُّرُ مُسْتَحَبٌّ وَلَوْ فَرَّعْنَاهُ عَلَيْهِ يَنْبَغِي أَنْ تَفْسُدَ هُنَا لِعَدَمِ ارْتِفَاضِ السَّجْدَةِ الْمَذْكُورَةِ (قَوْلُهُ فَسَدَتْ) لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ قَيَّدَ الثَّالِثَةَ بِالسَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ وَخَلَطَ الْمَكْتُوبَةَ بِالنَّافِلَةِ قَبْلَ إكْمَالِ الْمَكْتُوبَةِ فَتَفْسُدُ صَلَاتُهُ يَعْنِي الْمَكْتُوبَةَ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَفِي الْفَتْحِ وَقِيَاسُ هَذَا أَنْ تَبْطُلَ إذَا وَقَعَ الشَّكُّ بَعْدَ رَفْعِهِ مِنْ السَّجْدَةِ الْأُولَى سَجَدَ الثَّانِيَةَ أَوْ لَا (قَوْلُهُ ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَةً أُخْرَى) وَيَتَشَهَّدُ لِيَنْظُرَ مَا الدَّاعِي إلَى هَذَا التَّشَهُّدِ فَإِنَّ هَذِهِ الرَّكْعَةَ إمَّا ثَالِثَةٌ أَوْ خَامِسَةٌ وَلَا تَشَهُّدَ فِيهِمَا بِخِلَافِ مَا قَبْلَهَا الَّتِي عَادَ إلَيْهَا فَإِنَّهَا ثَانِيَةٌ أَوْ رَابِعَةٌ وَبِخِلَافِ مَا بَعْدَهَا فَإِنَّهَا رَابِعَةٌ أَوْ سَادِسَةٌ فَلْيُرَاجَعْ ثُمَّ رَأَيْت فِي الْفَتْحِ قَالَ فِي الْمَسْأَلَةِ وَلَوْ شَكَّ أَنَّهَا الرَّابِعَةُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 119 ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَةً أُخْرَى وَيَقْعُدُ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَلَوْ شَكَّ فِي الْوِتْرِ وَهُوَ قَائِمٌ أَنَّهَا ثَانِيَتُهُ أَوْ ثَالِثَتُهُ يُتِمُّ تِلْكَ الرَّكْعَةَ وَيَقْنُتُ فِيهَا وَيَقْعُدُ ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَةً أُخْرَى وَيَقْنُتُ فِيهَا أَيْضًا هُوَ الْمُخْتَارُ إلَى هُنَا عِبَارَةُ الْخُلَاصَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - سُجُودَ السَّهْوِ فِي مَسَائِلِ الشَّكِّ تَبَعًا لِمَا فِي الْهِدَايَةِ وَهُوَ مِمَّا لَا يَنْبَغِي إغْفَالُهُ فَإِنَّهُ يَجِبُ السُّجُودُ فِي جَمِيعِ صُوَرِ الشَّكِّ سَوَاءٌ عَمِلَ بِالتَّحَرِّي أَوْ بَنَى عَلَى الْأَقَلِّ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَتَرَكَ الْمُحَقِّقُ قَيْدًا لَا بُدَّ مِنْهُ مِمَّا لَا يَنْبَغِي إغْفَالُهُ وَهُوَ أَنْ يَشْغَلَهُ الشَّكُّ قَدْرَ أَدَاءِ رُكْنٍ وَلَمْ يَشْتَغِلْ حَالَةَ الشَّكِّ بِقِرَاءَةٍ وَلَا تَسْبِيحٍ كَمَا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ الْبَابِ لَكِنْ ذَكَرَهُ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ أَنَّ فِي فَصْلِ الْبِنَاءِ عَلَى الْأَقَلِّ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَفِي فَصْلِ الْبِنَاءِ عَلَى غَلَبَةِ الظَّنِّ أَنَّ شَغْلَهُ تَفَكُّرَهُ مِقْدَارَ أَدَاءِ الرُّكْنِ وَجَبَ السَّهْوُ وَإِلَّا فَلَا اهـ. وَكَأَنَّهُ فِي فَصْلِ الْبِنَاءِ عَلَى الْأَقَلِّ حَصَلَ النَّقْصُ مُطْلَقًا بِاحْتِمَالِ الزِّيَادَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ جَابِرٍ وَفِي الْفَصْلِ الثَّانِي النُّقْصَانُ بِطُولِ التَّفْكِيرِ لَا بِمُطْلَقِهِ. (قَوْلُهُ وَإِنْ تَوَهَّمَ مُصَلِّي الظُّهْرَ أَنَّهُ أَتَمَّهَا فَسَلَّمَ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ أَتَمَّهَا وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ) لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَعَلَ كَذَلِكَ فِي حَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ وَلِأَنَّ السَّلَامَ سَاهِيًا لَا يَبْطُلُ لِكَوْنِهِ دُعَاءً مِنْ وَجْهٍ قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُ لَوْ سَلَّمَ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ مُسَافِرٌ أَوْ عَلَى ظَنِّ أَنَّهَا الْجُمُعَةُ أَوْ كَانَ قَرِيبَ الْعَهْدِ بِالْإِسْلَامِ فَظَنَّ أَنَّ فَرْضَ الظُّهْرِ رَكْعَتَانِ أَوْ كَانَ فِي صَلَاةِ الْعِشَاءِ فَظَنَّ أَنَّهَا التَّرَاوِيحُ فَسَلَّمَ أَوْ سَلَّمَ ذَاكِرًا أَنَّ عَلَيْهِ رُكْنًا فَإِنَّ صَلَاتَهُ تَبْطُلُ لِأَنَّهُ سَلَّمَ عَامِدًا وَفِي الْمُجْتَبَى وَلَوْ سَلَّمَ الْمُصَلِّي عَمْدًا قَبْلَ التَّمَامِ قِيلَ تَفْسُدُ وَقِيلَ لَا تَفْسُدُ حَتَّى يَقْصِدَ بِهِ خِطَابَ آدَمِيٍّ اهـ. فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَفْسُدَ فِي هَذَا الْمَسَائِلِ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي وَمُرَادُهُ مِنْ قَوْلِهِ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ الْعِلْمُ بِعَدَمِ تَمَامِهَا لِيَدْخُلَ فِيهِ مَا إذَا عَلِمَ أَنَّهُ تَرَكَ سَجْدَةً صُلْبِيَّةً أَوْ تِلَاوِيَّةً بَعْدَ السَّلَامِ وَحُكْمُهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ وَإِنْ انْصَرَفَ عَنْ الْقِبْلَةِ لِأَنَّ سَلَامَهُ لَمْ يُخْرِجْهُ عَنْ الصَّلَاةِ حَتَّى لَوْ اقْتَدَى بِهِ إنْسَانٌ بَعْدَ هَذَا السَّلَامِ صَارَ دَاخِلًا فَإِنْ سَجَدَ سَجَدَ مَعَهُ وَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ إذَا كَانَ الْمَتْرُوكُ صُلْبِيَّةً وَفَسَدَتْ صَلَاةُ الدَّاخِلِ بِفَسَادِهَا بَعْدَ صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ وَوَجَبَ الْقَضَاءُ عَلَى الدَّاخِلِ حَتَّى لَوْ دَخَلَ فِي فَرْضٍ رُبَاعِيٍّ مَثَلًا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الْأَرْبَعِ إنْ كَانَ الْإِمَامُ مُقِيمًا وَرَكْعَتَيْنِ إنْ كَانَ مُسَافِرًا وَإِنْ كَانَ فِي الصَّحْرَاءِ فَانْصَرَفَ إنْ جَاوَزَ الصُّفُوفَ خَلْفَهُ أَوْ يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً فَسَدَتْ فِي الصُّلْبِيَّةِ وَتَقَرَّرَ النَّقْصُ وَعَدَمُ الْجَبْرِ فِي التِّلَاوَةِ وَإِنْ مَشَى أَمَامَهُ لَمْ يَذْكُرْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَحُكْمُهُ إنْ كَانَ لَهُ سُتْرَةٌ بَنَى مَا لَمْ يُجَاوِزْهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ سُتْرَةٌ فَقِيلَ إنْ مَشَى قَدْرَ الصُّفُوفِ خَلْفَهُ عَادَ أَوْ أَكْثَرَ امْتَنَعَ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ اعْتِبَارًا لِأَحَدِ الْجَانِبَيْنِ بِالْآخَرِ وَقِيلَ إنْ جَاوَزَ مَوْضِعَ سُجُودِهِ لَا يَعُودُ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ فِي حُكْمِ خُرُوجِهِ مِنْ الْمَسْجِدِ فَكَانَ مَانِعًا مِنْ الِاقْتِدَاءِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَذَكَرَ فِي التَّجْنِيسِ إذَا سَلَّمَ الرَّجُلُ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ وَعَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ فَسَجَدَ ثُمَّ تَكَلَّمَ ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّهُ تَرَكَ سَجْدَةً صُلْبِيَّةً إنْ تَرَكَهَا مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى فَسَدَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهَا صَارَتْ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ فَصَارَتْ قَضَاءً وَانْعَدَمَتْ نِيَّةُ الْقَضَاءِ وَإِنْ تَرَكَهَا مِنْ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ لَا تَفْسُدُ إلَّا رِوَايَةً عَنْ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهَا لَمْ تَصِرْ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ فَنَابَتْ سَجْدَتَا السَّهْوِ وَعَنْ الصُّلْبِيَّةِ وَلَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا إلَّا أَنَّهُ لَمَّا سَلَكَ لِلْفَجْرِ تَذَكَّرَ أَنَّ عَلَيْهِ سَجْدَةَ التِّلَاوَةِ فَسَجَدَ لَهَا ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّ عَلَيْهِ سَجْدَةً صُلْبِيَّةً فَصَلَاتُهُ فَاسِدَةٌ فِي الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّ سَجْدَةَ التِّلَاوَةِ دَيْنٌ عَلَيْهِ فَانْصَرَفَ نِيَّتُهُ إلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ فَلَا تَنْصَرِفُ السَّجْدَةُ إلَى غَيْرِ الْقَضَاءِ اهـ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَإِذَا سَلَّمَ سَاهِيًا وَعَلَيْهِ سَجْدَةٌ فَإِنْ كَانَتْ سَجْدَةَ تِلَاوَةٍ يَأْتِي بِهَا وَفِي ارْتِفَاضِ الْقَعْدَةِ رِوَايَتَانِ وَالْأَصَحُّ رِوَايَةُ الِارْتِفَاضِ وَإِنْ كَانَتْ صُلْبِيَّةً يَأْتِي بِهَا وَتُرْفَضُ الْقَعْدَةُ اهـ. وَفِي التَّجْنِيسِ إذَا صَلَّى رَجُلٌ مِنْ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ وَقَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ فَزَعَمَ أَنَّهُ أَتَمَّهَا فَسَلَّمَ ثُمَّ قَامَ فَكَبَّرَ يَنْوِي الدُّخُولَ فِي سُنَّةِ الْمَغْرِبِ ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّهُ   [منحة الخالق] أَوْ الْخَامِسَةُ أَوْ أَنَّهَا الثَّالِثَةُ أَوْ الْخَامِسَةُ ثُمَّ ذَكَرَ الْحُكْمَ كَمَا هُنَا وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي الْأُولَى فَقَطْ [تَوَهَّمَ مُصَلِّي الظُّهْرَ أَنَّهُ أَتَمَّهَا فَسَلَّمَ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ] (قَوْلُهُ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَفْسُدَ إلَخْ) قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَالْأَوَّلُ الْمَجْزُومُ بِهِ فِي كُتُبٍ عَدِيدَةٍ مُعْتَمَدَةٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَذَكَرَ فِي التَّجْنِيسِ إذَا سَلَّمَ إلَخْ) هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أُصُولٍ أَحَدُهَا أَنَّ التَّرْتِيبَ فِي أَدَاءِ السَّجْدَتَيْنِ لَيْسَ بِشَرْطِ ثَانِيهَا أَنَّ الْمَتْرُوكَةَ إذَا قُضِيَتْ اُلْتُحِقَتْ بِمَحَلِّهَا وَصَارَتْ كَالْمُؤَدَّاةِ فِي مَحَلِّهَا ثَالِثُهَا أَنَّ سَلَامَ السَّاهِي لَا يُخْرِجُهُ عَنْ حُرْمَةِ الصَّلَاةِ رَابِعُهَا أَنَّ السَّجْدَةَ إذَا فَاتَتْ عَنْ مَحَلِّهَا لَا تَجُوزُ إلَّا بِنِيَّةِ الْقَضَاءِ وَمَتَى لَمْ تَفُتْ عَنْ مَحَلِّهَا تَجُوزُ بِدُونِ نِيَّةِ الْقَضَاءِ وَإِنَّمَا تَفُوتُ عَنْ مَحَلِّهَا بِتَخَلُّلِ رَكْعَةٍ كَامِلَةٍ وَبِمَا دُونَ الْكَامِلَةِ لَا تَفُوتُ عَنْ مَحَلِّهَا لِأَنَّهُ مَحَلُّ الرَّفْضِ وَتَمَامُهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَغَيْرِهَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 120 لَمْ يُصَلِّ الْمَغْرِبَ وَقَدْ سَجَدَ لِلسُّنَّةِ أَوَّلًا فَصَلَاةُ الْمَغْرِبِ فَاسِدَةٌ لِأَنَّهُ كَبَّرَ وَنَوَى الشُّرُوعَ فِي صَلَاةٍ أُخْرَى فَيَكُونُ نَاقِلًا مِنْ الْفَرْضِ إلَى النَّفْلِ إتْمَامَهَا وَأَمَّا إذَا سَلَّمَ ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّهُ لَمْ يُتِمَّ فَحَسِبَ أَنَّ صَلَاتَهُ قَدْ فَسَدَتْ وَقَامَ وَكَبَّرَ لِلْمَغْرِبِ ثَانِيًا وَصَلَّى ثَلَاثًا إنْ صَلَّى رَكْعَةً وَقَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ أَجْزَأَهُ الْمَغْرِبُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ نِيَّةَ الْمَغْرِبِ ثَانِيًا لَا تَصِحُّ بَقِيَ مُجَرَّدُ التَّكْبِيرِ وَذَا لَا يُخْرِجُهُ عَنْ الصَّلَاةِ اهـ. وَمَسَائِلُ السَّجَدَاتِ مَعْلُومَةٌ فِي كُتُبِ الْفَتَاوَى وَغَيْرِهَا فَلَا نُطِيلُ بِذِكْرِهَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (بَابُ صَلَاةِ الْمَرِيضِ) ذَكَرَهَا عَقِبَ سُجُودِ السَّهْوِ لِأَنَّهَا مِنْ الْعَوَارِضِ السَّمَاوِيَّةِ وَالْأَوَّلُ أَعَمُّ مَوْقِعًا لِشُمُولِهِ الْمَرِيضَ وَالصَّحِيحَ فَكَانَتْ الْحَاجَةُ إلَى بَيَانِهِ أَمَسُّ فَقَدَّمَهُ وَتَصَوُّرُ مَفْهُومِ الْمَرَضِ ضَرُورِيٌّ إذْ لَا شَكَّ أَنَّ فَهْمَ الْمُرَادِ مِنْ لَفْظِ الْمَرَضِ أَجْلَى مِنْ فَهْمِهِ مِنْ قَوْلِنَا مَعْنًى يَزُولُ بِحُلُولِهِ فِي بَدَنِ الْحَيِّ اعْتِدَالُ الطَّبَائِعِ الْأَرْبَعِ بَلْ ذَلِكَ يَجْرِي مَجْرَى التَّعْرِيفِ بِالْأَخْفَى وَعَرَّفَهُ فِي كَشْفِ الْأَسْرَارِ بِأَنَّهُ حَالَةٌ لِلْبَدَنِ خَارِجَةٌ عَنْ الْمَجْرَى الطَّبِيعِيِّ وَالْإِضَافَةُ فِيهِ مِنْ بَابِ إضَافَةِ الْفِعْلِ إلَى فَاعِلِهِ كَقِيَامِ زَيْدٍ أَوْ إلَى مَحَلِّهِ كَتَحْرِيكِ الْخَشَبِ (قَوْلُهُ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْقِيَامُ أَوْ خَافَ زِيَادَةَ الْمَرَضِ صَلَّى قَاعِدًا يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ} [آل عمران: 191] قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَجَابِرٌ وَابْنُ عُمَرَ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي الصَّلَاةِ أَيْ قِيَامًا إنْ قَدَرُوا وَقُعُودًا إنْ عَجَزُوا عَنْهُ وَعَلَى جُنُوبِهِمْ إنْ عَجَزُوا عَنْ الْقُعُودِ وَلِحَدِيثِ عُمَرَ بْنِ حُصَيْنٍ أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا مُسْلِمًا «قَالَ كَانَتْ بِي بَوَاسِيرُ فَسَأَلْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الصَّلَاةِ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلِّ قَائِمًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبِك» زَادَ النَّسَائِيُّ «فَإِنْ لَمْ تَسْطِيعْ فَمُسْتَلْقِيًا لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا» ثُمَّ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَرَادَ بِالتَّعَذُّرِ التَّعَذُّرَ الْحَقِيقِيَّ بِحَيْثُ لَوْ قَامَ سَقَطَ بِدَلِيلِ أَنَّهُ عَطَفَ عَلَيْهِ التَّعَذُّرَ الْحُكْمِيَّ وَهُوَ خَوْفُ زِيَادَةِ الْمَرَضِ وَاخْتَلَفُوا فِي التَّعَذُّرِ فَقِيلَ مَا يُبِيحُ الْإِفْطَارَ وَقِيلَ التَّيَمُّمَ وَقِيلَ بِحَيْثُ لَوْ قَامَ سَقَطَ وَقِيلَ مَا يُعْجِزُهُ عَنْ الْقِيَامِ بِحَوَائِجِهِ وَالْأَصَحُّ أَنْ يَلْحَقَهُ ضَرَرٌ بِالْقِيَامِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَالْمُجْتَبَى وَغَيْرِهِمَا وَإِذَا كَانَ التَّعَذُّرُ أَعَمَّ مِنْ الْحَقِيقِيِّ وَالْحُكْمِيِّ فَلَا حَاجَةَ إلَى جَعْلِ التَّعَذُّرِ بِمَعْنَى التَّعَسُّرِ وَإِنَّهُمْ لَا يُرِيدُونَ بِهِ عَدَمَ الْإِمْكَانِ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ وَفِي الْمُجْتَبَى حَدُّ الْمَرَضِ الْمُسْقِطِ لِلْقِيَامِ وَالْجُمُعَةِ وَالْمُبِيحِ لِلْإِفْطَارِ وَالتَّيَمُّمِ زِيَادَةُ الْعِلَّةِ أَوْ امْتِدَادُ الْمَرَضِ أَوْ اشْتِدَادُهُ أَوْ يَجِدُ بِهِ وَجَعًا اهـ. قَيَّدَ بِتَعَذُّرِ الْقِيَامِ أَيْ جَمِيعِهِ لِأَنَّهُ لَوْ قَدَرَ عَلَيْهِ مُتَّكِئًا أَوْ مُتَعَمِّدًا عَلَى عَصًا أَوْ حَائِطٍ لَا يُجْزِئُهُ إلَّا كَذَلِكَ خُصُوصًا عَلَى قَوْلِهِمَا فَإِنَّهُمَا يَجْعَلَانِ قُدْرَةَ الْغَيْرِ قُدْرَةً لَهُ قَالَ الْهِنْدُوَانِيُّ إذَا قَدَرَ عَلَى بَعْضِ الْقِيَامِ يَقُومُ ذَلِكَ وَلَوْ قَدْرَ آيَةٍ أَوْ تَكْبِيرَةٍ ثُمَّ يَقْعُدُ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ خِفْت أَنْ تَفْسُدَ صَلَاتُهُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَلَا يُرْوَى عَنْ أَصْحَابِنَا خِلَافُهُ وَكَذَا إذَا عَجَزَ عَنْ الْقُعُودِ وَقَدَرَ عَلَى الِاتِّكَاءِ وَالِاسْتِنَادِ إلَى إنْسَانٍ أَوْ إلَى حَائِطٍ أَوْ إلَى وِسَادَةٍ لَا يُجْزِئُهُ إلَّا كَذَلِكَ وَلَوْ اسْتَلْقَى لَا يُجْزِئُهُ وَدَخَلَ تَحْتَ الْعَجْزِ الْحُكْمِيِّ مَا لَوْ صَامَ رَمَضَانَ صَلَّى قَاعِدًا وَإِنْ أَفْطَرَ صَلَّى قَائِمًا يَصُومُ وَيُصَلِّي قَاعِدًا وَمَا لَوْ عَجَزَ عَنْ السُّجُودِ وَقَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِيَامُ وَمَا لَوْ صَلَّى قَائِمًا سَلِسَ بَوْلُهُ وَلَوْ صَلَّى قَاعِدًا لَا فَإِنَّهُ يُصَلِّي قَاعِدًا بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ لَوْ قَامَ أَوْ قَعَدَ سَالَ بَوْلُهُ وَلَوْ اسْتَلْقَى لَا فَإِنَّهُ يُصَلِّي قَاعِدًا وَلَا يَسْتَلْقِي لِأَنَّهَا مُسْتَلْقِيًا لَا تَجُوزُ عِنْدَ الِاخْتِيَارِ بِحَالٍ كَمَا لَا تَجُوزُ مَعَ الْحَدَثِ فَاسْتَوَيَا وَتَمَامُهُ فِي الْمُحِيطِ وَمَا لَوْ كَانَ فِي بَطْنِهَا وَلَدٌ فَأَخْرَجَتْ   [منحة الخالق] [بَابُ صَلَاةِ الْمَرِيضِ] (قَوْلُهُ إذَا كَانَ التَّعَذُّرُ أَعَمَّ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَقُولُ: حَيْثُ أَرَادَ بِهِ الْحَقِيقِيَّ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى أَنْ يَكُونَ التَّعَسُّرُ لِمَا قَدْ عَلِمْت. اهـ. قُلْت وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ أَنْ أُرِيدَ بِهِ حَقِيقَتَهُ وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ أَنَّهُ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ وَنَقَلَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْكَافِي أَيْ بِحَيْثُ لَوْ قَامَ سَقَطَ لَا يَكُونُ الْمُرَادُ مِنْهُ التَّعَسُّرُ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ مَا يُمْكِنُ بِمَشَقَّةٍ وَعَلَى ذَلِكَ الْمَعْنَى الْمُرَادُ مَا لَا يُمْكِنُ أَصْلًا فَهُوَ غَيْرُهُ وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ غَيْرَ مَا أَرَادَهُ الْمُصَنِّفُ أَعْنِي الْأَعَمَّ مِنْ الْحَقِيقِيِّ وَالْحُكْمِيِّ فَلَا حَاجَةَ إلَى جَعْلِهِ بِمَعْنَى التَّعَسُّرِ كَمَا ذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ وَإِنْ أُرِيدَ مِنْهُ مَا هُوَ الْأَصَحُّ أَيْ بِأَنْ يَلْحَقَهُ ضَرَرٌ بِالْقِيَامِ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى التَّعَسُّرِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ مُتَّكِئًا) أَيْ عَلَى خَادِمٍ لَهُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ قُلْت وَيُشْكِلُ هَذَا عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ عَدَمِ اعْتِبَارِ الْقُدْرَةِ بِالْغَيْرِ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ فِي مَسْأَلَةِ مَا لَوْ وَجَدَ مَنْ يُوَضِّئَهُ وَلَوْ زَوْجَتُهُ أَوْ غَيْرُهَا لَا يُجْزِئُهُ التَّيَمُّمُ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ فَنَقَلَ عَنْ التَّجْنِيسِ هُنَاكَ أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ مَا لَوْ وَجَدَ قَوْمًا يَسْتَعِينُ بِهِمْ فِي الْإِقَامَةِ وَالثَّبَاتِ جَازَ لَهُ الصَّلَاةُ قَاعِدًا أَنَّهُ يَخَافُ عَلَى الْمَرِيضِ زِيَادَةَ الْوَجَعِ فِي قِيَامِهِ وَلَا يَلْحَقُهُ زِيَادَةُ الْوَجَعِ فِي الْوُضُوءِ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِالْغَيْرِ غَيْرَ الْخَادِمِ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْخُلَاصَةِ تَأَمَّلْ وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ مَا يُوَضِّحُهُ فَرَاجِعْهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 121 إحْدَى يَدَيْهِ وَتَخَافُ خُرُوجَ الْوَقْتِ تُصَلِّي بِحَيْثُ لَا يَلْحَقُ الْوَلَدَ ضَرَرٌ لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ حَقِّ اللَّهِ وَحَقِّ الْوَلَدِ مُمْكِنٌ كَمَا فِي التَّجْنِيسِ وَمَا لَوْ خَافَ مِنْ الْعَدُوِّ إنْ صَلَّى قَائِمًا أَوْ كَانَ فِي خِبَاءٍ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُقِيمَ صُلْبَهُ فِيهِ وَإِنْ خَرَجَ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُصَلِّيَ مِنْ الطِّينِ وَالْمَطَرِ أَنَّهُ يُصَلِّي قَاعِدًا وَمَنْ بِهِ أَدْنَى عِلَّةٍ وَهُوَ فِي طَرِيقٍ فَخَافَ إنْ نَزَلَ عَنْ الْمَحْمَلِ لِلصَّلَاةِ بَقِيَ فِي الطَّرِيقِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ الْفَرَائِضَ عَلَى مَحْمَلِهِ وَكَذَا الْمَرِيضُ الرَّاكِبُ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى النُّزُولِ وَلَا عَلَى مَنْ يُنْزِلُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَدَرَ عَلَى مَنْ يُنْزِلُهُ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيمَا إذَا كَانَ يَسْتَطِيعُ الْقِيَامَ لَوْ صَلَّى فِي بَيْتِهِ وَلَوْ خَرَجَ إلَى الْجَمَاعَةِ يَعْجَزُ عَنْ الْقِيَامِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَخْرُجُ إلَى الْجَمَاعَةِ وَيُصَلِّي قَاعِدًا كَذَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَقَدَّمْنَا فِي بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى خِلَافِهِ. (قَوْلُهُ وَمُومِيًا إنْ تَعَذَّرَ) أَيْ يُصَلِّي مُومِيًا وَهُوَ قَاعِدٌ إنْ تَعَذَّرَ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ لِمَا قَدَّمْنَاهُ وَلِأَنَّ الطَّاعَةَ بِحَسَبِ الطَّاقَةِ وَفِي الْمُجْتَبَى وَقَدْ كَانَ كَيْفِيَّةُ الْإِيمَاءِ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ مُشْتَبِهًا عَلَى أَنَّهُ يَكْفِيهِ بَعْضُ الِانْحِنَاءِ أَمْ أَقْصَى مَا يُمْكِنُهُ إلَى أَنْ ظَفِرْت بِحَمْدِ اللَّهِ عَلَى الرِّوَايَةِ وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ أَنَّ الْمُومِيَ إذَا خَفَضَ رَأْسَهُ لِلرُّكُوعِ شَيْئًا ثُمَّ لِلسُّجُودِ جَازَ وَلَوْ وَضَعَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَسَائِدَ وَأَلْصَقَ جَبْهَتَهُ عَلَيْهَا وَوَجَدَ أَدْنَى الِانْحِنَاءِ جَازَ عَنْ الْإِيمَاءِ وَإِلَّا فَلَا وَمِثْلُهُ فِي تُحْفَةِ الْفُقَهَاءِ وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ إذَا كَانَ بِجَبْهَتِهِ وَأَنْفِهِ عُذْرٌ يُصَلِّي بِالْإِيمَاءِ وَلَا يَلْزَمُهُ تَقْرِيبُ الْجَبْهَةِ إلَى الْأَرْضِ بِأَقْصَى مَا يُمْكِنُهُ وَهَذَا نَصٌّ فِي بَابِهِ اهـ. ثُمَّ إذَا صَلَّى الْمَرِيضُ قَاعِدًا بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ أَوْ بِإِيمَاءٍ كَيْفَ يَقْعُدُ أَمَّا فِي حَالِ التَّشَهُّدِ فَإِنَّهُ يَجْلِسُ كَمَا يَجْلِسُ لِلتَّشَهُّدِ بِالْإِجْمَاعِ وَأَمَّا فِي حَالَةِ الْقِرَاءَةِ وَحَالِ الرُّكُوعِ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَجْلِسُ كَيْفَ شَاءَ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ إنْ شَاءَ مُحْتَبِيًا وَإِنْ شَاءَ مُتَرَبِّعًا وَإِنْ شَاءَ عَلَى رُكْبَتَيْهِ كَمَا فِي التَّشَهُّدِ وَقَالَ زُفَرُ يَفْتَرِشُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى فِي جَمِيعِ صَلَاتِهِ وَالصَّحِيحُ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ عُذْرَ الْمَرَضِ أَسْقَطَ عَنْهُ الْأَرْكَانَ فَلَأَنْ يُسْقِطَ عَنْهُ الْهَيْئَاتِ أَوْلَى كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَالتَّجْنِيسِ والولوالجية الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ زُفَرَ لِأَنَّ ذَلِكَ أَيْسَرَ عَلَى الْمَرِيضِ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ بَلْ الْأَيْسَرُ عَدَمُ التَّقْيِيدِ بِكَيْفِيَّةٍ مِنْ الْكَيْفِيَّاتِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى السُّجُودِ مِنْ جَرْحٍ أَوْ خَوْفٍ أَوْ مَرَضٍ فَالْكُلُّ سَوَاءٌ وَمَنْ صَلَّى وَبِجَبْهَتِهِ جُرْحٌ لَا يَسْتَطِيعُ السُّجُودَ عَلَيْهِ لَمْ يَجْزِهِ الْإِيمَاءُ وَعَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى أَنْفِهِ وَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ عَلَى أَنْفِهِ لَمْ يَجْزِهِ ثُمَّ قَالَ وَفِي الزِّيَادَاتِ رَجُلٌ بِحَلْقِهِ جِرَاحٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى السُّجُودِ وَيَقْدِرُ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْأَفْعَالِ فَإِنَّهُ يُصَلِّي قَاعِدًا بِالْإِيمَاءِ اهـ. وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ تَعَذُّرَ أَحَدِهِمَا كَافٍ لِلْإِيمَاءِ بِهِمَا وَفِي الْبَدَائِعِ أَنَّ الرُّكُوعَ يَسْقُطُ عَمَّنْ يَسْقُطُ عَنْهُ السُّجُودُ وَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الرُّكُوعِ اهـ. وَلَمْ أَرَ حُكْمَ مَا إذَا تَعَذَّرَ الرُّكُوعُ دُونَ السُّجُودِ وَكَأَنَّهُ غَيْرُ وَاقِعٍ وَفِي الْقُنْيَةِ أَخَذَتْهُ شَقِيقَةٌ لَا يُمْكِنُهُ السُّجُودُ يُومِئُ (قَوْلُهُ وَجَعَلَ سُجُودَهُ أَخْفَضَ) أَيْ أَخْفَضَ مِنْ رُكُوعِهِ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُمَا فَأَخَذَ حُكْمَهُمَا وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي صَلَاةِ الْمَرِيضِ «إنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَسْجُدَ أَوْمَأَ وَجَعَلَ سُجُودَهُ أَخْفَضَ مِنْ رُكُوعِهِ» وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى السُّجُودِ فَلْيَجْعَلْ سُجُودَهُ رُكُوعًا وَرُكُوعَهُ إيمَاءً وَالرُّكُوعَ أَخْفَضَ مِنْ الْإِيمَاءِ» كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَظَاهِرُهُ كَغَيْرِهِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ جَعْلُ السُّجُودِ أَخْفَضَ مِنْ الرُّكُوعِ حَتَّى لَوْ سَوَّاهُمَا لَا يَصِحُّ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا مَا سَيَأْتِي. (قَوْلُهُ وَلَا يَرْفَعُ إلَى وَجْهِهِ شَيْئًا يَسْجُدُ عَلَيْهِ فَإِنْ فَعَلَ وَهُوَ يَخْفِضُ رَأْسَهُ صَحَّ وَإِلَّا لَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَخْفِضْ رَأْسَهُ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ الْفَرْضَ فِي حَقِّهِ الْإِيمَاءُ وَلَمْ يُوجَدْ فَإِنْ لَمْ يَخْفِضْ فَهُوَ حَرَامٌ لِبُطْلَانِ الصَّلَاةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] وَأَمَّا نَفْسُ الرَّفْعِ الْمَذْكُورِ فَمَكْرُوهٌ صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ عَلَى مَرِيضٍ يَعُودُهُ فَوَجَدَهُ يُصَلِّي كَذَلِكَ فَقَالَ إنْ قَدَرْتَ أَنْ تَسْجُدَ   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 122 عَلَى الْأَرْضِ فَاسْجُدْ وَإِلَّا فَأَوْمِ بِرَأْسِك وَرُوِيَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ دَخَلَ عَلَى أَخِيهِ يَعُودُهُ فَوَجَدَهُ يُصَلِّي وَيُرْفَعُ إلَيْهِ عُودٌ فَيَسْجُدُ عَلَيْهِ فَنَزَعَ ذَلِكَ مِنْ يَدِ مَنْ كَانَ فِي يَدِهِ وَقَالَ هَذَا شَيْءٌ عَرَضَ لَكُمْ الشَّيْطَانُ أَوْمِ بِسُجُودِك وَرُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَأَى ذَلِكَ مِنْ مَرِيضٍ فَقَالَ أَتَتَّخِذُونَ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً اهـ. وَاسْتَدَلَّ لِلْكَرَاهَةِ فِي الْمُحِيطِ بِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْهُ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ وَأَرَادَ بِخَفْضِ الرَّأْسِ خَفْضَهَا لِلرُّكُوعِ ثُمَّ لِلسُّجُودِ أَخْفَضَ مِنْ الرُّكُوعِ حَتَّى لَوْ سَوَّى لَمْ يَصِحَّ كَمَا ذَكَرَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوِيهِ وَلَوْ رَفَعَ الْمَرِيضُ شَيْئًا يَسْجُدُ عَلَيْهِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْأَرْضِ لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يُخْفِضَ بِرَأْسِهِ لِسُجُودِهِ أَكْثَرَ مِنْ رُكُوعِهِ ثُمَّ يَلْزَقُهُ بِجَبِينِهِ فَيَجُوزُ لِأَنَّهُ لَمَّا عَجَزَ عَنْ السُّجُودِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِيمَاءُ وَالسُّجُودُ عَلَى الشَّيْءِ الْمَرْفُوعِ لَيْسَ بِالْإِيمَاءِ إلَّا إذَا حَرَّكَ رَأْسَهُ فَيَجُوزُ لِوُجُودِ الْإِيمَاءِ لَا لِوُجُودِ السُّجُودِ عَلَى ذَلِكَ الشَّيْءِ اهـ. وَصَحَّحَهُ فِي الْخُلَاصَةِ قُيِّدَ بِكَوْنِ فَرْضِهِ الْإِيمَاءَ لِعَجْزِهِ عَنْ السُّجُودِ إذْ لَوْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَرُفِعَ إلَيْهِ شَيْءٌ فَسَجَدَ عَلَيْهِ قَالُوا إنْ كَانَ إلَى السُّجُودِ أَقْرَبَ مِنْهُ إلَى الْقُعُودِ جَازَ وَإِلَّا فَلَا كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ ثُمَّ إذَا وُجِدَ الْإِيمَاءُ فَهُوَ مُصَلٍّ بِالْإِيمَاءِ عَلَى الْأَصَحِّ لَا بِالسُّجُودِ حَتَّى لَا يَجُوزُ اقْتِدَاءُ مَنْ يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ بِهِ. (قَوْلُهُ وَإِنْ تَعَذَّرَ الْقُعُودُ أَوْمَأَ مُسْتَلْقِيًا أَوْ عَلَى جَنْبِهِ) لِأَنَّ الطَّاعَةَ بِحَسَبِ الِاسْتِطَاعَةِ وَالتَّخَيُّرُ بَيْنَ الِاسْتِلْقَاءِ عَلَى الْقَفَا وَالِاضْطِجَاعِ عَلَى الْجَنْبِ جَوَابُ الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ كَالْهِدَايَةِ وَشُرُوحِهَا وَفِي الْقُنْيَةِ مَرِيضٌ اضْطَجَعَ عَلَى جَنْبِهِ وَصَلَّى وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الِاسْتِلْقَاءِ قِيلَ يَجُوزُ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَإِنْ تَعَذَّرَ الِاسْتِلْقَاءُ يَضْطَجِعُ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ أَوْ الْأَيْسَرِ وَوَجْهُهُ إلَى الْقِبْلَةِ اهـ. وَهَذَا الْأَظْهَرُ خَفِيٌّ وَالْأَظْهَرُ الْجَوَازُ وَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ الِاسْتِلْقَاءَ لِبَيَانِ الْأَفْضَلِ وَهُوَ جَوَابُ الْمَشْهُورِ مِنْ الرِّوَايَاتِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ لِحَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ السَّابِقِ وَلِلتَّصْرِيحِ بِهِ فِي الْآيَةِ وَلِأَنَّ اسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ يَحْصُلُ بِهِ وَلِهَذَا يُوضَعُ فِي الْحَدِّ هَكَذَا لِيَكُونَ مُسْتَقْبِلًا لِلْقِبْلَةِ فَأَمَّا الْمُسْتَلْقِي يَكُونُ مُسْتَقْبِلَ السَّمَاءِ وَإِنَّمَا يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ رِجْلَاهُ فَقَطْ وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ «قَالَ فِي الْمَرِيضِ إنْ لَمْ يَسْتَطِعْ قَاعِدًا فَعَلَى الْقَفَا يُومِئُ إيمَاءً» وَلِأَنَّ التَّوَجُّهَ إلَى الْقِبْلَةِ بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ فَرْضٌ وَذَلِكَ فِي الِاسْتِلْقَاءِ لِأَنَّ الْإِيمَاءَ هُوَ تَحْرِيكُ الرَّأْسِ فَإِذَا صَلَّى مُسْتَلْقِيًا يَقَعُ إيمَاؤُهُ إلَى الْقِبْلَةِ وَإِذَا صَلَّى عَلَى الْجَنْبِ يَقَعُ مُنْحَرِفًا عَنْهَا وَلَا يَجُوزُ الِانْحِرَافُ عَنْهَا مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَقِيلَ إنَّ الْمَرَضَ الَّذِي كَانَ بِعِمْرَانَ بَاسُورٌ فَكَانَ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْتَلْقِيَ عَلَى قَفَاهُ وَالْمُرَادُ فِي الْآيَةِ الِاضْطِجَاعُ يُقَالُ فُلَانٌ وَضَعَ جَنْبَهُ إذَا نَامَ وَإِنْ كَانَ مُسْتَلْقِيًا بِخِلَافِ الْوَضْعِ فِي اللَّحْدِ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الْمَيِّتِ فِعْلٌ يَجِبُ تَوْجِيهُهُ إلَى الْقِبْلَةِ لِيُوضَعَ مُسْتَلْقِيًا فَكَانَ الِاسْتِقْبَالُ فِي الْوَضْعِ   [منحة الخالق] [تَعَذَّرَ عَلَيَّ الْمَرِيضِ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ] (قَوْلُهُ هَذَا شَيْءٌ عَرَضَ لَكُمْ الشَّيْطَانُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ عِبَارَةُ مَجْمَعِ الدِّرَايَةِ هَذَا مَا عَرَضَ لَكُمْ بِهِ الشَّيْطَانُ وَعِبَارَةُ غَايَةِ الْبَيَانِ وَهَذَا مَا عَرَضَ لَكُمْ بِهِ الشَّيْطَانُ (قَوْلُهُ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ) أَقُولُ: قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ فَإِنْ كَانَتْ الْوِسَادَةُ مَوْضُوعَةً عَلَى الْأَرْضِ وَكَانَ يَسْجُدُ عَلَيْهَا جَازَتْ صَلَاتُهُ فَقَدْ صَحَّ أَنَّ «أُمَّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - كَانَتْ تَسْجُدُ عَلَى مُرَقَّعَةٍ مَوْضُوعَةٍ بَيْنَ يَدَيْهَا لِعِلَّةٍ كَانَتْ بِهَا وَلَمْ يَمْنَعْهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ ذَلِكَ» اهـ. وَهَذَا يُفِيدُ عَدَمَ الْكَرَاهَةِ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْكَرَاهَةُ فِيمَا إذَا رَفَعَهُ شَخْصٌ آخَرُ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ وَعَدَمُهَا فِيمَا إذَا كَانَ عَلَى الْأَرْضِ ثُمَّ رَأَيْت الْقُهُسْتَانِيَّ قَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ وَلَا يُرْفَعُ إلَى وَجْهِهِ شَيْءٌ يَسْجُدُ عَلَيْهِ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ سَجَدَ عَلَى شَيْءٍ مَرْفُوعٍ مَوْضُوعٍ عَلَى الْأَرْضِ لَمْ يُكْرَهْ وَلَوْ سَجَدَ عَلَى دُكَّانٍ دُونَ صَدْرِهِ يَجُوزُ كَالصَّحِيحِ لَكِنْ لَوْ زَادَ يُومِئُ وَلَا يَسْجُدُ عَلَيْهِ كَمَا فِي الزَّاهِدِيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ رَفَعَ الْمَرِيضُ شَيْئًا إلَخْ) أَيْ بِأَنْ أَخَذَ بِيَدِهِ عُودًا أَوْ حَجَرًا وَوَضَعَهُ عَلَى جَبْهَتِهِ لَمْ يَجُزْ مَا لَمْ يَخْفِضْ رَأْسَهُ (قَوْلُهُ وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ ثُمَّ إذَا وَجَدَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ قَالَ الشَّارِحُ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ لَوْ كَانَ ذَلِكَ الْمَوْضُوعُ يَصِحُّ السُّجُودُ عَلَيْهِ كَانَ سُجُودًا وَإِلَّا فَإِيمَاءً اهـ. وَعِنْدِي فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ خَفْضَ الرَّأْسِ بِالرُّكُوعِ لَيْسَ إلَّا إيمَاءً وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ السُّجُودُ دُونَ الرُّكُوعِ وَلَوْ كَانَ الْمَوْضُوعُ مِمَّا يَصِحُّ السُّجُودُ عَلَيْهِ اهـ. وَأَجَابَ عَنْهُ فِي حَوَاشِي مِسْكِينٍ بِأَنَّ قَوْلَهُ لِأَنَّ خَفْضَ الرَّأْسِ إلَخْ دَعْوَى لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا وَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ الْمَرِيضِ وَغَيْرِهِ حَيْثُ جَعَلَ خَفْضَ الرَّأْسِ لِلرُّكُوعِ مِنْ الصَّحِيحِ رُكُوعًا وَمِنْ الْمَرِيضِ إيمَاءً. اهـ. قُلْت بَلْ مَا ذَكَرَهُ دَعْوَى لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا لِأَنَّهُ قَدْ مَرَّ أَنَّ الْمَفْرُوضَ مِنْ الرُّكُوعِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَأَكْثَرُ الْكُتُبِ أَصْلُ الِانْحِنَاءِ وَالْمَيْلِ وَعَنْ الْحَاوِي الرُّكُوعُ انْحِنَاءُ الظَّهْرِ وَأَمَّا مَا فِي الْمُنْيَةِ أَنَّهُ طَأْطَأَةُ الرَّأْسِ فَالْمُرَادُ بِهِ مَعَ انْحِنَاءِ الظَّهْرِ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ فِي شَرْحِهَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ مَبْسُوطًا فِي مَحَلِّهِ وَسَيَأْتِي مَا يُوَضِّحُهُ فَالْأَوْلَى حَمْلُ كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ عَلَى مَا إذَا وَجَدَ أَدْنَى انْحِنَاءِ الظَّهْرِ لِيَكُونَ رُكُوعًا حَقِيقَةً فَالثَّمَرَةُ صِحَّةُ اقْتِدَاءِ الرَّاكِعِ السَّاجِدِ بِهِ لِأَنَّهُ اقْتِدَاءُ الْقَائِمِ بِالْقَاعِدِ الَّذِي يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ وَذَلِكَ صَحِيحٌ. [تَعَذَّرَ عَلَيَّ الْمَرِيضِ الْقُعُودُ فِي الصَّلَاةُ] (قَوْلُهُ وَلَنَا مَا رُوِيَ إلَخْ) قُلْت هَذَا الِاسْتِدْلَال إنَّمَا يُنَاسِبُ مَا اسْتَظْهَرَهُ فِي الْقُنْيَةِ تَأَمَّلْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 123 عَلَى الْجَنْبِ وَأَطْلَقَ فِي تَعَذُّرِ الْقُعُودِ فَشَمِلَ التَّعَذُّرَ الْحُكْمِيَّ كَمَا لَوْ قَدَرَ عَلَى الْقُعُودِ وَلَكِنْ بَزَغَ الْمَاءُ مِنْ عَيْنَيْهِ فَأَمَرَهُ الطَّبِيبُ أَنْ يَسْتَلْقِيَ أَيَّامًا عَلَى ظَهْرِهِ وَنَهَاهُ عَنْ الْقُعُودِ وَالسُّجُودِ أَجْزَأَهُ أَنْ يَسْتَلْقِيَ وَيُصَلِّيَ بِالْإِيمَاءِ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْأَعْضَاءِ كَحُرْمَةِ النَّفْسِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَإِذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْقُعُودِ صَلَّى مُضْطَجِعًا عَلَى قَفَاهُ مُتَوَجِّهًا نَحْوَ الْقِبْلَةِ وَرَأْسُهُ إلَى الْمَشْرِقِ وَرِجْلَاهُ إلَى الْمَغْرِبِ وَفِي الْمُجْتَبَى وَيَنْبَغِي لِلْمُسْتَلْقِي أَنْ يَنْصِبَ رُكْبَتَيْهِ إنْ قَدَرَ حَتَّى لَا يَمُدُّ رِجْلَيْهِ إلَى الْقِبْلَةِ وَفِي الْعِنَايَةِ يَجْعَلُ وِسَادَةً تَحْتَ رَأْسِهِ حَتَّى يَكُونَ شَبَهَ الْقَاعِدِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الْإِيمَاءِ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الِاسْتِلْقَاءِ تَمْنَعُ الْأَصِحَّاءَ عَنْ الْإِيمَاءِ فَكَيْفَ بِالْمَرْضَى وَاقْتِصَارُ الْمُصَنِّفِ عَلَى بَيَانِ الْبَدَلِ لِلْأَرْكَانِ الثَّلَاثَةِ أَعْنِي الْقِيَامَ وَالرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْقِرَاءَةَ لَا بَدَلَ لَهَا عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْهَا فَيُصَلِّي بِغَيْرِ الْقِرَاءَةِ وَفِي الْمُجْتَبَى قِيلَ فِي الْأُمِّيِّ وَالْأَخْرَسِ يَجِبُ تَحْرِيكُ الشَّفَةِ وَاللِّسَانِ كَتَلْبِيَةِ الْحَجِّ وَقِيلَ لَا يَجِبُ وَإِذَا لَمْ يَعْرِفْ إلَّا قَوْلَهُ الْحَمْدُ لِلَّهِ يَأْتِي بِهِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَلَا يُكَرِّرُهَا بِخِلَافِ التَّحِيَّاتِ فِي التَّشَهُّدِ فَإِنَّهُ يُكَرِّرُهَا قَدْرَ التَّشَهُّدِ لِكَوْنِ الْقُعُودِ مُقَدَّرًا اهـ. وَأَشَارَ بِسُقُوطِ الْأَرْكَانِ عِنْدَ الْعَجْزِ إلَى سُقُوطِ الشَّرَائِطِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْهَا بِالْأَوْلَى فَلَوْ كَانَ وَجْهُ الْمَرِيضِ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى التَّحْوِيلِ إلَيْهَا بِنَفْسِهِ وَلَا بِغَيْرِهِ يُصَلِّي كَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ إلَّا ذَلِكَ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْبُرْءِ فِي ظَاهِرِ الْجَوَابِ لِأَنَّ الْعَجْزَ عَنْ تَحْصِيلِ الشَّرَائِطِ لَا يَكُونُ فَوْقَ الْعَجْزِ عَنْ تَحْصِيلِ الْأَرْكَانِ وَثَمَّةَ لَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ فَهَاهُنَا أَوْلَى كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَفِي الْخُلَاصَةِ فَإِنْ وَجَدَ أَحَدًا يُحَوِّلُهُ فَلَمْ يَأْمُرْهُ وَصَلَّى إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ بِقُوَّةِ الْغَيْرِ لَيْسَتْ بِثَابِتَةٍ عِنْدَهُ وَعَلَى هَذَا لَوْ صَلَّى عَلَى فِرَاشٍ نَجِسٍ وَوَجَدَ أَحَدًا يُحَوِّلُهُ إلَى مَكَان طَاهِرٍ ثُمَّ قَالَ مَرِيضٌ مَجْرُوحٌ تَحْتَهُ ثِيَابٌ نَجِسَةٌ إنْ كَانَ بِحَالٍ لَا يُبْسَطُ تَحْتَهُ شَيْءٌ إلَّا تَنَجَّسَ مِنْ سَاعَتِهِ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى حَالِهِ وَكَذَا لَوْ لَمْ يَتَنَجَّسْ الثَّانِي إلَّا أَنَّهُ يَزْدَادُ مَرَضُهُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ اهـ. وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ الْمَرِيضُ إذَا كَانَ لَا يُمْكِنْهُ الْوُضُوءُ أَوْ التَّيَمُّمُ وَلَهُ جَارِيَةٌ فَعَلَيْهَا أَنْ تُوَضِّئَهُ لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ وَطَاعَةُ الْمَالِكِ وَاجِبَةٌ إذَا عَرِيَ عَنْ الْمَعْصِيَةِ وَإِذَا كَانَ لَهُ امْرَأَةٌ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تُوَضِّئَهُ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ حُقُوقِ النِّكَاحِ إلَّا إذَا تَبَرَّعَتْ فَهُوَ إعَانَةٌ عَلَى الْبِرِّ وَالْعَبْدُ الْمَرِيضُ إذَا كَانَ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَتَوَضَّأَ يَجِبُ عَلَى مَوْلَاهُ أَنْ يُوَضِّئَهُ بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ الْمَرِيضَةِ حَيْثُ لَا يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ أَنْ يَتَعَاهَدَهَا لِأَنَّ الْمُعَاهَدَةَ إصْلَاحُ الْمِلْكِ وَإِصْلَاحُ الْمِلْكِ عَلَى الْمَالِكِ وَأَمَّا الْمَرْأَةُ حُرَّةٌ فَكَانَ إصْلَاحُهَا عَلَيْهَا اهـ. وَفِي التَّجْنِيسِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي مُتَوَضِّئٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى مَكَان طَاهِرٍ وَقَدْ حَضَرَتْ الصَّلَاةُ صَلَّى بِالْإِيمَاءِ ثُمَّ يُعِيدُ مَا صَلَّى بِالْإِيمَاءِ قَضَاءً لِحَقِّ الْوَقْتِ بِالتَّشَبُّهِ وَإِنَّمَا يُعِيدُ لِأَنَّ الْعُذْرَ جَاءَ مِنْ قِبَلِ الْعَبْدِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يُصَلِّي الْمَاشِي وَهُوَ يَمْشِي وَلَا السَّابِحُ وَهُوَ يَسْبَحُ فِي الْبَحْرِ وَلَا السَّائِفُ وَهُوَ يَضْرِبُ بِالسَّيْفِ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَفْعَالَ مُنَافِيَةٌ لِلصَّلَاةِ وَلِهَذَا «شُغِلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ صَلَاتِهِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ لِأَجْلِ الْقِتَالِ ثُمَّ قَالَ الْغَرِيقُ فِي الْبَحْرِ إذَا حَضَرَتْهُ الصَّلَاةُ إنْ وَجَدَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ أَوْ كَانَ مَاهِرًا فِي السِّبَاحَةِ بِحَيْثُ يُمْكِنُهُ الصَّلَاةُ بِالْإِيمَاءِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَحْتَاجَ فِيهِ إلَى عَمَلٍ كَثِيرٍ اُفْتُرِضَ عَلَيْهِ أَدَاءُ الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ قَادِرٌ وَلَوْ لَمْ يَجِدْ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وَلَمْ يَكُنْ مَاهِرًا فِي السِّبَاحَةِ يُعْذَرُ بِالتَّأْخِيرِ إلَى أَنْ يَخْرُجَ لِأَنَّهُ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى أَدَاءِ الصَّلَاةِ» اهـ. وَفِي الْقُنْيَةِ مَرِيضٌ لَا يُمْكِنُهُ الصَّلَاةُ إلَّا بِأَصْوَاتٍ مِثْلَ أُوهْ وَنَحْوِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ وَلَوْ اُعْتُقِلَ لِسَانُهُ يَوْمًا وَلَيْلَةً فَصَلَّى صَلَاةَ الْأَخْرَسِ ثُمَّ انْطَلَقَ لِسَانُهُ لَا تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ. (قَوْلُهُ وَإِلَّا أُخِّرَتْ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْإِيمَاءِ بِرَأْسِهِ أُخِّرَتْ الصَّلَاةُ إلَى الْقُدْرَةِ وَفِي الْهِدَايَةِ وَقَوْلُهُ أُخِّرَتْ عَنْهُ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا تَسْقُطُ الصَّلَاةُ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ الْعَجْزُ أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إذَا كَانَ مُفِيقًا هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ يَفْهَمُ مَضْمُونَ الْخِطَابِ بِخِلَافِ الْمُغْمَى عَلَيْهِ اهـ.   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ مُتَوَجِّهًا نَحْوَ الْقِبْلَةِ وَرَأْسُهُ إلَى الْمَشْرِقِ إلَخْ) هَذَا إنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي بِلَادِهِمْ كَبُخَارَى وَمَا وَالَاهَا مِمَّا هُوَ جِهَةُ الْمَشْرِقِ فَإِنَّ قِبْلَتَهُمْ تَكُونُ إلَى جِهَةِ الْمَغْرِبِ وَأَمَّا فِي بِلَادِنَا الشَّامِيَّةِ فَلَا يُتَصَوَّرُ بَلْ إذَا اضْطَجَعَ عَلَى قَفَاهُ نَحْوَ الْقِبْلَةِ يَكُونُ رَأْسُهُ إلَى الشِّمَالِ وَالْمَغْرِبُ عَنْ يَمِينِهِ وَالْمَشْرِقُ عَنْ يَسَارِهِ وَعَلَى مَا ذُكِرَ فَمَنْ كَانَ فِي جِهَةِ الْمَغْرِبِ يَكُونُ الْأَمْرُ فِيهِ عَلَى عَكْسِ مَا قَالَهُ (قَوْلُهُ وَفِي التَّجْنِيسِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمَحْبُوسُ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ آخِرُ الْكَلَامِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ يَوْمًا وَلَيْلَةً) اُنْظُرْ مَا فَائِدَةُ التَّقْيِيدِ بِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 124 وَذَهَبَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَقَاضِي خَانْ وَقَاضِي غَنِيٍّ إلَى أَنَّ الصَّحِيحَ هُوَ السُّقُوطُ عَنْ الْكَثْرَةِ لَا الْقِلَّةِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَفِي الْخُلَاصَةِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِأَنَّ مُجَرَّدَ الْعَقْلِ لَا يَكْفِي لِتَوَجُّهِ الْخِطَابِ وَصَحَّحَ فِي الْبَدَائِعِ وَجَزَمَ بِهِ الْوَلْوَالِجِيُّ وَصَاحِبُ التَّجْنِيسِ مُخَالِفًا لِمَا فِي الْهِدَايَةِ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي وَصَحَّحَهُ فِي الْيَنَابِيعِ وَرَجَّحَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْمُغْمَى عَلَيْهِ اهـ. وَعَلَى هَذَا فَمَعْنَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَاَللَّهُ أَحَقُّ بِقَبُولِ الْعُذْرِ أَيْ عُذْرِ السُّقُوطِ وَعَلَى مَا اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ مَعْنَاهُ بِقَبُولِ عُذْرِ التَّأْخِيرِ كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَاسْتَشْهَدَ قَاضِي خَانْ بِمَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِيمَنْ قُطِعَتْ يَدَاهُ مِنْ الْمِرْفَقَيْنِ وَرِجْلَاهُ مِنْ السَّاقَيْنِ لَا صَلَاةَ عَلَيْهِ فَثَبَتَ أَنَّ مُجَرَّدَ الْعَقْلِ لَا يَكْفِي لِتَوَجُّهِ الْخِطَابِ وَرَدَّهُ فِي التَّبْيِينِ بِأَنَّهُ لَا دَلِيلَ فِيهِ عَلَى السُّقُوطِ لِأَنَّ هُنَاكَ الْعَجْزَ مُتَّصِلٌ بِالْمَوْتِ وَكَلَامُنَا فِيمَا إذَا صَحَّ الْمَرِيضُ حَتَّى لَوْ مَاتَ الْمَرِيضُ أَيْضًا مِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الصَّلَاةِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ حَتَّى لَا يَلْزَمَهُ الْإِيصَاءُ بِهِ فَصَارَ كَالْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ إذَا أَفْطَرَا فِي رَمَضَانَ وَمَاتَا قَبْلَ الْإِقَامَةِ وَالصِّحَّةِ اهـ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ ظَاهِرَ مَا فِي بَعْضِ الْكُتُبِ يُوهِمُ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ عَدَمُ السُّقُوطِ مُطْلَقًا وَالسُّقُوطُ مُطْلَقًا وَالتَّفْصِيلُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ الْفَوَائِتَ إذَا كَانَتْ صَلَاةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَوْ أَقَلَّ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ إنَّمَا مَحَلُّ الِاخْتِلَافِ فِيمَا إذَا كَثُرَتْ وَزَادَتْ عَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَلَيْسَ فِيهَا إلَّا قَوْلَانِ وَلِأَنَّ قَاضِي خَانْ صَحَّحَ التَّفْصِيلَ فِي الْفَتَاوَى وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ صَحَّحَ عَدَمَ السُّقُوطِ مُطْلَقًا فِيمَا إذَا بَرَأَ مِنْ مَرَضِهِ أَمَّا إذَا مَاتَ مِنْهُ فَإِنَّهُ يَلْقَى اللَّهَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنَّ مَحِلَّهُ إذَا لَمْ يَقْدِرْ فِي مَرَضِهِ عَلَى الْإِيمَاءِ بِالرَّأْسِ أَمَّا إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ بَعْدَ عَجْزِهِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ وَإِنْ كَانَ الْقَضَاءُ يَجِبُ مُوسِعًا لِتَظْهَرَ فَائِدَتُهُ فِي الْإِيصَاءِ بِالْإِطْعَامِ عَنْهُ وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ أَنَّ هَذَا الْمَسْأَلَةَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ إنْ دَامَ بِهِ الْمَرَضُ أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَهُوَ لَا يَعْقِلُ لَا يَقْضِي إجْمَاعًا وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَوْ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَهُوَ يَعْقِلُ قَضَى إجْمَاعًا وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ وَهُوَ يَعْقِلُ أَوْ أَقَلَّ وَهُوَ لَا يَعْقِلُ فَهُوَ مَحَلُّ الِاخْتِلَافِ وَفِي الْقُنْيَةِ وَلَا فِدْيَةَ فِي الصَّلَاةِ حَالَةَ الْحَيَاةِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ وَلَوْ كَانَ يَشْتَبِهُ عَلَى الْمَرِيضِ أَعْدَادُ الرَّكَعَاتِ أَوْ السَّجَدَاتِ لِنُعَاسٍ يَلْحَقُهُ لَا يَلْزَمُهُ الْأَدَاءُ وَلَوْ أَدَّاهَا بِتَلْقِينِ غَيْرِهِ يَنْبَغِي أَنْ يُجْزِئَهُ اهـ. (قَوْلُهُ وَلَمْ يُومِ بِعَيْنِهِ وَقَلْبِهِ وَحَاجِبِهِ) وَقَالَ زُفَرُ يُومِئُ بِحَاجِبِهِ فَإِنْ عَجَزَ فَبِعَيْنَيْهِ فَإِنْ عَجَزَ فَبِقَلْبِهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ بِعَيْنَيْهِ وَقَلْبِهِ وَقَالَ الْحَسَنُ بِحَاجِبِيهِ وَقَلْبِهِ وَيُعِيدُ إذَا صَحَّ وَالصَّحِيحُ مَذْهَبُنَا لِحَدِيثِ عِمْرَانَ وَابْنِ عُمَرَ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ الْإِيمَاءَ بِرَأْسِهِ فَاَللَّهُ أَحَقُّ بِقَبُولِ الْعُذْرِ مِنْهُ وَلِأَنَّ فَرْضَ السُّجُودِ تَعَلَّقَ بِالرَّأْسِ دُونَ الْعَيْنِ وَالْقَلْبِ وَالْحَاجِبِ فَلَا يُنْقَلُ إلَيْهَا كَالْيَدِ وَاعْتِبَارًا بِالصَّوْمِ وَالْحَجِّ حَيْثُ لَا يَنْتَقِلَانِ إلَى الْقَلْبِ بِالْعَجْزِ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ الْمَرِيضُ إذَا عَجَزَ عَنْ الْإِيمَاءِ فَحَرَّكَ رَأْسَهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ تَجُوزُ صَلَاتُهُ وَقَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ   [منحة الخالق] [لَمْ يَقْدِرْ المصلي الْمَرِيض عَلَى الْإِيمَاءِ بِرَأْسِهِ] (قَوْلُهُ وَرَدَّهُ فِي التَّبْيِينِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ هَذَا الْفَرْقُ إنَّمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ عَلَى تَسْلِيمِ أَنَّهُ لَا صَلَاةَ عَلَيْهِ لَكِنْ قَدَّمْنَا فِي الطَّهَارَةِ تَرْجِيحَ الْوُجُوبِ بِلَا طَهَارَةٍ (قَوْلُهُ ثُمَّ اعْلَمْ إلَخْ) أَقُولُ: قَدْ ذَكَرَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة بَعْدَ الْقَوْلَيْنِ السَّابِقَيْنِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَسْقُطُ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ وَإِلَيْهِ مَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ. اهـ. (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنَّ مَحَلَّهُ إلَخْ) هَكَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَلَا إشْكَالَ فِيهِ وَيُوجَدُ زِيَادَةٌ فِي بَعْضِهَا وَنَصُّهَا وَقَدْ بَحَثَ فِيهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّ كَلَامَهُمْ يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَزِدْ عَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ حَتَّى يَجِبَ الْإِيصَاءُ عَلَيْهِ إذَا قَدَرَ وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ مِنْهُ وَيَرُدُّ عَلَيْهِ مَا فِي الْبَدَائِعِ مِنْ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إلَخْ قَالَ الرَّمْلِيُّ قَوْلُهُ وَيَرُدُّ عَلَيْهِ إلَخْ فِي هَذَا الْمَحَلِّ غَلَطٌ وَاَلَّذِي فِي الْبَدَائِعِ ثُمَّ إذَا سَقَطَتْ عَنْهُ الصَّلَاةُ بِحُكْمِ الْعَجْزِ فَإِنْ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ لَقِيَ اللَّهَ تَعَالَى وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ وَقْتَ الْقَضَاءِ وَأَمَّا إذَا بَرِئَ وَصَحَّ فَإِنْ كَانَ الْمَتْرُوكُ صَلَاةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَوْ أَقَلَّ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ بِالْإِجْمَاعِ إلَى آخِرِ مَا فِيهَا فَهَذَا وَارِدٌ عَلَى بَحْثِ الْكَمَالِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ اهـ. قُلْت لَمْ يَظْهَرْ لِي الْمُخَالَفَةُ فِي كَلَامِ الْفَتْحِ لِمَا فِي الْبَدَائِعِ فَإِنَّ نَصَّ كَلَامِهِ بَعْدَ نَقْلِهِ عِبَارَةَ التَّبْيِينِ السَّابِقَةَ هَكَذَا وَمَنْ تَأَمَّلَ تَعْلِيلَ الْأَصْحَابِ فِي الْأُصُولِ وَسَيَأْتِي أَنَّ الْمَجْنُونَ يُفِيقُ فِي أَثْنَاءِ الشَّهْرِ وَلَوْ سَاعَةً يَلْزَمُهُ قَضَاءُ كُلِّ الشَّهْرِ وَكَذَا الَّذِي جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِنْ صَلَاةِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لَا يَقْضِي وَفِيمَا دُونَهَا يَقْضِي انْقَدَحَ فِي ذِهْنِهِ إيجَابُ الْقَضَاءِ عَلَى هَذَا الْمَرِيضِ إلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ حَتَّى يَلْزَمَ الْإِيصَاءُ بِهِ إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ بِطَرِيقٍ وَسُقُوطُهُ إنْ زَادَ ثُمَّ رَأَيْت عَنْ بَعْضِ الْمَشَايِخِ إنْ كَانَتْ الْفَوَائِتُ أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ وَجَبَ قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ وَهُوَ الصَّحِيحُ اهـ. كَلَامُ الْفَتْحِ فَأَنْتَ تَرَاهُ مَاشٍ عَلَى مَا صَحَّحَهُ قَاضِي خَانْ غَيْرَ أَنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ مَا دُونَ الْأَكْثَرِ يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُ إذَا قَدَرَ عَلَيْهِ وَلَوْ بِالْإِيمَاءِ وَإِنْ لَمْ يَقْضِهِ يَلْزَمُهُ الْإِيصَاءُ بِهِ وَهُوَ مَا بَحَثَهُ الْمُؤَلِّفُ وَلَيْسَ فِي كَلَامِهِمْ مَا يُنَافِي ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي الصَّحِيفَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ وَعَدَمُ كَرَاهَةِ الْقُعُودِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ هَكَذَا هُوَ فِي نُسْخَةِ الْمُحَشِّيِّ وَأَثْبَتْنَاهُ تَبَعًا لَهَا وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ سَاقِطٌ وَعَلَيْهِ ظُهُورُ الْمَعْنَى تَأَمَّلْ اهـ. مُصَحِّحُهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 125 لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْفِعْلُ اهـ. فَعَلَى هَذَا حَقِيقَةُ الْإِيمَاءِ إنَّمَا هِيَ طَأْطَأَةُ الرَّأْسِ. (قَوْلُهُ وَإِنْ تَعَذَّرَ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ لَا الْقِيَامُ أَوْمَأَ قَاعِدًا) لِأَنَّ رُكْنِيَّةَ الْقِيَامِ لِلتَّوَصُّلِ بِهِ إلَى السَّجْدَةِ لِمَا فِيهَا مِنْ نِهَايَةِ التَّعْظِيمِ وَإِذَا كَانَ لَا يَتَعَقَّبُهُ السُّجُودُ لَا يَكُونُ رُكْنًا فَيَتَخَيَّرُ وَالْأَفْضَلُ هُوَ الْإِيمَاءُ قَاعِدًا لِأَنَّهُ أَشْبَهَ بِالسُّجُودِ وَلَا تُرَدُّ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ حَيْثُ لَمْ يَلْزَمْهُ ثَمَّةَ سُقُوطُ الْقِيَامِ بِسَبَبِ سُقُوطِ السُّجُودِ لِأَنَّ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ لَيْسَتْ بِصَلَاةٍ حَقِيقَةً بَلْ هِيَ دُعَاءٌ وَفِي الْمُجْتَبَى وَإِنْ أَوْمَأَ بِالسُّجُودِ قَائِمًا لَمْ يُجْزِهِ وَهَذَا أَحْسَنُ وَأَقْيَسُ كَمَا لَوْ أَوْمَأَ بِالرُّكُوعِ جَالِسًا لَا يَصِحُّ عَلَى الْأَصَحِّ. اهـ. وَالظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ جَوَازُ الْإِيمَاءِ بِهِمَا قَائِمًا وَقَاعِدًا كَمَا لَا يَخْفَى وَذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوِيهِ رَجُلٌ بِهِ جُرْحٌ إنْ صَلَّى بِالْإِيمَاءِ قَائِمًا لَا يَسِيلُ جُرْحُهُ وَإِنْ رَكَعَ وَسَجَدَ يَسِيلُ جُرْحُهُ يُصَلِّي قَائِمًا وَيُومِئُ لِلرُّكُوعِ ثُمَّ يَجْلِسُ وَيُومِئُ لِلسُّجُودِ لِيَكُونَ أَدَاءُ الصَّلَاةِ مَعَ الطَّهَارَةِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ كَذَلِكَ وَصَلَّى قَائِمًا هَكَذَا وَيُومِئُ إيمَاءً لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ لِأَنَّ الْإِيمَاءَ لِلسُّجُودِ جَالِسًا أَقْرَبُ إلَى حَقِيقَةِ السُّجُودِ اهـ. وَأَوْمَأَ بِالْهَمْزِ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ. (قَوْلُهُ وَلَوْ مَرِضَ فِي صَلَاتِهِ يُتِمُّ بِمَا قَدَرَ) يَعْنِي قَاعِدًا يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ أَوْ مُومِئًا إنْ تَعَذَّرَ أَوْ مُسْتَلْقِيًا إنْ لَمْ يَقْدِرْ لِأَنَّهُ بِنَاءُ الْأَدْنَى عَلَى الْأَعْلَى فَصَارَ كَالِاقْتِدَاءِ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا صَارَ إلَى حَالَةِ الْإِيمَاءِ يَسْتَقْبِلُ الصَّلَاةَ لِأَنَّ تَحْرِيمَتَهُ انْعَقَدَتْ مُوجِبَةً لِلرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَلَا تَجُوزُ بِدُونِهِمَا وَوَجْهُ الْمَشْهُورِ أَنَّهُ إذَا بَنَى كَانَ بَعْضُ الصَّلَاةِ كَامِلًا وَبَعْضُهَا نَاقِصًا وَإِذَا اسْتَقْبَلَ كَانَتْ كُلُّهَا نَاقِصَةً فَلَأَنْ يُؤَدِّيَ بَعْضَهَا كَامِلًا أَوْلَى وَهُوَ الصَّحِيحُ (قَوْلُهُ وَلَوْ صَلَّى قَاعِدًا يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ فَصَحَّ بَنَى وَلَوْ كَانَ مُومِيًا لَا) أَيْ لَوْ كَانَ يُصَلِّي بِالْإِيمَاءِ فَصَحَّ لَا يَبْنِي لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ اقْتِدَاءُ الرَّاكِعِ بِالْمُومِئِ فَكَذَا الْبِنَاءُ وَيَجُوزُ اقْتِدَاءُ الْقَائِمِ بِالْقَاعِدِ الَّذِي يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ كَمَا سَبَقَ قَيَّدَ بِكَوْنِهِ صَلَّى بِالْإِيمَاءِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ افْتَتَحَهَا بِالْإِيمَاءِ ثُمَّ قَدَرَ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ وَيَسْجُدَ بِالْإِيمَاءِ جَازَ لَهُ أَنْ يُتِمَّهَا لِأَنَّهُ لَمْ يُؤَدِّ رُكْنًا بِالْإِيمَاءِ وَإِنَّمَا هُوَ مُجَرَّدُ تَحْرِيمَةٍ فَلَا يَكُونُ بِنَاءُ الْقَوِيِّ عَلَى الضَّعِيفِ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ يُومِئُ مُضْطَجِعًا ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الْقُعُودِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَإِنَّهُ يَسْتَأْنِفُ وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِأَنَّ حَالَةَ الْقُعُودِ أَقْوَى فَلَا يَجُوزُ بِنَاؤُهُ عَلَى الضَّعِيفِ. (قَوْلُهُ وَلِلْمُتَطَوِّعِ أَنْ يَتَّكِئَ عَلَى شَيْءٍ إنْ أَعْيَا) أَيْ تَعِبَ لِأَنَّهُ عُذْرٌ أُطْلِقَ فِي الشَّيْءِ فَشَمِلَ الْعَصَا وَالْحَائِطَ وَأَشَارَ إلَى أَنَّ لَهُ أَنْ يَقْعُدَ أَيْضًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ لَهُ الْقُعُودُ إلَّا إذَا عَجَزَ لِمَا مَرَّ مِنْ قَبْلُ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ إنْ أَعْيَا لِأَنَّ الِاتِّكَاءَ مَكْرُوهٌ بِغَيْرِ عُذْرٍ لِأَنَّهُ إسَاءَةٌ فِي الْأَدَبِ وَفِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ وَالصَّحِيحُ كَرَاهَتُهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَعَدَمُ كَرَاهَةِ الْقُعُودِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ عِنْدَهُ. [صَلَّى فِي فُلْكٍ قَاعِدًا بِلَا عُذْرٍ] (قَوْلُهُ وَلَوْ صَلَّى فِي فُلْكٍ قَاعِدًا بِلَا عُذْرٍ صَحَّ) يَعْنِي صَلَّى فَرْضًا قَاعِدًا بِلَا عُذْرٍ صَحَّتْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَدْ أَسَاءَ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَقَالَا لَا يُجْزِئُهُ إلَّا مِنْ عِلَّةٍ لِأَنَّ الْقِيَامَ مَقْدُورٌ عَلَيْهِ فَلَا يُتْرَكُ وَلَهُ أَنَّ الْغَالِبَ فِيهَا دَوَرَانُ الرَّأْسِ وَهُوَ كَالْمُحَقَّقِ الْآنَ أَنَّ الْقِيَامَ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ عَنْ شُبْهَةِ الْخِلَافِ وَالْخُرُوجُ أَفْضَلُ إنْ أَمْكَنَهُ لِأَنَّهُ أَمْكَنُ لِقَلْبِهِ وَالْخِلَافُ فِي غَيْرِ الْمَرْبُوطَةِ وَالْمَرْبُوطَةُ كَالشَّطِّ هُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِالْمَرْبُوطَةِ بِالشَّطِّ أَمَّا إذَا كَانَتْ مَرْبُوطَةً فِي لُجَّةِ الْبَحْرِ فَالْأَصَحُّ إنْ كَانَ الرِّيحُ يُحَرِّكُهَا شَدِيدًا فَهِيَ كَالسَّائِرَةِ وَإِلَّا فَكَالْوَاقِفَةِ ثُمَّ ظَاهِرُ الْهِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ وَالِاخْتِيَارِ جَوَازُ الصَّلَاةِ فِي الْمَرْبُوطَةِ فِي الشَّطِّ مُطْلَقًا وَفِي الْإِيضَاحِ فَإِنْ كَانَتْ مَوْقُوفَةً فِي الشَّطِّ وَهِيَ عَلَى قَرَارِ الْأَرْضِ فَصَلَّى قَائِمًا جَازَ لِأَنَّهَا إذَا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ فَعَلَى هَذَا إلَخْ) أَقُولُ: هَذَا مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُجَرَّدَ طَأْطَأَةِ الرَّأْسِ لَا تَكُونُ رُكُوعًا وَإِلَّا لَسَمَّوْهُ رُكُوعًا وَاقْتَصَرُوا عَلَى ذِكْرِ الْإِيمَاءِ لِلسُّجُودِ فَلَا بُدَّ فِي الرُّكُوعِ مِنْ انْحِنَاءٍ كَمَا مَرَّ وَإِلَّا فَهُوَ إيمَاءٌ. (قَوْلُ الْمُصَنِّفُ أَوْمَأَ قَاعِدًا) قَالَ فِي النَّهْرِ هَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ صَلَّى قَاعِدًا إذْ يُفْتَرَضُ عَلَيْهِ أَنْ يَقُومَ لِلْقِرَاءَةِ فَإِذَا جَاءَ أَوَانُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَوْمَأَ قَاعِدًا. اهـ. قُلْت: وَمُقْتَضَاهُ افْتِرَاضُ التَّحْرِيمَةِ قَائِمًا أَيْضًا وَلَمْ أَرَ مَا ذَكَرَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْكُتُبِ الَّتِي عِنْدِي مِنْ فَتَاوَى وَشُرُوحٍ وَغَيْرِهَا بَلْ كُلُّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى سُقُوطِ رُكْنِيَّةِ الْقِيَامِ وَإِنْ شَرْعِيَّتُهُ لِلتَّوَصُّلِ إلَى السُّجُودِ عَلَى أَنَّ الْقُعُودَ قِيَامٌ مِنْ وَجْهٍ وَلِذَا جَوَّزُوا اقْتِدَاءَ الرَّاكِعِ السَّاجِدِ بِالْقَاعِدِ وَمِمَّنْ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ صَلَّى قَاعِدًا يُومِئُ إيمَاءً الْقُدُورِيِّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَصَاحِبِ الْهِدَايَةِ فِي كِتَابِهِ الْهِدَايَةِ وَكِتَابِهِ مُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ وَهِيَ عِبَارَةُ الْكَرْخِيِّ أَيْضًا كَمَا فِي السِّرَاجِ بَلْ يَلْزَمُ مِنْ كَلَامِهِ أَيْضًا أَنْ لَا يَسْقُطَ الرُّكُوعُ عَنْهُ إذَا عَجَزَ عَنْ السُّجُودِ فَقَطْ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَدَاؤُهُ قَائِمًا كَالْقِرَاءَةِ مَعَ أَنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ كَمَا مَرَّ عَنْ الْبَدَائِعِ وَبَعْدَ هَذَا فَإِنْ كَانَ مَا ذَكَرَهُ مَنْقُولًا فَهُوَ مَقْبُولٌ وَإِنْ كَانَ قَالَهُ قِيَاسًا عَلَى مَا إذَا قَدَرَ عَلَى بَعْضِ الْقِيَامِ حَيْثُ يَلْزَمُهُ وَتَلْزَمُهُ الْقِرَاءَةُ فِيهِ فَالْفَرْقُ جَلِيٌّ لَا يَخْفَى فَلْيُرَاجِعْ. (قَوْلُهُ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ فِي هَذِهِ الْإِشَارَةِ نَظَرٌ قُلْت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 126 اسْتَقَرَّتْ عَلَى الْأَرْضِ فَحُكْمُهَا حُكْمُ الْأَرْضِ فَإِنْ كَانَتْ مَرْبُوطَةً وَيُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ لَمْ تَجُزْ الصَّلَاةُ فِيهَا لِأَنَّهَا إذَا لَمْ تَسْتَقِرَّ فَهِيَ كَالدَّابَّةِ بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَقَرَّتْ فَإِنَّهَا حِينَئِذٍ كَالسَّرِيرِ وَاخْتَارَهُ فِي الْمُحِيطِ وَالْبَدَائِعِ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ كَانَ بِحَالَةٍ يُدَوِّرُ رَأْسَهُ لَوْ قَامَ تَجُوزُ الصَّلَاةُ فِيهَا قَاعِدًا وَأَرَادَ بِالصَّلَاةِ قَاعِدًا أَنْ تَكُونَ بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ بِالْإِيمَاءِ لَا تَجُوزُ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ لَا عُذْرَ وَأَطْلَقَهَا فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ مُنْفَرِدًا أَوْ بِجَمَاعَةٍ فَلَوْ اقْتَدَى بِهِ رَجُلٌ فِي سَفِينَةٍ أُخْرَى فَإِنْ كَانَتْ السَّفِينَتَانِ مَقْرُونَتَيْنِ جَازَ لِأَنَّهُمَا بِالِاقْتِرَانِ صَارَتَا كَشَيْءٍ وَاحِدٍ وَإِنْ كَانَتَا مُنْفَصِلَتَيْنِ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ تَخَلُّلَ مَا بَيْنَهُمَا بِمَنْزِلَةِ النَّهْرِ وَذَلِكَ يَمْنَعُ صِحَّةَ الِاقْتِدَاءِ وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ فِي سَفِينَةٍ وَالْمُقْتَدُونَ عَلَى الْحَدِّ وَالسَّفِينَةُ وَاقِفَةٌ فَإِنْ كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ طَرِيقٌ أَوْ مِقْدَارُ نَهْرٍ عَظِيمٍ لَمْ يَصِحَّ اقْتِدَاؤُهُمْ بِهِ لِأَنَّ الطَّرِيقَ وَمِثْلَ هَذَا النَّهْرِ يَمْنَعَانِ صِحَّةَ الِاقْتِدَاءِ وَمَنْ وَقَفَ عَلَى أَطْلَالِ السَّفِينَةِ يَقْتَدِي بِالْإِمَامِ فِي السَّفِينَةِ صَحَّ اقْتِدَاؤُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَمَامَ الْإِمَامِ لِأَنَّ السَّفِينَةَ كَالْبَيْتِ وَاقْتِدَاءُ الْوَاقِفِ عَلَى السَّطْحِ بِمَنْ هُوَ فِي الْبَيْتِ صَحِيحٌ إذَا لَمْ يَكُنْ أَمَامَ الْإِمَامِ وَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ حَالُهُ كَذَا هَاهُنَا كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَقَيَّدَ بِتَرْكِ الْقِيَامِ لِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَ اسْتِقْبَالَ وَجْهِهِ إلَى الْقِبْلَةِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِ لَا يُجْزِئُهُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا فَعَلَيْهِمْ أَنْ يَسْتَقْبِلُوا بِوَجْهِهِمْ الْقِبْلَةَ كُلَّمَا دَارَتْ السَّفِينَةُ يُحَوِّلُ وَجْهَهُ إلَيْهَا كَذَا فِي الْإِسْبِيجَابِيِّ. (قَوْلُهُ وَمَنْ جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ خَمْسُ صَلَوَاتٍ قَضَى وَلَوْ أَكْثَرَ لَا) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ إذَا اسْتَوْعَبَ الْإِغْمَاءَ وَقْتَ صَلَاةٍ كَامِلَةٍ لِتَحَقُّقِ الْعَجْزِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمُدَّةَ إذَا طَالَتْ كَثُرَتْ الْفَوَائِتُ فَيُحْرَجُ فِي الْأَدَاءِ وَإِذَا قَصُرَتْ قُلْت فَلَا حَرَجَ وَالْكَثِيرُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ فِي حَدِّ التَّكْرَارِ وَالْجُنُونِ كَالْإِغْمَاءِ عَلَى الصَّحِيحِ وَفِي تَحْرِيرِ الْأُصُولِ الْجُنُونُ يُنَافِي شَرْطَ الْعِبَادَاتِ وَهِيَ النِّيَّةُ فَلَا تَجِبُ مَعَ الْمُمْتَدِّ مِنْهُ مُطْلَقًا لِلْحَرَجِ وَمَا لَا يَمْتَدُّ طَارِئًا جُعِلَ كَالنَّوْمِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ عَارِضٌ يَمْنَعُ فَهْمَ الْخِطَابِ زَالَ قَبْلَ الِامْتِدَادِ وَلِأَنَّهُ لَا يَنْفِي أَصْلَ الْوُجُوبِ إذْ هُوَ بِالذِّمَّةِ وَهِيَ لَهُ حَتَّى وَرِثَ وَمَلَكَ وَكَانَ أَهْلًا لِلثَّوَابِ كَأَنْ نَوَى صَوْمَ الْغَدِ فَجُنَّ فِيهِ مُمْسِكًا كُلَّهُ صَحَّ فَلَا يَقْضِي لَوْ أَفَاقَ بَعْدَهُ اهـ. قَيَّدَ بِالْجُنُونِ وَالْإِغْمَاءِ لِأَنَّ النَّوْمَ لَا يُسْقِطُ مُطْلَقًا حَتَّى لَوْ نَامَ أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ يَقْضِي لَوْ أَفَاقَ بَعْدَهُ اهـ. قَيَّدَ بِالْجُنُونِ وَلَيْلَةً غَالِبًا فَلَا يَحْرَجُ فِي الْقَضَاءِ بِخِلَافِ الْإِغْمَاءِ لِأَنَّهُ مِمَّا يَمْتَدُّ عَادَةً وَقَيَّدَهُ بِدَوَامِ الْإِغْمَاءِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ يُفِيقُ فِيهَا فَإِنَّهُ يَنْظُرُ فَإِنْ كَانَ لِإِفَاقَتِهِ وَقْتٌ مَعْلُومٌ مِثْلُ أَنْ يَخِفَّ عَنْهُ الْمَرَضُ عِنْدَ الصُّبْحِ مَثَلًا فَيُفِيقَ قَلِيلًا ثُمَّ يُعَاوِدَهُ فَيُغْمَى عَلَيْهِ تُعْتَبَرُ هَذِهِ الْإِفَاقَةُ فَيَبْطُلُ مَا قَبْلَهَا مِنْ حُكْمِ الْإِغْمَاءِ إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِإِفَاقَتِهِ وَقْتٌ مَعْلُومٌ لَكِنَّهُ يُفِيقُ بَغْتَةً فَيَتَكَلَّمُ بِكَلَامِ الْأَصِحَّاءِ ثُمَّ يُغْمَى عَلَيْهِ فَلَا عِبْرَةَ بِهَذِهِ الْإِفَاقَةِ أَطْلَقَ فِي الْإِغْمَاءِ وَالْجُنُونِ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ بِسَبَبِ فَزَعٍ مِنْ سَبُعٍ أَوْ خَوْفٍ مِنْ عَدُوٍّ فَلَا يَجِبُ الْقَضَاءُ إذَا امْتَدَّ إجْمَاعًا لِأَنَّ الْخَوْفَ بِسَبَبِ ضَعْفِ قَلْبِهِ وَهُوَ مَرَضٌ إلَّا أَنَّهُ يَرُدُّ عَلَيْهِ مَا إذَا زَالَ عَقْلُهُ بِالْخَمْرِ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ بِسَبَبِ شُرْبِ الْبَنْجِ أَوْ الدَّوَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْقَضَاءُ فِي الْأَوَّلِ وَإِنْ طَالَ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ حَصَلَ بِمَا هُوَ مَعْصِيَةٌ فَلَا يُوجِبُ التَّخْفِيفَ وَلِهَذَا يَقَعُ طَلَاقُهُ وَلَا يَسْقُطُ أَيْضًا فِي الثَّانِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ النَّصَّ وَرَدَ فِي إغْمَاءٍ حَصَلَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فَلَا يَكُونُ وَارِدًا فِي إغْمَاءٍ حَصَلَ بِصُنْعِ الْعِبَادِ لِأَنَّ الْعُذْرَ إذَا جَاءَ مِنْ جِهَةِ غَيْرِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ لَا يَسْقُطُ الْحَقُّ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَسْقُطُ الْقَضَاءُ إذَا كَثُرَ لِأَنَّهُ إنَّمَا حَصَلَ بِمَا هُوَ مُبَاحٌ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الْجُنُونُ أَصْلِيًّا كَمَا إذَا بَلَغَ مَجْنُونًا وَزَالَ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ فَالْعَارِضُ وَالْأَصْلِيُّ عِنْدَهُ سَوَاءٌ فِي سُقُوطِ الْقَضَاءِ إذَا كَثُرَ وَعَدَمِهِ إذَا قَلَّ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ الْأَصْلِيُّ كَالصِّبَا فَلَا قَضَاءَ مُطْلَقًا كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَقَيَّدَ بِالصَّلَاةِ فِي تَسْوِيَةِ الْجُنُونِ بِالْإِغْمَاءِ لِأَنَّ بَيْنَهُمَا   [منحة الخالق] يُمْكِنُ تَصْحِيحُهَا بِتَقْيِيدِ قَوْلِهِ وَلَوْ كَانَ مُومِيًا بِالْحَالِ السَّابِقَةِ أَيْ وَلَوْ كَانَ يُصَلِّي قَاعِدًا مُومِيًا فَتَدَبَّرْهُ. [لِلْمُتَطَوِّعِ أَنْ يَتَّكِئَ عَلَى شَيْءٍ إنْ تَعِبَ فِي الصَّلَاةِ] (قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَتْ مَرْبُوطَةً وَيُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ لَمْ تَجُزْ الصَّلَاةُ فِيهَا) وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ لَا تَجُوزَ الصَّلَاةُ فِيهَا إذَا كَانَتْ سَائِرَةً مَعَ إمْكَانِ الْخُرُوجِ إلَى الْبَرِّ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ النَّاسُ عَنْهَا غَافِلُونَ كَذَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ (قَوْلُهُ عَلَى الْجِدِّ) قَالَ الرَّمْلِيُّ الْجِدُّ شَاطِئُ النَّهْرِ اهـ. وَهُوَ بِكَسْرِ الْجِيمِ كَمَا فِي ابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ عَلَى الْمُنْيَةِ. (قَوْلُهُ فَلَا تَجِبُ مَعَ الْمُمْتَدِّ مِنْهُ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ أَصْلِيًّا أَوْ عَارِضًا بَعْدَ الْبُلُوغِ (قَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُ يُرَدُّ عَلَيْهِ إلَخْ) أَقُولُ: هَذَا الْكَلَامُ هُنَا غَيْرُ مُحَرَّرٍ لِأَنَّهُ بَعْدَمَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّعْلِيلِ لَا وُرُودَ لِمَا ذُكِرَ أَصْلًا نَعَمْ يُرَدُّ ظَاهِرًا مَا إذَا كَانَ بِسَبَبِ فَزَعٍ مِنْ سَبُعٍ أَوْ خَوْفٍ مِنْ عَدُوٍّ لِأَنَّهُ يُتَوَهَّمُ فِيهِ أَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فَلَا يَكُونُ مِمَّا وَرَدَ فِيهِ النَّصُّ فَيُجَابُ بِالْمَنْعِ لِأَنَّ سَبَبَهُ الْقَرِيبَ ضَعْفُ الْقَلْبِ وَهُوَ مَرَضٌ لَيْسَ مِنْ صُنْعِ الْعِبَادِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 127 فَرْقًا فِي الصَّوْمِ فَإِنَّهُ إذَا أُغْمِيَ عَلَيْهِ قَبْلَ شَهْرِ رَمَضَانَ حَتَّى مَضَى رَمَضَانُ كُلُّهُ ثُمَّ أَفَاقَ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ شَهْرِ رَمَضَانَ فَلَوْ جُنَّ قَبْلَ رَمَضَانَ وَأَفَاقَ بَعْدَمَا مَضَى شَهْرُ رَمَضَانَ لَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الصَّوْمِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الْأَكْثَرِيَّةَ مِنْ حَيْثُ الصَّلَوَاتُ فَإِنَّ الْأَكْثَرَ مِنْ خَمْسِ صَلَوَاتٍ سِتٌّ فَأَكْثَرُ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْهُ أَيْضًا الْعِبْرَةُ لِلزِّيَادَةِ مِنْ حَيْثُ السَّاعَاتُ وَفَائِدَتُهُ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا أُغْمِيَ عَلَيْهِ قَبْلَ الزَّوَالِ فَأَفَاقَ مِنْ الْغَدِ بَعْدَ الزَّوَالِ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجِبُ الْقَضَاءُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَجِبُ إذَا أَفَاقَ قَبْلَ خُرُوجِ وَقْتِ الظُّهْرِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ. (بَابُ سُجُودِ التِّلَاوَةِ) كَانَ مِنْ حَقِّ هَذَا الْبَابِ أَنْ يَقْتَرِنَ بِسُجُودِ السَّهْوِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا سَجْدَةٌ لَكِنْ لَمَّا كَانَ صَلَاةُ الْمَرِيضِ بِعَارِضٍ سَمَاوِيٍّ كَالسَّهْوِ وَأَلْحَقَتْهَا الْمُنَاسِبَةَ بِهِ فَتَأَخَّرَ سُجُودُ التِّلَاوَةِ ضَرُورَةً، وَهُوَ مِنْ قَبِيلِ إضَافَةِ الْحُكْمِ إلَى سَبَبِهِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ سُجُودُ التِّلَاوَةِ وَالسَّمَاعِ بَيَانًا سَبَبَيْنِ؛ لِأَنَّ السَّمَاعَ سَبَبٌ أَيْضًا لِمَا أَنَّ التِّلَاوَةَ لَمَّا كَانَتْ سَبَبًا لِلسَّمَاعِ أَيْضًا كَانَ ذِكْرُهَا مُشْتَمِلًا عَلَى السَّمَاعِ مِنْ وَجْهٍ فَاكْتُفِيَ بِهِ، وَفِي إضَافَةِ السُّجُودِ إلَى التِّلَاوَةِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ إذَا كَتَبَهَا أَوْ تَهَجَّاهَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ سُجُودٌ، وَلَا تَفْسُدُ الصَّلَاةُ بِالْهِجَاءِ؛ لِأَنَّهُ مَوْجُودٌ فِي الْقُرْآنِ وَشَرَائِطُهَا شَرَائِطُ الصَّلَاةِ إلَّا التَّحْرِيمَةَ؛ لِأَنَّهَا لِتَوْحِيدِ الْأَفْعَالِ الْمُخْتَلِفَةِ، وَلَمْ يُوجَدْ وَرُكْنُهَا وَضْعُ الْجَبْهَةِ عَلَى الْأَرْضِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ مِنْ الرُّكُوعِ كَمَا سَيَأْتِي أَوْ مِنْ الْإِيمَاءِ لِلْمَرِيضِ أَوْ كَانَ رَاكِبًا عَلَى الدَّابَّةِ فِي السَّفَرِ وَتَلَاهَا أَوْ سَمِعَهَا، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يُجْزِئَهُ الْإِيمَاءُ عَلَى الرَّاحِلَةِ؛ لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ فَلَا يَجُوزُ أَدَاؤُهَا عَلَى الرَّاحِلَةِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ لَكِنَّهُمْ اسْتَحْسَنُوهُ؛ لِأَنَّ التِّلَاوَةَ أَمْرٌ دَائِمٌ بِمَنْزِلَةِ التَّطَوُّعِ فَكَانَ فِي اشْتِرَاطِ النُّزُولِ لَهُ حَرَجٌ بِخِلَافِ الْفَرْضِ وَالْمَنْذُورِ، وَمَا وَجَبَ مِنْ السَّجْدَةِ عَلَى الْأَرْضِ لَا يَجُوزُ عَلَى الدَّابَّةِ، وَمَا وَجَبَ عَلَى الدَّابَّةِ يَجُوزُ عَلَى الْأَرْضِ؛ لِأَنَّ مَا وَجَبَ عَلَى الْأَرْضِ وَجَبَتْ تَامَّةً فَلَا تَسْقُطُ بِالْإِيمَاءِ، وَلَوْ تَلَاهَا عَلَى الدَّابَّةِ فَنَزَلَ ثُمَّ رَكِبَ فَأَدَّاهَا بِالْإِيمَاءِ جَازَ وَيُفْسِدُهَا مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ مِنْ الْحَدَثِ الْعَمْدِ وَالْكَلَامِ وَالْقَهْقَهَةِ، وَعَلَيْهِ إعَادَتُهَا كَمَا لَوْ وُجِدَتْ فِي سَجْدَةِ الصَّلَاةِ، وَقِيلَ هَذَا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ عِنْدَهُ لِتَمَامِ الرُّكْنِ، وَهُوَ الرَّفْعُ، وَلَمْ يَحْصُلْ بَعْدَهُ فَأَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَقَدْ حَصَلَ قَبْلَ هَذِهِ الْعَوَارِضِ، وَالْعِبْرَةُ عِنْدَهُ لِلْوَضْعِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُفْسِدَهَا، وَفِي الْخَانِيَّةِ أَنَّهَا تُفْسَدُ عَلَى ظَاهِرِ الْجَوَابِ اتِّفَاقًا إلَّا أَنَّهُ لَا وُضُوءَ عَلَيْهِ فِي الْقَهْقَهَةِ، وَكَذَا مُحَاذَاةُ الْمَرْأَةِ لَا تُفْسِدُهَا كَمَا فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ، وَلَوْ نَامَ فِيهَا لَا تُنْتَقَضُ طَهَارَتُهُ كَالصُّلْبِيَّةِ عَلَى الصَّحِيحِ وَسَيَأْتِي بَقِيَّةُ أَحْكَامِهَا. (قَوْلُهُ تَجِبُ بِأَرْبَعَ عَشْرَةَ آيَةً) أَيْ تَجِبُ سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ بِسَبَبِ تِلَاوَةِ آيَةٍ مِنْ أَرْبَعَ عَشَرَةَ آيَةً فِي أَرْبَعَ عَشْرَةَ سُورَةً وَهِيَ: الْأَعْرَافُ فِي آخِرِهَا وَالرَّعْدُ وَالنَّحْلُ وَبَنِي إسْرَائِيلَ وَمَرْيَمُ وَالْأُولَى مِنْ الْحَجِّ وَالْفُرْقَانُ وَالنَّمْلُ والم تَنْزِيلُ وص وحم السَّجْدَةُ وَالنَّجْمُ وَالِانْشِقَاقُ وَالْعَلَقُ هَكَذَا كُتِبَ فِي مُصْحَفِ عُثْمَانَ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ فَهِيَ أَرْبَعٌ فِي النِّصْفِ الْأَوَّلِ وَعَشْرٌ فِي النِّصْفِ الْآخِرِ، وَإِنَّمَا كَانَتْ وَاجِبَةً لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «السَّجْدَةُ عَلَى مَنْ سَمِعَهَا»   [منحة الخالق] فَالْأَحْسَنُ فِي التَّعْبِيرِ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ الزَّيْلَعِيُّ حَيْثُ ذَكَرَ أَوَّلًا مَا إذَا زَالَ عَقْلُهُ بِالْخَمْرِ أَوْ بِالْبَنْجِ وَعَلَّلَ لَهُمَا ثُمَّ ذَكَرَ مَسْأَلَةَ الْفَزَعِ وَالْخَوْفِ وَعَلَّلَ لَهَا فَكَانَ ذِكْرُهَا أَخِيرًا بِمَنْزِلَةِ جَوَابٍ عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ وَهُوَ تَرْتِيبٌ حَسَنٌ (قَوْلُهُ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجِبُ الْقَضَاءُ) قَالَهُ الرَّمْلِيُّ أَقُولُ: وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ الْوِتْرَ لَا يَجِبُ. اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ لَا يَجِبُ مُحَرَّفٌ عَنْ لَا يُحْسَبُ بِالسِّينِ قَبْلَ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ لَا يَعُدُّ مِنْ السِّتِّ. [بَابُ سُجُودِ التِّلَاوَةِ] [أَرْكَان سُجُود التِّلَاوَة] (بَابُ سُجُودِ التِّلَاوَةِ) . (قَوْلُهُ لَكِنْ لَمَّا كَانَ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَوَجْهٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ سُجُودَ التِّلَاوَةِ قَدْ يَكُونُ فِي الصَّلَاةِ، وَقَدْ يَكُونُ خَارِجَهَا بِخِلَافِ صَلَاةِ الْمَرِيضِ فَإِنَّهَا نَفْسُ الصَّلَاةِ وَأَحْكَامُهَا وَارِدَةٌ عَلَى نَفْسِ الْمَاهِيَّةِ فِيهَا، وَكَذَا سُجُودُ السَّهْوِ يُؤَدَّى فِيهَا لَا خَارِجَهَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ السَّمَاعَ سَبَبٌ أَيْضًا) قَالَ فِي النَّهْرِ هَذَا مِمَّا لَا حَاجَةَ إلَيْهِ عَلَى رَأْيِ الْمُصَنِّفِ فَقَدْ رَجَّحَ فِي الْكَافِي أَنَّ السَّبَبَ إنَّمَا هُوَ التِّلَاوَةُ وَأَنَّ السَّمَاعَ فِي حَقِّ السَّامِعِ إنَّمَا هُوَ شَرْطٌ فَقَطْ نَعَمْ ذَهَبَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ إلَى أَنَّ السَّمَاعَ سَبَبٌ أَيْضًا فَاعْتَذَرَ عَنْهُ شُرَّاحُهَا بِمَا مَرَّ اهـ. وَمَا فِي الْكَافِي صَحَّحَهُ فِي الْمُحِيطِ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَصَحَّحَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ أَيْضًا (قَوْلُهُ إلَّا التَّحْرِيمَةَ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ وَالْآنِيَةُ التَّعْيِينُ فَفِي الْقُنْيَةِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ يَعْنِي تَعْيِينَ أَنَّهَا سَجْدَةُ آيَةِ كَذَا. [مَوَاضِع سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ] (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ بِأَرْبَعَ عَشَرَةَ آيَةً) قَالَ فِي النَّهْرِ أَيْ بِسَبَبِ تِلَاوَتِهَا وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْبَاءُ بِمَعْنَى فِي أَيْ فِي أَرْبَعَ عَشَرَةَ آيَةً، وَكَأَنَّهُ أَوْلَى إذْ مُقْتَضَى الْأَوْلَى تَوَقُّفُ الْوُجُوبِ عَلَى تِلَاوَةِ الْأَرْبَعَةَ عَشَرَ وَقَوْلُهُ فِي الْبَحْرِ أَيْ تَجِبُ إلَخْ مِمَّا لَا دَلِيلَ فِي كَلَامِهِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «السَّجْدَةُ عَلَى مَنْ سَمِعَهَا» ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ اعْلَمْ أَنَّ صَاحِبَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 128 وَعَلَى لِلْإِلْزَامِ وَلِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْإِيمَانِ يَرْفَعُهُ «إذَا قَرَأَ ابْنُ آدَمَ السَّجْدَةَ اعْتَزَلَ الشَّيْطَانُ يَبْكِي يَقُولُ يَا: وَيْلَهُ أُمِرَ ابْنُ آدَمَ بِالسُّجُودِ فَسَجَدَ فَلَهُ الْجَنَّةُ وَأُمِرْت بِالسُّجُودِ فَامْتَنَعْتُ فَلِي النَّارُ» وَالْأَصْلُ أَنَّ الْحَكِيمَ إذَا حَكَى عَنْ غَيْرِ الْحَكِيمِ كَلَامًا، وَلَمْ يُعْقِبْهُ بِالْإِنْكَارِ كَانَ دَلِيلَ صِحَّتِهِ فَهَذَا ظَاهِرٌ فِي الْوُجُوبِ مِنْ أَنَّ آيَ السَّجْدَةِ تُفِيدُهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ فِيهِ الْأَمْرُ الصَّرِيحُ بِهِ وَقِسْمٌ تَضَمَّنَ حِكَايَةَ اسْتِنْكَافِ الْكَفَرَةِ حَيْثُ أُمِرُوا بِهِ وَقِسْمٌ فِيهِ حِكَايَةُ فِعْلِ الْأَنْبِيَاءِ السُّجُودَ، وَكُلٌّ مِنْ الِامْتِثَالِ وَالِاقْتِدَاءِ وَمُخَالَفَةِ الْكَفَرَةِ وَاجِبٌ إلَّا أَنْ يَدُلَّ دَلِيلٌ فِي مُعَيَّنٍ عَلَى عَدَمِ لُزُومِهِ لَكِنْ دَلَالَتُهَا فِيهِ ظَنِّيَّةٌ فَكَانَ الثَّابِتُ الْوُجُوبُ لَا الْفَرْضُ وَالِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّ ثُبُوتَهَا عَلَى الْمُكَلَّفِينَ مُقَيَّدٌ بِالتِّلَاوَةِ لَا مُطْلَقًا فَلَزِمَ كَذَلِكَ ثُمَّ هِيَ وَاجِبَةٌ عَلَى التَّرَاخِي إنْ لَمْ تَكُنْ صَلَاتِيَّةً؛ لِأَنَّ دَلَائِلَ الْوُجُوبِ مُطْلَقَةٌ عَنْ تَعْيِينِ الْوَقْتِ فَيَجِبُ فِي جُزْءٍ مِنْ الْوَقْتِ غَيْرِ عَيْنٍ وَيَتَعَيَّنُ ذَلِكَ بِتَعْيِينِهِ فِعْلًا، وَإِنَّمَا يَتَضَيَّقُ عَلَيْهِ الْوُجُوبُ فِي آخِرِ عُمُرِهِ كَمَا فِي سَائِرِ الْوَاجِبَاتِ الْمُوَسَّعَةِ وَأَمَّا الْمَتْلُوَّةُ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا تَجِبُ عَلَى سَبِيلِ التَّضْيِيقِ لِقِيَامِ دَلِيلِ التَّضْيِيقِ، وَهُوَ أَنَّهَا وَجَبَتْ بِمَا هُوَ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ وَهُوَ الْقِرَاءَةُ فَالْتَحَقَتْ بِأَقْوَالِهَا وَصَارَتْ جُزْءًا مِنْ أَجْزَائِهَا؛ وَلِهَذَا قُلْنَا إذَا تَلَا آيَةَ السَّجْدَةِ، وَلَمْ يَسْجُدْ، وَلَمْ يَرْكَعْ حَتَّى طَالَتْ الْقِرَاءَةُ ثُمَّ رَكَعَ وَنَوَى السَّجْدَةَ لَمْ تَجُزْ، وَكَذَا إذَا نَوَاهَا فِي السَّجْدَةِ الصُّلْبِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ دَيْنًا، وَالدَّيْنُ يُقْضَى بِمَا لَهُ لَا بِمَا عَلَيْهِ. وَأَمَّا بَيَانُ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ فَكُلُّ مَنْ كَانَ أَهْلًا لِوُجُوبِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ إمَّا أَدَاءً أَوْ قَضَاءً فَهُوَ مِنْ أَهْلِ وُجُوبِ السَّجْدَةِ عَلَيْهِ، وَمَنْ لَا فَلَا؛ لِأَنَّ السَّجْدَةَ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ الصَّلَاةِ فَيُشْتَرَطُ لِوُجُوبِهَا أَهْلِيَّةُ وُجُوبِ الصَّلَاةِ مِنْ الْإِسْلَامِ وَالْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ وَالطَّهَارَةِ مِنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ حَتَّى لَا تَجِبَ عَلَى كَافِرٍ وَصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَحَائِضٍ وَنُفَسَاءَ قَرَءُوا أَوْ سَمِعُوا، وَتَجِبُ عَلَى الْمُحْدِثِ وَالْجُنُبِ، وَكَذَا تَجِبُ عَلَى السَّامِعِ بِتِلَاوَةِ هَؤُلَاءِ إلَّا الْمَجْنُونِ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ لِانْعِدَامِ التَّمْيِيزِ كَالسَّمَاعِ مِنْ الصَّدَى كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَالصَّدَى مَا يُعَارِضُ الصَّوْتَ فِي الْأَمَاكِنِ الْخَالِيَةِ، وَفِي الْقُنْيَةِ وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُحْتَضَرِ الْإِيصَاءُ بِسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ وَقِيلَ يَجِبُ، وَلَا تَجِبُ نِيَّةُ التَّعْيِينِ فِي السَّجَدَاتِ اهـ. . وَفِي التَّجْنِيسِ وَهَلْ يُكْرَهُ تَأْخِيرُهَا عَنْ وَقْتِ الْقِرَاءَةِ ذُكِرَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ أَنَّهُ إذَا قَرَأَهَا فِي الصَّلَاةِ فَتَأْخِيرُهَا مَكْرُوهٌ، وَإِنْ قَرَأَهَا خَارِجَ الصَّلَاةِ لَا يُكْرَهُ تَأْخِيرُهَا وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ تَأْخِيرَهَا مَكْرُوهٌ مُطْلَقًا، وَهُوَ الْأَصَحُّ اهـ. وَهِيَ كَرَاهَةٌ تَنْزِيهِيَّةٌ فِي غَيْرِ الصَّلَاتِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ تَحْرِيمِيَّةً لَكَانَ وُجُوبُهَا عَلَى الْفَوْرِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. (قَوْلُهُ مِنْهَا: أُولَى " الْحَجِّ " وَ " ص ") ذَكَرَهُمَا لِلِاخْتِلَافِ فِيهِمَا فَقَدْ نَفَى الشَّافِعِيُّ السُّجُودَ فِي " ص "، وَلَمْ يَخُصَّ الْأُولَى مِنْ " الْحَجِّ " بَلْ قَالَ إنَّ الثَّانِيَةَ مِنْهَا أَيْضًا فَهِيَ عِنْدَهُ أَيْضًا أَرْبَعَ عَشْرَةَ آيَةً وَنَفَى مَالِكٌ السُّجُودَ فِي الْمُفَصَّلِ وَبَيَانُ الْحُجَجِ مَعْلُومٌ فِي الْمُطَوَّلَاتِ وَلَنَا إلَّا بِصَدَدِ تَحْرِيرِ الْمَذْهَبِ غَالِبًا، وَفِي التَّجْنِيسِ التَّالِي وَالسَّامِعُ يَنْظُرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى اعْتِقَادِ نَفْسِهِ كَالسَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ فِي سُورَةِ الْحَجِّ لَيْسَ بِمَوْضِعِ السَّجْدَةِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ هُوَ مَوْضِعُ السَّجْدَةِ   [منحة الخالق] النِّهَايَةِ قَالَ جَعَلَ هَذَا اللَّفْظَ فِي سَائِرِ النُّسَخِ مِنْ الْمَبْسُوطَيْنِ وَالْأَسْرَارِ وَالْمُحِيطِ وَشَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مِنْ أَلْفَاظِ الصَّحَابَةِ لَا مِنْ الْحَدِيثِ، وَأَقُولُ: لَمْ يَكُنْ الْمُصَنِّفُ مِمَّنْ لَمْ يُطَالِعْ الْكُتُبَ الْمَذْكُورَةَ فَلَوْلَا أَنَّهُ ثَبَتَ عِنْدَهُ كَوْنُهُ حَدِيثًا لَمَا نَقَلَهُ حَدِيثًا فَإِنَّهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَعْظَمُ دِيَانَةً مِمَّنْ يُتَوَهَّمُ بِهِ ذَلِكَ اهـ. (قَوْلُهُ ثُمَّ هِيَ وَاجِبَةٌ عَلَى التَّرَاخِي) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ فَمَنْ سَجَدَ كَانَ أَدَاءً لَا قَضَاءً وَذَلِكَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ وُجُوبَهَا عَلَى الْفَوْرِ اهـ. وَنُقِلَ فِي الدُّرَرِ عَنْ الْعِنَايَةِ الْخِلَافُ عَلَى الْعَكْسِ، وَفِي النَّهْرِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّهُ فِي الْإِثْمِ وَعَدَمِهِ حَتَّى لَوْ أَدَّاهَا بَعْدَ صَلَاةٍ كَانَ مُؤَدِّيًا اتِّفَاقًا لَا قَاضِيًا اهـ. قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ وَفِيهِ نَظَرٌ أَيْ لِمَا عَلِمْت مِنْ عِبَارَةِ الْعِنَايَةِ وَلِمَا سَيَأْتِي أَنَّ الصَّلَاتِيَّةَ لَوْ أُخِّرَتْ عَنْ مَحَلِّهَا إلَى آخِرِ الصَّلَاةِ تَكُونُ قَضَاءً فَالظَّاهِرُ أَنَّ غَيْرَهَا كَذَلِكَ إذْ لَا فَارِقَ نَعَمْ مَا قَالَهُ فِي النَّهْرِ لَهُ نَظَائِرُ كَالْحَجِّ وَالزَّكَاةِ (قَوْلُهُ وَأَمَّا الْمَتْلُوَّةُ فِي الصَّلَاةِ إلَخْ) قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ تَجِبُ الصَّلَاتِيَّةُ مُوَسَّعًا بِالنِّسْبَةِ لِمَحَلِّهَا كَمَا لَوْ تَلَا فِي أَوَّلِ صَلَاتِهِ وَسَجَدَهَا فِي آخِرِهَا اهـ. وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَأْثَمُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، وَهُوَ خِلَافُ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ بَلْ تَصِيرُ قَضَاءً وَيَأْثَمُ بِتَأْخِيرِهَا كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الْمُؤَلِّفِ هُنَا وَسَيُصَرِّحُ بِهِ عَنْ الْبَدَائِعِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ، وَلَمْ تُقْضَ الصَّلَاتِيَّةُ خَارِجَهَا وَيَجِبُ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ لَوْ تَذَكَّرَهَا فِي آخِرِ صَلَاتِهِ فِي الْأَصَحِّ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي بَابِ السَّهْوِ، وَهَذَا عَيْنُ التَّضْيِيقِ فَكَيْفَ يَكُونُ مُوَسَّعًا بِالنِّسْبَةِ لِلصَّلَاةِ وَكَأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ التَّضْيِيقِ فِي الصَّلَاتِيَّةِ وَالتَّضْيِيقِ فِي غَيْرِهَا عِنْدَ آخِرِ الْعُمُرِ بِأَنَّهُ فِي الْأُولَى يُمْكِنُ التَّدَارُكُ بِالْقَضَاءِ مَا دَامَ فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ فَكَانَ فِيهِ نَوْعُ تَوْسِعَةٍ بِخِلَافِ الثَّانِي وَلَكِنَّ هَذَا الْقَدْرَ لَا يُسَوِّغُ إطْلَاقَ أَنَّ الْوُجُوبَ فِيهَا مُوَسَّعٌ فَتَدَبَّرْ. [مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ] (قَوْلُهُ وَقِيلَ يَجِبُ) قَالَ فِي النَّهْرِ هُوَ بِالْقَوَاعِدِ أَلْيَقُ. [تَأْخِيرُ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ عَنْ وَقْتِ الْقِرَاءَةِ] (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ تَحْرِيمِيَّةً) فِيهِ نَظَرٌ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ مَبْنِيًّا عَلَى الْقَوْلِ بِالْفَوْرِيَّةِ لِمَا عَلِمْت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 129 ؛ لِأَنَّ السَّامِعَ لَيْسَ بِتَابِعٍ لِلتَّالِي تَحْقِيقًا حَتَّى يَلْزَمَهُ الْعَمَلُ بِرَأْيِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا شِرْكَةَ بَيْنَهُمَا اهـ. ثُمَّ فِي سُورَةِ حم السَّجْدَةِ عِنْدَنَا السَّجْدَةُ عِنْدَ قَوْلِهِ {وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ} [فصلت: 38] ، وَهُوَ مَذْهَبُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَوَائِلِ بْنِ حُجْرٌ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ عِنْدَ قَوْلِهِ {إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [فصلت: 37] ، وَهُوَ مَذْهَبُ عَلِيٍّ وَمَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ وَرَجَّحَ أَئِمَّتُنَا الْأَوَّلَ أَخْذًا بِالِاحْتِيَاطِ عِنْدَ اخْتِلَافِ مَذَاهِبِ الصَّحَابَةِ فَإِنَّ السَّجْدَةَ لَوْ وَجَبَتْ عِنْدَ قَوْلِهِ {تَعْبُدُونَ} [فصلت: 37] فَالتَّأْخِيرُ إلَى قَوْلِهِ {لا يَسْأَمُونَ} [فصلت: 38] لَا يَضُرُّ وَيَخْرُجُ عَنْ الْوَاجِبِ، وَلَوْ وَجَبَتْ عِنْدَ قَوْلِهِ {لا يَسْأَمُونَ} [فصلت: 38] لَكَانَتْ السَّجْدَةُ الْمُؤَدَّاةُ قَبْلَهُ حَاصِلَةً قَبْلَ وُجُوبِهَا وَوُجُودُ سَبَبِ وُجُوبِهَا فَيُوجِبُ نُقْصَانًا فِي الصَّلَاةِ لَوْ كَانَتْ صَلَاتِيَّةً، وَلَا نَقْصَ فِيمَا قُلْنَا أَصْلًا وَهَذَا هُوَ أَمَارَةُ التَّبَحُّرِ فِي الْفِقْهِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ. (قَوْلُهُ عَلَى مَنْ تَلَا، وَلَوْ إمَامًا أَوْ سَمِعَ، وَلَوْ غَيْرَ قَاصِدٍ أَوْ مُؤْتَمًّا لَا بِتِلَاوَتِهِ) بَيَانٌ لِسَبَبِهَا، وَهُوَ أَحَدُ ثَلَاثَةٍ: التِّلَاوَةُ، وَلَوْ لَمْ يُوجَدْ السَّمَاعُ كَتِلَاوَةِ الْأَصَمِّ وَالسَّمَاعُ بِتِلَاوَةٍ غَيْرِهِ وَالِاقْتِدَاءُ بِإِمَامٍ تَلَاهَا، وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ الْمَأْمُومُ تَبَعًا لِإِمَامِهِ بِأَنْ قَرَأَ الْإِمَامُ سِرًّا أَوْ لَمْ يَكُنْ حَاضِرًا عِنْدَ الْقِرَاءَةِ وَاقْتَدَى بِهِ قَبْلَ أَنْ يَسْجُدَ لَهَا؛ وَلِذَا قَالُوا إنَّ الْأَبْكَمَ إذَا رَأَى قَوْمًا يَسْجُدُونَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ السُّجُودُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْرَأْ، وَلَمْ يَسْمَعْ وَالْمُصَنِّفُ جَعَلَ الْمُؤْتَمَّ مَعْطُوفًا عَلَى غَيْرِ قَاصِدٍ فَأَفَادَ أَنَّ الْمُؤْتَمَّ يَلْزَمُهُ بِسَمَاعِهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ بِاقْتِدَائِهِ، وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ أَوْ اقْتَدَى مَعْطُوفًا عَلَى تَلَا لَكَانَ أَوْلَى كَمَا لَا يَخْفَى فَقَدْ قَالَ فِي الْمُجْتَبَى الْمُوجِبُ لَهَا أَحَدُ ثَلَاثَةٍ: التِّلَاوَةُ وَالسَّمَاعُ وَالِائْتِمَامُ، وَإِنَّمَا قَالَ: وَلَوْ إمَامًا لِمَا أَنَّ الْمَنْقُولَ فِي الْبَدَائِعِ: أَنَّهُ يُكْرَهُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَتْلُوَ آيَةَ السَّجْدَةِ فِي صَلَاةِ يُخَافِتُ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ فَإِنَّهُ لَا يَنْفَكُّ عَنْ مَكْرُوهٍ مِنْ تَرْكِ السَّجْدَةِ إنْ لَمْ يَسْجُدْ أَوْ التَّلْبِيسِ عَلَى الْقَوْمِ إنْ سَجَدَ اهـ. وَكَذَا لَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَقْرَأَهَا فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ لِمَا ذَكَرْنَا كَمَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ فَرُبَّمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ ذَلِكَ عَدَمُ وُجُوبِهَا عَلَى الْإِمَامِ فَصَرَّحَ بِهِ نَفْيًا لَهُ، وَقَدْ قَدَّمْنَا شَرَائِطَ الْوُجُوبِ عَلَى التَّالِي وَالسَّامِعِ، وَصَحَّحَ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي أَنَّ السَّبَبَ فِي حَقِّ السَّامِعِ التِّلَاوَةُ، وَالسَّمَاعُ شَرْطٌ وَسَنُحَقِّقُهُ مِنْ بَعْدُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - وَأُطْلِقَ فِي التِّلَاوَةِ وَالسَّمَاعِ فَشَمَلَ مَا إذَا كَانَتْ التِّلَاوَةُ بِالْعَرَبِيَّةِ أَوْ الْفَارِسِيَّةِ، وَهُوَ فِي التَّالِي بِالِاتِّفَاقِ فَهِمَ أَوْ لَمْ يَفْهَمْ وَفِي السَّامِعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بَعْدَ أَنْ أَخْبَرَ أَنَّهَا آيَةُ السَّجْدَةِ وَعِنْدَهُمَا إنْ كَانَ السَّامِعُ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَعَلَيْهِ السَّجْدَةُ وَإِلَّا فَلَا وَفِي الْبَدَائِعِ وَهَذَا غَيْرُ سَدِيدٍ؛ لِأَنَّهُمَا إنْ جَعَلَا الْفَارِسِيَّةَ قُرْآنًا لَزِمَ الْوُجُوبُ مُطْلَقًا كَالْعَرَبِيَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَجْعَلَاهَا قُرْآنًا لَمْ يَجِبْ، وَإِنْ فُهِمَ وَأُطْلِقَ فِي السَّمَاعِ فَشَمَلَ السَّامِعَ مِمَّنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ أَوَّلًا إلَّا الْمَجْنُونَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَكَذَا الطَّيْرُ عَلَى الْمُخْتَارِ، وَإِنْ سَمِعَهَا مِنْ نَائِمٍ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَالصَّحِيحُ هُوَ الْوُجُوبُ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لَوْ قَرَأَهَا السَّكْرَانُ تَجِبُ عَلَيْهِ، وَعَلَى مَنْ سَمِعَهَا مِنْهُ؛ لِأَنَّ عَقْلَهُ اُعْتُبِرَ ثَابِتًا زَجْرًا لَهُ وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ لَا بِتِلَاوَتِهِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْمَأْمُومِ بِتِلَاوَتِهِ، وَلَا عَلَى السَّامِعِ مِنْهُ وَأَطْلَقَهُ فَشَمَلَ عَدَمَ السُّجُودِ فِي الصَّلَاةِ   [منحة الخالق] مِنْ الْخِلَافِ. (قَوْلُهُ فَأَفَادَ أَنَّ الْمُؤْتَمَّ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ قَصَدَ الْمُصَنِّفُ الْإِشَارَةَ إلَى أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَقْرَؤُهَا فِي السِّرِّيَّةِ بَلْ فِي الْجَهْرِيَّةِ فَجَعَلَ الْمُؤْتَمَّ سَامِعًا؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ سَمَاعُ الْجَهْرِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَمَاعُهُ لَهَا شَرْطًا (قَوْلُهُ لِمَا أَنَّ الْمَنْقُولَ فِي الْبَدَائِعِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ إطْلَاقُ الْكَرَاهَةِ فِي السِّرِّيَّةِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ تَكُنْ السَّجْدَةُ آخِرَ السُّورَةِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ وَسَنُحَقِّقُهُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ لَمْ يَذْكُرْ فِيمَا يَأْتِي شَيْئًا مِنْ التَّحْقِيقِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ سِوَى قَوْلِهِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ كَمَنْ كَرَّرَهَا فِي صُورَةٍ مَا إذَا اخْتَلَفَ مَجْلِسُ التَّالِي دُونَ السَّامِعِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَتَكَرَّرُ عَلَى السَّامِعِ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ فِي حَقِّهِ السَّمَاعُ، وَلَمْ يَتَبَدَّلْ مَجْلِسُهُ فِيهِ (قَوْلُهُ: وَفِي السَّامِعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَخْ) هَذَا الْخِلَافُ فِي سَمَاعِ التِّلَاوَةِ بِالْفَارِسِيَّةِ وَأَمَّا بِالْعَرَبِيَّةِ فَذَكَرَ فِي النَّهْرِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْفَهْمُ بِالْإِجْمَاعِ لَكِنْ لَا يَجِبُ عَلَى الْأَعْجَمِيِّ مَا لَمْ يَعْلَمْ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَعِبَارَتُهُ فِي الْخُلَاصَةِ لَكِنْ يُعْذَرُ فِي التَّأْخِيرِ مَا لَمْ يَعْلَمْ بِهَا (قَوْلُهُ وَعِنْدَهُمَا إنْ كَانَ السَّامِعُ يَعْلَمُ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَالْأَصَحُّ عَدَمُهُ احْتِيَاطًا كَذَا فِي الْمُحِيطِ إلَّا أَنَّهُ فِي السِّرَاجِ حَكَى رُجُوعَ الْإِمَامِ إلَى قَوْلِهِمَا قَالَ: وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ (قَوْلُهُ وَلَا عَلَى السَّامِعِ مِنْهُ) فِي إطْلَاقِهِ السَّامِعَ إيهَامٌ وَالْأَحْسَنُ عِبَارَةُ الزَّيْلَعِيِّ حَيْثُ قَالَ أَيْ لَا يَجِبُ بِتِلَاوَةِ الْمُقْتَدِي عَلَيْهِ، وَلَا عَلَى مَنْ سَمِعَهُ مِنْ الْمُصَلِّينَ بِصَلَاةِ إمَامِهِ اهـ. فَإِنَّهَا تُفِيدُ الْوُجُوبَ عَلَى غَيْرِ الْمُصَلِّي أَصْلًا كَمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ، وَعَلَى الْمُصَلِّي مِنْ إمَامٍ غَيْرِ إمَامِهِ وَمُقْتَدٍ بِهِ وَمُنْفَرِدٍ كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُ الْمَتْنِ الْآتِي، وَلَوْ سَمِعَهَا الْمُصَلِّي مِنْ غَيْرِهِ سَجَدَ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَقَوْلُهُ الْمُصَلِّي يَشْمَلُ مَا إذَا كَانَ إمَامًا أَوْ لَا، وَقَوْلُهُ مِنْ غَيْرِهِ يَشْمَلُ مَا إذَا كَانَ مُصَلِّيًا أَوْ لَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ عَنْ الْبُرْجَنْدِيِّ وَقَيَّدَ قَوْلَهُ مُصَلِّيًا بِقَوْلِهِ يَعْنِي وَلَيْسَ إمَامُهُ وَصَرَّحَ بِهِ أَيْضًا الْقُهُسْتَانِيُّ وَالْبَاقَانِيُّ وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمُنْيَةِ، وَلَوْ تَلَاهَا الْمُؤْتَمُّ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ، وَلَا عَلَى مَنْ سَمِعَهُ مِمَّنْ هُوَ مَعَهُ فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَتَجِبُ عَلَى مَنْ سَمِعَهَا مِنْهُ مِمَّنْ لَيْسَ فِي صَلَاتِهِ إجْمَاعًا لِعَدَمِ الْحَجْرِ بِالنَّظَرِ إلَيْهِمْ اهـ. وَمِثْلُهُ فِي النِّهَايَةِ وَحِينَئِذٍ فَمَا فِي النَّهْرِ مِنْ قَوْلِهِ أَرَادَ بِقَوْلِهِ مِنْ غَيْرِهِ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَحْجُورًا عَلَيْهِ مُخَالِفٌ لِهَذِهِ الْعِبَارَاتِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 130 وَبَعْدَ الْفَرَاغِ عِنْدَهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَسْجُدُونَهَا إذَا فَرَغُوا؛ لِأَنَّ السَّبَبَ قَدْ تَقَرَّرَ وَلَا مَانِعَ بِخِلَافِ حَالَةِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى خِلَافِ مَوْضُوعِ الْإِمَامَةِ لَوْ تَابَعَهُ الْإِمَامُ أَوْ التِّلَاوَةِ لَوْ تَابَعَهُ الْمُؤْتَمُّ، وَلَهُمَا أَنَّ الْمُقْتَدِيَ مَحْجُورٌ عَنْ الْقِرَاءَةِ لِنَفَاذِ تَصَرُّفِ الْإِمَامِ عَلَيْهِ وَتَصَرُّفُ الْمَحْجُورِ لَا حُكْمَ لَهُ بِخِلَافِ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ؛ لِأَنَّهُمَا مَنْهِيَّانِ عَنْ الْقِرَاءَةِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْحَائِضِ بِتِلَاوَتِهَا كَمَا لَا يَجِبُ بِسَمَاعِهَا لِانْعِدَامِ أَهْلِيَّةِ الصَّلَاةِ بِخِلَافِ الْجُنُبِ وَشَمَلَ أَيْضًا مَنْ سَمِعَهَا مِنْ الْمُؤْتَمِّ، وَلَيْسَ فِي الصَّلَاةِ، وَهُوَ قَوْلُ الْبَعْضِ وَصَحَّحَ فِي الْهِدَايَةِ الْوُجُوبَ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ ثَبَتَ فِي حَقِّهِمْ فَلَا يَعْدُوهُمْ، وَتَعَقَّبَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِأَنَّهُ لَمَّا عُلِمَ أَنَّ هَذَا الشَّخْصَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ بِعَدَمِ وُجُوبِ السُّجُودِ عَلَى السَّامِعِ خَارِجَ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ مِنْ أُصُولِنَا أَنَّ تَصَرُّفَ الْمَحْجُورِ، وَلَا حُكْمَ لَهُ اهـ. وَهُوَ مَرْدُودٌ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْمَحْجُورِ لِغَيْرِهِ صَحِيحٌ كَالصَّبِيِّ إذَا حُجِرَ عَلَيْهِ يَظْهَرُ فِي حَقِّهِ لَا فِي حَقِّ غَيْرِهِ حَتَّى يَصِحَّ تَصَرُّفُهُ لِغَيْرِهِ وَذَكَرَ الشَّارِحُ، وَلَوْ تَلَا آيَةَ السَّجْدَةِ فِي الرُّكُوعِ أَوْ السُّجُودِ أَوْ التَّشَهُّدِ لَا يَلْزَمُ السُّجُودُ لِلْحَجْرِ عَنْ الْقِرَاءَةِ فِيهِ قَالَ الْمَرْغِينَانِيُّ وَعِنْدِي أَنَّهَا تَجِبُ وَتَتَأَدَّى فِيهِ اهـ. وَذَكَرَ فِي الْمُجْتَبَى فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَبَيْنَ الْمُقْتَدِي أَنَّ الْقَدْرَ الَّذِي يَجِبُ بِهِ السَّجْدَةُ مُبَاحٌ لَهُمَا عَلَى الْأَصَحِّ دُونَ الْمُقْتَدِي. (قَوْلُهُ: وَلَوْ سَمِعَهَا الْمُصَلِّي مِنْ غَيْرِهِ سَجَدَ بَعْدَ الصَّلَاةِ) لِتَحَقُّقِ سَبَبِهَا، وَهُوَ السَّمَاعُ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ بَعْدَ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْجُدُهَا فِيهَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِصَلَاتِيَّةٍ؛ لِأَنَّ سَمَاعَهُ هَذِهِ السَّجْدَةَ لَيْسَ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ فَيَكُونُ إدْخَالُهَا فِيهَا مَنْهِيًّا عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْمُصَلِّي عِنْدَ اشْتِغَالِهِ بِسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ كَانَ مَأْمُورًا بِإِتْمَامِ رُكْنٍ هُوَ فِيهِ أَوْ بِانْتِقَالٍ إلَى رُكْنٍ آخَرَ فَيَكُونُ مَنْهِيًّا عَنْ هَذِهِ السَّجْدَةِ، فَإِنْ قِيلَ يَجِبُ أَنْ يَسْجُدَهَا قَبْلَ الْفَرَاغِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ السَّمَاعُ، وَهُوَ وُجِدَ فِي الصَّلَاةِ؟ قُلْنَا نَعَمْ وُجِدَ فِيهَا لَكِنَّهُ حَصَلَ بِنَاءً عَلَى التِّلَاوَةِ، وَالتِّلَاوَةُ حَصَلَتْ خَارِجَ الصَّلَاةِ فَتُؤَدَّى خَارِجَهَا (قَوْلُهُ: وَلَوْ سَجَدَ فِيهَا أَعَادَهَا لَا الصَّلَاةَ) أَيْ أَعَادَ السَّجْدَةَ، وَلَا يَلْزَمُهُ إعَادَةُ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهَا نَاقِصَةٌ لِلنَّهْيِ فَلَا يَتَأَدَّى بِهَا الْكَامِلُ وَهَذَا؛ لِأَنَّ حُكْمَ هَذِهِ التِّلَاوَةِ مُؤَخَّرٌ إلَى مَا بَعْدَ الْفَرَاغِ عَنْ الصَّلَاةِ فَلَا تَصِيرُ سَبَبًا إلَّا بَعْدَهُ فَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهُ عَلَى سَبَبِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ تَلَاهَا فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ حَيْثُ يَجُوزُ أَدَاؤُهَا فِيهَا، وَإِنْ كَانَتْ نَاقِصَةً لِتَحَقُّقِ السَّبَبِ لِلْحَالِ وَمَحَلُّ إعَادَتِهَا مَا إذَا لَمْ يَقْرَأْهَا الْمُصَلِّي السَّامِعُ غَيْرُ الْمُؤْتَمِّ وَأَمَّا إنْ قَرَأَهَا وَسَجَدَ لَهَا فِيهَا فَإِنَّهُ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ أَمَّا إنْ كَانَتْ تِلَاوَتُهَا سَابِقَةً عَلَى سَمَاعِهَا فَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ التِّلَاوَةَ الْأُولَى مِنْ أَفْعَالِ صَلَاتِهِ وَالثَّانِيَةَ لَا فَحَصَلَتْ الثَّانِيَةُ تَكْرَارَ الْأُولَى مِنْ حَيْثُ الْأَصْلِ وَالْأُولَى بَاقِيَةٌ فَجُعِلَ وَصْفُ الْأُولَى لِلثَّانِيَةِ فَصَارَتْ مِنْ الصَّلَاةِ فَيُكْتَفَى بِسَجْدَةٍ وَاحِدَةٍ، وَإِنْ سَمِعَهَا أَوَّلًا مِنْ أَجْنَبِيٍّ ثُمَّ تَلَاهَا الْمُصَلِّي وَسَجَدَ لَهَا فِيهَا فَفِيهِ رِوَايَتَانِ وَجَزَمَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ لَا يُعِيدُهَا وَلَوْ تَلَاهَا وَسَجَدَ لَهَا ثُمَّ أَحْدَثَ فَذَهَبَ وَتَوَضَّأَ ثُمَّ عَادَ إلَى مَكَانِهِ وَبَنَى عَلَى صَلَاتِهِ ثُمَّ قَرَأَ ذَلِكَ الْأَجْنَبِيُّ تِلْكَ الْآيَةَ فَعَلَى هَذَا الْمُصَلِّي أَنْ يَسْجُدَهَا إذَا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ؛ لِأَنَّهُ تَحَوَّلَ عَنْ مَكَانِهِ فَسَمِعَ الثَّانِيَةَ بَعْدَ مَا تَبَدَّلَ الْمَجْلِسُ فَرْقٌ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا إذَا قَرَأَ آيَةَ سَجْدَةٍ ثُمَّ سَبَقَهُ الْحَدَثُ فَذَهَبَ، وَتَوَضَّأَ ثُمَّ جَاءَ وَقَرَأَ مَرَّةً أُخْرَى لَا تَلْزَمُهُ سَجْدَةٌ، وَإِنْ قَرَأَ الثَّانِيَةَ بَعْدَمَا تَبَدَّلَ الْمَكَانُ وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى الْمَكَانُ قَدْ تَبَدَّلَ حَقِيقَةً وَحُكْمًا أَمَّا الْحَقِيقَةُ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا الْحُكْمُ فَلِأَنَّ السَّمَاعَ لَيْسَ مِنْ أَفْعَالِهَا بِخِلَافِ الثَّانِيَةِ وَتَمَامُهُ فِي الْبَدَائِعِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُعِدْ الصَّلَاةَ؛ لِأَنَّ زِيَادَةَ مَا دُونَ الرَّكْعَةِ لَا يُفْسِدُهَا وَقَيَّدَهُ فِي التَّجْنِيسِ وَالْمُجْتَبَى والولوالجية بِأَنْ لَا يُتَابِعَ الْمُصَلِّي السَّامِعَ الْقَارِئَ، فَإِنْ سَجَدَ الْقَارِئُ فَتَابَعَهُ الْمُصَلِّي فِيهَا فَسَدَتْ صَلَاتُهُ لِلْمُتَابَعَةِ وَلَا تُجْزِئُهُ السَّجْدَةُ عَمَّا سَمِعَ اهـ. وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ زِيَادَةَ سَجْدَةٍ وَاحِدَةٍ بِنِيَّةِ الْمُتَابَعَةِ لِغَيْرِ إمَامِهِ مُبْطِلَةٌ لِصَلَاتِهِ، وَفِي النَّوَادِرِ، وَلَوْ قَرَأَ الْإِمَامُ   [منحة الخالق] إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِالْمَحْجُورِ مَنْ كَانَ فِي صَلَاةِ السَّامِعِ لَكِنْ يُعَكِّرُ عَلَيْهِ تَصْرِيحُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي الْإِمْدَادِ بِأَنَّهَا لَا تَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ وَالْمُقْتَدِي بِالسَّمَاعِ مِنْ مُقْتَدٍ بِالْإِمَامِ السَّامِعِ أَوْ بِإِمَامٍ آخَرَ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَهَذَا؛ لِأَنَّ حُكْمَ هَذِهِ التِّلَاوَةِ) تَبِعَ فِيهِ الزَّيْلَعِيَّ وَاقْتَصَرَ فِي النَّهْرِ عَلَى التَّعْلِيلِ الْأَوَّلِ وَقَالَ: إنَّ مَا جَرَى عَلَيْهِ تَبَعًا لِلشَّارِحِ مَمْنُوعٌ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 131 السَّجْدَةَ فَسَجَدَ فَظَنَّ الْقَوْمُ أَنَّهُ رَكَعَ فَبَعْضُهُمْ رَكَعَ وَبَعْضُهُمْ رَكَعَ وَسَجَدَ سَجْدَةً وَبَعْضُهُمْ رَكَعَ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ فَمَنْ رَكَعَ، وَلَمْ يَسْجُدْ يُرْفَضُ رُكُوعُهُ وَيَسْجُدُ لِلتِّلَاوَةِ، وَمَنْ رَكَعَ وَسَجَدَ فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ وَسَجْدَتُهُ تُجْزِئُهُ عَنْ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ، وَمَنْ رَكَعَ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ فَصَلَاتُهُ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّهُ انْفَرَدَ بِرَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ تَامَّةٍ اهـ. وَذَكَرَ فِي الْخُلَاصَةِ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ هُوَ الصَّحِيحُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ زِيَادَةَ سَجْدَةٍ وَاحِدَةٍ سَاهِيًا أَوْ سَجْدَتَيْنِ لَا تُفْسِدُ صَلَاتَهُ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ كَانَ عَمْدًا فَكَذَلِكَ، وَإِنْ ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ يُفْسِدُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَذَلِكَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ ذَكَرَهُ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي الْمَبْسُوطِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ سَمِعَ مِنْ إمَامٍ فَائْتَمَّ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَسْجُدَ سَجَدَ مَعَهُ وَبَعْدَهُ لَا) أَيْ لَوْ ائْتَمَّ بِهِ بَعْدَ أَنْ سَجَدَهَا الْإِمَامُ لَا يَسْجُدُهَا؛ لِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ تَابِعٌ لَهُ فَيَسْجُدُ مَعَهُ، وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ، وَفِي الثَّانِي صَارَ مُدْرِكًا لَهَا بِإِدْرَاكِ تِلْكَ الرَّكْعَةِ كَمَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي رُكُوعِ ثَالِثَةِ الْوِتْرِ فَإِنَّهُ لَا يَقْنُتُ فِيمَا يَأْتِي بِهِ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ قُيِّدَ بِقَوْلِهِ سَجَدَ مَعَهُ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ لَوْ لَمْ يَسْجُدْ لَا يَسْجُدُ الْمَأْمُومُ، وَإِنْ سَمِعَهَا؛ لِأَنَّهُ إنْ سَجَدَهَا فِي الصَّلَاةِ وَحْدَهُ صَارَ مُخَالِفَ إمَامِهِ، وَإِنْ سَجَدَ بَعْدَ الْفَرَاغِ وَهِيَ صَلَاتِيَّةٌ لَا تُقْضَى خَارِجَهَا وَأَطْلَقَ فِي قَوْلِهِ وَبَعْدَهُ لَا فَشَمَلَ مَا إذَا دَخَلَ مَعَهُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ، فِيهِ اخْتِلَافٌ وَظَاهِرُ الْهِدَايَةِ يَقْتَضِي أَنْ يَسْجُدَ لَهَا بَعْدَ الْفَرَاغِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُدْرِكْ رَكْعَةَ التِّلَاوَةِ لَمْ يَصِرْ مُدْرِكًا لَهَا وَلَيْسَتْ صَلَاتِيَّةً فَيَقْضِي خَارِجَهَا وَقِيلَ هِيَ صَلَاتِيَّةٌ فَلَا تُقْضَى خَارِجَهَا (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَقْتَدِ سَجَدَهَا) لِتَقَرُّرِ السَّبَبِ فِي حَقِّهِ وَعَدَمِ الْمَانِعِ. (قَوْلُهُ: وَلَمْ تُقْضَ الصَّلَاتِيَّةُ خَارِجَهَا) أَيْ خَارِجَ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ السَّجْدَةَ الْمَتْلُوَّةَ فِي الصَّلَاةِ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهَا؛ لِأَنَّ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ فِي الصَّلَاةِ أَفْضَلُ مِنْهَا فِي غَيْرِهَا فَلَمْ يَجُزْ أَدَاؤُهَا خَارِجَ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ الْكَامِلَ لَا يَتَأَدَّى بِالنَّاقِصِ وَهَذَا إذَا لَمْ تَفْسُدْ الصَّلَاةُ أَمَّا إنْ تَلَاهَا فِي الصَّلَاةِ، وَلَمْ يَسْجُدْ ثُمَّ فَسَدَتْ الصَّلَاةُ فَعَلَيْهِ السَّجْدَةُ خَارِجَهَا؛ لِأَنَّهَا لَمَّا فَسَدَتْ بَقِيَ مُجَرَّدُ تِلَاوَةٍ فَلَمْ تَكُنْ صَلَاتِيَّةً، وَلَوْ أَدَّاهَا فِيهَا ثُمَّ فَسَدَتْ لَا يُعِيدُ السَّجْدَةَ؛ لِأَنَّ بِالْمُفْسَدِ لَا يَفْسُدُ جَمِيعُ أَجْزَاءِ الصَّلَاةِ، وَإِنَّمَا يَفْسُدُ الْجُزْءُ الْمُقَارِنُ فَيَمْتَنِعُ الْبِنَاءُ عَلَيْهِ كَذَا فِي الْقُنْيَةِ وَيُسْتَثْنَى مِنْ فَسَادِهَا مَا إذَا فَسَدَتْ بِالْحَيْضِ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: الْمَرْأَةُ إذَا قَرَأَتْ آيَةَ السَّجْدَةِ فِي صَلَاتِهَا فَلَمْ تَسْجُدْ حَتَّى حَاضَتْ تَسْقُطُ عَنْهَا السَّجْدَةُ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ ثُمَّ صَوَابُ النِّسْبَةِ فِيهِ صَلَوِيَّةٌ بِرَدِّ أَلِفِهِ وَاوًا وَحَذْفِ التَّاءِ، وَإِذَا كَانُوا قَدْ حَذَفُوهَا فِي نِسْبَةِ الْمُذَكَّرِ إلَى الْمُؤَنَّثِ كَنِسْبَةِ الرَّجُلِ إلَى بَصْرَةَ مَثَلًا فَقَالُوا بَصْرِيٌّ لَا بَصْرَتِيٌّ كَيْ لَا يَجْتَمِعَ تَاءَانِ فِي نِسْبَةِ الْمُؤَنَّثِ فَيَقُولُونَ بَصْرَتِيَّةٌ فَكَيْفَ بِنِسْبَةِ الْمُؤَنَّثِ إلَى الْمُؤَنَّثِ،. اهـ. وَفِي الْعِنَايَةِ أَنَّهُ خَطَأٌ مُسْتَعْمَلٌ، وَهُوَ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ خَيْرٌ مِنْ صَوَابٍ نَادِرٍ انْتَهَى. ثُمَّ مُقْتَضَى قَوَاعِدِهِمْ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَسْجُدْ فِي الصَّلَاةِ حَتَّى فَرَغَ فَإِنَّهُ يَأْثَمُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤَدِّ الْوَاجِبَ، وَلَمْ يُمْكِنْ قَضَاؤُهَا لِمَا ذَكَرْنَا وَهَذَا مِنْ الْوَاجِبَاتِ الَّذِي إذَا فَاتَ وَقْتُهُ تَقَرَّرَ الْإِثْمُ عَلَى الْمُكَلَّفِ، وَالْمَخْرَجُ لَهُ عَنْهُ التَّوْبَةُ كَسَائِرِ الذُّنُوبِ وَإِيَّاكَ أَنْ تَفْهَمَ مِنْ قَوْلِهِمْ بِسُقُوطِهَا عَدَمَ الْإِثْمِ فَإِنَّهُ خَطَأٌ فَاحِشٌ كَمَا رَأَيْت بَعْضَهُمْ يَقَعُ فِيهِ ثُمَّ رَأَيْت بَعْدَ ذَلِكَ التَّصْرِيحَ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ قَالَ وَإِذَا لَمْ يَسْجُدْ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ إلَّا الْإِثْمُ وَمَحَلُّ سُقُوطِهَا مَا إذَا لَمْ يَرْكَعْ لِصَلَاتِهِ، وَلَمْ يَسْجُدْ لَهَا صُلْبِيَّةً أَمَّا إنْ رَكَعَ أَوْ سَجَدَ صُلْبِيَّةً فَإِنَّهُ يَنُوبُ عَنْهَا إذَا كَانَ عَلَى الْفَوْرِ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَحَاصِلُهُ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْأُصُولِيُّونَ أَنَّ الرُّكُوعَ يَنُوبُ عَنْ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ قِيَاسًا لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْخُضُوعِ، وَلَا يَنُوبُ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْمَأْمُورِ بِهِ وَقُدِّمَ الْقِيَاسُ هُنَا عَلَى الِاسْتِحْسَانِ لِقُوَّةِ أَثَرِهِ الْبَاطِنِ وَعَكْسُهُ فِي الْمُجْتَبَى فَقَالَ: تَلَاهَا وَرَكَعَ لِلتِّلَاوَةِ مَكَانَ السُّجُودِ يُجْزِئُهُ قِيَاسًا لَا اسْتِحْسَانًا وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ اسْتِحْسَانًا لَا قِيَاسًا وَبِهِ قَالَ عُلَمَاؤُنَا اهـ. وَوَجْهُ الْأَصَحِّ أَنَّ الْقِيَاسَ لَا يَقْتَضِي عَدَمَ جَوَازِهِ؛ لِأَنَّهُ الْأَمْرُ الظَّاهِرُ بِالسُّجُودِ، وَالرُّكُوعُ خِلَافُ السُّجُودِ وَلَكِنَّ الْحَقَّ الْأَوَّلُ لِتَصْرِيحِ مُحَمَّدٍ بِهِ فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْكِتَابِ، فَإِنْ أَرَادَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَدَّاهَا فِيهَا ثُمَّ فَسَدَتْ لَا يُعِيدُ السَّجْدَةَ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَكِنْ فِي الْخَانِيَّةِ لَوْ تَلَاهَا فِي نَافِلَةٍ فَأَفْسَدَهَا وَجَبَ قَضَاؤُهَا دُونَ السَّجْدَةِ وَهَذَا بِالْقَوَاعِدِ أَلْيَقُ؛ لِأَنَّهَا بِالْإِفْسَادِ لَمْ تَخْرُجْ عَنْ كَوْنِهَا صَلَاتِيَّةً وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ اسْتَغْنَى عَنْ قَوْلِ الْبَحْرِ وَيُسْتَثْنَى مِنْ فَسَادِهَا مَا إذَا فَسَدَتْ بِالْحَيْضِ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ مَا فِي الْخَانِيَّةِ عَلَى مَا إذَا كَانَ بَعْدَ سُجُودِهَا اهـ. أَقُولُ: كَلَامُ الْخَانِيَّةِ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ وَنَصُّهُ: مُصَلِّي التَّطَوُّعِ إذَا قَرَأَ آيَةً وَسَجَدَ لَهَا ثُمَّ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا، وَلَا تَلْزَمُهُ إعَادَةُ تِلْكَ السَّجْدَةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 132 أَنْ يَرْكَعَ بِالسَّجْدَةِ نَفْسِهَا هَلْ يُجْزِئُهُ ذَلِكَ قَالَ أَمَّا فِي الْقِيَاسِ فَالرُّكُوعُ فِي ذَلِكَ، وَالسَّجْدَةُ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ صَلَاةٌ وَأَمَّا فِي الِاسْتِحْسَانِ فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَسْجُدَ وَبِالْقِيَاسِ نَأْخُذُ اهـ. وَحَاصِلُهُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْفُقَهَاءُ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ مُلَخَّصًا أَنَّ الْمَتْلُوَّةَ خَارِجَ الصَّلَاةِ تُؤَدَّى عَلَى نَعْتِ سَجَدَاتِ الصَّلَاةِ الْمَتْلُوَّةِ فِي الصَّلَاةِ، الْأَفْضَلُ أَنْ يَسْجُدَ لَهَا ثُمَّ إذَا سَجَدَ وَقَامَ يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَرْكَعَ كَمَا رَفَعَ رَأْسَهُ سَوَاءٌ كَانَ آيَةُ السَّجْدَةِ فِي وَسَطِ السُّورَةِ أَوْ عِنْدَ خَتْمِهَا، وَبَقِيَ بَعْدَهَا إلَى الْخَتْمِ قَدْرُ آيَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يَقْرَأَ ثُمَّ يَرْكَعَ فَيَنْظُرَ إنْ كَانَتْ الْآيَةُ فِي الْوَسَطِ فَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَخْتِمَهَا ثُمَّ يَرْكَعَ، وَإِنْ كَانَتْ عِنْدَ الْخَتْمِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَقْرَأَ آيَاتٍ مِنْ سُورَةٍ أُخْرَى ثُمَّ يَرْكَعَ، وَإِنْ كَانَ بَقِيَ إلَى الْخَتْمِ قَدْرُ آيَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ كَمَا فِي بَنِي إسْرَائِيلَ وَإِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ يَنْبَغِي أَنْ يَقْرَأَ بَقِيَّةَ السُّورَةِ ثُمَّ يَرْكَعَ، فَإِنْ وَصَلَ إلَيْهَا سُورَةً أُخْرَى فَهُوَ أَفْضَلُ، وَلَوْ لَمْ يَسْجُدْ، وَإِنَّمَا رَكَعَ ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّ الْقِيَاسَ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ وَالِاسْتِحْسَانُ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ وَبِالْقِيَاسِ نَأْخُذُ وَالتَّفَاوُتُ مَا بَيْنَهُمَا أَنَّ مَا ظَهَرَ مِنْ الْمَعَانِي فَقِيَاسٌ، وَمَا خَفِيَ فَاسْتِحْسَانٌ وَلَا تَرْجِيحَ فِي الْخَفِيِّ لِخَفَائِهِ وَلَا لِلظَّاهِرِ لِظُهُورِهِ فَيُرْجَعُ إلَى طَلَبِ الرُّجْحَانِ إلَى مَا اقْتَرَنَ بِهِمَا مِنْ الْمَعَانِي فَمَتَى قَوِيَ الْخَفِيُّ أَخَذُوا بِهِ وَمَتَى قَوِيَ الظَّاهِرُ أَخَذُوا بِهِ وَهَاهُنَا قَوِيَ دَلِيلُ الْقِيَاسِ فَأَخَذُوا بِهِ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ أَنَّهُمَا أَجَازَا أَنْ يَرْكَعَ عَنْ السُّجُودِ فِي الصَّلَاةِ، وَلَمْ يَرِدْ عَنْ غَيْرِهِمَا خِلَافُهُ فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي مَحَلِّ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ فَذَكَرَ الْعَامَّةُ أَنَّهُ فِي إقَامَةِ الرُّكُوعِ مَقَامَ السَّجْدَةِ فِي الصَّلَاةِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنَّهُ خَارِجُ الصَّلَاةِ بِأَنْ تَلَاهَا فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ فَرَكَعَ، وَلَيْسَ هَذَا بِسَدِيدٍ بَلْ لَا يُجْزِئُهُ ذَلِكَ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ الرُّكُوعَ خَارِجَ الصَّلَاةِ لَمْ يُجْعَلْ قُرْبَةً فَلَا يَنُوبُ مَنَابَ الْقُرْبَةِ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ أَنَّ السَّجْدَةَ الصُّلْبِيَّةَ هِيَ الَّتِي تَقُومُ مَقَامَ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ لَا الرُّكُوعِ وَيَرُدُّهُ مَا صَرَّحَ بِهِ مُحَمَّدٌ فِي الْكِتَابِ كَمَا أَسْلَفْنَاهُ، وَلَوْ لَمْ يَرْكَعْ حَتَّى طَالَتْ الْقِرَاءَةُ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ نَوَاهُ عَنْ السَّجْدَةِ، وَكَذَا السَّجْدَةُ الصُّلْبِيَّةُ لَا تَنُوبُ عَنْهَا إذَا طَالَتْ الْقِرَاءَةُ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ دَيْنًا لِوُجُوبِهَا مُضَيِّقًا وَالدَّيْنُ يُقْضَى بِمَا لَهُ لَا بِمَا عَلَيْهِ وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ عَلَيْهِ فَلَا يَتَأَدَّى بِهِ الدَّيْنُ وَإِذَا لَمْ تَطُلْ الْقِرَاءَةُ لَا يَحْتَاجُ الرُّكُوعُ أَوْ السَّجْدَةُ الصُّلْبِيَّةُ فِي إقَامَتِهَا عَنْ سُجُودِ التِّلَاوَةِ إلَى النِّيَّةِ فَالْفَرْضُ يَنُوبُ عَنْ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ، وَإِنْ لَمْ يُنْوَ، وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَنَّهُ لَوْ لَمْ تُوجَدْ النِّيَّةُ مِنْهُ عِنْدَ الرُّكُوعِ لَا يُجْزِئُهُ، وَلَوْ نَوَى فِي الرُّكُوعِ فِيهِ قَوْلَانِ، وَلَوْ نَوَى بَعْدَ رَفْعِ الرَّأْسِ مِنْهُ لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ وَأَكْثَرُ الْمَشَايِخِ لَمْ يُقَدِّرُوا لِطُولِ الْقِرَاءَةِ شَيْئًا فَكَانَ الظَّاهِرُ أَنَّهُمْ فَوَّضُوا ذَلِكَ إلَى رَأْيِ الْمُجْتَهِدِ وَبَعْضُهُمْ قَالُوا: إنْ قَرَأَ آيَةً أَوْ آيَتَيْنِ لَمْ تَطُلْ وَإِنْ قَرَأَ ثَلَاثًا طَالَتْ وَصَارَتْ بِمَحَلِّ الْقَضَاءِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الثَّلَاثَ لَا تُعْدِمُ الْفَوْرَ اهـ. وَاخْتَارَ قَاضِي خان أَنَّ الرُّكُوعَ خَارِجَ الصَّلَاةِ يَنُوبُ عَنْهَا، وَفِي الْمُجْتَبَى، وَإِنَّمَا يَنُوبُ الرُّكُوعُ عَنْهَا بِشَرْطَيْنِ: أَحَدُهُمَا النِّيَّةُ وَالثَّانِي أَنْ لَا يَتَخَلَّلَ بَيْنَ التِّلَاوَةِ وَالرُّكُوعِ ثَلَاثُ آيَاتٍ إلَّا إذَا كَانَتْ الْآيَاتُ الثَّلَاثُ مِنْ آخَرِ السُّورَةِ كَبَنِي إسْرَائِيلَ وَإِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ اهـ. وَاخْتُلِفَ فِيمَا إذَا رَكَعَ عَلَى الْفَوْرِ لِلصَّلَاةِ وَسَجَدَ هَلْ الْمُجْزِئُ عَنْ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ الرُّكُوعُ أَوْ السُّجُودُ فَقِيلَ الرُّكُوعُ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ، وَقِيلَ السُّجُودُ؛ لِأَنَّ الرُّكُوعَ بِدُونِ النِّيَّةِ لَا يُجْزِئُ، وَفِي السُّجُودِ اخْتِلَافٌ وَفَائِدَتُهُ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا تَلَا الْفَاتِحَةَ وَعِشْرِينَ آيَةً مَثَلًا، آخِرُهَا آيَةُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ) أَيْ بِإِجْمَاعِ الَّذِينَ شَرَطُوا النِّيَّةَ فِي نِيَابَتِهِ عَنْهَا كَذَا فِي حَاشِيَةِ نُوحٍ أَفَنْدِي (قَوْلُهُ وَاخْتَارَ قَاضِي خان إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ فَالْمَرْوِيُّ فِي الظَّاهِرِ أَنَّهُ يَجُوزُ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ اهـ. لَكِنْ فِي نُسْخَتَيْ الْبَزَّازِيَّةِ فِي غَيْرِ الظَّاهِرِ، وَكَذَا رَأَيْتُهُ فِي نُسْخَةٍ أُخْرَى مِنْ الْبَزَّازِيَّةِ ثُمَّ إنَّ مَا فِي الْخَانِيَّةِ لَا يَدُلُّ عَلَى اخْتِيَارِهِ فَإِنَّهُ قَالَ رُوِيَ أَنَّهُ يَجُوزُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ هَلْ الْمُجْزِي عَنْ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ الرُّكُوعُ أَوْ السُّجُودُ) أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ الرُّكُوعُ مَعَ النِّيَّةِ وَإِلَّا فَاَلَّذِي يَظْهَرُ تَعَيُّنُ أَنَّ الْمُجْزِي هُوَ السُّجُودُ، يَدُلُّ هَلْ مَا قُلْنَاهُ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُحِيطِ هَذَا التَّرْدِيدَ ثُمَّ ذَكَرَ عَقِبَهُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ الرُّكُوعَ لَا يَنُوبُ بِدُونِ النِّيَّةِ وَذَكَرَ الْخِلَافَ فِي السُّجُودِ تَأَمَّلْ، وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُ الْمُؤَلِّفِ؛ لِأَنَّ الرُّكُوعَ إلَخْ غَيْرُ ظَاهِرٍ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَفِي السُّجُودِ اخْتِلَافٌ) أَيْ اخْتِلَافٌ فِي أَجْزَائِهِ بِدُونِ النِّيَّةِ فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَئِمَّةِ بَلْخٍ لَا يَنُوبُ مَا لَمْ يَنْوِ وَغَيْرُهُمْ قَالُوا النِّيَّةُ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ وَأَمَّا الرُّكُوعُ فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا يَنُوبُ بِدُونِ النِّيَّةِ هَكَذَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ وَغَيْرُهُ عَنْ الْمُحِيطِ لَكِنْ قَدْ مَرَّ عَنْ الْبَدَائِعِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فِي عَدَمِ الِاحْتِيَاجِ إلَى النِّيَّةِ فَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا هُنَا، وَفِي الْخُلَاصَةِ أَجْمَعُوا أَنَّ سَجْدَةَ التِّلَاوَةِ تَتَأَدَّى بِسَجْدَةِ الصَّلَاةِ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ التِّلَاوَةَ وَاخْتَلَفُوا فِي الرُّكُوعِ، وَقَدْ نُقِلَ فِي الْفَتْحِ عَنْ الْبَدَائِعِ الْإِجْمَاعُ عَلَى إجْزَاءِ الصُّلْبِيَّةِ بِدُونِ نِيَّةٍ فَتَوَافَقَ مَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَدَائِعِ عَلَى مُخَالَفَةِ مَا فِي الْمُحِيطِ فِي الْفَصْلَيْنِ لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْفَتْحِ عِبَارَةَ الْبَدَائِعِ بِطُولِهَا، وَفِي آخِرِهَا التَّصْرِيحُ بِوُجُوبِ النِّيَّةِ فِي إيقَاعِ الصُّلْبِيَّةِ عَنْ التِّلَاوَةِ فِيمَا إذَا لَمْ تَطُلْ الْقِرَاءَةُ عَلَى مَا هُوَ أَصْلُ الصُّورَةِ ثُمَّ قَالَ فَلَمْ يَصِحَّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ نَقْلِ الْإِجْمَاعِ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِهَا اهـ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 133 السَّجْدَةِ وَرَكَعَ عَقِبَهَا ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَقَرَأَ عَشْرَ آيَاتٍ مَثَلًا ثُمَّ سَجَدَ، وَلَمْ يَكُنْ نَوَاهَا فِي الرُّكُوعِ يَجِبُ عَلَيْهِ سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ عَلَى حِدَةٍ أَمَّا إذَا سَجَدَ عَقِبَ الرُّكُوعِ فَإِنَّهُ خَرَجَ عَنْ الْعُهْدَةِ لَا مَحَالَةَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ نَوَاهَا فِي الرُّكُوعِ أَوْ لَمْ يَنْوِ اهـ. وَفِي الْقُنْيَةِ، وَلَوْ نَوَاهَا فِي الرُّكُوعِ عَقِبَ التِّلَاوَةِ، وَلَمْ يَنْوِهَا الْمُقْتَدِي لَا يَنُوبُ عَنْهُ وَيَسْجُدُ إذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ وَيُعِيدُ الْقَعْدَةَ، وَلَوْ تَرَكَهَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ اهـ. ثُمَّ قَالَ السُّجُودُ أَوْلَى مِنْ الرُّكُوعِ لَهَا فِي صَلَاةِ الْجَهْرِ دُونَ الْمُخَافَتَةِ وَقَيَّدَ الْمُصَنِّفُ بِكَوْنِهَا لَا تُقْضَى خَارِجَهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَخَّرَهَا مِنْ رَكْعَةٍ إلَى رَكْعَةٍ فَإِنَّهَا تُقْضَى مَا دَامَ فِي الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ وَاحِدَةٌ لَكِنْ لَا يَلْزَمُ جَوَازُ التَّأْخِيرِ بَلْ الْمُرَادُ الْإِجْزَاءُ لِمَا فِي الْبَدَائِعِ مِنْ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ عَلَى الْفَوْرِ، وَأَنَّهُ إذَا أَخَّرَهَا حَتَّى طَالَتْ الْقِرَاءَةُ تَصِيرُ قَضَاءً وَيَأْثَمُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ السَّجْدَةَ صَارَتْ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ مُلْحَقَةً بِنَفْسِ التِّلَاوَةِ؛ وَلِذَا فُعِلَتْ فِيهَا مَعَ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَصْلِ الصَّلَاةِ بَلْ زَائِدَةً بِخِلَافِ غَيْرِ الصَّلَاتِيَّةِ فَإِنَّهَا وَاجِبَةٌ عَلَى التَّرَاخِي عَلَى مَا هُوَ الْمُخْتَارُ. اهـ. . (قَوْلُهُ وَلَوْ تَلَاهَا خَارِجَ الصَّلَاةِ فَسَجَدَ وَأَعَادَهَا فِيهَا) أَيْ أَعَادَ تِلَاوَتَهَا فِي الصَّلَاةِ (سَجَدَ أُخْرَى) ؛ لِأَنَّ الصَّلَاتِيَّةَ أَقْوَى فَلَا تَكُونُ تَبَعًا لِلْأَضْعَفِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ أَوَّلًا كَفَتْهُ وَاحِدَةٌ) وَهِيَ صَلَاتِيَّةٌ تَنُوبُ عَنْهَا وَعَنْ الْخَارِجِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْمَجْلِسَ مُتَّحِدٌ وَالصَّلَاتِيَّةُ أَقْوَى فَصَارَتْ الْأُولَى تَبَعًا لَهَا فَلَوْ لَمْ يَسْجُدْ فِي الصَّلَاةِ سَقَطَتَا؛ لِأَنَّ الْخَارِجِيَّةَ أَخَذَتْ حُكْمَ الصَّلَاتِيَّةِ فَسَقَطَتْ تَبَعًا لَهَا أَرَادَ بِالِاكْتِفَاءِ أَنْ يَكُونَ بِشَرْطِ اتِّحَادِ الْمَجْلِسِ، فَإِنْ تَبَدَّلَ مَجْلِسُ التِّلَاوَةِ مَعَ مَجْلِسِ الصَّلَاةِ فَلِكُلٍّ سَجْدَةٌ، وَإِنَّمَا أَفْرَدَهَا بِالذِّكْرِ مَعَ دُخُولِهَا تَحْتَ قَوْلِهِ كَمَنْ كَرَّرَهَا فِي مَجْلِسٍ لَا فِي مَجْلِسَيْنِ لِمُخَالَفَتِهَا لَهَا فِي أَنَّهُ إذَا سَجَدَ لِلْخَارِجِيَّةِ لَا تَكْفِي عَنْ الصَّلَاتِيَّةِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ تَكُنْ صَلَاتِيَّةً وَسَجَدَ لِلْأُولَى ثُمَّ أَعَادَهَا فَإِنَّ السَّجْدَةَ السَّابِقَةَ تَكْفِي. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَجِبُ التَّدَاخُلُ فِي هَذِهِ عَلَى وَجْهٍ تَكُونُ الثَّانِيَةُ مُسْتَتْبِعَةً لِلْأُولَى إنْ لَمْ يَسْجُدْ لِلْأُولَى؛ لِأَنَّ اتِّحَادَ الْمَجْلِسِ يُوجِبُ التَّدَاخُلَ، وَكَوْنُ الثَّانِيَةِ قَوِيَّةً مَنَعَ مِنْ جَعْلِ الْأُولَى مُسْتَتْبِعَةً إذْ اسْتِتْبَاعُ الضَّعِيفِ لِلْقَوِيِّ عَكْسُ الْمَعْقُولِ وَنَقْضٌ لِلْأُصُولِ فَوَجَبَ التَّدَاخُلُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَوْ تَلَاهَا الْمُصَلِّي بَعْدَمَا سَمِعَهَا مِنْ غَيْرِهِ مَرَّةً أَوْ مِرَارًا تَكْفِيهِ سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ وَقَيَّدَ بِكَوْنِ الْأُولَى تَلَاهَا خَارِجَ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَرَأَهَا فِي الصَّلَاةِ أَوَّلًا ثُمَّ سَلَّمَ فَأَعَادَهَا فِي مَكَانِهِ ذَكَرَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أُخْرَى؛ لِأَنَّ الْمَتْلُوَّةَ فِي الصَّلَاةِ لَا وُجُودَ لَهَا لَا حَقِيقَةً، وَلَا حُكْمًا وَالْمَوْجُودُ هُوَ الَّذِي يَسْتَتْبِعُ دُونَ الْمَعْدُومِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْأُولَى خَارِجَةً وَأَنَّهَا بَاقِيَةٌ بَعْدَ التِّلَاوَةِ حُكْمًا وَذَكَرَ فِي النَّوَادِرِ وَأَنَّهُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَفِي الْقُنْيَةِ، وَلَوْ نَوَاهَا فِي الرُّكُوعِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَيَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى الْجَهْرِيَّةِ اهـ. قُلْت: لَعَلَّ وَجْهَهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ مَا يَأْتِي عَنْ الْقُنْيَةِ أَيْضًا أَنَّ الرُّكُوعَ أَوْلَى فِي صَلَاةِ الْمُخَافَتَةِ وَعَلَّلَهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة بِقَوْلِهِ لِئَلَّا يَلْتَبِسَ الْأَمْرُ عَلَى الْقَوْمِ فَإِنَّهُ يُفِيدُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْقَوْمَ نِيَّتُهَا فِي الرُّكُوعِ؛ لِأَنَّهُ لَا عِلْمَ لَهُمْ بِتِلَاوَتِهِ وَإِلَّا لَمْ يَحْصُلْ عَلَيْهِمْ الْتِبَاسٌ بِخِلَافِ الْجَهْرِيَّةِ قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ، فَإِنْ قُلْت لِمَ لَا يَنُوبُ السُّجُودُ الَّذِي بَعْدَ هَذَا الرُّكُوعِ عَنْ السَّجْدَةِ التِّلَاوِيَّةِ فِي حَقِّ الْمُقْتَدِي قُلْت؛ لِأَنَّهُ لَمَّا نَوَى الْإِمَامُ الرُّكُوعَ تَعَيَّنَ لَهُ فَلَا يَنُوبُ عَنْ سَجْدَةِ التِّلَاوِيَّةِ فِي حَقِّ الْمُقْتَدِي، وَإِنْ نَوَاهُ، فَإِنْ قُلْت مِنْ أَيْنَ يَعْلَمُ الْمُقْتَدِي أَنَّ إمَامَهُ نَوَاهُ فِي الرُّكُوعِ قُلْت يُمْكِنُ أَنْ يُخْبِرَهُ الْإِمَامُ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ أَوْ يَخْرُجَ مِنْ الْمَسْجِدِ فَيَأْتِيَ بِهِ. (قَوْلُهُ بِشَرْطِ اتِّحَادِ الْمَجْلِسِ) ذَكَرَ فِي النَّهْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ عَدَمَ الِاشْتِرَاطِ فَقَالَ اتَّحَدَ الْمَجْلِسُ أَوْ اخْتَلَفَ وَكَذَا قَالَ فِي الدُّرَرِ، وَإِنْ اخْتَلَفَ قَالَ الرَّمْلِيُّ وَمِثْلُ مَا فِي الْبَحْرِ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَالنِّهَايَةِ وَالزَّيْلَعِيِّ وَغَيْرِهَا فَظَاهِرٌ مَا فِي النَّهْرِ نَقْلًا عَنْ الْبَدَائِعِ وَالدُّرَرِ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ فِيهِ اخْتِلَافًا وَيَنْبَغِي تَرْجِيحُ مَا فِي الْبَحْرِ تَأَمَّلْ اهـ. قُلْت ذَكَرَ فِي النَّهْرِ بَعْدَ مَا نَقَلْنَاهُ عَنْهُ وَهَذَا عَلَى إطْلَاقِهِ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَفِي رِوَايَةِ النَّوَادِرِ لَا تَكْفِيهِ الْوَاحِدَةُ وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ هَلْ بِالصَّلَاةِ يَتَبَدَّلُ الْمَجْلِسُ أَوْ لَا اهـ. أَيْ هَلْ يَتَبَدَّلُ حُكْمًا أَمْ لَا يَتَبَدَّلُ أَصْلًا كَمَا بَسَطَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ ثُمَّ قَالَ وَأَفْرَدَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِالذِّكْرِ مَعَ دُخُولِهَا تَحْتَ قَوْلِهِ كَمَنْ كَرَّرَهَا فِي مَجْلِسٍ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ أَخُوهُ هُنَا وَحِينَئِذٍ فَمَا فِي النَّهْرِ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ تَعْمِيمَهُ أَوَّلًا يُنَافِي مَا ذَكَرَهُ مَنْشَأٌ لِلْخِلَافِ، وَمَا بَعْدَهُ، وَقَدْ ذَكَرَ الْخِلَافَ الشَّارِحُ الزَّيْلَعِيُّ وَلَكِنْ بَعْدَ تَعْلِيلِهِ لِكِفَايَةِ الْوَاحِدَةِ بِاتِّحَادِ الْمَجْلِسِ كَمَا عَلَّلَ الْمُؤَلِّفُ، وَلَا غُبَارَ عَلَيْهِ، وَقَدْ ذَكَرَ فِي الشرنبلالية مَا يُفِيدُ الْجَوَابَ حَيْثُ ذَكَرَ أَنَّ قَوْلَ الدُّرَرِ، وَإِنْ اخْتَلَفَ الْمَجْلِسُ بِنَاءً عَلَى تَسْلِيمِ الْوَجْهِ لِرِوَايَةِ النَّوَادِرِ، وَهُوَ أَنَّ الْمَجْلِسَ يَتَبَدَّلُ بِالصَّلَاةِ حُكْمًا وَإِلَّا فَعَلَى الظَّاهِرِ فَهُوَ مُتَّحِدٌ حَقِيقَةً وَحُكْمًا وَيُمْكِنُ حَمْلُ مَا فِي النَّهْرِ عَلَى هَذَا، وَعَلَيْهِ فَلَا مُخَالَفَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ، وَلَا خِلَافَ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ ثُمَّ سَلَّمَ) قَالَ الرَّمْلِيُّ يَعْنِي ثُمَّ سَلَّمَ، وَلَمْ يَسْجُدْ لَهَا فِيهَا فَلَوْ سَجَدَ لَهَا فِيهَا وَأَعَادَهَا فِي مَكَانِهِ لَا تَلْزَمُهُ أُخْرَى كَمَا يُسْتَفَادُ مِنْ إطْلَاقِ قَوْلِهِمْ كَمَنْ كَرَّرَهَا فِي مَجْلِسٍ، وَعَلَى قَوْلِ الْبَعْضِ أَنَّ التَّدَاخُلَ فِيهَا فِي الْحُكْمِ لَا فِي السَّبَبِ تَلْزَمُهُ أُخْرَى اهـ. وَفِيهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 134 لَا يَلْزَمُهُ وَوَفَّقَ الزَّاهِدُ السَّرَخْسِيُّ بَيْنَهُمَا بِحَمْلِ الْأُولَى عَلَى مَا إذَا أَعَادَهَا بَعْدَ الْكَلَامِ وَحَمْلِ الثَّانِي عَلَى مَا إذَا كَانَ قَبْلَهُ فَلَوْ لَمْ يَسْجُدْهَا فِي الصَّلَاةِ حَتَّى سَجَدَهَا الْآنَ قَالَ فِي الْأَصْلِ أَجْزَأَهُ هَاهُنَا، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا أَعَادَهَا بَعْدَ السَّلَامِ قَبْلَ الْكَلَامِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ حُرْمَةِ الصَّلَاةِ فَكَأَنَّهُ كَرَّرَهَا فِي الصَّلَاةِ وَسَجَدَ إذْ لَا يَسْتَقِيمُ هَذَا الْجَوَابُ فِيمَا إذَا أَعَادَهَا بَعْدَ الْكَلَامِ؛ لِأَنَّ الصَّلَاتِيَّةَ قَدْ سَقَطَتْ عَنْهُ بِالْكَلَامِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَصَحَّحَ التَّوْفِيقُ فِي الْمُحِيطِ وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ الصَّلَاتِيَّةَ تُقْضَى بَعْدَ السَّلَامِ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِمُنَافٍ لِحُرْمَتِهَا فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ قَوْلُهُمْ الصَّلَاتِيَّةُ لَا تُقْضَى خَارِجَهَا بِهَذَا وَأَنْ يُرَادَ بِالْخَارِجِ الْخَارِجُ عَنْ حُرْمَتِهَا (قَوْلُهُ كَمَنْ كَرَّرَهَا فِي مَجْلِسٍ لَا فِي مَجْلِسَيْنِ) فَإِنَّهُ يَكْفِيهِ وَاحِدَةٌ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رُوِيَ أَنْ «أَنَّ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يَنْزِلُ بِالْوَحْيِ فَيَقْرَأُ آيَةَ السَّجْدَةِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَسُولُ اللَّهِ كَانَ يَسْمَعُ وَيَتَلَقَّنُ ثُمَّ يَقْرَأُ عَلَى أَصْحَابِهِ وَكَانَ لَا يَسْجُدُ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً» ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عِدَّةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلِأَنَّ الْمَجْلِسَ جَامِعُ الْمُتَفَرِّقَاتِ وَلِأَنَّ فِي إيجَابِ السَّجْدَةِ لِكُلِّ تِلَاوَةٍ حَرَجًا خُصُوصًا لِلْمُعَلِّمِينَ وَالْمُتَعَلِّمِينَ، وَهُوَ مَنْفِيٌّ بِالنَّصِّ قُيِّدَ بِسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنْ سَمِعَهُ أَوْ ذَكَرَهُ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ مِرَارًا فِيهَا اخْتِلَافٌ فَبَعْضُهُمْ قَاسَهَا عَلَيْهَا وَبَعْضُهُمْ مَنَعَهُ وَأَوْجَبَهَا لِكُلِّ مَرَّةٍ؛ لِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ، وَلَا تَدَاخُلَ فِيهَا، وَهُوَ جَفَاءٌ لَهُ كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ وَقَدَّمْنَا تَرْجِيحَهُ وَأَمَّا تَشْمِيتُ مَنْ عَطَسَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ مِرَارًا فَأَوْجَبَهُ بَعْضُهُمْ كُلَّ مَرَّةٍ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ إنْ زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ لَا يُشَمِّتُهُ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ لِلْعَاطِسِ فِي مَجْلِسِهِ بَعْدَ الثَّلَاثِ قُمْ فَانْتَثَرَ فَإِنَّك مَزْكُومٌ وَفِي الْمُجْتَبَى وَلَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ تَعْظِيمِ اسْمِهِ تَعَالَى عِنْدَ ذِكْرِهِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَأَطْلَقَهُ فَشَمَلَ مَا إذَا تَلَا مِرَارًا ثُمَّ سَجَدُوا مَا إذَا تَلَا وَسَجَدَ ثُمَّ تَلَا بَعْدَهُ مِرَارًا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ تَدَاخُلٌ فِي السَّبَبِ دُونَ الْحُكْمِ وَمَعْنَاهُ أَنْ يَجْعَلَ التِّلَاوَةَ الْمُتَعَدِّدَةَ كَتِلَاوَةٍ وَاحِدَةٍ تَكُونُ الْوَاحِدَةُ مِنْهَا سَبَبًا وَالْبَاقِي تَبَعٌ لَهَا وَهُوَ أَلْيَقُ بِالْعِبَادَاتِ إذْ السَّبَبُ مَتَى تَحَقَّقَ لَا يَجُوزُ تَرْكُ حُكْمِهِ؛ وَلِهَذَا يُحْكَمُ بِوُجُوبِهَا فِي مَوْضِعِ الِاحْتِيَاطِ حَتَّى تَبْرَأَ ذِمَّتُهُ بِيَقِينٍ وَالتَّدَاخُلُ فِي الْحُكْمِ أَلْيَقُ فِي الْعُقُوبَاتِ؛ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِلزَّجْرِ فَهُوَ يَنْزَجِرُ بِوَاحِدَةٍ فَيَحْصُلُ الْمَقْصُودُ فَلَا حَاجَةَ إلَى الثَّانِيَةِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ التَّدَاخُلَ فِي السَّبَبِ يَنُوبُ فِيهِ الْوَاحِدَةُ عَمَّا قَبْلَهَا وَعَمَّا بَعْدَهَا، وَفِي التَّدَاخُلِ فِي الْحُكْمِ لَا تَنُوبُ إلَّا عَمَّا قَبْلَهَا حَتَّى لَوْ زَنَى ثُمَّ زَنَى فِي الْمَجْلِسِ يُحَدُّ ثَانِيًا بِخِلَافِ حَدِّ الْقَذْفِ إذَا أُقِيمَ مَرَّةً ثُمَّ قَذَفَهُ مِرَارًا لَمْ يُحَدَّ؛ لِأَنَّ الْعَارَ قَدْ انْدَفَعَ بِالْأَوَّلِ لِظُهُورِ كَذِبِهِ وَقُيِّدَ بِكَوْنِ الْآيَةِ وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ كُلَّهُ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ لَزِمَهُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَجْدَةً؛ لِأَنَّ الْمَجْلِسَ لَا يَجْعَلُ الْكَلِمَاتِ الْمُخْتَلِفَةَ الْجِنْسِ بِمَنْزِلَةِ كَلَامٍ وَاحِدٍ كَمَنْ أَقَرَّ لِإِنْسَانٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَلِآخَرَ بِمِائَةِ دِينَارٍ وَلِعَبْدِهِ بِالْعِتْقِ لَا يَجْعَلُ الْمَجْلِسُ الْوَاحِدُ الْكُلَّ إقْرَارًا وَاحِدًا، وَكَذَا الْحَرَجُ مُنْتَفٍ وَأَطْلَقَ فِي الْمَجْلِسِ فَشَمَلَ مَا إذَا طَالَ فَإِنَّهُ لَا يَتَبَدَّلُ بِهِ حَتَّى لَوْ تَلَاهَا فِي الْجَامِعِ فِي زَاوِيَةٍ ثُمَّ تَلَاهَا فِي زَاوِيَةٍ أُخْرَى لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ وَكَذَلِكَ حُكْمُ السَّمَاعِ وَكَذَلِكَ الْبَيْتُ وَالْمَحْمِلُ وَالسَّفِينَةُ فِي حُكْمِ التِّلَاوَةِ وَالسَّمَاعِ سَوَاءٌ كَانَتْ السَّفِينَةُ وَاقِفَةً أَوْ جَارِيَةً وَكَذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُ بِمُجَرَّدِ الْقِيَامِ وَلَا بِخُطْوَةٍ وَخُطْوَتَيْنِ وَكَلِمَةٍ أَوْ كَلِمَتَيْنِ، وَلَا بِلُقْمَةٍ أَوْ لُقْمَتَيْنِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ كَثِيرًا وَبِخِلَافِ مَا إذَا نَامَ مُضْطَجِعًا أَوْ بَاعَ وَنَحْوَهُ فَإِنَّهُ يَتَبَدَّلُ الْمَجْلِسُ وَكَذَا لَوْ أَرْضَعَتْ صَبِيًّا وَكُلُّ عَمَلٍ يُعْلَمُ أَنَّهُ قَطْعٌ لِلْمَجْلِسِ بِخِلَافِ التَّسْبِيحِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِقَاطِعٍ كَالنَّوْمِ قَاعِدًا وَفِي الدَّوْسِ وَتَسْدِيَةِ الثَّوْبِ وَرَحَا الطَّحْنِ وَالِانْتِقَالِ مِنْ غُصْنٍ إلَى غُصْنٍ وَالسَّبْحِ فِي نَهْرٍ أَوْ حَوْضٍ يَتَكَرَّرُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَلَوْ كَرَّرَهَا رَاكِبًا عَلَى الدَّابَّةِ وَهِيَ تَسِيرُ يَتَكَرَّرُ إلَّا إذَا كَانَ فِي الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ جَامِعَةٌ   [منحة الخالق] نَظَرٌ بَلْ الْكَلَامُ فِيمَا إذَا سَجَدَ لَهَا فِيهَا كَمَا يُرْشِدُ إلَيْهِ التَّعْلِيلُ وَعِبَارَةُ الزَّيْلَعِيِّ وَالنَّهْرِ صَرِيحَةٌ فِي أَنَّهُ سَجَدَ لَهَا فِيهَا (قَوْلُهُ وَهَذَا يُفِيدُ إلَخْ) الْإِشَارَةُ إلَى قَوْلِهِ فَلَوْ لَمْ يَسْجُدْهَا فِي الصَّلَاةِ إلَخْ وَقَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِمُنَافٍ حَقُّ التَّعْبِيرِ أَنْ يُقَالَ: وَلَمْ يَأْتِ بِحَذْفٍ إنْ وَقَوْلُهُ وَأَنْ يُرَادَ بِالْخَارِجِ مِنْ حُرْمَتِهَا الظَّاهِرُ عَطَفَهُ بِأَوْ بَدَلَ الْوَاوِ أَيْ إنَّ قَوْلَهُمْ: الصَّلَاتِيَّةُ لَا تُقْضَى خَارِجَهَا إمَّا أَنْ يُقَيِّدَ بِهَذِهِ الصُّورَةِ أَيْ تَخْصِيصٌ مِنْهُ هَذِهِ الصُّورَةَ وَإِمَّا أَنْ يُرَادَ بِخَارِجِهَا خَارِجَ حُرْمَتِهَا (قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ الْبَيْتُ) قَالَ فِي النَّهْرِ إلَّا إذَا كَانَ كَبِيرًا كَدَارِ السُّلْطَانِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 135 لِلْأَمَاكِنِ إذْ الْحُكْمُ بِصِحَّةِ الصَّلَاةِ دَلِيلُ اتِّحَادِ الْمَكَانِ قَالُوا إذَا كَانَ مَعَهُ غُلَامٌ يَمْشِي، وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ رَاكِبًا وَكَرَّرَهَا تَكَرَّرَ الْوُجُوبُ عَلَى الْغُلَامِ دُونَ الرَّاكِبِ وَهَذَا إذَا كَانَ فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ وَأَمَّا إذَا كَانَ كَرَّرَهَا فِي رَكْعَتَيْنِ فَالْقِيَاسُ أَنْ تَكْفِيَهُ وَاحِدَةٌ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَخِيرُ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ أَنْ يَلْزَمَهُ لِكُلِّ تِلَاوَةٍ سَجْدَةٌ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَهَذِهِ مِنْ الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ الَّتِي رَجَعَ فِيهَا أَبُو يُوسُفَ عَنْ الِاسْتِحْسَانِ إلَى الْقِيَاسِ إحْدَاهَا هَذِهِ وَالثَّانِيَةُ أَنَّ الرَّهْنَ بِمَهْرِ الْمِثْلِ لَا يَكُونُ رَهْنًا بِالْمُتْعَةِ قِيَاسًا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَخِيرُ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ أَنْ يَكُونَ رَهْنًا بِهَا، وَهُوَ قَوْلُهُ الْأَوَّلُ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ وَالثَّالِثَةُ إذَا جَنَى الْعَبْدُ جِنَايَةً فِيمَا دُونَ النَّفْسِ وَاخْتَارَ الْمَوْلَى الْفِدَاءَ ثُمَّ مَاتَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ الْقِيَاسُ أَنْ يُخَيَّرَ الْمَوْلَى ثَانِيًا، وَهُوَ قَوْلُهُ الْأَخِيرُ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا يُخَيَّرُ، وَهُوَ قَوْلُهُ الْأَوَّلُ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا صَلَّى عَلَى الْأَرْضِ وَقَرَأَ آيَةَ السَّجْدَةِ فِي رَكْعَتَيْنِ، وَلَوْ سَمِعَهَا الْمُصَلِّي الرَّاكِبُ مِنْ رَجُلٍ ثُمَّ سَارَتْ الدَّابَّةُ ثُمَّ سَمِعَهَا ثَانِيًا عَلَيْهِ سَجْدَتَانِ هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِصَلَاتِيَّةٍ، وَلَوْ سَارَتْ الدَّابَّةُ ثُمَّ نَزَلَ فَتَلَاهَا أُخْرَى يَلْزَمُهُ أُخْرَى كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَاعْلَمْ أَنَّ تَكْرَارَ الْوُجُوبِ فِي التَّسْدِيَةِ بِنَاءً عَلَى الْمُعْتَادِ فِي بِلَادِهِمْ مِنْ أَنَّهَا أَنْ يَغْرِسَ الْحَائِكُ خَشَبَاتٍ يُسَوِّي فِيهَا السَّدَى ذَاهِبًا وَآيِبًا أَمَّا عَلَى مَا هِيَ بِبِلَادِ الْإِسْكَنْدَرِيَّة وَغَيْرِهَا بِأَنْ يُدَبِّرَهَا عَلَى دَائِرَةٍ عُظْمَى، وَهُوَ جَالِسٌ فِي مَكَان وَاحِدٍ فَلَا يَتَكَرَّرُ الْوُجُوبُ اهـ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ اخْتِلَافَ الْمَجْلِسِ حَقِيقِيٌّ بِاخْتِلَافِ الْمَكَانِ، وَحُكْمِيٌّ بِاخْتِلَافِ الْفِعْلِ، وَلَوْ تَبَدَّلَ مَجْلِسُ السَّامِعِ دُونَ التَّالِي تَكَرَّرَ الْوُجُوبُ عَلَى السَّامِعِ وَاخْتَلَفُوا فِي عَكْسِهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَتَكَرَّرُ عَلَى السَّامِعِ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ فِي حَقِّهِ السَّمَاعُ، وَلَمْ يَتَبَدَّلْ مَجْلِسُهُ فِيهِ، وَعَلَى مَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي مِنْ أَنَّ السَّبَبَ فِي حَقِّهِ التِّلَاوَةُ وَالسَّمَاعُ شَرْطٌ يَتَكَرَّرُ الْوُجُوبُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ يُضَافُ إلَى السَّبَبِ لَا الشَّرْطِ، وَإِنَّمَا تَكَرَّرَ الْوُجُوبُ عَلَيْهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى مَعَ اتِّحَادِ مَجْلِسِ السَّبَبِ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَبْطَلَ تَعَدُّدَ التِّلَاوَةِ الْمُتَكَرِّرَةِ فِي حَقِّ التَّالِي حُكْمًا لِاتِّحَادِ مَجْلِسِهِ لَا حَقِيقَةً فَلَمْ يَظْهَرْ ذَلِكَ فِي حَقِّ السَّامِعُ فَاعْتُبِرَتْ حَقِيقَةُ التَّعَدُّدِ فَتَكَرَّرَ الْوُجُوبُ فَعَلَى هَذَا يَتَكَرَّرُ عَلَى السَّامِعِ إمَّا بِتَبَدُّلِ مَجْلِسِهِ أَوْ بِتَبَدُّلِ مَجْلِسِ التَّالِي، وَفِي الْقُنْيَةِ تَلَا آيَةَ السَّجْدَةِ وَيُرِيدُ أَنْ يُكَرِّرَهَا لِلتَّعْلِيمِ فِي الْمَجْلِسِ فَالْأَوْلَى أَنْ يُبَادِرَ فَيَسْجُدَ ثُمَّ يُكَرِّرَ اهـ. وَقَدْ يُقَالُ إنَّ الْأَوْلَى أَنْ يُكَرِّرَهَا ثُمَّ يَسْجُدَ آخِرًا لِمَا أَنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ: إنَّ التَّدَاخُلَ فِي الْحُكْمِ لَا فِي السَّبَبِ حَتَّى لَوْ سَجَدَ لِلْأُولَى ثُمَّ أَعَادَهَا لَزِمَتْهُ أُخْرَى كَحَدِّ الشُّرْبِ وَالزِّنَا نَقَلَهُ فِي الْمُجْتَبَى فَالِاحْتِيَاطُ عَلَى هَذَا التَّأْخِيرِ كَمَا لَا يَخْفَى، وَفِي الْقُنْيَةِ أَيْضًا، وَلَوْ صَلَّيَا عَلَى الدَّابَّةِ فَقَرَأَ أَحَدُهُمَا آيَةَ السَّجْدَةِ فِي الصَّلَاةِ مَرَّةً، وَالْآخَرُ فِي صَلَاتِهِ مَرَّتَيْنِ وَسَمِعَ كِلَاهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ فَعَلَى مَنْ تَلَاهَا مَرَّتَيْنِ سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَأَمَّا إذَا كَرَّرَهَا فِي رَكْعَتَيْنِ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَاخْتُلِفَ فِي الصَّلَاةِ قَالَ الثَّانِي هِيَ وَاحِدَةٌ وَقَالَ مُحَمَّدٌ الِانْتِقَالُ مِنْ رَكْعَةٍ إلَى أُخْرَى يُوجِبُ الِاخْتِلَافَ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ بِالتَّدَاخُلِ يُؤَدِّي إلَى إخْلَاءِ إحْدَى الرَّكْعَتَيْنِ عَنْ الْقِرَاءَةِ فَتَفْسُدُ قُلْنَا لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ الِاتِّحَادِ بُطْلَانُ الْعَدَدِ فِي حَقِّ حُكْمٍ آخَرَ كَذَا فِي الْفَتْحِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي تَرْجِيحِ قَوْلِ الثَّانِي إلَّا أَنَّهُ فِي السِّرَاجِ جَعَلَ قَوْلَ مُحَمَّدٍ اسْتِحْسَانًا وَقَيَّدَهُ بِمَا إذَا صَلَّى بِغَيْرِ الْإِيمَاءِ أَمَّا بِهِ فَإِنْ لِمَرَضٍ فَلَا وَإِنْ لِكَوْنِهِ عَلَى الدَّابَّةِ اخْتَلَفُوا عَلَى قَوْلِهِ قَالَ بَعْضُهُمْ يَتَكَرَّرُ وَآخَرُونَ لَا، ثُمَّ قَالَ فِي الْفَتْحِ مَا عُلِّلَ بِهِ لِمُحَمَّدٍ يُفِيدُ تَقْيِيدَ الصَّلَاةِ بِالنَّفْلِ وَالْوِتْرِ مُطْلَقًا، وَفِي الْفَرْضِ بِالرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ أَمَّا بَعْدَ أَدَاءِ فَرْضِ الْقِرَاءَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ تَكْفِيَهُ وَاحِدَةٌ إذْ الْمَانِعُ مِنْ التَّدَاخُلِ مُنْتَفٍ مَعَ وُجُودِ الْمُقْتَضِي وَهَذَا الْبَحْثُ مَنْقُولٌ فَفِي السِّرَاجِ لَوْ أَعَادَهَا فِي الثَّالِثَةِ أَوْ الرَّابِعَةِ اخْتَلَفُوا فِيهِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ (قَوْلُهُ فَالْقِيَاسُ أَنْ تَكْفِيَهُ وَاحِدَةٌ) قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ وَبِالْقِيَاسِ نَأْخُذُ اهـ. (قَوْلُهُ فَالْحَاصِلُ أَنَّ اخْتِلَافَ الْمَجْلِسِ حَقِيقِيٌّ إلَخْ) ، وَكَذَا اتِّحَادُهُ حَقِيقِيٌّ كَالْبَيْتِ وَنَحْوِهِ وَحُكْمِيٌّ كَمَا لَوْ أَكَلَ لُقْمَتَيْنِ أَوْ مَشَى خُطْوَتَيْنِ كَمَا فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ: وَقَدْ يُقَالُ إنَّ الْأَوْلَى إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ الْمُبَادَرَةُ أَوْلَى فِي الْعِبَادَةِ، وَلَا يَمْنَعُ مِنْهُ قَوْلُ الْبَعْضِ لِضَعْفِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الظَّاهِرِ تَأَمَّلْ اهـ. وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ وَقَالَ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ بَعْضُ الْحَاضِرِينَ مُحْتَمَلُ الذَّهَابِ قَبْلَ التَّمَامِ كَمَا يُتَّفَقُ فِي الدُّرُوسِ فَإِنَّهُ رُبَّمَا لَا يَأْتِي بِهَا، وَقَدْ يُتَوَهَّمُ لِعَدَمِ سُجُودِ الْمُعَلِّمِ عَدَمُ الْوُجُوبِ وَالِاحْتِيَاطُ الْعَمَلُ بِأَقْوَى الدَّلِيلِ فَالْأَوْلَى أَنْ يُبَادِرَ (قَوْلُهُ فَعَلَى مَنْ تَلَاهَا مَرَّتَيْنِ سَجْدَةً وَاحِدَةً إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ غَيْرُ السَّجْدَةِ الصَّلَاتِيَّةِ إذْ لَا كَلَامَ فِي وُجُوبِهَا وَقَوْلُهُ: وَعَلَى صَاحِبِهِ سَجْدَتَانِ أَيْ خَارِجَ الصَّلَاةِ كَذَلِكَ فَيَكُونُ عَلَيْهِ ثَلَاثُ سَجَدَاتٍ وَهَذِهِ رِوَايَةُ النَّوَادِرِ وَكَلَامُ هَذَا الشَّارِحِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ فَهِمَ مِنْ كَلَامِ الْقُنْيَةِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْأَوَّلِ سَجْدَةٌ خَارِجِيَّةٌ فَقَطْ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ اهـ. قُلْت: وَهَذَا الْحَمْلُ يُرْشِدُ إلَيْهِ تَعْبِيرُ قَاضِي خان حَيْثُ فَصَّلَ بَيْنَ مَا يَجِبُ فِي الصَّلَاةِ، وَمَا يَجِبُ خَارِجَهَا وَقَدْ اخْتَارَ خِلَافَ مَا فِي الْقُنْيَةِ فَإِنَّهُ قَالَ: وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا تَلْزَمُهُ بِقِرَاءَةِ صَاحِبِهِ إلَّا سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ، وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ؛ لِأَنَّا إنْ نَظَرْنَا إلَى مَكَانِ السَّامِعِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 136 خَارِجَ الصَّلَاةِ، وَعَلَى صَاحِبِهِ سَجْدَتَانِ. اهـ. وَقَدْ يُقَالُ: بَلْ الْوَاجِبُ عَلَى مَنْ تَلَاهَا مَرَّتَيْنِ سَجْدَتَانِ أَيْضًا صَلَاتِيَّةً بِتِلَاوَتِهِ وَخَارِجِيَّةً بِتِلَاوَةِ صَاحِبِهِ ثُمَّ رَأَيْتُهُ - بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى - فِي فَتَاوَى قَاضِي خان أَنَّ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا سَجْدَتَيْنِ صَلَاتِيَّةً بِتِلَاوَتِهِ وَخَارِجِيَّةً بِسَمَاعِهِ مِنْ صَاحِبِهِ، وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِي بَيَانِهِ فَرَاجِعْهُ. (قَوْلُهُ وَكَيْفِيَّتُهُ أَنْ يَسْجُدَ بِشَرَائِطِ الصَّلَاةِ بَيْنَ تَكْبِيرَتَيْنِ بِلَا رَفْعِ يَدٍ وَتَشَهُّدٍ وَتَسْلِيمٍ) أَيْ وَكَيْفِيَّةُ السُّجُودِ وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ يُسْتَثْنَى مِنْ شَرَائِطِ الصَّلَاةِ التَّحْرِيمَةُ وَالْمُرَادُ بِالتَّكْبِيرَتَيْنِ تَكْبِيرَةُ الْوَضْعِ وَتَكْبِيرَةُ الرَّفْعِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا سُنَّةٌ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الْبَدَائِعِ لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد فِي السُّنَنِ مِنْ فِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ عِنْدَ التَّكْبِيرَةِ؛ لِأَنَّ هَذَا التَّكْبِيرَ مَفْعُولٌ لِأَجْلِ الِانْحِطَاطِ لَا لِلتَّحْرِيمَةِ كَمَا فِي سُجُودِ الصَّلَاةِ، وَكَذَا التَّكْبِيرُ لِلرَّفْعِ كَمَا فِي سُجُودِ الصَّلَاةِ، وَهُوَ الْمَرْوِيُّ مِنْ فِعْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَابْنُ مَسْعُودٍ مِنْ بَعْدِهِ، وَإِنَّمَا لَا يَتَشَهَّدُ، وَلَا يُسَلِّمُ؛ لِأَنَّهُ لِلتَّحْلِيلِ، وَهُوَ يَسْتَدْعِي سَبْقَ التَّحْرِيمَةِ وَهِيَ مَعْدُومَةٌ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا يَقُولُهُ فِي هَذِهِ السَّجْدَةِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَقُولُ: سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى ثَلَاثًا كَسَجْدَةِ الصَّلَاةِ وَلَا يَنْقُصُ مِنْهَا وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ مَا صُحِّحَ عَلَى عُمُومِهِ، فَإِنْ كَانَتْ السَّجْدَةُ فِي الصَّلَاةِ، فَإِنْ كَانَتْ فَرِيضَةً قَالَ سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى أَوْ نَفْلًا قَالَ مَا شَاءَ مِمَّا وَرَدَ كَسَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ إلَى آخِرِهِ وَقَوْلُهُ: اللَّهُمَّ اُكْتُبْ لِي بِهَا عِنْدَك أَجْرًا وَضَعْ عَنِّي بِهَا وِزْرًا وَاجْعَلْهَا لِي عِنْدَك ذُخْرًا وَتَقَبَّلْهَا مِنِّي كَمَا تَقَبَّلْتهَا مِنْ عَبْدِك دَاوُد وَإِنْ كَانَ خَارِجَ الصَّلَاةِ قَالَ كُلَّ مَا أُثِرَ مِنْ ذَلِكَ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَمِمَّا يُسْتَحَبُّ لِأَدَائِهَا أَنْ يَقُومَ فَيَسْجُدَ؛ لِأَنَّ الْخُرُورَ سُقُوطٌ مِنْ الْقِيَامِ وَالْقُرْآنُ وَرَدَ بِهِ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ لَمْ يَضُرَّهُ، وَمَا وَقَعَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ مِنْ أَنَّهُ إذَا كَانَ قَاعِدًا لَا يَقُومُ لَهَا فَخِلَافُ الْمَذْهَبِ، وَفِي الْمُضْمَرَاتِ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُومَ وَيَسْجُدَ وَيَقُومَ بَعْدَ رَفْعِ الرَّأْسِ مِنْ السَّجْدَةِ وَلَا يَقْعُدُ اهـ. وَالثَّانِي غَرِيبٌ وَأَفَادَ فِي الْقُنْيَةِ أَنَّهُ يَقُومُ لَهَا وَإِنْ كَانَتْ كَثِيرَةً وَأَرَادَ أَنْ يَسْجُدَهَا مُتَرَادِفَةً وَمِنْ الْمُسْتَحَبِّ أَنْ يَتَقَدَّمَ التَّالِي وَيَصُفَّ الْقَوْمَ خَلْفَهُ فَيَسْجُدُونَ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَرْفَعَ الْقَوْمُ رُءُوسَهُمْ قَبْلَهُ وَلَيْسَ هُوَ اقْتِدَاءً لَهُ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّهُ لَوْ فَسَدَتْ سَجْدَةٌ لِإِمَامِ بِسَبَبٍ، لَا يَتَعَدَّى إلَيْهِمْ، وَفِي الْمُجْتَبَى مَعْزِيًّا إلَى شَيْخِ الْإِسْلَامِ: لَا يُؤْمَرُ التَّالِي بِالتَّقْدِيمِ وَلَا بِالصَّفِّ وَلَكِنَّهُ يَسْجُدُ وَيَسْجُدُونَ مَعَهُ حَيْثُ كَانُوا وَكَيْفَ كَانُوا وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَصْلُحُ إمَامًا لِلرَّجُلِ فِيهَا اهـ. وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ ثُمَّ إذَا أَرَادَ السُّجُودَ يَنْوِيهَا بِقَلْبِهِ وَيَقُولُ بِلِسَانِهِ: أَسْجُدُ لِلَّهِ سَجْدَةَ التِّلَاوَةِ اللَّهُ أَكْبَرُ كَمَا يَقُولُ أُصَلِّي لِلَّهِ تَعَالَى صَلَاةَ كَذَا. (قَوْلُهُ وَكُرِهَ أَنْ يَقْرَأَ سُورَةً وَيَدَعَ آيَةَ السَّجْدَةِ لَا عَكْسُهُ) ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الِاسْتِنْكَافَ عَنْهَا عَمْدًا فِي الْأَوَّلِ، وَفِي الثَّانِي مُبَادِرًا لَهَا قَالَ مُحَمَّدٌ: وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَقْرَأَ قَبْلَهَا آيَةً أَوْ آيَتَيْنِ وَذَكَرَ قَاضِي خان إنْ قَرَأَ مَعَهَا آيَةً وَآيَتَيْنِ فَهُوَ أَحَبُّ وَهَذَا أَعَمُّ مِنْ الْأَوَّلِ لِصِدْقِهِ بِمَا إذَا قَرَأَ بَعْدَهَا آيَةً أَوْ آيَتَيْنِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ وَعَلَّلَهُ بِقَوْلِهِ دَفْعًا لِوَهْمِ التَّفْضِيلِ أَيْ تَفْضِيلِ آيِ السَّجْدَةِ عَلَى غَيْرِهَا إذْ لِكُلٍّ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى فِي رُتْبَةٍ، وَإِنْ كَانَ لِبَعْضِهَا بِسَبَبِ اشْتِمَالِهِ عَلَى ذِكْرِ صِفَاتِ الْحَقِّ جَلَّ جَلَالُهُ زِيَادَةُ فَضِيلَةٍ بِاعْتِبَارِ الْمَذْكُورِ لَا بِاعْتِبَارِهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ قُرْآنٌ، وَفِي الْكَافِي قِيلَ: مَنْ قَرَأَ آيَ السَّجْدَةِ كُلَّهَا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ وَسَجَدَ لِكُلٍّ مِنْهَا كَفَاهُ اللَّهُ مَا أَهَمَّهُ، وَمَا ذُكِرَ فِي الْبَدَائِعِ فِي كَرَاهَةِ تَرْكِ آيَةِ السَّجْدَةِ مِنْ سُورَةٍ يَقْرَؤُهَا؛ لِأَنَّ فِيهِ قَطْعًا لِنَظْمِ الْقُرْآنِ وَتَغْيِيرًا لِتَأْلِيفِهِ، وَاتِّبَاعُ النَّظْمِ وَالتَّأْلِيفِ مَأْمُورٌ بِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} [القيامة: 18] أَيْ تَأْلِيفَهُ فَكَانَ التَّغْيِيرُ مَكْرُوهًا يَقْتَضِي كَرَاهَةَ ذَلِكَ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَأَقُولُ: وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مُقْتَضَاهُ لَكِنْ صَرَّحَ بَعْده فِي الْبَدَائِعِ بِخِلَافِهِ فَقَالَ: وَلَوْ قَرَأَ آيَةَ السَّجْدَةِ مِنْ بَيْنِ السُّوَرِ لَمْ   [منحة الخالق] كَانَ وَاحِدًا، وَإِنْ نَظَرْنَا إلَى مَكَانِ التَّالِي فَمَكَانُهُ جُعِلَ كَمَكَانٍ وَاحِدٍ فِي حَقِّهِ فَيُجْعَلُ كَذَلِكَ فِي حَقِّ السَّامِعِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ السَّمَاعَ بِنَاءً عَلَى التِّلَاوَةِ اهـ. وَعِبَارَةُ الظَّهِيرِيَّةِ كَالْقُنْيَةِ. [كَيْفِيَّة سُجُود التِّلَاوَة] (قَوْلُهُ وَكُلٌّ مِنْهُمَا سُنَّةٌ) قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة، وَفِي الْحُجَّةِ وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ لَوْ سَجَدَ، وَلَمْ يُكَبِّرْ يَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ قَالَ فِي الْحُجَّةِ وَهَذَا يُعْلَمُ، وَلَا يُعْمَلُ بِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ مُخَالَفَةِ السَّلَفِ (قَوْلُهُ: وَفِي الْمُضْمَرَاتِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَاَلَّذِي فِي الْمُضْمَرَاتِ بَعْدَ ذِكْرِ الْمَسْأَلَةِ كَذَا فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ وَوَجَدْت مَكْتُوبًا بِخَطِّ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَالْمَرْحُومِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْغَزِّيِّ الَّذِي بِنُسْخَتِي مِنْ الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَسْجُدَ يَقُومُ، ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ يَقْعُدُ انْتَهَى بِلَفْظِهِ اهـ. قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّ فِي نُسْخَتِهِ سَقْطًا؛ لِأَنَّ الَّذِي رَأَيْته فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَكَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة مَعْزِيًّا إلَيْهَا وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ يَقُومُ، ثُمَّ يَقْعُدُ، وَكَذَا قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الْقِيَامُ بَعْدَ الرَّفْعِ مِنْهَا أَيْضًا. (قَوْلُهُ يَقْتَضِي كَرَاهَةَ ذَلِكَ) خَبَرٌ عَنْ مَا فِي قَوْلِهِ، وَمَا ذُكِرَ فِي الْبَدَائِعِ أَيْ يَقْتَضِي الْكَرَاهَةَ فِي قِرَاءَةِ آيِ السَّجْدَةِ كُلِّهَا فِي مَجْلِسٍ (قَوْلُهُ لَكِنْ صَرَّحَ بَعْدَهُ فِي الْبَدَائِعِ بِخِلَافِهِ) ظَاهِرُهُ أَنَّ كَلَامَهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 137 يَضُرَّهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْقُرْآنِ، وَقِرَاءَةُ مَا هُوَ مِنْ الْقُرْآنِ طَاعَةٌ كَقِرَاءَةِ سُورَةٍ مِنْ بَيْنِ السُّوَرِ وَقَيَّدَهُ قَاضِي خان بِأَنْ يَكُونَ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ فَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي الصَّلَاةِ كُرِهَ فَهُوَ مُقَيِّدٌ لِقَوْلِهِ لَا عَكْسُهُ ثُمَّ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ، وَلَوْ قَرَأَ آيَةَ السَّجْدَةِ وَعِنْدَهُ نَاسٌ، فَإِنْ كَانُوا مُتَوَضِّئِينَ مُتَأَهِّبِينَ لِلسَّجْدَةِ قَرَأَهَا جَهْرًا، وَإِنْ كَانُوا غَيْرَ مُتَأَهِّبِينَ يَنْبَغِي أَنْ يَخْفِضَ قِرَاءَتَهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَهَرَ بِهَا لَصَارَ مُوجِبًا عَلَيْهِمْ شَيْئًا رُبَّمَا يَتَكَاسَلُونَ عَنْ أَدَائِهِ فَيَقَعُونَ فِي الْمَعْصِيَةِ اهـ. وَذَكَرَ الشَّارِحُ، وَلَوْ قَرَأَ آيَةَ السَّجْدَةِ إلَّا الْحَرْفَ الَّذِي فِي آخِرِهَا لَا يَسْجُدُ، وَلَوْ قَرَأَ الْحَرْفَ الَّذِي يَسْجُدُ فِيهِ وَحْدَهُ لَا يَسْجُدُ إلَّا أَنْ يَقْرَأَ أَكْثَرَ آيَةِ السَّجْدَةِ بِحَرْفِ السَّجْدَةِ، وَفِي مُخْتَصَرِ الْبَحْرِ لَوْ قَرَأَ وَاسْجُدْ وَسَكَتَ، وَلَمْ يَقْرَأْ وَاقْتَرِبْ تَلْزَمُهُ السَّجْدَةُ اهـ. وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خان رَجُلٌ سَمِعَ آيَةَ السَّجْدَةِ مِنْ قَوْمٍ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حَرْفًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْهَا مِنْ تَالٍ - وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ وَبِعِبَادِهِ أَرْحَمُ. (بَابُ الْمُسَافِرِ) أَيْ بَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي أَبْوَابِ الصَّلَاةِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ السَّفَرَ عَارِضٌ مُكْتَسَبٌ كَالتِّلَاوَةِ وَإِلَّا أَنَّ التِّلَاوَةَ عَارِضٌ هُوَ عِبَادَةٌ فِي نَفْسِهِ إلَّا بِعَارِضٍ بِخِلَافِ السَّفَرِ إلَّا بِعَارِضٍ فَلِذَا أَخَّرَ هَذَا الْبَابَ عَنْ ذَاكَ وَالسَّفَرُ لُغَةً قَطْعُ الْمَسَافَةِ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ بِمُدَّةٍ؛ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ الظُّهُورِ؛ وَلِهَذَا حَمَلَ أَصْحَابُنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ عَلَى الْفَقِيرِ وَالْمُسَافِرِ أُضْحِيَّةٌ» عَلَى الْخُرُوجِ مِنْ بَلَدٍ أَوْ قَرْيَةٍ حَتَّى سَقَطَ الْأُضْحِيَّةُ بِذَلِكَ الْقَدْرِ كَذَا فِي الْمُجْتَبَى، وَذَكَرَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَالسِّرَاجِ الْوَهَّاجِ أَنَّ مِنْ الْأَحْكَامِ الَّتِي تَغَيَّرَتْ بِالسَّفَرِ الشَّرْعِيِّ سُقُوطُ الْأُضْحِيَّةِ وَجَعَلَهُ كَالْقَصْرِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا لَا تَسْقُطُ إلَّا بِالسَّفَرِ الشَّرْعِيِّ وَسَيَأْتِي تَحْقِيقُهُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - فِي مَحَلِّهِ، وَالْإِضَافَةُ فِي صَلَاةِ الْمُسَافِرِ إضَافَةُ الشَّيْءِ إلَى شَرْطِهِ وَالْفِعْلِ إلَى فَاعِلِهِ (قَوْلُهُ مَنْ جَاوَزَ بُيُوتَ مِصْرِهِ مُرِيدًا سَيْرًا وَسَطًا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي بَرٍّ أَوْ بَحْرٍ أَوْ جَبَلٍ قَصَرَ الْفَرْضَ الرُّبَاعِيَّ) بَيَانٌ لِلْمَوْضِعِ الَّذِي يُبْتَدَأُ فِيهِ الْقَصْرُ وَلِشَرْطِ الْقَصْرِ وَمُدَّتُهُ وَحُكْمُهُ أَمَّا الْأَوَّلُ فَهُوَ مُجَاوَزَةُ بُيُوتِ الْمِصْرِ لِمَا صَحَّ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَنَّهُ قَصَرَ الْعَصْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ» وَعَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ الْبَصْرَةِ   [منحة الخالق] مُتَنَاقِضٌ؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ مَا صَرَّحَ بِهِ بَعْدَهُ فِيهِ تَغْيِيرٌ لِتَأْلِيفِهِ، وَالْأَحْسَنُ مَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ حَيْثُ قَالَ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ تَغْيِيرَ التَّأْلِيفِ إنَّمَا يَحْصُلُ بِإِسْقَاطِ بَعْضِ الْكَلِمَاتِ أَوْ الْآيَاتِ مِنْ السُّورَةِ لَا بِذِكْرِ كَلِمَةٍ وَآيَةٍ مِنْهَا عَلَى مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ قِرَاءَةَ آيَةٍ مِنْ بَيْنِ الْآيَاتِ كَقِرَاءَةِ سُورَةٍ مِنْ بَيْنِ السُّوَرِ فَكَمَا لَا يَكُونُ قِرَاءَةُ سُوَرٍ مُتَفَرِّقَةٍ مِنْ أَثْنَاءِ الْقُرْآنِ مُغَيِّرًا لِلتَّأْلِيفِ وَالنَّظْمِ لَا يَكُونُ قِرَاءَةُ آيَةٍ مِنْ كُلِّ سُورَةٍ مُغَيِّرًا لَهُ نَعَمْ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ آيَةَ السَّجْدَةِ مِنْ آخِرِ السُّورَةِ لَا يُكْرَهُ وَفِيهِ مَا فِيهِ اهـ. أَيْ فَالْأَوْلَى أَنْ يَذْكُرَ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ وَلِأَنَّهُ يُشْبِهُ الِاسْتِنْكَافَ حَتَّى لَا يَرِدَ هَذَا الْأَخِيرُ، هَذَا وَمَا نَقَلَهُ الرَّمْلِيُّ عَنْ الْمَقْدِسِيَّ مِنْ أَنَّ قِرَاءَةَ تِلْكَ الْآيَاتِ مُتَوَالِيَةً فِي مَجْلِسٍ تَغْيِيرٌ لِلنَّظْمِ وَإِحْدَاثُ تَأْلِيفٍ جَدِيدٍ بِخِلَافِ مَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ بَعْدُ؛ لِأَنَّ تِلْكَ آيَةٌ مُفْرَدَةٌ اهـ. ظَاهِرٌ فِيمَا لَوْ أَخَّرَ السَّجَدَاتِ لِمَا بَعْدَ التِّلَاوَةِ أَمَّا لَوْ سَجَدَ عَقِبَ كُلِّ آيَةٍ فَلَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فَاصِلٌ لِلتَّأْلِيفِ كَمَا قَالُوا فِيمَا لَوْ انْتَقَلَ مِنْ آيَةٍ إلَى أُخْرَى مِنْ سُورَةٍ وَاحِدَةٍ فِي رَكْعَتَيْنِ لَا يُكْرَهُ إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا آيَتَانِ فَأَكْثَرُ، وَلَوْ فِي رَكْعَةٍ مُطْلَقًا كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ، وَكَذَا قِرَاءَةُ سُورَتَيْنِ فُصِلَ بَيْنَهُمَا بِسُورَتَيْنِ يُكْرَهُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ لَا رَكْعَتَيْنِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الْفَتْحِ تَأَمَّلْ؛ وَلِذَا - وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - قَالَ فِي النَّهْرَانِ مَا فِي الْكَافِي، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا فِي أَنَّهُ قَرَأَ آيَةَ السَّجْدَةِ عَلَى الْوَلَاءِ، ثُمَّ سَجَدَ لَهَا إلَّا أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ سَجَدَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ عَقِبَ قِرَاءَتِهَا وَهَذَا لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ، وَمَا فِي الْكِتَابِ مِنْ قَوْلِهِ لَا عَكْسُهُ شَامِلٌ لَهُ إذْ لَيْسَ فِيهِ تَغْيِيرُ نَظْمِ الْقُرْآنِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ فَتَدَبَّرْهُ اهـ. ثُمَّ إنَّ مَا قَالَهُ الْمَقْدِسِيَّ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي النَّهْرِ أَنَّ مَا فِي الْبَدَائِعِ إنَّمَا هُوَ مِنْ بَيْنِ السُّورَةِ بِالْإِفْرَادِ لَا السُّوَرِ جَمْعُ سُورَةٍ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ فَإِنَّهُ تَحْرِيفٌ (قَوْلُهُ وَقَيَّدَهُ قَاضِي خان) أَيْ قَيَّدَ عَدَمَ كَرَاهَتِهِ الْعَكْسُ بِأَنْ يَكُونَ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ قَالُوا وَيَجِبُ أَنْ يُكْرَهَ فِي حَالَةِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى آيَةٍ وَاحِدَةٍ فِي الصَّلَاةِ مَكْرُوهٌ. [بَابُ صَلَاة الْمُسَافِرِ] (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ سَيْرًا وَسَطًا) قَالَ الشَّارِحُ الزَّيْلَعِيُّ وَسَطًا صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ وَالْعَامِلُ فِيهِ السَّيْرُ الْمَذْكُورُ؛ لِأَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِأَنْ وَالْفِعْلِ تَقْدِيرُهُ مُرِيدًا أَنْ يَسِيرَ سَيْرًا وَسَطًا فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَمُرَادُهُ التَّقْدِيرُ لَا أَنْ يَسِيرَ فِيهَا سَيْرًا وَسَطًا، وَلَا أَنْ يُرِيدَ ذَلِكَ السَّيْرَ، وَإِنَّمَا يُرِيدُ قَدْرَ تِلْكَ الْمَسَافَةِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ مُرِيدًا سَيْرًا وَسَطًا فِي بَرٍّ أَوْ بَحْرٍ أَيْ مُرِيدًا مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بِسَيْرٍ وَسَطٍ أَوْ نَقُولُ فِي كَلَامِهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ وَحَذْفٌ تَقْدِيرُهُ مُرِيدًا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ سَيْرًا وَسَطًا أَيْ بِسَيْرٍ وَسَطٍ اهـ. قَالَ فِي النَّهْرِ وَدَعَاهُ إلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْكَلَامِ مَا يَعْمَلُ فِي ثَلَاثَةٍ إذْ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الْعَامِلُ مُرِيدًا؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ مَفْعُولًا بِهِ وَالْمَعْنَى إنَّمَا هُوَ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ، وَلَا سَيْرًا؛ لِأَنَّ الْمَصْدَرَ إذَا وُصِفَ لَا يَعْمَلُ فَتَعَيَّنَ مَا قَالَ لَكِنْ قَالَ الْعَيْنِيُّ إنَّ هَذَا التَّكَلُّفَ مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِأَنْ يَكُونَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 138 فَصَلَّى الظُّهْرَ أَرْبَعًا ثُمَّ قَالَ: إنَّا لَوْ جَاوَزْنَا هَذَا الْخُصَّ لَصَلَّيْنَا رَكْعَتَيْنِ وَالْخُصُّ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ بَيْتٌ مِنْ قَصَبٍ كَذَا ضَبَطَهُ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَيَدْخُلُ فِي بُيُوتِ الْمِصْرِ رَبَضُهُ، وَهُوَ مَا حَوْلَ الْمَدِينَةِ مِنْ بُيُوتٍ وَمَسَاكِنَ وَيُقَالُ لِحَرَمِ الْمَسْجِدِ رَبَضٌ أَيْضًا وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ مُجَاوَزَةُ الْقَرْيَةِ الْمُتَّصِلَةِ بِرَبَضِ الْمِصْرِ، وَفِيهِ اخْتِلَافٌ وَظَاهِرُ الْمُجْتَبَى تَرْجِيحُ عَدَمِ الِاشْتِرَاطِ، وَهُوَ الَّذِي يُفِيدُهُ كَلَامُ أَصْحَابِ الْمُتُونِ كَالْهِدَايَةِ أَيْضًا وَجَزَمَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِالِاشْتِرَاطِ وَاعْتَرَضَ بِهِ عَلَى الْهِدَايَةِ وَصَحَّحَ قَاضِي خان فِي فَتَاوِيهِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مُجَاوَزَةِ الْقَرْيَةِ الْمُتَّصِلَةِ بِرُبَضِ الْمِصْرِ بِخِلَافِ الْقَرْيَةِ الْمُتَّصِلَةِ بِفِنَاءِ الْمِصْرِ فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ مُجَاوَزَةُ الْفِنَاءِ لَا الْقَرْيَةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ مُجَاوَزَةَ الْفِنَاءِ لِلِاخْتِلَافِ وَفَصَّلَ قَاضِي خان فِي فَتَاوَاهُ فَقَالَ: إنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمِصْرِ أَقَلُّ مِنْ قَدْرِ غَلْوَةٍ، وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا مَزْرَعَةٌ يُعْتَبَرُ مُجَاوَزَةُ الْفِنَاءِ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَتْ بَيْنَهُمَا مَزْرَعَةٌ أَوْ كَانَتْ الْمَسَافَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمِصْرِ قَدْرَ غَلْوَةٍ يُعْتَبَرُ مُجَاوَزَةُ عُمْرَانِ الْمِصْرِ اهـ. وَأَطْلَقَ فِي الْمُجَاوَزَةِ فَانْصَرَفَتْ مِنْ الْجَانِبِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ، وَلَا يُعْتَبَرُ مُجَاوَزَةُ مَحَلَّةٍ بِحِذَائِهِ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ، فَإِنْ كَانَتْ فِي الْجَانِبِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ مَحَلَّةٌ مُنْفَصِلَةٌ عَنْ الْمِصْرِ، وَفِي الْقَدِيمِ كَانَتْ مُتَّصِلَةً بِالْمِصْرِ لَا يَقْصُرُ الصَّلَاةَ حَتَّى يُجَاوِزَ تِلْكَ الْمَحَلَّةَ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَذَكَرَ فِي الْمُجْتَبَى أَنَّ قَدْرَ الْغَلْوَةِ ثَلَثُمِائَةِ ذِرَاعٍ إلَى أَرْبَعِمِائَةٍ، وَهُوَ الْأَصَحُّ وَفِي الْمُحِيطِ وَكَذَا إذَا عَادَ مِنْ سَفَرِهِ إلَى مِصْرٍ لَمْ يُتِمَّ حَتَّى يَدْخُلَ الْعُمْرَانِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَهُوَ أَنْ يَقْصِدَ مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَلَوْ طَافَ الدُّنْيَا مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ إلَى قَطْعِ مَسِيرَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لَا يَتَرَخَّصُ، وَعَلَى هَذَا قَالُوا: أَمِيرٌ خَرَجَ مَعَ جَيْشِهِ فِي طَلَبِ الْعَدُوِّ، وَلَمْ يَعْلَمْ أَيْنَ يُدْرِكُهُمْ فَإِنَّهُمْ يُصَلُّونَ صَلَاةَ الْإِقَامَةِ فِي الذَّهَابِ، وَإِنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ وَكَذَلِكَ الْمُكْثُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ أَمَّا فِي الرُّجُوعِ، فَإِنْ كَانَتْ مُدَّةَ سَفَرٍ قَصَرُوا، وَعَلَى اعْتِبَارِ الْقَصْدِ تَفَرَّعَ فِي صَبِيٍّ وَنَصْرَانِيٍّ خَرَجَا قَاصِدَيْنِ مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَفِي أَثْنَائِهَا بَلَغَ الصَّبِيُّ وَأَسْلَمَ الْكَافِرُ يَقْصُرُ الَّذِي أَسْلَمَ فِيمَا بَقِيَ وَيُتِمُّ الَّذِي بَلَغَ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْقَصْدِ وَالنِّيَّةِ مِنْ الصَّبِيِّ حِينَ أَنْشَأَ السَّفَرَ بِخِلَافِ النَّصْرَانِيِّ وَالْبَاقِي بَعْدَ صِحَّةِ النِّيَّةِ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَسَيَأْتِي أَيْضًا، وَإِنَّمَا اكْتَفَى بِالنِّيَّةِ فِي الْإِقَامَةِ وَاشْتَرَطَ الْعَمَلَ مَعَهَا فِي السَّفَرِ لِمَا أَنَّ فِي السَّفَرِ الْحَاجَةُ إلَى الْفِعْلِ، وَهُوَ لَا يَكْفِيهِ مُجَرَّدُ النِّيَّةِ مَا لَمْ يُقَارِنْهَا عَمَلٌ مِنْ رُكُوبٍ أَوْ مَشْيٍ كَالصَّائِمِ إذَا نَوَى الْإِفْطَارَ لَا يَكُونُ مُفْطِرًا مَا لَمْ يُفْطِرْ، وَفِي الْإِقَامَةِ الْحَاجَةُ إلَى تَرْكِ الْفِعْلِ، وَفِي التَّرْكِ يَكْفِي مُجَرَّدُ النِّيَّةِ كَعَبْدِ التِّجَارَةِ إذَا نَوَاهُ لِلْخِدْمَةِ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ النِّيَّةَ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ قَبْلَ الصَّلَاةِ؛ وَلِذَا قَالَ فِي التَّجْنِيسِ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ فِي السَّفِينَةِ حَالَ إقَامَتِهِ فِي طَرَفِ الْبَحْرِ فَنَقَلَهَا الرِّيحُ، وَهُوَ فِي السَّفِينَةِ وَنَوَى السَّفَرَ يُتِمُّ صَلَاةَ الْمُقِيمُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ فِي هَذِهِ الصَّلَاةِ مَا يُوجِبُ الْأَرْبَعَ وَمَا يَمْنَعُ فَرَجَّحْنَا مَا يُوجِبُ الْأَرْبَعَ احْتِيَاطًا اهـ. وَفِيهِ أَيْضًا وَمَنْ حَمَلَ غَيْرَهُ لِيَذْهَبَ مَعَهُ وَالْمَحْمُولُ لَا يَدْرِي أَيْنَ يَذْهَبُ مَعَهُ فَإِنَّهُ يُتِمُّ الصَّلَاةَ حَتَّى يَسِيرَ ثَلَاثًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ الْمُغَيَّرُ وَإِذَا سَارَ ثَلَاثًا فَحِينَئِذٍ قَصَرَ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَصْرُ مِنْ حِينِ حَمْلِهِ، وَلَوْ كَانَ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ مِنْ يَوْمِ حَمَلَ وَسَارَ بِهِ مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَإِنَّ صَلَاتَهُ تُجْزِئُهُ، وَإِنْ سَارَ بِهِ أَقَلَّ مِنْ مَسِيرَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَعَادَ كُلَّ صَلَاةٍ صَلَّاهَا رَكْعَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ صَلَّى صَلَاةَ الْمُسَافِرِينَ، وَهُوَ مُقِيمٌ، وَفِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ مُسَافِرٌ اهـ. فَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَكُونُ مُسَافِرًا بِغَيْرِ قَصْدٍ، وَهُوَ غَيْرُ مُشْكِلٍ لِمَا سَيَأْتِي أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِنِيَّةِ الْمَتْبُوعِ لَا التَّابِعِ، وَأَمَّا التَّقْدِيرُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ لِإِشَارَةِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَمْسَحُ الْمُقِيمُ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَالْمُسَافِرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ» عَمَّ الرُّخْصَةَ الْجِنْسَ، وَمِنْ ضَرُورَتِهِ عُمُومُ التَّقْدِيرِ، وَتَمَامُ تَحْقِيقِهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْمُرَادُ بِالْيَوْمِ النَّهَارُ دُونَ اللَّيْلِ؛ لِأَنَّ اللَّيْلَ لِلِاسْتِرَاحَةِ فَلَا يُعْتَبَرُ وَالْمُرَادُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ مِنْ أَقْصَرِ أَيَّامِ السَّنَةِ وَهَلْ يُشْتَرَطُ سَفَرُ كُلِّ يَوْمٍ إلَى اللَّيْلِ اخْتَلَفُوا   [منحة الخالق] سَيْرًا مَفْعُولَ مُرِيدًا وَوَسَطًا وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ صِفَتَانِ لَهُ أَيْ كَائِنًا فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ (قَوْلُهُ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْقَصْدِ وَالنِّيَّةِ مِنْ الصَّبِيِّ) أَقُولُ: ذَكَرَ فِي السِّرَاجِ، وَكَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ الْحَائِضُ إذَا طَهُرَتْ مِنْ حَيْضِهَا وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَقْصِدِ أَقَلُّ مِنْ مَسِيرَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ تُصَلِّي أَرْبَعًا هُوَ الصَّحِيحُ اهـ. فَلْيُتَأَمَّلْ. وَفِي الشرنبلالية بَعْدَ عَزْوِهِ لِمُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهَا لَا تَنْزِلُ عَنْ رُتْبَةِ الَّذِي أَسْلَمَ فَكَانَ حَقُّهَا الْقَصْرَ مِثْلَهُ اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي فِي الصَّبِيِّ وَالْكَافِرِ أَنَّهُمَا يُتِمَّانِ كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ وَسَيَأْتِي) أَيْ فِي آخِرِ هَذِهِ السَّوَادَةِ (قَوْلُهُ عَمَّ الرُّخْصَةُ) أَيْ مَسَحَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ الْجِنْسَ أَيْ جِنْسَ الْمُسَافِرِينَ؛ لِأَنَّ اللَّامَ فِي الْمُسَافِرِ لِلِاسْتِغْرَاقِ لِعَدَمِ الْمَعْهُودِ الْمُعَيَّنِ وَمِنْ ضَرُورَةِ عُمُومِ الرُّخْصَةِ الْجِنْسَ عُمُومُ التَّقْدِيرِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لِكُلِّ مُسَافِرٍ (قَوْلُهُ وَتَمَامُ تَحْقِيقِهِ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ كُلَّ مُسَافِرٍ يَمْسَحُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَلَوْ كَانَ السَّفَرُ الشَّرْعِيُّ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ لَثَبَتَ مُسَافِرٌ لَا يُمْكِنُهُ مَسْحُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَقَدْ كَانَ كُلُّ مُسَافِرٍ يُمْكِنُهُ ذَلِكَ، ثُمَّ اُعْتُرِضَ هَذَا الدَّلِيلُ بِأَنَّهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 139 فِيهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ حَتَّى لَوْ بَكَّرَ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَمَشَى إلَى الزَّوَالِ ثُمَّ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي كَذَلِكَ ثُمَّ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُسَافِرًا؛ لِأَنَّ الْمُسَافِرَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ النُّزُولِ لِاسْتِرَاحَةِ نَفْسِهِ وَدَابَّتِهِ فَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يُسَافِرَ مِنْ الْفَجْرِ إلَى الْفَجْرِ؛ لِأَنَّ الْآدَمِيَّ لَا يُطِيقُ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ الدَّوَابُّ فَأُلْحِقَتْ مُدَّةُ الِاسْتِرَاحَةِ بِمُدَّةِ السَّفَرِ لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ؛ لِأَنَّ أَقَلَّ الْيَوْمِ إذَا كَانَ مُلْحَقًا بِأَكْثَرِهِ لِلضَّرُورَةِ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مُخَالَفَةٌ لِلْحَدِيثِ الْمُفِيدِ لِلثَّلَاثَةِ كَمَا أَنَّ اللَّيْلَ لِلِاسْتِرَاحَةِ، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي الْحَدِيثِ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِالْفَرَاسِخِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الطَّرِيقَ لَوْ كَانَ وَعْرًا بِحَيْثُ يُقْطَعُ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ فَرْسَخًا قَصَرَ بِالنَّصِّ، وَعَلَى التَّقْدِيرِ بِهَا لَا يَقْصُرُ فَيُعَارِضُ النَّصَّ فَلَا يُعْتَبَرُ سِوَى سَيْرِ الثَّلَاثَةِ، وَفِي النِّهَايَةِ الْفَتْوَى عَلَى اعْتِبَارِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ فَرْسَخًا، وَفِي الْمُجْتَبَى فَتْوَى أَكْثَرِ أَئِمَّةِ خُوَارِزْمَ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ فَرْسَخًا اهـ. وَأَنَا أَتَعَجَّبُ مِنْ فَتْوَاهُمْ فِي هَذَا وَأَمْثَالِهِ بِمَا يُخَالِفُ مَذْهَبَ الْإِمَامِ خُصُوصًا الْمُخَالِفَ لِلنَّصِّ الصَّرِيحِ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خان أَنَّ الرَّجُلَ إذَا قَصَدَ بَلَدَهُ وَإِلَى مَقْصِدِهِ طَرِيقَانِ: أَحَدُهُمَا مَسِيرَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا، وَالْآخَرُ دُونَهَا فَسَلَكَ الطَّرِيقَ الْأَبْعَدَ كَانَ مُسَافِرًا عِنْدَنَا اهـ. وَإِنْ سَلَكَ الْأَقْصَرَ يُتِمُّ وَهَذَا جَوَابُ وَاقِعَةِ الْمَلَّاحِينَ بِخُوَارِزْمَ فَإِنَّ مِنْ الْجُرْجَانِيَّةِ إلَى مَدَانِقَ اثْنَيْ عَشَرَ فَرْسَخًا فِي الْبَرِّ، وَفِي جَيْحُونَ أَكْثَرُ مِنْ عِشْرِينَ فَرْسَخًا فَجَازَ لِرُكَّابِ السَّفِينَةِ وَالْمَلَّاحِينَ الْقَصْرُ وَالْإِفْطَارُ فِيهِ صَاعِدًا وَمُنْحَدِرًا كَذَا فِي الْمُجْتَبَى وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ الْمُقِيمُ إذَا قَصَدَ مِصْرًا مِنْ الْأَمْصَارِ، وَهُوَ مَا دُونَ مَسِيرَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لَا يَكُونُ مُسَافِرًا، وَلَوْ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ ذَلِكَ الْمِصْرِ الَّذِي قَصَدَ إلَى مِصْرٍ آخَرَ، وَهُوَ أَيْضًا أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ مُسَافِرًا، وَإِنْ طَافَ آفَاقَ الدُّنْيَا عَلَى هَذَا السَّبِيلِ لَا يَكُونُ مُسَافِرًا اهـ. وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ إذَا كَانَتْ الْمَسَافَةُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بِالسَّيْرِ الْمُعْتَادِ فَسَارَ إلَيْهَا عَلَى الْبَرِيدِ سَيْرًا مُسْرِعًا أَوْ عَلَى الْفَرَسِ جَرْيًا حَثِيثًا فَوَصَلَ فِي يَوْمَيْنِ قَصَرَ اهـ. وَالْمُرَادُ بِسَيْرِ الْبَرِّ وَالْجَبَلِ أَنْ يَكُونَ بِالْإِبِلِ وَمَشْيُ الْأَقْدَامِ وَالْمُرَادُ بِالْإِبِلِ إبِلُ الْقَافِلَةِ دُونَ الْبَرِيدِ وَأَمَّا السَّيْرُ فِي الْبَحْرِ فَيُعْتَبَرُ مَا يَلِيقُ بِحَالِهِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَسَافَةُ ثَلَاثَةٍ فِيهِ إذَا كَانَتْ تِلْكَ الرِّيَاحُ مُعْتَدِلَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ تِلْكَ الْمَسَافَةُ بِحَيْثُ تُقْطَعُ فِي الْبَرِّ فِي يَوْمٍ كَمَا فِي الْجَبَلِ يُعْتَبَرُ كَوْنُهَا مِنْ طَرِيقِ الْجَبَلِ بِالسَّيْرِ الْوَسَطِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَإِنْ كَانَتْ تُقْطَعُ مِنْ طَرِيقِ السَّهْلِ بِيَوْمٍ، فَالْحَاصِلُ أَنْ تُعْتَبَرَ الْمُدَّةُ مِنْ أَيِّ طَرِيقٍ أَخَذَ فِيهِ؛ وَلِهَذَا عَمَّمَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَخَرَجَ سَيْرُ الْبَقَرِ بِجَرِّ الْعَجَلَةِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ أَبْطَأُ السَّيْرِ كَمَا أَنَّ أَسْرَعَهُ سَيْرُ الْفَرَسِ وَالْبَرِيدِ وَالْوَسَطُ مَا ذَكَرْنَا، وَفِي الْبَدَائِعِ ثُمَّ يُعْتَبَرُ فِي كُلِّ ذَلِكَ السَّيْرُ الْمُعْتَادُ فِيهِ وَذَلِكَ مَعْلُومٌ عِنْدَ النَّاسِ فَيُرْجَعُ إلَيْهِمْ عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ وَأَمَّا الثَّالِثُ أَعْنِي حُكْمَ السَّفَرِ فَهُوَ تَغْيِيرُ بَعْضِ الْأَحْكَامِ فَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مِنْهَا قَصْرَ الصَّلَاةِ وَالْمُرَادُ وُجُوبُ قَصْرِهَا حَتَّى لَوْ أَتَمَّ فَإِنَّهُ آثِمٌ عَاصٍ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ عِنْدَنَا مِنْ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ رَكْعَتَانِ فِي حَقِّهِ لَا غَيْرُ وَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ لَقَّبَ الْمَسْأَلَةَ بِأَنَّ الْقَصْرَ عِنْدَنَا عَزِيمَةٌ وَإِلَّا كَمَالُ رُخْصَةٍ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَهَذَا التَّقْلِيبُ عَلَى أَصْلِنَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ فِي حَقِّهِ لَيْسَتَا قَصْرًا   [منحة الخالق] قَدْ يُقَالُ الْمُرَادُ الْمُسَافِرُ إذَا كَانَ سَفَرُهُ يَسْتَوْعِبُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ قَالَ: وَلَا يُقَالُ إنَّهُ احْتِمَالٌ يُخَالِفُهُ الظَّاهِرُ فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ قَدْ صَارُوا إلَيْهِ فِيمَا إذَا بَكَّرَ الْمُسَافِرُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَمَشَى إلَى وَقْتِ الزَّوَالِ، ثُمَّ فِي الثَّانِي وَالثَّالِثِ كَذَلِكَ فَبَلَغَ الْمَقْصِدَ فَإِنَّهُ مُسَافِرٌ عَلَى الصَّحِيحِ، وَلَا يُمْكِنُهُ الْمَسْحُ تَمَامَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُقِيمًا، وَإِنْ قَالُوا بَقِيَّةُ كُلِّ يَوْمٍ مُلْحَقَةٌ بِالْمُنْقَضِي لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَخَلُّلِ الِاسْتِرَاحَاتِ لَا يَخْرُجُ بِذَلِكَ مِنْ أَنَّ مُسَافِرًا مَسَحَ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَإِنَّ عَصْرَ الْيَوْمِ الثَّالِثِ لَا يُمْسَحُ فِيهِ فَلَيْسَ تَمَامُ الثَّالِثِ مُلْحَقًا بِأَوَّلِهِ شَرْعًا لِعَدَمِ الرُّخْصَةِ فِيهِ، وَلَا هُوَ سَفَرٌ حَقِيقَةً فَظَهَرَ أَنَّهُ إنَّمَا يَمْسَحُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ إذَا كَانَ سَفَرُهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَهُوَ عَيْنُ الِاحْتِمَالِ الْمَذْكُورِ مِنْ أَنَّ بَعْضَ الْمُسَافِرِينَ لَا يَمْسَحُهَا، وَآلَ إلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَيْ مِنْ أَنَّ مُدَّتَهُ يَوْمَانِ وَأَكْثَرُ الثَّالِثِ اهـ. مُلَخَّصًا. وَحَاصِلُهُ مَنْعُ الْكُلِّيَّةِ الْقَائِلَةِ: إنَّ كُلَّ مُسَافِرٍ يَمْسَحُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بِإِثْبَاتِ مُسَافِرٍ يَمْسَحُ أَقَلَّ مِنْهَا فَلَمْ يَكُنْ فِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ أَقَلَّ مُدَّةِ السَّفَرِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ (قَوْلُهُ وَبِهِ انْدَفَعَ إلَخْ) لَا يَخْفَى مَا فِيهِ عَلَى الْمُتَأَمِّلِ النَّبِيهِ (قَوْلُهُ وَأَنَا أَتَعَجَّبُ إلَخْ) قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يُؤْخَذُ جَوَابُهُ مِنْ قَوْلِ الْفَتْحِ وَكُلُّ مَنْ قَدَّرَ بِقَدْرٍ مِنْهَا اعْتَقَدَ أَنَّهُ مَسِيرَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَإِنَّمَا كَانَ الصَّحِيحُ أَنْ لَا يُقَدَّرَ بِهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الطَّرِيقُ وَعِرًا إلَخْ مَا مَرَّ (قَوْلُهُ: وَفِي السِّرَاجِ إذَا كَانَتْ الْمَسَافَةُ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ وَهَذَا أَيْضًا مِمَّا يُقَوِّي الْإِشْكَالَ الَّذِي قُلْنَاهُ، وَلَا مُخَلِّصَ إلَّا أَنْ يُمْنَعَ قَصْرُ مُسَافِرِ يَوْمٍ وَاحِدٍ، وَإِنْ قَطَعَ فِيهِ مَسِيرَةَ أَيَّامٍ وَإِلَّا لَزِمَ الْقَصْرُ لَوْ قَطَعَهَا فِي سَاعَةٍ صَغِيرَةٍ كَقَدْرِ دَرَجَةٍ كَمَا لَوْ ظَنَّ صَاحِبُ كَرَامَةِ الطَّيِّ؛ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَطَعَ مَسَافَةَ ثَلَاثَةٍ بِسَيْرِ الْإِبِلِ، وَهُوَ بَعِيدٌ لِانْتِفَاءِ مَظِنَّةِ الْمَشَقَّةِ وَهِيَ الْعِلَّةُ وَتَمَامُهُ فِيهِ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَتْ الْمَسَافَةُ بِحَيْثُ تُقْطَعُ) إنَّ هَذِهِ وَصْلِيَّةٌ كَالَّتِي بَعْدَهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 140 حَقِيقَةً عِنْدَنَا بَلْ هُمَا تَمَامُ فَرْضِ الْمُسَافِرِ وَإِلَّا كَمَالٌ لَيْسَ رُخْصَةً فِي حَقِّهِ بَلْ إسَاءَةٌ وَمُخَالَفَةٌ لِلسُّنَّةِ وَلِأَنَّ الرُّخْصَةَ اسْمٌ لِمَا تَغَيَّرَ عَنْ الْحُكْمِ الْأَصْلِيِّ بِعَارِضٍ إلَى تَخْفِيفٍ وَيُسْرٍ، وَلَمْ يُوجَدْ مَعْنَى التَّغْيِيرِ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ رَأْسًا إذْ الصَّلَاةُ فِي الْأَصْلِ فُرِضَتْ رَكْعَتَيْنِ فِي حَقِّ الْمُقِيمِ وَالْمُسَافِرِ ثُمَّ زِيدَتْ رَكْعَتَيْنِ فِي حَقِّ الْمُقِيمِ كَمَا رَوَتْهُ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَانْعَدَمَ مَعْنَى التَّغْيِيرِ فِي حَقِّهِ أَصْلًا، وَفِي حَقِّ الْمُقِيمِ وُجِدَ التَّغْيِيرُ لَكِنْ إلَى الْغِلَظِ وَالشِّدَّةِ لَا إلَى السُّهُولَةِ وَالْيُسْرِ، وَالرُّخْصَةُ تُنْبِئُ عَنْ ذَلِكَ فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ رُخْصَةً حَقِيقَةً فِي حَقِّ الْمُقِيمِ أَيْضًا، وَلَوْ سَمَّى فَإِنَّمَا هُوَ مَجَازٌ لِوُجُودِ بَعْضِ مَعَانِي الْحَقِيقَةِ، وَهُوَ التَّغْيِيرُ اهـ. فَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ فِي جَوَابِ الشَّرْطِ صَلَّى الْفَرْضَ الرُّبَاعِيَّ رَكْعَتَيْنِ لَكَانَ أَوْلَى وَقَيَّدَ بِالْفَرْضِ؛ لِأَنَّهُ لَا قَصْرَ فِي الْوِتْرِ وَالسُّنَنِ وَاخْتَلَفُوا فِي تَرْكِ السُّنَنِ فِي السَّفَرِ فَقِيلَ: الْأَفْضَلُ هُوَ التَّرْكُ تَرْخِيصًا وَقِيلَ الْفِعْلُ تَقَرُّبًا وَقَالَ الْهِنْدُوَانِيُّ: الْفِعْلُ حَالَ النُّزُولِ وَالتَّرْكُ حَالَ السَّيْرِ، وَقِيلَ يُصَلِّي سُنَّةَ الْفَجْرِ خَاصَّةً، وَقِيلَ سُنَّةَ الْمَغْرِبِ أَيْضًا، وَفِي التَّجْنِيسِ وَالْمُخْتَارِ أَنَّهُ إنْ كَانَ حَالَ أَمْنٍ وَقَرَارٍ يَأْتِي بِهَا؛ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ مُكَمِّلَاتٍ وَالْمُسَافِرُ إلَيْهِ مُحْتَاجٌ، وَإِنْ كَانَ حَالَ خَوْفٍ لَا يَأْتِي بِهَا؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ بِعُذْرٍ اهـ. وَقَيَّدَ بِالرُّبَاعِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَا قَصْرَ فِي الْفَرْضِ الثُّنَائِيِّ وَالثُّلَاثِيِّ فَالرَّكَعَاتُ الْمَفْرُوضَةُ حَالَ الْإِقَامَةِ سَبْعَ عَشْرَةَ وَحَالَ السَّفَرِ إحْدَى عَشْرَةَ، وَفِي عُمْدَةِ الْفَتَاوَى لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ إذَا قَالَ لِنِسَائِهِ مَنْ لَمْ يَدْرِ مِنْكُنَّ كَمْ رَكْعَةٍ فَرْضُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَهِيَ طَالِقٌ فَقَالَتْ: إحْدَاهُنَّ عِشْرُونَ رَكْعَةً وَالْأُخْرَى سَبْعَةَ عَشَرَ رَكْعَةً وَالْأُخْرَى خَمْسَ عَشْرَةَ وَالْأُخْرَى إحْدَى عَشْرَةَ لَا تَطْلُقُ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ أَمَّا السَّبْعَةَ عَشَرَ لَا يُشْكِلُ وَمَنْ قَالَتْ عِشْرُونَ رَكْعَةً فَقَدْ ضَمَّتْ الْوِتْرَ إلَيْهَا، وَمَنْ قَالَتْ خَمْسَ عَشْرَةَ فَيَوْمُ الْجُمُعَةِ، وَمَنْ قَالَتْ إحْدَى عَشْرَةَ فَفَرْضُ الْمُسَافِرِ اهـ. أَطْلَقَ الْإِرَادَةَ فَشَمَلَتْ إرَادَةَ الْكَافِرِ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: صَبِيٌّ وَنَصْرَانِيٌّ خَرَجَا إلَى سَفَرٍ مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا فَلَمَّا سَارَا يَوْمَيْنِ أَسْلَمَ النَّصْرَانِيُّ وَبَلَغَ الصَّبِيُّ فَالنَّصْرَانِيُّ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ فِيمَا بَقِيَ مِنْ سَفَرِهِ وَالصَّبِيُّ يُتِمُّ الصَّلَاةَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ نِيَّةَ الْكَافِرِ مُعْتَبَرَةٌ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ، وَالْإِمَامُ الْجَلِيلُ الْفَضْلِيُّ سَوَّى بَيْنَهُمَا يَعْنِي كِلَاهُمَا يُتِمَّانِ الصَّلَاةَ اهـ. (قَوْلُهُ فَلَوْ أَتَمَّ وَقَعَدَ فِي الثَّانِيَةِ صَحَّ وَإِلَّا لَا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَقْعُدْ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ لَمْ يَصِحَّ فَرْضُهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَعَدَ فَقَدْ تَمَّ فَرْضُهُ وَصَارَتْ الْأُخْرَيَاتُ لَهُ نَفْلًا كَالْفَجْرِ وَصَارَ آثِمًا لِتَأْخِيرِ السَّلَامِ، وَإِنْ لَمْ يَقْعُدْ فَقَدْ خَلَطَ النَّفَلَ بِالْفَرْضِ قَبْلَ إكْمَالِهِ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَقْرَأَ فِي الْأُولَيَيْنِ فَلَوْ تَرَكَ فِيهِمَا أَوْ فِي إحْدَاهُمَا وَقَرَأَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ لَمْ يَصِحَّ فَرْضُهُ وَهَذَا كُلُّهُ إنْ لَمْ يَنْوِ الْإِقَامَةَ، فَإِنْ نَوَاهَا قَالَ الْإِسْبِيجَابِيُّ لَوْ صَلَّى الْمُسَافِرُ رَكْعَتَيْنِ وَقَرَأَ فِيهِمَا وَتَشَهَّدَ ثُمَّ نَوَى الْإِقَامَةَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ أَوْ بَعْدَمَا قَامَ إلَى الثَّالِثَةِ قَبْلَ أَنْ يُقَيِّدَهَا بِسَجْدَةٍ فَإِنَّهُ يَتَحَوَّلُ فَرْضُهُ إلَى الْأَرْبَعِ إلَّا أَنَّهُ يُعِيدُ الْقِيَامَ وَالرُّكُوعَ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَهُ بِنِيَّةِ التَّطَوُّعِ فَلَا يَنُوبُ عَنْ الْفَرْضِ وَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي الْقِرَاءَةِ فَلَوْ قَيَّدَهَا بِسَجْدَةٍ ثُمَّ نَوَاهَا لَمْ يَتَحَوَّلْ فَرْضُهُ وَيُضَيِّفُ إلَيْهَا أُخْرَى، وَلَوْ أَفْسَدَهَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَوْ لَمْ يَتَشَهَّدْ وَقَامَ إلَى الثَّالِثَةِ ثُمَّ نَوَى الْإِقَامَةَ تَحَوَّلَ فَرْضُهُ أَرْبَعًا اتِّفَاقًا، فَإِنْ لَمْ يُقِمْ صُلْبَهُ عَادَ إلَى التَّشَهُّدِ، وَإِنْ أَقَامَهُ لَا يَعُودُ وَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي الْقِرَاءَةِ، وَلَوْ قَامَ إلَى الثَّالِثَةِ ثُمَّ نَوَى قَبْلَ السَّجْدَةِ تَحَوَّلَ الْفَرْضُ وَيُعِيدُ الْقِيَامَ وَالرُّكُوعَ، وَلَوْ قَيَّدَ بِالسَّجْدَةِ فَقَدْ تَأَكَّدَ الْفَسَادُ فَيُضِيفُ أُخْرَى فَتَكُونُ الْأَرْبَعُ تَطَوُّعًا عَلَى قَوْلِهِمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ فَعِنْدَهُ لَا تَنْقَلِبُ بَعْدَ الْفَسَادِ تَطَوُّعًا، وَلَوْ تَرَكَ الْقِرَاءَةَ وَأَتَى بِالتَّشَهُّدِ ثُمَّ نَوَى الْإِقَامَةَ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ أَوْ قَامَ إلَى الثَّالِثَةِ ثُمَّ نَوَى الْإِقَامَةَ قَبْلَ أَنْ يُقَيِّدَهَا بِالسَّجْدَةِ فَإِنَّهُ يَتَحَوَّلُ إلَى الْأَرْبَعِ وَيَقْرَأُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ قَضَاءً عَنْ الْأُولَيَيْنِ، وَلَوْ قَيَّدَ الثَّالِثَةَ بِسَجْدَةٍ ثُمَّ نَوَى فَسَدَتْ اتِّفَاقًا وَيُضِيفُ رَابِعَةً لِتَكُونَ تَطَوُّعًا عِنْدَهُمَا اهـ. (قَوْلُهُ حَتَّى يَدْخُلَ مِصْرَهُ أَوْ يَنْوِيَ الْإِقَامَةَ نِصْفَ شَهْرٍ فِي بَلَدٍ أَوْ قَرْيَةٍ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ قَصَرَ أَيْ قَصَرَ إلَى غَايَةِ دُخُولِ الْمِصْرِ أَوْ نِيَّةُ الْإِقَامَةِ فِي مَوْضِعٍ صَالِحٍ لِلْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ فَلَا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَقَالَ الْهِنْدُوَانِيُّ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَالَ فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَإِلَّا عُدِّلَ مَا قَالَهُ الْهِنْدُوَانِيُّ اهـ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 141 يَقْصُرُ، أَطْلَقَ فِي دُخُولِ مِصْرِهِ فَشَمَلَ مَا إذَا نَوَى الْإِقَامَةَ بِهِ أَوْ لَا، وَشَمَلَ مَا إذَا كَانَ فِي الصَّلَاةِ كَمَا إذَا سَبَقَهُ حَدَثٌ، وَلَيْسَ عِنْدَهُ مَاءٌ فَدَخَلَهُ لِلْمَاءِ إلَّا اللَّاحِقُ إذَا أَحْدَثَ وَدَخَلَ مِصْرَهُ لِيَتَوَضَّأَ لَا يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ، وَلَا يَصِيرُ مُقِيمًا بِدُخُولِهِ الْمِصْرَ كَذَا فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ وَشَمَلَ مَا إذَا كَانَ سَارَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ أَقَلَّ لَكِنَّ الْمَذْكُورَ فِي الشَّرْحِ أَنَّهُ يُتِمُّ إذَا سَارَ أَقَلَّ بِمُجَرَّدِ الْعَزْمِ عَلَى الرُّجُوعِ، وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ مِصْرَهُ؛ لِأَنَّهُ نَقْضٌ لِلسَّفَرِ قَبْلَ الِاسْتِحْكَامِ إذْ هُوَ يَحْتَمِلُ النَّقْضَ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقِيَاسُهُ أَنْ لَا يَحِلَّ فِطْرُهُ فِي رَمَضَانَ إذَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَلَدِهِ يَوْمَانِ، وَفِي الْمُجْتَبَى لَا يَبْطُلُ السَّفَرُ إلَّا بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ أَوْ دُخُولِ الْوَطَنِ أَوْ الرُّجُوعِ قَبْلَ الثَّلَاثَةِ اهـ. وَالْمَذْكُورُ فِي الْخَانِيَّةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُ إذَا رَجَعَ لِحَاجَةٍ نَسِيَهَا ثُمَّ تَذَّكَّرهَا، فَإِنْ كَانَ لَهُ وَطَنٌ أَصْلِيٌّ يَصِيرُ مُقِيمًا بِمُجَرَّدِ الْعَزْمِ عَلَى الرُّجُوعِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَطَنٌ أَصْلِيٌّ يَقْصُرُ اهـ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ دُخُولِ الْمِصْرِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ مُفَارَقَةُ الْبُيُوتِ قَاصِدًا مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لَا اسْتِكْمَالُ سَفَرِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بِدَلِيلِ ثُبُوتِ حُكْمِ السَّفَرِ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ فَقَدْ تَمَّتْ الْعِلَّةُ لِحُكْمِ السَّفَرِ فَيَثْبُتُ حُكْمُهُ مَا لَمْ تَثْبُتْ عِلَّةُ حُكْمِ الْإِقَامَةِ وَرَوَى الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا أَنَّ عَلِيًّا خَرَجَ فَقَصَرَ، وَهُوَ يَرَى الْبُيُوتَ فَلَمَّا رَجَعَ قِيلَ لَهُ: هَذِهِ الْكُوفَةُ قَالَ لَا حَتَّى نَدْخُلَهَا يُرِيدُ أَنَّهُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَالْكُوفَةُ بِمَرْأَى مِنْهُمْ فَقِيلَ لَهُ إلَى آخِرِهِ وَقَيَّدَ بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ دَخَلَ بَلَدًا، وَلَمْ يَنْوِ أَنَّهُ يُقِيمُ فِيهَا خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَإِنَّمَا يَقُولُ غَدًا أَخْرُجُ أَوْ بَعْدَ غَدٍ أَخْرُجُ حَتَّى بَقِيَ عَلَى ذَلِكَ سِنِينَ قَصَرَ، وَفِي الْمُجْتَبَى وَالنِّيَّةُ إنَّمَا تُؤَثِّرُ بِخَمْسِ شَرَائِطَ أَحَدُهَا تَرْكُ السَّيْرِ حَتَّى لَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ، وَهُوَ يَسِيرُ لَمْ يَصِحَّ وَثَانِيهَا صَلَاحِيَةُ الْمَوْضِعِ حَتَّى لَوْ أَقَامَ فِي بَحْرٍ أَوْ جَزِيرَةٍ لَمْ تَصِحَّ وَاتِّحَادُ الْمَوْضِعِ وَالْمُدَّةِ وَالِاسْتِقْلَالُ بِالرَّأْيِ اهـ. وَأَطْلَقَ النِّيَّةَ فَشَمَلَ الْحِكْمَةَ كَمَا لَوْ وَصَلَ الْحَاجُّ إلَى الشَّامِ وَعَلِمَ أَنَّ الْقَافِلَةَ إنَّمَا تَخْرُجُ بَعْدَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَعَزَمَ أَنْ لَا يَخْرُجَ إلَّا مَعَهُمْ لَا يَقْصُرُ؛ لِأَنَّهُ كَنَاوِي الْإِقَامَةِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَشَمَلَ مَا إذَا نَوَاهَا فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ فِي الْوَقْتِ فَإِنَّهُ يُتِمُّ سَوَاءٌ كَانَ فِي أَوَّلِهَا أَوْ وَسَطِهَا أَوْ فِي آخِرِهَا وَسَوَاءٌ كَانَ مُنْفَرِدًا أَوْ مُقْتَدِيًا أَوْ مُدْرِكًا أَوْ مَسْبُوقًا أَمَّا اللَّاحِقُ إذَا أَدْرَكَ أَوَّلَ الصَّلَاةِ، وَالْإِمَامُ مُسَافِرٌ فَأَحْدَثَ أَوْ نَامَ فَانْتَبَهَ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ وَنَوَى الْإِقَامَةَ لَمْ يُتِمَّ؛ لِأَنَّ اللَّاحِقَ فِي الْحُكْمِ كَأَنَّهُ خَلَفَ الْإِمَامِ فَإِذَا فَرَغَ الْإِمَامُ فَقَدْ اسْتَحْكَمَ الْفَرْضُ فَلَا يَتَغَيَّرُ فِي حَقِّ الْإِمَامِ فَكَذَا فِي حَقِّ اللَّاحِقِ، وَلَوْ نَوَاهَا بَعْدَ مَا صَلَّى رَكْعَةً ثُمَّ خَرَجَ الْوَقْتُ فَإِنَّهُ يَتَحَوَّلُ فَرْضُهُ إلَى الْأَرْبَعِ، وَلَوْ خَرَجَ الْوَقْتُ، وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَنَوَى الْإِقَامَةَ فَإِنَّهُ لَا يَتَحَوَّلُ فَرْضُهُ إلَى الْأَرْبَعِ فِي حَقِّ تِلْكَ الصَّلَاةِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَقَيَّدَ بِنِصْفِ شَهْرٍ؛ لِأَنَّ نِيَّةَ إقَامَةِ مَا دُونَهَا لَا تُوجِبُ الْإِتْمَامَ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ أَنَّهُمَا قَدَّرَاهَا بِذَلِكَ وَالْأَثَرُ فِي الْمُقَدَّرَاتِ كَالْخَبَرِ وَأَقَامَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَكَّةَ مَعَ أَصْحَابِهِ سَبْعَةَ أَيَّامٍ، وَهُوَ يَقْصُرُ وَقَيَّدَ بِالْبَلَدِ وَالْقِرْبَةِ؛ لِأَنَّ نِيَّةَ الْإِقَامَةِ لَا تَصِحُّ فِي غَيْرِهِمَا فَلَا تَصِحُّ فِي مَفَازَةٍ، وَلَا جَزِيرَةٍ وَلَا بَحْرٍ، وَلَا سَفِينَةٍ، وَفِي الْخَانِيَّةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ ثُمَّ نِيَّةُ الْإِقَامَةِ لَا تَصِحُّ إلَّا فِي مَوْضِعِ الْإِقَامَةِ مِمَّنْ يَتَمَكَّنُ مِنْ الْإِقَامَةِ وَمَوْضِعُ الْإِقَامَةِ الْعُمْرَانُ وَالْبُيُوتُ الْمُتَّخَذَةُ مِنْ الْحَجَرِ وَالْمَدَرِ وَالْخَشَبِ لَا الْخِيَامُ وَالْأَخْبِيَةُ وَالْوَبَرُ اهـ. وَقَيَّدَ الشَّارِحُونَ اشْتِرَاطَ صَلَاحِيَةِ الْمَوْضِعِ بِأَنْ يَكُونَ سَارَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا أَمَّا إذَا لَمْ يَسِرْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ الْإِقَامَةُ فِي بَلَدٍ أَوْ قَرْيَةٍ بَلْ تَصِحُّ، وَلَوْ فِي الْمَفَازَةِ وَفِيهِ مِنْ الْبَحْثِ مَا قَدَّمْنَاهُ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ حَتَّى يَدْخُلَ مِصْرَهُ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ صَاحِبِ الْمَجْمَعِ إلَى أَنْ يَدْخُلَ وَطَنَهُ؛ لِأَنَّ الْوَطَنَ مَكَانُ الْإِنْسَانِ وَمَحَلُّهُ كَمَا فِي الْمُغْرِبِ، وَلَيْسَ الْإِتْمَامُ مُتَوَقِّفًا عَلَى دُخُولِهِ بَلْ عَلَى دُخُولِ مِصْرِهِ، وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ وَطَنَهُ وَيَصِيرُ الْمِصْرُ مِصْرًا لِلْإِنْسَانِ بِكَوْنِهِ وُلِدَ فِيهِ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا دَخَلَ الْمُسَافِرُ مِصْرًا وَتَزَوَّجَ بِهَا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَصِيرُ مُقِيمًا لِحَدِيثِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ إذْ هُوَ يَحْتَمِلُ النَّقْضَ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتِمَّ عِلَّةً فَكَانَتْ الْإِقَامَةُ نَقْضًا لِلْعَارِضِ لَا ابْتِدَاءَ عِلَّةِ الْإِتْمَامِ، وَلَوْ قِيلَ الْعِلَّةُ مُفَارَقَةُ الْبُيُوتِ قَاصِدًا مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لِاسْتِكْمَالِ سَفَرِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بِدَلِيلِ ثُبُوتِ حُكْمِ السَّفَرِ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ فَقَدْ تَمَّتْ الْعِلَّةُ لِحُكْمِ السَّفَرِ فَيَثْبُتُ حُكْمُهُ مَا لَمْ يَثْبُتْ عِلَّةُ حُكْمِ الْإِقَامَةِ احْتَاجَ إلَى الْجَوَابِ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَعَنْ هَذَا الْإِشْكَالِ نَشَأَ قَوْلُ الْمُؤَلِّفِ الْآتِي وَاَلَّذِي يَظْهَرُ إلَخْ قَالَ فِي النَّهْرِ مُجِيبًا: وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ إبْطَالَ الدَّلِيلِ لِمَعْنًى لَا يَسْتَلْزِمُ إبْطَالَ الْمَدْلُولِ (قَوْلُهُ وَرَوَى الْبُخَارِيُّ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَالَ الْمَرْحُومُ شَيْخُ شَيْخِنَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلِيٌّ الْمَقْدِسِيَّ هَذِهِ حِكَايَةُ حَالٍ طَرَقَهَا الِاحْتِمَالُ، وَهُوَ أَنَّهُ جَاوَزَ الْمُدَّةَ عَلَى الْكَمَالِ اهـ. أَقُولُ: وَقَدْ يُجَابُ عَنْ أَصْلِ الْإِشْكَالِ بِأَنَّ الْعِلَّةَ الْمَذْكُورَةَ إنَّمَا هِيَ عِلَّةٌ ابْتِدَاءً أَمَّا الْعِلَّةُ بَقَاءً فَهِيَ اسْتِكْمَالُ الْمُدَّةِ (قَوْلُهُ أَمَّا إذَا لَمْ يَسِرْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَلَا يُشْتَرَطُ إلَخْ) أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا فِيمَا إذَا عَزَمَ عَلَى الرُّجُوعِ وَنَقْضِ السَّفَرِ كَمَا مَرَّ أَمَّا إذَا أَبْقَى عَلَى قَصْدِهِ الْأَوَّلِ، وَلَمْ يَنْقُضْ سَفَرَهُ وَنَوَى الْإِقَامَةَ فِي الْمَفَازَةِ لَا تَصِحُّ نِيَّتُهُ، وَلَوْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 142 «مَنْ تَزَوَّجَ فِي بَلْدَةٍ فَهُوَ مِنْهَا» وَالْمُسَافِرَةُ تَصِيرُ مُقِيمَةً بِنَفْسِ التَّزَوُّجِ عِنْدَهُمْ كَذَا فِي الْقُنْيَةِ. (قَوْلُهُ لَا بِمَكَّةَ وَمِنًى) أَيْ لَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ بِمَكَّةَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَإِنَّهُ لَا يُتِمُّ الصَّلَاةَ؛ لِأَنَّ الْإِقَامَةَ لَا تَكُونُ فِي مَكَانَيْنِ إذْ لَوْ جَازَتْ فِي مَكَانَيْنِ لَجَازَتْ فِي أَمَاكِنَ فَيُؤَدِّي إلَى أَنَّ السَّفَرَ لَا يَتَحَقَّقُ؛ لِأَنَّ إقَامَةَ الْمُسَافِرِ فِي الْمَرَاحِلِ لَوْ جُمِعَتْ كَانَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَوْ أَكْثَرَ إلَّا إذَا نَوَى أَنْ يُقِيمَ بِاللَّيْلِ فِي أَحَدِهِمَا فَيَصِيرُ مُقِيمًا بِدُخُولِهِ فِيهِ؛ لِأَنَّ إقَامَةَ الْمَرْءِ تُضَافُ إلَى مَبِيتِهِ يُقَالُ فُلَانٌ يَسْكُنُ فِي حَارَةِ كَذَا، وَإِنْ كَانَ بِالنَّهَارِ فِي الْأَسْوَاقِ ثُمَّ بِالْخُرُوجِ إلَى الْمَوْضِعِ الْآخَرِ لَا يَصِيرُ مُسَافِرًا وَذُكِرَ فِي كِتَابِ الْمَنَاسِكِ أَنَّ الْحَاجَّ إذَا دَخَلَ مَكَّةَ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ وَنَوَى الْإِقَامَةَ نِصْفَ شَهْرٍ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ الْخُرُوجِ إلَى عَرَفَاتٍ فَلَا يَتَحَقَّقُ الشَّرْطُ، وَقِيلَ كَانَ سَبَبُ تَفَقُّهِ عِيسَى بْنِ أَبَانَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ مَشْغُولًا بِطَلَبِ الْحَدِيثِ قَالَ فَدَخَلْت مَكَّةَ فِي أَوَّلِ الْعَشْرِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ مَعَ صَاحِبٍ لِي وَعَزَمْت عَلَى الْإِقَامَةِ شَهْرًا وَجَعَلْت أُتِمُّ الصَّلَاةَ فَلَقِيَنِي بَعْضُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ فَقَالَ أَخْطَأْت فَإِنَّك تَخْرُجُ إلَى مِنًى وَعَرَفَاتٍ فَلَمَّا رَجَعْت مِنْ مِنًى بَدَا لِصَاحِبِي أَنْ يَخْرُجَ وَعَزَمْت عَلَى أَنْ أُصَاحِبَهُ وَجَعَلْت أَقْصُرُ الصَّلَاةَ فَقَالَ لِي صَاحِبُ أَبِي حَنِيفَةَ أَخْطَأْت فَإِنَّك مُقِيمٌ بِمَكَّةَ فَمَا لَمْ تَخْرُجْ مِنْهَا لَا تَصِيرُ مُسَافِرًا فَقُلْت أَخْطَأْت فِي مَسْأَلَةٍ فِي مَوْضِعَيْنِ فَرَحَلْت إلَى مَجْلِسِ مُحَمَّدٍ وَاشْتَغَلْت بِالْفِقْهِ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ، وَإِنَّمَا أَوْرَدْنَا هَذِهِ الْحِكَايَةَ لِيُعْلَمَ مَبْلَغُ الْعِلْمِ فَيَصِيرُ مَبْعَثَةً لِلطَّلَبَةِ عَلَى طَلَبِهِ قَيَّدَ بِالْمِصْرَيْنِ وَمُرَادُهُ مَوْضِعَانِ صَالِحَانِ لِلْإِقَامَةِ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمِصْرَيْنِ أَوْ الْقَرْيَتَيْنِ أَوْ الْمِصْرِ وَالْقَرْيَةِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ نِيَّةِ الْإِقَامَةِ فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْ مِصْرٍ وَاحِدٍ أَوْ قَرْيَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنَّهَا صَحِيحَةٌ؛ لِأَنَّهُمَا مُتَّحِدَانِ حُكْمًا، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ خَرَجَ إلَيْهِ مُسَافِرًا لَمْ يَقْصُرْ. (قَوْلُهُ وَقَصَرَ إنْ نَوَى أَقَلَّ مِنْهَا أَوْ لَمْ يَنْوِ وَبَقِيَ سِنِينَ) أَيْ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ شَهْرٍ، وَقَدْ قَدَّمْنَا تَقْرِيرَهُ (قَوْلُهُ أَوْ نَوَى عَسْكَرٌ ذَلِكَ بِأَرْضِ الْحَرْبِ وَإِنْ حَاصَرُوا مِصْرًا وَحَاصَرُوا أَهْلَ الْبَغْيِ فِي دَارِنَا فِي غَيْرِهِ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ نَوَى أَقَلَّ مِنْهُ   [منحة الخالق] قَبْلَ أَنْ يَسِيرَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ تَأَمَّلْ نَعَمْ سَيَأْتِي اخْتِلَافُ الرِّوَايَةِ فِي أَنَّ وَطَنَ الْإِقَامَةِ هَلْ يُشْتَرَطُ فِيهِ تَقَدُّمُ السَّفَرِ أَمْ لَا فَرَاجِعْهُ. (قَوْلُهُ وَقِيلَ كَانَ سَبَبُ تَفَقُّهِ عِيسَى بْنِ أَبَانَ إلَخْ) نَقَلَ الْعَلَّامَةُ مُلَّا عَلِيٌّ الْقَارِي هَذِهِ الْحِكَايَةَ فِي شَرْحِهِ عَلَى لُبَابِ الْمَنَاسِكِ، ثُمَّ قَالَ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الْإِمَامِ تَعَارُضٌ حَيْثُ حَكَمَ فِي الْأَوَّلِ بِأَنَّهُ مُسَافِرٌ فَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّمَامُ وَحَكَمَ فِي الثَّانِي بِأَنَّهُ مُقِيمٌ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْقَصْرُ مَعَ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ بِحَالِهَا وَلَعَلَّ التَّقْدِيرَ فَلَمَّا رَجَعْت إلَى مِنًى وَنَوَيْت الْإِقَامَةَ بِمَكَّةَ مَعَ صَاحِبِي بَدَا إلَخْ وَمَفْهُومُ مَسْأَلَةِ الْمُتُونِ أَنَّهُ لَوْ نَوَى فِي أَحَدِهِمَا خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا صَارَ مُقِيمًا فَحِينَئِذٍ الْمُسَافِرُ إذَا دَخَلَ مَكَّةَ وَاسْتَوْطَنَ بِهَا أَوْ أَرَادَ الْإِقَامَةَ فِيهَا شَهْرًا مَثَلًا فَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَصِيرُ مُقِيمًا، وَلَا يَضُرُّ حِينَئِذٍ خُرُوجُهُ إلَى مِنًى وَعَرَفَاتٍ، وَلَا تَنْقَضِي إقَامَتُهُ إذْ لَا يُشْتَرَطُ تَحَقُّقُ كَوْنِهِ خَمْسَةَ عَشْرَ يَوْمًا مُتَوَالِيَةً بِهَا بِحَيْثُ لَا يَخْرُجُ مِنْهَا - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - اهـ. أَقُولُ: وَكَذَا اسْتَشْكَلَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ قَوْلَهُ إنَّكَ مُقِيمٌ، ثُمَّ أَجَابَ بِأَنَّهُ سَمَّاهُ مُقِيمًا بِنَاءً عَلَى زَعْمِهِ الْأَوَّلَ وَأَقُولُ - وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقِ - لَا إشْكَالَ أَصْلًا فَإِنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ هَذِهِ الْحِكَايَةِ أَنَّهُ إذَا نَوَى الْإِقَامَةَ بِمَكَّةَ شَهْرًا وَمِنْ نِيَّتِهِ أَنْ يَخْرُجَ إلَى عَرَفَاتٍ وَمِنًى قَبْلَ أَنْ يَمْكُثَ بِمَكَّةَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لَا يَصِيرُ مُقِيمًا؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ نَاوِيًا الْإِقَامَةَ مُسْتَقْبَلَةً فَلَا تُعْتَبَرُ فَإِذَا رَجَعَ مِنْ مِنًى وَعَرَفَاتٍ إلَى مَكَّةَ، وَهُوَ عَلَى نِيَّتِهِ السَّابِقَةِ صَارَ مُقِيمًا؛ لِأَنَّ الْبَاقِيَ مِنْ الشَّهْرِ أَكْثَرُ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ وَهُنَا كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ دَخَلَ فِي أَوَّلِ الْعَشْرِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْحَاجَّ يَخْرُجُ فِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ إلَى مِنًى وَيَرْجِعُ إلَى مَكَّةَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي عَشَرَ فَلَمَّا دَخَلَ إلَى مَكَّةَ أَوَّلَ الْعَشْرِ وَنَوَى إقَامَةَ شَهْرٍ لَمْ تَصِحَّ نِيَّتُهُ أَوَّلِ الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ لَهُ إقَامَةُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا إلَّا بَعْدَ رُجُوعِهِ مِنْ مِنًى فَلِذَا أَمَرَهُ صَاحِبُ الْإِمَامِ بِالْقَصْرِ أَوَّلَ الْمُدَّةِ وَبِالْإِتْمَامِ بَعْدَ الْعَوْدِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا عَادَ إلَى مَكَّةَ وَهُوَ عَلَى نِيَّتِهِ السَّابِقَةِ كَانَ نَاوِيًا أَنْ يُقِيمَ فِيهَا عِشْرِينَ يَوْمًا بَقِيَّةَ الشَّهْرِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ فَلَمَّا رَجَعَتْ مِنْ مِنًى) أَيْ إلَى مَكَّةَ وَقَوْلُهُ بَدَا لِصَاحِبِي أَنْ يَخْرُجَ أَيْ عَزَمَ عَلَى أَنْ يَخْرُجَ مِنْ مَكَّةَ مُسَافِرًا وَقَوْلُهُ وَجَعَلْت أَقْصُرُ الصَّلَاةَ أَيْ فِي مَكَّةَ بَعْدَ عَزْمِهِ عَلَى السَّفَرِ مَعَ صَاحِبِهِ. (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ أَوْ حَاصَرُوا أَهْلَ الْبَغْيِ فِي دَارِنَا فِي غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الْمِصْرِ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ حَاصَرُوهُمْ فِي الْمِصْرِ لَا يَقْصُرُونَ وَوَقَعَ التَّقْيِيدُ بِهِ أَيْضًا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالْهِدَايَةِ وَالدُّرَرِ وَمَوَاهِبِ الرَّحْمَنِ وَعِبَارَةُ الْهِدَايَةِ وَكَذَلِكَ إذَا حَاصَرُوا أَهْلَ الْبَغْيِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فِي غَيْرِ مِصْرٍ أَوْ حَاصَرُوهُمْ فِي الْبَحْرِ؛ لِأَنَّ حَالَهُمْ مُبْطِلٌ عَزِيمَتَهُمْ اهـ. وَقَدْ صَرَّحَ بِهَذَا الْمَفْهُومِ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ هَذَا الْمُخْتَصَرِ بِقَوْلِهِ وَأَمَّا إذَا حَاصَرُوهُمْ فِي مِصْرٍ مِنْ أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ تَصِحُّ نِيَّتُهُمْ لِلْإِقَامَةِ بِلَا خِلَافٍ اهـ. وَصَرَّحَ فِي النَّهْرِ أَيْضًا بِأَنَّهُمْ يُتِمُّونَ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَالْمَقْدِسِيُّ كَالْمُؤَلِّفِ لَكِنْ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ حَالَهُمْ مُبْطِلٌ عَزِيمَتَهُمْ يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْمَحَلَّ، وَإِنْ كَانَ صَالِحًا لَكِنَّ ثَمَّةَ مَانِعًا آخَرَ، وَهُوَ أَنَّهُمْ إنَّمَا يُقِيمُونَ لِغَرَضٍ فَإِذَا حَصَلَ انْزَعَجُوا فَلَا تَكُونُ نِيَّتُهُمْ مُسْتَقِرَّةً وَهَذَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 143 أَيْ وَقَصَرَ إنْ نَوَى عَسْكَرٌ نِصْفَ شَهْرٍ بِأَرْضِ الْحَرْبِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْعَسْكَرُ مَشْغُولِينَ بِالْقِتَالِ أَوْ الْمُحَاصَرَةِ، وَلَا فَرْقَ فِي الْمُحَاصَرَةِ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ لِلْمَدِينَةِ أَوْ لِلْحِصْنِ بَعْدَ أَنْ دَخَلُوا الْمَدِينَةَ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْعَسْكَرُ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ أَوْ أَرْضِ الْإِسْلَامِ مَعَ أَهْلِ الْبَغْيِ فِي غَيْرِ الْمِصْرِ؛ لِأَنَّ نِيَّةَ الْإِقَامَةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ الْبَغْيِ لَا تَصِحُّ؛ لِأَنَّ حَالَهُمْ يُخَالِفُ عَزِيمَتَهُمْ لِلتَّرَدُّدِ بَيْنَ الْقَرَارِ وَالْفِرَارِ؛ وَلِهَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا فِي تَاجِرٍ دَخَلَ مَدِينَةً لِحَاجَةٍ، وَنَوَى أَنْ يُقِيمَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لِقَضَاءِ تِلْكَ الْحَاجَةِ لَا يَصِيرُ مُقِيمًا؛ لِأَنَّهُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ أَنْ يَقْضِيَ حَاجَتَهُ فَيَرْجِعَ وَبَيْنَ أَنْ لَا يَقْضِيَ فَيُقِيمَ فَلَا تَكُونُ نِيَّتُهُ مُسْتَقِرَّةً كَنِيَّةِ الْعَسْكَرِ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَهَذَا الْفَصْلُ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ يَقُولُ مَنْ أَرَادَ الْخُرُوجَ إلَى مَكَان وَيُرِيدُ أَنْ يَتَرَخَّصَ تَرَخُّصَ السَّفَرِ يَنْوِي مَكَانًا أَبْعَدَ مِنْهُ وَهَذَا غَلَطٌ كَذَا ذَكَرَ التُّمُرْتَاشِيُّ اهـ. كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ، وَعَلَى هَذَا وَاقِعَةُ الْفَتْوَى وَهِيَ أَنَّ إنْسَانًا يَحْلِفُ بِالطَّلَاقِ أَنَّهُ يُسَافِرُ فِي هَذَا الشَّهْرِ فَيَنْوِيَ مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَيَقْصِدُ مَكَانًا قَرِيبًا فَهَذَا لَمْ يَكُنْ مُخَلِّصًا لَهُ لِتَعَارُضِ نِيَّتِهِ إذْ الْأُولَى لَيْسَتْ بِنِيَّةٍ أَصْلًا وَأَطْلَقَ فِي الْعَسْكَرِ فَشَمَلَ مَا إذَا كَانَتْ الشَّوْكَةُ لَهُمْ وَقَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّ مَنْ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ فَنَوَى إقَامَةَ نِصْفِ شَهْرٍ فِيهَا فَإِنَّهُ يُتِمُّ أَرْبَعًا؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْحَرْبِ لَا يَتَعَرَّضُونَ لَهُ لِأَجْلِ الْأَمَانِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْأَسِيرَ لَوْ انْفَلَتَ مِنْ أَيْدِي الْكُفَّارِ وَتَوَطَّنَ فِي غَارٍ وَنَوَى الْإِقَامَةَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لَمْ يَصِرْ مُقِيمًا كَمَا لَوْ عَلِمَ أَهْلُ الْحَرْبِ بِإِسْلَامِهِ فَهَرَبَ مِنْهُمْ يُرِيدُ السَّفَرَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهَا لَمْ تُعْتَبَرْ نِيَّتُهُ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خان وَحُكْمُ الْأَسِيرِ فِي دَارِ الْحَرْبِ حُكْمُ الْعَبْدِ لَا تُعْتَبَرُ نِيَّتُهُ وَالرَّجُلُ الَّذِي يَبْعَثُ إلَيْهِ الْوَالِي أَوْ الْخَلِيفَةُ لِيُؤْتَى بِهِ إلَيْهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْأَسِيرِ، وَفِي التَّجْنِيسِ عَسْكَرُ الْمُسْلِمِينَ إذَا دَخَلُوا دَارَ الْحَرْبِ وَغَلَبُوا فِي مَدِينَةِ إنْ اتَّخَذُوهَا دَارًا يُتِمُّونَ الصَّلَاةَ، وَإِنْ لَمْ يَتَّخِذُوهَا دَارًا وَلَكِنْ أَرَادُوا الْإِقَامَةَ بِهَا شَهْرًا أَوْ أَكْثَرَ فَإِنَّهُمْ يَقْصُرُونَ؛ لِأَنَّهَا فِي الْوَجْهِ الثَّانِي بَقِيَتْ دَارَ حَرْبٍ وَهُمْ مُحَارِبُونَ فِيهَا، وَفِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ اهـ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ أَهْلِ الْأَخْبِيَةِ) حَيْثُ تَصِحُّ مِنْهُمْ نِيَّةُ الْإِقَامَةِ فِي الْأَصَحِّ، وَإِنْ كَانُوا فِي الْمَفَازَةِ؛ لِأَنَّ الْإِقَامَةَ أَصْلٌ فَلَا تَبْطُلُ بِالِانْتِقَالِ مِنْ مَرْعًى إلَى آخَرَ إلَّا إذَا ارْتَحَلُوا عَنْ مَوْضِعِ إقَامَتِهِمْ فِي الصَّيْفِ وَقَصَدُوا مَوْضِعَ إقَامَتِهِمْ فِي الشِّتَاءِ وَبَيْنَهُمَا مَسِيرَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَإِنَّهُمْ يَصِيرُونَ مُسَافِرِينَ فِي الطَّرِيقِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْبَدَائِعِ أَنَّ أَهْلَ الْأَخْبِيَةِ مُقِيمُونَ لَا يَحْتَاجُونَ إلَى نِيَّةِ الْإِقَامَةِ فَإِنَّهُ جَعَلَ الْمَفَاوِزَ لَهُمْ كَالْأَمْصَارِ وَالْقُرَى لِأَهْلِهَا وَلِأَنَّ الْإِقَامَةَ لِلرَّجُلِ أَصْلٌ وَالسَّفَرَ عَارِضٌ وَهُمْ لَا يَنْوُونَ السَّفَرَ، وَإِنَّمَا يَنْتَقِلُونَ مِنْ مَاءٍ إلَى مَاءٍ وَمِنْ مَرْعًى إلَى آخَرَ اهـ. وَالْأَخْبِيَةُ جَمْعُ خِبَاءٍ: الْبَيْتُ مِنْ صُوفٍ أَوْ وَبَرٍ، فَإِنْ كَانَ مِنْ الشَّعْرِ فَلَيْسَ بِخِبَاءٍ كَذَا فِي ضِيَاءِ الْحُلُومِ، وَفِي الْمُغْرِبِ: الْخِبَاءُ الْخَيْمَةُ مِنْ الصُّوفِ اهـ. وَالْمُرَادُ هُنَا الْأَعَمُّ لِمَا فِي الْبَدَائِعِ مِنْ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ مَنْ يَسْكُنُ فِي بَيْتِ صُوفٍ أَوْ بَيْتِ شَعْرٍ وَقَيَّدَ بِأَهْلِ الْأَخْبِيَةِ؛ لِأَنَّ غَيْرَهُمْ مِنْ الْمُسَافِرِينَ لَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ مَعَهُمْ فَعَنْ   [منحة الخالق] التَّعْلِيلُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ فِي غَيْرِ مِصْرٍ وَقَوْلَهُ فِي الْبَحْرِ لَيْسَ بِقَيْدٍ حَتَّى لَوْ نَزَلُوا مَدِينَةَ أَهْلِ الْبَغْيِ وَحَاصَرُوهُمْ فِي الْحِصْنِ لَمْ تَصِحَّ نِيَّتُهُمْ أَيْضًا؛ لِأَنَّ مَدِينَتَهُمْ كَالْمَفَازَةِ عِنْدَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ لَا يُقِيمُونَ فِيهَا اهـ. وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ، ثُمَّ التَّقْيِيدُ بِقَوْلِهِ فِي غَيْرِ مِصْرٍ وَفِي الْبَحْرِ يُوهِمُ أَنَّهُمْ لَوْ نَزَلُوا مَدِينَةَ أَهْلِ الْبَغْيِ وَحَاصَرُوهُمْ وَهُمْ فِي الْحِصْنِ تَصِحُّ نِيَّةُ الْإِقَامَةِ لَكِنَّ إطْلَاقَ مَا ذُكِرَ فِي الْمَبْسُوطِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ قَالَ: وَكَذَا إذْ حَارَبُوا أَهْلَ الْبَغْيِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَمَّا التَّعْلِيلُ فَيَشْمَلُ الْمَفَازَةَ وَالْمَدِينَةَ إلَّا أَنَّهُ قُيِّدَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِغَيْرِ الْمِصْرِ وَبِالْبَحْرِ؛ لِأَنَّهُ فِي عَدَمِ الْجَوَازِ أَبْعَدَ عَنْ تَوَهُّمِ الْجَوَازِ فِي غَيْرِ الْمِصْرِ أَوْ الْبَحْرِ، ثُمَّ بَسَطَ الْكَلَامَ فِي التَّوْجِيهِ فَرَاجِعْهُ وَقَدْ أَطْلَقَهُ فِي السِّرَاجِ وَالذَّخِيرَةِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ عِبَارَاتِ الْمُتُونِ كَالْهِدَايَةِ أَنَّ عَسْكَرنَا لَوْ حَاصَرَ أَهْلَ الْبَغْيِ، وَالْعَسْكَرُ دَاخِلَ الْمِصْرِ مِنْ دِيَارِ الْإِسْلَامِ تَصِحُّ نِيَّتُهُمْ الْإِقَامَةَ وَالْمَفْهُومُ مِنْ إطْلَاقِ الْمَبْسُوطِ وَالسِّرَاجِ وَالذَّخِيرَةِ، وَهُوَ مُقْتَضَى التَّعْلِيلِ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْعِنَايَةِ وَالْمِعْرَاجِ اخْتِيَارُهُ وَبِهِ جَزَمَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي نُورِ الْإِيضَاحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ لَمْ يَصِرْ مُقِيمًا) ظَاهِرُ مَا فِي الْفَتْحِ أَنَّ عِلَّةَ ذَلِكَ عَدَمُ قَطْعِهِ بِالْإِقَامَةِ هَذِهِ الْمُدَّةَ؛ لِأَنَّهُ إذَا وَجَدَ فُرْصَةً قَبْلَ تَمَامِ الْمُدَّةِ يَخْرُجُ كَمَنْ دَخَلَ الْمِصْرَ لِحَاجَةٍ مُعَيَّنَةٍ وَنَوَى الْإِقَامَةَ مُدَّتَهَا (قَوْلُهُ لَمْ تُعْتَبَرْ نِيَّتُهُ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ هَكَذَا وَقَعَ فِي الْخُلَاصَةِ وَفَتَاوَى قَاضِي خان وَلَعَلَّ الْمُرَادَ، وَلَمْ تُعْتَبَرْ نِيَّتُهُ الْإِقَامَةَ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِلَّا فَقَدْ ذَكَرَ السُّرُوجِيُّ عَنْ الذَّخِيرَةِ أَنَّ الْأَسِيرَ إذَا انْفَلَتَ مِنْ الْعَدُوِّ فَوَطَّنَ نَفْسَهُ عَلَى إقَامَةِ نِصْفِ شَهْرٍ فِي غَارٍ أَوْ نَحْوِهِ قَصَرَ؛ لِأَنَّهُ مُحَارِبٌ لِلْعَدُوِّ، وَكَذَا إذَا أَسْلَمَ فَهَرَبَ مِنْهُمْ فَطَلَبُوهُ لِيَقْتُلُوهُ فَخَرَجَ هَارِبًا مَسِيرَةَ السَّفَرِ اهـ. فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَقْصُرُ، وَكَذَا صَرَّحَ بِأَنَّهُ يَقْصُرُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة بِعَلَامَةِ الْمُحِيطِ فَتَعَيَّنَ حَمْلُ تِلْكَ الْعِبَارَةِ عَلَى مَا قُلْنَا وَلَا يَصِحُّ غَيْرُ ذَلِكَ اهـ. أَيْ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ لَا تُعْتَبَرُ نِيَّتُهُ أَنَّ نِيَّةَ السَّفَرِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا تَصِحُّ بَلْ الْمُرَادُ لَا تُعْتَبَرُ نِيَّتُهُ لِلْإِقَامَةِ، وَهُوَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ؛ لِأَنَّ حَالَتَهُ تُنَافِي عَزِيمَتَهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 144 أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَصِيرُونَ مُقِيمِينَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ، وَفِي الْمُجْتَبَى: وَالْمَلَّاحُ مُسَافِرٌ إلَّا عِنْدَ الْحَسَنِ وَسَفِينَتُهُ أَيْضًا لَيْسَتْ بِوَطَنٍ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ اقْتَدَى مُسَافِرٌ بِمُقِيمٍ فِي الْوَقْتِ صَحَّ وَأَتَمَّ) ؛ لِأَنَّهُ يَتَغَيَّرُ فَرْضُهُ إلَى الْأَرْبَعِ لِلتَّبَعِيَّةِ كَمَا تَتَغَيَّرُ نِيَّةُ الْإِقَامَةِ لِاتِّصَالِ الْمُغَيَّرِ بِالسَّبَبِ، وَهُوَ الْوَقْتُ وَفَرْضُ الْمُسَافِرِ قَابِلٌ لِلتَّغَيُّرِ حَالَ قِيَامِ الْوَقْتِ كَنِيَّةِ الْإِقَامَةِ فِيهِ وَإِذَا كَانَ التَّغْيِيرُ لِضَرُورَةِ الِاقْتِدَاءِ فَلَوْ أَفْسَدَهُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لِزَوَالِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ اقْتَدَى بِالْمُقِيمِ فِي فَرْضِهِ يَنْوِي النَّفَلَ حَيْثُ يُصَلِّي أَرْبَعًا إذَا أَفْسَدَهُ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ أَدَاءَ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَهُنَا لَمْ يَقْصِدْ سِوَى إسْقَاطِ فَرْضِهِ غَيْرَ أَنَّهُ تَغَيَّرَ ضَرُورَةُ مُتَابَعَتِهِ وَيُسْتَثْنَى مِنْ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ مَا لَوْ اقْتَدَى الْمُقِيمُ بِالْمُسَافِرِ فَأَحْدَثَ الْإِمَامُ فَاسْتَخْلَفَ الْمُقِيمَ فَإِنَّهُ لَا يَتَغَيَّرُ فَرْضُهُ إلَى الْأَرْبَعِ مَعَ أَنَّهُ صَارَ مُقْتَدِيًا بِالْخَلِيفَةِ الْمُقِيمِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْمُؤْتَمُّ خَلِيفَةً عَنْ الْمُسَافِرِ كَانَ الْمُسَافِرُ كَأَنَّهُ الْإِمَامُ فَيَأْخُذُ الْخَلِيفَةُ صِفَةَ الْأَوَّلِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَقْعُدْ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ فَسَدَتْ صَلَاةُ الْكُلِّ ثُمَّ فِي اقْتِدَاءِ الْمُسَافِرِ بِالْمُقِيمِ إذَا لَمْ يَجْلِسْ الْإِمَامُ قَدْرَ التَّشَهُّدِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ عَامِدًا أَوْ سَاهِيًا وَتَابَعَهُ الْمُسَافِرُ فَقَدْ قِيلَ تَفْسُدُ صَلَاةُ الْمُسَافِرِ، وَقِيلَ لَا تَفْسُدُ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَالْفَتْوَى عَلَى عَدَمِ الْفَسَادِ؛ لِأَنَّ صَلَاتَهُ صَارَتْ أَرْبَعًا بِالتَّبَعِيَّةِ كَذَا فِي التَّجْنِيسِ وَصَحَّحَهُ فِي الْقُنْيَةِ وَأَشَارَ الْمُصَنِّف إلَى أَنَّ الْإِمَامَ الْمُسَافِرَ لَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ لَزِمَ الْمَأْمُومَ الْمُسَافِرَ الْإِتْمَامُ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ لِلتَّبَعِيَّةِ فَلَوْ أَمَّ الْمُسَافِرُ مُسَافِرِينَ وَمُقِيمِينَ فَلَمَّا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَتَشَهَّدَ فَقَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ تَكَلَّمَ وَاحِدٌ مِنْ الْمُسَافِرِينَ أَوْ قَامَ فَذَهَبَ ثُمَّ نَوَى الْإِمَامُ الْإِقَامَةَ فَإِنَّهُ يَتَحَوَّلُ فَرْضُهُ وَفَرْضُ الْمُسَافِرِينَ الَّذِينَ لَمْ يَتَكَلَّمُوا إلَى الْأَرْبَعِ وَصَلَاةُ مَنْ تَكَلَّمَ تَامَّةٌ فَلَوْ تَكَلَّمَ بَعْدَ نِيَّةِ الْإِمَامِ الْإِقَامَةَ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَلَزِمَهُ صَلَاةُ الْمُسَافِرِ رَكْعَتَيْنِ ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ (قَوْلُهُ وَبَعْدَهُ لَا) أَيْ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ لَا يَصِحُّ اقْتِدَاءُ الْمُسَافِرِ بِالْمُقِيمِ؛ لِأَنَّ فَرْضَهُ لَا يَتَغَيَّرُ بَعْدَ الْوَقْتِ لِانْقِضَاءِ السَّبَبِ كَمَا لَا يَتَغَيَّرُ بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ فَيَكُونُ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ فِي حَقِّ الْقَعْدَةِ أَوْ الْقِرَاءَةِ أَوْ التَّحْرِيمَةِ كَذَا ذَكَرَ الشَّارِحُ وَالْمَذْكُورُ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا فِي حَقِّ الْقَعْدَةِ أَوْ الْقِرَاءَةِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ التَّحْرِيمَةَ غَيْرَ الشَّارِحِ وَالْحَدَّادِيِّ وَتَوْضِيحُهُ أَنَّ الْمُسَافِرَ إذَا اقْتَدَى بِالْمُقِيمِ أَوَّلَ الصَّلَاةِ فَإِنَّ الْقَعْدَةَ تَصِيرُ فَرْضًا فِي حَقِّ الْمَأْمُومِ وَغَيْرَ فَرْضٍ فِي حَقِّ الْإِمَامِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِالنَّفْلِ فِي عِبَارَتِهِمْ؛ لِأَنَّهُ مَا قَابَلَ الْفَرْضَ فَيَدْخُلُ فِيهِ الْوَاجِبُ فَإِنَّ الْقَعْدَةَ الْأُولَى وَاجِبَةٌ، وَإِنْ اقْتَدَى بِهِ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي وَكَانَ الْإِمَامُ قَدْ قَرَأَ فِي الشَّفْعِ الْأَوَّلِ فَالْقِرَاءَةُ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي نَافِلَةٌ فِي حَقِّ الْإِمَامِ فَرْضٌ فِي حَقِّ الْمَأْمُومِ، فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ صَلَّى الشَّفْعَ الْأَوَّلَ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ وَاقْتَدَى بِهِ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي فَفِيهِ رِوَايَتَانِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَمُقْتَضَى الْمُتُونِ عَدَمُ الصِّحَّةِ مُطْلَقًا وَمُقْتَضَى التَّعْلِيلِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الصِّحَّةُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ لَا فِي حَقِّ الْقَعْدَةِ، وَلَا الْقِرَاءَةِ وَأَمَّا التَّحْرِيمَةُ فَهِيَ لَا تَكُونُ إلَّا فَرْضًا، وَلَمْ يَظْهَرْ قَوْلُ الْحَدَّادِيِّ؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَةَ الْإِمَامِ اشْتَمَلَتْ عَلَى الْفَرْضِ لَا غَيْرُ وَأَجَابَ فِي الْمُحِيطِ عَمَّا إذَا لَمْ يَقْرَأْ فِي الْأُولَيَيْنِ وَقَرَأَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ بِأَنَّ الْقِرَاءَةَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ قَضَاءٌ عَنْ الْأُولَيَيْنِ وَالْقَضَاءُ يَلْتَحِقُ بِمَحَلِّهِ فَلَا يَبْقَى لِلْأَخِرَيْنِ قِرَاءَةٌ اهـ. يَعْنِي: فَلَا يَصِحُّ مُطْلَقًا وَقُيِّدَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ عَدَمُ صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ بَعْدَ الْوَقْتِ بِقَيْدَيْنِ: الْأَوَّلُ أَنْ تَكُونَ فَائِتَةً فِي حَقِّ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ الثَّانِي أَنْ تَكُونَ الصَّلَاةُ رُبَاعِيَّةً أَمَّا إذَا كَانَتْ ثُنَائِيَّةً أَوْ ثُلَاثِيَّةً أَوْ كَانَتْ فَائِتَةً فِي حَقِّ الْإِمَامِ مُؤَدَّاةً فِي حَقِّ الْمَأْمُومِ كَمَا إذَا كَانَ الْمَأْمُومُ يَرَى قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الظُّهْرِ وَالْإِمَامُ يَرَى قَوْلَهُمَا وَقَوْلَ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ يَجُوزُ دُخُولُهُ مَعَهُ فِي الظُّهْرِ بَعْدَ الْمِثْلِ قَبْلَ الْمِثْلَيْنِ فَإِنَّهَا صَحِيحَةٌ. اهـ. وَهُوَ تَقْيِيدٌ حَسَنٌ لَكِنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ الشَّرْطُ كَوْنُهَا فَائِتَةً   [منحة الخالق] [اقْتِدَاء مُسَافِرٌ بِمُقِيمٍ فِي الصَّلَاة] (قَوْلُهُ وَيُسْتَثْنَى إلَخْ) دَفَعَهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ مَعْنَى اقْتَدَى نَوَى الِاقْتِدَاءَ بِهِ (قَوْلُهُ وَمُقْتَضَى التَّعْلِيلِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الصِّحَّةُ) فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ كَوْنَ الْقِرَاءَةِ نَافِلَةً فِي الشَّفْعِ الثَّانِي إذَا قَرَأَ فِي الْأَوَّلِ أَيْضًا لَا يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ فَرْضًا فِيهِ إذَا لَمْ يَقْرَأْ فِي الْأَوَّلِ لِاحْتِمَالِ الْتِحَاقُهَا بِالْأَوَّلِ فَيَكُونُ الثَّانِي خَالِيًا عَنْ الْقِرَاءَةِ أَصْلًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْفَتْحِ وَسَيَأْتِي عَنْ الْمُحِيطِ وَلَكِنْ قَدَّمَ الْخِلَافَ فِي بَابِ السَّهْوِ أَنَّ الْقِرَاءَةَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ هَلْ هِيَ أَدَاءً أَمْ قَضَاءً، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَظْهَرُ مَا قَالَهُ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَظْهَرْ قَوْلُ الْحَدَّادِيِّ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ عَزَاهُ فِي السِّرَاجِ إلَى الْحَوَاشِي وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ تَحْرِيمَةَ الْإِمَامِ اشْتَمَلَتْ عَلَى الْفَرْضِ لَا غَيْرُ، وَإِنَّمَا زِيدَ لِيَدْخُلَ فِيهِ مَا لَوْ اقْتَدَى بِهِ فِي الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَتَهُ اشْتَمَلَتْ عَلَى نَفْلِيَّةِ الْقَعْدَةِ الْأُولَى وَالْقِرَاءَةِ بِخِلَافِ الْمَأْمُومِ، وَهَذَا مَعْنَى مَا فِي السِّرَاجِ وَقَوْلُهُ فِي الْبَحْرِ: إنَّهُ لَيْسَ بِظَاهِرٍ لَيْسَ بِظَاهِرٍ، وَبِهِ يَظْهَرُ عَدَمُ الصِّحَّةِ فِيمَا إذَا لَمْ يَقْرَأْ فِي الْأُولَيَيْنِ وَاقْتَدَى بِهِ فِي الْأُخْرَيَيْنِ، ثُمَّ ذَكَرَ جَوَابَ الْمُحِيطِ الْآتِي، ثُمَّ قَالَ وَأَقُولُ: هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى تَعْيِينِ الْأُولَيَيْنِ لَهَا، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ مَا فِي السِّرَاجِ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ وَجْهَ الْفَسَادِ عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ تَعْيِينِ الْأُولَيَيْنِ لِلْقِرَاءَةِ قَالَ: وَبِهَذَا يَتَرَجَّحُ رِوَايَةُ الْفَسَادِ وَأَمَّا رِوَايَةُ الصِّحَّةِ فَلَا يَخْلُو مِنْ احْتِيَاجِهَا إلَى تَأَمُّلٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 145 فِي حَقِّ الْمَأْمُومِ فَقَطْ سَوَاءٌ كَانَتْ فَائِتَةً فِي حَقِّ الْإِمَامِ أَوْ لَا بِأَنْ صَلَّى رَكْعَةً مِنْ الظُّهْرِ مَثَلًا أَوْ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ خَرَجَ الْوَقْتُ فَاقْتَدَى بِهِ مُسَافِرٌ؛ لِأَنَّ الظُّهْرَ فَائِتَةٌ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ لَا فِي حَقِّ الْمُقِيمِ وَالْقَيْدُ الْأَوَّلُ مَفْهُومٌ مِنْ قَوْلِهِ صَحَّ وَأَتَمَّ فَإِنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الرُّبَاعِيَّةِ الَّذِي يَظْهَرُ فِيهَا الْقَصْرُ وَالْإِتْمَامُ بَلْ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ أَصْلًا؛ لِأَنَّ السَّفَرَ مُؤَثِّرٌ فِي الرُّبَاعِيِّ فَقَطْ وَقَيَّدَ بِكَوْنِ الِاقْتِدَاءِ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اقْتَدَى بِهِ فِي الْوَقْتِ ثُمَّ خَرَجَ الْوَقْتُ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ، وَلَا يَبْطُلُ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا صَحَّ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ وَصَارَ تَبَعًا لَهُ صَارَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْمُقِيمِينَ، وَإِنَّمَا يَتَأَكَّدُ وُجُوبُ الرَّكْعَتَيْنِ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ، وَلَوْ نَامَ خَلْفَ الْإِمَامِ حَتَّى خَرَجَ الْوَقْتُ انْتَبَهَ أَتَمَّهَا أَرْبَعًا، وَلَوْ تَكَلَّمَ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ أَوْ قَبْلَ خُرُوجِهِ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ عِنْدَنَا كَذَا فِي الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ وَبِعَكْسِهِ صَحَّ فِيهِمَا) ، وَهُوَ اقْتِدَاءُ الْمُقِيمِ بِالْمُسَافِرِ فَهُوَ صَحِيحٌ فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ؛ لِأَنَّ صَلَاةَ الْمُسَافِرِ فِي الْحَالَيْنِ وَاحِدَةٌ وَالْقِعْدَةُ فَرْضٌ فِي حَقِّهِ غَيْرُ فَرْضٍ فِي حَقِّ الْمُقْتَدِي وَبِنَاءُ الضَّعِيفِ عَلَى الْقَوِيِّ جَائِزٌ، وَقَدْ «أَمَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ مُسَافِرٌ أَهْلَ مَكَّةَ وَقَالَ أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ» ، وَهُوَ جَمْعُ سَافِرٍ كَرَكْبٍ جَمْعُ رَاكِبٍ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ بَعْدَ السَّلَامِ كُلُّ مُسَافِرٍ صَلَّى بِمُقِيمٍ لِاحْتِمَالِ أَنَّ خَلْفَهُ مَنْ لَا يَعْرِفُ، وَلَا يَتَيَسَّرُ لَهُ الِاجْتِمَاعُ بِالْإِمَامِ قَبْلَ ذَهَابِهِ فَيَحْكُمُ حِينَئِذٍ بِفَسَادِ صَلَاةِ نَفْسِهِ بِنَاءً عَلَى ظَنِّ إقَامَةِ الْإِمَامِ ثُمَّ إفْسَادِهِ بِسَلَامِهِ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ وَهَذَا مَحْمَلُ مَا فِي الْفَتَاوَى إذَا اقْتَدَى بِالْإِمَامِ لَا يَدْرِي أَمُسَافِرٌ هُوَ أَمْ مُقِيمٌ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِحَالِ الْإِمَامِ شَرْطُ الْأَدَاءِ بِجَمَاعَةٍ اهـ. لَا أَنَّهُ شَرْطٌ فِي الِابْتِدَاءِ لِمَا فِي الْمَبْسُوطِ رَجُلٌ صَلَّى الظُّهْرَ بِالْقَوْمِ بِقَرْيَةٍ أَوْ مِصْرٍ رَكْعَتَيْنِ وَهُمْ لَا يَدْرُونَ أَمُسَافِرٌ هُوَ أَمْ مُقِيمٌ فَصَلَاتُهُمْ فَاسِدَةٌ سَوَاءٌ كَانُوا مُقِيمِينَ أَمْ مُسَافِرِينَ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ مَنْ فِي مَوْضِعِ الْإِقَامَةِ أَنَّهُ مُقِيمٌ وَالْبِنَاءُ عَلَى الظَّاهِرِ وَاجِبٌ حَتَّى يَتَبَيَّنَ خِلَافُهُ، فَإِنْ سَأَلُوهُ فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ مُسَافِرٌ جَازَتْ صَلَاتُهُمْ اهـ. وَفِي الْقُنْيَةِ، وَإِنْ كَانَ خَارِجَ الْمِصْرِ لَا تَفْسُدُ وَيَجُوزُ الْأَخْذُ بِالظَّاهِرِ فِي مِثْلِهِ، وَإِنَّمَا كَانَ قَوْلُ الْإِمَامِ ذَلِكَ مُسْتَحَبًّا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَيَّنْ مُعَرِّفًا صِحَّةَ سَلَامِهِ لَهُمْ فَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُتِمُّوا ثُمَّ يَسْأَلُوهُ فَتَحْصُلُ الْمَعْرِفَةُ وَاخْتَلَفُوا هَلْ يَقُولُهُ بَعْدَ التَّسْلِيمَةِ الْأُولَى أَوْ بَعْدَ التَّسْلِيمَتَيْنِ الْأَصَحُّ الثَّانِي كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ، وَلَوْ قَامَ الْمُقْتَدِي الْمُقِيمُ قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ فَنَوَى الْإِمَامُ الْإِقَامَةَ قَبْلَ سُجُودِهِ رُفِضَ ذَلِكَ وَتَابَعَ الْإِمَامَ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَسَجَدَ فَسَدَتْ؛ لِأَنَّهُ مَا لَمْ يَسْجُدْ لَمْ يَسْتَحْكِمْ خُرُوجُهُ عَنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ وَقَدْ بَقِيَ رَكْعَتَانِ عَلَى الْإِمَامِ بِوَاسِطَةِ التَّغَيُّرِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ الِاقْتِدَاءُ فِيهِمَا فَإِذَا انْفَرَدَ فَسَدَتْ بِخِلَافِ مَا لَوْ نَوَى الْإِمَامُ بَعْدَمَا سَجَدَ الْمُقْتَدِي فَإِنَّهُ يُتِمُّ مُنْفَرِدًا فَلَوْ رَفَضَ وَتَابَعَ فَسَدَتْ لِاقْتِدَائِهِ حَيْثُ وَجَبَ الِانْفِرَادُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ مُسَافِرٌ أَمَّ قَوْمًا مُقِيمِينَ فَلَمَّا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ نَوَى الْإِقَامَةَ لَا لِتَحْقِيقِ الْإِقَامَةِ بَلْ لِيُتِمَّ صَلَاةَ الْمُقِيمِينَ لَا يَصِيرُ مُقِيمًا، وَلَا يَنْقَلِبُ فَرْضُهُ أَرْبَعًا اهـ. وَفِي الْعُمْدَةِ مُسَافِرٌ سَبَقَهُ الْحَدَثُ فَقَدَّمَ مُقِيمًا يُتِمُّ صَلَاةَ الْإِمَامِ وَيَتَأَخَّرُ وَيُقَدِّمُ مُسَافِرًا يُسَلِّمُ ثُمَّ يُتِمُّ الْمُقِيمُ صَلَاتَهُ، وَفِي الْخُلَاصَةِ مُسَافِرٌ أَمَّ مُسَافِرِينَ فَأَحْدَثَ فَقَدَّمَ مُسَافِرًا آخَرَ فَنَوَى الثَّانِي الْإِقَامَةَ لَا يَجِبُ عَلَى الْقَوْمِ إنْ يُصَلُّوا أَرْبَعًا اهـ. وَفِي الْهِدَايَةِ وَإِذَا صَلَّى الْمُسَافِرُ بِالْمُقِيمِ رَكْعَتَيْنِ سَلَّمَ وَأَتَمَّ الْمُقِيمُونَ صَلَاتَهُمْ؛ لِأَنَّ الْمُقْتَدِي الْتَزَمَ الْمُوَافَقَةَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ فَيَنْفَرِدُ فِي الْبَاقِي كَالْمَسْبُوقِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَقْرَأُ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ مُقْتَدٍ تَحْرِيمَةً لَا فِعْلًا وَالْفَرْضُ صَارَ مُؤَدًّى فَيَتْرُكُهَا احْتِيَاطًا بِخِلَافِ الْمَسْبُوقِ؛ لِأَنَّهُ أَدْرَكَ قِرَاءَةَ نَافِلَةٍ فَلَمْ يَتَأَدَّ الْفَرْضُ فَكَانَ الْإِتْيَانُ أَوْلَى اهـ. وَفِي الْخَانِيَّةِ لَا قِرَاءَةَ عَلَيْهِمْ فِيمَا يَقْضُونَ، وَلَا سَهْوَ عَلَيْهِمْ إذَا سَهَوْا، وَلَا يَقْتَدِي أَحَدُهُمْ بِالْآخِرِ اهـ. فَلَوْ اقْتَدَى أَحَدُهُمْ بِالْآخَرِ فَسَدَتْ صَلَاةُ الْمُقْتَدِي؛ لِأَنَّهُ اقْتَدَى فِي مَوْضِعٍ يَجِبُ عَلَيْهِمْ الِانْفِرَادُ وَصَلَاةُ الْإِمَامِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ، وَإِنَّمَا كَانَ قَوْلُ الْإِمَامِ ذَلِكَ مُسْتَحَبًّا) أَيْ لَا وَاجِبًا (قَوْلُهُ لَا يَصِيرُ مُقِيمًا، وَلَا يَنْقَلِبُ فَرْضُهُ أَرْبَعًا) قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ اتَّبَعُوهُ حَتَّى لَوْ أَتَمَّ الْمُقِيمُونَ صَلَاتَهُمْ مَعَهُ فَسَدَتْ صَلَاتُهُمْ؛ لِأَنَّ هَذَا اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ، وَلَا يَصِحُّ اهـ. قَالَ الرَّمْلِيُّ يَجِبُ تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا لَمْ يَنْوُوا مُفَارَقَتَهُ أَمَّا إذَا نَوَوْا مُفَارَقَتَهُ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُمْ، وَإِنْ وَافَقُوهُ فِي الْإِتْمَامِ صُورَةً إذْ لَا مَانِعَ مِنْ صِحَّةِ مُفَارَقَتِهِ بَعْدَ إتْمَامِ فَرْضِهِ، وَاتِّصَالُ النَّفْلِ مِنْهُ بِصَلَاتِهِ لَا يَمْنَعُهَا بِلَا شُبْهَةٍ، وَفِي قَوْلِهِ لَوْ أَتَمَّ الْمُقِيمُونَ مَعَهُ إشَارَةً إلَى ذَلِكَ وَسُكُوتُ قَاضِي خان وَصَاحِبِ الْخُلَاصَةِ عَنْ صَلَاةِ الْمُقِيمِينَ رُبَّمَا يَكُونُ لِهَذَا التَّفْصِيلِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ: وَلَا سَهْوَ عَلَيْهِمْ إذَا سَهْوًا) هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَا قَالَهُ الْكَرْخِيُّ، وَهُوَ خِلَافُ مَا تَقَدَّمَ تَصْحِيحُهُ عَنْ الْبَدَائِعِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 146 تَامَّةٌ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَفِي الْقُنْيَةِ اقْتَدَى مُقِيمٌ بِمُسَافِرٍ فَتَرَكَ الْقِعْدَةَ مَعَ إمَامِهِ فَسَدَتْ فَالْقِعْدَتَانِ فَرْضٌ فِي حَقِّهِ وَقِيلَ لَا تَفْسُدُ وَهِيَ نَفْلٌ فِي حَقِّ الْمُقْتَدِي اهـ. (قَوْلُهُ وَيَبْطُلُ الْوَطَنُ الْأَصْلِيُّ بِمِثْلِهِ لَا السَّفَرِ وَوَطَنُ الْإِقَامَةِ بِمِثْلِهِ وَالسَّفَرِ وَالْأَصْلِيِّ) ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ يَبْطُلُ بِمَا هُوَ مِثْلُهُ لَا بِمَا هُوَ دُونَهُ فَلَا يَصْلُحُ مُبْطِلًا لَهُ وَرُوِيَ أَنَّ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ حَاجًّا يُصَلِّي بِعَرَفَاتٍ أَرْبَعًا فَاتَّبَعُوهُ فَاعْتَذَرَ، وَقَالَ: إنِّي تَأَهَّلْت بِمَكَّةَ وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ تَأَهَّلَ بِبَلْدَةٍ فَهُوَ مِنْهَا» وَالْوَطَنُ الْأَصْلِيُّ هُوَ وَطَنُ الْإِنْسَانِ فِي بَلْدَتِهِ أَوْ بَلْدَةٍ أُخْرَى اتَّخَذَهَا دَارًا وَتَوَطَّنَ بِهَا مَعَ أَهْلِهِ وَوَلَدِهِ، وَلَيْسَ مِنْ قَصْدِهِ الِارْتِحَالُ عَنْهَا بَلْ التَّعَيُّشُ بِهَا وَهَذَا الْوَطَنُ يَبْطُلُ بِمِثْلِهِ لَا غَيْرُ، وَهُوَ أَنْ يَتَوَطَّنَ فِي بَلْدَةٍ أُخْرَى وَيَنْقُلَ الْأَهْلَ إلَيْهَا فَيَخْرُجَ الْأَوَّلُ مِنْ أَنْ يَكُونَ وَطَنًا أَصْلِيًّا حَتَّى لَوْ دَخَلَهُ مُسَافِرًا لَا يُتِمُّ قَيَّدْنَا بِكَوْنِهِ انْتَقَلَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَهْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَنْتَقِلْ بِهِمْ، وَلَكِنَّهُ اسْتَحْدَثَ أَهْلًا فِي بَلْدَةٍ أُخْرَى فَإِنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يَبْطُلْ وَيُتِمُّ فِيهِمَا وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ بِمِثْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ بَاعَ دَارِهِ وَنَقَلَ عِيَالَهُ وَخَرَجَ يُرِيدُ أَنْ يَتَوَطَّنَ بَلْدَةً أُخْرَى ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ لَا يَتَوَطَّنَ مَا قَصَدَهُ أَوَّلًا وَيَتَوَطَّنَ بَلْدَةً غَيْرَهَا فَمَرَّ بِبَلَدِهِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ يُصَلِّي أَرْبَعًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَوَطَّنْ غَيْرَهُ، وَفِي الْمُحِيطِ، وَلَوْ كَانَ لَهُ أَهْلٌ بِالْكُوفَةِ، وَأَهْلٌ بِالْبَصْرَةِ فَمَاتَ أَهْلُهُ بِالْبَصْرَةِ وَبَقِيَ لَهُ دُورٌ وَعَقَارٌ بِالْبَصْرَةِ قِيلَ الْبَصْرَةِ لَا تَبْقَى وَطَنًا لَهُ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا كَانَتْ وَطَنًا بِالْأَهْلِ لَا بِالْعَقَارِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ تَأَهَّلَ بِبَلْدَةٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهَا عَقَارٌ صَارَتْ وَطَنًا لَهُ، وَقِيلَ تَبْقَى وَطَنًا لَهُ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ وَطَنًا لَهُ بِالْأَهْلِ وَالدَّارِ جَمِيعًا فَبِزَوَالِ أَحَدِهِمَا لَا يَرْتَفِعُ الْوَطَنُ كَوَطَنِ الْإِقَامَةِ يَبْقَى بِبَقَاءِ الثَّقَلِ وَإِنْ أَقَامَ بِمَوْضِعٍ آخَرَ اهـ. وَفِي الْمُجْتَبَى نَقْلُ الْقَوْلَيْنِ فِيمَا إذَا نَقَلَ أَهْلَهُ وَمَتَاعَهُ وَبَقِيَ لَهُ دُورٌ وَعَقَارٌ ثُمَّ قَالَ وَهَذَا جَوَابُ وَاقِعَةٍ اُبْتُلِينَا بِهَا وَكَثِيرٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ الْمُتَوَطِّنِينَ فِي الْبِلَادِ، وَلَهُمْ دُورٌ وَعَقَارٌ فِي الْقُرَى الْبَعِيدَةِ مِنْهَا يُصَيِّفُونَ بِهَا بِأَهْلِهِمْ وَمَتَاعِهِمْ فَلَا بُدَّ مِنْ حِفْظِهَا أَنَّهُمَا وَطَنَانِ لَهُ لَا يَبْطُلُ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ وَقَوْلُهُ لَا السَّفَرُ أَيْ لَا يَبْطُلُ الْأَصْلِيُّ بِالسَّفَرِ حَتَّى يَصِيرَ مُقِيمًا بِالْعَوْدِ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةِ الْإِقَامَةِ، وَكَذَا لَا يَبْطُلُ بِوَطَنِ الْإِقَامَةِ وَأَمَّا وَطَنُ الْإِقَامَةِ فَهُوَ الْوَطَنُ الَّذِي يَقْصِدُ الْمُسَافِرُ الْإِقَامَةَ فِيهِ، وَهُوَ صَالِحٌ لَهَا نِصْفَ شَهْرٍ، وَهُوَ يَنْتَقِضُ بِوَاحِدٍ مِنْ ثَلَاثَةٍ بِالْأَصْلِيِّ؛ لِأَنَّهُ فَوْقَهُ وَبِمِثْلِهِ وَبِالسَّفَرِ؛ لِأَنَّهُ ضِدُّهُ أَطْلَقَهُ فَأَفَادَهُ أَنَّ تَقْدِيمَ السَّفَرِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِثُبُوتِ الْوَطَنِ الْأَصْلِيِّ وَوَطَنِ الْإِقَامَةِ فَالْأَصْلِيُّ بِالْإِجْمَاعِ وَوَطَنُ الْإِقَامَةِ فِيهِ رِوَايَتَانِ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَفِي أُخْرَى عَنْ مُحَمَّدٍ إنَّمَا يَصِيرُ الْوَطَنُ وَطَنَ إقَامَةٍ بِشَرْطِ أَنْ يَتَقَدَّمَهُ سَفَرٌ، وَيَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا صَارَ إلَيْهِ مِنْهُ مُدَّةُ سَفَرٍ حَتَّى لَوْ خَرَجَ مِنْ مِصْرِهِ لَا لِقَصْدِ السَّفَرِ فَوَصَلَ إلَى قَرْيَةٍ وَنَوَى الْإِقَامَةَ بِهَا خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لَا تَصِيرُ تِلْكَ الْقَرْيَةُ وَطَنَ الْإِقَامَةِ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مُدَّةُ سَفَرٍ لِعَدَمِ تَقَدُّمِ السَّفَرِ، وَكَذَا إذَا قَصَدَ مَسِيرَةَ سَفَرٍ وَخَرَجَ فَلَمَّا وَصَلَ إلَى قَرْيَةٍ مَسِيرَتُهَا مِنْ وَطَنِهِ دُونَ مُدَّةِ السَّفَرِ نَوَى الْإِقَامَةَ بِهَا خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لَا يَصِيرُ مُقِيمًا، وَلَا تَصِيرُ تِلْكَ الْقَرْيَةُ وَطَنَ الْإِقَامَةِ مِثَالُهُ قَاهِرِيٌّ خَرَجَ إلَى بِلْبِيسَ فَنَوَى الْإِقَامَةَ بِهَا نِصْفَ شَهْرٍ ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا، وَإِنْ قَصَدَ مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَسَافَرَ بَطَلَ وَطَنُهُ بِبِلْبِيسَ حَتَّى لَوْ مَرَّ بِهِ فِي الْعَوْدِ لَا يُتِمُّ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ، وَخَرَجَ إلَى الصَّالِحِيَّةِ، فَإِنْ نَوَى الْإِقَامَةَ بِهَا نِصْفَ شَهْرٍ أَتَمَّ بِهَا وَبَطَلَ وَطَنُهُ بِبِلْبِيسَ حَتَّى لَوْ عَادَ إلَيْهِ مُسَافِرًا لَا يُتِمُّ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ الْإِقَامَةَ بِهَا لَمْ يَبْطُلْ وَطَنُهُ بِبِلْبِيسَ حَتَّى يُتِمَّ إذَا دَخَلَهُ وَإِنْ عَادَ إلَى مِصْرَ بَطَلَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَا يَبْطُلُ بِوَطَنِ الْإِقَامَةِ) قَالَ فِي النَّهْرِ، وَلَوْ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ بِهِ لَعُلِمَ السَّفَرُ بِالْأَوْلَى (قَوْلُهُ بِشَرْطِ أَنْ يَتَقَدَّمَهُ سَفَرٌ) عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ أَيْ نِيَّةُ سَفَرٍ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا بَعْدَهُ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لَهُ شَيْئَانِ أَحَدُهُمَا تَقَدُّمُ نِيَّةِ السَّفَرِ وَالثَّانِي أَنْ تَكُونَ مُدَّةُ سَفَرٍ بَيْنَهُ أَيْ بَيْنَ الْمَوْضِعِ الَّذِي أَنْشَأَ مِنْهُ السَّفَرَ وَبَيْنَ مَا صَارَ إلَيْهِ مِنْهُ أَيْ وَبَيْنَ الْمَوْضِعِ الَّذِي صَارَ إلَيْهِ مِنْ الْمَوْضِعِ الْأَوَّلِ وَنَوَى فِيهِ الْإِقَامَةَ فَقَوْلُهُ حَتَّى لَوْ خَرَجَ تَفْرِيعٌ عَلَى الشَّرْطِ الْأَوَّلِ وَقَوْلُهُ: وَكَذَا إذَا قَصَدَ إلَخْ تَفْرِيعٌ عَلَى الثَّانِي (قَوْلُهُ لِعَدَمِ تَقَدُّمِ السَّفَرِ) ، وَعَلَيْهِ فَلَوْ خَرَجَ مِنْ تِلْكَ الْقَرْيَةِ لِحَاجَةٍ، ثُمَّ قَصَدَ الرُّجُوعَ إلَى مِصْرِهِ وَمَرَّ بِتِلْكَ الْقَرْيَةِ يَقْصُرُ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ مَسِيرَةَ السَّفَرِ وَلَيْسَتْ الْقَرْيَةُ وَطَنًا لَهُ (قَوْلُهُ مِثَالُهُ قَاهِرِيٌّ إلَخْ) أَيْ مِثَالُ بُطْلَانِ وَطَنِ الْإِقَامَةِ بِوَاحِدٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ فَقَوْلُهُ، فَإِنْ قَصَدَ إلَخْ فِيهِ بُطْلَانُهُ بِالسَّفَرِ وَقَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ إلَخْ فِيهِ بُطْلَانُهُ بِمِثْلِهِ؛ لِأَنَّ مَا بَيْنَ بِلْبِيسَ وَالصَّالِحِيَّةِ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ كَمَا بَيْنَ بِلْبِيسَ وَالْقَاهِرَةِ وَقَوْلُهُ: وَإِنْ عَادَ إلَى مِصْرَ فِيهِ بُطْلَانُهُ بِالْأَهْلِيِّ (قَوْلُهُ حَتَّى يُتِمَّ إذَا دَخَلَهُ) يَعْنِي إذَا خَرَجَ مِنْ الصَّالِحِيَّةِ وَأَرَادَ الرُّجُوعَ إلَى الْقَاهِرَةِ وَمَرَّ بِبِلْبِيسَ يُتِمُّ؛ لِأَنَّ وَطَنَهُ بِهَا لَمْ يَبْطُلْ بِالْخُرُوجِ إلَى الصَّالِحِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَطَنٍ مِثْلِهِ، وَلَا سَفَرَ مَعَهُ فَيَبْقَى وَطَنُهُ بِبِلْبِيسَ وَهَذَا التَّمْثِيلُ كُلُّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْ عَدَمِ اشْتِرَاطِ تَقْدِيمِ السَّفَرِ لِثُبُوتِ وَطَنِ الْإِقَامَةِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَرِوَايَةِ الْحَسَنِ يَعْنِي هَذِهِ الرِّوَايَةَ. تَبَيَّنَ أَنَّ السَّفَرَ النَّاقِضَ لِوَطَنِ الْإِقَامَةِ مَا لَيْسَ فِيهِ مُرُورٌ عَلَى وَطَنِ الْإِقَامَةِ أَوْ مَا يَكُونُ الْمُرُورُ فِيهِ بَعْدَ سَيْرِ مُدَّةِ السَّفَرِ اهـ. وَلِهَذَا أَتَمَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 147 الْوَطَنَانِ حَتَّى لَوْ عَادَ إلَيْهِمَا فِي سَفْرَةٍ أُخْرَى لَا يُتِمُّ إذَا لَمْ يَنْوِ الْإِقَامَةَ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَطَنَ السُّكْنَى، وَهُوَ الْمَكَانُ الَّذِي يَنْوِي أَنْ يُقِيمَ فِيهِ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا تَبَعًا لِلْمُحَقِّقِينَ قَالُوا: لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يَبْقَى فِيهِ مُسَافِرًا عَلَى حَالِهِ فَصَارَ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ وَذَكَرَ الشَّارِحُ أَنَّ عَامَّتَهُمْ عَلَى أَنَّهُ يُفِيدُ فِي رَجُلٍ خَرَجَ مِنْ مِصْرِهِ إلَى قَرْيَةٍ لِحَاجَةٍ، وَلَمْ يَقْصِدْ السَّفَرَ، وَنَوَى أَنْ يُقِيمَ فِيهَا أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَإِنَّهُ يُتِمُّ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ مُقِيمٌ ثُمَّ خَرَجَ مِنْ الْقَرْيَةِ لَا لِلسَّفَرِ ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يُسَافِرَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ مِصْرَهُ وَقَبْلَ أَنْ يُقِيمَ لَيْلَةً فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فَسَافَرَ فَإِنَّهُ يَقْصُرُ، وَلَوْ مَرَّ بِتِلْكَ الْقَرْيَةِ وَدَخَلَهَا أَتَمَّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مَا يُبْطِلُهُ مِمَّا هُوَ فَوْقَهُ أَوْ مِثْلُهُ اهـ. وَصَحَّحَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ الْمُجْمَعُ عَدَمُ اعْتِبَارِهِ وَقَوْلُ الشَّارِحِ، وَلَوْ مَرَّ بِهَا أَتَمَّ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ السَّفَرَ بَاقٍ لَمْ يُوجَدْ مَا يُبْطِلُهُ، وَهُوَ مُبْطِلٌ لِوَطَنِ السُّكْنَى عَلَى تَقْدِيرِ اعْتِبَارِهِ؛ لِأَنَّ السَّفَرَ يُبْطِلُ وَطَنَ الْإِقَامَةِ فَكَيْفَ لَا يُبْطِلُ وَطَنَ السُّكْنَى فَقَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مَا يُبْطِلُهُ مَمْنُوعٌ. (قَوْلُهُ وَفَائِتَةُ السَّفَرِ وَالْحَضَرِ تُقْضَى رَكْعَتَيْنِ وَأَرْبَعًا) لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ أَيْ فَائِتَةُ السَّفَرِ تُقْضَى رَكْعَتَيْنِ وَفَائِتَةُ الْحَضَرِ تُقْضَى أَرْبَعًا؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِحَسَبِ الْأَدَاءِ بِخِلَافِ مَا لَوْ فَاتَتْهُ فِي الْمَرَضِ فِي حَالَةٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ حَيْثُ يَقْضِيهَا فِي الصِّحَّةِ رَاكِعًا وَسَاجِدًا أَوْ فَاتَتْهُ فِي الصِّحَّةِ حَيْثُ يَقْضِيهَا فِي الْمَرَضِ بِالْإِيمَاءِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ هُنَاكَ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ إلَّا أَنَّهُمَا يَسْقُطَانِ عَنْهُ بِالْعَجْزِ فَإِذَا قَدَرَ أَتَى بِهِمَا بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْمُسَافِرِ رَكْعَتَانِ كَصَلَاةِ الْفَجْرِ، وَعَلَى الْمُقِيمِ أَرْبَعٌ فَلَا يَتَغَيَّرُ بَعْدَ الِاسْتِقْرَارِ   [منحة الخالق] بِبِلْبِيسَ فِي مَسْأَلَتِنَا مَعَ أَنَّ مَا بَيْنَ الصَّالِحِيَّةِ وَالْقَاهِرَةِ مُدَّةُ سَفَرٍ؛ لِأَنَّ فِيهِ مُرُورًا عَلَى وَطَنِ الْإِقَامَةِ (قَوْلُهُ مَمْنُوعٌ) قَالَ الرَّمْلِيُّ لِقَائِلٍ أَنْ يَمْنَعَهُ؛ لِأَنَّ السَّفَرَ إنَّمَا يُبْطِلُ وَطَنَ الْإِقَامَةِ أَنْ لَوْ خَرَجَ مِنْهُ مُسَافِرًا فَكَذَا وَطَنُ السُّكْنَى؛ لِأَنَّ السَّفَرَ لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ تَأَمَّلْ كَذَا رَأَيْتُهُ بِخَطِّ بَعْضِهِمْ اهـ. قُلْتُ: وَقَدْ ذَكَرَ مِثْلَهُ الشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ الْمَدَارِيُّ الْحَلَبِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الدُّرِّ الْمُخْتَارِ عَنْ شَيْخِهِ الْمُحَقِّقِ السَّيِّدِ عَلِيّ الضَّرِيرِ، ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ وَجِيهٌ فَإِنَّ مَنْ نَوَى الْإِقَامَةَ بِمَوْضِعٍ نِصْفَ شَهْرٍ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْهُ لَا يُرِيدُ السَّفَرَ، ثُمَّ عَادَ مُرِيدًا سَفَرًا وَمَرَّ بِذَلِكَ أَتَمَّ مَعَ أَنَّهُ أَنْشَأَ سَفَرًا بَعْدَ اتِّخَاذِ هَذَا الْمَوْضِعِ دَارَ إقَامَةٍ فَثَبَتَ أَنَّ إنْشَاءَ السَّفَرِ لَا يُبْطِلُ وَطَنَ الْإِقَامَةِ إلَّا إذَا أَنْشَأَ السَّفَرَ مِنْهُ فَلْيَكُنْ وَطَنُ السُّكْنَى كَذَلِكَ فَمَا صَوَّرَهُ الزَّيْلَعِيُّ صَحِيحٌ وَمِنْ تَصْوِيرِهِ عَلِمْت أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْوَطَنِ الْأَصْلِيِّ وَبَيْنَ وَطَنِ السُّكْنَى أَقَلُّ مِنْ مُدَّةِ السَّفَرِ، وَكَذَا بَيْنَ وَطَنِ الْإِقَامَةِ وَوَطَنِ السُّكْنَى اهـ. قُلْت: قَدْ يُقَالُ إنَّ قَوْلَهُ فَلْيَكُنْ وَطَنُ السُّكْنَى كَذَلِكَ قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ لِبَقَاءِ السَّفَرِ فِي وَطَنِ السُّكْنَى وَانْتِهَائِهِ فِي وَطَنِ الْإِقَامَةِ فَإِذَا دَخَلَ الْمُسَافِرُ بَلْدَةً وَنَوَى الْإِقَامَةَ فِيهَا دُونَ نِصْفِ شَهْرٍ بَقِيَ مُسَافِرًا فَيَقْصُرُ فَكَذَا إذَا مَرَّ عَلَيْهَا بَعْدَ أَنْ خَرَجَ مِنْهَا بِخِلَافِ مَا إذَا نَوَى الْإِقَامَةَ فِيهَا نِصْفَ شَهْرٍ فَإِنَّهُ خَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ مُسَافِرًا؛ وَلِذَا يُتِمُّ مُدَّةَ إقَامَتِهِ بِهَا عَلَى أَنَّ تَصْحِيحَ الْمُحَقِّقِينَ عَدَمُ اعْتِبَارِهِ يَقْتَضِي تَصْحِيحَ عَدَمِ الْإِتْمَامِ فِيمَا صَوَّرَهُ الزَّيْلَعِيُّ؛ وَلِذَا عَلَّلَ شُرَّاحُ الْهِدَايَةِ وَغَيْرُهُمْ عَدَمَ اعْتِبَارِهِ بِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ حُكْمُ الْإِقَامَةِ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ أَنَّ الْإِمَامَ السَّرَخْسِيَّ ذَكَرَ مَسْأَلَةً تَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِهِ وَهِيَ لَوْ خَرَجَ كُوفِيٌّ إلَى الْقَادِسِيَّةِ لِحَاجَةٍ، ثُمَّ مِنْهَا إلَى الْحِيرَةِ يُرِيدُ الشَّامَ حَتَّى إذَا كَانَ قَرِيبًا مِنْهَا بَدَا لَهُ الرُّجُوعُ إلَى الْقَادِسِيَّةِ لِيَحْمِلَ ثَقَلَهُ مِنْهَا وَيَرْتَحِلَ إلَى الشَّامِ، وَلَا يَمُرَّ بِالْكُوفَةِ أَتَمَّ حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْ الْقَادِسِيَّةِ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ لَهُ وَطَنَ السُّكْنَى، وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ بِقَصْدِ الْحِيرَةِ وَطَنُ سُكْنَى آخَرُ مَا لَمْ يَدْخُلْهَا فَيَبْقَى وَطَنُهُ بِالْقَادِسِيَّةِ وَلَا يُنْتَقَضُ كَمَا لَوْ خَرَجَ مِنْهَا لِتَشْيِيعِ جِنَازَةٍ وَنَحْوِهِ اهـ. مُلَخَّصًا. فَقَدْ قَالَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ فِيهِ تَأَمَّلْ وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ ابْتِدَاءَ سَفَرِهِ اُعْتُبِرَ مِنْ الْقَادِسِيَّةِ حَتَّى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لَهُ مُجَاوَزَةُ عُمْرَانِهَا إذَا أَرَادَ الْقَصْرَ فَصَارَتْ بِمَنْزِلَةِ وَطَنِهِ الْأَصْلِيِّ حُكْمًا فَإِذَا رَجَعَ إلَيْهَا قَبْلَ اسْتِحْكَامِ السَّفَرِ يُتِمُّ الصَّلَاةَ بِمَنْزِلَةِ مَا إذَا خَرَجَ مُسَافِرًا مِنْ بَلْدَةٍ، ثُمَّ تَذَكَّرَ حَاجَةً فَرَجَعَ فَإِنَّهُ يُتِمُّ كَمَا يَأْتِي فَلَمْ يَدُلَّ عَلَى أَنَّ إتْمَامَهُ لِكَوْنِهِ وَطَنَ سُكْنَى لَكِنْ قَدْ يُقَالُ تَسْمِيَةُ السَّرَخْسِيِّ لَهُ وَطَنَ سُكْنَى دَلِيلٌ عَلَيْهِ وَكَذَا قَوْلُهُ: وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ بِقَصْدِ الْحِيرَةِ وَطَنُ سُكْنَى آخَرُ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي فِي التَّوْفِيقِ أَنَّهُ إذَا كَانَ مُسَافِرًا فَأَقَامَ فِي بَلَدٍ دُونَ نِصْفِ شَهْرٍ لَمْ يُعْتَبَرْ هَذَا الْوَطَنُ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ يَقْصُرُ فِيهِ فَإِذَا خَرَجَ مِنْهُ، ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهِ يَقْصُرُ أَيْضًا، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ كَلَامُ الْمُحَقِّقِينَ الَّذِينَ لَمْ يَعْتَبِرُوا وَطَنَ السُّكْنَى كَمَا يُفِيدُهُ مَا نَقَلَهُ الْمُؤَلِّفُ عَنْهُمْ أَمَّا إذَا كَانَ مُقِيمًا، ثُمَّ خَرَجَ مِنْ مِصْرِهِ إلَى قَرْيَةٍ قَرِيبَةٍ وَنَوَى أَنْ يُقِيمَ فِيهَا دُونَ نِصْفِ شَهْرٍ كَمَا مَرَّ تَصْوِيرُهُ عَنْ الشَّارِحِ الزَّيْلَعِيِّ فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ كَلَامُ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ الَّذِينَ اعْتَبَرُوهُ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ قَبْلَ تَحَقُّقِ السَّفَرِ لَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ مَنْ قَالَ بِاعْتِبَارِهِ قَبْلَ تَحَقُّقِ السَّفَرِ كَمَا فِي صُورَةِ الزَّيْلَعِيِّ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَقُولَ بِاعْتِبَارِهِ بَعْدَ تَحَقُّقِ السَّفَرِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ حُكْمُ الْإِقَامَةِ الْمُبِيحَةِ لِلْإِتْمَامِ فَإِنَّ أَقَلَّهَا نِصْفُ شَهْرٍ إذْ لَا يَقُولُ عَاقِلٌ إنَّ الْمُسَافِرَ إذَا دَخَلَ بَلْدَةً وَنَوَى الْإِقَامَةَ فِيهَا يَوْمًا مَثَلًا، ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا، ثُمَّ رَجَعَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي أَنَّهُ يُتِمُّ مَا لَوْ يَنْوِ إقَامَةَ نِصْفِ شَهْرٍ وَبِهَذَا التَّوْفِيقِ يَرْتَفِعُ الْخِلَافُ إلَّا أَنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 148 (قَوْلُهُ وَالْمُعْتَبَرُ فِيهِ آخِرُ الْوَقْتِ) أَيْ الْمُعْتَبَرُ فِي وُجُوبِ الْأَرْبَعِ أَوْ الرَّكْعَتَيْنِ عِنْدَ عَدَمِ الْأَدَاءِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ الْجُزْءُ الْأَخِيرُ مِنْ الْوَقْتِ، وَهُوَ قَدْرُ مَا يَسَعُ التَّحْرِيمَةَ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ مُقِيمًا وَجَبَ عَلَيْهِ أَرْبَعٌ، وَإِنْ كَانَ مُسَافِرًا فَرَكْعَتَانِ؛ لِأَنَّهُ الْمُعْتَبَرُ فِي السَّبَبِيَّةِ عِنْدَ عَدَمِ الْأَدَاءِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ إنْ أَدَّى آخِرَهُ وَإِلَّا فَكُلُّ الْوَقْتِ هُوَ السَّبَبُ لِيَثْبُتَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ بِصِفَةِ الْكَمَالِ وَفَائِدَةُ إضَافَتِهِ إلَى الْجُزْءِ الْأَخِيرِ اعْتِبَارُ حَالِ الْمُكَلَّفِ فِيهِ فَلَوْ بَلَغَ صَبِيٌّ أَوْ أَسْلَمَ كَافِرٌ وَأَفَاقَ مَجْنُونٌ أَوْ طَهُرَتْ الْحَائِضُ أَوْ النُّفَسَاءُ فِي آخِرِ الْوَقْتِ بَعْدَ مُضِيِّ الْأَكْثَرِ تَجِبُ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ، وَلَوْ كَانَ الصَّبِيُّ قَدْ صَلَّاهَا فِي أَوَّلِهِ وَبِعَكْسِهِ لَوْ جُنَّ أَوْ حَاضَتْ أَوْ نَفِسَتْ فِيهِ لَمْ يَجِبْ لِفَقْدِ الْأَهْلِيَّةِ عِنْدَ وُجُودِ السَّبَبِ، وَفَائِدَةُ إضَافَتِهِ إلَى الْكُلِّ عِنْدَ خُلُوِّهِ مِنْ الْأَدَاءِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَضَاءُ عَصْرِ الْيَوْمِ وَقْتَ التَّغَيُّرِ فِي الْيَوْمِ الْآتِي، وَلَوْ كَانَ السَّبَبُ هُوَ الْجُزْءُ الْأَخِيرُ لَجَازَ وَتَمَامُ تَحْقِيقِهِ فِي كِتَابِنَا الْمُسَمَّى بِلُبِّ الْأُصُولِ مُخْتَصَرِ تَحْرِيرِ الْأُصُولِ وَسَيَأْتِي فِي الْجُمُعَةِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ أَوَّلُ الْوَقْتِ فِي وُجُوبِهَا وَاعْتَبَرَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي السَّبَبِيَّةِ الْجُزْءُ الَّذِي يَلْزَمُهُ الشُّرُوعُ فِيهِ، وَاخْتَارَهُ الْقُدُورِيُّ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ جُعِلَ سَبَبًا لِيُؤَدِّيَ فِيهِ فَإِذَا تَأَخَّرَ عَنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ وَبَقِيَ مِقْدَارُ مَا يَسَعُ الرَّكْعَتَيْنِ يُجْعَلُ سَبَبًا فَيَتَغَيَّرُ فَرْضُهُ، وَإِنْ لَمْ يَبْقَ مِقْدَارُ ذَلِكَ كَانَ السَّبَبُ أَوَّلَ الْوَقْتِ، وَهُوَ كَانَ مُقِيمًا حِينَئِذٍ إلَّا أَنَّهُ يَشْكُلُ عَلَيْهِ مَا إذَا أَقَامَ الْمُسَافِرُ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ الْوَقْتِ فَإِنَّ عَلَيْهِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ اتِّفَاقًا كَذَا فِي الْمُصَفَّى فَيَحْتَاجُ زُفَرُ إلَى الْفَرْقِ قَيَّدْنَا بِعَدَمِ الْأَدَاءِ أَوَّلَ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ صَلَّى صَلَاةَ السَّفَرِ أَوَّلَ الْوَقْتِ ثُمَّ أَقَامَ فِي الْوَقْتِ لَا يَتَغَيَّرُ فَرْضُهُ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَذَكَرَ فِي الْخُلَاصَةِ رَجُلٌ صَلَّى الظُّهْرَ فِي مَنْزِلِهِ، وَهُوَ مُقِيمٌ ثُمَّ خَرَجَ إلَى السَّفَرِ وَصَلَّى الْعَصْرَ فِي سَفَرِهِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّهُ تَرَكَ شَيْئًا فِي مَنْزِلِهِ فَرَجَعَ إلَى مَنْزِلِهِ لِأَجْلِ ذَلِكَ ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّهُ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ بِغَيْرِ وُضُوءٍ قَالُوا: يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ وَالْعَصْرَ أَرْبَعًا، وَلَوْ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ، وَهُوَ مُقِيمٌ ثُمَّ سَافَرَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا يُصَلِّي الظُّهْرَ أَرْبَعًا وَالْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ اهـ. قَيَّدَ بِالصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الصَّوْمِ أَوَّلُ جُزْءٍ مِنْ الْيَوْمِ حَتَّى لَوْ أَسْلَمَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ لَا يَلْزَمُهُ صَوْمُ ذَلِكَ الْيَوْمِ لِكَوْنِهِ مِعْيَارًا. (قَوْلُهُ وَالْعَاصِي كَغَيْرِهِ) أَيْ فِي التَّرَخُّصِ بِرُخَصِ الْمُسَافِرِ لِإِطْلَاقِ النُّصُوصِ، وَلِأَنَّ السَّفَرَ الْمُوجِبَ لِلرُّخَصِ لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ إنَّمَا هُوَ فِيمَا جَاوَرَهُ كَخُرُوجِهِ عَاقًّا لِوَالِدَيْهِ أَوْ عَاصِيًا عَلَى الْإِمَامِ أَوْ آبِقًا مِنْ مَوْلَاهُ أَوْ خَرَجَتْ الْمَرْأَةُ بِلَا مَحْرَمٍ أَوْ فِي الْعِدَّةِ أَوْ قَاطِعًا لِلطَّرِيقِ وَقَدْ تَكُونُ بَعْدَهُ كَمَا إذَا خَرَجَ لِلْحَجِّ أَوْ لِلْجِهَادِ ثُمَّ قَطَعَ الطَّرِيقَ، وَالْقُبْحُ الْمُجَاوِرُ لَا يَعْدَمُ الْمَشْرُوعِيَّةَ أَصْلًا كَالصَّلَاةِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ وَالْبَيْعِ وَقْتَ النِّدَاءِ فَصَلَحَ السَّفَرُ مَنَاطًا لِلرُّخْصَةِ. (قَوْلُهُ وَتُعْتَبَرُ نِيَّةُ الْإِقَامَةِ وَالسَّفَرِ مِنْ الْأَصْلِ دُونَ التَّبَعِ أَيْ الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ وَالْجُنْدِيِّ) تَفْسِيرٌ لِلتَّبَعِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ الْمُتَمَكِّنُ مِنْ الْإِقَامَةِ وَالسَّفَرِ دُونَ التَّبَعِ لَكِنْ لَا يَلْزَمُ التَّبَعَ الْإِتْمَامُ إلَّا بَعْدَ عِلْمِهِ بِنِيَّةِ الْمَتْبُوعِ كَمَا فِي تَوَجُّهِ الْخِطَابِ الشَّرْعِيِّ وَعَزْلِ الْوَكِيلِ، وَقِيلَ يَلْزَمُهُ كَالْعَزْلِ الْحُكْمِيِّ، وَهُوَ أَحْوَطُ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ فِي لُزُومِ الْحُكْمِ قَبْلَ الْعِلْمِ حَرَجًا وَضَرَرًا، وَهُوَ مَدْفُوعٌ شَرْعًا بِخِلَافِ الْوَكِيلِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُلْجَإٍ إلَى الْبَيْعِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ لَا يَبِيعَ فَيُمْكِنُهُ دَفْعُ الضَّرَرِ بِالِامْتِنَاعِ عَنْ الْبَيْعِ فَإِذَا بَاعَ بِنَاءً عَلَى ظَاهِرِ أَمْرِهِ وَلَحِقَهُ ضَرَرٌ كَانَ الضَّرَرُ نَاشِئًا مِنْ جِهَتِهِ مِنْ وَجْهٍ وَمِنْ جِهَةِ الْمُوَكِّلِ مِنْ وَجْهٍ فَيَصِحُّ الْعَزْلُ حُكْمًا لَا قَصْدًا وَهَاهُنَا التَّبَعُ مَأْمُورٌ بِقَصْرِ صَلَاتِهِ مَنْهِيٌّ عَنْ إتْمَامِهَا فَكَانَ مُضْطَرًّا فَلَوْ صَارَ فَرْضُهُ أَرْبَعًا بِإِقَامَةِ الْأَصْلِ، وَهُوَ لَا يَشْعُرُ بِهِ لَحِقَهُ ضَرَرٌ عَظِيمٌ مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِ بِكُلِّ وَجْهٍ وَأَنَّهُ مَنْفِيٌّ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَعَلَى هَذَا فَمَا فِي الْخُلَاصَةِ مِنْ أَنَّ الْعَبْدَ إذَا أَمَّ مَوْلَاهُ فِي السَّفَرِ فَنَوَى الْمَوْلَى الْإِقَامَةَ صَحَّتْ حَتَّى لَوْ سَلَّمَ الْعَبْدُ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ   [منحة الخالق] يُوجَدَ نَقْلٌ دَالٌّ عَلَى وُجُودِ الْخِلَافِ فِيمَا صَوَّرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [قَضَاء فَائِتَةُ السَّفَرِ وَالْحَضَرِ] (قَوْلُهُ قَالُوا يَجِبُ عَلَيْهِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مُسَافِرًا فِي آخِرِ وَقْتِ الظُّهْرِ وَمُقِيمًا فِي الْعَصْرِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 149 كَانَ عَلَيْهِمَا إعَادَةُ تِلْكَ الصَّلَاةِ اهـ. وَكَذَا الْعَبْدُ إذَا كَانَ مَعَ مَوْلَاهُ فِي السَّفَرِ فَبَاعَهُ مِنْ مُقِيمٍ وَالْعَبْدُ كَانَ فِي الصَّلَاةِ يَنْقَلِبُ فَرْضُهُ أَرْبَعًا حَتَّى لَوْ سَلَّمَ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ كَانَ عَلَيْهِ إعَادَةُ تِلْكَ الصَّلَاةِ اهـ. مَبْنِيٌّ عَلَى غَيْرِ الصَّحِيحِ إنْ فُرِضَ عَدَمُ عِلْمِ الْعَبْدِ أَوْ عَلَى الْكُلِّ إنْ عَلِمَ أُطْلِقَ فِي تَبَعِيَّةِ الْمَرْأَةِ وَالْجُنْدِيِّ، وَقَيَّدُوهُ بِأَنْ تَسْتَوْفِيَ الْمَرْأَةُ مَهْرَهَا الْمُعَجَّلَ وَإِلَّا فَلَا تَكُونُ تَبَعًا فَالْعِبْرَةُ بِنِيَّتِهَا؛ لِأَنَّ لَهَا أَنْ تَحْبِسَ نَفْسَهَا عَنْ الزَّوْجِ لِلْمُعَجَّلِ دُونَ الْمُؤَجَّلِ وَلَا تَسْكُنُ حَيْثُ يَسْكُنُ هُوَ وَبِأَنْ يَكُونَ الْجُنْدِيُّ يُرْزَقُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَإِنْ كَانَ رِزْقُهُ فِي مَالِهِ فَالْعِبْرَةُ لِنِيَّتِهِ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَذْهَبَ حَيْثُ شَاءَ لِطَلَبِ الرِّزْقِ وَأُطْلِقَ فِي الْعَبْدِ فَشَمَلَ الْقِنَّ وَالْمُدَبَّرَ وَأُمَّ الْوَلَدِ وَأَمَّا الْمُكَاتَبُ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ تَبَعًا؛ لِأَنَّ لَهُ السَّفَرَ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى فَلَا يَلْزَمُهُ طَاعَتُهُ، وَلَيْسَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ قَصْرَ التَّبَعِ عَلَى هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ بَلْ هُوَ كُلُّ مَنْ كَانَ تَبَعًا لِإِنْسَانٍ وَيَلْزَمُهُ طَاعَتُهُ فَيَدْخُلُ الْأَجِيرُ مَعَ مُسْتَأْجِرِهِ وَالْمَحْمُولُ مَعَ حَامِلِهِ وَالْغَرِيمُ مَعَ صَاحِبِ الدَّيْنِ إنْ كَانَ مُعْسِرًا مُفْلِسًا، فَإِنْ كَانَ مَلِيًّا فَالنِّيَّةُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ قَضَاءُ الدَّيْنِ فَيُقِيمُ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ شَاءَ وَأَمَّا الْأَعْمَى مَعَ قَائِدِهِ، فَإِنْ كَانَ الْقَائِدُ أَجِيرًا فَالْعِبْرَةُ لِنِيَّةِ الْأَعْمَى، وَإِنْ كَانَ مُتَطَوِّعًا فِي قِيَادَةٍ تُعْتَبَرُ نِيَّتُهُ وَالْعَبْدُ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ إذَا سَافَرَ مَعَهُمَا ثُمَّ نَوَى أَحَدُهُمَا الْإِقَامَةَ قِيلَ لَا يَصِيرُ الْعَبْدُ مُقِيمًا لِوُقُوعِ الشَّكِّ فِي صَيْرُورَتِهِ مُقِيمًا فَيَبْقَى مُسَافِرًا وَقِيلَ يَصِيرُ مُقِيمًا تَرْجِيحًا لِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ احْتِيَاطًا لِأَمْرِ الْعِبَادَةِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَمَحَلُّهُ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا مُهَايَأَةٌ، فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مُهَايَأَةٌ فِي الْخِدْمَةِ فَإِنَّ الْعَبْدَ يُصَلِّي صَلَاةَ الْإِقَامَةِ وَإِذْ خَدَمَ الْمَوْلَى الَّذِي لَمْ يَنْوِ الْإِقَامَةَ يُصَلِّي صَلَاةَ السَّفَرِ، وَفِي نُسْخَةِ الْقَاضِي الْإِمَامِ الْعَبْدُ إذَا خَرَجَ مَعَ مَوْلَاهُ، وَلَا يَعْلَمُ سَيْرَ الْمَوْلَى فَإِنَّهُ يَسْأَلُهُ إنْ أَخْبَرَهُ أَنَّ مَسِيرَهُ مُدَّةُ السَّفَرِ صَلَّى صَلَاةَ الْمُسَافِرِينَ، وَإِنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ صَلَّى صَلَاةَ الْإِقَامَةِ، وَإِنْ لَمْ يُخْبِرْهُ بِذَلِكَ إنْ كَانَ مُقِيمًا قَبْلَ ذَلِكَ صَلَّى صَلَاةَ الْإِقَامَةِ، وَإِنْ كَانَ مُسَافِرًا قَبْلُ صَلَّى صَلَاةَ الْمُسَافِرِينَ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَفِي الْقُنْيَةِ مُسَافِرٌ وَمُقِيمٌ اشْتَرَيَا عَبْدًا الْأَصَحُّ أَنَّ الْعَبْدَ يُصَلِّي صَلَاةَ الْمُقِيمِ وَدَخَلَ تَحْتَ الْجُنْدِيِّ الْأَمِيرُ مَعَ الْخَلِيفَةِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَفِيهَا وَعَلَى هَذَا الْحُجَّاجُ إذَا وَصَلُوا بَغْدَادَ شَهْرَ رَمَضَانَ، وَلَمْ يَنْوُوا الْإِقَامَةَ صَلَّوْا صَلَاةَ الْمُقِيمِينَ اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْحُجَّاجَ تَبَعٌ لِأَمِيرِ الْقَافِلَةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَلَا يَنْبَغِي إدْخَالُهُ فِي هَذَا الْمَبْحَثِ بَلْ عِلَّتُهُ أَنَّهُمْ لَمَّا عَلِمُوا أَنَّ الْقَافِلَةَ لَا تَخْرُجُ إلَّا بَعْدَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا نَزَلَ ذَلِكَ مَنْزِلَةَ نِيَّتِهِمْ الْإِقَامَةَ نِصْفَ شَهْرٍ كَمَا عُلِّلَ بِهِ فِي التَّجْنِيسِ، وَفِي الْمُحِيطِ مُسْلِمٌ أَسَرَهُ الْعَدُوُّ إنْ كَانَ مَسِيرَةُ الْعَدُوِّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ يَقْصُرُ، وَإِنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ يُتِمُّ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ يَسْأَلْ، كَمَا مَرَّ فِي الْعَبْدِ، وَلَوْ دَخَلَ مُسَافِرٌ مِصْرًا فَأَخَذَهُ غَرِيمُهُ فَحَبَسَهُ، فَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا قَصَرَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِ الْإِقَامَةَ، وَلَا يَحِلُّ لِلطَّالِبِ حَبْسُهُ، وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا إنْ عَزَمَ أَنْ يَقْضِيَ دَيْنَهُ أَوْ لَمْ يَعْزِمْ شَيْئًا قَصَرَ، وَإِنْ عَزَمَ وَاعْتَقَدَ أَنْ لَا يَقْضِيَهُ أَتَمَّ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ. (بَابُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ) . مُنَاسَبَتُهُ مَعَ مَا قَبْلَهُ تَنْصِيفُ الصَّلَاةِ لِعَارِضٍ إلَّا أَنَّ التَّنْصِيفَ هُنَا فِي خَاصٍّ مِنْ الصَّلَاةِ، وَهُوَ الظُّهْرُ وَفِيمَا قَبْلَهُ فِي كُلِّ رُبَاعِيَّةٍ وَتَقْدِيمُ الْعَامِّ هُوَ الْوَجْهُ وَلَسْنَا نَعْنِي أَنَّ الْجُمُعَةَ تَنْصِيفُ الظُّهْرِ بِعَيْنِهِ بَلْ هِيَ فَرْضٌ ابْتِدَاءً نِسْبَتُهُ النِّصْفُ مِنْهَا وَهِيَ فَرِيضَةٌ مُحْكَمَةٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ يَكْفُرُ جَاحِدُهَا وَقَدْ أَطَالَ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فِي بَيَانِ دَلَائِلِهَا ثُمَّ قَالَ، وَإِنَّمَا أَكْثَرْنَا فِيهِ نَوْعًا مِنْ الْإِكْثَارِ لِمَا نَسْمَعُ عَنْ بَعْضِ الْجَهَلَةِ أَنَّهُمْ يَنْسُبُونَ إلَى مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ عَدَمَ افْتِرَاضِهَا وَمَنْشَأُ غَلَطِهِمْ مَا سَيَأْتِي مِنْ قَوْلِ الْقُدُورِيِّ، وَمَنْ صَلَّى الظُّهْرَ فِي مَنْزِلِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَلَا عُذْرَ لَهُ كُرِهَ وَجَازَتْ صَلَاتُهُ، وَإِنَّمَا أَرَادَ حَرُمَ عَلَيْهِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ فَيَدْخُلُ الْأَجِيرُ مَعَ مُسْتَأْجِرِهِ) أَيْ مُشَاهِرَةً أَوْ مُسَانَهَةً كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْغِيَاثِيَّةِ وَقَوْلُهُ وَالْمَحْمُولُ مَعَ حَامِلِهِ قَالَ فِي النَّهْرِ يَنْبَغِي أَنْ يَفْصِلَ فِيهِ كَالْقَائِدِ. [بَابُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ] (قَوْلُهُ وَلَسْنَا نَعْنِي إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا أَوْرَدَهُ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ بِأَنَّ هَذَا يَجُرُّ إلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ صَلَاةُ ظُهْرٍ قُصِرَتْ لَا فَرْضٌ مُبْتَدَأٌ، وَلَا يَخْفَى عَلَيْكَ تَرْخِيمُهُ اهـ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 150 وَصَحَّتْ الظُّهْرُ فَالْحُرْمَةُ لِتَرْكِ الْفَرْضِ، وَصِحَّةُ الظُّهْرِ لِمَا سَنَذْكُرُهُ، وَقَدْ صَرَّحَ أَصْحَابُنَا بِأَنَّهَا فَرْضٌ آكِدٌ مِنْ الظُّهْرِ وَبِإِكْفَارِ جَاحِدِهَا اهـ. أَقُولُ:، وَقَدْ كَثُرَ ذَلِكَ مِنْ جَهَلَةِ زَمَانِنَا أَيْضًا وَمُنْشَأُ جَهْلِهِمْ صَلَاةُ الْأَرْبَعِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ بِنِيَّةِ الظُّهْرِ، وَإِنَّمَا وَضَعَهَا بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ عِنْدَ الشَّكِّ فِي صِحَّةِ الْجُمُعَةِ بِسَبَبِ رِوَايَةِ عَدَمِ تَعَدُّدِهَا فِي مِصْرٍ وَاحِدٍ وَلَيْسَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ بِالْمُخْتَارَةِ، وَلَيْسَ هَذَا الْقَوْلُ أَعْنِي اخْتِيَارَ صَلَاةِ الْأَرْبَعِ بَعْدَهَا مَرْوِيًّا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ حَتَّى وَقَعَ لِي أَنِّي أَفْتَيْت مِرَارًا بِعَدَمِ صَلَاتِهَا خَوْفًا عَلَى اعْتِقَادِ الْجَهَلَةِ بِأَنَّهَا الْفَرْضُ، وَأَنَّ الْجُمُعَةَ لَيْسَتْ بِفَرْضٍ وَسَنُوَضِّحُهُ مِنْ بَعْدُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - وَأَمَّا شَرَائِطُهَا فَنَوْعَانِ شَرَائِطُ صِحَّةٍ وَشَرَائِطُ وُجُوبٍ فَالْأَوَّلُ سِتَّةٌ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ: الْمِصْرُ وَالسُّلْطَانُ وَالْوَقْتُ وَالْخُطْبَةُ وَالْجَمَاعَةُ وَالْأَذَانُ الْعَامُّ وَالثَّانِي سِتَّةٌ أَيْضًا كَمَا سَيَأْتِي وَهِيَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَإِسْكَانِهَا وَفَتْحِهَا حَكَى ذَلِكَ الْفَرَّاءُ وَالْوَاحِدِيُّ مِنْ الِاجْتِمَاعِ كَالْفُرْقَةِ مِنْ الِافْتِرَاقِ أُضِيفَ إلَيْهَا الْيَوْمُ وَالصَّلَاةُ ثُمَّ كَثُرَ الِاسْتِعْمَالُ حَتَّى حُذِفَ مِنْهَا الْمُضَافُ وَجُمِعَتْ فَقِيلَ: جُمُعَاتٌ وَجُمَعٌ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَكَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يُسَمَّى عَرُوبَةً بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّ الرَّاءِ وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَأَوَّلُ مَنْ سَمَّاهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ كَعْبُ بْنُ لُؤَيٍّ وَلَمَّا «قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَدِينَةَ أَقَامَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَالثُّلَاثَاءَ وَالْأَرْبِعَاءَ وَالْخَمِيسَ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ وَأَسَّسَ مَسْجِدَهُمْ ثُمَّ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِمْ فَأَدْرَكَتْهُ الْجُمُعَةُ فِي بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ فَصَلَّاهَا فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي فِي بَطْنِ الْوَادِي، وَادِي رَاتُونَا» فَكَانَتْ أَوَّلَ جُمُعَةٍ صَلَّاهَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِالْمَدِينَةِ (قَوْلُهُ شَرْطُ أَدَائِهَا الْمِصْرُ) أَيْ شَرْطُ صِحَّتِهَا أَنْ تُؤَدَّى فِي مِصْرٍ حَتَّى لَا تَصِحَّ فِي قَرْيَةٍ، وَلَا مَفَازَةٍ لِقَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا جُمُعَةَ، وَلَا تَشْرِيقَ، وَلَا صَلَاةَ فِطْرٍ، وَلَا أَضْحَى إلَّا فِي مِصْرٍ جَامِعٍ أَوْ فِي مَدِينَةٍ عَظِيمَةٍ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حَزْمٍ وَكَفَى بِقَوْلِهِ قُدْوَةً وَإِمَامًا، وَإِذَا لَمْ تَصِحَّ فِي غَيْرِ الْمِصْرِ فَلَا تَجِبُ عَلَى غَيْرِ أَهْلِهِ، وَفِي الْخُلَاصَةِ الْقَرَوِيُّ إذَا دَخَلَ الْمِصْرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إنْ نَوَى أَنْ يَمْكُثَ فِيهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لَزِمَتْهُ الْجُمُعَةُ، وَإِنْ نَوَى الْخُرُوجَ مِنْ ذَلِكَ الْمِصْرِ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ لَا تَلْزَمُهُ وَبَعْدَ دُخُولِ وَقْتِ الْجُمُعَةِ تَلْزَمُهُ قَالَ الْفَقِيهُ إنْ نَوَى الْخُرُوجَ مِنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِ الْجُمُعَةِ لَا تَلْزَمُهُ. الْمِصْرِيُّ إذَا أَرَادَ أَنْ يُسَافِرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لَا بَأْسَ بِهِ إذَا خَرَجَ مِنْ الْعُمْرَانِ قَبْلَ خُرُوجِ وَقْتِ الظُّهْرِ؛ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ إنَّمَا تَجِبُ فِي آخِرِ الْوَقْتِ، وَهُوَ مُسَافِرٌ فِي آخِرِ الْوَقْتِ وَالْمُسَافِرُ إذَا قَدِمَ الْمِصْرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى عَزْمِ أَنْ لَا يَخْرُجَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لَا تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ مَا لَمْ يَنْوِ الْإِقَامَةَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا اهـ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ كُلُّ مَوْضِعٍ لَهُ أَمِيرٌ وَقَاضٍ يُنَفِّذُ الْأَحْكَامَ وَيُقِيمُ الْحُدُودَ) أَيْ حَدُّ الْمِصْرِ الْمَذْكُورِ هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ كَمَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ زَادَ فِي الْخُلَاصَةِ وَيُشْتَرَطُ الْمُفْتِي إذَا لَمْ يَكُنْ الْقَاضِي أَوْ الْوَالِي مُفْتِيًا وَأَسْقَطَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ الْأَمِيرَ فَقَالَ الْمِصْرُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ مُفْتٍ وَقَاضٍ يُقِيمُ الْحُدُودَ وَيُنَفِّذُ الْأَحْكَامَ وَبَلَغَتْ أَبْنِيَتُهُ أَبْنِيَةَ مِنًى اهـ. وَاحْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَيُقِيمُ الْحُدُودَ عَنْ الْمُحَكِّمِ وَالْمَرْأَةِ إذَا كَانَتْ قَاضِيَةً فَإِنَّهُمَا لَا يُقِيمَانِ الْحُدُودَ، وَإِنْ نَفَّذَ الْأَحْكَامَ وَاكْتَفَى بِذِكْرِ الْحُدُودِ عَنْ الْقِصَاصِ؛ لِأَنَّ مَنْ مَلَكَ إقَامَتَهَا مَلَكَهُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْبَلْدَةَ إذَا كَانَ قَاضِيهَا أَوْ أَمِيرُهَا امْرَأَةً لَا يَكُونُ مِصْرًا فَلَا تَصِحُّ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ فِيهَا وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَأَمَّا الْمَرْأَةُ وَالصَّبِيُّ الْعَاقِلُ فَلَا تَصِحُّ مِنْهَا إقَامَةُ الْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَصْلُحَانِ لِلْإِمَامَةِ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ فَفِي الْجُمُعَةِ أَوْلَى إلَّا أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا كَانَتْ سُلْطَانًا فَأَمَّرَتْ رَجُلًا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ قَبْلَ خُرُوجِ وَقْتِ الظُّهْرِ) وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ قَبْلَ دُخُولِ بَدَلَ خُرُوجِ، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَكِنَّ الَّذِي فِي الْخُلَاصَةِ خُرُوجٌ وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ التَّعَرُّضُ لِلْمَسْأَلَةِ ثَانِيًا (قَوْلُهُ وَاحْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَيُقِيمُ الْحُدُودَ إلَخْ) هَذَا عَلَى مَا اخْتَارَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ شُرَّاحِ الْهِدَايَةِ مِنْ أَنَّهُ مِنْ عَطْفِ الْمُغَايِرِ وَإِلَّا فَقَدْ قِيلَ: إنَّهُ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ اهْتِمَامًا بِهَا لِزِيَادَةِ خَطَرِهَا وَاعْتُرِضَ الْأَوَّلُ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ بِأَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ فِي الْأَحْكَامِ إذَا كَانَتْ لِلِاسْتِغْرَاقِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ إذْ لَا عَهْدَ يُبْطِلُ مَا ذَكَرُوهُ قَالَ فِي النَّهْرِ وَأَقُولُ: لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ لِلْجِنْسِ بَلْ الْحَمْلُ عَلَيْهِ هُنَا أَوْلَى إذْ الْأَصْلُ فِي الْعَطْفِ التَّغَايُرُ وَكَوْنُ الْأَصْلِ فِي لَامِ التَّعْرِيفِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعْهُودُ الْحَمْلِ عَلَى الِاسْتِغْرَاقِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَإِنْ كَانَ الْعَهْدُ الذِّهْنِيُّ مُقَدَّمًا عِنْدَ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ فَهُوَ مُعَارَضٌ بِالْأَصْلِ الْمَذْكُورِ (قَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ فِيهِ نَظَرٌ وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ مَا فِي الْبَدَائِعِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِيمَا إذَا كَانَ فِي بَلَدِهَا أَمِيرٌ وَقَاضٍ يُنَفِّذُ الْأَحْكَامَ وَيُقِيمُ الْحُدُودَ فَلَيْسَ بِنَصٍّ فِي الْمُدَّعِي فَلْيُتَأَمَّلْ قَالَهُ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ وَقَالَ فِي الشرنبلالية وَفِيمَا قَالَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ تَأَمَّلْ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي نَائِبِ السُّلْطَانِ إذَا كَانَ امْرَأَةً لَا فِي السُّلْطَانِ إذَا كَانَ امْرَأَةً اهـ. قُلْت لَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّ قَوْلَ الْبَدَائِعِ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ تَصْلُحُ سُلْطَانًا أَوْ قَاضِيَةً فِي الْجُمْلَةِ فَتَصِحُّ إنَابَتُهَا ظَاهِرُهُ صِحَّةُ الْإِنَابَةِ إذَا كَانَتْ قَاضِيَةً فَتَكُونُ بَلْدَتُهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 151 صَالِحًا لِلْإِمَامَةِ حَتَّى يُصَلِّيَ بِهِمْ الْجُمُعَةَ جَازَ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ تَصْلُحُ سُلْطَانًا أَوْ قَاضِيَةً فِي الْجُمْلَةِ فَتَصِحُّ إنَابَتُهَا اهـ. وَفِي حَدِّ الْمِصْرِ أَقْوَالٌ كَثِيرَةٌ اخْتَارُوا مِنْهَا قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا مَا فِي الْمُخْتَصَرِ ثَانِيهِمَا مَا عَزَوْهُ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ بَلْدَةٌ كَبِيرَةٌ فِيهَا سِكَكٌ وَأَسْوَاقٌ وَلَهَا رَسَاتِيقُ وَفِيهَا وَالٍ يَقْدِرُ عَلَى إنْصَافِ الْمَظْلُومِ مِنْ الظَّالِمِ بِحَشَمِهِ وَعِلْمِهِ أَوْ عِلْمِ غَيْرِهِ وَالنَّاسُ يَرْجِعُونَ إلَيْهِ فِي الْحَوَادِثِ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ، وَهُوَ أَخُصُّ مِمَّا فِي الْمُخْتَصَرِ، وَفِي الْمُجْتَبَى وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ مَا إذَا اجْتَمَعُوا فِي أَكْبَرِ مَسَاجِدِهِمْ لِلصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ لَمْ يَسَعُهُمْ، وَعَلَيْهِ فَتْوَى أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ وَقَالَ أَبُو شُجَاعٍ هَذَا أَحْسَنُ مَا قِيلَ فِيهِ، وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَفِي الْخُلَاصَةِ الْخَلِيفَةُ إذَا سَافَرَ، وَهُوَ فِي الْقُرَى لَيْسَ لَهُ أَنْ يُجَمِّعَ بِالنَّاسِ، وَلَوْ مَرَّ بِمِصْرٍ مِنْ أَمْصَارِ وِلَايَتِهِ فَجَمَّعَ بِهَا، وَهُوَ مُسَافِرٌ جَازَ (قَوْلُهُ أَوْ مُصَلَّاهُ) أَيْ مُصَلَّى الْمِصْرِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَوَابِعِهِ فَكَانَ فِي حُكْمِهِ وَالْحُكْمُ غَيْرُ مَقْصُورٍ عَلَى الْمُصَلَّى بَلْ يَجُوزُ فِي جَمِيعِ أَفْنِيَةِ الْمِصْرِ؛ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْمِصْرِ فِي حَوَائِجِ أَهْلِهِ وَالْفِنَاءُ فِي اللُّغَةِ سَعَةٌ أَمَامَ الْبُيُوتِ وَقِيلَ مَا امْتَدَّ مِنْ جَوَانِبِهِ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ، وَاخْتَلَفُوهُ فِيمَا يَكُونُ مِنْ تَوَابِعِ الْمِصْرِ فِي حَقِّ وُجُوبِ الْجُمُعَةِ عَلَى أَهْلِهِ فَاخْتَارَ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْخَانِيَّةِ أَنَّهُ الْمَوْضِعُ الْمُعَدُّ لِمَصَالِحِ الْمِصْرِ مُتَّصِلٌ بِهِ، وَمَنْ كَانَ مُقِيمًا فِي عُمْرَانِ الْمِصْرِ وَأَطْرَافِهِ، وَلَيْسَ بَيْنَ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَبَيْنَ عُمْرَانِ الْمِصْرِ فُرْجَةٌ فَعَلَيْهِ الْجُمُعَةُ، وَلَوْ كَانَ بَيْنَ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَبَيْنَ عُمْرَانِ الْمِصْرِ فُرْجَةٌ مِنْ مَزَارِعَ أَوْ مَرَاعٍ كَالْقَلْعِ بِبُخَارَى لَا جُمُعَةَ عَلَى أَهْلِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، وَإِنْ سَمِعُوا النِّدَاءَ وَالْغَلْوَةُ وَالْمِيلُ وَالْأَمْيَالُ لَيْسَ بِشَرْطٍ اهـ. وَاخْتَارَ فِي الْبَدَائِعِ مَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ إنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَحْضُرَ الْجُمُعَةَ وَيَبِيتَ بِأَهْلِهِ مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفٍ تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ وَإِلَّا فَلَا، قَالَ وَهَذَا أَحْسَنُ اهـ. وَاخْتَارَ فِي الْمُحِيطِ اعْتِبَارَ الْمِيلَيْنِ فَقَالَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الْمُنْتَقَى لَوْ خَرَجَ الْإِمَامُ عَنْ الْمِصْرِ مَعَ أَهْلِهِ لِحَاجَةٍ مِقْدَارَ مِيلٍ أَوْ مِيلَيْنِ فَحَضَرَتْ الْجُمُعَةُ جَازَ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِمْ الْجُمُعَةَ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى؛ لِأَنَّ فِنَاءَ الْمِصْرِ بِمَنْزِلَتِهِ فِيمَا هُوَ مِنْ حَوَائِجِ أَهْلِهِ وَأَدَاءُ الْجُمُعَةِ مِنْهَا اهـ. وَذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوِيهِ أَنَّ الْمُخْتَارَ لِلْفَتْوَى قَدْرُ الْفَرْسَخِ؛ لِأَنَّهُ أَسْهَلُ عَلَى الْعَامَّةِ، وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ اهـ. وَذَكَرَ فِي الْمُضْمَرَاتِ وَقَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْأَجَلُّ حُسَامُ الدِّينِ يَجِبُ عَلَى أَهْلِ الْمَوَاضِعِ الْقَرِيبَةِ إلَى الْبَلَدِ الَّتِي هِيَ تَوَابِعُ الْعُمْرَانِ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ الْأَذَانَ عَلَى الْمَنَارَةِ بِأَعْلَى الصَّوْتِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ لُزُومًا وَإِيجَابًا اهـ. فَقَدْ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ وَالْفَتْوَى كَمَا رَأَيْت وَلَعَلَّ الْأَحْوَطَ مَا فِي الْبَدَائِعِ فَكَانَ أَوْلَى وَذَكَرَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّ فِنَاءَ الْمِصْرِ مُلْحَقٌ بِهِ فِي وُجُوبِ الْجُمُعَةِ لَا فِي إتْمَامِ الصَّلَاةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ فِيهِ ذَهَابًا وَإِيَابًا وَفِي الْمُضْمَرَاتِ مَعْزِيًّا إلَى فَتَاوَى الْحُجَّةِ وُجُوبُ الْجُمُعَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: فَرْضٌ عَلَى الْبَعْضِ وَوَاجِبٌ عَلَى الْبَعْضِ، وَسُنَّةٌ عَلَى الْبَعْضِ أَمَّا الْفَرْضُ فَعَلَى الْأَمْصَارِ وَأَمَّا الْوَاجِبُ فَعَلَى نَوَاحِيهَا، وَأَمَّا السُّنَّةُ فَعَلَى الْقُرَى الْكَبِيرَةِ وَالْمُسْتَجْمَعَةِ لِلشَّرَائِطِ اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهَا فَرْضٌ عَلَى مَنْ هُوَ مِنْ تَوَابِعِ الْأَمْصَارِ لَا يَجُوزُ التَّخَلُّفُ عَنْهَا وَأَمَّا الْقُرَى، فَإِنْ أَرَادَ الصَّلَاةَ فِيهَا فَغَيْرُ صَحِيحَةٍ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَإِنْ أَرَادَ تَكَلُّفَهُمْ وَذَهَابَهُمْ إلَى الْمِصْرِ فَمُمْكِنٌ لَكِنَّهُ بَعِيدٌ   [منحة الخالق] مِصْرًا تَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ مَا إذَا اجْتَمَعُوا فِي أَكْبَرِ مَسَاجِدِهِمْ) يَعْنِي مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِمْ الْجُمُعَةُ لِإِسْكَانِهِ مُطْلَقًا كَذَا فِي الدُّرَرِ أَيْ لَا كُلُّ مَنْ سَكَنَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ مِنْ صِبْيَانٍ وَنِسْوَانٍ وَعَبِيدٍ كَمَا فِي النِّهَايَةِ (قَوْلُهُ وَالْفِنَاءُ فِي اللُّغَةِ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ بَعْضَ الْمُحَقِّقِينَ أَهْلَ التَّرْجِيحِ أَطْلَقَ الْفِنَاءَ عَنْ تَقْدِيرِهِ بِمَسَافَةِ، وَكَذَا مُحَرِّرُ الْمَذْهَبِ الْإِمَامُ مُحَمَّدٍ وَبَعْضُهُمْ قَدَّرَهُ بِهَا، وَجُمْلَةُ أَقْوَالِهِمْ فِي تَقْدِيرِهِ: ثَمَانِيَةٌ أَوْ تِسْعَةٌ: غَلْوَةٌ، مِيلٌ، مِيلَانِ ثَلَاثَةٌ، فَرْسَخٌ، فَرْسَخَانِ، ثَلَاثَةٌ، سَمَاعُ الصَّوْتِ، سَمَاعُ الْأَذَانِ، وَالتَّعْرِيفُ أَحْسَنُ مِنْ التَّحْدِيدِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوجَدُ ذَلِكَ فِي كُلِّ مِصْرٍ، وَإِنَّمَا هُوَ بِحَسَبِ كِبَرِ الْمِصْرِ وَصِغَرِهِ بَيَانُهُ أَنَّ التَّقْدِيرَ بِغَلْوَةٍ أَوْ مِيلٍ لَا يَصِحُّ فِي مِثْلِ مِصْرَ؛ لِأَنَّ الْقَرَافَةَ وَالتُّرَبَ الَّتِي تَلِي بَابَ النَّصْرِ يَزِيدُ كُلٌّ مِنْهَا عَلَى فَرَاسِخَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ نَعَمْ هُوَ مُمْكِنٌ لِمِثْلِ بُولَاقِ فَالْقَوْلُ بِالتَّحْدِيدِ بِمَسَافَةٍ يُخَالِفُ التَّعْرِيفَ الْمُتَّفَقَ عَلَى مَا صَدَقَا عَلَيْهِ بِأَنَّهُ الْمُعَدُّ لِمَصَالِحِ الْمِصْرِ فَقَدْ نَصَّ الْأَئِمَّةُ عَلَى أَنَّ الْفِنَاءَ مَا أُعِدَّ لِدَفْنِ الْمَوْتَى وَحَوَائِجِ الْمَعْرَكَةِ وَكَرَكْضِ الْخَيْلِ وَالدَّوَابِّ وَجَمْعِ الْعَسَاكِرِ وَالْخُرُوجِ لَلرَّمْيِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَأَيُّ مَوْضِعٍ يُحَدُّ بِمَسَافَةٍ يَسَعُ عَسَاكِرَ مِصْرٍ وَيَصْلُحُ مَيْدَانًا لِلْخَيْلِ وَالْفُرْسَانِ وَرَمْيِ النَّبْلِ وَالْبُنْدُقِ وَالْبَارُودِ وَاخْتِبَارِ الْمَدَافِعِ وَهَذَا يَزِيدُ عَلَى فَرَاسِخَ بِالضَّرُورَةِ، وَانْظُرْ إلَى سَعَةِ سَفْحِ الْجَبَلِ الْمُقَطَّمِ أَيُقَدَّرُ فِنَاءُ الْمِصْرِ مِنْهُ بِغَلْوَةٍ أَوْ فَرْسَخٍ مَعَ أَنَّهُ بَعْضُ فِنَاءِ مِصْرَ فَظَهَرَ أَنَّ التَّحْدِيدَ بِحَسَبِ الْأَمْصَارِ: وَاعْلَمْ أَنَّهُ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ فِي لُزُومِ حُضُورِ الْمِصْرِ لِلْجُمُعَةِ عَلَى مُقِيمٍ بِقَرْيَةٍ قَرِيبَةٍ مِنْ الْمِصْرِ وَاخْتِيَارُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَهْلِ التَّرْجِيحِ عَدَمُهُ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مُخَاطَبِينَ بِأَدَائِهَا فَعُذْرُهُمْ أَسْقَطَ تَكْلِيفَهُمْ بِالْمَجِيءِ مِنْ قَرْيَتِهِمْ، وَلَا عِبْرَةَ بِبُلُوغِ النِّدَاءِ، وَلَا بِالْأَمْيَالِ وَلَا بِإِمْكَانِ الْعَوْدِ لِلْأَهْلِ، وَلَوْ صُحِّحَ لَا يُتَّبَعُ؛ لِأَنَّ نَصَّ الْحَدِيثِ وَالرِّوَايَةَ الظَّاهِرِيَّةِ عَنْ أَصْحَابِنَا يَنْفِيهِ اهـ. مُلَخَّصًا مِنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 152 وَأَغْرَبُ مِنْ هَذَا مَا فِي الْقُنْيَةِ مِنْ أَنَّهُ يَلْزَمُ حُضُورُ الْجُمُعَةِ فِي الْقُرَى، وَيُعْمَلُ بِقَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إيَّاكَ وَمَا يَسْبِقُ إلَى الْقُلُوبِ إنْكَارُهُ وَإِنْ كَانَ عِنْدَك اعْتِذَارُهُ، فَلَيْسَ كُلُّ سَامِعٍ نُكْرًا تُطِيقُ أَنْ تُسْمِعَهُ عُذْرًا اهـ. وَإِنَّ الْمَذْهَبَ عَدَمُ صِحَّتِهَا فِي الْقُرَى فَضْلًا عَنْ لُزُومِهَا، وَفِي التَّجْنِيسِ، وَلَا تَجِبُ الْجُمُعَةُ عَلَى أَهْلِ الْقُرَى، وَإِنْ كَانُوا قَرِيبًا مِنْ الْمِصْرِ؛ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ إنَّمَا تَجِبُ عَلَى أَهْلِ الْأَمْصَارِ. اهـ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَقَدْ وَقَعَ الشَّكُّ فِي بَعْضِ قُرَى مِصْرٍ مِمَّا لَيْسَ فِيهَا وَالٍ وَقَاضٍ نَازِلَانِ بِهَا بَلْ لَهَا قَاضٍ يُسَمَّى قَاضِي النَّاحِيَةِ، وَهُوَ قَاضِي يُوَلَّى الْكُورَةَ بِأَسْرِهَا فَيَأْتِيَ الْقَرْيَةَ أَحْيَانَا فَيَفْصِلُ مَا اجْتَمَعَ فِيهَا مِنْ التَّعَلُّقَاتِ وَيَنْصَرِفُ وَوَالٍ كَذَلِكَ هَلْ هُوَ مِصْرٌ نَظَرًا إلَى أَنَّ لَهَا وَالِيًا أَوَّلًا نُظِرَ إلَى عَدَمِهِمَا بِهَا وَاَلَّذِي يَظْهَرُ اعْتِبَارُ كَوْنِهِمَا مُقِيمِينَ بِهَا وَإِلَّا لَمْ تَكُنْ قَرْيَةً أَصْلًا إذْ كُلُّ قَرْيَةٍ مَشْمُولَةٌ بِحُكْمٍ، وَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَ قَرْيَةٍ لَا يَأْتِيهَا حَاكِمٌ يَفْصِلُ بِهَا الْخُصُومَاتِ حَتَّى يَحْتَاجُوا إلَى دُخُولِ الْمِصْرِ فِي كُلِّ حَادِثَةٍ يَفْصِلُهَا، وَبَيْنَ مَا يَأْتِيهَا فَيَفْصِلُ فِيهَا وَإِذَا اشْتَبَهَ عَلَى الْإِنْسَانِ ذَلِكَ فَيَنْبَغِي أَنْ يُصَلِّيَ أَرْبَعًا بَعْدَ الْجَمْعِيَّةِ وَيَنْوِيَ بِهَا آخِرَ فَرْضٍ أَدْرَكْت وَقْتَهُ، وَلَمْ أُؤَدِّ بَعْدُ، فَإِنْ لَمْ تَصِحَّ الْجُمُعَةُ وَقَعَتْ ظُهْرَهُ، وَإِنْ صَحَّتْ كَانَتْ نَفْلًا اهـ. وَفِي الْقُنْيَةِ مُصَلِّي الْجُمُعَةِ فِي الرُّسْتَاقِ لَا يَنْوِي الْفَرْضَ بَلْ يَنْوِي صَلَاةَ الْإِمَامِ وَيُصَلِّي الظُّهْرَ وَأَيُّهُمَا قَدَّمَ جَازَ اهـ. (قَوْلُهُ وَمِنًى مِصْرٌ لَا عَرَفَاتٌ) فَتَجُوزُ الْجُمُعَةُ بِمِنًى، وَلَا تَجُوزُ بِعَرَفَاتٍ أَمَّا الْأَوَّلُ فَهُوَ قَوْلُهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا تَجُوزُ بِمِنًى كَعَرَفَاتٍ وَاخْتَلَفُوا فِي بِنَاءِ الْخِلَافِ فَقِيلَ: مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهَا مِنْ تَوَابِعِ مَكَّةَ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لَهُ وَهَذَا غَيْرُ سَدِيدٍ؛ لِأَنَّ بَيْنَهُمَا أَرْبَعَ فَرَاسِخَ، وَتَقْدِيرُ التَّوَابِعِ لِلْمِصْرِيَّةِ غَيْرُ صَحِيحٍ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهَا تَتَمَصَّرُ فِي أَيَّامِ الْمَوْسِمِ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ لَهَا بِنَاءً وَتُنْقَلُ إلَيْهَا الْأَسْوَاقُ وَيَحْضُرُهَا وَالٍ وَقَاضٍ بِخِلَافِ عَرَفَاتٍ؛ لِأَنَّهَا مَفَازَةٌ فَلَا تَتَمَصَّرُ بِاجْتِمَاعِ النَّاسِ وَحَضْرَةِ السُّلْطَانِ أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فَشَمَلَ مَا إذَا كَانَ الْمُصَلِّي بِهَا الْجُمُعَةَ الْخَلِيفَةَ أَوْ أَمِيرَ الْحِجَازِ أَوْ أَمِيرَ الْعِرَاقِ أَوْ أَمِيرَ مَكَّةَ أَوْ أَمِيرَ الْمَوْسِمِ مُقِيمًا كَانَ أَوْ مُسَافِرًا، وَقَدْ أَخْرَجُوا مِنْهُ أَمِيرَ الْمَوْسِمِ، وَهُوَ الَّذِي أُمِرَ بِتَسْوِيَةِ أُمُورِ الْحُجَّاجِ لَا غَيْرُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ إقَامَتُهَا سَوَاءٌ كَانَ مُقِيمًا أَوْ مُسَافِرًا إلَّا إذَا كَانَ مَأْذُونًا مِنْ جِهَةِ أَمِيرِ الْعِرَاقِ أَوْ أَمِيرِ مَكَّةَ، وَقِيلَ إنْ كَانَ مُقِيمًا يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ مُسَافِرًا لَا يَجُوزُ وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَشَمَلَ التَّجْمِيعَ بِهَا فِي غَيْرِ أَيَّامِ الْمَوْسِمِ، وَفِي الْمُحِيطِ قِيلَ: إنَّمَا تَجُوزُ الْجُمُعَةُ عِنْدَهُمَا بِمِنًى فِي أَيَّامِ الْمَوْسِمِ لَا فِي غَيْرِهَا، وَقِيلَ تَجُوزُ فِي جَمِيعِ الْأَيَّامِ؛ لِأَنَّ مِنًى مِنْ فِنَاءِ مَكَّةَ اهـ. وَقَدْ عَلِمْت فَسَادَ كَوْنِهَا مِنْ فِنَاءِ مَكَّةَ فَتَرَجَّحَ تَخْصِيصُ جَوَازِهَا بِأَيَّامِ الْمَوْسِمِ وَأَنَّهَا تَصِيرُ مِصْرًا فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ وَقَرْيَةً فِي غَيْرِهَا قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْأَوْلَى فِي قُرَى مِصْرٍ أَنْ لَا تَصِحَّ فِيهَا إلَّا حَالَ حُضُورِ الْمُتَوَلِّي فَإِذَا حَضَرَ صَحَّتْ وَإِذَا ظَعَنَ امْتَنَعَتْ اهـ. وَفِي التَّجْنِيسِ، وَلَوْ نَزَلَ الْخَلِيفَةُ أَوْ وَالِي الْعِرَاقِ فِي الْمَنَازِلِ الَّتِي فِي طَرِيقِ مَكَّةَ كَالتَّغْلِبِيَّةِ وَنَحْوِهَا جَمَّعَ؛ لِأَنَّهَا قُرَى تَتَمَصَّرُ بِمَكَانِ الْحَجِّ فَصَارَ كَمِنًى وَأُطْلِقَ فِي عَرَفَاتٍ فَشَمَلَ مَا إذَا كَانَ الْخَلِيفَةُ حَاضِرًا بِالْإِجْمَاعِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ، وَإِنَّمَا لَا تُقَامُ صَلَاةُ الْعِيدِ بِمِنًى اتِّفَاقًا لِلتَّخْفِيفِ لَا لِكَوْنِهَا لَيْسَتْ مِصْرًا. . (قَوْلُهُ وَتُؤَدَّى فِي مِصْرٍ فِي مَوَاضِعَ) أَيْ   [منحة الخالق] تُحْفَةِ أَعْيَانِ الْفِنَاءِ بِصِحَّةِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ فِي الْفِنَاءِ لِلشُّرُنْبُلَالِيِّ. (قَوْلُهُ وَأَغْرَبُ مِنْ هَذَا مَا فِي الْقُنْيَةِ مِنْ أَنَّهُ يَلْزَمُ إلَخْ) أَقُولُ: الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ لَيْسَ مُرَادُهُ بِاللُّزُومِ الِافْتِرَاضَ وَأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ لَوْ حَضَرَ رَجُلٌ فِي قَرْيَةٍ تُقَامُ بِهَا الْجُمُعَةُ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ يَحْضُرُ مَعَهُمْ لِئَلَّا يُظَنَّ بِهِ السُّوءُ لِاعْتِقَادِهِمْ فَرْضِيَّتِهَا أَوْ جَهْلِهِمْ بِحُكْمِ مَذْهَبِهِ وَيَنْوِيَ صَلَاةَ الْإِمَامِ وَيُصَلِّيَ الظُّهْرَ أَيْضًا قَبْلَهَا أَوْ بَعْدَهَا كَمَا سَيَأْتِي عَنْ الْقُنْيَةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَوَالٍ كَذَلِكَ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ لَهَا قَاضٍ (قَوْلُهُ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ مُقْتَضَى اشْتِرَاطِ أَنْ تَبْلُغَ أَبْنِيَتُهَا أَبْنِيَةَ مِنًى، وَكَذَا مَا مَرَّ عَنْ الْإِمَامِ مِنْ اشْتِرَاطِ أَنْ يَكُونَ لَهَا سِكَكٌ وَأَسْوَاقٌ عَدَمُ تَمَصُّرِهَا، وَلَوْ كَانَا مُقِيمَيْنِ بِهَا وَيُوَافِقُهُ مَا مَرَّ عَنْ الْخُلَاصَةِ أَيْ مِنْ قَوْلِهِ الْخَلِيفَةُ إذَا سَافَرَ، وَهُوَ فِي الْقُرَى لَيْسَ لَهُ أَنْ يُجَمِّعَ بِالنَّاسِ وَسَيَأْتِي مَا يُؤَيِّدُهُ أَيْضًا اهـ. قُلْت: يَنْبَغِي حَمْلُ كَلَامِ هَذَا الْإِمَامِ الْمُحَقِّقِ عَلَى الْقُرَى الْمُسْتَوْفِيَةِ بَقِيَّةَ الشُّرُوطِ؛ لِأَنَّهُ أَجَلُّ مِنْ أَنْ يَخْفَى عَلَيْهِ مِثْلُ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ ذَكَرَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي الْقُرَى الْكَبِيرَةِ إذَا لَمْ يُعْمَلْ بِالْحُكْمِ وَالْقَضَاءِ فِيهَا قَالَ بَعْضُهُمْ يُصَلِّي الْفَرْضَ وَيُصَلِّي الْجُمُعَةَ مَعَهَا احْتِيَاطًا وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُصَلِّي الْأَرْبَعَ بِنِيَّةِ الظُّهْرِ فِي بَيْتِهِ أَوْ فِي الْمَسْجِدِ أَوَّلًا، ثُمَّ يَسْعَى وَيَشْرَعُ فِي الْجُمُعَةِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ أَوَّلًا وَقَالَ فِي الْحُجَّةِ هَذَا فِي الْقُرَى الْكَبِيرَةِ أَمَّا فِي الْبِلَادِ فَلَا شَكَّ فِي الْجَوَازِ، وَلَا تُعَادُ الْفَرِيضَةُ وَالِاحْتِيَاطُ فِي الْقُرَى أَنْ يُصَلِّيَ السُّنَّةَ أَرْبَعًا، ثُمَّ الْجُمُعَةَ، ثُمَّ يَنْوِي أَرْبَعًا سُنَّةَ الْجُمُعَةِ، ثُمَّ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ سُنَّةَ الْوَقْتِ فَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ اهـ. مُلَخَّصًا وَنَقَلَ الْعِبَارَةَ بِتَمَامِهَا فِي الْفَتَاوَى الْخَيْرِيَّةِ فَرَاجِعْهَا. [صَلَاة الْجُمُعَةُ بِمِنًى وَعَرَفَاتٍ] (قَوْلُهُ وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْأَوْلَى إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ كَيْفَ هَذَا وَقَدْ جَعَلَ تَمَصُّرَ مِنًى فِي الْمَوْسِمِ لِاجْتِمَاعِ مَنْ يُنَفِّذُ الْأَحْكَامَ وَوُجُودِ الْأَسْوَاقِ وَالسِّكَكِ فِيهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 153 يَصِحُّ أَدَاءُ الْجُمُعَةِ فِي مِصْرٍ وَاحِدٍ بِمَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ فِي الِاجْتِمَاعِ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ فِي مَدِينَةٍ كَبِيرَةٍ حَرَجًا بَيِّنًا، وَهُوَ مَدْفُوعٌ كَذَا ذَكَرَ الشَّارِحُ وَذَكَرَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ جَوَازُ إقَامَتِهَا فِي مِصْرٍ وَاحِدٍ فِي مَسْجِدَيْنِ وَأَكْثَرَ وَبِهِ نَأْخُذُ لِإِطْلَاقِ: لَا جُمُعَةَ إلَّا فِي مِصْرٍ شَرْطُ الْمِصْرِ فَقَطْ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الْأَصَحُّ الْجَوَازُ مُطْلَقًا خُصُوصًا إذَا كَانَ مِصْرًا كَبِيرًا كَمِصْرِ فَإِنَّ فِي إلْزَامِ اتِّحَادِ الْمَوْضِعِ حَرَجًا بَيِّنًا لِاسْتِدْعَائِهِ تَطْوِيلَ الْمَسَافَةِ عَلَى الْأَكْثَرِ وَذَكَرَ فِي بَابِ الْإِمَامَةِ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى جَوَازِ التَّعَدُّدِ مُطْلَقًا وَبِمَا ذَكَرْنَاهُ انْدَفَعَ مَا فِي الْبَدَائِعِ مِنْ أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ جَوَازُهَا فِي مَوْضِعَيْنِ، وَلَا يَجُوزُ فِي أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ اهـ فَإِنَّ الْمَذْهَبَ الْجَوَازُ مُطْلَقًا وَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَمَا فِي الْقُنْيَةِ وَلَمَا اُبْتُلِيَ أَهْلُ مَرْوَ بِإِقَامَةِ الْجُمُعَتَيْنِ بِهَا مَعَ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي جَوَازِهِمَا فَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَالشَّافِعِيِّ، وَمَنْ تَابَعَهُمَا بَاطِلَتَانِ إنْ وَقَعَتَا مَعًا وَإِلَّا فَجُمُعَةُ الْمَسْبُوقِينَ بَاطِلَةٌ أُمِرَ أَئِمَّتُهُمْ بِأَدَاءِ الْأَرْبَعِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ حَتْمًا احْتِيَاطًا ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي نِيَّتِهَا وَالْأَحْسَنُ أَنْ يَنْوِيَ آخِرَ ظُهْرٍ عَلَيْهِ وَالْأَحْوَطُ أَنْ يَقُولَ نَوَيْت آخِرَ ظُهْرٍ أَدْرَكْت وَقْتَهُ، وَلَمْ أُصَلِّهِ بَعْدُ؛ لِأَنَّ ظُهْرَ يَوْمِهِ إنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ بِآخِرِ الْوَقْتِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي الْقِرَاءَةِ فَقِيلَ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ وَالسُّورَةَ فِي الْأَرْبَعِ وَقِيلَ فِي الْأُولَيَيْنِ كَالظُّهْرِ، وَهُوَ اخْتِيَارِيٌّ، وَالْمُخْتَارُ عِنْدِي أَنْ يُحَكِّمَ فِيهَا رَأْيَهُ وَاخْتَلَفُوا أَنَّهُ هَلْ يَجِبُ مُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ فِي الْأَرْبَعِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ بِمُرُورِ الْعَصْرِ حَسَبَ اخْتِلَافِهِمْ فِي نِيَّتِهِ، وَاخْتَلَفُوا فِي سَبْقِ الْجُمُعَةِ بِمَاذَا يُعْتَبَرُ إذَا اجْتَمَعَا فِي مِصْرٍ وَاحِدٍ فَقِيلَ: بِالشُّرُوعِ وَقِيلَ: بِالْفَرَاغِ وَقِيلَ بِهِمَا وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ اهـ. مَبْنِيٌّ كُلُّهُ عَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ الْمُخَالِفِ لِلْمَذْهَبِ فَلَيْسَ الِاحْتِيَاطُ فِي فِعْلِهَا؛ لِأَنَّهُ الْعَمَلُ بِأَقْوَى الدَّلِيلَيْنِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ هُوَ الْإِطْلَاقُ وَأَمَّا مَا اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ يَمْنَعُ التَّعَدُّدَ مِنْ أَنَّهَا سُمِّيَتْ جُمُعَةً   [منحة الخالق] وَهَذَا لَعَمْرِي لَا يُوجَدُ فِي كُلِّ الْقُرَى اهـ. وَقَدْ عَلِمْت مَا فِيهِ. [أَدَاءُ الْجُمُعَةِ فِي مِصْرٍ وَاحِدٍ بِمَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ] (قَوْلُهُ مَبْنِيٌّ كُلُّهُ عَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ بَلْ هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الِاحْتِيَاطَ أَيْ الْخُرُوجَ عَنْ الْعُهْدَةِ بِيَقِينٍ لِتَصْرِيحِهِ بِأَنَّ الْعِلَّةَ اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ فِي جَوَازِهَا إذَا تَعَدَّدَتْ وَفِيهِ شُبْهَةٌ قَوِيَّةٌ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْجَوَازِ حِينَئِذٍ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَاخْتَارَهُ الطَّحَاوِيُّ والتمرتاشي وَصَاحِبُ الْمُخْتَارِ وَجَعَلَهُ الْعَتَّابِيُّ الْأَظْهَرَ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَالْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ كَمَا ذَكَرَهُ الْمَقْدِسِيَّ فِي نُورِ الشَّمْعَةِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ قَوْلَ الْبَدَائِعِ أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ عَدَمُ الْجَوَازِ فِي أَكْثَرِ مَوْضِعَيْنِ قَالَ فِي النَّهْرِ، وَفِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَفِي التَّكْمِلَةِ لِلرَّازِيِّ وَبِهِ نَأْخُذُ انْتَهَى فَقَدْ حَصَلَ الشَّكُّ إذَا كَثُرَ التَّعَدُّدُ مَعَ خِلَافِ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ وَفِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ «فَمَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ» ؛ وَلِذَا قَالَ بَعْضُهُمْ فِيمَنْ يَقْضِي صَلَاةَ عُمُرِهِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَفُتْهُ شَيْءٌ مِنْهَا: لَا يُكْرَهُ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ بِالِاحْتِيَاطِ وَذَكَرَ فِي الْقُنْيَةِ أَنَّهُ أَحْسَنُ إذَا كَانَ فِيهِ اخْتِلَافُ الْمُجْتَهِدِينَ وَيَكْفِينَا خِلَافُ مَنْ مَرَّ وَنَقَلَ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ عَنْ الْمُحِيطِ كُلُّ مَوْضِعٍ وَقَعَ الشَّكُّ فِي كَوْنِهِ مِصْرًا يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يُصَلُّوا بَعْدَ الْجُمُعَةِ أَرْبَعًا بِنِيَّةِ الظُّهْرِ احْتِيَاطًا حَتَّى أَنَّهُ لَوْ لَمْ تَقَعْ الْجُمُعَةُ مَوْقِعَهَا يَخْرُجُونَ عَنْ عُهْدَةِ فَرْضِ الْوَقْتِ بِأَدَاءِ الظُّهْرِ وَمِثْلُهُ فِي الْكَافِي، ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ الْقُنْيَةِ وَذَكَرَ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ شُرَّاحِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا نَقَلُوهُ وَتَدَاوَلُوهُ قَالَ: وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَأَكْثَرُ مَشَايِخِ بُخَارَى عَلَى أَنَّهُ يُصَلِّي الظُّهْرَ بَعْدَمَا صَلَّى أَرْبَعًا بَعْدَ الْجُمُعَةِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ نَقَلَ لِيَخْرُجَ عَنْ الْعُهْدَةِ بِيَقِينٍ وَاسْتَحْسَنُوا ذَلِكَ وَيَقْرَءُونَ فِي جَمِيعِ رَكَعَاتِهَا وَذَكَرَ عَنْ الْفَتْحِ يَنْبَغِي أَنْ يُصَلِّيَ أَرْبَعًا يَنْوِيَ بِهَا آخِرَ فَرْضٍ أَدْرَكْت وَقْتَهُ، وَلَمْ أُؤَدِّهِ إنْ تَرَدَّدَ فِي كَوْنِهِ مِصْرًا أَوْ تَعَدَّدَتْ الْجُمُعَةُ وَذُكِرَ مِثْلُهُ عَنْ الْمُحَقِّقِ ابْنِ جِرْبَاشَ قَالَ: ثُمَّ قَالَ وَفَائِدَتُهُ الْخُرُوجُ عَنْ الْخِلَافِ الْمُتَوَهَّمِ أَوْ الْمُحَقَّقِ، وَإِنْ كَانَ الصَّحِيحُ التَّعْدَادُ فَهِيَ نَفْعٌ بِلَا ضَرَرٍ، ثُمَّ ذَكَرَ مَا يُوهِمُ الدَّلَالَةَ عَلَى عَدَمِ فِعْلِهَا وَدَفَعَهُ بِأَحْسَنِ وَجْهٍ وَذَكَرَ فِي النَّهْرِ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي التَّرَدُّدُ فِي نَدْبِهَا عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ التَّعَدُّدِ خُرُوجًا عَنْ الْخِلَافِ اهـ. وَفِي شَرْحِ الْبَاقَانِيِّ هُوَ الصَّحِيحُ وَنَحْوُهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَبِالْجُمْلَةِ فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ يَنْبَغِي الْإِتْيَانُ بِهَذِهِ الْأَرْبَعِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ لَكِنْ بَقِيَ الْكَلَامُ فِي تَحْقِيقِ أَنَّهُ هَلْ هُوَ وَاجِبٌ أَوْ مَنْدُوبٌ قَالَ الْمَقْدِسِيَّ ذَكَرَ ابْنُ الشِّحْنَةِ عَنْ جَدِّهِ التَّصْرِيحَ بِالنَّدْبِ وَبَحَثَ فِيهِ بِأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عِنْدَ مُجَرَّدِ التَّوَهُّمِ أَمَّا عِنْدَ قِيَامِ الشَّكِّ وَالِاشْتِبَاهِ فِي صِحَّةِ الْجُمُعَةِ فَالظَّاهِرُ وُجُوبُ الْأَرْبَعِ وَنَقَلَ عَنْ شَيْخِهِ ابْنِ الْهُمَامِ مَا يُفِيدُهُ وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّهَا هَلْ تُجْزِي عَنْ السُّنَّةِ أَمْ لَا؟ فَعِنْدَ قِيَامِ الشَّكِّ لَا وَعِنْدَ عَدَمِهِ نَعَمْ وَيُؤَيِّدُ التَّفْصِيلَ تَعْبِيرُ التُّمُرْتَاشِيِّ بِلَا بَدْءٍ وَكَلَامُ الْقُنْيَةِ الْمَذْكُورُ اهـ. وَتَمَامُ تَحْقِيقِ الْمَقَامِ فِي رِسَالَةِ الْمَقْدِسِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَقَدْ ذَكَرَ شَذْرَةً مِنْهَا فِي إمْدَادِ الْفَتَّاحِ، وَإِنَّمَا أَطَلْنَا فِي ذَلِكَ لِدَفْعِ مَا يُوهِمُهُ كَلَامُ الْمُؤَلِّفِ مِنْ عَدَمِ طَلَبِ فِعْلِهَا نَعَمْ إنْ أَدَّى إلَى مَفْسَدَةٍ لَا يُفْعَلُ لَكِنَّ الْكَلَامَ عِنْدَ عَدَمِهَا؛ وَلِذَا قَالَ الْمَقْدِسِيَّ نَحْنُ لَا نَأْمُرُ بِذَلِكَ أَمْثَالَ هَذِهِ الْعَوَامّ بَلْ نَدُلُّ عَلَيْهِ الْخَوَاصَّ، وَلَوْ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 154 لِاسْتِدْعَائِهَا الْجَمَاعَاتِ فَهِيَ جَامِعَةٌ لَهَا فَلَا يُفِيدُهُ؛ لِأَنَّهُ حَاصِلٌ مَعَ التَّعَدُّدِ؛ وَلِهَذَا قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ جِرْبَاشَ فِي النُّجْعَةِ فِي تَعْدَادِ الْجُمُعَةِ لَا يُقَالُ: إنَّ الْقَوْلَ بِالِاجْتِمَاعِ الْمُطْلَقِ قَوْلٌ بِالِاحْتِيَاطِ، وَهُوَ مُتَعَيِّنٌ فِي مِثْلِهِ لِيَخْرُجَ بِهِ الْمُكَلَّفُ عَنْ عُهْدَةِ مَا كُلِّفَ بِهِ بِيَقِينٍ؛ لِأَنَّ الِاجْتِمَاعَ أَخَصُّ مِنْ مُطْلَقِ الِاجْتِمَاعِ، وَوُجُودُ الْأَخَصِّ يَسْتَلْزِمُ وُجُودَ الْأَعَمِّ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ وَلِأَنَّ الِاحْتِيَاطَ هُوَ الْعَمَلُ بِأَقْوَى الدَّلِيلَيْنِ، وَلَمْ يُوجَدْ دَلِيلُ عَدَمِ جَوَازِ التَّعَدُّدِ بَلْ قَضِيَّةُ الضَّرُورَةِ عَدَمُ اشْتِرَاطِهِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] وَقَالَ تَعَالَى {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] اهـ بِلَفْظِهِ مَعَ مَا لَزِمَ مِنْ فِعْلِهَا فِي زَمَانِنَا مِنْ الْمَفْسَدَةِ الْعَظِيمَةِ، وَهُوَ اعْتِقَادُ الْجَهَلَةِ أَنَّ الْجُمُعَةَ لَيْسَتْ بِفَرْضٍ لِمَا يُشَاهِدُونَ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ فَيَظُنُّونَ أَنَّهَا الْفَرْضُ، وَأَنَّ الْجُمُعَةَ لَيْسَتْ بِفَرْضٍ فَيَتَكَاسَلُونَ عَنْ أَدَاءِ الْجُمُعَةِ فَكَانَ الِاحْتِيَاطُ فِي تَرْكِهَا وَعَلَى تَقْدِيرِ فِعْلِهَا مِمَّنْ لَا يُخَافُ عَلَيْهِ مَفْسَدَةٌ مِنْهَا فَالْأَوْلَى أَنْ تَكُونَ فِي بَيْتِهِ خِفْيَةً خَوْفًا مِنْ مَفْسَدَةِ فِعْلِهَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ. (قَوْلُهُ وَالسُّلْطَانُ أَوْ نَائِبُهُ) مَعْطُوفٌ عَلَى الْمِصْرِ، وَالسُّلْطَانُ هُوَ الْوَالِي الَّذِي لَا وَالِيَ فَوْقَهُ، وَإِنَّمَا كَانَ شَرْطًا لِلصِّحَّةِ؛ لِأَنَّهَا تُقَامُ بِجَمْعٍ عَظِيمٍ وَقَدْ تَقَعُ الْمُنَازَعَةُ فِي التَّقْدِيمِ وَالتَّقَدُّمِ، وَقَدْ تَقَعُ فِي غَيْرِهِ فَلَا بُدَّ مِنْهُ تَتْمِيمًا لِأَمْرِهِ وَدَخَلَ تَحْتَ النَّائِبِ الْعَبْدُ إذَا قُلِّدَ عَمَلَ نَاحِيَةٍ فَصَلَّى بِهِمْ الْجُمُعَةَ جَازَ، وَلَا تَجُوزُ الْأَنْكِحَةُ بِتَزْوِيجِهِ، وَلَا قَضَائِهِ وَدَخَلَ الْقَاضِي وَالشُّرْطِيُّ لَكِنْ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ وَلَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يُصَلِّيَ الْجُمُعَةَ بِالنَّاسِ إذَا لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ وَيَجُوزُ لِصَاحِبِ الشُّرَطِ، وَإِنْ لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ وَهَذَا فِي عُرْفِهِمْ اهـ. وَفِيهَا وَالِي مِصْرٍ مَاتَ، وَلَمْ يَبْلُغْ الْخَلِيفَةَ مَوْتُهُ حَتَّى مَضَتْ بِهِمْ جُمَعٌ، فَإِنْ صَلَّى بِهِمْ خَلِيفَةُ الْمَيِّتِ أَوْ صَاحِبُ الشُّرَطِ أَوْ الْقَاضِي أَجْزَأَهُمْ، وَلَوْ اجْتَمَعَتْ الْعَامَّةُ عَلَى تَقْدِيمِ رَجُلٍ لَمْ يَأْمُرْهُ الْقَاضِي، وَلَا خَلِيفَةُ الْمَيِّتِ لَمْ يَجُزْ، وَلَمْ تَكُنْ جُمُعَةً، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ قَاضٍ وَلَا خَلِيفَةُ الْمَيِّتِ فَاجْتَمَعَ الْعَامَّةُ عَلَى تَقْدِيمِ رَجُلٍ جَازَ لِلضَّرُورَةِ، وَلَوْ مَاتَ الْخَلِيفَةُ، وَلَهُ وُلَاةٌ وَأُمَرَاءُ عَلَى أَشْيَاءَ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا عَلَى وِلَايَتِهِمْ يُقِيمُونَ الْجُمَعَ اهـ. وَأُطْلِقَ فِي السُّلْطَانِ فَشَمَلَ الْعَادِلَ وَالْجَائِرَ وَالْمُتَغَلِّبَ؛ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: وَالْمُتَغَلِّبُ الَّذِي لَا عَهْدَ لَهُ أَيْ لَا مَنْشُورَ لَهُ إنْ كَانَ سِيرَتُهُ فِيمَا بَيْنَ الرَّعِيَّةِ سِيرَةَ الْأُمَرَاءِ وَيَحْكُمُ فِيمَا بَيْنَهُمْ بِحُكْمِ الْوِلَايَةِ تَجُوزُ الْجُمُعَةُ بِحَضْرَتِهِ اهـ. وَالْعِبْرَةُ لِأَهْلِيَّةِ النَّائِبِ وَقْتَ الصَّلَاةِ لَا وَقْتَ الِاسْتِنَابَةِ حَتَّى لَوْ أُمِّرَ الصَّبِيُّ أَوْ الذِّمِّيُّ وَفُوِّضَ إلَيْهِمَا الْجُمُعَةُ قَبْلَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَبَلَغَ الصَّبِيُّ وَأَسْلَمَ الذِّمِّيُّ كَانَ لَهُمَا أَنْ يُصَلِّيَا الْجُمُعَةَ، وَلَا يُنَافِيهِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْخُلَاصَةِ قَبْلَهُ النَّصْرَانِيُّ إذَا أُمِّرَ عَلَى مِصْرٍ ثُمَّ أَسْلَمَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الْجُمُعَةَ بِالنَّاسِ حَتَّى يُؤْمَرَ بَعْدَ الْإِسْلَامِ، وَكَذَا الصَّبِيُّ إذَا أُمِّرَ ثُمَّ أَدْرَكَ، وَكَذَا لَوْ اسْتَقْضَى صَبِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ أَدْرَكَ الصَّبِيُّ وَأَسْلَمَ النَّصْرَانِيُّ لَمْ يَجُزْ حُكْمُهُمَا اهـ. لِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ فُوِّضَ إلَيْهِ أَمْرُ الْجُمُعَةِ صَرِيحًا، وَفِي الثَّانِي لَا وَظَاهِرُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ أَنَّ الْفَرْقَ إنَّمَا هُوَ قَوْلُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ وَأَنَّ الرَّاجِحَ عَدَمُ الْفَرْقِ؛ لِأَنَّ التَّفْوِيضَ وَقَعَ بَاطِلًا فَعَلَى هَذَا الْمُعْتَبَرِ أَهْلِيَّتُهُ وَقْتِ الِاسْتِنَابَةِ، وَلَا خَفَاءَ فِي أَنَّ مَنْ فُوِّضَ إلَيْهِ أَمْرُ الْعَامَّةِ فِي مِصْرٍ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُقِيمَ الْجُمُعَةَ، وَإِنْ لَمْ يُفَوِّضْهَا إلَيْهِ السُّلْطَانُ صَرِيحًا كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ مِنْ أَنَّ مَنْ فُوِّضَ إلَيْهِ أَمْرُ الْعَامَّةِ مِنْ أَصْحَابِ السُّلْطَانِ فَإِنَّ لَهُ إقَامَتَهَا، وَلَا يَخْفَى أَنَّ لَهُ الِاسْتِنَابَةَ كَتَوْلِيَةِ خَطِيبٍ فِي جَامِعٍ كَمَا هُوَ الْوَاقِعُ فِي الْأَمْصَارِ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا وَقَعَ الِاشْتِبَاهُ فِي أَنَّ الْخَطِيبَ الْمُقَرَّرَ مِنْ جِهَةِ الْحَاكِمِ هَلْ لَهُ أَنْ يَسْتَنِيبَ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ فَصَرَّحَ مَثَلًا خُسْرو فِي شَرْحِ الدُّرَرِ وَالْغُرَرِ بِأَنَّ الْخَطِيبَ لَيْسَ لَهُ الِاسْتِنَابَةُ إلَّا أَنْ يُفَوَّضَ إلَيْهِ ذَلِكَ وَهَذَا مِمَّا يَجِبُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الِاحْتِيَاطَ هُوَ الْعَمَلُ إلَخْ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَفِي بَعْضِهَا؛ لِأَنَّ بِدُونِ وَاوِ الْعَطْفِ، وَهُوَ الصَّوَابُ؛ لِأَنَّهُ جَوَابٌ لِقَوْلِهِ لَا يُقَالُ وَقَوْلُهُ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ الِاجْتِمَاعَ إلَخْ لَيْسَ جَوَابَهُ بَلْ هُوَ تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ لِيُخْرِجَ. [شُرُوط صِحَّة الْجُمُعَة] (قَوْلُهُ فَصَرَّحَ مَثَلًا خُسْرو إلَخْ) وَعِبَارَتُهُ لَا يَسْتَخْلِفُ الْإِمَامُ لِلْخُطْبَةِ أَصْلًا وَالصَّلَاةِ بَدْءًا بَلْ يَجُوزُ بَعْدَمَا أَحْدَثَ الْإِمَامُ إلَّا إذَا أَذِنَ أَيْ لَا يَجُوزُ اسْتِخْلَافُهُ لَهُمَا إلَّا إذَا كَانَ مَأْذُونًا مِنْ السُّلْطَانِ لِلِاسْتِخْلَافِ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ ذَلِكَ وَهَذَا مِمَّا يَجِبُ حِفْظُهُ إلَخْ، وَقَدْ رَدَّ عَلَيْهِ الْعَلَّامَةُ ابْنُ كَمَالٍ بَاشَا فِي رِسَالَةٍ خَاصَّةٍ لَكِنْ قَيَّدَ جَوَازَ الِاسْتِخْلَافِ بِمَا إذَا كَانَ مَعْذُورًا بِعُذْرٍ يُشْغِلُهُ عَنْ إقَامَةِ الْجُمُعَةِ فِي وَقْتِهَا، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ مَعْذُورًا أَوْ كَانَ مَعْذُورًا لَكِنْ يُمْكِنُهُ إزَالَةُ عُذْرِهِ وَإِقَامَةُ الْجُمُعَةِ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ فَلَا يَجُوزُ الِاسْتِخْلَافُ، ثُمَّ قَالَ بَقِيَ هُنَا دَقِيقَةٌ أُخْرَى: وَهِيَ أَنَّ إقَامَةَ الْجُمُعَةِ عِبَارَةٌ عَنْ أَمْرَيْنِ الْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ، وَالْمَوْقُوفُ عَلَى الْإِذْنِ هُوَ الْأَوَّلُ دُونَ الثَّانِي إذْ لَا حَاجَةَ فِيهِ إلَى الْإِذْنِ اهـ. وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّقْيِيدِ بِالْعُذْرِ تَبِعَ فِيهِ صَاحِبَ الدُّرَرِ حَيْثُ صَرَّحَ فِي أَثْنَاءِ كَلَامِهِ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ خِطَابُهُ النَّائِبَ بِحُضُورِ الْأَصِيلِ عِنْدَ عَدَمِ الْإِذْنِ وَلِلشُّرُنْبُلَالِيِّ رِسَالَةٌ حَافِلَةٌ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمَا فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرَاهُ بِالنُّصُوصِ الصَّرِيحَةِ قَالَ: وَيَلْزَمُهُمَا أَنْ لَا يَصِحَّ لِلسُّلْطَانِ، وَلَا نُوَّابِهِ جُمُعَةٌ، وَلَا عِيدٌ؛ لِأَنَّ السُّلْطَانَ يُصَلِّي خَلْفَ مَأْمُورِهِ مَعَ أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الْخُطْبَةِ بِنَفْسِهِ وَالصَّلَاةِ وَنَقَلَ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة التَّصْرِيحَ بِالْجَوَازِ وَمَنَعَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الدَّقِيقَةِ وَأَطَالَ فِي الْمَقَامِ بِمَا يَنْبَغِي مُرَاجَعَتُهُ وَلِلشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْغَزِّيِّ رِسَالَةٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَيْضًا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 155 حِفْظُهُ وَالنَّاسُ عَنْهُ غَافِلُونَ اهـ. وَقَدْ عَمِلَ بِذَلِكَ بَعْضُ الْقُضَاةِ فِي زَمَانِنَا حَتَّى أَخْرَجَ خَطِيبًا مِنْ وَظِيفَتِهِ بِسَبَبِ اسْتِنَابَتِهِ مِنْ غَيْرِ إذْنٍ، وَفِي النُّجْعَةِ فِي تَعْدَادِ الْجُمُعَةِ لِلْعَلَّامَةِ ابْنِ جِرْبَاشَ أَحَدِ شُيُوخِ مَشَايِخِي إنَّ إذْنَ السُّلْطَانِ أَوْ نَائِبِهِ إنَّمَا هُوَ شَرْطٌ لِإِقَامَتِهَا عِنْدَ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يُشْتَرَطُ الْإِذْنُ لِكُلِّ خَطِيبٍ فَإِذَا قَرَّرَ النَّاظِرُ خَطِيبًا فِي مَسْجِدٍ فَلَهُ إقَامَتُهَا بِنَفْسِهِ وَبِنَائِبِهِ وَأَنَّ الْإِذْنَ مُنْسَحِبٌ لِكُلِّ مَنْ خَطَبَ وَعِبَارَتُهُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ حَقَّ التَّقَدُّمِ فِي إمَامَةِ الْجُمُعَةِ حَقُّ الْخَلِيفَةِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى إقَامَةِ هَذَا الْحَقِّ بِنَفْسِهِ فِي كُلِّ الْأَمْصَارِ فَيُقَسِّمُهَا غَيْرُهُ بِنِيَابَتِهِ فَالسَّابِقُ فِي هَذِهِ النِّيَابَةِ فِي كُلِّ بَلْدَةٍ الْأَمِيرُ الَّذِي وَلِيَ عَلَى تِلْكَ الْبَلْدَةِ ثُمَّ الشُّرْطِيُّ ثُمَّ الْقَاضِي ثُمَّ الَّذِي وَلَّاهُ قَاضِي الْقُضَاةِ، وَفِي الْعَتَّابِيَّةِ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ الشُّرْطِيُّ أَوْلَى مِنْ الْقَاضِي، وَفِي الْخَانِيَّةِ الْإِمَامُ إذَا أَحْدَثَ بَعْدَمَا صَلَّى رَكْعَةً مِنْ الْجُمُعَةِ فَتَقَدَّمَ وَاحِدٌ مِنْ الْقَوْمِ لَا بِتَقْدِيمِ أَحَدٍ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُمْ خَلْفَهُ، وَإِنْ قَدَّمَهُ وَاحِدٌ مِنْ جَمَاعَةِ السُّلْطَانِ مِمَّنْ فُوِّضَ إلَيْهِ أَمْرُ الْعَامَّةِ يَجُوزُ وَإِذْ قَدْ عَرَفَتْ هَذَا فَيَتَمَشَّى عَلَيْهِ مَا وَقَعَ فِي زَمَانِنَا هَذَا مِنْ اسْتِئْذَانِ السُّلْطَانِ فِي إقَامَةِ الْجُمُعَةِ فِيمَا يُسْتَجَدُّ مِنْ الْجَوَامِعِ فَإِنَّ إذْنَهُ بِإِقَامَتِهَا فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ لِرَبِّهِ مُصَحِّحٌ لِإِذْنِ رَبِّ الْجَامِعِ لِمَنْ يُقِيمُهُ خَطِيبًا وَلِإِذْنِ ذَلِكَ الْخَطِيبِ لِمَنْ عَسَاهُ أَنْ يَسْتَنِيبَهُ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إذْنًا لِمَجْهُولٍ لِيَقَعَ فَاسِدًا عَلَى مَا تَوَهَّمَهُ الْبَعْضُ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَسْأَلَ السُّلْطَانَ فِي ذَلِكَ شَخْصٌ مُعَيَّنٌ بِالضَّرُورَةِ لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ، فَبُرُوزُ الْإِذْنِ يَكُونُ عَلَى وَجْهِ التَّعْيِينِ لَا مَحَالَةَ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ إنْ كَانَ لِلسَّائِلِ فَظَاهِرٌ وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِهِ فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّ إذْنَهُ يَقَعُ إذْنًا لِلْمَسْئُولِ لَهُ وَهُوَ مَعْلُومٌ عِنْدَ السَّائِلِ مُعَيَّنٌ لَهُ بَلْ لِلْإِمَامِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ السَّائِلَ يَجْرِي ذِكْرُهُ عِنْدَهُ بِمَا يُصَحِّحُ السُّؤَالَ لَهُ، وَهُوَ كَافٍ فِي صِحَّةِ الْإِذْنِ فَإِنَّ مِثْلَ ذَلِكَ كَافٍ فِي تَوْلِيَةِ الْقُضَاةِ وَالْوُلَاةِ، أَلَا تَرَى أَنَّ شَخْصًا نَائِبًا عَنْ الْإِمَامِ أَوْ قَرِيبًا غَائِبًا عَنْ حَضْرَتِهِ لَوْ وُصِفَ لَهُ بِأَوْصَافٍ حَمِيدَةٍ فَوَلَّاهُ حَالَ غَيْبَتِهِ عَنْهُ صَحَّ، وَلَا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ شَخْصِهِ فِي صِحَّةِ تَوْلِيَتِهِ لَهُ فَمَا بَالُك بِمَا نَحْنُ فِيهِ وَإِذَا صَحَّ الْإِذْنُ أُعْطِيَ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حُكْمُ الْوَالِي وَالْقَاضِي فِي صِحَّةِ الْإِقَامَةِ مِنْهُ وَمِمَّنْ يَأْذَنُ لَهُ؛ لِأَنَّ الْمُصَحِّحَ لِصِحَّتِهَا مِمَّنْ سِوَى الْإِمَامِ مِنْ الْإِمَامِ وَالشَّرْطِيِّينَ وَالْقُضَاةِ إنَّمَا هُوَ إقَامَةُ الْإِمَامِ لَهُمْ وَإِذْنُهُ الْمُحَصِّلُ لِدَفْعِ الْفِتْنَةِ الَّذِي هُوَ السَّبَبُ الدَّاعِي لِاشْتِرَاطِ الْإِمَامِ فِي صِحَّةِ إقَامَةِ الْجُمُعَةِ، وَهُوَ حَاصِلٌ فِيمَا ذَكَرْنَا فَلَا الْتِفَاتَ لِمُتَعَنِّتٍ - وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ - اهـ. كَلَامُهُ، وَهُوَ كَلَامٌ حَسَنٌ لَكِنَّهُ لَمْ يَسْتَنِدْ فِيهِ إلَى نَقْلٍ عَنْ الْمَشَايِخِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوِيهِ الْإِمَامُ إذَا خَطَبَ فَأَمَرَ مَنْ لَمْ يَشْهَدْ الْخُطْبَةَ أَنْ يُجَمِّعَ بِهِمْ فَأَمَرَ ذَلِكَ الرَّجُلُ مَنْ شَهِدَ الْخُطْبَةَ فَجَمَّعَ بِهِمْ جَازَ؛ لِأَنَّ الَّذِي لَمْ يَشْهَدْ الْخُطْبَةَ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ فَصَحَّ التَّفْوِيضُ إلَيْهِ لَكِنَّهُ عَجَزَ لِفَقْدِ شَرْطِ الصَّلَاةِ، وَهُوَ سَمَاعُ الْخُطْبَةِ فَمَلَّكَ التَّفْوِيضَ إلَى الْغَيْرِ، وَلَوْ جَمَّعَ هُوَ، وَلَمْ يَأْمُرْ لِغَيْرِهِ لَا يَجُوزُ بِخِلَافِ مَا لَوْ شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ ثُمَّ اسْتَخْلَفَ مَنْ لَمْ يَشْهَدْ الْخُطْبَةَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَكَذَلِكَ إنْ تَكَلَّمَ هَذَا الْمُقَدَّمُ فَاسْتَقْبَلَ بِهِمْ جَازَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُؤَدِّي الصَّلَاةَ بِالتَّحْرِيمَةِ الْأُولَى اهـ. وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّ الْإِمَامَ إنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ نَائِبَ الْوَالِي وَهُوَ الْخَطِيبُ فَقَدْ جُوِّزَ لَهُ الِاسْتِنَابَةَ فِي إقَامَةِ الْجُمُعَةِ، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْحَدَثِ، وَلَا بِالْعُذْرِ وَجُوِّزَ لِنَائِبِهِ أَنْ يَسْتَنِيبَ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُفَوِّضْ إلَيْهِ ذَلِكَ صَرِيحًا، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْإِمَامِ الْوَالِي فَقَدْ جُوِّزَ لِنَائِبِهِ أَنْ يَسْتَنِيبَ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الِاسْتِنَابَةِ لِلْخَطِيبِ مِنْ غَيْرِ إذْنٍ، وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ مِنْ بَابِ الْقَضَاءِ، وَلَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَسْتَخْلِفَ عَلَى الْقَضَاءِ إلَّا أَنْ يُفَوَّضَ إلَيْهِ ذَلِكَ بِخِلَافِ الْمَأْمُورِ بِإِقَامَةِ الْجُمُعَةِ حَيْثُ لَهُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ؛ لِأَنَّهُ عَلَى شَرَفِ الْفَوَاتِ لِتَوَقُّتِهِ فَكَانَ الْأَمْرُ بِهِ إذْنًا بِالِاسْتِخْلَافِ دَلَالَةً وَلَا كَذَلِكَ الْقَضَاءُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يُشْتَرَطُ الْإِذْنُ لِكُلِّ خَطِيبٍ) أَيْ لَا يُشْتَرَطُ الْإِذْنُ مِنْ السُّلْطَانِ أَوْ نَائِبِهِ لِلْخَطِيبِ الْآخَرِ بَعْدَ مَوْتِ الْأَوَّلِ أَوْ غَيْبَتِهِ مَثَلًا بَلْ يُكْتَفَى بِإِذْنِ السُّلْطَانِ مَرَّةً وَاحِدَةً، ثُمَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ السُّلْطَانُ يَسْتَنِيبُ غَيْرَهُ وَيَأْذَنُ لَهُ فَتَصِحُّ اسْتِنَابَتُهُ وَإِذْنُهُ، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ السُّلْطَانُ لِهَذَا الثَّانِي، وَكَذَلِكَ الثَّانِي يَأْذَنُ لِثَالِثٍ وَهَلُمَّ جَرًّا، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ السُّلْطَانَ إذَا أَذِنَ بِإِقَامَةِ الْجُمُعَةِ فِي مَسْجِدٍ صَارَ إذْنًا لِكُلِّ مَنْ أَرَادَ الصَّلَاةَ فِي ذَلِكَ الْمَسْجِدِ سَوَاءٌ أَذِنَ لَهُ الْخَطِيبُ الْمُقَرَّرُ فِيهِ أَوْ لَمْ يَأْذَنْ كَمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ مِنْ قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ وَأَنَّ الْإِذْنَ مُنْسَحِبٌ لِكُلِّ مَنْ خَطَبَ بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّ كُلَّ مَنْ خَطَبَ بِالْإِذْنِ فَهَذَا الْإِذْنُ إذْنٌ لَهُ بِإِقَامَتِهَا بِنَفْسِهِ وَبِنَائِبِهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ إقَامَتِهَا مِنْ نَائِبِهِ تَجْدِيدَ الْإِذْنِ مِنْ السُّلْطَانِ كَمَا هُوَ صَرِيحُ عِبَارَةِ جِرْبَاشَ الْآتِيَةِ (قَوْلُهُ فَمَلَكَ التَّفْوِيضَ إلَى الْغَيْرِ) مُقْتَضَى تَفْرِيعِهِ عَلَى قَوْلِهِ لَكِنَّهُ عَجَزَ إلَخْ أَنَّهُ يَمْلِكُ التَّفْوِيضَ بِسَبَبِ الْعَجْزِ وَذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ مَا فِي الدُّرَرِ فَإِنَّ صَاحِبَ الدُّرَرِ شَرَطَ الْعَجْزَ لِجَوَازِ الِاسْتِنَابَةِ فِي الصَّلَاةِ وَأَمَّا الِاسْتِنَابَةُ فِي الْخُطْبَةِ فَإِنَّهُ مَنَعَهَا مُطْلَقًا كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ فَقَدْ جَوَّزَ لِنَائِبِهِ أَنْ يَسْتَنِيبَ) لِصَاحِبِ الدُّرَرِ أَنْ يَقُولَ نَعَمْ جَوَّزَ لَهُ ذَلِكَ وَلَكِنْ عِنْدَ الْعَجْزِ كَمَا عَلِمْت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 156 اهـ. فَقَدْ جُوِّزَ لِلْمَأْمُومِ بِإِقَامَتِهَا الِاسْتِنَابَةُ، وَلَمْ يُقَيِّدْ بِالْعُذْرِ فَدَلَّ عَلَى جَوَازِهَا مُطْلَقًا وَأَمَّا تَقْيِيدُ الشَّارِحِ الزَّيْلَعِيِّ الِاسْتِخْلَافَ بِأَنْ يَكُونَ أَحْدَثَ فَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَالظَّاهِرُ مِنْ عِبَارَاتِهِمْ الْإِطْلَاقُ وَذَكَرَ فِي الْبَدَائِعِ أَنَّ كُلَّ مَنْ مَلَكَ إقَامَةَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ فَإِنَّهُ يَمْلِكُ إقَامَةَ غَيْرِهِ مَقَامَهُ اهـ. وَهُوَ صَرِيحٌ فِي جَوَازِ الِاسْتِنَابَةِ لِلْخَطِيبِ مُطْلَقًا أَوْ كَالصَّرِيحِ فِيهِ وَأَيْضًا لَيْسَ الْحَدَثُ قَبْلَ الصَّلَاةِ مِنْ الضَّرُورِيَّاتِ لِإِمْكَانِ أَنْ يَذْهَبَ الْخَطِيبُ لِلْوُضُوءِ ثُمَّ يَأْتِيَ فَيُصَلِّيَ، وَقَدْ اتَّفَقَتْ كَلِمَتُهُمْ عَلَى أَنَّ لَهُ الِاسْتِخْلَافَ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ النَّائِبُ شَهِدَ الْخُطْبَةَ لِيَكُونَ كَأَنَّ النَّائِبَ خَطَبَ بِنَفْسِهِ، وَلَمْ يُقَيِّدُوا بِإِذْنِ الْحَاكِمِ فَدَلَّ عَلَى مَا قُلْنَا، وَفِي فَتَاوَى الْوَلْوَالِجِيِّ إذَا أَحْدَثَ الْإِمَامُ فَقَالَ لِوَاحِدٍ فِيهِمْ اُخْطُبْ، وَلَا تُصَلِّ بِهِمْ فَذَهَبَ، وَلَمْ يَجِئْ أَجْزَأَهُ أَنْ يَخْطُبَ وَيُصَلِّيَ بِهِمْ؛ لِأَنَّهُ نَهَاهُ عَنْ الصَّلَاةِ لِكَيْ يَأْتِيَ فَيُصَلِّيَ بِهِمْ فَإِذَا لَمْ يَأْتِ كَانَ هَذَا تَفْوِيضَ الصَّلَاةِ إلَيْهِ، وَقَدْ وَقَعَ لِبَعْضِ قُضَاةِ الْعَسَاكِرِ فِي زَمَانِنَا بِالْقَاهِرَةِ أَنَّهُ كَانَ يَرَى بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَقْرِيرُهُ فِي وَظِيفَةِ الْخَطَابَةِ، وَإِنَّمَا يُقَرِّرُ فِيهَا الْحَاكِمُ، وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْبَاشَا وَلَعَلَّهُ اسْتَنَدَ فِي ذَلِكَ إلَى مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْخُلَاصَةِ مِنْ أَنَّ الْقَاضِي لَا يُقِيمُهَا إلَّا بِإِذْنٍ لَكِنْ قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ بَعْدَ نَقْلِ مَا فِي الْخُلَاصَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ أَمَّا الْيَوْمَ فَالْقَاضِي يُصَلِّي بِهِمْ الْجُمُعَةَ؛ لِأَنَّ الْخُلَفَاءَ يَأْمُرُونَ الْقُضَاةَ أَنْ يُجَمِّعُوا بِالنَّاسِ لَكِنْ قِيلَ أَرَادَ بِهَذَا قَاضِي الْقُضَاةِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ قَاضِي قُضَاةِ الشَّرْقِ وَالْغَرْبِ كَأَبِي يُوسُفَ فِي وَقْتِهِ أَمَّا فِي زَمَانِنَا فَالْقَاضِي وَصَاحِبُ الشُّرَطِ لَا يُوَلِّيَانِ ذَلِكَ اهـ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ السُّلْطَانَ إذَا وَلَّى إنْسَانًا قَاضِي الْقُضَاةِ بِمِصْرٍ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُوَلِّيَ الْخُطَبَاءَ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إذْنٍ كَمَا أَنَّ لَهُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ لِلْقَضَاءِ، وَإِنْ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ مَعَ أَنَّ الْقَاضِي لَيْسَ لَهُ الِاسْتِخْلَافُ إلَّا بِإِذْنِ السُّلْطَانِ؛ لِأَنَّ تَوْلِيَتَهُ قَاضِي الْقُضَاةِ إذْنٌ بِذَلِكَ دَلَالَةً كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ بَابِ الْقَضَاءِ لَكِنْ ذَكَرَ فِي التَّجْنِيسِ أَنَّ فِي إقَامَةِ الْجُمُعَةِ لِلْقَاضِي رِوَايَتَيْنِ وَبِرِوَايَةِ الْمَنْعِ يُفْتَى فِي دِيَارِنَا إذَا لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ، وَلَمْ يَكْتُبْ فِي مَنْشُورِهِ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إلَى أَنَّ الْإِمَامَ إذَا مَنَعَ أَهْلَ الْمِصْرِ أَنْ يُجَمِّعُوا لَمْ يُجَمِّعُوا كَمَا أَنَّ لَهُ يُمَصِّرَ مَوْضِعًا كَانَ لَهُ أَنْ يَنْهَاهُمْ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ هَذَا إذَا نَهَاهُمْ مُجْتَهِدًا بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ وَأَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ ذَلِكَ الْمِصْرَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مِصْرًا أَمَّا إذَا نَهَاهُمْ مُتَعَنِّتًا أَوْ إضْرَارًا بِهِمْ فَلَهُمْ أَنْ يُجْمِعُوا عَلَى رَجُلٍ يُصَلِّيَ بِهِمْ الْجُمُعَةَ، وَلَوْ أَنَّ إمَامًا مَصَّرَ مِصْرًا ثُمَّ نَفَّرَ النَّاسَ عَنْهُ لِخَوْفِ عَدُوٍّ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ ثُمَّ عَادُوا إلَيْهِ فَإِنَّهُمْ لَا يُجَمِّعُوا إلَّا بِإِذْنٍ مُسْتَأْنَفٍ مِنْ الْإِمَامِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَدَلَّ كَلَامُهُمْ أَنَّ النَّائِبَ إذَا عُزِلَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ لَيْسَ لَهُ إقَامَتُهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ نَائِبًا لَكِنْ شَرَطُوا أَنْ يَأْتِيَهُ الْكِتَابُ بِعَزْلِهِ أَوْ يَقْدُمَ عَلَيْهِ الْأَمِيرُ الثَّانِي، فَإِنْ وُجِدَ أَحَدُهُمَا فَصَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ، فَإِنْ صَلَّى صَاحِبُ شُرَطٍ جَازَ؛ لِأَنَّ عُمَّالَهُمْ عَلَى حَالِهِمْ حَتَّى يُعْزَلُوا كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الْبَاشَا بِمِصْرَ إذَا عُزِلَ فَالْخُطَبَاءُ عَلَى حَالِهِمْ، وَلَا يَحْتَاجُونَ إلَى إذْنٍ جَدِيدٍ مِنْ الثَّانِي إلَّا إذَا عَزَلَهُمْ وَقَيَّدْنَا بِكَوْنِهِ عَلِمَ الْعَزْلَ قَبْلَ الشُّرُوعِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ شَرَعَ ثُمَّ حَضَرَ وَالٍ آخَرَ فَإِنَّهُ يَمْضِي فِي صَلَاتِهِ كَرَجُلٍ أَمَرَهُ الْإِمَامُ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ الْجُمُعَةَ ثُمَّ حَجَرَ عَلَيْهِ، وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ لَا يَعْمَلُ حَجْرُهُ؛ لِأَنَّ شُرُوعَهُ صَحَّ، وَإِنْ حَجَرَ عَلَيْهِ قَبْلَ الشُّرُوعِ عَمِلَ حَجْرُهُ. (قَوْلُهُ وَوَقْتُ الظُّهْرِ) أَيْ شَرْطُ صِحَّتِهَا أَنْ تُؤَدَّى فِي وَقْتِ الظُّهْرِ فَلَا تَصِحُّ قَبْلَهُ، وَلَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ شَرْعِيَّةَ الْجُمُعَةِ مَقَامَ الظُّهْرِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّهُ سُقُوطُ أَرْبَعٍ بِرَكْعَتَيْنِ فَتُرَاعَى الْخُصُوصِيَّاتُ الَّتِي وَرَدَ الشَّرْعُ بِهَا مِمَّا لَمْ يَثْبُتْ دَلِيلٌ عَلَى نَفْيِ اشْتِرَاطِهَا، وَلَمْ يُصَلِّهَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - خَارِجَ الْوَقْتِ فِي عُمُرِهِ وَلَا بِدُونِ الْخُطْبَةِ فِيهِ فَيَثْبُتُ اشْتِرَاطُهُمَا وَكَوْنُ الْخُطْبَةِ فِي الْوَقْتِ بِخِلَافِ مَا قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِهِ كَكَوْنِهَا خُطْبَتَيْنِ بَيْنَهُمَا جِلْسَةٌ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مَسْنُونٌ أَوْ وَاجِبٌ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ (قَوْلُهُ فَتَبْطُلُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ فَالْحَاصِلُ إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ قَاضِي الْقُضَاةِ بِمِصْرَ لَيْسَ بِمَعْنَى قَاضِي الْقُضَاةِ الْمَذْكُورِ فِي الظَّهِيرِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ مَنْ يُوَلِّي الْقُضَاةَ فِي جَمِيعِ بِلَادِ السُّلْطَانِ الَّذِي وَلَّاهُ فَوِلَايَتُهُ عَامَّةٌ وَأَمَّا قَاضِي مِصْرَ فَإِنَّهُ يُوَلِّي نُوَّابًا عَنْهُ فِي الْبَلْدَةِ الَّتِي وَلَّاهُ السُّلْطَانُ الْحُكْمَ فِيهَا وَفِي تَوَابِعِهَا فَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْأَوَّلِ مَأْذُونًا بِإِقَامَةِ الْجُمُعَةِ أَنْ يَكُونَ الثَّانِي كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الثَّانِي مُوَلًّى مِنْ قِبَلِهِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ تَوْلِيَتَهُ قَاضِي الْقُضَاةِ إذْنٌ بِذَلِكَ) أَيْ بِالِاسْتِخْلَافِ لِلْقَضَاءِ وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّ لَفْظَةَ قَاضِي الْقُضَاةِ مَعْنَاهَا الْقَاضِي الَّذِي يُوَلِّي الْقُضَاةَ (قَوْلُهُ لَكِنْ ذَكَرَ فِي التَّجْنِيسِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ يُمْكِنُ حَمْلُ مَا فِي التَّجْنِيسِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُوَلَّ قَضَاءَ الْقُضَاةِ أَمَّا إنْ وُلِّيَ أَغْنَى هَذَا اللَّفْظُ عَنْ التَّنْصِيصِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَنَّ إمَامًا مَصَّرَ مِصْرًا إلَخْ) قُلْت فَلَوْ قُرِّرَ خَطِيبٌ بِجَامِعٍ فَهُدِمَ، ثُمَّ أُعِيدَ هَلْ يَحْتَاجُ إلَى إذْنٍ جَدِيدٍ لِهَذَا الْأَوَّلِ أَمْ لَا وَهَلْ يَصِحُّ تَقْرِيرُ غَيْرِهِ مَحَلُّ تَأَمُّلٍ، وَلَهُ نَظَائِرُ فِي كِتَابِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 157 بِخُرُوجِهِ) أَيْ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ بِخُرُوجِ وَقْتِ الظُّهْرِ، وَلَوْ بَعْدَ الْقُعُودِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ لِفَوَاتِ شَرْطِهَا فَلَا يُبْنَى الظُّهْرُ لِاخْتِلَافِ الصَّلَاتَيْنِ قَدْرًا وَحَالًا وَاسْمًا أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ كُلَّ مُصَلٍّ لَهَا؛ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ لَوْ نَامَ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي الْجُمُعَةِ، وَلَمْ يَنْتَبِهْ حَتَّى خَرَجَ الْوَقْتُ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَتَمَّ لَصَارَ قَاضِيًا وَقَضَاءُ الْجُمُعَةِ فِي غَيْرِ وَقْتِهَا لَا يَجُوزُ، وَلَوْ انْتَبَهَ فِي الْوَقْتِ لَمْ تَفْسُدْ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُؤَدِّيًا لِلْجُمُعَةِ فِي وَقْتِهَا اهـ. وَفِي تَهْذِيبِ الْقَلَانِسِيِّ مِنْ بَابِ الْمَوَاقِيتِ، وَفِي الْجُمُعَةِ لَوْ خَرَجَ وَقْتُ الظُّهْرِ تَنْقَلِبُ تَطَوُّعًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَبْطُلُ أَصْلًا اهـ. وَلَا يَخْفَى مُخَالَفَةُ أَبِي يُوسُفَ أَصْلَهُ هُنَا فَإِنَّهُ مُوَافِقٌ لِلْإِمَامِ فِي أَنَّهُ إذَا بَطَلَ الْوَصْفُ لَا يَبْطُلُ الْأَصْلُ، وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ مَعْزِيًّا إلَى النَّوَادِرِ إمَامٌ صَلَّى بِالنَّاسِ الْجُمُعَةَ فَدَخَلَ مَعَهُ رَجُلٌ فِي الصَّلَاةِ فَزَحَمَهُ النَّاسُ فَلَمْ يَسْتَطِعْ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ حَتَّى فَرَغَ الْإِمَامُ وَدَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ فَإِنَّهُ يُتِمُّ الْجُمُعَةَ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ فِي الْفَجْرِ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا ثُمَّ طَلَعَتْ الشَّمْسُ حَيْثُ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ لِعَدَمِ مُصَادَفَةِ الْوَقْتِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَا فِي النَّوَادِرِ ضَعِيفًا؛ لِأَنَّ مَا فِي الْمُحِيطِ يُخَالِفُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا فَرَّقَ فِي اللَّاحِقِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عُذْرُهُ النَّوْمَ أَوْ الزَّحْمَةَ. (قَوْلُهُ وَالْخُطْبَةُ قَبْلَهَا) أَيْ وَشَرْطُ صِحَّتِهَا الْخُطْبَةُ وَكَوْنُهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا صَلَّاهَا دُونَ الْخُطْبَةِ وَنُقِلَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الْإِجْمَاعُ عَلَى اشْتِرَاطِ نَفْسِ الْخُطْبَةِ وَلِأَنَّهَا شَرْطٌ وَشَرْطُ الشَّيْءِ سَابِقٌ عَلَيْهِ، وَلَوْ قَالَ فِيهِ أَيْ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ حَتَّى لَوْ خَطَبَ قَبْلَهُ وَصَلَّى فِيهِ لَمْ تَصِحَّ وَشَرْطُ الشَّارِحِ أَنْ يَكُونَ بِحَضْرَةِ جَمَاعَةٍ تَنْعَقِدُ بِهِمْ الْجُمُعَةُ، وَإِنْ كَانُوا صُمًّا أَوْ نِيَامًا وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَكْفِي لِوُقُوعِهَا الشَّرْطُ حُضُورُ وَاحِدٍ، وَفِي الْخُلَاصَةِ مَا يُخَالِفُهُ فَإِنَّهُ قَالَ لَوْ خَطَبَ وَحْدَهُ، وَلَمْ يَحْضُرْهُ أَحَدٌ لَا يَجُوزُ، وَفِي الْأَصْلِ قَالَ فِيهِ رِوَايَتَانِ، وَلَوْ حَضَرَ وَاحِدٌ أَوْ اثْنَانِ وَخَطَبَ وَصَلَّى بِالثَّلَاثَةِ جَازَ، وَلَوْ خَطَبَ بِحَضْرَةِ النِّسَاءِ لَمْ يَجُزْ إنْ كُنَّ وَحْدَهُنَّ انْتَهَى، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَوْ خَطَبَ وَحْدَهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ يُشْتَرَطُ عِنْدَهُ فِي التَّسْبِيحَةِ وَالتَّحْمِيدَةِ أَنْ يُقَالَ عَلَى قَصْدِ الْخُطْبَةِ فَلَوْ حَمِدَ لِعُطَاسٍ لَا يُجْزِي عَنْ الْوَاجِبِ انْتَهَى. وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرَهُ بِشَيْءٍ مِنْ أَنْوَاعِ الدَّلَالَاتِ كَمَا لَا يَخْفَى وَصَحَّحَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّهُ لَوْ خَطَبَ وَحْدَهُ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَفِي الْمُضْمَرَاتِ مَعْزِيًّا إلَى الزَّادِ وَهَلْ تَقُومُ الْخُطْبَةُ مَقَامَ الرَّكْعَتَيْنِ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ تَقُومُ؛ وَلِهَذَا لَا تَجُوزُ إلَّا بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا تَقُومُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لَهَا سَائِرُ شُرُوطِ الصَّلَاةِ مِنْ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَالطَّهَارَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ انْتَهَى، وَفِي الْبَدَائِعِ ثُمَّ هِيَ وَإِنْ كَانَتْ قَائِمَةً مَقَامَ الرَّكْعَتَيْنِ شَرْطٌ وَلَيْسَتْ بِرُكْنٍ؛ لِأَنَّ صَلَاةَ الْجُمُعَةِ لَا تُقَامُ بِالْخُطْبَةِ فَلَمْ تَكُنْ مِنْ أَرْكَانِهَا اهـ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْخُطْبَةَ شَرْطُ الِانْعِقَادِ فِي حَقِّ مَنْ يُنْشِئُ التَّحْرِيمَةَ لِلْجُمُعَةِ لَا فِي حَقِّ كُلِّ مَنْ صَلَّاهَا وَاشْتِرَاطُ حُضُورِ الْوَاحِدِ أَوْ الْجَمْعِ لِيَتَحَقَّقَ مَعْنَى الْخُطْبَةِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ النِّسْبِيَّاتِ فَعَنْ هَذَا قَالُوا: لَوْ أَحْدَثَ الْإِمَامُ فَقَدَّمَ مَنْ لَمْ يَشْهَدْهَا جَازَ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِمْ الْجُمُعَةَ؛ لِأَنَّهُ بَنَى تَحْرِيمَتَهُ عَلَى تِلْكَ التَّحْرِيمَةِ الْمُنْشَأَةِ فَالْخُطْبَةُ شَرْطُ انْعِقَادِ الْجُمُعَةِ فِي حَقِّ مَنْ يُنْشِئُ التَّحْرِيمَةَ فَقَطْ، أَلَا تَرَى إلَى صِحَّتِهَا مِنْ الْمُقْتَدِينَ الَّذِينَ لَمْ يَشْهَدُوا الْخُطْبَةَ فَعَلَى هَذَا كَانَ الْقِيَاسُ فِيمَا لَوْ أَفْسَدَ هَذَا الْخَلِيفَةُ أَنْ لَا يَجُوزَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ بِهِمْ الْجُمُعَةَ لَكِنَّهُمْ اسْتَحْسَنُوا جَوَازَ اسْتِقْبَالِهِ بِهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَامَ مَقَامَ الْأَوَّلِ الْتَحَقَ بِهِ حُكْمًا فَلَوْ فَسَدَ الْأَوَّلُ اسْتَقْبَلَ بِهِمْ فَكَذَلِكَ الثَّانِي فَلَوْ كَانَ الْأَوَّلُ أَحْدَثَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فَقَدَّمَ مَنْ لَمْ يَشْهَدْ الْخُطْبَةَ لَا يَجُوزُ اهـ. وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ يُصَلِّي عَقِبَ الْخُطْبَةِ بِلَا تَرَاخٍ فَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فَلِذَا   [منحة الخالق] الْوَقْفِ كَذَا فِي شَرْحِ الْمَقْدِسِيَّ وَلْيُنْظَرْ مَا عِلَّةُ التَّأَمُّلِ فَإِنَّ الْمَسْجِدَ بِانْهِدَامِهِ لَا تَزُولُ عَنْهُ الْمَسْجِدِيَّةُ بِخِلَافِ الْمِصْرِ وَانْظُرْ فَتَاوَى ابْنِ الشَّلَبِيِّ. (قَوْلُهُ وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ عَنْ الشَّيْخِ الْمَقْدِسِيَّ لَيْسَتْ هَذِهِ نَصُّ عِبَارَةِ فَتْحِ الْقَدِيرِ بَلْ قَلَبَتْهَا وَقَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ لِتَتَمَكَّنَ مِنْ إيرَادِ مَا اخْتَرْت وَعِبَارَةُ الْمُحَقِّقِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ قَوْلَ الْإِمَامِ فِي كِفَايَةِ الْحَمْدِ لِلَّهِ وَنَحْوِهَا فِي الْخُطْبَةِ وَأَنَّ ذَلِكَ يُسَمَّى خُطْبَةً لُغَةً، وَإِنْ لَمْ يُسَمَّ بِهِ عُرْفًا وَأَنَّ الْعُرْفَ إنَّمَا يُعْتَبَرُ فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ وَمُحَاوَرَاتِهِمْ لِلدَّلَالَةِ عَلَى غَرَضِهِمْ فَأَمَّا فِي أَمْرٍ بَيْنَ الْعَبْدِ وَرَبِّهِ فَتُعْتَبَرُ حَقِيقَةُ اللَّفْظِ لُغَةً، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا الْكَلَامُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ لِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَوَجَبَ اعْتِبَارُ مَا يَتَفَرَّعُ عَنْهُ يَعْنِي رِوَايَةَ عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْحُضُورِ اهـ. وَكَذَا اعْتَرَضَهُ أَخُوهُ فِي النَّهْرِ وَلَكِنْ نَاقَشَ الْمُحَقِّقُ فَقَالَ بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِهِ: وَحَاصِلُهُ أَنَّ الدَّلِيلَ إنَّمَا دَلَّ عَلَى أَنَّ الشَّرْطَ مُطْلَقُ الذِّكْرِ الْمُسَمَّى خُطْبَةً لُغَةً غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِحَضْرَةِ أَحَدٍ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ حَقِيقَةُ اللَّفْظِ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي اقْتِضَائِهِ صِحَّتَهَا وَحْدَهُ؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ قَصْدِ التَّحْمِيدَةِ وَنَحْوِهَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ خَطَبَ وَحْدَهُ جَازَ لَكِنْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إنَّ الْأَمْرَ بِالسَّعْيِ إلَى الذِّكْرِ لَيْسَ إلَّا لِاسْتِمَاعِهِ، وَالْمَأْمُورُ جَمْعٌ فَإِذَا جَازَتْ وَحْدَهُ لَمْ يَجُزْ الْأَمْرُ فَائِدَتُهُ وَكَأَنَّ هَذَا هُوَ وَجْهُ مَا رَجَّحَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ يَتَرَجَّحُ مَا جَزَمَ بِهِ الشَّارِحُ مِنْ اشْتِرَاطِ حَضْرَةِ جَمَاعَةٍ تَنْعَقِدُ بِهِمْ الْجُمُعَةُ عَلَى مَا مَرَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 158 قَالُوا: إنَّ الْخُطْبَةَ تُعَادُ عَلَى وَجْهِ الْأَوْلَوِيَّةِ لَوْ تَذَكَّرَ الْإِمَامُ فَائِتَةً فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ، وَلَوْ كَانَتْ الْوِتْرَ حَتَّى فَسَدَتْ الْجُمُعَةُ لِذَلِكَ فَاشْتَغَلَ بِقَضَائِهَا، وَكَذَا لَوْ كَانَ أَفْسَدَ الْجُمُعَةَ فَاحْتَاجَ إلَى إعَادَتِهَا أَوْ افْتَتَحَ التَّطَوُّعَ بَعْدَ الْخُطْبَةِ وَإِنْ لَمْ يُعِدْ الْخُطْبَةَ أَجُزْأَهُ وَكَذَا إذَا خَطَبَ جُنُبًا كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْفَصْلِ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي الْخُلَاصَةِ فَقَالَ: وَلَوْ خَطَبَ مُحْدِثًا أَوْ جُنُبًا ثُمَّ تَوَضَّأَ أَوْ اغْتَسَلَ وَصَلَّى جَازَ، وَلَوْ خَطَبَ ثُمَّ رَجَعَ إلَى بَيْتِهِ فَتَغَدَّى أَوْ جَامَعَ وَاغْتَسَلَ ثُمَّ جَاءَ اسْتَقْبَلَ الْخُطْبَةَ، وَكَذَا فِي الْمُحِيطِ مُعَلِّلًا بِأَنَّ الْأَوَّلَ مِنْ أَعْمَالِ الصَّلَاةِ بِخِلَافِ الثَّانِي فَإِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ الِاسْتِقْبَالَ فِي الثَّانِي لَازِمٌ وَإِلَّا، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْكُلِّ وَقَدْ صَرَّحَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ بِلُزُومِ الِاسْتِئْنَافِ وَبُطْلَانِ الْخُطْبَةِ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّهُ إذَا طَالَ الْفَصْلُ لَمْ يَبْقَ خُطْبَةٌ لِلْجُمُعَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَلَّ وَقَدْ عُلِمَ مِنْ تَفَارِيعِهِمْ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْإِمَامِ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْخَطِيبُ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْخُلَاصَةِ بِأَنَّهُ لَوْ خَطَبَ صَبِيٌّ بِإِذْنِ السُّلْطَانِ وَصَلَّى الْجُمُعَةَ رَجُلٌ بَالِغٌ يَجُوزُ. (قَوْلُهُ وَسُنَّ خُطْبَتَانِ بِجِلْسَةٍ بَيْنَهُمَا وَطَهَارَةٍ قَائِمًا) كَمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ يَنْبَغِي أَنْ يَخْطُبَ خُطْبَةً خَفِيفَةً يَفْتَتِحُ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى وَيُثْنِي عَلَيْهِ وَيَتَشَهَّدُ وَيُصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَعِظُ وَيُذَكِّرُ وَيَقْرَأُ سُورَةً ثُمَّ يَجْلِسُ جِلْسَةً خَفِيفَةً ثُمَّ يَقُومُ فَيَخْطُبُ خُطْبَةً أُخْرَى يَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى وَيُثْنِي عَلَيْهِ وَيَتَشَهَّدُ وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَدْعُو لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ، وَقَدْ عُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَا يَعِظُ فِي الثَّانِيَةِ؛ وَلِهَذَا قَالَ فِي التَّجْنِيسِ أَنَّ الثَّانِيَةَ كَالْأُولَى إلَّا أَنَّهُ يَدْعُو لِلْمُسْلِمِينَ مَكَانَ الْوَعْظِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُسَنُّ قِرَاءَةُ آيَةٍ فِي الثَّانِيَةِ كَالْأُولَى. وَالْحَاصِلُ كَمَا فِي الْمُجْتَبَى أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْخُطْبَةِ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ فِي الْخُطْبَةِ وَالْخَطِيبِ وَالْمُسْتَمِعِ وَشُهُودِ الْخُطْبَةِ أَمَّا الْخُطْبَةُ فَتَشْتَمِلُ عَلَى فَرْضٍ وَسُنَّةٍ فَأَمَّا الْفَرْضُ فَشَيْئَانِ الْوَقْتُ وَذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى وَأَمَّا سُنَنُهَا فَخَمْسَةَ عَشَرَ أَحَدُهَا الطَّهَارَةُ حَتَّى كُرِهَتْ لِلْمُحْدِثِ وَالْجُنُبِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَجُوزُ وَثَانِيهَا الْقِيَامُ وَثَالِثُهَا اسْتِقْبَالُ الْقَوْمِ بِوَجْهِهِ وَرَابِعُهَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي الْجَوَامِعِ التَّعَوُّذُ فِي نَفْسِهِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ وَخَامِسُهَا أَنْ يُسْمِعَ الْقَوْمَ الْخُطْبَةَ، فَإِنْ لَمْ يُسْمِعْ أَجْزَأَهُ وَسَادِسُهَا مَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَخْطُبُ خُطْبَةً خَفِيفَةً وَهِيَ تَشْتَمِلُ عَلَى عَشَرَةٍ: أَحَدُهَا - الْبُدَاءَةُ بِحَمْدِ اللَّهِ وَثَانِيهَا - الثَّنَاءُ عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ وَثَالِثُهَا - الشَّهَادَتَانِ وَرَابِعُهَا - الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَخَامِسُهَا - الْعِظَةُ وَالتَّذْكِيرُ وَسَادِسُهَا - قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَتَارِكُهَا مُسِيءٌ وَرُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَأَ فِيهَا سُورَةَ الْعَصْرِ وَمَرَّةً أُخْرَى {لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ} [الحشر: 20] ، وَأُخْرَى وَنَادَوْا يَا مَالِكُ» وَسَابِعُهَا - الْجُلُوسُ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ وَثَامِنُهَا - أَنْ يُعِيدَ فِي الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ الْحَمْدَ لِلَّهِ وَالثَّنَاءَ وَالصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَاسِعُهَا - أَنْ يَزِيدَ فِيهَا الدُّعَاءَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَعَاشِرُهَا - تَخْفِيفُ الْخُطْبَتَيْنِ بِقَدْرِ سُورَةٍ مِنْ طِوَالِ الْمُفَصَّلِ وَيُكْرَهُ التَّطْوِيلُ وَأَمَّا الْخَطِيبُ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَتَأَهَّلَ لِلْإِمَامَةِ فِي الْجُمُعَةِ، وَالسُّنَّةُ فِي حَقِّهِ الطَّهَارَةُ وَالْقِيَامُ وَالِاسْتِقْبَالُ بِوَجْهِهِ لِلْقَوْمِ وَتَرْكِ السَّلَامِ مِنْ خُرُوجِهِ إلَى دُخُولِهِ فِي الصَّلَاةِ وَتَرْكِ الْكَلَامِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إذَا اسْتَوَى عَلَى الْمِنْبَرِ سَلَّمَ عَلَى الْقَوْمِ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا خَرَجَ الْإِمَامُ فَلَا صَلَاةَ، وَلَا كَلَامَ» يُبْطِلُ ذَلِكَ وَأَمَّا الْمُسْتَمِعُ فَيَسْتَقْبِلُ الْإِمَامَ إذَا بَدَأَ بِالْخُطْبَةِ وَيُنْصِتُ، وَلَا يَتَكَلَّمُ وَلَا يُرَدُّ السَّلَامَ، وَلَا يُشَمِّتُ، وَلَا يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَا يُصَلِّي السَّامِعُ فِي نَفْسِهِ، وَفِي جَوَازِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَذِكْرِ الْفِقْهِ وَالنَّظَرِ فِيهِ لِمَنْ يَسْتَمِعُ الْخُطْبَةَ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ وَيُكْرَهُ لِمُسْتَمِعِ الْخُطْبَةِ مَا يُكْرَهُ فِي الصَّلَاةِ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْعَبَثِ وَالِالْتِفَاتِ، وَأَمَّا التَّخَطِّي فَمَكْرُوهٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا إنَّمَا يُكْرَهُ بَعْدَ خُرُوجِ الْإِمَامِ وَقَالَ الرَّازِيّ إنَّمَا يَجُوزُ قَبْلَهُ إذَا لَمْ يُؤْذِ أَحَدًا فَأَمَّا تَخَطِّي السُّؤَالِ فَمَكْرُوهٌ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ بِالْإِجْمَاعِ وَأَمَّا شُهُودُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْخُلَاصَةِ بِأَنَّهُ لَوْ خَطَبَ صَبِيٌّ إلَخْ) قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ خَطَبَ صَبِيٌّ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ وَالْخِلَافُ فِي صَبِيٍّ يَعْقِلُ اهـ. فَمَا هُنَا عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، وَمَا سَيَأْتِي عَنْ الْمُجْتَبَى مَبْنِيٌّ عَلَى الْآخَرِ قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ وَالْأَكْثَرُ عَلَى الْجَوَازِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 159 الْخُطْبَةِ فَشَرْطٌ فِي حَقِّ الْإِمَامِ دُونَ الْمَأْمُومِ اهـ. مَا فِي الْمُجْتَبَى وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي الْجِلْسَةِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ قَدْرَهَا لِلِاخْتِلَافِ فَعِنْدَ الطَّحَاوِيِّ مِقْدَارُ مَا يَمَسُّ مَوْضِعَ جُلُوسِهِ مِنْ الْمِنْبَرِ، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مِقْدَارُ ثَلَاثِ آيَاتٍ كَمَا فِي التَّجْنِيسِ وَغَيْرِهِ وَمِنْ الْغَرِيبِ مَا ذَكَرَهُ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ إذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ، وَأَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُ اسْتَدْبَرَهُمْ فِي صُعُودِهِ اهـ. وَمِنْ الْمُسْتَحَبِّ أَنْ يَرْفَعَ الْخَطِيبُ صَوْتَهُ كَمَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَمِنْهُ أَنْ يَكُونَ الْجَهْرُ فِي الثَّانِيَةِ دُونَ الْأُولَى كَمَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَفِي التَّجْنِيسِ وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ إلَى آخِرِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا هُوَ الثَّانِيَةُ الَّتِي كَانَ يَخْطُبُ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَذِكْرُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ مُسْتَحْسَنٌ بِذَلِكَ جَرَى التَّوَارُثُ وَيَذْكُرُ الْعَمَّيْنِ اهـ. ثُمَّ قَوْلُهُمْ إنَّ السُّنَّةَ فِي الْمُسْتَمِعِ اسْتِقْبَالُ الْإِمَامِ مُخَالِفٌ لِمَا عَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ مِنْ اسْتِقْبَالِ الْمُسْتَمِعِ لِلْقِبْلَةِ؛ وَلِهَذَا قَالَ فِي التَّجْنِيسِ وَالرَّسْمُ فِي زَمَانِنَا أَنَّ الْقَوْمَ يَسْتَقْبِلُونَ الْقِبْلَةَ قَالَ؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ اسْتَقْبَلُوا الْإِمَامَ لَخَرَجُوا فِي تَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ بَعْدَ فَرَاغِهِ لِكَثْرَةِ الزِّحَامِ وَجَزَمَ فِي الْخُلَاصَةِ بِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ اسْتِقْبَالُهُ إنْ كَانَ أَمَامَ الْإِمَامِ، وَإِنْ كَانَ عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ أَوْ عَنْ يَسَارِهِ قَرِيبًا مِنْ الْإِمَامِ يَنْحَرِفُ إلَى الْإِمَامِ مُسْتَعِدًّا لِلسَّمَاعِ وَمِنْ السُّنَّةِ أَنْ يَكُونَ الْخَطِيبُ عَلَى مِنْبَرٍ اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي الْمُضْمَرَاتِ مَعْزِيًّا إلَى رَوْضَةِ الْعُلَمَاءِ: الْحِكْمَةُ فِي أَنَّ الْخَطِيبَ يَتَقَلَّدُ سَيْفًا مَا قَدْ سَمِعْت الْفَقِيهَ أَبَا الْحَسَنِ الرُّسْتُغْفَنِيَّ يَقُولُ: كُلُّ بَلْدَةٍ فُتِحَتْ عَنْوَةً بِالسَّيْفِ يَخْطُبُ الْخَطِيبُ عَلَى مِنْبَرِهَا مُتَقَلِّدًا بِالسَّيْفِ يُرِيهِمْ أَنَّهَا فُتِحَتْ بِالسَّيْفِ فَإِذَا رَجَعْتُمْ عَنْ الْإِسْلَامِ فَذَلِكَ السَّيْفُ بَاقٍ فِي أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ نُقَاتِلُكُمْ بِهِ حَتَّى تَرْجِعُوا إلَى الْإِسْلَامِ وَكُلُّ بَلْدَةٍ أَسْلَمَ أَهْلُهَا طَوْعًا يَخْطُبُونَ فِيهَا بِلَا سَيْفٍ وَمَدِينَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فُتِحَتْ بِالْقُرْآنِ فَيَخْطُبُ الْخَطِيبُ بِلَا سَيْفٍ وَتَكُونُ تِلْكَ الْبَلْدَةُ عُشْرِيَّةً وَمَكَّةَ فُتِحَتْ بِالسَّيْفِ فَيَخْطُبُ مَعَ السَّيْفِ اهـ. وَهَذَا مُفِيدٌ لِكَوْنِهِ يَتَقَلَّدُ بِالسَّيْفِ لَا أَنَّهُ يُمْسِكُهُ بِيَدِهِ كَمَا هُوَ الْمُتَعَارَفُ مَعَ أَنَّ ظَاهِرَ مَا فِي الْخُلَاصَةِ كَرَاهَةُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَالَ وَيُكْرَهُ أَنْ يَخْطُبَ مُتَّكِئًا عَلَى قَوْسٍ أَوْ عَصًا لَكِنْ قَالَ فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ إذَا فَرَغَ الْمُؤَذِّنُونَ قَامَ الْإِمَامُ وَالسَّيْفُ بِيَسَارِهِ، وَهُوَ مُتَّكِئٌ عَلَيْهِ اهـ. وَهُوَ صَرِيحٌ فِيهِ إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ السَّيْفِ وَغَيْرِهِ، وَفِي الْمُجْتَبَى وَيَخْطُبُ بِالسَّيْفِ فِي الْبَلْدَةِ الَّتِي فُتِحَتْ بِالسَّيْفِ، وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَأَمَّا الدُّعَاءُ لِلسُّلْطَانِ فِي الْخُطْبَةِ فَلَا يُسْتَحَبُّ لِمَا رُوِيَ أَنَّ عَطَاءً سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: إنَّهُ مُحْدَثٌ، وَإِنَّمَا كَانَتْ الْخُطْبَةُ تَذْكِيرًا، وَفِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا الدُّنُوُّ مِنْ الْإِمَامِ أَفْضَلُ مِنْ التَّبَاعُدِ عَلَى الصَّحِيحِ وَمِنْهُمْ مَنْ اخْتَارَ التَّبَاعُدَ حَتَّى لَا يَسْمَعَ مَدْحَ الظَّلَمَةِ فِي الْخُطْبَةِ؛ وَلِهَذَا اخْتَارَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْخَطِيبَ مَا دَامَ فِي الْحَمْدِ وَالْمَوَاعِظِ فَعَلَيْهِمْ الِاسْتِمَاعُ فَإِذَا أَخَذَ فِي مَدْحِ الظَّلَمَةِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِمْ فَلَا بَأْسَ بِالْكَلَامِ حِينَئِذٍ وَحُكِيَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالْخَانِيَّةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ أَنَّهُمَا كَانَا يَتَكَلَّمَانِ وَقْتَ الْخُطْبَةِ فَقِيلَ لِإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ فِي ذَلِكَ فَقَالَ إنِّي صَلَّيْت الظُّهْرَ فِي دَارِي ثُمَّ رُحْت إلَى الْجُمُعَةِ تَقِيَّةً؛ وَلِذَلِكَ تَأْوِيلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ النَّاسَ كَانُوا فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ فَرِيقَيْنِ فَرِيقٌ مِنْهُمْ لَا يُصَلِّي الْجُمُعَةَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى الْجَائِرَ سُلْطَانًا وَسُلْطَانُهُمْ يَوْمَئِذٍ كَانَ جَائِرًا فَإِنَّهُمْ كَانُوا لَا يُصَلُّونَ الْجُمُعَةَ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ وَكَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَتْرُكُ الْجُمُعَةَ؛ لِأَنَّ السُّلْطَانَ كَانَ يُؤَخِّرُ الْجُمُعَةَ عَنْ وَقْتِهَا فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ فَكَانُوا يَأْتُونَ الظُّهْرَ فِي دَارِهِمْ ثُمَّ يُصَلُّونَ مَعَ الْإِمَامِ وَيَجْعَلُونَهَا سُبْحَة أَيْ نَافِلَةً اهـ. وَقَدْ سَمِعْت فِي زَمَانِنَا أَنَّ بَعْضَهُمْ يَتْرُكُ الْجُمُعَةَ مُتَأَوِّلًا بِالتَّأْوِيلِ الْأَوَّلِ وَهُوَ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ فَاعِلَهُ مُجْتَهِدٌ رَأَى ذَلِكَ وَأَمَّا الْمُقَلِّدُ لِأَبِي حَنِيفَةَ فَحَرَامٌ عَلَيْهِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَذْهَبَ إمَامِهِ أَنَّ الْجَائِرَ سُلْطَانٌ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَفِي أَوَّلِ التَّجْنِيسِ مَعْزِيًّا إلَى الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي مَجْلِسِ الْوَاعِظِ الْخَوْفُ وَالرَّجَاءُ، وَلَا يُجْعَلُ كُلُّهُ خَوْفًا وَلَا كُلُّهُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَهَذَا مُفِيدٌ لِكَوْنِهِ يَتَقَلَّدُ بِالسَّيْفِ لَا أَنَّهُ يُمْسِكُهُ بِيَدِهِ كَمَا هُوَ الْمُتَعَارَفُ) أَيْ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الْحَاوِي الْآتِي لَكِنْ دَفَعَ الْمُنَافَاةَ فِي النَّهْرِ بِإِمْكَانِهِ مَعَ التَّقْلِيدِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 160 رَجَاءً؛ لِأَنَّهُ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْ ذَلِكَ وَلِأَنَّ الْأَوَّلَ يُفْضِي إلَى الْقُنُوطِ وَالثَّانِي إلَى الْأَمْنِ فَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ الرُّسْتُغْفَنِيُّ يَجِبُ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِي الرَّحْمَةِ وَالرَّجَاءِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يَسِّرُوا، وَلَا تُعَسِّرُوا وَبَشِّرُوا وَلَا تُنَفِّرُوا» وَلِأَنَّ مَنْ رَجَعَ إلَى الْبَابِ بِالْكَرَامَةِ يَكُونُ أَثْبَتَ اهـ. وَفِي الْقُنْيَةِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي الْجَامِعِ يَنْبَغِي لِلْخَطِيبِ إذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ أَنْ يَتَعَوَّذَ بِاَللَّهِ فِي نَفْسِهِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ اهـ. وَفِي ضِيَاءِ الْحُلُومِ مُخْتَصَرِ شَمْسِ الْعُلُومِ خَطَبَ عَلَى الْمِنْبَرِ خُطْبَةً بِضَمِّ الْخَاءِ وَخَطَبَ الْمَرْأَةَ خِطْبَةً بِكَسْرِ الْخَاءِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ} [البقرة: 235] ، وَفِي الْحَدِيثِ «لَا يَخْطِبَنَّ أَحَدُكُمْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ» اهـ. وَفِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ وَالسُّنَّةُ أَنْ يَكُونَ جُلُوسُ الْإِمَامِ فِي مَخْدَعِهِ عَنْ يَمِينِ الْمِنْبَرِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَفِي جِهَتِهِ أَوْ نَاحِيَتِهِ وَتُكْرَهُ صَلَاتُهُ فِي الْمِحْرَابِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ وَلْيَلْبَسَنَّ السَّوَادَ اقْتِدَاءً بِالْخُلَفَاءِ وَلِلتَّوَارُثِ فِي الْأَعْصَارِ وَالْأَمْصَارِ اهـ. وَلَمْ أَرَ فِيمَا عِنْدِي مِنْ كُتُبِ أَئِمَّتِنَا حُكْمَ الْمَرْقَى الَّذِي يَخْرُجُ الْخَطِيبُ مِنْ مَخْدَعِهِ وَيَقْرَأُ الْآيَةَ كَمَا هُوَ الْمَعْهُودُ هَلْ هُوَ مَسْنُونٌ أَمْ لَا وَفِي الْبَدَائِعِ وَيُكْرَهُ لِلْخَطِيبِ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِي حَالِ خُطْبَتِهِ إلَّا إذَا كَانَ أَمْرًا بِمَعْرُوفٍ فَلَا يُكْرَهُ لِكَوْنِهِ مِنْهَا، وَفِي خِزَانَةِ الْفِقْهِ لِأَبِي اللَّيْثِ الْخُطَبُ ثَمَانٍ: خُطْبَةُ الْجُمُعَةِ وَخُطْبَةُ عِيدِ الْفِطْرِ وَخُطْبَةُ عِيدِ الْأَضْحَى وَخُطْبَةُ النِّكَاحِ وَخُطْبَةُ الِاسْتِسْقَاءِ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَثَلَاثُ خُطَبٍ فِي الْحَجِّ وَاحِدَةٌ مِنْهَا بِلَا جِلْسَةٍ بِمَكَّةَ قَبْلَ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ بَعْدَ الظُّهْرِ وَالثَّانِي بِعَرَفَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ يَجْلِسُ فِيهَا جِلْسَةً خَفِيفَةً وَالثَّالِثَةُ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ بِيَوْمٍ فِي مِنًى يَخْطُبُ خُطْبَةً وَاحِدَةً بَعْدَ الظُّهْرِ فَيُبْدَأُ فِي ثَلَاثِ خُطَبٍ مِنْهَا بِالتَّحْمِيدِ وَهِيَ خُطْبَةُ الْجُمُعَةِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَخُطْبَةُ النِّكَاحِ وَفِي خَمْسٍ يُبْدَأُ بِالتَّكْبِيرِ وَهِيَ خُطْبَةُ عِيدِ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى وَثَلَاثُ خُطَبِ الْحَجِّ إلَّا أَنَّ الْخُطْبَةَ الَّتِي بِمَكَّةَ وَعَرَفَةَ يُبْدَأُ فِيهَا بِالتَّكْبِيرِ ثُمَّ بِالتَّلْبِيَةِ ثُمَّ بِالْخُطْبَةِ اهـ. (قَوْلُهُ وَكَفَتْ تَحْمِيدَةٌ أَوْ تَهْلِيلَةٌ أَوْ تَسْبِيحَةٌ) أَيْ وَكَفَى فِي الْخُطْبَةِ الْمَفْرُوضَةِ مُطْلَقُ ذَكَرِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى وَجْهِ الْقَصْدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِإِطْلَاقِهِ فِي الْآيَةِ الشَّرِيفَةِ وَقَالَا: الشَّرْطُ أَنْ يَأْتِيَ بِكَلَامٍ يُسَمَّى خُطْبَةً فِي الْعُرْفِ وَأَقَلُّهُ قَدْرُ التَّشَهُّدِ إلَى عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ تَقْيِيدًا لَهُ بِالْمُتَعَارَفِ كَمَا قَالَاهُ فِي الْقِرَاءَةِ وَأَبُو حَنِيفَةَ عَمِلَ بِالْقَاطِعِ وَالظَّنِّيِّ فَقَالَ بِافْتِرَاضِ مُطْلَقِ الذِّكْرِ لِلْآيَةِ وَبِاسْتِنَانِ الْخُطْبَةِ الْمُتَعَارَفَةِ لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تَنْزِيلًا لِلْمَشْرُوعَاتِ عَلَى حَسَبِ أَدِلَّتِهَا وَيُؤَيِّدُهُ قِصَّةُ عُثْمَانَ الْمَذْكُورَةُ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ وَهِيَ أَنَّهُ لَمَّا خَطَبَ فِي أَوَّلِ جُمُعَةٍ وَلِيَ الْخِلَافَةَ صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ فَأُرْتِجَ عَلَيْهِ فَقَالَ إنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ كَانَا يُعِدَّانِ لِهَذَا الْمَقَامِ مَقَالًا وَأَنْتُمْ إلَى إمَامٍ فَعَّالٍ أَحْوَجُ مِنْكُمْ إلَى إمَامٍ قَوَّالٍ وَسَتَأْتِيكُمْ الْخُطَبُ بَعْدُ وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ وَنَزَلَ وَصَلَّى بِهِمْ، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْهُمْ فَكَانَ إجْمَاعًا وَأُرْتِجَ بِالتَّخْفِيفِ عَلَى الْأَصَحِّ أَيْ اُسْتُغْلِقَ عَلَيْهِ الْخُطْبَةُ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى إتْمَامِهَا كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَمُرَادُ عُثْمَانَ بِقَوْلِهِ إنَّكُمْ إلَى إمَامٍ إلَى آخِرِهِ أَنَّ الْخُلَفَاءَ الَّذِينَ يَأْتُونَ بَعْدَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ تَكُونُ عَلَى كَثْرَةِ الْمَقَالِ مَعَ قُبْحِ الْفِعَالِ فَأَنَا، وَإِنْ لَمْ أَكُنْ قَوَّالًا مِثْلَهُمْ فَأَنَا عَلَى الْخَيْرِ دُونَ الشَّرِّ فَأَمَّا أَنْ يُرِيدَ بِهَذَا الْقَوْلِ تَفْضِيلَ نَفْسِهِ عَلَى الشَّيْخَيْنِ فَلَا كَذَا فِي النِّهَايَةِ قَيَّدْنَا الْخُطْبَةَ بِالْمَفْرُوضَةِ؛ لِأَنَّ الْمَسْنُونَةَ لَا يَكْفِي فِيهَا مُطْلَقُهُ بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَأْتِيَ بِمَا قَدَّمْنَاهُ وَقَيَّدْنَا بِالْقَصْدِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ عَطَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى عُطَاسِهِ لَا يَنُوبُ عَنْ الْخُطْبَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا كَمَا فِي التَّسْمِيَةِ عَلَى الذَّبِيحَةِ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّهُ يُجْزِئُهُ وَالْفَرْقُ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَهُوَ أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ فِي الْخُطْبَةِ الذِّكْرُ مُطْلَقًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] وَقَدْ وُجِدَ، وَفِي بَابِ الذَّبِيحَةِ الْمَأْمُورُ الذِّكْرُ عَلَيْهِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَقْصِدَهُ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ كَذَا فِي التَّجْنِيسِ. (قَوْلُهُ وَالْجَمَاعَةُ وَهُمْ ثَلَاثَةٌ) أَيْ شَرْطُ صِحَّتِهَا أَنْ يُصَلِّيَ مَعَ الْإِمَامِ ثَلَاثَةٌ فَأَكْثَرُ لِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الْجَمَاعَةِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِهَا فَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَلَمْ أَرَ فِيمَا عِنْدِي إلَخْ) سَيَذْكُرُ الْمُؤَلِّفُ تَخْرِيجَ الْمَسْأَلَةِ عَلَى مَذْهَبِنَا قُبَيْلَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَيَجِبُ السَّعْيُ وَتَرْكُ الْبَيْعِ (قَوْلُهُ هَلْ هُوَ مَسْنُونٌ أَمْ لَا) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمِنْهَاجِ لِلنَّوَوِيِّ. تَنْبِيهٌ كَلَامُهُمْ هَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ اتِّخَاذَ مَرْقًى لِلْخَطِيبِ يَقْرَأُ الْآيَةَ وَالْخَبَرَ الْمَشْهُورَيْنِ بِدْعَةٌ، وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ حَدَثَ بَعْدَ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ قِيلَ لَكِنَّهَا حَسَنَةٌ لِحَثِّ الْآيَةِ عَلَى مَا يُنْدَبُ لِكُلِّ أَحَدٍ مِنْ إكْثَارِ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا سِيَّمَا فِي هَذَا الْيَوْمِ وَكَحَثِّ الْخَبَرِ عَلَى تَأَكُّدِ الْإِنْصَاتِ الْمُفَوِّتِ تَرْكُهُ لِفَضْلِ الْجُمُعَةِ بَلْ وَالْمَوْقِعُ فِي الْإِثْمِ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ مِنْ الْعُلَمَاءِ، وَأَقُولُ: يُسْتَدَلُّ لِذَلِكَ أَيْضًا بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ مَنْ يَسْتَنْصِتُ لَهُ النَّاسَ عِنْدَ إرَادَتِهِ خُطْبَةَ مِنًى فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ فَقِيَاسُهُ أَنَّهُ يُنْدَبُ لِلْخَطِيبِ أَمْرُ غَيْرِهِ بِأَنْ يَسْتَنْصِتَ لَهُ النَّاسَ، وَهَذَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 161 اثْنَانِ سِوَى الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُمَا مَعَ الْإِمَامِ ثَلَاثَةٌ، وَهِيَ جَمْعٌ مُطْلَقٌ؛ وَلِهَذَا يَتَقَدَّمُهُمَا الْإِمَامُ وَيَصْطَفَّانِ خَلْفَهُ، وَلَهُمَا أَنَّ الْجَمْعَ الْمُطْلَقَ شَرْطُ انْعِقَادِ الْجُمُعَةِ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَشَرْطُ جَوَازِ صَلَاةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ سِوَاهُ فَيَحْصُلَ هَذَا الشَّرْطُ ثُمَّ يُصَلِّيَ، وَلَا يَحْصُلُ هَذَا الشَّرْط إلَّا إذَا كَانَ سِوَى الْإِمَامِ ثَلَاثَةٌ إذْ لَوْ كَانَ مَعَ الْإِمَامِ اثْنَانِ لَمْ يُوجَدْ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ الشَّرْطُ بِخِلَافِ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ؛ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ فِيهَا لَيْسَتْ بِشَرْطٍ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ أَطْلَقَ الثَّلَاثَةَ فَشَمَلَ الْعَبِيدَ وَالْمُسَافِرِينَ وَالْمَرْضَى وَالْأُمِّيِّينَ وَالْخُرْسَ لِصَلَاحِيَّتِهِمْ لِلْإِمَامَةِ فِي الْجُمُعَةِ إمَّا لِكُلِّ وَاحِدٍ أَوْ لِمَنْ هُوَ مِثْلُ حَالِهِمْ فِي الْأُمِّيِّ وَالْأَخْرَسِ فَصَلَحَا أَنْ يَقْتَدِيَا بِمَنْ فَوْقَهُمَا كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ فَإِنَّ الْجُمُعَةَ لَا تَصِحُّ بِهِمْ وَحْدَهُمْ لِعَدَمِ صَلَاحِيَّتِهِمْ لِلْإِمَامَةِ فِيهَا بِحَالٍ؛ لِأَنَّ النِّسَاءَ خَرَجْنَ بِالتَّاءِ فِي ثَلَاثَةٍ أَيْ ثَلَاثَةِ رِجَالٍ، وَكَذَا الصَّبِيُّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِرَجُلٍ كَامِلٍ وَالْمُطْلَقُ يَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلِ وَشَمَلَ ثَلَاثَةً غَيْرَ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ حَضَرُوا الْخُطْبَةَ لِمَا فِي التَّجْنِيسِ وَغَيْرِهِ إذَا خَطَبَ بِحَضْرَةِ جَمَاعَةٍ ثُمَّ نَفَرُوا وَجَاءَ آخَرُونَ لَمْ يَشْهَدُوا الْخُطْبَةَ فَصَلَّى بِهِمْ الْجُمُعَةَ أَجْزَأَهُمْ (قَوْلُهُ: فَإِنْ نَفَرُوا قَبْلَ سُجُودِهِ بَطَلَتْ) بَيَانٌ لِكَوْنِ الْجَمَاعَةِ شَرْطَ انْعِقَادِ الْأَدَاءِ لَا شَرْطَ انْعِقَادِ التَّحْرِيمَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا شَرْطُ انْعِقَادِ التَّحْرِيمَةِ وَفَائِدَتُهُ أَنَّهُمْ لَوْ نَفَرُوا بَعْدَ التَّحْرِيمَةِ قَبْلَ تَقْيِيدِ الرَّكْعَةِ بِالسَّجْدَةِ فَسَدَتْ الْجُمُعَةُ وَيَسْتَقْبِلُ الظُّهْرَ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يُتِمُّ الْجُمُعَةَ؛ لِأَنَّهَا شَرْطُ انْعِقَادِ التَّحْرِيمَةِ فِي حَقِّ الْمُقْتَدِي فَكَذَا فِي حَقِّ الْإِمَامِ وَالْجَامِعُ أَنَّ تَحْرِيمَةَ الْجُمُعَةِ إذَا صَحَّتْ صَحَّ بِنَاءُ الْجُمُعَةِ عَلَيْهَا؛ وَلِهَذَا لَوْ أَدْرَكَهُ إنْسَانٌ فِي التَّشَهُّدِ صَلَّى الْجُمُعَةَ عِنْدَهُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ إلَّا أَنَّ مُحَمَّدًا تَرَكَهُ هُنَا لِمَا سَيَأْتِي وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْجَمَاعَةَ فِي حَقِّ الْإِمَامِ لَوْ جُعِلَتْ شَرْطَ انْعِقَادِ التَّحْرِيمَةِ لَأَدَّى إلَى الْحَرَجِ؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَتَهُ حِينَئِذٍ لَا تَنْعَقِدُ بِدُونِ مُشَارَكَةِ الْجَمَاعَةِ إيَّاهُ فِيهَا وَذَا لَا يَحْصُلُ إلَّا أَنْ تَقَعَ تَكْبِيرَاتُهُمْ مُقَارِنَةً لِتَكْبِيرَةِ الْإِمَامِ، وَأَنَّهُ مِمَّا يَتَعَذَّرُ مُرَاعَاتُهُ وَبِالْإِجْمَاعِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فَإِنَّهُمْ لَوْ كَانُوا حَضَرُوا وَكَبَّرَ الْإِمَامُ ثُمَّ كَبَّرُوا صَحَّ تَكْبِيرُهُ وَصَارَ شَارِعًا فِي الصَّلَاةِ وَصَحَّتْ مُشَارَكَتُهُمْ إيَّاهُ فَلَمْ يُجْعَلْ شَرْطَ انْعِقَادِ التَّحْرِيمَةِ لِعَدَمِ الْإِمْكَانِ فَجُعِلَتْ شَرْطَ انْعِقَادِ الْأَدَاءِ، وَهُوَ بِتَقْيِيدِ الرَّكْعَةِ بِالسَّجْدَةِ؛ لِأَنَّ الْأَدَاءَ فِعْلٌ وَالْحَاجَةُ إلَى كَوْنِ الْفِعْلِ أَدَاءً لِلصَّلَاةِ وَفِعْلُ الصَّلَاةِ هُوَ الْقِيَامُ وَالْقِرَاءَةُ وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ؛ وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي فَمَا لَمْ يُقَيِّدْ الرَّكْعَةَ بِسَجْدَةٍ لَا يَحْنَثُ فَإِذَا لَمْ يُقَيِّدْهَا لَمْ يُوجَدْ الْأَدَاءُ فَلَمْ يَنْعَقِدْ فَشَرْطُ دَوَامِ مُشَارَكَةِ الْجَمَاعَةِ الْإِمَامُ إلَى الْفَرَاغِ عَنْ الْأَدَاءِ، وَلَا مُعْتَبَرَ بِبَقَاءِ النِّسْوَانِ وَالصِّبْيَانِ، وَلَا بِمَا دُونَ الثَّلَاثِ مِنْ الرِّجَالِ؛ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ لَا تَنْعَقِدُ بِهِمْ فَلَوْ قَالَ: فَإِنْ نَفَرَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ لَكَانَ أَوْلَى قُيِّدَ بِقَوْلِهِ قَبْلَ سُجُودِهِ أَيْ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ نَفَرُوا بَعْدَ سُجُودِهِ فَإِنَّهَا لَا تَبْطُلُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا عِنْدَهُ شَرْطُ بَقَائِهَا مُنْعَقِدَةً إلَى آخِرِ الصَّلَاةِ كَالطَّهَارَةِ وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ وَعِنْدَنَا لَيْسَتْ بِشَرْطٍ لِلْبَقَاءِ لِمَا عُرِفَ فِي الْبَدَائِعِ وَمِنْ فُرُوعِ الْمَسْأَلَةِ مَا لَوْ أَحْرَمَ الْإِمَامُ، وَلَمْ يُحْرِمُوا حَتَّى قَرَأَ وَرَكَعَ فَأَحْرَمُوا بَعْدَمَا رَكَعَ، فَإِنْ أَدْرَكُوهُ فِي الرُّكُوعِ صَحَّتْ الْجُمُعَةُ لِوُجُودِ الْمُشَارَكَةِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَإِلَّا فَلَا لِعَدَمِهَا بِخِلَافِ الْمَسْبُوقِ فَإِنَّهُ تَبَعٌ لِلْإِمَامِ فَيَكْتَفِي بِالِانْعِقَادِ فِي حَقِّ الْأَصْلِ لِكَوْنِهِ بَانِيًا عَلَى صَلَاتِهِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُمْ نَفَرُوا قَبْلَ سُجُودِهِ، وَلَمْ يَعُودُوا قَبْلَ سُجُودِهِ وَإِلَّا فَلَوْ نَفَرُوا قَبْلَهُ وَعَادُوا إلَيْهِ قَبْلَهُ فَلَا فَسَادَ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَفِيهَا وَإِذَا كَبَّرَ الْإِمَامُ وَمَعَهُ قَوْمٌ مُتَوَضِّئُونَ فَلَمْ يُكَبِّرُوا مَعَهُ حَتَّى أَحْدَثُوا ثُمَّ جَاءَ آخَرُونَ وَذَهَبَ الْأَوَّلُونَ جَازَ اسْتِحْسَانًا، وَلَوْ كَانُوا مُحْدِثِينَ فَكَبَّرَ ثُمَّ جَاءَ آخَرُونَ اسْتَقْبَلَ التَّكْبِيرَ اهـ. (قَوْلُهُ وَالْإِذْنُ الْعَامُّ) أَيْ شَرْطُ صِحَّتِهَا الْأَدَاءُ عَلَى سَبِيلِ الِاشْتِهَارِ حَتَّى لَوْ أَنَّ أَمِيرًا أَغْلَقَ أَبْوَابَ الْحِصْنِ وَصَلَّى فِيهِ بِأَهْلِهِ وَعَسْكَرِهِ صَلَاةَ الْجُمُعَةِ لَا تَجُوزُ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَفِي الْمُحِيطِ، فَإِنْ فَتَحَ بَابَ قَصْرِهِ وَأَذِنَ   [منحة الخالق] هُوَ شَأْنُ الْمَرْقَى فَلَمْ يَدْخُلْ ذِكْرُهُ لِلْخَبَرِ فِي حَيِّزِ الْبِدْعَةِ أَصْلًا اهـ. قُلْت لَكِنْ يَنْبَغِي تَقْيِيدُ جَوَازِ ذَلِكَ عَلَى مَذْهَبِنَا بِمَا قَبْلَ خُرُوجِ الْخَطِيبِ مِنْ مَخْدَعِهِ لَا كَمَا يُفْعَلُ الْآنَ وَقَدْ كُنْت ذَكَرْت ذَلِكَ لِخَطِيبِ السُّلَيْمِيَّةِ فِي صَالِحِيَّةِ دِمَشْقَ فَأَمَرَ الْمُرَقِّي بِفِعْلِ ذَلِكَ قَبْلَ خُرُوجِهِ، وَهُوَ مُسْتَمِرٌّ إلَى الْآنَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَعَالَى. (قَوْلُهُ وَإِلَّا فَلَوْ نَفَرُوا قَبْلَهُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ هَذَا يُفِيدُ أَنَّهُمْ لَوْ عَادُوا إلَيْهِ بَعْدَمَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ أَنَّهَا تَصِحُّ، وَلَيْسَ هَذَا فِي الْخُلَاصَةِ بَلْ الْمَذْكُورُ فِيهَا أَنَّهُمْ لَوْ جَاءُوا قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ جَازَ، وَلَا بُدَّ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ لَمْ يَفْتَتِحُوا مَعَهُ، وَإِنَّمَا أَدْرَكُوهُ فِي الرُّكُوعِ جَازَ وَإِلَّا لَا كَمَا فِي الشَّرْحِ وَغَيْرِهِ فَكَذَا هَذَا. (قَوْلُهُ حَتَّى إنَّ أَمِيرًا لَوْ أَغْلَقَ إلَخْ) يَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا مَنَعَ النَّاسَ مِنْ الصَّلَاةِ وَإِلَّا فَالْإِذْنُ الْعَامُّ يَحْصُلُ بِفَتْحِ أَبْوَابِ الْجَامِعِ لِلْوَارِدِينَ كَمَا عَزَاهُ فِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ إلَى الْكَافِي وَفِيهِ عَنْ مَجْمَعِ الْأَنْهُرِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 162 لِلنَّاسِ بِالدُّخُولِ جَازَ وَيُكْرَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْضِ حَقَّ الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ وَعَلَّلُوا الْأَوَّلَ بِأَنَّهَا مِنْ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ وَخَصَائِصِ الدِّينِ فَيَجِبُ إقَامَتُهَا عَلَى سَبِيلِ الِاشْتِهَارِ، وَفِي الْمُجْتَبَى فَانْظُرْ إلَى السُّلْطَانِ يَحْتَاجُ إلَى الْعَامَّةِ فِي دِينِهِ وَدُنْيَاهُ احْتِيَاجَ الْعَامَّةِ إلَيْهِ فَلَوْ أَمَرَ إنْسَانًا يُجَمِّعُ بِهِمْ فِي الْجَامِعِ، وَهُوَ فِي مَسْجِدٍ آخَرَ جَازَ لِأَهْلِ الْجَامِعِ دُونَ أَهْلِ الْمَسْجِدِ إلَّا إذَا عَلِمَ النَّاسُ بِذَلِكَ اهـ. وَلَمْ يَذْكُرْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ هَذَا الشَّرْطَ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَذْكُورٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ رِوَايَةُ النَّوَادِرِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ. (قَوْلُهُ وَشَرْطُ وُجُوبِهَا: الْإِقَامَةُ وَالذُّكُورَةُ وَالصِّحَّةُ وَالْحُرِّيَّةُ وَسَلَامَةُ الْعَيْنَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ) فَلَا تَجِبُ عَلَى مُسَافِرٍ، وَلَا عَلَى امْرَأَةٍ، وَلَا مَرِيضٍ، وَلَا عَبْدٍ وَلَا أَعْمَى، وَلَا مُقْعَدٍ؛ لِأَنَّ الْمُسَافِرَ يُحْرَجُ فِي الْحُضُورِ، وَكَذَا الْمَرِيضُ وَالْأَعْمَى وَالْعَبْدُ مَشْغُولٌ بِخِدْمَةِ الْمَوْلَى وَالْمَرْأَةُ بِخِدْمَةِ الزَّوْجِ فَعُذِرُوا دَفْعًا لِلْحَرَجِ وَالضَّرَرِ، وَلَمْ أَرَ حُكْمَ الْأَعْمَى إذَا كَانَ مُقِيمًا بِالْجَامِعِ الَّذِي تُصَلَّى فِيهِ الْجُمُعَةُ، وَأُقِيمَتْ وَهُوَ حَاضِرٌ هَلْ تَجِبُ عَلَيْهِ لِعَدَمِ الْحَرَجِ أَوْ لَا، وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْ الْعَقْلَ وَالْبُلُوغَ وَالْإِسْلَامَ؛ لِأَنَّهَا شَرْطُ كُلِّ تَكْلِيفٍ فَلَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِهَا هُنَا كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَأَمَّا الشَّيْخُ الْكَبِيرُ الَّذِي ضَعُفَ فَهُوَ مُلْحَقٌ بِالْمَرِيضِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْمَطَرُ الشَّدِيدُ وَالِاخْتِفَاءُ مِنْ السُّلْطَانِ الظَّالِمِ مُسْقِطٌ فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَشَرْطُ وُجُوبِهَا الْإِقَامَةُ وَالذُّكُورَةُ وَالصِّحَّةُ وَالْحُرِّيَّةُ وَوُجُودُ الْبَصَرِ وَالْقُدْرَةُ عَلَى الْمَشْيِ وَعَدَمُ الْحَبْسِ وَالْخَوْفِ وَالْمَطَرِ الشَّدِيدِ لَكَانَ أَشْمَلَ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِاشْتِرَاطِ الْحُرِّيَّةِ إلَى عَدَمِ وُجُوبِهَا عَلَى الْمُكَاتَبِ وَالْمَأْذُونِ وَالْعَبْدِ الَّذِي حَضَرَ مَعَ مَوْلَاهُ بَابَ الْمَسْجِدِ لِحِفْظِ الدَّابَّةِ، وَلَمْ يُخِلَّ بِالْحِفْظِ وَالْعَبْدُ الَّذِي يُؤَدِّي الضَّرِيبَةَ لِفَقْدِ الشَّرْطِ لَكِنْ هَلْ لَهُ صَلَاتُهَا بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى قَالَ فِي التَّجْنِيسِ وَإِذَا أَرَادَ الْعَبْدُ أَنْ يَخْرُجَ إلَى الْجُمُعَةِ أَوْ إلَى الْعِيدَيْنِ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ إنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ مَوْلَاهُ يَرْضَى بِذَلِكَ جَازَ وَإِلَّا فَلَا يَحِلُّ لَهُ الْخُرُوجُ بِغَيْرِ إذْنِهِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ فِي ذَلِكَ، وَلَوْ رَآهُ فَسَكَتَ حَلَّ لَهُ الْخُرُوجُ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ السُّكُوتَ بِمَنْزِلَةِ الرِّضَى وَعَنْ مُحَمَّدٍ فِي الْعَبْدِ يَسُوقُ دَابَّةَ مَوْلَاهُ إلَى الْجَامِعِ فَإِنَّهُ يَشْتَغِلُ بِالْحِفْظِ، وَلَا يُصَلِّي الْجُمُعَةَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الرِّضَا بِأَدَاءِ الْجُمُعَةِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ إذَا كَانَ لَا يُخِلُّ بِحَقِّ الْمَوْلَى فِي إمْسَاكِ دَابَّتِهِ اهـ. وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ، فَإِنْ أَذِنَ لِلْعَبْدِ مَوْلَاهُ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحُضُورُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَتَخَيَّرُ وَصَحَّحَ الْوُجُوبَ عَلَى الْمُكَاتَبِ وَمُعْتَقِ الْبَعْضِ، وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ وَجَزَمَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ فِي الْعَبْدِ الَّذِي أَذِنَ لَهُ مَوْلَاهُ بِالتَّخْيِيرِ، وَهُوَ أَلْيَقُ بِالْقَوَاعِدِ فَأَشَارَ بِاشْتِرَاطِ سَلَامَةِ الْعَيْنَيْنِ إلَى عَدَمِ وُجُوبِهَا عَلَى الْأَعْمَى مُطْلَقًا أَمَّا إذَا لَمْ يَجِدْ قَائِدًا فَمُجْمَعٌ عَلَيْهِ، وَإِنْ وَجَدَهُ إمَّا بِطَرِيقِ التَّبَرُّعِ أَوْ الْإِجَارَةِ أَوْ مَعَهُ مَالٌ يَسْتَأْجِرُهُ بِهِ فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا تَجِبُ عَلَيْهِ وَأَشَارَ بِاقْتِصَارِهِ عَلَى هَذِهِ الشُّرُوطِ إلَى أَنَّهَا لَا تَسْقُطُ عَنْ الْأَجِيرِ، وَفِي الْخُلَاصَةِ وَلِلْمُسْتَأْجِرِ مَنْعُ الْأَجِيرِ عَنْ حُضُورِ الْجُمُعَةِ وَهَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ أَبِي حَفْصٍ وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الدَّقَّاقُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ لَكِنْ تَسْقُطُ عَنْهُ الْأُجْرَةُ بِقَدْرِ اشْتِغَالِهِ بِذَلِكَ إنْ كَانَ بَعِيدًا، وَإِنْ كَانَ قَرِيبًا لَا يُحَطُّ عَنْهُ شَيْءٌ، وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا أَوْ اشْتَغَلَ قَدْرَ رُبُعِ النَّهَارِ حُطَّ عَنْهُ رُبُعُ الْأُجْرَةِ، فَإِنْ قَالَ الْأَجِيرُ حُطَّ عَنِّي الرُّبُعَ بِمِقْدَارِ اشْتِغَالِي بِالصَّلَاةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ اهـ. وَظَاهِرُ الْمُتُونِ يَشْهَدُ لِلدَّقَّاقِ، وَلَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِ سَلَامَةِ الْعَيْنَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ لِدُخُولِهِمَا تَحْتَ الصِّحَّةِ كَمَا وَقَعَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ مَعَ أَنَّ ظَاهِرَ الْعِبَارَةِ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ إحْدَاهُمَا لَوْ لَمْ تَسْلَمْ فَإِنَّهُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ مَعَ أَنَّ الْأَمْرَ بِخِلَافِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَعْمَى، وَلَا بِمُقْعَدٍ فَلَوْ قَالَ وَوُجُودُ الْبَصَرِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى الْمَشْيِ لَكَانَ أَوْلَى إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ إذَا دَخَلَتْ عَلَى الْمُثَنَّى أَبْطَلَتْ مَعْنَى التَّثْنِيَةِ كَالْجَمْعِ   [منحة الخالق] مَعْزِيًّا إلَى شَرْحِ عُيُونِ الْمَذَاهِبِ لَا يَضُرُّ غَلْقُ بَابِ الْقَلْعَةِ لِعَدُوٍّ أَوْ لِعَادَةٍ قَدِيمَةٍ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ الْعَامَّ مُقَرَّرٌ لِأَهْلِهِ وَغَلْقُهُ لِمَنْعِ الْعَدُوِّ لَا الْمُصَلِّي نَعَمْ لَوْ لَمْ يُغْلَقْ لَكَانَ أَحْسَنَ اهـ. وَبِهِ انْدَفَعَ قَوْلُ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ وَعَلَى اعْتِبَارِهِ أَيْ الْإِذْنِ الْعَامِّ تَحْصُلُ الشُّبْهَةُ فِي صِحَّتِهَا فِي قَلْعَةِ دِمَشْقَ وَأَضْرَابِهَا حَيْثُ يُغْلَقُ بَابُهَا وَيُمْنَعُ النَّاسُ مِنْ الدُّخُولِ حَالَ الصَّلَاةِ كَمَا هُوَ الْمُعْتَادُ فِيهَا بَلْ الظَّاهِرُ حِينَئِذٍ عَدَمُ الصِّحَّةِ إذْ لَا إذْنَ عَامَّ فِيهَا إلَّا لِمَنْ فِي دَاخِلِهَا كَمَنْ فِي دَاخِلِ الْقَصْرِ. [شُرُوطُ وُجُوبِ الْجُمُعَة] (قَوْلُهُ فَإِنْ قَالَ الْأَجِيرُ حُطَّ عَنِّي الرُّبُعَ بِمِقْدَارِ اشْتِغَالِي) لَمْ أَجِدْ لَفْظَةً الرُّبُعِ هُنَا فِي نُسْخَتَيْ الْخُلَاصَةِ وَبِدُونِهَا يَظْهَرُ الْمَعْنَى وَكَأَنَّهَا زَائِدَةٌ مِنْ النَّاسِخِ فِي نُسْخَةِ الْمُؤَلِّفِ وَالْمَعْنَى مَا قَالَهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة لَيْسَ لِلْأَجِيرِ أَنْ يُطَالِبَهُ مِنْ الرُّبُعِ الْمَحْطُوطِ بِمِقْدَارِ اشْتِغَالِهِ بِالصَّلَاةِ (قَوْلُهُ: وَلَا حَاجَةَ إلَخْ) ذَكَرَ فِي النَّهْرِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَرِيضِ الَّذِي خَرَجَ بِقَيْدِ الصِّحَّةِ مَنْ سَاءَ مِزَاجُهُ وَأَمْكَنَ عِلَاجُهُ، وَلِكُلٍّ جِهَةٌ؛ لِمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ: إنَّ عَدَمَ سَلَامَةِ الْعَيْنَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ مِنْ الْأَمْرَاضِ عِنْدَ الْأَطِبَّاءِ إلَّا أَنَّهُمَا فِي الْعُرْفِ لَا يُعَدَّانِ مَرَضًا فَلِهَذَا خَصَّهُمَا بِالذِّكْرِ وَلِأَنَّ فِيهِمَا خِلَافًا اهـ. (قَوْلُ مَعَ أَنَّ الْأَمْرَ بِخِلَافِهِ إلَخْ) اُسْتُدْرِكَ عَلَيْهِ فِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ بِمَا قَالَهُ الشُّمُنِّيُّ وَغَيْرُهُ لَا تَجِبُ عَلَى مَفْلُوجِ الرِّجْلِ، وَلَا مَقْطُوعِهَا وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِحَمْلِ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ عَلَى مَا إذَا أَصَابَ الْأُخْرَى مُجَرَّدُ الْعَرَجِ الْغَيْرُ الْمَانِعِ مِنْ الْمَشْيِ بِلَا مَشَقَّةٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 163 فَصَارَ بِمَعْنَى الْمُفْرَدِ وَأُلْحِقَ بِالْمَرِيضِ الْمُمَرِّضُ، وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ بَقِيَ الْمَرِيضُ ضَائِعًا بِخُرُوجِهِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ، وَفِي التَّجْنِيسِ الرَّجُلُ إذَا أَرَادَ السَّفَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لَا بَأْسَ بِهِ إذَا خَرَجَ مِنْ الْعُمْرَانِ قَبْلَ خُرُوجِ وَقْتِ الظُّهْرِ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ بِآخِرِ الْوَقْتِ وَآخِرَ الْوَقْتِ هُوَ مُسَافِرٌ فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَحُكِيَ عَنْ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إشْكَالٌ، وَهُوَ أَنَّ اعْتِبَارَ آخِرِ الْوَقْتِ إنَّمَا يَكُونُ فِيمَا يَنْفَرِدُ بِأَدَائِهِ، وَهُوَ سَائِرُ الصَّلَوَاتِ فَأَمَّا الْجُمُعَةُ لَا يَنْفَرِدُ هُوَ بِأَدَائِهَا، وَإِنَّمَا يُؤَدِّيهَا الْإِمَامُ وَالنَّاسُ فَيَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ وَقْتُ أَدَائِهِمْ حَتَّى إذَا كَانَ لَا يَخْرُجُ مِنْ الْمِصْرِ قَبْلَ أَدَاءِ النَّاسِ يَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمَهُ شُهُودُ الْجُمُعَةِ. (قَوْلُهُ، وَمَنْ لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِ إنْ أَدَّاهَا جَازَ عَنْ فَرْضِ الْوَقْتِ) ؛ لِأَنَّهُمْ تَحَمَّلُوهُ فَصَارُوا كَالْمُسَافِرِ إذَا صَامَ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ جَازَ عَنْ الْفَرْضِ إلَى أَنَّهُمْ أَهْلٌ لِلتَّكْلِيفِ فَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ، وَإِنْ دَخَلَا تَحْتَ قَوْلِهِ، وَمَنْ لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِ؛ وَلِهَذَا فَصَّلَ فِي الْبَدَائِعِ فِيمَنْ لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِ فَقَالَ إنْ كَانَ صَبِيًّا وَصَلَّاهَا فَهِيَ تَطَوُّعٌ لَهُ وَإِنْ كَانَ مَجْنُونًا فَلَا صَلَاةَ لَهُ أَصْلًا وَأَمَّا مَنْ كَانَ أَهْلًا لِلْوُجُوبِ كَالْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ وَالْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ يُجْزِئُهُمْ وَيَسْقُطُ عَنْهُمْ الظُّهْرُ قَيَّدَ بِالْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّ مَنْ لَا حَجَّ عَلَيْهِ إذَا أَدَّى الْحَجَّ، فَإِنْ كَانَ لِفَقْدِ الْمَالِ فَإِنَّ الْحَجَّ يَسْقُطُ عَنْهُ حَتَّى لَوْ أَيْسَرَ بَعْدَهُ فَإِنَّهُ لَا حَجَّ عَلَيْهِ لِمَا ذَكَرْنَا، وَإِنْ كَانَ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ كَالْعَبْدِ إنْ أَدَّى الْحَجَّ مَعَ مَوْلَاهُ فَإِنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِجَوَازِهِ فَرْضًا حَتَّى يُؤَاخَذَ بِحِجَّةِ الْإِسْلَامِ بَعْدَ حُرِّيَّتِهِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَنْعَ مِنْ الْجُمُعَةِ كَانَ نَظَرًا لِلْمَوْلَى النَّظَرُ هَاهُنَا فِي الْحُكْمِ بِالْجَوَازِ؛ لِأَنَّا لَوْ لَمْ نُجَوِّزْ، وَقَدْ تَعَطَّلَتْ مَنَافِعُهُ عَلَى الْمَوْلَى لَوَجَبَ عَلَيْهِ الظُّهْرُ فَتَتَعَطَّلُ عَلَيْهِ مَنَافِعُهُ ثَانِيًا فَيَنْقَلِبُ النَّظَرُ ضَرَرًا وَذَا لَيْسَ بِحِكْمَةٍ فَتَبَيَّنَ فِي الْآخِرَةِ أَنَّ النَّظَرَ فِي الْحُكْمِ بِالْجَوَازِ فَصَارَ مَأْذُونًا دَلَالَةً كَالْعَبْدِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ إذَا أَجَّرَ نَفْسَهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَلَوْ سَلِمَ مِنْ الْعَمَلِ يَجُوزُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ كَمَالُ الْأُجْرَةِ لِمَا ذَكَرْنَا كَذَا هَذَا بِخِلَافِ الْحَجِّ فَإِنَّ هُنَاكَ لَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ النَّظَرَ لِلْمَوْلَى فِي الْحُكْمِ بِالْجَوَازِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤَاخَذُ لِلْحَالِ بِشَيْءٍ آخَرَ إذَا لَمْ يُحْكَمْ بِجَوَازِهِ بَلْ يُخَاطَبُ بِحِجَّةِ الْإِسْلَامِ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ فَلَا يَتَعَطَّلُ عَلَى الْمَوْلَى مَنَافِعُهُ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ، وَلَمْ أَرَ نَقْلًا صَرِيحًا هَلْ الْأَفْضَلُ لِمَنْ لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ أَوْ صَلَاةُ الظُّهْرِ لَكِنَّ ظَاهِرَ الْهِدَايَةِ وَالْعِنَايَةِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّ الْأَفْضَلَ لَهُمْ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّهُمْ ذَكَرُوا أَنَّ صَلَاةَ الظُّهْرِ لَهُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ رُخْصَةٌ فَدَلَّ أَنَّ الْعَزِيمَةَ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى مِنْهُ الْمَرْأَةُ فَإِنَّ صَلَاتَهَا فِي بَيْتِهَا أَفْضَلُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ وَلِلْمُسَافِرِ وَالْعَبْدِ وَالْمَرِيضِ أَنْ يَؤُمَّ فِيهَا) أَيْ فِي الْجُمُعَةِ وَقَالَ زُفَرُ لَا يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْضَ عَلَيْهِ وَأَشْبَهَ الصَّبِيَّ وَالْمَرْأَةَ وَلَنَا أَنَّ هَذِهِ رُخْصَةٌ فَإِذَا حَضَرُوا تَقَعُ فَرْضًا عَلَى مَا بَيَّنَّا أَمَّا أَدَاءُ الصَّبِيِّ فَمَسْلُوبُ الْأَهْلِيَّةِ، وَالْمَرْأَةُ لَا تَصْلُحُ لِإِمَامَةِ الرِّجَالِ (قَوْلُهُ وَتَنْعَقِدُ بِهِمْ) أَيْ الْجُمُعَةُ بِالْمُسَافِرِ وَالْعَبْدِ وَالْمَرِيضِ لِلْإِشَارَةِ إلَى رَدِّ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ هَؤُلَاءِ تَصِحُّ إمَامَتُهُمْ لَكِنْ لَا يُعْتَدُّ بِهِمْ فِي الْعَدَدِ الَّذِي تَنْعَقِدُ بِهِمْ الْجُمُعَةُ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ لَمَّا صَلُحُوا لِلْإِمَامَةِ فَلَأَنْ يَصْلُحُوا لِلِاقْتِدَاءِ أَوْلَى كَذَا فِي الْعِنَايَةِ. (قَوْلُهُ، وَمَنْ لَا عُذْرَ لَهُ لَوْ صَلَّى الظُّهْرَ قَبْلَهَا كُرِهَ) أَيْ حَرُمَ قَطْعًا، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْكَرَاهَةَ اتِّبَاعًا لِلْقُدُورِيِّ مَعَ أَنَّهُ مِمَّا لَا يَنْبَغِي فَإِنَّهُ أَوْقَعَ بَعْضَ الْجَهَلَةِ فِي ضَلَالَةٍ مِنْ اعْتِقَادِ جَوَازِ تَرْكِهَا، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ مَنْ أَنْكَرَ فَرِيضَتَهَا فَهُوَ كَافِرٌ بِاَللَّهِ تَعَالَى قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ الْمُرَادِ حَرُمَ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَصَحَّتْ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ الْفَرْضَ الْقَطْعِيَّ بِاتِّفَاقِهِمْ الَّذِي هُوَ آكَدُ مِنْ الظُّهْرِ فَكَيْفَ لَا يَكُونُ مُرْتَكِبًا مُحَرَّمًا غَيْرَ أَنَّ الظُّهْرَ تَقَعُ صَحِيحَةً اهـ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ فَرْضَ الْوَقْتِ هُوَ الظُّهْرُ عِنْدَنَا بِدَلَالَةِ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ يُصَلِّي الظُّهْرَ بِنِيَّةِ الْقَضَاءِ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ أَصْلُ فَرْضِ الْوَقْتِ الظُّهْرَ لَمَا نَوَى الْقَضَاءَ ثُمَّ هُوَ مَأْمُورٌ بِإِسْقَاطِهِ وَالْإِتْيَانِ بِالْجُمُعَةِ وَعِنْدَ زُفَرَ فَرْضُ الْوَقْتِ هُوَ الْجُمُعَةُ وَفَائِدَةُ الِاخْتِلَافِ تَظْهَرُ فِي ثَلَاثَةٍ أَحَدُهَا فِي هَذِهِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ أَحَدُهَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ) أَعْنِي مَسْأَلَةَ الْمَتْنِ أَيْ صِحَّةَ الظُّهْرِ مَعَ الْكَرَاهَةِ أَوْ الْحُرْمَةِ فَإِنَّهَا لَا تَصِحُّ عِنْدَ زُفَرَ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَالْفَتْحِ وَكَانَ يَنْبَغِي لَلْمُؤَلِّف أَنْ يَنُصَّ عَلَى ذَلِكَ لِيَنْدَفِعَ الِاشْتِبَاهُ اهـ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 164 الْمَسْأَلَةِ ثَانِيهَا لَوْ نَوَى فَرْضَ الْوَقْتِ يَصِيرُ شَارِعًا فِي الظُّهْرِ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ فِي الْجُمُعَةِ ثَالِثُهَا لَوْ تَذَكَّرَ فَائِتَةً عَلَيْهِ وَكَانَ لَوْ اشْتَغَلَ بِالْقَضَاءِ تَفُوتُهُ الْجُمُعَةُ دُونَ الظُّهْرِ فَإِنَّهُ يَقْضِي وَيُصَلِّي الظُّهْرَ بَعْدَهُ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ، وَلَوْ كَانَ بِحَالٍ تَفُوتُهُ الظُّهْرُ وَالْجُمُعَةُ لَا يَقْضِيهَا اتِّفَاقًا كَذَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ وَفِي الْمُحِيطِ ذَكَرَ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ عِنْدَهُمَا فَرْضُ الْوَقْتِ الظُّهْرُ لَكِنَّ الْعَبْدَ مَأْمُورٌ بِإِسْقَاطِهِ عَنْهُ بِأَدَاءِ الْجُمُعَةِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ الْفَرْضُ هُوَ الْجُمُعَةُ، وَلَهُ أَنْ يُسْقِطَ بِالظُّهْرِ رُخْصَةً وَرُوِيَ عَنْهُ الْفَرْضُ أَحَدُهُمَا لَا بِعَيْنِهِ وَيَتَعَيَّنُ ذَلِكَ بِأَدَائِهِ وَعِنْدَ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ الْفَرْضُ هُوَ الْجُمُعَةُ وَالظُّهْرُ بَدَلٌ عَنْهَا فِي حَقِّ الْمَعْذُورِ اهـ. وَقَدْ ظَهَرَ لِلْعَبْدِ الضَّعِيفِ صِحَّةُ كَلَامِ الْقُدُورِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ فِي التَّعْبِيرِ بِالْكَرَاهَةِ؛ لِأَنَّ صَلَاةَ الظُّهْرِ قَبْلَ أَدَاءِ الْجُمُعَةِ مِنْ الْإِمَامِ لَيْسَتْ مُفَوِّتَةً لِلْجُمُعَةِ حَتَّى تَكُونَ حَرَامًا إنَّمَا الْمُفَوِّتُ لَهَا عَدَمُ سَعْيِهِ فَإِنَّ سَعْيَهُ بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ إلَيْهَا فَرْضٌ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْعَ فَقَدْ فَوَّتَهَا فَحَرُمَ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَأَمَّا الصَّلَاةُ، وَأَنَّهَا مَكْرُوهَةٌ فَقَطْ بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا قَدْ تَكُونُ سَبَبًا لِلتَّفْوِيتِ بِاعْتِبَارِ اعْتِمَادِهِ عَلَيْهَا، وَهُمْ إنَّمَا حَكَمُوا عَلَى صَلَاةِ الظُّهْرِ بِالْكَرَاهَةِ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّ تَرْكَ الْجُمُعَةِ بِغَيْرِ عُذْرٍ مَكْرُوهٌ حَتَّى يَلْزَمَ مَا ذُكِرَ مِنْ الْإِيقَاعِ فِي جَهَالَةٍ فَقَوْلُهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ؛ لِأَنَّ تَرْكَ الْفَرْضِ الْقَطْعِيِّ مَمْنُوعٌ لِمَا عَلِمْت أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ تَرْكُ الْفَرْضِ - وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ - قَيَّدَ بِقَوْلِهِ قَبْلَهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ صَلَّى الظُّهْرَ فِي مَنْزِلِهِ بَعْدَمَا صَلَّى الْإِمَامُ الْجُمُعَةَ يَجُوزُ اتِّفَاقًا بِلَا كَرَاهَةٍ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مَعَ أَنَّهُ قَدْ فَوَّتَ الْجُمُعَةَ فَنَفْسُ الصَّلَاةِ غَيْرُ مَكْرُوهَةٍ وَتَفْوِيتُ الْجُمُعَةِ حَرَامٌ، وَهُوَ مُؤَيِّدٌ لِمَا قُلْنَا وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ لَا عُذْرَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْمَعْذُورَ إذَا صَلَّى الظُّهْرَ قَبْلَ الْإِمَامِ فَلَا كَرَاهَةَ اتِّفَاقًا. (قَوْلُهُ: فَإِنْ سَعَى إلَيْهَا بَطَلَ) أَيْ الظُّهْرُ الْمُؤَدَّى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِمُجَرَّدِ السَّعْيِ إلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ يَنْقُضُهَا بِالذَّهَابِ إلَى الْجُمُعَةِ فَالذَّهَابُ إلَيْهَا شُرُوعٌ فِي طَرِيقِ نَقْضِهَا الْمَأْمُورِ بِهِ فَيُحْكَمُ بِنَقْضِهَا بِهِ احْتِيَاطًا لِتَرْكِ الْمَعْصِيَةِ وَقَالَا لَا تَبْطُلُ حَتَّى يَدْخُلَ مَعَ الْإِمَامِ وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى السَّعْيِ إلَيْهَا وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ الِانْفِصَالُ عَنْ دَارِهِ حَتَّى لَا يَبْطُلَ قَبْلَهُ عَلَى الْمُخْتَارِ؛ لِأَنَّ السَّعْيَ الرَّافِضَ لَهَا هُوَ السَّعْيُ إلَيْهَا عَلَى الْخُصُوصِ وَمِثْلُ ذَلِكَ السَّعْيِ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْ بَابِ دَارِهِ وَالْمُرَادُ مِنْ السَّعْيِ الْمَشْيُ لَا الْإِسْرَاعُ فِيهِ، وَإِنَّمَا عَبَّرُوا بِهِ اتِّبَاعًا لِلْآيَةِ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ سَعَى؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ بَعْدَمَا صَلَّى الظُّهْرَ فَإِنَّهُ لَا يَبْطُلُ حَتَّى يَشْرَعَ مَعَ الْإِمَامِ اتِّفَاقًا كَذَا فِي الْحَقَائِقِ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ إلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ خَرَجَ لِحَاجَةٍ أَوْ خَرَجَ، وَقَدْ فَرَغَ الْإِمَامُ لَمْ يَبْطُلْ ظُهْرُهُ إجْمَاعًا فَالْبُطْلَانُ بِهِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ يَرْجُو إدْرَاكَهَا بِأَنْ خَرَجَ وَالْإِمَامُ فِيهَا أَوْ لَمْ يَكُنْ شَرَعَ وَأَطْلَقَ فَشَمَلَ مَا إذَا لَمْ يُدْرِكْهَا لِبُعْدِ الْمَسَافَةِ مَعَ كَوْنِ الْإِمَامِ فِيهَا وَقْتَ الْخُرُوجِ أَوْ لَمْ يَكُنْ شَرَعَ، وَهُوَ قَوْلُ الْبَلْخِيِّينَ قَالَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ تَوَجَّهَ إلَيْهَا وَهِيَ لَمْ تَفُتْ بَعْدُ حَتَّى لَوْ كَانَ بَيْتُهُ قَرِيبًا مِنْ الْمَسْجِدِ وَسَمِعَ الْجَمَاعَةَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ وَتَوَجَّهَ بَعْدَمَا صَلَّى الظُّهْرَ فِي مَنْزِلِهِ بَطَلَ الظُّهْرُ عَلَى الْأَصَحِّ أَيْضًا لِمَا ذَكَرْنَا، وَفِي النِّهَايَةِ إذَا تَوَجَّهَ إلَيْهَا قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَهَا الْإِمَامُ ثُمَّ إنَّ الْإِمَامَ لَمْ يُصَلِّهَا لِعُذْرٍ أَوْ لِغَيْرِهِ اخْتَلَفُوا فِي بُطْلَانِ ظُهْرِهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ، وَكَذَا لَوْ تَوَجَّهَ إلَيْهَا وَالْإِمَامُ وَالنَّاسُ فِيهَا إلَّا أَنَّهُمْ خَرَجُوا مِنْهَا قَبْلَ إتْمَامِهَا لِنَائِبَةٍ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ ظُهْرُهُ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الضَّمِيرَ الْمُسْتَتِرَ فِي قَوْلِهِ سَعَى يَعُودُ إلَى مُصَلِّي الظُّهْرِ لَا إلَى مَنْ لَا عُذْرَ لَهُ لِيَكُونَ أَفْيَدَ وَأَشْمَلَ فَإِنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَعْذُورِ وَغَيْرِهِ فِي بُطْلَانِ ظُهْرِهِ بِسَعْيِهِ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَالسِّرَاجِ الْوَهَّاجِ لَكِنَّ التَّعْلِيلَ الْمَذْكُورَ أَوَّلًا لَا يَشْمَلُهُ؛ لِأَنَّ الْمَعْذُورَ لَيْسَ بِمَأْمُورٍ بِالسَّعْيِ إلَيْهَا مُطْلَقًا فَكَيْفَ يَبْطُلُ بِهِ فَيَنْبَغِي   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَرُوِيَ عَنْهُ الْفَرْضُ) وَنُقِلَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ فَرْضَ الْوَقْتِ الْجُمُعَةُ، وَلَهُ إسْقَاطُهَا بِالظُّهْرِ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لَا أَدْرِي مَا أُصَلِّي فَرْضَ الْوَقْتِ فِي هَذَا الْيَوْمِ وَلَكِنَّهُ يَسْقُطُ الْفَرْضُ بِأَدَاءِ الظُّهْرِ أَوْ الْجُمُعَةِ يُرِيدُ بِأَنَّ أَصْلَ الْفَرْضِ أَحَدُهُمَا لَا بِعَيْنِهِ وَيَتَعَيَّنُ بِفِعْلِهِ وَلَكِنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ الْعُلَمَاءِ الثَّلَاثَةِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ. (قَوْلُهُ فَالْبُطْلَانُ بِهِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ يَرْجُو إدْرَاكَهَا) الْأَصْوَبُ إسْقَاطُهُ لِاقْتِضَائِهِ عَدَمَ الْبُطْلَانِ فِيمَا إذَا لَمْ يُدْرِكْهَا لِبُعْدِ الْمَسَافَةِ مَعَ أَنَّهُ سَيَنْقُلُ عَنْ السِّرَاجِ تَصْحِيحَ الْبُطْلَانِ وَعِبَارَةُ السِّرَاجِ هَكَذَا وَهَذَا إذَا سَعَى إلَيْهَا وَالْإِمَامُ فِي الصَّلَاةِ أَوْ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ وَشَرَطَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا كَوْنَهُ يُدْرِكُهُ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، وَفِي النِّهَايَةِ إذَا سَعَى إلَى الْجُمُعَةِ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَهَا الْإِمَامُ إلَّا أَنَّهُ لَا يَرْجُو إدْرَاكَهَا لِبُعْدِ الْمَسَافَةِ لَمْ يَبْطُلْ ظُهْرُهُ فِي قَوْلِ الْعِرَاقِيِّينَ وَيَبْطُلُ فِي قَوْلِ الْبَلْخِيِّينَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ اهـ. وَبِهَا عُلِمَ عَدَمُ صِحَّةِ مَا فِي النَّهْرِ مِنْ عَزْوِهِ التَّقْيِيدَ لِلْبُطْلَانِ بِرَجَاءِ إدْرَاكِهَا وَتَصْحِيحِ عَدَمِهِ حِينَ عَدَمِهِ إلَى السِّرَاجِ، وَقَدْ تَابَعَهُ فِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ كَانَ بَيْتُهُ قَرِيبًا مِنْ الْمَسْجِدِ) أَيْ وَبَعِيدًا مِنْ بَابِ الْمَسْجِدِ كَمَا فِي السِّرَاجِ (قَوْلُهُ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الضَّمِيرَ الْمُسْتَتِرَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ الضَّمِيرُ فِي صَلَّى وَاقِعٌ عَلَى مَنْ فَمَا فَرَّ مِنْهُ وَقَعَ فِيهِ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ سَكَتَ عَنْ الْمَعْذُورِ (قَوْلُهُ لَكِنَّ التَّعْلِيلَ أَوَّلًا لَا يَشْمَلُهُ) أَجَابَ الشَّارِحُ وَكَذَا فِي الْفَتْحِ فِي مَعْرِضِ الْجَوَابِ عَنْ قَوْلِ زُفَرَ بِأَنَّهُ إنَّمَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 165 أَنْ لَا يَبْطُلَ الظُّهْرُ بِالسَّعْيِ، وَلَا بِشُرُوعِهِ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ قَدْ سَقَطَ عَنْهُ، وَلَمْ يَكُنْ مَأْمُورًا بِنَقْضِهِ فَتَكُونُ الْجُمُعَةُ نَفْلًا مِنْهُ كَمَا قَالَ بِهِ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ وَظَاهِرُ مَا فِي الْمُحِيطِ أَنَّ ظُهْرَهُ إنَّمَا يَبْطُلُ بِحُضُورِهِ الْجُمُعَةَ لَا بِمُجَرَّدِ سَعْيِهِ كَمَا فِي غَيْرِ الْمَعْذُورِ وَهُوَ أَخَفُّ إشْكَالًا وَأَسْنَدَ الْمُصَنِّفُ الْبُطْلَانَ إلَى الظُّهْرِ لِيُفِيدَ أَنَّ أَصْلَ الصَّلَاةِ لَمْ يَبْطُلْ فَيَنْقَلِبُ نَفْلًا كَمَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَذَكَرَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ الرُّسْتَاقِيُّ إذَا سَعَى يَوْمَ الْجُمُعَةِ إلَى مِصْرٍ يُرِيدُ بِهِ إقَامَةَ الْجُمُعَةِ وَإِقَامَةَ حَوَائِجِ نَفْسِهِ فِي الْمِصْرِ وَمُعْظَمُ مَقْصُودِهِ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ يَنَالُ ثَوَابَ السَّعْيِ إلَى الْجُمُعَةِ، وَإِنْ كَانَ قَصْدُهُ إقَامَةَ الْحَوَائِجِ لَا غَيْرُ أَوْ كَانَ مُعْظَمُ مَقْصُودَةِ إقَامَةَ الْحَوَائِجِ لَا يَنَالُ ثَوَابَ السَّعْيِ إلَى الْجُمُعَةِ اهـ. وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ مَنْ شَرِكَ فِي عِبَادَتِهِ فَإِنَّ الْعِبْرَةَ لِلْأَغْلَبِ وَقَيَّدَ بِسَعْيِ الْمُصَلِّي؛ لِأَنَّ الْمَأْمُومَ لَوْ لَمْ يَسْعَ إلَيْهَا وَسَعَى إمَامُهُ فَإِنَّهُ لَا يَبْطُلُ ظُهْرُ الْمَأْمُومِ، وَإِنْ بَطَلَ ظُهْرُ إمَامِهِ؛ لِأَنَّ بُطْلَانَهُ فِي حَقِّ الْإِمَامِ بَعْدَ الْفَرَاغِ فَلَا يَضُرُّ الْمَأْمُومَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحِيطِ. (قَوْلُهُ وَكُرِهَ لِلْمَعْذُورِ وَالْمَسْجُونِ أَدَاءُ الظُّهْرِ بِجَمَاعَةٍ فِي الْمِصْرِ) ؛ لِأَنَّ الْمَعْذُورَ، وَقَدْ يَقْتَدِي بِهِ غَيْرُهُ فَيُؤَدِّي إلَى تَرْكِهَا، وَمَا عَلَّلَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ أَوَّلًا بِقَوْلِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِخْلَالِ بِالْجُمُعَةِ إذْ هِيَ جَامِعَةٌ لِلْجَمَاعَاتِ مَبْنِيٌّ عَلَى عَدَمُ جَوَازِ تَعَدُّدِهَا فِي مِصْرٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ خِلَافُ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ رِوَايَةً وَدِرَايَةً قَيَّدَ بِالْمِصْرِ؛ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ غَيْرُ مَكْرُوهَةٍ فِي حَقِّ أَهْلِ السَّوَادِ؛ لِأَنَّهُ لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِمْ وَأَفَادَ بِالْكَرَاهَةِ أَنَّ الصَّلَاةَ صَحِيحَةٌ لِاسْتِجْمَاعِ شَرَائِطِهَا، وَفِي فَتَاوَى الْوَلْوَالِجِيِّ قَوْمٌ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَحْضُرُوا الْجُمُعَةَ لِبُعْدِ الْمَوْضِعِ صَلَّوْا الظُّهْرَ جَمَاعَةً؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤَدِّي إلَى تَقْلِيلِ الْجَمَاعَةِ فِي الْجُمُعَةِ اهـ. فَإِنْ كَانُوا فِي السَّوَادِ فَظَاهِرٌ، وَإِنْ كَانُوا فِي الْمِصْرِ فَهِيَ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَلَوْ حَذَفَ الْمُصَنِّفُ الْمَعْذُورَ وَالْمَسْجُونَ لَكَانَ أَوْلَى فَإِنَّ أَدَاءَ الظُّهْرِ بِجَمَاعَةٍ مَكْرُوهٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مُطْلَقًا قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ جَمَاعَةٌ فَاتَتْهُمْ الْجُمُعَةُ فِي الْمِصْرِ فَإِنَّهُمْ يُصَلُّونَ الظُّهْرَ بِغَيْرِ أَذَانٍ، وَلَا إقَامَةٍ، وَلَا جَمَاعَةٍ اهـ. وَذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ، وَلَا يُصَلِّي يَوْمَ الْجُمُعَةِ جَمَاعَةٌ فِي مِصْرٍ، وَلَا يُؤَذِّنُ، وَلَا يُقِيمُ فِي سِجْنٍ وَغَيْرِهِ لِصَلَاةٍ، وَلَوْ زَادَ أَوْ أَدَاؤُهُ مُنْفَرِدًا قَبْلَ صَلَاةِ الْإِمَامِ لَكَانَ أَوْلَى لِمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَيُسْتَحَبُّ لِلْمَرِيضِ أَنْ يُؤَخِّرَ الصَّلَاةَ إلَى أَنْ يَفْرُغَ الْإِمَامُ مِنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَإِنْ لَمْ يُؤَخِّرْهُ يُكْرَهُ هُوَ الصَّحِيحُ اهـ. وَلَعَلَّهُ إمَّا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَقْتَدِيَ بِهِ غَيْرُهُ فَيُؤَدِّيَ إلَى تَرْكِهَا أَوْ يُعَافَى فَيَحْضُرَهَا وَقَدْ اقْتَصَرَ فِي الْمُجْتَبَى عَلَى الثَّانِي، وَإِنَّمَا صَرَّحَ بِالْمَسْجُونِ مَعَ دُخُولِهِ فِي الْمَعْذُورِ لِلِاخْتِلَافِ فِي أَهْلِ السِّجْنِ فَإِنَّ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ أَنَّ الْمَسْجُونِينَ إنْ كَانُوا ظَلَمَةً قَدَرُوا عَلَى إرْضَاءِ الْخُصُومِ، وَإِنْ كَانُوا مَظْلُومِينَ أَمْكَنَهُمْ الِاسْتِغَاثَةُ وَكَانَ عَلَيْهِمْ حُضُورُ الْجُمُعَةِ وَقَيَّدَ بِالْجَمَاعَةِ لِمَا فِي التَّفَارِيقِ أَنَّ الْمَعْذُورَ يُصَلِّي الظُّهْرَ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ وَإِنْ كَانَ لَا تُسْتَحَبُّ الْجَمَاعَةُ وَقَيَّدَ بِالظُّهْرِ؛ لِأَنَّ فِي غَيْرِهَا لَا بَأْسَ أَنْ يُصَلُّوا جَمَاعَةً وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ الْمَسَاجِدَ تُغْلَقُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إلَّا الْجَامِعَ لِئَلَّا يَجْتَمِعَ فِيهَا جَمَاعَةٌ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْكَرَاهَةَ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ تَحْرِيمِيَّةٌ؛ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ مُؤَدِّيَةٌ إلَى الْحَرَامِ وَمَا أَدَّى إلَيْهِ فَهُوَ مَكْرُوهٌ تَحْرِيمًا. (قَوْلُهُ وَمَنْ أَدْرَكَهَا فِي التَّشَهُّدِ أَوْ فِي سُجُودِ السَّهْوِ أَتَمَّ جُمُعَةً) يَعْنِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: إنْ أَدْرَكَ مَعَهُ أَكْثَرَ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ بَنَى عَلَيْهَا الْجُمُعَةَ وَإِنْ أَدْرَكَ أَقَلَّهَا بَنَى عَلَيْهَا الظُّهْرَ؛ لِأَنَّهُ جُمُعَةٌ مِنْ وَجْهٍ ظُهْرٌ مِنْ وَجْهٍ لِفَوَاتِ بَعْضِ الشَّرَائِطِ فِي حَقِّهِ فَيُصَلِّي أَرْبَعًا اعْتِبَارًا لِلظُّهْرِ وَيَقْعُدُ لَا مَحَالَةَ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ اعْتِبَارًا لِلْجُمُعَةِ وَيَقْرَأُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ لِاحْتِمَالِ النَّفْلِيَّةِ، وَلَهُمَا أَنَّهُ مُدْرِكٌ لِلْجُمُعَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ حَتَّى تُشْتَرَطَ نِيَّةُ الْجُمُعَةِ وَهِيَ رَكْعَتَانِ، وَلَا وَجْهَ لِمَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ لَا يَنْبَنِي أَحَدُهُمَا عَلَى تَحْرِيمَةِ الْآخَرِ وَوُجُودُ الشَّرَائِطِ فِي حَقِّ الْإِمَامِ يُجْعَلُ مَوْجُودًا فِي حَقِّ الْمَسْبُوقِ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَنْوِيَ الْجُمُعَةَ دُونَ الظُّهْرِ حَتَّى لَوْ نَوَى   [منحة الخالق] رَخَّصَ لَهُ تَرْكَهَا لِلْعُذْرِ وَبِالِالْتِزَامِ الْتَحَقَ بِالصَّحِيحِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ حَذَفَ الْمُصَنِّفُ وَقَوْلُهُ الْآتِي، وَلَوْ زَادَ أَوْ أَدَاؤُهُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَمَّا الْحَذْفُ كَمَا ذَكَرَ فَغَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ بِالْأَوْلَى، وَأَمَّا الزِّيَادَةُ فَلِأَنَّهَا تُوهِمُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ فِيهَا كَالَّتِي قَبْلَهَا تَحْرِيمِيَّةٌ وَظَاهِرُ الْخُلَاصَةِ يَقْتَضِي أَنَّهَا تَنْزِيهِيَّةٌ (قَوْلُهُ فِي سِجْنٍ وَغَيْرِهِ لِصَلَاةٍ) عِبَارَةُ الْوَلْوَالِجيَّةِ لِصَلَاةِ الظُّهْرِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 166 الظُّهْرَ لَمْ يَصِحَّ اقْتِدَاؤُهُ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ، وَفِي الْمُضْمَرَاتِ أَنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَأَشَارَ أَيْضًا إلَى أَنَّ الْإِمَامَ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَفِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنْ لَا يَسْجُدَ فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ لِتَوَهُّمِ الزِّيَادَةِ مِنْ الْجُهَّالِ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَغَيْرِهِ ثُمَّ إذَا قَامَ هَذَا الْمَسْبُوقُ إلَى قَضَائِهِ كَانَ مُخَيَّرًا فِي الْقِرَاءَةِ إنْ شَاءَ جَهَرَ، وَإِنْ شَاءَ خَافَتَ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ أَيْضًا، وَفِي الْمُجْتَبَى، وَلَوْ زَحَمَهُ النَّاسُ فَلَمْ يَسْتَطِعْ السُّجُودَ فَوَقَفَ حَتَّى سَلَّمَ الْإِمَامُ فَهُوَ لَاحِقٌ يَمْضِي فِي صَلَاتِهِ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ اهـ. وَقَيَّدْنَا الْجُمُعَةَ؛ لِأَنَّ مَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ فِي التَّشَهُّدِ فَإِنَّهُ يُتِمُّ الْعِيدَ اتِّفَاقًا كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ صَلَاةِ الْعِيدِ، وَذَكَرَ فِي السِّرَاجِ أَنَّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لَمْ يَصِرْ مُدْرِكًا لِلْعِيدِ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمُنْتَقَى مُسَافِرٌ أَدْرَكَ الْإِمَامَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي التَّشَهُّدِ يُصَلِّي أَرْبَعًا بِالتَّكْبِيرِ الَّذِي دَخَلَ فِيهِ اهـ. وَهُوَ مُخَصِّصٌ لِمَا فِي الْمُتُونِ مُقْتَضٍ لِحَمْلِهَا عَلَى مَا إذَا كَانَتْ الْجُمُعَةُ وَاجِبَةً عَلَى الْمَسْبُوقِ أَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً فَإِنَّهُ يُتِمُّ ظُهْرًا. (قَوْلُهُ وَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ فَلَا صَلَاةَ، وَلَا كَلَامَ) لِمَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كَانُوا يَكْرَهُونَ الصَّلَاةَ وَالْكَلَامَ بَعْدَ خُرُوجِ الْإِمَامِ وَقَوْلُ الصَّحَابِيِّ حُجَّةٌ وَلِأَنَّ الْكَلَامَ يَمْتَدُّ طَبْعًا فَيُخِلُّ بِالِاسْتِمَاعِ وَالصَّلَاةُ قَدْ تَسْتَلْزِمُهُ أَيْضًا وَبِهِ انْدَفَعَ قَوْلُهُمَا أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالْكَلَامِ إذَا خَرَجَ قَبْلَ أَنْ يَخْطُبَ وَإِذَا نَزَلَ قَبْلَ أَنْ يُكَبِّرَ وَأَجْمَعُوا أَنَّ الْخُرُوجَ قَاطِعٌ لِلصَّلَاةِ، وَفِي الْعُيُونِ الْمُرَادُ إجَابَةُ الْمُؤَذِّنِ أَمَّا غَيْرُهُ مِنْ الْكَلَامِ فَيُكْرَهُ إجْمَاعًا كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَفَسَّرَ الشَّارِحُ الْخُرُوجَ بِالصُّعُودِ عَلَى الْمِنْبَرِ وَهَكَذَا فِي الْمُضْمَرَاتِ وَذَكَرَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ يَعْنِي خَرَجَ مِنْ الْمَقْصُورَةِ وَظَهَرَ عَلَيْهِمْ وَقِيلَ صَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَسْجِدِ مَقْصُورَةٌ يَخْرُجُ مِنْهَا لَمْ يَتْرُكُوا الْقِرَاءَةَ وَالذِّكْرَ إلَّا إذَا قَامَ الْإِمَامُ إلَى الْخُطْبَةِ اهـ. وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ عَبَّارُهُ الْخُرُوجِ وَارِدَةٌ عَلَى عَادَةِ الْعَرَبِ مِنْ أَنَّهُمْ يَتَّخِذُونَ لِلْإِمَامِ مَكَانًا خَالِيًا تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ فَيَخْرُجُ مِنْهُ حِينَ أَرَادَ الصُّعُودَ هَكَذَا شَاهَدْنَاهُ فِي دِيَارِهِمْ، وَالْقَاطِعُ فِي دِيَارِنَا يَكُونُ قِيَامُ الْإِمَامِ لِلصُّعُودِ اهـ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْإِمَامَ إنْ كَانَ فِي خَلْوَةٍ فَالْقَاطِعُ انْفِصَالُهُ عَنْهَا وَظُهُورُهُ لِلنَّاسِ وَإِلَّا فَقِيَامُهُ لِلصُّعُودِ وَأُطْلِقَ فِي الصَّلَاةِ فَشَمَلَ السُّنَّةَ وَتَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ «إذَا قُلْت لِصَاحِبِك وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَنْصِتْ فَقَدْ لَغَوْت» فَإِنَّهُ يُفِيدُ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ مَنْعَهُمَا بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَهُوَ أَعْلَى مِنْ السُّنَّةِ وَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ، وَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ وَلْيَتَجَوَّزْ فِيهِمَا» فَمَحْمُولٌ عَلَى مَا قِيلَ تَحْرِيمُ الْكَلَامِ فِيهَا دَفْعًا لِلْمُعَارَضَةِ، وَجَوَابُهُمْ بِحَمْلِهِ عَلَى مَا إذَا أَمْسَكَ عَنْ الْخُطْبَةِ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ صَلَاتِهِ كَمَا أَجَابُوا بِهِ فِي وَاقِعَةِ سُلَيْكٍ الْغَطَفَانِيِّ فَغَيْرُ مُنَاسِبٍ لِمَذْهَبِ الْإِمَامِ لِمَا عَلِمْت أَنَّهُ يَمْنَعُ الصَّلَاةَ بِمُجَرَّدِ خُرُوجِهِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ إلَى أَنْ يَفْرُغَ مِنْ الصَّلَاةِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَلَوْ خَرَجَ وَهُوَ فِي السُّنَّةِ يَقْطَعُ عَلَى رَكْعَتَيْنِ اهـ. وَهُوَ قَوْلٌ ضَعِيفٌ وَعَزَاهُ قَاضِي خان إلَى النَّوَادِرِ قَالَ فَإِذَا قَطَعَ يَلْزَمُهُ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ، وَالصَّحِيحُ خِلَافُهُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوِيهِ إذَا شَرَعَ فِي الْأَرْبَعِ قَبْلَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ افْتَتَحَ الْخُطْبَةَ أَوْ الْأَرْبَعَ قَبْلَ الظُّهْرِ ثُمَّ أُقِيمَتْ هَلْ يَقْطَعُ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ تَكَلَّمُوا فِيهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُتِمُّ، وَلَا يَقْطَعُ؛ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ وَاجِبَةٍ اهـ. وَكَذَا فِي الْمُبْتَغَى بَالِغِينَ الْمُعْجَمَةِ، وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ قَضَاءُ فَائِتَةٍ لَمْ يَسْقُطْ التَّرْتِيبُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْوَقْتِيَّةِ فَإِنَّهَا لَا تُكْرَهُ كَمَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ؛ لِأَنَّهُ أَطْلَقَ فِيهَا لِمَا قَدَّمَهُ أَنَّ التَّرْتِيبَ وَاجِبٌ بِمَعْنَى الشَّرْطِ، وَأَطْلَقَ فِي مَنْعِ الْكَلَامِ فَشَمَلَ الْخَطِيبَ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَيُكْرَهُ لِلْخَطِيبِ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِي حَالِ الْخُطْبَةِ إلَّا إذَا كَانَ أَمْرًا بِمَعْرُوفٍ فَلَا يُكْرَهُ لِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ كَانَ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَدَخَلَ عَلَيْهِ عُثْمَانُ فَقَالَ لَهُ أَيَّةُ سَاعَةٍ هَذِهِ؟ فَقَالَ لَهُ: مَا زِدْت حِينَ سَمِعْت النِّدَاءَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى أَنْ تَوَضَّأْت فَقَالَ وَالْوُضُوءَ أَيْضًا، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ أَمَرَ   [منحة الخالق] [أَدْرَكَ الْجُمُعَةَ فِي التَّشَهُّدِ أَوْ فِي سُجُودِ السَّهْوِ] (قَوْلُهُ: وَهُوَ مُخَصِّصٌ لِمَا فِي الْمُتُونِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا مُخَرَّجٌ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ جَزَمَ بِهِ لِاخْتِيَارِهِ إيَّاهُ وَالْمُسَافِرُ مِثَالٌ لَا قَيْدٌ اهـ. وَيُؤَيِّدُهُ مَا مَرَّ فِي الرَّدِّ عَلَى مُحَمَّدٍ. [الصَّلَاةَ وَالْكَلَامَ بَعْدَ خُرُوجِ الْإِمَامِ فِي الْجُمُعَة] (قَوْلُهُ وَهُوَ أَعْلَى مِنْ السُّنَّةِ وَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ) كَانَ الْمُنَاسِبُ إسْقَاطَ قَوْلِهِ وَهُوَ لِيَكُونَ قَوْلُهُ أَعْلَى خَيْرًا الْآنَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 167 بِالِاغْتِسَالِ اهـ. فَاسْتُفِيدَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُسَلِّمُ إذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ وَرُوِيَ أَنَّهُ يُسَلِّمُ كَمَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَشَمَلَ التَّسْبِيحَ وَالذِّكْرَ وَالْقِرَاءَةَ، وَفِي النِّهَايَةِ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ بَعْضُهُمْ إنَّمَا كَانَ يَكْرَهُ مَا كَانَ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ أَمَّا التَّسْبِيحُ وَنَحْوُهُ فَلَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ كُلُّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ اهـ. وَكَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَذَكَرَ الشَّارِحُ أَنَّ الْأَحْوَطَ الْإِنْصَاتُ اهـ. وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَحَلَّ الِاخْتِلَافِ قَبْلَ شُرُوعِهِ فِي الْخُطْبَةِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَمَّا وَقْتَ الْخُطْبَةِ فَالْكَلَامُ مَكْرُوهٌ تَحْرِيمًا، وَلَوْ كَانَ أَمْرًا بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْبِيحًا أَوْ غَيْرَهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا وَزَادَ فِيهَا أَنَّ مَا يَحْرُمُ فِي الصَّلَاةِ يَحْرُمُ فِي الْخُطْبَةِ مِنْ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَكَلَامٍ وَهَذَا إنْ كَانَ قَرِيبًا، فَإِنْ كَانَ بَعِيدًا فَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ الْمُصَنِّفِ أَنَّ النَّائِيَ كَالْقَرِيبِ، وَهُوَ الْأَحْوَطُ فِي الْمُحِيطِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ وَأَمَّا دِرَاسَةُ الْفِقْهِ وَالنَّظَرُ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ فَفِيهِ اخْتِلَافٌ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ كَانَ يَنْظُرُ فِي كِتَابِهِ وَيُصَحِّحُهُ وَقْتَ الْخُطْبَةِ، وَلَوْ لَمْ يَتَكَلَّمْ لَكِنْ أَشَارَ بِيَدِهِ أَوْ بِعَيْنِهِ حِينَ رَأَى مُنْكَرًا الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ وَشَمَلَ تَشْمِيتَ الْعَاطِسِ وَرَدَّ السَّلَامِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يُكْرَهُ الرَّدُّ، وَهُوَ خِلَافُ الْمَذْهَبِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْحَمْدِ إذَا عَطَسَ السَّامِعُ وَصَحَّحُوا أَنَّهُ يَرُدُّ فِي نَفْسِهِ لَكِنْ ذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ أَنَّ الْأَصْوَبَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِيهِمَا؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلُّ الْإِنْصَاتُ وَأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَكَذَا اخْتَلَفُوا فِي الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ سَمَاعِ اسْمِهِ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ يُصَلِّي فِي نَفْسِهِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَلَا يَرِدُ عَلَى الْمُصَنِّفِ لَوْ رَأَى رَجُلًا عِنْدَ بِئْرٍ فَخَافَ وُقُوعَهُ فِيهَا أَوْ رَأَى عَقْرَبًا تَدِبُّ إلَى إنْسَانٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُحَذِّرَهُ وَقْتَ الْخُطْبَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَجِبُ لِحَقِّ آدَمِيٍّ، وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ، وَالْإِنْصَاتُ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَمَبْنَاهُ عَلَى الْمُسَامَحَةِ كَمَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ، وَفِي الْمُجْتَبَى الِاسْتِمَاعُ إلَى خُطْبَةِ النِّكَاحِ وَالْخَتْمِ وَسَائِرِ الْخُطَبِ وَاجِبٌ وَالْأَصَحُّ الِاسْتِمَاعُ إلَى الْخُطْبَةِ مِنْ أَوَّلِهَا إلَى آخِرِهَا، وَإِنْ كَانَ فِيهَا ذِكْرُ الْوُلَاةِ اهـ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَا تُعُورِفَ مِنْ أَنَّ الْمُرْقَى لِلْخَطِيبِ يَقْرَأُ الْحَدِيثَ النَّبَوِيَّ وَأَنَّ الْمُؤَذِّنِينَ يُؤَمِّنُونَ عِنْدَ الدُّعَاءِ وَيَدْعُونَ لِلصَّحَابَةِ بِالرِّضَى وَلِلسُّلْطَانِ بِالنَّصْرِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَكُلُّهُ حَرَامٌ عَلَى مُقْتَضَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَغْرَبُ مِنْهُ أَنَّ الْمُرْقَى يَنْهَى عَنْ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ بِمُقْتَضَى الْحَدِيثِ الَّذِي يَقْرَؤُهُ ثُمَّ يَقُولُ: أَنْصِتُوا رَحِمَكُمْ اللَّهُ، وَلَمْ أَرَ نَقْلًا فِي وَضْعِ هَذَا الْمُرْقَى فِي كُتُبِ أَئِمَّتِنَا. (قَوْلُهُ وَيَجِبُ السَّعْيُ وَتَرْكُ الْبَيْعِ بِالْأَذَانِ الْأَوَّلِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9] ، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ الْأَذَانُ الْأَوَّلُ لِحُصُولِ الْإِعْلَامِ بِهِ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ بَعْدَ الزَّوَالِ إذْ الْأَذَانُ قَبْلَهُ لَيْسَ بِأَذَانٍ وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الصَّحِيحُ فِي الْمَذْهَبِ وَقِيلَ الْعِبْرَةُ لِلْأَذَانِ الثَّانِي الَّذِي يَكُونُ بَيْنَ يَدَيْ الْمِنْبَرِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي زَمَنِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَّا هُوَ، وَهُوَ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اُعْتُبِرَ فِي وُجُوبِ السَّعْيِ لَمْ يَتَمَكَّنُ مِنْ السُّنَّةِ الْقَبْلِيَّةَ وَمِنْ الِاسْتِمَاعِ بَلْ رُبَّمَا يُخْشَى عَلَيْهِ فَوَاتُ الْجُمُعَةِ، وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مُسْنَدًا إلَى السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ «كَانَ النِّدَاءُ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ أَوَّلُهُ إذَا جَلَسَ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ» فَلَمَّا كَانَ عُثْمَانُ وَكَثُرَ النَّاسُ زَادَ النِّدَاءَ الثَّالِثَ عَلَى الزَّوْرَاءِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَمْ يَذْكُرْ التَّسْبِيحَ فِي الْخُلَاصَةِ، وَإِنَّمَا عِبَارَتُهُ مَا يَحْرُمُ فِي الصَّلَاةِ يَحْرُمُ فِي الْخُطْبَةِ حَتَّى لَا يَنْبَغِيَ أَنْ يَأْكُلَ وَيَشْرَبَ وَالْإِمَامُ فِي الْخُطْبَةِ وَيَحْرُمُ الْكَلَامُ وَسَوَاءٌ كَانَ أَمْرًا بِالْمَعْرُوفِ أَوْ كَلَامًا آخَرَ نَعَمْ فِي الْبَدَائِعِ يُكْرَهُ الْكَلَامُ حَالَ الْخُطْبَةِ، وَكَذَا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَكَذَا الصَّلَاةُ، وَكَذَا كُلُّ مَا شَغَلَ بَالَهُ عَنْ سَمَاعِ الْخُطْبَةِ مِنْ التَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ وَالْكِتَابَةِ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْمَعَ وَيَسْكُتَ وَهَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ وَقَالَا لَا بَأْسَ بِهِ إذَا خَرَجَ قَبْلَ أَنْ يَخْطُبَ وَإِذَا نَزَلَ قَبْلَ أَنْ يُكَبِّرَ وَإِذَا جَلَسَ عِنْدَ الثَّانِي قَبْلَ الْخِلَافِ فِي إجَابَةِ الْمُؤَذِّنِ أَمَّا غَيْرُهُ فَيُكْرَهُ إجْمَاعًا وَقُبِلَ فِي كَلَامٍ يَتَعَلَّقُ بِالْآخِرَةِ أَمَّا الْمُتَعَلِّقُ بِالدُّنْيَا فَيُكْرَهُ إجْمَاعًا (قَوْلُهُ أَنَّهُ يَرُدُّ) الظَّاهِرُ أَنْ يَقُولَ يَحْمَدُ (قَوْلُهُ فِي نَفْسِهِ) قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ قُبَيْلَ الْإِمَامَةِ بِأَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ أَوْ يُصَحِّحَ الْحُرُوفَ فَإِنَّهُمْ فَسَّرُوهُ بِهِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُصَلِّي قَلْبًا ائْتِمَارًا لِأَمْرِ الْإِنْصَاتِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا فِي الْكَرْمَانِيِّ اهـ. وَفِي إمْدَادِ الْفَتَّاحِ عَنْ الْفَتْحِ بَعْدَ رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ قَالَ: وَهُوَ الصَّوَابُ (قَوْلُهُ، ثُمَّ اعْلَمْ إلَخْ) نَقَلَ الْخَبَرَ الرَّمْلِيُّ عَنْ الرَّمْلِيِّ الشَّافِعِيُّ أَنَّ وَالِدَهُ أَفْتَى بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ فِي السُّنَّةِ وَأَنَّهُ لَمْ يُفْعَلْ بَيْنَ يَدَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلْ كَانَ يُمْهِلُ حَتَّى يَخْرُجَ النَّاسُ فَإِذَا اجْتَمَعُوا خَرَجَ إلَيْهِمْ وَحْدَهُ مِنْ غَيْرِ شَاوِيشٍ يَصِيحُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَكَذَلِكَ الْخُلَفَاءُ الثَّلَاثَةُ بَعْدَهُ، ثُمَّ قَالَ: إنَّهُ بِدْعَةٌ حَسَنَةٌ؛ لِأَنَّ فِي قِرَاءَةِ الْآيَةِ تَرْغِيبًا فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي قِرَاءَةِ الْحَدِيثِ تَبْسِيطًا لِاجْتِنَابِ الْكَلَامِ وَأَقَرَّهُ رَمْلِيُّنَا وَقَالَ إنَّهُ لَا يَنْبَغِي الْقَوْلُ بِحُرْمَةِ قِرَاءَةِ الْحَدِيثِ عَلَى الْوَجْهِ الْمُتَعَارَفِ لِتَوَافُرِ الْأُمَّةِ وَتَظَاهُرِهِمْ عَلَيْهِ اهـ. وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ فَإِنَّ الْعُرْفَ لَا يُصَيِّرُ الْحَرَامَ مُبَاحًا تَأَمَّلْ. [السَّعْيُ وَتَرْكُ الْبَيْعِ بِالْأَذَانِ الْأَوَّلِ لِلْجُمُعَةِ] (قَوْلُهُ زَادَ النِّدَاءَ الثَّالِثَ) قَالَ فِي الْفَتْحِ، وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ زَادَ النِّدَاءَ الثَّانِي وَتَسْمِيَتُهُ ثَالِثًا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 168 قَالَ الْبُخَارِيُّ الزَّوْرَاءُ مَوْضِعٌ بِالسُّوقِ بِالْمَدِينَةِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَقَدْ تَعَلَّقَ بِمَا ذَكَرْنَا بَعْضُ مَنْ نَفَى أَنَّ لِلْجُمُعَةِ سُنَّةً فَإِنَّهُ مِنْ الْمَعْلُومِ «أَنَّهُ كَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إذَا رَقِيَ الْمِنْبَرَ أَخَذَ بِلَالٌ فِي الْأَذَانِ فَإِذَا أَكْمَلَهُ أَخَذَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الْخُطْبَةِ» فَمَتَى كَانُوا يُصَلُّونَ السُّنَّةَ وَمَنْ ظَنَّ أَنَّهُمْ إذَا فَرَغَ مِنْ الْأَذَانِ قَامُوا فَرَكَعُوا فَهُوَ مِنْ أَجْهَلْ النَّاسِ وَهَذَا مَدْفُوعٌ بِأَنَّ خُرُوجَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ بَعْدَ الزَّوَالِ بِالضَّرُورَةِ فَيَجُوزُ كَوْنُهُ بَعْدَ مَا كَانَ يُصَلِّي الْأَرْبَعَ وَيَجِبُ الْحُكْمُ بِوُقُوعِ هَذَا الْمُجَوَّزِ لِمَا قَدَّمْنَا مِنْ عُمُومِ أَنَّهُ «كَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يُصَلِّي إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ أَرْبَعًا» ، وَكَذَا يَجِبُ فِي حَقِّهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ أَيْضًا يَعْلَمُونَ الزَّوَالَ كَالْمُؤَذِّنِ بَلْ رُبَّمَا يَعْلَمُونَهُ بِدُخُولِ الْوَقْتِ لِيُؤَذِّنَ اهـ. وَالْمُرَادُ مِنْ الْبَيْعِ مَا يُشْغِلُ عَنْ السَّعْيِ إلَيْهَا حَتَّى لَوْ اشْتَغَلَ بِعَمَلٍ آخَرَ سِوَى الْبَيْعِ فَهُوَ مَكْرُوهٌ أَيْضًا كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَأَشَارَ بِعَطْفِ تَرْكِ الْبَيْعِ عَلَى السَّعْيِ إلَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ أَوْ اشْتَرَى حَالَةَ السَّعْيِ فَهُوَ مَكْرُوهٌ أَيْضًا وَصَرَّحَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ بِعَدَمِهَا إذَا لَمْ يَشْغَلْهُ وَصَرَّحَ بِالْوُجُوبِ لِيُفِيدَ أَنَّ الِاشْتِغَالَ بِعَمَلٍ آخَرَ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ؛ لِأَنَّهُ فِي رُتْبَتِهِ وَيَصِحُّ إطْلَاقُ اسْمِ الْحَرَامِ عَلَيْهِ كَمَا وَقَعَ فِي الْهِدَايَةِ وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مِنْ أَنَّ فِيهِ نَظَرًا؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ وَقْتَ الْأَذَانِ جَائِزٌ لَكِنَّهُ مَكْرُوهٌ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالْجَوَازِ الصِّحَّةُ لَا الْحِلُّ وَبِهِ انْدَفَعَ أَيْضًا مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي الْإِسْبِيجَابِيُّ مِنْ أَنَّ الْبَيْعَ وَقْتَ النِّدَاءِ مَكْرُوهٌ لِلْآيَةِ، وَلَوْ فُعِلَ كَانَ جَائِزًا وَالْأَمْرُ بِالسَّعْيِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى النَّدْبِ وَالِاسْتِحْبَابِ لَا عَلَى الْحَتْمِ وَالْإِيجَابِ اهـ. فَإِنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَنْزِيهِيَّةٌ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ تَحْرِيمِيَّةٌ اتِّفَاقًا؛ وَلِهَذَا وَجَبَ فَسْخُهُ لَوْ وَقَعَ، وَأَيْضًا قَوْلُهُ أَنَّ الْأَمْرَ بِالسَّعْيِ لِلنَّدَبِ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُمْ اسْتَدَلُّوا بِهِ عَلَى فَرْضِيَّةِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ فَعُلِمَ أَنَّهُ لِلْوُجُوبِ وَقَوْلُ الْأَكْمَلِ فِي شَرْحِ الْمَنَارَ إنَّ الْكَرَاهَةُ تَنْزِيهِيَّةٌ مَرْدُودٌ لِمَا عَلِمْت، وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ وَيُفْتَرَضُ السَّعْيُ مَعَ أَنَّهُ فَرْضٌ لِلِاخْتِلَافِ فِي وَقْتِهِ هَلْ هُوَ الْأَذَانُ الْأَوَّلُ أَوْ الثَّانِي أَوْ الْعِبْرَةُ لِدُخُولِ الْوَقْتِ فِي الْمُضْمَرَاتِ وَاَلَّذِي يَبِيعُ وَيَشْتَرِي فِي الْمَسْجِدِ أَوْ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ أَعْظَمُ إثْمًا وَأَثْقَلُ وِزْرًا. (قَوْلُهُ فَإِذَا جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ أُذِّنَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَأُقِيمَ بَعْدَ تَمَامِ الْخُطْبَةِ) بِذَلِكَ جَرَى التَّوَارُثُ، وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ بَيْنَ يَدَيْهِ عَائِدٌ إلَى الْخَطِيبِ الْجَالِسِ، وَفِي الْقُدُورِيِّ بَيْنَ يَدَيْ الْمِنْبَرِ، وَهُوَ مَجَازٌ إطْلَاقًا لِاسْمِ الْمَحَلِّ عَلَى الْحَالِّ كَمَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ فَأَطْلَقَ اسْمَ الْمِنْبَرِ عَلَى الْخَطِيبِ، وَفِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ لَوْ سَمِعَ النِّدَاءَ وَقْتَ الْأَكْلِ يَتْرُكُهُ إذَا خَافَ فَوْتَ الْجُمُعَةِ كَخُرُوجِ وَقْتِ الْمَكْتُوبَاتِ بِخِلَافِ الْجَمَاعَةِ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ، وَفِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ حَضَرَ الْجُمُعَةَ أَنْ يَدَّهِنَ وَيَمَسَّ طِيبًا إنْ وَجَدَهُ وَيَلْبَسَ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ وَيَغْتَسِلَ وَيَجْلِسَ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ فِيهِ أَفْضَلُ ثُمَّ تَكَلَّمُوا فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ قِيلَ هُوَ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي الْمَقْصُورَةِ وَقِيلَ مَا يَلِي الْمَقْصُورَةَ وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الْعَامَّةَ عَنْ الدُّخُولِ فِي الْمَقْصُورَةِ فَلَا تَتَوَصَّلُ الْعَامَّةُ إلَى نَيْلِ فَضِيلَةِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ وَمَنْ مَاتَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يُرْجَى لَهُ فَضْلٌ، وَفِي الْبَدَائِعِ وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْرَأَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ مِقْدَارَ مَا يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ، وَلَوْ قَرَأَ فِي الْأُولَى بِسُورَةِ الْجُمُعَةِ وَفِي الثَّانِيَةِ بِسُورَةِ الْمُنَافِقِينَ أَوْ فِي الْأُولَى بِ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى: 1] ، وَفِي الثَّانِيَةِ بِسُورَةِ {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [الغاشية: 1] فَحَسَنٌ تَبَرُّكًا بِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَلَكِنْ لَا يُوَاظِبُ عَلَى قِرَاءَتِهَا بَلْ يَقْرَأُ غَيْرَهَا فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ كَيْ لَا يُؤَدِّي إلَى هَجْرِ الْبَاقِي   [منحة الخالق] ؛ لِأَنَّ الْإِقَامَةَ تُسَمَّى أَذَانًا كَمَا فِي الْحَدِيثِ بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ (قَوْلُهُ وَصَرَّحَ فِي السِّرَاجِ بِعَدَمِهَا) قَالَ فِي النَّهْرِ وَيَنْبَغِي التَّعْدِيلُ عَلَى الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ لِلِاخْتِلَافِ فِي وَقْتِهِ) قَالَ فِي النَّهْرِ وُقُوعُ الْخِلَافِ فِي وَقْتِهِ لَا يَمْنَعُ الْقَوْلَ بِفَرْضِيَّتِهِ وَكَفَاك بِوَقْتِ الْعَصْرِ شَاهِدًا اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ مُرَادَ الْمُؤَلِّفِ أَنَّ أَصْلَ السَّعْيِ فَرْضٌ وَأَمَّا كَوْنُهُ عِنْدَ الْأَذَانِ الْأَوَّلِ فَهُوَ وَاجِبٌ وَلَيْسَ بِفَرْضٍ لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً وَهَذَا بِخِلَافِ وَقْتِ الْعَصْرِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى الْقَوْلُ بِالْوُجُوبِ هُنَاكَ، وَلَا يُوصَفُ الْوَقْتُ بِالْوُجُوبِ وَلَا بِالْفَرْضِ. (قَوْلُهُ وَقِيلَ مَا يَلِي الْمَقْصُورَةَ) نَقَلَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة أَنَّ فِي زَمَانِنَا لَا يَمْنَعُ الْأُمَرَاءُ أَنْ يَدْخُلَ الْفُقَرَاءُ الْمَقْصُورَةَ الدَّاخِلَةَ فَالصَّفُّ الْأَوَّلُ مَا كَانَ فِي الْمَقْصُورَةِ الدَّاخِلَةِ وَفِيهَا عَنْ التَّهْذِيبِ الْمَقَامُ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ مَا هُوَ أَقْرَبُ إلَى الْإِمَامِ خَلْفَهُ، ثُمَّ عَنْ يَمِينِهِ، ثُمَّ عَنْ يَسَارِهِ وَفِيهَا عَنْ النِّصَابِ إنْ سَبَقَ أَحَدٌ بِالدُّخُولِ فِي الْمَسْجِدِ مَكَانَهُ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ فَدَخَلَ رَجُلٌ أَكْبَرَ مِنْهُ سِنًّا أَوْ أَهْلَ عِلْمٍ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَأَخَّرَ وَيُقَدِّمَهُ تَعْظِيمًا لَهُ اهـ. هَذَا وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ هُنَا أَنَّ الْمَقْصُورَةَ إذَا كَانَتْ وَسَطَ الْمَسْجِدِ كَمَقْصُورَةِ مَسْجِدِ دِمَشْقَ أَنَّ مَا كَانَ خَارِجَ الْمَقْصُورَةِ مِمَّا هُوَ عَنْ يَمِينِ الصَّفِّ الدَّاخِلِ وَعَنْ يَسَارِهِ لَا يُسَمَّى صَفًّا أَوَّلَ فَلْيُتَأَمَّلْ. إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ مُرَادَهُمْ بِالْمَقْصُورَةِ بَيْتٌ دَاخِلَ الْجِدَارِ الْقِبْلِيِّ كَبَيْتِ الْخَطِيبِ فِي مَسْجِدِ دِمَشْقَ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْهُ الْخَطِيبُ فَالظَّاهِرُ أَنَّ مُلُوكَهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ فِيهِ خَوْفًا مِنْ الْأَعْدَاءِ فَلَا يُمَكِّنُونَ النَّاسَ مِنْ الدُّخُولِ فِيهِ أَمَّا مِثْلُ مَقْصُورَةِ دِمَشْقَ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ مَا عَنْ طَرَفَيْهَا قُرْبَ الْحَائِطِ الْقِبْلِيِّ صَفٌّ أَوَّلُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 169 وَلَا يَظُنُّهُ الْعَامَّةُ حَتْمًا، وَفِي الْخُلَاصَةِ، وَلَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُعْطِيَ سُؤَال الْمَسَاجِدِ هَكَذَا ذَكَرَ فِي الْفَتَاوَى قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ الْمُخْتَارُ أَنَّ السَّائِلَ إذَا كَانَ لَا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي، وَلَا يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ، وَلَا يَسْأَلُ إلْحَافًا وَيَسْأَلُ لِأَمْرٍ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ لَا بَأْسَ بِالسُّؤَالِ وَالْإِعْطَاءِ وَإِذَا حَضَرَ الرَّجُلُ الْجَامِعَ، وَهُوَ مَلْآنُ إنْ تَخَطَّى يُؤْذِي النَّاسَ لَمْ يَتَخَطَّ، وَإِنْ كَانَ لَا يُؤْذِي أَحَدًا بِأَنْ كَانَ لَا يَطَأُ ثَوْبًا وَلَا جَسَدًا فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَتَخَلَّى وَيَدْنُوَ مِنْ الْإِمَامِ وَعَنْ أَصْحَابِنَا بِأَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالتَّخَطِّي مَا لَمْ يَأْخُذْ الْإِمَامُ فِي الْخُطْبَةِ - وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ. (بَابُ الْعِيدَيْنِ) أَيْ صَلَاةُ الْعِيدَيْنِ، وَلَا خَفَاءَ فِي وَجْهِ الْمُنَاسَبَةِ وَسُمِّيَ بِهِ لِمَا أَنَّ لِلَّهِ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - فِيهِ عَوَائِدَ الْإِحْسَانِ إلَى عِبَادِهِ أَوْ؛ لِأَنَّهُ يَعُودُ وَيَتَكَرَّرُ أَوْ؛ لِأَنَّهُ يَعُودُ بِالْفَرَحِ وَالسُّرُورِ أَوْ تَفَاؤُلًا بِعَوْدِهِ عَلَى مَنْ أَدْرَكَهُ كَمَا سُمِّيَتْ الْقَافِلَةُ قَافِلَةً تَفَاؤُلًا بِقُفُولِهَا أَيْ بِرُجُوعِهَا وَجَمْعُهُ أَعْيَادٌ وَكَانَ حَقُّهُ أَعْوَادٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْعَوْدِ وَلَكِنْ جُمِعَ بِالْيَاءِ لِلُزُومِهَا فِي الْوَاحِدِ أَوْ لِلْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عُودِ الْخَشَبِ فَإِنَّهُ يُجْمَعُ عَلَى عِيدَانٍ وَعُودُ اللَّهْوِ فَإِنَّهُ يُجْمَعُ عَلَى أَعْوَادٍ كَمَا فِي الْعَيْنِيِّ، وَكَانَتْ صَلَاةُ عِيدِ الْفِطْرِ فِي السَّنَةِ الْأُولَى مِنْ الْهِجْرَةِ كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مُسْنَدًا إلَى أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَدِينَةَ، وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا فَقَالَ مَا هَذَانِ الْيَوْمَانِ؟ قَالُوا: كُنَّا نَلْعَبُ فِيهِمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا يَوْمَ الْأَضْحَى وَيَوْمَ الْفِطْرِ» (قَوْلُهُ تَجِبُ صَلَاةُ الْعِيدِ عَلَى مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ بِشَرَائِطِهَا سِوَى الْخُطْبَةِ) تَصْرِيحٌ بِوُجُوبِهَا، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُخْتَارُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ كَمَا فِي الْمُجْتَبَى وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ الرِّوَايَةِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ فِي الْأَصْلِ، وَلَا يُصَلِّي نَافِلَةً فِي جَمَاعَةٍ إلَّا قِيَامَ رَمَضَانَ وَصَلَاةَ الْكُسُوفِ فَإِنَّهُ لَمْ يَسْتَثْنِ الْعِيدَ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ النَّوَافِلِ وَمِنْ جِهَةِ الدَّلِيلِ مُوَاظَبَتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ تَرْكٍ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّهَا سُنَّةٌ لِقَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي الْعِيدَيْنِ يَجْتَمِعَانِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ قَالَ يَشْهَدُهُمَا جَمِيعًا وَلَا يَتْرُكُ وَاحِدًا مِنْهُمَا وَالْأُولَى مِنْهُمَا سُنَّةٌ وَالْأُخْرَى فَرِيضَةٌ قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَهَذَا أَظْهَرُ، وَلَمْ يُعَلِّلْهُ، وَهُوَ كَذَلِكَ لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْجَامِعَ الصَّغِيرَ صَنَّفَهُ بَعْدَ الْأَصْلِ فَمَا فِيهِ هُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ وَثَانِيهِمَا أَنَّهُ صَرَّحَ بِالسُّنَّةِ بِخِلَافِ مَا فِي الْأَصْلِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ السُّنَّةِ السُّنَّةُ الْمُؤَكَّدَةُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ، وَلَا يَتْرُكُ وَاحِدًا مِنْهُمَا وَكَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَبْسُوطِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا مِرَارًا أَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْوَاجِبِ عِنْدَنَا؛ وَلِهَذَا كَانَ الْأَصَحُّ أَنَّهُ يَأْثَمُ بِتَرْكِ الْمُؤَكَّدَةِ كَالْوَاجِبِ، وَفِي الْمُجْتَبَى الْأَصَحُّ أَنَّهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَأَفَادَ أَنَّ جَمِيعَ شَرَائِطِ الْجُمُعَةِ وُجُوبًا وَصِحَّةً شَرَائِطُ لِلْعِيدِ إلَّا الْخُطْبَةَ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِشَرْطٍ حَتَّى لَوْ لَمْ يَخْطُبْ أَصْلًا صَحَّ وَأَسَاءَ لِتَرْكِ السُّنَّةِ، وَلَوْ قَدَّمَهَا عَلَى الصَّلَاةِ صَحَّتْ وَأَسَاءَ، وَلَا تُعَادُ الصَّلَاةُ   [منحة الخالق] [بَابُ الْعِيدَيْنِ] (قَوْلُهُ: وَهُوَ كَذَلِكَ لِوَجْهَيْنِ) قَالَ فِي النَّهْرِ فِيهِ نَظَرٌ، أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ الْجَامِعَ وَإِنْ صُنِّفَ بَعْدُ إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ وَلَا يَتْرُكُ وَاحِدًا مِنْهُمَا يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ إذْ مِثْلُ هَذَا الْكَلَامِ فِي الرِّوَايَةِ يُذْكَرُ فِي الْوَاجِبِ غَالِبًا كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُ صَرَّحَ فِي الْأَصْلِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بِالْوُجُوبِ فَفِي الْمُجْتَبَى ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ أَرَأَيْتَ الْعِيدَيْنِ هَلْ يَجِبُ الْخُرُوجُ فِيهِمَا عَلَى أَهْلِ الْقُرَى وَالْجِبَالِ وَالسَّوَادِ قَالَ إنَّمَا يَجِبُ عَلَى الْأَمْصَارِ وَالْمَدَائِنِ فَنَصَّ عَلَى الْوُجُوبِ. اهـ. وَبِهَذَا يُسْتَغْنَى عَمَّا مَرَّ مِنْ أَنَّ فِي الْأَصْلِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ، وَفِي الْبَدَائِعِ وَتَأْوِيلُ مَا فِي الْجَامِعِ أَنَّهَا وَجَبَتْ بِالسُّنَّةِ أَوْ هِيَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، وَأَنَّهَا فِي مَعْنَى الْوَاجِبِ عَلَى أَنَّ إطْلَاقَ اسْمِ السُّنَّةِ لَا يَنْفِي الْوُجُوبَ بَعْدَ قِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَى وُجُوبِهَا وَذَكَرَ أَبُو مُوسَى الضَّرِيرُ فِي مُخْتَصَرِهِ أَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ. اهـ. وَقِيلَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ (قَوْلُهُ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْجَامِعَ الصَّغِيرَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ فَائِدَةٌ سَمَّى الْأَصْلَ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ صُنِّفَ أَوَّلًا ثُمَّ الْجَامِعَ الصَّغِيرَ ثُمَّ الْكَبِيرَ ثُمَّ الزِّيَادَاتِ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَذَكَرَ الْحَلَبِيُّ فِي بَحْثِ التَّسْمِيعِ أَنَّ مُحَمَّدًا قَرَأَ عَلَى أَبِي يُوسُفَ إلَّا مَا كَانَ فِيهِ اسْمُ الْكَبِيرِ كَالْمُضَارَبَةِ الْكَبِيرِ وَالْمُزَارَعَةِ الْكَبِيرِ وَالْمَأْذُونِ الْكَبِيرِ وَالسِّيَرِ الْكَبِيرِ، وَفِي عَقْدِ الْفَوَائِدِ أَنَّ السِّيَرَ الْكَبِيرَ هُوَ آخِرُ تَأْلِيفِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (قَوْلُهُ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِشَرْطٍ) أَيْ بَلْ سُنَّةٌ؛ لِأَنَّهَا تُؤَدَّى بَعْدَ الصَّلَاةِ وَشَرْطُ الشَّيْءِ يَسْبِقُهُ أَوْ يُقَارِنُهُ كَذَا فِي النَّهْرِ قَالَ: وَتَأْخِيرُهَا إلَى مَا بَعْدَ صَلَاةِ الْعِيدِ سُنَّةٌ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ خَطَبَ قَبْلَهَا كَانَ آتِيًا بِأَصْلِهَا وَفِيهِ تَوَقُّفٌ إذْ لَمْ يُنْقَلْ قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِجَوَازِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَعَدَمِ إعَادَتِهَا كَمَا وَقَعَ بِهِمَا التَّصْرِيحُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 170 وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ مِنْ أَنَّ الْمَمْلُوكَ تَجِبُ عَلَيْهِ الْعِيدُ إذَا أَذِنَ لَهُ مَوْلَاهُ، وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ؛ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ لَهَا بَدَلٌ، وَهُوَ الظُّهْرُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْعِيدُ فَإِنَّهُ لَا بَدَلَ لَهُ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهُ لَا تَصِيرُ مَمْلُوكَةً لَهُ بِالْإِذْنِ فَحَالُهُ بَعْدَ الْإِذْنِ كَحَالِهِ قَبْلَهُ، وَفِي الْقُنْيَةِ صَلَاةُ الْعِيدِ فِي الرَّسَاتِيقِ تُكْرَهُ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ اهـ؛ لِأَنَّهُ اشْتِغَالٌ بِمَا لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْمِصْرَ شَرْطُ الصِّحَّةِ. (قَوْلُهُ وَنُدِبَ يَوْمَ الْفِطْرِ أَنْ يَطْعَمَ وَيَغْتَسِلَ وَيَسْتَاكَ وَيَتَطَيَّبَ وَيَلْبَسَ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ) اقْتِدَاءً بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيُسْتَحَبُّ كَوْنُ ذَلِكَ الْمَطْعُومِ حُلْوًا لِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ «كَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا يَغْدُو يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ تَمَرَاتٍ وَيَأْكُلَهُنَّ وِتْرًا» وَأَمَّا مَا يَفْعَلُهُ النَّاسُ فِي زَمَانِنَا مِنْ جَمْعِ التَّمْرِ مَعَ اللَّبَنِ وَالْفِطْرِ عَلَيْهِ فَلَيْسَ لَهُ أَصْلٌ فِي السُّنَّةِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ تَقْدِيمُ الْأَحْسَنِ مِنْ الثِّيَابِ فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَبْيَضَ، وَالدَّلِيلُ دَالٌّ عَلَيْهِ فَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَلْبَسُ يَوْمَ الْعِيدِ بُرْدَةً حَمْرَاءَ» ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْحُلَّةَ الْحَمْرَاءَ عِبَارَةٌ عَنْ ثَوْبَيْنِ مِنْ الْيَمَنِ فِيهِمَا خُطُوطٌ حُمْرٌ وَخُضْرٌ لَا أَنَّهَا أَحْمَرُ بَحْتٌ فَلْيَكُنْ مَحْمَلُ الْبُرْدَةِ أَحَدَهُمَا اهـ. بِدَلِيلِ نَهْيِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ لُبْسِ الْأَحْمَرِ كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْقَوْلُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْفِعْلِ، وَالْحَاظِرُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمُبِيحِ لَوْ تَعَارَضَا فَكَيْفَ إذَا لَمْ يَتَعَارَضَا بِالْحَمْلِ الْمَذْكُورِ وَزَادَ فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ أَنَّ مِنْ الْمُسْتَحَبَّاتِ التَّزَيُّنَ وَأَنْ يُظْهِرَ فَرَحًا وَبَشَاشَةً وَيُكْثِرَ مِنْ الصَّدَقَةِ حَسَبَ طَاقَتِهِ وَقُدْرَتِهِ وَزَادَ فِي الْقُنْيَةِ اسْتِحْبَابَ التَّخَتُّمِ وَالتَّبْكِيرِ، وَهُوَ سُرْعَةُ الِانْتِبَاهِ وَالِابْتِكَارِ، وَهُوَ الْمُسَارَعَةُ إلَى الْمُصَلَّى وَصَلَاةُ الْغَدَاةِ فِي مَسْجِدِ حَيِّهِ وَالْخُرُوجُ إلَى الْمُصَلَّى مَاشِيًا وَالرُّجُوعُ فِي طَرِيقٍ آخَرَ وَالتَّهْنِئَةُ بِقَوْلِهِ تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنَّا وَمِنْكُمْ لَا تُنْكَرُ، وَفِي الْمُجْتَبَى، فَإِنْ قُلْتَ عَدُّ الْغُسْلِ هَاهُنَا مُسْتَحَبًّا، وَفِي الطَّهَارَةِ سُنَّةٌ قُلْتُ لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ سُنَّةٌ وَسَمَّاهُ مُسْتَحَبًّا لِاشْتِمَالِ السُّنَّةِ عَلَى الْمُسْتَحَبِّ وَعَدَّ سَائِرَ الْمُسْتَحَبَّاتِ الْمَذْكُورَةِ هُنَا فِي بَعْضِ الْكُتُبِ سُنَّةً اهـ. (قَوْلُهُ وَيُؤَدِّي صَدَقَةَ الْفِطْرِ) مَعْطُوفٌ عَلَى يَطْعَمَ فَيَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْأَدَاءُ مَنْدُوبًا، وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ كُلَّهُ قَبْلَ الْخُرُوجِ إلَى الْمُصَلَّى فَلِصَدَقَةِ الْفِطْرِ أَحْوَالٌ: أَحَدُهَا قَبْلَ دُخُولِ يَوْمِ الْعِيدِ، وَهُوَ جَائِزٌ ثَانِيهَا يَوْمُهُ قَبْلَ الْخُرُوجِ، وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ ثَالِثُهَا يَوْمَهُ بَعْدَ الصَّلَاةِ، وَهُوَ جَائِزٌ رَابِعُهَا بَعْدَ يَوْمِ الْفِطْرِ، وَهُوَ صَحِيحٌ وَيَأْثَمُ بِالتَّأْخِيرِ إلَّا أَنَّهُ يَرْتَفِعُ بِالْأَدَاءِ كَمَنْ أَخَّرَ الْحَجَّ بَعْدَ الْقُدْرَةِ فَإِنَّهُ يَأْثَمُ ثُمَّ يَزُولُ بِالْأَدَاءِ كَمَا سَيَأْتِي، وَإِنَّمَا اُسْتُحِبَّ الْأَدَاءُ قَبْلَهُ لِلْحَدِيثِ «مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنْ الصَّدَقَاتِ» وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَغْنُوهُمْ فِي هَذَا الْيَوْمِ عَنْ الْمَسْأَلَةِ» ، وَلِأَنَّ الْمُسْتَحَبَّ أَنْ يَأْكُلَ قَبْلَ الْخُرُوجِ إلَى الْمُصَلَّى فَيُقَدِّمُ لِلْفَقِيرِ لِيَأْكُلَ قَبْلَهَا فَيَتَفَرَّغَ قَلْبُهُ لِلصَّلَاةِ. [الْخُرُوجُ إلَى الْجَبَّانَةِ يَوْم الْعِيدِ] (قَوْلُهُ ثُمَّ يَتَوَجَّهُ إلَى الْمُصَلَّى) ضَبَطَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِالرَّفْعِ وَقَالَ لَا بِالنَّصْبِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ وَجْهَهُ، وَوَجْهُهُ أَنَّ التَّوَجُّهَ وَاجِبٌ، وَلَيْسَ بِمُسْتَحَبٍّ؛ وَلِهَذَا أَتَى بِأُسْلُوبٍ آخَرَ، وَهُوَ الْعَطْفُ بِثُمَّ وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ الْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَوَجَّهَ مَاشِيًا، وَلَا يَرْكَبَ فِي الرُّجُوعِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا رَكِبَ فِي عِيدٍ، وَلَا جِنَازَةٍ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يَرْكَبَ فِي الرُّجُوعِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ قَاصِدٍ إلَى قُرْبَةٍ، وَفِي التَّجْنِيسِ وَالْخُرُوجُ إلَى الْجَبَّانَةِ سُنَّةٌ لِصَلَاةِ الْعِيدِ، وَإِنْ كَانَ يَسَعُهُمْ الْمَسْجِدُ الْجَامِعُ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ هُوَ الصَّحِيحُ اهـ. وَفِي الْمُغْرِبِ الْجَبَّانَةُ الْمُصَلَّى الْعَامُّ فِي الصَّحْرَاءِ، وَعَلَى هَذَا فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَنْصُوبًا عَطْفًا عَلَى يَطْعَمُ؛ لِأَنَّ التَّوَجُّهَ إلَى الْمُصَلَّى مَنْدُوبٌ كَمَا أَفَادَهُ فِي التَّجْنِيسِ، وَإِنْ كَانَتْ صَلَاةُ الْعِيدِ وَاجِبَةً حَتَّى لَوْ صَلَّى الْعِيدَ فِي الْجَامِعِ، وَلَمْ يَتَوَجَّهْ إلَى الْمُصَلَّى فَقَدْ تَرَكَ السُّنَّةَ، وَإِنَّمَا أَتَى بِثُمَّ لِإِفَادَةِ أَنَّ التَّوَجُّهَ مُتَرَاخٍ عَنْ جَمِيعِ الْأَفْعَالِ السَّابِقَةِ، وَفِي الْخُلَاصَةِ، وَلَا يُخْرَجُ الْمِنْبَرُ إلَى الْجَبَّانَةِ يَوْمَ الْعِيدِ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي بِنَاءِ الْمِنْبَرِ فِي الْجَبَّانَةِ قَالَ بَعْضُهُمْ يُكْرَهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يُكْرَهُ وَفِي نُسْخَةِ الْإِمَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ هَذَا حَسَنٌ فِي زَمَانِنَا وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي السِّرَاجِ) أَيْ بِمَا أَفَادَهُ الْمُصَنِّفُ أَنَّ جَمِيعَ شَرَائِطِ الْجُمُعَةِ وُجُوبًا وَصِحَّةً شَرَائِطُ لِلْعِيدِ وَمِنْ جُمْلَتِهَا الْحُرِّيَّةُ فَلَا تَجِبُ الْعِيدُ أَيْضًا، وَإِنْ أَذِنَ لَهُ كَالْجُمُعَةِ لَكِنْ قَدْ نُقِلَ فِي الْجُمُعَةِ عَنْ السِّرَاجِ أَنَّ الْجُمُعَةَ تَجِبُ عَلَيْهِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَتَخَيَّرُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 171 أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ اهـ. [التَّكْبِير يَوْم الْعِيد] (قَوْلُهُ غَيْرَ مُكَبِّرٍ وَمُتَنَفِّلٍ قَبْلَهَا) أَيْ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يُكَبِّرُ يَوْمَ الْفِطْرِ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ لَا جَهْرًا، وَلَا سِرًّا، وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ التَّكْبِيرِ فِي الْبَيْتِ أَوْ فِي الطَّرِيقِ أَوْ فِي الْمُصَلَّى قَبْلَ الصَّلَاةِ لَكِنْ أَفَادَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ أَحْكَامَ الْأَضْحَى كَالْفِطْرِ إلَّا أَنَّهُ يُكَبِّرُ فِي الطَّرِيقِ جَهْرًا فَصَارَ مَعْنَى كَلَامِهِ هُنَا أَنَّهُ لَا يُكَبِّرُ فِي الطَّرِيقِ جَهْرًا، وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ الْمُرَادُ مِنْ نَفْيِ التَّكْبِيرِ بِصِفَةِ الْجَهْرِ؛ لِأَنَّ التَّكْبِيرَ خَيْرُ مَوْضُوعٍ لَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ بِصِفَةِ الْإِخْفَاءِ اهـ. وَفِي الْخُلَاصَةِ مَا يُخَالِفُهُ قَالَ: وَلَا يُكَبِّرُ يَوْمَ الْفِطْرِ وَعِنْدَهُمَا يُكَبِّرُ وَيُخَافِتُ، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْأَصَحُّ مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا يُكَبِّرُ فِي عِيدِ الْفِطْرِ اهـ. فَأَفَادَ أَنَّ الْخِلَافَ فِي أَصْلِهِ لَا فِي صِفَتِهِ وَأَنَّ الِاتِّفَاقَ عَلَى عَدَمِ الْجَهْرِيَّةِ وَرَدَّهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ إذْ لَا يَمْنَعُ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ بِسَائِرِ الْأَلْفَاظِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ بَلْ مِنْ إيقَاعِهِ عَلَى وَجْهِ الْبِدْعَةِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالذِّكْرِ بِدْعَةٌ وَيُخَالِفُ الْأَمْرَ مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ} [الأعراف: 205] فَيَقْتَصِرُ عَلَى مَوْرِدِ الشَّرْعِ، وَقَدْ وَرَدَ بِهِ فِي الْأَضْحَى، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: 203] جَاءَ فِي التَّفْسِيرِ أَنَّ الْمُرَادَ التَّكْبِيرُ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ اهـ. وَهُوَ مَرْدُودٌ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْخُلَاصَةِ أَعْلَمُ بِالْخِلَافِ مِنْهُ وَلِأَنَّ ذِكْرَ اللَّهِ تَعَالَى إذَا قُصِدَ بِهِ التَّخْصِيصُ بِوَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ أَوْ بِشَيْءٍ دُونَ شَيْءٍ لَمْ يَكُنْ مَشْرُوعًا حَيْثُ لَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْمَشْرُوعِ وَكَلَامُهُمْ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا خُصَّ يَوْمُ الْفِطْرِ بِالتَّكْبِيرِ؛ وَلِهَذَا قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مِنْ بَابِ الْمَهْرِ عِنْدَ ذِكْرِ الْمُتْعَةِ وَقَوْلُهُ: وَلَا يُكَبِّرُ فِي طَرِيقِ الْمُصَلَّى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْ حُكْمًا لِلْعِيدِ وَلَكِنْ لَوْ كَبَّرَ؛ لِأَنَّهُ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى يَجُوزُ وَيُسْتَحَبُّ اهـ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْجَهْرَ بِالتَّكْبِيرِ بِدْعَةٌ فِي كُلِّ وَقْتٍ إلَّا فِي الْمَوَاضِعِ الْمُسْتَثْنَاةِ وَصَرَّحَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ بِكَرَاهَةِ الذِّكْرِ جَهْرًا وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ صَاحِبُ الْمُسْتَصْفَى، وَفِي الْفَتَاوَى الْعَلَّامِيَّةِ وَتُمْنَعُ الصُّوفِيَّةُ مِنْ رَفْعِ الصَّوْتِ وَالصَّفْقِ وَصَرَّحَ بِحُرْمَتِهِ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ التُّحْفَةِ وَشَنَّعَ عَلَى مَنْ يَفْعَلهُ مُدَّعِيًا أَنَّهُ مِنْ الصُّوفِيَّةِ وَاسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ فِي الْقُنْيَةِ مَا يَفْعَلُهُ الْأَئِمَّةُ فِي زَمَانِنَا فَقَالَ إمَامٌ يَعْتَادُ فِي كُلِّ غَدَاةٍ مَعَ جَمَاعَتِهِ قِرَاءَةَ آيَةِ الْكُرْسِيِّ وَآخِرِ الْبَقَرَةِ وَ {شَهِدَ اللَّهُ} [آل عمران: 18] وَنَحْوَهُ جَهْرًا لَا بَأْسَ بِهِ وَالْأَفْضَلُ الْإِخْفَاءُ ثُمَّ قَالَ التَّكْبِيرُ جَهْرًا فِي غَيْرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لَا يُسَنُّ إلَّا بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ أَوْ اللُّصُوصِ وَقَاسَ عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ الْحَرِيقَ وَالْمَخَاوِفَ كُلَّهَا ثُمَّ رَقَمَ بِرَقْمٍ آخَرَ قَاصٌّ وَعِنْدَهُ جَمْعٌ كَثِيرٌ يَرْفَعُونَ أَصْوَاتَهُمْ بِالتَّهْلِيلِ وَالتَّسْبِيحِ جُمْلَةً لَا بَأْسَ بِهِ وَالْإِخْفَاءُ أَفْضَلُ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا فِي ذِكْرِ اللَّهِ وَالتَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ يُخْفُونَ وَالْإِخْفَاءُ أَفْضَلُ عِنْدَ الْفَزَعِ فِي السَّفِينَةِ أَوْ مُلَاعَبَتِهِمْ بِالسُّيُوفِ، وَكَذَا الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. اهـ. وَأَمَّا التَّكْبِيرُ خُفْيَةً، فَإِنْ قَصَدَ أَنْ يَكُونَ لِأَجْلِ يَوْمِ الْفِطْرِ فَهُوَ مَكْرُوهٌ أَيْضًا، وَإِلَّا فَهُوَ مُسْتَحَبٌّ، وَلَوْ كَانَ يَوْمَ الْفِطْرِ وَأَمَّا الثَّانِي، وَهُوَ التَّنَفُّلُ قَبْلَهَا فَهُوَ مَكْرُوهٌ وَأَطْلَقَهُ فَشَمَلَ مَا إذَا كَانَ فِي الْمُصَلَّى أَوْ فِي الْبَيْتِ وَلَا خِلَافَ فِيمَا إذَا كَانَ فِي الْمُصَلَّى وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا تَنَفَّلَ فِي الْبَيْتِ فَعَامَّتُهُمْ عَلَى الْكَرَاهَةِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَقُيِّدَ بِقَوْلِهِ قَبْلَهَا؛ لِأَنَّ التَّنَفُّلَ بَعْدَهَا فِيهِ تَفْصِيلٌ، فَإِنْ كَانَ فِي الْمُصَلَّى فَمَكْرُوهٌ عِنْدَ الْعَامَّةِ وَإِنْ كَانَ فِي الْبَيْتِ فَلَا وَدَلِيلُ الْكَرَاهَةِ مَا فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ فَصَلَّى بِهِمْ الْعِيدَ لَمْ يُصَلِّ قَبْلَهَا، وَلَا بَعْدَهَا» وَهَذَا النَّفْيُ بَعْدَهَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ فِي الْمُصَلَّى لِحَدِيثِ ابْنِ مَاجَهْ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُصَلِّي قَبْلَ الْعِيدِ شَيْئًا فَإِذَا رَجَعَ إلَى مَنْزِلِهِ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ» اهـ. قَالَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَالْخُلَاصَةِ: وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ بَعْدَهَا وَأَطْلَقَهُ فَشَمَلَ صَلَاةَ الضُّحَى وَشَمَلَ مَنْ يُصَلِّي صَلَاةَ الْعِيدِ إمَامًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ، وَمَنْ لَمْ يُصَلِّهَا كَمَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ؛ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ النِّسَاءُ إذَا أَرَدْنَ أَنْ يُصَلِّينَ   [منحة الخالق] [مَا يَفْعَلهُ يَوْم الْفِطْر] (قَوْلُهُ: وَهُوَ مَرْدُودٌ إلَخْ) يُقَالُ عَلَيْهِ إنَّ الْإِمَامَ الْمُحَقِّقَ لَهُ عِلْمٌ بِالْخِلَافِ أَيْضًا فَفِي الْبَدَائِعِ وَأَمَّا فِي عِيدِ الْفِطْرِ فَلَا يُكَبِّرُ جَهْرًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يَجْهَرُ. اهـ. وَكَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ التَّتَارْخَانِيَّةِ وَمَوَاهِبِ الرَّحْمَنِ وَدُرَرِ الْبِحَارِ وَقَالَ فِي النَّهْرِ غَيْرَ مُكَبِّرٍ أَيْ جَهْرًا وَهَذَا رِوَايَةُ الْمُعَلَّى عَنْ الْإِمَامِ وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ عَنْ ابْنِ أَبِي عِمْرَانَ الْبَغْدَادِيِّ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ يُكَبِّرُ جَهْرًا، وَهُوَ قَوْلُهُمَا وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي التَّرْجِيحِ فَقَالَ الرَّازِيّ الصَّحِيحُ مِنْ قَوْلِ أَصْحَابِنَا مَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي عِمْرَانَ، وَمَا رَوَاهُ الْمُعَلَّى لَمْ يُعْرَفْ عَنْهُ، وَفِي الْخُلَاصَةِ الْأَصَحُّ مَا رَوَاهُ الْمُعَلَّى كَذَا فِي الدِّرَايَةِ قَالَ الرَّازِيّ، وَعَلَيْهِ مَشَايِخُنَا بِمَا وَرَاءَ النَّهْرِ فَالْخِلَافُ فِي الْجَهْرِ وَعَدَمِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّجْنِيسِ، وَعَلَيْهِ جَرَى فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَالشَّرْحِ. اهـ. وَكَذَا جَرَى عَلَيْهِ فِي مُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ وَشُرَّاحِ الْهِدَايَةِ وَعَزَاهُ فِي النِّهَايَةِ إلَى الْمَبْسُوطِ وَتُحْفَةِ الْفُقَهَاءِ وَزَادِ الْفُقَهَاءِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 172 الضُّحَى يَوْمَ الْعِيدِ صَلَّيْنَ بَعْدَمَا يُصَلِّي الْإِمَامُ فِي الْجَبَّانَةِ اهـ. وَهَذَا كُلُّهُ إنَّمَا هُوَ بِحَسَبِ حَالِ الْإِنْسَانِ، وَأَمَّا الْعَوَامُّ فَلَا يُمْنَعُونَ مِنْ تَكْبِيرٍ قَبْلَهَا قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُمْنَعَ الْعَامَّةُ مِنْ ذَلِكَ لِقِلَّةِ رَغْبَتِهِمْ فِي الْخَيْرَاتِ اهـ. وَكَذَا فِي التَّنَفُّلِ قَبْلَهَا قَالَ فِي التَّجْنِيسِ سُئِلَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ أَنَّ كَسَالَى الْعَوَامّ يُصَلُّونَ الْفَجْرَ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ أَفَنَزْجُرهُمْ عَنْ ذَلِكَ قَالَ لَا؛ لِأَنَّهُمْ إذَا مُنِعُوا عَنْ ذَلِكَ تَرَكُوهَا أَصْلًا وَأَدَاؤُهَا مَعَ تَجْوِيزِ أَهْلِ الْحَدِيثِ لَهَا أَوْلَى مِنْ تَرْكِهَا أَصْلًا اهـ. (قَوْلُهُ وَوَقْتُهَا مِنْ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ إلَى زَوَالِهَا) أَمَّا الِابْتِدَاءُ فَلِأَنَّهُ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُصَلِّي الْعِيدَ وَالشَّمْسُ عَلَى قِيدِ رُمْحٍ أَوْ رُمْحَيْنِ» ، وَهُوَ بِكَسْرِ الْقَافِ بِمَعْنَى قَدْرٍ وَأَمَّا الِانْتِهَاءُ فَلِمَا فِي السُّنَنِ «أَنَّ رَكْبًا جَاءُوا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَشْهَدُونَ أَنَّهُمْ رَأَوْا الْهِلَالَ بِالْأَمْسِ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يُفْطِرُوا وَإِذَا أَصْبَحُوا يَغْدُونَ إلَى مُصَلَّاهُمْ» ، وَلَوْ جَازَ فِعْلُهَا بَعْدَ الزَّوَالِ لَمْ يَكُنْ لِلتَّأْخِيرِ إلَى الْغَدِ مَعْنًى وَاسْتُفِيدَ مِنْهُ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ قَبْلَ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ بِمَعْنَى لَا تَكُونُ صَلَاةَ عِيدٍ بَلْ نَفْلٌ مُحَرَّمٌ، وَلَوْ زَالَتْ الشَّمْسُ، وَهُوَ فِي أَثْنَائِهَا فَسَدَتْ كَمَا فِي الْجُمُعَةِ صَرَّحَ بِهِ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ، وَعَلَى هَذَا فَيَنْبَغِي إدْخَالُهُ فِي الْمَسَائِلِ الِاثْنَى عَشْرِيَّةَ لِمَا أَنَّهَا كَالْجُمُعَةِ، وَقَدْ أَغْفَلُوهَا عَنْ ذِكْرِهَا وَيُسْتَحَبُّ تَعْجِيلُ صَلَاةِ الْأَضْحَى لِتَعْجِيلِ الْأَضَاحِيّ، وَفِي الْمُجْتَبَى وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ خُرُوجُهُ بَعْدَ ارْتِفَاعِ قَدْرِ رُمْحٍ حَتَّى لَا يَحْتَاجَ إلَى انْتِظَارِ الْقَوْمِ، وَفِي عِيدِ الْفِطْرِ يُؤَخَّرُ الْخُرُوجُ قَلِيلًا «كَتَبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَجِّلْ الْأَضْحَى وَأَخِّرْ الْفِطْرَ» قِيلَ لِيُؤَدِّيَ الْفِطْرَةَ وَيُعَجِّلَ الْأُضْحِيَّةَ. (قَوْلُهُ وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ مُثْنِيًّا قَبْلَ الزَّوَائِدِ) أَمَّا كَوْنُهَا رَكْعَتَيْنِ فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَأَمَّا كَوْنُ الثَّنَاءِ قَبْلَ التَّكْبِيرَاتِ فَلِأَنَّهُ شُرِعَ أَوَّلَ الصَّلَاةِ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَمَا يُقَدَّمُ عَلَى سَائِرِ الْأَفْعَالِ وَالْأَذْكَارِ (قَوْلُهُ وَهِيَ ثَلَاثٌ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ) أَيْ الزَّوَائِدُ ثَلَاثُ تَكْبِيرَاتٍ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَبِهِ أَخَذَ أَئِمَّتُنَا أَبُو حَنِيفَةَ وَصَاحِبَاهُ وَأَمَّا مَا فِي الْخُلَاصَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - خَمْسٌ فِي الْأُولَى وَخَمْسٌ فِي الثَّانِيَةِ أَوْ أَرْبَعٌ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَاتِ وَالْأَئِمَّةُ فِي زَمَانِنَا يُكَبِّرُونَ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ لِأَنَّ الْخُلَفَاءَ شَرَطُوا عَلَيْهِمْ ذَلِكَ اهـ. فَلَيْسَ مَذْهَبًا لِأَبِي يُوسُفَ، وَإِنَّمَا فَعَلَهُ امْتِثَالًا لِأَمْرِ هَارُونَ الرَّشِيدِ قَالَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ لَمَّا انْتَقَلَتْ الْوِلَايَةُ إلَى بَنِي الْعَبَّاسِ أَمَرُوا النَّاسَ بِالْعَمَلِ فِي التَّكْبِيرَاتِ بِقَوْلِ جَدِّهِمْ وَكَتَبُوا ذَلِكَ فِي مَنَاشِيرِهِمْ وَهَذَا تَأْوِيلُ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَدِمَ بَغْدَادَ فَصَلَّى بِالنَّاسِ صَلَاةَ الْعِيدِ وَخَلْفَهُ هَارُونُ الرَّشِيدُ فَكَبَّرَ تَكْبِيرَ ابْنِ عَبَّاسٍ فَيُحْتَمَلُ أَنَّ هَارُونَ أَمَرَهُ أَنْ يُكَبِّرَ تَكْبِيرَ جَدِّهِ فَفَعَلَهُ امْتِثَالًا لِأَمْرِهِ وَأَمَّا مَذْهَبُهُ فَهُوَ عَلَى تَكْبِيرِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؛ لِأَنَّ التَّكْبِيرَ وَرَفْعَ الْأَيْدِي خِلَافُ الْمَعْهُودِ فَكَانَ الْأَخْذُ فِيهِ بِالْأَقَلِّ أَوْلَى اهـ. وَكَذَا هُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ إنَّهُمَا فَعَلَا ذَلِكَ امْتِثَالًا لِأَمْرِ الْخَلِيفَةِ لَا مَذْهَبًا، وَلَا اعْتِقَادًا وَذُكِرَ فِي الْمُجْتَبَى ثُمَّ يَأْخُذُ بِأَيِّ هَذِهِ التَّكْبِيرَاتِ شَاءَ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ قَالَ فِي الْمُوَطَّإِ بَعْدَ ذِكْرِ الرِّوَايَاتِ فَمَا أَخَذْت بِهِ فَحَسَنٌ، وَلَوْ كَانَ فِيهَا نَاسِخٌ وَمَنْسُوخٌ لَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ أَوْلَى بِمَعْرِفَتِهِ لِقَدَمِهِ فِي عِلْمِ الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَقِيلَ الْآخَرُ نَاسِخٌ لِلْأَوَّلِ وَالصَّحِيحُ مَا قُلْنَاهُ وَالْأَخْذُ بِتَكْبِيرَاتِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَوْلَى اهـ. وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ، وَفِي الْمُحِيطِ، وَلَوْ كَبَّرَ الْإِمَامُ أَكْثَرَ مِنْ تَكْبِيرِ ابْنِ مَسْعُودٍ اتَّبَعَهُ مَا لَمْ يُكَبِّرْ أَكْثَرَ مِمَّا جَاءَ بِهِ الْآثَارُ؛ لِأَنَّهُ مُوَلًّى عَلَيْهِ فَيَلْزَمُهُ الْعَمَلُ بِرَأْيِ الْإِمَامِ وَذَلِكَ إلَى سِتَّةَ عَشْرَ، فَإِنْ زَادَ لَا يَلْزَمُهُ مُتَابَعَتُهُ؛ لِأَنَّهُ مُخْطِئٌ بِيَقِينٍ، وَلَوْ سَمِعَ التَّكْبِيرَاتِ مِنْ الْمُكَبِّرِينَ يَأْتِي بِالْكُلِّ احْتِيَاطًا، وَإِنْ كَثُرَ لِاحْتِمَالِ الْغَلَطِ مِنْ الْمُكَبِّرِينَ؛ وَلِهَذَا قِيلَ يَنْوِي بِكُلِّ تَكْبِيرَةٍ الِافْتِتَاحَ   [منحة الخالق] [وَقْتُ صَلَاة الْعِيد] قَوْلُ الْمُصَنِّفُ وَوَقْتُهَا مِنْ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ) قَالَ الشَّارِحُ الزَّيْلَعِيُّ الْمُرَادُ بِالِارْتِفَاعِ أَنْ تَبْيَضَّ. (قَوْلُهُ فَفَعَلَهُ امْتِثَالًا لِأَمْرِهِ) ؛ لِأَنَّ طَاعَةَ الْإِمَامِ فِيمَا لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ وَاجِبَةٍ وَهَذَا لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ؛ لِأَنَّهُ قَوْلُ بَعْضِ الصَّحَابَةِ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَاَلَّذِي ذَكَرُوا مِنْ عَمَلِ الْعَامَّةِ بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ لِأَمْرٍ بَيَّنَهُ الْخُلَفَاءُ بِذَلِكَ كَانَ فِي زَمَنِهِمْ أَمَّا فِي زَمَانِنَا فَقَدْ زَالَ إذْ لَا خَلِيفَةَ الْآنَ وَاَلَّذِي يَكُونُ بِمِصْرَ فَهُوَ خَلِيفَةٌ اسْمًا لَا مَعْنًى لِانْتِفَاءِ بَعْضِ شُرُوطِ الْخِلَافَةِ فِيهِ عَلَى مَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ لَهُ أَدْنَى عِلْمٍ بِشُرُوطِهَا، فَالْعَمَلُ الْآنَ بِمَا هُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَنَا لَكِنْ حَيْثُ لَا يَقَعُ الِالْتِبَاسُ عَلَى النَّاسِ. اهـ. أَقُولُ: يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّ أَمْرَ الْخَلِيفَةِ بِشَيْءٍ لَا يَبْقَى حُكْمُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ أَوْ عَزْلِهِ إذْ لَوْ بَقِيَ الْعَمَلُ بِأَمْرِهِ وَاجِبًا لَوَجَبَ عَلَيْنَا إلَى الْيَوْمِ الْعَمَلُ بِمَا أَمَرَ بِهِ هَارُونُ أَبَا يُوسُفَ وَبِهِ يُعْلَمُ حُكْمُ أَوَامِرِ سَلَاطِينِ بَنِي عُثْمَانَ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ؛ وَلِهَذَا قِيلَ يَنْوِي بِكُلِّ تَكْبِيرَةٍ الِافْتِتَاحَ إلَخْ) أَقُولُ: ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَنْوِي بِمَا زَادَ عَلَى السِّتَّةَ عَشَرَ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي ظَهَرَ بِهِ احْتِمَالُ الْغَلَطِ وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ لَمَّا زَادَ عَلَى الْمَأْثُورِ احْتَمَلَ خَطَأَ الْمُكَبِّرِينَ بِأَنَّهُمْ زَادُوا تَكْبِيرَةً مَثَلًا وَاحْتُمِلَ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الزَّائِدَةُ هِيَ تَكْبِيرَةُ الِافْتِتَاحِ تَقَدَّمُوا بِهَا عَلَى الْإِمَامِ فَلَمْ يَصِحَّ الشُّرُوعُ فَلِذَا يَنْوِي بِمَا زَادَهُ الِافْتِتَاحَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 173 لِاحْتِمَالِ التَّقَدُّمِ عَلَى الْإِمَامِ فِي كُلِّ تَكْبِيرَةٍ اهـ. ثُمَّ قَالَ الْأَصْلُ أَنَّ الْمُنْفَرِدَ يَتْبَعُ رَأْيَ نَفْسِهِ فِي التَّكْبِيرَاتِ وَالْمُقْتَدِي يَتْبَعُ رَأْيَ إمَامِهِ، وَمَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ رَاكِعًا فِي صَلَاةِ الْعِيدِ فَخَشِيَ أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ يَرْكَعُ وَيُكَبِّرُ فِي رُكُوعِهِ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، وَلَوْ أَدْرَكَهُ فِي الْقِيَامِ فَلَمْ يُكَبِّرْ حَتَّى رَكَعَ لَا يُكَبِّرُ فِي الرُّكُوعِ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا لَوْ رَكَعَ الْإِمَامُ قَبْلَ أَنْ يُكَبِّرَ فَإِنَّ الْإِمَامَ لَا يُكَبِّرُ فِي الرُّكُوعِ، وَلَا يَعُودُ إلَى الْقِيَامِ لِيُكَبِّرَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَمِنْ فَاتَتْهُ أَوَّلُ الصَّلَاةِ مَعَ الْإِمَامِ يُكَبِّرُ فِي الْحَالِ وَيُكَبِّرُ بِرَأْيِ نَفْسِهِ. (قَوْلُهُ يُوَالِي بَيْنَ الْقِرَاءَتَيْنِ) اقْتِدَاءً بِابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلِتَكُونَ التَّكْبِيرَاتُ مُجْتَمِعَةً؛ لِأَنَّهَا مِنْ أَعْلَامِ الشَّرِيعَةِ وَلِذَلِكَ وَجَبَ الْجَهْرُ بِهَا وَالْجَمْعُ يُحَقِّقُ مَعْنَى الشَّعَائِرِ وَالْإِعْلَامِ هَذَا إلَّا أَنَّ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى تَخَلَّلَتْ الزَّوَائِدُ بَيْنَ تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ وَتَكْبِيرَةِ الرُّكُوعِ فَوَجَبَ الضَّمُّ إلَى إحْدَاهُمَا وَالضَّمُّ إلَى تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا سَابِقَةٌ، وَفِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ الْأَصْلُ فِيهِ تَكْبِيرَةُ الرُّكُوعِ لَا غَيْرُهُ فَوَجَبَ الضَّمُّ إلَيْهَا ضَرُورَةً كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَالْهِدَايَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوُجُوبِ فِي عِبَارَتِهِمَا الثُّبُوتُ لَا الْمُصْطَلَحُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمُوَالَاةَ بَيْنَهُمَا مُسْتَحَبَّةٌ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ ثُمَّ الْمَسْبُوقُ بِرَكْعَةٍ إذَا قَامَ إلَى الْقَضَاءِ فَإِنَّهُ يَقْرَأُ ثُمَّ يُكَبِّرُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ بَدَأَ بِالتَّكْبِيرِ يَصِيرُ مُوَالِيًا بَيْنَ التَّكْبِيرَاتِ، وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَلَوْ بَدَأَ بِالْقِرَاءَةِ يَصِيرُ فِعْلُهُ مُوَافِقًا لِقَوْلِ عَلِيٍّ فَكَانَ أَوْلَى كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَهُوَ مُخَصِّصٌ لِقَوْلِهِمْ إنَّ الْمَسْبُوقَ يَقْضِي أَوَّلَ صَلَاتِهِ فِي حَقِّ الْأَذْكَارِ وَيُكَبِّرُ الْمَسْبُوقُ عَلَى رَأْيِ نَفْسِهِ بِخِلَافِ اللَّاحِقِ فَإِنَّهُ يُكَبِّرُ عَلَى رَأْيِ إمَامِهِ؛ لِأَنَّهُ خَلْفَ الْإِمَامِ حُكْمًا كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ، وَفِي الْمُجْتَبَى الْأَصْلُ أَنَّ مَنْ قَدَّمَ الْمُؤَخَّرَ أَوَ أَخَّرَ الْمُقَدَّمِ سَاهِيًا أَوْ اجْتِهَادًا، فَإِنْ كَانَ لَمْ يَفْرُغْ مِمَّا دَخَلَ فِيهِ يُعِيدُ، وَإِنْ فَرَغَ لَا يَعُودُ اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ إنْ بَدَأَ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ سَهْوًا ثُمَّ تَذَكَّرَ، فَإِنْ فَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ وَالسُّورَةِ يَمْضِي فِي صَلَاتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَقْرَأْ إلَّا الْفَاتِحَةَ كَبَّرَ وَأَعَادَ الْقِرَاءَةَ لُزُومًا؛ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ إذَا لَمْ تَتِمَّ كَانَ امْتِنَاعًا عَنْ الْإِتْمَامِ لَا رَفْضًا لِلْفَرْضِ، وَلَوْ تَحَوَّلَ رَأْيُهُ بَعْدَ مَا صَلَّى رَكْعَةً وَكَبَّرَ بِالْقَوْلِ الثَّانِي، فَإِنْ تَحَوَّلَ إلَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ بَعْدَمَا كَبَّرَ بِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَقَرَأَ إنْ لَمْ يَفْرُغْ مِنْ الْقِرَاءَةِ يُكَبِّرُ مَا بَقِيَ مِنْ تَكْبِيرَاتِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَيُعِيدُ الْقِرَاءَةَ، وَإِنْ فَرَغَ مِنْ الْقِرَاءَةِ كَبَّرَ مَا بَقِيَ، وَلَا يُعِيدُ الْقِرَاءَةَ. (قَوْلُهُ وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي الزَّوَائِدِ) تَوْضِيحٌ لِمَا أَبْهَمَهُ سَابِقًا بِقَوْلِهِ، وَلَا يَرْفَعُ الْأَيْدِي إلَّا فِي " فقعس صمعج " فَإِنَّ الْعَيْنَ الْأُولَى لِلْإِشَارَةِ إلَى الْعِيدَيْنِ فَبَيَّنَ هُنَا أَنَّهُ خَاصٌّ بِالزَّوَائِدِ دُونَ تَكْبِيرَةِ الرُّكُوعِ فَإِنَّ تَكْبِيرَتَيْ الرُّكُوعِ لَمَّا أُلْحِقَتْ بِالزَّوَائِدِ فِي كَوْنِهِمَا وَاجِبَتَيْنِ حَتَّى يَجِبَ السَّهْوُ بِتَرْكِهِمَا سَاهِيًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ رُبَّمَا تَوَهَّمَ أَنَّهُمَا الْتَحَقَتَا بِهِمَا فِي الرَّفْعِ أَيْضًا فَنَصَّ عَلَى أَنَّهُ خَاصٌّ بِالزَّوَائِدِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِيهَا، وَهُوَ ضَعِيفٌ وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا إذَا كَبَّرَ رَاكِعًا لِكَوْنِهِ مَسْبُوقًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَإِنَّهُ لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَقِيلَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ يَسْكُتُ بَيْنَ كُلِّ تَكْبِيرَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُمَا ذِكْرٌ مَسْنُونٌ عِنْدَنَا؛ وَلِهَذَا يُرْسِلُ يَدَيْهِ عِنْدَنَا وَقَدْرُهُ مِقْدَارُ ثَلَاثِ تَسْبِيحَاتٍ لِزَوَالِ الِاشْتِبَاهِ، وَذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّ هَذَا التَّقْدِيرَ لَيْسَ بِلَازِمٍ بَلْ يَخْتَلِفُ بِكَثْرَةِ الزِّحَامِ وَقِلَّتِهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إزَالَةُ الِاشْتِبَاهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ هُنَا الْجَهْرَ بِالْقِرَاءَةِ لِمَا عُلِمَ سَابِقًا فِي فَضْلِ الْقِرَاءَةِ وَيَقْرَأُ فِيهِمَا كَمَا يَقْرَأُ فِي الْجُمُعَةِ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ صَلَّى خَلْفَ إمَامٍ لَا يَرَى رَفْعَ الْيَدَيْنِ عِنْدَ تَكْبِيرَاتِ الزَّوَائِدِ يَرْفَعُ يَدَيْهِ، وَلَا يُوَافِقُ الْإِمَامَ فِي التَّرْكِ اهـ. (قَوْلُهُ وَيَخْطُبُ بَعْدَهَا خُطْبَتَيْنِ)   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ كَمَا لَوْ رَكَعَ الْإِمَامُ إلَخْ) هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ فِي بَابِ الْوِتْرِ، وَالنَّوَافِلِ مِنْ أَنَّهُ يُكَبِّرُ فِي الرُّكُوعِ وَذَكَرَ هُنَاكَ الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقُنُوتِ إذَا تَذَكَّرَهُ فِي الرُّكُوعِ حَيْثُ لَا يَعُودُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْقُنُوتَ لَمْ يُشْرَعْ إلَّا فِي مَحْضِ الْقِيَامِ، وَمُخَالِفٌ لِمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ مِنْ أَنَّهُ يَعُودُ إلَى الْقِيَامِ وَيُكَبِّرُ وَتَكَلَّفَ لِلْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقُنُوتِ فَإِنَّهُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَشْكَلُ أَكْثَرَ مِنْهُ عَلَى الْأَوَّلِ، وَأَمَّا عَلَى مَا هُنَا فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا، فَلَا إشْكَالَ أَصْلًا، وَمَا هُنَا صَرَّحَ بِمِثْلِهِ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ حَيْثُ قَالَ: وَإِنْ تَذَكَّرَ فِي الرُّكُوعِ فَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يُكَبِّرُ وَيَمْضِي عَلَى صَلَاتِهِ، وَعَلَى مَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ وَمَشَى عَلَيْهِ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ، وَهُوَ رِوَايَةُ النَّوَادِرِ يَعُودُ إلَى الْقِيَامِ وَيُكَبِّرُ وَيُعِيدُ الرُّكُوعَ، وَلَا يُعِيدُ فِي الْفَصْلَيْنِ الْقِرَاءَةَ اهـ. (قَوْلُهُ فَإِنَّ تَكْبِيرَتَيْ الرُّكُوعِ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّ تَكْبِيرَ الرُّكُوعِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ وَاجِبٌ يَجِبُ بِتَرْكِهِ سُجُودُ السَّهْوِ، وَهَكَذَا فَهِمَهُ فِي الشرنبلالية مِنْ عِبَارَةِ الْمُؤَلِّفِ فَاعْتَرَضَهُ بِأَنَّ الْكَمَالَ صَرَّحَ فِي بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ بِتَرْكِ تَكْبِيرَاتِ الِانْتِقَالِ إلَّا فِي تَكْبِيرَةِ رُكُوعِ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ صَلَاةِ الْعِيدِ. اهـ. قُلْتُ وَالْمُؤَلِّفُ أَيْضًا صَرَّحَ بِذَلِكَ هُنَاكَ فَيَتَعَيَّنُ حَمْلُ كَلَامِهِ هُنَا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِتَكْبِيرَتَيْ الرُّكُوعِ التَّكْبِيرَتَانِ فِي رُكُوعَيْ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ صَلَاتَيْ الْعِيدَيْنِ وَهَذَا، وَإِنْ كَانَ فِيهِ نَوْعُ بُعْدٍ لَكِنَّهُ يُرْتَكَبُ تَوْفِيقًا بَيْنَ كَلَامَيْهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 174 اقْتِدَاءً بِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ فَإِنَّهُ يَخْطُبُ قَبْلَهَا؛ لِأَنَّ الْخُطْبَةَ فِيهَا شَرْطٌ وَالشَّرْطُ مُتَقَدِّمٌ أَوْ مُقَارِنٌ، وَفِي الْعِيدِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ؛ وَلِهَذَا إذَا خَطَبَ قَبْلَهَا صَحَّ وَكُرِهَ؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ السُّنَّةَ كَمَا لَوْ تَرَكَهَا أَصْلًا، وَفِي الْمُجْتَبَى وَيَبْدَأُ بِالتَّحْمِيدِ فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ وَخُطْبَةِ الِاسْتِسْقَاءِ وَخُطْبَةِ النِّكَاحِ وَيَبْدَأُ بِالتَّكْبِيرَاتِ فِي خُطْبَةِ الْعِيدَ يْنِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَفْتِحَ الْأُولَى بِتِسْعِ تَكْبِيرَاتٍ تَتْرَى وَالثَّانِيَةَ بِسَبْعٍ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ: هُوَ مِنْ السُّنَّةِ وَيُكَبِّرُ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ مِنْ الْمِنْبَرِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ اهـ. وَيَجِبُ السُّكُوتُ وَالِاسْتِمَاعُ فِي خُطْبَةِ الْعِيدَيْنِ وَخُطْبَةِ الْمَوْسِمِ كَذَا فِي الْمُجْتَبَى (قَوْلُهُ وَيُعَلِّمُ النَّاسَ فِيهَا أَحْكَامَ صَدَقَةِ الْفِطْرِ) ؛ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِأَجْلِهِ قَالَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَأَحْكَامُهَا خَمْسَةٌ عَلَى مَنْ تَجِبُ وَلِمَنْ تَجِبُ وَمَتَى تَجِبُ وَكَمْ تَجِبُ وَمِمَّ تَجِبُ أَمَّا عَلَى مَنْ تَجِبُ فَعَلَى الْحُرِّ الْمُسْلِمِ الْمَالِكِ لِلنِّصَابِ وَأَمَّا لِمَنْ تَجِبُ فَلِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ، وَأَمَّا مَتَى تَجِبُ فَبِطُلُوعِ الْفَجْرِ وَأَمَّا كَمْ تَجِبُ فَنِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ أَوْ زَبِيبٍ وَأَمَّا مِمَّ تَجِبُ فَمِنْ أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ الْمَذْكُورَةِ وَأَمَّا مَا سِوَاهَا فَبِالْقِيمَةِ. (قَوْلُهُ: وَلَمْ تُقْضَ إنْ فَاتَتْ مَعَ الْإِمَامِ) ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ لَمْ تُعْرَفْ قُرْبَةً إلَّا بِشَرَائِطَ لَا تَتِمُّ بِالْمُنْفَرِدِ فَمُرَادُهُ نَفْيُ صَلَاتِهَا وَحْدَهُ وَإِلَّا فَإِذَا فَاتَتْ مَعَ إمَامٍ وَأَمْكَنَهُ أَنْ يَذْهَبَ إلَى إمَامٍ آخَرَ فَإِنَّهُ يَذْهَبُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ تَعْدَادُهَا فِي مِصْرٍ وَاحِدٍ فِي مَوْضِعَيْنِ وَأَكْثَرَ اتِّفَاقًا إنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْجُمُعَةِ وَأَطْلَقَهُ فَشَمَلَ مَا إذَا كَانَ فِي الْوَقْتِ أَوْ خَرَجَ الْوَقْتُ، وَمَا إذَا لَمْ يَدْخُلْ مَعَ الْإِمَامِ أَصْلًا أَوْ دَخَلَ مَعَهُ وَأَفْسَدَهَا فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ أَصْلًا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إذَا أَفْسَدَهَا بَعْدَ الشُّرُوعِ يَقْضِي؛ لِأَنَّ الشُّرُوعَ فِي الْإِيجَابِ كَالنَّذْرِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ إذَا لَمْ يَلْزَمْهُ الْقَضَاءُ فَالْإِثْمُ عَلَيْهِ لِتَرْكِ الْوَاجِبِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ كَالسَّجْدَةِ الصَّلَاتِيَّةِ إذَا لَمْ يَسْجُدْ لَهَا حَتَّى فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ، وَفِي الْبَدَائِعِ وَأَمَّا حُكْمُهَا إذَا فَسَدَتْ أَوْ فَاتَتْ فَكُلُّ مَا يُفْسِدُ سَائِرَ الصَّلَوَاتِ وَالْجُمُعَةَ يُفْسِدُهَا مِنْ خُرُوجِ الْوَقْتِ، وَلَوْ بَعْدَ الْقُعُودِ وَفَوِّتْ الْجَمَاعَةِ عَلَى التَّفْصِيلِ وَالِاخْتِلَافِ الْمَذْكُورِ فِي الْجُمُعَةِ غَيْرَ أَنَّهَا إنْ فَسَدَتْ بِنَحْوِ حَدَثٍ عَمْدٍ يَسْتَقْبِلُهَا، وَإِنْ فَسَدَتْ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ سَقَطَتْ، وَلَا يَقْضِيهَا عِنْدَنَا كَالْجُمُعَةِ وَلَكِنَّهُ يُصَلِّي أَرْبَعًا مِثْلَ صَلَاةِ الضُّحَى إنْ شَاءَ؛ لِأَنَّهَا إذَا فَاتَتْهُ لَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهَا بِالْقَضَاءِ لِفَقْدِ الشَّرَائِطِ فَلَوْ صَلَّى مِثْلَ الضُّحَى لِنَيْلِ الثَّوَابِ كَانَ حَسَنًا، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ. (قَوْلُهُ وَتُؤَخَّرُ بِعُذْرٍ إلَى الْغَدِ فَقَطْ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهَا أَنْ لَا تُقْضَى لَكِنْ وَرَدَ الْحَدِيثُ بِتَأْخِيرِهَا إلَى الْغَدِ لِلْعُذْرِ فَبَقِيَ مَا عَدَاهُ عَلَى الْأَصْلِ فَلَا تُؤَخَّرُ إلَى الْغَدِ بِغَيْرِ عُذْرٍ، وَلَا إلَى مَا بَعْدَهُ بِعُذْرٍ وَلَمَّا قَدَّمَ أَنَّ انْتِهَاءَ وَقْتِهِ زَوَالُ الشَّمْسِ مِنْ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ لَمْ يَحْتَجْ إلَى التَّقْيِيدِ هُنَا فَالْعِبَارَةُ الْجَيِّدَةُ وَتُؤَخَّرُ بِعُذْرٍ إلَى الزَّوَالِ مِنْ الْغَدِ فَقَطْ، وَلَمْ يُذْكَرْ فِي الْكُتُبِ الْمُعْتَبَرَةِ اخْتِلَافٌ فِي هَذَا وَذُكِرَ فِي الْمُجْتَبَى عَنْ الطَّحَاوِيِّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ أَنَّ هَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ فَاتَتْ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ لَمْ تُقْضَ لِأَبِي يُوسُفَ حَدِيثُ «أَنَسٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عُمُومَتِي مِنْ الْأَنْصَارِ أَنَّ الْهِلَالَ خَفِيَ عَلَى النَّاسِ فِي آخِرِ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ فَأَصْبَحُوا صِيَامًا فَشَهِدُوا عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ الزَّوَالِ أَنَّهُمْ رَأَوْا الْهِلَالَ فِي اللَّيْلَةِ الْمَاضِيَةِ فَأَمَرَهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْفِطْرِ فَأَفْطَرُوا وَخَرَجَ بِهِمْ مِنْ الْغَدِ فَصَلَّى بِهِمْ صَلَاةَ الْعِيدِ» وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْأَصْلَ أَنْ لَا تُقْضَى لَكِنْ تَرَكْنَاهُ فِي الْأَضْحَى لِخَصَائِصِ الْعِيدِ ثَمَّةَ، وَهُوَ جَوَازُ النَّحْرِ وَحُرْمَةُ الصَّوْمِ وَفِيمَا عَدَاهُ جَرَيْنَا عَلَى الْأَصْلِ قَالَ الطَّحَاوِيُّ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ «وَلْيَخْرُجُوا لِعِيدِهِمْ مِنْ الْغَدِ» ، وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ صَلَّى صَلَاةَ الْعِيدِ بِهِمْ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ خُرُوجُهُمْ لِإِظْهَارِ سَوَادِ الْمُسْلِمِينَ وَإِرْهَابًا لِعَدُوِّهِمْ اهـ. . [الْأَكْلِ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيد] (قَوْلُهُ وَهِيَ أَحْكَامُ الْأَضْحَى) أَيْ الْأَحْكَامُ الْمَذْكُورَةُ لِعِيدِ الْفِطْرِ ثَابِتَةٌ لِعِيدِ الْأَضْحَى صِفَةً وَشَرْطًا وَوَقْتًا وَمَنْدُوبًا لِاسْتِوَائِهِمَا دَلِيلًا وَاسْتَثْنَى الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 175 (لَكِنْ هُنَا يُؤَخِّرُ الْأَكْلَ) لِلِاتِّبَاعِ فِيهِمَا، وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَرْكِ الْمُسْتَحَبِّ ثُبُوتُ الْكَرَاهَةِ إذْ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ دَلِيلٍ خَاصٍّ فَلِذَا كَانَ الْمُخْتَارُ عَدَمَ كَرَاهَةِ الْأَكْلِ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَأَطْلَقَهُ فَشَمَلَ مَنْ لَا يُضَحِّي وَقِيلَ إنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ التَّأْخِيرُ فِي حَقِّهِ وَشَمَلَ مَنْ كَانَ فِي الْمِصْرِ، وَمِنْ كَانَ فِي السَّوَادِ وَقَيَّدَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِأَنَّ هَذَا فِي حَقِّ الْمِصْرِيِّ أَمَّا الْقَرَوِيُّ فَإِنَّهُ يَذُوقُ مِنْ حِينِ أَصْبَحَ، وَلَا يُمْسِكُ كَمَا فِي عِيدِ الْفِطْرِ؛ لِأَنَّ الْأَضَاحِيَ تُذْبَحُ فِي الْقُرَى مِنْ الصَّبَاحِ. (قَوْلُهُ وَيُكَبِّرُ فِي الطَّرِيقِ جَهْرًا) لِلِاتِّبَاعِ أَيْضًا وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُسْتَحَبٍّ فِي الْبَيْتِ وَفِي الْمُصَلَّى، وَفِي الْمُحِيطِ وَيُكَبِّرُ فِي حَالِ خُرُوجِهِ إلَى الْمُصَلَّى جَهْرًا فَإِذَا انْتَهَى إلَى الْمُصَلَّى يَتْرُكُ، وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَقْطَعُهَا مَا لَمْ يَفْتَتِحْ الْإِمَامُ الصَّلَاةَ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ التَّكْبِيرِ فَإِنَّهُ يُكَبِّرُ عَقِبَ الصَّلَاةِ جَهْرًا وَيُسَنُّ الْجَهْرُ بِالتَّكْبِيرِ إظْهَارًا لِلشَّعَائِرِ اهـ. وَجَزَمَ فِي الْبَدَائِعِ بِالْأُولَى وَعَمَلُ النَّاسِ فِي الْمَسَاجِدِ عَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ. [خُطْبَة الْعِيد] (قَوْلُهُ وَيُعَلِّمُ الْأُضْحِيَّةَ وَتَكْبِيرَ التَّشْرِيقِ فِي الْخُطْبَةِ) ؛ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِتَعْلِيمِ أَحْكَامِ الْوَقْتِ هَكَذَا ذَكَرُوا مَعَ أَنَّ تَكْبِيرَ التَّشْرِيقِ يَحْتَاجُ إلَى تَعْلِيمِهِ قَبْلَ يَوْمِ عَرَفَةَ لِيَتَعَلَّمُوهُ يَوْمَ عَرَفَةَ فَإِنَّهُ ابْتِدَاؤُهُ فَيَنْبَغِي لِلْخَطِيبِ أَنْ يُعَلِّمَهُمْ أَحْكَامَهُ فِي الْجُمُعَةِ الَّتِي قَبْلَ عِيدِ الْأَضْحَى كَمَا أَنَّهُ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُعَلِّمَهُمْ أَحْكَامَ صَدَقَةِ الْفِطْرِ فِي الْجُمُعَةِ الَّتِي قَبْلَ عِيدِ الْفِطْرِ لِيَتَعَلَّمُوهَا وَيُخْرِجُوهَا قَبْلَ الْخُرُوجِ إلَى الْمُصَلَّى، وَلَمْ أَرَهُ مَنْقُولًا وَالْعِلْمُ أَمَانَةٌ فِي عُنُقِ الْعُلَمَاءِ وَيُسْتَفَادُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْخَطِيبَ إذَا رَأَى بِهِمْ حَاجَةً إلَى مَعْرِفَةِ بَعْضِ الْأَحْكَامِ وَأَنَّهُ يُعَلِّمُهُمْ إيَّاهَا فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ خُصُوصًا فِي زَمَانِنَا مِنْ كَثْرَةِ الْجَهْلِ وَقِلَّةِ الْعِلْمِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُعَلِّمَهُمْ أَحْكَامَ الصَّلَاةِ كَمَا لَا يَخْفَى. (قَوْلُهُ وَتُؤَخَّرُ بِعُذْرٍ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) ؛ لِأَنَّهَا مُوَقَّتَةٌ بِوَقْتِ الْأُضْحِيَّةِ فَتَجُوزُ مَا دَامَ وَقْتُهَا بَاقِيًا، وَلَا تَجُوزُ بَعْدَ خُرُوجِهِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُقْضَى قَيَّدَ بِالْعُذْرِ؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَهَا لِغَيْرِ عُذْرٍ عَنْ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ مَكْرُوهٌ بِخِلَافِ تَأْخِيرِ عِيدِ الْفِطْرِ لِغَيْرِ عُذْرٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَلَا يُصَلَّى بَعْدَهُ فَالتَّقْيِيدُ بِالْعُذْرِ هُنَا لِنَفْيِ الْكَرَاهَةِ، وَفِي عِيدِ الْفِطْرِ لِلصِّحَّةِ كَذَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ، وَفِي الْمُجْتَبَى، وَإِنَّمَا قَيَّدَهُ بِالْعُذْرِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَهَا فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ بِغَيْرِ عُذْرٍ لَمْ يُصَلِّهَا بَعْدَ كَذَا فِي صَلَاةِ الْجَلَّابِيِّ، وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ غَرَائِبِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (قَوْلُهُ وَالتَّعْرِيفُ لَيْسَ بِشَيْءٍ) ، وَهُوَ فِي اللُّغَةِ الْوُقُوفُ بِعَرَفَاتٍ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا وُقُوفُ النَّاسِ يَوْمَ عَرَفَةَ فِي غَيْرِ عَرَفَاتٍ تَشَبُّهًا بِالْوَاقِفِينَ بِهَا وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَى هَذَا اللَّفْظِ فَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ مَطْلُوبُ الِاجْتِنَابِ فَيَكُونُ مَكْرُوهًا، وَفِي النِّهَايَةِ لَيْسَ بِشَيْءٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ الثَّوَابُ، وَهُوَ يَصْدُقُ عَلَى الْإِبَاحَةِ، وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَيْ لَيْسَ بِشَيْءٍ فِي حُكْمِ الْوُقُوفِ لِقَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي الْأَصْلِ دَمُ السَّمَكِ لَيْسَ بِشَيْءٍ فِي حُكْمِ الدِّمَاءِ وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ شَيْءٌ حَقِيقَةً لِكَوْنِهِ مَوْجُودًا إلَّا أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ مُعْتَبَرًا نَفَى عَنْهُ اسْمَ الشَّيْءِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُعْتَبَرْ تَعْرِيفُهُمْ؛ لِأَنَّ الْوُقُوفَ لَمَّا كَانَ عِبَادَةً مَخْصُوصَةً بِمَكَانٍ لَمْ يَجُزْ فِعْلُهُ إلَّا فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ كَالطَّوَافِ وَغَيْرِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الطَّوَافُ حَوْلَ سَائِرِ الْبُيُوتِ تَشَبُّهًا بِالطَّوَافِ حَوْلَ الْكَعْبَةِ اهـ.   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ فَلِذَا كَانَ الْمُخْتَارُ عَدَمَ كَرَاهَةِ الْأَكْلِ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَيْ تَحْرِيمًا اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ لِقَوْلِ التَّبْيِينِ بَعْدُ: وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْكُلَ وَهُوَ يُعْطِي نَفْيَ التَّنْزِيهِ كَمَا لَا يَخْفَى قَالَهُ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ فَلْيُتَأَمَّلْ. وَالْأَحْسَنُ الِاسْتِدْلَال بِمَا قَالَهُ فِي الْبَدَائِعِ، وَأَمَّا فِي عِيدِ الْأَضْحَى، فَإِنْ شَاءَ ذَاقَ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَذُقْ وَالْأَدَبُ أَنْ لَا يَذُوقَ شَيْئًا إلَى وَقْتِ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ حَتَّى يَكُونَ تَنَاوُلُهُ مِنْ الْقَرَابِينِ اهـ. فَإِنَّ هَذَا التَّعْبِيرَ يُفِيدُ نَفْيَ الْكَرَاهَةِ أَصْلًا وَانْظُرْ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي مَكْرُوهَاتِ الصَّلَاةِ قُبَيْلَ الْفَصْلِ. [الْجَهْرُ بِالتَّكْبِيرِ فِي الْعِيد] (قَوْلُهُ فَيَنْبَغِي لِلْخَطِيبِ أَنْ يُعَلِّمَهُمْ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ قَدَّمْنَا مَا يُسْتَغْنَى بِهِ عَنْ ذَلِكَ فَارْجِعْ إلَيْهِ، وَمَا قَدَّمَهُ هُوَ قَوْلُهُ فِي خُطْبَةِ صَلَاةِ الْفِطْرِ يُمْكِنُ أَنْ تَظْهَرَ فِي حَقِّ مَنْ أَتَى بِهَا فِي الْعَامِ الْقَابِلِ أَوْ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يُؤَدِّهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ. اهـ. وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ فَإِنَّ مِنْ الْعَامِ إلَى الْعَامِ يَنْسَى الْعَالِمُ فَضْلًا عَنْ الْعَوَامّ وَظُهُورُ الثَّمَرَةِ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يُؤَدِّهَا فَقَطْ بَعِيدٌ إذْ الْمَقْصُودُ تَذْكِيرُ الْأَحْكَامِ لِلْعَوَامِّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ تَكْبِيرِ التَّشْرِيقِ خُصُوصًا مَعَ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ مِنْ الَّذِي يُسْتَفَادُ مِنْ كَلَامِهِمْ فَإِنَّهُ يُؤَيِّدُ مَا قَالَهُ، وَقَدْ ذَكَرَ فِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ فِي أَوَّلِ بَابِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ عَنْ الشُّمُنِّيِّ أَنَّهُ «كَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَخْطُبُ قَبْلَ الْفِطْرِ بِيَوْمَيْنِ يَأْمُرُ بِإِخْرَاجِهَا» . (قَوْلُهُ وَفِي الْمُجْتَبَى، وَإِنَّمَا قَيَّدَهُ بِالْعُذْرِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَقُولُ: الَّذِي فِي الْمِعْرَاجِ عَنْ الْمُجْتَبَى مَا قَدَّمْنَاهُ يَعْنِي مِنْ قَوْلِهِ فِي صَلَاةِ الْفِطْرِ لَوْ أَخَّرَهَا بِلَا عُذْرٍ لَمْ يُصَلِّهَا بِخِلَافِ عِيدِ الْأَضْحَى قَالَ: وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِكَلَامِهِمْ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا فِي الْبَحْرِ سَهْوٌ. اهـ. قُلْتُ: الَّذِي رَأَيْتُهُ فِي الْمُجْتَبَى عَيْنَ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ فَلَا يَنْبَغِي الْحُكْمُ عَلَيْهِ بِالسَّهْوِ بِدُونِ مُرَاجَعَةٍ لَهُ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى نَقْلِهِ عَنْ الْمِعْرَاجِ وَأَغْرَبُ مِنْهُ مَا فَعَلَهُ الرَّمْلِيُّ حَيْثُ نَقَلَ صَدْرَ عِبَارَةِ الْمُجْتَبَى وَحَكَمَ عَلَى الْمُؤَلِّفِ بِالسَّهْوِ وَمَعَ أَنَّ قَوْلَ الْمُجْتَبَى، وَإِنَّمَا قَيَّدَهُ إلَخْ مَذْكُورٌ عَقِيبَ مَا نَقَلَهُ الرَّمْلِيُّ بِلَا فَاصِلٍ وَلَعَلَّهُ سَاقِطٌ مِنْ نُسْخَتِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 176 وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَحْرِيمِيَّةٌ، وَفِي الذَّخِيرَةِ مِنْ كِتَابِ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةُ التَّضْحِيَةُ بِالدِّيكِ أَوْ الدَّجَاجِ فِي أَيَّامِ الْأُضْحِيَّةِ مِمَّنْ لَا أُضْحِيَّةَ عَلَيْهِ لِعُسْرَتِهِ بِطَرِيقِ التَّشْبِيهِ بِالْمُضَحِّينَ مَكْرُوهٌ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ رُسُومِ الْمَجُوسِ اهـ. . (قَوْلُهُ وَسُنَّ بَعْدَ فَجْرِ عَرَفَةَ إلَى ثَمَانِ مَرَّةٍ اللَّهُ أَكْبَرُ إلَى آخِرِهِ بِشَرْطِ إقَامَةٍ وَمِصْرٍ وَمَكْتُوبَةٍ وَجَمَاعَةٍ مُسْتَحَبَّةٍ) بَيَانٌ لِتَكْبِيرِ التَّشْرِيقِ، وَالْإِضَافَةُ فِيهِ بَيَانِيَّةٌ أَيْ التَّكْبِيرُ الَّذِي هُوَ التَّشْرِيقُ فَإِنَّ التَّكْبِيرَ لَا يُسَمَّى تَشْرِيقًا إلَّا إذَا كَانَ بِتِلْكَ الْأَلْفَاظِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَيَّامِ الْمَخْصُوصَةِ فَهُوَ حِينَئِذٍ مُتَفَرِّعٌ عَلَى قَوْلِ الْكُلِّ وَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مِنْ أَنَّ هَذِهِ الْإِضَافَةَ وَقَعَتْ عَلَى قَوْلِهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَا تَكْبِيرَ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ. فَإِنَّ التَّكْبِيرَ فِي هَذَا الْوَقْتِ الْخَاصِّ يُسَمَّى تَشْرِيقًا فَإِذَا صَارَ عَلَمًا عَلَيْهِ خَرَجَ مِنْ إفَادَتِهِ مَعْنَاهُ الْأَصْلِيِّ مِنْ تَشْرِيقِ اللَّحْمِ مَعَ أَنَّهُ إنْ رُوعِيَ هَذَا الْمَعْنَى لَمْ يَكُنْ مُتَفَرِّعًا عَلَى قَوْلِ أَحَدٍ؛ لِأَنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى تَكْبِيرِ التَّشْرِيقِ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ، وَلَيْسَ الْمَعْنَى مَوْجُودًا فِيهِ، وَمَا فِي الْحَقَائِقِ مِنْ أَنَّهُ إنَّمَا أُضِيفَ إلَى التَّشْرِيقِ مَعَ أَنَّهُ يُؤْتَى بِهِ فِي غَيْرِهَا لِمَا أَنَّ أَكْثَرَهُ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لِلْأَكْثَرِ حُكْمُ الْكُلِّ يَئُولُ إلَى أَنَّهُ عَلَى قَوْلِهِمَا كَمَا لَا يَخْفَى، وَعَلَى هَذَا فَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَدَائِعِ مِنْ أَنَّ أَيَّامَ النَّحْرِ ثَلَاثَةٌ وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ ثَلَاثَةٌ وَيَمْضِي ذَلِكَ كُلُّهُ فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامِ الْعَاشِرِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ لِلنَّحْرِ خَاصَّةً وَالثَّالِثَ عَشَرَ لِلتَّشْرِيقِ خَاصَّةً وَالْيَوْمَانِ فِيمَا بَيْنَهُمَا لِلنَّحْرِ وَالتَّشْرِيقِ جَمِيعًا اهـ. فَبَيَانٌ لِلْوَاقِعِ مِنْ أَفْعَالِ النَّاسِ مِنْ أَنَّهُمْ يُشَرِّقُونَ اللَّحْمَ فِي أَيَّامٍ مَخْصُوصَةٍ لَا بَيَانٌ لِتَكْبِيرِ التَّشْرِيقِ لِاتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّ الْيَوْمَ الْأَوَّلَ مِنْ أَيَّامِ النَّحْرِ يُكَبَّرُ فِيهِ ثُمَّ صَرَّحَ فِي الْبَدَائِعِ بِأَنَّ التَّشْرِيقَ فِي اللُّغَةِ كَمَا يُطْلَقُ عَلَى إلْقَاءِ لُحُومِ الْأَضَاحِيّ بِالْمُشَرِّقَةِ يُطْلَقُ عَلَى رَفْعِ الصَّوْتِ بِالتَّكْبِيرِ قَالَهُ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ؛ وَلِذَا اسْتَدَلَّ أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى اشْتِرَاطِ الْمِصْرِ لِوُجُوبِ التَّكْبِيرِ بِقَوْلِ عَلِيٍّ لَا جُمُعَةَ، وَلَا تَشْرِيقَ، وَلَا فِطْرَ، وَلَا أَضْحَى إلَّا فِي مِصْرٍ جَامِعٍ فَحِينَئِذٍ ظَهَرَ أَنَّ الْإِضَافَةَ فِيهِ عَلَى قَوْلِ الْكُلِّ ثُمَّ سَمَّاهُ فِي الْكِتَابِ سُنَّةً تَبَعًا لِلْكَرْخِيِّ مَعَ أَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ لِلْأَمْرِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: 203] وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} [الحج: 28] عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أَيَّامُ التَّشْرِيقِ وَقِيلَ الْمَعْدُودَاتُ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ وَالْمَعْلُومَاتُ أَيَّامُ الْعَشْرِ وَقِيلَ: الْمَعْلُومَاتُ يَوْمُ النَّحْرِ وَيَوْمَانِ بَعْدَهُ، وَالْمَعْدُودَاتُ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَ فِي الْمَعْدُودَاتِ بِالذِّكْرِ مُطْلَقًا، وَفِي الْمَعْلُومَاتِ الذِّكْرُ {عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ} [الحج: 28] وَهِيَ الذَّبَائِحُ وَمُطْلَقُ الْأَمْرِ لِلْوُجُوبِ وَإِطْلَاقُ اسْمِ السُّنَّةِ عَلَى الْوَاجِبِ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ عِبَارَةٌ عَنْ الطَّرِيقَةِ الْمَرْضِيَّةِ أَوْ السِّيرَةِ الْحَسَنَةِ وَكُلُّ وَاجِبٍ هَذَا صِفَتُهُ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ مَجَازٌ عُرْفًا فَيَحْتَاجُ إلَى قَرِينَةٍ وَإِلَّا انْصَرَفَ إلَى الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ وَهِيَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ قَوْلُهُ بَعْدَهُ وَبِالِاقْتِدَاءِ يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ وَالْمُسَافِرِ فَصَرَّحَ بِالْوُجُوبِ بِالِاقْتِدَاءِ، وَلَوْلَا أَنَّهُ وَاجِبٌ لَمَا وَجَبَ بِالِاقْتِدَاءِ وَقَدْ يُقَالُ إنَّ الْأَمْرَ فِي الْآيَةِ يُفِيدُ الِافْتِرَاضَ؛ لِأَنَّهُ قَطْعِيٌّ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ صَارِفٍ مِنْهُ إلَى الْوُجُوبِ وَالْحَقُّ كَمَا قَدَّمْنَاهُ مِرَارًا أَنَّ السُّنَّةَ الْمُؤَكَّدَةَ وَالْوَاجِبَ مُتَسَاوِيَانِ فِي الرُّتْبَةِ فَلِذَا تَارَةً يُصَرِّحُونَ فِي الشَّيْءِ بِأَنَّهُ سُنَّةٌ وَيُصَرِّحُونَ فِيهِ بِعَيْنِهِ بِأَنَّهُ وَاجِبٌ لِعَدَمِ التَّفَاوُتِ فِي اسْتِحْقَاقِ الْإِثْمِ بِتَرْكِهِ وَبَيْنَ وَقْتِهِ فَأَفَادَ أَنَّ أَوَّلَهُ عَقِبَ فَجْرِ يَوْمِ عَرَفَةَ فَالْمُرَادُ بِبَعْدَ عَقِبَ فِي عِبَارَتِهِ، وَلَا   [منحة الخالق] [وُقُوفُ النَّاسِ يَوْمَ عَرَفَةَ فِي غَيْرِ عَرَفَاتٍ تَشَبُّهًا بِالْوَاقِفِينَ بِهَا] (قَوْلُهُ وَفِي الذَّخِيرَةِ مِنْ كِتَابِ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ إلَخْ) فِيهِ أَنَّهُ لَا شَاهِدَ فِيهِ لِمَا نَحْنُ فِيهِ لِمَا أَنَّ الْعِلَّةَ فِي كَرَاهَةِ التَّضْحِيَةِ كَوْنُهَا مِنْ رُسُومِ الْمَجُوسِ وَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ هُنَا إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الْجَامِعَ التَّشَبُّهُ فِي كُلٍّ مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَإِنَّ التَّشَبُّهَ هُنَا، وَإِنْ كَانَ بِالْمُسْلِمِينَ فَهُوَ مَكْرُوهٌ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الْمُحَقِّقِ فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ، وَفِي النَّهْرِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ عِبَارَاتِهِمْ نَاطِقَةٌ بِتَرْجِيحِ الْكَرَاهَةِ وَشُذُوذِ غَيْرِهِ. (قَوْلُهُ: وَقَدْ يُقَالُ إلَخْ) يُؤْخَذُ جَوَابُهُ مِمَّا قَالَهُ فِي الْفَتْحِ اُخْتُلِفَ فِي أَنَّ تَكْبِيرَاتِ التَّشْرِيقِ وَاجِبَةٌ فِي الْمَذْهَبِ أَوْ سُنَّةٌ وَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهَا وَاجِبَةٌ وَدَلِيلُ السُّنَّةِ أَنْهَضُ وَهُوَ مُوَاظَبَتُهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَمَّا الِاسْتِدْلَال بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} [الحج: 28] فَالظَّاهِرُ مِنْهَا ذِكْرُ اسْمِهِ عَلَى الذَّبِيحَةِ نَسْخًا لِذِكْرِهِمْ عَلَيْهَا غَيْرَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ بِدَلِيلِ {عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ} [الحج: 28] بَلْ قَدْ قِيلَ إنَّ الذِّكْرَ كِنَايَةٌ عَنْ نَفْسِ الذَّبْحِ. اهـ. إلَّا أَنْ يُقَالَ مُرَادُهُ أَنَّ مَنْ اسْتَدَلَّ بِالْآيَةِ يَلْزَمُهُ الْقَوْلُ بِالْفَرْضِيَّةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَالْحَقُّ كَمَا قَدَّمْنَاهُ مِرَارًا إلَخْ) أَيْ الْحَقُّ فِي الْجَوَابِ عَنْ الْمُصَنِّفِ حَيْثُ سَمَّاهُ سُنَّةً لَا فِي الْجَوَابِ عَنْ قَوْلِهِ فَقَدْ يُقَالُ فَكَانَ يَنْبَغِي تَأْخِيرُ الْقِيلِ إلَى مَا بَعْدَ الْجَوَابِ هَذَا، وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الَّذِي قَدَّمَهُ مِرَارًا أَنَّهُمَا مُتَسَاوِيَانِ فِي أَصْلِ الْإِثْمِ بِتَرْكِهِمَا إلَّا أَنَّهُمَا فِي رُتْبَةٍ وَاحِدَةٍ بَلْ الْإِثْمُ فِيهِمَا مُتَفَاوِتٌ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُمَا مُتَّحِدَانِ فِيمَا صَدَقَا عَلَيْهِ كَالْإِنْسَانِ وَالْبَشَرِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا شَاعَ بَيْنَهُمْ وَحَرَّرُوهُ فِي كُتُبِهِمْ مِنْ ذِكْرِ الْخِلَافِ فِي الْوِتْرِ هَلْ هُوَ سُنَّةٌ أَوْ وَاجِبٌ وَتَرْجِيحُهُمْ قَوْلَ الْإِمَامِ بِوُجُوبِهِ فَلَوْ كَانَا مُتَسَاوِيَيْنِ لَمَا سَاغَ ذَلِكَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 177 خِلَافَ فِيهِ وَأَفَادَ آخِرَهُ بِقَوْلِهِ إلَى ثَمَانِ أَيْ مَعَ ثَمَانِ صَلَوَاتٍ فَلِذَا لَمْ يَقُلْ ثَمَانِيَةِ وَهِيَ مِنْ الْغَايَاتِ الَّتِي تَدْخُلُ فِي الْمُغَيَّا كَذَا فِي الْمُصَفَّى وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَالتَّكْبِيرُ عِنْدَهُ عَقِبَ ثَمَانِ صَلَوَاتٍ فَيَنْتَهِي بِالتَّكْبِيرِ عَقِبَ الْعَصْرِ يَوْمَ النَّحْرِ وَعِنْدَهُمَا يَنْتَهِي بِالتَّكْبِيرِ عَقِبَ الْعَصْرِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَهِيَ ثَلَاثٌ وَعِشْرُونَ صَلَاةً، وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَرَجَّحَاهُ؛ لِأَنَّهُ الْأَكْثَرُ، وَهُوَ الْأَحْوَطُ فِي الْعِبَادَاتِ وَرَجَّحَ أَبُو حَنِيفَةَ قَوْلَ ابْنِ مَسْعُودٍ؛ لِأَنَّ الْجَهْرَ بِالتَّكْبِيرِ بِدْعَةٌ فَكَانَ الْأَخْذُ بِالْأَقَلِّ أَوْلَى احْتِيَاطًا وَقَدْ ذَكَرُوا فِي مَسَائِلِ السَّجَدَاتِ أَنَّ مَا تَرَدَّدَ بَيْنَ بِدْعَةٍ وَوَاجِبٍ فَإِنَّهُ يُؤْتَى بِهِ احْتِيَاطًا وَمَا تَرَدَّدَ بَيْنَ بِدْعَةٍ وَسُنَّةٍ يُتْرَكُ احْتِيَاطًا كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ يَقْتَضِي تَرْجِيحَ قَوْلِهِمَا؛ وَلِهَذَا ذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا، وَفِي الْخُلَاصَةِ، وَعَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ الْيَوْمَ، وَفِي الْمُجْتَبَى وَالْعَمَلُ وَالْفَتْوَى فِي عَامَّةِ الْأَمْصَارِ وَكَافَّةِ الْأَعْصَارِ عَلَى قَوْلِهِمَا وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ إذَا اخْتَلَفَ أَبُو حَنِيفَةَ وَصَاحِبَاهُ فَالْأَصَحُّ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِقُوَّةِ الدَّلِيلِ كَمَا فِي آخِرِ الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُمَا فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ مَرْوِيٌّ عَنْهُ أَيْضًا كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْحَاوِي أَيْضًا وَإِلَّا فَكَيْفَ يُفْتَى بِغَيْرِ قَوْلِ صَاحِبِ الْمَذْهَبِ وَبِهِ انْدَفَعَ مَا ذَكَرَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ تَرْجِيحِ قَوْلِهِ هُنَا وَرَدَّ فَتْوَى الْمَشَايِخِ بِقَوْلِهِمَا إلَّا أَنْ يُرِيدُوا بِالْوَاجِبِ الْمَذْكُورِ فِي بَابِ السَّجَدَاتِ الْفَرْضَ وَيَلْتَزِمُ أَنَّ مَا تَرَدَّدَ بَيْنَ بِدْعَةٍ وَوَاجِبٍ اصْطِلَاحِيٍّ فَإِنَّهُ يُتْرَكُ كَالسُّنَّةِ فَيَتَرَجَّحُ قَوْلُهُ: وَفِي قَوْلِهِ مَرَّةٍ إشَارَةٌ إلَى رَدِّ مَا نُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يُكَرِّرُ التَّكْبِيرَ ثَلَاثًا وَقَوْلُ: اللَّهُ أَكْبَرُ إلَى آخِرِهِ بَيَانٌ لِأَلْفَاظِهِ، وَهُوَ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَقَدْ ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ أَنَّهُ مَأْثُورٌ عَنْ الْخَلِيلِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَأَصْلُهُ أَنَّ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَّا جَاءَ بِالْفِدَاءِ خَافَ الْعَجَلَةَ عَلَى إبْرَاهِيمَ فَقَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ فَلَمَّا رَآهُ إبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ فَلَمَّا عَلَّمَ إسْمَاعِيلُ الْفِدَاءَ قَالَ إسْمَاعِيلُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَكَثِيرٌ مِنْ الْكُتُبِ، وَلَمْ يَثْبُتْ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الذَّبِيحَ إسْمَاعِيلُ وَفِيهِ اخْتِلَافٌ بَيْنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ فَطَائِفَةٌ قَالُوا بِهِ، وَطَائِفَةٌ قَالُوا بِأَنَّهُ إِسْحَاقُ وَالْحَنَفِيَّةِ مَائِلُونَ إلَى الْأُولَى وَرَجَّحَهُ الْإِمَامُ أَبُو اللَّيْثِ السَّمَرْقَنْدِيُّ فِي الْبُسْتَانِ بِأَنَّهُ أَشْبَهُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَأَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات: 107] ثُمَّ قَالَ بَعْدَ قِصَّةِ الذَّبْحِ {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ} [الصافات: 112] الْآيَةَ وَأَمَّا الْخَبَرُ فَمَا رُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَنَا ابْنُ الذَّبِيحَيْنِ» يَعْنِي أَبَاهُ عَبْدَ اللَّهِ وَإِسْمَاعِيلَ وَاتَّفَقَتْ الْأُمَّةُ أَنَّهُ كَانَ مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ وَقَالَ أَهْلُ التَّوْرَاةِ مَكْتُوبٌ فِي التَّوْرَاةِ أَنَّهُ كَانَ إِسْحَاقَ، فَإِنْ صَحَّ ذَلِكَ فِيهَا آمَنَّا بِهِ اهـ. وَأَمَّا مَحَلُّ أَدَائِهِ فَدُبُرُ الصَّلَاةِ وَفَوْرُهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَخَلَّلَ مَا يَقْطَعُ حُرْمَةَ الصَّلَاةِ حَتَّى لَوْ ضَحِكَ قَهْقَهَةً أَوْ أَحْدَثَ مُتَعَمِّدًا أَوْ تَكَلَّمَ عَامِدًا أَوْ سَاهِيًا أَوْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ أَوْ جَاوَزَ الصُّفُوفَ فِي الصَّحْرَاءِ لَا يُكَبِّرُ؛ لِأَنَّ التَّكْبِيرَ مِنْ خَصَائِصِ الصَّلَاةِ حَيْثُ لَا يُؤْتَى بِهِ إلَّا عَقِبَ الصَّلَاةِ فَيُرَاعَى لِإِتْيَانِهِ حُرْمَتَهَا وَهَذِهِ الْعَوَارِضُ تَقْطَعُ حُرْمَتَهَا، وَلَوْ صَرَفَ وَجْهَهُ عَنْ الْقِبْلَةِ، وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَسْجِدِ، وَلَمْ يُجَاوِزْ الصُّفُوفَ أَوْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ يُكَبِّرُ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الصَّلَاةِ بَاقِيَةٌ وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ مَا يَقْطَعُ الْبِنَاءَ يَقْطَعُ التَّكْبِيرَ وَمَا لَا فَلَا وَإِذَا سَبَقَهُ الْحَدَثُ، فَإِنْ شَاءَ ذَهَبَ وَتَوَضَّأَ وَرَجَعَ فَكَبَّرَ وَإِنْ شَاءَ كَبَّرَ مِنْ غَيْرِ تَطْهِيرٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤَدَّى فِي تَحْرِيمَةِ الصَّلَاةِ فَلَا يُشْتَرَطُ لَهُ الطَّهَارَةُ قَالَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ وَالْأَصَحُّ عِنْدِي أَنَّهُ يُكَبِّرُ، وَلَا يَخْرُجُ مِنْ الْمَسْجِدِ لِلطَّهَارَةِ؛ لِأَنَّ التَّكْبِيرَ لَمَّا لَمْ يَفْتَقِرْ إلَى الطَّهَارَةِ كَانَ خُرُوجُهُ مَعَ عَدَمِ الْحَاجَةِ قَاطِعًا لِفَوْرِ الصَّلَاةِ فَلَا يُمْكِنُهُ التَّكْبِيرُ بَعْدَ ذَلِكَ فَيُكَبِّرُ لِلْحَالِ جَزْمًا كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَشَرْطُ الْإِقَامَةِ احْتِرَازًا عَنْ الْمُسَافِرِ فَلَا تَكْبِيرَ عَلَيْهِ، وَلَوْ صَلَّى الْمُسَافِرُونَ فِي الْمِصْرِ جَمَاعَةً عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَقُيِّدَ بِالْمِصْرِ احْتِرَازًا عَنْ أَهْلِ الْقُرَى وَقُيِّدَ بِالْمَكْتُوبِ احْتِرَازًا عَنْ الْوَاجِبِ كَصَلَاةِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَلَا خِلَافَ فِيهِ) كَذَا نَقَلَهُ فِي النَّهْرِ عَنْ السِّرَاجِ قَالَ وَفِيهِ نَظَرٌ (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِالْوَاجِبِ الْمَذْكُورَ إلَخْ) يُبْعِدُهُ أَنَّهُمْ ذَكَرُوا فِيمَنْ شَكَّ فِي الْوِتْرِ أَنَّهَا الثَّانِيَةُ أَوْ الثَّالِثَةُ أَنَّهُ يَقْنُتُ فِيهِمَا وَعَلَّلُوهُ بِذَلِكَ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ مَعَ أَنَّ الْقُنُوتَ غَيْرُ فَرْضٍ (قَوْلُهُ وَالْأَصَحُّ عِنْدِي أَنَّهُ يُكَبِّرُ) ، وَكَذَا ذَكَرَ فِي الْفَتْحِ أَنَّهُ الْأَصَحُّ قَالَ فِي الشرنبلالية وَيُخَالِفُهُ مَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ، وَإِنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ قَبْلَ أَنْ يُكَبِّرَ تَوَضَّأَ وَكَبَّرَ عَلَى الصَّحِيحِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 178 الْوِتْرِ وَالْعِيدَيْنِ وَعَنْ النَّافِلَةِ فَلَا تَكْبِيرَ عَقِبَهَا، وَفِي الْمُجْتَبَى وَالْبَلْخِيُّونَ يُكَبِّرُونَ عَقِبَ صَلَاةِ الْعِيدِ؛ لِأَنَّهَا تُؤَدَّى بِجَمَاعَةٍ فَأَشْبَهَ الْجُمُعَةَ اهـ. وَفِي مَبْسُوطِ أَبِي اللَّيْثِ، وَلَوْ كَبَّرَ عَلَى إثْرِ صَلَاةِ الْعِيدِ لَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ تَوَارَثُوا هَكَذَا فَوَجَبَ أَنْ يُتَّبَعَ تَوَارُثُ الْمُسْلِمِينَ اهـ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ قَالَ سَمِعْتُ أَنَّ مَشَايِخَنَا كَانُوا يَرَوْنَ التَّكْبِيرَ فِي الْأَسْوَاقِ فِي الْأَيَّامِ الْعَشْرِ اهـ. وَفِي الْمُجْتَبَى لَا تُمْنَعُ الْعَامَّةُ عَنْهُ وَبِهِ نَأْخُذُ وَتَدْخُلُ الْجُمُعَةُ فِي الْمَكْتُوبَةِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَأَرَادَ بِالْمَكْتُوبَةِ الصَّلَاةَ الْمَفْرُوضَةَ مِنْ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فَلَا تَكْبِيرَ عَقِبَ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَإِنْ كَانَتْ مَكْتُوبَةً وَقُيِّدَ بِالْجَمَاعَةِ فَلَا تَكْبِيرَ عَلَى الْمُنْفَرِدِ وَقُيِّدَ بِكَوْنِهَا مُسْتَحَبَّةً احْتِرَازًا عَنْ جَمَاعَةِ النِّسَاءِ وَالْعُرَاةِ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْحُرِّيَّةَ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِشَرْطٍ عَلَى الْأَصَحِّ حَتَّى لَوْ أَمَّ الْعَبْدُ قَوْمًا وَجَبَ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِمْ التَّكْبِيرُ وَذَكَرَ الشَّارِحُ أَنَّ الْحَاصِلَ أَنَّ شُرُوطَهُ شُرُوطُ الْجُمُعَةِ غَيْرُ الْخُطْبَةِ وَالسُّلْطَانِ وَالْحُرِّيَّةِ فِي رِوَايَةٍ، وَهُوَ الْأَصَحُّ اهـ. وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ إذْ لَيْسَ الْوَقْتُ وَالْإِذْنُ الْعَامُّ مِنْ شُرُوطِهِ وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَخْذًا مِنْ قَوْلِ عَلِيٍّ لَا جُمُعَةَ، وَلَا تَشْرِيقَ، وَلَا فِطْرَ، وَلَا أَضْحَى إلَّا فِي مِصْرٍ جَامِعٍ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالتَّشْرِيقِ التَّكْبِيرُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ؛ لِأَنَّ تَشْرِيقَ اللَّحْمِ لَا يَخْتَصُّ بِمَكَانٍ دُونَ مَكَان وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَهُوَ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مَنْ يُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهَا فَيَجِبُ عَلَى الْمُسَافِرِ وَالْمَرْأَةِ وَالْقَرَوِيِّ قَالَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَالْجَوْهَرَةِ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا فِي هَذَا أَيْضًا فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا فِي آخِرِ وَقْتِهِ وَفِيمَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّكْبِيرِ عَقِبَ هَذِهِ الصَّلَوَاتِ فَشَمَلَ الْأَدَاءَ وَالْقَضَاءَ وَهِيَ رُبَاعِيَّةٌ لَا تَكْبِيرَ فِي ثَلَاثَةٍ مِنْهَا الْأُولَى فَاتَتْهُ فِي غَيْرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَقَضَاهَا فِيهَا ثَانِيهَا فَاتَتْهُ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ فَقَضَاهَا فِي غَيْرِ هَذِهِ الْأَيَّامِ ثَالِثُهَا فَاتَتْهُ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ فَقَضَاهَا فِيهَا مِنْ السَّنَةِ الْقَابِلَةِ، وَلَا تَكْبِيرَ فِي الْأُولَيَيْنِ اتِّفَاقًا، وَفِي الثَّالِثَةِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ وَالصَّحِيحُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَالتَّكْبِيرُ إنَّمَا هُوَ فِي الرَّابِعَةِ، وَهِيَ مَا إذَا فَاتَتْهُ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ فَقَضَاهَا فِيهَا مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ فَإِنَّهُ يُكَبِّرُ لِقِيَامِ وَقْتِهِ كَالْأُضْحِيَّةِ ثُمَّ الَّذِي يُؤَدَّى عَقِبَ الصَّلَاة ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ: سُجُودُ السَّهْوِ وَتَكْبِيرُ التَّشْرِيقِ وَالتَّلْبِيَةُ إلَّا أَنَّ السَّهْوَ يُؤَدَّى فِي تَحْرِيمَةِ الصَّلَاةِ حَتَّى صَحَّ الِاقْتِدَاءُ بِالسَّاهِي بَعْدَ سَلَامِهِ وَالتَّكْبِيرُ يُؤَدَّى فِي حُرْمَتِهَا لَا فِي تَحْرِيمَتِهَا حَتَّى لَمْ يَصِحَّ الِاقْتِدَاءُ بِالْإِمَامِ بَعْدَ السَّلَامِ قَبْلَ التَّكْبِيرِ وَالتَّلْبِيَةُ لَا تُؤَدَّى فِي شَيْءٍ مِنْهَا؛ وَلِذَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ وَيَبْدَأُ الْإِمَامُ بِسُجُودِ السَّهْوِ ثُمَّ بِالتَّكْبِيرِ ثُمَّ بِالتَّلْبِيَةِ إنْ كَانَ مُحْرِمًا، وَفِي فَتَاوَى الْوَلْوَالِجِيِّ لَوْ بَدَأَ بِالتَّلْبِيَةِ سَقَطَ السُّجُودُ وَالتَّكْبِيرُ وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ مُؤَدًّى فِي تَحْرِيمَتِهَا لَوْ تَرَكَهُ الْإِمَامُ فَعَلَى الْقَوْمِ أَنْ يَأْتُوا بِهِ كَسَامِعِ السَّجْدَةِ مَعَ تَالِيهَا بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَسْجُدْ الْإِمَامُ لِلسَّهْوِ فَإِنَّهُمْ لَا يَسْجُدُونَ قَالَ يَعْقُوبُ صَلَّيْتُ بِهِمْ الْمَغْرِبَ يَوْمَ عَرَفَةَ فَسَهَوْتُ أَنْ أُكَبِّرَ بِهِمْ فَكَبَّرَ بِهِمْ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَدْ اسْتَنْبَطَ مِنْ هَذِهِ الْوَاقِعَةِ أَشْيَاءَ مِنْهَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَمِنْهَا أَنَّ تَعْظِيمَ الْأُسْتَاذِ فِي إطَاعَتِهِ لَا فِيمَا يَظُنُّهُ طَاعَةً؛ لِأَنَّ أَبَا يُوسُفَ تَقَدَّمَ بِأَمْرِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمِنْهَا أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْأُسْتَاذِ إذَا تَفَرَّسَ فِي بَعْضِ أَصْحَابِهِ الْخَيْرَ أَنْ يُقَدِّمَهُ وَيُعَظِّمَهُ عِنْدَ النَّاسِ حَتَّى يُعَظِّمُوهُ وَمِنْهَا أَنَّ التِّلْمِيذَ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَنْسَى حُرْمَةَ أُسْتَاذِهِ، وَإِنْ قَدَّمَهُ أُسْتَاذُهُ وَعَظَّمَهُ، أَلَا تَرَى أَنَّ أَبَا يُوسُفَ شَغَلَهُ ذَلِكَ عَنْ التَّكْبِيرِ حَتَّى سَهَا. (قَوْلُهُ وَبِالِاقْتِدَاءِ يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ وَالْمُسَافِرِ) أَيْ بِاقْتِدَائِهِمَا بِمَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ يَجِبُ عَلَيْهِمَا بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ وَالْمَرْأَةُ تُخَافِتُ بِالتَّكْبِيرِ؛ لِأَنَّ صَوْتَهَا عَوْرَةٌ، وَكَذَا يَجِبُ عَلَى الْمَسْبُوقِ؛ لِأَنَّهُ مُقْتَدٍ تَحْرِيمَةً لَكِنْ لَا يُكَبِّرُهُ مَعَ الْإِمَامِ وَيُكَبِّرُ بَعْدَ مَا قَضَى مَا فَاتَهُ، وَفِي الْأَصْلِ، وَلَوْ تَابَعَهُ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَفِي التَّلْبِيَةِ تَفْسُدُ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَذَكَرَ الشَّارِحُ أَنَّ الْحَاصِلَ إلَخْ) وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ لِقَاضِي خَانْ (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ بَلْ هُوَ صَحِيحٌ إذْ مِنْ شَرَائِطِهِ الْوَقْتُ أَعْنِي أَيَّامَ التَّشْرِيقِ حَتَّى لَوْ فَاتَتْهُ صَلَاةٌ فِي أَيَّامِهِ فَقَضَاهَا فِي غَيْرِ أَيَّامِهِ مِنْ الْقَابِلِ لَا يُكَبِّرُ، وَإِذَا لَمْ يُشْتَرَطْ السُّلْطَانُ أَوْ نَائِبُهُ فَلَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِ الْإِذْنِ الْعَامِّ وَكَأَنَّهُمْ اسْتَغْنَوْا بِذِكْرِ السُّلْطَانِ عَنْهُ عَلَى أَنَّا قَدَّمْنَا أَنَّ الْإِذْنَ الْعَامَّ لَمْ يُذْكَرْ فِي الظَّاهِرِ نَعَمْ بَقِيَ أَنْ يُقَالَ مِنْ شَرَائِطِهَا الْجَمَاعَةُ الَّتِي هِيَ جَمْعٌ وَالْوَاحِدُ هُنَا مَعَ الْإِمَامِ جَمَاعَةٌ فَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: إنَّ شُرُوطَهُ شُرُوطُ الْجُمُعَةِ. اهـ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ الِاشْتِرَاكُ فِي اشْتِرَاطِ الْجَمَاعَةِ فِيهِمَا لَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَإِلَّا انْتَقَصَ مَا أَجَابَ بِهِ أَوَّلًا فَإِنَّ الشَّرْطَ فِي الْجُمُعَةِ وَقْتُ الظُّهْرِ فَالِاشْتِرَاكُ فِي اشْتِرَاطِ الْوَقْتِ فِيهِمَا مُطْلَقًا فَكَذَا الْجَمَاعَةُ تَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ فَقَضَاهَا فِيهَا) أَيْ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ سَهَا) أَيْ حَيْثُ نَسِيَ مَا لَا يُنْسَى عَادَةً حِينَ عَلِمَهُ خَلْفَهُ وَذَلِكَ أَنَّ الْعَادَةَ إنَّمَا هُوَ نِسْيَانُ التَّكْبِيرِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ الْكَائِنُ عَقِيبَ فَجْرِ عَرَفَةَ فَأَمَّا بَعْدَ تَوَالِي ثَلَاثَةِ أَوْقَاتٍ فَلَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِنِسْيَانِهِ لِعَدَمِ بُعْدِ الْعَهْدِ بِهِ كَذَا فِي الْفَتْحِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 179 [بَابُ صَلَاةِ الْكُسُوفِ] مُنَاسَبَتُهُ لِلْعِيدِ هُوَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُؤَدَّى بِالْجَمَاعَةِ نَهَارًا بِغَيْرِ أَذَانٍ، وَلَا إقَامَةٍ وَأَخَّرَهَا عَنْ الْعِيدِ؛ لِأَنَّ صَلَاةَ الْعِيدِ وَاجِبَةٌ عَلَى الْأَصَحِّ يُقَالُ كَسَفَتْ الشَّمْسُ تَكْسِفُ كُسُوفًا وَكَسَفَهَا اللَّهُ كَسْفًا يَتَعَدَّى، وَلَا يَتَعَدَّى قَالَ جَرِيرٌ يَرْثِي عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ الشَّمْسُ طَالِعَةٌ لَيْسَتْ بِكَاسِفَةٍ ... تَبْكِي عَلَيْكَ نُجُومَ اللَّيْلِ وَالْقَمَرَا أَيْ لَيْسَتْ تَكْسِفُ ضَوْءَ النُّجُومِ مَعَ طُلُوعِهَا لِقِلَّةِ ضَوْئِهَا وَبُكَائِهَا عَلَيْكَ وَلِأَجْلِ ذَلِكَ لَمْ يَظْهَرْ لَهَا نُورٌ فَعَلَى هَذَا انْتَصَبَ قَوْلُهُ نُجُومَ عَلَى الْمَفْعُولِ بِهِ وَالْقَمَرَ مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ وَتَمَامُهُ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ الْكُسُوفَ لِلشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ الْكُسُوفَ لِلشَّمْسِ وَالْخُسُوفَ لِلْقَمَرِ وَالْأَصْلُ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ حَدِيثُ الْبُخَارِيِّ «إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ وَلَكِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا فَصَلُّوا» ، وَفِي رِوَايَةٍ «فَادْعُوا» (قَوْلُهُ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ كَالنَّفْلِ إمَامُ الْجُمُعَةِ) بَيَانٌ لِمِقْدَارِهَا وَلِصِفَةِ أَدَائِهَا أَمَّا مِقْدَارُهَا فَذَكَرَ أَنَّهَا رَكْعَتَانِ، وَهُوَ بَيَانٌ لِأَقَلِّهَا؛ وَلِذَا قَالَ فِي الْمُجْتَبَى إنْ شَاءُوا صَلَّوْهَا رَكْعَتَيْنِ أَوْ أَرْبَعًا أَوْ أَكْثَرَ كُلَّ رَكْعَتَيْنِ بِتَسْلِيمَةٍ أَوْ كُلَّ أَرْبَعٍ وَأَمَّا صِفَةُ أَدَائِهَا فَهِيَ صِفَةُ أَدَاءِ النَّفْلِ مِنْ أَنَّ كُلَّ رَكْعَةٍ بِرُكُوعٍ وَاحِدٍ وَسَجْدَتَيْنِ وَمِنْ أَنَّهُ لَا أَذَانَ لَهُ، وَلَا إقَامَةَ، وَلَا خُطْبَةَ وَيُنَادَى: الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ لِيَجْتَمِعُوا إنْ لَمْ يَكُونُوا اجْتَمَعُوا وَمِنْ أَنَّهَا لَا تُصَلَّى فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ وَمِنْ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ تَطْوِيلُ الْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالْأَدْعِيَةِ وَالْأَذْكَارِ الَّذِي هُوَ مِنْ خَصَائِصِ النَّوَافِلِ وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ كَالنَّفْلِ عَنْ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فَإِنَّهُ قَالَ كَهَيْئَةِ صَلَاةِ الْعِيدِ وَتَقْيِيدِهِ بِإِمَامِ الْجُمُعَةِ بَيَانٌ لِلْمُسْتَحَبِّ قَالَ الْقَاضِي الْإِسْبِيجَابِيُّ وَيُسْتَحَبُّ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ: الْإِمَامُ وَالْوَقْتُ وَالْمَوْضِعُ أَمَّا الْإِمَامُ فَالسُّلْطَانُ أَوْ الْقَاضِي وَمَنْ لَهُ وِلَايَةُ إقَامَةِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَأَمَّا الْوَقْتُ فَهُوَ الَّذِي يُبَاحُ فِيهِ التَّطَوُّعُ وَالْمَوْضِعُ الَّذِي يُصَلَّى فِيهِ صَلَاةُ الْعِيدِ أَوْ الْمَسْجِدُ الْجَامِعُ، وَلَوْ صَلَّوْا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَجْزَأَهُمْ وَلَكِنَّ الْأَوَّلَ أَفْضَلُ، وَلَوْ صَلَّوْا وُحْدَانًا فِي مَنَازِلِهِمْ جَازَ وَيُكْرَهُ أَنْ يُجْمَعَ فِي كُلِّ نَاحِيَةٍ اهـ. وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ أَنَّ فِي ذِكْرِ الْإِمَامِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ شَرَائِطِ الْجُمُعَةِ، وَهُوَ كَذَلِكَ إلَّا الْخُطْبَةُ اهـ. لَكِنَّ جَعْلَهُ الْوَقْتَ مِنْ الْمُسْتَحَبَّاتِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - صِفَتَهَا مِنْ الْوُجُوبِ وَالسُّنِّيَّةِ وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْبَدَائِعِ قَوْلَيْنِ وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ مَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ فَإِنَّهُ قَالَ، وَلَا تُصَلَّى نَافِلَةٌ فِي جَمَاعَةٍ إلَّا قِيَامُ رَمَضَانَ وَصَلَاةُ الْكُسُوفِ اسْتَثْنَاهَا مِنْ النَّافِلَةِ وَالْمُسْتَثْنَى مِنْ جِنْسِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فَدَلَّ عَلَى كَوْنِهَا نَافِلَةً لَكِنَّ مُطْلَقَ الْأَمْرِ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَصَلُّوا» يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ إلَّا لِصَارِفٍ، وَمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ مِنْ أَنَّهُ ذَكَرَهُ مَعَ قَوْلِهِ «وَادْعُوا» فَإِنَّ الدُّعَاءَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ إجْمَاعًا فَكَذَا الصَّلَاةُ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْقِرَانَ فِي النَّظْمِ لَا يُوجِبُ الْقِرَانَ فِي الْحُكْمِ. (قَوْلُهُ بِلَا جَهْرٍ) تَصْرِيحٌ بِمَا عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ كَالنَّفْلِ؛ لِأَنَّ النَّفَلَ النَّهَارِيَّ لَا يَكُونُ جَهْرًا لِدَفْعِ قَوْلِهِمَا مِنْ الْجَهْرِ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْكُسُوفَ فَقَامَ بِنَا قِيَامًا طَوِيلًا نَحْوًا مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ» ، وَلَوْ جَهَرَ لَمَا اُحْتِيجَ إلَى الْحَزْرِ، وَقَدْ تَرَكْنَا الدَّلَائِلَ الْكَثِيرَةَ فِي هَذَا الْبَابِ وَالْكَلَامُ مَعَ الشَّافِعِيِّ وَالصَّاحِبَيْنِ رَوْمًا لِلِاخْتِصَارِ قَالَ فِي الْمُجْتَبَى وَأَمَّا قَدْرُ الْقِرَاءَةِ فِيهَا فَرُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَامَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى بِقَدْرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وَفِي الثَّانِيَةِ بِقَدْرِ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ» ، فَإِنْ طَوَّلَ الْقِرَاءَةَ خَفَّفَ الدُّعَاءَ أَوْ عَلَى الْعَكْسِ اهـ. . (قَوْلُهُ وَخُطْبَةٍ) أَيْ بِلَا خُطْبَةٍ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَ بِهَا، وَلَمْ يُبَيِّنْ الْخُطْبَةَ، وَمَا وَرَدَ مِنْ خُطْبَتِهِ يَوْمَ مَاتَ إبْرَاهِيمُ وَكَسَفَتْ الشَّمْسُ فَإِنَّمَا كَانَ لِلرَّدِّ   [منحة الخالق] (بَابُ صَلَاةِ الْكُسُوفِ) (قَوْلُهُ وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي السِّرَاجِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ مَعْنَى قَوْلِهِ لَا بُدَّ مِنْ شَرَائِطِ الْجُمُعَةِ أَيْ فِي تَحْصِيلِ كَمَالِ السُّنَّةِ نَعَمْ ظَاهِرُ مَا قَالَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ صَلَّاهَا عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ صَحَّتْ فَتَدَبَّرْهُ (قَوْلُهُ فَدَلَّ عَلَى كَوْنِهَا نَافِلَةً) ذَكَرَ فِي الْبَدَائِعِ الْجَوَابَ عَنْهُ وَهُوَ أَنَّ تَسْمِيَةَ مُحَمَّدٍ إيَّاهَا نَافِلَةً لَا يَنْفِي الْوُجُوبَ؛ لِأَنَّ النَّافِلَةَ عِبَارَةٌ عَنْ الزِّيَادَةِ وَكُلِّ وَاجِبٍ زِيَادَةً عَلَى الْفَرَائِضِ الْمُوَظَّفَةِ. اهـ. قُلْتُ: لِي فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ الْمُرَادُ مِنْ النَّافِلَةِ الزَّائِدَ عَلَى الْفَرَائِضِ يَلْزَمُ عَلَيْهِ خُرُوجُ الْعِيدِ مَعَ أَنَّهَا لَا تُصَلَّى بِدُونِ جَمَاعَةٍ، وَفِي الْعِنَايَةِ ذَهَبَ إلَى وُجُوبِهَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْأَسْرَارِ وَالْعَامَّةُ ذَهَبَتْ إلَى كَوْنِهَا سُنَّةً؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهَا تُوجَدُ بِعَارِضٍ لَكِنْ صَلَّاهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَانَتْ سُنَّةً وَالْأَمْرُ لِلنَّدَبِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 180 عَلَى مَنْ قَالَ إنَّهَا كَسَفَتْ لِمَوْتِهِ لَا لِأَنَّهَا مَشْرُوعَةٌ لَهُ؛ وَلِذَا خَطَبَ بَعْدَ الِانْجِلَاءِ، وَلَوْ كَانَتْ سُنَّةً لَهُ لَخَطَبَ قَبْلَهُ كَالصَّلَاةِ وَالدُّعَاءِ. (قَوْلُهُ ثُمَّ يَدْعُو حَتَّى تَنْجَلِيَ الشَّمْسُ) أَيْ يَدْعُو الْإِمَامُ وَالنَّاسُ مَعَهُ حَتَّى تَنْجَلِيَ الشَّمْسُ لِلْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ أَطْلَقَهُ فَأَفَادَ أَنَّ الدَّاعِيَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ دَعَا جَالِسًا مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، وَإِنْ شَاءَ دَعَا قَائِمًا يَسْتَقْبِلُ النَّاسَ بِوَجْهِهِ قَالَ الْحَلْوَانِيُّ وَهَذَا أَحْسَنُ، وَلَوْ قَامَ وَدَعَا مُعْتَمِدًا عَلَى عَصًا أَوْ قَوْسٍ كَانَ أَيْضًا حَسَنًا وَأَفَادَ بِكَلِمَةِ ثُمَّ أَنَّ السُّنَّةَ تَأْخِيرُ الدُّعَاءِ عَنْ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ السُّنَّةُ فِي الْأَدْعِيَةِ وَفِي الْمُحِيطِ، وَلَا يَصْعَدُ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ لِلدُّعَاءِ، وَلَا يَخْرُجُ. (قَوْلُهُ وَإِلَّا صَلَّوْهَا فُرَادَى) أَيْ إنْ لَمْ يَحْضُرْ إمَامُ الْجُمُعَةِ صَلَّى النَّاسُ فُرَادَى تَحَرُّزًا عَنْ الْفِتْنَةِ إذْ هِيَ تُقَامُ بِجَمْعٍ عَظِيمٍ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ لِكُلِّ إمَامِ مَسْجِدٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِجَمَاعَةٍ، وَالصَّحِيحُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ أَدَاءَ هَذِهِ الصَّلَوَاتِ بِالْجَمَاعَةِ عُرِفَ بِإِقَامَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّمَا يُقِيمُهَا الْآنَ مَنْ هُوَ قَائِمٌ مَقَامَهُ، فَإِنْ لَمْ يُقِمْهَا الْإِمَامُ صَلَّى النَّاسُ فُرَادَى إنْ شَاءُوا رَكْعَتَيْنِ، وَإِنْ شَاءُوا أَرْبَعًا وَالْأَرْبَعُ أَفْضَلُ ثُمَّ إنْ شَاءُوا طَوَّلُوا الْقِرَاءَةَ، وَإِنْ شَاءُوا قَصَّرُوا، وَاشْتَغَلُوا بِالدُّعَاءِ حَتَّى تَنْجَلِيَ الشَّمْسُ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ كَالْخُسُوفِ وَالظُّلْمَةِ وَالرِّيحِ وَالْفَزَعِ) أَيْ حَيْثُ يُصَلِّي النَّاسُ فُرَادَى؛ لِأَنَّهُ قَدْ خُسِفَ الْقَمَرُ فِي عَهْدِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِرَارًا، وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ جَمَعَ النَّاسَ لَهُ وَلِأَنَّ الْجَمْعَ فِيهِ مُتَعَسِّرٌ كَالزَّلَازِلِ وَالصَّوَاعِقِ وَانْتِشَارِ الْكَوَاكِبِ وَالضَّوْءِ الْهَائِلِ بِاللَّيْلِ وَالثَّلْجِ وَالْأَمْطَارِ الدَّائِمَةِ وَعُمُومِ الْأَمْرَاضِ وَالْخَوْفِ الْغَالِبِ مِنْ الْعَدُوِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْأَفْزَاعِ وَالْأَهْوَالِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنْ الْآيَاتِ الْمُخَوِّفَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى يُخَوِّفُ عِبَادَهُ لِيَتْرُكُوا الْمَعَاصِيَ وَيَرْجِعُوا إلَى الطَّاعَةِ الَّتِي فِيهَا فَوْزُهُمْ وَخَلَاصُهُمْ وَأَقْرَبُ أَحْوَالِ الْعَبْدِ فِي الرُّجُوعِ إلَى رَبِّهِ الصَّلَاةُ وَذَكَرَ فِي الْبَدَائِعِ أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ فِي مَنَازِلِهِمْ، وَفِي الْمُجْتَبَى وَقِيلَ الْجَمَاعَةُ جَائِزَةٌ عِنْدَنَا لَكِنَّهَا لَيْسَتْ بِسُنَّةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (بَابُ الِاسْتِسْقَاءِ) هُوَ طَلَبُ السُّقْيَا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى بِالثَّنَاءِ عَلَيْهِ وَالْفَزَعِ إلَيْهِ وَالِاسْتِغْفَارِ، وَقَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ نُوحٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حِينَ أَجْهَدَ قَوْمَهُ الْقَحْطُ وَالْجَدْبُ {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا} [نوح: 10] {يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا} [نوح: 11] وَأَمَّا السُّنَّةُ فَصَحَّ فِي الْآثَارِ الْكَثِيرَةِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَسْقَى مِرَارًا» وَكَذَا الْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ وَالْأُمَّةُ أَجْمَعَتْ عَلَيْهِ خَلَفًا عَنْ سَلَفٍ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ (قَوْلُهُ لَهُ صَلَاةٌ لَا بِجَمَاعَةٍ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بَيَانٌ لِكَوْنِهَا مَشْرُوعَةً فِي حَقِّ الْمُنْفَرِدِ وَأَنَّ الْجَمَاعَةَ لَيْسَتْ بِمَشْرُوعَةٍ لَهَا، وَلَمْ يُبَيِّنْ صِفَتَهَا، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهَا وَالظَّاهِرُ مَا فِي الْكِتَابِ مِنْ أَنَّهَا جَائِزَةٌ وَلَيْسَتْ بِسُنَّةٍ وَقَالَا يُصَلِّي الْإِمَامُ رَكْعَتَيْنِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ كَصَلَاةِ الْعِيدِ قُلْنَا فَعَلَهُ مَرَّةً وَتَرَكَهُ أُخْرَى فَلَمْ يَكُنْ سُنَّةً كَذَا فِي الْهِدَايَةِ. (قَوْلُهُ وَدُعَاءٌ وَاسْتِغْفَارٌ) أَيْ لِلِاسْتِسْقَاءِ دُعَاءٌ وَاسْتِغْفَارٌ لِمَا تَلَوْنَا (قَوْلُهُ لَا قَلْبُ رِدَاءٍ) أَيْ لَيْسَ فِيهِ قَلْبُ رِدَاءٍ؛ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ فَيُعْتَبَرُ بِسَائِرِ الْأَدْعِيَةِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْقَوْمِ وَقَالَا يَقْلِبُ الْإِمَامُ رِدَاءَهُ وَاخْتَارَهُ الْقُدُورِيُّ، وَهُوَ أَنْ يَجْعَلَ الْأَيْمَنَ عَلَى الْأَيْسَرِ   [منحة الخالق] قَوْلُ الْمُصَنِّفِ كَالْخُسُوفِ إلَخْ) قَالَ الْعَيْنِيُّ أَطْلَقَ الشَّيْخُ الْحُكْمَ فِيهِمَا، وَالتَّفْصِيلُ فِيهِ أَنَّ صَلَاةَ الْكُسُوفِ سُنَّةٌ أَوْ وَاجِبَةٌ وَصَلَاةَ الْخُسُوفِ حَسَنَةٌ وَكَذَا الْبَقِيَّةُ (قَوْلُهُ وَعُمُومُ الْأَمْرَاضِ) قَالَ فِي النَّهْرِ اعْلَمْ أَنَّ كَلِمَتَهُمْ مُتَّفِقَةٌ عَلَى أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ فُرَادَى وَيَدْعُونَ فِي عُمُومِ الْأَمْرَاضِ، وَهُوَ شَامِلٌ لِلطَّاعُونِ؛ لِأَنَّ الْوَبَاءَ اسْمٌ لِكُلِّ مَرَضٍ عَامٍّ فَكُلُّ طَاعُونٍ فِي ذَلِكَ وَبَاءٌ وَلَا يَنْعَكِسُ وَأَنَّ الدُّعَاءَ بِرَفْعِهِ كَمَا يَفْعَلُهُ النَّاسُ فِي الْجَبَلِ مَشْرُوعٌ، وَلَيْسَ دُعَاءً بِرَفْعِ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّهُ أَثَرُهُ لَا عَيْنُهُ، وَعَلَى هَذَا فَمَا قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ مِنْ أَنَّ الِاجْتِمَاعَ لِلدُّعَاءِ بِرَفْعِهِ بِدْعَةٌ يَعْنِي حَسَنَةً، فَإِذَا اجْتَمَعُوا صَلَّى كُلُّ وَاحِدٍ رَكْعَتَيْنِ يَنْوِي بِهِمَا رَفْعَهُ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ حَوَادِثِ الْفَتْوَى. اهـ وَالْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَسَطَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ [بَابُ صَلَاة الِاسْتِسْقَاءِ] (بَابُ الِاسْتِسْقَاءِ) (قَوْلُهُ وَأَنَّ الْجَمَاعَةَ لَيْسَتْ بِمَشْرُوعَةٍ) قَالَ فِي النَّهْرِ، وَأَمَّا عَدَمُ مَشْرُوعِيَّةِ الْجَمَاعَةِ فِيهَا فَلِقَوْلِ مُحَمَّدٍ كَمَا فِي الْكَافِي لَا صَلَاةَ فِي الِاسْتِسْقَاءِ، وَإِنَّمَا فِيهَا دُعَاءٌ بَلَغَنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ خَرَجَ وَدَعَا وَبَلَغَنَا عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ صَعِدَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَدَعَا وَاسْتَسْقَى، وَلَمْ يَبْلُغْنَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ صَلَاةٌ إلَّا حَدِيثٌ وَاحِدٌ شَاذٌّ. اهـ. وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْجَمَاعَةَ فِيهَا مَكْرُوهَةٌ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا مَرَّ عَنْ الْأَصْلِ [دُعَاء وَاسْتِغْفَار الِاسْتِسْقَاء] (قَوْلُهُ وَقَالَا يَقْلِبُ الْإِمَامُ رِدَاءَهُ) قَالَ فِي النَّهْرِ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَ ذَلِكَ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ دُعَاءٌ فَيُعْتَبَرُ بِسَائِرِ الْأَدْعِيَةِ، وَمَا رُوِيَ مِنْ فِعْلِهِ كَانَ تَفَاؤُلًا وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ لِمَ لَا يَتَفَاءَلُ مَنْ اُبْتُلِيَ بِهِ تَأَسِّيًا بِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ عَلِمَ بِالْوَحْيِ أَنَّ الْحَالَ يَنْقَلِبُ مَتَى قَلَبَ الرِّدَاءَ وَهَذَا مِمَّا لَا يَتَأَتَّى فِي غَيْرِهِ فَلَا فَائِدَةَ بِالتَّأَسِّي ظَاهِرًا كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا، وَفِيهِ بَحْثٌ إذْ الْأَصْلُ فِي أَفْعَالِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَوْنُهَا شَرْعًا عَامًّا حَتَّى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 181 وَالْأَيْسَرَ عَلَى الْأَيْمَنِ لِيَقْلِبَ اللَّهُ تَعَالَى الْحَالَ مِنْ الْجَدْبِ إلَى الْخِصْبِ وَمِنْ الْعُسْرِ إلَى الْيُسْرِ وَقِيلَ أَنْ يَجْعَلَ أَعْلَاهُ أَسْفَلَ وَفِي الْمُدَوَّرِ يُعْتَبَرُ الْيَمِينُ وَالْيَسَارُ. (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا يَخْرُجُونَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) يَعْنِي مُتَتَابِعَاتٍ وَيَخْرُجُونَ مُشَاةً فِي ثِيَابٍ خَلَقٍ غَسِيلَةٍ أَوْ مُرَقَّعَةٍ مُتَذَلِّلِينَ مُتَوَاضِعِينَ خَاشِعِينَ لِلَّهِ تَعَالَى نَاكِسِي رُءُوسِهِمْ وَيُقَدِّمُونَ الصَّدَقَةَ فِي كُلِّ يَوْمٍ قَبْلَ خُرُوجِهِمْ وَيُجَدِّدُونَ التَّوْبَةَ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلْمُسْلِمِينَ وَيَتَوَاضَعُونَ بَيْنَهُمْ وَيَسْتَسْقُونَ بِالضَّعَفَةِ وَالشُّيُوخِ وَفِي الْمُجْتَبَى وَالْأَوْلَى أَنْ يَخْرُجَ الْإِمَامُ بِالنَّاسِ، وَإِنْ امْتَنَعَ وَقَالَ اُخْرُجُوا جَازَ، وَإِنْ خَرَجُوا بِغَيْرِ إذْنِهِ جَازَ، وَلَا يُخْرَجُ فِي الِاسْتِسْقَاءِ مِنْبَرٌ بَلْ يَقُومُ الْإِمَامُ وَالْقَوْمُ قُعُودٌ، فَإِنْ أَخْرَجُوا الْمِنْبَرَ جَازَ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّهُ أَخْرَجَ الْمِنْبَرَ لِاسْتِسْقَائِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَقُيِّدَ بِالْخُرُوجِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ أَكْثَرُ مِنْهَا (قَوْلُهُ، وَلَا يَحْضُرُ أَهْلُ الذِّمَّةِ الِاسْتِسْقَاءَ) لِنَهْيِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الدُّعَاءُ قَالَ تَعَالَى {وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلا فِي ضَلالٍ} [الرعد: 14] ، وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ هَلْ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ يُسْتَجَابُ دُعَاءُ الْكَافِرِينَ، وَلَمْ يُرَجَّحْ وَذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ يُسْتَجَابُ دُعَاؤُهُ اهـ. وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ الْخُرُوجَ لِلِاسْتِسْقَاءِ وَاسْتَثْنَى فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مَكَّةَ وَبَيْتِ الْمَقْدِسِ فَيَجْتَمِعُونَ فِي الْمَسْجِدِ، وَلَمْ يَسْتَثْنِ مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ لَعَلَّهُ لِضِيقِهِ وَإِلَّا فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (بَابُ الْخَوْفِ) أَيْ صَلَاتُهُ وَوَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ أَنَّ شَرْعِيَّةَ كُلٍّ مِنْهُمَا لِعَارِضِ خَوْفٍ وَقَدَّمَ الِاسْتِسْقَاءَ؛ لِأَنَّ الْعَارِضَ هُنَاكَ انْقِطَاعُ الْمَطَرِ، وَهُوَ سَمَاوِيٌّ وَهُنَا اخْتِيَارِيٌّ، وَهُوَ الْجِهَادُ الَّذِي سَبَبُهُ كُفْرُ الْكَافِرِ (قَوْلُهُ إنْ اشْتَدَّ مِنْ عَدُوٍّ أَوْ سَبُعٍ وَقَفَ الْإِمَامُ طَائِفَةً بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ وَصَلَّى بِطَائِفَةٍ رَكْعَةً وَرَكْعَتَيْنِ لَوْ مُقِيمًا وَمَضَتْ هَذِهِ إلَى الْعَدُوِّ وَجَاءَتْ تِلْكَ فَصَلَّى بِهِمْ مَا بَقِيَ وَسَلَّمَ وَذَهَبُوا إلَيْهِمْ وَجَاءَتْ الْأُولَى وَأَتَمُّوا بِلَا قِرَاءَةٍ وَسَلَّمُوا ثُمَّ الْأُخْرَى وَأَتَمُّوا بِقِرَاءَةٍ) هَكَذَا صَلَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَهُنَاكَ كَيْفِيَّاتٌ أُخْرَى مَعْلُومَةٌ فِي الْخِلَافِيَّاتِ وَذُكِرَ فِي الْمُجْتَبَى أَنَّ الْكُلَّ جَائِزٌ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الَأَوْلَى، وَفِي الْعِنَايَةِ لَيْسَ الِاشْتِدَادُ شَرْطًا عِنْدَ عَامَّةِ مَشَايِخِنَا قَالَ فِي التُّحْفَةِ سَبَبُ جَوَازِ صَلَاةِ الْخَوْفِ نَفْسُ قُرْبِ الْعَدُوِّ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الْخَوْفِ وَالِاشْتِدَادِ وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي مَبْسُوطِهِ: الْمُرَادُ بِالْخَوْفِ عِنْدَ الْبَعْضِ حَضْرَةُ الْعَدُوِّ لَا حَقِيقَةُ الْخَوْفِ؛ لِأَنَّ حَضْرَةَ الْعَدُوِّ أُقِيمَتْ مَقَامَ الْخَوْفِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي أَصْلِنَا فِي تَعْلِيقِ الرُّخْصَةِ بِنَفْسِ السَّفَرِ لَا حَقِيقَةُ الْمَشَقَّةِ؛ لِأَنَّ السَّفَرَ سَبَبُ الْمَشَقَّةِ فَأُقِيمَ مَقَامَهَا فَكَذَا حَضْرَةُ الْعَدُوِّ وَهُنَا سَبَبُ الْخَوْفِ فَأُقِيمَ مَقَامَهُ حَقِيقَةُ الْخَوْفِ اهـ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَاعْلَمْ أَنَّ صَلَاةَ الْخَوْفِ عَلَى الصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ إنَّمَا تَلْزَمُ إذَا تَنَازَعَ الْقَوْمُ فِي الصَّلَاةِ أَمَّا إذَا لَمْ يَتَنَازَعُوا فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَ بِإِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ تَمَامَ الصَّلَاةِ وَيُصَلِّيَ بِالطَّائِفَةِ الْأُخْرَى إمَامٌ آخَرُ تَمَامَهَا اهـ. وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَنَّ مَنْ انْصَرَفَ مِنْهُمْ إلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ رَاكِبًا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ، سَوَاءٌ كَانَ انْصِرَافُهُ مِنْ الْقِبْلَةِ إلَى الْعَدُوِّ أَوْ عَكْسُهُ، وَإِنَّمَا تُتِمُّ الطَّائِفَةُ الْأُولَى بِلَا قِرَاءَةٍ؛ لِأَنَّهُمْ لَاحِقُونَ؛ وَلِذَا لَوْ حَاذَتْهُمْ امْرَأَةٌ فَسَدَتْ صَلَاتُهُمْ وَالثَّانِيَةُ بِقِرَاءَةٍ؛ لِأَنَّهُمْ مَسْبُوقُونَ؛ وَلِذَا لَوْ حَاذَتْهُمْ امْرَأَةٌ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُمْ وَيَدْخُلُ تَحْتَهُ الْمُقِيمُ خَلْفَ الْمُسَافِرِ حَتَّى يَقْضِيَ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ بِلَا قِرَاءَةٍ إنْ كَانَ مِنْ الطَّائِفَةِ الْأُولَى وَبِقِرَاءَةٍ إنْ كَانَ مِنْ الثَّانِيَةِ وَالْمَسْبُوقُ إنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الشَّفْعِ الْأَوَّلِ فَهُوَ مِنْ الطَّائِفَةِ الْأُولَى وَإِلَّا فَهُوَ مِنْ الثَّانِيَةِ وَأَطْلَقَ فِي الصَّلَاةِ فَشَمَلَ كُلَّ صَلَاةٍ تُؤَدَّى بِجَمَاعَةٍ   [منحة الخالق] يَثْبُتَ دَلِيلُ الْخُصُوصِ وَقَوْلُهُ فِي الْبَدَائِعِ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ تَغَيَّرَ عَلَيْهِ فَأَصْلَحَهُ فَظَنَّ الرَّاوِي أَنَّهُ قَلَبَهُ أَبْعَدُ مِنْ الْبَعِيدِ، وَمِنْ هُنَا جَزَمَ الْقُدُورِيُّ بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَأَمَّا الْقَوْمُ فَلَا يُقَلِّبُونَ أَرْدِيَتَهُمْ بِالتَّشْدِيدِ أَيْ فِي يُقَلِّبُونَ كَمَا فِي السِّرَاجِ عِنْدَ كَافَّةِ الْعُلَمَاءِ خِلَافًا لِمَالِكٍ (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ، وَلَا يَحْضُرُ أَهْلُ الذِّمَّةِ) كَانَ بِنُسْخَةِ الْمَتْنِ الَّتِي وَقَعَتْ لِلْمُؤَلِّفِ هَكَذَا أَوْ تَابَعَ الزَّيْلَعِيُّ وَإِلَّا فَاَلَّذِي فِي الْمَتْنِ مُجَرَّدًا، وَعَلَيْهِ شَرْحٌ فِي النَّهْرِ لَا قَلْبُ رِدَاءٍ وَحُضُورُ ذِمِّيٍّ، وَإِنَّمَا يَخْرُجُونَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ (قَوْلُهُ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ هَلْ يَجُوزُ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَيْ يَجُوزُ عَقْلًا وَإِنْ لَمْ يَقَعْ. اهـ. وَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا وَمِمَّا يُبْعِدُهُ نِسْبَةُ الْجَوَازِ إلَى الْقَوْلِ لَا إلَى الِاسْتِجَابَةِ، وَلَا مَعْنَى لِلِاخْتِلَافِ فِي جَوَازِ الْقَوْلِ بِهَا عَقْلًا فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ الْجَوَازُ شَرْعًا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي غُرَرِ الْأَذْكَارِ وَرَأْيُ مَالِكٍ حُضُورُهُ؛ لِأَنَّ دُعَاءَهُ قَدْ يُسْتَجَابُ فِي الشِّدَّةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [العنكبوت: 65] الْآيَةَ. اهـ. قُلْت وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [الأعراف: 14] {قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ} [الأعراف: 15] وَلَعَلَّ هَذَا وَجْهُ مَا عَلَيْهِ الْفَتْوَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 182 كَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَمِنْهَا الْجُمُعَةُ، وَكَذَا الْعِيدُ، وَفِي الْمُجْتَبَى وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ لِعُمُومِ الْحَدِيثِ وَيُتَابِعُهُ مَنْ خَلْفَهُ وَيَسْجُدُ اللَّاحِقُ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ. (قَوْلُهُ وَصَلَّى فِي الْمَغْرِبِ بِالْأُولَى رَكْعَتَيْنِ وَبِالثَّانِيَةِ رَكْعَةً) ؛ لِأَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ شَطْرٌ فِي الْمَغْرِبِ؛ وَلِهَذَا شُرِعَ الْقُعُودُ عَقِيبَهُمَا وَلِأَنَّ الْوَاحِدَ لَا يَتَجَزَّأُ فَكَانَتْ الطَّائِفَةُ الْأُولَى أَوْلَى بِهَا لِلسَّبْقِ فَإِذَا تَرَجَّحَتْ عِنْدَ التَّعَارُضِ لَزِمَ اعْتِبَارُهُ وَمَسَائِلُ خَطَأِ الْإِمَامِ وَتَفَارِيعِهِمْ تَرَكْنَاهَا عَمْدًا لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهَا. (قَوْلُهُ، وَمَنْ قَاتَلَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ) ؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ كَثِيرٌ مُفْسِدٌ لِلصَّلَاةِ، وَهُوَ مُرَادُهُ بِالْمُقَاتَلَةِ وَإِلَّا فَلَوْ قَاتَلَ بِعَمَلٍ قَلِيلٍ كَالرَّمْيَةِ لَا تَفْسُدُ كَمَا عُلِمَ فِي مُفْسِدَاتِ الصَّلَاةِ، وَاسْتَدَلَّ فِي الْمُجْتَبَى بِحَدِيثِ الْمُغِيرَةِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شُغِلَ عَنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ يَوْمَ الْخَنْدَقِ فَصَلَّاهُنَّ مِنْ بَعْدِ مَا مَضَى مِنْ اللَّيْلِ» ، وَلَوْ جَازَ مَعَ الْقِتَالِ لَمَا أَخَّرَهُنَّ عَنْ وَقْتِهِنَّ اهـ. وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ السَّابِحَ فِي الْبَحْرِ إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يُرْسِلَ أَعْضَاءَهُ سَاعَةً فَإِنَّهُ لَا يُصَلِّي، فَإِنْ صَلَّى لَا تَصِحُّ، وَإِنْ أَمْكَنَهُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُصَلِّي بِالْإِيمَاءِ كَذَا فِي الْمُجْتَبَى. (قَوْلُهُ فَإِذَا اشْتَدَّ الْخَوْفُ صَلَّوْا رُكْبَانًا فُرَادَى بِالْإِيمَاءِ إلَى أَيِّ جِهَةٍ قَدَرُوا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالا أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة: 239] وَالتَّوَجُّهُ إلَى الْقِبْلَةِ يَسْقُطُ لِلضَّرُورَةِ، أَرَادَ بِالِاشْتِدَادِ أَنْ لَا يَتَهَيَّأَ لَهُمْ النُّزُولُ عَنْ الدَّابَّةِ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ قُيِّدَ بِقَوْلِهِ فُرَادَى؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بِجَمَاعَةٍ لِعَدَمِ الِاتِّحَادِ فِي الْمَكَانِ إلَّا إذَا كَانَ رَاكِبًا مَعَ الْإِمَامِ عَلَى دَابَّةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ اقْتِدَاءُ الْمُتَأَخِّرِ مِنْهُمَا بِالْمُتَقَدِّمِ اتِّفَاقًا وَيُرَدُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ مَا إذَا صَلَّى رَاكِبًا فِي الْمِصْرِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ مَعْلُومٌ مِمَّا قَدَّمَهُ مِنْ أَنَّ التَّطَوُّعَ لَا يَجُوزُ فِي الْمِصْرِ رَاكِبًا فَكَذَا الْفَرْضُ لِلضَّرُورَةِ وَقُيِّدَ بِالرُّكُوبِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ مَاشِيًا فِي غَيْرِ الْمِصْرِ؛ لِأَنَّ الْمَشْيَ عَمَلٌ كَثِيرٌ مُفْسِدٌ لِلصَّلَاةِ كَالْغَرِيقِ السَّابِحِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَفِي الْمُحِيطِ وَالرَّاكِبُ إنْ كَانَ طَالِبًا لَا يَجُوزُ صَلَاتُهُ عَلَى الدَّابَّةِ لِعَدَمِ ضَرُورَةِ الْخَوْفِ فِي حَقِّهِ، وَإِنْ كَانَ مَطْلُوبًا فَلَا بَأْسَ أَنْ يُصَلِّيَ وَهُوَ سَائِرٌ؛ لِأَنَّ السَّيْرَ فِعْلُ الدَّابَّةِ حَقِيقَةً، وَإِنَّمَا أُضِيفَتْ إلَيْهِ مَعْنًى بِتَسْيِيرِهِ فَإِذَا جَاءَ الْعُذْرُ انْقَطَعَتْ الْإِضَافَةُ إلَيْهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ صَلَّى، وَهُوَ يَمْشِي حَيْثُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْمَشْيَ فِعْلُهُ حَقِيقَةً، وَهُوَ مُنَافٍ لِلصَّلَاةِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَمْ تَجُزْ بِلَا حُضُورِ عَدُوٍّ) لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ حَتَّى لَوْ رَأَوْا سَوَادًا فَظَنُّوا أَنَّهُ عَدُوٌّ فَصَلَّوْا صَلَاةَ الْخَوْفِ ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ لَيْسَ بِعَدُوٍّ أَعَادُوهَا لِمَا قُلْنَا إلَّا إذَا بَانَ لَهُمْ قَبْلَ أَنْ يَتَجَاوَزَ الصُّفُوفَ، فَإِنَّ لَهُمْ أَنْ يَبْنُوا اسْتِحْسَانًا وَهَذَا كُلُّهُ فِي حَقِّ الْقَوْمِ وَأَمَّا الْإِمَامُ فَصَلَاتُهُ جَائِزَةٌ بِكُلِّ حَالٍ لِعَدَمِ الْمُفْسِدِ فِي حَقِّهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [كِتَابُ الْجَنَائِز] [أَرْكَانُ وسنن صَلَاة الْجِنَازَة] (كِتَابُ الْجَنَائِزِ) جَمْعُ جِنَازَةٍ، وَهِيَ بِالْكَسْرِ السَّرِيرُ وَبِالْفَتْحِ الْمَيِّتُ وَقِيلَ هُمَا لُغَتَانِ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَمُنَاسَبَتُهُ لِمَا قَبْلَهُ أَنَّ الْخَوْفَ وَالْقِتَالَ يُفْضِي إلَى الْمَوْتِ أَوْ لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الصَّلَاةِ حَالَ الْحَيَاةِ شَرَعَ فِي بَيَانِهَا حَالَ الْمَوْتِ وَأَخَّرَ الصَّلَاةَ فِي الْكَعْبَةِ لِيَكُونَ خَتْمُ كِتَابِ الصَّلَاةِ بِمَا يَتَبَرَّكُ بِهَا حَالًا وَمَكَانًا وَصِفَتُهَا أَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ بِالْإِجْمَاعِ حَتَّى لَا يَسَعُ لِلْكُلِّ تَرْكُهَا كَالْجِهَادِ وَسَبَبُ وُجُوبِهَا الْمَيِّتُ الْمُسْلِمُ؛ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ قَضَاءً لِحَقِّهِ؛ وَلِهَذَا تُضَافُ إلَيْهِ فَيُقَالُ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ بِالْفَتْحِ بِمَعْنَى الْمَيِّتِ وَرُكْنُهَا التَّكْبِيرَاتُ وَالْقِيَامُ؛ لِأَنَّ كُلَّ تَكْبِيرَةٍ مِنْهَا قَائِمَةٌ مَقَامَ رَكْعَةٍ وَشَرْطُهَا عَلَى الْخُصُوصِ اثْنَانِ كَوْنُهُ مُسْلِمًا وَكَوْنُهُ مَغْسُولًا كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَيُزَادُ عَلَى الشَّرْطَيْنِ كَوْنُهُ أَمَامَ الْمُصَلِّي كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَسُنَنُهَا التَّحْمِيدُ وَالثَّنَاءُ وَالدُّعَاءُ وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْهَا مِنْ كَوْنِهِ مُكَفَّنًا بِثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ أَوْ بِثِيَابِهِ فِي الشَّهِيدِ فَهُوَ تَسَاهُلٌ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إذْ لَيْسَ الْكَفَنُ مِنْ سُنَنِ الصَّلَاةِ. (قَوْلُهُ وُلِّيَ الْمُحْتَضَرُ الْقِبْلَةَ عَلَى يَمِينِهِ) أَيْ وُجِّهَ وَجْهُ مَنْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ فَالْمُحْتَضَرُ مَنْ قَرُبَ مِنْ الْمَوْتِ وَعَلَامَتُهُ أَنْ يَسْتَرْخِيَ قَدَمَاهُ فَلَا يَنْتَصِبَانِ وَيَنْعَوِجُ أَنْفُهُ   [منحة الخالق] [بَابُ صَلَاة الْخَوْفِ] (بَابُ الْخَوْفِ) (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يُقَال: إنَّهُ مَعْلُومٌ مِمَّا قَدَّمَهُ إلَخْ) هَذَا بَعِيدٌ جِدًّا (كِتَابُ الْجَنَائِزِ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 183 وَيَنْخَسِفُ صُدْغَاهُ وَتَمْتَدُّ جِلْدَةُ الْخُصْيَةِ؛ لِأَنَّ الْخُصْيَةَ تَتَعَلَّقُ بِالْمَوْتِ وَتَتَدَلَّى جِلْدَتُهَا، وَلَا يَمْتَنِعُ حُضُورُ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَقْتَ الِاحْتِضَارِ، وَإِنَّمَا يُوَجَّهُ إلَى الْقِبْلَةِ عَلَى يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ السُّنَّةُ الْمَنْقُولَةُ وَاخْتَارَ مَشَايِخُنَا بِمَا وَرَاءَ النَّهْرِ الِاسْتِلْقَاءَ عَلَى ظَهْرِهِ وَقَدَمَاهُ إلَى الْقِبْلَةِ؛ لِأَنَّهُ أَيْسَرُ لِخُرُوجِ الرُّوحِ وَتَعَقَّبَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَغَيْرِهِ بِأَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ وَجْهٌ، وَلَمْ يُعْرَفْ إلَّا نَقْلًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالْأَيْسَرِ مِنْهُمَا لَكِنَّهُ أَيْسَرُ لِتَغْمِيضِهِ وَشَدِّ لِحْيَتِهِ وَأَمْنَعُ مِنْ تَقَوُّسِ أَعْضَائِهِ ثُمَّ إذَا أُلْقِيَ عَلَى الْقَفَا يُرْفَعُ رَأْسُهُ قَلِيلًا لِيَصِيرَ وَجْهُهُ إلَى الْقِبْلَةِ دُونَ السَّمَاءِ اهـ. وَفِي الْمُبْتَغَى بِالْمُعْجَمَةِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُوضَعُ كَمَا تَيَسَّرَ لِاخْتِلَافِ الْمَوَاضِعِ وَالْأَمَاكِنِ اهـ. وَهَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يُشَقَّ عَلَيْهِ فَإِذَا شَقَّ عَلَيْهِ تُرِكَ عَلَى حَالِهِ كَذَا فِي الْمُجْتَبَى وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ الِاضْطِجَاعَ لِلْمَرِيضِ أَنْوَاعٌ أَحَدُهَا فِي حَالَةِ الصَّلَاةِ، وَهُوَ أَنْ يَسْتَلْقِيَ عَلَى قَفَاهُ، وَالثَّانِي إذَا قَرُبَ مِنْ الْمَوْتِ يُضْجَعُ عَلَى الْأَيْمَنِ وَاخْتِيرَ الِاسْتِلْقَاءُ، وَالثَّالِثُ فِي حَالَةِ الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ يُضْجَعُ عَلَى قَفَاهُ مُعْتَرِضًا لِلْقِبْلَةِ وَالرَّابِعُ فِي اللَّحْدِ يُضْجَعُ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ وَوَجْهُهُ إلَى الْقِبْلَةِ هَكَذَا تَوَارَثَتْ السُّنَّةُ اهـ. وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَالْمَرْجُومُ لَا يُوَجَّهُ اهـ. (قَوْلُهُ وَلُقِّنَ الشَّهَادَةَ) بِأَنْ يُقَالَ عِنْدَهُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَلَا يُؤْمَرُ بِهَا لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ» وَهُوَ تَحْرِيضٌ عَلَى التَّلْقِينِ بِهَا عِنْدَ الْمَوْتِ فَيُفِيدُ الِاسْتِحْبَابَ وَحِينَئِذٍ فَلَا حَاجَةَ إلَى الِاسْتِدْلَالِ بِالْحَدِيثِ الْآخَرِ «لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ قَوْلَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» فَإِنَّ حَقِيقَتَهُ التَّلْقِينُ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَقَوْلُهُمْ إنَّهُ مَجَازٌ تَسْمِيَةً لِلشَّيْءِ بِاسْمِ مَا يَئُولُ إلَيْهِ قَوْلٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْحَقِيقَةُ، وَقَدْ أَطَالَ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فِي رَدِّهِ، وَفِي الْمُجْتَبَى وَإِذْ قَالَهَا مَرَّةً، وَلَا يُكْثِرُ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَمَّا أُكْثِرَ عَلَى بْنِ الْمُبَارَكِ عِنْدَ الْوَفَاةِ قَالَ: إذَا قُلْت ذَلِكَ مَرَّةً فَأَنَا عَلَى ذَلِكَ مَا لَمْ أَتَكَلَّمْ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ التَّلْقِينِ أَنْ يَكُونَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ آخِرَ قَوْلِهِ اهـ. وَفِي الْقُنْيَةِ اشْتَدَّ مَرَضُهُ وَدَنَا مَوْتُهُ فَالْوَاجِبُ عَلَى إخْوَانِهِ وَأَصْدِقَائِهِ أَنْ يُلَقِّنُوهُ الشَّهَادَةَ اهـ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُسْتَحَبًّا كَمَا قَدَّمْنَاهُ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ فِي الْحَدِيثِ لَمْ يَكُنْ عَلَى حَقِيقَتِهِ بَلْ اُسْتُعْمِلَ فِي مَجَازِهِ فَلَمْ يَكُنْ قَطْعِيَّ الدَّلَالَةِ فَلَمْ يُفِدْ الْوُجُوبَ قَالُوا: وَإِذَا ظَهَرَ مِنْهُ كَلِمَاتٌ تُوجِبُ الْكُفْرَ لَا يُحْكَمُ بِكُفْرِهِ وَيُعَامَلُ مُعَامَلَةَ مَوْتَى الْمُسْلِمِينَ حَمْلًا عَلَى أَنَّهُ فِي حَالِ زَوَالِ عَقْلِهِ؛ وَلِذَا اخْتَارَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ أَنْ يَذْهَبَ عَقْلُهُ قَبْلَ مَوْتِهِ لِهَذَا الْخَوْفِ وَبَعْضُهُمْ اخْتَارُوا قِيَامَهُ حَالَ الْمَوْتِ، وَقَدْ اعْتَادَ النَّاسُ قِرَاءَةَ " يس " عِنْدَ الْمُحْتَضَرِ وَسَيَأْتِي. [مَا يُصْنَعُ بِالْمُحْتَضَرِ] (قَوْلُهُ، فَإِنْ مَاتَ شُدَّ لَحْيَاهُ وَغُمِّضَ عَيْنَاهُ) بِذَلِكَ جَرَى التَّوَارُثُ ثُمَّ فِيهِ تَحْسِينُهُ فَيُسْتَحْسَنُ وَتَقَدَّمَ فِي الْوُضُوءِ أَنَّ اللَّحْيَ بِفَتْحِ اللَّامِ مَنْبَتُ اللِّحْيَةِ مِنْ الْإِنْسَانِ أَوْ الْعَظْمُ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَسْنَانُ وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ عَلَى أَبِي سَلَمَةَ بَعْدَ الْوَفَاةِ، وَقَدْ شُقَّ بَصَرُهُ فَأَغْمَضَهُ ثُمَّ قَالَ إنَّ الرُّوحَ إذَا قُبِضَ تَبِعَهُ الْبَصَرُ ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِأَبِي سَلَمَةَ وَارْفَعْ دَرَجَتَهُ فِي الْمَهْدِيِّينَ وَاخْلُفْهُ فِي عَقِبِهِ فِي الْغَابِرِينَ وَاغْفِرْ لَنَا، وَلَهُ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ وَافْسَحْ لَهُ فِي قَبْرِهِ وَنَوِّرْ لَهُ فِيهِ» قَالَ فِي الْمُجْتَبَى وَيَنْبَغِي أَنْ يَحْفَظَهُ كُلُّ مُسْلِمٍ فَيَدْعُوَ بِهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ، وَفِي النُّتَفِ يُصْنَعُ بِالْمُحْتَضَرِ عَشْرَةُ أَشْيَاءَ: يُوَجَّهُ إلَى الْقِبْلَةِ عَلَى قَفَاهُ أَوْ يَمِينِهِ. وَيُمَدُّ أَعْضَاؤُهُ وَيُغْمَضُ عَيْنَاهُ وَيُقْرَأُ عِنْدَهُ سُورَةُ يس وَيُحْضَرُ عِنْدَهُ مِنْ الطِّيبِ وَيُلَقَّنُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَيُخْرَجُ مِنْ عِنْدِهِ الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ وَالْجُنُبُ وَيُوضَعُ عَلَى بَطْنِهِ سَيْفٌ لِئَلَّا يَنْتَفِخَ وَيُقْرَأُ عِنْدَهُ الْقُرْآنُ إلَى أَنْ يُرْفَعَ اهـ. أَيْ إلَى أَنْ يُرْفَعَ رُوحُهُ، وَفِي التَّبْيِينِ وَيَقُولُ مُغَمِّضُهُ: بِسْمِ اللَّهِ، وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ   [منحة الخالق] [حُضُورُ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَقْتَ الِاحْتِضَارِ] (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْخُصْيَةَ تَتَعَلَّقُ بِالْمَوْتِ) الْبَاءُ سَبَبِيَّةٌ أَيْ بِسَبَبِ الْمَوْتِ (قَوْلُهُ: وَلَا يَمْتَنِعُ) أَيْ لُزُومًا لِمَا سَيَأْتِي [تلقين الشَّهَادَةَ لِلْمُحْتَضِرِ] (قَوْلُهُ «ثُمَّ قَالَ إنَّ الرُّوحَ إذَا قُبِضَ تَبِعَهُ الْبَصَرُ» ) قَالَ السُّيُوطِيّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى صَحِيحِ مُسْلِمٍ قَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَاهُ إذَا خَرَجَ الرُّوحُ مِنْ الْجَسَدِ تَبِعَهُ الْبَصَرُ نَاظِرًا أَيْنَ تَذْهَبُ قُلْت، وَفِي فَهْمِ هَذَا دِقَّةٌ فَإِنَّهُ قَدْ يُقَالُ: إنَّ الْبَصَرَ إنَّمَا يُبْصِرُ مَا دَامَ الرُّوحُ فِي الْبَدَنِ فَإِذَا فَارَقَهُ تَعَطَّلَ الْإِبْصَارُ كَمَا يَتَعَطَّلُ الْإِحْسَاسُ وَاَلَّذِي ظَهَرَ لِي فِيهِ بَعْدَ النَّظَرِ ثَلَاثِينَ سَنَةً أَنْ يُجَابَ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ ذَلِكَ بَعْدَ خُرُوجِ الرُّوحِ مِنْ أَكْثَرِ الْبَدَنِ وَهِيَ بَعْدُ بَاقِيَةٌ فِي الرَّأْسِ وَالْعَيْنَيْنِ فَإِذَا خَرَجَ مِنْ الْفَمِ أَكْثَرُهَا، وَلَمْ تَنْتَهِ كُلُّهَا نَظَرَ الْبَصَرُ إلَى الْقَدْرِ الَّذِي خَرَجَ وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ الرُّوحَ عَلَى قَدْرِ أَعْضَائِهِ فَإِذَا خَرَجَ بَقِيَّتُهَا مِنْ الرَّأْسِ وَالْعَيْنِ سَكَنَ النَّظَرُ فَيَكُونُ قَوْلُهُ «إذَا قُبِضَ الرُّوحُ» مَعْنَاهُ إذَا شُرِعَ فِي قَبْضِهِ، وَلَمْ يَنْتَهِ قَبْضُهُ، الثَّانِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الرُّوحَ لَهَا اتِّصَالٌ بِالْبَدَنِ، وَإِنْ كَانَتْ خَارِجَةً فَتَرَى وَتَسْمَعُ وَتَرُدُّ السَّلَامَ وَيَكُونُ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ أَقْوَى الْأَدِلَّةِ عَلَى ذَلِكَ - وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِمُرَادِ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي الرُّوحِ لُغَتَانِ التَّذْكِيرُ وَالتَّأْنِيثُ كَذَا فِي شَرْحِ الْبَاقَانِيِّ قُلْت: وَالْجَوَابُ الثَّانِي يَرْجِعُ إلَى مَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ تَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ إلَى أَنْ يُرْفَعَ) أَقُولُ: الَّذِي رَأَيْته فِي النُّتَفِ إلَى أَنْ يُرْفَعَ إلَى الْغُسْلِ، وَهَكَذَا نَقَلَهُ عَنْهَا الْقُهُسْتَانِيُّ لَكِنَّ عِبَارَةَ الزَّيْلَعِيِّ تُكْرَهُ الْقِرَاءَةُ عِنْدَهُ حَتَّى يُغَسَّلَ. اهـ. وَكَذَا قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 184 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اللَّهُمَّ يَسِّرْ عَلَيْهِ أَمْرَهُ وَسَهِّلْ عَلَيْهِ مَا بَعْدَهُ وَأَسْعِدْهُ بِلِقَائِك وَاجْعَلْ مَا خَرَجَ إلَيْهِ خَيْرًا مِمَّا خَرَجَ عَنْهُ، وَفِي الْمُحِيطِ وَلْيُسْرَعْ فِي جِهَازِهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «عَجِّلُوا بِمَوْتَاكُمْ، فَإِنْ يَكُ خَيْرًا قَدَّمْتُمُوهُ إلَيْهِ، وَإِنْ يَكُ شَرًّا فَبُعْدًا لِأَهْلِ النَّارِ» . (قَوْلُهُ وَوُضِعَ عَلَى سَرِيرٍ مُجَمَّرٍ وِتْرًا) لِئَلَّا يَعْتَرِيَهُ نَدَاوَةُ الْأَرْضِ وَلِيَنْصَبَّ عَنْهُ الْمَاءُ عِنْدَ غُسْلِهِ، وَفِي التَّجْمِيرِ تَعْظِيمُهُ وَإِزَالَةُ الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ وَالْوِتْرُ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ مِنْ غَيْرِهِ، وَكَيْفِيَّتُهُ أَنْ يُدَارَ بِالْمِجْمَرَةِ حَوْلَ السَّرِيرِ مَرَّةً أَوْ ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا، وَلَا يُزَادُ عَلَيْهَا كَذَا فِي التَّبْيِينِ، وَفِي النِّهَايَةِ وَالْكَافِي وَفَتْحِ الْقَدِيرِ أَوْ سَبْعًا، وَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَكَيْفِيَّةُ الْوَضْعِ عِنْدَ بَعْضِ أَصْحَابِنَا: الْوَضْعُ طُولًا كَمَا فِي حَالَةِ الْمَرَضِ إذَا أَرَادَ الصَّلَاةَ بِإِيمَاءٍ وَمِنْهُمْ مَنْ اخْتَارَ الْوَضْعَ عَرْضًا كَمَا يُوضَعُ فِي الْقَبْرِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُوضَعُ كَمَا تَيَسَّرَ اهـ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ السَّرِيرَ يُجَمَّرُ قَبْلَ وَضْعِهِ عَلَيْهِ وَأَنَّهُ يُوضَعُ عَلَيْهِ كَمَا مَاتَ، وَلَا يُؤَخَّرُ إلَى وَقْتِ الْغُسْلِ، وَفِي الْغَايَةِ يُفْعَلُ هَذَا عِنْدَ إرَادَةِ غُسْلِهِ إخْفَاءً لِلرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ وَقَالَ الْقُدُورِيُّ إذَا أَرَادُوا غُسْلَهُ وَضَعُوهُ عَلَى سَرِيرِهِ، وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ لِمَا ذَكَرْنَا، وَفِي التَّبْيِينِ وَتُكْرَهُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ عِنْدَهُ إلَى أَنْ يُغَسَّلَ، وَفِي الْمُغْرِبِ جَمَرَ ثَوْبَهُ وَأَجْمَرَهُ بَخَّرَهُ. (قَوْلُهُ وَسَتْرُ عَوْرَتِهِ) إقَامَةً لِوَاجِبِ السَّتْرِ وَلِأَنَّ النَّظَرَ إلَيْهَا حَرَامٌ كَمَا فِي عَوْرَةِ الْحَيِّ وَأَطْلَقَ الْعَوْرَةَ فَشَمَلَتْ الْخَفِيفَةَ وَالْغَلِيظَةَ وَصَحَّحَهُ فِي التَّبْيِينِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ وَصَحَّحَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُجْتَبَى أَنَّهَا الْعَوْرَةُ الْغَلِيظَةُ تَيْسِيرًا وَلِبُطْلَانِ الشَّهْوَةِ وَجَعَلَهُ فِي الْكَافِي وَالظَّهِيرِيَّةِ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ، وَفِي الْمُحِيطِ وَيَغْسِلُ عَوْرَتَهُ تَحْتَ الْخِرْقَةِ بَعْدَ أَنْ يَلُفَّ عَلَى يَدِهِ خِرْقَةً لِتَصِيرَ الْخِرْقَةُ حَائِلَةً بَيْنَ يَدِهِ وَبَيْنَ الْعَوْرَةِ؛ لِأَنَّ اللَّمْسَ حَرَامٌ كَالنَّظَرِ (قَوْلُهُ وَجُرِّدَ) أَيْ مِنْ ثِيَابِهِ لِيُمْكِنَهُمْ التَّنْظِيفُ وَتَغْسِيلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي قَمِيصِهِ خُصُوصِيَّةٌ لَهُ قَالُوا: يُجَرَّدُ كَمَا مَاتَ؛ لِأَنَّ الثِّيَابَ تَحْمَى فَيُسْرِعُ إلَيْهِ التَّغْيِيرُ. (قَوْلُهُ وَوُضِّئَ بِلَا مَضْمَضَةٍ، وَلَا اسْتِنْشَاقٍ) ؛ لِأَنَّ الْوُضُوءَ سُنَّةُ الِاغْتِسَالِ غَيْرَ أَنَّ إخْرَاجَ الْمَاءِ مُتَعَذِّرٌ فَيُتْرَكَانِ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ قَالَ يَجْعَلُ الْغَاسِلُ خِرْقَةً فِي أُصْبُعِهِ يَمْسَحُ بِهَا أَسْنَانَهُ، وَلَهَاتَهُ وَلِثَتَهُ وَيُدْخِلُ فِي مَنْخِرَيْهِ أَيْضًا اهـ. . وَفِي الْمُجْتَبَى، وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ الْيَوْمَ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْغَاسِلَ يَمْسَحُ رَأْسَ الْمَيِّتِ فِي الْوُضُوءِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَالْجُنُبِ، وَفِي رِوَايَةٍ لَا فِيهِمَا لَكِنَّهُ لَا يُؤَخِّرُ غَسْلَ رِجْلَيْهِ فِي هَذَا الْوُضُوءِ، وَلَا يَبْدَأُ بِغَسْلِ يَدَيْهِ بَلْ بِوَجْهِهِ فَخَالَفَ الْجُنُبَ فِيهِمَا كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الِاسْتِنْجَاءَ لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ فَعِنْدَهُمَا يَسْتَنْجِي وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا وَأَطْلَقَهُ فَشَمَلَ الْبَالِغَ وَالصَّبِيَّ إلَّا أَنَّ الصَّبِيَّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ الصَّلَاةَ لَا يُوَضَّأُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِحَيْثُ يُصَلِّي (قَوْلُهُ وَصُبَّ عَلَيْهِ مَاءٌ مَغْلِيٌّ بِسِدْرٍ أَوْ حُرْضٍ) مُبَالَغَةً فِي التَّنْظِيفِ؛ لِأَنَّ تَسْخِينَ الْمَاءِ كَذَلِكَ مِمَّا يَزِيدُ فِي تَحْقِيقِ الْمَطْلُوبِ فَكَانَ مَطْلُوبًا شَرْعًا وَمَا يُظَنُّ مَانِعًا، وَهُوَ كَوْنُ سُخُونَتِهِ تُوجِبُ انْحِلَالَهُ فِي الْبَاطِنِ فَيَكْثُرُ   [منحة الخالق] لِابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ قَالُوا وَتُكْرَهُ الْقِرَاءَةُ عَلَيْهِ بَعْدَ مَوْتِهِ حَتَّى يُغَسَّلَ. اهـ. (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ بِلَا مَضْمَضَةٍ وَاسْتِنْشَاقٍ) هَذَا لَوْ كَانَ طَاهِرًا أَمَّا لَوْ كَانَ جُنُبًا أَوْ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ فُعِلَا تَتْمِيمًا لِلطَّهَارَةِ كَمَا فِي الْإِمْدَادِ عَنْ شَرْحِ الْمَقْدِسِيَّ، وَفِي حَاشِيَةِ الرَّمْلِيِّ إطْلَاقُ الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ يَشْمَلُ مَنْ مَاتَ جُنُبًا وَكَذَلِكَ إطْلَاقُ الْفَتَاوَى وَالْعِلَّةُ تَقْتَضِيهِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ لَكِنَّ الْإِطْلَاقَ يَدْخُلُهُ. اهـ وَفِي حَاشِيَةِ مِسْكِينٍ أَنَّهُمَا لَا يُفْعَلَانِ وَعَزَاهُ إلَى الزَّيْلَعِيِّ قُلْتُ: وَلَمْ أَجِدْ ذَلِكَ فِيهِ وَنُقِلَ بَعْدَهُ عَنْ الشَّلَبِيِّ قَالَ فَمَا ذَكَرَهُ الْخَلْخَالِيُّ أَيْ فِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ مِنْ أَنَّ الْجُنُبَ يُمَضْمَضُ وَيُسْتَنْشَقُ غَرِيبٌ مُخَالِفٌ لِعَامَّةِ الْكُتُبِ ثُمَّ قَالَ فِي الْحَاشِيَةِ مَا ذَكَرَهُ الْخَلْخَالِيُّ يُتَّجَهُ عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ فِي غَسْلِ الشَّهِيدِ الْجُنُبِ، وَمَا ذَكَرَهُ غَيْرُهُ يُتَّجَهُ عَلَى قَوْلِهِمَا بِعَدَمِ غَسْلِهِ. اهـ وَفِيهِ أَنَّ التَّعْلِيلَ بِالْحَرَجِ يَقْتَضِي عَدَمَهُ عِنْدَهُمْ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ غَيْرَ أَنَّ إخْرَاجَ الْمَاءِ مُتَعَذِّرٌ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ إلَّا أَنَّ الْمَيِّتَ لَا يُمَضْمَضُ، وَلَا يُسْتَنْشَقُ؛ لِأَنَّ إدَارَةَ الْمَاءِ فِي فَمِ الْمَيِّتِ غَيْرُ مُمْكِنٍ ثُمَّ يَتَعَذَّرُ إخْرَاجُهُ مِنْ الْفَمِ إلَّا بِالْكَبِّ وَأَنَّهُ مُثْلَةٌ مَعَ أَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَسِيلَ مِنْهُ شَيْءٌ لَوْ فُعِلَ ذَلِكَ بِهِ، وَكَذَا الْمَاءُ لَا يَدْخُلُ الْخَيَاشِيمَ إلَّا بِالْجَذْبِ بِالنَّفَسِ وَذَا غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ مِنْ الْمَيِّتِ، وَلَوْ كُلِّفَ الْغَاسِلُ بِذَلِكَ لَوَقَعَ فِي الْحَرَجِ. اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِحَيْثُ يُصَلِّي) قَالَ الْحَلْوَانِيُّ مَا ذُكِرَ مِنْ الْوُضُوءِ فِي حَقِّ الْبَالِغِ وَالصَّبِيِّ الَّذِي يَعْقِلُ الصَّلَاةَ فَأَمَّا الَّذِي لَا يَعْقِلُهَا فَيُغَسَّلُ، وَلَا يُوَضَّأُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِحَيْثُ يُصَلِّي فَتْحٌ قَالَ فِي النَّهْرِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ مَنْ بَلَغَ مَجْنُونًا لَا يُوَضَّأُ أَيْضًا، وَلَمْ أَرَهُ لَهُمْ وَأَنَّهُ لَا يُوَضَّأُ إلَّا مَنْ بَلَغَ سَبْعًا؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يُؤْمَرُ بِالصَّلَاةِ حِينَئِذٍ. اهـ. قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ، وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا بَحْثٌ أَمَّا الْأَوَّلُ فَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ فِيهِ الْمُقْتَضَى، وَالْمَانِعُ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ، وَأَمَّا الثَّانِي فَالتَّعْلِيقُ عَلَى مَنْ لَمْ يَعْقِلْ وَكَوْنُهُ لَمْ يَكُنْ بِحَيْثُ يَصِلُ يَقْتَضِي خِلَافَهُ فَلْيُتَأَمَّلْ. اهـ. وَفِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ بَعْدَ سَوْقِهِ كَلَامَ الْحَلْوَانِيِّ وَهَذَا التَّوْجِيهُ لَيْسَ بِقَوِيٍّ إذْ يُقَالُ إنَّ هَذَا الْوُضُوءَ سُنَّةُ الْغُسْلِ الْمَفْرُوضِ لِلْمَيِّتِ لَا تَعَلُّقَ لِكَوْنِ الْمَيِّتِ بِحَيْثُ يُصَلِّي أَوَّلًا كَمَا فِي الْمَجْنُونِ اهـ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا كَلَامَ فِي الْمَجْنُونِ أَنْ يُوَضَّأَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 185 الْخَارِجُ هُوَ عِنْدَنَا دَاعٍ لَا مَانِعٌ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ يَتِمُّ إذْ يَحْصُلُ بِاسْتِفْرَاغِ مَا فِي الْبَاطِنِ تَمَامُ النَّظَافَةِ وَالْأَمَانِ مِنْ تَلْوِيثِ الْكَفَنِ عِنْدَ حَرَكَةِ الْحَامِلِينَ لَهُ فَعِنْدَنَا الْمَاءُ الْحَارُّ أَفْضَلُ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَالْحُرْضُ أُشْنَانٌ غَيْرُ مَطْحُونٍ وَالْمَغْلِيُّ مِنْ الْإِغْلَاءِ لَا مِنْ الْغَلْيِ وَالْغَلَيَانِ؛ لِأَنَّهُ لَازِمٌ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ (قَوْلُهُ وَإِلَّا فَالْقَرَاحُ) أَيْ إنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ مَا ذُكِرَ فَيُصَبُّ عَلَيْهِ الْمَاءُ الْخَالِصُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الطَّهَارَةُ وَيَحْصُلُ بِهِ. (قَوْلُهُ وَغَسَلَ رَأْسَهُ وَلِحْيَتَهُ بِالْخِطْمِيِّ) ؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي اسْتِخْلَاصِ الْوَسَخِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَبِالصَّابُونِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ يَعْمَلُ عَمَلَهُ هَذَا إذَا كَانَ فِي رَأْسِهِ شَعْرٌ اعْتِبَارًا بِحَالَةِ الْحَيَاةِ وَالْخِطْمِيُّ بِكَسْرِ الْخَاءِ نَبْتٌ يُغْسَلُ بِهِ الرَّأْسُ كَمَا فِي الصِّحَاحِ وَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي تَنْبِيهَاتِهِ الْفَتْحَ لَا غَيْرُ. وَالْمُرَادُ بِهِ خِطْمِيٍّ الْعِرَاقِ. (قَوْلُهُ وَأُضْجِعَ عَلَى يَسَارِهِ فَيُغَسَّلُ حَتَّى يَصِلَ الْمَاءُ إلَى مَا يَلِي التَّخْتَ مِنْهُ ثُمَّ عَلَى يَمِينِهِ كَذَلِكَ) ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ هِيَ الْبُدَاءَةُ مِنْ الْمَيَامِنِ وَالْمُرَادُ بِمَا يَلِي التَّخْتَ مِنْهُ الْجَنْبَ الْمُتَّصِلَ بِالتَّخْتِ وَالتَّخْتُ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ لَا بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ؛ لِأَنَّ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ يُوهِمُ أَنَّ غَسْلَ مَا يَلِي التَّحْتَ مِنْ الْجَنْبِ لَا الْجَنْبَ الْمُتَّصِلَ بِالتَّخْتِ أَمَّا بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ يُفْهَمُ الْجَنْبُ الْمُتَّصِلُ كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَبِهِ انْدَفَعَ مَا ذَكَرَهُ الْعَيْنِيُّ مِنْ جَوَازِ الْوَجْهَيْنِ. (قَوْلُهُ ثُمَّ أُجْلِسَ مُسْنَدًا إلَيْهِ وَمُسِحَ بَطْنُهُ رَفِيقًا، وَمَا خَرَجَ مِنْهُ غَسَلَهُ) تَنْظِيفًا لَهُ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ ذَكَرَ غُسْلَهُ مَرَّتَيْنِ الْأُولَى بِقَوْلِهِ وَأُضْجِعَ عَلَى يَسَارِهِ فَيُغَسَّلُ الثَّانِيَةُ بِقَوْلِهِ ثُمَّ عَلَى يَمِينِهِ كَذَلِكَ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْغَسْلَةَ الثَّالِثَةَ تَمَامَ السُّنَّةِ قَالَ فِي الْمُحِيطِ بَعْدَ إقْعَادِهِ ثُمَّ يُضْجِعُهُ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْسَرِ وَيَغْسِلُهُ؛ لِأَنَّ التَّثْلِيثَ مَسْنُونٌ فِي غُسْلِ الْحَيِّ فَكَذَا فِي غُسْلِ الْمَيِّتِ، وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ ذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ وَصُبَّ عَلَيْهِ مَاءٌ مَغْلِيٌّ فَغَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ غَسْلَةً مِنْ الثَّلَاثِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بَعْدُ، وَغَسَلَ رَأْسَهُ وَلِحْيَتَهُ بِالْخِطْمِيِّ فَإِنَّ السُّنَّةَ أَنْ يَبْدَأَ بِغَسْلِهِمَا قَبْلَ الْغَسْلَةِ الْأُولَى، وَإِنَّمَا هُوَ كَلَامٌ إجْمَالِيٌّ لِبَيَانِ كَيْفِيَّةِ الْمَاءِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ السُّنَّةَ أَنَّهُ إذَا فَرَغَ مِنْ وُضُوئِهِ غَسَلَ رَأْسَهُ وَلِحْيَتَهُ بِالْخِطْمِيِّ مِنْ غَيْرِ تَسْرِيحٍ ثُمَّ يُضْجِعُهُ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْسَرِ وَيَغْسِلُهُ وَهَذِهِ مَرَّةٌ ثُمَّ عَلَى الْأَيْمَنِ كَذَلِكَ وَهَذِهِ ثَانِيَةٌ ثُمَّ يُقْعِدُهُ وَيَمْسَحُ بَطْنَهُ كَمَا ذُكِرَ ثُمَّ يُضْجِعُهُ عَلَى الْأَيْسَرِ فَيَصُبُّ الْمَاءَ عَلَيْهِ وَهَذِهِ ثَالِثَةٌ لَكِنْ ذَكَرَ خُوَاهَرْ زَادَهْ أَنَّ الْمَرَّةَ الْأُولَى بِالْمَاءِ الْقَرَاحِ وَالثَّانِيَةَ بِالْمَاءِ الْمَغْلِيِّ فِيهِ سِدْرٌ أَوْ حُرْضٌ، وَالثَّالِثَةَ بِالْمَاءِ الَّذِي فِيهِ الْكَافُورُ، وَلَمْ يُفَصِّلْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي مِيَاهِ الْغَسَلَاتِ بَيْنَ الْقَرَاحِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْحَاكِمِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْأَوْلَى أَنْ يَغْسِلَ الْأُولَيَانِ بِالسِّدْرِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ كَمِّيَّةَ الصَّبَّاتِ، وَفِي الْمُجْتَبَى يُصَبُّ الْمَاءُ عَلَيْهِ عِنْدَ كُلِّ إضْجَاعٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَإِنْ زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ جَازَ. (قَوْلُهُ، وَلَمْ يُعِدْ غُسْلَهُ) ؛ لِأَنَّ الْغُسْلَ عَرَفْنَاهُ بِالنَّصِّ، وَقَدْ حَصَلَ مَرَّةً، وَكَذَا لَا تَجِبُ إعَادَةُ وُضُوئِهِ؛ لِأَنَّ الْخَارِجَ مِنْهُ مِنْ قُبُلٍ أَوْ دُبُرٍ أَوْ غَيْرِهِمَا لَيْسَ بِحَدَثٍ ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ حَدَثٌ كَالْخَارِجِ فَلَمَّا لَمْ يُؤَثِّرْ الْمَوْتُ فِي الْوُضُوءِ، وَهُوَ مَوْجُودٌ لَمْ يُؤَثِّرْ الْخَارِجُ وَضَبَطَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ الْغُسْلَ هُنَا بِالضَّمِّ وَفِي الْعِنَايَةِ يَجُوزُ فِيهِ الضَّمُّ وَالْفَتْحُ وَذَكَرَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ مِنْ بَحْثِ الطَّهَارَةِ أَنَّهُ بِفَتْحِ الْغَيْنِ كَغَسْلِ الثَّوْبِ قَالَ وَالضَّابِطُ أَنَّكَ إذَا أَضَفْتَ إلَى الْمَغْسُولِ فَتَحْتَ وَإِذَا أَضَفْتَ إلَى غَيْرِ الْمَغْسُولِ ضَمَمْتَ (قَوْلُهُ وَنُشِّفَ فِي ثَوْبٍ) كَيْ لَا يَبْتَلَّ أَكْفَانُهُ وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ الْمِنْدِيلُ الَّذِي يُمْسَحُ بِهِ الْمَيِّتُ بَعْدَ الْغُسْلِ كَالْمِنْدِيلِ الَّذِي يُمْسَحُ بِهِ الْحَيُّ اهـ. يَعْنِي أَنَّهُ طَاهِرٌ. (قَوْلُهُ وَجَعَلَ الْحَنُوطَ عَلَى رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ) ؛ لِأَنَّ التَّطَيُّبَ سُنَّةٌ، وَذَكَرَ الرَّازِيّ أَنَّ هَذَا الْجَعْلَ مُسْتَحَبٌّ وَالْحَنُوطُ عِطْرٌ مُرَكَّبٌ مِنْ أَشْيَاءَ طَيِّبَةٍ، وَلَا بَأْسَ بِسَائِرِ الطِّيبِ غَيْرِ الزَّعْفَرَانِ وَالْوَرْسِ اعْتِبَارًا بِالْحَيَاةِ، وَقَدْ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْ الْمُزَعْفَرِ لِلرِّجَالِ وَبِهَذَا يُعْلَمُ جَهْلُ مَنْ يَجْعَلُ الزَّعْفَرَانَ فِي الْكَفَنِ عِنْدَ رَأْسِ الْمَيِّتِ فِي زَمَانِنَا. (قَوْلُهُ وَالْكَافُورَ عَلَى مَسَاجِدِهِ) زِيَادَةٌ فِي تَكْرِمَتِهَا   [منحة الخالق] [غَسَلَ الْمَيِّت] (قَوْلُهُ هَذَا إذَا كَانَ فِي رَأْسِهِ شَعْرٌ) قَالَ فِي النَّهْرِ، وَلَمْ يَقُلْ وَلِحْيَتِهِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ وُجُودُ شَعْرٍ فِيهَا حَتَّى لَوْ كَانَ أَمْرَدَ أَوْ أَجْرَدَ لَا يُفْعَلُ (قَوْلُهُ تَنْظِيفًا لَهُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ لَا شَرْطَ حَتَّى لَوْ صَلَّى عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ غَسْلِهِ جَازَ لِمَا يَأْتِي؛ وَلِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ شَرْطَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ كَوْنُهُ مُسْلِمًا وَكَوْنُهُ مَغْسُولًا وَهَذَا مِمَّا لَا يُتَوَقَّفُ فِيهِ تَأَمَّلْ. اهـ. أَقُولُ: بَلْ فِيهِ تَوَقُّفٌ؛ لِأَنَّهُمْ عَلَّلُوا شَرْطِيَّةَ غُسْلِهِ بِكَوْنِهِ إمَامًا مِنْ وَجْهٍ وَهَذَا يَقْتَضِي اشْتِرَاطَ طَهَارَتِهِ وَلِأَنَّهُ صَرَّحَ فِي النَّهْرِ بِأَنَّهَا لَا تَصِحُّ عَلَى مَنْ لَمْ يُغَسَّلْ، وَلَا عَلَى مَنْ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ وَسَيَأْتِي عَنْ الْقُنْيَةِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ " وَشَرْطُهَا إسْلَامُ الْمَيِّتِ وَطَهَارَتُهُ " أَنَّ طَهَارَةَ الثَّوْبِ وَالْمَكَانِ وَالْبَدَنِ شَرْطٌ فِي حَقِّ الْإِمَامِ وَالْمَيِّتِ جَمِيعًا (قَوْلُهُ فَغَيْرُ صَحِيحٍ) عَبَّرَ فِي الْمِعْرَاجِ بِقَوْلِهِ فَبَعِيدٌ قَالَ فِي النَّهْرِ وَهَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الْبَحْرِ؛ لِأَنَّ الْوَاوَ لَا تُفِيدُ تَرْتِيبًا، غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ كَيْفِيَّةَ الْغَسْلَاتِ مُرَتَّبَةً كَمَا أَنَّهُ لَمْ يُفَصِّلْ فِي مِيَاهِهَا بَيْنَ الْقَرَاحِ وَغَيْرِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 186 وَصِيَانَةً لِلْمَيِّتِ عَنْ سُرْعَةِ الْفَسَادِ، وَهِيَ مَوْضِعُ سُجُودِهِ جَمْعُ مَسْجِدٍ بِالْفَتْحِ لَا غَيْرُ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَاخْتُلِفَ فِيهَا فَذَكَرَ السَّرَخْسِيُّ أَنَّهَا الْجَبْهَةُ وَالْأَنْفُ وَالْيَدَانِ وَالرُّكْبَتَانِ وَالْقَدَمَانِ وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِ الْكَرْخِيِّ أَنَّهَا الْجَبْهَةُ وَالْيَدَانِ وَالرُّكْبَتَانِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْأَنْفَ وَالْقَدَمَيْنِ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ فِي الْغُسْلِ اسْتِعْمَالَ الْقُطْنِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِي الرِّوَايَاتِ الظَّاهِرَةِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُجْعَلُ الْقُطْنُ الْمَحْلُوجُ فِي مَنْخِرَيْهِ وَفَمِهِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي صِمَاخَيْهِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي دُبُرِهِ أَيْضًا قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَاسْتَقْبَحَهُ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ. (قَوْلُهُ: وَلَا يُسَرِّحُ شَعْرَهُ وَلِحْيَتَهُ، وَلَا يَقُصُّ ظُفْرَهُ وَشَعْرَهُ) ؛ لِأَنَّهَا لِلزِّينَةِ، وَقَدْ اسْتَغْنَى عَنْهَا وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الصَّنِيعَ لَا يَجُوزُ قَالَ فِي الْقُنْيَةِ أَمَّا التَّزَيُّنُ بَعْدَ مَوْتِهَا وَالِامْتِشَاطُ وَقَطْعُ الشَّعْرِ لَا يَجُوزُ وَالطِّيبُ يَجُوزُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلزَّوْجِ أَنْ يَرَاهَا، وَفِي الْمُجْتَبَى وَلَا بَأْسَ بِتَقْبِيلِ الْمَيِّتِ وَذَكَرَ اللِّحْيَةَ مَعَ الشَّعْرِ مِنْ بَابِ عَطْفِ الْجُزْءِ عَلَى الْكُلِّ اهْتِمَامًا بِمَنْعِ تَسْرِيحِهَا، وَلَيْسَ هُوَ مِنْ قَبِيلِ التَّكْرَارِ كَمَا تَوَهَّمَهُ الشَّارِحُ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَلَوْ تَكَسَّرَ ظُفْرُ الْمَيِّتِ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُؤْخَذَ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ اهـ. وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ صِفَةَ الْغُسْلِ، وَمَنْ يَغْسِلُ وَالْغَاسِلَ وَحُكْمَ الْمَيِّتِ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ أَمَّا الْأَوَّلُ فَهُوَ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ كَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَتَجْهِيزِهِ وَدَفْنِهِ حَتَّى لَوْ اجْتَمَعَ أَهْلُ بَلْدَةٍ عَلَى تَرْكِهَا قُوتِلُوا، وَلَوْ صَلَّوْا عَلَيْهِ قَبْلَ الْغُسْلِ أَعَادُوا الصَّلَاةَ، وَكَذَا إذَا ذَكَرُوا قَبْلَ أَنْ يُهَالَ عَلَيْهِ التُّرَابُ يُنْزَعُ اللَّبَنُ وَيُخْرَجُ وَيُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ، وَإِنْ أَهَالُوهُ لَمْ يُنْبَشْ، وَلَمْ تُعَدْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ، وَلَوْ بَقِيَ مِنْهُ عُضْوٌ فَذَكَرُوهُ بَعْدَ الصَّلَاةِ وَالتَّكْفِينِ يُغَسَّلُ ذَلِكَ الْعُضْوُ وَيُعَادُ، فَإِنْ بَقِيَ أُصْبُعٌ وَنَحْوُهَا بَعْدَ التَّكْفِينِ لَا يُغَسَّلُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُغَسَّلُ عَلَى كُلِّ حَالٍ كَذَا فِي الْمُجْتَبَى، وَفِي الْقُنْيَةِ وَجَدَ رَأْسَ آدَمِيٍّ لَا يُغَسَّلُ، وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَلَوْ غُسِّلَ صَارَ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا، وَلَوْ مَاتَ فِي بَيْتِهِ فَقَالَتْ الْوَرَثَةُ لَا نَرْضَى بِغُسْلِهِ فِيهِ لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ غُسْلَهُ فِي بَيْتِهِ مِنْ حَوَائِجِهِ، وَهِيَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْوَرَثَةِ اهـ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُغَسَّلَ الْمَيِّتُ مَجَّانًا، فَإِنْ ابْتَغَى الْغَاسِلُ الْأَجْرَ فَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ كَانَ هُنَاكَ غَيْرُهُ يَجُوزُ أَخْذُ الْأَجْرِ وَإِلَّا فَلَا وَاخْتَلَفُوا فِي اسْتِئْجَارِ الْخَيَّاطِ لِخِيَاطَةِ الْكَفَنِ وَأُجْرَةِ الْحَامِلِينَ وَالْحَفَّارِ وَالدَّفَّانِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ اهـ. وَفِي الْخَانِيَّةِ إذَا جَرَى الْمَاءُ عَلَى الْمَيِّتِ أَوْ أَصَابَهُ الْمَطَرُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَنُوبُ عَنْ الْغُسْلِ؛ لِأَنَّا أُمِرْنَا بِالْغُسْلِ وَجَرَيَانُ الْمَاءِ وَإِصَابَةُ الْمَطَرِ لَيْسَ بِغُسْلٍ وَالْغَرِيقُ يُغَسَّلُ ثَلَاثًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعَنْ مُحَمَّدٍ إذَا نَوَى الْغُسْلَ عِنْدَ الْإِخْرَاجِ مِنْ الْمَاءِ يُغَسَّلُ مَرَّتَيْنِ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ يُغَسَّلُ ثَلَاثًا وَفِي رِوَايَةٍ يُغَسَّلُ مَرَّةً وَاحِدَةً اهـ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الظَّاهِرُ اشْتِرَاطُ النِّيَّةِ فِيهِ لِإِسْقَاطِ وُجُوبِهِ عَنْ الْمُكَلَّفِ لَا لِتَحْصِيلِ طَهَارَتِهِ هُوَ وَشَرْطُ صِحَّةِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ اهـ. وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ مَيِّتٌ غَسَلَهُ أَهْلُهُ بِغَيْرِ نِيَّةٍ أَجْزَأَهُمْ ذَلِكَ اهـ. وَاخْتَارَهُ فِي الْغَايَةِ والإسبيجابي؛ لِأَنَّ غُسْلَ الْحَيِّ لَا يُشْتَرَطُ لَهُ النِّيَّةُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَفِي رِوَايَةٍ يُغَسَّلُ مَرَّةً وَاحِدَةً) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَالَ فِي الْفَتْحِ كَانَ هَذِهِ الرِّوَايَةُ ذَكَرَ فِيهَا الْقَدْرَ الْوَاجِبَ (قَوْلُهُ: وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ مَيِّتٌ غَسَّلَهُ أَهْلُهُ إلَخْ) كَانَ نُكْتَةً ذَكَرَهُ ذَلِكَ بَعْدَ كَلَامِ الْفَتْحِ الْإِشَارَةُ إلَى أَنَّ قَوْلَ قَاضِي خَانْ أَجْزَأَهُمْ وَإِطْلَاقُ عَدَمِ الِاشْتِرَاطِ الْمَنْقُولِ عَنْ الْغَايَةِ والإسبيجابي رُبَّمَا يُخَالِفُ مَا ذَكَرَهُ تَأَمَّلْ ثُمَّ رَأَيْت الْحَلَبِيَّ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ بَحَثَ مَعَ الْفَتْحِ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ مَا مَرَّ عَنْ مُحَمَّدٍ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يُفِيدُ أَنَّ الْفَرْضَ فِعْلُ الْغُسْلِ لَهُ مِنَّا حَتَّى لَوْ غَسَّلَهُ لِتَعْلِيمِ الْغَيْرِ كَفَى، وَلَيْسَ فِيهِ مَا يُفِيدُ اشْتِرَاطَ النِّيَّةِ لِإِسْقَاطِ الْوُجُوبِ بِحَيْثُ يَسْتَحِقُّ الْعِقَابَ بِتَرْكِهَا، وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ مَا وَجَبَ لِغَيْرِهِ مِنْ الْأَفْعَالِ الْحِسِّيَّةِ يُشْتَرَطُ وُجُودُهُ لَا إيجَادُهُ كَالسَّعْيِ وَالطَّهَارَةِ نَعَمْ لَا يُنَالُ ثَوَابُ الْعِبَادَةِ بِدُونِهَا. اهـ. وَنَقَلَ كَلَامَهُ الْبَاقَانِيُّ وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِمَا فِي الْمُحِيطِ لَوْ وُجِدَ الْمَيِّتُ فِي الْمَاءِ لَا بُدَّ مِنْ غَسْلِهِ؛ لِأَنَّ الْخِطَابَ يَتَوَجَّهُ إلَى بَنِي آدَمَ، وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُمْ فِعْلٌ. اهـ. فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي إسْقَاطِ الْوَاجِبِ مِنْ الْفِعْلِ، وَأَمَّا النِّيَّةُ فَشَرْطٌ لِتَحْصِيلِ الثَّوَابِ؛ وَلِذَا صَحَّ تَغْسِيلُ الذِّمِّيَّةِ زَوْجَهَا كَمَا سَيَأْتِي مَعَ أَنَّ النِّيَّةَ مِنْ شُرُوطِهَا الْإِسْلَامُ فَظَهَرَ أَنَّ مَا اسْتَظْهَرَهُ فِي الْفَتْحِ غَيْرُ ظَاهِرٍ بَلْ الظَّاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْخَانِيَّةِ وَاخْتَارَهُ فِي الْغَايَةِ والإسبيجابي ثُمَّ الظَّاهِرُ أَيْضًا أَنَّ الشَّرْطَ حُصُولُ الْفِعْلِ، سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الْمُكَلَّفِ أَوْ لَا بِدَلِيلِ قِصَّةِ حَنْظَلَةَ غَسِيلِ الْمَلَائِكَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَعَلَى هَذَا فَالظَّاهِرُ سُقُوطُ الْوَاجِبِ بِفِعْلِ صَبِيٍّ يَعْقِلُ أَيْضًا كَمَا يَسْقُطُ عَنْ الْمُكَلَّفِينَ رَدُّ السَّلَامِ بِفِعْلِهِ إذَا سَلَّمَ عَلَيْهِمْ رَجُلٌ وَفِيهِمْ صَبِيٌّ فَرَدَّ السَّلَامَ وَكَمَا تَصِحُّ ذَبِيحَتُهُ مَعَ أَنَّ شَرْطَ حِلِّهَا التَّسْمِيَةُ فَهُوَ أَهْلٌ لِفِعْلِ الْوَاجِبِ فِي الْجُمْلَةِ، وَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَسْقُطَ الْوُجُوبُ بِحَمْلِهِ الْمَيِّتَ وَدَفْنِهِ وَقَالَ فِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ فِي أَحْكَامِ الصِّبْيَانِ، وَأَمَّا فَرْضُ الْكِفَايَةِ فَهَلْ يَسْقُطُ بِفِعْلِهِ فَقَالُوا يَسْقُطُ كَذَا فِي بَعْضِ نُسَخِ الْأَشْبَاهِ، وَفِي بَعْضِهَا فَقَالُوا لَا وَيُؤَيِّدُ النُّسْخَةَ الْأُولَى مَا قَدَّمْنَاهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 187 فَكَذَا غُسْلُ الْمَيِّتِ وَأَمَّا الثَّانِي فَالْمَوْتَى ضَرْبَانِ مَنْ يُغَسَّلُ وَمَنْ لَا يُغَسَّلُ وَالْأَوَّلُ ضَرْبَانِ مَنْ يُغَسَّلُ لِيُصَلَّى عَلَيْهِ، وَمِنْ يُغَسَّلُ لَا لِلصَّلَاةِ فَالْأَوَّلُ مَنْ مَاتَ بَعْدَ الْوِلَادَةِ، وَلَهُ حُكْمُ الْإِسْلَامِ وَالثَّانِي الْجَنِينُ الْمَيِّتُ عَلَى مَا سَيَأْتِي، وَكَذَا الْكَافِرُ غَيْرُ الْحَرْبِيِّ إذَا مَاتَ، وَلَهُ وَلِيٌّ مُسْلِمٌ كَمَا سَيَأْتِي وَالثَّانِي ضَرْبَانِ مَنْ لَا يُغَسَّلُ إهَانَةً وَعُقُوبَةً كَقَتْلَى أَهْلِ الْبَغْيِ وَالْحَرْبِ وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ وَضَرْبٌ لَا يُغَسَّلُ إكْرَامًا وَفَضِيلَةً كَالشُّهَدَاءِ وَلَوْ اخْتَلَطَ مَوْتَى الْمُسْلِمِينَ بِمَوْتَى الْكُفَّارِ يُغَسَّلُونَ إنْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ أَكْثَرَ وَإِلَّا فَلَا، وَمَنْ لَا يُدْرَى أَمُسْلِمٌ أَمْ كَافِرٌ؟ إنْ كَانَ عَلَيْهِ سِيمَا الْمُسْلِمِينَ أَوْ فِي بِقَاعِ دِيَارِ الْإِسْلَامِ يُغَسَّلُ وَإِلَّا فَلَا، وَلَوْ وُجِدَ الْأَكْثَرُ مِنْ الْمَيِّتِ أَوْ النِّصْفُ مَعَ الرَّأْسِ غُسِّلَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا وَأَمَّا الْغَاسِلُ فَمِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَحِلَّ لَهُ النَّظَرُ إلَى الْمَغْسُولِ فَلَا يُغَسِّلُ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ، وَلَا الْمَرْأَةُ الرَّجُلَ وَالْمَجْبُوبَ وَالْخَصِيَّ فَأَمَّا الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ الْمُرَاهِقُ إذَا مَاتَ فَفِيهِ اخْتِلَافٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُيَمَّمُ وَإِذَا مَاتَتْ الْمَرْأَةُ فِي السَّفَرِ بَيْنَ الرِّجَالِ يُيَمِّمُهَا ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَفَّ الْأَجْنَبِيُّ عَلَى يَدَيْهِ خِرْقَةً ثُمَّ يُيَمِّمُهَا، وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً يُيَمِّمُهَا الْأَجْنَبِيُّ بِغَيْرِ ثَوْبٍ، وَكَذَا إذَا مَاتَ رَجُلٌ بَيْنَ النِّسَاءِ تُيَمِّمُهُ ذَاتُ رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ أَوْ زَوْجَتُهُ أَوْ أَمَتُهُ بِغَيْرِ ثَوْبٍ وَغَيْرُهُنَّ بِثَوْبٍ وَالصَّبِيُّ الَّذِي لَا يُشْتَهَى وَالصَّبِيَّةُ كَذَلِكَ غَسَّلَهُمَا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ، وَلَا يُغَسِّلُ الرَّجُلُ زَوْجَتَهُ وَالزَّوْجَةُ تُغَسِّلُ زَوْجَهَا دَخَلَ بِهَا أَوْ لَا بِشَرْطِ بَقَاءِ الزَّوْجِيَّةِ عِنْدَ الْغُسْلِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ مُبَانَةً بِالطَّلَاقِ، وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ أَوْ مُحَرَّمَةً بِرِدَّةٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ مُصَاهَرَةٍ لَمْ تُغَسِّلْهُ، وَلَمْ يُغَسِّلْ الْمَوْلَى أُمَّ وَلَدِهِ، وَكَذَا مُدَبَّرَتَهُ وَمُكَاتَبَتَهُ وَكَذَا عَلَى الْعَكْسِ فِي الْمَشْهُورِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ الْكُلُّ فِي الْمُجْتَبَى، وَفِي الْوَاقِعَاتِ رَجُلٌ لَهُ امْرَأَتَانِ قَالَ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ ثَلَاثًا بَعْدَ الدُّخُولِ بِهِمَا ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُبَيِّنَ فَلَيْسَ لِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أَنْ تُغَسِّلَهُ لِجَوَازِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مُطَلَّقَةٌ، وَلَهُمَا الْمِيرَاثُ، وَعَلَيْهِمَا عِدَّةُ الطَّلَاقِ وَالْوَفَاةِ وَلَوْ مَاتَ عَنْ امْرَأَتِهِ، وَهِيَ مَجُوسِيَّةٌ لَمْ تُغَسِّلْهُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ لَا يَحِلُّ لَهُ الْمَسُّ حَالَ حَيَاتِهِ فَكَذَا بَعْدَ وَفَاتِهِ بِخِلَافِ الَّتِي ظَاهَرَ مِنْهَا؛ لِأَنَّ الْحِلَّ قَائِمٌ، فَإِنْ أَسْلَمَتْ قَبْلَ أَنْ يُغَسَّلَ غَسَّلَتْهُ اعْتِبَارًا بِحَالَةِ الْحَيَاةِ، وَكَذَا لَوْ مَاتَ عَنْ امْرَأَتِهِ وَأُخْتِهَا مِنْهُ فِي عِدَّتِهِ لَمْ تُغَسِّلْهُ، فَإِنْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا قَبْلَ أَنْ يُغَسَّلَ غَسَّلَتْهُ لِمَا قُلْنَا اهـ. وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ إذَا ارْتَدَّتْ الْمَنْكُوحَةُ بَعْدَ مَوْتِهِ أَوْ قَبَّلَتْ ابْنَهُ لَا تُغَسِّلُهُ، وَكَذَا إذَا وُطِئَتْ بِالشُّبْهَةِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ تُنَافِي النِّكَاحَ وَتُحَرِّمُ الْمَسَّ، وَفِيهَا إذَا كَانَ مَعَ النِّسَاءِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ أَوْ مَعَ الرِّجَالِ امْرَأَةٌ ذِمِّيَّةٌ يَعْلَمَانِ الْغُسْلَ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ تَتَأَدَّى بِغُسْلِهِ وَلَكِنْ لَا يَهْتَدِي إلَى السُّنَّةِ فَيُعَلَّمُ، وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ مَاتَ عَنْهَا، وَهِيَ حَامِلٌ فَوَضَعَتْ لَا تُغَسِّلُهُ لِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا، وَفِي الْمُجْتَبَى وَأَمَّا مَا يُسْتَحَبُّ لِلْغَاسِلِ فَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ أَقْرَبَ النَّاسِ إلَى الْمَيِّتِ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْغُسْلَ فَأَهْلُ الْأَمَانَةِ وَالْوَرَعِ لِلْحَدِيثِ، فَإِنْ كَانَ الْغَاسِلُ جُنُبًا أَوْ حَائِضًا أَوْ كَافِرًا جَازَ وَالْيَهُودِيَّةُ وَالنَّصْرَانِيَّةُ كَالْمُسْلِمَةِ فِي غُسْلِ زَوْجِهَا لَكِنَّهُ أَقْبَحُ، وَلَيْسَ عَلَى مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا غُسْلٌ، وَلَا وُضُوءٌ اهـ. وَأَمَّا حُكْمُهُ قَبْلَهُ فَفِيهِ اخْتِلَافٌ فَقِيلَ إنَّهُ مُحْدَثٌ، وَهُوَ سَبَبُ وُجُوبِهِ لَا لِنَجَاسَةٍ حَلَّتْ بِهِ إنَّمَا وَجَبَ غَسْلُ جَمِيعِ الْجَسَدِ لِعَدَمِ الْحَرَجِ وَقِيلَ يَنْجُسُ بِالْمَوْتِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْمُحِيطِ مُسْتَدِلًّا بِأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ قَبْلَ الْغُسْلِ نَجَّسَهُ، وَلَوْ صَلَّى وَهُوَ حَامِلٌ لِلْمَيِّتِ لَا يَجُوزُ فَيَجِبُ تَطْهِيرُهُ بِالْغُسْلِ شَرْعًا كَرَامَةً لَهُ وَشَرَفًا اهـ. وَصَحَّحَهُ فِي الْكَافِي وَنَسَبَهُ فِي الْبَدَائِعِ إلَى عَامَّةِ الْمَشَايِخِ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَقَدْ رُوِيَ فِي حَدِيثِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَالصَّبِيُّ الَّذِي لَا يُشْتَهَى وَالصَّبِيَّةُ كَذَلِكَ) قَالَ فِي الْفَتْحِ قَدَّرَهُ فِي الْأَصْلِ بِأَنْ يَكُونَ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ (قَوْلُهُ: وَلَوْ مَاتَ عَنْ امْرَأَتِهِ وَهِيَ مَجُوسِيَّةٌ إلَخْ) أَيْ لَوْ مَاتَ مَنْ كَانَ مَجُوسِيًّا فَأَسْلَمَ لَمْ تُغَسِّلْهُ إلَّا إذَا أَسْلَمَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ قَبْلَ أَنْ يُغَسَّلَ (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ مَاتَ عَنْ امْرَأَتِهِ إلَخْ) صُورَتُهَا وَطِئَ أُخْتَ زَوْجَتِهِ بِشُبْهَةٍ حَتَّى حَرُمَتْ عَلَيْهِ زَوْجَتُهُ إلَى أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّةُ الْمَوْطُوءَةِ فَمَاتَ فَانْقَضَتْ قَبْلَ أَنْ يُغَسَّلَ غَسَّلَتْهُ، وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا خِلَافُ زُفَرَ قَالَ فِي الْفَتْحِ فَالْمُعْتَبَرُ فِي حِلِّهِ عِنْدَنَا حَالَةَ الْغُسْلِ وَعِنْدَهُ حَالَةَ الْمَوْتِ (قَوْلُهُ وَصَحَّحَهُ فِي الْكَافِي إلَخْ) أَقُولُ: تَقَدَّمَ فِي بَحْثِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ، وَفِي تَطْهِيرِ النَّجَاسَاتِ أَنَّ مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّ غُسَالَةَ الْمَيِّتِ نَجِسَةٌ وَأَطْلَقَ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ فَالْمَاءُ مُسْتَعْمَلٌ لَا نَجِسٌ وَأَنَّ مُحَمَّدًا إنَّمَا أَطْلَقَ؛ لِأَنَّ غُسَالَتَهُ لَا تَخْلُو عَنْ النَّجَاسَةِ غَالِبًا. اهـ. فَهَذَا يَقْتَضِي تَصْحِيحَ أَنَّ نَجَاسَةَ الْمَيِّتِ لِلْحَدَثِ، وَمَا ذَكَرَهُ هُنَا مِنْ الْفَرْعَيْنِ يُخَالِفُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْمُحِيطِ جَعَلَهُمَا دَلِيلًا وَالدَّلِيلُ لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهِ مُسَلَّمًا عِنْدَ الْخَصْمِ فَمُفَادُهُ تَصْحِيحُ إطْلَاقِ كَلَامِ مُحَمَّدٍ وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا قَوْلُ الْمُؤَلِّفِ الْآتِي وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْكَافِرَ لَا يَطْهُرُ بِالْغُسْلِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ اخْتِلَافَ التَّصْحِيحِ وَقَدْ يُقَالُ مَا اسْتَشْهَدَ بِهِ فِي الْمُحِيطِ مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ يُخَصَّصُ بِمَا خُصِّصَ بِهِ كَلَامُ الْأَصْلِ أَيْ يَنْجُسُ الْمَاءُ، وَلَا تَجُوزُ صَلَاةُ حَامِلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ النَّجَاسَةِ غَالِبًا فَلَوْ عُلِمَ عَدَمُ النَّجَاسَةِ فِيهِ لَا يَنْجُسُ الْمَاءُ وَتَجُوزُ صَلَاةُ حَامِلِهِ وَبِهِ يَتَرَجَّحُ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ حَدَثٌ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 188 أَبِي هُرَيْرَةَ «سُبْحَانَ اللَّهِ إنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَنْجُسُ حَيًّا وَلَا مَيِّتًا» ، فَإِنْ صَحَّتْ وَجَبَ تَرْجِيحُ أَنَّهَا لِلْحَدَثِ اهـ. وَاتَّفَقُوا أَنَّ حُكْمَهُ بَعْدَهُ إنْ كَانَ مُسْلِمًا الطَّهَارَةُ؛ وَلِذَا يُصَلَّى عَلَيْهِ فَمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ إنَّمَا مَنَعُوا مِنْ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ فِي الْمَسْجِدِ لِأَجْلِ نَجَاسَتِهِ خَطَأً وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْكَافِرَ لَا يَطْهُرُ بِالْغُسْلِ، وَأَنَّهُ لَا تَصِحُّ صَلَاةُ حَامِلِهِ بَعْدَهُ. (قَوْلُهُ وَكَفَنُهُ سُنَّةً: إزَارٌ وَقَمِيصٌ وَلِفَافَةٌ) لِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ «كُفِّنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ» وَسَحُولُ بِفَتْحِ السِّينِ قَرْيَةٌ بِالْيَمَنِ وَالْإِزَارُ وَاللِّفَافَةُ مِنْ الْقَرْنِ إلَى الْقَدَمِ وَالْقَرْنُ هُنَا بِمَعْنَى الشَّعْرِ وَاللِّفَافَةُ هِيَ الرِّدَاءُ طُولًا، وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْمُخْتَارِ أَنَّ الْإِزَارَ مِنْ الْمَنْكِبِ إلَى الْقَدَمِ هَذَا مَا ذَكَرُوهُ وَبَحَثَ فِيهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ إزَارُ الْمَيِّتِ كَإِزَارِ الْحَيِّ مِنْ السُّرَّةِ إلَى الرُّكْبَةِ؛ لِأَنَّهُ «- عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَعْطَى اللَّاتِي غَسَّلْنَ ابْنَتَهُ حَقْوَةً» ، وَهِيَ فِي الْأَصْلِ مَعْقِدُ الْإِزَارِ ثُمَّ سُمِّيَ بِهِ الْإِزَارُ لِلْمُجَاوَرَةِ وَالْقَمِيصُ مِنْ الْمَنْكِبِ إلَى الْقَدَمِ بِلَا دَخَارِيصَ؛ لِأَنَّهَا تُفْعَلُ فِي قَمِيصِ الْحَيِّ لِيَتْبَعَ أَسْفَلَهُ لِلْمَشْيِ وَبِلَا جَيْبٍ، وَلَا كُمَّيْنِ، وَلَا يُكَفُّ أَطْرَافُهُ، وَلَوْ كُفِّنَ فِي قَمِيصٍ قُطِعَ جَيْبُهُ وَلَبَتُّهُ كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَالْمُرَادُ بِالْجَيْبِ الشِّقُّ النَّازِلُ عَلَى الصَّدْرِ، وَفِي الْعِنَايَةِ التَّكْفِينُ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ هُوَ السُّنَّةُ وَذَلِكَ لَا يُنَافِي أَنْ يَكُونَ أَصْلُ التَّكْفِينِ وَاجِبًا، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الْعِمَامَةَ لِمَا فِي الْمُجْتَبَى وَتُكْرَهُ الْعِمَامَةُ فِي الْأَصَحِّ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَاسْتَحْسَنَهَا بَعْضُهُمْ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُعَمِّمُهُ وَيَجْعَلُ الْعَذَبَةَ عَلَى وَجْهِهِ اهـ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ اسْتَحْسَنَهَا بَعْضُهُمْ لِلْعُلَمَاءِ وَالْأَشْرَافِ فَقَطْ، وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَا يُزَادُ لِلرَّجُلِ عَلَى ثَلَاثَةٍ وَصَرَّحَ فِي الْمُجْتَبَى بِكَرَاهَتِهَا وَاسْتَثْنَى فِي رَوْضَةِ الزَّنْدَوَسْتِيِّ مَا إذَا أَوْصَى بِأَنْ يُكَفَّنَ فِي أَرْبَعَةٍ أَوْ خَمْسَةٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى أَنْ يُكَفَّنَ فِي ثَوْبَيْنِ فَإِنَّهُ يُكَفَّنُ فِي ثَلَاثَةٍ، وَلَوْ أَوْصَى بِأَنْ يُكَفَّنَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ كُفِّنَ كَفَنًا وَسَطًا اهـ. وَلَمْ يُبَيِّنْ لَوْنَ الْأَكْفَانِ لِجَوَازِ كُلِّ لَوْنٍ لَكِنَّ أَحَبَّهَا الْبَيَاضُ، وَلَمْ يُبَيِّنْ جِنْسَهَا لِجَوَازِ الْكُلِّ لَا مَا لَا يَجُوزُ لُبْسُهُ حَالَ الْحَيَاةِ كَالْحَرِيرِ لِلرِّجَالِ وَقَدْ قَالُوا فِي بَابِ الشَّهِيدِ إنَّهُ يُنْزَعُ عَنْهُ الْفَرْوُ وَالْحَشْوَةُ مُعَلِّلِينَ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْكَفَنِ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّكْفِينُ بِهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ لَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ الْمَسْنُونِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْكَفَنِ سَتْرُهُ، وَهُوَ حَاصِلٌ بِهِمَا، وَفِي الْمُجْتَبَى وَالْجَدِيدُ وَالْخَلَقُ فِيهِ سَوَاءٌ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ نَظِيفًا مِنْ الْوَسَخِ وَالْحَدَثِ قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُكَفَّنَ فِي ثِيَابِهِ الَّتِي كَانَ يُصَلِّي فِيهَا اهـ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَيُكَفَّنُ الْمَيِّتُ كَفَنَ مِثْلِهِ وَتَفْسِيرُهُ أَنْ يُنْظَرَ إلَى ثِيَابِهِ فِي حَالِ حَيَاتِهِ لِخُرُوجِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ فَذَلِكَ كَفَنُ مِثْلِهِ وَتُحَسَّنُ الْأَكْفَانُ لِلْحَدِيثِ «حَسِّنُوا أَكْفَانَ الْمَوْتَى؛ لِأَنَّهُمْ يَتَزَاوَرُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَيَتَفَاخَرُونَ بِحُسْنِ أَكْفَانِهِمْ» اهـ. (قَوْلُهُ وَكِفَايَةً: إزَارٌ وَلِفَافَةٌ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِي الْمُحْرِمِ الَّذِي وَقَصَتْهُ نَاقَتُهُ كَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ» وَاخْتُلِفَ فِيهِمَا فَقِيلَ قَمِيصٌ وَلِفَافَةٌ وَصَحَّحَ الشَّارِحُ مَا فِي الْكِتَابِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ وَجْهَهُ وَيَنْبَغِي عَدَمُ التَّخْصِيصِ بِالْإِزَارِ وَاللِّفَافَةِ؛ لِأَنَّ كَفَنَ الْكِفَايَةِ مُعْتَبَرٌ بِأَدْنَى مَا يَلْبَسُهُ الرَّجُلُ فِي حَيَاتِهِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، وَهُوَ ثَوْبَانِ كَمَا عُلِّلَ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ قَالُوا: وَيُكْرَهُ أَنْ يُكَفَّنَ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ حَالَةَ الِاخْتِيَارِ؛ لِأَنَّ فِي حَالِ حَيَاتِهِ تَجُوزُ صَلَاتُهُ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ مَعَ الْكَرَاهَةِ، وَقَالُوا إذَا كَانَ بِالْمَالِ قِلَّةٌ وَبِالْوَرَثَةِ كَثْرَةٌ فَكَفَنُ الْكِفَايَةِ أَوْلَى، وَعَلَى الْقَلْبِ كَفَنُ السُّنَّةِ أَوْلَى وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ، وَلَيْسَ لَهُ غَيْرُهَا، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ أَنْ يُبَاعَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا لِلدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الثَّالِثَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ حَتَّى تُرِكَ لِلْوَرَثَةِ عِنْدَ كَثْرَتِهِمْ فَالدَّيْنُ أَوْلَى   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: فَإِنْ صَحَّتْ وَجَبَ تَرْجِيحُ أَنَّهَا لِلْحَدَثِ) فِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى مَا مَرَّ مِنْ الْفَرْعَيْنِ يُخَالِفُهُ، فَإِنْ صَحَّتْ الرِّوَايَةُ وَجَبَ تَأْوِيلُهَا، وَهُوَ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ أَنَّهُ لَا يَنْجُسُ أَيْ بِالْحَدَثِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ سِيَاقُ الْحَدِيثِ، وَهُوَ جَنَابَةُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْ لَا يَصِيرُ نَجِسًا بِالْجَنَابَةِ كَالنَّجَاسَاتِ الْحَقِيقِيَّةِ الَّتِي يَنْبَغِي إبْعَادُهَا عَنْ الْمُحْتَرَمِ كَالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِلَّا وَالْإِجْمَاعُ بِأَنَّهُ يَتَنَجَّسُ بِالنَّجَاسَةِ الْحَقِيقِيَّةِ إذَا أَصَابَتْهُ. اهـ. لَكِنْ قَالَ الْمُحَقِّقُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ قُلْتُ: وَقَدْ أَخْرَجَ الْحَاكِمُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تُنَجِّسُوا مَوْتَاكُمْ فَإِنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَنْجُسُ حَيًّا، وَلَا مَيِّتًا» وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ فَيَتَرَجَّحُ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ حَدَثٌ اهـ. [تَكْفِين الْمَيِّت] (قَوْلُهُ وَصَرَّحَ فِي الْمُجْتَبَى بِكَرَاهَتِهَا) قَالَ فِي النَّهْرِ وَالْمَذْكُورُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الثَّلَاثَةِ فِي كَفَنِ الرَّجُلِ ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْخُنْثَى فَالِاقْتِصَارُ عَلَى الثَّلَاثِ لِنَفْيِ كَوْنِ الْأَقَلِّ مَسْنُونًا (قَوْلُهُ كَمَا عَلَّلَ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ) قَالَ فِي النَّهْرِ الْمُرَادُ بِالثَّوْبَيْنِ فِي كَلَامِ الْبَدَائِعِ الْإِزَارُ وَالرِّدَاءُ؛ لِأَنَّهُ قَالَ أَدْنَى مَا يُكَفَّنُ فِيهِ إزَارٌ وَرِدَاءٌ لِقَوْلِ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - كَفِّنُونِي فِي ثَوْبَيَّ هَذَيْنِ وَلِأَنَّ أَدْنَى مَا يَلْبَسُهُ الْإِنْسَانُ فِي حَالِ حَيَاتِهِ ثَوْبَانِ اهـ. نَعَمْ مُقْتَضَاهُ أَنَّ الْقَمِيصَ مَعَ الْإِزَارِ كِفَايَةٌ. اهـ. قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ أَقُولُ: وَهُوَ الْمَطْلُوبُ لِإِشْعَارِهِ بِعَدَمِ التَّخْصِيصِ، وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِمَا فِي كَلَامِهِ ذَلِكَ فَكَلَامُ الْبَحْرِ بِالنَّظَرِ إلَى التَّعْلِيلِ لَا الْمُعَلَّلِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 189 مَعَ أَنَّهُمْ صَرَّحُوا كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ بِأَنَّهُ لَا يُبَاعُ شَيْءٌ مِنْهَا لِلدَّيْنِ كَمَا فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ إذَا أَفْلَسَ، وَلَهُ ثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ، وَهُوَ لَابِسُهَا وَلَا يُنْزَعُ عَنْهُ شَيْءٌ لِيُبَاعَ (قَوْلُهُ وَضَرُورَةً: مَا يُوجَدُ) ثَابِتٌ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ، وَقَدْ شَرَحَ عَلَيْهِ مِسْكِينٌ وَبَاكِيرُ وَغَيْرُهُمَا، وَلَمْ يَثْبُتْ فِي نُسْخَةِ الزَّيْلَعِيِّ فَأَنْكَرَهَا وَاسْتَدَلَّ لَهُ «بِحَدِيثِ مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ لَمْ يُوجَدْ لَهُ شَيْءٌ يُكَفَّنُ فِيهِ إلَّا نَمِرَةٌ فَكَانَتْ إذَا وُضِعَتْ عَلَى رَأْسِهِ بَدَتْ رِجْلَاهُ وَإِذَا وُضِعَتْ عَلَى رِجْلَيْهِ خَرَجَ رَأْسُهُ فَأَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تُغَطَّى رَأْسُهُ وَيُجْعَلَ عَلَى رِجْلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْإِذْخِرِ» وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ سَتْرَ الْعَوْرَةِ وَحْدَهَا لَا يَكْفِي كَذَا فِي التَّبْيِينِ. (قَوْلُهُ وَلُفَّ مِنْ يَسَارِهِ ثُمَّ يَمِينِهِ) أَيْ لُفَّ الْكَفَنُ مِنْ يَسَارِ الْمَيِّتِ ثُمَّ يَمِينِهِ وَكَيْفِيَّتُهُ: أَنْ تُبْسَطَ اللِّفَافَةُ أَوَّلًا ثُمَّ الْإِزَارُ فَوْقَهَا وَيُوضَعَ الْمَيِّتُ عَلَيْهِمَا مُقَمَّصًا ثُمَّ يُعْطَفَ عَلَيْهِ الْإِزَارُ وَحْدَهُ مِنْ قِبَلِ الْيَسَارِ ثُمَّ مِنْ قِبَلِ الْيَمِينِ لِيَكُونَ الْأَيْمَنُ فَوْقَ الْأَيْسَرِ ثُمَّ اللِّفَافَةُ كَذَلِكَ، وَفِي الْبَدَائِعِ، فَإِنْ كَانَ الْإِزَارُ طَوِيلًا حَتَّى يُعْطَفَ عَلَى رَأْسِهِ وَسَائِرِ جَسَدِهِ فَهُوَ أَوْلَى (قَوْلُهُ وَعُقِدَ إنْ خِيفَ انْتِشَارُهُ) صِيَانَةً عَنْ الْكَشْفِ. (قَوْلُهُ وَكَفَنُهَا سُنَّةً: دِرْعٌ وَإِزَارٌ وَلِفَافَةٌ وَخِمَارٌ وَخِرْقَةٌ تُرْبَطُ بِهَا ثَدْيَاهَا) لِحَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَى اللَّوَاتِي غَسَّلْنَ ابْنَتَهُ خَمْسَةَ أَثْوَابٍ» وَاخْتُلِفَ فِي اسْمِهَا فَفِي مُسْلِمٍ أَنَّهَا زَيْنَبُ، وَفِي أَبِي دَاوُد أَنَّهَا أُمُّ كُلْثُومٍ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ الْقَمِيصَ لَهَا، وَلَمْ يَذْكُرْ الدِّرْعَ، وَهُوَ الْأَوْلَى لِلِاخْتِلَافِ فِي الدِّرْعِ قَالَ فِي الْمُغْرِبِ دِرْعُ الْمَرْأَةِ مَا تَلْبَسُهُ فَوْقَ الْقَمِيصِ، وَهُوَ مُذَكَّرٌ وَعَنْ الْحَلْوَانِيِّ مَا جَيْبُهُ إلَى الصَّدْرِ وَالْقَمِيصُ مَا شِقُّهُ إلَى الْمَنْكِبِ، وَلَمْ أَجِدْهُ أَنَا فِي كُتُبِ اللُّغَةِ اهـ. وَاخْتُلِفَ فِي عَرْضِ الْخِرْقَةِ فَقِيلَ مَا بَيْنَ الثَّدْيِ إلَى السُّرَّةِ وَقِيلَ مَا بَيْنَ الثَّدْيِ إلَى الرُّكْبَةِ كَيْ لَا يَنْتَشِرَ الْكَفَنُ بِالْفَخِذَيْنِ وَقْتَ الْمَشْيِ (قَوْلُهُ وَكِفَايَةً: إزَارٌ وَلِفَافَةٌ وَخِمَارٌ) اعْتِبَارًا بِلُبْسِهَا حَالَ حَيَاتِهَا مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، وَيُكْرَهُ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ وَفِي الْخُلَاصَةِ كَفَنُ الْكِفَايَةِ لَهَا ثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ قَمِيصٌ وَإِزَارٌ وَلِفَافَةٌ فَلَمْ يَذْكُرْ الْخِمَارَ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَمَا فِي الْكِتَاب مِنْ عَدِّ الْخِمَارِ أَوْلَى، لَكِنْ لَمْ يُعَيِّنْ فِي الْهِدَايَةِ مَا عَدَا الْخِمَارَ بَلْ قَالَ: ثَوْبَانِ وَخِمَارٌ فَفَسَّرَهُمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِالْقَمِيصِ وَاللِّفَافَةِ فَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْمَتْنِ وَالظَّاهِرُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَدَمُ التَّعْيِينِ بَلْ إمَّا قَمِيصٌ وَإِزَارٌ أَوْ إزَارَانِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ سَتْرُ جَمِيعِ الْبَدَنِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ مَعَ أَنَّهُمْ صَرَّحُوا إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ، وَلَا يَبْعُدُ الْجَوَابُ قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ وَلَعَلَّهُ كَوْنُ التَّعْبِيرِ بِالْأَوْلَى لَا يَقْتَضِي الْوُجُوبَ. اهـ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ بِأَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ الْمَيِّتِ وَالْحَيِّ بِأَنَّ عَدَمَ الْأَخْذِ مِنْ الْحَيِّ لِاحْتِيَاجِهِ، وَلَا كَذَلِكَ الْمَيِّتُ. اهـ. لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ الْإِشْكَالَ إنَّمَا جَاءَ مِنْ تَصْرِيحِهِمْ بِعَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَيِّتِ وَالْحَيِّ فَأَنَّى يَصِحُّ هَذَا الْجَوَابُ وَكَتَبَ الرَّمْلِيُّ هُنَا أَقُولُ: قَالَ فِي ضَوْءِ السِّرَاجِ شَرْحِ السِّرَاجِيَّةِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ بَلْ يُكَفَّنُ بِكَفَنِ الْكِفَايَةِ وَيُقْضَى بِالْبَاقِي الدَّيْنُ بِنَاءً عَلَى مَسْأَلَةٍ ذَكَرَهَا الْخَصَّافُ فِي أَدَبِ الْقَاضِي إذَا كَانَ لِلْمَدْيُونِ ثِيَابٌ حَسَنَةٌ يُمْكِنُهُ الِاكْتِفَاءُ بِمَا دُونَهَا يَبِيعُ الْقَاضِي وَيَقْضِي الدَّيْنَ وَيَشْتَرِيَ بِالْبَاقِي ثَوْبًا يَكْفِيهِ فَكَذَا فِي الْمَيِّتِ الْمَدْيُونِ اعْتِبَارًا بِحَالَةِ الْحَيَاةِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَفِي الْمِنَحِ لَيْسَ لِلْغُرَمَاءِ أَنْ يَمْنَعُوا عَنْ كَفَنِ الْمِثْلِ. اهـ. قُلْت: وَقَدْ صَرَّحَ بِمِثْلِ ذَلِكَ فِي سَكْبِ الْأَنْهُرِ شَرْحِ فَرَائِضِ مُلْتَقَى الْأَبْحُرِ، وَكَذَا فِي غَيْرِهِ مَعَ التَّصْرِيحِ بِالتَّصْحِيحِ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ مَا مَرَّ عَنْ الْخُلَاصَةِ خِلَافُ الصَّحِيحِ أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْحَيُّ لَا يُمْكِنُهُ الِاكْتِفَاءُ بِمَا دُونَهَا وَعَلَى كُلٍّ فَلَا إشْكَالَ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَثْبُتْ فِي نُسْخَةِ الزَّيْلَعِيِّ فَأَنْكَرَهَا) الَّذِي رَأَيْته فِي نُسْخَتِي وُجُودَهَا، وَلَمْ أَجِدْ إنْكَارَهَا وَلَعَلَّ ذَلِكَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ مِنْهُ فَلْيُرَاجَعْ. (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَذْكُر الدِّرْعَ، وَهُوَ الْأَوْلَى إلَخْ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ يُقَالُ عَلَى قَمِيصِ الْمَرْأَةِ كَمَا فَسَّرَهُ بِهِ فِي الْقَامُوسِ، وَعَلَى مَا تَلْبَسُهُ فَوْقَ الْقَمِيصِ كَمَا ذَكَرَهُ عَنْ الْمُغْرِبِ فَكَانَ ذِكْرُ الْقَمِيصِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُرَادُ مِنْ الدِّرْعِ، وَفِي ذِكْرِ الدِّرْعِ إيهَامُ الْمَعْنَى الثَّانِي لَكِنْ قَالَ فِي النَّهْرِ أَنَّى يُتَوَهَّمُ هَذَا مَعَ قَوْلِهِ بَعْدَ وَتَلْبَسُ الدِّرْعَ أَوَّلًا اهـ. وَفِيهِ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْإِيهَامَ يَحْصُلُ أَوَّلًا ثُمَّ يَرْتَفِعُ بَعْدُ فَمَا لَا إيهَامَ فِيهِ أَصْلًا أَوْلَى (قَوْلُهُ: وَهُوَ مُذَكَّرٌ) أَيْ بِخِلَافِ الدِّرْعِ الْحَدِيدِ فَإِنَّهُ مُؤَنَّثٌ قَالَ تَعَالَى {أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ} [سبأ: 11] قَالَ فِي الْقَامُوسِ، وَقَدْ يُذَكَّرُ (قَوْلُهُ مِنْ عَدِّ الْخِمَارِ أَوْلَى) قَالَ فَإِنَّ بِهَذَا يَكُونُ جَمِيعُ عَوْرَتِهَا مَسْتُورَةً بِخِلَافِ تَرْكِ الْخِمَارِ (قَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ إلَخْ) قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ بَعْدَ نَقْلِهِ مِثْلَ مَا فِي الْهِدَايَةِ عَنْ الْبَدَائِعِ وَالْوِقَايَةِ وَالْمَنْبَعِ وَالتَّنْوِيرِ وَمِثْلَ مَا فِي الْمَتْنِ عَنْ الْعُيُونِ وَالنُّقَايَةِ وَصَدْرِ الشَّرِيعَةِ وَالْمُشْكِلَاتِ وَالْمِفْتَاحِ وَالْمُلْتَقَى وَالْحَاوِي وَالْإِيضَاحِ وَمِثْلَ مَا فِي الْفَتْحِ عَنْ الْكَفَافِيِّ وَالتَّاجِيَّةِ وَالنِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ وَمِثْلَ مَا فِي الْخُلَاصَةِ عَنْ الْخَانِيَّةِ وَالْمُبْتَغَى وَالْفَيْضِ وَعَنْ خِزَانَةِ الْفَتَاوَى دِرْعٌ وَخِمَارٌ وَلِفَافَةٌ ثُمَّ ذَكَرَ عِبَارَةَ الْمُؤَلِّفِ هَذِهِ وَقَالَ يُؤَيِّدُ مَا اسْتَظْهَرَهُ اخْتِلَافُ عِبَارَاتِهِمْ كَمَا نَقَلْنَاهُ فِي تَأْدِيَةِ الْكِفَايَةِ لَهَا لَكِنَّنَا لَمْ نَجِدْ ذِكْرَ الْإِزَارَيْنِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْعِبَارَاتِ وَلَعَلَّهُمْ لَاحَظُوا فِي تَرْكِ ذِكْرِهِ الْمُحَافَظَةَ عَلَى الْمَسْنُونِ فِي الْجُمْلَةِ، وَإِنْ جَازَ ذَلِكَ أَيْضًا. اهـ. وَقَدْ يُقَالُ هُوَ دَاخِلٌ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 190 وَهُوَ حَاصِلٌ بِالْكُلِّ لَكِنْ جَعْلُهُمَا إزَارَيْنِ زِيَادَةٌ فِي سَتْرِ الرَّأْسِ وَالْعُنُقِ كَمَا لَا يَخْفَى قَالَ فِي التَّبْيِينِ، وَمَا دُونَ الثَّلَاثَةِ كَفَنُ الضَّرُورَةِ فِي حَقِّهَا. (قَوْلُهُ وَتُلْبَسُ الدِّرْعَ أَوَّلًا ثُمَّ يُجْعَلُ شَعْرُهَا ضَفِيرَتَيْنِ عَلَى صَدْرِهَا ثُمَّ الْخِمَارُ فَوْقَهُ تَحْتَ اللِّفَافَةِ ثُمَّ يُعْطَفُ الْإِزَارُ ثُمَّ اللِّفَافَةُ) كَمَا ذَكَرْنَا ثُمَّ الْخِرْقَةُ فَوْقَ الْأَكْفَانِ ، وَفِي الْجَوْهَرَةِ تُوضَعُ الْخِرْقَةُ تَحْتَ اللِّفَافَةِ وَفَوْقَ الْإِزَارِ وَالْقَمِيصِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ (قَوْلُهُ وَتُجَمَّرُ الْأَكْفَانُ أَوَّلًا وِتْرًا) ؛ لِأَنَّهُ «- عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَمَرَ بِإِجْمَارِ أَكْفَانِ امْرَأَتِهِ» وَالْمُرَادُ بِهِ التَّطَيُّبُ قَبْلَ أَنْ يُدْرَجَ فِيهَا الْمَيِّتُ وَجَمِيعُ مَا يُجَمَّرُ فِيهِ الْمَيِّتُ ثَلَاثُ مَوَاضِعَ عِنْدَ خُرُوجِ رُوحِهِ لِإِزَالَةِ الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ وَعِنْدَ غُسْلِهِ وَعِنْدَ تَكْفِينِهِ، وَلَا يُجَمَّرُ خَلْفُهُ، وَلَا فِي الْقَبْرِ، وَفِي الْمُجْتَبَى يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِالتَّجْمِيرِ جَمْعَهَا وِتْرًا قَبْلَ الْغُسْلِ يُقَالُ أَجْمَرَ كَذَا إذَا جَمَعَهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ التَّطَيُّبَ بِعُودٍ يُحْرَقُ فِي مِجْمَرَةٍ وَصَرَّحَ فِي الْبَدَائِعِ بِأَنَّهُ لَا يَزِيدُ فِي تَجْمِيرِهَا عَلَى خَمْسٍ، وَفِي الْمُجْتَبَى الْمُكَفَّنُونَ اثْنَا عَشَرَ: الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ وَقَدْ تَقَدَّمَا، وَالثَّالِثُ الْمُرَاهِقُ الْمُشْتَهَى، وَهُوَ كَالْبَالِغِ وَالرَّابِعُ الْمُرَاهِقَةُ الَّتِي تُشْتَهَى، وَهِيَ كَالْمَرْأَةِ وَالْخَامِسُ الصَّبِيُّ الَّذِي لَمْ يُرَاهِقْ فَيُكَفَّنُ فِي خِرْقَتَيْنِ إزَارٍ وَرِدَاءٍ، وَإِنْ كُفِّنَ فِي وَاحِدٍ أَجْزَأَ وَالسَّادِسُ الصَّبِيَّةُ الَّتِي لَمْ تُرَاهِقْ فَعَنْ مُحَمَّدٍ كَفَنُهَا ثَلَاثَةٌ وَهَذَا أَكْثَرُ وَالسَّابِعُ السِّقْطُ فَيُلَفُّ، وَلَا يُكَفَّنُ كَالْعُضْوِ مِنْ الْمَيِّتِ وَالثَّامِنُ الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ فَيُكَفَّنُ كَتَكْفِينِ الْجَارِيَةِ وَيُنْعَشُ وَيُسَجَّى قَبْرُهُ وَالتَّاسِعُ الشَّهِيدُ وَسَيَأْتِي وَالْعَاشِرُ الْمُحْرِمُ، وَهُوَ كَالْحَلَالِ عِنْدَنَا، وَالْحَادِيَ عَشَرَ الْمَنْبُوشُ الطَّرِيُّ فَيُكَفَّنُ كَاَلَّذِي لَمْ يُدْفَنْ وَالثَّانِي عَشَرَ الْمَنْبُوشُ الْمُتَفَسِّخُ فَيُكَفَّنُ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ اهـ. وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَنُ، وَهُوَ مِنْ مَالِهِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ يُقَدَّمُ عَلَى الدَّيْنِ وَالْوَصِيَّةِ وَالْإِرْثِ إلَى قَدْرِ السُّنَّةِ مَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِعَيْنِ مَالِهِ حَقُّ الْغَيْرِ كَالرَّهْنِ وَالْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَالْعَبْدِ الْجَانِي فَلَوْ نُبِشَ عَلَيْهِ وَسُرِقَ كَفَنُهُ، وَقَدْ قُسِمَ الْمِيرَاثُ أَجْبَرَ الْقَاضِي الْوَرَثَةَ عَلَى أَنْ يُكَفِّنُوهُ مِنْ الْمِيرَاثِ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَبَضَ الْغُرَمَاءُ بَدَأَ بِالْكَفَنِ؛ لِأَنَّهُ بَقِيَ عَلَى مِلْكِ الْمَيِّتِ وَالْكَفَنُ مُقَدَّمٌ عَلَى الدَّيْنِ، وَإِنْ كَانُوا قَبَضُوا لَا يُسْتَرَدُّ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّهُ زَالَ مِلْكُ الْمَيِّتِ بِخِلَافِ الْمِيرَاثِ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْوَارِثِ عَيْنُ مِلْكِ الْمُوَرِّثِ حُكْمًا؛ وَلِهَذَا يُرَدُّ عَلَيْهِ بِالْعَيْبِ فَصَارَ مِلْكُ الْمُوَرِّثِ قَائِمًا بِبَقَاءِ خَلَفِهِ، وَاسْتَثْنَى أَبُو يُوسُفَ الزَّوْجَةَ فَإِنَّ كَفَنَهَا عَلَى زَوْجِهَا لَكِنْ اخْتَلَفَتْ الْعِبَارَاتُ فِي تَحْرِيرِ مَذْهَبِ أَبِي يُوسُفَ فَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَالْخُلَاصَةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يَجِبُ الْكَفَنُ عَلَى الزَّوْجِ، وَإِنْ تَرَكَتْ مَالًا، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ. وَكَذَا فِي الْمُجْتَبَى وَزَادَ، وَلَا رِوَايَةَ فِيهَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَفِي الْمُحِيطِ وَالتَّجْنِيسِ وَالْوَاقِعَاتِ وَشَرْحِ الْمَجْمَعِ لِلْمُصَنِّفِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا مَالٌ فَكَفَنُهَا عَلَى الزَّوْجِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ لَوَجَبَ عَلَى الْأَجَانِبِ، وَهُوَ بَيْتُ الْمَالِ وَهُوَ قَدْ كَانَ أَوْلَى بِإِيجَابِ الْكِسْوَةِ عَلَيْهِ حَالَ حَيَاتِهَا فَرَجَحَ عَلَى سَائِرِ الْأَجَانِبِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَجِبُ تَجْهِيزُهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَقَيَّدَ شَارِحُ الْمَجْمَعِ بِيَسَارِ الزَّوْجِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ لَهَا مَالٌ فَكَفَنُهَا فِي مَالِهَا اتِّفَاقًا وَالظَّاهِرُ تَرْجِيحُ مَا فِي الْفَتَاوَى الْخَانِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ كَكِسْوَتِهَا وَالْكِسْوَةُ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ غَنِيَّةً كَانَتْ أَوْ فَقِيرَةً غَنِيًّا كَانَ أَوْ فَقِيرًا وَصَحَّحَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوَاهُ مِنْ النَّفَقَاتِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ مَالٌ فَكَفَنُهُ عَلَى مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ وَكِسْوَتُهُ فِي حَيَاتِهِ وَكَفَنُ الْعَبْدِ   [منحة الخالق] فِي إطْلَاقِ كَلَامِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا، وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْفَتْحِ مِنْ وَجْهِ أَوْلَوِيَّةِ مَا فِي الْهِدَايَةِ مِمَّا فِي الْخُلَاصَةِ يُرَجِّحُ أَنَّ الْأَوْلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ تَدَبَّرْ (قَوْلُهُ: وَفِي الْمُجْتَبَى يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَبَعْدَهُ لَا يَخْفَى عَلَى أَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ لَا يَجْمَعُهَا قَبْلَ الْغُسْلِ إلَّا فِي حَالِ كَوْنِهِ وِتْرًا فَيُخْرَجُ مِنْهُ كَفَنُ الْكِفَايَةِ لِلرَّجُلِ، وَعَلَيْهِ فَيَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ (قَوْلُهُ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ لَهَا مَالٌ إلَخْ) كَانَ حَقُّ التَّعْبِيرِ أَنْ يُقَالَ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُمْكِنْ لَهُ مَالٌ لَا يَلْزَمُهُ كَفَنُهَا اتِّفَاقًا وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِمُصَنِّفِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ إذَا مَاتَتْ الزَّوْجَةُ، وَلَا مَالَ لَهَا فَتَجْهِيزُهَا وَتَكْفِينُهَا عَلَى الزَّوْجِ الْمُوسِرِ إلَخْ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ كَكِسْوَتِهَا إلَخْ) مُقْتَضَاهُ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ نَاشِزَةً قَبْلَ الْمَوْتِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ كَفَنُهَا؛ لِأَنَّ كِسْوَتَهَا فِي حَيَاتِهَا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ فَكَذَا بَعْدَ مَوْتِهِ كَمَا بَحَثَهُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ حَيْثُ قَالَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ الْخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَقُمْ بِهَا مَانِعُ الْوُجُوبِ عَلَيْهِ حَالَةَ الْمَوْتِ مِنْ نُشُوزٍ أَوْ صِغَرٍ مَعَ كِبَرِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَصَحَّحَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوَاهُ مِنْ النَّفَقَاتِ) أَقُولُ: الَّذِي رَأَيْته فِي نَفَقَاتِ الْوَلْوَالِجيَّةِ هَكَذَا إذَا مَاتَتْ الْمَرْأَةُ، وَلَا مَالَ لَهَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ يُجْبَرُ الزَّوْجُ عَلَى كَفَنِهَا وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ مَنْ يُجْبَرُ عَلَى نَفَقَتِهِ فِي حَالِ حَيَاتِهِ يُجْبَرُ عَلَى نَفَقَتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ كَذَوِي الْأَرْحَامِ وَالْعَبْدِ مَعَ الْمَوْلَى وَالزَّوْجَةِ مَعَ الزَّوْجِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يُجْبَرُ الزَّوْجُ عَلَى كَفَنِهَا وَالصَّحِيحُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى إنَّمَا يُجْبَرُ عَلَى تَكْفِينِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ أَوْلَى بِهِ فِي حَالِ حَيَاتِهِ فَيَكُونُ أَوْلَى بِإِيجَابِ الْكَفَنِ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ النَّاسِ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ هُنَا. اهـ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 191 عَلَى سَيِّدِهِ وَالْمَرْهُونِ عَلَى الرَّاهِنِ وَالْمَبِيعِ فِي يَدِ الْبَائِعِ عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْ تَجِبُ النَّفَقَةُ عَلَيْهِ فَكَفَنُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَعَلَى الْمُسْلِمِينَ تَكْفِينُهُ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرُوا سَأَلُوا النَّاسَ لِيُكَفِّنُوهُ بِخِلَافِ الْحَيِّ إذَا لَمْ يَجِدْ ثَوْبًا يُصَلِّي فِيهِ لَيْسَ عَلَى النَّاسِ أَنْ يَسْأَلُوا لَهُ ثَوْبًا وَالْفَرْقُ أَنَّ الْحَيَّ يَقْدِرُ عَلَى السُّؤَالِ بِنَفْسِهِ وَالْمَيِّتُ عَاجِزٌ، فَإِنْ سَأَلُوا لَهُ وَفَضَلَ مِنْ الْكَفَنِ شَيْءٌ يُرَدُّ إلَى الْمُتَصَدِّقِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ يَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ اعْتِبَارًا بِكِسْوَتِهِ كَذَا فِي الْمُجْتَبَى وَفِي التَّجْنِيسِ وَالْوَاقِعَاتِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْمُتَصَدِّقُ يُكَفَّنُ بِهِ مِثْلُهُ مِنْ أَهْلِ الْحَاجَةِ، وَإِنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ يُصْرَفُ إلَى الْفُقَرَاءِ وَفِيهِمَا لَوْ كَفَّنَ مَيِّتًا مِنْ مَالِهِ ثُمَّ وَجَدَ الْكَفَنَ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ، وَهُوَ أَحَقُّ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَمْ يَمْلِكْهُ وَفِيهِمَا حَيٌّ عُرْيَانُ وَمَيِّتٌ وَمَعَهُمَا ثَوْبٌ وَاحِدٌ، فَإِنْ كَانَ لِلْحَيِّ فَلَهُ لُبْسُهُ، وَلَا يُكَفَّنُ بِهِ الْمَيِّتُ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ مِلْكَ الْمَيِّتِ وَالْحَيُّ وَارِثُهُ يُكَفَّنُ بِهِ الْمَيِّتُ وَلَا يَلْبَسُهُ؛ لِأَنَّ الْكَفَنَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمِيرَاثِ وَإِذَا تَعَدَّدَ مَنْ وَجَبَتْ النَّفَقَةُ عَلَيْهِ عَلَى مَا يُعْرَفُ فِي النَّفَقَاتِ فَالْكَفَنُ عَلَيْهِمْ عَلَى قَدْرِ مِيرَاثِهِمْ كَمَا كَانَتْ النَّفَقَةُ وَاجِبَةً عَلَيْهِمْ، وَلَوْ مَاتَ مُعْتَقُ شَخْصٍ، وَلَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا، وَلَهُ خَالَةٌ مُوسِرَةٌ يُؤْمَرُ مُعْتِقُهُ بِتَكْفِينِهِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ عَلَى خَالَتِهِ وَفِي الْخَانِيَّةِ مَنْ لَا يُجْبَرُ عَلَى النَّفَقَةِ فِي حَيَاتِهِ كَأَوْلَادِ الْأَعْمَامِ وَالْعَمَّاتِ وَالْأَخْوَالِ وَالْخَالَاتِ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْكَفَنِ زَادَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَإِنْ كَانَ وَارِثًا وَفِي الْبَدَائِعِ، وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ كَفَنُ زَوْجِهَا بِالْإِجْمَاعِ كَمَا لَا يَجِبُ عَلَيْهَا كِسْوَتُهُ فِي الْحَيَاةِ، وَفِي الْقُنْيَةِ، وَلَوْ مَاتَ وَلَا شَيْءَ لَهُ وَجَبَ كَفَنُهُ عَلَى وَرَثَتِهِ فَكَفَّنَهُ الْحَاضِرُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لِيَرْجِعَ عَلَى الْغَائِبِ مِنْهُمْ بِحِصَّتِهِمْ لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ إذَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ إذْنِ الْقَاضِي قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَالْعَبْدِ أَوْ الزَّرْعِ أَوْ النَّخْلِ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ أَنْفَقَ أَحَدُهُمَا عَلَيْهِ لِيَرْجِعَ عَلَى الْغَائِبِ لَا يَرْجِعُ إذَا فَعَلَهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْقَاضِي اهـ. (فَصْلٌ السُّلْطَانُ أَحَقُّ بِصَلَاتِهِ) يَعْنِي إذَا حَضَرَ؛ لِأَنَّ فِي التَّقَدُّمِ عَلَيْهِ اسْتِخْفَافًا بِهِ «وَلَمَّا مَاتَ الْحَسَنُ قَدَّمَ الْحُسَيْنُ سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ وَقَالَ: لَوْلَا السُّنَّةُ مَا قَدَّمْتُك» أَطْلَقَ فِي السُّلْطَانِ وَأَرَادَ بِهِ مَنْ لَهُ سَلْطَنَةٌ أَيْ حُكْمٌ وَوِلَايَةٌ عَلَى الْعَامَّةِ سَوَاءٌ كَانَ الْخَلِيفَةَ أَوْ غَيْرَهُ فَيُقَدَّمُ الْخَلِيفَةُ إنْ حَضَرَ ثُمَّ نَائِبُ الْمِصْرِ ثُمَّ الْقَاضِي ثُمَّ صَاحِبُ الشُّرَطِ ثُمَّ خَلِيفَتُهُ ثُمَّ خَلِيفَةُ الْقَاضِي، وَهَذَا مَا نَقَلَهُ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ وَالْإِمَامُ الْفَضْلِيُّ إنَّمَا نَقَلَ تَقْدِيمَ السُّلْطَانِ، وَهُوَ الْخَلِيفَةُ فَقَطْ، وَأَمَّا مَنْ عَدَاهُ فَلَيْسَ لَهُ التَّقَدُّمُ عَلَى الْأَوْلِيَاءِ إلَّا بِرِضَاهُمْ قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالْخَانِيَّةِ إنَّهُ قِيَاسُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَزُفَرَ اهـ. فَعَلَى هَذَا فَالْمُرَادُ مِنْ السُّلْطَانِ فِي الْمُخْتَصَرِ هُوَ الْوَالِي الَّذِي لَا وَالِيَ فَوْقَهُ لَكِنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْمُحِيطِ وَالْبَدَائِعِ وَالتَّبْيِينِ وَالْمَجْمَعِ وَشَرْحِهِ التَّفْصِيلُ الْمُتَقَدِّمُ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَصَرَّحَ فِي الْخُلَاصَةِ بِأَنَّهُ الْمُخْتَارُ فَكَانَ هُوَ الْمَذْهَبُ وَقَدَّمَ أَبُو يُوسُفَ الْوَلِيَّ مُطْلَقًا وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَا فِي الْأَصْلِ مِنْ أَنَّ إمَامَ الْحَيِّ أَوْلَى بِهَا فَمَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَحْضُرْ السُّلْطَانُ، وَلَا مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ تَوْفِيقًا بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ السُّلْطَانَ قَلَّ مَا يَحْضُرُ الْجَنَائِزَ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهِ وَمَعْنَى الْأَحَقِّيَّةِ وُجُوبُ تَقْدِيمِهِ. (قَوْلُهُ، وَهِيَ فَرْضُ كِفَايَةٍ) أَيْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى افْتِرَاضِهَا وَكَوْنِهَا عَلَى الْكِفَايَةِ، وَمَا وَرَدَ فِي بَعْضِ الْعِبَارَاتِ مِنْ أَنَّهَا   [منحة الخالق] لَمَّا كَانَ الزَّوْجُ يُجْبَرُ عَلَى نَفَقَةِ زَوْجَتِهِ فِي حَيَاتِهَا، وَإِنْ كَانَ هُوَ فَقِيرًا أُجْبِرَ عَلَى كَفَنِهَا أَيْضًا (قَوْلُهُ وَجَبَ كَفَنُهُ إلَخْ) الَّذِي فِي الْقُنْيَةِ وَوَجَبَ بِوَاوَيْنِ أُولَاهُمَا لِلْعَطْفِ. [فَصْلٌ الْأَحَقُّ بِالصَّلَاةِ عَلَيَّ الْمَيِّت] (فَصْلٌ السُّلْطَانُ أَحَقُّ بِصَلَاتِهِ) (قَوْلُهُ سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ) ؛ لِأَنَّهُ كَانَ وَالِيًا عَلَى الْمَدِينَةِ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ فَعَلَى هَذَا فَالْمُرَادُ مِنْ السُّلْطَانِ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ يُحْتَمَلُ إجْرَاؤُهُ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ وَرَدَّهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ لِقَوْلِهِ بَعْدُ ثُمَّ الْقَاضِي، وَعَطْفُ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ شَرْطُهُ الْوَاوُ. اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ عَلَى كَلَامِهِ لَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الْقَاضِيَ بَعْدَهُ، وَلَا عَلَى الْأَوَّلِ لِعَطْفِهِ إيَّاهُ بِثُمَّ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ فِي عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ ثُمَّ قَالَ التَّحْقِيقُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ إمَامُ الْمِصْرِ وَمِنْهُ يُعْلَمُ تَقْدِيمُ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ الْأَوْلَى. اهـ. وَفِي تَخْصِيصِهِ عَطْفَ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ بِالْوَاوِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ يَكُونُ بِحَتَّى نَحْوَ مَاتَ النَّاسُ حَتَّى الْأَنْبِيَاءُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي مُغْنِي اللَّبِيبِ بَلْ قَدْ جَوَّزَهُ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ بِثُمَّ أَيْضًا وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِحَدِيثِ «إنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ ثُمَّ لْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ» ، وَقَدْ وَقَعَ بِأَوْ أَيْضًا كَمَا فِي الْحَدِيثِ «وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا» . [حُكْم صَلَاة الْجِنَازَة] (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَهِيَ فَرْضُ كِفَايَةٍ) اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا قِيلَ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ وَاجِبَةٌ عَلَى الْكِفَايَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَحَكَوْا الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ فَقَدْ يُسْتَشْكَلُ بِسُقُوطِهَا بِفِعْلِ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ كَمَا هُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ. وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا بِأَنَّ الْمَقْصِدَ الْفِعْلُ، وَقَدْ وُجِدَ لَا يَدْفَعُ الْوَارِدَ مِنْ لَفْظِ الْوُجُوبِ فَإِنَّهُ لَا وُجُوبَ عَلَى الصَّبِيِّ، وَلَا يَحْضُرُنِي هَذَا مَنْقُولًا فِيمَا وَقَفْت عَلَيْهِ مِنْ كُتُبِ الْمَذْهَبِ، وَإِنَّمَا ظَاهِرُ أُصُولِهِ عَدَمُ السُّقُوطِ كَمَا هُوَ غَيْرُ خَافٍ. اهـ. كَذَا فِي التَّحْرِيرِ وَشَرْحِهِ لِابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ أَقُولُ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 192 وَاجِبَةٌ فَالْمُرَادُ الِافْتِرَاضُ وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْقُنْيَةِ وَالْفَوَائِدِ التَّاجِيَّةِ بِكُفْرِ مَنْ أَنْكَرَ فَرْضِيَّتَهَا؛ لِأَنَّهُ أَنْكَرَ الْإِجْمَاعَ اهـ. وَهَلْ يَصِحُّ النَّذْرُ بِهَا صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ النَّذْرُ بِالتَّكْفِينِ، وَلَا بِتَشْيِيعِ الْجِنَازَةِ لِعَدَمِ الْقُرْبَةِ الْمَقْصُودَةِ وَلَا شَكَّ أَنَّ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ قُرْبَةٌ مَقْصُودَةٌ. (قَوْلُهُ وَشَرْطُهَا إسْلَامُ الْمَيِّتِ وَطَهَارَتُهُ) فَلَا تَصِحُّ عَلَى الْكَافِرِ لِلْآيَةِ {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا} [التوبة: 84] ، وَلَا تَصِحُّ عَلَى مَنْ لَمْ يُغَسَّلْ؛ لِأَنَّهُ لَهُ حُكْمُ الْإِمَامِ مِنْ وَجْهٍ لَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَهَذَا الشَّرْطُ عِنْدَ الْإِمْكَانِ فَلَوْ دُفِنَ بِلَا غُسْلٍ، وَلَمْ يُمْكِنْ إخْرَاجُهُ إلَّا بِالنَّبْشِ صُلِّيَ عَلَى قَبْرِهِ بِلَا غُسْلٍ لِلضَّرُورَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُهَلْ عَلَيْهِ التُّرَابُ بَعْدُ فَإِنَّهُ يُخْرَجُ وَيُغَسَّلُ، وَلَوْ صُلِّيَ عَلَيْهِ بِلَا غُسْلٍ جَهْلًا مَثَلًا، وَلَا يُخْرَجُ إلَّا بِالنَّبْشِ تُعَادُ لِفَسَادِ الْأُولَى، وَقِيلَ: تَنْقَلِبُ الْأُولَى صَحِيحَةً عِنْدَ تَحَقُّقِ الْعَجْزِ فَلَا تُعَادُ، وَفِي الْمُحِيطِ، وَلَوْ لُفَّ فِي كَفَنِهِ، وَقَدْ بَقِيَ عُضْوٌ مِنْهُ لَمْ يُصِبْهُ الْمَاءُ يُنْقَضُ الْكَفَنُ وَيُغَسَّلُ ثُمَّ يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَلَوْ بَقِيَ أُصْبُعٌ وَاحِدَةٌ وَنَحْوُهَا يُنْقَضُ الْكَفَنُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَيُغَسَّلُ وَعِنْدَهُمَا لَا يُنْقَضُ الْكَفَنُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَيَقَّنُ بِعَدَمِ وُصُولِ الْمَاءِ إلَيْهِ فَلَعَلَّهُ أَسْرَعَ إلَيْهِ الْجَفَافُ لِقِلَّتِهِ فَلَا يَحِلُّ نَقْضُ الْكَفَنِ بِالشَّكِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ نَقْضُهُ إلَّا بِعُذْرٍ بِخِلَافِ الْعُضْوِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسْرِعُ إلَيْهِ الْجَفَافُ، وَلَوْ صَلَّى الْإِمَامُ بِلَا طَهَارَةٍ أَعَادُوا؛ لِأَنَّهُ لَا صِحَّةَ لَهَا بِدُونِ الطَّهَارَةِ فَإِذَا لَمْ تَصِحَّ صَلَاةُ الْإِمَامِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاةُ الْقَوْمِ، وَلَوْ كَانَ الْإِمَامُ عَلَى طَهَارَةٍ وَالْقَوْمُ عَلَى غَيْرِهَا لَا تُعَادُ؛ لِأَنَّ صَلَاةَ الْإِمَامِ صَحَّتْ فَلَوْ أَعَادُوا تَتَكَرَّرُ الصَّلَاةُ، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا تَجِبُ صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ فِيهَا اهـ. وَزَادَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَغَيْرِهِ شَرْطًا ثَالِثًا فِي الْمَيِّتِ، وَهُوَ وَضْعُهُ أَمَامَ الْمُصَلَّى فَلَا تَجُوزُ عَلَى غَائِبٍ وَلَا عَلَى حَاضِرٍ مَحْمُولٍ عَلَى دَابَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا، وَلَا مَوْضُوعٍ مُتَقَدِّمٌ عَلَيْهِ الْمُصَلِّي؛ لِأَنَّهُ كَالْإِمَامِ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ عَلَى الصَّبِيِّ وَأَمَّا صَلَاتُهُ عَلَى النَّجَاشِيِّ فَإِمَّا؛ لِأَنَّهُ رُفِعَ لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سَرِيرُهُ حَتَّى رَآهُ بِحَضْرَتِهِ فَتَكُونُ صَلَاةُ مَنْ خَلْفَهُ عَلَى مَيِّتٍ يَرَاهُ الْإِمَامُ وَبِحَضْرَتِهِ دُونَ الْمَأْمُومِينَ وَهَذَا غَيْرُ مَانِعٍ مِنْ الِاقْتِدَاءِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَخْصُوصًا بِالنَّجَاشِيِّ، وَقَدْ أَثْبَتَ كُلًّا مِنْهُمَا بِالدَّلِيلِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَأَجَابَ فِي الْبَدَائِعِ بِثَالِثٍ، وَهُوَ أَنَّهَا الدُّعَاءُ لَا الصَّلَاةُ الْمَخْصُوصَةُ وَهَذِهِ الشَّرَائِطُ فِي الْمَيِّتِ، وَأَمَّا شَرَائِطُهَا بِالنَّظَرِ إلَى الْمُصَلِّي فَشَرَائِطُ الصَّلَاةِ الْكَامِلَةِ مِنْ الطَّهَارَةِ الْحَقِيقِيَّةِ وَالْحُكْمِيَّةِ وَاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ وَالنِّيَّةِ وَقَدَّمْنَا حُكْمَ مَا لَوْ ظَهَرَ الْمُصَلِّي مُحْدِثًا وَقَيَّدَ الْمُصَنِّفُ بِطَهَارَةِ الْمَيِّتِ احْتِرَازًا عَنْ طَهَارَةِ مَكَانِهِ قَالَ فِي الْفَوَائِدِ التَّاجِيَّةِ إنْ كَانَ عَلَى جِنَازَةٍ لَا شَكَّ أَنَّهُ يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ جِنَازَةٍ لَا رِوَايَةَ لِهَذَا، وَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ؛ لِأَنَّ طَهَارَةَ مَكَانِ الْمَيِّتِ لَيْسَ بِشَرْطٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُؤَدٍّ وَمِنْهُمْ مَنْ عَلَّلَ بِأَنَّ كَفَنَهُ يَصِيرُ حَائِلًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِلَابِسٍ بَلْ هُوَ مَلْبُوسٌ فَيَكُونُ حَائِلًا اهـ. وَفِي الْقُنْيَةِ الطَّهَارَةُ مِنْ النَّجَاسَةِ فِي الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ وَالْمَكَانِ وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ شَرْطٌ فِي حَقِّ الْإِمَامِ وَالْمَيِّتِ جَمِيعًا، وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي بَابِ شُرُوطِ الصَّلَاةِ أَنَّهُ لَوْ قَامَ عَلَى النَّجَاسَةِ، وَفِي رِجْلَيْهِ نَعْلَانِ لَمْ يَجُزْ، وَلَوْ افْتَرَشَ نَعْلَيْهِ وَقَامَ عَلَيْهِمَا جَازَتْ، وَبِهَذَا يُعْلَمُ مَا يُفْعَلُ فِي زَمَانِنَا مِنْ الْقِيَامِ عَلَى النَّعْلَيْنِ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ طَهَارَةِ النَّعْلَيْنِ كَمَا لَا يَخْفَى، وَأَمَّا أَرْكَانُهَا فَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إنَّ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّهَا الدُّعَاءُ وَالْقِيَامُ وَالتَّكْبِيرُ لِقَوْلِهِمْ إنَّ حَقِيقَتَهَا هُوَ الدُّعَاءُ وَالْمَقْصُودُ مِنْهَا، وَلَوْ صَلَّى عَلَيْهَا قَاعِدًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ لَا يَجُوزُ وَقَالُوا كُلُّ تَكْبِيرَةٍ بِمَنْزِلَةِ رَكْعَةٍ وَقَالُوا يُقَدَّمُ الثَّنَاءُ وَالصَّلَاةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّهُ سُنَّةُ الدُّعَاءِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ التَّكْبِيرَةَ الْأُولَى شَرْطٌ؛ لِأَنَّهَا تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْمُصَرَّحَ بِهِ بِخِلَافِهِ قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَأَمَّا رُكْنُهَا فَالتَّكْبِيرَاتُ وَالْقِيَامُ، وَأَمَّا سُنَنُهَا فَالتَّحْمِيدُ وَالثَّنَاءُ وَالدُّعَاءُ فِيهَا اهـ. فَقَدْ صَرَّحَ بِأَنَّ الدُّعَاءَ سُنَّةٌ وَقَوْلُهُمْ فِي الْمَسْبُوقِ يَقْضِي التَّكْبِيرَ نَسَقًا بِغَيْرِ دُعَاءٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ التَّكْبِيرَةَ الْأُولَى شَرْطٌ بَلْ الْأَرْبَعُ أَرْكَانٌ قَالَ فِي الْمُحِيطِ كَبَّرَ عَلَى جِنَازَةٍ فَجِيءَ   [منحة الخالق] وَظَاهِرُ كَلَامِ التَّحْرِيرِ السُّقُوطُ حَيْثُ ذَكَرَ الْحُكْمَ، وَلَمْ يَعْزُهُ لِلشَّافِعِيَّةِ تَأَمَّلْ. [شُرُوط صَلَاة الْجِنَازَة] (قَوْلُهُ فَلَوْ دُفِنَ بِلَا غُسْلٍ، وَلَمْ يُمْكِنْ إخْرَاجُهُ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ سَيَأْتِي فِي شَرْحِ قَوْلِهِ، فَإِنْ دُفِنَ بِلَا صَلَاةٍ إلَخْ أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى قَبْرِهِ لَوْ دُفِنَ بِلَا غُسْلٍ رِوَايَةُ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ لَكِنْ صُحِّحَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مَعْزِيًّا إلَى الْقُدُورِيِّ وَصَاحِبِ التُّحْفَةِ أَنَّهُ لَا يُصَلَّى عَلَى قَبْرِهِ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ بِدُونِ الْغُسْلِ لَيْسَتْ بِمَشْرُوعَةٍ، وَلَا يُؤْمَرُ بِالْغُسْلِ لِتَضَمُّنِهِ أَمْرًا حَرَامًا، وَهُوَ نَبْشُ الْقَبْرِ فَسَقَطَتْ الصَّلَاةُ. اهـ. (قَوْلُهُ، وَأَمَّا سُنَنُهَا فَالتَّحْمِيدُ وَالثَّنَاءُ إلَخْ) أَقُولُ: مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا مَعَ أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي عِدَّةِ كُتُبٍ أَنَّهُمَا رِوَايَتَانِ فَفِي شَرْحِ الْبَاقَانِيِّ عِنْدَ قَوْلِهِ وَيُكَبِّرُ تَكْبِيرَةً ثُمَّ يُثْنِي عَقِيبَهَا قَالَ بِأَنْ يَحْمَدَ اللَّهَ تَعَالَى، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَقِيلَ يَقُولُ سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك إلَخْ وَلَا يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ إلَّا بِنِيَّةِ الثَّنَاءِ كَذَا فِي الشُّمُنِّيِّ. اهـ. وَفِي النَّهْرِ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي الثَّنَاءِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 193 بِأُخْرَى أَتَمَّهَا وَاسْتَقْبَلَ الصَّلَاةَ عَلَى الْأُخْرَى؛ لِأَنَّهُ لَوْ نَوَاهَا لِلْأُخْرَى أَيْضًا يَصِيرُ مُكَبِّرًا ثَلَاثًا وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى الْأَرْبَعِ لَا تَتَأَدَّى بِتَحْرِيمَةٍ وَاحِدَةٍ، وَفِي الْغَايَةِ لِلسُّرُوجِيِّ، فَإِنْ قُلْت: التَّكْبِيرَةُ الْأُولَى لِلْإِحْرَامِ، وَهِيَ شَرْطٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَجُوزُ بِنَاءُ الصَّلَاةِ عَلَى التَّحْرِيمَةِ الْأُولَى لِكَوْنِهَا غَيْرَ رُكْنٍ قِيلَ لَهُ التَّكْبِيرَاتُ الْأَرْبَعُ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ قَائِمَةٌ مَقَامَ الْأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ بِخِلَافِ الْمَكْتُوبَةِ وَصَلَاةِ النَّافِلَةِ اهـ. وَأَمَّا مَا يُفْسِدُهَا فَمَا أَفْسَدَ الصَّلَاةَ أَفْسَدَهَا إلَّا الْمُحَاذَاةَ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَتُكْرَهُ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ، وَلَوْ أَمَّتْ امْرَأَةٌ فِيهَا تَأَدَّتْ الصَّلَاةُ، وَلَوْ أَحْدَثَ الْإِمَامُ فَاسْتَخْلَفَ غَيْرَهُ فِيهَا جَازَ هُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ. (قَوْلُهُ ثُمَّ إمَامُ الْحَيِّ) أَيْ الْجَمَاعَةِ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَهُ فِي حَالِ حَيَاتِهِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ تَقْدِيمَهُ وَاجِبٌ؛ لِأَنَّهُ عَطَفَهُ عَلَى مَا تَقْدِيمُهُ وَاجِبٌ وَهُوَ السُّلْطَانُ مَعَ تَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّ تَقْدِيمَهُ مُسْتَحَبٌّ بِخِلَافِ السُّلْطَانِ قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَإِنَّمَا قَالُوا تَقْدِيمُهُ مُسْتَحَبٌّ؛ لِأَنَّ فِي التَّقَدُّمِ عَلَيْهِ لَا يَلْزَمُ إفْسَادُ أَمْرِ الْعَامَّةِ بِخِلَافِ التَّقَدُّمِ عَلَى السُّلْطَانِ حَيْثُ يَلْزَمُ ذَلِكَ فَلِذَا وَجَبَ تَقْدِيمُهُ اهـ. وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِلْمُصَنِّفِ إنَّمَا يُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُ إمَامِ مَسْجِدِ حَيِّهِ عَلَى الْوَلِيِّ إذَا كَانَ أَفْضَلَ مِنْ الْوَلِيِّ ذَكَرَهُ فِي الْفَتَاوَى اهـ. وَهُوَ قَيْدٌ حَسَنٌ، وَكَذَا فِي الْمُجْتَبَى، وَفِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ إمَامُ الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ أَوْلَى مِنْ إمَامِ الْحَيِّ اهـ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِإِمَامِ الْحَيِّ إمَامُ الْمَسْجِدِ الْخَاصِّ لِلْمَحَلَّةِ، وَقَدْ وَقَعَ الِاشْتِبَاهُ فِي إمَامِ الْمُصَلَّى الْمَبْنِيَّةِ لِصَلَاةِ الْأَمْوَاتِ فِي الْأَمْصَارِ فَإِنَّ الْبَانِيَ يَشْرِطُ لَهَا إمَامًا خَاصًّا وَيَجْعَلُ لَهُ مَعْلُومًا مِنْ وَقْفِهِ فَهَلْ هُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوَلِيِّ إلْحَاقًا لَهُ بِإِمَامِ الْحَيِّ أَوْ لَا؟ مَعَ الْقَطْعِ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِإِمَامِ الْحَيِّ لِتَعْلِيلِهِمْ إيَّاهُ بِأَنَّ الْمَيِّتَ رَضِيَ بِالصَّلَاةِ خَلْفَهُ حَالَ حَيَاتِهِ وَهَذَا خَاصٌّ بِإِمَامِ مَسْجِدِ مَحَلَّتِهِ وَاَلَّذِي ظَهَرَ لِي أَنَّهُ إنْ كَانَ مُقَرَّرًا مِنْ جِهَةِ الْقَاضِي فَهُوَ كَنَائِبِهِ، وَإِنْ كَانَ الْمُقَرِّرُ لَهُ النَّاظِرَ فَهُوَ كَالْأَجْنَبِيِّ. (قَوْلُهُ ثُمَّ الْوَلِيُّ) ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ النَّاسِ إلَيْهِ وَالْوِلَايَةُ لَهُ فِي الْحَقِيقَةِ كَمَا فِي غُسْلِهِ وَتَكْفِينِهِ، وَإِنَّمَا يُقَدَّمُ السُّلْطَانُ عَلَيْهِ إذَا حَضَرَ كَيْ لَا يَكُونَ ازْدِرَاءً بِهِ، ثُمَّ التَّرْتِيبُ فِي الْأَوْلِيَاءِ كَتَرْتِيبِ الْعَصَبَاتِ فِي الْإِنْكَاحِ لَكِنْ إذَا اجْتَمَعَ أَبُو الْمَيِّتِ وَابْنُهُ كَانَ الْأَبُ أَوْلَى بِالِاتِّفَاقِ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ لِلْأَبِ فَضِيلَةً عَلَى الِابْنِ وَزِيَادَةَ سِنٍّ، وَالْفَضِيلَةُ وَالزِّيَادَةُ تُعْتَبَرُ تَرْجِيحًا فِي اسْتِحْقَاقِ الْإِمَامَةِ كَمَا فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ فَلَوْ كَانَ الْأَبُ جَاهِلًا وَالِابْنُ عَالِمًا يَنْبَغِي تَقْدِيمُ الِابْنِ كَمَا فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ صِفَةَ الْعِلْمِ لَا تُوجِبُ التَّقْدِيمَ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ لِعَدَمِ احْتِيَاجِهَا لِلْعِلْمِ وَيُعْتَبَرُ الْأَسَنُّ فِيهَا فَالْأَخَوَانِ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَسَنُّهُمَا أَوْلَى، فَإِنْ أَرَادَ الْأَسَنُّ أَنْ يُقَدِّمَ أَحَدًا كَانَ لِلْأَصْغَرِ أَنْ يَمْنَعَ، فَإِنْ قَدَّمَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رَجُلًا آخَرَ فَاَلَّذِي قَدَّمَهُ الْأَسَنُّ أَوْلَى وَكَذَلِكَ الِابْنَانِ عَلَى هَذَا، وَكَذَلِكَ أَبْنَاءُ الْعَمِّ، فَإِنْ كَانَ الْأَخُ الْأَصْغَرُ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَالْأَكْبَرُ لِأَبٍ فَالْأَصْغَرُ أَوْلَى كَمَا فِي الْمِيرَاثِ، فَإِنْ قُدِّمَ الْأَصْغَرُ جِدًّا فَلَيْسَ لِلْأَكْبَرِ أَنْ يَمْنَعَهُ، فَإِنْ كَانَ الْأَخُ لِأَبٍ وَأُمٍّ غَائِبًا وَكَتَبَ لِإِنْسَانٍ لِيَتَقَدَّمَ فَلِلْأَخِ لِأَبٍ أَنْ يَمْنَعَهُ، وَحَدُّ الْغَيْبَةِ أَنْ لَا يَقْدِرَ عَلَى أَنْ يَقْدُمَ وَيُدْرِكَ الصَّلَاةَ وَلَا يَنْتَظِرُ النَّاسُ قُدُومَهُ، وَالْمَرِيضُ فِي الْمِصْرِ بِمَنْزِلَةِ الصَّحِيحِ يُقَدِّمُ مَنْ شَاءَ، وَلَيْسَ لِلْأَبْعَدِ مَنْعُهُ، وَلَوْ مَاتَتْ امْرَأَةٌ، وَلَهَا أَبٌ وَابْنٌ بَالِغٌ عَاقِلٌ وَزَوْجٌ فَالْأَبُ أَحَقُّ بِهَا ثُمَّ الِابْنُ إنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ الزَّوْجِ، فَإِنْ كَانَ مِنْهُ فَالزَّوْجُ أَحَقُّ مِنْ الْوَلَدِ، وَلَوْ مَاتَ ابْنٌ، وَلَهُ أَبٌ وَأَبُو أَبٍ فَالْوِلَايَةُ لِأَبِيهِ وَلَكِنَّهُ يُقَدِّمُ أَبَاهُ جَدَّ الْمَيِّتِ تَعْظِيمًا لَهُ، وَكَذَا الْمُكَاتَبُ إذَا مَاتَ   [منحة الخالق] قَالَ بَعْضُهُمْ يَحْمَدُ اللَّهَ كَمَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَقُولُ سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك كَمَا فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ الْإِمَامِ كَذَا فِي الدِّرَايَةِ، وَلَا يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ إلَّا عَلَى وَجْهِ الثَّنَاءِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْعِنَايَةِ. (قَوْلُهُ وَاَلَّذِي ظَهَرَ لِي إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ مُقْتَضَى مَا سَبَقَ فِي الْإِمَامَةِ تَقْدِيمُهُ حَتَّى عَلَى إمَامِ الْحَيِّ وَذَلِكَ أَنَّ تَقْدِيمَ إمَامِ الْحَيِّ كَالْأَعْلَمِ مَنْدُوبٌ فَقَطْ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّ الرَّاتِبَ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ هُنَاكَ فَكَذَا هُنَا إذْ لَا فَرْقَ يَظْهَرُ وَتَعَقَّبَهُ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ بِأَنَّ الْفَرْقَ ظَاهِرٌ، وَهُوَ أَنَّ هُنَا وِلَايَةَ تَقْدِيمٍ خَاصَّةً؛ وَلِذَا تُعَادُ الصَّلَاةُ إذَا صَلَّى غَيْرَ الْأُولَى وَلَيْسَ ثَمَّ كَذَلِكَ فَإِذَا كَانَ مُقَرَّرًا مِنْ الْقَاضِي كَانَ كَنَائِبِهِ وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى مَنْ دُونَهُ. اهـ وَأَجَابَ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ بِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُمْ إنَّمَا يَجْعَلُونَ الْإِمَامَ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَقَامِ لِلْغُرَبَاءِ وَاَلَّذِينَ لَا وَلِيَّ لَهُمْ فَهُوَ كَالْأَجْنَبِيِّ مُطْلَقًا اهـ. أَقُولُ: وَهَذَا أَوْلَى؛ لِأَنَّ تَقْرِيرَ الْقَاضِي لَهُ لِتَعْيِينِ مَنْ يُبَاشِرُ هَذِهِ الْوَظِيفَة لَا لِيَكُونَ نَائِبًا عَنْ الْقَاضِي وَإِلَّا لَزِمَ أَنَّ كُلَّ مَنْ قَرَّرَهُ الْقَاضِي فِي وَظِيفَةِ إمَامَةٍ أَنْ يَكُونَ نَائِبًا عَنْهُ مُقَدَّمًا عَلَى إمَامِ الْحَيِّ وَالْوَلِيِّ. (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ صِفَةَ الْعِلْمِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَقُولُ: بَلْ صِفَةُ الْعِلْمِ تُوجِبُ التَّقْدِيمَ فِيهَا أَيْضًا، أَلَا تَرَى إلَى مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ إمَامَ الْحَيِّ إنَّمَا يُقَدَّمُ عَلَى الْوَلِيِّ إذَا كَانَ أَفْضَلَ مِنْهُ نَعَمْ عَلَّلَ الْقُدُورِيُّ كَرَاهَةَ تَقْدِيمِ الِابْنِ عَلَى أَبِيهِ بِأَنَّ فِيهِ اسْتِخْفَافًا بِهِ وَهَذَا يَقْتَضِي وُجُوبَ تَقْدِيمِهِ مُطْلَقًا قَالَ فِي الْفَتْحِ لَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ تَقْدِيمَهُ وَاجِبٌ بِالسُّنَّةِ، وَفِي الْبَدَائِعِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَلَهُ بِحُكْمِ الْوِلَايَةِ أَنْ يُقَدِّمَ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ لَهُ، وَإِنَّمَا مُنِعَ عَنْ التَّقَدُّمِ حَتَّى لَا يَسْتَخِفَّ بِأَبِيهِ فَلَمْ تَسْقُطْ وِلَايَتُهُ فِي التَّقْدِيمِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 194 عَبْدُهُ وَمَوْلَاهُ حَاضِرٌ فَالْوِلَايَةُ لِلْمُكَاتَبِ لَكِنَّهُ يُقَدِّمُ مَوْلَاهُ احْتِرَامًا وَمَوْلَى الْعَبْدِ أَحَقُّ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ مِنْ ابْنِهِ الْحُرِّ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ لِبَقَاءِ مِلْكِهِ حُكْمًا، وَكَذَا الْمُكَاتَبُ إذَا مَاتَ عَنْ غَيْرِ وَفَاءٍ، فَإِنْ تَرَكَ وَفَاءً، فَإِنْ أُدِّيَتْ كِتَابَتُهُ أَوْ كَانَ الْمَالُ حَاضِرًا لَا يَخَافُ عَلَيْهِ التَّوَى وَالتَّلَفَ، فَالِابْنُ أَحَقُّ وَإِلَّا فَالْمَوْلَى وَسَائِرُ الْقَرَابَات أَوْلَى مِنْ الزَّوْجِ، وَكَذَا مَوْلَى الْعَتَاقَةِ وَابْنُهُ وَمَوْلَى الْمُوَالَاةِ؛ لِأَنَّ الزَّوْجِيَّةَ انْقَطَعَتْ بَيْنَهُمَا بِالْمَوْتِ، وَفِي الْمُجْتَبَى وَالْجَارُ أَحَقُّ مِنْ غَيْرِهِ. (قَوْلُهُ: وَلَهُ أَنْ يَأْذَنَ لِغَيْرِهِ) أَيْ لِلْوَلِيِّ الْإِذْنُ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ، وَهُوَ يَحْتَمِلُ شَيْئَيْنِ: أَحَدُهُمَا الْإِذْنُ فِي التَّقَدُّمِ؛ لِأَنَّهُ حَقُّهُ فَيَمْلِكُ إبْطَالَهُ وَقَدَّمْنَا أَنَّ مَحَلَّهُ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ وَلِيٌّ غَيْرُهُ أَوْ كَانَ وَهُوَ بَعِيدٌ أَمَّا إذَا كَانَا وَلِيَّيْنِ مُسْتَوِيَيْنِ فَأَذِنَ أَحَدُهُمَا أَجْنَبِيًّا فَلِلْآخَرِ أَنْ يَمْنَعَهُ ثَانِيهِمَا أَنْ يَأْذَنَ لِلنَّاسِ فِي الِانْصِرَافِ بَعْدَ الصَّلَاةِ قَبْلَ الدَّفْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَنْصَرِفُوا إلَّا بِإِذْنِهِ، وَذَكَرَ الشَّارِحُ مَعْنًى آخَرَ، وَهُوَ الْإِعْلَامُ بِمَوْتِهِ لِيُصَلُّوا عَلَيْهِ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ الْمَيِّتُ يُتَبَرَّكُ بِهِ وَكَرِهَ بَعْضُهُمْ أَنْ يُنَادَى عَلَيْهِ فِي الْأَزِقَّةِ وَالْأَسْوَاقِ؛ لِأَنَّهُ نَعْيُ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَهُوَ مَكْرُوهٌ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَكْثِيرَ الْجَمَاعَةِ مِنْ الْمُصَلِّينَ عَلَيْهِ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ لَهُ وَتَحْرِيضَ النَّاسِ عَلَى الطَّهَارَةِ وَالِاعْتِبَارَ بِهِ وَالِاسْتِعْدَادَ، وَلَيْسَ ذَلِكَ نَعْيُ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَإِنَّمَا كَانُوا يَبْعَثُونَ إلَى الْقَبَائِلِ يَنْعَوْنَ مَعَ ضَجِيجٍ وَبُكَاءٍ وَعَوِيلٍ وَتَعْدِيدٍ، وَهُوَ مَكْرُوهٌ بِالْإِجْمَاعِ اهـ. وَهِيَ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ لِلْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ «لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الْخُدُودَ وَشَقَّ الْجُيُوبَ وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ» «وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَعَنَ اللَّهُ الْحَالِقَةَ وَالصَّالِقَةَ وَالشَّاقَّةَ» وَالصَّالِقَةَ الَّتِي تَرْفَعُ صَوْتَهَا بِالْمُصِيبَةِ، وَلَا بَأْسَ بِإِرْسَالِ الدَّمْعِ وَالْبُكَاءِ مِنْ غَيْرِ نِيَاحَةٍ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ صَلَّى عَلَيْهِ غَيْرُ الْوَلِيِّ وَالسُّلْطَانُ أَعَادَ الْوَلِيُّ) ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ وَالْمُرَادُ مِنْ السُّلْطَانِ مَنْ لَهُ حَقُّ التَّقَدُّمِ عَلَى الْوَلِيِّ فَإِنَّ الْكَلَامَ فِيمَا إذَا تَقَدَّمَ عَلَى الْوَلِيِّ مَنْ لَيْسَ لَهُ حَقُّ التَّقَدُّمِ فَلَيْسَ لِلْوَلِيِّ الْإِعَادَةُ إذَا صَلَّى الْقَاضِي أَوْ نَائِبُهُ أَوْ إمَامُ الْحَيِّ لِمَا فِي الْخُلَاصَةِ والولوالجية وَالظَّهِيرِيَّةِ وَالتَّجْنِيسِ وَالْوَاقِعَاتِ، وَلَوْ صَلَّى رَجُلٌ وَالْوَلِيُّ خَلْفَهُ، وَلَمْ يَرْضَ بِهِ إنْ صَلَّى مَعَهُ لَا يُعِيدُ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى مَرَّةً، وَإِنْ لَمْ يُتَابِعْهُ، فَإِنْ كَانَ الْمُصَلِّي السُّلْطَانَ أَوْ الْإِمَامَ الْأَعْظَمَ فِي الْبَلْدَةِ أَوْ الْقَاضِي أَوْ الْوَالِي عَلَى الْبَلْدَةِ أَوْ إمَامَ حَيٍّ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُعِيدَ؛ لِأَنَّهُمْ أَوْلَى بِالصَّلَاةِ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُمْ فَلَهُ الْإِعَادَةُ اهـ. وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ الْمُوصَى لَهُ بِالتَّقَدُّمِ لَيْسَ بِمُقَدَّمٍ عَلَى الْوَلِيِّ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بَاطِلَةٌ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ صَرَّحَ بِذَلِكَ أَصْحَابُ الْفَتَاوَى قَالُوا، وَلَوْ أَعَادَهَا الْوَلِيُّ لَيْسَ لِمَنْ صَلَّى عَلَيْهَا أَنْ يُصَلِّيَ مَعَ الْوَلِيِّ مَرَّةً أُخْرَى وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْوَلِيَّ إذَا لَمْ يُعِدْ فَلَا إثْمَ عَلَى أَحَدٍ لِمَا أَنَّ الْفَرْضَ، وَهُوَ قَضَاءُ حَقِّ الْمَيِّتِ قَدْ تَأَدَّى بِصَلَاةِ الْأَجْنَبِيِّ وَالْإِعَادَةُ إنَّمَا هِيَ لِأَجْلِ حَقِّهِ لَا لِإِسْقَاطِ الْفَرْضِ وَهَذَا أَوْلَى مِمَّا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مِنْ أَنَّ حُكْمَ الصَّلَاةِ الَّتِي صَلَّيْت بِلَا إذْنِ الْوَلِيِّ مَوْقُوفٌ إنْ أَعَادَ الْوَلِيُّ تَبَيَّنَ أَنَّ الْفَرْضَ مَا صَلَّى الْوَلِيُّ، وَإِنْ لَمْ يُعِدْ سَقَطَ الْفَرْضُ بِالْأُولَى اهـ. فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ لِمَنْ صَلَّى أَوَّلًا أَنْ يُصَلِّيَ مَعَ الْوَلِيِّ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَبِمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ الْفَتَاوَى الْمَذْكُورَةِ ظَهَرَ ضَعْفُ مَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مِنْ أَنَّ إمَامَ الْحَيِّ إذَا صَلَّى بِلَا إذْنِ الْوَلِيِّ، فَإِنْ لِلْوَلِيِّ الْإِعَادَةَ، وَإِنَّمَا لَمْ يُعِدْ إذَا صَلَّى السُّلْطَانُ لِخَوْفِ الِازْدِرَاءِ بِهِ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْمَجْمَعِ وَشَرْحِهِ بِأَنَّ إمَامَ الْحَيِّ كَالسُّلْطَانِ فِي عَدَمِ إعَادَةِ الْوَلِيِّ. (قَوْلُهُ: وَلَمْ يُصَلِّ غَيْرُهُ بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ مَا صَلَّى الْوَلِيُّ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ قَدْ تَأَدَّى بِالْأُولَى وَالتَّنَفُّلُ بِهَا غَيْرُ مَشْرُوعٍ إلَّا لِمَنْ لَهُ الْحَقُّ، وَهُوَ الْوَلِيُّ عِنْدَ تَقَدُّمِ الْأَجْنَبِيِّ إنْ قُلْنَا إنَّ إعَادَةَ الْوَلِيِّ نَفْلٌ وَإِلَّا فَلَا اسْتِثْنَاءَ، وَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي إعَادَةِ مَنْ هُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوَلِيِّ إذَا صَلَّى الْوَلِيُّ كَالسُّلْطَانِ وَالْقَاضِي فَذَهَبَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْغَيْرِ مَنْ لَيْسَ لَهُ تَقَدُّمٌ عَلَى الْوَلِيِّ أَمَّا مَنْ كَانَ مُقَدَّمًا عَلَى الْوَلِيِّ فَلَهُ الْإِعَادَةُ بَعْدَ صَلَاةِ الْوَلِيِّ؛ لِأَنَّ الْوَلِيَّ إذَا كَانَ لَهُ الْإِعَادَةُ إذَا صَلَّى غَيْرُهُ مَعَ أَنَّهُ أَدْنَى فَالسُّلْطَانُ   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 195 وَالْقَاضِي لَهُمَا الْإِعَادَةُ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى، وَهُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي رِوَايَةِ النَّوَادِرِ وَيَشْهَدُ لَهُ مَا فِي الْفَتَاوَى، وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ قَوْلُهُ: فَإِنْ صَلَّى الْوَلِيُّ عَلَيْهِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُصَلِّيَ أَحَدٌ بَعْدَهُ يَعْنِي سُلْطَانًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ فَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى تَقْدِيمِ حَقِّ الْوَلِيِّ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ جُوِّزَ لَهُ الْإِعَادَةُ، وَلَمْ يُجَوَّزْ لِلسُّلْطَانِ إذَا صَلَّى الْوَلِيُّ فَافْهَمْ ذَلِكَ اهـ. وَكَذَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُسْتَصْفَى، وَقَدْ ظَهَرَ لِلْعَبْدِ الضَّعِيفِ أَنَّ الْأَوَّلَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا تَقَدَّمَ الْوَلِيُّ مَعَ وُجُودِ مَنْ هُوَ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ حَيْثُ حَضَرَ فَالْحَقُّ لَهُ فَكَانَتْ صَلَاةُ الْوَلِيِّ تَعَدِّيًا، وَالثَّانِي مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَحْضُرْ غَيْرُ الْوَلِيِّ فَصَلَّى الْوَلِيُّ ثُمَّ جَاءَ الْمُقَدَّمُ عَلَيْهِ فَلَيْسَ لَهُ الْإِعَادَةُ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ قَدْ سَقَطَ بِصَلَاةِ مَنْ لَهُ وِلَايَتُهَا - وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ - ثُمَّ رَأَيْت بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْمُجْتَبَى مَا يُفِيدُهُ قَالَ: فَإِنْ صَلَّى عَلَيْهِ الْوَلِيُّ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ أَحَدٌ بَعْدَهُ وَهَذَا إذَا كَانَ حَقُّ الصَّلَاةِ لَهُ بِأَنْ لَمْ يَحْضُرْ السُّلْطَانُ، وَأَمَّا إذَا حَضَرَ وَصَلَّى عَلَيْهِ الْوَلِيُّ يُعِيدُ السُّلْطَانُ اهـ. . (قَوْلُهُ: فَإِنْ دُفِنَ بِلَا صَلَاةٍ صُلِّيَ عَلَى قَبْرِهِ مَا لَمْ يَتَفَسَّخْ) ؛ لِأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى عَلَى قَبْرِ امْرَأَةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ» أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ مَا إذَا كَانَ مَدْفُونًا بَعْدَ الْغُسْلِ أَوْ قَبْلَهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَهُوَ رِوَايَةُ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ لَكِنْ صُحِّحَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مَعْزِيًّا إلَى الْقُدُورِيِّ وَصَاحِبِ التُّحْفَةِ أَنَّهُ لَا يُصَلَّى عَلَى قَبْرِهِ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ بِدُونِ الْغُسْلِ لَيْسَتْ بِمَشْرُوعَةٍ، وَلَا يُؤْمَرُ بِالْغُسْلِ لِتَضَمُّنِهِ أَمْرًا حَرَامًا، وَهُوَ نَبْشُ الْقَبْرِ فَسَقَطَتْ الصَّلَاةُ اهـ. وَقَيَّدَ بِالدَّفْنِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وُضِعَ فِي قَبْرِهِ، وَلَمْ يُهَلْ عَلَيْهِ التُّرَابُ فَإِنَّهُ يُخْرَجُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَقُيِّدَ بِعَدَمِ التَّفَسُّخِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ بَعْدَ التَّفَسُّخِ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ شُرِعَتْ عَلَى بَدَنِ الْمَيِّتِ فَإِذَا تَفَسَّخَ لَمْ يَبْقَ بَدَنُهُ قَائِمًا، وَلَمْ يُقَيِّدْ الْمُصَنِّفُ بِمُدَّةٍ؛ لِأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ إلَى أَنْ يَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ تَفَسُّخُهُ وَالْمُعْتَبَرُ فِيهِ أَكْبَرُ الرَّأْيِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ بِمُدَّةٍ كَذَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَغَيْرِهِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ شَكَّ فِي تَفَسُّخِهِ يُصَلَّى عَلَيْهِ وَالْمَذْكُورُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّهُ لَوْ شَكَّ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ رَوَاهُ ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ اهـ. وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ فِي الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَبِاخْتِلَافِ حَالِ الْمَيِّتِ فِي السِّمَنِ وَالْهُزَالِ وَبِاخْتِلَافِ الْأَمْكِنَةِ فَيُحَكَّمُ فِيهِ غَالِبُ الرَّأْيِ، فَإِنْ قِيلَ رُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَنَّهُ صَلَّى عَلَى شُهَدَاءِ أُحُدٍ بَعْدَ ثَمَانِينَ سَنَةٍ» فَالْجَوَابُ أَنَّ مَعْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ دَعَا لَهُمْ قَالَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَيَشْهَدُ لَهُ مَا فِي الْفَتَاوَى) أَيْ مَا مَرَّ فِي الْقَوْلَةِ السَّابِقَةِ وَفِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ مَا مَرَّ عَنْ الْفَتَاوَى هُوَ أَنَّهُ لَوْ صَلَّى السُّلْطَانُ وَنَحْوُهُ لَيْسَ لِلْوَلِيِّ حَقُّ الْإِعَادَةِ؛ لِأَنَّهُمْ أَوْلَى مِنْهُ، وَلَا دَلَالَةَ فِي ذَلِكَ عَلَى أَنَّ لَهُمْ الْإِعَادَةَ إذَا صَلَّى الْوَلِيُّ؛ لِأَنَّ أَوْلَوِيَّةَ السُّلْطَانِ وَنَحْوِهِ لِوُجُوبِ تَعْظِيمِهِ وَلِأَنَّ فِي التَّقَدُّمِ عَلَيْهِ ازْدِرَاءً بِهِ لَا لِكَوْنِ الْحَقِّ لَهُمْ بَلْ الْحَقُّ إنَّمَا هُوَ لِلْوَلِيِّ وَتَقَدُّمُهُمْ عَلَيْهِ لِعَارِضٍ فَإِذَا صَلَّى صَاحِبُ الْحَقِّ، وَلَمْ يُرَاعِ حُرْمَتَهُمْ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ حَقُّ الْإِعَادَةِ وَمِثْلُ ذَلِكَ الِابْنُ مَعَ الْأَبِ فَإِنَّ الْحَقَّ لِلِابْنِ وَلَكِنَّهُ يُقَدِّمُ أَبَاهُ احْتِرَامًا لَهُ، وَلَا يَرِدُ إمَامُ الْحَيِّ؛ لِأَنَّ تَقْدِيمَهُ عَلَى الْوَلِيِّ مَنْدُوبٌ لَا وَاجِبٌ كَتَقْدِيمِ السُّلْطَانِ (قَوْلُهُ وَقَدْ ظَهَرَ لِلْعَبْدِ الضَّعِيفِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ كَلِمَتَهُمْ مُتَّفِقَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَا حَقَّ لِلسُّلْطَانِ عِنْدَ عَدَمِ حُضُورِهِ وَقَدْ عَلِمْت ثُبُوتَ الْخِلَافِ مَعَ حُضُورِهِ اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ حَمَلَ الْخِلَافَ بَيْنَ كَلَامَيْ النِّهَايَةِ وَالسِّرَاجِ عَلَى حَالَةِ حُضُورِهِ أَمَّا عِنْدَ عَدَمِهِ فَلَيْسَ مِمَّا الْخِلَافُ فِيهِ لِمَا مَرَّ أَنَّ أَوْلَوِيَّةَ السُّلْطَانِ إنْ حَضَرَ، وَعَلَيْهِ فَمَا فِي الْمُجْتَبَى مِثْلُ مَا فِي النِّهَايَةِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ كَلَامَ النِّهَايَةِ لَيْسَ خَاصًّا بِحَالَةِ حُضُورِهِ يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ بَعْدَهُ عَنْ الْمَبْسُوطِ فِي الْجَوَابِ عَنْ دَلِيلِ الشَّافِعِيِّ عَلَى جَوَازِ الْإِعَادَةِ حَيْثُ قَالَ لَا تُعَادُ الصَّلَاةُ عَلَى الْمَيِّتِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَلِيُّ هُوَ الَّذِي حَضَرَ فَإِنَّ الْحَقَّ لَهُ، وَلَيْسَ لِغَيْرِهِ وِلَايَةُ إسْقَاطِ حَقِّهِ، وَهُوَ تَأْوِيلُ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّ الْحَقَّ كَانَ لَهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [الأحزاب: 6] ، وَهَكَذَا تَأْوِيلُ فِعْلِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - كَانَ مَشْغُولًا بِتَسْوِيَةِ الْأُمُورِ وَتَسْكِينِ الْفِتْنَةِ فَكَانُوا يُصَلُّونَ عَلَيْهِ قَبْلَ حُضُورِهِ وَكَانَ الْحَقُّ لَهُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْخَلِيفَةُ فَلَمَّا فَرَغَ صَلَّى عَلَيْهِ ثُمَّ لَمْ يُصَلِّ أَحَدٌ بَعْدَهُ عَلَيْهِ. اهـ. وَهَذَا يَشْكُلُ أَيْضًا عَلَى تَوْفِيقِ الْمُؤَلِّفِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ لَمْ يُصَلِّ أَحَدٌ قَبْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَا قَبْلَ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مِمَّنْ لَهُ وِلَايَةُ الصَّلَاةِ بَلْ جَمِيعُ مَنْ صَلَّى كَانَ أَجْنَبِيًّا وَبِهِ يَنْدَفِعُ مَا مَرَّ لَكِنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى إثْبَاتِ ذَلِكَ وَأَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَدٌ مِنْ أَقَارِبِهِ قَبْلَ الصِّدِّيقِ، وَهُوَ بَعِيدٌ تَأَمَّلْ ثُمَّ ظَاهِرُ الْجَوَابِ الْمَذْكُورِ عَنْ الْمَبْسُوطِ يُؤْذِنُ أَنَّ لِمَنْ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهَا الصَّلَاةَ قَبْلَ الْوَلِيِّ، وَلَيْسَ بِمُرَادٍ لِمَا فِي الْفَتْحِ، وَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَى عَلَى قَبْرٍ مَنْبُوذٍ فَصَفَّهُمْ فَكَبَّرَ أَرْبَعًا» دَلِيلٌ عَلَى أَنْ إنْ لَمْ يُصَلِّ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى الْقَبْرِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْوَلِيُّ، وَهُوَ خِلَافُ مَذْهَبِنَا فَلَا مُخَلِّصَ إلَّا بِادِّعَاءٍ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ صَلَّى عَلَيْهَا أَصْلًا، وَهُوَ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ مِنْ الصَّحَابَةِ. اهـ. قُلْت: بَلْ لَا يَصِحُّ هَذَا الِادِّعَاءُ أَصْلًا فِي صَلَاتِهِمْ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. [دُفِنَ الْمَيِّت بِلَا صَلَاةٍ] (قَوْلُهُ بَعْدَ ثَمَانِينَ سَنَةً) لَعَلَّهُ بَعْدَ ثَمَانِي سِنِينَ ثُمَّ رَاجَعْت الْبَدَائِعَ فَرَأَيْته كَذَلِكَ فَمَا هُنَا تَحْرِيفٌ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 196 اللَّهُ تَعَالَى {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} [التوبة: 103] وَالصَّلَاةُ فِي الْآيَةِ بِمَنْزِلَةِ الدُّعَاءِ وَقِيلَ إنَّهُمْ لَمْ تَتَفَرَّقْ أَعْضَاؤُهُمْ فَإِنَّ مُعَاوِيَةَ لَمَّا أَرَادَ أَنْ يُحَوِّلَهُمْ وَجَدَهُمْ كَمَا دُفِنُوا فَتَرَكَهُمْ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَحُكْمُ صَلَاةِ مَنْ لَا وِلَايَةَ لَهُ كَعَدَمِ الصَّلَاةِ أَصْلًا فَيُصَلَّى عَلَى قَبْرِهِ مَا لَمْ يَتَمَزَّقْ كَذَا فِي الْمُجْتَبَى. (قَوْلُهُ: وَهِيَ أَرْبَعُ تَكْبِيرَاتٍ بِثَنَاءٍ بَعْدَ الْأُولَى وَصَلَاةٍ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ الثَّانِيَةِ وَدُعَاءٍ بَعْدَ الثَّالِثَةِ وَتَسْلِيمَتَيْنِ بَعْدَ الرَّابِعَةِ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى عَلَى النَّجَاشِيِّ فَكَبَّرَ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ وَثَبَتَ عَلَيْهَا حَتَّى تُوُفِّيَ» فَنُسِخَتْ مَا قَبْلَهَا وَالْبُدَاءَةُ بِالثَّنَاءِ ثُمَّ الصَّلَاةِ سُنَّةُ الدُّعَاءِ؛ لِأَنَّهُ أَرْجَى لِلْقَبُولِ، وَلَمْ يُعَيِّنْ الْمُصَنِّفُ الثَّنَاءَ وَرَوَى الْحَسَنُ أَنَّهُ دُعَاءُ الِاسْتِفْتَاحِ وَالْمُرَادُ بِالصَّلَاةِ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ فِي التَّشَهُّدِ، وَهُوَ الْأَوْلَى كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْقِرَاءَةَ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَثْبُتْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي الْمُحِيطِ وَالتَّجْنِيسِ وَلَوْ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ فِيهَا بِنِيَّةِ الدُّعَاءِ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَإِنْ قَرَأَهَا بِنِيَّةِ الْقِرَاءَةِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهَا مَحَلُّ الدُّعَاءِ دُونَ الْقِرَاءَةِ اهـ. وَلَمْ يُعَيِّنْ الْمُصَنِّفُ الدُّعَاءَ؛ لِأَنَّهُ لَا تَوْقِيتَ فِيهِ سِوَى أَنَّهُ بِأُمُورِ الْآخِرَةِ، وَإِنْ دَعَا بِالْمَأْثُورِ فَمَا أَحْسَنُهُ وَأَبْلَغُهُ وَمِنْ الْمَأْثُورِ حَدِيثُ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ «صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى جِنَازَةٍ فَحَفِظْت مِنْ دُعَائِهِ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ وَعَافِهِ وَاعْفُ عَنْهُ وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ وَاغْسِلْهُ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ وَنَقِّهِ مِنْ الْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنْ الدَّنَسِ وَأَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِنْ دَارِهِ وَأَهْلًا خَيْرًا مِنْ أَهْلِهِ وَزَوْجًا خَيْرًا مِنْ زَوْجِهِ وَأَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ وَأَعِذْهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَعَذَابِ النَّارِ قَالَ عَوْفٌ حَتَّى تَمَنَّيْت أَنْ أَكُونَ أَنَا ذَلِكَ الْمَيِّتُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَقُيِّدَ بِقَوْلِهِ بَعْدَ الثَّالِثَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْعُو بَعْدَ التَّسْلِيمِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَعَنْ الْفَضْلِيِّ لَا بَأْسَ بِهِ، وَمَنْ لَا يُحْسِنُ الدُّعَاءَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ كَذَا فِي الْمُجْتَبَى، وَلَمْ يُبَيِّنْ الْمَدْعُوَّ لَهُ؛ لِأَنَّهُ يَدْعُو لِنَفْسِهِ أَوَّلًا؛ لِأَنَّ دُعَاءَ الْمَغْفُورِ لَهُ أَقْرَبُ إلَى الْإِجَابَةِ ثُمَّ يَدْعُو لِلْمَيِّتِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ؛ لِأَنَّهُ الْمَقْصِدُ مِنْهَا، وَهُوَ لَا يَقْتَضِي رُكْنِيَّةَ الدُّعَاءِ كَمَا تَوَهَّمَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ؛ لِأَنَّ نَفْسَ التَّكْبِيرَات رَحْمَةٌ لِلْمَيِّتِ، وَإِنْ لَمْ يَدْعُ لَهُ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ وَتَسْلِيمَتَيْنِ بَعْدَ الرَّابِعَةِ إلَى أَنَّهُ لَا شَيْءَ بَعْدَهَا غَيْرُهُمَا وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَقِيلَ يَقُولُ اللَّهُمَّ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً إلَى آخِرِهِ وَقِيلَ {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا} [آل عمران: 8] إلَى آخِرِهِ وَقِيلَ يُخَيَّرُ بَيْنَ السُّكُوتِ وَالدُّعَاءِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ الْمَنْوِيَّ بِالتَّسْلِيمَتَيْنِ لِلِاخْتِلَافِ فَفِي التَّبْيِينِ وَفَتْحِ الْقَدِيرِ يَنْوِي بِهِمَا الْمَيِّتَ مَعَ الْقَوْمِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَا يَنْوِي الْإِمَامُ الْمَيِّتَ فِي تَسْلِيمَتَيْ الْجِنَازَةِ بَلْ يَنْوِي مَنْ عَنْ يَمِينِهِ فِي التَّسْلِيمَةِ الْأُولَى، وَمَنْ عَنْ يَسَارِهِ فِي التَّسْلِيمَةِ الثَّانِيَةِ. اهـ. وَهُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَا يُخَاطَبُ بِالسَّلَامِ عَلَيْهِ حَتَّى يَنْوِيَ بِهِ إذْ لَيْسَ أَهْلًا لَهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كَيْفِيَّةِ الصَّلَاةِ أَنَّهُ لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ سِوَى تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَكَثِيرٌ مِنْ أَئِمَّةِ بَلْخٍ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَحُكْمُ صَلَاةِ مَنْ لَا وِلَايَةَ لَهُ كَعَدَمِ الصَّلَاةِ أَصْلًا) قِيلَ هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمَهُ مِنْ أَنَّ الْفَرْضَ قَدْ تَأَدَّى بِصَلَاةِ الْأَجْنَبِيِّ قُلْت لَمْ أَجِدْ هَذِهِ الْعِبَارَةَ فِي الْمُجْتَبَى، وَإِنَّمَا الَّذِي فِيهِ إذَا دُفِنَ قَبْلَ الصَّلَاةِ أَوْ صَلَّى عَلَيْهِ مَنْ لَا وِلَايَةَ لَهُ يُصَلَّى عَلَيْهِ مَا لَمْ يَتَمَزَّقْ. اهـ وَهَذَا لَا يُخَالِفُهُ؛ لِأَنَّهُ يُقَالُ الْمُرَادُ بِصَلَّى عَلَيْهِ الْوَلِيُّ قَضَاءً لِحَقِّهِ وَيُمْكِنُ تَأْوِيلُ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ أَيْضًا بِأَنْ يُقَالَ مَعْنَى قَوْلِهِ كَعَدَمِ الصَّلَاةِ أَيْ فِي حَقِّ الْوَلِيِّ يَعْنِي أَنَّهَا مُعْتَدٌّ بِهَا لَكِنْ لِلْوَلِيِّ أَنْ يُصَلِّيَهَا كَمَا لَوْ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ أَحَدٌ. (قَوْلُهُ وَرَوَى الْحَسَنُ أَنَّهُ دُعَاءُ الِاسْتِفْتَاحِ) قَدَّمْنَا قُبَيْلَ قَوْلِهِ ثُمَّ إمَامُ الْحَيِّ أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ يَحْمَدُ (قَوْلُهُ: وَفِي الْمُحِيطِ وَالتَّجْنِيسِ إلَخْ) قُلْت وَمِثْلُهُ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَالتَّتَارْخَانِيَّةِ عَنْ فَتَاوَى سَمَرْقَنْدَ فَمَا ذَكَرَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي بَعْضِ رَسَائِلِهِ، وَكَذَا مُنْلَا عَلِيٌّ الْقَارِي مِنْ أَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ لِثُبُوتِ قِرَاءَتِهَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ كَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَأَنَّهُ قَالَ عَمْدًا فُعِلَتْ لِيُعْلَمَ أَنَّهَا سُنَّةٌ وَلِمُرَاعَاةِ الْخِلَافِ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ بِفَرْضِيَّتِهَا مُخَالِفٌ لِلْمَنْقُولِ فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ فَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ وَمَا اسْتَدَلَّ بِهِ الشُّرُنْبُلَالِيُّ مِنْ قَوْلِ الْقُنْيَةِ، وَلَوْ قَرَأَ فِيهَا {الْحَمْدُ لِلَّهِ} [الفاتحة: 2] إلَى آخِرِ السُّورَةِ جَازَ، وَلَوْ كَانَ سَاكِتًا تَجُوزُ صَلَاته لَا دَلِيلَ لَهُ فِيهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْمُرَادَ قِرَاءَتُهَا عَلَى قَصْدِ الثَّنَاءِ أَوْ الْمُرَادُ مِنْ الْجَوَازِ الصِّحَّةُ بِدَلِيلِ مُقَابِلِهِ فَتَنَبَّهْ (قَوْلُهُ، وَلَمْ يُبَيِّنْ الْمَنْوِيَّ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ، وَفِي إكْمَالِ الدِّرَايَةِ شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْوِقَايَةِ لِلشُّمُنِّيِّ يَنْوِي فِيهِمَا مَا يَنْوِي فِي تَسْلِيمَتَيْ صَلَاتِهِ وَيَنْوِي الْمَيِّتَ بَدَلَ الْإِمَامِ. اهـ. وَفِي التَّبْيِينِ وَيَنْوِي بِالتَّسْلِيمَتَيْنِ كَمَا وَصَفْنَاهُ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ وَيَنْوِي الْمَيِّتَ كَمَا يَنْوِي الْإِمَامَ. اهـ. فَظَاهِرُ كَلَامِ الشُّمُنِّيِّ عَدَمُ نِيَّةِ الْإِمَامِ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي التَّبْيِينِ وَاَلَّذِي يَنْبَغِي الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ مَا فِي التَّبْيِينِ إذْ لَا وَجْهَ لِإِخْرَاجِ الْإِمَامِ مِنْ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ هُنَا إذْ الْمَيِّت لَيْسَ أَهْلًا غَيْرَ مُسْلِمٍ وَسَيَأْتِي مَا وَرَدَ فِي أَهْلِ الْمَقْبَرَةِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَتَعْلِيمُهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - السَّلَامَ عَلَى الْمَوْتَى (قَوْلُهُ وَكَثِيرٌ مِنْ أَئِمَّةِ بَلْخٍ اخْتَارُوا رَفْعَ الْيَدِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَقُولُ: رُبَّمَا يُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا أَنَّ الْحَنَفِيَّ إذَا اقْتَدَى بِالشَّافِعِيِّ فَالْأَوْلَى مُتَابَعَتُهُ فِي الرَّفْعِ، وَلَمْ أَرَهُ تَأَمَّلْ. اهـ. أَقُولُ: وَجْهُ الِاسْتِفَادَةِ أَنَّ اخْتِيَارَ أَئِمَّةِ بَلْخٍ الرَّفْعَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مَنْسُوخًا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 197 اخْتَارُوا رَفْعَ الْيَدِ فِي كُلِّ تَكْبِيرَةٍ فِيهَا، وَكَانَ نُصَيْرُ بْنُ يَحْيَى يَرْفَعُ تَارَةً، وَلَا يَرْفَعُ أُخْرَى وَلَا يَجْهَرُ بِمَا يَقْرَأُ عَقِبَ كُلِّ تَكْبِيرَةٍ؛ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ وَالسُّنَّةُ فِيهِ الْمُخَافَتَةُ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَفِيهِ هَلْ يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالتَّسْلِيمِ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَة وَذَكَرَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ أَنَّهُ لَا يَرْفَعُ؛ لِأَنَّهُ لِلْإِعْلَامِ، وَلَا حَاجَةَ لَهُ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ مَشْرُوعٌ عَقِبَ التَّكْبِيرِ بِلَا فَصْلٍ وَلَكِنَّ الْعَمَلَ فِي زَمَانِنَا عَلَى خِلَافِهِ اهـ. وَفِي الْفَوَائِدِ التَّاجِيَّةِ إذَا سَلَّمَ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ أَتَمَّ التَّكْبِيرَ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يُتِمَّ فَإِنَّهُ يَبْنِي؛ لِأَنَّهُ سَلَّمَ فِي مَحَلِّهِ، وَهُوَ الْقِيَامُ فَيَكُونُ مَعْذُورًا، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَغَيْرِهَا رَجُلٌ كَبَّرَ عَلَى جِنَازَةٍ فَجِيءَ بِجِنَازَةٍ أُخْرَى فَكَبَّرَ يَنْوِيهِ وَنَوَى أَنْ لَا يُكَبِّرَ عَلَى الْأُولَى فَقَدْ خَرَجَ مِنْ الْأُولَى إلَى صَلَاةِ الثَّانِيَةِ، وَإِنْ كَبَّرَ الثَّانِيَةَ يَنْوِي بِهَا عَلَيْهِمَا لَمْ يَكُنْ خَارِجًا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا كَبَّرَ يَنْوِي بِهِ التَّطَوُّعَ وَصَلَاةَ الْجِنَازَةِ جَازَ عَنْ التَّطَوُّعِ اهـ. . (قَوْلُهُ فَلَوْ كَبَّرَ الْإِمَامُ خَمْسًا لَمْ يُتْبَعْ) ؛ لِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ، وَلَا مُتَابَعَةَ فِيهِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ مَاذَا يَصْنَعُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ يُسَلِّمُ لِلْحَالِ، وَلَا يَنْتَظِرُ تَحْقِيقًا لِلْمُخَالَفَةِ، وَفِي رِوَايَةٍ يَمْكُثُ حَتَّى يُسَلِّمَ مَعَهُ إذَا سَلَّمَ لِيَكُونَ مُتَابِعًا فِيمَا تَجِبُ فِيهِ الْمُتَابَعَةُ وَبِهِ يُفْتَى كَذَا فِي الْوَاقِعَاتِ وَرَجَّحَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّ الْبَقَاءَ فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ بَعْدَ فَرَاغِهَا لَيْسَ بِخَطَأٍ مُطْلَقًا إنَّمَا الْخَطَأُ فِي الْمُتَابَعَةِ فِي الْخَامِسَةِ، وَفِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ إنَّمَا لَا يُتَابِعُهُ فِي الزَّوَائِدِ عَلَى الْأَرْبَعَةِ إذَا سَمِعَ مِنْ الْإِمَامِ أَمَّا إذَا لَمْ يَسْمَعْ إلَّا مِنْ الْمُبَلِّغِ فَيُتَابِعُهُ وَهَذَا حَسَنٌ، وَهُوَ قِيَاسُ مَا ذَكَرُوهُ فِي تَكْبِيرَاتِ الْعِيدَيْنِ اهـ. وَذَكَرَ ابْنُ الْمَلَكِ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ قَالُوا وَيَنْوِي الِافْتِتَاحَ عِنْدَ كُلِّ تَكْبِيرَةٍ لِجَوَازِ أَنَّ تَكْبِيرَةَ الْإِمَامِ لِلِافْتِتَاحِ الْآنَ وَأَخْطَأَ الْمُنَادِي وَقُيِّدَ بِتَكْبِيرَاتِ الْجِنَازَةِ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ فِي الْعِيدِ لَوْ زَادَ عَلَى ثَلَاثٍ فَإِنَّهُ يُتْبَعُ؛ لِأَنَّهُ مُجْتَهَدٌ فِيهَا حَتَّى لَوْ تَجَاوَزَ الْإِمَامُ فِي التَّكْبِيرِ حَدَّ الِاجْتِهَادِ لَا يُتَابَعُ أَيْضًا كَذَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ. (قَوْلُهُ، وَلَا يَسْتَغْفِرُ لِصَبِيٍّ، وَلَا لِمَجْنُونٍ وَيَقُولُ «اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ لَنَا فَرَطًا وَاجْعَلْهُ لَنَا أَجْرًا وَذُخْرًا وَاجْعَلْهُ لَنَا شَافِعًا وَمُشَفَّعًا» ) كَذَا وَرَدَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِأَنَّهُ لَا ذَنْبَ لَهُمَا   [منحة الخالق] وَلَا مَقْطُوعًا بِعَدَمِ سُنِّيَّتِهِ بَلْ هُوَ مُجْتَهَدٌ فِيهِ، وَقَدْ نَصَّ عُلَمَاؤُنَا الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّ الْمُقْتَدِيَ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ يَتْبَعُ الْإِمَامَ فِيمَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ فِي تَكْبِيرَاتِ الزَّوَائِدِ مَا لَمْ يُجَاوِزْ الْمَأْثُورَ كَمَا مَرَّ أَيْ؛ لِأَنَّهُ مُجْتَهِدٌ فِيهِ، وَكَذَا يَتْبَعُ الشَّافِعِيَّ إذَا قَنَتَ لِلْوِتْرِ بَعْدَ الرُّكُوعِ وَعَلَّلُوهُ أَيْضًا بِأَنَّهُ مُجْتَهِدٌ فِيهِ، وَلَا يُتَابِعُهُ فِي قُنُوتِ الْفَجْرِ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ إمَّا مَنْسُوخٌ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُ كَانَ سُنَّةً ثُمَّ تُرِكَ أَوْ مَقْطُوعٌ بِعَدَمِ سُنِّيَّتِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ كَانَ دُعَاءً عَلَى قَوْمٍ شَهْرًا وَعَدَّ فِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ مِنْ وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ مُتَابَعَةُ الْإِمَامِ فِي الْمُجْتَهَدِ فِيهِ لَا فِي الْمَقْطُوعِ بِنَسْخِهِ أَوْ بِعَدَمِ سُنِّيَّتِهِ كَقُنُوتِ فَجْرٍ. اهـ. وَظَاهِرُهُ وُجُوبُ الْمُتَابَعَةِ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ هُنَا؛ لِأَنَّهُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ لَيْسَ مَقْطُوعًا بِنَسْخِهِ، وَلَا بِعَدَمِ سُنِّيَّتِهِ بِدَلِيلِ اخْتِلَافِ عُلَمَائِنَا فِيهِ، وَقَدْ نَصَّ فِي الْبَدَائِعِ عَلَى وُجُوبِ مُتَابَعَةِ الْإِمَامِ فِي تَكْبِيرَاتِ الزَّوَائِدِ فِي الْعِيدِ مَا لَمْ يُكَبِّرْ تَكْبِيرًا لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ قَالَ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِإِمَامِهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ مُتَابَعَتُهُ وَتَرْكُ رَأْيِهِ بِرَأْيِ الْإِمَامِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ» وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «تَابِعْ إمَامَك عَلَى أَيِّ حَالٍ وَجَدْته» فَمَا لَمْ يَظْهَرْ خَطَؤُهُ بِيَقِينٍ كَانَ اتِّبَاعُهُ وَاجِبًا إلَخْ لَكِنْ رَأَيْت بَعْدَ ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْمُقَدِّمَةِ الْكَيْدَانِيَّةِ لِلْقُهُسْتَانِيِّ نَقْلًا عَنْ الْجَلَّابِيِّ أَنَّهُ لَا يُتَابِعُ إمَامَهُ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي الْجِنَازَةِ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ قَالُوا وَيَنْوِي الِافْتِتَاحَ عِنْدَ كُلِّ تَكْبِيرَةٍ إلَخْ) إنْ كَانَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ عِنْدَ كُلِّ تَكْبِيرَةٍ مَا زَادَ عَلَى الرَّابِعَةِ فَهَلْ يُكَبِّرُ بَعْدَ سُكُوتِ الْمُنَادِي شَيْئًا أَمْ لَا وَمُقْتَضَى كَوْنِهِ يَنْوِي بِذَلِكَ الِافْتِتَاحِ أَنْ يَأْتِيَ بَعْدَهُ بِثَلَاثٍ لِتَتِمَّ صَلَاتُهُ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ نِيَّةَ الِافْتِتَاحِ لِلِاحْتِيَاطِ فَلَا يُنَافِي أَنْ تَكُونَ صَلَاتُهُ تَامَّةً بِدُونِ زِيَادَةٍ لَكِنْ لَوْ كَبَّرَ الْمُنَادِي خَمْسًا وَقُلْنَا إنَّهُ يَنْوِي بِالْخَامِسَةِ الِافْتِتَاحَ يَكُونُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّ نِيَّتَهُ لِلِافْتِتَاحِ فِي الْخَامِسَةِ لَا تُفِيدُهُ مَا لَمْ يَأْتِ بَعْدَهَا بِثَلَاثٍ أُخَرَ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَنْوِي الِافْتِتَاحَ بِجَمِيعِ التَّكْبِيرَاتِ الَّتِي أَتَى بِهَا فَفِيهِ أَنَّ النِّيَّةَ لَا تَكُونُ بَعْدَ الْمَنْوِيِّ بَلْ مَعَهُ وَمِنْ أَيْنَ يَعْلَمُ الْمُقْتَدِي أَنَّ الْمُنَادِيَ يَزِيدُ عَلَى الْأَرْبَعَةِ حَتَّى يَنْوِيَ الِافْتِتَاحَ عِنْدَ كُلِّ تَكْبِيرَةٍ كَبَّرَهَا إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُ مَتَى كَانَ بَعِيدًا عَنْ الْإِمَامِ وَيَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَسْمَعُ تَكْبِيرَهُ بَلْ يَأْخُذُ مِنْ الْمُنَادِي يَلْزَمُهُ أَنْ يَنْوِيَ بِكُلِّ تَكْبِيرَةٍ الِافْتِتَاحَ لِاحْتِمَالِ خَطَئِهِ فِي الْأُولَى وَأَنَّ الثَّانِيَةَ هِيَ الصَّوَابُ أَوْ أَنَّهُ أَخْطَأَ فِي الثَّانِيَةِ أَيْضًا، وَأَنَّ الثَّالِثَةَ هِيَ الصَّوَابُ، وَهَكَذَا فَيَنْوِي بِالْكُلِّ الِافْتِتَاحَ لِيَكُنْ هَذَا مَعَ بُعْدِهِ لَا يَتَقَيَّدُ بِحَالِ الزِّيَادَةِ عَلَى الْأَرْبَعِ لِوُجُودِ الْعِلَّةِ وَحِينَئِذٍ فَمَا فَائِدَةُ هَذِهِ النِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَتْ الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةُ خَطَأً مِنْ الْمُنَادِي سَبَقَ بِهَا الْإِمَامُ كَانَتْ الثَّالِثَةُ هِيَ الصَّوَابُ، وَكَذَا الرَّابِعَةُ فَيَلْزَمُ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ بِتَكْبِيرَتَيْنِ، وَلَا تَصِحُّ بِدُونِ الْأَرْبَعِ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ لَنَا وَجْهُ هَذَا الْقَوْلِ فَلْيُتَأَمَّلْ وَلْيُرَاجَعْ. (قَوْلُهُ وَيَقُولُ اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ لَنَا فَرَطًا إلَخْ) أَيْ بَعْدَ قَوْلِهِ وَمَنْ تَوَفَّيْته مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَى الْإِيمَانِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ لِإِبْرَاهِيمَ الْحَلَبِيِّ وَظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ الِاقْتِصَارُ عَلَى قَوْلِهِ اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ لَنَا فَرَطًا ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 198 وَالْفَرَطُ بِفَتْحَتَيْنِ الَّذِي يَتَقَدَّمُ الْإِنْسَانَ مِنْ وَلَدِهِ يُقَالُ اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ لَنَا فَرَطًا أَيْ أَجْرًا مُتَقَدِّمًا وَالْفَرَطُ الْفَارِطُ، وَهُوَ الَّذِي يَسْبِقُ الْوُرَّادَ إلَى الْمَاءِ، وَفِي الْحَدِيثِ «أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ» أَيْ أَتَقَدَّمُكُمْ إلَيْهِ كَذَا فِي ضِيَاءِ الْحُلُومِ وَالْأَنْسَبُ هُوَ الْمَعْنَى الثَّانِي هُنَا كَمَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ لِئَلَّا يَلْزَمَ التَّكْرَارُ فِي قَوْلِهِ وَاجْعَلْهُ لَنَا أَجْرًا وَالذُّخْرُ بِضَمِّ الذَّالِ وَسُكُونِ الْخَاءِ الذَّخِيرَةُ وَالْمُشَفَّعُ بِفَتْحِ الْفَاءِ مَقْبُولُ الشَّفَاعَةِ وَذَكَرَ الْيَمَنِيُّ فِي شَرْحِ الشِّهَابِ فِي بَحْثِ «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» أَنَّ الثَّوَابَ هُوَ الْحَاصِلُ بِأُصُولِ الشَّرْعِ. وَالْحَاصِلُ بِالْمُكَمِّلَاتِ يُسَمَّى أَجْرًا؛ لِأَنَّ الثَّوَابَ لُغَةً بَدَلُ الْعَيْنِ وَالْأَجْرُ بَدَلُ الْمَنْفَعَةِ فَالْمَنْفَعَةُ تَابِعَةٌ لِلْعَيْنِ، وَقَدْ يُطْلَقُ الْأَجْرُ وَيُرَادُ بِهِ الثَّوَابُ وَبِالْعَكْسِ اهـ. وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِأَنَّهُ يَدْعُو لِسَيِّدِ الْعَبْدِ الْمَيِّتِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَدْعُوَ لَهُ فِيهَا كَمَا يَدْعُو لِلْمَيِّتِ. (قَوْلُهُ وَيَنْتَظِرُ الْمَسْبُوقُ لِيُكَبِّرَ مَعَهُ لَا مَنْ كَانَ حَاضِرًا فِي حَالَةِ التَّحْرِيمَةِ) أَيْ وَيَنْتَظِرُ الْمَسْبُوقُ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ تَكْبِيرَ الْإِمَامِ لِيُكَبِّرَ مَعَ الْإِمَامِ لِلِافْتِتَاحِ فَلَوْ كَبَّرَ الْإِمَامُ تَكْبِيرَةً أَوْ تَكْبِيرَتَيْنِ لَا يُكَبِّرُ الْآتِي حَتَّى يُكَبِّرَ الْأُخْرَى بَعْدَ حُضُورِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُكَبِّرُ حِينَ يَحْضُرُ؛ لِأَنَّ الْأُولَى لِلِافْتِتَاحِ وَالْمَسْبُوقُ يَأْتِي بِهِ، وَلَهُمَا أَنَّ كُلَّ تَكْبِيرَةٍ قَائِمَةٌ مَقَامَ رَكْعَةٍ وَالْمَسْبُوقُ لَا يَبْتَدِئُ بِمَا فَاتَهُ إذْ هُوَ مَنْسُوخٌ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَهُوَ مُفِيدٌ لِمَا ذَكَرْنَاهُ أَنَّ التَّكْبِيرَاتِ الْأَرْبَعَ أَرْكَانٌ وَلَيْسَتْ الْأُولَى شَرْطًا كَمَا تَوَهَّمَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ كَمَا لَا يَخْفَى، وَلَوْ كَبَّرَ كَمَا حَضَرَ، وَلَمْ يَنْتَظِرْ لَا تَفْسُدُ عِنْدَهُمَا لَكِنْ مَا أَدَّاهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ بَعْدَمَا كَبَّرَ الرَّابِعَةَ فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ عَلَى قَوْلِهِمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَأَفَادَ أَنَّهُ لَوْ جَاءَ بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى فَإِنَّهُ يُكَبِّرُ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ ثُمَّ عِنْدَهُمَا يَقْضِي مَا فَاتَهُ بِغَيْرِ دُعَاءٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَضَى الدُّعَاءَ رُفِعَ الْمَيِّتُ فَيَفُوتُ لَهُ التَّكْبِيرُ وَإِذَا رُفِعَ الْمَيِّتُ قُطِعَ التَّكْبِيرُ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْمَيِّتِ وَلَا مَيِّتَ يُتَصَوَّرُ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَلَوْ رُفِعَتْ بِالْأَيْدِي، وَلَمْ تُوضَعْ عَلَى الْأَكْتَافِ ذَكَرَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ لَا يَأْتِي، وَإِنَّمَا لَا يَنْتَظِرُ مَنْ كَانَ حَاضِرًا حَالَةَ التَّحْرِيمَةِ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُدْرِكِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَبَّرَ تَكْبِيرَةَ   [منحة الخالق] وَلَا يُسْتَغْفَرُ لِصَبِيٍّ يَرُدُّ عَلَيْهِ مَا فِي الْحَدِيثِ «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا وَشَاهِدِنَا وَغَائِبِنَا وَصَغِيرِنَا وَكَبِيرِنَا وَذَكَرِنَا وَأُنْثَانَا» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ كَمَا فِي الْفَتْحِ فَفِيهِ الِاسْتِغْفَارُ لِلصَّغِيرِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّهُ لَا يُسْتَغْفَرُ لِلصَّبِيِّ عَلَى سَبِيلِ التَّخْصِيصِ؛ لِأَنَّهُ لَا ذَنْبَ لَهُ كَمَا عَلَّلُوا بِهِ قَوْلَهُ، وَلَا يُسْتَغْفَرُ لِصَغِيرٍ، وَأَمَّا مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَلَيْسَ الْمُرَادُ الِاسْتِغْفَارَ لِلصَّغِيرِ بَلْ الْمُرَادُ طَلَبُ الْمَغْفِرَةِ لِعُمُومِ الدَّاعِينَ فَالْمُرَادُ تَأْكِيدُ التَّعْمِيمِ تَأَمَّلْ. ثُمَّ رَأَيْت الْقُهُسْتَانِيَّ أَجَابَ بِذَلِكَ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَدْعُوَ لَهُ فِيهَا إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ، وَفِي الْمُفِيدِ وَيَدْعُو لِوَالِدَيْ الطِّفْلِ وَقِيلَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ ثَقِّلْ بِهِ مَوَازِينَهُمَا وَأَعْظِمْ بِهِ أَجْرَهُمَا وَلَا تَفْتِنْهُمَا بَعْدَهُ اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ فِي كَفَالَةِ إبْرَاهِيمَ وَأَلْحِقْهُ بِصَالِحِي الْمُؤْمِنِينَ. اهـ. ثُمَّ قَالَ الرَّمْلِيُّ وَالْمُرَادُ بِالْعَبْدِ فِي كَلَامِهِ هُنَا الصَّبِيُّ وَقَوْلُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَدْعُوَ لَهُ فِيهَا كَمَا يَدْعُو لِلْمَيِّتِ لَعَلَّهُ كَمَا يَدْعُو لِأَبَوَيْ الْمَيِّتِ يَعْنِي الصَّغِيرَ وَوَجْهُ كَلَامِهِ أَنَّ السَّيِّدَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ أَبَوَيْهِ فَإِذَا دَعَا لِأَبَوَيْهِ الْمُسْلِمَيْنِ فَبِالْأَوْلَى الدُّعَاءُ لِسَيِّدِهِ الْمُسْلِمِ، وَأَمَّا الْكَبِيرُ مُطْلَقًا فَلَمْ يُصَرِّحْ أَحَدٌ بِالدُّعَاءِ لِوَالِدَيْهِ فَكَذَلِكَ لِسَيِّدِهِ بَلْ يَدْعُو لَهُ كَمَا يَدْعُو لِلْحُرِّ الْكَبِيرِ فَتَأَمَّلْ. اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَبْدِ فِي كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ الْعَبْدُ الصَّغِيرُ؛ لِأَنَّ الْحُرَّ الصَّغِيرَ يَدْعُو لِأَبَوَيْهِ، وَأَمَّا الْعَبْدُ الصَّغِيرُ فَالْغَالِبُ كَوْنُ أَبَوَيْهِ كَافِرَيْنِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَدْعُوَ لِسَيِّدِهِ بَدَلَ أَبَوَيْهِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ حَمْلَ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ عَلَى هَذَا بَعِيدٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ الدُّعَاءَ لِأَبَوَيْ الْحُرِّ الصَّغِيرِ حَتَّى يَقِيسَ عَلَيْهِ الْعَبْدَ الصَّغِيرَ وَيُجْعَلُ سَيِّدُهُ بِمَنْزِلَةِ الْأَبَوَيْنِ بَلْ الْمُتَبَادَرُ مِنْ كَلَامِهِ الْعَبْدُ الْكَبِيرُ لَكِنَّ الدَّاعِيَ لِلشَّيْخِ خَيْرِ الدِّينِ حَمْلُهُ عَلَى ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ، وَأَمَّا الْكَبِيرُ مُطْلَقًا إلَخْ. (قَوْلُهُ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَتَبِعَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقَضِيَّةُ عَدَمِ اعْتِبَارِ مَا أَدَّاهُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ شَارِعًا فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ وَحِينَئِذٍ فَتَفْسُدُ التَّكْبِيرَةُ مَعَ أَنَّ الْمَسْطُورَ فِي الْقُنْيَةِ أَنَّهُ يَكُونُ شَارِعًا، وَعَلَيْهِ فَيُعْتَبَرُ مَا أَدَّاهُ وَهَذَا لَمْ أَرَ مَنْ أَفْصَحَ عَنْهُ فَتَدَبَّرْهُ. اهـ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ اعْتِبَارِهِ عَدَمُ شُرُوعِهِ، وَلَا مِنْ اعْتِبَارِ شُرُوعِهِ اعْتِبَارُ مَا أَدَّاهُ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي السُّجُودِ صَحَّ شُرُوعُهُ مَعَ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ مَا أَدَّاهُ مِنْ السُّجُودِ مَعَ الْإِمَامِ بَلْ عَلَيْهِ إعَادَتُهُ إذَا قَامَ إلَى قَضَاءِ مَا سَبَقَ بِهِ فَلَا مُخَالَفَةَ بَيْنَ مَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالْقُنْيَةِ. اهـ. وَهُوَ حَسَنٌ. (قَوْلُهُ مَنْ كَانَ حَاضِرًا حَالَةَ التَّحْرِيمَةِ) قَيَّدَ الْحُضُورَ فِي الدُّرَرِ بِكَوْنِهِ خَلْفَ الْإِمَامِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ اتِّفَاقِيٌّ؛ لِأَنَّ صَدْرَ عِبَارَةِ الْمُجْتَبَى الْآتِيَةِ رَجُلٌ وَاقِفٌ حَيْثُ يُجْزِئُهُ الدُّخُولُ فِي صَلَاةِ الْإِمَامِ (قَوْلُهُ ذَكَرَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ لَا يَأْتِي) أَيْ بِالتَّكْبِيرِ وَيُخَالِفُهُ مَا قَالَهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ، فَإِنْ رُفِعَتْ عَلَى الْأَيْدِي، وَلَمْ تُوضَعْ عَلَى الْأَكْتَافِ كَبَّرَ فِي الظَّاهِرِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَا إذَا كَانَ أَقْرَبَ إلَى الْأَكْتَافِ، وَإِنْ أَقْرَبَ إلَى الْأَرْضِ كَبَّرَ اهـ. وَيَنْبَغِي أَنْ يُعَوَّلَ عَلَى مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ كَمَا قَالَ فِي الْفَتْحِ لَوْ رُفِعَتْ قَطَعَ التَّكْبِيرَ إذَا رُفِعَتْ عَلَى الْأَكْتَافِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ إنْ كَانَ إلَى الْأَرْضِ أَقْرَبَ يَأْتِي بِالتَّكْبِيرِ لَا إذَا كَانَ إلَى الْأَكْتَافِ أَقْرَبَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 199 الِافْتِتَاحِ بَعْدَ الْإِمَامِ يَقَعُ أَدَاءً لَا قَضَاءً أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ مَا إذَا كَبَّرَ الْإِمَامُ لِلثَّانِيَةِ أَوْ لَمْ يُكَبِّرْ، فَإِنْ لَمْ يُكَبِّرْ الْإِمَامُ الثَّانِيَةَ كَبَّرَ الْحَاضِرُ لِلْأُولَى لِلْحَالِ، وَإِنْ لَمْ يُكَبِّرْ الْحَاضِرُ حَتَّى كَبَّرَ الْإِمَامُ الثَّانِيَةَ كَبَّرَ مَعَهُ الثَّانِيَةَ وَقَضَى الْأُولَى لِلْحَالِ كَذَا فِي الْمُجْتَبَى، وَكَذَا إنْ لَمْ يُكَبِّرْ فِي الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ يُكَبِّرُ وَيَقْضِي مَا فَاتَهُ لِلْحَالِ قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَلَوْ كَبَّرَ الْإِمَامُ أَرْبَعًا وَالرَّجُلُ حَاضِرٌ فَإِنَّهُ يُكَبِّرُ مَا لَمْ يُسَلِّمْ الْإِمَامُ وَيَقْضِي الثَّلَاثَ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَقَدْ رَوَى الْحَسَنُ أَنَّهُ لَا يُكَبِّرُ، وَقَدْ فَاتَتْهُ اهـ. فَمَا فِي الْحَقَائِقِ مِنْ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ إنَّمَا هُوَ فِي مَسْأَلَةِ الْحَاضِرِ لَا فِي مَسْأَلَةِ الْمَسْبُوقِ، وَقَدْ يُقَالُ إنَّ الرَّجُلَ إذَا كَانَ حَاضِرًا وَلَمْ يُكَبِّرْ حَتَّى كَبَّرَ الْإِمَامُ اثْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا فَلَا شَكَّ أَنَّهُ مَسْبُوقٌ كَمَا لَوْ كَانَ حَاضِرًا، وَقَدْ صَلَّى الْإِمَامُ رَكْعَةً أَوْ رَكْعَتَيْنِ فَإِنَّهُ مَسْبُوقٌ وَحُضُورُهُ مِنْ غَيْرِ فِعْلٍ لَا يَجْعَلُهُ مُدْرِكًا فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَأَنْ يَكُونَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْحَاضِرِ وَغَيْرِهِ إنَّمَا هُوَ فِي التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى فَقَطْ كَمَا لَا يَخْفَى، وَفِي الْوَاقِعَاتِ، وَإِنْ لَمْ يُكَبِّرْ الْحَاضِرُ حَتَّى كَبَّرَ الْإِمَامُ ثِنْتَيْنِ كَبَّرَ الثَّانِيَةَ مِنْهُمَا، وَلَمْ يُكَبِّرْ الْأُولَى حَتَّى يُسَلِّمَ الْإِمَامُ؛ لِأَنَّ الْأُولَى ذَهَبَ مَحَلُّهَا فَكَانَ قَضَاءً وَالْمَسْبُوقُ لَا يَشْتَغِلُ بِالْقَضَاءِ قَبْلَ فَرَاغِ الْإِمَامِ اهـ. وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ الْمُجْتَبَى مِنْ أَنَّهُ يُكَبِّرُ الْأُولَى لِلْحَالِ قَضَاءً، وَمَا فِي الْوَاقِعَاتِ أَوْلَى قُيِّدَ بِالْمَسْبُوقِ؛ لِأَنَّ اللَّاحِقَ فِيهَا كَاللَّاحِقِ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ كَذَا فِي الْمُجْتَبَى وَذَكَرَ فِي الْوَاقِعَاتِ لَوْ كَبَّرَ مَعَ الْإِمَامِ التَّكْبِيرَةَ الْأُولَى، وَلَمْ يُكَبِّرْ الثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ يُكَبِّرُهُمَا أَوَّلًا ثُمَّ يُكَبِّرُ مَعَ الْإِمَامِ مَا بَقِيَ اهـ. وَهُوَ مَعْنَى مَا فِي الْمُجْتَبَى فِي اللَّاحِقِ. (قَوْلُهُ وَيَقُومُ مِنْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ بِحِذَاءِ الصَّدْرِ) ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ الْقَلْبِ وَفِيهِ نُورُ الْإِيمَانِ فَيَكُونُ الْقِيَامُ عِنْدَهُ إشَارَةٌ إلَى الشَّفَاعَةِ لِإِيمَانِهِ وَهَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَهُوَ بَيَانُ الِاسْتِحْبَابِ حَتَّى لَوْ وَقَفَ فِي غَيْرِهِ أَجْزَأَهُ كَذَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ، وَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى عَلَى امْرَأَةٍ مَاتَتْ فِي نِفَاسِهَا   [منحة الخالق] وَقِيلَ لَا يَقْطَعُ حَتَّى تَبَاعَدَ. اهـ. وَلَا يُخَالِفُهُ مَا سَنَذْكُرُ مِنْ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ إذَا كَانَ الْمَيِّتُ عَلَى أَيْدِي النَّاسِ؛ لِأَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِي الْبَقَاءِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الِابْتِدَاءِ كَذَا فِي الشرنبلالية (قَوْلُهُ كَبَّرَ الْحَاضِرُ لِلْأُولَى لِلْحَالِ، وَكَذَا قَوْلُهُ وَقَضَى الْأُولَى لِلْحَالِ) أَيْ قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ وَسَيُنَبِّهُ الْمُؤَلِّفُ عَلَى خِلَافِهِ عَنْ الْوَاقِعَاتِ، وَفِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ عَنْ الْمُنْتَقَى بِالْقَافِ ثُمَّ يُكَبِّرُ ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ تُرْفَعَ الْجِنَازَةُ، وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَفِي النَّهْرِ يُكَبِّرُ مَا زَادَ عَلَى التَّحْرِيمَةِ بَعْدَ الْفَرَاغِ نَسَقًا إنْ خَشِيَ رَفْعَ الْمَيِّتِ عَلَى الْأَعْنَاقِ حَتَّى لَوْ رُفِعَ عَلَى الْأَيْدِي كَبَّرَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْمُدْرِكِ وَاللَّاحِقِ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ فَمَا فِي الْمُجْتَبَى مِنْ أَنَّهُ يُكَبِّرُ الْكُلُّ لِلْحَالِ شَاذٌّ (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَبَّرَ الْإِمَامُ أَرْبَعًا وَالرَّجُلُ حَاضِرٌ) أَيْ حَاضِرٌ مِنْ أَوَّلِ التَّكْبِيرَاتِ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ بَقِيَ مَا لَوْ حَضَرَ بَعْدَ التَّحْرِيمَةِ وَكَبَّرَ الْإِمَامُ الثَّانِيَةَ بَعْدَ حُضُورِهِ هَلْ يُنْتَظَرُ أَوْ لَا ظَاهِرُ تَقْيِيدِ الْمَتْنِ بِقَوْلِهِ لَا مَنْ كَانَ حَاضِرًا فِي حَالَةِ التَّحْرِيمَةِ أَنَّهُ يَنْتَظِرُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ حَاضِرًا وَقْتَهَا فَهُوَ مَسْبُوقٌ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ إنَّمَا هُوَ فِي مَسْأَلَةِ الْحَاضِرِ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ مَسْأَلَةَ الْحَاضِرِ لَا خِلَافَ فِيهَا فَأَنَّى يُنْسَبُ إلَى أَبِي يُوسُفَ وَحْدَهُ لِذَا ذُكِرَ فِي الْمَسْأَلَةِ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ غَيْرُ مَعْزُوَّةٍ إلَيْهِ ثُمَّ قَالَ وَعَنْ الْحَسَنِ لَا يَدْخُلُ مَعَهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَدْخُلُ. اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَا مَرَّ مَحَلُّ وِفَاقٍ لَا عَلَى قَوْلِ الثَّانِي فَقَطْ كَمَا تُوهِمُهُ عِبَارَةُ الْمُحِيطِ وَمَحَلُّ الْإِيهَامِ فِيمَا لَوْ حَضَرَ بَعْدَ الرَّابِعَةِ وَحِينَئِذٍ فَمَا فِي الْحَقَائِقِ فِي مَسْأَلَةِ الْمَسْبُوقِ لَا الْحَاضِرِ، وَقَدْ نُقِلَ فِي الشرنبلالية عَنْ التَّجْنِيسِ والولوالجية أَنَّ الْفَتْوَى فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ. اهـ. وَفِي الْبَدَائِعِ وَالدُّرَرِ وَشَرْحِ الْمَقْدِسِيَّ أَنَّ الصَّحِيحَ قَوْلُهُمَا فَقَدْ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ وَظَهَرَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ غَيْرُ ظَاهِرٍ (قَوْلُهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى) أَيْ أَنَّهُ تَفُوتُهُ الصَّلَاةُ إذَا كَبَّرَ الْإِمَامُ الرَّابِعَةَ، وَهُوَ حَاضِرٌ كَمَا إذَا حَضَرَ بَعْدَمَا كَبَّرَهَا الْإِمَامُ فَإِنَّهَا تَفُوتُهُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ كَمَا مَرَّ وَحِينَئِذٍ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَاضِرِ وَبَيْنَ الْغَائِبِ الَّذِي حَضَرَ بَعْدَ الرَّابِعَةِ، وَعَلَيْهِ فَقَوْلُ الْمُحِيطِ وَالرَّجُلُ حَاضِرٌ لَيْسَ احْتِرَازًا عَنْ الْغَائِبِ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا إلَّا فِي التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى فَإِنَّ مَنْ كَانَ حَاضِرًا وَقْتَهَا لَا يَكُونُ مَسْبُوقًا إذَا كَبَّرَ الثَّانِيَةَ مَعَ الْإِمَامِ أَمَّا إذَا لَمْ يُكَبِّرْهَا مَعَهُ فَإِنَّهُ يَكُونُ مَسْبُوقًا بِالْأُولَى وَحَاضِرًا فِي الثَّانِيَةِ فَيُتَابِعُهُ فِيهَا وَيَقْضِي الْأُولَى كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْوَاقِعَاتِ هَذَا حَاصِلُ كَلَامِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مَنْ حَضَرَ تَكْبِيرَ الْإِمَامِ لَهُ أَنْ يُكَبِّرَ بِلَا انْتِظَارٍ إلَى تَكْبِيرِ الْإِمَامِ بَعْدَهُ سَوَاءً كَانَ فِي ذَلِكَ فِي التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى أَوْ غَيْرِهَا فَلَوْ كَبَّرَ الْإِمَامُ الْأُولَى ثُمَّ حَضَرَ رَجُلٌ وَكَبَّرَ الْإِمَامُ الثَّانِيَةَ وَالرَّجُلُ حَاضِرٌ كَانَ مُدْرِكًا لِهَذِهِ التَّكْبِيرَةِ الثَّانِيَةِ فَلَهُ أَنْ يُكَبِّرَهَا قَبْلَ أَنْ يُكَبِّرَ الْإِمَامُ الثَّالِثَةَ وَيَكُونُ مَسْبُوقًا بِوَاحِدَةٍ وَيَقْضِيهَا بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ فَكَذَا إذَا كَبَّرَ الْإِمَامُ ثِنْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا وَهُوَ حَاضِرٌ يَكُونُ مُدْرِكًا لِأُخْرَاهَا فَيُكَبِّرُهَا وَمَسْبُوقًا بِمَا قَبْلَهَا فَيَقْضِيهَا، وَكَذَا إذَا كَبَّرَ الْإِمَامُ الْأَرْبَعَ، وَهُوَ حَاضِرٌ يَكُونُ مُدْرِكًا لِلرَّابِعَةِ فَيُكَبِّرُهَا وَيَقْضِي الثَّلَاثَ؛ لِأَنَّهُ فَاتَ مَحَلُّهَا فَيَكُونُ مَسْبُوقًا بِهَا، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ كَوْنُهُ مَسْبُوقًا بِالرَّابِعَةِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ مَحَلَّهَا بَاقٍ مَا لَمْ يُسَلِّمْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 200 فَقَامَ وَسَطَهَا» لَا يُنَافِي كَوْنُهُ الصَّدْرَ بَلْ الصَّدْرُ وَسَطٌ بِاعْتِبَارِ تَوَسُّطِ الْأَعْضَاءِ إذْ فَوْقَهُ يَدَاهُ وَرَأْسُهُ وَتَحْتَهُ بَطْنُهُ وَفَخِذَاهُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ وَقَفَ كَمَا قُلْنَا إلَّا أَنَّهُ مَالَ إلَى الْعَوْرَةِ فِي حَقِّهَا فَظَنَّ الرَّاوِي ذَلِكَ لِتَقَارُبِ الْمَحَلَّيْنِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. (قَوْلُهُ، وَلَمْ يُصَلُّوا رُكْبَانًا) ؛ لِأَنَّهَا صَلَاةٌ مِنْ وَجْهٍ لِوُجُودِ التَّحْرِيمَةِ فَلَا يَجُوزُ تَرْكُهُ الْقِيَامَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ احْتِيَاطًا وَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مِنْ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِأَكْثَرَ مِنْ الْقِيَامِ فَإِذَا تَرَكَ الْقِيَامَ انْعَدَمَتْ أَصْلًا فَلَمْ يَجُزْ تَرْكُهُ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ رُكْنَهَا الْقِيَامُ فَقَطْ وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ قَيَّدْنَا بِكَوْنِهِ بِغَيْرِ عُذْرٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَعَذَّرَ النُّزُولُ لِطِينٍ وَمَطَرٍ جَازَ الرُّكُوبُ فِيهَا وَأَشَارَ إلَى أَنَّهَا لَا تَجُوزُ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ، وَلَوْ كَانَ وَلِيُّ الْمَيِّتِ مَرِيضًا فَصَلَّى قَاعِدًا وَصَلَّى النَّاسُ خَلْفَهُ قِيَامًا مَا أَجْزَأَهُمْ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُجْزِئُ الْإِمَامَ، وَلَا يُجْزِئُ الْمَأْمُومَ بِنَاءً عَلَى اقْتِدَاءِ الْقَائِمِ بِالْقَاعِدِ. (قَوْلُهُ وَلَا فِي مَسْجِدٍ) لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد مَرْفُوعًا «مَنْ صَلَّى عَلَى مَيِّتٍ فِي الْمَسْجِدِ فَلَا أَجْرَ لَهُ، وَفِي رِوَايَةٍ فَلَا شَيْءَ لَهُ» أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ مَا إذَا كَانَ الْمَيِّتُ وَالْقَوْمُ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ كَانَ الْمَيِّتُ خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَالْقَوْمُ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ كَانَ الْإِمَامُ مَعَ بَعْضِ الْقَوْمِ خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَالْقَوْمُ الْبَاقُونَ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ الْمَيِّتُ فِي الْمَسْجِدِ وَالْإِمَامُ وَالْقَوْمُ خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ خِلَافًا لِمَا أَوْرَدَهُ النَّسَفِيُّ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَهَذَا الْإِطْلَاقُ فِي الْكَرَاهَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَسْجِدَ إنَّمَا بُنِيَ لِلصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ وَتَوَابِعِهَا مِنْ النَّوَافِلِ وَالذِّكْرِ وَتَدْرِيسِ الْعِلْمِ وَقِيلَ لَا يُكْرَهُ إذَا كَانَ الْمَيِّتُ خَارِجَ الْمَسْجِدِ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْكَرَاهَةَ لِاحْتِمَالِ تَلْوِيثِ الْمَسْجِدِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْأَوْفَقُ لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَالْعِنَايَةِ مِنْ أَنَّ الْمَيِّتَ وَبَعْضَ الْقَوْمِ إذَا كَانَا خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَالْبَاقُونَ فِيهِ لَا كَرَاهَةَ اتِّفَاقًا مَمْنُوعٌ، وَقَدْ يُقَالُ إنَّ الْحَدِيثَ يَحْتَمِلُ ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ: أَنْ يَكُونَ الظَّرْفُ، وَهُوَ قَوْلُهُ فِي مَسْجِدٍ ظَرْفًا لِلصَّلَاةِ وَالْمَيِّتِ وَحِينَئِذٍ فَلِلْكَرَاهَةِ شَرْطَانِ كَوْنُ الصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ، وَكَوْنُ الْمَيِّتِ فِيهِ فَإِذَا فُقِدَ أَحَدُهُمَا فَلَا كَرَاهَةَ، الثَّانِي أَنْ يَكُونَ ظَرْفًا لِلصَّلَاةِ فَقَطْ فَلَا يُكْرَهُ إذَا كَانَ الْمَيِّتُ فِي الْمَسْجِدِ وَالْقَوْمُ كُلُّهُمْ خَارِجَهُ، الثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ ظَرْفًا لِلْمَيِّتِ فَقَطْ وَحِينَئِذٍ حَيْثُ كَانَ خَارِجَهُ فَلَا كَرَاهَةَ، وَمَا اخْتَارُوهُ كَمَا نَقَلْنَاهُ لَمْ يُوَافِقْ وَاحِدًا مِنْ الِاحْتِمَالَاتِ الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا بِالْكَرَاهَةِ إذَا وُجِدَ أَحَدُهُمَا فِي الْمَسْجِدِ: الْمُصَلِّي أَوْ الْمَيِّتُ، كَمَا قَالَ فِي الْمُجْتَبَى وَتُكْرَهُ سَوَاءً كَانَ الْمَيِّتُ وَالْقَوْمُ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ أَحَدُهُمَا وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ دَلِيلٌ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ الِاحْتِمَالَاتِ بِعَيْنِهِ قَالُوا بِالْكَرَاهَةِ بِوُجُودِ أَحَدِهِمَا أَيًّا كَانَ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَحْرِيمِيَّةٌ؛ لِأَنَّهُ عَطَفَهُ عَلَى مَا لَا يَجُوزُ مِنْ الصَّلَاةِ رَاكِبًا، وَهِيَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ مَعَ أَنَّ فِيهِ إيهَامًا؛ لِأَنَّ فِي الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ لَمْ تَصِحَّ الصَّلَاةُ أَصْلًا، وَفِي الْمَعْطُوفِ هِيَ صَحِيحَةٌ وَالْأُخْرَى أَنَّهَا تَنْزِيهِيَّةٌ وَرَجَّحَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّ الْحَدِيثَ لَيْسَ نَهْيًا غَيْرَ مَصْرُوفٍ، وَلَا قَرَنَ الْفِعْلَ بِوَعِيدٍ بِظَنِّيٍّ بَلْ سَلَبَ الْأَجْرَ، وَسَلْبُ الْأَجْرِ لَا يَسْتَلْزِمُ ثُبُوتَ اسْتِحْقَاقِ الْعِقَابِ لِجَوَازِ الْإِبَاحَةِ ثُمَّ قَرَّرَ تَقْرِيرًا حَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّافِعِيِّ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ بِالْجَوَازِ فِي الْمَسْجِدِ لَكِنَّ الْأَفْضَلَ خَارِجُهُ، وَهُوَ مَعْنَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ وَبِهِ يَحْصُلُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ اهـ. لَكِنْ تَتَرَجَّحُ كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ بِالرِّوَايَةِ الْأُخْرَى الَّتِي   [منحة الخالق] الْإِمَامُ وَكَلَامُ الْوَاقِعَاتِ مُشِيرٌ إلَى مَا ذَكَرْنَا وَحِينَئِذٍ فَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ بَيْنَ الْحَاضِرِ وَالْمَسْبُوقِ بِالْأَرْبَعِ بِأَنْ حَضَرَ بَعْدَ الرَّابِعَةِ لَا يُمْكِنُهُ التَّكْبِيرُ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ ذَلِكَ إلَّا إذَا كَبَّرَ الْإِمَامُ، وَلَمْ يَبْقَ لِلْإِمَامِ تَكْبِيرٌ لِيُتَابِعَهُ فِيهِ فَتَفُوتُهُ الصَّلَاةُ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ فِيهِ نَظَرٌ) أَجَابَ فِي النَّهْرِ بِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ الْمَعْنَى لَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْهَا لِذَاتِهِ إلَّا الْقِيَامُ، وَأَمَّا التَّكْبِيرَاتُ فَإِنَّهَا، وَإِنْ كَانَتْ أَرْكَانًا إلَّا أَنَّ مَعْنَى الِانْتِقَالِ لَا يُفَارِقُهَا فَهِيَ مَقْصُودَةٌ لِغَيْرِهَا. [الصَّلَاة عَلَيَّ الْمَيِّت فِي الْمَسْجِدِ] (قَوْلُهُ مَمْنُوعٌ) قَالَ فِي النَّهْرِ يُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بَيْنَ كَلَامِهِمْ بِأَنَّ نَفْيَ الْكَرَاهَةِ اتِّفَاقًا فِي حَقِّ مَنْ كَانَ خَارِجًا وَإِثْبَاتَهَا فِيمَنْ كَانَ دَاخِلًا وَهَذَا لَا مَعْنَى لِإِثْبَاتِهَا فِي حَقِّ الْخَارِجِ بَلْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِيهِ خِلَافٌ وَهَذَا فِقْهٌ حَسَنٌ فَتَدَبَّرْهُ. اهـ. وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ فَإِنَّ الْمُؤَلِّفَ بَنَى الْمَنْعَ عَلَى التَّعْلِيلِ الْأَوَّلِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ مَنْ فِي الْمَسْجِدِ وُجِدَتْ فِيهِ الْعِلَّةُ؛ لِأَنَّهُ شَغَلَهُ بِمَا لَمْ يُبْنَ لَهُ نَعَمْ يَظْهَرُ التَّوْفِيقُ عَلَى التَّعْلِيلِ الثَّانِي فَتَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ لَكِنْ تُرَجَّحُ كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ إلَخْ) قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ فِيهِ نَظَرٌ لِجَوَازِ كَوْنِهِ، مِثْلُ «لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ» ثُمَّ نُقِلَ عَنْ مُفْتِي الْحَنَفِيَّةِ بِمَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ قُطْبِ الدِّينِ فِي تَارِيخِ مَكَّةَ أَنَّهُ أَفْتَى بِالْجَوَازِ وَعَدَمِ الْكَرَاهَةِ كَمَا هُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ ذَكَرَهَا فِي الْمُحِيطِ لِتَظَافُرِ أَهْلِ الْحَرَمَيْنِ سَلَفًا وَخَلَفًا عَلَى ذَلِكَ دَلِيلًا يُؤَدِّي إلَى تَأْثِيمِ السَّلَفِ، وَقَدْ رَأَيْت رِسَالَةً لِلْمُنْلَا عَلِيٍّ الْقَارِي مُؤَدَّاهَا ذَلِكَ أَيْضًا لَكِنْ رَدَّ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ عَلَى قُطْبِ الدِّينِ بِأَنَّهُ لَا يُفْتَى بِخِلَافِ ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ عَلَى أَنَّهُ جَدِيرٌ بِالتَّرْجِيحِ لِمَا شَاهَدْنَا فِي عَصْرِنَا مِنْ نُفَسَاءَ مَاتَتْ فَوُضِعَتْ فِي بَابِ الْجَامِعِ الْأُمَوِيِّ فَخَرَجَ مِنْهَا دَمٌ ضَمَّخَ الْعَتَبَةَ فَالِاحْتِيَاطُ عَدَمُ الْإِدْخَالِ، وَلَعَلَّ أَهْلَ الْحَرَمَيْنِ عَلَى مَذْهَبِ غَيْرِنَا. اهـ. وَلِلْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ رِسَالَةٌ خَاصَّةٌ نَقَلَ فِيهَا الْكَرَاهَةَ عَنْ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ وَحَقَّقَ أَنَّهَا تَحْرِيمِيَّةٌ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 201 رَوَاهَا الطَّيَالِسِيُّ كَمَا فِي الْفَتَاوَى الْقَاسِمِيَّةِ مَنْ صَلَّى عَلَى مَيِّتٍ فِي الْمَسْجِدِ فَلَا صَلَاةَ لَهُ، وَلَمْ يُقَيِّدْ الْمُصَنِّفُ كَصَاحِبِ الْمَجْمَعِ الْمَسْجِدَ بِالْجَمَاعَةِ كَمَا قَيَّدَهُ فِي الْهِدَايَةِ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُمْ يَحْتَرِزُونَ بِهِ عَنْ الْمَسْجِدِ الْمَبْنِيِّ لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ فَإِنَّهَا لَا تُكْرَهُ فِيهِ مَعَ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَسْجِدٍ؛ لِأَنَّهُ مَا أُعِدَّ لِلصَّلَاةِ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ لَيْسَتْ بِصَلَاةٍ حَقِيقَةً وَحَاجَةُ النَّاسِ مَاسَّةٌ إلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَسْجِدًا تَوْسِعَةً لِلْأَمْرِ عَلَيْهِمْ وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي مُصَلَّى الْعِيدَيْنِ أَنَّهُ هَلْ هُوَ مَسْجِدٌ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مَسْجِدٌ فِي حَقِّ جَوَازِ الِاقْتِدَاءِ، وَإِنْ لَمْ تَتَّصِلْ الصُّفُوفُ؛ لِأَنَّهُ أُعِدَّ لِلصَّلَاةِ حَقِيقَةً لَا فِي حُرْمَةِ دُخُولِ الْجُنُبِ وَالْحَائِض كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ وَكَلَامَهُمْ أَنَّهُ لَا أَجْرَ أَصْلًا لِمَنْ صَلَّى عَلَيْهَا فِي الْمَسْجِدِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمُ سُقُوطِ الْفَرْضِ لِعَدَمِ الْمُلَازَمَةِ بَيْنَهُمَا، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا إذَا اجْتَمَعَتْ الْجَنَائِزُ لِلصَّلَاةِ قَالُوا الْإِمَامُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ صَلَّى عَلَيْهِمْ دَفْعَةً وَاحِدَةً، وَإِنْ شَاءَ صَلَّى عَلَى كُلِّ جِنَازَةِ صَلَاةً عَلَى حِدَةٍ، فَإِنْ أَرَادَ الثَّانِي فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُقَدِّمَ الْأَفْضَلَ فَالْأَفْضَلَ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَأَمَّا كَيْفِيَّةُ وَضْعِهَا، فَإِنْ كَانَ الْجِنْسُ مُتَّحِدًا، فَإِنْ شَاءُوا جَعَلُوهَا صَفًّا وَاحِدًا كَمَا يَصْطَفُّونَ فِي حَالِ حَيَاتِهِمْ عِنْدَ الصَّلَاةِ، وَإِنْ شَاءُوا وَضَعُوا وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ لِيَقُومَ الْإِمَامُ بِحِذَاءِ الْكُلِّ هَذَا جَوَابُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ أَنَّ الثَّانِي أَوْلَى مِنْ الْأَوَّلِ وَإِذَا وَضَعُوا وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْأَفْضَلُ مِمَّا يَلِي الْإِمَامَ ثُمَّ إنْ وَضَعَ رَأْسَ كُلِّ وَاحِدٍ بِحِذَاءِ رَأْسِ صَاحِبِهِ فَحَسَنٌ، وَإِنْ وَضَعَ رَأْسَ كُلِّ وَاحِدٍ عِنْدَ مَنْكِبِ الْأَوَّلِ فَحَسَنٌ، وَإِنْ اخْتَلَفَ الْجِنْسُ وُضِعَ الرَّجُلُ بَيْنَ يَدَيْ الْإِمَامِ ثُمَّ الصَّبِيُّ وَرَاءَهُ ثُمَّ الْخُنْثَى ثُمَّ الْمَرْأَةُ ثُمَّ الصَّبِيَّةُ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُجْعَلَ الْحُرُّ مِمَّا يَلِي الْإِمَامَ وَيُقَدَّمُ عَلَى الْعَبْدِ، وَلَوْ كَانَ الْحُرُّ صَبِيًّا كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَإِنْ كَانَ عَبْدًا وَامْرَأَةً حُرَّةً فَالْعَبْدُ يُوضَعُ مِمَّا يَلِي الْإِمَامَ وَالْمَرْأَةُ خَلْفَهُ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ فَوَضَعَهُمْ عَلَى عَكْسِ هَذَا فَيُقَدَّمُ الْأَفْضَلُ فَالْأَفْضَلُ إلَى الْقِبْلَةِ وَفِي الرَّجُلَيْنِ يُقَدَّمُ أَكْبَرُهُمَا سِنًّا وَقُرْآنًا وَعِلْمًا كَمَا فَعَلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي قَتْلَى أُحُدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ. اهـ. وَفِي الْبَدَائِعِ، وَلَوْ كَانَ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ قُدِّمَ الرَّجُلُ مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ وَالْمَرْأَةُ خَلْفَهُ اعْتِبَارًا بِحَالِ الْحَيَاةِ، وَلَوْ اجْتَمَعَ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ وَصَبِيٌّ وَخُنْثَى وَصَبِيَّةٌ دُفِنَ الرَّجُلُ مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ ثُمَّ الصَّبِيُّ خَلْفَهُ ثُمَّ الْخُنْثَى ثُمَّ الْأُنْثَى ثُمَّ الصَّبِيَّةُ؛ لِأَنَّهُمْ هَكَذَا يَصْطَفُّونَ خَلْفَ الْإِمَامِ حَالَةَ الْحَيَاةِ وَهَكَذَا تُوضَعُ جَنَائِزُهُمْ عِنْدَ الصَّلَاةِ فَكَذَا فِي الْقَبْرِ اهـ. وَهُوَ سَهْوٌ فِي قَوْلِهِ وَهَكَذَا تُوضَعُ جَنَائِزُهُمْ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ عَلَى عَكْسِهِ. (قَوْلُهُ، وَمَنْ اسْتَهَلَّ صُلِّيَ عَلَيْهِ وَإِلَّا لَا) اسْتِهْلَالُ الصَّبِيِّ فِي اللُّغَةِ أَنْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ بِالْبُكَاءِ عِنْدَ وِلَادَتِهِ وَقَوْلُ مَنْ قَالَ هُوَ أَنْ يَقَعَ حَيًّا تَدْرِيسٌ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَضَبَطَهُ فِي الْعِنَايَةِ بِأَنَّهُ بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ، وَفِي الشَّرْعِ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى حَيَاتِهِ مِنْ رَفْعِ صَوْتٍ أَوْ حَرَكَةِ عُضْوٍ، وَلَوْ أَنْ يَطْرِفَ بِعَيْنِهِ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ حُكْمَهُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ وَيَلْزَمُهُ أَنْ يُغَسَّلَ وَأَنْ يَرِثَ وَيُورَثَ وَأَنْ يُسَمَّى، وَإِنْ لَمْ يَبْقَ بَعْدَهُ حَيًّا لِإِكْرَامِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَنِي آدَمَ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَالٌ يَحْتَاج أَبُوهُ إلَى أَنْ يَذْكُرَ اسْمَهُ عِنْدَ الدَّعْوَى بِهِ، وَلَمْ يُقَيِّدْ الْمُصَنِّفُ بِوُجُودِ الْحَيَاةِ فِيهِ إلَى أَنْ يَخْرُجَ أَكْثَرُهُ، وَلَا بُدَّ مِنْهُ لِمَا فِي الْمُحِيطِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا خَرَجَ بَعْضُ الْوَلَدِ وَتَحَرَّكَ ثُمَّ مَاتَ، فَإِنْ كَانَ خَرَجَ أَكْثَرُهُ صُلِّيَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ أَقَلُّهُ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ اهـ. وَفِي آخِرِ الْمُبْتَغَى بِالْمُعْجَمَةِ الْوَلَدُ إذَا خَرَجَ رَأْسُهُ، وَهُوَ يَصِيحُ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ لَمْ يَرِثْ، وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَخْرُجْ أَكْثَرُ بَدَنِهِ حَيًّا، فَإِنْ كَانَ ذَبَحَهُ رَجُلٌ حَالَ مَا يَخْرُجُ رَأْسُهُ فَعَلَيْهِ الْغُرَّةُ، وَإِنْ   [منحة الخالق] وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِحَقِيقَةِ الْحَالِ - (قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَ الْجِنْسُ مُتَّحِدًا إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ هَذَا يُوهِمُ انْحِصَارَ جَوَازِ الصَّفِّ الْوَاحِدِ فِي مُتَّحِدِ الْجِنْسِ، وَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة يُخَالِفُهُ، وَفِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ لِلْحَلَبِيِّ، وَلَوْ اجْتَمَعَتْ الْجَنَائِزُ جَازَ أَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِمْ صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ، وَيَجْعَلُونَ وَاحِدًا خَلْفَ وَاحِدٍ وَيُجْعَلُ الرِّجَالُ مِمَّا يَلِي الْإِمَامَ، وَيَسْتَوِي فِيهِ الْحُرُّ وَالْعَبْدُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ثُمَّ الصِّبْيَانُ ثُمَّ الْخَنَاثَى ثُمَّ النِّسَاءُ، وَإِنْ شَاءُوا جَعَلُوهُمْ صَفًّا وَاحِدًا. اهـ. فَفِيهِ كَمَا تَرَى جَوَازُ الشَّيْئَيْنِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَهُوَ سَهْوٌ إلَخْ) أَقُولُ: هُوَ قَوْلٌ لِبَعْضِ الْعُلَمَاءِ فَقَدْ ذُكِرَ فِي الْبَدَائِعِ مَا نَقَلَهُ الْمُؤَلِّفُ عَنْهُ هُنَا فِي فَصْلِ الدَّفْنِ وَذَكَرَ قَبْلَهُ فِي فَصْلِ الصَّلَاةِ أَنَّهُ يُوضَعُ الرِّجَالُ مِمَّا يَلِي الْإِمَامَ وَالنِّسَاءُ خَلْفَ الرِّجَالِ مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ؛ لِأَنَّهُمْ هَكَذَا يَصْطَفُّونَ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ ثُمَّ إنَّ الرِّجَالَ يَكُونُونَ أَقْرَبَ إلَى الْإِمَامِ مِنْ النِّسَاءِ فَكَذَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ قَالَ يُوضَعُ النِّسَاءُ مِمَّا يَلِي الْإِمَامَ وَالرِّجَالَ خَلْفَهُنَّ؛ لِأَنَّ فِي الصَّلَاةِ بِالْجَمَاعَةِ فِي حَالِ الْحَيَاةِ صَفُّ النِّسَاءِ خَلْفَ صَفِّ الرِّجَالِ إلَى الْقِبْلَةِ فَكَذَا فِي وَضْعِ الْجَنَائِزِ، وَلَوْ اجْتَمَعَ جِنَازَةُ رَجُلٍ وَصَبِيٍّ وَخُنْثَى وَامْرَأَةٍ وَصَبِيَّةٍ وُضِعَ الرَّجُلُ مِمَّا يَلِي الْإِمَامَ وَالصَّبِيُّ وَرَاءَهُ ثُمَّ الْخُنْثَى ثُمَّ الْمَرْأَةُ ثُمَّ الصَّبِيَّةُ؛ لِأَنَّهُمْ هَكَذَا يَقُومُونَ فِي الصَّفِّ خَلْفَ الْإِمَامِ حَالَ الْحَيَاةِ فَيُوضَعُونَ كَذَلِكَ اهـ. (قَوْلُهُ تَدْرِيسٌ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ أَيْ هُوَ تَعْلِيمٌ مِنْ حَيْثُ التَّفَرُّسُ فِي أَنَّ لَهُ حَيَاةً لَا أَنْ يَشْهَدَ لَهُ اللُّغَةُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 202 قَطَعَ أُذُنَهُ وَخَرَجَ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ اهـ. وَفِي الْمُجْتَبَى وَالْبَدَائِعِ اُخْتُلِفَ فِي الِاسْتِهْلَالِ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يُقْبَلُ فِيهِ إلَّا شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الصِّيَاحَ وَالْحَرَكَةَ يَطَّلِعُ عَلَيْهَا الرِّجَالُ وَقَالَا يُقْبَلُ قَوْلُ النِّسَاءِ فِيهِ إلَّا الْأُمُّ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي الْمِيرَاثِ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهَا مُتَّهَمَةٌ بِجَرِّهَا الْمَغْنَمَ إلَى نَفْسِهَا، وَإِنَّمَا قُبِلَ قَوْلُ النِّسَاءِ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ هَذَا الْمَشْهَدَ لَا يَشْهَدُهُ الرِّجَالُ وَقَوْلُ الْقَابِلَةِ مَقْبُولٌ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ فِي قَوْلِهِمْ وَأُمُّهُ كَالْقَابِلَةِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ لَكِنْ قُيِّدَ بِالْعَدَالَةِ فَقَالَ؛ لِأَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ فِي الدِّيَانَاتِ مَقْبُولٌ إذَا كَانَ عَدْلًا اهـ. وَلَمَّا كَانَتْ الْحَرَكَةُ دَلِيلَ الْحَيَاةِ قَالُوا الْحُبْلَى إذَا مَاتَتْ وَفِي بَطْنِهَا وَلَدٌ يَضْطَرِبُ يُشَقُّ بَطْنُهَا وَيُخْرَجُ الْوَلَدُ لَا يَسَعُ إلَّا ذَلِكَ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ وَإِلَّا لَا أَنَّهُ إذَا لَمْ يَسْتَهِلَّ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَيَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ لَا يُغَسَّلَ، وَلَا يَرِثَ وَلَا يُورَثَ، وَلَا يُسَمَّى وَاتَّفَقُوا عَلَى مَا عَدَا الْغُسْلَ وَالتَّسْمِيَةَ وَاخْتَلَفُوا فِيهِمَا فَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَدَمُهُمَا وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ فِعْلَهُمَا، وَفِي الْهِدَايَةِ أَنَّهُ الْمُخْتَارُ؛ لِأَنَّهُ نَفْسٌ مِنْ وَجْهٍ، وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِلْمُصَنِّفِ إذَا وُضِعَ الْمَوْلُودُ سِقْطًا تَامَّ الْخِلْقَةِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ يُغَسَّلُ إكْرَامًا لِبَنِي آدَمَ وَقَالَا يُدْرِجُ فِي خِرْقَةٍ وَلَا يُغَسَّلُ وَالصَّحِيحُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ تَامَّ الْخَلْقِ لَا يُغَسَّلُ إجْمَاعًا اهـ. وَبِهَذَا ظَهَرَ ضَعْفُ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْخُلَاصَةِ مِنْ أَنَّ السِّقْطَ الَّذِي لَمْ تَتِمَّ خِلْقَةُ أَعْضَائِهِ الْمُخْتَارُ أَنَّهُ يُغَسَّلُ اهـ. لِمَا سَمِعْت مِنْ الْإِجْمَاعِ عَلَى عَدَمِ غُسْلِهِ وَلَعَلَّهُ سَبَقَ نَظَرُهُمَا إلَى الَّذِي تَمَّ خَلْقُهُ أَوْ سَهْوٌ مِنْ الْكَاتِبِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُمْ هُنَا بِأَنَّ مَنْ وُلِدَ مَيِّتًا لَا يَرِثُ وَلَا يُورَثُ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ لِمَا فِي آخِرِ الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ الْمُقَطَّعَاتِ وَمَتَى انْفَصَلَ الْحَمْلُ مَيِّتًا إنَّمَا لَا يَرِثُ إذَا انْفَصَلَ بِنَفْسِهِ فَأَمَّا إذَا فُصِلَ فَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْوَرَثَةِ بَيَانُهُ إذَا ضَرَبَ إنْسَانٌ بَطْنَهَا فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا فَهَذَا الْجَنِينُ مِنْ جُمْلَةِ الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ أَوْجَبَ عَلَى الضَّارِبِ الْغُرَّةَ وَوُجُوبُ الضَّمَانِ بِالْجِنَايَةِ عَلَى الْحَيِّ دُونَ الْمَيِّتِ وَإِذَا حَكَمْنَا بِحَيَاتِهِ كَانَ لَهُ الْمِيرَاثُ وَيُورَثُ عَنْهُ نَصِيبُهُ كَمَا يُورَثُ عَنْهُ بَدَلُ نَفْسِهِ، وَهُوَ الْغُرَّةُ اهـ. وَهَكَذَا فِي آخِرِ الْمَبْسُوطِ مِنْ مِيرَاثِ الْحَمْلِ، وَفِي الْمُبْتَغَى السِّقْطُ الَّذِي لَمْ تَتِمَّ أَعْضَاؤُهُ هَلْ يُحْشَرُ قِيلَ إذَا نُفِخَ فِيهِ الرُّوحُ يُحْشَرُ وَإِلَّا فَلَا وَقِيلَ إذَا اسْتَبَانَ بَعْضُ خَلْقِهِ يُحْشَرُ اهـ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ مَذْهَبُ عُلَمَائِنَا أَنَّهُ إذَا اسْتَبَانَ بَعْضُ خَلْقِهِ فَإِنَّهُ يُحْشَرُ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ وَابْنِ سِيرِينَ اهـ. (قَوْلُهُ كَصَبِيٍّ سُبِيَ مَعَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ) أَيْ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهُمَا لِلْحَدِيثِ «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ» إلَى آخِرِهِ وَتَقَدَّمَ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ مَعْنَى الْفِطْرَةِ وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ (إلَّا أَنْ يُسْلِمَ أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ يُصَلَّى عَلَيْهِ لِإِسْلَامِهِ تَبَعًا لِلْمُسْلِمِ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ يَتْبَعُ خَيْرَهُمَا دِينًا وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ (أَوْ هُوَ) أَنَّهُ يُصَلَّى عَلَيْهِ إذَا أَسْلَمَ وَأَبَوَاهُ كَافِرَانِ لِصِحَّةِ إسْلَامِهِ عِنْدَنَا وَأَطْلَقَهُ وَقَيَّدَهُ فِي الْهِدَايَةِ بِأَنْ يَعْقِلَ الْإِسْلَامَ وَاخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِهِ فَقِيلَ أَنْ يَعْقِلَ الْمَنَافِعَ وَالْمَضَارَّ وَأَنَّ الْإِسْلَامَ هُدًى وَاتِّبَاعَهُ خَيْرٌ لَهُ ذَكَرَهُ فِي الْعِنَايَةِ وَفَسَّرَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنْ يَعْقِلَ صِفَةَ الْإِسْلَامِ، وَهُوَ مَا فِي الْحَدِيثِ «أَنْ تُؤْمِنَ بِاَللَّهِ أَيْ بِوُجُودِهِ وَبِرُبُوبِيَّتِهِ لِكُلِّ شَيْءٍ وَمَلَائِكَتِهِ أَيْ بِوُجُودِ مَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ أَيْ إنْزَالِهَا وَرُسُلِهِ أَيْ إرْسَالِهِمْ إلَيْهِمْ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَيْ الْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى» وَهَذَا دَلِيلُ أَنَّ مُجَرَّدَ قَوْلِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ لَا يُوجِبُ الْحُكْمَ بِالْإِسْلَامِ مَا لَمْ يُؤْمِنْ بِمَا ذَكَرْنَا، وَعَلَى   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَفِي الْهِدَايَةِ أَنَّهُ الْمُخْتَارُ) فِيهِ غَفْلَةٌ عَنْ عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ فَإِنَّهَا غَيْرُ مُتَعَرِّضَةٍ لِلتَّسْمِيَةِ وَعَدَمُهَا نَعَمْ فِي التَّبْيِينِ وَاخْتَلَفُوا فِي غَسْلِهِ وَتَسْمِيَتُهُ فَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَمْ يُغَسَّلْ، وَلَمْ يُسَمَّ، وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُغَسَّلُ وَيُسَمَّى. اهـ. وَفِي الْخَانِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْفَيْضِ وَالْمَجْمُوعِ، وَفِي تَسْمِيَتِهِ كَلَامٌ قَالَهُ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ (قَوْلُهُ وَلَعَلَّهُ سَبَقَ نَظَرُهُمَا إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ مَا فِي الْخُلَاصَةِ عَزَاهُ فِي الدِّرَايَةِ إلَى الْمَبْسُوطِ وَالْمُحِيطِ أَفَسَبَقَ نَظَرُ السَّرَخْسِيِّ وَصَاحِبِ الْمُحِيطِ أَيْضًا كَلًّا، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ السِّقْطُ الَّذِي لَمْ تَتِمَّ أَعْضَاؤُهُ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ وَاخْتَلَفُوا فِي غَسْلِهِ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يُغَسَّلُ وَيُدْفَنُ مَلْفُوفًا بِخِرْقَةٍ وَعَزَاهُ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ إلَى النِّهَايَةِ قَالَ وَجَزَمَ بِهِ فِي عُمْدَةَ الْمُفْتِي وَالْفَيْضِ وَالْمَجْمُوعِ وَالْخَانِيَّةِ وَالْمُبْتَغَى ثُمَّ قَالَ: وَبِهَذَا يَظْهَرُ ضَعْفُ مَا فِي الْمَنْبَعِ مِنْ أَنَّهُ لَا يُغَسَّلُ إجْمَاعًا، وَفِي شَرْحِ ابْنِ الْمَلَكِ وَغُرَرِ الْأَذْكَارِ اتِّفَاقًا، وَمَا فِي الْبَحْرِ غَيْرُ وَاضِحٍ بَلْ الظَّاهِرُ تَضْعِيفُ الْإِجْمَاعِ وَالِاتِّفَاقِ. اهـ. لَكِنْ فِي الشرنبلالية يُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بِأَنَّ مَنْ نَفَى غُسْلَهُ أَرَادَ الْغُسْلَ الْمُرَاعَى فِيهِ وَجْهُ السُّنَّةِ، وَمِنْ أَثْبَتَهُ أَرَادَ الْغُسْلَ فِي الْجُمْلَةِ كَصَبِّ الْمَاءِ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ وُضُوءٍ وَتَرْتِيبٍ لِفِعْلِهِ كَغُسْلِهِ ابْتِدَاءً بِحُرْضٍ وَسِدْرٍ. (قَوْلُهُ وَاخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِهِ) قَالَ فِي النَّهْرِ، وَفِي فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ الْمُرَادُ بِالْعَاقِلِ الْمُمَيِّزُ، وَهُوَ مَنْ بَلَغَ سَبْعَ سِنِينَ فَمَا فَوْقَهَا فَلَوْ ادَّعَى أَبُوهُ أَنَّهُ ابْنُ خَمْسٍ وَأُمُّهُ أَنَّهُ ابْنُ سَبْعٍ عُرِضَ عَلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ وَرُجِعَ إلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ اهـ. وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ مَا قِيلَ فِي الْحَضَانَةِ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْأَبَوَيْنِ فِي سِنِّهِ إذَا كَانَ يَأْكُلُ وَحْدَهُ وَيَشْرَبُ وَحْدَهُ وَيَسْتَنْجِي وَحْدَهُ فَابْنُ سَبْعٍ وَإِلَّا فَلَا (قَوْلُهُ وَهَذَا دَلِيلُ أَنَّ مُجَرَّدَ قَوْلِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ لَا يُوجِبُ الْحُكْمَ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ لَا يُوجِبُ الْحُكْمَ بِالْإِسْلَامِ فِي نَفْسِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 203 هَذَا قَالُوا لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً أَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَاسْتَوْصَفَهَا صِفَةَ الْإِسْلَامِ فَلَمْ تَعْرِفْهُ لَا تَكُونُ مُسْلِمَةً وَالْمُرَادُ مِنْ عَدَمِ الْمَعْرِفَةِ لَيْسَ مَا يَظْهَرُ مِنْ التَّوَقُّفِ فِي جَوَابِ مَا الْإِيمَانُ؟ مَا الْإِسْلَامُ؟ كَمَا يَكُونُ مِنْ بَعْضِ الْعَوَامّ لِقُصُورِهِمْ فِي التَّعْبِيرِ بَلْ قِيَامُ الْجَهْلِ بِذَلِكَ بِالْبَاطِنِ مَثَلًا بِأَنَّ الْبَعْثَ هَلْ يُوجَدُ أَوْ لَا؟ وَأَنَّ الرُّسُلَ وَإِنْزَالَ الْكُتُبِ عَلَيْهِمْ كَانَ أَوْ لَا؟ لَا يَكُونُ فِي اعْتِقَادِهِ اعْتِقَادُ طَرَفِ الْإِثْبَاتِ لِلْجَهْلِ الْبَسِيطِ فَعَنْ ذَلِكَ قَالَتْ لَا أَعْرِفُهُ وَقَلَّ مَا يَكُونُ ذَلِكَ لِمَنْ نَشَأَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّا نَسْمَعُ مِمَّنْ قَدْ يَقُولُ فِي جَوَابِ مَا قُلْنَا لَا أَعْرِفُ، وَهُوَ مِنْ التَّوْحِيدِ وَالْإِقْرَارِ وَالْخَوْفِ مِنْ النَّارِ وَطَلَبِ الْجَنَّةِ بِمَكَانٍ بَلْ وَذَكَرَ مَا يَصْلُحُ اسْتِدْلَالًا فِي أَثْنَاءِ أَحْوَالِهِمْ وَتَكَلُّمِهِمْ عَلَى التَّصْرِيحِ مَا يُصَرِّحُ بِاعْتِقَادِ هَذِهِ الْأُمُورِ وَكَانُوا يَظُنُّونَ أَنَّ جَوَابَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ إنَّمَا يَكُونُ بِكَلَامٍ خَاصٍّ مَنْظُومٍ وَعِبَارَةٍ عَالِيَةٍ خَاصَّةٍ فَيُحْجِمُونَ عَنْ الْجَوَابِ اهـ. فَعَلَى هَذَا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُسْأَلَ الْعَامِّيُّ وَالْمَرْأَةُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ بِأَنْ يُقَالَ مَا الْإِيمَانُ، وَإِنَّمَا يَذْكُرُ حَقِيقَةَ الْإِيمَانِ وَمَا يَجِبُ الْإِيمَانُ بِهِ بِحَضْرَتِهِمَا ثُمَّ يُقَالُ لَهُ هَلْ أَنْتَ مُصَدِّقٌ بِهَذَا فَإِذَا قَالَ نَعَمْ كَانَ ذَلِكَ كَافِيًا. وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ (أَوْ لَمْ يُسْبَ أَحَدُهُمَا مَعَهُ) أَنَّهُ يُصَلَّى عَلَيْهِ إذَا دَخَلَ دَارَ الْإِسْلَامِ، وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَحَدُ أَبَوَيْهِ تَبَعًا لِدَارِ الْإِسْلَامِ، وَفِي التَّبْيِينِ أَيْ إذَا لَمْ يُسْبَ مَعَ الصَّبِيِّ أَحَدُ أَبَوَيْهِ فَحِينَئِذٍ يُصَلَّى عَلَيْهِ تَبَعًا لِلسَّابِي أَوْ الدَّارِ اهـ. فَجَعَلَ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ شَامِلًا لِتَبَعِيَّةِ السَّابِي وَلِتَبَعِيَّةِ الدَّارِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِتَبَعِيَّةِ السَّابِي فَإِنَّ السَّبْيَ فِي اللُّغَةِ الْأَسْرُ وَالسَّبْيُ الْأَسْرَى الْمَحْمُولُونَ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ كَمَا فِي ضِيَاءِ الْحُلُومِ وَفَائِدَةُ تَبَعِيَّةِ السَّابِي إنَّمَا تَظْهَرُ فِي دَارِ الْحَرْبِ بِأَنْ وَقَعَ صَبِيٌّ فِي سَهْمِ رَجُلٍ وَمَاتَ الصَّبِيُّ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَإِنَّهُ يُصَلَّى عَلَيْهِ تَبَعًا لِلسَّابِي وَظَاهِرُ مَا فِي ضِيَاءِ الْحُلُومِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْحَمْلِ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ حَتَّى يُسَمَّى سَبْيًا، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَاخْتُلِفَ بَعْدَ تَبَعِيَّةِ الْوِلَادِ فَاَلَّذِي فِي الْهِدَايَةِ تَبَعِيَّةُ الدَّارِ، وَفِي الْمُحِيطِ عِنْدَ عَدَمِ أَحَدِ الْأَبَوَيْنِ يَكُونُ تَبَعًا لِصَاحِبِ الْيَدِ وَعِنْدَ عَدَمِ صَاحِبِ الْيَدِ يَكُونُ تَبَعًا لِلدَّارِ وَلَعَلَّهُ أَوْلَى فَإِنَّ مَنْ وَقَعَ فِي سَهْمِهِ صَبِيٌّ مِنْ الْغَنِيمَةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَمَاتَ يُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُجْعَلُ مُسْلِمًا تَبَعًا لِصَاحِبِ الْيَدِ اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ تَبَعِيَّةَ الْيَدِ عِنْدَ عَدَمِ الْكَوْنِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَلَا يَصْلُحُ مُرَجِّحًا لِمَا فِي الْمُحِيطِ مِنْ تَقَدُّمِ تَبَعِيَّةِ الْيَدِ عَلَى الدَّارِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الِاتِّفَاقَ عَلَى التَّبَعِيَّةِ بِالْجِهَاتِ الثَّلَاثِ، وَإِنَّمَا مَحَلُّ الِاخْتِلَافِ فِي تَقْدِيمِ الدَّارِ عَلَى الْيَدِ فَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَقَاضِي خَانْ وَجَمْعٌ عَلَى تَقْدِيمِ الدَّارِ عَلَى الْيَدِ، وَهُوَ الْأَوْجَهُ لِمَا نَقَلَهُ فِي كَشْفِ الْأَسْرَارِ شَرْحِ أُصُولِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ لَوْ سَرَقَ ذِمِّيٌّ صَبِيًّا وَأَخْرَجَهُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ وَمَاتَ الصَّبِيُّ فَإِنَّهُ يُصَلَّى عَلَيْهِ وَيَصِيرُ مُسْلِمًا بِتَبَعِيَّةِ الدَّارِ، وَلَا يُعْتَبَرُ الْأَخْذُ حَتَّى وَجَبَ تَخْلِيصُهُ مِنْ يَدِهِ اهـ. وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا، وَهِيَ وَارِدَةٌ عَلَى مَا فِي الْمُحِيطِ فَإِنَّ مُقْتَضَاهُ أَنْ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ تَقْدِيمًا لِتَبَعِيَّةِ الْيَدِ عَلَى الدَّارِ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى الْخِلَافِ وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي الصَّبِيِّ، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ   [منحة الخالق] الْأَمْرِ، وَإِلَّا فَفِي ظَاهِرِ الشَّرْعِ يُكْتَفَى بِالْإِقْرَارِ بِالشَّهَادَتَيْنِ كَمَا كَانَ يَفْعَلُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى مَا فِي الْبَاطِنِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُقِرًّا بَاطِنًا كَالْمُنَافِقِ فَهُوَ مُسْلِمٌ حُكْمًا وَيُعَامَلُ مُعَامَلَةَ الْمُسْلِمِينَ وَأَمْرُهُ مُفَوَّضٌ إلَى رَبِّهِ تَعَالَى وَكَمْ كَانَ مِنْ مُنَافِقٍ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يُعَامِلُهُمْ مُعَامَلَةَ الْمُسْلِمِينَ وَفِي مُخْتَصَرِ أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ لِلزُّهَيْرِيِّ عَنْ الْبَدَائِعِ الْكُفَّارُ أَصْنَافٌ أَرْبَعَةٌ صِنْفٌ يُنْكِرُونَ الصَّانِعَ وَهُمْ الدَّهْرِيَّةُ وَصِنْفٌ يُنْكِرُونَ الْوَحْدَانِيَّةَ وَهُمْ الثَّنَوِيَّةُ وَالْمَجُوسُ وَصِنْفٌ يُقِرُّونَ بِالصَّانِعِ وَتَوْحِيدِهِ وَيُنْكِرُونَ الرِّسَالَةَ رَأْسًا وَهُمْ قَوْمٌ مِنْ الْفَلَاسِفَةِ وَصِنْفٌ يُقِرُّونَ بِالصَّانِعِ وَتَوْحِيدِهِ وَالرِّسَالَةِ فِي الْجُمْلَةِ لَكِنَّهُمْ يُنْكِرُونَ رِسَالَةَ رَسُولِنَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَهُمْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، فَإِنْ كَانَ مِنْ الْأَوَّلِ أَوْ الثَّانِي فَقَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ؛ لِأَنَّهُمْ يَمْتَنِعُونَ عَنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الثَّالِثِ فَقَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ، وَلَوْ قَالَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ يُحْكَمُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَمْتَنِعُ عَنْ هَذِهِ فَكَانَ الْإِقْرَارُ بِهَا دَلِيلَ الْإِيمَانِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الرَّابِعِ فَأَتَى بِهِمَا لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ حَتَّى يَتَبَرَّأَ عَنْ الدِّينِ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يُقِرُّ بِرِسَالَةِ مُحَمَّدٍ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَكِنَّهُ يَقُولُ بُعِثَ إلَى الْعَرَبِ دُونَ غَيْرِهِمْ. اهـ. مُلَخَّصًا. ثُمَّ نُقِلَ عَنْ قَاضِي خَانْ أَنَّ فِي الذِّمِّيِّ لَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ أَيْضًا وَدَخَلْت فِي دِينِ الْإِسْلَامِ ذَكَرَ أَنَّهُ كَمَا يَصِحُّ الْإِسْلَامُ بِالْقَوْلِ يَصِحُّ بِالْفِعْلِ وَسُمِّيَ إيمَانًا بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ مِنْ أَيِّ صِنْفٍ مِنْ الْأَرْبَعَةِ كَانَ كَمَا إذَا صَلَّى بِجَمَاعَةٍ أَوْ سَجَدَ لِلتِّلَاوَةِ أَوْ أَحْرَمَ وَطَافَ أَوْ صَلَّى وَحْدَهُ أَوْ أَدَّى زَكَاةَ الْإِبِلِ أَوْ أَذَّنَ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ. (قَوْلُهُ وَظَاهِرُ مَا فِي ضِيَاءِ الْحُلُومِ أَنَّهُ لَا بُدَّ إلَخْ) أَيْ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَكُونُ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي السَّبْيِ، وَهُوَ مَا دَامَ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَا يُسَمَّى سَبْيًا فَلَا فَائِدَةَ لِذِكْرِ السَّابِي قُلْت الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ مَا فِي ضِيَاءِ الْحُلُومِ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ ظَاهِرَهُ لِمُخَالَفَتِهِ لِمَا فِي الصِّحَاحِ وَالْقَامُوسِ؛ لِأَنَّهُمَا ذَكَرَا أَنَّهُ يُقَالُ سَبَى الْعَدُوَّ سَبْيًا وَسَبَاهُ أَسَرَهُ كَاسْتَبَاهُ فَهُوَ سَبْيٌ وَهِيَ سَبْيٌ أَيْضًا، وَالْجَمْعُ سَبَايَا فَأَفَادَ أَنَّ السَّبْيَ يُطْلَقُ عَلَى الْأَسْرِ، وَعَلَى الْمَأْسُورِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 204 بِغَيْرِ الْعَاقِلِ وَقَيَّدَهُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ فِي تَحْرِيرِهِ بِغَيْرِ الْعَاقِلِ قَالَ: وَإِنْ كَانَ عَاقِلًا اسْتَقَلَّ بِإِسْلَامِهِ فَلَا يَرْتَدُّ بِرِدَّةٍ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمَا. اهـ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ فَإِنَّهُ عَلَّلَ تَبَعِيَّةَ الْيَدِ بِأَنَّ الصَّغِيرَ الَّذِي لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ بِمَنْزِلَةِ الْمَتَاعِ وَعَزَاهُ إلَى شَرْحِ الزِّيَادَاتِ فَظَاهِرُهُمَا أَنَّهُ لَوْ سُبِيَ صَبِيٌّ عَاقِلٌ مَعَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ الْكَافِرِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ كَافِرًا تَبَعًا لِأَبِيهِ الْكَافِرِ وَيَكُونُ مُسْلِمًا تَبَعًا لِلدَّارِ وَيَحْتَاجُ إلَى صَرِيحِ النَّقْلِ وَكَلَامُهُمْ يَدُلُّ عَلَى خِلَافِهِ فَإِنَّهُمْ جَعَلُوا الْوَلَدَ تَابِعًا لِأَبَوَيْهِ إلَى الْبُلُوغِ وَلَا تَزُولُ التَّبَعِيَّةُ إلَى الْبُلُوغِ نَعَمْ تَزُولُ التَّبَعِيَّةُ إذَا اعْتَقَدَ دِينًا غَيْرَ دِينِ أَبَوَيْهِ إذَا عَقَلَ الْأَدْيَانَ فَحِينَئِذٍ صَارَ مُسْتَقِلًّا، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَإِذَا ارْتَدَّ الزَّوْجَانِ وَالْمَرْأَةُ حَامِلٌ فَوَضَعَتْ الْمَرْأَةُ الْوَلَدَ ثُمَّ مَاتَ الْوَلَدُ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَحُكْمُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ يُخَالِفُ حُكْمَ الْمِيرَاثِ اهـ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّبَعِيَّةِ التَّبَعِيَّةُ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا لَا فِي الْعُقْبَى فَلَا يُحْكَمُ بِأَنَّ أَطْفَالَهُمْ مِنْ أَهْلِ النَّارِ أَلْبَتَّةَ بَلْ فِيهِ خِلَافٌ قِيلَ يَكُونُونَ خَدَمَ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَقِيلَ إنْ كَانُوا قَالُوا: بَلَى يَوْمَ أُخِذَ الْعَهْدُ عَنْ اعْتِقَادٍ فَفِي الْجَنَّةِ وَإِلَّا فَفِي النَّارِ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ فِيهِمْ إنِّي أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ لَا يُعَذِّبُ أَحَدًا بِغَيْرِ ذَنْبٍ وَهَذَا يَنْفِي التَّفْصِيلَ وَتَوَقَّفَ فِيهِمْ أَبُو حَنِيفَةَ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِي الْقُنْيَةِ صَبِيٌّ سُبِيَ مَعَ أَبِيهِ ثُمَّ مَاتَ أَبُوهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ مَاتَ الصَّبِيُّ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ لِتَقَرُّرِ التَّبَعِيَّةِ بِالْمَوْتِ اهـ. وَحُكْمُ الْمَجْنُونِ الْبَالِغِ فِي هَذِهِ الْأَحْكَامِ كَحُكْمِ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ فَيَكُونُ فِيهِ الْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ فِي التَّبَعِيَّةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأُصُولِيُّونَ. (قَوْلُهُ وَيُغَسِّلُ وَلِيُّ مُسْلِمٍ الْكَافِرَ وَيُكَفِّنُهُ وَيَدْفِنُهُ) بِذَلِكَ أَمَرَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنْ يُفْعَلَ بِأَبِيهِ حِينَ مَاتَ وَهَذِهِ عِبَارَةٌ مَعِيبَةٌ غَيْرُ مُحَرَّرَةٍ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَيْسَ بِوَلِيِّ الْكَافِرِ، وَمَا فِي الْعِنَايَةِ مِنْ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْقَرِيبَ فَغَيْرُ مُفِيدٍ؛ لِأَنَّ الْمُؤَاخَذَةَ عَلَى نَفْسِ التَّعْبِيرِ بِهِ بَعْدَ إرَادَةِ الْقَرِيبِ بِهِ وَأَطْلَقَهُ فَشَمَلَ ذَوِي الْأَرْحَامِ كَالْأُخْتِ وَالْخَالِ وَالْخَالَةِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ أَطْلَقَ فِي الْغُسْلِ وَالتَّكْفِينِ وَالدَّفْنِ فَيَنْصَرِفُ إلَى مَا قَدَّمَهُ مِنْ تَجْهِيزِ الْمُسْلِمِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا يُغَسَّلُ غُسْلَ الثَّوْبِ النَّجِسِ مِنْ غَيْرِ وُضُوءٍ، وَلَا بُدَاءَةٍ بِالْمَيَامِنِ، وَلَا يَكُونُ الْغُسْلُ طَهَارَةً لَهُ حَتَّى لَوْ حَمَلَهُ إنْسَانٌ وَصَلَّى لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُ وَيُلَفُّ فِي خِرْقَةٍ بِلَا اعْتِبَارِ عَدَدٍ، وَلَا حَنُوطٍ، وَلَا كَافُورٍ وَيُحْفَرُ لَهُ حَفِيرَةٌ مِنْ غَيْرِ مُرَاعَاةِ سُنَّةِ اللَّحْدِ وَلِأَنَّهُ أَطْلَقَ فِي الْكَافِرِ، وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِغَيْرِ الْمُرْتَدِّ أَمَّا الْمُرْتَدُّ فَلَا يُغَسَّلُ، وَلَا يُكَفَّنُ، وَإِنَّمَا يُلْقَى فِي حَفِيرَةٍ كَالْكَلْبِ، وَلَا يُدْفَعُ إلَى مَنْ انْتَقَلَ إلَى دِينِهِمْ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلِأَنَّهُ أَطْلَقَ جَوَابَ الْمَسْأَلَةِ، وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ قَرِيبٌ كَافِرٌ، فَإِنْ كَانَ خُلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ وَيَتْبَعُ الْجِنَازَةَ مِنْ بَعِيدٍ وَقَيَّدَ الْمُصَنِّفُ بِالْوَلِيِّ الْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ إذَا مَاتَ، وَلَهُ قَرِيبٌ كَافِرٌ فَإِنَّ الْكَافِرَ لَا يَتَوَلَّى تَجْهِيزَهُ، وَإِنَّمَا يَفْعَلُهُ الْمُسْلِمُونَ وَيُكْرَهُ أَنْ يَدْخُلَ الْكَافِرُ فِي قَبْرِ قَرَابَتِهِ الْمُسْلِمِ لِيَدْفِنَهُ، وَمَا اسْتَدَلَّ بِهِ الزَّيْلَعِيُّ عَلَى أَنَّ الْكَافِرَ يُمَكَّنُ مِنْ تَجْهِيزِ قَرِيبِهِ الْمُسْلِمِ مِنْ قَوْلِ الْقُدُورِيِّ إذَا مَاتَ مُسْلِمٌ، وَلَمْ يُوجَدْ رَجُلٌ يُغَسِّلُهُ يُعَلِّمُ النِّسَاءُ الْكَافِرَ فَاسْتِدْلَالٌ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ كَلَامَنَا فِيمَا إذَا وُجِدَ الْمُسْلِمُونَ وَدَلِيلُهُ فِيمَا إذَا لَمْ يُوجَدْ مِنْ الرِّجَالِ أَحَدٌ فَلَوْ قَالَ وَيُغَسِّلُ وَيُكَفِّنُ وَيَدْفِنُ الْمُسْلِمُ قَرِيبَهُ الْكَافِرَ الْأَصْلِيَّ عِنْدَ الِاحْتِيَاجِ مِنْ غَيْرِ مُرَاعَاةِ السُّنَّةِ لَكَانَ أَوْلَى. (قَوْلُهُ وَيُؤْخَذُ   [منحة الخالق] أَيْ عَلَى الْمَصْدَرِ وَاسْمِ الْمَفْعُولِ مِنْ غَيْرِ مُرَاعَاةِ قَيْدِ الْحَمْلِ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ نَعَمْ ذُكِرَ ذَلِكَ الْقَيْدُ فِي سَبْيِ الْخَمْرَةِ فَيُقَالُ سَبَيْت الْخَمْرَةَ سَبْيًا وَسِبَاءً إذَا حَمَلْتهَا مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ فَهِيَ سَبِيَّةٌ (قَوْلُهُ وَكَلَامُهُمْ يَدُلُّ عَلَى خِلَافِهِ) قَالَ الْمُحَقِّقُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ فِي فَصْلِ الْحَاكِمِ بَعْدَ ذِكْرِ التَّبَعِيَّةِ لِلْأَبَوَيْنِ ثُمَّ لِلدَّارِ ثُمَّ لِلسَّابِي مَا نَصُّهُ الَّذِي فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِفَخْرِ الْإِسْلَامِ وَيَسْتَوِي فِيمَا قُلْنَا أَنْ يَعْقِلَ أَوْ لَا يَعْقِلَ إلَى هَذَا أَشَارَ فِي هَذَا الْكِتَابِ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ فَلَا جَرَمَ إنْ قَالَ فِي شَرْحِهِ أَوْ أَسْلَمَ أَحَدُ أَبَوَيْهِ يُجْعَلُ مُسْلِمًا تَبَعًا سَوَاءً كَانَ الصَّغِيرُ عَاقِلًا أَوْ لَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّ الِابْنَ يَتْبَعُ خَيْرَ الْأَبَوَيْنِ دِينًا. اهـ. أَقُولُ: وَرَأَيْته أَيْضًا فِي شَرْحِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ لِلْإِمَامِ السَّرَخْسِيِّ فِي بَابِ الْوَقْتِ الَّذِي يُمَكَّنُ فِيهِ الْمُسْتَأْمَنُ مِنْ الرُّجُوعِ إلَى أَهْلِهِ وَذَلِكَ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ كَلَامٍ وَبِهَذَا تَبَيَّنَ خَطَأُ مَنْ يَقُولُ مِنْ أَصْحَابِنَا إنَّ الَّذِي يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ لَا يَصِيرُ مُسْلِمًا تَبَعًا لِأَبَوَيْهِ فَقَدْ نَصَّ هَاهُنَا عَلَى أَنَّهُ يَصِيرُ مُسْلِمًا يُمْنَعُ مِنْ الرُّجُوعِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ. اهـ وَنَصَّ أَيْضًا فِي هَذَا الْبَابِ عَلَى أَنَّ التَّبَعِيَّةَ تَنْتَهِي بِبُلُوغِهِ عَاقِلًا. (قَوْلُهُ وَهَذِهِ عِبَارَةٌ مَعِيبَةٌ غَيْرُ مُحَرَّرَةٍ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ بَعْدَ ذِكْرِهِ إنَّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ لَفْظُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا مَعِيبَةٌ إذْ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ إطْلَاقَ الْوَلِيِّ عَلَى الْقَرِيبِ مَجَازٌ لَكِنْ بِقَرِينَةٍ وَهِيَ مَا اُشْتُهِرَ أَنَّهُ لَا تَوَالِي بَيْنَ كَافِرٍ وَمُسْلِمٍ وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَا عَيْبَ فِي الْمَجَازِ الَّذِي مَعَهُ قَرِينَةٌ فِي الْحُدُودِ فَمَا بَالُك فِي غَيْرِهَا، وَلَا نُسَلِّمُ أَيْضًا أَنَّهَا غَيْرُ مُحَرَّرَةٍ؛ لِأَنَّ جَوَابَ الْمَسْأَلَةِ إنَّمَا هُوَ جَوَازُ الْغُسْلِ قَالَ الْإِمَامُ التُّمُرْتَاشِيُّ إذَا كَانَ لِلْمَيِّتِ الْكَافِرِ مَنْ يَقُومُ بِهِ مِنْ أَقَارِبِهِ فَالْأَوْلَى لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَتْرُكَهُ لَهُمْ كَذَا فِي السِّرَاجِ وَبِهَذَا الْقَدْرِ لَا يَنْتَفِي الْجَوَازُ، وَأَمَّا الْمُرْتَدُّ فَقَدْ تُعُورِفَ إخْرَاجُهُ مِنْ لَفْظِ الْكَافِرِ فَتَدَبَّرْ. وَحَيْثُ كَانَتْ الْعِبَارَةُ وَاقِعَةً مِنْ إمَامِ الْمَذْهَبِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ فَنِسْبَةُ الْعَيْبِ وَعَدَمِ التَّحْرِيرِ إلَيْهَا مِمَّا لَا يَنْبَغِي كَيْفَ وَقَدْ تَبِعَهُ فِي ذَلِكَ كِبَارُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 205 سَرِيرُهُ بِقَوَائِمِهِ الْأَرْبَعِ) بِذَلِكَ وَرَدَتْ السُّنَّةُ وَفِيهِ تَكْثِيرُ الْجَمَاعَةِ وَزِيَادَةُ الْإِكْرَامِ وَالصِّيَانَةِ وَيَرْفَعُونَهُ أَخْذًا بِالْيَدِ لَا وَضْعًا عَلَى الْعُنُقِ كَمَا تُحْمَلُ الْأَمْتِعَةُ، وَفِي مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ وَيُكْرَهُ أَنْ يُحْمَلَ بَيْنَ عَمُودَيْ السَّرِيرِ مِنْ مُقَدَّمِهِ أَوْ مُؤَخَّرِهِ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ فِيهِ التَّرْبِيعُ وَيُكْرَهُ حَمْلُهُ عَلَى الظَّهْرِ وَالدَّابَّةِ وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَنَّ الصَّبِيَّ الرَّضِيعَ أَوْ الْفَطِيمَ أَوْ فَوْقَ ذَلِكَ قَلِيلًا إذَا مَاتَ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَحْمِلَهُ رَجُلٌ وَاحِدٌ عَلَى يَدَيْهِ وَيَتَدَاوَلُهُ النَّاسُ بِالْحَمْلِ عَلَى أَيْدِيهِمْ، وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَحْمِلَهَا عَلَى يَدَيْهِ، وَهُوَ رَاكِبٌ، وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا يُحْمَلُ عَلَى الْجِنَازَةِ اهـ. (قَوْلُهُ وَيُعَجَّلُ بِهِ بِلَا خَبَبٍ) وَهُوَ بِمُعْجَمَةِ مَفْتُوحَةٍ وَمُوَحَّدَتَيْنِ ضَرْبٌ مِنْ الْعَدْوِ وَقِيلَ هُوَ كَالرَّمَلِ وَحَدُّ التَّعْجِيلِ الْمَسْنُونِ أَنْ يُسْرَعَ بِهِ بِحَيْثُ لَا يَضْطَرِبُ الْمَيِّتُ عَلَى الْجِنَازَةِ لِلْحَدِيثِ «أَسْرِعُوا بِالْجِنَازَةِ فَإِنْ كَانَتْ صَالِحَةً قَرَّبْتُمُوهُ إلَى الْخَيْرِ، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ ذَلِكَ فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ» . وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُعَجَّلَ بِتَجْهِيزِهِ كُلُّهُ مِنْ حِينِ يَمُوتُ، وَلَوْ مَشَوْا بِهِ بِالْجَنْبِ كُرِهَ؛ لِأَنَّهُ ازْدِرَاءٌ بِالْمَيِّتِ وَإِضْرَارٌ بِالْمُتَّبِعِينَ، وَفِي الْقُنْيَةِ، وَلَوْ جُهِّزَ الْمَيِّتُ صَبِيحَةَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ يُكْرَهُ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ وَدَفْنُهُ لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ الْجَمْعُ الْعَظِيمُ بَعْدَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ، وَلَوْ خَافُوا فَوْتَ الْجُمُعَةِ بِسَبَبِ دَفْنِهِ يُؤَخَّرُ الدَّفْنُ وَتُقَدَّمُ صَلَاةُ الْعِيدِ عَلَى صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَتُقَدَّمُ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ عَلَى الْخُطْبَةِ وَالْقِيَاسُ أَنْ تُقَدَّمَ عَلَى صَلَاةِ الْعِيدِ لَكِنَّهُ قَدَّمَ صَلَاةَ الْعِيدِ مَخَافَةَ التَّشْوِيشِ وَكَيْ لَا يَظُنَّهَا مَنْ فِي أُخْرَيَاتِ الصُّفُوفِ أَنَّهَا صَلَاةُ الْعِيدِ اهـ. (قَوْلُهُ وَجُلُوسٌ قَبْلَ وَضْعِهَا) أَيْ بِلَا جُلُوسٍ لِمُتَّبِعِهَا قَبْلَ وَضْعِهَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَقَعُ الْحَاجَةُ إلَى التَّعَاوُنِ، وَالْقِيَامُ أَمْكَنُ مِنْهُ فَكَانَ الْجُلُوسُ قَبْلَهُ مَكْرُوهًا وَلِأَنَّ الْجِنَازَةَ مَتْبُوعَةٌ وَهُمْ أَتْبَاعٌ وَالتَّبَعُ لَا يَقْعُدُ قَبْلَ قُعُودِ الْأَصْلِ، قُيِّدَ بِقَوْلِهِ قَبْلَ وَضْعِهَا؛ لِأَنَّهُمْ يَجْلِسُونَ إذَا وُضِعَتْ عَنْ أَعْنَاقِ الرِّجَالِ وَيُكْرَهُ الْقِيَامُ بَعْدَ وَضْعِهَا كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالْعِنَايَةِ وَفِي الْمُحِيطِ خِلَافُهُ قَالَ وَالْأَفْضَلُ أَنْ لَا يَجْلِسُوا مَا لَمْ يُسَوُّوا عَلَيْهِ التُّرَابَ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَقُومُ حَتَّى يُسَوِّيَ عَلَيْهِ التُّرَابَ» ، وَلِأَنَّ فِي الْقِيَامِ إظْهَارَ الْعِنَايَةِ بِأَمْرِ الْمَيِّتِ وَأَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ اهـ. وَالْأَوْلَى الْأَوَّلُ لِمَا فِي الْبَدَائِعِ فَأَمَّا بَعْدَ الْوَضْعِ فَلَا بَأْسَ بِالْجُلُوسِ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لَا يَجْلِسُ حَتَّى يُوضَعَ الْمَيِّتُ فِي اللَّحْدِ فَكَانَ قَائِمًا مَعَ أَصْحَابِهِ عَلَى رَأْسِ قَبْرٍ فَقَالَ يَهُودِيٌّ هَكَذَا نَصْنَعُ بِمَوْتَانَا فَجَلَسَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ خَالِفُوهُمْ» اهـ. أَيْ فِي الْقِيَامِ فَلِذَا كُرِهَ وَقَيَّدْنَا بِمُتَّبِعِهَا؛ لِأَنَّ مَنْ لَمْ يُرِدْ اتِّبَاعَهَا وَمَرَّتْ عَلَيْهِ فَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يَقُومُ لَهَا لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَنَا بِالْقِيَامِ فِي الْجِنَازَةِ ثُمَّ جَلَسَ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَمَرَنَا بِالْجُلُوسِ» بِهَذَا اللَّفْظِ لِأَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَصُحِّحَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّ مَنْ فِي الْمُصَلَّى لَا يَقُومُ لَهَا إذَا رَآهَا قَبْلَ أَنْ تُوضَعَ. (قَوْلُهُ وَمَشَى قُدَّامَهَا) أَيْ بِلَا مَشْيٍ لِمُتَّبِعِهَا أَمَامَهَا؛ لِأَنَّ الْمَشْيَ خَلْفَهَا أَفْضَلُ عِنْدَنَا لِلْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ بِاتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ، وَقَدْ نُقِلَ فِعْلُ السَّلَفِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ وَالتَّرْجِيحُ بِالْمَعْنَى فَالشَّافِعِيُّ يَقُولُ هُمْ شُفَعَاءُ وَالشَّفِيعُ يَتَقَدَّمُ لِيُمَهِّدَ الْمَقْصُودَ وَنَحْنُ نَقُولُ هُمْ مُشَيِّعُونَ فَيَتَأَخَّرُونَ وَالشَّفِيعُ الْمُتَقَدِّمُ هُوَ الَّذِي لَا يَسْتَصْحِبُ الْمَشْفُوعَ لَهُ فِي الشَّفَاعَةِ، وَمَا نَحْنُ فِيهِ بِخِلَافِهِ بَلْ قَدْ ثَبَتَ شَرْعًا إلْزَامُ تَقْدِيمِهِ حَالَةَ الشَّفَاعَةِ لَهُ أَعْنِي حَالَةَ الصَّلَاةِ فَثَبَتَ شَرْعًا عَدَمُ اعْتِبَارِ مَا اعْتَبَرَهُ قَالُوا وَيَجُوزُ الْمَشْيُ أَمَامَهَا إلَّا أَنْ يَتَبَاعَدَ عَنْهَا أَوْ يَتَقَدَّمَ الْكُلُّ فَيُكْرَهُ وَلَا يَمْشِي عَنْ يَمِينِهَا، وَلَا عَنْ شِمَالِهَا وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ، وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَذْهَبَ إلَى صَلَاةِ الْجِنَازَةِ رَاكِبًا غَيْرَ أَنَّهُ يُكْرَهُ لَهُ التَّقَدُّمُ أَمَامَ الْجِنَازَةِ بِخِلَافِ الْمَاشِي اهـ. وَبِهَذَا يَضْعُفُ مَا نَقَلَهُ ابْنُ الْمَلَكِ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ مَعْزِيًّا إلَى أَبِي يُوسُفَ فَقَالَ رَأَيْت أَبَا حَنِيفَةَ يَتَقَدَّمُ الْجِنَازَةَ، وَهُوَ رَاكِبٌ ثُمَّ قَعَدَ حَتَّى تَأْتِيَهُ كَذَا فِي النَّوَادِرِ اهـ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالْمَشْيُ فِيهَا أَفْضَلُ مِنْ الرُّكُوبِ كَصَلَاةِ الْجُمُعَةِ، وَفِي الْغَايَةِ اتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ أَفْضَلُ مِنْ النَّوَافِلِ إذَا كَانَ لِجِوَارٍ   [منحة الخالق] الْأَئِمَّةِ كَالْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ. (قَوْلُهُ وَجُلُوسٌ قَبْلَ وَضْعِهَا) قَالَ فِي النَّهْرِ لِلنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ كَمَا فِي السِّرَاجِ قَالَ الرَّمْلِيُّ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهَا كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ الْقِيَامُ بَعْدَ وَضْعِهَا) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِعَدَمِ الْحَاجَةِ وَالضَّرُورَةِ ذَكَرَ الْحَلَبِيُّ فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي، وَهُوَ ظَاهِرٌ وَمُقْتَضَى الدَّلِيلِ الْآتِي أَنَّهَا كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَلِذَا كُرِهَ) يُفِيدُ أَنَّ قَوْلَ الْبَدَائِعِ فَلَا بَأْسَ بِالْجُلُوسِ لَيْسَ جَارِيًا عَلَى مَا هُوَ الْغَالِبُ فِي اسْتِعْمَالِهِ فِيمَا تَرْكُهُ أَوْلَى. (قَوْلُهُ قَالُوا وَيَجُوزُ الْمَشْيُ أَمَامَهَا إلَّا أَنْ يَتَبَاعَدَ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّهَا كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ، وَكَذَا مَا بَعْدَهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 206 أَوْ قَرَابَةٍ أَوْ صَلَاحٍ مَشْهُورٍ وَإِلَّا فَالنَّوَافِلُ أَفْضَلُ وَيَنْبَغِي لِمَنْ تَبِعَ جِنَازَةً أَنْ يُطِيلَ الصَّمْتَ وَيُكْرَهُ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالذِّكْرِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَغَيْرِهِمَا فِي الْجِنَازَةِ وَالْكَرَاهَةُ فِيهَا كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ فِي فَتَاوَى الْعَصْرِ وَعِنْدَ مَجْدِ الْأَئِمَّةِ التُّرْكُمَانِيِّ وَقَالَ عَلَاءُ الدِّينِ النَّاصِرِيُّ تَرْكُ الْأَوْلَى اهـ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ، فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَذْكُرَ اللَّهَ يَذْكُرُهُ فِي نَفْسِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [الأعراف: 55] أَيْ الْجَاهِرِينَ بِالدُّعَاءِ، وَعَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ، وَهُوَ يَمْشِي مَعَهَا اسْتَغْفِرُوا لَهُ غَفَرَ اللَّهُ لَكُمْ، وَفِي الْبَدَائِعِ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَرْجِعَ مَنْ يَتَّبِعُ جِنَازَةً حَتَّى يُصَلِّيَ؛ لِأَنَّ الِاتِّبَاعَ كَانَ لِلصَّلَاةِ عَلَيْهَا فَلَا يَرْجِعُ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ، وَلَا يَنْبَغِي لِلنِّسَاءِ أَنْ يَخْرُجْنَ فِي الْجِنَازَةِ؛ لِأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَاهُنَّ عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ انْصَرِفْنَ مَأْزُورَاتٍ غَيْرَ مَأْجُورَاتٍ» وَيُكْرَهُ النَّوْحُ وَالصِّيَاحُ فِي الْجِنَازَةِ وَمَنْزِلِ الْمَيِّتِ لِلنَّهْيِ عَنْهُ فَأَمَّا الْبُكَاءُ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ مَعَ الْجِنَازَةِ نَائِحَةٌ أَوْ صَائِحَةٌ زُجِرَتْ، فَإِنْ لَمْ تَنْزَجِرْ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ تُتَّبَعَ الْجِنَازَةُ، وَلَا يَمْتَنِعَ لِأَجْلِهَا؛ لِأَنَّ الِاتِّبَاعَ سُنَّةٌ فَلَا تُتْرَكُ بِبِدْعَةٍ مِنْ غَيْرِهِ اهـ. وَفِي الْمُجْتَبَى قَالَ الْبَقَّالِيُّ إذَا اسْتَمَعَ إلَى بَاكِيَةٍ لِيَلِينَ فَلَا بَأْسَ إذَا أَمِنَ الْوُقُوعَ فِي الْفِتْنَةِ لِاسْتِمَاعِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَبِوَاكِي حَمْزَةَ وَلَا تُتَّبَعُ بِنَارٍ فِي مِجْمَرَةٍ، وَلَا شَمْعٍ، وَلَا بَأْسَ بِمَرْثِيَّةِ الْمَيِّتِ شِعْرًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ وَالتَّعْزِيَةُ لِلْمُصَابِ سُنَّةٌ لِلْحَدِيثِ «مَنْ عَزَّى مُصَابًا فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ» قَالَ الْبَقَّالِيُّ، وَلَا بَأْسَ بِالْجُلُوسِ لِلْعَزَاءِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي بَيْتٍ أَوْ مَسْجِدٍ، وَقَدْ «جَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا قُتِلَ جَعْفَرٌ وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ وَالنَّاسُ يَأْتُونَ وَيُعَزُّونَهُ» وَالتَّعْزِيَةُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ أَفْضَلُ وَالْجُلُوسُ فِي الْمَسْجِدِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لِلتَّعْزِيَةِ مَكْرُوهٌ، وَفِي غَيْرِهِ جَاءَتْ الرُّخْصَةُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لِلرِّجَالِ وَتَرْكُهُ أَحْسَنُ وَيُكْرَهُ لِلْمُعَزِّي أَنْ يُعَزِّيَ ثَانِيًا اهـ. وَهِيَ كَمَا فِي التَّبْيِينِ أَنْ يَقُولَ أَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَك وَأَحْسَنَ عَزَاك وَغَفَرَ لِمَيِّتِك، وَلَا بَأْسَ بِالْجُلُوسِ إلَيْهَا ثَلَاثًا مِنْ غَيْرِ ارْتِكَابِ مَحْظُورٍ مِنْ فَرْشِ الْبُسُطِ وَالْأَطْعِمَةِ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ؛ لِأَنَّهَا تُتَّخَذُ عِنْدَ السُّرُورِ، وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُتَّخَذَ لِأَهْلِ الْمَيِّتِ طَعَامٌ اهـ. وَفِي الْخَانِيَّةِ، وَإِنْ اتَّخَذَ وَلِيُّ الْمَيِّتِ طَعَامًا لِلْفُقَرَاءِ كَانَ حَسَنًا إذَا كَانُوا بَالِغِينَ، وَإِنْ كَانَ فِي الْوَرَثَةِ صَغِيرٌ لَمْ يُتَّخَذْ ذَلِكَ مِنْ التَّرِكَةِ اهـ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَيُكْرَهُ الْجُلُوسُ عَلَى بَابِ الدَّارِ لِلتَّعْزِيَةِ؛ لِأَنَّهُ عَمَلُ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَقَدْ نُهِيَ عَنْهُ، وَمَا يُصْنَعُ فِي بِلَادِ الْعَجَمِ مِنْ فَرْشِ الْبُسُطِ وَالْقِيَامِ عَلَى قَوَارِعِ الطُّرُقِ مِنْ أَقْبَحِ الْقَبَائِحِ اهـ. وَفِي التَّجْنِيسِ وَيُكْرَهُ الْإِفْرَاطُ فِي مَدْحِ الْمَيِّتِ عِنْدَ جِنَازَتِهِ؛ لِأَنَّ الْجَاهِلِيَّةَ كَانُوا يَذْكُرُونَ فِي ذَلِكَ مَا هُوَ شِبْهُ الْمُحَالِ وَفِيهِ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ تَعَزَّى بِعَزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَعِضُّوهُ بِهَنِ أَبِيهِ، وَلَا تَكْنُوا» اهـ. وَفِي الْقُنْيَةِ عَنْ شَدَّادٍ أَكْرَهُ التَّعْزِيَةَ عِنْدَ الْقَبْرِ ذَكَرَهُ فِي الْمُجَرَّدِ اهـ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَهَلْ يُعَذَّبُ الْمَيِّتُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ يُعَذَّبُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ» وَقَالَ عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ لَا يُعَذَّبُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] وَتَأْوِيلُ الْحَدِيث أَنَّهُمْ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ كَانُوا يُوصُونَ بِالنَّوْحِ عَلَيْهِمْ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ذَلِكَ اهـ. (قَوْلُهُ وَضْعُ مُقَدَّمِهَا عَلَى يَمِينِك ثُمَّ مُؤَخَّرُهَا ثُمَّ مُقَدَّمُهَا عَلَى يَسَارِكَ ثُمَّ مُؤَخَّرِهَا) بَيَانٌ لِإِكْمَالِ السُّنَّةِ فِي حَمْلِهَا عِنْدَ كَثْرَةِ الْحَامِلِينَ إذَا تَنَاوَبُوا فِي حَمْلِهَا وَقَوْلُهُ ثُمَّ مُؤَخَّرُهَا أَيْ عَلَى يَمِينِك وَقَوْلُهُ ثَانِيًا ثُمَّ مُؤَخَّرُهَا أَيْ عَلَى يَسَارِك وَهَذَا؛ لِأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُحِبُّ التَّيَامُنَ فِي كُلِّ شَيْءٍ» وَإِذَا حَمَلَ هَكَذَا حَصَلَتْ الْبُدَاءَةُ بِيَمِينِ الْحَامِلِ وَيَمِينِ الْمَيِّتِ، وَإِنَّمَا بَدَأَ بِالْأَيْمَنِ الْمُقَدَّمِ دُونَ الْمُؤَخَّرِ؛ لِأَنَّ الْمُقَدَّمَ أَوَّلُ الْجِنَازَةِ وَالْبُدَاءَةُ بِالشَّيْءِ إنَّمَا يَكُونُ مِنْ أَوَّلِهِ ثُمَّ يَضَعُ مُؤَخَّرَهَا الْأَيْمَنَ عَلَى يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَضَعَ مُقَدَّمَهَا الْأَيْسَرَ عَلَى يَسَارِهِ لَاحْتَاجَ إلَى الْمَشْيِ أَمَامَهَا، وَالْمَشْيُ خَلْفَهَا أَفْضَلُ وَلِأَنَّهُ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ أَوْ وَضَعَ مُؤَخَّرَهَا الْأَيْسَرَ عَلَى يَسَارِهِ تَقَدَّمَ الْأَيْسَرُ عَلَى الْأَيْمَنِ، وَإِنَّمَا يَضَعُ مُقَدَّمَهَا الْأَيْسَرَ عَلَى يَسَارِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ فَعَلَ هَكَذَا يَقَعُ الْفَرَاغُ خَلْفَ الْجِنَازَةِ فَيَمْشِي خَلْفَهَا، وَهُوَ أَفْضَلُ لِذَلِكَ كَانَ كَمَالَ السُّنَّةِ كَمَا وَصَفْنَا اهـ. وَيَنْبَغِي أَنْ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَالتَّعْزِيَةُ لِلْمُصَابِ سُنَّةٌ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَتُكْرَهُ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ؛ لِأَنَّهُ يُجَدِّدُ الْحُزْنَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُعَزِّي أَوْ الْمُعَزَّى غَائِبًا فَلَا بَأْسَ بِهَا وَهِيَ بَعْدَ الدَّفْنِ أَفْضَلُ مِنْهَا قَبْلَهُ (قَوْلُهُ «فَأَعِضُّوهُ بِهَنِ أَبِيهِ وَلَا تَكْنُوا» ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَالَ فِي مُخْتَارِ الصِّحَاحِ قُلْت قَالَ الْأَزْهَرِيُّ مَعْنَاهُ قُولُوا لَهُ اعْضُضْ بِأَيْرِ أَبِيك، وَلَا تَكْنُوا عَنْ الْأَيْرِ بِالْهَنِ تَأْدِيبًا لَهُ وَتَنْكِيلًا اهـ. (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ) أَيْ وَضَعَ مُقَدَّمَهَا الْأَيْسَرَ عَلَى يَسَارِهِ بَعْدَ مُقَدَّمِهَا الْأَيْمَنِ عَلَى يَمِينِهِ وَقَوْلُهُ أَوْ وَضَعَ مُؤَخَّرَهَا الْأَيْسَرَ عَلَى يَسَارِهِ أَيْ بَعْدَ وَضْعِ مُقَدَّمِهَا الْأَيْمَنِ عَلَى يَمِينِهِ أَوْ بِدُونِهِ ابْتِدَاءً الجزء: 2 ¦ الصفحة: 207 يُحْمَلَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ عَشْرُ خُطُوَاتٍ لِلْحَدِيثِ «مَنْ حَمَلَ جِنَازَةً أَرْبَعِينَ خُطْوَةً كَفَّرَتْ أَرْبَعِينَ كَبِيرَةً» كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ، وَفِي حَالَةِ الْمَشْيِ بِالْجِنَازَةِ يُقَدَّمُ الرَّأْسُ وَإِذَا نَزَلُوا بِهِ الْمُصَلَّى فَإِنَّهُ يُوضَعُ عَرْضًا لِلْقِبْلَةِ وَالْمُقَدَّمُ بِفَتْحِ الدَّالِ وَكَسْرِهَا وَالْكَسْرُ أَفْصَحُ كَذَا فِي الْغَايَةِ، وَكَذَا الْمُؤَخَّرُ، وَفِي ضِيَاءِ الْحُلُومِ الْمُقَدَّمُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الدَّالِ مُشَدَّدَةً نَقِيضُ الْمُؤَخَّرِ يُقَالُ ضَرَبَ مُقَدَّمَ وَجْهِهِ، وَهُوَ النَّاصِيَةُ اهـ. (قَوْلُهُ وَيُحْفَرُ الْقَبْرُ وَيُلْحَدُ) لِحَدِيثِ صَاحِبِ السُّنَنِ مَرْفُوعًا «اللَّحْدُ لَنَا وَالشَّقُّ لِغَيْرِنَا» يُقَالُ لَحَدْت الْمَيِّتَ وَأَلْحَدْت لَهُ لُغَتَانِ وَاللَّحْدُ بِفَتْحِ اللَّامِ وَضَمِّهَا كَذَا فِي الْغَايَةِ، وَهُوَ أَنْ يُحْفَرَ الْقَبْرُ بِتَمَامِهِ ثُمَّ يُحْفَرَ فِي جَانِبِ الْقِبْلَةِ مِنْهُ حَفِيرَةٌ يُوضَعُ فِيهَا الْمَيِّتُ وَيُجْعَلُ ذَلِكَ كَالْبَيْتِ الْمُسَقَّفِ وَالشَّقُّ أَنْ يَحْفِرَ حَفِيرَةً فِي وَسَطِ الْقَبْرِ يُوضَعُ فِيهَا الْمَيِّتُ وَاسْتَحْسَنُوا الشَّقَّ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ رَخْوَةً لِتَعَذُّرِ اللَّحْدِ، وَإِنْ تَعَذَّرَ اللَّحْدُ فَلَا بَأْسَ بِتَابُوتٍ يُتَّخَذُ لِلْمَيِّتِ لَكِنَّ السُّنَّةَ أَنْ يُفْرَشَ فِيهِ التُّرَابُ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ التَّابُوتُ مِنْ حَجَرٍ أَوْ حَدِيدٍ كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَذُكِرَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ مَعْزِيًّا إلَى السَّرَخْسِيِّ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ تُطْرَحَ الْمِضْرَبَةُ فِي الْقَبْرِ، وَمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ فَغَيْرُ مَشْهُورٍ وَلَا يُؤْخَذُ بِهِ اهـ. وَاخْتَلَفُوا فِي عُمْقِ الْقَبْرِ فَقِيلَ قَدْرُ نِصْفِ الْقَامَةِ وَقِيلَ إلَى الصَّدْرِ، وَإِنْ زَادُوا فَحَسَنٌ، وَفِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ، وَمِنْ مَاتَ فِي السَّفِينَةِ يُغَسَّلُ وَيُكَفَّنُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُرْمَى فِي الْبَحْرِ اهـ. وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْبَرُّ إلَيْهِ قَرِيبًا كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِي الْوَاقِعَاتِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُدْفَنَ الْمَيِّتُ فِي الدَّارِ، وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا؛ لِأَنَّ هَذِهِ السُّنَّةَ كَانَتْ لِلْأَنْبِيَاءِ. (قَوْلُهُ وَيُدْخَلُ مِنْ قِبَلِ الْقِبْلَةِ) وَهُوَ أَنْ تُوضَعَ الْجِنَازَةُ فِي جَانِبِ الْقِبْلَةِ مِنْ الْقَبْرِ وَيُحْمَلَ الْمَيِّتُ مِنْهُ فَيُوضَعَ فِي اللَّحْدِ فَيَكُونَ الْآخِذُ لَهُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ حَالَ الْأَخْذِ وَاخْتَارَ الشَّافِعِيُّ السَّلَّ وَهُوَ أَنْ تُوضَعَ الْجِنَازَةُ عَلَى يَمِينِ الْقِبْلَةِ وَيُجْعَلَ رِجْلَا الْمَيِّتِ إلَى الْقَبْرِ طُولًا ثُمَّ يُؤْخَذَ بِرِجْلَيْهِ وَتُدْخَلَ رِجْلَاهُ فِي الْقَبْرِ وَيُذْهَبَ بِهِ إلَى أَنْ تَصِيرَ رِجْلَاهُ إلَى مَوْضِعِهِمَا وَيُدْخَلَ رَأْسُهُ الْقَبْرَ وَاضْطَرَبَتْ الرِّوَايَاتُ فِي إدْخَالِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَرَجَّحْنَا الْأَوَّلَ؛ لِأَنَّ جَانِبَ الْقِبْلَةِ مُعَظَّمٌ فَيُسْتَحَبُّ الْإِدْخَالُ مِنْهُ (قَوْلُهُ وَيَقُولُ وَاضِعُهُ بِاسْمِ اللَّهِ، وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ) كَذَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ أَيْ بِاسْمِ اللَّهِ وَضَعْنَاك، وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ سَلَّمْنَاك وَزَادَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ بِاَللَّهِ، وَفِي اللَّهِ وَزَادَ فِي الْبَدَائِعِ، وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قَالَ الْمَاتُرِيدِيُّ، وَلَيْسَ هَذَا بِدُعَاءٍ لِلْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهُ إذَا مَاتَ عَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ لَمْ يَجُزْ أَنْ تُبَدَّلَ عَلَيْهِ الْحَالَةُ، وَإِنْ مَاتَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ لَمْ يُبَدَّلْ إلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ وَلَكِنَّ الْمُؤْمِنِينَ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ يَشْهَدُونَ بِوَفَاتِهِ عَلَى الْمِلَّةِ وَعَلَى هَذَا جَرَتْ السُّنَّةُ، وَلَا يَضُرُّ وِتْرٌ دَخَلَ الْقَبْرَ أَمْ شَفْعٌ، وَاخْتَارَ الشَّافِعِيُّ الْوِتْرَ اعْتِبَارًا بِعَدَدِ الْكَفَنِ وَالْغُسْلِ وَالْإِجْمَارِ وَلَنَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا دُفِنَ أَدْخَلَهُ الْعَبَّاسُ وَالْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ وَعَلِيٌّ وَصُهَيْبٌ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَذُو الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ أَوْلَى بِإِدْخَالِ الْمَرْأَةِ الْقَبْرَ وَكَذَا الرَّحِمِ غَيْرِ الْمَحْرَمِ أَوْلَى مِنْ الْأَجْنَبِيِّ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَلَا بَأْسَ لِلْأَجَانِبِ وَضْعُهَا، وَلَا يُحْتَاجُ إلَى النِّسَاءِ لِلْوَضْعِ (قَوْلُهُ وَوُجِّهَ إلَى الْقِبْلَةِ الْمَيِّتُ) بِذَلِكَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَكُونُ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَإِذَا دُفِنَ الْمَيِّتُ مُسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةِ وَأَهَالُوا التُّرَابَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يُنْبَشُ لِيُجْعَلَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، وَلَوْ بَقِيَ فِيهِ مَتَاعٌ لِإِنْسَانٍ فَلَا بَأْسَ بِالنَّبْشِ لِإِخْرَاجِ الْمَتَاعِ وَرُوِيَ أَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ سَقَطَ خَاتَمُهُ فِي قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَا زَالَ بِالصَّحَابَةِ حَتَّى رَفَعَ اللَّبِنَ وَأَخَذَ خَاتَمَهُ وَقَبَّلَ بَيْنَ عَيْنَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ كَانَ يَفْتَخِرُ بِذَلِكَ وَيَقُولُ أَنَا أَحْدَثُكُمْ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَوْلُهُ وَتُحَلُّ الْعُقْدَةُ) لِوُقُوعِ الْأَمْنِ مِنْ الِانْتِشَارِ. (قَوْلُهُ وَيُسَوَّى اللَّبِنُ عَلَيْهِ وَالْقَصَبُ) ؛ لِأَنَّهُ جُعِلَ عَلَى قَبْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اللَّبِنُ وَطُنٌّ مِنْ قَصَبٍ وَاللَّبِنُ وَاحِدُهُ لَبِنَةٌ عَلَى وَزْنِ كَلِمَةٍ مَا يُتَّخَذُ مِنْ الطِّينِ وَالطُّنُّ بِضَمِّ الطَّاءِ الْحُزْمَةُ   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 208 وَاخْتُلِفَ فِي الْمَنْسُوجِ مِنْ الْقَصَبِ، وَمَا يُنْسَجُ مِنْ الْبَرْدِيِّ يُكْرَهُ فِي قَوْلِهِمْ؛ لِأَنَّهُ لِلتَّزْيِينِ كَذَا فِي الْمُجْتَبَى (قَوْلُهُ لَا الْآجُرُّ وَالْخَشَبُ) ؛ لِأَنَّهُمَا لِإِحْكَامِ الْبِنَاءِ وَالْقَبْرُ مَوْضِعُ الْبَلَاء وَلِأَنَّ بِالْآجُرِّ أَثَرَ النَّارِ فَيُكْرَهُ تَفَاؤُلًا كَذَا فِي الْهِدَايَةِ فَعَلَى الْأَوَّلِ يُسَوَّى بَيْنَ الْحَجَرِ وَالْآجُرِّ، وَعَلَى الثَّانِي يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا كَذَا فِي الْغَايَةِ وَأَوْرَدَ الْإِمَامُ حَمِيدُ الدِّينِ الضَّرِيرُ عَلَى التَّعْلِيلِ الثَّانِي أَنَّ الْمَاءَ يُسَخَّنُ بِالنَّارِ وَمَعَ ذَلِكَ يَجُوزُ اسْتِعْمَاله فَعُلِمَ أَنَّ أَثَرَ النَّارِ لَا يَضُرُّ وَأَجَابَ عَنْهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِالْفَرْقِ؛ لِأَنَّ أَثَرَ النَّار فِي الْآجُرِّ مَحْسُوسٌ بِالْمُشَاهَدَةِ، وَفِي الْمَاءِ لَيْسَ بِمُشَاهَدٍ أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي مَنْعِهِمَا وَقَيَّدَهُ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ بِأَنْ لَا يَكُونَ الْغَالِبُ عَلَى الْأَرَاضِي النَّزَّ وَالرَّخَاوَةَ، فَإِنْ كَانَ فَلَا بَأْسَ بِهِمَا كَاتِّخَاذِ تَابُوتٍ مِنْ حَدِيدٍ لِهَذَا وَقَيَّدَهُ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ بِأَنْ يَكُونَ حَوْلَهُ أَمَّا لَوْ كَانَ فَوْقَهُ لَا يُكْرَهُ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ عِصْمَةً مِنْ السَّبُعِ اهـ. وَفِي الْمُغْرِبِ الْآجُرُّ الطِّينُ الْمَطْبُوخُ. (قَوْلُهُ وَيُسَجَّى قَبْرُهَا لَا قَبْرُهُ) ؛ لِأَنَّ مَبْنَى حَالِهِنَّ عَلَى السَّتْرِ، وَالرِّجَالِ عَلَى الْكَشْفِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِمَطَرٍ أَوْ ثَلْجٍ فِي الْمُغْرِبِ سَجَّى الْمَيِّتَ بِثَوْبٍ سَتَرَهُ (قَوْلُهُ وَيُهَالُ التُّرَابُ) سَتْرًا لَهُ وَيُكْرَهُ أَنْ يُزَادَ عَلَى التُّرَابِ الَّذِي أُخْرِجَ مِنْ الْقَبْرِ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ الْبِنَاءِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُحْثَى عَلَيْهِ التُّرَابُ، وَلَا بَأْسَ بِرَشِّ الْمَاءِ عَلَى الْقَبْرِ؛ لِأَنَّهُ تَسْوِيَةٌ لَهُ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ كَرَاهَتُهُ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ التَّطْيِينَ (قَوْلُهُ وَيُسَنَّمُ الْقَبْرُ، وَلَا يُرَبَّعُ) ؛ لِأَنَّهُ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ تَرْبِيعِ الْقُبُورِ» وَمَنْ شَاهَدَ قَبْرَ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَخْبَرَ أَنَّهُ مُسَنَّمٌ فِي الْمُغْرِبِ قَبْرٌ مُسَنَّمٌ مُرْتَفِعٌ غَيْرُ مُسَطَّحٍ وَيُسَنَّمُ قَدْرَ شِبْرٍ وَقِيلَ قَدْرَ أَرْبَعِ أَصَابِعَ، وَمَا وَرَدَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ «أَنْ لَا أَدَعَ قَبْرًا مُشْرِفًا إلَّا سَوَّيْته» فَمَحْمُولٌ عَلَى مَا زَادَ عَلَى التَّسْنِيمِ وَصَرَّحَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ بِوُجُوبِ التَّسْنِيمِ، وَفِي الْمُجْتَبَى بِاسْتِحْبَابِهِ. (قَوْلُهُ وَلَا يُجَصَّصُ) لِحَدِيثِ جَابِرٍ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُجَصَّصَ الْقَبْرُ وَأَنْ يُقْعَدَ عَلَيْهِ وَأَنْ يُبْنَى عَلَيْهِ وَأَنْ يُكْتَبَ عَلَيْهِ» وَأَنْ يُوطَأَ وَالتَّجْصِيصُ طَلْيُ الْبِنَاءِ بِالْجِصِّ بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ، وَفِي الْخُلَاصَةِ، وَلَا يُجَصَّصُ الْقَبْرُ وَلَا يُطَيَّنُ، وَلَا يُرْفَعُ عَلَيْهِ بِنَاءٌ قَالُوا أَرَادَ بِهِ السَّفَطَ الَّذِي يُجْعَلُ فِي دِيَارِنَا عَلَى الْقَبْرِ وَقَالَ فِي الْفَتَاوَى الْيَوْمَ اعْتَادُوا السَّفَطَ، وَلَا بَأْسَ بِالتَّطْيِينِ. اهـ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَلَوْ وُضِعَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْأَشْجَارِ أَوْ كُتِبَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَلَا بَأْسَ بِهِ عِنْدَ الْبَعْضِ اهـ. وَالْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ يَمْنَعُ الْكِتَابَة فَلْيَكُنْ الْمُعَوَّلَ عَلَيْهِ لَكِنْ فَصَّلَ فِي الْمُحِيطِ فَقَالَ: وَإِنْ اُحْتِيجَ إلَى الْكِتَابَةِ حَتَّى لَا يَذْهَبَ الْأَثَرُ وَلَا يُمْتَهَنُ فَلَا بَأْسَ بِهِ فَأَمَّا الْكِتَابَةُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَلَا اهـ. وَفِي الْمُجْتَبَى وَيُكْرَهُ أَنْ يَطَأَ الْقَبْرَ أَوْ يَجْلِسَ أَوْ يَنَامَ عَلَيْهِ أَوْ يَقْضِيَ عَلَيْهِ حَاجَةً مِنْ بَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ أَوْ يُصَلَّى عَلَيْهِ أَوْ إلَيْهِ ثُمَّ الْمَشْيُ عَلَيْهِ يُكْرَهُ، وَعَلَى التَّابُوتِ يَجُوزُ عِنْدَ بَعْضِهِمْ كَالْمَشْيِ عَلَى السَّقْفِ. اهـ. وَفِي الْخُلَاصَةِ، وَلَوْ وَجَدَ طَرِيقًا فِي الْمَقْبَرَةِ، وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ طَرِيقٌ أَحْدَثُوهُ لَا يَمْشِي فِي ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَقَعْ ذَلِكَ فِي ضَمِيرِهِ لَا بَأْسَ بِأَنْ يَمْشِيَ فِيهِ اهـ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَيُكْرَهُ الْجُلُوسُ عَلَى الْقَبْرِ وَوَطْؤُهُ حِينَئِذٍ فَمَا تَصْنَعُهُ النَّاسُ مِمَّنْ دُفِنَتْ أَقَارِبُهُ ثُمَّ دُفِنَتْ حَوَالَيْهِمْ خَلْقٌ مِنْ وَطْءِ تِلْكَ الْقُبُورِ إلَى أَنْ يَصِلَ إلَى قَبْرِ قَرِيبِهِ مَكْرُوهٌ اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ، وَلَا يُدْفَنُ اثْنَانِ وَثَلَاثَةٌ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ إلَّا عِنْدَ الْحَاجَةِ يُوضَعُ الرَّجُلُ مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ ثُمَّ خَلْفَهُ الْغُلَامُ ثُمَّ خَلْفَهُ الْخُنْثَى ثُمَّ خَلْفَهُ الْمَرْأَةُ وَيَجْعَلُ بَيْنَ كُلِّ مَيِّتَيْنِ حَاجِزًا مِنْ التُّرَابِ لِيَصِيرَ فِي حُكْمِ قَبْرَيْنِ هَكَذَا «أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي شُهَدَاءِ أُحُدٍ وَقَالَ قَدِّمُوا أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا» اهـ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَيُكْرَهُ الدَّفْنُ فِي الْأَمَاكِنِ الَّتِي تُسَمَّى فَسَاقِي اهـ. وَهِيَ مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ عَدَمُ اللَّحْدِ الثَّانِي دَفْنُ الْجَمَاعَةِ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ الثَّالِثُ اخْتِلَاطُ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ مِنْ غَيْرِ حَاجِزٍ كَمَا هُوَ الْوَاقِعُ فِي كَثِيرٍ مِنْهَا الرَّابِعُ تَجْصِيصُهَا وَالْبِنَاءُ عَلَيْهَا، وَفِي الْبَدَائِعِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُصَلَّى عَلَى مَيِّتٍ بَيْنَ الْقُبُورِ وَكَانَ عَلِيٌّ وَابْنُ عَبَّاسٍ يَكْرَهَانِ ذَلِكَ، فَإِنْ صَلَّوْا أَجْزَأَهُمْ اهـ. .   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَأَجَابَ عَنْهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ إلَخْ) أَحْسَنَ مِنْ هَذَا مَا فِي النَّهْرِ، وَهُوَ أَنَّ الْآجُرَّ إنَّمَا كُرِهَ فِي الْقَبْرِ تَفَاؤُلًا؛ لِأَنَّ بِهِ أَثَرَ النَّارِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُكْرَهُ الْإِجْمَارُ عِنْدَ الْقَبْرِ وَاتِّبَاعُ الْجِنَازَةِ بِالنَّارِ بِخِلَافِ الْغُسْلِ بِالْمَاءِ الْحَارِّ؛ لِأَنَّهُ يَقَعُ فِي الْبَيْتِ، وَلَا يُكْرَهُ الْإِجْمَارُ فِيهِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ الشَّارِحُ. (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَيُسَجَّى قَبْرُهَا) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الزَّيْلَعِيُّ فِي كِتَابِ الْخُنْثَى (قَوْلُهُ بِاسْتِحْبَابِهِ) قَالَ فِي النَّهْرِ، وَهُوَ أَوْلَى. (قَوْلُهُ الَّتِي تُسَمَّى فَسَاقِي) هِيَ كَبَيْتٍ مَعْقُودٍ بِالْبِنَاءِ يَسَعُ جَمَاعَةً قِيَامًا وَنَحْوَهُ كَذَا فِي الْإِمْدَادِ (قَوْلُهُ وَهِيَ) أَيْ الْكَرَاهَةُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 209 (قَوْلُهُ وَلَا يُخْرَجُ مِنْ الْقَبْرِ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ مَغْصُوبَةً) أَيْ بَعْدَ مَا أُهِيلَ التُّرَابُ عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ إخْرَاجُهُ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ لِلنَّهْيِ الْوَارِدِ عَنْ نَبْشِهِ وَصَرَّحُوا بِحُرْمَتِهِ وَأَشَارَ بِكَوْنِ الْأَرْضِ مَغْصُوبَةً إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ نَبْشُهُ لِحَقِّ الْآدَمِيِّ كَمَا إذَا سَقَطَ فِيهَا مَتَاعُهُ أَوْ كُفِّنَ بِثَوْبٍ مَغْصُوبٍ أَوْ دُفِنَ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ أَوْ دُفِنَ مَعَهُ مَالُ أَحْيَاءٍ لِحَقِّ الْمُحْتَاجِ قَدْ «أَبَاحَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَبْشَ قَبْرِ أَبِي رَعَالٍ لِعَصًا مِنْ ذَهَبٍ مَعَهُ» كَذَا فِي الْمُجْتَبَى قَالُوا، وَلَوْ كَانَ الْمَالُ دِرْهَمًا وَدَخَلَ فِيهِ مَا إذَا أَخَذَهَا الشَّفِيعُ فَإِنَّهُ يُنْبَشُ أَيْضًا لِحَقِّهِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَذُكِرَ فِي التَّبْيِينِ أَنَّ صَاحِبَ الْأَرْضِ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ أَخْرَجَهُ مِنْهَا وَإِنْ شَاءَ سَاوَاهُ مَعَ الْأَرْضِ وَانْتَفَعَ بِهَا زِرَاعَةً أَوْ غَيْرَهَا وَأَفَادَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَوْ وُضِعَ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ أَوْ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْسَرِ أَوْ جُعِلَ رَأْسُهُ فِي مَوْضِعِ رِجْلَيْهِ أَوْ دُفِنَ بِلَا غُسْلٍ وَأُهِيلَ عَلَيْهِ التُّرَابُ فَإِنَّهُ لَا يُنْبَشُ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ؛ لِأَنَّ النَّبْشَ حَرَامٌ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَاتَّفَقَتْ كَلِمَةُ الْمَشَايِخِ فِي امْرَأَةٍ دُفِنَ ابْنُهَا، وَهِيَ غَائِبَةٌ فِي غَيْرِ بَلَدِهَا فَلَمْ تَصْبِرْ وَأَرَادَتْ نَقْلَهُ أَنَّهُ لَا يَسَعُهَا ذَلِكَ فَتَجْوِيزُ شَوَاذِّ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ اهـ. وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فَشَمَلَ مَا إذَا بَعُدَتْ الْمُدَّةُ أَوْ قَصُرَتْ كَمَا فِي الْفَتَاوَى، وَلَمْ يَتَكَلَّمْ الْمُصَنِّفُ عَلَى نَقْلِ الْمَيِّتِ مِنْ مَكَان إلَى آخَرَ قَبْلَ دَفْنِهِ قَالَ فِي الْوَاقِعَاتِ وَالتَّجْنِيسِ: الْقَتِيلُ أَوْ الْمَيِّتُ يُسْتَحَبُّ لَهُمَا أَنْ يُدْفَنَا فِي الْمَكَانِ الَّذِي قُتِلَ أَوْ مَاتَ فِيهِ فِي مَقَابِرِ أُولَئِكَ الْقَوْمِ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا زَارَتْ قَبْرَ أَخِيهَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَكَانَ مَاتَ بِالشَّامِ وَحُمِلَ مِنْ هُنَاكَ فَقَالَتْ: لَوْ كَانَ الْأَمْرُ فِيك بِيَدِي مَا نَقَلْتُك وَلَدَفَنْتُك حَيْثُ مِتَّ لَكِنْ مَعَ هَذَا إذَا نُقِلَ مِيلًا أَوْ مِيلَيْنِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ، وَإِنْ نُقِلَ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ فَلَا إثْمَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ أَنَّ يَعْقُوبَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْه مَاتَ بِمِصْرَ فَحُمِلَ إلَى أَرْضِ الشَّامِ وَمُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حَمَلَ تَابُوتَ يُوسُفَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَعْدَ مَا أَتَى عَلَيْهِ زَمَانٌ إلَى أَرْضِ الشَّامِ مِنْ مِصْرَ لِيَكُونَ عِظَامُهُ مَعَ عِظَامِ آبَائِهِ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ مَاتَ فِي ضَيْعَةٍ عَلَى أَرْبَعَةِ فَرَاسِخَ مِنْ الْمَدِينَةِ فَحُمِلَ عَلَى أَعْنَاقِ الرِّجَالِ إلَى الْمَدِينَةِ اهـ. وَفِي التَّبْيِينِ، وَلَوْ بَلِيَ الْمَيِّتُ وَصَارَ تُرَابًا جَازَ دَفْنُ غَيْرِهِ فِي قَبْرِهِ وَزَرْعُهُ وَالْبِنَاءُ عَلَيْهِ. اهـ. وَفِي الْوَاقِعَاتِ عِظَامُ الْيَهُودِ لَهَا حُرْمَةٌ إذَا وُجِدَتْ فِي قُبُورِهِمْ كَحُرْمَةِ عِظَامِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى لَا تُكْسَرَ؛ لِأَنَّ الذِّمِّيَّ لَمَّا حَرُمَ إيذَاؤُهُ فِي حَيَاتِهِ لِذِمَّتِهِ فَتَجِبُ صِيَانَةُ نَفْسِهِ عَنْ الْكَسْرِ بَعْدَ مَوْتِهِ اهـ. وَلَمْ يَتَكَلَّمْ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى زِيَارَةِ الْقُبُورِ، وَلَا بَأْسَ بِبَيَانِهِ تَكْمِيلًا لِلْفَائِدَةِ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ، وَلَا بَأْسَ بِزِيَارَةِ الْقُبُورِ وَالدُّعَاءِ لِلْأَمْوَاتِ إنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ مِنْ غَيْرِ وَطْءِ الْقُبُورِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنِّي كُنْت نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ، أَلَا فَزُورُوهَا» وَلِعَمَلِ الْأُمَّةِ مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى يَوْمِنَا هَذَا اهـ. وَصَرَّحَ فِي الْمُجْتَبَى بِأَنَّهَا مَنْدُوبَةٌ وَقِيلَ تَحْرُمُ عَلَى النِّسَاءِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الرُّخْصَةَ ثَابِتَةٌ لَهُمَا «وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُعَلِّمُ السَّلَامَ عَلَى الْمَوْتَى السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَيُّهَا الدَّارُ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ وَإِنَّا - إنْ شَاءَ اللَّهُ - بِكُمْ لَاحِقُونَ أَنْتُمْ لَنَا فَرَطٌ وَنَحْنُ لَكُمْ تَبَعٌ فَنَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ» ، وَلَا بَأْسَ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ عِنْدَ الْقُبُورِ وَرُبَّمَا تَكُونُ أَفْضَلَ مِنْ غَيْرِهِ وَيَجُوزُ أَنْ يُخَفِّفَ اللَّهُ عَنْ أَهْلِ الْقُبُورِ شَيْئًا مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ أَوْ يَقْطَعَهُ عِنْدَ دُعَاءِ الْقَارِئِ وَتِلَاوَتِهِ وَفِيهِ وَرَدَ آثَارُ «مَنْ دَخَلَ الْمَقَابِرَ فَقَرَأَ سُورَةَ يس خَفَّفَ اللَّهُ عَنْهُمْ يَوْمئِذٍ وَكَانَ لَهُ بِعَدَدِ مَنْ فِيهَا حَسَنَاتٌ» . اهـ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَيُكْرَهُ عِنْدَ الْقَبْرِ كُلَّمَا لَمْ يُعْهَدْ مِنْ السُّنَّةِ وَالْمَعْهُودُ مِنْهَا لَيْسَ إلَّا زِيَارَتُهَا وَالدُّعَاءُ عِنْدَهَا قَائِمًا كَمَا كَانَ يَفْعَلُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْخُرُوجِ إلَى الْبَقِيعِ اهـ. وَفِي الْخُلَاصَةِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ أَوْ دُفِنَ مَعَهُ مَالٌ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ اُسْتُفِيدَ مِنْهُ جَوَابُ حَادِثَةِ الْفَتْوَى امْرَأَةٌ دَفَنَتْ مَعَ بِنْتِهَا مِنْ الْمَصَاغِ وَالْأَسْبَابِ وَالْأَمْتِعَةِ الْمُشْتَرَكَةِ إرْثًا عَنْهَا بِغَيْبَةِ الزَّوْجِ أَنَّهُ يُنْبَشُ لِحَقِّهِ وَإِذَا تَلِفَتْ بِهِ تَضْمَنُ حِصَّتَهُ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ أَنَّ يَعْقُوبَ صَلَوَاتُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا شَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا، وَلَمْ تَتَوَفَّرْ فِيهِ شُرُوطُ كَوْنِهِ شَرْعًا لَنَا كَذَا فِي شَرْحِ الْعَلَّامَةِ الْمَقْدِسِيَّ وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ عَنْ الْفَتْحِ وَأَوْضَحَهُ بِأَنَّ مِنْ شَرْطِ كَوْنِهِ شَرِيعَةً لَنَا أَنْ يَقُصَّهُ اللَّهُ تَعَالَى أَوْ رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ مَعَ أَنَّ مَا نُقِلَ مِنْ نَقْلِ سَعْدٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَإِنْ لَمْ يَرِدْ مَنْ أَنْكَرَهُ لَكِنْ وَرَدَ مَا عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - حِينَ نُقِلَ أَخُوهَا إلَّا أَنْ يُقَالَ ذَلِكَ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ وَنُقِلَ سَعْدٌ دُونَهُ لَكِنْ مَا اسْتَدَلَّ لَهُ بِهِ هُوَ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ فَلْيُتَأَمَّلْ. قَالَ: وَقَدْ جَزَمَ فِي التَّاجِيَّةِ بِالْكَرَاهَةِ، وَفِي التَّجْنِيسِ وَذَكَرَ أَنَّهُ إذَا مَاتَ فِي بَلْدَةٍ يُكْرَهُ نَقْلُهُ إلَى أُخْرَى؛ لِأَنَّهُ اشْتِغَالٌ بِمَا لَا يُفِيدُ، وَفِيهِ تَأْخِيرُ دَفْنِهِ وَكَفَى بِذَلِكَ كَرَاهَةً (قَوْلُهُ وَقِيلَ تَحْرُمُ عَلَى النِّسَاءِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَمَّا النِّسَاءُ إذَا أَرَدْنَ زِيَارَةَ الْقُبُورِ إنْ كَانَ ذَلِكَ لِتَجْدِيدِ الْحُزْنِ وَالْبُكَاءِ وَالنَّدْبِ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ عَادَتُهُنَّ فَلَا تَجُوزُ لَهُنَّ الزِّيَارَةُ، وَعَلَيْهِ حُمِلَ الْحَدِيثُ «لَعَنَ اللَّهُ زَائِرَاتِ الْقُبُورِ» ، وَإِنْ كَانَ لِلِاعْتِبَارِ وَالتَّرَحُّمِ وَالتَّبَرُّكِ بِزِيَارَةِ قُبُورِ الصَّالِحِينَ فَلَا بَأْسَ إذَا كُنَّ عَجَائِزَ وَيُكْرَهُ إذَا كُنَّ شَوَابَّ كَحُضُورِ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَسَاجِدِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 210 وَيُكْرَهُ قَطْعُ الْحَطَبِ وَالْحَشِيشِ مِنْ الْمَقْبَرَةِ إلَّا إذَا كَانَ يَابِسًا، وَلَا يُسْتَحَبُّ قَطْعُ الْحَشِيشِ الرَّطْبِ اهـ. وَذَكَرَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ مَسْأَلَةَ السُّؤَالِ فِي الْقَبْرِ وَلَيْسَتْ فِقْهِيَّةً وَإنَّمَا هِيَ كَلَامِيَّةٌ فَلِذَا تَرَكْنَاهَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ (بَابُ الشَّهِيدِ) إنَّمَا بَوَّبَ لَهُ مَعَ أَنَّ الْمَقْتُولَ مَيِّتٌ بِأَجَلِهِ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ لِاخْتِصَاصِهِ بِالْفَضِيلَةِ فَكَانَ إفْرَادُهُ كَإِفْرَادِ جِبْرِيلَ مَعَ الْمَلَائِكَةِ، وَهُوَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ؛ لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ يَشْهَدُونَ مَوْتَهُ إكْرَامًا لَهُ فَكَانَ مَشْهُودًا أَوْ؛ لِأَنَّهُ مَشْهُودٌ لَهُ بِالْجَنَّةِ أَوْ بِمَعْنَى فَاعِلٍ؛ لِأَنَّهُ حَيٌّ عِنْدَ اللَّهِ حَاضِرٌ (قَوْلُهُ هُوَ مَنْ قَتَلَهُ أَهْلُ الْحَرْبِ أَوْ الْبَغْيِ أَوْ قُطَّاعُ الطَّرِيقِ أَوْ وُجِدَ فِي الْمَعْرَكَةِ وَبِهِ أَثَرٌ أَوْ قَتَلَهُ مُسْلِمٌ ظُلْمًا، وَلَمْ يَجِبْ بِقَتْلِهِ دِيَةٌ) بَيَانٌ لِشَرَائِطِهِ، قُيِّدَ بِكَوْنِهِ مَقْتُولًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ أَوْ تَرَدَّى مِنْ مَوْضِعٍ أَوْ احْتَرَقَ بِالنَّارِ أَوْ مَاتَ تَحْتَ هَدْمٍ أَوْ غَرَقٍ لَا يَكُونُ شَهِيدًا أَيْ فِي حُكْمِ الدُّنْيَا وَإِلَّا فَقَدْ «شَهِدَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْغَرِيقِ وَلِلْحَرِيقِ وَالْمَبْطُونِ وَالْغَرِيبِ بِأَنَّهُمْ شُهَدَاءُ» فَيَنَالُونَ ثَوَابَ الشُّهَدَاءِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ، وَفِي التَّجْنِيسِ رَجُلٌ قَصَدَ الْعَدُوَّ لِيَضْرِبَهُ فَأَخْطَأَ فَأَصَابَ نَفْسَهُ فَمَاتَ يُغَسَّلُ؛ لِأَنَّهُ مَا صَارَ مَقْتُولًا بِفِعْلٍ مُضَافٍ إلَى الْعَدُوِّ وَلَكِنَّهُ شَهِيدٌ فِيمَا يَنَالُ مِنْ الثَّوَابِ فِي الْآخِرَةِ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ الْعَدُوَّ لَا نَفْسَهُ اهـ. وَأَطْلَقَ فِي قَتْلِهِ فَشَمَلَ الْقَتْلَ مُبَاشَرَةً أَوْ تَسَبُّبًا؛ لِأَنَّ مَوْتَهُ مُضَافٌ إلَيْهِمْ حَتَّى لَوْ أَوْطَئُوا دَابَّتَهُمْ مُسْلِمًا أَوْ نَفَّرُوا دَابَّةَ مُسْلِمٍ فَرَمَتْهُ أَوْ رَمَوْهُ مِنْ السُّورِ أَوْ أَلْقَوْا عَلَيْهِ حَائِطًا أَوْ رَمَوْا بِنَارٍ فَأَحْرَقُوا سُفُنَهُمْ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْبَابِ كَانَ شَهِيدًا، وَلَوْ انْفَلَتَتْ دَابَّةُ مُشْرِكٍ لَيْسَ عَلَيْهَا أَحَدٌ فَوَطِئَتْ مُسْلِمًا أَوْ رَمَى مُسْلِمٌ إلَى الْكُفَّارِ فَأَصَابَ مُسْلِمًا أَوْ نَفَرَتْ دَابَّةُ مُسْلِمٍ مِنْ سَوَادِ الْكُفَّارِ أَوْ نَفَرَ الْمُسْلِمُونَ مِنْهُمْ فَأَلْجَئُوهُمْ إلَى خَنْدَقٍ أَوْ نَارٍ أَوْ نَحْوِهِ أَوْ جَعَلُوا حَوْلَهُمْ الشَّوْكَ فَمَشَى عَلَيْهَا مُسْلِمٌ فَمَاتَ بِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ شَهِيدًا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ يَقْطَعُ النِّسْبَةَ إلَيْهِمْ، وَكَذَا فِعْلُ الدَّابَّةِ دُونَ حَامِلٍ، وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ جَعْلُ الشَّوْكِ حَوْلَهُمْ تَسْبِيبًا؛ لِأَنَّ مَا قُصِدَ بِهِ الْقَتْلُ فَهُوَ تَسْبِيبٌ، وَمَا لَا فَلَا، وَهُمْ إنَّمَا قَصَدُوا بِهِ الدَّفْعَ لَا الْقَتْلَ، وَأَرَادَ بِمِنْ الْمُسْلِمِ فَإِنَّ الْكَافِرَ لَيْسَ بِشَهِيدٍ وَأَرَادَ بِالْأَثَرِ هُنَا مَا يَكُونُ عَلَامَةً عَلَى الْقَتْلِ كَالْجُرْحِ وَسَيَلَانِ الدَّمِ مِنْ عَيْنَيْهِ أَوْ أُذُنِهِ لَا مَاءٌ يَسِيلُ مِنْ أَنْفِهِ أَوْ ذَكَرِهِ أَوْ دُبُرِهِ، فَإِنْ كَانَ يَسِيلُ مِنْ فِيهِ، فَإِنْ ارْتَقَى مِنْ الْجَوْفِ وَكَانَ صَافِيًا كَانَ عَلَامَةً عَلَى الْقَتْلِ، وَإِنْ نَزَلَ مِنْ الرَّأْسِ أَوْ كَانَ جَامِدًا فَلَا، وَفِي الْبَدَائِعِ إنَّ أَثَرَ الضَّرْبِ وَالْخَنْقِ كَأَثَرِ الْجُرْحِ وَقَيَّدْنَا بِكَوْنِهِ فِي الْمَعْرَكَةِ، وَهِيَ مَوْضِعُ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وُجِدَ فِي عَسْكَرِ الْمُسْلِمِينَ قَتِيلٌ قَبْلَ لِقَاءِ الْعَدُوِّ فَلَيْسَ بِشَهِيدٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ قَتِيلَ الْعَدُوِّ؛ وَلِهَذَا تَجِبُ فِيهِ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بَعْدَ لِقَائِهِمْ فَإِنَّهُ قَتِيلُهُمْ ظَاهِرًا كَذَا فِي الْبَدَائِعِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَكْتَفِ بِقَوْلِهِ أَوْ قَتَلَهُ مُسْلِمٌ ظُلْمًا عَنْ ذِكْرِ أَهْلِ الْبَغْيِ وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ مَعَ كَوْنِهِمْ مُسْلِمِينَ قَتَلُوا ظُلْمًا؛ لِأَنَّ قَتِيلَ أَهْلِ الْبَغْيِ وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ قَتْلُهُ بِحَدِيدَةٍ بَلْ بِكُلِّ آلَةٍ سِلَاحًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ مُبَاشَرَةً أَوْ تَسْبِيبًا كَقَتِيلِ أَهْلِ الْحَرْبِ قَالَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْقِتَالُ مَعَ أَهْلِ الْبَغْيِ وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ مَأْمُورًا بِهِ أُلْحِقَ بِقِتَالِ أَهْلِ الْحَرْبِ فَعَمَّتْ الْآلَةُ كَمَا عَمَّتْ هُنَاكَ اهـ. . بِخِلَافِ قَتْلِ غَيْرِهِمْ فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ بِحَدِيدَةٍ كَمَا سَنَذْكُرُهُ وَقُيِّدَ بِقَوْلِهِ ظُلْمًا؛ لِأَنَّ مَنْ قَتَلَهُ مُسْلِمٌ حَقًّا كَالْمَقْتُولِ بِحَدٍّ أَوْ قِصَاصٍ أَوْ عَدَا عَلَى قَوْمٍ فَقَتَلُوهُ فَلَيْسَ بِشَهِيدٍ وَكَذَا لَوْ مَاتَ فِي حَدٍّ أَوْ تَعْزِيرٍ أَوْ غَيْرِهِ وَقُيِّدَ بِقَوْلِهِ، وَلَمْ يَجِبْ بِقَتْلِهِ دِيَةٌ؛ لِأَنَّ مَنْ قَتَلَهُ مُسْلِمٌ ظُلْمًا خَطَأً أَوْ عَمْدًا بِالْمُثْقِلِ أَوْ غَيْرِهِ فَلَيْسَ بِشَهِيدٍ لِوُجُوبِ الدِّيَةِ بِقَتْلِهِ وَكَذَا لَوْ وُجِدَ مَذْبُوحًا، وَلَمْ يُعْلَمْ قَاتِلُهُ كَمَا سَيَأْتِي، وَكَذَا لَوْ وُجِدَ فِي مَحَلَّةٍ   [منحة الخالق] [بَابُ الشَّهِيد] (قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَ يَسِيلُ مِنْ فِيهِ إلَخْ) قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَأَمَّا إنْ ظَهَرَ مِنْ الْفَمِ فَقَالُوا إنْ عُرِفَ أَنَّهُ مِنْ الرَّأْسِ بِأَنْ يَكُونَ صَافِيًا غُسِّلَ، وَإِنْ كَانَ خِلَافَهُ عُرِفَ أَنَّهُ مِنْ الْجَوْفِ فَيَكُونُ مِنْ جِرَاحَةٍ فِيهِ فَلَا يُغَسَّلُ وَأَنْتَ عَلِمْت أَنَّ الْمُرْتَقِي مِنْ الْجَوْفِ قَدْ يَكُونُ عَلَقًا فَهُوَ سَوْدَاءُ بِصُورَةِ الدَّمِ، وَقَدْ يَكُونُ رَقِيقًا مِنْ قُرْحَةٍ فِي الْجَوْفِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الطَّهَارَةِ فَلَمْ يَلْزَمْ كَوْنُهُ مِنْ جِرَاحَةٍ حَادِثَةٍ بَلْ هُوَ أَحَدُ الْمُحْتَمَلَاتِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا لَمْ يَكْتَفِ بِقَوْلِهِ أَوْ قَتَلَهُ مُسْلِمٌ ظُلْمًا إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ مَنْ قُتِلَ ظُلْمًا، وَلَمْ تَجِبْ بِقَتْلِهِ دِيَةٌ لَاسْتُفِيدَ مَا ذَكَرَهُ مَعَ كَمَالِ الِاخْتِصَار. اهـ. وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 211 مَقْتُولٌ، وَلَمْ يُعْلَمْ قَاتِلُهُ فَإِنَّهُ لَا يُدْرَى أَقُتِلَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا عَمْدًا أَوْ خَطَأً، وَفِي الْمُجْتَبَى وَإِذَا الْتَقَتْ سَرِيَّتَانِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَكُلُّ وَاحِدَةٍ تَرَى أَنَّهُمْ مُشْرِكُونَ فَأَجْلَوْا عَنْ قَتْلَى مِنْ الْفَرِيقَيْنِ قَالَ مُحَمَّدٌ لَا دِيَةَ عَلَى أَحَدٍ، وَلَا كَفَّارَةَ؛ لِأَنَّهُمْ دَافِعُونَ عَنْ أَنْفُسِهِمْ، وَلَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ الْغُسْلِ وَيَجِبُ أَنْ يُغَسَّلُوا؛ لِأَنَّ قَاتِلَهُمْ لَمْ يَظْلِمْهُمْ اهـ. وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ بِقَتْلِهِ أَيْ بِسَبَبِهِ عَمَّا إذَا وَجَبَتْ الدِّيَةُ بِالصُّلْحِ أَوْ بِقَتْلِ الْأَبِ ابْنَهُ أَوْ شَخْصًا آخَرَ وَوَارِثُهُ ابْنُهُ فَإِنَّ الْمَقْتُولَ شَهِيدٌ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الْقَتْلِ لَمْ يُوجِبْ الدِّيَةَ بَلْ يُوجِبُ الْقِصَاصَ، وَإِنَّمَا سَقَطَ لِلصُّلْحِ أَوْ لِلشُّبْهَةِ، وَإِنَّمَا كَانَ الْمَالُ عِوَضًا مَانِعًا، وَلَمْ يَكُنْ وُجُوبُ الْقِصَاصِ عِوَضًا مَانِعًا؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ لِلْمَيِّتِ مِنْ وَجْهٍ وَلِلْوَارِثِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، وَهِيَ تُشْفِي الصُّدُورَ وَلِلْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ وَهُوَ مَا فِي شَرْعِيَّتِهِ مِنْ حَيَاةِ الْأَنْفُسِ فَلَمْ يَكُنْ عِوَضًا مُطْلَقًا فَلَا تَبْطُلُ الشَّهَادَةُ بِالشَّكِّ كَذَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِلْمُصَنِّفِ وَذُكِرَ فِي الْمُجْتَبَى وَالْبَدَائِعِ أَنَّ الشَّرَائِطَ سِتٌّ الْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ وَالْقَتْلُ ظُلْمًا وَأَنَّهُ لَا يَجِبُ بِهِ عِوَضٌ مَالِيٌّ وَالطَّهَارَةُ عَنْ الْجَنَابَةِ وَعَدَمُ الِارْتِثَاثِ اهـ. وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ بَقِيَّتَهَا لِمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ مِنْ مَفْهُومَاتِهَا لَكِنْ بَقِيَ مَنْ قُتِلَ مُدَافِعًا عَنْ نَفْسِهِ أَوْ عَنْ مَالِهِ أَوْ عَنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ الْقَاتِلُ وَاحِدًا مِنْ الثَّلَاثَةِ فِي الْكِتَابِ فَإِنَّ الْمَقْتُولَ شَهِيدٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحِيطِ وَعَطَفَهُ عَلَى الثَّلَاثَةِ وَجَعَلَهُ سَبَبًا رَابِعًا، وَلَا يُمْكِنُ دُخُولُهُ تَحْتَ قَوْلِهِ أَوْ قَتَلَهُ مُسْلِمٌ ظُلْمًا؛ لِأَنَّ الْمُدَافِعَ الْمَذْكُورَ شَهِيدٌ بِأَيِّ آلَةٍ قُتِلَ بِحَدِيدَةٍ أَوْ حَجَرٍ أَوْ خَشَبٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحِيطِ، وَمَقْتُولُ الْمُسْلِمِ ظُلْمًا لَا يَكُونُ شَهِيدًا إلَّا إذَا قُتِلَ بِحَدِيدَةٍ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَمِنْ هُنَا يَظْهَرُ أَنَّ عِبَارَةَ الْمَجْمَعِ هُنَا لَمْ تَكُنْ مُحَرَّرَةً فَإِنَّهُ لَمْ يُفَصِّلْ فِي مَقْتُولِ الْمُسْلِمِ ظُلْمًا بَلْ أَدْخَلَ الْبَاغِيَ وَقَاطِعَ الطَّرِيقِ تَحْتَ الْمُسْلِمِ وَجَعَلَ حُكْمَ مَقْتُولِهِمْ وَاحِدًا، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، وَإِنْ أَرَادَ بِالْمُسْلِمِ مَا عَدَاهُمَا فَلَيْسَ فِي عِبَارَتِهِ اسْتِيفَاءٌ لِلشَّهِيدِ وَيُرَدُّ عَلَى الْكُلِّ مَا قَتَلَهُ ذِمِّيٌّ ظُلْمًا فَإِنَّهُ فِي حُكْمِ الْمُسْلِمِ هُنَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْمَلَكِ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ قَالَ: وَالْمُكَابِرُونَ فِي الْمِصْرِ لَيْلًا بِمَنْزِلَةِ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ اهـ. وَالْبَغْيُ فِي عِبَارَةِ الْمُخْتَصَرِ مَجْرُورٌ وَقُطَّاعُ الطَّرِيقِ مَرْفُوعٌ. (قَوْلُهُ فَيُكَفَّنُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ بِلَا غُسْلٍ) بَيَانٌ لِحُكْمِهِ أَمَّا عَدَمُ الْغُسْلِ فَلِحَدِيثِ السُّنَنِ أَنَّهُ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَ بِقَتْلَى أُحُدٍ أَنْ يُنْزَعَ عَنْهُمْ الْحَدِيدُ وَالْجُلُودُ وَأَنْ يُدْفَنُوا بِدِمَائِهِمْ وَثِيَابِهِمْ» ، وَمَا عَلَّلَ بِهِ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ لِعَدَمِ الْغُسْلِ بِأَنَّهُمْ كَانُوا جَرْحَى فَقَدْ قَالَ السَّرَخْسِيُّ إنَّهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَمَّ الْغُسْلَ بِاعْتِبَارِ الْجِرَاحَةِ لَكَانَ التَّيَمُّمُ مَشْرُوعًا، وَأَمَّا الصَّلَاةُ «فَلِصَلَاتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى حَمْزَةَ وَغَيْرِهِ يَوْمَ أُحُدٍ» وَلِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ «أَنَّهُ صَلَّى عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ بَعْدَ ثَمَانِ سِنِينَ» ، وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُمْ أَحْيَاءٌ وَالْحَيُّ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ فَمَدْفُوعٌ بِأَنَّهُ حُكْمٌ أُخْرَوِيٌّ لَا دُنْيَوِيٌّ بِدَلِيلِ ثُبُوتِ أَحْكَامِ الْمَوْتَى لَهُمْ مِنْ قِسْمَةِ تَرِكَاتِهِمْ وَبَيْنُونَةِ نِسَائِهِمْ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّهَا لِلِاسْتِغْفَارِ وَهُمْ مَغْفُورٌ لَهُمْ فَمُنْتَقَضٌ بِالنَّبِيِّ وَالصَّبِيِّ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى النَّبِيِّ لَكَانَ أَوْلَى فَإِنَّ الدُّعَاءَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الصَّبِيِّ لِأَبَوَيْهِ فَمَدْفُوعٌ مِنْ أَنَّ كَلَامَهُ فِي نَفْسِ الصَّلَاةِ لَا فِي الْمَدْعُوِّ لَهُ وَلِأَنَّ الصَّبِيَّ لَيْسَ بِمُسْتَغْنٍ عَنْ الرَّحْمَةِ فَنَفْسُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ رَحْمَةٌ لَهُ وَنَفْسُ الدُّعَاءِ الْوَارِدِ لِأَبَوَيْهِ دُعَاءٌ لَهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ فَرَطًا لِأَبَوَيْهِ فَقَدْ تَقَدَّمَهُمَا فِي الْخَيْرِ لَا سِيَّمَا، وَقَدْ قَالُوا إنَّ حَسَنَاتِ الصَّبِيِّ لَهُ لَا لِأَبَوَيْهِ، وَلَهُمَا ثَوَابُ التَّعْلِيمِ. (قَوْلُهُ وَيُدْفَنُ بِدَمِهِ وَثِيَابِهِ إلَّا مَا لَيْسَ مِنْ الْكَفَنِ وَيُزَادُ وَيُنْقَصُ) بَيَانٌ لِحُكْمٍ آخَرَ لَهُ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ يُنْزَعَ عَنْهُ جَمِيعُ ثِيَابِهِ وَيُجَدَّدُ الْكَفَنُ ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَقَالُوا مَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْكَفَنِ الْفَرْوُ وَالْحَشْوُ وَالْقَلَنْسُوَةُ وَالسِّلَاحُ وَالْخُفُّ وَقَدَّمْنَا فِيهِ كَلَامًا وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى قَوْلِهِمْ يُزَادُ وَيُنْقَصُ فَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَغَيْرِهَا يُزَادُ إنْ كَانَ مَا عَلَيْهِ نَاقِصًا عَنْ كَفَنِ السُّنَّةِ وَيُنْقَصُ إنْ كَانَ مَا عَلَيْهِ زَائِدًا عَلَى كَفَنِ السُّنَّةِ، وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَبِهِ اسْتَدَلَّ الْمَشَايِخُ عَلَى جَوَازِ الزِّيَادَةِ فِي الْكَفَنِ عَلَى الثَّلَاثِ وَفِيهِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْمُدَافِعَ الْمَذْكُورَ شَهِيدٌ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ مَنْ قُتِلَ مُدَافِعًا عَنْ نَفْسِهِ فَكَوْنُهُ شَهِيدًا مَعَ قَتْلِهِ بِغَيْرِ الْمُحَدَّدِ مُشْكِلٌ جِدًّا لِوُجُوبِ الدِّيَةِ بِقَتْلِهِ فَتَدَبَّرْهُ مُمْعِنًا النَّظَرَ فِيهِ. اهـ. وَمِثْلُ الْمُدَافِعِ عَنْ نَفْسِهِ الْمُدَافِعُ عَنْ غَيْرِهِ إذْ لَا فَرْقَ يَظْهَرُ وَالْجَوَابُ عَنْ إشْكَالِهِ أَنَّ هَذَا الْقَاتِلَ إنْ كَانَ مُكَابِرًا فِي الْمِصْرِ لَيْلًا فَسَيَأْتِي أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ قَاطِعِ الطَّرِيقِ، وَإِنْ كَانَ لِصًّا نَزَلَ عَلَيْهِ لَيْلًا لِيَقْتُلَهُ أَوْ يَأْخُذَ مَالَهُ فَهُوَ بِمَنْزِلَتِهِ أَيْضًا كَمَا فِي النَّهْرِ، وَعَلَى كُلٍّ فَلَا دِيَةَ كَمَا لَا دِيَةَ فِي قَاطِعِ الطَّرِيقِ فَقَوْلُهُ لِوُجُوبِ الدِّيَةِ مَمْنُوعٌ، وَعَلَى كُلٍّ فَهُوَ شَهِيدٌ وَلَا إشْكَالَ تَدَبَّرْ (قَوْلُهُ فَمَدْفُوعٌ مِنْ أَنَّ كَلَامَهُ فِي نَفْسِ الصَّلَاةِ لَا فِي الْمَدْعُوِّ لَهُ) ذُكِرَ فِي النَّهْرِ أَنَّ هَذَا الْجَوَابَ مَمْنُوعٌ وَاقْتَصَرَ عَلَى الثَّانِي. (قَوْلُهُ: وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَبِهِ اسْتَدَلَّ الْمَشَايِخُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ هَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ يُزَادُ عَلَى الثَّلَاثِ، وَقَدْ مَرَّ عَنْ الْغَايَةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 212 وَيُجْعَلُ الْحَنُوطُ لِلشَّهِيدِ كَالْمَيِّتِ. (قَوْلُهُ وَيُغَسَّلُ إنْ قُتِلَ جُنُبًا أَوْ صَبِيًّا) بَيَانٌ لِشَرْطَيْنِ آخَرَيْنِ لِلشَّهَادَةِ الْأَوَّلُ الطَّهَارَةُ مِنْ الْجَنَابَةِ الثَّانِي التَّكْلِيفُ أَمَّا الْأَوَّلُ فَهُوَ قَوْلُهُ وَقَالَا الْجُنُبُ شَهِيدٌ؛ لِأَنَّ مَا وَجَبَ بِالْجَنَابَةِ سَقَطَ بِالْمَوْتِ، وَلَهُ أَنَّ الشَّهَادَةَ عُرِفَتْ مَانِعَةً غَيْرَ رَافِعَةٍ فَلَا تَرْفَعُ الْجَنَابَةَ وَقَدْ صَحَّ أَنَّ حَنْظَلَةَ لَمَّا اُسْتُشْهِدَ جُنُبًا غَسَّلَتْهُ الْمَلَائِكَةُ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ إذَا طَهُرَتَا، وَكَذَا قِيلَ الِانْقِطَاعُ فِي الصَّحِيحِ مِنْ الرِّوَايَةِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُعِدْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غُسْلَ حَنْظَلَةَ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ تَأَدَّى بِدَلِيلِ قِصَّةِ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَلَمْ تُعِدْ أَوْلَادُهُ غُسْلَهُ، وَهُوَ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمَا لَوْ كَانَ وَاجِبًا لَوَجَبَ عَلَى بَنِي آدَمَ وَلَمَا اكْتَفَى بِهِ إذْ الْوَاجِبُ نَفْسُ الْغُسْلِ فَأَمَّا الْغَاسِلُ يَجُوزُ مَنْ كَانَ كَمَا فِي قِصَّةِ آدَمَ اهـ. وَفِيهِ أَنَّ هَذَا الْغُسْلَ عِنْدَهُ لِلْجَنَابَةِ لَا لِلْمَوْتِ قُيِّدَ بِقَوْلِهِ جُنُبًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ قُتِلَ مُحْدِثًا حَدَثًا أَصْغَرَ فَإِنَّهُ لَا يُغَسَّلُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْحَدَثَيْنِ عِنْدَهُ هُوَ أَنَّ سُقُوطَ غَسْلِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ لِمَعْنًى ضَرُورِيٍّ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ لَا يَخْلُو عَنْ حَدَثٍ قَبْلَهُ لِعَدَمِ خُلُوِّهِ مِنْ زَوَالِ الْعَقْلِ فَكَانَتْ الشَّهَادَةُ رَافِعَةً لَهُ ضَرُورَةً، وَلَا ضَرُورَةَ فِي الْجَنَابَةِ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ يَخْلُو عَنْهَا فَلَا تَكُونُ رَافِعَةً فِي حَقِّهَا، وَفِي الْخَبَّازِيَّةِ هَذَا الْجَوَابُ فِي النُّفَسَاءِ مُجْرًى عَلَى إطْلَاقِهِ؛ لِأَنَّ أَقَلَّ النِّفَاسِ لَا حَدَّ لَهُ أَمَّا فِي الْحَائِضِ فَمُصَوَّرَةٌ فِيمَا إذَا اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ قُتِلَتْ قَبْلَ الِانْقِطَاعِ أَوْ بَعْدَهُ أَمَّا لَوْ رَأَتْ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ دَمًا وَقُتِلَتْ لَا تُغَسَّلُ بِالْإِجْمَاعِ ذَكَرَهُ التُّمُرْتَاشِيُّ لِعَدَمِ كَوْنِهَا حَائِضًا اهـ. وَأَمَّا الثَّانِي فَعَلَى الْخِلَافِ أَيْضًا لَهُمَا أَنَّ الصَّبِيَّ أَحَقُّ بِهَذِهِ الْكَرَامَاتِ، وَلَهُ أَنَّ السَّيْفَ كَفَى عَنْ الْغُسْلِ فِي حَقِّ شُهَدَاءِ أُحُدٍ بِوَصْفِ كَوْنِهِ مَطْهَرَةً، وَلَا ذَنْبَ لِلصَّبِيِّ فَلَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَاهُمْ فَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْمَجْنُونُ، وَقَدْ يُقَالُ يَنْبَغِي تَخْصِيصُهُ بِمَجْنُونٍ بَلَغَ مَجْنُونًا أَمَّا مَنْ بَلَغَ عَاقِلًا ثُمَّ جُنَّ فَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَى مَا يُطَهِّرُهُ إذْ ذُنُوبُهُ الْمَاضِيَةُ لَمْ تَسْقُطْ عَنْهُ بِجُنُونِهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الْمَجْنُونَ إذَا اسْتَمَرَّ عَلَى جُنُونِهِ حَتَّى مَاتَ لَمْ يُؤَاخَذْ بِمَا مَضَى؛ لِأَنَّهُ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى التَّوْبَةِ، وَلَمْ أَرَ نَقْلًا فِي هَذَا الْحُكْمِ. (قَوْلُهُ أَوْ ارْتَثَّ بِأَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ أَوْ نَامَ أَوْ تَدَاوَى أَوْ مَضَى وَقْتُ الصَّلَاةِ، وَهُوَ يَعْقِلُ أَوْ نُقِلَ مِنْ الْمَعْرَكَةِ أَوْ أَوْصَى) بَيَانٌ لِلشَّرْطِ السَّادِسِ، وَهُوَ عَدَمُ الِارْتِثَاثِ، وَهُوَ فِي اللُّغَةِ مِنْ الرَّثِّ، وَهُوَ الشَّيْءُ الْبَالِي وَسُمِّيَ بِهِ مُرْتَثًّا؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ خَلَقًا فِي حُكْمِ الشَّهَادَةِ وَقِيلَ مَأْخُوذٌ مِنْ التَّرْثِيثِ، وَهُوَ الْجَرِيحُ وَفِي مُجْمَلِ اللُّغَةِ اُرْتُثَّ فُلَانٌ أَيْ حُمِلَ مِنْ الْمَعْرَكَةِ رَثِيثًا أَيْ جَرِيحًا وَحَاصِلُهُ فِي الشَّرْعِ أَنْ يُنَالَ بَعْدَ مَرَافِقِ الْحَيَاةِ فَبَطَلَتْ شَهَادَتُهُ فِي حُكْمِ الدُّنْيَا فَيُغَسَّلُ، وَهُوَ شَهِيدٌ فِي حُكْمِ الْآخِرَةِ فَيَنَالُ الثَّوَابَ الْمَوْعُودَ لِلشُّهَدَاءِ وَذُكِرَ فِي الْبَدَائِعِ أَنَّ الْمُرْتَثَّ فِي الشَّرْعِ مَنْ خَرَجَ عَنْ صِفَةِ الْقَتْلَى وَصَارَ إلَى حَالِ الدُّنْيَا بِأَنْ جَرَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِهَا أَوْ وَصَلَ إلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ مَنَافِعِهَا اهـ. وَهُوَ أَضْبَطُ مِمَّا تَقَدَّمَ أَطْلَقَ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالنَّوْمِ وَالتَّدَاوِي فَشَمَلَ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ وَأَطْلَقَ فِي مُضِيِّ الْوَقْتِ فَشَمَلَ مَا إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى الْأَدَاءِ أَوْ لَا لِضَعْفِ بَدَنِهِ لَا لِزَوَالِ عَقْلِهِ، وَقَيَّدَهُ فِي التَّبْيِينِ بِأَنْ يَقْدِرَ عَلَى أَدَائِهَا حَتَّى يَجِبَ الْقَضَاءُ بِتَرْكِهَا وَرَدَّهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِقَوْلِهِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِصِحَّتِهِ وَفِيهِ إفَادَةٌ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْأَدَاءِ لَا يَجِبُ الْقَضَاءُ، فَإِنْ أَرَادَ إذَا لَمْ يَقْدِرْ لِلضَّعْفِ مَعَ حُضُورِ الْعَقْلِ فَكَوْنُهُ يَسْقُطُ بِهِ الْقَضَاءُ قَوْلَ طَائِفَةٍ وَالْمُخْتَارُ هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي بَابِ صَلَاةِ الْمَرِيضِ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ، وَإِنْ أَرَادَ لِغَيْبَةِ الْعَقْلِ فَالْمُغْمَى عَلَيْهِ يَقْضِي مَا لَمْ يَزِدْ عَلَى صَلَاةِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَمَتَى يَسْقُطُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَفِيهِ أَنَّ هَذَا الْغُسْلَ إلَخْ) تَنْظِيرٌ فِيمَا قَالَهُ فِي الْمِعْرَاجِ مِنْ الِاسْتِدْلَالِ بِقِصَّةِ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -؛ لِأَنَّ هَذَا الْغُسْلَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِلْجَنَابَةِ لَا لِلْمَوْتِ وَمَا فِي الْقِصَّةِ غَيْرُهُ، وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْغُسْلَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ لِلْجَنَابَةِ أَوْ لِلْمَوْتِ، فَإِنْ كَانَ لِلْجَنَابَةِ فَهُوَ يَتَأَدَّى مِنْ أَيِّ غَاسِلٍ كَانَ وَالْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمَا حِينَئِذٍ ظَاهِرٌ، وَإِنْ كَانَ لِلْمَوْتِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمِعْرَاجِ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ تَنْظِيرِهِ بِقِصَّةِ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَالْجَوَابُ مُشْكِلٌ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي إسْقَاطِ الْفَرْضِ مِنْ فِعْلِ الْمُكَلَّفِينَ حَتَّى لَوْ وُجِدَ فِي الْبَحْرِ لَا بُدَّ مِنْ تَغْسِيلِهِ فَقَوْلُهُ إذْ الْوَاجِبُ نَفْسُ الْغُسْلِ إلَخْ غَيْرُ ظَاهِرٍ وَيُجَابُ عَنْ قِصَّةِ آدَمَ بِأَنَّ ذَلِكَ أَوَّلُ تَعْلِيمِهِ لِلْوُجُوبِ فَجَازَ أَنْ يَسْقُطَ بِفِعْلِ الْمَلَائِكَةِ بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْأَوَّلِ فَلَا يَسْقُطُ إلَّا بِفِعْلِ الْمُكَلَّفِينَ وَاَلَّذِي يُشْعِرُ بِهِ قَوْلُ الْبَدَائِعِ أَنَّ الْجَنَابَةَ عِلَّةُ الْغُسْلِ وَقَوْلُهُ كَالْفَتْحِ أَيْضًا أَنَّ الشَّهَادَةَ عُرِفَتْ مَانِعَةً مِنْ حُلُولِ نَجَاسَةِ الْمَوْتِ لَا رَافِعَةً لِنَجَاسَةٍ كَانَتْ قَبْلَهَا. اهـ. أَنَّ الْغُسْلَ لِلْجَنَابَةِ كَمَا قَالَهُ الْمُؤَلِّفُ لَا لِلْمَوْتِ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ وُجِدَ فِي بَحْرٍ لَمْ يَجِبْ إعَادَةُ غُسْلِهِ وَهَلْ الْحُكْمُ كَذَلِكَ لَمْ أَرَهُ فَلْيُرَاجَعْ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الثَّانِي) أَيْ التَّكْلِيفُ (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الْمَجْنُونَ إذَا اسْتَمَرَّ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا مُسَلَّمٌ فِيمَا إذَا جُنَّ عَقِبَ الْمَعْصِيَةِ أَمَّا لَوْ مَضَى بَعْدَهَا زَمَنٌ يَقْدِرُ فِيهِ عَلَى التَّوْبَةِ فَلَمْ يَفْعَلْ كَانَ تَحْتَ الْمَشِيئَةِ. اهـ. وَهَذَا نَظِيرُ مَا قَالُوا فِيمَنْ أَفْطَرَ بِعُذْرٍ وَمَاتَ، وَلَمْ يُدْرِكْ عِدَّةً مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يَقْضِي فِيهَا لَا يَلْزَمُهُ الْوَصِيَّةُ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَدْرَكَهَا تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَفِيهِ إفَادَةٌ) أَيْ فِي كَلَامِ التَّبْيِينِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 213 الْقَضَاءُ مُطْلَقًا لِعَدَمِ قُدْرَةِ الْأَدَاءِ مِنْ الْجَرِيحِ اهـ. وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ مُرَادَهُ الْأَوَّلُ وَكَوْنُ عَدَمِ الْقُدْرَةِ لِلضَّعْفِ لَا يُسْقِطُ الْقَضَاءَ عَلَى الصَّحِيحِ هُوَ فِيمَا إذَا قَدَرَ بَعْدَهُ أَمَّا إذَا مَاتَ عَلَى حَالِهِ فَلَا إثْمَ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا بِالْإِيمَاءِ وَقُيِّدَ بِقَوْلِهِ، وَهُوَ يَعْقِلُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ مَضَى الْوَقْتُ، وَهُوَ لَا يَعْقِلُ لَا يُغَسَّلُ، وَإِنْ زَادَ عَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَوْ نَفْلٍ مِنْ الْمَعْرَكَةِ لِعَدَمِ الِانْتِفَاعِ بِحَيَاتِهِ فَلَوْ أَخَّرَ، وَهُوَ يَعْقِلُ وَجَعَلَهُ قَيْدًا فِي الْكُلِّ لَكَانَ أَوْلَى كَمَا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ اسْتِثْنَاءِ مَنْ نُقِلَ مِنْ الْمَعْرَكَةِ خَوْفًا مِنْ أَنْ تَطَأَهُ الْخَيْلُ فَإِنَّهُ لَا يُغَسَّلُ؛ لِأَنَّهُ مَا نَالَ شَيْئًا مِنْ الرَّاحَةِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَتَعَقَّبَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْحَمْلَ مِنْ الْمَصْرَعِ لَيْسَ بِنَيْلِ رَاحَةٍ اهـ. وَصَرَّحَ فِي الْبَدَائِعِ بِأَنَّ النَّقْلَ مِنْ الْمَعْرَكَةِ يَزِيدُهُ ضَعْفًا وَيُوجِبُ حُدُوثَ آلَامٍ لَمْ تَحْدُثْ لَوْلَا النَّقْلُ وَالْمَوْتُ يَحْصُلُ عَقِبَ تَرَادُفِ الْآلَامِ فَيَكُونُ النَّقْلُ مُشَارِكًا لِلْجِرَاحَةِ فِي إثَارَةِ الْمَوْتِ فَلَمْ يَمُتْ بِسَبَبِ الْجِرَاحَةِ يَقِينًا فَلِذَا لَمْ يَسْقُطْ الْغُسْلُ بِالشَّكِّ اهـ. فَالِارْتِثَاثُ فِيهِ لَيْسَ لِلرَّاحَةِ بَلْ لِمَا ذَكَرَهُ، وَأَطْلَقَ فِي النَّقْلِ فَشَمَلَ مَا إذَا وَصَلَ إلَى بَيْتِهِ حَيًّا أَوْ مَاتَ عَلَى الْأَيْدِي كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَامَ مِنْ مَكَانِهِ إلَى مَكَان آخَرَ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُرْتَثًّا بِالْأَوْلَى كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ أَوْ ابْتَاعَ فَهُوَ مُرْتَثٌّ وَأَطْلَقَ فِي الْوَصِيَّةِ فَشَمَلَتْ مَا كَانَ بِأُمُورِ الدُّنْيَا وَبِأُمُورِ الْآخِرَةِ وَفِيهِ اخْتِلَافٌ مَعْرُوفٌ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فَجَوَابُ أَبِي يُوسُفَ بِأَنَّهُ يَكُونُ مُرْتَثًّا فِيمَا إذَا كَانَ بِأُمُورِ الدُّنْيَا وَجَوَابُ مُحَمَّدٍ بِعَدَمِهِ فِيمَا إذَا كَانَ بِأُمُورِ الْآخِرَةِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِأُمُورِ الدُّنْيَا مِنْ أَمْرِ الْأَحْيَاءِ فَقَدْ أَصَابَهُ مَرَافِقُ الْحَيَاةِ فَنَقَصَ مَعْنَى الشَّهَادَةِ فَأَمَّا الْوَصِيَّةُ بِأُمُورِ الْآخِرَةِ مِنْ أُمُورِ الْمَوْتَى وَصَنِيعُ مَنْ أَيِسَ مِنْ نَفْسِهِ فَيُوصِي بِمَا يُكَفَّنُ بِهِ وَيُخَلِّصُ رَقَبَتَهُ وَيُبَرِّدُ جِلْدَتَهُ مِنْ النَّارِ وَيَدَّخِرُ لِنَفْسِهِ ذَخِيرَةَ الْآخِرَةِ كَمَا فِي وَصِيَّةِ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ لَمَّا بَلَغَهُ سَلَامَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى سَلَامَتِهِ الْآنَ طَابَتْ نَفْسِي لِلْمَوْتِ أَقْرِئْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنِّي السَّلَامَ وَأَقْرِئْ الْأَنْصَارَ مِنِّي السَّلَامَ وَقُلْ لَهُمْ: لَا عُذْرَ لَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ إنْ قُتِلَ مُحَمَّدٌ وَفِيكُمْ عَيْنٌ تَطْرِفُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَشَمَلَ الْوَصِيَّةَ بِكَلَامٍ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَاسْتَثْنَى فِي الْخَانِيَّةِ الْوَصِيَّةَ بِكَلِمَتَيْنِ وَقَالُوا إذَا تَكَلَّمَ، فَإِنْ كَانَ طَوِيلًا كَانَ مُرْتَثًّا وَإِلَّا فَلَا وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى كَلَامٍ لَيْسَ بِوَصِيَّةٍ تَوْفِيقًا بَيْنَهُمَا لَكِنْ ذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ أَنَّهُ لَوْ أَكْثَرَ مِنْ كَلَامِهِ فِي الْوَصِيَّةِ فَطَالَ غُسِّلَ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِشَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْمَيِّتِ فَإِذَا طَالَتْ أَشْبَهَتْ أُمُورَ الدُّنْيَا كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَمِنْ الِارْتِثَاثِ مَا إذَا أَوَاهُ فُسْطَاطٌ أَوْ خَيْمَةٌ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ يَعْنِي، وَهُوَ فِي مَكَانِهِ وَإِلَّا فَهِيَ مَسْأَلَةُ النَّقْلِ مِنْ الْمَعْرَكَةِ، وَفِي التَّبْيِينِ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا وُجِدَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ، وَأَمَّا قَبْلَ انْقِضَائِهَا فَلَا يَكُونُ مُرْتَثًّا بِشَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا اهـ. . (قَوْلُهُ أَوْ قُتِلَ فِي الْمِصْرِ، وَلَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ قُتِلَ بِحَدِيدَةٍ ظُلْمًا) أَيْ مَظْلُومًا؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ فَخَفَّ أَثَرُ الظُّلْمِ قُيِّدَ بِالْمِصْرِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وُجِدَ فِي مَفَازَةٍ لَيْسَ بِقُرْبِهَا عُمْرَانٌ لَا تَجِبُ فِيهِ قَسَامَةٌ، وَلَا دِيَةٌ فَلَا يُغَسَّلُ لَوْ وُجِدَ بِهِ أَثَرُ الْقَتْلِ كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ فَالْمُرَادُ بِالْمِصْرِ الْعُمْرَانُ وَمَا بِقُرْبِهِ مِصْرًا كَانَ أَوْ قَرْيَةً وَقُيِّدَ بِكَوْنِهِ لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ قُتِلَ بِحَدِيدَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ عُلِمَ ذَلِكَ بِأَنْ وُجِدَ مَذْبُوحًا، فَإِنْ عُلِمَ قَاتِلُهُ فَهُوَ شَهِيدٌ لِوُجُوبِ الْقِصَاصِ، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ قَاتِلُهُ فَلَا لِعَدَمِ وُجُوبِهِ فَقَوْلُهُ ظُلْمًا دَاخِلٌ تَحْتَ النَّفْيِ يَعْنِي لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ قُتِلَ مَظْلُومًا بِحَدِيدَةٍ فَكَانَ فِيهِ شَيْئَانِ أَحَدُهُمَا عَدَمُ الْعِلْمِ بِكَوْنِهِ قُتِلَ بِحَدِيدَةٍ ثَانِيهمَا عَدَمُ الْعِلْمِ بِكَوْنِهِ مَظْلُومًا بِأَنْ لَمْ يُعْلَمْ قَاتِلُهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُعْلَمْ قَاتِلُهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ كَوْنُهُ مَظْلُومًا، وَأَمَّا إذَا عُلِمَ فَقَدْ تَحَقَّقَ كَوْنُهُ مَظْلُومًا فَلَا يَكُونُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ مُخِلًّا بِشَيْءٍ كَمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ وَحَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ مَنْ قُتِلَ بِغَيْرِ الْمُحَدَّدِ وَعُلِمَ قَاتِلُهُ أَوْ لَا فَإِنَّهُ لَيْسَ بِشَهِيدٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَصْلًا سَوَاءً كَانَ بِالْمُثْقِلِ أَوْ بِغَيْرِهِ لِوُجُوبِ الدِّيَةِ، وَمِنْ قُتِلَ بِالْمُحَدَّدِ، وَلَمْ يُعْلَمْ قَاتِلُهُ فَلَيْسَ بِشَهِيدٍ لِوُجُوبِ الدِّيَةِ، وَالِاقْتِصَارُ عَلَى وُجُوبِ الدِّيَةِ فِي التَّعْلِيلِ أَوْلَى مِمَّا قَدَّمْنَاهُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَصَرَّحَ فِي الْبَدَائِعِ بِأَنَّ النَّقْلَ إلَخْ) أَجَابَ عَنْهُ الْعَلَامَةُ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِهِ بِأَنَّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ تَزَايُدُ الْآلَامِ وَإِنْ حَدَثَ فَهُوَ نَاشِئٌ مِنْ الْجِرَاحَةِ فَلَا تَنْقُصُ بِهِ الشَّهَادَةُ إنَّمَا تَنْقُصُ بِحُصُولِ الرِّفْقِ وَالرَّاحَةِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 214 مِنْ ضَمِّ الْقَسَامَةِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ؛ لِأَنَّهُ يَرِدُ عَلَيْهِ الْمَقْتُولُ فِي الْجَامِعِ أَوْ الشَّارِعِ الْأَعْظَمِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِشَهِيدٍ حَيْثُ لَمْ يُعْلَمْ قَاتِلُهُ، وَلَيْسَ فِيهِ قَسَامَةٌ، وَإِنَّمَا تَجِبُ الدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ فَقَطْ فَلَوْ قُتِلَ فِي الْعُمْرَانِ بِغَيْرِ الْمُحَدَّدِ مُطْلَقًا أَوْ بِالْمُحَدَّدِ، وَلَمْ يُعْلَمْ قَاتِلُهُ لَشَمَلَ الْكُلَّ لَكِنْ قَدْ عُلِمَ حُكْمُ مَا إذَا قُتِلَ بِغَيْرِ الْمُحَدَّدِ مُطْلَقًا مِنْ أَوَّلِ الْبَابِ، وَفِي الْبَدَائِعِ لَوْ قُتِلَ فِي الْمِصْرِ بِغَيْرِ الْمُحَدَّدِ لَا يَكُونُ شَهِيدًا أَوْ إنْ كَانَ فِي الْمَفَازَةِ كَانَ شَهِيدًا؛ لِأَنَّهُ يُوجَبُ الْقَتْلُ بِحُكْمِ قَطْعِ الطَّرِيقِ لَا الْمَالِ، وَلَوْ نَزَلَ عَلَيْهِ اللُّصُوصُ لَيْلًا فِي الْمِصْرِ فَقُتِلَ بِسِلَاحٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ قَتَلَهُ قُطَّاعُ الطَّرِيقِ خَارِجَ الْمِصْرِ بِسِلَاحٍ أَوْ غَيْرِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ؛ لِأَنَّ الْقَتِيلَ لَمْ يُخَلِّفْ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ بَدَلًا هُوَ مَالٌ اهـ. وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ مَنْ قَتَلَهُ اللُّصُوصُ فِي بَيْتِهِ، وَلَمْ يُعْلَمْ لَهُ قَاتِلٌ مُعَيَّنٌ مِنْهُمْ لِعَدَمِ وُجُودِهِمْ فَإِنَّهُ لَا قَسَامَةَ، وَلَا دِيَةَ عَلَى أَحَدٍ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَجِبَانِ إلَّا إذَا لَمْ يُعْلَمْ الْقَاتِلُ وَهُنَا قَدْ عُلِمَ أَنَّ قَاتِلَهُ اللُّصُوصُ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِمْ لِفِرَارِهِمْ فَلْيُحْفَظْ هَذَا فَإِنَّ النَّاسَ عَنْهُ غَافِلُونَ. (قَوْلُهُ أَوْ قُتِلَ بِحَدٍّ أَوْ قَوَدٍ) أَيْ يُغَسَّلُ؛ لِأَنَّهُ صَحَّ أَنَّهُ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - غَسَّلَ مَاعِزًا» وَلِأَنَّهُ بَذَلَ نَفْسَهُ لِحَقٍّ وَاجِبٍ عَلَيْهِ فَلَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَى شُهَدَاءِ أُحُدٍ. (قَوْلُهُ لَا لِبَغْيٍ وَقَطْعِ طَرِيقٍ) أَيْ لَا يُغَسَّلُ مَنْ قُتِلَ لِلْبَغْيِ أَوْ قَطْعِ الطَّرِيقِ وَإِذَا لَمْ يُغَسَّلَا لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يُصَلِّ عَلَى الْبُغَاةِ، وَلَمْ يُنْكَرْ عَلَيْهِ فَكَانَ إجْمَاعًا وَقُطَّاعُ الطَّرِيقِ بِمَنْزِلَتِهِمْ أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ مَا إذَا قُتِلُوا فِي حَالِ الْحَرْبِ أَوْ أُخِذُوا وَقُتِلُوا بَعْدَهُ كَذَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ وَفَرَّقَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ بَيْنَهُمَا فَوَافَقَ فِي الْأَوَّلِ وَقَالَ بِالصَّلَاةِ فِي الثَّانِي قَالَ فِي التَّبْيِينِ وَهَذَا تَفْصِيلٌ حَسَنٌ أَخَذَ بِهِ الْكِبَارُ مِنْ الْمَشَايِخِ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْقَتْلَ فِي الثَّانِي حَدٌّ أَوْ قِصَاصٌ فِي قَاطِعِ الطَّرِيقِ، وَفِي الْبُغَاةِ لِكَسْرِ شَوْكَتِهِمْ فَنُزِّلَ مَنْزِلَتَهُ لِعَوْدِ مَنْفَعَتِهِ إلَى الْعَامَّةِ وَهَذَا التَّفْصِيلُ رُبَّمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ لِبَغْيٍ فَإِنَّ مَنْ قُتِلَ بَعْدَ الْحَرْبِ لَمْ يُقْتَلْ لِبَغْيٍ، وَإِنَّمَا قُتِلَ قِصَاصًا وَأُلْحِقَ بِقَاطِعِ الطَّرِيقِ الْمُكَابِرُونَ فِي الْمِصْرِ بِالسِّلَاحِ لَيْلًا كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَالْخَنَّاقُ الَّذِي خَنَقَ غَيْرَ مَرَّةٍ كَذَا فِي الْإِسْبِيجَابِيِّ وَحُكْمُ أَهْلِ الْعَصَبِيَّةِ كَحُكْمِ الْبُغَاةِ وَمَنْ قَتَلَ أَحَدَ أَبَوَيْهِ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ إهَانَةً لَهُ كَذَا فِي التَّبْيِينِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ قَاتِلِ نَفْسِهِ عَمْدًا لِلِاخْتِلَافِ فَعِنْدَهُمَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ فَاسِقٌ غَيْرُ سَاعٍ فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ بَاغٍ عَلَى نَفْسِهِ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مَعْزِيًّا إلَى الْقَاضِي عَلِيٍّ السَّعْدِيِّ فَقَدْ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ كَمَا تَرَى لَكِنْ تَأَيَّدَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ بِمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ «أُتِيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِرَجُلٍ قَتَلَ نَفْسَهُ بِمَشَاقِصَ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ» اهـ. وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ قَرِيبًا مِنْ كِتَابِ الْوَقْفِ رَجُلَانِ أَحَدُهُمَا قَتَلَ نَفْسَهُ وَالْآخَرُ قَتَلَ غَيْرَهُ كَانَ قَاتِلُ نَفْسِهِ أَعْظَمَ وِزْرًا وَإِثْمًا. اهـ. قَيَّدْنَا بِكَوْنِهِ قَتَلَ نَفْسَهُ عَمْدًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَتَلَهَا خَطَأً فَإِنَّهُ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ اتِّفَاقًا (بَابُ الصَّلَاةِ فِي الْكَعْبَةِ) خَتَمَ كِتَابَ الصَّلَاةِ بِمَا يُتَبَرَّكُ بِهِ حَالًا وَمَكَانًا وَأَوْلَاهُ لِلشَّهِيدِ؛ لِأَنَّهُ مَعْدُولٌ بِهِ عَنْ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ لِجَوَازِ جَعْلِ الظَّهْرِ فِيهَا إلَى ظَهْرِ الْإِمَامِ (قَوْلُهُ صَحَّ فَرْضٌ وَنَفْلٌ فِيهَا وَفَوْقَهَا) ؛ لِأَنَّهُ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ يَوْمَ الْفَتْحِ» وَلِأَنَّهَا صَلَاةٌ اسْتَجْمَعَتْ شَرَائِطَهَا لِوُجُودِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ ؛ لِأَنَّ اسْتِيعَابَهَا لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَإِنَّمَا جَازَتْ فَوْقَهَا؛ لِأَنَّ الْكَعْبَةَ هِيَ الْعَرْصَةُ وَالْهَوَاءُ إلَى عَنَانِ السَّمَاءِ عِنْدَنَا دُونَ الْبِنَاءِ؛ لِأَنَّهُ يُنْقَلُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ صَلَّى عَلَى أَبِي قُبَيْسٍ جَازَ، وَلَا بِنَاءَ بَيْنَ يَدَيْهِ إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْكِ التَّعْظِيمِ، وَقَدْ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْهُ، وَفِي الْغَايَةِ الْكَعْبَةُ هِيَ الْبِنَاءُ الْمُرْتَفِعُ مَأْخُوذٌ مِنْ الِارْتِفَاعِ وَالنُّتُوِّ وَمِنْهُ الْكَاعِبُ فَكَيْفَ يُقَالُ الْكَعْبَةُ هِيَ الْعَرْصَةُ وَالصَّوَابُ الْقِبْلَةُ هِيَ الْعَرْصَةُ كَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحِيطِ وَالْوَبَرِيُّ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ فَوَافَقَ فِي الْأَوَّلِ) ، وَهُوَ مَا إذَا قُتِلُوا فِي حَالِ الْحَرْبِ وَالْمُرَادُ بِالثَّانِي مَا إذَا قُتِلُوا بَعْدَهَا [بَابُ الصَّلَاةِ فِي الْكَعْبَةِ] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 215 وَفِي الْمُجْتَبَى: وَقَدْ رُفِعَ الْبِنَاءُ فِي عَهْدِ ابْنِ الزُّبَيْرِ لِيَبْنِيَ عَلَى قَوَاعِدِ الْخَلِيلِ، وَفِي عَهْدِ الْحَجَّاجِ كَذَلِكَ لِيُعِيدَهَا إلَى الْحَالَةِ الْأُولَى وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ، وَالْأَحْرَارُ وَالْعَبِيدُ وَالرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ (قَوْلُهُ: وَمَنْ جَعَلَ ظَهْرَهُ إلَى ظَهْرِ الْإِمَامِ فِيهَا صَحَّ) ؛ لِأَنَّهُ مُتَوَجِّهٌ إلَى الْقِبْلَةِ، وَلَا يَعْتَقِدُ إمَامَهُ عَلَى الْخَطَأِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ التَّحَرِّي (قَوْلُهُ وَإِلَى وَجْهِهِ لَا) أَيْ لَوْ جَعَلَ ظَهْرَهُ إلَى وَجْهِ إمَامِهِ لَا يَصِحُّ لِتَقَدُّمِهِ عَلَى إمَامِهِ وَسَكَتَ عَمَّا إذَا جَعَلَ وَجْهَهُ إلَى وَجْهِ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ صَحِيحٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ لَكِنَّهُ مَكْرُوهٌ بِلَا حَائِلٍ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ عِبَادَةَ الصُّورَةِ وَعَمَّا إذَا جَعَلَ وَجْهَهُ إلَى جَوَانِبِ الْإِمَامِ، وَهُوَ جَائِزٌ بِلَا كَرَاهَةٍ فَهِيَ أَرْبَعَةٌ تَصِحُّ بِلَا كَرَاهَةٍ فِي صُورَتَيْنِ وَمَعَهَا فِي صُورَةٍ، وَلَا تَصِحُّ فِي أُخْرَى. (قَوْلُهُ: وَإِنْ حَلَّقُوا حَوْلَهَا صَحَّ لِمَنْ هُوَ أَقْرَبُ إلَيْهَا إنْ لَمْ يَكُنْ فِي جَانِبِهِ) ؛ لِأَنَّهُ مُتَأَخِّرٌ حُكْمًا؛ لِأَنَّ التَّقَدُّمَ وَالتَّأَخُّرَ لَا يَظْهَرُ إلَّا عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِهَةِ فَمَنْ كَانَ وَجْهُهُ إلَى الْجِهَةِ الَّتِي تَوَجَّهَ الْإِمَامُ إلَيْهَا، وَهُوَ عَنْ يَمِينِهِ أَوْ يَسَارِهِ وَتَقَدَّمَ عَلَيْهِ بِأَنْ كَانَ أَقْرَبَ إلَى الْحَائِطِ مِنْ الْإِمَامِ فَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ لِتَقَدُّمِهِ فَهُوَ فِي مَعْنَى مَنْ جَعَلَ ظَهْرَهُ إلَى وَجْهِ الْإِمَامِ، وَلَوْ قَامَ الْإِمَامُ فِي الْكَعْبَةِ وَتَحَلَّقَ الْمُقْتَدُونَ حَوْلَهَا جَازَ إذَا كَانَ الْبَابُ مَفْتُوحًا؛ لِأَنَّهُ كَقِيَامِهِ فِي الْمِحْرَابِ فِي غَيْرِهَا مِنْ الْمَسَاجِدِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ (كِتَابُ الزَّكَاةِ) ذَكَرَ الزَّكَاةَ بَعْدَ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُمَا مُقْتَرِنَانِ فِي كِتَابِ اللَّهِ - تَعَالَى - فِي اثْنَيْنِ وَثَمَانِينَ آيَةً، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّعَاقُبَ بَيْنَهُمَا فِي غَايَةِ الْوَكَادَةِ وَالنِّهَايَةِ كَمَا فِي الْمَنَاقِبِ الْبَزَّازِيَّةِ، وَهِيَ لُغَةً الطَّهَارَةُ قَالَ فِي ضِيَاءِ الْحُلُومِ: سُمِّيَتْ زَكَاةُ الْمَالِ زَكَاةً؛ لِأَنَّهَا تُزَكِّي الْمَالَ أَيْ تُطَهِّرُهُ وَقَالَ تَعَالَى -: {خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً} [الكهف: 81] وَقِيلَ سُمِّيَتْ زَكَاةً؛ لِأَنَّ الْمَالَ يَزْكُو بِهَا أَيْ يَنْمُو وَيَكْثُرُ ثُمَّ ذَكَرَ فَعَلَ بِالْفَتْحِ يُقَالُ زَكَاءُ الْمَالِ زِيَادَتُهُ وَنَمَاؤُهُ، وَزَكَا أَيْضًا إذَا طَهُرَ ثُمَّ ذَكَرَ فِي بَابِ التَّفْعِيلِ زَكَّى الْمَالَ أَدَّى زَكَاتَهُ وَزَكَّاهُ أَخَذَ زَكَاتَهُ اهـ. وَفِي الْغَايَةِ أَنَّهَا فِي اللُّغَةِ بِمَعْنَى النَّمَاءِ، وَبِمَعْنَى الطَّهَارَةِ وَبِمَعْنَى الْبَرَكَةِ يُقَالُ زُكَّتْ الْبُقْعَةُ أَيْ بُورِكَ فِيهَا وَبِمَعْنَى الْمَدْحِ يُقَالُ زَكَّى نَفْسَهُ وَبِمَعْنَى الثَّنَاءِ الْجَمِيلِ يُقَالُ زَكَّى الشَّاهِدَ، وَفِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (قَوْلُهُ هِيَ تَمْلِيكُ الْمَالِ مِنْ فَقِيرٍ مُسْلِمٍ غَيْرِ هَاشِمِيٍّ، وَلَا مَوْلَاهُ بِشَرْطِ قَطْعِ الْمَنْفَعَةِ عَنْ الْمُمَلِّكِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِلَّهِ - تَعَالَى -) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] وَالْإِيتَاءُ هُوَ التَّمْلِيكُ وَمُرَادُهُ تَمْلِيكُ جُزْءٍ مِنْ مَالِهِ، وَهُوَ رُبْعُ الْعُشْرِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ وَإِنَّمَا كَانَتْ اسْمًا لِلْفِعْلِ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ، وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّهَا تُوصَفُ بِالْوُجُوبِ، وَهُوَ مِنْ صِفَاتِ الْأَفْعَالِ دُونَ الْأَعْيَانِ وَالْمُرَادُ مِنْ إيتَاءِ الزَّكَاةِ إخْرَاجُهَا مِنْ الْعَدَمِ إلَى الْوُجُودِ كَمَا فِي قَوْلِهِ {أَقِيمُوا الصَّلاةَ} [الأنعام: 72] كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ مَوْضُوعَ الْفِقْهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِعْلُ الْمُكَلَّفِ، وَفِي الشَّرْعِ هِيَ الْمَالُ الْمُؤَدَّى؛ لِأَنَّهُ - تَعَالَى - قَالَ {وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] ، وَلَا يَصِحُّ الْإِيتَاءُ إلَّا لِلْعَيْنِ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَأَوْرَدَ الشَّارِحُ عَلَى هَذَا الْحَدِّ الْكَفَّارَةَ إذَا مُلِّكَتْ؛ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ بِالْوَصْفِ الْمَذْكُورِ مَوْجُودٌ فِيهَا وَلَوْ قَالَ تَمْلِيكُ الْمَالِ عَلَى وَجْهٍ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ لَانْفَصَلَ عَنْهَا؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ يَجِبُ فِيهَا تَمْلِيكُ الْمَالِ. اهـ. وَجَوَابُهُ أَنَّ قَوْلَهُ مِنْ فَقِيرٍ مُسْلِمٍ خَرَجَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ مُتَوَجِّهٌ إلَى الْقِبْلَةِ) زَادَ فِي النَّهْرِ غَيْرَ مُتَقَدِّمٍ عَلَى إمَامِهِ قَالَ وَحَذَفَهُ فِي الْبَحْرِ وَلَا بُدَّ مِنْهُ لِقَوْلِهِ وَإِلَى وَجْهِهِ لَا أَيْ لَا يَصِحُّ مَعَ أَنَّهُ مُتَوَجِّهٌ إلَى الْقِبْلَةِ غَيْرَ أَنَّهُ تَقَدَّمَ عَلَيْهِ فَالْمُؤَثِّرُ إنَّمَا هُوَ التَّقَدُّمُ وَعَدَمُهُ (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي جَانِبِهِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ رَأَيْت فِي كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ لَوْ تَوَجَّهَ الْإِمَامُ أَوْ الْمَأْمُومُ إلَى الرُّكْنِ فَكُلٌّ مِنْ جَانِبَيْهِ جِهَتُهُ، وَأَقُولُ: وَلَا شَيْءَ مِنْ قَوَاعِدِنَا يَأْبَاهُ فَلَوْ صَلَّى الْإِمَامُ إلَى الرُّكْنِ فَكُلٌّ مِنْ جَانِبَيْهِ جَانِبَهُ فَيُنْظَرُ إلَى مَنْ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ مِنْ الْمُقْتَدِينَ فَمَنْ كَانَ الْإِمَامُ أَقْرَبَ مِنْهُ إلَى الْحَائِطِ أَوْ بِمُسَاوَاتِهِ لَهُ فَيُحْكَمُ بِصِحَّةِ صَلَاتِهِ، وَأَمَّا الَّذِي هُوَ أَقْرَبُ مِنْهُ إلَى الْحَائِطِ فَصَلَاتُهُ فَاسِدَةٌ وَبِهِ يَتَّضِحُ الْحَالُ فِي التَّحَلُّقِ حَوْلَ الْكَعْبَةِ الْمُشَرَّفَةِ مَعَ الْإِمَامِ فِي سَائِرِ الْأَحْوَالِ اهـ. وَنَحْوُهُ فِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ حَيْثُ قَالَ: وَلَوْ وَقَفَ مُسَامِتًا لِرُكْنٍ فِي جَانِبِ الْإِمَامِ وَكَانَ أَقْرَبَ لَمْ أَرَهُ وَيَنْبَغِي الْفَسَادُ احْتِيَاطًا لِتَرْجِيحِ جِهَةِ الْإِمَامِ وَهَذِهِ صُورَتُهُ مُؤْتَمٌّ إمَامٌ [كِتَابُ الزَّكَاةِ] (قَوْلُهُ فِي اثْنَيْنِ وَثَمَانِينَ آيَةً) صَوَابُهُ فِي اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ كَمَا عَدَّهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ (قَوْلُهُ: وَجَوَابُهُ أَنَّ قَوْلَهُ إلَخْ) اعْتَرَضَهُ الْمَقْدِسِيَّ وَأَقَرَّهُ فِي الشرنبلالية بِأَنَّهُ لَا يُفْهَمُ مِنْ التَّعْرِيفِ شَيْءٌ مِمَّا ذُكِرَ مِنْ كَوْنِ الْإِسْلَامِ شَرْطًا فِي الزَّكَاةِ وَلَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الْكَفَّارَةِ حَتَّى يُخْرِجَ هَذَا اهـ. وَاعْتَرَضَهُ فِي النَّهْرِ أَيْضًا بِأَنَّ شَأْنَ الشُّرُوطِ أَنْ تَكُونَ خَارِجَةً عَنْ الْمَاهِيَّةِ لَا أَنَّهَا جُزْءٌ مِنْهَا فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ أَلْ فِي الْمَالِ لِلْعَهْدِ أَيْ الْمَعْهُودِ إخْرَاجَهُ شَرْعًا، وَلَمْ يُعْهَدْ فِيهَا إلَّا التَّمْلِيكُ وَكَوْنُ الْمُخْرَجِ رُبْعَ الْعُشْرِ وَبِهِ عُرِفَ أَنَّ حَقِيقَتَهَا تَمْلِيكُ رُبْعِ الْعُشْرِ لَا غَيْرُ اهـ. وَلَا يَخْفَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 216 مَخْرَجَ الشُّرُوطِ، وَالْإِسْلَامُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي أَخْذِ الْكَفَّارَةِ كَمَا سَيَأْتِي وَأَيْضًا لَيْسَ الْجَوَازُ فِي الْكَفَّارَةِ بِاعْتِبَارِ التَّمْلِيكِ بَلْ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الشَّرْطَ فِيهَا التَّمْكِينُ الشَّامِلُ لِلتَّمْلِيكِ وَالْإِبَاحَةِ، وَالْمَالُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَهْلُ الْأُصُولِ مَا يُتَمَوَّلُ وَيُدَّخَرُ لِلْحَاجَةِ، وَهُوَ خَاصٌّ بِالْأَعْيَانِ فَخَرَجَ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ قَالَ فِي الْكَشْفِ الْكَبِيرِ فِي بَحْثِ الْقُدْرَةِ الْمُيَسِّرَةِ: الزَّكَاةُ لَا تَتَأَدَّى إلَّا بِتَمْلِيكِ عَيْنٍ مُتَقَوِّمَةٍ حَتَّى لَوْ أَسْكَنَ الْفَقِيرَ دَارِهِ سَنَةً بِنِيَّةِ الزَّكَاةِ لَا يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَيْسَتْ بِعَيْنٍ مُتَقَوِّمَةٍ. اهـ. وَهَذَا عَلَى إحْدَى الطَّرِيقَتَيْنِ، وَأَمَّا عَلَى الْأُخْرَى مِنْ أَنَّ الْمَنْفَعَةَ مَالٌ فَهُوَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ مُنْصَرِفٌ إلَى الْعَيْنِ، وَقُيِّدَ بِالتَّمْلِيكِ احْتِرَازًا عَنْ الْإِبَاحَةِ؛ وَلِهَذَا ذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ لَوْ عَالَ يَتِيمًا فَجَعَلَ يَكْسُوهُ وَيُطْعِمُهُ وَجَعَلَهُ مِنْ زَكَاةِ مَالِهِ فَالْكِسْوَةُ تَجُوزُ لِوُجُودِ رُكْنِهِ، وَهُوَ التَّمْلِيكُ، وَأَمَّا الْإِطْعَامُ إنْ دَفَعَ الطَّعَامَ إلَيْهِ بِيَدِهِ يَجُوزُ أَيْضًا لِهَذِهِ الْعِلَّةِ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَدْفَعْ إلَيْهِ، وَيَأْكُلْ الْيَتِيمُ لَمْ يَجُزْ لِانْعِدَامِ الرُّكْنِ، وَهُوَ التَّمْلِيكُ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ قَبْضَ الْفَقِيرِ؛ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ فِي التَّبَرُّعَاتِ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِهِ، وَاحْتَرَزَ بِالْفَقِيرِ الْمَوْصُوفِ بِمَا ذَكَرَ عَنْ الْغَنِيِّ وَالْكَافِرِ وَالْهَاشِمِيِّ وَمَوْلَاهُ، وَالْمُرَادُ عِنْدَ الْعِلْمِ بِحَالِهِمْ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْمَصْرِفِ وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْبُلُوغَ وَالْعَقْلَ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَ بِشَرْطٍ؛ لِأَنَّ تَمْلِيكَ الصَّبِيِّ صَحِيحٌ لَكِنْ إنْ لَمْ يَكُنْ عَاقِلًا، فَإِنَّهُ يَقْبِضُ عَنْهُ وَصِيُّهُ أَوْ أَبُوهُ أَوْ مَنْ يَعُولُهُ قَرِيبًا أَوْ أَجْنَبِيًّا أَوْ الْمُلْتَقِطُ كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ، وَإِنْ كَانَ عَاقِلًا فَقَبَضَ مَنْ ذَكَرَ، وَكَذَا قَبَضَهُ بِنَفْسِهِ، وَالْمُرَادُ أَنْ يَعْقِلَ الْقَبْضَ بِأَنْ لَا يَرْمِيَ بِهِ، وَلَا يُخْدَعَ عَنْهُ وَالدَّفْعُ إلَى الْمَعْتُوهِ يُجْزِئُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَحُكْمُ الْمَجْنُونِ الْمُطْبَقِ مَعْلُومٌ مِنْ حُكْمِ الصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْحُرِّيَّةَ لِأَنَّ الدَّفْعَ إلَى غَيْرِ الْحُرِّ جَائِزٌ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَيَانِ الْمَصْرِفِ وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ بِشَرْطِ أَنَّ الدَّفْعَ إلَى أُصُولِهِ وَإِنْ عَلَوْا وَإِلَى فُرُوعِهِ، وَإِنْ سَفَلُوا وَإِلَى زَوْجَتِهِ وَزَوْجِهَا وَإِلَى مُكَاتَبِهِ لَيْسَ بِزَكَاةٍ كَمَا سَيَأْتِي مُبَيَّنًا وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الدَّفْعَ إلَى كُلِّ قَرِيبٍ لَيْسَ بِأَصْلٍ وَلَا فَرْعٍ جَائِزٌ، وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ رَجُلٌ يَعُولُ أُخْتَهُ أَوْ أَخَاهُ أَوْ عَمَّهُ فَأَرَادَ أَنْ يُعْطِيَهُ الزَّكَاةَ فَإِنْ لَمْ يَفْرِضْ الْقَاضِي عَلَيْهِ النَّفَقَةَ جَازَ؛ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ بِصِفَةِ الْقُرْبَةِ يَتَحَقَّقُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَإِنْ فَرَضَ عَلَيْهِ النَّفَقَةَ لِزَمَانَتِهِ إنْ لَمْ يُحْتَسَبْ مِنْ نَفَقَتِهِمْ جَازَ، وَإِنْ كَانَ يُحْتَسَبُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ هَذَا أَدَاءُ الْوَاجِبِ عَنْ وَاجِبٍ آخَرَ اهـ. وَقَوْلُهُ لِلَّهِ - تَعَالَى - بَيَانٌ لِشَرْطٍ آخَرَ، وَهُوَ النِّيَّةُ، وَهِيَ شَرْطٌ بِالْإِجْمَاعِ فِي الْعِبَادَاتِ كُلِّهَا لِلْمَقَاصِدِ (قَوْلُهُ شَرْطُ وُجُوبِهَا الْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ وَالْإِسْلَامُ وَالْحُرِّيَّةُ) أَيْ شَرْطُ افْتِرَاضِهَا؛ لِأَنَّهَا فَرِيضَةٌ مُحْكَمَةٌ قَطْعِيَّةٌ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى تَكْفِيرِ جَاحِدِهَا وَدَلِيلُهُ الْقُرْآنُ وَمَا فِي الْبَدَائِعِ مِنْ أَنَّهُ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ وَالْمَعْقُولُ رَدَّهُ فِي الْغَايَةِ بِأَنَّ السُّنَّةَ لَا يَثْبُتُ بِهَا الْفَرْضُ إلَّا أَنْ تَكُونَ مُتَوَاتِرَةً أَوْ مَشْهُورَةً، وَالسُّنَّةُ الْوَارِدَةُ أَخْبَارُ آحَادٍ صِحَاحٌ، وَبِهَا يَثْبُتُ الْوُجُوبُ دُونَ الْفَرْضِ وَالْعَقْلُ لَا يَثْبُتُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ، وَإِنْ أَرَادَ بِالْمَعْقُولِ الْمَقَايِيسَ الْمُسْتَنْبَطَةَ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَلَا يَثْبُتُ بِهَا الْفَرْضِيَّةُ اهـ. وَجَوَابُهُ: أَنَّهُمْ فِي مِثْلِهِ يَجْعَلُونَهُ مُؤَكِّدًا لِلْقُرْآنِ الْقَطْعِيِّ لَا مُثْبِتًا، وَهُوَ كَثِيرٌ فِي كَلَامِهِمْ كَإِطْلَاقِ الْوَاجِبِ عَلَى الْفَرْضِ، وَهُوَ إمَّا مَجَازٌ فِي الْعُرْفِ بِعَلَاقَةِ الْمُشْتَرَكِ مِنْ لُزُومِ اسْتِحْقَاقِ الْعِقَابِ بِتَرْكِهِ عَدَلَ عَنْ الْحَقِيقَةِ وَهُوَ الْفَرْضُ إلَيْهِ بِسَبَبِ أَنَّ بَعْضَ مَقَادِيرِهَا وَكَيْفِيَّاتِهَا تَثْبُتُ بِأَخْبَارِ الْآحَادِ، أَوْ حَقِيقَةٌ عَلَى مَا قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ الْوَاجِبَ نَوْعَانِ قَطْعِيٌّ وَظَنِّيٌّ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ اسْمُ الْوَاجِبِ مِنْ قَبِيلِ الْمُشَكَّكِ اسْمًا أَعَمَّ، وَهُوَ حَقِيقَةٌ فِي كُلِّ نَوْعٍ، وَقَدْ أَسَلَفْنَا شَيْئًا مِنْهُ فِي أَوَّلِ الطَّهَارَةِ وَخَرَجَ الْمَجْنُونُ وَالصَّبِيُّ، فَلَا زَكَاةَ فِي مَالِهِمَا كَمَا لَا صَلَاةَ عَلَيْهِمَا لِلْحَدِيثِ الْمَعْرُوفِ «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ» وَأَمَّا إيجَابُ النَّفَقَاتِ وَالْغَرَامَاتِ فِي مَالِهِمَا فَلِأَنَّهُمَا مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ لِعَدَمِ التَّوَقُّفِ عَلَى النِّيَّةِ، وَأَمَّا إيجَابُ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ فَلِأَنَّهَا لَيْسَتْ عِبَادَةً مَحْضَةً لِمَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي نَقْضِ الْوُضُوءِ   [منحة الخالق] عَلَيْك مَا فِي كُلٍّ مِنْ الِاعْتِرَاضَيْنِ نَعَمْ يَرِدُ عَلَى الْمُؤَلِّفِ أَنْ جَعْلَ بَعْضِ الْقُيُودِ شُرُوطًا فِي الْحُدُودِ غَيْرُ مَعْهُودٍ فَالْأَوْلَى الِاقْتِصَارُ عَلَى الْجَوَابِ الثَّانِي لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ أَيْضًا أَنَّهُ إذَا مَلَكَ الْكَفَّارَةَ صَدَقَ عَلَيْهَا تَعْرِيفُ الْمُصَنِّفِ لِلزَّكَاةِ فَيَكُونُ غَيْرَ مَانِعٍ فَلَا يَنْدَفِعُ إلَّا بِجَعْلِ أَلْ فِي الْمَالِ لِلْعَهْدِ تَأَمَّلْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 217 حُكْمَ الْمَعْتُوهِ فِي الْعِبَادَاتِ وَالِاخْتِلَافَ فِيهِ وَخَرَجَ الْكَافِرُ لِعَدَمِ خِطَابِهِ بِالْفُرُوعِ سَوَاءٌ كَانَ أَصْلِيًّا أَوْ مُرْتَدًّا فَلَوْ أَسْلَمَ الْمُرْتَدُّ لَا يُخَاطَبُ بِشَيْءٍ مِنْ الْعِبَادَاتِ أَيَّامَ رِدَّتِهِ ثُمَّ كَمَا هُوَ شَرْطٌ لِلْوُجُوبِ شَرْطٌ لِبَقَاءِ الزَّكَاةِ عِنْدَنَا حَتَّى لَوْ ارْتَدَّ بَعْدَ وُجُوبِهَا سَقَطَتْ كَمَا فِي الْمَوْتِ كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَقَيَّدَ بِالْحُرِّيَّةِ احْتِرَازًا عَنْ الْعَبْدِ وَالْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبِ وَالْمُسْتَسْعَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِعَدَمِ الْمِلْكِ أَصْلًا فِيمَا عَدَا الْمُكَاتَبَ وَالْمُسْتَسْعَى، وَلِعَدَمِ تَمَامِهِ فِيهِمَا، وَلَوْ حَذَفَ الْحُرِّيَّةَ وَاسْتَغْنَى عَنْهَا بِالْمِلْكِ؛ إذْ الْعَبْدُ لَا مِلْكَ لَهُ وَزَادَ فِي الْمِلْكِ قَيْدَ التَّمَامِ، وَهُوَ الْمَمْلُوكُ رَقَبَةً وَيَدًا لِيُخْرِجَ الْمُكَاتَبَ وَالْمُشْتَرِيَ قَبْلَ الْقَبْضِ كَمَا سَيَأْتِي لَكَانَ أَوْجَزَ وَأَتَمَّ وَعِنْدَهُمَا الْمُسْتَسْعَى حُرٌّ مَدْيُونٌ فَإِنْ مَلَكَ بَعْدَ قَضَاءِ سِعَايَتِهِ مَا يَبْلُغُ نِصَابًا كَامِلًا تَجِبُ الزَّكَاةُ وَإِلَّا فَلَا، وَفِي الْبَدَائِعِ وَالْجُنُونِ نَوْعَانِ أَصْلِيٌّ وَعَارِضٌ أَمَّا الْأَصْلِيُّ، وَهُوَ أَنْ يَبْلُغَ مَجْنُونًا فَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يَمْنَعُ انْعِقَادَ الْحَوْلِ عَلَى النِّصَابِ حَتَّى لَا يَجِبُ عَلَيْهِ زَكَاةُ مَا مَضَى مِنْ الْأَحْوَالِ بَعْدَ الْإِفَاقَةِ، وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ ابْتِدَاءَ الْحَوْلِ مِنْ وَقْتِ الْإِفَاقَةِ كَالصَّبِيِّ إذَا بَلَغَ يُعْتَبَرُ ابْتِدَاءُ الْحَوْلِ مِنْ وَقْتِ الْبُلُوغِ، وَأَمَّا الطَّارِئُ، فَإِنْ دَامَ سَنَةً كَامِلَةً فَهُوَ فِي حُكْمِ الْأَصْلِيِّ، وَإِنْ كَانَ فِي بَعْضِ السَّنَةِ ثُمَّ أَفَاقَ فَعَنْ مُحَمَّدٍ وُجُوبُهَا وَإِنْ أَفَاقَ سَاعَةً، وَعَنْهُ إنْ أَفَاقَ أَكْثَرَ السَّنَةِ وَجَبَتْ وَإِلَّا فَلَا. اهـ. وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ كَالصَّحِيحِ كَمَا فِي الْمُجْتَبَى (قَوْلُهُ وَمِلْكُ نِصَابٍ حَوْلِيٍّ فَارِغٍ عَنْ الدَّيْنِ وَحَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ نَامٍ، وَلَوْ تَقْدِيرًا) لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَدَّرَ السَّبَبَ بِهِ، وَقَدْ جَعَلَهُ الْمُصَنِّفُ شَرْطًا لِلْوُجُوبِ مَعَ قَوْلِهِمْ: إنَّ سَبَبَهَا مِلْكُ مَالٍ مُعَدٍّ مُرْصَدٍ لِلنَّمَاءِ وَالزِّيَادَةِ فَاضِلٍ عَنْ الْحَاجَةِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ لِمَا أَنَّ السَّبَبَ وَالشَّرْطَ قَدْ اشْتَرَكَا فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُضَافُ إلَيْهِ الْوُجُودُ لَا عَلَى وَجْهِ التَّأْثِيرِ فَخَرَجَ الْعِلَّةُ وَيَتَمَيَّزُ السَّبَبُ عَنْ الشَّرْطِ بِإِضَافَةِ الْوُجُوبِ إلَيْهِ أَيْضًا دُونَ الشَّرْطِ كَمَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ وَأَطْلَقَ الْمِلْكَ فَانْصَرَفَ إلَى الْكَامِلِ، وَهُوَ الْمَمْلُوكُ رَقَبَةً وَيَدًا فَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي فِيمَا اشْتَرَاهُ لِلتِّجَارَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَلَا عَلَى الْمَوْلَى فِي عَبْدِهِ الْمُعَدِّ لِلتِّجَارَةِ إذَا أَبَقَ لِعَدَمِ الْيَدِ، وَلَا الْمَغْصُوبِ، وَلَا الْمَجْحُودِ إذَا عَادَ إلَى صَاحِبِهِ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَلَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ ابْنُ السَّبِيلِ؛ لِأَنَّ يَدَ نَائِبِهِ كَيَدِهِ كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ، وَمِنْ مَوَانِعِ الْوُجُوبِ الرَّهْنُ إذَا كَانَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ لِعَدَمِ مِلْكِ الْيَدِ بِخِلَافِ الْعُشْرِ حَيْثُ يَجِبُ فِيهِ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَأَمَّا كَسْبُ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُحِيطٌ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ عَلَى أَحَدٍ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِلَّا فَكَسْبُهُ لِمَوْلَاهُ، وَعَلَى الْمَوْلَى زَكَاتُهُ إذَا تَمَّ الْحَوْلُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْبَدَائِعِ وَالْمِعْرَاجِ، وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ يَتَنَاوَلُ مَا إذَا تَمَّ الْحَوْلُ، وَهُوَ فِي يَدِ الْعَبْدِ لَكِنْ قَالَ فِي الْمُحِيطِ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَفِيهِ الزَّكَاةُ وَيُزَكِّي الْمَوْلَى مَتَى أَخَذَهُ مِنْ الْعَبْدِ ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي نَوَادِرِ الزَّكَاةِ وَقِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمَهُ الْأَدَاءُ قَبْلَ الْأَخْذِ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مَمْلُوكٌ لِلْمَوْلَى كَالْوَدِيعَةِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْأَدَاءُ قَبْلَ الْأَخْذِ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ تَجَرَّدَ عَنْ يَدِ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ يَدَ الْعَبْدِ يَدُ أَصَالَةٍ عَنْ نَفْسِهِ لَا يَدُ نِيَابَةٍ عَنْ الْمَوْلَى بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيهِ إثْبَاتًا وَإِزَالَةً فَلَمْ تَكُنْ يَدُ الْمَوْلَى ثَابِتَةً عَلَيْهِ حَقِيقَةً، وَلَا حُكْمًا فَلَا يَلْزَمُهُ الْأَدَاءُ مَا لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ كَالدُّيُونِ، وَلَا كَذَلِكَ الْوَدِيعَةُ اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ   [منحة الخالق] [شُرُوط وُجُوب الزَّكَاة] (قَوْلُهُ: فَإِنْ مَلَكَ بَعْدَ قَضَاءِ سِعَايَتِهِ) الْأَظْهَرُ عِبَارَةُ الْبَدَائِعِ حَيْثُ قَالَ: إنْ فَضَلَ عَنْ سِعَايَتِهِ إلَخْ (قَوْلُهُ فَعَنْ مُحَمَّدٍ وُجُوبُهَا إلَخْ) الَّذِي فِي الْبَدَائِعِ هَكَذَا، وَإِنْ كَانَ سَاعَةً مِنْ الْحَوْلِ مِنْ أَوَّلِهِ أَوْ وَسَطِهِ أَوْ آخِرِهِ يَجِبُ زَكَاةُ ذَلِكَ الْحَوْلِ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ، وَرِوَايَةُ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَفِي رِوَايَةِ هِشَامٍ عَنْهُ إنْ أَفَاقَ أَكْثَرَ السَّنَةِ وَجَبَ وَإِلَّا فَلَا اهـ. وَفِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ أَفَاقَ فِي بَعْضِ السَّنَةِ فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ إفَاقَتِهِ فِي بَعْضِ الشَّهْرِ فِي الصَّوْمِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَعْتَبِرُ أَكْثَرَ الْحَوْلِ اهـ. وَبِهِ يَظْهَرُ مَا فِي كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ مِنْ الْإِيجَازِ الْمُخِلِّ حَيْثُ أَرْجَعَ ضَمِيرَ، وَعَنْهُ إلَى مُحَمَّدٍ مَعَ أَنَّهُ رَاجِعٌ إلَى أَبِي يُوسُفَ (قَوْلُهُ: وَقَدْ جَعَلَهُ الْمُصَنِّفُ شَرْطًا لِلْوُجُوبِ إلَخْ) أَقُولُ: حَاصِلُ جَوَابِهِ عَنْ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ أَطْلَقَ الشَّرْطَ عَلَى السَّبَبِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي إضَافَةِ الْوُجُودِ إلَيْهِمَا، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَقَوْلُهُ مِلْكُ نِصَابٍ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ إلَى مَفْعُولِهِ فَالشَّرْطُ كَوْنُهُ مَالِكًا لِلنِّصَابِ الْحَوْلِيِّ، وَأَمَّا النِّصَابُ نَفْسُهُ فَهُوَ السَّبَبُ، وَقَوْلُ الْمُحِيطِ: إنَّ سَبَبَهَا مِلْكُ مَالٍ مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ إلَى الْمَوْصُوفِ أَيْ مَالٍ مَمْلُوكٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ الْبَدَائِعِ، وَأَمَّا سَبَبُ فَرَضِيَتْهَا فَهُوَ الْمَالُ؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ شُكْرًا لِنِعْمَةِ الْمَالِ وَلِذَا تُضَافُ إلَيْهِ يُقَالُ: زَكَاةُ الْمَالِ، وَالْإِضَافَةُ فِي مِثْلِهِ لِلسَّبَبِيَّةِ كَصَلَاةِ الظُّهْرِ وَصَوْمِ الشَّهْرِ وَحَجِّ الْبَيْتِ اهـ. فَعُلِمَ أَنَّ الْمَالَ الَّذِي هُوَ النِّصَابُ الْحَوْلِيُّ سَبَبٌ وَمِلْكُهُ شَرْطٌ؛ وَلِذَا عَدَّ فِي الْبَدَائِعِ مِنْ الشُّرُوطِ الْمِلْكَ الْمُطْلَقَ، وَهُوَ الْمَمْلُوكُ رَقَبَةً وَيَدًا، وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ ظَهَرَ أَنَّ قَوْلَ النَّهْرِ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ إنَّهُ مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ إلَى الْمَوْصُوفِ غَيْرُ صَحِيحٍ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ فَانْصَرَفَ إلَى الْكَامِلِ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا مُنَافٍ لِمَا مَرَّ قَرِيبًا مِنْ احْتِيَاجِهِ إلَى قَيْدِ التَّمَامِ (قَوْلُهُ فَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي إلَخْ) أَيْ قَبْلَ قَبْضِهِ أَمَّا بَعْدَهُ فَيَجِبُ لِمَا مَضَى كَمَا سَيُنَبِّهُ عَلَيْهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 218 مَعْزِيًّا إلَى الْجَامِعِ رَجُلٌ لَهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ لَا مَالَ لَهُ غَيْرُهَا اسْتَأْجَرَ بِهَا دَارًا عَشْرَ سِنِينَ لِكُلِّ سَنَةٍ مِائَةٌ فَدَفَعَ الْأَلْفَ، وَلَمْ يَسْكُنْهَا حَتَّى مَضَتْ السُّنُونَ وَالدَّارُ فِي يَدِ الْآجِرِ زَكَّى الْآجِرُ فِي السَّنَةِ الْأُولَى عَنْ تِسْعِمِائَةٍ، وَفِي الثَّانِيَةِ عَنْ ثَمَانِمِائَةٍ إلَّا زَكَاةَ السَّنَةِ الْأُولَى ثُمَّ يُسْقِطُ لِكُلِّ سَنَةٍ زَكَاةَ مِائَةٍ أُخْرَى، وَمَا وَجَبَ عَلَيْهِ بِالسِّنِينَ الْمَاضِيَةِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ الْأَلْفَ بِالتَّعْجِيلِ كُلَّهَا فَإِذَا لَمْ يُسَلِّمْ الدَّارَ إلَيْهِ سَنَةً انْقَضَتْ الْإِجَارَةُ فِي الْعُشْرِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَهْلَكَ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَزَالَ عَنْ مِلْكِهِ مِائَةٌ، وَصَارَ مَصْرُوفًا إلَى الدَّيْنِ وَكَذَلِكَ فِي كُلِّ حَوْلٍ انْتَقَصَ مِائَة وَيَصِيرُ مِائَةً دَيْنًا عَلَيْهِ وَيَرْفَعُ ذَلِكَ مِنْ النِّصَابِ ثُمَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُزَكِّي لِلسَّنَةِ الثَّانِيَةِ سَبْعَمِائَةٍ وَسِتِّينَ، وَعِنْدَهُمَا سَبْعُمِائَةٍ وَسَبْعَةٌ وَسَبْعُونَ وَنِصْفٌ؛ لِأَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِي الْكُسُورِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا فِيهِ زَكَاةٌ، وَلَا زَكَاةَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ فِي السَّنَةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ لِنُقْصَانِ نِصَابِهِ فِي الْأُولَى وَلِعَدَمِ تَمَامِ الْحَوْلِ فِي الثَّانِيَةِ وَيُزَكِّي فِي الثَّالِثَةِ ثَلَاثَمِائَةٍ؛ لِأَنَّهُ اسْتَفَادَ مِائَةً أُخْرَى ثُمَّ يُزَكِّي لِكُلِّ سَنَةٍ مِائَةً أُخْرَى وَمَا اسْتَفَادَ قَبْلَهَا إلَّا أَنَّهُ يَرْفَعُ عَنْهُ زَكَاةَ السِّنِينَ الْمَاضِيَةِ اهـ. وَالْمُرَادُ بِكَوْنِهِ حَوْلِيًّا أَنْ يَتِمَّ الْحَوْلُ عَلَيْهِ، وَهُوَ فِي مِلْكِهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا زَكَاةَ فِي مَالٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ» قَالَ فِي الْغَايَةِ: سُمِّيَ حَوْلًا؛ لِأَنَّ الْأَحْوَالَ تَحُولُ فِيهِ، وَفِي الْقُنْيَةِ الْعِبْرَةُ فِي الزَّكَاةِ لِلْحَوْلِ الْقَمَرِيِّ، وَفِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى أَلْفٍ وَدَفَعَ إلَيْهَا، وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا أَمَةٌ فَحَالَ الْحَوْلُ عِنْدَهَا ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهَا كَانَتْ أَمَةً زَوَّجَتْ نَفْسَهَا بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى، وَرُدَّ الْأَلْفُ عَلَى الزَّوْجِ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ إذَا حَلَقَ لِحْيَةَ إنْسَانٍ فَقُضِيَ عَلَيْهِ بِالدِّيَةِ، وَدَفَعَ الدِّيَةَ إلَيْهِ، وَحَالَ الْحَوْلُ ثُمَّ نَبَتَتْ لِحْيَتُهُ وَرُدَّتْ الدِّيَةُ لَا زَكَاةَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَكَذَلِكَ رَجُلٌ أَقَرَّ لِرَجُلٍ بِدَيْنٍ أَلْفِ دِرْهَمٍ وَدَفَعَ الْأَلْفَ إلَيْهِ ثُمَّ تَصَادَقَا بَعْدَ الْحَوْلِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَا زَكَاةَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَكَذَلِكَ رَجُلٌ وَهَبَ لِرَجُلٍ أَلْفًا وَدَفَعَ الْأَلْفَ إلَيْهِ ثُمَّ رَجَعَ فِي الْهِبَةِ بَعْدَ الْحَوْلِ بِقَضَاءٍ أَوْ بِغَيْرِ قَضَاءٍ وَاسْتَرَدَّ الْأَلْفَ لَا زَكَاةَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا اهـ. وَظَاهِرُهُ عَدَمُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ مِنْ الِابْتِدَاءِ، وَهُوَ مُشْكِلٌ فِي حَقٍّ مَنْ كَانَتْ فِي يَدِهِ وَمِلْكِهِ، وَحَالَ الْحَوْلُ عَلَيْهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ هَلَاكِ الْمَالِ بَعْدَ الْوُجُوبِ، وَهُوَ مُسْقِطٌ كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَإِلَّا فَتَحْتَاجُ الْمُتُونُ إلَى إصْلَاحٍ كَمَا لَا يَخْفَى، وَفِي الْخَانِيَّةِ أَيْضًا رَجُلٌ اشْتَرَى عَبْدًا لِلتِّجَارَةِ يُسَاوِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَنَقَدَ الثَّمَنَ، وَلَمْ يَقْبِضْ الْعَبْدَ حَتَّى حَالَ الْحَوْلُ فَمَاتَ الْعَبْدُ عِنْدَ الْبَائِعِ كَانَ عَلَى بَائِعِ الْعَبْدِ زَكَاةُ الْمِائَتَيْنِ وَكَذَلِكَ عَلَى الْمُشْتَرِي أَمَّا عَلَى الْبَائِعِ فَلِأَنَّهُ مَلَكَ الثَّمَنَ وَحَالَ الْحَوْلُ عَلَيْهِ عِنْدَهُ، وَأَمَّا عَلَى الْمُشْتَرِي فَلِأَنَّ الْعَبْدَ كَانَ لِلتِّجَارَةِ وَبِمَوْتِهِ عِنْدَ الْبَائِعِ انْفَسَخَ الْبَيْعُ وَالْمُشْتَرِي أَخَذَ عِوَضَ الْعَبْدِ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْعَبْدِ مِائَةً كَانَ عَلَى الْبَائِعِ زَكَاةُ الْمِائَتَيْنِ لِأَنَّهُ مَلَكَ الثَّمَنَ وَمَضَى عَلَيْهِ الْحَوْلُ عِنْدَهُ وَبِانْفِسَاخِ الْبَيْعِ لَحِقَهُ دَيْنٌ بَعْدَ الْحَوْلِ فَلَا تَسْقُطُ عَنْهُ زَكَاةُ الْمِائَتَيْنِ، وَلَا زَكَاةَ عَلَى الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ زَالَ عَنْ مِلْكِهِ إلَى الْبَائِعِ فَلَمْ يَمْلِكْ الْمِائَتَيْنِ حَوْلًا كَامِلًا وَبِانْفِسَاخِ الْبَيْعِ اسْتَفَادَ الْمِائَتَيْنِ بَعْدَ الْحَوْلِ فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ اهـ. وَشَرَطَ فَرَاغَهُ عَنْ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ مَعَهُ مَشْغُولٌ بِحَاجَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ فَاعْتُبِرَ مَعْدُومًا كَالْمَاءِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْعَطَشِ، وَلِأَنَّ الزَّكَاةَ تَحِلُّ مَعَ ثُبُوتِ يَدِهِ عَلَى مَالِهِ فَلَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ كَالْمُكَاتَبِ وَلِأَنَّ الدَّيْنَ يُوجِبُ نُقْصَانَ الْمِلْكِ؛ وَلِذَا يَأْخُذُهُ الْغَرِيمُ إذَا كَانَ مِنْ جِنْسِ دَيْنِهِ مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ، وَلَا رِضًا أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْحَالَّ وَالْمُؤَجَّلَ، وَلَوْ صَدَاقَ زَوْجَتِهِ الْمُؤَجَّلَ إلَى الطَّلَاقِ أَوْ الْمَوْتِ وَقِيلَ الْمَهْرُ الْمُؤَجَّلُ لَا يَمْنَعُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُطَالَبٍ بِهِ عَادَةً بِخِلَافِ الْمُعَجَّلِ وَقِيلَ إنْ كَانَ الزَّوْجُ عَلَى عَزْمِ الْأَدَاءِ مَنَعَ، وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ دَيْنًا كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَنَفَقَةُ الْمَرْأَةِ إذَا صَارَتْ دَيْنًا عَلَى الزَّوْجِ إمَّا بِالصُّلْحِ أَوْ بِالْقَضَاءِ وَنَفَقَةُ الْأَقَارِبِ إذَا صَارَتْ دَيْنًا عَلَيْهِ إمَّا بِالصُّلْحِ أَوْ بِالْقَضَاءِ عَلَيْهِ يَمْنَعُ كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَقَيَّدَ نَفَقَةَ الْأَقَارِبِ فِي الْبَدَائِعِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ إلَّا زَكَاةَ السَّنَةِ الْأُولَى) ، وَهِيَ اثْنَانِ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا وَنِصْفُ فَتْحٌ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى قَوْلِهِمَا، وَإِلَّا فَعَلَى قَوْلِهِ يُزَكِّي فِي الْأُولَى عَنْ ثَمَانِمِائَةٍ وَثَمَانِينَ، وَلَا زَكَاةَ فِي الْعِشْرِينَ؛ لِأَنَّهَا دُونَ الْخُمُسِ فَيَكُونُ الْجَوَابُ عَلَيْهِ فِي الْأُولَى اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ دِرْهَمًا، وَيَكُونُ الْبَاقِي مَعَهُ فِي الثَّانِيَةِ سَبْعَمِائَةٍ وَثَمَانِيَةً وَسَبْعِينَ فَيُزَكِّي عَنْ سَبْعِمِائَةٍ وَسِتِّينَ عِنْدَهُ كَمَا سَيَأْتِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 219 بِقَيْدٍ آخَرَ، وَهُوَ قَلِيلُ الْمُدَّةِ فَإِنَّ الْمُدَّةَ إذَا كَانَتْ طَوِيلَةً فَإِنَّهَا تَسْقُطُ، وَلَا تَصِيرُ دَيْنًا وَشَمِلَ كَلَامُهُ كُلَّ دَيْنٍ وَفِي الْهِدَايَةِ: وَالْمُرَادُ دَيْنٌ لَهُ مُطَالِبٌ مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ حَتَّى لَا يَمْنَعُ دَيْنُ النَّذْرِ وَالْكَفَّارَةِ، وَدَيْنُ الزَّكَاةِ مَانِعٌ حَالَ بَقَاءِ النِّصَابِ؛ لِأَنَّهُ يَنْتَقِصُ بِهِ النِّصَابُ، وَكَذَا بَعْدَ الِاسْتِهْلَاكِ خِلَافًا لِزُفَرَ فِيهِمَا وَلِأَبِي يُوسُفَ فِي الثَّانِي؛ لِأَنَّ لَهُ مُطَالِبًا، وَهُوَ الْإِمَامُ فِي السَّوَائِمِ، وَنُوَّابُهُ فِي أَمْوَالِ التِّجَارَةِ كَانَ الْمُلَّاكُ نُوَّابَهُ اهـ. وَكَذَا لَا يَمْنَعُ دَيْنُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ، وَوُجُوبُ الْحَجِّ وَهَدْيُ الْمُتْعَةِ وَالْأُضْحِيَّةِ، وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: وَدَيْنُ النَّذْرِ لَا يَمْنَعُ وَمَتَى اُسْتُحِقَّ بِجِهَةِ الزَّكَاةِ بَطَلَ النَّذْرُ فِيهِ بَيَانُهُ لَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ نَذَرَ بِأَنْ يَتَصَدَّقَ بِمِائَةٍ مِنْهَا، وَحَالَ الْحَوْلُ سَقَطَ النَّذْرُ بِقَدْرِ دِرْهَمَيْنِ وَنِصْفٍ وَيَتَصَدَّقُ لِلنَّذْرِ بِسَبْعَةٍ وَتِسْعِينَ وَنِصْفٍ، وَلَوْ تَصَدَّقَ بِمِائَةٍ مِنْهَا لِلنَّذْرِ يَقَعُ دِرْهَمَانِ وَنِصْفٌ عَنْ الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَيِّنٌ بِتَعْيِينِ اللَّهِ - تَعَالَى - فَلَا يَبْطُلُ بِتَعْيِينِهِ لِغَيْرِهِ وَلَوْ نَذَرَ بِمِائَةٍ مُطْلَقَةٍ لَزِمَتْهُ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ الْمَنْذُورِ بِهِ الذِّمَّةُ فَلَوْ تَصَدَّقَ بِمِائَةٍ مِنْهَا لِلنَّذْرِ يَقَعُ دِرْهَمَانِ وَنِصْفٌ لِلزَّكَاةِ، وَيَتَصَدَّقُ بِمِثْلِهَا عَنْ النَّذْرِ اهـ. فَلَوْ كَانَ لَهُ نِصَابٌ حَالَ عَلَيْهِ حَوْلَانِ، وَلَمْ يُزَكِّهِ فِيهِمَا لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِي الْحَوْلِ الثَّانِي، وَلَوْ كَانَ لَهُ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ مِنْ الْإِبِلِ لَمْ يُزَكِّهَا حَوْلَيْنِ كَانَ عَلَيْهِ فِي الْحَوْلِ الْأَوَّلِ بِنْتُ مَخَاضٍ، وَلِلْحَوْلِ الثَّانِي أَرْبَعُ شِيَاهٍ، وَلَوْ كَانَ لَهُ نِصَابٌ حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ فَلَمْ يُزَكِّهِ ثُمَّ اسْتَهْلَكَهُ ثُمَّ اسْتَفَادَ غَيْرَهُ، وَحَالَ عَلَى النِّصَابِ الْمُسْتَفَادِ الْحَوْلُ لَا زَكَاةَ فِيهِ لِاشْتِغَالِ خَمْسَةٍ مِنْهُ بِدَيْنِ الْمُسْتَهْلِكِ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ الْأَوَّلُ لَمْ يُسْتَهْلَكْ بَلْ هَلَكَ، فَإِنَّهُ يَجِبُ فِي الْمُسْتَفَادِ لِسُقُوطِ زَكَاةِ الْأَوَّلِ بِالْهَلَاكِ وَبِخِلَافِ مَا لَوْ اُسْتُهْلِكَ قَبْلَ الْحَوْلِ حَيْثُ لَا يَجِبُ شَيْءٌ، وَمِنْ فُرُوعِهِ مَا إذَا بَاعَ نِصَابَ السَّائِمَةِ قَبْلَ الْحَوْلِ بِيَوْمٍ بِسَائِمَةٍ مِثْلِهَا أَوْ مِنْ جِنْسٍ آخَرَ أَوْ بِدَرَاهِمَ يُرِيدُ بِهِ الْفِرَارَ مِنْ الصَّدَقَةِ، أَوْ لَا يُرِيدُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ فِي الْبَدَلِ إلَّا بِحَوْلٍ جَدِيدٍ أَوْ يَكُونُ لَهُ مَا يَضُمُّهُ إلَيْهِ فِي صُورَةِ الدَّرَاهِمِ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ اسْتِبْدَالَهُ السَّائِمَةَ بِغَيْرِهَا مُطْلَقًا اسْتِهْلَاكٌ بِخِلَافِ غَيْرِ السَّائِمَةِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِي الْبَدَائِعِ وَقَالُوا دَيْنُ الْخَرَاجِ يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّهُ يُطَالَبُ بِهِ، وَكَذَا إذَا صَارَ الْعُشْرُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ بِأَنْ أَتْلَفَ الطَّعَامَ الْعُشْرِيَّ صَاحِبُهُ فَأَمَّا وُجُوبُ الْعُشْرِ فَلَا يَمْنَعُ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِالطَّعَامِ، وَهُوَ لَيْسَ مِنْ مَالِ التِّجَارَةِ وَذَكَرَ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ إنْ كَانَ لِلْمَدْيُونِ نُصُبٌ يَصْرِفُ الدَّيْنَ إلَى الْأَيْسَرِ قَضَاءً فَيَصْرِفُ إلَى الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ ثُمَّ إلَى عُرُوضِ التِّجَارَةِ ثُمَّ إلَى السَّوَائِمِ، فَإِنْ كَانَتْ أَجْنَاسًا صَرَفَ إلَى أَقَلِّهَا حَتَّى لَوْ كَانَ لَهُ أَرْبَعُونَ مِنْ الْغَنَمِ وَثَلَاثُونَ مِنْ الْبَقَرِ وَخَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ صَرَفَ إلَى الْغَنَمِ أَوْ إلَى الْإِبِلِ دُونَ الْبَقَرِ؛ لِأَنَّ التَّبِيعَ فَوْقَ الشَّاةِ، فَإِنْ اسْتَوَيَا خُيِّرَ كَأَرْبَعِينَ مِنْ الْغَنَمِ وَخَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ، وَقِيلَ: يَصْرِفُ إلَى الْغَنَمِ لِتَجِبَ الزَّكَاةُ فِي الْإِبِلِ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ هَكَذَا أَطْلَقُوا وَقَيَّدَهُ فِي الْمَبْسُوطِ بِأَنْ يُحْضِرَ الْمُصَدِّقَ أَيْ السَّاعِيَ فَإِنْ لَمْ يُحْضِرْهُ فَالْخِيَارُ إلَى صَاحِبِ الْمَالِ إنْ شَاءَ صَرَفَ الدَّيْنَ إلَى السَّائِمَةِ وَأَدَّى الزَّكَاةَ مِنْ الدَّرَاهِمِ، وَإِنْ شَاءَ صَرَفَ الدَّيْنَ إلَى الدَّرَاهِمِ وَأَدَّى الزَّكَاةَ مِنْ السَّائِمَةِ؛ لِأَنَّ فِي حَقِّ صَاحِبِ الْمَالِ هُمَا سَوَاءٌ اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ: وَأَمَّا الدَّيْنُ الْمُعْتَرِضُ فِي خِلَالِ الْحَوْلِ فَإِنَّهُ يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ بِمَنْزِلَةِ هَلَاكِهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ: لَا يَمْنَعُ بِمَنْزِلَةِ نُقْصَانِهِ اهـ. وَتَقْدِيمُهُمْ قَوْلَ مُحَمَّدٍ يُشْعِرُ بِتَرْجِيحِهِ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا لَا يَخْفَى، وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا أَبْرَأَهُ فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ: يَسْتَأْنِفُ حَوْلًا جَدِيدًا إلَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ كَمَا فِي الْمُحِيطِ أَيْضًا وَأَمَّا الْحَادِثُ بَعْدَ الْحَوْلِ فَلَا يُسْقِطُ الزَّكَاةَ اتِّفَاقًا كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا، وَعَلَى هَذَا مَنْ ضَمِنَ دَرَكًا فِي بَيْعٍ فَاسْتُحِقَّ الْمَبِيعُ بَعْدَ الْحَوْلِ لَمْ تَسْقُطْ الزَّكَاةُ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ إنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهِ عِنْدَ الِاسْتِحْقَاقِ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَشَمِلَ كَلَامُهُ الدَّيْنَ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ، وَبِطَرِيقِ الْكَفَالَةِ؛ وَلِذَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ: لَوْ اسْتَقْرَضَ أَلْفًا فَكَفَلَ عَنْهُ عَشَرَةٌ وَلِكُلٍّ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَتَقْدِيمُهُمْ قَوْلَ مُحَمَّدٍ يُشْعِرُ بِتَرْجِيحِهِ) سَيَذْكُرُ الْمُؤَلِّفُ آخِرَ بَابِ زَكَاةِ الْمَالِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا قَوْلُ زُفَرَ حَيْثُ قَالَ: وَذَكَرَ فِي الْمُجْتَبَى الدَّيْنَ فِي خِلَالِ الْحَوْلِ لَا يَقْطَعُ حُكْمَ الْحَوْلِ، وَإِنْ كَانَ مُسْتَغْرِقًا وَقَالَ زُفَرُ يَقْطَعُ اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ عَدَمَ الْقَطْعِ أَيْ عَدَمَ مَنْعِهِ وُجُوبَ الزَّكَاةِ قَوْلُ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ خِلَافَ مَا هُنَا فَتَأَمَّلْ وَانْظُرْ مَا فِي الْجَوْهَرَةِ فَلَعَلَّهُ يُفِيدُ التَّوْفِيقَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 220 أَلْفٍ فِي بَيْتِهِ، وَحَالَ الْحَوْلُ فَلَا زَكَاةَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ لِشَغْلِهِ بِدَيْنِ الْكَفَالَةِ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ أَيِّهِمْ شَاءَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ لَهُ أَلْفٌ وَغَصَبَ أَلْفًا، وَغَصَبَهَا مِنْهُ آخَرُ لَهُ أَلْفٌ، وَحَالَ الْحَوْلُ عَلَى مَالِ الْغَاصِبَيْنِ ثُمَّ أَبْرَأَهُمَا فَإِنَّهُ يُزَكِّي الْغَاصِبُ الْأَوَّلُ أَلْفَهُ، وَالْغَاصِبُ الثَّانِي لَا؛ لِأَنَّ الْغَاصِبَ الْأَوَّلَ لَوْ ضَمِنَ يَرْجِعُ عَلَى الثَّانِي، وَالثَّانِي لَوْ ضَمِنَ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْأَوَّلِ فَكَانَ قَرَارُ الضَّمَانِ عَلَيْهِ فَصَارَ الدَّيْنُ عَلَيْهِ مَانِعًا اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُبْرِئْهُمَا لَا يَكُونُ الْحُكْمُ كَذَلِكَ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَغَيْرِهِ لَا يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِ النِّصَابِ الْمَذْكُورِ مَا مُلِكَ بِسَبَبٍ خَبِيثٍ؛ وَلِذَا قَالُوا: لَوْ أَنَّ سُلْطَانًا غَصَبَ مَالًا وَخَلَطَهُ صَارَ مِلْكًا لَهُ حَتَّى وَجَبَتْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ وَوُرِثَ عَنْهُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ خَلْطَ دَرَاهِمِهِ بِدَرَاهِمِ غَيْرِهِ عِنْدَهُ اسْتِهْلَاكٌ أَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا فَلَا فَلَا يَضْمَنُ فَلَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ؛ لِأَنَّهُ فَرْعُ الضَّمَانِ فَلَا يُورَثُ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مُشْتَرَكٌ فَإِنَّمَا يُورَثُ حِصَّةُ الْمَيِّتِ مِنْهُ وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَقَوْلُهُ: أَرْفَقُ بِالنَّاسِ؛ إذْ قَلَّمَا يَخْلُو مَالٌ عَنْ غَصْبٍ اهـ. هَكَذَا ذَكَرُوا، وَهُوَ مُشْكِلٌ لِأَنَّهُ، وَإِنْ كَانَ مِلْكُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِالْخَلْطِ فَهُوَ مَشْغُولٌ بِالدَّيْنِ وَالشَّرْطُ الْفَرَاغُ عَنْهُ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَجِبَ الزَّكَاةُ فِيهِ عَلَى قَوْلِهِ أَيْضًا وَلِذَا شَرَطَ فِي الْمُبْتَغَى بِالْمُعْجَمَةِ أَنْ يُبْرِئَهُ أَصْحَابُ الْأَمْوَالِ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ الْإِبْرَاءِ مَشْغُولٌ بِالدَّيْنِ، وَهُوَ قَيْدٌ حَسَنٌ يَجِبُ حِفْظُهُ وَقَيَّدَ الْمُصَنِّفُ بِالزَّكَاةِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَا يَمْنَعُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ لِشَغْلِهِ بِدَيْنِ الْكَفَالَةِ) أَقُولُ: إنَّمَا يَتَحَقَّقُ الشَّغْلُ فِي مَالِ مَنْ يَأْخُذُ مِنْهُ صَاحِبُ الدَّيْنِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا تَتَعَيَّنُ الزَّكَاةُ فِي مَالٍ وَاحِدٍ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الدَّيْنِ لَهُ الْخِيَارُ فِي الْأَخْذِ مِمَّنْ شَاءَ مِنْهُمْ فَكُلٌّ مِنْهُمْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَالُهُ مَشْغُولًا لَكِنْ بَعْدَ تَعْيِينِ صَاحِبِ الدَّيْنِ وَاحِدًا مِنْهُمْ لِلْأَخْذِ ظَهَرَ شَغْلُ مَالِ ذَلِكَ الْوَاحِدِ وَظَهَرَ عَدَمُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي مَالِهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْهُمْ فَإِنَّهُ قَدْ ظَهَرَ عَدَمُ ذَلِكَ فَيَنْبَغِي لُزُومُ الزَّكَاةِ فِي مَالِهِمْ حِينَئِذٍ لِتَحَقُّقِ عَدَمِ الشَّغْلِ تَأَمَّلْ لَكِنْ قَدْ يُقَالُ إنَّهُ قَبْلَ الْأَخْذِ مِنْ أَحَدِهِمْ كَانَ مَالُ كُلِّ وَاحِدٍ بِانْفِرَادِهِ مُسْتَحَقًّا لِقَضَاءِ الدَّيْنِ فَإِذَا مَضَى الْحَوْلُ كَذَلِكَ لَمْ يَتَحَقَّقْ سَبَبُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ (قَوْلُهُ وَالْغَاصِبُ الثَّانِي لَا) أَيْ لَا يُزَكِّي أَلْفَهُ لِمَا يَذْكُرُهُ مِنْ أَنَّ إقْرَارَ الضَّمَانِ عَلَيْهِ لَكِنْ يَتَعَيَّنُ تَقْيِيدُ ذَلِكَ بِمَا إذَا اسْتَهْلَكَ الْغَاصِبُ الثَّانِي الْأَلْفَ؛ إذْ لَوْ بَقِيَتْ مَعَهُ يُزَكِّي أَلْفَهُ؛ لِأَنَّهَا سَالِمَةٌ مِنْ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ رَدُّ مَا غَصَبَهُ (قَوْلُهُ وَلِذَا قَالُوا: لَوْ أَنَّ سُلْطَانًا غَصَبَ مَالًا وَخَلَطَهُ إلَخْ) أَيْ خَلَطَهُ بِمَالِهِ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ وَغَصَبَ أَمْوَالَ النَّاسِ وَخَلَطَهَا بِبَعْضِهَا فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ لِمَا فِي الْقُنْيَةِ لَوْ كَانَ الْخَبِيثُ نِصَابًا لَا يَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ وَاجِبُ التَّصَدُّقِ عَلَيْهِ فَلَا يُفِيدُ إيجَابَ التَّصَدُّقِ بِبَعْضِهِ، وَمِثْلُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ قَالَ فِي الشرنبلالية وَبِهِ صَرَّحَ فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ تَفْرِيغُ ذِمَّتِهِ بِرَدِّهِ إلَى أَرْبَابِهِ إنْ عُلِمُوا وَإِلَّا إلَى الْفُقَرَاءِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ قَيْدٌ حَسَنٌ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ يُوَفِّي مِنْهُ الْكُلَّ أَوْ الْبَعْضَ فَإِنْ كَانَ زَكَّى مَا قَدَرَ عَلَى وَفَائِهِ ثُمَّ رَأَيْته فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ قَالَ: مَحْمِلُ مَا ذَكَرُوهُ مَا إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ غَيْرُ مَا اسْتَهْلَكَهُ بِالْخَلْطِ يَفْضُلُ عَنْهُ فَلَا يُحِيطُ الدَّيْنُ بِمَالِهِ، وَهَذَا طَبَّقَ مَا فَهِمْته، وَلِلَّهِ - تَعَالَى - الْمِنَّةُ. اهـ. قُلْت: وَقَدْ رَأَيْت مَا يُفِيدُهُ فِي الْفَصْلِ الْعَاشِرِ مِنْ التَّتَارْخَانِيَّة حَيْثُ قَالَ عَنْ فَتَاوَى الْحُجَّةِ: وَمَنْ مَلَكَ أَمْوَالًا غَيْرَ طَيِّبَةٍ أَوْ غَصَبَ أَمْوَالًا وَخَلَطَهَا مَلَكَهَا بِالْخَلْطِ وَيَصِيرُ ضَامِنًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ سِوَاهَا نِصَابٌ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِي تِلْكَ الْأَمْوَالِ، وَإِنْ بَلَغَتْ نِصَابًا؛ لِأَنَّهُ مَدْيُونٌ، وَمَالُ الْمَدْيُونِ لَا يَنْعَقِدُ سَبَبًا لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ عِنْدَنَا اهـ. وَذَكَرَ فِي الشرنبلالية مِثْلَ مَا فِي السَّعْدِيَّةِ وَبِالْجُمْلَةِ فَوُجُوبُ الزَّكَاةِ عَلَيْهِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا أَبْرَأَهُ الْغُرَمَاءُ أَوْ بِمَا إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ يُوَفِّي دَيْنَهُ، وَإِلَّا فَلَا وَبِهِ يَنْدَفِعُ الْإِشْكَالُ لَكِنْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ نِصَابٌ زَائِدٌ عَلَى مَا يُوَفِّي دَيْنَهُ؛ لِأَنَّ مَا كَانَ مَشْغُولًا بِالدَّيْنِ لَا زَكَاةَ فِيهِ، وَإِنَّمَا يُزَكِّي مَا زَادَ عَلَيْهِ إذَا بَلَغَ نِصَابًا كَمَا تُفِيدُهُ عِبَارَةُ السَّعْدِيَّةِ خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ كَلَامُ النَّهْرِ وَعَلَى هَذَا فَلَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ زَكَاةُ مَا غَصَبَهُ بَلْ زَكَاةُ مَالِهِ الزَّائِدِ عَلَيْهِ فَفِي هَذَا الْجَوَابِ نَظَرٌ فَتَدَبَّرْ لَا يُقَالُ قَدْ يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ آخَرَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ مَالِ الزَّكَاةِ كَدُورِ السُّكْنَى وَثِيَابِ الْبَدَنِ وَنَحْوِهَا فَإِذَا كَانَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ مَا يُسَاوِي مَا عَلَيْهِ تَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ؛ لِأَنَّ مَا عَلَيْهِ مِمَّا غَصَبَهُ وَخَلَطَهُ صَارَ مِلْكَهُ وَلَهُ جِهَةُ وَفَاءٍ مِمَّا ذُكِرَ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: مَا كَانَ مِنْ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ لَا يَصِيرُ بِهِ غَنِيًّا فَلَوْ كَانَ مَدْيُونًا بِمَا يُسَاوِي حَوَائِجَهُ الْأَصْلِيَّةَ، وَقُلْنَا بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي ذَلِكَ الدَّيْنِ لَزِمَ إيجَابُ الزَّكَاةِ عَلَى الْفَقِيرِ الَّذِي يَحِلُّ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ وَلِأَنَّ الْمُصَرَّحَ بِهِ أَنَّ الدَّيْنَ يُصْرَفُ إلَى مَالِ الزَّكَاةِ حَتَّى لَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ، وَلَهُ مَالُ الزَّكَاةِ وَغَيْرُهُ يَصْرِفُ الدَّيْنَ إلَى مَالِ الزَّكَاةِ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ خِلَافًا لِزُفَرَ حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى خَادِمٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ وَلَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ وَخَادِمٍ يَصْرِفُ الدَّيْنَ إلَى الْمِائَتَيْنِ دُونَ الْخَادِمِ خِلَافًا لِزُفَرَ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الْبَدَائِعِ فَلَا يُمْكِنُ الْحَمْلُ الْمَذْكُورُ تَأَمَّلْ وَقَدْ يُجَابُ عَنْ أَصْلِ الْإِشْكَالِ كَمَا أَفَادَهُ شَيْخُنَا حَفِظَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - بِأَنَّ مَا غَصَبَهُ السُّلْطَانُ وَخَلَطَهُ بِمَالِهِ إنْ كَانَ أَصْحَابُهُ مَعْلُومِينَ فَلَا كَلَامَ فِي وُجُوبِ ضَمَانِهِ لَهُمْ، وَعَدَمُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ عَلَيْهِ بِقَدْرِهِ قَبْلَ أَدَاءِ ضَمَانِهِ، وَإِنْ كَانُوا غَيْرَ مَعْلُومِينَ أَيْ لَا هُمْ، وَلَا وَرَثَتُهُمْ فَعَلَيْهِ زَكَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مِلْكَهُ بِالْخَلْطِ، وَهُوَ وَإِنْ كَانَتْ ذِمَّتُهُ مَشْغُولَةً بِقَدْرِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 221 وُجُوبَ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ وَيَمْنَعُ صَدَقَةَ الْفِطْرِ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَأَمَّا التَّكْفِيرُ بِالْمَالِ فَلَا يَمْنَعُ الدَّيْنُ وُجُوبَهُ عَلَى الْأَصَحِّ كَذَا فِي الْكَشْفِ الْكَبِيرِ مِنْ بَحْثِ الْقُدْرَةِ الْمُيَسِّرَةِ، وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ رَجُلٌ الْتَقَطَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَعَرَّفَهَا سَنَةً ثُمَّ تَصَدَّقَ بِهَا وَلَهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ ثُمَّ تَمَّ الْحَوْلُ عَلَى أَلْفِهِ زَكَّاهَا اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ الْأَلْفَ الْمُتَصَدَّقِ بِهَا لَمْ تَصِرْ دَيْنًا عَلَيْهِ فِي الْحَالِ لِجَوَازِ أَنْ يُجِيزَ صَاحِبُهَا التَّصَدُّقَ اهـ. وَشَرَطَ فَرَاغَهُ عَنْ الْحَاجَةِ الْأَصْلِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ الْمَشْغُولَ بِهَا كَالْمَعْدُومِ وَفَسَّرَهَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِابْنِ الْمَلِكِ بِمَا يَدْفَعُ الْهَلَاكَ عَنْ الْإِنْسَانِ تَحْقِيقًا أَوْ تَقْدِيرًا فَالثَّانِي كَالدَّيْنِ وَالْأَوَّلُ كَالنَّفَقَةِ وَدُورِ السُّكْنَى وَآلَاتِ الْحَرْبِ وَالثِّيَابِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهَا لِدَفْعِ الْحَرِّ أَوْ الْبَرْدِ وَكَآلَاتِ الْحِرْفَةِ وَأَثَاثِ الْمَنْزِلِ وَدَوَابِّ الرُّكُوبِ وَكُتُبِ الْعِلْمِ لِأَهْلِهَا فَإِذَا كَانَ لَهُ دَرَاهِمُ مُسْتَحَقَّةٌ لِيَصْرِفَهَا إلَى تِلْكَ الْحَوَائِجِ صَارَتْ كَالْمَعْدُومَةِ كَمَا أَنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَحَقَّ لِصَرْفِهِ إلَى الْعَطَشِ كَانَ كَالْمَعْدُومِ وَجَازَ عِنْدَهُ التَّيَمُّمُ اهـ. فَقَدْ صَرَّحَ بِأَنَّ مَنْ مَعَهُ دَرَاهِمُ وَأَمْسَكَهَا بِنِيَّةِ صَرْفِهَا إلَى حَاجَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ إذَا حَالَ الْحَوْلُ وَهِيَ عِنْدَهُ وَيُخَالِفُهُ مَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ فِي فَصْلِ زَكَاةِ الْعُرُوضِ أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي النَّقْدِ كَيْفَمَا أَمْسَكَهُ لِلنَّمَاءِ أَوْ لِلنَّفَقَةِ اهـ. وَكَذَا فِي الْبَدَائِعِ فِي بَحْثِ النَّمَاءِ التَّقْدِيرِيِّ، وَمِنْ آلَات الْحِرْفَةِ الصَّابُونُ وَالْحُرْضُ لِلْغَسَّالِ لَا لِلْبَقَّالِ بِخِلَافِ الْعُصْفُرِ وَالزَّعْفَرَانِ لِلصَّبَّاغِ وَالدُّهْنِ وَالْعَفْصِ لِلدَّبَّاغِ فَإِنَّهَا وَاجِبَةٌ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْمَأْخُوذَ فِيهِ بِمُقَابَلَةِ الْعَيْنِ وَقَوَارِيرُ الْعَطَّارِينَ وَلُجُمُ الْخَيْلِ وَالْحَمِيرِ الْمُشْتَرَاةِ لِلتِّجَارَةِ وَمَقَاوِدُهَا وَجِلَالُهَا إنْ كَانَ مِنْ غَرَضِ الْمُشْتَرِي بَيْعُهَا بِهَا فَفِيهَا الزَّكَاةُ وَإِلَّا فَلَا كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَمَا فِي النِّهَايَةِ مِنْ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْأَهْلِ فِي الْكُتُبِ لَيْسَ بِمُفِيدٍ لِمَا أَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِهَا وَلَيْسَتْ هِيَ لِلتِّجَارَةِ لَا تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ وَإِنْ كَثُرَتْ لِعَدَمِ النَّمَاءِ، وَإِنَّمَا يُفِيدُ ذِكْرُ الْأَهْلِ فِي حَقِّ مَصْرِفِ الزَّكَاةِ فَإِذَا كَانَتْ لَهُ كُتُبٌ تُسَاوِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهَا لِلتَّدْرِيسِ وَغَيْرِهِ يَجُوزُ صَرْفُ الزَّكَاةِ إلَيْهِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا، وَهِيَ تُسَاوِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ لَا يَجُوزُ صَرْفُ الزَّكَاةِ إلَيْهِ اهـ. فَغَيْرُ مُفِيدٍ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُمْ فِي بَيَانِ مَا هُوَ مِنْ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْكُتُبَ لِغَيْرِ الْأَهْلِ لَيْسَتْ مِنْهَا، وَهُوَ تَقْيِيدٌ مُفِيدٌ كَمَا لَا يَخْفَى، وَشَرَطَ أَنْ يَكُونَ النِّصَابُ نَامِيًا وَالنَّمَاءُ فِي اللُّغَةِ بِالْمَدِّ الزِّيَادَةُ، وَالْقَصْرُ بِالْهَمْزِ خَطَأٌ يُقَالُ نَمَا الْمَالُ يَنْمِي نَمَاءً وَيَنْمُو نُمُوًّا وَأَنْمَاهُ اللَّهُ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَفِي الشَّرْعِ هُوَ نَوْعَانِ حَقِيقِيٌّ وَتَقْدِيرِيٌّ فَالْحَقِيقِيُّ الزِّيَادَةُ بِالتَّوَالُدِ وَالتَّنَاسُلِ وَالتِّجَارَاتِ، وَالتَّقْدِيرِيُّ تَمَكُّنُهُ مِنْ الزِّيَادَةِ بِكَوْنِ الْمَالِ فِي يَدِهِ أَوْ فِي يَدِ نَائِبِهِ فَلَا زَكَاةَ عَلَى مَنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْهَا فِي مَالِهِ كَمَالِ الضِّمَارِ، وَهُوَ فِي اللُّغَةِ الْغَائِبُ الَّذِي لَا يُرْجَى فَإِذَا رُجِيَ فَلَيْسَ بِضِمَارٍ، وَأَصْلُهُ الْإِضْمَارُ، وَهُوَ التَّغْيِيبُ وَالْإِخْفَاءُ، وَمِنْهُ أَضْمَرَ فِي قَلْبِهِ شَيْئًا، وَفِي الشَّرْعِ كُلُّ مَالٍ غَيْرِ مَقْدُورِ الِانْتِفَاعِ بِهِ مَعَ قِيَامِ أَصْلِ الْمِلْكِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ فَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ أَنَّ مَهْرَ الْمَرْأَةِ الَّتِي تَبَيَّنَ أَنَّهَا أَمَةٌ، وَدِيَةَ اللِّحْيَةِ الَّتِي تَنْبُتُ بَعْدَ حَلْقِهَا، وَالْمَالَ الْمُتَصَادَقَ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهِ، وَالْهِبَةَ الَّتِي رَجَعَ فِيهَا بَعْدَ الْحَوْلِ   [منحة الخالق] لَكِنْ هَذَا دَيْنٌ لَيْسَ لَهُ مُطَالِبٌ مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ فِي الدُّنْيَا فَلَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ، قُلْت: لَكِنْ سَيَذْكُرُ الْمُؤَلِّفُ فِي أَوَاخِرِ فَصْلِ زَكَاةِ الْغَنَمِ عَنْ الْمَبْسُوطِ أَنَّ الظَّلَمَةَ بِمَنْزِلَةِ الْغَارِمِينَ وَالْفُقَرَاءِ حَتَّى قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ: يَجُوزُ دَفْعُ الصَّدَقَةِ لِوَالِي خُرَاسَانَ، وَذَكَرَ قَاضِي خَانْ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: لَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِلْفُقَرَاءِ فَدَفَعَ إلَى السُّلْطَانِ الْجَائِرِ سَقَطَ اهـ. فَكَوْنُهُ فَقِيرًا يَجُوزُ دَفْعُ الصَّدَقَةِ إلَيْهِ يُنَافِي وُجُوبَ الزَّكَاةِ عَلَيْهِ نَعَمْ سَيَأْتِي فِي بَابِ الْمَصْرِفِ تَحْقِيقُ مَسْأَلَةِ مَنْ لَهُ نِصَابُ سَائِمَةٍ لَا تُسَاوِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ أَنَّهُ يَحِلُّ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ مَعَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ ابْنُ السَّبِيلِ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ مَعَ وُجُوبِهَا عَلَيْهِ فِي مَالِهِ الَّذِي بِبَلَدِهِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ تَقْيِيدٌ مُفِيدٌ كَمَا لَا يَخْفَى) قَالَ فِي النَّهْرِ: هَذَا غَيْرُ سَدِيدٍ؛ إذْ الْكَلَامُ فِي شَرَائِطِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ الَّتِي مِنْهَا الْفَرَاغُ عَنْ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ وَمُقْتَضَى الْقَيْدِ وُجُوبُهَا عَلَى غَيْرِ الْأَهْلِ لِمَا أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ فِي حَقِّهِمْ، وَلَيْسَ بِالْوَاقِعِ لِفَقْدِ شَرْطٍ آخَرَ، وَهُوَ نِيَّةُ التِّجَارَةِ فَالْأَهْلُ وَغَيْرُ الْأَهْلِ فِي نَفْيِ الْوُجُوبِ سَوَاءٌ. اهـ. قُلْت: لَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّ قَوْلَ الْمُؤَلِّفِ: إنَّهُ تَقْيِيدٌ مُفِيدٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا لِغَيْرِ الْأَهْلِ لَيْسَتْ مِنْ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ لَا أَنَّهُ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهَا عَلَيْهِ فَقَوْلُهُ: وَحَوَائِجُهُ الْأَصْلِيَّةُ لَا يَشْمَلُ الْكُتُبَ إلَّا لِمَنْ هُوَ أَهْلُهَا فَيُفِيدُ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيهَا، وَأَمَّا لِمَنْ هُوَ غَيْرُ أَهْلِهَا فَمَسْكُوتٌ عَنْهُ هُنَا ثُمَّ يُسْتَفَادُ حُكْمُهُ مِنْ قَوْلِهِ: نَامٍ، وَلَوْ تَقْدِيرًا فَيُعْلَمُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَقْصِدْ بِهَا التِّجَارَةَ لَا تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ عَلَيْهِ أَيْضًا ثُمَّ إنَّ عِبَارَةَ الْهِدَايَةِ هَكَذَا، وَعَلَى هَذَا كُتُبُ الْعِلْمِ لِأَهْلِهَا، وَآلَاتُ الْمُحْتَرَفِينَ لِمَا قُلْنَا قَالَ فِي الْعِنَايَةِ يَعْنِي أَنَّهَا لَيْسَتْ بِنَامِيَةٍ وَأُورِدَ عَلَيْهِ الِاعْتِرَاضُ الْمَارُّ، وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّهُ عَلَى تَفْسِيرِ قَوْلِهِ لِمَا قُلْنَا بِمَا ذَكَرَهُ الِاعْتِرَاضُ وَارِدٌ لَكِنْ رَدَّهُ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ بِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهَا مَشْغُولَةٌ إلَخْ فَلَا يَرِدُ قَوْلُهُ: إنَّ قَوْلَهُ لِأَهْلِهَا غَيْرُ مُفِيدٍ هَا هُنَا؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ إذَا كَانَ فِي الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ لَا بُدَّ مِنْ التَّقْيِيدِ فَلَا وَجْهَ لِقَصْرِ الْإِشَارَةِ إلَى التَّعْلِيلِ الثَّانِي مَعَ كَوْنِهِ خِلَافَ الظَّاهِرِ ثُمَّ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ فَتَأَمَّلْ اهـ وَهَذَا مَا أَجَابَ بِهِ الْمُؤَلِّفُ وَمُشْعِرٌ بِمَا قُلْنَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 222 مِنْ جُمْلَةِ مَالِ الضِّمَارِ فَغَيْرُ صَحِيحٍ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الَّذِي كَانَ فِي يَدِهِ الْمَالُ فِي الْحَوْلِ كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ فَلَمْ يَكُنْ ضِمَارًا فِي حَقِّهِ، وَكَذَا مَنْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ؛ إذْ لَا مِلْكَ لَهُ ظَاهِرًا فِي الْحَوْلِ، وَإِنَّمَا الْحَقُّ فِي التَّعْلِيلِ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْوَلْوَالِجِيِّ مِنْ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْهَالِكِ بَعْدَ الْوُجُوبِ وَمَالُ الضِّمَارِ هُوَ الدَّيْنُ الْمَجْحُودُ وَالْمَغْصُوبُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمَا بَيِّنَةٌ فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِمَا بَيِّنَةٌ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ إلَّا فِي غَصْبِ السَّائِمَةِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ عَلَى صَاحِبِهَا الزَّكَاةُ، وَإِنْ كَانَ الْغَاصِبُ مُقِرًّا كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَفِيهَا أَيْضًا مِنْ بَابِ الْمَصْرِفِ الدَّيْنُ الْمَجْحُودُ إنَّمَا لَا يَكُونُ نِصَابًا إذَا حَلَّفَهُ الْقَاضِي وَحَلَفَ، أَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ يَكُونُ نِصَابًا حَتَّى لَوْ قَبَضَ مِنْهُ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا يَلْزَمُهُ أَدَاءُ الزَّكَاةِ اهـ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ: لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ، وَإِنْ كَانَ لَهُ بَيِّنَةٌ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ قَدْ لَا تُقْبَلُ، وَالْقَاضِي قَدْ لَا يَعْدِلُ، وَقَدْ لَا يَظْهَرُ بِالْخُصُومَةِ بَيْنَ يَدَيْهِ لِمَانِعٍ فَيَكُونُ فِي حُكْمِ الْهَالِكِ، وَصَحَّحَهُ فِي التُّحْفَةِ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَصَحَّحَهُ فِي الْخَانِيَّةِ أَيْضًا وَعَزَاهُ إلَى السَّرَخْسِيِّ، وَمِنْهُ الْمَفْقُودُ وَالْآبِقُ وَالْمَأْخُوذُ مُصَادَرَةً، وَالْمَالُ السَّاقِطُ فِي الْبَحْرِ، وَالْمَدْفُونُ فِي الصَّحْرَاءِ الْمَنْسِيُّ مَكَانُهُ، فَلَوْ صَارَ فِي يَدِهِ بَعْدَ ذَلِكَ، فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ حَوْلٍ جَدِيدٍ لِعَدَمِ الشَّرْطِ، وَهُوَ النُّمُوُّ، وَأَمَّا الْمَدْفُونُ فِي حِرْزٍ، وَلَوْ دَارَ غَيْرِهِ إذَا نَسِيَهُ فَلَيْسَ مِنْهُ فَيَكُونُ نِصَابًا، وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي الْمَدْفُونِ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ أَوْ كَرْمٍ فَقِيلَ بِالْوُجُوبِ لِإِمْكَانِ الْوُصُولِ، وَقِيلَ: لَا؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ حِرْزٍ، وَأَمَّا إذَا أَوْدَعَهُ وَنَسِيَ الْمُودَعَ، قَالُوا: إنْ كَانَ الْمُودَعُ مِنْ الْأَجَانِبِ فَهُوَ ضِمَارٌ، وَإِنْ كَانَ مِنْ مَعَارِفِهِ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ لِتَفْرِيطِهِ بِالنِّسْيَانِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ وَقَيَّدْنَا الدَّيْنَ بِالْمَجْحُودِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَى مُقِرٍّ مَلِيٍّ أَوْ مُعْسِرٍ تَجِبُ الزَّكَاةُ لِإِمْكَانِ الْوُصُولِ إلَيْهِ ابْتِدَاءً أَوْ بِوَاسِطَةِ التَّحْصِيلِ، وَلَوْ كَانَ عَلَى مُقِرٍّ مُفْلِسٍ فَهُوَ نِصَابٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ تَفْلِيسَ الْقَاضِي لَا يَصِحُّ عِنْدَهُ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَجِبُ لِتَحَقُّقِ الْإِفْلَاسِ عِنْدَهُ بِالتَّفْلِيسِ وَأَبُو يُوسُفَ مَعَ مُحَمَّدٍ فِي تَحَقُّقِ الْإِفْلَاسِ، وَمَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي حُكْمِ الزَّكَاةِ رِعَايَةً لِجَانِبِ الْفُقَرَاءِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ فَأَفَادَ أَنَّهُ إذَا قَبَضَ الدَّيْنَ زَكَّاهُ لِمَا مَضَى قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: وَهُوَ غَيْرُ جَارٍ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ ذَلِكَ فِي بَعْضِ أَنْوَاعِ الدَّيْنِ وَلْنُوَضِّحْ ذَلِكَ فَنَقُولُ: قَسَّمَ أَبُو حَنِيفَةَ الدَّيْنَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: قَوِيٌّ، وَهُوَ بَدَلُ الْقَرْضِ، وَمَالُ التِّجَارَةِ، وَمُتَوَسِّطٌ، وَهُوَ بَدَلُ مَا لَيْسَ لِلتِّجَارَةِ كَثَمَنِ ثِيَابِ الْبِذْلَةِ وَعَبْدِ الْخِدْمَةِ وَدَارِ السُّكْنَى، وَضَعِيفٌ، وَهُوَ بَدَلُ مَا لَيْسَ بِمَالٍ كَالْمَهْرِ وَالْوَصِيَّةِ، وَبَدَلِ الْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ وَالدِّيَةِ، وَبَدَلِ الْكِتَابَةِ وَالسِّعَايَةِ فَفِي الْقَوِيِّ تَجِبُ الزَّكَاةُ إذَا حَالَ الْحَوْلُ، وَيَتَرَاخَى الْقَضَاءُ إلَى أَنْ يَقْبِضَ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا فَفِيهَا دِرْهَمٌ، وَكَذَا فِيمَا زَادَ بِحِسَابِهِ، وَفِي الْمُتَوَسِّطِ لَا تَجِبُ مَا لَمْ يَقْبِضْ نِصَابًا، وَيُعْتَبَرُ لِمَا مَضَى مِنْ الْحَوْلِ فِي صَحِيحِ الرِّوَايَةِ، وَفِي الضَّعِيفِ لَا تَجِبُ مَا لَمْ يَقْبِضْ نِصَابًا وَيَحُولُ الْحَوْلُ بَعْدَ الْقَبْضِ عَلَيْهِ، وَثَمَنُ السَّائِمَةِ كَثَمَنِ عَبْدِ الْخِدْمَةِ، وَلَوْ وَرِثَ دَيْنًا عَلَى رَجُلٍ فَهُوَ كَالدَّيْنِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ فَغَيْرُ صَحِيحٍ مُطْلَقًا) قَالَ فِي النَّهْرِ: فِيهِ بَحْثٌ، فَإِنَّ تَعْلِيلَ الْفَتْحِ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ غَائِبًا غَيْرَ مَرْجُوٍّ الْقُدْرَةُ عَلَى الِانْتِفَاعِ بِهِ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ كَوْنَهُ ضِمَارًا يَعْنِي بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَالِكِ الْأَصْلِيِّ نَعَمْ هُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْ كَانَ فِي يَدِهِ كَالْهَالِكِ بَعْدَ الْوُجُوبِ فَتَدَبَّرْهُ اهـ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ لَا مِلْكَ فِيهِ لِلْمَالِكِ الْأَصْلِيِّ، وَالْمَأْخُوذُ فِي مَفْهُومِ الضِّمَارِ غَيْبَتُهُ مَعَ قِيَامِ الْمِلْكِ لَا مُطْلَقُ الْغَيْبَةِ فَأَنَّى يَكُونُ ضِمَارًا بِدُونِ الْمِلْكِ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ ذَلِكَ ثُمَّ رَأَيْت الشَّيْخَ إسْمَاعِيلَ اعْتَرَضَ عَلَى النَّهْرِ فَقَالَ فِيهِ: إنَّ تَعْلِيلَ الْفَتْحِ ظَاهِرٌ فِي كَوْنِهِ ضِمَارًا لَوْ كَانَ مِلْكًا لِمَنْ غَابَ عَنْهُ إذْ ذَاكَ، وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ إذْ لَا مِلْكَ لَهُ ظَاهِرًا فِي الْحَوْلِ كَمَا مَرَّ اهـ. وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا قُلْنَا (قَوْلُهُ: إلَى أَنْ يَقْبِضَ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا) أَيْ الْأَدَاءُ بِالتَّرَاخِي إلَى قَبْضِ النِّصَابِ (قَوْلُهُ: فَفِيهَا دِرْهَمٌ) لِأَنَّ مَا دُونَ الْخُمُسِ مِنْ النِّصَابِ عَفْوٌ لَا زَكَاةَ فِيهِ شُرُنْبُلَالِيٌّ (قَوْلُهُ وَكَذَا فِيمَا زَادَ بِحِسَابِهِ) أَيْ وَكُلَّمَا قَبَضَ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا يَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ؛ لِأَنَّ الْكُسُورَ الَّتِي دُونَ الْخُمُسِ لَا تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ (قَوْلُهُ: وَيُعْتَبَرُ لِمَا مَضَى إلَخْ) أَيْ، وَلَا يُعْتَبَرُ الْحَوْلُ بَعْدَ الْقَبْضِ بَلْ يُعْتَدُّ بِمَا مَضَى مِنْ الْحَوْلِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَهَذِهِ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ الْإِمَامِ، وَهِيَ خِلَافُ الْأَصَحِّ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَكِنْ لَا يُخَاطَبُ بِالْأَدَاءِ مَا لَمْ يَقْبِضْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، فَإِذَا قَبَضَهَا زَكَّى لِمَا مَضَى، وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيهِ حَتَّى يَقْبِضَ الْمِائَتَيْنِ وَيَحُولُ الْحَوْلُ مِنْ وَقْتِ الْقَبْضِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ اهـ. وَكَذَا صَرَّحَ بِأَنَّهُ الْأَصَحُّ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ (قَوْلُهُ: وَثَمَنُ السَّائِمَةِ كَثَمَنِ عَبْدِ الْخِدْمَةِ) أَيْ هُوَ مِنْ الدَّيْنِ الْمُتَوَسِّطِ؛ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ بَدَلُ مَا لَيْسَ لِلتِّجَارَةِ وَجَعَلَهُ ابْنُ مَالِكٍ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ مِنْ الْقَوِيِّ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنْ مَالٍ لَوْ بَقِيَ ذَلِكَ الْمَالُ فِي يَدِهِ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهِ فَإِنَّهُ جَعَلَ الدَّيْنَ الَّذِي هُوَ بَدَلُ عَنْ مَالٍ عَلَى قِسْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا هَذَا، وَهُوَ الدَّيْنُ الْقَوِيُّ وَالْآخَرُ مَا يَكُونُ بَدَلًا عَنْ مَالٍ لَوْ بَقِيَ ذَلِكَ الْمَالُ فِي يَدِهِ لَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَهَذَا هُوَ الدَّيْنُ الْمُتَوَسِّطُ، وَلَكِنْ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ مِنْ تَعْرِيفِ الدُّيُونِ الْمَذْكُورَةِ هُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا فِي الْبَدَائِعِ تَأَمَّلْ يَقُولُ الْفَقِيرُ مَحْمُودٌ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْغَنِيِّ: مُجَرِّدُ هَذِهِ الْحَوَاشِي، وَرَأَيْت هُنَا عَلَى هَامِشِ الْبَحْرِ بِخَطِّ بَعْضِ الْفُضَلَاءِ مَا صُورَتُهُ، وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ: ثُمَّ الدَّيْنُ إذَا كَانَ بَدَلًا عَنْ مَالٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 223 الْوَسَطِ، وَرُوِيَ أَنَّهُ كَالضَّعِيفِ وَعِنْدَهُمَا الدُّيُونُ كُلُّهَا سَوَاءٌ تَجِبُ الزَّكَاةُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَكُلَّمَا قَبَضَ شَيْئًا زَكَّاهُ قَلَّ أَوْ كَثُرَ إلَّا دَيْنَ الْكِتَابَةِ وَالسِّعَايَةِ وَفِي رِوَايَةٍ أَخْرَجَا الدِّيَةَ أَيْضًا قَبْلَ الْحُكْمِ بِهَا وَأَرْشَ الْجِرَاحَةِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِدَيْنٍ عَلَى الْحَقِيقَةِ؛ فَلِذَا لَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ، وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَةِ مَنْ مَاتَ مِنْ الْعَاقِلَةِ الدِّيَةُ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهَا بِطَرِيقِ الصِّلَةِ إلَّا أَنْ يَقُولَ: الْأَصْلُ أَنَّ الْمُسَبَّبَاتِ تَخْتَلِفُ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ الْأَسْبَابِ، وَلَوْ آجَرَ عَبْدَهُ أَوْ دَارِهِ بِنِصَابٍ إنْ لَمْ يَكُونَا لِلتِّجَارَةِ لَا تَجِبُ مَا لَمْ يَحُلْ الْحَوْلُ بَعْدَ الْقَبْضِ فِي قَوْلِهِ، وَإِنْ كَانَ لِلتِّجَارَةِ كَانَ حُكْمُهُ كَالْقَوِيِّ؛ لِأَنَّ أُجْرَةَ مَالِ التِّجَارَةِ كَثَمَنِ مَالِ التِّجَارَةِ فِي صَحِيحِ الرِّوَايَةِ اهـ. وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: وَأَمَّا إذَا أَعْتَقَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ عَبْدًا مُشْتَرَكًا، وَاخْتَارَ الْمَوْلَى تَضْمِينَ الْمُعْتِقِ إنْ كَانَ الْعَبْدُ لِلتِّجَارَةِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ دَيْنِ الْوَسَطِ هُوَ الصَّحِيحُ، وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ لِلْخِدْمَةِ فَكَذَلِكَ أَيْضًا، وَإِنْ اخْتَارَ اسْتِسْعَاءَ الْعَبْدِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الدَّيْنِ الضَّعِيفِ اهـ. وَمُقْتَضَى الْأَوَّلِ أَنَّ الْعَبْدَ إذَا كَانَ لِلتِّجَارَةِ فَحُكْمُ هَذَا الدَّيْنِ حُكْمُ الدَّيْنِ الْقَوِيِّ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحِيطِ إلَّا أَنَّ الصَّحِيحَ خِلَافُهُ كَمَا عَلِمْت وَلَعَلَّهُ لَيْسَ بَدَلًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِدَلِيلِ أَنَّ الْمَوْلَى مُخَيَّرٌ ثُمَّ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ: وَهَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَالٌ آخَرُ لِلتِّجَارَةِ، فَأَمَّا إذَا كَانَ عِنْدَهُ مَالٌ آخَرُ لِلتِّجَارَةِ يَصِيرُ الْمَقْبُوضُ مِنْ الدَّيْنِ الضَّعِيفِ مَضْمُومًا إلَى مَا عِنْدَهُ فَتَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ نِصَابًا، وَكَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَفِيهِ لَوْ كَانَ لَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ دَيْنٌ فَاسْتَفَادَ فِي خِلَالِ الْحَوْلِ مِائَةَ دِرْهَمٍ فَإِنَّهُ يَضُمُّ الْمُسْتَفَادَ إلَى الدَّيْنِ فِي حَوْلِهِ بِالْإِجْمَاعِ وَإِذَا تَمَّ الْحَوْلُ عَلَى الدَّيْنِ لَا يَلْزَمُهُ الْأَدَاءُ مِنْ الْمُسْتَفَادِ مَا لَمْ يَقْبِضْ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا، وَعِنْدَهُمَا يَلْزَمُهُ، وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا مَاتَ مَنْ عَلَيْهِ مُفْلِسًا سَقَطَ عَنْهُ زَكَاةُ الْمُسْتَفَادِ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ جُعِلَ مَضْمُومًا إلَى الدَّيْنِ تَبَعًا لَهُ فَسَقَطَ   [منحة الخالق] فَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ بَدَلًا عَنْ مَالٍ وَبَقِيَ ذَلِكَ الْمَالُ فِي يَدِهِ لَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ كَبَدَلِ عَبِيدِ الْخِدْمَةِ وَثِيَابِ الْبَدَنِ فَفِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ لِمَا مَضَى وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى: تَجِبُ الزَّكَاةُ إذَا قَبَضَ الْمِائَتَيْنِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بَدَلًا عَنْ مَالٍ لَوْ بَقِيَ ذَلِكَ الْمَالُ فِي يَدِهِ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهِ كَبَدَلِ عُرُوضِ التِّجَارَةِ فَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَصْحَابِنَا فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهِ وَاخْتِلَافِهِمْ فِي نِصَابِ الْأَدَاءِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُقَدَّرُ ذَلِكَ بِأَرْبَعِينَ، وَعِنْدَهُمَا تَجِبُ فِي قَلِيلِ الْمَقْبُوضِ وَكَثِيرِهِ إلَّا الدِّيَةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَبَدَلَ الْكِتَابَةِ فَإِنَّهُمَا اشْتَرَطَا فِيهِمَا حَوَلَانَ الْحَوْلِ بَعْدَ قَبْضِ الْمَالَيْنِ؛ لِأَنَّ كُلَّ الدُّيُونِ صَحِيحَةٌ سِوَى هَذَيْنِ ثُمَّ الدُّيُونُ الصَّحِيحَةُ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ اخْتَلَفُوا فِيهَا فَقَالَ أَصْحَابُنَا: لَا يَجِبُ إخْرَاجُ الزَّكَاةِ عَنْهَا قَبْلَ الْقَبْضِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ: إذَا كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا عَلَى مَلِيءٍ مُعْتَرَفٍ بِهِ فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ وَجَبَ إخْرَاجُ زَكَاتِهِ وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْهُ لَنَا، أَنَّهُ لَوْ وَجَبَ التَّعْجِيلُ لَلَزِمَ إخْرَاجُ الْكَامِلِ عَنْ النَّاقِصِ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ كَإِخْرَاجِ الْبِيضِ عَنْ السُّودِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ أَنْقَصُ مِنْ الْعَيْنِ بِدَلِيلِ أَنَّ أَدَاءَ الدَّيْنِ عَنْ الْعَيْنِ لَا يَجُوزُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَكُلَّمَا قَبَضَ شَيْئًا زَكَّاهُ) أَيْ وَكُلَّمَا قَبَضَ شَيْئًا يَلْزَمُهُ أَدَاءُ زَكَاةِ ذَلِكَ الْقَدْرِ قَلَّ الْمَقْبُوضُ أَوْ كَثُرَ اهـ مَا رَأَيْته (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ لِلتِّجَارَةِ كَانَ حُكْمُهُ كَالْقَوِيِّ إلَخْ) أَقُولُ: هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْمُحِيطِ حَيْثُ قَالَ: وَفِي أُجْرَةِ مَالِ التِّجَارَةِ، أَوْ عَبْدِ التِّجَارَةِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ لَا زَكَاةَ فِيهَا حَتَّى يَقْبِضَ وَيَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَيْسَتْ بِمَالٍ حَقِيقَةً فَصَارَ كَالْمَهْرِ، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهَا، وَيَجِبُ الْأَدَاءُ إذَا قَبَضَ مِنْهَا مِائَتَيْ دِرْهَمٍ؛ لِأَنَّهَا بَدَلٌ عَنْ مَالٍ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ مَالٌ حَقِيقَةً لَكِنَّهَا لَيْسَتْ بِمَحَلٍّ لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَصْلُحُ؛ لِأَنَّهَا لَا تَبْقَى سَنَةً اهـ. قُلْت: وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى مِنْ الدَّيْنِ الضَّعِيفِ وَعَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مِنْ الْمُتَوَسِّطِ لَا مِنْ الْقَوِيِّ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ لَيْسَتْ مَالَ زَكَاةٍ، وَإِنْ كَانَتْ مَالًا حَقِيقَةً تَأَمَّلْ ثُمَّ رَأَيْت فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ التَّصْرِيحَ بِأَنَّ فِيهِ ثَلَاثَ رِوَايَاتٍ (قَوْلُهُ: وَإِذَا تَمَّ الْحَوْلُ إلَخْ) يَقُولُ: مُجَرِّدُ هَذِهِ الْحَوَاشِي رَأَيْت بِخَطِّ بَعْضِ الْفُضَلَاءِ عَلَى هَامِشِ الْبَحْرِ هُنَا عِنْدَ قَوْلِهِ: وَإِذَا تَمَّ الْحَوْلُ مَا نَصُّهُ: وَقَالَ قَاضِي خَانْ: رَجُلٌ لَهُ عَلَى رَجُلٍ مِائَتَا دِرْهَمٍ فَحَالَ الْحَوْلُ إلَّا شَهْرًا ثُمَّ اسْتَفَادَ أَلْفًا فَتَمَّ الْحَوْلُ عَلَى الْمِائَتَيْنِ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ زَكَاةُ الْأَلْفِ مَا لَمْ يَأْخُذْ مِنْ الدَّيْنِ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا فَصَاعِدًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ زَكَاةُ الْمِائَتَيْنِ مَا لَمْ يَقْبِضْ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا فَإِذَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْأَدَاءُ عَنْ الْأَصْلِ لَا يَجِبُ عَنْ الْفَائِدَةِ اهـ. وَرَأَيْت أَيْضًا بِخَطِّهِ هُنَا عِنْدَ قَوْلِ صَاحِبِ الْبَحْرِ، وَعِنْدَهُمَا تَجِبُ؛ لِأَنَّهُ بِالضَّمِّ صَارَ كَالْمَوْجُودِ إلَخْ ظَاهِرُ تَعْلِيلِهِمَا بِقَوْلِهِ صَارَ كَالْمَوْجُودِ فِي ابْتِدَاءِ الْحَوْلِ يُعْطِي أَنَّ النَّقْدَ لَوْ كَانَ مَوْجُودًا مِنْ ابْتِدَاءِ الْحَوْلِ غَيْرَ مُسْتَفَادٍ فِي أَثْنَائِهِ يَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ بَعْدَ حَوَلَانِ الْحَوْلِ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ النِّصَابِ بِالِاتِّفَاقِ وَيَكُونُ النَّقْدُ نِصَابًا بِضَمِّهِ إلَى الدَّيْنِ، وَهُوَ كَذَلِكَ لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ لَهُ مِائَةٌ نَقْدٌ وَمِائَةٌ دَيْنٌ عَلَى النَّاسِ يَجِبُ الزَّكَاةُ وَكَمُلَ أَحَدُهُمَا بِالْآخِرِ اهـ. وَقَالَ قَاضِي خَانْ رَجُلٌ لَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ فِي يَدِهِ، وَمِائَةٌ أُخْرَى دَيْنًا لَهُ عَلَى غَيْرِهِ فَحَالَ الْحَوْلُ ذَكَرَ عِصَامٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ عَلَيْهِ الزَّكَاةَ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ الدَّيْنُ بَدَلَ مَالِ التِّجَارَةِ، وَيَكُونُ الْمَدْيُونُ مَلِيًّا مُقِرًّا بِالدَّيْنِ اهـ. مَا رَأَيْته الجزء: 2 ¦ الصفحة: 224 بِسُقُوطِهِ، وَعِنْدَهُمَا تَجِبُ لِأَنَّهُ بِالضَّمِّ صَارَ كَالْمَوْجُودِ فِي ابْتِدَاءِ الْحَوْلِ فَعَلَيْهِ زَكَاةُ الْعَيْنِ دُونَ الدَّيْنِ اهـ. وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْمَبِيعَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا تَجِبُ زَكَاتُهُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ فِي بَيَانِ أَقْسَامِ الدَّيْنِ أَنَّ الْمَبِيعَ قَبْلَ الْقَبْضِ، قِيلَ: لَا يَكُونُ نِصَابًا؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ نَاقِصٌ بِافْتِقَادِ الْيَدِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَكُونُ نِصَابًا؛ لِأَنَّهُ عِوَضٌ عَنْ مَالٍ كَانَتْ يَدُهُ ثَابِتَةً عَلَيْهِ، وَقَدْ أَمْكَنَهُ احْتِوَاءُ الْيَدِ عَلَى الْعِوَضِ فَتُعْتَبَرُ يَدُهُ بَاقِيَةً عَلَى النِّصَابِ بِاعْتِبَارِ التَّمَكُّنِ شَرْعًا اهـ فَعَلَى هَذَا قَوْلُهُمْ: لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ مَعْنَاهُ قَبْلَ قَبْضِهِ وَأَمَّا بَعْدَ قَبْضِهِ فَتَجِبُ زَكَاتُهُ فِيمَا مَضَى كَالدَّيْنِ الْقَوِيِّ، وَفِي الْمُحِيطِ: رَجُلٌ وَهَبَ دَيْنًا لَهُ عَلَى رَجُلِ وَوَكَّلَ بِقَبْضِهِ فَلَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ فَالزَّكَاةُ عَلَى الْوَاهِبِ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الْمَوْهُوبِ لَهُ كَقَبْضِ صَاحِبِ الْمَالِ اهـ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ فِيمَا إذَا لَمْ يُبْرِئْ صَاحِبُ الدَّيْنِ مِنْهُ أَمَّا إذَا أَبْرَأَ الْمَدْيُونَ مِنْهُ بَعْدَ الْحَوْلِ فَإِنَّهُ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهِ سَوَاءٌ كَانَ ثَمَنَ مَبِيعِ أَوْ قَرْضًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، صَرَّحَ بِهِ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ لَكِنْ قَيَّدَهُ فِي الْمُحِيطِ بِكَوْنِ الْمَدْيُونِ مُعْسِرًا أَمَّا لَوْ كَانَ مُوسِرًا فَهُوَ اسْتِهْلَاكٌ، وَهُوَ تَقْيِيدٌ حَسَنٌ يَجِبُ حِفْظُهُ، وَذَكَرَ فِي الْقُنْيَةِ أَنَّ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا يَكُونُ مَحَلًّا لِلنَّمَاءِ التَّقْدِيرِيِّ مِنْ الْأَمْوَالِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهَا قِسْمَانِ خِلْقِيٌّ وَفِعْلِيٌّ فَالْخِلْقِيُّ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ؛ لِأَنَّهَا تَصْلُحُ لِلِانْتِفَاعِ بِأَعْيَانِهَا فِي دَفْعِ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْإِعْدَادِ مِنْ الْعَبْدِ لِلتِّجَارَةِ بِالنِّيَّةِ؛ إذْ النِّيَّةُ لِلتَّعْيِينِ، وَهِيَ مُتَعَيِّنَةٌ لِلتِّجَارَةِ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ فَتَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهَا نَوَى التِّجَارَةَ، أَوْ لَمْ يَنْوِ أَصْلًا، أَوْ نَوَى النَّفَقَةَ، وَالْفِعْلِيُّ مَا سِوَاهُمَا فَإِنَّمَا يَكُونُ الْإِعْدَادُ فِيهَا لِلتِّجَارَةِ بِالنِّيَّةِ إذَا كَانَتْ عُرُوضًا، وَكَذَا فِي الْمَوَاشِي لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ نِيَّةِ الْإِسَامَةِ؛ لِأَنَّهَا كَمَا تَصْلُحُ لِلدَّرِّ وَالنَّسْلِ تَصْلُحُ لِلْحَمْلِ وَلِلرُّكُوبِ ثُمَّ نِيَّةُ التِّجَارَةِ وَالْإِسَامَةِ لَا تُعْتَبَرُ مَا لَمْ تَتَّصِلْ بِفِعْلِ التِّجَارَةِ وَالْإِسَامَةِ ثُمَّ نِيَّةُ التِّجَارَةِ قَدْ تَكُونُ صَرِيحًا، وَقَدْ تَكُونُ دَلَالَةً فَالصَّرِيحُ أَنْ يَنْوِيَ عِنْدَ عَقْدِ التِّجَارَةِ أَنْ يَكُونَ الْمَمْلُوكُ بِهِ لِلتِّجَارَةِ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْعَقْدُ شِرَاءً أَوْ إجَارَةً، وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الثَّمَنُ مِنْ النُّقُودِ أَوْ مِنْ الْعُرُوضِ فَلَوْ نَوَى أَنْ يَكُونَ لِلْبِذْلَةِ لَا يَكُونُ لِلتِّجَارَةِ وَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ مِنْ النُّقُودِ، فَخَرَجَ مَا مَلَكَهُ بِغَيْرِ عَقْدٍ كَالْمِيرَاثِ فَلَا تَصِحُّ فِيهِ نِيَّةُ التِّجَارَةِ إذَا كَانَ مِنْ غَيْرِ النُّقُودِ إلَّا إذَا تَصَرَّفَ فِيهِ فَحِينَئِذٍ تَجِبُ الزَّكَاةُ كَذَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِلْمُصَنِّفِ وَفِي الْخَانِيَّةِ: وَلَوْ وَرِثَ سَائِمَةً كَانَ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ إذَا حَالَ الْحَوْلُ نَوَى، أَوْ لَمْ يَنْوِ، وَخَرَجَ أَيْضًا مَا إذَا دَخَلَ مِنْ أَرْضِهِ حِنْطَةٌ تَبْلُغُ قِيمَتُهَا قِيمَةَ نِصَابٍ، وَنَوَى أَنْ يُمْسِكَهَا وَيَبِيعَهَا وَأَمْسَكَهَا حَوْلًا لَا تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ كَمَا فِي الْمِيرَاثِ، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى بَذْرًا لِلتِّجَارَةِ، وَزَرَعَهَا فِي أَرْضِ عُشْرٍ اسْتَأْجَرَهَا كَانَ فِيهَا الْعُشْرُ لَا غَيْرُ كَمَا لَوْ اشْتَرَى أَرْضَ خَرَاجٍ أَوْ عُشْرٍ لِلتِّجَارَةِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ زَكَاةُ التِّجَارَةِ إنَّمَا عَلَيْهِ حَقُّ الْأَرْضِ مِنْ الْعُشْرِ أَوْ الْخَرَاجِ، وَخَرَجَ مَا مَلَكَهُ بِعَقْدٍ لَيْسَ فِيهِ مُبَادَلَةٌ أَصْلًا كَالْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَالصَّدَقَةِ أَوْ مَلَكَهُ بِعَقْدٍ هُوَ مُبَادَلَةُ مَالٍ بِغَيْرِ مَالٍ كَالْمَهْرِ، وَبَدَلِ الْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ وَبَدَلِ الْعِتْقِ فَإِنَّهُ لَا تَصِحُّ فِيهِ نِيَّةُ التِّجَارَةِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ التِّجَارَةَ كَسْبُ الْمَالِ بِبَدَلٍ هُوَ مَالٌ، وَالْقَبُولُ هُنَا اكْتِسَابُ الْمَالِ بِغَيْرِ بَدَلٍ أَصْلًا فَلَمْ يَكُنْ مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ فَلَمْ تَكُنْ النِّيَّةُ مُقَارِنَةً لِعَمَلِ التِّجَارَةِ كَذَا صَحَّحَهُ فِي الْبَدَائِعِ وَقَيَّدْنَا بِبَدَلِ الصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لِلتِّجَارَةِ إذَا قَتَلَهُ عَبْدٌ خَطَأً، وَدُفَعَ بِهِ فَإِنَّ الْمَدْفُوعَ يَكُونُ لِلتِّجَارَةِ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ اسْتَقْرَضَ عُرُوضًا، وَنَوَى أَنْ تَكُونَ لِلتِّجَارَةِ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا تَكُونُ لِلتِّجَارَةِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي الْجَامِعِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَلَوْ اشْتَرَى عُرُوضًا لِلْبِذْلَةِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَهُوَ تَقْيِيدٌ حَسَنٌ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: هَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ تَقْيِيدٌ لِلْإِطْلَاقِ، وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ فِي الضَّعِيفِ كَمَا لَا يَخْفَى اهـ. أَيْ لِأَنَّ الضَّعِيفَ لَا يَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ قَبْلَ الْقَبْضِ مَا لَمْ يَمْضِ حَوْلٌ فَيَكُونُ إبْرَاءُ الْمُوسِرِ اسْتِهْلَاكًا قَبْلَ الْوُجُوبِ (قَوْلُهُ: وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي الْجَامِعِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ) نَصُّ عِبَارَةِ الْبَدَائِعِ: وَلَوْ اسْتَقْرَضَ عُرُوضًا، وَنَوَى أَنْ تَكُونَ لِلتِّجَارَةِ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ، قَالَ بَعْضُهُمْ: تَصِيرُ لِلتِّجَارَةِ؛ لِأَنَّ الْقَرْضَ يَنْقَلِبُ مُعَاوَضَةَ الْمَالِ بِالْمَالِ فِي الْعَاقِبَةِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي الْجَامِعِ أَنَّ مَنْ كَانَ لَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ لَا مَالَ لَهُ غَيْرُهَا فَاسْتَقْرَضَ مِنْ رَجُلٍ قَبْلَ حَوَلَانِ الْحَوْلِ خَمْسَةَ أَقْفِزَةٍ لِغَيْرِ التِّجَارَةِ، وَلَمْ يَسْتَهْلِكْ الْأَقْفِزَةَ حَتَّى حَالَ الْحَوْلُ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ وَيَصْرِفُ الدَّيْنَ إلَى مَالِ الزَّكَاةِ دُونَ الْجِنْسِ الَّذِي لَيْسَ بِمَالِ الزَّكَاةِ فَقَوْلُهُ: اسْتَقْرَضَ لِغَيْرِ التِّجَارَةِ دَلِيلٌ أَنَّهُ لَوْ اسْتَقْرَضَ لِلتِّجَارَةِ يَصِيرُ لِلتِّجَارَةِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَصِيرُ لِلتِّجَارَةِ، وَإِنْ نَوَى؛ لِأَنَّ الْقَرْضَ إعَارَةٌ، وَهُوَ تَبَرُّعٌ لَا تِجَارَةٌ فَلَمْ تُوجَدْ نِيَّةُ التِّجَارَةِ مُقَارِنَةً لِلتِّجَارَةِ فَلَا تُعْتَبَرُ اهـ. كَلَامُ الْبَدَائِعِ فَعَلَى مَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْجَامِعِ إذَا نَوَى التِّجَارَةَ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيمَا اسْتَقْرَضَهُ، وَلَا يُقَالُ: إنَّهُ مَشْغُولٌ بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ يَنْصَرِفُ إلَى الدَّرَاهِمِ الَّتِي فِي يَدِهِ كَمَا تَقَدَّمَ نَقْلُهُ عَنْ الشَّارِحِ الزَّيْلَعِيِّ حَتَّى لَوْ زَادَتْ قِيمَةُ الْأَقْفِزَةِ الَّتِي اسْتَقْرَضَهَا يَضُمُّ مَا زَادَ فِي قِيمَتِهَا إلَى الْمِائَتَيْ دِرْهَمٍ الَّتِي فِي يَدِهِ فَتَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهَا أَيْضًا، وَكَذَا لَوْ لَمْ تَزِدْ صُرِفَ الْقَرْضُ إلَيْهَا، وَإِنْ لَزِمَ نَقْصُهَا عَنْ النِّصَابِ؛ لِأَنَّهَا تُضَمُّ إلَى مَالِ التِّجَارَةِ فَيُزَكِّي عَنْهُمَا جَمِيعًا إذَا حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ تَأَمَّلْ ثُمَّ إنَّ مَا اسْتَظْهَرَهُ الْمُؤَلِّفُ هُنَا مِنْ أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ خِلَافُ الْأَصَحِّ لِمَا فِي الذَّخِيرَةِ بَعْدَ ذِكْرِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 225 وَالْمِهْنَةِ ثُمَّ نَوَى أَنْ تَكُونَ لِلتِّجَارَةِ بَعْدَ ذَلِكَ لَا تَصِيرُ لِلتِّجَارَةِ مَا لَمْ يَبِعْهَا فَيَكُونُ بَدَلُهَا لِلتِّجَارَةِ؛ لِأَنَّ التِّجَارَةَ عَمَلٌ فَلَا تَتِمُّ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ لِلتِّجَارَةِ فَنَوَى أَنْ تَكُونَ لِلْبِذْلَةِ خَرَجَ عَنْ التِّجَارَةِ بِالنِّيَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَعْمِلْهُ؛ لِأَنَّهَا تَرْكُ الْعَمَلِ فَتَتِمُّ بِهَا قَالَ الشَّارِحُ الزَّيْلَعِيُّ وَنَظِيرُهُ الْمُقِيمُ وَالصَّائِمُ وَالْكَافِرُ وَالْعَلُوفَةُ وَالسَّائِمَةُ حَيْثُ لَا يَكُونُ مُسَافِرًا، وَلَا مُفْطِرًا، وَلَا مُسْلِمًا، وَلَا سَائِمَةً، وَلَا عَلُوفَةً بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ وَيَكُونُ مُقِيمًا وَصَائِمًا وَكَافِرًا بِالنِّيَّةِ اهـ. فَقَدْ سَوَّى بَيْنَ الْعَلُوفَةِ وَالسَّائِمَةِ، وَالْمَنْقُولُ فِي النِّهَايَةِ وَفَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ الْعَلُوفَةَ لَا تَصِيرُ سَائِمَةً بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ، وَالسَّائِمَةُ تَصِيرُ عَلُوفَةً بِمُجَرَّدِهَا، وَقَدْ ظَهَرَ لِي التَّوْفِيقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ كَلَامَ الشَّارِحِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا نَوَى أَنْ تَكُونَ السَّائِمَةُ عَلُوفَةً، وَهِيَ فِي الْمَرْعَى، وَلَمْ يُخْرِجْهَا بَعْدُ فَإِنَّهَا بِهَذِهِ النِّيَّةِ لَا تَكُونُ عَلُوفَةً بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْعَمَلِ، وَهُوَ إخْرَاجُهَا مِنْ الْمَرْعَى، وَلَمْ يُرِدْ بِالْعَمَلِ أَنْ يَعْلِفَهَا، وَكَلَامُ غَيْرِهِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا نَوَى أَنْ تَكُونَ عَلُوفَةً بَعْدَ إخْرَاجِهَا مِنْ الْمَرْعَى، وَهَذَا التَّوْفِيقُ يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي النِّهَايَةِ فِي تَعْرِيفِ السَّائِمَةِ فَلْيُرَاجَعْ وَأَمَّا الدَّلَالَةُ فَهِيَ أَنْ يَشْتَرِيَ عَيْنًا مِنْ الْأَعْيَانِ بِعَرَضِ التِّجَارَةِ أَوْ يُؤَاجِرَ دَارِهِ الَّتِي لِلتِّجَارَةِ بِعَرَضٍ مِنْ الْعُرُوضِ فَيَصِيرَ لِلتِّجَارَةِ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ التِّجَارَةَ صَرِيحًا لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْبَدَائِعِ الِاخْتِلَافَ فِي بَدَلِ مَنَافِعِ عَيْنٍ مُعَدَّةٍ لِلتِّجَارَةِ فَفِي كِتَابِ الزَّكَاةِ مِنْ الْأَصْلِ أَنَّهُ لِلتِّجَارَةِ بِلَا نِيَّةٍ، وَفِي الْجَامِعِ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّوَقُّفِ عَلَى النِّيَّةِ فَكَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ، وَمَشَايِخُ بَلْخٍ كَانُوا يُصَحِّحُونَ رِوَايَةَ الْجَامِعِ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ، وَإِنْ كَانَتْ لِلتِّجَارَةِ لَكِنْ قَدْ يَقْصِدُ بِبَدَلِ مَنَافِعِهَا الْمَنْفَعَةَ فَيُؤَاجِرُ الدَّابَّةَ لِيُنْفِقَ عَلَيْهَا وَالدَّارَ لِلْعِمَارَةِ فَلَا تَصِيرُ لِلتِّجَارَةِ مَعَ التَّرَدُّدِ إلَّا بِالنِّيَّةِ اهـ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ يُسْتَثْنَى مِنْ اشْتِرَاطِ نِيَّةِ التِّجَارَةِ لِلْوُجُوبِ مَا يَشْتَرِيهِ الْمُضَارِبُ فَإِنَّهُ يَكُونُ لِلتِّجَارَةِ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِهَا أَوْ نَوَى الشِّرَاءَ لِلنَّفَقَةِ حَتَّى لَوْ اشْتَرَى عَبِيدًا بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ ثُمَّ اشْتَرَى لَهُمْ كِسْوَةً وَطَعَامًا لِلنَّفَقَةِ كَانَ الْكُلُّ لِلتِّجَارَةِ، وَتَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إلَّا الشِّرَاءَ لِلتِّجَارَةِ بِمَالِهَا، وَإِنْ نَصَّ عَلَى النَّفَقَةِ بِخِلَافِ الْمَالِكِ إذَا اشْتَرَى عَبِيدًا لِلتِّجَارَةِ ثُمَّ اشْتَرَى لَهُمْ طَعَامًا وَثِيَابًا لِلنَّفَقَةِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ لِلتِّجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الشِّرَاءَ لِغَيْرِ التِّجَارَةِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَيَدْخُلُ فِي نِيَّةِ التِّجَارَةِ مَا يَشْتَرِيهِ الصَّبَّاغُ بِنِيَّةِ أَنْ يَصْبُغَ بِهِ لِلنَّاسِ بِالْأُجْرَةِ فَإِنَّهُ يَكُونُ لِلتِّجَارَةِ بِهَذِهِ النِّيَّةِ، وَضَابِطُهُ أَنَّ مَا يَبْقَى أَثَرُهُ فِي الْعَيْنِ فَهُوَ مَالُ التِّجَارَةِ، وَمَا لَا يَبْقَى أَثَرُهُ فِيهَا فَلَيْسَ مِنْهُ كَصَابُونِ الْغَسَّالِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ مِنْ شَرَائِطِ الْوُجُوبِ الْعِلْمَ بِهِ حَقِيقَةً، أَوْ حُكْمًا بِالْكَوْنِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لِكُلِّ عِبَادَةٍ، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّهُ ذَكَرَ الشُّرُوطَ الْعَامَّةَ هُنَا كَالْإِسْلَامِ وَالتَّكْلِيفِ فَيَنْبَغِي ذِكْرُهُ أَيْضًا اهـ. (قَوْلُهُ وَشَرْطُ أَدَائِهَا نِيَّةٌ مُقَارِنَةٌ لِلْأَدَاءِ أَوْ لِعَزْلِ مَا وَجَبَ أَوْ تَصَدَّقَ بِكُلِّهِ) بَيَانٌ لِشَرْطِ الصِّحَّةِ فَإِنَّ شَرَائِطَهَا ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: شَرَائِطُ وُجُوبٍ، وَهِيَ مَا ذَكَرَهُ إلَّا الْحَوْلَ، فَإِنَّهُ مِنْ شُرُوطِ وُجُوبِ الْأَدَاء بِدَلِيلِ جَوَازِ التَّعْجِيلِ قَبْلَهُ بَعْدَ وُجُودِ السَّبَبِ وَأَمَّا النِّيَّةُ فَهِيَ شَرْطُ الصِّحَّةِ لِكُلِّ عِبَادَةٍ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَقَدْ عَلِمْت مِنْ قَوْلِهِ أَوَّلًا لِلَّهِ تَعَالَى لَكِنَّ الْمُرَادَ هُنَا بَيَانُ تَفَاصِيلِهَا، وَالْأَصْلُ اقْتِرَانُهَا بِالْأَدَاءِ كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ إلَّا أَنَّ الدَّفْعَ يَتَفَرَّقُ فَيَخْرُجُ بِاسْتِحْضَارِ النِّيَّةِ عِنْدَ كُلِّ دَفْعٍ فَاكْتَفَى بِوُجُودِهَا حَالَةَ الْعَزْلِ دَفْعًا لِلْحَرَجِ، وَإِنَّمَا سَقَطَتْ عَنْهُ بِلَا نِيَّةٍ فِيمَا إذَا تَصَدَّقَ بِجَمِيعِ النِّصَابِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ جُزْءٌ مِنْهُ، وَقَدْ وَصَلَ إلَى مُسْتَحِقِّهِ، وَإِنَّمَا تُشْتَرَطُ النِّيَّةُ لِدَفْعِ الْمُزَاحِمِ فَلَمَّا أَدَّى الْكُلَّ زَالَتْ الْمُزَاحَمَةُ، أَطْلَقَ الْمُقَارَنَةَ فَشَمِلَ الْمُقَارَنَةَ الْحَقِيقِيَّةَ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَالْحُكْمِيَّةَ كَمَا إذَا دَفَعَ بِلَا نِيَّةٍ ثُمَّ حَضَرَتْهُ النِّيَّةُ وَالْمَالُ قَائِمٌ فِي يَدِ الْفَقِيرِ فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ، وَهُوَ بِخِلَافِ مَا إذَا نَوَى بَعْدَ هَلَاكِهِ وَكَمَا إذَا وَكَّلَ رَجُلًا بِدَفْعِ زَكَاةِ مَالِهِ وَنَوَى الْمَالِكُ عِنْدَ الدَّفْعِ إلَى الْوَكِيلِ فَدَفَعَ الْوَكِيلُ بِلَا نِيَّةٍ فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ نِيَّةُ الْآمِرِ؛ لِأَنَّهُ الْمُؤَدِّي حَقِيقَةً، وَلَوْ دَفَعَهَا إلَى ذِمِّيٍّ لِيَدْفَعَهَا إلَى الْفُقَرَاءِ جَازَ لِوُجُودِ النِّيَّةِ مِنْ الْآمِرِ وَلَوْ أَدَّى زَكَاةَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَبَلَغَهُ فَأَجَازَ لَمْ   [منحة الخالق] نَحْوَ عِبَارَةِ الْبَدَائِعِ الْمَارَّةِ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا أَيْ نِيَّةَ التِّجَارَةِ فِي الْقَرْضِ لَا تَعْمَلُ؛ لِأَنَّ الْقَرْضَ بِمَعْنَى الْعَارِيَّةُ، وَنِيَّةُ الْعَوَارِيِّ لَيْسَتْ بِصَحِيحَةٍ وَمَعْنَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ اسْتَقْرَضَ حِنْطَةً لِغَيْرِ التِّجَارَةِ اسْتَقْرَضَ حِنْطَةً كَانَتْ عِنْدَ الْمُقْرِضِ لِغَيْرِ التِّجَارَةِ، وَفَائِدَةُ ذَلِكَ أَنَّهَا إذَا رُدَّتْ عَلَيْهِ عَادَتْ لِغَيْرِ التِّجَارَةِ، وَإِذَا كَانَتْ عِنْدَ الْمُقْرِضِ لِلتِّجَارَةِ، فَإِذَا رُدَّتْ عَلَيْهِ عَادَتْ لِلتِّجَارَةِ (قَوْلُهُ: وَالْمَنْقُولُ فِي النِّهَايَةِ وَفَتْحِ الْقَدِيرِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: أَقُولُ: فِي الدِّرَايَةِ: لَوْ أَرَادَ أَنْ يَبِيعَ السَّائِمَةَ أَوْ يَسْتَعْمِلَهَا أَوْ يَعْلِفَهَا فَلَمْ يَفْعَلْ حَتَّى حَالَ الْحَوْلُ فَعَلَيْهِ زَكَاةُ السَّائِمَةِ؛ لِأَنَّهُ نَوَى الْعَمَلَ، وَلَمْ يَعْمَلْ فَلَمْ يَنْعَدِمْ بِهِ وَصْفُ الْإِسَامَةِ، وَلَوْ نَوَى فِي الْعَلُوفَةِ صَارَتْ سَائِمَةً؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْإِسَامَةِ يَثْبُتُ بِتَرْكِ الْعَمَلِ، وَقَدْ تَرَكَ الْعَمَلَ حَقِيقَةً كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَالْخُلَاصَةِ، وَهَذَا يُخَالِفُ النَّقْلَيْنِ فَتَدَبَّرْهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 226 يَجُزْ؛ لِأَنَّهَا وَجَدَتْ نَفَاذًا عَلَى الْمُتَصَدِّقِ؛ لِأَنَّهَا مِلْكُهُ، وَلَمْ يَصِرْ نَائِبًا عَنْ غَيْرِهِ فَنَفَذَتْ عَلَيْهِ وَلَوْ تَصَدَّقَ عَنْهُ بِأَمْرِهِ جَازَ وَيَرْجِعُ بِمَا دَفَعَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ الرُّجُوعَ كَالْأَمْرِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا رُجُوعَ لَهُ إلَّا بِالشَّرْطِ، وَتَمَامُهُ فِي الْخَانِيَّةِ: وَلَوْ أَعْطَاهُ دَرَاهِمَ لِيَتَصَدَّقَ بِهَا تَطَوُّعًا فَلَمْ يَتَصَدَّقْ بِهَا حَتَّى نَوَى الْآمِرُ أَنْ تَكُونَ زَكَاتَهُ ثُمَّ تَصَدَّقَ بِهَا أَجْزَأَهُ، وَكَذَا لَوْ قَالَ تَصَدَّقَ بِهَا عَنْ كَفَّارَةِ يَمِينِي ثُمَّ نَوَى عَنْ زَكَاةِ مَالِهِ، وَفِي الْفَتَاوَى رَجُلَانِ دَفَعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا زَكَاةَ مَالِهِ إلَى رَجُلٍ لِيُؤَدِّيَ عَنْهُ فَخَلَطَ مَالَهُمَا ثُمَّ تَصَدَّقَ ضَمِنَ الْوَكِيلُ وَكَذَا لَوْ كَانَ فِي يَدِ رَجُلٍ أَوْقَافٌ مُخْتَلِفَةٌ فَخَلَطَ إنْزَالَ الْأَوْقَافِ وَكَذَلِكَ الْبَيَّاعُ وَالسِّمْسَارُ وَالطَّحَّانُ إلَّا فِي مَوْضِعٍ يَكُونُ الطَّحَّانُ مَأْذُونًا بِالْخَلْطِ عُرْفًا انْتَهَى وَبِهِ يُعْلَمُ حُكْمُ مَنْ يَجْمَعُ لِلْفُقَرَاءِ، وَمَحَلُّهُ مَا إذَا لَمْ يُوَكِّلُوهُ فَإِنْ كَانَ وَكِيلًا مِنْ جَانِبِ الْفُقَرَاءِ أَيْضًا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فَإِذَا ضَمِنَ فِي صُورَةِ الْخَلْطِ لَا تَسْقُطُ الزَّكَاةُ عَنْ أَرْبَابِهَا فَإِذَا أَدَّى صَارَ مُؤَدِّيًا مَالَ نَفْسِهِ كَذَا فِي التَّجْنِيسِ وَلَوْ لَمْ يَخْلِطْ الْجَابِي فَإِنَّهُ يَجُوزُ دَفْعُ مَنْ أَعْطَى قَبْلَ أَنْ تَبْلُغَ الدَّرَاهِمُ مِائَتَيْنِ، وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ أَعْطَى بَعْدَ مَا بَلَغَتْ نِصَابًا إنْ كَانَ الْفَقِيرُ وَكَّلَ الْجَابِيَ وَعَلِمَ الْمُعْطِي بِبُلُوغِهِ نِصَابًا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْجَابِي وَكِيلَ الْفَقِيرِ جَازَ مُطْلَقًا، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْمُعْطِي بِبُلُوغِهِ نِصَابًا جَازَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلِلْوَكِيلِ بِدَفْعِ الزَّكَاةِ أَنْ يَدْفَعَهَا إلَى وَلَدِ نَفْسِهِ كَبِيرًا كَانَ أَوْ صَغِيرًا، وَإِلَى امْرَأَتِهِ إذَا كَانُوا مَحَاوِيجَ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُمْسِكَ لِنَفْسِهِ شَيْئًا اهـ. إلَّا إذَا قَالَ ضَعْهَا حَيْثُ شِئْتَ فَلَهُ أَنْ يُمْسِكَهَا لِنَفْسِهِ كَذَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ بِعَزْلِ مَا وَجَبَ عَنْ الْعُهْدَةِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْأَدَاءِ إلَى الْفَقِيرِ لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ لَوْ أَفْرَزَ مِنْ النِّصَابِ خَمْسَةً ثُمَّ ضَاعَتْ لَا تَسْقُطُ عَنْهُ الزَّكَاةُ وَلَوْ مَاتَ بَعْدَ إفْرَازِهَا كَانَتْ الْخَمْسَةُ مِيرَاثًا عَنْهُ اهـ. بِخِلَافِ مَا إذَا ضَاعَتْ فِي يَدِ السَّاعِي لِأَنَّ يَدَهُ كَيَدِ الْفُقَرَاءِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَفِي التَّجْنِيسِ لَوْ عَزَلَ الرَّجُلُ زَكَاةَ مَالِهِ وَوَضَعَهُ فِي نَاحِيَةٍ مِنْ بَيْتِهِ فَسَرَقَهَا مِنْهُ سَارِقٌ لَمْ تُقْطَعْ يَدُهُ لِلشُّبْهَةِ وَقَدْ ذَكَرَ فِي كِتَابِ السَّرِقَةِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ أَنَّهُ يُقْطَعُ السَّارِقُ غَنِيًّا كَانَ أَوْ فَقِيرًا اهـ. بِلَفْظِهِ وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ أَخَّرَ الزَّكَاةَ لَيْسَ لِلْفَقِيرِ أَنْ يُطَالِبَهُ، وَلَا أَنْ يَأْخُذَ مَالَهُ بِغَيْرِ عِلْمِهِ، وَإِنْ أَخَذَ كَانَ لِصَاحِبِ الْمَالِ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ إنْ كَانَ قَائِمًا، وَيُضَمِّنَهُ إنْ كَانَ هَالِكًا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي قَرَابَةِ مَنْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ أَوْ فِي قَبِيلَتِهِ أَحْوَجُ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ فَكَذَلِكَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا لَهُ، وَإِنْ أَخَذَ كَانَ ضَامِنًا فِي الْحُكْمِ أَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ - تَعَالَى - يُرْجَى أَنْ يَحِلَّ لَهُ الْأَخْذُ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ أَيْضًا، وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ مَاتَ مَنْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ لَا تُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ لِفَقْدِ شَرْطِ صِحَّتِهَا، وَهُوَ النِّيَّةُ إلَّا إذَا أَوْصَى بِهَا فَتُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ كَسَائِرِ التَّبَرُّعَاتِ، وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ امْتَنَعَ مِنْ أَدَائِهَا فَالسَّاعِي لَا يَأْخُذُ مِنْهُ كُرْهًا، وَلَوْ أَخَذَ لَا يَقَعُ عَنْ الزَّكَاةِ لِكَوْنِهَا بِلَا اخْتِيَارٍ وَلَكِنْ يُجْبِرُهُ بِالْحَبْسِ لِيُؤَدِّيَ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يَسْلُبُ الِاخْتِيَارَ بَلْ الطَّوَاعِيَةَ فَيَتَحَقَّقُ الْأَدَاءُ عَنْ اخْتِيَارٍ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَفِي مُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ: وَمَنْ امْتَنَعَ عَنْ أَدَاءِ زَكَاةِ مَالِهِ وَأَخَذَهَا الْإِمَامُ كُرْهًا مِنْهُ فَوَضَعَهَا فِي أَهْلِهَا أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّ لِلْإِمَامِ وِلَايَةَ أَخْذِ الصَّدَقَاتِ فَقَامَ أَخْذُهُ مَقَامَ دَفْعِ الْمَالِكِ اهـ. وَفِي الْقُنْيَةِ فِيهِ إشْكَالٌ لِأَنَّ النِّيَّةَ فِيهَا شَرْطٌ، وَلَمْ تُوجَدْ مِنْهُ اهـ. وَفِي الْمَجْمَعِ: وَلَا نَأْخُذُهَا مِنْ سَائِمَةٍ امْتَنَعَ رَبُّهَا مِنْ أَدَائِهَا بِغَيْرِ رِضَاهُ بَلْ نَأْمُرُهُ لِيُؤَدِّيَهَا اخْتِيَارًا. اهـ. وَالْمُفْتَى بِهِ التَّفْصِيلُ إنْ كَانَ فِي الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ الْفَرْضُ عَنْ أَرْبَابِهَا بِأَخْذِ السُّلْطَانِ أَوْ نَائِبِهِ؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْأَخْذِ لَهُ فَبَعْدَ ذَلِكَ إنْ لَمْ يَضَعْ السُّلْطَانُ مَوْضِعَهَا لَا يَبْطُلُ أَخْذُهُ عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ فِي الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ فَإِنَّهُ لَا يُسْقِطُ الْفَرْضَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلسُّلْطَانِ وِلَايَةُ أَخْذِ زَكَاةِ الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ فَلَمْ يَصِحَّ أَخْذُهُ كَذَا فِي التَّجْنِيسِ وَالْوَاقِعَاتِ والولوالجية وَقُيِّدَ بِالتَّصَدُّقِ بِالْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَصَدَّقَ بِبَعْضِ النِّصَابِ بِلَا نِيَّةٍ اتَّفَقُوا أَنَّهُ لَا يُسْقِطُ زَكَاةَ كُلِّهِ وَاخْتَلَفُوا فِي سُقُوطِ زَكَاةِ مَا تَصَدَّقَ بِهِ فَقَالَ مُحَمَّدٌ بِسُقُوطِهِ وَقَالَ   [منحة الخالق] [شُرُوط أَدَاء الزَّكَاة] (قَوْلُهُ: وَاخْتَلَفُوا فِي سُقُوطِ زَكَاةِ مَا تَصَدَّقَ بِهِ إلَخْ) أَخَّرَ فِي الْهِدَايَةِ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ وَدَلِيلَهُ، وَعَادَتُهُ تَأْخِيرُ مَا هُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَهُ؛ وَلِذَا قَالَ فِي مَتْنِ الْمُلْتَقَى: لَا تَسْقُطُ حِصَّتُهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 227 أَبُو يُوسُفَ: عَلَيْهِ زَكَاةُ كُلِّهِ إلَّا إذَا كَانَ الْمَوْهُوبُ مِائَةً وَسِتَّةً وَتِسْعِينَ فَحِينَئِذٍ تَسْقُطُ كَذَا فِي الْمُبْتَغَى بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَأَطْلَقَ فِي التَّصَدُّقِ بِالْكُلِّ فَشَمِلَ الْعَيْنَ وَالدَّيْنِ فَلَوْ كَانَ لَهُ عَلَى فَقِيرٍ دَيْنٌ فَأَبْرَأَهُ عَنْهُ سَقَطَ زَكَاتُهُ عَنْهُ نَوَى الزَّكَاةَ أَوْ لَمْ يَنْوِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ وَلَوْ أَبْرَأَهُ عَنْ الْبَعْضِ سَقَطَ زَكَاةُ ذَلِكَ الْبَعْضِ، وَلَا تَسْقُطُ عَنْهُ زَكَاةُ الْبَاقِي وَلَوْ نَوَى بِهِ الْأَدَاءَ عَنْ الْبَاقِي؛ لِأَنَّ الْبَاقِيَ يَصِيرُ عَيْنًا بِالْقَبْضِ فَيَصِيرُ مُؤَدِّيًا الدَّيْنَ عَنْ الْعَيْنِ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ أَدَاءَ الْعَيْنِ عَنْ الْعَيْنِ وَعَنْ الدَّيْنِ يَجُوزُ، وَأَدَاءُ الدَّيْنِ عَنْ الْعَيْنِ، وَعَنْ دَيْنٍ سَيُقْبَضُ لَا يَجُوزُ، وَأَدَاءُ الدَّيْنِ عَنْ دَيْنٍ لَا يُقْبَضُ يَجُوزُ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَحِيلَةُ الْجَوَازِ أَنْ يُعْطِيَ الْمَدْيُونَ الْفَقِيرَ خَمْسَةً زَكَاةً ثُمَّ يَأْخُذَهَا مِنْهُ قَضَاءً عَنْ دَيْنِهِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَلَوْ أَمَرَ فَقِيرًا بِقَبْضِ دَيْنٍ لَهُ عَلَى آخَرَ نَوَاهُ عَنْ زَكَاةِ عَيْنٍ عِنْدَهُ جَازَ؛ لِأَنَّ الْفَقِيرَ يَقْبِضُ عَيْنًا فَكَانَ عَيْنًا عَنْ عَيْنٍ كَذَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَقَيَّدْنَا بِكَوْنِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ فَقِيرًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ غَنِيًّا فَوَهَبَهُ بَعْدَ الْحَوْلِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ أَصَحُّهُمَا الضَّمَانُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ وَشَمِلَ أَيْضًا مَا إذَا لَمْ يَنْوِ شَيْئًا أَصْلًا أَوْ نَوَى غَيْرَ الزَّكَاةِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ فِيمَا إذَا نَوَى التَّطَوُّعَ أَمَّا إذَا تَصَدَّقَ بِكُلِّهِ نَاوِيًا النَّذْرَ أَوْ وَاجِبًا آخَرَ فَإِنَّهُ يَقَعُ عَمَّا نَوَى وَيَضْمَنُ قَدْرَ الْوَاجِبِ كَذَا فِي التَّبْيِينِ، وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: لَوْ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ فِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَأَدَّى خَمْسَةً وَنَوَى ذَلِكَ تَطَوُّعًا سَقَطَتْ عَنْهُ زَكَاةُ الْخَمْسَةِ، وَهِيَ ثُمُنُ دِرْهَمٍ، وَلَا تَسْقُطُ عَنْهُ زَكَاةُ الْبَاقِي اهـ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُفَرَّعًا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ كَمَا لَا يَخْفَى وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عِلْمَ الْآخِذِ بِمَا يَأْخُذُهُ أَنَّهُ زَكَاةٌ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَفِيهِ اخْتِلَافٌ وَالْأَصَحُّ كَمَا فِي الْمُبْتَغَى وَالْقُنْيَةِ أَنَّ مَنْ أَعْطَى مِسْكَيْنَا دَرَاهِمَ وَسَمَّاهَا هِبَةً أَوْ قَرْضًا وَنَوَى الزَّكَاةَ فَإِنَّهَا تُجْزِئُهُ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ أَيْضًا الدَّفْعَ مِنْ عَيْنِ مَالِ الزَّكَاةِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَمَرَ إنْسَانًا بِالدَّفْعِ عَنْهُ أَجْزَأَهُ لَكِنْ اُخْتُلِفَ فِيمَا إذَا دَفَعَ مِنْ مَالٍ آخَرَ خَبِيثٍ، وَظَاهِرُ الْقُنْيَةِ تَرْجِيحُ الْإِجْزَاءِ اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِهِمْ: مُسْلِمٌ لَهُ خَمْرٌ فَوَكَّلَ ذِمِّيًّا فَبَاعَهَا مِنْ ذِمِّيٍّ فَلِلْمُسْلِمِ أَنْ يَصْرِفَ هَذَا الثَّمَنَ إلَى الْفُقَرَاءِ مِنْ زَكَاةِ مَالِهِ. اهـ. وَفِي الْخَانِيَّةِ: إذَا هَلَكَتْ الْوَدِيعَةُ عِنْدَ الْمُودِعِ فَدَفَعَ الْقِيمَةَ إلَى صَاحِبِهَا، وَهُوَ فَقِيرٌ لِدَفْعِ الْخُصُومَةِ يُرِيدُ بِهِ الزَّكَاةَ لَا يُجْزِئُهُ اهـ. وَفِي الْقُنْيَةِ عَلَيْهِ زَكَاةٌ وَدَيْنٌ أَيْضًا وَالْمَالُ يَفِي بِأَحَدِهِمَا يَقْضِي دَيْنَ الْغَرِيمِ ثُمَّ يُؤَدِّي حَقَّ الْكَرِيمِ اهـ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَهُ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ وَأَرْبَعُونَ شَاةً فَأَدَّى شَاةً لَا يَنْوِي عَنْ أَحَدِهِمَا صَرْفَهَا إلَى أَيِّهِمَا شَاءَ كَمَا لَوْ كَفَّرَ عَنْ ظِهَارِ امْرَأَتَيْنِ بِتَحْرِيرِ رَقَبَةٍ كَانَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ عَنْ أَيَّتِهِمَا شَاءَ. اهـ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْأَفْضَلُ فِي الزَّكَاةِ الْإِعْلَانُ بِخِلَافِ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ، وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ إذَا أَدَّى خَمْسَةَ دَرَاهِمَ وَنَوَى الزَّكَاةَ وَالتَّطَوُّعَ جَمِيعًا يَقَعُ عَنْ الزَّكَاةِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ عَنْ النَّفْلِ؛ لِأَنَّ نِيَّةَ النَّفْلِ عَارَضَ نِيَّةَ الْفَرْضِ فَبَقِيَ مُطْلَقُ النِّيَّةِ لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ نِيَّةَ الْفَرْضِ أَقْوَى فَلَا يُعَارِضُهَا نِيَّةُ النَّفْلِ اهـ. وَأَطْلَقَ فِي عَزْلِ مَا وَجَبَ فَشَمِلَ مَا إذَا عَزَلَ كُلَّ مَا وَجَبَ أَوْ بَعْضَهُ وَفِي الْخَانِيَّةِ مِنْ بَابِ الْأُضْحِيَّةِ: لِلْوَكِيلِ بِدَفْعِ الزَّكَاةِ أَنْ يُوَكِّلَ بِلَا إذْنٍ، وَلَا يَتَوَقَّفُ، وَفِي الْقُنْيَةِ مِنْ بَابِ الْوَكَالَةِ بِأَدَاءِ الزَّكَاةِ لَوْ أَمَرَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِدِينَارٍ عَلَى فَقِيرٍ مُعَيَّنٍ فَدَفَعَهَا إلَى فَقِيرٍ آخَرَ لَا يَضْمَنُ ثُمَّ رَقَّمَ بِرَقَمٍ آخَرَ أَنَّهُ فِي الزَّكَاةِ يَضْمَنُ، وَلَهُ التَّعْيِينُ. اهـ. وَالْقَوَاعِدُ تَشْهَدُ لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا: لَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِهَذَا الدِّينَارِ عَلَى فُلَانٍ لَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَى غَيْرِهِ، وَفِي الْوَاقِعَاتِ وَلَوْ شَكَّ رَجُلٌ فِي الزَّكَاةِ فَلَمْ يَدْرِ أَزَكَّى أَمْ لَا فَإِنَّهُ يُعِيدُ فَرَّقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا إذَا شَكَّ فِي الصَّلَاةِ بَعْدَ ذَهَابِ الْوَقْتِ أَصَلَّاهَا أَمْ لَا، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْعُمْرَ كُلَّهُ وَقْتٌ لِأَدَاءِ الزَّكَاةِ فَصَارَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ شَكٍّ وَقَعَ فِي أَدَاءِ الصَّلَاةِ أَنَّهُ أَدَّى أَمْ لَا، وَهُوَ فِي وَقْتِهَا وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ يُعِيدُ اهـ. وَوَقَعَتْ حَادِثَةٌ هِيَ أَنَّ مَنْ شَكَّ هَلْ أَدَّى جَمِيعَ مَا عَلَيْهِ مِنْ الزَّكَاةِ أَمْ لَا بِأَنْ كَانَ يُؤَدِّي مُتَفَرِّقًا، وَلَا يَضْبِطُهُ هَلْ يَلْزَمُهُ إعَادَتُهَا وَمُقْتَضَى مَا ذَكَرْنَا لُزُومُ الْإِعَادَةِ حَيْثُ لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ دَفْعُ قَدْرٍ مُعَيَّنٍ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَهُوَ صَحِيحٌ فِيمَا إذَا نَوَى التَّطَوُّعَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ فِي التَّعْبِيرِ بِالتَّصَدُّقِ إيمَاءٌ إلَى إخْرَاجِ النَّذْرِ، وَالْوَاجِبِ الْآخَرِ (قَوْلُهُ وَالْقَوَاعِدُ تَشْهَدُ لِلْأَوَّلِ إلَخْ) أَقُولُ:: فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ مَا ذَكَرَهُ قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ؛ لِأَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ تَعْيِينَ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَالدِّرْهَمِ وَالْفَقِيرُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي النَّذْرِ؛ لِأَنَّ الدَّاخِلَ تَحْتَ النَّذْرِ مَا هُوَ قُرْبَةٌ، وَهُوَ أَصْلُ التَّصَدُّقِ دُونَ التَّعْيِينِ فَيَبْطُلُ التَّعْيِينُ وَتَلْزَمُ الْقُرْبَةُ، وَهُنَا الْوَكِيلُ إنَّمَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ مِنْ الْمُوَكِّلِ وَقَدْ أَمَرَهُ بِالدَّفْعِ إلَى فُلَانٍ فَلَيْسَ لَهُ مُخَالَفَتُهُ كَمَا فِي سَائِرِ أَنْوَاعِ الْوَكَالَةِ وَنَظِيرُهُ لَوْ أَوْصَى بِدَرَاهِمَ لِفُلَانٍ، وَأَمَرَ الْوَصِيَّ بِأَنْ يَدْفَعَهَا إلَيْهِ بَعْدَ مَوْتِهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَدْفَعَهَا إلَى آخَرَ (قَوْلُهُ: وَمُقْتَضَى مَا ذُكِرَ لُزُومُ الْإِعَادَةِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: فَرَّقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا تَقَدَّمَ فَمَا تَقَدَّمَ شَكٌّ فِي الْأَدَاءِ وَعَدَمِهِ وَهَا هُنَا فِي مِقْدَارِ الْمُؤَدَّى فَيَنْبَغِي التَّحَرِّي كَمَا هُوَ الْأَصْلُ فِي مِثْلِهِ اهـ. أَيْ حَيْثُ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ قَدْرٌ مُعَيَّنٌ أَمَّا إذَا لَمْ يَغْلِبْ كَمَا هُوَ فَرْضُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ فَمَا مَعْنَى التَّحَرِّي تَأَمَّلْ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 228 ؛ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ فِي ذِمَّتِهِ بِيَقِينٍ فَلَا يَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ بِالشَّكِّ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ (بَابُ صَدَقَةِ السَّوَائِمِ) أَيْ زَكَاتُهَا قَالُوا حَيْثُ أُطْلِقَتْ الصَّدَقَةُ فِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ فَالْمُرَادُ بِهَا الزَّكَاةُ وَبَدَأَ أَكْثَرُهُمْ بِبَيَانِ السَّوَائِمِ اقْتِدَاءً بِكُتُبِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهَا كَانَتْ مُفْتَتَحَةً بِهَا وَلِكَوْنِهَا أَعَزَّ أَمْوَالِ الْعَرَبِ وَالسَّوَائِمُ جَمْعُ سَائِمَةٍ وَلَهَا مَعْنَيَانِ لُغَوِيٌّ وَفِقْهِيٌّ قَالَ فِي الْمُغْرِبِ سَامَتْ الْمَاشِيَةُ رَعَتْ سَوْمًا وَأَسَامَهَا صَاحِبُهَا إسَامَةً وَالسَّائِمَةُ عَنْ الْأَصْمَعِيِّ كُلُّ إبِلٍ تُرْسَلُ تَرْعَى، وَلَا تُعْلَفُ فِي الْأَهْلِ اهـ وَفِي ضِيَاءِ الْحُلُومِ: السَّائِمَةُ الْمَالُ الرَّاعِي (قَوْلُهُ: هِيَ الَّتِي تَكْتَفِي بِالرَّعْيِ فِي أَكْثَرِ السَّنَةِ) بَيَانٌ لِلسَّائِمَةِ بِالْمَعْنَى الْفِقْهِيِّ؛ لِأَنَّ اسْمَ السَّائِمَةِ لَا يَزُولُ بِالْعَلَفِ الْيَسِيرِ وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ قَيَّدَ بِالْأَكْثَرِ لِإِفَادَةِ أَنَّهُ لَوْ عَلَفَهَا نِصْفَ الْحَوْلِ فَإِنَّهَا لَا تَكُونُ سَائِمَةً فَلَا زَكَاةَ فِيهَا لِوُقُوعِ الشَّكِّ فِي السَّبَبِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ إنَّمَا صَارَ سَبَبًا بِوَصْفِ الْإِسَامَةِ فَلَا يَجِبُ الْحُكْمُ مَعَ الشَّكِّ اعْتَرَضَ فِي النِّهَايَةِ بِأَنَّ مُرَادَهُمْ تَفْسِيرُ السَّائِمَةِ الَّتِي فِيهَا الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ فَهِيَ تَعْرِيفٌ بِالْأَعَمِّ إذْ بَقِيَ قُيِّدَ كَوْنِ ذَلِكَ لِغَرَضِ النَّسْلِ وَالدَّرِّ وَالتَّسْمِينِ وَإِلَّا فَيَشْمَلُ الْإِسَامَةَ لِغَرَضِ الْحَمْلِ وَالرُّكُوبِ وَلَيْسَ فِيهَا زَكَاةٌ وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُمْ إنَّمَا تَرَكُوا هَذَا الْقَيْدَ لِتَصْرِيحِهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ بِأَنَّ مَا كَانَ لِلْحَمْلِ وَالرُّكُوبِ فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ فِيهِ وَصَرَّحُوا أَيْضًا بِأَنَّ الْعُرُوضَ إذَا كَانَتْ لِلتِّجَارَةِ يَجِبُ فِيهَا زَكَاةُ التِّجَارَةِ وَقَالُوا: إنَّ الْعَرَضَ خِلَافُ النَّقْدِ فَيَدْخُلُ فِيهِ الْحَيَوَانَاتُ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إنْ أَسَامَهَا لِلْحَمْلِ أَوْ لِلرُّكُوبِ فَلَا زَكَاةَ أَصْلًا أَوْ لِلتِّجَارَةِ فَفِيهَا زَكَاةُ التِّجَارَةِ أَوْ لِلدَّرِّ وَالنَّسْلِ فَفِيهَا الزَّكَاةُ الْمَذْكُورَةُ فِي هَذَا الْبَابِ، وَفِي الْمُحِيطِ: وَلَوْ اشْتَرَاهَا لِلتِّجَارَةِ ثُمَّ جَعَلَهَا سَائِمَةً يُعْتَبَرُ الْحَوْلُ مِنْ وَقْتِ الْجَعْلِ لِأَنَّ حَوْلَ زَكَاةِ التِّجَارَةِ يَبْطُلُ بِجَعْلِهَا لِلسَّوْمِ؛ لِأَنَّ زَكَاةَ السَّوَائِمِ وَزَكَاةَ التِّجَارَةِ مُخْتَلِفَانِ قَدْرًا وَسَبَبًا فَلَا يُبْنَى حَوْلُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ فَإِنْ قُلْت قَدْ اقْتَصَرَ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الَّتِي تُسَامُ لِلدَّرِّ وَالنَّسْلِ فَيُفِيدُ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ كُلُّهَا ذُكُورًا لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهَا وَالْمُصَرَّحُ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ وَالْمُحِيطِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهَا كُلِّهَا إنَاثًا أَوْ كَوْنِهَا كُلِّهَا ذُكُورًا أَوْ بَعْضِهَا ذُكُورًا وَبَعْضِهَا إنَاثًا قُلْت الْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا الشَّرْطِ نَفْيُ كَوْنِ الْإِسَامَةِ لِلْحَمْلِ وَالرُّكُوبِ أَوْ لِلتِّجَارَةِ لَا اشْتِرَاطُ أَنْ تَكُونَ لِلدَّرِّ وَالنَّسْلِ وَلِذَا زَادَ فِي الْمُحِيطِ أَنْ تُسَامَ لِقَصْدِ الدَّرِّ وَالنَّسْلِ وَالزِّيَادَةِ وَالسِّمَنِ فَالذُّكُورُ فَقَطْ تُسَامُ لِلزِّيَادَةِ وَالسِّمَنِ لَكِنْ فِي الْبَدَائِعِ لَوْ أَسَامَهَا لِلَّحْمِ لَا زَكَاةَ فِيهَا كَالْحَمْلِ وَالرُّكُوبِ وَفِي الْقُنْيَةِ: لَهُ إبِلٌ عَوَامِلُ يَعْمَلُ بِهَا فِي السَّنَةِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَيُسَمِّنُهَا فِي الْبَاقِي يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ فِيهَا الزَّكَاةُ اهـ. وَالرَّعْيُ مَصْدَرُ رَعَتْ الْمَاشِيَةُ الْكَلَأَ، وَالرِّعْيُ بِالْكَسْرِ الْكَلَأُ نَفْسُهُ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَالْمُنَاسِبُ هُنَا ضَبْطُهُ بِالْفَتْحِ؛ لِأَنَّ السَّائِمَةَ فِي الْفِقْهِ هِيَ الَّتِي تَرْعَى، وَلَا تُعْلَفُ فِي الْأَهْلِ لِقَصْدِ الدَّرِّ وَالنَّسْلِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فَلَوْ حُمِلَ الْكَلَأُ إلَيْهَا فِي الْبَيْتِ لَا تَكُونُ سَائِمَةً فَلَوْ ضُبِطَ الرَّعْيُ فِي كَلَامِهِمْ هُنَا بِالْكَسْرِ   [منحة الخالق] [بَابُ صَدَقَةِ السَّوَائِمِ] (قَوْلُهُ: وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُمْ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: هَذَا غَيْرُ دَافِعٍ؛ إذْ التَّعْرِيفُ بِالْأَعَمِّ لَا يَصِحُّ، وَلَا يَنْفَعُ فِيهِ ذِكْرُ الْحُكْمَيْنِ بَعْدَهُ اهـ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ أَنَّ الْقَيْدَ الْمَذْكُورَ مُلَاحَظٌ فِي التَّعْرِيفِ وَاكْتَفَوْا عَنْ التَّصْرِيحِ بِهِ هُنَا لِعِلْمِهِ مِمَّا يَأْتِي فَلَا يَكُونُ تَعْرِيفًا بِالْأَعَمِّ تَأَمَّلْ عَلَى أَنَّ عَدَمَ التَّعْرِيفِ بِالْأَعَمِّ اصْطِلَاحٌ لِلْمُتَأَخِّرَيْنِ، وَإِلَّا فَالْمُتَقَدِّمُونَ، وَأَهْلُ اللُّغَةِ عَلَى جَوَازِهِ (قَوْلُهُ قُلْت الْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا الشَّرْطِ إلَخْ) يَدُلُّ عَلَى هَذَا الْقَصْدِ مَا فِي تُحْفَةِ الْمُلُوكِ مِنْ أَنَّ السَّائِمَةَ الرَّاعِيَةُ أَكْثَرَ الْحَوْلِ لَا لِلرُّكُوبِ وَالْعَمَلِ اهـ. لَكِنْ نَظَرَ فِي هَذَا الْجَوَابِ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ نَفْيَ الْإِسَامَةِ لِلْحَمْلِ وَالرُّكُوبِ قَدْ يَحْصُلُ بِدُونِ قَصْدِ الدَّرِّ وَالنَّسْلِ بِأَنْ لَا يَقْصِدَ شَيْئًا أَصْلًا، وَلَا شَكَّ أَنَّ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ أَيْضًا. اهـ. قُلْت: لَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّ مُحَصَّلَ جَوَابِ الْمُؤَلِّفِ أَنَّهُ مَجَازٌ مِنْ قَبِيلِ إطْلَاقِ الْمَلْزُومِ وَإِرَادَةِ اللَّازِمِ كَمَا فِي قَوْلِك نَطَقَتْ الْحَالُ فَلَيْسَ الْمُرَادُ خُصُوصَ الْمَذْكُورِ بَلْ مَا أُطْلِقَ هُوَ عَلَيْهِ فَالْمُرَادُ اللَّازِمُ أَعْنِي نَفْيَ كَوْنِهَا لِلْحَمْلِ أَوْ لِلتِّجَارَةِ كَمَا أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ النُّطْقِ الدَّلَالَةُ فَقَدْ آلَ كَلَامُ الْمُؤَلِّفِ إلَى مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ التُّحْفَةِ، وَلَا يَخْفَى عَدَمُ تَوَجُّهِ النَّظَرِ عَلَيْهِ فَكَذَا مَا آلَ إلَيْهِ فَتَدَبَّرْ نَعَمْ يَرِدُ عَلَيْهِ مَا مَرَّ عَنْ الْخَانِيَّةِ لَوْ وَرِثَ سَائِمَةً كَانَ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ إذَا حَالَ الْحَوْلُ نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَيُسَمِّنُهَا فِي الْبَاقِي) الَّذِي رَأَيْته فِي الْقُنْيَةِ وَيُسِيمُهَا مِنْ الْإِسَامَةِ لَا مِنْ التَّسْمِينِ (قَوْلُهُ: فَلَوْ ضُبِطَ الرِّعْيُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: الْكَسْرُ هُوَ الْمُتَدَاوَلُ عَلَى الْأَلْسِنَةِ، وَلَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنْ تَكُونَ سَائِمَةً إلَّا لَوْ أَطْلَقَ الْكَلَأَ عَلَى الْمُنْفَصِلِ وَلِقَائِلٍ مَنْعُهُ بَلْ ظَاهِرُ مَا مَرَّ عَنْ الْمُغْرِبِ أَيْ مِنْ قَوْلِهِ: هُوَ كُلُّ مَا رَعَتْهُ الدَّوَابُّ مِنْ الرَّطْبِ وَالْيَابِسِ يُفِيدُ اخْتِصَاصَهُ بِالْقَائِمِ فِي مَعْدِنِهِ، وَلَمْ تَكُنْ مِنْهُ سَائِمَةً؛ لِأَنَّهُ مِلْكٌ بِالْحَوْزِ فَتَدَبَّرْهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 229 لَكَانَتْ سَائِمَةً، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْكَلَأُ الَّذِي تَرْعَاهُ مُبَاحًا كَمَا قَيَّدَهُ الشُّمُنِّيُّ بِهِ؛ لِأَنَّ الْكَلَأَ فِي اللُّغَةِ كُلُّ مَا رَعَتْ الدَّوَابُّ مِنْ الرَّطْبِ وَالْيَابِسِ فَيَدْخُلُ فِيهِ غَيْرُ الْمُبَاحِ. (قَوْلُهُ وَيَجِبُ فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ إبِلًا بِنْتُ مَخَاضٍ، وَفِيمَا دُونَهُ فِي كُلٍّ خَمْسٍ شَاةٌ، وَفِي سِتٍّ وَثَلَاثِينَ بِنْتُ لَبُونٍ، وَفِي سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ حِقَّةٌ، وَفِي إحْدَى وَسِتِّينَ جَذَعَةٌ، وَفِي سِتٍّ وَسَبْعِينَ بِنْتَا لَبُونٍ، وَفِي إحْدَى وَتِسْعِينَ حِقَّتَانِ إلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ) بِهَذَا اشْتَهَرَتْ كُتُبُ الصَّدَقَاتِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْإِبِلُ لَيْسَ لَهَا وَاحِدٌ مِنْ لَفْظِهَا وَالنِّسْبَةُ إلَيْهَا إبَلِيٌّ بِفَتْحِ الْبَاءِ كَقَوْلِهِمْ فِي النِّسْبَةِ إلَى سَلَمَةَ سُلَمِيٌّ بِالْفَتْحِ لِتَوَالِي الْكَسَرَاتِ مَعَ الْيَاءِ وَالْمَخَاضُ النُّوقُ الْحَوَامِلُ وَابْنُ الْمَخَاضِ هُوَ الْفَصِيلُ الَّذِي حَمَلَتْ أُمُّهُ قَبْلَ ابْنِ اللَّبُونِ بِسَنَةٍ، وَكَذَلِكَ بِنْتُ الْمَخَاضِ، وَالْمَخَاضُ أَيْضًا: وَجَعُ الْوِلَادَةِ قَالَ - تَعَالَى - {فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ} [مريم: 23] وَشَاةٌ لَبُونً ذَاتُ لَبَنٍ وَابْنُ اللَّبُونِ الَّذِي اسْتَكْمَلَ سَنَتَيْنِ، وَدَخَلَ فِي الثَّالِثَةِ وَالْحَقُّ مِنْ الْإِبِلِ مَا اسْتَكْمَلَ ثَلَاثَ سِنِينَ وَدَخَلَ فِي الرَّابِعَةِ، وَالْحِقَّةُ الْأُنْثَى، وَالْجَمْعُ حِقَاقٌ وَالْجَذَعُ مِنْ الْبَهَائِمِ قَبْلَ الثَّنِيِّ إلَّا أَنَّهُ مِنْ الْإِبِلِ فِي السَّنَةِ الْخَامِسَةِ، وَالْأُنْثَى جَذَعَةٌ هَذَا فِي اللُّغَةِ، وَفِي الشَّرِيعَةِ: وَالْمُرَادُ بِبِنْتِ الْمَخَاضِ مَا تَمَّ لَهَا سَنَةٌ، وَبِنْتُ اللَّبُونِ مَا تَمَّ لَهَا سَنَتَانِ، وَبِالْحِقَّةِ مَا تَمَّ لَهَا ثَلَاثٌ وَبِالْجَذَعَةِ مَا تَمَّ لَهَا أَرْبَعٌ ذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ فِي فَصْلِ الْمُحَرَّمَاتِ مِنْ النِّكَاحِ أَنَّ قَيْدَ كَوْنِهَا بِنْتَ مَخَاضٍ أَوْ بِنْتَ لَبُونٍ خَرَجَ مَخْرَجَ الْعَادَةِ لَا مَخْرَجَ الشَّرْطِ، فَالْمُرَادُ السِّنُّ لَا أَنْ تَكُونَ أُمُّهَا مَخَاضًا أَوْ لَبُونًا اهـ. وَاقْتَصَرَ الْفُقَهَاءُ عَلَى هَذِهِ الْأَسْنَانِ الْأَرْبَعَةِ؛ لِأَنَّ مَا عَدَاهَا لَا مَدْخَلَ لَهَا فِي الزَّكَاةِ كَالثَّنِيِّ وَالسَّدِيسِ وَالْبَازِلِ تَيْسِيرًا عَلَى أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ بِخِلَافِ الْأُضْحِيَّةِ، فَإِنَّهَا لَا تَجُوزُ بِهَذِهِ الْأَسْنَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِيهَا إلَّا الثَّنِيُّ، وَلَا يَجُوزُ الْجَذَعُ إلَّا مِنْ الضَّأْنِ وَقَالُوا: هَذِهِ الْأَسْنَانُ الْأَرْبَعَةُ نِهَايَةُ الْإِبِلِ فِي الْحُسْنِ وَالدَّرِّ وَالنَّسْلِ وَالْقُوَّةِ، وَمَا زَادَ عَلَيْهِ فَهُوَ رُجُوعٌ كَالْكِبَرِ وَالْهَرَمِ، وَالْأَصْلُ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّهُ تَوْقِيفِيٌّ، وَمَا فِي الْمَبْسُوطِ مِمَّا يُفِيدُ أَنَّهُ مَعْقُولُ الْمَعْنَى فَإِنَّهُ قَالَ: إنَّ إيجَابَ الشَّاةِ فِي خَمْسَةٍ مِنْ الْإِبِلِ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ رُبْعُ الْعُشْرِ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «هَاتُوا رُبْعَ عُشْرِ أَمْوَالِكُمْ» ، وَالشَّاةُ تَقْرُبُ مِنْ رُبْعِ عُشْرٍ فَإِنَّ الشَّاةَ كَانَتْ تُقَوَّمُ بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ هُنَاكَ، وَابْنَةُ مَخَاضٍ بِأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا فَإِيجَابُ الشَّاةِ فِي الْخَمْسِ كَإِيجَابِهَا فِي الْمِائَتَيْنِ مِنْ الدَّرَاهِمِ فَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ سِنٌّ فَلَمْ يُوجَدْ عِنْدَهُ فَإِنَّهُ يَضَعُ الْعَشَرَةَ مَوْضِعَ الشَّاةِ عِنْدَ عَدَمِهَا، وَهُوَ مُصَرَّحٌ بِخِلَافِهِ، وَقَيَّدَ الْمُصَنِّفُ السِّنَّ الْوَاجِبَ فِي الْإِبِلِ بِالْإِنَاثِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِيهَا دَفْعُ الذُّكُورِ كَابْنِ الْمَخَاضِ إلَّا بِطَرِيقِ الْقِيمَةِ لِلْإِنَاثِ إلَّا فِيمَا دُونَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الْإِبِلِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى؛ لِأَنَّ النَّصَّ وَرَدَ بِاسْمِ الشَّاةِ فَإِنَّهَا تَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى بِخِلَافِ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ فِي السِّنِّ الْوَاجِبِ فِيهِمَا الذُّكُورُ وَالْإِنَاثُ كَمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ مِنْ التَّبِيعِ وَالْمُسِنِّ، وَفِي الْبَدَائِعِ وَلَا يَجُوزُ فِي الصَّدَقَةِ إلَّا مَا يَجُوزُ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَأَطْلَقَ فِي الْإِبِلِ فَشَمِلَ الذُّكُورَ وَالْإِنَاثَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِنِصَابِهَا بِاسْمِ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَاسْمُ الْجِنْسِ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ الْأَنْوَاعِ بِأَيِّ صِفَةٍ كَانَتْ كَاسْمِ الْحَيَوَانِ وَسَوَاءٌ كَانَ مُتَوَلِّدًا مِنْ الْأَهْلِيَّيْنِ أَوْ مِنْ أَهْلِيٍّ وَوَحْشِيٍّ بَعْدَ أَنْ كَانَ الْأُمُّ أَهْلِيَّةً كَالْمُتَوَلِّدِ مِنْ الشَّاةِ وَالظَّبْيِ إذَا كَانَ أُمُّهُ شَاةً وَالْمُتَوَلِّدِ مِنْ الْبَقَرِ الْأَهْلِيِّ وَالْوَحْشِيِّ إذَا كَانَ أُمُّهُ أَهْلِيَّةً فَتَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَشَمِلَ الصِّغَارَ وَالْكِبَارَ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ الْكُلُّ صِغَارًا لِمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ فَالصِّغَارُ تَبَعٌ لِلْكِبَارِ عِنْدَ الِاخْتِلَاطِ وَشَمِلَ الْأَعْمَى وَالْمَرِيضَ وَالْأَعْرَجَ فِي الْعَدَدِ، وَلَا يُؤْخَذُ فِي الصَّدَقَةِ كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَشَمِلَ السِّمَانَ وَالْعِجَافَ لَكِنْ قَالُوا: إذَا كَانَ لَهُ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ مَهَازِيلُ وَجَبَ فِيهَا شَاةٌ بِقَدْرِهِنَّ، وَمَعْرِفَةُ ذَلِكَ أَنْ يَنْظُرَ إلَى الشَّاةِ الْوَسَطِ كَمْ هِيَ مِنْ بِنْتِ الْمَخَاضِ الْوَسَطِ فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ بِنْتِ مَخَاضٍ وَسَطٍ خَمْسِينَ، وَقِيمَةُ الشَّاةِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: إلَّا فِيمَا دُونَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الْإِبِلِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: لَوْ قَالَ إلَّا فِي الشَّاةِ الْوَاجِبَةِ فِيهَا لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَصْوَبَ لِمَا سَيَأْتِي مِنْ قَوْلِهِ ثُمَّ فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ، وَهِيَ أَعَمُّ مِنْ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَقَدْ وَجَبَتْ فِيمَا زَادَ عَلَى الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ الَّذِي هُوَ دُونِ الْخَمْسَةِ وَعِشْرِينَ مِنْ الْإِبِلِ تَأَمَّلْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 230 الْوَسَطِ عَشَرَةٌ تَبَيَّنَ أَنَّ الشَّاةَ الْوَسَطَ خُمُسُ بِنْتِ مَخَاضٍ فَوَجَبَ فِي الْمَهَازِيلِ شَاةٌ قِيمَتُهَا قِيمَةُ خُمُسِ وَاحِدَةٍ مِنْهَا، وَإِنْ كَانَ سُدُسَهَا فَسُدُسٌ، وَعَلَى هَذَا قِيَاسُهُ وَإِنْ كَانَ لَا يَبْلُغُ قِيمَةُ كُلِّهَا قِيمَةَ بِنْتِ مَخَاضٍ وَسَطٍ يُنْظَرُ إلَى قِيمَةِ أَعْلَاهُنَّ فَيَجِبُ فِيهَا مِنْ الزَّكَاةِ قَدْرُ خُمُسِ أَعْلَاهُنَّ، فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ أَعْلَاهُنَّ عِشْرِينَ فَخُمُسُهُ أَرْبَعَةٌ فَيَجِبُ فِيهَا شَاةٌ تُسَاوِي أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ أَعْلَاهُنَّ ثَلَاثِينَ فَخُمُسُهُ سِتَّةُ دَرَاهِمَ؛ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لِإِيجَابِ الشَّاةِ الْوَسَطِ؛ لِأَنَّهُ لَعَلَّ قِيمَتَهَا تَبْلُغُ قِيمَةَ وَاحِدَةٍ مِنْ الْعِجَافِ أَوْ تَرْبُو عَلَيْهَا فَيُؤَدِّي إلَى الْإِجْحَافِ بِأَرْبَابِ الْأَمْوَالِ فَأَوْجَبْنَا شَاةً بِقَدْرِهِنَّ لِيَعْتَدِلَ النَّظَرُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَكَذَا فِي الْعَشَرَةِ مِنْهَا يَجِبُ شَاتَانِ بِقَدْرِهِنَّ إلَى خَمْسٍ وَعِشْرِينَ فَيَجِبُ وَاحِدَةٌ مِنْ أَفْضَلِهِنَّ، وَتَمَامُ تَفْرِيعَاتِ زَكَاةِ الْعِجَافِ فِي الزِّيَادَاتِ وَالْمُحِيطِ وَغَيْرِهَا (قَوْلُهُ ثُمَّ فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ إلَى مِائَةٍ وَخَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ فَفِيهَا حِقَّتَانِ وَبِنْتُ مَخَاضٍ وَفِي مِائَةٍ وَخَمْسِينَ ثَلَاثُ حِقَاقٍ ثُمَّ فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ، وَفِي مِائَةٍ وَخَمْسٍ وَسَبْعِينَ ثَلَاثُ حِقَاقٍ وَبِنْتُ مَخَاضٍ وَفِي مِائَةٍ وَسِتٍّ وَثَمَانِينَ ثَلَاثُ حِقَاقٍ وَبِنْتُ لَبُونٍ وَفِي مِائَةٍ وَسِتٍّ وَتِسْعِينَ أَرْبَعُ حِقَاقٍ إلَى مِائَتَيْنِ ثُمَّ تُسْتَأْنَفُ أَبَدًا كَمَا بَعْدَ مِائَةٍ وَخَمْسِينَ) كَمَا وَرَدَ ذَلِكَ فِي كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ وَفِي الْمَبْسُوطِ وَفَتَاوَى قَاضِي خَانْ إذَا صَارَتْ مِائَتَيْنِ فَهُوَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ أَدَّى فِيهَا أَرْبَعَ حِقَاقٍ فِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ، وَإِنْ شَاءَ أَدَّى خَمْسَ بَنَاتِ لَبُونٍ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ أَنَّ لَهُ الْخِيَارَ فِيمَا إذَا كَانَتْ مِائَةً وَسِتًّا وَتِسْعِينَ إنْ شَاءَ أَدَّى أَرْبَعَ حِقَاقٍ، وَإِنْ شَاءَ صَبَرَ لِتُكْمِلَ مِائَتَيْنِ فَيُخَيَّرُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ خَمْسِ بَنَاتِ لَبُونٍ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ فِي الِاسْتِئْنَافِ بِقَوْلِهِ كَمَا بَعْدَ مِائَةٍ وَخَمْسِينَ لِيُفِيدَ أَنَّهُ لَيْسَ كَالِاسْتِئْنَافِ الَّذِي بَعْدَ الْمِائَةِ وَالْعِشْرِينَ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ فِي الِاسْتِئْنَافِ الثَّانِي إيجَابَ بِنْتِ لَبُونٍ، وَفِي الِاسْتِئْنَافِ الْأَوَّلِ لَمْ يَكُنْ لِانْعِدَامِ نِصَابِهِ وَأَنَّ الْوَاجِبَ فِي الِاسْتِئْنَافِ الْأَوَّلُ تَغَيُّرٌ مِنْ الْخَمْسِ إلَى الْخُمُسِ إلَى أَنْ تُسْتَأْنَفَ الْفَرِيضَةُ، وَفِي الِاسْتِئْنَافِ الثَّانِي لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَإِذَا زَادَ عَلَى الْمِائَتَيْنِ خَمْسٌ فَفِيهَا شَاةٌ مَعَ الْأَرْبَعِ حِقَاقٍ أَوْ الْخَمْسِ بَنَاتِ لَبُونٍ، وَفِي عَشْرٍ شَاتَانِ مَعَهَا، وَفِي خَمْسَةَ عَشْرَ ثَلَاثُ شِيَاهٍ مَعَهَا، وَفِي عِشْرِينَ أَرْبَعٌ مَعَهَا فَإِذَا بَلَغَتْ مِائَتَيْنِ وَخَمْسًا وَعِشْرِينَ فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ مَعَهَا إلَى سِتٍّ وَثَلَاثِينَ فَبِنْتُ لَبُونٍ مَعَهَا إلَى سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ فَفِيهَا خَمْسُ حِقَاقٍ إلَى مِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ ثُمَّ تُسْتَأْنَفُ كَذَلِكَ فَفِي مِائَتَيْنِ وَسِتٍّ وَتِسْعِينَ سِتُّ حِقَاقٍ إلَى ثَلَاثِمِائَةٍ، وَهَكَذَا (قَوْلُهُ وَالْبُخْتُ كَالْعِرَابِ) لِأَنَّ اسْمَ الْإِبِلِ يَتَنَاوَلُهُمَا وَاخْتِلَافُهُمَا فِي النَّوْعِ لَا يُخْرِجُهُمَا مِنْ الْجِنْسِ وَالْبُخْتُ جَمْعُ بُخْتِيٍّ، وَهُوَ الَّذِي تَوَلَّدَ مِنْ الْعَرَبِيِّ وَالْعَجَمِيِّ مَنْسُوبٌ إلَى بُخْتَ نَصَّرَ وَالْعِرَابُ جَمْعُ عَرَبِيٍّ لِلْبَهَائِمِ، وَلِلْأَنَاسِيِّ عَرَبٌ فَفَرَّقُوا بَيْنَهُمَا فِي الْجَمْعِ وَالْعَرَبُ هُمْ الَّذِينَ اسْتَوْطِنُوا الْمُدُنَ وَالْقُرَى الْعَرَبِيَّةَ وَالْأَعْرَابُ أَهْلُ الْبَدْوِ وَاخْتُلِفَ فِي نِسْبَتِهِمْ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُمْ نُسِبُوا إلَى عَرَبَةٍ بِفَتْحَتَيْنِ، وَهِيَ مِنْ تِهَامَةَ؛ لِأَنَّ أَبَاهُمْ إسْمَاعِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَشَأَ بِهَا كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ (بَابُ صَدَقَةِ الْبَقَرِ) قُدِّمَتْ عَلَى الْغَنَمِ لِقُرْبِهَا مِنْ الْإِبِلِ فِي الضَّخَامَةِ حَتَّى شَمِلَهَا اسْمُ الْبَدَنَةِ، وَفِي الْمُغْرِبِ بَقَرَ بَطْنَهُ شَقَّهُ مِنْ بَابِ طَلَبَ، وَالْبَاقُورُ وَالْبَيْقُورُ وَالْأَبْقُورُ وَالْبَقَرُ سَوَاءٌ، وَفِي التَّكْمِلَةِ عَنْ قُطْرُبٍ: الْبَاقُورَةُ الْبَقَرُ اهـ. وَالْبَقَرُ جِنْسٌ وَاحِدُهُ بَقَرَةٌ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى كَالتَّمْرِ وَالتَّمْرَةِ فَالتَّاءُ لِلْوَحْدَةِ لَا لِلتَّأْنِيثِ، وَفِي ضِيَاءِ الْحُلُومِ: الْبَاقِرُ جَمَاعَةُ الْبَقَرِ مَعَ رِعَائِهَا (قَوْلُهُ فِي ثَلَاثِينَ بَقَرًا تَبِيعٌ ذُو سَنَةٍ أَوْ تَبِيعَةٌ، وَفِي أَرْبَعِينَ مُسِنٌّ ذُو سَنَتَيْنِ أَوْ مُسِنَّةٌ، وَفِيمَا زَادَ بِحِسَابِهِ إلَى سِتِّينَ فَفِيهَا تَبِيعَانِ، وَفِي سَبْعِينَ مُسِنَّةٌ وَتَبِيعٌ، وَفِي ثَمَانِينَ مُسِنَّتَانِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ ثُمَّ فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ) ذَكَرَ الرَّمْلِيُّ أَنَّهُ وَرَدَ سُؤَالٌ لِبَعْضِ الْفُضَلَاءِ أَنَّهُ هَلْ تُشْتَرَطُ حَيَاةُ الشَّاةِ أَمْ لَا وَذَكَرَ الْجَوَابَ عَنْ بَعْضِهِمْ بِالتَّوَقُّفِ وَأَنَّهُ لَمْ يَرَ فِيهِ نَصًّا، وَعَنْ بَعْضِهِمْ الْجَزْمُ بِالِاشْتِرَاطِ وَأَنَّ الْمَذْبُوحَةَ لَا تُجْزِئُ إلَّا عَلَى سَبِيلِ التَّقْوِيمِ وَأَطَالَ فِيهِ فَرَاجِعْهُ [بَابُ صَدَقَةِ الْبَقَرِ] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 231 فَالْفَرْضُ يَتَغَيَّرُ فِي كُلِّ عَشْرٍ مِنْ تَبِيعٍ إلَى مُسِنَّةٍ) بِهَذَا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُعَاذًا حِينَ بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ، وَلَا خِلَافَ فِيمَا فِي الْمُخْتَصَرِ إلَّا فِي قَوْلِهِ، وَفِيمَا زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِينَ فَبِحِسَابِهِ فَفِيهِ رِوَايَاتٌ عَنْ الْإِمَامِ فَمَا فِي الْمُخْتَصَرِ رِوَايَةً عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْهُ فَيَجِبُ فِي الزَّائِدِ إذَا كَانَ وَاحِدَةً جُزْءًا مِنْ أَرْبَعِينَ جُزْءٌ مِنْ مُسِنَّةٍ، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْهُ أَنَّهُ لَا شَيْءَ فِيمَا زَادَ إلَى خَمْسِينَ فَفِي الْخَمْسِينَ مُسِنَّةٌ وَرُبْعُ مُسِنَّةٍ أَوْ ثُلُثُ تَبِيعٍ، وَرَوَى أَسَدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْهُ أَنَّهُ لَا شَيْءَ فِي الزِّيَادَةِ إلَى سِتِّينَ، وَهُوَ قَوْلُهُمَا وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ مَا فِي الْمُخْتَصَرِ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ لَكِنْ فِي الْمُحِيطِ رِوَايَةُ أَسَدٍ أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ وَفِي جَامِعِ الْفِقْهِ قَوْلُهُمَا هُوَ الْمُخْتَارُ وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا كَمَا ذَكَرَهُ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ فِي تَصْحِيحِهِ عَلَى الْقُدُورِيِّ، وَسُمِّيَ الْحَوْلِيُّ مِنْ أَوْلَادِ الْبَقَرِ بِالتَّبِيعِ؛ لِأَنَّهُ يَتْبَعُ أُمَّهُ بَعْدُ، وَالْمُسِنُّ مِنْ الْبَقَرِ وَالشَّاءِ مَا تَمَّ لَهُ سَنَتَانِ، وَمِنْ الْإِبِلِ مَا دَخَلَ فِي السَّنَةِ الثَّامِنَةِ ثُمَّ لَا يَتَعَيَّنُ الْأُنُوثَةُ فِي هَذَا الْبَابِ، وَلَا فِي الْغَنَمِ بِخِلَافِ الْإِبِلِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُعَدُّ فَضْلًا فِيهِمَا بِخِلَافِ الْإِبِلِ، وَفِي الْمُحِيطِ مَعْزِيًّا إلَى الزِّيَادَاتِ: لَهُ أَرْبَعُونَ مِنْ الْبَقَرِ عِجَافًا فَعَلَيْهِ مُسِنَّةٌ بِقَدْرِهِنَّ، وَمَعْرِفَةُ ذَلِكَ أَنْ يَنْظُرَ إلَى قِيمَةِ التَّبِيعِ الْوَسَطِ وَقِيمَةِ الْمُسِنَّةِ الْوَسَطِ، فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ التَّبِيعِ أَرْبَعِينَ، وَقِيمَةُ الْمُسِنَّةِ خَمْسِينَ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمُسِنَّةَ مِثْلُ تَبِيعٍ وَرُبْعِ تَبِيعٍ فَعَلَيْهِ وَاحِدَةٌ مِنْ أَفْضَلِهِنَّ وَرُبْعُ الَّتِي تَلِيهَا، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ أَفْضَلِهِنَّ ثَلَاثِينَ، وَقِيمَةُ الَّتِي تَلِيهَا عِشْرِينَ فَعَلَيْهِ مُسِنَّةٌ قِيمَتُهَا خَمْسَةٌ وَثَلَاثُونَ، وَعَلَى هَذَا تَجْرِي الْمَسَائِلُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْجَامُوسُ كَالْبَقَرِ) ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْبَقَرِ يَتَنَاوَلُهُمَا؛ إذْ هُوَ نَوْعٌ مِنْهُ فَيَكْمُلُ نِصَابُ الْبَقَرِ بِهِ وَتَجِبُ فِيهِ زَكَاتُهَا وَعِنْدَ الِاخْتِلَاطِ تُؤْخَذُ الزَّكَاةُ مِنْ أَغْلِبْهَا إنْ كَانَ بَعْضُهَا أَكْثَرَ مِنْ بَعْضٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَيَأْخُذُ أَعْلَى الْأَدْنَى وَأَدْنَى الْأَعْلَى، وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمَ الْبَقَرِ فَأَكَلَهُ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ؛ لِأَنَّ أَوْهَامَ النَّاسِ لَا تَسْبِقُ إلَيْهِ فِي دِيَارِنَا لِقِلَّتِهِ، وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ مِنْ فَصْلِ الْأَكْلِ مِنْ الْأَيْمَانِ قَالَ بَعْضُهُمْ لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمَ الْبَقَرِ فَأَكَلَ لَحْمَ الْجَامُوسِ حَنِثَ، وَلَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ لَحْمَ الْجَامُوسِ فَأَكَلَ لَحْمَ الْبَقَرِ لَا يَحْنَثُ، وَهَذَا أَصَحُّ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْنَثَ فِي الْفَصْلَيْنِ لِلْعُرْفِ اهـ. فَعَلَى هَذَا التَّصْحِيحِ كَانَ التَّشْبِيهُ فِي قَوْلِهِ كَالْجَامُوسِ عَامًّا فِي الْأَيْمَانِ أَيْضًا وَيُوَافِقُهُ مَا فِي الْمُحِيطِ وَالْجَوَامِيسُ بِمَنْزِلَةِ الْبَقَرِ؛ وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي بَقَرًا فَاشْتَرَى جَامُوسًا يَحْنَثُ بِخِلَافِ الْبَقَرِ الْوَحْشِيِّ؛ لِأَنَّهُ مُلْحَقٌ بِخِلَافِ الْجِنْسِ كَالْحِمَارِ الْوَحْشِيِّ وَإِنْ أَلِفَتْ فِيمَا بَيْنَنَا لَا يَلْتَحِقُ بِالْأَهْلِيِّ حُكْمًا حَتَّى يَبْقَى حَلَالَ الْأَكْلِ فَكَذَا الْبَقَرُ الْوَحْشِيُّ. اهـ. وَالْحَقُّ مَا فِي الْهِدَايَةِ، وَفِي التَّبْيِينِ وَقَوْلُهُ وَالْجَامُوسُ كَالْبَقَرِ لَيْسَ بِجَيِّدٍ لِأَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّهُ لَيْسَ بِبَقَرٍ اهـ. وَجَوَابُهُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ فِي الْعُرْفِ لَيْسَ بِبَقَرٍ كَانَ ذَلِكَ كَافِيًا فِي التَّغَايُرِ الْمُقْتَضِي لِصِحَّةِ التَّشْبِيهِ، وَعِبَارَةُ الْوَلْوَالِجِيِّ أَحْسَنُ، وَهِيَ وَالْجَوَامِيسُ مِنْ الْبَقَرِ؛ لِأَنَّهَا نَوْعٌ مِنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ (فَصْلٌ فِي الْغَنَمِ) سُمِّيَتْ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهَا آلَةُ الدِّفَاعِ فَكَانَتْ غَنِيمَةً لِكُلِّ طَالِبٍ (قَوْلُهُ فِي أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ، وَفِي مِائَةٍ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ شَاتَانِ، وَفِي مِائَتَيْنِ وَوَاحِدَةٍ ثَلَاثُ شِيَاهٍ، وَفِي أَرْبَعِمِائَةٍ أَرْبَعُ شِيَاهٍ ثُمَّ فِي كُلِّ مِائَةِ شَاةٍ شَاةٌ) بِالْإِجْمَاعِ وَقَدَّمْنَا أَنَّ الشَّاةَ تَشْمَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى، وَفِي الْمُحِيطِ وَالْمُتَوَلِّدُ بَيْنَ الْغَنَمِ وَالظِّبَاءِ يُعْتَبَرُ فِيهِ الْأُمُّ فَإِنْ كَانَتْ غَنَمًا وَجَبَتْ فِيهَا الزَّكَاةُ وَيَكْمُلُ بِهِ النِّصَابُ وَإِلَّا فَلَا، وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ لَوْ كَانَ لِرَجُلٍ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ شَاةً حَتَّى وَجَبَتْ فِيهَا شَاةٌ لَيْسَ لِلسَّاعِي أَنْ يُفَرِّقَهَا فَيَجْعَلَهَا أَرْبَعِينَ أَرْبَعِينَ فَيَأْخُذَ ثَلَاثَ شِيَاهٍ؛ لِأَنَّ بِاتِّحَادِ الْمِلْكِ صَارَ الْكُلُّ نِصَابًا وَلَوْ كَانَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَرْبَعُونَ شَاةً حَتَّى لَمْ يَجِبْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ فِي الْعُرْفِ لَيْسَ بِبَقَرٍ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ فِيهِ نَظَرٌ وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: إنَّ فِي كَلَامِهِ مُضَافًا مَحْذُوفًا أَيْ وَحُكْمُ الْجَامُوسِ كَالْبَقَرِ فَلَا إشْكَالَ اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ كَوْنَ حُكْمِهِمَا وَاحِدًا لَا يَدْفَعُ إيهَامَ أَنَّهُمَا نَوْعَانِ فَالْأَوْلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ تَأَمَّلْ. [فَصْلٌ فِي زَكَاة الْغَنَمِ] (فَصْلٌ فِي الْغَنَمِ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 232 مِنْهُمَا الزَّكَاةُ لَيْسَ لِلسَّاعِي أَنْ يَجْمَعَهَا وَيَجْعَلَهَا نِصَابًا وَيَأْخُذَ الزَّكَاةَ مِنْهَا لِأَنَّ مِلْكَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَاصِرٌ عَلَى النِّصَابِ اهـ. وَفِي الْعِجَافِ إنْ كَانَتْ شَاةَ وَسَطٍ تَعَيَّنَتْ، وَإِلَّا وَاحِدَةً مِنْ أَفْضَلِهَا فَإِنْ كَانَتْ نِصَابَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً كَمِائَةٍ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ أَوْ مِائَتَيْنِ وَوَاحِدَةٍ، وَفِيهَا عَدَدُ الْوَاجِبِ وَسَطٌ تَعَيَّنَتْ هِيَ أَوْ قِيمَتُهَا وَإِنْ بَعْضُهُ تَعَيَّنَ هُوَ وَكُمِّلَ مِنْ أَفْضَلِهَا بَقِيَّةُ الْوَاجِبِ فَتَجِبُ الْوَاحِدَةُ الْوَسَطُ وَوَاحِدَةٌ أَوْ اثْنَتَانِ عُجْفًا، وَأَنْ يَحْسِبَ مَا يَكُونُ الْوَاجِبُ وَالْمَوْجُودُ وَتَمَامُهُ فِي الزِّيَادَاتِ (قَوْلُهُ وَالْمَعْزُ كَالضَّأْنِ) لِأَنَّ النَّصَّ وَرَدَ بِاسْمِ الشَّاةِ وَالْغَنَمِ، وَهُوَ شَامِلٌ لَهُمَا فَكَانَا جِنْسًا وَاحِدًا، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: وَالضَّأْنُ وَالْمَعْزُ سَوَاءٌ أَيْ فِي تَكْمِيلِ النِّصَابِ لَا فِي أَدَاءِ الْوَاجِبِ. اهـ. وَفِي الْمِعْرَاجِ الضَّأْنُ جَمْعُ ضَائِنٍ كَرَكْبٍ جَمْعِ رَاكِبٍ مِنْ ذَوَاتِ الصُّوفِ، وَالضَّأْنُ اسْمٌ لِلذَّكَرِ وَالنَّعْجَةُ لِلْأُنْثَى وَالْمَعْزُ ذَاتُ الشَّعْرِ اسْمٌ لِلْأُنْثَى، وَاسْمُ الذَّكَرِ التَّيْسُ (قَوْلُهُ: وَيُؤْخَذُ الثَّنِيُّ فِي زَكَاتِهِ لَا الْجَذَعُ) لِقَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَا يُجْزِئُ فِي الزَّكَاةِ إلَّا الثَّنِيُّ فَصَاعِدًا وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الضَّأْنَ وَالْمَعْزَ، وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ فِي الْمَعْزِ إلَّا الثَّنِيُّ كَمَا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ وَاخْتُلِفَ فِي الضَّأْنِ فَمَا فِي الْمُخْتَصَرِ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَيُقَابِلُهُ جَوَازُ الْجَذَعِ، وَهُوَ قَوْلُهُمَا قِيَاسًا عَلَى الْأُضْحِيَّةِ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ؛ لِأَنَّ جَوَازَ التَّضْحِيَةِ بِهِ عُرِفَ نَصًّا فَلَا يَلْحَقُ بِهِ غَيْرُهُ وَالثَّنِيُّ مَا تَمَّ لَهُ سَنَةٌ وَاخْتُلِفَ فِي الْجَذَعِ فَفِي الْهِدَايَةِ أَنَّهُ مَا أَتَى عَلَيْهِ أَكْثَرُهَا، وَذَكَرَ النَّاطِفِيُّ أَنَّهُ مَا تَمَّ لَهُ ثَمَانِيَةُ أَشْهُرٍ، وَذَكَرَ الزَّعْفَرَانِيُّ أَنَّهُ مَا تَمَّ لَهُ سَبْعَةُ أَشْهُرٍ، وَذَكَرَ الْأَقْطَعُ قَالَ الْفُقَهَاءُ: الْجَذَعُ مِنْ الْغَنَمِ مَا لَهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ اهـ. وَهُوَ الظَّاهِرُ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْجَذَعَ مِنْ الْغَنَمِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ ابْنُ نِصْفِ سَنَةٍ، وَمِنْ الْبَقَرِ ابْنُ سَنَةٍ، وَمِنْ الْإِبِلِ ابْنُ أَرْبَعِ سِنِينَ وَالثَّنِيُّ عِنْدَهُمْ مَا تَمَّ لَهُ سَنَةٌ مِنْ الْغَنَمِ، وَمِنْ الْبَقَرِ ابْنُ سَنَتَيْنِ، وَمِنْ الْإِبِلِ ابْنُ خَمْسَةٍ، وَالْمَذْكُورُ فِي التَّبْيِينِ مِنْ كِتَابِ الْأُضْحِيَّةِ أَنَّ الثَّنِيَّ مِنْ الضَّأْنِ وَالْمَعْزِ سَوَاءٌ، وَهُوَ مَا تَمَّ لَهُ سَنَةٌ، وَلَمْ أَرَ سِنَّ الْجَذَعِ مِنْ الْمَعْزِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ وَإِنَّمَا نَقَلُوهُ عَنْ الْأَزْهَرِيِّ أَنَّ الْجَذَعَ مِنْ الْمَعْزِ مَا تَمَّ لَهُ سَنَةٌ. (قَوْلُهُ: وَلَا شَيْءَ فِي الْخَيْلِ) اخْتِيَارٌ لِقَوْلِهِمَا لِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ مَرْفُوعًا «لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ، وَلَا فِي فَرَسِهِ صَدَقَةٌ» ، وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ فِيهَا زَكَاةَ التِّجَارَةِ إذَا كَانَتْ لَهَا اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ فِي زَكَاةِ السَّوَائِمِ لَا مُطْلَقِ الزَّكَاةِ، وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ تَكُونَ سَائِمَةً أَوْ عَلُوفَةً، وَكُلٌّ مِنْهُمَا لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ تَكُونَ لِلتِّجَارَةِ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَتْ لِلتِّجَارَةِ وَجَبَتْ فِيهَا زَكَاةُ التِّجَارَةِ سَائِمَةً كَانَتْ أَوْ عَلُوفَةً؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْعُرُوضِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لِلتِّجَارَةِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ تَكُونَ لِلْحَمْلِ وَالرُّكُوبِ أَوْ لَا فَإِنْ كَانَتْ لِلْحَمْلِ وَالرُّكُوبِ فَلَا شَيْءَ فِيهَا مُطْلَقًا، وَإِنْ كَانَتْ لِغَيْرِهِمَا فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ سَائِمَةً أَوْ عَلُوفَةً فَإِنْ كَانَتْ عَلُوفَةً فَلَا شَيْءَ فِيهَا، وَإِنْ كَانَتْ سَائِمَةً لِلدَّرِّ وَالنَّسْلِ فَلَا يَخْلُو، فَإِنْ كَانَتْ ذُكُورًا وَإِنَاثًا فَلَا يَخْلُو فَإِنْ كَانَتْ مِنْ أَفْرَاسِ الْعَرَبِ فَصَاحِبُهَا بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَعْطَى عَنْ كُلِّ فَرَسٍ دِينَارًا، وَإِنْ شَاءَ قَوَّمَهَا وَأَعْطَى عَنْ كُلِّ مِائَتَيْنِ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ، وَهُوَ مَأْثُورٌ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ أَفْرَاسِ الْعَرَبِ فَإِنَّهَا تُقَوَّمُ وَيُؤَدِّي عَنْ كُلِّ مِائَتَيْنِ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ، وَالْفَرْقُ أَنَّ أَفْرَاسَ الْعَرَبِ لَا تَتَفَاوَتُ تَفَاوُتًا فَاحِشًا بِخِلَافِ غَيْرِهَا كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَإِنْ كَانَتْ ذُكُورًا فَقَطْ، أَوْ إنَاثًا فَقَطْ فَعَنْهُ رِوَايَتَانِ الْمَشْهُورُ مِنْهُمَا عَدَمُ الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُعَدَّةٍ لِلِاسْتِنْمَاءِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى النَّسْلِ لَا يَحْصُلُ مِنْهَا، وَمَعْنَى السِّمَنِ فِيهَا غَيْرُ مُعْتَبَرٍ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْكُولِ اللَّحْمِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَصَحَّحَهُ فِي الْبَدَائِعِ، وَفِي التَّبْيِينِ الْأَشْبَهُ أَنْ تَجِبَ فِي الْإِنَاثِ؛ لِأَنَّهَا تَتَنَاسَلُ بِالْفَحْلِ الْمُسْتَعَارِ، وَلَا تَجِبُ فِي الذُّكُورِ لِعَدَمِ النَّمَاءِ، وَرَجَّحَ قَوْلَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَصَاحِبُ التُّحْفَةِ وَتَبِعَهُمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَذَكَرَ فِي الْخَانِيَّةِ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا وَأَجْمَعُوا أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَأْخُذُ مِنْهُمْ صَدَقَةَ الْخَيْلِ جَبْرًا اهـ. وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ عَلَى قَوْلِهِ فِي اشْتِرَاطِ نِصَابٍ لَهَا، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لِعَدَمِ النَّقْلِ بِالتَّقْدِيرِ (قَوْلُهُ: وَلَا فِي الْحَمِيرِ وَالْبِغَالِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -   [منحة الخالق] [زَكَاة الْخَيْلِ] (قَوْلُهُ فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ سَائِمَةً أَوْ عَلُوفَةً) الْأَصْوَبُ حَذْفُهُ؛ لِأَنَّهُ أَصْلُ الْمُقْسَمِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 233 «لَمْ يَنْزِلْ عَلَيَّ فِيهِمَا شَيْءٌ» وَالْمَقَادِيرُ ثَبَتَتْ سَمَاعًا إلَّا أَنْ تَكُونَ لِلتِّجَارَةِ لِأَنَّ الزَّكَاةَ حِينَئِذٍ تَتَعَلَّقُ بِالْمَالِيَّةِ كَسَائِرِ أَمْوَالِ التِّجَارَةِ. (قَوْلُهُ: وَلَا فِي الْحُمْلَانِ وَالْفُصْلَانِ وَالْعَجَاجِيلِ) الْحُمْلَانِ بِضَمِّ الْحَاءِ، وَفِي الدِّيوَانِ بِكَسْرِهَا جَمْعُ حَمَلٍ بِفَتْحَتَيْنِ وَلَدُ الشَّاةِ وَالْفُصْلَانِ جَمْعُ فَصِيلٍ وَلَدُ النَّاقَةِ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ ابْنَ مَخَاضٍ وَالْعَجَاجِيلُ جَمْعُ عُجُولٍ بِمَعْنَى عِجْلٍ، وَلَدُ الْبَقَرَةِ وَعَدَمُ الْوُجُوبِ فِي الصِّغَارِ مِنْ السَّوَائِمِ قَوْلُهُمَا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ تَجِبُ وَاحِدَةٌ مِنْهَا، وَفِي الْمُحِيطِ تَكَلَّمُوا فِي صُورَةِ الْمَسْأَلَةِ فَإِنَّهَا مُشْكِلَةٌ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ لَا تَجِبُ بِدُونِ مُضِيِّ الْحَوْلِ وَبَعْدَ الْحَوْلِ لَمْ تَبْقَ صِغَارًا، قِيلَ: إنَّ صُورَتَهَا أَنَّ الْحَوْلَ هَلْ يَنْعَقِدُ عَلَى هَذِهِ الصِّغَارِ بِأَنْ مَلَكَهَا فِي أَوَّلِ الْحَوْلِ ثُمَّ تَمَّ الْحَوْلُ عَلَيْهَا هَلْ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهَا، وَإِنْ لَمْ تَبْقَ صِغَارًا، وَقِيلَ صُورَتُهَا إذَا كَانَتْ لَهَا أُمَّهَاتٌ فَمَضَتْ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَوَلَدَتْ أَوْلَادًا ثُمَّ مَاتَتْ الْأُمَّهَاتُ، وَبَقِيَتْ الْأَوْلَادُ ثُمَّ تَمَّ الْحَوْلُ عَلَيْهَا، وَهِيَ صِغَارٌ هَلْ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهَا أَمْ لَا، وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّا لَوْ أَوْجَبْنَا فِيهَا مَا يَجِبُ فِي الْمَسَانِّ كَمَا قَالَ زُفَرُ أَجْحَفْنَا بِأَرْبَابِ الْأَمْوَالِ وَلَوْ أَوْجَبْنَا فِيهَا شَاةً أَضْرَرْنَا بِالْفُقَرَاءِ فَأَوْجَبْنَا وَاحِدَةً مِنْهَا اسْتِدْلَالًا بِالْمَهَازِيلِ، وَإِنَّ نُقْصَانَ الْوَصْفِ لَمَّا أَثَّرَ فِي تَخْفِيفِ الْوَاجِبِ لَا فِي إسْقَاطِهِ فَكَذَلِكَ فِي إسْقَاطِ السِّنِّ وَالصَّحِيحُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ النَّصَّ أَوْجَبَ لِلزَّكَاةِ أَسْنَانًا مُرَتَّبَةً، وَلَا مَدْخَلَ لِلْقِيَاسِ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ مَفْقُودٌ فِي الصِّغَارِ اهـ. وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ أَنَّهَا مُصَوَّرَةٌ فِيمَا إذَا كَانَ لَهُ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ مِنْ النُّوقِ قَالَ: وَإِنَّمَا لَمْ تُصَوَّرْ خَمْسَةً؛ لِأَنَّ أَبَا يُوسُفَ أَوْجَبَ وَاحِدَةً مِنْهَا، وَذَلِكَ لَا يُتَصَوَّرُ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ، وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَ الصِّغَارِ كَبِيرٌ فَأَمَّا إذَا كَانَ فَتَجِبُ بِالْإِجْمَاعِ حَتَّى لَوْ كَانَ مَعَ تِسْعٍ وَثَلَاثِينَ حَمَلًا مُسِنٌّ تَجِبُ وَيُؤْخَذُ الْمُسِنُّ، وَكَذَلِكَ فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ اهـ. وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ مَعْزِيًّا إلَى الزِّيَادَاتِ رَجُلٌ لَهُ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ حَمَلًا وَمُسِنَّةٌ وَاحِدَةٌ فَإِنْ كَانَتْ الْمُسِنَّةُ وَسَطًا أُخِذَتْ، وَإِنْ كَانَتْ جَيِّدَةً لَمْ تُؤْخَذْ، وَيُؤَدِّي صَاحِبُ الْمَالِ شَاةً وَسَطًا، وَإِنْ كَانَتْ دُونَ الْوَسَطِ لَمْ يَجِبْ إلَّا هَذِهِ فَإِنْ هَلَكَتْ الْكَبِيرَةُ بَعْدَ الْحَوْلِ بَطَلَ الْوَاجِبُ كُلُّهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ الصِّغَارَ كَانَتْ تَبَعًا لِلْكِبَارِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَجِبُ فِي الْبَاقِي تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ جُزْءًا مِنْ أَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ حَمَلٍ؛ لِأَنَّ الْفَضْلَ عَلَى الْحَمَلِ إنَّمَا وَجَبَ بِاعْتِبَارِ الْكَبِيرَةِ فَبَطَلَ بِهَلَاكِهَا وَإِذَا هَلَكَ الْكُلُّ إلَّا الْكَبِيرَةَ فَإِنَّ فِيهَا جُزْءًا مِنْ أَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ شَاةٍ مُسِنَّةٍ، وَكَذَلِكَ رَجُلٌ لَهُ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ فَصِيلًا وَبِنْتُ مَخَاضٍ سَمِينَةٌ أَوْ وَسَطٌ وَكَذَلِكَ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ عُجُولًا، وَفِيهَا مُسِنَّةٌ أَوْ تَبِيعَةٌ ثُمَّ الْأَصْلُ الَّذِي يُعْتَبَرُ فِي حَالِ اخْتِلَاطِ الصِّغَارِ وَالْكِبَارِ أَنْ يَكُونَ الْعَدَدُ الْوَاجِبُ فِي الْكِبَارِ مَوْجُودًا كَمَا إذَا كَانَ لَهُ مُسِنَّتَانِ وَمِائَةٌ وَتِسْعَةَ عَشَرَ حَمَلًا؛ فَإِنَّهُ يَجِبُ مُسِنَّتَانِ فِي قَوْلِهِمَا: أَمَّا إذَا كَانَ لَهُ مُسِنَّةٌ وَمِائَةٌ وَعِشْرُونَ حَمَلًا يَجِبُ مُسِنَّةٌ وَاحِدَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَجِبُ مُسِنَّةٌ وَحَمَلٌ، وَكَذَلِكَ تِسْعَةٌ وَخَمْسُونَ عُجُولًا وَتَبِيعٌ حَيْثُ يُؤْخَذُ التَّبِيعُ فَحَسْبُ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا مَا يُجْزِئُ فِي الْوُجُوبِ غَيْرُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُؤْخَذُ التَّبِيعُ وَعِجْلٌ مَعَهُ وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الزِّيَادَاتِ لِقَاضِي خَانْ. (قَوْلُهُ: وَلَا فِي الْعَلُوفَةِ وَالْعَوَامِلِ) لِلْحَدِيثِ «لَيْسَ فِي الْحَوَامِلِ وَالْعَوَامِلِ وَالْعَلُوفَةِ صَدَقَةٌ» وَلِأَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْمَالُ النَّامِي، وَدَلِيلُهُ الْإِسَامَةُ أَوْ الْإِعْدَادُ لِلتِّجَارَةِ وَلَمْ يُوجَدْ أَوْ؛ لِأَنَّ فِي الْعَلُوفَةِ تَتَرَاكَمُ الْمُؤْنَةُ فَيَنْعَدِمُ النَّمَاءُ مَعْنًى، وَالْمُرَادُ بِنَفْيِ الزَّكَاةِ عَنْ الْعَلُوفَةِ زَكَاةُ السَّائِمَةِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ لِلتِّجَارَةِ وَجَبَتْ فِيهَا زَكَاةُ التِّجَارَةِ، وَالْمُرَادُ بِنَفْيِهَا عَنْ الْعَوَامِلِ التَّعْمِيمُ وَالْعَلُوفَةُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ مَا يُعْلَفُ مِنْ الْغَنَمِ وَغَيْرِهَا الْوَاحِدُ وَالْجَمْعُ سَوَاءٌ وَالْعُلُوفَةُ بِالضَّمِّ جَمْعُ عَلَفٌ يُقَالُ عَلَفْت الدَّابَّةَ، وَلَا يُقَالُ: أَعَلَفْتهَا وَالدَّابَّةُ مَعْلُوفَةٌ وَعَلِيفُ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَقَدَّمْنَا عَنْ الْقُنْيَةِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ إبِلٌ عَوَامِلُ يَعْمَلُ بِهَا فِي السَّنَةِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَيُسَمِّنُهَا فِي الْبَاقِي يَنْبَغِي أَنْ لَا تَجِبَ فِيهَا الزَّكَاةُ (قَوْلُهُ: وَلَا فِي الْعَفْوِ)   [منحة الخالق] [زَكَاة الْحُمْلَانِ وَالْفُصْلَانِ وَالْعَجَاجِيلِ] ) (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْأَصَحُّ) قَالَ فِي النَّهْرِ: لَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ عَلَى التَّصْوِيرِ الْأَوَّلِ لَمْ يَبْقَ مَحَلًّا لِلنِّزَاعِ حَيْثُ يُوجَدُ الْوَاجِبُ، وَهُوَ الطَّعْنُ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 234 أَيْ لَا زَكَاةَ فِي الْعَفْوِ، وَهُوَ لُغَةً مُشْتَرِكٌ بَيْنَ أَفْضَلِ الْمَالِ وَأَفْضَلِ الْمَرْعَى وَالْمَعْرُوفِ وَالْإِعْطَاءِ مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ وَالْفَاضِلِ عَنْ النَّفَقَةِ وَالْمَكَانِ الَّذِي لَمْ يُوطَأْ وَالصَّفْحِ وَالْإِعْرَاضِ عَنْ عُقُوبَةِ الْمُذْنِبِ وَشَرْعًا مَا بَيْنَ النُّصُبِ كَالْأَرْبَعَةِ الزَّائِدَةِ عَلَى الْخَمْسَةِ مِنْ الْإِبِلِ إلَى الْعَشْرِ، وَكَالْعَشَرَةِ الزَّائِدَةِ عَلَى خَمْسٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الْإِبِلِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ الزَّكَاةُ فِي النِّصَابِ لَا فِي الْعَفْوِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ فِيهِمَا حَتَّى لَوْ هَلَكَ الْعَفْوُ، وَبَقِيَ النِّصَابُ يَبْقَى كُلُّ الْوَاجِبِ عِنْدَ الْأَوَّلَيْنِ، وَيَسْقُطُ بِقَدْرِهِ عِنْدَ الْآخَرَيْنِ فَلَوْ كَانَ لَهُ تِسْعٌ مِنْ الْإِبِلِ أَوْ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ مِنْ الْغَنَمِ فَهَلَكَ بَعْدَ الْحَوْلِ مِنْ الْإِبِلِ أَرْبَعَةٌ، وَمِنْ الْغَنَمِ ثَمَانُونَ لَمْ يَسْقُطْ شَيْءٌ مِنْ الزَّكَاةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ يَسْقُطُ فِي الْأَوَّلِ أَرْبَعَةُ أَتْسَاعِ شَاةٍ، وَفِي الثَّانِيَةِ ثُلُثَا شَاةٍ، وَفِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا أَنَّ الْهَلَاكَ يُصْرَفُ بَعْدَ الْعَفْوِ إلَى النِّصَابِ الْأَخِيرِ ثُمَّ إلَى الَّذِي يَلِيهِ إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ النِّصَابُ الْأَوَّلُ، وَمَا زَادَ عَلَيْهِ تَابِعٌ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُصْرَفُ إلَى الْعَفْوِ أَوَّلًا ثُمَّ إلَى النُّصُبِ شَائِعًا، وَفِي الْمُحِيطِ أَنَّ هَذِهِ رِوَايَةٌ ضَعِيفَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْهُ كَقَوْلِ إمَامِهِ وَتَظْهَرُ فَائِدَتُهُ فِيمَا إذَا كَانَ لَهُ مِائَةٌ وَإِحْدَى وَعِشْرُونَ شَاةً فَهَلَكَ إحْدَى وَثَمَانُونَ بَقِيَ مِنْ الْوَاجِبِ شَاةٌ عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَ الثَّلَاثَةِ يَجِبُ أَرْبَعُونَ جُزْءًا مِنْ مِائَةٍ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنْ شَاتَيْنِ وَلَوْ هَلَكَ شَاةٌ فَقَطْ بَقِيَ مِنْ الْوَاجِبِ شَاةٌ عِنْدَهُ وَعِنْدَ الثَّلَاثَةِ يَسْقُطُ جُزْءٌ وَاحِدٌ مِنْ مِائَةٍ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنْ شَاتَيْنِ وَيَبْقَى الْبَاقِي، وَإِذَا كَانَ لَهُ أَرْبَعُونَ مِنْ الْإِبِلِ فَهَلَكَ نِصْفُهَا بَعْدَ الْحَوْلِ فَعِنْدَ الْإِمَامِ الْوَاجِبُ أَرْبَعُ شِيَاهٍ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ عِشْرُونَ جُزْءًا مِنْ سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ جُزْءًا مِنْ بِنْتِ اللَّبُونِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ نِصْفُ بِنْتِ لَبُونٍ، وَلَوْ هَلَكَ عَشَرَةٌ مِنْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ فَعِنْدَهُ الْوَاجِبُ ثَلَاثُ شِيَاهٍ، وَعِنْدَ الثَّلَاثَةِ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِ بِنْتِ الْمَخَاضِ، وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ يَنْبَغِي لَكَ أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ الْعَفْوَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي جَمِيعِ الْأَمْوَالِ وَعِنْدَهُمَا لَا يُتَصَوَّرُ الْعَفْوُ إلَّا فِي السَّوَائِمِ؛ لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَى مِائَتَيْ دِرْهَمٍ لَا عَفْوَ فِيهِ عِنْدَهُمَا اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَا الْهَالِكُ بَعْدَ الْوُجُوبِ) أَيْ لَا شَيْءَ فِي الْهَالِكِ بَعْدَ الْوُجُوبِ فَإِنْ هَلَكَ الْمَالُ كُلُّهُ سَقَطَ الْوَاجِبُ كُلُّهُ، وَإِنْ بَعْضُهُ فَبِحِسَابِهِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَضْمَنُ إذَا هَلَكَ بَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْأَدَاءِ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي الْعَيْنِ أَوْ فِي الذِّمَّةِ فَعِنْدَنَا تَجِبُ فِي الْعَيْنِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ، وَفِي قَوْلٍ لَهُ تَجِبُ فِي الذِّمَّةِ وَالْعَيْنُ مُرْتَهِنَةٌ بِهَا كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ ثُمَّ الظَّوَاهِرُ تُؤَيِّدُ مَا قُلْنَا مِثْلَ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «هَاتُوا رُبْعَ الْعُشُورِ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ» أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا تَمَكَّنَ مِنْ الْأَدَاءِ وَفَرَّطَ فِي التَّأْخِيرِ حَتَّى هَلَكَ، وَمَا إذَا مَنَعَ الْإِمَامَ أَوْ السَّاعِيَ بَعْدَ الطَّلَبِ حَتَّى هَلَكَ، وَفِي الثَّانِي خِلَافٌ وَعَامَّتُهُمْ عَلَى السُّقُوطِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَوِّتْ بِهَذَا الْمَنْعِ مِلْكًا عَلَى أَحَدٍ، وَلَا يَدًا فَصَارَ كَمَا لَوْ طَلَبَ وَاحِدٌ مِنْ الْفُقَرَاءِ وَرَجَّحَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهُ الْأَشْبَهُ بِالْفِقْهِ لِأَنَّ السَّاعِيَ، وَإِنْ تَعَيَّنَ لَكِنْ لِلْمَالِكِ رَأْيٌ فِي اخْتِيَارِ مَحَلِّ الْأَدَاءِ بَيْنَ الْعَيْنِ وَالْقِيمَةِ ثُمَّ الْقِيمَةُ شَائِعَةٌ فِي مَحَالَّ كَثِيرَةٍ، وَالرَّأْيُ يَسْتَدْعِي زَمَانًا فَالْحَبْسُ لِذَلِكَ اهـ. وَقَيَّدَ بِالْهَلَاكِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اسْتَهْلَكَهُ بَعْدَ الْحَوْلِ لَا تَسْقُطُ عَنْهُ لِوُجُودِ التَّعَدِّي وَاخْتُلِفَ فِيمَا لَوْ حَبَسَ السَّائِمَةَ لِلْعَلَفِ أَوْ لِلْمَاءِ حَتَّى هَلَكَتْ قِيلَ هُوَ اسْتِهْلَاكٌ فَيَضْمَنُ وَقِيلَ لَا يَضْمَنُ كَالْوَدِيعَةِ إذَا مَنَعَهَا لِذَلِكَ حَتَّى هَلَكَتْ لَمْ يَضْمَنْ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْإِبْرَاءَ عَنْ الدَّيْنِ بَعْدَ الْحَوْلِ مُطْلَقًا لَيْسَ بِاسْتِهْلَاكٍ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ وَاسْتِبْدَالُ مَالِ التِّجَارَةِ بِمَالِ التِّجَارَةِ لَيْسَ بِاسْتِهْلَاكٍ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَقُيِّدَ بِالْهَلَاكِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اسْتَهْلَكَهُ إلَخْ) أَقُولُ: الْمُرَادُ بِالِاسْتِهْلَاكِ إخْرَاجُ النِّصَابِ عَنْ مِلْكِهِ قَصْدًا بِلَا بَدَلٍ يَقُومُ مَقَامَهُ فَاسْتِبْدَالُ مَالِ التِّجَارَةِ بِمَالِ التِّجَارَةِ لَيْسَ بِاسْتِهْلَاكٍ لِقِيَامِ الثَّانِي مَقَامَ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ لَمْ تَتَعَلَّقْ بِعَيْنِهِ بِخِلَافِ السَّائِمَةِ، فَإِنَّ اسْتِبْدَالَهَا وَلَوْ بِجِنْسِهَا اسْتِهْلَاكٌ؛ لِأَنَّ بَدَلَهَا لَا يَقُومُ مَقَامَهَا لِتَعَلُّقِ الزَّكَاةِ بِعَيْنِهَا (قَوْلُهُ: وَاخْتُلِفَ فِيمَا لَوْ حَبَسَ السَّائِمَةَ لِلْعَلَفِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: الَّذِي يَقَعُ فِي نَفْسِي تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ ثُمَّ رَأَيْته فِي الْبَدَائِعِ جَزَمَ بِهِ، وَلَمْ يَحْكِ غَيْرَهُ (قَوْلُهُ لِلْعَلَفِ أَوْ لِلْمَاءِ) اللَّامُ بِمَعْنَى عَنْ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَاسْتِبْدَالُ مَالِ التِّجَارَةِ بِمَالِ التِّجَارَةِ لَيْسَ بِاسْتِهْلَاكٍ) أَيْ وَلَيْسَ بِهَلَاكٍ أَيْضًا خِلَافًا لِمَا فَهِمَهُ فِي النَّهْرِ لِقِيَامِ النِّصَابِ عَلَى حَالِهِ بِوُجُودِ بَدَلِهِ بِخِلَافِ اسْتِبْدَالِ السَّائِمَةِ وَلَوْ بِجِنْسِهَا لِتَعَلُّقِ الزَّكَاةِ بِعَيْنِهَا فَلَمْ يَقُمْ بَدَلُهَا مَقَامَهَا قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَلَوْ اسْتَبْدَلَ مَالَ التِّجَارَةِ بِمَالِ التِّجَارَةِ، وَهِيَ الْعُرُوض قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ لَا يَبْطُلُ حُكْمُ الْحَوْلِ سَوَاءٌ اسْتَبْدَلَهَا بِجِنْسِهَا أَوْ بِخِلَافِ بِجِنْسِهَا بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الزَّكَاةِ فِي أَمْوَالِ التِّجَارَةِ يَتَعَلَّقُ بِمَعْنَى الْمَالِ، وَهُوَ الْمَالِيَّةُ وَالْقِيمَةُ فَكَانَ الْحَوْلُ مُنْعَقِدًا عَلَى الْمَعْنَى، وَأَنَّهُ قَائِمٌ لَمْ يُفْتِ بِالِاسْتِبْدَالِ وَكَذَلِكَ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ إذَا بَاعَهَا بِجِنْسِهَا أَوْ بِخِلَافِ جِنْسِهَا بِأَنْ بَاعَ الدَّرَاهِمَ بِالدَّرَاهِمِ أَوْ الدَّنَانِيرَ بِالدَّنَانِيرِ أَوْ الدَّرَاهِمَ بِالدَّنَانِيرِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَنْقَطِعُ حُكْمُ الْحَوْلِ فَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِ لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي مَالِ الصَّيَارِفَةِ لِوُجُودِ الِاسْتِبْدَالِ مِنْهُمْ سَاعَةً فَسَاعَةً كَمَا إذَا بَاعَ السَّائِمَةَ بِالسَّائِمَةِ، وَلَنَا أَنَّ الْوُجُوبَ فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَعْنَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 235 وَبِغَيْرِ مَالِ التِّجَارَةِ اسْتِهْلَاكٌ وَاسْتِبْدَالُ مَالِ السَّائِمَةِ بِالسَّائِمَةِ اسْتِهْلَاكٌ وَإِقْرَاضُ النِّصَابِ بَعْدَ الْحَوْلِ لَيْسَ بِاسْتِهْلَاكٍ، وَإِنْ تَوَى الْمَالُ عَلَى الْمُسْتَقْرِضِ، وَكَذَا لَوْ أَعَارَ ثَوْبَ التِّجَارَةِ بَعْدَ الْحَوْلِ اهـ. وَإِنَّمَا كَانَ بَيْعُ السَّائِمَةِ اسْتِهْلَاكًا مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ فِيهَا مُتَعَلِّقٌ بِالصُّورَةِ وَالْمَعْنَى فَبَيْعُهَا يَكُونُ اسْتِهْلَاكًا لَا اسْتِبْدَالًا، فَإِذَا بَاعَهَا، فَإِنْ كَانَ الْمُصَدِّقُ حَاضِرًا فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ قِيمَةَ الْوَاجِبِ مِنْ الْبَائِعِ وَتَمَّ الْبَيْعُ فِي الْكُلِّ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْوَاجِبَ مِنْ الْعَيْنِ الْمُشْتَرَاةِ وَبَطَلَ الْبَيْعُ فِي الْقَدْرِ الْمَأْخُوذِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَاضِرًا وَقْتَ الْبَيْعِ وَحَضَرَ بَعْدَ التَّفَرُّقِ عَنْ الْمَجْلِسِ فَإِنَّهُ لَا يَأْخُذُهُ مِنْ الْمُشْتَرِي، وَإِنَّمَا يَأْخُذُ قِيمَةَ الْوَاجِبِ مِنْ الْبَائِعِ وَلَوْ بَاعَ طَعَامًا وَجَبَ فِيهِ الْعُشْرُ فَالْمُصَدِّقُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ مِنْ الْبَائِعِ، وَإِنْ شَاءَ مِنْ الْمُشْتَرِي سَوَاءٌ حَضَرَ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ أَوْ بَعْدَهُ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ الْعُشْرُ بِالْعَيْنِ أَكْثَرَ مِنْ تَعَلُّقِ الزَّكَاةِ بِهَا أَلَا تَرَى أَنَّ الْعُشْرَ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْمَالِكُ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ، وَلَوْ مَاتَ مَنْ عَلَيْهِ الْعُشْرُ قَبْلَ أَدَائِهِ مِنْ غَيْرِ وَصِيَّةٍ يُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ، وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَلَوْ اسْتَبْدَلَ السَّائِمَةَ بِجِنْسِهَا يَنْقَطِعُ حُكْمُ الْحَوْلِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الزَّكَاةِ فِي السَّائِمَةِ بِاعْتِبَارِ عَيْنِهَا، وَفِي غَيْرِهَا بِاعْتِبَارِ مَالِيَّتِهَا فَالْعَيْنُ الثَّانِيَةُ فِي السَّائِمَةِ غَيْرُ الْأُولَى لِفَوَاتِ مُتَعَلَّقِ الْوُجُوبِ بِخِلَافِ الْعُرُوضِ؛ لِأَنَّ مُتَعَلَّقَ الْوُجُوبِ هُوَ الْمَالِيَّةُ، وَهِيَ بَاقِيَةٌ مَعَ الِاسْتِبْدَالِ اهـ. وَقَيَّدُوا بِالِاسْتِبْدَالِ؛ لِأَنَّ إخْرَاجَ مَالِ الزَّكَاةِ عَنْ مِلْكِهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ كَالْهِبَةِ مِنْ غَيْرِ الْفَقِيرِ وَالْوَصِيَّةِ أَوْ بِعِوَضٍ لَيْسَ بِمَالٍ بِأَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً أَوْ صَالَحَ بِهِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ أَوْ اخْتَلَعَتْ بِهِ الْمَرْأَةُ فَهُوَ اسْتِهْلَاكٌ فَيَضْمَنُ بِهِ الزَّكَاةَ، وَقَوْلُهُمْ: إنَّ اسْتِبْدَالَ مَالِ التِّجَارَةِ بِمِثْلِهِ لَيْسَ بِاسْتِهْلَاكٍ يُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا إذَا حَابَى بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ قَدْرَ زَكَاةِ الْمُحَابَاةِ، وَيَكُونُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ، وَزَكَاةُ مَا بَقِيَ تَتَحَوَّلُ إلَى الْعَيْنِ تَبْقَى بِبَقَائِهَا كَمَا فِي الْبَدَائِعِ فَإِذَا صَارَ مُسْتَهْلِكًا بِالْهِبَةِ بَعْدَ الْحَوْلِ فَإِذَا رَجَعَ بِقَضَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لَوْ هَلَكَتْ عِنْدَهُ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ فَسْخٌ مِنْ الْأَصْلِ، وَالنُّقُودُ تَتَعَيَّنُ فِي مِثْلِهِ فَعَادَ إلَيْهِ قَدِيمُ مِلْكِهِ ثُمَّ هَلَكَ فَلَا ضَمَانَ، وَلَوْ رَجَعَ بَعْدَ مَا حَالَ الْحَوْلُ عِنْدَ الْمَوْهُوبِ لَهُ فَكَذَلِكَ خِلَافًا لِزُفَرَ فِيمَا لَوْ كَانَ بِغَيْرِ قَضَاءٍ فَإِنَّهُ يَقُولُ: يَجِبُ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ فَإِنَّهُ مُخْتَارٌ فَكَانَ تَمْلِيكًا قُلْنَا بَلْ غَيْرُ مُخْتَارٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ امْتَنَعَ عَنْ الرَّدِّ أُجْبِرَ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقَوْلُهُمْ: إنَّ الرُّجُوعَ فَسْخٌ مِنْ الْأَصْلِ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ فَقَدْ صَرَّحُوا فِي الْهِبَةِ أَنَّ الْوَاهِبَ لَا يَمْلِكُ الزَّوَائِدَ الْمُنْفَصِلَةَ بِرُجُوعِهِ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ: وَلَوْ وَهَبَ النِّصَابَ ثُمَّ اسْتَفَادَ مَالًا فِي خِلَالِ الْحَوْلِ ثُمَّ رَجَعَ فِي الْهِبَةِ يَسْتَأْنِفُ الْحَوْلَ فِي الْمُسْتَفَادِ مِنْ حِينِ اسْتَفَادَهُ فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الرُّجُوعَ فِي الْهِبَةِ لَيْسَ فَسْخًا لِلْهِبَةِ مِنْ الْأَصْلِ؛ إذْ لَوْ كَانَ فَسْخًا لَمَا وَجَبَ اسْتِئْنَافٌ فِي الْمُسْتَفَادِ مِنْ وَقْتِ الِاسْتِفَادَةِ اهـ. بِلَفْظِهِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ لَوْ وَهَبَ النِّصَابَ فِي خِلَالِ الْحَوْلِ ثُمَّ تَمَّ الْحَوْلُ عِنْدَ الْمَوْهُوبِ لَهُ ثُمَّ رَجَعَ الْوَاهِبُ بِقَضَاءٍ، أَوْ غَيْرِهِ فَلَا زَكَاةَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَهِيَ مِنْ حِيَلِ إسْقَاطِ الزَّكَاةِ قَبْلَ الْوُجُوبِ كَمَا لَا يَخْفَى، وَفِي الْمِعْرَاجِ: وَلَوْ حَالَ الْحَوْلُ عَلَى مِائَتَيْ دِرْهَمٍ ثُمَّ وَرِثَ مِثْلَهَا فَخَلَطَهُ بِهَا وَهَلَكَ النِّصْفُ سَقَطَ نِصْفُ الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَيْسَ بِتَابِعٍ لِلْآخَرِ بِخِلَافِ مَا لَوْ رَبِحَ بَعْدَ الْحَوْلِ مِائَتَيْنِ ثُمَّ هَلَكَ نِصْفُ الْكُلِّ مُخْتَلِطًا لَمْ يَسْقُطْ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ تَبَعٌ فَيَصْرِفُ الْهَلَاكَ إلَيْهِ كَالْعَفْوِ، وَعِنْدَهُمَا لَا يُتَصَوَّرُ الْعَفْوُ فِي غَيْرِ السَّوَائِمِ اهـ. وَسَوَّى فِي الْمُحِيطِ بَيْنَ الْإِرْثِ وَالرِّبْحِ عِنْدَهُمَا فِي عَدَمِ السُّقُوطِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَسْقُطُ نِصْفُهَا وَتَمَامُ تَفَارِيعِهَا فِيهِ، وَفِي الْمِعْرَاجِ وَلَوْ بَاعَ السَّوَائِمَ قَبْلَ   [منحة الخالق] أَيْضًا لَا بِالْعَيْنِ، وَالْمَعْنَى قَائِمٌ بَعْدَ الِاسْتِبْدَالِ فَلَا يَبْطُلُ حُكْمُ الْحَوْلِ كَمَا فِي الْحَوْلِ بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَبْدَلَ السَّائِمَةَ بِالسَّائِمَةِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ هُنَاكَ يَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ فَيَبْطُلُ الْحَوْلُ الْمُنْعَقِدُ عَلَى الْأَوَّلِ فَيُسْتَأْنَفُ لِلثَّانِي حَوْلٌ. اهـ. وَيَأْتِي قَرِيبًا نَحْوُهُ فِي كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ عَنْ الْمِعْرَاجِ (قَوْلُهُ: وَبِغَيْرِ مَالِ التِّجَارَةِ اسْتِهْلَاكٌ) قَيَّدَهُ فِي الْفَتْحِ بِأَنْ يَنْوِيَ فِي الْبَدَلِ عَدَمَ التِّجَارَةِ عِنْدَ الِاسْتِبْدَالِ قَالَ: وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَنْوِ فِي الْبَدَلِ عَدَمَ التِّجَارَةِ، وَقَدْ كَانَ الْأَصْلُ لِلتِّجَارَةِ يَقَعُ الْبَدَلُ لِلتِّجَارَةِ (قَوْلُهُ وَحَضَرَ بَعْدَ التَّفَرُّقِ عَنْ الْمَجْلِسِ) قُيِّدَ بِالْمَجْلِسِ لِمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ الْمُرَادُ مِنْ التَّفَرُّقِ بِالْبَدَنِ حَتَّى لَوْ كَانَا فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ كَانَ لِلسَّاعِي أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْمُشْتَرِي وَإِنْ كَانَ قَدْ قَبَضَهُ وَنَقَلَهُ؛ لِأَنَّ تَمَامَ الْبَيْعِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ بِالْأَبْدَانِ مُجْتَهَدٌ فِيهِ، وَالسَّاعِي فِي مَالِ الصَّدَقَةِ بِمَنْزِلَةِ الْقَاضِي فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ لِثُبُوتِ وِلَايَتِهِ فِيهَا فَكَانَ لِلسَّاعِي أَنْ يَجْتَهِدَ فَإِنْ أَدَّى اجْتِهَادُهُ إلَى أَنَّ الْبَيْعَ قَدْ تَمَّ أَخَذَ الزَّكَاةَ مِنْ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِي ذِمَّةِ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ اسْتَهْلَكَ الْمَالَ بِإِخْرَاجِهِ عَنْ مِلْكِهِ فَصَارَ الْحَقُّ وَاجِبًا فِي ذِمَّتِهِ وَإِنْ أَدَّى اجْتِهَادُهُ إلَى أَنَّ الْبَيْعَ لَمْ يَتِمَّ أَخَذَ مِنْ الْمُشْتَرَيْ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِي عَيْنِ الْمَالِ بَعْدُ فَيَأْخُذُ مِنْهُ دُونَ ذِمَّةِ الْبَائِعِ، وَطَرِيقُ الْأَخْذِ مِنْهُ أَنْ يُجْبَرَ الْبَائِعُ عَلَى الْأَدَاءِ مِنْهُ، وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ الْأَخْذِ مِنْ الْمُشْتَرَيْ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَفِي الْمِعْرَاجِ: وَلَوْ بَاعَ السَّوَائِمَ إلَخْ) قَالَ فِي مَتْنِ دُرَرِ الْبِحَارِ وَشَرْحِهِ غُرَرِ الْأَذْكَارِ: وَلَا يَكْرَهُ أَيْ يُجَوِّزُ أَبُو يُوسُفَ بِلَا كَرَاهَةِ حِيلَةَ دَفْعِهَا أَيْ مَنْعِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ بِأَنْ يَسْتَبْدِلَ نِصَابَ السَّائِمَةِ آخِرَ الْحَوْلِ أَوْ يُخْرِجَهَا عَنْ مِلْكِهِ فِي آخِرِهِ ثُمَّ يُدْخِلَهَا؛ لِأَنَّ هَذَا امْتِنَاعٌ عَنْ الْوُجُوبِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 236 تَمَامِ الْحَوْلِ بِيَوْمٍ فِرَارًا عَنْ الْوُجُوبِ قَالَ مُحَمَّدٌ يُكْرَهُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يُكْرَهُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ وَلَوْ بَاعَهَا لِلنَّفَقَةِ لَا يُكْرَهُ بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ احْتَالَ لِإِسْقَاطِ الْوَاجِبِ يُكْرَهُ بِالْإِجْمَاعِ، وَلَوْ فَرَّ مِنْ الْوُجُوبِ بُخْلًا لَا تَأْثِيمًا يُكْرَهُ بِالْإِجْمَاعِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ وَجَبَ سِنٌّ، وَلَمْ يُوجَدْ دَفَعَ أَعْلَى مِنْهَا، وَأَخَذَ الْفَضْلَ أَوْ دُونَهَا، وَرَدَّ الْفَضْلَ أَوْ دَفَعَ الْقِيمَةَ) بَيَانٌ لِمَسْأَلَتَيْنِ: الْأُولَى: لَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ سِنٌّ كَبِنْتِ مَخَاضٍ مَثَلًا، وَلَمْ تَكُنْ عِنْدَهُ فَصَاحِبُ الْمَالِ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ دَفَعَ الْأَعْلَى وَاسْتَرَدَّ الْفَضْلَ أَوْ الْأَدْنَى وَرَدَّ الْفَضْلَ فَقَدْ جَعَلَ الْخِيَارَ لِلْمَالِكِ دُونَ السَّاعِي فِيهِمَا وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَبْسُوطِ، وَقَالَ لَيْسَ لِلسَّاعِي إذَا عَيَّنَ الْمَالِكُ سِنًّا أَنْ يَأْبَى ذَلِكَ فِي الصُّورَتَيْنِ وَاسْتَثْنَى فِي الْهِدَايَةِ مِنْ ذَلِكَ مَا إذَا أَرَادَ الْمَالِكُ دَفْعَ الْأَعْلَى وَأَخْذَ الْفَضْلِ مِنْ السَّاعِي فَإِنَّهُ لَا إجْبَارَ عَلَى السَّاعِي؛ لِأَنَّهُ شِرَاءٌ فَحِينَئِذٍ لَمْ يَكُنْ لِلْمَالِكِ خِيَارٌ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، وَتَبِعَهُ فِي التَّبْيِينِ وَتَعَقَّبَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِأَنَّ الزَّكَاةَ وَجَبَتْ بِطَرِيقِ الْيُسْرِ فَإِذَا كَانَ لِلسَّاعِي وِلَايَةُ الِامْتِنَاعِ مِنْ قَبُولِ الْأَعْلَى يَلْزَمُ الْعُسْرُ، وَفِي ذَلِكَ الْعَوْدُ عَلَى الْمَوْضُوعِ بِالنَّقْضِ فَلَا يَجُوزُ وَأَيْضًا فِيهِ خِلَافُ السُّنَّةِ؛ لِأَنَّ مَنْ لَزِمَهُ الْحِقَّةُ تُقْبَلُ مِنْهُ الْجَذَعَةُ إذَا لَمْ تَكُنْ عِنْدَهُ حِقَّةٌ وَكَذَلِكَ مَنْ لَزِمَهُ بِنْتُ لَبُونٍ وَعِنْدَهُ حِقَّةٌ يُقْبَلُ مِنْهُ الْحِقَّةُ وَيُعْطِي الْمُصَدِّقُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ كَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَهُوَ دَلِيلُنَا عَلَى دَفْعِ الْقِيمَةِ فِي الزَّكَاةِ وَهِيَ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ، وَتَقْدِيرُ الْفَضْلِ بِالْعَشْرَيْنِ أَوْ الشَّاتَيْنِ بِنَاءً عَلَى الْغَالِبِ لَا أَنَّهُ تَقْدِيرٌ لَازِمٌ اهـ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّهُ شِرَاءٌ، وَلَا إجْبَارَ فِيهِ فَمَمْنُوعٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ شِرَاءً حَقِيقِيًّا، وَلَمْ يَلْزَمْ مِنْ الْإِجْبَارِ ضَرَرٌ بِالسَّاعِي لِأَنَّهُ عَامِلٌ لِغَيْرِهِ فَالظَّاهِرُ إطْلَاقُ الْمُخْتَصَرِ مِنْ أَنَّ الْخِيَارَ لِلْمَالِكِ فِيهِمَا لَكِنْ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ أَنَّ الْخِيَارَ لِلْمُصَدِّقِ أَيْ السَّاعِي وَرَدَّهُ فِي النِّهَايَةِ وَالْمِعْرَاجِ بِأَنَّ الصَّوَابَ خِلَافُهُ وَذَكَرَ فِي الْبَدَائِعِ أَنَّ الْخِيَارَ لِصَاحِبِ الْمَالِ دُونَ الْمُصَدِّقِ إلَّا فِي فَصْلٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ مَا إذَا أَرَادَ صَاحِبُ الْمَالِ أَنْ يَدْفَعَ بَعْضَ الْعَيْنِ لِأَجْلٍ الْوَاجِبِ فَالْمُصَدِّقُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ لَا يَأْخُذَ وَبَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ بِأَنْ كَانَ الْوَاجِبُ بِنْتَ لَبُونٍ فَأَرَادَ أَنْ يَدْفَعَ بَعْضَ الْحِقَّةِ بِطَرِيقِ الْقِيمَةِ فَالْمُصَدِّقُ إنْ شَاءَ قَبِلَ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَقْبَلْ لِمَا فِيهِ مِنْ تَشْقِيصِ الْعَيْنِ وَالتَّشْقِيصُ فِي الْأَعْيَانِ عَيْبٌ فَكَانَ لَهُ أَنْ لَا يَقْبَلَ اهـ. وَتَعَقَّبَهُ الزَّيْلَعِيُّ بِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مَعَ الْعَيْبِ يُسَاوِي قَدْرَ الْوَاجِبِ، وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي الْبَابِ وَالثَّانِي أَنَّ فِيهِ إجْبَارَ الْمُصَدِّقِ عَلَى شِرَاءِ الزَّائِدِ اهـ. وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ جَبْرَهُ عَلَى شِرَاءِ الزَّائِدِ مُسْتَقِيمٌ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ فِي التَّشْقِيصِ إضْرَارًا بِالْفُقَرَاءِ فَلَمْ يَمْلِكْ رَبُّ الْمَالِ ذَلِكَ فَاسْتَقَامَ مَا فِي الْبَدَائِعِ لَكِنْ قَيَّدَ الْمُصَنِّفُ الْخِيَارَ الْمَذْكُورَ بَيْنَ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ بِعَدَمِ وُجُودِ السِّنِّ الْوَاجِبِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ، وَهُوَ قَيْدٌ اتِّفَاقِيٌّ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ ثَابِتٌ مَعَ وُجُودِ السِّنِّ الْوَاجِبِ وَلِذَا قَالَ فِي الْمِعْرَاجِ وَظَنَّ بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنَّ أَدَاءَ الْقِيمَةِ بَدَلٌ عَنْ الْوَاجِبِ حَتَّى لَقَّبَ الْمَسْأَلَةَ بِالْإِبْدَالِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ الْمَصِيرَ إلَى الْبَدَلِ لَا يَجُوزُ إلَّا عِنْدَ عَدَمِ الْأَصْلِ، وَأَدَاءُ الْقِيمَةِ مَعَ وُجُودِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ جَائِزٌ عِنْدَنَا اهـ. وَفِي الْبَدَائِعِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فَعِنْدَ الْإِمَامِ الْوَاجِبُ فِيمَا عَدَا السَّوَائِمَ جُزْءٌ مِنْ النِّصَابِ مَعْنًى لَا صُورَةً، وَعِنْدَهُمَا صُورَةً وَمَعْنًى لَكِنْ يَجُوزُ إقَامَةُ غَيْرِهِ مَقَامَهُ مَعْنًى   [منحة الخالق] لَا إبْطَالُ حَقِّ الْغَيْرِ؛ إذْ رُبَّمَا يَخَافُ عَدَمَ امْتِثَالِ أَمْرِهِ - تَعَالَى - فَيَكُونُ عَاصِيًا، وَالْفِرَارُ مِنْ الْمَعْصِيَةِ طَاعَةٌ، وَفِي الْمُحِيطِ هَذَا أَصَحُّ وَمُحَمَّدٌ خَالَفَهُ أَيْ أَبَا يُوسُفَ وَكَرِهَ حِيلَةَ دَفْعِهَا وَمَعَهُ الشَّافِعِيُّ وَاخْتَارَ قَوْلَهُ الشَّيْخُ حَمِيدُ الدِّينِ الضَّرِيرُ؛ لِأَنَّ فِي الْحِيلَةِ إضْرَارًا بِالْفُقَرَاءِ وَقَصْدَ إبْطَالِ حَقِّهِمْ مَآلًا وَكَذَا الْخِلَافُ فِي حِيلَةِ دَفْعِ الشُّفْعَةِ، وَأَمَّا الِاحْتِيَالُ بَعْدَ وُجُوبِ الشُّفْعَةِ فَيُكْرَهُ اتِّفَاقًا وَقِيلَ: الْفَتْوَى فِي الشُّفْعَةِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَفِي الزَّكَاةِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَهَذَا تَفْصِيلٌ حَسَنٌ، وَتَحْرُمُ حِيلَةُ دَفْعِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ مِنْ الْفُقَهَاءِ حَتَّى أَفْسَدَ مَالِكٌ الْبَيْعَ لِدَفْعِ الْوُجُوبَ، وَحَرَّمَ الشَّافِعِيُّ الْبَيْعَ لَهُ، وَإِنْ صَحَّ وَقَالَ أَحْمَدُ إنْ نَقَصَ النِّصَابُ فِي بَعْضِ الْحَوْلِ أَوْ بَاعَهُ أَوْ بَدَّلَهُ بِغَيْرِ جِنْسِهِ انْقَطَعَ الْحَوْلُ إلَّا أَنْ يَقْصِدَ بِذَلِكَ الْفِرَارَ مِنْ الزَّكَاةِ عِنْدَ قُرْبِ وُجُوبِهَا فَلَا تَسْقُطُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَفِي ذَلِكَ الْعَوْدُ عَلَى الْمَوْضُوعِ بِالنَّقْضِ) قَالَ فِي النَّهْرِ: كَيْفَ يَعُودُ عَلَى مَوْضُوعِهِ بِالنَّقْضِ مَعَ جَوَازِ دَفْعِ الْقِيمَةِ اهـ. وَقَدْ يُقَالُ عَلَيْهِ: إنَّ الْقِيمَةَ لَا تَتَيَسَّرُ لِلْمَالِكِ فِي كُلِّ وَقْتٍ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ الْوَاجِبُ، وَلَا الْقِيمَةُ وَامْتَنَعَ السَّاعِي عَنْ أَخْذِ الْأَعْلَى لَزِمَ الْعُسْرُ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَيْسَ شِرَاءً حَقِيقِيًّا) قَالَ فِي النَّهْرِ: كَوْنُهُ لَيْسَ بِشِرَاءٍ حَقِيقَةً بَلْ ضِمْنًا لَا يَقْتَضِي الْإِجْبَارَ كَيْفَ وَالْفَاضِلُ عَنْ الْوَاجِبِ يَصِيرُ مِلْكًا لِلسَّاعِي، وَلَا طَرِيقَ لِتَمَلُّكِهِ إيَّاهُ إلَّا بِالشِّرَاءِ (قَوْلُهُ: وَالثَّانِي: أَنَّ فِيهِ إجْبَارَ الْمُصَدِّقِ عَلَى شِرَاءِ الزَّائِدِ) لَمْ يَظْهَرْ لَنَا هَذَا الْكَلَامُ وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَقَّبَهُ، وَفِي كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ تَسْلِيمٌ لَهُ، وَأَنَّهُ لَا يَضُرَّ، وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إنَّهُ غَيْرُ وَارِدٍ عَلَى مَا فِي الْبَدَائِعِ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ فِيمَا إذَا دَفَعَ الْبَعْضَ عَنْ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ بِطَرِيقِ الْقِيمَةِ، وَالزَّائِدُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ الْمَالِكِ لَا أَنَّهُ يَأْخُذُ مِنْهُ قِيمَةَ الزَّائِدِ، وَلَا كَانَ هَذَا عَيْنَ دَفْعِ الْأَعْلَى، وَأَخْذَ الْفَضْلِ، وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ تَشْقِيصٌ أَصْلًا فَتَدَبَّرْ ثُمَّ ظَهَرَ لِي أَنَّ هَذَا الثَّانِيَ رَاجِعٌ إلَى إطْلَاقِ قَوْلِ الْبَدَائِعِ أَوَّلًا أَنَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 237 وَاخْتُلِفَ فِي السَّوَائِمِ عَلَى قَوْلِهِ فَقِيلَ هِيَ كَغَيْرِهَا وَقِيلَ الْوَاجِبُ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى، وَعِنْدَهُمَا الْوَاجِبُ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ صُورَةً وَمَعْنًى لَكِنْ يَجُوزُ إقَامَةُ غَيْرِهِ مَقَامَهُ مَعْنًى وَيُبْتَنَى عَلَى هَذَا الْأَصْلِ مَسَائِلُ الْجَامِعِ لَهُ مِائَتَا قَفِيزِ حِنْطَةٍ لِلتِّجَارَةِ تُسَاوِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهَا فَإِنْ أَدَّى مِنْ عَيْنِهَا يُؤَدِّي خَمْسَةَ أَقْفِزَةٍ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنْ أَدَّى قِيمَتَهَا فَعِنْدَهُ تُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ يَوْمَ الْوُجُوبِ فِي الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ، وَعِنْدَهُمَا فِي الْفَصْلَيْنِ يُعْتَبَرُ يَوْمُ الْأَدَاءِ وَاخْتُلِفَ عَلَى قَوْلِهِ فِي السَّوَائِمِ فَقِيلَ يَوْمُ الْوُجُوبِ وَقِيلَ يَوْمُ الْأَدَاءِ حَسَبَ الِاخْتِلَافِ السَّابِقِ وَتَمَامُهُ فِيهِ، وَفِي الْمُحِيطِ يُعْتَبَرُ فِي قِيمَةِ السَّوَائِمِ يَوْمُ الْأَدَاءِ بِالْإِجْمَاعِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ وَذَكَرَ فِي الْجَامِعِ لَوْ فَسَدَتْ الْحِنْطَةُ بِمَا أَصَابَهَا حَتَّى صَارَتْ قِيمَتُهَا مِائَةً فَإِنَّهُ يُؤَدِّي دِرْهَمَيْنِ وَنِصْفًا بِلَا خِلَافٍ إذَا اخْتَارَ الْقِيمَةَ لِأَنَّهُ هَلَكَ جُزْءٌ مِنْ الْعَيْنِ فَسَقَطَ مَا تَعَلَّقَ بِهِ مِنْ الْوَاجِبِ، وَإِنْ زَادَتْ فِي نَفْسِهَا قِيمَةً فَالْعِبْرَةُ لِيَوْمِ الْوُجُوبِ اهـ. وَفِي الْهِدَايَةِ وَيَجُوزُ دَفْعُ الْقِيمَةِ فِي الزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَةِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ وَالْعُشْرِ وَالنَّذْرِ اهـ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ لَوْ أَدَّى ثَلَاثَ شِيَاهٍ سِمَانٍ عَنْ أَرْبَعٍ وَسَطٍ أَوْ بَعْضَ بِنْتِ لَبُونٍ عَنْ بِنْتِ مَخَاضٍ جَازَ؛ لِأَنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ الْوَسَطُ فَلَمْ يَكُنْ الْأَعْلَى دَاخِلًا فِي النَّصِّ، وَالْجَوْدَةُ مُعْتَبَرَةٌ فِي غَيْرِ الرِّبَوِيَّاتِ فَتَقُومُ مَقَامَ الشَّاةِ الرَّابِعَةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ مِثْلِيًّا بِأَنَّ أَدَّى أَرْبَعَةَ أَقْفِزَةٍ جَيِّدَةٍ عَنْ خَمْسَةِ وَسَطٍ وَهِيَ تُسَاوِيهَا لَا يَجُوزُ أَوْ كِسْوَةً بِأَنْ أَدَّى ثَوْبًا يَعْدِلُ ثَوْبَيْنِ لَمْ يَجُزْ إلَّا عَنْ ثَوْبٍ وَاحِدٍ أَوْ نَذَرَ أَنْ يُهْدِيَ شَاتَيْنِ أَوْ يُعْتِقَ عَبْدَيْنِ وَسَطَيْنِ فَأَهْدَى شَاةً، أَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا يُسَاوِي كُلٌّ مِنْهُمَا وَسَطَيْنِ لَا يَجُوزُ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْجَوْدَةَ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِجِنْسِهَا فَلَا تَقُومُ الْجَوْدَةُ مَقَامَ الْقَفِيزِ الْخَامِسِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ مُطْلَقُ الثَّوْبِ فِي الْكَفَّارَةِ لَا بِقَيْدِ الْوَسَطِ فَكَانَ الْأَعْلَى وَغَيْرُهُ دَاخِلًا تَحْتَ النَّصِّ، وَأَمَّا الثَّالِثُ فَلِأَنَّ الْقُرْبَةَ فِي الْإِرَاقَةِ وَالتَّحْرِيرِ، وَقَدْ الْتَزَمَ إرَاقَتَيْنِ وَتَحْرِيرَيْنِ فَلَا يَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ بِوَاحِدَةٍ بِخِلَافِ النَّذْرِ بِالتَّصَدُّقِ بِأَنْ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِشَاتَيْنِ وَسَطَيْنِ فَتَصَدَّقَ بِشَاةٍ بِقَدْرِهِمَا جَازَ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إغْنَاءُ الْفَقِيرِ، وَبِهِ تَحْصُلُ الْقُرْبَةُ، وَهُوَ يَحْصُلُ بِالْقِيمَةِ، وَعَلَى مَا قُلْنَا: لَوْ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِقَفِيزٍ دَقَلٍ فَتَصَدَّقَ بِنِصْفِهِ جَيِّدًا يُسَاوِي تَمَامَهُ لَا يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّ الْجَوْدَةَ لَا قِيمَةَ لَهَا هُنَا لِلرِّبَوِيَّةِ وَلِلْمُقَابَلَةِ بِالْجِنْسِ بِخِلَافِ جِنْسٍ آخَرَ لَوْ تَصَدَّقَ بِنِصْفِ قَفِيزٍ مِنْهُ يُسَاوِيهِ جَازَ اهـ. قَيَّدَ الْمُصَنِّفُ بِالزَّكَاةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ دَفْعُ الْقِيمَةِ فِي الضَّحَايَا وَالْهَدَايَا وَالْعِتْقِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْقُرْبَةِ إرَاقَةُ الدَّمِ وَذَلِكَ لَا يَتَقَوَّمُ وَكَذَلِكَ الْإِعْتَاقُ لِأَنَّ مَعْنَى الْقُرْبَةِ فِيهِ إتْلَافُ الْمِلْكِ وَنَفْيُ الرِّقِّ، وَذَلِكَ لَا يَتَقَوَّمُ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِبَقَاءِ أَيَّامِ النَّحْرِ، وَأَمَّا بَعْدَهَا فَيَجُوزُ دَفْعُ الْقِيمَةِ كَمَا عُرِفَ فِي الْأُضْحِيَّةِ، وَالسِّنُّ هِيَ الْمَعْرُوفَةُ، وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا ذَاتُ سِنٍّ إطْلَاقًا لِلْبَعْضِ عَلَى الْكُلِّ أَوْ سَمَّى بِهَا صَاحِبُهَا كَمَا سَمَّى الْمُسِنَّةَ مِنْ النُّوقِ بِالنَّابِ؛ لِأَنَّ السِّنَّ مِمَّا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى عُمْرِ الدَّوَابِّ، وَوَقَعَ هُنَا إطْلَاقُ الْمُصَدِّقِ عَلَى السَّاعِي، وَهُوَ مُشْتَبِهٌ بِرَبِّ الْمَالِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ إنْ كَانَ بِالصَّادِ الْمُخَفَّفَةِ وَالدَّالِ الْمُشَدَّدَةِ الْمَكْسُورَةِ فَهُوَ بِمَعْنَى آخِذِ الصَّدَقَةِ، وَإِنْ كَانَ بِالصَّادِ الْمُشَدَّدَةِ وَالدَّالِ الْمَكْسُورَةِ الْمُشَدَّدَةِ فَهُوَ الْمُعْطِي لَهَا (قَوْلُهُ: وَيُؤْخَذُ الْوَسَطُ) أَيْ فِي الزَّكَاةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَأْخُذُوا مِنْ حَزَرَاتِ أَمْوَالِ النَّاسِ أَيْ كَرَائِمِهَا وَخُذُوا مِنْ حَوَاشِي أَمْوَالِهِمْ» أَيْ مِنْ أَوْسَاطِهَا وَلِأَنَّ فِيهِ نَظَرًا مِنْ الْجَانِبَيْنِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْحَزَرَاتُ جَمْعُ حَزْرَةٍ بِتَقْدِيمِ الزَّاي الْمَنْقُوطَةِ عَلَى الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ، وَلَا تُؤْخَذُ الرُّبَّا وَالْأَكُولَةُ وَالْمَاخِضُ وَفَحْلُ الْغَنَمِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْكَرَائِمِ، وَقَدْ نُهِينَا عَنْ أَخْذِ الْكَرَائِمِ، وَلَا تُؤْخَذُ الْهَرَمُ، وَلَا ذَاتُ عَوَارٍ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْمُصَدِّقُ. اهـ. وَالْأَكُولَةُ الشَّاةُ السَّمِينَةُ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْأَكْلِ وَالرُّبَّا بِضَمِّ الرَّاءِ الْمُشَدَّدَةِ وَتَشْدِيدِ الْبَاءِ مَقْصُورَةً، وَهِيَ الَّتِي تُرَبِّي وَلَدَهَا كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَالْمَاخِضُ الَّتِي فِي بَطْنِهَا وَلَدٌ وَقَدْ أَطَالَ   [منحة الخالق] الْخِيَارَ لِصَاحِبِ الْمَالِ فَإِنَّهُ يَشْمَلُ مَا إذَا أَرَادَ دَفْعَ الْأَعْلَى وَأَخْذَ الزَّائِدِ ثُمَّ رَأَيْت صَاحِبَ النَّهْرِ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ (قَوْلُهُ بِقَفِيزِ دَقَلٍ) الدَّقَلُ - مُحَرَّكَةً - أَرْدَأُ التَّمْرِ قَامُوسٌ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 238 فِيهِ فِي الْبَدَائِعِ وَذَكَرَ أَنَّهُ لَيْسَ لِلسَّاعِي أَخْذُ الْأَدْوَنِ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ الْأَدِلَّةَ تَقْتَضِي أَنْ لَا يَجِبَ فِي الْأَخْذِ مِنْ الْعِجَافِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا وَسَطٌ اعْتِبَارُ أَعْلَاهَا وَأَفْضَلِهَا، وَقَدْ قَدَّمْنَا عَنْهُمْ خِلَافًا فِي صَدَقَةِ السَّوَائِمِ اهـ. وَفِي الْمِعْرَاجِ وَذَكَرَ الْحَاكِمُ الْجَلِيلُ فِي الْمُنْتَقَى الْوَسَطَ أَعْلَى الْأَدْوَنِ، وَأَدْوَنُ الْأَعْلَى وَقِيلَ: إذَا كَانَ عِشْرُونَ مِنْ الضَّأْنِ وَعِشْرُونَ مِنْ الْمَعْزِ يَأْخُذُ الْوَسَطَ، وَمَعْرِفَتُهُ أَنْ يُقَوَّمَ الْوَسَطُ مِنْ الْمَعْزِ وَالضَّأْنِ فَتُؤْخَذُ شَاةٌ تُسَاوِي نِصْفَ قِيمَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَثَلًا الْوَسَطَ مِنْ الْمَعْزِ تُسَاوِي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، وَالْوَسَطَ مِنْ الضَّأْنِ عِشْرِينَ فَتُؤْخَذُ شَاةٌ قِيمَتُهَا خَمْسَةَ عَشَرَ اهـ. وَكَذَا فِي الْبَدَائِعِ، وَفِيهِ وَلَوْ كَانَ لَهُ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ كُلُّهَا بَنَاتُ مَخَاضٍ أَوْ كُلُّهَا بَنَاتُ لَبُونٍ أَوْ حِقَاقٌ أَوْ جِذَاعٌ فَفِيهَا شَاةٌ وَسَطٌ، وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ إذَا كَانَ لِرَجُلٍ نَخِيلُ تَمْرٍ جَيِّدٍ بَرْنِيِّ، وَدَقَلٍ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُؤْخَذُ مِنْ كُلِّ نَخْلَةٍ حِصَّتُهَا مِنْ الْعُشْرِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يُؤْخَذُ مِنْ الْوَسَطِ إذَا كَانَتْ أَصْنَافًا ثَلَاثَةً: جَيِّدٌ وَوَسَطٌ وَرَدِيءٌ. اهـ. وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ أَخْذَ الْوَسَطِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا اشْتَمَلَ الْمَالُ عَلَى جَيِّدٍ وَوَسَطٍ وَرَدِيءٍ أَوْ عَلَى صِنْفَيْنِ مِنْهُمَا أَمَّا لَوْ كَانَ الْمَالُ كُلُّهُ جَيِّدًا كَأَرْبَعِينَ شَاةً أَكُولَةً فَإِنَّهُ يَجِبُ وَاحِدَةٌ مِنْ الْكَرَائِمِ لَا شَاةٌ وَسَطٌ عِنْدَ الْإِمَامِ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ: وَيُضَمُّ مُسْتَفَادٌ مِنْ جِنْسِ نِصَابٍ إلَيْهِ) ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْجَبَ فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الْإِبِلِ بِنْتَ مَخَاضٍ إلَى خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةٌ فَفِيهَا بِنْتُ لَبُونٍ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ الزِّيَادَةِ فِي أَوَّلِ الْحَوْلِ أَوْ فِي أَثْنَائِهِ وَلِأَنَّهُ عِنْدَ الْمُجَانَسَةِ يَتَعَسَّرُ التَّمْيِيزُ فَيَعْسُرُ اعْتِبَارُ الْحَوْلِ لِكُلِّ مُسْتَفَادٍ وَمَا شُرِطَ الْحَوْلُ إلَّا لِلتَّيْسِيرِ وَالْمُرَادُ بِالضَّمِّ أَنْ تَجِبَ الزَّكَاةُ فِي الْفَائِدَةِ عِنْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ عَلَى الْأَصْلِ قُيِّدَ بِالْجِنْسِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَفَادَ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ كَالْإِبِلِ مَعَ الشِّيَاهِ لَا تَضُمُّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤَدِّي إلَى التَّعْسِيرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ الْحَوْلُ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَبْلُغْ نِصَابًا ثُمَّ كُلُّ مَا يَسْتَفِيدُهُ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ يَضُمُّهُ إلَيْهِ، وَقُيِّدَ بِالنِّصَابِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ النِّصَابُ نَاقِصًا وَكَمُلَ مَعَ الْمُسْتَفَادِ فَإِنَّ الْحَوْلَ يَنْعَقِدُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْكَمَالِ كَذَا فِي الْإِسْبِيجَابِيِّ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ لَهُ نِصَابٌ فِي أَوَّلِ الْحَوْلِ فَهَلَكَ بَعْضُهُ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ فَاسْتَفَادَ تَمَامَ النِّصَابِ أَوْ أَكْثَرَ يُضَمُّ أَيْضًا عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ نُقْصَانَ النِّصَابِ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ لَا يَقْطَعُ حُكْمَ الْحَوْلِ فَصَارَ الْمُسْتَفَادُ مَعَ النُّقْصَانِ كَالْمُسْتَفَادِ مَعَ كَمَالِهِ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَأَطْلَقَ فِي الْمُسْتَفَادِ فَشَمِلَ الْمُسْتَفَادَ بِمِيرَاثٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ وَصِيَّةٍ وَسَيَأْتِي أَنَّ أَحَدَ النَّقْدَيْنِ يُضَمُّ إلَى الْآخَرِ، وَأَنَّ الْعُرُوضَ لِلتِّجَارَةِ تُضَمُّ إلَى النَّقْدَيْنِ لِلْجِنْسِيَّةِ بِاعْتِبَارِ قِيمَتِهَا، وَفِي الْمُحِيطِ: لَوْ كَانَ لَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ دَيْنًا فَاسْتَفَادَ فِي خِلَالِ الْحَوْلِ مِائَةَ دِرْهَمٍ فَإِنَّهُ يَضُمُّ الْمُسْتَفَادَ إلَى الدَّيْنِ فِي حَوْلِهِ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِذَا تَمَّ الْحَوْلُ عَلَى الدَّيْنِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَلْزَمُهُ الْأَدَاءُ مِنْ الْمُسْتَفَادِ مَا لَمْ يَقْبِضْ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا وَعِنْدَهُمَا يَلْزَمُهُ، وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ مِنْ الدَّيْنِ شَيْئًا وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا مَاتَ مَنْ عَلَيْهِ مُفْلِسًا سَقَطَ عَنْهُ زَكَاةُ الْمُسْتَفَادِ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ اهـ. وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ إلَيْهِ أَيْ إلَى النِّصَابِ إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ بَقَاءِ النِّصَابِ الْمَضْمُومِ إلَيْهِ وَلِذَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَلَوْ وُهِبَ لَهُ أَلْفٌ ثُمَّ اسْتَفَادَ أَلْفًا قَبْلَ الْحَوْلِ ثُمَّ رَجَعَ الْوَاهِبُ فِي الْهِبَةِ بِقَضَاءِ قَاضٍ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِي الْأَلْفِ الْفَائِدَةِ حَتَّى يَمْضِيَ حَوْلٌ مِنْ حِينِ مَلَكَهَا؛ لِأَنَّهُ بَطَلَ حَوْلُ الْأَصْلِ، وَهُوَ الْمَوْهُوبُ فَيَبْطُلُ فِي حَقِّ التَّبَعِ اهـ. وَفِي الْمَبْسُوطِ وَلَوْ ضَاعَ الْمَالُ الْأَوَّلُ فَإِنَّهُ يَسْتَقْبِلُ الْحَوْلَ عَلَى الْمُسْتَفَادِ مِنْهُ مُنْذُ مَلَكَهُ فَإِنْ وَجَدَ دِرْهَمًا مِنْ دَرَاهِمِ الْأَوَّلِ قَبْلَ الْحَوْلِ بِيَوْمٍ ضَمَّهُ إلَى مَا عِنْدَهُ فَيُزَكِّي الْكُلَّ؛ لِأَنَّ بِالضَّيَاعِ لَا يَنْعَدِمُ أَصْلُ الْمِلْكِ، وَإِنَّمَا تَنْعَدِمُ يَدُهُ وَتَصَرُّفُهُ فَإِذَا ارْتَفَعَ ذَلِكَ قَبْلَ كَمَالِ الْحَوْلِ كَانَ كَأَنَّ الضَّيَاعَ لَمْ يَكُنْ اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ الضَّمَّ الْمَذْكُورَ عِنْدَ عَدَمِ مَانِعٍ أَمَّا إذَا وُجِدَ مَانِعٌ مِنْهُ فَلَا ضَمَّ وَلِذَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ، وَلَا يَضُمُّ أَثْمَانَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ الْمُزَكَّاةِ إلَى مَا عِنْدَهُ مِنْ   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 239 النِّصَابِ مِنْ جِنْسِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ فِي الضَّمِّ تَحْقِيقَ الثِّنَى فِي الصَّدَقَةِ؛ لِأَنَّ الثِّنَى إيجَابُ الزَّكَاةِ مَرَّتَيْنِ عَلَى مَالِكٍ وَاحِدٍ فِي مَالٍ وَاحِدٍ فِي حَوْلٍ وَاحِدٍ، وَأَنَّهُ مَنْفِيٌّ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا ثُنْيَا فِي الصَّدَقَةِ» ، وَعِنْدَهُمَا يَضُمُّ وَلَوْ جَعَلَ السَّائِمَةَ عَلُوفَةً بَعْدَمَا زَكَّاهَا ثُمَّ بَاعَهَا يَضُمُّ ثَمَنَهَا إلَى مَا عِنْدَهُ لِخُرُوجِهَا عَنْ مَالِ الزَّكَاةِ فَصَارَ كَمَالٍ آخَرَ فَلَمْ يُؤَدِّ إلَى الثِّنَى، وَكَذَا لَوْ جَعَلَ الْعَبْدَ الْمُؤَدِّيَ زَكَاتَهُ لِلْخِدْمَةِ ثُمَّ بَاعَهُ يَضُمُّ ثَمَنَهُ إلَى مَا عِنْدَهُ وَلَوْ أَدَّى صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَنْ عَبْدِ الْخِدْمَةِ أَوْ أَدَّى عُشْرَ طَعَامِهِ ثُمَّ بَاعَهُ ضَمَّ ثَمَنَهُ إلَى مَا عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِبَدَلِ مَالٍ أَدَّيْت الْفِطْرَةَ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْفِطْرَةَ إنَّمَا تَجِبُ بِسَبَبِ رَأْسٍ يُمَوِّنُهُ وَيَلِي عَلَيْهِ دُونَ الْمَالِيَّةِ أَلَا تَرَى أَنَّهَا تَجِبُ عَنْ أَوْلَادِهِ الْأَحْرَارِ، وَالثَّمَنُ بَدَلُ الْمَالِيَّةِ وَالْعُشْرُ إنَّمَا يَجِبُ بِسَبَبِ أَرْضٍ نَامِيَةٍ لَا بِالْخَارِجِ فَلَمْ يَثْبُتْ الِاتِّحَادُ حَتَّى لَوْ بَاعَ الْأَرْضَ النَّامِيَةَ لَا يَضُمُّ ثَمَنَهَا إلَى مَا عِنْدَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَنْ عِنْدَهُ نِصَابَانِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ أَحَدُهُمَا ثَمَنُ إبِلٍ مُزَكَّاةٍ فَاسْتَفَادَ نِصَابًا مِنْ جِنْسِهَا فَإِنَّهُ يُضَمُّ إلَى أَقْرَبِهِمَا حَوْلًا؛ لِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي عِلَّةِ الضَّمِّ وَتَرَجَّحَ أَحَدُهُمَا بِاعْتِبَارِ الْقُرْبِ لِكَوْنِهِ أَنْفَعَ لِلْفُقَرَاءِ، وَلَوْ كَانَ الْمُسْتَفَادُ رِبْحًا أَوْ وَلَدًا ضَمَّهُ إلَى أَصْلِهِ، وَإِنْ كَانَ أَبْعَدَ حَوْلًا؛ لِأَنَّهُ يُرَجَّحُ بِاعْتِبَارِ التَّفَرُّعِ وَالتَّوَلُّدِ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ؛ وَحُكْمُ التَّبَعِ لَا يُقْطَعُ عَنْ الْأَصْلِ، وَلَوْ أَدَّى زَكَاةَ الدَّرَاهِمِ ثُمَّ اشْتَرَى بِهَا سَائِمَةً وَعِنْدَهُ مِنْ جِنْسِهَا سَائِمَةٌ لَمْ يَضُمَّهَا إلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا بَدَلُ مَالٍ أُدِّيَتْ الزَّكَاةُ عَنْهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَخَذَ الْعُشْرَ وَالْخَرَاجَ وَالزَّكَاةَ بُغَاةٌ لَمْ يُؤْخَذْ أُخْرَى) أَيْ لَمْ يُؤْخَذْ مَرَّةً أُخْرَى؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ لَمْ يَحْمِهِمْ، وَالْجِبَايَةُ بِالْحِمَايَةِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَأَفْتَوْا بِأَنْ يُعِيدُوهَا دُونَ الْخَرَاجِ؛ لِأَنَّهُمْ مَصَارِفُ الْخَرَاجِ لِكَوْنِهِمْ مُقَاتِلَةً، وَالزَّكَاةُ مَصْرِفُهَا الْفُقَرَاءُ، وَلَا يَصْرِفُونَهَا إلَيْهِمْ، وَقِيلَ: إذَا نَوَى بِالدَّفْعِ التَّصَدُّقَ عَلَيْهِمْ سَقَطَ عَنْهُ وَكَذَا الدَّفْعُ إلَى كُلِّ جَائِرٍ؛ لِأَنَّهُمْ بِمَا عَلَيْهِمْ مِنْ التَّبَعَاتِ فُقَرَاءُ وَالْأَوَّلُ أَحْوَطُ اهـ. أَطْلَقَ فِي الزَّكَاةِ فَشَمِلَ الْأَمْوَالَ الظَّاهِرَةَ وَالْبَاطِنَةَ وَلِذَا قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: الْأَصَحُّ أَنَّ أَرْبَابَ الْأَمْوَالِ إذَا نَوَوْا عِنْدَ الدَّفْعِ إلَى الظَّلَمَةِ التَّصَدُّقَ عَلَيْهِمْ سَقَطَ عَنْهُمْ جَمِيعُ ذَلِكَ، وَكَذَا جَمِيعُ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الرَّجُلِ مِنْ الْجِبَايَاتِ وَالْمُصَادَرَاتِ؛ لِأَنَّ مَا بِأَيْدِيهِمْ أَمْوَالُ الْمُسْلِمِينَ وَمَا عَلَيْهِمْ مِنْ التَّبَعَاتِ فَوْقَ مَالَهُمْ فَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْغَارِمِينَ وَالْفُقَرَاءِ حَتَّى قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ: يَجُوزُ دَفْعُ الصَّدَقَةِ لِعَلِيِّ بْنِ عِيسَى بْنِ مَاهَانَ وَالِي خُرَاسَانَ وَكَانَ أَمِيرًا بِبَلْخٍ وَجَبَتْ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ فَسَأَلَ فَأَفْتَوْهُ بِالصِّيَامِ فَجَعَلَ يَبْكِي وَيَقُولُ لِحَشَمِهِ: إنَّهُمْ يَقُولُونَ لِي: مَا عَلَيْك مِنْ التَّبَعَاتِ فَوْقَ مَا لَكَ مِنْ الْمَالِ فَكَفَّارَتُك كَفَّارَةُ يَمِينِ مَنْ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: وَعَلَى هَذَا لَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِلْفُقَرَاءِ فَدَفَعَ إلَى السُّلْطَانِ الْجَائِزِ سَقَطَ ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَعَلَى هَذَا فَإِنْكَارُهُمْ عَلَى يَحْيَى بْنِ يَحْيَى تِلْمِيذِ مَالِكٍ حَيْثُ أَفْتَى بَعْضَ مُلُوكِ الْمَغَارِبَةِ فِي كَفَّارَةٍ عَلَيْهِ بِالصَّوْمِ غَيْرُ لَازِمٍ وَتَعْلِيلُهُمْ بِأَنَّهُ اعْتِبَارٌ لِلْمُنَاسِبِ الْمَعْلُومِ الْإِلْغَاءِ غَيْرُ لَازِمٍ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لِلِاعْتِبَارِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ فَقْرِهِمْ لَا لِكَوْنِهِ أَشَقَّ عَلَيْهِ مِنْ الْإِعْتَاقِ لِيَكُونَ هُوَ الْمُنَاسِبَ الْمَعْلُومَ الْإِلْغَاءِ، وَكَوْنُهُمْ لَهُمْ مَالٌ، وَمَا أَخَذُوهُ خَلَطُوهُ بِهِ، وَذَلِكَ اسْتِهْلَاكٌ إذَا كَانَ لَا يُمْكِنُ تَمْيِيزُهُ عَنْهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَيَمْلِكُهُ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ حَتَّى قَالُوا: تَجِبُ عَلَيْهِمْ فِيهِ الزَّكَاةُ وَيُورَثُ عَنْهُمْ غَيْرُ ضَائِرٍ لِاشْتِغَالِ ذِمَّتِهِمْ بِمِثْلِهِ، وَالْمَدْيُونُ بِقَدْرِ مَا فِي يَدِهِ فَقِيرٌ اهـ. وَظَاهِرُ مَا صَحَّحَهُ السَّرَخْسِيُّ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ وَصَحَّحَ الْوَلْوَالِجِيُّ عَدَمَ الْجَوَازِ فِي الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ قَالَ: وَبِهِ يُفْتَى؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلسُّلْطَانِ وِلَايَةُ الزَّكَاةِ فِي الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ فَلَمْ يَصِحَّ الْأَخْذُ اهـ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ: الْأَفْضَلُ لِصَاحِبِ الْمَالِ الظَّاهِرِ أَنْ يُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ إلَى الْفُقَرَاءِ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ لَا يَضَعُونَ الزَّكَاةَ مَوَاضِعَهَا فَأَمَّا الْخَرَاجُ فَإِنَّهُمْ يَضَعُونَهُ مَوَاضِعَهُ؛ لِأَنَّ مَوْضِعَ الْخَرَاجِ الْمُقَاتِلَةُ وَهَؤُلَاءِ مُقَاتِلَةٌ اهـ. وَفِي التَّبْيِينِ وَاشْتِرَاطُ أَخْذِهِمْ الْخَرَاجَ وَنَحْوَهُ وَقَعَ اتِّفَاقًا حَتَّى لَوْ لَمْ يَأْخُذُوا مِنْهُ سِنِينَ، وَهُوَ عِنْدَهُمْ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُمْ شَيْءٌ أَيْضًا لِمَا ذَكَرْنَا اهـ.   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ فَأَفْتَوْهُ بِالصِّيَامِ إلَخْ) هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمَهُ عَنْ الْكَشْفِ الْكَبِيرِ مِنْ أَنَّ التَّكْفِيرَ بِالْمَالِ لَا يَمْنَعُ الدَّيْنُ وُجُوبَهُ عَلَى الْأَصَحِّ فَكَانَ هَذَا مَبْنِيًّا عَلَى مُقَابِلِ الْأَصَحِّ (قَوْلُهُ غَيْرُ ضَائِرٍ) خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ، وَهُوَ قَوْلُهُ وَكَوْنُهُمْ، وَفِي النَّهْرِ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ فِيهِ تَدَافُعًا ظَاهِرًا، وَذَلِكَ أَنَّ وُجُوبَ الزَّكَاةِ عَلَيْهِ يُؤْذِنُ بِغِنَائِهِ، وَجَوَازُ الصَّرْفِ إلَيْهِ يَقْتَضِي فَقْرَهُ، وَتَنَبَّهْ لِمَا قَيَّدْنَا بِهِ الْمَسْأَلَةَ فِيمَا مَرَّ، فَإِنَّهُ مِمَّا لَا غِنَى عَنْهُ هُنَا اهـ. وَمُرَادُهُ بِمَا مَرَّ قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ يُوَفِّي مِنْهُ الْكُلَّ أَوْ الْبَعْضَ فَإِنْ كَانَ زَكَّى مَا قَدَرَ عَلَى وَفَائِهِ إلَى آخِرِ مَا قَدَّمْنَاهُ، وَبِهِ يَنْدَفِعُ التَّدَافُعُ عَنْ كَلَامِ الْمُحَقِّقِ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُمْ فُقَرَاءَ - إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَالٌ - غَيْرَ مَا اسْتَهْلَكُوهُ، وَوُجُوبُ الزَّكَاةِ عَلَيْهِمْ إذَا كَانَ لَهُمْ مَالٌ غَيْرُهُ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فَلَا وُجُوبَ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ خِلَافُ الْمُتَبَادِرِ مِنْ كَلَامِهِمْ هُنَا عَلَى أَنَّهُ قَلِيلُ الْجَدْوَى؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ حِينَئِذٍ تَكُونُ لِمَالِهِ الْغَيْرِ الْمَأْخُوذِ مِنْ النَّاسِ لَا الْمُسْتَهْلَكِ مَعَ أَنَّ كَلَامَهُمْ فِيهِ فَبَقِيَ إشْكَالُ الْمُؤَلِّفِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 240 وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ: وَهُوَ عِنْدَهُمْ عَائِدٌ إلَى مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ وَنَحْوُهُ، وَضَمِيرُ الْجَمَاعَةِ فِي عِنْدَهُمْ عَائِدٌ إلَى الْبُغَاةِ أَيْ وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْبُغَاةِ وَأَطْلَقَ فِيمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ فَشَمِلَ الذِّمِّيَّ كَالْمُسْلِمِ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ الْحَرْبِيَّ لَوْ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَأَقَامَ فِيهَا سِنِينَ ثُمَّ خَرَجَ إلَيْنَا لَمْ يَأْخُذْ مِنْهُ الْإِمَامُ الزَّكَاةَ لِعَدَمِ الْحِمَايَةِ وَنُفْتِيهِ بِأَدَائِهَا إنْ كَانَ عَالِمًا بِوُجُوبِهَا وَإِلَّا فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْخِطَابَ لَمْ يَبْلُغْهُ، وَهُوَ شَرْطُ الْوُجُوبِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ عَجَّلَ ذُو نِصَابٍ لِسِنِينَ أَوْ لِنُصُبٍ صَحَّ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ أَدَّى بَعْدَ سَبَبِ الْوُجُوبِ فَيَجُوزُ لِسَنَةٍ وَلِسِنِينَ كَمَا إذَا كَفَرَ بَعْدَ الْجُرْحِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ النِّصَابَ الْأَوَّلَ هُوَ الْأَصْلُ فِي السَّبَبِيَّةِ، وَالزَّائِدُ عَلَيْهِ تَابِعٌ لَهُ قُيِّدَ بِقَوْلِهِ: ذُو نِصَابٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ عَجَّلَ قَبْلَ أَنْ يَمْلِكَ تَمَامَهُ ثُمَّ تَمَّ الْحَوْلُ عَلَى النِّصَابِ لَا يَجُوزُ، وَفِيهِ شَرْطَانِ آخَرَانِ أَنْ لَا يَنْقَطِعَ النِّصَابُ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ، وَأَنْ يَكُونَ كَامِلًا فِي آخِرِهِ فَتَفَرَّعَ عَلَى الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَوْ عَجَّلَ وَمَعَهُ نِصَابٌ ثُمَّ هَلَكَ كُلُّهُ ثُمَّ اسْتَفَادَ فَتَمَّ الْحَوْلُ عَلَى النِّصَابِ لَمْ يَجُزْ الْمُعَجَّلُ بِخِلَافِ مَا إذَا بَقِيَ فِي يَدِهِ مِنْهُ شَيْءٌ، وَعَلَى الثَّانِي مَا لَوْ عَجَّلَ شَاةً مِنْ أَرْبَعِينَ وَحَالَ الْحَوْلُ، وَعِنْدَهُ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ فَإِنْ كَانَ صَرَفَهَا إلَى الْفُقَرَاءِ فَالْمُعَجَّلُ نَفْلٌ بِخِلَافِ مَا إذَا أَدَّى بَعْدَ الْحَوْلِ إلَى الْفَقِيرِ وَانْتَقَصَ النِّصَابُ بِأَدَائِهِ فَإِنَّ الزَّكَاةَ وَاجِبَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ قَائِمَةً فِي يَدِ السَّاعِي فَالصَّحِيحُ وُقُوعُهَا زَكَاةً فَلَا يَسْتَرِدُّهَا؛ لِأَنَّ الدَّفْعَ إلَى الْمُصَدِّقِ لَا يُزِيلُ مِلْكَهُ عَنْ الْمَدْفُوعِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ السَّوَائِمِ وَالنُّقُودِ فِي هَذَا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الزَّكَاةُ فِي يَدِ السَّاعِي حَقِيقَةً أَوْ اسْتَهْلَكَهَا أَوْ أَنْفَقَهَا عَلَى نَفْسِهِ قَرْضًا أَوْ أَخَذَهَا السَّاعِي مِنْ عِمَالَتِهِ؛ لِأَنَّهُ كَقِيَامِ الْعَيْنِ حُكْمًا بِخِلَافِ مَا إذَا صَرَفَهَا السَّاعِي إلَى الْفُقَرَاءِ أَوْ إلَى نَفْسِهِ، وَهُوَ فَقِيرٌ فَإِنَّهُ كَصَرْفِهَا بِنَفْسِهِ فَلَا يَجُوزُ الْمُعَجَّلُ كَمَا لَوْ ضَاعَتْ مِنْ يَدِ السَّاعِي قَبْلَ الْحَوْلِ، وَوَجَدَهَا بَعْدَهُ فَلَا زَكَاةَ، وَلِلْمَالِكِ أَنْ يَسْتَرِدَّهَا فَلَوْ لَمْ يَسْتَرِدَّهَا حَتَّى دَفَعَهَا السَّاعِي إلَى الْفُقَرَاءِ لَمْ يَضْمَنْ إلَّا إنْ كَانَ الْمَالِكُ نَهَاهُ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ وُقُوعَهَا زَكَاةً فِيمَا إذَا أَخَذَهَا السَّاعِي مِنْ عِمَالَتِهِ إنَّمَا هُوَ فِي غَيْرِ السَّوَائِمِ أَمَّا فِي السَّوَائِمِ فَلَا تَقَعُ زَكَاةً لِنُقْصَانِ النِّصَابِ، وَيَسْتَرِدُّهَا الْمَالِكُ، وَيَضْمَنُ السَّاعِي قِيمَتَهَا لَوْ بَاعَهَا وَيَكُونُ الثَّمَنُ لَهُ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ فِي السَّائِمَةِ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا خَرَجَتْ عَنْ مِلْكِ الْمُعَجِّلِ بِذَلِكَ السَّبَبِ فَحِينَ تَمَّ الْحَوْلُ يَصِيرُ ضَامِنًا بِالْقِيمَةِ، وَالسَّائِمَةُ لَا يَكْمُلُ نِصَابُهَا بِالدَّيْنِ بِخِلَافِ نِصَابِ الدَّرَاهِمِ لِأَنَّهُ يَكْمُلُ بِالدَّيْنِ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَسْتَفِدْ قَدْرَ مَا عَجَّلَ، وَلَمْ يَنْتَقِصْ مَا عِنْدَهُ، فَإِنْ اسْتَفَادَ صَارَ الْمُؤَدَّى زَكَاةً فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا مِنْ وَقْتِ التَّعْجِيلِ، وَإِلَّا يَلْزَمُ هُنَا كَوْنُ الدَّيْنِ زَكَاةً عَنْ الْعَيْنِ فِي بَعْضِ الْوُجُوهِ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ زَكَاةُ الْمُسْتَفَادِ وَإِنْ انْتَقَصَ مَا فِي يَدِهِ فَلَا تَجِبُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا فَيَسْتَرِدُّ إنْ كَانَ فِي يَدِ السَّاعِي، وَإِنْ اسْتَهْلَكَهَا، أَوْ أَكَلَهَا قَرْضًا أَوْ بِجِهَةِ الْعِمَالَةِ ضَمِنَ، وَلَوْ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَى الْفُقَرَاءِ أَوْ نَفْسِهِ، وَهُوَ فَقِيرٌ لَا يَضْمَنُ إلَّا إنْ تَصَدَّقَ بِهَا بَعْدَ الْحَوْلِ فَيَضْمَنُ عِنْدَهُ عَلِمَ بِالنُّقْصَانِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ، وَعِنْدَهُمَا إنْ عَلِمَ، وَإِنْ كَانَ نَهَاهُ ضَمِنَ عِنْدَ الْكُلِّ، وَأَمَّا الْفَقِيرُ فَلَا رُجُوعَ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ الصُّوَرِ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ صَدَقَةً تَطَوُّعًا لَوْ لَمْ يَجُزْ الْمُعَجَّلُ عَنْهَا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ وُجُوهَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةٌ وَكُلُّ وَجْهٍ عَلَى سَبْعَةٍ؛ لِأَنَّ الْمُعَجَّلَ إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي يَدِ السَّاعِي أَوْ اسْتَهْلَكَهُ أَوْ أَنْفَقَهُ عَلَى نَفْسِهِ قَرْضًا أَوْ عِمَالَةً أَوْ صَدَقَةً أَوْ صَرَفَهُ إلَى الْفُقَرَاءِ أَوْ ضَاعَ مِنْ يَدِ السَّاعِي قَبْلَ الْحَوْلِ فَهِيَ إحْدَى وَعِشْرُونَ وَقَدْ عَلِمَ أَحْكَامَهَا وَبَسَطَهُ فِي شَرْحِ الزِّيَادَاتِ لِقَاضِي خَانْ وَالْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ أَعْنِي مَا إذَا عَجَّلَ لِنُصُبٍ بَعْدَ مِلْكِ نِصَابٍ وَاحِدِ مُقَيَّدَةٌ بِمَا إذَا مَلَكَ مَا عَجَّلَ عَنْهُ فِي سَنَةِ التَّعْجِيلِ فَلَوْ كَانَ عِنْدَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ فَعَجَّلَ زَكَاةَ أَلْفٍ فَإِنْ اسْتَفَادَ مَالًا أَوْ رَبِحَ حَتَّى صَارَتْ أَلْفًا ثُمَّ تَمَّ الْحَوْلُ وَعِنْدَهُ أَلْفٌ فَإِنَّهُ يَجُوزُ التَّعْجِيلُ وَسَقَطَ عَنْهُ زَكَاةُ الْأَلْفِ، وَإِنْ تَمَّ الْحَوْلُ، وَلَمْ يَسْتَفِدْ شَيْئًا ثُمَّ اسْتَفَادَ فَالْمُعَجَّلُ لَا يُجْزِئُ عَنْ زَكَاتِهَا، فَإِذَا تَمَّ الْحَوْلُ مِنْ حِينِ الِاسْتِفَادَةِ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُزَكِّيَ صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَبْسُوطِ وَأَفَادَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَالْكَاكِيُّ   [منحة الخالق] السَّابِقِ عَلَى حَالِهِ، وَمَا نَقَلْنَاهُ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة هُنَاكَ مُؤَيِّدٌ لَهُ حَيْثُ صَرَّحَ فِيهَا بِأَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِي تِلْكَ الْأَمْوَالِ، وَإِنْ بَلَغَتْ نِصَابًا؛ لِأَنَّهُ مَدْيُونٌ، وَلَعَلَّ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافًا كَمَا قَالَ فِي الشرنبلالية، وَفِي الْفَتْحِ مَا يُفِيدُ الْخِلَافَ لِنَقْلِهِ بِصِيغَةِ قَالُوا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَإِنَّهَا تُذْكَرُ فِيمَا فِيهِ خِلَافٌ اهـ. فَلْيُتَأَمَّلْ. وَقَدَّمْنَا تَمَامَ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الزَّكَاةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 241 وَالسِّغْنَاقِيُّ وَغَيْرُهُمْ، وَبِهَذَا ظَهَرَ مَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ مِنْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ الْحَوَامِلِ يَعْنِي الْحَبَالَى فَعَجَّلَ شَاتَيْنِ عَنْهَا وَعَمَّا فِي بَطْنِهَا ثُمَّ نَتَجَتْ خَمْسًا قَبْلَ الْحَوْلِ أَجْزَأَهُ مَا عَجَّلَ، وَإِنْ عَجَّلَ عَمَّا تَحْمِلُ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ لَا يَجُوزُ. اهـ. لِأَنَّهُ لَمَّا عَجَّلَ عَمَّا تَحْمِلُهُ فِي الثَّانِيَةِ لَمْ يُوجَدْ الْمُعَجَّلُ عَنْهُ فِي سَنَةِ التَّعْجِيلِ فَفَقَدَ الشَّرْطَ فَلَمْ يَجُزْ عَمَّا تَحْمِلُهُ فِي الثَّانِيَةِ، وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ نَفْيِ الْجَوَازِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ نَفْيَ الْجَوَازِ مُطْلَقًا لِظُهُورِ أَنَّهُ يَقَعُ عَمَّا فِي مِلْكِهِ وَقْتَ التَّعْجِيلِ فِي الْحَوْلِ الثَّانِي فَهُوَ تَعْجِيلُ زَكَاةِ مَا فِي مِلْكِهِ لِسَنَتَيْنِ؛ لِأَنَّ التَّعْيِينَ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ لَغْوٌ وَكَذَا لَوْ كَانَ لَهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ بِيضٍ، وَأَلْفٌ سُودٌ فَعَجَّلَ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ عَنْ الْبِيضِ فَهَلَكَتْ الْبِيضُ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ ثُمَّ تَمَّ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِي السُّودِ وَيَكُونُ الْمُخْرَجُ عَنْهَا وَكَذَا عَكْسُهُ وَكَذَا لَوْ عَجَّلَ عَنْ الدَّنَانِيرِ وَلَهُ دَرَاهِمُ ثُمَّ هَلَكَتْ الدَّنَانِيرُ كَانَ مَا عَجَّلَ عَنْ الدَّرَاهِمِ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ وَكَذَا عَكْسُهُ قَيَّدْنَا بِالْهَلَاكِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ عَجَّلَ عَنْ أَحَدِ الْمَالَيْنِ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ الْمَالَ الَّذِي عَجَّلَ عَنْهُ قَبْلَ الْحَوْلِ لَمْ يَكُنْ الْمُعَجَّلُ عَنْ الْبَاقِي وَكَذَا لَوْ اُسْتُحِقَّ بَعْدَ الْحَوْلِ لِأَنَّ فِي الِاسْتِحْقَاقِ عَجَّلَ عَمَّا لَمْ يَمْلِكْهُ فَبَطَلَ تَعْجِيلُهُ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَبِمَا ذَكَرْنَاهُ انْدَفَعَ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ الِاعْتِرَاضِ عَلَى الْفَرْعِ الْأَوَّلِ الْمَنْقُولِ مِنْ الْفَتَاوَى كَمَا لَا يَخْفَى وَقَيَّدْنَا بِكَوْنِ الْجِنْسِ مُتَّحِدًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ وَأَرْبَعُونَ مِنْ الْغَنَمِ فَعَجَّلَ شَاةً عَنْ أَحَدِ الصِّنْفَيْنِ ثُمَّ هَلَكَ لَا يَكُونُ عَنْ الْآخَرِ وَلَوْ كَانَ لَهُ عَيْنٌ وَدَيْنٌ فَعَجَّلَ عَنْ الْعَيْنِ فَهَلَكَتْ قَبْلَ الْحَوْلِ جَازَ عَنْ الدَّيْنِ، وَإِنْ هَلَكَتْ بَعْدَهُ لَا يَقَعُ عَنْهُ، وَالدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ وَعُرُوضُ التِّجَارَةِ جِنْسٌ وَاحِدٌ بِدَلِيلِ الضَّمِّ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحِيطِ هُنَا، وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَغَيْرِهَا رَجُلٌ عِنْدَهُ أَرْبَعُمِائَةِ دِرْهَمٍ فَظَنَّ أَنَّ عِنْدَهُ خَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ فَأَدَّى زَكَاةَ خَمْسِمِائَةٍ فَلَهُ أَنْ يَحْتَسِبَ الزِّيَادَةَ لِلسَّنَةِ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ أَنْ تُجْعَلَ الزِّيَادَةُ تَعْجِيلًا اهـ. فَقَوْلُنَا فِيمَا مَضَى: يُشْتَرَطُ أَنْ يَمْلِكَ مَا عَجَّلَ عَنْهُ فِي حَوْلِهِ يُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا إذَا عَجَّلَ غَلَطًا عَنْ شَيْءٍ يَظُنُّ أَنَّهُ فِي مِلْكِهِ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ لَوْ عَجَّلَ زَكَاةَ مَالِهِ فَأَيْسَرَ الْفَقِيرُ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ أَوْ مَاتَ أَوْ ارْتَدَّ جَازَ عَنْ الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مَصْرِفًا وَقْتَ الصَّرْفِ فَصَحَّ الْأَدَاءُ إلَيْهِ فَلَا يُنْتَقَضُ بِهَذِهِ الْعَوَارِضِ كَذَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِجَوَازِ التَّعْجِيلِ بَعْدَ مِلْكِ النِّصَابِ إلَى جَوَازِ تَعْجِيلِ عُشْرِ زَرْعِهِ بَعْدَ النَّبَاتِ قَبْلَ الْإِدْرَاكِ أَوْ عُشْرِ الثَّمَرِ بَعْدَ الْخُرُوجِ قَبْلَ الْبُلُوغِ؛ لِأَنَّهُ تَعْجِيلٌ بَعْدَ وُجُودِ السَّبَبِ، وَبِعَدَمِ جَوَازِهِ قَبْلَ مِلْكِ النِّصَابِ إلَى عَدَمِ جَوَازِ تَعْجِيلِ الْعُشْرِ قَبْلَ الزَّرْعِ أَوْ قَبْلَ الْغَرْسِ وَاخْتُلِفَ فِي تَعْجِيلِهِ قَبْلَ النَّبَاتِ بَعْدَ الزَّرْعِ أَوْ بَعْدَمَا غَرَسَ الشَّجَرَ قَبْلَ خُرُوجِ الثَّمَرَةِ فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ التَّعْجِيلَ لِلْحَادِثِ لَا لِلْبَذْرِ، وَلَمْ يَحْدُثْ شَيْءٌ وَجَوَّزَهُ أَبُو يُوسُفَ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ الْأَرْضُ النَّامِيَةُ وَبَعْدَ الزِّرَاعَةِ صَارَتْ نَامِيَةً وَرَدَّهُ مُحَمَّدٌ بِأَنَّ السَّبَبَ الْأَرْضُ النَّامِيَةُ بِحَقِيقَةِ النَّمَاءِ فَيَكُونُ التَّعْجِيلُ قَبْلَهَا وَاقِعًا قَبْلَ السَّبَبِ فَلَا يَجُوزُ كَذَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْأَفْضَلَ لِصَاحِبِ الْمَالِ عَدَمُ التَّعْجِيلِ لِلِاخْتِلَافِ فِي التَّعْجِيلِ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ وَلَمْ أَرَهُ مَنْقُولًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ. (بَابُ زَكَاةِ الْمَالِ) مَا تَقَدَّمَ أَيْضًا زَكَاةُ مَالٍ؛ لِأَنَّ الْمَالَ كَمَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ كُلُّ مَا يَتَمَلَّكُهُ النَّاسُ مِنْ نَقْدٍ وَعُرُوضٍ وَحَيَوَانٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ إلَّا أَنَّ فِي عُرْفِنَا يَتَبَادَرُ مِنْ اسْمِ الْمَالِ النَّقْدُ وَالْعُرُوضُ وَقَدَّمَ الْفِضَّةَ عَلَى الذَّهَبِ فِي بَعْضِ الْمُصَنَّفَاتِ اقْتِدَاءً بِكُتُبِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَوْلُهُ يَجِبُ فِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَعِشْرِينَ مِثْقَالًا رُبْعُ الْعُشْرِ) ، وَهُوَ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ فِي الْمِائَتَيْنِ، وَنِصْفُ مِثْقَالٍ فِي الْعِشْرِينَ، وَالْعُشْرُ بِالضَّمِّ أَحَدُ الْأَجْزَاءِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: يُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا إذَا عَجَّلَ غَلَطًا إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا اسْتِثْنَاءَ، وَأَنَّ هَذَا مِنْ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى (قَوْلُهُ: بَعْدَ النَّبَاتِ إلَخْ) سَيَأْتِي فِي بَابِ الْعُشْرِ أَنَّ سَبَبَهُ الْأَرْضُ النَّامِيَةُ بِالْخَارِجِ حَقِيقَةً، وَأَنَّ وَقْتَهُ وَقْتُ خُرُوجِ الزَّرْعِ وَظُهُورِ الثَّمَرَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَقْتُ الْإِدْرَاكِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ عِنْدَ التَّنْقِيَةِ وَالْجُذَاذِ اهـ. وَبِهِ عُلِمَ أَنَّهُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَيْسَ مَا ذَكَرَهُ هُنَا بِتَعْجِيلٍ بَلْ هُوَ أَدَاءٌ فِي وَقْتِهِ [بَابُ زَكَاةِ الْمَال] (قَوْلُهُ إلَّا أَنَّ فِي عُرْفِنَا إلَخْ) جَوَابٌ عَنْ تَنَاوُلِهِ السَّائِمَةَ أَيْضًا مَعَ أَنَّهَا غَيْرُ مُرَادَةٍ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَجَابَ الزَّيْلَعِيُّ وَتَبِعَهُ فِي الدُّرَرِ وَالنَّهْرِ بِأَنْ أَلْ فِي الْمَالِ لِلْمَعْهُودِ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «هَاتُوا رُبْعَ عُشْرِ أَمْوَالِكُمْ» ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ غَيْرُ السَّوَائِمِ لِأَنَّ زَكَاتَهَا غَيْرُ مُقَدَّرَةٍ بِهِ قَالَ فِي النَّهْرِ: وَبِهَذَا اسْتَغْنَى عَمَّا قِيلَ: الْمَالُ فِي عُرْفِنَا يَتَبَادَرُ إلَى النَّقْدِ وَالْعُرُوضِ اهـ. وَانْظُرْ مَا وَجْهُ الِاسْتِغْنَاءِ مَعَ أَنَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 242 الْعَشَرَةِ وَإِنَّمَا وَجَبَ رُبْعُ الْعُشْرِ لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنْ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ» وَالْأُوقِيَّةُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا كَمَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَلِحَدِيثِ عَلِيٍّ وَغَيْرِهِ فِي الذَّهَبِ وَعَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِالْوُجُوبِ تَبَعًا لِلْقُدُورِيِّ فِي قَوْلِهِ الزَّكَاةُ وَاجِبَةٌ قَالُوا: لِأَنَّ بَعْضَ مَقَادِيرِهَا وَكَيْفِيَّاتِهَا ثَبَتَتْ بِأَخْبَارِ الْآحَادِ وَقَدْ صَرَّحَ السَّيِّدُ نَكْرَكَانُ فِي شَرْحِ الْمَنَارِ أَنَّ مَقَادِيرَ الزَّكَوَاتِ ثَبَتَتْ بِالتَّوَاتُرِ كَنَقْلِ الْقُرْآنِ وَأَعْدَادِ الرَّكَعَاتِ، وَهَذَا يَقْتَضِي كُفْرَ جَاحِدِ الْمِقْدَارِ فِي الزَّكَوَاتِ قُيِّدَ بِالنِّصَابِ؛ لِأَنَّ مَا دُونَهُ لَا زَكَاةَ فِيهِ وَلَوْ كَانَ نُقْصَانًا يَسِيرًا يَدْخُلُ بَيْنَ الْوَزْنَيْنِ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ الشَّكُّ فِي كَمَالِ النِّصَابِ فَلَا يُحْكَمُ بِكَمَالِهِ مَعَ الشَّكِّ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ تِبْرًا أَوْ حُلِيًّا) بَيَانٌ لِعَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَصْكُوكِ وَغَيْرِهِ كَالْمَهْرِ الشَّرْعِيِّ، وَفِي غَيْرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ مَا لَمْ تَبْلُغْ قِيمَتُهُ نِصَابًا مَصْكُوكًا مِنْ أَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّ لُزُومَهَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُتَقَوِّمِ، وَالْعُرْفُ أَنْ تُقَوَّمَ بِالْمَصْكُوكِ، وَكَذَا نِصَابُ السَّرِقَةِ احْتِيَالًا لِلدَّرْءِ قَالَ فِي ضِيَاءِ الْحُلُومِ التِّبْرُ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ قَبْلَ أَنْ يُصَاغَا وَيُعْمَلَا وَحُلِيُّ الْمَرْأَةِ مَعْرُوفٌ وَجَمْعُهُ حُلِيٌّ وَحُلِيٌّ بِضَمِّ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا قَالَ تَعَالَى {مِنْ حُلِيِّهِمْ} [الأعراف: 148] يُقْرَأُ بِالْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ بِضَمِّ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا اهـ. وَالْمُرَادُ بِالْحُلِيِّ هُنَا مَا تَتَحَلَّى بِهِ الْمَرْأَةُ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، وَلَا يَدْخُلُ الْجَوْهَرُ وَاللُّؤْلُؤُ بِخِلَافِهِ فِي الْأَيْمَانِ فَإِنَّهُ مَا تَتَحَلَّى بِهِ الْمَرْأَةُ مُطْلَقًا فَتَحْنَثُ بِلُبْسِ اللُّؤْلُؤِ أَوْ الْجَوْهَرِ فِي حَلِفِهَا لَا تَتَحَلَّى وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُرَصَّعًا عَلَى الْمُفْتَى بِهِ وَدَلِيلُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْحُلِيِّ أَحَادِيثُ فِي السُّنَنِ مِنْهَا «قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعَائِشَةَ لَمَّا تَزَيَّنَتْ لَهُ بِالْفَتَخَاتِ أَتُؤَدِّينَ زَكَاتَهُنَّ قَالَتْ لَا قَالَ هُوَ حَسْبُك مِنْ النَّارِ» وَالْفَتَخَاتُ جَمْعُ فَتْخَةٍ، وَهِيَ الْخَاتَمُ الَّذِي لَا فَصَّ لَهُ، وَفِي الْمِعْرَاجِ وَأَمَّا حُكْمُ الزَّكَاةِ فِي الْحُلِيِّ وَالْأَوَانِي يَخْتَلِفُ بَيْنَ أَدَاءِ الزَّكَاةِ مِنْ عَيْنِهَا وَبَيْنَ أَدَائِهَا مِنْ قِيمَتِهَا مَثَلًا لَهُ إنَاءُ فِضَّةٍ وَزْنُهُ مِائَتَانِ وَقِيمَتُهُ ثَلَاثُمِائَةٍ فَلَوْ زَكَّى مِنْ عَيْنِهِ زَكَّى رُبْعَ عُشْرِهِ وَلَوْ أَدَّى مِنْ قِيمَتِهِ فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَعْدِلُ إلَى خِلَافِ جِنْسِهِ، وَهُوَ الذَّهَبُ؛ لِأَنَّ الْجَوْدَةَ مُعْتَبَرَةٌ أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَوْ أَدَّى خَمْسَةً مِنْ غَيْرِ الْإِنَاءِ سَقَطَتْ عَنْهُ الزَّكَاةُ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ مَقْصُورٌ عَلَى الْوَزْنِ فَلَوْ أَدَّى مِنْ الذَّهَبِ مَا يَبْلُغُ قِيمَتُهُ قِيمَةَ خَمْسَةِ دَرَاهِمَ مِنْ غَيْرِ الْإِنَاءِ لَمْ يَجُزْ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الْجَوْدَةَ مُتَقَوِّمَةٌ عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِخِلَافِ الْجِنْسِ فَإِنْ أَدَّى الْقِيمَةَ وَقَعَتْ عَنْ الْقَدْرِ الْمُسْتَحَقِّ كَذَا فِي الْإِيضَاحِ، وَفِي الْبَدَائِعِ: تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ مَضْرُوبًا أَوْ تِبْرًا أَوْ حُلِيًّا مَصُوغًا أَوْ حِلْيَةَ سَيْفٍ أَوْ مِنْطَقَةٍ أَوْ لِجَامٍ أَوْ سَرْجٍ أَوْ الْكَوَاكِبِ فِي الْمَصَاحِفِ وَالْأَوَانِي وَغَيْرِهَا إذَا كَانَتْ تَخْلُصُ عَنْ الْإِذَابَةِ سَوَاءٌ كَانَ يُمْسِكُهَا لِلتِّجَارَةِ أَوْ لِلنَّفَقَةِ أَوْ لِلتَّجَمُّلِ أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا. اهـ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ فِي كُلِّ خُمُسٍ بِحِسَابِهِ) بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ أَحَدُ الْأَجْزَاءِ الْخَمْسَةِ، وَهُوَ أَرْبَعُونَ مِنْ الْمِائَتَيْنِ وَأَرْبَعَةُ مَثَاقِيلَ مِنْ الْعِشْرِينَ دِينَارًا فَيَجِبُ فِي الْأَوَّلِ دِرْهَمٌ، وَفِي الثَّانِي قِيرَاطَانِ أَفَادَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ لَا شَيْءَ فِيمَا نَقَصَ عَنْ الْخُمُسِ فَالْعَفْوُ مِنْ الْفِضَّةِ بَعْدَ النِّصَابِ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ فَإِذَا مَلَكَ نِصَابًا وَتِسْعَةً وَسَبْعِينَ دِرْهَمًا فَعَلَيْهِ سِتَّةٌ، وَالْبَاقِي عَفْوٌ، وَهَكَذَا مَا بَيْنَ الْخُمُسِ إلَى الْخُمُسِ عَفْوٌ فِي الذَّهَبِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا: يَجِبُ فِيمَا زَادَ بِحِسَابِهِ مِنْ غَيْرِ عَفْوٍ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «، وَفِيمَا زَادَ عَلَى الْمِائَتَيْنِ فَبِحِسَابِهِ» وَلَهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي حَدِيثِ مُعَاذٍ «لَا تَأْخُذْ مِنْ الْكُسُورِ شَيْئًا» وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ «لَيْسَ فِيمَا دُونَ الْأَرْبَعِينَ صَدَقَةٌ» وَلِأَنَّ الْحَرَجَ مَدْفُوعٌ، وَفِي إيجَابِ الْكُسُورِ ذَلِكَ لِتَعَذُّرِ الْوُقُوفِ، وَفِي الْمِعْرَاجِ مَعْنَى الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ لَا تَأْخُذُ مِنْ الشَّيْءِ الَّذِي يَكُونُ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ كُسُورًا فَسَمَّاهُ كُسُورًا بِاعْتِبَارِ مَا يَجِبُ فِيهِ وَقِيلَ مِنْ زَائِدَةٍ، وَفِيهِ نَوْعُ تَأَمُّلٍ اهـ. وَمِمَّا يَنْبَنِي عَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ كَانَ لَهُ مِائَتَانِ وَخَمْسَةُ دَرَاهِمَ مَضَى عَلَيْهَا عَامَانِ عِنْدَهُ عَلَيْهِ   [منحة الخالق] تَبَادُرَ الذِّهْنِ إلَى الْعُرْفِ أَقْرَبُ مِنْ تَبَادُرِهِ إلَى الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِيثِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَقَدْ صَرَّحَ السَّيِّدُ نَكْرَكَانُ إلَخْ) ذَكَرَ ذَلِكَ تَعَقُّبًا لِمَا قَالُوهُ فِي تَوْجِيهِ تَعْبِيرِ الْقُدُورِيِّ بِوَاجِبَةٍ قَالَ فِي السِّرَاجِ: وفِي هَذَا أَيْ التَّوْجِيهِ الْمَذْكُورِ نَظَرٌ فَإِنَّ أَهْلَ الْأُصُولِ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ مَقَادِيرَ الزَّكَوَاتِ ثَبَتَتْ بِالْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ، وَأَنَّ جَاحِدَهَا يَكْفُرُ فَيُحْمَلُ كَلَامُهُ أَيْ الْمُوَجَّهِ عَلَى مَقَادِيرِ مَا زَادَ عَلَى الْمِائَتَيْ الدِّرْهَمِ، وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَى النُّصُبِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَمْ يَثْبُتْ بِالتَّوَاتُرِ، وَإِنَّمَا ثَبَتَ بِأَخْبَارِ الْآحَادِ (قَوْلُهُ: زَكَّى رُبْعَ عُشْرِهِ) أَيْ يُعْطِي خَمْسَةَ دَرَاهِمَ قِيمَتُهَا سَبْعَةٌ وَنِصْفٌ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْإِبْرِيقِ الْآتِيَةِ قَرِيبًا (قَوْلُهُ: فَسَمَّاهُ كُسُورًا بِاعْتِبَارِ مَا يَجِبُ فِيهِ) فَيَكُونُ مِنْ قَبِيلِ ذِكْرِ الْحَالِّ وَإِرَادَةِ الْمَحَلِّ فَإِنَّ الْأَمْوَالَ مَحَالُّ لِلزَّكَاةِ كَذَا فِي السَّعْدِيَّةِ وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَالْجَارُ مُتَعَلِّقٌ بِتَأْخُذْ، وَشَيْئًا مَفْعُولٌ بِهِ أَوْ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ (قَوْلُهُ: وَفِيهِ نَوْعٌ تَأَمَّلْ) لَعَلَّ وَجْهَهُ أَنْ يَكُونَ الْمَفْعُولُ بِهِ عَلَى هَذَا لَفْظَ الْكُسُورِ، وَيَبْقَى «شَيْئًا» بِلَا كَبِيرِ فَائِدَةٍ، وَأَيْضًا فَمِنْ شُرُوطِ زِيَادَتِهَا أَنْ يَكُونَ مَجْرُورهَا نَكِرَةً عِنْدَ الْجُمْهُورِ خِلَافًا لِلْأَخْفَشِ قُلْت: وَثَمَّ وَجْهٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّهُ يَكُونُ مِنْ الْكُسُورِ بَيَانًا لِقَوْلِهِ «شَيْئًا» ثُمَّ رَأَيْته فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَمِمَّا يُبْتَنَى عَلَى هَذَا الْخِلَافِ إلَخْ) وَيُبْتَنَى عَلَيْهِ أَيْضًا مَا ذَكَرَهُ فِي السِّرَاجِ رَجُلٌ لَهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ حَالَ عَلَيْهَا ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَجِبُ فِي الْأُولَى خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ، وَفِي الثَّانِيَةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 243 عَشَرَةٌ، وَعِنْدَهُمَا خَمْسَةٌ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ فِي الْعَامِ الْأَوَّلِ خَمْسَةٌ وَثُمُنٌ فَبَقِيَ السَّالِمُ مِنْ الدَّيْنِ فِي الْعَامِ الثَّانِي مِائَتَانِ إلَّا ثُمُنَ دِرْهَمٍ فَلَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ وَعِنْدَهُ لَا زَكَاةَ فِي الْكُسُورِ فَيَبْقَى السَّالِمُ مِائَتَيْنِ فَفِيهَا خَمْسَةٌ أُخْرَى كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَيَبْتَنِي عَلَى الْخِلَافِ أَيْضًا الْهَلَاكُ بَعْدَ الْحَوْلِ إنْ هَلَكَ عِشْرُونَ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ بَقِيَ فِيهَا أَرْبَعَةُ دَرَاهِمَ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا أَرْبَعَةٌ وَنِصْفٌ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ، وَلَا يَضُمُّ إحْدَى الزِّيَادَتَيْنِ إلَى الْأُخْرَى لِيُتِمَّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا أَوْ أَرْبَعَةَ مَثَاقِيلَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الْكُسُورِ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا يَضُمُّ لِأَنَّهَا تَجِبُ فِي الْكُسُورِ (قَوْلُهُ وَالْمُعْتَبَرُ وَزْنُهُمَا أَدَاءً وَوُجُوبًا) أَمَّا الْأَوَّلُ، وَهُوَ اعْتِبَارُ الْوَزْنِ فِي الْأَدَاءِ فَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ زُفَرُ تُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُعْتَبَرُ الْأَنْفَعُ لِلْفُقَرَاءِ حَتَّى لَوْ أَدَّى عَنْ خَمْسَةِ دَرَاهِمَ جِيَادٍ خَمْسَةً زُيُوفًا قِيمَتُهَا أَرْبَعَةٌ جِيَادٌ جَازَ عِنْدَ الْإِمَامَيْنِ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ وَلَوْ أَدَّى أَرْبَعَةً جَيِّدَةً قِيمَتُهَا خَمْسَةٌ رَدِيَّةٌ عَنْ خَمْسَةٍ رَدِيَّةٍ لَا يَجُوزُ إلَّا عِنْدَ زُفَرَ وَلَوْ كَانَ إبْرِيقُ فِضَّةٍ وَزْنُهُ مِائَتَانِ وَقِيمَتُهُ بِصِيَاغَتِهِ ثَلَاثُمِائَةٍ إنْ أَدَّى مِنْ الْعَيْنِ يُؤَدِّي رُبْعَ عُشْرِهِ، وَهُوَ خَمْسَةٌ قِيمَتُهَا سَبْعَةٌ وَنِصْفٌ، وَإِنْ أَدَّى خَمْسَةً قِيمَتُهَا خَمْسَةٌ جَازَ عِنْدَ هُمَا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرَ: لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يُؤَدِّيَ الْفَضْلَ فَلَوْ أَدَّى مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ تُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ بِالْإِجْمَاعِ وَأَمَّا الثَّانِي، وَهُوَ اعْتِبَارُ الْوَزْنِ فِي حَقِّ الْوُجُوبِ دُونَ الْعَدَدِ وَالْقِيمَةِ فَمُجْمَعٌ عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ كَانَ لَهُ إبْرِيقُ فِضَّةٍ وَزْنُهَا مِائَةٌ وَخَمْسُونَ وَقِيمَتُهَا مِائَتَانِ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا وَكَذَا الذَّهَبُ، وَفِي الْبَدَائِعِ: وَلَوْ كَانَتْ الْفِضَّةُ مُشْتَرَكَةً بَيْنَ اثْنَيْنِ فَإِنْ كَانَ يَبْلُغُ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِقْدَارَ النِّصَابِ تَجِبُ الزَّكَاةُ، وَإِلَّا فَلَا، وَيُعْتَبَرُ فِي حَالِ الشَّرِكَةِ مَا يُعْتَبَرُ فِي حَالِ الِانْفِرَادِ (قَوْلُهُ: وَفِي الدَّرَاهِمِ وَزْنُ سَبْعَةٍ، وَهُوَ أَنْ تَكُونَ الْعَشَرَةُ مِنْهَا وَزْنَ سَبْعَةِ مَثَاقِيلَ) وَالْمِثْقَالُ، وَهُوَ الدِّينَارُ عِشْرُونَ قِيرَاطًا وَالدِّرْهَمُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ قِيرَاطًا وَالْقِيرَاطُ خَمْسُ شُعَيْرَاتٍ أَيْ الْمُعْتَبَرُ فِي الدَّرَاهِمِ إلَى آخِرِهِ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الدَّرَاهِمَ كَانَتْ مُخْتَلِفَةً فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي زَمَنِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَلَى ثَلَاثِ مَرَاتِبَ فَبَعْضُهَا كَانَ عِشْرِينَ قِيرَاطًا مِثْلَ الدِّينَارِ وَبَعْضُهَا كَانَ اثْنَيْ عَشَرَ قِيرَاطًا ثَلَاثَةَ أَخْمَاسِ الدِّينَارِ وَبَعْضُهَا عَشَرَةُ قَرَارِيطَ نِصْفَ الدِّينَارِ فَالْأَوَّلُ وَزْنُ عَشَرَةٍ مِنْ الدَّنَانِيرِ وَالثَّانِي وَزْنُ سِتَّةٍ أَيْ كُلُّ عَشَرَةٍ مِنْهُ وَزْنُ سِتَّةٍ مِنْ الدَّنَانِيرِ وَالثَّالِثُ وَزْنُ خَمْسَةٍ أَيْ كُلُّ عَشْرَةٍ مِنْهُ وَزْنُ خَمْسَةٍ مِنْ الدَّنَانِيرِ فَوَقَعَ التَّنَازُعُ بَيْنَ النَّاسِ فِي الْإِيفَاءِ وَالِاسْتِيفَاءِ فَأَخَذَ عُمَرُ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ دِرْهَمًا فَخَلَطَهُ فَجَعَلَهُ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ مُتَسَاوِيَةً فَخَرَجَ كُلُّ دِرْهَمٍ أَرْبَعَةَ عَشَرَ قِيرَاطًا فَبَقِيَ الْعَمَلُ عَلَيْهِ إلَى يَوْمِنَا هَذَا فِي كُلِّ شَيْءٍ فِي الزَّكَاةِ وَنِصَابِ السَّرِقَةِ وَالْمَهْرِ وَتَقْدِيرِ الدِّيَاتِ وَذَكَرَ فِي الْمُغْرِبِ أَنَّ هَذَا الْجَمْعَ وَالضَّرْبَ كَانَ فِي عَهْدِ بَنِي أُمَيَّةَ وَذَكَرَ الْمَرْغِينَانِيُّ أَنَّ الدِّرْهَمَ كَانَ شَبِيهَ النَّوَاةِ وَصَارَ مُدَوَّرًا عَلَى عَهْدِ عُمَرَ فَكَتَبُوا عَلَيْهِ وَعَلَى الدِّينَارِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَزَادَ نَاصِرُ الدَّوْلَةِ ابْنُ حَمْدَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي الْغَايَةِ أَنَّ دِرْهَمَ مِصْرَ أَرْبَعَةٌ وَسِتُّونَ حَبَّةً، وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْ دِرْهَمِ الزَّكَاةِ فَالنِّصَابُ مِنْهُ مِائَةٌ وَثَمَانُونَ دِرْهَمًا وَحَبَّتَانِ وَتَعَقَّبَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّ فِيهِ نَظَرًا عَلَى مَا اعْتَبَرُوهُ فِي دِرْهَمِ الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِالْحَبَّةِ الشَّعِيرَةَ فَدِرْهَمُ الزَّكَاةِ سَبْعُونَ شَعِيرَةً إذَا كَانَ الْعَشَرَةُ وَزْنَ سَبْعَةِ مَثَاقِيلَ وَالْمِثْقَالُ مِائَةُ شَعِيرَةٍ فَهُوَ إذَنْ أَصْغَرُ لَا أَكْبَرُ، وَإِنْ أَرَادَ بِالْحَبَّةِ أَنَّهُ شَعِيرَتَانِ كَمَا وَقَعَ تَفْسِيرُهَا فِي تَعْرِيفِ السَّجَاوَنْدِيِّ فَهُوَ خِلَافُ الْوَاقِعِ إذْ الْوَاقِعُ أَنَّ دِرْهَمَ مِصْرَ لَا يَزِيدُ عَلَى أَرْبَعَةٍ وَسِتِّينَ شَعِيرَةً؛ لِأَنَّ كُلَّ رُبْعٍ مِنْهُ مُقَدَّرٌ   [منحة الخالق] أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ، وَفِي الثَّالِثَةِ ثَلَاثَةٌ وَعِشْرُونَ، وَعِنْدَهُمَا لِلْأُولَى خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ وَلِلثَّانِيَةِ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ وَثَلَاثَةُ أَثْمَانِ دِرْهَمٍ؛ لِأَنَّ الْكَسْرَ خَمْسَةَ عَشْرَ وَلِلثَّالِثَةِ ثَلَاثَةٌ وَعِشْرُونَ وَنِصْفٌ وَرُبْعٌ وَثُمُنُ دِرْهَمٍ اهـ. وَنَقَلَهُ فِي النَّهْرِ كَذَلِكَ قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: قَوْلُهُ: وَثُمُنُ دِرْهَمٍ صَوَابُهُ وَخُمُسُ ثُمُنِ دِرْهَمٍ وَنَقَلَهُ بَعْضُهُمْ وَارْتَضَاهُ وَبَيَّنَ وَجْهَهُ قُلْت: وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ صَوَابُهُ وَثُمُنُ ثُمُنِ دِرْهَمٍ لِأَنَّ الْفَارِغَ عَنْ الدَّيْنِ فِي الْحَوْلِ الثَّالِثِ تِسْعُمِائَةٍ وَخَمْسُونَ دِرْهَمًا وَخَمْسَةُ أَثْمَانِ دِرْهَمٍ فَفِي تِسْعِمِائَةٍ وَعِشْرِينَ ثَلَاثَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا، وَفِي ثَلَاثِينَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ دِرْهَمٍ، وَفِي خَمْسَةِ أَثْمَانِ دِرْهَمٍ ثُمُنُ ثُمُنِ دِرْهَمٍ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْحَاسِبِ (قَوْلُهُ وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ إلَخْ) ذَكَرَ بَعْضُ الْمُحَشِّينَ عَنْ حَاشِيَةِ الزَّيْلَعِيِّ لِمِيرِغْنِيٍّ أَنَّ مَا نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ عَنْ الْمُحِيطِ غَلَطٌ فِي النَّقْلِ وَأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي غَايَةِ السُّرُوجِيِّ عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّهُ تُضَمُّ إحْدَى الزِّيَادَتَيْنِ إلَى الْأُخْرَى عِنْدَهُ، وَلَا تُضَمُّ عِنْدَهُمَا عَكْسُ مَا نَقَلَهُ هُنَا مِنْ ذِكْرِ الْخِلَافِ. اهـ. أَقُولُ: وَقَدْ رَاجَعْت الْمُحِيطَ فَرَأَيْته كَمَا نَقَلَهُ السُّرُوجِيُّ وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَتْ الزَّكَاةُ وَاجِبَةً فِي الْكُسُورِ عِنْدَهُمَا لَمْ يَظْهَرْ فَائِدَةٌ لِلضَّمِّ تَأَمَّلْ ثُمَّ رَأَيْت فِي الْبَدَائِعِ مِثْلَ مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْمُحِيطِ، وَنَصُّهُ، وَإِنْ كَانَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ النِّصَابَيْنِ زِيَادَةٌ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لَا يَجِبُ ضَمُّ إحْدَى الزِّيَادَتَيْنِ إلَى الْأُخْرَى؛ لِأَنَّهُمَا يُوجِبَانِ الزَّكَاةَ فِي الْكُسُورِ بِحَسَبِهَا، وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُنْظَرُ إنْ بَلَغَتْ الزِّيَادَةُ مِنْهُمَا أَرْبَعَةَ مَثَاقِيلَ وَأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا فَكَذَلِكَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 244 بِأَرْبَعِ خَرَانِيبَ وَالْخُرْنُوبَةُ مُقَدَّرَةٌ بِأَرْبَعِ قَمْحَاتِ وَسَطٍ اهـ. وَذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي الْغَطَارِفَةِ إذَا كَانَتْ مِائَتَيْنِ؛ لِأَنَّهَا الْيَوْمَ مِنْ دَرَاهِمِ النَّاسِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ دَرَاهِمِ النَّاسِ فِي الزَّمَنِ الْأَوَّلِ، وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي كُلِّ زَمَانٍ عَادَةُ أَهْلِ ذَلِكَ الزَّمَانِ أَلَا تَرَى أَنَّ مِقْدَارَ الْمِائَتَيْنِ لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ مِنْ الْفِضَّةِ إنَّمَا تُعْتَبَرُ بِوَزْنِ سَبْعَةٍ، وَإِنْ كَانَ مِقْدَارُ الْمِائَتَيْنِ فِي الزَّكَاةِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ بِوَزْنِ خَمْسَةٍ، وَفِي زَمَنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِوَزْنِ سِتَّةٍ فَيُعْتَبَرُ دَرَاهِمُ أَهْلِ كُلِّ بَلَدٍ بِوَزْنِهِمْ، وَدَنَانِيرُ كُلِّ بَلَدٍ بِوَزْنِهِمْ، وَإِنْ كَانَ الْوَزْنُ يَتَفَاوَتُ اهـ. وَكَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَعَنْ ابْنِ الْفَضْلِ أَنَّهُ كَانَ يُوجِبُ فِي كُلَّ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ بُخَارِيَّةٍ خَمْسَةً مِنْهَا، وَبِهِ أَخَذَ السَّرَخْسِيُّ وَاخْتَارَهُ فِي الْمُجْتَبَى وَجَمْعِ النَّوَازِلِ وَالْعُيُونِ وَالْمِعْرَاجِ وَالْخَانِيَّةِ وَذَكَرَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ بَعْدَهُ إلَّا أَنِّي أَقُولُ: يَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ بِمَا إذَا كَانَتْ لَهُمْ دَرَاهِمُ لَا تَنْقُصُ عَنْ أَقَلِّ مَا كَانَ وَزْنًا فِي زَمَنِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَهِيَ مَا تَكُونُ الْعَشَرَةُ وَزْنَ خَمْسَةٍ لِأَنَّهَا أَقَلُّ مَا قُدِّرَ النِّصَابُ بِمِائَتَيْنِ مِنْهَا حَتَّى لَا تَجِبَ فِي الْمِائَتَيْنِ مِنْ الدَّرَاهِمِ الْمَسْعُودِيَّةِ الْكَائِنَةِ بِمَكَّةَ مَثَلًا، وَإِنْ كَانَتْ دَرَاهِمَ قَوْمٍ وَكَأَنَّهُ أَعْمَلَ إطْلَاقَ الدَّرَاهِمِ وَالْأَوَاقِي فِي الْمَوْجُودِ، وَمَا يُمْكِنُ أَنْ يُوجَدَ وَيُسْتَحْدَثَ (قَوْلُهُ: وَغَالِبُ الْوَرِقِ وَرِقٌ لَا عَكْسُهُ) يَعْنِي أَنَّ الدَّرَاهِمَ إذَا كَانَتْ مَغْشُوشَةً، فَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ هُوَ الْفِضَّةَ فَهِيَ كَالدَّرَاهِمِ الْخَالِصَةِ؛ لِأَنَّ الْغِشَّ فِيهَا مُسْتَهْلَكٌ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الزُّيُوفِ وَالنَّبَهْرَجَةِ وَمَا غَلَبَ فِضَّتُهُ عَلَى غِشِّهِ تَنَاوَلَهُ اسْمُ الدَّرَاهِمِ مُطْلَقًا وَالشَّرْعُ أَوْجَبَ بِاسْمِ الدَّرَاهِمِ، وَإِنْ غَلَبَ الْغِشُّ فَلَيْسَ كَالْفِضَّةِ كَالسَّتُّوقَةِ فَيُنْظَرُ إنْ كَانَتْ رَائِجَةً أَوْ نَوَى التِّجَارَةَ اُعْتُبِرَتْ قِيمَتُهَا فَإِنْ بَلَغَتْ نِصَابًا مِنْ أَدْنَى الدَّرَاهِمِ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ، وَهِيَ الَّتِي غَلَبَتْ فِضَّتُهَا وَجَبَتْ فِيهَا الزَّكَاةُ وَإِلَّا فَلَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ أَثْمَانًا رَائِجَةً، وَلَا مَنْوِيَّةً لِلتِّجَارَةِ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ مَا فِيهَا مِنْ الْفِضَّةِ يَبْلُغُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ بِأَنْ كَانَتْ كَثِيرَةً وَيَتَخَلَّصُ مِنْ الْغِشِّ؛ لِأَنَّ الصُّفْرَ لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهَا إلَّا بِنِيَّةِ التِّجَارَةِ، وَالْفِضَّةُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا نِيَّةُ التِّجَارَةِ فَإِنْ كَانَ مَا فِيهَا لَا يَتَخَلَّصُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْفِضَّةَ فِيهِ قَدْ هَلَكَتْ كَذَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ، وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ الظَّاهِرُ أَنَّ خُلُوصَ الْفِضَّةِ مِنْ الدَّرَاهِمِ لَيْسَ بِشَرْطٍ بَلْ الْمُعْتَبَرُ أَنْ تَكُونَ فِي الدَّرَاهِمِ فِضَّةٌ بِقَدْرِ النِّصَابِ فَأَمَّا الْغَطَارِفَةُ فَقِيلَ يَجِبُ فِي كُلِّ مِائَتَيْنِ مِنْهَا خَمْسَةٌ مِنْهَا عَدَدًا؛ لِأَنَّهَا مِنْ أَعَزِّ الْأَثْمَانِ وَالنُّقُودِ عِنْدَهُمْ وَقَالَ السَّلَفُ: يُنْظَرُ إنْ كَانَتْ أَثْمَانًا رَائِجَةً أَوْ سِلَعًا لِلتِّجَارَةِ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي قِيمَتِهَا كَالْفُلُوسِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لِلتِّجَارَةِ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا؛ لِأَنَّ مَا فِيهَا مِنْ الْفِضَّةِ مُسْتَهْلَكٌ لِغَلَبَةِ النُّحَاسِ عَلَيْهَا فَكَانَتْ كَالسَّتُّوقَةِ، وَفِي الْبَدَائِعِ وَقَوْلُ السَّلَفِ أَصَحُّ وَحُكْمُ الذَّهَبِ الْمَغْشُوشِ كَالْفِضَّةِ الْمَغْشُوشَةِ وَقَيَّدَ الْمُصَنِّفُ بِالْغَالِبِ لِأَنَّ الْغِشَّ وَالْفِضَّةَ لَوْ اسْتَوَيَا فَفِيهِ اخْتِلَافٌ وَاخْتَارَ فِي الْخَانِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ الْوُجُوبَ احْتِيَاطًا، وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَكَذَا لَاتُبَاعُ إلَّا وَزْنًا، وَفِي الْمُجْتَبَى الْمَفْهُومُ مِنْ كِتَابِ الصَّرْفِ أَنَّ لِلْمُسَاوِي حُكْمَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَمِمَّا ذُكِرَ فِي الزَّكَاةِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ لَهُ حُكْمُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَقَيَّدْنَا الْمُخَالِطَ لِلْوَرِقِ بِأَنْ يَكُونَ غِشًّا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ ذَهَبًا فَإِنْ كَانَتْ الْفِضَّةُ مَغْلُوبَةً فَكُلُّهُ ذَهَبٌ؛ لِأَنَّهُ أَعَزُّ وَأَغْلَى قِيمَةً، وَإِنْ كَانَتْ الْفِضَّةُ غَالِبَةً فَإِنْ بَلَغَ الذَّهَبُ نِصَابُهُ فَفِيهِ زَكَاةُ الذَّهَبِ، وَإِنْ بَلَغَتْ الْفِضَّةُ نِصَابَهَا فَزَكَاةُ الْفِضَّةِ، وَفِي الْمُغْرِبِ الْغِطْرِيفِيَّةُ كَانَتْ مِنْ أَعَزِّ النُّقُودِ بِبُخَارَى مَنْسُوبَةً إلَى غِطْرِيفِ بْنِ عَطَاءٍ الْكِنْدِيِّ أَمِيرِ خُرَاسَانَ أَيَّامَ الرَّشِيدِ. (قَوْلُهُ: وَفِي عُرُوضِ تِجَارَةٍ بَلَغَتْ نِصَابَ وَرِقٍ أَوْ ذَهَبٍ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ أَوَّلَ الْبَابِ فِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ أَيْ يَجِبُ رُبْعُ الْعُشْرِ فِي عُرُوضِ التِّجَارَةِ إذَا بَلَغَتْ نِصَابًا مِنْ أَحَدِهِمَا، وَهِيَ جَمْعُ عَرْضٍ لَكِنَّهُ بِفَتْحِ الرَّاءِ حُطَامُ الدُّنْيَا كَمَا فِي الْمُغْرِبِ لَكِنَّهُ لَيْسَ بِمُنَاسِبٍ هُنَا؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ النَّقْدَانِ وَالصَّوَابُ أَنْ يَكُونَ جَمْعُ عَرْضٍ بِسُكُونِهَا، وَهُوَ كَمَا فِي ضِيَاءِ الْحُلُومِ مَا لَيْسَ بِنَقْدٍ، وَفِي الصِّحَاحِ الْعَرْضُ بِسُكُونِ الرَّاءِ الْمَتَاعُ   [منحة الخالق] وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ مَثَاقِيلَ وَأَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا يَجِبُ ضَمُّ إحْدَى الزِّيَادَتَيْنِ إلَى الْأُخْرَى لَيُتِمَّ أَرْبَعَةَ مَثَاقِيلَ وَأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ لَا تَجِبُ عِنْدَهُ فِي الْكُسُورِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَذَكَرَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إلَخْ) ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ الْمَيْلُ إلَيْهِ، وَفِي السِّرَاجِ إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ، وَهُوَ أَرْبَعَةَ عَشْرَ قِيرَاطًا عَلَيْهِ الْجَمُّ الْغَفِيرُ، وَالْجُمْهُورُ الْكَثِيرُ، وَإِطْبَاقُ كُتُبِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ (قَوْلُهُ: وَقَيَّدْنَا الْمُخَالِطَ لِلْوَرِقِ إلَخْ) فِي الْبَدَائِعِ وَكَذَا حُكْمُ الدَّنَانِيرِ الَّتِي الْغَالِبُ عَلَيْهَا الذَّهَبُ وَالصُّورِيَّةُ وَنَحْوُهُمَا فَحُكْمُهَا وَحُكْمُ الذَّهَبِ الْخَالِصِ سَوَاءٌ وَأَمَّا الْهَرَوِيَّةُ وَالْمَرْوِيَّةُ مِمَّا لَمْ يَكُنْ الْغَالِبُ فِيهَا الذَّهَبَ فَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهَا إنْ كَانَتْ ثَمَنًا رَائِجًا أَوْ لِلتِّجَارَةِ وَإِلَّا فَيُعْتَبَرُ قَدْرُ مَا فِيهَا مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَزْنًا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَخْلُصُ بِالْإِذَابَةِ اهـ. فَتَأَمَّلْهُ. مَعَ مَا هُنَا وَأَنَّهُ يُفِيدُ تَقْيِيدَ مَا هُنَا بِمَا إذَا لَمْ تَكُنْ ثَمَنًا رَائِجًا، وَلَا لِلتِّجَارَةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 245 وَكُلُّ شَيْءٍ فَهُوَ عَرْضٌ سِوَى الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ اهـ فَيَدْخُلُ الْحَيَوَانُ، وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ مَا أُسِيمَ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ لِلدَّرِّ وَالنَّسْلِ لِظُهُورِ أَنَّ الْمُرَادَ غَيْرُهُ لِتَقَدُّمِ ذِكْرِ زَكَاةِ السَّوَائِمِ وَالْعُرْضُ بِالضَّمِّ الْجَانِبُ مِنْهُ، وَمِنْهُ أَوْصَى بِعُرْضِ مَالِهِ أَيْ جَانِبٍ مِنْهُ بِلَا تَعْيِينٍ، وَالْعِرْضُ بِكَسْرِ الْعَيْنِ مَا يُحْمَدُ الرَّجُلُ وَيُذَمُّ عِنْدَ وُجُودِهِ وَعَدَمِهِ كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ قُيِّدَ بِكَوْنِهَا لِلتِّجَارَةِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ لِلْغَلَّةِ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ لِلْمُبَايَعَةِ وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا لِلْخِدْمَةِ نَاوِيًا بَيْعَهُ إنْ وَجَدَ رِبْحًا لَا زَكَاةَ فِيهِ، وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ مَا إذَا كَانَ فِي الْعَرْضِ مَانِعٌ مِنْ نِيَّةِ التِّجَارَةِ كَأَنْ اشْتَرَى أَرْضَ خَرَاجٍ نَاوِيًا لِلتِّجَارَةِ أَوْ اشْتَرَى أَرْضَ عُشْرٍ وَزَرَعَهَا فَإِنَّهَا لَا تَكُونُ لِلتِّجَارَةِ لِمَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مِنْ الثِّنَى كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَجَوَابُ مُنْلَا خُسْرو بِأَنَّ الْأَرْضَ لَيْسَتْ مِنْ الْعُرُوضِ بِنَاءً عَلَى تَفْسِيرِ أَبِي عُبَيْدٍ إيَّاهَا بِمَا لَا يَدْخُلُهُ كَيْلٌ، وَلَا وَزْنٌ، وَلَا يَكُونُ عَقَارًا، وَلَا حَيَوَانًا مَرْدُودٌ لِمَا عَلِمْت أَنَّ الصَّوَابَ تَفْسِيرُهَا هُنَا بِمَا لَيْسَ بِنَقْدٍ وَلِذَا لَا يَرِدُ عَلَى الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ اشْتَرَى بَذْرًا لِلتِّجَارَةِ وَزَرَعَهُ فَإِنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيهِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ الْعُشْرُ فِيهِ؛ لِأَنَّ بَذْرَهُ فِي الْأَرْضِ أَبْطَلَ كَوْنَهُ لِلتِّجَارَةِ لِأَنَّ مُجَرَّدَ كَوْنِهِ نَوَى الْخِدْمَةَ فِي عَبْدِ التِّجَارَةِ أَسْقَطَ وُجُوبَ الزَّكَاةِ فَلَأَنْ يَسْقُطَ التَّصَرُّفُ الْأَقْوَى أَوْلَى، وَكَذَا لَوْ لَمْ يَزْرَعْهُ فَفِيهِ الزَّكَاةُ وَبِهَذَا سَقَطَ اعْتِبَارُ الزَّيْلَعِيِّ كَمَا لَا يَخْفَى، وَاعْلَمْ أَنَّ نِيَّةَ التِّجَارَةِ فِي الْأَصْلِ تُعْتَبَرُ ثَابِتَةً فِي بَدَلِهِ، وَإِنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ شَخْصُهَا فِيهِ، وَهُوَ مَا قُوبِضَ بِهِ مَالُ التِّجَارَةِ فَإِنَّهُ يَكُونُ لِلتِّجَارَةِ بِلَا نِيَّةٍ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْبَدَلِ حُكْمُ الْأَصْلِ وَكَذَا لَوْ كَانَ الْعَبْدُ لِلتِّجَارَةِ فَقَتَلَهُ عَبْدٌ خَطَأً، وَدُفِعَ بِهِ فَإِنَّ الْمَدْفُوعَ يَكُونُ لِلتِّجَارَةِ بِخِلَافِ الْقَتْلِ عَمْدًا، وَأُجْرَةُ دَارِ التِّجَارَةِ وَعَبْدِ التِّجَارَةِ بِمَنْزِلَةِ ثَمَنِ مَالِ التِّجَارَةِ فِي الصَّحِيحِ مِنْ الرِّوَايَةِ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَذَكَرَ فِي الْكَافِي وَلَوْ ابْتَاعَ مُضَارِبٌ عَبْدًا وَثَوْبًا لَهُ وَطَعَامًا وَحَمُولَةً وَجَبَتْ الزَّكَاةُ فِي الْكُلِّ، وَإِنْ قَصَدَ غَيْرَ التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الشِّرَاءَ إلَّا لِلتِّجَارَةِ بِخِلَافِ رَبِّ الْمَالِ حَيْثُ لَا يُزَكِّي الثَّوْبَ وَالْحَمُولَةَ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الشِّرَاءَ لِغَيْرِ التِّجَارَةِ اهـ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَيُحْمَلُ عَدَمُ تَزْكِيَةِ الثَّوْبِ لِرَبِّ الْمَالِ مَا دَامَ لَمْ يَقْصِدْ بَيْعَهُ مَعَهُ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ النَّخَّاسُ إذَا بَاعَ دَوَابَّ لِلْبَيْعِ وَاشْتَرَى لَهَا جِلَالًا وَمَقَاوِدَ فَإِنْ كَانَ لَا يَدْفَعُ ذَلِكَ مَعَ الدَّابَّةِ إلَى الْمُشْتَرِي لَا زَكَاةَ فِيهَا، وَإِنْ كَانَ يَدْفَعُهَا مَعَهَا وَجَبَ فِيهَا وَكَذَا الْعَطَّارُ إذَا اشْتَرَى قَوَارِيرَ اهـ. وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ ثَوْبَ الْعَبْدِ يَدْخُلُ فِي بَيْعِهِ بِلَا ذِكْرٍ تَبَعًا حَتَّى لَا يَكُونَ لَهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ فَلَمْ يَكُنْ مَقْصُودًا أَصْلًا فَوُجُودُهُ كَعَدَمِهِ بِخِلَافِ جُلِّ الدَّوَابِّ وَالْقَوَارِيرِ فَإِنَّهُ مَبِيعٌ قَصْدًا وَلِذَا لَمْ يَدْخُلْ فِي الْمَبِيعِ بِلَا ذِكْرٍ، وَإِنَّمَا قَالَ نِصَابُ وَرِقٍ، وَلَمْ يَقُلْ نِصَابُ فِضَّةٍ؛ لِأَنَّ الْوَرِقَ بِكَسْرِ الرَّاءِ اسْمٌ لِلْمَضْرُوبِ مِنْ الْفِضَّةِ كَمَا فِي الْمُغْرِبِ، وَلَا بُدَّ أَنْ تَبْلُغَ الْعُرُوض قِيمَةَ نِصَابٍ مِنْ الْفِضَّةِ الْمَضْرُوبَةِ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ وَالْخَانِيَّةِ؛ لِأَنَّ لُزُومَهَا مَبْنِيٌّ عَلَى التَّقَوُّمِ، وَالْعُرْفُ أَنْ تُقَوَّمَ بِالْمَصْكُوكِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ وَرِقٌ أَوْ ذَهَبٌ إلَى أَنَّهُ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ قَوَّمَهَا بِالْفِضَّةِ، وَإِنْ شَاءَ بِالذَّهَبِ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَيْنِ فِي تَقْدِيرِ قِيَمِ الْأَشْيَاءِ بِهِمَا سَوَاءٌ، وَفِي النِّهَايَةِ لَوْ كَانَ تَقْوِيمُهُ بِأَحَدِ النَّقْدَيْنِ يُتِمُّ النِّصَابَ وَبِالْآخِرِ لَا فَإِنَّهُ يُقَوِّمُهُ بِمَا يَتِمُّ بِهِ النِّصَابُ بِالِاتِّفَاقِ اهـ. وَفِي الْخُلَاصَةِ أَيْضًا مَا يُفِيدُ الِاتِّفَاقَ عَلَى هَذَا وَكُلٌّ مِنْهُمَا مَمْنُوعٌ فَقَدْ قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ رَجُلٌ لَهُ عَبْدٌ لِلتِّجَارَةِ إنْ قُوِّمَ بِالدَّرَاهِمِ لَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَإِنْ قُوِّمَ بِالدَّنَانِيرِ تَجِبُ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُقَوَّمُ بِمَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ دَفْعًا لِحَاجَةِ الْفَقِيرِ وَسَدًّا لَخَلَّتِهِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُقَوَّمُ بِمَا اشْتَرَى فَإِنْ اشْتَرَاهُ بِغَيْرِ النَّقْدَيْنِ يُقَوَّمُ بِالنَّقْدِ الْغَالِبِ اهـ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَذْهَبَ تَخْيِيرُهُ إلَّا إذَا كَانَ لَا يَبْلُغُ بِأَحَدِهِمَا نِصَابًا تَعَيَّنَ التَّقْوِيمُ بِمَا يَبْلُغُ نِصَابًا، وَهُوَ مُرَادُ مَنْ قَالَ يُقَوَّمُ بِالْأَنْفَعِ وَلِذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَتَفْسِيرُ الْأَنْفَعِ أَنْ يُقَوِّمَهَا بِمَا يَبْلُغُ نِصَابًا وَيُقَوَّمُ الْعَرْضُ بِالْمِصْرِ الَّذِي هُوَ فِيهِ حَتَّى لَوْ بَعَثَ عَبْدًا لِلتِّجَارَةِ فِي بَلَدٍ آخَرَ يُقَوَّمُ فِي ذَلِكَ الَّذِي   [منحة الخالق] [زَكَاة عُرُوضِ التِّجَارَة] (قَوْلُهُ: وَجَوَابُ مُنْلَا خُسْرو) أَيْ مِنْ اعْتِرَاضِ الزَّيْلَعِيِّ وَنَظَرَ فِي النَّهْرِ فِي كَلَامِ مُنْلَا خُسْرو بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَمَا قَالَ لَمَا صَحَّتْ نِيَّةُ التِّجَارَةِ فِيهَا مُطْلَقًا مَعَ أَنَّ عَدَمَ الصِّحَّةِ إنَّمَا هُوَ لِقِيَامِ الْمَانِعِ الْمُؤَدِّي إلَى الثِّنَى (قَوْلُهُ فَلَأَنْ يَسْقُطَ التَّصَرُّفُ الْأَقْوَى أَوْلَى) أَيْ إذَا كَانَ مُجَرَّدُ نِيَّةِ الْخِدْمَةِ فِي عَبْدِ التِّجَارَةِ مُسْقِطًا وُجُوبَ الزَّكَاةِ فَلَأَنْ يُسْقِطَ الْوُجُوبَ أَيْضًا التَّصَرُّفُ الْأَقْوَى مِنْ النِّيَّةِ، وَهُوَ الزِّرَاعَةُ أَوْلَى، وَهَذَا الْجَوَابُ عَنْ اعْتِرَاضِ الزَّيْلَعِيِّ لِمُنْلَا خُسْرو أَيْضًا (قَوْلُهُ وَبِهَذَا سَقَطَ اعْتِرَاضُ الزَّيْلَعِيِّ) أَيْ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ أَوَّلًا بِقَوْلِهِ: وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ إلَخْ، وَقَوْلُهُ: وَكَذَا لَا يَرِدُ إلَخْ (قَوْلُهُ وَقَدْ يُفَرَّقُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: هَذَا الْحَمْلُ مُسْتَفَادٌ مِنْ تَعْلِيلِهِمْ بِأَنَّ الْمَالِكَ كَمَا يَمْلِكُ الشِّرَاءَ لِلتِّجَارَةِ يَمْلِكُ الشِّرَاءَ لِلنَّفَقَةِ وَالْبِذْلَةِ يَعْنِي فَلَا يَكُونُ لِلتِّجَارَةِ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَإِذَا قَصَدَ حِينَ شِرَائِهِ بَيْعَهُ مَعَهُ فَقَدْ نَوَى التِّجَارَةَ بِهِ بِخِلَافِ الْمُضَارِبِ لِمَا قَدْ عَلِمْت، وَأَمَّا عَدَمُ صِحَّةِ قَصْدِهِ مَقْصُودَ التَّبَعِيَّةِ فَمَمْنُوعٌ بَلْ يَصِحُّ قَصْدُهُ بِهِمَا، وَإِنْ دَخَلَ تَبَعًا عَلَى أَنَّ دُخُولَ الثَّوْبِ مُطْلَقًا مَمْنُوعٌ بَلْ ثِيَابُ الْمِهْنَةِ ثَمَّ مَعَ الدُّخُولِ لَا تَتَعَيَّنُ بَلْ إنْ شَاءَ الْبَائِعُ أَعْطَى غَيْرَهَا مِمَّا هُوَ كِسْوَةُ مِثْلِهِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي مَحَلِّهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 246 فِيهِ الْعَبْدُ وَإِنْ كَانَ فِي مَفَازَةٍ تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ فِي أَقْرَبِ الْأَمْصَارِ إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَهُوَ أَوْلَى مِمَّا فِي التَّبْيِينِ مِنْ أَنَّهُ إذَا كَانَ فِي الْمَفَازَةِ يُقَوَّمُ فِي الْمِصْرِ الَّذِي يَصِيرُ إلَيْهِ ثُمَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ يَوْمَ الْوُجُوبِ، وَعِنْدَهُمَا يَوْمَ الْأَدَاءِ، وَتَمَامُهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ وَنُقْصَانُ النِّصَابِ فِي الْحَوْلِ لَا يَضُرُّ إنْ كَمُلَ فِي طَرَفَيْهِ) ؛ لِأَنَّهُ يَشُقُّ اعْتِبَارُ الْكَمَالِ فِي أَثْنَائِهِ إمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ فِي ابْتِدَائِهِ لِلِانْعِقَادِ وَتَحْقِيقِ الْغِنَاءِ، وَفِي انْتِهَائِهِ لِلْوُجُوبِ، وَلَا كَذَلِكَ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ حَالَةَ الْبَقَاءِ قُيِّدَ بِنُقْصَانِ النِّصَابِ أَيْ قَدْرِهِ؛ لِأَنَّ زَوَالَ وَصْفِهِ كَهَلَاكِ الْكُلِّ كَمَا إذَا جَعَلَ السَّائِمَةَ عَلُوفَةً؛ لِأَنَّ الْعَلُوفَةَ لَيْسَتْ مِنْ مَالِ الزَّكَاةِ أَمَّا بَعْدَ فَوَاتِ بَعْضِ النِّصَابِ بَقِيَ بَعْضُ الْمَحَلِّ صَالِحًا لِبَقَاءِ الْحَوْلِ وَشُرِطَ الْكَمَالُ فِي الطَّرَفَيْنِ لِنُقْصَانِهِ فِي الْحَوْلِ؛ لِأَنَّ نُقْصَانَهُ بَعْدَ الْحَوْلِ مِنْ حَيْثُ الْقِيمَةُ لَا يُسْقِطُ شَيْئًا مِنْ الزَّكَاةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا عَلَيْهِ زَكَاةٌ مَا بَقِيَ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَذَكَرَ فِي الْمُجْتَبَى الدَّيْنُ فِي خِلَالِ الْحَوْلِ لَا يَقْطَعُ حُكْمَ الْحَوْلِ، وَإِنْ كَانَ مُسْتَغْرِقًا، وَقَالَ زُفَرُ: يَقْطَعُ اهـ. وَمِنْ فُرُوعِ الْمَسْأَلَةِ إذَا كَانَ لَهُ غَنَمٌ لِلتِّجَارَةِ تُسَاوِي نِصَابًا فَمَاتَتْ قَبْلَ الْحَوْلِ فَسَلَخَهَا وَدَبَغَ جِلْدَهَا فَتَمَّ الْحَوْلُ كَانَ عَلَيْهِ فِيهَا الزَّكَاةُ إنْ بَلَغَتْ نِصَابًا وَلَوْ كَانَ لَهُ عَصِيرٌ لِلتِّجَارَةِ فَتَخَمَّرَ قَبْلَ الْحَوْلِ ثُمَّ صَارَ خَلًّا فَتَمَّ الْحَوْلُ لَا زَكَاةَ فِيهَا قَالُوا: لِأَنَّ فِي الْأَوَّلِ الصُّوفَ الَّذِي عَلَى الْجِلْدِ مُتَقَوِّمٌ فَيَبْقَى الْحَوْلُ بِبَقَائِهِ، وَفِي الثَّانِي بَطَلَ تَقَوُّمَ الْكُلِّ بِالْخَمْرِيَّةِ فَهَلَكَ كُلُّ الْمَالِ إلَّا أَنَّهُ يُخَالِفُ مَا رَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ اشْتَرَى عَصِيرًا قِيمَتُهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ فَتَخَمَّرَ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَلَمَّا مَضَى سَبْعَةُ أَشْهُرٍ أَوْ ثَمَانِيَةُ أَشْهُرٍ إلَّا يَوْمًا صَارَ خَلًّا يُسَاوِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَتَمَّتْ السَّنَةُ كَانَ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ؛ لِأَنَّهُ عَادَ لِلتِّجَارَةِ كَمَا كَانَ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَتُضَمُّ قِيمَةُ الْعُرُوضِ إلَى الثَّمَنَيْنِ وَالذَّهَبِ إلَى الْفِضَّةِ قِيمَةً) أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْوُجُوبَ فِي الْكُلِّ بِاعْتِبَارِ التِّجَارَةِ، وَإِنْ افْتَرَقَتْ جِهَةُ الْإِعْدَادِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِلْمُجَانَسَةِ مِنْ حَيْثُ الثَّمَنِيَّةُ، وَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ صَارَ سَبَبًا، وَضَمُّ إحْدَى النَّقْدَيْنِ إلَى الْآخَرِ قِيمَةً مَذْهَبُ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا الضَّمُّ بِالْأَجْزَاءِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْهُ حَتَّى إنَّ مَنْ كَانَ لَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَخَمْسَةُ مَثَاقِيلَ ذَهَبٍ تَبْلُغُ قِيمَتُهَا مِائَةَ دِرْهَمٍ فَعَلَيْهِ الزَّكَاةُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا هُمَا يَقُولَانِ الْمُعْتَبَرُ فِيهِمَا الْقَدْرُ دُونَ الْقِيمَةِ حَتَّى لَا تَجِبَ الزَّكَاةُ فِي مَصُوغٍ وَزْنُهُ أَقَلُّ مِنْ مِائَتَيْنِ، وَقِيمَتُهُ فَوْقَهُمَا، وَهُوَ يَقُولُ الضَّمُّ لِلْمُجَانَسَةِ، وَهِيَ تَتَحَقَّقُ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ دُونَ الصُّورَةِ فَيُضَمُّ بِهَا، وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ كَانَ لَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَعَشَرَةُ دَنَانِيرَ قِيمَتُهَا أَقَلُّ مِنْ مِائَةٍ تَجِبُ الزَّكَاةُ عِنْدَهُمَا وَاخْتَلَفُوا عَلَى قَوْلِهِ وَالصَّحِيحُ الْوُجُوبُ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يُمْكِنْ تَكْمِيلُ نِصَابِ الدَّرَاهِمِ بِاعْتِبَارِ قِيمَةِ الدَّنَانِيرِ أَمْكَنَ تَكْمِيلُ نِصَابِ الدَّنَانِيرِ بِاعْتِبَارِ قِيمَةِ الدَّرَاهِمِ؛ لِأَنَّ قِيمَتَهَا تَبْلُغُ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ فَتَكْمُلُ احْتِيَاطًا لِإِيجَابِ الزَّكَاةِ اهـ. وَبِهَذَا ظَهَرَ بَحْثُ الزَّيْلَعِيِّ مَنْقُولًا، وَضَعَّفَ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ فِي الْكَافِي حَيْثُ قَالَ: إنَّ الْقِيمَةَ لَا تُعْتَبَرُ عِنْدَ تَكَامُلِ الْأَجْزَاءِ عِنْدَهُ كَمِائَةٍ وَعَشَرَةِ دَنَانِيرَ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّ إيجَابَ الزَّكَاةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى الصَّحِيحِ لِتَكَامُلِ الْأَجْزَاءِ لَا بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ وَلَيْسَ كَمَا ظَنَّ بَلْ الْإِيجَابُ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ كَمَا أَفَادَهُ تَعْلِيلُ الْمُحِيطِ فَإِنَّ حَاصِلَهُ اعْتِبَارُ الْقِيمَةِ مِنْ جِهَةِ كُلٍّ مِنْ النَّقْدَيْنِ لَا مِنْ جِهَةِ أَحَدِهِمَا عَيْنًا فَإِنَّهُ إنْ لَمْ يَتِمَّ النِّصَابُ بِاعْتِبَارِ قِيمَةِ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ يَتِمُّ بِاعْتِبَارِ قِيمَةِ الْفِضَّةِ بِالذَّهَبِ فَكَيْفَ يَكُونُ تَعْلِيلًا لِعَدَمِ اعْتِبَارِ الْقِيمَةِ مُطْلَقًا عِنْدَ تَكَامُلِ الْأَجْزَاءِ مَعَ أَنَّهُ يَرِدُ عَلَيْهِ لَوْ زَادَتْ قِيمَةُ أَحَدِهِمَا، وَلَمْ تَنْقُصْ قِيمَةُ الْآخَرِ كَمِائَةِ دِرْهَمٍ وَعَشَرَةِ دَنَانِيرَ تُسَاوِي مِائَةً وَثَمَانِينَ فَإِنَّ مُقْتَضَى كَلَامِهِ مِنْ عَدَمِ اعْتِبَارِ الْقِيمَةِ عِنْدَ تَكَامُلِ الْأَجْزَاءِ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ إلَّا خَمْسَةٌ وَالظَّاهِرُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَذَكَرَ فِي الْمُجْتَبَى الدَّيْنُ فِي خِلَالِ الْحَوْلِ لَا يَقْطَعُ إلَخْ) تَقَدَّمَ خِلَافُهُ أَوَّلَ كِتَابِ الزَّكَاةِ عِنْدَ قَوْلِهِ مِلْكُ نِصَابٍ حَوْلِيٍّ فَارِغٌ عَنْ الدَّيْنِ (قَوْلُهُ حَتَّى إنَّ مَنْ كَانَ لَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ إلَخْ) أَفَادَ أَنَّ وُجُوبَ الضَّمِّ إذَا لَمْ يَكُنْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصَابًا بِأَنْ كَانَ أَقَلَّ فَأَمَّا إذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصَابًا تَامًّا وَلَمْ يَكُنْ زَائِدًا عَلَيْهِ لَا يَجِبُ الضَّمُّ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُؤَدِّيَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ زَكَاتَهُ وَلَوْ ضَمَّ أَحَدَهُمَا إلَى الْآخَرِ حَتَّى يُؤَدِّيَ كُلَّهُ مِنْ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ فَلَا بَأْسَ بِهِ عِنْدَنَا، وَلَكِنْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ التَّقْوِيمُ بِمَا هُوَ أَنْفَعُ لِلْفُقَرَاءِ رَوَاجًا، وَإِلَّا فَيُؤَدِّي مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رُبْعَ عُشْرِهِ فَإِنْ كَانَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ النِّصَابَيْنِ زِيَادَةٌ فَعِنْدَهُمَا لَا يَجِبُ ضَمُّ إحْدَى الزِّيَادَتَيْنِ إلَى الْأُخْرَى؛ لِأَنَّهُمَا يُوجِبَانِ الزَّكَاةَ فِي الْكُسُورِ بِحِسَابِهَا، وَأَمَّا عِنْدَهُ فَيَنْظُرُ إنْ بَلَغَتْ الزِّيَادَةُ مِنْهُمَا أَرْبَعَةَ مَثَاقِيلَ وَأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا فَكَذَلِكَ، وَإِلَّا يَجِبُ ضَمُّ إحْدَى الزِّيَادَتَيْنِ إلَى الْأُخْرَى لِتُتِمَّ أَرْبَعَةَ مَثَاقِيلَ وَأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ لَا تَجِبُ عِنْدَهُ فِي الْكُسُورِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ وَالصَّحِيحُ الْوُجُوبُ) عَزَاهُ فِي الْبَدَائِعِ إلَى الْإِمَامِ حَيْثُ قَالَ: ثُمَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُعْتَبَرُ فِي التَّقْوِيمِ مَنْفَعَةُ الْفُقَرَاءِ كَمَا هُوَ أَصْلُهُ حَتَّى رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: إذَا كَانَ لِرَجُلٍ خَمْسَةٌ وَتِسْعُونَ دِرْهَمًا وَدِينَارٌ يُسَاوِي خَمْسَةَ دَرَاهِمَ أَنَّهُ تَجِبُ الزَّكَاةُ، وَذَلِكَ بِأَنْ تُقَوَّمَ الْفِضَّةُ بِالذَّهَبِ كُلُّ خَمْسَةٍ مِنْهَا بِدِينَارٍ. اهـ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 247 لُزُومُ سَبْعَةٍ اعْتِبَارًا لِلْقِيمَةِ أَخْذًا مِنْ دَلِيلِهِ مِنْ أَنَّ الضَّمَّ لَيْسَ إلَّا لِلْمُجَانَسَةِ، وَإِنَّمَا هِيَ بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى، وَهُوَ الْقِيمَةُ لَا بِاعْتِبَارِ الصُّورَةِ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحِيطِ فَقَالَ لَوْ كَانَ لَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَعَشَرَةُ دَنَانِيرَ قِيمَتُهَا مِائَةٌ وَأَرْبَعُونَ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تَجِبُ سِتَّةُ دَرَاهِمَ، وَعِنْدَهُمَا هُوَ نِصَابٌ تَامٌّ نِصْفُهُ ذَهَبٌ وَنِصْفُهُ فِضَّةٌ فَيَجِبُ فِي كُلِّ نِصْفٍ رُبْعُ عُشْرِهِ، وَفِيهِ أَيْضًا لَوْ كَانَ لَهُ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ دِرْهَمًا وَخَمْسَةُ دَنَانِيرَ قِيمَتُهَا خَمْسُونَ تَجِبُ الزَّكَاةُ بِالْإِجْمَاعِ، وَلَوْ كَانَ لَهُ إبْرِيقُ فِضَّةٍ وَزْنُهُ مِائَةٌ، وَقِيمَتُهُ لِصِنَاعَتِهِ مِائَتَانِ لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ الْجَوْدَةَ وَالصَّنْعَةَ فِي أَمْوَالِ الرِّبَا لَا قِيمَةَ لَهَا عِنْدَ انْفِرَادِهَا، وَلَا عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِجِنْسِهَا اهـ. وَفِي الْمِعْرَاجِ لَوْ كَانَ لَهُ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ دِرْهَمًا وَخَمْسَةُ دَنَانِيرَ، وَقِيمَةُ الدَّنَانِيرِ لَا تُسَاوِي خَمْسِينَ دِرْهَمًا تَجِبُ الزَّكَاةُ عَلَى قَوْلِهِمَا، وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ عَلَى قَوْلِهِ قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا تَجِبُ؛ لِأَنَّ الضَّمَّ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ عِنْدَهُ، وَيُضَمُّ الْأَقَلُّ إلَى الْأَكْثَرِ؛ لِأَنَّ الْأَقَلَّ تَابِعٌ لِلْأَكْثَرِ فَلَا يَكْمُلُ النِّصَابُ بِهِ، وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ: تَجِبُ عَلَى قَوْلِهِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ وَيُضَمُّ الْأَكْثَرُ إلَى الْأَقَلِّ اهـ. وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِتَكَامُلِ الْأَجْزَاءِ عِنْدَهُ، وَإِنَّمَا يُضَمُّ أَحَدُ النَّقْدَيْنِ إلَى الْآخَرِ قِيمَةً، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ ضَمِّ الْأَقَلِّ إلَى الْأَكْثَرِ أَوْ عَكْسِهِ (بَابُ الْعَاشِرِ) أَخَّرَهُ عَمَّا قَبْلَهُ لِتَمَحُّضِ مَا قَبْلَهُ زَكَاةً بِخِلَافِ مَا يَأْخُذُهُ الْعَاشِرُ كَمَا سَيَأْتِي، وَهُوَ فَاعِلٌ مِنْ عَشَرْتُهُ أَعْشُرُهُ عُشْرًا بِالضَّمِّ، وَالْمُرَادُ هُنَا مَا يَدُورُ اسْمُ الْعُشْرِ فِي مُتَعَلَّقِ أَخْذِهِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَأْخُذُ الْعُشْرَ مِنْ الْحَرْبِيِّ لَا الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ أَوْ تَسْمِيَةً لِلشَّيْءِ بِاعْتِبَارِ بَعْضِ أَحْوَالِهِ، وَهُوَ أَخْذُهُ الْعُشْرَ مِنْ الْحَرْبِيِّ لَا مِنْ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ، وَالْإِدْوَارُ مُرَكَّبٌ فَيَتَعَسَّرُ التَّلَفُّظُ بِهِ وَالْعُشْرُ مُنْفَرِدٌ فَلَا يَتَعَسَّرُ (قَوْلُهُ هُوَ مَنْ نَصَّبَهُ الْإِمَامُ لِيَأْخُذَ الصَّدَقَاتِ مِنْ التُّجَّارِ) أَيْ مَنْ نَصَّبَهُ الْإِمَامُ عَلَى الطَّرِيقِ لِيَأْخُذَ الصَّدَقَاتِ مِنْ التُّجَّارِ الْمَارِّينَ بِأَمْوَالِهِمْ عَلَيْهِ قَالُوا: وَإِنَّمَا يُنَصَّبُ لِيَأْمَنَ التُّجَّارُ مِنْ اللُّصُوصِ وَيَحْمِيَهُمْ مِنْهُمْ فَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ قَادِرًا عَلَى الْحِمَايَةِ؛ لِأَنَّ الْجِبَايَةَ بِالْحِمَايَةِ؛ وَلِذَا قَالَ فِي الْغَايَةِ: وَيُشْتَرَطُ فِي الْعَامِلِ أَنْ يَكُونَ حُرًّا مُسْلِمًا غَيْرَ هَاشِمِيٍّ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ كَافِرًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَلِي عَلَى الْمُسْلِمِ بِالْآيَةِ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا هَاشِمِيًّا لِأَنَّ فِيهَا شُبْهَةَ الزَّكَاةِ اهـ. بِلَفْظِهِ وَبِهِ يُعْلَمُ حُكْمُ تَوْلِيَةِ الْيَهُودِ فِي زَمَانِنَا عَلَى بَعْضِ الْأَعْمَالِ، وَلَا شَكَّ فِي حُرْمَةِ ذَلِكَ أَيْضًا قَيَّدْنَا بِكَوْنِهِ نُصِّبَ عَلَى الطَّرِيقِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ السَّاعِي، وَهُوَ الَّذِي يَسْعَى فِي الْقَبَائِلِ لِيَأْخُذَ صَدَقَةَ الْمَوَاشِي فِي أَمَاكِنِهَا وَالْمُصَدِّقُ بِتَخْفِيفِ الصَّادِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ اسْمُ جِنْسٍ لَهُمَا كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَالً الزَّكَاةِ نَوْعَانِ ظَاهِرٌ، وَهُوَ الْمَوَاشِي، وَالْمَالُ الَّذِي يَمُرُّ بِهِ التَّاجِرُ عَلَى الْعَاشِرِ، وَبَاطِنٌ، وَهُوَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ وَأَمْوَالُ التِّجَارَةِ فِي مَوَاضِعِهَا أَمَّا الظَّاهِرُ فَلِلْإِمَامِ وَنُوَّابِهِ، وَهُمْ الْمُصَدِّقُونَ مِنْ السُّعَاةِ وَالْعُشَّارِ وِلَايَةُ الْأَخْذِ لِلْآيَةِ {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103] وَلِجَعْلِهِ لِلْعَامِلِينَ عَلَيْهَا حَقًّا فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِلْإِمَامِ مُطَالَبَتُهُمْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَجْهٌ، وَلَمَا اُشْتُهِرَ مِنْ بَعْثِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلْقَبَائِلِ لِأَخْذِ الزَّكَاةِ، وَكَذَا الْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ حَتَّى قَاتَلَ الصِّدِّيقُ مَانِعِي الزَّكَاةِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ السَّوَائِمَ تَحْتَاجُ إلَى الْحِمَايَةِ؛ لِأَنَّهَا تَكُونُ فِي الْبَرَارِي بِحِمَايَةِ السُّلْطَانِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْأَمْوَالِ إذَا أَخْرَجَهُ فِي السَّفَرِ احْتَاجَ إلَى الْحِمَايَةِ بِخِلَافِ الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ إذَا لَمْ يُخْرِجْهَا مَالِكُهَا مِنْ الْمِصْرِ لِفَقْدِ هَذَا الْمَعْنَى وَفِي الْبَدَائِعِ: وَشَرْطُ وِلَايَةِ الْأَخْذِ وُجُودُ الْحِمَايَةِ مِنْ الْإِمَامِ فَلَا شَيْءَ لَوْ غَلَبَ الْخَوَارِجُ عَلَى مِصْرٍ أَوْ قَرْيَةٍ وَأَخَذُوا مِنْهُمْ الصَّدَقَاتِ، وَمِنْهَا وُجُوبُ الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّ الْمَأْخُوذَ زَكَاةٌ فَيُرَاعَى شَرَائِطُهَا كُلُّهَا، وَمِنْهَا ظُهُورُ الْمَالِ وَحُضُورُ الْمَالِكِ فَلَوْ حَضَرَ وَأَخْبَرَ بِمَا فِي بَيْتِهِ أَوْ حَضَرَ مَالُهُ مَعَ   [منحة الخالق] [بَابُ الْعَاشِرِ] (قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ هُنَا مَا يَدُورُ اسْمُ الْعُشْرِ إلَخْ) بَيَانُهُ مَا فِي النِّهَايَةِ الْعَاشِرُ لُغَةً مِنْ عَشَرْت الْقَوْمَ أَعْشُرُهُمْ بِالضَّمِّ عُشْرًا مَضْمُومَةً إذَا أَخَذْت مِنْهُمْ عُشْرَ أَمْوَالِهِمْ فَعَلَى هَذَا تَسْمِيَةُ الْعَاشِرِ الَّذِي يَأْخُذُ الْعُشْرَ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ عَلَى أَخْذِهِ مِنْ الْحَرْبِيِّ لَا مِنْ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ مِنْ الْمُسْلِمِ رُبْعَ الْعُشْرِ، وَمِنْ الذِّمِّيِّ نِصْفَ الْعَشْرِ، وَمِنْ الْحَرْبِيِّ الْعُشْرَ عَلَى مَا يَجِيءُ وَلَكِنْ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَدُورُ اسْمُ الْعُشْرِ، وَإِنْ كَانَ مَعَ شَيْءٍ آخَرَ فَجَازَ إطْلَاقُ اسْمِ الْعَاشِرِ عَلَيْهِ اهـ. وَقَوْلُهُ: وَتَسْمِيَةُ الشَّيْءِ إلَخْ جَوَابٌ آخَرُ لِصَاحِبِ الْعِنَايَةِ، وَفِي النَّهْرِ عَنْ السَّعْدِيَّةِ، وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ بَلْ الْعُشْرُ عَلَمٌ عَلَى مَا يَأْخُذُهُ الْعَاشِرُ سَوَاءٌ كَانَ الْمَأْخُوذُ عُشْرًا لُغَوِيًّا أَوْ رُبْعَهُ أَوْ نِصْفَهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 248 مُسْتَبْضِعٍ وَنَحْوِهِ فَلَا أَخْذَ، وَفِي التَّبْيِينِ أَنَّ هَذَا الْعَمَلَ مَشْرُوعٌ، وَمَا وَرَدَ مِنْ ذَمِّ الْعَشَّارِ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ يَأْخُذُ أَمْوَالَ النَّاسِ ظُلْمًا كَمَا تَفْعَلُهُ الظَّلَمَةُ الْيَوْمَ رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ أَرَادَ أَنْ يَسْتَعْمِلَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ عَلَى هَذَا الْعَمَلِ فَقَالَ لَهُ: أَتَسْتَعْمِلُنِي عَلَى الْمَكْسِ مِنْ عَمَلِك فَقَالَ: أَلَا تَرْضَى أَنْ أُقَلِّدَك مَا قَلَّدَنِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اهـ. وَفِي الْخَانِيَّةِ مَنْ قَسَّمَ الْجِبَايَاتِ وَالْمُؤَنَ بَيْنَ النَّاسِ عَلَى السَّوِيَّةِ يَكُونُ مَأْجُورًا. اهـ. (قَوْلُهُ فَمَنْ قَالَ لَمْ يَتِمَّ الْحَوْلُ أَوْ عَلَيَّ دَيْنٌ أَوْ أَدَّيْتُ أَنَا أَوْ إلَى عَاشِرٍ آخَرَ وَحَلَفَ صُدِّقَ إلَّا فِي السَّوَائِمِ فِي دَفْعِهِ بِنَفْسِهِ) أَمَّا الْأَوَّلُ وَالثَّانِي فَلِإِنْكَارِهِ الْوُجُوبَ وَقَدَّمْنَا أَنَّ شَرْطَ وِلَايَةِ الْأَخْذِ وُجُودُ الزَّكَاةِ فَكُلُّ مَا وُجُودُهُ مُسْقَطٌ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ إذَا ادَّعَاهُ، وَالْمُرَادُ بِنَفْيِ تَمَامِ الْحَوْلِ نَفْيُهُ عَمَّا فِي يَدِهِ، وَمَا فِي بَيْتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي بَيْتِهِ مَالٌ آخَرُ قَدْ حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ، وَمَا مَرَّ بِهِ لَمْ يَحِلَّ عَلَيْهِ الْحَوْلُ وَاتَّحَدَ الْجِنْسُ فَإِنَّ الْعَاشِرَ لَا يَلْتَفِتُ إلَيْهِ لِوُجُوبِ الضَّمِّ فِي مُتَّحِدِ الْجِنْسِ إلَّا لِمَانِعٍ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَقَيَّدَ فِي الْمِعْرَاجِ الدَّيْنَ بِدَيْنِ الْعِبَادِ، وَقَدَّمْنَا أَنَّ مِنْهُ دَيْنَ الزَّكَاةِ، وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي الدَّيْنِ فَشَمِلَ الْمُسْتَغْرِقَ لِلْمَالِ وَالْمُنْقِصَ لِلنِّصَابِ، وَهُوَ الْحَقُّ، وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مِنْ التَّقْيِيدِ بِالْمُحِيطِ لِمَالِهِ وَانْدَفَعَ مَا فِي الْخَبَّازِيَّةِ مِنْ أَنَّ الْعَاشِرَ يَسْأَلُهُ عَنْ قَدْرِ الدَّيْنِ عَلَى الْأَصَحِّ فَإِنْ أَخْبَرَهُ بِمَا يَسْتَغْرِقُ النِّصَابَ يُصَدِّقُهُ، وَإِلَّا لَا يُصَدِّقُهُ. اهـ. لِأَنَّ الْمُنْقِصَ لَهُ مَانِعٌ مِنْ الْوُجُوبِ فَلَا فَرْقَ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ الْمَارَّ إذَا قَالَ لَيْسَ فِي هَذَا الْمَالِ صَدَقَةٌ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ مَعَ يَمِينِهِ كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ سَبَبَ النَّفْيِ وَفِيهِ أَيْضًا إذَا أَخْبَرَ التَّاجِرُ الْعَاشِرَ أَنَّ مَتَاعَهُ مَرْوِيٌّ أَوْ هَرَوِيٌّ وَاتَّهَمَهُ الْعَاشِرُ فِيهِ، وَفِيهِ ضَرَرٌ عَلَيْهِ حَلَّفَهُ وَأَخَذَ مِنْهُ الصَّدَقَةَ عَلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ الْإِضْرَارِ بِهِ وَقَدْ نُقِلَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ لِعُمَّالِهِ: وَلَا تُفَتِّشُوا عَلَى النَّاسِ مَتَاعَهُمْ وَأَمَّا الثَّالِثُ فَلِأَنَّهُ ادَّعَى وَضْعَ الْأَمَانَةِ مَوْضِعَهَا، وَمُرَادُهُ إذَا كَانَ فِي تِلْكَ السَّنَةِ عَاشِرٌ آخَرُ، وَإِلَّا فَلَا يُصَدَّقُ لِظُهُورِ كَذِبِهِ بِيَقِينٍ، وَمُرَادُهُ أَيْضًا مَا إذَا أَدَّى بِنَفْسِهِ فِي الْمِصْرِ إلَى الْفُقَرَاءِ؛ لِأَنَّ الْأَدَاءَ كَانَ مُفَوَّضًا إلَيْهِ فِيهِ وَوِلَايَةُ الْأَخْذِ بِالْمُرُورِ لِدُخُولِهِ تَحْتَ الْحِمَايَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ادَّعَى الْأَدَاءَ بِنَفْسِهِ إلَيْهِمْ بَعْدَ الْخُرُوجِ مِنْ الْمِصْرِ لَا يُقْبَلُ، وَإِنَّمَا لَا يُصَدَّقُ فِي قَوْلِهِ أَدَّيْتُ بِنَفْسِي صَدَقَةَ السَّوَائِمِ إلَى الْفُقَرَاءِ فِي الْمِصْرِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْأَخْذِ لِلسُّلْطَانِ فَلَا يَمْلِكُ إبْطَالَهُ بِخِلَافِ الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ ثُمَّ قِيلَ الزَّكَاةُ هُوَ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي سِيَاسَةٌ وَقِيلَ هُوَ الثَّانِي وَالْأَوَّلُ يَنْقَلِبُ نَفْلًا هُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ يَنْقَلِبُ نَفْلًا أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَأْخُذْ مِنْهُ الْإِمَامُ لِعِلْمِهِ بِأَدَائِهِ إلَى الْفُقَرَاءِ فَإِنَّ ذِمَّتَهُ تَبْرَأُ دِيَانَةً، وَفِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ، وَفِي جَامِعِ أَبِي الْيُسْرِ لَوْ أَجَازَ الْإِمَامُ إعْطَاءَهُ لَمْ يَكُنْ بِهِ بَأْسٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَذِنَ لَهُ الْإِمَامُ فِي الِابْتِدَاءِ أَنْ يُعْطِيَ إلَى الْفُقَرَاءِ بِنَفْسِهِ جَازَ فَكَذَا إذَا أَجَازَ بَعْدَ الْإِعْطَاءِ اهـ. وَإِنَّمَا حَلَفَ، وَإِنْ كَانَتْ الْعِبَادَاتُ يُصَدَّقُ فِيهَا بِلَا تَحْلِيفٍ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْعَبْدِ، وَهُوَ الْعَاشِرُ فِي الْأَخْذِ، وَهُوَ يَدَّعِي عَلَيْهِ مَعْنًى لَوْ أَقَرَّ بِهِ لَزِمَهُ فَيَحْلِفُ لِرَجَاءِ النُّكُولِ بِخِلَافِ حَدِّ الْقَذْفِ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالنُّكُولِ مُتَعَذِّرٌ فِي الْحُدُودِ عَلَى مَا عُرِفَ وَبِخِلَافِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ لِأَنَّهُ لَا مُكَذِّبَ لَهُ فِيهَا فَانْدَفَعَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ. وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِالِاكْتِفَاءِ بِالْحَلِفِ إلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ إخْرَاجُ الْبَرَاءَةِ فِيمَا إذَا ادَّعَى الدَّفْعَ إلَى عَاشِرٍ آخَرَ تَبَعًا لِلْجَامِعِ الصَّغِيرِ؛ لِأَنَّ الْخَطَّ يُشْبِهُ الْخَطَّ فَلَمْ يُعْتَبَرُ عَلَامَةً، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَشَرَطَهُ فِي الْأَصْلِ؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى وَلِصِدْقِ دَعْوَاهُ عَلَامَةً فَيَجِبُ إبْرَازُهَا، وَفِي الْمِعْرَاجِ ثُمَّ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَشْتَرِطُ إخْرَاجَ الْبَرَاءَةِ هَلْ يَشْتَرِطُ الْيَمِينَ مَعَهَا فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ، وَفِي الْبَدَائِعِ إذَا أَتَى بِالْبَرَاءَةِ عَلَى خِلَافِ اسْمِ ذَلِكَ الْمُصَدِّقِ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ عَلَى جَوَابِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فَكَانَ الْإِتْيَانُ بِهَا، وَالْعَدَمُ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ اهـ. وَقَدْ يُقَالُ: إنَّهُ دَلِيلُ كَذِبِهِ فَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ ذَكَرَ الْحَدَّ الرَّابِعَ وَغَلِطَ فِيهِ فَإِنَّهُ لَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى، وَإِنْ جَازَ تَرْكُهُ إلَّا أَنْ يُقَالَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ إلَخْ) قَالَ فِي الشرنبلالية: لَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ مُعَارَضَةِ الْمَنْطُوقِ بِالْمَفْهُومِ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكْتَفِ بِمَفْهُومِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بَلْ بِمَا يَنْقُلُهُ عَنْ الْمِعْرَاجِ، وَهُوَ صَرِيحٌ لَكِنَّ عِبَارَةَ الْمِعْرَاجِ بَعْدَ نَقْلِهِ عِبَارَةَ الْخَبَّازِيَّةِ هَكَذَا، وَقِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ يُصَدِّقَهُ فِيمَا يَنْقُصُ النِّصَابُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَأْخُذُ مِنْ الْمَالِ الَّذِي يَكُونُ أَقَلَّ مِنْ النِّصَابِ؛ لِأَنَّ مَا يَأْخُذُهُ الْعَاشِرُ زَكَاةً حَتَّى شُرِطَتْ فِيهِ شَرَائِطُ الزَّكَاةِ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ لِلْقُدُورِيِّ اهـ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 249 إنَّهَا عِبَادَةٌ بِخِلَافِ حُقُوقِ الْعِبَادِ الْمَحْضَةِ، وَفِي الْمُحِيطِ حَلَفَ أَنَّهُ أَدَّى الصَّدَقَةَ إلَى مُصَدِّقٍ آخَرَ وَظَهَرَ كَذِبُهُ أَخَذَهُ بِهَا، وَإِنْ ظَهَرَ بَعْدَ سِنِينَ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْأَخْذِ ثَابِتٌ فَلَا يَسْقُطُ بِالْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَكُلُّ شَيْءٍ صُدِّقَ فِيهِ الْمُسْلِمُ صُدِّقَ فِيهِ الذِّمِّيُّ) لِأَنَّ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ ضِعْفُ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْلِمِ فَيُرَاعَى فِيهِ شَرَائِطُ الزَّكَاةِ تَحْقِيقًا لِلتَّضْعِيفِ، وَفِي التَّبْيِينِ لَا يُمْكِنُ إجْرَاؤُهُ عَلَى عُمُومِهِ فَإِنَّ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الذِّمِّيِّ جِزْيَةٌ، وَفِي الْجِزْيَةِ لَا يُصَدَّقُ إذَا قَالَ أَدَّيْتُهَا أَنَا؛ لِأَنَّ فُقَرَاءَ أَهْلِ الذِّمَّةِ لَيْسُوا بِمَصَارِفَ لِهَذَا الْحَقِّ، وَلَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ الصَّرْفِ إلَى مُسْتَحِقِّهِ، وَهُوَ مَصَالِحُ الْمُسْلِمِينَ اهـ. وَقَوْلُهُمْ: مَا يُؤْخَذُ مِنْ الذِّمِّيِّ جِزْيَةً أَيْ حُكْمُهُ حُكْمُهَا مِنْ كَوْنِهِ يُصْرَفُ مَصَارِفَهَا لَا أَنَّهُ جِزْيَةٌ حَتَّى لَا تَسْقُطَ جِزْيَةُ رَأْسِهِ فِي تِلْكَ السَّنَةِ نَصَّ عَلَيْهِ الْإِسْبِيجَابِيُّ، وَاسْتَثْنَى فِي الْبَدَائِعِ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ؛ لِأَنَّ عُمَرَ صَالَحَهُمْ مِنْ الْجِزْيَةِ عَلَى الصَّدَقَةِ الْمُضَاعَفَةِ فَإِذَا أَخَذَ الْعَاشِرُ مِنْهُمْ ذَلِكَ سَقَطَتْ الْجِزْيَةُ. اهـ. (قَوْلُهُ لَا الْحَرْبِيُّ إلَّا فِي أُمِّ وَلَدِهِ) أَيْ لَا يُصَدَّقُ الْحَرْبِيُّ فِي شَيْءٍ إلَّا فِي جَارِيَةٍ فِي يَدِهِ قَالَ هِيَ أُمُّ وَلَدِي فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ وَكَذَا فِي الْجَوَارِي؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ مِنْهُ بِطَرِيقِ الْحِمَايَةِ لَا زَكَاةً، وَلَا ضِعْفَهَا فَلَا يُرَاعَى فِيهِ الشُّرُوطُ الْمُتَقَدِّمَةُ؛ وَلِذَا كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: لَا يُلْتَفَتُ إلَى كَلَامِهِ أَوْ لَا يُتْرَكُ الْأَخْذُ مِنْهُ إذَا ادَّعَى شَيْئًا مِمَّا ذَكَرْنَاهُ دُونَ أَنْ يُقَالَ: وَلَا يُصَدَّقُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ صَادِقًا بِأَنْ ثَبَتَ صِدْقُهُ بِبَيِّنَةٍ عَادِلَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ الْمُسَافِرِينَ مَعَهُ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ أَخَذَ مِنْهُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَيُسْتَثْنَى مِنْ الْعُمُومِ مَا إذَا قَالَ الْحَرْبِيُّ أَدَّيْت إلَى عَاشِرٍ آخَرَ وَثَمَّةَ عَاشِرٌ آخَرُ فَإِنَّهُ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ ثَانِيًا؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الِاسْتِئْصَالِ جَزَمَ بِهِ مُنْلَا شَيْخٌ فِي شَرْحِ الدُّرَرِ وَذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ بِلَفْظِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُؤْخَذَ مِنْهُ ثَانِيًا وَتَبِعَهُ فِي التَّبْيِينِ وَأَشَارَ بِاسْتِثْنَاءِ أُمِّ الْوَلَدِ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ فِي حَقِّ غُلَامٍ مَعَهُ هَذَا وَلَدِي فَإِنَّهُ يَصِحُّ، وَلَا يُعَشَّرُ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ فِي دَارِ الْحَرْبِ كَمَا يَثْبُتُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، وَأُمُومِيَّةُ الْوَلَدِ تَبَعٌ لِلنَّسَبِ وَقَيَّدَهُ فِي الْمُحِيطِ بِأَنْ كَانَ يُولَدُ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَا يُولَدُ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيُعَشَّرُ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ بِالْعِتْقِ فَلَا يُصَدَّقُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ اهـ. وَقُيِّدَ بِأُمِّ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِتَدْبِيرِ عَبْدِهِ لَا يُصَدَّقُ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ لَا يَصِحُّ فِي دَارِ الْحَرْبِ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ، وَفِي النِّهَايَةِ لَوْ مَرَّ بِجُلُودِ الْمَيْتَةِ فَإِنْ كَانُوا يَدِينُونَ أَنَّهَا مَالٌ أَخَذَ مِنْهَا، وَإِلَّا فَلَا اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ إلَّا مِنْ مَالٍ (قَوْلُهُ: وَأُخِذَ مِنَّا رُبْعُ الْعُشْرِ، وَمِنْ الذِّمِّيِّ ضِعْفُهُ، وَمِنْ الْحَرْبِيِّ الْعُشْرُ بِشَرْطِ نِصَابٍ، وَأَخْذِهِمْ مِنَّا) بِذَلِكَ أَمَرَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سُعَاتَهُ وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْمَأْخُوذَ مِنْ الْمُسْلِمِ زَكَاةٌ، وَمِنْ الذِّمِّيِّ صَدَقَةٌ مُضَاعَفَةٌ تُصْرَفُ مَصَارِفَ الْجِزْيَةِ، وَلَيْسَتْ بِجِزْيَةٍ حَقِيقَةً، وَمِنْ الْحَرْبِيِّ بِطَرِيقِ الْحِمَايَةِ، وَتُصْرَفُ مَصَارِفَ الْجِزْيَةِ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَيَصِحُّ أَنْ يَتَعَلَّقَ قَوْلُهُ بِشَرْطِ نِصَابٍ بِالثَّلَاثَةِ، وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ وَأَمَّا فِي الْحَرْبِيِّ فَظَاهِرُ الْمُخْتَصَرِ أَنَّهُ إذَا مَرَّ بِأَقَلَّ مِنْهُ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَإِنْ مَرَّ حَرْبِيٌّ بِخَمْسِينَ دِرْهَمًا لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَكُونُوا يَأْخُذُونَ مِنَّا مِنْ مِثْلِهِمْ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِطَرِيقِ الْمُجَازَاةِ، وَفِي كِتَابِ الزَّكَاةِ لَا نَأْخُذُ مِنْ الْقَلِيلِ وَإِنْ كَانُوا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَفِي الْجِزْيَةِ لَا يُصَدَّقُ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: فَلَوْ ثَبَتَ أَخْذُهَا مِنْهُ لَمْ تُؤْخَذْ ثَانِيًا إذَا كَانَ الْآخِذُ السُّلْطَانَ أَوْ نَائِبَهُ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَكَرَّرُ فِي السَّنَةِ مَرَّتَيْنِ، وَهِيَ وَاقِعَةُ الْفَتْوَى (قَوْلُهُ: وَقَوْلُهُمْ: مَا يُؤْخَذُ مِنْ الذِّمِّيِّ جِزْيَةٌ إلَخْ) أَقُولُ: صَرَّحَ فِي شَرْحِ دُرَرِ الْبِحَارِ بِأَنَّهُ جِزْيَةٌ حَقِيقَةً، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُمْ بِهَا بِأَنَّهَا جِزْيَةٌ تُؤْخَذُ عَلَى مَالِهِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ سُقُوطُ جِزْيَةِ رَأْسِهِ، وَعَلَيْهِ فَالْجِزْيَةُ نَوْعَانِ جِزْيَةُ رَأْسٍ، وَجِزْيَةُ مَالٍ، وَسُمِّيَ الْمَأْخُوذُ عَلَى مَالِهِ جِزْيَةً كَمَا سَمَّى عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْمَأْخُوذَ مِنْ مَالِ بَنِي تَغْلِبَ جِزْيَةً، وَإِنْ كَانَ ضِعْفَ الْمَأْخُوذِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ تَسْمِيَتَهُ جِزْيَةً أَوْلَى مِنْ تَسْمِيَتُهُ صَدَقَةً لِكَوْنِهِمْ غَيْرَ أَهْلٍ لَهَا إلَّا أَنَّهُمْ لَيْسَ عَلَى بَنِي تَغْلِبَ جِزْيَةٌ لِرُءُوسِهِمْ غَيْرَهَا بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ (قَوْلُهُ: وَيُسْتَثْنَى مِنْ الْعُمُومِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ، وَاعْلَمْ أَنَّ مُقْتَضَى حَصْرِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: أَدَّيْتُ إلَى عَاشِرٍ، وَثَمَّةَ عَاشِرٌ أَنْ لَا يُقْبَلَ قَوْلُهُ: وَبِهِ جَزَمَ فِي الْعِنَايَةِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ قَالَ السُّرُوجِيُّ: وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقْبَلَ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى اسْتِئْصَالِهِ وَجَزَمَ بِهِ الْعَيْنِيُّ، وَتَبِعَهُ فِي شَرْحِ الدُّرَرِ وَارْتَضَاهُ فِي الْبَحْرِ إلَّا أَنَّ كَلَامَ أَهْلِ الْمَذْهَبِ أَحَقُّ مَا إلَيْهِ يَذْهَبُ اهـ. (قَوْلُهُ: جَزَمَ بِهِ مُنْلَا شَيْخٌ) هُوَ الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ مَحْمُودٍ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِغُرَرِ الْأَفْكَارِ فِي شَرْحِ دُرَرَ الْبِحَارِ لِلْعَلَّامَةِ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ بْنِ إلْيَاسَ الْقُونَوِيِّ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ مُنْلَا خُسْرو، وَهُوَ تَحْرِيفٌ؛ لِأَنَّ عِبَارَتَهُ كَعِبَارَةِ الْكَنْزِ (قَوْلُهُ: وَأُمُومِيَّةُ الْوَلَدِ تَبَعٌ لِلنَّسَبِ) أَيْ فَيَصِحُّ إقْرَارُهُ بِهَا قَالَ فِي النَّهْرِ: وَهَذَا لَا يُشْكِلُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا فَيُدَارُ الْأَمْرُ عَلَى دِيَانَتِهِمْ فَإِذَا دَانُوا ذَلِكَ لَا يُؤْخَذُ، وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ لَوْ مَرَّ بِجَلْدِ الْمَيْتَةِ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ مَعْزِيًّا إلَى النِّهَايَةِ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ مَا سَيَذْكُرُهُ عَنْ النِّهَايَةِ مِنْ قَوْلِهِ: لَوْ مَرَّ بِجِلْدِ الْمَيْتَةِ إلَخْ مُقْتَصَرًا عَلَيْهِ مِمَّا لَا يَنْبَغِي بَلْ التَّفْصِيلُ إنَّمَا هُوَ عَلَى قَوْلِهِمَا (قَوْلُهُ: وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ إلَّا مِنْ مَالٍ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَبِهِ يُعْلَمُ حُرْمُهُ مَا يَفْعَلُهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 250 يَأْخُذُونَ مِنَّا لِأَنَّ الْقَلِيلَ لَمْ يَزَلْ عَفْوًا، وَهُوَ لِلنَّفَقَةِ عَادَةً فَأَخْذُهُمْ مِنَّا مِنْ مِثْلِهِ ظُلْمٌ وَخِيَانَةٌ، وَلَا مُتَابَعَةَ عَلَيْهِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّهُ مَتَى عَرَفْنَا مَا يَأْخُذُونَ مِنَّا أُخِذَ مِنْهُمْ مِثْلُهُ؛ لِأَنَّ عُمَرَ أَمَرَ بِذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ نَعْرِفْ أُخِذَ مِنْهُمْ الْعُشْرُ لِقَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنْ أَعْيَاكُمْ فَالْعُشْرُ وَإِنْ كَانُوا يَأْخُذُونَ الْكُلَّ نَأْخُذُ مِنْهُمْ الْجَمِيعَ إلَّا قَدْرَ مَا يُوصِلُهُ إلَى مَأْمَنِهِ فِي الصَّحِيحِ، وَإِنْ لَمْ يَأْخُذُوا مِنَّا لَا نَأْخُذُ مِنْهُمْ لِيَسْتَمِرُّوا عَلَيْهِ وَلِأَنَّا أَحَقُّ بِالْمَكَارِمِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَأَخْذِهِمْ مِنَّا؛ لِأَنَّهُ بِطَرِيقِ الْمُجَازَاةِ كَذَا فِي التَّبْيِينِ، وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ أَنَّ الْعَاشِرَ لَا يَأْخُذُ الْعُشْرَ مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ الْحَرْبِيِّ إلَّا أَنْ يَكُونُوا يَأْخُذُونَ مِنْ أَمْوَالِ صِبْيَانِنَا شَيْئًا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَمْ يُثْنِ فِي حَوْلٍ بِلَا عَوْدٍ) أَيْ بِلَا عَوْدٍ إلَى دَارِ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ يُؤَدِّي إلَى الِاسْتِئْصَالِ بِخِلَافِ مَا إذَا عَادَ ثُمَّ خَرَجَ إلَيْنَا لِأَنَّ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ بِطَرِيقِ الْأَمَانِ، وَقَدْ اسْتَفَادَهُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ، وَفِي الْمُحِيطِ وَلَوْ عَادَ الْحَرْبِيُّ إلَى دَارِ الْحَرْبِ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْعَاشِرُ ثُمَّ خَرَجَ ثَانِيًا لَمْ يَأْخُذْهُ بِمَا مَضَى؛ لِأَنَّ مَا مَضَى سَقَطَ لِانْقِطَاعِ الْوِلَايَةِ، وَلَوْ مَرَّ الْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ عَلَى الْعَاشِرِ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِمَا ثُمَّ عَلِمَ فِي الْحَوْلِ الثَّانِي يُؤْخَذُ مِنْهُمَا لِأَنَّ الْوُجُوبَ قَدْ ثَبَتَ وَالْمُسْقِطُ لَمْ يُوجَدْ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعُشْرُ الْخَمْرِ لَا الْخِنْزِيرِ) أَيْ أَخَذَ نِصْفَ عُشْرِ قِيمَةِ الْخَمْرِ مِنْ الذِّمِّيِّ وَعُشْرِ قِيمَتِهِ مِنْ الْحَرْبِيِّ لَا أَنَّهُ يُؤْخَذُ الْعُشْرُ بِتَمَامِهِ مِنْهُمَا، وَلَا أَنَّ الْمَأْخُوذَ مِنْ عَيْنِ الْخَمْرِ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ مَنْهِيٌّ عَنْ اقْتِرَابِهَا، وَوَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ عَلَى الظَّاهِرِ أَنَّ الْقِيمَةَ فِي ذَوَاتِ الْقِيَمِ لَهَا حُكْمُ الْعَيْنِ، وَالْخِنْزِيرُ مِنْهَا، وَفِي ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ لَيْسَ لَهَا هَذَا الْحُكْمُ، وَالْخَمْرُ مِنْهَا وَلِأَنَّ حَقَّ الْأَخْذِ مِنْهَا لِلْحِمَايَةِ وَالْمُسْلِمُ يَحْمِي خَمْرَ نَفْسِهِ لِلتَّخْلِيلِ فَكَذَا يَحْمِيهَا عَلَى غَيْرِهِ، وَلَا يَحْمِي خِنْزِيرٌ نَفْسَهُ بَلْ يَجِبُ تَسْيِيبُهُ بِالْإِسْلَامِ فَكَذَا لَا يَحْمِيهِ عَلَى غَيْرِهِ وَسَيَأْتِي فِي آخِرِ بَابِ الْمَهْرِ مَا أُورِدَ عَلَى التَّعْلِيلِ الْأَوَّلِ وَجَوَابُهُ، وَفِي الْغَايَةِ تُعْرَفُ قِيمَةُ الْخَمْرِ بِقَوْلِ فَاسِقَيْنِ تَابَا أَوْ ذِمِّيَّيْنِ أَسْلَمَا، وَفِي الْكَافِي يُعْرَفُ ذَلِكَ بِالرُّجُوعِ إلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ اهـ. قَيَّدْنَا بِخَمْرِ الذِّمِّيِّ وَالْحَرْبِيِّ لِأَنَّ الْعَاشِرَ لَا يَأْخُذُ مِنْ الْمُسْلِمِ إذَا مَرَّ بِالْخَمْرِ اتِّفَاقًا كَذَا فِي الْفَوَائِدِ وَقَيَّدَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْمَبْسُوطِ وَإِلَّا قَطَعَ بِأَنْ يَمُرَّ الذِّمِّيُّ بِالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ لِلتِّجَارَةِ وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْلُ عُمَرَ وَلُّوهُمْ بَيْعَهَا وَخُذُوا الْعُشْرَ مِنْ أَثْمَانِهَا، وَفِي الْمِعْرَاجِ قَوْلُهُ مَرَّ ذِمِّيٌّ بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ أَيْ مَرَّ بِهِمَا بِنِيَّةِ التِّجَارَةِ وَهُمَا يُسَاوَيَانِ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ رِعَايَةِ الشُّرُوطِ فِي حَقِّهِ اهـ. وَجُلُودُ الْمَيْتَةِ كَالْخَمْرِ فَإِنَّهُ كَانَ مَالًا فِي الِابْتِدَاءِ وَيَصِيرُ مَالًا فِي الِانْتِهَاءِ بِالدَّبْغِ (قَوْلُهُ وَمَا فِي بَيْتِهِ) مَعْطُوفٌ عَلَى الْخِنْزِيرِ أَيْ لَا يُعَشَّرُ الْمَالُ الَّذِي فِي بَيْتِهِ لِمَا قَدَّمْنَا أَنَّ مِنْ شُرُوطِهِ مُرُورَهُ بِالْمَالِ عَلَيْهِ فَيَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ - تَعَالَى - (قَوْلُهُ وَالْبِضَاعَةِ) أَيْ لَا يَأْخُذُ مِنْ مَالِ الْبِضَاعَةِ شَيْئًا لِأَنَّ الْوَكِيلَ لَيْسَ بِنَائِبٍ عَنْهُ فِي أَدَاءِ الزَّكَاةِ، وَفِي الْمُغْرِبِ الْبِضَاعَةُ قِطْعَةٌ مِنْ الْمَالِ، وَفِي الِاصْطِلَاحِ مَا يَدْفَعُهُ الْمَالِكُ لِإِنْسَانٍ يَبِيعُ فِيهِ، وَيَتَّجِرُ لِيَكُونَ الرِّبْحُ كُلُّهُ لِلْمَالِكِ، وَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ (قَوْلُهُ: وَمَالِ الْمُضَارَبَةِ وَكَسْبِ الْمَأْذُونِ) أَيْ لَا يَأْخُذُ الْعُشْرَ مِنْ الْمُضَارِبِ وَالْمَأْذُونِ؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُمَا، وَلَا نِيَابَةَ مِنْ الْمَالِكِ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي الثَّلَاثَةِ، وَلَوْ كَانَ فِي الْمُضَارَبَةِ رَبِحَ عُشْرَ حِصَّةِ الْمُضَارِبِ إنْ بَلَغَتْ نِصَابًا لَمَلَكَ نَصِيبَهُ مِنْ الرِّبْحِ، وَلَوْ كَانَ مَوْلَى الْمَأْذُونِ مَعَهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْمَالَ لَهُ إلَّا إذَا كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ مُحِيطٌ بِمَالِهِ وَرَقَبَتِهِ لِانْعِدَامِ الْمِلْكِ عِنْدَهُ، وَلِلشَّغْلِ عِنْدَهُمَا (قَوْلُهُ: وَثَنَّى إنْ عَشَّرَ الْخَوَارِجُ) أَيْ أَخَذَ مِنْهُ ثَانِيًا إنْ مَرَّ عَلَى عَاشِرِ الْخَوَارِجِ فَعَشَّرُوهُ؛ لِأَنَّ التَّقْصِيرَ مِنْ جِهَتِهِ حَيْثُ مَرَّ عَلَيْهِمْ بِخِلَافِ مَا إذَا ظَهَرُوا عَلَى مِصْرٍ أَوْ قَرْيَةٍ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. [بَابُ الرِّكَازِ] (بَابُ الرِّكَازِ) هُوَ الْمَعْدِنُ أَوْ الْكَنْزُ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَرْكُوزٌ فِي الْأَرْضِ، وَإِنْ اخْتَلَفَ الرَّاكِزُ وَشَيْءٌ رَاكِزٌ ثَابِتٌ كَذَا فِي   [منحة الخالق] الْعُمَّالُ الْيَوْمَ مِنْ الْأَخْذِ عَلَى رَأْسِ الْحَرْبِيِّ وَالذِّمِّيِّ خَارِجًا عَنْ الْجِزْيَةِ حَتَّى يَتَمَكَّنَ مِنْ زِيَارَةِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ [زَكَاة الْخَمْر وَالْخِنْزِير] (بَابُ الرِّكَازِ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 251 الْمُغْرِبِ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ حَقِيقَةً فِيهِمَا مُشْتَرَكًا مَعْنَوِيًّا وَلَيْسَ خَاصًّا بِالدَّفِينِ، وَلَوْ دَارَ الْأَمْرُ فِيهِ بَيْنَ كَوْنِهِ مَجَازًا فِيهِ، أَوْ مُتَوَاطِئًا؛ إذْ لَا شَكَّ فِي صِحَّةِ إطْلَاقِهِ عَلَى الْمَعْدِنِ كَانَ التَّوَاطُؤُ مُتَعَيِّنًا وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَالْبَدَائِعِ مِنْ أَنَّ الرِّكَازَ حَقِيقَةٌ فِي الْمَعْدِنِ؛ لِأَنَّهُ خُلِقَ فِيهَا مُرَكَّبًا، وَفِي الْكَنْزِ مَجَازٌ بِالْمُجَاوَرَةِ، وَفِي الْمُغْرِبِ عَدَنَ بِالْمَكَانِ أَقَامَ بِهِ، وَمِنْهُ الْمَعْدِنُ لِمَا خَلَقَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - فِي الْأَرْضِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يُقِيمُونَ فِيهِ الصَّيْفَ وَالشِّتَاءَ، وَقِيلَ لِإِنْبَاتِ اللَّهِ فِيهِ جَوْهَرَهُمَا وَإِثْبَاتِهِ إيَّاهُ فِي الْأَرْضِ حَتَّى عَدَنَ فِيهَا أَيْ ثَبَتَ. اهـ. (قَوْلُهُ خُمُسُ مَعْدِنِ نَقْدٍ وَنَحْوِ حَدِيدٍ فِي أَرْضِ خَرَاجٍ أَوْ عُشْرٍ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ» ، وَهُوَ مِنْ الرِّكْزِ فَانْطَلَقَ عَلَى الْمَعْدِنِ وَلِأَنَّهُ كَانَ فِي أَيْدِي الْكَفَرَةِ وَحَوَتْهُ أَيْدِينَا غَلَبَةً فَكَانَ غَنِيمَةً، وَفِي الْغَنِيمَةِ الْخُمُسُ إلَّا أَنَّ لِلْغَانِمِينَ يَدًا حُكْمِيَّةً لِثُبُوتِهَا عَلَى الظَّاهِرِ وَأَمَّا الْحَقِيقَةُ فَلِلْوَاجِدِ فَاعْتَبَرْنَا الْحُكْمِيَّةَ فِي حَقِّ الْخُمُسِ وَالْحَقِيقَةَ فِي حَقِّ الْأَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ حَتَّى كَانَتْ لِلْوَاجِدِ، وَالنَّقْدُ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ وَنَحْوُ الْحَدِيدِ كُلُّ جَامِدٍ يَنْطَبِعُ بِالنَّارِ كَالرَّصَاصِ وَالنُّحَاسِ وَالصُّفْرِ، وَقُيِّدَ بِهِ احْتِرَازًا عَنْ الْمَائِعَاتِ كَالْقَارِ وَالنَّفْطِ وَالْمِلْحِ، وَعَنْ الْجَامِدِ الَّذِي لَا يَنْطَبِعُ كَالْجِصِّ وَالنُّورَةِ وَالْجَوَاهِرِ كَالْيَاقُوتِ وَالْفَيْرُوزَجِ وَالزُّمُرُّدِ فَلَا شَيْءَ فِيهَا وَأَطْلَقَ فِي الْوَاجِدِ فَشَمِلَ الْحُرَّ وَالْعَبْدَ وَالْمُسْلِمَ وَالذِّمِّيَّ الْبَالِغَ وَالصَّبِيَّ وَالذَّكَرَ وَالْأُنْثَى كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَأَمَّا الْحَرْبِيُّ الْمُسْتَأْمَنُ إذَا عَمِلَ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْغَنِيمَةِ، وَإِنْ عَمِلَ بِإِذْنِهِ فَلَهُ مَا شَرَطَ لِأَنَّهُ اسْتَعْمَلَهُ فِيهِ وَإِذَا عَمِلَ رَجُلَانِ فِي طَلَبِ الرِّكَازِ وَأَصَابَهُ أَحَدُهُمَا يَكُونُ لِلْوَاجِدِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - جَعَلَ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهِ لِلْوَاجِدِ، وَإِذَا اسْتَأْجَرَ أُجَرَاءَ لِلْعَمَلِ فِي الْمَعْدِنِ فَالْمُصَابُ لِلْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّهُمْ يَعْمَلُونَ لَهُ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: لَوْ وَجَدَ رِكَازًا فَبَاعَهُ بِعِوَضٍ فَالْخُمُسُ عَلَى الَّذِي فِي يَدِهِ الرِّكَازُ وَيَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِخُمُسِ الثَّمَنِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَفِي الْمَبْسُوطِ وَمَنْ أَصَابَ رِكَازًا وَسِعَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِخُمُسِهِ عَلَى الْمَسَاكِينِ فَإِذَا أَطْلَعَ الْإِمَامَ عَلَى ذَلِكَ أَمْضَى لَهُ مَا صَنَعَ؛ لِأَنَّ الْخُمُسَ حَقُّ الْفُقَرَاءِ وَقَدْ أَوْصَلَهُ إلَى مُسْتَحِقِّهِ، وَهُوَ فِي إصَابَةِ الرِّكَازِ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَى الْحِمَايَةِ فَهُوَ كَزَكَاةِ الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ اهـ وَفِي الْبَدَائِعِ: وَيَجُوزُ دَفْعُ الْخُمُسِ إلَى الْوَالِدَيْنِ وَالْمَوْلُودِينَ الْفُقَرَاءِ كَمَا فِي الْغَنَائِمِ، وَيَجُوزُ لِلْوَاجِدِ أَنْ يَصْرِفَهُ إلَى نَفْسِهِ إذَا كَانَ مُحْتَاجًا، وَلَا تُغْنِيهِ الْأَرْبَعَةُ الْأَخْمَاسِ بِأَنْ كَانَ دُونَ الْمِائَتَيْنِ أَمَّا إذَا بَلَغَ مِائَتَيْنِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ تَنَاوُلُ الْخُمُسِ اهـ. وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الْخُمُسِ مَعَ فَقْرِ الْوَاجِدِ وَجَوَازِ صَرْفِهِ لِنَفْسِهِ، وَلَا يُقَالُ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ الْخُمُسُ مَعَ الْفَقْرِ كَاللُّقَطَةِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: إنَّ النَّصَّ عَامٌّ فَيَتَنَاوَلُهُ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ، وَقُيِّدَ بِكَوْنِهِ فِي أَرْضٍ خَرَاجٍ أَوْ عُشْرٍ لِيُخْرِجَ الدَّارَ فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ فِيهَا لَكِنْ وَرَدَ عَلَيْهِ الْأَرْضُ الَّتِي لَا وَظِيفَةَ فِيهَا كَالْمَفَازَةِ؛ إذْ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا شَيْءَ فِي الْمَأْخُوذِ مِنْهَا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَالصَّوَابُ أَنْ لَا يَجْعَلَ ذَلِكَ لِقَصْدِ الِاحْتِرَازِ بَلْ لِلتَّنْصِيصِ عَلَى أَنَّ وَظِيفَتَهُمَا الْمُسْتَمِرَّةَ لَا تَمْنَعُ الْأَخْذَ مِمَّا يُوجَدُ فِيهَا كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِي الْمُغْرِبِ خَمَسَ الْقَوْمَ إذَا أَخَذَ خُمُسَ أَمْوَالِهِمْ مِنْ بَابِ طَلَبَ اهـ. وَاسْتَشْهَدَ لَهُ فِي ضِيَاءِ الْحُلُومِ بِقَوْلِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ الطَّائِيِّ رَبَّعْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَخَمَسْتُ فِي الْإِسْلَامِ وَالْخُمُسُ بِضَمَّتَيْنِ وَقَدْ تُسَكَّنُ الْمِيمُ وَبِهِ قُرِئَ فِي قَوْله تَعَالَى - {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41] اهـ. فَعُلِمَ أَنَّ قَوْلَهُ فِي الْمُخْتَصَرِ: خَمَسَ بِتَخْفِيفِ الْمِيمِ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فَجَازَ بِنَاءُ الْمَفْعُولِ مِنْهُ، وَبِهِ انْدَفَعَ قَوْلُ مَنْ قَرَأَهُ خَمَّسَ بِتَشْدِيدِ الْمِيم ظَنًّا مِنْهُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: عِبَارَتُهُ وَالرِّكَازُ اسْمٌ لَهَا جَمِيعًا فَقَدْ يُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ الْكَنْزُ وَيُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ الْمَعْدِنُ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ الرِّكْزِ، وَهُوَ الْإِثْبَاتُ يُقَالُ: رَكَّزَ رُمْحَهُ أَيْ أَثْبَتَهُ، وَهَذَا فِي الْمَعْدِنِ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّهُ خُلِقَ فِيهِ مُرَكَّبًا، وَفِي الْكَنْزِ مَجَازٌ بِالْمُجَاوَرَةِ كَذَا قَالَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اهـ. فَبِهِ عَلِمْت أَنَّهُ لَا وَجْهَ لِقَوْلِهِ: انْدَفَعَ مَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ إلَخْ إذْ لَمْ يَجْعَلْهُ نَفْسَهُ حَقِيقَةً فِي الْمَعْدِنِ مَجَازًا فِي الْكَنْزِ تَأَمَّلْ. اهـ. قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ: وَقُيِّدَ بِكَوْنِهِ فِي أَرْضِ خَرَاجٍ أَوْ عَشْرٍ إلَخْ) أَقُولُ: الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ الْبَدَائِعِ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ أَرْضِ الْخَرَاجِ وَالْعُشْرِ هُوَ الْأَرْضُ الْغَيْرُ الْمَمْلُوكَةِ فَإِنَّهُ قَالَ: وَأَمَّا الْمَعْدِنُ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ وَجَدَهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ دَارِ الْحَرْبِ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ أَوْ غَيْرِ مَمْلُوكَةٍ فَإِنْ وَجَدَهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فِي أَرْضٍ غَيْرِ مَمْلُوكَةٍ فَفِيهِ الْخُمُسُ وَإِنْ وَجَدَهُ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ أَوْ دَارٍ أَوْ مَنْزِلٍ أَوْ حَانُوتٍ فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْأَرْبَعَةَ الْأَخْمَاسِ لِصَاحِبِ الْمِلْكِ وَحْدَهُ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ وَاخْتُلِفَ فِي وُجُوبِ الْخُمُسِ ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا إذَا وَجَدَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ إلَخْ لَكِنْ إذَا حُمِلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا عَلَى غَيْرِ الْمَمْلُوكَةِ، وَذَلِكَ كَالْمَفَازَةِ يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّهَا لَيْسَتْ عُشْرِيَّةً، وَلَا خَرَاجِيَّةً فَكَيْفَ يُعَبِّرُ عَنْهَا بِأَرْضِ الْعُشْرِ أَوْ الْخَرَاجِ إلَّا أَنْ يُوجَدَ أَرْضُ عُشْرٍ أَوْ خَرَاجٍ غَيْرِ مَمْلُوكَةٍ (قَوْلُهُ: وَالصَّوَابُ أَنْ لَا يَجْعَلَ ذَلِكَ لِقَصْدِ الِاحْتِرَازِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: فِيهِ بَحْثٌ بَلْ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الدَّارِ، وَيُعْلَمُ حُكْمُ الْمَفَازَةِ بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ إذَا وَجَبَ فِي الْأَرْضِ مَعَ الْوَظِيفَةِ فَلَأَنْ يَجِبَ فِي الْخَالِيَةِ عَنْهَا أَوْلَى. اهـ. قُلْت: وَفِي دَعْوَى الْأَوْلَوِيَّةِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُمْ جَعَلُوا عَدَمَ لُزُومِ الْمُؤَنِ دَلِيلًا عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْخُمُسِ كَمَا يَذْكُرُهُ الْمُؤَلِّفُ فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 252 أَنَّ الْمُخَفَّفَ لَازِمٌ لِمَا عَلِمْت أَنَّ الْمُخَفَّفَ مُتَعَدٍّ، وَأَنَّهُ مِنْ بَابِ طَلَبَ (قَوْلُهُ لَا دَارُهُ وَأَرْضُهُ) أَيْ لَا خُمُسَ فِي مَعْدِنٍ وَجَدَهُ فِي دَارِهِ أَوْ أَرْضِهِ فَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْأَرْبَعَةَ الْأَخْمَاسِ لِلْمَالِكِ سَوَاءٌ، وَجَدَهُ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَوَابِعِ الْأَرْضِ بِدَلِيلِ دُخُولِهِ فِي الْبَيْعِ بِغَيْرِ تَسْمِيَةٍ فَيَكُونُ مِنْ أَجْزَائِهَا وَاخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ الْخُمُسِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا خُمُسَ فِي الدَّارِ وَالْبَيْتِ وَالْمَنْزِلِ وَالْحَانُوتِ مُسْلِمًا كَانَ الْمَالِكُ، أَوْ ذِمِّيًّا كَمَا فِي الْمُحِيطِ، وَفِي الْأَرْضِ عَنْهُ رِوَايَتَانِ اخْتَارَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهَا كَالدَّارِ وَقَالَا: يَجِبُ الْخُمُسُ لِإِطْلَاقِ الدَّلِيلِ، وَلَهُ أَنَّهُ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ مُرَكَّبٌ فِيهَا، وَلَا مُؤْنَةَ فِي سَائِرِ الْأَجْزَاءِ فَكَذَا فِي هَذَا الْجُزْءِ؛ لِأَنَّ الْجُزْءَ لَا يُخَالِفُ الْجُمْلَةَ بِخِلَافِ الْكَنْزِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُرَكَّبٍ فِيهَا، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْأَرْضِ وَالدَّارِ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَهِيَ رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ الدَّارَ مُلِكَتْ خَالِيَةً عَنْ الْمُؤَنِ دُونَ الْأَرْضِ؛ وَلِذَا وَجَبَ الْعُشْرَ أَوْ الْخَرَاجُ فِي الْأَرْضِ دُونَ الدَّارِ فَكَذَا هَذِهِ الْمُؤْنَةُ حَتَّى قَالُوا: لَوْ كَانَ فِي الدَّارِ نَخْلَةٌ تَطْرَحُ كُلَّ سَنَةٍ أَكْرَارًا مِنْ الثِّمَارِ لَا يَجِبُ فِيهِ شَيْءٌ لِمَا قُلْنَا بِخِلَافِ الْأَرْضِ، وَفِي الْبَدَائِعِ: هَذَا كُلُّهُ إذَا وُجِدَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَأَمَّا إذَا وَجَدَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَإِنْ وَجَدَهُ فِي أَرْضٍ غَيْرِ مَمْلُوكَةٍ فَهُوَ لَهُ، وَلَا خُمُسَ فِيهِ كَمَا فِي الْكَنْزِ، وَأَوْرَدَ عَلَى كَوْنِ الْمَعْدِنِ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ جَوَازَ التَّيَمُّمِ بِهِ، وَلَيْسَ بِجَائِزٍ، وَأَجَابَ فِي الْمِعْرَاجِ بِأَنَّهُ مِنْ أَجْزَائِهَا، وَلَيْسَ مِنْ جِنْسِهَا كَالْخَشَبِ (قَوْلُهُ وَكَنْزٌ) بِالرَّفْعِ عُطِفَ عَلَى " مَعْدِنٌ " أَيْ وَخُمُسُ كَنْزٍ، وَهُوَ دَفِينُ الْجَاهِلِيَّةِ فَيَكُونُ الْخُمُسُ لِبَيْتِ الْمَالِ، وَلَهُ أَنْ يَصْرِفَهُ إلَى نَفْسِهِ إنْ كَانَ فَقِيرًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْمَعْدِنِ وَوُجُوبُ الْخُمُسِ اتِّفَاقٌ لِعُمُومِ الْحَدِيثِ «، وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ» كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ: وَبَاقِيهِ لِلْمُخْتَطِّ لَهُ) أَيْ الْأَخْمَاسُ الْأَرْبَعَةُ لِلَّذِي مَلَّكَهُ الْإِمَامُ الْبُقْعَةَ أَوَّلَ الْفَتْحِ، وَإِنْ كَانَ مَيِّتًا فَلِوَرَثَتِهِ إنْ عُرِفُوا، وَإِلَّا فَهُوَ لِأَقْصَى مَالِكٍ لِلْأَرْضِ أَوْ لِوَرَثَتِهِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَقِيلَ يُوضَعُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَرَجَّحَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِي التُّحْفَةِ جَعَلَهُ لِبَيْتِ الْمَالِ إنْ لَمْ يُعْرَفْ الْأَقْصَى وَوَرَثَتُهُ، وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَهُمَا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إنَّ الْبَاقِيَ لِلْوَاحِدِ كَالْمَعْدِنِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ بِتَمَامِ الْحِيَازَةِ، وَهِيَ مِنْهُ، وَلَهُمَا أَنَّ يَدَ الْمُخْتَطِّ لَهُ سَبَقَتْ إلَيْهِ، وَهِيَ يَدُ الْخُصُوصِ فَيَمْلِكُ بِهِ مَا فِي الْبَاطِنِ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى الظَّاهِرِ كَمَا إذَا اصْطَادَ سَمَكَةً فِي بَطْنِهَا دُرَّةٌ ثُمَّ بِالْبَيْعِ لَمْ تَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ؛ لِأَنَّهُ مُودَعٌ فِيهَا بِخِلَافِ الْمَعْدِنِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَجْزَائِهَا فَيَنْتَقِلُ إلَى الْمُشْتَرِي وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا لَمْ يَدَّعِهِ مَالِكُ الْأَرْضِ فَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ مَلَكَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ اتِّفَاقًا كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ أَطْلَقَ فِي الْكَنْزِ فَشَمِلَ النَّقْدَ وَغَيْرَهُ مِنْ السِّلَاحِ وَالْآلَاتِ وَأَثَاثِ الْمَنَازِلِ وَالْفُصُوصِ وَالْقُمَاشِ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ مِلْكًا لِلْكُفَّارِ فَحَوَتْهُ أَيْدِينَا قَهْرًا فَصَارَتْ غَنِيمَةً وَقَيَّدْنَاهُ بِدَفِينِ الْجَاهِلِيَّةِ بِأَنْ كَانَ نَقْشُهُ صَنَمًا أَوْ اسْمَ مُلُوكِهِمْ الْمَعْرُوفِينَ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ دَفِينِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ كَالْمَكْتُوبِ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الشَّهَادَةِ أَوْ نَقْشٌ آخَرُ مَعْرُوفٌ لِلْمُسْلِمِينَ فَهُوَ لُقَطَةٌ؛ لِأَنَّ مَالَ الْمُسْلِمِينَ لَا يُغْنَمُ وَحُكْمُهَا مَعْرُوفٌ، وَإِنْ اشْتَبَهَ الضَّرْبُ عَلَيْهِمْ فَهُوَ جَاهِلِيٌّ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ وَقِيلَ يُجْعَلُ إسْلَامِيًّا فِي زَمَانِنَا لِتَقَادُمِ الْعَهْدِ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ لِلْمُخْتَطِّ لَهُ إلَى أَنَّهُ وَجَدَهُ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَدَهُ فِي أَرْضٍ غَيْرِ مَمْلُوكَةٍ كَالْجِبَالِ وَالْمَفَازَةِ فَهُوَ كَالْمَعْدِنِ يَجِبُ خُمُسُهُ وَبَاقِيهِ لِلْوَاجِدِ مُطْلَقًا حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا كَمَا ذَكَرْنَاهُ، وَفِي الْمُغْرِبِ الْخُطَّةُ الْمَكَانُ الْمُخْتَطُّ لِبِنَاءِ دَارٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْعِمَارَاتِ، وَفِي الْمِعْرَاجِ إنَّمَا قَالُوا لِلْمُخْتَطِّ لَهُ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ إذَا أَرَادَ قِسْمَةَ الْأَرَاضِي يَخُطُّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْغَانِمِينَ وَيَجْعَلُ تِلْكَ النَّاحِيَةَ لَهُ (قَوْلُهُ وَزِئْبِقٌ) أَيْ خُمُسُ الزِّئْبَقِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا شَيْءَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مَائِعٌ يَنْبُعُ مِنْ الْأَرْضِ كَالْقِيرِ وَلَهُمَا أَنَّهُ يَنْطَبِعُ مَعَ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ حَجَرٌ   [منحة الخالق] الْمَقُولَةِ الْآتِيَةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: لِمَا عَلِمْت أَنَّ الْمُخَفَّفَ مُتَعَدٍّ) أَيْ فَيُبْنَى لِلْمَفْعُولِ مِنْ غَيْرِ نَقْلِهِ إلَى بَابِ التَّضْعِيفِ عَلَى أَنَّ التَّشْدِيدَ لَا مَعْنَى لَهُ هُنَا لِأَنَّ خَمَّسْت الشَّيْءَ بِمَعْنَى جَعَلْته خَمْسَةَ أَخْمَاسٍ كَمَا فِي النَّهْرِ وَأَمَّا الَّذِي بِمَعْنَى أَخَذْت خُمُسَهُ فَهُوَ الْمُخَفَّفُ كَمَا مَرَّ عَنْ الْمُغْرِبِ (قَوْلُهُ: وَاخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ الْخُمُسِ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْخِلَافَ فِيهِ جَارٍ فِي الْأَرْضِ الْمَمْلُوكَةِ لِلْوَاجِدِ أَوْ لِغَيْرِهِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ قَبْلَهُ تَبَعًا لِلْبَدَائِعِ سَوَاءٌ وَجَدَهُ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ أَيْ الْمَالِكُ، أَوْ غَيْرُ الْمَالِكِ فَقَوْلُ الْمَتْنِ: لَا دَارُهُ وَأَرْضُهُ بِإِرْجَاعِ الضَّمِيرِ لِلْوَاجِدِ لَيْسَ احْتِرَازًا عَنْ الْأَرْضِ الْمَمْلُوكَةِ لِغَيْرِ الْوَاجِدِ بَلْ هُمَا سَوَاءٌ فِي عَدَمِ وُجُوبِ الْخُمُسِ فِيهِمَا كَمَا اسْتَوَيَا فِي أَنَّ الْأَرْبَعَةَ الْأَخْمَاسِ لِلْمَالِكِ سَوَاءٌ كَانَ هُوَ الْوَاجِبَ أَوْ غَيْرَهُ وَعِبَارَةُ التَّنْوِيرِ تَقْتَضِي خِلَافَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَالَ: وَبَاقِيهِ أَيْ بَاقِي الْمَعْدِنِ بَعْدَ الْخُمُسِ لِمَالِكِهَا إنْ مُلِكَتْ، وَإِلَّا فَلِلْوَاجِدِ، وَلَا شَيْءَ فِيهِ إنْ وَجَدَهُ فِي دَارِهِ وَأَرْضِهِ فَقَوْلُهُ: وَبَاقِيهِ لِمَالِكِهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْوَاجِدُ غَيْرَ الْمَالِكِ يُخَمِّسُ وَالْبَاقِي لِلْمَالِكِ، وَلَوْ كَانَ الْوَاجِدُ هُوَ الْمَالِكَ لَا يُخَمِّسُ بَلْ الْكُلُّ لَهُ لِقَوْلِهِ بَعْدَهُ: وَلَا شَيْءَ فِيهِ إنْ وَجَدَهُ فِي دَارِهِ وَأَرْضِهِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا شَيْءَ فِيهِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: أَيْ فِي رِوَايَتِهِ الْأَخِيرَةِ، وَأَقُولُ: الْخِلَافُ فِي الْمُصَابِ فِي مَعْدِنِهِ أَمَّا الْمَوْجُودُ فِي خَزَائِنِ الْكُفَّارِ فَفِيهِ الْخُمُسُ اتِّفَاقًا كَذَا فِي النَّهْرِ، وَهَذَا أَيْضًا فِيمَا إذَا وَجَدَهُ فِي غَيْرِ أَرْضِهِ وَدَارِهِ أَمَّا إذَا وَجَدَهُ فِيهِمَا لَا سَبِيلَ لِأَحَدٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 253 يُطْبَخُ فَيَسِيلُ مِنْهُ الزِّئْبَقُ فَأَشْبَهَ الرَّصَاصَ، وَهُوَ بِكَسْرِ الْبَاءِ بَعْدَ الْهَمْزَةِ السَّاكِنَةِ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَقِيلَ هُوَ حَيَوَانٌ؛ لِأَنَّهُ ذُو حِسٍّ يَتَحَرَّكُ بِالْإِرَادَةِ؛ وَلِهَذَا يُقْتَلُ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّهُ بِالْيَاءِ وَقَدْ تُهْمَزُ، وَمِنْهُمْ حِينَئِذٍ مَنْ يَكْسِرُ الْمُوَحَّدَةَ بَعْدَ الْهَمْزَةِ مِثْلَ زِيبِرِ الثَّوْبِ، وَهُوَ مَا يَعْلُو جَدِيدُهُ مِنْ الْوَبْرَةِ لِأَخْذِهِ لَا عَلَى وَجْهِ الْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ (قَوْلُهُ: لَا رِكَازُ دَارِ حَرْبٍ) أَيْ لَا يُخَمَّسُ رِكَازٌ فِي دَارِ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِغَنِيمَةٍ لِأَخْذِهِ لَا عَلَى وَجْهِ الْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ لِانْعِدَامِ غَلَبَةِ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِ أَطْلَقَ فِي الرِّكَازِ فَشَمِلَ الْكَنْزَ وَالْمَعْدِنَ وَالْقُدُورِيُّ وَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْكَنْزِ لِيُبَيِّنَّ حُكْمَ الْمَعْدِنِ بِالْأَوْلَى لِعَدَمِ الِاخْتِلَافِ فِيهِ بِخِلَافِ الْكَنْزِ فَإِنَّ شَيْخَ الْإِسْلَامِ أَوْجَبَ الْخُمُسَ فِيهِ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ وَأَطْلَقَ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَشَمِلَ مَا إذَا وَجَدَهُ فِي أَرْضٍ غَيْرِ مَمْلُوكَةٍ أَوْ فِي مَمْلُوكَةٍ لَهُمْ لَكِنْ إذَا كَانَتْ غَيْرَ مَمْلُوكَةٍ فَالْكُلُّ لَهُ سَوَاءٌ دَخَلَ بِأَمَانٍ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْأَمَانِ يَظْهَرُ فِي الْمَمْلُوكِ لَا فِي الْمُبَاحِ، وَإِنْ كَانَتْ مَمْلُوكَةً لِبَعْضِهِمْ فَإِنْ دَخَلَ بِأَمَانٍ رَدَّهُ إلَى صَاحِبِهَا لِحُرْمَةِ أَمْوَالِهِمْ عَلَيْهِ بِغَيْرِ الرِّضَا، وَإِنْ لَمْ يَرُدَّهُ إلَيْهِ مَلَكَهُ مِلْكًا خَبِيثًا فَسَبِيلُهُ التَّصَدُّقُ بِهِ، فَلَوْ بَاعَهُ صَحَّ لِقِيَامِ مِلْكِهِ لَكِنْ لَا يَطِيبُ لِلْمُشْتَرِي بِخِلَافِ بَيْعِ الْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ يَرْتَفِعُ بِبَيْعِهِ لِامْتِنَاعِ فَسْخِهِ حِينَئِذٍ، وَإِنْ دَخَلَ بِغَيْرِ أَمَانٍ حَلَّ لَهُ وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ مَا إذَا دَخَلَ جَمَاعَةٌ ذَوُو مَنْعَةٍ دَارَ الْحَرْبِ وَظَفِرُوا بِشَيْءٍ مِنْ كُنُوزِهِمْ فَإِنَّهُ يَجِبُ فِيهِ الْخُمُسُ لِكَوْنِهِ غَنِيمَةً لِحُصُولِ الْأَخْذِ عَلَى طَرِيقِ الْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ (قَوْلُهُ وَفَيْرُوزَجُ وَلُؤْلُؤٌ وَعَنْبَرٌ) أَيْ لَا تُخَمَّسُ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ حَجَرٌ مُضِيءٌ يُوجَدُ فِي الْجِبَالِ، وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ «لَا خُمُسَ فِي الْحَجَرِ» وَنَحْوُهُ الْيَاقُوتُ وَالْجَوَاهِرُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ كُلِّ جَامِعٍ لَا يَنْطَبِعُ أَطْلَقَهُ، وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا أَخَذَهَا مِنْ مَعْدِنِهَا أَمَّا إذَا وُجِدَتْ كَنْزًا، وَهِيَ دَفِينُ الْجَاهِلِيَّةِ فَفِيهِ الْخُمُسُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْكَنْزِ إلَّا الْمَالِيَّةُ لِكَوْنِهِ غَنِيمَةً، وَأَمَّا الثَّانِي فَالْمُرَادُ بِهِ كُلُّ حِلْيَةٍ تُسْتَخْرَجُ مِنْ الْبَحْرِ حَتَّى الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ فِيهِ بِأَنْ كَانَتْ كَنْزًا فِي قَعْرِ الْبَحْرِ، وَهَذَا عِنْدَهُمَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَجِبُ فِي جَمِيعِ مَا يَخْرُجُ مِنْ الْبَحْرِ لِأَنَّهُ مِمَّا تَحْوِيهِ يَدُ الْمُلُوكِ وَلَهُمَا أَنَّ قَعْرَ الْبَحْرِ لَا يَرِدُ عَلَيْهِ قَهْرُ أَحَدٍ فَانْعَدَمَتْ الْيَدُ وَهِيَ شَرْطُ الْوُجُوبِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْكَنْزَ لَا تَفْصِيلَ فِيهِ بَلْ يَجِبُ فِيهِ الْخُمُسُ كَيْفَمَا كَانَ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ أَوْ لَمْ يَكُنْ بَعْدَ أَنْ كَانَ مَالًا مُتَقَوِّمًا، وَأَمَّا الْمَعْدِنُ فَثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ كَمَا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ الْبَابِ وَاللُّؤْلُؤُ مَطَرُ الرَّبِيعِ يَقَعُ فِي الصَّدَفِ فَيَصِيرُ لُؤْلُؤًا وَالصَّدَفُ حَيَوَانٌ يُخْلَقُ فِيهِ اللُّؤْلُؤُ وَالْعَنْبَرُ حَشِيشٌ يَنْبُتُ فِي الْبَحْرِ أَوْ خَثَى دَابَّةٍ فِي الْبَحْرِ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ - أَعْلَمُ (بَابُ الْعُشْرِ) هُوَ وَاحِدُ الْأَجْزَاءِ الْعَشَرَةِ، وَالْكَلَامُ فِيهِ فِي مَوَاضِعَ فِي بَيَانِ فَرْضِيَّتِهِ وَكَيْفِيَّتِهَا وَسَبَبِهَا وَشَرَائِطِهَا وَقَدْرِ الْمَفْرُوضِ وَوَقْتِهِ وَصِفَتِهِ وَرُكْنِهِ وَشَرَائِطِهِ وَمَا يُسْقِطُهُ أَمَّا الْأَوَّلُ فَثَابِتٌ بِالْكِتَابِ قَوْله تَعَالَى - {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] عَلَى قَوْلِ عَامَّةِ أَهْلِ التَّأْوِيلِ هُوَ الْعُشْرُ أَوْ نِصْفُهُ، وَبِالسُّنَّةِ «مَا سَقَتْهُ السَّمَاءُ فَفِيهِ الْعُشْرُ وَمَا سُقِيَ بِغَرْبٍ أَوْ دَالِيَةٍ فَفِيهِ نِصْفُ الْعُشْرِ» ، وَبِالْإِجْمَاعِ وَأَمَّا الْكَيْفِيَّةُ فَمَا تَقَدَّمَ فِي الزَّكَاةِ أَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ أَوْ التَّرَاخِي وَأَمَّا سَبَبُهَا فَالْأَرْضُ النَّامِيَةُ بِالْخَارِجِ حَقِيقَةً بِخِلَافِ الْخَرَاجِ فَإِنَّ سَبَبَهُ الْأَرْضُ النَّامِيَةُ حَقِيقَةً أَوْ تَقْدِيرًا بِالتَّمْكِينِ فَلَوْ تَمَكَّنَ، وَلَمْ يَزْرَعْ وَجَبَ الْخَرَاجُ دُونَ الْعُشْرِ، وَلَوْ أَصَابَ الزَّرْعَ آفَةٌ لَمْ يَجِبَا وَقَدَّمْنَا حُكْمَ تَعْجِيلِ الْعُشْرِ وَأَنَّهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ فِي مَسْأَلَةِ تَعْجِيلِ الزَّكَاةِ، وَأَمَّا شَرَائِطُهَا فَنَوْعَانِ شَرْطُ الْأَهْلِيَّةِ وَشَرْطُ الْمَحَلِّيَّةِ فَالْأَوَّلُ نَوْعَانِ أَحَدُهُمَا الْإِسْلَامُ، وَأَنَّهُ شَرْطُ ابْتِدَاءِ هَذَا الْحَقِّ فَلَا يُبْتَدَأُ إلَّا عَلَى مُسْلِمٍ بِلَا خِلَافٍ وَأَمَّا كَوْنُهُ يَتَحَوَّلُ إلَى الْكَافِرِ فَسَيَأْتِي مُفَصَّلًا وَالثَّانِي الْعِلْمُ بِالْفَرْضِيَّةِ، وَهُوَ   [منحة الخالق] عَلَيْهِ، وَلَا يُخَمِّسُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّتَارْخَانِيَّة [لَا يُخَمَّسُ رِكَازٌ فِي دَارِ الْحَرْبِ] (قَوْلُهُ: مَلَكَهُ مِلْكًا خَبِيثًا) قَالَ فِي النَّهْرِ: الْمَذْكُورُ فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ إنْ أَخْرَجَهُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ مَلَكَهُ مِلْكًا خَبِيثًا (قَوْلُهُ: فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْكَنْزَ لَا تَفْصِيلَ فِيهِ) أَيْ الْكَنْزَ غَيْرَ الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ الْبَحْرِ [بَابُ الْعُشْرِ] [حُكْمَ تَعْجِيلِ الْعُشْرِ] (بَابُ الْعُشْرِ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 254 عَامٌّ فِي كُلِّ عِبَادَةٍ أَيْضًا وَأَمَّا الْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ فَلَيْسَا مِنْ شَرَائِطِ الْوُجُوبِ حَتَّى يَجِبُ الْعُشْرُ فِي أَرْضِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ؛ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْمُؤْنَةِ؛ وَلِهَذَا جَازَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْخُذَهُ جَبْرًا، وَيَسْقُطُ عَنْ صَاحِبِ الْأَرْضِ إلَّا أَنَّهُ لَا ثَوَابَ لَهُ إلَّا إذَا أَدَّى اخْتِيَارًا؛ وَلِذَا لَوْ مَاتَ مَنْ عَلَيْهِ الْعُشْرُ وَالطَّعَامُ قَائِمٌ يُؤْخَذُ مِنْهُ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ وَكَذَا مِلْكُ الْأَرْضِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِلْوُجُوبِ لِوُجُوبِهِ فِي الْأَرْضِ الْمَوْقُوفَةِ وَيَجِبُ فِي أَرْضِ الْمَأْذُونِ وَالْمُكَاتَبِ وَيَجِبُ عَلَى الْمُؤَجِّرِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ كَالْمُسْتَعِيرِ وَيَسْقُطُ عَنْ الْمُؤَجِّرِ بِهَلَاكِهِ قَبْلَ الْحَصَادِ لَا بَعْدَهُ، وَفِي الْمُزَارَعَةِ عَلَى قَوْلِهِمَا فَالْعُشْرُ عَلَيْهِمَا بِالْحِصَّةِ، وَعَلَى قَوْلِهِ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ لَكِنْ يَجِبُ فِي حِصَّتِهِ فِي عَيْنِهِ، وَفِي حِصَّةِ الْمُزَارِعِ يَكُونُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ، وَفِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ عَلَى الْغَاصِبِ إنْ لَمْ تُنْقِصْهَا الزِّرَاعَةُ، وَإِنْ نَقَصَتْهَا فَعَلَى رَبِّ الْأَرْضِ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا فِي الْخَارِجِ وَلَوْ كَانَتْ الْأَرْضُ خَرَاجِيَّةً فَخَرَاجُهَا عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا بِالْإِجْمَاعِ إلَّا فِي الْغَصْبِ إذَا لَمْ تُنْقِصْهَا الزِّرَاعَةُ فَخَرَاجُهَا عَلَى الْغَاصِبِ وَإِنْ نَقَصَتْهَا فَعَلَى رَبِّ الْأَرْضِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهِ، وَفِي الْخُلَاصَةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ أَنَّ الْخَرَاجَ إنَّمَا يَكُونُ عَلَى الْغَاصِبِ إذَا كَانَ جَاحِدًا وَلَا بَيِّنَةَ لِلْمَالِكِ وَزَرَعَهَا الْغَاصِبُ أَمَّا إذَا كَانَ مُقِرًّا، أَوْ لِلْمَالِكِ بَيِّنَةٌ عَادِلَةٌ، وَلَمْ تُنْقِصْهَا الزِّرَاعَةُ فَالْخَرَاجُ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ اهـ. وَأَمَّا شَرَائِطُ الْمَحَلِّيَّةِ فَأَنْ تَكُونَ عُشْرِيَّةً فَلَا عُشْرَ فِي الْخَارِجِ مِنْ أَرْضِ الْخَرَاجِ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ وَسَيَأْتِي بَيَانُ الْعُشْرِيَّةُ وَوُجُودِ الْخَارِجِ، وَأَنْ يَكُونَ الْخَارِجُ مِنْهَا مِمَّا يُقْصَدُ بِزِرَاعَتِهِ نَمَاءُ الْأَرْضِ فَلَا عُشْرَ فِي الْحَطَبِ وَنَحْوِهِ وَسَيَأْتِي بَيَانُ قَدْرِهِ وَأَمَّا وَقْتُهُ فَوَقْتُ خُرُوجِ الزَّرْعِ وَظُهُورِ الثَّمَرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَقْتُ الْإِدْرَاكِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ عِنْدَ التَّنْقِيَةِ وَالْجُذَاذِ وَأَمَّا رُكْنُهُ فَالتَّمْلِيكُ كَالزَّكَاةِ وَشَرَائِطُ الْأَدَاءِ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي الزَّكَاةِ وَأَمَّا مَا يُسْقِطُهُ فَهَلَاكُ الْخَارِجِ مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ، وَبِهَلَاكِ الْبَعْضِ يَسْقُطُ بِقَدْرِهِ، وَإِنْ اسْتَهْلَكَهُ غَيْرُ الْمَالِكِ أَخَذَ الضَّمَانَ مِنْهُ وَأَدَّى عُشْرَهُ، وَإِنْ اسْتَهْلَكَهُ الْمَالِكُ ضَمِنَ عُشْرَهُ وَصَارَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ، وَمِنْهَا الرِّدَّةُ، وَمِنْهَا مَوْتُ الْمَالِكِ مِنْ غَيْرِ وَصِيَّةٍ إذَا كَانَ قَدْ اسْتَهْلَكَهُ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ مُخْتَصَرًا (قَوْلُهُ: يَجِبُ فِي عَسَلِ أَرْضِ الْعُشْرِ وَمُسْقَى سَمَاءٍ وَسَيْحٍ بِلَا شَرْطِ نِصَابٍ وَبَقَاءٍ إلَّا الْحَطَبَ وَالْقَصَبَ وَالْحَشِيشَ) أَيْ يَجِبُ الْعُشْرُ فِيمَا ذُكِرَ أَمَّا فِي الْعَسَلِ فَلِلْحَدِيثِ «فِي الْعَسَلِ الْعُشْرُ» وَلِأَنَّ النَّحْلَ يَتَنَاوَلُ مِنْ الْأَنْوَارِ وَالثِّمَارِ، وَفِيهِمَا الْعُشْرُ فَكَذَا فِيمَا يَتَوَلَّدُ مِنْهُمَا بِخِلَافِ دُودِ الْقَزِّ؛ لِأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ الْأَوْرَاقَ، وَلَا عُشْرَ فِيهَا أَطْلَقَهُ فَتَنَاوَلَ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْإِمَامِ وَقَدَّرَ أَبُو يُوسُفَ نِصَابَهُ بِخَمْسَةِ أَوْسُقٍ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ بِخَمْسَةِ أَفْرَاقٍ كُلُّ فَرْقٍ سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ رِطْلًا قُيِّدَ بِأَرْضِ الْعُشْرِ؛ لِأَنَّ الْعَسَلَ إذَا كَانَ فِي أَرْضِ الْخَرَاجِ فَلَا شَيْءَ فِيهِ لِمَا ذُكِرَ أَنَّ وُجُوبَ الْعُشْرِ فِيهِ لِكَوْنِهِ بِمَنْزِلَةِ الثَّمَرِ، وَلَا شَيْءَ فِي ثِمَارِ أَرْضِ الْخَرَاجِ لِامْتِنَاعِ وُجُوبِ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ فِي أَرْضٍ وَاحِدَةٍ وَفِي الْمِعْرَاجِ: وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ لَا شَيْءَ فِيهِ أَيْ فِي الْعَسَلِ وَلَكِنَّ الْخَرَاجَ يَجِبُ بِاعْتِبَارِ التَّمَكُّنِ مِنْ الِاسْتِنْزَالِ اهـ. وَفِي الْمَبْسُوطِ أَنَّ صَاحِبَ الْأَرْضِ يَمْلِكُ الْعَسَلَ الَّذِي فِي أَرْضِهِ، وَإِنْ لَمْ يَتَّخِذْهَا لِذَلِكَ حَتَّى لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ مِمَّنْ أَخَذَهُ مِنْ أَرْضِهِ بِخِلَافِ الطَّيْرِ إذَا فَرَّخَ فِي أَرْضِ رَجُلٍ فَجَاءَ رَجُلٌ وَأَخَذَهُ فَهُوَ لِلْآخِذِ لِأَنَّ الطَّيْرَ لَا يُفْرِخُ فِي مَوْضِعٍ لِيُتْرَكَ فِيهِ بَلْ لِيَطِيرَ فَلَمْ يَصِرْ صَاحِبُ الْأَرْضِ مُحَرَّرًا لِلْفَرْخِ بِمِلْكِهِ اهـ. وَلَوْ وُجِدَ الْعَسَلُ فِي الْمَفَازَةِ أَوْ الْجَبَلِ فَفِيهِ اخْتِلَافٌ فَعِنْدَهُمَا يَجِبُ الْعُشْرُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا شَيْءَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ لَيْسَتْ بِمَمْلُوكَةٍ وَلَهُمَا أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ مِلْكِهَا النَّمَاءُ وَقَدْ حَصَلَ وَعَلَى هَذَا كُلُّ مَا يُوجَدُ فِي الْجِبَالِ مِنْ الثِّمَارِ وَالْجَوْزِ وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِأَرْضِ الْعُشْرِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: عَلَى قَوْلِهِمَا الْعُشْرُ عَلَيْهِمَا بِالْحِصَّةِ إلَخْ) كَذَا أَطْلَقَهُ فِي الْمِعْرَاجِ وَالسِّرَاجِ وَالْمُجْتَبَى، وَفِي الْفَتْحِ: لَوْ زَارَعَ بِالْعُشْرِيَّةِ إنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الْعَامِلِ فَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الْعُشْرُ عَلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ كَمَا فِي الْإِجَارَةِ، وَعِنْدَهُمَا يَكُونُ فِي الزَّرْعِ كَالْإِجَارَةِ، وَإِنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ فَهُوَ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ فِي قَوْلِهِمْ اهـ. وَمِثْلُهُ فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ: وَالْحَشِيشَ) أَقُولُ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْعُشْرِ فِي الْقَلْيِ، وَهُوَ شَيْءٌ يُتَّخَذُ مِنْ حَرِيقِ الْحِمَّصِ، وَهُوَ مِنْ الْحَشِيشِ وَالظَّلَمَةُ يَأْخُذُونَهُ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ رَمْلِيٌّ (قَوْلُهُ: أَطْلَقَهُ فَتَنَاوَلَ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ) فَيَكُونُ قَوْلُهُ بِلَا شَرْطِ نِصَابٍ تَصْرِيحًا بِمَا عُلِمَ، وَفَائِدَتُهُ التَّنْصِيصُ عَلَى خِلَافِ قَوْلِ الصَّاحِبَيْنِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْعَسَلَ إذَا كَانَ فِي أَرْضِ الْخَرَاجِ فَلَا شَيْءَ فِيهِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: أَقُولُ: يَجِبُ تَقْيِيدُهُ بِخَرَاجِ الْمُقَاطَعَةِ فَلَوْ وُجِدَ فِي أَرْضِ خَرَاجِ الْمُقَاسَمَةِ فَفِيهِ مِثْلُ مَا فِي الثَّمَرِ الْمَوْجُودِ فِيهَا وَقَوْلُهُ وَلَا شَيْءَ فِي ثِمَارِ أَرْضِ الْخَرَاجِ صَرِيحٌ فِيمَا قُلْنَا وَأَنْتَ عَلَى عِلْمٍ أَنَّهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ يَنْصَرِفُ إلَى الْمُوَظَّفِ اهـ وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ فَلَا شَيْءَ فِيهِ نَفْيُ وُجُوبِ الْعُشْرِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيهِ فَلَا يُنَافِي وُجُوبَ الْقَسْمِ إذَا كَانَتْ أَرْضُهُ خَرَاجِيَّةً خَرَاجُهَا مُقَاسَمَةٌ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ التَّقْيِيدَ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْجِبَالَ وَالْمَفَازَةَ لَيْسَتْ بِعُشْرِيَّةٍ مَعَ أَنَّ الْعُشْرَ وَاجِبٌ فِي الْخَارِجِ مِنْهَا، وَقَدْ قَالَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 255 لِلِاحْتِرَازِ عَنْ أَرْضِ الْخَرَاجِ فَقَطْ فَلَوْ قَالَ: يَجِبُ فِي عَسَلِ أَرْضٍ غَيْرِ الْخَرَاجِ لَكَانَ أَوْلَى وَأَمَّا وُجُوبُهُ فِيمَا سُقِيَ بِالْمَطَرِ أَوْ بِالسَّيْحِ كَمَاءِ النِّيلِ فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ لِلْأَدِلَّةِ السَّابِقَةِ وَأَمَّا قَوْلُهُ بِلَا شَرْطِ نِصَابٍ وَبَقَاءٍ فَمَذْهَبُ الْإِمَامِ وَشَرْطَاهُمَا فَصَارَ الْخِلَافُ فِي مَوْضِعَيْنِ لَهُمَا فِي الْأَوَّلِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَيْسَ فِي حَبٍّ، وَلَا تَمْرٍ صَدَقَةٌ حَتَّى يَبْلُغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلَهُ إطْلَاقُ الْآيَةِ {وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ} [البقرة: 267] وَالْحَدِيثِ «فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ الْعُشْرُ» وَتَأْوِيلِ مَرْوِيِّهِمَا أَنَّ الْمُنَقَّى زَكَاةُ التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَبَايَعُونَ بِالْأَوْسَاقِ، وَقِيمَةُ الْوَسْقِ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا أَوْ تَعَارَضَ الْخَاصُّ وَالْعَامُّ فَقُدِّمَ الْعَامَّ؛ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ، وَلَهُمَا فِي الثَّانِي الْحَدِيثُ «لَيْسَ فِي الْخَضْرَاوَاتِ صَدَقَةٌ» وَلَهُ التَّمَسُّكُ بِالْعُمُومَاتِ، وَإِنَّمَا اسْتَثْنَى الثَّلَاثَةَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْصِدُ بِهَا اسْتِغْلَالَ الْأَرْضِ غَالِبًا حَتَّى لَوْ اسْتَغَلَّ بِهَا أَرْضَهُ وَجَبَ الْعُشْرُ، وَعَلَى هَذَا كُلُّ مَا لَا يُقْصَدُ بِهِ اسْتِغْلَالُ الْأَرْضِ لَا يَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ مِثْلُ السَّعَفِ وَالتِّبْنِ، وَكَذَا كُلُّ حَبٍّ لَا يَصْلُحُ لِلزِّرَاعَةِ كَبِزْرِ الْبِطِّيخِ وَالْقِثَّاءِ لِكَوْنِهَا غَيْرَ مَقْصُودَةٍ فِي نَفْسِهَا، وَكَذَا لَا عُشْرَ فِيمَا هُوَ تَابِعٌ لِلْأَرْضِ كَالنَّحْلِ وَالْأَشْجَارِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ جُزْءِ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهُ يَتْبَعُهَا فِي الْبَيْعِ وَكَذَا كُلُّ مَا يَخْرُجُ مِنْ الشَّجَرِ كَالصَّمْغِ وَالْقَطِرَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْصَدُ بِهِ الِاسْتِغْلَالُ، وَيَجِبُ فِي الْعُصْفُرِ وَالْكَتَّانِ وَبِزْرِهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا مَقْصُودٌ فِيهِ ثُمَّ اخْتَلَفَا فِيمَا لَا يُوسَقُ كَالزَّعْفَرَانِ وَالْقُطْنِ فَاعْتَبَرَ أَبُو يُوسُفَ قِيمَةَ أَدْنَى مَا يُوسَقُ كَالذُّرَةِ وَاعْتَبَرَ مُحَمَّدٌ خَمْسَةَ أَعْدَادٍ مِنْ أَعْلَى مَا يُقَدَّرُ بِهِ نَوْعُهُ فَاعْتَبَرَ فِي الْقُطْنِ خَمْسَةَ أَحْمَالٍ كُلُّ حِمْلٍ ثَلَاثُمِائَةِ مَنٍّ، وَفِي الزَّعْفَرَانِ خَمْسَةُ أَمْنَاءٍ وَلَوْ كَانَ الْخَارِجُ نَوْعَيْنِ يُضَمُّ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ لِتَكْمِيلِ النِّصَابِ إذَا اتَّحَدَ الْجِنْسُ، وَإِنْ كَانَ جِنْسَيْنِ كُلُّ وَاحِدٍ أَقَلُّ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ فَإِنَّهُ لَا يَضُمُّ، وَنِصَابُ الْقَصَبِ السُّكَّرِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنْ تَبْلُغَ قِيمَتُهُ قِيمَةَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنْ أَدْنَى مَا يُوسَقُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ نِصَابُ السُّكَّرِ خَمْسَةُ أَمْنَاءٍ فَإِذَا بَلَغَ الْقَصَبُ قَدْرًا يَخْرُجُ مِنْهُ خَمْسَةُ أَمْنَاءِ سُكَّرٍ وَجَبَ فِيهِ الْعُشْرُ عَلَى قَوْلِهِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ نِصَابُ الْقَصَبِ عِنْدَهُ خَمْسَةَ أَطْنَانٍ كَمَا فِي عُرْفِ دِيَارِنَا (قَوْلُهُ: وَنِصْفُهُ فِي مُسْقَى غَرْبٍ وَدَالِيَةٍ) أَيْ وَيَجِبُ نِصْفُ الْعُشْرِ فِيمَا سُقِيَ بِآلَةٍ لِلْحَدِيثِ وَالْغَرْبُ دَلْوٌ عَظِيمٌ وَالدَّالِيَةُ دُولَابٌ عَظِيمٌ تُدِيرُهُ الْبَقَرُ، وَإِنْ سُقِيَ بَعْضَ السَّنَةِ بِآلَةٍ، وَالْبَعْضَ بِغَيْرِهَا فَالْمُعْتَبَرُ أَكْثَرُهَا كَمَا مَرَّ فِي السَّائِمَةِ وَالْعَلُوفَةِ، وَإِنْ اسْتَوَيَا يَجِبُ نِصْفُ الْعُشْرِ نَظَرًا لِلْفُقَرَاءِ كَمَا فِي السَّائِمَةِ، وَظَاهِرُ الْغَايَةِ وُجُوبُ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ الْعُشْرِ (قَوْلُهُ: وَلَا تُرْفَعُ الْمُؤَنُ) أَيْ لَا تُحْسَبُ أُجْرَةُ الْعُمَّالِ وَنَفَقَةُ الْبَقَرِ وَكَرْيُ الْأَنْهَارِ وَأُجْرَةُ الْحَافِظِ وَغَيْرُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَكَمَ بِتَفَاوُتِ الْوَاجِبِ لِتَفَاوُتِ الْمُؤْنَةِ فَلَا مَعْنَى لِرَفْعِهَا أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا فِيهِ الْعُشْرُ وَمَا فِيهِ نِصْفُهُ فَيَجِبُ إخْرَاجُ الْوَاجِبِ مِنْ جَمِيعِ مَا أَخْرَجَتْهُ الْأَرْضُ عُشْرًا أَوْ نِصْفًا إلَّا أَنَّ مَا تَكَلَّفَهُ يَأْخُذُهُ بِلَا عُشْرٍ أَوْ نِصْفِهِ ثُمَّ يُخْرِجُ الْوَاجِبَ مِنْ الْبَاقِي كَمَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُ النَّاسِ (قَوْلُهُ: وَضِعْفُهُ فِي أَرْضٍ عُشْرِيَّةٍ لِتَغْلِبِيٍّ، وَإِنْ أَسْلَمَ أَوْ ابْتَاعَهَا مِنْهُ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ) أَيْ يَجِبُ عُشْرَانِ فِي أَرْضٍ إلَى آخِرِهِ، وَفِيهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ: الْأُولَى: الْأَرْضُ الْعُشْرِيَّةُ إذَا اشْتَرَاهَا تَغْلِبِيٌّ فَالْمَذْهَبُ تَضْعِيفُهُ عَلَيْهِ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ الثَّانِيَةُ: إذَا أَسْلَمَ التَّغْلِبِيُّ فَالتَّضْعِيفُ بَاقٍ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ التَّضْعِيفَ صَارَ وَظِيفَةَ الْأَرْضِ فَيَبْقَى بَعْدَ إسْلَامِهِ كَالْخَرَاجِ الثَّالِثَةِ إذَا اشْتَرَاهَا مِنْهُ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا انْتَقَلَتْ إلَيْهِ بِوَظِيفَتِهَا كَالْخَرَاجِ فَإِنَّ الْمُسْلِمَ أَهْلٌ لِلْبَقَاءِ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِابْتِدَائِهِ وَرَدَّ الْوَاجِبَ أَبُو يُوسُفَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ إلَى عُشْرٍ وَاحِدٍ لِزَوَالِ الدَّاعِي إلَى التَّضْعِيفِ (قَوْلُهُ: وَخَرَاجٌ إنْ اشْتَرَى ذِمِّيٌّ أَرْضًا عُشْرِيَّةً مِنْ مُسْلِمٍ) أَيْ يَجِبُ الْخَرَاجُ؛ لِأَنَّ فِي الْعُشْرِ مَعْنَى الْعِبَادَةِ، وَالْكُفْرُ يُنَافِيهَا، وَلَا وَجْهَ إلَى التَّضْعِيفِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي غَيْرِ التَّغْلِبِيِّ بِخِلَافِ الْخَرَاجِ؛ لِأَنَّهُ عُقُوبَةٌ وَالْإِسْلَامُ لَا يُنَافِيهَا كَالرِّقِّ وَبِهِ انْدَفَعَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ مِنْ تَضْعِيفِ الْعُشْرِ عَلَيْهِ، وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ بِبَقَاءِ الْعُشْرِ، وَحَاصِلُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ الْأَرْضَ إمَّا عُشْرِيَّةٌ   [منحة الخالق] فِي الْخَانِيَّةِ عَلَى أَنَّ أَرْضَ الْجِبَالِ الَّتِي لَا يَصِلُ إلَيْهَا الْمَاءُ عُشْرِيَّةٍ تَأَمَّلْ وَعِبَارَةُ الْغُرَرِ فِي عَسَلِ أَرْضٍ عُشْرِيَّةٍ أَوْ جَبَلٍ قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ نَصَّ عَلَيْهِ أَيْ عَلَى الْجَبَلِ، وَإِنْ كَانَ مَعْلُومًا مِمَّا قَبْلَهُ لِأَنَّ أَرْضَ الْجَبَلِ الَّذِي لَا يَصِلُ إلَيْهِ الْمَاءُ عُشْرِيَّةٍ كَمَا فِي النَّوَازِلِ وَالْخَانِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا لِلْإِشْعَارِ بِعَدَمِ اعْتِبَارِ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ. اهـ. (قَوْلُهُ: الثَّلَاثَةَ) أَيْ الْحَطَبَ وَالْقَصَبَ وَالْحَشِيشَ (قَوْلُهُ: وَنِصَابُ قَصَبِ السُّكَّرِ إلَخْ) تَصَرُّفٌ فِي عِبَارَةِ الْفَتْحِ وَهِيَ بِتَمَامِهَا قَالَ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ فِي قَصَبِ السُّكَّرِ الْعُشْرُ قَلَّ أَوْ كَثُرَ وَعَلَى قِيَاسٍ (قَوْلُهُ خَمْسَةُ أَطْنَانٍ) الطُّنُّ بِالطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ حُزْمَةُ الْقَصَبِ قَالَهُ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ (قَوْلُهُ نَظَرًا لِلْفُقَرَاءِ) الظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ نَظَرًا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 256 أَوْ خَرَاجِيَّةٌ أَوْ تَضْعِيفِيَّةٌ وَالْمُشْتَرُونَ مُسْلِمٌ وَذِمِّيٌّ وَتَغْلِبِيٌّ فَالْمُسْلِمُ إذَا اشْتَرَى الْعُشْرِيَّةُ أَوْ الْخَرَاجِيَّةَ بَقِيَتْ عَلَى حَالِهَا، أَوْ التَّضْعِيفِيَّةُ فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ تَرْجِعُ إلَى عُشْرٍ وَاحِدٍ فَإِذَا اشْتَرَى التَّغْلِبِيُّ الْخَرَاجِيَّةَ بَقِيَتْ خَرَاجِيَّةً أَوْ التَّضْعِيفِيَّةَ فَهِيَ تَضْعِيفِيَّةٌ أَوْ الْعُشْرِيَّةُ مِنْ مُسْلِمٍ ضُوعِفَ عَلَيْهِ الْعُشْرُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَإِذَا اشْتَرَى ذِمِّيٌّ غَيْرُ تَغْلِبِيٍّ خَرَاجِيَّةً أَوْ تَضْعِيفِيَّةً بَقِيَتْ عَلَى حَالِهَا أَوْ عُشْرِيَّةً صَارَتْ خَرَاجِيَّةً إنْ اسْتَقَرَّتْ فِي مِلْكِهِ عِنْدَهُ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْقَبْضَ فِي الْمُخْتَصَرِ لِوُجُوبِ الْخَرَاجِ وَشَرَطَهُ فِي الْهِدَايَةِ؛ لِأَنَّ الْخَرَاجَ لَا يَجِبُ إلَّا بِالتَّمَكُّنِ مِنْ الزِّرَاعَةِ، وَذَلِكَ بِالْقَبْضِ. (قَوْلُهُ: وَعُشْرٌ إنْ أَخَذَهَا مُسْلِمٌ بِالشُّفْعَةِ أَوْ رَدَّ عَلَى الْبَائِعِ لِلْفَسَادِ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِتَحَوُّلِ الصَّفْقَةِ إلَى الشَّفِيعِ كَأَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ الْمُسْلِمِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ بِالرَّدِّ وَالْفَسْخِ جَعَلَ الْبَيْعَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُسْلِمِ، وَهُوَ الْبَائِعُ لَمْ يَنْقَطِعْ بِهَذَا الْبَيْعِ لِكَوْنِهِ مُسْتَحِقَّ الرَّدِّ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ لِلْفَسَادِ إلَى كُلِّ مَوْضِعٍ كَانَ الرَّدُّ فِيهِ فَسْخًا كَالرَّدِّ بِخِيَارِ الشَّرْطِ وَالرُّؤْيَةِ مُطْلَقًا وَالرَّدِّ بِخِيَارِ الْعَيْبِ إنْ كَانَ بِقَضَاءٍ وَأَمَّا بِغَيْرِ قَضَاءٍ فَهِيَ خَرَاجِيَّةٌ عَلَى حَالِهَا كَالْإِقَالَةِ؛ لِأَنَّهَا فَسْخٌ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ ثَالِثٍ فَصَارَ شِرَاءً مِنْ الذِّمِّيِّ فَتَنْتَقِلُ إلَى الْمُسْلِمِ بِوَظِيفَتِهَا فَاسْتُفِيدَ مِنْ وَضْعِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ لِلذِّمِّيِّ أَنْ يَرُدَّهَا بِعَيْبٍ قَدِيمٍ، وَلَا يَكُونُ وُجُوبُ الْخَرَاجِ عَلَيْهَا عَيْبًا حَادِثًا؛ لِأَنَّهُ يَرْتَفِعُ بِالْفَسْخِ بِالْقَضَاءِ فَلَا يَمْنَعُ الرَّدَّ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ جَعَلَ مُسْلِمٌ دَارِهِ بُسْتَانًا فَمُؤْنَتُهُ تَدُورُ مَعَ مَائِهِ) يَعْنِي فَإِنْ سَقَاهُ بِمَاءِ الْعُشْرِ فَهُوَ عُشْرِيٌّ، وَإِنْ سَقَاهُ بِمَاءِ الْخَرَاجِ فَهُوَ خَرَاجِيٌّ، وَإِنْ سَقَاهُ مَرَّةً مِنْ مَاءِ الْعُشْرِ، وَمَرَّةً مِنْ مَاءِ الْخَرَاجِ فَعَلَيْهِ الْعُشْرُ؛ لِأَنَّهُ أَحَقُّ بِالْعُشْرِ مِنْ الْخَرَاجِ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَاسْتَشْكَلَ الْعَتَّابِيُّ وُجُوبَ الْخَرَاجِ عَلَى الْمُسْلِمِ ابْتِدَاءً حَتَّى نَقَلَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّ الْإِمَامَ السَّرَخْسِيَّ ذَكَرَ فِي كِتَابِ الْجَامِعِ أَنَّ عَلَيْهِ الْعُشْرَ بِكُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّهُ أَحَقُّ بِالْعُشْرِ مِنْ الْخَرَاجِ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ اهـ. وَجَوَابُهُ أَنَّ الْمَمْنُوعَ وَضْعُ الْخَرَاجِ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً جَبْرًا أَمَّا بِاخْتِيَارِهِ فَيَجُوزُ، وَقَدْ اخْتَارَهُ هُنَا حَيْثُ سَقَاهُ بِمَاءِ الْخَرَاجِ فَهُوَ كَمَا إذَا أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً بِإِذْنِ الْإِمَامِ وَسَقَاهَا بِمَاءِ الْخَرَاجِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ وَالْبُسْتَانُ يُحَوَّطُ عَلَيْهَا حَائِطٌ، وَفِيهَا أَشْجَارٌ مُتَفَرِّقَةٌ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ قَيَّدَ بِجَعْلِهَا بُسْتَانًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجْعَلْهَا بُسْتَانًا، وَفِيهَا نَخْلٌ تُغِلُّ أَكْرَارًا لَا شَيْءَ فِيهَا وَأَمَّا الذِّمِّيُّ فَإِنَّ الْخَرَاجَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ مُطْلَقًا، وَلَا يُعْتَبَرُ الْمَاءُ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ (بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ) ؛ لِأَنَّهُ أَهْلٌ لَهُ لَا لِلْعُشْرِ (قَوْلُهُ: وَدَارَهُ حُرٌّ) ؛ لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جَعَلَ الْمَسَاكِنَ عَفْوًا وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ وَكَذَا الْمَقَابِرُ وَتَقْيِيدُهُ فِي الْهِدَايَةِ بِالْمَجُوسِيِّ لِيُفِيدَ النَّفْيَ فِي غَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ بِالدَّلَالَةِ لِأَنَّ الْمَجُوسِيَّ أَبْعَدُ عَنْ الْإِسْلَامِ لِحُرْمَةِ مُنَاكَحَتِهِ وَذَبَائِحِهِ (قَوْلُهُ: كَعَيْنِ قِيرٍ وَنَفْطٍ فِي أَرْضِ عُشْرٍ، وَلَوْ فِي أَرْضِ خَرَاجٍ يَجِبُ الْخَرَاجُ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ إنْزَالِ الْأَرْضِ، وَإِنَّمَا هُوَ عَيْنٌ فَوَّارَةٌ كَعَيْنِ الْمَاءِ فَلَا عُشْرَ، وَلَا خَرَاجَ إنْ لَمْ يَكُنْ وَرَاءَ مَوْضِعِ الْقِيرِ وَالنَّفْطِ أَرْضٌ فَارِغَةٌ صَالِحَةٌ لِلزِّرَاعَةِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ وَرَاءَهُ مَوْضِعٌ صَالِحٌ لِلزِّرَاعَةِ فَلَا يَجِبُ شَيْءٌ إنْ كَانَ فِي أَرْضِ الْعُشْرِ؛ لِأَنَّ الْعُشْرَ لَا يَكْفِي فِيهِ التَّمَكُّنُ مِنْ الزِّرَاعَةِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ حَقِيقَةِ الْخَارِجِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ فِي أَرْضِ خَرَاجٍ وَجَبَ الْخَرَاجُ؛ لِأَنَّهُ يَكْفِي لِوُجُوبِهِ التَّمَكُّنُ مِنْ الزِّرَاعَةِ، وَقَدْ حَصَلَ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِمَا فِي الْمُخْتَصَرِ وَالْقِيرُ هُوَ الزِّفْتُ، وَيُقَالُ الْقَارُ وَالنَّفْطُ بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ، وَهُوَ أَفْصَحُ دُهْنٌ يَعْلُو الْمَاءَ، وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ، وَلَا يُمْسَحُ مَوْضِعُ الْقِيرِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ مَوْضِعَهُ لَا يَصْلُحُ لِلزِّرَاعَةِ وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: يُمْسَحُ؛ لِأَنَّ مَوْضِعَ الْقِيرِ تَبَعٌ لِلْأَرْضِ فَيُمْسَحُ مَعَهُ تَبَعًا وَإِنْ كَانَ لَا يَصْلُحُ لِلزِّرَاعَةِ كَأَرْضٍ فِي بَعْضِ جَوَانِبِهَا سَبْخَةٌ فَإِنَّهَا تُمْسَحُ مَعَ الْأَرْضِ وَيُوضَعُ الْخَرَاجُ   [منحة الخالق] لِلْمَالِكِ لِأَنَّ النَّظَرَ لِلْفُقَرَاءِ فِي وُجُوبِ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ الْعُشْرِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِتَحَوُّلِ الصَّفْقَةِ إلَى الشَّفِيعِ إلَخْ) أَقُولُ: صَرَّحُوا فِي الشُّفْعَةِ بِأَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ شِرَاءٌ مِنْ الْمُشْتَرِي إنْ كَانَ الْأَخْذُ بَعْدَ الْقَبْضِ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ فَشِرَاءٌ مِنْ الْبَائِعِ لِتَحَوُّلِ الصَّفْقَةِ إلَيْهِ، وَوَضْعُ الْمَسْأَلَةِ هُنَا بَعْدَ الْقَبْضِ فَيَكُونُ شِرَاءً مِنْ الذِّمِّيِّ فَهُوَ مُشْكِلٌ، وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْهُ بِمَا نَقَلَهُ فِي النِّهَايَةِ عَنْ نَوَادِرِ زَكَاةِ الْمَبْسُوطِ، وَلَوْ أَنَّ كَافِرًا اشْتَرَى أَرْضًا عُشْرِيَّةً فَعَلَيْهِ فِيهَا الْخَرَاجُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَكِنْ هَذَا بَعْدَمَا انْقَطَعَ حَقُّ الْمُسْلِمِ عَنْهَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ حَتَّى لَوْ اسْتَحَقَّهَا مُسْلِمٌ أَوْ أَخَذَهَا مُسْلِمٌ بِالشُّفْعَةِ كَانَتْ عُشْرِيَّةً عَلَى حَالِهَا سَوَاءٌ وُضِعَ عَلَيْهَا الْخَرَاجُ أَوْ لَمْ يُوضَعْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْقَطِعْ حَقُّ الْمُسْلِمِ عَنْهَا اهـ. تَأَمَّلْ رَمْلِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَجَوَابُهُ أَنَّ الْمَمْنُوعَ إلَخْ) حَاصِلُ الْجَوَابِ تَسْلِيمُ أَنَّ وَضْعَ الْخَرَاجِ عَلَى الْمُسْلِمِ ابْتِدَاء جَائِزٌ لَكِنْ لَا مُطْلَقًا بَلْ إذَا كَانَ بِرِضَاهُ، وَأَنَّ الْمَمْنُوعَ وَضْعُهُ عَلَيْهِ جَبْرًا وَأَجَابَ فِي الْفَتْحِ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ هَذَا لَيْسَ فِيهِ وَضْعُ الْخَرَاجِ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً أَصْلًا وَإِنَّمَا هُوَ انْتِقَالُ مَا وَظِيفَتُهُ الْخَرَاجُ إلَيْهِ بِوَظِيفَتِهِ، وَهُوَ الْمَاءُ فَإِنَّ وَظِيفَتَهُ الْخَرَاجُ فَإِذَا سُقِيَ بِهِ انْتَقَلَ هُوَ بِوَظِيفَتِهِ إلَى أَرْضِ الْمُسْلِمِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى خَرَاجِيَّةً الجزء: 2 ¦ الصفحة: 257 فِيهَا لِكَوْنِهَا تَابِعَةً لِمَا يَصْلُحُ لِلزِّرَاعَةِ اهـ. وَظَاهِرُ الْمُخْتَصَرِ يَدُلُّ عَلَى قَوْلِ الْبَعْضِ فَإِنَّهُ أَوْجَبَ الْخَرَاجَ مُطْلَقًا، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الْفَرْقَ بَيْنَ الْأَرْضِ الْخَرَاجِيَّةِ وَالْعُشْرِيَّةِ فَالْأَرْضُ الْعُشْرِيَّةُ أَرْضُ الْعَرَبِ كُلِّهَا قَالَ مُحَمَّدٌ هِيَ مِنْ الْعُذَيْبِ إلَى مَكَّةَ وَعَدَنَ أَبْيَنَ إلَى أَقْصَى حَجْرٍ بِالْيَمَنِ بِمُهْرَةٍ وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّهَا أَرْضُ الْحِجَازِ وَتِهَامَةَ وَالْيَمَنِ وَمَكَّةَ وَالطَّائِفِ وَالْبَرِّيَّةِ، وَمِنْهَا الْأَرْضُ الَّتِي أَسْلَمَ أَهْلُهَا طَوْعًا أَوْ فُتِحَتْ قَهْرًا وَقُسِمَتْ بَيْنَ الْغَانِمِينَ، وَأَمَّا الْأَرْضُ الْخَرَاجِيَّةُ فَمَا فُتِحَتْ قَهْرًا وَتُرِكَتْ فِي أَيْدِي أَرْبَابِهَا وَأَرْضُ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ، وَالْمَوَاتُ الَّتِي أَحْيَاهَا ذِمِّيٌّ مُطْلَقًا أَوْ مُسْلِمٌ وَسَقَاهَا بِمَاءِ الْخَرَاجِ وَمَاءُ الْخَرَاجِ هُوَ مَاءُ الْأَنْهَارِ الصِّغَارِ الَّتِي حَفَرَهَا الْأَعَاجِمُ مِمَّا يَدْخُلُ تَحْتَ الْأَيْدِي وَمَاءُ الْعُيُونِ وَالْقَنَوَاتِ الْمُسْتَنْبَطَةِ مِنْ مَالِ بَيْتِ الْمَالِ وَمَاءُ الْعُشْرِ هُوَ مَاءُ السَّمَاءِ وَالْآبَارِ وَالْعُيُونِ وَالْأَنْهَارِ الْعِظَامِ الَّتِي لَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْأَيْدِي كَسَيْحُونَ وَجَيْحُونَ وَدِجْلَةَ وَالْفُرَاتِ وَالنِّيلِ لِعَدَمِ إثْبَاتِ يَدٍ عَلَيْهَا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا خَرَاجِيَّةٌ لِإِمْكَانِ إثْبَاتِ الْيَدِ عَلَيْهَا بِشَدِّ السُّفُنِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ حَتَّى تَصِيرَ شِبْهَ الْقَنْطَرَةِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (بَابُ الْمَصْرِفِ) . هُوَ فِي اللُّغَةِ الْمَعْدِلُ قَالَ - تَعَالَى - {وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا} [الكهف: 53] كَذَا فِي ضِيَاءِ الْحُلُومِ، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ فِي الْكِتَابِ بِمَصْرِفِ الزَّكَاةِ لِيَتَنَاوَلَ الزَّكَاةَ وَالْعُشْرَ وَخُمُسَ الْمَعَادِنِ مِمَّا قَدَّمَهُ كَمَا أُشِيرَ إلَيْهِ فِي النِّهَايَةِ وَيَنْبَغِي إخْرَاجُ خُمُسِ الْمَعَادِنِ؛ لِأَنَّ مَصْرِفَهُ الْغَنَائِمُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَدْ ذَكَرَ الْأَصْنَافَ السَّبْعَةَ وَسَكَتَ عَنْ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ لِلْإِشَارَةِ إلَى السُّقُوطِ لِلْإِجْمَاعِ الصَّحَابِيِّ، وَهُوَ مِنْ قَبِيلِ انْتِهَاءِ الْحُكْمِ لِانْتِهَاءِ عِلَّتِهِ الْغَائِبَةِ الَّتِي كَانَ لِأَجْلِهَا الدَّفْعُ فَإِنَّ الدَّفْعَ كَانَ لِلْإِعْزَازِ وَقَدْ أَعَزَّ اللَّهُ الْإِسْلَامَ وَأَغْنَى عَنْهُمْ وَاخْتَارَ فِي الْعِنَايَةِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ النَّسْخِ؛ لِأَنَّ الْإِعْزَازَ الْآنَ فِي عَدَمِ الدَّفْعِ فَهُوَ تَقْرِيرٌ لِمَا كَانَ لَا نَسْخٌ وَتَعَقَّبَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّ هَذَا لَا يَنْفِي النَّسْخَ؛ لِأَنَّ إبَاحَةَ الدَّفْعِ إلَيْهِمْ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ كَانَ ثَابِتًا وَقَدْ ارْتَفَعَ وَهُمْ كَانُوا ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ قِسْمٌ كَانَ الْإِعْطَاءُ لِيَتَأَلَّفَهُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ وَقِسْمٌ كَانَ يُعْطِيهِمْ لِدَفْعِ شَرِّهِمْ وَقِسْمٌ أَسْلَمُوا، وَفِيهِمْ ضَعْفٌ فَكَانَ يَتَأَلَّفُهُمْ لِيَثْبُتُوا، وَلَا يُقَالُ إنَّ نَسْخَ الْكِتَابِ بِالْإِجْمَاعِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ النَّاسِخَ دَلِيلُ الْإِجْمَاعِ لَا هُوَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا إجْمَاعَ إلَّا عَنْ مُسْتَنِدٍ فَإِنْ ظَهَرَ وَإِلَّا وَجَبَ الْحُكْمُ بِأَنَّهُ ثَابِتٌ عَلَى أَنَّ الْآيَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تَصْلُحُ لِذَلِكَ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: 29] (قَوْلُهُ هُوَ الْفَقِيرُ وَالْمِسْكِينُ، وَهُوَ أَسْوَأُ حَالًا مِنْ الْفَقِيرِ) أَيْ الْمَصْرِفُ الْفَقِيرُ وَالْمِسْكِينُ وَالْمِسْكِينُ أَدْنَى حَالًا وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا بِأَنَّ الْفَقِيرَ مَنْ لَهُ أَدْنَى شَيْءٍ وَالْمِسْكِينُ مَنْ لَا شَيْءَ لَهُ وَقِيلَ عَلَى الْعَكْسِ وَلِكُلٍّ وَجْهٌ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْأَصَحُّ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ كَذَا فِي الْكَافِي وَالْأَوْلَى أَنْ يُفَسَّرَ الْفَقِيرُ بِمَنْ لَهُ مَا دُونَ النِّصَابِ كَمَا فِي النُّقَايَةِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَى مَنْ يَمْلِكُ مَا دُونَ النِّصَابِ أَوْ قَدْرَ نِصَابٍ غَيْرِ تَامٍّ، وَهُوَ مُسْتَغْرِقٌ فِي الْحَاجَةِ، وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُمَا صِنْفَانِ هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الْعَطْفَ فِي الْآيَةِ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي أَنَّهُمَا صِنْفَانِ أَوْ صِنْفٌ وَاحِدٌ فِي غَيْرِ الزَّكَاةِ كَالْوَصِيَّةِ وَالْوَقْفِ وَالنَّذْرِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ بِالْأَوَّلِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَأَبُو يُوسُفَ بِالثَّانِي فَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِفُلَانٍ وَلِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ فَعَلَى الصَّحِيحِ لِفُلَانٍ ثُلُثُ الثُّلُثِ وَعَلَى غَيْرِهِ نِصْفُ الثُّلُثِ وَإِنَّمَا جَازَ صَرْفُ الزَّكَاةِ إلَى صِنْفٍ وَاحِدٍ لِمَعْنًى لَا يُوجَدُ فِي الْوَصِيَّةِ، وَهُوَ دَفْعُ الْحَاجَةِ وَذَا يَحْصُلُ بِالصَّرْفِ إلَى صِنْفٍ وَاحِدٍ وَالْوَصِيَّةُ مَا شُرِعَتْ لِدَفْعِ حَاجَةِ الْمُوصَى لَهُ فَإِنَّهَا تَجُوزُ لِلْغَنِيِّ أَيْضًا وَقَدْ يَكُونُ لِلْمُوصِي أَغْرَاضٌ كَثِيرَةٌ لَا يُوقَفُ عَلَيْهَا فَلَا يُمْكِنُ تَعْلِيلُ نَصِّ كَلَامِهِ فَيَجْرِي عَلَى ظَاهِرِ لَفْظِهِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ الْمَعْنَى كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَلِهَذَا لَوْ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَعَدَنُ أَبْيَنَ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ وَعَدَنُ أَبْيَنَ مُحَرَّكَةٌ جَزِيرَةٌ بِالْيَمَنِ أَقَامَ بِهَا أَبْيَنُ. [بَابُ مَصْرِفِ الزَّكَاة] (بَابُ الْمَصْرِفِ) . (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي إخْرَاجُ خُمُسِ الْمَعَادِنِ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: خُمُسُ الرِّكَازِ الشَّامِلِ لِلْكَنْزِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ كَالْمَعْدِنِ فِي الْمَصْرِفِ قَالَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 258 أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِلْأَصْنَافِ السَّبْعَةِ فَصَرَفَ إلَى صِنْفٍ وَاحِدٍ لَا يَجُوزُ وَقِيلَ يَجُوزُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ وَاَلَّذِي لَهُ دَيْنٌ عَلَى إنْسَانٍ إذَا اُحْتِيجَ إلَى النَّفَقَةِ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الزَّكَاةِ قَدْرَ كِفَايَتِهِ إلَى حُلُولِ الْأَجَلِ، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ غَيْرَ مُؤَجَّلٍ فَإِنْ كَانَ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ مُعْسِرًا يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ فِي أَصَحِّ الْأَقَاوِيلِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ ابْنِ السَّبِيلِ، وَإِنْ كَانَ الْمَدْيُونُ مُوسِرًا مُعْتَرِفًا لَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ وَكَذَا إذَا كَانَ جَاحِدًا وَلَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ عَادِلَةٌ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ عَادِلَةٌ لَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ مَا لَمْ يَرْفَعْ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي فَيُحَلِّفُهُ فَإِذَا حَلَفَ بَعْدَ ذَلِكَ يَحِلُّ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ اهـ. وَالْمُرَادُ مِنْ الدَّيْنِ مَا يَبْلُغُ نِصَابًا كَمَا لَا يَخْفَى، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: وَلَوْ دَفَعَ إلَى فَقِيرَةٍ لَهَا مَهْرُ دَيْنٍ عَلَى زَوْجِهَا يَبْلُغُ نِصَابًا، وَهُوَ مُوسِرٌ بِحَيْثُ لَوْ طَلَبَتْ أَعْطَاهَا لَا يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ لَا يُعْطِي لَوْ طَلَبَتْ جَازَ اهـ. وَهُوَ مُقَيِّدٌ لِعُمُومِ مَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالْمُرَادُ مِنْ الْمَهْرِ مَا تُعُورِفَ تَعْجِيلُهُ؛ لِأَنَّ مَا تُعُورِفَ تَأْجِيلُهُ فَهُوَ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ لَا يَمْنَعُ أَخْذَ الزَّكَاةِ، وَيَكُونُ فِي الْأَوَّلِ عَدَمُ إعْطَائِهِ بِمَنْزِلَةِ إعْسَارِهِ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَائِرِ الدُّيُونِ بِأَنْ رَفَعَ الزَّوْجُ لِلْقَاضِي مِمَّا لَا يَنْبَغِي لِلْمَرْأَةِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ لَكِنْ فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا أَوْ الْمُعَجَّلُ قَدْرَ النِّصَابِ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُمَا وَبِهِ يُفْتَى لِلِاحْتِيَاطِ، وَعِنْدَ الْإِمَامِ يَجُوزُ مُطْلَقًا وَسَيَأْتِي بَيَانُ النُّصُبِ الثَّلَاثَةِ آخِرَ الْبَابِ إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى - (قَوْلُهُ: وَالْعَامِلُ) تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ فِي بَابِ الْعَاشِرِ وَعَبَّرَ بِالْعَامِلِ دُونَ الْعَاشِرِ لِيَشْمَلَ السَّاعِيَ أَيْضًا، وَقَدَّمْنَا الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا فَيُعْطَى مَا يَكْفِيهِ وَأَعْوَانَهُ بِالْوَسَطِ مُدَّةَ ذَهَابِهِمْ وَإِيَابِهِمْ مَا دَامَ الْمَالُ بَاقِيًا إلَّا إذَا اسْتَغْرَقَتْ كِفَايَتُهُ الزَّكَاةَ فَلَا يُزَادُ عَلَى النِّصْفِ؛ لِأَنَّ التَّنْصِيفَ عَيْنُ الْإِنْصَافِ قَيَّدْنَا بِالْوَسَطِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتْبَعَ شَهْوَتَهُ فِي الْمَأْكَلِ وَالْمَشْرَبِ وَالْمَلْبَسِ؛ لِأَنَّهَا حَرَامٌ لِكَوْنِهَا إسْرَافًا مَحْضًا، وَعَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَبْعَثَ مَنْ يَرْضَى بِالْوَسَطِ مِنْ غَيْرِ إسْرَافٍ، وَلَا تَقْتِيرٍ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ الْمُصَدِّقُ إذَا أَخَذَ عِمَالَتَهُ قَبْلَ الْوُجُوبِ أَوْ الْقَاضِي اسْتَوْفَى رِزْقَهُ قَبْلَ الْمُدَّةِ جَازَ، وَالْأَفْضَلُ عَدَمُ التَّعْجِيلِ لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا يَعِيشَ إلَى الْمُدَّةِ اهـ. وَقَيَّدْنَا بِبَقَاءِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَخَذَ الصَّدَقَةَ، وَضَاعَتْ فِي يَدِهِ بَطَلَتْ عِمَالَتُهُ، وَلَا يُعْطَى مِنْ بَيْتِ الْمَالِ شَيْئًا كَذَا فِي الْأَجْنَاسِ عَنْ الزِّيَادَاتِ وَمَا يَأْخُذُهُ الْعَامِلُ صَدَقَةٌ فَلَا تَحِلُّ الْعِمَالَةُ لِهَاشِمِيٍّ لِشَرَفِهِ كَمَا سَيَأْتِي وَإِنَّمَا حَلَّتْ لِلْغَنِيِّ مَعَ حُرْمَةِ الصَّدَقَةِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ فَرَّغَ نَفْسَهُ لِهَذَا الْعَمَلِ فَيَحْتَاجُ إلَى الْكِفَايَةِ، وَالْغَنِيُّ لَا يَمْنَعُ مِنْ تَنَاوُلِهَا عِنْدَ الْحَاجَةِ كَابْنِ السَّبِيلِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ فِيهِ شَبَهًا بِالْأُجْرَةِ وَشَبَهًا بِالصَّدَقَةِ فَلِلْأَوَّلِ يَحِلُّ لِلْغَنِيِّ، وَلَا يُعْطَى لَوْ هَلَكَ الْمَالُ، أَوْ أَدَّاهَا صَاحِبُ الْمَالِ إلَى الْأَمَامِ، وَلِلثَّانِي لَا يَحِلُّ لِلْهَاشِمِيِّ، وَيَسْقُطُ الْوَاجِبُ عَنْ أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ لَوْ هَلَكَ الْمَالُ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ يَدَهُ كَيَدِ الْإِمَامِ، وَهُوَ نَائِبٌ عَنْ الْفُقَرَاءِ، وَلَا تَكُونُ مُقَدَّرَةً، وَفِي النِّهَايَةِ رَجُلٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ اُسْتُعْمِلَ عَلَى الصَّدَقَةِ فَأُجْرِيَ لَهُ مِنْهَا رِزْقٌ فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ عَمِلَ فِيهَا وَرُزِقَ مِنْ غَيْرِهَا فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ اهـ. وَهُوَ يُفِيدُ صِحَّةَ تَوَلِّيَتِهِ، وَإِنْ أَخَذَهُ مِنْهَا مَكْرُوهٌ لَا حَرَامٌ، وَمِنْ أَحْكَامِ الْعَامِلِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ أَنَّ الْعَامِلَ إذَا تَرَكَ الْخَرَاجَ عَلَى الْمَزَارِعِ بِدُونِ عِلْمِ السُّلْطَانِ يَحِلُّ لَهُ لَوْ مَصْرِفًا كَالسُّلْطَانِ إذَا تَرَكَ الْخَرَاجَ لَهُ (قَوْلُهُ وَالْمُكَاتَبُ) أَيْ يُعَانُ الْمُكَاتَبُ فِي فَكِّ رَقَبَتِهِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ - تَعَالَى: {وَفِي الرِّقَابِ} [التوبة: 60] هُوَ مَنْقُولٌ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَغَيْرِهِ فِي تَفْسِيرِ الطَّبَرِيِّ وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ مَوْلَاهُ فَقِيرًا أَوْ غَنِيًّا وَهَلْ مَا يُدْفَعُ لِلْمُكَاتَبِ مِنْهَا يَكُونُ مِلْكًا لَهُ أَوْ لَا فَاَلَّذِي فِي بَعْضِ التَّفَاسِيرِ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ قَالَ الْقَاضِي الْبَيْضَاوِيُّ: وَالْعُدُولُ عَنْ اللَّامِ إلَى فِي لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ لِلْجِهَةِ لَا لِلرِّقَابِ وَقِيلَ لِلْإِيذَانِ بِأَنَّهُمْ أَحَقُّ بِهَا اهـ. وَقَالَ الطِّيبِيِّ فِي حَاشِيَةِ الْكَشَّافِ إنَّمَا عَدَلَ عَنْ اللَّامِ إلَى " فِي " فِي الْأَرْبَعَةِ الْأَخِيرَةِ؛ لِأَنَّ الْأَرْبَعَةَ الْأُوَلَ مُلَّاكٌ لِمَا عَسَى أَنْ يُدْفَعَ إلَيْهِمْ، وَالْأَرْبَعَةَ الْأَخِيرَةَ لَا يَمْلِكُونَ مَا يُدْفَعُ إلَيْهِمْ إنَّمَا يُصْرَفُ الْمَالُ فِي مَصَالِحَ تَتَعَلَّقُ بِهِمْ؛ لِأَنَّ التَّعْدِيَةَ بِفِي مُقَدَّرٌ بِالصَّرْفِ فَمَالُ الرِّقَابِ يَمْلِكُهُ السَّادَةُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا كَانَ جَاحِدًا إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: بَقِيَ أَنَّهُ فِي الْأَصْلِ لَمْ يَجْعَلْ الدَّيْنَ الْمَجْحُودَ نِصَابًا، وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ لَهُ بَيِّنَةٌ عَادِلَةٌ، أَوْ لَا قَالَ السَّرَخْسِيُّ: وَالصَّحِيحُ جَوَابُ الْكِتَابِ إذْ لَيْسَ كُلُّ قَاضٍ يَعْدِلُ، وَلَا كُلُّ بَيِّنَةٍ تُقْبَلُ وَالْجَثْوُ بَيْنَ يَدَيْ الْقَاضِي ذُلٌّ وَكُلُّ أَحَدٍ لَا يَخْتَارُ ذَلِكَ وَيَنْبَغِي أَنْ يُعَوَّلَ عَلَى هَذَا كَمَا فِي عَقْدِ الْفَرَائِدِ اهـ. (قَوْلُهُ وَسَيَأْتِي بَيَانُ النُّصُبِ إلَخْ) أَيْ عِنْدَ شَرْحِ قَوْلِهِ وَغَنِيٌّ يَمْلِكُ نِصَابًا وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَسَيَأْتِي أَنَّ النُّصُبَ ثَلَاثَةٌ (قَوْلُهُ: وَإِنْ أَخَذَهُ مِنْهَا مَكْرُوهٌ) قَالَ فِي النَّهْرِ الْمُرَادُ كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ لِقَوْلِهِمْ: لَا يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ مِنْ شَرَائِطِ السَّاعِي أَنْ لَا يَكُونَ هَاشِمِيًّا يُعَارِضُهُ، وَهَذَا الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 259 وَالْمُكَاتَبُونَ لَا يَحْصُلُ فِي أَيْدِيهِمْ شَيْءٌ وَالْغَارِمُونَ بِصَرْفِ نَصِيبِهِمْ لِأَرْبَابِ الدُّيُونِ، وَكَذَلِكَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ - تَعَالَى، وَابْنُ السَّبِيلِ مُنْدَرِجٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَأُفْرِدَ بِالذِّكْرِ تَنْبِيهًا عَلَى خُصُوصِيَّةٍ، وَهُوَ مُجَرَّدٌ عَنْ الْحَرْفَيْنِ جَمِيعًا أَيْ اللَّامِ، وَفِي عَطْفِهِ عَلَى اللَّامِ مُمْكِنٌ، وَفِي أَقْرَبُ اهـ. فَقَدْ صَرَّحَ بِأَنَّ الْأَرْبَعَةَ الْأَخِيرَةَ لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا، وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّهُمْ لَيْسَ لَهُمْ صَرْفُ الْمَالِ فِي غَيْرِ الْجِهَةِ الَّتِي أَخَذُوا لِأَجْلِهَا، وَفِي الْبَدَائِعِ: وَإِنَّمَا جَازَ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَى الْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّ الدَّفْعَ إلَيْهِ تَمْلِيكٌ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْمِلْكَ يَقَعُ لِلْمُكَاتَبِ فَبَقِيَّةُ الْأَرْبَعَةِ بِالطَّرِيقَةِ الْأَوْلَى لَكِنْ بَقِيَ هَلْ لَهُمْ عَلَى هَذَا الصَّرْفُ إلَى غَيْرِ الْجِهَةِ، وَفِي الْمُحِيطِ وَقَدْ قَالُوا: إنَّهُ لَا يَجُوزُ لِمُكَاتَبٍ هَاشِمِيٍّ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ يَقَعُ لِلْمَوْلَى مِنْ وَجْهٍ، وَالشُّبْهَةُ مُلْحَقَةٌ بِالْحَقِيقَةِ فِي حَقِّهِمْ اهـ. وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ، وَإِنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ يَحِلُّ لِمَوْلَاهُ، وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا، وَعَلَى هَذَا الْفَقِيرُ إذَا اسْتَغْنَى، وَابْنُ السَّبِيلِ إذَا وَصَلَ إلَى مَالِهِ (قَوْلُهُ وَالْمَدْيُونُ) أَطْلَقَهُ كَالْقُدُورِيِّ وَقَيَّدَهُ فِي الْكَافِي بِأَنْ لَا يَمْلِكَ نِصَابًا فَاضِلًا عَنْ دَيْنِهِ؛ لِأَنَّهُ الْمُرَادُ بِالْغَارِمِ فِي الْآيَةِ، وَهُوَ فِي اللُّغَةِ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ، وَلَا يَجِدُ قَضَاءً كَمَا ذَكَرَهُ الْقُتَبِيُّ، وَإِنَّمَا لَمْ يُقَيِّدْهُ الْمُصَنِّفُ؛ لِأَنَّ الْفَقْرَ شَرْطٌ فِي الْأَصْنَافِ كُلِّهَا إلَّا الْعَامِلَ، وَابْنُ السَّبِيلِ إذَا كَانَ لَهُ فِي وَطَنِهِ مَالٌ بِمَنْزِلَةِ الْفَقِيرِ، وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ: وَالدَّفْعُ إلَى مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ أَوْلَى مِنْ الدَّفْعِ إلَى الْفَقِيرِ (قَوْلُهُ: وَمُنْقَطِعُ الْغُزَاةِ) هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ - تَعَالَى - {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: 60] ، وَهُوَ اخْتِيَارٌ مِنْهُ لِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ مُنْقَطِعُ الْحَاجِّ، وَقِيلَ: طَلَبُهُ الْعِلْمَ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ وَفَسَّرَهُ فِي الْبَدَائِعِ بِجَمِيعِ الْقُرَبِ فَيَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ مَنْ سَعَى فِي طَاعَةِ اللَّهِ - تَعَالَى، وَسَبِيلِ الْخَيْرَاتِ إذَا كَانَ مُحْتَاجًا اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ قَيْدَ الْفَقِيرِ لَا بُدَّ مِنْهُ عَلَى الْوُجُوهِ كُلِّهَا فَحِينَئِذٍ لَا تَظْهَرُ ثَمَرَتُهُ فِي الزَّكَاةِ، وَإِنَّمَا تَظْهَرُ فِي الْوَصَايَا وَالْأَوْقَافِ كَمَا تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ (قَوْلُهُ وَابْنُ السَّبِيلِ) هُوَ الْمُنْقَطِعُ عَنْ مَالِهِ لِبُعْدِهِ عَنْهُ وَالسَّبِيلُ الطَّرِيقُ فَكُلُّ مَنْ يَكُونُ مُسَافِرًا يُسَمَّى ابْنَ السَّبِيلِ، وَهُوَ غَنِيٌّ بِمَكَانِهِ حَتَّى تَجِبَ الزَّكَاةُ فِي مَالِهِ، وَيُؤْمَرَ بِالْأَدَاءِ إذَا وَصَلَتْ إلَيْهِ يَدُهُ، وَهُوَ فَقِيرٌ يَدًا حَتَّى تُصْرَفَ إلَيْهِ الصَّدَقَةُ فِي الْحَالِ لِحَاجَتِهِ كَذَا فِي الْكَافِي فَإِنْ قُلْت: مُنْقَطِعُ الْغُزَاةِ أَوْ الْحَجِّ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي وَطَنِهِ مَالٌ فَهُوَ فَقِيرٌ، وَإِلَّا فَهُوَ ابْنُ السَّبِيلِ فَكَيْفَ تَكُونُ الْأَقْسَامُ سَبْعَةً، قُلْت: هُوَ فَقِيرٌ إلَّا أَنَّهُ زَادَ عَلَيْهِ بِالِانْقِطَاعِ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ - تَعَالَى - فَكَانَ مُغَايِرًا لِلْفَقِيرِ الْمُطْلَقِ الْخَالِي عَنْ هَذَا الْقَيْدِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ الِاسْتِقْرَاضُ لِابْنِ السَّبِيلِ خَيْرٌ مِنْ قَبُولِ الصَّدَقَةِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ أَكْثَرَ مِنْ حَاجَتِهِ وَأُلْحِقَ بِهِ كُلُّ مَنْ هُوَ غَائِبٌ عَنْ مَالِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي بَلَدِهِ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إلَّا بِهِ، وَفِي الْمُحِيطِ، وَإِنْ كَانَ تَاجِرًا لَهُ دَيْنٌ عَلَى النَّاسِ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ، وَلَا يَجِدُ شَيْئًا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّهُ فَقِيرٌ يَدًا كَابْنِ السَّبِيل اهـ. وَهُوَ أَوْلَى مِنْ جَعْلِهِ غَارِمًا كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي بَحْثِ الْفَقِيرِ تَفْصِيلًا لَهُ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ فَيَدْفَعُ إلَى كُلِّهِمْ أَوْ إلَى صِنْفٍ) ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْآيَةِ بَيَانُ الْأَصْنَافِ الَّتِي يَجُوزُ الدَّفْعُ إلَيْهِمْ لَا تَعْيِينُ الدَّفْعِ لَهُمْ وَيَدُلُّ لَهُ مِنْ الْكِتَابِ قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 271] ، وَمِنْ السُّنَّةِ أَنَّهُ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَتَاهُ مَالٌ مِنْ الصَّدَقَةِ فَجَعَلَهُ فِي صِنْفٍ وَاحِدٍ وَهُمْ الْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ ثُمَّ أَتَاهُ مَالٌ آخَرُ فَجَعَلَهُ فِي الْغَارِمِينَ» وَلَمْ يُصَرِّحْ فِي الْكِتَابِ بِجَوَازِ الِاقْتِصَارِ عَلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ، وَلَا شَكَّ فِيهِ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ الْمُعَرَّفَ بِاللَّامِ مَجَازٌ عَنْ الْجِنْسِ وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، وَلَا يَشْتَرِي الْعَبِيدَ يَحْنَثُ بِالْوَاحِدِ فَالْمَعْنَى فِي الْآيَةِ أَنَّ جِنْسَ الزَّكَاةِ لِجِنْسِ الْفَقِيرِ فَيَجُوزُ الصَّرْفُ إلَى وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ الِاسْتِغْرَاقَ لَيْسَ بِمُسْتَقِيمٍ؛ إذْ يَصِيرُ الْمَعْنَى أَنَّ كُلَّ صَدَقَةٍ لِكُلِّ فَقِيرٍ، وَلَا يَرِدُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: لَكِنْ بَقِيَ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: الَّذِي يَقْتَضِيهِ نَظَرُ الْفَقِيهِ الْجَوَازُ تَأَمَّلْ اهـ. قُلْت: بَلْ جَزَمَ بِهِ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِهِ فَقَالَ: وَإِذَا مَلَكَ الْمَدْفُوعُ لَهُ جَازَ لَهُ صَرْفُهُ فِيمَا شَاءَ (قَوْلُهُ: وَقَدْ قَالُوا: إنَّهُ) أَيْ دَفْعَ الزَّكَاةِ (قَوْلُهُ: فَحِينَئِذٍ لَا تَظْهَرُ ثَمَرَتُهُ فِي الزَّكَاةِ) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَالْخِلَافُ لَفْظِيٌّ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّ الْأَصْنَافَ كُلَّهُمْ سِوَى الْعَامِلِ يُعْطَوْنَ بِشَرْطِ الْفَقْرِ فَمُنْقَطِعُ الْحَاجِّ يُعْطَى اتِّفَاقًا اهـ. هَذَا وَفِي مِنَحِ الْغَفَّارِ بَعْدَ ذِكْرِهِ مَا مَرَّ عَنْ الْبَدَائِعِ مِنْ تَعْلِيلِ حِلِّ الدَّفْعِ لِلْعَامِلِ الْغَنِيِّ بِأَنَّهُ فَرَّغَ نَفْسَهُ لِهَذَا الْعَمَلِ فَيَحْتَاجُ إلَى الْكِفَايَةِ إلَخْ قَالَ: وَبِهَذَا التَّعْلِيلِ يَقْوَى مَا نُسِبَ إلَى بَعْضِ الْفَتَاوَى أَنَّ طَالِبَ الْعِلْمِ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الزَّكَاةَ، وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا إذَا فَرَّغَ نَفْسَهُ لِإِفَادَةِ الْعِلْمِ وَاسْتِفَادَتِهِ لِكَوْنِهِ عَاجِزًا عَنْ الْكَسْبِ، وَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إلَى مَا لَا بُدَّ مِنْهُ، وَهَكَذَا رَأَيْته بِخَطٍّ مَوْثُوقٍ وَعَزَاهُ إلَى الْوَاقِعَاتِ، وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ اهـ. قُلْت: وَقَدْ رَأَيْته أَيْضًا فِي جَامِعِ الْفَتَاوَى مَعْزِيًّا إلَى الْمَبْسُوطِ وَنَصُّهُ: وَفِي الْمَبْسُوطِ لَا يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَى مَنْ يَمْلِكُ نِصَابًا إلَّا إلَى طَالِبِ الْعِلْمِ وَالْغَازِي وَالْمُنْقَطِعِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَيَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ لِطَالِبِ الْعِلْمِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ نَفَقَةُ أَرْبَعِينَ سَنَةً اهـ. وَهَذَا مُنَافٍ لِدَعْوَى النَّهْرِ تَبَعًا لِفَتْحِ الْقَدِيرِ الِاتِّفَاقَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ أَكْثَرَ مِنْ حَاجَتِهِ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 260 خَالِعْنِي عَلَى مَا فِي يَدِي مِنْ الدَّرَاهِمِ، وَلَا شَيْءَ فِي يَدِهَا فَإِنَّهُ يَلْزَمُهَا ثَلَاثَةٌ وَلَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ الْأَيَّامَ أَوْ الشُّهُورَ يَقَعُ عَلَى الْعَشَرَةِ عِنْدَهُ، وَعَلَى الْأُسْبُوعِ وَالسَّنَةِ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ الْعَهْدُ فَلَا يُحْمَلُ عَلَى الْجِنْسِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ حَمْلَ الْجَمْعِ عَلَى الْجِنْسِ مَجَازًا وَعَلَى الْعَهْدِ أَوْ الِاسْتِغْرَاقِ حَقِيقَةً، وَلَا مُسَوِّغَ لِلْحَلِفِ إلَّا عِنْدَ تَعَذُّرِ الْأَصْلِ وَعَلَى هَذَا تَنَصَّفَ الْمُوصَى بِهِ لِزَيْدٍ وَالْفُقَرَاءِ كَالْوَصِيَّةِ لِزَيْدٍ وَفَقِيرٍ. (قَوْلُهُ لَا إلَى ذِمِّيٍّ) أَيْ لَا تُدْفَعُ إلَى ذِمِّيٍّ لِحَدِيثِ مُعَاذٍ «خُذْهَا مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَرُدَّهَا فِي فُقَرَائِهِمْ» لَا لِأَنَّ التَّنْصِيصَ عَلَى الشَّيْءِ يَنْفِي الْحُكْمَ عَمَّا عَدَاهُ بَلْ لِلْأَمْرِ بِرَدِّهَا إلَى فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ فَالصَّرْفُ إلَى غَيْرِهِمْ تَرْكٌ لِلْأَمْرِ، وَحَدِيثُ مُعَاذٍ مَشْهُورٌ تَجُوزُ الزِّيَادَةُ بِهِ عَلَى الْكِتَابِ وَلَئِنْ كَانَ خَبَرَ وَاحِدٍ فَالْعَامُّ خُصَّ مِنْهُ الْبَعْضُ بِالدَّلِيلِ الْقَطْعِيِّ، وَهُوَ الْفَقِيرُ الْحَرْبِيُّ بِالْآيَةِ وَأُصُولُهُ وَفُرُوعُهُ بِالْإِجْمَاعِ فَيُخَصُّ الْبَاقِي بِخَبَرِ الْوَاحِدِ كَمَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ (قَوْلُهُ وَصَحَّ غَيْرُهَا) أَيْ وَصَحَّ دَفْعُ غَيْرِ الزَّكَاةِ إلَى الذِّمِّيِّ وَاجِبًا كَانَ أَوْ تَطَوُّعًا كَصَدَقَةِ الْفِطْرِ وَالْكَفَّارَاتِ وَالْمَنْذُورِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ} [الممتحنة: 8] الْآيَةَ، وَخُصَّتْ الزَّكَاةُ بِحَدِيثِ مُعَاذٍ، وَفِيهِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ، وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ الْعُشْرُ؛ لِأَنَّ مَصْرِفَهُ مَصْرِفُ الزَّكَاةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَلَا يُدْفَعُ إلَى ذِمِّيٍّ، وَالصَّرْفُ فِي الْكُلِّ إلَى فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ أَحَبُّ، وَقُيِّدَ بِالذِّمِّيِّ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ الصَّدَقَاتِ فَرْضًا كَانَتْ أَوْ وَاجِبَةً أَوَتَطَوُّعًا لَا تَجُوزُ لِلْحَرْبِيِّ اتِّفَاقًا كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ} [الممتحنة: 9] وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْمُسْتَأْمَنَ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي النِّهَايَةِ (قَوْلُهُ وَبِنَاءِ مَسْجِدٍ وَتَكْفِينُ مَيِّتٍ وَقَضَاءِ دَيْنِهِ وَشِرَاءِ قِنٍّ يُعْتَقُ) بِالْجَرِّ بِالْعَطْفِ عَلَى ذِمِّيٍّ، وَالضَّمِيرُ فِي دَيْنِهِ لِلْمَيِّتِ وَعَدَمُ الْجَوَازِ لِانْعِدَامِ التَّمْلِيكِ الَّذِي هُوَ الرُّكْنُ فِي الْأَرْبَعَةِ؛ لِأَنَّ الْكَفَنَ عَلَى مِلْكِ الْمُتَبَرِّعِ حَتَّى لَوْ افْتَرَسَ الْمَيِّتَ السَّبُعُ كَانَ الْكَفَنُ لِلْمُتَبَرِّعِ لَا لِوَرَثَةِ الْمَيِّتِ، وَقَضَاءُ دَيْنِ الْغَيْرِ لَا يَقْتَضِي التَّمْلِيكَ مِنْ ذَلِكَ الْغَيْرِ الْحَيِّ فَالْمَيِّتُ أَوْلَى بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَضَى دَيْنَ غَيْرِهِ ثُمَّ تَصَادَقَ الدَّائِنُ وَالْمَدْيُونُ عَلَى عَدَمِهِ رَجَعَ الْمُتَبَرِّعُ عَلَى الدَّائِنِ لَا عَلَى الْمَدْيُونِ، وَالْإِعْتَاقُ إسْقَاطٌ لَا تَمْلِيكٌ قُيِّدَ بِقَضَاءِ دَيْنِ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَضَى دَيْنَ الْحَيِّ إنْ قَضَاهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ يَكُونُ مُتَبَرِّعًا، وَلَا يُجْزِئُهُ عَنْ الزَّكَاةِ وَإِنْ قَضَاهُ بِأَمْرِهِ جَازَ، وَيَكُونُ الْقَابِضُ كَالْوَكِيلِ لَهُ فِي قَبْضِ الصَّدَقَةِ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَقَيَّدَهُ فِي النِّهَايَةِ بِأَنْ يَكُونَ الْمَدْيُونُ فَقِيرًا، وَلَا بُدَّ مِنْهُ، وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ رُجُوعَ الْمُتَبَرِّعِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ عِنْدَ التَّصَادُقِ عَلَى الدَّائِنِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ بِغَيْرِ أَمْرِ الْمَدْيُونِ أَمَّا إذَا كَانَ بِأَمْرِهِ فَهُوَ تَمْلِيكٌ مِنْهُ فَلَا رُجُوعَ عِنْدَ التَّصَادُقِ بِأَنَّهُ لَا دَيْنَ عَلَى الدَّائِنِ، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ عَلَى الْمَدْيُونِ، وَهُوَ بِعُمُومِهِ يَتَنَاوَلُ مَا لَوْ دَفَعَهُ نَاوِيًا الزَّكَاةَ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا رُجُوعَ فِيهَا كَمَا بَحَثَهُ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فَلْيُرَاجَعْ، وَالْحِيلَةُ فِي الْجَوَازِ فِي هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمِقْدَارِ زَكَاتِهِ عَلَى فَقِيرٍ ثُمَّ يَأْمُرَهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالصَّرْفِ إلَى هَذِهِ الْوُجُوهِ فَيَكُونُ لِصَاحِبِ الْمَالِ ثَوَابُ الزَّكَاةِ وَلِلْفَقِيرِ ثَوَابُ هَذِهِ الْقُرَبِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ أَطْعَمَ يَتِيمًا بِنِيَّتِهَا لَا يُجْزِئُهُ لِعَدَمِ التَّمْلِيكِ إلَّا إذَا دَفَعَ لَهُ الطَّعَامَ كَالْكِسْوَةِ إذَا كَانَ يَعْقِلُ   [منحة الخالق] أَقُولُ: تَقَدَّمَ عَنْ شَرْحِ الْمَجْمَعِ أَنَّ ابْنَ السَّبِيلِ إذَا وَصَلَ إلَى مَالِهِ وَبَقِيَ مَعَهُ شَيْءٌ مِنْ مَالِ الزَّكَاةِ الَّذِي أَخَذَهُ يَحِلُّ لَهُ كَمَا يَحِلُّ لِمَوْلَى الْمُكَاتَبِ الَّذِي عَجَزَ لَكِنْ لَا مُنَافَاةَ فَإِنَّ مَا هُنَا مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَأْخُذُ مَا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ قَدْرُ الْحَاجَةِ لَا أَكْثَرُ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ مَعَ غَلَبَةِ الظَّنِّ قَدْ يَفْضُلُ مَعَهُ شَيْءٌ فَأَفَادَ مَا فِي الْمَجْمَعِ أَنَّ هَذَا الْفَاضِلَ يَحِلُّ لَهُ [دُفَعُ الزَّكَاةُ إلَى ذِمِّيٍّ] (قَوْلُهُ: وَفِيهِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ) أَيْ فِي جَوَازِ دَفْعِ غَيْرِ الزَّكَاةِ إلَيْهِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ قَالَ الرَّمْلِيُّ: قَالَ فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ: وَبِهِ نَأْخُذُ (قَوْلُهُ: وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْمُسْتَأْمَنَ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: أَيْ أَطْلَقَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ الْحَرْبِيَّ فَشَمِلَ الْمُسْتَأْمَنَ، وَدُخُولُهُ فِي الْحَرْبِيِّ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقِرُّ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، وَإِنَّمَا الْإِذْنُ خَصَّهُ بِوَصْفٍ لَا يَمْنَعُ إطْلَاقَ الْحَرْبِيِّ عَلَيْهِ تَأَمَّلْ [بِنَاءِ الْمَسْجِدِ وَتَكْفِينِ مَيِّتٍ وَقَضَاءِ دَيْنِهِ وَشِرَاءِ قِنٍّ مِنْ الزَّكَاةِ] (قَوْلُهُ: رَجَعَ الْمُتَبَرِّعُ عَلَى الدَّائِنِ لَا عَلَى الْمَدْيُونِ) الْأَظْهَرُ عِبَارَةُ الزَّيْلَعِيِّ وَهِيَ يَسْتَرِدُّهُ الدَّافِعُ، وَلَيْسَ لِلْمَدْيُونِ أَخْذُهُ فَقَوْلُهُ: وَلَيْسَ لِلْمَدْيُونِ أَخْذُهُ هُوَ ثَمَرَةُ قَوْلِهِ قَضَاءُ دَيْنِ الْغَيْرِ لَا يَقْتَضِي التَّمْلِيكَ مِنْ ذَلِكَ الْغَيْرِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اقْتَضَى تَمْلِيكَهُ مِنْ الْمَدْيُونِ كَانَ حَقُّ الْأَخْذِ عِنْدَ الْمُصَادِقَةِ الْمَذْكُورَةِ لِلْمَدْيُونِ لَا لِلدَّائِنِ (قَوْلُهُ: وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ رُجُوعَ الْمُتَبَرِّعِ إلَخْ) أَقُولُ: لَفْظُ الْمُتَبَرِّعِ يُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّهُ بِغَيْرِ أَمْرِ الْمَدْيُونِ، وَقَوْلُهُ: عَلَى الدَّائِنِ مُتَعَلِّقٌ بِرُجُوعِ، وَقَوْلُهُ: فَهُوَ تَمْلِيكٌ مِنْهُ أَيْ مِنْ الْمَدْيُونِ أَيْ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْقَرْضِ مِنْهُ وَالدَّائِنُ نَائِبٌ عَنْ الْمَدْيُونِ فِي الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ مَنْ قَضَى دَيْنَ غَيْرِهِ بِأَمْرِهِ لَمْ يَكُنْ مُتَبَرِّعًا فَلَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْآمِرِ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ الرُّجُوعَ فِي الصَّحِيحِ وَلِذَا قَالَ: وَإِنَّمَا يَرْجِعُ عَلَى الْمَدْيُونِ (قَوْلُهُ: كَمَا بَحَثَهُ الْمُحَقِّقُ إلَخْ) وَذَلِكَ حَيْثُ قَالَ لِأَنَّهُ بِالدَّفْعِ وَقَعَ الْمِلْكُ لِلْفَقِيرِ بِالتَّمْلِيكِ وَقَبَضَ النَّائِبُ عَنْ الْفَقِيرِ وَعَدَمُ الدَّيْنِ فِي الْوَاقِعِ إنَّمَا يَبْطُلُ بِهِ صَيْرُورَتُهُ قَابِضًا لِنَفْسِهِ بَعْدَ الْقَبْضِ نِيَابَةً لَا التَّمْلِيكُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ غَايَةَ الْأَمْرِ أَنْ يَكُونَ مَلَكَ فَقِيرًا عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ مَدْيُونٌ، وَظُهُورُ عَدَمِهِ لَا يُؤَثِّرُ عَدَمَ الْمِلْكِ بَعْدَ وُقُوعِهِ لِلَّهِ - تَعَالَى - إلَخْ وَمَا وَقَعَ فِي النَّهْرِ مِنْ أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْمَدْيُونِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 261 الْقَبْضَ، وَإِلَّا فَلَا، وَلَوْ دَفَعَ الصَّغِيرُ إلَى وَلِيِّهِ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالْمُرَادُ بِالْعَقْلِ هُنَا أَنَّهُ لَا يَرْمِي بِهِ، وَلَا يُخْدَعُ عَنْهُ (قَوْلُهُ وَأَصْلِهِ، وَإِنْ عَلَا وَفَرْعِهِ، وَإِنْ سَفَلَ) بِالْجَرِّ أَيْ لَا يَجُوزُ الدَّفْعُ إلَى أَبِيهِ وَجَدِّهِ، وَإِنْ عَلَا، وَلَا إلَى وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ، وَإِنْ سَفَلَ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَمْ تَنْقَطِعْ عَنْ الْمِلْكِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَمَا قَدَّمَهُ فِي تَعْرِيفِ الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ الْإِخْرَاجُ عَنْ مِلْكِهِ رَقَبَةً وَمَنْفَعَةً، وَلَمْ يُوجَدْ فِي الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ الْإِخْرَاجُ عَنْ مِلْكِهِ مَنْفَعَةً وَإِنْ وَجَدَ رَقَبَةً، وَفِي عَبْدِهِ وُجِدَ الْإِخْرَاجُ مَنْفَعَةً لَا رَقَبَةً كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ لَا يَخُصُّ الزَّكَاةَ بَلْ كُلُّ صَدَقَةٍ وَاجِبَةٍ لَا يَجُوزُ دَفْعُهَا لَهُمْ كَأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ كَالْكَفَّارَاتِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ وَالنُّذُورِ، وَقُيِّدَ بِأَصْلِهِ وَفَرْعِهِ؛ لِأَنَّ مَنْ سِوَاهُمْ مِنْ الْقَرَابَةِ يَجُوزُ الدَّفْعُ لَهُمْ، وَهُوَ أَوْلَى لِمَا فِيهِ مِنْ الصِّلَةِ مَعَ الصَّدَقَةِ كَالْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ وَالْأَعْمَامِ وَالْعَمَّاتِ وَالْأَخْوَالِ وَالْخَالَاتِ الْفُقَرَاءِ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ: يَبْدَأُ فِي الصَّدَقَاتِ بِالْأَقَارِبِ ثُمَّ الْمَوَالِي ثُمَّ الْجِيرَانِ وَذَكَرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مَعْزِيًّا إلَى أَبِي حَفْصٍ الْكَبِيرِ: لَا تُقْبَلُ صَدَقَةُ الرَّجُلِ، وَقَرَابَتُهُ مَحَاوِيجُ فَيَسُدُّ حَاجَتَهُمْ، وَفِي الْمُحِيطِ: وَلَوْ دَفَعَ إلَى أُخْتِهِ، وَلَهَا مَهْرٌ عَلَى زَوْجِهَا الْمُوسِرِ يَبْلُغُ نِصَابًا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَا يَحِلُّ عِنْدَهُمَا وَبِهِ يُفْتَى احْتِيَاطًا وَلَوْ دَفَعَ زَكَاتَهُ إلَى مَنْ نَفَقَتُهُ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ مِنْ الْقَرَائِبِ جَازَ إذَا لَمْ يَحْتَسِبْهَا مِنْ النَّفَقَةِ، وَفِي الْقُنْيَةِ: دَفَعَ زَكَاتَهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ إلَى أَخِيهِ ثُمَّ مَاتَ، وَهُوَ وَارِثُهُ وَقَعَتْ مَوْقِعَهَا ثُمَّ رَقَمَ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ كَمَنْ أَوْصَى بِالْحَجِّ لَيْسَ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَدْفَعَهُ إلَى قَرِيبِ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ كَذَا هَذَا ثُمَّ رَقَمَ بِأَنَّهُ يَصِحُّ لَكِنْ لِلْوَرَثَةِ الرَّدُّ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ وَصِيَّةٌ اهـ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ، وَأَطْلَقَ فِي فَرْعِهِ فَشَمِلَ ثَابِتَ النَّسَبِ مِنْهُ وَغَيْرَهُ إذَا كَانَ مَخْلُوقًا مِنْ مَائِهِ فَلَا يَدْفَعُ إلَى الْمَخْلُوقِ مِنْ مَائِهِ بِالزِّنَا، وَلَا إلَى أُمِّ وَلَدِهِ الَّذِي نَفَاهُ وَخَرَجَ وَلَدُ الْمَنْعِيِّ إلَيْهَا زَوْجُهَا إذَا تَزَوَّجَتْ ثُمَّ وَلَدَتْ ثُمَّ جَاءَ الْأَوَّلُ حَيًّا فَإِنَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الْمَرْجُوعَ عَنْهُ الْأَوْلَادُ لِلْأَوَّلِ، وَمَعَ هَذَا يَجُوزُ دَفْعُ زَكَاةِ الْأَوَّلِ إلَيْهِمْ وَتَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ لَهُ كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ لِعَدَمِ الْفَرْعِيَّةِ ظَاهِرًا وَعَلَى هَذَا فَيَنْبَغِي عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَنْ لَا يَجُوزَ لِلثَّانِي دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَيْهِمْ لِوُجُودِ الْفَرْعِيَّةِ حَقِيقَةً، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ مِنْهُ لَكِنَّ الْمَنْقُولَ فِي الْفَتَاوَى الْوَلْوَالِجيَّةِ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلثَّانِي الدَّفْعُ إلَيْهِمْ وَتَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ لَهُ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ وَرُوِيَ رُجُوعُهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَعَلَيْهِ فَلِلْأَوَّلِ الدَّفْعُ إلَيْهِمْ دُونَ الثَّانِي، وَعُلِمَ مِنْ تَعْلِيلِ الْمَسْأَلَةِ بِعَدَمِ انْقِطَاعِ الْمَنْفَعَةِ عَنْ الْمُمَلَّكِ أَنَّ خُمُسَ الْمَعَادِنِ يَجُوزُ صَرْفُهُ إلَى الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ وَأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَحْبِسَ الْخُمُسَ لِنَفْسِهِ إذَا كَانَتْ الْأَرْبَعَةُ الْأَخْمَاسِ لَا تُغْنِيهِ فَأَوْلَى أَنْ يَجُوزَ لِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنْ نَفْسِهِ كَذَا ذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَقُيِّدَ بِالصَّدَقَةِ الْوَاجِبَةِ؛ لِأَنَّ صَدَقَةَ التَّطَوُّعِ الْأَوْلَى دَفْعُهَا إلَى الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ [دَفْعُ الزَّكَاة لِلزَّوْجَةِ] (قَوْلُهُ وَزَوْجَتِهِ وَزَوْجِهَا) أَيْ لَا يَجُوزُ الدَّفْعُ لِزَوْجَتِهِ، وَلَا دَفْعُ الْمَرْأَةِ لِزَوْجِهَا لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ عَدَمِ قَطْعِ الْمَنْفَعَةِ عَنْهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَفِي دَفْعِهَا لَهُ خِلَافُهُمَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَكِ أَجْرَانِ أَجْرُ الصَّدَقَةِ وَأَجْرُ الصِّلَةِ» قَالَهُ لِامْرَأَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَقَدْ سَأَلَتْهُ عَنْ التَّصَدُّقِ عَلَيْهِ، قُلْنَا: هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى النَّافِلَةِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ أَطْلَقَ الزَّوْجَةَ فَشَمِلَ الزَّوْجَةَ مِنْ وَجْهٍ فَلَا يَجُوزُ الدَّفْعُ إلَى مُعْتَدَّةٍ مِنْ بَائِنٍ، وَلَوْ بِثَلَاثٍ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ، وَاعْلَمْ أَنَّ فِي شَهَادَة أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِصَاحِبِهِ تُعْتَبَرُ الزَّوْجِيَّةُ وَقْتَ الْأَدَاءِ، وَفِي الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ وَقْتَ الْهِبَةِ، وَفِي الْوَصِيَّةِ وَقْتَ الْمَوْتِ، وَفِي الْإِقْرَارِ لَهَا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ الِاعْتِبَارُ لِوَقْتِ الْإِقْرَارِ، وَفِي الْحُدُودِ يُعْتَبَرُ كِلَا الطَّرَفَيْنِ حَتَّى لَوْ سَرَقَ مِنْ امْرَأَتِهِ ثُمَّ أَبَانَهَا أَوْ مِنْ أَجْنَبِيَّةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ثُمَّ اخْتَصَمَهَا لَمْ يُقْطَعْ كَذَا فِي النِّهَايَةِ، وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ مِنْ الشَّهَادَاتِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ فِيهَا لِوَقْتِ الْحُكْمِ وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ: رَجُلٌ دَفَعَ زَكَاةَ مَالِهِ إلَى رَجُلٍ وَأَمَرَهُ بِالْأَدَاءِ فَأَعْطَى الْوَكِيلُ وَلَدَ نَفْسِهِ الْكَبِيرَ أَوْ الصَّغِيرَ   [منحة الخالق] سَهْوٌ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا إذَا دَفَعَهُ نَاوِيًا الزَّكَاةَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 262 أَوْ امْرَأَتَهُ وَهُمْ مَحَاوِيجُ جَازَ، وَلَا يُمْسِكُ لِنَفْسِهِ شَيْئًا، وَلَوْ أَنَّ صَاحِبَ الْمَالِ قَالَ لَهُ: ضَعْهُ حَيْثُ شِئْت لَهُ أَنْ يُمْسِكَ لِنَفْسِهِ اهـ [دَفْعُ الزَّكَاةِ لِعَبْدِهِ وَمُكَاتَبِهِ وَمُدَبَّرِهِ وَأُمِّ وَلَدِهِ وَمُعْتَقِ الْبَعْضِ] (قَوْلُهُ وَعَبْدِهِ وَمُكَاتَبِهِ وَمُدَبَّرِهِ وَأُمِّ وَلَدِهِ وَمُعْتَقِ الْبَعْضِ) أَيْ لَا يَجُوزُ الدَّفْعُ إلَى هَؤُلَاءِ لِعَدَمِ التَّمْلِيكِ أَصْلًا فِي غَيْرِ الْمُكَاتَبِ وَلِعَدَمِ تَمَامِهِ فِيهِ؛ لِأَنَّ لَهُ حَقًّا فِي كَسْبِ مُكَاتَبِهِ؛ وَلِذَا لَوْ تَزَوَّجَ بِأَمَةِ مُكَاتَبِهِ لَمْ يَجُزْ بِمَنْزِلَةِ تَزَوُّجِهِ بِأَمَةِ نَفْسِهِ، وَمُعْتَقُ الْبَعْضِ كَالْمُكَاتَبِ وَإِذَا كَانَ مُعْتَقُ الْبَعْضِ لِغَيْرِهِ فَقَدْ قُدِّمَ أَنَّ الدَّفْعَ لِمُكَاتَبِ الْغَيْرِ هُوَ الْمُرَادُ بِالرِّقَابِ فَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ هُنَا، وَهَذَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ كُلُّهُ مُعْتَقَ بَعْضِهِ فَلَوْ كَانَ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَأَعْتَقَ أَحَدُهُمَا حِصَّتَهُ، وَهُوَ مُعْسِرٌ، وَاخْتَارَ السَّاكِتُ الِاسْتِسْعَاءَ فَلِلْمُعْتَقِ الدَّفْعُ؛ لِأَنَّهُ مُكَاتَبٌ لِشَرِيكِهِ، وَلَيْسَ لِلسَّاكِتِ الدَّفْعُ؛ لِأَنَّهُ مُكَاتَبُهُ، وَهَذَا إذَا كَانَ الشَّرِيكُ أَجْنَبِيًّا فَإِنْ كَانَ وَلَدَهُ فَلَا؛ لِأَنَّ الدَّفْعَ لِمُكَاتَبِ الْوَلَدِ غَيْرُ جَائِزٍ كَالدَّفْعِ لِابْنِهِ، وَإِنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُوسِرًا وَاخْتَارَ السَّاكِتُ تَضْمِينَهُ فَلِلسَّاكِتِ الدَّفْعُ لِلْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ عَنْهُ، وَلَيْسَ لِلْمُعْتَقِ الدَّفْعُ إذَا اخْتَارَ اسْتِسْعَاءَهُ؛ لِأَنَّهُ مُكَاتَبُهُ لِمَا أَنَّهُ بِالضَّمَانِ مُخَيَّرٌ بَيْنَ إعْتَاقِ الْبَاقِي أَوْ الِاسْتِسْعَاءِ [دَفْعُ الزَّكَاةِ لَغَنِيّ يَمْلِكُ نِصَابًا] (قَوْلُهُ: وَغَنِيٍّ يَمْلِكُ نِصَابًا) أَيْ لَا يَجُوزُ الدَّفْعُ لَهُ لِحَدِيثِ مُعَاذٍ الْمَشْهُورِ «خُذْهَا مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَرُدَّهَا فِي فُقَرَائِهِمْ» أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ النِّصَابَ النَّامِيَ السَّالِمَ مِنْ الدَّيْنِ الْفَاضِلَ عَنْ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ الْمُوجِبَ لِكُلِّ وَاجِبٍ مَالِيٍّ، وَالنِّصَابَ الَّذِي لَيْسَ بِنَامٍ الْفَارِعَ عَمَّا ذَكَرَ الْمُوجِبَ لِثَلَاثَةٍ صَدَقَةِ الْفِطْرِ وَالْأُضْحِيَّةِ وَنَفَقَةِ الْقَرِيبِ فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُحَرِّمٌ لِأَخْذِ الزَّكَاةِ، وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ الْغَنِيُّ بِقُوتِ يَوْمِهِ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ نِصَابًا وَتَسْمِيَةُ الشَّارِحِينَ لَهُ نِصَابًا وَجَعْلُهُمْ النُّصُبِ ثَلَاثَةً مَجَازٌ؛ لِمَا فِي الصِّحَاحِ: النِّصَابُ مِنْ الْمَالِ الْقَدْرُ الَّذِي يَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ إذَا بَلَغَهُ نَحْوَ مِائَتِي دِرْهَمٍ وَخَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ؛ إذْ لَيْسَ قُوتُ الْيَوْمِ مُقَدَّرًا لَكِنْ فِي ضِيَاءِ الْحُلُومِ نِصَابُ كُلِّ شَيْءٍ أَصْلُهُ، وَمِنْهُ النِّصَابُ الْمُعْتَبَرُ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ، وَهُوَ يَقْتَضِي إطْلَاقَ النِّصَابِ عَلَيْهِ حَقِيقَةً؛ إذْ قُوتُ الْيَوْمِ أَصْلُ تَحْرِيمِ السُّؤَالِ وَقَيَّدْنَا بِكَوْنِهِ فَارِغًا عَنْ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُسْتَغْرِقًا بِهَا حَلَّتْ لَهُ فَتَحِلُّ لِمَنْ مَلَكَ كُتُبًا تُسَاوِي نِصَابًا، وَهُوَ مِنْ أَهْلِهَا لِلْحَاجَةِ لَا إنْ زَادَتْ عَلَى قَدْرِهَا أَوْ كَانَ جَاهِلًا، وَالْفَقِيهُ غَنِيٌّ بِكُتُبِهِ وَلَوْ كَانَ مُحْتَاجًا إلَيْهَا لِقَضَاءِ دَيْنِهِ فَيَجِبُ بَيْعُهَا كَمَا فِي الْقُنْيَةِ مِنْ بَابِ الْحَبْسِ مِنْ الْقَضَاءِ، وَيَحِلُّ لِمَنْ لَهُ دُورٌ وَحَوَانِيتُ تُسَاوِي نُصُبًا، وَهُوَ مُحْتَاجٌ لِغَلَّتِهَا لِنَفَقَتِهِ وَنَفَقَةِ عِيَالِهِ عَلَى خِلَافٍ فِيهِ وَلِمَنْ عِنْدَهُ طَعَامُ سَنَةٍ تُسَاوِي نِصَابًا لِعِيَالِهِ عَلَى مَا هُوَ الظَّاهِرُ بِخِلَافِ قَضَاءِ الدَّيْنِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ بَيْعُ قُوتِهِ إلَّا قُوتَ يَوْمِهِ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ مِنْ الْحَبْسِ وَحُلَّتْ لِمَنْ لَهُ نِصَابٌ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ أَوْ مُنَقِّصٌ لِلنِّصَابِ وَحَلَّتْ لِمَنْ لَهُ كِسْوَةُ الشِّتَاءِ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا فِي الصَّيْفِ، وَلِلْمَزَارِعِ إذَا كَانَ لَهُ ثَوْرَانِ لَا إنْ زَادَ وَبَلَغَ نِصَابًا، وَلَا تَحِلُّ لِمَنْ لَهُ دَارٌ تُسَاوِي نُصُبًا، وَالْفَاضِلُ عَنْ سُكْنَاهُ يَبْلُغُ نِصَابًا وَقُيِّدَ بِمِلْكِ النِّصَابِ؛ لِأَنَّ مَنْ مَلَكَ مَا دُونَهُ يَحِلُّ لَهُ أَخْذُهَا إذَا كَانَ قِيمَتُهُ لَا تَبْلُغُ نِصَابًا، وَلَوْ كَانَ صَحِيحًا مُكْتَسِبًا قَيَّدْنَا بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ تِسْعَةَ عَشْرَ دِينَارًا تُسَاوِي ثَلَاثَمِائَةِ دِرْهَمٍ لَا تَحِلُّ لَهُ الزَّكَاةُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ عَنْ مُحَمَّدٍ، وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ خِلَافُهُ قَالَ: وَقَالَ هِشَامٌ: سَأَلْت مُحَمَّدًا عَنْ رَجُلٍ لَهُ تِسْعَةَ عَشْرَ دِينَارًا تُسَاوِي ثَلَاثَمِائَةِ دِرْهَمٍ هَلْ يَسَعُهُ أَنْ يَأْخُذَ قَالَ نَعَمْ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ صَدَقَةُ فِطْرِهِ، وَقُيِّدَ بِالزَّكَاةِ؛ لِأَنَّ النَّفَلَ يَجُوزُ لِلْغَنِيِّ كَمَا لِلْهَاشِمِيِّ، وَأَمَّا بَقِيَّةُ الصَّدَقَاتِ الْمَفْرُوضَةِ وَالْوَاجِبَةِ كَالْعُشْرِ وَالْكَفَّارَاتِ وَالنُّذُورِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ فَلَا يَجُوزُ صَرْفُهَا لِلْغَنِيِّ لِعُمُومِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَحِلُّ صَدَقَةٌ لِغَنِيٍّ» خَرَجَ النَّفَلُ مِنْهَا؛ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ عَلَى الْغَنِيِّ هِبَةٌ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَأَمَّا صَدَقَةُ الْوَقْفِ فَيَجُوزُ صَرْفُهَا إلَى الْأَغْنِيَاءِ إنْ سَمَّاهُمْ الْوَاقِفُ، وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّهَا مِنْ الصَّدَقَةِ الْوَاجِبَةِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ أَيْضًا وَفَرَّعُوا عَلَى مَنْعِ دَفْعِ الزَّكَاةِ لِلْغَنِيِّ مَا لَوْ دَفَعَ قَوْمٌ زَكَاتَهُمْ إلَى مَنْ يَجْمَعُهَا لِفَقِيرٍ فَاجْتَمَعَ عِنْدَ الْآخِذِ أَكْثَرُ مِنْ مِائَتَيْنِ فَإِنْ كَانَ جَمْعُهُ لَهُ بِأَمْرِهِ قَالُوا:   [منحة الخالق] [دَفْعُ الزَّكَاة إلَى الْأَب وَالْجَدّ أَوْ الو لَدِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ] (قَوْلُهُ: وَلَا تَحِلُّ لِمَنْ لَهُ دَارٌ تُسَاوِي نُصُبًا إلَخْ) هَذِهِ رِوَايَةُ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة، وَفِي الْبَقَّالِيِّ وَأَطْلَقَ فِي الْكَشْفِ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا كَانَ لَهُ دَارٌ تُسَاوِي عَشَرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَلَوْ بَاعَهَا وَاشْتَرَى بِأَلْفٍ لَوَسِعَهُ ذَلِكَ لَا آمُرُ بِبَيْعِهَا ثُمَّ نَقَلَ عَنْ الصُّغْرَى إذَا كَانَ لَهُ دَارٌ يَسْكُنُهَا يَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الدَّارُ جَمِيعًا مُسْتَحَقَّةً لِحَاجَتِهِ بِأَنْ كَانَ لَا يَسْكُنُ الْكُلَّ هُوَ الصَّحِيحُ (قَوْلُهُ: قَيَّدْنَا بِهِ) أَيْ بِقَوْلِهِ إذَا كَانَ قِيمَتُهُ أَيْ قِيمَةُ مَا دُونَ النِّصَابِ لَا تُسَاوِي نِصَابًا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 263 كُلُّ مَنْ دَفَعَ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ مَا فِي يَدِ الْجَابِي مِائَتَيْنِ جَازَتْ زَكَاتُهُ، وَمَنْ دَفَعَ بَعْدَهُ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْفَقِيرُ مَدْيُونًا فَيُعْتَبَرُ هَذَا التَّفْصِيلُ فِي مِائَتَيْنِ تَفْضُلُ بَعْدَ دَيْنِهِ فَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ جَازَ الْكُلُّ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ هُوَ وَكِيلٌ عَنْ الْفَقِيرِ فَمَا اجْتَمَعَ عِنْدَهُ يَمْلِكُهُ، وَفِي الثَّانِي وَكِيلُ الدَّافِعِينَ فَمَا اجْتَمَعَ عِنْدَهُ مَلَكَهُمْ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلِلْغَنِيِّ أَنْ يَشْتَرِيَ الصَّدَقَةَ الْوَاجِبَةَ مِنْ الْفَقِيرِ وَيَأْكُلَهَا، وَكَذَا لَوْ وَهَبَهَا لَهُ عُلِمَ أَنَّ تَبَدُّلَ الْمِلْكِ كَتَبَدُّلِ الْعَيْنِ فَلَوْ أَبَاحَهَا لَهُ، وَلَمْ يَمْلِكْهَا مِنْهُ ذَكَرَ أَبُو الْمُعِينِ النَّسَفِيُّ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ تَنَاوُلُهُ لِلْغَنِيِّ وَقَالَ خُوَاهَرْ زَادَهْ يَحِلُّ كَذَا فِي الْفَوَائِدِ التَّاجِيَّةِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْإِبَاحَةَ لَوْ كَانَتْ كَافِيَةً لَمَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي وَاقِعَةِ بَرِيرَةَ «هُوَ لَهَا صَدَقَةٌ وَلَنَا هَدِيَّةٌ» كَمَا لَا يَخْفَى إلَّا أَنْ يُقَالَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْهَاشِمِيِّ وَالْغَنِيِّ وَإِنْ قِيلَ بِهِ فَصَحِيحٌ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الشُّبْهَةَ فِي حَقِّ الْهَاشِمِيِّ كَالْحَقِيقَةِ بِدَلِيلِ مَنْعِ الْهَاشِمِيِّ مِنْ الْعِمَالَةِ بِخِلَافِ الْغَنِيِّ، وَدَخَلَ تَحْتَ النِّصَابِ النَّامِي الْمَذْكُورِ أَوَّلًا الْخُمُسُ مِنْ الْإِبِلِ السَّائِمَةِ فَإِنْ مَلَكَهَا أَوْ نِصَابًا مِنْ السَّوَائِمِ مِنْ أَيِّ مَالٍ كَانَ لَا يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ لَهُ سَوَاءٌ كَانَ يُسَاوِي مِائَتِي دِرْهَمٍ أَوْ لَا، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ شُرَّاحُ الْهِدَايَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ مِنْ أَيِّ مَالٍ كَانَ، وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى مَنْ يَمْلِكُ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ، وَلَكِنَّهُ لَا يَطِيبُ لِلْآخِذِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ جَوَازِ الدَّفْعِ جَوَازُ الْأَخْذِ كَظَنِّ الْغَنِيِّ فَقِيرًا اهـ. وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْمُصَرَّحَ بِهِ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَغَيْرِهَا أَنَّهُ يَجُوزُ أَخْذُهَا لِمَنْ مَلَكَ أَقَلَّ مِنْ النِّصَابِ كَمَا يَجُوزُ دَفْعُهَا نَعَمْ الْأَوْلَى عَدَمُ الْأَخْذِ لِمَنْ لَهُ سَدَادٌ مِنْ عَيْشٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ وَعَبْدِهِ وَطِفْلِهِ) أَيْ لَا يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ، وَمَا أُلْحِقَ بِهَا لِعَبْدِ الْغَنِيِّ وَوَلَدِهِ الصَّغِيرِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِي الْعَبْدِ يَقَعُ لِمَوْلَاهُ، وَهُوَ لَيْسَ بِمَصْرِفٍ كَذَا فِي الْكَافِي فَأَفَادَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَبْدِ غَيْرُ الْمَدْيُونِ الْمُسْتَغْرِقِ لِمَا فِي يَدِهِ وَرَقَبَتِهِ، وَأَمَّا هُوَ فَيَجُوزُ دَفْعُهَا لَهُ لِعَدَمِ مِلْكِ الْمَوْلَى إكْسَابَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ عِنْدَ الْإِمَامِ لِمَا عُرِفَ خِلَافًا لَهُمَا وَأَطْلَقَ الْعَبْدَ فَشَمِلَ الْقِنَّ وَالْمُدَبَّرَ وَأُمَّ الْوَلَدِ وَالزَّمِنَ الَّذِي لَيْسَ فِي عِيَالِ مَوْلَاهُ، وَلَمْ يَجِدْ شَيْئًا أَوْ كَانَ مَوْلَاهُ غَائِبًا خِلَافًا لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الْأَخِيرِ وَاخْتَارَهُ فِي الذَّخِيرَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْفِي وُقُوعَ الْمِلْكِ لِمَوْلَاهُ بِهَذَا الْعَارِضِ وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ عِنْدَ غَيْبَةِ مَوْلَاهُ الْغَنِيِّ وَعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى الْكَسْبِ لَا يَنْزِلُ عَنْ حَالِ ابْنِ السَّبِيلِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ الْمِلْكَ هُنَا يَقَعُ لِلْمَوْلَى   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: سَوَاءٌ كَانَ يُسَاوِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ أَوْ لَا) تَبِعَهُ عَلَى هَذِهِ أَخُوهُ وَتِلْمِيذُهُ فِي الْمِنَحِ وَجَزَمَ فِي الشرنبلالية بِأَنَّهُ وَهَمٌ، قَالَ: وَقَدْ ذَكَرَ خِلَافَهُ فِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ فِي فَنِّ الْمُعَايَاةِ فَقَدْ نَاقَضَ نَفْسَهُ، وَلَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ شُرَّاحِ الْهِدَايَةِ صَرَّحَ بِمَا ادَّعَاهُ بَلْ عِبَارَتُهُمْ مُفِيدَةٌ خِلَافَهُ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَلَا يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَى مَنْ مَلَكَ نِصَابًا سَوَاءٌ كَانَ مِنْ النُّقُودِ أَوْ السَّوَائِمِ أَوْ الْعُرُوضِ اهـ. فَأَوْهَمَ مَا ذَكَرَهُ، وَهُوَ مَدْفُوعٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْعِنَايَةِ سَوَاءٌ كَانَ إلَخْ مُفِيدٌ تَفْسِيرَ النِّصَابِ بِالْقِيمَةِ مُطْلَقًا لِمَا أَنَّ الْعُرُوضَ لَيْسَ نِصَابُهَا إلَّا مَا يَبْلُغُ قِيمَتُهُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، وَقَدْ صَرَّحَ بِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ مِقْدَارُ النِّصَابِ فِي التَّبْيِينِ وَغَيْرِهِ، وَاسْتَدَلَّ لَهُ فِي الْكَافِي بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ سَأَلَ، وَلَهُ مَا يُغْنِيهِ فَقَدْ سَأَلَ النَّاسَ إلْحَافًا قِيلَ: وَمَا الَّذِي يُغْنِيهِ قَالَ: مِائَتَا دِرْهَمٍ، أَوْ عَدْلُهَا» اهـ. وَنَحْوُهُ فِي الْمُحِيطِ فَقَدْ شَمِلَ الْحَدِيثُ اعْتِبَارَ السَّائِمَةِ بِالْقِيمَةِ لِإِطْلَاقِهَا وَقَدْ نَصَّ عَلَى اعْتِبَارِ قِيمَةِ السَّوَائِمِ فِي عِدَّةِ كُتُبٍ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ فِي الْأَشْبَاهِ وَالسِّرَاجِ والوهبانية وَشَرْحِهَا لِلْمُصَنِّفِ وَلِابْنِ الشِّحْنَةِ وَالذَّخَائِرِ الْأَشْرَفِيَّةِ، وَفِي الْجَوْهَرَةِ قَالَ الْمَرْغِينَانِيُّ إذَا كَانَ لَهُ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ قِيمَتُهَا أَقَلُّ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ تَحِلُّ لَهُ الزَّكَاةُ وَتَجِبُ عَلَيْهِ، وَبِهَذَا أَظْهَرَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ نِصَابُ النَّقْدِ مِنْ أَيِّ مَالٍ كَانَ بَلَغَ نِصَابًا أَيْ مِنْ جِنْسِهِ أَوْ لَمْ يَبْلُغْ اهـ. مَا نَقَلَهُ عَنْ الْمَرْغِينَانِيِّ اهـ مَا فِي الشرنبلالية. وَوَفَّقَ بَعْضُ مُحَشِّي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ بِحَمْلِ مَا مَرَّ عَنْ الْمُحِيطِ وَالظَّهِيرِيَّةِ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَةِ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي النِّصَابِ الْمُحَرَّمِ الْوَزْنُ أَوْ الْقِيمَةُ فَمَا فِي الْمُحِيطِ الثَّانِي، وَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ الْأَوَّلُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ اعْتِبَارَ الْوَزْنِ خَاصٌّ بِالْمَوْزُونِ لِتَأَتِّيهِ فِيهِ أَمَّا الْمَعْدُودُ كَالسَّائِمَةِ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ الْعَدَدُ بَدَلَ الْوَزْنِ فَمَا فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَالْمِنَحِ مُرُورٌ عَلَى مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَمَا فِي الشرنبلالية عَلَى مَا فِي الْمُحِيطِ، وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ التَّنَافِي بَيْنَ كَلَامِ الْقَوْمِ اهـ مُلَخَّصًا قُلْت: هَذَا مُمْكِنٌ، وَلَكِنْ لَوْ وَرَدَ فِي كَلَامِهِمْ مَا هُوَ صَرِيحٌ فِيمَا قَالَهُ الْمُؤَلِّفُ لَحَصَلَ التَّنَافِي أَمَّا مَعَ عَدَمِهِ عَلَى مَا ادَّعَاهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِعَدَمِ التَّنَافِي تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الْأَخِيرِ) أَيْ الزَّمَنِ الَّذِي لَيْسَ فِي عِيَالِ مَوْلَاهُ، وَقَوْلُهُ: وَاخْتَارَهُ فِي الذَّخِيرَةِ فِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّهُ فِي الذَّخِيرَةِ حَكَاهُ بِقَوْلِهِ: وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: وَلَمْ أَرَ فِي كَلَامِهِ مَا يَقْتَضِي اخْتِيَارَهُ وَمُجَرَّدُ الْحِكَايَةِ لِقَوْلٍ لَا يُفِيدُ اخْتِيَارَهُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَقَدْ يُقَالُ إلَخْ) قَالَ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ أَقُولُ: إنْ أُرِيدَ أَنَّ الْمَوْلَى لَيْسَ بِمَصْرِفٍ لِغِنَاهُ فَابْنُ السَّبِيلِ غَنِيٌّ، وَلَا صَدَقَةَ لِغَنِيٍّ أَوْ يُقَالُ الْعَبْدُ الْمَذْكُورُ لَا يَنْزِلُ حَالُهُ عَنْ مَأْذُونِ مَدْيُونٍ، وَهُوَ لَا يَمْلِكُ الْمَوْلَى كَسْبَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَجَازَ الصَّرْفُ إلَيْهِ فَلْيَجُزْ هَا هُنَا لِلضَّرُورَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُخَالِفَ أَبُو يُوسُفَ أَصْلَهُ فِيهِ لِلضَّرُورَةِ اهـ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 264 وَهُوَ لَيْسَ بِمَصْرِفٍ وَأَمَّا ابْنُ السَّبِيلِ فَمَصْرِفٌ فَالْأَوْلَى الْإِطْلَاقُ كَمَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الدَّفْعَ إلَى مُكَاتَبِ الْغَنِيِّ جَائِزٌ وَإِنَّمَا مُنِعَ مِنْ الدَّفْعِ لِطِفْلِ الْغَنِيِّ؛ لِأَنَّهُ يُعَدُّ غَنِيًّا بِغِنَاءِ أَبِيهِ كَذَا قَالُوا، وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّ الدَّفْعَ لِوَلَدِ الْغَنِيَّةِ جَائِزٌ؛ إذْ لَا يُعَدُّ غَنِيًّا بِغِنَاءِ أُمِّهِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي الْقُنْيَةِ وَأَطْلَقَ الطِّفْلَ فَشَمِلَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى وَمَنْ هُوَ فِي عِيَالِ الْأَبِ أَوْ لَا عَلَى الصَّحِيحِ لِوُجُودِ الْعِلَّةِ وَقُيِّدَ بِالطِّفْلِ؛ لِأَنَّ الدَّفْعَ لِوَلَدِ الْغَنِيِّ إذَا كَانَ كَبِيرًا جَائِزٌ مُطْلَقًا وَقُيِّدَ بِعَبْدِهِ وَطِفْلِهِ؛ لِأَنَّ الدَّفْعَ إلَى أَبِي الْغَنِيِّ وَزَوْجَتِهِ جَائِزٌ سَوَاءٌ فَرَضَ لَهَا نَفَقَةً أَوْ لَا. (قَوْلُهُ وَبَنِي هَاشِمٍ وَمَوَالِيهِمْ) أَيْ لَا يَجُوزُ الدَّفْعُ لَهُمْ لِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ «نَحْنُ - أَهْلَ بَيْتٍ - لَا تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ» وَلِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد «مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، وَإِنَّا لَا تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ» قَدْ أَطْلَقَ فِي بَنِي هَاشِمٍ فَشَمِلَ مَنْ كَانَ نَاصِرًا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَنْ لَمْ يَكُنْ نَاصِرًا لَهُ مِنْهُمْ كَوَلَدِ أَبِي لَهَبٍ فَيَدْخُلُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ فِي حُرْمَةِ الصَّدَقَةِ لِكَوْنِهِ هَاشِمِيًّا، فَإِنَّ تَحْرِيمَ الصَّدَقَةِ حُكْمٌ يَخْتَصُّ بِالْقَرَابَةِ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ لَا بِالنُّصْرَةِ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَقَيَّدَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي تَبَعًا لِمَا فِي الْهِدَايَةِ وَشُرُوحِهَا بِآلِ عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ وَجَعْفَرٍ وَعَقِيلٍ وَحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَمَشَى عَلَيْهِ الشَّارِحُ الزَّيْلَعِيُّ وَالْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَصَرَّحَا بِإِخْرَاجِ أَبِي لَهَبٍ وَأَوْلَادِهِ فِي هَذَا الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الصَّدَقَةِ لِبَنِي هَاشِمٍ كَرَامَةٌ مِنْ اللَّهِ - تَعَالَى - لَهُمْ وَلِذُرِّيَّتِهِمْ حَيْثُ نَصَرُوهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي جَاهِلِيَّتِهِمْ وَإِسْلَامِهِمْ، وَأَبُو لَهَبٍ كَانَ حَرِيصًا عَلَى أَذَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يَسْتَحِقَّهَا بَنُوهُ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُسْتَصْفَى وَرَوَى حَدِيثًا «لَا قَرَابَةَ بَيْنِي وَبَيْنَ أَبِي لَهَبٍ» وَنَصَّ فِي الْبَدَائِعِ عَلَى أَنَّ الْكَرْخِيَّ قَيَّدَ بَنِي هَاشِمٍ بِالْخَمْسَةِ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ فَكَانَ الْمَذْهَبُ التَّقْيِيدَ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ الْكَرْخِيَّ مِمَّنْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَذْهَبِ أَصْحَابِنَا، وَقُيِّدَ بِبَنِي هَاشِمٍ؛ لِأَنَّ بَنِي الْمُطَّلِبِ تَحِلُّ لَهُمْ الصَّدَقَةُ وَلَيْسُوا كَبَنِي هَاشِمٍ، وَإِنْ اسْتَوَوْا فِي الْقَرَابَةِ؛ لِأَنَّ عَبْدَ مَنَافٍ جَدُّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ وَلِعَبْدِ مَنَافٍ أَرْبَعَةُ بَنِينَ هَاشِمٌ وَالْمُطَّلِبُ وَنَوْفَلٌ وَعَبْدُ شَمْسٍ وَالْخَمْسَةُ الْمَذْكُورُونَ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ؛ لِأَنَّ الْعَبَّاسَ وَالْحَارِثَ عَمَّانِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَجَعْفَرٌ وَعَقِيلٌ أَخَوَانِ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَهُوَ عَمُّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ لِأَبِي طَالِبٍ أَرْبَعَةٌ مِنْ الْأَوْلَادِ، وُلِدَ لَهُ طَالِبٌ فَمَاتَ، وَلَمْ يُعْقِبْ وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَقِيلٍ عَشْرُ سِنِينَ وَبَيْنَ عَقِيلٍ وَجَعْفَرٍ عَشْرُ سِنِينَ وَبَيْنَ جَعْفَرٍ وَعَلِيٍّ عَشْرُ سِنِينَ، وَأُمُّهُمْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَسَدِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَجَمْهَرَةِ النَّسَبِ وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي: وَهَذَا فِي الْوَاجِبَاتِ كَالزَّكَاةِ وَالنَّذْرِ وَالْعُشْرِ وَالْكَفَّارَةِ أَمَّا التَّطَوُّعُ وَالْوَقْفُ فَيَجُوزُ الصَّرْفُ إلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ الْمُؤَدِّيَ فِي الْوَاجِبِ يُطَهِّرُ نَفْسَهُ بِإِسْقَاطِ الْفَرْضِ فَيَتَدَنَّسُ الْمُؤَدَّى كَالْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ، وَفِي النَّفْلِ تَبَرُّعٌ بِمَا لَيْسَ عَلَيْهِ فَلَا يَتَدَنَّسُ بِهِ الْمُؤَدَّى كَمَنْ تَبَرَّدَ بِالْمَاءِ اهـ. وَإِنَّمَا لَمْ تَلْحَقْ صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ لَهُمْ بِالْوُضُوءِ عَلَى الْوُضُوءِ فَيَتَدَنَّسُ بِهِ الْمُؤَدَّى؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ يَقْتَضِي عَدَمَهُ، وَإِنَّمَا قُلْنَا بِهِ فِي الْمَاءِ لِلنَّصِّ الْوَارِدِ: الْوُضُوءُ عَلَى الْوُضُوءِ نُورٌ عَلَى نُورٍ إذْ ازْدِيَادُ النُّورِ يَقْتَضِي زَوَالَ الظُّلْمَةِ بِقَدْرِهِ لَا مَحَالَةَ كَذَا فِي النِّهَايَةِ مُخْتَصَرًا، وَفِيهَا عَنْ الْعَتَّابِيِّ أَنَّ النَّفَلَ جَائِزٌ لَهُمْ بِالْإِجْمَاعِ كَالنَّفْلِ لِلْغَنِيِّ وَتَبِعَهُ صَاحِبُ الْمِعْرَاجِ وَاخْتَارَهُ فِي الْمُحِيطِ مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ، وَعَزَاهُ إلَى النَّوَادِرِ وَمَشَى عَلَيْهِ الْأَقْطَعُ فِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ وَاخْتَارَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَلَمْ يَنْقُلْ غَيْرَهُ شَارِحُ الْمَجْمَعِ فَكَانَ هُوَ الْمَذْهَبَ وَأَثْبَتَ الشَّارِحُ الزَّيْلَعِيُّ الْخِلَافَ فِي التَّطَوُّعِ عَلَى وَجْهٍ يُشْعِرُ بِتَرْجِيحِ الْحُرْمَةِ وَقَوَّاهُ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ جِهَةِ الدَّلِيلِ لِإِطْلَاقِهِ وَقَدْ سَوَّى الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي بَيْنَ التَّطَوُّعِ وَالْوَقْفِ كَمَا سَمِعْت وَهَكَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْحِلَّ مُقَيَّدٌ بِمَا سَمَّاهُمْ أَمَّا إذَا لَمْ يُسَمِّهِمْ فَلَا؛ لِأَنَّهَا صَدَقَةٌ وَاجِبَةٌ وَرَدَّهُ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بَابَ صَدَقَةِ الْوَقْفِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: إذَا كَانَ كَبِيرًا) أَيْ بَالِغًا كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالطِّفْلِ غَيْرُ الْبَالِغِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 265 كَالنَّفْلِ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِتَصَدُّقِهِ بِالْوَقْفِ إذْ لَا إيقَافَ وَاجِبٌ وَكَانَ مَنْشَأُ الْغَلَطِ وُجُوبَ دَفْعِهَا عَلَى النَّاظِرِ وَبِذَلِكَ لَمْ تَصِرْ صَدَقَةً وَاجِبَةً عَلَى الْمَالِكِ بَلْ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ وُجُوبُ اتِّبَاعِ شَرْطِ الْوَاقِفِ عَلَى النَّاظِرِ اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ؛ إذْ الْإِيقَافُ قَدْ يَكُونُ وَاجِبًا كَمَا إذَا كَانَ مَنْذُورًا كَأَنْ قَالَ: إنْ قَدِمَ أَبِي فَعَلَيَّ أَنْ أَقِفَ هَذِهِ الدَّارَ صَرَّحَ الْمُحَقِّقُ نَفْسُهُ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ بِذَلِكَ وَأَوْرَدَ سُؤَالًا كَيْفَ يَلْزَمُ النَّذْرُ بِهِ وَلَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبٌ وَأَجَابَ بِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَقِفَ مَسْجِدًا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِلْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي بَيْتِ الْمَالِ شَيْءٌ فَعَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ كِتَابِ الزَّكَاةِ مِنْ فَصْلِ النَّذْرِ رَجُلٌ سَقَطَ مِنْهُ شَيْءٌ، فَقَالَ: إنْ وَجَدْته فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَقِفَ أَرْضِي هَذِهِ عَلَى أَبْنَاءِ السَّبِيلِ فَوَجَدَهُ كَانَ عَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِهِ، فَإِنْ وَقَفَ أَرْضَهُ عَلَى مَنْ يَجُوزُ لَهُ صَرْفُ الزَّكَاةِ إلَيْهِ مِنْ الْأَقَارِبِ وَالْأَجَانِبِ جَازَ اهـ. وَأَطْلَقَ الْحُكْمَ فِي بَنِي هَاشِمٍ، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِزَمَانٍ، وَلَا بِشَخْصٍ لِلْإِشَارَةِ إلَى رَدِّ رِوَايَةِ أَبِي عِصْمَةَ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ يَجُوزُ الدَّفْعُ إلَى بَنِي هَاشِمٍ فِي زَمَانِهِ؛ لِأَنَّ عِوَضَهَا، وَهُوَ خُمُسُ الْخُمُسِ لَمْ يَصِلْ إلَيْهَا لِإِهْمَالِ النَّاسِ أَمْرَ الْغَنَائِمِ وَإِيصَالَهَا إلَى مُسْتَحِقِّهَا وَإِذَا لَمْ يَصِلْ إلَيْهِمْ الْعِوَضُ عَادُوا إلَى الْمُعَوِّضِ وَلِلْإِشَارَةِ إلَى رَدِّ الرِّوَايَةِ بِأَنَّ الْهَاشِمِيَّ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ زَكَاتَهُ إلَى هَاشِمِيٍّ مِثْلِهِ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ الْمَنْعُ مُطْلَقًا وَقُيِّدَ بِمَوْلَى الْهَاشِمِيِّ؛ لِأَنَّ مَوْلَى الْغَنِيِّ يَجُوزُ الدَّفْعُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْغَنِيَّ أَهْلٌ لَهَا لَكِنَّ الْغَنِيَّ مَانِعٌ، وَلَا مَانِعَ فِي حَقِّ الْمَوْلَى، وَالْحَدِيثُ لَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ أَعْنِي مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَلِهَذَا قَالَ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ يَعْنِي فِي حِلِّ الصَّدَقَةِ وَحُرْمَتِهَا، وَإِلَّا فَمَوْلَى الْقَوْمِ لَيْسَ مِنْهُمْ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَيْسَ بِكُفُؤٍ لَهُمْ وَأَنَّ مَوْلَى الْمُسْلِمِ إذَا كَانَ كَافِرًا تُؤْخَذُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ، وَإِنْ كَانَ مَوْلَى التَّغْلِبِيِّ تُؤْخَذُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ لَا الْمُضَاعَفَةُ اهـ. وَفِي آخِرِ مَبْسُوطِ الْإِمَامِ السَّرَخْسِيِّ مِنْ كِتَابِ الْكَسْبِ وَتَكَلَّمَ النَّاسُ فِي حَقِّ سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَتَحِلُّ لَهُمْ الصَّدَقَةُ أَمْ لَا فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: مَا كَانَ يَحِلُّ أَخْذُ الصَّدَقَةِ لِسَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ أَيْضًا، وَلَكِنْ كَانَتْ تَحِلُّ لِقَرَابَاتِهِمْ ثُمَّ إنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - أَكْرَمَ نَبِيَّنَا بِأَنْ حَرَّمَ الصَّدَقَةَ عَلَى قَرَابَتِهِ إظْهَارًا لِفَضِيلَتِهِ وَقِيلَ بَلْ كَانَتْ الصَّدَقَةُ تَحِلُّ لِسَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ وَهَذِهِ خُصُوصِيَّةٌ لِنَبِيِّنَا عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ. (قَوْلُهُ وَلَوْ دَفَعَ بِتَحَرٍّ فَبَانَ أَنَّهُ غَنِيٌّ أَوْ هَاشِمِيٌّ أَوْ كَافِرٌ أَوْ أَبُوهُ أَوْ ابْنُهُ صَحَّ وَلَوْ عَبْدَهُ أَوْ مُكَاتَبَهُ لَا) لِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ «لَك مَا نَوَيْت يَا زَيْدُ وَلَك مَا أَخَذْت يَا مَعْنُ» حِينَ دَفَعَهَا زَيْدٌ إلَى وَلَدِهِ مَعْنٍ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالتَّحَرِّي الِاجْتِهَادَ بَلْ غَلَبَةُ الظَّنِّ بِأَنَّهُ مَصْرِفٌ بَعْدَ الشَّكِّ فِي كَوْنِهِ مَصْرِفًا وَإِنَّمَا قُلْنَا هَذَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ دَفَعَ بِاجْتِهَادٍ دُونَ ظَنٍّ أَوْ بِغَيْرِ اجْتِهَادٍ أَصْلًا أَوْ بِظَنٍّ أَنَّهُ بَعْدَ الشَّكِّ لَيْسَ بِمَصْرِفٍ ثُمَّ تَبَيَّنَ الْمَانِعُ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ وَكَذَا لَوْ لَمْ يَتَبَيَّنْ شَيْءٌ فَهُوَ عَلَى الْفَسَادِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَنَّهُ مَصْرِفٌ، وَلَوْ دَفَعَ إلَى مَنْ يَظُنُّ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَصْرِفٍ ثُمَّ يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ مَصْرِفٌ يُجْزِئُهُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَنْ صَلَّى بِاجْتِهَادٍ إلَى جِهَةٍ يَظُنُّ أَنَّهَا لَيْسَتْ الْقِبْلَةَ حَيْثُ لَا تُجْزِئُهُ الصَّلَاةُ، وَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهَا الْقِبْلَةُ بَلْ قَالَ الْإِمَامُ يُخْشَى عَلَيْهِ الْكُفْرُ أَنَّ الصَّلَاةَ الْفَرْضَ بِغَيْرِ الْقِبْلَةِ مَعْصِيَةٌ، وَالْمَعْصِيَةُ لَا تَنْقَلِبُ طَاعَةً وَدَفْعُ الْمَالِ إلَى غَيْرِ الْفَقِيرِ قُرْبَةٌ يُثَابُ عَلَيْهَا وَقَيَّدْنَا بِكَوْنِهِ بَعْدَ الشَّكِّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ دَفَعَهَا   [منحة الخالق] [دَفْعُ الزَّكَاةَ لَبَنِي هَاشِمٍ وَمَوَالِيهِمْ] (قَوْلُهُ: وَفِيهِ نَظَرٌ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَدْ يُجَابُ وُجُوبُهُ بِالنَّذْرِ الْعَارِضِ لَا يُعَارَضُ اهـ. وَكَذَا أَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ مُرَادَهُ لَا إيجَابَ وَاجِبٌ بِإِيجَابِ اللَّهِ - تَعَالَى - اهـ وَبِالْجُمْلَةِ فَمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ لَا يَدْفَعُ بَحْثَ الْمُحَقِّقِ؛ إذْ يَبْعُدُ حَمْلُ كَلَامِهِمْ عَلَى الْوَقْفِ الْمَنْذُورِ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ بَلْ كَانَتْ الصَّدَقَةُ تَحِلُّ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَاَلَّذِي يَنْبَغِي اعْتِمَادُهُ الْأَوَّلُ لِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ «وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ أَوْسَاخُ النَّاسِ» ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مُنَزَّهُونَ عَنْ ذَلِكَ اهـ. وَفِي حَوَاشِي مِسْكِينٍ عَنْ الْحَمَوِيِّ عَنْ ابْنِ بَطَّالٍ: اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ أَزْوَاجَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا يَدْخُلْنَ فِي الَّذِينَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الصَّدَقَةُ قَالَ ثُمَّ قَالَ الْحَمَوِيُّ: وَفِي الْمُغْنِي عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - قَالَتْ إنَّا آلَ مُحَمَّدٍ لَا تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ قَالَ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِهَا عَلَيْهِنَّ. [دَفَعَ الزَّكَاة بِتَحَرٍّ فَبَانَ أَنَّهُ غَنِيٌّ أَوْ هَاشِمِيٌّ أَوْ كَافِرٌ أَوْ أَبُوهُ أَوْ ابْنُهُ] (قَوْلُهُ: بِاجْتِهَادٍ بِدُونِ ظَنٍّ) أَيْ بِأَنْ اجْتَهَدَ وَلَمْ يَتَرَجَّحْ عِنْدَهُ شَيْءٌ، وَقَوْلُهُ: أَوْ بِغَيْرِ اجْتِهَادٍ أَصْلًا أَيْ بَعْدَ الشَّكِّ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ الْآتِي؛ لِأَنَّهُ لَوْ دَفَعَهَا لَمْ يَخْطِرْ بِبَالِهِ إلَخْ، وَقَوْلُهُ: أَوْ بِظَنِّ أَنَّهُ بَعْدَ الشَّكِّ لَيْسَ بِمَصْرِفٍ، الظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ بَعْدَ الشَّكِّ مِنْ تَصَرُّفِ النُّسَّاخِ؛ إذْ لَا مَوْقِعَ لِذِكْرِهِ هُنَا وَمَحَلُّهُ أَنْ يُذْكَرَ عَقِبَ قَوْلِهِ: أَصْلًا فَتَصِيرُ الْعِبَارَةُ هَكَذَا أَوْ بِغَيْرِ اجْتِهَادٍ أَصْلًا بَعْدَ الشَّكِّ أَوْ بِظَنِّ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَصْرِفٍ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَدَفَعَ الْمَالَ إلَى غَيْرِ الْفَقِيرِ قُرْبَةً إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: كَوْنُ الْإِعْطَاءِ لَا يَكُونُ بِهِ عَاصِيًا مُطْلَقًا مَمْنُوعٌ فَقَدْ صَرَّحَ الْإِسْبِيجَابِيُّ بِأَنَّهُ إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ غِنَاهُ حُرِّمَ عَلَيْهِ الدَّفْعُ اهـ. وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُرَادَ بِالْغَنِيِّ فِي كَلَامِ الْإِسْبِيجَابِيِّ مَا هُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنْهُ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَالِكَ نِصَابٍ أَوَّلًا بِأَنْ كَانَ يَمْلِكُ قُوتَ يَوْمِهِ فَقَطْ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ فَالدَّفْعُ إلَيْهِ يَكُونُ هِبَةً، وَهِيَ جَائِزَةٌ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ كَمَا حَمَلَهُ عَلَيْهِ فِي النَّهْرِ آخِرَ الْبَابِ فَلَا يَتَوَجَّهُ الْمَنْعُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مَصْرِفٌ، وَالْكَلَامُ فِيمَنْ ظَنَّهُ غَيْرَ مَصْرِفٍ فَالدَّفْعُ إلَيْهِ يَكُونُ هِبَةً كَمَا يَأْتِي آخِرَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 266 وَلَمْ يَخْطِرْ بِبَالِهِ أَنَّهُ مَصْرِفٌ أَمْ لَا فَهُوَ عَلَى الْجَوَازِ إلَّا إذَا تَبَيَّنَّ أَنَّهُ غَيْرُ مَصْرِفٍ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ صَرَفَ الصَّدَقَةَ إلَى مَحَلِّهَا حَيْثُ نَوَى الزَّكَاةَ عِنْدَ الدَّفْعِ وَالظَّاهِرُ لَا يَبْطُلُ إلَّا بِالْيَقِينِ حَتَّى لَوْ شَكَّ فِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ شَيْءٌ لَا تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ الْأَوَّلَ لَا يَبْطُلُ بِالشَّكِّ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ مَا دَفَعَهُ إذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَصْرِفٍ وَوَقَعَ تَطَوُّعًا كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي كَوْنِهِ يَطِيبُ لِلْفَقِيرِ وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يَطِيبُ قِيلَ: يَتَصَدَّقُ بِهِ لِخُبْثِهِ، وَقِيلَ: يَرُدُّهُ عَلَى الدَّافِعِ كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَأَطْلَقَ الْكَافِرَ فَشَمِلَ الذِّمِّيَّ وَالْحَرْبِيَّ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِمَا فِي الْمُبْتَغَى بِالْمُعْجَمَةِ، وَفِي الْمُحِيطِ إذَا ظَهَرَ أَنَّهُ حَرْبِيٌّ فِيهِ رِوَايَتَانِ وَالْفَرْقُ عَلَى إحْدَاهُمَا أَنَّهُ لَمْ تُوجَدْ صِفَةُ الْقُرْبَةِ أَصْلًا وَالْحَقُّ الْمَنْعُ فَقَدْ قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مَعْزِيًّا إلَى التُّحْفَةِ وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ إذَا ظَهَرَ أَنَّهُ حَرْبِيٌّ، وَلَوْ مُسْتَأْمَنًا لَا يَجُوزُ، وَكَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ مُعَلَّلًا بِأَنَّ صِلَّتَهُ لَا تَكُونُ بِرًّا شَرْعًا؛ وَلِذَا لَمْ يَجُزْ التَّطَوُّعُ إلَيْهِ فَلَمْ يَقَعْ قُرْبَةً، وَلَا يَخْفَى أَنَّ أَحَدَ الزَّوْجَيْنِ كَالْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ وَأَنَّ الْمُدَبَّرَ وَأُمَّ الْوَلَدِ دَاخِلَانِ تَحْتَ الْعَبْدِ وَالْمُسْتَسْعَى كَالْمُكَاتَبِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا حُرٌّ مَدْيُونٌ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَقُيِّدَ بِالزَّكَاةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِلْفُقَرَاءِ فَأَعْطَاهُمْ الْوَصِيُّ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُمْ أَغْنِيَاءُ لَمْ يَجُزْ، وَهُوَ ضَامِنٌ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ اللَّهِ - تَعَالَى - فَاعْتُبِرَ فِيهَا الْوُسْعُ، وَالْوَصِيَّةُ حَقُّ الْعِبَادِ فَاعْتُبِرَ فِيهَا الْحَقِيقَةُ أَلَا تَرَى أَنَّ النَّائِمَ إذَا أَتْلَفَ شَيْئًا يَضْمَنُ، وَلَا يَأْثَمُ كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَقِيَاسُهُ أَنَّ الْوَصِيَّ بِشِرَاءِ دَارٍ لِيُوقِفَهَا إذَا اشْتَرَى، وَنَقَدَ الثَّمَنَ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهَا وَقْفُ الْغَيْرِ وَضَاعَ الثَّمَنُ أَنْ يَضْمَنَ الْوَصِيُّ، وَهِيَ وَاقِعَةٌ فِي زَمَانِنَا وَلِأَنَّهُ اخْتَلَطَ أَوَانِي طَاهِرَةٌ بِنَجَسِهِ أَوْ ثِيَابٌ كَذَلِكَ وَكَانَتْ الْغَلَبَةُ لِلطَّاهِرِ فَتَحَرَّى فِيهَا ثُمَّ تَبَيَّنَ خَطَؤُهُ يُعِيدُ الصَّلَاةَ أَوْ قَضَى الْقَاضِي بِاجْتِهَادِهِ ثُمَّ ظَهَرَ نَصٌّ بِخِلَافِهِ بَطَلَ قَضَاؤُهُ، وَهُوَ الَّذِي قَاسَ عَلَيْهِ أَبُو يُوسُفَ مَسْأَلَةَ الْكِتَابِ، وَالْفَرْقُ لَهُمَا أَنَّ الْعِلْمَ بِالثَّوْبِ الطَّاهِرِ وَالْمَاءِ الطَّاهِرِ وَالنَّصِّ مُمْكِنٌ فَلَمْ يَأْتِ بِالْمَأْمُورِ بِهِ قَيَّدْنَا بِكَوْنِ الْغَلَبَةِ لِلطَّاهِرِ؛ لِأَنَّ الْغَلَبَةَ لَوْ كَانَتْ لِلنَّجَسِ أَوْ اسْتَوَيَا لَا يَتَحَرَّى بَلْ يَتَيَمَّمُ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ، وَفِي النِّهَايَةِ جَعَلَ هَذَا الْحُكْمَ مُخْتَصًّا بِالْأَوَانِي أَمَّا الثِّيَابُ النَّجِسَةُ إذَا اخْتَلَطَتْ بِالطَّاهِرَةِ فَإِنَّهُ يَتَحَرَّى مُطْلَقًا، وَلَوْ كَانَتْ النَّجِسَةُ أَكْثَرَ أَوْ مُسَاوِيَةً وَتَبِعَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقَدْ أَخَذَاهُ مِنْ مَبْسُوطِ السَّرَخْسِيِّ مِنْ كِتَابِ التَّحَرِّي وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الضَّرُورَةَ لَا تَتَحَقَّقُ فِي الْأَوَانِي؛ لِأَنَّ التُّرَابَ طَهُورٌ لَهُ بَدَلٌ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْمَاءِ الطَّاهِرِ فَلَا يُضْطَرُّ إلَى التَّحَرِّي لِلْوُضُوءِ عِنْدَ غَلَبَةِ النَّجَاسَةِ لِمَا أَمْكَنَهُ إقَامَةُ الْفَرْضِ بِالْبَدَلِ حَتَّى لَوْ تَحَقَّقَتْ الضَّرُورَةُ لِلشُّرْبِ عِنْدَ الْعَطَشِ وَعَدَمِ الْمَاءِ الطَّاهِرِ يَجُوزُ التَّحَرِّي لِلشُّرْبِ فِي مَسْأَلَةِ الثِّيَابِ الضَّرُورَةِ مَسَّتْ لِلتَّحَرِّي؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلسَّتْرِ بَدَلٌ   [منحة الخالق] الْبَابِ، وَهِيَ مَنْدُوبَةٌ وَقَبُولُهَا سُنَّةٌ عَلَى أَنَّ كَلَامَ الْإِسْبِيجَابِيِّ الظَّاهِرُ مِنْهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ دَفْعُ الزَّكَاةِ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالْغَنِيِّ الْمُعْتَبَرُ وَوَجْهُ الْحُرْمَةِ حِينَئِذٍ عَدَمُ سُقُوطِ الزَّكَاةِ عَنْهُ بِهَذَا الدَّفْعِ فَإِذَا اجْتَزَأَ بِهِ يَكُونُ مَانِعًا لِلزَّكَاةِ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِمْ فِي الْفَرْقِ وَدَفْعُ الْمَالِ إلَى غَيْرِ الْفَقِيرِ قُرْبَةً غَيْرَ الزَّكَاةِ كَمَا لَا يَخْفَى فَأَنَّى يَتَوَجَّهُ الْمَنْعُ (قَوْلُهُ: وَأَطْلَقَ الْكَافِرَ إلَخْ) قَالَ فِي كِفَايَةِ الْبَيْهَقِيّ دَفَعَ إلَى حَرْبِيٍّ خَطَأً ثُمَّ تَبَيَّنَ جَازَ عَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَهُوَ قَوْلُهُ: اهـ. قَالَ الْأَقْطَعُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَجُوزُ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَقَوْلُهُ: الْآخَرُ مِثْلُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ فِي مُشْكِلَاتِ خُوَاهَرْ زَادَهْ قَوْلُهُ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ غَنِيٌّ أَوْ هَاشِمِيٌّ أَوْ كَافِرٌ أَيْ ذِمِّيٌّ؛ لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ مُنْعَقِدٌ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُسْتَأْمَنًا أَوْ حَرْبِيًّا فَإِنَّهُ تَجِبُ الْإِعَادَةُ اهـ. وَنَصَّ فِي الْمُخْتَارِ عَلَى جَوَازِ الدَّفْعِ فِيمَا إذَا ظَهَرَ أَنَّهُ حَرْبِيٌّ، وَإِطْلَاقُهُ فِي الْكَنْزِ بِقَوْلِهِ: أَوْ كَافِرٌ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِالذِّمِّيِّ يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ كَذَا فِي شَرْحِ الْكَنْزِ لِلْعَلَّامَةِ ابْنِ الشِّبْلِيِّ شَيْخِ الْمُؤَلِّفِ صَاحِبِ الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: وَهِيَ وَاقِعَةٌ فِي زَمَانِنَا) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ بِأَنَّ الْوَصِيَّ فِي مَسْأَلَةِ الْمِعْرَاجِ وُجِدَتْ مِنْهُ الْمُخَالَفَةُ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالدَّفْعِ إلَى الْفُقَرَاءِ، وَقَدْ أَعْطَى إلَى الْأَغْنِيَاءِ، وَفِي الْوَاقِعَةِ لَمْ تُوجَدْ الْمُخَالَفَةُ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ شِرَاءُ دَارٍ وَظُهُورُ أَنَّهَا وَقْفٌ لَا يُوجِبُ الْمُخَالَفَةَ كَالِاسْتِحْقَاقِ يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ نَوَادِرِ هِشَامٍ رَجُلٌ تَرَكَ ثَلَاثَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ وَأَوْصَى إلَى رَجُلٍ أَنْ يَعْتِقَ عَنْهُ نَسَمَةً بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَاشْتَرَاهَا الْوَصِيُّ بِأَلْفٍ وَأَعْتَقَهَا ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْوَصِيِّ. وَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهَا حُرَّةٌ فَالْوَصِيُّ ضَامِنٌ اهـ. وَأَيْضًا دَارُ الْوَقْفِ تَقْبَلُ الْبَيْعَ فِي الْجُمْلَةِ حَتَّى فَرَّقُوا بَيْنَ ضَمِّ الْحُرِّ إلَى الْعَبْدِ وَبَيْنَ ضَمِّ الْوَقْفِ إلَى الْمِلْكِ فَسَرَى الْبُطْلَانُ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي قَالَ الشَّارِحُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ فِي مَسْأَلَةِ ضَمِّ الْوَقْفِ إلَى الْمِلْكِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ ضَمِّ الْحُرِّ إلَى الْعَبْدِ الْوَقْفِ بَعْدَ الْقَضَاءِ، وَإِنْ صَارَ لَازِمًا بِالْإِجْمَاعِ لَكِنَّهُ يَقْبَلُ الْبَيْعَ بَعْدَ لُزُومِ الْوَقْفِ إمَّا بِشَرْطِ الِاسْتِبْدَالِ، وَهُوَ صَحِيحٌ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْمُفْتَى بِهِ أَوْ بِضِعْفِ غَلَّتِهِ كَمَا هُوَ قَوْلُهُمَا أَوْ بِوُرُودِ غَصْبٍ عَلَيْهِ، وَلَا يُمْكِنُ انْتِزَاعُهُ فَلِلنَّاظِرِ بَيْعُهُ كَمَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ أَوْ بِقَضَاءِ قَاضٍ حَنْبَلِيٍّ بِبَيْعِهِ فَإِنَّ عِنْدَهُ يَجُوزُ بَيْعُ الْوَقْفِ لِيَشْتَرِيَ بِبَدَلِهِ مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ كَمَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ فَكَيْفَ يُجْعَلُ الْوَقْفُ كَالْحُرِّ مَعَ وُجُودِ هَذِهِ الْأَسْبَابِ لِبَيْعِهِ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ اهـ. فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 267 يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى إقَامَةِ الْفَرْضِ يُوَضِّحُهُ أَنَّ فِي مَسْأَلَةِ الْأَوَانِي لَوْ كَانَتْ كُلُّهَا نَجِسَةً لَا يُؤْمَرُ بِالتَّوَضُّؤِ بِهَا وَلَوْ فَعَلَ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ فَكَذَا إذَا كَانَتْ الْغَلَبَةُ لَهُ، وَفِي مَسْأَلَةِ الثِّيَابِ، وَإِنْ كَانَتْ الْكُلُّ نَجِسَةً يُؤْمَرُ بِالصَّلَاةِ فِي بَعْضِهَا فَكَذَا إذَا كَانَتْ الْغَلَبَةُ لَهَا ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ التَّحَرِّيَ يَجْرِي فِي مَسَائِلَ مِنْهَا الزَّكَاةُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَمِنْهَا الْقِبْلَةُ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الصَّلَاةِ، وَمِنْهَا مَسَائِلُ الْمَسَالِيخِ الْمُخْتَلِطَةِ بِالْمَيْتَةِ فَفِي حَالَةِ الِاضْطِرَارِ لِلْأَكْلِ يَجُوزُ التَّحَرِّي فِي الْفُصُولِ كُلِّهَا، وَفِي حَالَةِ الِاخْتِيَارِ لَا يَجُوزُ التَّحَرِّي إلَّا إذَا كَانَ الْحَلَالُ غَالِبًا، وَمِنْهَا مَسْأَلَةُ الزَّيْتِ إذَا اخْتَلَطَ بِوَدَكِ الْمَيْتَةِ فَإِنْ كَانَ الْمُحَرَّمُ غَالِبًا أَوْ مُسَاوِيًا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ أَصْلًا لِلْأَكْلِ، وَلَا غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ الْحَلَالُ غَالِبًا فَفِي حَالَةِ الِاضْطِرَارِ يَجُوزُ الْأَكْلُ وَالِانْتِفَاعُ بِهِ، وَفِي حَالَةِ الِاخْتِيَارِ يَحْرُمُ الْأَكْلُ وَتَنَاوُلُهُ وَيَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ مِنْ حَيْثُ الِاسْتِصْبَاحُ وَدَبْغُ الْجُلُودِ، وَمِنْهَا مَسْأَلَةُ الْمَوْتَى إذَا اخْتَلَطَ مَوْتَى الْمُسْلِمِينَ بِمَوْتَى الْكُفَّارِ فَإِنْ كَانَتْ الْغَلَبَةُ لِمَوْتَى الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهُ يُصَلَّى عَلَيْهِمْ وَيُدْفَنُونَ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ غَلَبَ مَوْتَى الْكُفَّارِ أَوْ تَسَاوَيَا لَا يُصَلَّى عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ إلَّا مَنْ يُعْلَمُ أَنَّهُ مُسْلِمٌ بِالْعَلَامَةِ، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يُدْفَنُونَ فِي مَقَابِرِ الْمُشْرِكِينَ، وَمِنْهَا مَسْأَلَتَا الْأَوَانِي الْمُخْتَلِطَةِ وَالثِّيَابِ الْمُخْتَلِطَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَتَا وَأَمَّا التَّحَرِّي فِي الْفُرُوجِ فَلَا يَجُوزُ بِحَالٍ حَتَّى لَوْ أَعْتَقَ وَاحِدَةً مِنْ جَوَارِيهِ بِعَيْنِهَا ثُمَّ نَسِيَهَا لَمْ يَسَعْهُ التَّحَرِّي لِلْوَطْءِ، وَلَا لِلْبَيْعِ وَمَنْ أَرَادَ مَعْرِفَةَ الدَّلَائِلِ وَالْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسَائِلِ وَزِيَادَةِ التَّعْرِيفَاتِ فِي مَسَائِلِ التَّحَرِّي فَعَلَيْهِ بِكِتَابِ التَّحَرِّي مِنْ الْمَبْسُوطِ أَوَّلَ الْجُزْءِ الرَّابِعِ، وَاعْلَمْ أَنَّ التَّحَرِّيَ فِي اللُّغَةِ الطَّلَبُ وَالِابْتِغَاءُ، وَهُوَ وَالتَّوَخِّي سَوَاءٌ إلَّا أَنَّ لَفْظَ التَّوَخِّي يُسْتَعْمَلُ فِي الْمُعَامَلَاتِ وَالتَّحَرِّي فِي الْعِبَادَاتِ، وَفِي الشَّرِيعَةِ طَلَبُ الشَّيْءِ بِغَالِبِ الرَّأْيِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْوُقُوفِ عَلَى حَقِيقَتِهِ، وَهُوَ غَيْرُ الشَّكِّ وَالظَّنِّ فَالشَّكُّ أَنْ يَسْتَوِيَ طَرَفَا الْعِلْمِ وَالْجَهْلِ، وَالظَّنُّ تَرَجُّحُ أَحَدِهِمَا مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ، وَالتَّحَرِّي تَرَجُّحُ أَحَدِهِمَا بِغَالِبِ الرَّأْيِ، وَهُوَ دَلِيلٌ يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى طَرَفِ الْعِلْمِ، وَإِنْ كَانَ لَا يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى مَا يُوجِبُ حَقِيقَةَ الْعِلْمِ وَيَلْحَقُ بِالتَّحَرِّي فِي مَسْأَلَةِ الزَّكَاةِ مَا لَوْ كَانَ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ جَالِسًا فِي صَفِّ الْفُقَرَاءِ يَصْنَعُ صَنِيعَهُمْ أَوْ كَانَ عَلَيْهِ زِيُّ الْفُقَرَاءِ أَوْ سَأَلَهُ فَأَعْطَاهُ فَهَذِهِ الْأَسْبَابُ بِمَنْزِلَةِ التَّحَرِّي كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ أَيْضًا يَعْنِي أَنَّهُ لَوْ ظَهَرَ أَنَّهُ غَنِيٌّ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ وَكُرِهَ الْإِغْنَاءُ وَنُدِبَ عَنْ السُّؤَالِ) أَيْ كُرِهَ أَنْ يَدْفَعَ إلَى فَقِيرٍ مَا يَصِيرُ بِهِ غَنِيًّا وَنُدِبَ الْإِغْنَاءُ عَنْ سُؤَالِ النَّاسِ وَإِنَّمَا صَحَّ الْإِغْنَاءُ؛ لِأَنَّ الْغِنَى حُكْمُ الْأَدَاءِ فَيَتَعَقَّبُهُ لَكِنْ يُكْرَهُ لِقُرْبِ الْغِنَى مِنْهُ كَمَنْ صَلَّى وَبِقُرْبِهِ نَجَاسَةٌ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقَوْلُهُ: فَيَتَعَقَّبُهُ صَرِيحٌ فِي تَعَقُّبِ حُكْمِ الْعِلَّةِ إيَّاهَا فِي الْخَارِجِ، وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ وَتَعَقَّبَهُ فِي النِّهَايَةِ وَالْمِعْرَاجِ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُسْتَقِيمٍ عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ مَذْهَبِنَا مِنْ أَنَّ حُكْمَ الْعِلَّةِ الْحَقِيقِيَّةِ لَا يَجُوزُ تَأَخُّرُهُ عَنْهَا بَلْ هُمَا كَالِاسْتِطَاعَةِ مَعَ الْفِعْلِ يَقْتَرِنَانِ وَأَجَابَا بِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ أَنَّ الْغِنَى حُكْمُ الْأَدَاءِ أَيْ حُكْمُهُ حُكْمُ الْأَدَاءِ؛ لِأَنَّ الْأَدَاءَ عِلَّةُ الْمِلْكِ، وَالْمِلْكُ عِلَّةُ الْغِنَى فَكَانَ الْغِنَى مُضَافًا إلَى الْأَدَاءِ بِوَاسِطَةِ الْمِلْكِ كَالْإِعْتَاقِ فِي شِرَاءِ الْقَرِيبِ فَكَانَ لِلْأَدَاءِ شُبْهَةُ السَّبَبِ الْحَقِيقِيِّ، وَالسَّبَبُ الْحَقِيقِيُّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْحُكْمِ حَقِيقَةً، وَمَا يُشْبِهُ السَّبَبَ مِنْ الْعِلَلِ لَهُ شُبْهَةُ التَّقَدُّمِ اهـ. وَإِنَّمَا عَمَّمْنَا فِي الْمَدْفُوعِ، وَلَمْ نُقَيِّدْهُ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ مِائَةٌ وَتِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ دِرْهَمًا فَتَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِدِرْهَمَيْنِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَأْخُذُ وَاحِدًا، وَيَرُدُّ وَاحِدًا كَذَا فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِقَوْلِنَا يَصِيرُ غَنِيًّا؛ لِأَنَّهُ لَوْ دَفَعَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَأَكْثَرَ لِمَدْيُونٍ لَا يَفْضُلُ لَهُ بَعْدَ دَيْنِهِ نِصَابٌ لَا يُكْرَهُ وَكَذَا لَوْ كَانَ مَعِيلًا إذَا وَزَّعَ الْمَأْخُوذَ عَلَى عِيَالِهِ لَمْ يُصِبْ كُلًّا مِنْهُمْ نِصَابٌ وَأَطْلَقَ فِي اسْتِحْبَابِ الْإِغْنَاءِ عَنْ السُّؤَالِ، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِأَدَاءِ قُوتِ يَوْمِهِ كَمَا وَقَعَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ؛ لِأَنَّ الْأَوْجَهَ النَّظَرُ إلَى مَا يَقْتَضِيهِ الْأَحْوَالُ فِي كُلِّ فَقِيرٍ مِنْ عِيَالٍ وَحَاجَةٍ أُخْرَى كَدَيْنٍ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ مِائَةٌ إلَخْ) عِبَارَةُ النَّهْرِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَكُرِهَ الْإِغْنَاءُ بِأَنْ يَدْفَعَ إلَى فَقِيرٍ مَا بِهِ يَصِيرُ غَنِيًّا إمَّا بِأَنْ يُعْطِيَهُ نِصَابًا أَوْ يُكْمِلَهُ لَهُ حَتَّى لَوْ كَانَ لَهُ مِائَةٌ وَتِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ دِرْهَمًا فَأَعْطَاهُ دِرْهَمًا كُرِهَ أَيْضًا كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ اهـ. وَهَذَا ظَاهِرٌ لَكِنْ الَّذِي رَأَيْته فِي الظَّهِيرِيَّةِ مِثْلَ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ، وَنَصُّهُ قُبَيْلَ كِتَابِ الصَّوْمِ قَالَ هِشَامٌ: سَأَلْت أَبَا يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ - تَعَالَى - عَنْ الرَّجُلِ لَهُ مِائَةٌ وَتِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ دِرْهَمًا فَتُصَدِّقَ عَلَيْهِ بِدِرْهَمَيْنِ قَالَ يَأْخُذُ وَاحِدًا وَيَرُدُّ وَاحِدًا اهـ. وَهُوَ كَذَلِكَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُنْتَقَى فَلْيُتَأَمَّلْ ثُمَّ رَأَيْت فِي حَاشِيَةِ نُوحٍ أَفَنْدِي عَلَى الدُّرَرِ ذَكَرَ مَا فِي النَّهْرِ ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: جَازَ إعْطَاؤُهُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ بِدُونِ الْكَرَاهَةِ وَفَوْقَ الْمِائَتَيْنِ مَعَ الْكَرَاهَةِ ثُمَّ ذَكَرَ مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ عَنْ الْجَوْهَرَةِ وَقَدْ رَاجَعْت الْمَنْظُومَةَ وَدُرَرَ الْبِحَارِ فَلَمْ أَجِدْ هَذَا الْخِلَافَ نَعَمْ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ بِلَفْظِ: وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِإِعْطَاءِ الْمِائَتَيْنِ إلَيْهِ بَعْدَ قَوْلِهِ يُكْرَهُ عِنْدَنَا فَأَفَادَ أَنَّهُ رِوَايَةٌ عَنْهُ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَنْهُ، وَلَكِنْ عَلَى هَذَا يَرِدُ عَلَى الْمُؤَلِّفِ أَنَّهُ لَا يُنَاسِبُ مَا ذَكَرَهُ أَوَّلًا مِنْ كَرَاهَةِ دَفْعِ مَا يَصِيرُ بِهِ غَنِيًّا فَالْأَظْهَرُ مَا سَلَكَهُ فِي النَّهْرِ تَأَمَّلْ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 268 وَثَوْبٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَالْحَدِيثُ وَارِدٌ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِدِرْهَمٍ فَاشْتَرَى بِهِ فُلُوسًا فَفَرَّقَهَا فَقَدْ قَصَّرَ فِي أَمْرِ الصَّدَقَةِ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ كَانَ أَوْلَى مِنْ التَّفْرِيقِ (قَوْلُهُ وَكُرِهَ نَقْلُهَا إلَى بَلَدٍ آخَرَ لِغَيْرِ قَرِيبٍ وَأَحْوَجَ) أَمَّا الصِّحَّةُ فَلِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة: 60] مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ بِالْمَكَانِ، وَأَمَّا حَدِيثُ مُعَاذٍ الْمَشْهُورُ «خُذْهَا مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَرُدَّهَا فِي فُقَرَائِهِمْ» فَلَا يَنْفِي الصِّحَّةَ؛ لِأَنَّ الضَّمِيرَ رَاجِعٌ إلَى فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ لَا إلَى أَهْلِ الْيَمَنِ، أَوْ لِأَنَّهُ وَرَدَ لِبَيَانِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا طَمَعَ لَهُ فِي الصَّدَقَاتِ وَلِأَنَّهُ صَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لِأَهْلِ الْيَمَنِ: «ائْتُونِي بِخَمِيسٍ أَوْ لَبِيسٍ - وَهُمَا الصِّغَارُ مِنْ الثِّيَابِ - آخُذْهُ مِنْكُمْ فِي الصَّدَقَةِ مَكَانَ الشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ» وَخَيْرٌ لِأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنْ كَانَ فِي زَمَنِهِ فَهُوَ تَقْرِيرٌ، وَإِنْ كَانَ فِي زَمَنِ أَبِي بَكْرٍ فَذَاكَ إجْمَاعٌ لِسُكُوتِهِمْ عَنْهُ، وَعَدَمُ الْكَرَاهَةِ فِي نَقْلِهَا لِلْقَرِيبِ لِلْجَمْعِ بَيْنَ أَجْرَيْ الصَّدَقَةِ وَالصِّلَةِ وَلِلْأَحْوَجِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا سَدُّ خَلَّةِ الْمُحْتَاجِ فَمَنْ كَانَ أَحْوَجَ كَانَ أَوْلَى، وَلَيْسَ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ مُنْحَصِرًا فِي هَاتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ نَقَلَهَا إلَى فَقِيرٍ فِي بَلَدٍ آخَرَ أَوْرَعَ وَأَصْلَحَ كَمَا فَعَلَ مُعَاذٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يُكْرَهُ؛ وَلِهَذَا قِيلَ: التَّصَدُّقُ عَلَى الْعَالِمِ الْفَقِيرِ أَفْضَلُ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ، وَلَا يُكْرَهُ نَقْلُهَا فِي دَارِ الْحَرْبِ إلَى فُقَرَاءِ دَارِ الْإِسْلَامِ؛ وَلِهَذَا ذُكِرَ فِي نَوَادِرِ الْمَبْسُوطِ رَجُلٌ مَكَثَ فِي دَارِ الْحَرْبِ سِنِينَ فَعَلَيْهِ زَكَاةُ مَالِهِ الَّذِي خَلَّفَ هَا هُنَا وَمَالٍ اسْتَفَادَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَكِنْ تُصْرَفُ زَكَاةُ الْكُلِّ إلَى فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ فُقَرَاءَهُمْ أَفْضَلُ مِنْ فُقَرَاءِ دَارِ الْحَرْبِ اهـ. وَكَذَا لَا يُكْرَهُ نَقْلُ الزَّكَاةِ الْمُعَجَّلَةِ مُطْلَقًا وَلِهَذَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: لَا يُكْرَهُ أَنْ يَنْقُلَ زَكَاةَ مَالِهِ الْمُعَجَّلَةَ قَبْلَ الْحَوْلِ لِفَقِيرٍ غَيْرِ أَحْوَجَ وَمَدْيُونٍ اهـ. فَاسْتَثْنَى عَلَى هَذَا سِتَّةً، هَذَا وَالْمُعْتَبَرُ فِي الزَّكَاةِ مَكَانُ الْمَالِ فِي الرِّوَايَاتِ كُلِّهَا، وَفِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ مَكَانُ الرَّأْسِ الْمُخْرَجِ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ مُرَاعَاةً لِإِيجَابِ الْحُكْمِ فِي مَحَلِّ وُجُودِ سَبَبِهِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَصَحَّحَ فِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ يُؤَدِّي حَيْثُ هُوَ، وَلَا يَعْتَبِرُ مَكَانَ الرَّأْسِ مِنْ الْعَبْدِ وَالْوَلَدِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي ذِمَّةِ الْمَوْلَى حَتَّى لَوْ هَلَكَ الْعَبْدُ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ فَاخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ كَمَا تَرَى فَوَجَبَ الْفَحْصُ عَنْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَالرُّجُوعُ إلَيْهَا، وَالْمَنْقُولُ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمَبْسُوطِ أَنَّ الْعِبْرَةَ لِمَكَانِ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ لَا بِمَكَانِ الْمُخْرَجِ عَنْهُ مُوَافِقًا لِتَصْحِيحِ الْمُحِيطِ فَكَانَ هُوَ الْمَذْهَبَ؛ وَلِهَذَا اخْتَارَهُ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ، وَحَكَى الْخِلَافَ فِي الْبَدَائِعِ فَعَنْ مُحَمَّدٍ يُؤَدِّي عَنْ عَبِيدِهِ حَيْثُ هُوَ، وَهُوَ الْأَصَحُّ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ حَيْثُ هُمْ، وَحَكَى الْقَاضِي فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ مَعَ أَبِي يُوسُفَ (قَوْلُهُ: وَلَا يَسْأَلُ مَنْ لَهُ قُوتُ يَوْمِهِ) أَيْ لَا يَحِلُّ سُؤَالُ قُوتِ يَوْمِهِ لِمَنْ لَهُ قُوتُ يَوْمِهِ لِحَدِيثِ الطَّحَاوِيِّ: «مَنْ سَأَلَ النَّاسَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى فَإِنَّهُ يَسْتَكْثِرُ مِنْ جَمْرِ جَهَنَّمَ قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا ظَهْرُ غِنًى قَالَ: أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ عِنْدَ أَهْلِهِ مَا يُغَذِّيهِمْ وَمَا يُعَشِّيهِمْ» قَيَّدْنَا بِسُؤَالِ الْقُوتِ؛ لِأَنَّ سُؤَالَ الْكِسْوَةِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهَا لَا يُكْرَهُ وَقَيَّدْنَا بِالسُّؤَالِ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ لِمَنْ مَلَكَ أَقَلَّ مِنْ نِصَابٍ جَائِزٌ بِلَا سُؤَالٍ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَقُيِّدَ بِمَنْ لَهُ الْقُوتُ؛ لِأَنَّ السُّؤَالَ لِمَنْ لَا قُوتَ يَوْمِهِ لَهُ جَائِزٌ، وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ الْقَوِيُّ الْمُكْتَسِبُ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ سُوَالُ الْقُوتِ لَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ قُوتُ يَوْمِهِ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ بِصِحَّتِهِ وَاكْتِسَابِهِ عَلَى قُوتِ الْيَوْمِ فَكَأَنَّهُ مَالِكٌ لَهُ، وَاسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ الْغَازِيَ فَإِنَّ طَلَبَ الصَّدَقَةِ جَائِزٌ لَهُ، وَإِنْ كَانَ قَوِيًّا مُكْتَسِبًا لِاشْتِغَالِهِ بِالْجِهَادِ عَنْ الْكَسْبِ اهـ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَلْحَقَ بِهِ طَالِبُ الْعِلْمِ لِاشْتِغَالِهِ عَنْ الْكَسْبِ بِالْعِلْمِ؛ وَلِهَذَا قَالُوا: إنَّ نَفَقَتَهُ عَلَى أَبِيهِ، وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا مُكْتَسِبًا كَمَا لَوْ كَانَ زَمِنًا، وَإِذَا حَرُمَ السُّؤَالُ عَلَيْهِ إذَا مَلَكَ قُوتَ يَوْمِهِ فَهَلْ يَحْرُمُ الْإِعْطَاءُ لَهُ إذَا عُلِمَ حَالُهُ قَالَ الشَّيْخُ أَكْمَلُ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْمَشَارِقِ وَأَمَّا الدَّفْعُ إلَى مِثْلِ ذَلِكَ السَّائِلِ عَالِمًا بِحَالِهِ فَحُكْمُهُ فِي الْقِيَاسِ أَنْ يَأْثَمَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى الْحَرَامِ لَكِنَّهُ يُجْعَلُ هِبَةً وَبِالْهِبَةِ لِلْغَنِيِّ أَوْ لِمَنْ لَا يَكُونُ مُحْتَاجًا إلَيْهِ لَا يَكُونُ آثِمًا اهـ. وَيَلْزَمُ عَلَيْهِ   [منحة الخالق] قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: وَكُرِهَ نَقْلُهَا إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: فَأَمَّا كَرَاهَةُ النَّقْلِ لِغَيْرِ هَذَيْنِ فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِمُعَاذٍ حِينَ بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ «أَعْلِمْهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ فِي فُقَرَائِهِمْ» وَلِأَنَّ فِيهِ رِعَايَةَ حَقِّ الْجِوَارِ فَكَانَ أَوْلَى اهـ. أَقُولُ: يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهَا كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ (قَوْلُهُ: وَالْمَنْقُولُ فِي النِّهَايَةِ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَمْ يَرَ مَنْ صَرَّحَ بِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مَعَ أَنَّهُ فِي النِّهَايَةِ وَكَذَا فِي الْعِنَايَةِ صَرَّحَ بِأَنَّهُ أَيْ مَا فِي الْمَبْسُوطِ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا نَقَلَ عِبَارَتَهُمَا فِي الشرنبلالية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 269 أَنَّ الصَّدَقَةَ عَلَى مَنْ مَلَكَ قُوتَ يَوْمِهِ فَقَطْ تَكُونُ هِبَةً حَتَّى يَثْبُتَ فِيهَا أَحْكَامُ الْهِبَةِ مِنْ صِحَّةِ الرُّجُوعِ فَإِنَّهُمْ قَالُوا: الصَّدَقَةُ عَلَى الْغَنِيِّ هِبَةٌ فَلَهُ الرُّجُوعُ بِخِلَافِهَا عَلَى الْفَقِيرِ، وَهُوَ بَعِيدٌ فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مُرَادَهُمْ بِالْغَنِيِّ مَنْ مَلَكَ نِصَابًا لَكِنْ يُمْكِنُ دَفْعُ الْقِيَاسِ الْمَذْكُورِ بِأَنَّ الدَّفْعَ لَيْسَ إعَانَةً عَلَى الْحَرَامِ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ فِي الِابْتِدَاءِ إنَّمَا هِيَ بِالسُّؤَالِ، وَهُوَ مُتَقَدِّمٌ عَلَى الدَّفْعِ، وَلَا يَكُونُ الدَّفْعُ إعَانَةً إلَّا لَوْ كَانَ الْأَخْذُ هُوَ الْمُحَرَّمَ فَقَطْ فَلْيُتَأَمَّلْ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. (بَابُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ) . لَمَّا كَانَ لَهَا مُنَاسَبَةٌ بِالزَّكَاةِ لِكَوْنِهَا عِبَادَةً مَالِيَّةً وَبِالصَّوْمِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ وُجُوبِهَا الْفِطْرُ بَعْدَ الصَّوْمِ ذَكَرَهَا بَيْنَهُمَا، وَالصَّدَقَةُ الْعَطِيَّةُ الَّتِي يُرَادُ بِهَا الْمَثُوبَةُ عِنْدَهُ - تَعَالَى - وَسُمِّيَتْ بِهَا؛ لِأَنَّهَا تُظْهِرُ صِدْقَ رَغْبَةِ الرَّجُلِ فِي تِلْكَ الْمَثُوبَةِ كَالصَّدَاقِ يَظْهَرُ بِهِ صِدْقُ رَغْبَةِ الزَّوْجِ فِي الْمَرْأَةِ، وَالْفِطْرُ لَفْظٌ إسْلَامِيٌّ اصْطَلَحَ عَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ كَأَنَّهُ مِنْ الْفِطْرَةِ بِمَعْنَى الْخِلْقَةِ. وَقَدْ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهَا فِي السَّنَةِ الَّتِي فُرِضَ فِيهَا رَمَضَانُ قَبْلَ أَنْ تُفْرَضَ زَكَاةُ الْمَالِ وَكَانَ يَخْطُبُ قَبْلَ الْفِطْرِ بِيَوْمَيْنِ يَأْمُرُ بِإِخْرَاجِهَا كَذَا فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ وَالْكَلَامُ هَا هُنَا فِي كَيْفِيَّتِهَا وَكَمْيَّتِهَا وَشَرْطِهَا وَحُكْمِهَا وَسَبَبِهَا وَرُكْنِهَا وَوَقْتِ وُجُوبِهَا وَوَقْتِ الِاسْتِحْبَابِ فَالْأَوَّلُ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ كَمَا فِي الْكِتَابِ وَأَرَادَ بِهِ الْوُجُوبَ الْمُصْطَلَحَ عَلَيْهِ عِنْدَنَا، وَإِنْ كَانَ وَرَدَ فِي السُّنَّةِ لَفْظُ فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَكَاةَ الْفِطْرِ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَمَرَ أَمْرَ إيجَابٍ، وَالْأَمْرُ الثَّابِتُ بِظَنِّيٍّ إنَّمَا يُفِيدُ الْوُجُوبَ، وَالْإِجْمَاعَ الْمُنْعَقِدَ عَلَى وُجُوبِهَا لَيْسَ قَطْعِيًّا لِيَكُونَ الثَّابِتُ الْفَرْضَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ تَوَاتُرًا؛ وَلِهَذَا قَالُوا: مَنْ أَنْكَرَ وُجُوبَهَا لَا يُكَفَّرُ وَاخْتَلَفُوا هَلْ هِيَ عَلَى الْفَوْرِ أَوْ التَّرَاخِي فَقِيلَ تَجِبُ وُجُوبًا مُضَيَّقًا فِي يَوْمِ الْفِطْرِ عَيْنًا، وَقِيلَ: تَجِبُ مُوَسَّعًا فِي الْعُمُرِ كَالزَّكَاةِ وَصَحَّحَهُ فِي الْبَدَائِعِ مُعَلِّلًا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: لَكِنْ يُمْكِنُ دَفْعُ الْقِيَاسِ الْمَذْكُورِ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِعَانَةِ عَلَى السُّؤَالِ أَنَّهُ يَكُونُ سَبَبًا لِسُؤَالِهِ بَعْدَ ذَلِكَ لَا لِهَذَا السُّؤَالِ الْمَخْصُوصِ ثُمَّ رَأَيْت الْعَلَّامَةَ الْمَقْدِسِيَّ اعْتَرَضَهُ بِمِثْلِ ذَلِكَ. [بَابُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ] (قَوْلُهُ: وَالْفِطْرُ لَفْظٌ إسْلَامِيٌّ إلَخْ) اعْتَرَضَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ فَقَالَ فِيهِ: إنَّ الْفِطْرَ فِي اللُّغَةِ ضِدُّ الصَّوْمِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ: فَطَرَ الصَّائِمُ أَكَلَ وَشَرِبَ كَأَفْطَرَ، وَقَالَ فِي حَرْفِ الْمِيمِ: الصَّوْمُ الْإِمْسَاكُ عَنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْكَلَامِ اهـ. فَلْيَنْظُرْ مَا مَعْنَى كَوْنِهِ إسْلَامِيًّا بَعْدَ ثُبُوتِهِ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ اهـ. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ شَرْعِيَّةٌ جُعِلَتْ اسْمًا لِفِطْرِ الصَّائِمِ كَالصَّلَاةِ لَمْ يَظْهَرْ إلَّا فِي الْإِسْلَامِ، وَإِنْ كَانَ مُسْتَعْمَلًا قَبْلَهُ؛ إذْ لَا شَكَّ أَنَّهُ يُطْلَقُ فِي الْإِسْلَامِ عَلَى كُلِّ مُفْطِرٍ شَرْعًا وَذَلِكَ لَمْ يُعْهَدْ قَبْلَ الْإِسْلَامِ فَلِذَا كَانَ إسْلَامِيًّا، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَمْ يَتَكَلَّمْ بِهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ اللِّسَانِ كَمَا يُوهِمُهُ قَوْلُ الْمُؤَلِّفِ اصْطَلَحَ عَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ؛ لِأَنَّهُ تَكَلَّمَ بِهِ الصَّحَابَةُ وَقَدْ جَاءَ لَفْظُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ فِي عِدَّةِ أَحَادِيثَ سَاقَهَا فِي الْفَتْحِ مِنْهَا مَا سَيَذْكُرُهُ الْمُؤَلِّفُ، هَذَا وَفِي النَّهْرِ وَأَمَّا لَفْظُ الْفِطْرَةِ الْوَاقِعُ فِي كَلَامِ الْفُقَهَاءِ وَغَيْرِهِمْ فَمُوَلَّدٌ حَتَّى عَدَّهُ بَعْضُهُمْ مِنْ لَحْنِ الْعَامَّةِ كَذَا فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ اهـ. وَالْمُرَادُ الْفِطْرَةُ اسْمًا لِصَدَقَةٍ مَخْصُوصَةٍ، وَإِلَّا فَلَفْظُ الْفِطْرَةِ بِغَيْرِ هَذَا الْمَعْنَى عَرَبِيٌّ فَصِيحٌ وَاقِعٌ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ قَالَ - تَعَالَى - {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم: 30] ، وَفِيهِ أَنَّ صَاحِبَ الْقَامُوسِ قَالَ الْفِطْرَةُ بِالْكَسْرِ صَدَقَةُ الْفِطْرِ وَالْخِلْقَةُ الَّتِي خُلِقَ عَلَيْهَا الْمَوْلُودُ فِي رَحِمِ أُمِّهِ وَالدِّينُ اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا عَرَبِيَّةٌ بِالْمَعْنَى الْمُرَادِ هُنَا لَكِنْ اعْتَرَضَهُ بَعْضُهُمْ كَمَا نَقَلَهُ نُوحٌ أَفَنْدِي بِأَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْمُخْرَجَ يَوْمَ الْعِيدِ لَمْ يُعْلَمْ إلَّا مِنْ الشَّارِعِ فَأَهْلُ اللُّغَةِ يَجْهَلُونَهُ فَكَيْفَ يُنْسَبُ إلَيْهِمْ فَخَلَطَ صَاحِبُ الْقَامُوسِ الْحَقَائِقَ الشَّرْعِيَّةَ بِالْحَقَائِقِ اللُّغَوِيَّةِ، وَهَذَا كَثِيرٌ فِي كَلَامِهِ، وَكُلُّهُ غَلَطٌ يَجِبُ التَّنَبُّهُ لَهُ اهـ. وَبِهِ تَأَيَّدَ مَا فِي النَّهْرِ مِنْ أَنَّهُ مُوَلَّدٌ لَكِنْ نَقَلَ بَعْضُهُمْ عَنْ الْمُغْرِبِ أَنَّ الْفِطْرَةَ قَدْ جَاءَتْ فِي عِبَارَةِ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ، وَهِيَ صَحِيحَةٌ مِنْ طَرِيقِ اللُّغَةِ، وَإِنْ لَمْ أَجِدْهَا فِيمَا عِنْدِي مِنْ الْأُصُولِ اهـ. وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الصَّدَقَةُ الْمَخْصُوصَةُ وَأَمَّا إذَا قُلْنَا إنَّهَا بِمَعْنَى الْخِلْقَةِ وَقَدَّرْنَا مُضَافًا أَيْ صَدَقَةُ الْخِلْقَةِ كَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى مَعْنَى زَكَاةِ الْبَدَنِ فَهِيَ حَقِيقَةٌ لُغَوِيَّةٌ قَطْعًا. [حُكْم صَدَقَةِ الْفِطْرِ] (قَوْلُهُ: وَصَحَّحَهُ فِي الْبَدَائِعِ) أَقُولُ: لَيْسَ ذَلِكَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي الْبَدَائِعِ وَإِنَّمَا يُفْهَمُ مِنْهُ، وَعِبَارَةُ الْبَدَائِعِ: وَأَمَّا وَقْتُ أَدَائِهَا فَجَمِيعُ الْعُمُرِ عِنْدَ عَامَّةِ مَشَايِخِنَا، وَلَا يَسْقُطُ بِالتَّأْخِيرِ عَنْ يَوْمِ الْفِطْرِ وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ وَقْتُ أَدَائِهَا يَوْمُ الْفِطْرِ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى آخِرِهِ فَإِذَا لَمْ يُؤَدِّهَا حَتَّى مَضَى الْيَوْمُ سَقَطَتْ؛ لِأَنَّ هَذَا حَقٌّ يُعْرَفُ بِيَوْمِ الْفِطْرِ فَيَخْتَصُّ أَدَاؤُهُ بِهِ كَالْأُضْحِيَّةِ وَجْهُ قَوْلِ الْعَامَّةِ أَنَّ الْأَمْرَ بِأَدَائِهَا مُطْلَقٌ عَنْ الْوَقْتِ فَيَجِبُ فِي مُطْلَقِ الْوَقْتِ وَإِنَّمَا يَتَعَيَّنُ بِتَعْيِينِهِ فِعْلًا أَوْ آخِرَ الْعُمُرِ كَالْأَمْرِ بِالزَّكَاةِ وَالْعُشْرِ وَالْكَفَّارَاتِ فَفِي أَيِّ وَقْتٍ أَدَّى كَانَ مُؤَدِّيًا لَا قَاضِيًا كَمَا فِي سَائِرِ الْوَاجِبَاتِ الْمُوَسَّعَةِ غَيْرَ أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ أَنْ يُخْرِجَ قَبْلَ الْخُرُوجِ إلَى الْمُصَلَّى؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَذَا كَانَ يَفْعَلُ وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَغْنُوهُمْ عَنْ الْمَسْأَلَةِ فِي هَذَا الْيَوْمِ» اهـ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 270 بِأَنَّ الْأَمْرَ بِأَدَائِهَا مُطْلَقٌ عَنْ الْوَقْتِ فَلَا تَضْيِيقَ إلَّا فِي آخِرِ الْعُمْرِ، وَرَدَّهُ الْمُحَقِّقُ فِي تَحْرِيرِ الْأُصُولِ بِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْمُقَيَّدِ بِالْوَقْتِ لَا الْمُطْلَقِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَغْنُوهُمْ فِي هَذَا الْيَوْمِ عَنْ الْمَسْأَلَةِ» فَبَعْدَهُ قَضَاءٌ فَالرَّاجِحُ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ وَأَمَّا بَيَانُ كَمَيِّتِهَا وَشَرْطِهَا وَسَبَبِهَا وَوَقْتِهَا فَسَيَأْتِي مُفَصَّلًا وَأَمَّا رُكْنُهَا فَهُوَ نَفْسُ الْأَدَاءِ إلَى الْمَصْرِفِ فَهِيَ التَّمْلِيكِ كَالزَّكَاةِ فَلَا تَتَأَدَّى بِطَعَامِ الْإِبَاحَةِ، وَأَمَّا حُكْمُهَا فَهُوَ الْخُرُوجُ عَنْ عُهْدَةِ الْوَاجِبِ فِي الدُّنْيَا وَوُصُولُ الثَّوَابِ فِي الْآخِرَةِ وَالْإِضَافَةُ فِيهَا مِنْ إضَافَةِ الشَّيْءِ إلَى شَرْطِهِ، وَهُوَ مَجَازٌ؛ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ إضَافَةُ الْحُكْمِ إلَى سَبَبِهِ، وَهُوَ الرَّأْسُ بِدَلِيلِ التَّعَدُّدِ بِتَعَدُّدِ الرَّأْسِ وَجَعَلُوهَا فِي الْأُصُولِ عِبَادَةً فِيهَا مَعْنَى الْمُؤْنَةِ؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ بِسَبَبِ الْغَيْرِ كَمَا تَجِبُ مُؤْنَتُهُ وَلِذَا لَمْ يُشْتَرَطْ لَهَا كَمَالُ الْأَهْلِيَّةِ فَوَجَبَتْ فِي مَالِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ بِخِلَافِ الْعُشْرِ فَإِنَّهُ مُؤْنَةٌ فِيهَا مَعْنَى الْعِبَادَةِ؛ لِأَنَّ الْمُؤْنَةَ مَا بِهِ بَقَاءُ الشَّيْءِ، وَبَقَاءُ الْأَرْضِ فِي أَيْدِينَا بِهِ، وَالْعِبَادَةُ لِتَعَلُّقِهِ بِالنَّمَاءِ وَإِذَا كَانَتْ الْأَرْضُ الْأَصْلَ كَانَتْ الْمُؤْنَةُ غَالِبَةً وَلِلْعِبَادَةِ لَا يُبْتَدَأُ الْكَافِرُ بِهِ، وَلَا يَبْقَى عَلَيْهِ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ كَمَا تَقَدَّمَ. (قَوْلُهُ تَجِبُ عَلَى حُرٍّ مُسْلِمٍ ذِي نِصَابٍ فَضَلَ عَنْ مَسْكَنِهِ وَثِيَابِهِ وَأَثَاثِهِ وَفَرَسِهِ وَسِلَاحِهِ وَعَبِيدِهِ) ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ، وَإِنْ مَلَكَ فَكَيْفَ يَمْلِكُ، وَرِوَايَةُ عَلَى فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ بِمَعْنَى عَنْ وَالْكَافِرُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْعِبَادَةِ فَلَا تَجِبُ وَلَوْ كَانَ لَهُ عَبْدٌ مُسْلِمٌ أَوْ وَلَدٌ مُسْلِمٌ، وَهِيَ وَجَبَتْ لِإِغْنَاءِ الْفَقِيرِ لِلْحَدِيثِ «أَغْنُوهُمْ فِي هَذَا الْيَوْمِ عَنْ الْمَسْأَلَةِ» وَالْإِغْنَاءُ مِنْ غَيْرِ الْغِنَى لَا يَكُونُ وَالْغِنَى الشَّرْعِيُّ مُقَدَّرٌ بِالنِّصَابِ، وَشُرِطَ أَنْ يَكُونَ فَاضِلًا عَنْ حَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ بِالْحَاجَةِ كَالْمَعْدُومِ كَالْمَاءِ الْمُسْتَحَقِّ لِلْعَطَشِ فَخَرَجَ النِّصَابُ الْمَشْغُولُ بِالدَّيْنِ، وَلَمَّا كَانَ حَوَائِجُ عِيَالِهِ الْأَصْلِيَّةِ كَحَوَائِجِهِ لَمْ يَذْكُرْهَا فَإِنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ النِّصَابُ فَاضِلًا عَنْ حَوَائِجِهِ وَحَوَائِجِ عِيَالِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ، وَلَمْ يُقَيِّدْ النِّصَابَ بِالنُّمُوِّ كَمَا فِي الزَّكَاةِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ وَلِأَنَّهَا وَجَبَتْ بِقُدْرَةٍ مُمْكِنَةٍ لَا مُيَسَّرَةٍ؛ وَلِهَذَا لَوْ هَلَكَ الْمَالُ بَعْدَ الْوُجُوبِ لَا يَسْقُطُ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ كَمَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ، وَلَمْ يُقَيَّدُ بِالْبُلُوغِ وَالْعَقْلِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ فَيَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ أَوْ الْوَصِيِّ إخْرَاجُهَا مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ حَتَّى لَوْ لَمْ يُخْرِجُهَا وَجَبَ الْأَدَاءُ بَعْدَ الْبُلُوغِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَكَمَا يُخْرِجُ الْوَلِيُّ مِنْ مَالِهِ عَنْهُ يُخْرِجُ عَنْ عَبِيدِهِ لِلْخِدْمَةِ كَذَا فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ. وَأَشَارَ بَعْدَ النِّصَابِ مِنْ الشُّرُوطِ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ سَبَبًا فَأَفَادَ أَنَّهُ لَوْ عَجَّلَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ قَبْلَ مِلْكِ النِّصَابِ ثُمَّ مَلَكَ صَحَّ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ هُوَ الرَّأْسُ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ إلَّا إذَا كَانَ الْأَبُ مَجْنُونًا فَقِيرًا فَإِنَّ صَدَقَةَ فِطْرِهِ وَاجِبَةٌ عَلَى ابْنِهِ كَذَا فِي الِاخْتِيَارِ وَكَذَا الْوَلَدُ الْكَبِيرُ إذَا كَانَ مَجْنُونًا فَإِنَّ صَدَقَةَ فِطْرِهِ عَلَى أَبِيهِ سَوَاءٌ بَلَغَ مَجْنُونًا أَوْ جُنَّ بَعْدَ بُلُوغِهِ خِلَافًا لِمَا عَنْ مُحَمَّدٍ فِي الثَّانِي وَخَرَجَ الْأَقَارِبُ، وَلَوْ فِي عِيَالِهِ، وَإِذَا أَدَّى عَنْ الزَّوْجَةِ وَالْوَلَدِ الْكَبِيرِ بِغَيْرِ إذْنِهِمَا جَازَ وَظَاهِرُ الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّهُ لَوْ أَدَّى عَمَّنْ فِي عِيَالِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ جَازَ مُطْلَقًا بِغَيْرِ تَقْيِيدٍ بِالزَّوْجَةِ وَالْوَلَدِ. (قَوْلُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَطِفْلِهِ الْفَقِيرِ وَعَبْدِهِ لِخِدْمَتِهِ وَمُدَبَّرِهِ وَأُمِّ وَلَدِهِ لَا عَنْ زَوْجَتِهِ وَوَلَدِهِ الْكَبِيرِ وَمُكَاتَبِهِ أَوْ عَبْدِهِ أَوْ عَبِيدٍ لَهُمَا) شُرُوعٌ فِي بَيَانِ السَّبَبِ، وَهُوَ رَأْسُهُ وَمَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ مِمَّنْ يَمُونُهُ، وَيَلِي عَلَيْهِ وِلَايَةً كَامِلَةً مُطْلَقَةً لِلْحَدِيثِ «أَدُّوا عَمَّنْ تَمُونُونَ» وَمَا بَعْدَ عَنْ يَكُونُ سَبَبًا لِمَا قَبْلَهَا وَزِيدَتْ الْوِلَايَةُ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ مَانَ صَغِيرًا أَجْنَبِيًّا لِلَّهِ - تَعَالَى - لَمْ يَجِبْ أَنْ يُخْرِجَ عَنْهُ لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ وَلِأَنَّ الْأَئِمَّةَ الثَّلَاثَةَ قَالُوا بِوُجُوبِهَا عَنْ الْأَبَوَيْنِ الْمُعْسِرَيْنِ، وَعَنْ الْوَلَدِ الْكَبِيرِ فِي أَحَدِ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ، وَلَا وِلَايَةَ عَلَيْهِمْ فَزِيَادَةُ الْوِلَايَةِ لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهَا نَصٌّ، وَلَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: فَالرَّاجِحُ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ) قَالَ الْمُؤَلِّفُ فِي شَرْحِ الْمَنَارِ: مَا اخْتَارَهُ فِي التَّحْرِيرِ تَرْجِيحٌ لِمَا قَابَلَ الصَّحِيحَ اهـ. وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُؤَلِّفَ لَمْ يَرْضَ ذَلِكَ التَّرْجِيحَ بَلْ نَقَلَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ أَنَّ الْعَلَّامَةَ الْمَقْدِسِيَّ رَدَّهُ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا صَحَّ تَقْدِيمُهَا عَلَى يَوْمِ الْفِطْرِ وَعِبَارَةُ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِهِ أَقُولُ: الظَّاهِرُ مَا فِي الْبَدَائِعِ وَصَحَّحَهُ وَقَوْلُهُ: «أَغْنُوهُمْ عَنْ الْمَسْأَلَةِ فِي هَذَا الْيَوْمِ» يَحْتَمِلُ تَعَلُّقَ الْجَارِ وَالْمَجْرُورِ بِالْمَسْأَلَةِ بَلْ هُوَ الظَّاهِرُ لِقُرْبِهِ وَلِأَنَّهُمْ كَانُوا يُعَجِّلُونَ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ الْكَمَالُ نَفْسُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ بِإِذْنِهِ وَعِلْمِهِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى عَدَمِ التَّقْيِيدِ بِالْيَوْمِ؛ إذْ لَوْ تَقَيَّدَ بِهِ لَمْ يَصِحَّ قَبْلَهُ كَمَا فِي الصَّلَاةِ وَصَوْمِ رَمَضَانَ وَالْأُضْحِيَّةِ اهـ. وَتَقَدَّمَ فِي عِبَارَةِ الْبَدَائِعِ مَا يُفِيدُ حَمْلَ الْأَمْرِ بِالْإِغْنَاءِ عَلَى النَّدْبِ، وَهَذَا أَوْلَى مِنْ الْجَوَابِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ رِوَايَةَ الْحَدِيثِ عَلَى مَا فِي التَّحْرِيرِ «أَغْنُوهُمْ فِي هَذَا الْيَوْمِ عَنْ الْمَسْأَلَةِ» فَلَا تَصِحُّ دَعْوَى ظُهُورِ تَعَلُّقِ الْجَارِ وَالْمَجْرُورِ بِالْمَسْأَلَةِ. [شُرُوط وُجُوب صَدَقَةِ الْفِطْر] (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِمَا عَنْ مُحَمَّدٍ فِي الثَّانِي) أَيْ فِيمَا لَوْ جُنَّ بَعْدَ بُلُوغِهِ وَأَشَارَ بِذَلِكَ إلَى ضَعْفِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ فَفِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ الْمَذْهَبِ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْجُنُونِ الْأَصْلِيِّ وَالْعَارِضِ. [عَنْ مِنْ تَخْرُجْ صَدَقَة الْفِطْر] (قَوْلُهُ: وَزِيدَتْ الْوِلَايَةُ لِلْإِجْمَاعِ إلَى قَوْلِهِ وَتَعَقَّبَهُ) فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، وَالنُّسَخُ فِيهِ مُخْتَلِفَةٌ (قَوْلُهُ: لَوْ مَانَ صَغِيرًا) بِالنُّونِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 271 إجْمَاعٌ كَذَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ نَفَقَةَ الْفَقِيرِ وَاجِبَةٌ عَلَى الْإِمَامِ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَلَا تَجِبُ صَدَقَةُ فِطْرِهِ إجْمَاعًا وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ، وَفِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ أَدُّوا عَلَى مَنْ يَلْزَمُكُمْ مُؤْنَتُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُحَقِّقُ نَفْسُهُ فِي تَقْرِيرِ عَدَمِ لُزُومِهَا عَنْ الْعَبْدِ الْمُكَاتَبِ وَالْمُسْتَسْعَى وَالْمُشْتَرَكِ فِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ أَدُّوا عَمَّنْ تَلْزَمُكُمْ مُؤْنَتُهُ كَوَلَدِهِ الصَّغِيرِ أَوْ الْعَبِيدِ فَخَرَجَ الصَّغِيرُ الْأَجْنَبِيُّ إذَا مَانَهُ لِعَدَمِ الْوُجُوبِ لَا لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَخَرَجَتْ الزَّوْجَةُ وَالْوَلَدُ الْكَبِيرُ لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ وَكَذَا الْأُصُولُ وَالْأَقَارِبُ وَخَرَجَ الْعَبْدُ الْمُشْتَرَكُ أَوْ الْعَبِيدُ لِعَدَمِ كَمَالِ الْوِلَايَةِ وَالْمُؤْنَةِ وَخَرَجَ وَلَدُ الْوَلَدِ فَإِنَّ صَدَقَةَ فِطْرِهِ لَا تَجِبُ عَلَى جَدِّهِ عِنْدَ عَدَمِ أَبِيهِ أَوْ فَقْرِهِ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ الْمُطْلَقَةِ فَإِنَّ وِلَايَتَهُ نَاقِصَةٌ لِانْتِقَالِهَا إلَيْهِ مِنْ الْأَبِ فَصَارَتْ كَوِلَايَةِ الْوَصِيِّ، وَتَعَقَّبَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْجَدِّ وَالْوَصِيِّ لِوُجُوبِ النَّفَقَةِ عَلَى الْجَدِّ دُونَ الْوَصِيِّ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا مُجَرَّدُ انْتِقَالِ الْوِلَايَةِ، وَلَا أَثَرَ لَهُ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْجَدِّ وَالْوَصِيِّ كَمُشْتَرِي الْعَبْدِ، وَلَا مُخَلِّصَ إلَّا بِتَرْجِيحِ رِوَايَةِ الْحَسَنِ أَنَّ عَلَى الْجَدِّ صَدَقَةَ فِطْرِهِمْ، وَهَذِهِ مَسَائِلُ يُخَالِفُ فِيهَا الْجَدُّ الْأَبَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَلَا يُخَالِفُ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ هَذِهِ وَالتَّبَعِيَّةُ فِي الْإِسْلَامِ وَجَرُّ الْوَلَاءِ وَالْوَصِيَّةِ لِقَرَابَةِ فُلَانٍ اهـ. وَقَدْ يُجَابُ عَنْهُ بِانْتِقَالِ الْوِلَايَةِ لَهُ أَثَرٌ فِي عَدَمِ الْوُجُوبِ لِلْقُصُورِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَثْبُتُ إلَّا بِشَرْطِ عَدَمِ الْأَبِ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ وِلَايَةَ الْمُشْتَرِي انْتَقَلَتْ لَهُ مِنْ الْبَائِعِ بَلْ انْقَطَعَتْ وِلَايَةُ الْبَائِعِ بِالْبَيْعِ وَثَبَتَ لِلْمُشْتَرِي وِلَايَةٌ مُطْلَقَةٌ غَيْرُ مُنْتَقِلَةٍ لِحُكْمِ الشَّرْعِ لَهُ بِذَلِكَ كَأَنَّهُ مَلَكَهُ مِنْ الِابْتِدَاءِ وَاخْتَارَ رِوَايَةَ الْحَسَنِ فِي الِاخْتِيَارِ وَأَطْلَقَ الطِّفْلَ فَشَمِلَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ، وَهُوَ وُجُوبُ نَفَقَتِهِ عَلَيْهِ وَثُبُوتُ الْوِلَايَةِ الْكَامِلَةِ عَلَيْهِ لَهُ فَاسْتُفِيدَ مِنْهُ أَنَّ الْبِنْتَ الصَّغِيرَةَ إذَا زُوِّجَتْ وَسُلِّمَتْ إلَى الزَّوْجِ ثُمَّ جَاءَ يَوْمُ الْفِطْرِ لَا يَجِبُ عَلَى الْأَبِ صَدَقَةُ فِطْرِهَا لِعَدَمِ الْمُؤْنَةِ عَلَيْهِ لَهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ وَشَمِلَ الْوَلَدَ بَيْنَ الْأَبَوَيْنِ فَإِنَّ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَدَقَةً تَامَّةً كَذَا فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ وَقُيِّدَ الطِّفْلُ بِالْفَقْرِ؛ لِأَنَّ الطِّفْلَ الْغَنِيَّ بِمِلْكِ نِصَابٍ تَجِبُ صَدَقَةُ فِطْرِهِ فِي مَالِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ كَنَفَقَتِهِ وَقُيِّدَ الْعَبْدُ بِكَوْنِهِ لِلْخِدْمَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لِلتِّجَارَةِ لَا تَجِبُ صَدَقَةُ فِطْرِهِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الثِّنَى، وَهُوَ تَعَدُّدُ الْوُجُوبِ الْمَالِيِّ فِي مَالٍ وَاحِدٍ؛ فَلِذَا لَمْ تَجِبْ عَنْ عَبِيدِ عَبْدِهِ، وَلَوْ كَانَ غَيْرَ مَدْيُونٍ لِكَوْنِهِمْ لِلتِّجَارَةِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ، وَفِي الْقُنْيَةِ: لَهُ عَبْدٌ لِلتِّجَارَةِ لَا يُسَاوِي نِصَابًا وَلَيْسَ لَهُ مَالُ الزَّكَاةِ سِوَاهُ لَا تَجِبُ صَدَقَةُ فِطْرَةِ الْعَبْدِ، وَإِنْ لَمْ يُؤَدِّ إلَى الثِّنَى؛ لِأَنَّ سَبَبَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهِ مَوْجُودٌ، وَالْمُعْتَبَرُ سَبَبُ الْحُكْمِ لَا الْحُكْمُ اهـ. وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْمَدْيُونَ وَالْمُسْتَأْجِرَ وَالْمَرْهُونَ إذَا كَانَ عِنْدَهُ وَفَاءٌ بِالدَّيْنِ وَالْعَبْدَ الْجَانِيَ عَمْدًا كَانَ أَوْ خَطَأً وَالْعَبْدَ الْمَنْذُورَ بِالتَّصَدُّقِ بِهِ وَالْعَبْدَ الْمُعَلَّقَ عِتْقُهُ بِمَجِيءِ يَوْمِ الْفِطْرِ وَالْعَبْدَ الْمُوصَى بِرَقَبَتِهِ لِإِنْسَانٍ وَبِخِدْمَتِهِ لِآخَرَ فَإِنَّهَا عَلَى الْمُوصَى لَهُ بِالرَّقَبَةِ بِخِلَافِ النَّفَقَةِ فَإِنَّهَا عَلَى الْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ كَذَا فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ عَبْدَهُ لِخِدْمَتِهِ إلَى أَنَّهُ لَا يُخْرِجُ عَنْ عَبْدِهِ الْآبِقِ، وَلَا عَنْ الْمَغْصُوبِ الْمَجْحُودِ إلَّا بَعْدَ عَوْدِهِ فَيَلْزَمُهُ لِمَا مَضَى، وَلَا عَنْ عَبْدِهِ الْمَأْسُورِ؛ لِأَنَّهُ خَارِجٌ عَنْ يَدِهِ وَتَصَرُّفِهِ فَأَشْبَهَ الْمُكَاتَبَ، وَلَا عَنْ خَادِمِهِ بِإِجَارَةٍ أَوْ إعَارَةٍ، وَلَا عَنْ الْحَيَوَانَاتِ سِوَى الرَّقِيقِ، وَلَا عَنْ الْحَمْلِ، وَإِلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي رَقِيقِ الْأَخْمَاسِ وَرَقِيقِ الْقِوَامِ مِثْلُ زَمْزَمَ وَرَقِيقُ الْفَيْءِ وَالسَّبْيُ وَرَقِيقُ الْغَنِيمَةِ وَالْأَسْرَى قَبْلَ الْقِسْمَةِ صَدَقَةٌ؛ إذْ لَيْسَ لَهُمْ مَالِكٌ مُعَيَّنٌ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ. (قَوْلُهُ: وَيَتَوَقَّفُ لَوْ مَبِيعًا بِخِيَارٍ) أَيْ يَتَوَقَّفُ وُجُوبُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ لَوْ مَرَّ يَوْمُ   [منحة الخالق] آخِرَهُ أَيْ قَامَ بِكِفَايَتِهِ (قَوْلُهُ: عِنْدَ عَدَمِ أَبِيهِ أَوْ فَقْرِهِ عَلَى ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ) أَقُولُ: فِي الْخَانِيَّةِ: لَيْسَ عَلَى الْجَدِّ أَنْ يُؤَدِّيَ الصَّدَقَةَ عَنْ أَوْلَادِ ابْنِهِ الْمُعْسِرِ إذَا كَانَ الْأَبُ حَيًّا بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ وَكَذَا لَوْ كَانَ الْأَبُ مَيِّتًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ اهـ. لَكِنَّ مُقْتَضَى كَلَامِ الْبَدَائِعِ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ كَمَا هُنَا (قَوْلُهُ: بَلْ انْقَطَعَتْ وِلَايَةُ الْبَائِعِ بِالْبَيْعِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: أَقُولُ: عَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِهِ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ كَذَلِكَ فِي الْجَدِّ مَعَ الْأَبِ عَلَى أَنَّ انْقِطَاعَ وِلَايَةِ الْأَبِ بِمَوْتِهِ أَظْهَرُ وَيَرِدُ عَلَيْهِمْ الْعَبْدُ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ لِوَاحِدٍ وَبِرَقَبَتِهِ لِآخَرَ حَيْثُ تَجِبُ صَدَقَةُ فِطْرَتِهِ عَلَى الثَّانِي، وَلَا تَجِبُ مُؤْنَتُهُ إلَّا عَلَى الْأَوَّلِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ أَجَابَ عَنْهُ، وَمَا فِي الشَّرْحِ مِنْ أَنَّهَا لَا تَجِبُ عَلَى أَحَدٍ فَسَبْقُ قَلَمٍ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَكَانَ مَنْشَأُ تَوَهُّمِهِ مَا مَرَّ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ وُجُوبَ النَّفَقَةِ عَلَى الْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ إنَّمَا هِيَ لِلْخِدْمَةِ، وَهَذَا لَا يَمْنَعُ الْوُجُوبَ أَيْ وُجُوبَ النَّفَقَةِ عَلَى الْمَالِكِ أَلَا تَرَى أَنَّ نَفَقَةَ الْمُؤَجَّرِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ فِيمَا اخْتَارَهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَالْفِطْرَةُ عَلَى الْمَوْلَى فَتَدَبَّرْهُ اهـ. وَأُجِيبَ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا بَعْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصَى لَهُ وَرَدِّهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: بَيْنَ الْأَبَوَيْنِ) أَيْ بِأَنْ ادَّعَى الطِّفْلَ الْفَقِيرَ رَجُلَانِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ سَبَبَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهِ مَوْجُودٌ) ، وَهُوَ مَالِيَّةُ التِّجَارَةِ (قَوْلُهُ: وَلَا عَنْ عَبْدِهِ الْمَأْسُورِ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ مُصَوَّرَةٌ فِي غَيْرِ الْقِنِّ كَالْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ فَإِنَّ الْقِنَّ إذَا أَسَرَهُ أَهْلُ الْحَرْبِ مَلَكُوهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 272 الْفِطْرِ وَالْمَبِيعُ فِيهِ خِيَارٌ فَمَنْ اسْتَقَرَّ الْمِلْكُ لَهُ فَهُوَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ وَالْوِلَايَةَ مَوْقُوفَانِ فَكَذَا مَا يُبْتَنَى عَلَيْهِمَا أَطْلَقَ الْخِيَارَ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ أَوْ لِلْمُشْتَرِي أَوْ لَهُمَا قُيِّدَ بِوُجُوبِ الصَّدَقَةِ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ عَلَى مَنْ كَانَ الْمِلْكُ لَهُ وَقْتَ الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَحْتَمِلُ التَّوَقُّفَ؛ لِأَنَّهَا تَجِبُ لِحَاجَةِ الْمَمْلُوكِ لِلْحَالِ فَلَوْ جَعَلْنَاهَا مَوْقُوفَةً لَمَاتَ الْمَمْلُوكُ جُوعًا فَاعْتَبَرْنَا الْمِلْكَ فِيهَا لِلْحَالِ ضَرُورَةً كَذَا فِي الْكَافِي، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْخِيَارَ إذَا كَانَ لِلْمُشْتَرِي فَعِنْدَ الْإِمَامِ خَرَجَ الْمَبِيعُ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ، وَلَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي، وَمَعَ ذَلِكَ فَالنَّفَقَةُ وَاجِبَةٌ عَلَى الْمُشْتَرِي إجْمَاعًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْجَوْهَرَةِ شَرْحِ الْقُدُورِيِّ مِنْ خِيَارِ الشَّرْطِ، وَلَمْ يُعَلِّلْهُ، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَمَّا مَلَكَ التَّصَرُّفَ فِيهِ إجْمَاعًا كَانَتْ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْبَائِعِ لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ. وَأَشَارَ إلَى أَنَّ وُجُوبَ زَكَاةِ مَالِ التِّجَارَةِ مُتَوَقِّفٌ أَيْضًا بِأَنْ اشْتَرَاهُ لِلتِّجَارَةِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ فَتَمَّ الْحَوْلُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ فَعِنْدَنَا يُضَمُّ إلَى مَنْ يَصِيرُ لَهُ إنْ كَانَ عِنْدَهُ نِصَابٌ فَيُزَكِّيه مَعَ نِصَابِهِ، وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْبَيْعِ خِيَارٌ، وَلَمْ يَقْبِضْهُ الْمُشْتَرِي حَتَّى مَرَّ يَوْمُ الْفِطْرِ فَالْأَمْرُ مَوْقُوفٌ، فَإِنْ قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي فَالْفِطْرَةُ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَإِنْ رَدَّهُ عَلَى الْبَائِعِ بِخِيَارِ عَيَبٍ أَوْ رُؤْيَةٍ بِقَضَاءٍ أَوْ بِغَيْرِ قَضَاءٍ فَعَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ عَادَ إلَيْهِ قَدِيمُ مِلْكِهِ مُنْتَفَعًا بِهِ وَإِلَّا بِأَنْ مَاتَ قَبْلَ قَبْضِهِ فَلَا صَدَقَةَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِقُصُورِ مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَعَوْدِهِ إلَى الْبَائِعِ غَيْرَ مُنْتَفَعٍ بِهِ فَكَانَ كَالْآبِقِ بَلْ أَشَدَّ، وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ: وَفِي الْمَوْقُوفِ إنْ أَجَازَ الْمَالِكُ الْبَيْعَ بَعْدَ يَوْمِ الْفِطْرِ فَعَلَى الْمُجِيزِ وَالْعَبْدِ الْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا إذَا مَرَّ عَلَيْهِ يَوْمُ الْفِطْرِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَالصَّدَقَةُ عَلَى الْبَائِعِ إذَا رَدَّهُ، وَإِنْ لَمْ يَرُدَّهُ وَلَكِنْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي أَوْ أَعْتَقَهُ فَالصَّدَقَةُ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَالْعَبْدُ الْمَجْعُولُ مَهْرًا إنْ كَانَ بِعَيْنِهِ تَجِبُ الصَّدَقَةُ عَلَى الْمَرْأَةِ قَبَضَتْهُ أَوْ لَمْ تَقْبِضْهُ؛ لِأَنَّهَا مَلَكَتْهُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ؛ وَلِهَذَا جَازَ تَصَرُّفُهَا قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا ثُمَّ مَرَّ يَوْمُ الْفِطْرِ إنْ لَمْ يَكُنْ الْمَهْرُ مَقْبُوضًا فَلَا صَدَقَةَ عَلَى أَحَدٍ، وَإِنْ كَانَ مَقْبُوضًا فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا تَجِبُ عَلَيْهَا، وَفِي الْأَصْلِ لَا صَدَقَةَ فِي عَبْدِ الْمَهْرِ فِي يَدِ الزَّوْجِ اهـ. مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ بِلَفْظِهِ. (قَوْلُهُ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ دَقِيقِهِ أَوْ سَوِيقِهِ أَوْ زَبِيبٍ أَوْ صَاعِ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ، وَهُوَ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ) بَدَلٌ مِنْ الضَّمِيرِ فِي تَجِبُ أَيْ تَجِبُ صَدَقَةُ الْفِطْرِ، وَهِيَ نِصْفُ صَاعٍ إلَى آخِرِهِ لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَالْحُرِّ وَالْمَمْلُوكِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ» فَعَدَلَ النَّاسُ بِهِ مُدَّيْنِ مِنْ حِنْطَةٍ، وَالْكَلَامُ مَعَ الْمُخَالِفِينَ فِي الْمَسْأَلَةِ طَوِيلٌ قَدْ اسْتَوْفَاهُ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِي جَعْلِهِ دَقِيقَ الْبُرِّ وَسَوِيقَهُ كَالْبُرِّ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ دَقِيقَ الشَّعِيرِ وَسَوِيقَهُ كَهُوَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْكَافِي وَأَفَادَ أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ لِلْقِيمَةِ فِي الدَّقِيقِ وَالسَّوِيقِ كَأَصْلِهِمَا؛ لِأَنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ لَا تُعْتَبَرُ فِيهِ الْقِيمَةُ بِخِلَافِ غَيْرِهِ حَتَّى لَوْ أَدَّى نِصْفَ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ قِيمَتُهُ صَاعٌ مِنْ بُرٍّ أَوْ أَكْثَرُ لَا يَجُوزُ لَكِنْ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي بِأَنَّ الْأَوْلَى اعْتِبَارُ الْقَدْرِ وَالْقِيمَةِ فِي الدَّقِيقِ وَالسَّوِيقِ وَإِنْ نَصَّ عَلَى الدَّقِيقِ فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ بِمَشْهُورٍ فَالِاحْتِيَاطُ فِيمَا قُلْنَا، وَهُوَ أَنْ يُعْطِيَ نِصْفَ صَاعِ دَقِيقٍ حِنْطَةٍ أَوْ صَاعَ دَقِيقِ شَعِيرٍ يُسَاوَيَانِ نِصْفَ صَاعِ بُرٍّ وَصَاعَ شَعِيرٍ لَا أَقَلَّ مِنْ نِصْفٍ يُسَاوِي نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ أَقَلَّ مِنْ صَاعٍ يُسَاوِي صَاعَ شَعِيرٍ، وَلَا نِصْفَ لَا يُسَاوِي نِصْفَ صَاعِ بُرٍّ أَوْ صَاعٍ لَا يُسَاوِي صَاعَ شَعِيرٍ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقُيِّدَ بِالدَّقِيقِ وَالسَّوِيقِ؛ لِأَنَّ الصَّحِيحَ فِي الْخُبْزِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ لِعَدَمِ وُرُودِ النَّصِّ بِهِ فَكَانَ كَالزَّكَاةِ وَكَالذُّرَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْحُبُوبِ الَّتِي لَمْ يَرِدُ بِهَا النَّصُّ، وَكَالْأَقِطِ، وَجَعْلُهُ الزَّبِيبَ كَالْبُرِّ رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَجَعَلَاهُ كَالتَّمْرِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَحَّحَهَا أَبُو الْيُسْرِ وَرَجَّحَهَا الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ جِهَةِ الدَّلِيلِ، وَفِي شَرْحِ النُّقَايَةِ وَالْأَوْلَى أَنْ يُرَاعِيَ فِي الزَّبِيبِ الْقَدْرَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْبَيْعِ خِيَارٌ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: لَمْ يَلُحْ لِي مَأْخَذُ هَذِهِ الْإِشَارَةِ بَلْ رُبَّمَا أَفَادَ التَّقْيِيدُ بِالْخِيَارِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ خِيَارٌ لَا يَتَوَقَّفُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 273 وَالْقِيمَةَ، وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ، وَهُوَ عَائِدٌ إلَى الصَّاعِ وَتَقْدِيرُهُ بِمَا ذَكَرَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ، وَبِهِ قَالَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ، وَمِنْهُمْ مَنْ رَفَعَ الْخِلَافَ بَيْنَهُمْ فَإِنَّ أَبَا يُوسُفَ لَمَّا حَرَّرَهُ وَجَدَهُ خَمْسَةً وَثُلُثًا بِرِطْلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْ رِطْلِ أَهْلِ بَغْدَادَ؛ لِأَنَّهُ ثَلَاثُونَ إسْتَارًا، وَالْبَغْدَادِيُّ عِشْرُونَ وَإِذَا قَابَلْت ثَمَانِيَةً بِالْبَغْدَادِيِّ بِخَمْسَةٍ وَثُلُثٍ بِالْمَدَنِيِّ وَجَدْتهَا سَوَاءً. وَهُوَ الْأَشْبَهُ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يَذْكُرْ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافَ أَبِي يُوسُفَ وَلَوْ كَانَ لَذَكَرَهُ عَلَى الْمُعْتَادِ، وَهُوَ أَعْرَفُ بِمَذْهَبِهِ، وَرَدَّهُ فِي الْيَنَابِيعِ بِأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ الِاخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ ثَابِتٌ بِالْحَقِيقَةِ، وَالْإِسْتَارُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ أَرْبَعَةُ مَثَاقِيلَ وَنِصْفٌ كَذَا فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ، وَفِي تَقْدِيرِهِ الصَّاعَ بِالْأَرْطَالِ دَلِيلٌ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ نِصْفُ صَاعٍ أَوْ صَاعٌ مِنْ حَيْثُ الْوَزْنُ لَا مِنْ حَيْثُ الْكَيْلُ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ يُعْتَبَرُ كَيْلًا؛ لِأَنَّ النَّصَّ جَاءَ بِالصَّاعِ، وَهُوَ اسْمٌ لِلْمِكْيَالِ حَتَّى لَوْ وَزَنَ أَرْبَعَةَ أَرْطَالٍ فَدَفَعَهَا إلَى الْفَقِيرِ لَا يُجْزِئُهُ لِجَوَازِ كَوْنِ الْحِنْطَةِ ثَقِيلَةً لَا تَبْلُغُ نِصْفَ صَاعٍ، وَإِنْ وَزَنَتْ أَرْبَعَةَ أَرْطَالٍ كَذَا قَالُوا لَكِنَّ قَوْلَهُمْ فِي تَقْدِيرِ الصَّاعِ إنَّهُ يُعْتَبَرُ بِمَا لَا يَخْتَلِفُ كَيْلُهُ وَوَزْنُهُ، وَهُوَ بِالْعَدْسِ وَالْمَاشِّ فَمَا وَسِعَ ثَمَانِيَةَ أَرْطَالٍ أَوْ خَمْسَةً وَثُلُثًا مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ الصَّاعُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْخَانِيَّةِ يَقْتَضِي رَفْعَ الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ فِي تَقْدِيرِ الصَّاعِ كَيْلًا وَوَزْنًا كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ: وَلَوْ أَدَّى مَنَوَيْنِ مِنْ الْحِنْطَةِ بِالْوَزْنِ لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا كَيْلًا، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ إلَّا أَنْ يَتَيَقَّنَ أَنَّهُ يَبْلُغُ نِصْفَ صَاعٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَجُوزُ اهـ. وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا نُقِلَ مِنْ الْخِلَافِ أَوَّلًا، وَفِيهَا أَيْضًا وَيَجُوزُ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ وَمِثْلُهُ مِنْ شَعِيرٍ، وَلَا يَجُوزُ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ التَّمْرِ وَمُدٌّ مِنْ الْحِنْطَةِ وَجَوَّزَهُ فِي الْكَفَّارَةِ وَذَكَرَ الْإِمَامُ الزَّنْدَوَسْتِيُّ فِي نَظْمِهِ فَإِنْ أَدَّى نِصْفَ صَاعٍ مِنْ شَعِيرٍ وَنِصْفَ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ أَوْ نِصْفَ صَاعِ تَمْرٍ وَمَنًا وَاحِدًا مِنْ الْحِنْطَةِ أَوْ نِصْفَ صَاعِ شَعِيرٍ وَرُبُعَ صَاعِ حِنْطَةٍ جَازَ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّ عِنْدَهُ لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا كَانَ الْكُلُّ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ اهـ. وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ نِصْفَ الصَّاعِ وَالصَّاعَ، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْجَيِّدِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَدَّى نِصْفَ صَاعٍ رَدِيءٍ جَازَ، وَإِنْ أَدَّى عَفِينًا أَوْ بِهِ عَيْبٌ أَدَّى النُّقْصَانَ، وَإِنْ أَدَّى قِيمَةَ الرَّدِيءِ أَدَّى الْفَضْلَ كَذَا فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ لِأَفْضَلِيَّةِ الْعَيْنِ أَوْ الْقِيمَةِ فَقِيلَ بِالْأَوَّلِ وَقِيلَ بِالثَّانِي وَالْفَتْوَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَدْفَعُ لِحَاجَةِ الْفَقِيرِ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَاخْتَارَ الْأَوَّلَ فِي الْخَانِيَّةِ إذَا كَانُوا فِي مَوْضِعٍ يَشْتَرُونَ الْأَشْيَاءَ بِالْحِنْطَةِ كَالدَّرَاهِمِ. (قَوْلُهُ صُبْحَ يَوْمِ الْفِطْرِ فَمَنْ مَاتَ قَبْلَهُ أَوْ أَسْلَمَ أَوْ وُلِدَ بَعْدَهُ لَا تَجِبُ) بَيَانٌ لِوَقْتِ وُجُوبِ أَدَائِهَا، وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى أَنَّهُ ظَرْفٌ لِيَجِب أَوَّلَ الْبَابِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ الْيَوْمِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ وَمَبْنَى الْخِلَافِ عَلَى أَنَّ قَوْلَ ابْنِ عُمَرَ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَدَقَةَ الْفِطْرِ» الْمُرَادُ بِهِ الْفِطْرُ الْمُعْتَادُ فِي سَائِرِ الشَّهْرِ فَيَكُونُ الْوُجُوبُ بِالْغُرُوبِ أَوْ الْفِطْرِ الَّذِي لَيْسَ بِمُعْتَادٍ فَيَكُونُ الْوُجُوبُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ وَرَجَّحْنَا الثَّانِيَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْفِطْرُ الْمُعْتَادُ لِسَائِرِ الشَّهْرِ لَوَجَبَ ثَلَاثُونَ فِطْرَةً فَكَانَ الْمُرَادُ صَدَقَةَ يَوْمِ الْفِطْرِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ «صَوْمُكُمْ يَوْمَ تَصُومُونَ وَفِطْرُكُمْ يَوْمَ تُفْطِرُونَ» أَيْ وَقْتُ فِطْرِكُمْ يَوْمَ تُفْطِرُونَ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ فِي الْكِتَابِ لِوَقْتِ الِاسْتِحْبَابِ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي كَافِيهِ فَقَالَ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُخْرِجَ النَّاسُ الْفِطْرَةَ قَبْلَ الْخُرُوجِ إلَى الْمُصَلَّى يَعْنِي بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ الْعِيدِ لِحَدِيثِ الْحَاكِمِ كَانَ «يَأْمُرُنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نُخْرِجَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَكَانَ يُقَسِّمُهَا قَبْلَ أَنْ يَنْصَرِفَ إلَى الْمُصَلَّى، وَيَقُولُ: أَغْنُوهُمْ عَنْ الطَّوْفِ فِي هَذَا الْبَلَدِ الْيَوْمَ» (قَوْلُهُ: وَصَحَّ لَوْ قَدَّمَ أَوْ أَخَّرَ) أَيْ صَحَّ أَدَاؤُهَا إذَا قَدَّمَهُ عَلَى يَوْمِ الْفِطْرِ أَوْ أَخَّرَهُ أَمَّا التَّقْدِيمُ فَلِكَوْنِهِ بَعْدَ السَّبَبِ؛ إذْ هُوَ الرَّأْسُ، وَأَمَّا الْفِطْرُ فَشَرْطُ الْوُجُوبِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ؛ وَلِهَذَا قَالُوا: لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: إذَا جَاءَ يَوْمُ الْفِطْرِ فَأَنْت حُرٌّ فَجَاءَ   [منحة الخالق] [مِقْدَار صَدَقَة الْفِطْر] (قَوْلُهُ: وَرَدَّهُ فِي الْيَنَابِيعِ إلَخْ) قَالَ فِي الْمِعْرَاجِ وَقَالَ صَاحِبُ الْيَنَابِيعِ فِيهِ أَنَّهُ غَيْرُ سَدِيدٍ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الِاخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ اعْتَبَرُوا الرِّطْلَ الْعِرَاقِيَّ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ فَقَدْ نَصَّ أَبُو يُوسُفَ فِي كِتَابِ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثُ رِطْلٍ بِالْعِرَاقِيِّ، وَفِي الْأَسْرَارِ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ كُلُّ رِطْلٍ ثَلَاثُونَ أَسْتَارًا أَوْ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ كُلُّ رِطْلٍ عِشْرُونَ أَسْتَارًا سَوَاءٌ (قَوْلُهُ: يَقْتَضِي رَفْعَ الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ) أَيْ الْمَذْكُورِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَنْ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ مُفَادَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الصَّاعِ مَا يَسَعُ ذَلِكَ الْمِقْدَارَ مِمَّا يَتَسَاوَى كَيْلُهُ وَوَزْنُهُ عَدَمُ اعْتِبَارِ الْوَزْنِ فَقَطْ وَعَدَمُ اعْتِبَارِ الْكَيْلِ فَقَطْ بَلْ اعْتِبَارُ كَيْلٍ مَخْصُوصٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُعْتَبَرُ الْكَيْلَ لَجَازَ دَفْعُ نِصْفِ صَاعٍ كَيْلُهُ أَكْثَرُ مِنْ وَزْنِهِ، وَلَوْ كَانَ الْمُعْتَبَرُ الْوَزْنَ لَجَازَ دَفْعُ عَكْسِ ذَلِكَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 274 يَوْمُ الْفِطْرِ عَتَقَ الْعَبْدُ وَيَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى صَدَقَةُ فِطْرِهِ قَبْلَ الْعِتْقِ بِلَا فَصْلٍ؛ لِأَنَّ الْمَشْرُوطَ مُتَعَقِّبٌ عَنْ الشَّرْطِ فِي الْوُجُودِ لَا مُقَارِنٌ بِخِلَافِ الْعِلَّةِ فَإِنَّ الْمَعْلُولَ يُقَارِنُهَا، وَكَذَا لَوْ كَانَ لِلتِّجَارَةِ يَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى زَكَاةُ التِّجَارَةِ إذَا تَمَّ الْحَوْلُ بِانْفِجَارِ الصُّبْحِ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ، وَنَظِيرُهُمَا مَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: إنْ بِعْتُك فَأَنْت حُرٌّ حَيْثُ يَصِحُّ الْبَيْعُ كَذَا فِي النِّهَايَةِ فَصَارَ كَتَقْدِيمِ الزَّكَاةِ عَلَى الْحَوْلِ بَعْدَ مِلْكِ النِّصَابِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا فَارِقَ لَا أَنَّهُ قِيَاسٌ فَانْدَفَعَ بِهِ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ أَنَّ حُكْمَ الْأَصْلِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَلَا يُقَاسُ لَكِنَّهُ وُجِدَ فِيهِ دَلِيلٌ، وَهُوَ حَدِيثُ الْبُخَارِيِّ وَكَانُوا يُعْطُونَ قَبْلَ الْفِطْرِ بِيَوْمٍ أَوْ بِيَوْمَيْنِ وَأَطْلَقَ فِي التَّقْدِيمِ فَشَمِلَ مَا إذَا دَخَلَ رَمَضَانُ وَقَبِلَهُ وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي، وَفِي الْهِدَايَةِ وَالتَّبْيِينِ وَشُرُوحِ الْهِدَايَةِ، وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَقَالَ خَلَفُ بْنُ أَيُّوبَ: يَجُوزُ التَّعْجِيلُ إذَا دَخَلَ رَمَضَانُ، وَهَكَذَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ فِي فَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجُوزُ تَعْجِيلُهَا إذَا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الشَّيْخِ الْإِمَامِ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ. فَقَدْ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ كَمَا تَرَى لَكِنْ تَأَيَّدَ التَّقْيِيدُ بِدُخُولِ رَمَضَانَ بِأَنَّ الْفَتْوَى عَلَيْهِ فَلْيَكُنْ الْعَمَلُ عَلَيْهِ، وَسَبَبُ هَذَا الِاخْتِلَافِ أَنَّ مَسْأَلَةَ التَّعْجِيلِ عَلَى يَوْمِ الْفِطْرِ لَمْ تُذْكَرْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَمَا صَرَّحَ فِي الْبَدَائِعِ لَكِنْ صَحَّحَ هُوَ أَنَّهُ يَجُوزُ التَّعْجِيلُ مُطْلَقًا كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَأَمَّا التَّأْخِيرُ فَلِأَنَّهَا قُرْبَةٌ مَالِيَّةٌ فَلَا تَسْقُطُ بَعْدَ الْوُجُوبِ إلَّا بِالْأَدَاءِ كَالزَّكَاةِ حَتَّى لَوْ مَاتَ وَلَدُهُ الصَّغِيرُ أَوْ مَمْلُوكُهُ يَوْمَ الْفِطْرِ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ أَوْ افْتَقَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَكَذَلِكَ، وَفِي أَيِّ وَقْتٍ أَدَّى كَانَ مُؤَدِّيًا لَا قَاضِيًا كَمَا فِي سَائِرِ الْوَاجِبَاتِ الْمُوَسَّعَةِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ التَّحْقِيقَ أَنَّهُ بَعْدَ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ قَاضٍ لَا مُؤَدٍّ؛ لِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْمُقَيَّدِ بِالْوَقْتِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَغْنُوهُمْ فِي هَذَا الْيَوْمِ عَنْ الْمَسْأَلَةِ» وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ يَأْثَمُ بِتَأْخِيرِهِ عَنْ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ مُقَيَّدٌ، وَعَلَى أَنَّهُ مُطْلَقٌ فَلَا إثْمَ؛ وَلِهَذَا قَالَ: فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ: وَلَا يُكْرَهُ التَّأْخِيرُ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ فِي الْكِتَابِ لِجَوَازِ تَفْرِيقِ صَدَقَةِ شَخْصٍ عَلَى مَسَاكِينَ، وَظَاهِرُ مَا فِي التَّبْيِينِ وَفَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ الْمَذْهَبَ الْمَنْعُ وَأَنَّ الْقَائِلَ بِالْجَوَازِ إنَّمَا هُوَ الْكَرْخِيُّ وَصَرَّحَ الْوَلْوَالِجِيُّ وَقَاضِي خَانْ وَصَاحِبُ الْمُحِيطِ وَالْبَدَائِعِ بِالْجَوَازِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافٍ فَكَانَ هُوَ الْمَذْهَبَ كَجَوَازِ تَفْرِيقِ الزَّكَاةِ وَأَمَّا الْحَدِيثُ الْمَأْمُورُ فِيهِ بِالْإِغْنَاءِ فَيُفِيدُ الْأَوْلَوِيَّةَ، وَقَدْ نَقَلَ فِي التَّبْيِينِ الْجَوَازَ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافٍ فِي بَابِ الظِّهَارِ، وَأَمَّا دَفْعُ صَدَقَةِ جَمَاعَةٍ إلَى مِسْكِينٍ وَاحِدٍ فَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ (فُرُوعٌ) الْمَرْأَةُ إذَا أَمَرَهَا زَوْجُهَا بِأَدَاءِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ فَخَلَطَتْ حِنْطَتَهُ بِحِنْطَتِهَا بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ، وَدَفَعَتْ إلَى الْفَقِيرِ جَازَ عَنْهَا لَا عَنْ الزَّوْجِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا وَهِيَ مَحْمُولَةٌ عَلَى قَوْلِهِمَا إذَا أَجَازَ الزَّوْجُ كَذَا فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ وَعَلَّلَهُ فِي حِيرَةِ الْفُقَهَاءِ بِأَنَّهَا لَمَّا خَلَطَتْ بِغَيْرِ إذْنِهِ صَارَتْ مُسْتَهْلِكَةً لِحِصَّتِهِ؛ لِأَنَّ الْخَلْطَ اسْتِهْلَاكٌ عِنْدَهُ يَقْطَعُ حَقَّ صَاحِبِهِ عَنْ الْعَيْنِ، وَفِي قَوْلِهِمَا: لَا يَقْطَعُ وَتَجُوزُ عَنْهُ لِهَذِهِ الْعِلَّةِ، وَفِي الْبَدَائِعِ: وَلَا يَبْعَثُ الْإِمَامُ عَلَى صَدَقَةِ الْفِطْرِ سَاعِيًا؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَبْعَثْ ذَكَرَ الزَّنْدَوَسْتِيُّ أَنَّ الْأَفْضَلَ صَرْفُ الزَّكَاتَيْنِ يَعْنِي زَكَاةَ الْمَالِ، وَصَدَقَةَ الْفِطْرِ إلَى أَحَدِ هَؤُلَاءِ السَّبْعَةِ الْأُوَلِ إخْوَتِهِ الْفُقَرَاءِ وَأَخَوَاتِهِ ثُمَّ إلَى أَوْلَادِ إخْوَتِهِ وَأَخَوَاتِهِ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ إلَى أَعْمَامِهِ الْفُقَرَاءِ ثُمَّ إلَى أَخْوَالِهِ وَخَالَاتِهِ وَسَائِرِ ذَوِي أَرْحَامِهِ الْفُقَرَاءِ إلَى جِيرَانِهِ ثُمَّ إلَى أَهْلِ مَسْكَنِهِ ثُمَّ إلَى أَهْلِ مِصْرِهِ وَقَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو حَفْصٍ الْكَبِيرُ الْبُخَارِيُّ: لَا تُقْبَلُ صَدَقَةُ الرَّجُلِ وَقَرَابَتُهُ مَحَاوِيجُ حَتَّى يَبْدَأَ بِهِمْ فَيَسُدَّ حَاجَتَهُمْ ثُمَّ أَعْطَى فِي غَيْرِ قَرَابَتِهِ إنْ أَحَبَّ كَذَا فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ، وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: وَصَدَقَةُ الْفِطْرِ كَالزَّكَاةِ فِي الْمَصَارِفِ اهـ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَثْنِيَ الذِّمِّيَّ كَمَا سَبَقَ فِي الْمَصْرِفِ، وَفِي عُمْدَةِ الْفَتَاوَى لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ: وَلَوْ دَفَعَ صَدَقَةَ فِطْرِهِ إلَى زَوْجَةِ عَبْدِهِ جَازَ، وَإِنْ كَانَتْ نَفَقَتُهَا عَلَيْهِ اهـ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ   [منحة الخالق] [وَقْتِ وُجُوبِ أَدَاء صَدَقَةِ الْفِطْرِ] (قَوْلُهُ: فَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ) أَيْ لَا خِلَافَ مُعْتَدًّا بِهِ كَمَا قَالَ فِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ وَإِلَّا فَقَدْ صَرَّحَ فِي مَوَاهِبِ الرَّحْمَنِ بِالْخِلَافِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ حَيْثُ قَالَ: وَيَجُوزُ أَخْذُ وَاحِدٍ مِنْ جَمْعٍ، وَدَفْعُ وَاحِدَةٍ لِجَمْعٍ عَلَى الصَّحِيحِ فِيهِمَا (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَتْ نَفَقَتُهَا عَلَيْهِ) فِيهِ أَنَّ نَفَقَتَهَا عَلَى الْعَبْدِ؛ وَلِذَا يُبَاعُ لِأَجْلِهَا، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّهَا عَلَيْهِ حُكْمًا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ لَهَا بَيْعُهُ لِلنَّفَقَةِ صَارَتْ كَأَنَّهَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ مِلْكُهُ، وَإِذَا بَاعَتْهُ فَقَدْ اسْتَوْفَتْ النَّفَقَةَ مِنْ مِلْكِهِ تَأَمَّلْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 275 (كِتَابُ الصَّوْمِ) . أَخَّرَهُ عَنْ الزَّكَاةِ، وَإِنْ كَانَ عِبَادَةً بَدَنِيَّةً مُقَدَّمَةً عَلَى الْمَالِيَّةِ لِقِرَانِهَا بِالصَّلَاةِ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ، وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الصَّوْمَ عَقِبَ الصَّلَاةِ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ نَظَرًا لِمَا قُلْنَا، وَهُوَ فِي اللُّغَةِ تَرْكُ الْإِنْسَانِ الْأَكْلَ، وَإِمْسَاكُهُ عَنْهُ ثُمَّ جُعِلَ عِبَارَةً عَنْ هَذِهِ الْعِبَادَةِ الْمَخْصُوصَةِ، وَمِنْ مَجَازِهِ صَامَ الْفَرَسُ عَلَى آرِيِّهِ إذَا لَمْ يُعْتَلَفْ، وَمِنْهُ قَوْلُ النَّابِغَةِ خَيْلٌ صِيَامٌ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ، وَفِي الشَّرْعِ مَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ وَلَوْ قَالَ كِتَابُ الصِّيَامِ لَكَانَ أَوْلَى لِمَا فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ: وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمٌ فَعَلَيْهِ صَوْمُ يَوْمٍ وَاحِدٍ، وَلَوْ قَالَ فَعَلَيَّ صِيَامٌ عَلَيْهِ صِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ} [البقرة: 196] اهـ. وَرُكْنُهُ حَقِيقَتُهُ الشَّرْعِيَّةُ الَّتِي هِيَ الْإِمْسَاكُ الْمَخْصُوصُ وَسَبَبُهُ مُخْتَلِفٌ فَفِي الْمَنْذُورِ النَّذْرُ؛ وَلِذَا قُلْنَا: لَوْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ كَرَجَبٍ أَوْ يَوْمًا بِعَيْنِهِ فَصَامَ غَيْرَهُ أَجْزَأَ عَنْ الْمَنْذُورِ؛ لِأَنَّهُ تَعْجِيلٌ بَعْدَ وُجُوبِ السَّبَبِ، وَفِيهِ خِلَافُ مُحَمَّدٍ كَمَا فِي الْمَجْمَعِ وَصَوْمُ الْكَفَّارَاتِ سَبَبُهُ مَا يُضَافُ إلَيْهِ مِنْ الْحِنْثِ وَالْقَتْلِ وَالظِّهَارِ وَالْفِطْرِ، وَسَبَبُ رَمَضَانَ شُهُودُ جُزْءٍ مِنْ الشَّهْرِ اتِّفَاقًا لَكِنْ اخْتَلَفُوا فَذَهَبَ السَّرَخْسِيُّ إلَى أَنَّ السَّبَبَ مُطْلَقُ شُهُودِ الشَّهْرِ حَتَّى اسْتَوَى فِي السَّبَبِيَّةِ الْأَيَّامُ وَاللَّيَالِي، وَذَهَبَ الدَّبُوسِيُّ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ وَأَبُو الْيُسْرِ إلَى أَنَّ السَّبَبَ الْأَيَّامُ دُونَ اللَّيَالِيِ أَيْ الْجُزْءُ الَّذِي لَا يَتَجَزَّأُ مِنْ كُلِّ يَوْمٍ سَبَبٌ لِصَوْمِ ذَلِكَ الْيَوْمِ فَيَجِبُ صَوْمُ جَمِيعِ الْأَيَّامِ مُقَارِنًا إيَّاهُ، وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَنْ أَفَاقَ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ الشَّهْرِ ثُمَّ جُنَّ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ وَمَضَى الشَّهْرُ، وَهُوَ مَجْنُونٌ ثُمَّ أَفَاقَ فَعَلَى قَوْلِ السَّرَخْسِيِّ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ، وَلَوْ لَمْ يَتَقَرَّرْ السَّبَبُ فِي حَقِّهِ بِمَا شَهِدَ مِنْ الشَّهْرِ حَالَ إفَاقَتِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ، وَعَلَى قَوْلِ غَيْرِهِ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ، وَصَحَّحَهُ السِّرَاجُ الْهِنْدِيُّ فِي شَرْحِ الْمُغْنِي؛ لِأَنَّ اللَّيْلَ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلصَّوْمِ فَكَانَ الْجُنُونُ وَالْإِفَاقَةُ فِيهِ سَوَاءً، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ أَفَاقَ لَيْلَةً فِي وَسَطِ الشَّهْرِ ثُمَّ أَصْبَحَ مَجْنُونًا، وَكَذَا لَوْ أَفَاقَ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ بَعْدَ الزَّوَالِ وَجَمَعَ فِي الْهِدَايَةِ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ بِأَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ فَشُهُودُ جُزْءٍ مِنْهُ سَبَبٌ لِكُلِّهِ ثُمَّ كُلُّ يَوْمٍ سَبَبُ وُجُوبِ أَدَائِهِ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ تَكَرَّرَ سَبَبُ وُجُوبِ صَوْمِ الْيَوْمِ بِاعْتِبَارِ خُصُوصِهِ وَدُخُولِهِ فِي ضِمْنِ غَيْرِهِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ يَخْتَارُ غَيْرَ قَوْلِ السَّرَخْسِيِّ؛ لِأَنَّ السَّرَخْسِيَّ يَقُولُ: كُلُّ يَوْمٍ مَعَ لَيْلَتِهِ سَبَبٌ لِلْوُجُوبِ لَا الْيَوْمُ وَحْدَهُ، وَتَمَامُ تَقْرِيرِهِ فِي الْأُصُولِ وَشَرَائِطُهُ ثَلَاثَةٌ شَرْطُ وُجُوبٍ، وَهُوَ الْإِسْلَامُ وَالْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَفَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ ذَكَرَ الْأَوَّلَيْنِ ثُمَّ قَالَ: وَلَا يُشْتَرَطُ الْعَقْلُ لَا لِلْوُجُوبِ، وَلَا لِلْأَدَاءِ وَلِهَذَا إذَا جُنَّ فِي بَعْضِ الشَّهْرِ ثُمَّ أَفَاقَ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ بِخِلَافِ اسْتِيعَابِ الشَّهْرِ حَيْثُ لَا يَلْزَمُهُ   [منحة الخالق] [كِتَابُ الصَّوْمِ] (قَوْلُهُ: عَلَى آرِيِّهِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ الْآرِيُّ الْمَعْلَفُ قَالَ فِي مُخْتَارِ الصِّحَاحِ وَمِمَّا يَضَعُهُ النَّاسُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ قَوْلُهُمْ لِلْمَعْلَفِ آرِيٌّ، وَإِنَّمَا الْآرِيُّ مَحْبِسُ الدَّابَّةِ، وَفِي الصِّحَاحِ، وَهُوَ فِي التَّقْدِيرِ فَاعُولٌ وَالْجَمْعُ أَوَارِيُّ (قَوْلُهُ: لِمَا فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ أُرِيدَ بِلَفْظِ صِيَامٍ فِي لِسَانِ الشَّارِعِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَكَذَا فِي النَّذْرِ خُرُوجًا عَنْ الْعُهْدَةِ بِخِلَافِ صَوْمٍ وَتَوَهَّمَ فِي الْبَحْرِ أَنَّ الصِّيغَةَ لَهَا دَلَالَةٌ عَلَى التَّعَدُّدِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الصَّوْمَ لَهُ أَنْوَاعٌ ثَلَاثَةٌ فَادَّعَى أَنَّ الْأَوْلَى صِيَامٌ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ فَقَدْ قَالَ الْقَاضِي فِي تَفْسِيرِهِ: الْآيَةُ بَيَانٌ لِجِنْسِ الْفِدْيَةِ وَأَمَّا قَدْرُهَا فَبَيَّنَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حَدِيثِ كَعْبٍ فَإِنْ قُلْت صَرَّحُوا بِأَنَّ صِيَامًا جَاءَ جَمْعًا لِصَائِمٍ قُلْت هَذَا لَا يَصِحُّ مُرَادًا فِي الْآيَةِ، وَلَا فِي التَّرْجَمَةِ كَمَا يُدْرِكُهُ الذَّوْقُ السَّلِيمُ وَالطَّبْعُ الْمُسْتَقِيمُ عَلَى أَنَّ أَلْ الدَّاخِلَةَ عَلَى الْجَمْعِ تُبْطِلُ مَعْنَى الْجَمْعِيَّةِ فَتَدَبَّرْهُ (قَوْلُهُ: مُقَارِنًا إيَّاهُ) يَلْزَمُ عَلَيْهِ مُقَارَنَةُ السَّبَبِ لِلْوُجُوبِ مَعَ أَنَّ السَّبَبَ لَا بُدَّ مِنْ تَقَدُّمِهِ لَكِنَّهُ سَقَطَ هُنَا اشْتِرَاطُ تَقَدُّمِهِ لِلضَّرُورَةِ لِعَدَمِ صَلَاحِيَّةِ مَا قَبْلَ أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْ النَّهَارِ لِلسَّبَبِيَّةِ كَمَا لَوْ شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْ الْوَقْتِ فَإِنَّ السَّبَبَ قَارَنَ الْوُجُوبَ وَسَيَذْكُرُ الْمُؤَلِّفُ تَحْقِيقَ ذَلِكَ فِي فَصْلِ الْعَوَارِضِ عِنْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ وَلَوْ بَلَغَ صَبِيٌّ أَوْ أَسْلَمَ كَافِرٌ (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ أَفَاقَ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ) كَذَا عَبَّرَ فِي الْمُجْتَبَى وَغَيْرِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ الْإِفَاقَةُ الْمُسْتَمِرَّةُ الَّتِي لَمْ يُعْقِبْهَا جُنُونٌ، وَإِلَّا فَالْإِفَاقَةُ الَّتِي يُعْقِبُهَا جُنُونٌ لَا فَرْقَ فِيهَا إذَا كَانَتْ بَعْدَ الزَّوَالِ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ فِي آخِرِ يَوْمٍ أَوْ فِي وَسَطِ الشَّهْرِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي وَقْتِ النِّيَّةِ (قَوْلُهُ: وَجَمَعَ فِي الْهِدَايَةِ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ) مُقْتَضَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ مَبْنِيٌّ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي السَّبَبِ، وَثَمَرَةٌ لَهُ أَنْ تَتَنَافَى أَحْكَامُهَا حَيْثُ جَمَعَ بَيْنَ كُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ أَوْ أَنْ لَا يَكُونَ الْخِلَافُ فِيهَا مَبْنِيًّا عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي السَّبَبِ فَلَا يَصِحُّ قَوْلُهُ: وَثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ إلَخْ، وَمِمَّا يُؤَيِّدُ هَذَا الْأَخِيرَ قَوْلُ الْمُؤَلِّفِ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمَنَارِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ لِهَذَا الْخِلَافِ ثَمَرَةً فِي الْفُرُوعِ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ إلَخْ) لَمْ يَظْهَرْ لَنَا مُرَادُهُ بِهَذَا الْكَلَامِ، وَلَعَلَّ مُرَادَهُ أَنَّ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ لَمْ يُرِدْ الْجَمْعَ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ بَلْ مُرَادُهُ اخْتِيَارُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَهُوَ غَيْرُ قَوْلِ السَّرَخْسِيِّ وَلِذَا أَخَّرَهُ كَمَا هُوَ عَادَتُهُ فِيمَا يَخْتَارُهُ وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ مَا أَوْرَدْنَا قُبَيْلَهُ لَكِنَّ التَّعْلِيلَ يَنْبُو عَنْ هَذَا التَّأْوِيلِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 276 الْقَضَاءُ لِلْحَرَجِ وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْكَشْفِ فَقَالَ: إنَّ الْمَجْنُونَ أَهْلٌ لِلْوُجُوبِ إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ أَسْقَطَ عَنْهُ عِنْدَ تَضَاعُفِ الْوَاجِبَاتِ دَفْعًا لِلْحَرَجِ وَاعْتُبِرَ الْحَرَجُ فِي حَقِّ الصَّوْمِ بِاسْتِغْرَاقِ الْجُنُونِ جَمِيعَ الشَّهْرِ اهـ. وَفِي الْبَدَائِعِ وَأَمَّا الْعَقْلُ فَهَلْ هُوَ مِنْ شَرَائِطِ الْوُجُوبِ وَكَذَا الْإِفَاقَةُ وَالْيَقَظَةُ قَالَ عَامَّةُ مَشَايِخِنَا: لَيْسَتْ مِنْ شَرَائِطِ الْوُجُوبِ بَلْ مِنْ شَرَائِطِ وُجُوبِ الْأَدَاءِ مُسْتَدِلِّينَ بِوُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَى الْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالنَّائِمِ بَعْدَ الْإِفَاقَةِ وَالِانْتِبَاهِ بَعْدَ مُضِيِّ بَعْضِ الشَّهْرِ أَوْ كُلِّهِ وَكَذَا الْمَجْنُونُ إذَا أَفَاقَ فِي بَعْضِ الشَّهْرِ وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ التَّحْقِيقِ مِنْ مَشَايِخِ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ: إنَّهُ شَرْطُ الْوُجُوبِ وَعِنْدَهُمْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وُجُوبِ الْأَدَاءِ وَأَجَابُوا عَمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ الْعَامَّةُ بِأَنَّ وُجُوبَ الْقَضَاءِ لَا يَسْتَدْعِي سَابِقَةَ الْوُجُوبِ لَا مَحَالَةَ وَإِنَّمَا يَسْتَدْعِي فَوْتَ الْعِبَادَةِ عَنْ وَقْتِهَا، وَالْقُدْرَةَ عَلَى الْقَضَاءِ مِنْ غَيْرِ حَرَجٍ وَهَكَذَا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي الطَّهَارَةِ عَنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ فَذَهَبَ أَهْلُ التَّحْقِيقِ إلَى أَنَّهَا شَرْطُ الْوُجُوبِ فَلَا وُجُوبَ عَلَى الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ، وَقَضَاءُ الصَّوْمِ لَا يَسْتَدْعِي سَابِقَةَ الْوُجُوبِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَعِنْدَ الْعَامَّةِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ، وَإِنَّمَا الطَّهَارَةُ عَنْهُمَا شَرْطُ الْأَدَاءِ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَدَائِعِ وَلَعَلَّهُ لَا ثَمَرَةَ لَهُ، وَالنَّوْعُ الثَّانِي مِنْ الشَّرَائِطِ شَرْطُ وُجُوبِ الْأَدَاءِ، وَهُوَ الصِّحَّةُ وَالْإِقَامَةُ وَالثَّالِثُ شَرْطُ صِحَّتِهِ، وَهُوَ الْإِسْلَامُ وَالطَّهَارَةُ عَنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ، وَالنِّيَّةُ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَاقْتَصَرَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ عَلَى مَا عَدَا الْأَوَّلَ؛ لِأَنَّ الْكَافِرَ لَا نِيَّةَ لَهُ بِاشْتِرَاطِهَا، وَلَمْ يَجْعَلُوا الْعَقْلَ وَالْإِفَاقَةَ شَرْطَيْنِ لِلصِّحَّةِ؛ لِأَنَّ مَنْ نَوَى الصَّوْمَ مِنْ اللَّيْلِ ثُمَّ جُنَّ فِي النَّهَارِ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ يَصِحُّ صَوْمُهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَصِحَّ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي لِعَدَمِ النِّيَّةِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْمَجْنُونِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ لَا تُتَصَوَّرُ لَا لِعَدَمِ أَهْلِيَّةِ الْأَدَاءِ، وَأَمَّا الْبُلُوغُ فَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ الصِّحَّةِ لِصِحَّتِهِ مِنْ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ؛ وَلِهَذَا يُثَابُ عَلَيْهِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَزَادَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الْعِلْمَ بِالْوُجُوبِ أَوْ الْكَوْنَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ الْحَرْبِيَّ إذَا أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِفَرْضِيَّةِ رَمَضَانَ ثُمَّ عَلِمَ لَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ مَا مَضَى وَزَادَ فِي النِّهَايَةِ عَلَى شَرَائِطِ الصِّحَّةِ الْوَقْتَ الْقَابِلَ لِيَخْرُجَ اللَّيْلُ، وَفِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِالنَّهَارِ دَاخِلٌ فِي مَفْهُومِ الصَّوْمِ لَا قَيْدٌ لَهُ؛ وَلِهَذَا كَانَ التَّحْقِيقُ فِي الْأُصُولِ أَنَّ الْقَضَاءَ وَالنَّذْرَ الْمُطْلَقَ وَصَوْمَ الْكَفَّارَةِ مِنْ قَبِيلِ الْمُطْلَقِ عَنْ الْوَقْتِ لَا مِنْ الْمُقَيَّدِ بِهِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ فَخْرُ الْإِسْلَامِ، وَحُكْمُهُ سُقُوطُ الْوَاجِبِ، وَنَيْلُ ثَوَابِهِ إنْ كَانَ صَوْمًا لَازِمًا، وَإِلَّا فَالثَّانِي كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّ صَوْمَ الْأَيَّامِ الْمَنْهِيَّةِ لَا ثَوَابَ فِيهِ فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ وَإِلَّا فَالثَّانِي إنْ لَمْ يَكُنْ مَنْهِيًّا عَنْهُ، وَإِلَّا فَالصِّحَّةُ فَقَطْ. وَأَقْسَامُهُ فَرْضٌ وَوَاجِبٌ وَمَسْنُونٌ وَمَنْدُوبٌ وَنَفْلٌ وَمَكْرُوهٌ تَنْزِيهًا وَتَحْرِيمًا فَالْأَوَّلُ رَمَضَانُ وَقَضَاؤُهُ وَالْكَفَّارَاتُ وَالْوَاجِبُ الْمَنْذُورُ وَالْمَسْنُونُ عَاشُورَاءُ مَعَ التَّاسِعِ، وَالْمَنْدُوبُ صَوْمُ ثَلَاثَةٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَيَنْدُبُ فِيهَا كَوْنُهَا الْأَيَّامَ الْبِيضَ وَكُلُّ صَوْمٍ ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ طَلَبُهُ وَالْوَعْدُ عَلَيْهِ كَصَوْمِ دَاوُد - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَعَلَى سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ وَالنَّفَلُ مَا سِوَى ذَلِكَ مِمَّا لَمْ يَثْبُتْ كَرَاهَتُهُ وَالْمَكْرُوهُ تَنْزِيهًا عَاشُورَاءُ مُفْرَدًا عَنْ التَّاسِعِ، وَنَحْوُ يَوْمِ الْمِهْرَجَانِ وَتَحْرِيمًا أَيَّامُ التَّشْرِيقِ وَالْعِيدَيْنِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَاسْتَثْنَى فِي عُمْدَةِ الْفَتَاوَى مِنْ كَرَاهَةِ صَوْمِ يَوْمِ النَّيْرُوزِ وَالْمِهْرَجَانِ أَنْ يَصُومَ يَوْمًا قَبْلَهُ فَلَا يُكْرَهُ كَمَا فِي يَوْمِ الشَّكِّ وَالْأَظْهَرُ أَنْ يَضُمَّ الْمَنْذُورَ بِقِسْمَيْهِ إلَى الْمَفْرُوضِ كَمَا اخْتَارَهُ فِي الْبَدَائِعِ وَالْمَجْمَعِ وَرَجَّحَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى لُزُومِهِ وَأَنْ يَجْعَلَ قِسْمَ الْوَاجِبِ صَوْمَ التَّطَوُّعِ   [منحة الخالق] فَلْيُتَأَمَّلْ. [شُرُوط الصِّيَامِ] (قَوْلُهُ: وَزَادَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إلَخْ) أَيْ فِي شَرَائِطِ الْوُجُوبِ (قَوْلُهُ: وَفِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّ صَوْمَ الْأَيَّامِ الْمَنْهِيَّةِ لَا ثَوَابَ فِيهِ) قَالَ فِي النَّهْرِ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ كَمَا سَيَأْتِي أَنَّ النَّهْيَ فِيهَا لِمَعْنًى مُجَاوِرٍ، وَهُوَ الْإِعْرَاضُ عَنْ الضِّيَافَةِ يُفِيدُ أَنَّ فِيهِ ثَوَابًا كَالصَّلَاةِ فِي أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ. [أَقْسَام الصَّوْمِ] (قَوْلُهُ: لِلْإِجْمَاعِ عَلَى لُزُومِهِ) اعْلَمْ أَنَّ مَنْ قَالَ بِالْوُجُوبِ اسْتَدَلَّ بِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} [الحج: 29] خُصَّ مِنْهُ النَّذْرُ بِالْمَعْصِيَةِ، وَمَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبٌ كَعِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَمَا لَيْسَ مَقْصُودًا لِذَاتِهِ بَلْ لِغَيْرِهِ كَالْوُضُوءِ فَصَارَ ظَنِّيًّا كَالْآيَةِ الْمُؤَوَّلَةِ فَأَفَادَ الْوُجُوبَ قَالَ فِي النَّهْرِ: وَفِي عُدُولِ الْمُحَقِّقِ إلَى الْإِجْمَاعِ تَسْلِيمٌ لِدَعْوَى التَّخْصِيصِ قِيلَ وَفِيهِ أَيْ التَّخْصِيصِ نَظَرٌ؛ إذْ مِنْ شَرْطِهِ الْمُقَارَنَةُ وَالْمُخَصَّصُ غَيْرُ مَعْلُومٍ فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ مُقَارَنًا، وَأَيْضًا قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] خُصَّ مِنْهُ الْمَجَانِينُ وَالصِّبْيَانُ، وَلَمْ يَنْتِفْ عَنْ إثْبَاتِ الْفَرْضِيَّةِ وَعَلَيْهِ فَلَا حَاجَةَ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ مَمْنُوعٌ بِدَلِيلِ أَنَّ جَاحِدَهُ لَا يُكَفَّرُ، وَقَدْ قَالَ فِي أَوَائِلِ السِّيَرِ مِنْ الْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ وَالذَّخِيرَةِ: الْفَرْقُ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالْوَاجِبِ ظَاهِرٌ نَظَرًا إلَى الْأَحْكَامِ حَتَّى إنَّ الصَّلَاةَ الْمَنْذُورَةَ لَا تُؤَدَّى بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ وَتُقْضَى الْفَوَائِتُ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ اهـ. وَلَوْ كَانَ ثَمَّةَ إجْمَاعٌ لَكَانَتْ تُؤَدَّى بَعْدَهُ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَالْحَقُّ أَنَّ التَّخْصِيصَ ثَابِتٌ بِالْإِجْمَاعِ يَعْنِي عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ النَّذْرِ بِالْمَعْصِيَةِ وَنَحْوِهَا، وَلَا بُدَّ مِنْ مُسْتَنَدٍ، وَهُوَ الْمُخَصَّصُ فِي الْحَقِيقَةِ وَالْإِجْمَاعُ كَاشِفٌ عَنْهُ وَمُقَرِّرٌ لَهُ، وَعِنْدَ عَدَمِ الْعِلْمِ بِالتَّارِيخِ يُحْمَلُ عَلَى الْمُقَارَنَةِ كَمَا تَقَرَّرَ، وَلَمْ يَنْعَقِدْ الْإِجْمَاعُ عَلَى فَرْضِيَّةِ مَا بَقِيَ بَعْدَ التَّخْصِيصِ بِخِلَافِ آيَةِ الصِّيَامِ اهـ. قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: فَمَا فِي الْبَحْرِ غَيْرُ ظَاهِرٍ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ أَظْهَرَ، وَمَا فِي الْفَتْحِ مِنْ الِاسْتِدْلَالِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 277 بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِ، وَصَوْمَ قَضَائِهِ عِنْدَ الْإِفْسَادِ، وَصَوْمَ الِاعْتِكَافِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ أَيْضًا، وَبِمَا ذَكَرَهُ الْمُحَقِّقُ انْدَفَعَ مَا فِي الْبَدَائِعِ مِنْ قَوْلِهِ، وَعِنْدَنَا يُكْرَهُ الصَّوْمُ فِي يَوْمَيْ الْعِيدِ وَأَيَّام التَّشْرِيقِ، وَالْمُسْتَحَبُّ هُوَ الْإِفْطَارُ فَإِنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ الصَّوْمَ فِيهَا مَكْرُوهٌ تَنْزِيهًا، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْإِفْطَارَ وَاجِبٌ مُتَحَتِّمٌ؛ وَلِهَذَا صَرَّحَ فِي الْمَجْمَعِ بِحُرْمَةِ الصَّوْمِ فِيهَا وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كُلُّ صَوْمٍ رَغَّبَ فِيهِ الشَّارِعُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخُصُوصِهِ يَكُونُ مُسْتَحَبًّا، وَمَا سِوَاهُ يَكُونُ مَنْدُوبًا مِمَّا لَمْ تَثْبُتْ كَرَاهِيَتُهُ لَا نَفْلًا؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ قَدْ رَغَّبَ فِي مُطْلَقِ الصَّوْمِ فَتَرَتَّبَ عَلَى فِعْلِهِ الثَّوَابُ بِخِلَافِ النَّفْلِيَّةِ الْمُقَابِلَةِ لِلنَّدْبِيَّةِ فَإِنَّ ظَاهِرَهُ يَقْتَضِي عَدَمَ الثَّوَابِ فِيهِ، وَإِلَّا فَهُوَ مَنْدُوبٌ كَمَا لَا يَخْفَى، وَمِنْ الْمَكْرُوهِ صَوْمُ يَوْمِ الشَّكِّ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى، وَمِنْهُ صَوْمُ الْوِصَالِ وَقَدْ فَسَّرَهُ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ بِصَوْمِ يَوْمَيْنِ لَا فِطْرَ بَيْنَهُمَا، وَمِنْهُ صَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ لِلْحَاجِّ إنْ أَضْعَفَهُ، وَمِنْهُ صَوْمُ يَوْمِ السَّبْتِ بِانْفِرَادٍ لِلتَّشَبُّهِ بِالْيَهُودِ بِخِلَافِ صَوْمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَإِنَّ صَوْمَهُ بِانْفِرَادِهِ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَ الْعَامَّةِ كَالِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ وَكَرِهَ الْكُلَّ بَعْضُهُمْ، وَمِنْهُ صَوْمُ الصَّمْتِ بِأَنْ يُمْسِكَ عَنْ الطَّعَامِ وَالْكَلَامِ جَمِيعًا كَذَا فِي الْبَدَائِعِ، وَمِنْهُ أَيْضًا صَوْمُ سِتَّةٍ مِنْ شَوَّالٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مُتَفَرِّقًا كَانَ أَوْ مُتَتَابِعًا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ كَرَاهَتُهُ مُتَتَابِعًا لَا مُتَفَرِّقًا لَكِنَّ عَامَّةَ الْمُتَأَخِّرِينَ لَمْ يَرَوْا بِهِ بَأْسًا ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الصِّيَامَاتِ اللَّازِمَةَ فَرْضًا ثَلَاثَةَ عَشْرَ سَبْعَةٌ مِنْهَا يَجِبُ فِيهَا التَّتَابُعُ، وَهِيَ رَمَضَانُ وَكَفَّارَةُ الْقَتْلِ وَكَفَّارَةُ الظِّهَارِ وَكَفَّارَةُ الْيَمِينِ وَكَفَّارَةُ الْإِفْطَارِ فِي رَمَضَانَ وَالنَّذْرُ الْمُعَيَّنُ وَصَوْمُ الْيَمِينِ الْمُعَيَّنِ، وَسِتَّةٌ لَا يَجِبُ فِيهَا التَّتَابُعُ، وَهِيَ قَضَاءُ رَمَضَانَ وَصَوْمُ الْمُتْعَةِ، وَصَوْمُ كَفَّارَةِ الْحَلْقِ وَصَوْمُ جَزَاءِ الصَّيْدِ وَصَوْمُ النَّذْرِ الْمُطْلَقِ، وَصَوْمُ الْيَمِينِ بِأَنْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَأَصُومَنَّ شَهْرًا ثُمَّ إذَا أَفْطَرَ يَوْمًا فِيمَا يَجِبُ فِيهِ التَّتَابُعُ هَلْ يَلْزَمُهُ الِاسْتِقْبَالُ أَوْ لَا فَنَقُولُ: كُلُّ صَوْمٍ يُؤْمَرُ فِيهِ بِالتَّتَابُعِ لِأَجْلِ الْفِعْلِ، وَهُوَ الصَّوْمُ يَكُونُ التَّتَابُعُ شَرْطًا فِيهِ وَكُلُّ صَوْمٍ يُؤْمَرُ فِيهِ بِالتَّتَابُعِ لِأَجْلِ أَنَّ الْوَقْتَ مُفَوِّتُ ذَلِكَ يَسْقُطُ التَّتَابُعُ، وَإِنْ بَقِيَ الْفِعْلُ وَاجِبَ الْقَضَاءِ فَالْأَوَّلُ كَصَوْمِ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ وَالظِّهَارِ وَالْيَمِينِ وَالْإِفْطَارِ، وَيَلْحَقُ بِهِ النَّذْرُ الْمُطْلَقُ إذَا ذَكَرَ التَّتَابُعَ فِيهِ أَوْ نَوَاهُ، وَالثَّانِي كَرَمَضَانَ وَالنَّذْرِ الْمُعَيَّنِ وَالْيَمِينِ بِصَوْمِ يَوْمٍ مُعَيَّنٍ كَذَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ والإسبيجابي مُخْتَصَرًا وَمَحَاسِنُهُ كَثِيرَةٌ مِنْهَا شُكْرُ النِّعْمَةِ الَّتِي هِيَ الْمُفْطِرَاتُ الثَّلَاثَةُ؛ لِأَنَّ بِضِدِّهَا تَتَبَيَّنُ الْأَشْيَاءُ، وَمِنْهَا أَنَّهُ وَسِيلَةٌ إلَى التَّقْوَى؛ لِأَنَّهَا إذَا انْقَادَتْ إلَى الِامْتِنَاعِ عَنْ الْحَلَالِ طَمَعًا فِي مَرْضَاتِهِ - تَعَالَى، فَالْأَوْلَى أَنْ تَنْقَادَ لِلِامْتِنَاعِ عَنْ الْحَرَامِ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ - تَعَالَى - {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183] وَمِنْهَا كَسْرُ الشَّهْوَةِ الدَّاعِيَةِ إلَى الْمَعَاصِي، وَمِنْهَا الِاتِّصَافُ بِصِفَةِ الْمَلَائِكَةِ الرُّوحَانِيَّةِ، وَمِنْهَا عِلْمُهُ بِحَالِ الْفُقَرَاءِ لِيَرْحَمَهُمْ فَيُطْعِمَهُمْ، وَمِنْهَا مُوَافَقَتُهُ لَهُمْ. (قَوْلُهُ هُوَ تَرْكُ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ مِنْ الصُّبْحِ إلَى الْغُرُوبِ بِنِيَّةٍ مِنْ أَهْلِهِ) أَيْ الصَّوْمُ فِي الشَّرْعِ الْإِمْسَاكُ عَنْ الْمُفْطِرَاتِ الثَّلَاثِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ مِنْ شَخْصٍ مَخْصُوصٍ مَعَ النِّيَّةِ وَإِنَّمَا فَسَّرْنَا التَّرْكَ بِالْإِمْسَاكِ الْمَذْكُورِ فِي كَلَامِ الْقُدُورِيِّ لِيَكُونَ فِعْلَ الْمُكَلَّفِ   [منحة الخالق] بِالْإِجْمَاعِ غَيْرُ مُحَرَّرٍ (قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كُلُّ صَوْمٍ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ الَّذِي عَلَيْهِ الْأُصُولِيُّونَ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُسْتَحَبِّ وَالْمَنْدُوبِ وَأَنَّ مَا وَاظَبَ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ تَرْكٍ مَا بِلَا عُذْرٍ سُنَّةٌ وَمَا لَمْ يُوَاظِبْ عَلَيْهِ مَنْدُوبٌ وَمُسْتَحَبٌّ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْهُ بَعْدَ مَا رَغَّبَ فِيهِ كَذَا فِي التَّحْرِيرِ وَعِنْدَ الْفُقَهَاءِ الْمُسْتَحَبُّ مَا فَعَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّةً وَتَرَكَهُ أُخْرَى، وَالْمَنْدُوبُ مَا فَعَلَهُ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ تَعْلِيمًا لِلْجَوَازِ كَذَا فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ قَالَ الْمُؤَلِّفُ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ: وَيَرِدُ عَلَيْهِ مَا رَغَّبَ فِيهِ، وَلَمْ يَفْعَلْهُ وَمَا جَعَلَهُ تَعْرِيفًا لِلْمُسْتَحَبِّ جَعَلَهُ فِي الْمُحِيطِ تَعْرِيفًا لِلْمَنْدُوبِ فَالْأَوْلَى مَا عَلَيْهِ الْأُصُولِيُّونَ اهـ. ثُمَّ النَّفَلُ فِي اللُّغَةِ الزِّيَادَةُ، وَفِي الشَّرِيعَةِ زِيَادَةُ عِبَادَةٍ شُرِعَتْ لَنَا لَا عَلَيْنَا فَيَشْمَلُ الْأَقْسَامَ الثَّلَاثَةَ؛ وَلِذَا تَرْجَمَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: بَابُ الْوِتْرِ وَالنَّوَافِلِ لَكِنَّ الْمُرَادَ بِالنَّفْلِ فِي كَلَامِ الْفَتْحِ مَا قَابَلَ الْمَسْنُونَ وَالْمَنْدُوبَ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا رَادَفَ الْمُبَاحَ مِمَّا لَا ثَوَابَ فِيهِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ كُلَّ صَوْمٍ لَمْ يَكُنْ مَكْرُوهًا، وَلَا مُحَرَّمًا يُثَابُ عَلَيْهِ؛ فَلِذَا اُضْطُرَّ الْمُؤَلِّفُ إلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْمُسْتَحَبِّ وَالْمَنْدُوبِ وَبَيَانِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّفْلِ فِي كَلَامِهِ الْمَنْدُوبُ لِئَلَّا يَرِدَ عَلَيْهِ الْمَحْذُورُ، وَهَذَا مَا ظَهَرَ لِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ: عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ) أَيْ مِنْ التَّفْصِيلِ الْآتِي عِنْدَ قَوْلِهِ، وَلَا يُصَامُ يَوْمُ الشَّكِّ إلَّا تَطَوُّعًا (قَوْلُهُ: وَمِنْهُ صَوْمُ يَوْمِ السَّبْتِ بِانْفِرَادِهِ) وَكَذَا يَوْمُ الْأَحَدِ قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَيُكْرَهُ صَوْمُ النَّيْرُوزِ وَالْمِهْرَجَانِ إذَا تَعَمَّدَهُ، وَلَمْ يُوَافِقْ يَوْمًا كَانَ يَصُومُهُ قَبْلَ ذَلِكَ وَهَكَذَا قِيلَ فِي يَوْمِ السَّبْتِ وَالْأَحَدِ (قَوْلُهُ: لَكِنَّ عَامَّةَ الْمُتَأَخِّرِينَ لَمْ يَرَوْا بِهِ بَأْسًا) قَدْ سَرَدَ عِبَارَتَهُمْ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ فِي فَتَاوَاهُ وَرَدَّ قَوْلَ مَنْ صَحَّحَ الْكَرَاهَةَ فَرَاجِعْهُ، وَفِي الْفَتْحِ بَعْدَ مَا مَرَّ وَاخْتَلَفُوا فَقِيلَ الْأَفْضَلُ وَصْلُهَا بِيَوْمِ الْفِطْرِ وَقِيلَ بَلْ تَفْرِيقُهَا فِي الشَّهْرِ (قَوْلُهُ: يَكُونُ التَّتَابُعُ شَرْطًا فِيهِ) أَيْ فَإِذَا تَخَلَّلَ الْفِطْرُ فِي خِلَالِهِ يَلْزَمُهُ الِاسْتِقْبَالُ (قَوْلُهُ: يَسْقُطُ التَّتَابُعُ) أَيْ فَلَوْ أَفْطَرَ فِي خِلَالِهِ لَا يَسْتَقْبِلُ بَلْ يَبْنِي عَلَى مَا فَاتَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 278 ؛ لِأَنَّهُ لَا تَكْلِيفَ إلَّا بِفِعْلٍ حَتَّى قَالُوا: إنَّ الْمُكَلَّفَ بِهِ فِي النَّهْيِ كَفُّ النَّفْسِ لَا تَرْكُ الْفِعْلِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَكْلِيفَ إلَّا بِمَقْدُورٍ، وَالْمَعْدُومُ غَيْرُ مَقْدُورٍ؛ لِأَنَّ تَفْسِيرَ الْقَادِرِ بِمَنْ إنْ شَاءَ فَعَلَ، وَإِنْ لَمْ يَشَأْ لَمْ يَفْعَلْ لَا، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ، وَتَمَامُهُ فِي تَحْرِيرِ الْأُصُولِ وَقُلْنَا حَقِيقَةً وَحُكْمًا لِيَدْخُلَ مَنْ أَفْطَرَ نَاسِيًا فَإِنَّهُ مُمْسِكٌ حُكْمًا وَاخْتَصَّ الصَّوْمُ بِالْيَوْمِ لِتَعَذُّرِ الْوِصَالِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وَكَوْنِهِ عَلَى خِلَافِ الْعَادَةِ وَعَلَيْهِ مَبْنَى الْعِبَادَةِ؛ إذْ تَرْكُ الْأَكْلِ بِاللَّيْلِ مُعْتَادٌ وَاشْتُرِطَتْ النِّيَّةُ لِتَمْيِيزِ الْعِبَادَةِ عَنْ الْعَادَةِ كَمَا سَيَأْتِي وَأَرَادَ بِالْأَهْلِ مَنْ اجْتَمَعَتْ فِيهِ شُرُوطُ الصِّحَّةِ وَتَقَدَّمَ أَنَّهَا ثَلَاثَةٌ فَخَرَجَ الْكَافِرُ وَالْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ وَالْمُرَادُ بِاشْتِرَاطِ الطَّهَارَةِ عَنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ اشْتِرَاطُ عَدَمِهِمَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْهَا الِاغْتِسَالَ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَالْمُرَادُ بِتَرْكِ الْأَكْلِ تَرْكُ إدْخَالِ شَيْءٍ بَطْنَهُ أَعَمَّ مِنْ كَوْنِهِ مَأْكُولًا أَوْ لَا لِمَا سَيَأْتِي مِنْ إبْطَالِهِ بِإِدْخَالِ نَحْوَ الْحَدِيدِ، وَلَا يَرِدُ مَا وَصَلَ إلَى الدِّمَاغِ فَإِنَّهُ مُفْطِرٌ كَمَا سَيَأْتِي لِمَا أَنَّ بَيْنَ الدِّمَاغِ وَالْجَوْفِ مَنْفَذًا فَمَا وَصَلَ إلَى الدِّمَاغِ وَصَلَ إلَى الْجَوْفِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ عَلَى مَا سَيَأْتِي، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ اسْتَنْشَقَ فَوَصَلَ الْمَاءُ إلَى فَمِهِ، وَلَمْ يَصِلْ إلَى دِمَاغِهِ لَا يُفْسِدُ صَوْمَهُ (قَوْلُهُ وَصَحَّ صَوْمُ رَمَضَانَ وَالنَّذْرُ الْمُعَيَّنُ وَالنَّفَلُ بِنِيَّةٍ مِنْ اللَّيْلِ إلَى مَا قَبْلَ نِصْفِ النَّهَارِ) شُرُوعٌ فِي بَيَانِ النِّيَّةِ الَّتِي هِيَ شَرْطُ الصِّحَّةِ لِكُلِّ صَوْمٍ، وَعَرَّفَهَا فِي الْمُحِيطِ بِأَنْ يَعْرِفَ بِقَلْبِهِ أَنَّهُ صَوْمٌ، وَوَقْتُهَا بَعْدَ الْغُرُوبِ، وَلَا يَجُوزُ قَبْلَهُ، وَالتَّسَحُّرُ نِيَّةٌ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَى فَرْضِيَّةِ رَمَضَانَ لِمَا أَنَّهَا مِنْ الِاعْتِقَادَاتِ لَا لِفِقْهِ لِثُبُوتِهَا بِالْقَطْعِيِّ الْمُتَأَيَّدِ بِالْإِجْمَاعِ؛ وَلِهَذَا يُحْكَمُ بِكُفْرِ جَاحِدِهِ وَكَانَتْ فَرْضِيَّتُهُ بَعْدَ مَا صُرِفَتْ الْقِبْلَةُ إلَى الْكَعْبَةِ بِشَهْرٍ فِي شَعْبَانَ عَلَى رَأْسِ ثَمَانِيَةَ عَشْرَ شَهْرًا مِنْ الْهِجْرَةِ، وَهُوَ فِي الْأَصْلِ مِنْ رَمِضَ إذَا احْتَرَقَ سُمِّيَ بِهِ؛ لِأَنَّ الذُّنُوبَ تَحْتَرِقُ فِيهِ، وَهُوَ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ لِلْعَلَمِيَّةِ وَالْأَلْفِ وَالنُّونِ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: يُجْمَعُ عَلَى أَرْمِضَاءٍ وَرَمَضَانَاتٍ، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: يُجْمَعُ عَلَى رَمَاضِينِ كَسَلَاطِينِ وَشَيَاطِينِ، وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: رِمَاضٌ جَمْعُ رَمَضَانَ، وَتَقَدَّمَ حُكْمُ النَّذْرِ أَنَّهُ فَرْضٌ عَلَى الْأَظْهَرِ وَالْمُرَادُ بِالنَّفْلِ مَا عَدَا الْفَرْضَ، وَالْوَاجِبُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ سُنَّةً أَوْ مَنْدُوبًا أَوْ مَكْرُوهًا. وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَوْ نَوَى عِنْدَ الْغُرُوبِ لَا تَصِحُّ نِيَّتُهُ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ الْوَقْتِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَفِي فَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ: وَلَوْ نَوَى أَنْ يَتَسَحَّرَ فِي آخِرِ اللَّيْلِ ثُمَّ يُصْبِحَ صَائِمًا لَمْ تَصِحَّ هَذِهِ النِّيَّةُ كَمَا لَوْ نَوَى بَعْدَ الْعَصْرِ صَوْمَ الْغَدِ اهـ. وَاسْتَدَلَّ الطَّحَاوِيُّ لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ التَّبْيِيتِ فِي رَمَضَانَ بِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ «مَنْ أَكَلَ فَلْيُمْسِكْ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ أَكَلَ فَلْيَصُمْ» وَكَانَ صَوْمُهُ فَرْضًا حَتَّى فُرِضَ رَمَضَانُ فَصَارَ سُنَّةً فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ صَوْمُ يَوْمٍ، وَلَمْ يَنْوِهِ لَيْلًا تُجْزِئُهُ النِّيَّةُ نَهَارًا فَوَجَبَ حَمْلُ حَدِيثِ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ «لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يَنْوِ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ» عَلَى نَفْيِ الْكَمَالِ؛ لِأَنَّ الْأَفْضَلَ فِي كُلِّ صَوْمٍ أَنْ يَنْوِيَ وَقْتَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إنْ أَمْكَنَهُ أَوْ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ أَوْ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ لَمْ يَنْوِ كَوْنَ الصَّوْمِ مِنْ اللَّيْلِ فَيَكُونُ الْجَارُّ، وَهُوَ مِنْ اللَّيْلِ مُتَعَلِّقًا بِصِيَامِ الثَّانِي لَا يَنْوِي فَحَاصِلُهُ لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يَقْصِدْ أَنَّهُ صَائِمٌ مِنْ اللَّيْلِ أَيْ مِنْ آخِرِ أَجْزَائِهِ فَيَكُونُ نَفْيًا لِصِحَّةِ الصَّوْمِ مِنْ حِينِ نَوَى مِنْ النَّهَارِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهِ لِنَفْيِ الصِّحَّةِ وَجَبَ أَنْ يَخُصَّ عُمُومَهُ بِمَا رَوَيْنَا عِنْدَهُمْ وَعِنْدَنَا لَوْ كَانَ قَطْعِيًّا خُصَّ بَعْضُهُ خُصِّصَ بِهِ بَعْضٌ فَكَيْفَ، وَقَدْ اجْتَمَعَ فِيهِ عَدَمُ الظَّنِّيَّةِ وَالتَّخْصِيصِ؛ إذْ قَدْ خُصِّصَ مِنْهُ النَّفَلُ بِحَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ «دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ: هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ فَقُلْنَا: لَا فَقَالَ: إنِّي إذًا صَائِمٌ» فَالْحَاصِلُ أَنَّ صَوْمَ عَاشُورَاءَ أَصْلٌ وَأُلْحِقَ بِهِ صَوْمُ رَمَضَانَ، وَالْمَنْذُورُ الْمُعَيَّنُ فِي حُكْمِهِ، وَهُوَ عَدَمُ النِّيَّةِ مِنْ اللَّيْلِ، وَمُقْتَضَاهُ إلْحَاقُ كُلِّ صَوْمٍ وَاجِبٍ بِهِ لَكِنَّ الْقِيَاسَ إنَّمَا يَصْلُحُ مُخَصِّصًا لِلْخَبَرِ لَا نَاسِخًا، وَلَوْ جَرَيْنَا عَلَى تَمَامِ لَازِمِ هَذَا الْقِيَاسِ لَكَانَ نَاسِخًا لِحَدِيثِ السُّنَنِ؛ إذْ لَمْ يَبْقَ تَحْتَهُ شَيْءٌ حِينَئِذٍ فَوَجَبَ أَنْ يُحَاذَى بِهِ مَوْرِدُ النَّصِّ، وَهُوَ الْوَاجِبُ الْمُعَيَّنُ مِنْ رَمَضَانَ وَنَظِيرُهُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِتَرْكِ الْأَكْلِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ بَعِيدٌ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ لَا يَخْتَصُّ بِالْكَفِّ عَمَّا يُؤْكَلُ كَمَا سَيَأْتِي بِإِفْطَارِهِ بِإِدْخَالِ نَحْوِ الْحَدِيدِ فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ كَمَا فِي الْفَتْحِ: هُوَ إمْسَاكٌ عَنْ الْجِمَاعِ، وَعَنْ إدْخَالِ شَيْءٍ بَطْنًا أَوْ مَا لَهُ حُكْمُ الْبَاطِنِ مِنْ الْفَجْرِ إلَى الْغُرُوبِ عَنْ نِيَّةٍ لَكَانَ أَجْوَدَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 279 مِنْ النَّذْرِ الْمُعَيَّنِ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُلْغَى قَيْدُ التَّعْيِينِ فِي مَوْرِدِ النَّصِّ الَّذِي رَوَيْنَاهُ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ إبْطَالًا لِحُكْمِ لَفْظٍ بِلَا لَفْظٍ بِنَصٍّ فِيهِ، وَإِنَّمَا اخْتَصَّ اعْتِبَارُهَا بِوُجُودِهَا فِي أَكْثَرِ النَّهَارِ؛ لِأَنَّ مَا رَوَيْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ وَاقِعَةُ حَالٍ لَا عُمُومَ لَهَا فِي جَمِيعِ أَجْزَاءِ النَّهَارِ، وَاحْتُمِلَ كَوْنُ إجَازَةِ الصَّوْمِ فِي تِلْكَ الْوَاقِعَةِ لِوُجُودِ النِّيَّةِ فِيهَا فِي أَكْثَرِهِ وَاحْتُمِلَ كَوْنُهَا لِلتَّجْوِيزِ فِي النَّهَارِ مُطْلَقًا فِي الْوَاجِبِ فَقُلْنَا بِالْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ خُصُوصًا، وَمَعَنَا نَصُّ السُّنَنِ بِمَنْعِهَا مِنْ النَّهَارِ مُطْلَقًا وَعَضَّدَهُ الْمُعَيَّنُ، وَهُوَ أَنَّ لِلْأَكْثَرِ مِنْ الشَّيْءِ الْوَاحِدِ حُكْمَ الْكُلِّ، وَإِنَّمَا اخْتَصَّ بِالصَّوْمِ دُونَ الْحَجِّ وَالصَّلَاةِ، فَإِنَّ قِرَانَ النِّيَّةِ فِيهِمَا شَرْطٌ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا كَالْمُتَقَدِّمَةِ بِلَا فَاصِلٍ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ رُكْنٌ وَاحِدٌ مُمْتَدٌّ فَبِالْوُجُودِ فِي آخِرِهِ يُعْتَبَرُ قِيَامُهَا فِي كُلِّهِ بِخِلَافِهِمَا، فَإِنَّهُمَا أَرْكَانٌ فَيُشْتَرَطُ قِرَانُهَا بِالْعَقْدِ عَلَى أَدَائِهَا، وَإِلَّا خَلَتْ بَعْضُ الْأَرْكَانِ عَنْهَا فَلَمْ يَقَعْ ذَلِكَ الرُّكْنُ عِبَادَةً وَاعْتَبَرَ الْمُصَنِّفُ النِّيَّةَ إلَى مَا قَبْلَ نِصْفِ النَّهَارِ لِيَكُونَ أَكْثَرُ الْيَوْمِ مَنْوِيًّا؛ وَلِهَذَا عَبَّرَ فِي الْوَافِي بِنِيَّةِ أَكْثَرِهِ، وَهِيَ أَوْلَى لِمَا أَنَّ النَّهَارَ يُطْلَقُ فِي اللُّغَةِ عَلَى زَمَنٍ أَوَّلُهُ طُلُوعُ الشَّمْسِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا لَكِنْ هُوَ فِي الشَّرْعِ وَالْيَوْمِ سَوَاءٌ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ جَعَلَ أَوَّلَهُ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ لُغَةً وَفِقْهًا وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَهِيَ أَوْلَى مِنْ عِبَارَةِ الْقُدُورِيِّ وَمُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ وَالطَّحَاوِيِّ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الزَّوَالِ؛ لِأَنَّ سَاعَةَ الزَّوَالِ نِصْفُ النَّهَارِ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَوَقْتُ الصَّوْمِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي الْعِبَارَةِ لَا فِي الْحُكْمِ، وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ: الصَّائِمُ الْمُتَطَوِّعُ إذَا ارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَامِ ثُمَّ رَجَعَ إلَى الْإِسْلَامِ قَبْلَ الزَّوَالِ وَنَوَى الصَّوْمَ قَالَ زُفَرُ لَا يَكُونُ صَائِمًا، وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ إنْ أَفْطَرَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَكُونُ صَائِمًا، وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ إذَا أَفْطَرَ، وَذَكَرَ بَعْدَهُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ: إذَا أَسْلَمَ النَّصْرَانِيُّ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ قَبْلَ الزَّوَالِ، وَنَوَى التَّطَوُّعَ كَانَ صَائِمًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِزُفَرَ وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فَأَفَادَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الصَّحِيحِ وَالْمَرِيضِ وَالْمُقِيمِ وَالْمُسَافِرِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَفْصِيلَ فِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ الدَّلِيلِ وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَجُوزُ الصَّوْمُ لِلْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ إلَّا بِنِيَّةٍ مِنْ اللَّيْلِ؛ لِأَنَّ الْأَدَاءَ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهِمَا فَصَارَ كَالْقَضَاءِ وَرُدَّ بِأَنَّهُ مِنْ بَابِ التَّغْلِيظِ، وَالْمُنَاسِبُ لَهُمَا التَّخْفِيفُ، وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: مَرِيضٌ أَوْ مُسَافِرٌ لَمْ يَنْوِ الصَّوْمَ مِنْ اللَّيْلِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ ثُمَّ نَوَى بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُجْزِئُهُمَا، وَبِهِ أَخَذَ الْحَسَنُ قَالَ صَاحِبُ الْكَشْفِ الْكَبِيرِ: فَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لَا يُجْزِئُهُمَا اهـ. وَهَذِهِ الْإِشَارَةُ مَدْفُوعَةٌ بِصَرِيحِ الْمَنْقُولِ مِنْ أَنَّ عِنْدَنَا لَا فَرْقَ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَالنِّهَايَةِ والولوالجية وَغَيْرِهَا (قَوْلُهُ وَبِمُطْلَقِ النِّيَّةِ وَنِيَّةِ النَّفْلِ) أَيْ صَحَّ صَوْمُ رَمَضَانَ وَمَا مَعَهُ بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ وَبِنِيَّةِ النَّفْلِ أَمَّا فِي رَمَضَانَ فَلِأَنَّ الشَّارِعَ عَيَّنَهُ لِفَرْضِ الصَّوْمِ فَانْتَفَى شَرْعِيَّةُ غَيْرِهِ مِنْ الصِّيَامِ فِيهِ فَلَمْ يُشْتَرَطْ لَهُ نِيَّةُ التَّعْيِينِ فَصَحَّ بِنِيَّةِ صَوْمٍ مُبَايِنٍ لَهُ كَالنَّفْلِ وَالْكَفَّارَاتِ بِنَاءً عَلَى لَغْوِ الْجِهَةِ الَّتِي عَيَّنَهَا فَيَبْقَى الصَّوْمُ الْمُطْلَقُ، وَبِمُطْلَقِ النِّيَّةِ يَصِحُّ صَوْمُهُ كَالْأَخَصِّ نَحْوَ زَيْدٌ يُصَابُ بِالْأَعَمِّ كَيَا إنْسَانُ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى خِلَافِهِ قَالَ فِي التَّحْرِيرِ: وَهُوَ الْحَقُّ؛ لِأَنَّ نَفْيَ شَرْعِيَّةِ غَيْرِهِ إنَّمَا تُوجِبُ صِحَّتَهُ لَوْ نَوَاهُ وَنَفْيَ صِحَّةِ مَا نَوَاهُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَهِيَ أَوْلَى إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ الظَّاهِرُ أَنَّ عِبَارَةَ الْمُصَنِّفِ هُنَا أَوْلَى لِإِفَادَتِهَا مَبْدَأَ النِّيَّةِ وَغَايَتَهَا مَعَ ظُهُورِ الْمُرَادِ مِنْهَا بِخِلَافِ مَا فِي أَصْلِهِ؛ إذْ لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ نِيَّةَ أَكْثَرِهِ كَافِيَةٌ كَمَا يُعْطِيهِ ظَاهِرُهُ بَلْ نِيَّةٌ وَاقِعَةٌ فِي أَكْثَرِهِ، وَكَانَ هَذَا هُوَ السِّرَّ فِي التَّغْيِيرِ، وَأَمَّا ذَاكَ الْإِطْلَاقُ فَمَمْنُوعٌ فَقَدْ نَقَلَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ عَنْ الدِّيوَانِ أَنَّهُ لُغَةً أَيْضًا مِنْ طُلُوعِ الصُّبْحِ الصَّادِقِ، وَلَوْ سَلِمَ لَا يَضُرُّنَا؛ إذْ أَلْفَاظُ أَهْلِ كُلِّ فَنٍّ إنَّمَا تُصْرَفُ إلَى مَا تَعَارَفُوهُ، وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ عَلِمْت أَنَّ تَقْيِيدَ النَّهَارِ بِالشَّرْعِيِّ كَمَا فِي النُّقَايَةِ مِمَّا لَا حَاجَةَ إلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي الْعِبَارَةِ لَا فِي الْحُكْمِ) هَذَا خِلَافُ الظَّاهِرِ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ الْهِدَايَةِ، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَبْلَ نِصْفِ النَّهَارِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ فَإِنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ مُقْتَضَى مَا فِي الْقُدُورِيِّ الْجَوَازُ قُبَيْلَ الزَّوَالِ، وَأَصْرَحُ مِنْ هَذَا مَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُحِيطِ، وَإِنَّمَا تَظْهَرُ ثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ يَعْنِي قَوْلَهُ قَبْلَ الزَّوَالِ وَقَوْلَهُ قَبْلَ انْتِصَافِ النَّهَارِ فِيمَا إذَا نَوَى عِنْدَ قُرْبِ الزَّوَالِ وَعِنْدَ اسْتِوَاءِ الشَّمْسِ فِي كَبِدِ السَّمَاءِ فَاللَّفْظُ الْأَوَّلُ يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ، وَاللَّفْظُ الثَّانِي يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْجَوَازِ، وَالصَّحِيحُ هُوَ اللَّفْظُ الثَّانِي اهـ. بِحُرُوفِهِ. (تَنْبِيهٌ) : اعْلَمْ أَنَّ كُلَّ قُطْرٍ نِصْفُ نَهَارِهِ قَبْلَ زَوَالِهِ بِقَدْرِ نِصْفِ حِصَّةِ فَجْرِهِ فَمَتَى كَانَ الْبَاقِي لِلزَّوَالِ أَكْثَرَ مِنْ هَذَا النِّصْفِ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا فَفِي مِصْرَ وَالشَّامِ تَصِحُّ النِّيَّةُ قَبْلَ الزَّوَالِ بِخَمْسَ عَشْرَةَ دَرَجَةً لِوُجُودِ النِّيَّةِ فِي أَكْثَرِ النَّهَارِ؛ لِأَنَّ نِصْفَ حِصَّةِ الْفَجْرِ لَا تَزِيدُ عَلَى ثَلَاثَ عَشْرَةَ دَرَجَةً فِي مِصْرَ وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ وَنِصْفٍ فِي الشَّامِّ فَإِذَا كَانَ الْبَاقِي إلَى الزَّوَالِ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ هَذِهِ الْحِصَّةِ، وَلَوْ بِنِصْفِ دَرَجَةٍ صَحَّ الصَّوْمُ كَذَا حَرَّرَهُ شَيْخُ مَشَايِخِنَا إبْرَاهِيمُ السَّائِحَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الجزء: 2 ¦ الصفحة: 280 مِنْ الْغَيْرِ لَا يُوجِبُ وُجُودَ نِيَّةِ مَا يَصِحُّ، وَهُوَ يُصَرِّحُ بِقَوْلِهِ لَمْ أُرِدْهُ بَلْ لَوْ ثَبَتَ لَكَانَ جَبْرًا، وَلَا جَبْرَ فِي الْعِبَادَاتِ وَقَوْلُهُمْ: الْأَخَصُّ يُصَابُ بِالْأَعَمِّ إنَّمَا يَصِحُّ إذَا أَرَادَ الْأَخَصَّ بِالْأَعَمِّ، وَلَوْ أَرَادَهُ لَارْتَفَعَ الْخِلَافُ، وَأَعْجَبُ مِنْ هَذَا مَا رُوِيَ عَنْ زُفَرَ أَنَّ التَّعْيِينَ شَرْعًا يُوجِبُ الْإِصَابَةَ بِلَا نِيَّةٍ اهـ. وَقَدْ يُقَالُ بِأَنَّهُ نَوَى أَصْلَ الصَّوْمِ وَوَصْفَهُ، وَالْوَقْتُ لَا يَقْبَلُ الْوَصْفَ فَلَغَتْ نِيَّةُ الْوَصْفِ، وَبَقِيَتْ نِيَّةُ الْأَصْلِ؛ إذْ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ بُطْلَانِ الْوَصْفِ بُطْلَانُ الْأَصْلِ، وَالْإِعْرَاضُ إنْ ثَبَتَ فَإِنَّمَا هُوَ فِي ضِمْنِ نِيَّةِ النَّفْلِ أَوْ الْقَضَاءِ وَقَدْ لَغَتْ بِالِاتِّفَاقِ فَيَلْغُو مَا فِي ضِمْنِهَا، وَلَا يَلْزَمُ الْجَبْرُ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْقُرْبَةِ فِي أَصْلِ الصَّوْمِ يَتَحَقَّقُ لِبَقَاءِ الِاخْتِيَارِ لِلْعَبْدِ فِيهِ، وَلَا يَتَحَقَّقُ فِي الصِّفَةِ؛ إذْ لَا اخْتِيَارَ لَهُ فِيهَا فَلَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ إبْدَالُ هَذَا الْوَصْفِ بِوَصْفٍ آخَرَ فِي هَذَا الزَّمَانِ فَيَسْقُطُ اعْتِبَارُ نِيَّةِ الصِّفَةِ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْجَبْرُ إلَّا لَوْ قُلْنَا بِوُقُوعِ الصَّوْمِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ أَصْلًا، وَمَا أَلْزَمَنَا بِهِ الشَّافِعِيُّ هُنَا مِنْ لُزُومِ الْجَبْرِ لَزِمَهُ فِي الْحَجِّ فَإِنَّهُ صَحَّحَهُ فَرْضًا بِنِيَّةِ النَّفْلِ فَمَا هُوَ جَوَابُهُ فَهُوَ جَوَابُنَا، وَأَمَّا فِي النَّذْرِ الْمُعَيَّنِ فَلِأَنَّهُ مُعْتَبَرٌ بِإِيجَابِ اللَّهِ - تَعَالَى، وَإِنَّمَا قَالَ: وَبِنِيَّةِ النَّفْلِ، وَلَمْ يَقُلْ: وَبِنِيَّةٍ مُبَايِنَةٍ لِمَا أَنَّ النَّفَلَ لَا يَصِحُّ بِنِيَّةِ وَاجِبٍ آخَرَ بَلْ يَقَعُ عَمَّا نَوَى وَلِمَا أَنَّ الْمَنْذُورَ الْمُعَيَّنَ لَا يَصِحُّ بِنِيَّةِ وَاجِبٍ آخَرَ بَلْ يَقَعُ عَمَّا نَوَى بِخِلَافِ رَمَضَانَ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ التَّعْيِينَ إنَّمَا جُعِلَ بِوِلَايَةِ النَّاذِرِ، وَلَهُ إبْطَالُ صَلَاحِيَّةِ مَالِهِ، وَهُوَ النَّفَلُ لَا مَا عَلَيْهِ، وَهُوَ الْقَضَاءُ وَنَحْوُهُ، وَرَمَضَانُ مُتَعَيِّنٌ بِتَعْيِينِ الشَّارِعِ، وَلَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ إبْطَالِ صَلَاحِيَّتِهِ لِغَيْرِهِ مِنْ الصِّيَامِ لَكِنْ بَقِيَ عَلَيْهِ إفَادَةُ صِحَّةِ رَمَضَانَ بِنِيَّةِ وَاجِبٍ آخَرَ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ ذِكْرُ نِيَّةِ النَّفْلِ إشَارَةً إلَيْهِ بِجَامِعِ إلْغَاءِ الْجِهَةِ لِتَعْيِينِهِ، وَإِذَا وَقَعَ عَمَّا نَوَى فَهَلْ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الْمَنْذُورِ الْمُعَيَّنِ لَا ذِكْرَ لَهَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَالْأَصَحُّ وُجُوبُ الْقَضَاءِ كَذَا فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ، وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ الْمُسَافِرُ فَإِنَّهُ لَوْ نَوَى وَاجِبًا آخَرَ فِي رَمَضَانَ يَصِحُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيَقَعُ عَمَّا نَوَى لِإِثْبَاتِ الشَّارِعِ التَّرَخُّصَ لَهُ، وَهُوَ فِي الْمَيْلِ إلَى الْأَخَفِّ، وَهُوَ فِي صَوْمِ الْوَاجِبِ الْمُغَايِرِ؛ لِأَنَّهُ فِي ذِمَّتِهِ، وَفَرْضُ الْوَقْتِ لَا يَكُونُ فِي ذِمَّتِهِ إلَّا إذَا أَدْرَكَ عِدَّةً مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ، وَفِي النَّفْلِ عَنْهُ رِوَايَتَانِ أَصَحُّهُمَا عَدَمُ صِحَّةِ مَا نَوَى، وَوُقُوعُهُ عَنْ فَرْضِ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ فَائِدَةَ النَّفْلِ الثَّوَابُ، وَهُوَ فَرْضُ الْوَقْتِ أَكْثَرُ كَمَا لَوْ أَطْلَقَ النِّيَّةَ كَذَا فِي التَّقْرِيرِ فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ الْمُسَافِرَ يَصِحُّ صَوْمُهُ عَنْ رَمَضَانَ بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ وَبِنِيَّةِ النَّفْلِ عَلَى الْأَصَحِّ فِيهِمَا مَعَ وُجُودِ الرِّوَايَتَيْنِ فِيهِمَا؛ فَلِهَذَا لَمْ يَسْتَثْنِهِ فِي الْمُخْتَصَرِ وَأَمَّا الْمَرِيضُ إذَا نَوَى وَاجِبًا آخَرَ أَوْ نَفْلًا فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ فَقِيلَ يَقَعُ عَنْ رَمَضَانَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا صَامَ اُلْتُحِقَ بِالصَّحِيحِ وَاخْتَارَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَجَمْعٌ وَصَحَّحَهُ صَاحِبُ الْمَجْمَعِ وَقِيلَ يَقَعُ عَمَّا نَوَى كَالْمُسَافِرِ وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَأَكْثَرُ الْمَشَايِخِ، وَقِيلَ بِأَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ عَنْ رَمَضَانَ فِي النَّفْلِ عَلَى الصَّحِيحِ كَالْمُسَافِرِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ، وَقِيلَ بِالتَّفْصِيلِ بَيْنَ أَنْ يَضُرَّهُ الصَّوْمُ فَتَتَعَلَّقَ الرُّخْصَةُ بِخَوْفِ الزِّيَادَةِ فَيَصِيرَ كَالْمُسَافِرِ يَقَعُ عَمَّا نَوَى وَبَيْنَ أَنْ لَا يَضُرَّهُ الصَّوْمُ كَفَسَادِ الْهَضْمِ فَتَتَعَلَّقَ الرُّخْصَةُ بِحَقِيقَتِهِ فَيَقَعَ عَنْ فَرْضِ الْوَقْتِ وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْكَشْفِ وَتَبِعَهُ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالتَّحْرِيرِ وَتَعَقَّبَهُ الْأَكْمَلُ فِي التَّقْرِيرِ بِأَنَّ الْمَعْلُومَ أَنَّ الْمَرِيضَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ ذِكْرُ نِيَّةِ النَّفْلِ إشَارَةً إلَيْهِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: فِيهِ تَدَافُعٌ؛ إذْ بِتَقْدِيرِ هَذِهِ الْإِشَارَةِ يَكُونُ النَّفَلُ صِفَةً كَاشِفَةً، وَالصِّحَّةُ بِالْمُغَايِرِ خَاصَّةً بِرَمَضَانَ، وَلَا دَلَالَةَ فِي الْكَلَامِ عَلَى اخْتِصَاصِ إصَابَةِ رَمَضَانَ بِهِ، وَقَوْلُهُ الْآتِي فَعُلِمَ بِهَذَا إلَخْ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ قَيْدًا فَتَدَبَّرْهُ، وَالصَّوَابُ أَنْ يُجْعَلَ قَيْدًا، وَلَا دَلَالَةَ فِي الْكَلَامِ عَلَى إصَابَةِ رَمَضَانَ بِنِيَّةِ وَاجِبٍ آخَرَ، وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ: وَكَذَا يَجُوزُ أَيْضًا صَوْمُ رَمَضَانَ بِنِيَّةِ وَاجِبٍ آخَرَ، وَعِبَارَتُهُ فِي الْوَافِي بِالْمَقْصُودِ مِمَّا هُنَا أَوْفَى حَيْثُ قَالَ: وَإِنْ أَطْلَقَ أَوْ نَوَى وَاجِبًا آخَرَ فِي غَيْرِ نَذْرٍ وَنَفْلٍ وَسَفَرٍ، وَيُعْلَمُ مِنْهُ الصِّحَّةُ فِيمَا إذَا نَوَى نَفْلًا بِالْأُولَى (قَوْلُهُ: وَإِذَا وَقَعَ عَمَّا نَوَى إلَى قَوْلِهِ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ) يُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَالْأَنْسَبُ إسْقَاطُهُ مِنْ هَذَا الْمَحَلِّ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ لِئَلَّا يَرِدَ عَلَيْهِ مِنْ مُتَعَلَّقَاتِ قَوْلِهِ: وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَتَعَقَّبَهُ الْأَكْمَلُ إلَخْ) أَقُولُ: يَظْهَرُ لِي أَنَّ مَا فَهِمَهُ الْأَكْمَلُ لَيْسَ مُرَادًا لِلْقَائِلِينَ بِالتَّفْصِيلِ بَلْ مُرَادُهُمْ أَنَّ الْمَرِيضَ تَارَةً يَضُرُّهُ الصَّوْمُ بِأَنْ يَصِيرَ الصَّوْمُ سَبَبًا لِزِيَادَةِ مَرَضِهِ فَهَذَا تَتَعَلَّقُ الرُّخْصَةُ فِي حَقِّهِ بِخَوْفِ الزِّيَادَةِ فَمَا دَامَ يَخَافُهَا يُرَخَّصُ لَهُ الْفِطْرُ، وَلَا يُمْكِنُ إلْحَاقُهُ بِالصَّحِيحِ بَلْ هُوَ كَالْمُسَافِرِ لِوُجُودِ الرُّخْصَةِ، وَتَارَةً لَا يَضُرُّهُ الصَّوْمُ، وَإِنَّمَا حَصَلَ لَهُ مِنْ الضَّعْفِ مَا لَا يَقْدِرُ مَعَهُ عَلَى أَدَاءِ الصَّوْمِ أَصْلًا فَهَذَا تَتَعَلَّقُ الرُّخْصَةُ فِي حَقِّهِ بِحَقِيقَةِ الْمَرَضِ أَيْ مَا دَامَ هَذَا الْمَرَضُ الَّذِي لَا يُمْكِنُهُ مَعَهُ الصَّوْمُ أَصْلًا يُرَخَّصُ لَهُ الْفِطْرُ فَإِذَا قَدَرَ عَلَى الصَّوْمِ فَقَدْ زَالَ الْمُرَخِّصُ فَصَارَ كَالصَّحِيحِ لَا كَالْمُسَافِرِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَرَضَ قِسْمَانِ قِسْمٌ يُمْكِنُ مَعَهُ الصَّوْمُ لَكِنَّهُ يَزْدَادُ بِهِ الْمَرَضُ فَيُبَاحُ فِيهِ الْفِطْرُ فَهَذَا كَالْمُسَافِرِ بِجَامِعِ الْإِبَاحَةِ مَعَ الْإِمْكَانِ وَقِسْمٌ لَا يُمْكِنُ مَعَهُ الصَّوْمُ أَصْلًا، وَإِنْ كَانَ الصَّوْمُ لَا يَضُرُّهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ كَفَسَادِ الْهَضْمِ، فَإِنَّ الصَّوْمَ يَنْفَعُهُ لَكِنَّهُ لَوْ وَصَلَ فِي الضَّعْفِ إلَى حَالَةٍ لَا يُمْكِنُهُ الصَّوْمُ يُبَاحُ لَهُ الْفِطْرُ مَا دَامَ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ حَتَّى لَوْ قَدَرَ بَعْدَهَا فَقَدْ زَالَ الْمُبِيحُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 281 الَّذِي لَا يَضُرُّهُ الصَّوْمُ غَيْرُ مُرَخَّصٍ لَهُ الْفِطْرُ عِنْدَ أَئِمَّةِ الْفِقْهِ كَمَا شَهِدَتْ كُتُبُهُمْ بِذَلِكَ فَمَنْ لَا يَضُرُّهُ الصَّوْمُ صَحِيحٌ، وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ وَقَعَ فِي عِبَارَةِ الْقَوْمِ أُصُولًا وَفُرُوعًا أَنَّ رَمَضَانَ يَصِحُّ مَعَ الْخَطَأِ فِي الْوَصْفِ فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمَشَايِخِ إلَى أَنَّ مَسْأَلَةَ نِيَّةِ الصَّوْمِ النَّفْلِ فِي رَمَضَانَ مِنْ الصَّحِيحِ الْمُقِيمِ إنَّمَا هِيَ مُصَوَّرَةٌ فِي يَوْمِ الشَّكِّ بِأَنْ شَرَعَ بِهَذِهِ النِّيَّةِ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى يَكُونَ هَذَا الظَّنُّ مَعْفُوًّا فَأَمَّا لَوْ وُجِدَتْ فِي غَيْرِهِ يُخْشَى عَلَيْهِ الْكُفْرُ؛ لِأَنَّهُ ظَنَّ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْإِمْسَاكِ الْمُعَيَّنِ يَتَأَدَّى بِغَيْرِهِ وَبِمِثْلِ هَذَا الظَّنِّ يُخْشَى عَلَيْهِ الْكُفْرُ كَذَا فِي التَّقْرِيرِ، وَفِي النِّهَايَةِ مَا يَرُدُّهُ فَإِنَّهُ قَالَ فِي دَلِيلِ الشَّافِعِيِّ: إنَّهُ لَوْ اعْتَقَدَ الْمَشْرُوعَ فِي هَذَا الْوَقْتِ أَنَّهُ نَفْلٌ يَكْفُرُ، وَقَالَ فِي رَدِّهِ: إنَّهُ لَمَّا لَغَا نِيَّةَ النَّفْلِ لَمْ تَتَحَقَّقْ نِيَّةُ الْإِعْرَاضِ، وَبِهِ يَبْطُلُ قَوْلُهُ: إنَّهُ لَوْ اعْتَقَدَ فِيهِ أَنَّهُ نَفْلٌ يَكْفُرُ اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ مُلَازِمٌ بَيْنَ نِيَّةِ النَّفْلِ وَاعْتِقَادِ عَدَمِ الْفَرْضِيَّةِ أَوْ ظَنِّهِ فَقَدْ يَكُونُ مُعْتَقِدًا لِلْفَرْضِيَّةِ، وَمَعَ ذَلِكَ نَوَى النَّفَلَ فَلَا يَكُونُ بِنِيَّةِ النَّفْلِ كَافِرًا إلَّا إذَا انْضَمَّ إلَيْهَا اعْتِقَادُ النَّفْلِيَّةِ، وَكَذَا لَا يُخْشَى عَلَيْهِ الْكُفْرُ إلَّا إذَا انْضَمَّ إلَيْهَا الظَّنُّ الْمَذْكُورُ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ جَرَى عَلَى أَصْلِهِ فِي الْمَوَاضِعِ كُلِّهَا مِنْ أَنَّ الْأَصْلَ يَنْفَكُّ عَنْ الْوَصْفِ؛ فَلِهَذَا قَالَ: إذَا بَطَلَتْ صِفَةُ الْفَرْضِيَّةِ فِي الصَّلَاةِ لَا يَبْطُلُ أَصْلُهَا وَإِذَا بَطَلَتْ الصِّفَةُ فِي الصَّوْمِ بَقِيَ أَصْلُهُ، وَإِذَا قَالَ لَهَا: أَنْت طَالِقٌ كَيْفَ شِئْت وَقَعَ أَصْلُ الطَّلَاقِ وَكَانَ الْوَصْفُ مُفَوَّضًا إلَيْهَا وَهُمَا قَالَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِأَنَّ مَا لَا يَقْبَلُ الْإِشَارَةَ مِنْ الْأُمُورِ الشَّرْعِيَّةِ فَحَالُهُ وَوَصْفُهُ بِمَنْزِلَةِ أَصْلِهِ فَيَتَعَلَّقُ الْأَصْلُ بِتَعَلُّقِهِ فَخَالَفَا هَذَا الْأَصْلَ فِي الصَّوْمِ وَخَالَفَهُ أَبُو يُوسُفَ فِي الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ مُوَافِقٌ لِأَبِي حَنِيفَةَ فِيهَا وَجَرَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ قَالَ بِبُطْلَانِ الْأَصْلِ إذَا بَطَلَ الْوَصْفُ فِيهَا وَقَدْ فَرَّقَ بَعْضُهُمْ لِمُحَمَّدٍ بَيْنَ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَرَدَّهُ الْأَكْمَلُ فِي تَقْرِيرِهِ وَقَالَ فِي بَحْثٍ كَيْفَ أَنَّ أَصْلَهُمَا الْمَذْكُورَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ صِحَّتَهُ تَسْتَلْزِمُ انْتِفَاءَ الْفَاسِدِ عَلَى مَذْهَبِنَا وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ عِنْدَنَا تَنْقَسِمُ إلَى جَائِزٍ وَفَاسِدٍ وَبَاطِلٍ، بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّ الرِّبَا مَثَلًا وَسَائِرَ الْعُقُودَاتِ الْفَاسِدَةِ مَشْرُوعَةٌ بِأَصْلِهَا غَيْرُ مَشْرُوعَةٍ بِوَصْفِهَا بِالِاتِّفَاقِ، وَهِيَ مِمَّا لَا يَقْبَلُ الْإِشَارَةَ فَلَوْ كَانَ مَا ذَكَرْنَاهُ صَحِيحًا لَكَانَ الْأَصْلُ فِيهِ مِثْلَ الْوَصْفِ وَالْوَصْفُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ وَمَا كَانَ غَيْرَ مَشْرُوعٍ بِحَسَبِ الْأَصْلِ وَالْوَصْفِ فَهُوَ بَاطِلٌ اتِّفَاقًا لَا فَاسِدٌ أَوْ كَانَ الْوَصْفُ مِثْلَ الْأَصْلِ وَالْأَصْلُ مَشْرُوعٌ فَكَانَ الرِّبَا جَائِزًا لَا فَاسِدًا، وَهُوَ بَاطِلٌ إجْمَاعًا اهـ. (قَوْلُهُ وَمَا بَقِيَ لَمْ يَجُزْ إلَّا بِنِيَّةٍ مُعَيَّنَةٍ مُبَيَّتَةٍ) أَيْ مَا بَقِيَ مِنْ الصِّيَامِ، وَهُوَ قَضَاءُ رَمَضَانَ وَالْكَفَّارَاتُ وَجَزَاءُ الصَّيْدِ وَالْحَلْقُ وَالْمُتْعَةُ وَالنَّذْرُ الْمُطْلَقُ لَا يَصِحُّ بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ، وَلَا بِنِيَّةٍ مُبَايِنَةٍ، وَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ التَّعْيِينِ لِعَدَمِ تَعَيُّنِ الْوَقْتِ لَهُ، وَلَا بُدَّ فِيهِ أَيْضًا مِنْ النِّيَّةِ مِنْ اللَّيْلِ أَوْ مَا هُوَ فِي حُكْمِهِ، وَهُوَ الْمُقَارَنَةُ لِطُلُوعِ الْفَجْرِ بَلْ هُوَ الْأَصْلُ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ قِرَانُ النِّيَّةِ بِالصَّوْمِ لَا تَقْدِيمُهَا، وَإِنَّمَا جَازَ التَّقْدِيمُ لِلضَّرُورَةِ، وَمِنْ فُرُوعِ لُزُومِ التَّبْيِيتِ فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ لَوْ نَوَى الْقَضَاءَ نَهَارًا فَلَمْ يَصِحَّ هَلْ يَقَعُ عَنْ النَّفْلِ فِي فَتَاوَى النَّسَفِيِّ نَعَمْ، وَلَوْ أَفْطَرَ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ قِيلَ: هَذَا إذَا عَلِمَ أَنَّ صَوْمَهُ عَنْ الْقَضَاءِ لَمْ يَصِحَّ بِنِيَّةِ النَّهَارِ أَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ فَلَا يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ كَمَا فِي الْمَظْنُونِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ تَرْجِيحُ الْإِطْلَاقِ فَإِنَّ الْجَهْلَ بِالْأَحْكَامِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لَيْسَ بِمُعْتَبَرٍ خُصُوصًا أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ أَعْنِي عَدَمَ جَوَازِ الْقَضَاءِ بِنِيَّةٍ نَهَارًا مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا فِيمَا يَظْهَرُ فَلَيْسَ كَالْمَظْنُونِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ قَضَاءَ النَّفْلِ بَعْدَ إفْسَادِهِ وَقَضَاءَ الْمَنْذُورِ الْمُعَيَّنِ دَاخِلٌ تَحْتَ قَوْلِهِ وَمَا بَقِيَ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ النِّيَّةَ مِنْ اللَّيْلِ كَافِيَةٌ فِي كُلِّ صَوْمٍ بِشَرْطِ عَدَمِ الرُّجُوعِ عَنْهَا حَتَّى لَوْ نَوَى لَيْلًا أَنْ يَصُومَ غَدًا ثُمَّ عَزَمَ فِي اللَّيْلِ عَلَى الْفِطْرِ لَمْ يُصْبِحْ صَائِمًا فَلَوْ أَفْطَرَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَكُنْ رَمَضَانُ، وَلَوْ مَضَى عَلَيْهِ لَا يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّ تِلْكَ النِّيَّةَ انْتَقَضَتْ بِالرُّجُوعِ، وَلَوْ نَوَى الصَّائِمُ الْفِطْرَ لَمْ يُفْطِرْ حَتَّى يَأْكُلَ، وَكَذَا لَوْ نَوَى التَّكَلُّمَ فِي الصَّلَاةِ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَوْ قَالَ: نَوَيْت   [منحة الخالق] وَالْتُحِقَ بِالصَّحِيحِ فَيَقَعُ صَوْمُهُ عَنْ رَمَضَانَ فَلَيْسَ مُرَادُهُمْ بِهَذَا الْقِسْمِ أَنْ لَا يَضُرَّهُ الصَّوْمُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، وَإِلَّا كَانَ هَذَيَانًا مِنْ الْقَوْلِ؛ إذْ لَا يَقُولُ عَاقِلٌ بِإِبَاحَةِ الْفِطْرِ لَهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 282 صَوْمَ غَدٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى - فَعَنْ الْحَلْوَانِيِّ يَجُوزُ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ الْمَشِيئَةَ إنَّمَا تُبْطِلُ اللَّفْظَ، وَالنِّيَّةُ فِعْلٌ الْقَلْبِ وَصَحَّحَهُ فِي فَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ وَاعْلَمْ أَنَّهُ يَتَفَرَّعُ عَلَى كَيْفِيَّةِ النِّيَّةِ وَوَقْتِهَا مَسْأَلَةُ الْأَسِيرِ فِي دَارِ الْحَرْبِ إذَا اشْتَبَهَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ فَتَحَرَّى وَصَامَ شَهْرًا عَنْ رَمَضَانَ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُوَافِقَ أَوْ لَا بِالتَّقْدِيمِ أَوْ بِالتَّأْخِيرِ فَإِنْ وَافَقَ جَازَ، وَإِنْ تَقَدَّمَ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ تَأَخَّرَ، فَإِنْ وَافَقَ شَوَّالًا يَجُوزُ بِشَرْطِ مُوَافَقَةِ الشَّهْرَيْنِ فِي الْعَدَدِ وَتَعْيِينِ النِّيَّةِ وَتَبْيِيتِهَا، وَلَا يُشْتَرَطُ نِيَّةُ الْقَضَاءِ فِي الصَّحِيحِ فَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا كَامِلًا قَضَى يَوْمًا وَاحِدًا لِأَجْلِ يَوْمِ الْفِطْرِ، وَإِنْ كَانَ رَمَضَانُ كَامِلًا وَشَوَّالٌ نَاقِصًا قَضَى يَوْمَيْنِ يَوْمًا لِأَجْلِ يَوْمِ الْعِيدِ وَيَوْمًا لِأَجْلِ النُّقْصَانِ، وَعَلَى الْعَكْسِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ وَافَقَ صَوْمُهُ هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ، فَإِنْ كَانَ رَمَضَانُ كَامِلًا وَذُو الْحِجَّةِ كَامِلًا قَضَى أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ يَوْمَ النَّحْرِ وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ، وَإِنْ كَانَ رَمَضَانُ كَامِلًا وَذُو الْحِجَّةِ نَاقِصًا قَضَى خَمْسَةَ أَيَّامٍ، وَعَلَى عَكْسِهِ قَضَى ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَإِنْ وَافَقَ صَوْمُهُ شَهْرًا آخَرَ سِوَى هَذَيْنِ الشَّهْرَيْنِ، فَإِنْ كَانَ الشَّهْرَانِ كَامِلَيْنِ أَوْ نَاقِصَيْنِ أَوْ كَانَ رَمَضَانُ نَاقِصًا، وَالْآخَرُ كَامِلًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَعَلَى عَكْسِهِ قَضَى يَوْمًا، وَلَوْ صَامَ بِالتَّحَرِّي سِنِينَ كَثِيرَةً ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ صَامَ فِي كُلِّ سَنَةٍ قَبْلَ شَهْرِ رَمَضَانَ فَهَلْ يَجُوزُ صَوْمُهُ فِي الثَّانِيَةِ عَنْ الْأُولَى، وَفِي الثَّالِثَةِ عَنْ الثَّانِيَةِ، وَفِي الرَّابِعَةِ عَنْ الثَّالِثَةِ قِيلَ: يَجُوزُ، وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ مُخْتَصَرًا وَصَحَّحَ فِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ إنْ نَوَى صَوْمَ رَمَضَانَ مُبْهَمًا يَجُوزُ عَنْ الْقَضَاءِ، وَإِنْ نَوَى عَنْ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مُفَسِّرًا لَا يَجُوزُ وَقَدْ عُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ مَنْ فَاتَهُ رَمَضَانُ وَكَانَ نَاقِصًا يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُ بِعَدَدِ الْأَيَّامِ، لَا شَهْرٌ كَامِلٌ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْبَدَائِعِ قَالُوا فِيمَنْ أَفْطَرَ شَهْرًا بِعُذْرٍ ثَلَاثِينَ يَوْمًا ثُمَّ قَضَى شَهْرًا بِالْهِلَالِ فَكَانَ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ أَنَّ عَلَيْهِ قَضَاءَ يَوْمٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ عَدَدُ الْأَيَّامِ الَّتِي أَفْطَرَ فِيهَا دُونَ الْهِلَالِ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى قَدْرِ الْفَائِتِ، وَلَوْ صَامَ أَهْلُ مِصْرٍ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ وَأَفْطَرُوا لِلرُّؤْيَةِ، وَفِيهِمْ مَرِيضٌ لَمْ يَصُمْ فَإِنْ عَلِمَ مَا صَامَ أَهْلُ مِصْرِهِ فَعَلَيْهِ قَضَاءُ تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ صَامَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ وَالنُّقْصَانُ عَارِضٌ اهـ. وَفِي عُدَّةِ الْفَتَاوَى لَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ شَوَّالٍ وَذِي الْقِعْدَةِ وَذِي الْحِجَّةِ فَصَامَهُنَّ بِالرُّؤْيَةِ وَكَانَ هِلَالُ ذِي الْقِعْدَةِ وَذِي الْحِجَّةِ ثَلَاثِينَ وَشَوَّالٍ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ فَعَلَيْهِ صَوْمُ خَمْسَةِ أَيَّامٍ: الْفِطْرِ وَالْأُضْحِيَّةِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَلَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ فَصَامَهُنَّ فَعَلَيْهِ قَضَاءُ تِسْعَةِ أَيَّامٍ؛ لِأَنَّهُ أَشَارَ إلَى غَائِبٍ فَيَلْزَمُ لِكُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثُونَ اهـ. وَبِمَا ذَكَرْنَا عَلِمَ مَنْ يُرَاجِعُ فَتْحُ الْقَدِيرِ أَنَّهُ لَمْ يَسْتَوْفِ الْأَقْسَامَ كُلَّهَا. (قَوْلُهُ: وَيَثْبُتُ رَمَضَانُ بِرُؤْيَةِ هِلَالِهِ أَوْ بَعْدَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا) لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا» وَالْوَجْهُ فِي إثْبَاتِ الرَّمَضَانِيَّةِ وَالْعِيدِ أَنْ يَدَّعِيَ عِنْدَ الْقَاضِي بِوَكَالَةِ رَجُلٍ مُعَلَّقَةٍ بِدُخُولِ رَمَضَانَ بِقَبْضِ دَيْنٍ فَيُقِرَّ الْخَصْمُ بِالْوِكَالَةِ وَيُنْكِرَ دُخُولَ رَمَضَانَ فَيَشْهَدَ الشُّهُودُ بِذَلِكَ فَيَقْضِيَ الْقَاضِي عَلَيْهِ بِالْمَالِ فَيَثْبُتَ مَجِيءُ رَمَضَانَ؛ لِأَنَّ إثْبَاتَ مَجِيءِ رَمَضَانَ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ حَتَّى لَوْ أَخْبَرَ رَجُلٌ عَدْلٌ الْقَاضِيَ بِمَجِيءِ رَمَضَانَ يَقْبَلُ وَيَأْمُرُ النَّاسَ بِالصَّوْمِ يَعْنِي فِي يَوْمِ الْغَيْمِ وَلَا يُشْتَرَطُ لَفْظُ الشَّهَادَةِ وَشَرَائِطُ الْقَضَاءِ أَمَّا فِي الْعِيدِ فَيُشْتَرَطُ لَفْظُ الشَّهَادَةِ، وَهُوَ يَدْخُلُ تَحْتَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَصَحَّحَ فِي الْمُحِيطِ إلَخْ) هَذَا التَّفْصِيلُ ذَكَرَهُ فِي الْبَدَائِعِ أَيْضًا لَكِنْ بِدُونِ تَصْرِيحٍ بِالتَّصْحِيحِ فَقَالَ: وَفَصَّلَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ فِي ذَلِكَ تَفْصِيلًا فَقَالَ: إنْ صَامَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ عَنْ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّهُ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ فِي رَمَضَانَ يَجُوزُ وَكَذَا فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ؛ لِأَنَّهُ صَامَ عَنْ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ، وَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ رَمَضَانَ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي، وَإِنْ صَامَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ عَنْ الثَّالِثَةِ، وَفِي الثَّالِثَةِ عَنْ الرَّابِعَةِ لَمْ يَجُزْ وَعَلَيْهِ قَضَاءُ الرَّمَضَانَاتِ كُلِّهَا ثُمَّ قَالَ وَضَرَبَ لَهُ أَيْ أَبُو جَعْفَرٍ مَثَلًا، وَهُوَ رَجُلٌ اقْتَدَى بِالْإِمَامِ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ زَيْدٌ فَإِذَا هُوَ عَمْرٌو صَحَّ اقْتِدَاؤُهُ وَلَوْ اقْتَدَى بِزَيْدٍ فَإِذَا هُوَ عَمْرٌو لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ اقْتَدَى بِالْإِمَامِ إلَّا أَنَّهُ ظَنَّ أَنَّهُ زَيْدٌ فَأَخْطَأَ فِي ظَنِّهِ، وَهَذَا لَا يَقْدَحُ فِي صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ بِالْإِمَامِ، وَفِي الثَّانِي اقْتَدَى بِزَيْدٍ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ زَيْدًا تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَقْتَدِ بِأَحَدٍ كَذَلِكَ هُنَا إذَا نَوَى صَوْمَ كُلِّ سَنَةٍ عَنْ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ تَعَلَّقَتْ نِيَّةُ الْوَاجِبِ بِمَا عَلَيْهِ لَا بِالْأَوَّلِ وَالثَّانِي إلَّا أَنَّهُ ظَنَّ أَنَّهُ لِلثَّانِي فَأَخْطَأَ فِي ظَنِّهِ فَيَقَعُ عَنْ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ لَا عَمَّا ظَنَّ اهـ. [بِمَا يَثْبُت شَهْر رَمَضَان] (قَوْلُهُ: فَيُقِرُّ الْخَصْمُ بِالْوَكَالَةِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: عِبَارَةُ النَّهْرِ فَيُقِرُّ بِالدَّيْنِ وَالْوَكَالَةِ، وَيُنْكِرُ الدُّخُولَ وَكِلَاهُمَا مُشْكِلٌ؛ إذْ لَا يَنْفُذُ الْإِقْرَارُ عَلَى الْغَائِبِ بِقَبْضِ الْمُدَّعِي مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ اهـ. قُلْت: لَا إشْكَالَ عَلَى عِبَارَةِ النَّهْرِ فَإِنَّهُ إذَا أَقَرَّ بِالدَّيْنِ وَالْوَكَالَةِ جَمِيعًا صَحَّ إقْرَارُهُ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِثُبُوتِ حَقِّ الْقَبْضِ لَهُ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الدُّيُونَ إنَّمَا تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا لَا بِأَعْيَانِهَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ دَعْوَى الْوَكِيلِ قَبْضَ عَيْنٍ هِيَ وَدِيعَةٌ لِلْمُوَكِّلِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ إقْرَارُ الْغَرِيمِ بِهَا؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ بِثُبُوتِ حَقِّ الْقَبْضِ لِلْوَكِيلِ فِي مِلْكِ الْمُوَكِّلِ فَلَا يَصِحُّ، وَأَمَّا إذَا أَقَرَّ بِالْوَكَالَةِ وَجَحَدَ الدَّيْنَ فَلَا يَكُونُ الْوَكِيلُ خَصْمًا بِإِثْبَاتِ الْحَقِّ إلَّا بِإِثْبَاتِ وَكَالَتِهِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَ الْغَرِيمِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ كَإِقْرَارِ الْوَكِيلِ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ لِلْخَصَّافِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 283 الْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ مِنْ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ عِبَارَةَ الْمُصَنِّفِ فِي الْوَافِي أَوْلَى وَأَوْجَزُ، وَهِيَ: وَيُصَامُ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ أَوْ إكْمَالِ شَعْبَانَ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الثُّبُوتِ وَلَيْسَ يَلْزَمُ مِنْ رُؤْيَتِهِ ثُبُوتُهُ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ مُجَرَّدَ مَجِيئِهِ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِوُجُوبِ الْتِمَاسِهِ، وَلَا شَكٌّ فِي وُجُوبِهِ عَلَى النَّاسِ وُجُوبَ كِفَايَةٍ، وَيَنْبَغِي فِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ بِمَعْنَاهُ وَوَقْتِهِ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ؛ وَلِهَذَا قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ: يَجِبُ الْتِمَاسُهُ فِي الْيَوْمِ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ وَقْتَ الْغُرُوبِ، وَقَوْلُ بَعْضُهُمْ فِي التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ تَسَاهُلٌ نَعَمْ لَوْ رُئِيَ فِي التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ بَعْدَ الزَّوَالِ كَانَ كَرُؤْيَتِهِ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ اتِّفَاقًا، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي رُؤْيَتِهِ قَبْلَ الزَّوَالِ يَوْمَ الثَّلَاثِينَ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ هُوَ لِلْمُسْتَقْبَلَةِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ هُوَ لِلْمَاضِيَةِ وَالْمُخْتَارُ قَوْلُهُمَا لَكِنْ لَوْ أَفْطَرُوا لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ أَفْطَرُوا بِتَأْوِيلٍ ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ، وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ وَتُكْرَهُ الْإِشَارَةُ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ تَحَرُّزًا عَنْ التَّشَبُّهِ بِأَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ. وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِقَوْلِ الْمُنَجِّمِينَ قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ: وَمَنْ قَالَ: يَرْجِعُ فِيهِ إلَى قَوْلِهِمْ فَقَدْ خَالَفَ الشَّرْعَ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مَنْ أَتَى كَاهِنًا أَوْ مُنَجِّمًا فَصَدَّقَهُ بِمَا قَالَ فَهُوَ كَافِرٌ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ» (قَوْلُهُ: وَلَا يُصَامُ يَوْمُ الشَّكِّ إلَّا تَطَوُّعًا) وَهُوَ اسْتِوَاءُ طَرَفَيْ الْإِدْرَاكِ مِنْ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ، وَمُوجِبُهُ هُنَا أَحَدُ أَمْرَيْنِ إمَّا أَنْ يُغَمَّ عَلَيْهِمْ هِلَالُ رَمَضَانَ، أَوْ هِلَالُ شَعْبَانَ فَأُكْمِلَتْ عِدَّتُهُ، وَلَمْ يُرَ هِلَالُ رَمَضَانَ؛ لِأَنَّ الشَّهْرَ لَيْسَ الظَّاهِرُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ ثَلَاثِينَ بَلْ يَكُونُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ كَمَا يَكُونُ ثَلَاثِينَ فَيَسْتَوِي هَاتَانِ الْحَالَتَانِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ كَمَا يُعْطِيهِ الْحَدِيثُ الْمَعْرُوفُ فِي الشَّهْرِ فَاسْتَوَى الْحَالُ حِينَئِذٍ فِي الثَّلَاثِينَ أَنَّهُ مِنْ الْمُنْسَلِخِ أَوْ الْمُسْتَهِلِّ إذَا كَانَ غَيْمٌ فَيَكُونُ مَشْكُوكًا بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مِنْ الْمُسْتَهَلِّ لَرُئِيَ عِنْدَ التَّرَائِيِ فَلَمَّا لَمْ يُرَ كَانَ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُنْسَلِخَ ثَلَاثُونَ فَيَكُونُ هَذَا الْيَوْمُ مِنْهُ غَيْرَ مَشْكُوكٍ فِي ذَلِكَ كَذَا ذَكَرُوا وَقَدْ قَدَّمْنَا عَنْ الْبَدَائِعِ أَنَّ كَوْنَهُ ثَلَاثِينَ هُوَ الْأَصْلُ، وَالنُّقْصَانُ عَارِضٌ؛ وَلِهَذَا وَجَبَ عَلَى الْمَرِيضِ الَّذِي أَفْطَرَ رَمَضَانَ قَضَاءُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا إذَا لَمْ يَعْلَمْ صَوْمَ أَهْلِ بَلَدِهِ فَلَوْ كَانَ عَلَى السَّوَاءِ لَمْ يَلْزَمْ الزَّائِدُ بِالشَّكِّ؛ لِأَنَّ ظُهُورَ كَوْنِهِ كَامِلًا إنَّمَا هُوَ عِنْدَ الصَّحْوِ أَمَّا عِنْدَ الْغَيْمِ فَلَا إلَّا أَنْ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الصَّوْمَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الثُّبُوتِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: لَيْسَ فِي كَلَامِهِ مَا يُفِيدُ تَوَقُّفَ الصَّوْمِ عَلَى ثُبُوتِهِ يَعْنِي عِنْدَ الْقَاضِي كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ بَلْ إنَّ السَّبَبَ لِثُبُوتِهِ أَحَدُ هَذَيْنِ لَا غَيْرُ اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالثُّبُوتِ اللُّزُومُ وَالْوُجُوبُ أَيْ وَيَلْزَمُ صَوْمُ رَمَضَانَ بِرُؤْيَةِ هِلَالِهِ إلَخْ أَوْ الْمُرَادُ التَّبَيُّنُ كَمَا قَالَهُ الرَّمْلِيُّ (قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي فِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ بِمَعْنَاهُ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَيَنْبَغِي لِلنَّاسِ أَنْ يَلْتَمِسُوا الْهِلَالَ فِي الْيَوْمِ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَعْبَانَ أَيْ يَجِبُ عَلَيْهِمْ، وَفِيهِ تَسَاهُلٌ، فَإِنَّ التَّرَائِيَ إنَّمَا يَجِبُ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ لَا فِي الْيَوْمِ الَّذِي هُوَ عَشِيَّتُهُ كَذَا فِي الْفَتْحِ قَالَ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ: وَفِيهِ بَحْثٌ فَإِنَّهُ يَبْدَأُ بِالِالْتِمَاسِ قَبْلَ الْغُرُوبِ اهـ. وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنْ يَنْبَغِيَ حَيْثُ كَانَ بِمَعْنَى يَجِبُ فَالتَّسَاهُلُ بَاقٍ؛ إذْ لَا وُجُوبَ قَبْلَهُ كَذَا فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ: مَنْ أَتَى كَاهِنًا إلَخْ) نَقَلَ فِي الْإِمْدَادِ عَنْ شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ لِابْنِ الشِّحْنَةِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكَاهِنِ وَالْعَرَّافِ فِي الْحَدِيثِ مَنْ يُخْبِرُ بِالْغَيْبِ أَوْ يَدَّعِي مَعْرِفَتَهُ فَمَا كَانَ هَذَا سَبِيلَهُ لَا يَجُوزُ، وَيَكُونُ تَصْدِيقُهُ كُفْرًا أَمَّا أَمْرُ الْأَهِلَّةِ فَلَيْسَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ بَلْ مُعْتَمَدُهُمْ فِيهِ الْحِسَابُ الْقَطْعِيُّ فَلَيْسَ مِنْ الْإِخْبَارِ عَنْ الْغَيْبِ أَوْ دَعْوَى مَعْرِفَتِهِ فِي شَيْءٍ أَلَا تَرَى إلَى قَوْله تَعَالَى {وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ} [يونس: 5] وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ (قَوْلُهُ: إمَّا أَنْ يُغَمَّ عَلَيْهِمْ هِلَالُ رَمَضَانَ أَوْ هِلَالُ شَعْبَانَ إلَخْ) فَالشَّكُّ فِي الْيَوْمِ الثَّلَاثِينَ عَلَى الْأَوَّلِ هَلْ هُوَ مِنْ رَمَضَانَ أَوْ مِنْ شَعْبَانَ وَعَلَى الثَّانِي هَلْ هُوَ الثَّلَاثُونَ أَوْ الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ، وَفِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ عَنْ الْبُرْجَنْدِيِّ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَحْصُلَ الشَّكُّ بِرَدِّ الشَّهَادَةِ، وَفِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ الشَّكُّ بِأَنْ يَتَحَدَّثَ النَّاسُ بِالرُّؤْيَةِ، وَلَا يَثْبُتَ اهـ. لَكِنْ قَالَ فِي الْفَتْحِ وَمِمَّا ذُكِرَ فِيهِ مِنْ كَلَامِ غَيْرِ أَصْحَابِنَا مَا إذَا شَهِدَ مَنْ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ، وَكَأَنَّهُمْ لَمْ يَعْتَبِرُوا ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ فِي الصَّحْوِ فَهُوَ مَحْكُومٌ بِغَلَطِهِ عِنْدَنَا لِظُهُورِهِ فَمُقَابِلُهُ مَوْهُومٌ لَا مَشْكُوكٌ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْمٍ فَهُوَ شَكٌّ، وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ بِهِ أَحَدٌ اهـ. وَيُخَالِفُهُ مَا فِي الْمُجْتَبَى وَنَقَلَهُ عَنْهُ فِي الْمِعْرَاجِ يَوْمُ الشَّكِّ هُوَ مَا إذَا لَمْ يَرَ عَلَامَةً لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ، وَالسَّمَاءُ مُتَغَيِّمَةٌ، أَوْ شَهِدَ وَاحِدٌ فَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ أَوْ شَاهِدَانِ فَاسِقَانِ فَرُدَّتْ شَهَادَتُهُمَا فَأَمَّا إذَا كَانَتْ السَّمَاءُ مُصْحِيَةً، وَلَمْ يَرَ الْهِلَالَ أَحَدٌ فَلَيْسَ بِيَوْمِ الشَّكِّ، وَلَا يَجُوزُ صَوْمُهُ ابْتِدَاءً لَا فَرْضًا، وَلَا نَفْلًا لَكِنْ بَقِيَ شَيْءٌ، وَهُوَ أَنَّ الشَّكَّ يَتَحَقَّقُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِلَّةً عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ اعْتِبَارِ اخْتِلَافِ الْمَطَالِعِ لِجَوَازِ تَحَقُّقِ الرُّؤْيَةِ فِي بَلْدَةٍ أُخْرَى نَعَمْ عَلَى مُقَابِلِهِ لَيْسَ بِشَيْءٍ كَمَا فِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ عَنْ الزَّاهِدِيِّ بَلْ فِي السِّرَاجِ عَنْ الْإِيضَاحِ لَوْ لَمْ يُغَمَّ هِلَالُ شَعْبَانَ وَكَانَتْ مُصْحِيَةً يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: لَيْسَ بِشَكٍّ، وَأَنْ يُقَالَ: إنَّهُ شَكٌّ لِلتَّقْصِيرِ فِي طَلَبِ الْهِلَالِ أَوْ لِعَدَمِ إصَابَةِ الْمَطَالِعِ اهـ. لَكِنْ قَالَ فِي النَّهْرِ بَعْدَ نَقْلِهِ: وَلَوْ قِيلَ بِأَنَّ الْأَوَّلَ بِنَاءٌ عَلَى أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِاخْتِلَافِ الْمَطَالِعِ وَالثَّانِي عَلَى اعْتِبَارِهَا لَمْ يَبْعُدْ (قَوْلُهُ: فَلَوْ كَانَا عَلَى السَّوَاءِ لَمْ يَلْزَمْ الزَّائِدُ بِالشَّكِّ) قَالَ الرَّمْلِيُّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ وَجَبَ عَلَى الْمَرِيضِ قَضَاءُ ثَلَاثِينَ احْتِيَاطًا لِلْخُرُوجِ عَنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 284 يُقَالَ: الْأَصْلُ الصَّحْوُ وَالْغَيْمُ عَارِضٌ، وَلَا عِبْرَةَ بِهِ قَبْلَ تَحَقُّقِهِ، وَهُمْ إنَّمَا ذَكَرُوا التَّسَاوِيَ عِنْدَ تَحَقُّقِ الْغَيْمِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِصِفَةِ صَوْمِ غَيْرِ التَّطَوُّعِ، وَلَا لِصِفَتِهِ مِنْ الْإِبَاحَةِ وَالِاسْتِحْبَابِ أَمَّا صَوْمُ غَيْرِ التَّطَوُّعِ، فَإِنْ جَزَمَ بِكَوْنِهِ عَنْ رَمَضَانَ كَانَ مَكْرُوهًا كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ لِلتَّشَبُّهِ بِأَهْلِ الْكِتَابِ؛ لِأَنَّهُمْ زَادُوا فِي صَوْمِهِمْ، وَعَلَيْهِ حُمِلَ حَدِيثُ النَّهْيِ عَنْ التَّقَدُّمِ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ، وَفِي اسْتِحْبَابِهِ إنْ وَافَقَ صَوْمًا كَانَ يَعْتَادُهُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَيُجْزِئُهُ إنْ بَانَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ لِمَا تَقَدَّمَ، وَإِلَّا فَهُوَ تَطَوُّعٌ غَيْرُ مَضْمُونٍ بِالْإِفْسَادِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمَظْنُونِ، وَإِنْ جَزَمَ بِكَوْنِهِ عَنْ وَاجِبٍ آخَرَ فَهُوَ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ الَّتِي مَرْجِعُهَا خِلَافُ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ التَّقَدُّمِ خَاصٌّ بِصَوْمِ رَمَضَانَ لَكِنْ كُرِهَ لِصُورَةِ النَّهْيِ الْمَحْمُولِ عَلَى رَمَضَانَ فَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ أَجْزَأَهُ عَنْهُ لِمَا عُرِفَ إنْ كَانَ مُقِيمًا وَإِلَّا أَجْزَأَهُ عَنْ الَّذِي نَوَاهُ كَمَا لَوْ ظَهَرَ أَنَّهُ مِنْ شَعْبَانَ عَلَى الْأَصَحِّ وَإِنْ جَزَمَ بِالتَّطَوُّعِ فَلَا كَلَامَ فِي عَدَمِ كَرَاهَتِهِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي اسْتِحْبَابِهِ إنْ لَمْ يُوَافِقْ صَوْمَهُ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُتَلَوَّمَ، وَلَا يَأْكُلَ، وَلَا يَنْوِيَ الصَّوْمَ مَا لَمْ يَتَقَارَبْ انْتِصَافُ النَّهَارِ فَإِنْ تَقَارَبَ، وَلَمْ يَتَبَيَّنْ الْحَالُ اخْتَلَفُوا فِيهِ فَقِيلَ الْأَفْضَلُ صَوْمُهُ وَقِيلَ فِطْرُهُ وَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْقُضَاةِ وَالْمُفْتِينَ أَنْ يَصُومُوا تَطَوُّعًا، وَيُفْتُوا بِذَلِكَ خَاصَّتَهُمْ وَيُفْتُوا الْعَامَّةَ بِالْإِفْطَارِ، وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ وَأَبُو نَصْرٍ يَقُولَانِ: الْفِطْرُ أَحْوَطُ؛ لِأَنَّهُمْ أَجْمَعُوا أَنَّهُ لَا إثْمَ عَلَيْهِ لَوْ أَفْطَرُوا وَاخْتَلَفُوا فِي الصَّوْمِ قَالَ بَعْضُهُمْ: يُكْرَهُ وَيَأْثَمُ كَذَا فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ، وَقَوْلُهُمْ: يَصُومُ الْقَاضِي وَالْمُفْتِي الْمُرَادُ أَنَّهُ يَصُومُ مَنْ تَمَكَّنَ مِنْ ضَبْطِ نَفْسِهِ عَنْ الْإِضْجَاعِ عَنْ النِّيَّةِ وَمُلَاحَظَةِ كَوْنِهِ عَنْ الْفَرْضِ إنْ كَانَ غَدٌ مِنْ رَمَضَانَ؛ وَلِهَذَا قَالُوا: وَيُفْتُوا بِالصَّوْمِ خَاصَّتَهُمْ وَأَمَّا إذَا رَدَّدَ فَإِنْ كَانَ فِي أَصْلِهَا كَأَنْ نَوَى أَنْ يَصُومَ غَدًا عَنْ رَمَضَانَ إنْ كَانَ رَمَضَانَ وَإِلَّا فَلَيْسَ بِصَائِمٍ وَهَذِهِ صَحِيحَةٌ فَلَيْسَ بِصَائِمٍ، وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ يَنْبَغِي أَنْ يَغْرَمَ لَيْلَةَ يَوْمِ الشَّكِّ عَلَى أَنَّهُ إنْ كَانَ غَدٌ مِنْ رَمَضَانَ فَهُوَ صَائِمٌ عَنْ رَمَضَانَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ رَمَضَانَ فَلَيْسَ بِصَائِمٍ، وَهَذَا مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا اهـ. وَإِنْ رَدَّدَ فِي وَصْفِهَا فَلَهُ صُورَتَانِ أَحَدُهُمَا مَا إذَا نَوَى أَنْ يَصُومَ عَنْ رَمَضَانَ إنْ كَانَ غَدٌ مِنْهُ وَإِلَّا فَعَنْ وَاجِبٍ آخَرَ، وَهُوَ مَكْرُوهٌ لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ مَكْرُوهَيْنِ فَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ أَجْزَأَهُ عَنْهُ وَإِلَّا كَانَ تَطَوُّعًا غَيْرَ مَضْمُونٍ بِالْإِفْسَادِ، وَلَا يَكُونُ عَنْ الْوَاجِبِ لِعَدَمِ الْجَزْمِ بِهِ وَالثَّانِيَةُ إذَا نَوَى أَنْ يَصُومَ عَنْ رَمَضَانَ إنْ كَانَ مِنْهُ وَإِلَّا فَتَطَوُّعٌ فَهُوَ مَكْرُوهٌ لِنِيَّةِ الْفَرْضِ مِنْ وَجْهٍ، فَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ مِنْهُ أَجْزَأَهُ، وَإِلَّا فَتَطَوُّعٌ غَيْرُ مَضْمُونٍ لِدُخُولِ الْإِسْقَاطِ فِي عَزِيمَتِهِ مِنْ وَجْهٍ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ لِصَوْمِ مَا قَبْلَهُ وَصَرَّحَ فِي الْكَافِي بِأَنَّهُ إنْ وَافَقَ يَوْمُ الشَّكِّ صَوْمًا كَانَ يَصُومُهُ فَالصَّوْمُ أَفْضَلُ وَكَذَا إنْ صَامَ كُلَّهُ أَوْ نِصْفَهُ أَوْ ثَلَاثَةً مِنْ آخِرِهِ، وَلَمْ يُقَيِّدْ بِكَوْنِ صَوْمِ الثَّلَاثَةِ عَادَةً وَصَرَّحَ فِي التُّحْفَةِ بِكَرَاهَةِ الصَّوْمِ قَبْلَ رَمَضَانَ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ لِمَنْ لَيْسَ لَهُ عَادَةٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا تَتَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ إلَّا أَنْ يُوَافِقَ صَوْمًا كَانَ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ» وَإِنَّمَا كُرِهَ خَوْفًا مِنْ أَنْ يَظُنَّ أَنَّهُ زِيَادَةٌ عَلَى رَمَضَانَ إذَا اعْتَادُوا ذَلِكَ فَالْحَاصِلُ أَنَّ مَنْ لَهُ عَادَةٌ فَلَا كَرَاهَةَ فِي حَقِّهِ مُطْلَقًا، وَمَنْ لَيْسَ لَهُ عَادَةٌ فَلَا كَرَاهَةَ فِي التَّقَدُّمِ بِثَلَاثَةٍ فَأَكْثَرَ وَيُكْرَهُ فِي الْيَوْمِ وَالْيَوْمَيْنِ، وَأَمَّا صَوْمُ الشَّكِّ فَلَا يُكْرَهُ بِنِيَّةِ   [منحة الخالق] عُهْدَةِ الْوَاجِبِ (قَوْلُهُ: وَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: هَذَا يُفِيدُ أَنَّ التَّلَوُّمَ أَفْضَلُ فِي حَقِّ الْكُلِّ وَأَنَّ مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْجَزْمِ بِنِيَّةِ النَّفْلِ فَهُوَ مِنْ الْعَامَّةِ اهـ. وَفِي هَذِهِ الْإِفَادَةِ تَأَمُّلٌ وَظَاهِرُ الْهِدَايَةِ خِلَافُهَا (قَوْلُهُ: عَنْ الْإِضْجَاعِ عَنْ النِّيَّةِ) أَيْ التَّرْدِيدِ فِيهَا وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِفِي بَدَلَ عَنْ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ التَّضْجِيعُ فِي النِّيَّةِ التَّرَدُّدُ فِيهَا، وَأَنَّ لَايَنَهَا مِنْ ضَجَعَ فِي الْأَمْرِ إذَا، وَهِيَ فِيهِ وَقَصَّرَ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ (قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ فِي الْيَوْمِ وَالْيَوْمَيْنِ) مُقْتَضَى مَا مَرَّ مِنْ حَمْلِ حَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ التَّقَدُّمِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ عَلَى أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِحَمْلِ الْحَدِيثِ عَلَى ذَلِكَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَشُرَّاحُهَا وَظَاهِرُ مَا مَرَّ عَنْ التُّحْفَةِ خِلَافُهُ، وَفِي الشرنبلالية قَالَ فِي الْفَوَائِدِ: وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَقَدَّمُوا» إلَخْ التَّقْدِيمُ عَلَى قَصْدِ أَنْ يَكُونَ مِنْ رَمَضَانَ؛ لِأَنَّ التَّقْدِيمَ بِالشَّيْءِ عَلَى الشَّيْءِ أَنْ يَنْوِيَ بِهِ قَبْلَ حِينِهِ وَأَوَانِهِ وَوَقْتِهِ وَزَمَانِهِ، وَشَعْبَانُ وَقْتُ التَّطَوُّعِ فَإِذَا صَامَ عَنْ شَعْبَانَ لَمْ يَأْتِ بِصَوْمِ رَمَضَانَ قَبْلَ زَمَانِهِ وَأَوَانِهِ فَلَا يَكُونُ هَذَا تَقَدُّمًا عَلَيْهِ اهـ. كَذَا بِخَطِّ أُسْتَاذِي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَبِهَذَا تَنْتَفِي كَرَاهَةُ صَوْمِ الشَّكِّ تَطَوُّعًا اهـ. كَلَامُ الشرنبلالية وَفِي الْمِعْرَاجِ عَنْ الْإِيضَاحِ: لَا بَأْسَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ قَبْلَ رَمَضَانَ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كَانَ يَصِلُ شَعْبَانَ بِرَمَضَانَ» وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ «لَا تَقَدَّمُوا» الْحَدِيثَ اسْتِقْبَالُ الشَّهْرِ بِصَوْمٍ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ زِيَادَةً عَلَى الْفَرْضِ، وَفِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا فَإِنْ قِيلَ فَمَا فَائِدَةُ قَوْلِهِ يَوْمٍ وَيَوْمَيْنِ وَحُكْمُ الْأَكْثَرِ مِنْ ذَلِكَ كَذَلِكَ أُجِيبَ بِأَنَّ يَوْمًا وَيَوْمَيْنِ مَا وَصَلَ إلَى حَدِّ الْكَثْرَةِ فَيَجُوزُ أَنْ يُتَوَهَّمَ بِأَنَّ الْقَلِيلَ مَعْفُوٌّ فَيَجُوزُ كَمَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ فَنَفَى ذَلِكَ، وَفِي السَّعْدِيَّةِ يَجُوزُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ الْمُحْتَمَلَ هُوَ التَّقَدُّمُ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ كَمَا هُوَ الْوَاقِعُ مِنْ الْمُمَارَسَيْنِ بِعِلْمِ حِسَابِ النُّجُومِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 285 التَّطَوُّعِ مُطْلَقًا. (قَوْلُهُ مَنْ رَأَى هِلَالَ رَمَضَانَ أَوْ الْفِطْرِ وَرَدَّ قَوْلَهُ صَامَ فَإِنْ أَفْطَرَ قَضَى فَقَطْ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي هِلَالِ رَمَضَانَ {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] ، وَهَذَا قَدْ شَهِدَهُ وَالْحَدِيثُ فِي هِلَالِ الْفِطْرِ «صَوْمُكُمْ يَوْمَ تَصُومُونَ وَفِطْرُكُمْ يَوْمَ تُفْطِرُونَ» وَالنَّاسُ لَمْ يُفْطِرُوا فِي هَذَا الْيَوْمِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ مُوَافَقَتُهُمْ وَلِأَنَّ تَفَرُّدَهُ مَعَ شِدَّةِ حِرْصِ النَّاسِ عَلَى طَلَبِهِ دَلِيلُ غَلَطِهِ، وَإِنَّمَا لَمْ تَجِبْ الْكَفَّارَةُ فِيمَا إذَا رَأَى هِلَالَ رَمَضَانَ، وَلَمْ يَصُمْ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ رَدَّ شَهَادَتَهُ بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ، وَهُوَ تُهْمَةُ الْغَلَطِ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً، وَهَذِهِ الْكَفَّارَةُ تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ؛ لِأَنَّهَا أُلْحِقَتْ بِالْعُقُوبَاتِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ مَعْنَى الْعُقُوبَةِ فِيهَا أَغْلَبُ بِدَلِيلِ عَدَمِ وُجُوبِهَا عَلَى الْمَعْذُورِ وَالْمُخْطِئِ بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الْكَفَّارَاتِ فَإِنَّهُ اجْتَمَعَ فِيهَا مَعْنَى الْعِبَادَةِ وَالْعُقُوبَةِ، وَالْعِبَادَةُ أَغْلَبُ كَمَا عُرِفَ فِي تَحْرِيرِ الْأُصُولِ قُيِّدَ بِقَوْلِهِ وَرَدَّ قَوْلُهُ أَيْ وَرَدَّ الْقَاضِي أَخْبَارَهُ احْتِرَازًا عَمَّا إذَا أَفْطَرَ قَبْلَ أَنْ يَرُدَّ الْقَاضِي شَهَادَتَهُ فَإِنَّهُ لَا رِوَايَةَ فِيهِ عَنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ وَصَحَّحَ فِي الْمُحِيطِ عَدَمَ وُجُوبِهَا وَرَجَّحَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يَوْمٌ مُخْتَلَفٌ فِي وُجُوبِ صَوْمِهِ فَإِنَّ الْحَسَنَ وَابْنَ سِيرِينَ وَعَطَاءً قَالُوا بِأَنَّهُ لَا يَصُومُهُ إلَّا مَعَ الْإِمَامِ وَاحْتِرَازًا عَمَّا إذَا قَبِلَ الْإِمَامُ شَهَادَتَهُ، وَهُوَ فَاسِقٌ وَأَمَرَ النَّاسَ بِالصَّوْمِ فَأَفْطَرَ هُوَ أَوْ وَاحِدٌ مِنْ أَهْلِ بَلَدِهِ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ، وَبِهِ قَالَ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ خِلَافًا لِلْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ؛ لِأَنَّهُ صَوْمُ يَوْمِ النَّاسِ فَلَوْ كَانَ عَدْلًا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ خِلَافٌ؛ لِأَنَّ وَجْهَ النَّفْيِ كَوْنُهُ مِمَّنْ لَا يَجُوزُ الْقَضَاءُ بِشَهَادَتِهِ، وَهُوَ مُنْتَفٍ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَأَفَادَ أَنَّ التَّفَرُّدَ بِالرُّؤْيَةِ مِنْ غَيْرِ ثُبُوتٍ عِنْدَ الْحَاكِمِ مُوجِبٌ لِإِسْقَاطِ الْكَفَّارَةِ فَدَخَلَ مَا إذَا رَآهُ الْحَاكِمُ وَحْدَهُ، وَلَمْ يَصُمْ فَإِنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ؛ وَلِهَذَا قَالُوا: لَا يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ إذَا رَآهُ وَحْدَهُ أَنْ يَأْمُرَ النَّاسَ بِالصَّوْمِ، وَكَذَا فِي الْفِطْرِ بَلْ حُكْمُهُ حُكْمُ غَيْرِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ إلَى الْعِيدِ بِرُؤْيَتِهِ وَحْدَهُ، وَلَهُ أَنْ يَصُومَ إذَا رَآهُ، وَالْوَالِي إذَا أَخْبَرَ صَدِيقَهُ صَامَ إنْ صَدَّقَهُ، وَلَا يُفْطِرُ، وَإِنْ أَفْطَرَ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: وَمَنْ رَأَى هِلَالَ رَمَضَانَ فِي الرُّسْتَاقِ، وَلَيْسَ هُنَاكَ وَالٍ وَقَاضٍ فَإِنْ كَانَ ثِقَةً يَصُومُ النَّاسُ بِقَوْلِهِ، وَفِي الْفِطْرِ إنْ أَخْبَرَ عَدْلَانِ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ لَا بَأْسَ بِأَنْ يُفْطِرُوا اهـ. وَأَشَارَ بِوُجُوبِ صَوْمِهِ إذَا رَأَى هِلَالَ الْفِطْرِ وَحْدَهُ إلَى أَنَّ الْمُنْفَرِدَ بِرُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ إذَا صَامَ وَأَكْمَلَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا لَمْ يُفْطِرْ إلَّا مَعَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ عِلَّتُهُ الِاحْتِيَاطُ، وَالِاحْتِيَاطُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي تَأْخِيرِ الْإِفْطَارِ وَلَوْ أَفْطَرَ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ اعْتِبَارًا لِلْحَقِيقَةِ الَّتِي عِنْدَهُ، وَأَطْلَقَ فِي الرَّائِي فَشَمِلَ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، وَمَنْ تُقْبَلُ كَذَا فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ. وَأَشَارَ إلَى رَدِّ قَوْلِ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ مِنْ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَا إذَا رَأَى هِلَالَ الْفِطْرِ لَا يُفْطِرُ لَا يَأْكُلُ، وَلَا يَشْرَبُ وَلَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَفْسُدَ صَوْمُ ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَلَا يَتَقَرَّبَ بِهِ إلَى اللَّهِ - تَعَالَى -؛ لِأَنَّهُ يَوْمُ عِيدٍ عِنْدَهُ، وَإِلَى رَدِّ مَا قَالَهُ بَعْضُ مَشَايِخِنَا مِنْ أَنَّهُ إذَا أَيْقَنَ بِرُؤْيَةِ هِلَالِ الْفِطْرِ أَفْطَرَ لَكِنْ يَأْكُلُ سِرًّا كَذَا فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ، وَفِيهَا أَيْضًا: وَإِذَا صَامَ أَهْلُ مِصْرٍ بِغَيْرِ رُؤْيَةٍ، وَرَجُلٌ بِرُؤْيَةٍ فَنَقَصَ لَهُ يَوْمٌ جَازَ. (قَوْلُهُ: وَقَبِلَ بِعِلَّةِ خَبَرِ عَدْلٍ، وَلَوْ قِنًّا أَوْ أُنْثَى لِرَمَضَانَ وَحُرَّيْنِ أَوْ حُرٍّ وَحُرَّتَيْنِ لِلْفِطْرِ) ؛ لِأَنَّ صَوْمَ رَمَضَانَ أَمْرٌ دِينِيٌّ فَأَشْبَهَ رِوَايَةَ الْإِخْبَارِ؛ وَلِهَذَا لَا يَخْتَصُّ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ خِلَافًا لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ، وَلَا يَشْتَرِطُ الدَّعْوَى لَكِنْ قَالَ فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ: إنَّهُ قَوْلُهُمَا أَمَّا عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَشْتَرِطَ الدَّعْوَى أَمَّا فِي شَهَادَةِ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى فَيَشْتَرِطُ لَفْظَ الشَّهَادَةِ، وَتُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ فِي الْكُلِّ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْفَاسِقِ فِي الدِّيَانَاتِ الَّتِي يُمْكِنُ تَلَقِّيهَا مِنْ الْعُدُولِ غَيْرُ مَقْبُولٍ كَالْهِلَالِ وَرِوَايَةِ الْإِخْبَارِ، وَلَوْ تَعَدَّدَ كَفَاسِقَيْنِ فَأَكْثَرَ كَذَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ بِخِلَافِ مَا لَا يَتَيَسَّرُ تَلَقِّيهِ مِنْهُمْ حَيْثُ يَتَحَرَّى فِي خَبَرِ الْفَاسِقِ كَالْإِخْبَارِ بِطَهَارَةِ الْمَاءِ وَنَجَاسَتِهِ وَحِلِّ الطَّعَامِ وَحُرْمَتِهِ وَبِخِلَافِ الْهَدِيَّةِ وَالْوَكَالَةِ، وَمَا لَا إلْزَامَ فِيهِ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ   [منحة الخالق] وَغَيْرِهِمْ لَكِنْ قَالَ فِي الْفَتْحِ: يُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ الْحَدِيثُ عَلَى مَا قَالَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَيُكْرَهُ صَوْمُهَا لِمَعْنَى مَا فِي التُّحْفَةِ يَعْنِي قَوْلَهُ: وَإِنَّمَا كُرِهَ إلَى آخِرِ مَا مَرَّ فَتَأَمَّلْ وَمَا فِي التُّحْفَةِ أَوْجَهُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَأَفَادَ أَنَّ التَّفَرُّدَ بِالرُّؤْيَةِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: لَيْسَ الْمُرَادُ بِالتَّفَرُّدِ الْوَاحِدَ؛ إذْ لَوْ كَانُوا جَمَاعَةً وَرَدَّ الْقَاضِي شَهَادَتَهُمْ لِعَدَمِ تَكَامُلِ الْجَمْعِ الْعَظِيمِ فَالْحُكْمُ فِيهِمْ كَذَلِكَ، وَلَا شُبْهَةَ أَنَّ عِبَارَةَ الْمَتْنِ شَامِلَةٌ لِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ عَامَّةٍ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَفِي الْفِطْرِ إنْ أَخْبَرَ عَدْلَانِ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ) قَالَ فِي الشرنبلالية أَيْ وَبِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ (قَوْلُهُ: وَفِيهَا أَيْضًا، وَإِذَا صَامَ إلَخْ) ذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ، وَإِنْ صَامَ أَهْلُ الْمِصْرِ بِغَيْرِ رُؤْيَةٍ مِنْ غَيْرِ عَدِّ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ، وَفِيهِمْ رَجُلٌ لَمْ يَصُمْ مَعَهُمْ حَتَّى رَأَوْا الْهِلَالَ مِنْ الْغَدِ فَصَامَ أَهْلُ الْمِصْرِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 286 حَيْثُ يُقْبَلُ خَبَرُهُ بِدُونِ التَّحَرِّي لِلُزُومِ الضَّرُورَةِ، وَلَا دَلِيلَ سِوَاهُ فَوَجَبَ قَبُولُهُ مُطْلَقًا وَحَقِيقَةُ الْعَدَالَةِ مَلَكَةٌ تَحْمِلُ عَلَى مُلَازَمَةِ التَّقْوَى وَالْمُرُوءَةِ، وَالشَّرْطُ أَدْنَاهَا، وَهُوَ تَرْكُ الْكَبَائِرِ وَالْإِصْرَارِ عَلَى الصَّغَائِرِ، وَمَا يُخِلُّ بِالْمُرُوءَةِ كَمَا عُرِفَ تَحْقِيقُهُ فِي تَعْرِيفِ الْأُصُولِ فَلَزِمَ أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا عَاقِلًا بَالِغًا، وَأَمَّا الْحُرِّيَّةُ وَالْبَصَرُ وَعَدَمُ الْحَدِّ فِي قَذْفٍ وَعَدَمُ الْوَلَاءِ وَالْعَدَاوَةِ فَمُخْتَصٌّ بِالشَّهَادَةِ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ نَفْيُ رِوَايَةِ الْمَحْدُودِ وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ لِقَبُولِ رِوَايَةِ أَبِي بَكْرَةَ بَعْد مَا تَابَ، وَكَانَ قَدْ حُدَّ فِي قَذْفٍ، وَأَمَّا مَجْهُولُ الْحَالِ، وَهُوَ الْمَسْتُورُ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قَبُولُهُ وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَدَمُهُ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَدْلِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مَنْ ثَبَتَتْ عَدَالَتُهُ، وَأَنَّ الْحُكْمَ بِقَوْلِهِ فَرْعُ ثُبُوتِهَا، وَلَا ثُبُوتَ فِي الْمَسْتُورِ، وَمَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ مِنْ عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ فَمَحْمُولٌ عَلَى قَبُولِ الْمَسْتُورِ الَّذِي هُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَصَحَّحَ الْبَزَّازِيُّ فِي فَتَاوِيهِ قَبُولَ الْمَسْتُورِ، وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَمَا عَلِمْت أَمَّا مَعَ تَبَيُّنِ الْفِسْقِ فَلَا قَائِلَ بِهِ عِنْدَنَا وَفَرَّعُوا عَلَيْهِ مَا لَوْ شَهِدُوا فِي تَاسِعِ عِشْرِينَ رَمَضَانَ أَنَّهُمْ رَأَوْا هِلَالَ رَمَضَانَ قَبْلَ صَوْمِهِمْ بِيَوْمٍ وَإِنْ كَانُوا فِي هَذَا الْمِصْرِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ تَرَكُوا الْحِسْبَةَ، وَإِنْ جَاءُوا مِنْ خَارِجٍ قُبِلَتْ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: الْفَاسِقُ إذَا رَآهُ وَحْدَهُ يَشْهَدُ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ رُبَّمَا يَقْبَلُ شَهَادَتَهُ لَكِنَّ الْقَاضِيَ يَرُدُّهُ اهـ. وَأَمَّا فِي هِلَالِ الْفِطْرِ فَلِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ نَفْعُ الْعِبَادِ، وَهُوَ الْفِطْرُ فَأَشْبَهَ سَائِرَ حُقُوقِهِمْ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ مَا يُشْتَرَطُ فِي سَائِرِ حُقُوقِهِمْ مِنْ الْعَدَالَةِ وَالْحُرِّيَّةِ وَالْعَدَدِ وَعَدَمِ الْحَدِّ فِي قَذْفٍ وَلَفْظِ الشَّهَادَةِ وَالدَّعْوَى عَلَى خِلَافٍ فِيهِ إنْ أَمْكَنَ ذَلِكَ وَإِلَّا فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا فِي بَلْدَةٍ لَا قَاضِيَ فِيهَا، وَلَا وَالِيَ فَإِنَّ النَّاسَ يَصُومُونَ بِقَوْلِ الثِّقَةِ وَيُفْطِرُونَ بِإِخْبَارِ عَدْلَيْنِ لِلضَّرُورَةِ وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا لَوْ كَانَ الْمُخْبِرُ مِنْ مِصْرٍ أَوْ جَاءَ مِنْ خَارِجِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ خِلَافًا فَلِلْإِمَامِ الْفَضْلِيِّ حَيْثُ قَالَ: إنَّمَا يُقْبَلُ الْوَاحِدُ الْعَدْلُ إذَا فَسَّرَ، وَقَالَ: رَأَيْته خَارِجَ الْبَلَدِ فِي الصَّحْرَاءِ، أَوْ يَقُولُ: رَأَيْته فِي الْبَلْدَةِ مِنْ بَيْنِ خَلَلِ السَّحَابِ أَمَّا بِدُونِ هَذَا التَّفْسِيرِ فَلَا يُقْبَلُ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ يُقْبَلُ فِي هِلَالِ رَمَضَانَ شَهَادَةُ وَاحِدٍ عَدْلٍ عَلَى شَهَادَةِ وَاحِدٍ عَدْلٍ بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ حَيْثُ لَا تُقْبَلُ مَا لَمْ يَشْهَدْ عَلَى شَهَادَةِ رَجُلٍ وَاحِدٍ رَجُلَانِ، أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ مِنْ بَابِ الْإِخْبَارِ لَا مِنْ بَابِ الشَّهَادَةِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَكَذَا تُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ الْعَبْدِ عَلَى الْعَبْدِ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَكَذَا شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ عَلَى الْمَرْأَةِ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَإِلَى أَنَّهُمْ لَوْ صَامُوا بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ وَغُمَّ هِلَالُ شَوَّالٍ فَإِنَّهُمْ لَا يُفْطِرُونَ فَتَثْبُتُ الرَّمَضَانِيَّةُ بِشَهَادَتِهِ لَا الْفِطْرُ خِلَافًا لِمَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُمْ يُفْطِرُونَ، وَصَحَّحَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ: وَأَمَّا إذَا صَامُوا بِشَهَادَةِ اثْنَيْنِ فَإِنَّهُمْ يُفْطِرُونَ اتِّفَاقًا كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَحَكَى الْبَزَّازِيُّ فِيهِ خِلَافًا، وَالْعِلَّةُ غَيْمٌ أَوْ غُبَارٌ أَوْ نَحْوُهُمَا هُنَا، وَفِي الْأُصُولِ الْخَارِجُ الْمُتَعَلِّقُ بِالْحُكْمِ الْمُؤَثِّرُ فِيهِ وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْجَارِيَةَ الْمُخَدَّرَةَ إذَا رَأَتْ هِلَالَ رَمَضَانَ وَبِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ وَجَبَ عَلَيْهَا أَنْ تَخْرُجَ فِي لَيْلَتِهَا وَتَشْهَدَ بِغَيْرِ إذْنِ مَوَالِيهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْبَزَّازِيُّ وَاعْلَمْ أَنَّ مَا كَانَ   [منحة الخالق] ثَلَاثِينَ وَصَامَ هَذَا الرَّجُلُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءُ يَوْمٍ اهـ. تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُمْ تَرَكُوا الْحِسْبَةَ) فَإِنَّ شَاهِدَ الْحِسْبَةِ إذَا أَخَّرَ شَهَادَتَهُ بِلَا عُذْرٍ يَفْسُقُ، وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ كَمَا فِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ (قَوْلُهُ: وَإِلَى أَنَّهُمْ لَوْ صَامُوا بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ ثُمَّ إذَا قُبِلَتْ وَأَكْمَلُوا الْعِدَّةَ، وَلَمْ يَرَ رَوَى الْحَسَنُ عَنْ الْإِمَامِ، وَهُوَ قَوْلُ الثَّانِي: إنَّهُمْ يُفْطِرُونَ وَسُئِلَ عَنْهُ مُحَمَّدٌ فَقَالَ: يَثْبُتُ الْفِطْرُ بِحُكْمِ الْقَاضِي لَا بِقَوْلِ الْوَاحِدِ، وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ: وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ أَصَحُّ قَالَ الشَّارِحُ: وَالْأَشْبَهُ أَنْ يُقَالَ: إنْ كَانَتْ السَّمَاءُ مُصْحِيَةً لَا يُفْطِرُونَ لِظُهُورِ غَلَطِهِ، وَإِنْ كَانَتْ مُغَيِّمَةً يُفْطِرُونَ لِعَدَمِ ظُهُورِهِ وَلَوْ ثَبَتَ بِرَجُلَيْنِ أَفْطَرُوا، وَعَنْ السَّعْدِيِّ: لَا وَهَكَذَا عَنْ مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَلَوْ قِيلَ: إنْ قَبِلَهُمَا فِي الصَّحْوِ لَا يُفْطِرُونَ، وَفِي الْغَيْمِ أَفْطَرُوا لَمْ يَبْعُدْ، وَفِي السِّرَاجِ صَامُوا بِشَاهِدَيْنِ وَأَفْطَرُوا عِنْدَ كَمَالِ الْعِدَّةِ إجْمَاعًا، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا كَانَتْ مُتَغَيِّمَةً عِنْدَ الْفِطْرِ أَمَّا لَوْ كَانَتْ مُصْحِيَةً يَنْبَغِي أَنْ لَا يُفْطِرُوا كَمَا لَوْ شَهِدُوا السَّاعَةَ اهـ. لَكِنْ فِي الْإِمْدَادِ صَحَّحَ فِي الدِّرَايَةِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ حِلَّ الْفِطْرِ وَذَكَرَ فِي مَتْنِهِ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي حِلِّ الْفِطْرِ إذَا كَانَ بِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ وَلَوْ ثَبَتَ رَمَضَانُ بِشَهَادَةِ الْفَرْدِ وَذَكَرَ أَنَّ مَا مَرَّ عَنْ السَّعْدِيِّ حَكَاهُ عَنْهُ فِي التَّجْنِيسِ فِيمَا إذَا كَانَتْ السَّمَاءُ مُصْحِيَةً وَذَكَرَ عَنْ الْحَلْوَانِيِّ أَنَّ الْخِلَافَ فِي مَسْأَلَةِ مَا لَوْ ثَبَتَ بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ إذَا كَانَ مُصْحِيَةً، وَإِلَّا أَفْطَرُوا بِلَا خِلَافٍ اهـ. فَصَارَ الْحَاصِلُ عَلَى هَذَا مَا ذَكَرَهُ فِي نُورِ الْإِيضَاحِ إذَا تَمَّ الْعَدَدُ بِشَهَادَةِ فَرْدٍ، وَلَمْ يَرَ هِلَالَ الْفِطْرِ وَالسَّمَاءُ مُصْحِيَةٌ لَا يَحِلُّ الْفِطْرُ وَاخْتَلَفَ التَّرْجِيحُ فِيمَا إذَا كَانَ بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ، وَلَا خِلَافَ فِي حِلِّ الْفِطْرِ إذَا كَانَ بِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ وَلَوْ ثَبَتَ رَمَضَانُ بِشَهَادَةِ الْفَرْدِ قَالَ فِي شَرْحِهِ وَقَوْلُهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ هُوَ الْأَصَحُّ يُحْمَلُ عَلَى مَا قَالَ الْكَمَالُ مِنْهُمْ مَنْ اسْتَحْسَنَ فِي الصَّحْوِ الْمَرْوِيَّ عَنْ الْحَسَنِ مِنْ أَنَّهُمْ لَا يُفْطِرُونَ، وَفِي الْغَيْمِ أَخَذَ بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ اهـ. وَحِينَئِذٍ فَلَا يُخَالِفُ مَا مَرَّ عَنْ الْحَلْوَانِيِّ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 287 مِنْ بَابِ الدِّيَانَاتِ فَإِنَّهُ يُكْتَفَى فِيهِ بِخَبَرِ الْوَاحِد الْعَدْلِ كَهِلَالِ رَمَضَانَ وَمَا كَانَ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ، وَفِيهِ إلْزَامٌ مَحْضٌ كَالْبُيُوعِ وَالْأَمْلَاكِ فَشَرْطُهُ الْعَدَدُ وَالْعَدَالَةُ، وَلَفْظُ الشَّهَادَةِ مَعَ بَاقِي شُرُوطِهَا، وَمِنْهُ الْفِطْرُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُلْزَمُ بِهِ غَيْرَ مُسْلِمٍ فَلَا يُشْتَرَطُ فِي الشَّاهِدِ الْإِسْلَامُ، وَإِلَّا مَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ كَالْبَكَارَةِ وَالْوِلَادَةِ وَالْعُيُوبِ فِي الْعَوْرَةِ فَلَا عَدَدَ، وَلَا ذُكُورَةَ وَمَا لَا إلْزَامَ فِيهِ كَالْإِخْبَارِ بِالْوَكَالَاتِ وَالْمُضَارَبَاتِ وَالْإِذْنِ فِي التِّجَارَةِ وَالرِّسَالَاتِ فِي الْهَدَايَا وَالشَّرِكَاتِ فَلَا شَرْطَ سِوَى التَّمْيِيزِ مَعَ تَصْدِيقِ الْقَلْبِ وَمَا كَانَ فِيهِ إلْزَامٌ مِنْ وَجْهٍ كَعَزْلِ الْوَكِيلِ وَحَجْرِ الْمَأْذُونِ وَفَسْخِ الشَّرِكَةِ وَالْمُضَارَبَةِ فَالرَّسُولُ وَالْوَكِيلُ فِيهَا كَمَا قَبْلَهُ عِنْدَهُمَا وَشَرَطَ الْإِمَامُ عَدَالَتَهُ أَوْ الْعَدَدَ كَمَا عُرِفَ فِي تَحْرِيرِ الْأُصُولِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَقَعَتْ فِي بُخَارَى سَنَةَ إحْدَى وَسَبْعِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ أَنَّ النَّاسَ صَامُوا يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ فَجَاءَ اثْنَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ وَأَخْبَرُوا أَنَّهُمْ رَأَوْا لَيْلَةَ الثُّلَاثَاءِ، وَهَذَا الْأَرْبِعَاءُ يُوَفِّي الثَّلَاثِينَ اتَّفَقَتْ الْأَجْوِبَةُ أَنَّ بِالسَّمَاءِ عِلَّةً عَيَّدُوا يَوْمَ الْخَمِيسِ وَإِلَّا لَا صَامُوا ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ بِلَا رُؤْيَةٍ ثُمَّ رَأَوْا هِلَالَ الْفِطْرِ إنْ أَكْمَلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ، وَقَدْ كَانُوا رَأَوْا هِلَالَ شَعْبَانَ قَضَوْا يَوْمًا، وَإِنْ صَامُوا تِسْعًا وَعِشْرِينَ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِمْ أَصْلًا، فَإِنْ كَانُوا أَتَمُّوا شَعْبَانَ مِنْ غَيْرِ رُؤْيَةِ هِلَالِهِ أَيْضًا قَضَوْا يَوْمَيْنِ اهـ. (قَوْلُهُ وَإِلَّا فَجَمْعٌ عَظِيمٌ) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ فِيهِمَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ فِيهِمَا الشُّهُودُ جَمْعًا كَثِيرًا يَقَعُ الْعِلْمُ بِخَبَرِهِمْ أَيْ عِلْمُ غَالِبِ الظَّنِّ لَا الْيَقِينِ؛ لِأَنَّ التَّفَرُّدَ مِنْ بَيْنِ الْجَمِّ الْغَفِيرِ بِالرُّؤْيَةِ مَعَ تَوَجُّهِهِمْ طَالِبِينَ لِمَا تَوَجَّهَ هُوَ إلَيْهِ مَعَ فَرْضِ عَدَمِ الْمَانِعِ وَسَلَامَةِ الْإِبْصَارِ، وَإِنْ تَفَاوَتَتْ الْأَبْصَارُ فِي الْحِدَةِ ظَاهِرٌ فِي غَلَطِهِ قِيَاسًا عَلَى تَفَرُّدِنَا قَلَّ زِيَادَةً مِنْ بَيْنِ سَائِرِ أَهْلِ مَجْلِسٍ مُشَارِكِينَ لَهُ فِي السَّمَاعِ فَإِنَّهَا تَرُدُّ، وَإِنْ كَانَ ثِقَةً مَعَ أَنَّ التَّفَاوُتَ فِي حِدَةِ السَّمْعِ وَاقِعٌ أَيْضًا كَمَا هُوَ فِي الْإِبْصَارِ مَعَ أَنَّهُ لَا نِسْبَةَ لِمُشَارَكَتِهِ فِي السَّمَاعِ بِمُشَارَكَتِهِ فِي التَّرَائِيِ كَثْرَةً، وَالزِّيَادَةُ الْمَقْبُولَةُ مَا عُلِمَ فِيهِ تَعَدُّدُ الْمَجَالِسِ أَوْ جُهِلَ فِيهِ الْحَالُ مِنْ الِاتِّحَادِ وَالتَّعَدُّدِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَغَيْرِهِ وَبِهَذَا انْدَفَعَ تَشْنِيعُ الْمُتَعَصِّبِينَ فِي زَمَانِنَا عَلَى مَذْهَبِنَا حَيْثُ زَعَمُوا أَنَّ عَدَمَ قَبُولِ الِاثْنَيْنِ لَا دَلِيلَ لَهُ، وَهُوَ مَرْدُودٌ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ حَيْثُ لَا سَمِعَ أَحَدٌ الْأَدِلَّةَ الشَّرْعِيَّةَ، وَالْقِيَاسُ الْمَذْكُورُ صَحِيحٌ لِوُجُودِ رُكْنِهِ وَشَرَائِطِهِ، وَلَمْ يُرِيدُوا بِالتَّفَرُّدِ تَفَرُّدَ الْوَاحِدِ، وَإِلَّا لَأَفَادَ قَبُولَ الِاثْنَيْنِ، وَهُوَ مُنْتَفٍ بَلْ الْمُرَادُ تَفَرُّدُ مَنْ لَمْ يَقَعْ الْعِلْمُ بِخَبَرِهِمْ مِنْ بَيْنِ أَضْعَافِهِمْ مِنْ الْخَلَائِقِ، وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ سَوَاءٌ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانُوا أَتَمُّوا شَعْبَانَ) مُقَابِلُ قَوْلِهِ، وَقَدْ كَانُوا رَأَوْا هِلَالَ شَعْبَانَ أَيْ قَضَوْا يَوْمًا وَاحِدًا إنْ كَانُوا رَأَوْا هِلَالَ شَعْبَانَ أَمَّا إنْ عَدُّوهُ ثَلَاثِينَ مِنْ غَيْرِ رُؤْيَةٍ أَيْضًا ثُمَّ صَامُوا رَمَضَانَ ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ قَضَوْا يَوْمَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْلَمْ أَنَّ رَمَضَانَ انْتَقَصَ يَوْمًا بِيَقِينٍ لِجَوَازِ أَنَّهُمْ غَلِطُوا فِي شَعْبَانَ بِيَوْمَيْنِ لَمَّا عَدُّوهُ ثَلَاثِينَ مِنْ غَيْرِ رُؤْيَةٍ كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ، وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْعَتَّابِيَّةِ: وَلَوْ رَأَوْا هِلَالَ شَعْبَانَ وَعَدُّوهُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا ثُمَّ شَرَعُوا فِي صَوْمِ رَمَضَانَ فَلَمَّا صَامُوا ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا رَأَوْا هِلَالَ شَوَّالٍ فَعَلَيْهِمْ أَنْ يَقْضُوا يَوْمًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّهُمْ غَلِطُوا بِيَوْمٍ وَاحِدٍ بِيَقِينٍ، وَإِنْ عَدُّوا شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا مِنْ غَيْرِ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ قَضَوْا يَوْمَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُمْ غَلِطُوا مِنْ أَوَّلِ رَمَضَانَ بِيَوْمَيْنِ اهـ. قُلْت: وَبَيَانُهُ أَنَّهُمْ إذَا عَدُّوا شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ مِنْ غَيْرِ رُؤْيَةِ هِلَالٍ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونُوا صَامُوا يَوْمَيْنِ مِنْ شَعْبَانَ، وَأَنَّ رَمَضَانَ وَقَعَ كَامِلًا؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فَعَلَيْهِمْ قَضَاءُ يَوْمَيْنِ ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّ مَا ذَكَرَ مَفْرُوضٌ فِيمَا إذَا رُئِيَ هِلَالُ رَجَبٍ وَعُدَّ ثَلَاثِينَ ثُمَّ عُدَّ شَعْبَانُ ثَلَاثِينَ أَيْضًا لِعَدَمِ رُؤْيَةِ هِلَالَيْ شَعْبَانَ وَرَمَضَانَ ثُمَّ رُئِيَ هِلَالُ شَوَّالٍ بَعْدَ صَوْمِ ثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِينَ فَلَوْ غُمَّ هِلَالُ شَوَّالٍ أَيْضًا كَيْفَ يَصْنَعُونَ لَمْ أَرَهُ الظَّاهِرُ أَنَّهُمْ يَصُومُونَ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ احْتِيَاطًا لِاحْتِمَالِ نُقْصَانِ رَجَبٍ وَشَعْبَانَ وَنَقَلَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَنَّ النَّقْصَ لَا يَقَعُ مُتَوَالِيًا فِي أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّهُ قَدْ يَتَوَالَى شَهْرَانِ وَثَلَاثَةٌ وَأَكْثَرُ ثَلَاثِينَ ثَلَاثِينَ وَقَدْ يَتَوَالَى شَهْرَانِ وَثَلَاثَةٌ، وَأَكْثَرُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا كَمَا فِي شَرْحِ الْغَايَةِ الْحَنْبَلِيَّةِ لَكِنْ نَقَلَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْبَاقِي الْمَالِكِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى مُخْتَصَرِ خَلِيلٍ عِنْدَ قَوْلِهِ: يَثْبُتُ رَمَضَانَ بِكَمَالِ شَعْبَانَ قَالَ وَكَذَا مَا قَبْلَهُ إنْ غُمَّ، وَلَوْ شُهُورًا لَا بِحِسَابِ نَجْمٍ وَسَيْرِ قَمَرٍ عَلَى الْمَشْهُورِ ثُمَّ نَقَلَ بَعْدَهُ قَوْلًا آخَرَ أَنَّهُ يُفِيدُ قَوْلُهُ: بِكَمَالِ شَعْبَانَ بِمَا إذَا لَمْ يَتَوَالَ قَبْلَهُ أَرْبَعَةٌ عَلَى الْكَمَالِ، وَإِلَّا جُعِلَ شَعْبَانُ نَاقِصًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَوَالَى خَمْسَةُ أَشْهُرٍ عَلَى الْكَمَالِ كَمَا لَا يَتَوَالَى أَرْبَعَةٌ عَلَى النَّقْصِ عِنْدَ مُعْظَمِ أَهْلِ الْمِيقَاتِ قَالَ وَنَظَمَ (عج) كَلَامَهُمْ فَقَالَ لَا يَتَوَالَى النَّقْصُ فِي أَكْثَرَ مِنْ ... ثَلَاثَةٍ مِنْ الشُّهُورِ يَا فَطِنْ كَذَا تَوَالِي خَمْسَةٍ مُكَمِّلَهْ ... هَذَا الصَّوَابُ وَمَا سِوَاهُ أَبْطَلَهْ اهـ. قَالَ أَيْ الصَّوَابُ عِنْدَ الْمِيقَاتَيْنِ وَكَذَا قَوْلُهُ: وَمَا سِوَاهُ (قَوْلُهُ: أَيْ عِلْمُ غَالِبِ الظَّنِّ) الظَّاهِرُ أَنَّ لَفْظَةَ عِلْمٍ زَائِدَةٌ مِنْ قَلَمِ النَّاسِخِ (قَوْلُهُ: كَثْرَةً) تَمْيِيزٌ أَيْ لَا نِسْبَةَ بَيْنَ الْمُشَارَكَتَيْنِ مِنْ جِهَةِ الْكَثْرَةِ بَلْ الْمُشَارَكَةُ فِي التَّرَائِيِ أَكْثَرُ مِنْهَا فِي السَّمَاعِ (قَوْلُهُ: حَيْثُ لَا سَمْعَ) أَيْ حَيْثُ لَا دَلِيلَ سَمْعِيًّا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 288 كَانَ بِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ كَمَا رُوِيَ عَنْهُ فِي هِلَالِ رَمَضَانَ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ رَجَّحَهَا مِنْ الْمَشَايِخِ، وَيَنْبَغِي الْعَمَلُ عَلَيْهَا فِي زَمَانِنَا؛ لِأَنَّ النَّاسَ تَكَاسَلَتْ عَنْ تَرَائِيِ الْأَهِلَّةِ فَانْتَفَى قَوْلُهُمْ مَعَ تَوَجُّهِهِمْ طَالِبِينَ لِمَا تَوَجَّهَ هُوَ إلَيْهِ فَكَانَ التَّفَرُّدُ غَيْرَ ظَاهِرٍ فِي الْغَلَطِ وَلِهَذَا وَقَعَ فِي زَمَانِنَا فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ وَتِسْعِمِائَةٍ أَنَّ أَهْلَ مِصْرٍ افْتَرَقُوا فِرْقَتَيْنِ فَمِنْهُمْ مَنْ صَامَ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَصُمْ وَهَكَذَا وَقَعَ لَهُمْ فِي الْفِطْرِ بِسَبَبِ أَنَّ جَمْعًا قَلِيلًا شَهِدُوا وَعِنْدَنَا قَاضِي الْقُضَاةِ الْحَنَفِيِّ، وَلَمْ يَكُنْ بِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ فَلَمْ يَقْبَلْهُمْ فَصَامُوا وَتَبِعَهُمْ جَمْعٌ كَثِيرٌ عَلَى الصَّوْمِ، وَأَمَرُوا النَّاسَ بِالْفِطْرِ وَهَكَذَا فِي هِلَالِ الْفِطْرِ حَتَّى إنَّ بَعْضَ الْمَشَايِخِ الشَّافِعِيَّةِ صَلَّى الْعِيدَ بِجَمَاعَةٍ دُونَ غَالِبِ أَهْلِ الْبَلْدَةِ وَأَنْكَرَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ لِمُخَالَفَةِ الْإِمَامِ، وَلَمْ يُقَدِّرْ الْجَمْعَ الْكَثِيرَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بِشَيْءٍ فَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَدَّرَهُ بَعْدَ الْقَسَامَةِ خَمْسِينَ رَجُلًا، وَعَنْ خَلَفِ بْنِ أَيُّوبَ خَمْسَمِائَةٍ بِبَلْخٍ قَلِيلٌ وَقِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِنْ كُلِّ مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ وَاحِدٌ أَوْ اثْنَانِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُفَوَّضُ مِقْدَارُ الْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ إلَى رَأْي الْإِمَامِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْحَقُّ مَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ وَأَبِي يُوسُفَ أَيْضًا أَنَّ الْعِبْرَةَ لِتَوَاتُرِ الْخَبَرِ وَمَجِيئِهِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ، وَإِنْ كَانَتْ السَّمَاءُ مُصْحِيَةً لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْوَاحِدِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بَلْ يُشْتَرَطُ الْعَدَدُ وَاخْتَلَفُوا فِي تَقْدِيرِهِ اهـ. فَظَاهِرُهُ أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ لَا يَشْتَرِطُ الْجَمْعَ الْعَظِيمَ، وَإِنَّمَا يَشْتَرِطُ الْعَدَدَ، وَهُوَ يَصْدُقُ عَلَى اثْنَيْنِ فَكَانَ مُرَجِّحًا لِرِوَايَةِ الْحَسَنِ الَّتِي اخْتَرْنَاهَا آنِفًا، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا مَا فِي الْفَتَاوَى الْوَلْوَالِجيَّةِ، وَإِنْ كَانَتْ السَّمَاءُ مُصْحِيَةً لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْوَاحِدِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ مَا يُوجِبُ الْقَبُولَ، وَهُوَ الْعَدَالَةُ وَالْإِسْلَامُ وَمَا يُوجِبُ الرَّدَّ، وَهُوَ مُخَالَفَةُ الظَّاهِرِ فَرَجَحَ مَا يُوجِبُ الْقَبُولُ احْتِيَاطًا؛ لِأَنَّهُ إذَا صَامَ يَوْمًا مِنْ شَعْبَانَ كَانَ خَيْرًا مِنْ أَنْ يُفْطِرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ اجْتَمَعَ مَا يُوجِبُ الْقَبُولَ وَمَا يُوجِبُ الرَّدَّ فَرَجَحَ جَانِبُ الرَّدِّ؛ لِأَنَّ الْفِطْرَ فِي رَمَضَانَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ جَائِزٌ بِعُذْرٍ كَمَا فِي الْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ وَصَوْمُ رَمَضَانَ قَبْلَ رَمَضَانَ لَا يَجُوزُ بِعُذْرٍ مِنْ الْأَعْذَارِ فَكَانَ الْمَصِيرُ إلَى مَا يَجُوزُ بِعُذْرٍ أَوْلَى ثُمَّ إذَا لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَةُ الْوَاحِدِ وَاحْتِيجَ إلَى زِيَادَةِ الْعَدَدِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ تُقْبَلُ شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ مَا لَمْ يَشْهَدْ عَلَى ذَلِكَ جَمْعٌ عَظِيمٌ، وَذَلِكَ مُقَدَّرٌ بِعَدَدِ الْقَسَامَةِ، وَعَنْ خَلَفِ بْنِ أَيُّوبَ خَمْسُمِائَةٍ بِبَلْخٍ قَلِيلٌ، وَعَنْ أَبِي حَفْصٍ الْكَبِيرِ أَنَّهُ شَرَطَ الْوَفَاءَ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ مَا اسْتَكْثَرَهُ الْحَاكِمُ فَهُوَ كَثِيرٌ وَمَا اسْتَقَلَّهُ فَهُوَ قَلِيلٌ هَذَا إذَا كَانَ الَّذِي شَهِدَ بِذَلِكَ فِي الْمِصْرِ أَمَّا إذَا جَاءَ مِنْ مَكَان آخَرَ خَارِجَ الْمِصْرِ فَإِنَّهُ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ إذَا كَانَ عَدْلًا ثِقَةً؛ لِأَنَّهُ يَتَيَقَّنُ فِي الرُّؤْيَةِ فِي الصَّحَارِيِ مَا لَمْ يَتَيَقَّنْ فِي الْأَمْصَارِ لِمَا فِيهَا مِنْ كَثْرَةِ الْغُبَارِ، وَكَذَا إذَا كَانَ فِي الْمِصْرِ فِي مَوْضِعٍ مُرْتَفِعٍ، وَهِلَالُ الْفِطْرِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَلَمْ أَرَ مَنْ رَجَّحَهَا مِنْ الْمَشَايِخِ وَيَنْبَغِي الْعَمَلُ عَلَيْهَا) عَلَيْهِ أَقَرَّهُ أَخُوهُ فِي النَّهْرِ وَتِلْمِيذُهُ فِي الْمِنَحِ وَالشَّيْخُ عَلَاءُ الدِّينِ الْحَصْكَفِيُّ وَقَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ: إنَّهُ حَسَنٌ وَنَازَعَهُ الرَّمْلِيُّ فَقَالَ: كَيْفَ هَذَا مَعَ أَنَّ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ خِلَافُهُ وَمَعَ أَنَّهُ يُعَارِضُهُ غَلَبَةُ الْفِسْقِ وَعَدَمُ الْعَدَالَةِ فِي أَكْثَرِ الْخَلْقِ فَلَا يَطْمَئِنُّ الْقَلْبُ إلَّا بِالْجَمْعِ الْعَظِيمِ فَقَدْ رَأَيْت مِنْ الِافْتِرَاءِ عَلَيْهِ مَا لَا يُوصَفُ فَتَعَيَّنَ الْعَمَلُ بِظَاهِرِ الْمَذْهَبِ لِمَا فِيهِ مِنْ اطْمِئْنَانِ الْفُؤَادِ، وَلِمَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِخِلَافِهِ وَمَا عَدَاهُ لَيْسَ بِمَذْهَبٍ لَنَا كَمَا نَصُّوا عَلَيْهِ فَاعْلَمْ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ: لِأَنَّ النَّاسَ تَكَاسَلَتْ غَيْرُ مُسَلَّمٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ بَلْ الْمُشَاهَدُ الِاهْتِمَامُ مِنْهُمْ وَالِاجْتِهَادُ وَالنَّشَاطُ إلَى ذَلِكَ، وَلَا عِبْرَةَ بِتَكَاسُلِ الْبَعْضِ الْقَلِيلِ تَأَمَّلْ اهـ. قُلْت: كَأَنَّهُ يَتَكَلَّمُ عَلَى مَا فِي زَمَانِهِ وَبَلَدِهِ، وَإِلَّا فَحَالُ أَهْلِ زَمَانِنَا لَا يَخْفَى عَلَى الْمُشَاهِدِ، وَلَوْ قَدَرُوا عَلَى الْإِفْطَارِ بِالْكُلِّيَّةِ لَفَعَلُوا وَكَثِيرًا مَا نَرَاهُمْ يَشْتُمُونَ الشَّاهِدَ وَيَغْتَابُونَهُ لِسَعْيِهِ فِي مَنْعِهِمْ عَنْ شَهَوَاتِهِمْ وَقَدْ وَقَعَ فِي زَمَانِنَا سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ وَالْأَلْفِ أَنَّهُمْ أَثْبَتُوا رَمَضَانَ بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ عَلَى قَوْلِ الطَّحَاوِيِّ فَحَصَلَ لِذَلِكَ الشَّاهِدِ مِنْ النَّاسِ غَايَةُ الْإِيذَاءِ وَالْإِيجَاعِ بِالْكَلَامِ حَتَّى اسْتَفَاضَ الْخَبَرُ عَنْ أَكْثَرِ الْبُلْدَانِ أَنَّهُمْ صَامُوا مِثْلَنَا وَشَهِدَ جَمَاعَةٌ لَدَى الْقَاضِي عَلَى حُكْمِ قَاضِي ثَغْرِ بَيْرُوتَ فَاكْتَفَّ النَّاسُ عَنْهُ وَبَلَغَنِي أَنَّهُ أَقْسَمَ أَنْ لَا يَشْهَدَ مَرَّةً ثَانِيَةً، وَخُصُوصًا فِي بَلْدَتِنَا دِمَشْقَ فَإِنَّهُ قَلَّ مَا يُرَى الْهِلَالُ فِيهَا فِي لَيْلَتِهِ وَقَدْ وَقَعَ فِي زَمَنِي غَيْرَ مَرَّةٍ قَضَاؤُنَا يَوْمًا أَفْطَرْنَاهُ مِنْ أَوَّلِهِ فَلَا جَرَمَ أَنْ عَوَّلَ النَّاسُ فِي زَمَانِنَا عَلَى مَا اخْتَارَهُ الْمُؤَلِّفُ (قَوْلُهُ: فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ إلَخْ) وَنَحْوُهُ فِي الذَّخِيرَةِ حَيْثُ قَالَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْوَاحِدِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ خِلَافًا لِمَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ بَلْ يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى زِيَادَةِ الْعَدَدِ وَاخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِ ذَلِكَ رَوَى الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَقْبَلُ شَهَادَةَ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَعْتَبِرُ قَدْرَهُ بَعْدَ الْقَاسِمَةِ إلَخْ وَنَحْوُهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة فَقَالَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْوَاحِدِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ خِلَافًا لِمَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ بَلْ يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى زِيَادَةِ الْعَدَدِ، وَاخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِ ذَلِكَ إلَخْ، وَفِيهَا عَنْ الْحَجَّةِ، وَلَوْ قَبِلَ الْإِمَامُ شَهَادَةَ شَاهِدِينَ عَدْلَيْنِ، وَقَدْ سَقَطَ قَلْبُ الْقَاضِي عَلَى قَوْلِهِمَا جَازَ وَثَبَتَ حُكْمُ رَمَضَانَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 289 إذَا كَانَتْ السَّمَاءُ مُصْحِيَةً كَهِلَالِ رَمَضَانَ اهـ. فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى تَرْجِيحِ رِوَايَةِ الْحَسَنِ وَأَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ اعْتِبَارُ الْعَدَدِ لَا الْجَمْعِ الْكَثِيرِ لَكِنْ فَرَّقَ بَيْنَ مَنْ كَانَ بِالْمِصْرِ وَخَارِجِهِ وَبَيْنَ الْمَكَانِ الْمُرْتَفِعِ وَغَيْرِهِ قَوْلُ الطَّحَاوِيِّ: أَمَّا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ فَلَا يُقْبَلُ فِيهِ خَبَرُ الْوَاحِدِ مُطْلَقًا كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَفَتْحِ الْقَدِيرِ. (قَوْلُهُ: وَالْأَضْحَى كَالْفِطْرِ) أَيْ هِلَالُ ذِي الْحِجَّةِ كَهِلَالِ شَوَّالٍ فَلَا يَثْبُتُ بِالْغَيْمِ إلَّا بِرَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَأَمَّا حَالَةُ الصَّحْوِ فَالْكُلُّ سَوَاءٌ لَا بُدَّ مِنْ زِيَادَةِ الْعَدَدِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ، وَإِنَّمَا كَانَ كَهِلَالِهِ دُونَ رَمَضَانَ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْعِبَادِ، وَهُوَ التَّوَسُّعُ بِلُحُومِ الْأَضَاحِيِّ وَذَكَرَ فِي النَّوَادِرِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ كَرَمَضَانَ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ أَمْرٌ دِينِيٌّ، وَهُوَ وُجُوبُ الْأُضْحِيَّةِ، وَالْأَوَّلُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَشُرُوحِهَا وَالتَّبْيِينِ وَصَحَّحَ الثَّانِيَ صَاحِبُ التُّحْفَةِ فَاخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ لَكِنْ تَأَيَّدَ الْأَوَّلُ بِأَنَّهُ الْمَذْهَبُ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِحُكْمِ بَقِيَّةِ الْأَهِلَّةِ التِّسْعَةِ وَذَكَرَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ الْكَبِيرِ وَأَمَّا فِي هِلَالِ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْأَهِلَّةِ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ فِيهِ إلَّا شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ عُدُولٍ أَحْرَارٍ غَيْرِ مَحْدُودِينَ كَمَا فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَا عِبْرَةَ بِاخْتِلَافِ الْمَطَالِعِ) فَإِذَا رَآهُ أَهْلُ بَلْدَةٍ، وَلَمْ يَرَهُ أَهْلُ بَلْدَةٍ أُخْرَى وَجَبَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَصُومُوا بِرُؤْيَةِ أُولَئِكَ إذَا ثَبَتَ عِنْدَهُمْ بِطَرِيقٍ مُوجِبٍ، وَيَلْزَمُ أَهْلَ الْمَشْرِقِ بِرُؤْيَةِ أَهْلِ الْمَغْرِبِ، وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ فَلَا يَلْزَمُهُمْ بِرُؤْيَةِ غَيْرِهِمْ إذَا اخْتَلَفَ الْمَطْلِعُ، وَهُوَ الْأَشْبَهُ كَذَا فِي التَّبْيِينِ، وَالْأَوَّلُ ظَاهِرُ الرَّاوِيَةِ، وَهُوَ الْأَحْوَطُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ بِحَيْثُ يَخْتَلِفُ الْمَطْلِعُ أَوَّلًا وَقَيَّدْنَا بِالثُّبُوتِ الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ شَهِدَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: قَوْلُ الطَّحَاوِيِّ) خَبَرُ قَوْلِهِ فَرَّقَ، وَفِي الذَّخِيرَةِ إنَّمَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْوَاحِدِ عَلَى هِلَالِ رَمَضَانَ إذَا كَانَتْ السَّمَاءُ مُصْحِيَةً إذَا كَانَ هَذَا الْوَاحِدُ فِي الْمِصْرِ، وَأَمَّا إذَا جَاءَ خَارِجَ الْمِصْرِ، أَوْ جَاءَ مِنْ أَعْلَى الْأَمَاكِنِ فِي مِصْرٍ ذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَهَكَذَا ذَكَرَ فِي كِتَابِ الِاسْتِحْسَانِ وَذَكَرَ فِي الْقُدُورِيِّ أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِي ظَاهِرِ الرَّاوِيَةِ وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّهُ تُقْبَلُ، وَفِي الْأَقْضِيَةِ صَحَّحَ رِوَايَةَ الطَّحَاوِيِّ وَاعْتَمَدَ عَلَيْهَا. (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ فِيهِ إلَّا شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ فِي الْأَهِلَّةِ التِّسْعَةِ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي السَّمَاءِ عِلَّةٌ أَمْ لَا فِي قَبُولِ الرَّجُلَيْنِ أَوْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَتَيْنِ لِفَقْدِ الْعِلَّةِ الْمُوجِبَةِ لِاشْتِرَاطِ الْجَمْعِ الْكَثِيرِ، وَهِيَ تَوَجُّهُ الْكُلِّ طَالِبِينَ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ كَمَا فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ فَلَوْ شَهِدَ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ بِهِلَالِ شَعْبَانَ، وَلَمْ يَكُنْ بِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ يَثْبُتُ، وَإِذَا ثَبَتَ يَثْبُتُ رَمَضَانُ بَعْدَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا مِنْ يَوْمِ ثُبُوتِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ لَكِنْ بَعْدَ اجْتِمَاعِ شَرَائِطِ الثُّبُوتِ الشَّرْعِيِّ فَإِنْ قُلْت: فِيهِ إثْبَاتُ الرَّمَضَانِيَّةِ مَعَ عَدَمِ الْعِلَّةِ بِخَبَرِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ قَدْ نَفَيْتُمُوهُ قُلْت: ثُبُوتُهُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ ضِمْنِيٌّ، وَيُغْتَفَرُ فِي الضِّمْنِيَّاتِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الْقَصْدِيَّاتِ تَأَمَّلْ اهـ. لَكِنْ صَرَّحَ فِي الْإِمْدَادِ بِخِلَافِهِ فَاشْتَرَطَ الْجَمْعَ الْعَظِيمَ حَيْثُ لَا عِلَّةَ وَيُوَافِقُهُ إطْلَاقُ عِبَارَةِ مَوَاهِبِ الرَّحْمَنِ حَيْثُ قَالَ: وَأَثْبَتُوهُ بِقَوْلِ عَدْلٍ إنْ اعْتَلَّ الْمَطْلِعُ، وَشَرَطَ لِلْفِطْرِ حُرَّانِ أَوْ حُرٌّ وَحُرَّتَانِ وَالْأَضْحَى كَالْفِطْرِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَإِنْ لَمْ يَعْتَلَّ فَجَمْعٌ عَظِيمٌ لِلْكُلِّ، وَالِاكْتِفَاءُ بِالِاثْنَيْنِ رِوَايَةٌ اهـ. لَكِنَّ قَوْلَهُ لِلْكُلِّ يَحْتَمِلُ كُلَّ الْأَشْهُرِ وَيَحْتَمِلُ كُلَّ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي كَلَامِهِ، وَهُوَ أَقْرَبُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِغَيْرِهَا، وَصَاحِبُ الْإِمْدَادِ شَدِيدُ الْمُتَابَعَةِ لِصَاحِبِ الْمَوَاهِبِ فَإِنْ كَانَ مُسْتَنَدُهُ ذَلِكَ فَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا عَلِمْت مِنْ احْتِمَالِ الْعِبَارَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ: وَقَيَّدْنَا بِالثُّبُوتِ الْمَذْكُورِ إلَخْ) قَالَ فِي الشرنبلالية، وَفِي الْمُغْنِي قَالَ الْإِمَامُ الْحَلْوَانِيُّ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْخَبَرَ إذَا اسْتَفَاضَ فِي بَلْدَةٍ أُخْرَى، وَتَحَقَّقَ يَلْزَمُهُمْ حُكْمُ تِلْكَ الْبَلْدَةِ اهـ. وَعَزَاهُ فِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ إلَى الْمُجْتَبَى وَغَيْرِهِ وَمِثْلُهُ فِي الذَّخِيرَةِ بِمَا نَصُّهُ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الْخَبَرَ إذَا اسْتَفَاضَ وَتَحَقَّقَ فِيمَا بَيْنَ أَهْلِ الْبَلْدَةِ الْأُخْرَى يَلْزَمُهُمْ حُكْمُ هَذِهِ الْبَلْدَةِ اهـ. قُلْت: وَقَدْ وَقَعَتْ هَذِهِ الْحَادِثَةُ فِي دِمَشْقَ سَنَةَ 1239 تِسْعٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ وَأَلْفٍ ثَبَتَ رَمَضَانُ بِدِمَشْقَ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ بَعْدَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ وَكَانَ فِي السَّمَاءِ عِلَّةٌ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ ثُمَّ اسْتَفَاضَ الْخَبَرُ عَنْ أَهْلِ بَيْرُوتَ وَأَهْلِ حِمْصَ أَنَّهُمْ صَامُوا الْخَمِيسَ لَكِنْ اسْتَفَاضَ الْخَبَرُ عَنْ عَامَّةِ الْبِلَادِ سِوَى هَذَيْنِ الْبَلَدَيْنِ أَنَّهُمْ صَامُوا الْجُمُعَةَ مِثْلَ دِمَشْقَ فَهَلْ تُعْتَبَرُ الِاسْتِفَاضَةُ الْأُولَى فِي مُخَالَفَتِهَا لِلثَّانِيَةِ أَمْ لَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الظَّاهِرَ يَقْتَضِي غَلَطَ أَهْلِ تِلْكَ الْبَلْدَتَيْنِ نَظِيرُ مَا مَرَّ فِيمَا لَوْ كَانَتْ السَّمَاءُ مُصْحِيَةً وَرَأَى الْهِلَالَ وَاحِدٌ لَا يُعْتَبَرُ؛ لِأَنَّ التَّفَرُّدَ مِنْ بَيْنِ الْجَمِّ الْغَفِيرِ ظَاهِرٌ فِي الْغَلَطِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَيْنِ تِلْكَ الْبِلَادِ بُعْدٌ كَثِيرٌ بِحَيْثُ تَخْتَلِفُ بِهِ الْمَطَالِعُ لَكِنَّ ظَاهِرَ الْإِطْلَاقِ يَقْتَضِي لُزُومَهُ عَامَّةَ الْبِلَادِ مَا ثَبَتَ عِنْدَ بَلْدَةٍ أُخْرَى فَكُلُّ مَنْ اسْتَفَاضَ عِنْدَهُمْ خَبَرُ تِلْكَ الْبَلْدَةِ يَلْزَمُهُمْ اتِّبَاعُ أَهْلِهَا، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: وَيَلْزَمُ أَهْلُ الْمَشْرِقِ بِرُؤْيَةِ أَهْلِ الْمَغْرِب؛ إذْ لَيْسَ الْمُرَادُ بِأَهْلِ الْمَشْرِقِ جَمِيعَهُمْ بَلْ بَلْدَةٌ وَاحِدَةٌ تَكْفِي كَمَا لَا يَخْفَى، وَإِذَا كَانَ هَذَا مَعَ بُعْدِ الْمَسَافَةِ الَّتِي تَخْتَلِفُ فِيهَا الْمَطَالِعُ فَمَعَ قُرْبِهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 290 جَمَاعَةٌ أَنَّ أَهْلَ بَلَدِ كَذَا رَأَوْا هِلَالَ رَمَضَانَ قَبْلَكُمْ بِيَوْمٍ فَصَامُوا، وَهَذَا الْيَوْمُ ثَلَاثُونَ بِحِسَابِهِمْ، وَلَمْ يَرَوْا هَؤُلَاءِ الْهِلَالَ لَا يُبَاحُ فِطْرُ غَدٍ، وَلَا تُتْرَكُ التَّرَاوِيحُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْجَمَاعَةَ لَمْ يَشْهَدُوا بِالرُّؤْيَةِ، وَلَا عَلَى شَهَادَةِ غَيْرِهِمْ، وَإِنَّمَا حَكَوْا رُؤْيَةَ غَيْرِهِمْ، وَلَوْ شَهِدُوا أَنَّ قَاضِيَ بَلَدِ كَذَا شَهِدَ عِنْدَهُ اثْنَانِ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ فِي لَيْلَةِ كَذَا وَقَضَى بِشَهَادَتِهِمَا جَازَ لِهَذَا الْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ بِشَهَادَتِهِمَا؛ لِأَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي حُجَّةٌ، وَقَدْ شَهِدُوا بِهِ، وَأَمَّا مَا اسْتَدَلَّ بِهِ الشَّارِحُ عَلَى اعْتِبَارِ اخْتِلَافِ الْمَطَالِعِ مِنْ وَاقِعَةِ الْفَضْلِ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ حِينَ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ رَأَى الْهِلَالَ بِالشَّامِ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ وَرَآهُ النَّاسُ وَصَامُوا وَصَامَ مُعَاوِيَةُ فَلَمْ يَعْتَبِرْهُ، وَإِنَّمَا اعْتَبَرَ مَا رَآهُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ لَيْلَةَ السَّبْتِ فَلَا دَلِيلَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْهَدْ عَلَى شَهَادَةِ غَيْرِهِ، وَلَا عَلَى حُكْمِ الْحَاكِمِ وَلَئِنْ سَلِمَ فَلِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ وَلَئِنْ سَلِمَ فَهُوَ وَاحِدٌ لَا يَثْبُتُ بِشَهَادَتِهِ وُجُوبُ الْقَضَاءِ عَلَى الْقَاضِي، وَالْمَطَالِعُ جَمْعُ مَطْلِعٍ بِكَسْرِ اللَّامِ مَوْضِعُ الطُّلُوعِ كَذَا فِي ضِيَاءِ الْحُلُومِ. (بَابُ مَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ وَمَا لَا يُفْسِدُهُ) الْفَسَادُ وَالْبُطْلَانُ فِي الْعِبَادَاتِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَهُوَ عَدَمُ الصِّحَّةِ، وَهِيَ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ انْدِفَاعُ وُجُوبِ الْقَضَاءِ بِالْإِتْيَانِ بِالشَّرَائِطِ، وَالْأَرْكَانِ، وَقَدْ يُظَنُّ أَنَّهُ الصِّحَّةُ وَالْفَسَادُ فِي الْعِبَادَاتِ مِنْ أَحْكَامِ الشَّرْعِ الْوَضْعِيَّةِ، وَقَدْ أُنْكِرَ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا حُكْمُنَا بِهِ عَقْلِيٌّ عَلَى مَا عُرِفَ فِي تَحْرِيرِ الْأُصُولِ بِخِلَافِهِمَا فِي الْمُعَامَلَاتِ، فَإِنَّ تَرَتُّبَ أَثَرِ الْمُعَامَلَةِ مَطْلُوبَ التَّفَاسُخِ شَرْعًا هُوَ الْفَسَادُ، وَغَيْرُ مَطْلُوبِ التَّفَاسُخِ هُوَ الصِّحَّةُ، وَعَدَمُ تَرَتُّبِ الْأَثَرِ أَصْلًا هُوَ الْبُطْلَانُ (قَوْلُهُ فَإِنْ أَكَلَ الصَّائِمُ، أَوْ شَرِبَ أَوْ جَامَعَ نَاسِيًا إلَى آخِرِهِ) لِحَدِيثِ الْجَمَاعَةِ إلَّا النَّسَائِيّ «مَنْ نَسِيَ، وَهُوَ صَائِمٌ فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ» وَالْمُرَادُ بِالصَّوْمِ الشَّرْعِيُّ لَا اللُّغَوِيُّ الَّذِي هُوَ مُطْلَقُ الْإِمْسَاكِ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّ الْحَمْلَ عَلَى الْمَفْهُومِ الشَّرْعِيِّ حَيْثُ أَمْكَنَ فِي لَفْظِ الشَّارِعِ وَاجِبٌ خُصُوصًا قَدْ وَرَدَ فِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ «، وَلَا قَضَاءَ عَلَيْك» وَعِنْدَ الْبَزَّارِ «فَلَا يُفْطِرْ» وَأُلْحِقَ الْجِمَاعُ بِهِ دَلَالَةً لِلِاسْتِوَاءِ فِي الرُّكْنِيَّةِ لَا قِيَاسًا فَانْدَفَعَ بِهِ الْقِيَاسُ الْمُقْتَضِي لِلْفِطْرِ لِفَوَاتِ الرُّكْنِ، وَحَقِيقَةُ النِّسْيَانِ عَدَمُ اسْتِحْضَارِ الشَّيْءِ وَقْتَ حَاجَتِهِ قَالُوا: وَلَيْسَ عُذْرًا فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ، وَفِي حُقُوقِهِ - تَعَالَى - عُذْرٌ فِي سُقُوطِ الْإِثْمِ أَمَّا الْحُكْمُ فَإِنْ كَانَ مَعَ مُذَكِّرٍ، وَلَا دَاعِيَ إلَيْهِ كَأَكْلِ الْمُصَلِّي لَمْ يَسْقُطْ لِتَقْصِيرِهِ بِخِلَافِ سَلَامِهِ فِي الْقَعْدَةِ فَإِنَّهُ سَاقِطٌ لِوُجُودِ الدَّاعِي، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَ مُذَكِّرٍ وَلَهُ دَاعٍ كَأَكْلِ الصَّائِمِ سَقَطَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مُذَكِّرٌ، وَلَا دَاعٍ فَأَوْلَى بِالسُّقُوطِ كَتَرْكِ الذَّابِحِ التَّسْمِيَةَ، وَخَرَجَ مَا إذَا أَكَلَ نَاسِيًا فَذَكَّرَهُ إنْسَانٌ بِالصَّوْمِ، وَلَمْ يَتَذَكَّرْ فَأَكَلَ فَسَدَ صَوْمُهُ فِي الصَّحِيحِ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ بِأَنَّ هَذَا الْأَكْلَ حَرَامٌ عَلَيْهِ، وَخَبَرُ الْوَاحِدِ فِي الدِّيَانَاتِ مَقْبُولٌ فَكَانَ يَجِبُ أَنْ يَلْتَفِتَ إلَى تَأَمُّلِ الْحَالِ لِوُجُودِ الْمُذَكِّرِ   [منحة الخالق] أَوْلَى، وَإِذَا كَانَتْ الِاسْتِفَاضَةُ فِي حُكْمِ الثُّبُوتِ لَزِمَ الْعَمَلُ بِهَا هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَتَأَمَّلْهُ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالِاسْتِفَاضَةِ تَوَاتُرُ الْخَبَرِ مِنْ الْوَارِدِينَ مِنْ بَلْدَةِ الثُّبُوتِ إلَى الْبَلْدَةِ الَّتِي لَمْ يَثْبُتْ بِهَا لَا مُجَرَّدُ الِاسْتِفَاضَةِ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَكُونُ مَبْنِيَّةً عَلَى إخْبَارِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَثَلًا فَيَشِيعُ الْخَبَرُ عَنْهُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا لَا يَكْفِي بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ: إذَا اسْتَفَاضَ الْخَبَرُ، وَتَحَقَّقَ فَإِنَّ التَّحْقِيقَ لَا يَكُونُ إلَّا بِمَا ذَكَرْنَا (تَتِمَّةٌ) لَمْ يَذْكُرُوا عِنْدَنَا الْعَمَلَ بِالْأَمَارَاتِ الظَّاهِرَةِ الدَّالَّةِ عَلَى ثُبُوتِ الشَّهْرِ كَضَرْبِ الْمَدَافِعِ فِي زَمَانِنَا وَالظَّاهِرُ وُجُوبُ الْعَمَلِ بِهَا عَلَى مَنْ سَمِعَهَا مِمَّنْ كَانَ غَائِبًا عَنْ الْمِصْرِ كَأَهْلِ الْقُرَى وَنَحْوِهَا كَمَا يَجِبُ الْعَمَلُ بِهَا عَلَى أَهْلِ الْمِصْرِ الَّذِينَ لَمْ يَرَوْا الْحَاكِمَ قَبْلَ شَهَادَةِ الشُّهُودِ وَقَدْ ذَكَرَ هَذَا الْفَرْعَ الشَّافِعِيَّةُ فَصَرَّحَ ابْنُ حَجَرٍ فِي التُّحْفَةِ أَنَّهُ يَثْبُتُ بِالْإِمَارَةِ الظَّاهِرَةِ الدَّالَّةِ الَّتِي لَا تَتَخَلَّفُ عَادَةً كَرُؤْيَةِ الْقَنَادِيلِ الْمُعَلَّقَةِ بِالْمَنَائِرِ قَالَ: وَمُخَالَفَةُ جَمْعٍ فِي ذَلِكَ غَيْرُ صَحِيحَة اهـ. [بَابُ مَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ وَمَا لَا يُفْسِدُهُ] (قَوْلُهُ: بِخِلَافِهِمَا فِي الْمُعَامَلَاتِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: يَعْنِي: الْفَسَادُ وَالْبُطْلَانُ فِي الْمُعَامَلَاتِ مُتَسَاوِيَانِ، وَفِي الْعِبَادَاتِ مُتَغَايِرَانِ وَقَوْلُهُ: مَطْلُوبَ بِالنَّصْبِ عَلَى الْحَالِيَّةِ وَقَوْلُهُ: هُوَ الْفَسَادُ فِي مَحَلِّ الرَّفْعِ خَبَرُ إنَّ يَعْنِي أَنَّ الْعَقْدَ الْمُسْتَحِقَّ لِلْفَسْخِ فَاسِدٌ، وَغَيْرُ الْمُسْتَحِقِّ لَهُ صَحِيحٌ، وَاَلَّذِي لَمْ يَنْعَقِدْ أَصْلًا بَاطِلٌ (قَوْلُهُ: إلَى آخِرِهِ) إنَّمَا أَتَى بِهَذِهِ الْغَايَةِ لِصِحَّةِ الِاسْتِدْلَالِ بِالْحَدِيثِ فَإِنَّهُ دَلِيلٌ لِقَوْلِهِ لَمْ يُفْطِرْ الَّذِي هُوَ جَوَابُ الشَّرْطِ لَكِنَّ الْمَقْصُودَ الِاسْتِدْلَال عَلَى عَدَمِ الْفِطْرِ فِيمَا ذَكَرَهُ فَقَطْ لَا فِيمَا عَطَفَ عَلَيْهِ أَيْضًا مِنْ قَوْلِ الْمَتْنِ: أَوْ احْتَلَمَ أَوْ أَنْزَلَ بِنَظَرٍ إلَخْ (قَوْلُهُ: لِحَدِيثِ الْجَمَاعَةِ) قَالَ فِي النَّهْرِ: الْأَوْلَى الِاسْتِدْلَال بِمَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ نَاسِيًا فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَلَا كَفَّارَةَ» لِجَوَازِ أَنْ يُرَادَ بِالصَّوْمِ اللُّغَوِيُّ؛ لِأَنَّهُ بِتَقْدِيرِ فِطْرِهِ يَلْزَمُهُ الْإِمْسَاكُ تَشَبُّهًا، وَبِهِ يُسْتَغْنَى عَنْ قَوْلِهِمْ: إذَا ثَبَتَ هَذَا فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ ثَبَتَ فِي الْجِمَاعِ دَلَالَةً؛ إذْ لَفْظُ أَفْطَرَ يَعُمُّ مَا إذَا كَانَ بِالْجِمَاعِ أَيْضًا (قَوْلُهُ: فَسَدَ صَوْمُهُ فِي الصَّحِيحِ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 291 وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَذْكُرَهُ إنْ كَانَ شَيْخًا؛ لِأَنَّ مَا يَفْعَلُهُ الصَّائِمُ لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ فَالسُّكُوتُ عَنْهُ لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ، وَلِأَنَّ الشَّيْخُوخَةَ مَظِنَّةُ الْمَرْحَمَةِ، وَإِنْ كَانَ شَابًّا يَقْوَى عَلَى الصَّوْمِ يُكْرَهُ أَنْ لَا يُخْبِرَهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا تَحْرِيمِيَّةٌ؛ لِأَنَّ الْوَلْوَالِجِيَّ قَالَ: يَلْزَمُهُ أَنْ يُخْبِرَهُ وَيُكْرَهُ تَرْكُهُ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْفَرْضَ وَالنَّفَلَ، وَلَوْ بَدَأَ بِالْجِمَاعِ نَاسِيًا فَتَذَكَّرَ إنْ نَزَعَ مِنْ سَاعَتِهِ لَمْ يُفْطِرْ، وَإِنْ دَامَ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى أَنْزَلَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ ثُمَّ قِيلَ: لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: هَذَا إذَا لَمْ يُحَرِّكْ نَفْسَهُ بَعْدَ التَّذَكُّرِ حَتَّى أَنْزَلَ فَإِنْ حَرَّكَ نَفْسَهُ بَعْدَهُ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ كَمَا لَوْ نَزَعَ ثُمَّ أَدْخَلَ، وَلَوْ جَامَعَ عَامِدًا قَبْلَ الْفَجْرِ وَطَلَعَ النَّزْعُ فِي الْحَالِ فَإِنْ حَرَّكَ نَفْسَهُ فَهُوَ عَلَى هَذَا نَظِيرُ مَا قَالُوا لَوْ أَوْلَجَ ثُمَّ قَالَ لَهَا: إنْ جَامَعْتُك فَأَنْت طَالِقٌ أَوْ حُرَّةٌ إنْ نَزَعَ أَوْ لَمْ يَنْزِعْ، وَلَمْ يَتَحَرَّكْ حَتَّى أَنْزَلَ لَمْ تَطْلُقْ، وَلَا تُعْتَقُ، وَإِنْ حَرَّكَ نَفْسَهُ طَلُقَتْ وَعَتَقَتْ وَيَصِيرُ مُرَاجِعًا بِالْحَرَكَةِ الثَّانِيَةِ، وَيَجِبُ لِلْأَمَةِ الْعُقْرُ، وَلَا حَدَّ عَلَيْهَا كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ رَجُلٌ أَصْبَحَ يَوْمَ الشَّكِّ مُتَلَوِّمًا ثُمَّ أَكَلَ نَاسِيًا ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ وَنَوَى صَوْمًا ذَكَرَ فِي الْفَتَاوَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَفِي الْبَقَّالِيِّ النِّسْيَانُ قَبْلَ النِّيَّةِ كَمَا بَعْدَهَا، وَصَحَّحَهُ فِي الْقُنْيَةِ قُيِّدَ بِالنَّاسِي؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُخْطِئًا أَوْ مُكْرَهًا فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، فَإِنَّهُ يَعْتَبِرُ بِالنَّاسِي، وَلَنَا أَنَّهُ لَا يَغْلِبُ وُجُودَهُ وَعُذْرُ النِّسْيَانِ غَالِبٌ، وَلِأَنَّ النِّسْيَانَ مِنْ قِبَلِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ، وَالْإِكْرَاهُ مِنْ قِبَلِ غَيْرِهِ فَيَفْتَرِقَانِ كَالْمُقَيَّدِ وَالْمَرِيضِ الْعَاجِزِ عَنْ الْأَدَاءِ بِالرَّأْسِ فِي قَضَاءِ الصَّلَاةِ حَيْثُ يَقْضِي الْمُقَيَّدُ لَا الْمَرِيضُ وَأَمَّا حَدِيثُ «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ» فَهُوَ مِنْ بَابِ الِاقْتِضَاءِ، وَقَدْ أُرِيدَ الْحُكْمُ الْأُخْرَوِيُّ فَلَا حَاجَةَ إلَى إرَادَةِ الدُّنْيَوِيِّ؛ إذْ هُوَ لَا عُمُومَ لَهُ كَمَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ، وَحَقِيقَةُ الْخَطَأِ أَنْ يَقْصِدَ بِالْفِعْلِ غَيْرَ الْمَحَلِّ الَّذِي يَقْصِدُ بِهِ الْجِنَايَةَ كَالْمَضْمَضَةِ تَسْرِي إلَى الْحَلْقِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ صُورَةِ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ هُنَا أَنَّ الْمُخْطِئَ ذَاكِرٌ لِلصَّوْمِ، وَغَيْرُ قَاصِدٍ لِلشُّرْبِ وَالنَّاسِي عَكْسُهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَقَدْ يَكُونُ الْمُخْطِئُ غَيْرَ ذَاكِرٍ لِلصَّوْمِ وَغَيْرَ قَاصِدٍ لِلشُّرْبِ لَكِنَّهُ فِي حُكْمِ النَّاسِي هُنَا كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَالْمُؤَاخَذَةُ بِالْخَطَأِ جَائِزَةٌ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ وَتَمَامُهُ فِي تَحْرِيرِ الْأُصُولِ وَمِمَّا أُلْحِقَ بِالْمُكْرَهِ النَّائِمُ إذَا صُبَّ فِي حَلْقِهِ مَا يُفْطِرُ، وَكَذَا النَّائِمَةُ إذَا جَامَعَهَا زَوْجُهَا، وَلَمْ تَنْتَبِهْ، وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ: وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا رَمَى إلَى رَجُلٍ حَبَّةَ عِنَبٍ فَدَخَلَتْ حَلْقَهُ، وَهُوَ ذَاكِرٌ لِصَوْمِهِ يَفْسُدُ صَوْمُهُ، وَمَا عَنْ نُصَيْرِ بْنِ يَحْيَى فِيمَنْ اغْتَسَلَ وَدَخَلَ الْمَاءُ فِي حَلْقِهِ لَمْ يَفْسُدْ اهـ.   [منحة الخالق] ظَاهِرُ اقْتِصَارِهِ عَلَى الْفَسَادِ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ النِّصَابِ (قَوْلُهُ: وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يُذَكِّرَهُ إنْ كَانَ شَيْخًا إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ وَمَنْ رَأَى صَائِمًا يَأْكُلُ نَاسِيًا إنْ رَأَى لَهُ قُوَّةً تُمْكِنُهُ أَنْ يُتِمَّ صَوْمَهُ بِلَا ضَعْفٍ الْمُخْتَارُ أَنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ لَا يُخْبِرَهُ، وَإِنْ كَانَ بِحَالِ يَضْعُفُ بِالصَّوْمِ، وَلَوْ أَكَلَ يَتَقَوَّى عَلَى سَائِرِ الطَّاعَاتِ يَسَعُهُ أَنْ لَا يُخْبِرَهُ اهـ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَقَوْلُ الشَّارِحِ إنْ كَانَ شَابًّا ذَكَّرَهُ أَوْ شَيْخًا لَا جَرَى عَلَى الْغَالِبِ ثُمَّ هَذَا التَّفْصِيلُ جَرَى عَلَيْهِ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَفِي السِّرَاجِ عَنْ الْوَاقِعَاتِ إنْ رَأَى فِيهِ قُوَّةَ أَنْ يُتِمَّ الصَّوْمَ إلَى اللَّيْلِ ذَكَّرَهُ وَإِلَّا فَلَا وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يُذَكِّرُهُ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْفَرْضِ، وَلَوْ قَضَاءً أَوْ كَفَّارَةً وَالنَّفَلِ فِي أَنَّهُ يُذَكِّرُهُ أَوَّلًا (قَوْلُهُ: لِأَنَّ مَا يَفْعَلُهُ الصَّائِمُ لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ تَعْلِيلُهُ بِذَلِكَ يَقْتَضِي عَدَمَ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الشَّيْخِ وَالشَّابِّ، وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ مَا يَفْعَلُهُ مَعْصِيَةٌ فِي نَفْسِهِ، وَكَذَا النَّوْمُ عَنْ صَلَاةٍ كَمَا صَرَّحُوا أَنَّهُ يُكْرَهُ السَّهَرُ إذَا خَافَ فَوْتَ الصُّبْحِ لَكِنَّ النَّاسِيَ أَوْ النَّائِمَ غَيْرُ قَادِرٍ فَسَقَطَ الْإِثْمُ عَنْهُمَا لَكِنْ وَجَبَ عَلَى مَنْ يَعْلَمُ حَالَهُمَا تَذْكِيرُ النَّاسِي، وَإِيقَاظُ النَّائِمِ إلَّا فِي حَقِّ الضَّعِيفِ عَنْ الصَّوْمِ مَرْحَمَةً لَهُ (قَوْلُهُ: وَإِنْ دَامَ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى أَنْزَلَ) لَيْسَ الْإِنْزَالُ شَرْطًا فِي إفْسَادِ الصَّوْمِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ لِبَيَانِ حُكْمِ الْكَفَّارَةِ فِي قَوْلِهِ ثُمَّ قِيلَ إلَخْ نَبَّهَ عَلَيْهِ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي الْإِمْدَادِ (قَوْلُهُ: فَهُوَ عَلَى هَذَا) قَالَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ: يَعْنِي فِي لُزُومِ الْكَفَّارَةِ أَمَّا إفْسَادُ الصَّوْمِ فَيَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ الْمُكْثِ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ (قَوْلُهُ: وَفِي الْبَقَّالِيِّ: النِّسْيَانُ قَبْلَ النِّيَّةِ كَمَا بَعْدَهَا) أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا فِي مَسْأَلَةِ الْمُتَلَوِّمِ لِكَوْنِهِ فِي مَعْنَى الصَّائِمِ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ صَاحِبَ الْقُنْيَةِ نَقَلَ التَّصْحِيحَ عَقِبَ مَسْأَلَةِ الْمُتَلَوِّمِ فَقَالَ بَعْدَ مَا رَمَزَ لِبَعْضِ الْمَشَايِخِ: وَالصَّحِيحُ فِي النِّسْيَانِ قَبْلَ النِّيَّةِ أَنَّهُ كَمَا بَعْدَهَا اهـ. وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ رَمَضَانَ مُعَيَّنٌ لِلصَّوْمِ بِتَعْيِينِ الشَّارِعِ فَإِذَا أَكَلَ الْمُتَلَوِّمُ نَاسِيًا فِيهِ لَا يَضُرُّهُ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ النِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا ظَهَرَتْ رَمَضَانِيَّتُهُ وَكَانَ هُوَ مُتَلَوِّمًا فِي مَعْنَى الصَّائِمِ صَارَ كَأَنَّهُ أَكَلَ بَعْدَ النِّيَّةِ بِخِلَافِ النَّفْلِ فَإِنَّهُ لَوْ أَكَلَ نَاسِيًا ثُمَّ نَوَى النَّفَلَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُتَعَيِّنًا لِلصَّوْمِ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ وَلِأَنَّهُ لَمْ تُوجَدْ النِّيَّةُ لَا حَقِيقَةً، وَلَا حُكْمًا حَتَّى يَتَحَقَّقَ النِّسْيَانُ وَلِذَا قَالَ فِي السِّرَاجِ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ فَإِنْ أَكَلَ الصَّائِمُ إذْ لَوْ أَكَلَ قَبْلَ أَنْ يَنْوِيَ الصَّوْمَ نَاسِيًا ثُمَّ نَوَى الصَّوْمَ لَمْ يُجْزِهِ اهـ. فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَحَقِيقَةُ الْخَطَأِ أَنْ يَقْصِدَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَفِي الْفَتْحِ الْمُرَادُ بِالْمُخْطِئِ مَنْ فَسَدَ صَوْمُهُ بِفِعْلِهِ الْمَقْصُودِ دُونَ قَصْدِ الْفَسَادِ كَمَنْ تَسَحَّرَ عَلَى ظَنِّ عَدَمِ الْفَجْرِ أَوْ أَكَلَ يَوْمَ الشَّكِّ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ فِي الْفَجْرِ وَرَمَضَانَ اهـ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَظَاهِرٌ أَنَّ التَّسَحُّرَ لَيْسَ قَيْدًا بَلْ لَوْ جَامَعَ عَلَى هَذَا الظَّنِّ فَهُوَ مُخْطِئٌ اهـ. قُلْت: بَلْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي السِّرَاجِ وَبِهِ يُسْتَغْنَى عَنْ التَّكَلُّفِ لِتَصْوِيرِ الْخَطَأِ فِي الْجِمَاعِ بِمَا إذَا بَاشَرَهَا مُبَاشَرَةً فَاحِشَةً فَتَوَارَتْ حَشَفَتُهُ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ: وَالْمُؤَاخَذَةُ بِالْخَطَأِ جَائِزَةٌ) أَيْ عَقْلًا كَمَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 292 خِلَافُ الْمَذْهَبِ، وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: النَّائِمُ إذَا شَرِبَ فَسَدَ صَوْمُهُ وَلَيْسَ هُوَ كَالنَّاسِي؛ لِأَنَّ النَّائِمَ ذَاهِبُ الْعَقْلِ وَإِذَا ذَبَحَ لَمْ تُؤْكَلْ ذَبِيحَتُهُ، وَتُؤْكَلُ ذَبِيحَةُ مَنْ نَسِيَ التَّسْمِيَةَ. (قَوْلُهُ: أَوْ احْتَلَمَ أَوْ أَنْزَلَ بِنَظَرٍ) أَيْ لَا يُفْطِرُ لِحَدِيثِ السُّنَنِ «لَا يُفْطِرُ مَنْ قَاءَ، وَلَا مَنْ احْتَلَمَ، وَلَا مَنْ احْتَجَمَ» وَلِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الْجِمَاعُ صُورَةً لِعَدَمِ الْإِيلَاجِ حَقِيقَةً، وَلَا مَعْنَى لِعَدَمِ الْإِنْزَالِ عَنْ شَهْوَةِ الْمُبَاشَرَةِ؛ وَلِهَذَا ذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوِيهِ بِأَنَّ مَنْ جَامَعَ فِي رَمَضَانَ قَبْلَ الصُّبْحِ فَلَمَّا خَشِيَ أَخْرَجَ فَأَنْزَلَ بَعْدَ الصُّبْحِ لَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الِاحْتِلَامِ لِوُجُودِ صُورَةِ الْجِمَاعِ مَعْنًى قَالُوا الصَّائِمُ إذَا عَالَجَ ذَكَرَهُ حَتَّى أَمْنَى يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ كَذَا فِي التَّجْنِيسِ والولوالجية وَبِهِ قَالَ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَاخْتَارَ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْكَافُ أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ وَصَحَّحَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِصِيغَةِ: وَالْأَصَحُّ عِنْدِي قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ لِعَدَمِ الصُّورَةِ وَالْمَعْنَى، وَهُوَ مَرْدُودٌ؛ لِأَنَّ الْمُبَاشَرَةَ الْمَأْخُوذَةَ فِي مَعْنَى الْجِمَاعِ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهَا مُبَاشَرَةَ الْغَيْرِ أَوَّلًا بِأَنْ يُرَادَ مُبَاشَرَةٌ هِيَ سَبَبُ الْإِنْزَالِ سَوَاءٌ كَانَ مَا بُوشِرَ مِمَّا يُشْتَهَى عَادَةً أَوْ لَا وَلِهَذَا أَفْطَرَ بِالْإِنْزَالِ فِي فَرْجِ الْبَهِيمَةِ وَالْمَيْتَةِ وَلَيْسَا مِمَّا يُشْتَهَى عَادَةً وَأَمَّا مَا نُقِلَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ مِنْ عَدَمِ الْإِفْطَارِ بِالْإِنْزَالِ فِي الْبَهِيمَةِ فَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ: إنَّ هَذَا الْقَوْلَ زَلَّةٌ مِنْهُ وَهَلْ يَحِلُّ الِاسْتِمْنَاءُ بِالْكَفِّ خَارِجَ رَمَضَانَ إنْ أَرَادَ الشَّهْوَةَ لَا يَحِلُّ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «نَاكِحُ الْيَدِ مَلْعُونٌ» ، وَإِنْ أَرَادَ تَسْكِينَ الشَّهْوَةِ يُرْجَى أَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهِ وَبَالٌ كَذَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ فِي رَمَضَانَ لَا يَحِلُّ مُطْلَقًا أَطْلَقَ فِي النَّظَرِ فَشَمِلَ مَا إذَا نَظَرَ إلَى وَجْهِهَا أَوْ فَرْجِهَا كَرَّرَ النَّظَرَ أَوْ لَا وَقَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَبَّلَهَا بِشَهْوَةٍ فَأَنْزَلَ فَسَدَ صَوْمُهُ لِوُجُودِ مَعْنَى الْجِمَاعِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُنْزِلْ حَيْثُ لَا يَفْسُدُ لِعَدَمِ الْمُنَافِي صُورَةً وَمَعْنًى، وَهُوَ مَحْمَلُ قَوْلِهِ أَوْ قَبَّلَ بِخِلَافِ الرَّجْعَةِ وَالْمُصَاهَرَةِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ هُنَاكَ أَدْبَرَ عَلَى السَّبَبِ عَلَى مَا يَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى - وَاللَّمْسُ وَالْمُبَاشَرَةُ وَالْمُصَافَحَةُ وَالْمُعَانَقَةُ كَالْقُبْلَةِ، وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا تَفْتَقِرُ إلَى كَمَالِ الْجِنَايَةِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْغَالِبَ فِيهَا الْعُقُوبَةُ؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ لِجَبْرِ الْفَائِتِ، وَهُوَ قَدْ حَصَلَ فَكَانَتْ زَاجِرَةً فَقَطْ وَلِهَذَا تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ، وَلَا بَأْسَ بِالْقُبْلَةِ إذَا أَمِنَ عَلَى نَفْسِهِ الْجِمَاعَ وَالْإِنْزَالَ، وَيُكْرَهُ إذَا لَمْ يَأْمَنْ؛ لِأَنَّ عَيْنَهُ لَيْسَ بِمُفْطِرٍ وَرُبَّمَا يَصِيرُ فِطْرًا بِعَاقِبَتِهِ فَإِنْ أَمِنَ اُعْتُبِرَ عَيْنُهُ وَأُبِيحَ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَأْمَنْ اُعْتُبِرَ عَاقِبَتُهُ وَيُكْرَهُ لَهُ وَالْمُبَاشَرَةُ كَالْقُبْلَةِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ كَرِهَ الْمُبَاشَرَةَ الْفَاحِشَةَ وَاخْتَارَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ رِوَايَةَ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهَا سَبَبٌ غَالِبٌ لِلْإِنْزَالِ، وَجَزَمَ بِالْكَرَاهَةِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافِ الْوَلْوَالِجِيِّ فِي فَتَاوِيهِ وَيَشْهَدُ لِلتَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ فِي الْقُبْلَةِ الْحَدِيثُ مِنْ تَرْخِيصِهِ لِلشَّيْخِ وَنَهْيِهِ الشَّابَّ، وَالتَّقْبِيلُ الْفَاحِشُ كَالْمُبَاشَرَةِ الْفَاحِشَةِ، وَهُوَ أَنْ يَمْضُغَ شَفَتَيْهَا كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَقَيَّدْنَا بِكَوْنِهِ قَبَّلَهَا؛ لِأَنَّهَا لَوْ قَبَّلَتْهُ وَوَجَدَتْ لَذَّةَ الْإِنْزَالِ، وَلَمْ تَرَ بَلَلًا فَسَدَ صَوْمُهَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَكَذَا فِي وُجُوبِ الْغُسْلِ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ وَالْمُرَادُ بِاللَّمْسِ اللَّمْسُ بِلَا حَائِلٍ فَإِنْ مَسَّهَا وَرَاءَ الثِّيَابِ فَأَمْنَى فَإِنْ وَجَدَ حَرَارَةَ جِلْدِهَا فَسَدَ، وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ مَسَّتْ زَوْجَهَا فَأَنْزَلَ لَمْ يَفْسُدْ صَوْمُهُ وَقِيلَ: إنْ تَكَلَّفَ لَهُ فَسَدَ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ أَيْضًا، وَفِي الذَّخِيرَةِ وَلَوْ مَسَّ فَرْجَ بَهِيمَةٍ فَأَنْزَلَ لَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ بِالِاتِّفَاقِ، وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ فَإِنْ عَمِلَتْ الْمَرْأَتَانِ عَمَلَ الرِّجَالِ مِنْ الْجِمَاعِ فِي رَمَضَانَ إنْ أَنْزَلَتَا فَعَلَيْهِمَا الْقَضَاءُ، وَإِنْ لَمْ يُنْزِلَا فَلَا غُسْلَ، وَلَا قَضَاءَ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَوْ أَصْبَحَ جُنُبًا لَا يَضُرُّهُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ (قَوْلُهُ أَوْ ادَّهَنَ أَوْ احْتَجَمَ أَوْ اكْتَحَلَ أَوْ قَبَّلَ) أَيْ لَا يُفْطِرُ؛ لِأَنَّ الِادِّهَانَ غَيْرُ مُنَافٍ لِلصَّوْمِ، وَلِعَدَمِ وُجُودِ الْمُفْطِرِ صُورَةً وَمَعْنًى وَالدَّاخِلُ مِنْ الْمَسَامِّ لَا مِنْ الْمَسَالِكِ فَلَا يُنَافِيهِ كَمَا لَوْ اغْتَسَلَ بِالْمَاءِ الْبَارِدِ، وَوَجَدَ بَرْدَهُ فِي كَبِدِهِ، وَإِنَّمَا كَرِهَ أَبُو حَنِيفَةَ الدُّخُولَ فِي الْمَاءِ وَالتَّلَفُّفَ بِالثَّوْبِ الْمَبْلُولِ لِمَا فِيهِ مِنْ إظْهَارِ الضَّجَرِ فِي إقَامَةِ الْعِبَادَةِ لَا؛ لِأَنَّهُ قَرِيبٌ مِنْ الْإِفْطَارِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يُكْرَهُ ذَلِكَ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ وَكَذَا   [منحة الخالق] فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ لِابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ وَلِذَا سُئِلَ - تَعَالَى - عَدَمَ الْمُؤَاخَذَةِ بِهِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ أَرَادَ تَسْكِينَ الشَّهْوَةِ) أَيْ الشَّهْوَةِ الْمُفْرِطَةِ الشَّاغِلَةِ لِلْقَلْبِ، وَكَانَ عَزَبًا لَا زَوْجَةَ لَهُ، وَلَا أَمَةَ أَوْ كَانَ إلَّا أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْوُصُولِ إلَيْهَا لِعُذْرٍ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ (قَوْلُهُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ كَرِهَ الْمُبَاشَرَةَ الْفَاحِشَةَ) هِيَ أَنْ يُعَانِقَهَا، وَهُمَا مُتَجَرِّدَانِ، وَيَمَسَّ فَرْجُهُ فَرْجَهَا قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: وَهَذَا مَكْرُوهٌ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّ الْمُبَاشَرَةَ إذَا بَلَغَتْ هَذَا الْمَبْلَغَ تُفْضِي إلَى الْجِمَاعِ غَالِبًا اهـ. تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ إنْ تَكَلَّفَ لَهُ فَسَدَ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: يَنْبَغِي تَرْجِيحُ هَذَا؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى فِي سَبَبِيَّةِ الْإِنْزَالِ تَأَمَّلْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 293 الِاحْتِجَامُ غَيْرُ مُنَافٍ أَيْضًا، وَلِمَا رَوَيْنَا مِنْ الْحَدِيثِ، وَهُوَ مَكْرُوهٌ لِلصَّائِمِ إذَا كَانَ يُضْعِفُهُ عَنْ الصَّوْمِ أَمَّا إذَا كَانَ لَا يَخَافُهُ فَلَا بَأْسَ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَكَذَا الِاكْتِحَالُ، وَأَطْلَقَهُ فَأَفَادَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَجِدَ طَعْمَهُ فِي حَلْقِهِ أَوْ لَا وَكَذَا لَوْ بَزَقَ فَوَجَدَ لَوْنَهُ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ الْمَوْجُودَ فِي حَلْقِهِ أَثَرُهُ لَا عَيْنُهُ كَمَا لَوْ ذَاقَ شَيْئًا، وَكَذَا لَوْ صُبَّ فِي عَيْنِهِ لَبَنٌ أَوْ دَوَاءٌ مَعَ الدُّهْنِ فَوَجَدَ طَعْمَهُ، أَوْ مَرَارَتَهُ فِي حَلْقِهِ لَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ كَهَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ: وَلَوْ مَصَّ الْهِلَيلَجَ وَجَعَلَ يَمْضُغُهَا فَدَخَلَ الْبُزَاقُ حَلْقَهُ، وَلَا يَدْخُلُ عَيْنُهَا فِي جَوْفِهِ لَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ فَإِنْ فَعَلَ هَذَا بِالْفَانِيدِ أَوْ السُّكْرِ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ، وَفِي مَآلِ الْفَتَاوَى لَوْ أَفْطَرَ عَلَى الْحَلَاوَةِ فَوَجَدَ طَعْمَهَا فِي فَمِهِ فِي الصَّلَاةِ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَأَمَّا الْقُبْلَةُ فَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا (قَوْلُهُ أَوْ دَخَلَ حَلْقَهُ غُبَارٌ أَوْ ذُبَابٌ، وَهُوَ ذَاكِرٌ لِصَوْمِهِ) يَعْنِي لَا يُفْطِرُ؛ لِأَنَّ الذُّبَابَ لَا يُسْتَطَاعُ الِامْتِنَاعُ عَنْهُ فَشَابَهُ الدُّخَانُ وَالْغُبَارُ لِدُخُولِهِمَا مِنْ الْأَنْفِ إذَا طَبَّقَ الْفَمَ قُيِّدَ بِمَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَصَلَ لِحَلْقِهِ دُمُوعُهُ أَوْ عَرَقُهُ أَوْ دَمُ رُعَافِهِ أَوْ مَطَرٌ أَوْ ثَلْجٌ فَسَدَ صَوْمُهُ لِتَيَسُّرِ طَبْقِ الْفَمِ وَفَتْحِهِ أَحْيَانَا مَعَ الِاحْتِرَازِ عَنْ الدُّخُولِ، وَإِنْ ابْتَلَعَهُ مُتَعَمِّدًا أَلْزَمَتْهُ الْكَفَّارَةُ، وَاعْتِبَارُ الْوُصُولِ إلَى الْحَلْقِ فِي الدَّمْعِ وَنَحْوِهِ مَذْكُورٌ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ، وَهُوَ أَوْلَى مِمَّا فِي الْخِزَانَةِ مِنْ تَقْيِيدِ الْفَسَادِ بِوِجْدَانِ الْمُلُوحَةِ فِي الْأَكْثَرِ مِنْ قَطْرَتَيْنِ وَنَفْيِ الْفَسَادِ فِي الْقَطْرَةِ وَالْقَطْرَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْقَطْرَةَ يَجِدُ مُلُوحَتَهَا فَلَا مُعَوَّلَ عَلَيْهِ، وَالتَّعْلِيلُ فِي الْمَطَرِ بِمَا ذَكَرْنَا أَوْلَى مِمَّا فِي الْهِدَايَةِ وَالتَّبْيِينِ مِنْ التَّعْلِيلِ بِإِمْكَانِ أَنْ تَأْوِيَهُ خَيْمَةٌ أَوْ سَقْفٌ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْمُسَافِرَ الَّذِي لَا يَجِدُ مَا يَأْوِيهِ لَيْسَ حُكْمُهُ كَغَيْرِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ: وَإِذَا نَزَّلَ الدُّمُوعَ مِنْ عَيْنَيْهِ إلَى فَمِهِ فَابْتَلَعَهَا يَجِبُ الْقَضَاءُ بِلَا كَفَّارَةٍ وَفِي مُتَفَرِّقَاتِ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ إنْ تَلَذَّذَ بِابْتِلَاعِ الدُّمُوعِ يَجِبُ الْقَضَاءُ مَعَ الْكَفَّارَةِ، وَغُبَارُ الطَّاحُونَةِ كَالدُّخَانِ، وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: الدَّمُ إذَا خَرَجَ مِنْ الْأَسْنَانِ وَدَخَلَ الْحَلْقَ إنْ كَانَتْ الْغَلَبَةُ لِلْبُزَاقِ لَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ، وَإِنْ كَانَتْ لِلدَّمِ فَسَدَ، وَكَذَا إنْ اسْتَوَيَا احْتِيَاطًا ثُمَّ قَالَ الصَّائِمُ إذَا دَخَلَ الْمُخَاطُ أَنْفَهٌ مِنْ رَأْسِهِ ثُمَّ اسْتَشَمَّهُ وَدَخَلَ حَلْقَهُ عَلَى تَعَمُّدٍ مِنْهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ رِيقِهِ إلَّا أَنْ يَجْعَلَهُ عَلَى كَفِّهِ ثُمَّ يَبْتَلِعَهُ فَيَكُونَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَكَذَا الْمُخَاطُ وَالْبُزَاقُ يَخْرُجُ مِنْ فِيهِ أَوْ أَنْفِهِ فَاسْتَشَمَّهُ وَاسْتَنْشَقَهُ لَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ لَوْ ابْتَلَعَ رِيقَ غَيْرِهِ أَفْطَرَ، وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَلَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ فَسَيَأْتِي فِي آخِرِ الْكِتَابِ فِي مَسَائِلَ شَتَّى أَنَّهُ لَوْ ابْتَلَعَ بُزَاقَ غَيْرِهِ كَفَّرَ لَوْ صَدِيقَهُ وَإِلَّا لَا أَقَرَّهُ عَلَيْهِ الشَّارِحُ الزَّيْلَعِيُّ (قَوْلُهُ أَوْ أَكَلَ مَا بَيْنَ أَسْنَانِهِ) أَيْ لَا يُفْطِرُ؛ لِأَنَّهُ قَلِيلٌ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ فَجُعِلَ بِمَنْزِلَةِ الرِّيقِ، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ الْمُصَنِّفُ بِالْقِلَّةِ مَعَ أَنَّ الْكَثِيرَ مُفْسِدٌ مُوجِبٌ لِلْقَضَاءِ دُونَ الْكَفَّارَةِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِزُفَرَ لِمَا أَنَّ الْكَثِيرَ لَا يَبْقَى بَيْنَ الْأَسْنَانِ، وَهُوَ مِقْدَارُ الْحِمَّصَةِ عَلَى رَأْيِ الصَّدْرِ الشَّهِيدِ أَوْ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَبْتَلِعَهُ مِنْ غَيْرِ رِيقٍ عَلَى مَا اخْتَارَهُ الدَّبُوسِيُّ وَاسْتَحْسَنَهُ ابْنُ الْهُمَامِ وَمَا دُونَهُ قَلِيلٌ، وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا ابْتَلَعَهُ أَوْ مَضَغَهُ، وَسَوَاءٌ قَصَدَ ابْتِلَاعَهُ أَوْ لَا كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَقُيِّدَ بِأَكْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَخْرَجَهُ ثُمَّ ابْتَلَعَهُ فَسَدَ صَوْمُهُ كَمَا لَوْ ابْتَلَعَ سِمْسِمَةً أَوْ حَبَّةَ حِنْطَةٍ مِنْ خَارِجٍ لَكِنْ تَكَلَّمُوا فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ وَالْمُخْتَارُ الْوُجُوبُ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ، وَهُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ بِخِلَافِ مَا لَوْ مَضَغَهَا حَيْثُ لَا يَفْسُدُ؛ لِأَنَّهَا تَتَلَاشَى إلَّا إذَا كَانَ قَدْرَ الْحِمَّصَةِ فَإِنَّ صَوْمَهُ يَفْسُدُ، وَفِي الْكَافِي فِي السِّمْسِمَةِ قَالَ إنْ مَضَغَهَا لَا يَفْسُدُ إلَّا إنْ وَجَدَ طَعْمَهَا فِي حَلْقِهِ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَهَذَا حَسَنٌ جِدًّا فَلْيَكُنْ الْأَصْلُ فِي كُلِّ قَلِيلٍ مَضْغَهُ وَصَرَّحَ فِي الْمُحِيطِ بِمَا فِي الْكَافِي، وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ: رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ خَرَجَ عَلَى أَصْحَابِهِ يَوْمًا وَسَأَلَهُمْ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ: مَاذَا تَقُولُونَ فِي صَائِمِ رَمَضَانَ إذَا ابْتَلَعَ سِمْسِمَةً وَاحِدَةً كَمَا هِيَ أَيُفْطِرُ قَالُوا: لَا، قَالَ: أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَكَلَ كَفًّا مِنْ سِمْسِمٍ وَاحِدَةٍ بَعْدَ وَاحِدَةٍ وَابْتَلَعَ كَمَا هِيَ قَالُوا:   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْقَطْرَةَ يَجِدُ مُلُوحَتَهَا) كَذَا فِي الْفَتْحِ ثُمَّ قَالَ: فَالْأَوْلَى عِنْدِي الِاعْتِبَارُ بِوُجُودِ أَنَّ الْمُلُوحَةَ لِصَحِيحِ الْحِسِّ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ فِي أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَمَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: لَوْ دَخَلَ دَمْعُهُ أَوْ عَرَقُ جَبِينِهِ أَوْ دَمُ رُعَافِهِ حَلْقَهُ فَسَدَ صَوْمُهُ يُوَافِقُ مَا ذَكَرْنَاهُ فَإِنَّهُ عَلَّقَ بِوُصُولِهِ إلَى الْحَلْقِ وَمُجَرَّدُ وِجْدَانِ الْمُلُوحَةِ دَلِيلٌ ذَلِكَ اهـ. قَالَ فِي النَّهْرِ وَأَقُولُ: فِي الْخُلَاصَةِ فِي الْقَطْرَةِ وَالْقَطْرَتَيْنِ لَا فِطْرَ أَمَّا فِي الْأَكْثَرِ فَإِنْ وَجَدَ الْمُلُوحَةَ فِي جَمِيعِ الْفَمِ وَاجْتَمَعَ شَيْءٌ كَثِيرٌ وَابْتَلَعَهُ أَفْطَرَ وَإِلَّا فَلَا، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي تَعْلِيقِ الْحُكْمِ عَلَى وِجْدَانِ الْمُلُوحَةِ فِي جَمِيعِ الْفَمِ؛ إذْ لَا شَكَّ أَنَّ الْقَطْرَةَ وَالْقَطْرَتَيْنِ لَيْسَا كَذَلِكَ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ فَتَدَبَّرْ اهـ. وَفِي الْإِمْدَادِ عَنْ الْمَقْدِسِيَّ الْقَطْرَةُ لِقِلَّتِهَا لَا يَجِدُ طَعْمَهَا فِي الْحَلْقِ لِتَلَاشِيهَا قَبْلَ الْوُصُولِ إلَيْهِ (قَوْلُهُ: لِمَا أَنَّ الْكَثِيرَ لَا يَبْقَى) قَالَ فِي النَّهْرِ: مَمْنُوعٌ إذْ قَدَّرَ الْمُفْطِرُ مِمَّا يَبْقَى، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الشَّارِحُ الْمُرَادُ بِمَا بَيْنَ الْأَسْنَانِ الْقَلِيلُ اهـ. فَلْيُتَأَمَّلْ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 294 نَعَمْ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ قَالَ بِالْأُولَى أَمْ بِالْأَخِيرَةِ قَالُوا لَا بَلْ بِالْأُولَى قَالَ الْحَاكِمُ الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ فَعَلَى قِيَاسِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ يَجِبُ الْقَضَاءُ مَعَ الْكَفَّارَةِ إذَا ابْتَلَعَهَا كَمَا هِيَ اهـ. وَتَقَدَّمَ أَنَّ وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ هُوَ الْمُخْتَارُ وَذَكَرَ قَبْلَهَا، وَإِذَا ابْتَلَعَ حَبَّةَ الْعِنَبِ إنْ مَضَغَهَا قَضَى وَكَفَّرَ، وَإِنْ ابْتَلَعَهَا كَمَا هِيَ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا ثُفْرُوقُهَا فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ كَانَ مَعَهَا ثُفْرُوقُهَا قَالَ عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ: عَلَيْهِ الْقَضَاءُ مَعَ الْكَفَّارَةِ، وَقَالَ أَبُو سُهَيْلٍ: لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهَا لَا تُؤْكَلُ مَعَ ذَلِكَ عَادَةً وَأَرَادَ بِالثُّفْرُوقِ هَا هُنَا مَا يَلْتَزِقُ بِالْعُنْقُودِ مِنْ حَبِّ الْعِنَبِ وَثُقْبَتُهُ مَسْدُودَةٌ بِهِ، وَإِنْ ابْتَلَعَ تُفَّاحَةً رَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةَ ثُمَّ مَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ فَإِنَّهُ يُفْسِدُ الصَّلَاةَ، وَهُوَ قَدْرُ الْحِمَّصَةِ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ أَكَلَ بَعْضَ لُقْمَةٍ وَبَقِيَ الْبَعْضُ بَيْنَ أَسْنَانِهِ فَشَرَعَ فِيهَا وَابْتَلَعَ الْبَاقِيَ لَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ مَا لَمْ تَبْلُغْ مِلْءَ الْفَمِ وَقَدْرَ الْحِمَّصَةِ لَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ بِخِلَافِ الصَّوْمِ (قَوْلُهُ أَوْ قَاءَ وَعَادَ لَمْ يُفْطِرْ) لِحَدِيثِ السُّنَنِ «مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ، وَهُوَ صَائِمٌ فَلَيْسَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَإِنْ اسْتَقَاءَ فَلْيَقْضِ» وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْعَوْدَ لِيُفِيدَ أَنَّ مُجَرَّدَ الْقَيْءِ بِلَا عَوْدٍ لَا يُفْطِرُ بِالْأَوْلَى وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا مَلَأ الْفَمَ أَوْ لَا، وَفِيمَا إذَا عَادَ وَمَلَأَ الْفَمَ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ وَالصَّحِيحُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ لِعَدَمِ وُجُودِ الصُّنْعِ وَلِعَدَمِ وُجُودِ صُورَةِ الْفِطْرِ، وَهُوَ الِابْتِلَاعُ، وَكَذَا مَعْنَاهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَغَذَّى بِهِ بَلْ النَّفْسُ تَعَافُهُ. (قَوْلُهُ، وَإِنْ أَعَادَهُ أَوْ اسْتَقَاءَ أَوْ ابْتَلَعَ حَصَاةً أَوْ حَدِيدًا قَضَى فَقَطْ) أَيْ أَعَادَ الْقَيْءَ أَوْ قَاءَ عَامِدًا وَابْتَلَعَ مَا لَا يُتَغَذَّى بِهِ، وَلَا يُتَدَاوَى بِهِ عَادَةً فَسَدَ صَوْمُهُ وَلَزِمَهُ الْقَضَاءُ، وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَأَطْلَقَ فِي الْإِعَادَةِ فَشَمِلَ مَا إذَا لَمْ يَمْلَأْ الْفَمَ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ لِوُجُودِ الصُّنْعِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يَفْسُدُ لِعَدَمِ الْخُرُوجِ شَرْعًا، وَهُوَ الْمُخْتَارُ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّقْيِيدِ بِمِلْءِ الْفَمِ وَأَطْلَقَ فِي الِاسْتِقَاءِ فَشَمِلَ مَا إذَا لَمْ يَمْلَأْ الْفَمَ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ، وَلَا يُفْطِرُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ لَكِنْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي كَافِيهِ أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ كَقَوْلِ مُحَمَّدٍ: وَإِنَّمَا لَمْ يُقَيِّدْ الِاسْتِقَاءَ بِالْعَمْدِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ لِمَا قَدَّمَهُ أَنَّ النِّسْيَانَ لَا يُفْطِرُ وَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّ ذِكْرَ الْعَمْدِ مَعَ الِاسْتِقَاءِ تَأْكِيدٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا مَعَ الْعَمْدِ مَرْدُودٌ؛ لِأَنَّ الْعَمْدَ يُخْرِجُ النِّسْيَانَ إنْ مُتَعَمِّدًا لِفِطْرِهِ لَا مُتَعَمِّدًا لِلْقَيْءِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ صُوَرَ الْمَسَائِلِ اثْنَا عَشَرَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ أَوْ اسْتَقَاءَ وَكُلٌّ مِنْهُمَا لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَمْلَأَ الْفَمَ أَوْ لَا وَكُلٌّ مِنْ الْأَرْبَعَةِ أَمَّا إنْ عَادَ بِنَفْسِهِ أَوْ أَعَادَهُ أَوْ خَرَجَ، وَلَمْ يُعِدْهُ، وَلَا عَادَ بِنَفْسِهِ، وَأَنَّ صَوْمَهُ لَا يَفْسُدُ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الْجَمِيعِ إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ فِي الْإِعَادَةِ بِشَرْطِ مِلْءِ الْفَمِ، وَفِي الِاسْتِقَاءِ بِشَرْطِ مِلْءِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ مَعَهَا تَفْرُوقُهَا إلَخْ) قَالَ فِي السِّرَاجِ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: إنْ وَصَلَ تَفْرُوقُهَا إلَى الْجَوْفِ أَوَّلًا أَنْ لَا تَجِبَ الْكَفَّارَةُ، وَإِنْ وَصَلَ اللُّبُّ أَوَّلًا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ (قَوْلُهُ: وَأَرَادَ بِالتُّفْرُوقِ هَا هُنَا إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ عَنْ الْقَامُوسِ: التُّفْرُوقُ بِالضَّمِّ قِمْعُ الثَّمَرَةِ أَوْ مَا يَلْتَزِقُ بِهِ قِمْعُهَا جَمْعُهُ تَفَارِيقُ. (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ الْخُرُوجِ شَرْعًا) ؛ لِأَنَّ مَا دُونَ مِلْءِ الْفَمِ لَيْسَ لَهُ حُكْمُ الْخَارِجِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ ضَبْطُهُ بِخِلَافِ مَا كَانَ مِلْءَ الْفَمِ فَإِنَّ لَهُ حُكْمَ الْخَارِجِ، وَفَائِدَتُهُ تَظْهَرُ فِي أَرْبَعِ مَسَائِلَ كَمَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ أَحَدُهُمَا إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ مِلْءِ الْفَمِ وَعَادَ أَوْ شَيْءٌ مِنْهُ قَدْرَ الْحِمَّصَةِ لَمْ يُفْطِرْ إجْمَاعًا أَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِخَارِجٍ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ مِنْ مِلْءِ الْفَمِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا صُنْعَ لَهُ فِي الْإِدْخَالِ، وَالثَّانِيَةُ إنْ كَانَ مَلْءَ الْفَمِ وَأَعَادَهُ أَوْ شَيْئًا مِنْهُ قَدْرَ الْحِمَّصَةِ فَصَاعِدًا أَفْطَرَ إجْمَاعًا أَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَلِأَنَّهُ مِلْءُ الْفَمِ فَكَانَ خَارِجًا، وَمَا كَانَ خَارِجًا إذَا أَدْخَلَهُ جَوْفَهُ فَسَدَ صَوْمُهُ، وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ: قَدْ وُجِدَ مِنْهُ الصُّنْعُ، وَالثَّالِثَةُ: إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ مِلْءِ الْفَمِ وَأَعَادَهُ أَوْ شَيْئًا مِنْهُ أَفْطَرَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِمَا مَرَّ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يُفْطِرُ لِمَا مَرَّ وَالرَّابِعَةُ إذَا كَانَ مِلْءَ الْفَمِ وَعَادَ بِنَفْسِهِ أَوْ شَيْءٌ مِنْهُ مِقْدَارَ الْحِمَّصَةِ فَصَاعِدًا أَفْطَرَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ: لَا، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ صُورَةُ الْفِطْرِ، وَهُوَ الِابْتِلَاعُ بِصُنْعِهِ، وَلَا مَعْنَاهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَغَذَّى بِهِ، وَلِأَنَّهُ كَمَا لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْ خُرُوجِهِ فَكَذَا عَنْ عَوْدِهِ فَجُعِلَ عَفْوًا اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا لَمْ يُقَيِّدْ الِاسْتِقَاءَ بِالْعَمْدِ إلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو) سَاقِطٌ مِنْ بَعْضِ النُّسَخِ وَالصَّوَابُ وُجُودُهُ (قَوْلُهُ: فَالْحَاصِلُ أَنَّ صُوَرَ الْمَسَائِلِ اثْنَا عَشْرَ إلَخْ) قَالَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى فَالْحَاصِلُ أَنَّهَا تَتَفَرَّعُ إلَى أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ قَاءَ أَوْ اسْتِقَاءَ وَكُلٌّ إمَّا أَنْ يَمْلَأَ الْفَمَ أَوْ دُونَهُ وَكُلٌّ مِنْ الْأَرْبَعَةِ إمَّا أَنْ خَرَجَ أَوْ عَادَ وَكُلٌّ إمَّا ذَاكِرٌ لِصَوْمِهِ أَوْ لَا، وَلَا فِي فِطْرٍ فِي الْكُلِّ عَلَى الْأَصَحِّ إلَّا فِي الْإِعَادَةِ وَالِاسْتِقَاءِ بِشَرْطِ الْمِلْءِ مَعَ التَّذَكُّرِ لَكِنْ صَحَّحَ الْقُهُسْتَانِيُّ عَدَمَ الْفِطْرِ بِإِعَادَةِ الْقَلِيلِ وَعَوْدِ الْكَثِيرِ فَتَنَبَّهْ، وَهَذَا فِي غَيْرِ الْبَلْغَمِ أَمَّا هُوَ فَغَيْرُ مُفْسِدٍ مُطْلَقًا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ فِي الصَّاعِدِ وَاسْتَحْسَنَهُ الْكَمَالُ وَغَيْرُهُ (قَوْلُهُ: إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ فِي الْإِعَادَةِ بِشَرْطِ مِلْءِ الْفَمِ، وَفِي الِاسْتِقَاءِ بِشَرْطِ مِلْءِ الْفَمِ) هَكَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَفِي بَعْضِهَا سَقَطَ قَوْلُهُ: وَفِي الِاسْتِقَاءِ وَكَانَ يُغْنِيهِ عَلَى الْأُولَى أَنْ يَقُولَ فِي الْإِعَادَةِ أَوْ الِاسْتِقَاءِ بِشَرْطِ مِلْءِ الْفَمِ فِيهِمَا، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْمُخْتَارِ لَا عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ وَقَوْلُهُ: وَأَنَّ وُضُوءَهُ يُنْتَقَضُ إلَّا فِيمَا إذَا لَمْ يَمْلَأْ الْفَمَ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَأَنَّ صَوْمَهُ لَا يَفْسُدُ وَهَذِهِ النُّسْخَةُ هِيَ الصَّوَابُ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَفِي أَنَّ وُضُوءَهُ يُنْتَقَضُ فِيمَا إذَا لَمْ يَمْلَأْ الْفَمَ بِزِيَادَةِ فِي وَإِسْقَاطِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 295 الْفَمِ، وَأَنَّ وُضُوءَهُ يَنْتَقِضُ إلَّا فِيمَا إذَا لَمْ يَمْلَأْ الْفَمَ، وَأَمَّا الصَّلَاةُ فَفِي الظَّهِيرِيَّةِ مِنْهَا لَوْ قَاءَ أَقَلَّ مِنْ مِلْءِ الْفَمِ لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ أَعَادَهُ إلَى جَوْفِهِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَلَى قِيَاسِ الصَّوْمِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا تَفْسُدُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ تَفْسُدُ، وَإِنْ تَقَيَّأَ فِي صَلَاتِهِ إنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ مِلْءِ الْفَمِ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ، وَإِنْ كَانَ مِلْءُ الْفَمِ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ اهـ. وَفِي الْخُلَاصَةِ مِنْ فَصْلِ الْحَدَثِ فِي الصَّلَاةِ فَلَوْ قَاءَ إنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ قَصْدِهِ يَبْنِي إذَا لَمْ يَتَكَلَّمْ، وَإِنْ تَقَيَّأَ لَا يَبْنِي، وَهَذَا إذَا كَانَ مِلْءَ الْفَمِ فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْبِنَاءِ اهـ. وَأَطْلَقَ فِي أَنْوَاعِ الْقَيْءِ وَالِاسْتِقَاءِ فَشَمِلَ مَا إذَا اسْتَقَاءَ بَلْغَمًا مِلْءَ الْفَمِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ: لَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ بِنَاءً عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي انْتِقَاضِ الطَّهَارَةِ وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ هُنَا أَحْسَنُ وَقَوْلُهُمَا فِي عَدَمِ النَّقْضِ بِهِ أَحْسَنُ؛ لِأَنَّ الْفِطْرَ إنَّمَا أُنِيطَ بِمَا يَدْخُلُ أَوْ بِالْقَيْءِ عَمْدًا مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى طَهَارَةٍ وَنَجَاسَةٍ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْبَلْغَمِ وَغَيْرِهِ بِخِلَافِ نَقْضِ الطَّهَارَةِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَتَعْبِيرِي بِالِاسْتِقَاءِ فِي الْبَلْغَمِ أَوْلَى مِمَّا فِي الشَّرْحِ وَغَيْرِهِ مِنْ التَّعْبِيرِ بِالْقَيْءِ كَمَا لَا يَخْفَى، وَلَوْ اسْتَقَاءَ مِرَارًا فِي مَجْلِسٍ مِلْءَ فِيهِ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ، وَإِنْ كَانَ فِي مَجَالِسَ أَوْ غَدْوَةٍ ثُمَّ نِصْفِ النَّهَارِ ثُمَّ عَشِيَّةٍ لَا يَلْزَمُهُ كَذَا فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ وَتَعْبِيرِي بِالِاسْتِقَاءِ أَوْلَى مِنْ التَّعْبِيرِ بِالْقَيْءِ كَمَا فِي الشَّرْحِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ اتِّحَادُ السَّبَبِ لَا الْمَجْلِسِ كَمَا فِي نَقْضِ الْوُضُوءِ وَأَنْ يَكُونَ هُوَ الصَّحِيحَ كَمَا فِي النَّقْضِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَا فِي الْخِزَانَةِ مُفَرَّعًا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَمَّا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ صَوْمُهُ بِالْمَرَّةِ الْأُولَى، وَأَمَّا إذَا ابْتَلَعَ مَا لَا يُتَغَذَّى بِهِ، وَلَا يُتَدَاوَى بِهِ كَالْحَصَاةِ وَالْحَدِيدِ فَلِوُجُودِ صُورَةِ الْفِطْرِ، وَلَا كَفَّارَةَ لِعَدَمِ مَعْنَاهُ، وَهُوَ إيصَالُ مَا فِيهِ نَفْعُ الْبَدَنِ إلَى الْجَوْفِ فَقَصُرَتْ الْجِنَايَةُ، وَهِيَ لَا تَجِبُ إلَّا بِكَمَالِهَا فَانْتَفَتْ وَفِي الْقُنْيَةِ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى بِتُرَابٍ أَوْ مَدَرٍ لِأَجْلٍ الْمَعْصِيَةِ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ زَجْرًا لَهُ وَكَتَبَ غَيْرُهُ نَعَمْ الْفَتْوَى عَلَى ذَلِكَ وَبِهِ أَفْتَى أَئِمَّةُ الْأَمْصَارِ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِالِابْتِلَاعِ دُونَ الْأَكْلِ؛ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ إيصَالِ مَا يَأْتِي فِيهِ الْمَضْغُ، وَهُوَ لَا يَتَأَتَّى فِي الْحَصَاةِ وَكَذَا كُلُّ مَا لَا يُتَغَذَّى بِهِ، وَلَا يُتَدَاوَى بِهِ كَالْحَجَرِ وَالتُّرَابِ وَالدَّقِيقِ عَلَى الْأَصَحِّ وَالْأُرْزِ وَالْعَجِينِ وَالْمِلْحِ إلَّا إذَا اعْتَادَ أَكْلَهُ وَحْدَهُ، وَلَا فِي النَّوَاةِ وَالْقُطْنِ وَالْكَاغِدِ وَالسَّفَرْجَلِ إذَا لَمْ يُدْرِكْ، وَلَا وَهُوَ مَطْبُوخٌ، وَلَا فِي ابْتِلَاعِ الْجَوْزَةِ الرَّطْبَةِ، وَيَجِبُ لَوْ مَضَغَهَا أَوْ مَضَغَ الْيَابِسَةَ لَا إنْ ابْتَلَعَهَا، وَكَذَا يَابِسُ اللَّوْزِ وَالْبُنْدُقِ وَالْفُسْتُقِ إنْ ابْتَلَعَهُ لَا يَجِبُ، وَإِنْ مَضَغَهُ وَجَبَتْ كَمَا يَجِبُ فِي ابْتِلَاعِ اللَّوْزَةِ الرَّطْبَةِ؛ لِأَنَّهَا تُؤْكَلُ كَمَا هِيَ بِخِلَافِ الْجَوْزَةِ، وَابْتِلَاعُ التُّفَّاحَةِ كَاللَّوْزَةِ، وَالرُّمَّانَةُ وَالْبَيْضَةُ كَالْجَوْزَةِ، وَفِي ابْتِلَاعِ الْبِطِّيخَةِ الصَّغِيرَةِ وَالْخَوْخَةِ الصَّغِيرَةِ وَالْهَلِيلَجَةِ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ، وَتَجِبُ بِأَكْلِ اللَّحْمِ النِّيء، وَإِنْ كَانَ مَيْتَةً مُنْتِنًا لَا إنْ دَوَّدَ فَلَا تَجِبُ وَاخْتُلِفَ فِي الشَّحْمِ وَاخْتَارَ أَبُو اللَّيْثِ الْوُجُوبَ وَصَحَّحَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ فَلَوْ كَانَ قَدِيدًا وَجَبَ بِلَا خِلَافٍ، وَتَجِبُ بِأَكْلِ كُلِّ الْحِنْطَةِ وَقَضْمِهَا لَا إنْ مَضَغَ قُمْحَةً لِلتَّلَاشِي   [منحة الخالق] إلَّا وَعَلَيْهَا كَتَبَ الرَّمْلِيُّ فَقَالَ: لَا وَجْهَ لِاسْتِثْنَائِهِ مِمَّا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ: فَفِي الظَّهِيرِيَّةِ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الصَّلَاةِ أَيْ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ ثُمَّ إنَّ النُّسَخَ هُنَا مُخْتَلِفَةٌ، وَالصَّوَابُ الْمُوَافِقُ لِمَا رَأَيْته فِي الظَّهِيرِيَّةِ أَنْ تَكُونَ الْعِبَارَةُ هُنَا هَكَذَا لَوْ قَاءَ أَقَلَّ مِنْ مِلْءِ الْفَمِ لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ أَعَادَهُ إلَى جَوْفِهِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ إلَخْ وَمَا قَبْلُ يَجِبُ مِنْ قَوْلِهِ وَأَطْلَقَ فِي أَنْوَاعِ الْقَيْءِ وَالِاسْتِقَاءِ فَشَمِلَ مَا إذَا اسْتَقَاءَ بَلْغَمًا مِلْءَ الْفَمِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ بِنَاءً عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي انْتِفَاضِ الطَّهَارَةِ وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ هُنَا أَحْسَنُ إلَى قَوْلِهِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مَحَلُّهُ بَعْدَ تَمَامِ عِبَارَةِ الْخُلَاصَةِ (قَوْلُهُ: وَتَعْبِيرِي بِالِاسْتِقَاءِ إلَخْ) مَوْجُودٌ فِي مَوْضِعَيْنِ الْأَوَّلُ مِنْهُمَا بَعْدَ مَسْأَلَةِ الْبَلْغَمِ وَالثَّانِي بَعْدَ عِبَارَةِ الْخِزَانَةِ، وَهَذَا الثَّانِي سَاقِطٌ مِنْ بَعْضِ النُّسَخِ وَالْأَصْوَبُ وُجُودُهُ؛ لِأَنَّ الزَّيْلَعِيَّ عَبَّرَ بِالْقَيْءِ فِيهِمَا (قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ اتِّحَادُ السَّبَبِ إلَخْ) اعْتَرَضَهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لَا يَتَأَتَّى التَّفْرِيعُ لِمَا أَنَّهُ يُفْطِرُ عِنْدَهُ بِمَا دُونَ مِلْءِ الْفَمِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يَصِحُّ اعْتِبَارُ السَّبَبِ عَلَى قَوْلِهِ كَمَا فِي الْوُضُوءِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ اهـ. قُلْت: مُرَادُ الْمُؤَلِّفِ أَنَّهُ لَوْ أَمْكَنَ التَّفْرِيعُ لَكَانَ يَنْبَغِي اعْتِبَارُ اتِّحَادِ السَّبَبِ وَالْمُرَادُ بِالتَّفْرِيعِ الْفَرْقُ بَيْنَ الْعَوْدِ وَالْإِعَادَةِ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ مَا قُلْنَا قَوْلُهُ بَعْدُ أَمَّا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ صَوْمُهُ بِالْمَرَّةِ الْأُولَى تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا إذَا ابْتَلَعَ إلَخْ) أَيْ وَأَمَّا الْقَضَاءُ فَقَطْ إذَا ابْتَلَعَ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَالْمِلْحُ إلَّا إذَا اعْتَادَ أَكْلَهُ وَحْدَهُ) كَذَا فِي الْفَتْحِ قَالَ وَقِيلَ يَجِبُ فِي قَلِيلِهِ دُونَ كَثِيرِهِ وَبِهِ جَزَمَ فِي الْجَوْهَرَةِ كَمَا فِي النَّهْرِ وَكَذَا فِي السِّرَاجِ وَمَشَى عَلَيْهِ فِي نُورِ الْإِيضَاحِ وَجَعَلَهُ الْمُخْتَارَ وَنَقَلَهُ فِي الْإِمْدَادِ عَنْ الْمُبْتَغَى وَنَقَلَ عَنْ الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ اخْتِيَارَ الْوُجُوبِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ تَفْصِيلٍ قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ اعْتِمَادُهُ التَّفْصِيلَ بَيْنَ مَنْ اعْتَادَ أَكْلَهُ وَبَيْنَ مَنْ لَمْ يَعْتَدْ (قَوْلُهُ: رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَالْأَقْيَسُ فِي الْهَلِيلَجَةِ الْوُجُوبُ؛ لِأَنَّهُ يُتَدَاوَى بِهَا عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ، وَمِنْ ثَمَّ جَزَمَ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ بِوُجُوبِهَا بِأَكْلِ الطِّينِ الْأَرْمَنِيِّ (قَوْلُهُ: لَا إنْ مَضَغَ قَمْحَةً لِلتَّلَاشِي) أَيْ لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِذَلِكَ، وَأَمَّا الْفَسَادُ فَهُوَ ثَابِتٌ لَوْ وَجَدَ طَعْمَهَا فِي حَلْقِهِ عَلَى مَا مَرَّ عَنْ الْكَافِي وَالْفَتْحِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 296 وَلَا تَجِبُ بِأَكْلِ الشَّعِيرِ إلَّا إذَا كَانَ مَقْلِيًّا كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَتَجِبُ بِالطِّينِ الْأَرْمَنِيِّ، وَكَذَا بِغَيْرِهِ عَلَى مَنْ يَعْتَادُ أَكْلَهُ كَالْمُسَمَّى بِالطِّفْلِ لَا عَلَى مَنْ لَا يَعْتَادُهُ، وَلَا بِأَكْلِ الدَّمِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَإِنْ أَكَلَ وَرَقَ الشَّجَرِ فَإِنْ كَانَ مِمَّا يُؤْكَلُ كَوَرَقِ الْكَرْمِ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُؤْكَلُ كَوَرَقِ الْكَرْمِ إذَا عَظُمَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ، وَلَوْ أَكَلَ قُشُورَ الرُّمَّانِ بِشَحْمَتِهَا أَوْ ابْتَلَعَ رُمَّانَةً فَلَا كَفَّارَةَ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا أَكَلَ مَعَ الْقِشْرِ، وَلَوْ أَكَلَ قِشْرَ الْبِطِّيخِ إنْ كَانَ يَابِسًا وَكَانَ بِحَالٍ يُتَقَذَّرُ مِنْهُ فَلَا كَفَّارَةَ، وَإِنْ كَانَ طَرِيًّا لَا يُتَقَذَّرُ مِنْهُ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَإِنْ أَكَلَ كَافُورًا أَوْ مِسْكًا أَوْ زَعْفَرَانًا فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَإِذَا أَكَلَ لُقْمَةً كَانَتْ فِي فِيهِ وَقْتَ السَّحَرِ، وَهُوَ ذَاكِرٌ لِصَوْمِهِ لَا رِوَايَةَ لَهَا فِي الْأُصُولِ قَالَ أَبُو حَفْصٍ الْكَبِيرُ: إنْ كَانَتْ لُقْمَةَ غَيْرِهِ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَتْ لُقْمَتَهُ فَابْتَلَعَهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُخْرِجَهَا مِنْ فَمِهِ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ هُوَ الصَّحِيحُ، وَإِنْ أَخْرَجَهَا إنْ بَرَدَتْ فَلَا كَفَّارَةَ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ مُسْتَقْذَرَةً، وَإِنْ لَمْ تَبْرُدْ وَجَبَتْ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَخْرُجُ لِأَجْلِ الْحَرَارَةِ ثُمَّ تَدْخُلُ ثَانِيًا كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ. (قَوْلُهُ وَمَنْ جَامَعَ أَوْ جُومِعَ أَوْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ عَمْدًا غِذَاءً أَوْ دَوَاءً قَضَى وَكَفَّرَ كَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ) أَمَّا الْقَضَاءُ فَلِاسْتِدْرَاكِ الْمَصْلَحَةِ الْفَائِتَةِ، وَأَمَّا الْكَفَّارَةُ فَلِتَكَامُلِ الْجِنَايَةِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا لَمْ يُنْزِلُ؛ لِأَنَّ الْإِنْزَالَ شِبَعٌ؛ لِأَنَّ قَضَاءَ الشَّهْوَةِ يَتَحَقَّقُ دُونَهُ، وَقَدْ وَجَبَ الْحَدُّ بِدُونِهِ، وَهُوَ عُقُوبَةٌ مَحْضَةٌ فَمَا فِيهِ مَعْنَى الْعِبَادَةِ أَوْلَى، وَشَمِلَ الْجِمَاعَ فِي الدُّبُرِ كَالْقُبُلِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ بِالِاتِّفَاقِ كَذَا ذَكَرَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ لِتَكَامُلِ الْجِنَايَةِ لِقَضَاءِ الشَّهْوَةِ، وَإِنَّمَا ادَّعَى أَبُو حَنِيفَةَ النُّقْصَانَ فِي مَعْنَى الزِّنَا مِنْ حَيْثُ عَدَمُ فَسَادِ الْفِرَاشِ بِهِ، وَلَا عِبْرَةَ بِهِ فِي إيجَابِ الْكَفَّارَةِ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: أَوْ جُومِعَ لِيُفِيدَ بَعْدَ التَّنْصِيصِ عَلَى الْوُجُوبِ عَلَى الْمَفْعُولِ بِهِ الطَّائِعِ امْرَأَةً أَوْ رَجُلًا إلَى أَنَّ الْمَحَلَّ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُشْتَهًى عَلَى الْكَمَالِ فَلَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ لَوْ جَامَعَ بَهِيمَةً أَوْ مَيْتَةً وَلَوْ أَنْزَلَ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَأَمَّا الصَّغِيرَةُ الَّتِي لَا تُشْتَهَى فَظَاهِرُ مَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِابْنِ الْمَلَكِ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ بِوَطْئِهَا وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَدَمُ الْوُجُوبِ مَعَ أَنَّهُمْ صَرَّحُوا فِي الْغُسْلِ بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ بِوَطْئِهَا إلَّا بِالْإِنْزَالِ كَالْبَهِيمَةِ، وَجَعَلُوا الْمَحَلَّ لَيْسَ مُشْتَهًى عَلَى الْكَمَالِ، وَمُقْتَضَاهُ عَدَمُ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ مُطْلَقًا، وَفِي الْقُنْيَةِ فَأَمَّا إتْيَانُ الصَّغِيرَةِ الَّتِي لَا تُشْتَهَى فَلَا رِوَايَةَ فِيهِ، وَاخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ، وَقُيِّدَ بِالْعَمْدِ لِإِخْرَاجِ الْمُخْطِئِ وَالْمُكْرَهِ فَإِنَّهُ، وَإِنْ فَسَدَ صَوْمُهُمَا لَا تَلْزَمُهُمَا الْكَفَّارَةُ، وَلَوْ حَصَلَتْ الطَّوَاعِيَةُ فِي وَسَطِ الْجِمَاعِ بَعْدَمَا كَانَ ابْتِدَاؤُهُ بِالْإِكْرَاهِ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا حَصَلَتْ بَعْدَ الْإِفْطَارِ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ: إلَّا إذَا كَانَ الْإِكْرَاهُ مِنْهَا فَإِنَّهَا تَجِبُ عَلَيْهِمَا، وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ: الْمَرْأَةُ إذَا أَكْرَهَتْ زَوْجَهَا فِي رَمَضَانَ عَلَى الْجِمَاعِ فَجَامَعَهَا مُكْرَهًا فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُكْرَهٌ فِي ذَلِكَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ وُصُولِهِ إلَى الْمَسْلَكِ الْمُعْتَادِ؛ إذْ لَوْ وَصَلَ مِنْ غَيْرِهِ فَلَا كَفَّارَةَ كَمَا سَنَذْكُرُهُ وَأَشَارَ بِمَا سَيَأْتِي مِنْ قَوْلِهِ كَأَكْلِهِ عَمْدًا بَعْدَ أَكْلِهِ نَاسِيًا مِنْ عَدَمِ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ إلَى أَنَّ الْكَفَّارَةَ لَا تَجِبُ إلَّا بِإِفْسَادِ صَوْمٍ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: إلَى أَنَّ الْمَحَلَّ إلَخْ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ أَشَارَ قَالَ فِي النَّهْرِ، وَفِي الْإِشَارَةِ بَعْدَ ظَاهِرٍ اهـ وَأَجَابَ عَنْهُ الرَّمْلِيُّ بِقَوْلِهِ: اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: هُوَ مُطْلَقٌ فَيَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلِ وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ عَلَى التَّنْصِيصِ عَلَى الْوُجُوبِ إلَخْ اهـ. وَكَانَ مُرَادُهُ أَنَّ تَقْيِيدَ الْمَفْعُولِ بِهِ الطَّائِعَ غَيْرُ مُسْتَفَادٍ مِنْ كَلَامِ الْمَتْنِ، وَإِلَّا فَلَا شَكَّ أَنَّهُ نَصَّ عَلَى الْوُجُوبِ عَلَى الْمَفْعُولِ بِهِ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ عَمْدًا مُخْرِجٌ لِلْمُكْرَهِ فَلْيُتَأَمَّلْ مَا مُرَادُهُ وَقَدْ يُجَابُ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْجِمَاعَ إدْخَالُ الْفَرْجِ فِي الْفَرْجِ كَمَا فِي السِّرَاجِ، وَالصَّغِيرَةُ غَيْرُ الْمُشْتَهَاةِ الَّتِي لَا يُمْكِنُ افْتِضَاضُهَا لَا يُمْكِنُ جِمَاعُهَا إذْ لَا إدْخَالَ بِدُونِ افْتِضَاضٍ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: فَلَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ لَوْ جَامَعَ بَهِيمَةً أَوْ مَيْتَةً إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: اقْتِصَارُهُ عَلَى نَفْيِ الْكَفَّارَةِ يُوهِمُ وُجُوبَ الْقَضَاءِ وَلَوْ لَمْ يُنْزِلْ مَعَ أَنَّ الْأَمْرَ لَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا أَنَّ جِمَاعَ الْبَهِيمَةِ وَالْمَيْتَةِ بِلَا إنْزَالٍ غَيْرُ مُفْسِدٍ لِلصَّوْمِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يُوجِبُ الْغُسْلَ بَلْ، وَلَا نَقْضَ الْوُضُوءِ مَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ شَيْءٌ صَرَّحَ بِهِ فِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ وَلِابْنِ مَلَكٍ وَتَوْفِيقِ الْعِنَايَةِ شَرْحِ الْوِقَايَةِ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الصَّغِيرَةُ الَّتِي لَا تُشْتَهَى إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: الْوَجْهُ يَقْتَضِي عَدَمَ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِيهَا، وَحَكَى الْإِجْمَاعَ فِيهِ قَالَ فِي النَّهْرِ: وَقِيلَ لَا تَجِبُ بِالْإِجْمَاعِ، وَهُوَ الْوَجْهُ وَعَلَّلَ لَهُ بِمَا هُنَا، وَقَالُوا فِي الْغُسْلِ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ مَتَى أَمْكَنَ وَطْؤُهَا مِنْ غَيْرِ إفْضَاءٍ فَهِيَ مِمَّنْ يُجَامَعُ مِثْلُهَا، وَإِلَّا فَلَا بَقِيَ لَوْ وَطِئَ الصَّغِيرُ امْرَأَتَهُ هَلْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لَمْ أَرَهُمْ صَرَّحُوا، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخَانِيَّةِ فِي الْغُسْلِ أَنَّهَا تَجِبُ، وَهُوَ مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْمُتُونِ قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: غُلَامٌ ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ جَامَعَ امْرَأَتَهُ الْبَالِغَ عَلَيْهَا الْغُسْلُ لِوُجُودِ السَّبَبِ، وَهُوَ مُوَارَاةُ الْحَشَفَةِ بَعْدَ تَوَجُّهِ الْخِطَابِ، وَلَا غُسْلَ عَلَى الْغُلَامِ لِانْعِدَامِ الْخِطَابِ ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ كَانَ الرَّجُلُ بَالِغًا، وَالْمَرْأَةُ صَغِيرَةً فَالْجَوَابُ عَلَى الْعَكْسِ، وَجِمَاعُ الْخَصِيِّ يُوجِبُ الْغُسْلَ عَلَى الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ بِهِ لِمُوَارَاةِ الْحَشَفَةِ اهـ. (قَوْلُهُ: قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ إلَى قَوْلِهِ وَأَشَارَ) يُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ (قَوْلُهُ: وَأَشَارَ بِمَا سَيَأْتِي مِنْ قَوْلِهِ إلَخْ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 297 تَامٍّ قَطْعًا حَتَّى لَوْ صَامَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ، وَنَوَى قَبْلَ الزَّوَالِ ثُمَّ أَفْطَرَ لَا يَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا؛ لِأَنَّ فِي هَذَا الصَّوْمِ شُبْهَةً، وَعَلَى قِيَاسِ هَذَا لَوْ صَامَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ ثُمَّ أَفْطَرَ يَنْبَغِي أَنْ لَا تَلْزَمَهُ الْكَفَّارَةُ لِمَكَانِ الشُّبْهَةِ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَلَوْ أُخْبِرَ بِأَنَّ الْفَجْرَ لَمْ يَطْلُعْ فَأَكَلَ ثُمَّ ظَهَرَ خِلَافُهُ لَا كَفَّارَةَ مُطْلَقًا، وَبِهِ أَخَذَ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ، وَلَوْ أُخْبِرَ بِطُلُوعِهِ فَقَالَ: إذَا لَمْ أَكُنْ صَائِمًا آكُلُ حَتَّى أَشْبَعَ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ أَكْلَهُ الْأَوَّلَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَأَكْلَهُ الْآخَرَ بَعْدَ الطُّلُوعِ فَإِنْ كَانَ الْمُخْبِرُ جَمَاعَةً وَصَدَّقَهُمْ لَا كَفَّارَةَ وَإِنْ كَانَ الْمُخْبِرُ وَاحِدًا فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ عَدْلًا كَانَ أَوْ غَيْرَ عَدْلٍ؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ الْفَرْدِ فِي مِثْلِ هَذَا لَا تُقْبَلُ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَإِذَا أَفْطَرَتْ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ يَوْمُ حَيْضِهَا فَلَمْ تَحِضْ الْأَظْهَرُ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ كَمَا لَوْ أَفْطَرَ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ يَوْمُ مَرَضِهِ أَوْ أَفْطَرَ بَعْدَ إكْرَاهِهِ عَلَى السَّفَرِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ ثُمَّ عُفِيَ عَنْهُ أَوْ شَرِبَ بَعْدَ مَا قُدِّمَ لِيَقْتُلَ ثُمَّ عُفِيَ عَنْهُ، وَلَمْ يَقْتُلْ وَمِمَّا يُسْقِطُهَا حَيْضُهَا أَوْ نِفَاسُهَا بَعْدَ إفْطَارِهَا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَكَذَا مَرَضُهَا وَكَذَا مَرَضُهُ بَعْدَ إفْطَارِهِ عَمْدًا بِخِلَافِ مَا إذَا جَرَحَ نَفْسَهُ بَعْدَ إفْطَارِهِ عَمْدًا فَإِنَّهَا لَا تَسْقُطُ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا لَوْ سَافَرَ بَعْدَ إفْطَارِهِ عَمْدًا كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَصْبَحَ مُقِيمًا صَائِمًا ثُمَّ سَافَرَ فَأَفْطَرَ فَإِنَّهَا تَسْقُطُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّهُ إذَا صَارَ فِي آخِرِ النَّهَارِ عَلَى صِفَةٍ لَوْ كَانَ عَلَيْهَا فِي أَوَّلِ الْيَوْمِ يُبَاحُ لَهُ الْفِطْرُ تَسْقُطُ عَنْهُ الْكَفَّارَةُ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ، وَلَوْ جَامَعَ مِرَارًا فِي أَيَّامِ رَمَضَانَ وَاحِدٌ، وَلَمْ يُكَفِّرْ كَانَ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِلزَّجْرِ، وَهُوَ يَحْصُلُ بِوَاحِدَةٍ فَلَوْ جَامَعَ وَكَفَّرَ ثُمَّ جَامَعَ مَرَّةً أُخْرَى فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ أُخْرَى فِي ظَاهِرِ الرَّاوِيَةِ لِلْعِلْمِ بِأَنَّ الزَّجْرَ لَمْ يَحْصُلْ بِالْأَوَّلِ وَلَوْ جَامَعَ فِي رَمَضَانَيْنِ فَعَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ، وَإِنْ لَمْ يُكَفِّرْ لِلْأُولَى فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: عَلَيْهِ وَاحِدَةٌ قَالَ فِي الْأَسْرَارِ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ، وَكَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَلَوْ أَفْطَرَ فِي يَوْمٍ فَأَعْتَقَ ثُمَّ فِي آخَرَ فَأَعْتَقَ ثُمَّ كَذَلِكَ ثُمَّ اسْتَحَقَّتْ الرَّقَبَةُ الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمُتَأَخِّرَ يُجْزِئُهُ وَلَوْ اسْتَحَقَّتْ الثَّالِثَةُ فَعَلَيْهِ إعْتَاقُ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّ مَا تَقَدَّمَ لَا يُجْزِئُ عَمَّا تَأَخَّرَ، وَلَوْ اسْتَحَقَّتْ الثَّانِيَةُ أَيْضًا فَعَلَيْهِ وَاحِدَةٌ لِلثَّانِي وَالثَّالِثِ، وَكَذَا لَوْ اسْتَحَقَّتْ الْأُولَى تَنْزِيلًا لِلْمُسْتَحِقِّ مَنْزِلَةَ الْمَعْدُومِ، وَلَوْ اسْتَحَقَّتْ الْأُولَى وَالثَّالِثَةُ دُونَ الثَّانِيَةِ أَعْتَقَ وَاحِدَةً لِلثَّالِثِ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَةَ كَفَتْ عَنْ الْأُولَى وَالْأَصْلُ أَنَّ الثَّانِيَ يُجْزِئُ عَمَّا قَبْلَهُ لَا عَمَّا بَعْدَهُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْبَدَائِعِ وَأَفَادَ بِالتَّشْبِيهِ أَنَّ هَذِهِ الْكَفَّارَةَ مُرَتَّبَةٌ فَالْوَاجِبُ الْعِتْقُ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَعَلَيْهِ صِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا لِحَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ الْمَرْوِيِّ فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ فَلَوْ أَفْطَرَ يَوْمًا فِي خِلَالِ الْمُدَّةِ بَطَلَ مَا قَبْلَهُ وَلَزِمَهُ الِاسْتِقْبَالُ سَوَاءٌ أَفْطَرَ لِعُذْرٍ أَوْ لَا وَكَذَا فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ وَالظِّهَارِ لِلنَّصِّ عَلَى التَّتَابُعِ إلَّا لِعُذْرِ الْحَيْضِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَجِدُ شَهْرَيْنِ عَادَةً لَا تَحِيضُ فِيهِمَا لَكِنَّهَا إذَا تَطَهَّرَتْ تُصَلِّي بِمَا مَضَى فَإِنْ لَمْ تُصَلِّ اسْتَقْبَلَتْ كَذَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَكَذَا صَوْمُ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ مُتَتَابِعٌ فَهِيَ أَرْبَعَةٌ بِخِلَافِ قَضَاءِ رَمَضَانَ وَصَوْمِ الْمُتْعَةِ وَكَفَّارَةِ الْحَلْقِ وَكَفَّارَةِ جَزَاءِ الصَّيْدِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُتَتَابِعٍ، وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ كَفَّارَةٍ شُرِعَ فِيهَا عِتْقٌ فَإِنَّ صَوْمَهُ مُتَتَابِعٌ، وَمَا لَمْ يُشْرَعْ فِيهَا عِتْقٌ فَهُوَ مُخَيَّرٌ كَذَا فِي النِّهَايَةِ، وَإِذَا وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاءُ يَوْمَيْنِ مِنْ رَمَضَانَ وَاحِدٍ يَنْوِي أَوَّلَ يَوْمٍ وَجَبَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ جَازَ، وَإِنْ كَانَا مِنْ رَمَضَانَيْنِ يَنْوِي قَضَاءَ رَمَضَانَ الْأَوَّلِ، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ ذَلِكَ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ وَالصَّحِيحُ الْإِجْزَاءُ، وَلَوْ صَامَ الْفَقِيرُ إحْدَى وَسِتِّينَ لِلْكَفَّارَةِ، وَلَمْ يُعَيِّنْ الْيَوْمَ لِلْقَضَاءِ جَازَ ذَلِكَ كَذَا ذَكَرَهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَصَارَ كَأَنَّهُ نَوَى الْقَضَاءَ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَسِتِّينَ يَوْمًا عَنْ الْكَفَّارَةِ كَذَا فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ وَعَلَّلَهُ   [منحة الخالق] أَيْ الْآتِي فِي آخِرِ فَصْلِ الْعَوَارِضِ (قَوْلُهُ: عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) ؛ لِأَنَّهُ بِنِيَّةِ النَّهَارِ لَا يَكُونُ صَائِمًا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَبِهَذِهِ الشُّبْهَةِ النَّاشِئَةِ مِنْ الدَّلِيلِ انْدَرَأَتْ الْكَفَّارَةُ اهـ. (قَوْلُهُ: خِلَافًا لَهُمَا) أَيْ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ بِنِيَّةٍ مِنْ النَّهَارِ جَائِزٌ فَيَكُونُ جَانِيًا عَلَى صَوْمٍ صَحِيحٍ اهـ. ابْنُ مَلَكٍ (قَوْلُهُ: كَمَا لَوْ أَفْطَرَ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ يَوْمُ مَرَضِهِ) جَعَلَهُ مُشَبَّهًا بِهِ؛ لِأَنَّهُ بِالْإِجْمَاعِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْحَيْضِ فَإِنَّ فِيهَا اخْتِلَافَ الْمَشَايِخِ، وَالصَّحِيحُ الْوُجُوبُ كَمَا ذَكَرَهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة قُلْت: لَكِنْ صَحَّحَ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ سُقُوطَ الْكَفَّارَةِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَشَبَّهَهُمَا بِمَنْ أَفْطَرَ، وَأَكْبَرُ ظَنِّهِ أَنَّ الشَّمْسَ غَرَبَتْ ثُمَّ ظَهَرَ عَدَمُهُ (قَوْلُهُ: وَمِمَّا يُسْقِطُهَا حَيْضُهَا أَوْ نِفَاسُهَا بَعْدَ إفْطَارِهَا) فِي التَّتَارْخَانِيَّة إذَا جَامَعَ امْرَأَتَهُ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ ثُمَّ حَاضَتْ امْرَأَتُهُ أَوْ مَرِضَتْ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ سَقَطَ عَنْهُ الْكَفَّارَةُ عِنْدَنَا اهـ. وَهَكَذَا رَأَيْته فِي نُسْخَةٍ أُخْرَى وَلَعَلَّ الصَّوَابَ سَقَطَ عَنْهَا بِضَمِيرِ الْمَرْأَةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَأَفَادَ بِالتَّشْبِيهِ إلَخْ) أَقُولُ: هَذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ مِثْلَهَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَإِنَّ الْمَسِيسَ فِي أَثْنَائِهَا يَقْطَعُ التَّتَابُعَ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ مُطْلَقًا عَمْدًا أَوْ نِسْيَانًا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا لِلْآيَةِ بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الصَّوْمِ وَالْقَتْلِ فَإِنَّهُ لَا يَقْطَعُهُ فِيهِمَا إلَّا الْفِطْرُ بِعُذْرٍ أَوْ بِغَيْرِ عُذْرٍ فَتَأَمَّلْ فَقَدْ زَلَّتْ بَعْضُ الْأَقْدَامِ فِي هَذَا الْمَقَامِ رَمْلِيٌّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 298 فِي التَّجْنِيسِ بِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الَّذِي يَصُومُ الْقَضَاءَ وَالْكَفَّارَةَ يَبْدَأُ بِالْقَضَاءِ، وَفِيهِ إشْكَالٌ لِلْمُحَقِّقِ مَذْكُورٌ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَوْ نَوَى قَضَاءَ رَمَضَانَ وَالتَّطَوُّعَ كَانَ عَنْ الْقَضَاءِ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ فَإِنَّ عِنْدَهُ يَصِيرُ شَارِعًا فِي التَّطَوُّعِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ إذَا نَوَى التَّطَوُّعَ وَالْفَرْضَ لَا يَصِيرُ شَارِعًا فِي الصَّلَاةِ أَصْلًا عِنْدَهُ، وَلَوْ نَوَى قَضَاءَ رَمَضَانَ وَكَفَّارَةَ الظِّهَارِ كَانَ عَنْ الْقَضَاءِ اسْتِحْسَانًا وَفِي الْقِيَاسِ يَكُونُ تَطَوُّعًا، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ كَذَا فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ، وَفِي الْفَتَاوَى الْبَزَّازِيَّةِ مَنْ أَكَلَ نَهَارًا فِي رَمَضَانَ عِيَانًا عَمْدًا شُهْرَةً يُقْتَلُ؛ لِأَنَّهُ دَلِيلُ الِاسْتِحْلَالِ اهـ. اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الذَّنْبَ أَعْنِي ذَنْبَ الْإِفْطَارِ عَمْدًا لَا يَرْتَفِعُ بِالتَّوْبَةِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ التَّفْكِيرِ؛ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَبِإِيجَابِ الْإِعْتَاقِ عُرِفَ أَنَّ التَّوْبَةَ غَيْرُ مُكَفِّرَةٍ لِهَذِهِ الْجِنَايَةِ، وَتَبِعَهُ الشَّارِحُونَ وَشَبَّهَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِجِنَايَةِ السَّرِقَةِ وَالزِّنَا حَيْثُ لَا يَرْتَفِعَانِ بِمُجَرَّدِ التَّوْبَةِ بَلْ يَرْتَفِعَانِ بِالْحَدِّ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْمُرَادَ بِعَدَمِ الِارْتِفَاعِ عَدَمُهُ ظَاهِرًا أَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ فَيَرْتَفِعُ بِالتَّوْبَةِ بِدُونِ تَكْفِيرٍ؛ لِأَنَّ حَدَّ الزِّنَا يَرْتَفِعُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ بِالتَّوْبَةِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، وَأَمَّا الْقَاضِي بَعْدَ مَا رُفِعَ الزَّانِي إلَيْهِ لَا يَقْبَلُ مِنْهُ التَّوْبَةَ بَلْ يُقِيمُ الْحَدَّ عَلَيْهِ، وَقَدْ صَرَّحَ الشَّيْخُ زَكَرِيَّا مِنْ الشَّافِعِيَّةِ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ بِارْتِفَاعِهِ بِدُونِ تَكْفِيرٍ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ - تَعَالَى - وَعَبَّرَ بِمَنْ الْمُفِيدَةِ لِلْعُمُومِ فِي قَوْلِهِ مَنْ جَامَعَ أَوْ جُومِعَ لِيُفِيدَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْحُكْمِ، وَهُوَ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَالْحُرِّ وَالْعَبْدِ وَلِهَذَا صَرَّحَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ بِالْوُجُوبِ عَلَى الْجَارِيَةِ فِيمَا لَوْ أَخْبَرَتْ سَيِّدَهَا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ عَالِمَةً بِطُلُوعِهِ فَجَامَعَهَا مَعَ عَدَمِ الْوُجُوبِ عَلَيْهِ وَكَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ السُّلْطَانِ وَغَيْرِهِ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: إذَا لَزِمَ الْكَفَّارَةُ عَلَى السُّلْطَانِ، وَهُوَ مُوسِرٌ بِمَالِهِ الْحَلَالِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ تَبَعَةٌ لِأَحَدٍ يُفْتِي بِإِعْتَاقِ الرَّقَبَةِ، وَقَالَ أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَّامٍ: يُفْتَى بِصِيَامِ شَهْرَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْكَفَّارَةِ الِانْزِجَارُ وَيَسْهُلُ عَلَيْهِ إفْطَارُ شَهْرٍ وَإِعْتَاقُ رَقَبَةٍ فَلَا يَحْصُلُ الزَّجْرُ. (قَوْلُهُ: وَلَا كَفَّارَةَ بِالْإِنْزَالِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ) أَيْ فِي غَيْرِ الْقُبُلِ وَالدُّبُرِ كَالْفَخِذِ وَالْإِبْطِ وَالْبَطْنِ لِانْعِدَامِ الْجِمَاعِ صُورَةً وَفَسَدَ صَوْمُهُ لِوُجُودِهِ مَعْنًى كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْمُبَاشَرَةِ وَالتَّقْبِيلِ وَعَمَلِ الْمَرْأَتَيْنِ كَذَلِكَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَفِي الْمُغْرِبِ الْفَرْجُ قُبُلُ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ اللُّغَةِ، وَقَوْلُهُ الْقُبُلُ وَالدُّبُرُ كِلَاهُمَا فَرْجٌ يَعْنِي فِي الْحُكْمِ اهـ. بِلَفْظِهِ يَعْنِي لَا فِي اللُّغَةِ (قَوْلُهُ وَبِإِفْسَادِ صَوْمٍ غَيْرِ رَمَضَانَ) أَيْ لَا كَفَّارَةَ فِي إفْسَادِ صَوْمٍ غَيْرِ أَدَاءِ رَمَضَانَ؛ لِأَنَّ الْإِفْطَارَ فِي رَمَضَانَ أَبْلَغُ فِي الْجِنَايَةِ لِهَتْكِ حُرْمَةِ الشَّهْرِ فَلَا يَلْحَقُ بِهِ غَيْرُهُ لَا قِيَاسًا؛ إذْ هُوَ مُمْتَنِعٌ لِكَوْنِهِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، وَلَا دَلَالَةً؛ لِأَنَّ إفْسَادَ غَيْرِهِ لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ، وَلُزُومُ إفْسَادِ الْحَجِّ النَّفْلِ وَالْقَضَاءِ بِالْجِمَاعِ لَيْسَ إلْحَاقًا بِإِفْسَادِ الْحَجِّ الْفَرْضِ بَلْ هُوَ ثَابِتٌ ابْتِدَاءً لِعُمُومِ نَصِّ الْقَضَاءِ وَالْإِجْمَاعِ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا احْتَقَنَ أَوْ اسْتَعَطَ أَوْ أُقْطِرَ فِي أُذُنِهِ أَوْ دَاوَى جَائِفَةً أَوْ آمَّةً بِدَوَاءٍ، وَوَصَلَ إلَى جَوْفِهِ أَوْ دِمَاغِهِ أَفْطَرَ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْفِطْرُ مِمَّا دَخَلَ، وَلَيْسَ مِمَّا خَرَجَ» رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ، وَهُوَ مَخْصُوصٌ بِحَدِيثِ الِاسْتِقَاءِ أَوْ الْفِطْرِ فِيهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يَعُودُ شَيْءٌ، وَإِنْ قَلَّ حَتَّى لَا يُحِسَّ بِهِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فَإِنْ قُلْت: ظَاهِرُهُ أَنَّ الْخَارِجَ لَا يُبْطِلُ الصَّوْمَ أَصْلًا إلَّا فِي الِاسْتِقَاءِ، وَالْحَصْرُ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّ الْحَيْضَ وَالنِّفَاسَ كُلٌّ مِنْهُمَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ قُلْتُ لَا يُرَدُّ؛ لِأَنَّ إفْسَادَهُمَا الصَّوْمَ بِاعْتِبَارِ مُنَافَاتِهِمَا الْأَهْلِيَّةَ لَهُ شَرْعًا عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ بِخِلَافِ الْجُنُونِ وَالْإِغْمَاءِ بَعْدَ النِّيَّةِ لَا يُفْسِدَانِ الصَّوْمَ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يُنَافِيَانِ أَهْلِيَّةَ الْأَدَاءِ، وَإِنَّمَا يُنَافِيَانِ النِّيَّةَ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ، وَالرَّاوِيَةُ بِالْفَتْحِ فِي احْتَقَنَ وَاسْتَعَطَ أَيْ وَضَعَ الْحُقْنَةَ فِي الدُّبُرِ وَصَبَّ السَّعُوطَ، وَهُوَ الدَّوَاءُ فِي الْأَنْفِ وَبِالضَّمِّ فِي أُقْطِرَ وَالْجَائِفَةُ اسْمٌ لِجِرَاحَةٍ وَصَلَتْ إلَى الْجَوْفِ وَالْآمَّةُ الْجِرَاحَةُ وَصَلَتْ إلَى أُمِّ الدِّمَاغِ وَأَطْلَقَ فِي الْإِقْطَارِ فِي الْأُذُنِ فَشَمِلَ الْمَاءَ وَالدُّهْنَ، وَهُوَ فِي الدُّهْنِ بِلَا خِلَافٍ وَأَمَّا الْمَاءُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: أَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ فَيَرْتَفِعُ بِالتَّوْبَةِ بِدُونِ تَكْفِيرٍ) فِيهِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ تَسْقُطَ الْكَفَّارَةُ بِالتَّوْبَةِ أَيْضًا، وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا اللُّزُومِ كَلَامُ الْهِدَايَةِ فَإِنَّهُ جَعَلَ إيجَابَ الْإِعْتَاقِ مُعَرِّفًا لِعَدَمِ تَكْفِيرِ التَّوْبَةِ لِلذَّنْبِ فَإِنَّ مُفَادَهُ أَنَّهُ لَوْ كَفَّرَتْهُ لَمْ يَجِبْ مَالٌ فَالظَّاهِرُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْحُدُودِ وَالْكَفَّارَاتِ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ حَدَّ الزِّنَا يَرْتَفِعُ) قَالَ أَبُو السُّعُودِ مُحَشِّي مِسْكِينٍ قَيَّدَهُ فِي بَحْرِ الْكَلَامِ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَزْنِيِّ بِهَا زَوْجٌ فَإِنْ كَانَ فَلَا بُدَّ مِنْ إعْلَامِهِ لِكَوْنِهِ حَقَّ عَبْدِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ إبْرَائِهِ عَنْهُ (قَوْلُهُ: بِالْوُجُوبِ عَلَى الْجَارِيَةِ) أَيْ وُجُوبِ كَفَّارَةِ الصَّوْمِ. (قَوْلُهُ: أَوْ الْفِطْرِ فِيهِ) أَيْ فِي الِاسْتِقَاءِ (قَوْلُهُ: حَتَّى لَا يَحُسَّ بِهِ) أَيْ فَلَا يَكُونُ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ مَخْصُوصًا بِحَدِيثِ الِاسْتِقَاءِ (قَوْلُهُ: وَبِالضَّمِّ فِي أَقْطَرَ) قَالَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 299 فَاخْتَارَ فِي الْهِدَايَةِ عَدَمَ الْإِفْطَارِ بِهِ سَوَاءٌ دَخَلَ بِنَفْسِهِ أَوْ أَدْخَلَهُ وَصَرَّحَ الْوَلْوَالِجِيُّ بِأَنَّهُ لَا يُفْسِدُ صَوْمَهُ مُطْلَقًا عَلَى الْمُخْتَارِ مُعَلَّلًا بِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الْفِطْرُ صُورَةً، وَلَا مَعْنًى لَهُ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ صَلَاحُ الْبَدَنِ بِوُصُولِهِ إلَى الدِّمَاغِ، وَجَعَلَ السَّعُوطَ كَالْإِقْطَارِ فِي الْأُذُنِ، وَصَحَّحَهُ فِي الْمُحِيطِ، وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ أَنَّهُ إنْ خَاضَ الْمَاءَ فَدَخَلَ أُذُنَهُ لَا يُفْسِدُ، وَإِنْ صَبَّ الْمَاءَ فِي أُذُنِهِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُفْسِدُ؛ لِأَنَّهُ وَصَلَ إلَى الْجَوْفِ بِفِعْلِهِ وَرَجَّحَهُ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَبِهَذَا يُعْلَمُ حُكْمُ الْغُسْلِ، وَهُوَ صَائِمٌ إذَا دَخَلَ الْمَاءُ فِي أُذُنِهِ، وَفِي عُمْدَةِ الْفَتَاوَى لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ فَلَوْ دَخَلَ الْمَاءُ فِي الْغُسْلِ أَنْفَهُ أَوْ أُذُنَهُ وَوَصَلَ إلَى الدِّمَاغِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ اهـ. وَلَوْ شَدَّ الطَّعَامَ بِخَيْطٍ وَأَرْسَلَهُ فِي حَلْقِهِ وَطَرَفُ الْخَيْطِ فِي يَدِهِ لَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ إلَّا إذَا انْفَصَلَ، وَذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ أَنَّ الصَّائِمَ إذَا اسْتَقْصَى فِي الِاسْتِنْجَاءِ حَتَّى بَلَغَ مَبْلَغَ الْمِحْقَنَةِ فَهَذَا أَقَلُّ مَا يَكُونُ، وَلَوْ كَانَ يُفْسِدُ صَوْمَهُ، وَالِاسْتِقْصَاءُ لَا يُفْعَلُ؛ لِأَنَّهُ يُورِثُ دَاءً عَظِيمًا، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَوْ أَدْخَلَ خَشَبَةً أَوْ نَحْوَهَا وَطَرَفًا مِنْهَا بِيَدِهِ لَمْ يَفْسُدْ صَوْمُهُ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اسْتِقْرَارَ الدَّاخِلِ فِي الْجَوْفِ شَرْطٌ لِفَسَادِ الصَّوْمِ، وَكَذَا لَوْ أَدْخَلَ أُصْبُعَهُ فِي اسْتِهِ أَوْ أَدْخَلَتْ الْمَرْأَةُ فِي فَرْجِهَا هُوَ الْمُخْتَارُ إلَّا إذَا كَانَتْ الْأُصْبُعُ مُبْتَلَّةً بِالْمَاءِ أَوْ الدُّهْنِ فَحِينَئِذٍ يَفْسُدُ لِوُصُولِ الْمَاءِ أَوْ الدُّهْنِ وَقِيلَ إنَّ الْمَرْأَةَ إذَا حَشَتْ الْفَرْجَ الدَّاخِلَ فَسَدَ صَوْمُهَا وَالصَّائِمُ إذَا أَصَابَهُ سَهْمٌ وَخَرَجَ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ لَمْ يَفْسُدْ صَوْمُهُ وَلَوْ بَقِيَ النَّصْلُ فِي جَوْفِهِ يَفْسُدُ صَوْمُهُ اهـ. وَفِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ: وَإِنْ بَقِيَ الرُّمْحُ فِي جَوْفِهِ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْفِعْلُ، وَلَمْ يَصِلْ إلَيْهِ مَا فِيهِ صَلَاحُهُ وَذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ، وَأَمَّا الْوَجُورُ فِي الْفَمِ فَإِنَّهُ يُفْسِدُ صَوْمَهُ؛ لِأَنَّهُ وَصَلَ إلَى جَوْفِ الْبَدَنِ مَا هُوَ مُصْلِحٌ لِلْبَدَنِ فَكَانَ أَكْلًا مَعْنًى لَكِنْ لَا تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ لِانْعِدَامِ الْأَكْلِ صُورَةً وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي السَّعُوطِ وَالْوَجُورِ الْكَفَّارَةُ، وَلَوْ اسْتَعَطَ لَيْلًا فَخَرَجَ نَهَارًا لَا يُفْطِرُ، وَأَطْلَقَ الدَّوَاءَ فَشَمِلَ الرَّطْبَ وَالْيَابِسَ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْوُصُولِ لَا لِكَوْنِهِ رَطْبًا أَوْ يَابِسًا وَإِنَّمَا شَرَطَهُ الْقُدُورِيُّ؛ لِأَنَّ الرَّطْبَ هُوَ الَّذِي يَصِلُ إلَى الْجَوْفِ عَادَةً حَتَّى لَوْ عَلِمَ أَنَّ الرَّطْبَ لَمْ يَصِلْ لَمْ يَفْسُدْ وَلَوْ عَلِمَ أَنَّ الْيَابِسَ وَصَلَ فَسَدَ صَوْمُهُ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ لَكِنْ بَقِيَ مَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ يَقِينًا أَحَدَهُمَا وَكَانَ رَطْبًا فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُفْطِرُ لِلْوُصُولِ عَادَةً وَقَالَا لَا لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِهِ، فَلَا يُفْطِرُ بِالشَّكِّ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ يَابِسًا، وَلَمْ يَعْلَمْ فَلَا فِطْرَ اتِّفَاقًا كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَقَوْلُهُ: إلَى جَوْفِهِ عَائِدٌ إلَى الْجَائِفَةِ وَقَوْلُهُ إلَى دِمَاغِهِ عَائِدٌ إلَى الْآمَّةِ، وَفِي التَّحْقِيقِ أَنَّ بَيْنَ الْجَوْفَيْنِ مَنْفَذًا أَصْلِيًّا فَمَا وَصَلَ إلَى جَوْفِ الرَّأْسِ يَصِلُ إلَى جَوْفِ الْبَطْنِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَالْبَدَائِعِ وَلِهَذَا لَوْ اسْتَعَطَ لَيْلًا، وَوَصَلَ إلَى الرَّأْسِ ثُمَّ خَرَجَ نَهَارًا لَا يَفْسُدُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَعَلَّلَهُ فِي الْبَدَائِعِ بِأَنَّهُ لَمَّا خَرَجَ عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَى الْجَوْفِ أَوْ لَمْ يَسْتَقِرَّ فِيهِ. (قَوْلُهُ، وَإِنْ أُقْطِرَ فِي إحْلِيلِهِ لَا) أَيْ لَا يُفْطِرُ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْمَاءَ وَالدُّهْنَ، وَهَذَا عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ هَلْ بَيْنَ الْمَثَانَةِ وَالْجَوْفِ مَنْفَذٌ أَمْ لَا، وَهُوَ لَيْسَ بِاخْتِلَافٍ فِيهِ عَلَى التَّحْقِيقِ فَقَالَا: لَا، وَوُصُولُ الْبَوْلِ مِنْ الْمَعِدَةِ إلَى الْمَثَانَةِ   [منحة الخالق] فِي النَّهْرِ قِيلَ: الصَّوَابُ قُطِّرَ؛ لِأَنَّ أَقْطَرَ لَمْ يَأْتِ مُتَعَدِّيًا يُقَالُ: أَقَطَرَ الشَّيْءَ حَانَ لَهُ أَنْ يُقْطِرَ بِخِلَافِ قَطَّرَ فَإِنَّهُ جَاءَ مُتَعَدِّيًا، وَلَازِمًا وَبِالتَّضْعِيفِ مُتَعَدٍّ لَا غَيْرُ وَأَمَّا الْإِقْطَارُ بِمَعْنَى التَّقْطِيرِ فَلَمْ يَأْتِ ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَبِهَذَا تَبَيَّنَ فَسَادُ مَا قِيلَ إنَّ أَقَطَرَ عَلَى لَفْظِ الْمَبْنِيِّ لِلْمَفْعُولِ؛ لِأَنَّ مَبْنَاهُ عَلَى أَنْ يَجِيءَ الْإِقْطَارُ مُتَعَدِّيًا، وَلَا صِحَّةَ لَهُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ صَحَّ لَكَانَ حَقَّهُ أَنْ يُقْرَأَ عَلَى لَفْظِ الْمَبْنِيِّ لِلْفَاعِلِ لِتَتَّفِقَ الْأَفْعَالُ وَتَنْتَظِمَ الضَّمَائِرُ فِي سِلْكٍ وَاحِدٍ وَأَقُولُ: فِي الْمُغْرِبِ: قَطَّرَ الْمَاءَ صَبَّهُ تَقْطِيرًا أَوْ قَطَّرَهُ وَأَقْطَرَهُ لُغَةٌ، وَعَلَى هَذِهِ اللُّغَةِ يَتَخَرَّجُ كَلَامُهُمْ، وَحِينَئِذٍ فَيَصِحُّ بِنَاؤُهُ لِلْفَاعِلِ، وَهُوَ الْأَوْلَى لِمَا مَرَّ وَلِلْمَفْعُولِ، وَنَائِبُ الْفَاعِلِ هُوَ قَوْلُهُ: فِي أُذُنِهِ أَيْ وَجَدَ إقْطَارًا فِي أُذُنِهِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ بَقِيَ الرُّمْحُ فِي جَوْفِهِ) عِبَارَةُ قَاضِي خَانْ، وَإِنْ بَقِيَ الزَّجُّ فَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا هُنَا تَحْرِيفٌ مِنْ النُّسَّاخِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْفِعْلُ) ذَكَرَ فِي النَّهْرِ أَنَّهُ يُشْكِلُ عَلَيْهِ مَسْأَلَةُ الِاسْتِنْجَاءِ السَّابِقَةِ، وَمَسْأَلَةُ مَا إذَا أَدْخَلَ خَشَبَةً وَغَيَّبَهَا حَيْثُ يُفْطِرُ فِي الصُّورَتَيْنِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْفِعْلُ أَعْنِي صُورَةَ الْفِطْرِ، وَهُوَ الِابْتِلَاعُ، وَلَا مَعْنَاهُ، وَهُوَ مَا فِيهِ صَلَاحُهُ لِمَا ذَكَرُوهُ مِنْ أَنَّ إيصَالَ الْمَاءِ إلَى الْمِحْقَنَةِ يُوجِبُ دَاءً عَظِيمًا، قَالَ: وَجَوَابُهُ أَنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى تَفْسِيرِ الصُّورَةِ بِالِابْتِلَاعِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْأَوْلَى تَفْسِيرُهَا بِالْإِدْخَالِ بِصُنْعِهِ كَمَا عَلَّلَ بِهِ الْإِمَامُ قَاضِي خَانْ الْفَسَادَ بِإِدْخَالِ الْمَاءِ أُذُنَهُ بِأَنَّهُ مُوَصِّلٌ إلَيْهِ بِفِعْلِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ صَلَاحُ الْبَدَنِ كَمَا لَوْ أَدْخَلَ خَشَبَةً وَغَيَّبَهَا إلَى آخِرِ كَلَامِهِ اهـ. نَعَمْ يَرِدُ ذَلِكَ عَلَى تَعْلِيلِ الْوَلْوَالِجِيِّ لِعَدَمِ الْفَسَادِ بِإِدْخَالِ الْمَاءِ أُذُنَهُ، وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَيْضًا كَمَا قَالَهُ الرَّمْلِيُّ الْإِفْطَارُ بِوُصُولِ الْمَاءِ إلَى الدِّمَاغِ فِي الِاسْتِنْشَاقِ فَإِنَّهُ إذَا فَسَدَ مَعَ عَدَمِ الْقَصْدِ فَكَيْفَ لَا يَفْسُدُ فِي الْإِقْطَارِ وَالسَّعُوطِ مَعَ الْقَصْدِ ثُمَّ قَالَ لَكِنْ مَعَ ذَلِكَ هُوَ مُعَارَضٌ بِمَا فِي الشُّرُوحِ، وَإِذَا عَارَضَ مَا فِي الْفَتَاوَى مَا فِي الشُّرُوحِ يُعْمَلُ بِمَا فِي الشُّرُوحِ اهـ. وَفِيهِ أَنَّ مَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ اخْتَارَهُ فِي الْهِدَايَةِ كَمَا مَرَّ وَالْهِدَايَةُ مَعْدُودَةٌ مِنْ الْمُتُونِ، وَهِيَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الشُّرُوحِ فَأَيْنَ الْمُعَارَضَةُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 300 بِالتَّرَشُّحِ، وَمَا يَخْرُجُ رَشْحًا لَا يَعُودُ رَشْحًا كَالْجَرَّةِ إذَا سُدَّ رَأْسُهَا وَأُلْقِيَ فِي الْحَوْضِ يَخْرُجُ مِنْهَا الْمَاءُ، وَلَا يَدْخُلُ فِيهَا ذَكَرَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ وَقَالَ: نَعَمْ قَالَ: هَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَهَذَا لَيْسَ مِنْ بَابِ الْفِقْهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِالطِّبِّ وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا وَصَلَ إلَى الْمَثَانَةِ أَمَّا مَا دَامَ فِي قَصَبَةِ الذَّكَرِ فَلَا يُفْسِدُ صَوْمَهُ اتِّفَاقًا كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَعَارَضَ بِهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مَا فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ لَوْ حَشَا ذَكَرَهُ بِقُطْنَةٍ فَغَيَّبَهَا أَنَّهُ يَفْسُدُ كَاحْتِشَائِهَا وَأَطَالَ فِيهِ وَصَحَّحَ فِي التُّحْفَةِ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَكِنْ رَجَّحَ الشَّيْخُ قَاسِمٌ فِي تَصْحِيحِهِ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ وَقُيِّدَ بِالْإِحْلِيلِ الَّذِي هُوَ مَخْرَجُ الْبَوْلِ مِنْ الذَّكَرِ؛ لِأَنَّ الْإِقْطَارَ مِنْ قِبَلِ الْمَرْأَةِ يُفْسِدُ الصَّوْمَ بِلَا خِلَافٍ عَلَى الصَّحِيحِ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ أَنَّهُ لَا يُفْسِدُ بِالْإِجْمَاعِ وَعَلَّلَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهُ شَبِيهٌ بِالْحُقْنَةِ، وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِابْنِ فرشته الْإِحْلِيلُ مَخْرَجُ الْبَوْلِ وَمَخْرَجُ اللَّبَنِ مِنْ الثَّدْيِ (قَوْلُهُ وَكُرِهَ ذَوْقُ شَيْءٍ، وَمَضْغُهُ بِلَا عُذْرٍ) لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْرِيضِ الصَّوْمِ لِلْفَسَادِ، وَلَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ لِعَدَمِ الْفِطْرِ صُورَةً وَمَعْنًى قُيِّدَ بِقَوْلِهِ: بِلَا عُذْرٍ؛ لِأَنَّ الذَّوْقَ بِعُذْرٍ لَا يُكْرَهُ كَمَا قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ فِيمَنْ كَانَ زَوْجُهَا سَيِّئَ الْخُلُقِ أَوْ سَيِّدُهَا لَا بَأْسَ بِأَنْ تَذُوقَ بِلِسَانِهَا وَلَيْسَ مِنْ الْأَعْذَارِ، وَالذَّوْقُ عِنْدَ الشِّرَاءِ لِيُعْرَفَ الْجَيِّدُ مِنْ الرَّدِيءِ بَلْ يُكْرَهُ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْوَلْوَالِجِيِّ وَتَبِعَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ ، وَفِي الْمُحِيطِ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ كَيْ لَا يُغْبَنَ وَالْمَضْغُ بِعُذْرٍ بِأَنْ لَمْ تَجِدْ الْمَرْأَةُ مَنْ يَمْضُغَ لِصَبِيِّهَا الطَّعَامَ مِنْ حَائِضٍ أَوْ نُفَسَاءَ أَوْ غَيْرِهِمَا مِمَّنْ لَا يَصُومُ، وَلَمْ تَجِدْ طَبِيخًا، وَلَا لَبَنًا حَلِيبًا لَا بَأْسَ بِهِ لِلضَّرُورَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ لَهَا الْإِفْطَارُ إذَا خَافَتْ عَلَى الْوَلَدِ فَالْمَضْغُ أَوْلَى وَأَطْلَقَ فِي الصَّوْمِ فَشَمِلَ الْفَرْضَ وَالنَّفَلَ، وَقَدْ قَالُوا: إنَّ الْكَرَاهَةَ فِي الْفَرْضِ أَمَّا فِي الصَّوْمِ التَّطَوُّعِ فَلَا يُكْرَهُ الذَّوْقُ وَالْمَضْغُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْإِفْطَارَ فِيهِ مُبَاحٌ لِلْعُذْرِ وَغَيْرِهِ عَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ كَذَا فِي التَّجْنِيسِ وَتَبِعَهُ فِي النِّهَايَةِ وَفَتْحِ الْقَدِيرِ وَغَيْرِهِمَا، وَفِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّ الْإِفْطَارَ فِي التَّطَوُّعِ لَا يَحِلُّ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَمَا كَانَ تَعْرِيضًا لَهُ عَلَيْهِ يُكْرَهُ؛ لِأَنَّ كَلَامَنَا عِنْدَ عَدَمِ الْعُذْرِ وَأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ فَمُسَلَّمٌ وَسَيَأْتِي أَنَّهَا شَاذَّةٌ (قَوْلُهُ: وَمَضْغُ الْعَلْكِ) أَيْ وَيُكْرَهُ مَضْغُهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْرِيضِ الصَّوْمِ عَلَى الْفَسَادِ وَلِأَنَّهُ يُتَّهَمُ بِالْإِفْطَارِ أَطْلَقَهُ فَأَفَادَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ عِلْكٍ وَعِلْكٍ فِي أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ، وَإِنَّمَا يُكْرَهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَذَا فِي الْبَيَانِ، وَالْمُتَأَخِّرُونَ قَيَّدُوهُ بِأَنْ يَكُونَ أَبْيَضَ، وَقَدْ مَضَغَهُ غَيْرُهُ أَمَّا إذَا لَمْ يَمْضُغْهُ غَيْرُهُ، أَوْ كَانَ أَسْوَدَ مُطْلَقًا يُفْطِرُهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَمْضُغْهُ غَيْرُهُ يَتَفَتَّتُ فَيَتَجَاوَزُ شَيْءٌ مِنْهُ حَلْقَهُ، وَإِذَا مَضَغَهُ غَيْرُهُ لَا يَتَفَتَّتُ إلَّا أَنَّ الْأَسْوَدَ يَذُوبُ بِالْمَضْغِ فَأَمَّا الْأَبْيَضُ لَا يَذُوبُ وَإِطْلَاقُ مُحَمَّدٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكُلَّ سَوَاءٌ كَذَا ذَكَرَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوِيهِ وَاخْتَارَ الْمُحَقِّقُ كَلَامَ الْمُتَأَخِّرِينَ؛ لِأَنَّ إطْلَاقَ مُحَمَّدٍ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ لِلْقَطْعِ بِأَنَّهُ مُعَلَّلٌ بِعَدَمِ الْوُصُولِ فَإِذَا فَرَضَ فِي بَعْضِ الْعِلْكِ مَعْرِفَةَ الْوُصُولِ مِنْهُ عَادَةً وَجَبَ الْحُكْمُ فِيهِ بِالْفَسَادِ؛ لِأَنَّهُ كَالْمُتَيَقِّنِ اهـ. وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَعُمُومُ مَا قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ الْعِلْكُ لِغَيْرِ الصَّائِمِ وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ لِلرِّجَالِ تَرْكُهُ إلَّا لِعُذْرٍ مِثْلِ أَنْ يَكُونَ فِي فَمِهِ بَخَرٌ اهـ. وَأَمَّا فِي حَقِّ النِّسَاءِ فَالْمُسْتَحَبُّ لَهُنَّ فِعْلُهُ؛ لِأَنَّهُ سِوَاكُهُنَّ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْأَوْلَى الْكَرَاهَةُ لِلرِّجَالِ إلَّا لِحَاجَةٍ؛ لِأَنَّ الدَّلِيلَ أَعْنِي التَّشَبُّهَ يَقْتَضِيهَا فِي حَقِّهِمْ خَالِيًا عَنْ الْمُعَارِضِ، وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ صَائِمٌ عَمِلَ عَمَلَ الْإِبْرَيْسَمِ فَأَدْخَلَ الْإِبْرَيْسَمَ فِي فِيهِ فَخَرَجَتْ خُضْرَةُ الصَّبْغِ أَوْ صُفْرَتُهُ أَوْ حُمْرَتُهُ، وَاخْتَلَطَتْ بِالرِّيقِ فَاخْضَرَّ الرِّيقُ أَوْ اصْفَرَّ أَوْ احْمَرَّ فَابْتَلَعَهُ، وَهُوَ ذَاكِرٌ صَوْمَهُ فَسَدَ صَوْمُهُ، وَفِي الْمُحِيطِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُكْرَهُ لِلصَّائِمِ الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ لِغَيْرِ الْوُضُوءِ، وَلَا بَأْسَ بِهِ لِلْوُضُوءِ وَكُرِهَ الِاغْتِسَالُ وَصَبُّ الْمَاءِ عَلَى الرَّأْسِ وَالِاسْتِنْقَاعُ فِي الْمَاءِ وَالتَّلَفُّفُ بِالثَّوْبِ الْمَبْلُولِ؛ لِأَنَّهُ إظْهَارُ الضَّجَرِ عَنْ الْعِبَادَةِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يُكْرَهُ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَبَّ عَلَى رَأْسِهِ مَاءً مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ، وَهُوَ صَائِمٌ» وَلِأَنَّ فِيهِ إظْهَارَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَصَحَّحَ فِي التُّحْفَةِ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: تَقَدَّمَ أَنَّ مُحَمَّدًا مَعَ أَبِي يُوسُفَ لَكِنْ قَالَ: وَمُحَمَّدٌ تَوَقَّفَ فِيهِ، وَقِيلَ هُوَ مَعَ أَبِي يُوسُفَ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فَمَا تَقَدَّمَ نَقْلُهُ هُوَ الْأَظْهَرُ وَمَا تَأَخَّرَ عَلَى خِلَافِ الْأَظْهَرِ. (قَوْلُهُ: وَأَطْلَقَ فِي الصَّوْمِ إلَخْ) قَالَ فِي الْإِمْدَادِ: كَذَا أَطْلَقَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَنْزِ وَشَرْحِ الْمُخْتَارِ فَشَمِلَ النَّفَلَ لِمَا أَنَّهُ لَا يُبَاحُ فِيهِ الْفِطْرُ بِلَا عُذْرٍ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَمَنْ قَيَّدَهُ بِالْفَرْضِ كَشَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ وَنَفْيُ كَرَاهَةِ الذَّوْقِ فِي النَّفْلِ إنَّمَا هُوَ عَلَى رِوَايَةِ جَوَازِ الْإِفْطَارِ فِي النَّفْلِ بِلَا عُذْرٍ (قَوْلُهُ: وَفِيهِ بَحْثٌ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّمَا لَمْ يُكْرَهْ فِي النَّفْلِ وَكُرِهَ فِي الْفَرْضِ إظْهَارًا لِتَفَاوُتِ الْمَرْتَبَتَيْنِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 301 ضَعْفِ بِنْيَتِهِ وَعَجْزِ بَشَرِيَّتِهِ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ ضَعِيفًا لَا إظْهَارَ الضَّجَرِ. (قَوْلُهُ لَا كُحْلٌ وَدُهْنُ شَارِبٍ) أَيْ لَا يُكْرَهُ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْفَاءُ مِنْهُمَا مَفْتُوحَةً فَيَكُونَانِ مَصْدَرَيْنِ مِنْ كَحَلَ عَيْنَهُ كَحْلًا وَدَهَنَ رَأْسَهُ دَهْنًا إذَا طَلَاهُ بِالدُّهْنِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَضْمُومًا وَيَكُونَ مَعْنَاهُ، وَلَا بَأْسَ بِاسْتِعْمَالِ الْكُحْلِ وَالدُّهْنِ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ، وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ الرِّوَايَةُ بِفَتْحِ الْكَافِ وَالدَّالِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُكْرَهَا لِمَا أَنَّهُ نَوْعُ ارْتِفَاقٍ وَلَيْسَ مِنْ مَحْظُورِ الصَّوْمِ، وَقَدْ «نُدِبَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى الِاكْتِحَالِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَإِلَى الصَّوْمِ فِيهِ» ، وَلَا بَأْسَ بِالِاكْتِحَالِ لِلرِّجَالِ إذَا قَصَدُوا بِهِ التَّدَاوِيَ دُونَ الزِّينَةِ وَيُسْتَحْسَنُ دَهْنُ الشَّارِبِ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ قَصْدِهِ الزِّينَةُ؛ لِأَنَّهُ يَعْمَلُ عَمَلَ الْخِضَابِ، وَلَا يُفْعَلُ لِتَطْوِيلِ اللِّحْيَةِ إذَا كَانَتْ بِقَدْرِ الْمَسْنُونِ، وَهُوَ الْقُبْضَةُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقْبِضُ عَلَى لِحْيَتِهِ فَيَقْطَعُ مَا زَادَ عَلَى الْكَفِّ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ وَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَحْفُوا الشَّوَارِبَ وَاعْفُوَا اللِّحَى» فَمَحْمُولٌ عَلَى إعْفَائِهَا مِنْ أَنْ يَأْخُذَ غَالِبَهَا أَوْ كُلَّهَا كَمَا هُوَ فِعْلُ مَجُوسِ الْأَعَاجِمِ مِنْ حَلْقِ لِحَاهُمْ فَيَقَعُ بِذَلِكَ الْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ، وَأَمَّا الْأَخْذُ مِنْهَا، وَهِيَ دُونَ ذَلِكَ كَمَا يَفْعَلُ بَعْضُ الْمَغَارِبَةِ وَالْمُخَنَّثَةِ مِنْ الرِّجَالِ فَلَمْ يُبِحْهُ أَحَدٌ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي النِّهَايَةِ بِوُجُوبِ قَطْعِ مَا زَادَ عَلَى الْقُبْضَةِ بِالضَّمِّ وَمُقْتَضَاهُ الْإِثْمُ بِتَرْكِهِ وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا تَلَازُمَ بَيْنَ قَصْدِ الْجَمَالِ وَقَصْدِ الزِّينَةِ فَالْقَصْدُ الْأَوَّلُ لِدَفْعِ الشَّيْنِ وَإِقَامَةِ مَا بِهِ الْوَقَارُ وَإِظْهَارِ النِّعْمَةِ شُكْرًا لَا فَخْرًا، وَهُوَ أَثَرُ أَدَبِ النَّفْسِ وَشَهَامَتِهَا وَالثَّانِي أَثَرُ ضَعْفِهَا، وَقَالُوا بِالْخِضَابِ وَرَدَتْ السُّنَّةُ، وَلَمْ يَكُنْ لِقَصْدِ الزِّينَةِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ إنْ حَصَلَتْ زِينَةٌ فَقَدْ حَصَلَتْ فِي ضِمْنِ قَصْدٍ مَطْلُوبٍ فَلَا يَضُرُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مُلْتَفَتًا إلَيْهِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلِهَذَا قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوِيهِ: لُبْسُ الثِّيَابِ الْجَمِيلَةِ مُبَاحٌ إذَا كَانَ لَا يَتَكَبَّرُ؛ لِأَنَّ التَّكَبُّرَ حَرَامٌ، وَتَفْسِيرُهُ أَنْ يَكُونَ مَعَهَا كَمَا كَانَ قَبْلَهَا اهـ. (قَوْلُهُ وَسِوَاكٌ وَقُبْلَةٌ إنْ أَمِنَ) أَيْ لَا يُكْرَهَانِ وَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُ الْقُبْلَةِ وَأَمَّا السِّوَاكُ فَلَا بَأْسَ بِهِ لِلصَّائِمِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الرَّطْبَ وَالْيَابِسَ وَالْمَبْلُولَ وَغَيْرَهُ قَبْلَ الزَّوَالِ وَبَعْدَهُ لِعُمُومِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ وُضُوءٍ وَعِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ» لِتَنَاوُلِهِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَحْكَامُهُ فِي سُنَنِ الطَّهَارَةِ فَارْجِعْ إلَيْهَا وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِسُنَّةِ السِّوَاكِ لِلصَّائِمِ، وَلَا شَكَّ فِيهِ كَغَيْرِ الصَّائِمِ صَرَّحَ بِهِ فِي النِّهَايَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ فِي الْعَوَارِضِ) اعْلَمْ أَنَّ لِفَسَادِ الصَّوْمِ أَحْكَامًا بَعْضُهَا يَعُمُّ الصِّيَامَاتِ كُلَّهَا وَبَعْضُهَا يَخُصُّ الْبَعْضَ دُونَ الْبَعْضِ فَاَلَّذِي يَعُمُّ الْكُلَّ الْإِثْمُ إذَا أَفْسَدَهُ بِغَيْرِ عُذْرٍ؛ لِأَنَّهُ أَبْطَلَ عَمَلَهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَإِبْطَالُ الْعَمَلِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ حَرَامٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] عَلَى مَا سَيَأْتِي فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ وَإِنْ كَانَ بِعُذْرٍ لَا يَأْثَمُ وَإِذَا اخْتَلَفَ الْحُكْمُ بِعُذْرٍ فَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ الْأَعْذَارِ الْمُسْقِطَةِ لِلْإِثْمِ وَالْمُؤَاخَذَةِ؛ فَلِهَذَا ذَكَرَهَا فِي فَصْلٍ عَلَى حِدَةٍ كَذَا فِي مُخْتَصَرِ الْبَدَائِعِ وَأَخَّرَهَا؛ لِأَنَّهَا حَرِيَّةٌ بِالتَّأْخِيرِ وَالْعَوَارِضُ جَمْعُ عَارِضٍ وَهُوَ فِي اللُّغَةِ كُلُّ مَا اسْتَقْبَلَك قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {عَارِضٌ مُمْطِرُنَا} [الأحقاف: 24] وَهُوَ السَّحَابُ الَّذِي يَسْتَقْبِلُك وَالْعَارِضُ النَّابُ أَيْضًا وَالْعَارِضَانِ شِقَّا الْفَمِ وَالْعَارِضُ الْخَدُّ يُقَالُ أَخَذَ مِنْ عَارِضَيْهِ مِنْ الشَّعْرِ وَعَرَضَ لَهُ عَارِضٌ أَيْ آفَةٌ مِنْ كِبَرٍ أَوْ مِنْ مَرَضٍ كَذَا فِي ضِيَاءِ الْحُلُومِ مُخْتَصَرِ شَمْسِ الْعُلُومِ وَهِيَ هُنَا ثَمَانِيَةٌ الْمَرَضُ وَالسَّفَرُ وَالْإِكْرَاهُ وَالْحَبَلُ وَالرَّضَاعُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَقَدْ صَرَّحَ فِي النِّهَايَةِ بِوُجُوبِ قَطْعِ مَا زَادَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَسَمِعْت مِنْ بَعْضِ أَعِزَّاءِ الْمَوَالِي أَنَّ قَوْلَ النِّهَايَةِ: يُحَبُّ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَلَا بَأْسَ بِهِ اهـ. قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ وَلَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَاسْتِعْمَالُهُمْ فِي مِثْلِهِ يُسْتَحَبُّ اهـ. وَكَأَنَّهُ لِهَذَا وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ لَمْ يُعَوِّلْ عَلَيْهِ الشَّيْخُ عَلَاءُ الدِّينِ مَعَ شِدَّةِ مُتَابَعَتِهِ لِلنَّهْرِ وَقَالَ مُقْتَضَاهُ الْإِثْمُ بِتَرْكِهِ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ الْوُجُوبُ عَلَى الثُّبُوتِ اهـ. قُلْتُ: وَظَاهِرُ قَوْلِ الْهِدَايَةِ، وَلَا يَفْعَلُ لِتَطْوِيلِ اللِّحْيَةِ إلَخْ يُفِيدُ الْكَرَاهَةَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُ الْقُبْلَةِ) أَيْ تَحْتَ قَوْلِ الْمَتْنِ أَوْ احْتَلَمَ [فَصْلٌ فِي عَوَارِضِ الْفِطْر فِي رَمَضَان] (فَصْلٌ فِي الْعَوَارِضِ) . (قَوْلُهُ وَهِيَ هُنَا ثَمَانِيَةٌ إلَخْ) نَظَمَهَا الْمَقْدِسِيَّ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ فَقَالَ سَقَمٌ وَإِكْرَاهٌ وَحَمْلٌ وَسَفَرْ ... رَضْعٌ وَجُوعٌ وَعَطَشٌ وَكِبَرٌ انْتَهَى. وَالْأَوْلَى إنْشَادُهُ خَالِيًا مِنْ الضَّرُورَةِ هَكَذَا: مَرَضٌ وَإِكْرَاهٌ رَضَاعٌ ... وَالسَّفَر حَبَلٌ كَذَا عَطَشٌ وَجُوعٌ وَالْكِبَرْ وَيُزَادُ تَاسِعٌ وَهُوَ قِتَالُ الْعَدُوِّ فَإِنَّ الْغَازِيَ إذَا خَافَ الْعَجْزَ عَنْ الْقِتَالِ لَهُ الْفِطْرُ وَلَوْ مُقِيمًا كَمَا يَأْتِي قَرِيبًا وَقَدْ زِدْت ذَلِكَ فَقُلْت حَبَلٌ وَإِرْضَاعٌ وَإِكْرَاهٌ سَفَرْ ... مَرَضٌ جِهَادٌ جُوعُهُ عَطَشٌ كِبَرْ قَالَ فِي النَّهْرِ وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ السَّفَرَ مِنْ الثَّمَانِيَةِ مَعَ أَنَّهُ لَا يُبِيحُ الْفِطْرَ إنَّمَا يُبِيحُ عَدَمَ الشُّرُوعِ فِي الصَّوْمِ وَمِنْهَا كِبَرُ السِّنِّ وَفِي عُرُوضِهِ فِي الصَّوْمِ لِيَكُونَ مُبِيحًا لِلْفِطْرِ مَا لَا يَخْفَى فَالْأَوْلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 302 وَالْجُوعُ وَالْعَطَشُ وَكِبَرُ السِّنِّ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ: لِمَنْ خَافَ زِيَادَةَ الْمَرَضِ الْفِطْرُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] فَإِنَّهُ أَبَاحَ الْفِطْرَ لِكُلِّ مَرِيضٍ لَكِنْ الْقَطْعُ بِأَنَّ شَرْعِيَّةَ الْفِطْرِ فِيهِ إنَّمَا هُوَ لِدَفْعِ الْحَرَجِ وَتَحَقُّقُ الْحَرَجِ مَنُوطٌ بِزِيَادَةِ الْمَرَضِ أَوْ إبْطَاءِ الْبُرْءِ أَوْ إفْسَادِ عُضْوٍ ثُمَّ مَعْرِفَةُ ذَلِكَ بِاجْتِهَادِ الْمَرِيضِ وَالِاجْتِهَادُ غَيْرُ مُجَرَّدِ الْوَهْمِ بَلْ هُوَ غَلَبَةُ الظَّنِّ عَنْ أَمَارَةٍ أَوْ تَجْرِبَةٍ أَوْ بِإِخْبَارِ طَبِيبٍ مُسْلِمٍ غَيْرِ ظَاهِرِ الْفِسْقِ وَقِيلَ عَدَالَتُهُ شَرْطٌ فَلَوْ بَرَأَ مِنْ الْمَرَضِ لَكِنْ الضَّعْفُ بَاقٍ وَخَافَ أَنْ يَمْرَضَ سُئِلَ عَنْهُ الْقَاضِي الْإِمَامُ فَقَالَ الْخَوْفُ لَيْسَ بِشَيْءٍ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي التَّبْيِينِ وَالصَّحِيحُ الَّذِي يَخْشَى أَنْ يَمْرَضَ بِالصَّوْمِ فَهُوَ كَالْمَرِيضِ وَمُرَادُهُ بِالْخَشْيَةِ غَلَبَةُ الظَّنِّ كَمَا أَرَادَ الْمُصَنِّفُ بِالْخَوْفِ إيَّاهَا وَأَطْلَقَ الْخَوْفَ ابْنُ الْمَلَكِ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَأَرَادَ الْوَهْمَ حَيْثُ قَالَ لَوْ خَافَ مِنْ الْمَرَضِ لَا يُفْطِرُ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الْأَمَةُ إذَا ضَعُفَتْ عَنْ الْعَمَلِ وَخَشِيَتْ الْهَلَاكَ بِالصَّوْمِ جَازَ لَهَا الْفِطْرُ وَكَذَا الَّذِي ذَهَبَ بِهِ مُتَوَكِّلُ السُّلْطَانِ إلَى الْعِمَارَةِ فِي الْأَيَّامِ الْحَارَّةِ وَالْعَمَلِ الْحَثِيثِ إذَا خَشِيَ الْهَلَاكَ أَوْ نُقْصَانَ الْعَقْلِ وَقَالُوا الْغَازِي إذَا كَانَ يَعْلَمُ يَقِينًا أَنَّهُ يُقَاتِلُ الْعَدُوَّ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ وَيَخَافُ الضَّعْفَ إنْ لَمْ يُفْطِرْ يُفْطِرُ قَبْلَ الْحَرْبِ مُسَافِرًا كَانَ أَوْ مُقِيمًا وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ والولوالجية لِلْأَمَةِ أَنْ تَمْتَنِعَ مِنْ امْتِثَالِ أَمْرِ الْمَوْلَى إذَا كَانَ ذَلِكَ يُعْجِزُهَا عَنْ إقَامَةِ الْفَرَائِضِ؛ لِأَنَّهَا مُبْقَاةٌ عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ فِي حَقِّ الْفَرَائِضِ. أَطْلَقَ فِي الْمَرَضِ فَشَمِلَ مَا إذَا مَرِضَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَوْ بَعْدَهُ بَعْدَمَا شَرَعَ بِخِلَافِ السَّفَرِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِعُذْرٍ فِي الْيَوْمِ الَّذِي أَنْشَأَ السَّفَرَ فِيهِ وَلَا يَحِلُّ لَهُ الْإِفْطَارُ وَهُوَ عُذْرٌ فِي سَائِرِ الْأَيَّامِ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَأَشَارَ بِاللَّامِ إلَى أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الصَّوْمِ وَالْفِطْرِ لَكِنَّ الْفِطْرَ رُخْصَةٌ وَالصَّوْمُ عَزِيمَةٌ فَكَانَ أَفْضَلَ إلَّا إذَا خَافَ الْهَلَاكَ فَالْإِفْطَارُ وَاجِبٌ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ رَجُلٌ لَوْ صَامَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُصَلِّيَ قَائِمًا وَإِذَا أَفْطَرَ يُمْكِنُهُ أَنْ يُصَلِّيَ قَائِمًا فَإِنَّهُ يَصُومُ وَيُصَلِّي قَاعِدًا جَمْعًا بَيْنَ الْعِبَادَتَيْنِ وَفِي الْخُلَاصَةِ لَوْ كَانَ لَهُ نَوْبَةُ حُمَّى فَأَكَلَ قَبْلَ أَنْ تَظْهَرَ يَعْنِي فِي يَوْمِ النَّوْبَةِ لَا بَأْسَ فَإِنْ لَمْ يُحَمَّ فِيهِ كَانَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ كَمَا لَوْ أَفْطَرَتْ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ يَوْمُ حَيْضِهَا فَلَمْ تَحِضْ كَانَ عَلَيْهَا الْكَفَّارَةُ لِوُجُودِ الْإِفْطَارِ فِي يَوْمٍ لَيْسَ فِيهِ شُبْهَةُ الْإِبَاحَةِ وَهَذَا إذَا أَفْطَرَ بَعْدَمَا نَوَى الصَّوْمَ وَشَرَعَ فِيهِ أَمَّا لَوْ لَمْ يَنْوِ كَانَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ رَضِيعٌ مَبْطُونٌ يُخَافُ مَوْتُهُ مِنْ هَذَا الدَّوَاءِ وَزَعَمَ الْأَطِبَّاءُ أَنَّ الظِّئْرَ إذَا شَرِبَتْ دَوَاءَ كَذَا بَرِئَ الصَّغِيرُ وَتَمَاثَلَ وَتَحْتَاجُ الظِّئْرُ إلَى أَنْ تَشْرَبَ ذَلِكَ نَهَارًا فِي رَمَضَانَ قِيلَ لَهَا ذَلِكَ إذَا قَالَ ذَلِكَ الْأَطِبَّاءُ الْحُذَّاقُ وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ إذَا لَدَغَتْهُ حَيَّةٌ فَأَفْطَرَ بِشُرْبِ الدَّوَاءِ قَالُوا إنْ كَانَ ذَلِكَ يَنْفَعُهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ أَطْلَقَ فِي الْكِتَابِ الْأَطِبَّاءَ الْحُذَّاقَ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعِنْدِي هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى الطَّبِيبِ الْمُسْلِمِ دُونَ الْكَافِرِ كَمُسْلِمٍ شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ بِالتَّيَمُّمِ فَوَعَدَ لَهُ كَافِرٌ إعْطَاءَ الْمَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ لَعَلَّ غَرَضَهُ إفْسَادُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ فِي الصَّوْمِ. اهـ. وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمَرِيضَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْتَطِبَّ بِالْكَافِرِ فِيمَا عَدَا إبْطَالَ الْعِبَادَةِ؛ لِمَا أَنَّهُ عَلَّلَ قَبُولَ قَوْلِهِ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ غَرَضُهُ إفْسَادَ الْعِبَادَةِ لَا   [منحة الخالق] أَنْ يُرَادَ بِالْعَوَارِضِ مَا يُبِيحُ عَدَمَ الصَّوْمِ لِيَطَّرِدَ فِي الْكُلِّ (قَوْلُهُ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الْأَمَةُ إذَا ضَعُفَتْ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَالَ فِي جَامِعِ الْفَتَاوَى وَلَوْ ضَعُفَ عَنْ الصَّوْمِ لِاشْتِغَالِهِ بِالْمَعِيشَةِ فَلَهُ أَنْ يُفْطِرَ وَيُطْعِمَ لِكُلِّ يَوْمٍ نِصْفَ صَاعٍ اهـ. وَأَقُولُ: هَذَا إذَا لَمْ يُدْرِكْ عِدَّةً مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُمْكِنُهُ الصَّوْمُ فِيهَا أَمَّا إذَا أَمْكَنَهُ يَجِبُ الْقَضَاءُ وَعَلَى هَذَا الْحَصَادُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ مَعَ الصَّوْمِ وَيَهْلَكُ الزَّرْعُ بِالتَّأْخِيرِ لَا شَكَّ فِي جَوَازِ الْفِطْرِ وَالْقَضَاءِ إذَا أَدْرَكَ عِدَّةً مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ: لِلْأَمَةِ أَنْ تَمْتَنِعَ إلَخْ) أَيْ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا طَاعَتُهُ فِي ذَلِكَ وَانْظُرْ هَلْ يَجُوزُ لَهَا إطَاعَتُهُ أَمْ لَا؟ وَالظَّاهِرُ الثَّانِي، تَأَمَّلْ. وَلَكِنْ مُقْتَضَى مَا فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ لِلشُّرُنْبُلَالِيِّ الْأَوَّلُ حَيْثُ قَالَ صَائِمٌ أَتْعَبَ نَفْسَهُ فِي عَمَلٍ حَتَّى أَجْهَدَهُ الْعَطَشُ فَأَفْطَرَ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ وَقِيلَ لَا تَلْزَمُهُ وَبِهِ أَفْتَى الْبَقَّالِيُّ وَهَذَا بِخِلَافِ الْأَمَةِ إذَا أَجْهَدَتْ نَفْسَهَا؛ لِأَنَّهَا مَعْذُورَةٌ تَحْتَ قَهْرِ الْمَوْلَى وَلَهَا أَنْ تَمْتَنِعَ مِنْ ذَلِكَ وَكَذَا يُفِيدُ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهَا إطَاعَتُهُ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ قَوْلَهُ وَلَهَا مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَحِلُّ لَهَا مُخَالَفَةُ أَمْرِهِ إنْ أَمْكَنَهَا وَقَوْلُهُ قَبْلَهُ بِخِلَافِ الْأَمَةِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا فَعَلَتْ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهَا بِدَلِيلِ التَّعْلِيلِ، تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: كَانَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ) قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: وَقِيلَ: لَا، وَلَوْ أَفْطَرَ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ يُقَاتِلُ أَهْلَ الْحَرْبِ فَلَمْ يَتَّفِقْ الْقِتَالُ لَا يُكَفِّرُ. وَالْفَرْقُ أَيْ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَنْ لَهُ نَوْبَةُ حُمَّى أَنَّ الْقِتَالَ يَحْتَاجُ إلَى تَقْدِيمِ الْإِفْطَارِ لِيَتَقَوَّى بِخِلَافِ الْمَرَضِ اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمُقَاتِلَ مُحْتَاجٌ إلَى تَقْدِيمِ الْأَكْلِ فَصَارَ مَأْذُونًا فِيهِ قَبْلَ وُجُودِ حَقِيقَةِ الْعُذْرِ بِخِلَافِ الْمَرِيضِ فَلِذَا يَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ إذَا لَمْ يُوجَدْ عُذْرُهُ بَعْدَ الْأَكْلِ لَكِنْ قَدَّمْنَا عَنْ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ سُقُوطَهَا عَنْهُ أَيْضًا وَكَذَا عَمَّنْ ظَنَّتْ أَنَّهُ يَوْمُ حَيْضِهَا (قَوْلُهُ: بَرِئَ الصَّغِيرُ وَتَمَاثَلَ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ فِي مَادَّةِ م ث ل تَمَاثَلَ الْعَلِيلُ قَارَبَ الْبُرْءَ (قَوْلُهُ: وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمَرِيضَ يَجُوزُ لَهُ إلَخْ) قَالَ فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 303 بِأَنَّ اسْتِعْمَالَهُ فِي الطِّبِّ لَا يَجُوزُ، وَفِي الْقُنْيَةِ لَا يَجُوزُ لِلْخَبَّازِ أَنْ يَخْبِزَ خَبْزًا يُوصِلُهُ إلَى ضَعْفٍ مُبِيحٍ لِلْفِطْرِ بَلْ يَخْبِزُ نِصْفَ النَّهَارِ وَيَسْتَرِيحُ فِي النِّصْفِ قِيلَ لَهُ لَا يَكْفِيهِ أُجْرَتُهُ أَوْ رِبْحُهُ فَقَالَ هُوَ كَاذِبٌ وَهُوَ بَاطِلٌ بِأَقْصَرِ أَيَّامِ الشِّتَاءِ. (قَوْلُهُ: وَلِلْمُسَافِرِ وَصَوْمُهُ أَحَبُّ إنْ لَمْ يَضُرَّهُ) أَيْ جَازَ لِلْمُسَافِرِ الْفِطْرُ؛ لِأَنَّ السَّفَرَ لَا يَعْرَى عَنْ الْمَشَقَّةِ فَجُعِلَ فِي نَفْسِهِ عُذْرًا بِخِلَافِ الْمَرَضِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَخِفُّ بِالصَّوْمِ فَشَرَطَ كَوْنَهُ مُفْضِيًا إلَى الْحَرَجِ وَإِنَّمَا كَانَ الصَّوْمُ أَفْضَلَ إنْ لَمْ يَضُرَّهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 184] وَلِأَنَّ رَمَضَانَ أَفْضَلُ الْوَقْتَيْنِ فَكَانَ فِيهِ الْأَدَاءُ أَوْلَى وَلَا يَرِدُ عَلَيْنَا الْقَصْرُ فِي الصَّلَوَاتِ فَإِنَّهُ وَاجِبٌ حَتَّى يَأْثَمَ بِالْإِتْمَامِ؛ لِأَنَّ الْقَصْرَ هُوَ الْعَزِيمَةُ وَتَسْمِيَتُهُمْ لَهُ رُخْصَةً إسْقَاطُ مَجَازٍ، وَقَوْلُ صَاحِبِ غَايَةِ الْبَيَانِ إنَّ الْقَصْرَ أَفْضَلُ تَسَامُحٌ وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَصَوْمُهُمَا أَحَبُّ إنْ لَمْ يَضُرَّهُمَا لَكَانَ أَوْلَى لِشُمُولِهِ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ إنْ لَمْ يَضُرَّهُ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ إنْ ضَرَّهُ بِأَنْ شَقَّ عَلَيْهِ فَالْفِطْرُ أَفْضَلُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ» قَالَهُ لِرَجُلٍ صَائِمٍ يُصَبُّ عَلَيْهِ الْمَاءُ وَفِي الْمُحِيطِ وَلَوْ أَرَادَ الْمُسَافِرُ أَنْ يُقِيمَ فِي مِصْرٍ أَوْ يَدْخُلَ مِصْرَهُ كُرِهَ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ؛ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ فِي الْيَوْمِ الْمُبِيحُ وَهُوَ السَّفَرُ وَالْمُحَرِّمُ وَهُوَ الْإِقَامَةُ فَرَجَّحْنَا الْمُحَرِّمَ احْتِيَاطًا وَصَرَّحَ فِي الْخُلَاصَةِ بِكَرَاهَةِ الصَّوْمِ إنْ أَجْهَدَهُ وَأَطْلَقَ الضَّرَرَ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِضَرَرِ بَدَنِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَضُرَّهُ الصَّوْمُ لَكِنْ كَانَ رُفَقَاؤُهُ أَوْ عَامَّتُهُمْ مُفْطِرِينَ وَالنَّفَقَةُ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُمْ فَالْإِفْطَارُ أَفْضَلُ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ؛ لِأَنَّ ضَرَرَ الْمَالِ كَضَرَرِ الْبَدَنِ وَأَشَارَ إلَى أَنَّ إنْشَاءَ السَّفَرِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ جَائِزٌ لِإِطْلَاقِ النَّصِّ خِلَافًا لِعَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَالسَّفَرُ الَّذِي يُبِيحُ الْفِطْرَ هُوَ الَّذِي يُبِيحُ الْقَصْرَ؛ لِأَنَّ كِلَاهُمَا قَدْ ثَبَتَتْ رُخْصَتُهُ وَأَطْلَقَ السَّفَرَ فَشَمِلَ سَفَرَ الطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ لِمَا عُرِفَ وَأَرَادَ بِالضَّرَرِ الضَّرَرَ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ خَوْفُ الْهَلَاكِ؛ لِأَنَّ مَا فِيهِ خَوْفَ الْهَلَاكِ بِسَبَبِ الصَّوْمِ فَالْإِفْطَارُ فِي مِثْلِهِ وَاجِبٌ لَا أَنَّهُ أَفْضَلُ كَذَا   [منحة الخالق] الدُّرِّ الْمُخْتَارِ وَفِيهِ كَلَامٌ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُمْ نُصْحُ الْمُسْلِمِ كُفْرٌ فَأَنَّى يَتَطَبَّبُ بِهِمْ اهـ. قَالَ مُحَشِّيهِ وَأَيَّدَهُ شَيْخُنَا بِمَا نَقَلَهُ عَنْ الدُّرِّ الْمَنْثُورِ لِلْعَلَّامَةِ السُّيُوطِيّ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا خَلَا كَافِرٌ بِمُسْلِمٍ إلَّا عَزَمَ عَلَى قَتْلِهِ» (قَوْلُهُ: وَفِي الْقُنْيَةِ لَا يَجُوزُ لِلْخَبَّازِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ جَامِعِ الْفَتَاوَى يَدْخُلُ فِيهِ الْخَبَّازُ وَغَيْرُهُ وَقَوْلُهُ هُوَ كَاذِبٌ إلَخْ فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ طُولَ النَّهَارِ وَقِصَرَهُ لَا دَخْلَ لَهُ فِي الْكِفَايَةِ فَقَدْ يَظْهَرُ صِدْقُهُ فِي قَوْلِهِ لَا يَكْفِينِي فَيُفَوَّضُ إلَيْهِ حَمْلًا لِحَالِهِ عَلَى الصَّلَاحِ تَأَمَّلْ اهـ. وَفِي الْإِمْدَادِ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة سُئِلَ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ عَنْ الْمُحْتَرِفِ إذَا كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَوْ اشْتَغَلَ بِحِرْفَتِهِ يَلْحَقُهُ مَرَضٌ يُبِيحُ الْفِطْرَ وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَى تَحْصِيلِ النَّفَقَةِ هَلْ يُبَاحُ لَهُ الْأَكْلُ قَبْلَ أَنْ يَمْرَضَ فَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ أَشَدَّ الْمَنْعِ وَكَذَا حَكَاهُ عَنْ أُسْتَاذِهِ الْوَبَرِيِّ وَإِذَا لَمْ يَكْفِهِ عَمِلَ نِصْفَ النَّهَارِ وَيَسْتَرِيحُ فِي النِّصْفِ الْبَاقِي وَهُوَ مَحْجُوجٌ بِأَقْصَرِ أَيَّامِ الشِّتَاءِ اهـ. قُلْت وَيُمْكِنُ حَمْلُ مَا مَرَّ عَنْ جَامِعِ الْفَتَاوَى عَلَى مَا يَأْتِي مَنْ نَذَرَ صَوْمَ الْأَبَدِ فَضَعُفَ عَنْهُ لِاشْتِغَالِهِ بِالْمَعِيشَةِ وَيُقَرِّبُهُ إطْلَاقُ قَوْلِهِ فَلَهُ أَنْ يُفْطِرَ وَيُطْعِمَ تَأَمَّلْ وَانْظُرْ إذَا كَانَ أَجَرَ نَفْسَهُ فِي الْعَمَلِ مُدَّةً مَعْلُومَةً هَلْ لَهُ الْفِطْرُ إذَا جَاءَ رَمَضَانُ وَالظَّاهِرُ نَعَمْ إذَا لَمْ يَرْضَ الْمُسْتَأْجِرُ بِفَسْخِ الْإِجَارَةِ كَمَا فِي الظِّئْرِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهَا الْإِرْضَاعُ بِالْعَقْدِ فَيَحِلُّ لَهَا الْإِفْطَارُ إذَا خَافَتْ عَلَى الْوَلَدِ فَيَكُونُ خَوْفُهُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْلَى، تَأَمَّلْ. وَيَنْبَغِي التَّفْصِيلُ فِي مَسْأَلَةِ الْمُحْتَرِفِ بِأَنْ يُقَالَ إذَا كَانَ عِنْدَهُ مَا يَكْفِيهِ وَعِيَالَهُ لَا يَحِلُّ لَهُ الْفِطْرُ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ كَذَلِكَ يَحْرُمُ عَلَيْهِ السُّؤَالُ مِنْ النَّاسِ فَلَا يَحِلُّ لَهُ الْفِطْرُ بِالْأَوْلَى وَإِنْ كَانَ مُحْتَاجًا إلَى الْعَمَلِ يَعْمَلُ بِقَدْرِ مَا يَكْفِيهِ وَعِيَالَهُ حَتَّى لَوْ أَدَّاهُ الْعَمَلُ فِي ذَلِكَ إلَى الْفِطْرِ حَلَّ لَهُ إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ الْعَمَلُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُؤَدِّيهِ إلَى الْفِطْرِ مِنْ سَائِرِ الْأَعْمَالِ الَّتِي يَقْدِرُ عَلَيْهَا. (قَوْلُهُ: فَجَعَلَ نَفْسَهُ عُذْرًا أَيْ نَفْسَ السَّفَرِ عُذْرًا وَإِنْ عَرَا) عَنْ الْمَشَقَّةِ؛ لِأَنَّهَا مَوْجُودَةٌ فِيهِ غَالِبًا، وَالنَّادِرُ كَالْعَدَمِ فَأُنِيطَتْ الرُّخْصَةُ بِنَفْسِ السَّفَرِ وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ أَنَّهُ لَوْ دَخَلَ بَلَدًا وَلَمْ يَنْوِ فِيهِ إقَامَةَ نِصْفِ شَهْرٍ أَنَّ لَهُ الْفِطْرَ وَيُؤَيِّدُهُ مَا يَأْتِي قَرِيبًا فِي كَلَامِهِ مِنْ عِبَارَةِ الْمُحِيطِ حَيْثُ عَلَّقَ كَرَاهَةَ الْفِطْرِ عَلَى الْإِقَامَةِ فِي مِصْرٍ أَوْ دُخُولِهِ إلَى مِصْرِهِ فَفَرَّقَ بَيْنَ مِصْرِهِ وَغَيْرِ مِصْرِهِ فَعَلَّقَ الْكَرَاهَةَ فِي مِصْرِهِ عَلَى الدُّخُولِ وَفِي غَيْرِ مِصْرِهِ عَلَى الْإِقَامَةِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا مَا يَذْكُرُهُ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ مِنْ أَنَّ السَّفَرَ الْمُبِيحَ لِلْفِطْرِ هُوَ الْمُبِيحُ لِلْقَصْرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ: وَفِي الْمُحِيطِ وَلَوْ أَرَادَ الْمُسَافِرُ إلَخْ) أَيْ إذَا كَانَ الرَّجُلُ مُسَافِرًا فِي أَوَّلِ النَّهَارِ وَأَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ مِصْرًا غَيْرَ مِصْرِهِ وَيَنْوِيَ فِيهِ الْإِقَامَةَ أَوْ يَدْخُلَ مِصْرَهُ مُطْلَقًا يَجِبُ عَلَيْهِ صَوْمُ ذَلِكَ الْيَوْمِ تَرْجِيحًا لِلْمُحَرَّمِ وَهُوَ الْإِقَامَةُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا إذَا كَانَ دُخُولُهُ الْمِصْرَ فِي وَقْتِ النِّيَّةِ كَمَا يُفِيدُهُ مَا سَيَأْتِي فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَوْ نَوَى الْمُسَافِرُ الْإِفْطَارَ إلَخْ حِينَئِذٍ يَكُونُ قَدْ اجْتَمَعَ فِيهِ الْمُبِيحُ وَالْمُحَرِّمُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِي وَقْتِ النِّيَّةِ مُسَافِرًا؛ لِأَنَّهُ تَمَحَّضَ فِيهِ الْمُبِيحُ. نَعَمْ بَعْدَ إقَامَتِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ إمْسَاكُ بَقِيَّةِ يَوْمِهِ كَمَا سَيَأْتِي هَذَا مَا ظَهَرَ لِي، تَأَمَّلْ. لَكِنْ رَأَيْت فِي الْبَدَائِعِ مَا يُخَالِفُهُ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِهِ عِبَارَةَ الْمُحِيطِ الْمَذْكُورَةَ فَإِنْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ يَتَّفِقُ دُخُولُهُ الْمِصْرَ حِينَ تَغِيبُ الشَّمْسُ فَلَا بَأْسَ بِالْفِطْرِ فِيهِ اهـ. ذَكَرَ ذَلِكَ قُبَيْلَ بَابِ الِاعْتِكَافِ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ ضَرَرَ الْمَالِ كَضَرَرِ الْبَدَنِ) قَالَ فِي النَّهْرِ عَلَّلَ فِي الْفَتَاوَى أَفْضَلِيَّةَ الْإِفْطَارِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 304 فِي الْبَدَائِعِ وَمِنْهُ مَا إذَا أُكْرِهَ الْمَرِيضُ وَالْمُسَافِرُ فَإِنَّ الْإِفْطَارَ وَاجِبٌ وَلَا يَسَعُهُ الصَّوْمُ حَتَّى لَوْ امْتَنَعَ مِنْ الْإِفْطَارِ فَقُتِلَ يَأْثَمُ كَالْإِكْرَاهِ عَلَى أَكْلِ الْمَيْتَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ صَحِيحًا مُقِيمًا فَأُكْرِهَ بِقَتْلِ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ يُرَخَّصُ لَهُ الْفِطْرُ وَالصَّوْمُ أَفْضَلُ حَتَّى لَوْ امْتَنَعَ مِنْ الْإِفْطَارِ حَتَّى قُتِلَ يُثَابُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ ثَابِتٌ حَالَةَ الْإِكْرَاهِ وَأَثَرُ الرُّخْصَةِ بِالْإِكْرَاهِ فِي سُقُوطِ الْإِثْمِ بِالتَّرْكِ لَا فِي سُقُوطِ الْوَاجِبِ كَالْإِكْرَاهِ عَلَى الْكُفْرِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَقَيَّدْنَا بِكَوْنِهِ أُكْرِهَ بِقَتْلِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قِيلَ لَهُ لَتُفْطِرَنَّ أَوْ لَأَقْتُلَنَّ وَلَدَك فَإِنَّهُ لَا يُبَاحُ لَهُ الْفِطْرُ كَقَوْلِهِ لَتَشْرَبَنَّ الْخَمْرَ أَوْ لَأَقْتُلَنَّ وَلَدَك فَصَارَ كَتَهْدِيدِهِ بِالْحَبْسِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ الْمُسَافِرُ إذَا تَذَكَّرَ شَيْئًا قَدْ نَسِيَهُ فِي مَنْزِلِهِ فَدَخَلَ فَأَفْطَرَ ثُمَّ خَرَجَ قَالَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ قِيَاسًا؛ لِأَنَّهُ مُقِيمٌ عِنْدَ الْأَكْلِ حَيْثُ رَفَضَ سَفَرَهُ بِالْعَوْدِ إلَى مَنْزِلِهِ وَبِالْقِيَاسِ نَأْخُذُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَا قَضَاءَ إنْ مَاتَا عَلَيْهِمَا) أَيْ وَلَا قَضَاءَ عَلَى الْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ إذَا مَاتَا قَبْلَ الصِّحَّةِ وَالْإِقَامَةِ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يُدْرِكَا عِدَّةً مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ فَلَمْ يُوجَدْ شَرْطُ وُجُوبِ الْأَدَاءِ فَلَمْ يَلْزَمْ الْقَضَاءُ قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ الْمَرِيضُ أَوْ أَقَامَ الْمُسَافِرُ وَلَمْ يَقْضِ حَتَّى مَاتَ لَزِمَهُ الْإِيصَاءُ بِقَدْرِهِ وَهُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمَتْنِ لِوُجُودِ الْإِدْرَاكِ بِهَذَا الْمِقْدَارِ وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ هَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَهُمَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الْكُلِّ وَغَلَّطَهُ الْقُدُورِيُّ وَتَبِعَهُ فِي الْهِدَايَةِ قَالَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا بِقَدْرِهِ عِنْدَ الْكُلِّ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي النَّذْرِ بِأَنْ يَقُولَ الْمَرِيضُ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ هَذَا الشَّهْرِ فَصَحَّ يَوْمًا ثُمَّ مَاتَ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ جَمِيعِ الشَّهْرِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ قَضَاءُ مَا صَحَّ فِيهِ وَالْفَرْقُ لَهُمَا أَنَّ النَّذْرَ سَبَبٌ فَظَهَرَ الْوُجُوبُ فِي حَقِّ الْخَلَفِ وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ السَّبَبُ إدْرَاكُ الْعِدَّةِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ مَا أَدْرَكَ فِيهِ وَإِنَّمَا لَمْ يَلْزَمْهُ الْقَضَاءُ قَبْلَ الصِّحَّةِ لِيَظْهَرَ فِي الْإِيصَاءِ؛ لِأَنَّهُ مُعَلَّقٌ بِالصِّحَّةِ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ أَدَاةَ التَّعْلِيقِ تَصْحِيحًا لِتَصَرُّفِ الْمُكَلَّفِ مَا أَمْكَنَ فَيَنْزِلُ عِنْدَ الصِّحَّةِ وَأَجَابَ عَنْهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِأَنَّ الْجَمَاعَةَ الَّذِينَ أَنْكَرُوا الْخِلَافَ نَشَئُوا بَعْدَ الطَّحَاوِيِّ بِكَثِيرٍ مِنْ الزَّمَانِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْخِلَافَ لَمْ يَبْلُغْهُمْ وَهُوَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ جَهْلَ الْإِنْسَانِ لَا يُعْتَبَرُ حُجَّةً عَلَى غَيْرِهِ وَقَدْ ذَكَرَهُ بَعْدَمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ وَهُوَ مِمَّنْ لَا يُتَّهَمُ لِأَوْصَافِهِ الْجَمِيلَةِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الصَّحِيحَ لَوْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ مُعَيَّنٍ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ مَجِيءِ الشَّهْرِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنْ   [منحة الخالق] بِمُوَافَقَةٍ (قَوْلُهُ: أَيْ وَلَا قَضَاءَ عَلَى الْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ) أَرْجَعَ فِي النَّهْرِ الضَّمِيرَ الْمَجْرُورَ إلَى الْمَرَضِ وَالسَّفَرِ وَإِلَيْهِ يُومِئُ كَلَامُ الزَّيْلَعِيِّ وَهُوَ أَظْهَرُ فِي التَّقْيِيدِ الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ قَيَّدَ بِهِ أَيْ بِمَوْتِهَا عَلَى السَّفَرِ وَالْمَرَضِ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا عَلَى مَا ذَكَرَهُ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ الصِّحَّةِ وَالْإِقَامَةِ لَا يُوصَفَانِ حَقِيقَةً بِالْوَصْفِ الْمَذْكُورِ (قَوْلُهُ: وَغَلَّطَهُ الْقُدُورِيُّ) قَالَ فِي النَّهْرِ يَعْنِي رِوَايَةً وَدِرَايَةً إذْ لُزُومُ الْكُلِّ مُتَوَقِّفٌ عَلَى الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ وَلَمْ تُوجَدْ وَالْكُتُبُ الْمُعْتَمَدَةُ نَاطِقَةٌ بِخِلَافِ مَا قَالَ وَالْعَادَةُ قَاضِيَةٌ بِاسْتِحَالَةِ نَقْلِ غَيْرِ الْمَذْهَبِ وَتَرْكِ الْمَذْهَبِ وَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا يَأْتِي عَنْ غَايَةِ الْبَيَانِ (قَوْلُهُ: لِيَظْهَرَ فِي الْإِيصَاءِ) تَعْلِيلٌ لِلْمَنْفِيِّ وَهُوَ يَلْزَمُهُ وَقَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ أَيْ النَّذْرَ مُعَلَّقٌ بِالصِّحَّةِ تَعْلِيلٌ لِلنَّفْيِ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ مُعَلَّقٌ بِالصِّحَّةِ) أَيْ النَّذْرَ وَهُوَ قَوْلُ الْمَرِيضِ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ هَذَا الشَّهْرِ أَيْ؛ لِأَنَّهُ فِي قُوَّةِ قَوْلِهِ إذَا بَرِئْت (قَوْلُهُ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ الصَّحِيحَ لَوْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ مُعَيَّنٍ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ مَجِيءِ الشَّهْرِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ مَاتَ بَعْدَمَا صَحَّ يَوْمًا يَلْزَمُهُ الْإِيصَاءُ بِالْجَمِيعِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بِقَدْرِ مَا صَحَّ وَفَصَّلَ الطَّحَاوِيُّ فَقَالَ إنْ لَمْ يَصُمْ الْيَوْمَ الَّذِي صَحَّ فِيهِ لَزِمَهُ الْكُلُّ وَإِنْ صَامَهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ كَالْمَرِيضِ فِي رَمَضَانَ إلَخْ) هَكَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا اضْطِرَابٌ وَعَلَى هَذِهِ النُّسْخَةِ يَجِبُ إبْدَالُ الصَّحِيحِ بِالْمَرِيضِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الصَّحِيحَ لَوْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ مُعَيَّنٍ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ مَجِيءِ الشَّهْرِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَلَوْ صَامَ بَعْضَهُ ثُمَّ مَاتَ يَلْزَمُهُ الْإِيصَاءُ بِمَا بَقِيَ مِنْ الشَّهْرِ وَأَمَّا الْمَرِيضُ إذَا نَذَرَ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ الصِّحَّةِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ مَاتَ بَعْدَمَا صَحَّ يَوْمًا لَزِمَهُ الْإِيصَاءُ بِالْجَمِيعِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بِقَدْرِ مَا صَحَّ اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ تَفْصِيلَ الطَّحَاوِيِّ إنَّمَا هُوَ فِي الْقَضَاءِ كَمَا عُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ الْمَارِّ وَلِذَا رَدُّوا عَلَيْهِ هَذَا وَفِي السِّرَاجِ رَجُلٌ نَذَرَ صَوْمَ رَجَبٍ فَأَقَامَ أَيَّامًا قَادِرًا عَلَى الصَّوْمِ قَبْلَ رَجَبٍ ثُمَّ مَاتَ ذَكَرَ فِي الْفَتَاوَى أَنَّ عَلَيْهِ الْوَصِيَّةَ بِشَهْرٍ كَامِلٍ وَذَكَرَ الْحَاكِمُ أَنَّهُ يُوصِي بِقَدْرِ مَا قَدَرَ وَذَكَرَ فِي الْكَرْخِيِّ أَنَّهُ إنْ مَاتَ قَبْلَ رَجَبٍ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَالْأَوَّلَانِ رِوَايَتَانِ عَنْهُمَا وَالثَّالِثُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ إلْزَامَ مَا لَا يُقْدَرُ عَلَيْهِ مُحَالٌ وَلِذَا لَا يُوصِي إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى قَضَاءِ رَمَضَانَ وَلَهُمَا عَلَى طَرِيقَةِ الْحَاكِمِ أَنَّ النَّذْرَ سَبَبٌ مُلْزِمٌ فَجَازَ الْفِعْلُ عَقِيبَهُ وَإِنَّمَا التَّأْخِيرُ لِتَسْهِيلِ الْأَدَاءِ إلَّا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّمَكُّنِ مِنْ الْأَدَاءِ لِئَلَّا يَلْزَمَ تَكْلِيفُ مَا لَا يُطَاقُ وَلَهُمَا وَعَلَى طَرِيقَةِ الْفَتَاوَى أَنَّ اللُّزُومَ إذَا لَمْ يَظْهَرْ فِي حَقِّ الْأَدَاءِ يَظْهَرُ فِي خَلَفِهِ وَهُوَ الْإِطْعَامُ فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ إذَا نَذَرَ شَهْرًا غَيْرَ مُعِينٍ ثُمَّ أَقَامَ بَعْدَ النَّذْرِ أَيَّامًا قَادِرًا عَلَى الصَّوْمِ فَلَمْ يَصُمْ فَعِنْدَهُمَا يَلْزَمُهُ الْوَصِيَّةُ لِجَمِيعِ الشَّهْرِ عَلَى كِلَا الطَّرِيقَتَيْنِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ لِقَدْرِ مَا قَدَرَ، وَجْهُ قَوْلِهِمَا عَلَى طَرِيقِ الْحَاكِمِ أَنَّ مَا أَدْرَكَهُ صَالِحٌ لِصَوْمِ كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ النَّذْرِ فَإِذَا لَمْ يَصُمْ جُعِلَ كَالْقَادِرِ عَلَى الْجَمِيعِ فَوَجَبَ الْإِيصَاءُ وَعَلَى طَرِيقَةِ الْفَتَاوَى النَّذْرُ مُلْزِمٌ فِي الذِّمَّةِ السَّاعَةَ وَلَا يُشْتَرَطُ إمْكَانُ الْأَدَاءِ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ إذَا صَامَ مَا أَدْرَكَ فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يَجِبُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 305 مَاتَ بَعْدَمَا صَحَّ يَوْمًا يَلْزَمُهُ الْإِيصَاءُ بِالْجَمِيعِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بِقَدْرِ مَا صَحَّ وَفَصَّلَ الطَّحَاوِيُّ فَقَالَ إنْ لَمْ يَصُمْ الْيَوْمَ الَّذِي صَحَّ فِيهِ لَزِمَهُ الْكُلُّ وَإِنْ صَامَهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ كَالْمَرِيضِ فِي رَمَضَانَ إذَا صَحَّ يَوْمًا فَصَامَهُ ثُمَّ مَاتَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ بِالصَّوْمِ تَعَيَّنَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ فِيهِ قَضَاءُ يَوْمٍ آخَرَ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَصُمْهُ حَيْثُ لَا يَلْزَمُهُ الْكُلُّ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَلَى قَوْلِ الطَّحَاوِيِّ لِأَنَّ مَا قَدَرَ فِيهِ صَالِحٌ لِقَضَاءِ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَالْوَسَطِ وَالْأَخِيرِ فَلَمَّا قَدَرَ عَلَى قَضَاءِ الْبَعْضِ فَكَأَنَّهُ قَدَرَ عَلَى قَضَاءِ الْكُلِّ إلَيْهِ أَشَارَ فِي الْبَدَائِعِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَلَوْ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ اعْتِكَافَ شَهْرٍ وَهُوَ مَرِيضٌ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَصِحَّ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ أَدَاءُ الْأَصْلِ فَلَا يَجِبُ أَدَاءُ الْبَدَلِ وَلَوْ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ اعْتِكَافَ شَهْرٍ وَهُوَ صَحِيحٌ فَعَاشَ عَشْرَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ مَاتَ أَطْعَمَ عَنْهُ الشَّهْرَ كُلَّهُ؛ لِأَنَّ الِاعْتِكَافَ مِمَّا لَا يَتَجَزَّأُ (قَوْلُهُ: وَيُطْعِمُ وَلِيُّهُمَا لِكُلِّ يَوْمٍ كَالْفِطْرَةِ بِوَصِيَّةٍ) أَيْ يُطْعِمُ وَلِيُّ الْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ عَنْهُمَا عَنْ كُلِّ يَوْمٍ أَدْرَكَاهُ كَصَدَقَةٍ الْفِطْرِ إذَا أَوْصَيَا بِهِ؛ لِأَنَّهُمَا لَمَّا عَجَزَا عَنْ الصَّوْمِ الَّذِي هُوَ فِي ذِمَّتِهِمَا الْتَحَقَا بِالشَّيْخِ الْفَانِي دَلَالَةً لَا قِيَاسًا فَوَجَبَ عَلَيْهِمَا الْإِيصَاءُ بِقَدْرِ مَا أَدْرَكَا فِيهِ عِدَّةً مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ قَالَ وَيُطْعِمُ وَلِيُّ مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ قَضَاءُ رَمَضَانَ لَكَانَ أَشْمَلَ؛ لِأَنَّ هَذَا الْحُكْمَ لَا يَخُصُّ الْمَرِيضَ وَالْمُسَافِرَ وَلَا مَنْ أَفْطَرَ لِعُذْرٍ بَلْ يَدْخُلُ فِيهِ مَنْ أَفْطَرَ مُتَعَمِّدًا وَوَجَبَ الْقَضَاءُ عَلَيْهِ بَلْ أَرَادَ بِالْوَلِيِّ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ فَيَدْخُلُ وَصِيُّهُمَا وَأَرَادَ بِتَشْبِيهِهِ بِالْفِطْرَةِ كَالْكَفَّارَةِ التَّشْبِيهَ مِنْ جِهَةِ الْمِقْدَارِ بِأَنْ يُطْعِمَ عَنْ صَوْمِ كُلِّ يَوْمٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ زَبِيبٍ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ لَا التَّشْبِيهَ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الْإِبَاحَةَ كَافِيَةٌ هُنَا وَلِهَذَا عَبَّرَ بِالْإِطْعَامِ دُونَ الْإِيتَاءِ دُونَ صَدَقَةِ الْفِطْرِ فَإِنَّ الرُّكْنَ فِيهَا التَّمْلِيكُ وَلَا تَكْفِي الْإِبَاحَةُ وَقَيَّدَ بِالْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَأْمُرْ لَا يَلْزَمُ الْوَرَثَةَ شَيْءٌ كَالزَّكَاةِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الْإِيصَاءِ لِيَتَحَقَّقَ الِاخْتِيَارُ إلَّا إذَا مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ الْعَشْرَ فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ تِرْكَتِهِ مِنْ غَيْرِ إيصَاءٍ لِشِدَّةِ تَعَلُّقِ الْعَشْرِ بِالْعَيْنِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ مِنْ كِتَابِ الزَّكَاةِ فِي مَسْأَلَةِ إذَا بَاعَ صَاحِبُ الْمَالِ مَالَهُ قَبْلَ أَدَاءِ الزَّكَاةِ وَمَعَ ذَلِكَ لَوْ تَبَرَّعَ الْوَرَثَةُ أَجْزَأَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَكَذَا كَفَّارَةُ الْيَمِينِ وَالْقَتْلِ إذَا تَبَرَّعَ الْوَارِثُ بِالْإِطْعَامِ   [منحة الخالق] الْإِيصَاءُ بِالْبَاقِي وَعَلَى الثَّانِي يَجِبُ وَمِثْلُهُ لَوْ نَذَرَ لَيْلًا صَوْمَ شَهْرٍ غَيْرَ مُعَيَّنٍ وَمَاتَ فِي اللَّيْلِ لَا يَجِبُ الْإِيصَاءُ عَلَى الْأَوَّلِ لِعَدَمِ الْإِدْرَاكِ وَيَجِبُ عَلَى الثَّانِي وَلَوْ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ صَوْمَ رَجَبٍ ثُمَّ أَقَامَ أَيَّامًا وَلَمْ يَصُمْ فَقَدْ مَرَّ اهـ. مَا فِي السِّرَاجِ مُلَخَّصًا وَبِهِ عُلِمَ وَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَ النَّذْرِ الْمُعَيَّنِ وَالْمُطْلَقِ ثُمَّ قَالَ فِي السِّرَاجِ مَرِيضٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى الصَّوْمِ نَذَرَ صَوْمَ رَجَبٍ ثُمَّ دَخَلَ وَهُوَ مَرِيضٌ ثُمَّ صَحَّ بَعْدَهُ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ فَلَمْ يَصُمْ ثُمَّ مَرِضَ وَمَاتَ فَعَلَيْهِ الْإِيصَاءُ بِجَمِيعِ الشَّهْرِ أَمَّا عَلَى طَرِيقَةِ الْفَتَاوَى فَظَاهِرٌ وَكَذَا عَلَى طَرِيقَةِ الْحَاكِمِ؛ لِأَنَّ بِخُرُوجِ الشَّهْرِ الْمُعَيَّنِ وَصِحَّتِهِ بَعْدَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ صَوْمُ شَهْرٍ مُطْلَقٍ فَإِذَا لَمْ يَصُمْ فِيهِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِيصَاءُ بِجَمِيعِ الشَّهْرِ كَمَا فِي النَّذْرِ الْمُطْلَقِ إذَا بَقِيَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ يَقْدِرُ عَلَى الصَّوْمِ وَلَمْ يَصُمْ ثُمَّ مَاتَ اهـ. (قَوْلُهُ: لَكَانَ أَشْمَلَ إلَخْ) أَجَابَ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ مَنْ أَفْطَرَ مُتَعَمِّدًا فَوُجُوبُهَا عَلَيْهِ بِالْأَوْلَى عَلَى أَنَّ الْفَصْلَ مَعْقُودٌ لِلْعَوَارِضِ (قَوْلُهُ: بَلْ أَرَادَ بِالْوَلِيِّ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا بِدُونِ بَلْ (قَوْلُهُ: وَكَذَا كَفَّارَةُ الْيَمِينِ وَالْقَتْلِ إلَخْ) كَذَا فِي الزَّيْلَعِيِّ وَالدُّرَرِ قَالَ فِي الشرنبلالية أَقُولُ: لَا يَصِحُّ تَبَرُّعُ الْوَارِثِ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهَا ابْتِدَاءُ عِتْقِ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَلَا يَصِحُّ إعْتَاقُ الْوَارِثِ عَنْهُ كَمَا ذَكَرَهُ وَالصَّوْمُ فِيهَا بَدَلٌ عَنْ الْإِعْتَاقِ لَا يَصِحُّ فِيهِ الْفِدْيَةُ كَمَا يَأْتِي اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الْعَزْمِيَّةِ مُعْتَرِضًا عَلَى صَاحِبِ الدُّرَرِ وَالزَّيْلَعِيِّ وَادَّعَى أَنَّ الزَّيْلَعِيَّ وَهَمَ فِي فَهْمِ كَلَامِهِمْ الْكَافِي وَعِبَارَةُ الْكَافِي عَلَى مَا فِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ عَلَى مُعْسِرٍ كَفَّارَةُ يَمِينٍ أَوْ قَتْلٍ وَعَجَزَ عَنْ الصَّوْمِ لَمْ تَجُزْ الْفِدْيَةُ كَمُتَمَتِّعٍ عَجَزَ عَنْ الدَّمِ وَالصَّوْمِ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ هُنَا بَدَلٌ وَلَا بَدَلَ لِلْبَدَلِ فَإِنْ مَاتَ وَأَوْصَى بِالتَّكْفِيرِ صَحَّ مِنْ ثُلُثِهِ وَصَحَّ التَّبَرُّعُ فِي الْكِسْوَةِ وَالْإِطْعَامِ؛ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ بِلَا إيصَاءٍ إلْزَامُ الْوَلَاءِ عَلَى الْمَيِّتِ وَلَا إلْزَامَ فِي الْكِسْوَةِ وَالْإِطْعَامِ انْتَهَتْ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّهَا نَصٌّ فِيمَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَأَمَّا مَا ادَّعَاهُ فِي الْعَزْمِيَّةِ مِنْ أَنَّ الْمَوْضُوعَ فِي كَلَامِ الْكَافِي هُوَ الْكَفَّارَةُ مُطْلَقًا وَلَمَّا وَقَعَ فِي سِيَاقِ كَلَامِهِ ذِكْرُ كَفَّارَةِ يَمِينٍ أَوْ قَتْلٍ وَهُمَا قَدْ اشْتَرَكَا فِي مَسْأَلَةِ الْإِعْتَاقِ ذَهَلَ الزَّيْلَعِيُّ عَنْ حَقِيقَةِ الْحَالِ فَسَاقَ كَلَامَهُ عَلَى تَعَلُّقِ الْمَسْأَلَةِ بِهِمَا وَقَالَ مَا قَالَ اهـ. فَبَعِيدٌ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ مَا سَيَأْتِي فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَلِلشَّيْخِ الْفَانِي مِنْ أَنَّهُ لَوْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ أَوْ قَتْلٍ لَا تَجُوزُ لَهُ الْفِدْيَةُ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ هُنَا بَدَلٌ عَنْ غَيْرِهِ فَإِنَّ ذَاكَ فِي الْحَيِّ وَمَا هُنَا فِيمَا إذَا تَبَرَّعَ عَنْهُ الْوَلِيُّ فَيَصِحُّ لِعَدَمِ إمْكَانِ الْأَصْلِ لِعَدَمِ إمْكَانِ الْإِعْتَاقِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِلْزَامِ كَمَا بَسَطَهُ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ فِي الْجَوَابِ عَنْ الدُّرَرِ وَفِي الْإِمْدَادِ فِي فَصْلِ إسْقَاطِ الصَّلَاةِ وَلَزِمَ عَلَيْهِ يَعْنِي مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ الْوَصِيَّةُ بِمَا قَدَرَ عَلَيْهِ وَبَقِيَ فِي ذِمَّتِهِ حَتَّى أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ وَأَوْصَى بِفِدْيَةِ مَا عَلَيْهِ مِنْ صِيَامِ فَرْضٍ وَكَذَا صَوْمُ كَفَّارَةِ يَمِينٍ وَقَتْلِ خَطَإٍ وَظِهَارٍ وَجِنَايَةٍ عَلَى إحْرَامٍ وَقَتْلِ مُحْرِمٍ صَيْدًا وَصَوْمِ مَنْذُورٍ فَيُخْرِجُ عَنْهُ وَلِيُّهُ مِنْ ثُلُثِ مَا تَرَكَ اهـ. فَقَدْ نَصَّ عَلَى جَوَازِ الْإِيصَاءِ بِذَلِكَ وَحِينَئِذٍ فَلَا مَانِعَ مِنْ التَّوْفِيقِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 306 وَالْكِسْوَةِ يَجُوزُ وَلَا يَجُوزُ التَّبَرُّعُ بِالْإِعْتَاقِ لِمَا فِيهِ مِنْ إلْزَامِ الْوَلَاءِ لِلْمَيِّتِ بِغَيْرِ رِضَاهُ وَأَشَارَ بِالْوَصِيَّةِ إلَى أَنَّهُ مُعْتَبَرٌ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ صَرَّحَ بِهِ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ وَإِلَى أَنَّ الصَّلَاةَ كَالصَّوْمِ بِجَامِعِ أَنَّهُمَا مِنْ حُقُوقِهِ تَعَالَى بَلْ أَوْلَى لِكَوْنِهَا أَهَمَّ وَيُؤَدِّي عَنْ كُلِّ وِتْرٍ نِصْفَ صَاعٍ؛ لِأَنَّهُ فَرْضٌ عِنْدَ الْإِمَامِ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَيُعْتَبَرُ كُلُّ صَلَاةٍ بِصَوْمِ يَوْمٍ عَلَى الصَّحِيحِ وَإِلَى أَنَّ سَائِرَ حُقُوقِهِ تَعَالَى كَذَلِكَ مَالِيًّا كَانَ أَوْ بَدَنِيًّا عِبَادَةً مَحْضَةً أَوْ فِيهِ مَعْنَى الْمُؤْنَةِ كَصَدَقَةِ الْفِطْرِ أَوْ عَكْسَهُ كَالْعَشْرِ أَوْ مُؤْنَةً مَحْضَةً كَالنَّفَقَاتِ أَوْ فِيهِ مَعْنَى الْعُقُوبَةِ كَالْكَفَّارَاتِ وَإِلَى أَنَّ الْوَلِيَّ لَا يَصُومُ عَنْهُ وَلَا يُصَلِّي لِحَدِيثِ النَّسَائِيّ «لَا يَصُومُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ وَلَا يُصَلِّي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ» وَقَيَّدْنَا بِكَوْنِهِمَا أَدْرَكَا عِدَّةً مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ إذْ لَوْ مَاتَا قَبْلَهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا الْإِيصَاءُ لِمَا قَدَّمْنَاهُ لَكِنْ لَوْ أَوْصَيَا بِهِ صَحَّتْ وَصِيَّتُهُمَا؛ لِأَنَّ صِحَّتَهَا لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الْوُجُوبِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَأَشَارَ أَيْضًا إلَى أَنَّهُ لَوْ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ الِاعْتِكَافَ ثُمَّ مَاتَ أَطْعَمَ عَنْهُ لِكُلِّ يَوْمٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ حِنْطَةٍ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ الْيَأْسُ عَنْ أَدَائِهِ فَوَقَعَ الْقَضَاءُ بِالْإِطْعَامِ كَالصَّوْمِ فِي الصَّلَاةِ كَذَا ذَكَرَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوِيهِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا كَانَ عِبَادَةً بَدَنِيَّةً فَإِنْ أَوْصَى يُطْعِمُ عَنْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ عَنْ كُلِّ وَاجِبٍ كَصَدَقَةِ الْفِطْرِ وَمَا كَانَ عِبَادَةً مَالِيَّةً كَالزَّكَاةِ فَإِنَّهُ يُخْرِجُ عَنْهُ الْقَدْرَ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ وَمَا كَانَ مُرَكَّبًا مِنْهُمَا كَالْحَجِّ فَإِنَّهُ يُحِجُّ عَنْهُ رَجُلًا مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ (قَوْلُهُ: وَقَضَيَا مَا قَدَرَا بِلَا شَرْطِ وِلَاءٍ) أَيْ لَا يُشْتَرَطُ التَّتَابُعُ فِي الْقَضَاءِ لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] وَاَلَّذِي فِي قِرَاءَةِ أُبَيٍّ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ مُتَتَابِعَةٍ غَيْرُ مَشْهُورٍ لَا يُزَادُ بِمِثْلِهِ بِخِلَافِ قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ فَإِنَّهَا مَشْهُورَةٌ فَيُزَادُ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَالْكَافِي لَكِنْ الْمُسْتَحَبُّ التَّتَابُعُ وَأَشَارَ بِإِطْلَاقِهِ إلَى أَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى التَّرَاخِي؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ فِيهِ مُطْلَقٌ وَهُوَ عَلَى التَّرَاخِي كَمَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ وَمَعْنَى التَّرَاخِي عَدَمُ تَعَيُّنِ الزَّمَنِ الْأَوَّلِ لِلْفِعْلِ فَفِي أَيِّ وَقْتٍ شَرَعَ فِيهِ كَانَ مُمْتَثِلًا وَلَا إثْمَ عَلَيْهِ بِالتَّأْخِيرِ وَيَتَضَيَّقُ عَلَيْهِ الْوُجُوبُ فِي آخِرِ عُمُرِهِ فِي زَمَانٍ يَتَمَكَّنُ فِيهِ مِنْ الْأَدَاءِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَلِهَذَا لَهُ التَّطَوُّعُ قَبْلَ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ يُكْرَهُ لَهُ تَأْخِيرُ الْوَاجِبِ عَنْ وَقْتِهِ الْمُضَيَّقِ وَلِهَذَا إذَا أَخَّرَ قَضَاءَ رَمَضَانَ حَتَّى دَخَلَ آخَرُ فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ لِكَوْنِهَا تَجِبُ خَلَفًا عَنْ الصَّوْمِ عِنْدَ الْعَجْزِ وَلَمْ يُوجَدْ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْقَضَاءِ وَلِهَذَا قَالَ (فَإِذَا جَاءَ رَمَضَانُ آخَرُ قَدَّمَ الْأَدَاءَ عَلَى الْقَضَاءِ) ؛ لِأَنَّهُ فِي وَقْتِهِ وَهُوَ لَا يَقْبَلُ غَيْرَهُ وَيَصُومُ الْقَضَاءَ بَعْدَهُ وَهَذَا بِخِلَافِ قَضَاءِ الصَّلَوَاتِ فَإِنَّهَا عَلَى الْفَوْرِ وَلَا يُبَاحُ التَّأْخِيرُ إلَّا بِعُذْرٍ ذَكَرَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ. (قَوْلُهُ: وَلِلْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ إذَا خَافَتَا عَلَى الْوَلَدِ أَوْ النَّفْسِ) أَيْ لَهُمَا الْفِطْرُ دَفْعًا لِلْحَرَجِ وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ الْمُسَافِرِ الصَّوْمَ وَشَطْرَ الصَّلَاةِ وَعَنْ الْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ الصَّوْمَ» قَيَّدَ بِالْخَوْفِ بِمَعْنَى غَلَبَةِ الظَّنِّ بِتَجْرِبَةٍ أَوْ إخْبَارِ طَبِيبٍ حَاذِقٍ مُسْلِمٍ كَمَا فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ؛ لِأَنَّهَا لَوْ لَمْ تَخَفْ لَا يُرَخَّصُ لَهَا الْفِطْرُ وَإِنَّمَا لَا يَجُوزُ إفْطَارُهُ بِسَبَبِ خَوْفِ هَلَاكِ ابْنِهِ فِي الْإِكْرَاهِ؛ لِأَنَّ الْعُذْرَ فِي الْإِكْرَاهِ جَاءَ مِنْ قِبَلِ مَنْ لَيْسَ لَهُ الْحَقُّ فَلَا يُعْذَرُ لِصِيَانَةِ نَفْسِ غَيْرِهِ بِخِلَافِ الْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ وَهُنَاكَ فَرْقٌ آخَرُ مَذْكُورٌ فِي النِّهَايَةِ وَأَطْلَقَ الْمُرْضِعَ وَلَمْ يُقَيِّدْهَا لِيُفِيدَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْأُمِّ وَالظِّئْرِ وَأَمَّا الظِّئْرُ فَلِأَنَّ الْإِرْضَاعَ وَاجِبٌ عَلَيْهَا بِالْعَقْدِ وَأَمَّا الْأُمُّ فَلِوُجُوبِهِ دِيَانَةً مُطْلَقًا وَقَضَاءً إذَا كَانَ الْأَبُ مُعْسِرًا أَوْ كَانَ الْوَلَدُ لَا يَرْضَعُ مِنْ غَيْرِهَا وَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا فِي الذَّخِيرَةِ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُرْضِعِ الظِّئْرُ لَا الْأُمُّ فَإِنَّ الْأَبَ يَسْتَأْجِرُ غَيْرَهَا وَإِنَّمَا قَالَ إذَا خَافَتَا عَلَى الْوَلَدِ وَلَمْ يَقُلْ كَالْقُدُورِيِّ إذَا خَافَتَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا أَوْ وَلَدِهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَشْمَلُ الْمُسْتَأْجَرَ إذْ لَا وَلَدَ لَهَا كَذَا قِيلَ، وَقَدْ قِيلَ: إنَّهُ وَلَدُهَا مِنْ الرَّضَاعِ؛ لِأَنَّ الْمُفْرَدَ الْمُضَافَ يَعُمُّ سَوَاءٌ كَانَ مُضَافًا لِمُفْرَدٍ أَوْ غَيْرِهِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فَيَشْمَلُ الْوَلَدَ الَّذِي وَلَدَتْهُ وَاَلَّذِي أَرْضَعَتْهُ؛ لِأَنَّهُ وَلَدُهَا شَرْعًا وَإِنْ كَانَ وَلَدُهَا مَجَازًا   [منحة الخالق] بِمَا مَرَّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَبِهِ يَنْدَفِعُ مَا فِي حَاشِيَةِ مِسْكِينٍ عَنْ الْأَقْصَرِ أَيْ مِنْ أَنَّ مُرَادَهُمْ بِالْقَتْلِ قَتْلُ الصَّيْدِ لَا قَتْلُ النَّفْسِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إطْعَامٌ اهـ. فَلْيُتَأَمَّلْ وَلْيُرَاجَعْ كَيْ يَظْهَرَ الْحَقُّ. (قَوْلُهُ: وَهُنَاكَ فَرْقٌ آخَرُ مَذْكُورٌ فِي النِّهَايَةِ) وَهُوَ أَنَّ الْحَامِلَ وَالْمُرْضِعَ مَأْمُورَةٌ بِصِيَانَةِ الْوَلَدِ مَقْصُودًا وَلَا يَتَأَتَّى بِدُونِ الْإِفْطَارِ عِنْدَ الْخَوْفِ فَكَانَتْ مَأْمُورَةً أَيْضًا بِالْإِفْطَارِ وَالْأَمْرُ بِهِ مَعَ الْكَفَّارَةِ الَّتِي بِنَاؤُهَا عَلَى الزَّجْرِ عَنْهُ لَا يَجْتَمِعَانِ بِخِلَافِ الْإِكْرَاهِ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ غَيْرُ مَأْمُورٍ قَصْدًا بِصِيَانَةِ غَيْرِهِ بَلْ نَشَأَ الْأَمْرُ هُنَاكَ مِنْ ضَرُورَةِ حُرْمَةِ الْقَتْلِ وَالْحُكْمُ يَتَفَاوَتُ بِتَفَاوُتِ الْأَمْرِ الْقَصْدِيِّ وَالضِّمْنِيِّ (قَوْلُهُ: وَقَدْ قِيلَ إنَّهُ وَلَدُهَا مِنْ الرَّضَاعِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا إنَّمَا يَتِمُّ أَنْ لَوْ أَرْضَعَتْهُ وَالْحُكْمُ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّهَا بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ لَوْ خَافَتْ عَلَى الْوَلَدِ جَازَ لَهَا الْفِطْرُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 307 لُغَةً وَالْوَاوُ فِي قَوْلِهِ وَالْمُرْضِعُ بِمَعْنَى أَوْ؛ لِأَنَّ هَذَا الْحُكْمَ ثَابِتٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الِانْفِرَادِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَالْحَامِلُ هِيَ الَّتِي فِي بَطْنِهَا وَلَدٌ وَالْمُرْضِعُ هِيَ الَّتِي لَهَا اللَّبَنُ وَلَا يَجُوزُ إدْخَالُ التَّاءِ فِي أَحَدِهِمَا كَمَا فِي حَائِضٍ وَطَالِقٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الصِّفَاتِ الثَّابِتَةِ لَا الْحَادِثَةِ إلَّا إذَا أُرِيدَ الْحُدُوثُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ إدْخَالُ التَّاءِ بِأَنْ يُقَالَ حَائِضَةٌ الْآنَ وَغَدًا كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِأَنَّ الْحَامِلَ وَالْمُرْضِعَ إذَا مَاتَا قَبْلَ أَنْ يَزُولَ خَوْفُهُمَا عَلَى الْوَلَدِ أَوْ عَلَى أَنْفُسِهِمَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهَا الْقَضَاءُ كَالْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ لَكِنْ صَرَّحَ فِي الْبَدَائِعِ بِأَنَّ لِلْقَضَاءِ شَرَائِطُ مِنْهَا الْقُدْرَةُ عَلَى الْقَضَاءِ وَهُوَ بِعُمُومِهِ يَتَنَاوَلُ الْحَامِلَ وَالْمُرْضِعَ فَعَلَى هَذَا إذَا زَالَ الْخَوْفُ أَيَّامًا لَزِمَهُمَا بِقَدْرِهِ بَلْ وَلَا خُصُوصِيَّةَ فَإِنَّ كُلَّ مَنْ أَفْطَرَ لِعُذْرٍ وَمَاتَ قَبْلَ زَوَالِهِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ فَيَدْخُلُ الْمُكْرَهُ وَالْأَقْسَامُ الثَّمَانِيَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ. . (قَوْلُهُ وَلِلشَّيْخِ الْفَانِي وَهِيَ يَفْدِي فَقَطْ) أَيْ لَهُ الْفِطْرُ وَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ وَلَيْسَتْ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ وَالْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ لِعَدَمِ وُرُودِ نَصٍّ فِيهِمْ وَوُرُودِهِ فِي الشَّيْخِ الْفَانِي وَهُوَ الَّذِي كُلَّ يَوْمٍ فِي نَقْصٍ إلَى أَنْ يَمُوتَ وَسُمِّيَ بِهِ إمَّا؛ لِأَنَّهُ قَرُبَ مِنْ الْفَنَاءِ أَوْ؛ لِأَنَّهُ فَنِيَتْ قُوَّتُهُ وَإِنَّمَا لَزِمَتْهُ بِاعْتِبَارِ شُهُودِهِ لِلشَّهْرِ حَتَّى لَوْ تَحَمَّلَ الْمَشَقَّةَ وَصَامَ كَانَ مُؤَدِّيًا وَإِنَّمَا أُبِيحَ لَهُ الْفِطْرُ لِأَجْلِ الْحَرَجِ وَعُذْرُهُ لَيْسَ بِعَرَضِ الزَّوَالِ حَتَّى يُصَارَ إلَى الْقَضَاءِ فَوَجَبَ الْفِدْيَةُ لِكُلِّ يَوْمٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ زَبِيبٍ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ كَصَدَقَةِ الْفِطْرِ لَكِنْ يَجُوزُ هُنَا طَعَامُ الْإِبَاحَةِ أَكْلَتَانِ مُشْبِعَتَانِ بِخِلَافِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَلَا يَجُوزُ فِي الْفِدْيَةِ الْإِبَاحَةُ؛ لِأَنَّهَا تَنْبَنِي عَنْ تَمْلِيكٍ. اهـ. وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ وَيُحْمَلُ مَا فِي الْمِعْرَاجِ عَلَى الْفِدْيَةِ فِي الْحَجِّ وَلَوْ قَدَرَ عَلَى الصَّوْمِ يَبْطُلُ حُكْمُ الْفِدَاءِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْخَلْفِيَّةِ اسْتِمْرَارُ الْعَجْزِ فِي الصَّوْمِ وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِهِ لِيَخْرُجَ الْمُتَيَمِّمُ إذَا قَدَرَ عَلَى الْمَاءِ لَا تَبْطُلُ الصَّلَوَاتُ الْمُؤَدَّاةُ بِالتَّيَمُّمِ؛ لِأَنَّ خَلِيفَةَ التَّيَمُّمِ مَشْرُوطٌ بِمُجَرَّدِ الْعَجْزِ عَنْ الْمَاءِ لَا بِقَيْدِ دَوَامِهِ وَكَذَا خَلْفِيَّةُ الْأَشْهُرِ عَنْ الْإِقْرَاءِ فِي الِاعْتِدَادِ مَشْرُوطٌ بِانْقِطَاعِ الدَّمِ مَعَ سِنِّ الْيَأْسِ لَا بِشَرْطِ دَوَامِهِ حَتَّى لَا تَبْطُلَ الْأَنْكِحَةُ الْمَاضِيَةُ بِعَوْدِ الدَّمِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْحَيْضِ وَفِي الْكَافِي وَشَرْطُ الْخَلْفِيَّةِ اسْتِمْرَارُ الْعَجْزِ كَمَا فِي الْيَمِينِ وَفِي صَوْمِ دَمِ الْمُتْعَةِ وَغَيْرِهَا قَدْ تَخَلَّفَ لِقِيَامِ الدَّلِيلِ. اهـ. وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ فِيمَا سَبَقَ مِنْ أَنَّ الْمُسَافِرَ إذَا لَمْ يُدْرِكْ عِدَّةً فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إذَا مَاتَ إلَّا أَنَّ الشَّيْخَ الْفَانِيَ لَوْ كَانَ مُسَافِرًا فَمَاتَ قَبْلَ الْإِقَامَةِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِيصَاءُ بِالْفِدْيَةِ؛ لِأَنَّهُ يُخَالِفُ غَيْرَهُ فِي التَّخْفِيفِ لَا فِي التَّغْلِيظِ لَكِنْ ذَكَرَهُ الشَّارِحُونَ بِصِيغَةِ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ مَعَ أَنَّ الْأَوْلَى الْجَزْمُ بِهِ لِاسْتِفَادَتِهِ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ وَلَعَلَّهَا لَيْسَتْ صَرِيحَةً فِي كَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ فَلَمْ يَجْزِمُوا بِهَا وَلِأَنَّ الْفِدْيَةَ لَا تَجُوزُ إلَّا عَنْ صَوْمٍ هُوَ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ لَا بَدَلٌ عَنْ غَيْرِهِ فَجَازَتْ عَنْ رَمَضَانَ وَقَضَائِهِ وَالنَّذْرِ حَتَّى لَوْ نَذَرَ صَوْمَ الْأَبَدِ فَضَعُفَ عَنْ الصَّوْمِ لِاشْتِغَالِهِ بِالْمَعِيشَةِ لَهُ أَنْ يُطْعِمَ وَيُفْطِرَ؛ لِأَنَّهُ اسْتَيْقَنَ أَنْ لَا يَقْدِرَ عَلَى قَضَائِهِ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْإِطْعَامِ لِعُسْرَتِهِ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ لِشِدَّةِ الْحَرِّ كَانَ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ وَيَقْضِيَهُ فِي الشِّتَاءِ إذَا لَمْ يَكُنْ نَذَرَ الْأَبَدَ وَلَوْ نَذَرَ صَوْمًا مُعَيَّنًا فَلَمْ يَصُمْ حَتَّى صَارَ فَانِيًا جَازَتْ لَهُ الْفِدْيَةُ وَلَوْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ أَوْ قَتْلٍ فَلَمْ يَجِدْ مَا يُكَفِّرُ بِهِ وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ عَاجِزٌ عَنْ الصَّوْمِ أَوْ لَمْ يَصُمْ حَتَّى صَارَ شَيْخًا كَبِيرًا لَا تَجُوزُ لَهُ الْفِدْيَةُ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ هُنَا بَدَلٌ عَنْ غَيْرِهِ وَلِذَا لَا يَجُوزُ الْمَصِيرُ إلَى الصَّوْمِ إلَّا عِنْدَ الْعَجْزِ عَمَّا يُكَفِّرُ بِهِ مِنْ الْمَالِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَغَايَةِ الْبَيَانِ وَكَذَا لَوْ حَلَقَ رَأْسَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ عَنْ أَذًى وَلَمْ يَجِدْ نُسُكًا يَذْبَحُهُ وَلَا ثَلَاثَةَ آصُعَ حِنْطَةٍ يُفَرِّقُهَا عَلَى سِتَّةِ مَسَاكِينَ وَهُوَ فَانٍ لَا يَسْتَطِيعُ الصِّيَامَ فَأَطْعَمَ عَنْ الصِّيَامِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ وَفِي الْقُنْيَةِ وَلَوْ تَصَدَّقَ الشَّيْخُ الْفَانِي بِاللَّيْلِ عَنْ صَوْمِ الْفِدْيَةِ يُجْزِئُهُ وَفِي فَتَاوَى أَبِي حَفْصٍ الْكَبِيرِ إنْ شَاءَ أَعْطَى الْفِدْيَةَ فِي أَوَّلِ رَمَضَانَ بِمَرَّةٍ وَإِنْ شَاءَ أَعْطَاهَا.   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَالْمُرْضِعُ هِيَ الَّتِي لَهَا اللَّبَنُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ الْمُرْضِعُ هِيَ الَّتِي شَأْنُهَا الْإِرْضَاعُ وَإِنْ لَمْ تُبَاشِرْ وَالْمُرْضِعَةُ هِيَ الَّتِي فِي حَالِ الْإِرْضَاعِ مُلْقِمَةً ثَدْيَهَا الصَّبِيَّ وَهَذَا الْفَرْقُ مَذْكُورٌ فِي الْكَشَّافِ وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إدْخَالُ التَّاءِ فِي أَحَدِهِمَا إلَخْ. (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِهِ) أَيْ بِقَوْلِهِ فِي الصَّوْمِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 308 فِي آخِرِهِ بِمَرَّةٍ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَوْ أَعْطَى نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ عَنْ يَوْمٍ وَاحِدٍ لِمَسَاكِينَ يَجُوزُ قَالَ الْحَسَنُ وَبِهِ نَأْخُذُ وَإِنْ أَعْطَى مِسْكِينًا صَاعًا عَنْ يَوْمَيْنِ فَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يُجْزِئُهُ كَالْإِطْعَامِ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ اسْتِشْهَادًا لِكَوْنِ الْبَدَلِ لَا بَدَلَ لَهُ وَذَكَرَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ إذَا كَانَ جَمِيعُ رَأْسِهِ مَجْرُوحًا فَرَبَطَ الْجَبِيرَةَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ أَنْ يَمْسَحَ عَلَى الْجَبِيرَةِ؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ بَدَلٌ عَنْ الْغُسْلِ وَالْبَدَلُ لَا بَدَلَ لَهُ وَقَالَ غَيْرُهُ عَلَيْهِ أَنْ يَمْسَحَ؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ هُنَا أَصْلٌ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ لَا بَدَلٌ عَنْ غَيْرِهِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلِلْمُتَطَوِّعِ بِغَيْرِ عُذْرٍ فِي رِوَايَةٍ وَيَقْضِي) أَيْ لَهُ الْفِطْرُ بِعُذْرٍ وَبِغَيْرِهِ وَإِذَا أَفْطَرَ قَضَى إنْ كَانَ نَفْلًا قَصْدِيًّا وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الْفِطْرُ إلَّا مِنْ عُذْرٍ وَصَحَّحَهُ فِي الْمُحِيطِ وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهَا أَرْجَحُ مِنْ جِهَةِ الدَّلِيلِ وَلِهَذَا اخْتَارَهَا الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقَالَ إنَّ الدَّلَالَةَ تَضَافَرَتْ عَلَيْهَا وَهِيَ أَوْجَهُ ثُمَّ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ هَلْ الضِّيَافَةُ عُذْرٌ أَوْ لَا قِيلَ نَعَمْ وَقِيلَ لَا وَقِيلَ عُذْرٌ قَبْلَ الزَّوَالِ لَا بَعْدَهُ إلَّا إذَا كَانَ فِي عَدَمِ الْفِطْرِ بَعْدَهُ عُقُوقٌ لِأَحَدِ الْوَالِدَيْنِ لَا غَيْرِهِمَا حَتَّى لَوْ حَلَفَ عَلَيْهِ رَجُلٌ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ لَيُفْطِرَنَّ لَا يُفْطِرُ وَقِيلَ إنْ كَانَ صَاحِبُ الطَّعَامِ يَرْضَى بِمُجَرَّدِ حُضُورِهِ وَإِنْ لَمْ يَأْكُلْ لَا يُبَاحُ الْفِطْرُ وَإِنْ كَانَ يَتَأَذَّى بِذَلِكَ يُفْطِرُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَمْ يُصَحِّحْ شَيْئًا كَمَا تَرَى وَفِي الْكَافِي وَالْأَظْهَرُ أَنَّهَا عُذْرٌ وَصَحَّحَ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مِنْ أَحْكَامِ الْخَلْوَةِ أَنَّ الضِّيَافَةَ عُذْرٌ وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ قَالُوا وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَنْظُرُ فِي ذَلِكَ إنْ كَانَ صَاحِبُ الدَّعْوَةِ مِمَّنْ يَرْضَى بِمُجَرَّدِ حُضُورِهِ وَلَا يَتَأَذَّى بِتَرْكِ الْإِفْطَارِ لَا يُفْطِرُ وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ أَحْسَنُ مَا قِيلَ فِي هَذَا الْبَابِ إنَّهُ إنْ كَانَ يَثِقُ مِنْ نَفْسِهِ الْقَضَاءَ يُفْطِرُ دَفْعًا لِلْأَذَى عَنْ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ وَإِنْ كَانَ لَا يَثِقُ لَا يُفْطِرُ وَإِنْ كَانَ فِي تَرْكِ الْإِفْطَارِ أَذَى أَخِيهِ الْمُسْلِمِ وَفِي مَسْأَلَةِ الْيَمِينِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ. اهـ. وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْهَا وَإِنْ كَانَ صَائِمًا عَنْ قَضَاءِ رَمَضَانَ يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ؛ لِأَنَّ لَهُ حُكْمَ رَمَضَانَ. اهـ. وَلِهَذَا لَا يُفْطِرُ لَوْ حَلَفَ عَلَيْهِ رَجُلٌ بِالطَّلَاقِ لَيُفْطِرَنَّ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَفِي النِّهَايَةِ الْأَظْهَرُ أَنَّ الضِّيَافَةَ عُذْرٌ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ لَوْ حَلَفَ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ إنْ لَمْ يُفْطِرْ إنْ نَفْلًا أَفْطَرَ وَإِنْ قَضَاءً لَا وَالِاعْتِمَادُ عَلَى أَنَّهُ يُفْطِرُ فِيهِمَا وَلَا يُحْنِثُهُ وَإِذَا قُلْنَا بِأَنَّ الضِّيَافَةَ عُذْرٌ فِي التَّطَوُّعِ تَكُونُ عُذْرًا فِي حَقِّ الضَّيْفِ وَالْمُضِيفِ كَذَا فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ وَأَطْلَقَ فِي قَضَاءِ التَّطَوُّعِ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ فِطْرُهُ عَنْ قَصْدٍ أَوْ لَا بِأَنْ عَرَضَ الْحَيْضُ لِلصَّائِمَةِ الْمُتَطَوِّعَةِ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَقَيَّدْنَا النَّفَلَ بِكَوْنِهِ قَصْدِيًّا؛ لِأَنَّهُ لَوْ شَرَعَ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ عَلَيْهِ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَانَ مُتَطَوِّعًا وَالْأَحْسَنُ أَنْ يُتِمَّهُ فَإِنْ أَفْطَرَ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ وَقَيَّدَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي التَّجْنِيسِ بِأَنْ لَا يَمْضِيَ عَلَيْهِ سَاعَةٌ مِنْ حِينِ ظَهَرَ بِأَنْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فَإِنْ مَضَى سَاعَةٌ ثُمَّ أَفْطَرَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا مَضَى عَلَيْهِ سَاعَةٌ صَارَ كَأَنَّهُ نَوَى فِي هَذِهِ السَّاعَةِ فَإِذَا كَانَ قَبْلَ الزَّوَالِ صَارَ شَارِعًا فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ إذَا نَوَى الصَّوْمَ لِلْقَضَاءِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ حَتَّى لَا تَصِحَّ نِيَّتُهُ عَنْ الْقَضَاءِ يَصِيرُ صَائِمًا وَإِنْ أَفْطَرَ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ كَمَا إذَا نَوَى التَّطَوُّعَ ابْتِدَاءً وَهَذِهِ تَرِدُ إشْكَالًا عَلَى مَسْأَلَةِ الْمَظْنُونِ. اهـ. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَمَا بَقِيَ لَمْ يَجُزْ إلَّا بِنِيَّةٍ مُعَيَّنَةٍ وَفِي الْبَدَائِعِ إذَا شَرَعَ فِي صَوْمِ الْكَفَّارَةِ ثُمَّ أَيْسَرَ فِي خِلَالِهِ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ وَيُكْرَهُ لِلْعَبْدِ أَوْ لِلْأَجِيرِ أَوْ لِلْمَرْأَةِ أَنْ يَتَطَوَّعَ بِالصَّوْمِ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ مَنْ لَهُ حَقٌّ فِيهِ وَمَنْ لَهُ الْحَقُّ لَهُ أَنْ يُفْطِرَهُ وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَابْنَةُ الرَّجُلِ وَقَرَابَتُهُ تَتَطَوَّعُ بِدُونِ إذْنِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفَوَّتُ حَقُّهُ. اهـ. وَقَيَّدَ فِي الْمُحِيطِ والولوالجية كَرَاهَةَ صَوْمِ الْمَرْأَةِ بِأَنْ يَضُرَّ بِالزَّوْجِ أَمَّا إذَا كَانَ لَا يَضُرُّهُ بِأَنْ كَانَ صَائِمًا أَوْ مَرِيضًا فَلَهَا أَنْ تَصُومَ وَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إبْطَالُ حَقِّهِ بِخِلَافِ الْعَبْدِ وَالْمُدَبَّرِ وَأُمِّ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ فَإِذَا كَانَ قَبْلَ الزَّوَالِ صَارَ شَارِعًا) الْمُرَادُ بِهِ قَبْلَ الضَّحْوَةِ الْكُبْرَى وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ بَعْدَ الزَّوَالِ أَيْ بَعْدَ نِصْفِ النَّهَارِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ إذَا قَطَعَهُ سِوَاهٌ قَطَعَهُ فِي الْحَالِ أَوْ بَعْدَ سَاعَةٍ وَهُوَ ظَاهِرٌ قَالَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 309 الْوَلَدِ وَالْأَمَةِ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ الصَّوْمُ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى وَإِنْ لَمْ يَضُرَّ بِهِ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهُمْ مَمْلُوكَةٌ لِلْمَوْلَى بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ فَإِنَّ مَنَافِعَهَا غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ لِلزَّوْجِ وَإِنَّمَا لَهُ حَقُّ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا وَتَقْضِي الْمَرْأَةُ إذَا أَذِنَ لَهَا الزَّوْجُ أَوْ بَانَتْ مِنْهُ وَيَقْضِي الْعَبْدُ إذَا أَذِنَ لَهُ الْمَوْلَى أَوْ أُعْتِقَ وَقَيَّدَ كَرَاهَةَ صَوْمِ الْأَجِيرِ أَيْضًا بِكَوْنِ الصَّوْمِ يَضُرُّ بِالْمُسْتَأْجِرِ فِي الْخِدْمَةِ فَإِنْ كَانَ لَا يَضُرُّ فَلَهُ أَنْ يَصُومَ بِغَيْرِ إذْنِهِ. اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ قَالُوا يُبَاحُ الْفِطْرُ لِأَجْلِ الْمَرْأَةِ أَيْ لَا يَمْنَعُ صَوْمُ النَّفْلِ صِحَّةَ الْخَلْوَةِ وَفِي النَّظْمِ الْأَفْضَلُ أَنْ يُفْطِرَ لِلضِّيَافَةِ، وَلَا يَقُولَ: أَنَا صَائِمٌ؛ لِئَلَّا يَقِفَ عَلَى سِرِّهِ أَحَدٌ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ لَا يَصُومُ الْمَمْلُوكُ تَطَوُّعًا إلَّا بِإِذْنِ الْمَوْلَى إلَّا إذَا كَانَ غَائِبًا وَلَا ضَرَرَ لَهُ فِي ذَلِكَ. اهـ. وَهُوَ خِلَافُ مَا فِي الْمُحِيطِ وَإِنْ أَحْرَمَتْ الْمَرْأَةُ تَطَوُّعًا بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ قَالُوا لَهُ أَنْ يُحَلِّلَهَا وَالْأَجِيرُ إذَا كَانَ يَضُرُّهُ الْخِدْمَةُ وَكَذَا فِي الصَّلَوَاتِ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ الصَّوْمَ وَالْحَجَّ وَالصَّلَاةَ سَوَاءٌ، وَالْأَظْهَرُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ إطْلَاقُ مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ فِي الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ يَضُرُّ بِبَدَنِ الْمَرْأَةِ وَيُهْزِلُهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الزَّوْجُ الْآنَ يَطَؤُهَا وَالْعَبْدُ مَنَافِعُهُ مَمْلُوكَةٌ لِلْمَوْلَى فَلَيْسَ لَهُ الصَّوْمُ مُطْلَقًا بِغَيْرِ إذْنِهِ وَلَوْ كَانَ الْمَوْلَى غَائِبًا فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُبْقًى عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ فِي الْعِبَادَاتِ إلَّا فِي الْفَرَائِضِ وَأَمَّا فِي النَّوَافِلِ فَلَا، وَفِي الْقُنْيَةِ وَلِلزَّوْجِ أَنْ يَمْنَعَ زَوْجَتَهُ عَنْ كُلِّ مَا كَانَ الْإِيجَابُ مِنْ جِهَتِهَا كَالتَّطَوُّعِ وَالنَّذْرِ وَالْيَمِينِ دُونَ مَا كَانَ مِنْ جِهَتِهِ تَعَالَى كَقَضَاءِ رَمَضَانَ وَكَذَا الْعَبْدُ إلَّا إذَا ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ لَا يَمْنَعُهُ مِنْ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ بِالصَّوْمِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمَرْأَةِ بِهِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ إفْسَادَ الصَّوْمِ أَوْ الصَّلَاةِ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهَا مَكْرُوهٌ نَصَّ عَلَيْهَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَلَيْسَ بِحَرَامٍ؛ لِأَنَّ الدَّلِيلَ لَيْسَ قَطْعِيُّ الدَّلَالَةِ كَمَا أَوْضَحَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ بَلَغَ صَبِيٌّ أَوْ أَسْلَمَ كَافِرٌ أَمْسَكَ يَوْمَهُ وَلَمْ يَقْضِ شَيْئًا) فَالْإِمْسَاكُ قَضَاءٌ لِحَقِّ الْوَقْتِ بِالتَّشَبُّهِ وَعَدَمُ الْقَضَاءِ لِعَدَمِ وُجُوبِ الصَّوْمِ عَلَيْهِمَا فِيهِ وَأَطْلَقَ الْإِمْسَاكَ وَلَمْ يُبَيِّنْ صِفَتَهُ لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ وَالْأَصَحُّ الْوُجُوبُ لِمُوَافَقَتِهِ لِلدَّلِيلِ وَهُوَ مَا ثَبَتَ مِنْ أَمْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِالْإِمْسَاكِ لِمَنْ أَكَلَ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ حِينَ كَانَ وَاجِبًا وَأَطْلَقَ فِي عَدَمِ الْقَضَاءِ فَشَمِلَ مَا إذَا أَفْطَرَا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَوْ صَامَاهُ وَسَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ لَا يَتَجَزَّأُ وُجُوبًا كَمَا لَا يَتَجَزَّأُ أَدَاءً وَأَهْلِيَّةُ الْوُجُوبِ مُنْعَدِمَةٌ فِي أَوَّلِهِ فَلَا يَجِبُ، وَقَيَّدَ بِالصَّوْمِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ بَلَغَ أَوْ أَسْلَمَ فِي أَثْنَاءِ وَقْتِ الصَّلَاةِ أَوْ فِي آخِرِهِ وَجَبَتْ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا وَهُوَ قِيَاسُ زُفَرَ وَفَرَّقَ أَئِمَّتُنَا بَيْنَ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ بِأَنَّ السَّبَبَ فِي الصَّلَاةِ الْجُزْءُ الْمُتَّصِلُ بِالْأَدَاءِ فَوُجِدَتْ الْأَهْلِيَّةُ عِنْدَهُ وَفِي الصَّوْمِ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ هُوَ السَّبَبُ وَالْأَهْلِيَّةُ مَعْدُومَةٌ عِنْدَهُ. قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُمْ فِي الْأُصُولِ: الْوَاجِبُ الْمُؤَقَّتُ قَدْ يَكُونُ الْوَقْتُ فِيهِ سَبَبًا لِلْمُؤَدَّى وَظَرْفًا لَهُ كَوَقْتِ الصَّلَاةِ أَوْ سَبَبًا وَمِعْيَارًا وَهُوَ مَا يَقَعُ فِيهِ مُقَدَّرًا بِهِ كَوَقْتِ الصَّوْمِ تَسَاهُلٌ؛ إذْ يَقْتَضِي أَنَّ السَّبَبَ تَمَامُ الْوَقْتِ فِيهِمَا، وَقَدْ بَانَ خِلَافُهُ ثُمَّ عَلَى مَا بَانَ مِنْ تَحْقِيقِ الْمُرَادِ قَدْ يُقَالُ يَلْزَمُ أَنْ لَا يَجِبَ الْإِمْسَاكُ فِي نَفْسِ الْجُزْءِ الْأَوَّلِ مِنْ الْيَوْمِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ السَّبَبُ لِلْوُجُوبِ، وَإِلَّا لَزِمَ سَبْقُ الْوُجُوبِ عَلَى السَّبَبِ؛ لِلُزُومِ تَقَدُّمِ السَّبَبِ فَالْإِيجَابُ فِيهِ يَسْتَدْعِي سَبَبًا سَابِقًا وَالْفَرْضُ خِلَافُهُ وَلَوْ لَمْ يَسْتَلْزِمْ ذَلِكَ لَزِمَ كَوْنُ مَا ذَكَرُوهُ فِي وَقْتِ الصَّلَوَاتِ مِنْ أَنَّ السَّبَبِيَّةَ تُضَافُ إلَى الْجُزْءِ الْأَوَّلِ فَإِنْ لَمْ يُؤَدِّ عَقِيبَهُ انْتَقَلَتْ إلَى مَا يَلِي ابْتِدَاءَ الشُّرُوعِ فَإِنْ لَمْ يَشْرَعْ إلَى الْجُزْءِ الْأَخِيرِ تَقَرَّرَتْ السَّبَبِيَّةُ فِيهِ وَاعْتُبِرَ حَالُ الْمُكَلَّفِ عِنْدَهُ تَكَلُّفٌ مُسْتَغْنًى عَنْهُ إذْ لَا دَاعِيَ لِجَعْلِهِ مَا يَلِيهِ دُونَ مَا يَقَعُ فِيهِ. اهـ. وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ قَوْلَهُمْ يَقْتَضِي أَنَّ السَّبَبَ تَمَامُ الْوَقْتِ مُسَلَّمٌ لَوْ سَكَتُوا وَهُمْ قَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ جَعْلُ كُلِّ الْوَقْتِ سَبَبًا فِي الصَّلَاةِ وَذَكَرُوا أَنَّ السَّبَبِيَّةَ تَنْتَقِلُ مِنْ جُزْءٍ إلَى جُزْءٍ، وَقَوْلُهُ ثُمَّ عَلَى مَا بَانَ إلَى آخِرِهِ فِيهِ بَحْثٌ أَمَّا عَلَى اخْتِيَارِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ مِنْ أَنَّ السَّبَبِيَّةَ لِلَّيَالِيِ وَالْأَيَّامِ فَقَدْ وُجِدَ السَّبَبُ بِاللَّيْلَةِ فَالْإِمْسَاكُ إنَّمَا وَجَبَ فِي الْجُزْءِ الْأَوَّلِ بِاعْتِبَارِ سَبْقِ.   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَالْأَظْهَرُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَعِنْدِي أَنَّ إحَالَةَ الْمَنْعِ عَلَى الضَّرَرِ وَعَدَمِهِ عَلَى عَدَمِهِ أَوْلَى لِلْقَطْعِ بِأَنَّ صَوْمَ يَوْمٍ لَا يُهْزِلُهَا فَلَمْ يَبْقَ إلَّا مَنْعُهُ عَنْ وَطْئِهَا وَذَلِكَ إضْرَارٌ بِهِ فَإِنْ انْتَفَى بِأَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ مُسَافِرًا جَازَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 310 السَّبَبِ عَلَيْهِ وَهُوَ اللَّيْلُ وَأَمَّا عَلَى اخْتِيَارِ غَيْرِهِ مِنْ أَنَّ السَّبَبِيَّةَ خَاصَّةٌ بِالْأَيَّامِ وَأَنَّ اللَّيَالِيَ لَا دَخْلَ لَهَا فِي السَّبَبِيَّةِ فَلِأَنَّ لُزُومَ تَقَدُّمِ السَّبَبِ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ الْإِمْكَانِ أَمَّا عِنْدَ عَدَمِ الْإِمْكَانِ فَلَا وَالصَّوْمُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ وَقْتَهُ مِعْيَارٌ لَهُ مُقَدَّرٌ بِهِ يَزِيدُ بِزِيَادَتِهِ وَيَنْقُصُ بِنُقْصَانِهِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ خَالِيًا عَنْ الصَّوْمِ لِيَكُونَ سَبَبًا مُتَقَدِّمًا وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَا قَبْلَهُ سَبَبًا لِعَدَمِ الصَّلَاحِيَّةِ فَلَزِمَ فِيهِ مُقَارَنَةُ السَّبَبِ لِلْمُسَبَّبِ وَقَدْ صَرَّحَ بِأَنَّ السَّبَبَ فِي الصَّوْمِ مُقَارِنٌ لِلْمُسَبَّبِ صَاحِبُ كَشْفِ الْأَسْرَارِ شَرْحِ أُصُولِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيِّ بِخِلَافِ وَقْتِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ ظَرْفٌ فَأَمْكَنَ تَقَدُّمُ السَّبَبِ عَلَى الْحُكْمِ حَتَّى لَوْ لَمْ يُمْكِنْ بِأَنْ شَرَعَ فِي الْجُزْءِ الْأَوَّلِ سَقَطَ اشْتِرَاطُ تَقَدُّمِ السَّبَبِ وَجُوِّزَتْ الْمُقَارَنَةُ إذْ لَا يُمْكِنُ جَعْلُ مَا قَبْلَ الْوَقْتِ سَبَبًا وَذَكَرَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّ السَّبَبَ فِي الصَّوْمِ الْيَوْمُ الْكَامِلُ لَا الْجُزْءُ مِنْهُ وَلَا شَكَّ فِي الْمُقَارَنَةِ عَلَى هَذَا وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِالْمَسْأَلَتَيْنِ إلَى أَصْلٍ وَهُوَ أَنَّ كُلَّ مَنْ صَارَ فِي آخِرِ النَّهَارِ بِصِفَةٍ لَوْ كَانَ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ عَلَيْهَا لَلَزِمَهُ الصَّوْمُ فَعَلَيْهِ الْإِمْسَاكُ كَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ تَطْهُرُ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَوْ مَعَهُ وَالْمَجْنُونِ يُفِيقُ وَالْمَرِيضِ يَبْرَأُ وَالْمُسَافِرِ يَقْدَمُ بَعْدَ الزَّوَالِ أَوْ الْأَكْلِ وَاَلَّذِي أَفْطَرَ عَمْدًا أَوْ خَطَأً أَوْ مُكْرَهًا أَوْ أَكَلَ يَوْمَ الشَّكِّ ثُمَّ اسْتَبَانَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ أَوْ أَفْطَرَ وَهُوَ يَرَى أَنَّ الشَّمْسَ قَدْ غَرَبَتْ أَوْ تَسَحَّرَ بَعْدَ الْفَجْرِ وَلَمْ يَعْلَمْ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ لَمْ يَجِبْ الْإِمْسَاكُ كَمَا فِي حَالَةِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ ثُمَّ قِيلَ الْحَائِضُ تَأْكُلُ سِرًّا لَا جَهْرًا وَقِيلَ تَأْكُلُ سِرًّا وَجَهْرًا وَلِلْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ الْأَكْلُ جَهْرًا كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَغَيَّرَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ عِبَارَةَ هَذَا الْأَصْلِ فَقَالَ كُلُّ مَنْ تَحَقَّقَ بِصِفَةٍ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ أَوْ قَارَنَ ابْتِدَاءُ وُجُودِهَا طُلُوعَ الْفَجْرِ وَتِلْكَ الصِّفَةُ بِحَيْثُ لَوْ كَانَتْ قَبْلَهُ وَاسْتَمَرَّتْ مَعَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ الصَّوْمُ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِمْسَاكُ تَشَبُّهًا. قَالَ وَقُلْنَا كُلُّ مَنْ تَحَقَّقَ وَلَمْ نَقُلْ مَنْ صَارَ بِصِفَةٍ إلَى آخِرِهِ يَعْنِي كَمَا فِي النِّهَايَةِ لِيَشْتَمِلَ مَنْ أَكَلَ عَمْدًا فِي نَهَارِ رَمَضَانَ؛ لِأَنَّ الصَّيْرُورَةَ لِلتَّحَوُّلِ وَلَوْ لِامْتِنَاعِ مَا يَلِيهِ وَلَا يَتَحَقَّقُ الْمُفَادُ بِهِمَا فِيهِ. اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَنْ أَكَلَ عَمْدًا فِي نَهَارِ رَمَضَانَ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ عِبَارَةِ النِّهَايَةِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ لَمْ يَتَجَدَّدْ لَهُ حَالَةٌ بَعْدَ فِطْرِهِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا قَبْلَهُ وَكَلِمَةُ صَارَ تُفِيدُ التَّحَوُّلَ مِنْ حَالَةٍ إلَى أُخْرَى بِخِلَافِ تَحَقَّقَ وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَا هَرَبَ مِنْهُ وَقَعَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ غَيَّرَ صَارَ إلَى تَحَقَّقَ أَتَى بِكَلِمَةِ لَوْ الْمُفِيدَةِ لِامْتِنَاعِ مَا يَلِيهِ الْمُفِيدَةِ أَنَّ الصِّفَةَ لَمْ تَكُنْ مَوْجُودَةً أَوَّلَ الْيَوْمِ فَلَا يَشْمَلُ كَلَامُهُ مَنْ أَكَلَ عَمْدًا فَلْيُتَأَمَّلْ فَظَهَرَ مِنْ هَذَا أَنَّ مَنْ كَانَ أَهْلًا لِلصَّوْمِ فِي أَوَّلِهِ كَمَنْ أَكَلَ عَمْدًا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الضَّابِطِ أَصْلًا عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا وَإِنَّمَا أَدْرَجُوهُ فِي هَذَا الْأَصْلِ وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّ حُكْمَهُ وُجُوبُ الْإِمْسَاكِ تَشَبُّهًا فَهُوَ مِثْلُهُ؛ لِأَنَّ غَرَضَهُمْ بَيَانُ الْأَحْكَامِ وَعِبَارَةُ الْبَدَائِعِ أَوْلَى وَهِيَ أَمَّا وُجُوبُ الْإِمْسَاكِ تَشَبُّهًا بِالصَّائِمِينَ فَكُلُّ مَنْ كَانَ لَهُ عُذْرٌ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ مَانِعٌ مِنْ الْوُجُوبِ أَوْ مُبِيحٌ لِلْفِطْرِ ثُمَّ زَالَ عُذْرُهُ وَصَارَ بِحَالٍ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ لَوَجَبَ عَلَيْهِ الصَّوْمُ لَا يُبَاحُ لَهُ الْفِطْرُ كَالصَّبِيِّ إذَا بَلَغَ وَالْكَافِرِ إذَا أَسْلَمَ وَالْمَجْنُونِ إذَا أَفَاقَ وَالْحَائِضِ إذَا طَهُرَتْ وَالْمُسَافِرِ إذَا قَدِمَ وَكَذَا كُلُّ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الصَّوْمُ لِوُجُودِ سَبَبِ الْوُجُوبِ وَالْأَهْلِيَّةِ ثُمَّ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْمُضِيُّ بِأَنْ أَفْطَرَ مُتَعَمِّدًا أَوْ أَصْبَحَ يَوْمَ الشَّكِّ مُفْطِرًا ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ أَوْ تَسَحَّرَ عَلَى ظَنِّ أَنَّ الْفَجْرَ لَمْ يَطْلُعْ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ طَالِعٌ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِمْسَاكُ تَشَبُّهًا. اهـ. فَقَدْ جَعَلَ لِوُجُوبِ الْإِمْسَاكِ أَصْلَيْنِ وَجَعَلَ بَعْضَ الْفُرُوعِ مُخَرَّجَةً عَلَى أَصْلٍ وَبَعْضَهَا عَلَى آخَرَ فَلَا إيرَادَ أَصْلًا وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ صَبِيٌّ بَلَغَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَنَصْرَانِيٌّ أَسْلَمَ وَنَوَيَا الصَّوْمَ قَبْلَ الزَّوَالِ لَا يَجُوزُ صَوْمُهُمَا عَنْ الْفَرْضِ غَيْرَ أَنَّ الصَّبِيَّ يَكُونُ صَائِمًا عَنْ التَّطَوُّعِ بِخِلَافِ الْكَافِرِ لِفَقْدِ الْأَهْلِيَّةِ فِي حَقِّهِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الصَّبِيَّ يَجُوزُ صَوْمُهُ عَنْ الْفَرْضِ وَقِيلَ جَوَابُهُ فِي الْكَافِرِ كَذَلِكَ، إلَيْهِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَعِبَارَةُ الْبَدَائِعِ إلَى قَوْلِهِ وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ) سَقَطَ مِنْ بَعْضِ النُّسَخِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 311 أَشَارَ فِي الْمُنْتَقَى ثُمَّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَرْقٌ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْمَجْنُونِ إذَا أَفَاقَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَلَمْ يَكُنْ أَكَلَ شَيْئًا وَنَوَى الصَّوْمَ جَازَ عَنْ الْفَرْضِ؛ لِأَنَّ الْجُنُونَ إذَا لَمْ يَسْتَوْعِبْ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْمَرَضِ وَالْمَرَضُ لَا يُنَافِي وُجُوبَ الصَّوْمِ بِخِلَافِ الصَّبَا وَالْكُفْرِ وَالْحَيْضِ؛ لِأَنَّهَا مُنَافِيَةٌ لِلصَّوْمِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ نَوَى الْمُسَافِرُ الْإِفْطَارَ ثُمَّ قَدِمَ وَنَوَى الصَّوْمَ فِي وَقْتِهِ صَحَّ) إنْ نَوَى قَبْلَ انْتِصَافِ النَّهَارِ؛ لِأَنَّ السَّفَرَ لَا يُنَافِي أَهْلِيَّةَ الْوُجُوبِ وَلَا صِحَّةَ الشُّرُوعِ أَطْلَقَ الصَّوْمَ فَشَمِلَ الْفَرْضَ الَّذِي لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّبْيِيتُ وَالنَّفَلَ وَحَيْثُ أَفَادَ صِحَّةَ صَوْمِ الْفَرْضِ لَزِمَ عَلَيْهِ صَوْمُهُ إنْ كَانَ فِي رَمَضَانَ لِزَوَالِ الْمُرَخِّصِ فِي وَقْتِ النِّيَّةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُقِيمًا فِي أَوَّلِ الْيَوْمِ ثُمَّ سَافَرَ لَا يُبَاحُ لَهُ الْفِطْرُ تَرْجِيحًا لِجَانِبِ الْإِقَامَةِ فَهَذَا أَوْلَى إلَّا أَنَّهُ إذَا أَفْطَرَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِقِيَامِ شُبْهَةِ الْمُبِيحِ وَكَذَا لَوْ نَوَى الْمُسَافِرُ الصَّوْمَ لَيْلًا وَأَصْبَحَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُضَ عَزِيمَتَهُ قَبْلَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَصْبَحَ صَائِمًا لَا يَحِلُّ فِطْرُهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَوْ أَفْطَرَ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَنْوِ الْإِفْطَارَ وَإِنَّمَا قَدِمَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَالْأَكْلِ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ إذَا كَانَ الصِّحَّةَ مَعَ نِيَّةِ الْمُنَافِي فَمَعَ عَدَمِهَا أَوْلَى وَلِأَنَّ نِيَّةَ الْإِفْطَارِ لَا عِبْرَةَ بِهَا حَتَّى لَوْ نَوَى الصَّائِمُ الْفِطْرَ وَلَمْ يُفْطِرْ لَا يَكُونُ مُفْطِرًا وَكَذَا لَوْ نَوَى التَّكَلُّمَ فِي الصَّلَاةِ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ. (قَوْلُهُ وَيَقْضِي بِإِغْمَاءٍ سِوَى يَوْمٍ حَدَثَ فِي لَيْلَتِهِ) ؛ لِأَنَّهُ نَوْعُ مَرَضٍ يُضْعِفُ الْقُوَى وَلَا يُزِيلُ الْحِجَا فَيَصِيرُ عُذْرًا فِي التَّأْخِيرِ لَا فِي الْإِسْقَاطِ وَإِنَّمَا لَا يَقْضِي الْيَوْمَ الْأَوَّلَ لِوُجُودِ الصَّوْمِ فِيهِ وَهُوَ الْإِمْسَاكُ الْمَقْرُونُ بِالنِّيَّةِ إذْ الظَّاهِرُ وُجُودُهَا مِنْهُ وَيَقْضِي مَا بَعْدَهُ لِانْعِدَامِ النِّيَّةِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَحْدُثَ الْإِغْمَاءُ فِي اللَّيْلِ أَوْ فِي النَّهَارِ فِي أَنَّهُ لَا يَقْضِي الْيَوْمَ الْأَوَّلَ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ حُدُوثَهُ فِي لَيْلَتِهِ لِيُعْلَمَ حُكْمُ مَا إذَا حَدَثَ فِي الْيَوْمِ بِالْأَوْلَى لِوُجُودِ الْإِمْسَاكِ وَهُوَ لَيْسَ بِمُغْمًى عَلَيْهِ وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْإِغْمَاءَ لَوْ كَانَ فِي شَعْبَانَ قَضَاهُ كُلَّهُ لِعَدَمِ النِّيَّةِ وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُتَهَتِّكًا يَعْتَادُ الْأَكْلَ فِي رَمَضَانَ أَوْ مُسَافِرًا قَضَاهُ كُلَّهُ لِعَدَمِ مَا يَدُلُّ عَلَى وُجُودِ النِّيَّةِ (قَوْلُهُ: وَبِجُنُونٍ غَيْرِ مُمْتَدٍّ) أَيْ يَقْضِيهِ إذَا فَاتَهُ بِجُنُونٍ غَيْرِ مُمْتَدٍّ وَهُوَ أَنْ لَا يَسْتَوْعِبَ الشَّهْرَ وَالْمُمْتَدُّ هُوَ أَنْ يَسْتَوْعِبَ الشَّهْرَ وَهُوَ مُسْقِطٌ لِلْحَرَجِ بِخِلَافِ مَا دُونَهُ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ قَدْ وُجِدَ وَهُوَ الشَّهْرُ وَالْأَهْلِيَّةُ بِالذِّمَّةِ وَفِي الْوُجُوبِ فَائِدَةٌ وَهُوَ صَيْرُورَتُهُ مَطْلُوبًا عَلَى وَجْهٍ لَا يُحْرَجُ فِي أَدَائِهِ بِخِلَافِ الْمُسْتَوْعِبِ فَإِنَّهُ يُحْرَجُ فِي أَدَائِهِ فَلَا فَائِدَةَ فِيهِ وَالْإِغْمَاءُ لَا يَسْتَوْعِبُ الشَّهْرَ عَادَةً فَلَا حَرَجَ وَإِلَّا كَانَ رُبَّمَا يَمُوتُ فَإِنَّهُ لَا يَأْكُلُ وَلَا يَشْرَبُ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْجُنُونَ الْأَصْلِيَّ وَالْعَارِضَ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ إذَا بَلَغَ مَجْنُونًا الْتَحَقَ بِالصَّبِيِّ فَانْعَدَمَ الْخِطَابُ بِخِلَافِ مَا إذَا بَلَغَ عَاقِلًا ثُمَّ جُنَّ وَهَذَا مُخْتَارُ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَدَخَلَ تَحْتَ غَيْرِ الْمُمْتَدِّ مَا إذَا أَفَاقَ آخِرَ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ بَعْدَهُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ جَمِيعِ الشَّهْرِ خِلَافًا لِمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ عَنْ حَمِيدِ الدِّينِ الضَّرِيرِ أَنَّهُ قَالَ إذَا أَفَاقَ بَعْدَ الزَّوَالِ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَصَحَّحَهُ فِي النِّهَايَةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ لَا يَصِحُّ فِيهِ كَاللَّيْلِ اعْلَمْ أَنَّ الْجُنُونَ يُنَافِي النِّيَّةَ الَّتِي هِيَ شَرْطُ الْعِبَادَاتِ فَلَا يَجِبُ مَعَ الْمُمْتَدِّ مِنْهُ مُطْلَقًا لِلْحَرَجِ وَمَا لَا يَمْتَدُّ جُعِلَ كَالنَّوْمِ؛ لِأَنَّ الْجُنُونَ لَا يَنْفِي أَصْلَ الْوُجُوبِ إذْ هُوَ بِالذِّمَّةِ وَهِيَ ثَابِتَةٌ لَهُ بِاعْتِبَارِ آدَمِيَّتِهِ حَتَّى وَرِثَ وَمَلَكَ وَكَانَ أَهْلًا لِلثَّوَابِ كَأَنْ نَوَى صَوْمَ الْغَدِ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَجُنَّ فِيهِ مُمْسِكًا كُلَّهُ صَحَّ فَلَا يَقْضِي لَوْ أَفَاقَ بَعْدَهُ وَصَحَّ إسْلَامُهُ تَبَعًا وَإِذَا كَانَ الْمُسْقِطُ الْحَرَجَ لَزِمَ اخْتِلَافُ الِامْتِدَادِ الْمُسْقِطِ فَقُدِّرَ فِي الصَّلَاةِ بِالزِّيَادَةِ عَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بِصَيْرُورَةِ الصَّلَاةِ سِتًّا وَهُوَ أَقْيَسُ لَكِنَّهُمَا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ أَوْ مُسَافِرًا قَضَاهُ كُلَّهُ) قَالَ فِي النَّهْرِ كَذَا قَالُوا وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ بِمُسَافِرٍ يَضُرُّهُ الصَّوْمُ أَمَّا مَنْ لَا يَضُرُّهُ فَلَا يَقْضِي ذَلِكَ الْيَوْمَ حَمْلًا لِأَمْرِهِ عَلَى الصَّلَاحِ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ صَوْمَهُ أَفْضَلُ، وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ: إنَّ قَصْدَ صَوْمِ الْغَدِ فِي اللَّيَالِيِ مِنْ الْمُسَافِرِ لَيْسَ بِظَاهِرٍ مَمْنُوعٌ فِيمَا إذَا كَانَ لَا يَضُرُّهُ قَالَ الشُّمُنِّيُّ وَهَذَا إذَا لَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ نَوَى أَمْ لَا أَمَّا إذَا عَلِمَ أَنَّهُ نَوَى فَلَا شَكَّ فِي الصِّحَّةِ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَنْوِ فَلَا شَكَّ فِي عَدَمِهَا (قَوْلُهُ: وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا) أَيْ قَالَ إنْ بَلَغَ مَجْنُونًا ثُمَّ أَفَاقَ فِي بَعْضِ الشَّهْرِ لَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا مَضَى وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ فِي الْقِيَاسِ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَكِنِّي أَسْتَحْسِنُ فَأُوجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءَ مَا مَضَى مِنْ الشَّهْرِ؛ لِأَنَّ الْجُنُونَ الْأَصْلِيَّ لَا يُفَارِقُ الْعَارِضَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَحْكَامِ وَلَيْسَ فِيهِ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَاخْتَلَفَ فِيهِ الْمُتَأَخِّرُونَ عَلَى قِيَاسِ مَذْهَبِهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا مَضَى كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَفِي مَوَاهِبِ الرَّحْمَنِ وَأَلْزَمْنَاهُ بِالْقَضَاءِ لَوْ أَفَاقَ بَعْضَهُ وَلَمْ نُسْقِطْهُ إلَّا فِي الْأَصْلِيِّ عَلَى الْأَصَحِّ اهـ. لَكِنْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ وَجَوَابُ الْكِتَابِ مُطْلَقًا فَيَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ وَهُوَ صَحِيحٌ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُنْتَقَى (قَوْلُهُ: وَصَحَّحَهُ فِي النِّهَايَةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ) أَيْ صَحَّحَا مَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَكَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَفِي الْمُجْتَبَى وَالْمِعْرَاجِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَهُوَ مُخْتَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 312 أَقَامَا الْوَقْتَ مُقَامَ الْوَاجِبِ كَمَا فِي الْمُسْتَحَاضَةِ وَفِي الصَّوْمِ بِاسْتِغْرَاقِ الشَّهْرِ لَيْلِهِ وَنَهَارِهِ وَفِي الزَّكَاةِ بِاسْتِغْرَاقِ الْحَوْلِ وَأَبُو يُوسُفَ جَعَلَ أَكْثَرَهُ كَكُلِّهِ وَأَمَّا الصَّغِيرُ فَقَبْلَ أَنْ يَعْقِلَ كَالْجُنُونِ الْمُمْتَدِّ وَإِذَا عَقَلَ تَأَهَّلَ لِلْأَدَاءِ دُونَ الْوُجُوبِ إلَّا الْإِيمَانَ وَأَمَّا النَّائِمُ فَلِكَوْنِ النَّوْمِ مُوجِبًا لِلْعَجْزِ لَزِمَ تَأْخِيرُ خِطَابِ الْأَدَاءِ لَا أَصْلِ الْوُجُوبِ وَلِذَا وَجَبَ الْقَضَاءُ إذَا زَالَ بَعْدَ الْوَقْتِ وَلَمَّا كَانَ لَا يَمْتَدُّ غَالِبًا لَمْ يَسْقُطْ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الْعِبَادَاتِ لِعَدَمِ الْحَرَجِ وَالْإِغْمَاءُ فَوْقَهُ وَإِنْ امْتَدَّ فِي الصَّلَوَاتِ بِأَنْ زَادَ عَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ جُعِلَ عُذْرًا مُسْقِطًا لَهَا دَفْعًا لِلْحَرَجِ لِكَوْنِهِ غَالِبًا وَلَمْ يُجْعَلْ عُذْرًا فِي الصَّوْمِ؛ لِأَنَّ امْتِدَادَهُ شَهْرًا نَادِرٌ فَلَمْ يَكُنْ فِي إيجَابِهِ حَرَجٌ بِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ الْأَعْذَارَ أَرْبَعَةٌ صِبًا وَجُنُونٌ وَإِغْمَاءٌ وَنَوْمٌ وَقَدْ عُلِمَ أَحْكَامُهَا وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ. (قَوْلُهُ: وَبِإِمْسَاكٍ بِلَا نِيَّةِ صَوْمٍ وَفِطْرٍ) أَيْ يَجِبُ الْقَضَاءُ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ هُوَ الْإِمْسَاكُ بِجِهَةِ الْعِبَادَةِ وَلَا عِبَادَةَ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَأَمَّا هِبَةُ النِّصَابِ مِنْ الْفَقِيرِ فَإِنَّهَا تُسْقِطُ الزَّكَاةَ بِدُونِ نِيَّتِهَا بِاعْتِبَارِ وُجُودِ نِيَّةِ الْقُرْبَةِ وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَقَدْ مَرَّ أَنَّ الْمُغْمَى عَلَيْهِ لَا يَقْضِي الْيَوْمَ الَّذِي حَدَثَ الْإِغْمَاءُ فِي لَيْلَتِهِ لِوُجُودِ النِّيَّةِ مِنْهُ ظَاهِرًا فَلَا بُدَّ مِنْ التَّأْوِيلِ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَتَأْوِيلُهَا أَنْ يَكُونَ مَرِيضًا أَوْ مُسَافِرًا لَا يَنْوِي شَيْئًا أَوْ مُتَهَتِّكًا اعْتَادَ الْأَكْلَ فِي رَمَضَانَ فَلَمْ يَكُنْ حَالُهُ دَلِيلًا عَلَى عَزِيمَةِ الصَّوْمِ. اهـ. وَكَذَا فِي النِّهَايَةِ وَرَدَّهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهُ تَكَلُّفٌ مُسْتَغْنًى عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ ابْتِدَاءً لَا بِأَمْرٍ يُوجِبُ النِّسْيَانَ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ أَدْرَى بِحَالِهِ بِخِلَافِ مَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْإِغْمَاءَ قَدْ يُوجِبُ نِسْيَانَهُ حَالَ نَفْسِهِ بَعْدَ الْإِفَاقَةِ فَبُنِيَ الْأَمْرُ فِيهِ عَلَى الظَّاهِرِ مِنْ حَالِهِ وَهُوَ وُجُودُ النِّيَّةِ وَأَشَارَ بِوَجَبَ الْقَضَاءُ فَقَطْ إلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ لَوْ أَكَلَ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ صَائِمٍ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا كَذَلِكَ إنْ أَكَلَ بَعْدَ الزَّوَالِ وَإِنْ أَكَلَ قَبْلَ الزَّوَالِ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ إمْكَانَ التَّحْصِيلِ فَصَارَ كَغَاصِبِ الْغَاصِبِ. (قَوْلُهُ وَلَوْ قَدِمَ مُسَافِرٌ أَوْ طَهُرَتْ حَائِضٌ أَوْ تَسَحَّرَ يَظُنُّهُ لَيْلًا وَالْفَجْرُ طَالِعٌ أَوْ أَفْطَرَ كَذَلِكَ وَالشَّمْسُ حَيَّةٌ أَمْسَكَ يَوْمَهُ وَقَضَى وَلَمْ يُكَفِّرْ كَأَكْلِهِ عَمْدًا بَعْدَ أَكْلِهِ نَاسِيًا وَنَائِمَةٌ وَمَجْنُونَةٌ وُطِئَتَا) لِمَا قَدَّمْنَا أَنَّ كُلَّ مَنْ صَارَ أَهْلًا لِلُّزُومِ وَلَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْيَوْمِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِمْسَاكُ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ قَضَاءً لِحَقِّ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّهُ وَقْتٌ مُعَظَّمٌ وَإِنَّمَا وَجَبَ الْقَضَاءُ عَلَى الْمُسَافِرِ وَالْحَائِضِ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ أَصْلَ الْوُجُوبِ ثَابِتٌ عَلَيْهِمَا وَإِنَّمَا الْمُتَأَخِّرُ وُجُوبُ الْأَدَاءِ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ إذَا بَلَغَ وَالْكَافِرِ إذَا أَسْلَمَ فَإِنَّهُ وَإِنْ وَجَبَ عَلَيْهَا الْإِمْسَاكُ أَيْضًا لَمْ يَجِبْ الْقَضَاءُ لِعَدَمِ الْوُجُوبِ فِي حَقِّهِمَا أَوَّلَ الْجُزْءِ مِنْ الْيَوْمِ كَمَا بَيَّنَّاهُ وَكَذَا لَوْ تَسَحَّرَ وَهُوَ يَظُنُّ بَقَاءَ اللَّيْلِ فَبَانَ خِلَافُهُ أَوْ أَفْطَرَ ظَانًّا زَوَالَ الْيَوْمِ فَبَانَ خِلَافُهُ وَجَبَ الْإِمْسَاكُ قَضَاءً لِحَقِّ الْوَقْتِ بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ أَوْ نَفْيًا لِلتُّهْمَةِ وَوَجَبَ الْقَضَاءُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ مَضْمُونٌ بِالْمِثْلِ كَمَا فِي الْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ وَلَا كَفَّارَةَ فِي هَاتَيْنِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ قَاصِرَةٌ وَهِيَ جِنَايَةُ عَدَمِ التَّثْبِيتِ إلَى أَنْ يَسْتَيْقِنَ لَا جِنَايَةُ الْإِفْطَارِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ وَلِهَذَا صَرَّحُوا بِعَدَمِ الْإِثْمِ عَلَيْهِ كَمَا قَالُوا فِي الْقَتْلِ الْخَطَإِ لَا إثْمَ فِيهِ وَالْمُرَادُ إثْمُ الْقَتْلِ وَصَرَّحَ بِأَنَّ فِيهِ إثْمَ تَرْكِ الْعَزِيمَةِ وَالْمُبَالَغَةِ فِي التَّثْبِيتِ حَالَةَ الرَّمْيِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَرَادَ بِالظَّنِّ فِي قَوْلِهِ ظَنَّهُ لَيْلًا التَّرَدُّدَ فِي بَقَاءِ اللَّيْلِ وَعَدَمِهِ سَوَاءٌ تَرَجَّحَ عِنْدَهُ شَيْءٌ أَوْ لَا فَيَدْخُلُ الشَّكُّ فَإِنَّ الْحُكْمَ فِيهِ لَوْ ظَهَرَ طُلُوعُ الْفَجْرِ عَدَمُ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ كَمَا لَوْ ظَنَّ وَالْأَفْضَلُ لَهُ أَنْ يَتَسَحَّرَ مَعَ الشَّكِّ وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ وَالْفَجْرُ طَالِعٌ تَيَقُّنَ الطُّلُوعِ لِمَا فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ وَلَوْ شَكَّ فِي لَيْلَةٍ مُقْمِرَةٍ أَوْ مُتَغَيِّمَةٍ فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ يَدَعُ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «دَعْ مَا يَرِيبُك إلَى مَا لَا يَرِيبُك» وَلَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ أَكَلَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ مَا لَمْ يُخْبِرْهُ رَجُلٌ عَدْلٌ فِي أَشْهَرِ الرِّوَايَاتِ وَذَكَرَ الْبَقَّالِيُّ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ أَحْدَثَ فَلَا وُضُوءَ عَلَيْهِ. اهـ. وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ وَالْفَجْرُ طَالِعٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ظَنَّ أَوْ شَكَّ فَتَسَحَّرَ ثُمَّ لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ شَيْءٌ لَمْ يَفْسُدْ   [منحة الخالق] كَمَا فِي الْإِمْدَادِ وَمَشَى عَلَيْهِ مُصَحِّحًا لَهُ فِي نُورِ الْإِيضَاحِ. (قَوْلُهُ: أَرَادَ بِالظَّنِّ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَا يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِالظَّنِّ هُنَا مَا يَعُمُّ الشَّكَّ إذْ لَا يُلَائِمُ قَوْلَهُ بَعْدُ أَوْ أَفْطَرَ كَذَلِكَ وَالشَّمْسُ حَيَّةٌ كَمَا تَرَى فَالصَّوَابُ إبْقَاؤُهُ عَلَى بَابِهِ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِمَسْأَلَةِ الشَّكِّ (قَوْلُهُ: لِمَا فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا مُطَابَقَةَ بَيْنَ الدَّعْوَى وَالدَّلِيلِ إذْ خَبَرُ الْوَاحِدِ الْمُضَافُ إلَى غَالِبِ الظَّنِّ لَا يُوجِبُ الْيَقِينَ اهـ. وَفِيهِ بَحْثٌ فَإِنَّ كَلَامَ الظَّهِيرِيَّةِ يُفِيدُ أَنَّ غَلَبَةَ الظَّنِّ بِالطُّلُوعِ لَا تُوجِبُ الْقَضَاءَ وَلَيْسَ فَوْقَ غَلَبَةِ الظَّنِّ إلَّا الْيَقِينُ فَإِيجَابُ الْقَضَاءِ بِانْضِمَامِ خَبَرِ الْعَدْلِ إلَى غَلَبَةِ الظَّنِّ مُفِيدٌ لِإِفَادَةِ ذَلِكَ الْيَقِينِ وَمُفِيدٌ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْيَقِينِ مَا لَا يَحْتَمِلُ النَّقِيضَ أَصْلًا إذْ لَا يَحْصُلُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 313 صَوْمُهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ اللَّيْلِ فَلَا يَخْرُجُ بِالشَّكِّ وَقَوْلُهُ لَيْلًا لَيْسَ بِقَيْدٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ظَنَّ الطُّلُوعَ وَأَكَلَ مَعَ ذَلِكَ ثُمَّ تَبَيَّنَ صِحَّةُ ظَنِّهِ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَلَا كَفَّارَةَ؛ لِأَنَّهُ بَنَى الْأَمْرَ عَلَى الْأَصْلِ فَلَمْ تَكْمُلْ الْجِنَايَةُ فَلَوْ قَالَ ظَنَّهُ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا لَكَانَ أَوْلَى وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ؛ لِأَنَّ غَلَبَةَ الظَّنِّ تَعْمَلُ عَمَلَ الْيَقِينِ وَإِنْ أَكَلَ وَلَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ شَيْءٌ قِيلَ يَقْضِيهِ احْتِيَاطًا وَصَحَّحَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ نَاقِلًا عَنْ التُّحْفَةِ وَعَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ قِيلَ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَصَحَّحَهُ فِي الْإِيضَاحِ؛ لِأَنَّ الْيَقِينَ لَا يُزَالُ إلَّا بِمِثْلِهِ وَاللَّيْلُ أَصْلٌ ثَابِتٌ بِيَقِينٍ وَلِلْمُحَقِّقِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بَحْثٌ فِيهِ حَسَنٌ حَاصِلُهُ أَنَّ الْمُتَيَقِّنَ بِهِ دُخُولُ اللَّيْلِ فِي الْوُجُودِ وَأَمَّا الْحُكْمُ بِبَقَائِهِ فَهُوَ ظَنِّيٌّ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ بِالِاسْتِصْحَابِ وَالْأَمَارَةِ الَّتِي بِحَيْثُ تُوجِبُ عَدَمَ ظَنِّ بَقَاءِ اللَّيْلِ دَلِيلٌ ظَنِّيٌّ فَتَعَارَضَ دَلِيلَانِ ظَنِّيَّانِ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ وَعَدَمِهِ فَيَتَهَاتَرَانِ فَيُعْمَلُ بِالْأَصْلِ وَهُوَ اللَّيْلُ وَتَمَامُهُ فِيهِ وَأَرَادَ بِالظَّنِّ فِي قَوْلِهِ أَوْ أَفْطَرَ كَذَلِكَ غَلَبَةَ الظَّنِّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ شَاكًّا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى وَنَقَلَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ فِيهِ اخْتِلَافًا بَيْنَ الْمَشَايِخِ وَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ شَيْءٌ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَفِي التَّبْيِينِ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ رِوَايَتَانِ وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَكَلَ قَبْلَ الْغُرُوبِ وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِ ظَنَّ وُجُودَ الْمُبِيحِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ظَنَّ قِيَامَ الْمُحَرِّمِ كَأَنْ ظَنَّ أَنَّ الشَّمْسَ لَمْ تَغْرُبْ فَأَكَلَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ إذَا لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ شَيْءٌ أَوْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَكَلَ قَبْلَ الْغُرُوبِ وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَكَلَ بِاللَّيْلِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَفِي الْبَدَائِعِ مَا يُخَالِفُهُ وَلَفْظُهُ وَإِنْ كَانَ غَالِبُ رَأْيِهِ أَنَّهَا لَمْ تَغْرُبْ فَلَا شَكَّ فِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ تَجِبُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا تَجِبُ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ احْتِمَالَ الْغُرُوبِ قَائِمٌ فَكَانَتْ الشُّبْهَةُ ثَابِتَةً وَهَذِهِ الْكَفَّارَةُ لَا تَجِبُ مَعَ الشُّبْهَةِ فَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إمَّا أَنْ يَظُنَّ أَوْ يَشُكَّ فَإِنْ ظَنَّ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَظُنَّ وُجُودَ الْمُبِيحِ أَوْ قِيَامَ الْمُحَرِّمِ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ لَا يَتَبَيَّنَ لَهُ شَيْءٌ أَوْ يَتَبَيَّنَ صِحَّةُ مَا ظَنَّهُ أَوْ بُطْلَانَهُ وَكُلٌّ مِنْ الثَّلَاثَةِ إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي ابْتِدَاءِ الصَّوْمِ أَوْ انْتِهَائِهِ فَهِيَ سِتَّةٌ وَإِنْ شَكَّ أَيْضًا فَهِيَ اثْنَا عَشَرَ فِي وُجُودِ الْمُبِيحِ وَمِثْلُهَا فِي قِيَامِ الْمُحَرِّمِ فَهِيَ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ وَقَدْ عُلِمَ أَحْكَامُهَا مِنْ الْمَتْنِ مَنْطُوقًا وَمَفْهُومًا فَلْيُتَأَمَّلْ وَأَشَارَ إلَى أَنَّ التَّسَحُّرَ ثَابِتٌ وَاخْتُلِفَ فِيهِ فَقِيلَ مُسْتَحَبٌّ وَقِيلَ سُنَّةٌ وَاخْتَارَ الْأَوَّلَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالثَّانِيَ فِي الْبَدَائِعِ مُقْتَصِرًا كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَيْهِ وَدَلِيلُهُ حَدِيثُ الْجَمَاعَةِ إلَّا أَبَا دَاوُد «تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً» وَالسَّحُورُ مَا يُؤْكَلُ فِي السَّحَرِ وَهُوَ السُّدُسُ الْأَخِيرُ مِنْ اللَّيْلِ وَقَوْلُهُ فِي السَّحُورِ هُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ   [منحة الخالق] ذَلِكَ إلَّا بِالْمُشَاهَدَةِ لَا بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَلَا الْأَكْثَرِ إلَّا إذَا تَوَاتَرَ (قَوْلُهُ: وَقَوْلُهُ لَيْلًا لَيْسَ بِقَيْدٍ إلَخْ) اعْتَرَضَهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّهُ إنَّمَا قَيَّدَ بِاللَّيْلِ لِيُطَابِقَ قَوْلَهُ أَوْ تَسَحَّرَ إذْ لَا خَفَاءَ أَنَّ التَّسَحُّرَ أَكْلُ السَّحُورِ وَجَعْلُ تَسَحُّر بِمَعْنَى أَكَلَ تَكَلُّفٌ مُسْتَغْنًى عَنْهُ اهـ. لَكِنْ الظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَ الْمُؤَلِّفِ أَنَّ السَّحُورَ غَيْرُ قَيْدٍ عَلَى أَنَّهُ لَا تَكَلُّفَ فِي جَعْلِ التَّسَحُّرِ بِمَعْنَى الْأَكْلِ مُطْلَقًا هُنَا وَتَسْمِيَتُهُ تَسَحُّرًا بِاعْتِبَارِ ظَنِّهِ وَالْإِلْزَامُ أَنْ لَا يَصِحَّ التَّعْبِيرُ بِهِ هُنَا لِتَبَيُّنِ أَنَّهُ وَقَعَ نَهَارًا وَإِذَا ظَنَّهُ نَهَارًا فَيَصِحُّ تَسْمِيَتُهُ تَسَحُّرًا أَيْضًا بِاعْتِبَارِ احْتِمَالِ بَقَاءِ اللَّيْلِ، تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: دَلِيلٌ ظَنِّيٌّ) الْمُنَاسِبُ دَلِيلَانِ ظَنِّيَّانِ أَوْ التَّصْرِيحُ بِخَبَرِ الْأَوَّلِ بِأَنْ يَقُولَ: لِأَنَّ الْقَوْلَ بِالِاسْتِصْحَابِ دَلِيلٌ ظَنِّيٌّ (قَوْلُهُ: وَنَقَلَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ فِيهِ اخْتِلَافًا بَيْنَ الْمَشَايِخِ) أَقُولُ: مَا سَيَأْتِي عَنْ الْبَدَائِعِ مِنْ تَصْحِيحِ عَدَمِ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِيمَا إذَا كَانَ غَالِبُ رَأْيِهِ أَنَّهَا لَمْ تَغْرُبْ يَقْتَضِي تَصْحِيحَ عَدَمِ الْوُجُوبِ فِي الشَّكِّ بِالْأَوْلَى (قَوْلُهُ: فِي الْبَدَائِعِ مَا يُخَالِفُهُ إلَخْ) لَا يُقَالُ يُمْكِنُ دَفْعُ الْمُخَالَفَةِ بِحَمْلِ مَا فِي الْبَدَائِعِ عَلَى مَا إذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَكَلَ بِاللَّيْلِ (قَوْلُهُ: فَهِيَ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ) أَوْصَلَهَا فِي النَّهْرِ إلَى سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ بِجَعْلِهِ غَلَبَةَ الظَّنِّ قِسْمًا مَعَ الظَّنِّ وَالشَّكِّ فَكَانَتْ الْأَقْسَامُ الْخَارِجَةُ مِنْ التَّقْسِيمِ الْأَوَّلِ ثَلَاثَةً كُلَّ وَاحِدٍ بِاثْنَيْ عَشَرَ فَبَلَغَتْ مَا قَالَ وَاعْتَرَضَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ بِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ لِفَرْقِهِ بَيْنَهُمَا أَيْ الظَّنِّ وَغَلَبَتِهِ هُنَا؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَهُمَا فِي الْحُكْمِ كَمَا يَظْهَرُ لِمَنْ تَأَمَّلَ عِبَارَةَ الزَّيْلَعِيِّ وَغَيْرِهِ. نَعَمْ بَيْنَ مَفْهُومَيْهِمَا فَرْقٌ وَهُوَ أَنَّ مُجَرَّدَ تَرْجِيحِ أَحَدِ طَرَفَيْ الْحُكْمِ عِنْدَ الْعَقْلِ هُوَ أَصْلُ الظَّنِّ فَإِنْ زَادَ ذَلِكَ التَّرْجِيحُ حَتَّى قَرُبَ مِنْ الْيَقِينِ سُمِّيَ غَلَبَةَ الظَّنِّ وَأَكْبَرَ الرَّأْيِ فَلِذَا اقْتَصَرَ فِي الْبَحْرِ عَلَى الْأَرْبَعَةِ وَالْعِشْرِينَ وَيُرَادُ بِالظَّنِّ حِينَئِذٍ مَا يَشْمَلُ غَلَبَتَهُ وَيَرِدُ عَلَيْهِمَا جَعْلُ الشَّكِّ تَارَةً فِي وُجُودِ الْمُبِيحِ وَتَارَةً فِي قِيَامِ الْمُحَرِّمِ وَلَا وَجْهَ لَهُ؛ لِأَنَّ الظَّنَّ إنَّمَا صَحَّ تَعْلِيقُهُ بِالْمُبِيحِ تَارَةً وَبِالْمُحَرِّمِ أُخْرَى؛ لِأَنَّ لَهُ نِسْبَةً مَخْصُوصَةً إلَى أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ فَإِذَا تَعَلَّقَ الظَّنُّ بِوُجُودِ اللَّيْلِ لَا يَكُونُ مُتَعَلِّقًا بِوُجُودِ النَّهَارِ وَبِالْعَكْسِ وَأَمَّا الشَّكُّ فَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ ذَلِكَ لِعَدَمِ تَرْجِيحِ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ فِيهِ فَإِذَا شَكَّ فِي قِيَامِ زَيْدٍ كَانَ مَعْنَاهُ أَنَّ قِيَامَهُ وَعَدَمَهُ عَلَى السَّوَاءِ فَكَانَ مُتَعَلِّقًا بِكِلَا الطَّرَفَيْنِ فَيَكُونُ مَعْنَى شَكِّهِ فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ فِي وَقْتِ احْتِمَالِ وُجُودِ اللَّيْلِ وَوُجُودِ النَّهَارِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ عَلَى السَّوَاءِ، فَكَانَ الْحَقُّ فِي التَّقْسِيمِ أَنْ يُقَالَ إمَّا أَنْ يَظُنَّ وُجُودَ الْمُبِيحِ أَوْ وُجُودَ الْمُحَرِّمِ أَوْ يَشُكَّ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي ابْتِدَاءِ الصَّوْمِ أَوْ انْتِهَائِهِ وَفِي كُلٍّ مِنْ السِّتِّ إمَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ وُجُودَ الْمُبِيحِ أَوْ وُجُودَ الْمُحَرِّمِ أَوْ لَا يَتَبَيَّنَ فَهِيَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ تِسْعَةٌ فِي ابْتِدَاءِ الصَّوْمِ وَتِسْعَةٌ فِي انْتِهَائِهِ وَيَشْهَدُ لِمَا قُلْنَا صَنِيعُ الْعَلَّامَةِ الزَّيْلَعِيِّ بِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ إلَّا ثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَذَكَرَ أَحْكَامَهَا اهـ. وَهُوَ كَلَامٌ حَسَنٌ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 314 تَقْدِيرُهُ فِي أَكْلِ السَّحُورِ بَرَكَةً بِنَاءً عَلَى ضَبْطِهِ بِضَمِّ السِّينِ جَمْعُ سَحَرٍ فَأَمَّا عَلَى فَتْحِهَا وَهُوَ الْأَعْرَفُ فِي الرِّوَايَةِ فَهُوَ اسْمٌ لِلْمَأْكُولِ فِي السَّحَرِ كَالْوَضُوءِ بِالْفَتْحِ مَا يُتَوَضَّأُ بِهِ، وَقِيلَ: يَتَعَيَّنُ الضَّمُّ؛ لِأَنَّ الْبَرَكَةَ وَنَيْلَ الثَّوَابِ إنَّمَا يَحْصُلُ بِالْفِعْلِ لَا بِنَفْسِ الْمَأْكُولِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَمَحَلُّ الِاسْتِحْبَابِ مَا إذَا يَتَيَقَّنُ بَقَاءَ اللَّيْلِ أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَمَّا إذَا شَكَّ فَالْأَفْضَلُ أَنْ لَا يَتَسَحَّرَ تَحَرُّزًا عَنْ الْمُحَرَّمِ وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَلَوْ أَكَلَ فَصَوْمُهُ تَامٌّ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ اللَّيْلُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ وَإِذَا تَسَحَّرَ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ الْفَجْرَ طَالِعٌ أَثِمَ وَقَضَى. اهـ. وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ يَتَنَاوَلُ مَا إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ بَقَاؤُهُ فَتَسَحَّرَ ثُمَّ تَبَيَّنَ خِلَافُهُ فَإِنَّهُ يَأْثَمُ، وَفِي الْبَدَائِعِ وَهَلْ يُكْرَهُ الْأَكْلُ مَعَ الشَّكِّ رَوَى هِشَامٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُكْرَهُ وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ وَالصَّحِيحُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَعَنْ الْهِنْدُوَانِيُّ أَنَّهُ إذَا ظَهَرَ عَلَامَاتُ الطُّلُوعِ مِنْ ضَرْبِ الدَّبَادِبِ وَالْأَذَانِ يُكْرَهُ وَإِلَّا فَلَا وَلَا تَعْوِيلَ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَتَقَدَّمُ وَيَتَأَخَّرُ. اهـ. وَالسُّنَّةُ فِي السَّحُورِ التَّأْخِيرُ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الِاسْتِعَانَةِ فِيهِ أَبْلَغُ وَكَذَا تَعْجِيلُ الْفِطْرِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَالتَّعْجِيلُ الْمُسْتَحَبُّ التَّعْجِيلُ قَبْلَ اشْتِبَاكِ النُّجُومِ ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَلَمْ أَرَ صَرِيحًا فِي كَلَامِهِمْ أَنَّ الْمَاءَ وَحْدَهُ يَكُونُ مُحَصِّلًا لِسُنَّةِ السَّحُورِ وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ يُفِيدُهُ وَهُوَ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مُسْنَدًا «السَّحُورُ كُلُّهُ بَرَكَةٌ فَلَا تَدَعُوهُ وَلَوْ أَنْ يَجْرَعَ أَحَدُكُمْ جَرْعَةً مِنْ مَاءٍ فَإِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الْمُتَسَحِّرِينَ» وَالْبَرَكَةُ فِي الْحَدِيثِ لُغَةً الزِّيَادَةُ وَالنَّمَاءُ وَالزِّيَادَةُ فِيهِ عَلَى وُجُوهٍ: زِيَادَةٌ فِي الْقُوَّةِ عَلَى أَدَاءِ الصَّوْمِ وَزِيَادَةٌ فِي إبَاحَةِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَزِيَادَةٌ عَلَى الْأَوْقَاتِ الَّتِي يُسْتَجَابُ فِيهَا الدُّعَاءُ كَذَا ذَكَرَهُ الْكَلَابَاذِيُّ وَبَيَّنَهَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَيُسْتَحَبُّ تَعْجِيلُ الْإِفْطَارِ إلَّا فِي يَوْمِ غَيْمٍ وَلَا يُفْطِرُ مَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ غُرُوبُ الشَّمْسِ وَإِنْ أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ. اهـ. وَذَكَرَ قَبْلَهُ شَهِدَا أَنَّهَا غَرَبَتْ وَآخَرَانِ بِأَنَّهَا لَمْ تَغْرُبْ وَأَفْطَرَ ثُمَّ بَانَ عَدَمُ الْغُرُوبِ قَضَى وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ بِالِاتِّفَاقِ شَهِدَا عَلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ وَآخَرَانِ عَلَى عَدَمِ الطُّلُوعِ فَأَكَلَ ثُمَّ بَانَ الطُّلُوعُ قَضَى وَكَفَّرَ وِفَاقًا؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَاتِ لِلْإِثْبَاتِ لَا لِلنَّفْيِ حَتَّى قِيلَ شَهَادَةُ الْمُثْبِتِ لَا النَّافِي وَلَوْ وَاحِدٌ عَلَى طُلُوعِهِ وَآخَرَانِ عَلَى عَدَمِهِ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ دَخَلُوا عَلَيْهِ وَهُوَ يَتَسَحَّرُ فَقَالُوا: إنَّهُ طَالِعٌ فَصَدَّقَهُمْ فَقَالَ إذَنْ أَنَا مُفْطِرٌ لَا صَائِمٌ ثُمَّ دَامَ عَلَى الْأَكْلِ ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ مَا كَانَ طَالِعًا فِي أَوَّلِ الْأَكْلِ وَطَالِعًا وَقْتَ الْأَكْلِ الثَّانِي قَالَ النَّسَفِيُّ الْحَاكِمُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ نِيَّةِ الصَّوْمِ وَإِنْ كَانَ الْمُخْبِرُ وَاحِدًا عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ عَدْلًا أَوْ لَا فِي مِثْلِ هَذَا لَا يُقْبَلُ. اهـ. وَإِنَّمَا لَمْ تَجِبْ الْكَفَّارَةُ بِإِفْطَارِهِ عَمْدًا بَعْدَ أَكْلِهِ أَوْ شُرْبِهِ أَوْ جِمَاعِهِ نَاسِيًا؛ لِأَنَّهُ ظَنٌّ فِي مَوْضِعِ الِاشْتِبَاهِ بِالنَّظِيرِ وَهُوَ الْأَكْلُ عَمْدًا؛ لِأَنَّ الْأَكْلَ مُضَادٌّ لِلصَّوْمِ سَاهِيًا أَوْ عَامِدًا فَأَوْرَثَ شُبْهَةً وَكَذَا فِيهِ شُبْهَةُ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فَإِنَّ مَالِكًا يَقُولُ بِفَسَادِ صَوْمِ مَنْ أَكَلَ نَاسِيًا وَأَطْلَقَهُ؛ لِأَنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِي قَبُولِ الْحَدِيثِ فَإِنَّ فُقَهَاءَ الْمَدِينَةِ كَمَالِكٍ وَغَيْرِهِ لَمْ يَقْبَلُوهُ فَصَارَ شُبْهَةً؛ لِأَنَّ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ إذَا كَانَ مُوَافِقًا لِلْقِيَاسِ يَكُونُ شُبْهَةً كَقَوْلِ الصَّحَابِيِّ وَكَذَا لَوْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ فَظَنَّ أَنَّهُ يُفَطِّرُهُ فَأَفْطَرَ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِوُجُودِ شُبْهَةِ الِاشْتِبَاهِ بِالنَّظِيرِ فَإِنَّ الْقَيْءَ وَالِاسْتِقَاءَ مُتَشَابِهَانِ؛ لِأَنَّ مَخْرَجَهُمَا مِنْ الْفَمِ وَكَذَا لَوْ احْتَلَمَ لِلتَّشَابُهِ فِي قَضَاءِ الشَّهْوَةِ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُفَطِّرُهُ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تُوجَدْ شُبْهَةُ الِاشْتِبَاهِ وَلَا شُبْهَةُ الِاخْتِلَافِ وَقَيَّدَ بِالنِّسْيَانِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ احْتَجَمَ أَوْ اغْتَابَ فَظَنَّ أَنَّهُ يُفَطِّرُهُ ثُمَّ أَكَلَ إنْ لَمْ يَسْتَفْتِ فَقِيهًا وَلَا بَلَغَهُ الْخَبَرُ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ جَهْلٍ وَأَنَّهُ لَيْسَ بِعُذْرٍ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَإِنْ اسْتَفْتَى فَقِيهًا لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْعَامِّيَّ يَجِبُ عَلَيْهِ تَقْلِيدُ الْعَالِمِ إذَا كَانَ يَعْتَمِدُ عَلَى فَتْوَاهُ فَكَانَ مَعْذُورًا فِيمَا صَنَعَ وَإِنْ كَانَ الْمُفْتِي مُخْطِئًا فِيمَا أَفْتَى وَإِنْ لَمْ يَسْتَفْتِ وَلَكِنْ بَلَغَهُ الْخَبَرُ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -.   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 315 «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ» وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْغِيبَةُ تُفْطِرُ الصَّائِمَ» وَلَمْ يَعْرِفْ النَّسْخَ وَلَا تَأْوِيلَهُ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ وَاجِبُ الْعَمَلِ بِهِ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْعَامِّيِّ الْعَمَلُ بِالْحَدِيثِ لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِالنَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ وَلَوْ لَمَسَ امْرَأَةً أَوْ قَبَّلَهَا بِشَهْوَةٍ أَوْ اكْتَحَلَ فَظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ يُفَطِّرُهُ ثُمَّ أَفْطَرَ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ إلَّا إذَا اسْتَفْتَى فَقِيهًا فَأَفْتَاهُ بِالْفِطْرِ أَوْ بَلَغَهُ خَبَرٌ فِيهِ وَلَوْ نَوَى الصَّوْمَ قَبْلَ الزَّوَالِ ثُمَّ أَفْطَرَ لَمْ تَلْزَمْهُ الْكَفَّارَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَقَدْ عُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ مَذْهَبَ الْعَامِّيِّ فَتْوَى مُفْتِيهِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِمَذْهَبٍ وَلِهَذَا قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الْحُكْمُ فِي حَقِّ الْعَامِّيِّ فَتْوَى مُفْتِيهِ وَفِي الْبَدَائِعِ وَلَوْ دَهَنَ شَارِبَهُ فَظَنَّ أَنَّهُ أَفْطَرَ فَأَكَلَ عَمْدًا فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَإِنْ اسْتَفْتَى فَقِيهًا أَوْ تَأَوَّلَ حَدِيثًا؛ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا لَا يُشْتَبَهُ وَكَذَا لَوْ اغْتَابَ. اهـ. وَفِي التَّبْيِينِ أَنَّ عَلَيْهِ عَامَّةَ الْمَشَايِخِ وَهُوَ فِي الْغِيبَةِ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْمُحِيطِ وَالظَّاهِرُ تَرْجِيحُ مَا فِي الْمُحِيطِ لِلشُّبْهَةِ وَفِي النِّهَايَةِ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمُفْتِي مِمَّنْ يُؤْخَذُ مِنْهُ الْفِقْهُ وَيُعْتَمَدُ عَلَى فَتْوَاهُ فِي الْبَلْدَةِ وَحِينَئِذٍ تَصِيرُ فَتْوَاهُ شُبْهَةً وَلَا مُعْتَبَرَ بِغَيْرِهِ وَأَمَّا النَّائِمَةُ أَوْ الْمَجْنُونَةُ إذَا أَكَلَتَا بَعْدَمَا جُومِعَتَا فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ حَصَلَ بِالْجِمَاعِ قَبْلَ الْأَكْلِ كَالْمُخْطِئِ وَلَا كَفَّارَةَ لِعَدَمِ الْجِنَايَةِ فَالْأَكْلُ بَعْدَهُ لَيْسَ بِإِفْسَادٍ وَصُورَتُهَا فِي النَّائِمَةِ ظَاهِرٌ وَفِي الْمَجْنُونَةِ بِأَنْ نَوَتْ الصَّوْمَ ثُمَّ جُنَّتْ بِالنَّهَارِ وَهِيَ صَائِمَةٌ فَجَامَعَهَا إنْسَانٌ فَإِنَّ الْجُنُونَ لَا يُنَافِي الصَّوْمَ إنَّمَا يُنَافِي شَرْطَهُ أَعْنِي النِّيَّةَ وَقَدْ وَجَبَ فِي حَالِ الْإِفَاقَةِ فَلَا يَجِبُ قَضَاءُ ذَلِكَ الْيَوْمِ إذَا أَفَاقَتْ فَإِذَا جُومِعَتْ قَضَتْهُ لِطُرُّوِّ الْمُفْسِدِ عَلَى صَوْمٍ صَحِيحٍ وَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا قِيلَ إنَّهَا كَانَتْ فِي الْأَصْلِ الْمَجْبُورَةَ أَيْ الْمُكْرَهَةَ فَصَحَّفَهَا الْكَاتِبُ إلَى الْمَجْنُونَةِ لِإِمْكَانِ تَوْجِيهِهَا كَمَا ذَكَرْنَاهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) عُقِدَ لِبَيَانِ مَا يُوجِبُهُ الْعَبْدُ عَلَى نَفْسِهِ بَعْدَمَا ذَكَرَ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَمَنْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ النَّحْرِ أَفْطَرَ وَقَضَى) ؛ لِأَنَّهُ نَذْرٌ بِصَوْمٍ مَشْرُوعٍ وَالنَّهْيُ لِغَيْرِهِ وَهُوَ تَرْكُ إجَابَةِ دَعْوَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَيَصِحُّ نَذْرُهُ لَكِنْ يُفْطِرُ احْتِرَازًا عَنْ الْمَعْصِيَةِ الْمُجَاوِرَةِ ثُمَّ يَقْضِي إسْقَاطًا لِلْوَاجِبِ وَإِنْ صَامَ فِيهِ يَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ؛ لِأَنَّهُ أَدَّاهُ كَمَا الْتَزَمَ. أَشَارَ بِصَوْمِ يَوْمِ النَّحْرِ إلَى كُلِّ صَوْمٍ كُرِهَ تَحْرِيمًا وَبِالصَّوْمِ إلَى الِاعْتِكَافِ فَلَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ يَوْمِ النَّحْرِ صَحَّ وَلَزِمَهُ الْفِطْرُ وَالْقَضَاءُ فَإِنْ اعْتَكَفَ فِيهِ بِالصَّوْمِ صَحَّ كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ أَفْطَرَ عَلَى وَجْهِ الْوُجُوبِ خُرُوجًا عَنْ الْمَعْصِيَةِ وَقَوْلُهُ فِي النِّهَايَةِ الْأَفْضَلُ الْفِطْرُ تَسَاهُلٌ أَطْلَقَ فَشَمِلَ مَا إذَا قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ غَدٍ فَوَافَقَ يَوْمَ النَّحْرِ أَوْ صَرَّحَ فَقَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ يَوْمِ النَّحْرِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُصَرِّحَ بِذِكْرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ أَوْ لَا فِي الْكَشْفِ وَغَيْرِهِ وَاعْلَمْ بِأَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ شَرْطَ لُزُومِ النَّذْرِ ثَلَاثَةٌ كَوْنُ الْمَنْذُورِ لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ وَكَوْنُهُ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبٌ وَكَوْنُ الْوَاجِبِ مَقْصُودًا لِنَفْسِهِ قَالُوا فَخَرَجَ بِالْأَوَّلِ النَّذْرُ بِالْمَعْصِيَةِ وَالثَّانِي نَحْوُ عِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَالثَّالِثِ مَا كَانَ مَقْصُودًا لِغَيْرِهِ حَتَّى لَوْ نَذَرَ الْوُضُوءَ لِكُلِّ صَلَاةٍ لَمْ يَلْزَمْ وَكَذَا لَوْ نَذَرَ سَجْدَةَ التِّلَاوَةِ وَفِي الْوَاقِعَاتِ وَلَوْ نَذَرَ تَكْفِينَ مَيِّتٍ لَمْ يَلْزَمْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ مَقْصُودَةٍ كَالْوُضُوءِ مَعَ تَصْرِيحِهِمْ هُنَا بِصِحَّةِ النَّذْرِ بِيَوْمِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَفِي التَّبْيِينِ أَنَّ عَلَيْهِ عَامَّةَ الْمَشَايِخِ) وَفِي الْخَانِيَّةِ قَالَ بَعْضُهُمْ: هَذَا وَفَصْلُ الْحِجَامَةِ سَوَاءٌ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا. وَعَامَّةُ الْعُلَمَاءِ قَالُوا: عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ عَلَى كُلِّ حَالٍ اعْتَمَدَ حَدِيثًا أَوْ فَتْوًى؛ لِأَنَّ الْعُلَمَاءَ أَجْمَعُوا عَلَى تَرْكِ الْعَمَلِ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ. وَقَالُوا: أَرَادَ بِهِ ذَهَابَ الْآخَرِ وَلَيْسَ فِي هَذَا قَوْلٌ مُعْتَبَرٌ فَهَذَا ظَنٌّ مَا اسْتَنَدَ إلَى دَلِيلٍ؛ فَلَا يُورِثُ شُبْهَةً اهـ. وَمَا رَجَّحَهُ الْمُؤَلِّفُ مَشَى عَلَيْهِ فِي الْمُلْتَقَى (قَوْلُهُ: وَهُوَ فِي الْغَيْبَةِ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْمُحِيطِ) وَكَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي الِادِّهَانِ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ حَيْثُ قَالَ وَكَذَا الَّذِي اكْتَحَلَ أَوْ ادَّهَنَ نَفْسَهُ أَوْ شَارِبَهُ ثُمَّ أَكَلَ مُتَعَمِّدًا عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ إلَّا إذَا كَانَ جَاهِلًا فَاسْتَفْتَى فَأُفْتِيَ لَهُ بِالْفِطْرِ فَحِينَئِذٍ لَا يَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ اهـ. وَعَلَيْهِ مَشَى فِي الْإِمْدَادِ مُسْتَدْرِكًا عَلَى مَا فِي الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ: وَفِي الْمَجْنُونَةِ بِأَنْ نَوَتْ إلَخْ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ تَبَعًا لِلنِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا قَدْ تَكَلَّمُوا فِي صِحَّةِ صَوْمِهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تُجَامِعُ الْجُنُونَ وَحُكِيَ عَنْ ابْنِ سُلَيْمَانَ الْجُرْجَانِيِّ قَالَ لَمَّا قَرَأْت عَلَى مُحَمَّدٍ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ قُلْت لَهُ كَيْفَ تَكُونُ صَائِمَةً وَهِيَ مَجْنُونَةٌ فَقَالَ دَعْ هَذَا فَإِنَّهُ انْتَشَرَ فِي الْأُفُقِ فَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ كَأَنَّهُ كَتَبَ فِي الْأَصْلِ مَجْبُورَةً وَظَنَّ الْكَاتِبُ مَجْنُونَةً وَلِهَذَا قَالَ دَعْ فَإِنَّهُ انْتَشَرَ فِي الْأُفُقِ وَأَكْثَرُهُمْ قَالُوا: تَأْوِيلُهُ أَنَّهَا كَانَتْ عَاقِلَةً بَالِغَةً فِي أَوَّلِ النَّهَارِ ثُمَّ جُنَّتْ فَجَامَعَهَا زَوْجُهَا ثُمَّ أَفَاقَتْ وَعَلِمَتْ بِمَا فَعَلَ الزَّوْجُ اهـ. قَالَ فِي النَّهْرِ وَهَذَا يَقْتَضِي عَدَمَ تَصْحِيفِهَا وَجَزَمَ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّهَا مُصَحَّفَةٌ مِنْ الْكَاتِبِ مُسْتَنِدًا لِمَا مَرَّ. قَالَ: وَتَرَكَهَا مُحَمَّدٌ بَعْدَ التَّصْحِيفِ لِإِمْكَانِ تَوْجِيهِهَا اهـ. وَهَذَا يُفِيدُ رَفْعَ الْخِلَافِ السَّابِقِ إذْ لَا تَنَافِيَ بَيْنَ تَصْحِيفِهَا وَتَأْوِيلِهَا وَبِهِ انْدَفَعَ دَفْعُ الْمُؤَلِّفِ لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ مَا عَنْ أَبِي سُلَيْمَانَ لَيْسَ نَصًّا فِي أَنَّ الْكَاتِبَ صَحَّفَهَا بَلْ وَقَعَتْ عَنْ مُحَمَّدٍ كَذَلِكَ غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يُصْلِحْهَا لِانْتِشَارِهَا وَإِمْكَانِ تَأْوِيلِهَا وَأَيْضًا اسْتِعْمَالُهُ مَجْبُورَةً بِمَعْنَى مُجْبَرٍ ضَعِيفٌ. [فَصْلٌ مَا يُوجِبُهُ الْعَبْدُ عَلَى نَفْسِهِ] (فَصْلٌ فِي النَّذْرِ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 316 النَّحْرِ وَلُزُومِهِ فَعُلِمَ أَنَّهُمْ أَرَادُوا بِاشْتِرَاطِ كَوْنِهِ لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ كَوْنَ الْمَعْصِيَةِ بِاعْتِبَارِ نَفْسِهِ حَتَّى لَا يَنْفَكَّ شَيْءٌ مِنْ أَفْرَادِ الْجِنْسِ عَنْهَا وَحِينَئِذٍ لَا يَلْزَمُ لَكِنَّهُ يَنْعَقِدُ لِلْكَفَّارَةِ حَيْثُ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْفِعْلُ وَلِهَذَا قَالُوا لَوْ أَضَافَ النَّذْرَ إلَى سَائِرِ الْمَعَاصِي كَقَوْلِهِ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَقْتُلَ فُلَانًا كَانَ يَمِينًا وَلَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ بِالْحِنْثِ فَلَوْ فَعَلَ نَفْسَ الْمَنْذُورِ عَصَى وَانْحَلَّ النَّذْرُ كَالْحَلِفِ بِالْمَعْصِيَةِ يَنْعَقِدُ لِلْكَفَّارَةِ فَلَوْ فَعَلَ الْمَعْصِيَةَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهَا سَقَطَتْ وَأَثِمَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ نَذْرًا بِطَاعَةٍ كَالْحَجِّ وَالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ فَإِنَّ الْيَمِينَ لَا تَلْزَمُ بِنَفْسِ النَّذْرِ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَهُوَ الظَّاهِرُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَبِهِ يُفْتَى وَصَرَّحَ فِي النِّهَايَةِ بِأَنَّ النَّذْرَ لَا يَصِحُّ إلَّا بِشُرُوطٍ ثَلَاثَةٍ فِي الْأَصْلِ إلَّا إذَا قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى خِلَافِهِ إحْدَاهَا أَنْ يَكُونَ الْوَاجِبُ مِنْ جِنْسِهِ شَرْعًا وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ مَقْصُودًا لَا وَسِيلَةً وَالثَّالِثُ أَنْ لَا يَكُونَ وَاجِبًا عَلَيْهِ فِي الْحَالِ أَوْ فِي ثَانِي الْحَالِ فَلِذَا لَا يَصِحُّ النَّذْرُ بِصَلَاةِ الظُّهْرِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْمَفْرُوضَاتِ لِانْعِدَامِ الشَّرْطِ الثَّالِثِ. اهـ. فَعَلَى هَذَا فَالشَّرَائِطُ أَرْبَعَةٌ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ النَّذْرَ بِصَلَاةِ الظُّهْرِ وَنَحْوِهَا خَرَجَ بِالشَّرْطِ الْأَوَّلِ إذْ قَوْلُهُمْ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبٌ يُفِيدُ أَنَّ الْمَنْذُورَ غَيْرَ الْوَاجِبِ مِنْ جِنْسِهِ وَهَاهُنَا عَيْنُهُ وَلَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ رَابِعٍ وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ مُسْتَحِيلَ الْكَوْنِ فَلَوْ نَذَرَ صَوْمَ أَمْسِ أَوْ اعْتِكَافَ شَهْرٍ مَضَى لَمْ يَصِحَّ نَذْرُهُ كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ إلَّا إذَا قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى خِلَافِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى الْوُجُوبِ مِنْ غَيْرِ الشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ يَجِبُ كَالنَّذْرِ بِالْحَجِّ مَاشِيًا وَالِاعْتِكَافِ وَإِعْتَاقِ الرَّقَبَةِ مَعَ أَنَّ الْحَجَّ بِصِفَةِ الْمَشْيِ غَيْرُ وَاجِبٍ وَكَذَا الِاعْتِكَافُ وَكَذَا نَفْسُ الْإِعْتَاقِ مِنْ غَيْرِ مُبَاشَرَةِ سَبَبٍ مُوجِبٍ لِلْإِعْتَاقِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ النَّذْرَ بِالْحَجِّ مَاشِيًا مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبٌ؛ لِأَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ وَمَنْ حَوْلَهَا لَا يُشْتَرَطُ فِي حَقِّهِمْ الرَّاحِلَةُ بَلْ يَجِبُ الْمَشْيُ عَلَى كُلِّ مَنْ قَدَرَ مِنْهُمْ عَلَى الْمَشْيِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّبْيِينِ فِي آخِرِ الْحَجِّ وَأَمَّا الِاعْتِكَافُ وَهُوَ اللُّبْثُ فِي مَكَان مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبٌ وَهُوَ الْقَعْدَةُ الْأَخِيرَةُ فِي الصَّلَاةِ وَأَمَّا الْإِعْتَاقُ فَلَا شَكَّ أَنَّ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبًا وَهُوَ الْإِعْتَاقُ فِي الْكَفَّارَةِ وَأَمَّا كَوْنُهُ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ فَلَيْسَ بِمُرَادٍ (قَوْلُهُ: وَإِنْ نَوَى يَمِينًا كَفَّرَ أَيْضًا) أَيْ مَعَ الْقَضَاءِ تَجِبُ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ إذَا أَفْطَرَ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وُجُوهٍ سِتَّةٍ إنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا أَوْ نَوَى النَّذْرَ لَا غَيْرُ أَوْ نَوَى النَّذْرَ وَنَوَى أَنْ لَا يَكُونَ يَمِينًا يَكُونُ نَذْرًا؛ لِأَنَّهُ نَذْرٌ بِصِيغَتِهِ كَيْفَ وَقَدْ قَرَّرَهُ بِعَزِيمَتِهِ وَإِنْ نَوَى الْيَمِينَ وَنَوَى أَنْ لَا يَكُونَ نَذْرًا يَكُونُ يَمِينًا؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ مُحْتَمَلُ كَلَامِهِ وَقَدْ عَيَّنَهُ وَنَفَى غَيْرَهُ وَإِنْ نَوَاهُمَا يَكُونُ نَذْرًا وَيَمِينًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَكُونُ نَذْرًا وَلَوْ نَوَى الْيَمِينَ فَكَذَلِكَ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَكُونُ يَمِينًا. لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ النَّذْرَ فِيهِ حَقِيقَةٌ وَالْيَمِينَ مَجَازٌ حَتَّى لَا يَتَوَقَّفَ الْأَوَّلُ عَلَى النِّيَّةِ وَيَتَوَقَّفَ الثَّانِي؛ فَلَا يَنْتَظِمُهُمَا لَفْظٌ وَاحِدٌ، ثُمَّ الْمَجَازُ يَتَعَيَّنُ بِنِيَّتِهِ وَعِنْدَ نِيَّتِهِمَا تَتَرَجَّحُ الْحَقِيقَةُ. وَلَهُمَا أَنَّهُ لَا تَنَافِيَ بَيْنَ الْجِهَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا يَقْضِيَانِ الْوُجُوبَ إلَّا أَنَّ النَّذْرَ يَقْتَضِيهِ لِعَيْنِهِ وَالْيَمِينَ لِغَيْرِهِ فَجَمَعْنَا بَيْنَهُمَا عَمَلًا بِالدَّلِيلَيْنِ كَمَا جَمَعْنَا بَيْنَ جِهَتَيْ التَّبَرُّعِ وَالْمُعَاوَضَةِ فِي الْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَتَعَقَّبَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِلُزُومِ التَّنَافِي مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى وَهُوَ أَنَّ الْوُجُوبَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ الْيَمِينُ وُجُوبٌ يَلْزَمُ بِتَرْكِ مُتَعَلَّقِهِ الْكَفَّارَةُ وَالْوُجُوبُ الَّذِي هُوَ مُوجَبُ النَّذْرِ لَيْسَ يَلْزَمُ بِتَرْكِ مُتَعَلَّقِهِ ذَلِكَ، وَتَنَافِي اللَّوَازِمِ أَقَلُّ مَا يَقْتَضِي التَّغَايُرَ فَلَا بُدَّ أَنْ لَا يُرَادَ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ وَاخْتَارَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي الْجَوَابِ أَنَّهُ أُرِيدَ بِلَفْظِ الْيَمِينِ لِلَّهِ وَأُرِيدَ النَّذْرُ بِعَلَيَّ أَنْ أَصُومَ كَذَا وَجَوَابُ الْقَسَمِ حِينَئِذٍ مَحْذُوفٌ مَدْلُولٌ عَلَيْهِ بِذِكْرِ الْمَنْذُورِ أَيْ كَأَنَّهُ قَالَ لِلَّهِ لَأَصُومَنَّ وَعَلَيَّ أَنْ أَصُومَ وَعَلَى هَذَا لَا يُرَادَانِ بِنَحْوِ عَلَيَّ أَنْ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْقَعْدَةُ الْأَخِيرَةُ فِي الصَّلَاةِ) قَالَ فِي الْمِعْرَاجِ فِي بَابِ الِاعْتِكَافِ قُلْنَا بَلْ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَهُوَ اللُّبْثُ بِعَرَفَةَ يَوْمَ عَرَفَةَ وَهُوَ الْوُقُوفُ أَوْ النَّذْرُ بِالْمَشْيِ إنَّمَا يَصِحُّ إذَا كَانَ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبٌ لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ مُشْتَمِلٌ عَلَى الْوَاجِبِ وَهَذَا كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الِاعْتِكَافَ يَشْتَمِلُ عَلَى الصَّوْمِ وَمِنْ جِنْسِ الصَّوْمِ وَاجِبٌ فَيَكُونُ النَّذْرُ بِهِ مُشْتَمِلًا عَلَى اللُّبْثِ وَالصَّوْمِ وَمِنْ جِنْسِ الصَّوْمِ وَاجِبٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ جِنْسِ اللُّبْثِ وَاجِبٌ فَيَصِحُّ النَّذْرُ ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ جَامِعِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ النَّذْرُ بِالِاعْتِكَافِ صَحِيحٌ وَإِنْ كَانَ لَيْسَ لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ جِنْسِهِ إيجَابٌ؛ لِأَنَّ الِاعْتِكَافَ إنَّمَا شُرِعَ لِدَوَامِ الصَّلَاةِ؛ وَلِذَلِكَ صَارَ قُرْبَةً فَصَارَ الْتِزَامُهُ بِمَنْزِلَةِ الصَّلَاةِ وَالصَّلَاةُ عِبَادَةٌ مَقْصُودَةٌ. (قَوْلُهُ: وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ) أَيْ مَسْأَلَةُ النَّذْرِ سَوَاءٌ كَانَتْ بِصِيغَةِ صَوْمِ يَوْمِ النَّحْرِ أَوْ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ: وَقَدْ عَيَّنَهُ إلَخْ) أَيْ فَيَجِبُ بِالْفِطْرِ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ لَا الْقَضَاءُ لِعَدَمِ الْتِزَامِهِ وَالْكَفَّارَةُ مُوجِبُ الْحِنْثِ فِي هَذَا الْمَقَامِ (قَوْلُهُ: نَذْرًا وَيَمِينًا إلَخْ) أَيْ فَيَجِبُ الْقَضَاءُ تَحْصِيلًا لِمَا وَجَبَ بِالِالْتِزَامِ وَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ إنْ أَفْطَرَ لِلْحِنْثِ بِتَرْكِ الصِّيَامِ اهـ. دُرٌّ مُنْتَقًى (قَوْلُهُ: إنَّهُ أُرِيدَ بِلَفْظِ الْيَمِينِ لِلَّهِ) فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ وَالْأَصْلُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ أُرِيدَ الْيَمِينُ بِلَفْظِ لِلَّهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 317 أَصُومَ وَتَمَامُهُ فِي تَحْرِيرِ الْأُصُولِ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي كَافِيهِ بِأَنَّهُمَا لَمَّا اشْتَرَكَا فِي نَفْسِ الْإِيجَابِ فَإِذَا نَوَى الْيَمِينَ يُرَادُ بِهِمَا الْإِيجَابُ فَيَكُونُ عَمَلًا بِعُمُومِ مَجَازٍ لَا جَمْعًا بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ وَذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوِيهِ لَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ كُلَّ خَمِيسٍ فَأَفْطَرَ خَمِيسًا كَفَّرَ عَنْ يَمِينِهِ إنْ أَرَادَ يَمِينًا ثُمَّ إذَا أَفْطَرَ خَمِيسًا آخَرَ لَمْ يُكَفِّرْ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ وَاحِدَةٌ فَإِذَا حَنِثَ فِيهَا مَرَّةً لَمْ يَحْنَثْ مَرَّةً أُخْرَى اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ نَذَرَ صَوْمَ هَذِهِ السَّنَةِ أَفْطَرَ أَيَّامًا مَنْهِيَّةً وَهِيَ يَوْمَا الْعِيدِ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ وَقَضَاهَا) ؛ لِأَنَّ النَّذْرَ بِالسَّنَةِ الْمُعَيَّنَةِ نَذْرٌ بِهَذِهِ الْأَيَّامِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَخْلُو عَنْهَا وَالنَّذْرُ بِالْأَيَّامِ الْمَنْهِيَّةِ صَحِيحٌ مَعَ الْحُرْمَةِ عِنْدَنَا فَكَانَ قَوْلُهُ أَفْطَرَ لِلْإِيجَابِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَبِهِ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ فِي كَافِيهِ وَقَدْ وَقَعَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ بِالْأَوْلَوِيَّةِ فِي التَّسَاهُلِ أَيْضًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَرَتَّبَ قَضَاءَهَا عَلَى إفْطَارِهِ فِيهَا لِيُفِيدَ أَنَّهُ لَوْ صَامَهَا لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَدَّاهُ كَمَا الْتَزَمَهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ لَوْ نَذَرَتْ صَوْمَ هَذِهِ السَّنَةِ فَإِنَّهَا تَقْضِي مَعَ هَذِهِ الْأَيَّامِ أَيَّامَ حَيْضِهَا؛ لِأَنَّ السَّنَةَ قَدْ تَخْلُو عَنْ الْحَيْضِ فَصَحَّ الْإِيجَابُ وَإِلَى أَنَّهَا لَوْ نَذَرَتْ صَوْمَ الْغَدِ فَوَافَقَ حَيْضَهَا فَإِنَّهَا تَقْضِيهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَتْ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ يَوْمِ حَيْضِي لَا قَضَاءَ لِعَدَمِ صِحَّتِهِ لِإِضَافَتِهِ إلَى غَيْرِ مَحَلِّهِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ يَوْمِ النَّحْرِ فَإِنَّهُ يَقْضِيهِ إذَا أَفْطَرَ كَمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْحَيْضَ وَصْفٌ لِلْمَرْأَةِ لَا وَصْفٌ لِلْيَوْمِ وَقَدْ ثَبَتَ بِالْإِجْمَاعِ أَنَّ طَهَارَتَهَا شَرْطٌ لِأَدَائِهِ فَلَمَّا عَلَّقَتْ النَّذْرَ بِصِفَةٍ لَا تَبْقَى مَعَهَا أَهْلًا لِلْأَدَاءِ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ إلَّا مِنْ الْأَهْلِ كَقَوْلِهِ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ يَوْمَ آكُلُ كَذَا فِي الْكَشْفِ الْكَبِيرِ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ رَمَضَانَ الَّذِي صَامَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْتِزَامُهُ بِالنَّذْرِ؛ لِأَنَّ صَوْمَهُ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ بِجِهَةٍ أُخْرَى وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُعَيِّنْ هَذِهِ السَّنَةَ وَإِنَّمَا شَرَطَ التَّتَابُعَ فَهُوَ كَمَا لَوْ عَيَّنَهَا فَيَقْضِي الْأَيَّامَ الْخَمْسَةَ دُونَ شَهْرِ رَمَضَانَ؛ لِأَنَّ الْمُتَابَعَةَ لَا تَعْرَى عَنْهَا لَكِنْ يَقْضِيهَا فِي هَذَا الْفَصْلِ مَوْصُولَةً تَحْقِيقًا لِلتَّتَابُعِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ وَأَطْلَقَ قَضَاءَ لُزُومِ الْأَيَّامِ الْمَنْهِيَّةِ فَشَمِلَ مَا إذَا نَذَرَ بَعْدَ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْمَنْهِيَّةِ بِأَنْ نَذَرَ بَعْدَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ صَوْمَ هَذِهِ السَّنَةِ وَحَمَلَهُ فِي الْغَايَةِ عَلَى مَا إذَا نَذَرَ قَبْلَ عِيدِ الْفِطْرِ مَا إذَا قَالَ فِي شَوَّالٍ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ هَذِهِ السَّنَةِ لَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ يَوْمِ الْفِطْرِ وَكَذَا لَوْ قَالَ بَعْدَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ يَوْمَيْ الْعِيدَيْنِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ بَلْ يَلْزَمُهُ صِيَامُ مَا بَقِيَ مِنْ السَّنَةِ. اهـ. وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا الْحَمْلِ قَوْلُهُ أَفْطَرَ أَيَّامًا مَنْهِيَّةً إذْ لَا يُتَصَوَّرُ الْفِطْرُ بَعْدَ الْمُضِيِّ لَكِنْ قَالَ الشَّارِحُ الزَّيْلَعِيُّ هَذَا سَهْوٌ وَقَعَ مِنْ صَاحِبِ الْغَايَةِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ هَذِهِ السَّنَةِ عِبَارَةٌ عَنْ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا مِنْ وَقْتِ النَّذْرِ إلَى وَقْتِ النَّذْرِ وَهَذِهِ الْمُدَّةُ لَا تَخْلُو عَنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْحَمْلِ فَيَكُونُ نَذْرًا بِهَا وَرَدَّهُ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقَالَ إنَّ هَذَا سَهْوٌ وَقَعَ مِنْ الزَّيْلَعِيِّ؛ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ كَمَا هِيَ فِي الْغَايَةِ مَنْقُولَةٌ فِي الْخُلَاصَةِ وَفَتَاوَى قَاضِي خَانْ فِي هَذِهِ السَّنَةِ وَهَذَا الشَّهْرِ وَلِأَنَّ كُلَّ سَنَةٍ عَرَبِيَّةٍ مُعَيَّنَةٍ عِبَارَةٌ عَنْ مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ لَهَا مُبْتَدَأٌ وَمُخْتَتَمٌ خَاصَّانِ عِنْدَ الْعَرَبِ مَبْدَؤُهَا الْمُحَرَّمُ وَآخِرُهَا ذُو الْحِجَّةِ فَإِذَا قَالَ هَذِهِ فَإِنَّمَا يُفِيدُ الْإِشَارَةَ إلَى الَّتِي هُوَ فِيهَا فَحَقِيقَةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ نَذْرٌ بِالْمُدَّةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ إلَى آخِرِ ذِي الْحِجَّةِ، وَالْمُدَّةُ الْمَاضِيَةُ الَّتِي مَبْدَؤُهَا الْمُحَرَّمُ إلَى وَقْتِ التَّكَلُّمِ فَيَلْغُو فِي حَقِّ الْمَاضِي كَمَا يَلْغُو فِي قَوْلِهِ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ أَمْسِ وَهَذَا فَرْعٌ يُنَاسِبُ هَذَا لَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ أَمْسِ الْيَوْمَ، أَوْ الْيَوْمِ أَمْسِ لَزِمَهُ صَوْمُ الْيَوْمِ، وَلَوْ قَالَ غَدًا هَذَا الْيَوْمَ، أَوْ هَذَا الْيَوْمَ غَدًا لَزِمَهُ صَوْمُ أَوَّلِ الْوَقْتَيْنِ تَفَوَّهَ بِهِ، وَلَوْ قَالَ شَهْرًا لَزِمَهُ شَهْرٌ كَامِلٌ، وَلَوْ قَالَ الشَّهْرُ وَجَبَ بَقِيَّةُ الشَّهْرِ الَّذِي هُوَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الشَّهْرَ مُعَرَّفًا فَيَنْصَرِفُ إلَى الْمَعْهُودِ بِالْحُضُورِ فَإِنْ نَوَى شَهْرًا فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ كَلَامَهُ ذَكَرَهُ فِي التَّجْنِيسِ وَفِيهِ تَأْيِيدٌ لِمَا فِي الْغَايَةِ أَيْضًا. اهـ. وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ أَيْضًا، وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ الشَّهْرَ فَعَلَيْهِ صَوْمُ بَقِيَّةِ الشَّهْرِ الَّذِي هُوَ فِيهِ وَمَا فِي الْفَتَاوَى الْوَلْوَالِجيَّةِ لَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ الشَّهْرَ وَجَبَ عَلَيْهِ بَقِيَّةُ الشَّهْرِ الَّذِي هُوَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: مَنْقُولَةٌ فِي الْخُلَاصَةِ وَفَتَاوَى قَاضِي خَانْ إلَخْ) حَيْثُ قَالَ رَجُلٌ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ هَذِهِ السَّنَةِ فَإِنَّهُ يُفْطِرُ يَوْمَ الْفِطْرِ وَيَوْمَ النَّحْرِ وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ وَيَقْضِي تِلْكَ الْأَيَّامَ وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ سَنَةٍ وَلَمْ يُعَيِّنْ يَصُومُ سَنَةً بِالْأَهِلَّةِ وَيَقْضِي خَمْسًا وَثَلَاثِينَ يَوْمًا وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ هَذَا الشَّهْرَ فَعَلَيْهِ صَوْمُ بَقِيَّةِ الشَّهْرِ الَّذِي هُوَ فِيهِ وَكَذَا لَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ هَذِهِ السَّنَةِ يَلْزَمُهُ الصَّوْمُ مِنْ حِينِ حَلَفَ إلَى أَنْ تَمْضِيَ السَّنَةُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا مَضَى قَبْلَ الْيَمِينِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 318 الشَّهْرَ مُعَرَّفًا فَيَنْصَرِفُ إلَيْهِ وَإِنْ نَوَى شَهْرًا كَامِلًا فَهُوَ كَمَا نَوَى؛ لِأَنَّهُ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ. اهـ. وَيُمْكِنُ حَمْلُ مَا فِي الْغَايَةِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَنْوِ وَحَمْلُ مَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ عَلَى مَا إذَا نَوَى تَوْفِيقًا وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ كَوْنِهِ يَلْغُو فِيمَا مَضَى كَمَا يَلْغُو فِي قَوْلِهِ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ أَمْسِ لَيْسَ بِقَوِيٍّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَغْوًا لَمَّا لَزِمَهُ بِنِيَّتِهِ وَلَا يَصِحُّ تَشْبِيهُهُ بِصَوْمِ الْأَمْسِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ نَوَى بِهِ صَوْمَ الْيَوْمِ لَا يَصِحُّ وَلَا يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُحْتَمَلَ كَلَامِهِ كَمَا لَا يَخْفَى وَيَدُلُّ لَهُ مَا فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ، وَلَوْ نَذَرَ صَوْمَ غَدٍ وَنَوَى كُلَّمَا دَارَ غَدٌ لَا تَصِحُّ نِيَّتُهُ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ إنَّمَا تَعْمَلُ فِي الْمَلْفُوظِ، وَلَوْ قَالَ صَوْمَ يَوْمٍ وَنَوَى كُلَّمَا دَارَ يَوْمٌ صَحَّتْ نِيَّتُهُ وَكَذَا يَوْمُ الْخَمِيسِ. اهـ. وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْهَا، وَلَوْ نَذَرَ بِصَوْمِ شَهْرٍ قَدْ مَضَى لَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِمُضِيِّهِ؛ لِأَنَّ الْمَنْذُورَ بِهِ مُسْتَحِيلُ الْكَوْنِ وَصَرَّحَ الزَّيْلَعِيُّ فِي الْإِقَالَةِ بِأَنَّ اللَّفْظَ لَا يَحْتَمِلُ ضِدَّهُ وَقَيَّدَ بِكَوْنِ السَّنَةِ مُعَيَّنَةً؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مُنَكِّرَةً فَإِنْ شَرَطَ التَّتَابُعَ فَكَالْمُعَيَّنَةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَإِلَّا فَلَا تَدْخُلُ هَذِهِ الْأَيَّامُ الْخَمْسَةُ وَلَا شَهْرُ رَمَضَانَ وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ قَدْرُ السَّنَةِ فَإِذَا صَامَ سَنَةً لَزِمَهُ قَضَاءُ خَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا؛ لِأَنَّ صَوْمَهُ فِي هَذِهِ الْخَمْسَةِ نَاقِصٌ فَلَا يُجْزِئُهُ عَنْ الْكَامِلِ وَشَهْرُ رَمَضَانَ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْهُ فَيَجِبُ الْقَضَاءُ بِقَدْرِهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَصِلَ ذَلِكَ بِمَا مَضَى وَإِنْ لَمْ يَصِلْ ذَكَرَهُ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ أَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ الْعُهْدَةِ وَهَذَا غَلَطٌ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَخْرُجُ كَذَا فِي فَتَاوَى الْوَلْوَالِجِيِّ وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا قَصَدَ مَا تَلَفَّظَ بِهِ أَوَّلًا وَلِهَذَا ذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوِيهِ رَجُلٌ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ يَوْمٍ فَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ صَوْمُ شَهْرٍ كَانَ عَلَيْهِ صَوْمُ شَهْرٍ وَكَذَا إذَا أَرَادَ شَيْئًا فَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ الطَّلَاقُ، أَوْ الْعَتَاقُ أَوْ النَّذْرُ لَزِمَهُ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جَدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جَدٌّ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ وَالنِّكَاحُ» وَالنَّذْرُ فِي مَعْنَى الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ بَعْدَ وُقُوعِهِ. اهـ. وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ، وَلَوْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ، أَوْ الْخَمِيسِ فَصَامَ ذَلِكَ مَرَّةً كَفَاهُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْأَبَدَ، وَلَوْ أَوْجَبَ صَوْمَ هَذَا الْيَوْمِ شَهْرًا صَامَ شَهْرًا مَا تَكَرَّرَ مِنْهُ فِي ثَلَاثِينَ يَوْمًا يَعْنِي إنْ كَانَ ذَلِكَ الْيَوْمُ يَوْمَ الْخَمِيسِ يَصُومُ كُلَّ خَمِيسٍ حَتَّى يَمْضِيَ شَهْرٌ فَيَكُونُ الْوَاجِبُ صَوْمُ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ، أَوْ خَمْسَةِ أَيَّامٍ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ سَنَةً، وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ يَوْمًا يَوْمًا لَا يَلْزَمُهُ صَوْمُ يَوْمٍ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْأَبَدَ كَمَا إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْت طَالِقٌ يَوْمًا وَيَوْمًا لَا، وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ كَذَا كَذَا يَوْمًا يَلْزَمُهُ صَوْمُ أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا وَهَذَا مُشْكَلٌ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمَهُ اثْنَا عَشَرَ؛ لِأَنَّ كَذَا اسْمُ عَدَدٍ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ كَذَا دِرْهَمًا يَلْزَمُهُ دِرْهَمَانِ وَقَدْ جَمَعَ بَيْنَ عَدَدَيْنِ لَيْسَ بَيْنَهُمَا حَرْفُ الْعَطْفِ وَأَقَلُّهُ اثْنَا عَشَرَ، وَلَوْ قَالَ كَذَا وَكَذَا يَلْزَمُهُ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ وَلَوْ قَالَ بَعْضُهُ عَشْرٌ يَلْزَمُهُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ وَسَيَأْتِي أَجْنَاسُ هَذَا فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ، وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ جُمُعَةً إنْ أَرَادَ بِهَا أَيَّامَ الْجُمُعَةِ، أَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ يَلْزَمُهُ صَوْمُ سَبْعَةِ أَيَّامٍ وَإِنْ أَرَادَ بِهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ يَلْزَمُهُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ كَمَا لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يُكَلِّمَ فُلَانًا وَأَرَادَ بِهِ بَيَاضَ النَّهَارِ صُدِّقَ قَضَاءً، وَلَوْ قَالَ جُمَعُ هَذَا الشَّهْرِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَصُومَ كُلَّ يَوْمِ جُمُعَةٍ تَمُرُّ فِي هَذَا الشَّهْرِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ، وَلَوْ قَالَ صَوْمُ أَيَّامِ الْجُمُعَةِ فَعَلَيْهِ صَوْمُ سَبْعَةِ أَيَّامٍ، وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ السَّبْتَ ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ لَزِمَهُ صَوْمُ سَبْتَيْنِ، وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ السَّبْتَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ لَزِمَهُ صَوْمُ سَبْعَةِ أَسْبَاتٍ؛ لِأَنَّ السَّبْتَ فِي سَبْعَةِ أَيَّامٍ لَا يَتَكَرَّرُ فَحُمِلَ كَلَامُهُ عَلَى عَدَدِ الْأَسْبَاتِ بِخِلَافِ الثَّمَانِيَةِ؛ لِأَنَّ السَّبْتَ فِيهَا يَتَكَرَّرُ وَلَوْ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ صَوْمًا مُتَتَابِعًا فَصَامَهُ مُتَفَرِّقًا لَمْ يَجُزْ وَعَلَى عَكْسِهِ جَازَ، وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ الْيَوْمَ الَّذِي يَقْدَمُ فِيهِ فُلَانٌ فَقَدِمَ فِيهِ فُلَانٌ بَعْدَمَا أَكَلَ، أَوْ كَانَتْ النَّاذِرَةُ امْرَأَةً فَحَاضَتْ لَا يَجِبُ شَيْءٌ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يَجِبُ الْقَضَاءُ، وَلَوْ قَدِمَ بَعْدَ الزَّوَالِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَلَا رِوَايَةَ فِيهِ عَنْ غَيْرِهِ وَلَوْ قَالَ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ هَذَا وَهْمٌ إذْ الَّذِي يَلْزَمُ بِنِيَّتِهِ سَنَةٌ أَوَّلُهَا ابْتِدَاءُ النَّذْرِ عَلَى مَا مَرَّ لَا مَا مَضَى مِنْهَا وَالْمَحْكُومُ عَلَيْهِ بِاللَّغْوِ إلْزَامُ مَا مَضَى وَحِينَئِذٍ فَتَشْبِيهُهُ بِصَوْمِ الْأَمْسِ صَحِيحٌ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ سَنَةً) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا وَلَوْ قَالَ بِدُونِ كَذَلِكَ وَبَعْدَ قَوْلِهِ سَنَةً بَيَاضٌ وَاَلَّذِي رَأَيْته فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَوْ كَهَذِهِ النُّسْخَةِ وَبَعْدَ قَوْلِهِ سَنَةً مَا نَصُّهُ وَعَنْ الْكَرْخِيِّ أَنَّهُ قَالَ يَصُومُ ثَلَاثِينَ مِثْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ اهـ. وَرَأَيْت فِي هَامِشِ الْبَحْرِ نُسْخَةً بِخَطِّ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ رَاجَعَ نُسْخَتَيْنِ مِنْ الظَّهِيرِيَّةِ فَوَجَدَ فِيهِمَا مَا ذَكَرْنَا وَاَلَّذِي رَأَيْته فِي الْخَانِيَّةِ بِلَفْظِ وَكَذَا لَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ سَنَةً كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَصُومَ كُلَّ اثْنَيْنِ يَمُرُّ بِهِ إلَى سَنَةٍ وَعَنْ الْكَرْخِيِّ إلَخْ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ يَوْمًا) أَيْ أَنْ أَصُومَ يَوْمًا وَقَوْلُهُ وَيَوْمًا لَا أَيْ لَا أَصُومُهُ وَقَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْأَبَدَ أَيْ فَيَلْزَمُهُ صِيَامُ دَاوُد - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 319 الْيَوْمَ الَّذِي يَقْدَمُ فِيهِ فُلَانٌ شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى وَأَرَادَ بِهِ الْيَمِينَ فَقَدِمَ فُلَانٌ فِي يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ كَانَ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ شَرْطُ الْبِرِّ وَهُوَ الصَّوْمُ بِنِيَّةِ الشُّكْرِ وَلَوْ قَدِمَ فُلَانٌ قَبْلَ أَنْ يَنْوِيَ صَوْمَ رَمَضَانَ فَنَوَى بِهِ عَنْ الشُّكْرِ وَلَا يَنْوِي بِهِ عَنْ رَمَضَانَ بَرَّ فِي يَمِينِهِ لِوُجُودِ شَرْطِ الْبَرِّ وَهُوَ الصَّوْمُ بِنِيَّةِ الشُّكْرِ وَأَجْزَأَهُ عَنْ رَمَضَانَ كَمَا لَوْ صَامَ رَمَضَانَ بِنِيَّةِ التَّطَوُّعِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ، وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ مِثْلِ شَهْرِ رَمَضَانَ فَإِنْ أَرَادَ مِثْلَهُ فِي الْوُجُوبِ فَلَهُ أَنْ يُفَرِّقَ وَإِنْ أَرَادَ بِهِ فِي التَّتَابُعِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُتَابِعَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَلَهُ أَنْ يَصُومَ مُتَفَرِّقًا؛ لِأَنَّهُ مُحْتَمِلٌ لَهُمَا فَكَانَ لَهُ الْخِيَارُ، وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ فَصَامَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَأَفْطَرَ يَوْمًا لَا يَدْرِي أَنَّ يَوْمَ الْإِفْطَارِ مِنْ الْخَمْسَةِ، أَوْ مِنْ الْعَشَرَةِ فَإِنَّهُ يَصُومُ خَمْسَةَ أَيَّامٍ أُخَرَ مُتَتَابِعَاتٍ فَيُوجَدُ عَشْرَةٌ مُتَتَابِعَةٌ، وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ نِصْفِ يَوْمٍ لَا يَصِحُّ بِخِلَافِ نِصْفِ رَكْعَةٍ حَيْثُ يَصِحُّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَنِصْفِ حَجٍّ لَا يَصِحُّ، وَلَوْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ يَوْمِ قُدُومِ فُلَانٍ فَقَدِمَ فِي شَعْبَانَ بَنَى بَعْدَ رَمَضَانَ كَمَا فِي الْحَيْضِ، وَلَوْ قَالَ إنْ عُوفِيتُ صُمْتُ كَذَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ حَتَّى يَقُولَ لِلَّهِ عَلَيَّ وَهَذَا قِيَاسٌ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَجِبُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَعْلِيقٌ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ قِيَاسًا وَلَا اسْتِحْسَانًا نَظِيرُهُ مَا إذَا قَالَ أَنَا أَحُجُّ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَوْ قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنَا أَحُجُّ فَفَعَلَ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ، وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ وَأَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ آخِرِ الشَّهْرِ لَزِمَهُ الْخَامِسَ عَشَرَ وَالسَّادِسَ عَشَرَ الْكُلُّ مِنْ الظَّهِيرِيَّةِ والولوالجية وَالْخَانِيَّةِ وَزَادَ الْوَلْوَالِجِيُّ فُرُوعًا وَبَعْضُهَا فِي الْخَانِيَّةِ وَهِيَ، وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ الْيَوْمَ الَّذِي يَقْدَمُ فِيهِ فُلَانٌ أَبَدًا فَقَدِمَ فُلَانٌ لَيْلًا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْيَوْمَ إذَا قُرِنَ بِهِ مَا يَخْتَصُّ بِالنَّهَارِ كَالصَّوْمِ يُرَادُ بِهِ بَيَاضُ النَّهَارِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يُوجَدْ الْوَقْتُ الَّذِي أَوْجَبَ فِيهِ الصَّوْمَ وَهُوَ النَّهَارُ، وَلَوْ قَدِمَ يَوْمًا قَبْلَ الزَّوَالِ وَلَمْ يَأْكُلْ صَامَهُ وَإِنْ قَدِمَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَأَكَلَ فِيهِ، أَوْ بَعْدَ الزَّوَالِ وَلَمْ يَأْكُلْ فِيهِ صَامَ ذَلِكَ الْيَوْمَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَلَا يَصُومُ يَوْمَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُضَافَ إلَى الْوَقْتِ عِنْدَ وُجُودِ الْوَقْتِ كَالْمُرْسَلِ، وَلَوْ أَرْسَلَ كَانَ الْجَوَابُ هَكَذَا وَلَوْ نَذَرَ صَوْمًا فِي رَجَبٍ، أَوْ صَلَاةً فِيهِ جَازَ عَنْهُ قَبْلَهُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ إضَافَةٌ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَإِنْ كَانَ مُعَلَّقًا بِالشَّرْطِ بِأَنْ قَالَ إذَا جَاءَ شَهْرُ رَجَبٍ فَعَلَيَّ أَنْ أَصُومَ لَا يَجُوزُ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ لَا يَكُونُ سَبَبًا قَبْلَ الشَّرْطِ وَيَجُوزُ تَعْجِيلُ الصَّدَقَةِ الْمُضَافَةِ إلَى وَقْتٍ كَالزَّكَاةِ وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ هَذَا الشَّهْرِ يَوْمًا لَزِمَهُ صَوْمُ ذَلِكَ الشَّهْرِ بِعَيْنِهِ مَتَى شَاءَ مُوَسَّعًا عَلَيْهِ إلَى أَنْ يَمُوتَ؛ لِأَنَّ الشَّهْرَ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ يَوْمًا حَقِيقَةً وَهُوَ بَيَاضُ النَّهَارِ فَحُمِلَ عَلَى الْوَقْتِ فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ هَذَا الشَّهْرَ وَقْتًا مِنْ الْأَوْقَاتِ، وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ صِيَامُ الْأَيَّامِ وَلَا نِيَّةَ لَهُ كَانَ عَلَيْهِ صِيَامُ عَشَرَةِ أَيَّامٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا سَبْعَةِ أَيَّامٍ، وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ صِيَامُ أَيَّامٍ لَزِمَهُ صَوْمُ ثَلَاثَةٍ؛ لِأَنَّهُ جَمْعٌ قَلِيلٌ، وَلَوْ قَالَ صِيَامُ الشُّهُورِ فَعَشَرَةٌ وَقَالَا صِيَامُ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ صِيَامُ السِّنِينَ لَزِمَهُ صِيَامُ عَشَرَةٍ وَقَالَا لَزِمَهُ صِيَامُ الدَّهْرِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ ثَلَاثًا فَيَكُونُ مَا نَوَى، وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ صِيَامُ الزَّمَنِ وَالْحِينِ وَلَا نِيَّةَ لَهُ كَانَ عَلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَالزَّمَنُ مِثْلُ الْحِينِ فِي الْعُرْفِ وَلَا عِلْمَ لِأَبِي حَنِيفَةَ بِصِيَامِ دَهْرٍ إذَا نَذَرَهُ وَقَالَا عَلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ الْكُلُّ مِنْ الْوَلْوَالِجِيِّ وَفِي الْكَافِي لَا يَخْتَصُّ نَذْرٌ غَيْرُ مُعَلَّقٍ بِزَمَانٍ وَمَكَانٍ وَدِرْهَمٍ وَفَقِيرٍ. اهـ. وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ النَّذْرَ لَا يَصِحُّ بِالْمَعْصِيَةِ لِلْحَدِيثِ «لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى» فَقَالَ الشَّيْخُ قَاسِمٌ فِي شَرْحِ الدُّرَرِ وَأَمَّا النَّذْرُ الَّذِي يُنْذِرُهُ أَكْثَرُ الْعَوَامّ عَلَى مَا هُوَ مُشَاهَدٌ كَأَنْ يَكُونَ لِإِنْسَانٍ غَائِبٌ أَوْ مَرِيضٌ، أَوْ لَهُ حَاجَةٌ ضَرُورِيَّةٌ فَيَأْتِي بَعْضَ الصُّلَحَاءِ فَيَجْعَلُ سُتْرَةً عَلَى رَأْسِهِ فَيَقُولُ يَا سَيِّدِي فُلَانٌ إنْ رُدَّ غَائِبِي، أَوْ عُوفِيَ مَرِيضِي أَوْ قُضِيَتْ حَاجَتِي فَلَكَ مِنْ الذَّهَبِ كَذَا، أَوْ مِنْ الْفِضَّةِ كَذَا، أَوْ مِنْ الطَّعَامِ كَذَا، أَوْ مِنْ الْمَاءِ كَذَا، أَوْ مِنْ الشَّمْعِ كَذَا، أَوْ مِنْ الزَّيْتِ كَذَا فَهَذَا النَّذْرُ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ لِوُجُوهٍ مِنْهَا أَنَّهُ نَذْرُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: بَنَى بَعْدَ رَمَضَانَ) كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَفِي نُسْخَةِ الرَّمْلِيِّ يُتَابِعُ بَدَلَ بَنَى فَقَالَ أَيْ لَا يُعَدُّ رَمَضَانُ قَاطِعًا لِلتَّتَابُعِ كَمَا أَنَّ الْحَيْضَ لَا يَقْطَعُ التَّتَابُعَ فَتُتَابِعُ بَعْدَهُ فَيَلْتَحِقُ بِمَا قَبْلَهُ تَأَمَّلْ اهـ. وَنُسْخَةُ بَنَى أَظْهَرُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 320 مَخْلُوقٍ وَالنَّذْرُ لِلْمَخْلُوقِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ وَالْعِبَادَةُ لَا تَكُونُ لِلْمَخْلُوقِ وَمِنْهَا أَنَّ الْمَنْذُورَ لَهُ مَيِّتٌ وَالْمَيِّتُ لَا يَمْلِكُ وَمِنْهَا إنْ ظَنَّ أَنَّ الْمَيِّتَ يَتَصَرَّفُ فِي الْأُمُورِ دُونَ اللَّهِ تَعَالَى وَاعْتِقَادُهُ ذَلِكَ كُفْرٌ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ قَالَ يَا اللَّهُ إنِّي نَذَرْت لَك إنْ شَفَيْت مَرِيضِي، أَوْ رَدَدْت غَائِبِي أَوْ قَضَيْت حَاجَتِي أَنْ أُطْعِمَ الْفُقَرَاءَ الَّذِينَ بِبَابِ السَّيِّدَةِ نَفِيسَةَ، أَوْ الْفُقَرَاءَ الَّذِينَ بِبَابِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ، أَوْ الْإِمَامِ اللَّيْثِ، أَوْ أَشْتَرِي حُصْرًا لِمَسَاجِدِهِمْ، أَوْ زَيْتًا لِوَقُودِهَا أَوْ دَرَاهِمَ لِمَنْ يَقُومُ بِشَعَائِرِهَا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَكُونُ فِيهِ نَفْعٌ لِلْفُقَرَاءِ وَالنَّذْرُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَذِكْرُ الشَّيْخِ إنَّمَا هُوَ مَحَلٌّ لِصَرْفِ النَّذْرِ لِمُسْتَحِقِّيهِ الْفَاطِنِينَ بِرِبَاطِهِ، أَوْ مَسْجِدِهِ، أَوْ جَامِعِهِ فَيَجُوزُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ إذْ مَصْرِفُ النَّذْرِ الْفُقَرَاءُ وَقَدْ وُجِدَ الْمَصْرِفُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُصْرَفَ ذَلِكَ لِغَنِيٍّ غَيْرِ مُحْتَاجٍ وَلَا لِشَرِيفٍ مُنَصَّبٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ الْأَخْذُ مَا لَمْ يَكُنْ مُحْتَاجًا، أَوْ فَقِيرًا وَلَا لِذِي النَّسَبِ لِأَجْلِ نَسَبِهِ مَا لَمْ يَكُنْ فَقِيرًا وَلَا لِذِي عِلْمٍ لِأَجْلِ عِلْمِهِ مَا لَمْ يَكُنْ فَقِيرًا وَلَمْ يَثْبُتْ فِي الشَّرْعِ جَوَازُ الصَّرْفِ لِلْأَغْنِيَاءِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى حُرْمَةِ النَّذْرِ لِلْمَخْلُوقِ وَلَا يَنْعَقِدُ وَلَا تَشْتَغِلُ الذِّمَّةُ بِهِ وَلِأَنَّهُ حَرَامٌ بَلْ سُحْتٌ وَلَا يَجُوزُ لِخَادِمِ الشَّيْخِ أَخْذُهُ وَلَا أَكْلُهُ وَلَا التَّصَرُّفُ فِيهِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فَقِيرًا، أَوْ لَهُ عِيَالٌ فُقَرَاءُ عَاجِزُونَ عَنْ الْكَسْبِ وَهُمْ مُضْطَرُّونَ فَيَأْخُذُونَهُ عَلَى سَبِيلِ الصَّدَقَةِ الْمُبْتَدَأَةِ فَأَخْذُهُ أَيْضًا مَكْرُوهٌ مَا لَمْ يَقْصِدْ بِهِ النَّاذِرُ التَّقَرُّبَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَصَرْفَهُ إلَى الْفُقَرَاءِ وَيُقْطَعُ النَّظَرُ عَنْ نَذْرِ الشَّيْخِ فَإِذَا عَلِمْت هَذَا فَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالشَّمْعِ وَالزَّيْتِ وَغَيْرِهَا وَيُنْقَلُ إلَى ضَرَائِحِ الْأَوْلِيَاءِ تَقَرُّبًا إلَيْهِمْ فَحَرَامٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ مَا لَمْ يَقْصِدُوا بِصَرْفِهَا لِلْفُقَرَاءِ الْأَحْيَاءِ قَوْلًا وَاحِدًا اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَا قَضَاءَ إنْ شَرَعَ فِيهَا فَأَفْطَرَ) أَيْ إنْ شَرَعَ فِي صَوْمِ الْأَيَّامِ الْمَنْهِيَّةِ ثُمَّ أَفْسَدَهُ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِي النَّوَادِرِ أَنَّ عَلَيْهِ الْقَضَاءَ؛ لِأَنَّ الشُّرُوعَ مُلْزِمٌ كَالنَّذْرِ وَصَارَ كَالشُّرُوعِ فِي الطَّلَاقِ فِي الْوَقْتِ الْمَكْرُوهِ وَالْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّ بِنَفْسِ الشُّرُوعِ فِي الصَّوْمِ يُسَمَّى صَائِمًا حَتَّى يَحْنَثَ بِهِ الْحَالِفُ عَلَى الصَّوْمِ فَيَصِيرُ مُرْتَكِبًا لِلنَّهْيِ فَيَجِبُ إبْطَالُهُ وَلَا تَجِبُ صِيَانَتُهُ وَوُجُوبُ الْقَضَاءِ يُبْتَنَى عَلَيْهِ وَلَا يَصِيرُ مُرْتَكِبًا لِلنَّهْيِ بِنَفْسِ النَّذْرِ وَهُوَ الْمُوجِبُ وَلَا بِنَفْسِ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ حَتَّى يُتِمَّ رَكْعَةً وَلِهَذَا لَا يَحْنَثُ بِهِ الْحَالِفُ عَلَى الصَّلَاةِ فَيَجِبُ صِيَانَةُ الْمُؤَدَّى فَيَكُونُ مَضْمُونًا بِالْقَضَاءِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْقَضَاءُ فِي فَصْلِ الصَّلَاةِ أَيْضًا وَالْأَظْهَرُ هُوَ الْأَوَّلُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَتَعَقَّبَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالتَّحْرِيرِ بِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ قَطَعَ بَعْدَ السَّجْدَةِ لَا يَجِبُ قَضَاؤُهَا وَالْجَوَابُ مُطْلَقٌ فِي الْوُجُوبِ وَحِينَئِذٍ فَالْوَجْهُ أَنْ لَا يَصِحَّ الشُّرُوعُ لِانْتِفَاءِ فَائِدَتِهِ مِنْ الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ وَلَا مَخْلَصَ إلَّا بِجَعْلِ الْكَرَاهَةِ تَنْزِيهِيَّةً. اهـ. وَلَنَا مَخْلَصٌ مَعَ جَعْلِهَا تَحْرِيمِيَّةً كَمَا هُوَ الْمَذْهَبُ بِأَنْ يُقَالَ لَمَّا شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ لَمْ يَكُنْ مُرْتَكِبًا لِلْمَنْهِيِّ عَنْهُ فَوَجَبَ عَلَيْهِ الْمُضِيُّ وَحَرُمَ الْقَطْعُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] فَلَمَّا قَيَّدَهَا بِسَجْدَةٍ حَرُمَ عَلَيْهِ الْمُضِيُّ فَتَعَارَضَ مُحَرَّمَانِ وَمَعَ أَحَدِهِمَا وُجُوبٌ فَتُقَدَّمُ حُرْمَةُ الْقَطْعِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ. (بَابُ الِاعْتِكَافِ) ذَكَرَهُ بَعْدَ الصَّوْمِ لِمَا أَنَّهُ مِنْ شَرْطِهِ كَمَا سَيَأْتِي وَالشَّرْطُ يُقَدَّمُ عَلَى الْمَشْرُوطِ وَهُوَ لُغَةً افْتِعَالٌ مِنْ عَكَفَ إذَا دَامَ مِنْ بَابِ طَلَبَ وَعَكَفَهُ حَبَسَهُ وَمِنْهُ {وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا} [الفتح: 25] وَسُمِّيَ بِهِ هَذَا النَّوْعُ مِنْ الْعِبَادَةِ؛ لِأَنَّهُ إقَامَةٌ فِي الْمَسْجِدِ مَعَ شَرَائِطَ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَفِي الصِّحَاحِ الِاعْتِكَافُ الِاحْتِبَاسُ وَفِي النِّهَايَةِ أَنَّهُ مُتَعَدٍّ فَمَصْدَرُهُ الْعَكْفُ وَلَازِمٌ فَمَصْدَرُهُ الْعُكُوفُ فَالْمُتَعَدِّي بِمَعْنَى الْحَبْسِ وَالْمَنْعِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا} [الفتح: 25] وَمِنْهُ الِاعْتِكَافُ فِي الْمَسْجِدِ وَأَمَّا اللَّازِمُ فَهُوَ الْإِقْبَالُ عَلَى الشَّيْءِ بِطَرِيقِ الْمُوَاظَبَةِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: فَتُقَدَّمُ حُرْمَةُ الْقَطْعِ) قَالَ فِي النَّهْرِ هَذَا يَقْتَضِي حُرْمَةَ الْقَطْعِ بَعْدَ التَّقْيِيدِ بِالسَّجْدَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ اهـ. وَقَالَ الرَّمْلِيُّ قَوْلُهُ فَتَعَارَضَ مُحَرَّمَانِ إلَخْ قَدَّمَ الشَّارِحُ فِي شَرْحِهِ قَوْلَهُ وَمَنَعَ عَنْ الصَّلَاةِ إلَخْ أَنَّهُ يَجِبُ قَطْعُهُ وَقَضَاؤُهُ فِي غَيْرِ مَكْرُوهٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَلَوْ أَتَمَّهُ خَرَجَ عَنْ عُهْدَةِ مَا لَزِمَهُ بِذَلِكَ الشُّرُوعِ وَفِي الْمَبْسُوطِ الْقَطْعُ أَفْضَلُ وَالْأَوَّلُ هُوَ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ فَقَوْلُهُ هُنَا وَمَعَ أَحَدِهِمَا وُجُوبٌ فَتُقَدَّمُ حُرْمَةُ الْقَطْعِ يَعْنِي ارْتِكَابًا فَيَجِبُ الْقَطْعُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ هَذَا وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا وُجُوبٌ فَكَمَا يَجِبُ الْإِتْمَامُ يَجِبُ الْقَطْعُ وَكَمَا يَحْرُمُ الْإِتْمَامُ يَحْرُمُ الْقَطْعُ وَقَدْ فَهِمَ صَاحِبُ النَّهْرِ مِنْ قَوْلِهِ فَتُقَدَّمُ حُرْمَةُ الْقَطْعِ أَنَّهُ يَحْرُمُ الْقَطْعُ فَلَا يَقْطَعُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَهُوَ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ فِي الْفَهْمِ بَلْ يُعِيدُ مَعَ قَوْلِهِ فَلَمَّا قَيَّدَهَا بِسَجْدَةٍ حَرُمَ عَلَيْهِ الْمُضِيُّ وَمَا فَهِمْنَاهُ مِنْهُ مُتَعَيِّنٌ وَاللَّفْظُ قَابِلٌ لَهُ إذْ مَعْنَى قَوْلِهِ فَتُقَدَّمُ حُرْمَةُ الْقَطْعِ يَعْنِي ارْتِكَابًا لِوُجُوبِهِ لَا حَقِيقَةَ حُرْمَتِهِ عَلَى حُرْمَةِ الْإِتْمَامِ تَأَمَّلْ. [بَابُ الِاعْتِكَافِ] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 321 {يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ} [الأعراف: 138] وَشَرْعًا اللُّبْثُ فِي الْمَسْجِدِ مَعَ نِيَّتِهِ فَالرُّكْنُ هُوَ اللُّبْثُ وَالْكَوْنُ فِي الْمَسْجِدِ وَالنِّيَّةُ شَرْطَانِ لِلصِّحَّةِ وَأَمَّا الصَّوْمُ فَيَأْتِي وَمِنْهَا الْإِسْلَامُ وَالْعَقْلُ وَالطَّهَارَةُ عَنْ الْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَأَمَّا الْبُلُوغُ فَلَيْسَ بِشَرْطٍ حَتَّى يَصِحَّ اعْتِكَافُ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ كَالصَّوْمِ وَكَذَا الذُّكُورَةُ وَالْحُرِّيَّةُ فَيَصِحُّ مِنْ الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ بِإِذْنِ الزَّوْجِ وَالْمَوْلَى، وَلَوْ نَذَرَا فَلِمَنْ لَهُ الْإِذْنُ الْمَنْعُ وَيَقْضِيَانِهِ بَعْدَ زَوَالِ الْوِلَايَةِ بِالطَّلَاقِ الْبَائِنِ وَالْعِتْقِ وَأَمَّا الْمُكَاتَبُ فَلَيْسَ لِلْمَوْلَى مَنْعُهُ، وَلَوْ تَطَوُّعًا وَلَوْ أَذِنَ لَهَا بِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ رُجُوعٌ لِكَوْنِهِ مَلَّكَهَا مَنَافِعَ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا وَهِيَ مِنْ أَهْلِ الْمِلْكِ بِخِلَافِ الْمَمْلُوكِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ وَقَدْ أَعَارَهُ مَنَافِعَهُ وَلِلْمُعِيرِ الرُّجُوعُ لَكِنَّهُ يُكْرَهُ لِخَلْفِ الْوَعْدِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَفِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى التَّصْرِيحِ بِالْإِسْلَامِ وَالْعَقْلِ لِمَا أَنَّهُمَا عُلِمَا مِنْ اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ؛ لِأَنَّ الْكَافِرَ وَالْمَجْنُونَ لَيْسَا بِأَهْلٍ لَهَا وَأَمَّا الطَّهَارَةُ مِنْ الْجَنَابَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ شَرْطًا لِلْجَوَازِ بِمَعْنَى الْحِلِّ كَالصَّوْمِ لَا لِلصِّحَّةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ وَأَمَّا صِفَتُهُ فَالسُّنِّيَّةُ كَمَا ذَكَرَهُ عَلَى كَلَامٍ فِيهِ يَأْتِي وَأَمَّا سَبَبُهُ فَالنَّذْرُ إنْ كَانَ وَاجِبًا وَالنَّشَاطُ الدَّاعِي إلَى طَلَبِ الثَّوَابِ إنْ كَانَ تَطَوُّعًا وَأَمَّا حُكْمُهُ فَسُقُوطُ الْوَاجِبِ وَنَيْلُ الثَّوَابِ إنْ كَانَ وَاجِبًا وَالثَّانِي فَقَطْ إنْ كَانَ نَفْلًا وَسَيَأْتِي مَا يُفْسِدُهُ وَيُكْرَهُ فِيهِ وَيَحْرُمُ وَيَنْدُبُ وَمَحَاسِنُهُ كَثِيرَةٌ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَفْرِيغَ الْقَلْبِ عَنْ أُمُورِ الدُّنْيَا وَتَسْلِيمَ النَّفْسِ إلَى الْمَوْلَى وَالتَّحَصُّنَ بِحِصْنٍ حَصِينٍ وَمُلَازَمَةَ بَيْتِ رَبٍّ كَرِيمٍ كَمَنْ احْتَاجَ إلَى عَظِيمٍ فَلَازِمَهُ حَتَّى قَضَى مَآرِبَهُ فَهُوَ يُلَازِمُ بَيْتَ رَبِّهِ لِيَغْفِرَ لَهُ كَذَا فِي الْكَافِي وَفِي الِاخْتِيَارِ وَهُوَ مِنْ أَشْرَفِ الْأَعْمَالِ إذَا كَانَ عَنْ إخْلَاصٍ. (قَوْلُهُ: سُنَّ لَبْثٌ فِي مَسْجِدٍ بِصَوْمٍ وَنِيَّةٍ) أَيْ وَنِيَّةِ اللُّبْثِ الَّذِي هُوَ الِاعْتِكَافُ وَقَدْ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى صِفَتِهِ وَرُكْنِهِ وَشَرَائِطِهِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَهُوَ السُّنِّيَّةُ وَهَكَذَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ وَفِي الْقُدُورِيِّ الِاعْتِكَافُ مُسْتَحَبٌّ وَصَحَّحَ فِي الْهِدَايَةِ أَنَّهُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَذَكَرَ الشَّارِحُ أَنَّ الْحَقَّ انْقِسَامُهُ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ وَاجِبٍ وَهُوَ الْمَنْذُورُ وَسُنَّةٍ وَهُوَ فِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ وَمُسْتَحَبٍّ وَهُوَ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْأَزْمِنَةِ وَتَبِعَهُ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ سُنَّةٌ فِي الْأَصْلِ كَمَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْمَتْنِ تَبَعًا لِمَا صَرَّحَ فِي الْبَدَائِعِ وَهِيَ مُؤَكَّدَةٌ وَغَيْرُ مُؤَكَّدَةٍ وَأَطْلَقَ عَلَيْهَا الِاسْتِحْبَابَ؛ لِأَنَّهَا بِمَعْنَاهُ وَأَمَّا الْوَاجِبُ فَهُوَ بِعَارِضِ النَّذْرِ وَفِي الْبَدَائِعِ أَنَّهُ يَجِبُ بِالشُّرُوعِ أَيْضًا وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى ضَعِيفٍ وَهُوَ اشْتِرَاطُ زَمَنٍ لِلتَّطَوُّعِ وَأَمَّا عَلَى الْمَذْهَبِ مِنْ أَنَّ أَقَلَّ النَّفْلِ سَاعَةٌ فَلَا وَالدَّلِيلُ عَلَى تَأَكُّدِهِ فِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ مُوَاظَبَتُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِيهِ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَلِهَذَا قَالَ الزُّهْرِيُّ عَجَبًا لِلنَّاسِ كَيْفَ تَرَكُوا الِاعْتِكَافَ وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَفْعَلُ الشَّيْءَ وَيَتْرُكُهُ وَلَمْ يَتْرُكْ الِاعْتِكَافَ مُنْذُ دَخَلَ الْمَدِينَةَ إلَى أَنْ مَاتَ فَهَذِهِ الْمُوَاظَبَةُ الْمَقْرُونَةُ بِعَدَمِ التَّرْكِ مَرَّةً لَمَّا اُقْتُرِنَتْ بِعَدَمِ الْإِنْكَارِ عَلَى مَنْ لَمْ يَفْعَلْهُ مِنْ الصَّحَابَةِ كَانَتْ دَلِيلَ السُّنِّيَّةِ وَإِلَّا كَانَتْ دَلِيلَ الْوُجُوبِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُوَاظَبَةَ قَدْ اُقْتُرِنَتْ بِالتَّرْكِ وَهُوَ مَا يُفِيدُهُ الْحَدِيثُ مِنْ «أَنَّهُ اعْتَكَفَ الْعَشْرَ الْأَخِيرَ مِنْ رَمَضَانَ فَرَأَى خِيَامًا وَقِبَابًا مَضْرُوبَةً فَقَالَ لِمَنْ هَذَا قَالَ لِعَائِشَةَ وَهَذَا لِحَفْصَةَ وَهَذَا لِسَوْدَةِ فَغَضِبَ وَقَالَ أَتَرَوْنَ الْبِرَّ بِهَذَا فَأَمَرَ بِأَنْ تُنْزَعَ قُبَّتُهُ فَنُزِعَتْ وَلَمْ يَعْتَكِفْ فِيهِ ثُمَّ قَضَى فِي شَوَّالٍ» وَقَدْ يُقَالُ إنَّ التَّرْكَ هُنَا لِعُذْرٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي الْمُوَاظَبَةِ كَلَامًا حَسَنًا فِي سُنَنِ الْوُضُوءِ فَارْجِعْ إلَيْهِ وَلَا فَرْقَ فِي الْمَنْذُورِ بَيْنَ الْمُنَجَّزِ وَالْمُعَلَّقِ وَأَشَارَ بِاللُّبْثِ إلَى رُكْنِهِ وَبِالْمَسْجِدِ وَالصَّوْمِ وَالنِّيَّةِ إلَى شَرَائِطِهِ لَكِنْ ذِكْرُ الصَّوْمِ مَعَهَا لَا يَنْبَغِي؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى الْمَنْذُورِ لِتَصْرِيحِهِ بِالسُّنِّيَّةِ وَلَا عَلَى غَيْرِهِ لِتَصْرِيحِهِ بَعْدُ بِأَنَّ أَقَلَّهُ نَفْلًا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الطَّهَارَةُ مِنْ الْجَنَابَةِ فَيَنْبَغِي إلَخْ) ذَكَرَ فِي النَّهْرِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ اشْتِرَاطُ الطَّهَارَةِ فِيهِ عَنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ عَلَى رِوَايَةِ اشْتِرَاطِ الصَّوْمِ فِي نَفْلِهِ أَمَّا عَلَى عَدَمِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِنْ شَرَائِطِ الْحِلِّ فَقَطْ كَالطَّهَارَةِ عَنْ الْجَنَابَةِ قَالَ وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِهَذَا اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ تُشْتَرَطَ لِلصِّحَّةِ الطَّهَارَةُ عَنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ فِي الْمَنْذُورِ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ لَا يَكُونُ مَعَهُمَا وَكَذَلِكَ فِي النَّفْلِ عَلَى رِوَايَةِ اشْتِرَاطِ الصَّوْمِ فِيهِ وَأَمَّا عَلَى عَدَمِهِ فَيَنْبَغِي اشْتِرَاطُهَا لِلْحِلِّ لَا لِلصِّحَّةِ كَمَا لَا تُشْتَرَطُ الطَّهَارَةُ مِنْ الْجَنَابَةِ لِشَيْءٍ مِنْ الْمَنْذُورِ وَغَيْرِهِ كَمَا فِي الْإِمْدَادِ أَيْ لِلصِّحَّةِ أَمَّا لِلْحِلِّ فَيَنْبَغِي اشْتِرَاطُهَا كَمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ (قَوْلُهُ: كَالصَّوْمِ) فِيهِ أَنَّ الصَّوْمَ شَرْطٌ لِلصِّحَّةِ لَا الْحِلِّ وَهَذَا فِي الْمَنْذُورِ وَالنَّفَلِ عَلَى رِوَايَةٍ أَمَّا عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَلَيْسَ بِشَرْطٍ أَصْلًا وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ الطَّهَارَةَ مِنْ الْجَنَابَةِ شَرْطٌ لِحِلِّ الصَّوْمِ فَفِيهِ نَظَرٌ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَأَطْلَقَ عَلَيْهَا الِاسْتِحْبَابَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ هُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْقُدُورِيَّ أَطْلَقَ اسْمَ الِاسْتِحْبَابِ عَلَى الْمُؤَكَّدَةِ وَغَيْرِهَا؛ لِأَنَّهَا بِمَعْنَاهُ لَكِنْ لَا يَخْفَى مَا فِي إطْلَاقِ الْمُسْتَحَبِّ عَلَى الْمُؤَكَّدَةِ مِنْ الْمُؤَاخَذَةِ فَالْأَقْرَبُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى نَوْعٍ مِنْهُ وَهُوَ غَيْرُ الْمُؤَكَّدَةِ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ لَا غُبَارَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْمُشَكَّكَ حَقِيقَةٌ فِي أَفْرَادِهِ اهـ. وَقَدْ يُقَالُ مَا جَعَلَهُ الْأَقْرَبَ هُوَ مُرَادُ الْمُؤَلِّفِ بِإِرْجَاعِ ضَمِيرِ عَلَيْهَا لِأَقْرَبِ مَذْكُورٍ وَهُوَ غَيْرُ الْمُؤَكَّدَةِ كَمَا أَفَادَهُ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 322 سَاعَةٌ فَلَزِمَ أَنَّ الصَّوْمَ لَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ فَإِنْ قُلْت يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى الِاعْتِكَافِ الْمَسْنُونِ سُنَّةً مُؤَكَّدَةً وَهُوَ الْعَشْرُ الْأَخِيرُ مِنْ رَمَضَانَ فَإِنَّ الصَّوْمَ مِنْ شَرْطِهِ حَتَّى لَوْ اعْتَكَفَهُ مِنْ غَيْرِ صَوْمٍ لِمَرَضٍ، أَوْ سَفَرٍ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ قُلْت لَا يُمْكِنُ لِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّ الصَّوْمَ إنَّمَا هُوَ شَرْطٌ فِي الْمَنْذُورِ فَقَطْ دُونَ غَيْرِهِ وَفَرَّعُوا عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ لَيْلَةٍ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ مِنْ شَرْطِهِ وَاللَّيْلُ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لَهُ، وَلَوْ نَوَى الْيَوْمَ مَعَهَا لَمْ يَصِحَّ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إنْ نَوَى لَيْلَةً بِيَوْمِهَا لَزِمَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ هَذَا التَّفْصِيلَ وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلًا وَنَهَارًا لَزِمَهُ أَنْ يَعْتَكِفَ لَيْلًا وَنَهَارًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ اللَّيْلُ مَحَلًّا لِلصَّوْمِ؛ لِأَنَّ اللَّيْلَ يَدْخُلُ فِيهِ تَبَعًا وَلَا يُشْتَرَطُ لِلتَّبَعِ مَا يُشْتَرَطُ لِلْأَصْلِ، وَلَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ يَوْمٍ قَدْ أَكَلَ فِيهِ لَمْ يَصِحَّ وَلَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ بِدُونِ الصَّوْمِ وَسَيَأْتِي بَقِيَّةُ تَفَارِيعِ النَّذْرِ وَمِنْ تَفْرِيعَاتِهِ هُنَا أَنَّهُ لَوْ أَصْبَحَ صَائِمًا مُتَطَوِّعًا، أَوْ غَيْرَ نَاوٍ لِلصَّوْمِ ثُمَّ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ هَذَا الْيَوْمَ لَا يَصِحُّ وَإِنْ كَانَ فِي وَقْتٍ تَصِحُّ فِيهِ نِيَّةُ الصَّوْمِ لِعَدَمِ اسْتِيفَاءِ النَّهَارِ وَتَمَامُهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي فَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ، وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ شَهْرًا بِغَيْرِ صَوْمٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَعْتَكِفَ وَيَصُومَ وَقَدْ عُلِمَ مِنْ كَوْنِ الصَّوْمِ شَرْطًا أَنَّهُ يُرَاعَى وُجُودُهُ لَا إيجَادُهُ لِلْمَشْرُوطِ لَهُ قَصْدًا فَلَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ شَهْرِ رَمَضَانَ لَزِمَهُ وَأَجْزَأَهُ صَوْمُ رَمَضَانَ عَنْ صَوْمِ الِاعْتِكَافِ وَإِنْ لَمْ يَعْتَكِفْ قَضَى شَهْرًا بِصَوْمٍ مَقْصُودٍ لِعَوْدِ شَرْطِهِ إلَى الْكَمَالِ وَلَا يَجُوزُ اعْتِكَافُهُ فِي رَمَضَانَ آخَرَ وَيَجُوزُ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ الْأَوَّلِ وَالْمَسْأَلَةُ مَعْرُوفَةٌ فِي الْأُصُولِ فِي بَحْثِ الْأَمْرِ. (قَوْلُهُ: وَأَقَلُّهُ نَفْلًا سَاعَةٌ) لِقَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي الْأَصْلِ إذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ بِنِيَّةِ الِاعْتِكَافِ فَهُوَ مُعْتَكِفٌ مَا أَقَامَ تَارِكٌ لَهُ إذَا خَرَجَ فَكَانَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَاسْتَنْبَطَ الْمَشَايِخُ مِنْهُ أَنَّ الصَّوْمَ لَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ مَبْنَى النَّفْلِ عَلَى الْمُسَامَحَةِ حَتَّى جَازَتْ صَلَاتُهُ قَاعِدًا، أَوْ رَاكِبًا مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الرُّكُوبِ وَالنُّزُولِ وَنَظَرَ فِيهِ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ عِنْدَ الْعَقْلِ الْقَوْلُ بِصِحَّةِ اعْتِكَافِ سَاعَةٍ مَعَ اشْتِرَاطِ الصَّوْمِ لَهُ وَإِنْ كَانَ الصَّوْمُ لَا يَكُونُ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَعْتَكِفَ فَلْيَصُمْ سَوَاءٌ كَانَ يُرِيدُ اعْتِكَافَ يَوْمٍ، أَوْ دُونَهُ وَلَا مَانِعَ مِنْ اعْتِبَارِ شَرْطٍ يَكُونُ أَطْوَلَ مِنْ مَشْرُوطِهِ وَمَنْ ادَّعَاهُ فَهُوَ بِلَا دَلِيلٍ فَهَذَا الِاسْتِنْبَاطُ غَيْرُ صَحِيحٍ بِلَا مُوجِبٍ فَالِاعْتِكَافُ لَا يُقَدَّرُ شَرْعًا بِكَمِّيَّةٍ لَا تَصِحُّ دُونَهَا كَالصَّوْمِ بَلْ كُلُّ جُزْءٍ مِنْهُ لَا يُفْتَقَرُ فِي كَوْنِهِ عِبَادَةً إلَى الْجُزْءِ الْآخَرِ وَلَمْ يَسْتَلْزِمْ تَقْدِيرُ شَرْطِهِ تَقْدِيرَهُ. اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَا ادَّعَاهُ أَمْرٌ عَقْلِيٌّ مُسَلَّمٌ وَبِهَذَا لَا يَنْدَفِعُ مَا صَرَّحَ بِهِ الْمَشَايِخُ الثِّقَاتُ مِنْ أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ أَنَّ الصَّوْمَ لَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْمَبْسُوطِ وَشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَفَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَالذَّخِيرَةِ وَالْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ وَالْكَافِي لِلْمُصَنِّفِ وَالْبَدَائِعِ وَالنِّهَايَةِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ وَالتَّبْيِينِ وَغَيْرِهِمْ وَالْكُلُّ مُصَرِّحُونَ بِأَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ أَنَّ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: لِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّ الصَّوْمَ إنَّمَا هُوَ شَرْطٌ فِي الْمَنْذُورِ) قُلْت تَصْرِيحُهُمْ بِذَلِكَ إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى النَّفْلِ يَعْنِي أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي النَّفْلِ؛ لِأَنَّهُ الْمُحْتَاجُ إلَى الْبَيَانِ أَمَّا الْمَسْنُونُ فَلَا يَكُونُ إلَّا بِالصَّوْمِ عَادَةً فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّنْبِيهِ عَلَيْهِ وَإِمْكَانُ تَصَوُّرِ عَدَمِ الصَّوْمِ فِيهِ لِمَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ نَادِرٌ جِدًّا وَيَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَا أَنَّهُ فِي مَتْنِ الدُّرَرِ قَسَّمَ الِاعْتِكَافَ إلَى الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ ثُمَّ قَالَ وَالصَّوْمُ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْأَوَّلِ يَعْنِي الْوَاجِبَ لَا الثَّالِثَ يَعْنِي الْمُسْتَحَبَّ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلثَّانِي وَهُوَ الْمَسْنُونُ بِنَفْيٍ وَلَا إثْبَاتٍ لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ لَا يَكُونُ بِدُونِ صَوْمٍ عَادَةً وَسَيَأْتِي قَرِيبًا بَيَانُ اخْتِلَافِ الرِّوَايَةِ فِي وُجُوبِ الصَّوْمِ فِي الِاعْتِكَافِ النَّفْلِ بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَةِ فِي أَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِيَوْمٍ أَمْ لَا وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ التَّقْدِيرَ مُسْتَلْزِمٌ لِإِيجَابِ الصَّوْمِ فِيهِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ اعْتِكَافَ الْعَشْرِ الْأَخِيرِ مُقَدَّرٌ فَيَكُونُ الصَّوْمُ شَرْطًا فِيهِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَلَوْ نَوَى الْيَوْمَ مَعَهَا لَمْ يَصِحَّ) قَالَ الرَّمْلِيُّ سَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَلَيْلَتَانِ بِنَذْرِ يَوْمَيْنِ فَرَاجِعْهُ تَأَمَّلْ. [أَقَلُّ الِاعْتِكَافُ] (قَوْلُهُ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَا ادَّعَاهُ أَمْرٌ عَقْلِيٌّ مُسَلَّمٌ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ بَعْدَ ذِكْرِ كَلَامِ الْفَتْحِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا التَّجْوِيزَ الْعَقْلِيَّ مِمَّا لَا قَائِلَ بِهِ فِيمَا نَعْلَمُ فَلَا يَصِحُّ حَمْلُ كَلَامِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ ثُمَّ ذَكَرَ عِبَارَةَ الْبَدَائِعِ الْآتِيَةَ ثُمَّ قَالَ وَبِهَذَا عُرِفَ أَنَّ مَا فِي الْبَحْرِ أَنَّ الثِّقَاتِ مُصَرِّحُونَ بِأَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ عَدَمُ اشْتِرَاطِهِ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ مُسْتَنَدُهُمْ صَرِيحًا آخَرَ بَلْ هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ ضِيقِ الْعَطَنِ اهـ. وَالْعَطَنُ مَرْبِضُ الْغَنَمِ حَوْلَ الْمَاءِ قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ وَفِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّ مَا بَسَطَهُ فِي الْبَحْرِ يَحْتَاجُ إلَيْهِ نَظَرُ الظَّاهِرِ الْمَبْسُوطِ الْجَازِمِ بِالِاسْتِنْبَاطِ الَّذِي لَا يَقْوَى كَلَامُ الْبَدَائِعِ وَحْدَهُ عَلَى دَفْعِهِ كَمَا لَا يَخْفَى اهـ. أَقُولُ: مَنْعُ الْمُحَقِّقِ مَبْنِيٌّ عَلَى اسْتِنْبَاطِ عَدَمِ اشْتِرَاطِ الصَّوْمِ مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ فِي الْأَصْلِ فَإِنَّهُ قَالَ وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَنْقُولَ مِنْ مُسْتَنِدِ إثْبَاتِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ الظَّاهِرَةِ هُوَ قَوْلٌ فِي الْأَصْلِ إذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ إلَخْ وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُحَقِّقُ مِنْ التَّجْوِيزِ الْعَقْلِيِّ وَارِدٌ عَلَى هَذَا الِاسْتِدْلَالِ وَلَيْسَ مُرَادُهُ حَمْلَ كَلَامِ الْأَصْلِ عَلَيْهِ حَتَّى يَرِدَ مَا أَوْرَدَهُ فِي النَّهْرِ وَلَا مَنْعَ أَنَّهُمْ مُصَرِّحُونَ بِأَنَّ ذَلِكَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ حَتَّى يَرِدَ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ بَلْ هُوَ يَقُولُ إنَّ الْمَنْقُولَ أَنَّ مَا صَرَّحُوا بِهِ مِنْ أَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا مَرَّ فَلَا يُمْكِنُ دَفْعُهُ إلَّا بِمَنْعِ أَنَّ الْمَنْقُولَ ذَلِكَ وَدَعْوَى جَوَازِ أَنْ يَكُونَ مُسْتَنِدُهُمْ صَرِيحًا آخَرَ خَارِجٌ عَمَّا الْبَحْثُ فِيهِ وَإِنْ كَانَ هُوَ الظَّاهِرُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 323 الصَّوْمَ لَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ لَكِنْ وَقَعَ لِصَاحِبِ الْمَبْسُوطِ أَنَّهُ قَالَ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَجُوزُ النَّفَلُ مِنْ الِاعْتِكَافِ مِنْ غَيْرِ صَوْمٍ فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْكِتَابِ إذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ بِنِيَّةِ الِاعْتِكَافِ فَهُوَ مُعْتَكِفٌ مَا أَقَامَ تَارِكٌ لَهُ إذَا خَرَجَ وَظَاهِرُهُ أَنْ مُسْتَنَدَ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَنَدُهُ صَرِيحًا آخَرَ بَلْ هُوَ الظَّاهِرُ لِنَقْلِ الثِّقَاتِ وَعِبَارَةُ الْبَدَائِعِ وَأَمَّا اعْتِكَافُ التَّطَوُّعِ فَالصَّوْمُ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِجَوَازِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَرَوَى الْحَسَنُ أَنَّهُ شَرْطٌ وَاخْتِلَافُ الرِّوَايَةِ فِيهِ مَبْنِيٌّ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَةِ فِي اعْتِكَافِ التَّطَوُّعِ أَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِيَوْمٍ، أَوْ غَيْرُ مُقَدَّرٍ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ غَيْرُ مُقَدَّرٍ فَلَمْ يَكُنْ الصَّوْمُ شَرْطًا؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ مُقَدَّرٌ بِيَوْمٍ إذْ صَوْمُ بَعْضِ الْيَوْمِ لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ فَلَا يَصْلُحُ شَرْطًا لِمَا لَيْسَ بِمُقَدَّرٍ. اهـ. وَهِيَ تُفِيدُ أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ مَرْوِيٌّ لَا مُسْتَنْبَطٌ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَوْ شَرَعَ فِي النَّفْلِ ثُمَّ قَطَعَهُ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُقَدَّرٍ فَلَمْ يَكُنْ قَطْعُهُ إبْطَالًا وَقَدْ ذَكَرُوا فِي الْحَيْضِ أَنَّ السَّاعَةَ اسْمٌ لِقِطْعَةٍ مِنْ الزَّمَنِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ وَلَا يَخْتَصُّ بَخَمْسَةَ عَشَرَ دَرَجَةً كَمَا يَقُولُهُ أَهْلُ الْمِيقَاتِ فَكَذَا هُنَا وَأَطْلَقَ فِي الْمَسْجِدِ فَأَفَادَ أَنَّ الِاعْتِكَافَ يَصِحُّ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ وَصَحَّحَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى {وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187] وَصَحَّحَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ أَنَّهُ يَصِحُّ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ لَهُ أَذَانٌ وَإِقَامَةٌ وَاخْتَارَ فِي الْهِدَايَةِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي مَسْجِدِ الْجَمَاعَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ تَخْصِيصُهُ بِالْوَاجِبِ أَمَّا فِي النَّفْلِ فَيَجُوزُ فِي غَيْرِ مَسْجِدِ الْجَمَاعَةِ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ وَصَحَّحَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ عَنْ بَعْضِ الْمَشَايِخِ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ كُلَّ مَسْجِدٍ لَهُ إمَامٌ وَمُؤَذِّنٌ مَعْلُومٌ وَيُصَلِّي فِيهِ الْخَمْسَ بِالْجَمَاعَةِ يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ فِيهِ وَفِي الْكَافِي أَرَادَ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ غَيْرَ الْجَامِعِ فَإِنَّ الْجَامِعَ يَجُوزُ الِاعْتِكَافُ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يُصَلُّوا فِيهِ الصَّلَوَاتِ كُلَّهَا وَيُوَافِقُهُ مَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ عَنْ الْفَتَاوَى يَجُوزُ الِاعْتِكَافُ فِي الْجَامِعِ وَإِنْ لَمْ يُصَلُّوا فِيهِ بِالْجَمَاعَةِ وَهَذَا كُلُّهُ لِبَيَانِ الصِّحَّةِ وَأَمَّا الْأَفْضَلُ فَأَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ثُمَّ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ وَهُوَ مَسْجِدُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ مَسْجِدُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ثُمَّ مَسْجِدُ الْجَامِعِ ثُمَّ الْمَسَاجِدُ الْعِظَامُ الَّتِي كَثُرَ أَهْلُهَا كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُجَاوِرَةَ بِمَكَّةَ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ وَالْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ الْكَرَاهَةُ وَعَلَى قَوْلِهِمَا لَا بَأْسَ بِهِ وَهُوَ الْأَفْضَلُ قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَعَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ الْيَوْمَ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ مُرَادَهُمْ الِاعْتِكَافُ فِيهِ فِي أَيَّامِ الْمَوْسِمِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى الْمَسْأَلَةِ. (قَوْلُهُ: وَالْمَرْأَةُ تَعْتَكِفُ فِي مَسْجِدِ بَيْتِهَا) يُرِيدُ بِهِ الْمَوْضِعَ الْمُعَدَّ لِلصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهَا قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ اعْتَكَفَتْ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ صَلَاتِهَا مِنْ بَيْتِهَا سَوَاءٌ كَانَ لَهَا مَوْضِعٌ مُعَدٍّ أَوَّلًا لَا يَصِحُّ اعْتِكَافُهَا وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ تَعْتَكِفُ دُونَ أَنْ يَقُولَ يَجِبُ عَلَيْهَا إلَى أَنَّ اعْتِكَافَهَا فِي مَسْجِدِ بَيْتِهَا أَفْضَلُ فَأَفَادَ أَنَّ اعْتِكَافَهَا فِي مَسْجِدِ الْجَمَاعَةِ جَائِزٌ وَهُوَ مَكْرُوهٌ ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ وَصَحَّحَهُ فِي النِّهَايَةِ وَظَاهِرُ مَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ عَدَمُ الصِّحَّةِ وَفِي الْبَدَائِعِ أَنَّ اعْتِكَافَهَا فِي مَسْجِدِ الْجَمَاعَةِ صَحِيحٌ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا وَالْمَذْكُورُ فِي الْأَصْلِ مَحْمُولٌ عَلَى نَفْيِ الْفَضِيلَةِ لَا نَفْيِ الْجَوَازِ وَأَشَارَ بِجَعْلِهِ كَالْمَسْجِدِ إلَى أَنَّهَا لَوْ خَرَجَتْ مِنْهُ، وَلَوْ إلَى بَيْتِهَا بَطَلَ اعْتِكَافُهَا إنْ كَانَ وَاجِبًا وَانْتَهَى إنْ كَانَ نَفْلًا وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّهَا تُثَابُ فِي الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ وَهَكَذَا فِي الرَّجُلِ وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ، وَلَوْ نَذَرَتْ الْمَرْأَةُ اعْتِكَافَ شَهْرٍ فَحَاضَتْ تَقْضِي أَيَّامَ حَيْضِهَا مُتَّصِلًا بِالشَّهْرِ وَإِلَّا اسْتَقْبَلَتْ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهَا لَا تَعْتَكِفُ إلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا إنْ كَانَ لَهَا زَوْجٌ وَلَوْ وَاجِبًا وَفِي الْمُحِيطِ، وَلَوْ أَذِنَ لَهَا فِي الِاعْتِكَافِ فَأَرَادَتْ أَنْ تَعْتَكِفَ مُتَتَابِعًا فَلِلزَّوْجِ أَنْ يَأْمُرَهَا بِالتَّفْرِيقِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ لَهَا فِي الِاعْتِكَافِ مُتَتَابِعًا لَا نَصًّا وَلَا دَلَالَةً، وَلَوْ أَذِنَ لَهَا فِي اعْتِكَافِ شَهْرٍ، أَوْ صَوْمِ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ فَاعْتَكَفَتْ، أَوْ صَامَتْ فِيهِ مُتَتَابِعًا لَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا؛ لِأَنَّهُ أَذِنَ لَهَا فِي التَّتَابُعِ ضَرُورَةَ أَنَّهُ مُتَتَابِعٌ وُقُوعًا. (قَوْلُهُ: وَلَا يَخْرُجُ مِنْهُ إلَّا لِحَاجَةٍ شَرْعِيَّةٍ كَالْجُمُعَةِ أَوْ طَبِيعِيَّةٍ.   [منحة الخالق] فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ: وَأَطْلَقَ فِي الْمَسْجِدِ إلَخْ) كَانَ الْأَوْلَى ذِكْرُهُ قَبْلَ قَوْلِهِ وَأَقَلُّهُ نَفْلًا سَاعَةٌ وَقَوْلُهُ فَأَفَادَ أَنَّ الِاعْتِكَافَ إلَخْ قَالَ فِي النَّهْرِ فِيهِ نَظَرٌ فَفِي الْخُلَاصَةِ وَالْخَانِيَّةِ وَيَصِحُّ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ لَهُ أَذَانٌ وَإِقَامَةٌ هُوَ الصَّحِيحُ وَهَذَا هُوَ مَسْجِدُ الْجَمَاعَةِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ وَنَقَلَ بَعْضُهُمْ أَنَّ صِحَّتَهُ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ. قَوْلُهُمَا وَهَذَا الْكِتَابُ لَمْ يُوضَعْ إلَّا لِبَيَانِ أَقْوَالِ الْإِمَامِ نَعَمْ اخْتَارَ الطَّحَاوِيُّ قَوْلَهُمَا اهـ. قَالَ الرَّمْلِيُّ مَا اخْتَارَهُ الطَّحَاوِيُّ أَيْسَرُ خُصُوصًا فِي زَمَانِنَا فَيَنْبَغِي أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُجَاوَرَةَ بِمَكَّةَ غَيْرُ مَكْرُوهَةٍ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا دَلَالَةَ فِي الْكَلَامِ عَلَى مَا ادَّعَى أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الِاعْتِكَافِ فِي غَيْرِ أَيَّامِ الْمَوْسِمِ الْمُجَاوَرَةُ بَلْ قَدْ يَكُونُ خَالِيًا عَنْهَا فِيمَنْ كَانَ حَوْلَ مَكَّةَ وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ أَيْضًا مِنْ كَرَاهَةِ الْمُجَاوَرَةِ كَوْنُ اعْتِكَافِهِ فِي الْمَسْجِدِ لَيْسَ أَفْضَلُ أَلَا تَرَى إلَى أَنَّ الصَّلَوَاتِ وَنَحْوَهَا مِنْ الْمُجَاوِرِ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهَا اهـ. وَاسْتَظْهَرَهُ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ. [أعتكاف الْمَرْأَةُ] (قَوْلُهُ وَهُوَ مَكْرُوهٌ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 324 كَالْبَوْلِ وَالْغَائِطِ) أَيْ لَا يَخْرُجُ الْمُعْتَكِفُ اعْتِكَافًا وَاجِبًا مِنْ مَسْجِدِهِ إلَّا لِضَرُورَةٍ مُطْلَقَةٍ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ «كَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا يَخْرُجُ مِنْ مُعْتَكَفِهِ إلَّا لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ» وَلِأَنَّهُ مَعْلُومٌ وُقُوعُهَا وَلَا بُدَّ مِنْ الْخُرُوجِ فِي بَعْضِهَا فَيَصِيرُ الْخُرُوجُ لَهَا مُسْتَثْنًى وَلَا يَمْكُثُ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الطَّهُورِ؛ لِأَنَّ مَا ثَبَتَ بِالضَّرُورَةِ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا وَأَمَّا الْجُمُعَةُ فَإِنَّهَا مِنْ أَهَمِّ حَوَائِجِهِ وَهِيَ مَعْلُومَةٌ وُقُوعَهَا وَيَخْرُجُ حِينَ تَزُولُ الشَّمْسُ؛ لِأَنَّ الْخِطَابَ يَتَوَجَّهُ بَعْدَهُ وَإِنْ كَانَ مَنْزِلُهُ بَعِيدًا عَنْهُ يَخْرُجُ فِي وَقْتٍ يُمْكِنُهُ إدْرَاكُهَا وَصَلَاةُ أَرْبَعٍ قَبْلَهَا وَرَكْعَتَانِ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ يُحَكِّمُ فِي ذَلِكَ رَأْيَهُ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي خُرُوجِهِ عَلَى إدْرَاكِ سَمَاعِ الْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ إنَّمَا تُصَلَّى قَبْلَ خُرُوجِ الْخَطِيبِ كَذَا قَالُوا مَعَ تَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّهُ إذَا شَرَعَ فِي الْفَرِيضَةِ حِينَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ أَجْزَأَهُ عَنْ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّ التَّحِيَّةَ تَحْصُلُ بِذَلِكَ فَلَا حَاجَةَ إلَى تَحِيَّةٍ غَيْرِهَا فِي تَحْقِيقِهَا وَكَذَا السُّنَّةُ فَمَا قَالُوهُ هُنَا مِنْ صَلَاةِ التَّحِيَّةِ وَيُصَلِّي بَعْدَهَا السُّنَّةَ أَرْبَعًا عَلَى قَوْلِهِ وَسِتًّا عَلَى قَوْلِهِمَا، وَلَوْ أَقَامَ فِي الْجَامِعِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَفْسُدْ اعْتِكَافُهُ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ الِاعْتِكَافِ إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ أَدَاءَهُ فِي مَسْجِدٍ وَاحِدٍ فَلَا يُتِمُّهُ فِي مَسْجِدَيْنِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَقَدْ ظَهَرَ بِمَا ذَكَرُوهُ هُنَا أَنَّ الْأَرْبَعَ الَّتِي تُصَلَّى بَعْدَ الْجُمُعَةِ وَيَنْوِي بِهَا آخِرَ ظُهْرٍ عَلَيْهِ لَا أَصْلَ لَهَا فِي الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُمْ نَصُّوا هُنَا عَلَى أَنَّ الْمُعْتَكِفَ لَا يُصَلِّي إلَّا السُّنَّةَ الْبَعْدِيَّةَ فَقَطْ وَلِأَنَّ مَنْ اخْتَارَهَا مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ فَإِنَّمَا اخْتَارَهَا لِلشَّكِّ فِي أَنَّ جُمُعَتَهُ سَابِقَةٌ، أَوْ لَا بِنَاءً عَلَى عَدَمِ جَوَازِ تَعَدُّدِهَا فِي مِصْرٍ وَاحِدٍ وَقَدْ نَصَّ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ عَلَى أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ جَوَازُ إقَامَتِهَا فِي مِصْرٍ وَاحِدٍ فِي مَسْجِدَيْنِ فَأَكْثَرَ قَالَ وَبِهِ نَأْخُذُ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهُوَ الْأَصَحُّ فَلَا يَنْبَغِي الْإِفْتَاءُ بِهَا فِي زَمَانِنَا لِمَا أَنَّهُمْ تَطَرَّقُوا مِنْهَا إلَى التَّكَاسُلِ عَنْ الْجُمُعَةِ بَلْ رُبَّمَا وَقَعَ عِنْدَهُمْ أَنَّ الْجُمُعَةَ لَيْسَتْ فَرْضًا وَأَنَّ الظُّهْرَ كَافٍ وَلَا خَفَاءَ فِي كُفْرِ مَنْ اعْتَقَدَ ذَلِكَ فَلِذَلِكَ نَبْهَت عَلَيْهَا مِرَارًا قَيَّدْنَا بِكَوْنِ الِاعْتِكَافِ وَاجِبًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ نَفْلًا فَلَهُ الْخُرُوجُ؛ لِأَنَّهُ مِنَّةٌ لَهُ لَا مُبْطِلٌ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَمُرَادُهُ بِمَنْعِ الْخُرُوجِ الْحُرْمَةُ يَعْنِي يَحْرُمُ عَلَى الْمُعْتَكِفِ الْخُرُوجُ لَيْلًا، أَوْ نَهَارًا صَرَّحَ بِالْحُرْمَةِ صَاحِبُ الْمُحِيطِ وَأَفَادَ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ لِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ الْمُطْلَقَةِ لِلْخُرُوجِ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَفِي الْمُحِيطِ، وَلَوْ أَحْرَمَ الْمُعْتَكِفُ بِحِجَّةٍ، أَوْ عُمْرَةٍ أَقَامَ فِي اعْتِكَافِهِ إلَى أَنْ يَفْرُغَ مِنْهُ ثُمَّ يَمْضِيَ فِي إحْرَامِهِ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَهُ إقَامَةُ الْأَمْرَيْنِ فَإِنْ خَافَ فَوْتَ الْحَجِّ يَدَعُ الِاعْتِكَافَ وَيَحُجُّ ثُمَّ يَسْتَقْبِلُ الِاعْتِكَافَ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ أَهَمُّ مِنْ الِاعْتِكَافِ؛ لِأَنَّهُ يَفُوتُ بِمُضِيِّ يَوْمِ عَرَفَةَ وَإِدْرَاكُهُ فِي سَنَةٍ أُخْرَى مَوْهُومٌ وَإِنَّمَا يَسْتَقْبِلُهُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْخُرُوجَ وَإِنْ وَجَبَ شَرْعًا فَإِنَّمَا وَجَبَ بِعَقْدِهِ وَإِيجَابِهِ وَعَقْدُهُ لَمْ يَكُنْ مَعْلُومَ الْوُقُوعِ فَلَا يَصِيرُ مُسْتَثْنًى عَنْ الِاعْتِكَافِ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَوْ خَرَجَ لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ ثُمَّ ذَهَبَ لِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ، أَوْ لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لِذَلِكَ قَصْدٌ فَإِنَّهُ جَائِزٌ بِخِلَافِ مَا إذَا خَرَجَ لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ وَمَكَثَ بَعْدَ فَرَاغَةِ أَنَّهُ يَنْتَقِضُ   [منحة الخالق] أَيْ تَنْزِيهًا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ قَبْلَهُ أَفْضَلُ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْبَدَائِعِ الْآتِي أَيْضًا. (قَوْلُهُ: وَرَكْعَتَانِ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ) قَالَ فِي الْفَتْحِ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ إذَا شَرَعَ فِي الْفَرِيضَةِ حِينَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّ التَّحِيَّةَ تَحْصُلُ بِذَلِكَ فَلَا حَاجَةَ إلَى غَيْرِهَا فِي تَحْقِيقِهَا وَكَذَا السُّنَّةُ فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ وَهِيَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ إمَّا ضَعِيفَةٌ أَوْ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ كَوْنَ الْوَقْتِ مِمَّا يَسَعُ فِيهِ السُّنَّةَ وَأَدَاءُ الْفَرْضِ بَعْدَ قَطْعِ الْمَسَافَةِ مِمَّا يُعْرَفُ تَخْمِينًا فَقَدْ يَدْخُلُ قَبْلَ الزَّوَالِ لِعَدَمِ مُطَابَقَةِ ظَنِّهِ وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَبْدَأَ بِالسُّنَّةِ فَيَبْدَأَ بِالتَّحِيَّةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَحَرَّى عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ؛ لِأَنَّهُ قَلَّمَا يَصْدُقُ الْحَزْرُ اهـ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُجْتَبَى تَضْعِيفُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ حَيْثُ قَالَ وَيُصَلِّي قَبْلَهَا أَرْبَعًا قِيلَ وَرَكْعَتَانِ أَيْضًا تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ وَفِي حَاشِيَةِ الرَّمْلِيِّ عَنْ خَطِّ الْمَقْدِسِيَّ لَا شَكَّ أَنَّ صَلَاةَ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ وَالسُّنَّةِ بِالِاسْتِقْلَالِ أَفْضَلُ مِنْ الْإِتْيَانِ بِهَا فِي ضِمْنِ فَرْضٍ يُؤَدَّى وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَنْ يَعْتَكِفُ وَيُلَازِمُ بَابَ الْكَرِيمِ إنَّمَا يَرُومُ مَا يُوجِبُ لَهُ مَزِيدَ التَّفْضِيلِ وَالتَّكْرِيمِ (قَوْلُهُ: وَقَدْ ظَهَرَ بِمَا ذَكَرُوهُ إلَخْ) فِي هَذَا الظُّهُورِ خَفَاءٌ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ التَّعَدُّدَ لِلْجُمُعَةِ فِي مِصْرٍ غَيْرُ لَازِمٍ فَلْيَكُنْ مَا ذَكَرُوهُ مَبْنِيًّا عَلَى مَا هُوَ الْأَصْلُ مِنْ عَدَمِ التَّعَدُّدِ وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا فِي مَسْجِدِ الْجُمُعَةِ بَلْ لَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا فِي مُعْتَكَفِهِ بَلْ هُوَ أَوْلَى وَكَوْنُ الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ جَوَازُ تَعَدُّدِ الْجُمُعَةِ لَا يُنَافِي اسْتِحْبَابَ تِلْكَ الْأَرْبَعِ بَعْدَهَا لِمُرَاعَاةِ الْخِلَافِ وَقَدْ قَدَّمْنَا عَنْ النَّهْرِ وَغَيْرِهِ التَّصْرِيحَ بِاسْتِحْبَابِهَا وَأَنَّهُ مِمَّا لَا شَكَّ فِيهِ فَرَاجِعْهُ فِي الْجُمُعَةِ وَكَوْنُ الْأَوْلَى عَدَمُ الْإِفْتَاءِ بِهَا فِي زَمَانِنَا لِمَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مِنْ الضَّرَرِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمُ الْإِتْيَانِ بِهَا مِمَّنْ لَا يُخْشَى مِنْهُ ذَلِكَ كَمَا مَرَّ مَبْسُوطًا عَنْ الْمَقْدِسِيَّ وَغَيْرِهِ ثُمَّ رَأَيْت الْعَلَّامَةَ الْمَقْدِسِيَّ اعْتَرَضَهُ فِي شَرْحِهِ بِوَجْهَيْنِ أَحَدِهِمَا أَنَّهُ لَيْسَ بَابَ تِلْكَ الْأَرْبَعِ الْمَعْقُودَ لِبَيَانِ أَحْكَامِهَا الثَّانِي أَنَّ عَدَمَ ذِكْرِهِمْ بِنَاءً عَلَى وُقُوعِ الْجُمُعَةِ صَحِيحَةً مُسْتَجْمِعَةً لِشَرَائِطِهَا بِيَقِينٍ كَمَا هُوَ الْأَصْلُ إذَا صُلِّيَتْ وَالْإِتْيَانُ لِأَرْبَعٍ عِنْدَ وُقُوعِ شَكٍّ وَاحْتِمَالٍ اهـ. وَهَذَا مَا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلًا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 325 اعْتِكَافُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ قَلَّ، أَوْ كَثُرَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَنْتَقِضُ مَا لَمْ يَكُنْ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ يَوْمٍ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ خَرَجَ سَاعَةً بِلَا عُذْرٍ فَسَدَ) لِوُجُودِ الْمُنَافِي فَشَمِلَ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا لَا يَفْسُدُ إلَّا بِأَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ يَوْمٍ وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ؛ لِأَنَّ فِي الْقَلِيلِ ضَرُورَةً كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَهُوَ يَقْتَضِي تَرْجِيحَ قَوْلِهِمَا وَرَجَّحَ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ قَوْلَهُ؛ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ الَّتِي يُنَاطُ بِهَا التَّخْفِيفُ اللَّازِمَةُ أَوْ الْغَالِبَةُ وَلَيْسَ هُنَا كَذَلِكَ وَأَرَادَ بِالْعُذْرِ مَا يَغْلِبُ وُقُوعُهُ كَالْمَوَاضِعِ الَّتِي قَدَّمَهَا وَإِلَّا لَوْ أُرِيدَ مُطْلَقُهُ لَكَانَ الْخُرُوجُ نَاسِيًا أَوْ مُكْرَهًا غَيْرَ مُفْسِدٍ لِكَوْنِهِ عُذْرًا شَرْعِيًّا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ مُفْسِدٌ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ ظَهَرَ الْقَوْلُ بِفَسَادِهِ إذَا خَرَجَ لِانْهِدَامِ الْمَسْجِدِ، أَوْ لِتَفَرُّقِ أَهْلِهِ، أَوْ أَخْرَجَهُ ظَالِمٌ، أَوْ خَافَ عَلَى مَتَاعِهِ كَمَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَالظَّهِيرِيَّةِ خِلَافًا لِلشَّارِحِ الزَّيْلَعِيِّ، أَوْ خَرَجَ لِجِنَازَةٍ وَإِنْ تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ، أَوْ لِنَفِيرٍ عَامٍّ، أَوْ لِأَدَاءِ شَهَادَةٍ، أَوْ لِعُذْرِ الْمَرَضِ، أَوْ لِإِنْقَاذِ غَرِيقٍ، أَوْ حَرِيقٍ فَفَرَّقَ الشَّارِحُ هُنَا بَيْنَ الْمَسَائِلِ حَيْثُ جَعَلَ بَعْضَهَا مُفْسِدًا وَالْبَعْضَ لَا تَبَعًا لِصَاحِبِ الْبَدَائِعِ مِمَّا لَا يَنْبَغِي نَعَمْ الْكُلُّ عُذْرٌ مُسْقِطٌ لِلْإِثْمِ بَلْ قَدْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِفْسَادُ إذَا تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ، أَوْ أَدَاءُ الشَّهَادَةِ بِأَنْ كَانَ يَنْوِي حَقَّهُ إنْ لَمْ يَشْهَدْ، أَوْ لِإِنْجَاءِ غَرِيقٍ وَنَحْوِهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي مَا ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ فِي كَافِيهِ بِقَوْلِهِ فَأَمَّا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَاعْتِكَافُهُ فَاسِدٌ إذَا خَرَجَ سَاعَةً لِغَيْرِ غَائِطٍ، أَوْ بَوْلٍ، أَوْ جُمُعَةٍ. اهـ. فَكَانَ مُفَسِّرًا لِلْعُذْرِ الْمُسْقِطِ لِلْفَسَادِ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ والْوَلْوَالِجِيِّ وَصُعُودُ الْمِئْذَنَةِ إنْ كَانَ بَابُهَا فِي الْمَسْجِدِ لَا يَفْسُدُ الِاعْتِكَافُ وَإِنْ كَانَ الْبَابُ خَارِجَ الْمَسْجِدِ فَكَذَلِكَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ قَالَ بَعْضُهُمْ هَذَا فِي الْمُؤَذِّنِ؛ لِأَنَّ خُرُوجَهُ لِلْآذَانِ يَكُونُ مُسْتَثْنًى عَنْ الْإِيجَابِ أَمَّا فِي غَيْرِ الْمُؤَذِّنِ فَيَفْسُدُ الِاعْتِكَافُ وَالصَّحِيحُ أَنَّ هَذَا قَوْلُ الْكُلِّ فِي حَقِّ الْكُلِّ لِأَنَّهُ خَرَجَ لِإِقَامَةِ سُنَّةِ الصَّلَاةِ وَسُنَّتُهَا تُقَامُ فِي مَوْضِعِهَا فَلَا تُعْتَبَرُ خَارِجًا. اهـ. وَفِي التَّبْيِينِ، وَلَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ مُعْتَكِفَةً فِي الْمَسْجِدِ فَطَلُقَتْ لَهَا أَنْ تَرْجِعَ إلَى بَيْتِهَا وَتَبْنِي عَلَى اعْتِكَافِهَا. اهـ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُفْسِدًا عَلَى مَا اخْتَارَهُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ لَا يَغْلِبُ وُقُوعُهُ وَأَرَادَ بِالْخُرُوجِ انْفِصَالَ قَدَمَيْهِ احْتِرَازًا عَمَّا إذَا خَرَجَ رَأْسُهُ إلَى دَارِهِ فَإِنَّهُ لَا يَفْسُدُ اعْتِكَافُهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِخُرُوجٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْ الدَّارِ فَفَعَلَ ذَلِكَ لَا يَحْنَثُ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْفَسَادَ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا فِي الْوَاجِبِ وَإِذَا فَسَدَ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ بِالصَّوْمِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ جَبْرًا لِمَا فَاتَهُ إلَّا فِي الرِّدَّةِ خَاصَّةً غَيْرَ أَنَّ الْمَنْذُورَ بِهِ إنْ كَانَ اعْتِكَافَ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ يَقْضِي قَدْرَ مَا فَسَدَ لَا غَيْرُ وَلَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِقْبَالُ كَالصَّوْمِ الْمَنْذُورِ بِشَهْرٍ بِعَيْنِهِ إذَا أَفْطَرَ يَوْمًا وَجَبَ قَضَاؤُهُ لَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِقْبَالُ كَمَا فِي صَوْمِ رَمَضَانَ وَإِنْ كَانَ اعْتِكَافَ شَهْرٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ يَلْزَمُهُ الِاسْتِقْبَالُ؛ لِأَنَّهُ لَزِمَهُ مُتَتَابِعًا فَيُرَاعَى فِيهِ صِفَةُ التَّتَابُعِ وَسَوَاءٌ فَسَدَ بِصُنْعِهِ بِغَيْرِ عُذْرٍ كَالْخُرُوجِ وَالْجِمَاعِ وَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فِي النَّهَارِ إلَّا الرِّدَّةَ، أَوْ فَسَدَ بِصُنْعِهِ لِعُذْرٍ كَمَا إذَا مَرِضَ فَاحْتَاجَ إلَى الْخُرُوجِ فَخَرَجَ، أَوْ بِغَيْرِ صُنْعِهِ رَأْسًا كَالْحَيْضِ وَالْجُنُونِ وَالْإِغْمَاءِ الطَّوِيلِ وَالْقِيَاسُ فِي الْجُنُونِ الطَّوِيلِ أَنْ يُسْقِطَ الْقَضَاءَ كَمَا فِي صَوْمِ رَمَضَانَ إلَّا أَنَّ فِي الِاسْتِحْسَانِ يَقْضِي؛ لِأَنَّهُ لَا حَرَجَ فِي قَضَاءِ الِاعْتِكَافِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَبِهَذَا عُلِمَ أَنْ مُفْسِدَاتِهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ وَلَا يُفْسِدُ الِاعْتِكَافَ سِبَابٌ وَلَا جِدَالٌ وَلَا سُكْرٌ فِي اللَّيْلِ (قَوْلُهُ: وَأَكْلُهُ وَشُرْبُهُ وَنَوْمُهُ وَمُبَايَعَتُهُ فِيهِ) يَعْنِي يَفْعَلُ الْمُعْتَكِفُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ فِي الْمَسْجِدِ فَإِنْ خَرَجَ لِأَجْلِهَا بَطَلَ اعْتِكَافُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ إلَى الْخُرُوجِ حَيْثُ جَازَتْ فِيهِ وَالْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ وَقِيلَ يَخْرُجُ بَعْدَ الْغُرُوبِ وَلِلْأَكْلِ وَالشُّرْبِ. اهـ. وَيَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَجِدْ مَنْ يَأْتِي لَهُ بِهِ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ مِنْ الْحَوَائِجِ الضَّرُورِيَّةِ كَالْبَوْلِ وَالْغَائِطِ وَأَرَادَ بِالْمُبَايَعَةِ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ وَهُوَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ وَأَشَارَ بِالْمُبَايَعَةِ إلَى كُلِّ عَقْدٍ احْتَاجَ إلَيْهِ فَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ وَيُرَاجِعَ كَمَا فِي.   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 326 الْبَدَائِعِ وَأَطْلَقَ الْمُبَايَعَةَ فَشَمِلَتْ مَا إذَا كَانَتْ لِلتِّجَارَةِ وَقَيَّدَهُ فِي الذَّخِيرَةِ بِمَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ كَالطَّعَامِ أَمَّا إذَا أَرَادَ أَنْ يَتَّخِذَ ذَلِكَ مَتْجَرًا فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ وَإِنْ لَمْ يُحْضِرْ السِّلْعَةَ وَاخْتَارَهُ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ وَرَجَّحَهُ الشَّارِحُ؛ لِأَنَّهُ مُنْقَطِعٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَشْتَغِلَ بِأُمُورِ الدُّنْيَا وَقَيَّدَ بِالْمُعْتَكِفِ؛ لِأَنَّ غَيْرَهُ يُكْرَهُ لَهُ الْبَيْعُ مُطْلَقًا لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فِي الْمَسْجِدِ وَكَذَا كُرِهَ فِيهِ التَّعْلِيمُ وَالْكِتَابَةُ وَالْخِيَاطَةُ بِأَجْرٍ وَكُلُّ شَيْءٍ يُكْرَهُ فِيهِ كُرِهَ فِي سَطْحِهِ وَاسْتَثْنَى الْبَزَّازِيُّ مِنْ كَرَاهَةِ التَّعْلِيمِ بِأَجْرٍ فِيهِ أَنْ يَكُونَ لِضَرُورَةِ الْحِرَاسَةِ وَيُكْرَهُ لِغَيْرِهِ النَّوْمُ فِيهِ وَقِيلَ إذَا كَانَ غَرِيبًا فَلَا بَأْسَ أَنْ يَنَامَ فِيهِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْأَكْلُ وَالشُّرْبُ كَالنَّوْمِ وَفِي الْبَدَائِعِ وَإِنْ غَسَلَ الْمُعْتَكِفُ رَأْسَهُ فِي الْمَسْجِدِ فَلَا بَأْسَ بِهِ إذَا لَمْ يُلَوَّثْ بِالْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ فَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ يَتَلَوَّثُ الْمَسْجِدُ يُمْنَعُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ تَنْظِيفَ الْمَسْجِدِ وَاجِبٌ، وَلَوْ تَوَضَّأَ فِي الْمَسْجِدِ فِي إنَاءٍ فَهُوَ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ. اهـ. بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُعْتَكِفِ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ لَهُ التَّوَضُّؤُ فِي الْمَسْجِدِ، وَلَوْ فِي إنَاءٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَوْضِعًا اُتُّخِذَ لِذَلِكَ لَا يُصَلَّى فِيهِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ خِصَالٌ لَا تَنْبَغِي فِي الْمَسْجِدِ «لَا يُتَّخَذُ طَرِيقًا وَلَا يُشْهَرُ فِيهِ سِلَاحٌ وَلَا يُنْبَضُ فِيهِ بِقَوْسٍ وَلَا يُنْثَرُ فِيهِ نَبْلٌ وَلَا يُمَرُّ فِيهِ بِلَحْمٍ نَيْءٍ وَلَا يُضْرَبُ فِيهِ حَدٌّ وَلَا يُتَّخَذُ سُوقًا رَوَاهُ» ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. (قَوْلُهُ: وَكُرِهَ إلَّا بِخَيْرٍ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْمَسْجِدَ مُحْرَزٌ عَنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ وَفِيهِ شَغْلُهُ بِهَا وَلِهَذَا قَالُوا لَا يَجُوزُ غَرْسُ الْأَشْجَارِ فِيهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَحْرِيمِيَّةٌ؛ لِأَنَّهَا مَحَلُّ إطْلَاقِهِمْ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَوَّلَ الزَّكَاةِ وَدَلَّ تَعْلِيلُهُمْ أَنَّ الْمَبِيعَ لَوْ كَانَ لَا يَشْغَلُ الْبُقْعَةَ لَا يُكْرَهُ إحْضَارُهُ كَدَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ يَسِيرَةٍ، أَوْ كِتَابٍ وَنَحْوِهِ وَأَفَادَ الْإِطْلَاقُ أَنَّ إحْضَارَ الطَّعَامِ الْمَبِيعِ الَّذِي يَشْتَرِيهِ لِيَأْكُلَهُ مَكْرُوهٌ وَيَنْبَغِي عَدَمُ كَرَاهَتِهِ كَمَا لَا يَخْفَى وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ الصَّمْتُ فَالْمُرَادُ بِهِ تَرْكُ التَّحَدُّثِ مَعَ النَّاسِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَقَدْ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْهُ وَقَالُوا إنَّ صَوْمَ الصَّمْتِ مِنْ فِعْلِ الْمَجُوسِ لَعَنَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى وَخَصَّهُ الْإِمَامُ حَمِيدُ الدِّينِ الضَّرِيرُ بِمَا إذَا اعْتَقَدَهُ قُرْبَةً أَمَّا إذَا لَمْ يَعْتَقِدْهُ قُرْبَةً فَلَا يُكْرَهُ لِلْحَدِيثِ «مَنْ صَمَتَ نَجَا» وَأَمَّا الثَّالِثُ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَتَكَلَّمُ إلَّا بِخَيْرٍ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الإسراء: 53] وَهُوَ بِعُمُومِهِ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَتَكَلَّمَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ إلَّا بِخَيْرٍ فَالْمَسْجِدُ أَوْلَى كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَفِي التَّبْيِينِ وَأَمَّا التَّكَلُّمُ بِغَيْرِ خَيْرٍ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ لِغَيْرِ الْمُعْتَكِفِ فَمَا ظَنُّك لِلْمُعْتَكِفِ. اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْخَيْرِ هُنَا مَا لَا إثْمَ فِيهِ فَيَشْمَلُ الْمُبَاحَ وَبِغَيْرِ الْخَيْرِ مَا فِيهِ إثْمٌ وَالْأَوْلَى تَفْسِيرُهُ بِمَا فِيهِ ثَوَابٌ يَعْنِي أَنَّهُ يُكْرَهُ لِلْمُعْتَكِفِ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِالْمُبَاحِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ وَلِهَذَا قَالُوا الْكَلَامُ الْمُبَاحُ فِي الْمَسْجِدِ مَكْرُوهٌ يَأْكُلُ الْحَسَنَاتِ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ صَرَّحَ بِهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ قُبَيْلَ بَابِ الْوِتْرِ لَكِنْ قَالَ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَحَدَّثَ بِمَا لَا إثْمَ فِيهِ وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ لَكِنَّهُ يَتَجَانَبُ مَا يَكُونُ مَأْثَمًا وَالظَّاهِرُ مَا ذَكَرْنَاهُ كَمَا لَا يَخْفَى قَالُوا وَيُلَازِمُ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ وَالْعِلْمَ وَالتَّدْرِيسَ وَسِيَرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَصَصَ الْأَنْبِيَاءِ وَحِكَايَاتِ الصَّالِحِينَ وَكِتَابَةَ أُمُورِ الدِّينِ. (قَوْلُهُ: وَيَحْرُمُ الْوَطْءُ وَدَوَاعِيهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187] ؛ لِأَنَّ الْمُبَاشَرَةَ تَصْدُقُ عَلَى الْوَطْءِ وَدَوَاعِيهِ فَيُفِيدُ تَحْرِيمَ كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْمُبَاشَرَةِ جِمَاعٍ، أَوْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي سِيَاقِ النَّهْيِ فَيُفِيدُ الْعُمُومَ وَالْمُرَادُ بِدَوَاعِيهِ الْمَسُّ وَالْقُبْلَةُ وَهُوَ كَالْحَجِّ وَالِاسْتِبْرَاءِ وَالظِّهَارِ لَمَّا حَرُمَ الْوَطْءُ لَهَا حَرُمَ دَوَاعِيهِ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْوَطْءِ ثَبَتَتْ بِصَرِيحِ النَّهْيِ فَقَوِيَتْ فَتَعَدَّتْ إلَى الدَّوَاعِي أَمَّا فِي الْحَجِّ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلا رَفَثَ} [البقرة: 197] وَأَمَّا فِي الِاسْتِبْرَاءِ فَلِلْحَدِيثِ «لَا تُنْكَحُ الْحَبَالَى حَتَّى يَضَعْنَ وَلَا الْحَيَالَى حَتَّى يَسْتَبْرِئْنَ بِحَيْضَةٍ» وَأَمَّا فِي الظِّهَارِ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] بِخِلَافِ الْحَيْضِ وَالصَّوْمِ حَيْثُ لَا تَحْرُمُ الدَّوَاعِي فِيهِمَا؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يُكْرَهُ لَهُ التَّوَضُّؤُ فِي الْمَسْجِدِ وَلَوْ فِي إنَاءٍ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَدَّمَ الشَّارِحُ فِي بَحْثِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ نَقْلًا عَنْ قَاضِي خَانْ أَنَّ الْوُضُوءَ فِيهِ فِي إنَاءٍ جَائِزٌ عِنْدَهُمْ فَرَاجِعْهُ. (قَوْلُهُ: وَدَلَّ تَعْلِيلُهُمْ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ مُقْتَضَى التَّعْلِيلِ الْأَوَّلِ الْكَرَاهَةُ وَإِنْ لَمْ يَشْغَلْ وَقَوْلُهُ وَأَفَادَ إطْلَاقُهُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ كَلَامَهُ مُتَنَاوِلٌ لِغَيْرِ مَا يَأْكُلُهُ بِنَاءً عَلَى مَا مَرَّ مِنْ إطْلَاقِ الْمُبَايَعَةِ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهَا مُقَيَّدَةٌ بِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ يُكْرَهُ لَهُ إحْضَارُ السِّلْعَةِ فِيهِ (قَوْلُهُ: وَالْأَوْلَى تَفْسِيرُهُ بِمَا فِيهِ ثَوَابٌ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ مَا لَيْسَ بِمَأْثَمٍ فَهُوَ خَيْرٌ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْخَيْرَ عِبَارَةٌ عَنْ الْمَشْيِ الْحَاصِلِ لِمَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَكُونَ حَاصِلًا لَهُ إذَا كَانَ مُؤَثِّرًا وَالتَّكَلُّمُ بِالْمُبَاحِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ كَذَلِكَ اسْتَظْهَرَهُ فِي النَّهْرِ وَقَالَ إنَّهُ لَيْسَ بِخَيْرٍ عِنْدَ عَدَمِهَا وَهُوَ مَحْمَلُ مَا فِي الْفَتْحِ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ فِي الْمَسْجِدِ يَأْكُلُ الْحَسَنَاتِ إلَخْ قَالَ وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي الْبَحْرِ اهـ. عَلَى أَنَّهُ قَدْ ذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ قُبَيْلَ الْوِتْرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ تَقْيِيدَ الْكَرَاهَةِ بِأَنْ يَجْلِسَ لِأَجْلِهِ وَقَالَ يَنْبَغِي تَقْيِيدُ مَا فِي الْفَتْحِ بِهِ وَفِي الْمِعْرَاجِ عَنْ شَرْحِ الْإِرْشَادِ لَا بَأْسَ فِي الْحَدِيثِ فِي الْمَسْجِدِ إذَا كَانَ قَلِيلًا فَأَمَّا أَنْ يُقْصَدَ الْمَسْجِدُ لِلْحَدِيثِ فِيهِ فَلَا. (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْوَطْءِ لَمْ تَثْبُتْ بِصَرِيحِ النَّهْيِ) تَبِعَ فِي ذَلِكَ الْفَتْحَ وَفِيهِ نَظَرٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْحَيْضِ فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي قَوْله تَعَالَى {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] وَفِي النَّهْرِ عَنْ الْعِنَايَةِ أَنَّهُ قَصْدِيٌّ قَالَ وَفِي الْغَايَةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 327 الْوَطْءِ لَمْ تَثْبُتْ بِصَرِيحِ النَّهْيِ وَلِكَثْرَةِ الْوُقُوعِ فَلَوْ حَرُمَ الدَّوَاعِي لَزِمَ الْحَرَجُ وَهُوَ مَدْفُوعٌ وَلِأَنَّ النَّصَّ فِي الْحَيْضِ مَعْلُولٌ بَعْلَة الْأَذَى وَهُوَ لَا يُوجَدُ فِي الدَّوَاعِي (قَوْلُهُ وَيَبْطُلُ بِوَطْئِهِ) ؛ لِأَنَّهُ مَحْذُورٌ بِالنَّصِّ فَكَانَ مُفْسِدًا لَهُ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا نَهَارًا، أَوْ لَيْلًا أَنْزَلَ، أَوْ لَا بِخِلَافِ الصَّوْمِ إذَا كَانَ نَاسِيًا وَالْفَرْقُ أَنَّ حَالَةَ الْمُعْتَكِفِ مُذَكِّرَةٌ كَحَالَةِ الْإِحْرَامِ وَالصَّلَاةِ وَحَالَةَ الصَّائِمِ غَيْرُ مُذَكِّرَةٍ وَقَيَّدَ بِالْوَطْءِ؛ لِأَنَّ الْجِمَاعَ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ أَوْ التَّقْبِيلَ، أَوْ اللَّمْسَ لَا يُفْسِدُ إلَّا إذَا أَنْزَلَ وَإِنْ أَمْنَى بِالتَّفَكُّرِ أَوْ النَّظَرِ لَا يَفْسُدُ اعْتِكَافُهُ وَإِنْ أَكَلَ، أَوْ شَرِبَ لَيْلًا لَمْ يَفْسُدْ اعْتِكَافُهُ وَإِنْ أَكَلَ نَهَارًا فَإِنْ عَامِدًا فَسَدَ لِفَسَادِ الصَّوْمِ وَإِنْ نَاسِيًا لَا لِبَقَاءِ الصَّوْمِ وَالْأَصْلُ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ مَحْظُورَاتِ الِاعْتِكَافِ وَهُوَ مَا مُنِعَ عَنْهُ لِأَجْلٍ الِاعْتِكَافِ لَا لِأَجْلٍ الصَّوْمِ لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ الْعَمْدُ وَالسَّهْوُ وَالنَّهَارُ وَاللَّيْلُ كَالْجِمَاعِ وَالْخُرُوجِ وَمَا كَانَ مِنْ مَحْظُورَاتِ الصَّوْمِ وَهُوَ مَانِعٌ عَنْهُ لِأَجْلٍ الصَّوْمِ يَخْتَلِفُ فِيهِ الْعَمْدُ وَالسَّهْوُ وَالنَّهَارُ وَاللَّيْلُ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ. (قَوْلُهُ: وَلَزِمَهُ اللَّيَالِيُ بِنَذْرِ اعْتِكَافِ أَيَّامٍ) كَقَوْلِهِ بِلِسَانِهِ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ ثَلَاثِينَ يَوْمًا؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الْأَيَّامِ عَلَى سَبِيلِ الْجَمْعِ يَتَنَاوَلُ مَا بِإِزَائِهَا مِنْ اللَّيَالِيِ يُقَالُ مَا رَأَيْتُك مُنْذُ أَيَّامٍ وَالْمُرَادُ بِلَيَالِيِهَا وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْأَيَّامُ بِنَذْرِ اعْتِكَافِ اللَّيَالِيِ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ أَحَدِ الْعَدَدَيْنِ عَلَى طَرِيقِ الْجَمْعِ يَنْتَظِمُ مَا بِإِزَائِهِ مِنْ الْعَدَدِ الْآخَرِ لِقِصَّةِ زَكَرِيَّا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَإِنَّهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {قَالَ آيَتُكَ أَلا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلا رَمْزًا} [آل عمران: 41] وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى {قَالَ آيَتُكَ أَلا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا} [مريم: 10] وَالْقِصَّةُ وَاحِدَةٌ وَالرَّمْزُ الْإِشَارَةُ بِالْيَدِ أَوْ بِالرَّأْسِ، أَوْ بِغَيْرِهِمَا وَهَذَا عِنْدَ نِيَّتِهِمَا، أَوْ عَدَمِ النِّيَّةِ أَمَّا لَوْ نَوَى فِي الْأَيَّامِ النَّهَارَ خَاصَّةً صَحَّتْ نِيَّتُهُ؛ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا نَوَى بِالْأَيَّامِ اللَّيَالِيَ خَاصَّةً لَمْ تَعْمَلْ نِيَّتُهُ وَلَزِمَهُ اللَّيَالِيُ وَالنَّهَارُ؛ لِأَنَّهُ نَوَى مَا لَا يَحْتَمِلُهُ كَلَامُهُ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ كَمَا إذَا نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ شَهْرًا وَنَوَى النَّهَارَ خَاصَّةً، أَوْ اللَّيْلَ خَاصَّةً لَا تَصِحُّ نِيَّتُهُ؛ لِأَنَّ الشَّهْرَ اسْمٌ لِعَدَدٍ مُقَدَّرٍ مُشْتَمِلٍ عَلَى الْأَيَّامِ وَاللَّيَالِيِ فَلَا يَحْتَمِلُ مَا دُونَهُ إلَّا أَنْ يُصَرِّحَ وَيَقُولَ شَهْرًا بِالنَّهَارِ لَزِمَهُ كَمَا قَالَ أَوْ يَسْتَثْنِيَ وَيَقُولَ إلَّا اللَّيَالِيَ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ تَكَلُّمٌ بِالْبَاقِي بَعْدَ الثُّنْيَا فَكَأَنَّهُ قَالَ ثَلَاثِينَ نَهَارًا، وَلَوْ نَذَرَ ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَنَوَى اللَّيَالِيَ خَاصَّةً صَحَّ؛ لِأَنَّهُ نَوَى الْحَقِيقَةَ وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ اللَّيَالِيَ لَيْسَتْ مَحَلًّا لِلصَّوْمِ كَذَا فِي الْكَافِي وَكَذَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ شَهْرًا وَاسْتَثْنَى الْأَيَّامَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْبَاقِيَ اللَّيَالِيُ الْمُجَرَّدَةُ وَلَا يَصِحُّ فِيهَا لِمُنَافَاتِهَا شَرْطَهُ وَهُوَ الصَّوْمُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ قَيَّدْنَا كَوْنَهُ نَذَرَ بِلِسَانِهِ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ نِيَّةِ الْقَلْبِ لَا يَلْزَمُهُ بِهَا شَيْءٌ (قَوْلُهُ وَلَيْلَتَانِ بِنَذْرِ يَوْمَيْنِ) يَعْنِي لَزِمَهُ اعْتِكَافُ لَيْلَتَيْنِ مَعَ يَوْمَيْهِمَا إذَا نَذَرَ اعْتِكَافَ يَوْمَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمُثَنَّى كَالْجَمْعِ فَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إمَّا أَنْ يَأْتِيَ بِلَفْظِ الْمُفْرَدِ، أَوْ الْمُثَنَّى أَوْ الْمَجْمُوعِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا إمَّا أَنْ يَكُونَ الْيَوْمَ، أَوْ اللَّيْلَ فَهِيَ سِتَّةٌ وَكُلٌّ مِنْهَا إمَّا أَنْ يَنْوِيَ الْحَقِيقَةَ، أَوْ الْمَجَازَ، أَوْ يَنْوِيَهُمَا، أَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَهِيَ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ وَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُ الْمَجْمُوعِ وَالْمُثَنَّى بِأَقْسَامِهِمَا بَقِيَ حُكْمُ الْمُفْرَدِ فَإِنْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ يَوْمًا فَقَطْ سَوَاءٌ نَوَاهُ أَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ وَلَا يَدْخُلُ لَيْلَتُهُ وَيَدْخُلُ الْمَسْجِدَ قَبْلَ الْفَجْرِ وَيَخْرُجُ بَعْدَ الْغُرُوبِ فَإِنْ نَوَى اللَّيْلَةَ مَعَهُ لَزِمَاهُ، وَلَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ لَيْلَةٍ لَمْ يَصِحَّ سَوَاءٌ كَانَ نَوَاهَا فَقَطْ، أَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَإِنْ نَوَى الْيَوْمَ مَعَهَا لَمْ يَصِحَّ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ لَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ لَيْلَةٍ وَنَوَى الْيَوْمَ لَزِمَهُ الِاعْتِكَافُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ وَلَا مُعَارَضَةَ لِمَا فِي   [منحة الخالق] وَصَرِيحُ النَّهْيِ فِي الْحَيْضِ كَالِاعْتِكَافِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَحْرُمَ الدَّوَاعِي اهـ. فَالْأَوْلَى الِاقْتِصَارُ عَلَى مَا بَعْدَهُ. (قَوْلُهُ: كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ) أَيْ قُبَيْلَ قَوْلِهِ وَأَقَلُّهُ نَفْلًا سَاعَةٌ قَالَ الرَّمْلِيُّ تَقَدَّمَ قَرِيبًا أَنَّهُ لَوْ نَوَى اعْتِكَافَ يَوْمٍ وَنَوَى اللَّيْلَةَ مَعَهُ لَزِمَاهُ فَمَا الْفَرْقُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْفَرْقَ وَهُوَ كَوْنُ الْيَوْمِ عُرْفًا قَدْ يَسْتَتْبِعُ اللَّيْلَةَ لَا عَكْسُهُ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ اخْتِلَافَ الرِّوَايَةِ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ الذَّخِيرَةِ وَلَوْ نَوَى اعْتِكَافَ لَيْلَةٍ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَإِنْ نَوَى الْيَوْمَ مَعَهَا لَا تَصِحُّ نِيَّتُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَلْزَمُ وَيَصِيرُ تَقْدِيرُ الْمَسْأَلَةِ كَأَنَّهُ قَالَ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً بِيَوْمِهَا اهـ. قُلْت وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْفَرْقَ غَيْرُ مَا قَالَهُ وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ الْيَوْمَ وَحْدَهُ صَحَّ نَذْرُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ نَذَرَ اللَّيْلَةَ وَحْدَهَا فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْ أَصْلِهِ فَلَا يَصِحُّ فِيمَا يَتْبَعُهَا أَيْضًا تَدَبَّرْ (قَوْلُهُ: وَلَا مُعَارَضَةَ لِمَا فِي الْكِتَابَيْنِ إلَخْ) بَيَانُهُ أَنَّهُ فِي الْأُولَى لَمَّا جَعَلَ الْيَوْمَ تَبَعًا لِلَّيْلَةِ وَقَدْ بَطَلَ نَذْرُهُ فِي الْمَتْبُوعِ وَهُوَ اللَّيْلَةُ بَطَلَ فِي التَّابِعِ وَهُوَ الْيَوْمُ وَفِي الثَّانِيَةِ أَطْلَقَ اللَّيْلَةَ وَأَرَادَ الْيَوْمَ مَجَازًا مُرْسَلًا بِمَرَّتَيْنِ حَيْثُ اسْتَعْمَلَ الْمُقَيَّدَ وَهُوَ اللَّيْلَةُ فِي مُطْلَقِ الزَّمَنِ ثُمَّ اسْتَعْمَلَ هَذَا الْمُطْلَقَ فِي الْمُقَيَّدِ وَهُوَ الْيَوْمُ فَكَانَ الْيَوْمُ مَقْصُودًا قَالَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 328 الْكِتَابَيْنِ؛ لِأَنَّ مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ إنَّمَا هُوَ أَنَّهُ نَوَى الْيَوْمَ مَعَهَا وَهُنَا نَوَى بِاللَّيْلَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ وَفِي الْكَافِي وَمَتَى دَخَلَ فِي اعْتِكَافِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ فَابْتِدَاؤُهُ مِنْ اللَّيْلِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ كُلَّ لَيْلَةٍ تَتْبَعُ الْيَوْمَ الَّذِي بَعْدَهَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُصَلِّي التَّرَاوِيحَ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ وَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ شَوَّالٍ وَفِي فَتَاوَى الْوَلْوَالِجِيِّ مِنْ كِتَابِ الْأُضْحِيَّةَ اللَّيْلَةُ فِي كُلِّ وَقْتٍ تَبَعٌ لِنَهَارٍ يَأْتِي إلَّا فِي أَيَّامِ الْأَضْحَى تَبَعٌ لِنَهَارِ مَا مَضَى رِفْقًا بِالنَّاسِ. اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ وَاللَّيَالِيُ كُلُّهَا تَابِعَةٌ لِلْأَيَّامِ الْمُسْتَقْبَلَةِ لَا لِلْأَيَّامِ الْمَاضِيَةِ إلَّا فِي الْحَجِّ فَإِنَّهَا فِي حُكْمِ الْأَيَّامِ الْمَاضِيَةِ فَلَيْلَةُ عَرَفَةَ تَابِعَةٌ لِيَوْمِ التَّرْوِيَةِ وَلَيْلَةُ النَّحْرِ تَابِعَةٌ لِيَوْمِ عَرَفَةَ. اهـ. فَتَحْصُلُ أَنَّهَا تَبَعٌ لِمَا يَأْتِي إلَّا فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ} [يس: 40] فَقَالَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيّ فِي تَفْسِيرِهِ إنَّ سُلْطَانَ اللَّيْلِ وَهُوَ الْقَمَرُ لَيْسَ يَسْبِقُ الشَّمْسَ وَهِيَ سُلْطَانُ النَّهَارِ وَقِيلَ تَفْسِيرُهُ اللَّيْلُ لَا يَدْخُلُ وَقْتَ النَّهَارِ وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِي بَيَانِ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ فَرَاجِعْهُ فَعَلَى هَذَا إذَا ذَكَرَ الْمُثَنَّى، أَوْ الْمَجْمُوعَ يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ قَبْلَ الْغُرُوبِ وَيَخْرُجُ بَعْدَ الْغُرُوبِ مِنْ آخِرِ يَوْمٍ نَذَرَهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ وَصَرَّحَ بِأَنَّهُ إذَا قَالَ أَيَّامًا يَبْدَأُ بِالنَّهَارِ فَيَدْخُلُ الْمَسْجِدَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ. اهـ. فَعَلَى هَذَا لَا يَدْخُلُ اللَّيْلَ فِي نَذْرِ الْأَيَّامِ إلَّا إذَا ذَكَرَ لَهُ عَدَدًا مُعَيَّنًا كَمَا لَا يَخْفَى ثُمَّ الْأَصْلُ أَنَّهُ مَتَى دَخَلَ فِي اعْتِكَافِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ مُتَتَابِعًا وَلَا يُجْزِيهِ لَوْ فَرَّقَ وَمَتَى لَمْ يَدْخُلْ اللَّيْلُ جَازَ لَهُ التَّفْرِيقُ كَالتَّتَابُعِ فَإِذَا نَذَرَ اعْتِكَافَ شَهْرٍ لَزِمَهُ شَهْرٌ بِالْأَيَّامِ وَاللَّيَالِيِ مُتَتَابِعًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا نَذَرَ أَنْ يَصُومَ شَهْرًا لَا يَلْزَمُهُ التَّتَابُعُ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَفَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَفِي الْخُلَاصَةِ مِنْ الْأَيْمَان مِنْ الْجِنْسِ الثَّالِثِ فِي النَّذْرِ، وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ شَهْرَانِ قَالَ صَوْمُ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ كَرَجَبٍ يَجِبُ عَلَيْهِ التَّتَابُعُ، وَلَوْ أَفْطَرَ يَوْمًا يَلْزَمُهُ الِاسْتِقْبَالُ كَمَا فِي رَمَضَانَ وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ وَإِنْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ شَهْرٍ وَلَمْ يُعَيِّنْ إنْ قَالَ مُتَتَابِعًا لَزِمَهُ مُتَتَابِعًا وَإِنْ أَطْلَقَ لَا يَلْزَمُهُ التَّتَابُعُ وَفِي الِاعْتِكَافِ يَلْزَمُهُ بِصِفَةِ التَّتَابُعِ فِي الْمُعَيَّنِ وَغَيْرِ الْمُعَيَّنِ ثُمَّ فِي الصَّوْمِ وَالِاعْتِكَافِ أَفْسَدَ يَوْمًا إنْ كَانَ شَهْرًا مُعَيَّنًا لَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِقْبَالُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُعَيَّنٍ لَزِمَهُ. اهـ. يَعْنِي: لَزِمَهُ الِاسْتِقْبَالُ فِي الصَّوْمِ إنْ ذَكَرَ التَّتَابُعَ وَفِي الِاعْتِكَافِ مُطْلَقًا وَعَلَّلَ لَهُ فِي الْمَبْسُوطِ بِأَنَّ إيجَابَ الْعَبْدِ مُعْتَبَرٌ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَا أَوْجَبَ اللَّهُ مُتَتَابِعًا إذَا أَفْطَرَ فِيهِ يَوْمًا لَزِمَهُ الِاسْتِقْبَالُ كَصَوْمِ الظِّهَارِ وَالْقَتْلِ وَالْإِطْلَاقُ فِي الِاعْتِكَافِ كَالتَّصْرِيحِ بِالتَّتَابُعِ بِخِلَافِ الْإِطْلَاقِ فِي نَذْرِ الصَّوْمِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الِاعْتِكَافَ يَدُومُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ فَكَانَ مُتَّصِلَ الْأَجْزَاءِ وَمَا كَانَ مُتَّصِلَ الْأَجْزَاءِ لَا يَجُوزُ تَفْرِيقُهُ إلَّا بِالتَّنْصِيصِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَا يُوجَدُ لَيْلًا فَكَانَ مُتَفَرِّقًا وَمَا كَانَ مُتَفَرِّقًا فِي نَفْسِهِ لَا يَجِبُ الْوَصْلُ فِيهِ إلَّا بِالتَّنْصِيصِ. اهـ. وَأَطْلَقَ فِي النَّذْرِ فَشَمِلَ مَا إذَا نَذَرَ اعْتِكَافَ يَوْمِ الْعِيدِ فَإِنَّهُ مُنْعَقِدٌ وَيَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ فِي وَقْتٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ الِاعْتِكَافَ لَا يَصِحُّ إلَّا بِالصَّوْمِ وَالصَّوْمُ فِيهِ حَرَامٌ وَكَفَّرَ عَنْ يَمِينِهِ إنْ أَرَادَ يَمِينًا لِفَوَاتِ الْبَرِّ وَإِنْ اعْتَكَفَ فِيهِ أَجْزَأَهُ وَقَدْ أَسَاءَ كَمَا فِي الصَّوْمِ كَذَا فِي فَتَاوَى الْوَلْوَالِجِيِّ وَغَيْرِهَا وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ فِي الصَّوْمِ أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ يَوْمٍ، أَوْ شَهْرٍ مُعَيَّنٍ فَاعْتَكَفَ قَبْلَهُ يَجُوزُ لِمَا أَنَّ التَّعْجِيلَ بَعْدَ وُجُودِ السَّبَبِ جَائِزٌ وَقَدْ صَرَّحُوا بِهِ هُنَا وَذَكَرُوا فِيهِ خِلَافًا وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ خِلَافٌ كَمَا ذَكَرْنَاهُ وَكَذَا يَلْغُو تَعْيِينُ الْمَكَانِ كَمَا إذَا نَذَرَ الِاعْتِكَافَ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَاعْتَكَفَ فِي غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ وَلَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ شَهْرٍ ثُمَّ عَاشَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ مَاتَ أَطْعَمَ عَنْهُ عَنْ جَمِيعِ الشَّهْرِ وَفِي الْكَافِي وَلَيْلَةُ الْقَدْرِ فِي رَمَضَانَ دَائِرَةٌ لَكِنَّهَا تَتَقَدَّمُ وَتَتَأَخَّرُ وَعِنْدَهُمَا تَكُونُ فِي رَمَضَانَ وَلَا تَتَقَدَّمُ وَلَا تَتَأَخَّرُ حَتَّى لَوْ قَالَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: إلَّا فِي أَيَّامِ الْأَضْحَى إلَخْ) قَالَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ عِنْدَ ذِكْرِ رَمْيِ الْجِمَارِ وَلَوْ تَرَكَ رَمْيَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ حَتَّى دَخَلَ اللَّيْلُ رَمَاهَا فِي اللَّيْلِ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ اللَّيْلَ فِي بَابِ الْمَنَاسِكِ تَبَعٌ لِلنَّهَارِ الَّذِي تَقَدَّمَ وَلِهَذَا لَوْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ لَيْلَةَ النَّحْرِ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: فَلَيْلَةُ عَرَفَةَ تَابِعَةٌ لِيَوْمِ التَّرْوِيَةِ) وَعَلَيْهِ فَلِيَوْمِ التَّرْوِيَةِ لَيْلَتَانِ وَاحِدَةٌ قَبْلَهُ وَوَاحِدَةٌ بَعْدَهُ وَالْيَوْمُ الثَّالِثُ مِنْ أَيَّامِ النَّحْرِ لَا لَيْلَةَ لَهُ وَلِذَا لَوْ أَخَّرَ طَوَافَ الرُّكْنِ إلَى الْغُرُوبِ مِنْ الْيَوْمِ الثَّالِثِ وَجَبَ دَمٌ كَمَا يَأْتِي، تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا ذَكَرَ لَهُ عَدَدًا مُعَيَّنًا) مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ أَيْضًا حَيْثُ قَالَ وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ يَوْمَيْنِ لَزِمَهُ الِاعْتِكَافُ بِلَيْلَتِهِمَا يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَيَمْكُثُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ وَيَوْمَهَا وَاللَّيْلَةَ الثَّانِيَةَ وَيَوْمَهَا وَيَخْرُجُ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَكَذَا هَذَا فِي الْأَيَّامِ الْكَثِيرَةِ يَدْخُلُ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ؛ لِأَنَّ لَيْلَةَ كُلِّ يَوْمٍ تَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ اهـ. فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ إذَا ذَكَرَ مَا يَدُلُّ عَلَى الْعَدَدِ وَقَدْ يُقَالُ إنَّ قَوْلَهُ وَكَذَا هَذَا فِي الْأَيَّامِ الْكَثِيرَةِ الْمُرَادُ بِهِ مَا كَانَ جَمْعًا كَثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مَثَلًا لَا لَفْظَ أَيَّامٍ كَثِيرَةٍ، تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ وَلَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ شَهْرٍ) أَيْ وَهُوَ صَحِيحٌ كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ (قَوْلُهُ: لَكِنَّهَا تَتَقَدَّمُ وَتَتَأَخَّرُ) أَيْ فِيهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 329 لِعَبْدِهِ أَنْت حُرٌّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فَإِنْ قَالَ قَبْلَ دُخُولِ رَمَضَانَ عَتَقَ إذَا انْسَلَخَ الشَّهْرُ وَإِنْ قَالَ بَعْدَ مُضِيِّ لَيْلَةٍ مِنْهُ لَمْ يَعْتِقْ حَتَّى يَنْسَلِخَ رَمَضَانُ مِنْ الْعَامِ الْقَابِلِ عِنْدَهُ لِجَوَازِ أَنَّهَا كَانَتْ فِي الشَّهْرِ الْمَاضِي فِي اللَّيْلَةِ الْأُولَى وَفِي الشَّهْرِ الْآتِي فِي اللَّيْلَةِ الْأَخِيرَةِ وَعِنْدَهُمَا إذَا مَضَى لَيْلَةٌ مِنْهُ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ عَتَقَ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَقَدَّمُ وَلَا تَتَأَخَّرُ وَفِي الْمُحِيطِ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَكِنْ قَيَّدَهُ بِمَا إذَا كَانَ الْحَالِفُ فَقِيهًا يَعْرِفُ الِاخْتِلَافَ وَإِنْ كَانَ عَامِّيًّا فَلَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ وَجَعَلَ مَذْهَبَهُمَا أَنَّهَا فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ فَخَالَفَ مَا فِي الْكَافِي وَذَكَرَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ أَنَّ الْمَشْهُورَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا تَدُورُ فِي السَّنَةِ وَقَدْ تَكُونُ فِي رَمَضَانَ وَقَدْ تَكُونُ فِي غَيْرِهِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَأَجَابَ أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ الْأَدِلَّةِ الْمُفِيدَةِ لِكَوْنِهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ لِرَمَضَانَ الَّذِي كَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْتَمَسَهَا فِيهِ وَالسِّيَاقَاتُ تَدُلُّ عَلَيْهِ لِمَنْ تَأَمَّلَ طُرُقَ الْأَحَادِيثِ وَأَلْفَاظَهَا كَقَوْلِهِ إنَّ الَّذِي تَطْلُبُ أَمَامَك وَإِنَّمَا كَانَ يَطْلُبُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ مِنْ تِلْكَ السَّنَةِ وَمِنْ عَلَامَاتِهَا أَنَّهَا بَلْجَةٌ سَاكِنَةٌ لَا حَارَّةٌ وَلَا قَارَّةٌ تَطْلُعُ الشَّمْسُ صَبِيحَتَهَا بِلَا شُعَاعٍ كَأَنَّهَا طَسْتٌ كَذَا قَالُوا وَإِنَّمَا أُخْفِيَتْ لِيَجْتَهِدَ فِي طَلَبِهَا فَيَنَالُ بِذَلِكَ أَجْرَ الْمُجْتَهِدِينَ فِي الْعِبَادَةِ كَمَا أَخْفَى سُبْحَانَهُ السَّاعَةَ لِيَكُونُوا عَلَى وَجَلٍ مِنْ قِيَامِهَا بَغْتَةً وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (كِتَابُ الْحَجِّ) لَمَّا كَانَ مُرَكَّبًا مِنْ الْمَالِ وَالْبَدَنِ وَكَانَ وَاجِبًا فِي الْعُمُرِ مَرَّةً أَخَّرَهُ وَلِمُرَاعَاةِ تَرْتِيبِ حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ وَخَتَمَ بِالْحَجِّ» وَفِي رِوَايَةٍ خَتَمَ بِالصَّوْمِ وَعَلَيْهَا اعْتَمَدَ الْبُخَارِيُّ فِي تَقْدِيمِ الْحَجِّ عَلَى الصَّوْمِ وَهُوَ فِي اللُّغَةِ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا وَبِهِمَا قُرِئَ فِي التَّنْزِيلِ الْقَصْدُ إلَى مُعَظَّمٍ لَا مُطْلَقُ الْقَصْدِ كَمَا ظَنَّهُ الشَّارِحُ وَجَعَلَهُ كَالتَّيَمُّمِ وَفِي الْفِقْهِ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (هُوَ زِيَارَةُ مَكَان مَخْصُوصٍ فِي زَمَانٍ مَخْصُوصٍ بِفِعْلٍ مَخْصُوصٍ) وَالْمُرَادُ بِالزِّيَارَةِ الطَّوَافُ وَالْوُقُوفُ وَالْمُرَادُ بِالْمَكَانِ الْمَخْصُوصِ الْبَيْتُ الشَّرِيفُ وَالْجَبَلُ الْمُسَمَّى بِعَرَفَاتٍ وَالْمُرَادُ بِالزَّمَانِ الْمَخْصُوصِ فِي الطَّوَافِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ يَوْمَ النَّحْرِ إلَى آخِرِ الْعُمُرِ وَفِي الْوُقُوفِ زَوَالُ الشَّمْسِ يَوْمَ عَرَفَةَ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ يَوْمَ النَّحْرِ وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ ظَهَرَ أَنَّ الْحَجَّ اسْمٌ لِأَفْعَالٍ مَخْصُوصَةٍ مِنْ الطَّوَافِ الْفَرْضِ وَالْوُقُوفُ فِي وَقْتِهِمَا مُحْرِمًا بِنِيَّةِ الْحَجِّ سَابِقًا كَمَا سَيَأْتِي أَنَّ الْإِحْرَامَ شَرْطٌ وَانْدَفَعَ بِهِ مَا قَرَّرَهُ الشَّارِحُ مِنْ فَهْمِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى أَنَّهُ فِي الشَّرِيعَةِ جُعِلَ لِقَصْدٍ خَاصٍّ مَعَ زِيَادَةِ وَصْفٍ فَإِنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْقَصْدِ وَإِنَّمَا عَرَفَهُ بِالزِّيَارَةِ وَهِيَ فِعْلٌ لَا قَصْدٌ بِدَلِيلِ مَا فِي عُمْدَةِ الْفَتَاوَى إذَا حَلَفَ لَيَزُورَنَّ فُلَانًا غَدًا فَذَهَبَ وَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ لَا يَحْنَثُ، وَلَوْ لَمْ يَسْتَأْذِنْ وَرَجَعَ يَحْنَثُ. اهـ. فَلَا بُدَّ مِنْ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: عَتَقَ إذَا انْسَلَخَ الشَّهْرُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ لِتَحَقُّقِ وُجُودِهَا فِيهِ (قَوْلُهُ: لَمْ يَعْتِقْ حَتَّى يَنْسَلِخَ رَمَضَانُ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا تَقَدَّمَتْ قَبْلَ حَلْفِهِ فِي هَذَا وَتَأَخَّرَتْ إلَى آخِرِ لَيْلَةٍ فِي ذَاكَ فَلَا يَتَحَقَّقُ الشَّرْطُ إلَّا بِانْسِلَاخِهِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا لَا تَتَقَدَّمُ وَلَا تَتَأَخَّرُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ يَعْنِي إنْ كَانَتْ هِيَ اللَّيْلَةَ الْأُولَى فَقَدْ عَتَقَ بِأَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ الْقَابِلِ وَإِنْ كَانَتْ الثَّانِيَةَ أَوْ الثَّالِثَةَ أَوْ الرَّابِعَةَ إلَخْ فَقَدْ وُجِدَتْ فِي الْمَاضِي فَتَحَقَّقَ وُجُودُهَا قَطْعًا بِأَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ الْقَابِلِ. [كِتَابُ الْحَجِّ] (قَوْلُهُ: لَمَّا كَانَ مُرَكَّبًا إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ فِيهِ نَظَرٌ بَلْ هُوَ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ مَحْضَةٌ وَالْمَالُ إنَّمَا هُوَ شَرْطٌ فِي وُجُوبِهِ لَا أَنَّهُ جُزْءُ مَفْهُومِهِ وَأَخَّرَهُ عَنْ الصَّوْمِ؛ لِأَنَّهُ مَنْعُ النَّفْسِ شَهَوَاتِهَا وَالْحَجُّ قَدْ يَكُونُ مُشْتَهًى لِاشْتِمَالِهِ عَلَى السَّفَرِ وَفِيهِ تَفْرِيجُ الْهُمُومِ ارْجِعْ إلَى النَّهْرِ (قَوْلُهُ لَا مُطْلَقُ الْقَصْدِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ هُوَ لُغَةً الْقَصْدُ كَذَا فِي غَيْرِ كِتَابٍ مِنْ اللُّغَةِ وَقَيَّدَهُ فِي الْفَتْحِ بِكَوْنِهِ إلَى مُعَظَّمٍ لَا مُطْلَقَهُ مُسْتَشْهِدًا بِقَوْلِهِ وَأَشْهَدُ مِنْ عَوْفٍ حُؤُولًا كَثِيرَةً ... يَحُجُّونَ سَبَّ الزِّبْرِقَانِ الْمُزَعْفَرَا أَيْ يَقْصِدُونَهُ مُعَظِّمِينَ إيَّاهُ قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ هَذَا مَعْنَاهُ الْأَصْلِيُّ ثُمَّ تُعُورِفَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْقَصْدِ إلَى مَكَّةَ لِلنُّسُكِ تَقُولُ حَجَجْت الْبَيْتَ أَحُجُّهُ حَجًّا فَأَنَا حَاجٌّ اهـ. قُلْت حَيْثُ أَطْلَقَهُ أَهْلُ اللُّغَةِ فَتَقْيِيدُهُ بِمَا فِي الْفَتْحِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ نَقْلٍ وَمَا اسْتَشْهَدَ بِهِ مِنْ الْبَيْتِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ فِي مُطْلَقِ الْقَصْدِ؛ لِأَنَّ غَايَةَ مَا أَفَادَ أَنَّهُ اُسْتُعْمِلَ فِي بَعْضِ مَدْلُولَاتِهِ، تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ ظَهَرَ أَنَّ الْحَجَّ اسْمٌ إلَخْ) هَذَا مَا اسْتَظْهَرَهُ فِي الْفَتْحِ فِي تَعْرِيفِهِ عَادِلًا عَنْ تَعْرِيفِهِمْ إيَّاهُ بِالْقَصْدِ الْخَاصِّ لِمَا سَيَأْتِي مِنْ الْبَحْثِ وَلِمُوَافَقَتِهِ تَعْرِيفَ بَقِيَّةِ الْعِبَادَاتِ لَكِنْ قَالَ فِي النَّهْرِ تَخْرِيجُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَيْهِ فِيهِ بَحْثٌ إذْ بِتَقْدِيرِهِ يَكُونُ قَوْلُهُ بِفِعْلٍ مَخْصُوصٍ حَشْوًا إذْ الْمُرَادُ بِهِ كَمَا قَالُوا هُوَ الطَّوَافُ وَالْوُقُوفُ عَلَى أَنَّ الْجَارَّ وَالْمَجْرُورَ مُتَعَلِّقٌ بِزِيَارَةٍ وَإِذَا فُسِّرَتْ بِالْفِعْلِ آلَ الْمَعْنَى إلَى أَنَّهُ فِعْلٌ بِفِعْلٍ وَفَسَادُهُ لَا يَخْفَى وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ بِهِ الْإِحْرَامُ وَبِهِ يَصِيرُ الثَّانِي غَيْرَ الْأَوَّلِ وَفَسَّرُوا الزَّمَانَ الْمَخْصُوصَ بِأَشْهُرِ الْحَجِّ وَهُوَ الَّذِي يَنْبَغِي إذْ الْوُقُوفُ الَّذِي هُوَ أَقْوَى أَرْكَانِهِ مُقَيَّدٌ بِهِ (قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّهُ فِي الشَّرِيعَةِ) أَيْ حَامِلًا لَهُ أَيْ لِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى أَنَّهُ إلَخْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 330 الذَّهَابِ مَعَ الِاسْتِئْذَانِ وَسَلِمَ مِنْ بَحْثِ الْمُحَقِّقِ ابْنِ الْهُمَامِ عَلَى الْمَشَايِخِ مِنْ أَنَّ التَّعْرِيفَ بِالْقَصْدِ الْخَاصِّ تَعْرِيفٌ لَهُ بِشَرْطِهِ وَلِيُوَافِقَ تَعْرِيفَ بَقِيَّةِ الْعِبَادَاتِ فَإِنَّ الصَّلَاةَ اسْمٌ لِأَفْعَالٍ مَخْصُوصَةٍ هِيَ الْقِيَامُ وَالْقِرَاءَةُ وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ وَالصَّوْمُ اسْمٌ لِلْإِمْسَاكِ الْخَاصِّ وَالزَّكَاةُ اسْمٌ لِلْإِيتَاءِ الْمَخْصُوصِ فَلْيَكُنْ الْحَجُّ اسْمًا لِأَفْعَالٍ مَخْصُوصَةٍ وَلَا يُرَادُ بِالزِّيَارَةِ الْبَيْتُ فَقَطْ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَصِيرُ الْحَجُّ اسْمًا لِلطَّوَافِ فَقَطْ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ رُكْنَهُ شَيْئَانِ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ وَالْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ بِالشَّرْطِ السَّابِقِ وَيَشْكُلُ عَلَيْهِ مَا قَالُوا إنَّ الْمَأْمُورَ بِالْحَجِّ إذَا مَاتَ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ قَبْلَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُجْزِئًا بِخِلَافِ مَا إذَا رَجَعَ قَبْلَهُ فَإِنَّهُ لَا وُجُودَ لِلْحَجِّ إلَّا بِوُجُودِ رُكْنَيْهِ وَلَمْ يُوجَدَا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُجْزِئَ الْآمِرُ سَوَاءٌ مَاتَ الْمَأْمُورُ أَوْ رَجَعَ وَسَبَبُهُ الْبَيْتُ؛ لِأَنَّهُ يُضَافُ إلَيْهِ وَلِهَذَا لَمْ يَتَكَرَّرْ الْحَجُّ عَلَى الْمُكَلَّفِ وَشَرَائِطُهُ ثَلَاثَةٌ شَرَائِطُ وُجُوبٍ وَشَرَائِطُ وُجُوبِ أَدَاءً وَشَرَائِطُ صِحَّةٍ فَالْأُولَى ثَمَانِيَةٌ عَلَى الْأَصَحِّ الْإِسْلَامُ وَالْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالْوَقْتُ وَالْقُدْرَةُ عَلَى الزَّادِ وَالْقُدْرَةُ عَلَى الرَّاحِلَةِ وَالْعِلْمُ بِكَوْنِ الْحَجِّ فَرْضًا وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مِنْهَا سِتَّةً وَتَرَكَ الْأَوَّلَ وَالْأَخِيرَ وَالْعُذْرُ لَهُ كَغَيْرِهِ أَنَّهُمَا شَرْطَانِ لِكُلِّ عِبَادَةٍ وَقَدْ يُقَالُ كَذَلِكَ الْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ وَالْعِلْمُ الْمَذْكُورُ يَثْبُتُ لِمَنْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ بِمُجَرَّدِ الْوُجُودِ فِيهَا سَوَاءٌ عَلِمَ بِالْفَرْضِيَّةِ، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ نَشَأَ عَلَى الْإِسْلَامِ فِيهَا، أَوْ لَا فَيَكُونُ ذَلِكَ عِلْمًا حُكْمِيًّا وَلِمَنْ فِي دَارِ الْحَرْبِ بِإِخْبَارِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، وَلَوْ مَسْتُورَيْنِ أَوْ وَاحِدٍ عَدْلٍ وَعِنْدَهُمَا لَا تُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ وَالْبُلُوغُ وَالْحُرِّيَّةُ فِيهِ وَفِي نَظَائِرِهِ الْخَمْسَةُ كَمَا عُرِفَ أُصُولًا وَفُرُوعًا وَالثَّانِيَةُ خَمْسَةٌ عَلَى الْأَصَحِّ صِحَّةُ الْبَدَنِ وَزَوَالُ الْمَوَانِعِ الْحِسِّيَّةِ عَنْ الذَّهَابِ إلَى الْحَجِّ وَأَمْنُ الطَّرِيقِ وَعَدَمُ قِيَامِ الْعِدَّةِ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ وَخُرُوجُ الزَّوْجِ، أَوْ الْمُحْرِمِ مَعَهَا وَالثَّالِثَةُ أَعْنِي شَرَائِطَ الصِّحَّةِ أَرْبَعَةٌ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ وَالْوَقْتُ الْمَخْصُوصُ وَالْمَكَانُ الْمَخْصُوصُ وَالْإِسْلَامُ وَمِنْهُمْ مَنْ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَلِيُوَافِقَ) كَأَنَّهُ عُطِفَ عَلَى مَعْنَى مَا تَقَدَّمَ أَيْ قَرَّرْت كَلَامَ الْمُصَنِّفِ بِكَذَا لِمَا مَرَّ وَلِيُوَافِقَ (قَوْلُهُ: فَلْيَكُنْ الْحَجُّ إلَخْ) أَقُولُ: قَدْ يُقَالُ إنَّ الْمَشَايِخَ ذَكَرُوا لَفْظَ الْقَصْدِ الْخَاصِّ وَقَالُوا مَعَ زِيَادَةِ وَصْفٍ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ فِي اللُّغَةِ الْقَصْدُ وَلَا بُدَّ فِي الْغَالِبِ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ مَوْجُودًا فِي الْمَعَانِي الِاصْطِلَاحِيَّةِ، وَالِاصْطِلَاحِيُّ أَخَصُّ؛ فَلِذَا ذَكَرُوا اللَّفْظَ اللُّغَوِيَّ وَقَيَّدُوهُ بِالشُّرُوطِ الشَّرْعِيَّةِ لِيَكُونَ أَخَصَّ وَلَيْسَ غَيْرُهُ مِنْ الْعِبَادَاتِ الْمَذْكُورَةِ مَأْخُوذًا فِي مَعْنَاهُ النِّيَّةُ أَوْ الْقَصْدُ وَلِذَا عَرَّفُوا التَّيَمُّمَ بِأَنَّهُ الْقَصْدُ إلَى صَعِيدٍ مُطَهِّرٍ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَيَشْكُلُ عَلَيْهِ مَا قَالُوا إلَخْ) يُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ الْمَوْتَ مِنْ قِبَلِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ وَقَدْ أَتَى بِوُسْعِهِ مِنْ رُكْنٍ أَوْ رُكْنَيْنِ إنْ عُدَّ الْإِحْرَامُ رُكْنًا وَقَدْ وَرَدَ «الْحَجُّ عَرَفَةَ» بِخِلَافِ مَنْ رَجَعَ كَذَا فِي شَرْحِ الْمَقْدِسِيَّ (قَوْلُهُ: وَشَرَائِطُهُ ثَلَاثَةٌ إلَخْ) زَادَ الْعَلَّامَةُ السِّنْدِيُّ تِلْمِيذُ الْعَلَّامَةِ ابْنِ الْهُمَامِ فِي مَنْسَكِهِ الْمُتَوَسِّطِ الْمُسَمَّى لُبَابَ الْمَنَاسِكِ قِسْمًا رَابِعًا وَهُوَ شَرَائِطُ وُقُوعِ الْحَجِّ عَنْ الْفَرْضِ وَهِيَ تِسْعَةٌ الْإِسْلَامُ وَبَقَاؤُهُ إلَى الْمَوْتِ وَالْعَقْلُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالْبُلُوغُ وَالْأَدَاءُ بِنَفْسِهِ إنْ قَدَرَ وَعَدَمُ نِيَّةِ النَّفْلِ وَعَدَمُ الْإِفْسَادِ وَعَدَمُ النِّيَّةِ عَنْ الْغَيْرِ فَلَا يَقَعُ حَجُّ الْكَافِرِ عَنْ الْفَرْضِ وَلَا عَنْ النَّفْلِ إذَا أَسْلَمَ وَلَا الْمُسْلِمِ إذَا ارْتَدَّ بَعْدَ الْحَجِّ وَإِنْ تَابَ وَلَا الْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ وَإِنْ أَفَاقَ وَبَلَغَ وَعَتَقَ بَعْدَهُ وَلَا بِأَدَاءِ الْغَيْرِ قَبْلَ الْعُذْرِ وَلَا بِنِيَّةِ النَّفْلِ أَوْ عَنْ الْغَيْرِ أَوْ مَعَ الْفَسَادِ فَهَؤُلَاءِ لَوْ حَجُّوا وَلَوْ بَعْدَ الِاسْتِطَاعَةِ لَا يَسْقُطُ عَنْهُمْ الْفَرْضُ وَيَجِبُ عَلَيْهِمْ ثَانِيًا إذَا اسْتَطَاعُوا اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْوَقْتُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ سَيَذْكُرُهُ أَيْضًا فِي شَرَائِطِ الصِّحَّةِ وَلَا شَكَّ أَنَّ مَنْ لَمْ يُدْرِكْ وَقْتَ الْحَجِّ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ وَأَنَّهُ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي وَقْتِهِ الْمَخْصُوصِ فَكَانَ شَرْطًا لِلْوُجُوبِ وَشَرْطًا لِلصِّحَّةِ تَأَمَّلْ اهـ. وَفِي لُبَابِ الْمَنَاسِكِ السَّابِعُ الْوَقْتُ وَهُوَ أَشْهُرُ الْحَجِّ أَوْ وَقْتُ خُرُوجِ أَهْلِ بَلَدِهِ إنْ كَانُوا يَخْرُجُونَ قَبْلَهَا فَلَا يَجِبُ إلَّا عَلَى الْقَادِرِ فِيهَا أَوْ فِي وَقْتِ خُرُوجِهِمْ فَإِنْ مَلَكَهُ أَيْ الْمَالَ قَبْلَ الْوَقْتِ فَلَهُ صَرْفُهُ حَيْثُ شَاءَ وَلَا حَجَّ عَلَيْهِ وَإِنْ مَلَكَهُ فِيهِ فَلَيْسَ لَهُ صَرْفُهُ إلَى غَيْرِ الْحَجِّ فَلَوْ صَرَفَهُ لَمْ يَسْقُطْ الْوُجُوبُ عَنْهُ وَلَوْ أَسْلَمَ كَافِرٌ وَبَلَغَ صَبِيٌّ أَوْ أَفَاقَ مَجْنُونٌ أَوْ عَتَقَ عَبْدٌ قَبْلَ الْوَقْتِ فَخَافُوا الْمَوْتَ وَهُمْ مُوسِرُونَ قِيلَ لَيْسَ عَلَيْهِمْ الْإِيصَاءُ بِالْحَجِّ وَقِيلَ يَجِبُ فَإِنْ أَوْصُوا بِهِ فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يَصِحُّ وَصَحَّ عَلَى الثَّانِي وَالْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْوَقْتَ شَرْطُ الْوُجُوبِ أَوْ الْأَدَاءِ قَوْلَانِ اهـ. قَالَ شَارِحُهُ مُنْلَا عَلِيٌّ هُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَزُفَرَ وَرَجَّحَ ابْنُ الْهُمَامِ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ شَرْطُ الْوُجُوبِ وَنَسَبَ صَاحِبُ الْمَجْمَعِ صِحَّةَ الْإِيصَاءِ إلَى الْإِمَامِ وَصَاحِبِهِ وَخِلَافَهَا إلَى زُفَرَ مُعَلِّلًا بِأَنَّهُمْ كَانُوا أَهْلَ الْوُجُوبِ وَقْتَ الْوَصِيَّةِ فَيَصِحُّ إيصَاؤُهُمْ بِأَنْ يُحَجَّ عَنْهُمْ فِي وَقْتِهِ لِعَجْزِهِمْ عَنْهُ وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ لَوْ بَلَغَ الصَّبِيُّ فَحَضَرَهُ الْوَفَاةُ وَأَوْصَى بِأَنْ يُحَجَّ عَنْهُ حِجَّةَ الْإِسْلَامِ جَازَتْ وَصِيَّتُهُ عِنْدَنَا وَيُحَجُّ فَجَعَلَ الْمَذْهَبَ الْجَوَازَ وَهُوَ لَا يُنَافِي جَعْلَ الْوَقْتِ مِنْ شَرَائِطِ الْوُجُوبِ عَلَى الْمَشْهُورِ الْمُرَجَّحِ خِلَافَ مَا فَهِمَ الْمُصَنِّفُ وَيَبْنِي عَلَيْهِ صِحَّةَ الْإِيصَاءِ وَعَدَمِهَا اهـ. قُلْت فَعَلَى هَذَا فَثَمَرَةُ الْخِلَافِ فِي أَنَّ الْوَقْتَ شَرْطٌ لِلْوُجُوبِ أَوْ لِلْأَدَاءِ لَا تَظْهَرُ فِي صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ وَعَدَمِهَا وَإِنَّمَا تَظْهَرُ فِي وُجُوبِ الْإِيصَاءِ أَوْ الْإِحْجَاجِ عَنْهُ وَعَدَمِ ذَلِكَ فَلَا يَجِبُ عَلَى الْمَشْهُورِ وَيَجِبُ عَلَى خِلَافِهِ، تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَقَدْ يُقَالُ كَذَلِكَ الْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ) أَيْ أَنَّهُمَا شَرْطَانِ لِكُلِّ عِبَادَةٍ (قَوْلُهُ: وَخُرُوجُ الزَّوْجِ وَالْمَحْرَمِ مَعَهَا) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَفِي الْبَدَائِعِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ أَيْ الْمَحْرَمَ شَرْطُ الْوُجُوبِ اهـ. فَقَدْ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ كَمَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 331 ذَكَرَ بَدَلَ الْإِحْرَامِ النِّيَّةَ وَهَذَا أَوْلَى لِاسْتِلْزَامِهِ النِّيَّةَ وَغَيْرَهَا. وَوَاجِبَاتُهُ أَعْنِي الَّتِي يَلْزَمُ بِتَرْكِ وَاحِدٍ مِنْهَا دَمٌ إنْشَاءُ الْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ وَمَدُّ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ إلَى الْغُرُوبِ وَالْوُقُوفُ بِالْمُزْدَلِفَةِ فِيمَا بَيْنَ طُلُوعِ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ وَالْحَلْقُ، أَوْ التَّقْصِيرُ وَالسَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ وَكَوْنُهُ بَعْدَ طَوَافٍ مُعْتَدٍّ بِهِ وَرَمْيُ الْجِمَارِ وَبِدَايَةُ الطَّوَافِ مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَالتَّيَامُنُ فِيهِ وَالْمَشْيُ فِيهِ لِمَنْ لَيْسَ لَهُ عُذْرٌ يَمْنَعُهُ مِنْهُ وَالطَّهَارَةُ فِيهِ مِنْ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ وَالْأَكْبَرِ وَسَتْرُ الْعَوْرَةِ وَأَقَلُّ الْأَشْوَاطِ السَّبْعَةِ وَهِيَ ثَلَاثَةٌ وَبِدَايَةُ السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ مِنْ الصَّفَا وَالْمَشْيُ فِيهِ لِمَنْ لَيْسَ لَهُ عُذْرٌ وَذَبْحُ الشَّاةِ لِلْقَارِنِ، أَوْ الْمُتَمَتِّعِ وَصَلَاةُ رَكْعَتَيْنِ لِكُلِّ أُسْبُوعٍ وَطَوَافُ الصَّدْرِ وَالتَّرْتِيبُ بَيْنَ الرَّمْيِ وَالْحَلْقُ وَالذَّبْحُ يَوْمَ النَّحْرِ وَتَوْقِيتُ الْحَلْقِ بِالْمَكَانِ وَتَوْقِيتُهُ بِالزَّمَانِ وَفِعْلُ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ وَمَا عَدَا هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ مِمَّا سَيَأْتِي بَيَانُهُ مُفَصَّلًا سُنَنٌ وَآدَابٌ وَأَمَّا مَحْظُورَاتُهُ فَنَوْعَانِ مَا يَفْعَلُهُ فِي نَفْسِهِ وَهُوَ الْجِمَاعُ وَإِزَالَةُ الشَّعْرِ وَقَلْمُ الْأَظَافِرِ وَالتَّطَيُّبُ وَتَغْطِيَةُ الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ وَلُبْسُ الْمِخْيَطِ وَمَا يَفْعَلُهُ فِي غَيْرِهِ وَهُوَ حَلْقُ رَأْسِ الْغَيْرِ وَالتَّعَرُّضُ لِلصَّيْدِ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَامِ وَأَمَّا قَطْعُ شَجَرِ الْحَرَمِ فَلَا يَنْبَغِي عَدُّهُ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ فَإِنَّ حُرْمَتَهُ لَا تَتَعَلَّقُ بِالْحَجِّ وَلَا بِالْإِحْرَامِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ كَصَيْدِ الْحَرَمِ وَقَدْ عَدَّهُ مِنْ مَحْظُورَاتِهِ فَلَا بِدْعَ فِي أَنْ يَكُونَ حَرَامًا بِجِهَتَيْنِ كَمَا لَا يَخْفَى وَلِمَنْ أَرَادَ الْحَجَّ مُهِمَّاتٌ يَنْبَغِي الِاعْتِنَاءُ بِهَا وَهِيَ الْبِدَايَةُ بِالتَّوْبَةِ بِشُرُوطِهَا مِنْ رَدِّ الْمَظَالِمِ إلَى أَهْلِهَا عِنْدَ الْإِمْكَانِ وَقَضَاءِ مَا قَصَّرَ فِي فِعْلِهِ مِنْ الْعِبَادَاتِ وَالنَّدَمُ عَلَى تَفْرِيطِهِ فِي ذَلِكَ وَالْعَزْمُ عَلَى عَدَمِ الْعَوْدِ إلَى مِثْلِ ذَلِكَ وَالِاسْتِحْلَالُ مِنْ ذَوِي الْخُصُومَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ وَتَحْصِيلُ رِضَا مَنْ يَكْرَهُ السَّفَرَ بِغَيْرِ رِضَاهُ وَفِي الْخُلَاصَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْعُيُونِ إذَا أَرَادَ الِابْنُ أَنْ يَخْرُجَ إلَى الْحَجِّ وَأَبُوهُ كَارِهٌ لِذَلِكَ إنْ كَانَ الْأَبُ مُسْتَغْنِيًا عَنْ خِدْمَتِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَإِنْ كَانَ مُحْتَاجًا يُكْرَهُ وَكَذَا الْأُمُّ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ إذَا لَمْ يَخَفْ عَلَيْهِ الضَّعْفَ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَكَذَا إنْ كَرِهَتْ خُرُوجَهُ زَوْجَتُهُ وَمَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ مُطْلَقًا وَفِي النَّوَازِلِ إنْ كَانَ الِابْنُ أَمْرَدَ صُبَيْحَ الْوَجْهِ لِلْأَبِ أَنْ يَمْنَعَهُ عَنْ الْخُرُوجِ حَتَّى يَلْتَحِيَ وَإِنْ كَانَ الطَّرِيقُ مَخُوفًا لَا يَخْرُجُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَمْرَدَ. اهـ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْأَجْدَادُ وَالْجَدَّاتُ كَالْأَبَوَيْنِ عِنْدَ فَقْدِهِمَا وَيُكْرَهُ الْخُرُوجُ لِلْغَزْوِ وَالْحَجُّ لِمَدْيُونٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ يَقْضِي بِهِ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ الْغَرِيمُ فَإِنْ كَانَ بِالدَّيْنِ كَفِيلٌ بِإِذْنِهِ لَا يَخْرُجُ إلَّا بِإِذْنِهِمَا وَإِنْ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَبِإِذْنِ الطَّالِبِ وَحْدَهُ. اهـ. وَهَذَا كُلُّهُ فِي حَجِّ الْفَرْضِ أَمَّا فِي حَجِّ النَّفْلِ فَطَاعَةُ الْوَالِدَيْنِ أَوْلَى مُطْلَقًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُلْتَقَطِ وَيُشَاوِرُ ذَا رَأْيٍ فِي سَفَرِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لَا فِي نَفْسِ الْحَجِّ فَإِنَّهُ خَيْرٌ وَكَذَا يَسْتَخِيرُ اللَّهَ فِي ذَلِكَ وَيَجْتَهِدُ فِي تَحْصِيلِ نَفَقَةٍ حَلَالٍ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ بِالنَّفَقَةِ الْحَرَامِ كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ مَعَ أَنَّهُ يَسْقُطُ الْفَرْضُ عَنْهُ مَعَهَا وَإِنْ كَانَتْ مَغْصُوبَةً وَلَا تَنَافِي بَيْنَ سُقُوطِهِ وَعَدَمِ قَبُولِهِ فَلَا يُثَابُ لِعَدَمِ الْقَبُولِ وَلَا يُعَاقَبُ فِي الْآخِرَةِ عِقَابَ تَارِكِ الْحَجِّ وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ رَفِيقٍ صَالِحٍ يُذَكِّرُهُ إذَا نَسِيَ وَيُصَبِّرُهُ إذَا جَزِعَ وَيُعِينُهُ إذَا عَجَزَ وَكَوْنُهُ مِنْ الْأَجَانِبِ أَوْلَى مِنْ الْأَقَارِبِ عِنْدَ بَعْضِ الصَّالِحِينَ تَبَعُّدًا مِنْ سَاحَةِ الْقَطِيعَةِ وَيَرَى الْمُكَارَى مَا يَحْمِلُهُ وَلَا يَحْمِلُ أَكْثَرَ مِنْهُ إلَّا بِإِذْنِهِ وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ وَيُقَالُ إنَّهُ الشَّافِعِيُّ وَقِيلَ ابْنُ الْمُبَارَكِ وَقِيلَ ابْنُ الْقَاسِمِ صَاحِبُ الْإِمَامِ مَالِكٍ أَنَّهُ دَفَعَ إلَيْهِ مُطَالَعَةً لِيَحْمِلَهَا إلَى إنْسَانٍ فَامْتَنَعَ مِنْ حَمْلِهَا بِدُونِ إذْنِ الْمُكَارِي لِكَوْنِهِ لَمْ يُشَارِطْهُ عَلَى ذَلِكَ وَرَعًا مِنْ فَاعِلِهِ وَكَذَا يُحْتَرَزُ مِنْ تَحْمِيلِهَا فَوْقَ مَا تُطِيقُ وَمِنْ تَقْلِيلِ عَلَفِهَا الْمُعْتَادِ بِلَا ضَرُورَةٍ، وَلَوْ مَمْلُوكَةً لَهُ وَفِي إجَارَةِ الْخُلَاصَةِ حَمْلُ الْبَعِيرِ   [منحة الخالق] تَرَى (قَوْلُهُ: لِاسْتِلْزَامِهِ النِّيَّةَ وَغَيْرَهَا) ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ هُوَ النِّيَّةُ وَالتَّلْبِيَةُ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا أَيْ مِنْ الذِّكْرِ أَوْ تَقْلِيدِ الْبَدَنَةِ مَعَ السَّوْقِ كَمَا فِي اللُّبَابِ وَشَرْحِهِ لِلْقَارِي. [وَاجِبَاتُ الْحَجِّ] (قَوْلُهُ: وَالْحَلْقُ أَوْ التَّقْصِيرُ) فِيهِ أَنَّ أَحَدَ هَذَيْنِ شَرْطٌ لِلْخُرُوجِ مِنْ الْإِحْرَامِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ لَهُ اعْتِبَارَاتٍ فَاعْتِبَارُ شَرْطِيَّتِهِ بِصِحَّتِهِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فِي الْحَجِّ وَبَعْدَ أَكْثَرِ الطَّوَافِ فِي الْعُمْرَةِ وَاعْتِبَارُ وُجُوبِهِ كَوْنُهُ بَعْدَ الرَّمْيِ فِي الْحَجِّ وَبَعْدَ السَّعْيِ فِي الْعُمْرَةِ وَاعْتِبَارُ جَوَازِهِ كَوْنُ وَقْتِهِ طُولَ الْعُمُرِ كَمَا أَفَادَهُ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ أَقُولُ: فَعَلَى هَذَا فَقَوْلُ الْمُؤَلِّفِ الْآتِي وَالتَّرْتِيبُ بَيْنَ الرَّمْيِ وَالْحَلْقِ لَيْسَ وَاجِبًا آخَرَ؛ لِأَنَّهُ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ هُنَا وَالْحَلْقُ أَوْ التَّقْصِيرُ، تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ أَنَّهُ دَفَعَ إلَيْهِ مُطَالَعَةً) الَّذِي فِي النَّهْرِ بِطَاقَةً وَهِيَ الرُّقْعَةُ الصَّغِيرَةُ الْمَرْبُوطَةُ بِالثَّوْبِ الَّتِي فِيهَا رَقْمُ ثَمَنِهِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا الْمَكْتُوبُ (قَوْلُهُ: وَفِي إجَارَةِ الْخُلَاصَةِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ نَقَلَهُ فِيهَا عَنْ الْفَتَاوَى الصُّغْرَى وَأَقُولُ: لَعَمْرِي هَذَا إجْحَافٌ عَلَى الْحِمَارِ وَإِنْصَافٌ فِي حَقِّ الْجَمَلِ فَتَأَمَّلْ وَذَكَرَ فِي الْجَوْهَرَةِ أَنَّ الْمَنَّ سِتَّةٌ وَعِشْرُونَ أُوقِيَّةً وَالْأُوقِيَّةُ سَبْعَةُ مَثَاقِيلَ وَهِيَ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَالْمِائَتَانِ وَأَرْبَعُونَ مَنًّا هِيَ الْوَسْقُ فَيَكُونُ حِمْلُ الْجَمَلِ وَسْقًا وَهُوَ بِالْأَرْطَالِ الرَّمْلِيَّةِ تِسْعَةٌ وَسِتُّونَ رَطْلًا وَثُلُثُ رَطْلٍ وَهُوَ قِنْطَارٌ دِمَشْقِيٌّ تَقْرِيبًا عَلَى أَنَّ الرَّطْلَ الرَّمْلِيَّ تِسْعُمِائَةِ دِرْهَمٍ وَيُلَائِمُ تَفْسِيرَ الْوَسْقِ بِحِمْلِ الْبَعِيرِ مِائَتَانِ وَأَرْبَعُونَ مَنًّا وَلَا يُلَائِمُ التَّفْسِيرَ بِغَيْرِهِ تَأَمَّلْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 332 مِائَتَانِ وَأَرْبَعُونَ مَنًّا وَحَمْلُ الْحِمَارِ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ مَنًّا قَالُوا وَلَا يُشَارِكُ فِي الزَّادِ وَاجْتِمَاعِ الرُّفْقَةِ كُلَّ يَوْمٍ عَلَى طَعَامِ أَحَدِهِمْ أَحَدٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى مَا إذَا عُلِمَتْ الْمُسَامَحَةُ بَيْنَهُمَا فَلَهُ الْمُشَارَكَةُ وَإِلَّا شَارَكَ فَالِاسْتِحْلَالُ مِنْ الشُّرَكَاءِ مَخْلَصٌ وَتَجْرِيدُ السَّفَرِ عَنْ التِّجَارَةِ أَحْسَنُ، وَلَوْ اتَّجَرَ لَا يَنْقُصُ ثَوَابُهُ كَالْغَازِي إذَا اتَّجَرَ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي السِّيَرِ وَأَمَّا عَنْ الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ وَالْفَخْرِ ظَاهِرًا، أَوْ بَاطِنًا فَفَرْضٌ وَخَلْطُ التِّجَارَةِ بِهَذَا الْقِسْمِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِمَّا لَا يَنْبَغِي وَأَمَّا الرُّكُوبُ فِي الْمَحْمِلِ فَكَرِهَهُ بَعْضُهُمْ خَوْفًا مِمَّا ذَكَرْنَا وَلَمْ يَكْرَهْهُ بَعْضُهُمْ إذَا تَجَرَّدَ عَنْ ذَلِكَ فَفِي التَّحْقِيقِ لَا اخْتِلَافَ وَرُكُوبُ الْجَمَلِ أَفْضَلُ وَيُكْرَهُ الْحَجُّ عَلَى الْحِمَارِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا تَنْزِيهِيَّةٌ بِدَلِيلِ أَفْضَلِيَّةِ مَا قَابَلَهُ وَالْمَشْيُ أَفْضَلُ مِنْ الرُّكُوبِ لِمَنْ يُطِيقُهُ وَلَا يُسِيءُ خُلُقُهُ وَأَمَّا حَجُّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَاكِبًا فَلِأَنَّهُ كَانَ الْقُدْوَةَ فَكَانَتْ الْحَاجَةُ مَاسَّةً إلَى ظُهُورِهِ لِيَرَاهُ النَّاسُ وَسَيَأْتِي إيضَاحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَحَلِّهِ وَلَا يُمَاكِسُ فِي شِرَاءِ الْأَدَوَاتِ وَالزَّادِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْعَلَ خُرُوجَهُ يَوْمَ الْخَمِيسِ، أَوْ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَفْعَلُ مَا ذَكَرَهُ الْعُلَمَاءُ فِي آدَابِ السَّفَرِ. (قَوْلُهُ: فُرِضَ مَرَّةً عَلَى الْفَوْرِ) أَيْ فُرِضَ الْحَجُّ فِي الْعُمُرِ مَرَّةً وَاحِدَةً فِي أَوَّلِ سِنِي الْإِمْكَانِ وَالْفَوْرُ فِي اللُّغَةِ مِنْ فَوْرِ الْقِدْرِ غَلَيَانِهَا وَفِعْلُ ذَلِكَ مِنْ فَوْرِهِ أَيْ مِنْ وَجْهِهِ ذَلِكَ وَهُوَ مِنْ فَوْرِ الْقِدْرِ قَبْلَ أَنْ تَسْكُنَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا} [آل عمران: 125] وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ فَرْضِيَّتَهُ قَصْدًا؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْمَسَائِلِ الِاعْتِقَادِيَّةِ فَلَيْسَتْ مِنْ مَسَائِلِ الْفِقْهِ؛ لِأَنَّ مَسَائِلَهُ ظَنِّيَّةٌ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ تَوْطِئَةً لِمَا بَعْدَهُ وَدَلِيلُهُ الْقُرْآنِيُّ {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [آل عمران: 97] وَالسُّنَّةُ كَثِيرَةٌ وَأَمَّا كَوْنُهُ لَا يَتَعَدَّدُ فَلِأَنَّ سَبَبَهُ وَهُوَ الْبَيْتُ كَذَلِكَ وَأَمَّا تَكَرُّرُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ مَعَ اتِّحَادِ الْمَالِ فَلِأَنَّ سَبَبَهُ هُوَ النَّامِي تَقْدِيرًا وَتَقْدِيرُ النَّمَاءِ دَائِرٌ مَعَ حَوْلَانِ الْحَوْلِ إذَا كَانَ الْمَالُ مُعَدًّا لِلِاسْتِنْمَاءِ فِي الزَّمَانِ الْمُسْتَقْبَلِ وَتَقْدِيرُ النَّمَاءِ الثَّابِتِ فِي هَذَا الْحَوْلِ غَيْرُ تَقْدِيرِ النَّمَاءِ فِي حَوْلٍ آخَرَ فَالْمَالُ مَعَ هَذَا النَّمَاءِ غَيْرُ الْمَجْمُوعِ مِنْهُ وَمِنْ النَّمَاءِ الْآخَرِ فَيَتَعَدَّدُ حُكْمًا كَتَعَدُّدِ الْوُجُوبِ بِتَعَدُّدِ النِّصَابِ وَلِرِوَايَةِ أَحْمَدَ مَرْفُوعًا «الْحَجُّ مَرَّةً فَمَنْ زَادَ فَهُوَ تَطَوُّعٌ» وَأَمَّا كَوْنُهُ عَلَى الْفَوْرِ فَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَأَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَجِبُ عَلَى التَّرَاخِي وَالتَّعْجِيلُ أَفْضَلُ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ الْأَمْرَ إنَّمَا هُوَ طَلَبُ الْمَأْمُورِ بِهِ وَلَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى الْفَوْرِ وَلَا عَلَى التَّرَاخِي فَأَخَذَ بِهِ مُحَمَّدٌ وَقَوَّاهُ بِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حَجَّ سَنَةَ عَشْرٍ وَفَرْضِيَّةُ الْحَجِّ كَانَتْ سَنَةَ تِسْعٍ فَبَعَثَ أَبَا بَكْرٍ حَجَّ بِالنَّاسِ فِيهَا وَلَمْ يَحُجَّ هُوَ إلَى الْقَابِلَةِ وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ فَقَالَا الِاحْتِيَاطُ فِي تَعْيِينِ أَوَّلِ سِنِي الْإِمْكَانِ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ لَهُ وَقْتٌ مُعَيَّنٌ فِي السَّنَةِ وَالْمَوْتُ فِي سَنَةٍ غَيْرُ نَادِرٍ فَتَأْخِيرُهُ بَعْدَ التَّمَكُّنِ فِي وَقْتِهِ تَعْرِيضٌ لَهُ عَلَى الْفَوَاتِ فَلَا يَجُوزُ وَبِهَذَا حَصَلَ الْجَوَابُ عَنْ تَأْخِيرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إذْ لَا يَتَحَقَّقُ فِي حَقِّهِ تَعْرِيضُ الْفَوَاتِ وَهُوَ الْمُوجِبُ لِلْفَوْرِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَعِيشُ حَتَّى يَحُجَّ وَيُعَلِّمَ النَّاسَ مَنَاسِكَهُمْ تَكْمِيلًا لِلتَّبْلِيغِ وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ عُلِمَ أَنَّ الْفَوْرِيَّةَ ظَنِّيَّةٌ؛ لِأَنَّ دَلِيلَ الِاحْتِيَاطِ ظَنِّيٌّ وَمُقْتَضَاهُ الْوُجُوبُ فَإِذَا أَخَّرَهُ وَأَدَّاهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَقَعَ أَدَاءً وَيَأْثَمُ بِالتَّأْخِيرِ لِتَرْكِ الْوَاجِبِ وَثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا أَخَّرَهُ فَعَلَى الصَّحِيحِ يَأْثَمُ وَيَصِيرُ فَاسِقًا مَرْدُودَ الشَّهَادَةِ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لَا وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِيرَ فَاسِقًا مِنْ أَوَّلِ سَنَةٍ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَتَوَالَى عَلَيْهِ سُنُونَ؛ لِأَنَّ التَّأْخِيرَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ صَغِيرَةٌ؛ لِأَنَّهُ مَكْرُوهٌ تَحْرِيمًا وَلَا يَصِيرُ فَاسِقًا بِارْتِكَابِهَا مَرَّةً بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْإِصْرَارِ عَلَيْهَا وَإِذَا حَجَّ فِي آخِرِ عُمُرِهِ ارْتَفَعَ الْإِثْمُ اتِّفَاقًا قَالَ الشَّارِحُ وَلَوْ مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ أَثِمَ بِالْإِجْمَاعِ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ فَإِنَّ الْمَشَايِخَ اخْتَلَفُوا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فَقِيلَ يَأْثَمُ مُطْلَقًا وَقِيلَ لَا يَأْثَمُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَإِلَّا وَشَارَكَ فَالِاسْتِحْلَالُ مِنْ الشُّرَكَاءِ مَخْلَصٌ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا وَإِلَّا فَلَا يُشَارِكُ وَفِي بَعْضِهَا وَإِلَّا لَا وَلَوْ شَارَكَ فَالِاسْتِحْلَالُ مَخْلَصٌ وَهِيَ أَحْسَنُ (قَوْلُهُ: خَوْفًا مِمَّا ذَكَرْنَا) مِنْ الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ وَالْفَخْرِ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْبَيْتُ كَذَلِكَ) أَيْ لَا يَتَعَدَّدُ (قَوْلُهُ ارْتَفَعَ الْإِثْمُ اتِّفَاقًا) كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَقَالَ نُوحٌ أَفَنْدِي الظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُ بِالْإِثْمِ إثْمُ تَفْوِيتِ الْحَجِّ لَا إثْمُ تَأْخِيرِهِ فَإِنَّهُ لَا يَرْتَفِعُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ كَمَا مَرَّ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ وَلَوْ مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ أَثِمَ بِالْإِجْمَاعِ أَيْ إثْمَ تَفْوِيتِهِ؛ لِأَنَّهُ بِتَأْخِيرِهِ عَرَضَهُ عَلَى الْفَوَاتِ اهـ. وَفِيمَا اسْتَدَلَّ بِهِ نَظَرٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ بَحْثُ الْمُؤَلِّفِ فِي كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ وَنَقْلُ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ وَمَا ذَاكَ إلَّا فِي التَّأْخِيرِ إذْ لَا شَكَّ فِي إثْمِ تَارِكِ فَرْضٍ قَطْعِيٍّ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ فَرْضًا وَلَا وَاجِبًا فَالْمُرَادُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ إثْمُ التَّأْخِيرِ يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا قَالَ فِي الْفَتْحِ ثُمَّ عَلَى مَا أَوْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ يَأْثَمُ بِالتَّأْخِيرِ عَنْ أَوَّلِ سِنِي الْإِمْكَانِ فَلَوْ حَجَّ بَعْدَهُ ارْتَفَعَ الْإِثْمُ اهـ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ فَيَأْثَمُ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ بِالتَّأْخِيرِ إلَى غَيْرِهِ بِلَا عُذْرٍ إلَّا إذَا أَدَّى وَلَوْ فِي آخَرِ عُمُرِهِ فَإِنَّهُ رَافِعٌ لِلْإِثْمِ بِلَا خِلَافٍ وَحِينَئِذٍ فَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا نَقَلَهُ عَنْ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ مِنْ عَدَمِ ارْتِفَاعِ الْإِثْمِ عِنْدَ الثَّانِي (قَوْلُهُ: فَقِيلَ يَأْثَمُ مُطْلَقًا) قَالَ فِي النَّهْرِ لَمْ أَرَ عَنْ مُحَمَّدٍ الْقَوْلَ بِالْإِثْمِ مُطْلَقًا إذْ بِتَقْدِيرِهِ يَرْتَفِعُ الْخِلَافُ فَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا سَهْوٌ نَعَمْ الْمَنْقُولُ عَنْهُ كَمَا فِي الْفَتْحِ أَنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي فَلَا يَأْثَمُ إذَا حَجَّ قَبْلَ مَوْتِهِ فَإِذَا مَاتَ بَعْدَ الْإِمْكَانِ وَلَمْ يَحُجَّ ظَهَرَ أَنَّهُ أَثِمَ وَنَقَلَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 333 مُطْلَقًا وَقِيلَ إنْ خَافَ الْفَوَاتَ بِأَنْ ظَهَرَتْ لَهُ مَخَائِلُ الْمَوْتِ فِي قَلْبِهِ فَأَخَّرَهُ حَتَّى مَاتَ أَثِمَ وَإِنْ فَجْأَهُ الْمَوْتُ لَا يَأْثَمُ وَيَنْبَغِي اعْتِمَادُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَتَضْعِيفُ الْقَوْلِ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَفُوتُ الْقَوْلُ بِفَرْضِيَّةِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّ فَائِدَتَهَا الْإِثْمُ عِنْدَ عَدَمِ الْفِعْلِ سَوَاءٌ كَانَ مُضَيَّقًا، أَوْ مُوَسَّعًا اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ فَائِدَتُهَا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وُجُوبُ الْإِيصَاءِ عَلَيْهِ قُبَيْلَ مَوْتِهِ فَإِذَا لَمْ يُوصِ يَأْثَمُ لِتَرْكِ هَذَا الْوَاجِبِ لَا لِتَرْكِ الْحَجِّ وَعُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ فُرِضَ مَرَّةً أَنَّ مَا زَادَ عَلَيْهَا فَهُوَ تَطَوُّعٌ وَيَشْهَدُ لَهُ الْحَدِيثُ السَّابِقُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الْحَجَّ لَا يُوصَفُ بِالنَّفْلِيَّةِ بَلْ الْمَرَّةُ الْأُولَى فَرْضُ عَيْنٍ وَمَا زَادَ فَفَرْضُ كِفَايَةٍ؛ لِأَنَّ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ أَنْ يَحُجَّ الْبَيْتَ كُلَّ عَامٍ وَلَمْ أَرَهُ لِأَئِمَّتِنَا بَلْ صَرَّحُوا بِالنَّفْلِيَّةِ فَقَالُوا حَجُّ النَّفْلِ أَفْضَلُ مِنْ الصَّدَقَةِ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ إذَا نَذَرَ الْحَجَّ فَإِنَّهُ يَصِيرُ فَرْضًا أَيْضًا وَمِنْ فُرُوعِهِ مَا فِي الْخُلَاصَةِ رَجُلٌ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ مِائَةُ حِجَّةٍ لَزِمَتْهُ كُلُّهَا، وَلَوْ قَالَ أَنَا أَحُجُّ لَا حَجَّ عَلَيْهِ، وَلَوْ قَالَ إذَا دَخَلْت الدَّارَ فَأَنَا أَحُجُّ يَلْزَمُهُ عِنْدَ الشَّرْطِ وَلَوْ قَالَ الْمَرِيضُ إنْ عَافَانِي اللَّهُ تَعَالَى مِنْ مَرَضِي هَذَا فَعَلَيَّ حِجَّةٌ فَبَرِئَ لَزِمَتْهُ حِجَّةٌ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ عَلَيَّ حِجَّةٌ لِلَّهِ؛ لِأَنَّ الْحِجَّةَ لَا تَكُونُ إلَّا لِلَّهِ، وَلَوْ بَرَأَ وَحَجَّ جَازَ عَنْ حِجَّةِ الْإِسْلَامِ، وَلَوْ نَوَى غَيْرَ حِجَّةِ الْإِسْلَامِ صَحَّتْ نِيَّتُهُ. اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَنْصَرِفُ إلَى حِجَّةِ الْإِسْلَامِ مِنْ غَيْرِ نِيَّتِهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَنْصَرِفَ إلَى غَيْرِ حِجَّةِ الْإِسْلَامِ بِغَيْرِ نِيَّةٍ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهَا وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الشَّارِحُ الزَّيْلَعِيُّ فِي كِتَابِ الْأُضْحِيَّةَ لَكِنْ عَلَّلَ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ لِمَا فِي الْخُلَاصَةِ بِأَنَّ الْغَالِبَ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْمَرِيضَ الَّذِي فَرَّطَ فِي الْفَرْضِ حَتَّى مَرِضَ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْحَجَّ يَتَّصِفُ بِالْحُرْمَةِ إذَا كَانَ الْمَالُ حَرَامًا وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ يَكُونُ وَاجِبًا وَهُوَ مَا إذَا جَاوَزَ الْمِيقَاتَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ فَإِنَّهُمْ قَالُوا يَجِبُ عَلَيْهِ أَحَدُ النُّسُكَيْنِ إمَّا الْحَجُّ، أَوْ الْعُمْرَةُ فَإِذَا اخْتَارَ الْحَجَّ فَإِنَّهُ يَتَّصِفُ بِالْوُجُوبِ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ يَتَّصِفُ بِالْكَرَاهَةِ وَهُوَ حَجُّهُ بِغَيْرِ إذْنِ أَبَوَيْهِ بِشَرْطِهِ، أَوْ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِ الدَّيْنِ فَتَحَرَّرَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ يَكُونُ فَرْضًا وَوَاجِبًا وَنَفْلًا وَحَرَامًا وَمَكْرُوهًا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَتَّصِفُ بِالْإِبَاحَةِ؛ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ وَضْعًا. (قَوْلُهُ: بِشَرْطِ حُرِّيَّةٍ وَبُلُوغٍ وَعَقْلٍ وَصِحَّةٍ وَقُدْرَةٍ زَادَ وَرَاحِلَةٍ فَضَلَتْ عَنْ مَسْكَنِهِ وَعَمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ وَنَفَقَةِ ذَهَابِهِ وَإِيَابِهِ وَعِيَالِهِ) فَلَا حَجَّ عَلَى عَبْدٍ وَلَوْ مُدَبَّرًا، أَوْ أُمَّ وَلَدٍ، أَوْ مُكَاتَبًا أَوْ مُبَعَّضًا، أَوْ مَأْذُونًا لَهُ فِي الْحَجِّ، وَلَوْ كَانَ بِمَكَّةَ لِعَدَمِ مِلْكِهِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ لَا يَتَأَتَّى إلَّا بِالْمَالِ غَالِبًا بِخِلَافِهِمَا وَلِفَوَاتِ حَقِّ الْمَوْلَى فِي مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ وَحَقُّ الْعَبْدِ مُقَدَّمٌ بِإِذْنِ الشَّرْعِ وَالْمَوْلَى وَإِنْ أَذِنَهُ فَقَدْ أَعَارَهُ مَنَافِعَهُ وَالْحَجُّ لَا يَجِبُ بِقُدْرَةٍ عَارِيَّةٍ وَلَا عَلَى صَبِيٍّ وَلَا مَجْنُونٍ وَفِي الْمَعْتُوهِ   [منحة الخالق] الْقَوْلَيْنِ الْآخَرَيْنِ ثُمَّ قَالَ وَصِحَّةُ الْأَوَّلِ غَنِيَّةٌ عَنْ الْوَجْهِ وَعَلَى اعْتِبَارِهِ قِيلَ يَظْهَرُ الْإِثْمُ مِنْ السَّنَةِ الْأُولَى وَقِيلَ مِنْ الْأَخِيرَةِ مِنْ سَنَةِ رَأَى فِي نَفْسِهِ الضَّعْفَ وَقِيلَ يَأْثَمُ فِي الْجُمْلَةِ غَيْرَ مَحْكُومٍ بِمُعَيَّنٍ بَلْ عِلْمُهُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى اهـ. وَلَا يَخْفَى عَلَيْك مَا فِيهِ فَإِنَّ مَا ادَّعَى عَدَمَ رُؤْيَتِهِ نَقَلَهُ بِيَدِهِ وَتَلَفَّظَهُ بِفِيهِ وَهُوَ قَوْلُ الْفَتْحِ فَإِذَا مَاتَ بَعْدَ الْإِمْكَانِ وَلَمْ يَحُجَّ ظَهَرَ أَنَّهُ أَثِمَ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ يَأْثَمُ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ فَجَأَهُ الْمَوْتُ أَوْ لَا وَقَوْلُهُ إذْ بِتَقْدِيرِهِ يَرْتَفِعُ الْخِلَافُ مَمْنُوعٌ فَإِنَّهُ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامَيْنِ يَأْثَمُ بِالتَّأْخِيرِ عَنْ أَوَّلِ سِنِي الْإِمْكَانِ كَمَا مَرَّ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ يَظْهَرُ بِالْمَوْتِ إثْمُهُ وَكَلَامُ الْمُؤَلِّفِ فِيمَا إذَا مَاتَ فَالْفَرْقُ وَاضِحٌ تَدَبَّرْ (قَوْلُهُ: فَقَالُوا حَجُّ النَّفْلِ أَفْضَلُ مِنْ الصَّدَقَةِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَالَ الْمَرْحُومُ الشَّيْخُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْعِمَادِيُّ مُفْتِي الشَّامِ فِي مَنَاسِكِهِ وَإِذَا حَجَّ حِجَّةَ الْإِسْلَامِ فَصَدَقَةُ التَّطَوُّعِ بَعْدَ ذَلِكَ أَفْضَلُ مِنْ حَجِّ التَّطَوُّعِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَالْحَجُّ أَفْضَلُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ فَلَمَّا حَجّ وَرَأَى مَا فِيهِ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَشَقَّاتِ الْمُوجِبَةِ لِتَضَاعُفِ الْحَسَنَاتِ رَجَعَ إلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ اهـ. قُلْت قَدْ يُقَالُ إنَّ صَدَقَةَ التَّطَوُّعِ فِي زَمَانِنَا أَفْضَلُ لِمَا يَلْزَمُ الْحَاجَّ غَالِبًا مِنْ ارْتِكَابِ الْمَحْظُورَاتِ وَمُشَاهَدَتِهِ لِفَوَاحِشِ الْمُنْكَرَاتِ وَشُحِّ عَامَّةِ النَّاسِ بِالصَّدَقَاتِ وَتَرْكِهِمْ الْفُقَرَاءَ وَالْأَيْتَامَ فِي حَسَرَاتٍ وَلَا سِيَّمَا فِي أَيَّامِ الْغَلَاءِ وَضِيقِ الْأَوْقَاتِ وَبِتَعَدِّي النَّفْعِ تَتَضَاعَفُ الْحَسَنَاتُ ثُمَّ رَأَيْت فِي مُتَفَرِّقَاتِ اللُّبَابِ الْجَزْمَ بِأَنَّ الصَّدَقَةَ أَفْضَلُ مِنْهُ وَقَالَ شَارِحُهُ الْقَارِي أَيْ عَلَى مَا هُوَ الْمُخْتَارُ كَمَا فِي التَّجْنِيسِ وَمُنْيَةِ الْمُفْتِي وَغَيْرِهِمَا وَلَعَلَّ تِلْكَ الصَّدَقَةَ مَحْمُولَةٌ عَلَى إعْطَاءِ الْفَقِيرِ الْمَوْصُوفِ بِغَايَةِ الْفَاقَةِ أَوْ فِي حَالِ الْمَجَاعَةِ وَإِلَّا فَالْحَجُّ مُشْتَمِلٌ عَلَى النَّفَقَةِ بَلْ وَزَادَ إنَّ الدِّرْهَمَ الَّذِي يُنْفَقُ فِي الْحَجِّ بِسَبْعِمِائَةٍ إلَخْ قُلْت قَدْ يُقَالُ مَا وَرَدَ مَحْمُولٌ عَلَى الْحَجِّ الْفَرْضِ عَلَى أَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ كَوْنِ الصَّدَقَةِ لِلْمُحْتَاجِ أَعْظَمَ أَجْرًا مِنْ سَبْعِمِائَةٍ (قَوْلُهُ: وَلَا يَخْفَى إلَخْ) قَالَ مُنْلَا عَلِيٌّ فِي شَرْحِ الْمَنْسَكِ الْمُتَوَسِّطِ نَعَمْ قَدْ يُفْرَضُ لِعَارِضٍ كَنَذْرٍ أَوْ قَضَاءٍ بَعْدَ فَسَادٍ أَوْ إحْصَارٍ أَوْ الشُّرُوعِ فِيهِ بِمُبَاشَرَةِ إحْرَامٍ إلَخْ. (قَوْلُهُ: فَلَا حَجَّ عَلَى عَبْدٍ إلَخْ) أَيْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ لَكِنَّهُ يَصِحُّ مِنْهُ وَيَقَعُ نَفْلًا (قَوْلُهُ: وَلَا عَلَى صَبِيٍّ إلَخْ) أَيْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَيْضًا فَلَوْ حَجَّ وَهُوَ مُمَيِّزٌ بِنَفْسِهِ أَوْ غَيْرُ مُمَيِّزٍ بِإِحْرَامِ وَلِيِّهِ فَهُوَ نَفْلٌ وَأَمَّا غَيْرُ الْعَاقِلِ فَاخْتُلِفَ فِيهِ فَفِي الْبَدَائِعِ وَلَا يَجُوزُ أَدَاءُ الْحَجِّ مِنْ الْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ كَمَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا وَقَالَ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ قَالَ مَشَايِخُنَا وَغَيْرُهُمْ بِصِحَّةِ حَجِّ الصَّبِيِّ وَلَوْ كَانَ غَيْرَ مُمَيِّزٍ وَكَذَا بِصِحَّةِ حَجِّ الْمَجْنُونِ اهـ. وَيَنْبَغِي الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 334 خِلَافٌ فِي الْأُصُولِ فَذَهَبَ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِفَخْرِ الْإِسْلَامِ إلَى أَنَّهُ يُوضَعُ عَنْهُ الْخِطَابُ كَالصَّبِيِّ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْعِبَادَاتِ وَذَهَبَ الدَّبُوسِيُّ فِي التَّقْوِيمِ إلَى أَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِالْعِبَادَاتِ احْتِيَاطًا وَالْمُرَادُ بِالصِّحَّةِ صِحَّةُ الْجَوَارِحِ فَلَا يَجِبُ أَدَاءُ الْحَجِّ عَلَى مُقْعَدٍ وَلَا عَلَى زَمِنٍ وَلَا مَفْلُوجٍ وَلَا مَقْطُوعِ الرِّجْلَيْنِ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ وَالشَّيْخِ الَّذِي لَا يَثْبُتُ بِنَفْسِهِ عَلَى الرَّاحِلَةِ وَالْأَعْمَى وَالْمَجْبُوسِ وَالْخَائِفِ مِنْ السُّلْطَانِ الَّذِي يَمْنَعُ النَّاسَ مِنْ الْخُرُوجِ إلَى الْحَجِّ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْحَجُّ بِأَنْفُسِهِمْ وَلَا الْإِحْجَاجُ عَنْهُمْ إنْ قَدَرُوا عَلَى ذَلِكَ هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْهُمَا وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْهُمَا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْإِحْجَاجُ فَإِنْ أَحَجُّوا أَجْزَأَهُمْ مَا دَامَ الْعَجْزُ مُسْتَمِرًّا بِهِمْ فَإِنْ زَالَ فَعَلَيْهِمْ الْإِعَادَةُ بِأَنْفُسِهِمْ وَظَاهِرُ مَا فِي التُّحْفَةِ اخْتِيَارُهُ فَإِنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ وَكَذَا الْإِسْبِيجَابِيُّ وَقَوَّاهُ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَمَشَى عَلَى أَنَّ الصِّحَّةَ مِنْ شَرَائِطِ وُجُوبِ الْأَدَاءِ فَالْحَاصِلُ أَنَّهَا مِنْ شَرَائِطِ الْوُجُوبِ عِنْدَهُ وَمِنْ شَرَائِطِ وُجُوبِ الْأَدَاءِ عِنْدَهُمَا وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي وُجُوبِ الْإِحْجَاجِ كَمَا ذَكَرْنَا فِي وُجُوبِ الْإِيصَاءِ وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْحَجِّ وَهُوَ صَحِيحٌ أَمَّا إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ وَهُوَ صَحِيحٌ ثُمَّ زَالَتْ الصِّحَّةُ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ إلَى الْحَجِّ فَإِنَّهُ يَتَقَرَّرُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْإِحْجَاجُ اتِّفَاقًا أَمَّا إنْ خَرَجَ فَمَاتَ فِي الطَّرِيقِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِيصَاءُ بِالْحَجِّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤَخِّرْ بَعْدَ الْإِيجَابِ كَذَا فِي التَّجْنِيسِ وَلَا فَرْقَ فِي الْأَعْمَى بَيْنَ أَنْ يَجِدَ قَائِدًا، أَوْ لَا وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْقَادِرَ بِقُدْرَةِ غَيْرِهِ لَيْسَ بِقَادِرٍ وَلَوْ تَكَلَّفَ هَؤُلَاءِ الْحَجَّ بِأَنْفُسِهِمْ سَقَطَ عَنْهُمْ حَتَّى لَوْ صَحُّوا بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْأَدَاءُ؛ لِأَنَّ سُقُوطَ الْوُجُوبِ عَنْهُمْ لِدَفْعِ الْحَرَجِ فَإِذَا تَحَمَّلُوهُ وَقَعَ عَنْ حِجَّةِ الْإِسْلَامِ كَالْفَقِيرِ إذَا حَجَّ وَأَمَّا الْقُدْرَةُ عَلَى الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ فَالْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ مِنْ شَرْطِ الْوُجُوبِ فَلَا وُجُوبَ أَصْلًا يَتَعَلَّقُ بِالْفَقِيرِ لِاشْتِرَاطِ الِاسْتِطَاعَةِ فِي آيَةِ الْحَجِّ وَفُسِّرَتْ بِهِمَا وَاَلَّذِي عَلَيْهِ أَهْلُ الْأُصُولِ وَمِنْهُمْ صَاحِبُ التَّوْضِيحِ تَبَعًا لِفَخْرِ الْإِسْلَامِ أَنَّ الْقُدْرَةَ الْمُمْكِنَةَ كَالزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ لِلْحَجِّ شَرْطُ وُجُوبِ الْأَدَاءِ لَا شَرْطُ الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ جَبْرِيٌّ لَا صُنْعَ لِلْعَبْدِ فِيهِ وَلَيْسَ فِيهِ تَكْلِيفٌ؛ لِأَنَّهُ طَلَبُ إيقَاعِ الْفِعْلِ مِنْ الْعَبْدِ وَنَفْسُ الْوُجُوبِ لَيْسَ كَذَلِكَ أَلَا تَرَى أَنَّ صَوْمَ الْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ وَاجِبٌ وَلَا تَكْلِيفَ عَلَيْهِمَا وَكَذَا الزَّكَاةُ قَبْلَ الْحَوْلِ   [منحة الخالق] بِحَمْلِ الْأَوَّلِ عَلَى مَجْنُونٍ لَيْسَ لَهُ قَابِلِيَّةُ النِّيَّةِ فِي الْإِحْرَامِ كَالصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ وَالثَّانِي عَلَى الَّذِي لَهُ بَعْضُ الْإِدْرَاكَاتِ الشَّرْعِيَّةِ وَعَلَى صِحَّةِ حَجِّ الصَّبِيِّ الْغَيْرِ الْمُمَيِّزِ إذَا نَابَ عَنْهُ وَلِيُّهُ فِي النِّيَّةِ كَذَا فِي شَرْحِ لُبَابِ الْمَنَاسِكِ لِمُنْلَا عَلِيٍّ الْقَارِي أَقُولُ: الْمُتَعَيِّنُ حَمْلُ مَا فِي الْبَدَائِعِ عَلَى أَدَاءِ الْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ بِنَفْسِهِمَا بِلَا وَلِيٍّ وَحَمْلُ مَا نَقَلَهُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ عَلَى مَا إذَا أَحْرَمَ عَنْهُمَا وَلِيُّهُمَا فَإِنَّ الْمَجْنُونَ كَالصَّبِيِّ فِي ذَلِكَ كَمَا سَنَذْكُرُهُ قَرِيبًا عَنْ الذَّخِيرَةِ وَالْوَلْوالِجِيَّة وَغَيْرِهِمَا (قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ بِالصِّحَّةِ صِحَّةُ الْجَوَارِحِ) قَالَ فِي النَّهْرِ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ يَرِدُ عَلَيْهِ الْمَرِيضُ إذَا كَانَ صَحِيحَ الْجَوَارِحِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ أَيْضًا وَمِنْ ثَمَّ فَسَّرَهَا بَعْضُهُمْ بِصِحَّةِ الْبَدَنِ وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ الْأَعْمَى كَذَلِكَ بِدَلِيلِ أَنَّ تَصَرُّفَهُ يَنْفُذُ مِنْ كُلِّ الْمَالِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ فَالْأَوْلَى أَنْ يُفَسَّرَ بِسَلَامَةِ الْبَدَنِ مِنْ الْآفَاتِ الْمَانِعَةِ عَنْ الْقِيَامِ بِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ فِي السَّفَرِ (قَوْلُهُ: فَلَا يَجِبُ أَدَاءُ الْحَجِّ عَلَى مُقْعَدٍ إلَخْ) الْأَصْوَبُ أَنْ يَقُولَ فَلَا يَجِبُ الْحَجُّ إلَخْ وَيُسْقِطَ لَفْظَةَ أَدَاءُ لِيُوَافِقَ قَوْلَهُ بَعْدَهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْحَجُّ بِأَنْفُسِهِمْ وَلَا الْإِحْجَاجُ عَنْهُمْ؛ لِأَنَّ هَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الصِّحَّةَ مِنْ شَرَائِطِ الْوُجُوبِ فَيُنَافِيهِ التَّعْبِيرُ بِالْأَدَاءِ، تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَلَا مَقْطُوعِ الرِّجْلَيْنِ) الظَّاهِرُ أَنَّ مَقْطُوعَ الرِّجْلِ الْوَاحِدَةِ وَمَقْطُوعَ الْيَدَيْنِ كَذَلِكَ لِظُهُورِ الْحَرَجِ عَلَيْهِمَا إنْ وَقَعَ التَّكْلِيفُ لِلْحَجِّ بِأَنْفُسِهِمَا ثُمَّ رَأَيْت الْكَرْمَانِيَّ نَصَّ عَلَى مَقْطُوعِ الْيَدَيْنِ أَيْضًا فَمَقْطُوعُ الرِّجْلِ الْوَاحِدَةِ بِالْأَوْلَى كَذَا فِي شَرْحِ اللُّبَابِ لِمُنْلَا عَلِيٍّ الْقَارِي (قَوْلُهُ: وَالْمَحْبُوسُ) قَالَ الْعَلَّامَةُ مُنْلَا عَلِيٌّ الْقَارِي فِي شَرْحِهِ عَلَى لُبَابِ الْمَنَاسِكِ نُقِلَ عَنْ شَمْسِ الْإِسْلَامِ أَنَّ السُّلْطَانَ وَمَنْ بِمَعْنَاهُ مِنْ الْأُمَرَاءِ ذَوِي الشَّأْنِ مُلْحَقٌ بِالْمَحْبُوسِ فِي هَذَا الْحُكْمِ فَيَجِبُ الْحَجُّ فِي مَالِهِ يَعْنِي إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ غَيْرُ مُسْتَغْرَقٍ لِحُقُوقِ النَّاسِ فِي ذِمَّتِهِ دُونَ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ مَتَى خَرَجَ مِنْ مَمْلَكَتِهِ تَخْرَبُ الْبِلَادُ وَتَقَعُ الْفِتْنَةُ بَيْنَ الْعِبَادِ وَرُبَّمَا يُقْتَلُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ وَرُبَّمَا لَا يُمَكِّنُهُ مَلِكٌ آخَرُ مِنْ الدُّخُولِ فِي حَدِّ مَمْلَكَتِهِ فَتَقَعَ فِتْنَةٌ عَظِيمَةٌ تُفْضِي إلَى مَضَرَّةٍ بَلِيغَةٍ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ فِي أَمْرِ الدُّنْيَا وَالدِّينِ اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْ تَكُونُ سَلْطَنَتُهُ ثَابِتَةً بِالشَّرَائِطِ الشَّرْعِيَّةِ وَإِلَّا فَيَجِبُ عَلَيْهِ خَلْعُ نَفْسِهِ وَإِقَامَةُ مَنْ يَسْتَحِقُّ الْخِلَافَةَ مَقَامَهُ فِي أَمْرِهِ إنْ لَمْ يَتَفَرَّعْ عَلَيْهِ فَسَادُ عَسْكَرِهِ اهـ. مِمَّا فِي شَرْحِ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ مَا فِي التُّحْفَةِ اخْتِيَارُهُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ تَقَدَّمَ فِي تَعْدَادِ الشَّرَائِطِ أَنَّ مِنْ شَرَائِطِ الْوُجُوبِ الصِّحَّةُ عَلَى الْأَصَحِّ تَأَمَّلْ اهـ. وَذَكَرَ مُنْلَا عَلِيٌّ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ أَنَّهُ مَشَى عَلَيْهِ فِي النِّهَايَةِ وَأَنَّهُ قَالَ فِي الْبَحْرِ الْعَمِيقِ هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ وَأَنَّ الثَّانِيَ صَحَّحَهُ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ وَاخْتَارَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ وَمِنْهُمْ ابْنُ هَمَّامٍ اهـ. فَقَدْ اخْتَلَفَ التَّرْجِيحُ (قَوْلُهُ: كَالْفَقِيرِ إذَا حَجَّ) أَيْ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ الْفَرْضُ حَتَّى لَوْ اسْتَغْنَى لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهُوَ مُعَلَّلٌ بِأَمْرَيْنِ الْأَوَّلِ أَنَّ عَدَمَهُ عَلَيْهِ لَيْسَ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ كَالْعَبْدِ بَلْ لِلتَّرْفِيهِ وَدَفْعِ الْحَرَجِ عَنْهُ فَإِذَا تَحَمَّلَهُ وَجَبَ ثُمَّ يَسْقُطُ كَالْمُسَافِرِ إذَا صَامَ رَمَضَانَ وَالثَّانِي أَنَّ الْفَقِيرَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 335 وَقَدْ ظَهَرَ لِلْعَبْدِ الضَّعِيفِ أَنَّ الْفُقَهَاءَ إنَّمَا لَمْ يُوَافِقُوا الْأُصُولِيِّينَ عَلَى ذَلِكَ لِمَا أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي جَعْلِهِ شَرْطَ وُجُوبِ الْأَدَاءِ؛ لِأَنَّ فَائِدَةَ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا هُوَ لُزُومُ الْإِيصَاءِ عِنْدَ الْمَوْتِ وَعَدَمُهُ وَالْفَقِيرُ لَا يَتَأَتَّى فِيهِ ذَلِكَ فَلِهَذَا جَعَلُوا الْقُدْرَةَ مِنْ شَرَائِطِ أَصْلِ الْوُجُوبِ وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَى هَذَا وَقَوْلُ الْمُحَقِّقِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ شَرْطُ الْوُجُوبِ لَا نَعْلَمُ عَنْ أَحَدٍ خِلَافَهُ مُرَادُهُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَإِلَّا فَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْأُصُولِيِّينَ عَلَى خِلَافِهِ وَعَلَى مَا ذَكَرَهُ الْأُصُولِيُّونَ فَلَا يَتَأَتَّى بَحْثُهُ الْمَذْكُورُ فِي الْفَقِيرِ كَمَا لَا يَخْفَى وَأَطْلَقَ فِي الزَّادِ فَأَفَادَ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي حَقِّ كُلِّ إنْسَانٍ مَا يَصِحُّ بِهِ بَدَنُهُ وَالنَّاسُ مُتَفَاوِتُونَ فِي ذَلِكَ وَالرَّاحِلَةُ فِي اللُّغَةِ الْمَرْكَبُ مِنْ الْإِبِلِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى وَهِيَ فَاعِلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَدَرَ عَلَى غَيْرِ الرَّاحِلَةِ مِنْ بَغْلٍ أَوْ حِمَارٍ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَلَمْ أَرَهُ صَرِيحًا وَإِنَّمَا صَرَّحُوا بِالْكَرَاهِيَةِ وَيُعْتَبَرُ فِي حَقِّ كُلِّ إنْسَانٍ مَا يُبَلِّغُهُ فَمَنْ قَدَرَ عَلَى رَأْسِ زَامِلَةٍ وَهُوَ الْمُسَمَّى فِي عُرْفِنَا رَاكِبٌ مُقَتَّبٌ وَأَمْكَنَهُ السَّفَرُ عَلَيْهِ وَجَبَ وَإِلَّا بَانَ كَانَ مُتَرَفِّهًا فَلَا بُدَّ أَنْ يَقْدِرَ عَلَى شِقِّ مَحْمِلٍ وَهُوَ الْمُسَمَّى فِي عُرْفِنَا مَحَارَةٌ أَوْ مُوهِيَةٌ وَإِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَكْتَرِيَ عَقَبَةً لَا يَجِبُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى الرَّاحِلَةِ فِي جَمِيعِ الطَّرِيقِ وَهُوَ الشَّرْطُ سَوَاءٌ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْمَشْيِ، أَوْ لَا وَالْعَقَبَةُ أَنْ يَكْتَرِيَ اثْنَانِ رَاحِلَةً يَتَعَقَّبَانِ عَلَيْهَا يَرْكَبُ أَحَدُهُمَا مَرْحَلَةً وَالْآخَرُ.   [منحة الخالق] إذَا وَصَلَ إلَى الْمَوَاقِيتِ صَارَ حُكْمُهُ حُكْمَ أَهْلِ مَكَّةَ فَيَجِبُ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الرَّاحِلَةِ اهـ. وَتَمَامُهُ فِيهِ (قَوْلُهُ: وَالْفَقِيرُ لَا يَتَأَتَّى فِيهِ ذَلِكَ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ يُوصِي بِهِ لَوَجَبَ عَلَيْهِ الْأَدَاءُ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ وَاجِدٌ لِلزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَحْدُثُ لَهُ مِلْكُ ذَلِكَ فِي وَقْتٍ لَا يُمْكِنُهُ فِيهِ الْخُرُوجُ وَالْمُعْتَبَرُ مِلْكُهُ ذَلِكَ وَقْتَ الْإِمْكَانِ كَمَا يَأْتِي وَلِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لَهُ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ مَسْكَنٍ وَخَادِمٍ فَيُمْكِنُهُ الْإِيصَاءُ مِنْ ثَمَنِهِ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَغْنَى عَنْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَعَلَى جَعْلِ الْقُدْرَةِ الْمَذْكُورَةِ شَرْطَ وُجُوبٍ لَا شَرْطَ وُجُوبِ الْأَدَاءِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لِعَدَمِ أَصْلِ الْوُجُوبِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا جُعِلَتْ شَرْطَ وُجُوبِ الْأَدَاءِ؛ لِأَنَّهُ يَتَأَتَّى فِيهِ لُزُومُ الْإِيصَاءِ مِمَّا ذَكَرْنَا فَقَدْ ظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا، تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَأَطْلَقَ فِي الزَّادِ إلَخْ) قَالَ ابْنُ الْعِمَادِيِّ فِي مَنْسَكِهِ وَهَاهُنَا فَائِدَةٌ يَنْبَغِي لِلْعَامَّةِ التَّنَبُّهُ لَهَا وَهِيَ أَنَّ عَدَمَ الْقُدْرَةِ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ الْمُحْدَثَةُ لِكَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الثَّرْوَةِ بِرَسْمِ الْهَدِيَّةِ لِلْأَقَارِبِ وَالْأَصْحَابِ لَيْسَ بِعُذْرٍ مُرَخِّصٍ لِتَأْخِيرِ الْحَجِّ فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ الْحَوَائِجِ الشَّرْعِيَّةِ فَمَنْ امْتَنَعَ مِنْ الْحَجِّ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ حَتَّى مَاتَ فَقَدْ مَاتَ عَاصِيًا فَالْحَذَرَ مِنْ ذَلِكَ اهـ قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ وَنَحْوُهُ لِابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ اهـ. (قَوْلُهُ: وَالنَّاسُ مُتَفَاوِتُونَ فِي ذَلِكَ) قَالَ فِي الْفَتْحِ فَلَيْسَ كُلُّ مَنْ قَدَرَ عَلَى مَا تَيَسَّرَ مِنْ خُبْزٍ وَجُبْنٍ دُونَ لَحْمٍ قَادِرًا عَلَى الزَّادِ بَلْ رُبَّمَا يَهْلِكُ بِمُدَاوَمَتِهِ ثَلَاثَ أَيَّامٍ مَرَضًا إذَا كَانَ مُتَرَفِّهًا مُعْتَادَ اللَّحْمِ وَالْأَطْعِمَةِ الْمُتَرَفِّهَةِ (قَوْلُهُ: لَوْ قَدَرَ عَلَى غَيْرِ الرَّاحِلَةِ إلَخْ) قَالَ الْعَلَّامَةُ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - السِّنْدِيُّ تِلْمِيذُ الْمُحَقِّقِ ابْنِ الْهُمَامِ فِي مَنْسَكِهِ الْكَبِيرِ وَاعْلَمْ أَنَّ مُرَادَ الْفُقَهَاءِ مِنْ الرَّاحِلَةِ الْمَرْكَبُ مِنْ الْإِبِلِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى كَمَا قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ ثُمَّ هَلْ هُوَ شَرْطٌ بِخُصُوصِهِ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ الدَّوَابِّ دَاخِلٌ فِي حُكْمِهِ لَمْ أَرَ تَعَرُّضَ الْأَصْحَابِ لِذَلِكَ وَتَعَرَّضَ لَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ فَقَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ وَفِي مَعْنَى الرَّاحِلَةِ كُلُّ حَمُولَةٍ اُعْتِيدَ الْحَمْلُ عَلَيْهَا فِي طَرِيقِهِ أَيْ الْحَجِّ مِنْ بِرْذَوْنٍ أَوْ بَغْلٍ أَوْ حِمَارٍ وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ مِنْهُمْ هُوَ صَحِيحٌ فِيمَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ مَرَاحِلُ يَسِيرَةٌ جَرَتْ الْعَادَةُ بِالسَّفَرِ عَلَيْهَا فِي مِثْلِ تِلْكَ الْمَسَافَةِ دُونَ الْمَرَاحِلِ الْبَعِيدَةِ كَأَهْلِ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ مَثَلًا؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْإِبِلِ لَا يَقْوَى عَلَى قَطْعِ الْمَسَافَاتِ الشَّاسِعَةِ غَالِبًا اهـ. وَهُوَ تَفْصِيلٌ حَسَنٌ جِدًّا وَلَمْ أَرَ فِي كَلَامِ أَصْحَابِنَا مَا يُخَالِفُهُ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا التَّفْصِيلُ مُرَادَهُمْ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَمْ أَرَهُ صَرِيحًا) قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ قَدْ رَأَيْت وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ فِي الْمُجْتَبَى بِرَمْزِ شَرْحِ الصَّبَّاغِيِّ مَا هُوَ صَرِيحٌ فِيهِ وَلَفْظُهُ وَلَوْ مَلَكَ كِرَاءَ حِمَارٍ أَوْ كِرَاءَ بَعِيرٍ عُقْبَةً فَهُوَ عَاجِزٌ عَنْ الرَّاحِلَةِ اهـ. لَكِنْ فِي ذَخِيرَةِ الْعَقَبِيِّ وَالرَّاحِلَةُ قِيلَ النَّاقَةُ الَّتِي تَصْلُحُ لَأَنْ تَرْحَلَ وَالْمُرَادُ هَاهُنَا الْمَرْكَبُ مُطْلَقًا اهـ. وَقَالَ الرَّمْلِيُّ الْفِقْهُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ فِي الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ وَالْفَرَسِ إذْ هُوَ مَنُوطٌ بِالِاسْتِطَاعَةِ وَهِيَ أَعَمُّ وَاشْتِرَاطُ ذَكَرِ الْإِبِلِ أَوْ أُنْثَاهُ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ تَأَمَّلْ اهـ. وَيَنْبَغِي التَّفْصِيلُ كَمَا بَحَثَهُ السِّنْدِيُّ فِي مَنْسَكِهِ الْكَبِيرِ وَهُوَ الْوُجُوبُ عِنْدَ قُرْبِ الْمَسَافَةِ بِخِلَافِ الْمَشْرِقِيِّ وَالْمَغْرِبِيِّ (قَوْلُهُ: وَيُعْتَبَرُ فِي حَقِّ كُلِّ إنْسَانٍ مَا يُبَلِّغُهُ إلَخْ) قَالَ مُنْلَا عَلِيٌّ الْقَارِي فِي شَرْحِهِ عَلَى لُبَابِ الْمَنَاسِكِ فَهُوَ إمَّا بِرُكُوبِ زَامِلَةٍ أَوْ شِقِّ مَحْمِلٍ، وَأَمَّا الْمِحَفَّةُ فَمِنْ مُبْتَدَعَاتِ الْمُتَرَفِّهَةِ فَلَيْسَ لَهَا عِبْرَةٌ اهـ. أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمِحَفَّةِ التَّخْتُ الْمَعْرُوفُ فِي زَمَانِنَا الَّذِي يُحْمَلُ عَلَى جَمَلَيْنِ أَوْ بَغْلَيْنِ لَا الْمَحَارَةُ؛ لِأَنَّهَا شِقُّ الْمَحْمِلِ كَمَا فَسَّرَهُ الْمُؤَلِّفُ، تَأَمَّلْ. ثُمَّ رَأَيْت بَعْضَ الْفُضَلَاءِ نَقَلَ عَنْ الشَّيْخِ عَبْدِ اللَّهِ الْعَفِيفِ فِي شَرْحِ مَنْسَكِهِ أَنَّهُ اعْتَرَضَ كَلَامَ مُنْلَا عَلِيٍّ فَقَالَ لَا يَخْفَى مُنَابَذَتُهُ لِمَا قَرَّرُوهُ مِنْ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي حَقِّ كُلِّ مَا يَلِيقُ بِحَالِهِ عَادَةً وَعُرْفًا إذْ كَثِيرٌ مِنْ الْمُتَرَفِّهِينَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الرُّكُوبِ إلَّا فِي الْمِحَفَّةِ لَا سِيَّمَا عِنْدَ بُعْدِ الْمَسَافَةِ فَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ فِي حَقِّهِ بِلَا ارْتِيَابٍ وَأَمَّا لَوْ قَدَرَ عَلَى غَيْرِهَا مِنْ مَحْمِلٍ أَوْ رَأْسِ زَامِلَةٍ فَلَا يُعْذَرُ وَلَوْ كَانَ شَرِيفًا أَوْ وَجِيهًا أَوْ ذَا ثَرْوَةٍ اهـ. (قَوْلُهُ: عَلَى رَأْسِ زَامِلَةٍ) قَالَ فِي السِّرَاجِ الزَّامِلَةُ الْبَعِيرُ يَحْمِلُ عَلَيْهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 336 مَرْحَلَةً وَشِقُّ الْمَحْمِلِ جَانِبُهُ؛ لِأَنَّ لِلْمَحْمِلِ جَانِبَيْنِ وَيَكْفِي لِلرَّاكِبِ أَحَدُ جَانِبَيْهِ وَقَدْ رَأَيْت فِي كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ مِنْ الشَّرَائِطِ أَنْ يَجِدَ لَهُ مَنْ يَرْكَبُ فِي الْجَانِبِ الْآخَرِ وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْمُعَادِلِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ لَا يَجِبْ الْحَجُّ عَلَيْهِ وَلَمْ أَرَهُ لِأَئِمَّتِنَا وَلَعَلَّهُمْ إنَّمَا لَمْ يَذْكُرُوهُ لِمَا أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِإِمْكَانِ أَنْ يَضَعَ زَادَهُ وَقِرْبَتَهُ وَأَمْتِعَتَهُ فِي الْجَانِبِ الْآخَرِ وَقَدْ وَقَعَ لِي ذَلِكَ فِي الْحِجَّةِ الثَّانِيَةِ فِي الرَّجْعَةِ لَمْ أَجِدْ مُعَادِلًا يَصْلُحُ لِي فَفَعَلْت ذَلِكَ لَكِنْ حَصَلَ لِي نَوْعُ مَشَقَّةٍ حِينَ يَقِلُّ الْمَاءُ وَالزَّادُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِحَقِيقَةِ الْحَالِ ثُمَّ الْقُدْرَةُ عَلَى الزَّادِ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِالْمِلْكِ لَا بِالْإِبَاحَةِ وَالْقُدْرَةُ عَلَى الرَّاحِلَةِ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِالْمِلْكِ، أَوْ الْإِجَارَةِ بِالْعَارِيَّةِ وَالْإِبَاحَةِ فَلَوْ بَذَلَ الِابْنُ لِأَبِيهِ الطَّاعَةَ وَأَبَاحَ لَهُ الزَّادَ وَالرَّاحِلَةَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ وَكَذَا لَوْ وُهِبَ لَهُ مَالٌ لِيَحُجَّ بِهِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَبُولُ؛ لِأَنَّ شَرَائِطَ أَصْلِ الْوُجُوبِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَحْصِيلُهَا عِنْدَ عَدَمِهَا ثُمَّ اشْتِرَاطُ الْقُدْرَةِ عَلَى الزَّادِ عَامٌّ فِي حَقِّ كُلِّ أَحَدٍ حَتَّى أَهْلِ مَكَّةَ وَأَمَّا الْقُدْرَةُ عَلَى الرَّاحِلَةِ فَشَرْطٌ فِي حَقِّ غَيْرِ الْمَكِّيِّ وَأَمَّا هُوَ فَلَا وَمَنْ حَوْلَهَا كَأَهْلِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُمْ مَشَقَّةٌ فَأَشْبَهَ السَّعْيَ إلَى الْجُمُعَةِ أَمَّا إذَا كَانَ لَا يَسْتَطِيعُ الْمَشْيَ أَصْلًا فَلَا بُدَّ مِنْهُ فِي حَقِّ الْكُلِّ وَفِي قَوْلِهِ وَمَا لَا بُدَّ مِنْهُ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمَسْكَنَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُحْتَاجًا إلَيْهِ لِلسُّكْنَى فَلَا تَثْبُتُ الِاسْتِطَاعَةُ بِدَارٍ يَسْكُنُهَا وَعَبْدٍ يَسْتَخْدِمُهُ وَثِيَابٍ يَلْبَسُهَا وَمَتَاعٍ يَحْتَاجُ إلَيْهِ وَتَثْبُتُ الِاسْتِطَاعَةُ بِدَارٍ لَا يَسْكُنُهَا وَعَبْدٍ لَا يَسْتَخْدِمُهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَبِيعَهُ وَيَحُجَّ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ سَكَنَهُ وَهُوَ كَبِيرٌ يَفْضُلُ عَنْهُ حَتَّى يُمْكِنُهُ بَيْعُهُ وَالِاكْتِفَاءُ بِمَا دُونَهُ بِبَعْضِ ثَمَنِهِ وَيَحُجُّ بِالْفَضْلِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ بَيْعُهُ لِذَلِكَ كَمَا لَا يَجِبُ بَيْعُ مَسْكَنِهِ وَالِاقْتِصَارُ عَلَى السُّكْنَى بِالْإِجَارَةِ اتِّفَاقًا بَلْ إنْ بَاعَ وَاشْتَرَى قَدْرَ حَاجَتِهِ وَحَجَّ بِالْفَضْلِ كَانَ أَفْضَلَ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَسْكَنٌ وَلَا خَادِمٌ وَعِنْدَهُ مَالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَ ذَلِكَ وَلَا يَبْقَى بَعْدَهُ قَدْرُ مَا يَحُجُّ بِهِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ؛ لِأَنَّ هَذَا الْمَالَ مَشْغُولٌ بِالْحَاجَةِ الْأَصْلِيَّةِ إلَيْهِ أَشَارَ فِي الْخُلَاصَةِ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ وَمَا لَا بُدَّ مِنْهُ إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَفْضُلَ لَهُ مَالٌ بِقَدْرِ رَأْسِ مَالِ التِّجَارَةِ بَعْدَ الْحَجِّ إنْ كَانَ تَاجِرًا وَكَذَا الدِّهْقَانُ وَالْمُزَارِعُ أَمَّا الْمُحْتَرِفُ فَلَا كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَرَأْسُ الْمَالِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ وَالْمُرَادُ بِالْعِيَالِ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ قَالَ الشَّارِحُ وَيُعْتَبَرُ فِي نَفَقَةِ عِيَالِهِ الْوَسَطُ مِنْ غَيْرِ تَبْذِيرٍ وَلَا تَقْتِيرٍ وَقَدْ يُقَالُ اعْتِبَارُ   [منحة الخالق] الْمُسَافِرُ مَتَاعَهُ وَطَعَامَهُ (قَوْلُهُ وَلَمْ أَرَهُ لِأَئِمَّتِنَا) قَالَ الرَّمْلِيُّ بَلْ قَوَاعِدُنَا مُوَافِقَةٌ لَهُمْ وَأَنْتَ عَالِمٌ بِأَنَّ مَنْ لَمْ يَجِدْ مُعَادِلًا غَيْرُ قَادِرٍ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ وَضْعِ زَادِهِ وَقِرْبَتِهِ إلَخْ فَاسِدٌ إذْ الْمَسْأَلَةُ مُصَوَّرَةٌ فِيمَنْ يَقْدِرُ عَلَى الشِّقِّ فَقَطْ وَحَيْثُ قَدَرَ عَلَى الْمَحْمِلِ فَلَا كَلَامَ فِي الْوُجُوبِ، تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ حَوْلَهَا كَأَهْلِهَا) قَالَ فِي الْمَنْسَكِ الْمُتَوَسِّطِ الْمُسَمَّى لُبَابَ الْمَنَاسِكِ وَمَنْ كَانَ دَاخِلَ الْمَوَاقِيتِ فَهُوَ كَالْمَكِّيِّ فِي عَدَمِ اشْتِرَاطِ الرَّاحِلَةِ وَقِيلَ بَلْ مَنْ كَانَ دُونَ مُدَّةِ السَّفَرِ فَمَنْ كَانَ مِنْ مَكَّةَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا فَهُوَ كَالْآفَاقِيِّ فِي حَقِّ الرَّاحِلَةِ وَهُوَ اخْتِيَارُ جَمَاعَةٍ اهـ. وَقَوَّى الثَّانِيَ شَارِحُهُ مُنْلَا عَلِيٌّ الْقَارِي (قَوْلُهُ: وَفِي قَوْلِهِ وَمَا لَا بُدَّ مِنْهُ إشَارَةٌ إلَخْ) وَجْهُ الْإِشَارَةِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ كَمَا فِي الْفَتْحِ غَيْرُ الْمَسْكَنِ كَفَرَسِهِ وَسِلَاحِهِ وَثِيَابِهِ وَعَبْدِ خِدْمَتِهِ وَآلَاتِ حِرْفَتِهِ وَقَضَاءِ دُيُونِهِ، وَالْمَسْكَنُ مِثْلُهَا؛ لِأَنَّ الْجَمِيعَ مِنْ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ فَاشْتِرَاطُ الْحَاجَةِ فِي غَيْرِ الْمَسْكَنِ يُشِيرُ إلَى اشْتِرَاطِهَا فِيهِ أَيْضًا وَجَعَلَ فِي النَّهْرِ الْإِشَارَةَ مِنْ الْعُدُولِ عَنْ التَّعْبِيرِ بِالدَّارِ إلَى الْمَسْكَنِ وَمَا فَعَلَهُ الْمُؤَلِّفُ أَحْسَنُ لِئَلَّا يَرِدَ عَلَيْهِ مَا إذَا كَانَ سَاكِنًا فِيهِ وَيَسْتَغْنِي عَنْهُ بِسُكْنَاهُ فِي غَيْرِهِ أَيْضًا (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ سَكَنَهُ) الضَّمِيرُ فِي كَانَ يَعُودُ إلَى الدَّارِ عَلَى تَأْوِيلِ الْمَسْكَنِ أَوْ الْمَكَانِ أَيْ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ سَكَنًا لَهُ وَهُوَ كَبِيرٌ إلَخْ فَقَوْلُهُ سَكَنَهُ بِالْحَرَكَاتِ الثَّلَاثِ خَبَرُ كَانَ وَهُوَ اسْمٌ بِمَعْنَى الْمَسْكَنِ لَا فِعْلٌ وَقَوْلُهُ وَهُوَ كَبِيرٌ جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَسْكَنٌ إلَخْ) هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا قَبْلَ حُضُورِ الْوَقْتِ الَّذِي يَخْرُجُ فِيهِ أَهْلُ بَلَدِهِ فَلَوْ حَضَرَ تَعَيَّنَ أَدَاءُ النُّسُكِ عَلَيْهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ عَنْهُ إلَيْهِ كَمَا ذَكَرَهُ مُنْلَا عَلِيٌّ الْقَارِي فِي شَرْحِهِ عَلَى لُبَابِ الْمَنَاسِكِ وَصَرَّحَ بِهِ فِي اللُّبَابِ حَيْثُ قَالَ وَمَنْ لَهُ مَالٌ يُبَلِّغُهُ وَلَا مَسْكَنَ لَهُ وَلَا خَادِمَ فَلَيْسَ لَهُ صَرْفُهُ إلَيْهِ إنْ حَضَرَ الْوَقْتُ بِخِلَافِ مَنْ لَهُ مَسْكَنٌ يَسْكُنُهُ لَا يَلْزَمُهُ بَيْعُهُ قَالَ مُنْلَا عَلِيٌّ فِي شَرْحِهِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مَا فِي الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَسْكَنٌ وَلَا خَادِمٌ وَلَهُ مَالٌ يَكْفِيهِ لِقُوتِ عِيَالِهِ مِنْ وَقْتِ ذَهَابِهِ إلَى حِينِ إيَابِهِ وَعِنْدَهُ دَرَاهِمُ تُبَلِّغُهُ إلَى الْحَجِّ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الْحَجِّ فَإِنْ فَعَلَ أَثِمَ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَطِيعٌ بِمِلْكِ الدَّرَاهِمِ فَلَا يُعْذَرُ فِي التَّرْكِ وَلَا يَتَضَرَّرُ بِتَرْكِ شِرَاءِ الْمَسْكَنِ وَالْخَادِمِ بِخِلَافِ بَيْعِ الْمَسْكَنِ وَالْخَادِمِ فَإِنَّهُ يَتَضَرَّرُ بِبَيْعِهِمَا اهـ. عَلَى أَنَّهُ قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ إنَّ عِبَارَةَ الْخُلَاصَةِ خِلَافُ مَا نَقَلَهُ الْمُؤَلِّفُ عَنْهَا وَنَصُّ عِبَارَتِهَا نَاقِلًا عَنْ التَّجْرِيدِ إنْ كَانَ لَهُ دَارٌ لَا يَسْكُنُهَا وَعَبْدٌ لَا يَسْتَخْدِمُهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَبِيعَهُ وَيَحُجَّ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَسْكَنٌ وَلَا شَيْءَ مِنْ ذَلِكَ وَعِنْدَهُ دَرَاهِمُ يَبْلُغُ بِهَا الْحَجَّ وَيَبْلُغُ ثَمَنَ مَسْكَنٍ وَخَادِمٍ وَطَعَامٍ وَثَوْبٍ فَعَلَيْهِ الْحَجُّ وَإِنْ جَعَلَهَا فِي غَيْرِ الْحَجِّ أَثِمَ اهـ. فَتَعَيَّنَ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ اللُّبَابِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة أَيْضًا (قَوْلُهُ: إلَيْهِ أَشَارَ فِي الْخُلَاصَةِ) أَقُولُ: الَّذِي رَأَيْته فِي الْخُلَاصَةِ خِلَافُهُ وَنَصُّهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَسْكَنٌ وَلَا شَيْءَ مِنْ ذَلِكَ وَعِنْدَهُ دَرَاهِمُ تَبْلُغُ بِهِ الْحَجَّ وَتَبْلُغُ ثَمَنَ مَسْكَنٍ وَخَادِمٍ وَطَعَامٍ وَقُوتٍ عَلَيْهِ الْحَجُّ وَإِنْ جَعَلَهَا فِي غَيْرِهِ أَثِمَ اهـ بِحُرُوفِهِ. (قَوْلُهُ: وَقَدْ يُقَالُ اعْتِبَارُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 337 الْوَسَطِ فِي نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ مُخَالِفٌ لِلْمُفْتَى بِهِ فِيهَا فَإِنَّ الْفَتْوَى اعْتِبَارُ حَالِهِمَا وَالْوَسَطُ إنَّمَا يُعْتَبَرُ فِيمَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا غَنِيًّا وَالْآخَرُ فَقِيرًا كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ النَّفَقَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ نَفَقَةِ ذَهَابِهِ وَإِيَابِهِ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الشَّرْطِ قُدْرَتُهُ عَلَى نَفَقَتِهِ وَنَفَقَةِ عِيَالِهِ بَعْدَ عَوْدِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَقِيلَ لَا بُدَّ مِنْ زِيَادَةِ نَفَقَةِ يَوْمٍ وَقِيلَ شَهْرٍ وَالْأَوَّلُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَالثَّانِي عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَدَخَلَ تَحْتَ نَفَقَةِ عِيَالِهِ سُكْنَاهُمْ وَنَفَقَتُهُمْ وَكِسْوَتُهُمْ فَإِنَّ النَّفَقَةَ تَشْمَلُ الطَّعَامَ وَالْكِسْوَةَ وَالسُّكْنَى وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ مِنْ الشَّرَائِطِ الْوَقْتُ أَعْنِي أَنْ يَكُونَ مَالِكًا لِمَا ذَكَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ حَتَّى لَوْ مَلَكَ مَا بِهِ الِاسْتِطَاعَةُ قَبْلَهَا كَانَ فِي سَعَةٍ مِنْ صَرْفِهَا إلَى غَيْرِهِ وَأَفَادَ هَذَا قَيْدًا فِي صَيْرُورَتِهِ دَيْنًا افْتَقَرَ هُوَ أَنْ يَكُونَ مَالِكًا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَلَمْ يَحُجَّ وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ إذَا كَانَ قَادِرًا وَقْتَ خُرُوجِ أَهْلِ بَلَدِهِ إنْ كَانُوا يَخْرُجُونَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ لِبُعْدِ الْمَسَافَةِ أَوْ كَانَ قَادِرًا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ إنْ كَانُوا يَخْرُجُونَ فِيهَا وَلَمْ يَحُجَّ حَتَّى افْتَقَرَ تَقَرَّرَ دَيْنًا وَإِنْ مَلَكَ فِي غَيْرِهَا وَصَرَفَهَا إلَى غَيْرِهِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. (قَوْلُهُ: وَأَمْنُ طَرِيقٍ) أَيْ وَبِشَرْطِ أَمْنِ طَرِيقٍ يَعْنِي وَقْتَ خُرُوجِ أَهْلِ بَلَدِهِ وَإِنْ كَانَ مُخِيفًا فِي غَيْرِهِ وَحَقِيقَةُ أَمْنِ الطَّرِيقِ أَنْ يَكُونَ الْغَالِبُ فِيهِ السَّلَامَةَ كَمَا اخْتَارَهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ وَمَا أَفْتَى بِهِ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ مِنْ سُقُوطِ الْحَجِّ عَنْ أَهْلِ بَغْدَادَ وَقَوْلُ أَبِي بَكْرٍ الْإِسْكَافِ لَا أَقُولُ: الْحَجُّ فَرِيضَةٌ فِي زَمَانِنَا قَالَهُ سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِينَ وَثَلَثِمِائَةٍ وَقَوْلُ الثَّلْجِيِّ لَيْسَ عَلَى أَهْلِ خُرَاسَانَ حَجٌّ مُذْ كَذَا وَكَذَا سَنَةَ كَانَ وَقْتَ غَلَبَةِ النَّهْبِ وَالْخَوْفِ فِي الطَّرِيقِ فَلَا يُعَارِضُ مَا ذَكَرْنَا وَمَا قَالَهُ الصَّفَّارُ مِنْ إنِّي لَا أَرَى الْحَجَّ فَرْضًا مِنْ حِينِ خَرَجَتْ الْقَرَامِطَةُ وَمَا عَلَّلَ بِهِ فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ بِأَنَّ الْحَاجَّ لَا يَتَوَصَّلُ إلَى الْحَجِّ إلَّا بِالرِّشْوَةِ لِلْقَرَامِطَةِ وَغَيْرِهِمْ فَتَكُونُ الطَّاعَةُ سَبَبًا لِلْمَعْصِيَةِ مَرْدُودٌ بِأَنَّ هَذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ شَأْنِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ طَائِفَةٌ مِنْ الْخَوَارِجِ كَانُوا يَسْتَحِلُّونَ قَتْلَ الْمُسْلِمِينَ وَأَخْذَ أَمْوَالِهِمْ وَكَانُوا يَغْلِبُونَ عَلَى أَمَاكِنَ وَيَتَرَصَّدُونَ لِلْحَاجِّ وَعَلَى تَقْدِيرِ أَخْذِهِمْ الرِّشْوَةَ فَالْإِثْمُ فِي مِثْلِهِ عَلَى الْآخِذِ لَا الْمُعْطِي عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ تَقْسِيمِ الرِّشْوَةِ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ وَلَا يُتْرَكُ الْفَرْضُ لِمَعْصِيَةِ عَاصٍ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنْ يُعْتَبَرَ مَعَ غَلَبَةِ السَّلَامَةِ عَدَمُ غَلَبَةِ الْخَوْفِ حَتَّى إذَا غَلَبَ الْخَوْفُ عَلَى الْقُلُوبِ مِنْ الْمُحَارَبِينَ لِوُقُوعِ النَّهْبِ وَالْغَلَبَةِ مِنْهُمْ مِرَارًا وَسَمِعُوا أَنَّ طَائِفَةً تَعَرَّضَتْ لِلطَّرِيقِ وَلَهَا شَوْكَةٌ وَالنَّاسُ يَسْتَضْعِفُونَ أَنْفُسَهُمْ عَنْهُمْ لَا يَجِبُ وَاخْتُلِفَ فِي سُقُوطِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ رُكُوبِ الْبَحْرِ فَقِيلَ الْبَحْرُ يَمْنَعُ الْوُجُوبَ وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ إنْ كَانَ الْغَالِبُ فِي الْبَحْرِ السَّلَامَةَ مِنْ مَوْضِعٍ جَرَتْ الْعَادَةُ بِرُكُوبِهِ يَجِبُ وَإِلَّا فَلَا وَهُوَ الْأَصَحُّ وَسَيْحُونُ وَجَيْحُونَ وَالْفُرَاتُ وَالنِّيلُ أَنْهَارٌ لَا بِحَارٌ كَمَا فِي الْحَدِيثِ «سَيْحَانُ وَجَيْحَانُ وَالْفُرَاتُ وَالنِّيلُ كُلٌّ مِنْ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ» . (قَوْلُهُ: وَمَحْرَمٍ أَوْ زَوْجٍ لِامْرَأَةٍ فِي سَفَرٍ) أَيْ وَبِشَرْطِ مَحْرَمٍ إلَى آخِرِهِ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «لَا تُسَافِرْ امْرَأَةٌ ثَلَاثًا إلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ» . وَزَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةٍ «أَوْ زَوْجٌ» . وَرَوَى الْبَزَّارُ «لَا تَحُجُّ امْرَأَةٌ إلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي كُتِبْت فِي غَزْوَةٍ وَامْرَأَتِي حَاجَّةٌ قَالَ ارْجِعْ فَحُجَّ مَعَهَا» فَأَفَادَ هَذَا كُلُّهُ أَنَّ النِّسْوَةَ الثِّقَاتِ لَا تَكْفِي قِيَاسًا عَلَى الْمُهَاجِرَةِ وَالْمَأْسُورَةِ؛ لِأَنَّهُ قِيَاسٌ مَعَ النَّصِّ وَمَعَ وُجُودِ الْفَارِقِ فَإِنَّ الْمَوْجُودَ فِي الْمُهَاجِرَةِ وَالْمَأْسُورَةِ لَيْسَ سَفَرًا؛ لِأَنَّهَا لَا تَقْصِدُ مَكَانًا مُعَيَّنًا بَلْ النَّجَاةَ خَوْفًا مِنْ الْفِتْنَةِ حَتَّى لَوْ وَجَدَتْ مَأْمَنًا كَعَسْكَرِ الْمُسْلِمِينَ وَجَبَ أَنْ   [منحة الخالق] الْوَسَطِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ لَيْسَ هَذَا الْمَقْصُودَ بَلْ الْمَقْصُودُ اعْتِبَارُ الْوَسَطِ مِنْ حَالِهِ الْمَعْهُودِ وَلِذَا أَعْقَبَهُ بِقَوْلِهِ مِنْ غَيْرِ تَبْذِيرٍ وَلَا تَقْتِيرٍ، تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: كَانَ فِي سَعَةٍ مِنْ صَرْفِهَا إلَى غَيْرِهِ) أَيْ مِنْ شِرَاءِ مَسْكَنٍ وَخَادِمٍ وَتَزَوُّجٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ لَكِنْ إنْ صَرَفَهُ عَلَى قَصْدِ حِيلَةِ إسْقَاطِ الْحَجِّ عَنْهُ فَمَكْرُوهٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَلَا بَأْسَ بِهِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ شَرْحَ اللُّبَابِ لِمُنْلَا عَلِيٍّ. (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَأَمْنُ طَرِيقٍ) اُخْتُلِفَ هَلْ هُوَ مِنْ شَرَائِطِ الْوُجُوبِ أَوْ الْأَدَاءِ وَالرَّاجِحُ الثَّانِي كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ: وَعَلَى تَقْدِيرِ أَخْذِهِمْ الرِّشْوَةَ إلَخْ) كَذَا فِي الْفَتْحِ قَالَ فِي النَّهْرِ وَرَدَّهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بِأَنَّ مَا ذُكِرَ فِي الْقَضَاءِ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُعْطِي مُضْطَرًّا بِأَنْ لَزِمَهُ الْإِعْطَاءُ ضَرُورَةً عَنْ نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ أَمَّا إذَا كَانَ بِالِالْتِزَامِ مِنْهُ فَبِالْإِعْطَاءِ أَيْضًا يَأْثَمُ وَمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ اهـ. وَأَرَادَ بِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ ابْنَ كَمَالٍ بَاشَا فِي شَرْحِهِ عَلَى الْهِدَايَةِ وَفِي حَاشِيَةِ الرَّمْلِيِّ وَإِنْ كَانَ الْإِثْمُ عَلَى الْآخِذِ، لَكِنْ وُجُودُ الضَّرَرِ الْعَائِدِ عَلَى الْمُعْطِي فِي مَالِهِ صَيَّرَهُ عُذْرًا فِي تَرْكِ الْحَجِّ لَا كَوْنُ الْإِثْمِ لِذَلِكَ وَلَوْ صَحَّ هَذَا لَلَزِمَ الْحَجُّ مَعَ تَحْقِيقِ الْقَتْلِ وَالنَّهْبِ اهـ. وَأُجِيبَ عَمَّا فِي النَّهْرِ بِأَنَّهُ قَدْ يُقَالُ إنَّ الْمُعْطِيَ مُضْطَرٌّ لِإِسْقَاطِ الْفَرْضِ عَنْ نَفْسِهِ وَلِهَذَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ جَزَمَ فِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ بِمَا فِي الْفَتْحِ ثُمَّ قَالَ وَسَيَجِيءُ آخِرَ الْكِتَابِ أَنَّ قَتْلَ بَعْضِ الْحُجَّاجِ عُذْرٌ، وَهَلْ مَا يُؤْخَذُ فِي الطَّرِيقِ مِنْ الْمَكْسِ وَالْخُفَارَةِ عُذْرٌ؟ قَوْلَانِ وَالْمُعْتَمَدُ لَا، كَمَا فِي الْقُنْيَةِ وَالْمُجْتَبَى وَعَلَيْهِ فَيُحْتَسَبُ فِي الْفَاضِلِ عَمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ الْقُدْرَةُ عَلَى الْمَكْسِ وَنَحْوِهِ كَمَا فِي مَنَاسِكِ الطَّرَابُلْسِيِّ اهـ. وَأَمَّا مَا قَالَهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 338 تَقِرَّ وَلِأَنَّهُ يُخَافُ عَلَيْهَا الْفِتْنَةُ وَتُزَادُ بِانْضِمَامِ غَيْرِهَا إلَيْهَا وَلِهَذَا تَحْرُمُ الْخَلْوَةُ بِالْأَجْنَبِيَّةِ وَإِنْ كَانَ مَعَهَا غَيْرُهَا مِنْ النِّسَاءِ وَالْمَحْرَمُ مَنْ لَا يَجُوزُ لَهُ مُنَاكَحَتُهَا عَلَى التَّأْبِيدِ بِقَرَابَةٍ، أَوْ رَضَاعٍ، أَوْ مُصَاهَرَةٍ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْمُسْلِمَ وَالذِّمِّيَّ وَالْحُرَّ وَالْعَبْدَ وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ الْمَجُوسِيُّ الَّذِي يَعْتَقِدُ إبَاحَةَ نِكَاحِهَا وَالْمُسْلِمُ الْقَرِيبُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَأْمُونًا وَالصَّبِيُّ الَّذِي لَمْ يَحْتَلِمْ وَالْمَجْنُونُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْمَحْرَمِ الْحِفْظُ وَالصِّيَانَةُ لَهَا وَهُوَ مَفْقُودٌ فِي هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةِ وَلَمْ أَرَ مَنْ شَرَطَ فِي الزَّوْجِ شُرُوطَ الْمَحْرَمِ وَيَنْبَغِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ إذَا لَمْ يَكُنْ مَأْمُونًا، أَوْ كَانَ صَبِيًّا، أَوْ مَجْنُونًا لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ كَمَا ذَكَرْنَا وَعِبَارَةُ الْمَجْمَعِ أَوْلَى وَهِيَ يُشْتَرَطُ فِي حَجِّ الْمَرْأَةِ مِنْ سَفَرِ زَوْجٍ أَوْ مَحْرَمٍ بَالِغٍ عَاقِلٍ غَيْرِ مَجُوسِيٍّ وَلَا فَاسِقٍ مَعَ النَّفَقَةِ عَلَيْهِ وَأَطْلَقَ الْمَرْأَةَ فَشَمِلَ الشَّابَّةَ وَالْعَجُوزَ لِإِطْلَاقِ النُّصُوصِ وَالْمَرْأَةُ هِيَ الْبَالِغَةُ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ فَلِذَا قَالُوا فِي الصَّبِيَّةِ الَّتِي لَمْ تَبْلُغْ حَدَّ الشَّهْوَةِ تُسَافِرُ بِلَا مَحْرَمٍ فَإِنْ بَلَغَتْهَا لَا تُسَافِرُ إلَّا بِهِ وَالْمُرَادُ خِطَابُ وَلِيِّهَا بِأَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ السَّفَرِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلِيٌّ فَلَا تُسْتَصْحَبُ فِي السَّفَرِ لَا أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهَا يَحْرُمُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُكَلَّفَةٍ حَتَّى تَبْلُغَ وَبُلُوغُهَا حَدَّ الشَّهْوَةِ لَا يَسْتَلْزِمُهُ وَقَيَّدَ بِالسَّفَرِ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا؛ لِأَنَّهُ يُبَاحُ لَهَا الْخُرُوجُ إلَى مَا دُونَ ذَلِكَ لِحَاجَةٍ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ وَأَشَارَ بِعَدَمِ اشْتِرَاطِ رِضَا الزَّوْجِ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا عَنْ حِجَّةِ الْإِسْلَامِ إذَا وَجَدَتْ مَحْرَمًا؛ لِأَنَّ حَقَّهُ لَا يَظْهَرُ فِي الْفَرَائِضِ بِخِلَافِ حَجِّ التَّطَوُّعِ وَالْمَنْذُورِ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ أَمْنَ الطَّرِيقِ وَالْمَحْرَمَ مِنْ شَرَائِطِ الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّهُ عَطْفَهُ عَلَى مَا قَبْلَهُ وَهُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ وَقِيلَ شَرْطُ وُجُوبِ الْأَدَاءِ وَثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ تَظْهَرُ فِي وُجُوبِ الْوَصِيَّةِ وَفِي وُجُوبِ نَفَقَةِ الْمَحْرَمِ وَرَاحِلَتِهِ إذَا أَبَى أَنْ يَحُجَّ.   [منحة الخالق] الرَّمْلِيُّ فَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ إذْ الْقَتْلُ وَالنَّهْبُ الْمُؤَدِّي إلَى الْهَلَاكِ لَيْسَ كَهَذَا بِلَا شُبْهَةٍ تَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: عَلَى التَّأْبِيدِ إلَخْ) مُخْرِجٌ لِأُخْتِ زَوْجَتِهِ وَعَمَّتِهَا وَخَالَتِهَا فَإِنَّ حُرْمَتَهَا مُقَيَّدَةٌ بِالنِّكَاحِ لَكِنَّهُ مُخْرِجٌ لِلزَّوْجِ أَيْضًا وَلَوْ عَرَفَ بِمَا حَلَّ الْوَطْءُ وَحَرُمَ النِّكَاحُ أَبَدًا لَدَخَلَ فِيهِ الزَّوْجُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحْتَاجًا إلَيْهِ فِي هَذَا الْمَقَامِ كَذَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ بَعْدَ عَزْوِهِ تَفْسِيرَ الْمَحْرَمِ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ لِلْمَشَاهِيرِ وَفِي النَّهْرِ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ قَوْلُهُ أَوْ زَوْجٍ لِامْرَأَةٍ مِمَّا لَا حَاجَةَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَحْرَمَ هُنَا يَعُمُّهُ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَالْمَحْرَمُ الزَّوْجُ وَمَنْ لَا يَجُوزُ لَهُ مُنَاكَحَتُهَا عَلَى التَّأْبِيدِ بِنَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ صِهْرِيَّةٍ وَمِثْلُهُ فِي التُّحْفَةِ اهـ. وَبِهِ اُسْتُغْنِيَ عَمَّا فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ مِنْ أَنَّ ظَاهِرَ الِاسْتِثْنَاءِ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَحُجَّنَّ امْرَأَةٌ إلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ» يُفِيدُ عَدَمَ جَوَازِ الْحَجِّ بِهِنَّ مَعَ أَزْوَاجِهِنَّ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ يُعْلَمُ جَوَازُهُ مَعَهُ بِالدَّلَالَةِ اهـ. لَكِنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْبَدَائِعِ وَالْعِنَايَةِ وَغَيْرِهِمَا تَفْسِيرُ الْمَحْرَمِ بِمَا مَرَّ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ وَحِينَئِذٍ فَيُحْتَاجُ إلَى ذِكْرِ الزَّوْجِ (قَوْلُهُ بِقَرَابَةٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ مُصَاهَرَةٍ) فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَلَا تُسَافِرُ مَعَ عَبْدِهَا وَلَوْ خَصِيًّا وَلَا مَعَ أَبِيهَا الْمَجُوسِيِّ وَلَا بِأَخِيهَا رَضَاعًا فِي زَمَانِنَا ذَكَرَهُ قُبَيْلَ التَّاسِعَ عَشَرَ فِي النَّفَقَاتِ وَفِي النَّهْرِ قَالَ الْحَدَّادِيُّ وَالْمُرَاهِقُ كَالْبَالِغِ وَأَدْخَلَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ بِنْتَ مَوْطُوءَتِهِ مِنْ الزِّنَا حَيْثُ يَكُونُ مَحْرَمًا لَهَا وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى ثُبُوتِ الْمَحْرَمِيَّةِ بِالْوَطْءِ الْحَرَامِ وَبِمَا تَثْبُتُ بِهِ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ اهـ. وَفِي شَرْحِ اللُّبَابِ هُوَ كُلُّ رَجُلٍ مَأْمُونٍ عَاقِلٍ بَالِغٍ مُنَاكَحَتُهَا عَلَيْهِ حَرَامٌ بِالتَّأْبِيدِ سَوَاءٌ كَانَ بِالْقَرَابَةِ أَوْ الرَّضَاعَةِ أَوْ الصِّهْرِيَّةِ بِنِكَاحٍ أَوْ سِفَاحٍ فِي الْأَصَحِّ كَذَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي بَابِ الْكَرَاهِيَةِ وَذَكَرَ قِوَامُ الدِّينِ شَارِحُ الْهِدَايَةِ أَنَّهُ إذَا كَانَ مَحْرَمًا بِالزِّنَا فَلَا تُسَافِرُ مَعَهُ عِنْدَ بَعْضِهِمْ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْقُدُورِيُّ وَبِهِ نَأْخُذُ اهـ. وَهُوَ الْأَحْوَطُ فِي الدِّينِ وَأَبْعَدُ عَنْ التُّهْمَةِ لَا سِيَّمَا وَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافُ الشَّافِعِيَّةِ فِي ثُبُوتِ الْمَحْرَمِيَّةِ اهـ. (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ يُبَاحُ لَهَا الْخُرُوجُ إلَخْ) أَيْ إذَا لَمْ تَكُنْ مُعْتَدَّةً وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ كَرَاهَةُ الْخُرُوجِ لَهَا مَسِيرَةَ يَوْمٍ بِلَا مَحْرَمٍ فَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْفَتْوَى عَلَيْهِ لِفَسَادِ الزَّمَانِ شَرْحِ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْنِ) قَالَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي أَمْنِ الطَّرِيقِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إنَّهُ شَرْطُ الْوُجُوبِ وَهُوَ رِوَايَةُ ابْنِ شُجَاعٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ شَرْطُ وُجُوبِ الْأَدَاءِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا كَصَاحِبِ الْبَدَائِعِ وَالْمَجْمَعِ وَالْكَرْمَانِيِّ وَصَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِمْ فَمَنْ خَافَ مِنْ ظَالِمٍ أَوْ عَدُوٍّ أَوْ سَبُعٍ أَوْ غَرَقٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهُ أَدَاءُ الْحَجِّ بِنَفْسِهِ بَلْ بِمَالِهِ وَالْعِبْرَةُ بِالْغَالِبِ بَرًّا وَبَحْرًا فَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ السَّلَامَةَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَ بِنَفْسِهِ وَإِلَّا فَلَا كَذَا قَالَهُ أَبُو اللَّيْثِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَفِي الْقُنْيَةِ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَ بِنَفْسِهِ بَلْ إمَّا أَنْ يُحِجَّ غَيْرَهُ أَوْ يُوصِيَ بِهِ اهـ. ثُمَّ قَالَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الْمَحْرَمَ أَوْ الزَّوْجَ شَرْطُ الْوُجُوبِ أَوْ الْأَدَاءِ كَمَا اخْتَلَفُوا فِي أَمْنِ الطَّرِيقِ فَصَحَّحَ قَاضِي خَانْ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ مِنْ شَرَائِطِ الْأَدَاءِ وَصَحَّحَ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ وَالسَّرُوجِيُّ أَنَّهُ مِنْ شَرَائِطِ الْوُجُوبِ وَصَنِيعُ الْمُصَنِّفِ أَيْ صَاحِبِ اللُّبَابِ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ مِنْ شَرَائِطِ الْأَدَاءِ عَلَى الْأَرْجَحِ (قَوْلُهُ: وَفِي وُجُوبِ نَفَقَةِ الْمَحْرَمِ إلَخْ) صَحَّحَ فِي السِّرَاجِ الْوُجُوبَ وَحَكَى فِي اللُّبَابِ الْقَوْلَيْنِ بِلَا تَرْجِيحٍ لَكِنْ قَدَّمَ الْأَوَّلَ فَقَالَ قِيلَ نَعَمْ وَقِيلَ لَا اهـ. أَيْ لَا يَلْزَمُهُ وَلَا تَجِبُ عَلَيْهَا مَا لَمْ يَخْرُجْ الْمَحْرَمُ بِنَفَقَتِهِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَفْصٍ الْبُخَارِيِّ وَفِي مَنْسَكِ ابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ وَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهَا نَفَقَةُ الْمَحْرَمِ وَالْقِيَامُ بِرَاحِلَتِهِ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَصَحَّحُوا عَدَمَ الْوُجُوبِ وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 339 مَعَهَا إلَّا بِهِمَا وَفِي وُجُوبِ التَّزَوُّجِ عَلَيْهَا لِيَحُجَّ مَعَهَا إنْ لَمْ تَجِدْ مَحْرَمًا فَمَنْ قَالَ هُوَ شَرْطُ الْوُجُوبِ قَالَ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْوُجُوبِ لَا يَجِبُ تَحْصِيلُهُ وَلِهَذَا لَوْ مَلَكَ الْمَالَ كَانَ لَهُ الِامْتِنَاعُ مِنْ الْقَبُولِ حَتَّى لَا يَجِبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ وَكَذَا لَوْ أُبِيحَ لَهُ وَمَنْ قَالَ إنَّهُ شَرْطُ وُجُوبِ الْأَدَاءِ وَجَبَ جَمِيعُ ذَلِكَ وَرَجَّحَ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّهُمَا مَعَ الصِّحَّةِ شُرُوطُ وُجُوبِ أَدَاءً بِأَنَّ هَذِهِ الْعِبَادَةَ تَجْرِي فِيهَا النِّيَابَةُ عِنْدَ الْعَجْزِ لَا مُطْلَقًا تَوَسُّطًا بَيْنَ الْمَالِيَّةِ الْمَحْضَةِ وَالْبَدَنِيَّةِ الْمَحْضَةِ لِتَوَسُّطِهَا بَيْنَهُمَا وَالْوُجُوبُ أَمْرٌ دَائِرٌ مَعَ فَائِدَتِهِ فَيَثْبُتُ مَعَ قُدْرَةِ الْمَالِ لِيَظْهَرَ أَثَرُهُ فِي الْإِحْجَاجِ وَالْإِيصَاءِ وَاعْلَمْ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي وُجُوبِ الْإِيصَاءِ إذَا مَاتَ قَبْلَ أَمْنِ الطَّرِيقِ فَإِنْ مَاتَ بَعْدَ حُصُولِ الْأَمْنِ فَالِاتِّفَاقُ عَلَى الْوُجُوبِ وَأَشَارَ بِاشْتِرَاطِ الْمَحْرَمِ، أَوْ الزَّوْجِ إلَى أَنَّ عَدَمَ الْعِدَّةِ فِي حَقِّهَا شَرْطٌ أَيْضًا بِجَامِعِ حُرْمَةِ السَّفَرِ عَلَيْهَا أَيِّ عِدَّةٍ كَانَتْ وَالْعِبْرَةُ لِوُجُوبِهَا وَقْتُ خُرُوجِ أَهْلِ بَلَدِهَا وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ رَدَّ الْمُعْتَدَّاتِ مِنْ النَّجَفِ بِفَتْحَتَيْنِ مَكَانٌ لَا يَعْلُوهُ الْمَاءُ مُسْتَطِيلٌ فَإِنْ لَزِمَتْهَا الْعِدَّةُ فِي السَّفَرِ فَسَيَأْتِي فِي مَحَلِّهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (قَوْلُهُ: فَلَوْ أَحْرَمَ صَبِيٌّ، أَوْ عَبْدٌ فَبَلَغَ أَوْ عَتَقَ فَمَضَى لَمْ يَجُزْ عَنْ فَرْضِهِ) ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ انْعَقَدَ لِلنَّفْلِ فَلَا يَنْقَلِبُ لِلْفَرْضِ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ شَرْطًا عِنْدَنَا لَكِنَّهُ شَبِيهٌ بِالرُّكْنِ مِنْ حَيْثُ إمْكَانُ اتِّصَالِ الْأَدَاءِ بِهِ فَاعْتَبِرْنَا الشَّبَهَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ احْتِيَاطًا وَفِي إسْنَادِ الْإِحْرَامِ إلَى الصَّبِيِّ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّتِهِ مِنْهُ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ يَعْقِلُهُ فَإِنْ كَانَ لَا يَعْقِلُهُ فَأَحْرَمَ عَنْهُ أَبُوهُ صَارَ مُحْرِمًا فَيَنْبَغِي أَنْ يُجَرِّدَهُ قَبْلَهُ وَيُلْبِسَهُ إزَارًا وَرِدَاءً وَلَمَّا كَانَ الصَّبِيُّ غَيْرَ مُخَاطَبٍ كَانَ إحْرَامُهُ غَيْرَ لَازِمٍ وَلِذَا لَوْ أَحْصَرَ وَتَحَلَّلَ لَا دَمَ عَلَيْهِ وَلَا جَزَاءَ وَلَا قَضَاءَ، وَلَوْ جَدَّدَهُ بَعْدَ بُلُوغِهِ قَبْلَ الْوُقُوفِ وَنَوَى الْفَرْضَ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ عَنْهُ لِعَدَمِ اللُّزُومِ بِخِلَافِ الْعَبْدِ لَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ عَنْهُ لِلُّزُومِ فَلَوْ جَدَّدَهُ بَعْدَ عِتْقِهِ لَا يَصِحُّ وَالْكَافِرُ وَالْمَجْنُونُ كَالصَّبِيِّ فَلَوْ حَجَّ كَافِرٌ، أَوْ مَجْنُونٌ فَأَفَاقَ، أَوْ أَسْلَمَ فَجَدَّدَا الْإِحْرَامَ أَجْزَأَهُمَا قِيلَ وَهَذَا دَلِيلٌ أَنَّ الْكَافِرَ إذَا حَجَّ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ بِجَمَاعَةٍ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِيهِ بَحْثٌ مِنْ وَجْهَيْنِ الْأَوَّلِ كَيْفَ يُتَصَوَّرُ إحْرَامُ الْمَجْنُونِ فَإِنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ إحْرَامٌ بِنَفْسِهِ وَكَوْنُ وَلِيِّهِ أَحْرَمَ عَنْهُ يَحْتَاجُ إلَى نَقْلٍ صَرِيحٍ يُفِيدُ أَنَّ الْمَجْنُونَ الْبَالِغَ كَالصَّبِيِّ فِي هَذَا الثَّانِي أَنَّ هَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكَافِرَ إذَا حَجَّ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ إذَا حَجَّ؛ لِأَنَّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْحَجُّ إنَّمَا وُجِدَ الْإِحْرَامُ فَقَطْ   [منحة الخالق] التَّوْفِيقُ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ أَنَّ الْمَحْرَمَ إذَا قَالَ لَا أَخْرُجُ إلَّا بِالنَّفَقَةِ وَجَبَ عَلَيْهَا وَإِذَا خَرَجَ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ لَمْ يَجِبْ اهـ. (قَوْلُهُ: وَفِي وُجُوبِ التَّزَوُّجِ عَلَيْهَا إلَخْ) جَزَمَ فِي اللُّبَابِ بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بِمَنْ يَحُجُّ بِهَا وَعَزَاهُ شَارِحُهُ إلَى الْبَدَائِعِ وَقَاضِي خَانْ وَغَيْرِهِمَا ثُمَّ قَالَ وَعَنْ ابْنِ شُجَاعٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مَنْ لَا مَحْرَمَ لَهَا يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ زَوْجًا يَحُجُّ بِهَا إذَا كَانَتْ مُوسِرَةً اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ جَدَّدَهُ بَعْدَ بُلُوغِهِ قَبْلَ الْوُقُوفِ إلَخْ) كَذَا عِبَارَةُ أَغْلَبِ كُتُبِ الْمَذْهَبِ بِصِيغَةِ قَبْلَ الْوُقُوفِ وَهِيَ مُحْتَمِلَةٌ لَأَنْ يُرَادَ قَبْلَ أَنْ يَقِفَ أَوْ قَبْلَ فَوَاتِ وَقْتِ الْوُقُوفِ وَعَلَى الثَّانِي مَشَى مُنْلَا عَلِيٌّ فِي شَرْحِ الْمَنَاسِكِ وَشَرْحِ النُّقَايَةِ وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ قَوْلُ الْإِمَامِ السَّرَخْسِيِّ فِي مَبْسُوطِهِ فِي آخِرِ بَابِ الْمَوَاقِيتِ وَلَوْ أَنَّ الصَّبِيَّ أَهَلَّ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَنْ يَحْتَلِمَ ثُمَّ احْتَلَمَ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ أَوْ قَبْلَ أَنْ يَقِفَ بِعَرَفَةَ لَمْ يُجْزِهِ عَنْ حِجَّةِ الْإِسْلَامِ عِنْدَنَا إلَّا أَنْ يُجَدِّدَ إحْرَامَهُ قَبْلَ أَنْ يَقِفَ بِعَرَفَةَ فَحِينَئِذٍ يُجْزِئُهُ عَنْ حِجَّةِ الْإِسْلَامِ اهـ. فَلَوْ وَقَفَ بَعْدَ الزَّوَالِ وَلَوْ لَحْظَةً ثُمَّ بَلَغَ لَيْسَ لَهُ التَّجْدِيدُ وَإِنْ بَقِيَ وَقْتُ الْوُقُوفِ لِتَمَامِ حَجِّهِ إذْ الْحَجُّ بَعْدَ التَّمَامِ لَا يَقْبَلُ النَّقْضَ وَلَا يَصِحُّ أَدَاءُ حِجَّتَيْنِ فِي عَامٍ وَاحِدٍ بِالْإِجْمَاعِ كَذَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي مُحَمَّدٌ عِيدٌ فِي شَرْحِهِ خُلَاصَةِ النَّاسِكِ عَلَى لُبَابِ الْمَنَاسِكِ الْمُخْتَصَرِ مِنْ شَرْحِهِ الْكَبِيرِ عُبَابِ الْمَسَالِكِ عَنْ شَيْخِهِ الْعَلَّامَةِ الشَّيْخِ حَسَنٍ الْعَجِيمِيِّ وَذَكَرَ مِثْلَهُ الشَّيْخُ عَبْدُ اللَّهِ الْعَفِيفُ فِي شَرْحِ مَنْسَكِهِ مُسْتَدِلًّا بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ سَاعَةً مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ» فَمَنْ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ فَيَشْمَلُ الصَّبِيَّ وَقَدْ قُلْنَا بِأَنَّ حَجَّهُ نَفْلًا صَحِيحٌ وَيَمْتَنِعُ أَدَاءُ حِجَّتَيْنِ نَفْلٍ وَفَرْضٍ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ قَالَ وَقَدْ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي الْإِفْتَاءِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي زَمَانِنَا فَمِنْ الْعَصْرِيِّينَ مَنْ أَفْتَى بِعَدَمِ صِحَّةِ تَجْدِيدِ الصَّبِيِّ الْإِحْرَامَ بَعْدَ أَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ وَقْتُ الْوُقُوفِ وَهُوَ بِأَرْضِ عَرَفَةَ مُحْرِمٌ بِالْحَجِّ النَّفْلِ وَمِنْهُمْ مَنْ أَفْتَى بِصِحَّةِ ذَلِكَ وَقَدْ بَسَطْت الْكَلَامَ عَلَيْهَا فِي التَّذْكِرَةِ الْعَفِيفِيَّةِ فِي فِقْهِ الْحَنَفِيَّةِ اهـ. مُلَخَّصًا مِنْ حَاشِيَةِ الْمَدَنِيِّ عَلَى الدُّرِّ الْمُخْتَارِ (قَوْلُهُ: وَكَوْنُ وَلِيِّهِ أَحْرَمَ عَنْهُ يَحْتَاجُ إلَى نَقْلٍ صَرِيحٍ) قَالَ فِي النَّهْرِ ظَاهِرٌ أَنَّ مُقْتَضَى صِحَّةِ إحْرَامِ الْوَلِيِّ عَنْ الصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ صِحَّتُهُ عَنْ الْمَجْنُونِ بِجَامِعِ عَدَمِ الْعَقْلِ فِي كُلٍّ اهـ. وَقَالَ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِهِ أَقُولُ: وَفِي الْبَحْرِ الْعَمِيقِ لَا حَجَّ عَلَى مَجْنُونٍ مُسْلِمٍ وَلَا يَصِحُّ مِنْهُ إذَا حَجَّ بِنَفْسِهِ وَلَكِنْ يُحْرِمُ عَنْهُ وَلِيُّهُ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى اهـ. قُلْت وَفِي الذَّخِيرَةِ قَالَ فِي الْأَصْلِ وَكُلُّ جَوَابٍ عَرَفْته فِي الصَّبِيِّ يُحْرِمُ عَنْهُ الْأَبُ فَهُوَ الْجَوَابُ فِي الْمَجْنُونِ اهـ. وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ قُبَيْلَ الْإِحْصَارِ وَكَذَا الصَّبِيُّ يَحُجُّ بِهِ أَبُوهُ وَكَذَا الْمَجْنُونُ يَقْضِي الْمَنَاسِكَ وَيَرْمِي الْجِمَارَ؛ لِأَنَّ إحْرَامَ الْأَبِ عَنْهُمَا وَهُمَا عَاجِزَانِ كَإِحْرَامِهِمَا بِنَفْسِهِمَا اهـ. فَهَذِهِ النُّقُولُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 340 ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ لَمْ يَكُنْ مَوْضُوعُ الْمَسْأَلَةِ وَلَمْ يَكُنْ لِلتَّجْدِيدِ فَائِدَةٌ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُسْلِمًا إلَّا بِالْإِحْرَامِ وَالْوُقُوفِ وَشُهُودِ الْمَنَاسِكِ فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْفَرْعَيْنِ كَمَا لَا يَخْفَى وَفِي الذَّخِيرَةِ عَنْ النَّوَادِرِ الْبَالِغُ إذَا جُنَّ بَعْدَ الْإِحْرَامِ ثُمَّ ارْتَكَبَ شَيْئًا مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ فَإِنَّ فِيهِ الْكَفَّارَةَ فَرْقًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّبِيِّ. (قَوْلُهُ: وَمَوَاقِيتُ الْإِحْرَامِ ذُو الْحُلَيْفَةِ وَذَاتُ عِرْقٍ وَالْجُحْفَةُ وَقَرْنٌ وَيَلَمْلَمُ لِأَهْلِهَا وَلِمَنْ مَرَّ بِهَا) أَيْ الْأَمْكِنَةُ الَّتِي لَا يَتَجَاوَزُهَا الْآفَاقِيُّ إلَّا مُحْرِمًا خَمْسَةٌ فَالْمِيقَاتُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ وَالْمَكَانِ الْمُعَيَّنِ وَالْمُرَادُ هُنَا الثَّانِي وَسَيَأْتِي الْأَوَّلُ وَذُو الْحُلَيْفَةِ بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْفَاءِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ نَحْوُ عَشْرِ مَرَاحِلَ، أَوْ تِسْعٌ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ سِتَّةُ أَمْيَالٍ كَمَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ وَقِيلَ سَبْعَةٌ كَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ مِيقَاتُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَهُوَ أَبْعَدُ الْمَوَاقِيتِ وَبِهَذَا الْمَكَانِ آبَارٌ تُسَمِّيهِ الْعَوَامُّ آبَارَ عَلِيٍّ قِيلَ؛ لِأَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَاتَلَ الْجِنَّ فِي بَعْضِ تِلْكَ الْآبَارِ وَهُوَ كَذِبٌ مِنْ قَائِلِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْحَلَبِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ وَذَاتُ عِرْقٍ بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الرَّاءِ لِجَمِيعِ أَهْلِ الْمَشْرِقِ وَهِيَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ مِنْ مَكَّةَ قِيلَ وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ مَرْحَلَتَانِ وَالْجُحْفَةُ بِضَمِّ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَاسْمُهَا فِي الْأَصْلِ مَهْيَعَةُ نَزَلَ بِهَا سَيْلٌ جَحَفَ أَهْلَهَا أَيْ اسْتَأْصَلَهُمْ فَسُمِّيَتْ جُحْفَةً قَالَ النَّوَوِيُّ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ مَكَّةَ ثَلَاثُ مَرَاحِلَ وَهِيَ قَرْيَةٌ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالشَّمَالِ مِنْ مَكَّةَ مِنْ طَرِيقِ تَبُوكَ وَهِيَ طَرِيقُ أَهْلِ الشَّامِ وَنَوَاحِيهَا الْيَوْمَ وَهِيَ مِيقَاتُ أَهْلِ مِصْرَ وَالْمُغْرِبِ وَالشَّامِ وَقَرْنُ بِفَتْحِ الْقَافِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَهُوَ جَبَلٌ مُطِلٌّ عَلَى عَرَفَاتٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ نَحْوُ مَرْحَلَتَيْنِ وَفِي الصِّحَاحِ أَنَّهُ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَأَنَّ أُوَيْسًا الْقَرَنِيَّ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ وَرُدَّ بِأَنَّهُ بِسُكُونِ الرَّاءِ وَأَنَّ أُوَيْسًا مَنْسُوبٌ إلَى قَبِيلَةٍ يُقَالُ لَهَا بَنُو قَرْنٍ بَطْنٌ مِنْ مُرَادٍ وَهُوَ مِيقَاتُ أَهْلِ نَجْدٍ وَأَمَّا يَلَمْلَمُ فَهُوَ مِيقَاتُ أَهْلِ الْيَمَنِ وَهُوَ مَكَانٌ جَنُوبِيِّ مَكَّةَ وَهُوَ جَبَلٌ مِنْ جِبَالِ تِهَامَةَ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ فَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ لِأَهْلِهَا وَهَذِهِ الْمَوَاقِيتُ مَا عَدَا ذَاتَ عِرْقٍ ثَابِتَةٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَذَاتُ عِرْقٍ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَسُنَنِ أَبِي دَاوُد وَقَوْلُهُ لِمَنْ مَرَّ بِهَا يَعْنِي مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا وَقَدْ أَفَادَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ مُجَاوَزَةُ الْجَمِيعِ إلَّا مُحْرِمًا فَلَا يَجِبُ عَلَى الْمَدَنِيِّ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ مِيقَاتِهِ وَإِنْ كَانَ هُوَ الْأَفْضَلُ وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ آخِرِهَا عِنْدَنَا وَيُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّ الشَّامِيَّ إذَا مَرَّ عَلَى ذِي الْحُلَيْفَةِ فِي ذَهَابِهِ لَا يَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ مِنْهُ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ الْجُحْفَةِ.   [منحة الخالق] صَرِيحَةٌ فِي أَنَّ الْمَجْنُونَ كَالصَّبِيِّ (قَوْلُهُ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُسْلِمًا إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ جَزْمُهُ بِإِسْلَامِهِ إذَا أَتَى بِسَائِرِ الْأَفْعَالِ ضَعِيفٌ كَمَا مَرَّ. [مَوَاقِيتُ الْإِحْرَامِ] (قَوْلُهُ: فَالْمِيقَاتُ مُشْتَرَكٌ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ الْمَوَاقِيتُ جَمْعُ مِيقَاتٍ بِمَعْنَى الْوَقْتِ الْمَحْدُودِ اُسْتُعِيرَ لِلْمَكَانِ أَعْنِي مَكَانَ الْإِحْرَامِ كَمَا اُسْتُعِيرَ الْمَكَانُ لِلْوَقْتِ فِي قَوْله تَعَالَى {هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ} [الأحزاب: 11] قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ وَوَقْتُهُ الْبُسْتَانُ وَهُوَ سَهْوٌ ظَاهِرٌ إذْ الْمَعْنَى كَمَا فِي الْمُغْرِبِ وَغَيْرِهِ مِيقَاتُهُ بُسْتَانُ بَنِي عَامِرٍ وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُ الْجَوْهَرِيِّ الْمِيقَاتُ مَوْضِعُ الْإِحْرَامِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ رَأْيِهِ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ وَكَأَنَّهُ فِي الْبَحْرِ اسْتَنَدَ إلَى ظَاهِرِ مَا فِي الصِّحَاحِ فَزَعَمَ أَنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْوَقْتِ وَالْمَكَانِ الْمُعَيَّنِ وَالْمُرَادُ هُنَا الثَّانِي وَأَعْرَضَ عَنْ كَلَامِهِمْ السَّابِقِ وَقَدْ عَلِمْت مَا هُوَ الْوَاقِعُ (قَوْلُهُ: الْحَلَبِيُّ) أَيْ الْعَلَّامَةُ مُحَمَّدُ بْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ الْحَلَبِيُّ تِلْمِيذُ الْمُحَقِّقِ ابْنِ الْهُمَامِ وَشَارِحُ تَحْرِيرِهِ الْأُصُولِيِّ وَشَارِحُ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَهُوَ أَقْدَمُ مِنْ الْحَلَبِيِّ صَاحِبِ الْمُلْتَقَى وَشَارِحِ الْمُنْيَةِ أَيْضًا وَاسْمُهُ إبْرَاهِيمُ (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ هُوَ الْأَفْضَلُ) ذَكَرَ مُنْلَا عَلِيٌّ الْقَارِي فِي شَرْحِ اللُّبَابِ أَنَّهُ يُكْرَهُ وِفَاقًا بَيْنَ عُلَمَائِنَا خِلَافًا لِابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ حَيْثُ قَالَ هُوَ الْأَفْضَلُ اهـ. أَيْ الْأَفْضَلُ تَأْخِيرُ الْمَدَنِيِّ إحْرَامَهُ إلَى الْجُحْفَةِ وَعِبَارَةُ مَتْنِ اللُّبَابِ وَالْمَدَنِيُّ إذَا جَاوَزَ وَقْتَهُ غَيْرَ مُحْرِمٍ كُرِهَ وَفِي لُزُومِ الدَّمِ خِلَافٌ وَصُحِّحَ سُقُوطُهُ اهـ. وَقَالَ شَارِحُهُ وَلَعَلَّهُ أَشَارَ إلَى مَا فِي النُّخْبَةِ أَنَّ مَنْ كَانَ فِي طَرِيقِهِ مِيقَاتَانِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَعَدَّى إلَى الثَّانِي عَلَى الْأَصَحِّ فَالدَّمُ يَكُونُ مُتَفَرِّعًا عَلَى الْقَوْلِ الْمُقَابِلِ لِلْأَصَحِّ لَكِنْ الْأَظْهَرُ أَنْ يُقَالَ وَصُحِّحَ عَدَمُ وُجُوبِهِ؛ لِأَنَّ مَنْ فِي طَرِيقِهِ مِيقَاتَانِ مُخَيَّرٌ فِي أَنْ يُحْرِمَ مِنْ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْأَفْضَلُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ خُرُوجًا عَنْ الْخِلَافِ فَإِنَّهُ مُتَعَيِّنٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَوْ يُحْرِمَ مِنْ الثَّانِي فَإِنَّهُ رُخْصَةٌ لَهُ وَقِيلَ إنَّهُ فَضْلٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَكْثَرِ أَرْبَابِ النُّسُكِ فَإِنَّهُمْ إذَا أَحْرَمُوا مِنْ الْمِيقَاتِ الْأَوَّلِ ارْتَكَبُوا كَثِيرًا مِنْ الْمَحْظُورَاتِ بِعُذْرٍ وَبِغَيْرِهِ قَبْلَ وُصُولِهِمْ إلَى الْمِيقَاتِ الثَّانِي فَيَكُونُ الْأَفْضَلُ فِي حَقِّهِمْ التَّأْخِيرَ وَهَذَا لَا يُنَافِي مَا فِي الْبَدَائِعِ مَنْ جَاوَزَ مِيقَاتًا مِنْ هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ مِنْ غَيْرِ إحْرَامٍ إلَى مِيقَاتٍ آخَرَ جَازَ إلَّا أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ الْمِيقَاتِ الْأَوَّلِ كَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ فِي غَيْرِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ إذَا مَرُّوا عَلَى الْمَدِينَةِ فَجَاوَزُوهَا إلَى الْجُحْفَةِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُحْرِمُوا مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ؛ لِأَنَّهُمْ لَمَّا وَصَلُّوا إلَى الْمِيقَاتِ الْأَوَّلِ لَزِمَهُمْ مُحَافَظَةُ حُرْمَتِهِمْ فَيُكْرَهُ لَهُمْ تَرْكُهَا اهـ. وَمِثْلُهُ ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَوَجْهُ عَدَمِ التَّنَافِي أَنَّ حُكْمَ الِاسْتِحْبَابِ الْمَذْكُورِ نَظَرًا إلَى الْأَحْوَطِ خُرُوجًا عَنْ الْخِلَافِ وَلِلْمُسَارَعَةِ وَالْمُبَادَرَةِ إلَى الطَّاعَةِ وَأَنَّ قَوْلَهُ الْأَفْضَلُ التَّأْخِيرُ بِنَاءً عَلَى فَسَادِ الزَّمَانِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 341 كَالْمِصْرِيِّ لَكِنْ قِيلَ إنَّ الْجُحْفَةَ قَدْ ذَهَبَتْ أَعْلَامُهَا وَلَمْ يَبْقَ بِهَا إلَّا رُسُومٌ خَفِيَّةٌ لَا يَكَادُ يَعْرِفُهَا إلَّا سُكَّانُ بَعْضِ الْبَوَادِي وَلِهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اخْتَارَ النَّاسُ الْإِحْرَامَ مِنْ الْمَكَانِ الْمُسَمَّى بِرَابِضَ وَبَعْضُهُمْ يَجْعَلُهُ بَالِغِينَ احْتِيَاطًا؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ الْجُحْفَةِ بِنِصْفِ مَرْحَلَةٍ، أَوْ قَرِيبٍ مِنْ ذَلِكَ وَقَدْ قَالُوا وَمَنْ كَانَ فِي بَرٍّ، أَوْ بَحْرٍ لَا يَمُرُّ بِوَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ الْمَذْكُورَةِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُحْرِمَ إذَا حَاذَى آخِرَهَا وَيُعْرَفُ بِالِاجْتِهَادِ وَعَلَيْهِ أَنْ يَجْتَهِدَ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ بِحَيْثُ يُحَاذِي فَعَلَى مَرْحَلَتَيْنِ إلَى مَكَّةَ وَلَعَلَّ مُرَادَهُمْ بِالْمُحَاذَاةِ الْمُحَاذَاةُ الْقَرِيبَةُ مِنْ الْمِيقَاتِ وَإِلَّا فَآخِرُ الْمَوَاقِيتِ بِاعْتِبَارِ الْمُحَاذَاةِ قَرْنُ الْمَنَازِلِ ذَكَرَ لِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ الْمُقِيمِينَ بِمَكَّةَ فِي الْحِجَّةِ الرَّابِعَةِ لِلْعَبْدِ الضَّعِيفِ أَنَّ الْمُحَاذَاةَ حَاصِلَةٌ فِي هَذَا الْمِيقَاتِ فَيَنْبَغِي عَلَى مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ أَنْ لَا يَلْزَمَ الْإِحْرَامُ مِنْ رَابِغٍ بَلْ مِنْ خُلَيْصٍ الْقَرْيَةِ الْمَعْرُوفَةِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ مُحَاذِيًا لَآخِرِ الْمَوَاقِيتِ وَهُوَ قَرْنٌ فَأَجَبْته بِجَوَابَيْنِ الْأَوَّلِ أَنَّ إحْرَامَ الْمِصْرِيِّ وَالشَّامِيِّ لَمْ يَكُنْ بِالْمُحَاذَاةِ وَإِنَّمَا هُوَ بِالْمُرُورِ عَلَى الْجُحْفَةِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَعْرُوفَةً وَإِحْرَامُهُمْ قَبْلَهَا احْتِيَاطًا وَالْمُحَاذَاةُ إنَّمَا تُعْتَبَرُ عِنْدَ عَدَمِ الْمُرُورِ عَلَى الْمَوَاقِيتِ الثَّانِي أَنَّ مُرَادَهُمْ الْمُحَاذَاةُ الْقَرِيبَةُ وَمُحَاذَاةُ الْمَارِّينَ لِقَرْنٍ بَعِيدَةٌ؛ لِأَنَّ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ بَعْضَ جِبَالٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِحَقِيقَةِ الْحَالِ أَطْلَقَ فِي الْإِحْرَامِ فَشَمِلَ إحْرَامَ الْحَجِّ وَإِحْرَامَ الْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي حَقِّ الْآفَاقِيِّ وَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ قَاصِدًا عِنْدَ الْمُجَاوَزَةِ الْحَجَّ، أَوْ الْعُمْرَةَ أَوْ التِّجَارَةَ، أَوْ الْقِتَالَ، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ قَدْ قَصَدَ دُخُولَ مَكَّةَ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ لِتَعْظِيمِ هَذِهِ الْبُقْعَةِ الشَّرِيفَةِ فَاسْتَوَى فِيهِ الْكُلُّ وَأَمَّا دُخُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ يَوْمَ الْفَتْحِ فَكَانَ مُخْتَصًّا بِتِلْكَ السَّاعَةِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ «مَكَّةُ حَرَامٌ لَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ بَعْدِي وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ ثُمَّ عَادَتْ حَرَامًا» يَعْنِي الدُّخُولَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ لِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى حِلِّ الدُّخُولِ بَعْدَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلْقِتَالِ وَقَيَّدْنَا بِقَصْدِ مَكَّةَ؛ لِأَنَّ الْآفَاقِيَّ إذَا قَصَدَ مَوْضِعًا مِنْ الْحِلِّ كَخُلَيْصٍ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَجَاوَزَ الْمِيقَاتَ غَيْرَ مُحْرِمٍ وَإِذَا وَصَلَ إلَيْهِ الْتَحَقَ بِأَهْلِهِ وَمَنْ كَانَ دَاخِلَ الْمِيقَاتِ فَلَهُ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ إذَا لَمْ يَقْصِدْ الْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ وَهِيَ الْحِيلَةُ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَجُوزَ هَذِهِ الْحِيلَةُ لِلْمَأْمُورِ بِالْحَجِّ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَمْ يَكُنْ سَفَرُهُ لِلْحَجِّ وَلِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِحِجَّةٍ آفَاقِيَّةٍ وَإِذَا دَخَلَ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ صَارَتْ حِجَّتُهُ مَكِّيَّةً فَكَانَ مُخَالِفًا وَهَذِهِ.   [منحة الخالق] وَمُكَاثَرَةِ مُبَاشَرَةِ الْعِصْيَانَ وَمِثْلُهُ قَوْلُهُمْ التَّقْدِيمُ عَلَى الْمِيقَاتِ أَفْضَلُ حَتَّى قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ مِنْ إتْمَامِ الْحَجِّ الْإِحْرَامُ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ لَكِنَّهُ مُقَيَّدٌ بِمَنْ يَكُونُ مَأْمُونًا عَنْ الْوُقُوعِ فِي مَحْظُورَاتِ إحْرَامِهِ إلَّا أَنَّ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي غَيْرِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ إشَارَةً إلَى أَنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يُجَاوِزُوا عَنْ مِيقَاتِهِمْ الْمُعَيَّنِ لَهُمْ عَلَى لِسَانِ الشَّرْعِ وَبِهِ يُجْمَعُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ الْمُخْتَلِفَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فَعَنْهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُحْرِمْ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ وَأَحْرَمَ مِنْ الْجُحْفَةِ أَنَّ عَلَيْهِ دَمًا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَعَنْهُ مَا سَبَقَ مِنْ قَوْلِهِ لَا بَأْسَ فَتُحْمَلُ رِوَايَةُ وُجُوبِ الدَّمِ عَلَى الْمَدَنِيِّينَ وَعَدَمِهِ عَلَى غَيْرِهِمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَآخِرُ الْمَوَاقِيتِ إلَخْ) أَيْ وَإِلَّا نُقِلَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُحَاذَاةِ الْمُحَاذَاةُ الْقَرِيبَةُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَجِبَ عَلَى الشَّامِيِّ كَالْمِصْرِيِّ الْإِحْرَامُ مِنْ الْجُحْفَةِ بَلْ يَجُوزُ لَهُ مُجَاوَزَتُهَا وَالْإِحْرَامُ بَعْدَهَا حِينَ يُحَاذِي قَرْنَ الْمَنَازِلِ؛ لِأَنَّهُ آخِرُ الْمَوَاقِيتِ بِاعْتِبَارِ الْمُحَاذَاةِ فَيُنَافِي مَا مَرَّ مِنْ وُجُوبِ الْإِحْرَامِ مِنْ الْجُحْفَةِ وَقَوْلُهُ ذَكَرَ لِي إلَخْ بَيَانٌ لِذَلِكَ مَعَ زِيَادَةٍ (قَوْلُهُ: ذَكَرَ لِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ) يَعْنِي بِهِ الشَّيْخَ شِهَابَ الدِّينِ بْنَ حَجَرٍ شَارِحَ الْمِنْهَاجِ وَالشَّمَائِلِ وَغَيْرِهِمَا وَكَانَ مِنْ أَجِلَّائِهِمْ وَقَدْ أَدْرَكْته فِي آخِرِ عُمُرِهِ كَذَا فِي النَّهْرِ ثُمَّ قَالَ وَأَقُولُ: فِي الْجَوَابِ الثَّانِي مَا لَا يَخْفَى؛ لِأَنَّ مَنْ لَا يَمُرُّ عَلَى الْمَوَاقِيتِ يُحْرِمُ إذَا حَاذَى آخِرَهَا قَرُبَتْ الْمُحَاذَاةُ أَوْ بَعُدَتْ (قَوْلُهُ: عِنْدَ عَدَمِ الْمُرُورِ عَلَى الْمَوَاقِيتِ) أَخَذَ التَّقْيِيدَ بِهِ مِنْ قَوْلِهِمْ الْمَنْقُولِ سَابِقًا وَمَنْ كَانَ فِي بَحْرٍ أَوْ بَرٍّ لَا يَمُرُّ بِوَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ إلَخْ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَمْ يَكُنْ سَفَرُهُ لِلْحَجِّ) هَذَا التَّعْلِيلُ يُفِيدُ أَنَّهُ لَا تَرْتَفِعُ الْمُخَالَفَةُ بِخُرُوجِهِ بَعْدُ إلَى أَحَدِ الْمَوَاقِيتِ وَإِحْرَامِهِ مِنْهُ وَنَقَلَ كَلَامَ الْمُؤَلِّفِ هُنَا الشَّيْخُ حَنِيفُ الدِّينِ الْمُرْشِدِيُّ فِي شَرْحِ مَنْسَكِهِ وَأَقَرَّهُ وَنَقَلَهُ عَنْهُ الْقَاضِي مُحَمَّدٌ عِيدٌ فِي شَرْحِ مَنْسَكِهِ كَمَا فِي حَاشِيَةِ الْمَدَنِيِّ عَلَى الدُّرِّ الْمُخْتَارِ ثُمَّ قَالَ فِيهَا وَنَقَلَ الْمُنْلَا عَلِيٌّ الْقَارِي فِي رِسَالَتِهِ الْمُسَمَّاةِ بَيَانَ فِعْلِ الْخَيْرِ إذَا دَخَلَ مَكَّةَ مَنْ حَجَّ عَنْ الْغَيْرِ أَنَّهُ وَقَعَتْ مَسْأَلَةٌ اضْطَرَبَ فِيهَا فُقَهَاءُ الْعَصْرِ وَهِيَ أَنَّ الْآفَاقِيَّ الْحَاجَّ عَنْ الْغَيْرِ إذَا انْفَصَلَ عَنْ الْمِيقَاتِ بِغَيْرِ إحْرَامٍ لِلْحَجِّ هَلْ هُوَ مُخَالِفٌ أَمْ لَا فَقِيلَ نَعَمْ فَيَبْطُلُ حَجُّهُ عَنْ الْآمِرِ وَإِنْ عَادَ إلَى الْمِيقَاتِ وَأَحْرَمَ وَقِيلَ لَا بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ إلَى الْمِيقَاتِ وَيُحْرِمَ عَنْ الْآمِرِ وَاعْتَمَدَ الْأَوَّلُونَ عَلَى ظَاهِرِ مَا فِي الْمَنْسَكِ الْكَبِيرِ لِلسِّنْدِيِّ أَنَّ مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ الْحَجِّ عَنْ الْآمِرِ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ الْمِيقَاتِ فَلَوْ اعْتَمَرَ وَقَدْ أَمَرَهُ بِالْحَجِّ ثُمَّ حَجَّ مِنْ مَكَّةَ يَضْمَنُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ عَنْ حِجَّةِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِحِجَّةٍ مِيقَاتِيَّةٍ اهـ. وَلَا يَصِحُّ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ فَرْضٌ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ، فَمُجَرَّدُ قَوْلِهِ مِنْ غَيْرِ نَقْلِهِ عَنْ مُجْتَهِدٍ أَوْ إسْنَادِهِ إلَى دَلِيلٍ غَيْرُ مَقْبُولٍ، وَأَطَالَ إلَى أَنْ قَالَ وَبِمَا ذَكَرْنَاهُ أَفْتَى الشَّيْخُ قُطْبُ الدِّينِ وَشَيْخُنَا سِنَانٌ الرُّومِيُّ فِي مَنْسَكِهِ وَأَفْتَى بِهِ أَيْضًا الشَّيْخُ عَلِيٌّ الْمَقْدِسِيَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 342 الْمَسْأَلَةُ يَكْثُرُ وُقُوعُهَا فِيمَنْ يُسَافِرُ فِي الْبَحْرِ الْمِلْحِ وَهُوَ مَأْمُورٌ بِالْحَجِّ وَيَكُونُ ذَلِكَ فِي وَسَطِ السَّنَةِ فَهَلْ لَهُ أَنْ يَقْصِدَ الْبَنْدَرَ الْمَعْرُوفَ بِجُدَّةِ لِيَدْخُلَ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ حَتَّى لَا يَطُولَ الْإِحْرَامُ عَلَيْهِ لَوْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ فَإِنَّ الْمَأْمُورَ بِالْحَجِّ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ. (قَوْلُهُ: وَصَحَّ تَقْدِيمُهُ عَلَيْهَا لَا عَكْسُهُ) أَيْ جَازَ تَقْدِيمُ الْإِحْرَامِ عَلَى الْمَوَاقِيتِ وَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ عَنْهَا أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] وَفَسَّرَتْ الصَّحَابَةُ الْإِتْمَامَ بِأَنْ يُحْرِمَ بِهَا مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ وَمِنْ الْأَمَاكِنِ الْقَاصِيَةِ وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ أَهَلَّ مِنْ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى بِحِجَّةٍ، أَوْ بِعُمْرَةٍ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ» رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَلَمْ يَتَكَلَّمُ الْمُصَنِّفُ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ التَّقْدِيمِ وَعَدَمِهَا لِمَا أَنَّ فِيهِ تَفْصِيلًا ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي وَهُوَ أَنَّ التَّقْدِيمَ أَفْضَلُ إذَا كَانَ يَمْلِكُ نَفْسَهُ أَنْ لَا يَقَعَ فِي مَحْظُورٍ؛ لِأَنَّ الْمَشَقَّةَ فِيهِ أَكْثَرُ فَكَانَ أَكْثَرَ ثَوَابًا؛ لِأَنَّ الْأَجْرَ بِقَدْرِ التَّعَبِ بِخِلَافِ التَّقْدِيمِ عَلَى الْأَشْهُرِ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ مَكْرُوهٌ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ بَيْنَ خَوْفِ الْوُقُوعِ فِي مَحْظُورٍ، أَوْ لَا كَمَا أَطْلَقَهُ فِي الْمَجْمَعِ وَمَنْ فَصَّلَ كَصَاحِبِ الظَّهِيرِيَّةِ قِيَاسًا عَلَى الْمِيقَاتِ الْمَكَانِيِّ فَقَدْ أَخْطَأَ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ مُطْلَقًا قَبْلَ الْمِيقَاتِ الزَّمَانِيِّ شَبَّهَهُ بِالرُّكْنِ وَإِنْ كَانَ شَرْطًا فَيُرَاعَى مُقْتَضَى ذَلِكَ الشَّبَهِ احْتِيَاطًا، وَلَوْ كَانَ رُكْنًا حَقِيقَةً لَمْ يَصِحَّ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ فَإِنْ كَانَ شَبِيهًا بِهِ كُرِهَ قَبْلَهَا لِشَبَهِهِ وَقُرْبِهِ مِنْ عَدَمِ الصِّحَّةِ وَلِشَبَهِ الرُّكْنِ لَمْ يَجُزْ لِفَائِتِ الْحَجِّ اسْتِدَامَةُ الْإِحْرَامِ لِيَقْضِيَ بِهِ مِنْ قَابِلٍ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا يُجَاوِزُ أَحَدٌ الْمِيقَاتَ إلَّا مُحْرِمًا» وَفَائِدَةُ التَّأْقِيتِ بِالْمَوَاقِيتِ الْخَمْسَةِ الْمَنْعُ مِنْ التَّأْخِيرِ. (قَوْلُهُ: وَلِدَاخِلِهَا الْحِلُّ) أَيْ الْحِلُّ مِيقَاتُ مَنْ كَانَ دَاخِلَ الْمَوَاقِيتِ وَهُوَ بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمَوَاضِعُ الَّتِي بَيْنَ الْمَوَاقِيتِ وَالْحَرَمِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي نَفْسِ الْمِيقَاتِ، أَوْ بَعْدَهُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ فِي كُتُبِهِ وَقَوْلُ الْمُحَقِّقِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الْمُتَبَادَرُ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الْمَوَاقِيتِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ بَلْ الْمُتَبَادَرُ مِنْهَا مَنْ كَانَ فِيهَا نَفْسِهَا وَهُوَ غَيْرُ مَقْصُودٍ لِلْمُصَنِّفِينَ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ الْإِطْلَاقُ كَمَا ذَكَرْنَا وَإِنَّمَا كَانَ الْحِلُّ مِيقَاتَهُ؛ لِأَنَّ خَارِجَ الْحَرَمِ كُلَّهُ كَمَكَانٍ وَاحِدٍ فِي حَقِّهِ وَالْحَرَمُ حَدٌّ فِي حَقِّهِ كَالْمِيقَاتِ لِلْآفَاقِيِّ فَلَا يَدْخُلُ الْحَرَمَ عِنْدَ قَصْدِ النُّسُكِ إلَّا مُحْرِمًا وَأَمَّا عِنْدَ عَدَمِ هَذَا الْقَصْدِ فَلَهُ الدُّخُولُ بِغَيْرِ إحْرَامٍ لِلْحَاجَةِ وَالضَّرُورَةِ كَالْمَكِّيِّ إذَا خَرَجَ مِنْ الْحَرَمِ لِحَاجَةٍ لَهُ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ كَالْآفَاقِيِّ فَإِنْ جَاوَزَهُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ مِنْ غَيْرِ إحْرَامٍ؛ لِأَنَّهُ صَارَ آفَاقِيًّا. (قَوْلُهُ: وَلِلْمَكِّيِّ الْحَرَمُ لِلْحَجِّ وَالْحِلُّ لِلْعُمْرَةِ) أَيْ مِيقَاتُ الْمَكِّيِّ إذَا أَرَادَ الْحَجَّ الْحَرَمُ فَإِنْ أَحْرَمَ لَهُ مِنْ الْحِلِّ لَزِمَهُ دَمٌ وَإِذَا أَرَادَ الْعُمْرَةَ الْحِلُّ فَإِذَا أَحْرَمَ بِهَا مِنْ الْحَرَمِ   [منحة الخالق] وَنَقَلَ فَتْوَاهُ فَرَاجِعْهَا اهـ. مَا فِي الْحَاشِيَةِ مُلَخَّصًا أَقُولُ: وَفِي رَدِّهِ مَا ذَكَرَهُ السِّنْدِيُّ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ مَنْقُولَةٌ وَالْمُقَلِّدُ مُتَّبِعٌ لِلْمُجْتَهِدِ وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ دَلِيلُهُ فَفِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُحِيطِ وَلَوْ أَمَرَهُ بِالْحَجِّ فَاعْتَمَرَ ثُمَّ حَجَّ مِنْ مَكَّةَ فَهُوَ مُخَالِفٌ فِي قَوْلِهِمْ وَفِي الْخَانِيَّةِ وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ عَنْ حِجَّةِ الْإِسْلَامِ عَنْ نَفْسِهِ وَكَذَا لَوْ حَجَّ ثُمَّ اعْتَمَرَ كَانَ مُخَالِفًا عِنْدَ الْعَامَّةِ وَفِي الْمُحِيطِ وَلَوْ أَمَرَهُ بِالْعُمْرَةِ فَاعْتَمَرَ أَوَّلًا ثُمَّ حَجَّ عَنْ نَفْسِهِ لَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا وَإِنْ حَجَّ أَوَّلًا ثُمَّ اعْتَمَرَ فَهُوَ مُخَالِفٌ اهـ. فَلْيُتَأَمَّلْ فَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ جُعِلَ مُخَالِفًا لِكَوْنِهِ أَحْرَمَ أَوَّلًا بِغَيْرِ مَا أُمِرَ بِهِ فَقَدْ جَعَلَ سَفَرَهُ لِنَفْسِهِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى اشْتِرَاطِ إحْرَامِ الْمَأْمُورِ مِنْ الْمِيقَاتِ وَأَنَّهُ لَا يَقَعُ عَنْ الْآمِرِ وَإِنْ عَادَ إلَى الْمِيقَاتِ إذَا لَمْ يَفْعَلْ أَوَّلًا نُسُكًا لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ فَيَنْبَغِي التَّفْصِيلُ وَهُوَ أَنَّهُ إنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ بِلَا إحْرَامٍ قَاصِدًا الْبُسْتَانَ ثُمَّ دَخَلَ مَكَّةَ ثُمَّ خَرَجَ إلَى الْحِلِّ وَقْتَ الْإِحْرَامِ فَأَحْرَمَ مِنْ الْمِيقَاتِ عَنْ الْآمِرِ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ آفَاقِيًّا كَمَا يَأْتِي وَإِنْ فَعَلَ نُسُكًا غَيْرَ مَا أُمِرَ بِهِ قَبْلَ إحْرَامِهِ عَنْ الْآمِرِ يَكُونُ مُخَالِفًا وَإِنْ عَادَ إلَى الْمِيقَاتِ وَأَحْرَمَ عَنْهُ مِنْ الْمِيقَاتِ فَتَأَمَّلْ. [تَقْدِيمُ الْإِحْرَامِ عَلَى الْمَوَاقِيتِ] (قَوْلُهُ: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ مَكْرُوهٌ إلَخْ) كَذَا نَقَلَ الْقُهُسْتَانِيُّ الْإِجْمَاعَ عَنْ التُّحْفَةِ ثُمَّ قَالَ وَفِي الْمُحِيطِ إنْ أَمِنَ مِنْ الْوُقُوعِ فِي مَحْظُورِ الْإِحْرَامِ لَا يُكْرَهُ وَفِي النَّظْمِ عَنْهُ أَنَّهُ يُكْرَهُ إلَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ. (قَوْلُهُ فَلَا يَدْخُلُ الْحَرَمَ عِنْدَ قَصْدِ النُّسُكِ إلَّا مُحْرِمًا) قَالَ الْعَلَّامَةُ الشَّيْخُ قُطْبُ الدِّينِ فِي مَنْسَكِهِ وَمِمَّا يَجِبُ التَّيَقُّظُ لَهُ سُكَّانُ جُدَّةَ بِالْجِيمِ وَأَهْلُ حِدَّةَ بِالْمُهْمَلَةِ وَأَهْلُ الْأَوْدِيَةِ الْقَرِيبَةِ مِنْ مَكَّةَ فَإِنَّهُمْ فِي الْأَغْلَبِ يَأْتُونَ إلَى مَكَّةَ فِي سَادِسِ ذِي الْحِجَّةِ أَوْ فِي السَّابِعِ بِغَيْرِ إحْرَامٍ وَيُحْرِمُونَ مِنْ مَكَّةَ لِلْحَجِّ فَعَلَى مَنْ كَانَ حَنَفِيًّا مِنْهُمْ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ الْحَرَمَ وَإِلَّا فَعَلَيْهِ دَمٌ لِمُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ بِغَيْرِ إحْرَامٍ لَكِنْ لِلنَّظَرِ هُنَا مَجَالٌ إذَا أَحْرَمَ هَؤُلَاءِ مِنْ مَكَّةَ كَمَا هُوَ مُعْتَادُهُمْ وَتَوَجَّهُوا إلَى عَرَفَةَ يَنْبَغِي أَنْ يَسْقُطَ عَنْهُمْ دَمُ الْمُجَاوَزَةِ بِوُصُولِهِمْ إلَى أَوَّلِ الْحِلِّ مُلَبِّينَ؛ لِأَنَّهُ عَوْدٌ مِنْهُمْ إلَى مِيقَاتِهِمْ مَعَ الْإِحْرَامِ وَالتَّلْبِيَةِ وَذَلِكَ مُسْقِطٌ لِدَمِ الْمُجَاوَزَةِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ لَا يُعَدُّ هَذَا عَوْدًا مِنْهُمْ إلَى الْمِيقَاتِ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَقْصِدُوا الْعَوْدَ إلَيْهِ لِتَلَافِي مَا لَزِمَهُمْ بِالْمُجَاوَزَةِ بَلْ قَصَدُوا التَّوَجُّهَ إلَى عَرَفَةَ وَلَمْ أَجِدْ مَنْ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ اهـ. وَقَدْ نَقَلَهُ الشَّيْخُ عَبْدُ اللَّهِ الْعَفِيفُ فِي شَرْحِهِ وَأَقَرَّهُ وَقَالَ الْقَاضِي مُحَمَّدٌ عِيدٌ فِي شَرْحِ مَنْسَكِهِ وَالظَّاهِرُ السُّقُوطُ؛ لِأَنَّ الْعَوْدَ إلَى الْمِيقَاتِ مَعَ التَّلْبِيَةِ مُسْقِطٌ سَوَاءٌ نَوَى الْعَوْدَ أَوْ لَمْ يَنْوِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ التَّعْظِيمُ اهـ. كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْمَدَنِيِّ عَلَى الدُّرِّ الْمُخْتَارِ. [مِيقَاتُ الْمَكِّيِّ إذَا أَرَادَ الْحَجَّ] . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 343 لَزِمَهُ دَمٌ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ مِيقَاتَهُ فِيهِمَا وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَالْمُرَادُ بِالْمَكِّيِّ مَنْ كَانَ دَاخِلَ الْحَرَمِ سَوَاءٌ كَانَ بِمَكَّةَ، أَوْ لَا وَسَوَاءٌ كَانَ مِنْ أَهْلِهَا، أَوْ لَا وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ الْمُرَادَ بِدَاخِلِ الْمَوَاقِيتِ مَنْ كَانَ سَاكِنًا فِي الْحِلِّ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. (بَابُ الْإِحْرَامِ) أَحْرَمَ الرَّجُلُ إذَا دَخَلَ فِي حُرْمَةٍ لَا تُنْتَهَكُ مِنْ ذِمَّةٍ وَغَيْرِهَا، وَأَحْرَمَ لِلْحَجِّ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ مَا يَحِلُّ لِغَيْرِهِ مِنْ الصَّيْدِ وَالنِّسَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَأَحْرَمَ الرَّجُلُ إذَا دَخَلَ فِي الْحَرَمِ أَوْ دَخَلَ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ وَأَحْرَمَهُ لُغَة فِي حَرَمَهُ الْعَطِيَّةَ أَيْ مَنَعَهُ كَذَا فِي ضِيَاءِ الْحُلُومِ مُخْتَصَرِ شَمْسِ الْعُلُومِ وَهُوَ فِي الشَّرِيعَةِ نِيَّةُ النُّسُكِ مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ مَعَ الذِّكْرِ أَوْ الْخُصُوصِيَّةِ عَلَى مَا سَيَأْتِي، وَهُوَ شَرْطُ صِحَّةِ النُّسُكِ كَتَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ فِي الصَّلَاةِ، فَالصَّلَاةُ وَالْحَجُّ لَهُمَا تَحْرِيمٌ وَتَحْلِيلٌ بِخِلَافِ الصَّوْمِ وَالزَّكَاةِ لَكِنَّ الْحَجَّ أَقْوَى مِنْ غَيْرِهِ مِنْ وَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ أَنَّهُ إذَا تَمَّ الْإِحْرَامُ لِلْحَجِّ أَوْ لِلْعُمْرَةِ لَا يَخْرُجُ عَنْهُ إلَّا بِعَمَلِ النُّسُكِ الَّذِي أَحْرَمَ بِهِ، وَإِنْ أَفْسَدَهُ إلَّا فِي الْفَوَاتِ فَبِعَمَلِ الْعُمْرَةِ وَإِلَّا الْإِحْصَارِ فَبِذَبْحِ الْهَدْيِ. الثَّانِي أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ قَضَائِهِ مُطْلَقًا وَلَوْ كَانَ مَظْنُونًا فَلَوْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ ظَهَرَ خِلَافُهُ وَجَبَ عَلَيْهِ الْمُضِيُّ فِيهِ وَالْقَضَاءُ إنْ أَبْطَلَهُ بِخِلَافِ الْمَظْنُونِ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ لَا قَضَاءَ لَوْ أَفْسَدَهُ. (قَوْلُهُ وَإِذَا أَرَدْت أَنْ تُحْرِمَ فَتَوَضَّأْ وَالْغُسْلُ أَفْضَلُ) قَدْ تَقَدَّمَ دَلِيلُهُ فِي الْغُسْلِ وَهُوَ لِلنَّظَافَةِ لَا لِلطَّهَارَةِ فَيُسْتَحَبُّ فِي حَقِّ الْحَائِضِ أَوْ النُّفَسَاءِ وَالصَّبِيِّ لِمَا رُوِيَ أَنَّ «أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ أَسْمَاءَ قَدْ نُفِسَتْ فَقَالَ مُرْهَا فَلْتَغْتَسِلْ وَلْتُحْرِمْ بِالْحَجِّ» وَلِهَذَا لَا يُشْرَعُ التَّيَمُّمُ لَهُ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْمَاءِ، قَالَ الشَّارِحُ بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ يَعْنِي أَنَّ الْغُسْلَ فِيهِمَا لِلطَّهَارَةِ لَا لِلتَّنْظِيفِ، وَلِهَذَا يُشْرَعُ التَّيَمُّمُ لَهُمَا عِنْدَ الْعَجْزِ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ لَمْ يُشْرَعْ لَهُمَا عِنْدَ الْعَجْزِ إذَا كَانَ طَاهِرًا عَنْ الْجَنَابَةِ وَنَحْوِهَا وَالْكَلَامُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مُلَوِّثٌ وَمُغَيِّرٌ لَكِنْ جُعِلَ طَهَارَةً ضَرُورَةَ أَدَاءِ الصَّلَاةِ وَلَا ضَرُورَةَ فِيهِمَا، وَلِهَذَا سَوَّى الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي بَيْنَ الْإِحْرَامِ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِالْمَكِّيِّ إلَخْ) فَسَّرَ فِي النَّهْرِ الْمَكِّيَّ بِسَاكِنِ مَكَّةَ وَقَالَ أَمَّا الْقَارُّ فِي حَرَمِهَا فَلَيْسَ بِمَكِّيٍّ وَإِنْ أُعْطِيَ حُكْمَهُ وَاعْتَرَضَ الْمُؤَلِّفُ بِأَنَّ مَا قَالَهُ مِنْ التَّعْمِيمِ عُدُولٌ عَنْ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ بِلَا دَلِيلٍ. [بَابُ الْإِحْرَامِ] (قَوْلُهُ وَهُوَ فِي الشَّرِيعَةِ نِيَّةُ النُّسُكِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ هُوَ شَرْعًا الدُّخُولُ فِي حُرُمَاتٍ مَخْصُوصَةٍ أَيْ الْتِزَامُهَا غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ شَرْعًا إلَّا بِالنِّيَّةِ مَعَ الذِّكْرِ وَالْخُصُوصِيَّةِ كَذَا فِي الْفَتْحِ فَهُمَا شَرْطَانِ فِي تَحَقُّقِهِ لَا جُزْءَانِ لِمَاهِيَّتِهِ كَمَا تَوَهَّمَهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ أَوْ الْخُصُوصِيَّةِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ الْإِتْيَانِ بِشَيْءٍ مِنْ خُصُوصِيَّاتِ النُّسُكِ سَوَاءٌ كَانَ تَلْبِيَةً أَوْ ذِكْرًا يُقْصَدُ بِهِ التَّعْظِيمُ أَوْ سَوْقُ الْهَدْيِ أَوْ تَقْلِيدُ الْبَدَنَةِ كَمَا فِي الْمُسْتَصْفَى. (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَالْغُسْلُ أَفْضَلُ) قَالَ الْمُرْشِدِيُّ فِي شَرْحِهِ وَهَذَا الْغُسْلُ أَحَدُ الْأَغْسَالِ الْمَسْنُونَةِ فِي الْحَجِّ ثَانِيهَا لِدُخُولِ مَكَّةَ ثَالِثُهَا لِلْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ رَابِعُهَا لِلْوُقُوفِ بِمُزْدَلِفَةَ خَامِسُهَا لِطَوَافِ الزِّيَارَةِ سَادِسُهَا وَسَابِعُهَا وَثَامِنُهَا لِرَمْيِ الْجِمَارِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ تَاسِعُهَا لِطَوَافِ الصَّدْرِ عَاشِرُهَا لِدُخُولِ حَرَمِ الْمَدِينَةِ قَالَ فِي الْبَحْرِ الْعَمِيقِ وَلَا غُسْلَ لِرَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ اهـ. كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْمَدَنِيِّ (قَوْلُهُ قَالَ الشَّارِحُ إلَخْ) وَعِبَارَتُهُ وَالْمُرَادُ بِهَذَا الْغُسْلِ تَحْصِيلُ النَّظَافَةِ وَإِزَالَةُ الرَّائِحَةِ لَا الطَّهَارَةُ حَتَّى تُؤْمَرَ بِهِ الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ وَلَا يُتَصَوَّرُ حُصُولُ الطَّهَارَةِ لَهَا وَلِهَذَا لَا يُعْتَبَرُ التَّيَمُّمُ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْمَاءِ بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ انْتَهَتْ. قَالَ فِي النَّهْرِ وَعَزَاهُ فِي الْمِعْرَاجِ إلَى شَرْحِ بَكْرٍ (قَوْلُهُ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ إذْ مَبْنَاهُ عَلَى أَنَّ الْمُخَالَفَةَ رَاجِعَةٌ إلَى قَوْلِهِ وَلِهَذَا لَا يُعْتَبَرُ التَّيَمُّمُ عِنْدَ الْعَجْزِ، وَالظَّاهِرُ رُجُوعُهَا إلَى قَوْلِهِ وَالْمُرَادُ بِهَذَا الْغُسْلِ تَحْصِيلُ النَّظَافَةِ لَا الطَّهَارَةُ بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ فَإِنَّهُ يُلَاحَظُ فِيهِمَا مَعَ النَّظَافَةِ الطَّهَارَةُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا شُرِعَ لِلصَّلَاةِ وَلِذَا لَمْ تُؤْمَرْ بِهِ الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ مَعَ أَنَّهُ قَدْ قِيلَ بِأَنَّهُمَا يَحْضُرَانِ الْعِيدَيْنِ كَمَا مَرَّ نَعَمْ مَا فِي الْكَافِي هُوَ التَّحْقِيقُ اهـ. قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ وَالْإِنْصَافُ أَنَّ أَصْلَ عِبَارَةِ الزَّيْلَعِيِّ مُوهِمَةٌ مَشْرُوعِيَّةَ التَّيَمُّمِ لَهُمَا وَالْمُرَادُ لَا يَدْفَعُ الْإِيرَادَ ثُمَّ عِبَارَةُ الْبَحْرِ مُوهِمَةٌ أَيْضًا حَيْثُ نُقِلَ عَنْ الْكَافِي التَّسْوِيَةُ وَظَاهِرُهَا بِالنَّظَرِ إلَى عَدَمِ التَّيَمُّمِ، وَلَيْسَتْ كَذَلِكَ بَلْ مِنْ حَيْثُ قِيَامُ الْوُضُوءِ مَقَامَ الْغُسْلِ وَلَفْظُهَا فَعُلِمَ أَنَّ هَذَا الِاغْتِسَالَ لِلنَّظَافَةِ لِيَزُولَ مَا بِهِ مِنْ الدَّرَنِ وَالْوَسَخِ فَيَقُومَ الْوُضُوءُ مَقَامَهُ كَمَا فِي الْعِيدَيْنِ وَالْجُمُعَةِ لَكِنَّ الْغُسْلَ أَحَبُّ؛ لِأَنَّ النَّظَافَةَ بِهِ أَتَمُّ. اهـ وَالْإِقَامَةُ حَكَاهَا الشُّمُنِّيُّ عَنْ الْقُدُورِيِّ بِلَفْظِ قَالَ الْقُدُورِيُّ كُلُّ غُسْلٍ لِلنَّظَافَةِ فَالْوُضُوءُ يَقُومُ مَقَامَهُ كَغُسْلِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ التَّسْوِيَةَ فِي عَدَمِ التَّيَمُّمِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ صَرِيحَةً لَكِنَّهَا مَعْلُومَةٌ مِنْ تَفْرِيعِهِ قِيَامَ الْوُضُوءِ مَقَامَ الْغُسْلِ عَلَى كَوْنِهِ لِلنَّظَافَةِ، وَإِذَا كَانَ لِلنَّظَافَةِ لَا يُعْتَبَرُ التَّيَمُّمُ لِعَدَمِهَا فِيهِ وَحَيْثُ سَوَّى بَيْنَ الْإِحْرَامِ وَالْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ فِي قِيَامِ الْوُضُوءِ مَقَامَهُ الْمُفَرَّعِ عَلَى مَا ذَكَرَ لَزِمَهُ التَّسْوِيَةُ فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 344 وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَرَادَهُ كَمَالُ التَّنْظِيفِ مِنْ قَصِّ الْأَظْفَارِ وَالشَّارِبِ وَحَلْقِ الْإِبْطَيْنِ وَالْعَانَةِ وَالرَّأْسِ لِمَنْ اعْتَادَهُ مِنْ الرِّجَالِ أَوْ أَرَادَهُ، وَإِلَّا فَتَسْرِيحُهُ وَإِزَالَةُ الشَّعَثِ وَالْوَسَخِ عَنْهُ وَعَنْ بَدَنِهِ بِغَسْلِهِ بِالْخِطْمِيِّ وَالْأُشْنَانِ وَنَحْوِهِمَا وَمِنْ الْمُسْتَحَبِّ عِنْدَ إرَادَتِهِ جِمَاعَ زَوْجَتِهِ أَوْ جَارِيَتِهِ إنْ كَانَتْ مَعَهُ، وَلَا مَانِعَ مِنْ الْجِمَاعِ فَإِنَّهُ مِنْ السُّنَّةِ. (قَوْلُهُ وَالْبَسْ إزَارًا وَرِدَاءً جَدِيدَيْنِ أَوْ غَسِيلَيْنِ) ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَبِسَهُمَا هُوَ وَأَصْحَابُهُ كَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ عَنْ لُبْسِ الْمَخِيطِ وَلَا بُدَّ مِنْ سَتْرِ الْعَوْرَةِ وَدَفْعِ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ، وَذَلِكَ فِيمَا عَيَّنَّاهُ وَالْإِزَارُ مِنْ السُّرَّةِ إلَى مَا تَحْتَ الرُّكْبَةِ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ كَمَا فِي ضِيَاءِ الْحُلُومِ، وَالرِّدَاءُ عَلَى الظَّهْرِ وَالْكَتِفَيْنِ وَالصَّدْرِ وَيَشُدُّهُ فَوْقَ السُّرَّةِ، وَإِنْ غَرَزَ طَرَفَيْهِ فِي إزَارِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَلَوْ خَلَّلَهُ بِخِلَالٍ أَوْ مِسَلَّةٍ أَوْ شَدَّهُ عَلَى نَفْسِهِ بِحَبْلٍ أَسَاءَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَمَا فِي الْكِتَابِ بَيَانٌ لِلسُّنَّةِ، وَإِلَّا فَسَاتِرُ الْعَوْرَةِ كَافٍ كَمَا فِي الْمَجْمَعِ. وَأَشَارَ بِتَقْدِيمِ الْجَدِيدِ إلَى أَفْضَلِيَّتِهِ، وَكَوْنُهُ أَبْيَضَ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِ كَالتَّكْفِينِ وَفِي عَدَمِ غَسْلِ الثَّوْبِ الْعَتِيقِ تَرْكٌ لِلْمُسْتَحَبِّ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا فِي حَقِّ الرَّجُلِ. (قَوْلُهُ وَتَطَيَّبْ) أَيْ يُسَنُّ لَهُ اسْتِعْمَالُ الطِّيبِ فِي بَدَنِهِ قُبَيْلَ الْإِحْرَامِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا تَبْقَى عَيْنُهُ بَعْدَهُ كَالْمِسْكِ وَالْغَالِيَةِ، وَمَا لَا تَبْقَى لِحَدِيثِ عَائِشَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ «كُنْت أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِإِحْرَامِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ» وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا «كَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى وَبِيصِ الطِّيبِ فِي مَفْرِقِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِإِحْرَامِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ» ، وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ «كَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى وَبِيصِ الْمِسْكِ» وَهُوَ الْبَرِيقُ وَاللَّمَعَانُ، وَكَرِهَهُ مُحَمَّدٌ بِمَا تَبْقَى عَيْنُهُ، وَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ وَقَيَّدْنَا بِالْبَدَنِ إذْ لَا يَجُوزُ التَّطَيُّبُ فِي الثَّوْبِ بِمَا تَبْقَى عَيْنُهُ عَلَى قَوْلِ الْكُلِّ عَلَى أَحَدِ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُمَا. قَالُوا وَبِهِ نَأْخُذُ وَالْفَرْقُ لَهُمَا بَيْنَهُمَا أَنَّهُ اُعْتُبِرَ فِي الْبَدَنِ تَابِعًا عَلَى الْأَصَحِّ، وَالْمُتَّصِلُ بِالثَّوْبِ مُنْفَصِلٌ عَنْهُ فَلَمْ يُعْتَبَرْ تَابِعًا وَالْمَقْصُودُ مِنْ اسْتِنَانِهِ حُصُولُ الِارْتِفَاقِ بِهِ حَالَةَ الْمَنْعِ مِنْهُ كَالسَّحُورِ لِلصَّوْمِ، وَهُوَ يَحْصُلُ بِمَا فِي الْبَدَنِ فَأَغْنَى عَنْ تَجْوِيزِهِ فِي الثَّوْبِ إذَا لَمْ يَقْصِدْ كَمَالَ الِارْتِفَاقِ حَالَةَ الْإِحْرَامِ؛ لِأَنَّ «الْحَاجَّ الشَّعِثُ التَّفِلُ» ، وَظَاهِرُ مَا فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّ مَا عَنْ مُحَمَّدٍ رِوَايَةٌ ضَعِيفَةٌ، وَأَنَّ مَشْهُورَ مَذْهَبِهِ كَمَذْهَبِهِمَا (قَوْلُهُ وَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ) أَيْ عَلَى وَجْهِ السُّنِّيَّةِ بَعْدَ اللُّبْسِ وَالتَّطَيُّبِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صَلَّاهُمَا كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَلَا يُصَلِّيهِمَا فِي الْوَقْتِ الْمَكْرُوهِ، وَتُجْزِئُهُ الْمَكْتُوبَةُ كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ ثُمَّ يَنْوِي بِقَلْبِهِ الدُّخُولَ فِي الْحَجِّ، وَيَقُولُ بِلِسَانِهِ مُطَابِقًا لِجَنَانِهِ اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ فَيَسِّرْهُ لِي وَتَقَبَّلْهُ مِنِّي؛ لِأَنِّي مُحْتَاجٌ فِي أَدَاءِ أَرْكَانِهِ إلَى تَحَمُّلِ الْمَشَقَّةِ فَيَطْلُبُ التَّيْسِيرَ وَالْقَبُولَ اقْتِدَاءً بِالْخَلِيلِ وَوَلَدِهِ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - حَيْثُ قَالَا {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة: 127] وَلَمْ يُؤْمَرْ بِمِثْلِ هَذَا الدُّعَاءِ عِنْدَ إرَادَةِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ سُؤَالَ التَّيْسِيرِ يَكُونُ فِي   [منحة الخالق] عَدَمِ اعْتِبَارِ التَّيَمُّمِ بَيْنَ الْكُلِّ (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَالْبَسْ إزَارًا أَوْ رِدَاءً إلَخْ) وَيُدْخِلُ الرِّدَاءَ تَحْتَ الْيَدِ الْيُمْنَى وَيُلْقِيهِ عَلَى كَتِفِهِ الْأَيْسَرِ وَيُبْقِي كَتِفَهُ الْأَيْمَنَ مَكْشُوفًا كَذَا فِي الْخِزَانَةِ ذَكَرَهُ الْبُرْجَنْدِيُّ فِي هَذَا الْمَحَلِّ وَهُوَ مُوهِمٌ أَنَّ الِاضْطِبَاعَ يُسْتَحَبُّ مِنْ أَوَّلِ أَحْوَالِ الْإِحْرَامِ وَعَلَيْهِ الْعَوَامُّ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ مَحَلَّ الِاضْطِبَاعِ الْمَسْنُونِ إنَّمَا يَكُونُ قُبَيْلَ الطَّوَافِ إلَى انْتِهَائِهِ لَا غَيْرُ كَذَا فِي شَرْحِ اللُّبَابِ لِمُنْلَا عَلِيٍّ الْقَارِي، وَقَالَ الْمُرْشِدِيُّ فِي شَرْحِ مَنَاسِكِ الْكَنْزِ وَفِي الْأَصَحِّ وَأَنَّهُ هُوَ السُّنَّةُ وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ السِّنْدِيُّ فِي مَنْسَكِهِ الْكَبِيرِ عَنْ الْغَايَةِ وَمَنَاسِكِ الطَّرَابُلْسِيِّ وَالْفَتْحِ، وَقَالَ فَالْحَاصِلُ أَنَّ أَكْثَرَ كُتُبِ الْمَذْهَبِ نَاطِقَةٌ بِأَنَّ الِاضْطِبَاعَ يُسَنُّ فِي الطَّوَافِ لَا قَبْلَهُ فِي الْإِحْرَامِ وَعَلَيْهِ تَدُلُّ الْأَحَادِيثُ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ اهـ كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْمَدَنِيِّ عَلَى الدُّرِّ الْمُخْتَارِ. (قَوْلُهُ وَإِلَّا فَسَاتِرُ الْعَوْرَةِ كَافٍ) فَيَجُوزُ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَأَكْثَرَ مِنْ ثَوْبَيْنِ وَفِي أَسْوَدَيْنِ أَوْ قَطْعِ خِرَقٍ مَخِيطَةٍ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِمَا خِيَاطَةٌ اهـ. لُبَابُ الْمَنَاسِكِ. [اسْتِعْمَالُ الطِّيبِ فِي بَدَنِهِ قُبَيْلَ الْإِحْرَامِ] (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ) قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَفِي الْمُحِيطِ وَإِنْ قَرَأَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] وَفِي الثَّانِيَةِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] تَبَرُّكًا بِفِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ أَفْضَلُ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ قَالَ الشَّيْخُ الْوَاعِظُ الْإِسْكَنْدَرِيُّ إنَّ كَثِيرًا مِنْ عُلَمَائِنَا يَقْرَءُونَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ سُورَةِ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا} [آل عمران: 8] الْآيَةَ وَبَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] {رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا} [الكهف: 10] . (قَوْلُهُ أَيْ عَلَى وَجْهِ السُّنِّيَّةِ) صَرَّحَ بِالسُّنِّيَّةِ فِي السِّرَاجِ وَفِي النَّهْرِ هَذَا الْأَمْرُ أَيْ قَوْلُهُ وَصَلِّ لِلنَّدْبِ وَفِي الْغَايَةِ السُّنَّةُ. اهـ. لَكِنْ قَدْ يُقَالُ يُنَافِي كَوْنَهَا سُنَّةً إجْزَاءُ الْمَكْتُوبَةِ عَنْهَا فَلِذَا مَشَى فِي النَّهْرِ عَلَى النَّدْبِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَتُجْزِئُهُ الْمَكْتُوبَةُ) كَذَا جَزَمَ بِهِ فِي اللُّبَابِ قَالَ شَارِحُهُ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ صَلَاةَ الْإِحْرَامِ سُنَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ كَصَلَاةِ الِاسْتِخَارَةِ وَغَيْرِهَا مِمَّا لَا تَنُوبُ الْفَرِيضَةُ مَنَابَهَا بِخِلَافِ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ وَشُكْرِ الْوُضُوءِ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُمَا صَلَاةٌ عَلَى حِدَةٍ كَمَا حَقَّقَهُ فِي فَتَاوَى الْحُجَّةِ فَتَتَأَدَّى فِي ضِمْنِ غَيْرِهَا أَيْضًا، فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي الْمَنْسَكِ الْكَبِيرِ وَتُجْزِئُ الْمَكْتُوبَةُ عَنْهَا كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ اهـ. لَكِنْ فِي حَاشِيَةِ الْمَدَنِيِّ أَنَّهُ رَدَّهُ الْمُرْشِدِيُّ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 345 الْعَسِيرِ لَا فِي الْيَسِيرِ، وَأَدَاؤُهَا يَسِيرٌ عَادَةً كَذَا فِي الْكَافِي وَقَدَّمْنَا مَا فِيهِ مِنْ الْخِلَافِ فِي بَحْثِ نِيَّةِ الصَّلَاةِ. (قَوْلُهُ وَلَبِّ دُبُرَ الصَّلَاةِ تَنْوِي بِهَا الْحَجَّ) أَيْ لَبِّ عَقِبَهَا نَاوِيًا بِالتَّلْبِيَةِ الْحَجَّ وَالدُّبُرُ بِضَمِّ الْبَاءِ وَسُكُونِهَا آخِرُ الشَّيْءِ كَذَا فِي الصِّحَاحِ، وَإِنَّمَا يُلَبِّي لِمَا صَحَّ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْ تَلْبِيَتِهِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، وَفِي قَوْلِهِ تَنْوِي بِهَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمَشَايِخُ مِنْ أَنَّهُ يَقُولُ اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ إلَى آخِرِهِ لَيْسَ مُحَصِّلًا لِلنِّيَّةِ، وَلِهَذَا قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَمْ نَعْلَمْ أَنَّ أَحَدًا مِنْ الرُّوَاةِ لِنُسُكِهِ رَوَى أَنَّهُ سَمِعَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَقُولُ نَوَيْت الْعُمْرَةَ وَلَا الْحَجَّ، وَلِهَذَا قَالَ مَشَايِخُنَا إنَّ الذِّكْرَ بِاللِّسَانِ حَسَنٌ لِيُطَابِقَ الْقَلْبَ وَعَلَى قِيَاسِ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي نِيَّةِ الصَّلَاةِ إنَّمَا يَحْسُنُ إذَا لَمْ تَجْتَمِعْ عَزِيمَتُهُ وَإِلَّا فَلَا، فَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّلَفُّظَ بِاللِّسَانِ بِالنِّيَّةِ بِدْعَةٌ مُطْلَقًا فِي جَمِيعِ الْعِبَادَاتِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَقُلْ اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ فَيَسِّرْهُ لِي وَتَقَبَّلْهُ مِنِّي وَلَبِّ، وَقَوْلُهُ تَنْوِي الْحَجَّ بَيَانٌ لِلْأَكْمَلِ، وَإِلَّا فَيَصِحُّ الْحَجُّ بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ وَإِذَا أَبْهَمَ الْإِحْرَامَ بِأَنْ لَمْ يُعَيِّنْ مَا أَحْرَمَ بِهِ جَازَ وَعَلَيْهِ التَّعْيِينُ قَبْلَ أَنْ يَشْرَعَ فِي الْأَفْعَالِ، وَالْأَصْلُ حَدِيثُ «عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حِينَ قَدِمَ مِنْ الْيَمَنِ فَقَالَ أَهْلَلْتُ بِمَا أَهَلَّ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَجَازَهُ» فَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ، وَطَافَ شَوْطًا كَانَ لِلْعُمْرَةِ، وَكَذَا إذَا أُحْصِرَ قَبْلَ الْأَفْعَالِ فَتَحَلَّلَ بِدَمٍ تَعَيَّنَ لِلْعُمْرَةِ حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا لَا قَضَاءَ حِجَّةٍ، وَكَذَا إذَا جَامَعَ فَأَفْسَدَ وَجَبَ عَلَيْهِ الْمُضِيُّ فِي عُمْرَةٍ قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْكِتَابِ أَنَّ حِجَّةَ الْإِسْلَامِ تَتَأَدَّى بِنِيَّةِ التَّطَوُّعِ اهـ. وَالْمَنْقُولُ فِي الْأُصُولِ أَنَّهَا لَا تَتَأَدَّى بِنِيَّةِ النَّفْلِ، وَتَتَأَدَّى بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ نَظَرًا إلَى أَنَّ الْوَقْتَ لَهُ فِيهِ شُبْهَةُ الْمِعْيَارِيَّةِ وَشُبْهَةُ الظَّرْفِيَّةِ فَالْأَوَّلُ لِلثَّانِي وَالثَّانِي لِلْأَوَّلِ. (قَوْلُهُ وَهِيَ لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَك لَبَّيْكَ إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَك وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَك) هَكَذَا رَوَى أَصْحَابُ الْكُتُبِ السِّتَّةِ تَلْبِيَتَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَفْظُهَا مَصْدَرٌ مُثَنًّى تَثْنِيَةً يُرَادُ بِهَا التَّكْثِيرُ، وَهُوَ مَلْزُومُ النَّصْبِ وَالْإِضَافَةِ، وَالنَّاصِبُ لَهُ مِنْ غَيْرِ لَفْظِهِ تَقْدِيرُهُ أَجَبْتُ إجَابَتَكَ إجَابَةً بَعْدَ إجَابَةٍ إلَى مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ، وَكَأَنَّهُ مِنْ أَلَبَّ بِالْمَكَانِ إذَا أَقَامَ فَهُوَ مَصْدَرٌ مَحْذُوفُ الزَّوَائِدِ، وَالْقِيَاسُ إلْبَابٌ وَمُفْرَدُ لَبَّيْكَ لَبَّ، وَاخْتُلِفَ فِي الدَّاعِي فَقِيلَ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى وَقِيلَ إبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَرَجَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي، وَقَالَ إنَّهُ الْأَظْهَرُ وَقِيلَ رَسُولُنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاخْتُلِفَ فِي هَمْزِ إنَّ الْحَمْدَ بَعْدَ الِاتِّفَاقِ عَلَى جَوَازِ الْكَسْرِ وَالْفَتْحِ، وَاخْتَارَ فِي الْهِدَايَةِ أَنَّ الْأَوْجَهَ الْكَسْرُ عَلَى اسْتِئْنَافِ الثَّنَاءِ، وَتَكُونُ التَّلْبِيَةُ لِلذَّاتِ، وَقَالَ الْكِسَائِيُّ الْفَتْحُ أَحْسَنُ عَلَى أَنَّهُ تَعْلِيلٌ لِلتَّلْبِيَةِ أَيْ لَبَّيْكَ؛ لِأَنَّ الْحَمْدَ وَرَجَّحَ الْأَوَّلَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّ تَعْلِيقَ الْإِجَابَةِ الَّتِي لَا نِهَايَةَ لَهَا بِالذَّاتِ أَوْلَى مِنْهُ بِاعْتِبَارِ صِفَةِ هَذَا، وَإِنْ كَانَ اسْتِئْنَافُ الثَّنَاءِ لَا يَتَعَيَّنُ مَعَ الْكَسْرِ لِجَوَازِ كَوْنِهِ تَعْلِيلًا مُسْتَأْنَفًا كَمَا فِي قَوْلِكَ عَلِّمْ ابْنَكَ الْعِلْمَ إنَّ الْعِلْمَ نَافِعُهُ قَالَ تَعَالَى {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} [التوبة: 103] وَهَذَا مُقَرَّرٌ فِي مَسَالِكِ الْعِلَّةِ مِنْ عِلْمِ الْأُصُولِ لَكِنْ لَمَّا جَازَ فِيهِ كُلٌّ مِنْهُمَا يُحْمَلُ عَلَى الْأَوَّلِ لِأَوْلَوِيَّتِهِ وَلِأَكْثَرِيَّتِهِ بِخِلَافِ الْفَتْحِ، لَيْسَ فِيهِ سِوَى أَنَّهُ تَعْلِيلٌ. (قَوْلُهُ وَزِدْ فِيهَا وَلَا تَنْقُصْ) أَيْ فِي التَّلْبِيَةِ وَلَا تَنْقُصْ مِنْهَا، وَالزِّيَادَةُ مِثْلُ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ بِيَدَيْكَ وَالرَّغْبَاءُ إلَيْكَ وَالْعَمَلُ لَبَّيْكَ إلَهَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ نَاوِيًا بِالتَّلْبِيَةِ الْحَجَّ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَشَارَ إلَى أَنَّ قَوْلَهُ فِي الْمَتْنِ تَنْوِي بِهَا لَيْسَ بِإِضْمَارٍ قَبْلَ الذِّكْرِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَبِّ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ ذَكَرَهُ الْعَيْنِيُّ (قَوْلُهُ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ إلَخْ) أَيْ قَبْلَ قَوْلِهِ وَلَبِّ وَلِهَذَا قَالَ وَلَبِّ بَعْدَ وَتَقَبَّلْهُ مِنِّي. (قَوْلُهُ بَيَانٌ لِلْأَكْمَلِ إلَخْ) قَالَ فِي لُبَابِ الْمَنَاسِكِ وَتَعْيِينُ النُّسُكِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فَصَحَّ مُبْهَمًا وَبِمَا أَحْرَمَ بِهِ الْغَيْرُ، ثُمَّ قَالَ فِي مَحَلٍّ آخَرَ وَلَوْ أَحْرَمَ بِمَا أَحْرَمَ بِهِ غَيْرُهُ فَهُوَ مُبْهَمٌ فَيَلْزَمُهُ حِجَّةٌ أَوْ عُمْرَةٌ وَقَيَّدَهُ شَارِحُهُ بِمَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِمَا أَحْرَمَ بِهِ غَيْرُهُ. (قَوْلُهُ وَإِلَّا فَيَصِحُّ الْحَجُّ بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ) أَيْ وَعَلَيْهِ التَّعْيِينُ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْأَفْعَالِ وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ الْحَجُّ بَلْ هُوَ عُمْرَةٌ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ لَاحِقِهِ. (قَوْلُهُ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ وَلَوْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَلَمْ يَنْوِ فَرْضًا وَلَا تَطَوُّعًا فَهُوَ فَرْضٌ أَيْ فَيَقَعُ عَنْ حِجَّةِ الْإِسْلَامِ اسْتِحْسَانًا بِالِاتِّفَاقِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ يَقَعُ نَفْلًا وَلَوْ نَوَى الْحَجَّ عَنْ الْغَيْرِ أَوْ النَّذْرَ أَوْ النَّفَلَ كَانَ عَمَّا نَوَى وَإِنْ لَمْ يَحُجَّ لِلْفَرْضِ أَيْ لِحِجَّةِ الْإِسْلَامِ كَذَا ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمُعْتَمَدُ الْمَنْقُولُ الصَّرِيحُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ مِنْ أَنَّهُ لَا يَتَأَدَّى الْفَرْضُ بِنِيَّةِ النَّفْلِ فِي هَذَا الْبَابِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَقَعُ عَنْ حِجَّةِ الْإِسْلَامِ، وَلَوْ نَوَى لِلْمَنْذُورِ وَالنَّفَلِ مَعًا قِيلَ هُوَ نَفْلٌ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَقِيلَ نَذْرٌ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَأَحْوَطُ وَالثَّانِي أَوْسَعُ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ لَوْ نَوَى فَرْضًا وَنَفْلًا فَهُوَ فَرْضٌ اهـ. مَتْنًا وَشَرْحًا مُلَخَّصًا وَفِي مَتْنِهِ أَحْرَمَ بِشَيْءٍ ثُمَّ نَسِيَهُ لَزِمَهُ حَجٌّ وَعُمْرَةٌ يُقَدِّمُ أَفْعَالَهَا عَلَيْهِ وَلَا يَلْزَمُهُ هَدْيُ الْقِرَانِ. (قَوْلُهُ فَالْأَوَّلُ لِلثَّانِي) أَيْ عَدَمُ تَأَدِّيهَا بِنِيَّةِ النَّفْلِ لِشُبْهَةِ الظَّرْفِيَّةِ كَالصَّلَاةِ وَالثَّانِي لِلْأَوَّلِ أَيْ وَتَأَدِّيهَا بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ لِشُبْهَةِ الْمِعْيَارِيَّةِ كَالصَّوْمِ (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَزِدْ فِيهَا) أَيْ زِدْ عَلَى هَذِهِ الْأَلْفَاظِ مَا شِئْت كَذَا فِي الشَّرْحِ قَالَ فِي النَّهْرِ فَالظَّرْفُ بِمَعْنَى عَلَى؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ إنَّمَا تَكُونُ بَعْدَ الْإِتْيَانِ بِهَا لَا فِي خِلَالِهَا كَمَا فِي السِّرَاجِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 346 الْخَلْقِ غَفَّارَ الذُّنُوبِ لَبَّيْكَ ذَا النِّعْمَةِ وَالْفَضْلِ الْحَسَنِ لَبَّيْكَ عَدَدَ التُّرَابِ لَبَّيْكَ إنَّ الْعَيْشَ عَيْشُ الْآخِرَةِ كَمَا وَرَدَ ذَلِكَ عَنْ عِدَّةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَصَرَّحَ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي بِأَنَّ الزِّيَادَةَ حَسَنَةٌ كَالتَّكْرَارِ، وَصَرَّحَ الْحَلَبِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ بِاسْتِحْبَابِهَا عِنْدَنَا، وَأَمَّا النَّقْصُ فَقَالَ الْمُصَنِّفُ إنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ إنَّهُ مَكْرُوهٌ اتِّفَاقًا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا كَرَاهَةٌ تَنْزِيهِيَّةٌ لِمَا أَنَّ التَّلْبِيَةَ إنَّمَا هِيَ سُنَّةٌ فَإِنَّ الشَّرْطَ إنَّمَا هُوَ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى فَارِسِيًّا كَانَ أَوْ عَرَبِيًّا هُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ أَصْحَابِنَا، وَخُصُوصُ التَّلْبِيَةِ سُنَّةٌ فَإِذَا تَرَكَهَا أَصْلًا ارْتَكَبَ كَرَاهَةً تَنْزِيهِيَّةً فَإِذَا نَقَصَ عَنْهَا فَكَذَلِكَ بِالْأَوْلَى فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ لَا يَجُوزُ فِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ وَقَوْلُ مَنْ قَالَ إنَّ التَّلْبِيَةَ شَرْطٌ مُرَادُهُ ذِكْرٌ يُقْصَدُ بِهِ التَّعْظِيمُ لَا خُصُوصُهَا، قَيَّدْنَا بِالزِّيَادَةِ فِي التَّلْبِيَةِ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الْأَذَانِ غَيْرُ مَشْرُوعَةٍ؛ لِأَنَّهُ لِلْإِعْلَامِ وَلَا يَحْصُلُ بِغَيْرِ الْمُتَعَارَفِ وَفِي التَّشَهُّدِ فِي الصَّلَاةِ إنْ كَانَ الْأَوَّلَ فَلَيْسَتْ بِمَشْرُوعَةٍ كَتَكْرَارِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي وَسَطِ الصَّلَاةِ فَيُقْتَصَرُ فِيهِ عَلَى الْوَارِدِ، وَإِنْ كَانَ الْأَخِيرَ فَهِيَ مَشْرُوعَةٌ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الذِّكْرِ وَالثَّنَاءِ. (قَوْلُهُ فَإِذَا لَبَّيْتَ نَاوِيًا فَقَدْ أَحْرَمْت) أَفَادَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُحْرِمًا إلَّا بِهِمَا فَإِذَا أَتَى بِهِمَا فَقَدْ دَخَلَ فِي حُرُمَاتٍ مَخْصُوصَةٍ فَهُمَا عَيْنُ الْإِحْرَامِ شَرْعًا، وَذَكَرَ حُسَامُ الدِّينِ الشَّهِيدُ أَنَّهُ يَصِيرُ شَارِعًا بِالنِّيَّةِ لَكِنْ عِنْدَ التَّلْبِيَةِ لَا بِالتَّلْبِيَةِ كَمَا يَصِيرُ شَارِعًا فِي الصَّلَاةِ بِالنِّيَّةِ لَكِنْ عِنْدَ التَّكْبِيرِ لَا بِالتَّكْبِيرِ وَلَا يَصِيرُ شَارِعًا بِالنِّيَّةِ وَحْدَهَا قِيَاسًا عَلَى الصَّلَاةِ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ النِّيَّةَ تَكْفِي قِيَاسًا عَلَى الصَّوْمِ بِجَامِعِ أَنَّهُمَا عِبَادَةُ كَفٍّ عَنْ الْمَحْظُورَاتِ وَقِيَاسُنَا أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ الْتِزَامُ أَفْعَالٍ كَالصَّلَاةِ لَا مُجَرَّدُ كَفٍّ بَلْ الْتِزَامُ الْكَفِّ شَرْطٌ فَكَانَ بِالصَّلَاةِ أَشْبَهَ، وَالْمُرَادُ بِالتَّلْبِيَةِ شَرْطٌ مِنْ خُصُوصِيَّاتِ النُّسُكِ سَوَاءٌ كَانَ تَلْبِيَةً أَوْ ذِكْرًا يُقْصَدُ بِهِ التَّعْظِيمُ أَوْ سَوْقُ الْهَدْيِ أَوْ تَقْلِيدُ الْبُدْنِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُسْتَصْفَى، وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَنَّهُ لَوْ سَاقَ هَدْيًا قَاصِدًا إلَى مَكَّة صَارَ مُحْرِمًا بِالسَّوْقِ نَوَى الْإِحْرَامَ أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ ` تَعَالَى ثُمَّ إذَا أَحْرَمَ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَقِبَ إحْرَامِهِ سِرًّا وَهَكَذَا يَفْعَلُ عَقِبَ التَّلْبِيَةِ وَدَعَا بِمَا شَاءَ مِنْ الْأَدْعِيَةِ وَإِنْ تَبَرَّكَ بِالْمَأْثُورِ فَهُوَ حَسَنٌ. (قَوْلُهُ فَاتَّقِ الرَّفَثَ وَالْفُسُوقَ وَالْجِدَالَ) لِلْآيَةِ الْكَرِيمَةِ {فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 197] وَهَذَا نَهْيٌ بِصِيغَةِ النَّفْيِ وَهُوَ آكَدُ مَا يَكُونُ مِنْ النَّهْيِ كَأَنَّهُ قِيلَ فَلَا يَكُونَنَّ رَفَثٌ وَلَا فُسُوقٌ وَلَا جِدَالٌ فِي الْحَجِّ وَهَذَا لِأَنَّهُ لَوْ بَقِيَ إخْبَارًا لَتَطَرَّقَ الْخُلْفُ فِي كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى لِصُدُورِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مِنْ الْبَعْضِ فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالنَّفْيِ وُجُوبَ انْتِفَائِهَا، وَأَنَّهَا حَقِيقَةٌ بِأَنْ لَا تَكُونَ كَذَا فِي الْكَافِي وَالرَّفَثُ الْجِمَاعُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة: 187] وَقِيلَ الْكَلَامُ الْفَاحِشُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ دَوَاعِيهِ فَيَحْرُمُ كَالْجِمَاعِ إلَّا أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ إنَّمَا يَكُونُ الْكَلَامُ الْفَاحِشُ رَفَثًا بِحَضْرَةِ النِّسَاءِ حَتَّى رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ يَنْشُدُ فِي إحْرَامِهِ: وَهُنَّ يَمْشِينَ بِنَا هَمِيسًا ... إنْ يَصْدُقُ الطَّيْرُ نَنِكْ لَمِيسًا فَقِيلَ لَهُ أَتَرْفُثُ وَأَنْتَ مُحْرِمٌ فَقَالَ إنَّمَا الرَّفَثُ بِحَضْرَةِ النِّسَاءِ، وَالضَّمِيرُ فِي هُنَّ لِلْإِبِلِ وَالْهَمِيسُ صَوْتُ نَقْلِ إخْفَافِهَا، وَقِيلَ الْمَشْيُ الْخَفِيُّ وَلَمِيسٌ اسْمُ جَارِيَةٍ وَالْمَعْنَى نَفْعَلُ بِهَا مَا نُرِيدُ إنْ صَدَقَ الْفَالُ، وَالْفُسُوقُ الْمَعَاصِي وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فِي الْإِحْرَامِ وَغَيْرِهِ إلَّا أَنَّهُ فِي الْإِحْرَامِ أَشَدُّ كَلُبْسِ الْحَرِيرِ فِي الصَّلَاةِ وَالتَّطْرِيبِ فِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ. وَالْجِدَالُ الْخُصُومَةُ مَعَ الرُّفَقَاءِ وَالْخَدَمِ وَالْمَكَّارِينَ وَمَنْ ذَكَرَ مِنْ الشَّارِحِينَ أَنَّ الْمُرَادَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ فَإِذَا نَقَصَ عَنْهَا فَكَذَلِكَ بِالْأَوْلَى) قَالَ فِي النَّهْرِ فِيهِ نَظَرٌ فَفِي الْفَتْحِ التَّلْبِيَةُ مَرَّةً شَرْطٌ وَالزِّيَادَةُ سُنَّةٌ قَالَ فِي الْمُحِيطِ حَتَّى لَا يَلْزَمَهُ الْإِسَاءَةُ بِتَرْكِهَا، ثُمَّ قَالَ إنَّ رَفْعَ الصَّوْتِ بِهَا سُنَّةٌ فَإِنْ تَرَكَهُ كَانَ مُسِيئًا اهـ. فَالنَّقْصُ بِالْإِسَاءَةِ أَوْلَى اهـ لَكِنْ فِي الْفَتْحِ أَيْضًا، وَيُسْتَحَبُّ فِي التَّلْبِيَةِ كُلِّهَا رَفْعُ الصَّوْتِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَبْلُغَ الْجَهْدَ فِي ذَلِكَ كَيْ لَا يَضْعُفَ، وَقَدْ نَقَلَهُ الْمُؤَلِّفُ عَنْ الْحَلَبِيِّ وَقَدْ يُنَازَعُ فِي دَعْوَى الْأَوْلَوِيَّةِ عَلَى أَنَّهُ قَدْ ذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ فِيمَا سَبَقَ أَنَّ الْإِسَاءَةَ دُونَ الْكَرَاهَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ أَفَادَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُحْرِمًا إلَّا بِهِمَا) قَالَ فِي النَّهْرِ ثُمَّ إنَّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ لَا يُسْتَفَادُ مِنْهَا إلَّا أَنَّهُ يَصِيرُ مُحْرِمًا عِنْدَ النِّيَّةِ وَالتَّلْبِيَةِ، أَمَّا أَنَّ الْإِحْرَامَ بِهِمَا أَوْ بِأَحَدِهِمَا بِشَرْطِ ذِكْرِ الْآخَرِ فَلَا وَذَكَرَ الشَّهِيدُ أَنَّهُ يَصِيرُ شَارِعًا بِالنِّيَّةِ لَكِنْ عِنْدَ التَّلْبِيَةِ لَا بِهَا كَشُرُوعِهِ فِي الصَّلَاةِ لَكِنْ عِنْدَ التَّكْبِيرِ لَا بِهِ كَذَا فِي الْفَتْحِ تَبَعًا لِلشَّارِحِ وَبِهِ انْدَفَعَ مَا قَدْ يُتَوَهَّمُ مِنْ ظَاهِرِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يَصِيرُ شَارِعًا بِالتَّلْبِيَةِ بِشَرْطِ النِّيَّةِ مَعَ أَنَّ الْمَحْكِيَّ عَنْ الشَّهِيدِ عَكْسُهُ كَمَا مَرَّ، وَمِنْ ثَمَّ غَيَّرَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ الْعِبَارَةَ فَقَالَ إذَا نَوَى مُلَبِّيًا فَقَدْ أَحْرَمَ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي انْعِقَادِ الْإِحْرَامِ هُوَ النِّيَّةُ، وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْمُفَادُ إنَّمَا هُوَ صَيْرُورَتُهُ مُحْرِمًا عِنْدَهُمَا فَالْعِبَارَتَانِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٌ. (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَاتَّقِ الرَّفَثَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ الْفَاءُ فَصِيحَةٌ أَيْ إذَا أَحْرَمْتَ فَاتَّقِ وَاعْلَمْ أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ مَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ حَجَّ فَلَمْ يُرْفَثْ وَلَمْ يَفْسُقْ خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» أَنَّ ذَلِكَ مِنْ ابْتِدَاءِ الْإِحْرَامِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى حَاجًّا قَبْلَهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 347 بِهِ مُجَادَلَةُ الْمُشْرِكِينَ بِتَقْدِيمِ وَقْتِ الْحَجِّ وَتَأْخِيرِهِ أَوْ التَّفَاخُرِ بِذِكْرِ آبَائِهِمْ حَتَّى أَفْضَى ذَلِكَ إلَى الْقِتَالِ فَإِنَّهُ يُنَاسِبُ تَفْسِيرَ الْجِدَالِ فِي الْآيَةِ لَا الْجِدَالِ فِي كَلَامِ الْفُقَهَاءِ فَلِهَذَا اقْتَصَرْنَا عَلَى الْأَوَّلِ وَفِي الْمُحِيطِ إذَا رَفَثَ يَفْسُدُ حَجُّهُ وَإِذَا فَسَقَ أَوْ جَادَلَ لَا؛ لِأَنَّ الْجِمَاعَ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ اهـ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِمَا قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَإِلَّا فَلَا فَسَادَ فِي الْكُلِّ. (قَوْلُهُ وَقَتْلُ الصَّيْدِ وَالْإِشَارَةُ إلَيْهِ وَالدَّلَالَةُ عَلَيْهِ) أَيْ فَاتَّقِ إذَا أَحْرَمْت التَّعَرُّضَ لِصَيْدِ الْبَرِّ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُسْتَصْفَى: أُرِيدَ بِالصَّيْدِ هَاهُنَا الْمَصِيدُ إذْ لَوْ أُرِيدَ بِهِ الْمَصْدَرُ وَهُوَ الِاصْطِيَادُ لَمَا صَحَّ إسْنَادُ الْقَتْلِ إلَيْهِ وَحُرْمَةُ قَتْلِهِ ثَابِتَةٌ بِالْقُرْآنِ وَحُرْمَةُ الْإِشَارَةِ وَالدَّلَالَةِ بِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ كَمَا سَيَأْتِي، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْإِشَارَةِ وَالدَّلَالَةِ أَنَّ الْإِشَارَةَ تَقْتَضِي الْحَضْرَةَ وَالدَّلَالَةَ تَقْتَضِي الْغَيْبَةَ. (قَوْلُهُ وَلُبْسُ الْقَمِيصِ وَالسَّرَاوِيلِ وَالْعِمَامَةِ وَالْقَلَنْسُوَةِ وَالْقَبَاءِ وَالْخُفَّيْنِ إلَّا أَنْ لَا تَجِدَ النَّعْلَيْنِ فَاقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ وَالثَّوْبِ الْمَصْبُوغِ بِوَرْسٍ أَوْ زَعْفَرَانٍ أَوْ عُصْفُرٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ غَسِيلًا لَا يُنْفَضُ) كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ الصَّحِيحَيْنِ وَالسَّرَاوِيلُ أَعْجَمِيَّةٌ وَالْجَمْعُ سَرَاوِيلَاتٌ مُنْصَرِفٌ فِي أَحَدِ اسْتِعْمَالَيْهِ، وَيُؤَنَّثُ وَالْقَبَاءُ بِالْمَدِّ عَلَى وَزْنِ فَعَالٍ بِالْفَتْحِ، وَالْوَرْسُ صِبْغٌ أَصْفَرُ يُؤْتَى بِهِ مِنْ الْيَمَنِ وَاخْتُلِفَ فِي قَوْلِهِمْ لَا يُنْفَضُ فَقِيلَ لَا يَفُوحُ، وَقِيلَ لَا يَتَنَاثَرُ وَالثَّانِي غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلطِّيبِ لَا لِلتَّنَاثُرِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ ثَوْبًا مَصْبُوغًا لَهُ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ وَلَا يَتَنَاثَرُ مِنْهُ شَيْءٌ فَإِنَّ الْمُحْرِمَ يُمْنَعُ مِنْهُ كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى، وَالْمُرَادُ بِلُبْسِ الْقَبَاءِ أَنْ يُدْخِلَ مَنْكِبَيْهِ وَيَدَيْهِ فِي كُمَّيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُدْخِلْ يَدَيْهِ فِي كُمَّيْهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَالْكَعْبُ هُنَا الْمَفْصِلُ الَّذِي فِي وَسَطِ الْقَدَمِ عِنْدَ مَعْقِدِ الشِّرَاكِ فِيمَا رَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ بِخِلَافِهِ فِي الْوُضُوءِ فَإِنَّهُ الْعَظْمُ النَّاتِئُ أَيْ الْمُرْتَفِعُ وَلَمْ يُعَيَّنْ فِي الْحَدِيثِ أَحَدُهُمَا لَكِنْ لَمَّا كَانَ الْكَعْبُ يُطْلَقُ عَلَيْهِ وَعَلَى الثَّانِي حَمَلَهُ عَلَيْهِ احْتِيَاطًا، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَيْ حَمَلَ الْكَعْبَ فِي الْإِحْرَامِ عَلَى الْمَفْصِلِ الْمَذْكُورِ لِأَجْلِ الِاحْتِيَاطِ؛ لِأَنَّ الْأَحْوَطَ فِيمَا كَانَ أَكْثَرَ كَشْفًا وَهُوَ قَيِّمًا قُلْنَا فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَجُوزُ لُبْسُ كُلِّ شَيْءٍ فِي رِجْلِهِ لَا يُغَطِّي الْكَعْبَ الَّذِي فِي وَسَطِ الْقَدَمِ سَرْمُوزِه كَانَ أَوْ مَدَاسًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، وَيَدْخُلُ فِي لُبْسِ الْقَمِيصِ لُبْسُ الزَّرْدَةِ وَالْبُرْنُسِ، وَخَرَجَ بِاللُّبْسِ الِارْتِدَاءُ بِالْقَمِيصِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِلُبْسٍ وَذَكَر الْحَلَبِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ أَنَّ ضَابِطَهُ لُبْسِ كُلِّ شَيْءٍ مَعْمُولٌ عَلَى قَدْرِ الْبَدَنِ أَوْ بَعْضِهِ بِحَيْثُ يُحِيطُ بِهِ بِخِيَاطَةٍ أَوْ تَلْزِيقِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ أَوْ غَيْرِهِمَا، وَيَسْتَمْسِكُ عَلَيْهِ بِنَفْسِ لُبْسِ مِثْلِهِ إلَّا الْمُكَعَّبَ، وَيَدْخُلُ   [منحة الخالق] [قَتْلُ الصَّيْدِ وَالْإِشَارَةُ إلَيْهِ وَالدَّلَالَةُ عَلَيْهِ لِلْمُحْرِمِ] (قَوْلُهُ بِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ) وَهُوَ مَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ حِينَ سَأَلُوهُ عَنْ لَحْمِ حِمَارِ وَحْشٍ اصْطَادَهُ أَبُو قَتَادَةَ هَلْ مِنْكُمْ مَنْ أَمَرَهُ أَوْ أَشَارَ إلَيْهِ قَالُوا لَا قَالَ فَكُلُوا مَا بَقِيَ مِنْ لَحْمِهِ» عَلَّقَ حِلَّهُ عَلَى عَدَمِ الْإِشَارَةِ وَالْأَمْرُ كَذَا فِي التَّبْيِينِ، وَقَدْ أَحَالَ الْمُؤَلِّفُ عَلَى مَا سَيَأْتِي وَمَحِلُّهُ الْجِنَايَاتُ وَلَمْ يَذْكُرْهُ هُنَاكَ بَلْ قَالَ وَلِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ السَّابِقِ ثُمَّ إنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ التَّصْرِيحُ بِالدَّلَالَةِ بَلْ بِالْأَمْرِ وَالْإِشَارَةِ، لَكِنَّ الْحَدِيثَ فِي الْهِدَايَةِ بِلَفْظِ هَلْ أَشَرْتُمْ أَوْ أَعَنْتُمْ أَوْ دَلَلْتُمْ فَقَالَ لَا فَقَالَ إذَنْ فَكُلُوا لَكِنْ قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي التَّخْرِيجِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بِلَفْظِ «هَلْ مِنْكُمْ أَحَدٌ أَمَرَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا أَوْ أَشَارَ إلَيْهَا قَالُوا لَا قَالَ فَكُلُوا مَا بَقِيَ مِنْ لَحْمِهَا» وَلِمُسْلِمٍ وَالنَّسَائِيُّ «هَلْ أَشَرْتُمْ أَوْ أَعَنْتُمْ قَالُوا لَا قَالَ فَكُلُوا» . اهـ. وَسَيَأْتِي فِي الْجِنَايَاتِ أَنَّ الدَّلَالَةَ الْتَحَقَتْ بِالْقَتْلِ اسْتِحْسَانًا، وَسَيَأْتِي إيضَاحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَزَادَ فِي اللُّبَابِ هُنَا وَالْإِعَانَةُ عَلَيْهِ قَالَ شَارِحُهُ أَيْ بِنَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْإِعَانَةِ كَإِعَارَةِ سِكِّينٍ أَوْ مُنَاوَلَةِ رُمْحٍ أَوْ سَوْطٍ اهـ. [لُبْسُ الْقَمِيصِ وَالسَّرَاوِيلِ وَالْعِمَامَةِ وَالْقَلَنْسُوَةِ وَالْقَبَاءِ وَالْخُفَّيْنِ لِلْمُحْرِمِ] (قَوْلُهُ كُلُّ شَيْءٍ مَعْمُولٌ عَلَى قَدْرِ الْبَدَنِ أَوْ بَعْضِهِ) يَدْخُلُ فِيهِ الْقُفَّازَانِ وَهُمَا مَا يُلْبَسُ فِي الْيَدَيْنِ قَالَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ: وَكَذَا أَيْ يَحْرُمُ لُبْسُ الْمُحْرِمِ الْقُفَّازَيْنِ لِمَا نَقَلَ عِزُّ الدِّينِ بْنُ جَمَاعَةَ مِنْ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ لُبْسُ الْقُفَّازَيْنِ فِي يَدَيْهِ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، وَقَالَ الْفَارِسِيُّ وَيَلْبَسُ الْمُحْرِمُ الْقُفَّازَيْنِ وَلَعَلَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى جَوَازِهِ مَعَ الْكَرَاهَةِ فِي حَقِّ الرَّجُلِ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ لَيْسَتْ مَمْنُوعَةً مِنْ لُبْسِهِمَا وَإِنْ كَانَ الْأَوْلَى لَهَا أَنْ لَا تَلْبَسَهُمَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَلَا تَلْبَسُ الْقُفَّازَيْنِ» جَمْعًا بَيْنَ الدَّلَائِلِ كَذَا ذَكَرُوهُ لَكِنْ لَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ مَمْنُوعٌ مِنْ تَغْطِيَةِ يَدَيْهِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ هُوَ نَوْعٌ مِنْ لُبْسِ الْمَخِيطِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ. وَقَالَ السِّنْدِيُّ فِي الْمَنْسَكِ الْكَبِيرِ وَمَا ذَكَرَهُ الْفَارِسِيُّ مِنْ جَوَازِ لُبْسِهِمَا خِلَافُ كَلِمَةِ الْأَصْحَابِ؛ لِأَنَّهُمْ ذَكَرُوا جَوَازَ لُبْسِهِمَا فِيمَا يَخْتَصُّ بِالْمَرْأَةِ. قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: لِأَنَّ لُبْسَ الْقُفَّازَيْنِ لُبْسٌ لَا تَغْطِيَةٌ، وَأَنَّهَا غَيْرُ مَمْنُوعَةٍ عَنْ ذَلِكَ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «وَلَا تَلْبَسُ الْقُفَّازَيْنِ» نَهْيُ نَدْبٍ حَمَلْنَاهُ عَلَيْهِ جَمْعًا بَيْنَ الدَّلَائِلِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ اهـ. وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُ السِّنْدِيِّ فِي مَنْسَكِهِ الْمُتَوَسِّطِ الْمُسَمَّى بِاللُّبَابِ أَنَّهُ يُبَاحُ لَهُ تَغْطِيَةُ يَدَيْهِ أَرَادَ بِهِ تَغْطِيَتَهُمَا بِنَحْوِ مِنْدِيلٍ؛ لِأَنَّ التَّغْطِيَةَ غَيْرُ اللُّبْسِ فَلَا يَدْخُلُ فِيهِ لُبْسُ الْقُفَّازَيْنِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 348 فِي الْخُفَّيْنِ الْجَوْرَبَانِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِمَا إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى النَّعْلَيْنِ فَهَلْ لَهُ أَنْ يَقْطَعَ الْخُفَّيْنِ أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ، وَالظَّاهِرُ مِنْ الْحَدِيثِ وَكَلَامُهُمْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بِمَعْنَى لَا يَحِلُّ لِمَا فِيهِ مِنْ إتْلَافِ مَالِهِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ. (قَوْلُهُ وَسَتْرُ الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ) أَيْ وَاجْتَنِبْ تَغْطِيَتَهُمَا لِحَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ الَّذِي وَقَصَتْهُ نَاقَتُهُ «لَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ وَلَا وَجْهَهُ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا» وَاعْلَمْ أَنَّ أَئِمَّتَنَا اسْتَدَلُّوا بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى حُرْمَةِ تَغْطِيَةِ الْوَجْهِ عَلَى الْمُحْرِمِ الْحَيِّ الْمَفْهُومِ مِنْ التَّعْلِيلِ وَلَمْ يَعْمَلُوا بِمَنْطُوقِهِ فِي حَقِّ الْمَيِّتِ الْمُحْرِمِ فَإِنَّ حُكْمَهُ عِنْدَنَا كَسَائِرِ الْأَمْوَاتِ فِي تَغْطِيَةِ الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ وَالشَّافِعِيَّةُ عَمِلُوا بِهِ فِيمَا إذَا مَاتَ الْمُحْرِمُ وَلَمْ يَعْمَلُوا بِهِ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ، وَأَجَابَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ عَنْ أَئِمَّتِنَا بِأَنَّهُمْ إنَّمَا لَمْ يَعْمَلُوا بِهِ فِي الْمَوْتِ؛ لِأَنَّهُ مُعَارَضٌ بِحَدِيثِ «إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ» وَالْإِحْرَامُ عَمَلٌ فَهُوَ مُنْقَطِعٌ فَيُغَطَّى الْعُضْوَانِ، وَلِهَذَا لَا يَبْنِي الْمَأْمُورُ بِالْحَجِّ عَلَى إحْرَامِ الْمَيِّتِ اتِّفَاقًا، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى انْقِطَاعِهِ بِالْمَوْتِ وَالْأَعْرَابِيُّ مَخْصُوصٌ مِنْ ذَلِكَ بِإِخْبَارِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِبَقَاءِ إحْرَامِهِ وَهُوَ فِي غَيْرِهِ مَفْقُودٌ فَقُلْنَا بِانْقِطَاعِهِ بِالْمَوْتِ، وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تُغَطِّي وَجْهَهَا إجْمَاعًا مَعَ أَنَّهَا عَوْرَةٌ مَسْتُورَةٌ وَفِي كَشْفِهِ فِتْنَةٌ فَلَأَنْ لَا يُغَطِّيَ الرَّجُلُ وَجْهَهُ لِلْإِحْرَامِ أَوْلَى، وَالْمُرَادُ بِسَتْرِ الرَّأْسِ تَغْطِيَتُهَا بِمَا يُغَطَّى بِهِ عَادَةً كَالثَّوْبِ احْتِرَازًا عَنْ شَيْءٍ لَا يُغَطَّى بِهِ عَادَةً كَالْعَدْلِ وَالطَّبَقِ وَالْإِجَّانَةِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ سَتْرِ الْكُلِّ وَالْبَعْضِ وَالْعِصَابَةِ، وَلِهَذَا ذَكَرَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ أَنَّهُ لَا يُغَطِّي فَاهُ وَلَا ذَقَنَهُ وَلَا عَارِضَهُ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى أَنْفِهِ. (قَوْلُهُ وَغُسْلَهُمَا بِالْخِطْمِيِّ) أَيْ وَلْيَجْتَنِبْ غَسْلَ رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ بِالْخِطْمِيِّ وَاللِّحْيَةُ لَمَّا كَانَتْ فِي الْوَجْهِ أَعَادَ الضَّمِيرَ عَلَيْهَا، وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهَا ذِكْرٌ وَوُجُوبُ اجْتِنَابِهِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ لَكِنْ يَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ إذَا لَمْ يَجْتَنِبْهُ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ نَوْعُ طِيبٍ وَعِنْدَهُمَا صَدَقَةٌ لِأَنَّهُ يَقْتُلُ الْهَوَامَّ وَيُلِينُ الشَّعْرَ، وَلَيْسَ بِطِيبٍ وَهَذَا الِاخْتِلَافُ رَاجِعٌ إلَى تَفْسِيرِهِ، وَلَيْسَ بِاخْتِلَافٍ حَقِيقَةً كَالِاخْتِلَافِ فِي الصَّائِبَةِ وَالْإِفْطَارِ بِالْإِقْطَارِ فِي الْإِحْلِيلِ وَالْخِطْمِيُّ بِكَسْرِ الْخَاءِ نَبْتٌ يُغْسَلُ بِهِ الرَّأْسُ وَقَيَّدَ بِالْخِطْمِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ غَسَلَ رَأْسَهُ بِالْحَرَضِ وَالصَّابُونِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِاتِّفَاقِهِمْ (قَوْلُهُ وَمَسَّ الطِّيبِ) أَيْ وَاجْتَنِبْهُ مُطْلَقًا فِي الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْحَاجُّ الشَّعِثُ التَّفِلُ» وَهُوَ بِكَسْرِ الْعَيْنِ مُغَبَّرُ الرَّأْسِ وَالتَّفِلُ بِكَسْرِ الْفَاءِ تَارِكُ الطِّيبِ، وَهُوَ فِي اللُّغَةِ نَقِيضُ الْخُبْثِ وَفِي الشَّرِيعَةِ هُوَ جِسْمٌ لَهُ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ كَالزَّعْفَرَانِ وَالْبَنَفْسَجِ وَالْيَاسَمِينِ وَالْغَالِيَةِ وَالْوَرْدِ وَالْوَرْسِ وَالْعُصْفُرِ وَالْحِنَّاءِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ هُنَا الدُّهْنَ كَمَا فِي الْوَافِي إمَّا أَنَّهُ أَصْلُ الطِّيبِ فَدَخَلَ تَحْتَهُ، وَإِمَّا لِلِاخْتِلَافِ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ الْجِنَايَاتِ. (قَوْلُهُ وَحَلْقَ رَأْسِهِ وَقَصَّ شَعْرِهِ وَظُفْرِهِ) أَيْ وَاجْتَنِبْ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ} [البقرة: 196] وَالْقَصُّ فِي مَعْنَاهُ فَثَبَتَ دَلَالَةً، وَالْمُرَادُ إزَالَةُ الشَّعْرِ كَيْفَمَا كَانَ حَلْقًا وَقَصًّا وَنَتْفًا وَتَنُّورًا وَإِحْرَاقًا مِنْ أَيِّ مَكَان كَانَ مِنْ الرَّأْسِ وَالْبَدَنِ مُبَاشَرَةً أَوْ تَمْكِينًا، لَكِنْ قَالَ الْحَلَبِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ قَلْعُ الشَّعْرِ النَّابِتِ فِي الْعَيْنِ فَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا أَنَّهُ لَا شَيْءَ فِيهِ عِنْدَنَا. [الِاغْتِسَالُ وَدُخُولُ الْحَمَّامِ لِلْمُحْرِمِ] (قَوْلُهُ لَا الِاغْتِسَالُ وَدُخُولُ الْحَمَّامِ) أَيْ لَا يَتَّقِيهِمَا لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اغْتَسَلَ وَهُوَ مُحْرِمٌ» (قَوْلُهُ وَالِاسْتِظْلَالُ بِالْبَيْتِ وَالْمَحْمِلِ) أَيْ لَا يَجْتَنِبُهُ وَالْمَحْمِلُ بِفَتْحِ الْمِيمِ الْأُولَى وَكَسْرِ الثَّانِيَةِ أَوْ عَكْسُهُ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يُصِبْ رَأْسَهُ وَلَا وَجْهَهُ فَلَوْ أَصَابَ أَحَدَهُمَا يُكْرَهُ كَمَا لَوْ حَمَلَ ثِيَابًا عَلَى رَأْسِهِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْجَزَاءُ بِخِلَافِ مَا إذَا حَمَلَ نَحْوَ الطَّبَقِ أَوْ الْإِجَّانَةِ وَالْعَدْلِ الْمَشْغُولِ. (قَوْلُهُ وَشَدَّ الْهِمْيَانِ فِي وَسَطِهِ) أَيْ لَا يَجْتَنِبُهُ وَهُوَ بِالْكَسْرِ مَا يُجْعَلُ فِيهِ الدَّرَاهِمُ، وَيُشَدُّ عَلَى الْحَقْوِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ فِيهِ نَفَقَتُهُ أَوْ نَفَقَةُ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِلُبْسِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ فِي لُبَابِ الْمَنَاسِكِ وَلَوْ وَجَدَ النَّعْلَيْنِ بَعْدَ لُبْسِهِمَا أَيْ لَبِسَ الْخُفَّيْنِ الْمَقْطُوعَيْنِ يَجُوزُ لَهُ الِاسْتِدَامَةُ عَلَى ذَلِكَ، وَيَجُوزُ لُبْسُ الْمَقْطُوعِ مَعَ وُجُودِ النَّعْلَيْنِ اهـ. قَالَ شَارِحُهُ لَكِنَّهُ لَا يُنَافِي الْكَرَاهَةَ الْمُرَتَّبَةَ عَلَى مُخَالَفَةِ السُّنَّةِ، وَقَالَ قَبْلَهُ مَا حَاصِلُهُ حَكَى الطَّبَرِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى النَّعْلَيْنِ لَا يَجُوزُ لَهُ لُبْسُ الْخُفَّيْنِ وَلَوْ قَطَعَهُمَا لَكِنَّ هَذَا خِلَافُ الْمَذْهَبِ، وَلَعَلَّهُ رِوَايَةٌ عَنْهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ لُبْسَهُمَا حِينَئِذٍ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ فَيُكْرَهُ، وَتَحْصُلُ بِهِ الْإِسَاءَةُ وَقَالَ ابْنُ الْهُمَامِ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي جَوَازِهِ وَمُقْتَضَى النَّصِّ أَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ قَيْدَ عَدَمِ وُجْدَانِ النَّعْلَيْنِ لِوُجُوبِ قَطْعِ الْخُفَّيْنِ بِخِلَافِ مَا إذَا وُجِدَا فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ الْقَطْعُ حِينَئِذٍ لِمَا فِيهِ مِنْ إضَاعَةِ الْمَالِ عَبَثًا، وَهُوَ لَا يُنَافِي مَا إذَا قَطَعَهُمَا وَلَبِسَهُمَا مَعَ وُجُودِ النَّعْلَيْنِ اهـ. (قَوْلُهُ وَهُوَ فِي غَيْرِهِ مَفْقُودٌ) أَيْ بَقَاءُ الْإِحْرَامِ مَفْقُودٌ فِي غَيْرِ الْأَعْرَابِيِّ الْمَخْصُوصِ بِتِلْكَ الْخُصُوصِيَّةِ لِعَدَمِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فَقُلْنَا بِانْقِطَاعِهِ بِالْمَوْتِ عَلَى الْأَصْلِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَهُوَ غَيْرُ مَفْقُودٍ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 349 مَخِيطٍ وَلَا فِي مَعْنَاهُ. وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ شَدُّ الْمِنْطَقَةِ وَالسَّيْفِ وَالسِّلَاحِ وَالتَّخَتُّمُ بِالْخَاتَمِ، وَمِمَّا لَا يُكْرَهُ لَهُ أَيْضًا الِاكْتِحَالُ بِغَيْرِ الْمُطَيِّبِ وَأَنْ يَخْتَتِنَ وَيَفْتَصِدَ وَيَقْلَعَ ضِرْسَهُ وَيَجْبُرَ الْكَسْرَ وَيَحْتَجِمَ، وَأَنْ يَحُكَّ رَأْسَهُ وَبَدَنَهُ غَيْرَ أَنَّهُ إنْ خَافَ سُقُوطَ شَيْءٍ مِنْ شَعْرِهِ بِسَبَبِ ذَلِكَ حَكَّهُ بِرِفْقٍ وَإِنْ لَمْ يَخَفْ مِنْ ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ بِالْحَكِّ الشَّدِيدِ. (قَوْلُهُ وَأَكْثِرْ مِنْ التَّلْبِيَةِ مَتَى صَلَّيْتَ أَوْ عَلَوْتَ شَرَفًا أَوْ هَبَطْتَ وَادِيًا أَوْ لَقِيتَ رَكْبًا وَبِالْأَسْحَارِ رَافِعًا صَوْتَكَ) أَيْ أَكْثِرْ مِنْهَا عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْبَابِ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ كَتَكْبِيرِ الصَّلَاةِ عِنْدَ الِانْتِقَالِ أَطْلَقَ الصَّلَاةَ فَشَمِلَ فَرْضَهَا وَوَاجِبَهَا وَنَفْلَهَا، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَخَصَّهَا الطَّحَاوِيُّ بِالْمَكْتُوبَاتِ قِيَاسًا عَلَى تَكْبِيرَاتِ التَّشْرِيقِ كَمَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَعَلَوْتَ شَرَفًا أَيْ صَعِدْت مَكَانًا مُرْتَفِعًا وَقِيلَ بِضَمِّ الشِّينِ جَمْعُ شُرْفَةٍ، وَالرَّكْبُ جَمْعُ رَاكِبٍ كَتَجْرٍ جَمْعِ تَاجِرٍ، وَالسَّحَرُ السُّدُسُ الْأَخِيرُ مِنْ اللَّيْلِ وَصَرَّحَ فِي الْمُحِيطِ بِأَنَّ الزِّيَادَةَ مِنْهَا عَلَى الْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ سُنَّةٌ حَتَّى تَلْزَمَهُ الْإِسَاءَةُ بِتَرْكِهَا. قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فَظَهَرَ أَنَّ التَّلْبِيَةَ فَرْضٌ وَسُنَّةٌ وَمَنْدُوبٌ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُكَرِّرَهَا كُلَّمَا أَخَذَ فِيهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَيَأْتِي بِهَا عَلَى الْوَلَاءِ وَلَا يَقْطَعُهَا بِكَلَامٍ، وَلَوْ رَدَّ السَّلَامَ فِي خِلَالِهَا جَازَ لَكِنْ يُكْرَهُ لِغَيْرِ السَّلَامِ عَلَيْهِ فِي حَالَةِ التَّلْبِيَةِ، وَإِذَا رَأَى شَيْئًا يُعْجِبُهُ قَالَ لَبَّيْكَ إنَّ الْعَيْشَ عَيْشُ الْآخِرَةِ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَقِبَ تَلْبِيَتِهِ سِرًّا، وَيَسْأَلُ اللَّهَ الْجَنَّةَ، وَيَتَعَوَّذُ مِنْ النَّارِ وَرَفْعُ الصَّوْتِ بِهَا سُنَّةٌ إلَّا أَنَّهُ لَا يُجْهِدُ نَفْسَهُ كَمَا يَفْعَلُهُ الْعَوَامُّ. (قَوْلُهُ وَابْدَأْ بِالْمَسْجِدِ بِدُخُولِ مَكَّةَ) الْبَاءُ الْأُولَى بَاءُ التَّعْدِيَةِ وَهُوَ إيصَالُ مَعْنَى مُتَعَلِّقِهَا بِمَدْخُولِهَا، وَالثَّانِيَةُ لِلسَّبَبِيَّةِ وَعِبَارَةُ أَصْلِهِ أَوْلَى وَهِيَ إذَا دَخَلَ مَكَّةَ بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ شَيْءٍ فَعَلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَكَذَا الْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ أَنَّ مِنْ الِاغْتِسَالَاتِ الْمَسْنُونَةِ الِاغْتِسَالَ لِدُخُولِهَا، وَهُوَ لِلنَّظَافَةِ فَيُسْتَحَبُّ لِلْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَلَمْ يُقَيَّدْ دُخُولُ مَكَّةَ بِزَمَنٍ خَاصٍّ فَأَفَادَ أَنَّهُ لَا يَضُرُّهُ لَيْلًا دَخَلَهَا أَوْ نَهَارًا؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - دَخَلَهَا نَهَارًا فِي حِجَّتِهِ وَلَيْلًا فِي عُمْرَتِهِ فَهُمَا سَوَاءٌ فِي عَدَمِ الْكَرَاهَةِ، وَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَنْهَى عَنْ الدُّخُولِ لَيْلًا فَلَيْسَ تَقْرِيرًا لِلسُّنَّةِ بَلْ شَفَقَةً عَلَى الْحَاجِّ مِنْ السُّرَّاقِ، وَأَمَّا الْمُسْتَحَبُّ فَالدُّخُولُ نَهَارًا كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ مِنْ بَابِ الْمُعَلَّا لِيَكُونَ مُسْتَقْبِلًا فِي دُخُولِهِ بَابَ الْبَيْتِ تَعْظِيمًا، وَإِذَا خَرَجَ فَمِنْ السُّفْلَى وَلَا يَخْفَى أَنَّ تَقْدِيمَ الرِّجْلِ الْيُمْنَى   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَمِمَّا لَا يُكْرَهُ لَهُ أَيْضًا إلَخْ) تَكْمِيلٌ لِمُبَاحَاتِ الْإِحْرَامِ وَهِيَ كَثِيرَةٌ ذَكَرَ مِنْهَا فِي اللُّبَابِ نَزْعَ الضِّرْسِ وَالظُّفْرِ الْمَكْسُورِ وَالْفَصْدَ وَالْحِجَامَةَ بِإِزَالَةِ شَعْرٍ وَقَلْعَ الشَّعْرِ النَّابِتِ فِي الْعَيْنِ وَالتَّوْشِيحَ بِالْقَمِيصِ وَالِارْتِدَادَ بِهِ وَالِاتِّزَارَ بِهِ وَبِالسَّرَاوِيلِ وَالتَّحَرُّمَ بِالْعِمَامَةِ أَيْ الِاتِّزَارُ بِهَا مِنْ غَيْرِ عَقْدِهَا وَغَرْزُ طَرَفِ رِدَائِهِ فِي إزَارِهِ، وَإِلْقَاءُ الْقَبَاءِ وَالْعَبَاءِ وَالْفَرْوَةِ عَلَيْهِ بِلَا إدْخَالِ مَنْكِبَيْهِ وَوَضْعُ خَدِّهِ عَلَى وِسَادَةٍ وَوَضْعُ يَدِهِ أَوْ يَدِ غَيْرِهِ عَلَى رَأْسِهِ أَوْ أَنْفِهِ وَتَغْطِيَةُ اللِّحْيَةِ مَا دُونَ الذَّقَنِ وَأُذُنَيْهِ وَقَفَاهُ وَيَدَيْهِ أَيْ بِمِنْدِيلٍ وَنَحْوِهِ بِخِلَافِ لُبْسِ الْقُفَّازَيْنِ وَسَائِرِ بَدَنِهِ سِوَى الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ وَحَمْلُ إجَّانَةٍ أَوْ عَدْلٍ أَوْ جُوَالِقَ عَلَى رَأْسِهِ بِخِلَافِ حَمْلِ الثِّيَابِ، وَأَكْلُ مَا اصْطَادَهُ حَلَالٌ، وَأَكْلُ طَعَامٍ فِيهِ طِيبٌ إنْ مَسَّتْهُ النَّارُ أَوْ تَغَيَّرَ، وَالسَّمْنُ وَالزَّيْتُ وَالشَّيْرَجُ وَكُلُّ دُهْنٍ لَا طِيبَ فِيهِ وَالشَّحْمُ وَدَهْنُ جُرْحٍ أَوْ شِقَاقٍ وَقَطْعُ شَجَرِ الْحِلِّ وَحَشِيشِهِ رَطْبًا وَيَابِسًا وَإِنْشَادُ الشِّعْرِ أَيْ الْمُبَاحُ وَالتَّزَوُّجُ وَالتَّزْوِيجُ وَلَوْ قَبْلَ سَعْيِ الْحَجِّ وَذَبْحُ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالدَّجَاجِ وَالْبَطِّ الْأَهْلِيِّ وَقَتْلُ الْهَوَامِّ وَالْجُلُوسُ فِي دُكَّانِ عَطَّارٍ لَا لِاشْتِمَامِ رَائِحَةٍ اهـ. أَيْ لَا لِقَصْدِ أَنْ يَشُمَّ رَائِحَةً، وَزَادَ فِي الْكَبِيرِ وَضَرْبُ خَادِمِهِ أَيْ إذَا اسْتَحَقَّ «لِضَرْبِ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَبْدَهُ الَّذِي أَضَلَّ النَّاقَةَ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا زَامِلَتُهُ بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَمْنَعْهُ» ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ مَا اشْتَهَرَ أَنَّ مِنْ تَمَامِ الْحَجِّ ضَرْبُ الْجِمَالِ عَلَى إضَافَةِ الْمَصْدَرِ إلَى مَفْعُولِهِ وَإِنْ حَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّهُ مِنْ إضَافَتِهِ إلَى فَاعِلِهِ فَيُفِيدُ كَمَالَ تَحَمُّلِهِ فِي سَبِيلِهِ اهـ. مِنْ شَرْحِ اللُّبَابِ لِمُنْلَا عَلِيٍّ الْقَارِي، وَذَكَرَ فِي كِتَابِهِ الْمُؤَلَّفِ فِي الْأَحَادِيثِ الْمُشْتَهِرَةِ عَلَى الْأَلْسُنِ أَنَّ الثَّانِيَ أَظْهَرُ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ الْجَرَّاحِيُّ عَنْ الْمَقَاصِدِ الْحَسَنَةِ لِلسِّنْجَارِيِّ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ الْأَعْمَشِ، وَأَنَّ ابْنَ حَزْمٍ حَمَلَهُ عَلَى الْفَسَقَةِ مِنْ الْجَمَّالِينَ يَعْنِي إنْ سَاغَ لَهُ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ، وَإِلَّا أَعْلَمَ الْأَمِيرَ أَوْ نَحْوَهُ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَهُوَ مِنْ نَوَادِرِ الْأَعْمَشِ، وَقَالَ صَاحِبُ الْفُرُوعِ مِنْ الْحَنَابِلَةِ وَلَيْسَ مِنْ تَمَامِ الْحَجِّ ضَرْبُ الْجِمَالِ خِلَافًا لِلْأَعْمَشِ ثُمَّ حَكَى حَمْلَ ابْنِ حَزْمٍ السَّابِقَ اهـ. مَا فِي الْمَقَاصِدِ اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا يَخْفَى أَنَّ تَقْدِيمَ الرِّجْلِ الْيُمْنَى سُنَّةٌ إلَخْ) أَيْ فَيُقَدِّمُهَا عِنْدَ دُخُولِهِ الْمَسْجِدَ قَالَ فِي الْفَتْحِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِك اهـ. وَفِي مَنَاسِكِ تِلْمِيذِهِ السِّنْدِيِّ وَشَرْحِهِ لِمُنْلَا عَلِيٍّ وَقَدَّمَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى فِي الدُّخُولِ أَيْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ، وَيَقُولُ أَعُوذُ بِاَللَّهِ الْعَظِيمِ وَبِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ وَسُلْطَانِهِ الْقَدِيمِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ بِسْمِ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِك وَقَدَّمَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى فِي الْخُرُوجِ مِنْهُ قَائِلًا مَا سَبَقَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 350 سُنَّةُ دُخُولِ الْمَسَاجِدِ كُلِّهَا، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ مُلَبِّيًا فِي دُخُولِهِ حَتَّى يَأْتِيَ بَابَ بَنِي شَيْبَةَ فَيَدْخُلَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - دَخَلَ مِنْهُ وَهُوَ الْمُسَمَّى بِبَابِ السَّلَامِ مُتَوَاضِعًا خَاشِعًا مُلَبِّيًا مُلَاحِظًا جَلَالَةَ الْبُقْعَةِ مَعَ التَّلَطُّفِ بِالْمُزَاحِمِ. (قَوْلُهُ وَكَبِّرْ وَهَلِّلْ تِلْقَاءَ الْبَيْتِ) أَيْ مُوَاجِهًا لَهُ لِحَدِيثِ جَابِرٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَبَّرَ ثَلَاثًا وَقَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» ، فَالْمُرَادُ مِنْ التَّكْبِيرِ اللَّهُ أَكْبَرُ أَيْ مِنْ هَذِهِ الْكَعْبَةِ الْمُعَظَّمَةِ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَالْأَوْلَى أَيْ مِنْ كُلِّ مَا سِوَاهُ، وَمِنْ التَّهْلِيلِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الدُّعَاءَ عِنْدَ مُشَاهَدَةِ الْبَيْتِ وَهَكَذَا فِي الْمُتُونِ وَهِيَ غَفْلَةٌ عَمَّا لَا يُغْفَلُ عَنْهُ فَإِنَّ الدُّعَاءَ عِنْدَهَا مُسْتَجَابٌ وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمْ يُعَيِّنْ فِي الْأَصْلِ لِمُشَاهِدِ الْحَجِّ شَيْئًا مِنْ الدَّعَوَاتِ؛ لِأَنَّ التَّوْقِيتَ يَذْهَبُ بِالرِّقَّةِ، وَإِنْ تَبَرَّكَ بِالْمَنْقُولِ مِنْهَا فَحَسَنٌ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ مِنْ فَصْلِ الْقِرَاءَةِ لِلْمُصَلِّي يَنْبَغِي أَنْ يَدْعُوَ فِي الصَّلَاةِ بِدُعَاءٍ مَحْفُوظٍ لَا بِمَا يَحْضُرُهُ؛ لِأَنَّهُ يَخَافُ أَنْ يَجْرِيَ عَلَى لِسَانِهِ مَا يُشْبِهُ كَلَامَ النَّاسِ فَتَفْسُدَ صَلَاتُهُ فَأَمَّا فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَدْعُوَ بِمَا يَحْضُرُهُ، وَلَا يَسْتَظْهِرَ الدُّعَاءَ؛ لِأَنَّ حِفْظَ الدُّعَاءِ يَمْنَعُهُ عَنْ الرِّقَّةِ اهـ. وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْمَنَاقِبِ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ أَوْصَى رَجُلًا يُرِيدُ السَّفَرَ إلَى مَكَّةَ بِأَنْ يَدْعُوَ اللَّهَ عِنْدَ مُشَاهَدَةِ الْبَيْتِ بِاسْتِجَابَةِ دُعَائِهِ فَإِنْ اُسْتُجِيبَتْ هَذِهِ الدَّعْوَةُ صَارَ مُسْتَجَابَ الدَّعْوَةِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَمِنْ أَهَمِّ الْأَدْعِيَةِ طَلَبُ الْجَنَّةِ بِلَا حِسَابٍ وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُنَا مِنْ أَهَمِّ الْأَذْكَارِ كَمَا ذَكَرَهُ الْحَلَبِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ. (قَوْلُهُ ثُمَّ اسْتَقْبَلَ الْحَجَرَ مُكَبِّرًا مُهَلِّلًا مُسْتَلِمًا بِلَا إيذَاءٍ) لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَذَلِكَ وَلِنَهْيِ عُمَرَ عَنْ الْمُزَاحَمَةِ وَلِأَنَّ الِاسْتِلَامَ سُنَّةٌ وَالْكَفَّ عَنْ الْإِيذَاءِ وَاجِبٌ فَالْإِتْيَانُ بِالْوَاجِبِ مُتَعَيِّنٌ، وَالِاسْتِلَامُ أَنْ يَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَيُقَبِّلَهُ لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الثَّابِتِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ وَضَعَ يَدَيْهِ وَقَبَّلَهُمَا أَوْ إحْدَاهُمَا فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ أَمَسَّ الْحَجَرَ شَيْئًا كَالْعُرْجُونِ وَنَحْوِهِ، وَقَبَّلَهُ لِرِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ لِلزَّحْمَةِ اسْتَقْبَلَهُ وَرَفَعَ يَدَيْهِ حِذَاءَ أُذُنَيْهِ، وَجَعَلَ بَاطِنَهُمَا نَحْوَ الْحَجَرِ مُشِيرًا بِهِمَا إلَيْهِ وَظَاهِرَهُمَا نَحْوَ وَجْهِهِ هَكَذَا الْمَأْثُورُ وَإِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى الْحَجَرِ فَعَلَ لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَالْفَارُوقِ بَعْدَهُ وَقَوْلُ الْقِوَامِ الْكَاكِيِّ الْأَوْلَى أَنْ لَا يَسْجُدَ عِنْدَنَا ضَعِيفٌ، وَهَذَا التَّقْبِيلُ الْمَسْنُونُ إنَّمَا يَكُونُ بِوَضْعِ الشَّفَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَصْوِيتٍ كَمَا ذَكَرَهُ الْحَلَبِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ، وَقَدْ أَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا يَبْدَأُ بِالصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ تَحِيَّةَ الْبَيْتِ الطَّوَافُ فَإِنْ كَانَ حَلَالًا فَيَطُوفُ طَوَافَ التَّحِيَّةِ وَإِنْ كَانَ مُحْرِمًا بِالْحَجِّ فَطَوَافُ الْقُدُومِ وَهُوَ أَيْضًا تَحِيَّةٌ إلَّا أَنَّهُ خُصَّ بِهَذِهِ الْإِضَافَةِ، وَإِنْ دَخَلَ فِي يَوْمِ النَّحْرِ بَعْدَ الْوُقُوفِ فَطَوَافُ الْفَرْضِ يُغْنِي كَصَلَاةِ الْفَرْضِ تُغْنِي عَنْ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ أَوْ بِالْعُمْرَةِ فَطَوَافُ   [منحة الخالق] إلَّا أَنَّهُ يَقُولُ هُنَا أَبْوَابَ فَضْلِك بَدَلَ أَبْوَابِ رَحْمَتِك لِحَدِيثٍ وَرَدَ كَذَلِكَ. (قَوْلُهُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الدُّعَاءَ إلَخْ) قَالَ فِي اللُّبَابِ وَشَرْحُهُ وَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْبَيْتِ أَيْ وَلَوْ حَالَ دُعَائِهِ لِعَدَمِ ذِكْرِهِ فِي الْمَشَاهِيرِ مِنْ كُتُبِ الْأَصْحَابِ كَالْقُدُورِيِّ وَالْهِدَايَةِ وَالْكَافِي وَالْبَدَائِعِ بَلْ قَالَ السُّرُوجِيُّ الْمَذْهَبُ تَرْكُهُ، وَبِهِ صَرَّحَ صَاحِبُ اللُّبَابِ وَكَلَامُ الطَّحَاوِيِّ فِي شَرْحِ مَعَانِي الْآثَارِ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ يُكْرَهُ الرَّفْعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَنُقِلَ عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِ الْيَهُودِ وَقِيلَ يَرْفَعُ أَيْ يَدَيْهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْكَرْمَانِيُّ وَسَمَّاهُ الْبَصْرَوِيُّ مُسْتَحَبًّا فَكَأَنَّهُمَا اعْتَمَدَا عَلَى مُطْلَقِ آدَابِ الدُّعَاءِ، وَلَكِنَّ السُّنَّةَ مُتَّبَعَةٌ فِي الْأَحْوَالِ الْمُخْتَلِفَةِ أَمَا تَرَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَعَا فِي الطَّوَافِ وَلَمْ يَرْفَعْ يَدَيْهِ، وَأَمَّا مَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ الْعَوَامّ مِنْ رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي الطَّوَافِ عِنْدَ دُعَاءِ جَمَاعَةٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ الشَّافِعِيَّةِ أَوْ الْحَنَفِيَّةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَلَا حَاجَةَ لَهُ وَلَا عِبْرَةَ بِمَا جَوَّزَهُ ابْنُ حَجَرٍ الْمَكِّيُّ، وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ الْعَلَّامَةَ البرنطوشي كَانَ يَزْجُرُ مَنْ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي الدُّعَاءِ حَالَ الطَّوَافِ اهـ. (قَوْلُهُ وَالِاسْتِلَامُ أَنْ يَضَعَ يَدَيْهِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَعِنْدَ الْفُقَهَاءِ هُوَ أَنْ يَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَيْهِ وَيُقَبِّلَهُ بِفِيهِ بِلَا صَوْتٍ وَفِي الْخَانِيَّةِ ذَكَرَ مَسْحَ الْوَجْهِ بِالْيَدِ مَكَانَ التَّقْبِيلِ لَكِنْ بَعْدَ أَنْ يَرْفَعَ يَدَيْهِ كَمَا فِي الصَّلَاةِ كَذَا فِي الْمُجْتَبَى وَمَنَاسِكِ الْكَرْمَانِيِّ، زَادَ فِي التُّحْفَةِ وَيُرْسِلُهُمَا ثُمَّ يَسْتَلِمُ وَفِي الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهَا الصَّحِيحُ أَنْ يَرْفَعَهُمَا حِذَاءَ مَنْكِبَيْهِ. (قَوْلُهُ وَإِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى الْحَجَرِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَهَلْ يُنْدَبُ السُّجُودُ عَلَيْهِ نَقَلَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الشَّافِعِيُّ عَنْ أَصْحَابِنَا ذَلِكَ وَعَنْ «ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يُقَبِّلُهُ وَيَسْجُدُ عَلَيْهِ، وَقَالَ رَأَيْت عُمَرَ فَعَلَ ذَلِكَ ثُمَّ رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَفْعَلُهُ فَفَعَلْتُهُ» رَوَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَالْحَاكِمُ وَفِي الْمِعْرَاجِ وَعَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يُقَبِّلُهُ وَيَسْجُدُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَقَالَ مَالِكٌ السُّجُودُ عَلَيْهِ بِدْعَةٌ وَعِنْدَنَا الْأَوْلَى أَنْ لَا يَسْجُدَ لِعَدَمِ الرِّوَايَةِ فِي الْمَشَاهِيرِ، وَجَزَمَ فِي الْبَحْرِ بِضَعْفِ مَا فِي الْمِعْرَاجِ وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ صَاحِبُ الدَّارِ أَدْرَى اهـ. أَيْ أَنَّ الْكَاكِيَّ صَاحِبَ الْمِعْرَاجِ أَدْرَى بِالْحُكْمِ عِنْدَنَا مِنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ الشَّافِعِيِّ وَلِذَا نَقَلَهُ فِي الْفَتْحِ وَأَقَرَّهُ أَقُولُ: حَيْثُ صَحَّ الْحَدِيثُ يُتَّبَعُ، وَإِنْ لَمْ يُذْكَرْ ذَلِكَ فِي الْمَشَاهِيرِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ وَهِيَ تَثْبُتُ بِالْحَدِيثِ الضَّعِيفِ فَبِالصَّحِيحِ أَوْلَى، وَلَيْسَتْ الْمَسْأَلَةُ اجْتِهَادِيَّةً حَتَّى يَتَوَقَّفَ فِيهَا عَلَى نَصٍّ مِنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 351 الْعُمْرَةِ، وَلَا يُسَنُّ فِي حَقِّهِ طَوَافُ الْقُدُومِ وَاسْتَثْنَى عُلَمَاؤُنَا مِنْ ذَلِكَ مَا إذَا دَخَلَ فِي وَقْتٍ مُنِعَ النَّاسُ مِنْ الطَّوَافِ أَوْ كَانَ عَلَيْهِ فَائِتَةٌ مَكْتُوبَةٌ أَوْ خَافَ خُرُوجَ الْوَقْتِ لِلْمَكْتُوبَةِ أَوْ الْوِتْرِ أَوْ سُنَّةٍ رَاتِبَةٍ أَوْ فَوْتِ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَكْتُوبَةِ فَإِنَّهُ يُقَدِّمُ الصَّلَاةَ عَلَى الطَّوَافِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ، ثُمَّ يَطُوفُ وَفِي قَوْلِهِ الْحَجَرُ دُونَ أَنْ يَصِفَهُ بِالسَّوَادِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ حِينَ أُخْرِجَ مِنْ الْجَنَّةِ كَانَ أَبْيَضَ مِنْ اللَّبَنِ، وَإِنَّمَا اسْوَدَّ بِمَسِّ الْمُشْرِكِينَ وَالْعُصَاةِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ. (قَوْلُهُ وَطُفْ مُضْطَبِعًا وَرَاءَ الْحَطِيمِ آخِذًا عَنْ يَمِينِك مِمَّا يَلِي الْبَابَ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ) لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَذَلِكَ لِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَهُوَ أَنْ يُدْخِلَ ثَوْبَهُ تَحْتَ يَدِهِ الْيُمْنَى وَيُلْقِيَهُ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ يُقَالُ اضْطَبَعَ بِثَوْبِهِ وَتَأَبَّطَ بِهِ وَقَوْلُهُمْ اضْطَبَعَ رِدَاءَهُ سَهْوٌ، وَإِنَّمَا الصَّوَابُ بِرِدَائِهِ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَهُوَ سُنَّةٌ مَأْخُوذٌ مِنْ الضَّبُعِ وَهُوَ الْعَضُدُ؛ لِأَنَّهُ يَبْقَى مَكْشُوفًا وَيَنْبَغِي أَنْ يَفْعَلَهُ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الطَّوَافِ بِقَلِيلٍ، وَأَمَّا إدْخَالُ الْحَطِيمِ فِي طَوَافِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ؛ لِأَنَّ الْحَطِيمَ ثَبَتَ كَوْنُهُ مِنْ الْبَيْتِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ حَتَّى لَوْ تَرَكَهُ يُؤْمَرُ بِإِعَادَةِ الطَّوَافِ مِنْ الْأَصْلِ أَوْ إعَادَتِهِ عَلَى الْحَطِيمِ مَا دَامَ بِمَكَّةَ، وَلَوْ لَمْ يَعُدْ لَزِمَهُ دَمٌ وَلَوْ اسْتَقْبَلَ الْحَطِيمَ وَحْدَهُ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ فَرْضِيَّةَ التَّوَجُّهِ ثَبَتَتْ بِنَصِّ الْكِتَابِ فَلَا تَتَأَدَّى بِمَا ثَبَتَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ احْتِيَاطًا، وَلَهُ ثَلَاثُ أَسَامٍ حَطِيمٌ وَحَظِيرَةٌ وَحِجْرٌ وَهُوَ اسْمٌ لِمَوْضِعٍ مُتَّصِلٍ بِالْبَيْتِ مِنْ الْجَانِبِ الْغَرْبِيِّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ فُرْجَةٌ وَسُمِّيَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ حُطِّمَ مِنْ الْبَيْتِ أَيْ كُسِرَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ كَالْقَتِيلِ بِمَعْنَى الْمَقْتُولِ؛ أَوْ لِأَنَّ مَنْ دَعَا عَلَى مَنْ ظَلَمَهُ فِيهِ حَطَّمَهُ اللَّهُ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ فَهُوَ بِمَعْنَى فَاعِلٍ كَذَا فِي كَشْفِ الْأَسْرَارِ، وَلَيْسَ كُلُّهُ مِنْ الْبَيْتِ بَلْ مِقْدَارُ سِتَّةِ أَذْرُعٍ مِنْ الْبَيْتِ بِرِوَايَةِ مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّ فِيهِ قَبْرَ هَاجَرَ وَإِسْمَاعِيلَ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ -، وَأَمَّا أَخْذُهُ عَنْ يَمِينِهِ مِمَّا يَلِي الْبَابَ فَهُوَ وَاجِبٌ أَيْضًا حَتَّى لَوْ طَافَ مَنْكُوسًا صَحَّ، وَأَثِمَ لِتَرْكِهِ الْوَاجِبَ وَيَجِبُ إعَادَتُهُ مَا دَامَ بِمَكَّةَ فَإِنْ رَجَعَ قَبْلَ إعَادَتِهِ فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَالْحِكْمَةُ فِي كَوْنِهِ يَجْعَلُ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ أَنَّ الطَّائِفَ بِالْبَيْتِ مُؤْتَمٌّ بِهِ، وَالْوَاحِدُ مَعَ الْإِمَامِ يَكُونُ الْإِمَامُ عَلَى يَسَارِهِ وَقِيلَ لِأَنَّ الْقَلْبَ فِي الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ، وَقِيلَ لِيَكُونَ الْبَابُ فِي أَوَّلِ طَوَافِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا} [البقرة: 189] . وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ مِمَّا يَلِي الْبَابَ أَنَّ الِافْتِتَاحَ مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَاجِبٌ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَتْرُكْهُ قَطُّ، وَقِيلَ شَرْطٌ حَتَّى لَوْ افْتَتَحَ مِنْ غَيْرِهِ لَا يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالطَّوَافِ فِي الْآيَةِ مُجْمَلٌ فِي حَقِّ الِابْتِدَاءِ فَالْتَحَقَ فِعْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَيَانًا لَهُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ هُنَا وَفِي بَابِ الْجِنَايَاتِ ذَكَرَ أَنَّ   [منحة الخالق] الْمُجْتَهِدِ مَا لَمْ يَثْبُتُ عَنْهُ خِلَافُهَا فَيُتَّبَعُ مَا ثَبَتَ عَنْهُ وَلِذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مَشَى فِي اللُّبَابِ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، فَقَالَ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْجُدَ عَلَيْهِ وَيُكَرِّرَهُ مَعَ التَّقْبِيلِ ثَلَاثًا اهـ قَالَ شَارِحُهُ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا نَقَلَهُ الشَّيْخُ رَشِيدُ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ وَكَذَا نَقَلَ السُّجُودَ عَنْ أَصْحَابِنَا الْعِزُّ بْنُ جَمَاعَةَ لَكِنْ نَقَلَ الْكَاكِيُّ إلَخْ. (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَطُفْ مُضْطَبِعًا) قَالَ الْعَلَّامَةُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - السِّنْدِيُّ تِلْمِيذُ ابْنِ الْهُمَامِ فِي مَنَاسِكِهِ الْمُخْتَصَرَةِ وَالْمُنْلَا عَلِيٌّ الْقَارِي فِي شَرْحِهَا: وَيُضْطَبَعُ أَيْ فِي جَمِيعِ الْأَشْوَاطِ إنْ أَرَادَ أَنْ يَسْعَى بَعْدَهُ أَيْ يُقَدِّمُ السَّعْيَ عَقِبَهُ وَإِلَّا لَا أَيْ وَإِنْ لَمْ يُرِدْ أَنْ يَسْعَى بَعْدَ هَذَا الطَّوَافِ، وَأَرَادَ أَنْ يُؤَخِّرَ السَّعْيَ إلَى مَا بَعْدَ الطَّوَافِ الْفَرْضِ فَلَا يَرْمُلُ وَلَا يَضْطَبِعُ حِينَئِذٍ هُنَا بَلْ يُؤَخِّرُهُمَا إلَى طَوَافِ الزِّيَارَةِ فَيَرْمُلُ فِيهِ، وَكَذَا يَضْطَبِعُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَابِسًا اهـ. وَقَالَ الْمُنْلَا عَلِيٌّ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ وَهُوَ شَرْحُ الْمَنْسَكِ الْمُتَوَسِّطِ مِنْ لُبْسِ الْمَخِيطِ لِعُذْرٍ هَلْ يُسَنُّ فِي حَقِّهِ التَّشَبُّهُ بِهِ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ أَصْحَابُنَا، وَذَكَرَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الِاضْطِبَاعَ إنَّمَا يُسَنَّ لِمَنْ لَمْ يَلْبَسْ الْمَخِيطَ، وَأَمَّا مَنْ لَبِسَهُ مِنْ الرِّجَالِ فَيَتَعَذَّرُ فِي حَقِّهِ الْإِتْيَانُ بِالسُّنَّةِ أَيْ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ فَلَا يُنَافِي مَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّهُ قَدْ يُقَالُ يُشْرَعُ لَهُ جَعْلُ وَسَطِ رِدَائِهِ تَحْتَ مَنْكِبِهِ الْأَيْمَنِ وَطَرَفِهِ عَلَى الْأَيْسَرِ وَإِنْ كَانَ الْمَنْكِبُ مَسْتُورًا بِالْمَخِيطِ لِلْعُذْرِ. قَالَ فِي عُمْدَةِ الْمَنَاسِكِ: وَهَذَا لَا يَبْعُدُ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّشَبُّهِ بِالْمُضْطَبِعِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الِاضْطِبَاعِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُخَاطَبٍ فِيمَا يَظْهَرُ قُلْت: الْأَظْهَرُ فِعْلُهُ فَإِنَّ مَا لَا يُدْرَكُ كُلُّهُ لَا يُتْرَكُ كُلُّهُ وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ اهـ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُحْرِمَ إنْ كَانَ مُفْرِدًا بِالْحَجِّ وَقَعَ طَوَافُهُ هَذَا لِلْقُدُومِ وَإِنْ كَانَ مُفْرِدًا بِالْعُمْرَةِ أَوْ مُتَمَتِّعًا أَوْ قَارِنًا وَقَعَ عَنْ طَوَافِ الْعُمْرَةِ نَوَاهُ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ وَعَلَى الْقَارِنِ أَيْ اسْتِحْبَابًا أَنْ يَطُوفَ طَوَافًا آخَرَ لِلْقُدُومِ كَذَا فِي اللُّبَابِ، وَهَذَا الطَّوَافُ لِلْقُدُومِ كَمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ الْآنَ فِي الْمُفْرِدِ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا اضْطِبَاعَ وَلَا رَمَلَ وَلَا سَعْيَ لِأَجْلِ هَذَا الطَّوَافِ، وَإِنَّمَا يَفْعَلُ فِيهِ ذَلِكَ إذَا أَرَادَ تَقْدِيمَ سَعْيِ الْحَجِّ عَلَى وَقْتِهِ الْأَصْلِيِّ الَّذِي هُوَ عَقِيبَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ. اهـ. لُبَابٌ. (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ تَرَكَهُ) أَيْ لَمْ يَطُفْ وَرَاءَ الْحَطِيمِ أَيْ جِدَارَ الْحِجْرِ بَلْ دَخَلَ الْفُرْجَةَ الَّتِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ أَيْ وَخَرَجَ مِنْ الْفُرْجَةِ الْأُخْرَى فَالْوَاجِبُ أَنْ يُعِيدَهُ مِنْ الْحِجْرِ، وَالْأَفْضَلُ إعَادَةُ كُلِّهِ، وَصُورَةُ الْإِعَادَةِ عَلَى الْحِجْرِ أَنْ يَأْخُذَ عَنْ يَمِينِهِ خَارِجَ الْحِجْرِ أَيْ مُبْتَدِئًا مِنْ أَوَّلِ أَجْزَاءِ الْفُرْجَةِ أَوْ قَبْلَهُ بِقَلِيلٍ لِلِاحْتِيَاطِ حَتَّى يَنْتَهِيَ إلَى آخِرِهِ ثُمَّ يَدْخُلَ الْحِجْرَ مِنْ الْفُرْجَةِ وَيَخْرُجَ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ الَّذِي ابْتَدَأَ مِنْ طَرَفِهِ أَوْ لَا يَدْخُلَ الْحِجْرَ بَلْ يَرْجِعَ وَيَبْتَدِئَ مِنْ أَوَّلِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 352 ظَاهِرَ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ سُنَّةٌ، وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ سُنَّةٌ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ حَتَّى لَوْ افْتَتَحَ مِنْ غَيْرِ الْحَجَرِ جَازَ وَيُكْرَهُ، وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الرُّقَيَّاتِ أَنَّهُ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ الْقَدْرُ وَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي الْأَصْلِ فَقَدْ جَعَلَ الْبِدَايَةَ مِنْهُ فَرْضًا اهـ. وَالْأَوْجَهُ الْوُجُوبُ لِلْمُوَاظَبَةِ وَالِافْتِرَاضُ بَعِيدٌ عَنْ الْأُصُولِ لِلُزُومِ الزِّيَادَةِ عَلَى الْقَطْعِيِّ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَلَعَلَّ صَاحِبَ الْمُحِيطِ أَرَادَ بِالسُّنَّةِ السُّنَّةَ الْمُؤَكَّدَةَ الَّتِي بِمَعْنَى الْوَاجِبِ، وَتَكُونُ الْكَرَاهَةُ تَحْرِيمِيَّةً، وَلَمَّا كَانَ الِابْتِدَاءُ مِنْ الْحَجَرِ وَاجِبًا كَانَ الِابْتِدَاءُ مِنْ الطَّوَافِ مِنْ الْجِهَةِ الَّتِي فِيهَا الرُّكْنُ الْيَمَانِي قَرِيبًا مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ مُتَعَيِّنًا لِيَكُونَ مَارًّا بِجَمِيعِ بَدَنِهِ عَلَى جَمِيعِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ، وَكَثِيرٌ مِنْ الْعَوَامّ شَاهَدْنَاهُمْ يَبْتَدِئُونَ الطَّوَافَ وَبَعْضُ الْحَجَرِ خَارِجٌ عَنْ طَوَافِهِمْ فَاحْذَرْهُ، وَقَوْلُهُ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ بَيَانٌ لِلْوَاجِبِ لَا لِلْفَرْضِ فِي الطَّوَافِ فَإِنَّا قَدَّمْنَا أَنَّ أَقَلَّ الْأَشْوَاطِ السَّبْعَةِ وَاجِبَةٌ تُجْبَرُ بِالدَّمِ فَالرُّكْنُ أَكْثَرُ الْأَشْوَاطِ، وَاخْتُلِفَ فِيهِ فَقِيلَ أَرْبَعَةُ أَشْوَاطٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ نَصَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ فِي الْمَبْسُوطِ، وَذَكَرَ الْجُرْجَانِيُّ أَنَّهُ ثَلَاثَةُ أَشْوَاطٍ وَثُلُثَا شَوْطٍ، وَخَالَفَ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ أَهْلَ الْمَذْهَبِ، وَجَزَمَ بِأَنَّ السَّبْعَةَ رُكْنٌ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُ أَقَلُّ مِنْهَا، وَأَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ مَا يُقَامُ فِيهِ الْأَكْثَرُ مَقَامَ الْكُلِّ، وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِيهِ فِي الْجِنَايَاتِ، وَهَذَا التَّقْدِيرُ أَعْنِي السَّبْعَةَ مَانِعٌ لِلنُّقْصَانِ اتِّفَاقًا، وَاخْتَلَفُوا فِي مَنْعِهِ لِلزِّيَادَةِ حَتَّى لَوْ طَافَ ثَامِنًا، وَعَلِمَ أَنَّهُ ثَامِنٌ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَلْزَمُ إتْمَامُ الْأُسْبُوعِ؛ لِأَنَّهُ شَرَعَ فِيهِ مُلْتَزِمًا بِخِلَافِ مَا إذَا ظَنَّ أَنَّهُ سَابِعٌ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ ثَامِنٌ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ؛ لِأَنَّهُ شَرَعَ فِيهِ مُسْقِطًا لَا مُلْتَزِمًا كَالْعِبَادَةِ الْمَظْنُونَةِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ الطَّوَافَ خَالَفَ الْحَجَّ فَإِنَّهُ إذَا شَرَعَ فِيهِ مُسْقِطًا يَلْزَمُهُ إتْمَامُهُ بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الْعِبَادَاتِ، وَالْأَشْوَاطُ جَمْعُ شَوْطٍ وَهُوَ جَرْيٌ مَرَّةً إلَى الْغَايَةِ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَفِي الْخَانِيَّةِ مِنْ الْحَجَرِ إلَى الْحَجَرِ شَوْطٌ، وَاعْلَمْ أَنَّ مَكَانَ الطَّوَافِ دَاخِلُ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى لَوْ طَافَ بِالْبَيْتِ مِنْ وَرَاءَ زَمْزَمَ أَوْ مِنْ وَرَاءِ السَّوَارِي جَازَ وَمِنْ خَارِجِ الْمَسْجِدِ لَا يَجُوزُ وَعَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الطَّوَافُ مُلَاصِقًا لِحَائِطِ الْبَيْتِ فَلَا بُدَّ مِنْ حَدٍّ فَاصِلٍ بَيْنَ الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ فَجَعَلْنَا الْفَاصِلَ حَائِطَ الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ بُقْعَةٍ   [منحة الخالق] الْحَجَرِ وَهُوَ الْأَوْلَى لِئَلَّا يَجْعَلَ الْحَطِيمَ الَّذِي هُوَ مِنْ الْكَعْبَةِ وَهِيَ أَفْضَلُ الْمَسَاجِدِ طَرِيقًا إلَى مَقْصِدِهِ إلَّا إذَا نَوَى دُخُولَ الْبَيْتِ كُلَّ مَرَّةٍ وَطَلَبَ الْبَرَكَةَ فِي كُلِّ كَرَّةٍ ثُمَّ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى مِنْ الْإِعَادَةِ لَا يُعَدُّ عَوْدُهُ شَوْطًا؛ لِأَنَّهُ مَنْكُوسٌ وَهُوَ خِلَافُ الشَّرْطِ أَوْ الْوَاجِبِ فَلَا يَكُونُ مَحْسُوبًا، وَلِهَذَا قَالَ هَكَذَا يَفْعَلُ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَيَقْضِي حَقَّهُ فِيهِ مِنْ رَمَلٍ وَغَيْرِهِ أَيْ مِنْ تَيَامُنٍ وَنَحْوِهِ، وَإِذَا أَعَادَهُ سَقَطَ الْجَزَاءُ وَلَوْ طَافَ عَلَى جِدَارِ الْحِجْرِ قِيلَ وَيَجُوزُ وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا زَادَ عَلَى حَدِّهِ وَهُوَ قَدْرُ سِتَّةِ أَوْ سَبْعَةِ أَذْرُعٍ اهـ. مِنْ اللُّبَابِ وَشَرْحِهِ. (قَوْلُهُ وَالْأَوْجَهُ الْوُجُوبُ) وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمِنْهَاجِ نَقْلًا عَنْ الْوَجِيزِ حَيْثُ قَالَ فِي عَدُّ الْوَاجِبَاتِ وَالْبُدَاءَةُ بِالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَهُوَ الْأَشْبَهُ وَالْأَعْدَلُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُعَوَّلُ شَرْحُ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ لِلُزُومِ الزِّيَادَةِ إلَخْ) أَقُولُ: فِيهِ إنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ إذَا الْتَحَقَ بَيَانًا لِلنَّصِّ الْمُجْمَلِ فَالثَّابِتُ بِهِ يَكُونُ ثَابِتًا بِالنَّصِّ الْمُجْمَلِ لَا بِخَبَرِ الْوَاحِدِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْعَلَّامَةُ الْأَكْمَلُ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى فَرَائِضِ الْوُضُوءِ فَالْأَحْسَنُ فِي الْجَوَابِ مَنْعُ الْإِجْمَالِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالطَّوَافِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ فَرْضِيَّةُ الِابْتِدَاءِ مِنْ مَكَان مَخْصُوصٍ بَلْ هُوَ مُطْلَقٌ يَدُلُّ عَلَى الْإِجْزَاءِ مِنْ أَيِّ مَكَان وَفِعْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَفَادَ الْوُجُوبَ أَوْ السُّنِّيَّةَ فَافْهَمْ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي الْجَوَابِ ثُمَّ رَاجَعْت فَتْحَ الْقَدِيرِ فَرَأَيْتُهُ قَالَ مَا نَصُّهُ: وَلَوْ قِيلَ إنَّهُ وَاجِبٌ لَا يَبْعُدُ؛ لِأَنَّ الْمُوَاظَبَةَ مِنْ غَيْرِ تَرْكِ دَلِيلِهِ فَيَأْثَمُ بِهِ، وَيُجْزِئُ وَلَوْ كَانَ فِي آيَةِ الطَّوَافِ إجْمَالٌ لَكَانَ شَرْطًا كَمَا قَالَ مُحَمَّدٌ لَكِنَّهُ مُنْتَفٍ فِي حَقِّ الِابْتِدَاءِ فَيَكُونَ مُطْلَقُ التَّطَوُّفِ هُوَ الْفَرْضُ وَافْتِتَاحُهُ مِنْ الْحَجَرِ وَاجِبٌ لِلْمُوَاظَبَةِ اهـ. بِحُرُوفِهِ. (قَوْلُهُ وَلَمَّا كَانَ الِابْتِدَاءُ مِنْ الْحَجَرِ وَاجِبًا إلَخْ) أَيْ بِنَاءً عَلَى مَا اسْتَوْجَهَهُ الْمُؤَلِّفُ هَذَا وَمَا فِي اللُّبَابِ مِنْ قَوْلِهِ ثُمَّ يَقِفُ أَيْ بَعْدَ الِاضْطِبَاعِ مُسْتَقْبِلَ الْبَيْتِ بِجَانِبِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ مِمَّا يَلِي الرُّكْنَ الْيَمَانِيَ بِحَيْثُ يَصِيرُ جَمِيعُ الْحَجَرِ عَنْ يَمِينِهِ وَيَكُونُ مَنْكِبُهُ الْأَيْمَنُ عِنْدَ طَرَفِ الْحَجَرِ فَيَنْوِي الطَّوَافَ وَهَذِهِ الْكَيْفِيَّةُ مُسْتَحَبَّةٌ اهـ. فَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الِافْتِتَاحَ مِنْ الْحَجَرِ سُنَّةٌ، وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ وَمَشَى عَلَيْهِ صَاحِبُ اللُّبَابِ، وَقَالَ إنَّهُ الصَّحِيحُ لَكِنَّ مَا ادَّعَاهُ الْمُؤَلِّفُ مِنْ لُزُومِ الْمُرُورِ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ عَلَى الْحَجَرِ غَيْرُ لَازِمٍ فَإِنَّهُ لَوْ وَقَفَ مُسَامِتًا لِلْحَجَرِ حَصَلَ الِابْتِدَاءُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ مَنْ قَامَ مُسَامِتًا بِجَسَدِهِ الْحَجَرَ يَدْخُلُ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ جَانِبِ الرُّكْنِ الْيَمَانِي؛ لِأَنَّ الْحَجَرَ وَرُكْنَهُ لَا يَبْلُغُ عَرْضَ جَسَدِ الْمُسَامِتِ لَهُ كَمَا فِي الشرنبلالية وَمَا ادَّعَى لُزُومَهُ صَرَّحَ فِي اللُّبَابِ بِاسْتِحْبَابِهِ وَكَذَا فِي الْفَتْحِ حَيْثُ قَالَ وَيَنْبَغِي أَنْ يَبْدَأَ بِالطَّوَافِ مِنْ جَانِبِ الْحَجَرِ الَّذِي عَلَى الرُّكْنِ الْيَمَانِي لِيَكُونَ مَارًّا عَلَى جَمِيعِ الْحِجْرِ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ فَيَخْرُجَ مِنْ خِلَافِ مَنْ يَشْتَرِطُ الْمُرُورَ كَذَلِكَ عَلَيْهِ اهـ. (قَوْلُهُ فَالرُّكْنُ أَكْثَرُ الْأَشْوَاطِ) الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا خَاصٌّ بِطَوَافِ الزِّيَارَةِ؛ لِأَنَّهُ رُكْنٌ أَمَّا الْقُدُومُ وَالصَّدْرُ فَلَا لَكِنَّ طَوَافَ الْقُدُومِ سُنَّةٌ وَبِشُرُوعِهِ فِيهِ يَجِبُ إكْمَالُهُ فَيُسَاوِي بَعْدَ الشُّرُوعِ طَوَافَ الصَّدْرِ فَيَصِيرُ الطَّوَافَانِ وَاجِبَيْنِ فَيَكُونُ جَمِيعُ أَشْوَاطِهِمَا وَاجِبَةً، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا سَيَذْكُرُهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 353 وَاحِدَةٍ فَإِذَا طَافَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ فَقَدْ طَافَ بِالْمَسْجِدِ لَا بِالْبَيْتِ؛ لِأَنَّ حِيطَانَ الْمَسْجِدِ تَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَقَدْ عَلِمْت مِمَّا قَدَّمْنَاهُ مِنْ وَاجِبَاتِ الْحَجِّ أَنَّ الطَّهَارَةَ فِيهِ مِنْ الْحَدَثَيْنِ وَاجِبٌ، وَكَذَا سَتْرُ الْعَوْرَةِ فَلَوْ طَافَ مَكْشُوفَ الْعَوْرَةِ قَدْرَ مَا لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ مَعَهُ لَزِمَهُ دَمٌ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَأَمَّا الطَّهَارَةُ مِنْ الْخُبْثِ فَمِنْ السُّنَّةِ لَا يَلْزَمُهُ بِتَرْكِهَا شَيْءٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ لَكِنْ صَرَّحَ فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ بِأَنَّهُ لَوْ طَافَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ فِي ثَوْبٍ كُلُّهُ نَجِسٌ فَهَذَا وَمَا لَوْ طَافَ عُرْيَانًا سَوَاءٌ فَإِنْ كَانَ مِنْ الثَّوْبِ قَدْرُ مَا يُوَارِي عَوْرَتَهُ طَاهِرًا وَالْبَاقِي نَجِسًا جَازَ طَوَافُهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَأَطْلَقَ الطَّوَافَ فَأَفَادَ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ فِي الْأَوْقَاتِ الَّتِي تُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِيهَا؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ لَيْسَ بِصَلَاةٍ حَقِيقَةً، وَلِهَذَا أُبِيحَ الْكَلَامُ فِيهِ كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ، وَلَا تُبْطِلُهُ الْمُحَاذَاةُ، وَقَالُوا لَا بَأْسَ بِأَنْ يُفْتِيَ فِي الطَّوَافِ وَيَشْرَبَ وَيَفْعَلَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ، لَكِنْ يُكْرَهُ إنْشَادُ الشِّعْرِ فِيهِ وَالْحَدِيثُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ وَالْبَيْعُ، وَأَمَّا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فِيهِ فَمُبَاحَةٌ فِي نَفْسِهِ وَلَا يَرْفَعُ بِهَا صَوْتَهُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ، وَالْمَعْرُوفُ فِي الطَّوَافِ إنَّمَا هُوَ مُجَرَّدُ ذِكْرِ اللَّهِ رَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «مَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا وَلَمْ يَتَكَلَّمْ إلَّا بِسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ مُحِيَتْ عَنْهُ عَشْرُ سَيِّئَاتٍ وَكُتِبَتْ لَهُ عَشْرُ حَسَنَاتٍ وَرُفِعَ لَهُ بِهَا عَشْرُ دَرَجَاتٍ» وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ خَرَجَ مِنْ طَوَافِهِ إلَى جِنَازَةٍ أَوْ مَكْتُوبَةٍ أَوْ تَجْدِيدِ وُضُوءٍ ثُمَّ عَادَ بَنَى. (قَوْلُهُ تَرَمَّلَ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ فَقَطْ) بَيَانٌ لِلسُّنَّةِ أَيْ فِي الْأَشْوَاطِ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ دُونَ غَيْرِهَا فَأَفَادَ أَنَّهُ مِنْ الْحَجَرِ إلَى الْحَجَرِ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ الْمَرْوِيِّ فِي الصَّحِيحَيْنِ رَدًّا عَلَى مَا قَالَ إنَّهُ يَنْتَهِي إلَى الرُّكْنِ الْيَمَانِي، وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَصْلَ زَوَالُ الْحُكْمِ عِنْدَ زَوَالِ الْعِلَّةِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ مَلْزُومٌ لِوُجُودِ الْعِلَّةِ، وَوُجُودُ الْمَلْزُومِ بِدُونِ اللَّازِم مُحَالٌ، وَقَوْلُ مَنْ قَالَ إنَّ عِلَّةَ الرَّمَلِ فِي الطَّوَافِ زَالَتْ وَبَقِيَ الْحُكْمُ مَمْنُوعٌ فَإِنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَمَلَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ» تَذْكِيرًا لِنِعْمَةِ الْأَمْنِ بَعْدَ الْخَوْفِ لِيَشْكُرَ عَلَيْهَا فَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ بِذِكْرِ نِعَمِهِ فِي مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِهِ وَمَا أُمِرْنَا بِذِكْرِهَا إلَّا لِنَشْكُرَهَا، وَيَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ الْحُكْمُ بِعِلَلٍ مُتَبَادَلَةٍ فَحِينَ غَلَبَةِ الْمُشْرِكِينَ كَانَتْ عِلَّةُ الرَّمَلِ إيهَامَ الْمُشْرِكِينَ قُوَّةَ الْمُؤْمِنِينَ وَعِنْدَ زَوَالِ ذَلِكَ تَكُونُ عِلَّتُهُ تَذْكِيرَ نِعْمَةِ الْأَمْنِ كَمَا أَنَّ عِلَّةَ الرِّقِّ فِي الْأَصْلِ اسْتِنْكَافُ الْكَافِرِ عَنْ عِبَادَةِ رَبِّهِ، ثُمَّ صَارَ عِلَّتُهُ حُكْمَ الشَّرْعِ بِرِقِّهِ وَإِنْ أَسْلَمَ وَكَالْخَرَاجِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ فِي الِابْتِدَاءِ بِطَرِيقِ الْعُقُوبَةِ، وَلِهَذَا لَا يُبْتَدَأُ بِهِ عَلَى الْمُسْلِمِ ثُمَّ صَارَ عِلَّتُهُ حُكْمَ الشَّرْعِ بِذَلِكَ حَتَّى لَوْ اشْتَرَى الْمُسْلِمُ أَرْضَ خَرَاجٍ لَزِمَهُ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ، كَذَا ذَكَرَهُ الْمُحَقِّقُ أَكْمَلُ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْبَزْدَوِيِّ مِنْ بَحْثِ الْقُدْرَةِ الْمُيَسَّرَةِ وَقَدْ رَدَّ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ فِي بَابِ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ كَوْنَ الْحُكْمِ مَلْزُومًا لِوُجُودِ الْعِلَّةِ فِي الْعِلَلِ الشَّرْعِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْعِلَلَ الشَّرْعِيَّةَ أَمَارَاتٌ عَلَى الْحُكْمِ لَا مُؤَثِّرَاتٌ فَيَجُوزُ بَقَاءُ الْحُكْمِ بَعْدَ زَوَالِ عِلَّتِهِ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي الْعِلَلِ الْعَقْلِيَّةِ. وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ ثُمَّ اُخْرُجْ إلَى الصَّفَا إلَى أَنَّهُ لَا يُرْمَلُ إلَّا فِي طَوَافٍ بَعْدَهُ سَعْيٌ فَلَوْ أَرَادَ تَأْخِيرَ السَّعْيِ إلَى طَوَافِ الزِّيَارَةِ لَا يَرْمُلُ فِي طَوَافِ الْقُدُومِ، وَذَكَرَ الشَّارِحُ مَعْزِيًّا إلَى الْغَايَةِ إذَا كَانَ قَارِنًا   [منحة الخالق] الْمُؤَلِّفُ قَرِيبًا فِي أَشْوَاطِ السَّعْيِ حَيْثُ جَعَلَهَا وَاجِبَةً كُلَّهَا لَكِنْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَ أَكْثَرَ أَشْوَاطِ الصَّدْرِ لَزِمَهُ دَمٌ وَفِي الْأَقَلِّ لِكُلِّ شَوْطٍ صَدَقَةٌ، وَأَمَّا الْقُدُومُ فَلَمْ يُصَرِّحُوا بِمَا يَلْزَمُهُ لَوْ تَرَكَهُ بَعْدَ الشُّرُوعِ، وَبَحَثَ السِّنْدِيُّ فِي مَنْسَكِهِ الْكَبِيرِ فِي أَنَّهُ كَالصَّدْرِ وَنَازَعَهُ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ بِأَنَّ الصَّدْرَ وَاجِبٌ بِأَصْلِهِ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ مَا يَجِبُ بِشُرُوعِهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ بِتَرْكِهِ شَيْءٌ سِوَى التَّوْبَةِ كَصَلَاةِ النَّفْلِ اهـ مُلَخَّصًا، وَهَذَا مَا ظَهَرَ لِي قَبْلَ أَنْ أَرَاهُ وَسَيَأْتِي أَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ التَّرْكُ إلَّا بِالْخُرُوجِ مِنْ مَكَّةَ (قَوْلُهُ وَقَدْ عَلِمْت إلَخْ) قَالَ فِي اللُّبَابِ وَاجِبَاتُ الطَّوَافِ سَبْعَةٌ الْأَوَّلُ الطَّهَارَةُ عَنْ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ وَالْأَصْغَرِ الثَّانِي قِيلَ الطَّهَارَةُ عَنْ النَّجَاسَةِ الْحَقِيقِيَّةِ وَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُ سُنَّةٌ، وَقِيلَ قَدْرُ مَا يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ مِنْ الثَّوْبِ وَاجِبٌ أَيْ طَهَارَتُهُ فَلَوْ طَافَ وَعَلَيْهِ قَدْرُ مَا يُوَارِي الْعَوْرَةَ طَاهِرٌ وَالْبَاقِي نَجِسٌ جَازَ وَإِلَّا فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْعُرْيَانِ. الثَّالِثُ سَتْرُ الْعَوْرَةِ فَلَوْ طَافَ مَكْشُوفَهَا وَجَبَ الدَّمُ وَالْمَانِعُ كَشْفُ رُبْعِ الْعُضْوِ فَمَا زَادَ كَمَا فِي الصَّلَاةِ وَإِنْ انْكَشَفَ أَقَلُّ مِنْ الرُّبْعِ لَا يُمْنَعُ وَيَجْمَعُ الْمُتَفَرِّقَ الرَّابِعَ الْمَشْيُ فِيهِ لِلْقَادِرِ فَلَوْ طَافَ رَاكِبًا أَوْ مَحْمُولًا أَوْ زَاحِفًا بِلَا عُذْرٍ فَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ أَوْ الدَّمُ، وَإِنْ كَانَ بِعُذْرٍ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَطُوفَ زَحْفًا لَزِمَهُ مَاشِيًا. الْخَامِسُ التَّيَامُنُ السَّادِسُ قِيلَ الِابْتِدَاءُ مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ السَّابِعُ الطَّوَافُ وَرَاءَ الْحَطِيمِ اهـ. قَالَ شَارِحُهُ: وَأَمَّا طَهَارَةُ مَكَانِ الطَّوَافِ فَذَكَرَ ابْنُ جَمَاعَةَ عَنْ صَاحِبِ الْغَايَةِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي مَوْضِعِ طَوَافِهِ نَجَاسَةٌ لَا يَبْطُلُ طَوَافُهُ، وَهَذَا يُفِيدُ نَفْيَ الشَّرْطِ وَالْفَرْضِيَّةِ وَاحْتِمَالِ ثُبُوتِ الْوُجُوبِ أَوْ السُّنِّيَّةِ، وَالْأَرْجَحُ عَدَمُ الْوُجُوبِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ. اهـ. قُلْت: وَيُزَادُ ثَامِنٌ وَهُوَ كَوْنُهُ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ (قَوْلُهُ وَالْمَعْرُوفُ فِي الطَّوَافِ إنَّمَا هُوَ مُجَرَّدُ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى) أَشَارَ إلَى أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ الْقِرَاءَةِ كَمَا فِي الْفَتْحِ مِنْ التَّجْنِيسِ، وَقَالَ وَلَمْ نَعْلَمْ خَبَرًا رُوِيَ فِيهِ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فِي الطَّوَافِ أَقُولُ: وَرَأَيْت فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 354 لَمْ يَرْمُلْ فِي طَوَافِ الْقُدُومِ إنْ كَانَ رَمَلَ فِي طَوَافِ الْعُمْرَةِ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ فَقَطْ إلَى أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ الرَّمَلَ فِي الشَّوْطِ الْأَوَّلِ لَا يَرْمُلُ إلَّا فِي الشَّوْطَيْنِ بَعْدَهُ وَبِنِسْيَانِهِ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ لَا يَرْمُلُ فِي الْبَاقِي؛ لِأَنَّ تَرْكَ الرَّمَلِ فِي الْأَرْبَعَةِ سُنَّةٌ فَلَوْ رَمَلَ فِيهَا لَكَانَ تَارِكًا لِلسُّنَّتَيْنِ، وَكَانَ تَرْكُ أَحَدِهِمَا أَسْهَلَ فَإِنْ زَاحَمَهُ النَّاسُ فِي الرَّمَلِ وَقَفَ فَإِذَا وَجَدَ مَسْلَكًا رَمَلَ؛ لِأَنَّهُ لَا بَدَلَ لَهُ فَيَقِفُ حَتَّى يُقِيمَهُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَسْنُونِ بِخِلَافِ اسْتِلَامِ الْحَجَرِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِقْبَالَ بَدَلٌ لَهُ وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَلَوْ رَمَلَ فِي الْكُلِّ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ. اهـ. وَيَنْبَغِي أَنْ يُكْرَهَ تَنْزِيهًا لِمُخَالَفَةِ السُّنَّةِ، وَالرَّمَلُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ أَنْ يَهُزَّ فِي مِشْيَتِهِ الْكَتِفَيْنِ كَالْمُبَارِزِ يَتَبَخْتَرُ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ، وَقِيلَ هُوَ إسْرَاعٌ مَعَ تَقَارُبِ الْخُطَا دُونَ الْوُثُوبِ وَالْعَدْوِ وَهُوَ فِي اللُّغَةِ كَمَا فِي ضِيَاءِ الْحُلُومِ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالْعَيْنِ الْهَرْوَلَةُ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهُوَ بِقُرْبِ الْبَيْتِ أَفْضَلُ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فَهُوَ فِي الْبُعْدِ مِنْ الْبَيْتِ أَفْضَلُ مِنْ الطَّوَافِ بِلَا رَمَلٍ مَعَ الْقُرْبِ مِنْهُ. (قَوْلُهُ وَاسْتَلِمْ الْحَجَرَ كُلَّمَا مَرَرْت بِهِ إنْ اسْتَطَعْت) أَيْ مِنْ غَيْرِ إيذَاءٍ لِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ «- عَلَيْهِ السَّلَامُ - طَافَ عَلَى بَعِيرٍ كُلَّمَا أَتَى فِي الرُّكْنِ أَشَارَ بِشَيْءٍ فِي يَدِهِ وَكَبَّرَ» وَفِي الْمُغْرِبِ اسْتَلَمَ الْحَجَرَ تَنَاوَلَهُ بِيَدِهِ أَوْ بِالْقُبْلَةِ أَوْ مَسَحَهُ بِالْكَفِّ مِنْ السَّلِمَةِ بِفَتْحِ السِّينِ وَكَسْرِ اللَّامِ، وَهِيَ الْحَجَرُ أَفَادَ أَنَّ اسْتِلَامَ الْحَجَرِ بَيْنَ كُلِّ شَوْطَيْنِ سُنَّةٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ والْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوَاهُ أَنَّ الِاسْتِلَامَ فِي الِابْتِدَاءِ وَالِانْتِهَاءِ سُنَّةٌ، وَفِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ أَدَبٌ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ اسْتِلَامَ غَيْرِ الْحَجَرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ الْعِرَاقِيَّ وَالشَّامِيَّ وَأَمَّا الْيَمَانِي فَيُسْتَحَبّ أَنْ يَسْتَلِمهُ وَلَا يُقَبِّلُهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ هُوَ سُنَّةٌ وَتَقْبِيلُهُ مِثْلُ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ، الدَّلَائِلُ تَشْهَدُ لَهُ فَإِنَّ «ابْنَ عُمَرَ قَالَ لَمْ أَرَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمَسُّ مِنْ الْأَرْكَانِ إلَّا الْيَمَانِيَيْنِ» كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «كَانَ يُقَبِّلُ الرُّكْنَ الْيَمَانِيَ، وَيَضَعُ يَدَهُ عَلَيْهِ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَعَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إذَا اسْتَلَمَ الرُّكْنَ الْيَمَانِيَ قَبَّلَهُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ. وَعَنْ «ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ مَا تَرَكْتُ اسْتِلَامَ هَذَيْنِ الرُّكْنَيْنِ الرُّكْنِ الْيَمَانِي وَالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ مُنْذُ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْتَلِمُهُمَا» ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ اسْتِلَامَ الْحَجَرِ وَالرُّكْنِ الْيَمَانِي يَعُمُّ التَّقْبِيلَ فَقَدْ دَلَّ عَلَى سُنِّيَّةِ اسْتِلَامِهِ وَأَظْهَرُ مِنْهُ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا يَدَعُ أَنْ يَسْتَلِمَ الْحَجَرَ وَالرُّكْنَ الْيَمَانِيَ فِي كُلِّ طَوَافِهِ فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي الْمُوَاظَبَةِ الدَّالَّةِ عَلَى السُّنِّيَّةِ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ صَرَّحَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِلَامُ غَيْرِ الرُّكْنَيْنِ وَهُوَ تَسَاهُلٌ، فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّحْرِيمِ، وَإِنَّمَا هُوَ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ التَّنْزِيهِ وَالْحِكْمَةُ فِي عَدَمِ اسْتِلَامِهِمَا أَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ أَرْكَانِ الْبَيْتِ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ بَعْضَ الْحَطِيمِ مِنْ الْبَيْتِ فَيَكُونُ الرُّكْنَانِ إذَنْ وَسَطَ الْبَيْتِ   [منحة الخالق] أَنْ يَقْرَأَ فِي أَيَّامِ الْمَوْسِمِ خَتْمَةً فِي الطَّوَافِ وَفِي شَرْحِ اللُّبَابِ قَدْ يُقَالُ إنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَأَ آيَةَ {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً} [البقرة: 201] الْآيَةَ بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ مُشِيرًا إلَى جَوَازِهِ وَمُشْعِرًا بِأَنَّهُ عَدَلَ عَنْ الْقِرَاءَةِ دَفْعًا لِلْحَرَجِ عَنْ الْأُمَّةِ لِئَلَّا يَتَوَهَّمُوا أَنَّ الْقِرَاءَةَ فِي الطَّوَافِ شَرْطٌ أَوْ وَاجِبٌ كَمَا فِي الصَّلَاة، وَأَمَّا مَا قِيلَ مِنْ أَنَّ قِرَاءَةَ آيَةِ {رَبَّنَا} [البقرة: 201] إنَّمَا كَانَتْ عَلَى قَصْدِ الدُّعَاءِ دُونَ الْقِرَاءَةِ فَهُوَ مَعَ عَدَمِ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْإِرَادَةِ بَعِيدٌ بِحَسَبِ الْعَادَةِ. (قَوْلُهُ فَإِنْ زَاحَمَهُ النَّاسُ فِي الرَّمَلِ وَقَفَ إلَخْ) كَذَا عَبَّرَ فِي الْمَنْسَكِ الْكَبِيرِ لِلسِّنْدِيِّ قَالَ مُنْلَا عَلِيٌّ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ وَهُوَ يُوهِمُ أَنَّهُ يَقِفُ فِي الْأَثْنَاءِ وَهُوَ مُسْتَبْعَدٌ جِدًّا عُرْفًا وَعَادَةً لِمَا فِيهِ مِنْ الْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ وَلِكَوْنِ الْمُوَالَاةِ بَيْنَ الْأَشْوَاطِ، وَأَجْزَاءُ الطَّوَافِ سُنَّةٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا بَلْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إنَّهَا وَاجِبَةٌ فَلَا تُتْرَكُ لِحُصُولِ سُنَّةٍ مُخْتَلَفٍ فِيهَا فَلَوْ حَصَلَ التَّزَاحُمُ فِي الْأَثْنَاءِ يَفْعَلُ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ الرَّمَلِ، وَيَتْرُكُ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إنَّمَا يَقِفُ لِلرَّمَلِ إذَا حَصَلَتْ الزَّحْمَةُ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الطَّوَافِ؛ لِأَنَّ الْمُبَادَرَةَ إلَيْهِ مُسْتَحَبَّةٌ، وَهِيَ لَا تُدَافِعُ الرَّمَلَ الَّذِي هُوَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ أَمَّا إذَا حَصَلَتْ فِي الْأَثْنَاءِ فَلَا يَقِفُ لِئَلَّا تَفُوتَ الْمُوَالَاةُ. (قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ إلَخْ) أَيْ لَوْ كَانَ فِي الْقُرْبِ مِنْ الْبَيْتِ زَحْمَةٌ تَمْنَعُهُ مِنْ الرَّمَلِ فَالطَّوَافُ فِي الْبُعْدِ مِنْ الْبَيْتِ مَعَ الرَّمَلِ أَفْضَلُ. (قَوْلُهُ إنَّ الِاسْتِلَامَ فِي الِابْتِدَاءِ وَالِانْتِهَاءِ سُنَّةٌ) سَقَطَ لَفْظُ وَالِانْتِهَاءُ مِنْ بَعْضِ النُّسَخِ وَالصَّوَابُ إثْبَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ مَوْجُودٌ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَلِيُلَائِمَ قَوْلَهُ وَفِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ هَذَا وَفِي شَرْحِ اللُّبَابِ وَلَا تَنَافِي بَيْنَ الْأَقْوَالِ فَإِنَّ اسْتِلَامَ طَرَفَيْهِ آكَدُ مِمَّا بَيْنَهُمَا وَلَعَلَّ السَّبَبَ أَنَّهُ يَتَفَرَّعُ عَلَى الِاسْتِلَامِ فِيمَا بَيْنَهُمَا نَوْعٌ مِنْ تَرْكِ الْمُوَالَاةِ بِخِلَافِ طَرَفَيْهَا، ثُمَّ هَلْ يَرْفَعُ الْيَدَيْنِ فِي كُلِّ تَكْبِيرٍ يَسْتَقْبِلُ بِهِ فِي مَبْدَأِ كُلِّ شَوْطٍ أَوْ يَخْتَصُّ بِالْأَوَّلِ فَمَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: إلَّا أَنَّ الثَّانِيَ هُوَ الْمُعَوَّلُ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْكَرْمَانِيِّ وَالطَّحَاوِيِّ وَبَعْضِ الْأَحَادِيثِ يُؤَيِّدُ الثَّانِيَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَرْفَعَهُمَا مَرَّةً وَيَتْرُكَهُمَا أُخْرَى فَإِنَّ الْجَمْعَ فِي مَوْضِعِ الْخِلَافِ مَهْمَا أَمْكَنَ أَحْرَى. (قَوْلُهُ وَالدَّلَائِلُ تَشْهَدُ لَهُ) قَيَّدَ بِالدَّلَائِلِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ حَيْثُ الْمَذْهَبِ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ هُوَ الْأَوَّلُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي وَغَيْرِهِمَا. قَالَ الْكَرْمَانِيُّ: وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقَالَ فِي النُّخْبَةِ مَا عَنْ مُحَمَّدٍ ضَعِيفٌ جِدًّا وَفِي الْبَدَائِعِ لَا خِلَافَ فِي أَنَّ تَقْبِيلَهُ لَيْسَ بِسُنَّةٍ وَفِي السِّرَاجِيَّةِ وَلَا يُقَبِّلُهُ فِي أَصَحِّ الْأَقَاوِيلِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَصَحَّ هُوَ الِاكْتِفَاءُ بِالِاسْتِلَامِ وَالْجُمْهُورُ عَلَى عَدَمِ التَّقْبِيلِ، وَالِاتِّفَاقُ عَلَى تَرْكِ السُّجُودِ فَإِذَا عَجَزَ عَنْ اسْتِلَامِهِ فَلَا يُشِيرُ إلَيْهِ إلَّا رِوَايَةً عَنْ مُحَمَّدٍ كَذَا فِي شَرْحِ اللُّبَابِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 355 وَأَنَّ الْأَصْلَ فِي النِّسْبَةِ إلَى الْيَمَنِ وَالشَّامِ يَمَنِيٌّ وَشَامِيٌّ ثُمَّ حَذَفُوا إحْدَى يَائَيْ النِّسْبَةِ، وَعَوَّضُوا مِنْهَا أَلْفًا فَقَالُوا الْيَمَانِي وَالشَّامِيُّ بِالتَّخْفِيفِ، وَبَعْضُهُمْ يُشَدِّدُهُ كَمَا فِي الصِّحَاحِ. (قَوْلُهُ وَاخْتِمْ الطَّوَافَ بِهِ وَبِرَكْعَتَيْنِ فِي الْمَقَامِ أَوْ حَيْثُ تَيَسَّرَ مِنْ الْمَسْجِدِ) ، أَمَّا خَتْمُ الطَّوَافِ بِالِاسْتِلَامِ فَهُوَ سُنَّةٌ لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَذَلِكَ فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ، وَأَمَّا صَلَاةُ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ بَعْدَ كُلِّ أُسْبُوعٍ فَوَاجِبَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ لِمَا ثَبَتَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَمَّا انْتَهَى إلَى مَقَامِ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَرَأَ {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125] » فَنَبَّهَ بِالتِّلَاوَةِ قَبْلَ الصَّلَاةِ عَلَى أَنَّ صَلَاتَهُ هَذِهِ امْتِثَالًا لِهَذَا الْأَمْرِ، وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ إلَّا أَنَّ اسْتِفَادَةَ ذَلِكَ مِنْ التَّنْبِيهِ، وَهُوَ ظَنِّيٌّ فَكَانَ الثَّابِتُ الْوُجُوبَ، وَيَلْزَمُهُ حُكْمُنَا بِمُوَاظَبَتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْ غَيْرِ تَرْكٍ إذْ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ تَرْكُ الْوَاجِبِ، وَيُكْرَهُ وَصْلُ الْأَسَابِيعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَهِيَ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ لِاسْتِلْزَامِهَا تَرْكَ الْوَاجِبِ، وَيَتَفَرَّعُ عَلَى الْكَرَاهَةِ أَنَّهُ لَوْ نَسِيَهُمَا لَمْ يَتَذَكَّرْ إلَّا بَعْدَ أَنْ شَرَعَ فِي طَوَافٍ آخَرَ إنْ كَانَ قَبْلَ إتْمَامِ شَوْطِ رَفْضِهِ وَبَعْدَ إتْمَامِهِ لَا، وَلَوْ طَافَ بِصَبِيٍّ لَا يُصَلِّي رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ عَنْهُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَقَيَّدَ بَعْضُهُمْ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ بِأَنْ يَنْصَرِفَ عَنْ وِتْرٍ، وَالْمُرَادُ بِالْمَقَامِ مَقَامُ إبْرَاهِيمَ وَهِيَ حِجَارَةٌ يَقُومُ عَلَيْهَا عِنْدَ نُزُولِهِ وَرُكُوبِهِ مِنْ الْإِبِلِ حِينَ يَأْتِي إلَى زِيَارَةِ هَاجَرَ وَوَلَدِهَا إسْمَاعِيلَ كَذَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُسْتَصْفَى، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي تَفْسِيرِهِ أَنَّهُ الْحَجَرُ الَّذِي فِيهِ أَثَرُ قَدَمَيْهِ، وَالْمَوْضِعُ الَّذِي كَانَ فِيهِ حِينَ قَامَ عَلَيْهِ وَدَعَا النَّاسَ إلَى الْحَجِّ، وَقِيلَ مَقَامُ إبْرَاهِيمَ الْحَرَمُ كُلُّهُ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ مِنْ الْمَسْجِدِ بَيَانٌ لِلْفَضِيلَةِ وَإِلَّا فَحَيْثُ أَرَادَ وَلَوْ بَعْدَ الرُّجُوعِ إلَى أَهْلِهِ؛ لِأَنَّهَا عَلَى التَّرَاخِي مَا لَمْ يُرِدْ أَنْ يَطُوفَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَأَنَّ الْأَصْلَ فِي النِّسْبَةِ إلَى الْيَمَنِ وَالشَّامِ إلَخْ) الْأَصْوَبُ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْيَمَنِ لِإِيهَامِهِ أَنَّ فِي الشَّامِيِّ نِسْبَةً إلَى الشَّامِ تَغْيِيرًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ التَّغْيِيرُ بِالْحَذْفِ وَالتَّعْوِيضِ فِي النِّسْبَةِ إلَى الْيَمَنِ فَقَطْ وَلِذَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا. قَالَ فِي الصِّحَاحِ الشَّأْمُ بِلَادٌ تُذَكَّرُ وَتُؤَنَّثُ وَرَجُلٌ شَأْمِيٌّ وَشَآمِيٌّ عَلَى فَعَالٍ وَشَأْمِيٌّ أَيْضًا حَكَاهُ سِيبَوَيْهِ وَلَا تَقُلْ شَأْمٌ وَقَالَ أَيْضًا الْيَمَنُ بِلَادٌ لِلْعَرَبِ وَالنِّسْبَةُ إلَيْهِمْ يَمَنِيٌّ وَيَمَانٌ مُخَفَّفَةٌ وَالْأَلِفُ عِوَضٌ مِنْ يَاءِ النَّسَبِ فَلَا يَجْتَمِعَانِ قَالَ سِيبَوَيْهِ وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ يَمَانِيٌّ بِالتَّشْدِيدِ اهـ. فَقَوْلُ الْمُؤَلِّفِ ثُمَّ حَذَفُوا إحْدَى يَائَيْ النِّسْبَةِ يَعْنِي مِنْ يَمَنِيٍّ فَقَطْ، وَكَذَا قَوْلُهُ بِالتَّخْفِيفِ رَاجِعٌ إلَى الْيَمَانِي. (قَوْلُهُ فَوَاجِبَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ) أَيْ بَعْدَ كُلِّ طَوَافٍ فَرْضًا كَانَ أَوْ وَاجِبًا أَوْ سُنَّةً أَوْ نَفْلًا وَلَا يَخْتَصُّ جَوَازُهَا بِزَمَانٍ وَلَا بِمَكَانٍ وَلَا تَفُوتُ وَلَوْ تَرَكَهَا لَمْ تُجْبَرْ بِدَمٍ وَلَوْ صَلَّاهَا خَارِجَ الْحَرَمِ وَلَوْ بَعْدَ الرُّجُوعِ إلَى وَطَنِهِ جَازَ، وَيُكْرَهُ وَالسُّنَّةُ الْمُوَالَاةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الطَّوَافِ، وَيُسْتَحَبُّ مُؤَكَّدًا أَدَاؤُهَا خَلْفَ الْمَقَامِ ثُمَّ فِي الْكَعْبَةِ ثُمَّ فِي الْحِجْرِ تَحْتَ الْمِيزَابِ، ثُمَّ كُلُّ مَا قَرُبَ مِنْ الْحِجْرِ إلَى الْبَيْتِ ثُمَّ بَاقِي الْحِجْرِ ثُمَّ مَا قَرُبَ إلَى الْبَيْتِ ثُمَّ الْمَسْجِدُ ثُمَّ الْحَرَمُ ثُمَّ لَا أَفْضَلِيَّةَ بَعْدَ الْحَرَمِ بَلْ الْإِسَاءَةُ وَالْمُرَادُ بِمَا خَلْفَ الْمَقَامِ قِيلَ مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ ذَلِكَ عَادَةً وَعُرْفًا مَعَ الْقُرْبِ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ إذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ خَلْفَ الْمَقَامِ جَعَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَقَامِ صَفًّا أَوْ صَفَّيْنِ أَوْ رَجُلًا أَوْ رَجُلَيْنِ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَلَوْ صَلَّى أَكْثَرَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ جَازَ وَلَا تُجْزِئُ الْمَنْذُورَةُ وَالْمَكْتُوبَةُ عَنْهَا وَلَا يَجُوزُ اقْتِدَاءُ مُصَلِّي رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ بِمِثْلِهِ؛ لِأَنَّ طَوَافَ هَذَا غَيْرُ طَوَافِ الْآخَرِ، وَيُكْرَهُ تَأْخِيرُهَا عَنْ الطَّوَافِ إلَّا فِي وَقْتٍ مَكْرُوهٍ أَيْ؛ لِأَنَّ الْمُوَالَاةَ سُنَّةٌ، وَلَوْ طَافَ بَعْدَ الْعَصْرِ يُصَلِّي الْمَغْرِبَ ثُمَّ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ ثُمَّ سُنَّةَ الْمَغْرِبِ وَلَا تُصَلَّى إلَّا فِي وَقْتٍ مُبَاحٍ فَإِنْ صَلَّاهَا فِي وَقْتٍ مَكْرُوهٍ قِيلَ صَحَّتْ مَعَ الْكَرَاهَةِ (فُرُوعٌ) طَافَ وَنَسِيَ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ فَلَمْ يَتَذَكَّرْ إلَّا بَعْدَ شُرُوعِهِ فِي طَوَافٍ آخَرَ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ تَمَامِ شَوْطٍ رَفَضَهُ وَبَعْدَ إتْمَامِهِ لَا بَلْ يُتِمُّ طَوَافَهُ الَّذِي شَرَعَ فِيهِ وَعَلَيْهِ لِكُلِّ أُسْبُوعٍ رَكْعَتَانِ، وَلَوْ طَافَ فَرْضًا أَوْ غَيْرَهُ ثَمَانِيَةَ أَشْوَاطٍ إنْ كَانَ عَلَى ظَنِّ أَنَّ الثَّامِنَ سَابِعٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَالْمَظْنُونِ ابْتِدَاءً، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ الثَّامِنُ اخْتَلَفَ فِيهِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ سَبْعَةُ أَشْوَاطٍ لِلشُّرُوعِ وَلَوْ طَافَ أَسَابِيعَ فَعَلَيْهِ لِكُلِّ أُسْبُوعٍ رَكْعَتَانِ عَلَى حِدَةٍ وَلَوْ شَكَّ فِي عَدَدِ الْأَشْوَاطِ فِي طَوَافِ الرُّكْنِ أَوْ الْعُمْرَةِ أَعَادَهُ وَلَا يَبْنِي عَلَى غَالِبِ ظَنِّهِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ، وَقِيلَ إذَا كَانَ يُكْثِرُ ذَلِكَ يَتَحَرَّى، وَلَوْ أَخْبَرَهُ عَدْلٌ بِعَدَدٍ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْخُذَ بِقَوْلِهِ وَلَوْ أَخْبَرَهُ عَدْلَانِ وَجَبَ الْأَخْذُ بِقَوْلِهِمَا، وَصَاحِبُ الْعُذْرِ الدَّائِمِ إذَا طَافَ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ ثُمَّ خَرَجَ الْوَقْتُ تَوَضَّأَ وَبَنَى وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَوْ حَاذَتْهُ امْرَأَةٌ فِي الطَّوَافِ لَا يَفْسُدُ وَتَمَامُهُ فِي اللُّبَابِ (قَوْلُهُ وَيَلْزَمُهُ) أَيْ يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الثَّابِتِ الْوُجُوبَ أَنْ نَحْكُمَ بِمُوَاظَبَتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ غَيْرِ تَرْكٍ وَكَانَ الْأَوْلَى بِالْمُؤَلِّفِ عَدَمَ ذِكْرِهِ ذَلِكَ كَمَا فَعَلَ أَخُوهُ لِإِيهَامِهِ تَوَقُّفَ إثْبَاتِ الْوُجُوبِ عَلَى هَذَا اللُّزُومِ، نَعَمْ ذَكَرَهُ فِي الْفَتْحِ لَكِنَّ غَرَضَهُ مِنْهُ إفَادَةُ أَنَّ مَا وَرَدَ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ مِنْ ثُبُوتِ فِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَهُمَا مَحْمُولٌ عَلَى عَدَمِ التَّرْكِ مَرَّةً لِيَكُونَ دَلِيلًا آخَرَ عَلَى الْوُجُوبِ إذْ مُطْلَقُ الْفِعْلِ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ وَقَيَّدَ بَعْضُهُمْ إلَخْ) قَالَ فِي السِّرَاجِ وَيُكْرَهُ الْجَمْعُ بَيْنَ أُسْبُوعَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِ صَلَاةٍ بَيْنَهُمَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - سَوَاءٌ انْصَرَفَ عَنْ وِتْرٍ أَوْ شَفْعٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يُكْرَهُ إذَا انْصَرَفَ عَنْ وِتْرٍ نَحْوَ أَنْ يَنْصَرِفَ عَنْ ثَلَاثَةِ أَسَابِيعَ أَوْ خَمْسَةٍ أَوْ سَبْعَةٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 356 أُسْبُوعًا آخَرَ فَتَكُونَ عَلَى الْفَوْرِ لِمَا قَدَّمْنَا مِنْ كَرَاهَةِ وَصْلِ الْأَسَابِيعِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ أَنَّهُ لَا يُصَلِّيهِمَا فِيهَا فَحُمِلَ قَوْلُهُمَا يُكْرَهُ وَصْلُ الْأَسَابِيعِ إنَّمَا هُوَ فِي وَقْتٍ لَا يُكْرَهُ التَّطَوُّعُ فِيهِ، وَلَمْ أَرَ نَقْلًا فِيمَا إذَا وَصَلَ الْأَسَابِيعَ فِي وَقْتِ الْكَرَاهَةِ ثُمَّ زَالَ وَقْتُهَا أَنَّهُ يُكْرَهُ الطَّوَافُ قَبْلَ الصَّلَاةِ لِكُلِّ أُسْبُوعٍ رَكْعَتَيْنِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَكْرُوهًا لِمَا أَنَّ الْأَسَابِيعَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ صَارَتْ كَأُسْبُوعٍ وَاحِدٍ وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى بِ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] وَفِي الثَّانِيَةِ بِ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] تَبَرُّكًا بِفِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنْ قَرَأَ غَيْرَ ذَلِكَ جَازَ، وَإِذَا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ يَدْعُو لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ. (قَوْلُهُ لِلْقُدُومِ وَهُوَ سُنَّةٌ لِغَيْرِ الْمَكِّيِّ) أَيْ طُفْ هَذَا الطَّوَافَ لِأَجْلِ الْقُدُومِ وَهَذَا الطَّوَافُ سُنَّةٌ لِلْآفَاقِيِّ دُونَ الْمَكِّيِّ لِأَنَّهُ كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ لَا يُسَنُّ لِلْجَالِسِ فِيهِ هَكَذَا ذَكَرُوا، وَلَيْسَ هَذَا كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَإِنَّ الْفَرْضَ أَوْ السُّنَّةَ تُغْنِي عَنْ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ بِخِلَافِ طَوَافِ الْقُدُومِ لِمَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّ الْقَارِنَ يَطُوفُ لِلْعُمْرَةِ أَوَّلًا، ثُمَّ يَطُوفُ لِلْقُدُومِ ثَانِيًا وَلَا يَكْفِيهِ الْأَوَّلُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الشُّرْبَ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ بَعْدَ خَتْمِ الطَّوَافِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ، وَكَذَا إتْيَانُ الْمُلْتَزَمِ وَالتَّشَبُّثُ بِهِ، وَكَذَا الْعَوْدُ إلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ قَبْلَ السَّعْيِ، وَالْكُلُّ مُسْتَحَبٌّ لَكِنَّ الْأَخِيرَ مَشْرُوطٌ بِإِرَادَةِ السَّعْيِ حَتَّى لَوْ لَمْ يُرِدْهُ لَمْ يَعُدْ إلَى الْحَجَرِ بَعْدَ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ. (قَوْلُهُ ثُمَّ اُخْرُجْ إلَى الصَّفَا وَقُمْ عَلَيْهِ مُسْتَقْبِلَ الْبَيْتِ مُكَبِّرًا مُهَلِّلًا مُصَلِّيًا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَاعِيًا رَبَّكَ بِحَاجَتِك) لِمَا ثَبَتَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ هَذَا السَّعْيَ وَاجِبٌ وَلَيْسَ بِرُكْنٍ لِلْحَدِيثِ «اسْعَوْا فَإِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَيْكُمْ السَّعْيَ» قَالَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حِينَ كَانَ يَطُوفُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَإِنَّهُ ظَنِّيٌّ وَبِمِثْلِهِ لَا يَثْبُتُ الرُّكْنُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَثْبُتُ عِنْدَنَا بِدَلِيلٍ مَقْطُوعٍ فَمَا فِي الْهِدَايَةِ مِنْ تَأْوِيلِهِ بِمَعْنَى كَتَبَ اسْتِحْبَابًا فَمُنَافٍ لِمَطْلُوبِهِ؛ لِأَنَّهُ الْوُجُوبُ وَجَمِيعُ السَّبْعَةِ الْأَشْوَاطِ وَاجِبٌ لَا الْأَكْثَرُ فَقَطْ فَإِنَّهُمْ قَالُوا فِي بَابِ الْجِنَايَاتِ لَوْ تَرَكَ أَكْثَرَ الْأَشْوَاطِ لَزِمَهُ دَمٌ وَإِنْ تَرَكَ الْأَقَلَّ لَزِمَهُ صَدَقَةٌ فَدَلَّ عَلَى وُجُوبِ الْكُلِّ إذْ لَوْ كَانَ الْوَاجِبُ الْأَكْثَرَ لَمْ يَلْزَمْهُ فِي الْأَقَلِّ شَيْءٌ أَشَارَ بِثُمَّ إلَى تَرَاخِي السَّعْيِ عَنْ الطَّوَافِ، فَلَوْ سَعَى ثُمَّ طَافَ أَعَادَهُ؛ لِأَنَّ السَّعْيَ تَبَعٌ وَلَا يَجُوزُ تَقَدُّمُ التَّبَعِ عَلَى الْأَصْلِ، كَذَا ذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ، وَصَرَّحَ فِي الْمُحِيطِ بِأَنَّ تَقْدِيمَ الطَّوَافِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ السَّعْيِ وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ تَأْخِيرَ السَّعْيِ عَنْ الطَّوَافِ وَاجِبٌ، وَإِلَى أَنَّ السَّعْيَ لَا يَجِبُ بَعْدَ الطَّوَافِ فَوْرًا بَلْ لَوْ أَتَى بِهِ بَعْدَ زَمَانٍ وَلَوْ طَوِيلًا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَالسُّنَّةُ الِاتِّصَالُ بِهِ كَالطَّهَارَةِ فَصَحَّ سَعْيُ الْحَائِضِ وَالْجُنُبِ، وَكَذَا الصُّعُودُ عَلَيْهِ مَعَ مَا بَعْدَهُ سُنَّةٌ حَتَّى يُكْرَهَ أَنْ لَا يَصْعَدَ عَلَيْهِمَا كَمَا فِي الْمُحِيطِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْمَشْيَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَلَمْ أَرَ إلَخْ) قَالَ فِي اللُّبَابِ فِي فَصْلِ مَكْرُوهَاتِ الطَّوَافِ وَالْجَمْعُ بَيْنَ أُسْبُوعَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِ صَلَاةٍ بَيْنَهُمَا إلَّا فِي وَقْتِ كَرَاهَةِ الصَّلَاةِ وَهُوَ مُؤَيِّدٌ لِمَا قَالَهُ الْمُؤَلِّفُ أَيْضًا تَأَمَّلْ (فَرْعٌ) غَرِيبٌ قَالَ الْعَلَّامَةُ الشَّيْخُ قُطْبُ الدِّينِ الْحَنَفِيُّ فِي مَنْسَكِهِ فِي الْفَصْلِ الرَّابِعِ مِنْ الْبَابِ السَّادِسِ رَأَيْت بِخَطِّ بَعْضِ تَلَامِذَةِ الْكَمَالِ ابْنِ الْهُمَامِ فِي حَاشِيَةِ فَتْحِ الْقَدِيرِ إذَا صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَمْنَعَ الْمَارَّ لِمَا رَوَى أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد عَنْ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَبِي وَدَاعَةَ أَنَّهُ «رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي مِمَّا يَلِي بَابَ بَنِي سَهْمٍ، وَالنَّاسُ يَمُرُّونَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا سُتْرَةٌ» وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الطَّائِفِينَ فِيمَا يَظْهَرُ؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ صَلَاةٌ فَصَارَ كَمَنْ بَيْنَ يَدَيْهِ صُفُوفٌ مِنْ الْمُصَلِّينَ اهـ. ثُمَّ رَأَيْت فِي الْبَحْرِ الْعَمِيقِ حَكَى عِزُّ الدِّينِ بْنُ جَمَاعَةَ عَنْ مُشْكِلَاتِ الْآثَارِ لِلطَّحَاوِيِّ أَنَّ الْمُرُورَ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي بِحَضْرَةِ الْكَعْبَةِ يَجُوزُ اهـ. كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْمَدَنِيِّ عَلَى الدُّرِّ الْمُخْتَارِ وَبَابُ بَنِي سَهْمٍ هُوَ الْمُسَمَّى الْآنَ بَابَ الْعُمْرَةِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ فِي السَّعْيِ قَرِيبًا مَعَ زِيَادَةٍ تُؤَيِّدُ مَا مَرَّ. (قَوْلُهُ وَلَيْسَ هَذَا كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ قَدْ مَرَّ أَنَّهُ إذَا دَخَلَ يَوْمَ النَّحْرِ أَغْنَاهُ طَوَافُ الْفَرْضِ عَنْ الْقُدُومِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُغْنِ طَوَافُ الْعُمْرَةِ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْغِنَى عَنْ الشَّيْءِ فَرْعٌ عَنْ طَلَبِ ذَلِكَ الشَّيْءِ، وَهُوَ لَمْ يَطْلُبْ إذْ ذَاكَ بَلْ لَوْ أَرَادَ بِهِ الْقُدُومَ لَمْ يَقَعْ إلَّا عَنْ الْعُمْرَةِ لِمَا أَنَّ زَمَنَهُ لَا يَقْبَلُ غَيْرَهُ كَرَمَضَانَ عَلَى مَا سَيَأْتِي. (قَوْلُهُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الشُّرْبَ إلَخْ) وَقَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فَقَالَ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْتِيَ زَمْزَمَ بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْخُرُوجِ إلَى الصَّفَا فَيَشْرَبَ مِنْهَا ثُمَّ يَأْتِيَ الْمُلْتَزَمَ قَبْلَ الْخُرُوجِ إلَى الصَّفَا، وَقِيلَ يَلْتَزِمُ الْمُلْتَزَمَ قَبْلَ الرَّكْعَتَيْنِ ثُمَّ يُصَلِّيهِمَا ثُمَّ يَأْتِي زَمْزَمَ ثُمَّ يَعُودُ إلَى الْحَجَرِ ذَكَرَهُ السُّرُوجِيُّ اهـ. مُلَخَّصًا. قَالَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ وَالثَّانِي هُوَ الْأَسْهَلُ وَالْأَفْضَلُ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ أَنَّهُ يَعُودُ بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ وَصَلَاتِهِ إلَى الْحَجَرِ ثُمَّ يَتَوَجَّهُ إلَى الصَّفَا مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ زَمْزَمَ، وَالْمُلْتَزَمُ فِيمَا بَيْنَهُمَا وَلَعَلَّ وَجْهَ تَرْكِهِمَا عَدَمُ تَأَكُّدِهِمَا مَعَ اخْتِلَافِ تَقَدُّمِ أَحَدِهِمَا اهـ. (قَوْلُهُ لَكِنَّ الْأَخِيرَ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ: وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ طَوَافٍ بَعْدَهُ سَعْيٌ فَإِنَّهُ يَعُودُ إلَى اسْتِلَامِ الْحَجَرِ بَعْدَ الصَّلَاةِ وَمَا لَا فَلَا عَلَى مَا قَالَهُ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِهِ أَنَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 357 فِيهِ وَاجِبٌ حَتَّى لَوْ سَعَى رَاكِبًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ لَزِمَهُ دَمٌ وَلَمْ يَذْكُرْ أَيَّ بَابٍ يَخْرُجُ مِنْهُ إلَى الصَّفَا؛ لِأَنَّهُ مُخَيَّرٌ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ يَحْصُلُ بِهِ، وَإِنَّمَا خَرَجَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْ بَابِ بَنِي مَخْزُومٍ الْمُسَمَّى الْآنَ بِبَابِ الصَّفَا؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ الْأَبْوَابِ إلَيْهِ فَكَانَ اتِّفَاقًا لَا قَصْدًا فَلَمْ يَكُنْ سُنَّةً، وَلَمْ يَذْكُرْ رَفْعَ الْيَدَيْنِ فِي هَذَا الدُّعَاءِ، وَهُوَ مَنْدُوبٌ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ جَاعِلًا بَاطِنَهُمَا إلَى السَّمَاءِ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ أَصْلَ الصَّفَّا فِي اللُّغَةِ الْحَجَرُ الْأَمْلَسُ وَهُوَ وَالْمَرْوَةُ جَبَلَانِ مَعْرُوفَانِ بِمَكَّةَ، وَكَانَ الصَّفَا مُذَكَّرًا؛ لِأَنَّ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَقَفَ عَلَيْهِ فَسُمِّيَ بِهِ وَوَقَفَتْ حَوَّاءُ عَلَى الْمَرْوَةِ فَسُمِّيَتْ بِاسْمِ الْمَرْأَةِ فَأُنِّثَ لِذَلِكَ كَذَا ذَكَرَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ وَفِي التُّحْفَةِ الْأَفْضَلُ لِلْحَاجِّ أَنْ لَا يَسْعَى بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ؛ لِأَنَّ السَّعْيَ وَاجِبٌ لَا يَلِيقُ أَنْ يَكُونَ تَبَعًا لِلسُّنَّةِ بَلْ يُؤَخِّرُهُ إلَى طَوَافِ الزِّيَارَةِ؛ لِأَنَّهُ رُكْنٌ، وَاللَّائِقُ لِلْوَاجِبِ أَنْ يَكُونَ تَبَعًا لِلْفَرْضِ. (قَوْلُهُ ثُمَّ اهْبِطْ نَحْوَ الْمَرْوَةِ سَاعِيًا بَيْنَ الْمِيلَيْنِ الْأَخْضَرَيْنِ وَافْعَلْ عَلَيْهَا فِعْلَك عَلَى الصَّفَا) أَيْ عَلَى الْمَرْوَةِ مِنْ الصُّعُودِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّهْلِيلِ وَالصَّلَاةِ وَالدُّعَاءِ، وَالْكُلُّ سُنَّةٌ حَتَّى لَوْ تَرَكَ الْهَرْوَلَةَ بَيْنَ الْمِيلَيْنِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَهُمَا شَيْئَانِ عَلَى شَكْلِ الْمِيلَيْنِ مَنْحُوتَانِ مِنْ نَفْسِ جِدَارِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إلَّا أَنَّهُمَا مُنْفَصِلَانِ عَنْهُ وَهُمَا عَلَامَتَانِ لِمَوْضِعِ الْهَرْوَلَةِ فِي مَمَرِّ بَطْنِ الْوَادِي بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ. (قَوْلُهُ وَطُفْ بَيْنَهُمَا سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ تَبْدَأُ بِالصَّفَا وَتَخْتِمُ بِالْمَرْوَةِ) كَمَا صَحَّ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ، وَقَوْلُهُ تَبْدَأُ بِالصَّفَا بَيَانٌ لِلْوَاجِبِ حَتَّى لَوْ بَدَأَ بِالْمَرْوَةِ لَا يُعْتَدُّ   [منحة الخالق] هَذَا الِاسْتِلَامَ لِافْتِتَاحِ السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَإِنْ لَمْ يُرِدْ السَّعْيَ بَعْدَهُ لَمْ يُعِدْ عَلَيْهِ اهـ. (قَوْلُهُ فَلَمْ يَكُنْ سُنَّةً) مَثَّلَهُ فِي الْهِدَايَةِ قَالَ فِي النَّهْرِ وَالْمَذْكُورُ فِي السِّرَاجِ أَنَّ الْخُرُوجَ مِنْهُ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِ اهـ. وَفِي حَاشِيَةِ نُوحٍ أَفَنْدِي قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَهُوَ سُنَّةٌ فَقَوْلُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ لَا أَنَّهُ سُنَّةٌ مُخَالِفٌ لَهُ لَكِنَّهُ مُوَافِقٌ لِكَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ بَابِ الصَّفَا، وَلَا يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ سُنَّةً فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَيْسَ سُنَّةً بَلْ مُسْتَحَبٌّ، فَيَجُوزُ الْخُرُوجُ مِنْ غَيْرِهِ بِدُونِ الْإِسَاءَةِ. (قَوْلُهُ وَفِي التُّحْفَةِ الْأَفْضَلُ لِلْحَاجِّ) أَيْ الْمُفْرِدِ بِالْحَجِّ وَالْمُتَمَتِّعُ بِخِلَافِ الْقَارِنِ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي اللُّبَابِ فِي الْأَفْضَلِيَّةِ خِلَافًا ثُمَّ قَالَ: وَالْخِلَافُ فِي غَيْرِ الْقَارِنِ أَمَّا الْقَارِنُ فَالْأَفْضَلُ لَهُ تَقْدِيمُ السَّعْيِ أَوْ يُسَنُّ اهـ. وَفِي حَاشِيَةِ الْمَدَنِيِّ اعْلَمْ أَنَّ السَّعْيَ الْوَاجِبَ فِي الْحَجِّ يَدْخُلُ وَقْتُهُ عَقِبَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ وَيَمْتَدُّ إلَى آخِرِ الْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّ السَّعْيَ تَبَعٌ لِلطَّوَافِ، وَالشَّيْءُ إنَّمَا يَتْبَعُ مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ وَالسَّعْيُ وَاجِبٌ وَطَوَافُ الزِّيَارَةِ رُكْنٌ، وَيَجُوزُ تَقْدِيمُهُ عَلَى الْوُقُوفِ وَإِيقَاعُهُ عَقِبَ طَوَافِ الْقُدُومِ لِكَثْرَةِ أَفْعَالِ الْحَجِّ يَوْمَ النَّحْرِ لَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ حَتَّى لِمَنْ لَا عَلَيْهِ طَوَافُ الْقُدُومِ فِي الْأَصَحِّ، وَاخْتَلَفُوا هَلْ الْأَفْضَلُ تَأْخِيرُهُ إلَى وَقْتِهِ أَمْ تَقْدِيمُهُ وَعَلَى الثَّانِي هَلْ هُوَ عَامٌّ لِأَهْلِ مَكَّة وَغَيْرِهِمْ أَمْ خَاصٌّ بِغَيْرِهِمْ مِمَّنْ عَلَيْهِ طَوَافُ الْقُدُومِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ جَوَازَ تَقْدِيمِ السَّعْيِ مِمَّنْ عَلَيْهِ طَوَافُ الْقُدُومِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَأَمَّا أَفْضَلِيَّتُهُ فَفِيهَا خِلَافٌ، وَأَمَّا جَوَازُهُ لِمَنْ أَهَلَّ مِنْ مَكَّةَ مِمَّنْ لَيْسَ عَلَيْهِ طَوَافُ قُدُومٍ اخْتَارَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمَشَايِخِ كَالْكَرْخِيِّ وَالْقُدُورِيِّ وَصَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي وَالنِّهَايَةِ وَالْمَجْمَعِ وَغَيْرِهِمْ، وَأَمَّا الْأَفْضَلِيَّةُ فَصَحَّحَهَا الْكَرْمَانِيُّ وَذَهَبَ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ إلَى عَدَمِ جَوَازِ التَّقْدِيمِ لِمَنْ أَحْرَمَ مِنْ مَكَّةَ وَهُوَ خِلَافُ مَا عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَهَذَا الِاخْتِلَافُ كُلُّهُ فِي غَيْرِ الْقَارِنِ، وَأَمَّا هُوَ فَلَا نَعْلَمُ خِلَافًا فِي أَفْضَلِيَّةِ تَقْدِيمِ السَّعْيِ فَضْلًا عَنْ الْجَوَازِ؛ لِأَنَّهُمْ مَا ذَكَرُوا لَهُ إلَّا التَّقْدِيمَ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافٍ بَلْ الْآثَارُ تَدُلُّ عَلَى اسْتِنَانِ تَقْدِيمِ السَّعْيِ لَهُ كَذَا فِي الْمُرْشِدِيِّ وَغَيْرِهِ اهـ. (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ سَاعِيًا بَيْنَ الْمِيلَيْنِ الْأَخْضَرَيْنِ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ السَّعْيُ فَوْقَ الرَّمَلِ دُونَ الْعَدْوِ أَيْ الْجَرْيِ الشَّدِيدِ وَهُوَ سُنَّةٌ فِي كُلِّ شَوْطٍ بِخِلَافِ الرَّمَلِ فِي الطَّوَافِ خِلَافًا لِمَنْ خَصَّهُ أَيْضًا بِالثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ وَلَا اضْطِبَاعَ فِي السَّعْيِ مُطْلَقًا عِنْدَنَا، وَلَوْ تَرَكَ السَّعْيَ بَيْنَ الْمِيلَيْنِ أَوْ هَرْوَلَ فِي جَمِيعِ السَّعْيِ فَقَدْ أَسَاءَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَيُلَبِّي فِي السَّعْيِ الْحَاجُّ أَيْ إنْ وَقَعَ سَعْيُهُ بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ لَا الْمُعْتَمِرُ وَلَوْ كَانَ مُتَمَتِّعًا؛ لِأَنَّ تَلْبِيَتَهُ تَنْقَطِعُ بِالشُّرُوعِ فِي طَوَافِهِ وَلَا الْحَاجُّ إذَا سَعَى بَعْدَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ لِانْقِطَاعِ تَلْبِيَتِهِ بِأَوَّلِ رَمْيِ جَمْرَةٍ وَإِنْ عَجَزَ عَنْ السَّعْيِ بَيْنَ الْمِيلَيْنِ صَبَرَ حَتَّى يَجِدَ فُرْجَةً وَإِلَّا تَشَبَّهَ بِالسَّاعِي فِي حَرَكَتِهِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى دَابَّةٍ لِعُذْرٍ حَرَّكَهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُؤْذِيَ أَحَدًا لُبَابٌ وَشَرْحُهُ. (قَوْلُهُ بَدَأَ بِالْمَرْوَةِ لَا يُعْتَدُّ بِالْأَوَّلِ) هَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْبُدَاءَةَ بِالْمَرْوَةِ شَرْطٌ لَا أَنَّهُ وَاجِبٌ وَهُوَ أَحَدُ أَقْوَالٍ ثَلَاثَةٍ فَإِنَّهُ قِيلَ إنَّهُ شَرْطٌ، وَقِيلَ وَاجِبٌ وَقِيلَ سُنَّةٌ وَمَشَى فِي اللُّبَابِ عَلَى الْأَوَّلِ، وَقَالَ شَارِحُهُ الْأَعْدَلُ الْمُخْتَارُ مِنْ حَيْثُ الدَّلِيلُ الْوُجُوبُ فَيَصِحُّ أَدَاؤُهُ لَكِنْ يُعَاقَبُ عَلَيْهِ دُونَ عِقَابِ تَرْكِ الْفَرْضِ وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يَصِحُّ وَتَمَامُ تَحْقِيقِهِ هُنَاكَ (تَنْبِيهٌ) عَدَّ فِي اللُّبَابِ تَبَعًا لِلْبَدَائِعِ مِنْ شَرَائِطِ السَّعْيِ كَوْنَهُ بَعْدَ طَوَافٍ كَائِنٍ عَلَى طَهَارَةٍ مِنْ الْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ طَاهِرًا عَنْهُمَا وَقْتَ الطَّوَافِ، لَمْ يَجُزْ سَعْيُهُ رَأْسًا وَاسْتَشْكَلَهُ شَارِحُهُ بِأَنَّ الطَّهَارَةَ لَيْسَتْ مِنْ شَرَائِطِ صِحَّةِ الطَّوَافِ فَكَيْفَ تَكُونُ شَرْطًا فِيهِ بَلْ الشَّرْطُ وُقُوعُهُ عَقِيبَ طَوَافٍ صَحِيحٍ لَا بَعْدَ طَوَافٍ كَامِلٍ مُشْتَمِلٍ عَلَى أَدَاءِ وَاجِبَاتِهِ وَتَمَامِهِ فِيهِ فَرَاجِعْهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 358 بِالْأَوَّلِ هُوَ الصَّحِيحُ لِمُخَالَفَةِ الْأَمْرِ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «ابْدَءُوا بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ» وَإِشَارَةٌ إلَى أَنَّ الذَّهَابَ إلَى الْمَرْوَةِ شَوْطٌ وَالْعَوْدَ مِنْهَا إلَى الصَّفَا شَوْطٌ آخَرُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ لِمَا صَحَّ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّهُ قَالَ «فَلَمَّا كَانَ آخِرُ طَوَافِهِ عَلَى الْمَرْوَةِ» وَلَوْ كَانَ مِنْ الصَّفَا إلَى الصَّفَا شَوْطًا لَكَانَ آخِرَ طَوَافِهِ الصَّفَا، وَنَقَلَ الشَّارِحُ عَنْ الطَّحَاوِيِّ أَنَّ الذَّهَابَ مِنْ الصَّفَا إلَى الْمَرْوَةِ وَالرُّجُوعَ مِنْهَا إلَى الصَّفَا شَوْطٌ قِيَاسًا عَلَى الطَّوَافِ فَإِنَّهُ مِنْ الْحَجَرِ إلَى الْحَجَرِ شَوْطٌ وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ مَا يُخَالِفُهُ فَإِنَّهُ قَالَ لَا خِلَافَ بَيْنَ أَصْحَابِنَا أَنَّ الذَّهَابَ مِنْ الصَّفَا إلَى الْمَرْوَةِ شَوْطٌ مَحْسُوبٌ مِنْ الْأَشْوَاطِ السَّبْعَةِ فَأَمَّا الرُّجُوعُ مِنْ الْمَرْوَةِ إلَى الصَّفَا هَلْ هُوَ شَوْطٌ آخَرُ. قَالَ الطَّحَاوِيُّ لَا يُعْتَبَرُ الرُّجُوعُ مِنْ الْمَرْوَةِ إلَى الصَّفَا شَوْطًا آخَرَ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ شَوْطٌ آخَرُ اهـ. وَفَرَّقَ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ بَيْنَ الطَّوَافَيْنِ بِالْفَرْقِ لُغَةً بَيْنَ طَافَ كَذَا وَكَذَا سَبْعًا الصَّادِقُ بِالتَّرَدُّدِ مِنْ كُلٍّ مِنْ الْغَايَتَيْنِ إلَى الْأُخْرَى سَبْعًا وَبَيْنَ طَافَ بِكَذَا فَإِنَّ حَقِيقَتَهُ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى أَنْ يَشْمَلَ بِالطَّوَافِ ذَلِكَ الشَّيْءَ فَإِذَا قَالَ طَافَ بِهِ سَبْعًا كَانَ بِتَكْرِيرِ تَعْمِيمِهِ بِالطَّوَافِ سَبْعًا فَمِنْ هُنَا افْتَرَقَ الْحَالُ بَيْنَ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ حَيْثُ لَزِمَ فِي شَوْطِهِ كَوْنُهُ مِنْ الْمَبْدَإِ إلَى الْمَبْدَإِ، وَالطَّوَافُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ حَيْثُ لَمْ يَسْتَلْزِمْ ذَلِكَ اهـ. وَلَمْ يَذْكُرْ صَلَاةَ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ السَّعْيِ خَتْمًا لَهُ وَهِيَ مُسْتَحَبَّةٌ لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِذَلِكَ لِمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ. (قَوْلُهُ ثُمَّ أَقِمْ بِمَكَّةَ حَرَامًا؛ لِأَنَّك مُحْرِمٌ بِالْحَجِّ) فَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّحَلُّلُ حَتَّى يَأْتِيَ بِأَفْعَالِهِ فَأَفَادَ أَنَّ فَسْخَ الْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَفَرَّقَ الْمُحَقِّقُ إلَخْ) وَفِي الْعِنَايَةِ فَإِنْ قِيلَ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ حَتَّى كَانَ مَبْدَأُ الطَّوَافِ هُوَ الْمُنْتَهَى دُونَ السَّعْيِ أُجِيبَ بِأَنَّ الطَّوَافَ دَوَرَانٌ لَا يَتَأَتَّى إلَّا بِحَرَكَةٍ دَوْرِيَّةٍ فَيَكُونُ الْمَبْدَأُ وَالْمُنْتَهَى وَاحِدًا بِالضَّرُورَةِ، وَأَمَّا السَّعْيُ فَهُوَ قَطْعُ مَسَافَةٍ بِحَرَكَةٍ مُسْتَقِيمَةٍ، وَذَلِكَ لَا يَقْتَضِي عَوْدَهُ عَلَى بَدْئِهِ. (قَوْلُهُ وَلِمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ) قَالَ فِي الْفَتْحِ رَوَى الْمُطَّلِبُ بْنُ أَبِي وَدَاعَةَ قَالَ «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ فَرَغَ مِنْ سَعْيِهِ جَاءَ حَتَّى إذَا حَاذَى الرُّكْنَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ فِي حَاشِيَةِ الْمَطَافِ وَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّائِفِينَ أَحَدٌ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ وَقَالَ فِي رِوَايَتِهِ «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي حَذْوَ الرُّكْنِ الْأَسْوَدِ وَالرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ يَمُرُّونَ بَيْنَ يَدَيْهِ مَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ سُتْرَةٌ» وَعَنْهُ «أَنَّهُ رَآهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يُصَلِّي مِمَّا يَلِي بَابَ بَنِي سَهْمٍ وَالنَّاسُ يَمُرُّونَ» إلَخْ، وَبَابُ بَنِي سَهْمٍ هُوَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ الْيَوْمَ بَابُ الْعُمْرَةِ لَكِنْ عَلَى هَذَا لَا يَكُونُ حَذْوَ الرُّكْنِ الْأَسْوَدِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِحَقِيقَةِ الْحَالِ. اهـ. وَنَازَعَهُ الْقَارِي فِي شَرْحِ اللُّبَابِ بِأَنَّهُ لَا دَلَالَةَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ مِنْ مُسْتَحَبَّاتِ السَّعْيِ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ لِتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ حِينَ أَرَادَ أَنْ يَقْعُدَ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ لَهُ إلَى طَوَافٍ، وَقَالَ الشَّيْخُ حَنِيفُ الدِّينِ الْمُرْشِدِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَيْهِ بَعْدَ قَوْلِ السُّرُوجِيِّ فِي مَنْسَكِهِ لَيْسَ لِلسَّعْيِ صَلَاةٌ أَقُولُ: وَهُوَ الظَّاهِرُ الَّذِي يَمِيلُ إلَيْهِ الْخَاطِرُ وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ صَلَاتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَمَحْمُولٌ عَلَى تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ لَا أَنَّهَا لِلسَّعْيِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَا أَحَبَّ حَالَ دُخُولِهِ إلَيْهِ أَنْ يُخَلِّيَهُ مِنْ التَّحِيَّةِ فَحَيَّاهُ بِهَا وَحَيْثُ كَانَ دُخُولُهُ عَقِيبَ السَّعْيِ، وَفَعَلَ ذَلِكَ اشْتَبَهَ الْحَالُ عَلَى مَنْ رَآهُ اهـ. كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْمَدَنِيِّ أَقُولُ: لَكِنْ ذَكَرَ الْقَارِي فِي شَرْحِهِ أَنَّ تَحِيَّةَ هَذَا الْمَسْجِدِ الشَّرِيفِ بِخُصُوصِهِ هُوَ الطَّوَافُ إلَّا إذَا كَانَ لَهُ مَانِعٌ فَحِينَئِذٍ يُصَلِّي تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ إنْ لَمْ يَكُنْ وَقْتَ كَرَاهِيَةِ الصَّلَاةِ اهـ. وَالْمُتَبَادِرُ مِنْ فِعْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَا فَهِمَهُ الرَّاوِي مِنْ أَنَّ صَلَاتَهُ لِلسَّعْيِ فَمَا الدَّاعِي إلَى الْعُدُولِ عَنْهُ مَعَ مَا عَلِمْته تَأَمَّلْ. (مُهِمَّةٌ) ذَكَرَ الشَّيْخُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْمُرْشِدِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْكَنْزِ أَنَّ مَسَافَةَ مَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سَبْعُمِائَةٍ وَخَمْسُونَ ذِرَاعًا فَعَلَيْهِ فَعِدَّةُ السَّعْيِ خَمْسَةُ آلَافٍ وَمِائَتَانِ وَخَمْسُونَ ذِرَاعًا اهـ. وَفِي الشُّمُنِّيِّ سَبْعُمِائَةٍ وَسِتَّةٌ وَسِتُّونَ ذِرَاعًا، وَأَمَّا عَرْضُ الْمَسْعَى فَحَكَى الْعَلَّامَةُ الشَّيْخُ قُطْبُ الدِّينِ الْحَنَفِيُّ فِي تَارِيخِهِ نَقْلًا عَنْ تَارِيخِ الْفَاكِهِيِّ أَنَّهُ خَمْسَةٌ وَثَلَاثُونَ ذِرَاعًا، ثُمَّ قَالَ وَهَاهُنَا إشْكَالٌ عَظِيمٌ مَا رَأَيْت أَحَدًا تَعَرَّضَ لَهُ وَهُوَ أَنَّ السَّعْيَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ مِنْ الْأُمُورِ التَّعَبُّدِيَّةِ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ الْمَخْصُوصِ وَعَلَى مَا ذَكَرَ الثِّقَاتُ أُدْخِلَ ذَلِكَ الْمَسْعَى فِي الْحَرَمِ الشَّرِيفِ وَحُوِّلَ ذَلِكَ الْمَسْعَى إلَى دَارِ ابْنِ عَبَّادٍ كَمَا تَقَدَّمَ، وَالْمَكَانُ الَّذِي يُسْعَى فِيهِ الْآنَ لَا يَتَحَقَّقُ أَنَّهُ مِنْ عَرْضِ الْمَسْعَى الَّذِي سَعَى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ غَيْرُهُ فَكَيْفَ يَصِحُّ السَّعْيُ فِيهِ وَقَدْ حُوِّلَ عَنْ مَحِلِّهِ وَلَعَلَّ الْجَوَابَ أَنَّ الْمَسْعَى كَانَ عَرِيضًا وَبُنِيَتْ تِلْكَ الدُّورُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي عَرْضِ الْمَسْعَى الْقَدِيمِ فَهَدَمَهَا الْمَهْدِيُّ، وَأَدْخَلَ بَعْضَهَا فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَتَرَكَ الْبَعْضَ، وَلَمْ يُحَوَّلْ تَحْوِيلًا كُلِّيًّا وَإِلَّا لَأَنْكَرَهُ عُلَمَاءُ الدِّينِ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْمُجْتَهِدِينَ اهـ. مُلَخَّصًا. مِنْ الْمَدَنِيِّ. (قَوْلُهُ فَأَفَادَ أَنَّ فَسْخَ الْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ لَا يَجُوزُ) أَيْ بِأَنْ يَفْسَخَ نِيَّةَ الْحَجِّ بَعْدَمَا أَحْرَمَ بِهِ وَيَقْطَعَ أَفْعَالَهُ وَيَجْعَلَ إحْرَامَهُ وَأَفْعَالَهُ لِلْعُمْرَةِ، وَكَذَا لَا يَجُوزُ فَسْخُ الْعُمْرَةِ لِيَجْعَلَهَا حَجًّا كَذَا فِي اللُّبَابِ قُبَيْلَ الْجِنَايَاتِ وَفِيهِ وَلَا يَعْتَمِرُ أَيْ الْمُتَمَتِّعُ حَالَ إقَامَتِهِ بِمَكَّةَ فَإِنْ فَعَلَ أَسَاءَ وَلَزِمَهُ دَمٌ سَوَاءٌ كَانَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَوْ قَبْلَهَا وَإِنْ كَانَ لَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ، وَأَحَلَّ بَعْدَ الْحَلْقِ يَفْعَلُ كَمَا يَفْعَلُ الْحَلَالُ قَالَ شَارِحُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْإِتْيَانُ بِالْعُمْرَةِ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَمْنُوعٍ مِنْهَا لِكَرَاهَتِهَا فِي الْأَزْمِنَةِ الْمَخْصُوصَةِ، وَإِنَّمَا كُرِهَتْ الْعُمْرَةُ لِلْمَكِّيِّ فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 359 لَا يَجُوزُ وَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَمَرَ بِذَلِكَ أَصْحَابَهُ إلَّا مَنْ سَاقَ مِنْهُمْ الْهَدْيَ فَهُوَ مَخْصُوصٌ بِهِمْ لِمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّ الْمُتْعَةَ كَانَتْ لِأَصْحَابِ مُحَمَّدٍ خَاصَّةً وَفِي بَعْضِ الشُّرُوحِ أَنَّهَا كَانَتْ مَشْرُوعَةً عَلَى الْعُمُومِ، ثُمَّ نُسِخَتْ كَمُتْعَةِ النِّكَاحِ أَوْ مُعَارَضٌ بِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا أَنَّ «مَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ أَوْ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ لَمْ يَحِلُّوا إلَى يَوْمِ النَّحْرِ» . (قَوْلُهُ فَطُفْ بِالْبَيْتِ كُلَّمَا بَدَا لَك) أَيْ ظَهَرَ لَك لِحَدِيثِ الطَّحَاوِيِّ وَغَيْرِهِ «الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ إلَّا أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَلَّ لَكُمْ الْمَنْطِقَ» وَالصَّلَاةُ خَيْرُ مَوْضُوعٍ فَكَذَا الطَّوَافُ إلَّا أَنَّهُ لَا يَسْعَى لِكَوْنِهِ لَا يَتَكَرَّرُ لَا وُجُوبًا وَلَا نَفْلًا، وَكَذَا الرَّمَلُ وَيَجِبُ أَنْ يُصَلِّيَ لِكُلِّ أُسْبُوعٍ رَكْعَتَيْنِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَالطَّوَافُ التَّطَوُّعُ أَفْضَلُ لِلْغُرَبَاءِ مِنْ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ وَلِأَهْلِ مَكَّةَ الصَّلَاةُ أَفْضَلُ مِنْهُ هَكَذَا أَطْلَقَهُ كَثِيرٌ، وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِزَمَنِ الْمَوْسِمِ وَإِلَّا فَالطَّوَافُ أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ مَكِّيًّا كَانَ أَوْ غَرِيبًا وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا مِنْ الْبَيْتِ فِي طَوَافه إذَا لَمْ يُؤْذِ بِهِ أَحَدًا وَالْأَفْضَلُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَكُونَ فِي حَاشِيَةِ الْمَطَافِ، وَيَكُونَ طَوَافُهُ وَرَاءَ الشَّاذَرْوَانِ كَيْ لَا يَكُونَ بَعْضُ طَوَافِهِ بِالْبَيْتِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مِنْهُ، وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ الشَّاذَرْوَانِ لَيْسَ عِنْدَنَا مِنْ الْبَيْتِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ مِنْهُ حَتَّى لَا يَجُوزَ الطَّوَافُ عَلَيْهِ، وَهُوَ تِلْكَ الزِّيَادَةُ الْمُلْصَقَةُ بِالْبَيْتِ مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ إلَى فُرْجَةِ الْحِجْرِ قِيلَ بَقِيَ مِنْهُ حِينَ عَمَّرَتْهُ قُرَيْشٌ وَضَيَّقَتْهُ وَفِي التَّجْنِيسِ الذِّكْرُ أَفْضَلُ مِنْ الْقِرَاءَةِ فِي الطَّوَافِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مُعَزِّيًا لِكَافِي الْحَاكِمِ يُكْرَهُ أَنْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ بِالْقِرَاءَةِ فِيهِ وَلَا بَأْسَ بِقِرَاءَتِهِ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ دُخُولَ الْبَيْتِ وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ إذَا لَمْ يُؤْذِ أَحَدًا كَذَا قَالُوا يَعْنِي لَا نَفْسَهُ وَلَا غَيْرَهُ، وَقَلِيلٌ أَنْ يُوجَدَ هَذَا الشَّرْطُ فِي زَمَنِ الْمَوْسِمِ كَمَا شَاهَدْنَاهُ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ اقْتِدَاءً بِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَيَنْبَغِي أَنْ يَقْصِدَ مُصَلَّاهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - إذَا دَخَلَ مَشَى قِبَلَ وَجْهِهِ، وَيَجْعَلُ الْبَابَ قِبَلَ ظَهْرِهِ حَتَّى يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِدَارِ الَّذِي قِبَلَ وَجْهِهِ قَرِيبٌ مِنْ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ، ثُمَّ يُصَلِّيَ وَيَلْزَمَ الْأَدَبَ مَا اسْتَطَاعَ بِظَاهِرِهِ وَبَاطِنِهِ وَلَا بِرَفْعِ بَصَرِهِ إلَى السَّقْفِ فَإِذَا صَلَّى إلَى الْجِدَارِ يَضَعُ خَدَّهُ عَلَيْهِ، وَيَسْتَغْفِرُ وَيَحْمَدُ ثُمَّ يَأْتِي الْأَرْكَانَ فَيَحْمَدُ وَيُهَلِّلُ وَيُسَبِّحُ وَيُكَبِّرُ وَيَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى مَا شَاءَ. (قَوْلُهُ ثُمَّ اُخْطُبْ قَبْلَ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ بِيَوْمٍ وَعَلِّمْ فِيهَا الْمَنَاسِكَ) يَعْنِي فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ مِنْ الْحِجَّةِ بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ خُطْبَةً وَاحِدَةً لَا جُلُوسَ فِيهَا، وَيَوْمُ التَّرْوِيَةِ هُوَ يَوْمُ الثَّامِنُ سُمِّيَ بِهِ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَرْوُونَ إبِلَهُمْ فِيهِ لِأَجْلِ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَقِيلَ لِأَنَّ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رَأَى فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ فِي مَنَامِهِ أَنْ يَذْبَحَ وَلَدَهُ بِأَمْرِ رَبِّهِ فَلَمَّا أَصْبَحَ رَوَى فِي النَّهَارِ كُلِّهِ أَيْ تَفَكَّرَ أَنَّ مَا رَآهُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى فَيَأْتَمِرُهُ أَوَّلًا فَلَا، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُغْرِبِ تَعَيُّنُهُ فَإِنَّهُ قَالَ وَالْأَصْلُ الْهَمْزَةُ وَأَخْذُهَا مِنْ الرُّؤْيَةِ خَطَأٌ وَمِنْ الرِّيِّ مَنْظُورٌ فِيهِ، وَأَرَادَ بِالْمَنَاسِكِ الْخُرُوجَ إلَى مِنًى وَإِلَى عَرَفَةَ وَالصَّلَاةَ فِيهَا وَالْوُقُوفَ وَالْإِفَاضَةَ، وَهَذِهِ أَوَّلُ الْخُطَبِ الثَّلَاثِ الَّتِي فِي الْحَجِّ، وَيَبْدَأُ فِي الْكُلِّ بِالتَّكْبِيرِ ثُمَّ بِالتَّلْبِيَةِ ثُمَّ بِالتَّحْمِيدِ كَابْتِدَائِهِ فِي خُطْبَةِ الْعِيدَيْنِ، وَيَبْدَأُ بِالتَّحْمِيدِ فِي ثَلَاثِ خُطَبٍ وَهِيَ خُطْبَةُ الْجَمْعِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَالنِّكَاحِ كَذَا فِي الْمُبْتَغَى. (قَوْلُهُ ثُمَّ رُحْ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ إلَى مِنًى) وَهِيَ قَرْيَةٌ فِيهَا ثَلَاثُ سِكَكٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ فَرْسَخٌ وَهِيَ مِنْ   [منحة الخالق] أَشْهُرِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهُ يَحُجُّ فَيَبْقَى مُتَمَتِّعًا مُسِيئًا. (قَوْلُهُ وَإِلَّا فَالطَّوَافُ أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ إلَخْ) مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْفَتَاوَى الْوَلْوَالِجيَّةِ وَنَصُّهُ الصَّلَاةُ بِمَكَّةَ أَفْضَلُ لِأَهْلِهَا مِنْ الطَّوَافِ وَلِلْغُرَبَاءِ الطَّوَافُ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ فِي نَفْسِهَا أَفْضَلُ مِنْ الطَّوَافِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَبَّهَ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ بِالصَّلَاةِ لَكِنَّ الْغُرَبَاءَ لَوْ اشْتَغَلُوا بِهَا لَفَاتَهُمْ الطَّوَافُ مِنْ غَيْرِ إمْكَانِ التَّدَارُكِ فَكَانَ الِاشْتِغَالُ بِمَا لَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ أَوْلَى اهـ. تَأَمَّلْ. (تَنْبِيهٌ) : هَلْ إكْثَارُ الطَّوَافِ أَفْضُلُ أَمْ إكْثَارُ الِاعْتِمَارِ وَالْأَظْهَرُ تَفْضِيلُ الطَّوَافِ لِكَوْنِهِ مَقْصُودًا بِالذَّاتِ وَالْمَشْرُوعِيَّةِ فِي جَمِيعِ الْحَالَاتِ، وَلِكَرَاهَةِ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ إكْثَارَهَا فِي سَنَتِهِ، وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ وَفِي حَاشِيَةِ الْمَدَنِيِّ قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْمُرْشِدِيُّ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ ثُمَّ قَوْلُهُمْ إنَّ الصَّلَاةَ أَفْضَلُ مِنْ الطَّوَافِ لَيْسَ مُرَادُهُمْ أَنَّ صَلَاةَ رَكْعَتَيْنِ مَثَلًا أَفْضَلُ مِنْ أَدَاءِ أُسْبُوعٍ؛ لِأَنَّ الْأُسْبُوعَ مُشْتَمِلٌ مَعَ الرَّكْعَتَيْنِ مَعَ زِيَادَةٍ، وَإِنَّمَا مُرَادُهُمْ بِهِ أَنَّ الزَّمَنَ الَّذِي يُؤَدِّي فِيهِ أُسْبُوعًا مِنْ الطَّوَافِ هَلْ الْأَفْضَلُ فِيهِ أَنْ يَصْرِفَهُ لِلطَّوَافِ أَوْ يَشْغَلَهُ بِالصَّلَاةِ هَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُمْ فَتَنَبَّهْ اهـ. وَفِيهَا عَنْ الْقَاضِي الْعَلَّامَةِ إبْرَاهِيمَ بْنِ ظَهِيرَةَ أَنَّ الْأَرْجَحَ تَفْضِيلُ الطَّوَافِ عَلَى الْعُمْرَةِ إذَا شَغَلَ مِقْدَارَ زَمَنِ الْعُمْرَةِ بِهِ، وَهَذَا فِي الْعُمْرَةِ الْمَسْنُونَةِ أَمَّا إذَا قِيلَ إنَّهَا لَا تَقَعُ إلَّا فَرْضَ كِفَايَةٍ فَلَا يَكُونُ الْحُكْمُ كَذَلِكَ. (قَوْلُهُ وَيَوْمُ التَّرْوِيَةِ هُوَ يَوْمُ الثَّامِنِ) وَالْيَوْمُ التَّاسِعُ هُوَ يَوْمُ عَرَفَةَ وَالْيَوْمُ الْعَاشِرُ يَوْمُ النَّحْرِ وَالْحَادِيَ عَشَرَ يَوْمُ الْقَرِّ بِفَتْحِ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ؛ لِأَنَّهُمْ يَقَرُّونَ فِيهِ بِمِنًى وَالثَّانِي عَشَرَ يَوْمُ النَّفْرِ الْأَوَّلُ وَالثَّالِثَ عَشَرَ النَّفْرُ الثَّانِي كَذَا فِي مَنَاسِكِ النَّوَوِيِّ. (قَوْلُهُ أَيْ تَفَكَّرَ أَنَّ مَا رَآهُ إلَخْ) قَالَ فِي السَّعْدِيَّةِ عَنْ السُّرُوجِيِّ وَفِيهِ بُعْدٌ؛ لِأَنَّ رُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ حَقٌّ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 360 الْحَرَمِ، وَالْغَالِبُ عَلَيْهِ التَّذْكِيرُ وَالصَّرْفُ وَقَدْ يُكْتَبُ بِالْأَلِفِ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ أَطْلَقَهُ فَأَفَادَ أَنَّهُ يَجُوزُ التَّوَجُّهُ إلَيْهَا فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ مِنْ الْيَوْمِ، وَاخْتُلِفَ فِي الْمُسْتَحَبِّ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ أَصَحُّهَا أَنَّهُ يَخْرُجُ إلَيْهَا بَعْدَمَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ لِمَا ثَبَتَ مِنْ فِعْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَذَلِكَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ وَابْنِ عُمَرَ مَعَ اتِّفَاقِ الرُّوَاةِ أَنَّهُ صَلَّى الظُّهْرَ بِمِنًى فَالْبَيْتُوتَةُ بِهَا سُنَّةٌ وَالْإِقَامَةُ بِهَا مَنْدُوبَةٌ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَلَوْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ مَكَّةَ إلَّا يَوْمَ عَرَفَةَ أَجْزَأَهُ أَيْضًا، وَلَكِنَّهُ أَسَاءَ لِتَرْكِ السُّنَّةِ، وَأَفَادَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوْ لَا فَلَهُ الْخُرُوجُ إلَيْهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ الزَّوَالِ، وَأَمَّا بَعْدَهُ فَلَا يَخْرُجُ مَا لَمْ يُصَلِّهَا كَمَا إذَا أَرَادَ أَنْ يُسَافِرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مِنْ مِصْرِهِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَتْرُكَ التَّلْبِيَةَ فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا حَالَ الْإِقَامَةِ بِمَكَّةَ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَخَارِجَهُ إلَى حَالِ كَوْنِهِ فِي الطَّوَافِ، وَيُلَبِّي عِنْدَ الْخُرُوجِ إلَى مِنًى وَيَدْعُوَا بِمَا شَاءَ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَنْزِلَ بِالْقُرْبِ مِنْ مَسْجِدِ الْخَيْفِ. (قَوْلُهُ ثُمَّ إلَى عَرَفَاتٍ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ يَوْمَ عَرَفَةَ) وَهِيَ عَلَمٌ لِلْمَوْقِفِ وَهِيَ مُنَوَّنَةٌ لَا غَيْرُ، وَيُقَالُ لَهَا عَرَفَةُ أَيْضًا وَيَوْمُ عَرَفَةَ التَّاسِعُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَسُمِّيَ بِهِ؛ لِأَنَّ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَرَفَ أَنَّ الْحُكْمَ مِنْ اللَّهِ فِيهِ أَوْ لِأَنَّ جِبْرِيلَ عَرَّفَهُ الْمَنَاسِكَ فِيهِ، أَوْ لِأَنَّ آدَمَ وَحَوَّاءَ تَعَارَفَا فِيهِ بَعْدَ الْهُبُوطِ إلَى الْأَرْضِ وَهَذَا بَيَانُ الْأَفْضَلِ حَتَّى لَوْ ذَهَبَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَيْهَا جَازَ كَمَا يَفْعَلُهُ الْحُجَّاجُ فِي زَمَانِنَا فَإِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَبِيتُ بِمِنًى لِتَوَهُّمِ الضَّرَرِ مِنْ السُّرَّاقِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَسِيرَ عَلَى طَرِيقِ ضَبٍّ، وَيَعُودَ عَلَى طَرِيقِ الْمَأْزِمَيْنِ اقْتِدَاءً بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا فِي الْعِيدَيْنِ، وَيَنْزِلَ مَعَ النَّاسِ حَيْثُ شَاءَ وَبِقُرْبِ الْجَبَلِ أَفْضَلُ وَالْبُعْدُ عَنْ النَّاسِ فِي هَذَا الْمَكَانِ تَجَبُّرٌ وَالْحَالُ حَالُ تَضَرُّعٍ وَمَسْكَنَةٍ أَوْ إضْرَارٌ بِنَفْسِهِ أَوْ مَتَاعِهِ أَوْ تَضْيِيقٌ عَلَى الْمَارَّةِ إنْ كَانَ بِالطَّرِيقِ، وَالسُّنَّةُ أَنْ يَنْزِلَ الْإِمَامُ بِنَمِرَةَ وَنُزُولُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهَا لَا نِزَاعَ فِيهِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. (قَوْلُهُ ثُمَّ اُخْطُبْ) يَعْنِي خُطْبَتَيْنِ بَعْدَ الزَّوَالِ وَالْآذَانِ قَبْلَ الصَّلَاةِ يَجْلِسُ بَيْنَهُمَا كَمَا فِي الْجُمُعَةِ لِلِاتِّبَاعِ، وَإِنَّمَا أَطْلَقَهُ لِإِفَادَةِ أَنَّهَا جَائِزَةٌ قَبْلَ الزَّوَالِ وَاكْتَفَى بِمَا ذَكَرَهُ فِي الْأُولَى مِنْ تَعْلِيمِ الْمَنَاسِكِ عَنْ أَنْ يَقُولَ وَيُعَلِّمُ النَّاسَ فِيهَا الْمَنَاسِكَ الَّتِي هِيَ إلَى الْخُطْبَةِ الثَّالِثَةِ وَهِيَ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ وَالْمُزْدَلِفَةِ، وَالْإِفَاضَةُ مِنْهُمَا وَرَمْيُ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ وَالذَّبْحُ وَالْحَلْقُ وَطَوَافُ الزِّيَارَةِ، وَلَمَّا كَانَ الْإِطْلَاقُ مَصْرُوفًا إلَى الْمَعْهُودِ دَلَّ أَنَّهُ إذَا صَعِدَ الْإِمَامُ الْمِنْبَرَ وَجَلَسَ أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِلِاتِّبَاعِ الثَّابِتِ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. (قَوْلُهُ ثُمَّ صَلِّ بَعْدَ الزَّوَالِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ بِأَذَانٍ وَإِقَامَتَيْنِ بِشَرْطِ الْإِمَامِ وَالْإِحْرَامِ) لِمَا ثَبَتَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا كَذَلِكَ فَيُؤَذِّنُ لِلظُّهْرِ ثُمَّ يُقِيمُ لَهُ ثُمَّ يُقِيمُ لِلْعَصْرِ؛ لِأَنَّهَا تُؤَدَّى قَبْلَ وَقْتِهَا الْمُعْتَادِ فَتُفْرَدَ بِالْإِقَامَةِ لِلْإِعْلَامِ. وَأَشَارَ بِذِكْرِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَهَذَا بَيَانُ الْأَفْضَلِ) عِبَارَةُ الْهِدَايَةِ ثُمَّ يَتَوَجَّهُ إلَى عَرَفَاتٍ فَيُقِيمُ بِهَا وَهَذَا بَيَانُ الْأَوْلَوِيَّةِ أَمَّا لَوْ دَفَعَ قَبْلَهُ جَازَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْمَكَانِ حُكْمٌ قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ قَوْلُهُ وَهَذَا بَيَانُ الْأَوْلَوِيَّةِ. قَالَ الْإِمَامُ حَمِيدُ الدِّينِ الضَّرِيرُ وَغَيْرُهُ فِي شُرُوحِهِمْ أَيْ الذَّهَابُ إلَى عَرَفَةَ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ هُوَ الْأَوْلَى وَلَوْ دَفَعَ قَبْلَهُ جَازَ قُلْت هَذَا حَسَنٌ وَلَكِنْ بَقِيَ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مِنْ الْوَاجِبِ أَنْ يُقَيِّدَ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ عِنْدَ قَوْلِهِ ثُمَّ يَتَوَجَّهُ إلَى عَرَفَاتٍ بِأَنْ يَقُولَ ثُمَّ يَتَوَجَّهُ إلَى عَرَفَاتٍ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ حَتَّى يَصِحَّ بِنَاءُ قَوْلِهِ وَهَذَا بَيَانُ الْأَوْلَوِيَّةِ، وَكَأَنَّ هَذَا الْقَيْدَ تَرْكٌ لِسَهْوِ الْكَاتِبِ، وَلِهَذَا صَرَّحَ بِهِ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَشَرْحِ الْكَرْخِيِّ وَالْإِيضَاحِ وَغَيْرِهَا اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الْعِنَايَةِ وَأَجَابَ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ بِمَا فِي الْغَايَةِ مِنْ إرْجَاعِ الْإِشَارَةِ إلَى التَّوَجُّهِ بِعَرَفَاتٍ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ أَمَّا لَوْ تَوَجَّهَ إلَيْهَا قَبْلَهَا جَازَ لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّهَا حِينَئِذٍ تُوهِمُ أَنَّ التَّوَجُّهَ قَبْلَ الشَّمْسِ كَعِبَارَةِ الْمَتْنِ هُنَا تَأَمَّلْ هَذَا وَفِي مَنَاسِكِ الْإِمَامِ النَّوَوِيِّ، وَأَمَّا مَا يَفْعَلُهُ النَّاسُ فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ مِنْ دُخُولِهِمْ أَرْضَ عَرَفَاتٍ فِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ فَخَطَأٌ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ وَيَفُوتُهُمْ بِسَبَبِهِ سُنَنٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا الصَّلَوَاتُ بِمِنًى وَالْمَبِيتُ بِهَا وَالتَّوَجُّهُ مِنْهَا إلَى نَمِرَةَ، وَالنُّزُولُ بِهَا وَالْخُطْبَةُ وَالصَّلَاةُ قَبْلَ دُخُولِ عَرَفَاتٍ وَغَيْرُ ذَلِكَ فَالسُّنَّةُ أَنْ يَمْكُثُوا بِنَمِرَةَ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ وَيَغْتَسِلُوا بِهَا لِلْوُقُوفِ فَإِذَا زَالَتْ الشَّمْسُ ذَهَبَ الْإِمَامُ وَالنَّاسُ إلَى الْمَسْجِدِ الْمُسَمَّى مَسْجِدَ إبْرَاهِيمَ وَيَخْطُبُ الْإِمَامُ قَبْلَ صَلَاةِ الظُّهْرِ خُطْبَتَيْنِ إلَخْ (قَوْلُهُ عَلَى طَرِيقِ ضَبٍّ إلَخْ) بِفَتْحِ ضَادٍ مُعْجَمَةٍ وَتَشْدِيدِ مُوَحَّدَةٍ وَهُوَ اسْمٌ لِلْجَبَلِ الَّذِي حَذَاهُ مَسْجِدُ الْخَيْفِ فِي أَصْلِهِ، وَطَرِيقُهُ فِي أَصْلِ الْمَأْزِمَيْنِ عَنْ يَمِينِك وَأَنْتَ ذَاهِبٌ إلَى عَرَفَاتٍ وَالْمَأْزِمَانُ مَضِيقٌ بَيْنَ مُزْدَلِفَةَ وَعَرَفَةَ وَهُوَ بِفَتْحِ مِيمٍ وَسُكُونِ هَمْزَةٍ وَيَجُوزُ إبْدَالُهَا وَكَسْرِ زَايٍ شَرْحُ اللُّبَابِ. (قَوْلُهُ اقْتِدَاءً بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) لَكِنْ تَرَكَهُ أَكْثَرُ النَّاسِ فِي زَمَانِنَا هَذَا لِمَا فِيهِ مِنْ كَثْرَةِ الشَّوْكِ وَغَلَبَةِ الْخَوْفِ وَقِلَّةِ الشَّوْكَةِ لَأَكْثَرَ الْحَاجُّ شَرْحُ اللُّبَابِ. (قَوْلُهُ وَلَمَّا كَانَ الْإِطْلَاقُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَا يَخْفَى مَا بَيْنَ أَوَّلِ كَلَامِهِ وَآخِرِهِ مِنْ التَّدَافُعِ إذْ لَوْ انْصَرَفَ إلَى الْمَعْهُودِ لَمَا أَفَادَ الْجَوَازَ قَبْلَ الزَّوَالِ اهـ. أَيْ فَكَمَا أَنَّ الْمَعْهُودَ أَنَّهُ إذَا صَعِدَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 361 الْعَصْرِ بَعْدَ الظُّهْرِ إلَى أَنَّهُ لَا يُصَلِّي سُنَّةَ الظُّهْرِ الْبَعْدِيَّةِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي التَّصْحِيحِ فَبِالْأَوْلَى أَنْ لَا يَنْتَقِلَ بَيْنَهُمَا فَلَوْ فَعَلَ كُرِهَ، وَأَعَادَ الْأَذَانَ لِلْعَصْرِ لِانْقِطَاعِ فَوْرِهِ فَصَارَ كَالِاشْتِغَالِ بَيْنَهُمَا بِفِعْلٍ آخَرَ وَفِي اقْتِصَارِهِ فِي بَيَانِ شَرْطِ الْجَمْعِ عَلَى مَا ذُكِرَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْخُطْبَةَ لَيْسَتْ مِنْ شَرْطِهِ بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ وَعَلَى أَنَّ الْجَمَاعَةَ لَيْسَتْ مِنْ شَرْطِهِ حَتَّى لَوْ لَحِقَ النَّاسَ الْفَزَعُ بِعَرَفَاتٍ فَصَلَّى الْإِمَامُ وَحْدَهُ الصَّلَاتَيْنِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى الصَّحِيحِ كَذَا فِي الْوَجِيزِ وَفِي الْبَدَائِعِ، وَلَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مَا إذَا سَبَقَ الْإِمَامَ الْحَدَثُ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ فَاسْتَخْلَفَ رَجُلًا، وَذَهَبَ الْإِمَامُ لِيَتَوَضَّأَ فَصَلَّى الْخَلِيفَةُ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ ثُمَّ جَاءَ الْإِمَامُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الْعَصْرَ إلَّا فِي وَقْتِهَا؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْجَوَازِ هُنَاكَ لَيْسَ لِعَدَمِ الْجَمَاعَةِ بَلْ لِعَدَمِ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ أَنْ يَكُونَ إمَامًا، وَصَارَ كَوَاحِدٍ مِنْ الْمُؤْتَمِّينَ أَوْ يُقَالَ الْجَمَاعَةُ شَرْطُ الْجَمْعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَكِنْ فِي حَقِّ غَيْرِ الْإِمَامِ لَا فِي حَقِّ الْإِمَامِ. اهـ. فَمَا فِي النُّقَايَةِ وَالْجَوْهَرَةِ وَالْمَجْمَعِ مِنْ اشْتِرَاطِ الْجَمَاعَةِ ضَعِيفٌ، وَلَوْ أَحْدَثَ بَعْدَ الْخُطْبَةِ قَبْلَ أَنْ يَشْرَعَ فِي الصَّلَاةِ فَاسْتَخْلَفَ مَنْ لَمْ يَشْهَدْ الْخُطْبَةَ جَازَ، وَيَجْمَعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ، وَذَكَرَ الْإِمَامَ وَالْإِحْرَامَ بِالتَّعْرِيفِ لِلْإِشَارَةِ إلَى تَعْيِينِهِمَا، فَالْمُرَادُ بِالْإِمَامِ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ أَوْ نَائِبُهُ مُقِيمًا كَانَ أَوْ مُسَافِرًا فَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ مَعَ إمَامٍ غَيْرِهِمَا، وَلَوْ مَاتَ الْإِمَامُ وَهُوَ الْخَلِيفَةُ جَمَعَ نَائِبُهُ أَوْ صَاحِبُ شَرْطِهِ   [منحة الخالق] الْمِنْبَرَ وَجَلَسَ أَذَنَّ الْمُؤَذِّنُ فَكَذَلِكَ الْمَعْهُودُ كَوْنُ الْخُطْبَةِ بَعْدَ الزَّوَالِ. (قَوْلُهُ فَلَوْ فَعَلَ كُرِهَ) ، وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَالْمُحِيطِ وَالْكَافِي مِنْ أَنَّهُ لَا يَشْتَغِلُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ بِالنَّافِلَةِ غَيْرَ سُنَّةِ الظُّهْرِ فَغَيْرُ صَحِيحٍ لِمَا قَالَ فِي الْفَتْحِ هَذَا يُنَافِي حَدِيثَ جَابِرٍ فَصَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا، وَكَذَا يُنَافِي إطْلَاقَ الْمَشَايِخِ فِي قَوْلِهِمْ وَلَا يَتَطَوَّعُ بَيْنَهُمَا بِشَيْءٍ فَإِنَّ التَّطَوُّعَ يُقَالُ عَلَى السُّنَّةِ اهـ. وَإِنْ كَانَ تَأْخِيرُ الْعَصْرِ مِنْ الْإِمَامِ لَا يُكْرَهُ لِلْمَأْمُومِ أَنْ يَتَطَوَّعَ بَيْنَهُمَا إلَى أَنْ يَدْخُلَ الْإِمَامُ فِي الْعَصْرِ، وَيُكْرَهُ التَّنَفُّلُ بَعْدَ أَدَاءِ الْعَصْرِ وَلَوْ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ صَرَّحَ بِهِ بَعْضُهُمْ اهـ. مِنْ اللُّبَابِ وَشَرْحِهِ. (قَوْلُهُ فَصَارَ كَالِاشْتِغَالِ بَيْنَهُمَا بِفِعْلٍ آخَرَ) كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْكَلَامِ. (تَنْبِيهٌ) نَقَلَ الْمَدَنِيُّ عَنْ إجَابَةِ السَّائِلِينَ لِلشَّيْخِ عَبْدِ اللَّهِ الْعَفِيفِ أَنَّهُ قَالَ سُئِلَ الْعَلَّامَةُ السَّيِّدُ مُحَمَّدٌ صَادِقُ بْنُ أَحْمَدَ بَادْشَاهْ عَنْ تَكْبِيرِ التَّشْرِيقِ هَلْ يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ وَمَنْ اقْتَدَى بِهِ فِيمَا بَيْنَ كُلٍّ مِنْ صَلَاتَيْ الْجَمْعِ بِعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ الْإِتْيَانُ بِهِ لِمَا صَرَّحَ بِهِ أَئِمَّتُنَا مِنْ أَنَّ الْعَمَلَ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا وَهُمَا لَمْ يَشْتَرِطَا شَيْئًا مِمَّا شَرَطَهُ الْإِمَامُ مِنْ الْمِصْرِ وَغَيْرِهِ أَمْ لَا يَجِبُ؟ وَهَلْ إذَا أَتَوْا بِهِ يُعَدُّ قَاطِعًا لِفَوْرِ الْأَذَانِ أَمْ لَا؟ فَأَجَابَ مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ أَنَّ هَذِهِ الْكَيْفِيَّةَ أَعْنِي الْعَصْرَ بَعْدَ الظُّهْرِ فَوْرًا وَالْعِشَاءَ بَعْدَ الْمَغْرِبِ كَذَلِكَ لَا خِلَافَ فِي مُرَاعَاتِهَا عِنْدَ الْجَمِيعِ حَتَّى لَوْ فُقِدَتْ بِالِاشْتِغَالِ بِعَمَلِ عِبَادَةً كَانَ أَمْ لَا كُرِهَ وَأُعِيدَ الْأَذَانُ لِلْعَصْرِ وَالْإِقَامَةُ لِلْعِشَاءِ، وَمَا ذَاكَ إلَّا لِلِاتِّفَاقِ عَلَى وُرُودِهَا عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اهـ. قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الْوَارِدَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ تَرْكُ التَّكْبِيرِ وَلَا يُقَاسُ عَلَى النَّافِلَةِ لِوُجُوبِهِ، وَلِأَنَّ مُدَّتَهُ يَسِيرَةٌ وَلِذَا لَمْ يُعَدَّ فَاصِلًا بَيْنَ الْفَرِيضَةِ وَالرَّاتِبَةِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّكْبِيرَ بَعْدَ ثُبُوتِ وُجُوبِهِ عِنْدَنَا لَا يَسْقُطُ وُجُوبُهُ هُنَا إلَّا بِدَلِيلٍ وَمَا ذَكَرَ لَا يَصْلُحُ لِلدَّلَالَةِ كَمَا عَلِمْته هَذَا مَا ظَهَرَ لِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ فَمَا فِي النُّقَايَةِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ فِيهِ نَظَرٌ فَقَدْ نَقَلَ غَيْرُ وَاحِدٍ اشْتِرَاطَ الْجَمَاعَةِ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ قَالَ الْإِسْبِيجَابِيُّ: وَهُوَ الصَّحِيحُ وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْفَزَعِ فَبِتَقْدِيرِ تَسْلِيمِهِ إنَّمَا جَازَ لَهُ الْجَمْعُ ضَرُورَةً كَمَا عَلَّلَ بِهِ الشَّارِحُ فِيمَا إذَا نَفَرُوا لَا أَنَّ الْجَمَاعَةَ غَيْرُ شَرْطٍ اهـ. قَالَ الْعَلَّامَةُ نُوحٌ أَفَنْدِي بَعْدَ ذِكْرِهِ عِبَارَةَ الْبَدَائِعِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُؤَلِّفُ: قُلْت اخْتَارَ صَاحِبُ الْمُحِيطِ هَذَا حَيْثُ قَالَ وَلَوْ نَفَر النَّاسُ عَنْ الْإِمَامِ بَعْدَ الشُّرُوعِ أَوْ قَبْلَهُ فَصَلَّى وَحْدَهُ الصَّلَاتَيْنِ جَازَ؛ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِي حَقِّ الْإِمَامِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَمَّا الْإِمَامُ فَشَرْطٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِ اهـ. فَعَلَى هَذَا لَا تَرِدُ مَسْأَلَةُ الْفَزَعِ أَصْلًا وَلَا تَحْتَاجُ إلَى الْجَوَابِ قَطْعًا، وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ هُوَ الْأَوْلَى بِالْقَبُولِ لِمُوَافَقَتِهِ الْمَنْقُولَ وَالْمَعْقُولَ فَالْأَوَّلُ مَا سَبَقَ أَنَّ مَنْ صَلَّاهُمَا مَعَ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ مُحْرِمًا يَجْمَعُ وَمَنْ لَا فَلَا عِنْدَهُ، وَالثَّانِي أَنَّ اشْتِرَاطَ الْإِمَامِ عَيْنُ اشْتِرَاطِ الْجَمَاعَةِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ اشْتِرَاطُ أَدَائِهَا مَعَهُ لَا اشْتِرَاطُ وُجُودِهِ فِي الْمَوْقِفِ، وَإِلَّا لَصَحَّ جَمْعُ مَنْ وُجِدَ فِي الْمَوْقِفِ مُنْفَرِدًا، وَلَيْسَ مَذْهَبَ الْإِمَامِ بَلْ مَذْهَبَ الصَّاحِبَيْنِ فَاشْتِرَاطُهُمْ الْإِمَامَ يُعَيِّنُ اشْتِرَاطَ الْجَمَاعَةِ مَعَهُ وَيُؤَيِّدُهُ تَخْصِيصُهُمْ جَوَازَ الْجَمْعِ مُنْفَرِدًا فِي حَقِّ الْإِمَامِ فَقَطْ وَتَعْلِيلُ بَعْضِهِمْ لَهُ بِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الْجَمَاعَةِ فِي حَقِّهِ وَأَكْثَرُهُمْ بِالضَّرُورَةِ فَعَلَى هَذَا فَالْجَمَاعَةُ شَرْطٌ غَيْرُ لَازِمٍ فِي حَقِّهِ فَتَسْقُطُ بِالضَّرُورَةِ لَازِمٌ فِي حَقِّهِمْ فَلَا تَسْقُطُ بِحَالٍ. (قَوْلُهُ مُقِيمًا كَانَ أَوْ مُسَافِرًا) لَكِنْ إنْ كَانَ مُقِيمًا كَإِمَامِ مَكَّةَ صَلَّى بِهِمْ صَلَاةَ الْمُقِيمِينَ وَلَا يَجُوزُ لَهُ الْقَصْرُ وَلَا لِلْحَاجِّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ قَالَ الْإِمَامُ الْحَلْوَانِيُّ كَانَ الْإِمَامُ النَّسَفِيُّ يَقُولُ الْعَجَبُ مِنْ أَهْلِ الْمَوْقِفِ يُتَابِعُونَ إمَامَ مَكَّةَ فِي الْقَصْرِ وَبَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَكَّةَ فَرْسَخَانِ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لَهُمْ، وَأَنَّى يُرْجَى لَهُمْ الْخَيْرُ وَصَلَاتُهُمْ غَيْرُ جَائِزَةٍ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ كُنْت مَعَ أَهْلِ الْمَوْقِفِ فَاعْتَزَلْت وَصَلَّيْت كُلَّ صَلَاةٍ فِي وَقْتِهَا وَأَوْصَيْت بِذَلِكَ أَصْحَابِي، وَقَدْ سَمِعْنَا أَنَّهُ يَتَكَلَّفُ وَيَخْرُجُ مَسِيرَةَ سَفَرٍ ثُمَّ يَأْتِيَ عَرَفَاتٍ فَلَوْ كَانَ هَكَذَا فَالْقَصْرُ جَائِزٌ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 362 لِأَنَّ النُّوَّابَ لَا يَنْعَزِلُونَ بِمَوْتِ الْخَلِيفَةِ، وَالْأَصْلِيُّ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فِي وَقْتِهَا، وَالْمُرَادُ بِالْإِحْرَامِ إحْرَامُ الْحَجِّ حَتَّى لَوْ كَانَ مُحْرِمًا بِالْعُمْرَةِ يُصَلِّي الْعَصْرَ فِي وَقْتِهِ عِنْدَهُ، وَهَذَانِ الشَّرْطَانِ لَا بُدَّ مِنْهُمَا فِي كُلٍّ مِنْ الصَّلَاتَيْنِ لَا فِي الْعَصْرِ وَحْدَهَا حَتَّى لَوْ كَانَ مُحْرِمًا بِالْعُمْرَةِ فِي الظُّهْرِ مُحْرِمًا بِالْحَجِّ فِي الْعَصْرِ لَا يَجُوزُ لَهُ الْجَمْعُ عِنْدَهُ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا فِي الظُّهْرِ، وَأَطْلَقَ فِي وَقْتِ الْإِحْرَامِ فَأَفَادَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُحْرِمًا قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ بَعْدَهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ حُصُولُهُ عِنْدَ أَدَاءِ الصَّلَاتَيْنِ، وَلَا يُشْتَرَطُ الْإِمَامُ لِجَمِيعِ أَدَاءِ الظُّهْرِ حَتَّى لَوْ أَدْرَكَ جُزْءًا مِنْهُ مَعَهُ جَازَ لَهُ الْجَمْعُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَهَذَا كُلُّهُ مَذْهَبُ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا لَا يُشْتَرَطُ إلَّا الْإِحْرَامُ عِنْدَ الْعَصْرِ وَهُوَ رِوَايَةٌ فَجُوِّزَ لِلْمُنْفَرِدِ الْجَمْعُ وَفِي قَوْلِهِ صَلَّى الظُّهْرَ إشَارَةٌ إلَى الصَّحِيحَةِ فَلَوْ صَلَّاهَا، ثُمَّ تَبَيَّنَ فَسَادُ الظُّهْرِ أَعَادَهُمَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الْفَاسِدَ عُدِمَ شَرْعًا، وَذَكَرَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ أَنَّهُ يُؤَخِّرُ هَذَا الْجَمْعِ إلَى آخِرِ وَقْتِ الظُّهْرِ وَفِي الْمُحِيطِ لَا يَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ فِيهِمَا. (قَوْلُهُ ثُمَّ إلَى الْمَوْقِفِ وَقِفْ بِقُرْبِ الْجَبَلِ) أَيْ ثُمَّ رُحْ وَالْمُرَادُ بِالْجَبَلِ جَبَلُ الرَّحْمَةِ (قَوْلُهُ وَعَرَفَاتٌ كُلِّهَا مَوْقِفٌ إلَّا بَطْنَ عُرَنَةَ) لِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ «عَرَفَاتٌ كُلُّهَا مَوْقِفٌ وَارْتَفِعُوا عَنْ بَطْنِ عُرَنَةَ وَالْمُزْدَلِفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ وَارْتَفِعُوا عَنْ بَطْنِ مُحَسِّرٍ وَشِعَابُ مَكَّةَ كُلُّهَا مَنْحَرٌ» وَفِي الْمُغْرِبِ عُرَنَةُ وَادٍ بِحِذَاءِ عَرَفَاتٍ وَبِتَصْغِيرِهَا سُمِيَتْ عُرَيْنَةُ يُنْسَبُ إلَيْهَا الْعُرَنِيُّونَ وَذَكَرَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ أَنَّهَا بِفَتْحِ الرَّاءِ وَضَمِّهَا بِغَرْبِيِّ مَسْجِدِ عَرَفَةَ حَتَّى لَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إنَّ الْجِدَارَ الْغَرْبِيَّ مِنْ مَسْجِدِ عَرَفَةَ لَوْ سَقَطَ سَقَطَ فِي بَطْنِ عُرَنَةَ، وَحَكَى الْبَاجِيَّ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّ عَرَفَةَ فِي الْحِلِّ وَعُرَنَةَ فِي الْحَرَمِ. (قَوْلُهُ حَامِدًا مُكَبِّرًا مُهَلِّلًا مُلَبِّيًا مُصَلِّيًا دَاعِيًا) أَيْ قِفْ حَامِدًا إلَى آخِرِهِ لِحَدِيثِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ «أَفْضَلُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ وَأَفْضَلُ مَا قُلْته أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ بِيَدِهِ الْخَيْرُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» وَكَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَجْتَهِدُ فِي الدُّعَاءِ فِي هَذَا الْمَوْقِفِ حَتَّى رُوِيَ عَنْهُ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - دَعَا عَشِيَّةَ عَرَفَةَ لِأُمَّتِهِ بِالْمَغْفِرَةِ فَاسْتُجِيبَ لَهُ إلَّا فِي الدِّمَاءِ وَالْمَظَالِمِ ثُمَّ أَعَادَ الدُّعَاءَ بِالْمُزْدَلِفَةِ فَأُجِيبَ حَتَّى الدِّمَاءِ وَالْمَظَالِمِ» خَرَّجَهُ ابْنُ مَاجَهْ وَهُوَ ضَعِيفٌ بِالْعَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ فَإِنَّهُ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ سَاقِطُ الِاحْتِجَاجِ كَمَا ذَكَرَهُ الْحُفَّاظُ لَكِنَّ لَهُ شَوَاهِدَ كَثِيرَةً فَمِنْهَا مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «كَانَ فُلَانٌ رِدْفَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ عَرَفَةَ فَجَعَلَ الْفَتَى يُلَاحِظُ النِّسَاءَ وَيَنْظُرُ إلَيْهِنَّ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -   [منحة الخالق] وَإِلَّا لَا فَيَجِبُ الِاحْتِيَاطُ تَتَارْخَانِيَّةُ عَنْ الْمُحِيطِ مُلَخَّصًا. (قَوْلُهُ وَعِنْدَهُمَا لَا يُشْتَرَطُ إلَّا الْإِحْرَامُ إلَخْ) ذَكَرَ فِي الشرنبلالية عَنْ الْبُرْهَانِ أَنَّهُ الْأَظْهَرُ (قَوْلُهُ وَذَكَرَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ إلَخْ) نَقَلَهُ شَارِحُ اللُّبَابِ عَنْ شَرْحِ الْجَامِعِ لِقَاضِي خَانْ وَقَالَ فِيهِ إنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ تَأْخِيرُ الْوُقُوفِ وَيُنَافِي حَدِيثَ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حَتَّى إذَا زَاغَتْ الشَّمْسُ فَإِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ الْخُطْبَةَ كَانَتْ فِي أَوَّلِ الزَّوَالِ فَلَا تَقَعُ الصَّلَاةُ فِي آخِرِ وَقْتِ الظُّهْرِ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ أَنَّهُ يُصَلِّي الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ بَعْدَهُ لَا قَبْلَهُ. (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَقَفَ بِقُرْبِ الْجَبَلِ) أَيْ عِنْدَ الصَّخَرَاتِ الْكِبَارِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُؤَلِّفُ وَهُوَ مَوْقِفُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ عَلَى مَا قِيلَ الصَّخَرَاتُ السُّودُ الْكِبَارُ الْمُفْتَرِشَاتُ فِي طَرَفَيْ الْجُبَيْلَاتِ الصِّغَارِ الَّتِي كَأَنَّهَا الرَّوَابِي الصِّغَارُ عِنْدَ جَبَلِ الرَّحْمَةِ وَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَطْنَ نَاقَتِهِ إلَى الصَّخَرَاتِ وَجَبَلِ الْمُشَاةِ بَيْنَ يَدَيْهِ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَكَانَ مَوْقِفُهُ عِنْدَ النَّابِتِ. قَالَ الْأَزْرَقِيُّ وَالنَّابِتُ هُوَ الْفَجْوَةُ الَّتِي خَلْفَ مَوْقِفِ الْإِمَامِ وَأَنَّ مَوْقِفَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ عَلَى ضِرْسٍ مُضَرَّسٍ بَيْنَ أَحْجَارٍ هُنَاكَ نَاتِئَةٌ مِنْ جَبَلِ الْآلِ قَالَ الْفَارِسِيُّ قَالَ قَاضِي الْقُضَاةِ بَدْرُ الدِّينِ وَقَدْ اجْتَهَدْت عَلَى تَعْيِينِ مَوْقِفِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ جِهَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ وَوَافَقَنِي عَلَيْهِ بَعْضُ مَنْ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ مِنْ مُحَدِّثِي مَكَّةَ وَعُلَمَائِهَا حَتَّى حَصَلَ الظَّنُّ بِتَعْيِينِهِ، وَأَنَّهُ الْفَجْوَةُ الْمُسْتَعْلِيَةُ الْمُشْرِفَةُ عَلَى الْمَوْقِفِ الَّتِي عَنْ يَمِينِهَا وَوَرَاءَهَا صَخْرَةٌ مُتَّصِلَةٌ بِصَخَرَاتِ الْجَبَلِ، وَهَذِهِ الْفَجْوَةُ بَيْنَ الْجَبَلِ وَالْبِنَاءِ الْمُرَبَّعِ عَنْ يَسَارِهِ وَهِيَ إلَى الْجَبَلِ أَقْرَبُ بِقَلِيلٍ بِحَيْثُ يَكُونُ الْجَبَلُ قُبَالَتَك بِيَمِينٍ إذَا اسْتَقْبَلْت الْقِبْلَةَ وَالْبِنَاءُ الْمُرَبَّعُ عَنْ يَسَارِك بِقَلِيلٍ وَرَاءَ فَإِنْ ظَفِرْت بِمَوْقِفِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ الْغَايَةُ الْقُصْوَى فَلَازِمْهُ وَلَا تُفَارِقْهُ وَإِنْ خَفِيَ عَلَيْك فَقِفْ مَا بَيْنَ الْجَبَلِ وَالْبِنَاءِ الْمَذْكُورِ عَلَى جَمِيعِ الصَّخَرَاتِ وَالْأَمَاكِن الَّتِي بَيْنَهُمَا وَعَلَى سَهْلِهَا تَارَةً وَعَلَى جَبَلِهَا تَارَةً لَعَلَّك أَنْ تُصَادِفَ الْمَوْقِفَ النَّبَوِيَّ كَذَا فِي الْمُرْشِدِيِّ عَلَى الْكَنْزِ، وَقَالَ الْقَاضِي مُحَمَّدٌ عِيدٌ وَالْبِنَاءُ الْمُرَبَّعُ هُوَ الْمَعْرُوفُ بِمَطْبَخِ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَقَدْ وَقَفْت بِمَوْقِفِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِرَارًا كَثِيرَةً، وَحَصَلَ لِي مِنْهُ خُشُوعٌ عَظِيمٌ وَيُعْرَفُ بِحِذَائِهِ صَخْرَةٌ مَخْرُوقَةٌ تَتْبَعُ هِيَ وَمَا حَوْلَهَا مِنْ الصَّخَرَاتِ الْمَفْرُوشَةِ وَمَا وَرَاءَهَا مِنْ الصِّخَارِ السُّودِ الْمُتَّصِلَةِ بِالْجَبَلِ هُنَا الْمَطْلُوبُ اهـ. كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْمَدَنِيِّ عَلَى الدُّرِّ الْمُخْتَارِ. (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَعَرَفَاتٌ كُلُّهَا مَوْقِفٌ إلَّا بَطْنَ عُرَنَةَ) ظَاهِرُ هَذَا وَكَذَا قَوْلُهُ فِي مُزْدَلِفَةَ وَهِيَ مَوْقِفٌ إلَّا بَطْنَ مُحَسِّرٍ أَنَّ الْمَكَانَيْنِ لَيْسَا بِمَكَانِ وُقُوفٍ فَلَا يُجْزِئُ فِيهِمَا كَمَا سَيَأْتِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 363 ابْنَ أَخِي إنَّ هَذَا يَوْمٌ مَنْ مَلَكَ فِيهِ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ غُفِرَ لَهُ» وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مَرْفُوعًا «مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مَرْفُوعًا «أَنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ، وَأَنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهَا، وَأَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ» وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ مَرْفُوعًا «مَا رُئِيَ الشَّيْطَانُ يَوْمًا هُوَ أَصْغَرُ وَلَا أَدْحَرُ وَلَا أَغْيَظُ مِنْهُ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ، وَمَا ذَاكَ إلَّا لِمَا يَرَى مِنْ تَنَزُّلِ الرَّحْمَةِ وَتَجَاوُزِ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ الذُّنُوبِ الْعِظَامِ إلَّا مَا رُئِيَ يَوْمَ بَدْرٍ فَإِنَّهُ رَأَى جِبْرِيلَ يَزَعُ الْمَلَائِكَةَ» فَإِنَّهَا تَقْتَضِي تَكْفِيرَ الصَّغَائِرِ وَالْكَبَائِرِ، وَلَوْ كَانَتْ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ لَكِنْ ذَكَرَ الْأَكْمَلُ فِي شَرْحِ الْمَشَارِقِ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ أَنَّ الْمَقْصُودَ أَنَّ الذُّنُوبَ السَّالِفَةَ تُحْبَطُ بِالْإِسْلَامِ وَالْهِجْرَةِ وَالْحَجِّ صَغِيرَةً كَانَتْ أَوْ كَبِيرَةً، وَتَتَنَاوَلُ حُقُوقَ اللَّهِ وَحُقُوقَ الْعِبَادِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْحَرْبِيِّ حَتَّى لَوْ أَسْلَمَ لَا يُطَالَبُ بِشَيْءٍ مِنْهَا حَتَّى لَوْ كَانَ قَتَلَ وَأَخَذَ الْمَالَ وَأَحْرَزَهُ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ أَسْلَمَ لَا يُؤَاخَذُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَعَلَى هَذَا كَانَ الْإِسْلَامُ كَافِيًا فِي تَحْصِيلِ مُرَادِهِ وَلَكِنْ ذَكَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْهِجْرَةَ وَالْحَجَّ تَأْكِيدًا فِي بِشَارَتِهِ وَتَرْغِيبًا فِي مُبَايَعَتِهِ فَإِنَّ الْهِجْرَةَ وَالْحَجَّ لَا يُكَفِّرَانِ الْمَظَالِمَ، وَلَا يُقْطَعُ فِيهِمَا بِمَحْوِ الْكَبَائِرِ، وَإِنَّمَا يُكَفِّرَانِ الصَّغَائِرَ وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ وَالْكَبَائِرُ الَّتِي لَيْسَتْ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ أَيْضًا كَالْإِسْلَامِ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَحِينَئِذٍ لَا يُشَكُّ أَنَّ ذِكْرَهُمَا كَانَ لِلتَّأْكِيدِ اهـ. وَهَكَذَا ذَكَرَ الْإِمَامُ الطِّيبِيِّ فِي شَرْحِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَقَالَ إنَّ الشَّارِحِينَ اتَّفَقُوا عَلَيْهِ، وَهَكَذَا ذَكَرَ الْإِمَامُ النَّوَوِيُّ وَالْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ أَنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْكَبَائِرَ لَا يُكَفِّرُهَا إلَّا التَّوْبَةُ، فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ ظَنِّيَّةٌ، وَأَنَّ الْحَجَّ لَا يُقْطَعُ فِيهِ بِتَكْفِيرِ الْكَبَائِرِ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى فَضْلًا عَنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ وَإِنْ قُلْنَا بِالتَّكْفِيرِ لِلْكُلِّ فَلَيْسَ مَعْنَاهُ كَمَا يَتَوَهَّمُهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ أَنَّ الدَّيْنَ يَسْقُطُ عَنْهُ، وَكَذَا قَضَاءُ الصَّلَوَاتِ وَالصِّيَامَاتِ وَالزَّكَاةِ إذْ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِذَلِكَ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّ إثْمَ مَطْلِ الدَّيْنِ وَتَأْخِيرِهِ يَسْقُطُ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ إذَا مَطَلَ صَارَ آثِمًا الْآنَ، وَكَذَا إثْمُ تَأْخِيرِ الصَّلَاةِ عَنْ أَوْقَاتِهَا يَرْتَفِعُ بِالْحَجِّ لَا الْقَضَاءُ ثُمَّ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ يُطَالَبُ بِالْقَضَاءِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ كَانَ آثِمًا عَلَى الْقَوْلِ بِفَوْرِيَّتِهِ، وَكَذَا الْبَقِيَّةُ عَلَى هَذَا الْقِيَاسِ وَبِالْجُمْلَةِ فَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِمُقْتَضَى عُمُومِ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي الْحَجِّ كَمَا لَا يَخْفَى. وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ مُلَبِّيًا إلَى الرَّدِّ عَلَى مَنْ قَالَ يَقْطَعُهَا إذَا وَقَفَ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْوُقُوفَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَهُوَ أَعْظَمُ أَرْكَانِهِ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «الْحَجُّ عَرَفَةَ» وَشَرْطُهُ شَيْئَانِ: أَحَدُهُمَا كَوْنُهُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ تُحْبَطُ بِالْإِسْلَامِ وَالْهِجْرَةِ وَالْحَجِّ) أَيْ بِمَجْمُوعِ الثَّلَاثَةِ لَا بِكُلِّ وَاحِدٍ عَلَى انْفِرَادِهِ. (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّ إثْمَ مَطْلِ الدَّيْنِ وَتَأْخِيرِهِ يَسْقُطُ إلَخْ) أَقُولُ: بَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ أَخَّرَ صَلَاةً عَنْ وَقْتِهَا فَقَدْ ارْتَكَبَ مَعْصِيَةً وَهِيَ التَّأْخِيرُ، وَوَجَبَ عَلَيْهِ شَيْءٌ آخَرُ وَهُوَ الْقَضَاءُ وَكَذَا إذَا مَطَلَ الدَّيْنَ، وَكَذَا إذَا قَتَلَ أَحَدًا ارْتَكَبَ مَعْصِيَةً وَهِيَ الْجِنَايَةُ عَلَى الْعَبْدِ مُخَالِفًا نَهْيَ الرَّبِّ تَعَالَى وَوَجَبَ عَلَيْهِ شَيْءٌ آخَرُ وَهُوَ تَسْلِيمُ نَفْسِهِ لِلْقِصَاصِ إنْ كَانَ عَمْدًا أَوْ تَسْلِيمُ الدِّيَةِ وَكَذَا نَظَائِرُ ذَلِكَ مِمَّا يَكُونُ مَعْصِيَةً يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا وَاجِبٌ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْوَاجِبُ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ حُقُوقِ الْعَبْدِ فَمَا وَرَدَ مِنْ تَكْفِيرِ الْحَجِّ لِلْكَبَائِرِ، وَالْمُرَادُ تَكْفِيرُهُ لِلْمَعَاصِي الْكَبَائِرِ كَتَأْخِيرِ الصَّلَاةِ وَمَطْلِ الدَّيْنِ وَالْجِنَايَةِ عَلَى الْعَبْدِ وَأَمَّا الْوَاجِبَاتُ الْمُتَرَتِّبَةُ عَلَى تِلْكَ الْمَعَاصِي مِنْ لُزُومِ قَضَاءِ الصَّلَاةِ وَأَدَاءِ الدَّيْنِ وَتَسْلِيمِ نَفْسِهِ لِلْقِصَاصِ أَوْ تَسْلِيمِ الدِّيَةِ فَإِنَّهَا لَا تَسْقُطُ؛ لِأَنَّ التَّكْفِيرَ إنَّمَا يَكُونُ لِلذَّنْبِ وَهَذِهِ وَاجِبَاتٌ لَا ذُنُوبٌ حَتَّى تَسْقُطَ أَلَا تَرَى أَنَّ التَّوْبَةَ تُكَفِّرُ الذُّنُوبَ بِالِاتِّفَاقِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ سُقُوطُ الْوَاجِبَاتِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى تِلْكَ الذُّنُوبِ عَلَى أَنَّ التَّوْبَةَ مِنْ ذَنْبٍ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ وَاجِبٌ لَا تَتِمُّ إلَّا بِفِعْلِ ذَلِكَ الْوَاجِبِ فَمَنْ غَصَبَ شَيْئًا ثُمَّ تَابَ لَا تَتِمُّ تَوْبَتُهُ إلَّا بِضَمَانِ مَا غَصَبَ فَمَا بَالُك بِالْحَجِّ الَّذِي فِيهِ النِّزَاعُ، وَالْمُرَادُ مِنْ قَوْلِنَا لَا تَتِمُّ تَوْبَتُهُ إلَّا بِفِعْلِ الْوَاجِبِ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَةِ الْغَصْبِ فِي الْآخِرَةِ إلَّا بِذَلِكَ وَإِلَّا فَلَوْ غَصَبَ وَتَابَ عَنْ فِعْلِ الْغَصْبِ الْمَذْكُورِ وَحَبَسَ الشَّيْءَ الْمَغْصُوبَ عِنْدَهُ وَمَنَعَ صَاحِبَهُ عَنْهُ، وَقَدْ عَزَمَ عَلَى رَدِّهِ إلَى صَاحِبِهِ تَصِحُّ تَوْبَتُهُ وَإِنْ بَقِيَتْ ذِمَّتُهُ مَشْغُولَةً بِهِ إلَى أَنْ يَرُدَّهُ إلَى صَاحِبِهِ فَحِينَئِذٍ تَتِمُّ تَوْبَتُهُ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَتِهِ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ، وَكَذَا يُقَالُ فِي مَطْلِ الدَّيْنِ وَتَأْخِيرِ الصَّلَاةِ فَقَدْ ظَهَرَ بِمَا قَرَّرْنَاهُ أَنَّ الْحَجَّ كَالتَّوْبَةِ فِي تَكْفِيرِ الْكَبَائِرِ سَوَاءٌ تَعَلَّقَتْ بِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ بِحُقُوقِ الْعَبْدِ أَوْ لَمْ تَتَعَلَّقْ بِحَقِّ أَحَدٍ أَيْ لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهَا وَاجِبٌ آخَرُ كَشُرْبِ الْخَمْرِ وَنَحْوِهِ فَيُكَفِّرُ الْحَجُّ الذَّنْبَ وَيَبْقَى حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَحَقُّ الْعَبْدِ فِي ذِمَّتِهِ إنْ كَانَ ذَنْبًا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ حَقُّ أَحَدِهِمَا كَمَا قَرَّرَنَا، وَإِلَّا فَلَا يَبْقَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ الْفَرِيدَ فَإِنَّ بِهِ يَتَّضِحُ الْمَرَامُ وَتَنْدَفِعُ الشُّبْهَةُ وَالْأَوْهَامُ، وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ الْعَلَّامَةُ إبْرَاهِيمُ اللَّقَانِيُّ فِي شَرْحِهِ الْكَبِيرِ عَلَى مَنْظُومَتِهِ فِي التَّوْحِيدِ فَقَالَ إنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ حَجَّ الْبَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» لَا يَتَنَاوَلُ حُقُوقَ اللَّهِ تَعَالَى وَحُقُوقَ عِبَادِهِ؛ لِأَنَّهَا فِي الذِّمَّةِ لَيْسَتْ ذَنْبًا، وَإِنَّمَا الذَّنْبُ الْمَطْلُ فِيهِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى إسْقَاطِ صَاحِبِهِ فَاَلَّذِي يَسْقُطُ إثْمُ مُخَالَفَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَقَطْ اهـ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ أَحَدُهُمَا كَوْنُهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 364 فِي أَرْضِ عَرَفَاتٍ. الثَّانِي أَنْ يَكُونَ فِي وَقْتِهِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ وَلَيْسَ الْقِيَامُ مِنْ شَرْطِهِ وَلَا مِنْ وَاجِبَاتِهِ حَتَّى لَوْ كَانَ جَالِسًا جَازَ؛ لِأَنَّ الْوُقُوفَ الْمَفْرُوضَ هُوَ الْكَيْنُونَةُ فِيهِ، وَكَذَا النِّيَّةُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ وَوَاجِبُهُ الِامْتِدَادُ إلَى الْغُرُوبِ وَأَمَّا سُنَنُهُ فَالِاغْتِسَالُ لِلْوُقُوفِ وَالْخُطْبَتَانِ وَالْجَمْعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ وَتَعْجِيلُ الْوُقُوفِ عَقِيبَهُمَا، وَأَنْ يَكُونَ مُفْطِرًا لِكَوْنِهِ أَعْوَنَ عَلَى الدُّعَاءِ وَأَنْ يَكُونَ مُتَوَضِّئًا لِكَوْنِهِ أَكْمَلَ، وَأَنْ يَقِفَ عَلَى رَاحِلَتِهِ وَأَنْ يَكُونَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَأَنْ يَكُونَ وَرَاءَ الْإِمَامِ بِالْقُرْبِ مِنْهُ وَأَنْ يَكُونَ حَاضِرَ الْقَلْبِ فَارِغًا مِنْ الْأُمُورِ الشَّاغِلَةِ مِنْ الدُّعَاءِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَجْتَنِبَ فِي مَوْقِفِهِ طَرِيقَ الْقَوَافِلِ وَغَيْرِهِمْ لِئَلَّا يَنْزَعِجَ بِهِمْ، وَأَنْ يَقِفَ عِنْدَ الصَّخَرَاتِ السُّودِ مَوْقِفَ رَسُولِ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ يَقِفُ بِقُرْبٍ مِنْهُ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ وَأَمَّا مَا اُشْتُهِرَ عِنْدَ الْعَوَامّ مِنْ الِاعْتِنَاءِ بِالْوُقُوفِ عِنْدَ جَبَلِ الرَّحْمَةِ الَّذِي هُوَ بِوَسَطِ عَرَفَاتٍ، وَتَرْجِيحُهُمْ لَهُ عَلَى غَيْرِهِ فَخَطَأٌ ظَاهِرٌ وَمُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِمَّنْ يُعْتَدُّ بِهِ فِي صُعُودِ هَذَا الْجَبَلِ فَضِيلَةً تَخْتَصُّ بِهِ بَلْ لَهُ حُكْمُ سَائِرِ أَرَاضِي عَرَفَاتٍ غَيْرَ مَوْقِفِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ أَفْضَلُ إلَّا الطَّبَرِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي فَإِنَّهُمَا قَالَا بِاسْتِحْبَابِ قَصْدِ هَذَا الْجَبَلِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ جَبَلُ الدُّعَاءِ. قَالَ وَهُوَ مَوْقِفُ الْأَنْبِيَاءِ وَمَا قَالَاهُ لَا أَصْلَ لَهُ وَلَمْ يَرِدْ فِيهِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَلَا ضَعِيفٌ كَذَا ذَكَرَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَمِنْ السُّنَّةِ أَنْ يُكْثِرَ مِنْ الدُّعَاءِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّهْلِيلِ وَالتَّلْبِيَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلْيَحْذَرْ كُلَّ الْحَذَرِ مِنْ التَّقْصِيرِ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا فَإِنَّ هَذَا الْيَوْمَ لَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ وَيُكْثِرُ مِنْ التَّلَفُّظِ بِالتَّوْبَةِ مِنْ جَمِيعِ الْمُخَالَفَاتِ مَعَ النَّدَمِ بِالْقَلْبِ، وَأَنْ يُكْثِرَ الْبُكَاءَ مَعَ الذِّكْرِ فَهُنَاكَ تُسْكَبُ الْعَبَرَاتُ، وَتُسْتَقَالُ الْعَثَرَاتُ وَتُرْتَجَى الطَّلَبَاتُ، وَأَنَّهُ لَمَجْمَعٌ عَظِيمٌ وَمَوْقِفٌ جَسِيمٌ يَجْتَمِعُ فِيهِ خِيَارُ عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ وَأَوْلِيَائِهِ الْمُخْلَصِينَ، وَهُوَ أَعْظَمُ مَجَامِعِ الدُّنْيَا، وَقَدْ قِيلَ إذَا وَافَقَ يَوْمُ   [منحة الخالق] فِي أَرْضِ عَرَفَاتٍ) الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا رُكْنُهُ لِعَدَمِ تَصَوُّرِهِ بِدُونِهِ كَذَا فِي شَرْحِ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ وَأَنْ يَكُونَ مُفْطِرًا) عَدَّ فِي اللُّبَابِ مِنْ مُسْتَحَبَّاتِ الْوُقُوفِ الصَّوْمُ لِمَنْ قَوِيَ وَالْفِطْرُ لِلضَّعِيفِ. قَالَ وَقِيلَ يُكْرَهُ قَالَ شَارِحُهُ وَهِيَ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ لِئَلَّا يُسِيءَ خُلُقَهُ فَيُوقِعَهُ فِي مَحْذُورٍ أَوْ مَحْظُورٍ، وَكَذَا صَوْمُ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ؛ لِأَنَّهُ يُعْجِزُهُ عَنْ أَدَاءِ أَفْعَالِ الْحَجِّ وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْطَرَ يَوْمَ عَرَفَةَ مَعَ كَمَالِ الْقُوَّةِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَنْهَ أَحَدًا عَنْ صَوْمِهِ فَلَا وَجْهَ لِكَرَاهَتِهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَأَمَّا مَا فِي الْخَانِيَّةِ وَيُكْرَهُ صَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ بِعَرَفَاتٍ وَكَذَا صَوْمُ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ؛ لِأَنَّهُ يُعْجِزُهُ عَنْ أَدَاءِ أَفْعَالِ الْحَجِّ فَمَبْنِيٌّ عَلَى حُكْمِ الْأَغْلَبِ فَلَا يُنَافِيهِ مَا فِي الْكَرْمَانِيِّ مِنْ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ لِلْحَاجِّ الصَّوْمُ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ عِنْدَنَا إلَّا إذَا كَانَ يُضْعِفُهُ عَنْ أَدَاءِ الْمَنَاسِكِ فَحِينَئِذٍ تَرْكُهُ أَوْلَى وَفِي الْفَتْحِ إنْ كَانَ يُضْعِفُهُ عَنْ الْوُقُوفِ وَالدَّعَوَاتِ وَالْمُسْتَحَبُّ تَرْكُهُ اهـ. (قَوْلُهُ وَأَنْ يَقِفَ عَلَى رَاحِلَتِهِ) عِبَارَةُ مَتْنِ التَّنْوِيرِ وَوَقَفَ الْإِمَامُ عَلَى نَاقَتِهِ قَالَ الْمَدَنِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ لَا خُصُوصِيَّةَ لِلْإِمَامِ هُنَا بَلْ يَنْبَغِي الرُّكُوبُ لِكُلِّ وَاقِفٍ فِي عَرَفَةَ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْإِمَامَ لِأَنَّهُ يُقْتَدَى بِهِ فِي جَمِيعِ الْمَنَاسِكِ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كَانُوا يَقْتَدُونَ بِفِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلِأَنَّهُ مَتَى وَقَفَ رَاكِبًا يَكُونُ قَلْبُهُ فَارِغًا مِنْ جَانِبِ الدَّابَّةِ فَيَكُونُ قَلْبُهُ فِي الدُّعَاءِ أَسْكَنَ وَفِي الْمُنَاجَاةِ أَخْلَصَ، قَالَهُ الشَّيْخُ عَبْدُ اللَّهِ الْعَفِيفُ ثُمَّ قَالَ وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ نَقْلًا عَنْ مَنْسَكِ ابْنِ الْعَجَمِيِّ يُكْرَهُ الْوُقُوفُ عَلَى ظَهْرِ الدَّابَّةِ إلَّا فِي حَالِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ بَلْ هُوَ الْأَفْضَلُ لِلْإِمَامِ وَغَيْرِهِ، وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِّ فِي الْمَدْخَلِ وَهَذَا الْمَوْضِعُ مُسْتَثْنًى عَمَّا نَهَى عَنْهُ مِنْ اتِّخَاذِ ظُهُورِ الدَّوَابِّ مَسَاطِبَ يُجْلَسُ عَلَيْهَا اهـ. وَفِي مَنْسَكِ ابْنِ الْعَجَمِيِّ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَرْكَبٌ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَقِفَ قَائِمًا فَإِذَا أَعْيَا جَلَسَ وَلَوْ وَقَفَ جَالِسًا جَازَ اهـ. وَمَفْهُومُ عِبَارَةِ الْكَرْمَانِيِّ أَنَّ مَنْ قَدَرَ عَلَى الرُّكُوبِ وَلَمْ يَرْكَبْ يَكُونُ مُسِيئًا لِتَرْكِهِ السُّنَّةَ فَافْهَمْ وَإِلَّا فَقَاعِدًا وَهُوَ يَلِي الْقِيَامَ فِي الْفَضِيلَةِ، وَيُكْرَهُ الِاضْطِجَاعُ إلَّا مِنْ عُذْرٍ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي كُتُبِ الْمَنَاسِكِ اهـ. (قَوْلُهُ وَقَدْ قِيلَ إذَا وَافَقَ يَوْمَ عَرَفَةَ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْضَلُ الْأَيَّامِ يَوْمُ عَرَفَةَ وَإِذَا وَافَقَ يَوْمَ جُمُعَةٍ فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ سَبْعِينَ حِجَّةٍ فِي غَيْرِ يَوْمِ جُمُعَةٍ أَخْرَجَهُ رَزِينٌ وَعَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا كَانَ يَوْمَ جُمُعَةٍ غَفَرَ اللَّهُ تَعَالَى لِجَمِيعِ أَهْلِ الْمَوْقِفِ» قَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ جَمَاعَةَ سُئِلَ وَالِدِي عَنْ وَقْفَةِ الْجُمُعَةِ هَلْ لَهَا مَزِيَّةٌ عَلَى غَيْرِهَا؟ فَأَجَابَ أَنَّ لَهَا مَزِيَّةً عَلَى غَيْرِهَا مِنْ خَمْسَةِ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ وَالثَّانِي مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْحَدِيثَيْنِ. الثَّالِثُ أَنَّ الْعَمَلَ يَشْرُفُ بِشَرَفِ الْأَزْمِنَةِ كَمَا يَشْرُفُ بِشَرَفِ الْأَمْكِنَةِ وَيَوْمُ الْجُمُعَةِ أَفْضَلُ أَيَّامِ الْأُسْبُوعِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ فِيهِ أَفْضَلَ. الرَّابِعُ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى شَيْئًا إلَّا أَعْطَاهُ إيَّاهُ وَلَيْسَتْ فِي غَيْرِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ. الْخَامِسُ مُوَافَقَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّ وَقْفَتَهُ فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ كَانَتْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَإِنَّمَا يُخْتَارُ لَهُ الْأَفْضَلُ. قَالَ وَالِدِي أَمَّا مِنْ حَيْثُ إسْقَاطُ الْفَرْضِ فَلَا مَزِيَّةَ لَهَا عَلَى غَيْرِهَا، وَسَأَلَهُ بَعْضُ الطَّلَبَةِ فَقَالَ قَدْ جَاءَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَغْفِرُ لِجَمِيعِ أَهْلِ الْمَوْقِفِ فَمَا وَجْهُ تَخْصِيصِ ذَلِكَ بِيَوْمِ الْجُمُعَةِ فِي الْحَدِيثِ يَعْنِي الْمُتَقَدِّمَ؟ فَأَجَابَهُ بِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَغْفِرُ فِي يَوْمِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 365 عَرَفَةَ يَوْمَ جُمُعَةٍ غُفِرَ لِكُلِّ أَهْلِ الْمَوْقِفِ وَأَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ سَبْعِينَ حِجَّةً فِي غَيْرِ يَوْمِ جُمُعَةٍ كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ، وَلْيَحْذَرْ كُلَّ الْحَذَرِ مِنْ الْمُخَاصَمَةِ وَالْمُشَاتَمَةِ وَالْمُنَافَرَةِ وَالْكَلَامِ الْقَبِيحِ بَلْ وَمِنْ الْمُبَاحِ أَيْضًا فِي مِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ. (قَوْلُهُ ثُمَّ إلَى مُزْدَلِفَةَ بَعْدَ الْغُرُوبِ) أَيْ ثُمَّ رُحْ كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ فِعْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَهَذَا بَيَانٌ لِلْوَاجِبِ حَتَّى لَوْ دَفَعَ قَبْلَ الْغُرُوبِ وَجَاوَزَ حُدُودَ عَرَفَةَ لَزِمَهُ دَمٌ. وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْإِمَامَ لَوْ أَبْطَأَ بِالدَّفْعِ بَعْدَ الْغُرُوبِ فَإِنَّ النَّاسَ يَدْفَعُونَ؛ لِأَنَّهُ لَا مُوَافَقَةَ فِي مُخَالَفَةِ السُّنَّةِ، وَلَوْ مَكَثَ بَعْدَ الْغُرُوبِ وَبَعْدَ دَفْعِ الْإِمَامِ وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا لِخَوْفِ الزِّحَامِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا كَانَ مُسِيئًا لِمُخَالَفَةِ السُّنَّةِ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَمْشِيَ عَلَى هِينَتِهِ، وَإِذَا وَجَدَ فُرْجَةً أَسْرَعَ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْخُلَ مُزْدَلِفَةَ مَاشِيًا، وَأَنْ يُكَبِّرَ وَيُهَلِّلَ وَيَحْمَدَ وَيُلَبِّيَ سَاعَةً فَسَاعَةً. (قَوْلُهُ وَانْزِلْ بِقُرْبِ جَبَلِ قُزَحَ) يَعْنِي الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ وَهُوَ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ لِلْعَدْلِ وَالْعَلَمِيَّةِ كَعُمَرَ مِنْ قَزَحَ الشَّيْءُ ارْتَفَعَ يُقَالُ إنَّهُ كَانُونُ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَهُوَ مَوْقِفُ الْإِمَامِ، كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلَا يَنْبَغِي النُّزُولُ عَلَى الطَّرِيقِ وَلَا الِانْفِرَادُ عَلَى النَّاسِ فَيَنْزِلُ عَنْ يَمِينِهِ أَوْ يَسَارِهِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقِفَ وَرَاءَ الْإِمَامِ كَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ. (قَوْلُهُ وَصَلِّ بِالنَّاسِ الْعِشَاءَيْنِ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ) أَيْ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمْعَ تَأْخِيرٍ لِرِوَايَةِ مُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَذَّنَ لِلْمَغْرِبِ بِجَمْعٍ فَأَقَامَ ثُمَّ صَلَّى الْعِشَاءَ بِالْإِقَامَةِ الْأُولَى» . وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا تَطَوُّعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ وَلَوْ سُنَّةً مُؤَكَّدَةً عَلَى الصَّحِيحِ، وَلَوْ تَطَوَّعَ بَيْنَهُمَا أَعَادَ الْإِقَامَةَ كَمَا لَوْ اشْتَغَلَ بَيْنَهُمَا بِعَمَلٍ آخَرَ وَفِي الْهِدَايَةِ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُعَادَ الْأَذَانُ كَمَا فِي الْجَمْعِ الْأَوَّلِ إلَّا أَنَّا اكْتَفَيْنَا بِإِعَادَةِ الْإِقَامَةِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى الْمَغْرِبَ بِمُزْدَلِفَةَ ثُمَّ تَعَشَّى ثُمَّ أَفْرَدَ الْإِقَامَةَ بِالْعِشَاءِ» وَإِلَى أَنَّ هَذَا الْجَمْعَ لَا يَخْتَصُّ بِالْمُسَافِرِ؛ لِأَنَّهُ جَمْعٌ بِسَبَبِ النُّسُكِ فَيَجُوزُ لِأَهْلِ مَكَّةَ وَمُزْدَلِفَةَ وَمِنًى وَغَيْرِهِمْ وَإِلَى أَنَّ هَذَا الْجَمْعَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْإِمَامُ كَمَا شُرِطَ فِي الْجَمْعِ الْمُتَقَدِّمِ؛ لِأَنَّ الْعِشَاءَ تَقَعُ أَدَاءً فِي وَقْتِهَا، وَالْمَغْرِبَ قَضَاءً، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَهُمَا مَعَ الْإِمَامِ بِجَمَاعَةٍ وَيَنْبَغِي أَنْ يُصَلِّيَ الْفَرْضَ قَبْلَ حَطِّ رَحْلِهِ بَلْ يُنِيخُ جِمَالَهُ وَيَعْقِلُهَا، وَهَذِهِ لَيْلَةٌ جَمَعَتْ شَرَفَ الْمَكَانِ وَالزَّمَانِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجْتَهِدَ فِي إحْيَائِهَا بِالصَّلَاةِ وَالتِّلَاوَةِ وَالذِّكْرِ وَالتَّضَرُّعِ. (قَوْلُهُ وَلَمْ تَجُزْ الْمَغْرِبُ فِي الطَّرِيقِ) أَيْ لَمْ تَحِلَّ صَلَاةُ الْمَغْرِبِ قَبْلَ الْوُصُولِ إلَى مُزْدَلِفَةَ لِلْحَدِيثِ «الصَّلَاةُ أَمَامَك» قَالَهُ حِينَ قَالَ قِيلَ لَهُ الصَّلَاةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَهُوَ فِي طَرِيقِ مُزْدَلِفَةَ أَيْ وَقْتَهَا فَدَلَّ كَلَامُهُ أَنَّهَا لَا تَحِلُّ بِعَرَفَاتٍ بِالطَّرِيقِ الْأُولَى. وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْعِشَاءَ لَا تَحِلُّ بِالطَّرِيقِ الْأُولَى وَإِنْ كَانَ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهَا؛ لِأَنَّ صَاحِبَةَ الْوَقْتِ وَهِيَ الْمَغْرِبُ إذَا كَانَتْ لَا تَحِلُّ بِهِ فَغَيْرُهَا أَوْلَى، وَلَمَّا كَانَ وَقْتُ هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ وَقْتَ الْعِشَاءِ عُلِمَ أَنَّهُ لَوْ خَافَ طُلُوعَ الْفَجْرِ جَازَ أَنْ يُصَلِّيَهُمَا فِي الطَّرِيقِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُصَلِّهِمَا لَصَارَتَا قَضَاءً، وَإِذَا لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَدَاؤُهُمَا بِالطَّرِيقِ فَإِذْ صَلَّاهُمَا أَوْ إحْدَاهُمَا فَقَدْ ارْتَكَبَ كَرَاهَةَ التَّحْرِيمِ فَكُلُّ صَلَاةٍ أُدِّيَتْ مَعَهَا وَجَبَ إعَادَتُهَا فَيَجِبُ إعَادَتُهُمَا مَا لَمْ يَطْلُعْ الْفَجْرُ فَإِنْ طَلَعَ سَقَطَتْ الْإِعَادَةُ؛ لِأَنَّ الْإِعَادَةَ لِلْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فِي وَقْتِ الْعِشَاءِ، وَقَدْ خَرَجَ فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ ثُمَّ هَاهُنَا مَسْأَلَةٌ لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَتِهَا   [منحة الخالق] الْجُمُعَةِ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ وَفِي غَيْرِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ يَهَبُ قَوْمًا لِقَوْمٍ اهـ. كَذَا فِي حَاشِيَةِ الشَّيْخِ نُورِ الدِّينِ الزِّيَادِيِّ الشَّافِعِيِّ. (قَوْلُهُ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا تَطَوُّعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ) أَيْ بَلْ يُصَلِّي سُنَّةَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَالْوِتْرَ بَعْدَهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ مَوْلَانَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْجَامِيِّ قَدَّسَ اللَّهُ سِرَّهُ السَّامِي فِي مَنْسَكِهِ كَذَا فِي شَرْحِ اللُّبَابِ لِلْقَارِي. (قَوْلُهُ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَخْ) لَا أَصْلَ لِهَذَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ هُوَ فِي الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ فَعَلَهُ، وَكَذَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ وَالْمَغْرِبَ قَضَاءً) دَفَعَهُ فِي النَّهْرِ بِمَا فِي السِّرَاجِ أَنَّهُ يَنْوِي فِي الْمَغْرِبِ الْأَدَاءَ لَا الْقَضَاءَ. اهـ. قُلْت: وَيَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْمُؤَلِّفِ الْآتِي، وَلَمَّا كَانَ وَقْتُ هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ وَقْتَ الْعِشَاءِ إلَخْ، وَكَذَا مَا يَأْتِي مِنْ أَنَّ الدَّلِيلَ الظَّنِّيَّ أَفَادَ تَأْخِيرَ وَقْتِ الْمَغْرِبِ أَيْ عَدَمِ خُرُوجِهِ بِدُخُولِ وَقْتِ الْعِشَاءِ فِي خُصُوصِ هَذِهِ اللَّيْلَةِ. (قَوْلُهُ وَهَذِهِ لَيْلَةٌ جَمَعَتْ شَرَفَ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَقَدْ وَقَعَ السُّؤَالُ فِي شَرَفِهَا عَلَى لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ وَقَدْ كُنْت مِمَّنْ مَالَ إلَى ذَلِكَ ثُمَّ رَأَيْت فِي الْجَوْهَرَةِ أَنَّهَا أَفْضَلُ لَيَالِي السَّنَةِ. (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلَمْ تَجُزْ الْمَغْرِبُ فِي الطَّرِيقِ) قَالَ الْعَلَّامَةُ الشَّهَاوِيُّ فِي مَنْسَكِهِ وَهَذَا الْحُكْمُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي حَقِّ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ فِي الطَّرِيقِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا ذَهَبَ إلَى الْمُزْدَلِفَةِ مِنْ طَرِيقِهَا أَمَّا إذَا ذَهَبَ إلَى مَكَّةَ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ الْمُزْدَلِفَةِ جَازَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الْمَغْرِبَ فِي الطَّرِيقِ بِلَا تَوَقُّفٍ، وَلَمْ أَجِدْ أَحَدًا صَرَّحَ بِذَلِكَ سِوَى صَاحِبِ النِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ فِي بَابِ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ، وَكَلَامُ شَارِحِ الْكَنْزِ يَدُلُّ عَلَيْهِ وَهِيَ فَائِدَةٌ جَلِيلَةٌ اهـ. وَكَذَا صَرَّحَ بِهَا فِي الْبِنَايَةِ فِي الْبَابِ الْمَذْكُورِ أَيْضًا اهـ. كَذَا وَجَدْته بِخَطِّ الْعَلَّامَةِ الشَّيْخِ إبْرَاهِيمَ أَبِي سَلَمَةَ عَلَى هَامِشِ نُسْخَتِهِ مِنْ الْكَنْزِ، وَقَدْ نَقَلَ عِبَارَةَ الْعِنَايَةِ الشَّيْخُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْمُرْشِدِيُّ فِي شَرْحِهِ، وَأَقَرَّهَا كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْمَدَنِيِّ عَلَى الدُّرِّ. (قَوْلُهُ ثُمَّ هَاهُنَا مَسْأَلَةُ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ فِيهِ إشْكَالٌ وَهُوَ أَنَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 366 وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ قَدَّمَ الْعِشَاءَ عَلَى الْمَغْرِبِ بِمُزْدَلِفَةَ يُصَلِّي الْمَغْرِبَ ثُمَّ يُعِيدُ الْعِشَاءَ فَإِنْ لَمْ يُعِدْ الْعِشَاءَ حَتَّى انْفَجَرَ الصُّبْحُ عَادَ الْعِشَاءُ إلَى الْجَوَازِ، وَهَذَا كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِيمَنْ تَرَكَ صَلَاةَ الظُّهْرِ ثُمَّ صَلَّى بَعْدَهَا خَمْسًا، وَهُوَ ذَاكِرٌ لِلْمَتْرُوكَةِ لَمْ يَجُزْ فَإِنْ صَلَّى السَّادِسَةَ عَادَ إلَى الْجَوَازِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَشَايِخَ صَرَّحُوا فِي كُتُبِهِمْ بِعَدَمِ الْجَوَازِ، وَهُوَ يُوهِمُ عَدَمَ الصِّحَّةِ، وَلَيْسَ بِمُرَادٍ بَلْ الْمُرَادُ عَدَمُ الْحِلِّ، وَلِهَذَا صَرَّحُوا بِالْإِعَادَةِ وَلَوْ كَانَتْ بَاطِلَةً لَكَانَ أَدَاءً إنْ كَانَ فِي الْوَقْتِ وَقَضَاءً إنْ كَانَ خَارِجَهُ، وَلَوْ صَرَّحُوا بِعَدَمِ الْحِلِّ لَزَالَ الِاشْتِبَاهُ وَحَاصِلُ دَلِيلِهِمْ الْمُقْتَضِي لِعَدَمِ الْحِلِّ أَنَّهُ ظَنِّيٌّ مُفِيدٌ تَأْخِيرَ وَقْتِ الْمَغْرِبِ فِي خُصُوصِ هَذِهِ اللَّيْلَةِ لِيُتَوَصَّلَ إلَى الْجَمْعِ بِمُزْدَلِفَةَ فَعَمِلْنَا بِمُقْتَضَاهُ مَا لَمْ يَلْزَمْ تَقْدِيمُ الدَّلِيلِ الْقَاطِعِ وَهُوَ الدَّلِيلُ الْمُوجِبُ لِلْمُحَافَظَةِ عَلَى الْوَقْتِ فَقَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ لَمْ يَلْزَمْ تَقْدِيمُهُ عَلَى الْقَطْعِيِّ، وَبَعْدَهُ انْتَفَى إمْكَانُ تَدَارُكِ هَذَا الْوَاجِبِ، وَتَقَرَّرَ الْمَأْثَمُ إذْ لَوْ وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ بَعْدَهُ كَانَ حَقِيقَتُهُ عَدَمَ الصِّحَّةِ فِيمَا هُوَ مُؤَقَّتٌ قَطْعًا، وَفِيهِ التَّقْدِيمُ الْمُمْتَنِعُ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقَدْ يُقَالُ بِوُجُوبِ الْإِعَادَةِ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ أَدَّاهَا قَبْلَ وَقْتِهَا الثَّابِتِ بِالْحَدِيثِ فَتَعْلِيلُهُ بِأَنَّهُ لِلْجَمْعِ فَإِذَا فَاتَ سَقَطَتْ الْإِعَادَةُ تَخْصِيصٌ لِلنَّصِّ بِالْمَعْنَى الْمُسْتَنْبَطِ مِنْهُ، وَمَرْجِعُهُ إلَى تَقْدِيمِ الْمَعْنَى عَلَى النَّصِّ   [منحة الخالق] فِيهِ تَفْوِيتَ التَّرْتِيبِ وَهُوَ فَرْضٌ يَفُوتُ الْجَوَازُ بِفَوْتِهِ كَتَرْتِيبِ الْوِتْرِ عَلَى الْعِشَاءِ فَإِنْ حُمِلَ عَلَى ظَاهِرِهِ فَهُوَ مُشْكِلٌ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى سَاقِطِ التَّرْتِيبِ أَوْ عَلَى عَوْدِهَا إلَى الْجَوَازِ إذَا صَلَّى خَمْسًا بَعْدَهَا، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَقْتُهُمَا وَقْتُ الْعِشَاءِ فَهُمَا صَلَاتَانِ اجْتَمَعَتَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْوِتْرِ وَالْعِشَاءِ أَنَّهُ يَجِبُ التَّرْتِيبُ بَيْنَهُمَا قَالُوا هُنَاكَ وَلَا يُقَدَّمُ الْوِتْرُ عَلَى الْعِشَاءِ لِلتَّرْتِيبِ لَا لِأَنَّ وَقْتَ الْوِتْرِ لَمْ يَدْخُلْ حَتَّى لَوْ نَسِيَ الْعِشَاءَ وَصَلَّى الْوِتْرَ جَازَ لِسُقُوطِ التَّرْتِيبِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ فَرْضٌ عِنْدَهُ فَصَارَ كَفَرْضَيْنِ اجْتَمَعَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ كَالْقَضَاءَيْنِ أَوْ الْقَضَاءِ وَالْأَدَاءِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي تَقْدِيمِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ عَلَى الْمَغْرِبِ هُنَا كَذَلِكَ إذْ لَا مُوجِبَ لِسُقُوطِ التَّرْتِيبِ وَبِانْفِجَارِ الصُّبْحِ لَمْ تَدْخُلْ الْفَوَائِتُ فِي حَدِّ الْكَثْرَةِ. اهـ. . قُلْت: وَهَذَا خِلَافُ الظَّاهِرِ بَلْ الْمُتَبَادَرُ سُقُوطُ التَّرْتِيبِ هُنَا أَيْضًا وَلِذَا قَالَ فِي حَوَاشِي مِسْكِينٍ تُزَادُ هَذِهِ عَلَى مَا يَسْقُطُ بِهِ التَّرْتِيبُ (قَوْلُهُ وَهُوَ يُوهِمُ عَدَمَ الصِّحَّةِ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَنَّى يُتَوَهَّمُ عَدَمُ الصِّحَّةِ لِلصَّلَاةِ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهَا اهـ. وَتَأَمَّلْهُ مَعَ مَا مَرَّ عَنْ السِّرَاجِ وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ «الصَّلَاةُ أَمَامَك» أَيْ وَقْتَهَا أَفَلَا يُتَوَهَّمُ مَعَهُ ذَلِكَ، وَقَالَ الرَّمْلِيُّ كَيْفَ لَا يُتَوَهَّمُ وَالْجَوَازُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الصِّحَّةِ وَالْحِلِّ، وَإِذَا قُلْنَا أَنَّى يُتَوَهَّمُ عَدَمُ الصِّحَّةِ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ قُلْنَا أَنَّى يُتَوَهَّمُ عَدَمُ الْحِلِّ بَعْدَ دُخُولِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ فَالتَّوَهُّمُ هُنَا لَا يُنْكَرُ (قَوْلُهُ لَكَانَ أَدَاءً) أَيْ لَكَانَ فِعْلُهَا ثَانِيًا أَدَاءً إنْ كَانَ فِي الْوَقْتِ إلَخْ. (قَوْلُهُ وَحَاصِلُ دَلِيلِهِمْ إلَخْ) خَطَرَ لِي هُنَا إشْكَالٌ، وَهُوَ أَنَّ الْحَدِيثَ الْمُفِيدَ تَأْخِيرَ الْمَغْرِبِ إذَا كَانَ ظَنِّيًّا، وَكَانَ الدَّلِيلُ الْمُوجِبُ لِلْمُحَافَظَةِ عَلَى الْوَقْتِ قَطْعِيًّا لَمْ يَجُزْ تَأْخِيرُ الْمَغْرِبِ عَنْ وَقْتِهَا الثَّابِتِ بِالْقَطْعِيِّ وَإِلَّا لَزِمَ تَقْدِيمُ الظَّنِّيِّ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ لَا قَائِلَ بِعَدَمِ جَوَازِ تَأْخِيرِهِ بَلْ بِوُجُوبِهِ وَلَا مَحِيصَ حِينَئِذٍ إلَّا بِدَعْوَى عَدَمِ ظَنِّيَّةِ الْحَدِيثِ أَوْ عَدَمِ قَطْعِيَّةِ دَلَالَةِ الْآيَةِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يَتِمُّ قَوْلُهُ فَعَمِلْنَا بِمُقْتَضَاهُ إلَخْ وَبِهِ يَتَأَيَّدُ بَحْثُ الْمُحَقِّقِ ثُمَّ رَأَيْت فِي الْعِنَايَةِ قَالَ مَا نَصُّهُ، وَاعْتَرَضَ بِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ الْآحَادِ فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَبْطُلَ بِهِ قَوْله تَعَالَى {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: 103] ، وَأَجَابَ شَيْخُ شَيْخِي الْعَلَّامَةُ بِأَنَّهُ مِنْ الْمَشَاهِيرِ تَلَقَّتْهُ الْأُمَّةُ بِالْقَبُولِ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ وَعَمِلُوا بِهِ فَجَازَ أَنْ يُزَادَ بِهِ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَقُولُ: قَوْله تَعَالَى {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: 103] الْآيَةُ وَنَحْوُهَا لَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ قَاطِعَةٌ عَلَى تَعْيِينِ الْأَوْقَاتِ، وَإِنَّمَا دَلَالَتُهَا عَلَى أَنَّ لِلصَّلَاةِ أَوْقَاتًا وَتَعْيِينُهَا ثَبَتَ إمَّا بِحَدِيثِ جِبْرِيلَ أَوْ بِغَيْرِهِ مِنْ الْآحَادِ أَوْ بِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَمِثْلُ ذَلِكَ لَا يُفِيدُ الْقَطْعَ فَجَازَ أَنْ يُعَارِضَهُ خَبَرُ الْوَاحِدِ ثُمَّ يُعْمَلَ بِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَهُوَ أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَهُمَا بِالْمُزْدَلِفَةِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَضَاءً فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ وَقْتَهُ. اهـ. وَالْأَحْسَنُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ عَدَمَ قَطْعِيَّةِ تَعْيِينِ الْأَوْقَاتِ بَعِيدٌ لِثُبُوتِهِ بِالنَّقْلِ الْمُتَوَاتِرِ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَلْ بِنَظْمِ الْقُرْآنِ إذَا فَسَّرَ دُلُوكَ الشَّمْسِ بِغُرُوبِهَا كَمَا فِي السَّعْدِيَّةِ ثُمَّ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَشَكَّكَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَيْ أَوْرَدَ إشْكَالًا مِنْ جَانِبِهِ عَلَى صَاحِبَيْهِ بِأَنَّ صَلَاةَ الْمَغْرِبِ الَّتِي صَلَّاهَا فِي الطَّرِيقِ أَمَّا إنْ وَقَعَتْ صَحِيحَةً أَوْ لَا فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَلَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ لَا فِي الْوَقْتِ وَلَا بَعْدَهُ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي وَجَبَتْ فِيهِ وَبَعْدَهُ؛ لِأَنَّ مَا وَقَعَ فَاسِدًا لَا يَنْقَلِبُ صَحِيحًا بِمُضِيِّ الْوَقْتِ، وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْفَسَادَ مَوْقُوفٌ يَظْهَرُ أَثَرُهُ فِي ثَانِي الْحَالِ كَمَا مَرَّ فِي مَسْأَلَةِ التَّرْتِيبِ اهـ. هَذَا وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا الْجَوَابِ أَنَّ مُرَادَهُمْ مِنْ عَدَمِ الْجَوَازِ عَدَمُ الصِّحَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْفَسَادِ وَالْبُطْلَانِ فِي الْعِبَادَاتِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي الْهِدَايَةِ حَيْثُ قَالَ وَمَنْ صَلَّى الْمَغْرِبَ فِي الطَّرِيقِ لَمْ يُجْزِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعَلَيْهِ إعَادَتُهَا مَا لَمْ يَطْلُعْ الْفَجْرُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُجْزِئُهُ وَقَدْ أَسَاءَ. اهـ.؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَمْ يُجْزِهِ مِنْ الْإِجْزَاءِ لَا مِنْ الْجَوَازِ وَاَلَّذِي يُطْلَقُ عَلَى الْحِلِّ الثَّانِي لَا الْأَوَّلُ، وَقَوْلُ الْمُؤَلِّفِ وَلَوْ كَانَتْ بَاطِلَةً إلَخْ جَوَابُهُ مَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ الْبُطْلَانَ غَيْرُ بَاتٍّ بَلْ هُوَ مَوْقُوفٌ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا نَقَلَهُ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ وَتَنْظِيرُهُ بِمَنْ تَرَكَ الظُّهْرَ إلَخْ فَإِنَّ الْبُطْلَانَ فِي الْمَقِيسِ عَلَيْهِ غَيْرُ بَاتٍّ نَعَمْ ظَاهِرُ مَا فِي النِّهَايَةِ يُوَافِقُ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ حَيْثُ نَظَرَ وُجُوبَ الْإِعَادَةِ هُنَا بِمَا إذَا صَلَّى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 367 وَكَلِمَتُهُمْ عَلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ لِعَيْنِ النَّصِّ لَا لِمَعْنَى النَّصِّ لَا يُقَالُ لَوْ أَجْرَيْنَاهُ عَلَى إطْلَاقِهِ أَدَّى إلَى تَقْدِيمِ الظَّنِّيِّ عَلَى الْقَطْعِيِّ؛ لِأَنَّا نَقُولُ ذَلِكَ لَوْ قُلْنَا بِافْتِرَاضِ ذَلِكَ لَكُنَّا نَحْكُمُ بِالْإِجْزَاءِ وَنُوجِبُ إعَادَةَ مَا وَقَعَ مُجْزِئًا شَرْعًا مُطْلَقًا وَلَا بِدَعَ فِي ذَلِكَ فَهُوَ فِي نَظِيرِ وُجُوبِ إعَادَةِ صَلَاةٍ أُدِّيَتْ مَعَ كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ حَيْثُ نَحْكُمُ بِإِجْزَائِهَا، وَيَجِبُ إعَادَتُهَا مُطْلَقًا اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ صَلَّاهُمَا بَعْدَمَا جَاوَزَ الْمُزْدَلِفَةَ جَازَ اهـ. (قَوْلُهُ ثُمَّ صَلِّ الْفَجْرَ بِغَلَسٍ) لِرِوَايَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّاهَا يَوْمَئِذٍ بِغَلَسٍ وَهُوَ فِي اللُّغَةِ آخِرُ اللَّيْلِ، وَالْمُرَادُ هُنَا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ بِقَلِيلٍ لِلْحَاجَةِ إلَى الْوُقُوفِ بِالْمُزْدَلِفَةِ. (قَوْلُهُ ثُمَّ قِفْ مُكَبِّرًا مُهَلِّلًا مُلَبِّيًا مُصَلِّيًا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَاعِيًا رَبَّك بِحَاجَتِك وَقِفْ عَلَى جَبَلِ قُزَحَ إنْ أَمْكَنَك، وَإِلَّا فَبِقُرْبٍ مِنْهُ) بَيَانٌ لِلسُّنَّةِ فَلَوْ وَقَفَ قَبْلَ الصَّلَاةِ أَجْزَأَهُ وَوَقْتُهُ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ وَاجِبٌ، وَصَرَّحَ فِي الْهِدَايَةِ بِسُقُوطِهِ لِلْعُذْرِ بِأَنْ يَكُونَ بِهِ ضَعْفٌ أَوْ عِلَّةٌ أَوْ كَانَتْ امْرَأَةً تَخَافُ الزِّحَامَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَسَيَأْتِي فِي الْجِنَايَاتِ أَنَّ هَذَا لَا يَخُصُّ هَذَا الْوَاجِبَ بَلْ كُلَّ وَاجِبٍ إذَا تَرَكَهُ لِلْعُذْرِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَمْ يُقَيِّدْ فِي الْمُحِيطِ خَوْفَ الزِّحَامِ بِالْمَرْأَةِ بَلْ أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ الرَّجُلَ لَوْ مَرَّ قَبْلَ الْوَقْتِ لِخَوْفِهِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَوْ مَرَّ بِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقِفَ جَازَ كَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَلَوْ مَرَّ فِي جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْمُزْدَلِفَةِ جَازَ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ، وَاخْتُلِفَ فِي جَبَلِ قُزَحَ فَقِيلَ هُوَ الْمَشْعَرُ الْحَرَامُ وَقِيلَ الْمَشْعَرُ جَمِيعُ الْمُزْدَلِفَةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْبَيْتُوتَةَ بِمُزْدَلِفَةَ وَهِيَ سُنَّةٌ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لَوْ تَرَكَهَا كَمَا لَوْ وَقَفَ بَعْدَمَا أَفَاضَ الْإِمَامُ قَبْلَ الشَّمْسِ؛ لِأَنَّ الْبَيْتُوتَةَ شُرِعَتْ لِلتَّأَهُّبِ لِلْوُقُوفِ، وَلَمْ تُشْرَعْ نُسُكًا. (قَوْلُهُ وَهِيَ مَوْقِفٌ إلَّا بَطْنَ مُحَسِّرٍ) أَيْ الْمُزْدَلِفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ إلَّا وَادِيَ مُحَسِّرٍ وَهُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ الْمُشَدَّدَةِ وَبِالرَّاءِ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ فِيلَ أَصْحَابِ الْفِيلِ حُسِرَ فِيهِ أَيْ عَيِيَ وَكَّلَ وَوَادِي مُحَسِّرٍ مَوْضِعٌ فَاصِلٌ بَيْنَ مِنًى وَمُزْدَلِفَةَ لَيْسَ مِنْ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا. قَالَ الْأَزْرَقِيُّ إنَّ وَادِيَ مُحْسِرٍ خَمْسُمِائَةِ ذِرَاعٍ وَخَمْسٌ وَأَرْبَعُونَ ذِرَاعًا، وَأَمَّا مُزْدَلِفَةُ فَإِنَّهَا كُلُّهَا مِنْ الْحَرَمِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ مِنْ التَّزَلُّفِ، وَالِازْدِلَافُ وَهُوَ التَّقَرُّبُ؛ لِأَنَّ الْحُجَّاجَ يَتَقَرَّبُونَ مِنْهَا وَحْدَهَا مَا بَيْنَ وَادِي مُحَسِّرٍ وَمَأْزِمَيْ عَرَفَةَ وَيَدْخُلُ فِيهَا جَمِيعُ تِلْكَ الشِّعَابِ وَالْجِبَالِ الدَّاخِلَةِ فِي الْحَدِّ الْمَذْكُورِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَغَيْرِهِ أَنَّ بَطْنَ مُحَسِّرٍ لَيْسَ مَكَانَ الْوُقُوفِ كَبَطْنِ عُرَنَةَ فِي عَرَفَاتٍ فَلَوْ وَقَفَ فِيهِمَا فَقَطْ لَا يَجُوزُ كَمَا لَوْ وَقَفَ فِي مِنًى سَوَاءٌ قُلْنَا أَنَّ عُرَنَةَ وَمُحَسِّرًا مِنْ عَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ أَوْ لَا وَوَقَعَ فِي الْبَدَائِعِ، وَأَمَّا مَكَانُهُ يَعْنِي الْوُقُوفَ بِمُزْدَلِفَةَ فَجُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ مُزْدَلِفَةَ إلَّا أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنْزِلَ فِي وَادِي مُحَسِّرٍ، وَلَوْ وَقَفَ بِهِ أَجْزَأَهُ مَعَ الْكَرَاهَةِ، وَذَكَرَ مِثْلَهُ فِي بَطْنِ عُرَنَةَ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْبَدَائِعِ غَيْرُ مَشْهُورٍ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ بَلْ الَّذِي يَقْتَضِيهِ كَلَامُهُمْ عَدَمَ الْإِجْزَاءِ وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ مُسَمَّى الْمَكَانَيْنِ وَالِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعٌ. (قَوْلُهُ ثُمَّ إلَى مِنًى بَعْدَمَا أَسْفَرَ جِدًّا) أَيْ ثُمَّ رُحْ وَفَسَّرَ الْأَسْفَارَ بِأَنْ تَدْفَعَ بِحَيْثُ لَمْ يَبْقَ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَّا مِقْدَارُ مَا يُصَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُكْثِرَ مِنْ الذِّكْرِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَالدُّعَاءِ وَهُوَ ذَاهِبٌ فَإِذَا بَلَغَ بَطْنَ مُحَسِّرٍ أَسْرَعَ إنْ كَانَ مَاشِيًا، وَحَرَّكَ دَابَّتَهُ إنْ كَانَ رَاكِبًا قَدْرَ رَمْيَةِ حَجَرٍ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَعَلَ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ فَارْمِ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي   [منحة الخالق] الظُّهْرَ فِي مَنْزِلِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ (قَوْلُهُ وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ صَلَّاهُمَا بَعْدَمَا جَاوَزَ الْمُزْدَلِفَةَ جَازَ) . نَقَلَهُ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ عَنْ الْمُنْتَقَى ثُمَّ قَالَ وَهُوَ خِلَافُ مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَقَالَ أَيْضًا وَإِذَا ثَبَتَ وُجُوبُ هَذَا الْجَمْعِ بِمُزْدَلِفَةَ فِي وَقْتِ الْعِشَاءِ فَلَوْ صَلَّى الْمَغْرِبَ فِي وَقْتِهَا أَوْ الْعِشَاءَ وَالْمَغْرِبَ فِي وَقْتِ الْعِشَاءِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ مُزْدَلِفَةَ أَوْ بَعْدَمَا جَاوَزَهَا لَمْ يُجْزِهِ وَعَلَيْهِ إعَادَتُهُمَا مَا لَمْ يَطْلُعْ الْفَجْرُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ وَالْحَسَنِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُجْزِئُهُ وَلَا يُعِيدُ وَقَدْ أَسَاءَ لِتَرْكِ السُّنَّةِ، وَلَوْ لَمْ يُعِدْ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ عَادَتْ إلَى الْجَوَازِ وَسَقَطَ الْقَضَاءُ اتِّفَاقًا إلَّا أَنَّهُ يَأْثَمُ لِتَرْكِهِ الْوَاجِبَ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا ذَهَبَ نِصْفُ اللَّيْلِ سَقَطَتْ الْإِعَادَةُ لِذَهَابِ وَقْتِ الِاسْتِحْبَابِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَفَ عَلَى جَبَلِ قُزَحَ إلَخْ) كَذَا فِي الزَّيْلَعِيِّ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُوجَدُ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمَتْنِ وَإِلَّا فَاَلَّذِي رَأَيْته فِي بَعْضِهَا وَعَلَيْهِ كَتَبَ فِي النَّهْرِ بِدُونِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ. (قَوْلُهُ وَهِيَ سُنَّةٌ إلَخْ) وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ قَوْلٌ بِالْوُجُوبِ وَقَوْلٌ بِالسُّنِّيَّةِ حَكَاهُمَا النَّوَوِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ ثُمَّ قَالَ وَيَتَأَكَّدُ الِاعْتِنَاءُ بِهَذَا الْمَبِيتِ سَوَاءٌ قُلْنَا إنَّهُ وَاجِبٌ أَوْ سُنَّةٌ فَقَدْ فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ ذَهَبَ إمَامَانِ جَلِيلَانِ مِنْ أَصْحَابِنَا إلَى أَنَّ هَذَا الْمَبِيتَ رُكْنٌ لَا يَصِحُّ الْحَجُّ إلَّا بِهِ قَالَهُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنُ بِنْتِ الشَّافِعِيِّ وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَحْرِصَ عَلَى الْمَبِيتِ لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَمَأْزِمَيْ عَرَفَةَ) قَالَ فِي شَرْحِ النَّوَازِلِ الْمَأْزِمُ الْمَضِيقُ بَيْنَ جَبَلَيْنِ وَالْمُرَادُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ الطَّرِيقُ بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ وَهُمَا جَبَلَانِ بَيْنَ عَرَفَاتٍ وَمُزْدَلِفَةَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 368 بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ كَحَصَى الْخَذْفِ) أَيْ الْمَكَانِ الْمُسَمَّى بِذَلِكَ، وَالْجِمَارُ هِيَ الصِّغَارُ مِنْ الْحِجَارَةِ جَمْعُ جَمْرَةٍ وَبِهَا سَمَّوْا الْمَوَاضِعَ الَّتِي تُرْمَى جِمَارًا وَجَمَرَاتٍ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْمُلَابَسَةِ وَقِيلَ لِتَجَمُّعِ مَا هُنَالِكَ مِنْ الْحَصَى مِنْ تَجَمُّرِ الْقَوْمِ إذَا تَجَمَّعُوا وَجَمَرَ شَعْرَهُ إذَا جَمَعَهُ عَلَى قَفَاهُ وَالْخَذْفُ بِالْخَاءِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَتَيْنِ أَنْ تَرْمِيَ بِحَصَاةٍ أَوْ نَوَاةٍ أَوْ نَحْوِهَا تَأْخُذُهُ بَيْنَ سَبَّابَتَيْك وَقِيلَ أَنْ تَضَعَ طَرَفَ الْإِبْهَامِ عَلَى طَرَفِ السَّبَّابَةِ، وَفِعْلُهُ مِنْ بَابِ ضَرَبَ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ، وَصَحَّحَ الْوَلْوَالِجِيُّ الْقَوْلَ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ إهَانَةً لِلشَّيْطَانِ، وَهَذَا بَيَانٌ لِلسُّنَّةِ فَلَوْ رَمَى كَيْفَ أَرَادَ جَازَ وَلَوْ رَمَى مِنْ فَوْقِ الْعَقَبَةِ أَجْزَأَهُ، وَكَانَ مُخَالِفًا لِلسُّنَّةِ قَيَّدَ بِالرَّمْيِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَضَعَهَا وَضْعًا لَمْ يَجُزْ لِتَرْكِ الْوَاجِبِ وَالطَّرْحُ رَمْيٌ إلَى قَدَمَيْهِ فَيَكُونُ مُجْزِئًا إلَّا أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ وَمِقْدَارُ الرَّمْيِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الرَّامِي وَمَوْضِعِ السُّقُوطِ خَمْسَةُ أَذْرُعٍ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ بَيْنهمَا هَذَا الْقَدْرُ فَلَوْ رَمَاهَا فَوَقَعَتْ قَرِيبًا مِنْ الْجَمْرَة يَكْفِيهِ، وَلَوْ وَقَعَتْ بَعِيدًا لَمْ يُجْزِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْرِفْ قُرْبَةً إلَّا فِي مَكَانِ مَخْصُوصٍ، وَالْقَرِيبُ عَفْوٌ وَلَوْ وَقَعَتْ الْحَصَاةُ عَلَى ظَهْرِ رَجُلٍ أَوْ عَلَى مَحْمِلٍ وَثَبَتَتْ عَلَيْهِ كَانَ عَلَيْهِ إعَادَتُهَا، وَإِذَا سَقَطَتْ عَنْ الْمَحْمِلِ أَوْ عَنْ ظَهْرِ الرَّجُلِ فِي سُنَنِهَا ذَلِكَ أَجْزَأَهُ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ كَحَصَى الْخَذْفِ إلَى أَنَّهُ لَوْ رَمَى بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ جُمْلَةً وَاحِدَةً فَإِنَّهُ يَكُونُ عَنْ وَاحِدَةٍ لِأَنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ تَفَرُّقُ الْأَفْعَالِ وَالتَّقْيِيدُ بِالسَّبْعِ لِمَنْعِ النَّقْصِ لَا لِمَنْعِ الزِّيَادَةِ فَإِنَّهُ لَوْ رَمَاهَا بِأَكْثَرَ مِنْ السَّبْعِ لَمْ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ أَيْ الْمَكَانُ الْمُسَمَّى بِذَلِكَ) تَفْسِيرٌ لِجَمْرَةِ الْعَقَبَةِ (قَوْلُهُ وَقِيلَ أَنْ تَضَعَ طَرَفَ الْإِبْهَامِ إلَخْ) قَالَ فِي الشرنبلالية عَلَيْهِ مَشَى فِي الْهِدَايَةِ فَقَالَ وَكَيْفِيَّةُ الرَّمْيِ أَنْ يَضَعَ الْحَصَاةَ عَلَى ظَهْرِ إبْهَامِهِ الْيُمْنَى وَيَسْتَعِينَ بِالْمُسَبِّحَةِ اهـ. قَالَ الْكَمَالُ وَهَذَا التَّفْسِيرُ يَحْتَمِلُ كُلًّا مِنْ تَفْسِيرَيْنِ قِيلَ بِهِمَا أَحَدُهُمَا أَنْ يَضَعَ طَرَفَ إبْهَامِهِ الْيُمْنَى عَلَى وَسَطِ السَّبَّابَةِ وَيَضَعَ الْحَصَاةَ عَلَى ظَهْرِ الْإِبْهَامِ كَأَنَّهُ عَاقِدٌ سَبْعِينَ فَيَرْمِيَهَا، وَعُرِفَ مِنْهُ أَنَّ الْمَسْنُونَ فِي كَوْنِ الرَّمْيِ بِالْيَدِ الْيُمْنَى، وَالْآخَرَ أَنْ يُحَلِّقَ سَبَّابَتَهُ وَيَضَعَهَا عَلَى مَفْصِلِ إبْهَامِهِ كَأَنَّهُ عَاقِدٌ عَشْرَةً وَهَذَا فِي التَّمَكُّنِ مِنْ الرَّمْيِ بِهِ مَعَ الزَّحْمَةِ وَالْوَهْجَةِ عُسْرٌ، وَقِيلَ يَأْخُذُهَا بِطَرْفَيْ إبْهَامِهِ وَسَبَّابَتِهِ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ الْأَيْسَرُ الْمُعْتَادُ اهـ. وَكَذَا نَقَلَ تَصْحِيحَهُ فِي السِّرَاجِ عَنْ النِّهَايَةِ وَهُوَ الَّذِي صَحَّحَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ أَيْضًا وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ أَنَّ الثَّانِيَ مِمَّا فِي الْمُغْرِبِ هُوَ هَذَا فَمَا مَشَى عَلَيْهِ فِي الْهِدَايَةِ غَيْرُهُ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْكَمَالِ وَهُوَ الظَّاهِرُ خِلَافًا لِمَا مَرَّ عَنْ الشرنبلالية (قَوْلُهُ وَمِقْدَارُ الرَّمْيِ إلَخْ) هَذَا تَقْدِيرُ أَقَلِّ مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَكَانِ فِي الْمَسْنُونِ كَذَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ فَلَوْ رَمَاهَا فَوَقَعَتْ قَرِيبًا مِنْ الْجَمْرَةِ إلَخْ) أَيْ قَدْرَ ذِرَاعٍ وَنَحْوِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُقَدِّرْهُ اعْتِبَارًا لِلْقُرْبِ عُرْفًا وَضِدُّهُ الْبُعْدُ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ وَقَالَ فِي اللُّبَابِ وَقُدِّرَ الْقَرِيبُ بِثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ وَالْبَعِيدُ بِمَا فَوْقَهَا وَقِيلَ الْقَرِيبُ مَا دُونَ الثَّلَاثَةِ. (قَوْلُهُ وَلَوْ وَقَعَتْ الْحَصَاةُ عَلَى ظَهْرِ رَجُلٍ إلَخْ) فَلَوْ وَقَعَتْ عَلَى الشَّاخِصِ أَيْ أَطْرَافِ الْمِيلِ الَّذِي هُوَ عَلَامَةٌ لِلْجَمْرَةِ أَجْزَأَهُ وَلَوْ عَلَى قُبَّةِ الشَّاخِصِ وَلَمْ تَنْزِلْ عَنْهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ لِلْبُعْدِ لُبَابٌ وَفِيهِ وَإِنْ لَمْ يَدْرِ أَنَّهَا وَقَعَتْ فِي الْمَرْمَى بِنَفْسِهَا أَوْ بِنَفْضِ مَنْ وَقَعَتْ عَلَيْهِ وَتَحْرِيكِهِ فَفِيهِ اخْتِلَافٌ، وَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يُعِيدَهُ وَكَذَا لَوْ رَمَى وَشَكَّ فِي وُقُوعِهَا مَوْقِعَهَا فَالْأَحْوَطُ أَنْ يُعِيدَ. (قَوْلُهُ وَلَوْ رَمَى بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ جُمْلَةً إلَخْ) وَفِي الْكَرْمَانِيِّ إذَا وَقَعَتْ مُتَفَرِّقَةً عَلَى مَوَاضِعِ الْجَمَرَاتِ جَازَ كَمَا لَوْ جَمَعَ بَيْنَ أَسْوَاطِ الْحَدِّ بِضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ وَإِنْ وَقَعَتْ عَلَى مَكَان وَاحِدٍ لَا يَجُوزُ، وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ لَا يُجْزِئُهُ إلَّا عَنْ حَصَاةٍ وَاحِدَةٍ كَيْفَمَا كَانَ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالرَّمْيِ سَبْعَ مَرَّاتٍ شَرْحُ اللُّبَابِ ثُمَّ نَقَلَ عَنْ مُصَنِّفِ اللُّبَابِ فِي مَنْسَكِهِ الْكَبِيرِ أَنَّ الَّذِي فِي الْمَشَاهِيرِ مِنْ كُتُبِ أَصْحَابِنَا الْإِطْلَاقُ فِي عَدَمِ الْجَوَازِ كَمَا هُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ، ثُمَّ نَازَعَهُ بِمَا فِيهِ نَظَرٌ لِمَنْ أَحْسَنَ النَّظَرَ فَرَاجِعْهُ وَتَبَصَّرْ وَفِي حَاشِيَةِ الْمَدَنِيِّ عَنْ الْمُرْشِدِيِّ وَلَا يُجْزِئُ الرَّمْيُ بِالْقَوْسِ وَنَحْوِهِ وَلَا الرَّمْيُ بِالرِّجْلِ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ تُوضَعُ الْحَصَاةُ فِي يَدِهِ وَيَرْمِي بِهَا، وَإِنْ رَمَى عَنْهُ غَيْرُهُ بِأَمْرِهِ أَجْزَأَهُ وَالْأَوَّلُ أَفْضَلُ وَفِي اللُّبَابِ وَلَوْ رَمَى بِحَصَاتَيْنِ إحْدَاهُمَا عَنْ نَفْسِهِ وَالْأُخْرَى عَنْ غَيْرِهِ جَازَ وَيُكْرَهُ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَرْمِيَ أَوَّلًا عَنْ نَفْسِهِ ثُمَّ عَنْ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ لَوْ رَمَاهَا بِأَكْثَرَ مِنْ السَّبْعِ لَمْ يَضُرَّهُ) قَالَ فِي اللُّبَابِ وَلَوْ رَمَى أَكْثَرَ مِنْ سَبْعٍ يُكْرَهُ، وَقَالَ شَارِحُهُ أَيْ إذَا رَمَاهُ عَنْ قَصْدٍ، وَأَمَّا إذَا شَكَّ فِي السَّابِعِ وَرَمَاهُ وَتَبَيَّنَ أَنَّهُ الثَّامِنُ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّهُ ذَلِكَ هَذَا وَقَدْ نَاقَضَهُ فِي الْكَبِيرِ بِقَوْلِهِ وَلَوْ رَمَى بِأَكْثَرَ مِنْ السَّبْعِ لَا يَضُرُّهُ اهـ. أَقُولُ: مَا ذَكَرَهُ فِي الْمَنْسَكِ الْكَبِيرِ هُوَ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ هُنَا وَلَعَلَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ الْقَصْدِ فَلَا تَنَاقُضَ إذْ لَا شَكَّ أَنَّ السَّبْعَ هُوَ الْمَسْنُونُ فَالزِّيَادَةُ عَلَيْهَا مُخَالِفَةٌ لِلسُّنَّةِ فَتُكْرَهُ لَوْ كَانَتْ مَقْصُودَةً وَإِلَّا فَلَا وَفِي حَاشِيَةِ الْمَدَنِيِّ قَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ جَمَاعَةَ فِي مَنَاسِكِهِ الْكُبْرَى قَالُوا لَوْ زَادَ الرَّمْيَ عَلَى السَّبْعِ هَلْ يُنْدَبُ أَوْ يُكْرَهُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ إنَّهُ لَا تُكْرَهُ الزِّيَادَةُ؛ لِأَنَّ رَمْيَهُ طَاعَةٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ بَلْ تُكْرَهُ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ السُّنَّةِ هَكَذَا نَقَلَ الْخِلَافَ اهـ. وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ لَوْ زَادَ عَلَى سَبْعِ حَصَيَاتٍ لَا أَجْرَ لَهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُكْرَهَ قَالَ الْقَاضِي عِيدٌ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَيُكْرَهُ رَمْيُ الْجَمْرَتَيْنِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 369 يَضُرُّهُ وَالتَّقْيِيدُ بِالْحَصَى لِبَيَانِ الْأَكْمَلِ، وَإِلَّا فَيَجُوزُ الرَّمْيُ بِكُلِّ مَا كَانَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ كَالْحَجَرِ وَالْمَدَرِ وَمَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِهِ وَلَوْ كَفًّا مِنْ تُرَابٍ وَلَا يَجُوزُ بِالْخَشَبِ وَالْعَنْبَرِ وَاللُّؤْلُؤِ وَالْجَوَاهِرِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ إمَّا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ أَوْ؛ لِأَنَّهَا نُثَارٌ وَلَيْسَتْ بِرَمْيٍ أَوْ؛ لِأَنَّهُ إعْزَازٌ لَا إهَانَةَ، وَكَذَا التَّقْيِيدُ بِحَصَى الْخَذْفِ لِبَيَانِ الْأَكْمَلِ فَإِنَّهُ لَوْ رَمَاهَا بِأَكْبَرَ مِنْهُ جَازَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُرْمَى بِالْكِبَارِ مِنْ الْحِجَارَةِ كَيْ لَا يَتَأَذَّى بِهِ غَيْرُهُ، وَلَوْ رَمَى صَحَّ وَكُرِهَ وَلَمْ يُبَيِّنْ الْمَوْضِعَ الْمَأْخُوذَ مِنْهُ الْحَصَا لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَخْذُهُ مِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ شَاءَ فَلْيَأْخُذْهَا مِنْ مُزْدَلِفَةَ أَوْ مِنْ قَارِعَةِ الطَّرِيقِ، وَيُكْرَهُ مِنْ عِنْدِ الْجَمْرَةِ تَنْزِيهًا؛ لِأَنَّهُ حَصَى مَنْ لَمْ يُقْبَلْ حَجُّهُ فَإِنَّهُ مَنْ قُبِلَ حَجُّهُ رُفِعَ حَصَاهُ كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ وَلَمْ يُشْتَرَطْ طَهَارَةُ الْحِجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ الرَّمْيُ بِالْحَجَرِ النَّجِسِ، وَالْأَفْضَلُ غَسْلُهَا وَفِي مَنَاسِكِ الْحَصِيرِيِّ جَرَى التَّوَارُثُ بِحَمْلِ الْحَصَى مِنْ جَبَلٍ عَلَى الطَّرِيقِ فَيُحْمَلُ مِنْهُ سَبْعِينَ حَصَاةً قَالَ وَفِي مَنَاسِكِ الْكَرْمَانِيِّ يَدْفَعُ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، وَقَالَ قَوْمٌ بِسَبْعِينَ حَصَاةً، وَلَيْسَ مَذْهَبَنَا اهـ. كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: وَيُكْرَهُ أَنْ يَلْتَقِطَ   [منحة الخالق] كَذَلِكَ فِي هَذَا الْيَوْمِ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ بِدْعَةٌ وَلَمْ يَفْعَلْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَرُبَّمَا اتَّخَذَهَا الْجُهَّالُ نُسُكًا اهـ. (قَوْلُهُ وَإِلَّا فَيَجُوزُ الرَّمْيُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ ظَاهِرُ الْإِطْلَاقِ يُعْطِي جَوَازَهُ بِالْيَاقُوتِ وَالْفَيْرُوزَجِ وَفِيهِمَا خِلَافٌ وَمَنَعَهُ الشَّارِحُونَ وَغَيْرُهُمْ بِنَاءً عَلَى اشْتِرَاطِ الِاسْتِهَانَةِ بِالْمَرْمَى، وَأَجَازَهُ بَعْضُهُمْ بِنَاءً عَلَى نَفْيِ ذَلِكَ الِاشْتِرَاطِ، وَمِمَّنْ ذَكَرَ جَوَازَهُ الْفَارِسِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَهَذَا يُفِيدُ تَرْجِيحَ اعْتِبَارِ الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ وَمُقْتَضَى كَلَامِ الشَّارِحِ تَبَعًا لِلْغَايَةِ عَدَمُ اعْتِبَارِهِ حَيْثُ جَزَمَا بِجَوَازِهِ بِالْأَحْجَارِ النَّفِيسَةِ بِخِلَافِ الْخَشَبِ وَالْعَنْبَرِ وَاللُّؤْلُؤِ يَعْنِي كِبَارَهُ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ، وَأَمَّا الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ فَنُثَارٌ وَلَيْسَتْ بِرَمْيٍ اهـ. وَفِي الشرنبلالية قَدَّمْنَا جَوَازَ الرَّمْيِ بِكُلِّ مَا كَانَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فَشَمِلَ كُلَّ الْأَحْجَارِ النَّفِيسَةِ كَالْيَاقُوتِ وَالزَّبَرْجَدِ وَالزُّمُرُّدِ وَالْبَلْخَشِ الْفَيْرُوزَجِ وَالْبِلَّوْرِ وَالْعَقِيقِ، وَبِهَذَا صَرَّحَ الزَّيْلَعِيُّ إلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ اعْتَرَضَ عَلَى صَاحِبِ الْهِدَايَةِ بِالْفَيْرُوزَجِ وَالْيَاقُوتِ فَإِنَّهُمَا مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ حَتَّى جَازَ التَّيَمُّمُ بِهِمَا، وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ الرَّمْيُ بِهِمَا، وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْجَوَازَ مَشْرُوطٌ بِالِاسْتِهَانَةِ بِرَمْيِهِ وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ بِهِمَا اهـ. فَقَدْ أَثْبَتَ تَخْصِيصَ الْعُمُومِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِنَصِّ الزَّيْلَعِيِّ وَخُصِّصَ بِالْفَيْرُوزَجِ وَالْيَاقُوتِ دُونَ غَيْرِهِمَا فَلْيَتَأَمَّلْ وَيُحَرَّرْ اهـ. بَقِيَ شَيْءٌ وَهُوَ أَنَّ الزَّيْلَعِيَّ اسْتَثْنَى الْجَوَاهِرَ وَتَبِعَهُ الْمُؤَلِّفُ مَعَ أَنَّهُ صَرَّحَ بِجَوَازِ الْأَحْجَارِ النَّفِيسَةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْجَوَاهِرَ الْعَيْنِيُّ وَلَا الشُّمُنِّيُّ قَالَ نُوحٌ أَفَنْدِي: لِأَنَّهَا مِنْ قَبِيلِ الْأَحْجَارِ النَّفِيسَةِ بَلْ الْأَحْجَارُ النَّفِيسَةُ مُسْتَخْرَجَةٌ مِنْهَا وَفِي حَاشِيَةِ مِسْكِينٍ تَفْرِقَةُ الزَّيْلَعِيِّ بَيْنَ الْجَوَاهِرِ وَالْأَحْجَارِ النَّفِيسَةِ فِي الْحُكْمِ لَيْسَ إلَّا مَحْضُ تَحَكُّمٍ اهـ. لَكِنْ ذَكَرَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ فِي شَرْحِهِ عَنْ الْغَايَةِ وَالْجَوَاهِرِ وَهِيَ كِبَارُ اللُّؤْلُؤ، وَبِهِ انْدَفَعَ التَّحَكُّمُ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ وَمِمَّنْ اعْتَرَضَ عَنْ الْعِنَايَةِ بِمَا فِي الْغَايَةِ وَالزَّيْلَعِيِّ سَعْدِي أَفَنْدِي فِي حَوَاشِيهِ عَلَيْهَا، وَسَبَقَهُ إلَيْهِ فِي التَّتَارْخَانِيَّة فَإِنَّهُ بَعْدَ مَا ذَكَرَ الِاعْتِرَاضَ وَالْجَوَابَ السَّابِقَيْنِ وَعَزَاهُمَا إلَى السِّغْنَاقِيِّ. قَالَ وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ مُخَالِفَةٌ لِمَا فِي الْمُحِيطِ أَيْ مِنْ الْجَوَازِ بِكُلِّ مَا كَانَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ كَمَا مَرَّ عَنْ الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ إمَّا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ) هَذَا خَالِصٌ فِيمَا قَبْلَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَقَوْلُهُ وَإِمَّا لِأَنَّهَا نُثَارٌ خَاصٌّ بِهِمَا كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي السَّعْدِيَّةِ عَنْ الْغَايَةِ وَقَوْلُهُ وَإِمَّا لِأَنَّهُ إعْزَازٌ إلَخْ يَشْمَلُ الْكُلَّ إلَّا الْخَشَبَ إنْ كَانَ مِمَّا لَيْسَ لَهُ قِيمَةٌ. (قَوْلُهُ كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ) جَعَلَهُ فِي الْهِدَايَةِ أَثَرًا وَقَالَ فِي الْفَتْحِ وَقَوْلُهُ بِهِ وَرَدَ الْأَثَرُ كَأَنَّهُمَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قُلْت لِابْنِ عَبَّاسٍ مَا بَالُ الْجِمَارِ تُرْمَى مِنْ وَقْتِ الْخَلِيلِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَلَمْ تَصِرْ هِضَابًا تَسُدُّ الْأُفُقَ فَقَالَ أَمَا عَلِمْت أَنَّ مَنْ يُقْبَلُ حَجُّهُ يُرْفَعُ حَصَاهُ قَالَ وَمَنْ لَمْ يُقْبَلْ تُرِكَ حَصَاهُ. قَالَ مُجَاهِدٌ لَمَّا سَمِعْت هَذَا مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ جَعَلْت عَلَى حَصَيَاتِي عَلَامَةً ثُمَّ تَوَسَّطْت الْجَمْرَةَ فَرَمَيْت مِنْ كُلِّ جَانِبٍ ثُمَّ طَلَبْت فَلَمْ أَجِدْ بِتِلْكَ الْعَلَامَةِ شَيْئًا اهـ. لَكِنْ فِي حَاشِيَةِ الْمَدَنِيِّ عَنْ شَرْحِ النُّقَايَةِ لِمُنْلَا عَلِيٍّ الْقَارِي أَنَّهُ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْحَاكِمُ، وَصَحَّحَهُ «عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذِهِ الْجِمَارُ الَّتِي نَرْمِي بِهَا كُلَّ عَامٍ فَنَحْسَبُ أَنَّهَا تَنْقُصُ فَقَالَ إنَّهُ مَا يُقْبَلُ مِنْهَا رُفِعَ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَرَأَيْتهَا أَمْثَالَ الْجِبَالِ» اهـ. وَاسْتَشْكَلَهُ ابْنُ كَمَالٍ بَاشَا بِأَنَّ حَجَّ الْمُشْرِكِينَ غَيْرُ مَقْبُولٍ، وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْكُفَّارَ قَدْ تُقْبَلُ عِبَادَاتُهُمْ فَيُجَازُونَ عَلَيْهَا فِي الدُّنْيَا أَقُولُ: الْمُرَادُ أَعْمَالُهُمْ الَّتِي هِيَ عِبَادَاتٌ صُورَةً لَا حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ مِثْلَ الْحَجِّ لَا يَكُونُ عِبَادَةً إلَّا بِالنِّيَّةِ، وَالْكَافِرُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَتَأَمَّلْ هَذَا وَفِي مِنًى خَمْسُ آيَاتٍ هَذِهِ إحْدَاهَا، وَقَدْ نَظَمَهَا بَعْضُهُمْ فَقَالَ وَآيُ مِنًى خَمْسٌ فَمِنْهَا اتِّسَاعُهَا ... لِحُجَّاجِ بَيْتِ اللَّهِ لَوْ جَاوَزُوا الْحَدَّا وَمَنْعُ حِدَاةٍ خَطْفَ لَحْمٍ بِأَرْضِهَا ... وَقِلَّةُ وُجْدَانِ الْبَعُوضِ بِهَا عُدَّا وَكَوْنُ ذُبَابٍ لَا يُعَاقِبُ طَعْمَهَا ... وَرَفْعُ حَصَى الْمَقْبُولِ دُونَ الَّذِي رُدَّا (قَوْلُهُ وَلَيْسَ مَذْهَبَنَا) قَالَ فِي الشرنبلالية يُعَارِضُهُ قَوْلُ الْجَوْهَرَةِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْخُذَ حَصَى الْجِمَارِ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ أَوْ مِنْ الطَّرِيقِ اهـ. وَلِذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ يَأْخُذُ الْحَصَى مِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ شَاءَ اهـ. فَالنَّفْيُ لَيْسَ إلَّا عَلَى التَّعْيِينِ أَيْ لَا يَتَعَيَّنُ الْأَخْذُ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ لَنَا مَذْهَبًا وَمَا قَالَهُ فِي الْهِدَايَةِ يَقْتَضِي خِلَافَ مَا قِيلَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 370 حَجَرًا وَاحِدًا فَيَكْسِرَهُ سَبْعِينَ حَجَرًا صَغِيرًا كَمَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ الْيَوْمَ، وَلَمْ يُبَيِّنْ وَقْتَهُ وَلَهُ أَوْقَاتٌ أَرْبَعَةٌ وَقْتُ الْجَوَازِ وَوَقْتُ الِاسْتِحْبَابِ وَوَقْتُ الْإِبَاحَةِ وَوَقْتُ الْكَرَاهَةِ، فَالْأَوَّلُ ابْتِدَاؤُهُ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ يَوْمَ النَّحْرِ وَانْتِهَاؤُهُ إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ مِنْ الْيَوْمِ الثَّانِي حَتَّى لَوْ أَخَّرَهُ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي لَزِمَهُ دَمٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا وَلَوْ رَمَى قَبْلَ طُلُوعِ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ لَمْ يَصِحَّ اتِّفَاقًا، وَالثَّانِي مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى الزَّوَالِ، وَالثَّالِثُ مِنْ الزَّوَالِ إلَى الْغُرُوبِ، وَالرَّابِعُ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَبَعْدَ الْغُرُوبِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ وَجَعَلَ فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ الْوَقْتَ الْمُبَاحَ مِنْ الْمَكْرُوهِ فَهِيَ ثَلَاثَةٌ عِنْدَهُ وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى الْأَوَّلِ. (قَوْلُهُ وَكَبِّرْ بِكُلِّ حَصَاةٍ) أَيْ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ مِنْ السَّبْعَةِ بَيَانٌ لِلْأَفْضَلِ فَلَوْ لَمْ يَذْكُرْ اللَّهَ أَصْلًا أَوْ هَلَّلَ أَوْ سَبَّحَ أَجْزَأَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ الدُّعَاءَ آخِرَهُ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ أَنْ لَا يَقِفَ عِنْدَهَا كَمَا سَيُشِيرُ إلَيْهِ فِي رَمْيِ الْجِمَارِ الثَّلَاثِ، وَضَابِطُهُ أَنَّ كُلَّ جَمْرَةٍ بَعْدَهَا جَمْرَةٌ فَإِنَّهُ يَقِفُ بَعْدَهَا لِلدُّعَاءِ؛ لِأَنَّهُ فِي أَثْنَاءِ الْعِبَادَةِ وَكُلُّ جَمْرَةٍ لَيْسَ بَعْدَهَا جَمْرَةٌ تُرْمَى فِي يَوْمِهِ لَا يَقِفُ عِنْدَهَا؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ الْعِبَادَةِ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَهُوَ مُشْكِلٌ فَإِنَّ الدُّعَاءَ بَعْدَ الْخُرُوجِ مِنْ الْعِبَادَةِ مُسْتَحَبٌّ كَمَا فِي الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ إذَا خَرَجَ مِنْهُمَا فَالْأَوْلَى الِاسْتِدْلَال بِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، كَذَلِكَ وَإِنْ لَمْ تَظْهَرْ لَهُ حِكْمَةٌ وَقَدْ يُقَالُ هِيَ كَوْنُ الْوُقُوفِ يَقَعُ فِي جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ فِي الطَّرِيقِ فَيُوجِبُ قَطْعَ سُلُوكِهَا عَلَى النَّاسِ وَشِدَّةَ ازْدِحَامِ الْوَاقِفِينَ وَالْمَارِّينَ، وَيُفْضِي ذَلِكَ إلَى ضَرَرٍ عَظِيمٍ بِخِلَافِهِ فِي بَاقِي الْجَمَرَاتِ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ فِي نَفْسِ الطَّرِيقِ بَلْ بِمَعْزِلٍ عَنْهُ. (قَوْلُهُ وَاقْطَعْ التَّلْبِيَةَ بِأَوَّلِهَا) أَيْ مَعَ أَوَّلِ حَصَاةٍ تَرْمِيهَا لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ لَمْ يَزَلْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُفْرِدِ وَالْمُتَمَتِّعِ وَالْقَارِنِ وَقَيَّدَ بِالْمُحْرِمِ بِالْحَجِّ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَمِرَ يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ إذَا اسْتَلَمَ الْحَجَرَ؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ رُكْنٌ فِي الْعُمْرَةِ فَيَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِيهَا، وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِ مُدْرِكًا لِلْحَجِّ بِإِدْرَاكِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَة؛ لِأَنَّ فَائِتَ الْحَجِّ إذَا تَحَلَّلَ بِالْعُمْرَةِ يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ حِينَ يَأْخُذُ فِي الطَّوَافِ؛ لِأَنَّ الْعُمْرَةَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ فَصَارَ كَالْمُعْتَمِرِ، وَالْمُحْصِرُ يَقْطَعُهَا إذَا ذَبَحَ هَدْيَهُ؛ لِأَنَّ الذَّبْحَ لِلتَّحَلُّلِ وَالْقَارِنُ إذَا كَانَ فَائِتَ الْحَجِّ يَقْطَعُ حِينَ يَأْخُذُ فِي الطَّوَافِ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ يَتَحَلَّلُ بَعْدَهُ وَأَشَارَ بِالرَّمْيِ إلَى أَنَّهُ يَقْطَعُهَا إذَا فَعَلَ وَاحِدًا مِنْ الْأُمُورِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي تُفْعَلُ فِي الْحَجِّ يَوْمَ النَّحْرِ فَيَقْطَعُهَا إنْ حَلَقَ قَبْلَ الرَّمْيِ أَوْ طَافَ الزِّيَارَةَ قَبْلَ الرَّمْيِ وَالذَّبْحِ وَالْحَلْقِ أَوْ ذَبَحَ قَبْلَ الرَّمْيِ دَمَ التَّمَتُّعِ أَوْ الْقِرَانِ، وَمَضَى وَقْتُ الرَّمْيِ الْمُسْتَحَبِّ كَفِعْلِهِ فَيَقْطَعُهَا إذَا لَمْ يَرْمِ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ حَتَّى زَالَتْ الشَّمْسُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ. (قَوْلُهُ ثُمَّ اذْبَحْ) أَيْ عَلَى وَجْهِ الْأَفْضَلِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْمُفْرِدِ وَهُوَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَى الْقَارِنِ وَالْمُتَمَتِّعِ، وَأَمَّا الْأُضْحِيَّةُ فَإِنْ كَانَ مُسَافِرًا فَلَا أُضْحِيَّةَ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَعَلَيْهِ كَالْمَكِّيِّ وَقَدْ ثَبَتَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «ذَبَحَ بِيَدِهِ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بَدَنَةً وَأَمَرَ عَلِيًّا فَذَبَحَ مَا بَقِيَ وَأَشْرَكَهُ فِي هَدْيِهِ ثُمَّ أَمَرَ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ بِبَضْعَةٍ فَجُعِلَتْ فِي قِدْرٍ   [منحة الخالق] إنَّهُ يَلْتَقِطُهَا مِنْ الْجَبَلِ الَّذِي عَلَى الطَّرِيقِ فِي الْمُزْدَلِفَةِ وَمَا قِيلَ يَأْخُذُ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ سَبْعًا فَأَفَادَ أَنَّهُ لَا سُنَّةَ فِي ذَلِكَ يُوجِبُ خِلَافُهَا الْإِسَاءَةَ. (قَوْلُهُ وَانْتِهَاؤُهُ إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ وَقْتَ الْجَوَازِ لَا آخِرَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الصِّحَّةُ لَا الْحِلُّ فَالْأَوْلَى عَدَمُ التَّعَرُّضِ لِلِانْتِهَاءِ كَمَا فِي عِبَارَةِ الْمَبْسُوطِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْفَتْحِ ثُمَّ ظَهَرَ لِي الْجَوَابُ بِأَنَّهُ أَرَادَ بَيَانَ وَقْتِ الْجَوَازِ أَدَاءً كَمَا أَفَادَهُ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ، لَكِنْ فِي الْفَتْحِ وَيَثْبُتُ وَصْفُ الْقَضَاءِ فِي الرَّمْيِ مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنَّهُ لَا شَيْءَ فِيهِ سِوَى ثُبُوتِ الْإِسَاءَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ لِعُذْرٍ اهـ. تَأَمَّلْ هَذَا وَفِي حَاشِيَةِ الْمَدَنِيِّ عَنْ حَاشِيَةِ شَيْخِهِ بَعْدَ عَزْوِهِ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ إلَى الْمَبْسُوطِ وَالْمُحِيطِ الرَّضَوِيِّ قَالَ لَكِنْ فِي الْهِدَايَةِ وَالزَّيْلَعِيِّ وَالْعَيْنِيِّ وَالْبَدَائِعِ وَالْكَافِي وَالْكَرْمَانِيِّ وَغَيْرِهَا أَنَّ وَقْتَهُ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَقَالَ فِي مَبْسُوطِ السَّرَخْسِيِّ فَفِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَقْتُهُ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَلَكِنَّهُ لَوْ رَمَى بِاللَّيْلِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ اهـ. وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْفَتْحِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَالثَّانِي مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى الزَّوَالِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ الْمُسْتَحَبُّ وَقَدْ وَافَقَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ الْعَيْنِيُّ، وَذَكَرَهُ فِي مَجْمَعِ الرِّوَايَةِ عَنْ الْمُحِيطِ أَيْضًا بِصِيغَةِ الْمَسْنُونِ وَوَافَقَهُ فِي النَّهْرِ. (قَوْلُهُ وَالرَّابِعُ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَخْ) قَيَّدَهُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ أَحَادِيثَ سَاقَهَا بِعَدَمِ الْعُذْرِ قَالَ حَتَّى لَا يَكُونَ رَمْيُ الضَّعَفَةِ قَبْلَ الشَّمْسِ وَرَمْيُ الرُّعَاةِ لَيْلًا يَلْزَمُهُمْ الْإِسَاءَةُ وَكَيْفَ بِذَلِكَ بَعْدَ التَّرَخُّصِ. (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَكَبِّرْ بِكُلِّ حَصَاةٍ) كَذَا رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ جَابِرٍ وَأُمُّ سُلَيْمَانَ وَظَاهِرُ الْمَرْوِيَّاتِ مِنْ ذَلِكَ الِاقْتِصَارُ عَلَى اللَّهُ أَكْبَرُ غَيْرَ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ أَنَّهُ يَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ رَغْمًا لِلشَّيْطَانِ وَحِزْبِهِ، وَقِيلَ يَقُولُ أَيْضًا اللَّهُمَّ اجْعَلْ حَجِّي مَبْرُورًا وَسَعْيِي مَشْكُورًا وَذَنْبِي مَغْفُورًا كَذَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ فَالْأَوْلَى فِي الِاسْتِدْلَال بِفِعْلِهِ عَلَيْهِ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ عَلَى هَذَا تَضَافَرَتْ الرِّوَايَاتُ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَلَمْ يَظْهَرْ حِكْمَةُ تَخْصِيصِ الْوُقُوفِ وَالدُّعَاءِ بِغَيْرِهَا مِنْ الْجَمْرَتَيْنِ فَإِنْ تَخَايَلَ أَنَّهُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ لِكَثْرَةِ مَا عَلَيْهِ مِنْ الشُّغْلِ كَالذَّبْحِ وَالْحَلْقِ وَالْإِفَاضَةِ إلَى مَكَّةَ فَهُوَ مُنْعَدِمٌ فِيمَا بَعْدَهُ مِنْ الْأَيَّامِ. (قَوْلُهُ وَقَيَّدَ بِالْمُحْرِمِ بِالْحَجِّ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 371 فَطُبِخَتْ فَأَكَلَا مِنْ لَحْمِهَا وَشَرِبَا مِنْ مَرَقِهَا ثُمَّ رَكِبَ إلَى الْبَيْتِ فَصَلَّى بِمَكَّةَ الظُّهْرَ» قَالَ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحِكْمَةُ فِي أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَحَرَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بَدَنَةً أَنَّهُ كَانَ لَهُ يَوْمئِذٍ ثَلَاثٌ وَسِتُّونَ سَنَةً فَنَحَرَ لِكُلِّ سَنَةٍ بَدَنَةً. (قَوْلُهُ ثُمَّ احْلِقْ أَوْ قَصِّرْ والْحَلْقُ أَحَبُّ) بَيَانٌ لِلْوَاجِبِ وَالْمُرَادُ بِالْحَلْقِ إزَالَةُ شَعْرِ رُبْعِ الرَّأْسِ إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا بِأَنْ كَانَ أَقْرَعَ فَيَجْرِي الْمُوسَى عَلَى رَأْسِهِ إنْ أَمْكَنَ وَأَحَبُّ عَلَى الْمُخْتَارِ وَإِلَّا بِأَنْ كَانَ عَلَى رَأْسِهِ قُرُوحٌ لَا يُمْكِنُهُ إمْرَارُ الْمُوسَى عَلَيْهِ وَلَا يَصِلُ إلَى تَقْصِيرِهِ فَقَدْ سَقَطَ هَذَا الْوَاجِبُ وَحَلَّ كَمَنْ حَلَقَهَا، وَالْأَحْسَنُ أَنْ يُؤَخِّرَ الْإِحْلَالَ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ مِنْ أَيَّامِ النَّحْرِ وَلَوْ أَمْكَنَهُ الْحَلْقُ لَكِنْ لَمْ يَجِدْ آلَةً وَلَا مَنْ يَحْلِقُهَا فَلَيْسَ بِعُذْرٍ وَلَيْسَ لَهُ الْإِحْلَالُ؛ لِأَنَّ إصَابَةَ الْآلَةِ مَرْجُوٌّ فِي كُلِّ سَاعَةٍ وَلَا كَذَلِكَ بُرْءُ الْقُرُوحِ وَانْدِمَالُهَا وَالْإِزَالَةُ لَا تَخْتَصُّ بِالْمُوسَى بَلْ بِأَيِّ آلَةٍ كَانَتْ أَوْ بِالنُّورَةِ، وَالْمُسْتَحَبُّ الْحَلْقُ بِالْمُوسَى؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ وَرَدَتْ بِهِ وَالْمُرَادُ بِالتَّقْصِيرِ أَنْ يَأْخُذَ الرَّجُلُ أَوْ الْمَرْأَةُ مِنْ رُءُوسِ شَعْرِ رُبْعِ الرَّأْسِ مِقْدَارَ الْأُنْمُلَةِ كَذَا ذَكَرَ الشَّارِحُ، وَمُرَادُهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ شَعْرَةٍ مِقْدَارَ الْأُنْمُلَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحِيطِ وَفِي الْبَدَائِعِ قَالُوا يَجِبُ أَنْ يَزِيدَ فِي التَّقْصِيرِ عَلَى قَدْرِ الْأُنْمُلَةِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ قَدْرَ الْأُنْمُلَةِ مِنْ كُلِّ شَعْرَةٍ بِرَأْسِهِ؛ لِأَنَّ أَطْرَافَ الشَّعْرِ غَيْرُ مُتَسَاوٍ عَادَةً قَالَ الْحَلَبِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ وَهُوَ حَسَنٌ، وَالْأُنْمُلَةُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْمِيمِ وَضَمُّ الْمِيمِ لُغَةً مَشْهُورَةً، وَمَنْ خَطَّأَ رَاوِيَهَا فَقَدْ أَخْطَأَ وَاحِدَةَ الْأَنَامِلِ ثُمَّ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْحَلْقِ وَالتَّقْصِيرِ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ عَدَمِ الْعُذْرِ فَلَوْ تَعَذَّرَ الْحَلْقُ لِعَارِضٍ تَعَيَّنَ التَّقْصِيرُ، أَوْ التَّقْصِيرُ تَعَيَّنَ الْحَلْقُ كَأَنْ لَبَدَهُ بِصَمْغٍ فَلَا يُعْمَلُ فِيهِ الْمِقْرَاضُ، وَإِنَّمَا كَانَ الْحَلْقُ أَفْضَلَ لِدُعَائِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِلْمُحَلِّقِينَ بِالرَّحْمَةِ ثِنْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا وَفِي الثَّالِثَةِ أَوْ الرَّابِعَةِ لِلْمُقَصِّرِينَ بِهَا، وَيُسْتَحَبُّ حَلْقُ الْكُلِّ لِلِاتِّبَاعِ وَلَمْ يَذْكُرْ سُنَنَ الْحَلْقِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخُصُّ الْحَلْقَ فِي الْحَجِّ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْحَلْقِ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ مُسْتَحَبٌّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْقُنْيَةِ وَيُعْتَبَرُ فِي سُنَّتِهِ الْبُدَاءَةُ بِالْيَمِينِ لِلْحَالِقِ لَا الْمَحْلُوقِ فَيَبْدَأُ بِشِقِّهِ الْأَيْسَرِ وَمُقْتَضَى النَّصِّ الْبُدَاءَةُ بِيَمِينِ الرَّأْسِ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ لِلْحَلَّاقِ خُذْ وَأَشَارَ إلَى الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ ثُمَّ الْأَيْسَرِ ثُمَّ جَعَلَ يُعْطِيهِ النَّاسَ» وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّهُ هُوَ الصَّوَابُ وَهُوَ خِلَافُ مَا ذَكَرَ فِي الْمَذْهَبِ، وَيُسْتَحَبُّ دَفْنُ شَعْرِهِ وَالدُّعَاءُ عِنْدَ الْحَلْقِ وَبَعْدَ الْفَرَاغِ مَعَ التَّكْبِيرِ وَإِنْ رَمَى الشَّعْرَ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَكُرِهَ إلْقَاؤُهُ فِي الْكَنِيفِ وَالْمُغْتَسَلِ كَذَا فِي فَتَاوَى الْعَلَّامِيِّ وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَقُصَّ أَظْفَارَهُ وَشَوَارِبَهُ بَعْدَ الْحَلْقِ لِلِاتِّبَاعِ وَلَا يَأْخُذْ مِنْ لِحْيَتِهِ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ مُثْلَةٌ وَلَوْ فَعَلَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ. (قَوْلُهُ وَحَلَّ لَك غَيْرُ النِّسَاءِ) أَيْ بِالْحَلْقِ أَيْ فَحَلَّ التَّطَيُّبُ لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ «عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ طَيَّبْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِحُرْمِهِ حِينَ أَحْرَمَ وَلِحِلِّهِ حِينَ أَحَلَّ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ» وَحُرِّمَ الدَّوَاعِي كَالْوَطْءِ أَفَادَ أَنَّهُ لَيْسَ قَبْلَ الْحَلْقِ تَحْلِيلٌ لِشَيْءٍ مِمَّا كَانَ حَلَالًا بِالْإِحْرَامِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي الْمَبْسُوطِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ فِي الْحَجِّ إحْلَالَيْنِ: أَحَدُهُمَا بِالْحَلْقِ وَالثَّانِي بِالطَّوَافِ وَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَنَّ الرَّمْيَ لَيْسَ مِنْ أَسْبَابِ التَّحَلُّلِ عِنْدَنَا يُخَالِفُهُ مَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ، وَلَفْظُهُ وَبَعْدَ الرَّمْيِ قَبْلَ الْحَلْقِ يَحِلُّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ إلَّا الطِّيبَ وَالنِّسَاءَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَحِلُّ لَهُ الطِّيبُ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَ لَا يَحِلُّ لَهُ النِّسَاءُ، وَالصَّحِيحُ مَا قُلْنَا؛ لِأَنَّ الطِّيبَ دَاعٍ إلَى الْجِمَاعِ، وَإِنَّمَا عَرَفْنَا حِلَّ الطِّيبِ بَعْدَ الْحَلْقِ قَبْلَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ بِالْأَثَرِ اهـ. وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْكَمَ بِضَعْفِ مَا فِي الْفَتَاوَى لِمَا قَدَّمْنَا وَلِمَا فِي الْمُحِيطِ وَلَفْظُهُ   [منحة الخالق] نَسَبَ إلَيْهِ هَذَا التَّقْيِيدَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُصَرِّحًا بِهِ وَكَذَا مَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيهِ فَهُوَ مِمَّا تَضْمَنَّهُ كَلَامُهُ. (قَوْلُهُ وَمُرَادُهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ شَعْرَةٍ إلَخْ) قَالَ فِي الشرنبلالية قُلْت يَظْهَرُ لِي أَنَّ الْمُرَادَ بِكُلِّ شَعْرَةٍ أَيْ مِنْ شَعْرِ الرُّبْعِ عَلَى وَجْهِ اللُّزُومِ أَوْ مِنْ الْكُلِّ عَلَى سَبِيلِ الْأَوْلَوِيَّةِ فَلَا مُخَالَفَةَ فِي الْأَجْزَاءِ؛ لِأَنَّ الرُّبْعَ كَالْكُلِّ كَمَا فِي الْحَلْقِ. (قَوْلُهُ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّهُ هُوَ الصَّوَابُ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَيُوَافِقُهُ مَا فِي الْمُلْتَقَطِ عَنْ الْإِمَامِ حَلَقْت رَأْسِي بِمَكَّةَ فَخَطَّأَنِي الْحَلَّاقُ فِي ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ لَمَّا أَنْ جَلَسْت قَالَ اسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ وَنَاوَلْته الْجَانِبَ الْأَيْسَرَ فَقَالَ ابْدَأْ بِالْأَيْمَنِ فَلَمَّا أَرَدْت أَنْ أَذْهَبَ قَالَ ادْفِنْ شَعْرَك فَرَجَعْت فَدَفَنْته اهـ. قُلْت وَفِي الْمِعْرَاجِ رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حَلَقَ رَأْسَهُ مِنْ يَمِينِ الْحَالِقِ» وَعَنْ الشَّافِعِيِّ مِنْ يَمِينِ الْمَحْلُوقِ فَاعْتَبَرْنَا يَمِينَ الْحَالِقِ وَهُوَ يَمِينُ الْمَحْلُوقِ قَالَ الْكَرْمَانِيُّ ذَكَرَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا، وَلَمْ يَعْزِهِ إلَى أَحَدٍ بَلْ الْأَوْلَى اتِّبَاعُ السُّنَّةِ فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَدَأَ بِيَمِينِهِ فِي الصَّحِيحِ، وَقَدْ أَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِقَوْلِ الْحَجَّامِ حِينَ قَالَ اُدْنُ الشِّقَّ الْأَيْمَنَ مِنْ رَأْسِك وَفِيهِ حِكَايَةٌ مَعْرُوفَةٌ اهـ. وَهَذَا أَيْضًا يُؤَيِّدُ مَا اسْتَصْوَبَهُ فِي الْفَتْحِ، وَيُفِيدُ أَنَّ خِلَافَهُ لَيْسَ مِمَّا ثَبَتَ عِنْدَ أَهْلِ الْمَذْهَبِ. (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْكَمَ بِضَعْفِ مَا فِي الْفَتَاوَى) قَالَ فِي الشرنبلالية أَقُولُ: لَمْ يَقْتَصِرْ قَاضِي خَانْ عَلَى مَا نَقَلَهُ عَنْهُ فِي الْبَحْرِ؛ لِأَنَّهُ نَصَّ عَلَى مَا يُوَافِقُ الْهِدَايَةَ أَيْضًا قَبْلَ هَذَا بِقَوْلِهِ: وَالْخُرُوجُ عَنْ الْإِحْرَامِ إنَّمَا يَكُونُ بِالْحَلْقِ أَوْ التَّقْصِيرِ فَإِذَا حَلَقَ أَوْ قَصَّرَ حَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ إلَّا النِّسَاءَ مَا لَمْ يَطُفْ بِالْبَيْتِ مَرْوِيُّ ذَلِكَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عَنْ النَّبِيِّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 372 وَلَوْ أُبِيحَ لَهُ التَّحَلُّلُ فَغَسَلَ رَأْسَهُ بِالْخِطْمِيِّ، وَقَلَّمَ ظُفْرَهُ قَبْلَ الْحَلْقِ فَعَلَيْهِ دَمٌ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَام بَاقٍ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ إلَّا بِالْحَلْقِ فَقَدْ جَنَى عَلَيْهِ، وَقَدْ ذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ لَا دَمَ عَلَيْهِ عِنْد أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لِأَنَّهُ أُبِيحَ لَهُ التَّحَلُّلُ فَيَقَعُ بِهِ التَّحَلُّلُ اهـ. فَلَوْ كَانَ التَّحَلُّلُ بِالرَّمْيِ حَاصِلًا فِي غَيْرِ الطِّيبِ وَالنِّسَاءِ لَمْ يَلْزَمْهُ دَمٌ بِتَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ، وَتَخْرِيجُهُ عَلَى قَوْلِ الطَّحَاوِيِّ عِنْدَهُمَا بَعِيدٌ كَمَا لَا يَخْفَى. (قَوْلُهُ ثُمَّ إلَى مَكَّةَ يَوْمَ النَّحْرِ أَوْ غَدًا أَوْ بَعْدَهُ فَطُفْ لِلرُّكْنِ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ بِلَا رَمَلٍ وَسَعْيٍ إنْ قَدَّمْتهمَا وَإِلَّا فَلَا) أَيْ ثُمَّ رُحْ فِي وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ لِأَدَاءِ الرُّكْنِ الثَّانِي مِنْ رُكْنَيْ الْحَجِّ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الرُّكْنَ أَكْثَرُهَا وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَشْوَاطٍ عَلَى الصَّحِيحِ، وَمَا زَادَ عَلَيْهَا وَاجِبٌ يَنْجَبِرُ بِالدَّمِ، وَأَوَّلُ وَقْتِ صِحَّتِهِ إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ يَوْمَ النَّحْرِ وَلَوْ قَبْلَ الرَّمْيِ وَالْحَلْقِ، وَلَيْسَ لَهُ وَقْتٌ آخَرُ تَفُوتُ الصِّحَّةُ بِفَوْتِهِ بَلْ وَقْتُهُ الْعُمْرُ، وَأَمَّا الْوَاجِبُ فَهُوَ فِعْلُهُ فِي يَوْمٍ مِنْ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى لَوْ أَخَّرَهُ عَنْهَا مَعَ الْإِمْكَانِ لَزِمَهُ دَمٌ وَأَفْضَلُهَا أَوَّلُهَا كَالْأُضْحِيَّةِ، وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - طَافَ بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ يَوْمَ النَّحْرِ لِلرُّكْنِ» ، وَأَفَادَ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ فِي تَقْدِيمِ الرَّمَلِ وَالسَّعْيِ إذَا طَافَ لِلْقُدُومِ وَفِي تَأْخِيرِهِمَا لِطَوَافِ الرُّكْنِ، وَأَنَّهُمَا لَا يَتَكَرَّرَانِ فِي الْحَجِّ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَى الْأَفْضَلِيَّةِ، وَقَالُوا الْأَفْضَلُ تَأْخِيرُهُمَا لِطَوَافِ الرُّكْنِ لِيَصِيرَا تَبَعًا لِلْفَرْضِ دُونَ السَّنَةِ. (قَوْلُهُ وَحَلَّ لَك النِّسَاءُ) يَعْنِي بِالْحَلْقِ   [منحة الخالق] - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَعْدَ الرَّمْيِ قَبْلَ الْحَلْقِ يَحِلُّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ إلَّا الطِّيبَ وَالنِّسَاءَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَحِلُّ لَهُ الطِّيبُ أَيْضًا وَإِنْ كَانَ لَا يَحِلُّ لَهُ النِّسَاءُ وَالصَّحِيحُ مَا قُلْنَا لِأَنَّ الطِّيبَ دَاعٍ إلَى الْجِمَاعِ، وَإِنَّمَا عَرَفْنَا حِلَّ الطِّيبِ بَعْدَ الْحَلْقِ قَبْلَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ بِالْأَثَرِ اهـ. فَالْأَوْلَى أَنْ يُرَدَّ كَلَامُهُ الْمَذْكُورُ ثَانِيًا بِكَلَامِهِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ أَلْزَمُ لِمُوَافَقَتِهِ مَا فِي الْهِدَايَةِ، وَدَلِيلُهُ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَلِأَنَّهُ يَتَنَاقَضُ الْأَوَّلُ بِالثَّانِي، وَقَوْلُهُ وَإِنَّمَا عَرَفْنَا حِلَّ الطِّيبِ إلَخْ جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ كَأَنَّهُ قَالَ قَائِلٌ الطِّيبُ دَاعٍ إلَى النِّسَاءِ فَكَانَ مَمْنُوعًا مِنْهُ مُطْلَقًا فَخَصَّهُ بِالرَّمْيِ وَحَلَّ بِالْحَلْقِ لِلْأَثَرِ لَكِنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِدَلِيلٍ لِتَحْلِيلِ الرَّمْيِ لِشَيْءٍ فَالْمَرْجِعُ لِكَلَامِهِ الْأَوَّلِ الْمُوَافِقِ لِلْهِدَايَةِ وَلِحَصْرِهِ التَّحَلُّلَ بِالْحَلْقِ بِقَوْلِهِ، وَالْخُرُوجُ عَنْ الْإِحْرَامِ إنَّمَا يَكُونُ بِالْحَلْقِ وَبِهَذَا يُعْلَمُ بُطْلَانُ مَا يُنْسَبُ لِقَاضِي خَانْ مِنْ أَنَّ الْحَلْقَ لَا يَحِلُّ بِهِ الطِّيبُ. (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَطُفْ لِلرُّكْنِ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَيُسَمَّى طَوَافَ الزِّيَارَةِ وَطَوَافَ الْإِفَاضَةِ وَطَوَافَ يَوْمِ النَّحْرِ وَطَوَافَ الرُّكْنِ كَمَا فِي الْعَيْنِيِّ، وَسَيَأْتِي أَنَّ طَوَافَ الصَّدْرِ يُسَمَّى طَوَافَ الْإِفَاضَةِ؛ لِأَنَّهُ لِأَجْلِهِ مُفِيضٌ إلَى الْبَيْتِ مِنْ مِنًى اهـ. هَذَا وَشَرَائِطُ صِحَّتِهِ الْإِسْلَامُ وَتَقْدِيمُ الْإِحْرَامِ وَالْوُقُوفُ وَالنِّيَّةُ وَإِتْيَانُ أَكْثَرِهِ وَالزَّمَانُ وَيَوْمَ النَّحْرِ بَعْدَهُ، وَالْمَكَانُ وَهُوَ حَوْلَ الْبَيْتِ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ وَكَوْنُهُ بِنَفْسِهِ وَلَوْ مَحْمُولًا فَلَا تَجُوزُ النِّيَابَةُ إلَّا لِمُغْمًى عَلَيْهِ وَوَاجِبَاتُهُ الْمَشْيُ لِلْقَادِرِ وَالتَّيَامُنُ وَإِتْمَامُ السَّبْعَةِ وَالطَّهَارَةُ عَنْ الْحَدَثِ وَسَتْرُ الْعَوْرَةِ وَفِعْلُهُ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ، وَأَمَّا التَّرْتِيبُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّمْيِ وَالْحَلْقِ فَسُنَّةٌ وَلَا مُفْسِدَ لِلطَّوَافِ وَلَا فَوَاتَ قَبْلَ الْمَمَاتِ وَلَا يُجْزِئُ عَنْهُ الْبَدَلُ إلَّا إذَا مَاتَ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَأَوْصَى بِإِتْمَامِ الْحَجِّ تَجِبُ الْبَدَنَةُ لِطَوَافِ الزِّيَارَةِ وَجَازَ حَجُّهُ. اهـ. لُبَابٌ. أَيْ صَحَّ وَكَمُلَ لَكِنْ فِي مَنَاسِكِ الطَّرَابُلْسِيِّ عَنْ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ مَاتَ بَعْدَ وُقُوفِهِ بِعَرَفَةَ وَأَوْصَى بِإِتْمَامِ الْحَجِّ يُذْبَحُ عَنْهُ بَدَنَةٌ لِلْمُزْدَلِفَةِ وَالرَّمْيِ وَالزِّيَارَةِ وَالصَّدْرِ وَجَازَ حَجُّهُ فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ إذَا مَاتَ بِعَرَفَةَ بَعْدَ تَحَقُّقِ الْوُقُوفِ تَجْبُرُ عَنْ بَقِيَّةِ أَعْمَالِهِ الْبَدَنَةُ فَلَا يُنَافِي مَا فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّهُ تَجِبُ الْبَدَنَةُ لِطَوَافِ الزِّيَارَةِ إذَا فَعَلَ بَقِيَّةَ الْأَعْمَالِ إلَّا الطَّوَافَ وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي قَاضِي خَانْ وَالسِّرَاجِيَّةِ أَنَّ الْحَاجَّ عَنْ الْمَيِّتِ إذَا مَاتَ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ جَازَ عَنْ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى رُكْنَ الْحَجِّ أَيْ رُكْنَهُ الْأَعْظَمَ الَّذِي لَا يَفُوتُ إلَّا بِفَوْتِهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْحَجُّ عَرَفَةَ» وَهُوَ لَا يُنَافِي مَا سَبَقَ مِنْ وُجُوبِ الْبَدَنَةِ فَإِنَّهُ يَجِبُ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ حِينَئِذٍ اهـ. شَارِحُ لُبَابٍ (قَوْلُهُ وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ إلَخْ) قَالَ فِي اللُّبَابِ وَإِذَا فَرَغَ مِنْ الطَّوَافِ رَجَعَ إلَى مِنًى فَيُصَلِّي الظُّهْرَ بِهَا وَقَالَ شَارِحُهُ أَيْ بِمِنًى أَوْ بِمَكَّةَ عَلَى خِلَافٍ فِيهَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْهُمَامِ وَالثَّانِي أَظْهَرُ نَقْلًا وَعَقْلًا أَمَّا النَّقْلُ فَلِمَا وَرَدَ فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى الظُّهْرَ بِمَكَّةَ، وَأَمَّا الْعَقْلُ فَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا شَكَّ أَنَّهُ أَسْفَرَ جِدًّا بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ ثُمَّ أَتَى مِنًى فِي الضَّحْوَةِ فَنَحَرَ بِيَدِهِ الشَّرِيفَةِ بُدُنَهُ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بَدَنَةً وَعَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَكْمَلَ الْمِائَةَ ثُمَّ قُطِعَتْ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ قِطْعَةٌ فَطُبِخَتْ فَأَكَلَ مِنْهَا ثُمَّ حَلَقَ فَأَتَى مَكَّةَ وَطَافَ وَسَعَى فَلَا بُدَّ مِنْ دُخُولِ وَقْتِ الظُّهْرِ حِينَئِذٍ، وَالصَّلَاةُ بِمَكَّةَ أَفْضَلُ فَلَا وَجْهَ لِعُدُولِهِ إلَى مِنًى ثُمَّ لَا يُعَارِضُ حَدِيثَ الْجَمَاعَةِ حَدِيثُ مُسْلِمٍ بِانْفِرَادِهِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صَلَّى الظُّهْرَ بِمِنًى قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ وَلَا شَكَّ أَنَّ أَحَدَ الْخَبَرَيْنِ وَهْمٌ، وَإِذَا تَعَارَضَا وَلَا بُدَّ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ فِي أَحَدِ الْمَكَانَيْنِ فَفِي مَكَّةَ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَوْلَى لِثُبُوتِ مُضَاعَفَةِ الْفَرَائِضِ فِيهِ وَلَوْ تَجَشَّمْنَا الْجَمْعَ حَمَلْنَا فِعْلَهُ بِمِنًى عَلَى الْإِعَادَةِ بِسَبَبٍ اطَّلَعَ عَلَيْهِ مُوجِبُ نُقْصَانِ الْمُؤَدَّى أَوَ لَا اهـ. (قَوْلُهُ وَأَفَادَ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ فِي تَقْدِيمِ الرَّمَلِ وَالسَّعْيِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَدَّمَ عَنْ التُّحْفَةِ أَفْضَلِيَّةَ التَّأْخِيرِ، وَأَقُولُ: فَلَوْ لَمْ يَفْعَلْهُمَا فِي هَذَيْنِ الطَّوَافَيْنِ فَعَلَهُمَا فِي طَوَافِ الصَّدْرِ؛ لِأَنَّ السَّعْيَ غَيْرُ مُؤَقَّتٍ كَمَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 373 السَّابِقِ لَا بِالطَّوَافِ؛ لِأَنَّ الْحَلْقَ هُوَ الْمُحَلِّلُ دُونَ الطَّوَافِ غَيْرَ أَنَّهُ آخِرُ عَمَلِهِ فِي حَقِّ النِّسَاءِ إلَى مَا بَعْدَ الطَّوَافِ فَإِذَا طَافَ عَمِلَ الْحَلْقَ عَمَلَهُ كَالطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ آخِرُ عَمَلِهِ إلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لِحَاجَتِهِ إلَى الِاسْتِرْدَادِ فَإِذَا انْقَضَتْ عَمَلَ الطَّلَاقُ عَمَلَهُ فَبَانَتْ بِهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَحْلِقْ حَتَّى طَافَ بِالْبَيْتِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ شَيْءٌ حَتَّى يَحْلِقَ كَذَا ذَكَرَ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ، وَهَكَذَا صَرَّحَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْ الْإِحْرَامِ إلَّا بِالْحَلْقِ فَأَفَادَ أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ الْحَلْقَ أَصْلًا وَقَلَّمَ ظُفْرَهُ أَوْ غَطَّى رَأْسَهُ قَاصِدًا التَّحَلُّلَ مِنْ الْإِحْرَامِ كَانَ ذَلِكَ جِنَايَةً مُوجِبَةً لِلْجَزَاءِ، وَحِلُّ النِّسَاءِ مَوْقُوفٌ عَلَى الرُّكْنِ مِنْهَا وَهِيَ أَرْبَعَةٌ فَقَطْ. (قَوْلُهُ وَكُرِهَ تَأْخِيرُهُ عَنْ أَيَّامِ النَّحْرِ) أَيْ تَأْخِيرُ الطَّوَافِ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ لِتَرْكِ الْوَاجِبِ وَهُوَ أَدَاؤُهُ فِيهَا. وَأَشَارَ بِهِ إلَى رَدِّ مَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ مِنْ أَنَّ آخِرَهُ آخِرُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَلَوْ قَالَ وَكُرِهَ تَأْخِيرُهُمَا عَنْ أَيَّامِ النَّحْرِ لَكَانَ أَوْلَى لِيُفِيدَ حُكْمَ الْحَلْقِ كَالطَّوَافِ وَمَحِلُّ الْكَرَاهَةِ وَلُزُومُ الدَّمِ بِالتَّأْخِيرِ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ الْإِمْكَانِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ مِنْ أَنَّ الْحَائِضَ إذَا طَهُرَتْ فِي آخِرِ أَيَّامِ النَّحْرِ فَإِنْ أَمْكَنَهَا الطَّوَافُ قَبْلَ الْغُرُوبِ وَلَمْ تَفْعَلْ فَعَلَيْهَا دَمٌ لِلتَّأْخِيرِ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهَا طَوَافُ أَرْبَعَةِ أَشْوَاطٍ فَلَا شَيْء عَلَيْهَا وَلَوْ حَاضَتْ بَعْدَمَا قَدَرَتْ عَلَى الطَّوَافِ فَلَمْ تَطُفْ حَتَّى مَضَى الْوَقْتُ لَزِمَهَا الدَّمُ؛ لِأَنَّهَا مُقَصِّرَةٌ بِتَفْرِيطِهَا وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَيَالِي أَيَّامِ النَّحْرِ مِنْهَا. (قَوْلُهُ ثُمَّ إلَى مِنًى فَارْمِ الْجِمَارَ الثَّلَاثَ فِي ثَانِي النَّحْرِ بَعْدَ الزَّوَالِ بَادِئًا بِمَا يَلِي الْمَسْجِدَ ثُمَّ بِمَا يَلِيهَا ثُمَّ بِجَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَقِفْ عِنْدَ كُلِّ رَمْيٍ بَعْدَهُ رَمْيٌ ثُمَّ غَدًا كَذَلِكَ ثُمَّ بَعْدَهُ كَذَلِكَ إنْ مَكَثْتَ) أَيْ ثُمَّ رُحْ إلَى مِنًى فَارْمِ الْجِمَارَ اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَذْكُرْ الْبَيْتُوتَةَ بِمِنًى؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الرَّمْيُ لَكِنْ هِيَ سُنَّةٌ حَتَّى قَالَ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَلَا يَبِيتُ بِمَكَّةَ وَلَا بِالطَّرِيقِ، وَيُكْرَهُ أَنْ يَبِيتَ فِي غَيْرِ أَيَّامِ مِنًى. وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ بَعْدَ الزَّوَالِ إلَى أَوَّلِ وَقْتِهِ فِي ثَانِي النَّحْرِ وَثَالِثِهِ حَتَّى لَوْ رَمَى قَبْلَ الزَّوَالِ لَا يَجُوزُ، وَلَمْ يَذْكُرْ آخِرَهُ وَهُوَ مُمْتَدٌّ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ الْغَدِ فَلَوْ رَمَى لَيْلًا صَحَّ وَكُرِهَ كَذَا فِي الْمُحِيطِ فَظَهَرَ أَنَّ لَهُ وَقْتَيْنِ وَقْتًا لِصِحَّةٍ وَوَقْتًا لِكَرَاهَةٍ بِخِلَافِ الرَّمْيِ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ لَهُ أَرْبَعَةَ أَوْقَاتٍ كَمَا بَيَّنَّاهُ وَمَا فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ أَنَّ الْيَوْمَ الثَّانِيَ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ كَالْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَنْفِرَ فِي هَذَا الْيَوْمِ لَهُ أَنْ يَرْمِيَ قَبْلَ الزَّوَالِ، وَإِنَّمَا لَا يَجُوزُ قَبْلَ الزَّوَالِ لِمَنْ لَا يُرِيدُ النَّفْرَ فَمَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَإِنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ وَقْتُهُ فِي الْيَوْمَيْنِ إلَّا بَعْدَ الزَّوَالِ مُطْلَقًا وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ أَخَّرَ رَمْيَ الْجِمَارِ كُلِّهَا إلَى الْيَوْمِ الرَّابِعِ رَمَاهَا عَلَى التَّأْلِيفِ؛ لِأَنَّ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ كُلَّهَا وَقْتُ رَمْيٍ فَيَقْضِي مُرَتَّبًا كَالْمَسْنُونِ وَعَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَاتِ اجْتَمَعَتْ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَيَتَعَلَّقُ بِهَا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ وَلَوْ تَرَكَهَا حَتَّى غَابَتْ   [منحة الخالق] سَيُصَرِّحُ بِهِ فِي الْجِنَايَاتِ، وَصَرَّحُوا بِأَنَّ الرَّمَلَ بَعْدَ كُلِّ طَوَافٍ يَعْقُبُهُ سَعْيٌ فَبِهِ عُلِمَ أَنَّهُ يَأْتِي بِهِمَا فِي الصَّدْرِ لَوْ لَمْ يُقَدِّمْهُمَا، وَلَمْ أَرَهُ صَرِيحًا وَإِنْ عُلِمَ مِنْ إطْلَاقِهِمْ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ مَوْقُوفٌ عَلَى الرُّكْنِ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الْأَشْوَاطِ. (قَوْلُهُ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَيَالِي أَيَّامِ النَّحْرِ مِنْهَا) تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ فِي بَابِ الِاعْتِكَافِ. (قَوْلُهُ وَهُوَ مُمْتَدٌّ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ الْغَدِ) ذَكَرَ مِثْلَهُ فِي الْبَحْرِ الْعَمِيقِ وَمَنْسَكِ الْفَارِسِيِّ وَالطَّرَابُلُسِيّ، وَيُخَالِفُهُ مَا فِي لُبَابِ الْمَنَاسِكِ وَشَرْحِهِ مِنْ أَنَّهُ إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ فَقَدْ فَاتَ وَقْتُ الْأَدَاءِ عِنْدَ الْإِمَامِ خِلَافًا لَهُمَا وَبَقِيَ وَقْتُ الْقَضَاءِ اتِّفَاقًا فَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ آخِرَ الرَّمْيِ فِي هَذَيْنِ الْيَوْمَيْنِ طُلُوعُ الْفَجْرِ، وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ الشَّارِحُ الْمُرْشِدِيُّ وَمِثْلُهُ فِي مَنْسَكِ الْعَفِيفِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ صَاحِبِ الْبَدَائِعِ فَإِنْ أَخَّرَ الرَّمْيَ فِيهِمَا إلَى اللَّيْلِ فَرَمَى قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ جَازَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ اللَّيْلَ وَقْتُ الرَّمْيِ فِي أَيَّامِ الرَّمْيِ لِمَا رَوَيْنَا مِنْ الْحَدِيثِ اهـ. وَقَوْلُ الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ وَالْمَكْرُوهُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ مَا بَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَكَذَا فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَا بَيْنَ هَذِهِ الْأَيَّامِ كُلِّهَا مِنْ اللَّيَالِي الثَّلَاثِ اهـ. وَقَوْلُ الْحَدَّادِيِّ فِي الْجَوْهَرَةِ فَإِنْ رَمَى بِاللَّيْلِ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ جَازَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ اهـ. وَكَأَنَّ فِيهِ اخْتِلَافَ الرِّوَايَةِ ثُمَّ رَأَيْت فِي الْمَنْسَكِ الْأَوْسَطِ لِلْمُنْلَا سِنَانٍ الرُّومِيِّ حِكَايَةَ الْخِلَافِ حَيْثُ قَالَ وَقَالَ أَصْحَابُنَا إنَّ وَقْتَ أَدَاءِ رَمْيِ الْجِمَارِ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ مِنْ زَوَالِ الشَّمْسِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ الْغَدِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ الْغَدِ اهـ. كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْمَدَنِيِّ عَنْ حَاشِيَةِ شَيْخِهِ. (قَوْلُهُ فَظَهَرَ أَنَّ لَهُ وَقْتَيْنِ إلَخْ) فَوَقْتُ الصِّحَّةِ مِنْ الزَّوَالِ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ وَوَقْتُ الْكَرَاهَةِ مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ إلَى طُلُوعِهَا، وَهَذَا كُلُّهُ وَقْتُ الْأَدَاءِ فِي الْيَوْمَيْنِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ قَالَ فِي اللُّبَابِ وَشَرْحِهِ وَإِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ أَيْ صُبْحُ الرَّابِعِ فَقَدْ فَاتَ وَقْتُ الْأَدَاءِ أَيْ عِنْدَ الْإِمَامِ خِلَافًا لَهُمَا، وَبَقِيَ وَقْتُ الْقَضَاءِ أَيْ اتِّفَاقًا إلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَلَوْ أَخَّرَهُ أَيْ الرَّمْيَ عَنْ وَقْتِهِ أَيْ الْمُعَيَّنِ لَهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْجَزَاءُ وَهُوَ لُزُومُ الدَّمِ، وَيَفُوتُ وَقْتُ الْقَضَاءِ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ الرَّابِعِ اهـ. وَسَيُشِيرُ إلَى ذَلِكَ قَرِيبًا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 374 الشَّمْسُ فِي آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ يَسْقُطُ الرَّمْيُ لِانْقِضَاءِ وَقْتِهِ وَعَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ اتِّفَاقًا اهـ. فَظَهَرَ بِهَذَا أَنَّ لِلرَّمْيِ وَقْتَ أَدَاءً وَوَقْتَ قَضَاءٍ، وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ بَادِئًا إلَى آخِرِهِ إلَى التَّرْتِيبِ بَيْنَ الْجِمَارِ الثَّلَاثِ وَهُوَ ثَابِتٌ مِنْ فِعْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَلَمْ يُبَيِّنْ أَنَّهُ وَاجِبٌ أَوْ سُنَّةٌ وَفِيهِ اخْتِلَافٌ فَفِي الظَّهِيرِيَّةِ فَإِنْ غَيَّرَ هَذَا التَّرْتِيبَ فَبَدَأَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي بِجَمْرَةِ الْعَقَبَةِ فَرَمَاهَا ثُمَّ بِالْوُسْطَى ثُمَّ بِاَلَّتِي تَلِي مَسْجِدَ الْخَيْفِ بِمِنًى وَهُوَ بَعْدُ فِي يَوْمِهِ أَعَادَ الْجَمْرَةَ الْوُسْطَى وَجَمْرَةَ الْعَقَبَةِ لِيَأْتِيَ بِهَا مُرَتَّبًا مَسْنُونًا وَعَلَّلَ فِي الْمُحِيطِ بِأَنَّ التَّرْتِيبَ مَسْنُونٌ قَالَ وَإِنْ لَمْ يُعِدْ أَجْزَأَهُ لِأَنَّ رَمْيَ كُلِّ جَمْرَةٍ قُرْبَةٌ تَامَّةً بِنَفْسِهَا وَلَيْسَتْ بِتَابِعَةٍ لِلْبَعْضِ فَلَا يَتَعَلَّقُ جَوَازُهَا بِتَقْدِيمِ الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ كَالطَّوَافِ قَبْلَ الرَّمْيِ يَقَعُ مُعْتَدًّا بِهِ وَإِذَا كَانَ مَسْنُونًا فَإِنْ رَمَى كُلَّ جَمْرَةٍ بِثَلَاثٍ أَتَمَّ الْأُولَى بِأَرْبَعٍ ثُمَّ أَعَادَ الْوُسْطَى بِسَبْعٍ ثُمَّ الْعَقَبَةَ بِسَبْعٍ؛ لِأَنَّهُ رَمَى مِنْ الْأُولَى أَقَلَّهَا، وَالْأَقَلُّ لَا يَقُومُ مَقَامَ الْكُلِّ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ فَكَأَنَّهُ أَتَى بِهِمَا قَبْلَ الْأُولَى أَصْلًا فَيُعِيدُهُمَا فَإِنْ رَمَى كُلَّ وَاحِدَةٍ بِأَرْبَعٍ أَتَمَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ بِثَلَاثٍ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِالْأَكْثَرِ مِنْ الْأُولَى وَلِلْأَكْثَرِ حُكْمُ الْكُلِّ فَكَأَنَّهُ رَمَى الثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ بَعْدَ الْأُولَى، وَإِنْ اسْتَقْبَلَ رَمْيَهَا كَانَ أَفْضَلَ لِيَكُونَ إتْيَانُهُ لَهُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَسْنُونِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَوْ رَمَى الْجِمَارَ الثَّلَاثَ فَإِذَا فِي يَدِهِ أَرْبَعُ حَصَيَاتٍ لَا يَدْرِي مِنْ أَيَّتِهِنَّ هِيَ يَرْمِيهِنَّ عَنْ الْأُولَى، وَيَسْتَقْبِلُ الْجَمْرَتَيْنِ الْبَاقِيَتَيْنِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا مِنْ الْأُولَى فَلَمْ يَجُزْ رَمْيُ الْأُخْرَيَيْنِ، وَلَوْ كُنَّ ثَلَاثًا أَعَادَ عَلَى كُلِّ جَمْرَةٍ وَاحِدَةً وَلَوْ كَانَتْ حَصَاةً أَوْ حَصَاتَيْنِ أَعَادَ كُلَّ وَاحِدَةٍ وَيُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّهُ رَمَى كُلَّ وَاحِدَةٍ بِأَكْثَرِهَا فَوَقَعَ مُعْتَدًّا بِهِ، وَلَكِنْ لَمْ يَقَعْ مَسْنُونًا اهـ مَا فِي الْمُحِيطِ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي الْخِلَافِ وَفِي اخْتِيَارِ السُّنِّيَّةِ وَاعْتَمَدَهُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ وَقَالَ فِي الْمَجْمَعِ، وَيَسْقُطُ التَّرْتِيبُ فِي الرَّمْيِ وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ إنْ مَكَثْتَ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ بَيْن النَّفْرِ وَالْإِقَامَةِ لِلرَّمْيِ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ، وَالْإِقَامَةُ أَفْضَلُ اتِّبَاعًا لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَذَلِكَ وَأَنَّ الْإِقَامَةَ لِطُلُوعِ الْفَجْرِ يَوْمَ الرَّابِعِ مُوجِبَةٌ لِلرَّمْيِ فِيهِ وَبِإِطْلَاقِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَكِّيِّ وَالْآفَاقِيِّ فِي هَذِهِ الْأَحْكَامِ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى} [البقرة: 203] وَهُوَ كَالْمُسَافِرِ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الصَّوْمِ وَالْفِطْرِ، وَالصَّوْمُ أَفْضَلُ وَقَدْ قَدَّمْنَا مَعْنَى قَوْلِهِ وَقِفْ عِنْدَ كُلِّ رَمْيٍ بَعْدَهُ رَمْيٌ فِي بَحْثِ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ فَرَاجِعْهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَحْمَدَ اللَّهَ تَعَالَى وَيُثْنِيَ عَلَيْهِ وَيُصَلِّيَ عَلَى نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَدْعُوَ اللَّهَ بِحَاجَتِهِ وَيَجْعَلَ بَاطِنَ كَفَّيْهِ إلَى السَّمَاءِ فِي رَفْعِ يَدِهِ، وَأَنْ يَسْتَغْفِرَ لِأَبَوَيْهِ وَأَقَارِبِهِ وَمَعَارِفِهِ لِلْحَدِيثِ «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْحَاجِّ وَلِمَنْ اسْتَغْفَرَ لَهُ الْحَاجُّ» وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا لَا يَسْتَطِيعُ الرَّمْيَ يُوضَعُ فِي يَدِهِ وَيُرْمَى بِهَا أَوْ يَرْمِي عَنْهُ غَيْرُهُ، وَكَذَا الْمُغْمَى عَلَيْهِ وَلَوْ رَمَى بِحَصَاتَيْنِ إحْدَاهُمَا لِنَفْسِهِ وَالْأُخْرَى لِلْآخَرِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ فَظَهَرَ بِهَذَا إلَخْ) قَالَ فِي اللُّبَابِ وَبِغُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ هَذَا الْيَوْمِ أَيْ الرَّابِعِ يَفُوتُ وَقْتُ الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ بِخِلَافِ مَا قَبْلَهُ، وَلَوْ لَمْ يَرْمِ يَوْمَ النَّحْرِ أَوْ الثَّانِي أَوْ الثَّالِثِ رَمَاهُ فِي اللَّيْلَةِ الْمُقْبِلَةِ أَيْ الْآتِيَةِ لِكُلٍّ مِنْ الْأَيَّامِ الْمَاضِيَةِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ سِوَى الْإِسَاءَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ بِعُذْرٍ، وَلَوْ رَمَى لَيْلَةَ الْحَادِيَ عَشَرَ عَنْ غَدِهَا لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ اللَّيَالِيَ فِي الْحَجِّ فِي حُكْمِ الْأَيَّامِ الْمَاضِيَةِ لَا الْمُسْتَقْبَلَةِ أَيْ فَيَجُوزُ رَمْيُ يَوْمِ الثَّانِي مِنْ أَيَّامِ النَّحْرِ لَيْلَةَ الثَّالِثَةِ، وَلَا يَجُوزُ فِيهَا رَمْيُ يَوْمِ الثَّالِثِ وَلَوْ لَمْ يَرْمِ فِي اللَّيْلِ رَمَاهُ فِي النَّهَارِ قَضَاءً وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، وَلَوْ أَخَّرَ رَمْيَ الْأَيَّامِ كُلِّهَا إلَى الرَّابِعِ مَثَلًا قَضَاهَا كُلَّهَا فِيهِ وَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ، وَإِنْ لَمْ يَقْضِ حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ مِنْهُ أَيْ مِنْ الرَّابِعِ فَاتَ وَقْتُ الْقَضَاءِ، وَلَيْسَتْ هَذِهِ اللَّيْلَةُ أَيْ لَيْلَةُ الرَّابِعَ عَشَرَ تَابِعَةً لِمَا قَبْلَهَا لِيَبْقَى وَقْتُ الرَّمْيِ فِيهَا بِخِلَافِ اللَّيَالِي الَّتِي قَبْلَهَا اهـ. مُوَضَّحًا مِنْ شَرْحِهِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَوْ أَخَّرَ الرَّمْيَ فِي غَيْرِ الْيَوْمِ الرَّابِعِ يَرْمِي فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي تَلِي ذَلِكَ الْيَوْمَ الَّذِي أَخَّرَ رَمْيَهُ وَكَانَ أَدَاءً؛ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لَهُ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ سِوَى الْإِسَاءَةِ لِتَرْكِهِ السُّنَّةَ وَإِنْ أَخَّرَهُ إلَى الْيَوْمِ الثَّانِي كَانَ قَضَاءً، وَلَزِمَهُ دَمٌ وَكَذَا لَوْ أَخَّرَ الْكُلَّ إلَى الرَّابِعِ فَإِذَا غَرَبَتْ شَمْسُ الرَّابِعِ وَلَمْ يَرْمِ سَقَطَ الرَّمْيُ وَلَزِمَهُ دَمٌ (قَوْلُهُ فَلَمْ يَجُزْ رَمْيُ الْأُخْرَيَيْنِ) أَيْ بِنَاءً عَلَى وُجُوبِ التَّرْتِيبِ، وَهَذَا مُقَابِلٌ لِلْقَوْلِ بِالسُّنِّيَّةِ الْمُشَارِ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ لِيَكُونَ إتْيَانُهُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَسْنُونِ، وَلِذَا عَبَّرَ بِقَوْلِهِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ لِيَدُلَّ عَلَى أَنَّهُ قَوْلٌ آخَرُ فَتَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ وَفِي اخْتِيَارِ السُّنَّةِ) قَالَ فِي النَّهْرِ هَذَا سَهْوٌ بَلْ فِي اخْتِيَارِ التَّعْيِينِ نَعَمْ قَالَ فِي الْفَتْحِ الَّذِي يَقَعُ عِنْدِي اسْتِنَانُ التَّرْتِيبِ لَا تَعْيِينُهُ بِخِلَافِ تَعْيِينِ الْأَيَّامِ وَالْفَرْقُ وَلَا يَخْفَى عَلَى مُحَصِّلٍ اهـ. أَقُولُ: وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ الصَّوَابُ مَا قَالَهُ الْمُؤَلِّفُ فَإِنَّ صَرِيحَ كَلَامِ الْمُحِيطِ اخْتِيَارُ السُّنِّيَّةِ أَيْضًا حَيْثُ قَالَ وَإِذَا كَانَ مَسْنُونًا إلَخْ وَقَرَّرَ كَلَامَهُ عَلَيْهِ ثُمَّ نَقَلَ التَّعْيِينَ بِقَوْلِهِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ، وَهَذَا الْعِنْوَانُ كَالصَّرِيحِ فِي اخْتِيَارِ السُّنِّيَّةِ فَمِنْ أَيْنَ جَاءَ اخْتِيَارُ التَّعْيِينِ وَفِي اللُّبَابِ وَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُ سُنَّةٌ قَالَ شَارِحُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ وَالْكَرْمَانِيُّ وَالْمُحِيطِ وَفَتَاوَى السِّرَاجِيَّةِ. (قَوْلُهُ لِمَنْ اتَّقَى) قَالَ فِي النَّهْرِ مُتَعَلِّقٌ بِمَا قَبْلَهُ عَلَى اعْتِبَارِ حَاصِلِ الْمَعْنَى أَيْ هَذَا التَّخْيِيرِ، وَنَفْي الْإِثْمِ عَنْهُمَا لِلْمُتَّقِي لِئَلَّا يَقَعَ فِي قَلْبِهِ أَنَّ أَحَدَهُمَا يُوجِبُ إثْمًا فِي الْإِقْدَامِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَيَجْعَلُ بَاطِنَ كَفَّيْهِ إلَى السَّمَاءِ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ يَجْعَلُ بَاطِنَ كَفَّيْهِ نَحْوَ الْكَعْبَةِ كَمَا فِي السِّرَاجِ، وَقَالَ الثَّانِي يَرْفَعُ يَدَيْهِ حِذَاءَ مَنْكِبَيْهِ كَمَا فِي سَائِرِ الْأَدْعِيَةِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْبَحْرِ اهـ. قَالَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 375 جَازَ، وَيُكْرَهُ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَتْرُكَ الْجَمَاعَةَ مَعَ الْإِمَامِ بِمَسْجِدِ الْخَيْفِ وَيُكْثِرَ مِنْ الصَّلَاةِ فِيهِ أَمَامَ الْمَنَارَةِ عِنْدَ الْأَحْجَارِ اهـ. وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْمَرْأَةَ لَوْ تَرَكَتْ الْوُقُوفَ بِالْمُزْدَلِفَةِ لِأَجْلِ الزِّحَامِ لَا يَلْزَمُهَا شَيْءٌ فَيَنْبَغِي أَنَّهَا لَوْ تَرَكَتْ الرَّمْيَ لَهُ لَا يَلْزَمُهَا شَيْءٌ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ وَلَوْ رَمَيْتَ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ قَبْلَ الزَّوَالِ صَحَّ) يَعْنِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ اقْتِدَاءً بِابْنِ عَبَّاسٍ وَقِيَاسًا عَلَى التَّرْكِ وَقَالَا لَا يَجُوزُ اعْتِبَارًا بِسَائِرِ الْأَيَّامِ قَيَّدَ بِالرَّابِعِ احْتِرَازًا عَنْ الثَّانِي وَالثَّالِثِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ قَبْلَ الزَّوَالِ اتِّفَاقًا لِوُجُوبِ اتِّبَاعِ الْمَنْقُولِ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِعَدَمِ الْمَعْقُولِ فَلَمْ يَظْهَرْ أَثَرُ تَخْفِيفٍ فِيهَا بِتَجْوِيزِ التَّرْكِ بِالتَّقْدِيمِ وَفِي الْمُحِيطِ، وَأَمَّا وَقْتُ الرَّمْيِ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ إلَّا أَنَّ مَا قَبْلَ الزَّوَالِ وَقْتٌ مَكْرُوهٌ وَمَا بَعْدَهُ مَسْنُونٌ اهـ. فَعُلِمَ أَنَّهُ قَبْلَ الزَّوَالِ صَحِيحٌ مَكْرُوهٌ عِنْدَهُ. (قَوْلُهُ وَكُلُّ رَمْيٍ بَعْدَهُ رَمْيٌ فَارْمِهِ مَاشِيًا وَإِلَّا فَرَاكِبًا) بَيَانٌ لِلْأَفْضَلِ وَاخْتِيَارٌ لِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ عَلَى مَا حَكَاهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْجَرَّاحِ قَالَ: دَخَلْت عَلَى أَبِي يُوسُفَ فَوَجَدْته مُغْمَى عَلَيْهِ فَفَتَحَ عَيْنَهُ فَرَآنِي فَقَالَ يَا إبْرَاهِيمُ أَيُّمَا أَفْضَلُ لِلْحَاجِّ أَنْ يَرْمِيَ رَاجِلًا أَوْ رَاكِبًا فَقُلْت رَاجِلًا فَخَطَّأَنِي ثُمَّ قُلْت رَاكِبًا فَخَطَّأَنِي ثُمَّ قَالَ مَا كَانَ يُوقَفُ عِنْدَهَا فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَرْمِيَهَا رَاجِلًا وَمَا لَا يُوقَفُ عِنْدَهَا فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَرْمِيَهَا رَاكِبًا قَالَ فَخَرَجْتُ مِنْ عِنْدِهِ فَمَا بَلَغْتُ الْبَابَ حَتَّى سَمِعْتُ صُرَاخَ النِّسَاءِ أَنَّهُ قَدْ تُوُفِّيَ إلَى رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَوْ كَانَ شَيْءٌ أَفْضَلَ مِنْ مُذَاكَرَةِ الْعِلْمِ لَاشْتَغَلَ بِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْحَالَةَ حَالَةُ النَّدَامَةِ وَالْحَسْرَةِ اهـ. وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ فَعَلَى مَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ أَنَّ الرَّمْيَ كُلَّهُ رَاكِبًا أَفْضَلُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَعَلَى مَا فِي فَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّ الرَّمْيَ كُلَّهُ مَاشِيًا أَفْضَلُ فَإِنْ رَكِبَ إلَيْهَا فَلَا بَأْسَ بِهِ يَعْنِي عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهُ حَكَى قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ بَعْدَهُ فَتَحَصَّلَ أَنَّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ وَرَجَّحَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ لِأَنَّ أَدَاءَهَا مَاشِيًا أَقْرَبُ إلَى التَّوَاضُعِ وَالْخُشُوعِ وَخُصُوصًا فِي هَذَا الزَّمَانِ فَإِنَّ عَامَّةَ الْمُسْلِمِينَ مُشَاةٌ فِي جَمِيعِ الرَّمْيِ فَلَا يُؤْمَنُ مِنْ الْأَذَى بِالرُّكُوبِ بَيْنَهُمْ بِالزَّحْمَةِ وَرَمْيُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رَاكِبًا إنَّمَا هُوَ لِيُظْهِرَ فِعْلَهُ لِيُقْتَدَى بِهِ كَطَوَافِهِ رَاكِبًا اهـ. وَلَوْ قِيلَ بِأَنَّهُ مَاشِيًا أَفْضَلُ إلَّا فِي رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ فِي الْيَوْمِ الْأَخِيرِ فَهُوَ رَاكِبًا أَفْضَلُ لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ ذَاهِبٌ إلَى مَكَّةَ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ كَمَا هُوَ الْعَادَةُ، وَغَالِبُ النَّاسِ رَاكِبٌ فَلَا إيذَاءَ فِي رُكُوبِهِ مَعَ تَحْصِيلِ فَضِيلَةِ الِاتِّبَاعِ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ أَنْ تُقَدِّمَ ثَقَلَك إلَى مَكَّةَ وَتُقِيمَ بِمِنًى لِلرَّمْيِ) لِأَثَرِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَنْ قَدَّمَ ثَقَلَهُ قَبْلَ النَّفْرِ فَلَا حَجَّ لَهُ وَأَرَادَ نَفْيَ الْكَمَالِ، وَلِأَنَّهُ يُوجِبُ شَغْلَ قَلْبِهِ وَهُوَ فِي الْعِبَادَةِ فَيُكْرَهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا تَنْزِيهِيَّةٌ وَالثَّقَلُ مَتَاعُ الْمُسَافِرِ وَحَشَمُهُ وَهُوَ بِفَتْحَتَيْنِ وَجَمْعُهُ أَثْقَالٌ. وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ تَرْكُ أَمْتِعَتِهِ بِمَكَّةَ وَالذَّهَابُ إلَى عَرَفَاتٍ بِالطَّرِيقِ الْأُولَى؛ لِأَنَّهَا الْعِبَادَةُ الْمَقْصُودَةُ بِخِلَافِ الرَّمْيِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحِلُّ الْكَرَاهَةِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ عِنْدَ عَدَمِ الْأَمْنِ عَلَيْهَا بِمَكَّةَ أَمَّا إنْ أَمِنَ فَلَا لِعَدَمِ شَغْلِ الْقَلْبِ. (قَوْلُهُ ثُمَّ إلَى الْمُحَصَّبِ) أَيْ ثُمَّ رُحْ إلَيْهِ وَهُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَهُوَ الْأَبْطَحُ مَوْضِعٌ ذَاتُ حَصًى بَيْنَ مِنًى وَمَكَّةَ، وَلَيْسَتْ الْمَقْبَرَةُ مِنْهُ وَكَانَتْ الْكُفَّارُ اجْتَمَعُوا فِيهِ وَتَحَالَفُوا عَلَى إضْرَارِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَزَلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِيهِ إرَاءَةً لَهُمْ لَطِيفَ صُنْعِ اللَّهِ بِهِ وَتَكْرِيمَهُ بِنُصْرَتِهِ فَصَارَ ذَلِكَ سُنَّةً كَالرَّمَلِ فِي الطَّوَافِ، وَعِبَارَةُ الْمَجْمَعِ أَوْلَى مِنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ حَيْثُ قَالَ ثُمَّ يَنْزِلُ بِالْمُحَصَّبِ فَإِنَّ الرَّوَاحَ إلَيْهِ لَا يَسْتَلْزِمُ النُّزُولَ فِيهِ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ، وَيَنْزِلُ بِالْمُحَصَّبِ سَاعَةً وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَيُصَلِّي فِيهِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ، وَيَهْجَعُ هَجْعَةً ثُمَّ يَدْخُلُ مَكَّةَ اهـ. فَحَاصِلُهُ أَنَّ النُّزُولَ بِهِ سَاعَةً مُحَصِّلٌ لِأَصْلِ السُّنَّةِ، وَأَمَّا الْكَمَالُ فَمَا ذَكَرَهُ الْكَمَالُ. (قَوْلُهُ فَطُفْ لِلصَّدْرِ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ وَهُوَ وَاجِبٌ إلَّا عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ) وَلَهُ خَمْسَةُ أَسَامٍ مَا فِي الْكِتَابِ لِأَنَّهُ يَصْدُرُ عَنْهُ أَيْ   [منحة الخالق] وَاخْتَارَهُ قَاضِي خَانْ وَغَيْرُهُ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ. (قَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا تَنْزِيهِيَّةٌ) نَظَرَ فِيهِ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - كَانَ يَمْنَعُ مِنْهُ وَيُؤَدِّبُ عَلَيْهِ قَالَ وَهَذَا يُؤْذِنُ بِأَنَّهَا تَحْرِيمِيَّةٌ إذْ لَا يُؤَدَّبُ عَلَى التَّنْزِيهِيَّةِ اهـ. قَالَ شَيْخُنَا فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - كَانَ يُؤَدِّبُ عَلَى تَرْكِ خِلَافِ الْأَوْلَى هَذَا وَفِي السِّرَاجِ وَكَذَا يُكْرَهُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَجْعَلَ شَيْئًا مِنْ حَوَائِجِهِ خَلْفَهُ، وَيُصَلِّي مِثْلَ النَّعْلِ وَشِبْهِهِ؛ لِأَنَّهُ يَشْغَلُ خَاطَرَهُ فَلَا يَتَفَرَّغُ لِلْعِبَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا. (قَوْلُهُ بَيْنَ مِنًى وَمَكَّةَ) وَحْدَهُ مَا بَيْنَ الْجَبَلِ الَّذِي عِنْدَ مَقَابِرِ مَكَّةَ وَالْجَبَلِ الَّذِي يُقَابِلُهُ مُصْعِدًا فِي الشِّقِّ الْأَيْسَرِ، وَأَنْتَ ذَاهِبٌ إلَى مِنًى مُرْتَفِعًا عَنْ بَطْنِ الْوَادِي كَذَا فِي اللُّبَابِ (قَوْلُهُ فَإِنَّ الرَّوَاحَ إلَيْهِ لَا يَسْتَلْزِمُ النُّزُولَ فِيهِ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَا يَخْفَى أَنَّ الْمُصَنِّفَ فِي هَذَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 376 يَرْجِعُ وَالصَّدْرُ الرُّجُوعُ وَطَوَافُ الْوَدَاعِ؛ لِأَنَّهُ يُوَدِّعُ الْبَيْتَ بِهِ وَطَوَافُ الْإِفَاضَةِ؛ لِأَنَّهُ لِأَجْلِهِ يُفِيضُ إلَى الْبَيْتِ مِنْ مِنًى وَطَوَافُ آخِرِ عَهْدٍ بِالْبَيْتِ؛ لِأَنَّهُ لَا طَوَافَ بَعْدَهُ وَطَوَافُ الْوَاجِبِ وَاخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِالصَّدْرِ الَّذِي هُوَ الرُّجُوعُ فَعِنْدَنَا هُوَ الرُّجُوعُ عَنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ هُوَ الرُّجُوعُ إلَى أَهْلِهِ وَيُبْتَنَى عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ طَافَ لِلصَّدْرِ ثُمَّ أَقَامَ بِمَكَّةَ لِشُغْلٍ لَمْ تَلْزَمْهُ الْإِعَادَةُ عِنْدَنَا خِلَافًا لَهُ، وَالصَّحِيحُ قَوْلُنَا لِأَنَّ الْإِضَافَةَ لِلِاخْتِصَاصِ وَهُوَ إمَّا بِاعْتِبَارِ أَنَّ الصَّدْرَ سَبَبٌ أَوْ شَرْطٌ وَكُلٌّ مِنْهُمَا سَابِقٌ عَلَى الْحُكْمِ وَهُوَ بِمَا قُلْنَا وَعَلَى قَوْلِهِ يَكُونُ مُتَأَخِّرًا عَنْ الْحُكْمِ وَالْفَرَاغُ عَنْ الْأَفْعَالِ يُسَمَّى صُدُورًا وَرُجُوعًا عَنْهَا إلَى الْحَالَةِ الَّتِي كَانَتْ مِنْ قَبْلُ، وَلَمْ يُبَيِّنْ وَقْتَهُ وَلَهُ وَقْتَانِ وَقْتُ الْجَوَازِ وَوَقْتُ الِاسْتِحْبَابِ، فَالْأَوَّلُ أَوَّلُهُ بَعْدَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ إذَا كَانَ عَلَى عَزْمِ السَّفَرِ حَتَّى لَوْ طَافَ كَذَلِكَ ثُمَّ أَطَالَ الْإِقَامَةَ بِمَكَّةَ وَلَوْ سَنَةً وَلَمْ يَنْوِ الْإِقَامَةَ بِهَا، وَلَمْ يَتَّخِذْهَا دَارًا جَازَ طَوَافُهُ وَأَمَّا آخِرُهُ فَلَيْسَ بِمُوَقَّتٍ مَا دَامَ مُقِيمًا حَتَّى لَوْ أَقَامَ عَامًا لَا يَنْوِي الْإِقَامَةَ فَلَهُ أَنْ يَطُوفَ وَيَقَعُ أَدَاءً، وَالثَّانِي أَنْ يُوقِعَهُ عِنْدَ إرَادَةِ السَّفَرِ حَتَّى رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَوْ طَافَهُ ثُمَّ أَقَامَ إلَى الْعِشَاءِ فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَطُوفَ طَوَافًا آخَرَ لِيَكُونَ تَوْدِيعُ الْبَيْتِ آخِرَ مَوْرِدِهِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْمُصَنِّفُ لَهُ نِيَّةً مُعَيَّنَةً فَأَفَادَ أَنَّهُ لَوْ طَافَ بَعْدَمَا أَحَلَّ النَّفْرَ وَنَوَى التَّطَوُّعَ أَجْزَأَهُ عَنْ الصَّدْرِ كَمَا لَوْ طَافَ بِنِيَّةِ التَّطَوُّعِ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ وَقَعَ عَنْ الْفَرْضِ، وَأَفَادَ بِبَيَانِ صِفَتِهِ أَنَّهُ لَوْ نَفَرَ وَلَمْ يَطُفْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ فَيَطُوفَهُ، لَكِنْ قَالُوا مَا لَمْ يُجَاوِزْ الْمَوَاقِيتَ فَإِنْ جَاوَزَهَا لَمْ يَجِبْ الرُّجُوعُ عَيْنًا بَلْ إمَّا أَنْ يَمْضِيَ وَعَلَيْهِ دَمٌ، وَإِمَّا أَنْ يَرْجِعَ فَيَرْجِعَ بِإِحْرَامٍ جَدِيدٍ؛ لِأَنَّ الْمِيقَاتَ لَا يُجَاوَزُ بِلَا إحْرَامٍ فَيُحْرِمُ بِعُمْرَةٍ فَإِذَا رَجَعَ ابْتَدَأَ بِطَوَافِ الْعُمْرَةِ ثُمَّ يَطُوفُ لِلصَّدْرِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِتَأْخِيرِهِ، وَقَالُوا الْأَوْلَى أَنْ لَا يَرْجِعَ وَيُرِيقَ دَمًا؛ لِأَنَّهُ أَنْفَعُ لِلْفُقَرَاءِ وَأَيْسَرُ عَلَيْهِ لِمَا فِيهِ مِنْ دَفْعِ ضَرَرِ الْتِزَامِ الْإِحْرَامِ وَمَشَقَّةِ الطَّرِيقِ وَالدَّلِيلُ عَلَى وُجُوبِهِ مِنْ السُّنَّةِ أَحَادِيثُ أَصْرَحُهَا مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ كَانُوا يَنْصَرِفُونَ فِي كُلِّ وَجْهٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَنْصَرِفَنَّ أَحَدٌ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ» ، وَأَرَادَ بِأَهْلِ مَكَّةَ مَنْ اتَّخَذَ مَكَّةَ أَوْ دَاخِلَ الْمَوَاقِيتِ دَارًا فَلَا طَوَافَ صَدْرٍ عَلَى مَنْ كَانَ دَاخِلَ الْمَوَاقِيتِ وَكَذَا الْآفَاقِيُّ الَّذِي اتَّخَذَ مَكَّةَ دَارًا ثُمَّ بَدَا لَهُ الْخُرُوجُ وَقَيَّدَهُ فِي الْبَدَائِعِ بِأَنْ يَنْوِيَ الْإِقَامَةَ بِهَا قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ النَّفْرَ الْأَوَّلَ، وَأَمَّا إنْ نَوَاهُ بَعْدَهُ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ. اهـ. وَالظَّاهِرُ الْإِطْلَاقُ وَحَكَى الْخِلَافَ فِي الْمَجْمَعِ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ، وَالْمُرَادُ بِالنَّفْرِ الْأَوَّلِ الرُّجُوعُ إلَى مَكَّةَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ مِنْ أَيَّامِ النَّحْرِ وَكَذَا لَا طَوَافَ صَدْرٍ عَلَى مَكِّيٍّ إذَا أَرَادَ الْخُرُوجَ مِنْهَا وَقَيَّدَ بِالْمُحْرِمِ بِالْحَجِّ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْكَلَامَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَمِرَ لَيْسَ عَلَيْهِ طَوَافُ الصَّدْرِ وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِ أَدْرَكَ الْحَجَّ فَإِنَّ فَائِتَ الْحَجِّ لَيْسَ عَلَيْهِ طَوَافُ الصَّدْرِ؛ لِأَنَّ الْعَوْدَ مُسْتَحِقٌّ عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ كَالْمُعْتَمِرِ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا سَعْيَ عَلَيْهِ وَلَا رَمْيَ فِي هَذَا الطَّوَافِ لِعَدَمِ ذِكْرِهِمَا، وَلَمْ يَسْتَثْنِ الْحَائِضَ وَالنُّفَسَاءَ مَعَ أَهْلِ مَكَّةَ فِي سُقُوطِهِ عَنْهُمْ لِمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ فِي بَابِ التَّمَتُّعِ وَلِمَا عُلِمَ أَنَّ وَاجِبَاتِ الْحَجِّ تَسْقُطُ بِالْعُذْرِ، وَقَدْ صَرَّحَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوَاهُ بِسُقُوطِ طَوَافِ الصَّدْرِ بِالْعُذْرِ وَالْحَيْضِ، وَالنِّفَاسُ عُذْرٌ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ لَوْ طَهُرَتْ الْحَائِضُ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ مِنْ مَكَّةَ يَلْزَمُهَا طَوَافُ الصَّدْرِ، وَإِنْ جَاوَزَتْ بُيُوتَ مَكَّةَ مَسِيرَةَ سَفَرٍ وَطَهُرَتْ فَلَيْسَ عَلَيْهَا الْعَوْدُ، وَكَذَا لَوْ انْقَطَعَ دَمُهَا فَلَمْ تَغْتَسِلْ وَلَمْ يَذْهَبْ وَقْتُ الصَّلَاةِ حَتَّى لَوْ خَرَجَتْ مِنْ مَكَّةَ لَمْ يَلْزَمْهَا الْعَوْدُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهَا أَحْكَامُ الطَّاهِرَاتِ وَقْتَ الطَّوَافِ، وَإِنْ خَرَجَتْ وَهِيَ حَائِضٌ ثُمَّ اغْتَسَلَتْ ثُمَّ رَجَعَتْ إلَى مَكَّةَ قَبْلَ أَنْ تُجَاوِزَ الْمَوَاقِيتَ فَعَلَيْهَا الطَّوَافُ وَإِنْ   [منحة الخالق] الْبَابِ اسْتَعْمَلَ الرَّوَاحَ إلَى الشَّيْءِ بِمَعْنَى النُّزُولِ فِيهِ وَمِنْهُ ثُمَّ رُحْ إلَى مِنًى ثُمَّ إلَى عَرَفَاتٍ اهـ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا نِزَاعَ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ. (قَوْلُهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْكَلَامَ فِيهِ) فِيهِ بَيَانٌ لِمَأْخَذِ التَّقْيِيدِ مِنْ كَلَامِهِ، وَقَوْلُهُ لِأَنَّ الْمُعْتَمِرَ إلَخْ تَعْلِيلٌ لِلتَّقْيِيدِ وَقَدْ مَرَّ نَظِيرُ هَذَا بِعَيْنِهِ مِنْ الْمُؤَلِّفِ عِنْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ وَاقْطَعْ التَّلْبِيَةَ بِأَوَّلِهَا فَقَالَ وَقَيَّدَ بِالْمُحْرِمِ بِالْحَجِّ وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِ مُدْرِكًا لِلْحَجِّ وَمَا يُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ مِنْ تَغْيِيرِ قَيَّدَ مِنْ الْمَوْضِعَيْنِ هُنَا إلَى لَمْ يُقَيِّدْ تَحْرِيفٌ نَاشِئٌ عَنْ عَدَمِ الْفَهْمِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَتْ النُّسْخَةُ كَذَلِكَ لَتَنَاقَضَ مَعَ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَمِرَ إلَخْ وَقَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْعَوْدَ إلَخْ؛ لِأَنَّ عَدَمَ التَّقْيِيدِ يُفِيدُ بِسَبَبِ إطْلَاقِهِ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْمُعْتَمِرِ وَفَائِتِ الْحَجِّ طَوَافُ الصَّدْرِ لَا أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِمَا ذَلِكَ، وَأَمَّا عِبَارَةُ النَّهْرِ حَيْثُ قَالَ وَلَمْ يُقَيِّدْ فَيَرُدُّ عَلَيْهَا مَا قُلْنَا وَيَبْقَى تَعْلِيلُهُ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيهِ ضَائِعًا فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ وَلَمْ يَسْتَثْنِ الْحَائِضَ وَالنُّفَسَاءَ مَعَ أَهْلِ مَكَّةَ فِي سُقُوطِهِ عَنْهُمْ لِمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ فِي بَابِ التَّمَتُّعِ وَلِمَا عُلِمَ أَنَّ وَاجِبَاتِ الْحَجِّ تَسْقُطُ بِالْعُذْرِ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا بَعْدَ قَوْلِهِ فِي سُقُوطِهِ عَنْهُمْ لِمَا عُلِمَ فِي وَاجِبَاتِ الْحَجِّ. (قَوْلُهُ وَإِنْ جَاوَزَتْ بُيُوتَ مَكَّةَ مَسِيرَةَ سَفَرٍ) هَذَا الْقَيْدُ غَيْرُ مُعْتَبَرِ الْمَفْهُومِ دَلَّ عَلَيْهِ مَا بَعْدَهُ وَكَذَا قَوْلُ شَارِح اللُّبَابِ؛ لِأَنَّهُ حِينَ خَرَجَتْ مِنْ الْعُمْرَانِ صَارَتْ مُسَافِرَةً بِدَلِيلِ جَوَازِ الْقَصْرِ فَلَا يَلْزَمُهَا الْعَوْدُ وَلَا الدَّمُ اهـ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 377 جَاوَزَتْ فَلَا تَعُودُ إلَّا بِإِحْرَامٍ جَدِيدٍ وَأَشَارَ بِطَوَافِ الصَّدْرِ إلَى الرُّجُوعِ إلَى أَهْلِهِ وَعَدَمِ الْمُجَاوَرَةِ بِمَكَّةَ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْمَجْمَعِ بَعْدَهُ ثُمَّ يَعُودُ إلَى أَهْلِهِ، وَالْمُجَاوَرَةُ بِهَا مَكْرُوهَةٌ يَعْنِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا تُكْرَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [البقرة: 125] وَالْمُجَاوَرَةُ هِيَ الْعُكُوفُ وَلَهُ أَنَّ الْمُجَاوَرَةَ فِي الْعَادَةِ تُفْضِي إلَى الْإِخْلَالِ بِإِجْلَالِ بَيْتِ اللَّهِ لِكَثْرَةِ الْمُشَاهَدَةِ، وَالْعُكُوفُ فِي الْآيَةِ بِمَعْنَى اللُّبْثِ دُونَ الْمُجَاوَرَةِ، وَقَدْ قَرَّرَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فِيهَا كَلَامًا حَسَنًا فَرَاجِعْهُ. (قَوْلُهُ ثُمَّ اشْرَبْ مِنْ زَمْزَمَ وَالْتَزِمْ الْمُلْتَزَمَ وَتَشَبَّثْ بِالْأَسْتَارِ وَالْتَصِقْ بِالْجِدَارِ) بَيَانٌ لِلْمُسْتَحَبِّ وَقَدِّمْ الشُّرْبَ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ عَلَى غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْمُخْتَارَ تَقْدِيمُهُ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ، وَاخْتَارَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ تَأْخِيرَهُ عَنْ الْتِزَامِ الْمُلْتَزَمِ وَتَقْبِيلِ الْعَتَبَةِ وَكَيْفِيَّتُهُ أَنْ يَأْتِيَ زَمْزَمَ فَيَسْتَقِي بِنَفْسِهِ الْمَاءَ وَيَشْرَبُهُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَيَتَضَلَّعُ مِنْهُ وَيَتَنَفَّسُ مَرَّاتٍ وَيَرْفَعُ بَصَرَهُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ، وَيَنْظُرُ إلَى الْبَيْتِ وَيَمْسَحُ بِهِ وَجْهَهُ وَرَأْسَهُ وَجَسَدَهُ وَيَصُبُّ عَلَيْهِ إنْ تَيَسَّرَ، وَالْمُلْتَزَمُ مَا بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْبَابِ كَمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ حَدِيثًا مَرْفُوعًا، وَالتَّشَبُّثُ التَّعَلُّقُ وَالْمُرَادُ بِالْأَسْتَارِ أَسْتَارُ الْكَعْبَةِ إنْ كَانَتْ قَرِيبَةً بِحَيْثُ يَنَالُهَا، وَإِلَّا وَضَعَ يَدَيْهِ فَوْقَ رَأْسِهِ مَبْسُوطَتَيْنِ عَلَى الْجِدَارِ قَائِمَتَيْنِ وَيَجْتَهِدُ فِي إخْرَاجِ الدَّمْعِ مِنْ عَيْنِهِ وَلَمْ يَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ يَمْشِي الْقَهْقَرَى وَذَكَرَهُ فِي الْمَجْمَعِ لَكِنْ يَفْعَلُهُ عَلَى وَجْهٍ لَا يَحْصُلُ مِنْهُ صَدْمٌ أَوْ وَطْءٌ لِأَحَدٍ وَهُوَ بَاكٍ مُتَحَسِّرٌ عَلَى فِرَاقِ الْبَيْتِ الشَّرِيفِ وَبَصَرُهُ مُلَاحِظٌ لَهُ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ الْمَسْجِدِ وَفِي رِسَالَةِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ الَّتِي أَرْسَلَهَا إلَى أَهْلِ مَكَّةَ أَنَّ الدُّعَاءَ هُنَاكَ يُسْتَجَابُ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ مَوْضِعًا فِي الطَّوَافِ وَعِنْدَ الْمُلْتَزَمِ وَتَحْتَ الْمِيزَابِ وَفِي الْبَيْتِ وَعِنْدَ زَمْزَمَ وَخَلْفَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَالْمُجَاوَرَةُ بِهَا مَكْرُوهَةٌ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَبِقَوْلِهِ قَالَ الْخَائِفُونَ الْمُحْتَاطُونَ مِنْ الْعُلَمَاءِ كَمَا فِي الْإِحْيَاءِ قَالَ وَلَا يُظَنُّ أَنَّ كَرَاهَةَ الْقِيَامِ تُنَاقِضُ فَضْلَ الْبُقْعَةِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْكَرَاهَةَ عِلَّتُهَا ضَعْفُ الْخَلْقِ وَقُصُورُهُمْ عَنْ الْقِيَامِ بِحَقِّ الْمَوْضِعِ قَالَ فِي الْفَتْحِ وَعَلَى هَذَا فَيَجِبُ كَوْنُ الْجِوَارِ فِي الْمَدِينَةِ الْمُشَرَّفَةِ كَذَلِكَ يَعْنِي مَكْرُوهًا عِنْدَهُ فَإِنَّ تَضَاعُفَ السَّيِّئَاتِ وَتَعَاظُمَهَا إنْ فُقِدَ فِيهَا فَمَخَافَةُ السَّآمَةِ وَقِلَّةِ الْأَدَبِ الْمُفْضِي إلَى الْإِخْلَالِ بِوُجُوبِ التَّوْقِيرِ وَالْإِجْلَالِ قَائِمٌ. (قَوْلُهُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَمْ يَذْكُرْ تَقْبِيلَ الْعَتَبَةِ قَبْلَ الشُّرْبِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَلَا الِاسْتِقَاءَ بِنَفْسِهِ وَلَا رُجُوعَ الْقَهْقَرَى كَمَا فِي الْمَجْمَعِ لِمَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَأَمَّا الِالْتِزَامُ وَالتَّشَبُّثُ فَجَاءَ فِيهِمَا حَدِيثَانِ ضَعِيفَانِ اهـ. وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ الِاسْتِقَاءُ بِنَفْسِهِ لِمَا فِي الْفَتْحِ عَنْ الطَّبَقَاتِ مُرْسَلًا أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا أَفَاضَ نَزَعَ بِالدَّلْوِ لَمْ يَنْزِعْ مَعَهُ أَحَدٌ فَشَرِبَ ثُمَّ أَفْرَغَ بَاقِيَ الدَّلْوِ فِي الْبِئْرِ، وَقَالَ لَوْلَا أَنْ تَغْلِبَكُمْ النَّاسُ عَلَى سِقَايَتِكُمْ لَمْ يَنْزِعْ مِنْهَا أَحَدٌ غَيْرِي وَجَمَعَ فِي الْفَتْحِ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّهُمْ نَزَعُوا لَهُ بِأَنَّ هَذَا كَانَ عَقِبَ طَوَافِ الْوَدَاعِ وَذَاكَ عَقِبَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَتَمَامُهُ فِيهِ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ لَوْلَا أَنْ تَغْلِبَكُمْ النَّاسُ إلَخْ يَكْفِي فِي إثْبَاتِ الْمَقْصُودِ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَرْكَهُ لَهُ كَانَ لِذَلِكَ الْعُذْرِ إنْ لَمْ يَثْبُتْ نَزْعُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِنَفْسِهِ. (قَوْلُهُ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ مَوْضِعًا) قَالَ فِي الشرنبلالية وَرَأَيْت نَظْمًا لِلشَّيْخِ الْعَلَّامَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ جَمَالِ الدِّينِ مُنْلَا زَادَهْ الْعِصَامِيُّ ذَكَرَ فِيهِ الْمَوَاطِنَ لِلدُّعَاءِ فِي مَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ، وَعَيَّنَ فِيهِ سَاعَاتِهَا زِيَادَةً عَلَى مَا فِي رِسَالَةِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - طِبْقَ مَا صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ الْعَلَّامَةُ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْحَسَنِ النَّقَّاشُ فِي مَنَاسِكِهِ فَكَانَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ مَوْضِعًا فَقَالَ قَدْ ذَكَرَ النَّقَّاشُ فِي الْمَنَاسِكِ ... وَهُوَ لَعَمْرِي عُمْدَةٌ لِلنَّاسِكِ إنَّ الدُّعَا فِي خَمْسَةٍ وَعَشْرَهْ ... بِمَكَّةَ يُقْبَلُ مِمَّنْ ذَكَرَهْ وَهِيَ الْمَطَافُ مُطْلَقًا وَالْمُلْتَزَمْ ... بِنِصْفِ لَيْلٍ فَهْوَ شَرْطٌ مُلْتَزَمْ وَدَاخِلَ الْبَيْتِ بِوَقْتِ الْعَصْرِ ... بَيْن يَدَيْ جِذْعَيْهِ فَاسْتَقِرْ وَتَحْتَ مِيزَابٍ لَهُ وَقْتَ السَّحَرْ ... وَهَكَذَا خَلْفَ الْمَقَامِ الْمُفْتَخِرْ وَعِنْدَ بِئْرِ زَمْزَمَ شِرْبِ الْفُحُولْ ... إذَا دَنَتْ شَمْسُ النَّهَارِ لِلْأُفُولْ ثُمَّ الصَّفَا وَمَرْوَةِ وَالْمَسْعَى ... بِوَقْتِ عَصْرٍ فَهُوَ قَيْدٌ يُرْعَى كَذَا مِنًى فِي لَيْلَةِ الْبَدْرِ إذَا ... تَنَصَّفَ اللَّيْلُ فَخُذْ مَا يُحْتَذَى ثُمَّ لَدَى الْجِمَارِ وَالْمُزْدَلِفَهْ ... عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ ثُمَّ عَرَفَهْ بِمَوْقِفٍ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ قَلْ ... ثُمَّ لَدَى السِّدْرَةِ ظُهْرًا وَكَمَلْ وَقَدْ رَوَى هَذَا الْوُقُوفَ طُرَّا ... مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِمَا قَدْ مَرَّا بَحْرُ الْعُلُومِ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ عَنْ ... خَيْرِ الْوَرَى ذَاتًا وَوَصَفَا وَسُنَنْ صَلَّى عَلَيْهِ اللَّهُ ثُمَّ سَلَّمَا ... وَآلِهِ وَالصَّحْبِ مَا غَيْثٌ هُمَا اهـ. قُلْت وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْجِمَارَ ثَلَاثَةٌ، وَأَنَّهُ لَيْسَ فِي كَلَامِ الْحَسَنِ ذِكْرُ السِّدْرَةِ فَبِهَا تَبْلُغُ سِتَّةَ عَشَرَ مَوْضِعًا فَتَنَبَّهْ لَهُ اهـ. مَا فِي الشرنبلالية قُلْت فِي عَدِّ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ مِنْ تِلْكَ الْأَمَاكِنِ نَظَرٌ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَا وُقُوفَ وَلَا دُعَاءَ عِنْدَهُمَا فَالظَّاهِرُ أَنَّ الرَّاجِزَ لَمْ يَعْتَبِرْهَا فَذَكَرَ بَدَلَهَا السِّدْرَةَ، وَلَعَلَّهُ صَحَّ نَقْلُهَا عِنْدَهُ عَنْ الْحَسَنِ فَنَسَبَهَا إلَيْهِ، وَسَقَطَتْ مِنْ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ تَبَعًا لِلْفَتْحِ أَوْ عَدُوًّا جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ بِنَاءً عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْفَتْحِ فِي مَحِلِّهِ مِنْ أَنَّهُ قِيلَ أَنَّهُ يَقُولُ اللَّهُمَّ اجْعَلْ حَجِّي مَبْرُورًا وَسَعْيِي مَشْكُورًا وَذَنْبِي مَغْفُورًا فَلْيُتَأَمَّلْ هَذَا، وَقَدْ نَظَمَ فِي النَّهْرِ الْأَمَاكِنَ بِقَوْلِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 378 الْمَقَامِ وَعَلَى الصَّفَا وَعَلَى الْمَرْوَةِ وَفِي السَّعْيِ وَفِي عَرَفَاتٍ وَفِي مُزْدَلِفَةَ وَفِي مِنًى وَعِنْدَ الْجَمَرَاتِ الثَّلَاثِ، وَزَادَ غَيْرُهُ وَعِنْدَ رُؤْيَةِ الْبَيْتِ وَفِي الْحَطِيمِ لَكِنَّ الثَّانِيَ هُوَ تَحْتَ الْمِيزَابِ فَهُوَ سِتَّةَ عَشَرَ مَوْضِعًا. (فَصْلٌ) (قَوْلُهُ وَمَنْ لَمْ يَدْخُلْ مَكَّةَ وَوَقَفَ بِعَرَفَةَ سَقَطَ عَنْهُ طَوَافُ الْقُدُومِ) مَجَازٌ عَنْ عَدَمِ سُنِّيَّتِهِ فِي حَقِّهِ فَإِنَّ حَقِيقَةَ السُّقُوطِ لَا تَكُونُ إلَّا فِي اللَّازِمِ إمَّا لِأَنَّهُ مَا شُرِعَ إلَّا فِي ابْتِدَاءِ الْأَفْعَالِ فَلَا يَكُونُ سُنَّةً عِنْدَ التَّأَخُّرِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِتَرْكِهِ؛ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ، وَإِمَّا لِأَنَّ طَوَافَ الزِّيَارَةِ أَغْنَى عَنْهُ كَالْفَرْضِ يُغْنِي عَنْ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ وَلِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْعُمْرَةِ طَوَافُ قُدُومٍ؛ لِأَنَّ طَوَافَهَا أَغْنَى عَنْهُ قَيَّدَ بِطَوَافِ الْقُدُومِ؛ لِأَنَّ الْقَارِنَ إذَا لَمْ يَدْخُلْ مَكَّةَ وَوَقَفَ بِعَرَفَةَ فَإِنَّهُ صَارَ رَافِضًا لِعُمْرَتِهِ فَيَلْزَمُهُ دَمٌ لِرَفْضِهَا، وَقَضَاؤُهَا كَمَا سَيَأْتِي فِي آخِرِ الْقِرَانِ. (قَوْلُهُ وَمَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ سَاعَةً مِنْ الزَّوَالِ إلَى فَجْرِ النَّحْرِ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ وَلَوْ جَاهِلًا أَوْ نَائِمًا أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَقَفَ بَعْدَ الزَّوَالِ، وَقَالَ مَنْ أَدْرَكَ عَرَفَةَ بِلَيْلٍ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ فَكَانَ فِعْلُهُ بَيَانًا لِأَوَّلِ وَقْتِهِ، وَقَوْلُهُ بَيَانًا لِآخِرِهِ وَالْمُرَادُ بِالسَّاعَةِ السَّاعَةُ الْعُرْفِيَّةُ وَهُوَ الْيَسِيرُ مِنْ الزَّمَانِ وَهُوَ الْمُحْمَلُ عِنْدَ إطْلَاقِ الْفُقَهَاءِ لَا السَّاعَةَ عِنْدَ الْمُنَجِّمِينَ كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي الْحَيْضِ وَالْمُرَادُ بِتَمَامِ الْحَجِّ بِالْوُقُوفِ فِي الْحَدِيثِ وَعِبَارَتُهُمْ الْأَمْنُ مِنْ الْبُطْلَانِ لَا حَقِيقَتَهُ إذْ بَقِيَ الرُّكْنُ الثَّانِي وَهُوَ الطَّوَافُ، وَأَفَادَ أَنَّ النِّيَّةَ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ الْوُقُوفِ وَقَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ النِّيَّةِ حَتَّى لَوْ طَافَ هَارِبًا مِنْ عَدُوٍّ، وَلَا يَصِحُّ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الطَّوَافَ عِبَادَةٌ مَقْصُودَةٌ وَلِهَذَا يُتَنَفَّلُ بِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ اشْتِرَاطِ أَصْلِ النِّيَّةِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُحْتَاجٍ إلَى تَعْيِينِهِ حَتَّى إنَّ الْمُحْرِمَ لَوْ طَافَ يَوْمَ النَّحْرِ وَنَوَى بِهِ النَّذْرَ يُجْزِيهِ عَنْ طَوَافِ الزِّيَارَةِ لَا عَمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الْوُقُوفُ فَلَيْسَ بِعِبَادَةٍ مَقْصُودَةٍ، وَلِهَذَا لَا يُتَنَفَّلُ بِهِ فَوُجُودُ النِّيَّةِ فِي أَصْلِ الْعِبَادَةِ وَهُوَ الْإِحْرَامُ يُغْنِي عَنْ اشْتِرَاطِهِ فِي الْوُقُوفِ مَعَ أَنَّ الْوُقُوفَ أَعْظَمُ الرُّكْنَيْنِ لَكِنْ بِاعْتِبَارِ الْأَمْنِ عَلَى الْبُطْلَانِ عِنْدَ فِعْلِهِ لَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. (قَوْلُهُ وَلَوْ أَهَلَّ عَنْهُ رَفِيقُهُ بِإِغْمَائِهِ جَازَ) أَيْ أَحْرَمَ أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ مَا إذَا كَانَ أَمَرَهُ بِأَنْ يُحْرِمَ عَنْهُ عِنْدَ عَجْزِهِ أَوَّلًا، وَالْأَوَّلُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَفِي الثَّانِي خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَافَقَةَ أَمْرٌ بِهِ دَلَالَةٌ عِنْدَ الْعَجْزِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا إنَّمَا تُرَادُ الْمُرَافَقَةُ لِأَمْرِ السَّفَرِ لَا غَيْرُ، وَيَتَفَرَّعُ عَلَى ثُبُوتِ الْإِذْنِ دَلَالَةً مَسَائِلُ ذَكَرَهَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مِنْهَا مَسْأَلَةُ الْحَجِّ وَمِنْهَا ذَبْحُ شَاةِ قَصَّابٍ شَدَّهَا لِلذَّبْحِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لَا لَوْ لَمْ يَشُدَّهَا، وَمِنْهَا ذَبْحُ أُضْحِيَّةِ غَيْرِهِ مِنْ أَيَّامِهَا بِلَا إذْنِهِ ذَكَرَهَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ مُطْلَقَةً وَقُيِّدَتْ فِي بَعْضِهَا بِمَا إذَا أَضْجَعَهَا لِلذَّبْحِ وَمِنْهَا وَضَعَ الْقِدْرَ عَلَى كَانُونٍ وَفِيهِ اللَّحْمُ وَوَضَعَ الْحَطَبَ تَحْتَهَا فَوَقَدَ النَّارَ رَجُلٌ وَطَبَخَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَمِنْهَا جَعَلَ بُرَّهُ فِي دَوْرَقٍ وَرَبَطَ الْحِمَارَ فَسَاقَهُ رَجُلٌ حَتَّى طَحَنَهُ، وَمِنْهَا سَقَطَ حِمْلٌ فِي الطَّرِيقِ فَحُمِلَ بِلَا إذْنِ رَبِّهِ فَتَلِفَتْ الدَّابَّةُ وَمِنْهَا رَفَعَ جَرَّةَ نَفْسِهِ فَأَعَانَهُ آخَرُ عَلَى الرَّفْعِ فَانْكَسَرَتْ. وَمِنْهَا مُزَارِعٌ زَرَعَ الْأَرْضَ بِبَذْرِ رَبِّهَا وَلَمْ يُنْبِتْ حَتَّى سَقَاهَا رَبُّهَا بِلَا أَمْرِهِ فَالْخَارِجُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا هُيِّئَتْ لِلسَّقْيِ   [منحة الخالق] دُعَاءُ الْبَرَايَا يُسْتَجَابُ بِكَعْبَةٍ ... وَمُلْتَزَمٍ وَالْمَوْقِفَيْنِ كَذَا الْحَجَرْ طَوَافٌ وَسَعْيٌ مَرُوتَيْنِ وَزَمْزَمَ ... مَقَامٌ وَمِيزَابٌ جِمَارُكَ تُعْتَبَرْ وَمُرَادُهُ بِالْمَوْقِفَيْنِ عَرَفَةَ وَالْمُزْدَلِفَةِ وَبِالْمَرُوتَيْنِ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ تَغْلِيبًا وَمَا ذَكَرَهُ بِنَاءً عَلَى عَدِّ الْجِمَارِ ثَلَاثًا لَكِنْ نَقَصَ مِمَّا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ مِنًى، وَذَكَرَ بَدَلَهُ الْحَجَرَ وَلَمْ يَذْكُرْ أَيْضًا عَنْ رُؤْيَةِ الْبَيْتِ وَالسِّدْرَةِ وَقَدْ زَادَ فِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ عَنْ اللُّبَابِ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ مَعَ مَوْضِعَيْنِ آخَرَيْنِ فِي الْحَجَرِ وَعِنْدَ الرُّكْنِ الْيَمَانِي وَنَظَمْت هَذِهِ الْخَمْسَةَ إلْحَاقًا لِمَا فِي النَّهْرِ بِقَوْلِي وَرُؤْيَةُ بَيْتٍ ثُمَّ حَجَرٍ وَسِدْرَةٍ ... وَرُكْنِ يَمَانٍ مَعَ مِنًى لَيْلَةَ الْقَمَرْ وَقَوْلِي لَيْلَةَ الْقَمَرِ تَابَعْت فِيهِ قَوْلَهُ فِي الدُّرِّ لَيْلَةَ الْبَدْرِ وَمِثْلُهُ مَا مَرَّ فِي الْأُرْجُوزَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا لَيْلَةُ الثَّالِثَ عَشَرَ؛ لِأَنَّ الْحَاجَّ لَا يَمْكُثُ فِي مِنًى بَعْدَهَا تَأَمَّلْ. [فَصْلٌ لَمْ يَدْخُلْ مَكَّةَ وَوَقَفَ بِعَرَفَةَ] (فَصْلٌ) (قَوْلُهُ فَإِنَّ حَقِيقَةَ السُّقُوطِ إلَخْ) كَانَ هَذَا وَجْهَ قَوْلِهِ فِي النَّهْرِ وَعِبَارَةُ أَصْلِهِ أَيْ الْوَافِي وَلَمْ يَطُفْ لِلْقُدُومِ مَنْ لَمْ يَدْخُلْ مَكَّةَ وَوَقَفَ بِعَرَفَةَ أَوْلَى كَمَا لَا يَخْفَى اهـ. وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِوَجْهِ الْأَوْلَوِيَّةِ أَنَّ عِبَارَةَ الْمُصَنِّفِ تُشْعِرُ بِعَدَمِ الْكَرَاهَةِ حَيْثُ عَبَّرَ بِالسُّقُوطِ بِخِلَافِ عِبَارَةِ الْوَافِي تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ إمَّا لِأَنَّهُ إلَخْ) بَيَانٌ لِوَجْهِ سُقُوطِهِ وَالتَّعْلِيلُ الْأَوَّلُ مَذْكُورٌ فِي الْهِدَايَةِ وَالثَّانِي فِي التَّبْيِينِ قَالَ فِي النَّهْرِ وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا نَظَرٌ أَمَّا الْأَوَّلُ فَمَنْقُوضٌ بِالْأَرْبَعِ قَبْلَ الظُّهْرِ. وَالْجَوَابُ أَنَّهَا فِي قُوَّةِ الْوَاجِبِ وَلَا يَخْفَى ضَعْفُهُ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ وَهُوَ مَمْنُوعٌ بَلْ هُوَ مُسِيءٌ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ نَعَمْ لَا دَمَ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ بِتَمَامِ الْحَجِّ) الْمُرَادُ مُبْتَدَأٌ وَقَوْلُهُ بِتَمَامِ الْحَجِّ مُتَعَلِّقٌ بِهِ وَقَوْلُهُ بِالْوُقُوفِ مُتَعَلِّقٌ بِتَمَامٍ، وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ حَالٌ مِنْ تَمَامِ الْحَجِّ وَقَوْلُهُ وَعِبَارَتِهِمْ بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى الْحَدِيثِ، وَقَوْلُهُ الْأَمْنُ بِالرَّفْعِ خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ (قَوْلُهُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الطَّوَافَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ يَرِدُ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا عِبَادَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَتَنَفَّلُ بِهَا مَعَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لَهَا النِّيَّةُ، وَهَذَا لَمْ أَرَهُ لِأَحَدٍ وَلَمْ يَظْهَرْ لِي عَنْهُ جَوَابٌ اهـ. وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ عِبَادَةً مُسْتَقِلَّةً لِمَا ذَكَرَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 379 وَالتَّرْبِيَةِ صَارَ مُسْتَعِينًا بِكُلِّ مَنْ قَامَ بِهِ دَلَالَةً، وَكَذَا لَوْ سَقَاهَا أَجْنَبِيٌّ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا وَمِنْهَا مَنْ أَحْضَرَ فَعْلَةً لِهَدْمِ دَارٍ فَهَدَمَ آخَرُ بِلَا إذْنٍ لَا يَضْمَنُ اسْتِحْسَانًا، وَالْأَصْلُ فِي جِنْسِهَا أَنَّ كُلَّ عَمَلٍ لَا يَتَفَاوَتُ فِيهِ النَّاسُ تَثْبُتُ الِاسْتِعَانَةُ فِيهِ بِكُلِّ أَحَدٍ دَلَالَةً وَكُلَّ عَمَلٍ يَتَفَاوَتُ فِيهِ النَّاسُ لَا تَثْبُتُ الِاسْتِعَانَةُ فِيهِ بِكُلِّ أَحَدٍ كَمَا لَوْ ذَبَحَ شَاةً وَعَلَّقَهَا لِلسَّلْخِ فَسَلَخَهَا رَجُلٌ بِلَا إذْنِهِ ضَمِنَ اهـ. وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْإِحْرَامَ هُوَ النِّيَّةُ مَعَ التَّلْبِيَةِ فَإِذَا نَوَى الرَّفِيقَ وَلَبَّى صَارَ الْمُغْمَى عَلَيْهِ مُحْرِمًا لَا الرَّفِيقُ وَلِذَا يَجُوزُ لِلرَّفِيقِ بَعْدَهُ أَنْ يُحْرِمَ عَنْ نَفْسِهِ، وَيَصِحُّ مِنْهُ عَنْ الْمُغْمَى عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ مُحْرِمًا لِنَفْسِهِ وَلَا يَلْزَمُ النَّائِبَ التَّجَرُّدُ عَنْ الْمَخِيطِ لِأَجْلِ إحْرَامِهِ عَنْ الْمُغْمَى عَلَيْهِ، وَلَوْ أَحْرَمَ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ رَفِيقِهِ وَارْتَكَبَ مَحْظُورَ إحْرَامِهِ لَزِمَهُ جَزَاءٌ وَاحِدٌ بِخِلَافِ الْقَارِنِ يَلْزَمُهُ جَزَاءَانِ؛ لِأَنَّهُ مُحْرِمٌ بِإِحْرَامَيْنِ. وَشَمِلَ مَا إذَا أَحْرَمَ عَنْهُ بِحِجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ بِهِمَا مِنْ الْمِيقَاتِ أَوْ بِمَكَّةَ، وَلَمْ أَرَهُ صَرِيحًا وَالْمُرَادُ بِالرَّفِيقِ وَاحِدٌ مِنْ أَهْلِ الْقَافِلَةِ سَوَاءٌ كَانَ مُخَالِطًا لَهُ أَوْ لَا كَمَا قَالُوا فِيمَا إذَا خَافَ عَطَشَ رَفِيقِهِ فِي التَّيَمُّمِ أَنَّهُ الْوَاحِدُ مِنْ الْقَافِلَةِ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْحَدَّادِيُّ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ فَحِينَئِذٍ ذِكْرُ الرَّفِيقِ فِي عِبَارَتِهِمْ هُنَا لِبَيَانِ الْوَاقِعِ، لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ عَنْهُ غَيْرُ رَفِيقِهِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ قِيلَ يَجُوزُ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ، وَلَمْ يُرَجِّحْ وَرَجَّحَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الْجَوَازَ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ الْإِعَانَةِ لَا الْوِلَايَةِ وَدَلَالَةُ الْإِعَانَةِ قَائِمَةٌ عِنْدَ كُلِّ مَنْ عُلِمَ قَصْدُهُ رَفِيقًا كَانَ أَوْ لَا، وَأَصْلُهُ أَنَّ الْإِحْرَامَ شَرْطٌ عِنْدَنَا اتِّفَاقًا كَالْوُضُوءِ وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ شَبَهٌ بِالرُّكْنِ فَجَازَتْ النِّيَابَةُ فِيهِ بَعْدَ وُجُودِ نِيَّةِ الْعِبَادَةِ مِنْهُ عِنْدَ خُرُوجِهِ مِنْ بَلَدِهِ. وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَافَقَةَ تَكُونُ أَمْرًا بِهِ دَلَالَةٌ عِنْدَ الْعَجْزِ أَوْ لَا اهـ. وَيُرَجِّحُهُ أَيْضًا أَنَّ الْمَسَائِلَ الَّتِي ذَكَرْنَا أَنَّ الْإِذْنَ ثَابِتٌ فِيهَا دَلَالَةً لَمْ تَخْتَصَّ بِوَاحِدٍ مُعَيَّنٍ بَلْ النَّاسُ كُلُّهُمْ فِيهَا عَلَى السَّوَاءِ. وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَوْ اسْتَمَرَّ مُغْمًى عَلَيْهِ إلَى وَقْتِ أَدَاءِ الْأَفْعَالِ فَأَدَّى عَنْهُ رَفِيقُهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ، وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ بِهِ الْمَشَاهِدَ وَلَمْ يَطُفْ بِهِ، وَصَحَّحَهُ صَاحِبُ الْمَبْسُوطِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْعِبَادَةَ مِمَّا تُجْزِئُ فِيهَا النِّيَابَةُ عِنْدَ الْعَجْزِ كَمَا فِي اسْتِنَابَةِ الزَّمِنِ غَيْرَ أَنَّهُ إنْ أَفَاقَ قَبْلَ الْأَفْعَالِ تَبَيَّنَ أَنَّ عَجْزَهُ كَانَ فِي الْإِحْرَامِ فَقَطْ فَصَحَّتْ النِّيَابَةُ فِيهِ، ثُمَّ يَجْرِي هُوَ عَلَى مُوجِبِهِ، وَإِنْ لَمْ يُفِقْ تَحَقَّقَ عَجْزُهُ عَنْ الْكُلِّ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الرَّفِيقَ بِفِعْلِ الْمَحْظُورِ شَيْءٌ بِخِلَافِ النَّائِبِ فِي الْحَجِّ عَنْ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهُ يَتَوَقَّعُ إفَاقَتَهُ فِي كُلِّ سَاعَةٍ فَنَقَلْنَا الْإِحْرَامَ إلَيْهِ بِخِلَافِ الْمَيِّتِ وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِ أُغْمِيَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ إذْ لَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَشْهَدَ بِهِ الرَّفِيقُ الْمَنَاسِكَ عِنْدَ أَصْحَابِنَا جَمِيعًا عَلَى مَا ذَكَرَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْفَاعِلُ. وَقَدْ سَبَقَتْ النِّيَّةُ مِنْهُ، وَيُشْتَرَطُ نِيَّتُهُمْ الطَّوَافَ إذَا حَمَلُوهُ كَمَا يُشْتَرَطُ نِيَّتُهُ، وَقَيَّدْنَا بِالْإِغْمَاءِ؛ لِأَنَّ الْمَرِيضَ الَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ الطَّوَافَ إذَا طَافَ بِهِ رَفِيقُهُ وَهُوَ نَائِمٌ إنْ كَانَ بِأَمْرِهِ جَازَ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْمَأْمُورِ كَفِعْلِ الْآمِرِ وَإِلَّا فَلَا كَذَا فِي الْمُحِيطِ فَظَهَرَ أَنَّ النَّائِمَ يُشْتَرَطُ صَرِيحُ الْإِذْنِ مِنْهُ بِخِلَافِ الْمُغْمَى عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ يُشْتَرَطُ نِيَّةُ الْحَامِلِ لِلطَّوَافِ إنْ كَانَ الْمَحْمُولُ مُغْمًى عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ حَمَلَهُ وَطَافَ بِهِ طَالِبًا الْغَرِيمَ لَمْ يُجْزِهِ بِخِلَافِ النَّائِمِ لَا تُشْتَرَطُ نِيَّةُ الْحَامِلِ لَهُ   [منحة الخالق] فِي الِاعْتِكَافِ مِنْ أَنَّ النَّذْرَ بِهَا لَا يَصِحُّ مُعَلَّلًا بِأَنَّهَا فُرِضَتْ تَبَعًا لِلصَّلَاةِ لَا لِعَيْنِهَا. (قَوْلُهُ وَلَمْ أَرَهُ صَرِيحًا) قَالَ الرَّمْلِيُّ إطْلَاقُهُمْ يَدُلُّ عَلَيْهِ اهـ وَفِي النَّهْرِ ظَاهِرُ مَا فِي الْفَتْحِ أَيْ مِنْ قَوْلِهِ الْآتِي قَرِيبًا عَمَّنْ قَصَدَهُ يُفِيدُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْعِلْمِ بِقَصْدِهِ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ لَهُ الْإِحْرَامُ بِهِمَا بَلْ إمَّا بِالْعُمْرَةِ أَوْ الْحَجِّ فَإِنْ ضَاقَ وَقْتُ الْحَجِّ بِأَنْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ دُخُولَ مَكَّةَ مِنْ الْمِيقَاتِ لَيْلَةَ الْوُقُوفِ مَثَلًا تَعَيَّنَ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ مِنْهُ وَإِلَّا بِأَنْ دَخَلُوا فِي أَثْنَاءِ السَّنَةِ فَبِالْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّ الْإِعَانَةَ إنَّمَا تَكُونُ بِمَا يَنْفَعُ لَا بِغَيْرِهِ، وَعَلَى هَذَا فَيَنْبَغِي أَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ وَالْوَقْتُ لِلْحَجِّ أَنْ لَا يَصِحَّ، وَهَذَا فِقْهٌ حَسَنٌ لَمْ أَرَ مَنْ أَفْصَحَ بِهِ اهـ وَيَرُدُّ عَلَيْهِ وَعَلَى الْمُؤَلِّفِ مَا فِي الشرنبلالية أَنَّ الْمُسَافِرَ مِنْ بِلَادٍ بَعِيدَةٍ وَلَمْ يَكُنْ حَجَّ الْفَرْضَ كَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يُحْرِمَ عَنْهُ بِعُمْرَةٍ وَلَيْسَتْ وَاجِبَةً عَلَيْهِ، وَقَدْ يَمْتَدُّ الْإِغْمَاءُ وَلَا يَحْصُلُ إحْرَامٌ عَنْهُ بِالْحَجِّ فَيَفُوتُ مَقْصِدُهُ ظَاهِرًا فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ. (قَوْلُهُ وَقَدْ سَبَقَتْ النِّيَّةُ مِنْهُ) وَتَمَامُ كَلَامِهِ فَهُوَ كَمَنْ نَوَى الصَّلَاةَ فِي ابْتِدَائِهَا ثُمَّ أَدَّى الْأَفْعَالَ سَاهِيًا لَا يَدْرِي مَا يَفْعَلُ حَيْثُ يُجْزِئُهُ لِسَبْقِ النِّيَّةِ اهـ. قَالَ فِي الْفَتْحِ وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ اشْتِرَاطُ النِّيَّةِ لِبَعْضِ أَرْكَانِ هَذِهِ الْعِبَادَةِ، وَهُوَ الطَّوَافُ بِخِلَافِ سَائِرِ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ هَذِهِ النِّيَّةُ اهـ. قَالَ فِي النَّهْرِ وَأَقُولُ: مَا عَلَّلَ بِهِ فَخْرُ الْإِسْلَامِ مَبْنِيٌّ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ لِلطَّوَافِ أَصْلًا، وَأَنَّ نِيَّةَ الْإِحْرَامِ مُغْنِيَةٌ عَنْهُ يُفْصِحُ عَنْ ذَلِكَ مَا فِي الْبَدَائِعِ ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ أَنَّ الطَّوَافَ لَا يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ نِيَّةِ الطَّوَافِ عِنْدَ الطَّوَافِ. وَأَشَارَ الْقَاضِي فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ إلَى أَنَّ نِيَّةَ الطَّوَافِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ أَصْلًا، وَأَنَّ نِيَّةَ الْحَجِّ عِنْدَ الْإِحْرَامِ كَافِيَةٌ وَلَا يُحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ مُفْرَدَةٍ كَمَا فِي سَائِرِ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ نَعَمْ فِي حِكَايَةِ الْإِجْمَاعِ مُؤَاخَذَةٌ لَا تَخْفَى وَعَلَى هَذَا تَفَرَّعَ مَا فِي الْمُحِيطِ لَوْ طَافَ بِنَائِمٍ إنْ كَانَ بِأَمْرِهِ جَازَ لَا بِغَيْرِ أَمْرِهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ نِيَّةُ الْحَامِلِ الطَّوَافَ؛ لِأَنَّ نِيَّةَ الْإِحْرَامِ كَافِيَةٌ وَقَدْ غَفَلَ عَنْ هَذَا فِي الْبَحْرِ فَزَعَمَ أَنَّ مَا فِي الْمُحِيطِ فِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّ مَا فِيهِ مَبْنِيٌّ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُعْتَرَضَ عَلَيْهِ بِالْقَوْلِ الْمُقَابِلِ. اهـ. ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا سَيَأْتِي عَنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 380 لِلطَّوَافِ؛ لِأَنَّ نِيَّةَ الْإِحْرَامِ مِنْهُ كَافِيَةٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحِيطِ وَفِيهِ بَحْثٌ فَإِنَّ الطَّوَافَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ أَصْلِ النِّيَّةِ وَلَا يَكْفِي نِيَّةُ الْإِحْرَامِ لَهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَيَنْبَغِي أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ الْحَامِلِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ أَنَّ نِيَّةَ الْإِحْرَامِ لَا تَكْفِي لِلطَّوَافِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا. وَأَمَّا النَّائِمُ فَلَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَيْهَا وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ أَنَّ اسْتِئْجَارَ الْمَرِيضِ مَنْ يَحْمِلُهُ وَيَطُوفُ بِهِ صَحِيحٌ وَلَهُ الْأُجْرَةُ إذَا طَافَ بِهِ، وَأَنَّ الْمَرِيضَ الَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ الرَّمْيَ تُوضَعُ الْحَصَاةُ فِي كَفِّهِ لِيَرْمِيَ بِهِ أَوْ يَرْمِيَ عَنْهُ غَيْرُهُ بِأَمْرِهِ، وَدَلَّ كَلَامُهُ أَنَّ لِلْأَبِ أَنْ يُحْرِمَ عَنْ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ وَيَقْضِيَ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا بِالْأَوْلَى، وَلَوْ تَرَكَ رَمْيَ الْجِمَارِ أَوْ الْوُقُوفَ بِالْمُزْدَلِفَةِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَمَنْ طِيفَ بِهِ مَحْمُولًا أَجْزَأَهُ ذَلِكَ الطَّوَافُ عَنْ الْحَامِلِ وَالْمَحْمُولِ جَمِيعًا، وَسَوَاءٌ نَوَى الْحَامِلُ الطَّوَافَ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ الْمَحْمُولِ أَوْ لَمْ يَنْوِ، أَوْ كَانَ لِلْحَامِلِ طَوَافُ الْعُمْرَةِ وَلِلْمَحْمُولِ طَوَافُ الْحَجِّ أَوْ لِلْحَامِلِ طَوَافُ الْحَجِّ وَلِلْمَحْمُولِ طَوَافُ الْعُمْرَةِ أَوْ يَكُونُ الْحَامِلُ لَيْسَ بِمُجَرَّدٍ وَالْمَحْمُولُ عَمَّا أَوْجَبَهُ إحْرَامُهُ وَإِنْ طِيفَ بِهِ لِغَيْرِ عِلَّةِ طَوَافِ الْعُمْرَةِ أَوْ الزِّيَارَةِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ أَوْ الدَّمُ اهـ. (قَوْلُهُ وَالْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ غَيْرَ أَنَّهَا تَكْشِفُ وَجْهَهَا لَا رَأْسَهَا وَلَا تُلَبِّي جَهْرًا وَلَا تَرْمُلُ وَلَا تَسْعَى بَيْنَ الْمِيلَيْنِ وَلَا تَحْلِقُ رَأْسَهَا وَلَكِنْ تُقَصِّرُ وَتَلْبَسُ الْمَخِيطَ) ؛ لِأَنَّ أَوَامِرَ الشَّرْعِ عَامَّةٌ جَمِيعَ الْمُكَلَّفِينَ مَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى الْخُصُوصِ، وَإِنَّمَا لَا تَكْشِفُ رَأْسَهَا لِأَنَّهُ عَوْرَةٌ بِخِلَافِ وَجْهِهَا فَاشْتَرَكَا فِي كَشْفِ الْوَجْهِ وَانْفَرَدَتْ بِتَغْطِيَةِ الرَّأْسِ، وَلَمَّا كَانَ كَشْفُ وَجْهِهَا خَفِيًّا؛ لِأَنَّ الْمُتَبَادِرَ إلَى الْفَهْمِ أَنَّهَا لَا تَكْشِفُهُ لِمَا أَنَّهُ مَحِلُّ الْفِتْنَةِ نَصَّ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَا سَوَاءً فِيهِ وَلِمَا قَدَّمَ فِي بَابِ الْإِحْرَامِ أَنَّ الرَّجُلَ يَكْشِفُ وَجْهَهُ وَرَأْسَهُ لَمْ يُتَوَهَّمْ هُنَا مِنْ عِبَارَتِهِ اخْتِصَاصُهَا بِكَشْفِ الْوَجْهِ، وَالْمُرَادُ بِكَشْفِ الْوَجْهِ عَدَمُ مُمَاسَّةِ شَيْءٍ لَهُ فَلِذَا يُكْرَهُ لَهَا أَنْ تَلْبَسَ الْبُرْقُعَ لِأَنَّ ذَلِكَ يُمَاسُّ وَجْهَهَا كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَلَوْ أَرْخَتْ شَيْئًا عَلَى وَجْهِهَا وَجَافَتْهُ لَا بَأْسَ بِهِ كَذَا ذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ لَكِنْ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ، وَقَدْ جَعَلُوا لِذَلِكَ أَعْوَادًا كَالْقُبَّةِ تُوضَعُ عَلَى الْوَجْهِ وَتَسْتَدِلُّ مِنْ فَوْقِهَا الثَّوْبَ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَدَلَّتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَنَّهَا لَا تَكْشِفُ وَجْهَهَا لِلْأَجَانِبِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ اهـ. وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا الْإِرْخَاءَ عِنْدَ الْإِمْكَانِ وَوُجُودِ الْأَجَانِبِ وَاجِبٌ عَلَيْهَا إنْ كَانَ الْمُرَادُ لَا يَحِلُّ أَنْ تَكْشِفَ فَمَحْمَلُ الِاسْتِحْبَابِ عِنْدَ عَدَمِهِمْ وَعَلَى أَنَّهُ عِنْدَ عَدَمِ الْإِمْكَانِ فَالْوَاجِبُ مِنْ الْأَجَانِبِ غَضُّ الْبَصَرِ، لَكِنْ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَبِيلَ كِتَابِ السَّلَامِ فِي قَوْلِهِ «سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ نَظَرِ الْفَجْأَةِ فَأَمَرَنِي أَنْ أَصْرِفَ بَصَرِي» . قَالَ الْعُلَمَاءُ وَفِي هَذَا حُجَّةٌ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تَسْتُرَ وَجْهَهَا فِي طَرِيقِهَا، وَإِنَّمَا ذَلِكَ سُنَّةٌ مُسْتَحَبَّةٌ لَهَا، وَيَجِبُ عَلَى الرِّجَالِ غَضُّ الْبَصَرِ عَنْهَا إلَّا لِغَرَضٍ شَرْعِيٍّ اهـ. وَظَاهِرُهُ نَقْلُ الْإِجْمَاعِ فَيَكُونُ مَعْنَى مَا فِي الْفَتَاوَى   [منحة الخالق] الْإِسْبِيجَابِيِّ مُفَرَّعٌ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَدَلَّ كَلَامُهُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَمْ أَرَ مَا لَوْ جُنَّ فَأَحْرَمَ عَنْهُ وَلِيُّهُ أَوْ رَفِيقُهُ وَشَهِدَ بِهِ الْمَشَاهِدَ كُلَّهَا هَلْ يَصِحُّ وَيَسْقُطُ عَنْهُ حِجَّةُ الْإِسْلَامِ أَمْ لَا ثُمَّ رَأَيْته فِي الْفَتْحِ نَقَلَ عَنْ الْمُنْتَقَى عَنْ مُحَمَّدٍ أَحْرَمَ وَهُوَ صَحِيحٌ ثُمَّ أَصَابَهُ عَنْهُ فَقَضَى بِهِ أَصْحَابُهُ الْمَنَاسِكَ، وَوَقَفُوا بِهِ فَمَكَثَ كَذَلِكَ سِنِينَ ثُمَّ أَفَاقَ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ عَنْ حِجَّةِ الْإِسْلَامِ اهـ. ، وَهَذَا رُبَّمَا يُؤْمِنُ إلَى الْجَوَازِ فَتَدَبَّرْ اهـ. وَلَا تَنْسَ مَا قَدَّمْنَاهُ قَبِيلَ الْمَوَاقِيتِ فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ. (قَوْلُهُ وَلَمَّا كَانَ كَشْفُ وَجْهِهَا خَفِيًّا إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ هَذَا جَوَابٌ عَمَّا اعْتَرَضَ الزَّيْلَعِيُّ وَتَبِعَهُ الْعَيْنِيُّ مِنْ أَنَّ قَوْلَهُ تَكْشِفُ وَجْهَهَا تَكْرَارٌ وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ غَيْرَ أَنَّهَا لَا تَكْشِفُ رَأْسَهَا كَانَ أَوْلَى. (قَوْلُهُ لَمْ يُتَوَهَّمْ هُنَا مِنْ عِبَارَتِهِ اخْتِصَاصُهَا إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَا يَخْفَى أَنَّ ذِكْرَهُ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِثْنَاءِ يُوهِمُ الِاخْتِصَاصَ، وَكَانَ يُمْكِنُهُ لِلتَّنْصِيصِ عَلَى الْخَفَاءِ أَنْ يَقُولَ كَمَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ غَيْرَ أَنَّهَا لَا تَكْشِفُ رَأْسَهَا وَتَكْشِفُ وَجْهَهَا. (قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ بِكَشْفِ الْوَجْهِ إلَخْ) لَوْ عَطَفَهُ بِأَوْ لَكَانَ جَوَابًا آخَرَ أَحْسَنَ مِنْ الْأَوَّلِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا إلَخْ) الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إلَى مَا فِي الْفَتَاوَى وَقَوْلُهُ إنْ كَانَ الْمُرَادُ شَرْطَ جَوَابِهِ مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ مَا قَبْلَهُ أَيْ إنْ كَانَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ لَا تَكْشِفُ لَا يَحِلُّ فَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِرْخَاءَ إلَخْ وَقَوْلُهُ فَمَحْمَلُ الِاسْتِحْبَابِ أَيْ الْوَاقِعُ فِي كَلَامِ الْفَتْحِ تَفْرِيعٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ، وَيَجُوزُ جَعْلُهُ جَوَابَ الشَّرْطِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ، وَقَوْلُهُ أَوْ عَلَى أَنَّهُ أَيْ الشَّأْنُ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ عَلَى أَنَّ هَذَا وَالظَّرْفُ مُتَعَلِّقٌ بِالْوَاجِبِ وَهُوَ مُبْتَدَأٌ وَالْفَاءُ فِيهِ زَائِدَةٌ وَغَضٌّ خَبَرُهُ وَالْجُمْلَةُ خَبَرُ إنَّ الثَّانِيَةِ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَدُلُّ إنْ كَانَ الْمُرَادُ مِنْهُ لَا يَحِلُّ عَلَى أَنَّ الْإِرْخَاءَ وَاجِبٌ عَلَيْهَا إنْ أَمْكَنَهَا، وَإِلَّا فَالْوَاجِبُ عَلَى الْأَجَانِبِ الْغَضُّ. (قَوْلُهُ وَظَاهِرُهُ نَقْلُ الْإِجْمَاعِ) قَالَ فِي النَّهْرِ مَمْنُوعٌ بَلْ الْمُرَادُ عُلَمَاءُ مَذْهَبِهِ وَقَوْلُ الْفَتَاوَى لَا تَكْشِفُ أَيْ لَا يَحِلُّ اهـ. فَلْيُتَأَمَّلْ نَعَمْ يُؤَيِّدُ أَنَّ الْمُرَادَ عَدَمُ الْحِلِّ مَا فِي الذَّخِيرَةِ حَيْثُ قَالَ وَفِي الْأَصْلِ الْمَرْأَةُ الْمُحْرِمَةُ تُرْخِي عَلَى وَجْهِهَا بِخِرْقَةٍ وَتُجَافِي عَنْ وَجْهِهَا قَالُوا هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ مَنْهِيَّةٌ عَنْ إظْهَارِ وَجْهِهَا لِلرِّجَالِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ؛ لِأَنَّهَا مَنْهِيَّةٌ عَنْ تَغْطِيَةِ الْوَجْهِ لِأَجْلِ النُّسُكِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 381 لَا يَنْبَغِي كَشْفُهَا، وَإِنَّمَا لَا تَجْهَرُ بِالتَّلْبِيَةِ لِمَا أَنَّ صَوْتَهَا يُؤَدِّي إلَى الْفِتْنَةِ عَلَى الصَّحِيحِ أَوْ عَوْرَةٌ عَلَى مَا قِيلَ كَمَا حَقَّقْنَاهُ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ، وَإِنَّمَا لَا رَمَلَ وَلَا سَعْيَ لَهَا لِمَا أَنَّهُ يُخِلُّ بِالسَّتْرِ أَوْ لِأَنَّ أَصْلَ الْمَشْرُوعِيَّةِ لِإِظْهَارِ الْجَلَدِ وَهُوَ لِلرِّجَالِ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهَا لَا تَضْطَبِعُ؛ لِأَنَّهُ سُنَّةُ الرَّمَلِ، وَإِنَّمَا لَا تَحْلِقُ لِكَوْنِهِ مُثْلَةً كَحَلْقِ اللِّحْيَةِ وَأَطْلَقَ فِي التَّقْصِيرِ فَأَفَادَ أَنَّهَا كَالرَّجُلِ فِيهِ خِلَافًا لِمَا قِيلَ أَنَّهُ لَا يَتَقَدَّرُ فِي حَقِّهَا بِالرُّبْعِ بِخِلَافِ الرَّجُلِ، وَإِنَّمَا تَلْبَسُ الْمَخِيطَ لِمَا أَنَّهَا عَوْرَةٌ. وَأَشَارَ بِعَدَمِ الرَّمَلِ إلَّا أَنَّهَا لَا تَسْتَلِمُ الْحَجَرَ إذَا كَانَ هُنَاكَ جَمْعٌ؛ لِأَنَّهَا مَمْنُوعَةٌ عَنْ مُمَاسَّةِ الرِّجَالِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِعَدَمِ الْمَانِعِ. وَأَشَارَ بِلُبْسِ الْمَخِيطِ إلَى لُبْسِ الْخُفَّيْنِ وَالْقُفَّازَيْنِ، وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ أَنَّهَا لَا تَحُجُّ إلَّا بِمَحْرَمٍ بِخِلَافِ الرَّجُلِ لَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ؛ لِأَنَّ هَذَا لَا يَخْتَصُّ بِالْحَجِّ بَلْ هُوَ حُكْمُ كُلِّ سَفَرٍ، وَمِنْ أَنَّهَا تَتْرُكُ طَوَافَ الصَّدْرِ بِعُذْرِ الْحَيْضِ فَلَيْسَ مِنْهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْحَيْضَ غَيْرُ مُمْكِنٍ مِنْ الرَّجُلِ حَتَّى تُخَالِفَهُ فِي أَحْكَامِهِ، وَكَذَا مَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ مِنْ أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِيهَا بِتَأْخِيرِ طَوَافِ الزِّيَارَةِ عَنْ أَيَّامِ النَّحْرِ لِأَجْلِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ شَيْءٌ. قَالُوا: وَالْخُنْثَى الْمُشْكِلُ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا كَالْمَرْأَةِ احْتِيَاطًا وَلَا يَخْلُو بِامْرَأَةٍ وَلَا بِرَجُلٍ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَكَرًا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أُنْثَى. (قَوْلُهُ وَمَنْ قَلَّدَ بَدَنَةَ تَطَوُّعٍ أَوْ نَذْرٍ أَوْ جَزَاءِ صَيْدٍ أَوْ نَحْوِهِ فَتَوَجَّهَ مَعَهَا يُرِيدُ الْحَجَّ فَقَدْ أَحْرَمَ) بَيَانٌ لِمَا يَقُومُ مَقَامَ التَّلْبِيَةِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ التَّلْبِيَةِ إظْهَارُ الْإِجَابَةِ لِلدَّعْوَةِ وَهُوَ حَاصِلٌ بِتَقْلِيدِ الْهَدْيِ قَيَّدَ بِكَوْنِهِ مُحْرِمًا بِثَلَاثَةٍ التَّقْلِيدُ وَالتَّوَجُّهُ وَإِرَادَةُ النُّسُكِ فَأَفَادَ أَنَّ التَّقْلِيدَ وَحْدَهُ لَا يَكْفِي، وَكَذَا أَخَوَاهُ وَكَذَا لَوْ تَقَلَّدَ وَسَاقَ وَلَمْ يَنْوِ لَا يَكُونُ مُحْرِمًا فَمَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَلَّدَهَا وَسَاقَهَا قَاصِدًا إلَى مَكَّةَ صَارَ مُحْرِمًا بِالسَّوْقِ نَوَى الْإِحْرَامَ أَوْ لَمْ يَنْوِ مُخَالِفٌ لِمَا عَلَيْهِ الْعَامَّةُ فَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَقَدْ يُقَالُ إنَّ قَصْدَ مَكَّةَ مِنْهُ نِيَّةٌ فَلَا يَحْتَاجُ مَعَهُ إلَى نِيَّةٍ أُخْرَى فَلَا مُخَالَفَةَ مِنْهُ لِمَا عَلَيْهِ الْعَامَّةُ، وَأَرَادَ بِجَزَاءِ الصَّيْدِ جَزَاءَ صَيْدٍ عَلَيْهِ فِي حِجَّةٍ سَابِقَةٍ فَقَلَّدَهُ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ أَوْ جَزَاءَ صَيْدِ الْحَرَمِ، وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ أَوْ نَحْوِهِ إلَى أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ لَا يَخْتَصُّ بِشَيْءٍ بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ قَلَّدَ بَدَنَةً مُطْلَقَةً، وَالتَّقْلِيدُ أَنْ يُعَلِّقَ عَلَى عُنُقِ بَدَنَتِهِ قِطْعَةَ نَعْلٍ أَوْ شِرَاكَ نَعْلٍ أَوْ عُرْوَةً مَزَادَةً أَوْ لِحَاءَ شَجَرٍ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا يَكُونُ عَلَامَةً عَلَى أَنَّهُ هَدْيٌ، وَالْمَعْنَى بِالتَّقْلِيدِ إفَادَةُ أَنَّهُ عَنْ قَرِيبٍ يَصِيرُ جِلْدَهُ كَذَا اللِّحَاءُ وَالنَّعْلُ فِي الْيُبُوسَةِ لِإِرَاقَةِ دَمِهِ، وَكَانَ فِي الْأَصْلِ يَفْعَلُ ذَلِكَ كَيْ لَا تُهَاجُ عَنْ الْوُرُودِ وَالْكَلَإِ وَلِتَرُدَّ إذَا ضَلَّتْ لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ هَدْيٌ، وَذَكَرَ الشَّارِحُ أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ فِي بَدَنَةٍ فَقَلَّدَهَا أَحَدُهُمْ صَارُوا مُحْرِمِينَ إنْ كَانَ ذَلِكَ بِأَمْرِ الْبَقِيَّةِ وَسَارُوا مَعَهَا. (قَوْلُهُ فَإِنْ بَعَثَ بِهَا ثُمَّ تَوَجَّهَ إلَيْهَا لَا يَصِيرُ مُحْرِمًا حَتَّى يَلْحَقَهَا إلَّا فِي بَدَنَةِ الْمُتْعَةِ) لِفَقْدِ أَحَدِ الشُّرُوطِ الثَّلَاثَةِ، وَهُوَ السَّوْقُ فِي الِابْتِدَاءِ فَإِذَا أَدْرَكَهَا اقْتَرَنَتْ نِيَّتُهُ بِفِعْلِ مَا هُوَ مِنْ خَصَائِصِهَا إلَّا فِي هَدْيٍ هُوَ مِنْ خَصَائِصِ الْحَجِّ وَضْعًا، وَهُوَ هَدْيُ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ فَإِنَّهُ لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْإِدْرَاكِ، وَالْمُتْعَةُ تَشْمَلُ التَّمَتُّعَ الْعُرْفِيَّ وَالْقِرَانَ؛ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْآيَةِ إنَّمَا هُوَ التَّمَتُّعُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} [البقرة: 196] إلَى آخِرِهِ فَهُوَ دَلِيلُهُمَا فَلِذَا اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْمُتْعَةِ، وَلَمَّا كَانَ التَّمَتُّعُ لَا يَكُونُ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ لَمْ يُقَيِّدْ الْبَعْثَ بِأَشْهُرِ الْحَجِّ فَاسْتَغْنَى عَنْ تَقْيِيدِ النِّهَايَةِ ثُمَّ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِلْجَامِعِ الصَّغِيرِ شَرَطَ اللُّحُوقَ فَقَطْ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ السَّوْقَ مَعَهُ وَشَرَطَهُمَا فِي الْمَبْسُوطِ، وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْوَكِيلِ بِحَضْرَةِ الْمُوَكِّلِ كَفِعْلِ الْمُوَكِّلِ كَذَا عَلَّلَ بِهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَقَدْ يُقَالُ لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُحْرِمًا بِاللُّحُوقِ، وَإِنْ لَمْ يَسُقْهَا أَحَدٌ وَهَذَا التَّعْلِيلُ إنَّمَا هُوَ عَلَى قَوْلِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَقَدْ يُقَالُ) قَالَ فِي النَّهْرِ الْمُعْتَبَرُ فِي الْإِحْرَامِ إنَّمَا هُوَ نِيَّةُ النُّسُكِ وَلَا خَفَاءَ أَنَّ قَصْدَ مَكَّةَ لَا يَسْتَلْزِمُهُ اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ مَنْ قَصَدَ مَكَّةَ مِنْ الْبِلَادِ النَّائِيَةِ فِي أَيَّامِ الْحَجِّ لَا يَقْصِدُهَا إعَادَةً إلَّا لِلنُّسُكِ (قَوْلُهُ ثُمَّ الْمُصَنِّفُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ فَصَارَ مُحْرِمًا سَوَاءٌ سَاقَهَا أَوْ لَا كَمَا فِي رِوَايَةِ الْجَامِعِ وَفِي الْأَصْلِ وَيَسُوقُهُ وَيَتَوَجَّهُ مَعَهُ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ هَذَا أَعْنِي ذِكْرَ السَّوْقِ أَمْرٌ اتِّفَاقِيٌّ إنَّمَا الشَّرْطُ أَنْ يَلْحَقَهُ وَلَا يَخْفَى بُعْدُ هَذَا التَّأْوِيلِ وَلِذَا لَمْ يَلْتَفِتْ إلَيْهِ مَنْ أَثْبَتَ الْخِلَافَ وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ عَلِمْت أَنَّ قَوْلَهُ فِي الْفَتْحِ فِي قَوْلِ الْهِدَايَةِ فَإِنْ أَدْرَكَهَا وَسَاقَهَا أَوْ أَدْرَكَهَا رَدَّدَ بَيْنَ السَّوْقِ وَعَدَمِهِ لِاخْتِلَافِ الرِّوَايَةِ ثُمَّ ذَكَرَ مَا مَرَّ عَنْ الْأَصْلِ قَالَ وَهُوَ أَمْرٌ اتِّفَاقِيٌّ فِيهِ مُؤَاخَذَةٌ ظَاهِرَةٌ إذْ كَوْنُهُ أَمْرًا اتِّفَاقِيًّا بِرَفْعِ الْخِلَافِ الَّذِي حَكَاهُ أَوَّلًا (قَوْلُهُ: وَقَدْ يُقَالُ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ هَذَا سَهْوٌ ظَاهِرٌ إذْ لَيْسَ مَوْضُوعُ عِبَارَةِ الْجَامِعِ أَنَّ غَيْرَهُ سَاقَ بَلْ لَوْ لَمْ يَسُقْهَا أَحَدٌ بَعْدَمَا لَحِقَهَا صَارَ مُحْرِمًا عَلَى رِوَايَةِ الْجَامِعِ، وَلَيْسَ فِي الْفَتْحِ تَعْلِيلُ مَا فِي الْجَامِعِ بِهَذَا إنَّمَا ذَكَرَ مَسْأَلَةً مُبْتَدَأَةً بَعْدَمَا حَكَى الْخِلَافَ وَهِيَ أَنَّهُ لَوْ أَدْرَكَهَا وَلَمْ يَسُقْ وَسَاقَ غَيْرُهُ فَهُوَ كَسَوْقِهِ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْوَكِيلِ بِحَضْرَةِ الْمُوَكِّلِ كَفِعْلِ الْمُوَكِّلِ اهـ. نَعَمْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مُفَرَّعًا عَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 382 مَنْ يَشْتَرِطُ السَّوْقَ مَعَ اللُّحُوقِ، وَأَفَادَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّوَجُّهِ إلَى بَدَنَةِ الْمُتْعَةِ وَلَا يَكْفِي الْبَعْثُ. (قَوْلُهُ وَإِنْ جَلَّلَهَا أَوْ أَشْعَرَهَا أَوْ قَلَّدَ شَاةً لَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا) يَعْنِي وَإِنْ سَاقَهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ خَصَائِصِ الْحَجِّ فَلَمْ يَقُمْ مَقَامَ التَّلْبِيَةِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ التَّجْلِيلَ لِدَفْعِ الْأَذَى عَنْهَا، وَالْإِشْعَارُ مَكْرُوهٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ أَنْ يَطْعَنَ مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ فِي السَّنَامِ فَيَسِيلَ الدَّمُ فَلَا يَكُونُ مِنْ النُّسُكِ، وَعِنْدَهُمَا وَإِنْ كَانَ حَسَنًا فَقَدْ يُفْعَلُ لِلْمُعَالَجَةِ بِخِلَافِ التَّقْلِيدِ فَإِنَّهُ يَخْتَصُّ بِالْهَدْيِ وَلِذَا كَانَ التَّقْلِيدُ أَحَبَّ مِنْ التَّجْلِيلِ؛ لِأَنَّهُ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالتَّجْلِيلُ حَسَنٌ لِلِاتِّبَاعِ، وَيُسْتَحَبُّ التَّصَدُّقُ بِهِ، وَأَمَّا تَقْلِيدُ الشَّاةِ فَغَيْرُ مُتَعَارَفٍ وَلَيْسَ بِسُنَّةٍ أَيْضًا فَلَا يَقُومُ مَقَامَهَا، وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا قَرَّرَهُ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُحْرِمًا بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ مِنْ غَيْرِ تَلْبِيَةٍ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُكْتَفَى بِالنِّيَّةِ وَلَا خِلَافَ أَنَّ التَّلْبِيَةَ وَحْدَهَا لَا تَكْفِي بِلَا نِيَّةٍ. (قَوْلُهُ وَالْبُدْنُ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ) يَعْنِي لُغَةً وَشَرْعًا قَالَ الْجَوْهَرِيُّ الْبَدَنَةُ نَاقَةٌ أَوْ بَقَرَةٌ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ أَنَّهُ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ اللُّغَةِ فَإِذَا طُلِبَ مِنْ الْمُكَلَّفِ بَدَنَةٌ خَرَجَ عَنْ الْعُهْدَةِ بِالْبَقَرَةِ كَالنَّاقَةِ، وَأَمَّا حَدِيثُ الرَّوَاحِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَعَطْفُهُ الْبَقَرَةَ عَلَى الْبَدَنَةِ فَمَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِالْأَعَمِّ بَعْضَ الْأَفْرَادِ وَهُوَ الْجَزُورُ لَا كُلُّ مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَتْ الْبَدَنَةُ اسْمًا لِلْجَزُورِ فَقَطْ لَلَزِمَ النَّقْلُ عَنْ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ، وَهُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْعَطْفَ فِي الْحَدِيثِ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ بَيْنَهُمَا ظَاهِرًا، وَلُزُومُ النَّقْلِ عَنْ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ عَلَى تَقْدِيرِهِ خِلَافَ الْأَصْلِ، فَالظَّاهِرُ عَدَمُهُ فَتَعَارَضَا فَرَجَّحْنَا مَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ لِمَا ثَبَتَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ كُنَّا نَنْحَرُ الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ فَقِيلَ وَالْبَقَرَةُ فَقَالَ وَهَلْ هِيَ إلَّا مِنْ الْبُدْنِ، ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، وَثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا الْتَزَمَ بَدَنَةً فَإِنْ نَوَى شَيْئًا فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى؛ لِأَنَّ الْمَنْوِيَّ إذَا كَانَ مِنْ مُحْتَمَلَاتِ كَلَامِهِ فَهُوَ كَالْمُصَرَّحِ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَعَلَيْهِ بَقَرَةٌ أَوْ جَزُورٌ فَيَنْحَرُهَا حَيْثُ شَاءَ فِي قَوْلِهِمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ فَإِنَّهُ يَقِيسُهُ عَلَى الْهَدْيِ، وَهُوَ يَخْتَصُّ بِمَكَّةَ اتِّفَاقًا وَهُمَا قَاسَاهُ عَلَى مَا إذَا الْتَزَمَ جَزُورًا فَإِنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِمَكَّةَ اتِّفَاقًا كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (بَابُ الْقِرَانِ) هُوَ مَصْدَرُ قَرَنَ مِنْ بَابِ نَصَرَ وَفِعَالٌ يَجِيءُ مَصْدَرًا مِنْ الثَّلَاثِي كَلِبَاسٍ وَهُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ شَيْئَيْنِ يُقَالُ قَرَنْت الْبَعِيرَيْنِ إذَا جَمَعْت بَيْنَهُمَا بِحَبْلٍ، وَسَيَأْتِي مَعْنَاهُ شَرْعًا ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُحْرِمِينَ أَرْبَعَةٌ مُفْرِدٌ بِالْحَجِّ إنْ أَحْرَمَ بِهِ مُفْرَدًا أَوْ مُفْرِدٌ بِالْعُمْرَةِ إنْ أَحْرَمَ بِهَا فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ وَطَافَ لَهَا كَذَلِكَ حَجَّ مِنْ عَامِهِ أَوْ لَا أَوْ طَافَ فِيهَا وَلَمْ يَحُجَّ مِنْ عَامِهِ أَوْ أَحْرَمَ بِهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَطَافَ كَذَلِكَ وَلَمْ يَحُجَّ مِنْ عَامِهِ أَوْ حَجَّ وَأَلَمَّ بَيْنَهُمَا بِأَهْلِهِ إلْمَامًا صَحِيحًا، وَمُتَمَتِّعٌ إنْ أَتَى بِأَكْثَرِ أَشْوَاطِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ بَعْدَمَا أَحْرَمَ بِهَا فَقَطْ مُطْلَقًا، ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُلِمَّ بِأَهْلِهِ إلْمَامًا صَحِيحًا وَقَارِنٌ إنْ أَحْرَمَ بِهِمَا مَعًا، أَوْ أَدْخَلَ إحْرَامَ الْحَجِّ عَلَى إحْرَامِ الْعُمْرَةِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ لَهَا أَكْثَرَ الْأَشْوَاطِ أَوْ أَدْخَلَ إحْرَامَ الْعُمْرَةِ إلَى إحْرَامِ الْحَجِّ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ لِلْقُدُومِ وَلَوْ شَوْطًا وَلَا إسَاءَةَ فِي الْقِسْمَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ وَهُوَ قَارِنٌ مُسِيءٌ فِي الثَّالِثِ، وَأَمَّا الْإِحْرَامُ الْمُبْهَمُ كَأَنْ يُحْرِمَ بِنُسُكٍ مُبْهَمٍ ثُمَّ يَصْرِفَهُ إلَى مَا شَاءَ مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ لَهُمَا الْإِحْرَامُ الْمُعَلَّقُ كَأَنْ يُحْرِمَ بِإِحْرَامٍ كَإِحْرَامِ زَيْدٍ فَلَيْسَ خَارِجًا عَنْ الْأَرْبَعَةِ كَمَا لَا يَخْفَى. (قَوْلُهُ هُوَ أَفْضَلُ ثُمَّ التَّمَتُّعُ ثُمَّ الْإِفْرَادُ) بَيَانٌ لِأَمْرَيْنِ الْأَوَّلُ جَوَازُ الثَّلَاثَةِ وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ إلَّا مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَمْرٍو وَعَنْ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُمَا كَانَ يَنْهَيَانِ عَنْ التَّمَتُّعِ، وَحَمَلَهُ الْعُلَمَاءُ عَلَى نَهْيِ التَّنْزِيهِ حَمْلًا لِلنَّاسِ عَلَى مَا هُوَ الْأَفْضَلُ لَا أَنَّهُمَا يَعْتَقِدَانِ بُطْلَانَهُ مَعَ عِلْمِهِمَا بِالْآيَةِ الشَّرِيفَةِ، وَحَمْلُهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ فَسْخُ الْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ   [منحة الخالق] [بَابُ الْقِرَانِ] (بَابُ الْقِرَانِ) (قَوْلُهُ وَطَافَ لَهَا كَذَلِكَ) أَيْ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ وَقَوْلُهُ أَوْ طَافَ فِيهَا أَيْ أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَقَوْلُهُ كَذَلِكَ أَيْ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ (قَوْلُهُ فِي الْقِسْمَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ) أَيْ مِنْ أَقْسَامِ الْقَارِنِ الثَّلَاثَةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 383 سِيَاقَ الْحَدِيثِ فِي الصَّحِيحِ يَقْتَضِي خِلَافَهُ، وَهُوَ ثَابِتٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَيْضًا، أَمَّا الْأَوَّلُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: 97] دَلِيلُ الْإِفْرَادِ. وَقَوْلُهُ {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] دَلِيلُ الْقِرَانِ، وَقَوْلُهُ {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} [البقرة: 196] دَلِيلُ التَّمَتُّعِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ، وَأَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْحَجِّ» وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «مِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ مُفْرِدًا وَمِنَّا مَنْ قَرَنَ وَمِنَّا مَنْ تَمَتَّعَ» الثَّانِي تَفْضِيلُ الْقِرَانِ ثُمَّ التَّمَتُّعُ ثُمَّ الْإِفْرَادُ، وَفَضَّلَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ الْإِفْرَادَ، وَفَضَّلَ أَحْمَدُ التَّمَتُّعَ وَأَصْلُهُ الِاخْتِلَافُ فِي حِجَّتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ أَكْثَرَ النَّاسُ الْكَلَامَ فِيهَا، وَأَوْسَعُهُمْ نَفَسًا فِي ذَلِكَ الْإِمَامُ الطَّحَاوِيُّ فَإِنَّهُ تَكَلَّمَ فِي ذَلِكَ زِيَادَةً عَلَى أَلْفِ وَرَقَةٍ، وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَيْسَ عَلَيَّ شَيْءٌ مِنْ الِاخْتِلَافِ أَيْسَرَ مِنْ هَذَا وَإِنْ كَانَ الْغَلَطُ فِيهِ قَبِيحًا مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ مُبَاحٌ يَعْنِي لَمَّا كَانَتْ الثَّلَاثَةُ مُبَاحَةً لَمْ يَكُنْ فِي الِاخْتِلَافِ تَغْيِيرُ حُكْمٍ لَكِنْ لَمَّا كَانَتْ حِجَّةً وَاحِدَةً وَلَمْ يَتَّفِقُوا عَلَى نَقْلِهَا كَانَ اخْتِلَافُهُمْ قَبِيحًا مِنْهُمْ فَمَا يُرَجِّحُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ قَارِنًا مَا رَوَاهُ عَلِيٌّ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَأَنَسٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ بِرِوَايَاتٍ كَثِيرَةٍ وَعِمْرَانُ بْنُ الْحُصَيْنِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَأَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَحَفْصَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ فِي الصَّحِيحَيْنِ. وَمِمَّا يُرَجِّحُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ مُفْرِدًا مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَمِمَّا يُرَجِّحُ أَنَّهُ كَانَ مُتَمَتِّعًا مَا ثَبَتَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِيمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَجَمَعَ أَئِمَّتُنَا بَيْنَ الرِّوَايَاتِ بِأَنَّ سَبَبَ رِوَايَةِ الْإِفْرَادِ سَمَاعُ مَنْ رَأَى تَلْبِيَتَهُ بِالْحَجِّ وَحْدَهُ، وَرِوَايَةِ التَّمَتُّعِ سَمَاعُ مَنْ سَمِعَهُ يُلَبِّي بِالْعُمْرَةِ، وَرِوَايَةِ الْقِرَانِ سَمَاعُ مَنْ سَمِعَهُ يُلَبِّي بِهِمَا، وَهَذَا لِأَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ إفْرَادِ ذِكْرِ نُسُكٍ فِي التَّلْبِيَةِ وَعَدَمِ ذِكْرِ شَيْءٍ أَصْلًا وَجِهَةٌ أُخْرَى مَعَ نِيَّةِ الْقِرَانِ فَهُوَ نَظِيرُ سَبَبِ الِاخْتِلَافِ فِي تَلْبِيَتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَكَانَتْ دُبُرَ الصَّلَاةِ أَوْ عِنْدَ اسْتِوَاءِ نَاقَتِهِ أَوْ حِينَ عَلَا عَلَى الْبَيْدَاءِ فَرَوَى كُلٌّ بِحَسَبِ مَا سَمِعَ، وَمَا يُرَجِّحُ الْقِرَانَ أَنَّ مَنْ رَوَى الْإِفْرَادَ رَوَى التَّمَتُّعَ فَتَنَاقَضَ بِخِلَافِ مَنْ رَوَى التَّمَتُّعَ وَهُوَ بِلُغَةِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ وَعُرْفِ الصَّحَابَةِ أَعَمُّ مِنْ الْقِرَانِ، وَتَرَجَّحَ الْفَرْدُ الْمُسَمَّى بِالْقِرَانِ فِي الِاصْطِلَاحِ بِمَا فِي الصَّحِيحِ عَنْ عُمَرَ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِوَادِي الْعَقِيقِ يَقُولُ «أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتٍ مِنْ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ فَقَالَ صَلِّ فِي هَذَا الْوَادِي الْمُبَارَكِ رَكْعَتَيْنِ» وَقُلْ عُمْرَةٌ فِي حِجَّةٍ وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ امْتِثَالِ مَا أُمِرَ بِهِ فِي مَقَامِهِ الَّذِي هُوَ وَحْيٌ وَلِأَئِمَّتِنَا تَرْجِيحَاتٌ كَثِيرَةٌ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَالصَّوَابُ الَّذِي نَعْتَقِدُهُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحْرَمَ بِالْحَجِّ أَوَّلًا مُفْرِدًا ثُمَّ أَدْخَلَ عَلَيْهِ الْعُمْرَةَ فَصَارَ قَارِنًا وَإِدْخَالُ الْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجِّ جَائِزٌ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَنَا وَعَلَى الْأَصَحِّ لَا يَجُوزُ لَنَا، وَجَازَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تِلْكَ السَّنَةَ لِلْحَاجَةِ وَأَمَرَ بِهِ فِي قَوْلِهِ لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحِجَّةً فَمَنْ رَوَى أَنَّهُ كَانَ مُفْرِدًا اعْتَمَدَ أَوَّلَ الْإِحْرَامِ، وَمَنْ رَوَى أَنَّهُ كَانَ قَارِنًا اعْتَمَدَ آخِرَهُ، وَمَنْ رَوَى أَنَّهُ كَانَ مُتَمَتِّعًا أَرَادَ التَّمَتُّعَ اللُّغَوِيَّ وَهُوَ الِانْتِفَاعُ بِأَنْ كَفَاهُ عَنْ النُّسُكَيْنِ فِعْلٌ وَاحِدٌ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَعْتَمِرْ تِلْكَ السَّنَةَ عُمْرَةً مُفْرَدَةً لَا قَبْلَ الْحَجِّ وَلَا بَعْدَهُ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْقِرَانَ أَفْضَلُ مِنْ إفْرَادِ الْحَجِّ مِنْ غَيْرِ عُمْرَةٍ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ جُعِلَتْ حِجَّتُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مُفْرَدَةً لَزِمَ أَنْ لَا يَكُونَ اعْتَمَرَ تِلْكَ السَّنَةَ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ أَنَّ الْحَجَّ وَحْدَهُ أَفْضَلُ مِنْ الْقِرَانِ اهـ.   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَفَضَّلَ أَحْمَدُ التَّمَتُّعَ) قَالَ الْمَرْحُومُ الشَّيْخُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَفَنْدِي الْعِمَادِيُّ مُفْتِي دِمَشْقَ الشَّامِ فِي مَنْسَكِهِ الْمُسَمَّى الْمُسْتَطَاعَ مِنْ الزَّادِ مَا حَاصِلُهُ أَنِّي لَمَّا حَجَجْت اخْتَرْت التَّمَتُّعَ لِمَا أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ الْإِفْرَادِ وَأَسْهَلُ مِنْ الْقِرَانِ لِمَا عَلَى الْقَارِنِ مِنْ مَشَقَّةِ جَمْعِ أَدَاءِ النُّسُكَيْنِ وَلِمَا يَلْزَمُهُ مِنْ الْجِنَايَةِ مِنْ الدَّمَيْنِ وَمَعَ ذَلِكَ فَلِنُكْتَةٍ أُخْرَى كَانَ التَّمَتُّعُ بِهَا لِأَمْثَالِنَا أَحْرَى، وَهِيَ إمْكَانُ الْمُحَافَظَةِ عَلَى صِيَانَةِ إحْرَامِ الْحَجِّ لِلْمُتَمَتِّعِ مِنْ الرَّفَثِ وَالْفُسُوقِ وَالْجِدَالِ فَيُرْجَى لَهُ أَنْ يَكُونَ حَجُّهُ مَبْرُورًا؛ لِأَنَّهُ مُفَسَّرٌ بِمَا لَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِيهِ، وَإِنَّمَا كَانَ الْمُتَمَتِّعُ أَقْرَبَ إلَى الِاحْتِرَازِ عَنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يُحْرِمُ مِنْ الْمِيقَاتِ إلَّا بِالْعُمْرَةِ فَقَطْ، وَإِنَّمَا يُحْرِمُ بِالْحَجِّ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ مِنْ الْحَرَمِ فَيُمْكِنُهُ الِاحْتِرَازُ فِي ذَيْنِك الْيَوْمَيْنِ فَيَسْلَمَ حَجُّهُ بِخِلَافِ الْمُفْرِدِ وَالْقَارِنِ يَبْقَيَانِ مُحْرِمَيْنِ بِالْحَجِّ أَكْثَرَ مِنْ عَشْرَةِ أَيَّامٍ، وَقَلَّمَا يَقْدِرُ الْإِنْسَانُ عَلَى الِاحْتِرَازِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمُدَّةِ قَالَ شَيْخُ مَشَايِخِنَا الشِّهَابُ أَحْمَدُ الْمَنِينِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ وَهُوَ كَلَامٌ نَفِيسٌ يُرِيدُ بِهِ أَنَّ الْقِرَانَ فِي حَدِّ ذَاتِهِ أَفْضَلُ مِنْ التَّمَتُّعِ لَكِنْ قَدْ يَقْتَرِنُ بِهِ مَا يَجْعَلُهُ مَرْجُوحًا بِالنَّظَرِ إلَى التَّمَتُّعِ فَإِذَا دَارَ الْأَمْرُ بَيْنَ أَنْ يَحُجَّ الرَّجُلُ قَارِنًا وَلَا يَسْلَمُ إحْرَامُهُ مِنْ الرَّفَثِ وَالْفُسُوقِ وَالْجِدَالِ وَبَيْنَ أَنْ يَحُجَّ مُتَمَتِّعًا وَيَسْلَمُ إحْرَامُهُ عَنْهَا فَالْأَوْلَى فِي حَقِّهِ أَنْ يَحُجَّ مُتَمَتِّعًا لِيَسْلَمَ حَجُّهُ وَيَكُونَ مَبْرُورًا؛ لِأَنَّهُ وَظِيفَةُ الْعُمْرِ فَلْيَحْرِصْ الْحَاجُّ مَهْمَا أَمْكَنَهُ عَلَى صَوْنِهِ عَنْ مِثْلِ هَذِهِ الْأُمُورِ لِئَلَّا يَضِيعَ سَعْيُهُ وَمَالُهُ اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ جُعِلَتْ حَجَّتُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مُفْرَدَةً إلَخْ) أَيْ مِنْ غَيْرِ إدْخَالِ الْعُمْرَةِ عَلَيْهَا وَهَذَا مِنْ كَلَامِ النَّوَوِيِّ كَمَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 384 وَبِهَذَا تَبَيَّنَ صِحَّةُ مَا فِي النِّهَايَةِ مِنْ أَنَّ مَحَلَّ الِاخْتِلَافِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّافِعِيِّ إنَّمَا هُوَ أَنَّ إفْرَادَ كُلِّ نُسُكٍ بِإِحْرَامٍ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ أَفْضَلُ أَوْ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا بِإِحْرَامٍ وَاحِدٍ أَفْضَلُ، وَأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِتَفْضِيلِ الْحَجِّ وَحْدَهُ عَلَى الْقِرَانِ وَتَبَيَّنَ بِهِ بُطْلَانُ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ هُنَا رَدًّا عَلَى صَاحِبِ النِّهَايَةِ. وَمَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ حِجَّةٌ كُوفِيَّةٌ وَعُمْرَةٌ كُوفِيَّةٌ أَفْضَلُ عِنْدِي مِنْ الْقِرَانِ فَلَيْسَ بِمُوَافِقٍ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فِي تَفْضِيلِ الْإِفْرَادِ فَإِنَّهُ يُفَضِّلُ الْإِفْرَادَ سَوَاءٌ أَتَى بِنُسُكَيْنِ فِي سَفْرَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ فِي سُفْرَتَيْنِ وَمُحَمَّدٌ إنَّمَا فَضَّلَ الْإِفْرَادَ إذَا اشْتَمَلَ عَلَى سَفَرَيْنِ، وَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ لُزُومِ مُوَافَقَةِ مُحَمَّدٍ لِلشَّافِعِيِّ. (قَوْلُهُ وَهُوَ أَنْ يُهِلَّ بِالْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ مِنْ الْمِيقَاتِ وَيَقُولَ اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ الْعُمْرَةَ وَالْحَجَّ فَيَسِّرْهُمَا لِي وَتَقَبَّلْهُمَا مِنِّي) أَيْ الْقِرَانُ أَنْ يُلَبِّيَ بِالنُّسُكَيْنِ مَعَ النِّيَّةِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا مِنْ غَيْرِ مَكَّةَ وَمَا كَانَ فِي حُكْمِهَا وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِالْإِهْلَالِ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّ رَفْعَ الصَّوْتِ بِهَا مُسْتَحَبٌّ، وَأَرَادَ بِالْمِيقَاتِ مَا ذَكَرْنَا، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّ الْقَارِنَ لَا يَكُونُ إلَّا آفَاقِيًّا، وَهُوَ أَحْسَنُ مِمَّا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ أَنَّهُ قَيْدٌ اتِّفَاقِيٌّ فَإِنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ بِهِمَا مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ أَوْ بَعْدَ الْخُرُوجِ قَبْلَ الْمِيقَاتِ أَوْ دَاخِلَهُ فَإِنَّهُ يَكُونُ قَارِنًا وَقُلْنَا حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا لِيَدْخُلَ مَا إذَا أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ لَهَا الْأَكْثَرَ أَوْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ مُسِيئًا فِي الثَّانِي كَمَا قَدَّمْنَاهُ لِوُجُودِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فِي الْإِحْرَامِ حُكْمًا، وَالْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ وَيَقُولُ النِّيَّةُ لَا التَّلَفُّظُ إنْ عَطَفَهُ عَلَى يُهِلُّ فَيَكُونَ مَنْصُوبًا مِنْ تَمَامِ الْحَدِّ، وَإِنْ رُفِعَ كَانَ ابْتِدَاءَ كَلَامٍ بَيَانًا لِلسُّنَّةِ فَإِنَّ السُّنَّةَ لِلْقَارِنِ التَّلَفُّظُ بِهَا وَتَقْدِيمُ الْعُمْرَةِ فِي الذِّكْرِ مُسْتَحَبٌّ؛ لِأَنَّ الْوَاوَ لِلتَّرْتِيبِ وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْمُصَنِّفُ وُقُوعَ الْإِحْرَامِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَوْ طَوَافِ الْعُمْرَةِ فِيهَا كَمَا هُوَ شَرْطٌ فِي التَّمَتُّعِ لِمَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَوْ طَافَ لِعُمْرَتِهِ فِي رَمَضَانَ فَهُوَ قَارِنٌ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَطُفْ لِعُمْرَتِهِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَتَوَهَّمَ بَعْضُهُمْ مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ الْفَرْقَ بَيْنَ الْقِرَانِ وَالتَّمَتُّعِ فِيهِ، وَلَيْسَ كَمَا تَوَهَّمُوا فَإِنَّ الْقِرَانَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ بِمَعْنَى الْجَمْعِ لَا الْقِرَانِ الشَّرْعِيِّ الْمُصْطَلَحِ عَلَيْهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ نَفَى لَازِمَ الْقِرَانِ بِالْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ، وَهُوَ لُزُومُ الدَّمِ شُكْرًا وَنَفْيُ اللَّازِمِ الشَّرْعِيِّ نَفْيٌ لِلْمَلْزُومِ الشَّرْعِيِّ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ النُّسُكَ الْمُسْتَعْقِبَ لِلدَّمِ شُكْرًا هُوَ مَا تَحَقَّقَ فِيهِ فِعْلُ الْمَشْرُوعِ الْمُرْتَفِقِ بِهِ النَّاسِخِ لِمَا كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَذَلِكَ بِفِعْلِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَإِنْ كَانَ مَعَ الْجَمْعِ فِي الْإِحْرَامِ قَبْلَ أَكْثَرِ طَوَافِ الْعُمْرَةِ فَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْقِرَانِ، وَإِلَّا فَهُوَ التَّمَتُّعُ بِالْمَعْنَى الْعُرْفِيِّ وَكِلَاهُمَا التَّمَتُّعُ بِالْإِطْلَاقِ الْقُرْآنِيِّ وَعُرْفِ الصَّحَابَةِ، وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ إطْلَاقُ اللُّغَةِ لِحُصُولِ الرِّفْقِ بِهِ هَذَا كُلُّهُ عَلَى أُصُولِ الْمَذْهَبِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. (قَوْلُهُ وَيَطُوفُ وَيَسْعَى لَهَا ثُمَّ يَحُجُّ كَمَا مَرَّ) يَعْنِي يَأْتِي بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ أَوَّلًا مِنْ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَالرَّمَلِ فِي الْأَشْوَاطِ الثَّلَاثَةِ وَالسَّعْيِ بَيْنَ الْمِيلَيْنِ الْأَخْضَرَيْنِ وَصَلَاةِ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ ثُمَّ   [منحة الخالق] لَا يَخْفَى لَا كَمَا فَهِمَهُ الرَّمْلِيُّ (قَوْلُهُ وَتَبَيَّنَ بِهِ بُطْلَانُ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ) حَيْثُ قَالَ بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ النِّهَايَةِ وَلَمْ يَنْقُلْ فِيهِ شَيْئًا، وَإِنَّمَا قَالَهُ حَزْرًا وَاسْتِدْلَالًا بِمَوَاضِعِ الِاحْتِجَاجِ، وَإِطْلَاقُهُمْ أَنَّ الْقِرَانَ أَفْضَلُ مِنْ الْإِفْرَادِ يَرُدُّهُ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ يُرَادُ بِهِ الْإِفْرَادُ بِالْحَجِّ وَأَيْضًا لَوْ كَانَ كَمَا قَالَهُ لَكَانَ مُحَمَّدٌ مَعَ الشَّافِعِيِّ وَكُلُّهُمْ كَانُوا مَعَهُ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يُبَيِّنْ أَنَّ قَوْلَهُمَا خِلَافُ ذَلِكَ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُجْمَعًا عَلَيْهِ اهـ. وَجَزَمَ فِي الْفَتْحِ بِمَا فِي النِّهَايَةِ. (قَوْلُهُ وَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَبِهِ اسْتَغْنَى عَمَّا فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَة، وَأَمَّا لُزُومُ كَوْنِ الْكُلِّ مَعَهُ فَمَمْنُوعٌ بِقَوْلِهِ عِنْدِي. (قَوْلُهُ إنْ عَطَفَهُ عَلَى يُهِلُّ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ الْمُصَنِّفَ إنْ عَطَفَ قَوْلَهُ وَيَقُولُ عَلَى قَوْلِهِ يُهِلُّ فَيَكُونُ مَنْصُوبًا مِنْ تَمَامِ الْحَدِّ كَانَ الْمُرَادُ بِالْقَوْلِ النِّيَّةَ لَا التَّلَفُّظَ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ شَرْطٍ قَالَ فِي النَّهْرِ: وَأَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ أُرِيدَ بِالْقَوْلِ النَّفْسِيِّ لَا يَتِمُّ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْإِرَادَةَ غَيْرُ النِّيَّةِ فَالْحَقُّ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْحَدِّ فِي شَيْءٍ اهـ. وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْقَوْلِ الْإِرَادَةُ حَتَّى يُرَدَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ بَلْ الْمُرَادُ مِنْهُ النِّيَّةُ نَعَمْ فِي جَعْلِ الشَّرْطِ مِنْ تَمَامِ الْحَدِّ نَظَرٌ وَهَذَا شَيْءٌ آخَرُ فَتَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْوَاوَ لِلتَّرْتِيبِ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا لَيْسَتْ لِلتَّرْتِيبِ وَهُوَ الصَّوَابُ أَيْ إنَّ تَقْدِيمَ الْعُمْرَةِ فِي الذِّكْرِ إذَا أَحْرَمَ بِهِمَا مَعًا وَفِي التَّلْبِيَةِ بَعْدَهُ، وَالدُّعَاءُ مُسْتَحَبٌّ لَا وَاجِبٌ؛ لِأَنَّ الْوَاوَ لَا تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ. (قَوْلُهُ لِمَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ إلَخْ) تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ وَلَمْ يَشْتَرِطْ بِنَاءً عَلَى مَا تَوَهَّمَهُ الْبَعْضُ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْقِرَانِ مَعْنَاهُ الِاصْطِلَاحِيُّ وَسَيُنَبِّهُ الْمُؤَلِّفُ عَلَى رَدِّهِ هُنَا وَفِي بَابِ التَّمَتُّعِ وَنَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الْفَتْحِ أَيْضًا فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَقَالَ إنَّ الْحَقَّ اشْتِرَاطُ فِعْلِ أَكْثَرِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ. (قَوْلُهُ لَا الْقِرَانُ الشَّرْعِيُّ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّهُ قَارِنٌ بِالْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ أَيْضًا كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ إطْلَاقِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ قَارِنٌ وَبِدَلِيلِ أَنَّهُ إذَا ارْتَكَبَ مَحْظُورًا يَتَعَدَّدُ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ، وَغَايَتُهُ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ هَدْيُ شُكْرٍ؛ لِأَنَّ أَدَاءَهُ لَمْ يَقَعْ عَلَى الْوَجْهِ الْمَسْنُونِ الْمُقَرَّرِ فِي الشَّرِيعَةِ مِنْ إيقَاعِ أَكْثَرِ الْعُمْرَةِ فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 385 يَأْتِي بِأَفْعَالِ الْحَجِّ كُلِّهَا ثَانِيًا فَيَبْدَأُ بِطَوَافِ الْقُدُومِ وَيَسْعَى بَعْدَهُ إنْ شَاءَ، وَهَذَا التَّرْتِيبُ أَعْنِي تَقْدِيمَ الْعُمْرَةِ فِي أَفْعَالِ الْحَجِّ وَاجِبٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} [البقرة: 196] جَعَلَ الْحَجَّ غَايَةً وَهُوَ شَامِلٌ لِلْقِرَانِ وَالتَّمَتُّعِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَأَفَادَ أَنَّهُ لَوْ طَافَ أَوَّلًا لِحِجَّتِهِ وَسَعَى لَهَا ثُمَّ طَافَ لِعُمْرَتِهِ وَسَعَى لَهَا فَطَوَافُهُ الْأَوَّلُ وَسَعْيُهُ يَكُونُ لِلْعُمْرَةِ وَنِيَّتُهُ لَغْوٌ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْحَلْقَ لِلْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَلَّلُ بَيْنَهُمَا بِالْحَلْقِ فَلَوْ حَلَقَ كَانَ جِنَايَةً عَلَى الْإِحْرَامَيْنِ أَمَّا عَلَى إحْرَامِ الْحَجِّ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ أَوَانَ التَّحَلُّلِ فِيهِ يَوْمَ النَّحْرِ، وَأَمَّا عَلَى إحْرَامِ الْعُمْرَةِ فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّ أَوَانَ تَحَلُّلِ الْقَارِنِ يَوْمَ النَّحْرِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ مُحَمَّدٌ قَالَ الشَّارِحُ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْمُتَمَتِّعَ إذَا سَاقَ الْهَدْيَ وَفَرَغَ مِنْ أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ وَحَلَقَ يَجِبُ عَلَيْهِ الدَّمُ وَلَا يَتَحَلَّلُ بِذَلِكَ مِنْ عُمْرَتِهِ بَلْ يَكُونُ جِنَايَةً عَلَى إحْرَامِهَا مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ مُحْرِمًا بِالْحَجِّ فَهَذَا أَوْلَى. (قَوْلُهُ فَإِنْ طَافَ لَهُمَا طَوَافَيْنِ وَسَعَى سَعْيَيْنِ جَازَ وَأَسَاءَ) بِأَنْ طَافَ لِلْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ أَرْبَعَةَ عَشَرَ شَوْطًا وَسَعَى كَذَلِكَ، وَأَرَادَ بِالْوَاوِ مَعْنًى ثُمَّ أَوْ الْفَاءِ؛ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ مَفْرُوضَةٌ فِيمَا إذَا أَتَى بِالسَّعْيِ بَعْدَ الطَّوَافَيْنِ وَلَا يُفْهَمُ هَذَا مِنْ الْوَاوِ لِأَنَّهَا لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ، وَلِهَذَا أَتَى فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِثُمَّ وَاخْتَلَفُوا فِي ثَانِي الطَّوَافَيْنِ فِي قَوْلِهِمْ طَافَ طَوَافَيْنِ فَذَهَبَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالشَّارِحُونَ تَبَعًا لِلْمَبْسُوطِ إلَى أَنَّهُ طَوَافُ الْقُدُومِ، وَلِهَذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَقَدْ أَسَاءَ بِتَأْخِيرِ سَعْيِ الْعُمْرَةِ وَتَقْدِيمِ طَوَافِ التَّحِيَّةِ عَلَيْهِ وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ التَّقْدِيمَ وَالتَّأْخِيرَ فِي الْمَنَاسِكِ لَا يُوجِبُ الدَّمَ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ طَوَافُ التَّحِيَّةِ سُنَّةٌ وَتَرْكُهُ لَا يُوجِبُ الدَّمَ فَتَقْدِيمُهُ أَوْلَى، وَالسَّعْيُ بِتَأْخِيرِهِ بِالِاشْتِغَالِ بِعَمَلٍ آخَرَ لَا يُوجِبُ الدَّمَ فَكَذَا بِالِاشْتِغَالِ بِالطَّوَافِ اهـ. وَذَهَبَ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِأَحَدِهِمَا طَوَافُ الْعُمْرَةِ وَبِالْآخِرِ طَوَافُ الزِّيَارَةِ بِأَنْ أَتَى بِطَوَافِ الْعُمْرَةِ ثُمَّ اشْتَغَلَ بِالْوُقُوفِ ثُمَّ طَافَ لِلزِّيَارَةِ يَوْمَ النَّحْرِ، ثُمَّ سَعَى أَرْبَعَةَ عَشَرَ شَوْطًا بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ فِي جَوَابِ الْمَسْأَلَةِ يُجْزِئُهُ وَالْمُجْزِئُ عِبَارَةٌ عَمَّا يَكُونُ كَافِيًا فِي الْخُرُوجِ عَنْ عُهْدَةِ الْفَرْضِ وَلَا يَحْصُلُ الْإِجْزَاءُ بِتَرْكِ الْفَرْضِ وَالْإِتْيَانِ بِالسُّنَّةِ وَبِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ إنَّ الْقَارِنَ يَطُوفُ طَوَافَيْنِ وَيَسْعَى سَعْيَيْنِ عِنْدَنَا لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِمَا إلَّا طَوَافَ الْعُمْرَةِ وَطَوَافَ الزِّيَارَةِ. (قَوْلُهُ وَإِذَا رَمَى يَوْمَ النَّحْرِ ذَبَحَ شَاةً أَوْ بَدَنَةً أَوْ سُبُعَهَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] وَالتَّمَتُّعُ يَشْمَلُ الْقِرَانَ الْعُرْفِيَّ وَالتَّمَتُّعَ الْعُرْفِيَّ كَمَا قَدَّمْنَاهُ قَيَّدَ بِالذَّبْحِ بَعْدَ الرَّمْيِ لِأَنَّ الذَّبْحَ قَبْلَهُ لَا يَجُوزُ لِوُجُوبِ التَّرْتِيبِ، وَلَمْ يُقَيِّدْ الذَّبْحَ بِالْمَحَبَّةِ كَمَا قَيَّدَهُ بِهَا فِي ذَبْحِ الْمُفْرِدِ لِمَا أَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى الْقَارِنِ وَالْمُتَمَتِّعِ، وَأَطْلَقَ الْبَدَنَةَ فَشَمِلَتْ الْبَعِيرَ وَالْبَقَرَةَ وَالسُّبُعُ جُزْءٌ مِنْ سَبْعَةِ أَجْزَاءٍ، وَإِنَّمَا كَانَ مُجْزِئًا لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ جَابِرٍ حَجَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَحْرنَا الْبَعِيرَ عَنْ سَبْعَةٍ وَالْبَقَرَةَ   [منحة الخالق] الْأَشْهُرِ فَإِنَّهُ مِنْ وَجْهٍ فِي حُكْمِ مَنْ أَفْرَدَ بِعُمْرَةٍ فِي غَيْرِ الْأَشْهُرِ ثُمَّ أَفْرَدَ بِالْحَجِّ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِقَارِنٍ إجْمَاعًا. اهـ. (قَوْلُهُ فَيَبْدَأُ بِطَوَافِ الْقُدُومِ) سَيَنُصُّ الْمُؤَلِّفُ عَلَى أَنَّ الْمُتَمَتِّعَ يَرْمُلُ فِي طَوَافِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْقَارِنَ كَذَلِكَ ثُمَّ رَأَيْته فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ قَالَ وَلَا يَرْمُلُ الْقَارِنُ وَالْمُفْرِدُ إلَّا فِي طَوَافِ التَّحِيَّةِ وَلَا يَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ بَعْدَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ أَمَّا الْمُتَمَتِّعُ يَرْمُلُ فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ؛ لِأَنَّهُ يَسْعَى بَعْدَهُ بِخِلَافِ الْمُفْرِدِ وَالْقَارِنِ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَسْعَيَانِ بَعْدَهُ لِوُجُودِ السَّعْيِ عَقِبَ طَوَافِ التَّحِيَّةِ، وَالسُّنَّةُ أَنْ يَرْمُلَ فِي كُلِّ طَوَافٍ بَعْدَهُ سَعْيٌ. اهـ. وَسَيَأْتِي فِي بَابِ الْجِنَايَاتِ عَنْ الْمُحِيطِ مَا يُشِير إلَيْهِ أَيْضًا وَسَنُنَبِّهُ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنَّمَا لَا يَرْمُلُ الْمُتَمَتِّعُ فِي طَوَافِ التَّحِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَنُّ فِي حَقِّهِ طَوَافُ التَّحِيَّةِ كَمَا يَأْتِي فِي بَابِهِ نَعَمْ لَوْ طَافَ لِلتَّحِيَّةِ وَسَعَى وَرَمَلَ لَمْ يَعُدَّهُمَا فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَتَكَرَّرَانِ كَمَا يَأْتِي أَيْضًا ثُمَّ رَأَيْت أَيْضًا فِي اللُّبَابِ قَالَ فَيَطُوفُ لَهَا أَيْ لِلْعُمْرَةِ سَبْعًا وَيَضْطَبِعُ فِيهِ وَيَرْمُلُ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَيَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ يَطُوفُ لِلْقُدُومِ وَيَضْطَبِعُ فِيهِ، وَيَرْمُلُ إنْ قَدَّمَ السَّعْيَ اهـ. قَالَ الْقَارِي فِي شَرْحِهِ وَهَذَا مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ لِمَا قَالُوا مِنْ أَنَّ كُلَّ طَوَافٍ بَعْدَهُ سَعْيٌ فَالرَّمَلُ فِيهِ سُنَّةٌ، وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الْكَرْمَانِيُّ حَيْثُ قَالَ يَطُوفُ طَوَافَ الْقُدُومِ وَيَرْمُلُ فِيهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ طَوَافٌ بَعْدَهُ سَعْيٌ، وَكَذَا فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ وَإِنَّمَا الرَّمَلُ فِي طَوَافِ الْعُمْرَةِ وَطَوَافِ الْقُدُومِ مُفْرِدًا كَانَ أَوْ قَارِنًا، وَأَمَّا مَا نَقَلَهُ الزَّيْلَعِيُّ عَنْ الْغَايَةِ لِلسُّرُوجِيِّ مِنْ أَنَّهُ إذَا كَانَ قَارِنًا لَمْ يَرْمُلْ فِي طَوَافِ الْقُدُومِ إنْ كَانَ رَمَلَ فِي طَوَافِ الْعُمْرَةِ فَخِلَافُ مَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ. اهـ. (قَوْلُهُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ فِي جَوَابِ الْمَسْأَلَةِ يُجْزِئُهُ) قَالَ فِي النَّهْرِ فَإِنْ قُلْت الْمُرَادُ بِالْإِجْزَاءِ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيُّ، وَهُوَ الِاكْتِفَاءُ قُلْت يَرُدُّهُ التَّعْلِيلُ بِقَوْلِهِ: لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا هُوَ الْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ إذْ ظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُرَادَ الْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيُّ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ مَعْنَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ يُجْزِئُهُ أَيْ مَا فَعَلَهُ مِنْ الْإِتْيَانِ بِالسَّعْيِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ لِلْعُمْرَةِ، وَإِنْ قَدَّمَ طَوَافَ الْحَجِّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ وَصْلَ سَعْيِ طَوَافِ الْعُمْرَةِ بِطَوَافِهَا غَيْرُ وَاجِبٍ وَهُوَ الْمَعْنِيُّ بِقَوْلِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا هُوَ الْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ، وَهَذَا لِأَنَّ مَحَطَّ الْفَائِدَةِ أَنَّ سَعْيَهُ صَحِيحٌ لَكِنَّهُ مُسِيءٌ بِتَقْدِيمِ طَوَافِ الْحَجِّ عَلَيْهِ، وَبِهَذَا اكْتَفَيْنَا مُؤْنَةَ التَّعْبِيرِ بِالْإِجْزَاءِ فَتَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ وَلَمْ يُقَيِّدْ الذَّبْحَ بِالْمَحَبَّةِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ بِقَوْلِهِ إنْ أَحَبَّ، وَقَوْلُهُ كَمَا قَيَّدَهُ بِهَا فِي ذَبْحِ الْمُفْرِدِ غَفْلَةٌ مِنْهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 386 عَنْ سَبْعَةٍ. وَأَشَارَ بِالتَّخْيِيرِ بَيْنَ الْبَدَنَةِ وَسُبُعِهَا إلَى أَنَّهُ دَمُ عِبَادَةٍ لَا دَمُ جِنَايَةٍ فَيَأْكُلُ مِنْهُ كَمَا سَيَأْتِي وَسَيَأْتِي فِي الْأُضْحِيَّةِ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْكُلُّ مُرِيدًا لِلْقُرْبَةِ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ جِهَةُ الْقُرْبَةِ فَلَوْ أَرَادَ أَحَدُ السَّبْعَةِ لَحْمًا لِأَهْلِهِ لَا يُجْزِئُهُمْ. وَاسْتَدَلَّ لَهُ بَعْضُ شَارِحِي الْمَصَابِيحِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنْ الشِّرْكِ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْته وَشِرْكَهُ» وَمَا فِي الْمُبْتَغَى وَلَوْ بَعَثَ الْقَارِنُ بِثَمَنِ هَدْيَيْنِ فَلَمْ يُوجَدْ بِذَلِكَ بِمَكَّةَ إلَّا هَدْيٌ وَاحِدٌ فَبِذَبْحِهِ لَا يَتَحَلَّلُ عَنْ الْإِحْرَامَيْنِ وَلَا عَنْ أَحَدِهِمَا اهـ. مَحْمُولٌ عَلَى هَدْيِ الْإِحْصَارِ؛ لِأَنَّ التَّحَلُّلَ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ لَا عَلَى ذَبْحِ دَمِ الشُّكْرِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالْخَانِيَّةِ: وَالِاشْتِرَاكُ فِي الْبَقَرَةِ أَفْضَلُ مِنْ الشَّاةِ وَالْجَزُورُ أَفْضَلُ مِنْ الْبَقَرَةِ كَمَا فِي الْأُضْحِيَّةِ فَإِنْ كَانَ الْقَارِنُ سَاقَ الْهَدْيَ مَعَ نَفْسِهِ كَانَ أَفْضَلَ. (قَوْلُهُ وَصَامَ الْعَاجِزُ عَنْهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ آخِرُهَا يَوْمُ عَرَفَةَ وَسَبْعَةً إذَا فَرَغَ وَلَوْ بِمَكَّةَ) أَيْ صَامَ الْعَاجِزُ عَنْ الْهَدْيِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} [البقرة: 196] وَالْعِبْرَةُ لِأَيَّامِ النَّحْرِ فِي الْعَجْزِ وَالْقُدْرَةِ وَكَذَا لَوْ قَدَرَ عَلَى الْهَدْيِ قَبْلَ أَنْ يُكْمِلَ   [منحة الخالق] لِأَنَّهُ لَمْ يُقَيِّدْهُ بِهَا أَيْضًا بَلْ قَالَ ثُمَّ اذْبَحْ ثُمَّ احْلِقْ أَوْ قَصِّرْ وَالْحَلْقُ أَحَبُّ. (قَوْلُهُ وَأَشَارَ بِالتَّخْيِيرِ بَيْنَ الْبَدَنَةِ وَسُبُعِهَا إلَى أَنَّهُ دَمُ عِبَادَةٍ إلَخْ) مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ دَمَ جِنَايَةٍ لَمَا تَخَيَّرَ وَفِي أُضْحِيَّةِ الْوِقَايَةِ وَشَرْحِهَا لِلْقُهُسْتَانِيِّ كَبَقَرَةٍ ذَبَحَهَا ثَلَاثَةٌ عَنْ أُضْحِيَّةٍ وَمُتْعَةٍ وَقِرَانٍ فِي الْحَجِّ فَإِنَّهُ يَصِحُّ، وَكَذَا لَوْ ذَبَحَ سَبْعَةً عَنْ تِلْكَ وَعَنْ الْإِحْصَارِ وَجَزَاءِ الصَّيْدِ أَوْ الْحَلْقِ وَالْعَقِيقَةِ وَالتَّطَوُّعِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ فِي ظَاهِرِ الْأُصُولِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ الْأَفْضَلُ أَنْ تَكُونَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَلَوْ كَانُوا مُتَفَرِّقِينَ وَكُلُّ وَاحِدٍ مُتَقَرِّبٌ جَازَ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُكْرَهُ كَمَا فِي النَّظْمِ اهـ، وَسَيَذْكُرُ فِي الْهَدْيِ يَجُوزُ الِاشْتِرَاكُ فِي بَدَنَةٍ كَمَا فِي الْأُضْحِيَّةِ بِشَرْطِ إرَادَةِ الْكُلِّ الْقُرْبَةَ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَجْنَاسُهُمْ مِنْ دَمِ مُتْعَةٍ وَإِحْصَارٍ وَجَزَاءِ صَيْدٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ اهـ. (قَوْلُهُ وَالِاشْتِرَاكُ فِي الْبَقَرَةِ أَفْضَلُ مِنْ الشَّاةِ) قَالَ فِي الشرنبلالية يُقَيَّدُ بِمَا إذَا كَانَتْ حِصَّتُهُ مِنْ الْبَقَرَةِ أَكْثَرَ قِيمَةً مِنْ الشَّاةِ كَمَا هُوَ فِي مَنْظُومَةِ ابْنِ وَهْبَانَ. (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَصَامَ الْعَاجِزُ عَنْهُ) اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي تَعْرِيفِ حَدِّ الْغَنِيِّ فِي بَابِ الْكَفَّارَاتِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ قُوتُ شَهْرٍ فَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ أَقَلُّ مِنْهُ جَازَ لَهُ الصَّوْمُ، وَقَالَ ابْنُ مُقَاتِلٍ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ الصَّوْمُ إنْ كَانَ الطَّعَامُ الَّذِي عِنْدَهُ مِقْدَارُ مَا هُوَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا كَانَ عِنْدَهُ قَدْرُ مَا يُشْتَرَى بِهِ مَا وَجَبَ، وَلَيْسَ لَهُ غَيْرُهُ لَا يُجْزِئُهُ الصَّوْمُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي الْعَامِلِ بِيَدِهِ أَيْ الْكَاسِبُ يُمْسِكُ قُوتَ يَوْمِهِ وَيُكَفِّرُ بِالْبَاقِي وَمَنْ لَا يَعْمَلُ يُمْسِكُ قُوتَ شَهْرٍ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْكَرْمَانِيُّ وَهُوَ تَفْصِيلٌ حَسَنٌ إلَّا أَنَّ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ عَيْنَ الْمَنْصُوصِ، وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ لَهُ الصَّوْمُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَدَائِعِ وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ عَنْ مَسْكَنِهِ وَكِسْوَتِهِ عَنْ الْكَفَافِ وَكَانَ الْفَضْلُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَصَاعِدًا لَا يُجْزِئُهُ الصَّوْمُ كَذَا فِي شَرْحِ اللُّبَابِ وَفِي حَاشِيَةِ الْمَدَنِيِّ عَنْ الْمَنْسَكِ الْكَبِيرِ لِلسِّنْدِيِّ يُعْلَمُ مِنْ عِبَارَةِ الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّ مَنْ كَانَ بِمَكَّةَ مُعْسِرًا وَبِبَلَدِهِ مُوسِرًا يَجُوزُ فِي حَقِّهِ الصَّوْمُ؛ لِأَنَّ مَكَانَ الدَّمِ مَكَّةُ فَاعْتُبِرَ يَسَارُهُ وَإِعْسَارُهُ بِهَا اهـ. (قَوْلُهُ وَالْعِبْرَةُ لِأَيَّامِ النَّحْرِ فِي الْعَجْزِ وَالْقُدْرَةِ) ذَكَرَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي رِسَالَةٍ سَمَّاهَا بَدِيعَةَ الْهَدْيِ لِمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ وَذَكَرَ أَنَّ الْمُحَلَّلَ عَنْ الْإِحْرَامِ لِغَيْرِ الْمُحْصَرِ إنَّمَا هُوَ الْحَلْقُ أَوْ التَّقْصِيرُ وَلِلْمُحْصَرِ ذَبْحُ الْهَدْيِ فِي مَحِلِّهِ، وَذَكَرَ أَنَّ الْهَدْي وَجَبَ شُكْرًا عَلَى الْقَارِنِ وَالْمُتَمَتِّعِ وَأَنَّهُ أَصْلٌ وَالصَّوْمُ خَلَفٌ عَنْهُ وَأَنَّ شَرْطَ بَدَلِيَّتِهِ تَقْدِيمُ الثَّلَاثَةِ عَلَى يَوْمِ النَّحْرِ ثُمَّ حَقَّقَ أَنَّ الْعِبْرَةَ لِوُجُودِ الْهَدْيِ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ وَأَنَّهُ لَا بَدَلِيَّةَ بَيْنَ الْهَدْيِ وَالْحَلْقِ حَتَّى يُقَالَ وُجُودُ الْهَدْيِ بَعْدَ الْحَلْقِ لَا يُعْتَبَرُ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْخَلَفِ وَهُوَ الْحَلْقُ كَمَا وَقَعَ فِي عِدَّةٍ مِنْ الْمُعْتَبَرَاتِ إذْ لَا دَخْلَ لِلْحَلْقِ قَبْلَ وُجُودِهِ فِيهَا فَوُجُودُهُ فِيهَا يُبْطِلُ حُكْمَ الصَّوْمِ فَيَلْزَمُهُ ذَبْحُهُ، وَإِنْ تَحَلَّلَ قَبْلَهُ لِمُوجِبِ إطْلَاقِ النَّصِّ وَلِقَوْلِ الْمُحَقِّقِينَ الْعِبْرَةُ لِأَيَّامِ النَّحْرِ وُجُودًا وَعَدَمًا لِلْهَدْيِ قَالَ الْكَمَالُ فَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْهَدْيِ فِي خِلَال الثَّلَاثَةِ أَوْ بَعْدَهَا قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ لَزِمَهُ الْهَدْيُ وَسَقَطَ الصَّوْمُ؛ لِأَنَّهُ خَلَفٌ. وَإِذَا قَدَرَ عَلَى الْأَصْلِ قَبْلَ تَأَدِّي الْحُكْمِ بِالْخَلَفِ بَطَلَ الْخَلَفُ اهـ. فَقَدْ نَصَّ عَلَى أَنَّ الصَّوْمَ خَلَفٌ عَنْ الْهَدْيِ وَالْهَدْيُ لَا يُتَحَلَّلُ بِهِ وَلَا بِخَلَفِهِ بَلْ بِالْحَلْقِ أَوْ التَّقْصِيرِ، وَهَذَا عَيْنُ الصَّوَابِ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْهَدْيِ بَعْدَ الْحَلْقِ قَبْلَ أَنْ يَصُومَ السَّبْعَةَ فِي أَيَّامِ الذَّبْحِ أَوْ بَعْدَهَا لَمْ يَلْزَمْهُ الْهَدْيُ؛ لِأَنَّ التَّحَلُّلَ قَدْ حَصَلَ بِالْحَلْقِ فَوُجُودُ الْأَصْلِ بَعْدَهُ لَا يَنْقُضُ الْخَلَفَ اهـ. فَفِيهِ تَدَافُعٌ وَتَقْيِيدٌ لِمُطْلَقِ الْكِتَابِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ أَفَادَ أَنَّهُ يَتَحَلَّلُ بِالْهَدْيِ أَصْلًا وَبِالْحَلْقِ خَلَفًا فَإِذَا وَجَدَ الْهَدْيَ لَا يَبْطُلُ خَلَفُهُ الَّذِي هُوَ الْحَلْقُ عَلَى كَلَامِهِ الْأَخِيرِ، وَالصَّوَابُ كَلَامُهُ الْأَوَّلُ ثُمَّ نَقَلَ نَحْوَهُ عَنْ الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ وَمِنْهَا مَا فِي هَذَا الشَّرْحِ وَنَازَعَهُمْ بِمَا مَرَّ وَحَاصِلُ كَلَامِهِ وُجُوبُ الْهَدْيِ بِوُجُودِهِ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ سَوَاءٌ حَلَقَ أَوْ لَا، وَأَنَّهُ لَا يَسْقُطُ الْهَدْيُ إلَّا بِوُجُودِهِ بَعْدَهَا مُخَالِفًا لِمَا هُوَ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمُعْتَبَرَاتِ أَقُولُ: لَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّ الْوَاجِبَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 387 صَوْمَ الثَّلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ بَعْدَمَا أَكْمَلَ قَبْلَ أَنْ يَحْلِقَ وَيَحِلَّ وَهُوَ فِي أَيَّامِ الذَّبْحِ بَطَلَ صَوْمُهُ، وَلَا يَحِلُّ إلَّا بِالْهَدْيِ وَلَوْ وَجَدَ الْهَدْيَ بَعْدَمَا حَلَقَ وَحَلَّ قَبْلَ أَنْ يَصُومَ السَّبْعَةَ صَحَّ صَوْمُهُ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ ذَبْحُ الْهَدْيِ وَلَوْ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَمْ يَحْلِقْ وَلَمْ يَحِلَّ حَتَّى مَضَتْ أَيَّامُ الذَّبْحِ ثُمَّ وَجَدَ الْهَدْيَ فَصَوْمُهُ مَاضٍ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَذَا ذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ صَامَ فِي وَقْتِهِ مَعَ وُجُودِ الْهَدْيِ يَنْظُرُ فَإِنْ بَقِيَ إلَى يَوْمِ النَّحْرِ لَمْ يُجْزِهِ لِلْقُدْرَةِ عَلَى الْأَصْلِ وَإِنْ هَلَكَ قَبْلَ الذَّبْحِ جَازَ لِلْعَجْزِ عَنْ الْأَصْلِ فَكَانَ الْمُعْتَبَرُ وَقْتُ التَّحَلُّلِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَقَوْلُهُ آخِرُهَا يَوْمُ عَرَفَةَ بَيَانٌ لِلْأَفْضَلِ وَإِلَّا فَوَقْتُهُ وَقْتُ الْحَجِّ بَعْدَ الْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَجِّ فِي الْآيَةِ وَقْتُهُ؛ لِأَنَّ نَفْسَهُ لَا يَصْلُحُ ظَرْفًا، وَإِنَّمَا كَانَ الْأَفْضَلُ التَّأْخِيرَ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ بَدَلٌ عَنْ الْهَدْيِ فَيُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهُ إلَى آخِرِ وَقْتِهِ رَجَاءَ أَنْ يَقْدِرَ عَلَى الْأَصْلِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ. وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ إذَا فَرَغَ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالرُّجُوعِ فِي الْآيَةِ الْفَرَاغُ مِنْ أَعْمَالِ الْحَجِّ مَجَازًا إذْ الْفَرَاغُ سَبَبٌ لِلرُّجُوعِ إلَى أَهْلِهِ، وَقَدْ عَمِلَ الشَّافِعِيُّ بِالْحَقِيقَةِ فَلَمْ يُجَوِّزْ صَوْمَهَا بِمَكَّةَ، وَيَشْهَدُ لَهُ حَدِيثُ الْبُخَارِيِّ مَرْفُوعًا «وَسَبْعَةٍ إذَا رَجَعْتُمْ إلَى أَهْلَيْكُمْ» وَإِنَّمَا عَدَلَ أَئِمَّتُنَا عَنْ الْحَقِيقَةِ إلَى الْمَجَازِ لِفَرْعٍ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَطَنٌ أَصْلًا لِيَرْجِعَ إلَيْهِ بَلْ مُسْتَمِرٌّ عَلَى السِّيَاحَةِ وَجَبَ عَلَيْهِ صَوْمُهَا بِهَذَا النَّصِّ وَلَا يَتَحَقَّقُ فِي حَقِّهِ سِوَى الرُّجُوعِ عَنْ الْأَعْمَالِ، وَكَذَا لَوْ رَجَعَ إلَى مَكَّةَ غَيْرَ قَاصِدٍ لِلْإِقَامَةِ بِهَا حَتَّى تَحَقَّقَ رُجُوعُهُ إلَى غَيْرِ أَهْلِهِ وَوَطَنِهِ ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يَتَّخِذَهَا وَطَنًا كَانَ لَهُ أَنْ يَصُومَ بِهَا مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ مِنْهُ الرُّجُوعُ إلَى وَطَنِهِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَأَرَادَ بِالْفَرَاغِ الْفَرَاغَ مِنْ أَعْمَالِ الْحَجِّ فَرْضًا وَوَاجِبًا وَهُوَ بِمُضِيِّ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ؛ لِأَنَّ الْيَوْمَ الثَّالِثَ مِنْهَا يَوْمٌ لِلرَّمْيِ الْوَاجِبِ عَلَى مَنْ أَقَامَ بِهِ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ فَيُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ صَامَ السَّبْعَةَ وَبَعْضَهَا مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَلِمَا قَدَّمَهُ فِي بَحْثِ الصَّوْمِ مِنْ النَّهْيِ عَنْ الصَّوْمِ فِيهَا مُطْلَقًا فَلِذَا لَمْ يُقَيِّدْ هَاهُنَا. (قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَصُمْ إلَى يَوْمِ النَّحْرِ تَعَيَّنَ الدَّمُ) أَيْ إنْ لَمْ يَصُمْ الثَّلَاثَةَ حَتَّى دَخَلَ يَوْمُ النَّحْرِ لَمْ يُجْزِهِ الصَّوْمُ أَصْلًا، وَصَارَ الدَّمُ مُتَعَيِّنًا؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ بَدَلٌ وَالْأَبْدَالُ لَا تُنْصَبُ إلَّا شَرْعًا، وَالنَّصُّ خَصَّهُ بِوَقْتِ الْحَجِّ وَجَوَازُ الدَّمِ عَلَى الْأَصْلِ وَعَنْ ابْن عُمْر أَنَّهُ أَمَرَ فِي مِثْلِهِ بِذَبْحِ الشَّاةِ فَلَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْهَدْيِ تَحَلَّلَ وَعَلَيْهِ دَمَانِ   [منحة الخالق] اتِّبَاعُ الْمَنْقُولِ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الذَّبْحِ إبَاحَةُ التَّحَلُّلِ بِالْحَلْقِ أَوْ التَّقْصِيرِ فَإِذَا عَجَزَ عَنْ الذَّبْحِ جَعَلَ الصَّوْمَ خَلَفًا عَنْهُ فِي إبَاحَةِ التَّحَلُّلِ بِالْحَلْقِ فَإِذَا قَدَرَ عَلَى الذَّبْحِ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ قَبْلَ الْحَلْقِ، وَجَبَ الذَّبْحُ لِعَدَمِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْخَلَفِ فَبَطَلَ الْخَلَفُ كَمَا لَوْ وَجَدَ الْمُتَيَمِّمُ الْمَاءَ قَبْلَ الصَّلَاةِ. أَمَّا لَوْ قَدَرَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْحَلْقِ لَا يَبْطُلُ الصَّوْمُ كَمَا لَوْ وَجَدَ الْمَاءَ بَعْدَ الصَّلَاةِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ، وَهُوَ التَّحَلُّلُ بِالْحَلْقِ وَحِينَئِذٍ فَحُصُولُ الْأَصْلِ الَّذِي هُوَ الذَّبْحُ بَعْدَ تَحَقُّقِ الْمَقْصُودِ الَّذِي هُوَ الْحَلْقُ أَوْ التَّقْصِيرُ لَا يَنْقُضُ الْخَلَفَ الَّذِي هُوَ الصَّوْمُ هَذَا مَعْنَى مَا فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الْفَتْحِ وَلَا فِي غَيْرِهِ جَعَلَ الْحَلْقَ خَلَفًا عَنْ الذَّبْحِ وَقَوْلُهُمْ الْعِبْرَةُ لِأَيَّامِ النَّحْرِ يَعْنِي قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ صَامَ فِي وَقْتِهِ) اُنْظُرْ مَا هَذِهِ الدَّلَالَةِ وَمَا وَجْهُهَا وَلَيْسَ هَذَا فِي الْفَتْحِ بَلْ الَّذِي فِيهِ وَلَوْ صَامَ إلَخْ (قَوْلُهُ بَيَانٌ لِلْأَفْضَلِ) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ آخِرَهَا يَوْمُ عَرَفَةَ أَنَّ صَوْمَهَا بَعْدَهُ لَا يَجُوزُ فَمَا فِي الْبَحْرِ فِيهِ نَظَرٌ اهـ. وَأُجِيبُ عَنْهُ بِأَنَّ قَوْلَهُ بَيَانٌ لِلْأَفْضَلِ رَاجِعٌ إلَى تَأْخِيرِ الصَّوْمِ إلَى يَوْمِ عَرَفَةَ لَا إلَى كَوْنِهِ قَبْلَ أَيَّامِ النَّحْرِ. اهـ. قُلْت: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ هَذَا لَمْ يَخْفَ عَلَى صَاحِبِ النَّهْرِ حَتَّى يُجَابَ عَنْ نَظَرِهِ بِهِ؛ لِأَنَّ عِبَارَةَ الْمُؤَلِّفِ صَرِيحَةٌ فِي ذَلِكَ وَلَعَلَّ مُرَادَهُ أَنَّ الْمُنَاسِبَ حَمْلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى بَيَانِ مَا هُوَ الْأَهَمُّ وَهُوَ عَدَمُ جَوَازِ التَّأْخِيرِ، وَيَكُونُ حِينَئِذٍ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى مَا هُوَ الْأَفْضَلُ لَا عَلَى بَيَانِ الْأَفْضَلِ وَتَرْكِ الْأَهَمِّ كَمَا فَعَلَ الْمُؤَلِّف تَأَمَّلْ لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ الْآتِيَ فَإِنْ لَمْ يَصُمْ الثَّلَاثَةَ إلَى يَوْمِ النَّحْرِ تَعَيَّنَ الدَّمُ صَرِيحٌ فِي بَيَانِ عَدَمِ جَوَازِ التَّأْخِيرِ فَلِذَا جَعَلَ الْمُؤَلِّفُ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ هُنَا آخِرَهَا يَوْمَ عَرَفَةَ بَيَانًا لِلْأَفْضَلِ لِئَلَّا يَتَكَرَّرَ كَلَامُهُ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ) هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلْمُتَمَتِّعِ أَمَّا الْقَارِنُ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَقَدْ ذَكَرَ فِي اللُّبَابِ مِنْ شَرَائِطِ صِحَّةِ صِيَامِ الثَّلَاثَةِ أَنْ يَصُومَهَا بَعْدَ الْإِحْرَامِ بِهِمَا فِي الْقَارِنِ وَبَعْدَ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ فِي الْمُتَمَتِّعِ اهـ. لَكِنْ هَلْ يُشْتَرَطُ صَوْمُهَا فِي الْمُتَمَتِّعِ حَالَةَ وُجُودِ الْإِحْرَامِ أَمْ يَجُوزُ حَالَ كَوْنِهِ حَلَالًا أَيْ بَعْدَمَا أَحَلَّ مِنْ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ فِيهِ كَلَامٌ قَالَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ كُلَّ مَا هُوَ شَرْطٌ فِي صَوْمِ الْقَارِنِ فَهُوَ شَرْطٌ فِي صَوْمِ الْمُتَمَتِّعِ بِلَا خِلَافٍ إلَّا إحْرَامَ الْحَجِّ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ صَوْمِ الْمُتَمَتِّعِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ عَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِ بَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ فَقَطْ فَلَوْ صَامَ الْمُتَمَتِّعُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ بَعْدَمَا أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ جَازَ إلَّا أَنَّ وُجُودَ الْإِحْرَامِ حَالَةَ صَوْمِ الثَّلَاثَةِ شَرْطٌ فِي جَوَازِ صَوْمِ الْقِرَانِ، وَأَمَّا صَوْمُ التَّمَتُّعِ فَالْأَكْثَرُ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ فَفِي الْبَدَائِعِ وَهَلْ يَجُوزُ لَهُ بَعْدَمَا أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ. قَالَ أَصْحَابُنَا يَجُوزُ سَوَاءٌ طَافَ لِعُمْرَتِهِ أَوْ لَمْ يَطُفْ اهـ. وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي هَذَا الْمَعْنَى لَكِنْ لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي الْمُدَّعَى إذْ يُمْكِنُ حَمْلُهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 388 دَمُ التَّمَتُّعِ وَدَمُ التَّحَلُّلِ قَبْلَ الْهَدْيِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ هُنَا، وَقَالَ فِيمَا يَأْتِي فِي آخِرِ الْجِنَايَاتِ فَإِنْ حَلَقَ الْقَارِنُ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ فَعَلَيْهِ دَمَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ دَمٌ بِالْحَلْقِ فِي غَيْرِ أَوَانِهِ؛ لِأَنَّ أَوَانَهُ بَعْدَ الذَّبْحِ، وَدَمٌ بِتَأْخِيرِ الذَّبْحِ عَنْ الْحَلْقِ وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ وَهُوَ الْأَوَّلُ فَنَسَبَهُ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ إلَى التَّخْلِيطِ لِكَوْنِهِ جَعَلَ أَحَدَ الدَّمَيْنِ هُنَا دَمَ الشُّكْرِ وَالْآخَرَ دَمَ الْجِنَايَةِ وَهُوَ صَوَابٌ وَفِيمَا يَأْتِي أَثْبَتَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ دَمَيْنِ آخَرَيْنِ سِوَى دَمِ الشُّكْرِ، وَنَسَبَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَيْضًا فِي بَابِ الْجِنَايَاتِ إلَى السَّهْوِ، وَلَيْسَ كَمَا قَالَا بَلْ كَلَامُهُ صَوَابٌ فِي الْمَوْضِعَيْنِ فَهُنَا لَمَّا لَمْ يَكُنْ جَانِيًا بِالتَّأْخِيرِ لِأَنَّهُ لِعَجْزِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ لِأَجْلِهِ دَمٌ وَلَزِمَهُ دَمٌ لِلْحَلْقِ فِي غَيْرِ أَوَانِهِ وَفِي بَابِ الْجِنَايَاتِ لَمَّا كَانَ جَانِيًا بِحَلْقِهِ قَبْلَ الذَّبْحِ لَزِمَهُ دَمَانِ كَمَا قَرَّرَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ دَمَ الشُّكْرِ؛ لِأَنَّهُ قَدَّمَهُ فِي بَابِ الْقِرَانِ وَلَيْسَ الْكَلَامُ إلَّا فِي الْجِنَايَةِ، وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ هُنَاكَ بِأَزْيَدَ مِنْ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ مَكَّةَ وَوَقَفَ بِعَرَفَةَ فَعَلَيْهِ دَمٌ لِرَفْضِ الْعُمْرَةِ وَقَضَاؤُهَا) يَعْنِي إنْ لَمْ يَأْتِ الْقَارِنُ بِالْعُمْرَةِ حَتَّى أَتَى بِالْوُقُوفِ فَعَلَيْهِ دَمٌ لِتَرْكِ الْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ أَدَاؤُهَا؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بَانِيًا أَفْعَالَ الْعُمْرَةِ عَلَى أَفْعَالِ الْحَجِّ، وَذَلِكَ خِلَافُ الْمَشْرُوعِ فَعَدَمُ دُخُولِ مَكَّةَ كِنَايَةٌ عَنْ عَدَمِ طَوَافِ الْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّ الدُّخُولَ وَعَدَمَهُ سَوَاءٌ إذَا لَمْ يَطُفْ لَهَا، وَالْمُرَادُ أَكْثَرُ أَشْوَاطِهِ حَتَّى لَوْ طَافَ لَهَا أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ ثُمَّ وَقَفَ بِعَرَفَةَ فَإِنَّهُ لَا يَصِيرُ رَافِضًا لَهَا إذْ قَدْ أَتَى بِرُكْنِهَا وَلَمْ يَبْقَ إلَّا وَاجِبَاتُهَا مِنْ الْأَقَلِّ وَالسَّعْيِ، وَيَأْتِي بِهَا يَوْمَ النَّحْرِ وَهُوَ قَارِنٌ عَلَى حَالِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا طَافَ الْأَقَلَّ ثُمَّ وَقَفَ فَإِنَّهُ كَالْعَدَمِ فَيَصِيرُ رَافِضًا، وَالْمُرَادُ بِعَدَمِ الطَّوَافِ لِلْعُمْرَةِ عَدَمُ الطَّوَافِ أَصْلًا فَإِنَّهُ لَوْ طَافَ طَوَافًا مَا وَلَوْ قَصَدَ بِهِ طَوَافَ الْقُدُومِ لِلْحَجِّ فَإِنَّهُ يَنْصَرِفُ إلَى طَوَافِ الْعُمْرَةِ، وَلَمْ يَكُنْ رَافِضًا لَهَا بِالْوُقُوفِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الْمَأْتِيَّ بِهِ مِنْ جِنْسِ مَا هُوَ مُتَلَبِّسٌ بِهِ فِي وَقْتٍ يَصْلُحُ لَهُ يَنْصَرِفُ إلَى مَا هُوَ مُتَلَبِّسٌ بِهِ وَعَنْ هَذَا قُلْنَا لَوْ طَافَ وَسَعَى لِلْحَجِّ ثُمَّ طَافَ وَسَعَى لِلْعُمْرَةِ كَانَ الْأَوَّلُ لَهَا وَالثَّانِي لَهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَنْ سَجَدَ فِي الصَّلَاةِ بَعْدَ الرُّكُوعِ يَنْوِي سَجْدَةَ تِلَاوَةٍ انْصَرَفَ إلَى سَجْدَةِ الصَّلَاةِ، وَلَمْ يُقَيِّدْ الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ بِكَوْنِهِ بَعْدَ الزَّوَالِ كَمَا وَقَعَ فِي كَافِي الْحَاكِمِ؛ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْوُقُوفَ قَبْلَ وَقْتِهِ لَا اعْتِبَارَ بِهِ وَقُيِّدَ بِالْوُقُوفِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ رَافِضًا لَهَا بِمُجَرَّدِ التَّوَجُّهِ إلَى عَرَفَاتٍ هُوَ الصَّحِيحُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُصَلِّي الظُّهْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إذَا تَوَجَّهَ إلَيْهَا أَنَّ الْأَمْرَ هُنَاكَ بِالتَّوَجُّهِ مُتَوَجِّهٌ بَعْدَ أَدَاءِ الظُّهْرِ وَالتَّوَجُّهُ فِي الْقِرَانِ وَالتَّمَتُّعِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ قَبْلَ أَدَاءِ الْعُمْرَةِ فَافْتَرَقَا وَأَطْلَقَ فِي رَفْضِهَا فَشَمِلَ مَا إذَا قَصَدَهُ أَوْ لَا، وَأَشَارَ بِهِ إلَى سُقُوطِ دَمِ الْقِرَانِ عَنْهُ لِعَدَمِهِ، وَإِنَّمَا وَجَبَ دَمٌ لِرَفْضِهَا؛ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ تَحَلَّلَ بِغَيْرِ طَوَافٍ يَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ كَالْمُحْصِرِ وَوَجَبَ قَضَاؤُهَا؛ لِأَنَّ الشُّرُوعَ مُلْزِمٌ كَالنَّذْرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (بَابُ التَّمَتُّعِ) أَخَّرَهُ فِي الْقِرَانِ لِتَأَخُّرِهِ عَنْهُ رُتْبَةً كَمَا قَدَّمَهُ وَهُوَ فِي اللُّغَةِ مِنْ الْمَتَاعِ أَوْ الْمُتْعَةِ وَهُوَ الِانْتِفَاعُ   [منحة الخالق] عَلَى الْمُتَمَتِّعِ الَّذِي سَاقَ الْهَدْيَ وَكَذَا مَا فِي الْمَدَارِكِ وَشَرْحِ الْكَنْزِ مِنْ أَنَّ وَقْتَهُ أَشْهُرُ الْحَجِّ بَيْنَ الْإِحْرَامَيْنِ فِي حَقِّ الْمُتَمَتِّعِ لَكِنَّهُ يُوهِمُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَعْدَ إحْرَامِ الْحَجِّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ بَعْدَهُ هُوَ الْمُسْتَحَبُّ أَوْ الْمُتَعَيِّنُ اهـ. مُلَخَّصًا وَتَمَامُهُ فِيهِ. (قَوْلُهُ بَلْ كَلَامُهُ صَوَابٌ فِي الْمَوْضِعَيْنِ) إلَخْ حَاصِلُهُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْإِمَامِ ثَلَاثَةُ دِمَاءٍ دَمُ الْقِرَانِ وَدَمُ الْجِنَايَةِ عَلَى الْإِحْرَامِ بِالْحَلْقِ فِي غَيْرِ أَوَانِهِ وَدَمُ تَأْخِيرِ الذَّبْحِ، وَلَمَّا كَانَ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ هُنَا فِيمَنْ عَجَزَ عَنْ الْهَدْيِ لَمْ يَكُنْ جَانِيًا بِتَأْخِيرِهِ، وَإِنَّمَا الْجِنَايَةُ حَصَلَتْ بِالْحَلْقِ فِي غَيْرِ أَوَانِهِ فَلَزِمَهُ دَمٌ لَهُ وَدَمٌ لِلْقِرَانِ، وَأَمَّا مَا فِي الْجِنَايَاتِ فَهُوَ فِي غَيْرِ الْعَاجِزِ فَلَزِمَهُ دَمَانِ وَلَمْ يَذْكُرْ دَمَ الشُّكْرِ لِذِكْرِهِ لَهُ هُنَا لَكِنَّ لُزُومَ الدَّمَيْنِ هُنَاكَ خِلَافُ الْمَذْهَبِ وَسَاغَ حَمْلُ كَلَامِ الْهِدَايَةِ عَلَيْهِ لِتَصْحِيحِهِ وَإِخْرَاجِهِ عَنْ الْخَطَإِ وَالسَّهْوِ هَذَا وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ جَانِيًا بِالتَّأْخِيرِ لَمْ يَكُنْ جَانِيًا أَيْضًا بِالْحَلْقِ فِي غَيْرِ أَوَانِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَلْزَمَهُ إلَّا دَمُ الْقِرَانِ؛ لِأَنَّ الْعَجْزَ عُذْرٌ، وَقَدْ نَقَلَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي رِسَالَتِهِ عَنْ شَرْحِ مُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ لِلْإِمَامِ الْإِسْبِيجَابِيِّ مَا نَصُّهُ وَلَوْ لَمْ يَضُمَّ الثَّلَاثَةَ لَمْ يَجُزْ الصَّوْمُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَا يُجْزِئُهُ إلَّا الدَّمُ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا حَلَّ وَعَلَيْهِ دَمُ الْمُتْعَةِ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ لِإِحْلَالِهِ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ لِتَرْكِ الصَّوْمِ. اهـ. (قَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ) صَحَّحَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ وَالطَّحَاوِيِّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يَصِيرُ رَافِضًا بِمُجَرَّدِ التَّوَجُّهِ إلَى عَرَفَاتٍ، وَهُوَ الْقِيَاسُ وَفِي الْفَتْحِ وَالصَّحِيحُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَقُولُ: وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنْ يَكُونَ الرَّفْضُ بِالتَّوَجُّهِ وَالِارْتِفَاضُ بِالْوُقُوفِ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا تَوَجَّهَ إلَى عَرَفَةَ ثُمَّ بَدَا لَهُ فَرَجَعَ عَنْ الطَّرِيقِ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، وَطَافَ لِعُمْرَتِهِ وَسَعَى لَهَا ثُمَّ وَقَفَ بِعَرَفَةَ هَلْ يَكُونُ قَارِنًا جَوَابُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَكُونُ قَارِنًا كَذَا فِي شَرْحِ اللُّبَابِ، وَكَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَذْكُرَ الْجَمْعَ بَعْدَ ذِكْرِ ثَمَرَةِ الْخِلَافِ تَأَمَّلْ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 389 أَوْ النَّفْعُ وَفِي الشَّرِيعَةِ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَهُوَ أَنْ يُحْرِمَ بِعُمْرَةٍ مِنْ الْمِيقَاتِ فَيَطُوفَ لَهَا وَيَسْعَى وَيَحْلِقَ أَوْ يُقَصِّرَ وَقَدْ حَلَّ مِنْهَا وَيَقْطَعَ التَّلْبِيَةَ بِأَوَّلِ الطَّوَافِ ثُمَّ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ مِنْ الْحَرَمِ وَيَحُجَّ) فَقَوْلُهُ مِنْ الْمِيقَاتِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ مَكَّةَ فَإِنَّهُ لَيْسَ لِأَهْلِهَا تَمَتُّعٌ وَلَا قِرَانٌ لَا لِلِاحْتِرَازِ عَنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ أَوْ غَيْرِهَا كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي الْقِرَانِ، وَلَمْ يُقَيِّدْ إحْرَامَهَا بِأَشْهُرِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ لَكِنَّ أَدَاءَ أَكْثَرِ طَوَافِهَا فِيهَا شَرْطٌ فَلَوْ طَافَ الْأَقَلَّ فِي رَمَضَانَ مَثَلًا ثُمَّ طَافَ الْبَاقِيَ فِي شَوَّالٍ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ كَانَ مُتَمَتِّعًا، وَإِنَّمَا لَمْ يُقَيَّدُ الطَّوَافُ بِهِ لِمَا يُصَرَّحُ بِهِ فِي هَذَا الْبَابِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْحَلْقَ لِبَيَانِ تَمَامِ أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ لَا؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ فِي التَّمَتُّعِ؛ لِأَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَقَائِهِ مُحْرِمًا بِهَا إلَى أَنْ يَدْخُلَ إحْرَامَ الْحَجِّ وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ الْمُتَمَتِّعُ الَّذِي سَاقَ الْهَدْيَ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْحَلْقُ لِلْعُمْرَةِ حَتَّى لَوْ حَلَقَ لَهَا لَزِمَهُ دَمٌ؛ لِأَنَّ سَوْقَ الْهَدْيِ عَارَضَ مَنْعَهُ مِنْ التَّحَلُّلِ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ، وَفِي قَوْلِهِ ثُمَّ يُحْرِمُ بِالْحَجِّ دَلَالَةً عَلَى تَرَاخِي إحْرَامِهِ عَنْ أَفْعَالِهَا فَخَرَجَ الْقِرَانُ وَلَمْ يُقَيِّدْ الْحَجَّ بِأَنْ يَكُونَ مِنْ عَامِهِ لِلْعِلْمِ بِهِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى التَّمَتُّعِ التَّرَفُّقُ بِأَدَاءِ النُّسُكَيْنِ فِي سَفْرَةٍ وَاحِدَةٍ. وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مِنْ عَامِ الْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ بَلْ مِنْ عَامِ فِعْلِهَا حَتَّى لَوْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ فِي رَمَضَانَ، وَأَقَامَ عَلَى إحْرَامِهِ إلَى شَوَّالٍ مِنْ الْعَامِ الْقَابِلِ ثُمَّ طَافَ لِعُمْرَتِهِ مِنْ الْقَابِلِ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ كَانَ مُتَمَتِّعًا بِخِلَافِ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَحَلَّلَ مِنْ الْحَجِّ بِعُمْرَةٍ كَفَائِتِ الْحَجِّ فَأَخَّرَ إلَى قَابِلٍ فَتَحَلَّلَ بِهَا فِي شَوَّالٍ وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا؛ لِأَنَّهُ مَا أَتَى بِأَفْعَالِهَا عَنْ إحْرَامِ عُمْرَةٍ بَلْ لِلتَّحَلُّلِ عَنْ إحْرَامِ الْحَجِّ فَلَمْ تَقَعْ هَذِهِ الْأَفْعَالُ مُعْتَدًّا بِهَا عَنْ الْعُمْرَةِ فَلَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا، وَقَوْلُهُ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ بَيَانٌ لِلْجَوَازِ وَإِلَّا فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ قَبْلَهُ لِلْمُسَارَعَةِ إلَى الْخَيْرِ، وَقَوْلُهُ مِنْ الْحَرَمِ بَيَانٌ لِلْمِيقَاتِ الْمَكَانِيِّ لِأَهْلِ مَكَّةَ وَلَمْ يُقَيِّدْ بِعَدَمِ الْإِلْمَامِ بِأَهْلِهِ فِيمَا بَيْنَهُمَا إلْمَامًا صَحِيحًا لِمَا يُصَرِّحُ بِهِ قَرِيبًا، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إنْ أَلَمَّ بَيْنَهُمَا بِأَهْلِهِ إلْمَامًا صَحِيحًا بَطَلَ تَمَتُّعُهُ وَإِلَّا فَلَا، وَالصَّحِيحُ مِنْهُ أَنْ لَا يَكُونَ الْعَوْدُ مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِ يُقَالُ أَلَمَّ بِأَهْلِهِ نَزَلَ وَهُوَ يَزُورُ إلْمَامًا أَيْ غِبًّا كَذَا فِي الْمُغْرِبِ، وَإِنَّمَا يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ فِيهَا بِأَوَّلِهِ لِمَا صَحَّحَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يُمْسِكُ عَنْ التَّلْبِيَةِ فِي الْعُمْرَةِ إذَا اسْتَلَمَ الْحَجَرَ وَلَمْ يَذْكُرْ طَوَافَ الْقُدُومِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الْمُتَمَتِّعِ طَوَافُ قُدُومٍ كَذَا فِي الْمُبْتَغَى أَيْ لَا يَكُونُ مَسْنُونًا فِي حَقِّهِ بِخِلَافِ الْقَارِنِ؛ لِأَنَّ الْمُتَمَتِّعَ حِينَ قُدُومِهِ مُحْرِمٌ بِالْعُمْرَةِ فَقَطْ، وَلَيْسَ لَهَا طَوَافُ قُدُومٍ وَلَا صَدْرٍ، وَالْحِكْمَةُ فِيهِ أَنَّ الْمُعْتَمِرَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ أَدَائِهَا حِينَ وَصَلَ إلَى الْبَيْتِ، وَأَمَّا الْحَاجُّ فَغَيْرُ مُتَمَكِّنٍ مِنْ طَوَافِ الزِّيَارَةِ لِعَدَمِ وَقْتِهِ فَسُنَّ لَهُ طَوَافُ الْقُدُومِ إلَى أَنْ يَجِيءَ وَقْتُهُ، وَالطَّوَافُ رُكْنٌ مُعَظَّمٌ فِي الْعُمْرَةِ فَلَا يَتَكَرَّرُ فِي الصَّدْرِ كَالْوُقُوفِ لِلْحَجِّ لَا يَتَكَرَّرُ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَفِي قَوْلِهِ وَيَحُجُّ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ يَسْعَى لِلْحَجِّ، وَيَرْمُلُ فِي طَوَافِهِ وَاَلَّذِي أَتَى بِهِ أَوَّلًا إنَّمَا هُوَ عَنْ الْعُمْرَةِ فَإِنْ سَعَى الْمُتَمَتِّعُ وَرَمَلَ فِي طَوَافِهِ بَعْدَ إحْرَامِهِ بِالْحَجِّ لَا يُعِيدُهُمَا فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَتَكَرَّرَانِ (قَوْلُهُ وَيَذْبَحُ فَإِنْ عَجَزَ فَقَدْ مَرَّ) أَيْ فِي بَابِ الْقِرَانِ فَإِنَّ حُكْمَهُمَا وَاحِدٌ. (قَوْلُهُ فَإِنْ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ فَاعْتَمَرَ لَمْ يُجْزِهِ عَنْ الثَّلَاثَةِ) ؛ لِأَنَّ   [منحة الخالق] [بَابُ التَّمَتُّعِ] (قَوْلُهُ فَقَوْلُهُ مِنْ الْمِيقَاتِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ مَكَّةَ إلَخْ) قَالَ فِي الشرنبلالية يَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْمِيقَاتَ لِكُلٍّ بِمَا يُنَاسِبُهُ فَيَشْمَلُ الْمَكِّيَّ. (قَوْلُهُ وَالصَّحِيحُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْإِلْمَامِ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ يُقَالُ أَلَمَّ بِأَهْلِهِ إذَا نَزَلَ وَهُوَ عَلَى نَوْعَيْنِ صَحِيحٌ وَفَاسِدٌ، وَالْأَوَّلُ عِبَارَةً عَنْ النُّزُولِ فِي وَطَنِهِ مِنْ غَيْرِ بَقَاءِ صِفَةِ الْإِحْرَامِ، وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ فِي الْمُتَمَتِّعِ الَّذِي لَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ، وَالثَّانِي مَا يَكُونُ عَلَى خِلَافِهِ وَهُوَ إنَّمَا يَكُونُ فِيمَنْ سَاقَهُ اهـ. وَقَالَ فِي الْمِعْرَاجِ بَعْدَمَا تَقَدَّمَ وَفِي الْمُحِيطِ الْإِلْمَامُ الصَّحِيحُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى أَهْلِهِ بَعْدَ الْعُمْرَةِ، وَلَا يَكُونُ الْعَوْدُ إلَى الْعُمْرَةِ مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِ، وَعَنْ هَذَا قُلْنَا لَا تَمَتُّعَ لِأَهْلِ مَكَّةَ وَأَهْلِ الْمَوَاقِيتِ اهـ. وَهَذَا مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ التَّفْسِيرَ الْأَوَّلَ إنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ الْآفَاقِيِّ، وَالثَّانِي أَعَمُّ مِنْهُ يَدُلُّك عَلَى هَذَا مَا فِي الْهِدَايَةِ إذَا سَاقَ الْهَدْيَ فَإِلْمَامُهُ لَا يَكُونُ صَحِيحًا بِخِلَافِ الْمَكِّيِّ إذَا خَرَجَ إلَى الْكُوفَةِ وَأَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَسَاقَ الْهَدْيَ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا؛ لِأَنَّ الْعَوْدَ هُنَاكَ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهِ فَيَصِحُّ إلْمَامُهُ بِأَهْلِهِ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَوْدِ هُوَ مَا يَكُونُ عَنْ الْوَطَنِ إلَى الْحَرَمِ أَوْ إلَى مَكَّةَ، وَلَيْسَ هَاهُنَا بِمَوْجُودٍ لِكَوْنِهِ فِي الْحَرَمِ أَوْ فِي مَكَّةَ فَلَا يُتَصَوَّرُ الْعَوْدُ، وَإِذَا سَاقَ الْهَدْيَ لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا فَلَأَنْ لَا يَكُونَ إذَا لَمْ يَسُقْ كَانَ أَوْلَى اهـ. فَقَدْ جَعَلَ إلْمَامَ هَذَا الْمَكِّيِّ صَحِيحًا مَعَ أَنَّهُ قَدْ سَاقَ الْهَدْيَ (قَوْلُهُ وَلَمْ يَذْكُرْ طَوَافَ الْقُدُومِ إلَخْ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ هَذَا الْمُتَمَتِّعُ بَعْدَمَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ طَافَ يَعْنِي طَوَافَ الْقُدُومِ وَسَعَى قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ إلَى مِنًى لَمْ يَرْمُلْ فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ وَلَا يَسْعَى بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِذَلِكَ مَرَّةً وَلَا تَكْرَارَ فِيهِ وَفِي هَذَا الْكَلَامِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ طَوَافَ التَّحِيَّةِ مَشْرُوعٌ لِلْمُتَمَتِّعِ حَيْثُ اعْتَبَرَ رَمَلَهُ وَسَعْيَهُ فِيهِ اهـ. قَالَ فِي الْفَتْحِ وَلَا يَخْلُو مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ إذَا طَافَ ثُمَّ سَعَى أَجْزَأَهُ عَنْ السَّعْيِ لَا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِلْإِجْزَاءِ اعْتِبَارُهُ طَوَافَ تَحِيَّةٍ بَلْ الْمَقْصُودُ أَنَّ السَّعْيَ لَا بُدَّ أَنْ يَتَرَتَّبَ شَرْعًا عَلَى طَوَافٍ فَإِذَا فَرَضْنَا أَنَّ الْمُتَمَتِّعَ بَعْدَ إحْرَامِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 390 سَبَبَ وُجُوبِهِ التَّمَتُّعُ وَهُوَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ غَيْرُ مُتَمَتِّعٍ فَلَا يَجُوزُ أَدَاؤُهُ قَبْلَ سَبَبِهِ. (قَوْلُهُ وَصَحَّ لَوْ بَعْدَ مَا أَحْرَمَ بِهَا قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ) أَيْ صَحَّ صَوْمُ الثَّلَاثَةِ بَعْدَ مَا أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ قَبْلَ الطَّوَافِ؛ لِأَنَّهُ أَدَاءٌ بَعْدَ السَّبَبِ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُهُ التَّمَتُّعُ بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ، وَهُوَ التَّرَفُّقُ لِتَرْتِيبِهِ عَلَى التَّمَتُّعِ بِالنَّصِّ وَمَأْخَذُ الِاشْتِقَاقِ عِلَّةً لِلْمُتَرَتِّبِ، وَالْعُمْرَةُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ هِيَ السَّبَبُ فِيهِ؛ لِأَنَّهَا الَّتِي بِهَا يَتَحَقَّقُ التَّرَفُّقُ الَّذِي كَانَ مَمْنُوعًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَهُوَ مَعْنَى التَّمَتُّعِ وَلَمَّا لَمْ يُمْكِنْهُ الْخُرُوجُ عَنْ إحْرَامِهَا بِلَا فِعْلٍ نَزَلَ الْإِحْرَامُ مَنْزِلَتَهَا فَلِذَا جَازَ بَعْدَ إحْرَامِهَا قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْهَا قَيَّدَ بِصَوْمِ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّ صَوْمَ السَّبْعَةِ لَا يَجُوزُ إلَّا بَعْدَ الْفَرَاغِ وَإِنْ كَانَ السَّبَبُ فِيهِمَا وَاحِدًا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَصَلَ بَيْنَهُمَا فَجَعَلَ الثَّلَاثَةَ فِي الْحَجِّ أَيْ فِي وَقْتِهِ وَالسَّبْعَةَ بَعْدَ الْفَرَاغِ، وَقَيَّدَ بِكَوْنِ الصَّوْمِ فِي شَوَّالٍ أَيْ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ لِأَنَّ الصَّوْمَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ لَا يَجُوزُ سَوَاءٌ كَانَ بَعْدَ مَا أَحْرَمَ لِلْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَوْ لَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْأَفْضَلَ تَأْخِيرُ صَوْمِهَا إلَى السَّابِعِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ لِرَجَاءِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْأَصْلِ وَهُوَ الْهَدْيُ. (قَوْلُهُ فَإِنْ أَرَادَ سَوْقَ الْهَدْيِ أَحْرَمَ وَسَاقَ وَقَلَّدَ بَدَنَتَهُ بِمَزَادَةٍ أَوْ نَعْلٍ وَلَا يُشْعِرُ) بَيَانٌ لِأَفْضَلِ التَّمَتُّعِ اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْوَاوُ فِي قَوْلِهِ وَسَاقَ بِمَعْنَى ثُمَّ لِأَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ لَا يُحْرِمَ بِالسَّوْقِ وَالتَّوَجُّهِ بَلْ يُحْرِمَ بِالتَّلْبِيَةِ وَالنِّيَّةِ، ثُمَّ يَسُوقَ وَأَفَادَ بِالتَّقْلِيدِ أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ التَّحْلِيلِ وَبِالسَّوْقِ أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ الْقَوَدِ إلَّا إذَا كَانَتْ لَا تَنْسَاقُ فَيَقُودُهَا، وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ أَرَادَ عَائِدٌ إلَى الْمُتَمَتِّعِ بِمَعْنَى مُرِيدِهِ، وَالْمُرَادُ بِالْإِحْرَامِ إحْرَامُ الْعُمْرَةِ وَقَيَّدَ بِالْبَدَنَةِ؛ لِأَنَّ الشَّاةَ لَا يُسَنُّ تَقْلِيدُهَا وَالْإِشْعَارُ فِي اللُّغَةِ الْإِعْلَامُ بِأَنَّ الْبَدَنَةَ هَدْيٌ، وَالْمُرَادُ هُنَا أَنْ يَشُقَّ سَنَامَهَا مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ كَذَا فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ وَفِي الْهِدَايَةِ قَالُوا وَالْأَشْبَهُ هُوَ الْأَيْسَرُ وَهُوَ مَكْرُوهٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ حَسَنٌ عِنْدَهُمَا لِلِاتِّبَاعِ الثَّابِتِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ، وَأُجِيبَ لِأَبِي حَنِيفَةَ بِأَنَّهُ مُثْلَةٌ وَقَدْ نَهَى عَنْهُ فَتَعَارَضَا فَرَجَّحْنَا الْمَنْعَ لِأَنَّهُ قَوْلٌ وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْفِعْلِ أَوْ نَهْيٌ وَهُوَ الْمُقَدَّمُ عَلَى الْمُبِيحِ وَرَدَّ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْهَا؛ لِأَنَّهَا مَا يَكُونُ تَشْوِيهًا كَقَطْعِ الْأَنْفِ وَالْأُذُنَيْنِ فَلَيْسَ كُلُّ جَرْحٍ مُثْلَةً وَلِأَنَّهُ نَهَى عَنْهَا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ وَفَعَلَ الْإِشْعَارَ فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ فَلَوْ كَانَ مِنْهَا لَمْ يَفْعَلْهُ وَبَانَ إشْعَارُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِصِيَانَةِ الْهَدْيِ؛ لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَا يَمْتَنِعُونَ عَنْ تَعَرُّضِهِ إلَّا بِهِ، وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: إنَّمَا كَرِهَ أَبُو حَنِيفَةَ الْإِشْعَارَ الْمُحْدَثَ الَّذِي يُفْعَلُ عَلَى وَجْهِ الْمُبَالَغَةِ وَيُخَافُ مِنْهُ السِّرَايَةُ إلَى الْمَوْتِ لَا مُطْلَقَ الْإِشْعَارِ وَاخْتَارَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَصَحَّحَهُ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّهُ الْأَوْلَى. (قَوْلُهُ وَلَا يَتَحَلَّلُ بَعْدَ عُمْرَتِهِ) ؛ لِأَنَّ سَوْقَ الْهَدْيِ يَمْنَعُهُ مِنْ التَّحَلُّلِ لِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ «إنِّي لَبَّدْت رَأْسِي وَقَلَّدْت هَدْيِي فَلَا أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ» ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَوْ حَلَقَ رَأْسَهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ عُمْرَتِهِ وَقَدْ كَانَ سَاقَ الْهَدْيَ لَزِمَهُ دَمٌ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ مُوجَبُ كُلِّ جِنَايَةٍ عَلَى الْإِحْرَامِ كَأَنَّهُ مُحْرِمٌ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ لِسَوْقِ الْهَدْيِ تَأْثِيرًا فِي إثْبَاتِ الْإِحْرَامِ ابْتِدَاءً فَكَانَ لَهُ أَثَرٌ فِي اسْتِدَامَةِ الْإِحْرَامِ أَيْضًا بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْبَقَاءَ أَسْهَلُ كَذَا فِي النِّهَايَةِ. (قَوْلُهُ وَيُحْرِمُ بِالْحَجِّ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَقَبْلَهُ أَحَبُّ) لِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي مُتَمَتِّعٍ لَا يَسُوقُ الْهَدْيَ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ؛ لِأَنَّ الْأَفْعَالَ بَعْدَ ذَلِكَ تَتَعَقَّبُ الْإِحْرَامَ.   [منحة الخالق] الْحَجِّ تَنَفَّلَ بِطَوَافٍ ثُمَّ سَعَى بَعْدَهُ سَقَطَ عَنْهُ سَعْيُ الْحَجِّ وَمَنْ قَيَّدَ إجْزَاءَهُ بِكَوْنِ الطَّوَافِ الْمُقَدَّمِ طَوَافَ تَحِيَّةٍ فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ مُنْشَأَ تَوَهُّمِهِ حَمْلُهُ الطَّوَافَ عَلَى طَوَافِ الْقُدُومِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ وَلَا شَيْءَ يُفِيدُ تَقْيِيدَهُ بِهِ. (قَوْلُهُ سَوَاءٌ كَانَ بَعْدَمَا أَحْرَمَ لِلْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَوْ لَا) هَذَا التَّعْمِيمُ لَا يَصِحُّ مَعَ قَوْلِهِ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَالْوَاوُ فِي قَوْلِهِ وَسَاقَ بِمَعْنَى ثُمَّ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَقُولُ: فِي كَلَامِهِ بِتَقْدِيرِ إبْقَاءِ الْوَاوِ عَلَى بَابِهَا مَا يَدُلُّ عَلَى مَا ادَّعَاهُ؛ لِأَنَّهَا لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ، وَظَاهِرٌ أَنَّ مَعْنَى أَحْرَمَ أَتَى بِهِ وَهُوَ إنَّمَا يَكُونُ بِالنِّيَّةِ مَعَ التَّلْبِيَةِ لَا أَنَّهُ شَرَعَ فِيهِ كَمَا تَوَهَّمَهُ فِي الْبَحْرِ اهـ. قُلْت وَحَيْثُ أَقَرَّ بِأَنَّ الْوَاوَ لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ كَمَا هُوَ الْوَاقِعُ يَصْدُقُ بِأَنْ يَكُونَ إحْرَامُهُ بِالنِّيَّةِ مَعَ السَّوْقِ أَوْ مَعَ التَّلْبِيَةِ فَإِنَّهُ بِكُلِّ آتٍ بِالْإِحْرَامِ؛ لِأَنَّهُ كَمَا يَكُونُ بِالنِّيَّةِ مَعَ الذِّكْرِ يَكُونُ بِهَا مَعَ الْخُصُوصِيَّةِ كَمَا مَرَّ فَالْحَصْرُ بِقَوْلِهِ وَهُوَ إنَّمَا يَكُونُ إلَخْ مَدْفُوعٌ وَالْقَوْلُ بِالدَّلَالَةِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ مَمْنُوعٌ فَتَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ وَقَدْ قَدَّمْنَا إلَخْ) أَيْ أَوَّلَ هَذَا الْبَابِ ثُمَّ إنَّ وُجُوبَ الدَّمِ إذَا لَمْ يَرْجِعْ إلَى أَهْلِهِ قَالَ فِي اللُّبَابِ وَلَوْ حَلَقَ لَمْ يَتَحَلَّلْ مِنْ إحْرَامِهِ وَلَزِمَهُ دَمٌ وَإِنْ بَدَا لَهُ أَنْ لَا يَحُجَّ صَنَعَ بِهَدْيِهِ مَا شَاءَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَذْبَحَ هَدْيَهُ وَيَحُجَّ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ نَحَرَهُ ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَ الْحَلْقِ إلَى أَهْلِهِ ثُمَّ حَجَّ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ أَيْ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَمَتِّعٍ وَلَوْ رَجَعَ إلَى غَيْرِ أَهْلِهِ ثُمَّ حَجَّ مِنْ الْآفَاقِ يَكُونُ مُتَمَتِّعًا وَعَلَيْهِ هَدَيَانِ هَدْيُ التَّمَتُّعِ وَهَدْيُ الْحَلْقِ قَبْلَ الْوَقْتِ اهـ. وَفِي شَرْحِهِ عَنْ الْمُحِيطِ فَإِنْ ذَبَحَ الْهَدْيَ فَرَجَعَ إلَى أَهْلِهِ فَلَهُ أَنْ لَا يَحُجَّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِي حَقِّ الْحَجِّ إلَّا مُجَرَّدُ النِّيَّةِ فَلَا يَلْزَمُهُ الْحَجُّ، وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَنْحَرَ هَدْيَهُ وَيَحِلَّ وَلَا يَرْجِعَ وَيَحُجَّ مِنْ عَامِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مُقِيمٌ عَلَى عَزِيمَةِ التَّمَتُّعِ فَيَمْنَعُهُ الْهَدْيُ مِنْ الْإِحْلَالِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 391 (قَوْلُهُ فَإِذَا حَلَقَ يَوْمَ النَّحْرِ حَلَّ مِنْ إحْرَامَيْهِ) أَيْ مِنْ إحْرَامَيْ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَهُوَ تَصْرِيحٌ بِبَقَاءِ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ إلَى الْحَلْقِ، وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ فِي النِّهَايَةِ بِأَنَّ الْقَارِنَ إذَا قَتَلَ صَيْدًا بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ لَا يَلْزَمُهُ قِيمَتَانِ، وَأَجَابَ بِأَنَّ إحْرَامَ الْعُمْرَةِ قَدْ انْتَهَى بِالْوُقُوفِ فِي حَقِّ سَائِرِ الْأَحْكَامِ وَإِنَّمَا يَبْقَى فِي حَقِّ التَّحَلُّلِ لَا غَيْرُ كَأَحْكَامِ الْحَجِّ تَنْتَهِي بِالْحَلْقِ فِي يَوْمِ النَّحْرِ، وَلَا يَبْقَى إلَّا فِي حَقِّ النِّسَاءِ خَاصَّةً وَاسْتَبْعَدَهُ الشَّارِحُ الزَّيْلَعِيُّ وَهُوَ الْمُرَادُ عِنْدَ إطْلَاقِ الشَّارِحِ فِي هَذَا الْكِتَابِ بِأَنَّ الْقَارِنَ إذَا جَامَعَ بَعْدَ الْوُقُوفِ يَجِبُ عَلَيْهِ بَدَنَةٌ لِلْحَجِّ وَلِلْعُمْرَةِ شَاةٌ وَبَعْدَ الْحَلْقِ قَبْلَ الطَّوَافِ شَاتَانِ اهـ. لَكِنَّ صَاحِبَ النِّهَايَةِ لَمْ يَجْزِمْ بِهِ إنَّمَا عَزَاهُ إلَى شَيْخِ الْإِسْلَامِ فِي مَبْسُوطِهِ وَهُوَ اخْتِيَارُهُ وَأَكْثَرُ عِبَارَاتِ الْأَصْحَابِ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهُوَ الظَّاهِرُ إذْ قَضَاءُ الْأَعْمَالِ لَا يَمْنَعُ بَقَاءَ الْإِحْرَامِ، وَالْوُجُوبُ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ جِنَايَةٌ عَلَى الْإِحْرَامِ لَا عَلَى الْأَعْمَالِ، وَالْفَرْعُ الْمَنْقُولُ فِي الْجِمَاعِ يَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَا وَقَدْ تَنَاقَضَ كَلَامُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ أَوْجَبَ فِي جِمَاعِ الْقَارِنِ بَعْدَ الْوُقُوفِ شَاتَيْنِ فَلَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ إحْرَامُ الْعُمْرَةِ بَعْدَ الْوُقُوفِ تُوجِبُ الْجِنَايَةُ عَلَيْهِ شَيْئًا أَوْ لَا فَإِنْ أَوْجَبَتْ لَزِمَ شُمُولُ الْوُجُوبِ وَإِلَّا فَشُمُولُ الْعَدَمِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَذْهَبَ بَقَاءُ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ إلَى الْحَلْقِ، وَيَحِلُّ مِنْهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى فِي حَقِّ النِّسَاءِ إذَا كَانَ مُتَمَتِّعًا سَاقَ الْهَدْيَ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ لَهُ مِنْ التَّحَلُّلِ سَوْقُهُ وَقَدْ زَالَ بِذَبْحِهِ وَفِي الْقَارِنِ يَحِلُّ مِنْهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا فِي النِّسَاءِ كَإِحْرَامِ الْحَجِّ، وَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُتَمَتِّعِ الَّذِي سَاقَ الْهَدْيَ وَبَيْنَ الْقَارِنِ وَإِلَّا فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا بَعْدَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا ذَكَرْنَا وَفِي الْمُحِيطِ قَارِنٌ طَافَ لِعُمْرَتِهِ، ثُمَّ حَلَّ فَعَلَيْهِ دَمَانِ وَلَا يَحِلُّ مِنْ عُمْرَتِهِ بِالْحَلْقِ وَلَوْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ فَطَافَ لَهَا ثُمَّ أَضَافَ إلَيْهَا حِجَّةً ثُمَّ حَلَقَ يَحِلُّ مِنْ عُمْرَتِهِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَحْرَمَ بِالْحِجَّةِ بَعْدَمَا حَلَقَ مِنْ الْعُمْرَةِ. (قَوْلُهُ وَلَا تَمَتُّعَ وَلَا قِرَانَ لِمَكِّيٍّ وَمَنْ حَوْلَهَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 196] بِنَاءً عَلَى عَوْدِ اسْمِ الْإِشَارَةِ إلَى التَّمَتُّعِ لَا إلَى الْهَدْيِ بِقَرِينَةٍ وَصَلَهَا بِاللَّامِ وَهِيَ تُسْتَعْمَلُ فِيمَا لَنَا أَنْ نَفْعَلَهُ بِخِلَافِ الْهَدْيِ فَإِنَّهُ عَلَيْنَا فَلَوْ كَانَ مُرَادًا لَقِيلَ ذَلِكَ عَلَى مَنْ لَمْ يَكُنْ، وَلِكَوْنِهَا اسْمَ إشَارَةٍ لِلْبَعِيدِ وَالتَّمَتُّعُ أَبْعَدُ مِنْ الْهَدْيِ ثُمَّ ظَاهِرُ الْكُتُبِ مُتُونًا وَشُرُوحًا وَفَتَاوَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْهُمْ تَمَتُّعٌ وَلَا قِرَانٌ لِقَوْلِهِمْ وَإِذَا عَادَ الْمُتَمَتِّعُ إلَى أَهْلِهِ وَلَمْ   [منحة الخالق] فَإِنْ فَعَلَهُ ثُمَّ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ ثُمَّ حَجَّ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَمَتِّعٍ، وَلَوْ حَلَّ بِمَكَّةَ فَنَحَرَ هَدْيَهُ ثُمَّ حَجَّ قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ إلَى أَهْلِهِ لَزِمَهُ دَمٌ لِتَمَتُّعِهِ وَعَلَيْهِ دَمٌ آخَرُ؛ لِأَنَّهُ حَلَّ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ اهـ. (قَوْلُهُ وَاسْتَبْعَدَهُ) أَيْ اسْتَبْعَدَ مَا قَالَهُ فِي النِّهَايَةِ وَقَوْلُهُ وَهُوَ الْمُرَادُ عِنْدَ إطْلَاقِ الشَّارِحِ إلَخْ جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ أَيْ إذَا أُطْلِقَ الشَّارِحُ فِي هَذَا الْكِتَابِ فَالْمُرَادُ بِهِ الزَّيْلَعِيُّ (قَوْلُهُ فِي هَذَا الْكِتَابِ) أَقُولُ: بَلْ هُوَ الْمُرَادُ مَتَى أُطْلِقَ شَارِحُ الْكَنْزِ فِي عِبَارَاتِ الْعُلَمَاءِ مُطْلَقًا كَمَا أَنَّ الْمُرَادَ بِشَارِحِ الْهِدَايَةِ مَتَى أُطْلِقَ هُوَ الْإِمَامُ السِّغْنَاقِيُّ صَاحِبُ النِّهَايَةِ. (قَوْلُهُ يَجِبُ عَلَيْهِ بَدَنَةٌ لِلْحَجِّ وَلِلْعُمْرَةِ شَاةٌ) أَيْ اتِّفَاقًا وَقَوْلُهُ وَبَعْدَ الْحَلْقِ قَبْلَ الطَّوَافِ شَاتَانِ فِيهِ خِلَافٌ وَقِيلَ بَدَنَةٌ وَشَاةٌ، وَقَالَ الْوَبَرِيُّ بَدَنَةٌ لِلْحَجِّ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِلْعُمْرَةِ وَاسْتَصْوَبَهُ فِي الْفَتْحِ كَمَا سَيَأْتِي مُعَلَّلًا فِي الْجِنَايَاتِ بِمَا ظَاهِرُهُ بَقَاءُ الْإِحْرَامِ لِلْعُمْرَةِ قَبْلَ الْحَلْقِ فَقَطْ لَا مُطْلَقًا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ. (قَوْلُهُ وَأَكْثَرُ عِبَارَاتِ الْأَصْحَابِ) أَكْثَرُ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ وَقَدْ تَنَاقَضَ كَلَامُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ يُمْكِنُ أَنَّهُ قَائِلٌ بِانْتِهَائِهِ بِالْوُقُوفِ إلَّا فِي حَقِّ النِّسَاءِ، وَقَدْ نَقَلَ فِي الْفَتْحِ عَنْ الْغَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمَبْسُوطِ وَالْبَدَائِعِ والإسبيجابي لَوْ جَامَعَ الْقَارِنُ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَعْدَ الْحَلْقِ قَبْلَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ كَانَ عَلَيْهِ بَدَنَةٌ لِلْحَجِّ وَشَاةٌ لِلْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّ الْقَارِنَ يَتَحَلَّلُ مِنْ إحْرَامَيْنِ بِالْحَلْقِ إلَّا فِي حَقِّ النِّسَاءِ فَهُوَ مُحْرِمٌ بِهِمَا فِي حَقِّهِنَّ أَيْضًا، وَهَذَا يُخَالِفُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ وَشُرُوحِ الْقُدُورِيِّ فَإِنَّهُمْ يُوجِبُونَ عَلَى الْحَاجِّ شَاةً بَعْدَ الْحَلْقِ اهـ. وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ إيجَابَ الشَّاتَيْنِ لَا مُخَالَفَةَ فِيهِ. اهـ قُلْت لَكِنَّ قَوْلَ النِّهَايَةِ فِيمَا مَرَّ وَإِنَّمَا يَبْقَى فِي حَقِّ التَّحَلُّلِ لَا غَيْرُ يُفِيدُ انْتِهَاءَهُ بِالْوُقُوفِ فِي حَقِّ النِّسَاءِ أَيْضًا، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ مَا فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيٌّ إلَى شَيْخِ الْإِسْلَامِ (قَوْله فَإِنْ أَوْجَبَتْ) أَيْ الْجِنَايَةُ لَزِمَ شُمُولُ الْوُجُوبِ أَيْ فِي الْجِمَاعِ وَغَيْرِهِ، وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لَمْ تُوجِبْ شَيْئًا لَزِمَ شُمُولُ الْعَدَمِ أَيْ عَدَمِ الْوُجُوبِ فِي الْجِمَاعِ وَغَيْرِهِ أَمَّا الْإِيجَابُ فِي الْجِمَاعِ وَعَدَمِهِ فِي قَتْلِ الصَّيْدِ فَلَا وَجْهَ لَهُ، وَسَيَأْتِي فِي الْجِنَايَاتِ أَنَّ الْمَذْهَبَ فِي مَسْأَلَةِ الصَّيْدِ لُزُومُ دَمَيْنِ وَأَنَّ لُزُومَ دَمٍ ضَعِيفٌ. (قَوْلُهُ ثُمَّ ظَاهِرُ الْكُتُبِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَقَدْ صَرَّحَ أَصْحَابُ الْمَذْهَبِ بِأَنَّ الْآفَاقِيَّ الْمُتَمَتِّعَ لَوْ عَادَ إلَى بَلَدِهِ بَطَلَ تَمَتُّعُهُ اتِّفَاقًا بَيْنَ الْإِمَامِ وَصَاحِبِيهِ، وَأَنَّ شَرْطَ التَّمَتُّعِ مُطْلَقًا عَدَمُ الْإِلْمَامِ الصَّحِيحِ وَلَا وُجُودَ لِلْمَشْرُوطِ بِدُونِ شَرْطِهِ وَلَا شَكَّ أَنَّهُمْ قَالُوا بِوُجُودِ الْفَاسِدِ مَعَ الْإِثْمِ، وَلَمْ يَقُولُوا بِوُجُودِ الْبَاطِلِ شَرْعًا مَعَ ارْتِكَابِ النَّهْيِ وَمُقْتَضَى كَلَامِ أَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ مِنْ بَعْضِ الْمَشَايِخِ كَذَا فِي الْفَتْحِ مُلَخَّصًا، وَاخْتَارَ مَنْعَهَا أَيْ الْعُمْرَةِ أَيْضًا وَإِنْ لَمْ يَحُجَّ لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ مِنْ كَلَامِ أَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ لَا يَقْتَضِي عَدَمَ تَحَقُّقِهَا مِنْهُ بَلْ عَدَمَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 392 يَكُنْ سَاقَ الْهَدْيَ بَطَلَ تَمَتُّعُهُ. قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَلِهَذَا قُلْنَا لَمْ يَصِحَّ تَمَتُّعُ الْمَكِّيِّ لِوُجُودِ الْإِلْمَامِ الصَّحِيحِ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَحَلَّ مِنْهَا ثُمَّ أَحْرَمَ بِحَجٍّ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ دَمٌ لَكِنْ صَرَّحَ فِي التُّحْفَةِ بِأَنَّهُ يَصِحُّ تَمَتُّعُهُمْ وَقِرَانُهُمْ فَإِنَّهُ نَقَلَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ عَنْهَا أَنَّهُمْ لَوْ تَمَتَّعُوا جَازَ، وَأَسَاءُوا وَيَجِبُ عَلَيْهِمْ دَمُ الْجَبْرِ، وَهَكَذَا ذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ ثُمَّ قَالَ وَلَا يُبَاحُ لَهُمْ الْأَكْلُ مِنْ ذَلِكَ الدَّمِ وَلَا يُجْزِئُهُمْ الصَّوْمُ إنْ كَانُوا مُعْسِرِينَ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالنَّفْيِ فِي قَوْلِهِمْ لَا تَمَتُّعَ وَلَا قِرَانَ لِمَكِّيٍّ نَفْيُ الْحِلِّ لَا نَفْيُ الصِّحَّةِ، وَلِذَا وَجَبَ دَمُ جَبْرٍ لَوْ فَعَلُوا، وَهُوَ فَرْعُ الصِّحَّةِ وَاشْتِرَاطُهُمْ عَدَمَ الْإِلْمَامِ فِيمَا بَيْنَهُمَا إنَّمَا هُوَ لِلتَّمَتُّعِ الْمُنْتَهِضِ سَبَبًا لِلثَّوَابِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَيْهِ وُجُوبُ دَمِ الشُّكْرِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَكِّيَّ إذَا أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَإِنْ كَانَ مِنْ نِيَّتِهِ الْحَجُّ مِنْ عَامِهِ فَإِنَّهُ يَكُونُ آثِمًا؛ لِأَنَّهُ عَيَّنَ التَّمَتُّعَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ لَهُمْ فَإِنْ حَجَّ مِنْ عَامِهِ لَزِمَهُ دَمُ جِنَايَةٍ لَا دَمُ شُكْرٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ نِيَّتِهِ الْحَجُّ مِنْ عَامِهِ وَلَمْ يَحُجَّ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ آثِمًا بِالِاعْتِمَارِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّهُمْ وَغَيْرَهُمْ سَوَاءٌ فِي رُخْصَةِ الِاعْتِمَارِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَمَا فِي الْبَدَائِعِ مِنْ أَنَّ الِاعْتِمَارَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ لِلْمَكِّيِّ مَعْصِيَةٌ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا حَجَّ مِنْ عَامِهِ، وَإِذَا قَرَنَ فَإِنَّهُ يَكُونُ آثِمًا أَيْضًا وَيَلْزَمُهُ دَمُ جِنَايَةٍ وَفِي الْهِدَايَةِ بِخِلَافِ الْمَكِّيِّ إذَا خَرَجَ إلَى الْكُوفَةِ وَقَرَنَ حَيْثُ تَصِحُّ؛ لِأَنَّ عُمْرَتَهُ وَحِجَّتَهُ مِيقَاتِيَّتَانِ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الْآفَاقِيِّ. قَالَ الشَّارِحُونَ قَيَّدَ بِالْقِرَانِ لِأَنَّهُ لَوْ تَمَتَّعَ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ وَيَلْزَمُهُ دَمُ جِنَايَةٍ لِوُجُودِ الْإِلْمَامِ الصَّحِيحِ   [منحة الخالق] كَوْنِهِ مُتَمَتِّعًا، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا سَيَأْتِي فِي إفَاضَةِ الْإِحْرَامِ إلَى الْإِحْرَامِ أَنَّ الْمَكِّيَّ لَوْ أَدْخَلَ إحْرَامَ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ بَعْدَمَا طَافَ لَهَا أَوْ لَمْ يَطُفْ وَلَمْ يَرْفُضْ شَيْئًا أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِأَفْعَالِهَا كَمَا لَزِمَتْهُ غَيْرَ أَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَبِهَذَا عُرِفَ أَنَّهُ يُتَصَوَّرُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ فِي حَقِّ الْمَكِّيِّ لَكِنْ لَا عَلَى وَجْهِ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ وَهَذَا هُوَ الْمُتَرْجَمُ لَهُ فِي الْبَابِ الْآتِي اهـ. وَمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ هُنَا مِنْ أَنَّ ظَاهِرَ الْكُتُبِ عَدَمُ الصِّحَّةِ، وَكَذَا مَا ذَكَرَهُ الْكَمَالُ مِنْ أَنَّ مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ أَوْلَى مِمَّا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ يَعْنِي بِهِ صَاحِبَ التُّحْفَةِ كَمَا يَأْتِي رَدُّهُ فِي الشرنبلالية بِمَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ مُتُونًا وَشُرُوحًا فِي بَابِ إضَافَةِ الْإِحْرَامِ إلَى الْإِحْرَامِ مِنْ أَنَّ الْمَكِّيَّ لَوْ أَدْخَلَ إحْرَامَ الْحَجِّ إلَى آخِرِ مَا مَرَّ، وَذَكَرَ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي صِحَّةِ قِرَانِ الْمَكِّيِّ وَتَمَتُّعِهِ، وَأَنَّ الْكَمَالَ نَاقَضَ نَفْسَهُ فِيمَا يَأْتِي وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ فَرَاجِعْهُ مُتَأَمِّلًا وَرَدَّهُ أَيْضًا فِي شَرْحِ اللُّبَابِ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ مُرَادَ أَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ بِقَوْلِهِمْ بَطَلَ تَمَتُّعُهُ أَيْ الْمَسْنُونُ فَلَا يُنَافِي مَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ مِنْ الصِّحَّةِ، وَسَيَذْكُرُ الْمُؤَلِّفُ هَذَا التَّوْفِيقَ قَرِيبًا. (قَوْلُهُ قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَلِهَذَا قُلْنَا إلَخْ) لَمْ يُبَيِّنْ وَجْهَ عَدَمِ صِحَّةِ الْقِرَانِ وَبَيَّنَهُ الزَّيْلَعِيُّ بِقَوْلِهِ وَلِأَنَّ مِيقَاتَ أَهْلِ مَكَّةَ فِي الْحَجِّ الْحَرَمُ وَفِي الْعُمْرَةِ الْحِلُّ فَلَا يُتَصَوَّرُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فَلَا يُشْرَعُ فِي حَقِّهِمْ الْقِرَانُ (قَوْلُهُ لِوُجُودِ الْإِلْمَامِ الصَّحِيحِ) هَذَا خَاصٌّ فِيمَنْ لَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ وَحَلَقَ أَمَّا إذَا سَاقَ الْهَدْيَ أَوْ لَمْ يَسُقْ وَلَمْ يَحْلِقْ لِلْعُمْرَةِ لَمْ يَكُنْ مُلِمًّا بِأَهْلِهِ إلْمَامًا صَحِيحًا فَدَعْوَى صَاحِبِ الْبَدَائِعِ عَدَمَ تَصَوُّرِ وُجُودِ تَمَتُّعِهِ خَاصٌّ بِصُورَةٍ، وَيُتَصَوَّرُ بِصُورَتَيْنِ كَمَا ذَكَرْنَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الشرنبلالية وَكَانَ مَبْنَى مَا ذَكَرَهُ تَفْسِيرُ الْإِلْمَامِ الصَّحِيحِ بِمَا مَرَّ عَنْ الْعِنَايَةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ مَبْنَى الْمَسْأَلَةِ تَفْسِيرُهُ بِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْمِعْرَاجِ عَنْ الْمُحِيطِ بِأَنْ يَرْجِعَ إلَى أَهْلِهِ عَنْ الْعُمْرَةِ وَلَا يَكُونُ الرُّجُوعُ عَنْ الْعُمْرَةِ مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِ، وَلِهَذَا قَالَ وَعَنْ هَذَا قُلْنَا لَا تَمَتُّعَ لِأَهْلِ مَكَّةَ كَمَا مَرَّ وَمِثْلُهُ فِي النِّهَايَةِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالْإِلْمَامُ الصَّحِيحُ مَوْجُودٌ هُنَا لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْعِنَايَةِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَوْدِ هُوَ مَا يَكُونُ عَنْ الْوَطَنِ إلَى الْحَرَمِ أَوْ إلَى مَكَّةَ وَلَيْسَ هَاهُنَا بِمَوْجُودٍ لِكَوْنِهِ فِي الْحَرَمِ أَوْ فِي مَكَّةَ وَعَلَيْهِ فَعَدَمُ التَّصَوُّرِ فِي الثَّلَاثِ مُسَلَّمٌ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَمَا فِي الْبَدَائِعِ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ عَدَمَ جَوَازِ الْعُمْرَةِ لِلْمَكِّيِّ قَالَ فِي الْفَتْحِ إنَّهُ فَاشٍ بَيْنَ حَنَفِيَّةِ الْعَصْرِ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَنَازَعَهُمْ فِي ذَلِكَ بَعْضُ الْآفَاقِيِّينَ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ مِنْ قَرِيبٍ، وَمُعْتَمَدُ أَهْلِ مَكَّةَ مَا وَقَعَ فِي الْبَدَائِعِ وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ خِلَافُهُ اهـ. مُلَخَّصًا. فَقَدْ مَالَ صَاحِبُ الْفَتْحِ إلَى الْجَوَازِ لَكِنْ ذَكَرَ بَعْدَمَا حَقَّقَ الْمَقَامَ أَنَّهُ ظَهَرَ لَهُ بَعْدَ نَحْوِ ثَلَاثِينَ سَنَةً أَنَّ الْوَجْهَ مَنْعُ الْعُمْرَةِ لِلْمَكِّيِّ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ سَوَاءٌ حَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ أَوْ لَا ثُمَّ بَيَّنَ وَجْهَهُ وَرَدَّهُ فِي النَّهْرِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا، وَكَذَا رَدَّهُ مُنْلَا عَلِيٌّ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ وَنَقَلَ التَّصْرِيحَ بِالْجَوَازِ عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ فَرَاجِعْهُ وَمَيْلُ الْمُؤَلِّفِ إلَى ذَلِكَ أَيْضًا فَإِنَّهُ صَرَّحَ بِأَنَّهُ لَا يَكُونُ آثِمًا ثُمَّ أَوَّلُ عِبَارَةِ الْبَدَائِعِ وَالْمَسْأَلَةُ طَوِيلَةُ الذَّيْلِ، وَقَدْ أُفْرِدَتْ بِالتَّآلِيفِ وَكَثُرَتْ فِيهَا الرَّسَائِلُ وَالتَّصَانِيفُ كَمَا ذَكَرَهُ فِي حَاشِيَةِ الْمَدَنِيِّ وَذَكَرَ حَاصِلَ الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ فَرَاجِعْهَا هَذَا وَقَدْ ذَكَرَ فِي اللُّبَابِ أَنَّ الْمُتَمَتِّعَ لَا يَعْتَمِرُ قَبْلَ الْحَجِّ قَالَ شَارِحُهُ هَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَكِّيَّ مَمْنُوعٌ مِنْ الْعُمْرَةِ الْمُفْرَدَةِ أَيْضًا، وَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ بَلْ إنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ وَهَذَا الْمُتَمَتِّعُ آفَاقِيٌّ غَيْرُ مَمْنُوعٍ مِنْ الْعُمْرَةِ فَجَازَ لَهُ تَكْرَارُهَا؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ أَيْضًا كَالطَّوَافِ اهـ. وَفِي حَاشِيَةِ الْمَدَنِيِّ أَنَّ مَا فِي اللُّبَابِ مُسَلَّمٌ فِي حَقِّ الْمُتَمَتِّعِ السَّائِقِ لِلْهَدْيِ، أَمَّا غَيْرُ السَّائِقِ فَلَا؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الْعُمْرَةَ جَائِزَةٌ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ بِلَا كَرَاهَةٍ إلَّا فِي خَمْسَةِ أَيَّامٍ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْمَكِّيِّ وَالْآفَاقِيِّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي النِّهَايَةِ وَالْمَبْسُوطِ وَالْبَحْرِ وَأَخِي زَادَهْ وَالْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ وَغَيْرُهُمْ اهـ. (قَوْلُهُ وَفِي الْهِدَايَةِ بِخِلَافِ الْمَكِّيِّ إلَخْ) مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 393 بَيْنَهُمَا فَقَدْ فَرَّقُوا بَيْنَ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ فَشَرَطُوا فِي التَّمَتُّعِ عَدَمَ الْإِلْمَامِ دُونَ الْقِرَانِ، وَمُقْتَضَى الدَّلِيلِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي هَذَا الشَّرْطِ، وَأَنَّ الْمَكِّيَّ يَأْثَمُ إذَا أَحْرَمَ مِنْ الْمِيقَاتِ بِهِمَا أَوْ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ؛ لِأَنَّ التَّمَتُّعَ الْمَذْكُورَ فِي الْآيَةِ يَعُمُّهُمَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَإِيجَابُهُمْ دَمَ الْجِنَايَةِ عَلَى الْمَكِّيِّ إذَا خَرَجَ إلَى الْمِيقَاتِ وَتَمَتَّعَ مُقْتَضٍ لِوُجُوبِ الدَّمِ عَلَى الْآفَاقِيِّ إذَا تَمَتَّعَ، وَقَدْ أَلَمَّ بَيْنَهُمَا إلْمَامًا صَحِيحًا وَلَمْ يُصَرِّحُوا بِهِ، وَإِنَّمَا قَالُوا بَطَلَ تَمَتُّعُهُ وَالْمُرَادُ بِمَنْ حَوْلَهَا مَنْ كَانَ دَاخِلَ الْمَوَاقِيتِ فَإِنَّهُمْ بِمَنْزِلَةِ أَهْلِ مَكَّةَ وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَكَّةَ مَسِيرَةُ سَفَرٍ؛ لِأَنَّهُمْ فِي حُكْمِ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَفِي النِّهَايَةِ وَأَمَّا الْقِرَانُ مِنْ الْمَكِّيِّ فَيُكْرَهُ وَيَلْزَمُهُ الرَّفْضُ وَالْعُمْرَةُ لَهُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ لَا تُكْرَهُ وَلَكِنْ لَا يُدْرِكُ فَضِيلَةَ التَّمَتُّعِ لِأَنَّ الْإِلْمَامَ قَطَعَ تَمَتُّعَهُ اهـ. وَلَمْ يُبَيِّنْ الْمَرْفُوضَ وَبَيَّنَهُ فِي الْمُحِيطِ فَقَالَ مَكِّيٌّ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَحِجَّةٍ رَفَضَ الْعُمْرَةَ وَمَضَى فِي الْحِجَّةِ وَعَلَيْهِ عُمْرَةٌ وَدَمٌ فَإِنْ مَضَى فِي الْعُمْرَةِ لَزِمَهُ دَمٌ لِجَمْعِهِ بَيْنَهُمَا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْجَمْعُ فَإِذَا جَمَعَ فَقَدْ احْتَمَلَ وِزْرًا فَارْتَكَبَ مَحْظُورًا فَلَزِمَ دَمُ كَفَّارَةٍ ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ رَفْضِ أَحَدِهِمَا خُرُوجًا عَنْ الْمَعْصِيَةِ فَرَفْضُ الْعُمْرَةِ أَوْلَى فَإِنْ طَافَ لِعُمْرَتِهِ ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ رَفَضَ الْحَجَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ امْتِنَاعٌ وَهُوَ أَسْهَلُ مِنْ الْإِبْطَالِ وَعِنْدَهُمَا بِرَفْضِ الْعُمْرَةِ وَلَوْ طَافَ لَهَا أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ أَتَمَّهُمَا وَعَلَيْهِ دَمٌ لِارْتِكَابِهِ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ اهـ. وَفِيهَا أَيْضًا وَذَكَرَ الْإِمَامَ الْمَحْبُوبِيُّ أَنَّ هَذَا الْمَكِّيَّ الَّذِي خَرَجَ إلَى الْكُوفَةِ وَقَرَنَ إنَّمَا يُبِيحُ قِرَانَهُ إذَا خَرَجَ مِنْ الْمِيقَاتِ قَبْلَ دُخُولِ أَشْهُرِ الْحَجِّ، فَأَمَّا إذَا دَخَلَ أَشْهُرَ الْحَجِّ وَهُوَ بِمَكَّةَ ثُمَّ قَدِمَ الْكُوفَةَ ثُمَّ عَادَ وَأَحْرَمَ بِهَا مِنْ الْمِيقَاتِ لَمْ يَكُنْ قَارِنًا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا دَخَلَ أَشْهُرَ الْحَجِّ وَهُوَ بِمَكَّةَ صَارَ مَمْنُوعًا مِنْ الْقِرَانِ شَرْعًا فَلَا يَتَغَيَّرُ ذَلِكَ بِخُرُوجِهِ مِنْ الْمِيقَاتِ وَتَعَقَّبَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّ الظَّاهِرَ الْإِطْلَاقُ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ حَلَّ بِمَكَانٍ صَارَ مِنْ أَهْلِهِ مُطْلَقًا. (قَوْلُهُ فَإِنْ عَادَ الْمُتَمَتِّعُ إلَى بَلَدِهِ بَعْدَ الْعُمْرَةِ وَلَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ بَطَلَ تَمَتُّعُهُ وَإِنْ سَاقَ لَا) أَيْ لَا يَبْطُلُ يَعْنِي إذَا حَجَّ مِنْ عَامِهِ لَا يَلْزَمُهُ دَمُ الشُّكْرِ فِي الْأَوَّلِ وَيَلْزَمُهُ فِي الثَّانِي وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَبْطَلَ التَّمَتُّعَ فِيهِمَا؛ لِأَنَّهُ أَدَّاهُمَا بِسُفْرَتَيْنِ وَالْمُتَمَتِّعُ مَنْ يُؤَدِّيهِمَا بِسَفْرَةٍ وَاحِدَةٍ وَهُمَا جَعَلَا اسْتِحْقَاقَ الْعَوْدِ كَعَدَمِهِ فَإِنَّهُ بِالْهَدْيِ اسْتَدَامَ إحْرَامَ الْعُمْرَةِ إلَى أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ   [منحة الخالق] وَلَيْسَ لِأَهْلِ مَكَّةَ تَمَتُّعٌ وَلَا قِرَانٌ كَذَا قَالَهُ الشُّرَّاحُ (قَوْلُهُ وَمُقْتَضَى الدَّلِيلِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا) اعْتَرَضَهُ السِّنْدِيُّ فِي مَنْسَكِهِ الْكَبِيرِ بِأَنَّ الْإِلْمَامَ الصَّحِيحَ الْمُبْطِلَ لِلْحُكْمِ لَا يُتَصَوَّرُ فِي حَقِّ الْقَارِنِ، وَأَمَّا الْإِلْمَامُ الْفَاسِدُ مَعَ بَقَاءِ الْإِحْرَامِ فَهُوَ لَا يُبْطِلُ التَّمَتُّعَ الْمَشْرُوطَ فِيهِ عَدَمُ الْإِلْمَامِ فَلَا يُبْطِلُ الْقِرَانَ بِالْأَوْلَى اهـ. مُلَخَّصًا. وَقَوْلُهُ الْمَكِّيُّ يَأْثَمُ إلَخْ أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ يُوَضِّحُهُ قَوْلُ الْهِدَايَةِ السَّابِقُ؛ لِأَنَّ عُمْرَتَهُ وَحِجَّتَهُ مِيقَاتِيَّانِ أَيْ بِخِلَافِ مَا إذَا تَمَتَّعَ بَعْدَمَا خَرَجَ إلَى الْكُوفَةِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ إحْرَامُهُ لِلْعُمْرَةِ آفَاقِيًّا لَكِنَّ إحْرَامَهُ لِلْحَجِّ مَكِّيٌّ فَهُوَ حِينَئِذٍ مِنْ أَهْلِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَأَمَّا الْقَارِنُ فَلَا لِمَا عَلِمْت فَلَمْ تَشْمَلْ الْآيَةُ هَذَا الْمَكِّيَّ الْقَارِنَ؛ لِأَنَّهُ بِخُرُوجِهِ صَارَ آفَاقِيًّا، وَإِنَّمَا تَشْمَلُ مَنْ لَمْ يَخْرُجْ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَتَدَبَّرْهُ (قَوْلُهُ وَإِيجَابُهُمْ دَمَ الْجِنَايَةِ عَلَى الْمَكِّيِّ إلَخْ) قَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمَكِّيَّ إذَا خَرَجَ إلَى الْمِيقَاتِ وَتَمَتَّعَ لَمْ يَصِرْ بِمَنْزِلَةِ الْآفَاقِيِّ؛ لِأَنَّ حِجَّتَهُ مَكِّيَّةٌ، وَيَصِيرُ آثِمًا كَمَا قَدَّمَهُ وَالدَّمُ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ دَمُ جِنَايَةٍ لِمَا ارْتَكَبَهُ مِنْ النَّهْيِ وَهَذَا لَمْ يُوجَدْ فِي الْآفَاقِيِّ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَكِّيًّا ثُمَّ إنَّ وُجُوبَ الدَّمِ عَلَى الْمَكِّيِّ مَبْنِيٌّ عَلَى صِحَّةِ تَمَتُّعِهِ كَمَا مَرَّ وَالْآفَاقِيُّ إذَا أَلَمَّ بِأَهْلِهِ ثُمَّ حَجَّ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا إذَا لَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ فَقَوْلُهُ إذَا تَمَتَّعَ غَيْرُ ظَاهِرٍ فَإِيجَابُ الدَّمِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ لِمُخَالَفَةِ النَّهْيِ فَلَا وَجْهَ لَهُ لِمَا عَلِمْت أَنَّهُ لَيْسَ مَكِّيًّا بَلْ لَيْسَ مُتَمَتِّعًا أَصْلًا، وَإِنْ كَانَ لِمُجَرَّدِ إلْمَامِهِ بِأَهْلِهِ بَعْدَ عُمْرَتِهِ فَلَا وَجْهَ لَهُ أَيْضًا لِمَا سَيَأْتِي فِي الصَّفْحَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهُ لَوْ بَعَثَ الْهَدْيَ وَتَعَجَّلَ ذَبْحَهُ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ وَأَلَمَّ بِأَهْلِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ حَجَّ مِنْ عَامِهِ أَوْ لَا وَفِي مَسْأَلَتِنَا إنْ لَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِالْأَوْلَى. (قَوْلُهُ وَالْعُمْرَةُ لَهُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَلَا تُكْرَهُ إلَخْ) هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا سَبَقَ فِي الْحَاصِلِ (قَوْلُهُ وَبَيَّنَهُ فِي الْمُحِيطِ) وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ أَيْضًا فِي بَابِ إضَافَةِ الْإِحْرَامِ إلَى الْإِحْرَامِ، وَاَلَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ هُنَاكَ أَنَّ الْمَرْفُوضَ الْحَجُّ. (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ عُمْرَةٌ وَدَمٌ) أَيْ دَمٌ لِلرَّفْضِ وَهُوَ دَمُ جَبْرٍ كَذَا فِي اللُّبَابِ (قَوْلُهُ وَتَعَقَّبَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّ الظَّاهِرَ الْإِطْلَاقُ إلَخْ) أَقُولُ: نَقَلَ فِي الشرنبلالية كَلَامَ الْمَحْبُوبِيِّ عَنْ الْعِنَايَةِ ثُمَّ قَالَ وَقَوْلُ الْمَحْبُوبِيِّ هُوَ الصَّحِيحُ نَقَلَهُ الشَّيْخُ الشَّلَبِيُّ عَنْ الْكَرْمَانِيِّ اهـ، وَعَلَيْهِ فَإِطْلَاقُ كَلَامِ الْهِدَايَةِ فِيمَا تَقَدَّمَ مُقَيَّدٌ بِمَا ذَكَرَهُ الْمَحْبُوبِيُّ تَأَمَّلْ. (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ لَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ بَطَلَ تَمَتُّعُهُ) قَالَ فِي النَّهْرِ فِيهِ تَجَوُّزٌ ظَاهِرٌ إذْ بُطْلَانُ الشَّيْءِ فَرْعُ وُجُودِهِ وَلَا وُجُودَ لَهُ مَعَ فَقْدِ شَرْطِهِ فَلَوْ قَالَ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا لَكَانَ أَوْلَى. اهـ. قُلْت: إنْ سُلِّمَ ذَلِكَ فَهُوَ تَجَوُّزٌ شَائِعٌ بَيْنَهُمْ مِثْلُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَفَسَدَ صَوْمُهُ وَاعْتِكَافُهُ وَحَجُّهُ تَسْمِيَةٌ لَهُ بِاعْتِبَارِ شُرُوعِهِ فِيهِ أَوْ وُجُودِهِ الصُّورِيِّ (قَوْلُهُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ سَوْقَ الْهَدْيِ يَمْنَعُهُ مِنْ التَّحَلُّلِ إلَخْ) أَيْ حَيْثُ قَالُوا فَإِنَّهُ بِالْهَدْيِ اسْتَدَامَ إحْرَامَ الْعُمْرَةِ إلَخْ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 394 وَيَحِلَّ مِنْهُمَا، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ سَوْقَ الْهَدْيِ يَمْنَعُهُ مِنْ التَّحَلُّلِ وَأَنَّهُ الْتِزَامٌ لِإِحْرَامِ الْحَجِّ مِنْ عَامِهِ لَكِنْ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّهُ لَوْ بَدَا لَهُ بَعْدَ الْعُمْرَةِ أَنْ لَا يَحُجَّ مِنْ عَامِهِ لَا يُؤَاخَذُ بِذَلِكَ فَإِنَّهُ لَمْ يُحْرِمْ بِالْحَجِّ بَعْدُ وَإِذَا ذَبَحَ الْهَدْيَ أَوْ أَمَرَ بِذَبْحِهِ يَقَعُ تَطَوُّعًا اهـ. وَكَذَا الشَّارِحُ أَيْضًا فِي دَلِيلِ مُحَمَّدٍ لِكَوْنِ الْعَوْدِ غَيْرَ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ بَعَثَ هَدْيَهُ لِيُنْحَرَ عَنْهُ وَلَمْ يَحُجَّ كَانَ لَهُ ذَلِكَ فَقَوْلُهُمَا أَنَّ الْعَوْدَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ بِسَوْقِ الْهَدْيِ مَعْنَاهُ إذَا أَرَادَ الْمُتْعَةَ لَا مُطْلَقًا وَفِي الْمُحِيطِ فَإِنْ ذَبَحَ الْهَدْيَ وَرَجَعَ إلَى أَهْلِهِ فَلَهُ أَنْ لَا يَحُجَّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ فِي حَقِّ الْحَجِّ إلَّا مُجَرَّدُ النِّيَّةِ وَبِمُجَرَّدِهَا لَا يَلْزَمُهُ الْحَجُّ فَإِذَا نَوَى أَنْ لَا يَحُجَّ ارْتَفَعَتْ نِيَّةُ الْحَجِّ فَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَنْوِ فِي الِابْتِدَاءِ وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَنْحَرَ هَدْيَهُ، وَيَحِلَّ وَلَا يَرْجِعَ إلَى أَهْلِهِ وَيَحُجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مُقِيمٌ عَلَى عَزْمِ التَّمَتُّعِ فَيَمْنَعُهُ الْهَدْيُ مِنْ الْإِحْلَالِ فَإِنْ فَعَلَهُ ثُمَّ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ ثُمَّ حَجَّ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَمَتِّعٍ وَلَوْ حَلَّ بِمَكَّةَ وَنَحَرَ هَدْيَهُ ثُمَّ حَجَّ قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ إلَى أَهْلِهِ لَزِمَهُ دَمٌ لِتَمَتُّعِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُلِمَّ بِأَهْلِهِ فِيمَا بَيْنَ النُّسُكَيْنِ وَعَلَيْهِ دَمٌ آخَرُ؛ لِأَنَّهُ حَلَّ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ. اهـ. فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا سَاقَ الْهَدْيَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَتْرُكَهُ إلَى يَوْمِ النَّحْرِ أَوْ لَا فَإِنْ تَرَكَهُ إلَيْهِ فَتَمَتُّعُهُ صَحِيحٌ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ سَوَاءٌ عَادَ إلَى أَهْلِهِ أَوْ لَا وَإِنْ تَعَجَّلَ ذَبْحَهُ فِإِمَّا أَنْ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ أَوْ لَا فَإِنْ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ حَجَّ مِنْ عَامِهِ أَوْ لَا وَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ إلَيْهِمْ فَإِنْ لَمْ يَحُجَّ مِنْ عَامِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ حَجَّ مِنْهُ لَزِمَهُ دَمَانِ دَمُ الْمُتْعَةِ وَدَمُ الْحِلِّ قَبْلَ أَوَانِهِ، وَرَجَّحَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ فِي أَنَّ عَدَمَ الْإِلْمَامِ بَيْنَهُمَا لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي التَّمَتُّعِ فَلَا يَبْطُلُ تَمَتُّعُهُ بِعَوْدِهِ إلَى أَهْلِهِ سَوَاءٌ سَاقَ الْهَدْيَ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ الْآيَةَ إنَّمَا مَنَعَتْ التَّمَتُّعَ لِمَنْ كَانَ حَاضِرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لَا لِأَجْلِ إلْمَامِهِمْ بِأَهْلِهِمْ بَيْنَهُمَا بَلْ لِتَيَسُّرِ الْعُمْرَةِ لَهُمْ فِي كُلِّ وَقْتٍ بِخِلَافِ الْغَيْرِ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ بَعْدَ الْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ عَادَ بَعْدَمَا طَافَ لَهَا الْأَقَلَّ لَا يَبْطُلُ تَمَتُّعُهُ؛ لِأَنَّ الْعَوْدُ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَلَمَّ بِأَهْلِهِ مُحْرِمًا بِخِلَافِ مَا إذَا طَافَ الْأَكْثَرَ، وَدَخَلَ فِي قَوْلِهِ بَعْدَ الْعُمْرَةِ الْحَلْقُ فَلَا بُدَّ لِلْبُطْلَانِ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ وَاجِبَاتِهَا وَبِهِ التَّحَلُّلُ فَلَوْ عَادَ بَعْدَ طَوَافِهَا قَبْلَ الْحَلْقِ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ قَبْلَ أَنْ يَحْلِقَ فِي أَهْلِهِ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ؛ لِأَنَّ الْعَوْدَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ عِنْدَ مَنْ جَعَلَ الْحَرَمَ شَرْطًا فِي جَوَازِ الْحَلْقِ وَهُوَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَحِقًّا فَهُوَ مُسْتَحَبٌّ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهِ. (قَوْلُهُ وَمَنْ طَافَ أَقَلَّ أَشْوَاطِ الْعُمْرَةِ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ وَأَتَمَّهَا فِيهَا كَانَ مُتَمَتِّعًا وَبِعَكْسِهِ لَا) أَيْ لَوْ طَافَ أَكْثَرَ أَشْوَاطِهَا قَبْلَهَا وَأَتَمَّهَا فِيهَا لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا؛ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ قَالَ الْإِمَامُ الْأَقْطَعُ فَصَارَ ذَلِكَ أَصْلًا فِي أَنَّ كُلَّ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْإِحْرَامِ مِنْ الْأَفْعَالِ فَحُكْمُ أَكْثَرِهِ حُكْمُ جَمِيعِهِ فِي بَابِ الْجَوَازِ وَمَنَعَ وُرُودَ الْفَسَادِ عَلَيْهِ. وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ وُجُودُ إحْرَامِهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ إنَّمَا هُوَ الطَّوَافُ وَفِي الْمُحِيطِ وَلَوْ طَافَ كُلَّهُ فِي رَمَضَانَ جُنُبٌ أَوْ مُحْدِثٌ ثُمَّ أَعَادَهُ فِي شَوَّالٍ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا؛ لِأَنَّ طَوَافَ الْمُحْدِثِ لَا يُرْتَفَضُ بِالْإِعَادَةِ فَلَمْ تَقَعْ الْعُمْرَةُ وَالْحَجُّ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَكَذَلِكَ طَوَافُ الْجُنُبِ عَلَى رِوَايَةِ الْكَرْخِيِّ فَكَانَ الْفَرْضُ هُوَ الْأَوَّلَ وَلَمْ يُوجَدْ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَعَلَى قَوْلِ غَيْرِهِ يَرْتَفِعُ الْأَوَّلُ بِالْإِعَادَةِ لَكِنْ تَعَلَّقَ بِهَذَا الطَّوَافِ فِي رَمَضَانَ الْمَنْعُ عَنْ الْعُمْرَةِ لِهَذَا السَّفَرِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أَتَمَّ هَذِهِ الْعُمْرَةَ ثُمَّ ابْتَدَأَ إحْرَامَ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ اعْتَمَرَ عُمْرَةً جَدِيدَةً وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا فَلَا يُرْتَفَضُ هَذَا الطَّوَافُ الْأَوَّلُ بِالْإِعَادَةِ بِخِلَافِ طَوَافِ الزِّيَارَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مَنْعٌ عَنْ شَيْءٍ حَتَّى يُنْتَقَضَ بِالْإِعَادَةِ اهـ. وَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ الِاعْتِمَارَ فِي سَنَةٍ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ مَانِعٌ مِنْ التَّمَتُّعِ فِي سَنَتِهِ سَوَاءٌ أَتَى بِعُمْرَةٍ أُخْرَى فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَوْ لَا، وَإِنَّمَا اُخْتُصَّتْ الْمُتْعَةُ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّ أَشْهُرَ الْحَجِّ كَانَ مُتَعَيِّنًا لِلْحَجِّ قَبْلَ الْإِسْلَامِ فَأَدْخَلَ اللَّهُ الْعُمْرَةَ فِيهَا إسْقَاطًا لِلسَّفَرِ الْجَدِيدِ عَنْ الْغُرَبَاءِ فَكَانَ اجْتِمَاعُهُمَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ فِي سَفَرٍ وَاحِدٍ رُخْصَةً وَتَمَتُّعًا، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهَلْ يُشْتَرَطُ فِي الْقِرَانِ أَيْضًا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ قَالَ الْإِمَامُ الْأَقْطَعُ) هُوَ مِنْ شُرَّاحِ الْقُدُورِيِّ (قَوْلُهُ وَعُلِمَ مِنْ هَذَا إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ وَالْحِيلَةُ لِمَنْ دَخَلَ مَكَّةَ بِعُمْرَةٍ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ يُرِيدُ التَّمَتُّعَ أَوْ الْقِرَانَ أَنْ لَا يَطُوفَ بَلْ يَصْبِرَ إلَى أَنْ تَدْخُلَ أَشْهُرُ الْحَجِّ ثُمَّ يَطُوفَ، فَإِنَّهُ مَتَى طَافَ طَوَافًا مَا وَقَعَ عَنْ الْعُمْرَةِ وَلَوْ طَافَ الْكُلَّ أَوْ أَكْثَرَهُ ثُمَّ دَخَلَتْ أَشْهُرُ الْحَجِّ فَأَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ أُخْرَى دَاخِلَ الْمِيقَاتِ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا عِنْدَ الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ صَارَ حُكْمُهُ حُكْمَ أَهْلِ مَكَّةَ بِدَلِيلِ أَنَّهُ صَارَ مِيقَاتُهُ مِيقَاتَهُمْ. قَالَ الْكَرْمَانِيُّ إلَّا أَنْ يَخْرُجَ إلَى أَهْلِهِ أَوْ مِيقَاتِ نَفْسِهِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ ثُمَّ يَرْجِعَ مُحْرِمًا بِالْعُمْرَةِ. اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْآفَاقِيِّ الَّذِي صَارَ فِي حُكْمِ الْمَكِّيِّ بِخِلَافِ الْمَكِّيِّ الْحَقِيقِيِّ فَإِنَّهُ وَلَوْ خَرَجَ إلَى الْآفَاقِ فِي الْأَشْهُرِ لَا يَصِيرُ مُتَمَتِّعًا مَسْنُونًا لِمَا سَبَقَ مِنْ اشْتِرَاطِ عَدَمِ الْإِلْمَامِ فِي التَّمَتُّعِ هَذَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُتَمَتِّعِ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْعُمْرَةِ لَا يَكُونُ مُمْتَنِعًا مِنْ إتْيَانِ الْعُمْرَةِ فَإِنَّهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 395 أَنْ يَفْعَلَ أَكْثَرَ أَشْوَاطِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ وَكَأَنَّهُ مُسْتَنِدٌ فِي ذَلِكَ إلَى مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ مُحَمَّدٍ وَقَدَّمْنَا جَوَابَهُ فِي بَابِ الْقِرَانِ. . (قَوْلُهُ وَهِيَ شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَعَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ) أَيْ أَشْهُرُ الْحَجِّ الْمُرَادَةُ فِي قَوْله تَعَالَى {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197] وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ الْعَبَادِلَةِ الثَّلَاثَةِ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فَالْمُرَادُ حِينَئِذٍ مِنْ الْجَمْعِ شَهْرَانِ، وَبَعْضُ الثَّالِثِ وَذَكَرَ فِي الْكَشَّافِ فَإِنْ قُلْت فَكَيْفَ كَانَ الشَّهْرَانِ وَبَعْضُ الثَّالِثِ أَشْهُرًا قُلْت اسْمُ الْجَمْعِ يَشْتَرِكُ فِيهِ مَا وَرَاءَ الْوَاحِدِ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4] فَلَا سُؤَالَ فِيهِ إذَنْ، وَإِنَّمَا يَكُونُ مَوْضِعًا لِلسُّؤَالِ لَوْ قِيلَ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ مَعْلُومَاتٌ اهـ. وَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مِنْ أَنَّهُ عَامٌّ مَخْصُوصٌ فَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ أَخَصَّ الْخُصُوصِ فِي الْعَامِّ إذَا كَانَ جَمْعًا ثَلَاثَةٌ لَا يَجُوزُ التَّخْصِيصُ بَعْدَهُ فَالْأَوْلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْكَشَّافِ، وَفَائِدَةُ التَّوْقِيتِ بِهَذِهِ الْأَشْهُرِ أَنَّ شَيْئًا مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ لَا يَجُوزُ إلَّا فِيهَا حَتَّى إذَا صَامَ الْمُتَمَتِّعُ أَوْ الْقَارِنُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ لَا يَجُوزُ، وَكَذَا السَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ عَقِبَ طَوَافِ الْقُدُومِ لَا يَجُوزُ إلَّا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَأَنَّهُ لَا يُكْرَهُ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ فِيهِ مَعَ أَنَّهُ يُكْرَهُ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَأَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ يَوْمَ النَّحْرِ فَأَتَى بِأَفْعَالِهَا ثُمَّ أَحْرَمَ مِنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ بِالْحَجِّ وَبَقِيَ مُحْرِمًا إلَى قَابِلٍ فَحَجَّ كَانَ مُتَمَتِّعًا قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهَذَا يُعَكِّرُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَيُوجِبُ أَنْ يَضَعَ مَكَانَ قَوْلِهِمْ وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ فِي تَصْوِيرِ التَّمَتُّعِ، وَأَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ. اهـ. وَسَيَأْتِي فِي بَابِ إضَافَةِ الْإِحْرَامِ إلَى الْإِحْرَامِ أَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ يَوْمَ النَّحْرِ وَجَبَ عَلَيْهِ الرَّفْضُ وَالتَّحَلُّلُ لِارْتِكَابِهِ النَّهْيَ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ مُتَمَتِّعًا؛ لِأَنَّهُ مَكِّيٌّ وَعُمْرَتَهُ وَحِجَّتَهُ مَكِّيَّةٌ وَالْمُتَمَتِّعَ مَنْ عُمْرَتُهُ مِيقَاتِيَّةٌ وَحِجَّتُهُ مَكِّيَّةٌ وَالْقَعْدَةُ بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ وَلَمْ يُسْمَعْ فِي الْحِجَّةِ إلَّا الْكَسْرُ. (قَوْلُهُ وَصَحَّ الْإِحْرَامُ بِهِ قَبْلَهَا وَكُرِهَ) أَيْ صَحَّ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ مَعَ الْكَرَاهَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ شَرْطٌ وَلَيْسَ بِرُكْنٍ لِعَدَمِ اتِّصَالِ الْأَفْعَالِ بِهِ فَجَازَ تَقْدِيمُهُ عَلَى الزَّمَانِ كَالتَّقْدِيمِ عَلَى الْمَكَانِ وَكَالطَّهَارَةِ لِلصَّلَاةِ بِخِلَافِ تَحْرِيمَتِهَا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا عَلَى الْوَقْتِ، وَإِنْ كَانَتْ شَرْطًا عِنْدَنَا لِمَا أَنَّ الْأَفْعَالَ مُتَّصِلَةٌ بِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى: 15] لِأَنَّ الْفَاءَ لِلْوَصْلِ وَالتَّعْقِيبِ بِلَا تَرَاخٍ، وَإِنَّمَا كُرِهَ لِلطُّولِ الْمُفْضِي إلَى الْوُقُوعِ فِي مَحْظُورِهِ أَوْ عَلَى أَنَّهُ شَرْطٌ   [منحة الخالق] زِيَادَةُ عِبَادَةٍ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ فِي حُكْمِ الْمَكِّيِّ إلَّا أَنَّ الْمَكِّيَّ لَيْسَ مَمْنُوعًا عَنْ الْعُمْرَةِ فَقَطْ عَلَى الصَّحِيحِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ مَمْنُوعًا عَنْ التَّمَتُّعِ كَمَا تَقَدَّمَ اهـ. مَا فِي اللُّبَابِ. (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَعَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ) قَالَ فِي النَّهْرِ دَخَلَ فِيهِ يَوْمُ النَّحْرِ وَعَنْ الثَّانِي لَا بِدَلِيلِ فَوَاتِ الْحَجِّ بِطُلُوعِ فَجْرِهِ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ يَبْعُدُ أَنْ يُوضَعَ لِأَدَاءِ رُكْنِ عِبَادَةٍ وَقْتٌ لَيْسَ وَقْتَهَا وَلَا هُوَ مِنْهُ، وَقَدْ وُضِعَ لِطَوَافِ الزِّيَارَةِ عَلَى أَنَّهُ وَقْتٌ لِلْوُقُوفِ فِي الْجُمْلَةِ بِدَلِيلِ مَا قَالَهُ السُّرُوجِيُّ لَوْ اشْتَبَهَ يَوْمُ عَرَفَةَ فَوَقَفُوا، ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ يَوْمُ النَّحْرِ أَجْزَأَهُمْ لَا إنْ ظَهَرَ أَنَّهُ الْحَادِيَ عَشَرَ. (قَوْلُهُ قُلْت اسْمُ الْجَمْعِ) الْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ أَيْ اسْمٌ هُوَ الْجَمْعُ وَإِلَّا فَهُوَ جَمْعٌ حَقِيقَةً عَلَى وَزْنِ أَفْعَلَ أَحَدِ الصِّيَغِ الْأَرْبَعَةِ لِجَمْعِ الْقِلَّةِ هَذَا وَقَدْ اعْتَرَضَ الْقُهُسْتَانِيُّ عَلَى هَذَا الْجَوَابِ بِأَنَّهُ مُخْرِجٌ لِلْعَشْرِ؛ لِأَنَّهُ خَارِجٌ عَنْ الشَّهْرَيْنِ عَلَى أَنَّهُ قَوْلٌ مَرْجُوحٌ لَا يَلِيقُ بِفَصَاحَةِ الْقُرْآنِ، وَاخْتَارَ فِي الْجَوَابِ أَنَّ الْجَمْعَ الْمُرَادَ بِهِ ثَلَاثَةٌ لَكِنْ جَعَلَ بَعْضَ الشَّهْرِ شَهْرًا تَسَامُحًا أَوْ مَجَازًا، وَهَذَا الْجَوَابُ نَقَلَهُ فِي النَّهْرِ عَنْ الْكَشَّافِ أَيْضًا لِقَوْلِهِ أَوْ نَزَلَ بَعْضُ الشَّهْرِ مَنْزِلَةَ كُلِّهِ وَرَدَّهُ فِي الْعِنَايَةِ أَيْضًا بِأَنَّ فِيهِ إلْبَاسًا بِخِلَافِ قَوْله تَعَالَى {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4] ثُمَّ قَالَ وَأَقُولُ: هُوَ مِنْ بَابِ ذِكْرِ الْكُلِّ وَإِرَادَةِ الْجُزْءِ وَقَرِينَةُ الْمَجَازِ سِيَاقُ الْكَلَامِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ الْحَجُّ أَشْهُرٌ وَالْحَجُّ نَفْسُهُ لَيْسَ بِأَشْهُرٍ فَكَانَ تَقْدِيرُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ الْحَجُّ فِي أَشْهُرٍ، وَالظَّرْفُ لَا يَسْتَلْزِمُ الِاسْتِفْرَاقَ فَكَانَ الْبَعْضُ مُرَادًا وَعَيْنُهُ مَا رُوِيَ عَنْ الْعَبَادِلَةِ وَغَيْرِهِمْ اهـ. (قَوْلُهُ وَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ الَّذِي فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مَا لَفْظُهُ يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ مِنْ الْعَامِّ الْخَاصُّ إذَا دَلَّ الدَّلِيلُ، وَقَدْ دَلَّ نَقْلًا وَعَقْلًا اهـ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْعَامِّ الْمَخْصُوصِ وَالْعَامِّ الَّذِي أُرِيدَ بِهِ خَاصٌّ لَا يَخْفَى اهـ. وَمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ مَسْبُوقٌ إلَيْهِ فِي الْعِنَايَةِ وَفِيهَا وَلِأَنَّ الْخُصُوصَ إنَّمَا يَكُونُ بِإِخْرَاجِ بَعْضِ أَفْرَادِ الْعَامِّ لَا بِإِخْرَاجِ بَعْضِ كُلِّ فَرْدٍ اهـ. وَهَذَا وَارِدٌ (قَوْلُهُ وَفَائِدَةُ التَّوْقِيتِ بِهَذِهِ الْأَشْهُرِ أَنَّ شَيْئًا مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ لَا يَجُوزُ إلَّا فِيهَا) أَقُولُ: يَرِدُ عَلَيْهِ طَوَافُ الزِّيَارَةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ فِي يَوْمَيْنِ بَعْدَ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ بِلَا كَرَاهَةٍ. (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا كُرِهَ لِلطُّولِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ اخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ كُرِهَ التَّقْدِيمُ فَكَانَ ابْنُ شُجَاعٍ يَقُولُ لِأَنَّهُ إحْرَامٌ، وَكَانَ الْفَقِيهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ مِنْ مُوَاقَعَةِ الْمَحْظُورِ فَإِذَا أَمِنَ ذَلِكَ لَا يُكْرَهُ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ، وَفِيهَا لَا يُكْرَهُ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ يَوْمَ النَّحْرِ، وَيُكْرَهُ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ أَقُولُ: فِيهِ إفَادَةُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَقْتِ وَقْتُ الْحَجِّ وَلَوْ لِعَامٍ مَضَى إلَّا أَنَّ الظَّاهِرَ مَا قَالَهُ الْفَقِيهُ إذْ لَا مَعْنَى لِكَرَاهَةِ فِعْلِ شَرْطٍ قَبْلَ وَقْتٍ مَشْرُوطٍ إلَّا كَمَا قَالَ وَلِذَا لَمْ يُعَرِّجْ أَكْثَرُ الشُّرَّاحِ عَلَى غَيْرِهِ، وَإِحْرَامُهُ يَوْمَ النَّحْرِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَكْرُوهًا حَيْثُ لَمْ يَأْمَنْ، وَإِنْ كَانَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَمَا فِي الْكِتَابِ مُقَيَّدٌ بِذَلِكَ وَإِطْلَاقُهُ يُفِيدُ التَّحْرِيمَ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي النِّهَايَةِ بِإِسَاءَتِهِ اهـ. أَيْ فَظَاهِرُهُ عَدَمُ التَّحْرِيمِ وَقَدْ شَاعَ فِي كَلَامِهِمْ فِي كِتَابِ الْحَجِّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 396 شَبِيهٌ بِالرُّكْنِ وَلِذَا إذَا أُعْتِقَ الْعَبْدُ بَعْدَمَا أَحْرَمَ لَا يَتَمَكَّنُ عَنْ أَنْ يَخْرُجَ عَنْ ذَلِكَ الْإِحْرَامِ لِلْفَرْضِ فَالصِّحَّةُ لِلشَّرْطِ وَالْكَرَاهَةُ لِلشَّبَهِ وَأَطْلَقُوا الْكَرَاهَةَ فَهِيَ تَحْرِيمِيَّةٌ؛ لِأَنَّهَا الْمُرَادَةُ عِنْدَ إطْلَاقِهِمْ لَهَا. (قَوْلُهُ وَلَوْ اعْتَمَرَ كُوفِيٌّ فِيهَا وَأَقَامَ بِمَكَّةَ أَوْ بَصْرَةَ وَحَجَّ صَحَّ تَمَتُّعُهُ) أَرَادَ بِالْكُوفِيِّ الْآفَاقِيَّ الَّذِي يُشْرَعُ لَهُ التَّمَتُّعُ وَالْقِرَانُ كَمَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبَصْرَةِ مَكَانٌ لِأَهْلِ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ سَوَاءٌ كَانَ الْبَصْرَةَ أَوْ غَيْرَهَا أَمَّا إذَا أَقَامَ بِمَكَّةَ أَوْ خَارِجَهَا دَاخِلَ الْمَوَاقِيتِ فَلِأَنَّ عُمْرَتَهُ آفَاقِيَّةٌ وَحِجَّتَهُ مَكِّيَّةٌ، فَلِذَا كَانَ مُتَمَتِّعًا اتِّفَاقًا، وَأَمَّا إذَا خَرَجَ إلَى مَكَان لِأَهْلِهِ التَّمَتُّعُ وَلَيْسَ وَطَنَهُ فَلِأَنَّ السَّفْرَةَ الْأُولَى قَائِمَةٌ مَا لَمْ يَعُدْ إلَى وَطَنِهِ، وَقَدْ اجْتَمَعَ لَهُ نُسُكَانِ فِيهَا فَوَجَبَ دَمُ التَّمَتُّعِ ثُمَّ اخْتَلَفَ الطَّحَاوِيُّ وَالْجَصَّاصُ فَنَقَلَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ هَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ، وَأَنَّ قَوْلَ صَاحِبَيْهِ بُطْلَانَ التَّمَتُّعِ لِمَا أَنَّ نُسُكَيْهِ هَذَيْنِ مِيقَاتِيَّانِ، وَلَا بُدَّ فِيهِ أَنْ تَكُونَ حِجَّتُهُ مَكِّيَّةً، وَنَقَلَ الْجَصَّاصُ أَنَّهُ مُتَمَتِّعٌ اتِّفَاقًا قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ إنَّهُ الصَّوَابُ وَقَوَّى الْأَوَّلَ الشَّارِحُ وَأَطْلَقَ فِي إقَامَةِ مَكَّةَ أَوْ بَصْرَةَ فَشَمِلَ مَا إذَا اتَّخَذَهُمَا دَارًا أَوْ لَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَالْكَيْسَانِيُّ فَمَا فِي الْهِدَايَةِ مِنْ التَّقْيِيدِ بِاتِّخَاذِهِمَا دَارًا اتِّفَاقِيٌّ وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ إذْ لَوْ اعْتَمَرَ قَبْلَهَا لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا اتِّفَاقًا، وَقَيَّدَ بِالْكُوفِيِّ لِأَنَّ الْمَكِّيَّ لَا تَمَتُّعَ لَهُ اتِّفَاقًا، وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِ رَجَعَ إلَى غَيْرِ وَطَنِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ رَجَعَ إلَى وَطَنِهِ بَطَلَ تَمَتُّعُهُ اتِّفَاقًا إذَا لَمْ يَكُنْ سَاقَ الْهَدْيَ، وَعِبَارَةُ الْمَجْمَعِ وَخَرَجَ إلَى الْبَصْرَةِ أَوْلَى مِنْ التَّعْبِيرِ بِالْإِقَامَةِ بِهَا؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ عِنْدَ الْإِمَامِ لَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ أَنْ يُقِيمَ بِهَا خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَوْ لَا، وَالْأَوَّلُ مَحِلُّ الْخِلَافِ وَفِي الثَّانِي يَكُونُ مُتَمَتِّعًا اتِّفَاقًا كَذَا فِي الْمُصَفَّى. (قَوْلُهُ وَلَوْ أَفْسَدَهَا فَأَقَامَ بِمَكَّةَ وَقَضَى وَحَجَّ لَا إلَّا أَنْ يَعُودَ إلَى أَهْلِهِ) أَيْ لَوْ أَفْسَدَ الْكُوفِيُّ عُمْرَتَهُ فَأَقَامَ بِمَكَّةَ وَقَضَى الْعُمْرَةَ مِنْ عَامِهِ لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا إلَّا أَنْ يَرْجِعَ إلَى وَطَنِهِ بَعْدَ الْخُرُوجِ عَنْ إحْرَامِ الْفَاسِدَةِ ثُمَّ يَعُودَ مُحْرِمًا مِنْ الْمِيقَاتِ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ يَحُجَّ مِنْ عَامِهِ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُتَمَتِّعًا، أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ سَفَرَهُ انْتَهَى بِالْفَسَادِ فَلَمَّا قَضَاهَا صَارَتْ عُمْرَتُهُ مَكِّيَّةً وَلَا تَمَتُّعَ لِأَهْلِ مَكَّةَ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ عُمْرَتَهُ مِيقَاتِيَّةٌ وَحِجَّتَهُ مَكِّيَّةٌ فَصَارَ مُتَمَتِّعًا وَلَا يَضُرُّهُ كَوْنُ الْعُمْرَةِ قَضَاءً عَمَّا أَفْسَدَهُ إنْ كَانَتْ قَضَاءً وَفِي قَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَعُودَ إلَى أَهْلِهِ دَلَالَةً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِقَامَةِ بِمَكَّةَ الْإِقَامَةُ بِمَكَانٍ غَيْرِ وَطَنِهِ سَوَاءٌ كَانَ مَكَّةَ أَوْ غَيْرَهَا وَلَا خِلَافَ فِيمَا إذَا أَقَامَ بِمَكَّةَ، وَأَمَّا إذَا أَقَامَ بِغَيْرِهَا فَهُوَ مَذْهَبُ الْإِمَامِ وَقَالَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا؛ لِأَنَّهُ إنْشَاءُ سَفَرٍ فَهُوَ كَالْعَوْدِ إلَى وَطَنِهِ، وَلَهُ أَنَّ سَفَرَهُ الْأَوَّلَ بَاقٍ مَا لَمْ يَعُدْ إلَى وَطَنِهِ، وَقَدْ انْتَهَى بِالْفَاسِدِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ أَيَّدَتْ نَقْلَ الطَّحَاوِيِّ، وَقَيَّدَهُ فِي الْمَبْسُوطِ بِأَنْ يُجَاوِزَ الْمَوَاقِيتَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَمَّا إذَا جَاوَزَهَا قَبْلَهَا ثُمَّ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ فِيهَا كَانَ مُتَمَتِّعًا عِنْدَ الْإِمَامِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ بِمُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ صَارَ فِي حُكْمِ مَنْ لَمْ يَدْخُلْ مَكَّةَ إنْ كَانَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَلِأَنَّهُ لَمَّا دَخَلَتْ وَهُوَ دَاخِلَ الْمَوَاقِيتِ حَرُمَ عَلَيْهِ التَّمَتُّعُ كَمَا هُوَ حَرَامٌ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ، فَلَا تَنْقَطِعُ هَذِهِ الْحُرْمَةُ بِخُرُوجِهِ مِنْ الْمَوَاقِيتِ بَعْدَ ذَلِكَ كَالْمَكِّيِّ. (قَوْلُهُ وَأَيُّهُمَا أَفْسَدَ مَضَى فِيهِ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ) يَعْنِي الْكُوفِيَّ إذَا قَدِمَ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ فَأَيَّ النُّسُكَيْنِ أَفْسَدَهُ مَضَى فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ عَنْ عُهْدَةِ الْإِحْرَامِ إلَّا بِالْأَفْعَالِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ دَمُ التَّمَتُّعِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْتَفِعْ بِأَدَاءِ نُسُكَيْنِ صَحِيحَيْنِ فِي سَفَرٍ وَاحِدٍ وَهُوَ السَّبَبُ فِي وُجُوبِهِ، وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِنَفْيِ الدَّمِ فِي عِبَارَتِهِ، وَإِلَّا فَمَنْ أَفْسَدَ حَجَّهُ لَزِمَهُ دَمٌ. (قَوْلُهُ وَلَوْ تَمَتَّعَ وَضَحَّى لَمْ يُجْزِهِ عَنْ الْمُتْعَةِ) ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِغَيْرِ الْوَاجِبِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ دَمُ التَّمَتُّعِ وَإِلَّا الْأُضْحِيَّةُ فَلَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُسَافِرٌ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الرَّجُلَ وَالْمَرْأَةَ، وَإِنَّمَا وَضَعَ مُحَمَّدٌ الْمَسْأَلَةَ فِي الْمَرْأَةِ إمَّا لِأَنَّهَا وَاقِعَةُ امْرَأَةٍ، وَإِمَّا لِأَنَّ هَذَا إنَّمَا يَشْتَبِهُ عَلَى الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ الْجَهْلَ فِيهَا أَغْلَبُ فَإِذَا لَمْ يُجْزِ عَنْ الْمُتْعَةِ فَإِنْ كَانَ تَحَلَّلَ بِنَاءً عَلَى جَهْلِهِ لَزِمَهُ دَمَانِ دَمُ التَّمَتُّعِ وَدَمُ التَّحَلُّلِ قَبْلَ أَوَانِهِ   [منحة الخالق] إطْلَاقُ الْإِسَاءَةِ عَلَى تَرْكِ السُّنَّةِ لَكِنْ صَرَّحَ الْقُهُسْتَانِيُّ بِأَنَّهَا تَحْرِيمِيَّةٌ، وَقَالَ كَمَا أُشِيرَ إلَيْهِ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَقَدْ تَقَدَّمَ قُبَيْلَ بَابِ الْإِحْرَامِ ذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ الْإِجْمَاعَ عَلَى الْكَرَاهَةِ، وَنَقَلْنَا هُنَاكَ خِلَافَ أَبِي يُوسُفَ فِيهَا فَرَاجِعْهُ وَبِهِ يَحْصُلُ التَّوْفِيقُ فَتَدَبَّرْ. (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلَوْ اعْتَمَرَ كُوفِيٌّ فِيهَا) أَيْ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ (قَوْلُهُ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ إنَّهُ الصَّوَابُ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَفِي الْمِعْرَاجِ إنَّهُ الْأَصَحُّ لَكِنْ قَالَ فِي الْحَقَائِقِ كَثِيرٌ مِنْ مَشَايِخِنَا قَالُوا الصَّوَابُ مَا قَالَهُ الطَّحَاوِيُّ وَقَالَ الصَّفَّارُ كَثِيرًا مَا جَرَّبْنَاهُ فَلَمْ نَجِدْهُ غَالِطًا وَكَثِيرًا مَا جَرَّبْنَا الْجَصَّاصَ فَوَجَدْنَاهُ غَالِطًا. (قَوْلُهُ وَعِبَارَةُ الْمَجْمَعِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَبْطُلْ تَمَتُّعُهُ بِالْإِقَامَةِ فَبِعَدَمِهَا أَوْلَى، وَالتَّقْيِيدُ بِالْخُرُوجِ لَا يُفْهِمُ الْحُكْمَ فِيمَا لَوْ أَقَامَ فَمَا هُنَا أَوْلَى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 397 وَإِلَّا فَدَمُ التَّمَتُّعِ وَقَدْ اُسْتُفِيدَ مِنْ هَذَا أَنَّ دَمَ التَّمَتُّعِ يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ، وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ لَيْسَ فَوْقَ طَوَافِ الرُّكْنِ وَلَا مِثْلَهُ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَوْ نَوَى بِهِ التَّطَوُّعَ أَجْزَأَهُ عَنْ الرُّكْنِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الدَّمُ كَذَلِكَ بَلْ أَوْلَى. (قَوْلُهُ وَلَوْ حَاضَتْ عِنْدَ الْإِحْرَامِ أَتَتْ بِغَيْرِ الطَّوَافِ) «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِعَائِشَةَ حِينَ حَاضَتْ بِسَرِفَ افْعَلِي مَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي» فَأَفَادَ أَنَّ طَوَافَهَا حَرَامٌ، وَهُوَ مِنْ وَجْهَيْنِ دُخُولُهَا الْمَسْجِدَ وَتَرْكُ وَاجِبِ الطَّهَارَةِ فَإِنَّ الطَّهَارَةَ وَاجِبَةٌ فِي الطَّوَافِ فَلَا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تَطُوفَ حَتَّى تَطْهُرَ فَإِنْ طَافَتْ كَانَتْ عَاصِيَةً مُسْتَحِقَّةً لِعِقَابِ اللَّهِ وَلَزِمَهَا الْإِعَادَةُ فَإِنْ لَمْ تُعِدْ كَانَ عَلَيْهَا بَدَنَةٌ، وَتَمَّ حَجُّهَا (قَوْلُهُ وَلَوْ عِنْدَ الصَّدْرِ تَرَكَتْهُ كَمَنْ أَقَامَ بِمَكَّةَ) يَعْنِي وَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ يَسْقُطُ بِالْعُذْرِ وَالْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ عُذْرٌ وَكَذَا إذَا أَخَّرَتْ طَوَافَ الزِّيَارَةِ إلَى وَقْتِ طُهْرِهَا فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا شَيْءٌ لِلْعُذْرِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا ذَلِكَ كُلَّهُ فِي طَوَافِ الصَّدْرِ وَأَطْلَقَ فِي سُقُوطِهِ عَمَّنْ أَقَامَ بِمَكَّةَ فَشَمِلَ مَا إذَا أَقَامَ بَعْدَمَا حَلَّ النَّفْرُ الْأَوَّلُ أَوْ لَا وَفِيهِ اخْتِلَافٌ، وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ هُنَاكَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ، وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ.   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَقَدْ اُسْتُفِيدَ مِنْ هَذَا إلَخْ) أَيْ حَيْثُ لَمْ تُجْزِهِ الْأُضْحِيَّةُ عَنْ الْمُتْعَةِ وَقَدْ ذَكَرَ فِي النَّهْرِ التَّصْرِيحَ بِهَذَا الْمُسْتَفَادِ عَنْ الدِّرَايَةِ. (قَوْلُهُ وَقَدْ يُقَالُ إلَخْ) ذَكَرَ فِي الشرنبلالية مِثْلَهُ قَبْلَ رُؤْيَتِهِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ ثُمَّ قَالَ لَكِنَّهُ قَدْ يُقَالُ لَمَّا كَانَ طَوَافُ الرُّكْنِ مُتَعَيِّنًا فِي أَيَّامِ النَّحْرِ وُجُوبًا كَانَ النَّظَرُ لِإِيقَاعِ مَا طَافَهُ عَنْهُ وَتَلْغُو نِيَّةُ غَيْرِهِ، وَأَمَّا الْأُضْحِيَّةُ فَهِيَ مُتَعَيِّنَةٌ فِي ذَلِكَ الزَّمَنِ كَالْمُتْعَةِ فَلَا تَقَعُ الْأُضْحِيَّةُ مَعَ تَعَيُّنِهَا عَنْ غَيْرِهَا اهـ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ أَنَّ الْأُضْحِيَّةَ مُتَعَيِّنَةٌ فِي حَقِّ غَيْرِ ذَلِكَ الْمُتَمَتِّعِ فَمُسَلَّمٌ وَلَا كَلَامَ فِيهِ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهَا مُتَعَيِّنَةٌ فِي حَقِّهِ أَيْضًا فَلَا يُسَلَّمُ إذْ هِيَ غَيْرُ وَاجِبَةٍ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ مُسَافِرًا، أَمَّا الْمُتْعَةُ فَهِيَ مُتَعَيِّنَةٌ عَلَيْهِ فَسَاوَتْ الطَّوَافَ اهـ. فَالْأَوْلَى مَا أَجَابَ بِهِ بَعْضُهُمْ أَنَّ طَوَافَ الرُّكْنِ لَمَّا كَانَ الْوَقْتُ مُتَعَيِّنًا لَهُ لَا يَسَعُ غَيْرَهُ أَجْزَأَتْهُ نِيَّةُ التَّطَوُّعِ بِخِلَافِ دَمِ التَّمَتُّعِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا غَيْرُ مَا فِي الشرنبلالية وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ الِاعْتِرَاضُ الْمَارُّ خِلَافًا لِمَا زَعَمَهُ الْمُعْتَرِضُ. (قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا أَخَّرَتْ طَوَافَ الزِّيَارَةِ) أَيْ إذَا حَاضَتْ قَبْلَ أَنْ تَقْدِرَ عَلَى أَكْثَرِ الطَّوَافِ قَالَ فِي اللُّبَابِ وَلَوْ حَاضَتْ فِي وَقْتٍ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ تَطُوفَ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ فَلَمْ تَطُفْ لَزِمَهَا دَمٌ لِلتَّأْخِيرِ، وَلَوْ حَاضَتْ فِي وَقْتٍ تَقْدِرُ عَلَى أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهَا شَيْءٌ فَقَوْلهمْ لَا شَيْءَ عَلَى الْحَائِضِ وَكَذَا النُّفَسَاءُ لِتَأْخِيرِ الطَّوَافِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا حَاضَتْ فِي وَقْتٍ لَمْ تَقْدِرْ عَلَى أَكْثَرِ الطَّوَافِ، أَوْ حَاضَتْ قَبْلَ أَيَّامِ النَّحْرِ وَلَمْ تَطْهُرْ إلَّا بَعْدَ مُضِيِّ أَيَّامِ النَّحْرِ اهـ. لِمَا ذَكَرَهُ فِي اللُّبَابِ أَيْضًا مِنْ أَنَّهَا لَوْ طَهُرَتْ فِي آخِرِ أَيَّامِ النَّحْرِ وَيُمْكِنُهَا طَوَافُ الزِّيَارَةِ كُلُّهُ أَوْ أَكْثَرُهُ قَبْلَ الْغُرُوبِ فَلَمْ تَطُفْ فَعَلَيْهَا دَمٌ لِلتَّأْخِيرِ، وَإِنْ أَمْكَنَهَا أَقَلُّهُ فَلَمْ تَطُفْ لَا شَيْءَ عَلَيْهَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 398 بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (بَابُ الْجِنَايَاتِ) لَمَّا كَانَتْ الْجِنَايَةُ مِنْ الْعَوَارِضِ أَخَّرَهَا، وَهِيَ فِي اللُّغَةِ مَا تَجْنِيهِ مِنْ شَرٍّ أَيْ تُحْدِثُهُ تَسْمِيَةً بِالْمَصْدَرِ مِنْ جَنَى عَلَيْهِ شَرًّا، وَهُوَ عَامٌّ إلَّا أَنَّهُ خُصَّ بِمَا يَحْرُمُ مِنْ الْفِعْلِ، وَأَصْلُهُ مِنْ جَنْيِ الثَّمَرِ، وَهُوَ أَخْذُهُ مِنْ الشَّجَرِ، وَفِي الشَّرْعِ اسْمٌ لِفِعْلٍ مُحَرَّمٍ شَرْعًا سَوَاءٌ حَلَّ بِمَالٍ أَوْ نَفْسٍ إلَّا أَنَّ الْفُقَهَاءَ خَصُّوهُ بِالْجِنَايَةِ عَلَى الْفِعْلِ فِي النَّفْسِ وَالْأَطْرَافِ وَخَصُّوا الْفِعْلَ فِي الْمَالِ بِاسْمِ الْغَصْبِ وَالْمُرَادُ هُنَا خَاصٌّ، وَهُوَ مَا يَكُونُ حُرْمَتُهُ بِسَبَبِ الْإِحْرَامِ أَوْ الْحَرَمِ وَحَاصِلُ الْأَوَّلِ أَنَّهُ الطِّيبُ وَلُبْسُ الْمَخِيطِ وَتَغْطِيَةُ الرَّأْسِ أَوْ الْوَجْهِ، وَإِزَالَةُ الشَّعْرِ مِنْ الْبَدَنِ، وَقَصُّ الْأَظْفَارِ وَالْجِمَاعُ صُورَةً، وَمَعْنًى أَوْ مَعْنًى فَقَطْ وَتَرْكُ وَاجِبٍ مِنْ وَاجِبَاتِ الْحَجِّ وَالتَّعَرُّضُ لِلصَّيْدِ وَحَاصِلُ الثَّانِي التَّعَرُّضُ لِصَيْدِ الْحَرَمِ وَشَجَرِهِ فَبَدَأَ بِالْأَوَّلِ مِنْ الْأَوَّلِ فَقَالَ: (تَجِبُ شَاةٌ إنْ طَيَّبَ مُحْرِمٌ عُضْوًا، وَإِلَّا تَصَدَّقَ أَوْ خَضَّبَ رَأْسَهُ بِحِنَّاءٍ أَوْ أَدْهَنَ بِزَيْتٍ) ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ تَتَكَامَلُ بِتَكَامُلِ الِارْتِفَاقِ وَذَلِكَ فِي الْعُضْوِ الْكَامِلِ فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ كَمَالُ الْمُوجِبِ وَتَتَقَاصَرُ الْجِنَايَةُ فِيمَا دُونَهُ فَوَجَبَتْ الصَّدَقَةُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَجِبُ بِقَدْرِهِ مِنْ الدَّمِ اعْتِبَارًا لِلْجُزْءِ بِالْكُلِّ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ يَبْلُغُ نِصْفَ الْعُضْوِ تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ قَدْرَ نِصْفِ قِيمَةِ الشَّاةِ، وَإِنْ كَانَ يَبْلُغُ رُبْعًا يَجِبُ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ قَدْرَ رُبْعِ قِيمَةِ الشَّاةِ، وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسُ وَاخْتَارَهُ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ نَقْلِ خِلَافٍ. ثُمَّ مَا اخْتَارَهُ أَصْحَابُ الْمُتُونِ مِنْ أَنَّ الْكَثِيرَ هُوَ الْعُضْوُ وَالْقَلِيلَ مَا دُونَهُ هُوَ مَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ مُحَمَّدٌ عَنْ الْإِمَامِ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ، وَقَدْ أَشَارَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ إلَى أَنَّ الدَّمَ يَجِبُ بِالتَّطَيُّبِ الْكَثِيرِ وَالصَّدَقَةُ بِالْقَلِيلِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْعُضْوَ، وَمَا دُونَهُ فَفَهِمَ مِنْ ذَلِكَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيُّ أَنَّ الْكَثْرَةَ تُعْتَبَرُ فِي نَفْسِ الطِّيبِ لَا فِي الْعُضْوِ فَلَوْ كَانَ   [منحة الخالق] [بَابُ الْجِنَايَاتِ فِي الْحَجّ] بَابُ الْجِنَايَاتِ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 2 كَثِيرًا مِثْلَ كَفَّيْنِ مِنْ مَاءِ الْوَرْدِ، وَكَفٍّ مِنْ الْغَالِيَةِ وَالْمِسْكِ بِقَدْرِ مَا يَسْتَكْثِرُهُ النَّاسُ فَإِنَّهُ يَكُونُ كَثِيرًا، وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا فِي نَفْسِهِ وَالْقَلِيلُ مَا يَسْتَقِلُّهُ النَّاسُ، وَإِنْ كَانَ فِي نَفْسِهِ كَثِيرًا، وَكَفٍّ مِنْ مَاءِ الْوَرْدِ يَكُونُ قَلِيلًا، وَوَفَّقَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ وَصَحَّحَهُ فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ، وَقَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: إنَّ التَّوْفِيقَ هُوَ التَّوْفِيقُ بِأَنَّ الطِّيبَ إنْ كَانَ قَلِيلًا فَالْعِبْرَةُ لِلْعُضْوِ لَا لِلطِّيبِ فَإِنْ طَيَّبَ عُضْوًا كَامِلًا لَزِمَهُ دَمٌ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ فَصَدَقَةٌ، وَإِنْ كَانَ الطِّيبُ كَثِيرًا فَالْعِبْرَةُ لِلطِّيبِ لَا لِلْعُضْوِ حَتَّى لَوْ طَيَّبَ بِهِ رُبْعَ عُضْوٍ يَلْزَمُهُ دَمٌ، وَفِيمَا دُونَهُ صَدَقَةٌ وَنَظِيرُهُ مَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ فِي تَقْدِيرِ النَّجَاسَةِ الْكَثِيرَةِ اُعْتُبِرَ الْمِسَاحَةُ فِي النَّجَاسَةِ الرَّقِيقَةِ وَاعْتُبِرَ الْوَزْنُ فِي النَّجَاسَةِ الْكَثِيفَةِ. اهـ. مَا فِي الْمُحِيطِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَا فِي الْمُتُونِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ الطِّيبُ قَلِيلًا أَمَّا إذَا كَانَ كَثِيرًا فَلَا اعْتِبَارَ بِالْعُضْوِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ مِنْ اعْتِبَارِ الْعُضْوِ صَرِيحٌ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْكَثْرَةِ إشَارَةٌ يُمْكِنُ حَمْلُهَا عَلَى الْمُصَرَّحِ بِهِ فَيَتَّحِدُ الْقَوْلَانِ وَيَتَرَجَّحُ مَا فِي الْمُتُونِ مِنْ اعْتِبَارِ الْعُضْوِ، وَهُوَ كَالرَّأْسِ وَالسَّاقِ وَالْفَخِذِ وَالْيَدِ، وَفِي الْمَبْسُوطِ وَالْمُحِيطِ إذَا خَضَّبَتْ الْمَرْأَةُ كَفَّهَا بِحِنَّاءٍ يَجِبُ عَلَيْهَا دَمٌ قَالَ: وَجُعِلَ الْكَفُّ عُضْوًا كَامِلًا، وَحَقِيقَةُ التَّطَيُّبِ أَنْ يَلْزَقَ بِبَدَنِهِ أَوْ ثَوْبِهِ طِيبًا، وَمَا زَادَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ فِرَاشِهِ فَرَاجِعٌ إلَيْهِمَا وَالطِّيبُ جِسْمٌ لَهُ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ مُسْتَلَذَّةٌ كَالزَّعْفَرَانِ وَالْبَنَفْسَجِ وَالْيَاسَمِينِ وَالْغَالِيَةِ وَالرَّيْحَانِ وَالْوَرْدِ وَالْوَرْسِ وَالْعُصْفُرِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَلْتَزِقَ بِثَوْبِهِ عَيْنُهُ أَوْ رَائِحَتُهُ فَلِذَا صَرَّحُوا أَنَّهُ لَوْ بَخَّرَ ثَوْبَهُ بِالْبَخُورِ فَتَعَلَّقَ بِهِ كَثِيرٌ فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا فَصَدَقَةٌ؛ لِأَنَّهُ انْتِفَاعٌ بِالطِّيبِ بِخِلَافِ مَا إذَا دَخَلَ بَيْتًا قَدْ أُجْمِرَ فِيهِ فَعَلِقَ بِثِيَابِهِ رَائِحَةٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُنْتَفَعٍ بِعَيْنِهِ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يَجْلِسَ فِي حَانُوتِ عَطَّارٍ، وَلَا فَرْقَ أَيْضًا بَيْنَ أَنْ يَقْصِدَهُ أَوْ لَا وَلِذَا قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: وَإِنْ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ فَأَصَابَ فَمَهُ أَوْ يَدَهُ خُلُوفٌ كَثِيرٌ فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا فَصَدَقَةٌ. وَفِي الْمَجْمَعِ وَنُوجِبُهُ فِي النَّاسِي لَا الصَّبِيِّ وَنَعْكِسُ فِي شَمْسِهِ، وَأَكْلُ كَثِيرِهِ مُوجِبٌ لَهُ، وَفِي قَلِيلِهِ صَدَقَةٌ بِقَدْرِهِ. اهـ. فَعُلِمَ أَنَّ مَفْهُومَ شَرْطِهِ أَنَّهُ لَوْ شَمَّ الطِّيبَ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَإِنْ كَانَ مَكْرُوهًا كَمَا لَوْ تَوَسَّدَ ثَوْبًا مَصْبُوغًا بِالزَّعْفَرَانِ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَاصِرٌ عَلَى الطِّيبِ الْمُلْتَزِقِ بِالْبَدَنِ، وَأَمَّا الْمُلْتَزِقُ بِالثِّيَابِ فَلَمْ يُمْكِنْ اعْتِبَارُ الْعُضْوِ فِيهِ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ كَثْرَةُ الطِّيبِ وَقِلَّتُهُ، وَهُوَ مُرَجَّحٌ بِقَوْلِ الْهِنْدُوَانِيُّ الْمُتَقَدِّمِ فَإِنَّهُ يَعُمُّ الْبَدَنَ وَالثَّوْبَ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُمْسِكَ مِسْكًا فِي طَرَفِ إزَارِهِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَكَانَ الْمُرَجِّحُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ الْعُرْفَ إنْ كَانَ، وَإِلَّا فَمَا يَقَعُ عِنْدَ الْمُبْتَلَى. وَمَا فِي الْمُجَرَّدِ إنْ كَانَ فِي ثَوْبِهِ شِبْرٌ فِي شِبْرٍ فَمَكَثَ عَلَيْهِ يَوْمًا يُطْعِمُ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ فَصَدَقَةٌ يُفِيدُ التَّنْصِيصَ عَلَى أَنَّ الشِّبْرَ فِي الشِّبْرِ دَاخِلٌ فِي حَدِّ الْقَلِيلِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ الطِّيبِ فِي الثَّوْبِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَإِنَّ التَّوْفِيقَ هُوَ التَّوْفِيقُ) أَيْ التَّوْفِيقَ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ هُوَ التَّوْفِيقُ الْمُعْتَبَرُ أَوْ هُوَ التَّوْفِيقُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَوْلُهُ بِأَنَّ الطِّيبَ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ وَوَفَّقَ بَعْضُهُمْ وَالْمُرَادُ بِهِ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَغَيْرُهُ كَمَا فِي الْفَتْحِ أَوْ مُتَعَلِّقٌ بِالتَّوْفِيقِ الثَّانِي لَكِنَّهُ لَيْسَ هُوَ لَفْظَ مَا فِي الْفَتْحِ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ مَا ذَكَرَ التَّوْفِيقَ قَالَ: وَالتَّوْفِيقُ هُوَ التَّوْفِيقُ (قَوْلُهُ: وَمَا زَادَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ فِرَاشِهِ) حَيْثُ قَالَ: بَعْدَمَا عَرَّفَ التَّطَيُّبَ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ، وَلَا فَرْقَ فِي الْمَنْعِ بَيْنَ بَدَنِهِ، وَإِزَارِهِ وَفِرَاشِهِ. اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَمْ يَزِدْهُ عَلَى الْبَدَنِ وَالثَّوْبِ كَمَا يُوهِمُهُ كَلَامُ الْمُؤَلِّفِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا إذَا دَخَلَ بَيْتًا إلَخْ) اُنْظُرْهُ مَعَ قَوْلِهِ عَقِبَهُ، وَلَا فَرْقَ أَيْضًا بَيْنَ أَنْ يَقْصِدَهُ أَوْ لَا (قَوْلُهُ: وَلَا فَرْقَ أَيْضًا بَيْنَ أَنْ يَقْصِدَهُ أَوْ لَا) قَالَ: فِي اللُّبَابِ ثُمَّ لَا فَرْقَ فِي وُجُوبِ الْجَزَاءِ فِيمَا إذَا جَنَى عَامِدًا أَوْ خَاطِئًا مُبْتَدَأً أَوْ عَائِدًا ذَاكِرًا أَوْ نَاسِيًا عَالِمًا أَوْ جَاهِلًا طَائِعًا أَوْ مُكْرَهًا نَائِمًا أَوْ مُنْتَبِهًا سَكْرَانَ أَوْ صَاحِيًا مُغْمًى عَلَيْهِ أَوْ مُفِيقًا مَعْذُورًا أَوْ غَيْرَهُ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا بِمُبَاشَرَتِهِ أَوْ بِمُبَاشَرَةِ غَيْرِهِ بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ فَفِي هَذِهِ الصُّوَرِ جَمِيعِهَا يَجِبُ الْجَزَاءُ، وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ عِنْدَنَا لَا يَتَغَيَّرُ غَالِبًا فَاحْفَظْهُ. اهـ. قَالَ شَارِحُهُ: وَلَعَلَّهُ أَشَارَ أَيْ بِقَوْلِهِ غَالِبًا إلَى مَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّهُ إذَا طَيَّبَ مُحْرِمٌ مُحْرِمًا لَا شَيْءَ عَلَى الْفَاعِلِ وَيَجِبُ عَلَى الْمَفْعُولِ الْجَزَاءُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَفِي الْمَجْمَعِ وَنُوجِبُهُ فِي النَّاسِي إلَخْ) أَشَارَ بِالْجُمْلَةِ الْفِعْلِيَّةِ الْمُضَارِعَةِ الْمُصَدَّرَةِ بِنُونِ الْجَمَاعَةِ إلَى خِلَافِ الشَّافِعِيِّ كَمَا هُوَ مُصْطَلَحُهُ قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ فِي شَرْحِهِ وَنُوجِبُهُ أَيْ الدَّمَ فِي النَّاسِي أَيْ فِي جِنَايَةِ مَنْ جَنَى عَلَى إحْرَامِهِ نَاسِيًا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لَا الصَّبِيِّ بِالْجَرِّ مَعْطُوفٌ عَلَى النَّاسِي يَعْنِي لَا يَجِبُ عَلَى الصَّبِيِّ الْمُحْرِمِ فِي جِنَايَتِهِ شَيْءٌ عِنْدَنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجِبُ عَلَيْهِ وَنَعْكِسُ الْحُكْمَ السَّابِقَ، وَهُوَ الْوَاجِبُ يَعْنِي لَا يَجِبُ فِي شَمِّهِ أَيْ شَمِّ الْمُحْرِمِ طِيبًا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ، وَأَكْلُ كَثِيرِهِ أَيْ أَكْلُ الْمُحْرِمِ كَثِيرًا مِنْ الطِّيبِ بِحَيْثُ يَلْتَزِقُ بِكُلِّ فَمِهِ أَوْ أَكْثَرِهِ مُوجِبٌ لَهُ أَيْ لِلْأَكْلِ دَمًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَذَكَرَ الْوُجُوبَ بِاللَّامِ تَضْمِينًا فِيهِ مَعْنَى الْإِلْزَامِ، وَفِي قَلِيلِهِ صَدَقَةٌ بِقَدْرِهِ أَيْ بِقَدْرِ الدَّمِ يَعْنِي إنْ الْتَزَقَ الطِّيبُ بِثُلُثِ فَمِهِ يَلْزَمُهُ صَدَقَةٌ تَبْلُغُ ثُلُثَ الدَّمِ، وَإِنْ الْتَزَقَ بِنِصْفِهِ فَصَدَقَةٌ تَبْلُغُ نِصْفَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي أَكْلِ الطِّيبِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ؛ لِأَنَّهُ اسْتِهْلَاكٌ لَا اسْتِعْمَالٌ (قَوْلُهُ: فَعُلِمَ أَنَّ مَفْهُومَ شَرْطِهِ إلَخْ) أَيْ الشَّرْطُ الْوَاقِعُ فِي الْمَتْنِ بِقَوْلِهِ إنْ طَيَّبَ، وَهُوَ تَفْرِيعٌ عَلَى مَا فِي الْمَجْمَعِ (قَوْلُهُ: وَعَلَى تَقْدِيرِ الطِّيبِ فِي الثَّوْبِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 3 بِالزَّمَانِ بِخِلَافِ تَطْيِيبِ الْعُضْوِ فَإِنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الزَّمَانُ حَتَّى لَوْ غَسَلَهُ مِنْ سَاعَتِهِ فَالدَّمُ وَاجِبٌ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلِذَا أَطْلَقَهُ فِي الْمَتْنِ قَيَّدَ بِكَوْنِهِ تَطَيَّبَ، وَهُوَ مُحْرِمٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَطَيَّبَ قَبْلَ الْإِحْرَامِ ثُمَّ انْتَقَلَ بَعْدَهُ مِنْ مَكَان إلَى آخَرَ مِنْ بَدَنِهِ فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا، وَإِذَا وَجَبَ الْجَزَاءُ بِالتَّطَيُّبِ فَلَا بُدَّ مِنْ إزَالَتِهِ مِنْ بَدَنِهِ أَوْ ثَوْبِهِ؛ لِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِقْلَاعِ عَنْهَا، وَذَبْحُ الْهَدْيِ لَا يُبِيحُ بَقَاءَهُ فَلَوْ لَمْ يُزِلْهُ بَعْدَ مَا كَفَّرَ لَهُ اخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ دَمٍ آخَرَ لِبَقَائِهِ، وَأَظْهَرُ الْقَوْلَيْنِ الْوُجُوبُ؛ لِأَنَّ ابْتِدَاءَهُ كَانَ مَحْظُورًا فَيَكُونُ لِبَقَائِهِ حُكْمُ ابْتِدَائِهِ، وَالرِّوَايَةُ تُوَافِقُهُ، وَهِيَ مَا فِي الْمُبْتَغَى عَنْ مُحَمَّدٍ إذَا مَسَّ طِيبًا كَثِيرًا فَأَرَاقَ لَهُ دَمًا ثُمَّ تَرَكَ الطِّيبَ عَلَى حَالِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ لِتَرْكِهِ دَمٌ آخَرُ، وَلَا يُشْبِهُ هَذَا الَّذِي تَطَيَّبَ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ ثُمَّ أَحْرَمَ وَتَرَكَ الطِّيبَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَحْظُورًا. وَاخْتَارَهُ فِي الْمُحِيطِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَقَدْ عُلِمَ مِنْ بَيَانِهِ حُكْمُ الْعُضْوِ، وَمَا دُونَهُ أَنَّ مَا زَادَ عَلَيْهِ فَهُوَ كَالْعُضْوِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ ثُمَّ إنَّمَا تَجِبُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ بِتَطْيِيبِ كُلِّ الْبَدَنِ إذَا كَانَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ فَإِنْ كَانَ فِي مَجَالِسَ فَلِكُلِّ طِيبٍ كَفَّارَةٌ كَفَّرَ لِلْأَوَّلِ أَوْ لَا عِنْدَهُمَا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ مَا لَمْ يُكَفِّرْ لِلْأَوَّلِ، وَإِنْ دَاوَى قُرْحَةً بِدَوَاءٍ فِيهِ طِيبٌ ثُمَّ خَرَجَتْ قُرْحَةٌ أُخْرَى فَدَاوَاهَا مَعَ الْأُولَى فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا كَفَّارَةٌ مَا لَمْ تَبْرَأْ الْأُولَى، وَلَوْ كَانَ الطِّيبُ فِي أَعْضَاءٍ مُتَفَرِّقَةٍ يَجْمَعُ ذَلِكَ كُلَّهُ فَإِنْ بَلَغَ عُضْوًا كَامِلًا فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَإِلَّا فَصَدَقَةٌ، وَفِي الْمُحِيطِ اكْتَحَلَ بِكُحْلٍ لَيْسَ فِيهِ طِيبٌ فَلَا بَأْسَ بِهِ. وَإِنْ كَانَ فِيهِ طِيبٌ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِرَارًا كَثِيرَةً فَدَمٌ وَالْمُرَادُ بِالْمِرَارِ الْمَرَّتَانِ فَأَكْثَرُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ، وَقَالَ: لَوْ جَعَلَ الْمِلْحَ الَّذِي فِيهِ طِيبٌ فِي طَعَامٍ قَدْ طُبِخَ وَتَغَيَّرَ، وَأَكَلَهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يُطْبَخْ وَرِيحُهُ يُوجَدُ مِنْهُ يُكْرَهُ ذَلِكَ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَوْ جُعِلَ الزَّعْفَرَانُ فِي الْمِلْحِ فَإِنْ كَانَ الزَّعْفَرَانُ غَالِبًا فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ، وَإِنْ كَانَ الْمِلْحُ غَالِبًا لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ. اهـ. وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ شَاةٌ إلَى أَنَّ سُبْعَ الْبَدَنَةِ لَا يَكْفِي فِي هَذَا الْبَابِ بِخِلَافِ دَمِ الشُّكْرِ، وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ عُضْوُهُ بِالْإِضَافَةِ كَانَ أَوْلَى لِمَا فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ، وَإِذَا أَلْبَسَ الْمُحْرِمُ مُحْرِمًا أَوْ حَلَالًا مَخِيطًا أَوْ طَيَّبَهُ بِطِيبٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ، وَكَذَلِكَ إذَا قَتَلَ قَمْلَةً عَلَى غَيْرِهِ. اهـ. وَقَوْلُهُ أَوْ خَضَّبَ رَأْسَهُ مَعْطُوفٌ عَلَى طَيَّبَ، وَإِنَّمَا صَرَّحَ بِالْحِنَّاءِ مَعَ دُخُولِهَا تَحْتَ الطِّيبِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْحِنَّاءُ طِيبٌ» لِلِاخْتِلَافِ، وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى الرَّأْسِ، وَلَمْ يَذْكُرْ اللِّحْيَةَ كَمَا وَقَعَ فِي الْأَصْلِ لِيُفِيدَ أَنَّ الرَّأْسَ بِانْفِرَادِهَا مَضْمُونَةٌ، وَأَنَّ الْوَاوَ بِمَعْنَى أَوْ فِي عِبَارَةِ الْأَصْلِ بِدَلِيلِ الِاقْتِصَارِ عَلَى الرَّأْسِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَلَمَّا كَانَ مُصَرَّحًا فِيمَا يَأْتِي بِأَنَّ تَغْطِيَةَ الرَّأْسِ مُوجِبَةٌ لِلدَّمِ   [منحة الخالق] بِالزَّمَانِ إلَخْ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ إنَّ الشَّعْرَ إلَخْ، وَفِي اللُّبَابِ لَا يُشْتَرَطُ بَقَاءُ الطِّيبِ فِي الْبَدَنِ زَمَانًا لِوُجُوبِ الْجَزَاءِ وَيُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِي الثَّوْبِ فَلَوْ أَصَابَ جَسَدَهُ طِيبٌ كَثِيرٌ فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَإِنْ غَسَلَ مِنْ سَاعَتِهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَأْمُرَ غَيْرَهُ فَيَغْسِلَهُ، وَإِنْ أَصَابَ ثَوْبَهُ فَحَكَّهُ أَوْ غَسَلَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَثُرَ، وَإِنْ مَكَثَ عَلَيْهِ يَوْمًا فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَإِلَّا فَصَدَقَةٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَلَا بُدَّ مِنْ إزَالَتِهِ إلَخْ) وَيَنْبَغِي أَنْ يَأْمُرَ غَيْرَهُ أَيْ إنْ وَجَدَ غَيْرَ مُحْرِمٍ فَيَغْسِلُهُ لِئَلَّا يَصِيرَ عَاصِيًا بِاسْتِعْمَالِهِ حَالَ غَسْلِهِ، وَإِنْ زَالَ الطِّيبُ بِصَبِّ الْمَاءِ اكْتَفَى بِهِ شَرْحُ اللُّبَابِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ بَلَغَ عُضْوًا كَامِلًا) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ أَصْغَرُ عُضْوٍ مِنْ الْأَعْضَاءِ الَّتِي أَصَابَهَا الطِّيبُ كَمَا فِي انْكِشَافِ أَعْضَاءِ الْعَوْرَةِ فِي الصَّلَاةِ وَلْيُرَاجَعْ الْمَنْقُولُ (قَوْلُهُ: فَلَا بَأْسَ بِهِ) قَالَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ: إلَّا أَنَّ الْأَوْلَى تَرْكُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الزِّينَةِ إلَّا إذَا كَانَ عَنْ ضَرُورَةٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِالْمِرَارِ الْمَرَّتَانِ فَأَكْثَرُ) تَأْوِيلٌ بَعِيدٌ يُنَافِيهِ قَوْلُهُ: كَثِيرَةٌ عَلَى أَنَّ عِبَارَةَ قَاضِي خَانْ هَكَذَا، وَإِنْ اكْتَحَلَ بِكُحْلٍ فِيهِ طِيبٌ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ عَلَيْهِ الدَّمُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - انْتَهَتْ، وَهَكَذَا نَقَلَهَا عَنْهُ فِي الْفَتْحِ، وَفِيهِ عَنْ الْمَبْسُوطِ إذَا اكْتَحَلَ بِكُحْلٍ فِيهِ طِيبٌ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ كَثِيرًا فَعَلَيْهِ الدَّمُ قَالَ: وَمَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ يُفِيدُ تَفْسِيرَ الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ كَثِيرًا أَنَّهُ الْكَثْرَةُ فِي الْفِعْلِ لَا فِي نَفْسِ الطِّيبِ الْمُخَالِطِ فَلَا يَلْزَمُ الدَّمُ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ، وَإِنْ كَانَ الطِّيبُ كَثِيرًا فِي الْكُحْلِ وَيُشْعِرُ بِالْخِلَافِ لَكِنْ مَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ مِنْ قَوْلِهِ فَإِنْ كَانَ فِيهِ طِيبٌ يَعْنِي الْكُحْلَ فَفِيهِ صَدَقَةٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِرَارًا كَثِيرًا فَعَلَيْهِ دَمٌ لَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا، وَلَوْ كَانَ لَحَكَاهُ ظَاهِرًا كَمَا هُوَ عَادَةُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُجْعَلَ مَوْضِعُ الْخِلَافِ مَا دُونَ الثَّلَاثِ كَمَا يُفِيدُهُ تَنْصِيصُهُ عَلَى الْمَرَّةِ وَالْمَرَّتَيْنِ، وَمَا فِي الْكَافِي الْمِرَارُ الْكَثِيرَةُ. اهـ. وَمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ عَنْ الْمُحِيطِ هُوَ مَا فِي الْكَافِي، وَهُوَ قَوْلُهُمَا، وَمَا فِي الْخَانِيَّةِ قَوْلُ الْإِمَامِ وَيُوَافِقُهُ مَا فِي السِّرَاجِ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ اكْتَحَلَ بِكُحْلٍ مُطَيَّبٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ، وَإِنْ كَانَ مِرَارًا كَثِيرَةً فَعَلَيْهِ فَقَدْ صَرَّحَ بِالْخِلَافِ (قَوْلُهُ: وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ شَاةٌ إلَى أَنَّ سُبُعَ الْبَدَنَةِ لَا يَكْفِي إلَخْ) قَالَ فِي الشرنبلالية بَعْدَ نَقْلِهِ هَذِهِ الْعِبَارَةَ عَنْهُ لَكِنْ قَالَ بَعْدَهُ فِيمَا لَوْ أَفْسَدَ حَجَّهُ بِجِمَاعٍ فِي أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ أَنَّهُ يَقُومُ الشِّرْكُ فِي الْبَدَنَةِ مَقَامَهَا أَيْ الشَّاةِ. اهـ. فَلْيُتَأَمَّلْ. اهـ. قُلْت: وَقَدْ نَقَلْت فِي أَوَاخِرِ بَابِ الْقِرَانِ عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ مَا هُوَ خِلَافُهُ أَيْضًا صَرِيحًا، وَمِثْلُهُ مَا يَذْكُرُهُ فِي بَابِ الْهَدْيِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 4 لَمْ يُقَيِّدْ الْحِنَّاءَ بِأَنْ تَكُونَ مَائِعَةً فَإِنْ كَانَتْ مُلَبَّدَةً فَفِيهِ دَمَانِ دَمٌ لِلتَّطَيُّبِ مُطْلَقًا وَدَمٌ لِلتَّغْطِيَةِ إنْ دَامَ يَوْمًا، وَلَيْلَةً وَغَطَّى الْكُلَّ أَوْ الرُّبْعَ فَلَوْ كَانَ التَّلْبِيدُ بِغَيْرِ الْحِنَّاءِ لَزِمَهُ دَمٌ أَيْضًا. وَالتَّلْبِيدُ أَنْ يَأْخُذَ شَيْئًا مِنْ الْخِطْمِيَّ وَالْآسِ وَالصَّمْغِ فَيَجْعَلَهُ فِي أُصُولِ الشَّعْرِ لِيَتَلَبَّدَ. ، وَمَا ذَكَرَهُ رَشِيدُ الدِّينِ فِي مَنَاسِكِهِ وَحَسَنٌ أَنْ يُلَبِّدَ رَأْسَهُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِصْحَابُهُ التَّغْطِيَةَ الْكَائِنَةَ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِخِلَافِ الطِّيبِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ حَفْصَةَ زَوْجُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا شَأْنُ النَّاسِ حَلُّوا، وَلَمْ تَحِلَّ أَنْتَ مِنْ عُمْرَتِك قَالَ: إنِّي لَبَّدْتُ رَأْسِي، وَقَلَّدْتُ هَدْيِي فَلَا أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ» فَلَا فَرْقَ بَيْنَ التَّلْبِيدِ وَالطِّيبِ فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَحْظُورٌ بَعْدَ الْإِحْرَامِ وَجَازَ اسْتِصْحَابُ الطِّيبِ الْكَائِنِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالسُّنَّةِ فَكَذَلِكَ التَّلْبِيدُ قَبْلَهُ بِالسُّنَّةِ، وَقَيَّدَ الْخِضَابَ بِالرَّأْسِ؛ لِأَنَّ الْمُحْرِمَةَ لَوْ خَضَّبَتْ يَدَهَا أَوْ كَفَّهَا فَعَلَيْهَا دَمٌ إنْ كَانَ كَثِيرًا فَاحِشًا، وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا فَعَلَيْهَا صَدَقَةٌ كَمَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَغَيْرُهُ بِخِلَافِ خِضَابِ الرَّأْسِ بِالْحِنَّاءِ فَإِنَّهُ مُوجِبٌ لِلدَّمِ مُطْلَقًا. وَأَمَّا خِضَابُ اللِّحْيَةِ فَوَقَعَ فِي الْهِدَايَةِ أَنَّ كُلًّا مِنْ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ مَضْمُونٌ، وَلَمْ يَقُلْ بِالدَّمِ وَزَادَ الشَّارِحُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَضْمُونٌ بِالدَّمِ، وَهُوَ سَهْوٌ مِنْهُ؛ لِأَنَّ اللِّحْيَةَ مَضْمُونَةٌ بِالصَّدَقَةِ كَمَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ مَعْزِيًّا لِلْمَبْسُوطِ، وَقَيَّدَ بِالْحِنَّاءِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ خَضَّبَ بِالْوَسْمَةِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ دَمٌ، وَلَكِنْ إنْ خَافَ أَنْ يَقْتُلَ الْهَوَامَّ أَطْعَمَ شَيْئًا؛ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْجِنَايَةِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَلَكِنَّهُ غَيْرُ مُتَكَامِلٍ فَيَلْزَمُهُ الصَّدَقَةُ كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ وَالْوَسِمَةُ بِسُكُونِ السِّينِ وَكَسْرِهَا، وَهُوَ الْأَفْصَحُ شَجَرٌ يُخَضَّبُ بِوَرِقِهِ، وَفِي الْهِدَايَةِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا خَضَّبَ رَأْسَهُ بِالْوَسْمَةِ لِأَجْلِ الْمُعَالَجَةِ مِنْ الصُّدَاعِ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يُغَلِّفُ رَأْسَهُ، وَهَذَا صَحِيحٌ. اهـ. يَعْنِي يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ خِلَافٌ؛ لِأَنَّ التَّغْطِيَةَ مُوجِبَةٌ بِالِاتِّفَاقِ غَيْرَ أَنَّهَا لِلْعِلَاجِ فَلِهَذَا ذَكَرَ الْجَزَاءَ، وَلَمْ يَذْكُرْ الدَّمَ وَالْحِنَّاءَ مُنَوَّنٌ فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّهُ فِعَالٌ لَا فَعَلَاءٌ لِيَمْنَعَ صَرْفَهُ أَلْفُ التَّأْنِيثِ، وَقَوْلُهُ أَوْ أَدْهَنَ بِزَيْتٍ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ طَيَّبَ أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ مَا إذَا كَانَ مَطْبُوخًا أَوْ غَيْرَ مَطْبُوخٍ مُطَيَّبًا أَوْ غَيْرَ مُطَيَّبٍ، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْكَثِيرِ لِمَا عُلِمَ مِنْ تَقْيِيدِهِ فِي الطِّيبِ؛ لِأَنَّهُ إذَا فَرَّقَ فِي الطِّيبِ بَيْنَ الْعُضْوِ، وَمَا دُونَهُ فَالزَّيْتُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي الطِّيبِ، وَفِي الزَّيْتِ الَّذِي لَيْسَ بِمُطَيَّبٍ، وَلَا مَطْبُوخٍ خِلَافُهُمَا فَقَالَا: يَجِبُ فِيهِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَدَمٌ لِلتَّغْطِيَةِ إلَخْ) قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة يُشْكِلُ بِقَوْلِهِمْ إنَّ التَّغْطِيَةَ بِمَا لَيْسَ بِمُعْتَادٍ لَا تُوجِبُ شَيْئًا. اهـ. قَالَ فِي حَاشِيَةِ مِسْكِينٍ الْمُرَادُ بِمَا يُغَطَّى بِهِ عَادَةً مَا لِلْفَاعِلِ فِي فِعْلِهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ كَمَا لَوْ كَانَتْ التَّغْطِيَةُ بِالْحِنَّاءِ أَوْ الْوَسِمَةِ لِلتَّدَاوِي مِنْ نَحْوِ صُدَاعٍ بِدَلِيلِ التَّمْثِيلِ لِمَا لَا تَكُونُ التَّغْطِيَةُ مُوجِبَةً لِلدَّمِ بِالْجُوَالِقِ وَالْإِجَّانَةِ فَلَا إشْكَالَ. اهـ. وَاعْتَرَضَ بِأَنَّ التَّغْطِيَةَ بِالْجُوَالِقِ وَالْإِجَّانَةِ قَدْ تَكُونُ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ كَدَفْعِ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ، وَقَدْ نَصُّوا أَنَّهُ لَا شَيْءَ فِي ذَلِكَ. اهـ. اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ تَلْبِيدَ الشَّعْرِ مُعْتَادٌ عِنْدَ أَهْلِ الْبَوَادِي وَنَحْوِهِمْ فَيَدْخُلُ فِي التَّغْطِيَةِ الْمُعْتَادَةِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ إلَخْ) أَجَابَ عَنْهُ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِهِ بِقَوْلِهِ أَقُولُ: لَا رَيْبَ فِي وُجُوبِ حَمْلِ فِعْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى مَا هُوَ سَائِغٌ بَلْ مَا هُوَ أَكْمَلُ فَالتَّلْبِيدُ الَّذِي فَعَلَهُ يَسِيرٌ لَا يَحْصُلُ بِهِ تَغْطِيَةٌ، وَلَا يَمْنَعُ ابْتِدَاءً فِعْلُهُ فِي الْإِحْرَامِ، وَلَا بَقَاؤُهُ وَالْمُوجِبُ لِلدَّمِ يُحْمَلُ عَلَى الْمُبَالَغَةِ فِيهِ بِحَيْثُ تَحْصُلُ مِنْهُ تَغْطِيَةٌ. اهـ. وَيُمْكِنُ حَمْلُ مَا ذَكَرَهُ رَشِيدُ الدِّينِ عَلَى هَذَا فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَقَيَّدَ الْخِضَابَ بِالرَّأْسِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ فِيهِ نَظَرٌ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الرَّأْسَ مِثَالٌ لَا قَيْدٌ وَالْمُرَادُ بِهَا الْعُضْوُ حَتَّى لَوْ خَضَّبَ بِهَا عُضْوًا مِنْ أَعْضَائِهِ وَجَبَ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ مَنْ اعْتَبَرَ فِي حَدِّ الْكَثْرَةِ الْعُضْوَ لَا مَعْنَى لِلتَّفْرِيقِ عَلَى قَوْلِهِ بَيْنَ الرَّأْسِ وَغَيْرِهِ وَلِهَذَا سَوَّى فِي الْفَتْحِ بَيْنَ الرَّأْسِ وَالْيَدِ فَقَالَ: وَكَذَا لَوْ خَضَّبَتْ يَدَهَا بِهَا، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِقِلَّةٍ، وَلَا كَثْرَةٍ، وَمَا فِي الْإِسْبِيجَابِيِّ مَبْنِيٌّ عَلَى اعْتِبَارِ الْكَثْرَةِ فِي نَفْسِ الطِّيبِ، وَلَا تَنْسَ ذَلِكَ التَّوْفِيقَ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ سَهْوٌ مِنْهُ) قَالَ فِي النَّهْرِ: هُوَ السَّاهِي وَذَلِكَ أَنَّ صَاحِبَ الْمِعْرَاجِ إنَّمَا نَقَلَ هَذَا عَنْ الْمَبْسُوطِ فِيمَا لَوْ اخْتَضَبَ بِالْوَسِمَةِ فَقَالَ: مَا لَفْظُهُ ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ خَضَّبَ رَأْسَهُ بِالْوَسِمَةِ فَعَلَيْهِ دَمٌ لِلْخِضَابِ بَلْ لِتَغْطِيَةِ الرَّأْسِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فَإِنْ خَضَّبَ لِحْيَتَهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ دَمٌ، وَلَكِنْ إنْ خَافَ مِنْ قَتْلِ الدَّوَابِّ أَعْطَى شَيْئًا؛ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْجِنَايَةِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُتَكَامِلٍ فَيَلْزَمُهُ الدَّمُ وَالصَّدَقَةُ مِنْهُمَا أَيْ مِنْ خِضَابِ الرَّأْسِ فَإِنَّهُ مَضْمُونٌ بِالدَّمِ وَخِضَابُ اللِّحْيَةِ فَإِنَّهُ مَضْمُونٌ بِالصَّدَقَةِ كَمَا ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ. اهـ. وَكَيْفَ يَكُونُ مَا فِي الْجَامِعِ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَضْمُونٌ عَلَى مَا تَوَهَّمَ، وَلَا اشْتِرَاكَ بَيْنَهُمَا إذْ وُجُوبُ الدَّمِ يُغَايِرُ وُجُوبَ الصَّدَقَةِ وَيَلْزَمُهُ إيجَابُ الصَّدَقَةِ أَيْضًا فِيمَا لَوْ دَهَنَهَا بِالْخِطْمِيِّ، وَقَدْ جَزَمُوا فِيهِ بِوُجُوبِ الدَّمِ عِنْدَهُ. اهـ. وَقَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة قُلْت وَالْمُرَادُ بِالصَّدَقَةِ هُنَا غَيْرُ الْمُصْطَلَحِ عَلَيْهَا بِتَقْدِيرِهَا بِنِصْفِ صَاعٍ بَلْ أَعَمُّ لِقَوْلِهِ فِي الْمِعْرَاجِ أَعْطَى شَيْئًا فَإِطْلَاقُ صَاحِبِ الْبَحْرِ فِيهِ مَا فِيهِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ أَيْضًا (قَوْلُهُ: بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يُغَلِّفُ رَأْسَهُ) أَيْ يُغَطِّيهِ، وَقَوْلُهُ: وَهَذَا أَيْ تَأْوِيلُ أَبِي يُوسُفَ بِالتَّغْلِيفِ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ تَغْطِيَةَ الرَّأْسِ تُوجِبُ الْجَزَاءَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 5 صَدَقَةٌ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ فِيهِ قَاصِرَةٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْأَطْعِمَةِ إلَّا أَنَّ فِيهِ ارْتِفَاقًا لِمَعْنَى قَتْلِ الْهَوَامِّ، وَإِزَالَةِ الشُّعْثِ. وَقَالَ: الْإِمَامُ يَجِبُ دَمٌ؛ لِأَنَّهُ أَصْلُ الطِّيبِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يُلْقِي فِيهِ الْأَنْوَارَ كَالْوَرْدِ وَالْبَنَفْسَجِ فَيَصِيرُ نَفْسُهُ طِيبًا، وَلَا يَخْلُو عَنْ نَوْعِ طِيبٍ وَيَقْتُلُ الْهَوَامَّ وَيُلَيِّنُ الشَّعْرَ وَيُزِيلُ التَّفَثَ وَالشُّعْثَ، وَأَرَادَ بِالزَّيْتِ دُهْنَ الزَّيْتُونِ وَالسِّمْسِمِ، وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالشَّيْرَجِ فَخَرَجَ بَقِيَّةُ الْأَدْهَانِ كَالشَّحْمِ وَالسَّمْنِ، وَقَيَّدَ بِالْإِدْهَانِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَكَلَهُ أَوْ دَاوَى بِهِ شُقُوقَ رِجْلَيْهِ أَوْ أَقْطَرَ فِي أُذُنِهِ لَا يَجِبُ دَمٌ، وَلَا صَدَقَةٌ بِخِلَافِ الْمِسْكِ وَالْعَنْبَرِ وَالْغَالِيَةِ وَالْكَافُورِ وَنَحْوِهَا حَيْثُ يَلْزَمُ الْجَزَاءُ بِالِاسْتِعْمَالِ عَلَى وَجْهِ التَّدَاوِي لَكِنَّهُ يَتَخَيَّرُ إذَا كَانَ لِعُذْرٍ كَمَا سَيَأْتِي، وَكَذَا إذَا أَكَلَ الْكَثِيرَ مِنْ الطِّيبِ، وَهُوَ مَا يَلْتَزِقُ بِأَكْثَرِ فَمِهِ فَعَلَيْهِ الدَّمُ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: وَهَذِهِ تَشْهَدُ لِعَدَمِ اعْتِبَارِ الْعُضْوِ مُطْلَقًا فِي لُزُومِ الدَّمِ بَلْ ذَاكَ إذَا لَمْ يَبْلُغْ مَبْلَغَ الْكَثْرَةِ فِي نَفْسِهِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ. وَقَدْ قَدَّمْنَا عَنْ قَاضِي خَانْ أَنَّهُ لَوْ خَلَطَ الطِّيبَ بِطَعَامٍ مِنْ غَيْرِ طَبْخٍ فَالْعِبْرَةُ لِلْغَالِبِ فَإِنْ كَانَ الطِّيبُ مَغْلُوبًا فَلَا شَيْءَ أَصْلًا زَادَ بَعْضُهُمْ إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ إذَا كَانَ رَائِحَتُهُ تُوجَدُ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ غَالِبًا فَهُوَ كَالْخَالِصِ، وَهَكَذَا فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ، وَقَالُوا: وَلَوْ خَلَطَهُ بِمَشْرُوبٍ، وَهُوَ غَالِبٌ فَفِيهِ الدَّمُ، وَإِنْ كَانَ مَغْلُوبًا فَصَدَقَةٌ إلَّا أَنْ يَشْرَبَ مِرَارًا فَدَمٌ فَإِنْ كَانَ لِلتَّدَاوِي خُيِّرَ وَيَنْبَغِي أَنْ يُسَوِّيَ بَيْنَ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ الْمَخْلُوطِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِطِيبٍ مَغْلُوبٍ أَمَّا بِعَدَمِ شَيْءٍ أَصْلًا كَمَا هُوَ الْحُكْمُ فِي الْمَأْكُولِ أَوْ بِوُجُوبِ الصَّدَقَةِ فِيهِمَا كَمَا هُوَ الْحُكْمُ فِي الْمَشْرُوبِ، وَمَا فَرَّقَ بِهِ فِي الْمُحِيطِ مِنْ أَنَّ الطِّيبَ مِمَّا يُقْصَدُ شُرْبُهُ فَإِذَا خَلَطَهُ بِمَشْرُوبٍ لَمْ يَصِرْ تَبَعًا لِمَشْرُوبٍ مِثْلِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَشْرُوبُ غَالِبًا كَمَا لَوْ خَلَطَ اللَّبَنَ بِالْمَاءِ فَشَرِبَهُ الصَّبِيُّ تَثْبُت حُرْمَةُ الرَّضَاعِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ غَالِبًا بِخِلَافِ أَكْلِهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِمَّا يُقْصَدُ عَادَةً فَإِذَا خُلِطَ بِالطَّعَامِ صَارَ تَبَعًا لِلطَّعَامِ وَسَقَطَ حُكْمُهُ فَفِيهِ نَظَرٌ مِنْ وَجْهَيْنِ. الْأَوَّلُ: أَنَّ مِنْ الطِّيبِ مَا يُقْصَدُ أَكْلًا إذَا كَانَ مِنْ الْمَأْكُولَاتِ لِلْمَعْنَى الْقَائِمِ بِهِ، وَهُوَ الطِّيبِيَّةُ إمَّا مُدَاوَاةً أَوْ تَنَعُّمًا مُنْفَرِدًا أَوْ مَخْلُوطًا كَمَا يُقْصَدُ شُرْبًا الثَّانِي أَنَّ الْقَصْدَ مِنْ هَذَا الْبَابِ لَيْسَ بِشَرْطٍ؛ لِأَنَّ النَّاسِيَ وَالْعَامِدَ وَالْجَاهِلَ سَوَاءٌ، وَذَكَرَ الْحَلَبِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ أَنِّي لَمْ أَرَهُمْ تَعَرَّضُوا بِمَاذَا تُعْتَبَرُ الْغَلَبَةُ؟ . وَظَهَرَ لِي أَنَّهُ إنْ وَجَدَ فِي الْمُخَالِطِ رَائِحَةَ الطِّيبِ كَمَا قَبْلَ الْخَلْطِ وَحَسَّ الذَّوْقُ السَّلِيمُ بِطَعْمِهِ فِيهِ حِسًّا ظَاهِرًا فَهُوَ غَالِبٌ، وَإِلَّا فَهُوَ مَغْلُوبٌ؛ لِأَنَّ الْمَنَاطَ كَثْرَةُ الْأَجْزَاءِ ثُمَّ قَالَ: لَمْ أَرَهُمْ تَعَرَّضُوا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي التَّفْصِيلِ أَيْضًا بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ أَكْلِ الطِّيبِ وَحْدَهُ، وَإِنَّهُ بِإِثْبَاتِهِ فِيهَا أَيْضًا لَجَدِيرٌ وَيُقَالُ إنْ كَانَ الطِّيبُ غَالِبًا، وَأَكَلَ مِنْهُ أَوْ شَرِبَ كَثِيرًا فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، وَإِلَّا فَصَدَقَةٌ، وَإِنْ كَانَ مَغْلُوبًا، وَأَكَلَ مِنْهُ أَوْ شَرِبَ كَثِيرًا فَصَدَقَةٌ، وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَعَلَّ الْكَثِيرَ مَا يَعُدُّهُ الْعَارِفُ الْعَدْلُ الَّذِي لَا يَشُوبُهُ شَرَهٌ وَنَحْوُهُ كَثِيرًا وَالْقَلِيلُ مَا عَدَاهُ. ثُمَّ قَالَ: وَلَا شَيْءَ فِي أَكْلِ مَا يُتَّخَذُ مِنْ الْحَلْوَاءِ الْمُبَخَّرَةِ بِالْعُودِ وَنَحْوِهِ، وَإِنَّمَا يُكْرَهُ إذَا كَانَتْ رَائِحَتُهُ تُوجَدُ مِنْهُ بِخِلَافِ الْحَلْوَاءِ الْمُسَمَّى بِالْقَاوُوتِ الْمُضَافِ إلَى أَجْزَائِهَا الْمَاوَرْدَ وَالْمِسْكَ فَإِنَّ فِي أَكْلِ الْكَثِيرِ دَمًا وَالْقَلِيلِ صَدَقَةً، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِحَقَائِق الْأَحْوَالِ. (قَوْلُهُ: أَوْ لَبِسَ مَخِيطًا أَوْ غَطَّى رَأْسَهُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: لَكِنَّهُ يَتَخَيَّرُ إذَا كَانَ لِعُذْرٍ) أَيْ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الدَّمِ وَالصَّوْمِ وَالْإِطْعَامِ (قَوْلُهُ: وَكَذَا إذَا أَكَلَ الْكَثِيرَ مِنْ الطِّيبِ إلَخْ) ، وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا بِأَنْ لَمْ يَلْتَصِقْ بِأَكْثَرَ فَمِهِ فَعَلَيْهِ الصَّدَقَةُ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا أَكَلَهُ كَمَا هُوَ أَيْ مِنْ غَيْرِ خَلْطٍ أَوْ طَبْخٍ أَمَّا إذَا خَلَطَهُ بِطَعَامٍ قَدْ طُبِخَ كَالزَّعْفَرَانِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ سَوَاءٌ مَسَّهُ النَّارُ أَوْ لَا وَسَوَاءٌ يُوجَدُ رِيحُهُ أَوْ لَا إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ إنْ وَجَدَ رِيحَهُ، وَإِنْ خُلِطَ بِمَا يُؤْكَلُ بِلَا طَبْخٍ كَالزَّعْفَرَانِ بِالْمِلْحِ فَالْعِبْرَةُ بِالْغَلَبَةِ فَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ الْمِلْحَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ غَيْرَ أَنَّهُ إنْ كَانَ رَائِحَتُهُ مَوْجُودَةً كُرِهَ أَكْلُهُ، وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ الطِّيبَ فَفِيهِ الدَّمُ لُبَابٌ (قَوْلُهُ: فَهُوَ كَالْخَالِصِ) أَيْ فَيَجِبُ الْجَزَاءُ، وَإِنْ لَمْ تَظْهَرْ رَائِحَتُهُ كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُسَوِّيَ إلَخْ) أَقُولُ: لَمْ يُفَرِّقْ الزَّيْلَعِيُّ فِي الْمَخْلُوطِ بِالْمَأْكُولِ بَيْنَ الْغَالِبِ وَالْمَغْلُوبِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَشْرُوبِ فَإِنَّهُ قَالَ: لَوْ أَكَلَ زَعْفَرَانًا مَخْلُوطًا بِطَعَامٍ أَوْ طِيبٍ آخَرَ، وَلَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ يَلْزَمُهُ دَمٌ، وَإِنْ مَسَّتْهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ فِي الْمَشْرُوبِ. اهـ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا يَأْتِي عَنْ الْحَلَبِيِّ أَيْضًا. (قَوْلُهُ: وَظَهَرَ لِي أَنَّهُ إنْ وَجَدَ إلَخْ) اُنْظُرْ هَلْ يُمْكِنُ أَنْ يَجْرِيَ هُنَا مَا مَرَّ عَنْ الْفَتْحِ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فِي الثَّوْبِ ثُمَّ إنَّ هَذَا الْفَرْقَ يُنَافِيهِ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْفَتْحِ مِنْ أَنَّهُ إذَا كَانَ الطِّيبُ غَالِبًا يَجِبُ الْجَزَاءُ، وَإِنْ لَمْ تَظْهَرْ رَائِحَتُهُ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَنَاطَ كَثْرَةُ الْأَجْزَاءِ لَا وُجُودُ الرَّائِحَةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: ثُمَّ قَالَ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّهُمْ أَوْجَبُوا الْكَفَّارَةَ فِيمَا إذَا أَكَلَ أَوْ شَرِبَ مِمَّا كَانَ الطِّيبُ فِيهِ غَالِبًا، وَلَمْ يَفْصِلُوا بَيْنَ مَا إذَا أَكَلَ أَوْ شَرِبَ مِنْ ذَلِكَ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا، وَكَذَا فِيمَا إذَا كَانَ مَغْلُوبًا وَيَنْبَغِي التَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ فَإِنَّهُ يَبْعُدُ أَنْ يَجِبَ بِأَكْلِ لُقْمَةٍ مَثَلًا كَمَا يَجِبُ بِأَكْلِ الْكَثِيرِ (قَوْلُهُ: وَأَكَلَ مِنْهُ أَوْ شَرِبَ كَثِيرًا) الضَّمِيرُ يَعُودُ إلَى الْمَخْلُوطِ بِالطِّيبِ الْغَالِبِ طَعَامًا أَوْ شَرَابًا (قَوْلُهُ: فَإِنَّ فِي أَكْلِ الْكَثِيرِ دَمًا وَالْقَلِيلِ صَدَقَةً) قَالَ: فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة يَتَأَمَّلُ فِي حُكْمِ الْمِسْكِ الْمُضَافِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 6 يَوْمًا، وَإِلَّا تَصَدَّقَ) مَعْطُوفٌ عَلَى طَيَّبَ بَيَانٌ لِلثَّانِي وَالثَّالِثِ مِنْ النَّوْعِ الْأَوَّلِ وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ فِيهِمَا وَاحِدٌ مِنْ حَيْثُ التَّقْدِيرُ بِالزَّمَانِ فَإِنَّ قَوْلَهُ يَوْمًا رَاجِعٌ إلَى اللُّبْسِ وَالتَّغْطِيَةِ، وَكَذَا قَوْلُهُ: وَإِلَّا تَصَدَّقَ أَيْ، وَإِنْ كَانَ لُبْسُ الْمَخِيطِ وَتَغْطِيَةُ الرَّأْسِ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ لَزِمَهُ صَدَقَةٌ لِمَا عُلِمَ أَنَّ كَمَالَ الْعُقُوبَةِ بِكَمَالِ الْجِنَايَةِ، وَهُوَ بِكَمَالِ الِارْتِفَاقِ، وَهُوَ بِالدَّوَامِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا دَفْعُ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ، وَالْيَوْمَ يَشْتَمِلُ عَلَيْهِمَا فَوَجَبَ الدَّمُ وَالْجِنَايَةُ قَاصِرَةٌ فِيمَا دُونَهُ فَوَجَبَتْ الصَّدَقَةُ. وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ تَغْطِيَةَ الرَّأْسِ مِنْ جُمْلَةِ لُبْسِ الْمَخِيطِ فَهِيَ جِنَايَةٌ وَاحِدَةٌ لِمَا سَيَأْتِي أَنَّهُ لَوْ لَبِسَ الْقَمِيصَ وَالْعِمَامَةَ يَلْزَمُهُ دَمٌ وَاحِدٌ عَلَّلُوا بِأَنَّ الْجِنَايَةَ وَاحِدَةٌ وَحَقِيقَةُ لُبْسِ الْمَخِيطِ أَنْ يَحْصُلَ بِوَاسِطَةِ الْخِيَاطَةِ اشْتِمَالٌ عَلَى الْبَدَنِ وَاسْتِمْسَاكٌ فَلِذَا لَوْ ارْتَدَى بِالْقَمِيصِ أَوْ اتَّشَحَ أَوْ ائْتَزَرَ بِالسَّرَاوِيلِ فَلَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْبَسْهُ لُبْسَ الْمَخِيطِ لِعَدَمِ الِاشْتِمَالِ، وَكَذَا لَوْ أَدْخَلَ مَنْكِبَيْهِ فِي الْقَبَاءِ، وَلَمْ يُدْخِلْ يَدَيْهِ فِي الْكُمَّيْنِ، وَلَمْ يَزُرَّهُ لِعَدَمِ الِاشْتِمَالِ أَمَّا إذَا أَدْخَلَ يَدَيْهِ أَوْ زَرَّهُ فَهُوَ لُبْسُ الْمَخِيطِ لِوُجُودِهِمَا بِخِلَافِ الرِّدَاءِ فَإِنَّهُ إذَا اتَّزَرَ بِهِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَعْقِدَهُ بِحَبْلٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَمَعَ هَذَا لَوْ فَعَلَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْبَسْهُ لُبْسَ الْمَخِيطِ لِعَدَمِ الِاشْتِمَالِ أَطْلَقَ فِي اللُّبْسِ فَشَمَلَ مَا إذَا أَحْدَثَ اللُّبْسَ بَعْدَ الْإِحْرَامِ أَوْ أَحْرَمَ، وَهُوَ لَابِسُهُ فَدَامَ عَلَى ذَلِكَ بِخِلَافِ انْتِفَاعِهِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ بِالطِّيبِ السَّابِقِ عَلَيْهِ قَبْلَهُ لِلنَّصِّ، وَلَوْلَاهُ لَأَوْجَبْنَا فِيهِ أَيْضًا وَشَمَلَ مَا إذَا كَانَ نَاسِيًا أَوْ عَامِدًا عَالِمًا أَوْ جَاهِلًا مُخْتَارًا أَوْ مُكْرَهًا فَيَجِبُ الْجَزَاءُ عَلَى النَّائِمِ لَوْ غَطَّى إنْسَانٌ رَأْسَهُ؛ لِأَنَّ الِارْتِفَاقَ حَصَلَ لَهُ، وَعَدَمُ الِاخْتِيَارِ أَسْقَطَ الْإِثْمَ عَنْهُ كَالنَّائِمِ الْمُنْقَلِبِ عَلَى شَيْءٍ أَتْلَفَهُ، وَشَمَلَ مَا إذَا لَبِسَ ثَوْبًا وَاحِدًا أَوْ جَمَعَ اللِّبَاسَ كُلَّهُ الْقَمِيصَ وَالْعِمَامَةَ وَالْخُفَّيْنِ وَلِذَا لَمْ يَقُلْ لَبِسَ ثَوْبًا كَغَيْرِهِ. وَبَيَّنَ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ الْيَوْمِ، وَمَا دُونَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ الزَّائِدِ عَلَيْهِ لِيُفِيدَ أَنَّهُ كَالْيَوْمِ فَلَوْ لَبِسَ الْمَخِيطَ وَدَامَ عَلَيْهِ أَيَّامًا أَوْ كَانَ يَنْزِعُهُ لَيْلًا وَيُعَاوِدُهُ نَهَارًا أَوْ عَكْسُهُ يَلْزَمُهُ دَمٌ وَاحِدٌ مَا لَمْ يَعْزِمْ عَلَى التَّرْكِ عِنْدَ النَّزْعِ فَإِنْ عَزَمَ عَلَيْهِ ثُمَّ لَبِسَ تَعَدَّدَ الْجَزَاءُ كَفَّرَ لِلْأَوَّلِ أَوَّلًا، وَفِي الثَّانِي خِلَافُ مُحَمَّدٍ، وَلَوْ لَبِسَ يَوْمًا فَأَرَاقَ دَمًا ثُمَّ دَاوَمَ عَلَى لُبْسِهِ يَوْمًا آخَرَ كَانَ عَلَيْهِ دَمٌ آخَرُ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّ لِلدَّوَامِ فِيهِ حُكْمَ الِابْتِدَاءِ، وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ، وَعِنْدِي الْمُودِعُ إذَا لَبِسَ قَمِيصَ الْوَدِيعَةِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُودِعِ فَنَزَعَهُ بِاللَّيْلِ لِلنَّوْمِ فَسُرِقَ الْقَمِيصُ فِي اللَّيْلِ فَإِنْ كَانَ مِنْ قَصْدِهِ أَنْ يَلْبَسَ الْقَمِيصَ مِنْ الْغَدِ لَا يُعَدُّ هَذَا تَرْكَ الْخِلَافِ وَالْعَوْدَ إلَى الْوِفَاقِ حَتَّى يَضْمَنَ، وَإِنْ كَانَ مِنْ قَصْدِهِ أَنْ لَا يَلْبَسَ الْقَمِيصَ مِنْ الْغَدِ كَانَ هَذَا تَرْكَ الْخِلَافِ حَتَّى لَا يَضْمَنَ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ اللُّبْسَ شَيْءٌ   [منحة الخالق] إلَى الْحَلْوَى مَعَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ اخْتِلَاطِهِ بِمَا يُؤْكَلُ وَيُطْبَخُ، وَفِيمَا إذَا لَمْ يُطْبَخْ. اهـ. أَيْ فَإِنَّ الَّذِي تَقَدَّمَ أَنَّهُ إنْ جَعَلَهُ فِي طَعَامٍ وَطُبِخَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ خَلَطَهُ بِمَا يُؤْكَلُ بِلَا طَبْخٍ فَإِنْ كَانَ مَغْلُوبًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ غَالِبًا وَجَبَ الْجَزَاءُ، وَإِنْ لَمْ تَظْهَرْ رَائِحَتُهُ، وَعَلَى هَذَا فَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذِهِ الْحَلْوَى غَيْرُ مَطْبُوخَةٍ، وَإِنْ طَيَّبَهَا غَالِبٌ لِيُوَافِقَ مَا تَقَدَّمَ. (قَوْلُهُ: لَمَّا عَلِمَ أَنَّ الْعُقُوبَةَ بِكَمَالِ الْجِنَايَةِ إلَخْ) مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ بِنُسُكٍ، وَهُوَ لَابِسٌ الْمَخِيطَ، وَأَدَّى ذَلِكَ النُّسُكَ بِتَمَامِهِ فِي أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ وَحَلَّ مِنْهُ أَنْ تَلْزَمَهُ صَدَقَةٌ إلَّا أَنْ يُوجَدَ نَصٌّ صَرِيحٌ بِخِلَافِهِ فَإِنْ قُلْت التَّجَرُّدُ عَنْ الْمَخِيطِ فِي النُّسُكِ وَاجِبٌ مُطْلَقًا سَوَاءٌ طَالَ زَمَنُ إحْرَامِهِ أَمْ قَصُرَ وَالتَّقْدِيرُ بِالْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا طَالَ زَمَنُ الْإِحْرَامِ أَمَّا إذَا قَصُرَ فَقَدْ حَصَلَ لَهُ فِي نُسُكِهِ ارْتِفَاقٌ كَامِلٌ فَيَكُونُ تَارِكًا لِوَاجِبٍ مِنْ وَاجِبَاتِ إحْرَامِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ الدَّمُ قُلْت لَا شَكَّ فِي نَفَاسَتِهِ، وَلَكِنْ يَحْتَاجُ إلَى نَقْلٍ صَرِيحٍ. اهـ. مُلَخَّصًا. مِنْ حَاشِيَةِ الْمَدَنِيِّ عَنْ شَرْحِ الْمَنْسَكِ لِلشَّيْخِ عَبْدِ اللَّهِ الْعَفِيفِ، وَفِيهَا عَنْ فَتَاوَى تِلْمِيذِهِ الْفَاضِلِ عَبْدِ اللَّهِ أَفَنْدِي عَتَاقِيٍّ أَنَّهُ مَالَ إلَى وُجُوبِ الدَّمِ. (قَوْلُهُ: وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ تَغْطِيَةَ الرَّأْسِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: التَّحْقِيقُ أَنَّ بَيْنَ لُبْسِ الْمَخِيطِ وَالتَّغْطِيَةِ عُمُومًا وَخُصُوصًا مُطْلَقًا فَيَجْتَمِعَانِ فِي التَّغْطِيَةِ فِي نَحْوِ الْعِرْقِيَّةِ الْمَخِيطَةِ وَتَنْفَرِدُ التَّغْطِيَةُ بِوَضْعِ نَحْوِ الشَّاشِ مِمَّا لَيْسَ مَخِيطًا عَلَى رَأْسِهِ، وَهَذَا كَافٍ فِي صِحَّةِ التَّغَايُرِ. (قَوْلُهُ: بِوَاسِطَةِ الْخِيَاطَةِ) يَرُدُّ عَلَيْهِ اللَّبَّادُ الْمُشْتَغِلُ بِاللَّصْقِ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ خِيَاطَةٌ مَعَ أَنَّهُ عُدَّ مِنْ الْمَخِيطِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِالْخِيَاطَةِ انْضِمَامُ بَعْضِ الْأَجْزَاءِ بِبَعْضِهَا شَرْحِ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ: أَوْ جَمَعَ اللِّبَاسَ كُلَّهُ) أَيْ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ كَذَا فِي شَرْحِ اللُّبَابِ، وَمُفَادُهُ أَنَّهُ لَوْ اخْتَلَفَ الْمَجْلِسُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ تَعَدَّدَ الْجَزَاءُ وَسَنَذْكُرُ عَنْهُ قَرِيبًا مَا يُخَالِفُهُ (قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَعْزِمْ عَلَى التَّرْكِ إلَخْ) أَيْ لَمْ يَنْزِعْهُ عَلَى غُرْمِ التَّرْكِ بَلْ نَزَعَهُ عَلَى قَصْدِ أَنْ يَلْبَسَهُ ثَانِيًا أَوْ خَلَعَهُ لِيَلْبَسَ بَدَلَهُ كَذَا فِي شَرْحِ اللُّبَابِ فَقَدْ أَفَادَ أَنَّ خَلْعَهُ لِتَبْدِيلِهِ بِغَيْرِهِ لَا يَتَعَدَّدُ بِهِ الْجَزَاءُ فَلْيُحْفَظْ فَإِنَّهُ كَثِيرُ الْوُقُوعِ (قَوْلُهُ: وَفِي الثَّانِي) أَيْ فِيمَا إذَا لَمْ يُكَفِّرْ لِلْأَوَّلِ (قَوْلُهُ: وَعِنْدِي الْمُودَعُ) كَذَا فِي هَذِهِ النُّسْخَةِ بِإِضَافَةِ عِنْدَ إلَى يَاءِ الْمُتَكَلِّمِ، وَهَكَذَا رَأَيْته فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ بِدُونِ يَاءٍ (قَوْلُهُ: فَالْحَاصِلُ إلَخْ) قَالَ فِي اللُّبَابِ: تَنْبِيهٌ: قَدْ يَتَعَدَّدُ الْجَزَاءُ فِي لُبْسٍ وَاحِدٍ بِأُمُورٍ: الْأَوَّلُ التَّكْفِيرُ بَيْنَ اللُّبْسَيْنِ بِأَنْ لَبِسَ ثُمَّ كَفَّرَ وَدَامَ عَلَى لُبْسِهِ، وَلَمْ يَنْزِعْهُ. وَالثَّانِي تَعَدُّدُ السَّبَبِ. وَالثَّالِثُ الِاسْتِمْرَارُ عَلَى اللُّبْسِ بَعْدَ زَوَالِ الْعُذْرِ. وَالرَّابِعُ حُدُوثُ عُذْرٍ آخَرَ. وَالْخَامِسُ لُبْسُ الْمَخِيطِ الْمَصْبُوغِ بِطِيبٍ لِلرَّجُلِ وَيَتَّحِدُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 7 وَاحِدٌ مَا لَمْ يَتْرُكْهُ وَيَعْزِمْ عَلَى التَّرْكِ. اهـ. وَاعْلَمْ أَنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ إيجَابِ الْجَزَاءِ إذَا لَبِسَ جَمِيعَ الْمَخِيطِ مَحِلُّهُ مَا إذَا لَمْ يَتَعَدَّدْ سَبَبُ اللُّبْسِ فَإِنْ تَعَدَّدَ كَمَا إذَا اُضْطُرَّ إلَى لُبْسِ ثَوْبٍ فَلَبِسَ ثَوْبَيْنِ فَإِنْ لَبِسَهُمَا عَلَى مَوْضِعِ الضَّرُورَةِ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ يَتَخَيَّرُ فِيهَا، وَإِنْ لَبِسَهُمَا عَلَى مَوْضِعِ الضَّرُورَةِ وَغَيْرِهِ لَزِمَهُ كَفَّارَتَانِ يَتَخَيَّرُ فِيهَا لِلضَّرُورَةِ فَقَطْ، وَمِنْ صُوَرِ تَعَدُّدِ اللُّبْسِ وَاتِّحَادِهِ مَا إذَا كَانَ بِهِ مَثَلًا حُمًّى يَحْتَاجُ إلَى اللُّبْسِ لَهَا وَيَسْتَغْنِي عَنْهُ فِي وَقْتِ زَوَالِهَا فَإِنَّ عَلَيْهِ كَفَّارَةً وَاحِدَةً، وَإِنْ تَعَدَّدَ اللُّبْسُ مَا لَمْ تَزُلْ عَنْهُ فَإِنْ زَالَتْ، وَأَصَابَهُ مَرَضٌ آخَرُ أَوْ حُمًّى غَيْرُهَا فَعَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ كَفَّرَ لِلْأُولَى أَوْ لَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ فِي الثَّانِي، وَكَذَا إذَا حَصَرَهُ عَدُوٌّ فَاحْتَاجَ إلَى اللُّبْسِ لِلْقِتَالِ أَيَّامًا يَلْبَسُهَا إذَا خَرَجَ إلَيْهِ وَيَنْزِعُهَا إذَا رَجَعَ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ مَا لَمْ يَذْهَبْ هَذَا الْعَدُوُّ فَإِنْ ذَهَبَ وَجَاءَ عَدُوٌّ غَيْرُهُ لَزِمَهُ كَفَّارَةٌ أُخْرَى. وَالْأَصْلُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّهُ يَنْظُرُ إلَى اتِّحَادِ الْجِهَةِ وَاخْتِلَافِهَا لَا إلَى صُورَةِ اللُّبْسِ كَيْفَ كَانَتْ، وَلَوْ لَبِسَ لِضَرُورَةٍ فَزَالَتْ فَدَامَ بَعْدَهَا يَوْمًا وَيَوْمَيْنِ فَمَا دَامَ فِي شَكٍّ مِنْ زَوَالِ الضَّرُورَةِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ تَيَقَّنَ زَوَالَهَا كَانَ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ أُخْرَى لَا يَتَخَيَّرُ فِيهَا هَكَذَا ذَكَرُوا، وَذَكَرَ الْحَلَبِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ أَنَّ مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ إذَا لَبِسَ شَيْئًا مِنْ الْمَخِيطِ لِدَفْعِ بَرْدٍ ثُمَّ صَارَ يَنْزِعُ وَيَلْبَسُ كَذَلِكَ ثُمَّ زَالَ ذَلِكَ الْبَرْدُ ثُمَّ أَصَابَهُ بَرْدٌ آخَرُ غَيْرَ الْأَوَّلِ عُرِفَ ذَلِكَ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ الْمُفِيدَةِ لِمَعْرِفَتِهِ فَلَبِسَ لِذَلِكَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ. اهـ. وَشَمَلَ كَلَامُهُ أَيْضًا مَا إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَ الْمَخِيطِ فَلِذَا قَالَ فِي الْمَجْمَعِ: وَلَوْ لَمْ يَجِدْ إلَّا السَّرَاوِيلَ فَلَبِسَهُ، وَلَمْ يَفْتُقْهُ نُوجِبُهُ أَيْ الدَّمَ، وَأَطْلَقَ فِي التَّغْطِيَةِ فَانْصَرَفَتْ إلَى الْكَامِلِ، وَهُوَ مَا يُغَطِّي بِهِ عَادَةً كَالْقَلَنْسُوَةِ وَالْعِمَامَةِ فَخَرَجَ مَا لَا يُغَطَّى بِهِ عَادَةً كَالطِّسْتِ وَالْإِجَّانَةِ وَالْعَدْلِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَعَلَى هَذَا يُفَرَّعُ مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ مَا لَوْ دَخَلَ الْمُحْرِمُ تَحْتَ سِتْرِ الْكَعْبَةِ فَإِنْ كَانَ يُصِيبُ وَجْهَهُ وَرَأْسَهُ فَهُوَ مَكْرُوهٌ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَلَا بَأْسَ بِهِ وَظَاهِرُ مَا فِي الْمُتُونِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَغْطِيَةِ جَمِيعِ الرَّأْسِ فِي لُزُومِ الدَّمِ، وَمَا رَأَيْته رِوَايَةٌ، وَلِهَذَا لَمْ يُصَرِّحُوا بِحُكْمِ مَا دُونَهَا، وَإِنَّمَا الْمَنْقُولُ عَنْ الْأَصْلِ اعْتِبَارُ الرُّبْعِ، وَمَشَى عَلَيْهِ   [منحة الخالق] الْجَزَاءُ مَعَ تَعَدُّدِ اللُّبْسِ بِأُمُورٍ مِنْهَا اتِّحَادُ السَّبَبِ، وَعَدَمُ الْعَزْمِ عَلَى التَّرْكِ عِنْدَ النَّزْعِ وَجَمْعُ اللِّبَاسِ كُلِّهِ فِي مَجْلِسٍ أَوْ يَوْمٍ. اهـ. قَالَ شَارِحُهُ أَيْ مَعَ اتِّحَادِ السَّبَبِ. ثُمَّ قَالَ: وَاعْلَمْ أَنَّهُ ذَكَرَ بَعْضُهُمْ مَا يُفِيدُ أَنَّ الْيَوْمَ فِي اتِّحَادِ الْجَزَاءِ فِي حُكْمِ اللُّبْسِ كَالْمَجْلِسِ فِي غَيْرِهِ مِنْ الطِّيبِ وَالْحَلْقِ وَالْقَصِّ وَالْجِمَاعِ كَمَا سَيَأْتِي؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الْفَارِسِيُّ وَالطَّرَابُلُسِيّ أَنَّهُ إنْ لَبِسَ الثِّيَابَ كُلَّهَا مَعًا، وَلَبِسَ خُفَّيْنِ فَعَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ، وَإِنْ لَبِسَ قَمِيصًا بَعْدَ يَوْمِهِ ثُمَّ لَبِسَ فِي يَوْمِهِ سَرَاوِيلَ ثُمَّ لَبِسَ خُفَّيْنِ، وَقَلَنْسُوَةً عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَيَّدَ بِالْيَوْمِ لَا بِالْمَجْلِسِ، وَفِي الْكَرْمَانِيِّ، وَلَوْ جَمَعَ اللِّبَاسَ كُلَّهُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ لِوُقُوعِهِ عَلَى جِهَةِ وَاحِدَةٍ وَسَبَبٍ وَاحِدٍ فَصَارَ كَجِنَايَةٍ وَاحِدَةٍ، وَمِثْلُهُ مَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ فِي حَلْقِ الرَّأْسِ إذَا حَلَقَ فِي أَرْبَعِ مَجَالِسَ عَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ، وَقِيلَ عَلَيْهِ أَرْبَعُ دِمَاءٍ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي مُنْيَةِ النَّاسِكِ بِتَعَدُّدِ الْجَزَاءِ فِي تَعَدُّدِ الْأَيَّامِ حَيْثُ قَالَ: وَإِنْ لَبِسَ الْعِمَامَةَ يَوْمًا ثُمَّ لَبِسَ الْقَمِيصَ يَوْمًا آخَرَ ثُمَّ الْخُفَّيْنِ يَوْمًا آخَرَ ثُمَّ السَّرَاوِيلَ يَوْمًا آخَرَ فَعَلَيْهِ لِكُلِّ لُبْسٍ دَمٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: كَمَا إذَا اُضْطُرَّ إلَى لُبْسِ ثَوْبٍ فَلَبِسَ ثَوْبَيْنِ) قَالَ فِي الْفَتْحِ، وَكَذَلِكَ نَحْوُ أَنْ يَضْطَرَّ إلَى لُبْسِ قَمِيصٍ فَلَبِسَ قَمِيصَيْنِ أَوْ قَمِيصًا وَجُبَّةً أَوْ اُضْطُرَّ إلَى لُبْسِ قَلَنْسُوَةٍ فَلَبِسَهَا مَعَ عِمَامَتِهِ. اهـ. وَكَذَا فِي الْمِعْرَاجِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ، وَإِنَّمَا ذَكَرْنَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُؤَلِّفَ سَيَذْكُرُ مَا يُخَالِفُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ، وَإِنْ تَطَيَّبَ أَوْ لَبِسَ إلَخْ فَتَنَبَّهْ لَهُ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ لَبِسَهُمَا عَلَى مَوْضِعِ الضَّرُورَةِ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ) ، وَكَذَا إذَا لَبِسَهُمَا عَلَى مَوْضِعَيْنِ لِضَرُورَةٍ بِهِمَا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ بِأَنْ لَبِسَ عِمَامَةً وَخُفًّا بِعُذْرٍ فِيهِمَا فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ كَفَّارَةُ الضَّرُورَةِ؛ لِأَنَّ اللُّبْسَ عَلَى وَجْهٍ وَاحِدٍ فَتَجِبُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ كَذَا فِي شَرْحِ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ: وَمِنْ صُوَرِ تَعَدُّدِ اللُّبْسِ) كَذَا فِي النُّسَخِ الَّتِي رَأَيْتهَا، وَاَلَّذِي فِي الْفَتْحِ وَالنَّهْرِ عَنْهُ السَّبَبُ بَدَلُ اللُّبْسِ. (قَوْلُهُ: وَذَكَرَ الْحَلَبِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ أَنَّ مُقْتَضَاهُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَالْحُكْمُ فِي الْمَذْهَبِ مَسْطُورٌ كَذَلِكَ ثُمَّ سَاقَ عَنْ الْفَتْحِ مَسْأَلَةَ الْحُمَّى السَّابِقَةِ (قَوْلُهُ: وَمَا رَأَيْته رِوَايَةٌ) أَيْ مَا رَأَيْت ظَاهِرَ مَا فِي الْمُتُونِ مَرْوِيًّا، وَقَوْلُهُ وَلِهَذَا عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ يَقْتَضِي لَا لِقَوْلِهِ، وَمَا رَأَيْته، وَالضَّمِيرُ فِي لَمْ يُصَرِّحُوا لِأَصْحَابِ الْمُتُونِ، وَفِي شَرْحِ اللُّبَابِ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا سَتَرَ بَعْضَ كُلٍّ مِنْهُمَا أَيْ الْوَجْهَ وَالرَّأْسَ فَالْمَشْهُورُ مِنْ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ اعْتَبَرَ الرُّبْعَ فَبِتَغْطِيَةِ رُبْعِ الرَّأْسِ يَجِبُ مَا يَجِبُ بِكُلِّهِ كَمَا ذُكِرَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، وَهُوَ الصَّحِيحُ عَلَى مَا قَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ أَكْثَرُ الرَّأْسِ عَلَى مَا نَقَلَ عَنْهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي وَالْمَبْسُوطِ وَنَقَلَهُ فِي الْمُحِيطِ وَالذَّخِيرَةِ وَالْبَدَائِعِ وَالْكَرْمَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدٍ لَكِنْ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ، وَقِيَاسُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنْ يُعْتَبَرَ فِيهِ الْوُجُوبَ بِحِسَابِهِ مِنْ الدَّمِ. اهـ. وَكَذَا الْحُكْمُ فِي الْوَجْهِ عَلَى مَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمَا، وَأَمَّا مَا فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ، وَإِنْ غَطَّى ثُلُثَ رَأْسِهِ أَوْ رُبْعَهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْحَلْقِ فَهُوَ شَاذٌّ مُخَالِفٌ لِكَلَامِ غَيْرِهِ بَلْ لِكَلَامِهِ أَيْضًا فَإِنَّهُ قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: وَبِتَغَطِّيهِ رُبْعِ وَجْهِهِ أَوْ رُبْعِ رَأْسِهِ يَجِبُ مَا يَجِبُ بِكُلِّهِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: أَرَادَ بِقَوْلِهِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ أَيْ مِنْ الدَّمِ لَا مِنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 8 كَثِيرٌ وَاخْتَارَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ، وَعَزَاهُ فِي الْهِدَايَةِ إلَى أَنَّهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ اعْتِبَارُ الْأَكْثَرِ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَيْضًا كَمَا اُعْتُبِرَ أَكْثَرُ الْيَوْمِ فِي لُزُومِ الدَّمِ وَاخْتَارَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ جِهَةِ الدِّرَايَةِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الرُّبْعَ رَاجِحٌ رِوَايَةً وَالْأَكْثَرُ رَاجِحٌ دِرَايَةً بِاعْتِبَارِ أَنَّ تَكَامُلَ الْجِنَايَةِ لَا يَحْصُلُ بِمَا دُونَ الْأَكْثَرِ بِخِلَافِ حَلْقِ رُبْعِ الرَّأْسِ فَإِنَّهُ مُعْتَادٌ وَيَتَفَرَّعُ عَلَى هَذَا مَا لَوْ عَصَبَ رَأْسَهُ بِعِصَابَةٍ فَعَلَى اعْتِبَارِ الرُّبْعِ إنْ أَخَذَتْ قَدْرَهُ مِنْ الرَّأْسِ لَزِمَهُ دَمٌ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ فَصَدَقَةٌ فَمَا فِي الْمَبْسُوطِ وَالظَّهِيرِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ عَصَبَ رَأْسَهُ يَوْمًا فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ تَأْخُذْ قَدْرَ الرُّبْعِ أَوْ مُفَرَّعٌ عَلَى اعْتِبَارِ الْأَكْثَرِ. وَأَرَادَ بِالرَّأْسِ عُضْوًا يَحْرُمُ تَغْطِيَتُهُ عَلَى الْمُحْرِمِ فَدَخَلَ الْوَجْهُ فَلَوْ غَطَّى رُبْعَهُ لَزِمَهُ دَمٌ رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً وَخَرَجَ مَا لَا يَحْرُمُ تَغْطِيَتُهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لَوْ عَصَبَ مَوْضِعًا آخَرَ مِنْ جَسَدِهِ، وَلَوْ كَثُرَ لَكِنَّهُ يُكْرَهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ كَعَقْدِ الْإِزَارِ وَتَخْلِيلِ الرِّدَاءِ، وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُغَطِّيَ أُذُنَيْهِ وَقَفَاهُ، وَمِنْ لِحْيَتِهِ مَا هُوَ أَسْفَلُ مِنْ الذَّقَنِ بِخِلَافِ فِيهِ، وَعَارِضِهِ وَذَقَنِهِ، وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى أَنْفِهِ دُونَ ثَوْبٍ وَبَيَّنَ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ الْيَوْمِ، وَمَا دُونَهُ فَأَفَادَ أَنَّ اللَّيْلَةَ كَالْيَوْمِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَالْمُحِيطِ؛ لِأَنَّ الِارْتِفَاقَ الْكَامِلَ الْحَاصِلَ فِي الْيَوْمِ حَاصِلٌ فِي اللَّيْلَةِ، وَإِنَّ مَا دُونَهَا كَمَا دُونَهُ، وَأَطْلَقَ فِي وُجُوبِ الصَّدَقَةِ فِيمَا دُونَ الْيَوْمِ فَشَمَلَ السَّاعَةَ الْوَاحِدَةَ، وَمَا دُونَهَا خِلَافًا لِمَا فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ أَنَّهُ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ نِصْفُ صَاعٍ، وَفِي أَقَلَّ مِنْ سَاعَةٍ قَبْضَةٌ مِنْ بُرٍّ وَلِمَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ فِي لُبْسِ بَعْضِ الْيَوْمِ قِسْطَهُ مِنْ الدَّمِ كَثُلُثِ الْيَوْمِ فِيهِ ثُلُثُ الدَّمِ، وَفِي نِصْفِهِ نِصْفُهُ، وَمِنْ الْغَرِيبِ مَا فِي فَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ هُنَا فَإِنْ لَبِسَ مَا لَا يَحِلُّ لَهُ لُبْسُهُ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ أَرَاقَ لِذَلِكَ دَمًا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ. اهـ. فَإِنَّ الصَّوْمَ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي وُجُوبِ الْجِنَايَةِ بَلْ يَكُونُ الدَّمُ فِي ذِمَّتِهِ إلَى الْمَيْسَرَةِ، وَإِنَّمَا يَدْخُلُ الصَّوْمُ فِيمَا إذَا فَعَلَ شَيْئًا لِلْعُذْرِ كَمَا سَيَأْتِي. (قَوْلُهُ: أَوْ حَلَقَ رُبْعَ رَأْسِهِ أَوْ لِحْيَتِهِ، وَإِلَّا تَصَدَّقَ كَالْحَالِقِ أَوْ رَقَبَتَهُ أَوْ إبْطَيْهِ أَوْ أَحَدَهُمَا أَوْ مَحْجَمِهِ) مَعْطُوفٌ عَلَى طَيَّبَ، وَقَوْلُهُ أَوْ لِحْيَتِهِ بِالْجَرِّ مَعْطُوفٌ عَلَى رَأْسِهِ أَيْ حَلَقَ رُبْعَ لِحْيَتِهِ، وَقَوْلُهُ: وَإِلَّا أَيْ، وَإِنْ كَانَ حَلَقَ أَقَلَّ مِنْ رُبْعِ الرَّأْسِ أَوْ أَقَلَّ مِنْ رُبْعِ اللِّحْيَةِ يَلْزَمُهُ صَدَقَةٌ كَمَا يَلْزَمُ الْمُحْرِمَ إذَا حَلَقَ رَأْسَ غَيْرِهِ، وَقَوْلُهُ أَوْ رَقَبَتَهُ، وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ مَعْطُوفٌ عَلَى الرُّبْعِ أَيْ يَجِبُ الدَّمُ بِحَلْقِ الْمُحْرِمِ رَقَبَتَهُ كُلَّهَا أَوْ بِحَلْقِ إبْطَيْهِ أَوْ أَحَدَهُمَا أَوْ بِحَلْقِ مَحَاجِمِهِ وَالْمَحْجَمَةُ هُنَا بِالْفَتْحِ مَوْضِعُ الْمَحْجَمَةِ مِنْ الْعُنُقِ وَالْمِحْجَمَةُ بِالْكَسْرِ قَارُورَةُ الْحِجَامِ، وَكَذَا الْمِحْجَمُ بِطَرْحِ الْهَاءِ، وَقَوْلُهُمْ يَجِبُ غَسْلُ الْمَحَاجِمِ يَعْنِي مَوَاضِعَ الْحِجَامَةِ مِنْ الْبَدَنِ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ، وَإِنَّمَا كَانَ حَلْقُ رُبْعِ الرَّأْسِ أَوْ رُبْعِ اللِّحْيَةِ مُوجِبًا لِلدَّمِ لِتَكَامُلِ الْجِنَايَةِ بِتَكَامُلِ الِارْتِفَاقِ؛ لِأَنَّ بَعْضَ النَّاسِ يَعْتَادُهُ بِخِلَافِ تَطْيِيبِ رُبْعِ الْعُضْوِ فَإِنَّ الْجِنَايَةَ فِيهِ قَاصِرَةٌ، وَكَذَا تَغْطِيَةُ رُبْعِ الرَّأْسِ عَلَى قَوْلِ مَنْ اعْتَبَرَ الْأَكْثَرَ، وَإِذَا حَلَقَ أَقَلَّ مِنْ الرُّبْعِ فِيهِمَا تَقَاصَرَتْ الْجِنَايَةُ فَوَجَبَتْ الصَّدَقَةُ وَاعْتِبَارُ الرُّبْعِ فِي الْحَلْقِ رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ اعْتَمَدَهَا الْمَشَايِخُ، وَأَمَّا رِوَايَةُ الْأَصْلِ فَاعْتِبَارُ الثُّلُثِ، وَفِي الْمُحِيطِ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَجِبُ الدَّمُ بِحَلْقِ الْأَكْثَرِ. اهـ. وَأَرَادَ الْمُصَنِّفُ بِالْحَلْقِ الْإِزَالَةَ، سَوَاءٌ كَانَ بِالْمُوسَى أَوْ بِغَيْرِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ مُخْتَارًا أَوْ لَا فَلَوْ أَزَالَهُ بِالنُّورَةِ أَوْ نَتَفَ لِحْيَتَهُ أَوْ احْتَرَقَ شَعْرُهُ بِخُبْزَةٍ أَوْ مَسَّهُ بِيَدِهِ فَسَقَطَ فَهُوَ كَالْحَلْقِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا تَنَاثَرَ شَعْرُهُ بِالْمَرَضِ أَوْ النَّارِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلزِّينَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ شَيْنٌ كَذَا فِي الْمُحِيطِ أَيْضًا، وَأَطْلَقَ فِي وُجُوبِ الصَّدَقَةِ فِيمَا إذَا حَلَقَ أَقَلَّ مِنْ رُبْعِ الرَّأْسِ أَوْ اللِّحْيَةِ فَشَمَلَ مَا إذَا بَقِيَ شَيْءٌ بَعْدَ الْحَلْقِ أَوْ لَا فَكَذَا لَوْ كَانَ أَصْلَعَ عَلَى نَاصِيَتِهِ أَقَلُّ مِنْ رُبْعِ الرَّأْسِ فَإِنَّمَا فِيهِ صَدَقَةٌ وَكَذَا لَوْ حَلَقَ كُلَّ رَأْسِهِ، وَمَا عَلَيْهِ أَقَلُّ مِنْ رُبْعِ شَعْرِهِ كَمَا أَطْلَقَ وُجُوبَ الدَّمِ بِحَلْقِ   [منحة الخالق] الصَّدَقَةِ وَيَكُونُ بِنَاءً عَلَى قَوْلِهِمَا لَا عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَأَفَادَ أَنَّ اللَّيْلَةَ كَالْيَوْمِ) أَيْ فَإِذَا لَبِسَ لَيْلَةً وَجَبَ دَمٌ كَمَا فِي الْيَوْمِ قَالَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ مِقْدَارُ أَحَدِهِمَا فَيُفِيدُ أَنَّ مَنْ لَبِسَ مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ مِنْ غَيْرِ انْفِصَالٍ، وَكَذَا فِي عَكْسِهِ لَزِمَهُ دَمٌ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ: وَفِي أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ، وَلَيْلَةٍ صَدَقَةٌ وَتَمَامُهُ فِيهِ، وَفِي حَاشِيَةِ الْمَدَنِيِّ قَالَ الشَّيْخُ حَنِيفُ الدِّينِ الْمُرْشِدِيُّ، وَلَمْ أَرَ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ فِيمَا اطَّلَعْت عَلَيْهِ مِنْ الْمَنَاسِكِ وَغَيْرِهَا. اهـ. (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِمَا فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ أَرَادَ بِالسَّاعَةِ الْفَلَكِيَّةَ. (قَوْلُهُ: كَمَا سَيَأْتِي) أَيْ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَإِنْ تَطَيَّبَ أَوْ لَبِسَ أَوْ حَلَقَ بِعُذْرٍ لَكِنْ فِيهِ كَلَامٌ سَنَذْكُرُهُ. (قَوْلُهُ: وَأَرَادَ الْمُصَنِّفُ بِالْحَلْقِ الْإِزَالَةَ إلَخْ) يَشْمَلُ التَّقْصِيرَ فَفِي اللُّبَابِ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْحَلْقِ فِي وُجُوبِ الدَّمِ بِهِ وَالصَّدَقَةِ فَلَوْ قَصَّرَ كُلَّ الرَّأْسِ أَوْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 9 الرُّبْعِ فَلِذَا لَوْ كَانَ عَلَى رَأْسِهِ قَدْرُ رُبْعِ شَعْرِهِ لَوْ كَانَ شَعْرُ رَأْسِهِ كَامِلًا فَفِيهِ دَمٌ، قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: وَعَلَى هَذَا يَجِيءُ مِثْلُهُ فِيمَنْ بَلَغَتْ لِحْيَتُهُ الْغَايَةَ فِي الْخِفَّةِ، وَعُلِمَ مِنْ إيجَابِهِ الدَّمَ بِحَلْقِ أَحَدِ الْإِبْطَيْنِ أَوْ الْإِبْطَيْنِ أَنَّ جِنَايَةَ الْحَلْقِ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ تَعَدَّدَتْ فِي الْبَدَنِ فَلِذَا لَوْ حَلَقَ رَأْسَهُ وَلِحْيَتَهُ، وَإِبْطَيْهِ بَلْ كُلَّ بَدَنِهِ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ فَدَمٌ وَاحِدٌ بِشَرْطَيْنِ. الْأَوَّلُ: أَنْ لَا يَكُونَ كَفَّرَ لِلْأَوَّلِ فَلَوْ أَرَاقَ دَمًا لِحَلْقِ رَأْسِهِ ثُمَّ حَلْقِ لِحْيَتِهِ لَزِمَهُ آخَرُ. الثَّانِي أَنْ يَتَّحِدَ الْمَجْلِسُ فَإِذَا اخْتَلَفَ الْمَجْلِسُ فَلِكُلِّ مَجْلِسٍ مُوجِبُ جِنَايَتِهِ إنْ تَعَدَّدَ الْمَحَلُّ كَمَا ذَكَرْنَا، وَإِنْ اتَّحَدَ فَدَمٌ وَاحِدٌ، وَإِنْ اخْتَلَفَ الْمَجْلِسُ كَمَا إذَا حَلَقَ الرَّأْسَ فِي مَجَالِسَ وَخَالَفَ مُحَمَّدٌ فِيمَا إذَا تَعَدَّدَ الْمَحَلُّ فَأَلْحَقَهُ بِمَا إذَا اتَّحَدَ، وَظَاهِرُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَإِلَّا تَصَدَّقَ أَنَّ فِي إزَالَتِهِ لِشَعْرِ الرَّأْسِ أَوْ اللِّحْيَةِ إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ الرُّبْعِ نِصْفَ صَاعٍ، وَلَوْ كَانَ شَعْرَةً وَاحِدَةً فَإِنَّهُمْ قَالُوا كُلُّ صَدَقَةٍ فِي الْإِحْرَامِ غَيْرُ مُقَدَّرَةٍ فَهِيَ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ إلَّا مَا يَجِبُ بِقَتْلِ الْقَمْلَةِ وَالْجَرَادَةِ كَمَا أَنَّ وَاجِبَ الدَّمِ يَتَأَدَّى بِالشَّاةِ فِي جَمِيعِ الْمَوَاضِعِ إلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ مَنْ طَافَ لِلزِّيَارَةِ جُنُبًا أَوْ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ، وَمَنْ جَامَعَ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ قَبْلَ الطَّوَافِ فَإِنَّهُ بَدَنَةٌ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا لَكِنْ ذَكَرَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ أَنَّهُ إنْ نَتَفَ مِنْ رَأْسِهِ أَوْ مِنْ أَنْفِهِ أَوْ لِحْيَتِهِ شَعَرَاتٍ فَلِكُلِّ شَعْرَةٍ كَفٌّ مِنْ طَعَامٍ، وَفِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ فِي خُصْلَةٍ نِصْفُ صَاعٍ. فَظَهَرَ بِهَذَا أَنَّ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ اشْتِبَاهًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ الصَّدَقَةَ، وَلَمْ يَفْصِلْهَا، وَأَطْلَقَ فِي لُزُومِ الصَّدَقَةِ عَلَى الْحَالِقِ فَشَمَلَ مَا إذَا كَانَ مُحْرِمًا سَوَاءٌ كَانَ الْمَحْلُوقُ مُحْرِمًا أَوْ لَا أَوْ حَلَالًا وَالْمَحْلُوقُ رَأْسُهُ مُحْرِمٌ، وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ مَا إذَا كَانَا حَلَالَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِجِنَايَةٍ مِنْهُمَا، وَكَلَامُهُ فِيمَا يَكُونُ جِنَايَةً، وَإِنَّمَا لَزِمَهُ الصَّدَقَةُ فَقَطْ لِقُصُورِ جِنَايَتِهِ؛ لِأَنَّهُ يَنْتَفِعُ بِإِزَالَةِ شَعْرِ غَيْرِهِ انْتِفَاعًا قَلِيلًا بِخِلَافِ الْمَحْلُوقِ، وَإِنَّمَا صَارَ جِنَايَةً مِنْ الْحَالِقِ الْحَلَالِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ شَعْرَ الْمُحْرِمِ اسْتَحَقَّ الْأَمْنَ، وَقَدْ أَزَالَهُ   [منحة الخالق] رُبْعَهُ فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَفِي أَقَلَّ مِنْ الرُّبْعِ صَدَقَةٌ، وَلَوْ قَصَّرْت الْمَرْأَةُ قَدْرَ أُنْمُلَةٍ مِنْ رُبْعِ شَعْرِهَا فَعَلَيْهَا دَمٌ قَالَ شَارِحُهُ أَيْ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْكَافِي وَالْكَرْمَانِيِّ، وَهُوَ الصَّوَابُ قِيَاسًا عَلَى التَّحَلُّلِ وَوَقَعَ فِي الْكِفَايَةِ شَرْحِ الْهِدَايَةِ أَنَّ التَّقْصِيرَ لَا يُوجِبُ الدَّمَ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَعَلَى هَذَا يَجِيءُ إلَخْ) أَيْ إنْ كَانَ قَدْرُ رُبْعِهَا كَامِلَةً فَفِيهِ دَمٌ، وَإِلَّا فَصَدَقَةٌ كَمَا فِي اللُّبَابِ (قَوْلُهُ: الثَّانِي أَنْ يَتَّحِدَ الْمَجْلِسُ) هَذَا مُسْتَغْنًى عَنْهُ؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ فِيهِ فَلَوْ أَسْقَطَ أَوَّلًا مِنْ كَلَامِهِ: قَوْلُهُ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ لَاسْتَقَامَ (قَوْلُهُ: وَإِنْ اخْتَلَفَ الْمَجْلِسُ) أَنْ وَصْلِيَّةٌ، وَلَوْ حَذَفَ هَذِهِ الْجُمْلَةَ لَكَانَ أَقْرَبَ لِلْفَهْمِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ، وَإِنْ اتَّحَدَ تَصْرِيحٌ بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ إنْ تَعَدَّدَ الْمَحَلُّ، وَهُوَ مَفْرُوضٌ فِيمَا إذَا اخْتَلَفَ الْمَجْلِسُ وَحُكْمُ مَا إذَا اتَّحَدَ الْمَجْلِسُ مَفْهُومٌ بِالْأَوْلَى (قَوْلُهُ: كَمَا إذَا حَلَقَ الرَّأْسَ فِي مَجَالِسَ) قَالَ فِي اللُّبَابِ فَعَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ اتِّفَاقًا، وَكَذَا نَقَلَ الْمُؤَلِّفُ الِاتِّفَاقَ فِيمَا سَيَأْتِي عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى قَصِّ الْأَظْفَارِ قَالَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ: لِأَنَّهَا أَجْنَاسٌ مُتَّفِقَةٌ، وَلَوْ كَانَتْ فِي مَجَالِسَ مُخْتَلِفَةٍ كَذَا فِي الْفَتْحِ، وَمَنْسَكِ الْفَارِسِيِّ وَغَيْرِهِمَا، وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي الْكَافِي وَشَرْحِ الْكَنْزِ، وَفِي الْبَحْرِ الزَّاخِرِ فَدَمٌ وَاحِدٌ بِالْإِجْمَاعِ وَيُخَالِفُهُ بِظَاهِرِهِ مَا ذَكَرَهُ الْخَبَّازِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْهِدَايَةِ إذَا حَلَقَ رُبْعَ الرَّأْسِ ثُمَّ حَلَقَ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِهِ فِي أَزْمَانٍ مُتَفَرِّقَةٍ تَجِبُ عَلَيْهِ أَرْبَعَةُ دِمَاءٍ؛ لِأَنَّ حَلْقَ كُلِّ رُبْعٍ جِنَايَةٌ مُوجِبَةٌ لِلدَّمِ فَإِذَا اخْتَلَفَ أَزْمَانُ وُجُودِهَا نَزَلَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ اخْتِلَافِ الْمَكَانِ فِي تِلَاوَةِ آيَةِ السَّجْدَةِ فَلَا يَتَدَاخَلُ. اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُ بِالْأَزْمَانِ الْأَيَّامُ لَا الْمَجَالِسُ الْمُتَعَدِّدَةُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَخَالَفَ مُحَمَّدٌ فِيمَا إذَا تَعَدَّدَ الْمَحَلُّ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَفِي بَعْضِهَا الْمَجْلِسُ بَدَلُ الْمَحَلِّ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ خِلَافَهُ فِيمَا إذَا تَعَدَّدَ الْمَحَلُّ وَالْمَجْلِسُ (قَوْلُهُ: فَشَمَلَ مَا إذَا كَانَ مُحْرِمًا إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ إنَّ فِي كَلَامِهِ اشْتِبَاهًا أَيْضًا وَذَلِكَ أَنَّ الْمَحْلُوقَ رَأْسُهُ لَوْ كَانَ حَلَالًا، وَكَانَ الْحَالِقُ مُحْرِمًا تَصَدَّقَ بِمَا شَاءَ، وَفِي غَيْرِهِ نِصْفُ صَاعٍ. اهـ. وَسَيُنَبِّهُ عَلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ قُبَيْلَ قَوْلِهِ أَوْ قَصَّ أَظْفَارَ يَدَيْهِ (قَوْلُهُ: أَوْ حَلَالًا) أَيْ أَوْ كَانَ الْحَالِقُ حَلَالًا وَالْمَحْلُوقُ رَأْسُهُ مُحْرِمٌ فَتَلْزَمُهُ صَدَقَةٌ، وَمَشَى فِي اللُّبَابِ عَلَى أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَى الْحَالِقِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ ثُمَّ قَالَ: وَقِيلَ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ وَنَقَلَ شَارِحُهُ مَا مَشَى عَلَيْهِ فِي اللُّبَابِ عَنْ الْبَدَائِعِ وَالْكَرْمَانِيِّ وَالْعِنَايَةِ وَالْحَاوِي وَنَقَلَ مَا عَبَّرَ عَنْهُ بِقِيلِ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ وَابْنِ الْهُمَامِ وَالشُّمُنِّيِّ ثُمَّ قَالَ: وَوَجْهُهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ إذْ الْحَلَالُ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي مُوجِبَاتِ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ، وَهَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَوْ يُبَاحُ فِعْلُهُ هَذَا أَوْ يُكْرَهُ الظَّاهِرُ الْآخَرُ وَذَكَرَ وَجْهَهُ وَذَكَرَ أَيْضًا وَجْهَ الْفَرْقِ بَيْنَ مَا إذَا حَلَقَ الْمُحْرِمُ رَأْسَ غَيْرِهِ حَيْثُ تَجِبُ الْجِنَايَةُ وَبَيْنَ مَا إذَا أَلْبَسَ الْمُحْرِمُ مُحْرِمًا لِبَاسًا مَخِيطًا حَيْثُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَرَاجِعْهُ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ يَنْتَفِعُ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ إذْ لَا شَكَّ فِي تَأَذِّي الْإِنْسَانِ بِتَفَثِ غَيْرِهِ يَجِدُهُ مَنْ رَأَى إنْسَانًا ثَائِرَ الرَّأْسِ شَعِثَهَا وَسِخَ الثَّوْبِ تَفِلَ الرَّائِحَةِ، وَمَا سُنَّ غُسْلُ الْجُمُعَةِ إلَّا لِذَلِكَ (قَوْلُهُ: بِاعْتِبَارِ أَنَّ شَعْرَ الْمُحْرِمِ اُسْتُحِقَّ إلَّا مِنْ إلَخْ) أَيْ بِخِلَافِ مَا إذَا أَلْبَسَ الْمُحْرِمُ مُحْرِمًا مَخِيطًا أَوْ طَيَّبَهُ فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا قَدَّمَهُ الْمُؤَلِّفُ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ، وَكَذَا لَوْ غَطَّى رَأْسَهُ وَوَجْهَهُ كَمَا فِي اللُّبَابِ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْفَاعِلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَزُلْ الْأَمْنُ عَنْ مُسْتَحَقِّهِ لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ مَا فِي عِبَارَةِ الظَّهِيرِيَّةِ السَّابِقَةِ مِنْ قَوْلِهِ، وَكَذَا لَوْ قَتَلَ قَمْلَةً عَلَى غَيْرِهِ فَإِنَّهَا مُسْتَحَقَّةٌ إلَّا مَنْ تَأَمَّلَ، وَأَمَّا لَوْ قَلَّمَ أَظَافِيرَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 10 عَنْهُ فَكَانَ جَانِيًا، وَإِذَا كَانَ الْمَحْلُوقُ رَأْسُهُ مُكْرَهًا وَجَبَ الدَّمُ عَلَيْهِ، وَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْحَالِقِ عِنْدَنَا كَذَا فِي الْمُحِيطِ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ حَلْقِ جَمِيعِ الرَّقَبَةِ وَالْإِبْطِ وَالْمَحْجَمَةِ فِي لُزُومِ الدَّمِ بِكُلٍّ مِنْهُمْ فَلَوْ بَقِيَ مِنْ الرَّقَبَةِ أَوْ الْإِبْطِ شَيْءٌ لَا يَلْزَمُهُ، وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا وَلِهَذَا قَالَ الْإِسْبِيجَابِيُّ، وَلَوْ حَلَقَ مِنْ أَحَدِ الْإِبْطَيْنِ أَكْثَرَهُ وَجَبَتْ الصَّدَقَةُ فَعَلَى هَذَا فَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحِيطِ مِنْ أَنَّ الْأَكْثَرَ مِنْ الرَّقَبَةِ كَالْكُلِّ فِي لُزُومِ الدَّمِ، وَأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ كُلَّ عُضْوٍ لَهُ نَظِيرٌ فِي الْبَدَنِ لَا يَقُومُ أَكْثَرُهُ مَقَامَ كُلِّهِ، وَكُلُّ عُضْوٍ لَا نَظِيرَ لَهُ فِي الْبَدَنِ كَالرَّقَبَةِ يَقُومُ أَكْثَرُهُ مَقَامَ كُلِّهِ. وَمَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ مِنْ أَنَّ فِي الْإِبْطِ إذَا كَانَ كَثِيرَ الشَّعْرِ يُعْتَبَرُ فِيهِ الرُّبْعُ لِوُجُوبِ الدَّمِ، وَإِلَّا فَالْأَكْثَرُ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقَيِّدْ أَحَدٌ حَلْقَ رُبْعِ غَيْرِ اللِّحْيَةِ وَالرَّأْسِ فَلَيْسَ فِيهِ ارْتِفَاقٌ كَامِلٌ وَلِهَذَا قَالَ الشَّارِحُ ثُمَّ الرُّبْعُ مِنْ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ لَا يُعْتَبَرُ بِالْكُلِّ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ لَمْ تَجْرِ فِي هَذِهِ الْأَعْضَاءِ بِالِاقْتِصَارِ عَلَى الْبَعْضِ فَلَا يَكُونُ حَلْقُ الْبَعْضِ ارْتِفَاقًا كَامِلًا حَتَّى لَوْ حَلَقَ أَكْثَرَ الْإِبْطِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا صَدَقَةٌ بِخِلَافِ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ. اهـ. فَالْمَذْهَبُ مَا فِي الْكِتَابِ مِنْ اعْتِبَارِ الرُّبْعِ فِي الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ وَالْكُلِّ فِي غَيْرِهِمَا فِي لُزُومِ الدَّمِ، وَأَرَادَ بِالرَّقَبَةِ، وَمَا عُطِفَ مَا عَدَا الرَّأْسَ وَاللِّحْيَةَ كَالصَّدْرِ وَالسَّاقِ وَالْعَانَةِ كَالرَّقَبَةِ لَكِنْ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ، وَفِي حَلْقِ الْعَانَةِ دَمٌ إنْ كَانَ الشَّعْرُ كَثِيرًا. اهـ. فَشَرَطَ كَثْرَةَ الشَّعْرِ فَصَارَ الْحَاصِلُ أَنَّ فِيمَا عَدَا الرَّأْسَ وَاللِّحْيَةَ إنْ حَلَقَ عُضْوًا كَامِلًا فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ، وَفِي الْمَبْسُوطِ، وَمَتَى حَلَقَ عُضْوًا مَقْصُودًا بِالْحَلْقِ فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَإِنْ حَلَقَ مَا لَيْسَ بِمَقْصُودٍ فَصَدَقَةٌ ثُمَّ قَالَ: وَمِمَّا لَيْسَ بِمَقْصُودٍ حَلْقُ الصَّدْرِ وَالسَّاقِ وَرَجَّحَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَدَفَعَ مَا فِي الْهِدَايَةِ مِنْ أَنَّهُ مَقْصُودٌ بِطَرِيقِ التَّنُّورِ بِأَنَّ الْقَصْدَ إلَى حَلْقِهِمَا إنَّمَا هُوَ فِي ضِمْنِ غَيْرِهِمَا إذْ لَيْسَتْ الْعَادَةُ تَنْوِيرَ السَّاقِ وَحْدَهُ بَلْ تَنْوِيرُ الْمَجْمُوعِ مِنْ الصُّلْبِ إلَى الْقَدَمِ فَكَانَ بَعْضَ الْمَقْصُودِ بِالْحَلْقِ فَالْحَقُّ أَنْ يَجِبَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا الصَّدَقَةُ. اهـ. فَعَلَى هَذَا فَالتَّقْيِيدُ بِالرَّقَبَةِ، وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الصَّدْرِ وَالسَّاقِ بِمَا لَيْسَ بِمَقْصُودٍ، وَأَطْلَقَ فِي الْمَحْجَمَةِ، وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ الْحَلْقُ لِهَذَا الْمَوْضِعِ وَسِيلَةً إلَى الْحِجَامَةِ فَلَوْ حَلَقَهَا، وَلَمْ يَحْتَجِمْ لَزِمَهُ صَدَقَةٌ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ يَجْمَعُ الْمُتَفَرِّقَ فِي الْحَلْقِ كَمَا فِي الطِّيبِ، وَفِي الْهِدَايَةِ ذَكَرَ فِي الْإِبْطَيْنِ الْحَلْقَ هُنَا، وَفِي الْأَصْلِ النَّتْفُ، وَهُوَ السُّنَّةُ، وَفِي النِّهَايَةِ، وَأَمَّا الْعَانَةُ فَالسُّنَّةُ فِيهَا الْحَلْقُ لِمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ «عَشْرٌ مِنْ السُّنَّةِ مِنْهَا الِاسْتِحْدَادُ» وَتَفْسِيرُهُ: حَلْقُ الْعَانَةِ بِالْحَدِيدِ. (قَوْلُهُ: وَفِي أَخْذِ شَارِبِهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ) مُخَالِفٌ لِمَا أَفَادَهُ أَوَّلًا بِقَوْلِهِ: وَإِلَّا تَصَدَّقَ فَإِنَّ الشَّارِبَ بَعْضُ اللِّحْيَةِ، وَهُوَ إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ الرُّبْعِ فَفِيهِ الصَّدَقَةُ، وَمَبْنِيٌّ عَلَى ضَعِيفٍ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ فِي تَطْيِيبِ بَعْضِ الْعُضْوِ حَيْثُ قَالَ: يَجِبُ بِقَدْرِهِ مِنْ الدَّمِ، وَأَمَّا الْمَذْهَبُ فَوُجُوبُ الصَّدَقَةِ فَالْحَاصِلُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ أَنَّ فِي حَلْقِ الشَّارِبِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ الْمَذْهَبُ وُجُوبُ الصَّدَقَةِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ الَّذِي هُوَ جَمَعَ كَلَامَ مُحَمَّدٍ وَصَحَّحَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَالْمَبْسُوطِ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلِّحْيَةِ، وَهُوَ قَلِيلٌ؛ لِأَنَّهُ عُضْوٌ صَغِيرٌ، وَسَوَاءٌ حَلَقَهُ كُلَّهُ أَوْ بَعْضَهُ وَالْقَوْلُ الثَّانِي مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ تَبَعًا لِمَا فِي الْهِدَايَةِ أَنَّهُ يَنْظُرُ إلَى الشَّارِبِ كَمْ يَكُونُ مِنْ رُبْعِ اللِّحْيَةِ فَيَلْزَمُهُ مِنْ الصَّدَقَةِ بِقَدْرِهِ حَتَّى لَوْ كَانَ مِثْلَ رُبْعِ رُبْعِهَا لَزِمَهُ رُبْعُ قِيمَةِ الشَّاةِ أَوْ ثُمُنِهَا فَثُمُنُهَا، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْوَاجِبُ أَنْ يَنْظُرَ إلَى نِسْبَةِ الْمَأْخُوذِ مِنْ رُبْعِ اللِّحْيَةِ مُعْتَبِرًا مَعَهَا الشَّارِبَ كَمَا يُفِيدُهُ مَا فِي   [منحة الخالق] غَيْرِهِ فَإِنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْحَلْقِ قَالَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ، وَفِي الْمُحِيطِ وَقَاضِي خَانْ وَجَوَامِعِ الْفِقْهِ إذَا قَصَّ الْمُحْرِمُ أَظَافِيرَ غَيْرِهِ فَحُكْمُهُ كَحُكْمِ الْحَلْقِ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ رِوَايَةٌ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَفِي الْبَدَائِعِ، وَإِنْ قَلَّمَ الْمُحْرِمُ أَظَافِيرَ حَلَالٍ أَوْ مُحْرِمٍ أَوْ قَلَّمَ الْحَلَالُ أَظَافِيرَ مُحْرِمٍ فَحُكْمُهُ كَحُكْمِ الْحَلْقِ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَالْحَقُّ أَنْ يَجِبَ) كَذَا فِي نُسْخَةٍ، وَفِي عَامَّةِ النُّسَخِ وَالْحَلْقُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ وَالصَّوَابُ الْأُولَى (قَوْلُهُ: وَأَطْلَقَ فِي الْمَحْجَمَةِ إلَى قَوْلِهِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَمْ أَجِدْهُ فِي نُسْخَتِي مِنْهُ. اهـ. وَكَأَنَّهُ نَظَرَ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ أَوْ سَقَطَ مِنْ نُسْخَتِهِ وَنَصُّهُ قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَا يُتَوَصَّلُ إلَى الْمَقْصُودِ إلَّا بِهِ يُفِيدُ أَنَّهُ إذَا لَمْ تَتَرَتَّبْ الْحِجَامَةُ عَلَى مَوْضِعِ الْمَحَاجِمِ لَا يَجِبُ الدَّمُ؛ لِأَنَّهُ أَفَادَ أَنَّ كَوْنَهُ مَقْصُودًا إنَّمَا هُوَ لِلتَّوَصُّلِ بِهِ إلَى الْحِجَامَةِ فَإِذَا لَمْ تُعْقِبْهُ الْحِجَامَةُ لَمْ يَقَعْ وَسِيلَةً فَلَمْ يَكُنْ مَقْصُودًا فَلَا تَجِبُ إلَّا الصَّدَقَةُ، وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْكَنْزِ وَاضِحَةٌ فِي ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ فِي دَلِيلِهِمَا وَلِأَنَّهُ قَلِيلٌ فَلَا يُوجِبُ الدَّمَ كَمَا إذَا حَلَقَهُ بِغَيْرِ الْحِجَامَةِ، وَفِي دَلِيلِهِ أَنَّ حَلْقَهُ لِمَنْ يَحْتَجِمُ مَقْصُودٌ، وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ بِخِلَافِ الْحَلْقِ لِغَيْرِهَا. اهـ بِحُرُوفِهِ. (قَوْلُهُ: وَفِي النِّهَايَةِ وَأَمَّا الْعَانَةُ إلَخْ) اُخْتُلِفَ فِي الْعَانَةِ الَّتِي يُسَنُّ حَلْقُهَا فَالْمَشْهُورُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ مَا حَوْلَ ذَكَرِ الرَّجُلِ، وَفَرْجِ الْمَرْأَةِ مِنْ الشَّعْرِ، وَقِيلَ يُسَنُّ حَلْقُ جَمِيعِ مَا عَلَى الْقُبُلِ وَالدُّبُرِ وَحَوْلَهُمَا وَيَحْصُلُ أَصْلُ السُّنَّةِ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ مِنْ الْحَلْقِ وَالْقَصِّ وَالنَّتْفِ وَاسْتِعْمَالِ النُّورَةِ إذْ الْمَقْصُودُ حُصُولُ النَّظَافَةِ إلَّا أَنَّ الْأَحْسَنَ فِي هَذِهِ السُّنَّةِ الْحَلْقُ بِالْمُوسَى؛ لِأَنَّهُ أَنْظَفُ كَذَا فِي حَاشِيَةِ نُوحٍ أَفَنْدِي. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 11 الْمَبْسُوطِ مِنْ كَوْنِ الشَّارِبِ طَرَفًا مِنْ اللِّحْيَةِ هُوَ مَعَهَا عُضْوٌ وَاحِدٌ لَا أَنَّهُ يُنْسَبُ إلَى رُبْعِ اللِّحْيَةِ غَيْرَ مُعْتَبَرٍ الشَّارِبَ مَعَهَا فَعَلَى هَذَا إنَّمَا يَجِبُ رُبْعُ قِيمَةِ الشَّاةِ إذَا بَلَغَ الْمَأْخُوذُ مِنْ الشَّارِبِ رُبْعَ الْمَجْمُوعِ مِنْ اللِّحْيَةِ مَعَ الشَّارِبِ لَا دُونَهُ. اهـ. الْقَوْلُ الثَّالِثُ لُزُومُ الدَّمِ بِحَلْقِهِ؛ لِأَنَّهُ مَقْصُودٌ بِالْحَلْقِ يَفْعَلُهُ الصُّوفِيَّةُ وَغَيْرُهُمْ، وَقَدْ ظَنَّ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ مِنْ تَعْبِيرِ مُحَمَّدٍ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ هُنَا بِالْأَخْذِ أَنَّ السُّنَّةَ قَصُّ الشَّارِبِ لَا حَلْقُهُ رَدًّا عَلَى الطَّحَاوِيِّ الْقَائِلِ بِسُنِّيَّةِ الْحَلْقِ، وَلَيْسَ كَمَا ظَنَّ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يَقْصِدْ هُنَا بَيَانَ السُّنَّةِ، وَإِنَّمَا قَصَدَ بَيَانَ حُكْمِ هَذِهِ الْجِنَايَةِ بِإِزَالَةِ الشَّعْرِ بِأَيِّ طَرِيقٍ كَانَ؛ وَلِهَذَا ذَكَرَ الْحَلْقَ فِي الْإِبْطِ وَاخْتَارَ فِي الْهِدَايَةِ سُنِّيَّةَ النَّتْفِ لَا الْحَلْقِ؛ وَلِأَنَّ الْأَخْذَ أَعَمُّ مِنْ الْحَلْقِ؛ لِأَنَّ الْحَلْقَ أَخْذٌ، وَلَيْسَ الْقَصُّ مُتَبَادِرًا مِنْ الْأَخْذِ وَالْوَارِدُ فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَحْفُوا الشَّوَارِبَ وَأَعْفُوا اللِّحَى» ، وَهُوَ الْمُبَالَغَةُ فِي الْقَطْعِ فَبِأَيِّ شَيْءٍ حَصَلَ حَصَلَ الْمَقْصُودُ غَيْرَ أَنَّهُ بِالْحَلْقِ بِالْمُوسَى أَيْسَرُ مِنْهُ بِالْقَصَّةِ فَلِذَا قَالَ الطَّحَاوِيُّ: الْحَلْقُ أَحْسَنُ مِنْ الْقَصِّ، وَقَدْ يَكُونُ مِثْلَهُ بِسَبَبِ بَعْضِ الْآلَاتِ الْخَاصَّةِ بِقَصِّ الشَّارِبِ، وَأَمَّا ذِكْرُ الْقَصِّ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ فَالْمُرَادُ مِنْهُ الْمُبَالَغَةُ فِي الِاسْتِئْصَالِ وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ انْدَفَعَ مَا فِي الْبَدَائِعِ مِنْ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ السُّنَّةَ فِيهِ الْقَصُّ، وَإِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ تَرْكُهَا حَتَّى تَكَثَّ وَتَكْثُرَ، وَالسُّنَّةُ قَدْرُ الْقَبْضَةِ فَمَا زَادَ قَطَعَهُ. (قَوْلُهُ: وَفِي شَارِبِ حَلَالٍ أَوْ قَلَّمَ أَظْفَارَهُ طَعَامٌ) أَيْ يَجِبُ طَعَامٌ عَلَى مُحْرِمٍ أَخَذَ شَارِبَ حَلَالٍ أَوْ قَلَّمَ أَظْفَارَهُ؛ لِأَنَّ إزَالَتَهُ عَنْ غَيْرِهِ ارْتِفَاقٌ لَكِنَّهُ قَاصِرٌ فَوَجَبَتْ الصَّدَقَةُ أَوْ؛ لِأَنَّهُ أَزَالَ إلَّا مِنْ عَنْ الشَّعْرِ الْمُسْتَحَقِّ لَهُ ثُمَّ الْمُصَنِّفُ تَبِعَ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ فِي جَمْعِهِ بَيْنَ الشَّارِبِ وَتَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ فِي وُجُوبِ الطَّعَامِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الصَّدَقَةَ، وَقَدْ تَعَقَّبَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِالطَّعَامِ مَا يَعُمُّ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ فَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى تَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ؛ لِأَنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ فِي الرِّوَايَةِ أَنَّ الْمُحْرِمَ إذَا قَصَّ أَظَافِيرَ حَلَالٍ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ، وَهِيَ نِصْفُ صَاعٍ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ الصَّدَقَةَ الَّتِي هِيَ نِصْفُ صَاعٍ الَّتِي هِيَ الْمُرَادَةُ عِنْدَ إطْلَاقِهِمْ الصَّدَقَةَ فِي هَذَا الْبَابِ فَلَا يَصِحُّ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْمُحْرِمَ إذَا حَلَقَ شَارِبَهُ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ فَإِذَا حَلَقَ شَارِبَ غَيْرِهِ أَطْعَمَ مَا شَاءَ كِسْرَةً خُبْزًا، وَكَفًّا مِنْ طَعَامٍ لِقُصُورِ الْجِنَايَةِ، وَقَدْ وَقَعَ التَّعْبِيرُ بِإِطْعَامِ شَيْءٍ جَوَابًا لِلْمَسْأَلَتَيْنِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَكِنَّهُ أَتَى بِمِنْ التَّبْعِيضِيَّةِ فِي تَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ فَقَالَ فِي الْمُحْرِمِ يَأْخُذُ مِنْ شَارِبِ الْحَلَالِ أَوْ يَقُصُّ مِنْ أَظْفَارِهِ: يُطْعِمُ مَا شَاءَ فَسَلِمَ مِنْ الِاعْتِرَاضِ فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِمَا شَاءَ الْعُمُومَ. اهـ. وَأَشَارَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إلَى جَوَابِهِ بِأَنَّ الْمَنْقُولَ فِي الْأَصْلِ وَكَافِي الْحَاكِمِ أَنَّ الْمُحْرِمَ إذَا حَلَقَ رَأْسَ حَلَالٍ تَصَدَّقَ بِشَيْءٍ، وَإِذَا حَلَقَ رَأْسَ مُحْرِمٍ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ، وَأَنَّ الْجَوَابَ فِي قَصِّ الْأَظْفَارِ كَالْجَوَابِ فِي الْحَلْقِ. اهـ. فَقَوْلُهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّ الْمُحْرِمَ إذَا قَصَّ أَظَافِيرَ حَلَالٍ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ الْمُعَيَّنَةُ نَصًّا مُعَارَضٌ بِالْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مِنْ التَّصَدُّقِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: رَدًّا عَلَى الطَّحَاوِيِّ إلَخْ) حَيْثُ قَالَ: الْقَصُّ حَسَنٌ وَتَفْسِيرُهُ أَنْ يَقُصَّ حَتَّى يَنْتَقِصَ عَنْ الْإِطَارِ، وَهُوَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ مُلْتَقَى الْجِلْدَةِ وَاللَّحْمِ مِنْ الشَّفَةِ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَيْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ عَلَى أَنْ يُحَاذِيَهُ ثُمَّ قَالَ الطَّحَاوِيُّ وَالْحَلْقُ أَحْسَنُ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ مَشَايِخِنَا أَنَّ السُّنَّةَ الْقَصُّ. اهـ. كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ الْحَلْقَ أَخْذٌ) قَالَ فِي الْفَتْحِ وَاَلَّذِي لَيْسَ أَخْذًا هُوَ النَّتْفُ (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْمُبَالَغَةُ فِي الْقَطْعِ) قَالَ نُوحٌ أَفَنْدِي وَالْمُرَادُ بِالْإِحْفَاءِ هُنَا قَطْعُ مَا طَالَ عَلَى الشَّفَتَيْنِ حَتَّى تَبْدُوَ الشَّفَةُ الْعُلْيَا لَا الْقَصُّ مِنْ أَصْلِهِ فَالْمَعْنَى بَالَغُوا فِي قَصِّ مَا طَالَ مِنْ الشَّوَارِبِ حَتَّى يَبِينَ طَرَفُ الشَّفَةِ الْعُلْيَا بَيَانًا ظَاهِرًا وَيُسْتَحَبُّ الِابْتِدَاءُ بِقَصِّ الْجِهَةِ الْيُمْنَى مِنْ الشَّارِبِ وَاخْتَلَفُوا هَلْ يَقُصُّ طَرَفَاهُ أَيْضًا، وَهُمَا الْمُسَمَّيَانِ بِالسِّبَالَيْنِ أَمْ يَتْرُكُهُمَا كَمَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ قِيلَ لَا بَأْسَ بِتَرْكِ سِبَالَيْهِ فَعَلَ ذَلِكَ عُمَرُ وَغَيْرُهُ، وَقِيلَ كُرِهَ بَقَاءُ السِّبَالِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّشَبُّهِ بِالْأَعَاجِمِ بَلْ بِالْمَجُوسِ، وَأَهْلِ الْكِتَابِ، وَهَذَا أَوْلَى بِالصَّوَابِ لِمَا رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «ذُكِرَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَجُوسَ فَقَالَ: إنَّهُمْ يُوَفِّرُونَ سِبَالَهُمْ وَيَحْلِقُونَ لِحَاهُمْ فَخَالِفُوهُمْ فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَجُزُّ كَمَا تُجَزُّ الشَّاةُ أَوْ الْبَعِيرُ» قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ: وَأَمَّا الشَّارِبُ فَهُوَ الشَّعْرُ النَّابِتُ عَلَى الشَّفَةِ الْعُلْيَا وَاخْتُلِفَ فِي جَانِبَيْهِ، وَهُمَا السِّبَالَانِ فَقِيلَ هُمَا مِنْ الشَّارِبِ فَيُشْرَعُ قَصُّهُمَا مَعَهُ، وَقِيلَ هُمَا مِنْ جُمْلَةِ شَعْرِ اللِّحْيَةِ. اهـ. فَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ إنْ ثَبَتَ أَنَّهُ كَانَ بِشَيْءٍ يَذْهَبُ إلَى الثَّانِي، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ تَرْكُهَا إلَخْ) قَالَ: فِي غَايَةِ الْبَيَانِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي إعْفَاءِ اللِّحَى مَا هُوَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ تَرْكُهَا حَتَّى تَطُولَ فَذَاكَ إعْفَاؤُهَا مِنْ غَيْرِ قَصٍّ، وَلَا قَصْرٍ، وَقَالَ: أَصْحَابُنَا الْإِعْفَاءُ تَرْكُهَا حَتَّى تَكَثَّ وَتَكْثُرَ وَالْقَصُّ سُنَّةٌ فِيهَا، وَهُوَ أَنْ يَقْبِضَ الرَّجُلُ لِحْيَتَهُ فَمَا زَادَ مِنْهَا عَلَى قَبْضَةٍ قَطَعَهَا كَذَلِكَ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الْآثَارِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ: وَبِهِ نَأْخُذُ وَذَكَرَ هُنَالِكَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَالسُّنَّةُ قَدْرُ الْقَبْضَةِ إلَخْ) تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي كِتَابِ الصَّوْمِ قُبَيْلَ فَصْلِ الْعَوَارِضِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 12 بِشَيْءٍ، وَهُوَ يَعُمُّ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ بِدَلِيلِ مُقَابَلَتِهِ بِمَا إذَا حَلَقَ رَأْسَ مُحْرِمٍ فَحِينَئِذٍ الْمُرَادُ بِالطَّعَامِ فِي عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ مَا يَعُمُّ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ، وَهُوَ صَحِيحٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الشَّارِبِ وَالْأَظْفَارِ كُلِّهَا وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْحَلَالِ لِيُخْرِجَ مَا إذَا قَصَّ الْمُحْرِمُ أَظَافِيرَ مُحْرِمٍ آخَرَ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ الْمُعَيَّنَةُ، وَظَاهِرُ مَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا حَلَقَ شَارِبَ غَيْرِهِ مُحْرِمًا كَانَ أَوْ حَلَالًا فَإِنَّهُ يُطْعِمُ مَا شَاءَ فَلَيْسَ الْحَلَالُ قَيْدًا بِالنِّسْبَةِ إلَى الشَّارِبِ كَمَا لَا يَخْفَى، وَعُلِمَ أَيْضًا أَنَّ قَوْلَهُ فِيمَا مَضَى كَالْحَالِقِ فِيهِ اشْتِبَاهٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَحْلُوقِ رَأْسُهُ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ مُحْرِمًا فَالتَّشْبِيهُ تَامٌّ، وَإِنْ كَانَ حَلَالًا فَلَا يَتِمُّ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ إطْعَامُ شَيْءٍ لَا الصَّدَقَةُ الْمُعَيَّنَةُ. (قَوْلُهُ: أَوْ قَصَّ أَظْفَارَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ بِمَجْلِسٍ أَوْ يَدًا أَوْ رِجْلًا، وَإِلَّا تَصَدَّقَ كَخَمْسَةٍ مُتَفَرِّقَةٍ) مَعْطُوفٌ عَلَى طِيبِ أَوَّلِ الْبَابِ فَيَلْزَمُهُ دَمٌ بِالْقَصِّ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْمَحْظُورَاتِ لِمَا فِيهِ مِنْ قَضَاءِ التَّفَثِ، وَإِزَالَةِ مَا يَنْمُو مِنْ الْبَدَنِ فَإِذَا قَلَّمَهَا كُلَّهَا فَهُوَ ارْتِفَاقٌ كَامِلٌ، وَكَذَا إذَا قَصَّ يَدًا أَوْ رِجْلًا إقَامَةً لِلرُّبْعِ مَقَامَ الْكُلِّ كَمَا فِي الْحَلْقِ، وَإِنْ لَمْ يَقُصَّ يَدًا كَامِلَةً، وَلَا رِجْلًا كَامِلَةً فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ لِتَقَاصُرِ الْجِنَايَةِ قُيِّدَ بِالْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَصَّ الْكُلَّ فِي مَجَالِسَ فِي كُلِّ مَجْلِسٍ عُضْوٌ لَزِمَهُ أَرْبَعَةُ دِمَاءٍ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي هَذِهِ الْكَفَّارَةِ مَعْنَى الْعِبَادَةِ فَيَتَقَيَّدُ التَّدَاخُلُ بِاتِّحَادِ الْمَجْلِسِ كَمَا فِي آيَةِ السَّجْدَةِ سَوَاءٌ كَفَّرَ لِلْأُولَى أَوْ لَا، وَفِي الْأَوَّلِ خِلَافُ مُحَمَّدٍ، وَقَيَّدَ التَّدَاخُلَ بِكَوْنِهِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَلَّمَ أَظَافِيرَ يَدِهِ وَحَلَقَ رُبْعَ رَأْسِهِ وَطَيَّبَ عُضْوًا فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ لِكُلِّ جِنَايَةٍ دَمٌ سَوَاءٌ اتَّحَدَ الْمَجْلِسُ أَوْ اخْتَلَفَ اتِّفَاقًا، وَقَيَّدَ بِكَوْنِ الْمَحَلِّ مُخْتَلِفًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُتَّحِدًا إذَا حَلَقَ الرَّأْسَ فِي أَرْبَعِ مَرَّاتٍ فَإِنَّهُ لَا تَتَعَدَّدُ الْكَفَّارَةُ اتِّفَاقًا اتَّحَدَ الْمَجْلِسُ أَوْ اخْتَلَفَ، وَقَيَّدَ بِكَوْنِهَا كَفَّارَةً فِي الْإِحْرَامِ؛ لِأَنَّ كَفَّارَةَ الْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ كَمَا إذَا أَفْسَدَ أَيَّامًا مِنْ رَمَضَانَ تَتَعَدَّدُ إنْ كَفَّرَ لِلْأَوَّلِ، وَإِنْ لَمْ يُكَفِّرْ بِكَفَّارَةٍ وَاحِدَةٍ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِلزَّجْرِ فَالْغَالِبُ فِيهَا مَعْنَى الْعُقُوبَةِ، وَهَذِهِ شُرِعَتْ لِجَبْرِ النُّقْصَانِ، وَفِي قَوْلِهِ، وَإِلَّا تَصَدَّقَ اشْتِبَاهٌ؛ لِأَنَّهُ يَقْضِي أَنْ يَلْزَمَهُ صَدَقَةٌ وَاحِدَةٌ فِيمَا إذَا لَمْ يَقُصَّ يَدًا كَامِلَةً أَوْ رِجْلًا كَامِلَةً، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يَلْزَمُهُ لِكُلِّ ظُفُرٍ قَصَّهُ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ حَتَّى لَوْ قَصَّ سِتَّةَ عَشَرَ ظُفُرًا مِنْ كُلِّ عُضْوٍ أَرْبَعَةٌ فَعَلَيْهِ لِكُلِّ ظُفُرٍ طَعَامُ مِسْكِينٍ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ ذَلِكَ دَمًا فَحِينَئِذٍ يَنْقُصُ مَا شَاءَ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ، وَإِنَّمَا صَرَّحَ بِالْخَمْسَةِ الْمُتَفَرِّقَةِ مَعَ أَنَّهَا فُهِمَتْ مِمَّا ذَكَرَهُ لِدَفْعِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ الْمَنْقُولِ فِي الْمَجْمَعِ أَنَّ الْخَمْسَةَ الْمُتَفَرِّقَةَ كَطَرَفٍ كَامِلٍ فَيَجِبُ دَمٌ فَأَفَادَ أَنَّ فِي كُلِّ ظُفُرٍ مِنْ الْخَمْسَةِ صَدَقَةً كَمَا قَرَّرْنَاهُ. (قَوْلُهُ وَلَا شَيْءَ بِأَخْذِ ظُفُرٍ مُنْكَسِرٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْمُو بَعْدَ الِانْكِسَارِ فَأَشْبَهَ الْيَابِسَ مِنْ أَشْجَارِ الْحَرَمِ قَيَّدَ بِالِانْكِسَارِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَصَابَهُ أَذًى فِي كَفِّهِ فَقَصَّ أَظَافِيرَهُ فَعَلَيْهِ أَيُّ الْكَفَّارَاتِ شَاءَ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَأَطْلَقَهُ فَشَمَلَ مَا إذَا كَانَ قَدْ انْكَسَرَ بَعْدَ الْإِحْرَامِ فَأَخَذَهُ أَوْ كَانَ مُنْكَسِرًا قَبْلَهُ فَأَخَذَهُ بَعْدَهُ، وَهُوَ أَوْلَى مِمَّا فِي الْهِدَايَةِ كَمَا لَا يَخْفَى، وَأَوْلَى مِمَّا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ قَوْلِهِ، وَلَوْ انْكَسَرَ ظُفُرُ الْمُحْرِمِ وَصَارَ بِحَالٍ لَا يَثْبُتُ فَأَخَذَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ الْمَذْكُورَةَ تَشْمَلُ الْكُلَّ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَكُلُّ مَا يَفْعَلُهُ الْعَبْدُ الْمُحْرِمُ مِمَّا فِيهِ الدَّمُ عَيْنًا أَوْ الصَّدَقَةُ عَيْنًا فَعَلَيْهِ ذَلِكَ إذَا عَتَقَ لَا فِي الْحَالِ، وَلَا يُبَدَّلُ بِالصَّوْمِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ تَطَيَّبَ أَوْ لَبِسَ أَوْ حَلَقَ بِعُذْرٍ ذَبَحَ شَاةً أَوْ تَصَدَّقَ بِثَلَاثَةِ أَصْوُعٍ عَلَى سِتَّةٍ أَوْ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196] ، وَكَلِمَةُ أَوْ لِلتَّخْيِيرِ، وَقَدْ فَسَّرَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَا ذَكَرْنَا وَالْآيَةُ نَزَلَتْ فِي الْمَعْذُورِ، وَهُوَ كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ الَّذِي أَذَاهُ هَوَامُّ رَأْسِهِ فَأُبِيحَ لَهُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَفِي الْأَوَّلِ خِلَافُ مُحَمَّدٍ) أَيْ فَإِنَّهُ يُقَيِّدُهُ بِمَا إذَا لَمْ يُكَفِّرْ لِلْأَوَّلِ (قَوْلُهُ: وَفِي قَوْلِهِ، وَإِلَّا تَصَدَّقَ اشْتِبَاهٌ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ، وَإِنَّمَا قَالَ: كَخَمْسَةٍ مُتَفَرِّقَةٍ مَعَ دُخُولِهَا فِي قَوْلِهِ، وَإِلَّا تَصَدَّقَ إيمَاءً إلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالصَّدَقَةِ نِصْفَ صَاعٍ فَقَطْ بَلْ كَمَا يَتَصَدَّقُ فِي قَصِّ خَمْسَةٍ مُتَفَرِّقَةٍ، وَقَدْ اسْتَقَرَّ أَنَّهَا عَنْ كُلِّ ظُفُرٍ نِصْفُ صَاعٍ وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي الْبَحْرِ. اهـ. فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: بَلْ يَلْزَمُهُ لِكُلِّ ظُفُرٍ قَصَّهُ إلَخْ) ذَكَرَ فِي اللُّبَابِ فِي بَحْثِ الْجِنَايَةِ عَلَى الصَّيْدِ أَنَّ كُلَّ صَدَقَةٍ تَجِبُ فِي الطَّوَافِ فَهِيَ لِكُلِّ شَوْطٍ نِصْفُ صَاعٍ أَوْ فِي الرَّمْيِ فَلِكُلِّ حَصَاةٍ صَدَقَةٌ أَوْ فِي قَلْمِ الْأَظْفَارِ فَلِكُلِّ ظُفُرٍ أَوْ فِي الصَّيْدِ وَنَبَاتِ الْحَرَمِ فَعَلَى قَدْرِ الْقِيمَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَحِينَئِذٍ يَنْقُصُ مَا شَاءَ) ، وَقِيلَ يَتَصَدَّقُ بِنِصْفِ صَاعٍ لُبَابٌ (قَوْلُهُ: وَهُوَ أَوْلَى مِمَّا فِي الْهِدَايَةِ) أَيْ حَيْثُ قَيَّدَهُ بِالْمُحْرِمِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ قَالَ فِي النَّهْرِ لَكِنْ لَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْمُحْرِمِ يُفْهِمُ أَنْ لَا شَيْءَ بِأَخْذِ ظُفُرِ الْحَلَالِ بِالْأَوْلَى فَالْعِبَارَتَانِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ (قَوْلُهُ: مِمَّا فِيهِ الدَّمُ عَيْنًا أَوْ الصَّدَقَةُ عَيْنًا) قَيَّدَ بِذَلِكَ احْتِرَازًا عَمَّا فِيهِ الصَّوْمُ فَإِنَّهُ يُؤَاخَذُ بِهِ لِلْحَالِ كَمَا سَيَجِيءُ فِي الْفَصْلِ بَعْدَهُ عِنْدَ قَوْلِهِ أَوْ أَفْسَدَ حَجَّهُ بِجِمَاعٍ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 13 الْحَلْقُ كَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ، وَهِيَ وَإِنْ نَزَلَتْ فِي حَلْقِ الرَّأْسِ لَكِنْ قِيسَ الطِّيبُ وَاللُّبْسُ وَالْقَصُّ عَلَيْهِ لِوُجُودِ الْجَامِعِ، وَهُوَ الْمَرَضُ أَوْ الْأَذَى كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَظَاهِرُ النِّهَايَةِ أَنَّهُ إلْحَاقٌ لَهُ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْأَوْلَى لِمَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ مَا ثَبَتَ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ فَغَيْرُهُ عَلَيْهِ لَا يُقَاسُ فَهُوَ كَإِلْحَاقِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ بِالْجِمَاعِ فِي كَفَّارَةِ الْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ، وَفَسَّرَ الْعُذْرَ الْمُبِيحَ كَمَا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ بِخَوْفِ الْهَلَاكِ مِنْ الْبَرْدِ وَالْمَرَضِ أَوْ لُبْسِ السِّلَاحِ لِلْقِتَالِ، وَهَكَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَفَتْحِ الْقَدِيرِ. وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِالْخَوْفِ الظَّنُّ لَا مُجَرَّدُ الْوَهْمِ فَإِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ هَلَاكُهُ أَوْ مَرَضُهُ مِنْ الْبَرْدِ جَازَ لَهُ تَغْطِيَةُ رَأْسِهِ مَثَلًا أَوْ سِتْرُ بَدَنِهِ بِالْمَخِيطِ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَتَعَدَّى مَوْضِعَ الضَّرُورَةِ فَيُغَطِّيَ رَأْسَهُ بِالْقَلَنْسُوَةِ فَقَطْ إنْ انْدَفَعَتْ الضَّرُورَةُ بِهَا وَحِينَئِذٍ فَلَفُّ الْعِمَامَةِ عَلَيْهَا حَرَامٌ مُوجِبٌ لِلدَّمِ أَوْ الصَّدَقَةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. وَكَذَا إذَا انْدَفَعَتْ الضَّرُورَةُ بِلُبْسِ جُبَّةٍ فَلَبِسَ جُبَّتَيْنِ فَإِنَّهُ يَكُونُ آثِمًا إلَّا أَنَّهُ لَا دَمَ عَلَيْهِ حَيْثُ كَانَ اللُّبْسُ عَلَى مَوْضِعِ الضَّرُورَةِ إنَّمَا يَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ مُخَيَّرَةٌ كَمَا قَدَّمْنَاهُ ذَكَرَهُ الْإِمَامُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ الْحَلَبِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ فَلْيُحْفَظْ هَذَا فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ الْمُحْرِمِينَ يَغْفُلُ عَنْهُ كَمَا شَاهَدْنَاهُ. فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا إثْمَ عَلَيْهِ إذَا كَانَ لِعُذْرٍ وَيَأْثَمُ إذَا كَانَ لِغَيْرِهِ وَصَرَّحُوا بِالْحُرْمَةِ، وَلَمْ أَرَ لَهُمْ صَرِيحًا هَلْ ذَبْحُ الدَّمِ أَوْ التَّصَدُّقُ مُكَفِّرٌ لِهَذَا الْإِثْمِ مُزِيلٌ لَهُ مِنْ غَيْرِ تَوْبَةٍ أَوْ لَا بُدَّ مِنْهَا مَعَهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَبْنِيًّا عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي الْحُدُودِ هَلْ هِيَ كَفَّارَاتٌ لِأَهْلِهَا أَوْ لَا هَلْ يَخْرُجُ الْحَجُّ عَنْ أَنْ يَكُونَ مَبْرُورًا بِارْتِكَابِ هَذِهِ الْجِنَايَةِ، وَإِنْ كَفَّرَ عَنْهَا أَوْ لَا الظَّاهِرُ بَحْثًا لَا نَقْلًا أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَحِينَئِذٍ فَلَفُّ الْعِمَامَةِ عَلَيْهَا حَرَامٌ مُوجِبٌ لِلدَّمِ أَوْ الصَّدَقَةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ) لَمْ يُقَدِّمْ ذَلِكَ بَلْ قَدَّمْنَا عَنْ الْفَتْحِ وَالْمِعْرَاجِ وَالْغَايَةِ مَا هُوَ صَرِيحٌ فِي خِلَافِهِ، وَقَدْ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة فَقَالَ: وَلْيُتَنَبَّهْ لِمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ النَّهْرِ فِي هَذَا الْمَحَلِّ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْفَتْحِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي تُحْفَةِ الْفُقَهَاءِ أَيْضًا عَلَى أَنَّ صَاحِبَ الْبَحْرِ نَاقَضَ هَذَا بِقَوْلِهِ بَعْدَهُ، وَكَذَا إذَا انْدَفَعَتْ الضَّرُورَةُ إلَخْ. اهـ. قُلْت: وَلَعَلَّ مُرَادَهُ مَا إذَا كَانَتْ الْعِمَامَةُ نَازِلَةً بِحَيْثُ تُغَطِّي رُبْعًا مِمَّا تَحْرُمُ تَغْطِيَتُهُ فَحِينَئِذٍ يَجِبُ دَمٌ إنْ كَانَ يَوْمًا، وَإِلَّا فَصَدَقَةٌ تَأَمَّلْ ثُمَّ رَأَيْته فِي شَرْحِ اللُّبَابِ أَجَابَ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ بِنَحْوِ مَا ذَكَرْنَا حَيْثُ قَالَ: وَفِي الْمُحِيطِ إذَا اُضْطُرَّ إلَى تَغْطِيَةِ رَأْسِهِ فَلَبِسَ قَلَنْسُوَةً، وَلَفَّ عِمَامَةً يَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَوْ وَضَعَ قَمِيصًا عَلَى رَأْسِهِ، وَقَلَنْسُوَةً يَلْزَمُهُ لِلضَّرُورَةِ فِدْيَةٌ يَتَخَيَّرُ فِيهَا بِلُبْسِ الْقَلَنْسُوَةِ وَيَلْزَمُهُ دَمٌ لِلْقَمِيصِ؛ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ لِلرَّأْسِ إلَى الْقَمِيصِ بِخِلَافِ الْقَلَنْسُوَةِ وَالْعِمَامَةِ، هَكَذَا ذَكَرَهُ الْفَارِسِيُّ وَالطَّرَابُلُسِيّ، وَهُوَ غَرِيبٌ مُخَالِفٌ لِلْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ؛ لِأَنَّ الْمُوجِبَ هُوَ التَّغْطِيَةُ، وَقَدْ حَصَلَتْ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلَا يَتَعَدَّدُ الْجَزَاءُ بِتَعَدُّدِ الْمَلْبُوسِ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ سَوَاءٌ كَانَ لِعُذْرٍ أَمْ لَا اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّ الضَّرُورَةَ مُلْجِئَةٌ إلَى قَدْرِ قَلَنْسُوَةٍ غَيْرِ مُسْتَوْعِبَةٍ لِلرَّأْسِ بِأَنْ يَكُونَ رُبْعُهُ لَيْسَ فِيهِ عُذْرٌ فَوَضَعَ عَلَى رَأْسِهِ قَمِيصًا بِحَيْثُ غَطَّى رَأْسَهُ جَمِيعَهُ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ فِيهِ جَزَاءَانِ بِلَا شُبْهَةٍ جَزَاءٌ لِغَيْرِ عُذْرٍ، وَجَزَاءٌ لِمَكَانِ الضَّرُورَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَمْ أَرَ لَهُمْ صَرِيحًا إلَخْ) نَقَلَ الْبَحْثَ فِي النَّهْرِ والشُّرُنبُلالِيَّةِ وَغَيْرِهِمَا، وَأَقَرُّوهُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَبْنِيًّا إلَخْ) قَالَ نُوحٌ أَفَنْدِي قُلْت قَالَ فِي الْمُلْتَقَطِ فِي بَابِ الْأَيْمَانِ إنَّ الْكَفَّارَاتِ تَرْفَعُ الْإِثْمَ، وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ عَنْهُ التَّوْبَةُ مِنْ تِلْكَ الْجِنَايَةِ. اهـ. وَفِي الْبَدَائِعِ مَا يُخَالِفُهُ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِيهِ مَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الْجِنَايَاتِ الَّتِي فِيهَا الْكَفَّارَةُ مِنْ التَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ كَمَا فِي الْجِنَايَاتِ الَّتِي لَيْسَتْ فِيهَا كَفَّارَةٌ مَعْهُودَةٌ وَرَجَّحُوا مَا فِي الْبَدَائِعِ وَحَمَلُوا مَا فِي الْمُلْتَقَطِ عَلَى غَيْرِ الْمُصِرِّ، وَقَالُوا عَلَى الْمُصِرِّ الْكَفَّارَةُ فِي الدُّنْيَا وَالْعَذَابُ فِي الْأُخْرَى إنْ لَمْ يَتُبْ قَالَ: الْإِمَامُ النَّسَفِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ الْمُسَمَّى بِالتَّيْسِيرِ لِلْمُصِرِّ الْعَذَابُ فِي الْآخِرَةِ مَعَ الْكَفَّارَةِ فِي الدُّنْيَا إذَا لَمْ يَتُبْ؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ لَا تَرْفَعُ الذَّنْبَ عَنْ الْمُصِرِّ. اهـ. فَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ الْحَجُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَبْرُورًا بِارْتِكَابِ الْجِنَايَةِ عَمْدًا مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، وَإِنْ كَفَّرَ عَنْهَا صَاحِبُهَا. اهـ. قُلْت: وَهُوَ مُقْتَضَى حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ الْمَارِّ فِي بَحْثِ الْوُقُوفِ «مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ، وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ، وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» ، وَقَدْ مَرَّ فِي بَابِ الْإِحْرَامِ أَنَّ الْفُسُوقَ الْمَعَاصِي ثُمَّ رَأَيْته فِي اللُّبَابِ صَرَّحَ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّوْبَةِ مَعَ الْكَفَّارَةِ، وَقَالَ: شَارِحُهُ، وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ جَمَاعَةَ عَنْ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ أَنَّهُ إذَا ارْتَكَبَ مَحْظُورَ الْإِحْرَامِ عَامِدًا يَأْثَمُ، وَلَا تُخْرِجُهُ الْفِدْيَةُ وَالْعَزْمُ عَلَيْهَا عَنْ كَوْنِهِ عَاصِيًا قَالَ النَّوَوِيُّ: وَرُبَّمَا ارْتَكَبَ بَعْضُ الْعَامَّةِ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْمُحَرَّمَاتِ، وَقَالَ: أَنَا أَفْدِي مُتَوَهِّمًا أَنَّهُ بِالْتِزَامِ الْفِدْيَةِ يَتَخَلَّصُ مِنْ وَبَالِ الْمَعْصِيَةِ وَذَلِكَ خَطَأٌ صَرِيحٌ وَجَهْلٌ قَبِيحٌ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْفِعْلُ فَإِذَا خَالَفَ أَثِمَ، وَلَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ، وَلَيْسَتْ الْفِدْيَةُ مُبِيحَةً لِلْإِقْدَامِ عَلَى فِعْلِ الْمُحَرَّمِ وَجَهَالَةُ هَذَا الْفَاعِلِ كَجَهَالَةِ مَنْ يَقُولُ أَنَا أَشْرَبُ الْخَمْرَ، وَأَزْنِي وَالْحَدُّ يُطَهِّرُنِي، وَمَنْ فَعَلَ شَيْئًا مِمَّا يُحْكَمُ بِتَحْرِيمِهِ فَقَدْ أَخْرَجَ حَجَّهُ عَنْ أَنْ يَكُونَ مَبْرُورًا. اهـ. وَقَدْ صَرَّحَ أَصْحَابُنَا بِمِثْلِ هَذَا فِي الْحُدُودِ فَقَالُوا إنَّ الْحَدَّ لَا يَكُونُ طُهْرَةً مِنْ الذُّنُوبِ، وَلَا يَعْمَلُ فِي سُقُوطِ الْإِثْمِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ التَّوْبَةِ لَكِنْ قَالَ: فِي الْمُلْتَقَطِ إلَخْ ثُمَّ ذَكَرَ شَارِحُ اللُّبَابِ كَلَامَ النَّسَفِيِّ الْمَارِّ ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 14 وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِحَقِيقَةِ الْحَالِ. وَقَيَّدَ بِالْعُذْرِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْهَا لِغَيْرِهِ لَزِمَهُ دَمٌ أَوْ صَدَقَةٌ مُعَيَّنَةٌ، وَلَا يُجْزِئُهُ غَيْرُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَبِهَذَا ظَهَرَ ضَعْفُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الدَّمِ يَصُومُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهَا، وَإِنَّمَا لَمْ يُقَيِّدْ الْمُصَنِّفُ ذَبْحَ الشَّاةِ بِالْحَرَمِ مَعَ أَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِهِ اتِّفَاقًا لِمَا سَنُبَيِّنُهُ فِي بَابِ الْهَدْيِ أَنَّ الْكُلَّ مُخْتَصٌّ بِالْحَرَمِ فَإِنْ ذَبَحَ فِي غَيْرِهِ لَا يُجْزِئُهُ عَنْ الذَّبْحِ إلَّا إذَا تَصَدَّقَ بِلَحْمِهِ عَلَى سِتَّةِ مَسَاكِينَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَدْرُ قِيمَةِ نِصْفِ صَاعٍ مِنْ حِنْطَةٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بَدَلًا عَنْ الْإِطْعَامِ كَذَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ، وَلَا يَخْتَصُّ بِزَمَانٍ اتِّفَاقًا. وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ ذَبَحَ إلَى أَنَّهُ يَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ بِالذَّبْحِ حَتَّى لَوْ هَلَكَ الْمَذْبُوحُ بَعْدَهُ أَوْ سُرِقَ فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا سُرِقَ، وَهُوَ حَيٌّ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ غَيْرُهُ. وَمُقْتَضَاهُ جَوَازُ الْأَكْلِ مِنْهُ كَهَدْيِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ وَالْأُضْحِيَّةِ لَكِنَّ الْوَاقِعَ لُزُومُ التَّصَدُّقِ بِجَمِيعِ لَحْمِهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ؛ لِأَنَّهُ كَفَّارَةٌ فَالْحَاصِلُ أَنَّ لَهُ جِهَتَيْنِ جِهَةَ الْإِرَاقَةِ وَجِهَةَ التَّصَدُّقِ فَلِلْأُولَى لَا يَجِبُ غَيْرُهُ إذَا سَرَقَ مَذْبُوحًا وَلِلثَّانِيَةِ يَتَصَدَّقُ بِلَحْمِهِ، وَلَا يَأْكُلُ مِنْهُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَأَطْلَقَ فِي التَّصَدُّقِ وَالصَّوْمِ فَأَفَادَ أَنَّ لَهُ التَّصَدُّقَ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ، وَفِيهِ عَلَى غَيْرِ أَهْلِهِ. قَالَ: فِي الْمُحِيطِ وَالتَّصَدُّقُ عَلَى فُقَرَاءِ مَكَّةَ أَفْضَلُ، وَإِنَّمَا لَمْ يَتَقَيَّدْ بِالْحَرَمِ لِإِطْلَاقِ النَّصِّ بِخِلَافِ الذَّبْحِ؛ لِأَنَّ النُّسُكَ فِي اللُّغَةِ الدَّمُ الْمِهْرَاقُ بِمَكَّةَ وَيُقَالُ لِلْمَذْبُوحِ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى وَيُقَالُ لِكُلِّ عِبَادَةٍ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي} [الأنعام: 162] كَمَا فِي الْمُغْرِبِ. وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِلَفْظِ التَّصَدُّقِ الْمُوَافِقِ لِلَفْظِ الصَّدَقَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْآيَةِ إلَى أَنَّ طَعَامَ الْإِبَاحَةِ لَا يَكْفِي؛ لِأَنَّ التَّصَدُّقَ يُنْبِئُ عَنْ التَّمْلِيكِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103] وَحَكَى خِلَافًا فِي الْمَجْمَعِ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَكْفِي الْإِبَاحَةُ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا بُدَّ مِنْ التَّمْلِيكِ وَرَجَّحَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَّرَ الصَّدَقَةَ بِالْإِطْعَامِ هُنَا فَكَانَ كَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَتَعَقَّبَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّ الْحَدِيثَ لَيْسَ مُفَسِّرًا لِمُجْمَلٍ بَلْ مُبَيِّنٌ لِلْمُرَادِ بِالْإِطْعَامِ، وَهُوَ حَدِيثٌ مَشْهُورٌ عَمِلَتْ بِهِ الْأُمَّةُ فَجَازَتْ الزِّيَادَةُ بِهِ ثُمَّ الْمَذْكُورُ فِي الْآيَةِ الصَّدَقَةُ، وَتَحَقُّقُ حَقِيقَتِهَا بِالتَّمْلِيكِ فَيَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ فِي الْحَدِيثِ الْإِطْعَامُ عَلَى الْإِطْعَامِ الَّذِي هُوَ الصَّدَقَةُ، وَإِلَّا كَانَ مُعَارِضًا، وَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ بِالِاسْمِ الْأَعَمِّ. انْتَهَى. فَالْحَاصِلُ تَرْجِيحُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلِهَذَا قِيلَ إنَّ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَقَوْلِهِ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ لَكِنْ ذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ مَعَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَأَفَادَ الْمُصَنِّفُ بِإِطْلَاقِهِ أَنَّ الصَّوْمَ يَجُوزُ مُتَفَرِّقًا، وَمُتَتَابِعًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِسْبِيجَابِيُّ. وَالْأَصْوُعُ عَلَى وَزْنِ أَرْجُلٍ جَمْعُ صَاعٍ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّصَدُّقِ عَلَى سِتَّةِ مَسَاكِينَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ حَتَّى لَوْ تَصَدَّقَ بِالثَّلَاثَةِ عَلَى أَقَلَّ مِنْ سِتَّةٍ أَوْ عَلَى أَكْثَرَ مِنْهَا بِهَا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْعَدَدَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الْحَدِيثِ وَيَنْبَغِي عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ الْإِبَاحَةِ أَنَّهُ لَوْ غَدَّى مِسْكِينًا وَاحِدًا، وَعَشَّاهُ سِتَّةَ أَيَّامٍ يَجُوزُ أَخْذًا مِنْ مَسْأَلَةِ الْكَفَّارَاتِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) قَدَّمَ النَّوْعَ السَّابِقَ عَلَى هَذَا؛ لِأَنَّهُ كَالْمُقَدِّمَةِ لَهُ إذْ الطِّيبُ، وَإِزَالَةُ الشَّعْرِ وَالظُّفُرِ مُهَيِّجَاتٌ لِلشَّهْوَةِ لِمَا يُعْطِيهِ مِنْ الرَّائِحَةِ وَالزِّينَةِ. (قَوْلُهُ: وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إنْ نَظَرَ إلَى فَرْجِ امْرَأَةٍ بِشَهْوَةٍ فَأَمْنَى) ؛ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ هُوَ الْجِمَاعُ، وَلَمْ يُوجَدْ فَصَارَ كَمَا لَوْ تَفَكَّرَ فَأَمْنَى، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ احْتَلَمَ فَأَمْنَى لَا شَيْءَ عَلَيْهِ   [منحة الخالق] تَفْصِيلٌ حَسَنٌ يَجْمَعُ بِهِ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ وَالرِّوَايَاتِ (قَوْلُهُ: وَبِهَذَا ظَهَرَ ضَعْفُ مَا قَدَّمْنَاهُ) أَيْ قُبَيْلَ قَوْلِهِ أَوْ حَلَقَ رُبْعَ رَأْسِهِ أَوْ لِحْيَتِهِ، وَفِي حَاشِيَةِ الْمَدَنِيِّ بَعْدَ ذِكْرِهِ كَلَامَ الْمُؤَلِّفِ وَنَقَلَ الْمُنْلَا - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي مَنْسَكِهِ الْكَبِيرِ نَحْوَهُ وَنُقِلَ عَنْ الْفَارِسِيِّ وَالْبَحْرِ الْعَمِيقِ نَحْوُ مَا ذَكَرَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ عَلَى وَجْهِ الِاعْتِرَاضِ عَلَيْهِمَا قَالَ شَيْخُنَا مَوْلَانَا السَّيِّدُ مُحَمَّدٌ أَمِينٌ مِيرْغَنِيٌّ بَعْدَ نَقْلِ عِبَارَتِهِمَا فِي رِسَالَةٍ لَهُ قُلْت بَلْ الْمُقَرَّرُ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ فِي كَثِيرٍ مِنْ كُتُبِ الْمَذْهَبِ الْمُعْتَبَرَةِ إجْزَاءُ الصَّوْمِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الدَّمِ كَمَا نُمْلِيهِ عَلَيْك وَسَرْدُ الْأَقْوَالِ الْمُؤَيِّدَةِ لِكَلَامِهِ فَرَاجِعْهَا إنْ شِئْت. اهـ. (قَوْلُهُ: بَلْ مُبَيِّنٌ لِلْمُرَادِ بِالْإِطْعَامِ) كَذَا فِي أَغْلِبْ النُّسَخِ، وَفِي بَعْضِهَا لِلْمُرَادِ بِالْإِطْلَاقِ، وَهِيَ الْمُوَافِقَةُ لِمَا فِي الْفَتْحِ، وَعَلَى الْأُولَى فَقَوْلُهُ بِالْإِطْعَامِ مُتَعَلِّقٌ بِمُبَيِّنٍ لَا بِالْمُرَادِ أَيْ مُبَيِّنٌ لِلْمُرَادِ مِنْ الصَّدَقَةِ فِي الْآيَةِ بِالْإِطْعَامِ (قَوْلُهُ: فَجَازَتْ الزِّيَادَةُ بِهِ) أَيْ جَازَ بِذَلِكَ الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ تَقْيِيدُ مُطْلَقِ الْكِتَابِ الْمُسَمَّى عِنْدَنَا بِالزِّيَادَةِ عَلَى النَّصِّ كَمَا فِي التَّحْرِيرِ؛ لِأَنَّ الْمَشْهُورَ كَالْمُتَوَاتِرِ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ خَبَرِ الْوَاحِدِ وَبَيَانُ مَا ذَكَرَهُ أَنَّ الصَّدَقَةَ فِي الْآيَةِ مُطْلَقَةٌ تَصْدُقُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَوْ أَطْعَمَ سِتَّةَ مَسَاكِينَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ» مَشْهُورٌ فَصَحَّ بَيَانًا لِلْمُرَادِ مِنْ الْمُطْلَقِ فِي الْآيَةِ ثُمَّ إنَّ الصَّدَقَةَ تَقْتَضِي التَّمْلِيكَ لَا تَتَحَقَّقُ إلَّا بِهِ بِخِلَافِ الْإِطْعَامِ فَتَعَارَضَا ظَاهِرًا فَيَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ الْإِطْعَامُ عَلَى مَا فِيهِ تَمْلِيكٌ لِيَكُونَ بِمَعْنَى الصَّدَقَةِ فِي الْآيَةِ وَيَنْدَفِعُ التَّعَارُضُ، وَغَايَتُهُ أَنَّهُ مِنْ إطْلَاقِ الْأَعَمِّ عَلَى الْأَخَصِّ هَذَا تَقْرِيرُ كَلَامِهِ فَتَدَبَّرْهُ. [فَصْلٌ نَظَرَ الْمُحْرِم إلَى فَرْجِ امْرَأَةٍ بِشَهْوَةٍ فَأَمْنَى] (فَصْلٌ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 15 بِالْأَوْلَى وَبِإِطْلَاقِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ زَوْجَتِهِ وَالْأَجْنَبِيَّةِ، وَإِنْ كَانَ مُحْرِمًا. (قَوْلُهُ: وَتَجِبُ شَاةٌ إنْ قَبَّلَ أَوْ لَمَسَ بِشَهْوَةٍ) أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ مَا إذَا لَمْ يُنْزِلْ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا فِي الْمَبْسُوطِ حَيْثُ صَرَّحَ بِوُجُوبِ الدَّمِ، وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ وَاخْتَارَهُ فِي الْهِدَايَةِ مُخَالِفًا لِمَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مِنْ اشْتِرَاطِ الْإِنْزَالِ وَصَحَّحَهُ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِهِ لِيَكُونَ جِمَاعًا مِنْ وَجْهٍ فَإِنَّ الْمُحَرَّمَ هُوَ الْجِمَاعُ صُورَةً وَمَعْنًى أَوْ مَعْنًى فَقَطْ، وَهُوَ بِالْإِنْزَالِ، وَعَلَّلَ فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا لِوُجُوبِ الدَّمِ بِأَنَّ الْجِمَاعَ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ مِنْ جُمْلَةِ الرَّفَثِ فَكَانَ مَنْهِيًّا عَنْهُ بِسَبَبِ الْإِحْرَامِ وَبِالْإِقْدَامِ عَلَيْهِ يَصِيرُ مُرْتَكِبًا مَحْظُورَ إحْرَامِهِ وَتَعَقَّبَهُمْ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّ الْإِلْزَامَ إنْ كَانَ لِلنَّهْيِ فَلَيْسَ كُلُّ نَهْيٍ يُوجِبُ كَالرَّفَثِ، وَإِنْ كَانَ لِلرَّفَثِ فَكَذَلِكَ إذْ أَصْلُهُ الْكَلَامُ بِحَضْرَتِهِنَّ، وَلَيْسَ مُوجِبًا شَيْئًا. انْتَهَى. وَقَدْ يُقَالُ إنَّ إيجَابَ الدَّمِ إنَّمَا هُوَ لِكَوْنِهِ ارْتَكَبَ مَا هُوَ حَرَامٌ بِسَبَبِ الْإِحْرَامِ فَقَطْ، وَلَيْسَ ذِكْرُ الْجِمَاعِ بِحَضْرَةِ النِّسَاءِ مَنْهِيًّا عَنْهُ لِأَجْلِ الْإِحْرَامِ فَقَطْ بَلْ مَنْهِيٌّ عَنْهُ مُطْلَقًا، وَإِنْ كَانَ فِي الْإِحْرَامِ أَشَدَّ وَبِهَذَا يَظْهَرُ تَرْجِيحُ إطْلَاقِ الْكِتَابِ؛ لِأَنَّ الدَّوَاعِيَ مُحَرَّمَةٌ لِأَجْلِ الْإِحْرَامِ مُطْلَقًا فَيَجِبُ الدَّمُ مُطْلَقًا، وَإِنَّمَا لَمْ يَفْسُدْ الْحَجُّ بِالدَّوَاعِي مَعَ الْإِنْزَالِ كَمَا فَسَدَ بِهَا الصَّوْمُ؛ لِأَنَّ فَسَادَهُ تَعَلَّقَ بِالْجِمَاعِ حَقِيقَةً بِالنَّصِّ، وَالْجِمَاعُ مَعْنًى دُونَهُ فَلَمْ يُلْحَقْ بِهِ، وَأَمَّا فَسَادُ الصَّوْمِ فَمُعَلَّقٌ بِقَضَاءِ الشَّهْوَةِ، وَقَدْ وُجِدَ، وَفِي الْمُحِيطِ مُحْرِمٌ عَبَثَ بِذَكَرِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَنْزَلَ فَعَلَيْهِ دَمٌ؛ لِأَنَّهُ وَجَدَ قَضَاءَ الشَّهْوَةِ بِالْمَسِّ كَمَا لَوْ مَسَّ امْرَأَةً فَأَنْزَلَ، وَلَوْ أَتَى بَهِيمَةً فَأَنْزَلَ لَمْ يَفْسُدْ حَجُّهُ، وَعَلَيْهِ دَمٌ كَمَا لَوْ جَامَعَ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ، وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: أَوْ أَفْسَدَ حَجَّهُ بِجِمَاعٍ فِي أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَبْلَ أَيْ تَجِبُ شَاةٌ لِمَا وَرَدَ عَنْ الصَّحَابَةِ مِنْ الْفَسَادِ بِهِ وَوُجُوبِ الْهَدْيِ، وَأَدْنَاهُ شَاةٌ وَيَقُومُ الشِّرْكُ فِي الْبَدَنَةِ مَقَامَهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَمَا اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْفَسَادِ بِالْجِمَاعِ فِي الدُّبُرِ هُوَ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ كَقَوْلِهِمَا لِكَمَالِ الْجِنَايَةِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَمُرَادُهُ مِنْ آدَمِيَّةٍ. أَمَّا وَطْءُ الْبَهِيمَةِ فَلَا يُفْسِدُ مُطْلَقًا لِقُصُورِهِ وَأُطْلِقَ فِي الْجِمَاعِ فَشَمَلَ مَا إذَا أَنْزَلَ أَوْ لَمْ يُنْزِلْ أَوْلَجَ ذَكَرَهُ كُلَّهُ أَوْ بِقَدْرِ الْحَشَفَةِ، وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ، وَلَوْ اسْتَدْخَلَتْ ذَكَرَ الْحِمَارِ أَوْ ذَكَرًا مَقْطُوعًا يَفْسُدُ حَجُّهَا بِالْإِجْمَاعِ، وَلَوْ لَفَّ ذَكَرَهُ بِخِرْقَةٍ، وَأَدْخَلَهُ إنْ وَجَدَ حَرَارَةَ الْفَرْجِ وَاللَّذَّةَ يَفْسُدُ، وَإِلَّا فَلَا. انْتَهَى. وَشَمَلَ مَا إذَا كَانَ عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا عَالِمًا أَوْ جَاهِلًا مُخْتَارًا أَوْ مُكْرَهًا رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً، وَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْمُكْرِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَحَكَى فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ خِلَافًا بَيْنَ ابْنِ شُجَاعٍ وَالْقَاضِي أَبِي حَازِمٍ فِي رُجُوعِ الْمَرْأَةِ بِالدَّمِ إذَا أَكْرَهَهَا الزَّوْجُ عَلَى الْجِمَاعِ فَقَالَ الْأَوَّلُ لَا، وَقَالَ الثَّانِي نَعَمْ، وَلَمْ أَرَ قَوْلًا فِي رُجُوعِهَا بِمُؤْنَةِ حَجِّهَا وَشَمَلَ الْحُرَّ وَالْعَبْدَ لَكِنْ فِي الْعَبْدِ يَلْزَمُهُ الْهَدْيُ، وَقَضَاءُ الْحَجِّ بَعْدَ الْعِتْقِ سِوَى حَجَّةِ الْإِسْلَامِ، وَكُلُّ مَا يَجِبُ فِيهِ الْمَالُ يُؤَاخَذُ بِهِ بَعْدَ عِتْقِهِ بِخِلَافِ مَا فِيهِ الصَّوْمُ فَإِنَّهُ يُؤَاخَذُ بِهِ لِلْحَالِ، وَلَا يَجُوزُ إطْعَامُ الْمَوْلَى عَنْهُ إلَّا فِي الْإِحْصَارِ فَإِنَّ الْمَوْلَى يَبْعَثُ عَنْهُ لِيَحِلَّ هُوَ فَإِذَا عَتَقَ فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ، وَشَمَلَ الْوَطْءَ الْحَلَالَ وَالْحَرَامَ وَوَطْءَ الْمُكَلَّفِ وَغَيْرِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحِيطِ وَصَرَّحَ الْوَلْوَالِجِيُّ بِأَنَّ الصَّبِيَّ وَالْمَعْتُوهَ يَفْسُدُ حَجُّهُمَا بِالْجِمَاعِ لَكِنْ لَا دَمَ عَلَيْهِمَا، وَفِي مَنَاسِكِ ابْنِ الضِّيَاءِ: وَإِذَا جَامَعَ الصَّبِيُّ حَتَّى فَسَدَ حَجُّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ. انْتَهَى. وَبِهَذَا ظَهَرَ ضَعْفُ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ قَوْلِهِ، وَلَوْ كَانَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَاخْتَارَهُ فِي الْهِدَايَةِ) كَذَا فِي الْكَافِي وَالْبَدَائِعِ وَشَرْحِ الْمَجْمَعِ وَغَيْرِهَا (قَوْلُهُ: بَلْ مَنْهِيٌّ عَنْهُ مُطْلَقًا) هَذَا مُسَلَّمٌ فِيمَا لَوْ كَانَ فِي حَضْرَةِ مَنْ لَا تَحِلُّ لَهُ مُجَامَعَتُهُ أَمَّا فِي غَيْرِهِ فَلَا (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا لَمْ يَفْسُدْ حَجُّهُ بِالدَّوَاعِي) أَيْ بِلَا خِلَافٍ سَوَاءٌ وُجِدَتْ قَبْلَ الْوُقُوفِ أَوْ بَعْدَهُ كَمَا نَطَقَتْ بِهِ سَائِرُ الْكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ وَوَقَعَ فِي الْفَتَاوَى السِّرَاجِيَّةِ، وَلَوْ لَمَسَ امْرَأَةً بِشَهْوَةٍ فَأَمْنَى يَفْسُدُ، وَكَذَا إذَا لَمْ يُمْنِ عَلَى مَا فِي الْمَبْسُوطِ، وَمِنْهَاجِ الْمُصَلِّينَ، وَمُنْيَةِ الْمُفْتِي، وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ السُّرُوجِيُّ، وَفِي الْمَنَافِعِ يَعْنِي بِالْفَسَادِ النُّقْصَانَ الْفَاحِشَ. اهـ. وَفِيهِ أَنَّهُ مُنَافٍ لِمَا تَقَدَّمَ كَذَا فِي شَرْحِ اللُّبَابِ. (قَوْلُهُ: وَيَقُومُ الشِّرْكُ فِي الْبَدَنَةِ مَقَامَهَا) مُخَالِفٌ لِمَا مَرَّ كَمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ أَوَائِلَ بَابِ الْجِنَايَاتِ (قَوْلُهُ: فَلَا يَفْسُدُ مُطْلَقًا) قَالَ: الرَّمْلِيُّ أَيْ سَوَاءٌ أَنْزَلَ أَوْ لَمْ يُنْزِلْ، وَقَدْ أَلْحَقُوا الَّتِي لَا تُشْتَهَى بِالْبَهِيمَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الصَّوْمِ، وَهُوَ يَقْتَضِي عَدَمَ الْفَسَادِ بِوَطْءِ الْمَيِّتَةِ وَالصَّغِيرَةِ الَّتِي لَا تُشْتَهَى تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَلَوْ اسْتَدْخَلَتْ ذَكَرَ الْحِمَارِ إلَخْ) لِيَنْظُرَ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَتَى بَهِيمَةً فَأَنْزَلَ لَمْ يَفْسُدْ حَجُّهُ، وَعَلَيْهِ دَمٌ، وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ إطْعَامُ الْمَوْلَى) أَيْ أَوْ غَيْرُهُ، وَقِيلَ يَجُوزُ لُبَابٌ وَنَقَلَ شَارِحُهُ الْأَوَّلُ عَنْ الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهِ وَالثَّانِي أَيْ الْجَوَازُ عَنْ الْكَرْمَانِيِّ ثُمَّ قَالَ: لَكِنْ بَقِيَ مَا إذَا اسْتَدَانَ، وَهُوَ مَأْذُونٌ أَوْ مُكَاتَبٌ لَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ مَعَ أَنَّهُ أَوْلَى بِالْجَوَازِ مِنْ التَّبَرُّعِ عَنْهُ. (قَوْلُهُ: وَشَمَلَ الْوَطْءَ الْحَلَالَ وَالْحَرَامَ) أَيْ الْوَطْءَ لِحَلِيلَتِهِ أَوْ لِأَجْنَبِيَّةٍ، وَإِلَّا فَالْوَطْءُ هُنَا كُلُّهُ حَرَامٌ يُعَارِضُ الْإِحْرَامَ (قَوْلُهُ: وَبِهَذَا ظَهَرَ ضَعْفُ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُمْ لَوْ أَفْسَدَ الصَّبِيُّ حَجَّهُ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَلَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ بِغَيْرِ الْجِمَاعِ. اهـ. قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة وَفِيهِ تَأَمُّلٌ؛ لِأَنَّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 16 الزَّوْجُ صَبِيًّا يُجَامِعُ مِثْلُهُ فَسَدَ حَجُّهَا دُونَهُ، وَلَوْ كَانَتْ هِيَ صَبِيَّةً أَوْ مَجْنُونَةً انْعَكَسَ الْحُكْمُ. انْتَهَى. فَإِنَّ هَذَا الْحُكْمَ تَعَلَّقَ بِعَيْنِ الْجِمَاعِ وَبِالْعُذْرِ لَا يَنْعَدِمُ الْجِمَاعُ فَلَا يَنْعَدِمُ الْحُكْمُ الْمُتَعَلِّقُ بِهِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَلْزَمْهُمَا حُكْمُ الْفَسَادِ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْمُفْسِدَ لِلصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُكَلَّفِ وَغَيْرِهِ فَكَذَلِكَ الْحَجُّ وَشَمَلَ مَا إذَا تَعَدَّدَ الْجِمَاعُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ دَمٌ وَاحِدٌ إنْ كَانَ الْمَجْلِسُ مُتَّحِدًا سَوَاءٌ كَانَ لِامْرَأَةٍ أَوْ نِسْوَةٍ أَمَّا إذَا تَعَدَّدَ الْمَجْلِسُ، وَلَمْ يَقْصِدْ بِهِ رَفْضَ الْحَجَّةِ الْفَاسِدَةِ لَزِمَهُ دَمٌ آخَرُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَلَوْ نَوَى بِالْجِمَاعِ الثَّانِي رَفْضَ الْفَاسِدَةِ لَا يَلْزَمُهُ بِالثَّانِي شَيْءٌ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ مَعَ أَنَّ نِيَّةَ الرَّفْضِ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْهُ إلَّا بِالْأَعْمَالِ لَكِنْ لَمَّا كَانَتْ الْمَحْظُورَاتُ مُسْتَنِدَةً إلَى قَصْدٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ تَعْجِيلُ الْإِحْلَالِ كَانَتْ مُتَّحِدَةً فَكَفَاهُ دَمٌ وَاحِدٌ وَلِهَذَا نَصَّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْمُحْرِمَ إذَا جَامَعَ النِّسَاءَ وَرَفَضَ إحْرَامَهُ، وَأَقَامَ يَصْنَعُ مَا يَصْنَعُهُ الْحَلَالُ مِنْ الْجِمَاعِ وَالطِّيبِ، وَقَتْلِ الصَّيْدِ عَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ كَمَا كَانَ حَرَامًا وَيَلْزَمُهُ دَمٌ وَاحِدٌ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ. (قَوْلُهُ: وَيَمْضِي وَيَقْضِي، وَلَمْ يَفْتَرِقَا فِيهِ) أَيْ وَيَجِبُ الْمُضِيُّ فِي أَفْعَالِ الْحَجِّ بَعْدَ إفْسَادِهِ كَمَا يَمْضِي فِيهِ، وَهُوَ صَحِيحٌ وَيَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُ مِنْ قَابِلٍ، سَوَاءٌ كَانَتْ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَدَّى الْأَفْعَالَ مَعَ وَصْفِ الْفَسَادِ، وَالْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ أَدَاؤُهَا بِوَصْفِ الصِّحَّةِ، وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَيَجْتَنِبُ فِي الْفَاسِدَةِ مَا يَجْتَنِبُ فِي الْجَائِزَةِ، وَقَدْ ظَنَّ بَعْضُ أَهْلِ عَصْرِنَا أَنَّ الْحَجَّ إذَا فَسَدَ لَا يُفْسِدُ الْإِحْرَامَ وَلِهَذَا قَالُوا: إنَّ الْإِحْرَامَ   [منحة الخالق] الْفَسَادَ لَا يَنْحَصِرُ فِي الْجِمَاعِ إذْ يَكُونُ بِفَوْتِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْهُ إلَّا بِالْأَعْمَالِ) قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة يُنْظَرُ فِيهِ مَعَ مَا سَنَذْكُرُهُ مِنْ تَحْلِيلِ الْمَوْلَى أَمَتَهُ بِنَحْوِ قَصِّ ظُفُرٍ وَبِالْجِمَاعِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَنْبَغِي لَهُ فِعْلُهُ ابْتِدَاءً. اهـ. وَقَدْ يُقَالُ الْمَنْظُورُ إلَيْهِ هُنَا خُصُوصُ هَذَا الْمُجَامِعِ، وَهُوَ، وَلَا يَخْرُجُ إلَّا بِالْأَعْمَالِ (قَوْلُهُ: لَكِنْ لَمَّا كَانَتْ الْمَحْظُورَاتُ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّهُ، وَإِنْ أَخْطَأَ فِي تَأْوِيلِهِ يَرْتَفِعُ عَنْهُ الضَّمَانُ لِمَا ذُكِرَ فَإِنَّ التَّأْوِيلَ الْفَاسِدَ مُعْتَبَرٌ فِي رَفْعِ الضَّمَانِ كَالْبَاغِي إذَا أَتْلَفَ مَالَ الْعَادِلِ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ عَنْ تَأْوِيلٍ كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة عَنْ الْكَافِي (قَوْلُهُ: وَلِهَذَا نَصَّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ إلَخْ) قَالَ فِي اللُّبَابِ اعْلَمْ أَنَّ الْمُحْرِمَ إذَا نَوَى رَفْضَ الْإِحْرَامِ فَجَعَلَ يَصْنَعُ مَا يَصْنَعُهُ الْحَلَالُ مِنْ لُبْسِ الثِّيَابِ وَالتَّطَيُّبِ وَالْحَلْقِ وَالْجِمَاعِ، وَقَتْلِ الصَّيْدِ فَإِنَّهُ لَا يَخْرُجُ بِذَلِكَ مِنْ الْإِحْرَامِ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ كَمَا كَانَ مُحْرِمًا وَيَجِبُ دَمٌ وَاحِدٌ لِجَمِيعِ مَا ارْتَكَبَ، وَلَوْ كُلَّ الْمَحْظُورَاتِ، وَإِنَّمَا يَتَعَدَّدُ الْجَزَاءُ بِتَعَدُّدِ الْجِنَايَاتِ إذَا لَمْ يَنْوِ الرَّفْضَ ثُمَّ نِيَّةُ الرَّفْضِ إنَّمَا تُعْتَبَرُ مِمَّنْ زَعَمَ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْهُ بِهَذَا الْقَصْدِ لِجَهْلِهِ مَسْأَلَةَ عَدَمِ الْخُرُوجِ، وَأَمَّا مَنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْهُ بِهَذَا الْقَصْدِ فَإِنَّهَا لَا تُعْتَبَرُ مِنْهُ. اهـ. قَالَ شَارِحُهُ، وَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يُعْتَبَرَ مِنْهُ إذَا كَانَ شَاكًّا فِي الْمَسْأَلَةِ أَوْ نَاسِيًا لَهَا. (قَوْلُهُ: وَيَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُ مِنْ قَابِلٍ) قَالَ فِي النَّهْرِ قَدْ سَأَلَنِي بَعْضُ الطَّلَبَةِ بِالْجَامِعِ الْأَزْهَرِ عَمَّا إذَا فَسَدَ الْقَضَاءُ أَيْضًا أَيَجِبُ أَنْ يَقْضِيَهُ أَيْضًا فَقُلْت لَمْ أَرَ الْمَسْأَلَةَ، وَقِيَاسُ كَوْنِهِ إنَّمَا شَرَعَ فِيهِ مُسْقِطًا لَا مُلْزِمًا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَضَاءِ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيُّ، وَالْمُرَادُ الْإِعَادَةُ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ. اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا حَجَّةٌ وَاحِدَةٌ عَنْ الَّتِي أَفْسَدَهَا أَوَّلًا، وَلَا يَلْزَمُهُ حَجَّةٌ ثَانِيَةٌ عَنْ الَّتِي أَفْسَدَهَا ثَانِيًا، وَكَلَامُهُ مِنْ جِهَةِ الْحُكْمِ ظَاهِرٌ، وَقَدْ نَقَلَهُ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ عَنْ الْمُبْتَغَى فَقَالَ: وَلَفْظُ الْمُبْتَغَى لَوْ فَاتَهُ الْحَجُّ ثُمَّ حَجَّ مِنْ قَابِلٍ يُرِيدُ قَضَاءَ تِلْكَ الْحَجَّةِ فَأَفْسَدَ حَجَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إلَّا قَضَاءُ حَجَّةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا لَوْ أَفْسَدَ قَضَاءَ صَوْمِ رَمَضَانَ. اهـ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: إنَّ الْمُرَادَ بِالْقَضَاءِ إلَخْ فَفِيهِ غُمُوضٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَضَاءِ الْإِحْكَامُ وَالْإِتْقَانُ فَغَيْرُ مُنَاسِبٍ هُنَا، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ الْأَدَاءَ كَمَا يُقَالُ قَضَيْت الدَّيْنَ أَيْ أَدَّيْته فَقَوْلُهُ وَالْمُرَادُ الْإِعَادَةُ يُخَالِفُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ لَكِنْ فِيهِ أَنَّ الْإِعَادَةَ فِعْلُ مِثْلِ الْوَاجِبِ فِي وَقْتِهِ لِخَلَلِ غَيْرِ الْفَسَادِ، وَعَدَمِ صِحَّةِ الشُّرُوعِ، وَلَا يَتَأَتَّى هُنَا نَعَمْ يَتَأَتَّى عَلَى التَّعْرِيفِ الْمَشْهُورِ لَهَا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ بِأَنَّهَا فِعْلُ الشَّيْءِ ثَانِيًا فِي وَقْتِ الْأَدَاءِ لِخَلَلٍ فِي فِعْلِهِ أَوَّلًا فَالصَّوَابُ حَذْفُ قَوْلِهِ وَالْمُرَادُ الْإِعَادَةُ وَالِاقْتِصَارُ عَلَى بَيَانِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَضَاءِ الْأَدَاءُ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ الْكَمَالِ فِي التَّحْرِيرِ أَنَّ تَسْمِيَةَ الْحَجِّ الصَّحِيحِ بَعْدَ الْحَجِّ الْفَاسِدِ قَضَاءً مَجَازٌ قَالَ: الْحَلَبِيُّ فِي شَرْحِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي وَقْتِهِ، وَهُوَ الْعُمْرُ فَهُوَ أَدَاءٌ عَلَى قَوْلِ مَشَايِخِنَا. اهـ. وَحَيْثُ كَانَ أَدَاءً عِنْدَنَا سَقَطَ السُّؤَالُ أَصْلًا؛ لِأَنَّ الْحَجَّ الْأَوَّلَ لَغْوٌ فَإِنْ أَدَّاهُ صَحِيحًا خَرَجَ عَنْ الْعُهْدَةِ، وَإِلَّا فَلَا فَيَجِبُ أَدَاؤُهُ ثَانِيًا وَثَالِثًا، وَهَكَذَا إلَى أَنْ يَأْتِيَ بِهِ صَحِيحًا فَمَا يَفْعَلُهُ بَعْدَ الْفَاسِدِ لَيْسَ حَجًّا غَيْرَ الْفَرْضِ بَلْ هُوَ الْفَرْضُ إنْ كَانَ صَحِيحًا، وَمَا قَبْلَهُ لَا يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُ أَصْلًا إذْ لَوْ صَلَّى الظُّهْرَ مَثَلًا فِي وَقْتِهَا، وَأَفْسَدَهَا ثُمَّ أَدَّاهَا ثَانِيًا خَرَجَ عَنْ الْعُهْدَةِ، وَلَا يَتَوَهَّمُ أَحَدٌ لُزُومَ صَلَاةٍ أُخْرَى قَضَاءً عَنْ الَّتِي شَرَعَ فِيهَا، وَأَفْسَدَهَا، وَكَذَا مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْمُبْتَغَى مِنْ جَعْلِهِ نَظِيرَ مَا لَوْ أَفْسَدَ قَضَاءَ صَوْمِ رَمَضَانَ أَيْ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا قَضَاءُ يَوْمٍ وَاحِدٍ. (قَوْلُهُ: وَقَدْ ظَنَّ إلَخْ) ذَكَرَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ مَا يُقَوِّي هَذَا الظَّنَّ حَيْثُ قَالَ: وَفِي شَرْحِ النُّقَايَةِ لِلشَّمْسِ السَّمَرْقَنْدِيِّ عِنْدَ قَوْلِهِ أَفْسَدَ حَجَّهُ أَيْ نَقَصَهُ نُقْصَانًا فَاحِشًا، وَلَمْ يُبْطِلْهُ كَمَا فِي الْمُضْمَرَاتِ قَالَ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي صَاحِبَ اللُّبَابِ فَأَفَادَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْفَسَادِ النَّقْصُ الْفَاحِشُ لَا الْبُطْلَانُ، وَهُوَ قَيْدٌ حَسَنٌ يُزِيلُ بَعْضَ الْإِشْكَالَاتِ قُلْت مِنْ جُمْلَتِهَا الْمُضِيُّ فِي الْأَفْعَالِ لَكِنْ فِي عَدَمِ الْإِبْطَالِ أَيْضًا نَوْعٌ مِنْ الْإِشْكَالِ، وَهُوَ الْقَضَاءُ إلَّا أَنَّهُ يُمْكِنُ دَفْعُهُ بِأَنَّهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 17 بَاقٍ فَيَقْضِي فِيهِ، وَلَيْسَ كَمَا ظَنَّ بَلْ فَسَدَ الْإِحْرَامُ كَالْحَجِّ، وَقَدْ صَرَّحُوا بِفَسَادِهِ فِي مَوَاضِعَ عَدِيدَةٍ فِي هَذَا الْفَصْلِ، وَمَعْنَى بَقَائِهِ عَدَمُ الْخُرُوجِ عَنْهُ بِغَيْرِ الْأَفْعَالِ، وَمَعْنَى الِافْتِرَاقِ الَّذِي لَيْسَ بِوَاجِبٍ أَنْ يَأْخُذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي طَرِيقٍ غَيْرِ طَرِيقِ صَاحِبِهِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ؛ لِأَنَّ الْجَامِعَ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ النِّكَاحُ قَائِمٌ فَلَا مَعْنَى لِلِافْتِرَاقِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ لِإِبَاحَةِ الْوُقُوعِ، وَلَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُمَا يَتَذَاكَرَانِ مَا لَحِقَهُمَا مِنْ الْمَشَقَّةِ الشَّدِيدَةِ بِسَبَبِ لَذَّةٍ صَغِيرَةٍ فَيَزْدَادَانِ نَدَمًا وَتَحَرُّزًا لَكِنَّهُ مُسْتَحَبٌّ إذَا خَافَ الْوَقَاعَ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ. (قَوْلُهُ: وَبَدَنَةٌ لَوْ بَعْدَهُ، وَلَا فَسَادَ) أَيْ يَجِبُ بَدَنَةٌ لَوْ جَامَعَ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ قَبْلَ الْحَلْقِ، وَلَا يَفْسُدُ حَجُّهُ لِلْحَدِيثِ «مَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ» أَيْ أَمِنَ مِنْ فَسَادِهِ لِبَقَاءِ الرُّكْنِ الثَّانِي، وَهُوَ الطَّوَافُ، وَوُجُوبُ الْبَدَنَةِ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْأَثَرُ فِيهِ كَالْخَبَرِ أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ مَا إذَا جَامَعَ مَرَّةً أَوْ مِرَارًا إنْ اتَّحَدَ الْمَجْلِسُ، وَأَمَّا إذَا اخْتَلَفَ فَبَدَنَةُ لِلْأَوَّلِ وَشَاةٌ لِلثَّانِي فِي قَوْلِهِمَا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: إنْ ذَبَحَ لِلْأَوَّلِ فَيَجِبُ لِلثَّانِي شَاةٌ، وَإِلَّا فَلَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ، وَعَلَّلَ لَهُ فِي الْمَبْسُوطِ بِأَنَّهُ دَخَلَ إحْرَامَهُ نُقْصَانٌ بِالْجِمَاعِ الْأَوَّلِ وَبِالْجِمَاعِ الثَّانِي صَادَفَ إحْرَامًا نَاقِصًا فَيَكْفِيهِ شَاةٌ. (قَوْلُهُ: أَوْ جَامَعَ بَعْدَ الْحَلْقِ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ أَوَّلَ الْفَصْلِ قَبْلَ أَيْ يَجِبُ شَاةٌ إنْ جَامَعَ بَعْدَ الْحَلْقِ قَبْلَ الطَّوَافِ لِقُصُورِ الْجِنَايَةِ لِوُجُودِ الْحِلِّ الْأَوَّلِ بِالْحَلْقِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ أَصْحَابَ الْمُتُونِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ التَّفْصِيلِ فِيمَا إذَا جَامَعَ بَعْدَ الْوُقُوفِ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْحَلْقِ فَالْوَاجِبُ بَدَنَةٌ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ فَالْوَاجِبُ شَاةٌ، وَمَشَى جَمَاعَةٌ مِنْ الْمَشَايِخِ كَصَاحِبِ الْمَبْسُوطِ وَالْبَدَائِعِ والإسبيجابي عَلَى وُجُوبِ الْبَدَنَةِ مُطْلَقًا، وَقَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: إنَّهُ الْأَوْجَهُ؛ لِأَنَّ إيجَابَهَا لَيْسَ إلَّا بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْمَرْوِيُّ عَنْهُ ظَاهِرُهُ فِيمَا بَعْدَ الْحَلْقِ ثُمَّ الْمَعْنَى يُسَاعِدُهُ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهَا قَبْلَ الْحَلْقِ لَيْسَ إلَّا لِلْجِنَايَةِ عَلَى الْإِحْرَامِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْوَطْءَ لَيْسَ جِنَايَةً عَلَيْهِ إلَّا بِاعْتِبَارِ تَحْرِيمِهِ لَهُ لَا لِاعْتِبَارِ تَحْرِيمِهِ لِغَيْرِهِ فَلَيْسَ الطِّيبُ جِنَايَةً عَلَى الْإِحْرَامِ بِاعْتِبَارِ تَحْرِيمِهِ الْجِمَاعَ أَوْ الْحَلْقَ بَلْ بِاعْتِبَارِ تَحْرِيمِهِ لِلطِّيبِ، وَكَذَا كُلُّ جِنَايَةٍ عَلَى الْإِحْرَامِ لَيْسَتْ جِنَايَةً عَلَيْهِ إلَّا بِاعْتِبَارِ تَحْرِيمِهِ لَهَا لَا لِغَيْرِهَا فَيَجِبُ أَنْ يَسْتَوِيَ مَا قَبْلَ الْحَلْقِ، وَمَا بَعْدَهُ فِي حَقِّ الْوَطْءِ؛ لِأَنَّ الَّذِي بِهِ كَانَ جِنَايَةً قَبْلَهُ بِعَيْنِهِ ثَابِتٌ بَعْدَهُ، وَالزَّائِلُ لَمْ يَكُنْ الْوَطْءُ جِنَايَةً بِاعْتِبَارِهِ لَا جَرَمَ أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ إطْلَاقُ لُزُومِ الْبَدَنَةِ بَعْدَ الْوُقُوفِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ بَيْنَ كَوْنِهِ قَبْلَ الْحَلْقِ أَوْ بَعْدَهُ. انْتَهَى. وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّهُمْ اتَّفَقُوا أَنَّهُ لَوْ جَامَعَ مَرَّةً ثَانِيَةً بَعْدَ الْوُقُوفِ قَبْلَ الْحَلْقِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ بَدَنَةٌ، وَإِنَّمَا تَجِبُ شَاةٌ مَعَ أَنَّ وُجُوبَهَا لِلْجِمَاعِ الْأَوَّلِ لَيْسَ إلَّا بِاعْتِبَارِ حُرْمَتِهِ عَلَيْهِ، وَهُوَ بِعَيْنِهِ مَوْجُودٌ فِي كُلِّ جِمَاعٍ أَتَى بِهِ قَبْلَ الطَّوَافِ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَنْظُرَ إلَى أَنَّ الْبَدَنَةَ لَا تَجِبُ إلَّا إذَا كَمُلَتْ الْجِنَايَةُ، وَكَمَالُهَا بِمُصَادَفَتِهَا إحْرَامًا كَامِلًا فَالْجِمَاعُ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ صَادَفَ إحْرَامًا نَاقِصًا فَلَمْ تَجِبْ الْبَدَنَةُ، وَكَذَا الْجِمَاعُ بَعْدَ الْحَلْقِ صَادَفَ إحْرَامًا نَاقِصًا لِخُرُوجِهِ عَنْهُ فِي حَقِّ غَيْرِ النِّسَاءِ، وَهَذَا الْبَابُ أَعْنِي بَابَ الْجِنَايَاتِ عَلَى الْإِحْرَامِ يُنْظَرُ فِيهِ إلَى كَمَالِ الْجِنَايَةِ، وَقُصُورِهَا لِيَجِبَ الْجَزَاءُ بِقَدْرِهِ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ تَطْيِيبِ الْعُضْوِ، وَمَا دُونَهُ، وَمِنْ لُبْسِ الْمَخِيطِ يَوْمًا أَوْ أَقَلَّ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ لَا إلَى تَحْرِيمِ الْفِعْلِ فَقَطْ فَالْحَاصِلُ أَنَّ مَسَائِلَهُمْ شَاهِدَةٌ بِأَنَّ الْجِنَايَةَ إنْ كَمُلَتْ تُغْلِظُ الْجَزَاءَ كَمَا فِي لُبْسِ الْمَخِيطِ يَوْمًا أَوْ أَقَلَّ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ لَا إلَى تَحْرِيمِ الْفِعْلِ فَقَطْ، وَإِنْ قَصُرَتْ خَفَّ الْجَزَاءُ فَالْأَوْجَهُ مَا فِي الْمُتُونِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ الْقَارِنِ إذَا جَامَعَ وَحُكْمُهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَطَوَافِ الْعُمْرَةِ فَسَدَ حَجُّهُ وَعُمْرَتُهُ، وَلَزِمَهُ دَمَانِ وَقَضَاؤُهُمَا وَسَقَطَ عَنْهُ دَمُ الْقِرَانِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ طَوَافِ الْعُمْرَةِ أَوْ أَكْثَرَهُ قَبْلَ الْوُقُوفِ فَسَدَ الْحَجُّ فَقَطْ، وَلَزِمَهُ دَمَانِ أَيْضًا، وَقَضَاءُ الْحَجِّ فَقَطْ وَسَقَطَ عَنْهُ دَمُ الْقِرَانِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الطَّوَافِ وَالْوُقُوفِ قَبْلَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ لَمْ يَفْسُدَا، وَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ لِلْحَجِّ وَشَاةٌ لِلْعُمْرَةِ إنْ كَانَ قَبْلَ الْحَلْقِ اتِّفَاقًا وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا كَانَ بَعْدَ الْحَلْقِ فِي مَوْضِعَيْنِ. الْأَوَّلُ: فِي وُجُوبِ   [منحة الخالق] يُؤَدَّى عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ. اهـ. . (قَوْلُهُ: أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ إلَخْ) ، وَكَذَا شَمَلَ مَا لَوْ جَامَعَ عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا فَتَلْزَمُهُ فِيهِمَا بَدَنَةٌ كَمَا فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ وَذَكَرَ الْحَدَّادِيُّ فِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ نَاقِلًا عَنْ الْوَجِيزِ أَنَّهُ إنَّمَا تَجِبُ الْبَدَنَةُ إذَا جَامَعَ عَامِدًا أَمَّا إذَا جَامَعَ نَاسِيًا فَعَلَيْهِ شَاةٌ. اهـ. وَهُوَ خِلَافُ مَا فِي الْمَشَاهِيرِ مِنْ الرِّوَايَاتِ حَيْثُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَامِدِ وَالنَّاسِي فِي سَائِرِ الْجِنَايَاتِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ قَاضِي خَانْ بِقَوْلِهِ، وَلَوْ جَامَعَ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ فَلَا يَفْسُدُ حَجُّهُ، وَعَلَيْهِ جَزُورٌ جَامَعَ عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا. اهـ. كَذَا فِي شَرْحِ اللُّبَابِ وَسَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ أَنَّ جِمَاعَ النَّاسِي كَالْعَامِدِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ الْحَلْقِ، وَقَبْلَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْفَتْحِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 18 الْبَدَنَةِ لِلْحَجِّ أَوْ الشَّاةِ، وَقَدَّمْنَاهُ وَالثَّانِي فِي وُجُوبِ شَاةٍ لِلْعُمْرَةِ فَاَلَّذِي اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمَبْسُوطِ وَالْبَدَائِعِ والإسبيجابي أَنَّهُ يَجِبُ شَاةٌ لِلْعُمْرَةِ وَاَلَّذِي اخْتَارَهُ الْوَبَرِيُّ أَنَّهُ لَا يَجِبُ شَيْءٌ لِأَجْلِ الْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ إحْرَامِهَا بِالْحَلْقِ وَبَقِيَ إحْرَامُ الْحَجِّ فِي حَقِّ النِّسَاءِ وَاسْتَشْكَلَهُ الشَّارِحُ بِأَنَّهُ إذَا بَقِيَ مُحْرِمًا بِالْحَجِّ فَكَذَا فِي الْعُمْرَةِ وَرَدَّهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّ إحْرَامَ الْعُمْرَةِ لَمْ يُعْهَدْ بِحَيْثُ يَتَحَلَّلُ مِنْهُ بِالْحَلْقِ مِنْ غَيْرِ النِّسَاءِ وَيَبْقَى فِي حَقِّهِنَّ بَلْ إذَا حَلَقَ بَعْدَ أَفْعَالِهَا حَلَّ بِالنِّسْبَةِ إلَى كُلِّ مَا حَرُمَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا عُهَد ذَلِكَ فِي إحْرَامِ الْحَجِّ فَإِذَا ضُمَّ إحْرَامُ الْحَجِّ إلَى إحْرَامِ الْعُمْرَةِ اسْتَمَرَّ كُلٌّ عَلَى مَا عُهِدَ لَهُ فِي الشَّرْعِ فَيَنْطَوِي بِالْحَلْقِ إحْرَامُ الْعُمْرَةِ بِالْكُلِّيَّةِ فَالصَّوَابُ مَا عَنْ الْوَبَرِيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ فِي الْعُمْرَةِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ لَهَا الْأَكْثَرَ وَتَفْسُدَ وَيَمْضِيَ وَيَقْضِيَ) أَيْ لَوْ جَامَعَ فِي إحْرَامِ الْعُمْرَةِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ لَزِمَهُ شَاةٌ، وَفَسَدَتْ عُمْرَتُهُ كَمَا لَوْ جَامَعَ فِي الْحَجِّ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِجَامِعِ حُصُولِهِ قَبْلَ إدْرَاكِ الرُّكْنِ فِيهِمَا وَيَمْضِي فِي فَاسِدِهَا كَمَا يَمْضِي فِي صَحِيحِهَا، وَيَلْزَمُهُ قَضَاؤُهَا (قَوْلُهُ: أَوْ بَعْدَ طَوَافِ الْأَكْثَرِ، وَلَا فَسَادَ) أَيْ لَوْ جَامَعَ بَعْدَ مَا طَافَ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ لَزِمَهُ شَاةٌ، وَلَا تَفْسُدُ عُمْرَتُهُ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِالرُّكْنِ فَصَارَ كَالْجِمَاعِ بَعْدَ الْوُقُوفِ، وَإِنَّمَا لَمْ تَجِبْ بَدَنَةٌ كَمَا فِي الْحَجِّ إظْهَارًا لِلتَّفَاوُتِ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالسُّنَّةِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا، وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ يُتِمُّ فِي حَجَّةِ الْإِسْلَامِ أَمَّا فِي غَيْرِهَا فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا نَفْلٌ قَبْلَ الشُّرُوعِ وَاجِبٌ بَعْدَهُ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: نَفْلُ الْحَجِّ أَقْوَى مِنْ نَفْلِ الْعُمْرَةِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْجِمَاعَ فِي الْحَجِّ بَعْدَ الْوُقُوفِ يَكُونُ قَبْلَ أَدَاءِ بَقِيَّةِ أَرْكَانِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّهُ بَقِيَ الطَّوَافُ، وَهُوَ رُكْنٌ فَتَغَلَّظَتْ الْجِنَايَةُ فَتَغَلَّظَ الْجَزَاءُ بِخِلَافِهِ بَعْدَ طَوَافِ الْأَكْثَرِ فِي الْعُمْرَةِ فَإِنَّهُ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ إلَّا الْوَاجِبَاتُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي وُجُوبَ الْبَدَنَةِ لَوْ جَامَعَ قَبْلَ طَوَافِ الْأَكْثَرِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَشَمَلَ قَوْلُهُ: بَعْدَ طَوَافِ الْأَكْثَرِ مَا إذَا طَافَ الْبَاقِيَ وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ أَوَّلًا لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْحَلْقِ وَتَرَكَهُ لِلْعِلْمِ بِهِ؛ لِأَنَّ بِالْحَلْقِ يَخْرُجُ عَنْ إحْرَامِهَا بِالْكُلِّيَّةِ بِخِلَافِ إحْرَامِ الْحَجِّ، وَلَمَّا بَيَّنَ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ الْمُفْرِدِ بِالْحَجِّ وَالْمُفْرِدِ بِالْعُمْرَةِ عُلِمَ مِنْهُ حُكْمُ الْقَارِنِ وَالْمُتَمَتِّعِ. (قَوْلُهُ: وَجِمَاعُ النَّاسِي كَالْعَامِدِ) يَعْنِي فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَحْكَامِ الْجِنَايَاتِ فَيَفْسُدُ حَجُّهُ لَوْ جَامَعَ نَاسِيًا قَبْلَ الْوُقُوفِ وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ الْأُصُولِيُّونَ أَنَّ النِّسْيَانَ لَا يُنَافِي الْوُجُوبَ لِكَمَالِ الْعَقْلِ، وَلَيْسَ عُذْرًا فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ، وَفِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى عُذْرٌ فِي سُقُوطِ الْإِثْمِ أَمَّا الْحُكْمُ فَإِنْ كَانَ مَعَ مُذَكَّرٍ، وَلَا دَاعِيَ إلَيْهِ كَأَكْلِ الْمُصَلِّي وَجِنَايَةِ الْمُحْرِم لَمْ يَسْقُطْ بِتَقْصِيرِهِ بِخِلَافِ سَلَامِهِ فِي الْقَعْدَةِ، وَإِنْ كَانَ لَيْسَ مَعَ مُذَكَّرٍ مَعَ دَاعٍ إلَيْهِ سَقَطَ كَأَكْلِ الصَّائِمِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمَا فَكَذَلِكَ بِالْأَوْلَى كَتَرْكِ الذَّابِحِ التَّسْمِيَةَ. انْتَهَى. وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْجَاهِلَ وَالْعَالِمَ وَالْمُخْتَارَ وَالْمُكْرَهَ وَالنَّائِمَ وَالْمُسْتَيْقِظَ سَوَاءٌ لِحُصُولِ الِارْتِفَاقِ. (قَوْلُهُ: أَوْ طَافَ لِلرُّكْنِ مُحْدِثًا) أَيْ يَلْزَمُهُ شَاةٌ لِتَرْكِ الطَّهَارَةِ؛ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ نَقْصًا فِي الرُّكْنِ فَصَارَ كَتَرْكِ شَوْطٍ مِنْهُ، وَظَاهِرُ كَلَامِ غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّ الدَّمَ وَاجِبٌ اتِّفَاقًا أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِهَا، وَهُوَ الْأَصَحُّ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِسُنِّيَّتِهَا فَلِأَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ تَكُونَ سُنَّةً، وَيَجِبُ بِتَرْكِهَا الْكَفَّارَةُ، وَلِهَذَا قَالَ: مُحَمَّدٌ فِيمَنْ أَفَاضَ مِنْ عَرَفَةَ قَبْلَ الْإِمَامِ يَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ سُنَّةَ الدَّفْعِ. اهـ. وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ الْخُلْفَ لَفْظِيٌّ لَا ثَمَرَةَ لَهُ، وَإِنَّمَا كَانَتْ الطَّهَارَةُ وَاجِبَةً لِمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ «عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا حَاضَتْ فَقَالَ لَهَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: اقْضِ مَا يَقْضِي الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ» . رَتَّبَ مَنْعَ الطَّوَافِ عَلَى انْتِفَاءِ الطَّهَارَةِ، وَهَذَا حُكْمٌ وَسَبَبٌ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْحُكْمَ يَتَعَلَّقُ بِالسَّبَبِ فَيَكُونُ الْمَنْعُ لِعَدَمِ الطَّهَارَةِ لَا لِعَدَمِ دُخُولِ الْمَسْجِدِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ شَرْطًا كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ تَقْيِيدُ مُطْلَقِ الْقَطْعِيِّ، وَهُوَ {وَلْيَطَّوَّفُوا} [الحج: 29] بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَهُوَ نُسِخَ عِنْدَنَا فَلَا يَجُوزُ كَمَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ» فَالْمُرَادُ بِهِ التَّشْبِيهُ فِي الثَّوَابِ، قَيَّدَ بِالْحَدَثِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ طَافَ، وَعَلَى ثَوْبِهِ نَجَاسَةٌ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لَكِنَّهُ يُكْرَهُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ) أَيْ فِي صُوَرِ هَذِهِ الْقَوْلَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ فَالْوَاجِبُ شَاةٌ إلَخْ فَإِنَّهُ، وَإِنْ كَانَ ذَاكَ فِي الْمُفْرِدِ يُعْلَمُ مِنْهُ حُكْمُ الْقَارِنِ كَمَا سَيَأْتِي. (قَوْلُهُ: وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ الْآتِي لَا يَصِحُّ. (قَوْلُهُ: بِوُجُوبِهَا) أَيْ الطَّهَارَةِ (قَوْلُهُ: وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ الْخُلْفَ لَفْظِيٌّ) قَالَ: فِي النَّهْرِ فِيهِ نَظَرٌ إذْ ثَمَّ تَرْكُ الْوَاجِبِ أَشَدُّ. اهـ. اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: مُرَادُهُ الثَّمَرَةُ فِي وُجُوبِ الدَّمِ، وَعَدَمِهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 19 لِإِدْخَالِ النَّجَاسَةِ الْمَسْجِدَ، وَلَمْ يَنُصَّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ إلَّا عَلَى الثَّوْبِ، وَالتَّعْلِيلُ يُفِيدُ عَدَمَ الْفَرْقِ بَيْنَ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ، وَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ أَنَّ نَجَاسَةَ الثَّوْبِ كُلِّهِ فِيهِ الدَّمُ لَا أَصْلَ لَهُ فِي الرِّوَايَةِ فَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ. وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَوْ طَافَ مُنْكَشِفَ الْعَوْرَةِ قَدْرَ مَا لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ مَعَهُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ دَمٌ لِتَرْكِ الْوَاجِبِ، وَهُوَ سِتْرُ الْعَوْرَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَدَلِيلُ الْوُجُوبِ قَوْلُهُ: - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَلَا لَا يَحُجُّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ وَلَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ» بِنَاءً عَلَى أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ يُفِيدُ الْوُجُوبَ عِنْدَنَا، وَقَيَّدَ بِالرُّكْنِ، وَهُوَ الْأَكْثَرُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ طَافَ أَقَلَّهُ مُحْدِثًا، وَلَمْ يُعِدْ وَجَبَ عَلَيْهِ لِكُلِّ شَوْطٍ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ حِنْطَةٍ إلَّا إذَا بَلَغَتْ قِيمَتُهُ دَمًا فَإِنَّهُ يُنْقِصُ مِنْهُ مَا شَاءَ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ. (قَوْلُهُ: وَبَدَنَةٌ لَوْ جُنُبًا وَيُعِيدُ) أَيْ يَجِبُ بَدَنَةٌ لَوْ طَافَ لِلرُّكْنِ جُنُبًا كَذَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ وَلِأَنَّ الْجَنَابَةَ أَغْلَظُ فَيَجِبُ جَبْرُ نُقْصَانِهَا فِي الْبَدَنَةِ إظْهَارًا لِلتَّفَاوُتِ بَيْنَهُمَا، وَالْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ كَالْجَنَابَةِ قَيَّدَ بِالرُّكْنِ، وَهُوَ الْأَكْثَرُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ طَافَ الْأَقَلَّ جُنُبًا، وَلَمْ يُعِدْ وَجَبَ عَلَيْهِ شَاةٌ فَإِنْ أَعَادَهُ وَجَبَتْ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ لِتَأْخِيرِ الْأَقَلِّ مِنْ طَوَافِ الزِّيَارَةِ لِكُلِّ شَوْطٍ نِصْفُ صَاعٍ، وَقَوْلُهُ: وَيُعِيدُ رَاجِعٌ إلَى الطَّوَافِ مُحْدِثًا أَوْ جُنُبًا، وَلَمْ يَذْكُرْ صِفَةَ الْإِعَادَةِ لِلِاخْتِلَافِ وَصَحَّحَ فِي الْهِدَايَةِ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ فِي الطَّوَافِ جُنُبًا مُسْتَحَبَّةٌ فِي الطَّوَافِ مُحْدِثًا لِلْفُحْشِ فِي الْأَوَّلِ وَالْقُصُورِ فِي الثَّانِي فَإِنْ أَعَادَهُ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ فِيهِمَا مُطْلَقًا لِجَبْرِ النُّقْصَانِ الْحَاصِلِ بِالْإِعَادَةِ إلَّا أَنَّهُ إنْ أَعَادَهُ، وَقَدْ طَافَ جُنُبًا بَعْدَ أَيَّامِ النَّحْرِ لَزِمَهُ دَمٌ لِلتَّأْخِيرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ الْوَاوَ فِي قَوْلِهِ وَيُعِيدُ بِمَعْنَى أَوْ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ بِمَعْنَى شَيْئَيْنِ إمَّا لُزُومُ الشَّاةِ أَوْ الْإِعَادَةُ، وَالْإِعَادَةُ هِيَ الْأَصْلُ مَا دَامَ بِمَكَّةَ لِيَكُونَ الْجَابِرُ مِنْ جِنْسِ الْمَجْبُورِ فَهِيَ أَفْضَلُ مِنْ الدَّمِ، وَأَمَّا إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ فَفِي الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ اتَّفَقُوا أَنَّ بَعْثَ الشَّاةِ أَفْضَلُ مِنْ الرُّجُوعِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ فَاخْتَارَ فِي الْهِدَايَةِ أَنَّ الْعَوْدَ إلَى الْإِعَادَةِ أَفْضَلُ لِمَا ذَكَرْنَا وَاخْتَارَ فِي الْمُحِيطِ أَنَّ بَعْثَ الدَّمِ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ الْأَوَّلَ وَقَعَ مُعْتَدًّا بِهِ، وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لِلْفُقَرَاءِ، وَإِذَا عَادَ لِلْأَوَّلِ يَرْجِعُ بِإِحْرَامٍ جَدِيدٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ حَلَّ فِي حَقِّ النِّسَاءِ بِطَوَافِ الزِّيَارَةِ جُنُبًا، وَهُوَ آفَاقِيٌّ يُرِيدُ مَكَّةَ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ إحْرَامٍ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ فَإِذَا أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ يَبْدَأُ بِهَا فَإِذَا فَرَغَ مِنْهَا يَطُوفُ لِلزِّيَارَةِ وَيَلْزَمُهُ دَمٌ لِتَأْخِيرِ طَوَافِ الزِّيَارَةِ عَنْ وَقْتِهِ، وَفَهِمَ الرَّازِيّ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الطَّوَافَ الثَّانِيَ مُعْتَدٌّ بِهِ، وَأَنَّ الْأَوَّلَ قَدْ انْفَسَخَ وَذَهَبَ الْكَرْخِيُّ إلَى أَنَّ الْأَوَّلَ مُعْتَبَرٌ فِي فَصْلِ الْجِنَايَةِ كَمَا فِي فَصْلِ الْحَدَثِ اتِّفَاقًا وَصَحَّحَهُ صَاحِبُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَذْكُرْ صِفَةَ الْإِعَادَةِ إلَخْ) قَالَ: فِي النَّهْرِ وَالْأَصَحُّ نَدْبُهَا مَعَ الْحَدَثِ وَوُجُوبُهَا مَعَ الْجِنَايَةِ فَإِنْ أَعَادَهُ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ فَلَا ذَبْحَ، وَإِلَّا وَجَبَ عَلَيْهِ دَمٌ عِنْدَ الْإِمَامِ لِلتَّأْخِيرِ قَالَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ (قَوْلُهُ: فَلَا دَمَ عَلَيْهِ فِيهِمَا) أَيْ فِي الطَّوَافِ جُنُبًا أَوْ مُحْدِثًا، وَقَوْلُهُ مُطْلَقًا الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ أَوْ بَعْدَهَا لَكِنَّهُ خَاصٌّ فِي الطَّوَافِ مُحْدِثًا بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ، وَعِبَارَةُ الْهِدَايَةِ ثُمَّ إذَا أَعَادَهُ، وَقَدْ طَافَ مُحْدِثًا لَا ذَبْحَ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَعَادَهُ بَعْدَ أَيَّامِ النَّحْرِ؛ لِأَنَّ بَعْدَ الْإِعَادَةِ لَا تَبْقَى إلَّا شُبْهَةُ النُّقْصَانِ، وَإِنْ أَعَادَهُ، وَقَدْ طَافَهُ جُنُبًا فِي أَيَّامِ النَّحْرِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَعَادَهُ فِي وَقْتِهِ، وَإِنْ أَعَادَهُ بَعْدَ أَيَّامِ النَّحْرِ لَزِمَهُ الدَّمُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِالتَّأْخِيرِ. اهـ. هَذَا وَسَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ لَوْ طَافَ لِلرُّكْنِ جُنُبًا وَلِلصَّدْرِ طَاهِرًا أَنَّ عَلَيْهِ دَمَيْنِ أَيْ وَتَسْقُطُ الْبَدَنَةُ لِوُقُوعِ طَوَافِ الصَّدْرِ عَنْ طَوَافِ الرُّكْنِ فَعَلَيْهِ دَمٌ لِتَأْخِيرِهِ وَدَمٌ لِتَرْكِ الصَّدْرِ إنْ لَمْ يُعِدْهُ كَمَا سَيَشْرَحُهُ الْمُؤَلِّفُ. (قَوْلُهُ: وَقَدْ طَافَ جُنُبًا) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الظَّرْفِ، وَمُتَعَلِّقِهِ فَإِنَّ قَوْلَهُ بَعْدَ أَيَّامِ النَّحْرِ مُتَعَلِّقٌ بِأَعَادَهُ، وَقَيَّدَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ طَافَ مُحْدِثًا، وَأَعَادَهُ سَقَطَ عَنْهُ الدَّمُ سَوَاءٌ أَعَادَهُ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ أَوْ بَعْدَهَا، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِلتَّأْخِيرِ كَمَا فِي اللُّبَابِ، وَعَزَاهُ شَارِحُهُ إلَى الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي وَغَيْرِهِمَا قَالَ: وَفِي الْبَحْرِ الزَّاخِرِ هُوَ الصَّحِيحُ ثُمَّ قَالَ: فِي اللُّبَابِ، وَقِيلَ يَجِبُ عَلَيْهِ لِلتَّأْخِيرِ دَمٌ. قَالَ: شَارِحُهُ قَالَ: قِوَامُ الدِّينِ مَا فِي الْهِدَايَةِ سَهْوٌ؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَ النُّسُكِ عَنْ وَقْتِهِ يُوجِبُ الدَّمَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى أَنَّ الرِّوَايَةَ مُصَرِّحَةٌ بِخِلَافِ ذَلِكَ وَلِذَا قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ إذَا أَعَادَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ بَعْدَ أَيَّامِ النَّحْرِ يَجِبُ عَلَيْهِ الدَّمُ سَوَاءٌ كَانَتْ إعَادَتُهُ بِسَبَبِ الْحَدَثِ أَوْ الْجَنَابَةِ وَبِهِ جَزَمَ فِي الْبَدَائِعِ وَصَحَّحَ فِي السِّرَاجِ مَا فِي الْهِدَايَةِ قَالَ فِي الْمَطْلَبِ إنَّهُ الْأَظْهَرُ. اهـ. وَوَجْهُهُ أَنَّ طَوَافَهُ الْأَوَّلَ مُعْتَدٌّ بِهِ بِلَا خِلَافٍ، وَالْإِعَادَةُ لِتَكْمِيلِ الْعِبَادَةِ وَتَمَامُهُ فِيهِ ثُمَّ قَالَ فِي اللُّبَابِ، وَقِيلَ صَدَقَةٌ لِكُلِّ شَوْطٍ، وَعَزَاهُ شَارِحُهُ إلَى الْخُلَاصَةِ وَشَرْحِ الْجَامِعِ لِقَاضِي خَانْ وَسَيَذْكُرُ الْمُؤَلِّفُ ذَلِكَ بَعْدَ وَرَقَتَيْنِ (قَوْلُهُ: بِمَعْنَى شَيْئَيْنِ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ أَحَدُ شَيْئَيْنِ، وَهُوَ الْمُنَاسِبُ (قَوْلُهُ: وَفَهِمَ الرَّازِيّ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ فِي قَوْلِهِ لِتَأْخِيرِ طَوَافِ الزِّيَارَةِ عَنْ وَقْتِهِ، وَكَانَ الْأَظْهَرُ تَقْدِيمَ هَذَا عَلَى قَوْلِهِ، وَأَمَّا إذَا رَجَعَ كَمَا فَعَلَ فِي الْفَتْحِ وَالنَّهْرِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَمَامِ بَحْثِ الْإِعَادَةِ قَبْلَ الرُّجُوعِ إلَى أَهْلِهِ (قَوْلُهُ: كَمَا فِي فَصْلِ الْحَدَثِ اتِّفَاقًا) حَاصِلُهُ أَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي الْإِعَادَةِ فِي فَصْلِ الْجَنَابَةِ فَعِنْدَ الرَّازِيّ الطَّوَافُ الثَّانِي هُوَ الْمُعْتَدُّ بِهِ، وَعِنْدَ الْكَرْخِيِّ الْأَوَّلُ، وَاتَّفَقُوا فِي الْمُحْدِثِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ الْأَوَّلُ وَالثَّانِيَ جَابِرٌ كَمَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 20 الْإِيضَاحِ إذْ لَا شَكَّ فِي وُقُوعِ الْأَوَّلِ مُعْتَدًّا بِهِ حَتَّى حَلَّ بِهِ النِّسَاءُ وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِمَا فِي الْأَصْلِ لَوْ طَافَ لِعُمْرَتِهِ مُحْدِثًا أَوْ جُنُبًا فِي رَمَضَانَ وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا إنْ أَعَادَهُ فِي شَوَّالٍ أَوْ لَمْ يُعِدْهُ، وَقَوَّاهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. وَإِنَّمَا وَجَبَ الدَّمُ لِتَرْكِ الْوَاجِبِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ الْإِعَادَةُ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ فَإِذَا مَضَتْ تَرَكَ وَاجِبًا وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْخُلْفَ لَفْظِيٌّ لَا ثَمَرَةَ لَهُ؛ لِأَنَّ الدَّمَ وَاجِبٌ اتِّفَاقًا، وَإِنْ اخْتَلَفَ التَّخْرِيجُ. (قَوْلُهُ: وَصَدَقَةٌ لَوْ مُحْدِثًا لِلْقُدُومِ) أَيْ يَجِبُ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ لَوْ طَافَ لِلْقُدُومِ مُحْدِثًا؛ لِأَنَّهُ دَخَلَهُ نَقْصٌ بِتَرْكِ الطَّهَارَةِ فَيَنْجَبِرُ بِالصَّدَقَةِ إظْهَارًا لِدُنُوِّ رُتْبَتِهِ عَنْ الْوَاجِبِ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ طَوَافُ الزِّيَارَةِ. وَأَشَارَ إلَى أَنَّ كُلَّ طَوَافٍ هُوَ تَطَوُّعٌ فَهُوَ كَذَلِكَ، وَقَيَّدَ بِالْحَدَثِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ طَافَ لِلْقُدُومِ جُنُبًا لَزِمَهُ الْإِعَادَةُ وَدَمٌ، وَإِنْ لَمْ يُعِدْ؛ لِأَنَّ النَّقْصَ فِيهِ مُتَغَلِّظٌ فَتَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ احْتِيَاطًا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ طَوَافَ التَّحِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ، وَإِنْ أَعَادَ فَهُوَ أَفْضَلُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَبِهَذَا ظَهَرَ بُطْلَانُ مَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مَعْزِيًّا إلَى الْإِسْبِيجَابِيِّ مِنْ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لَوْ طَافَ لِلِقَاءٍ مُحْدِثًا أَوْ جُنُبًا؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي عَدَمَ وُجُوبِ الطَّهَارَةِ لِلطَّوَافِ؛ وَلِأَنَّ طَوَافَ التَّطَوُّعِ إذَا شَرَعَ فِيهِ صَارَ وَاجِبًا بِالشُّرُوعِ ثُمَّ يَدْخُلُهُ النَّقْصُ بِتَرْكِ الطَّهَارَةِ فِيهِ. غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ وُجُوبَهُ لَيْسَ بِإِيجَابِهِ تَعَالَى ابْتِدَاءً فَأَظْهَرْنَا التَّفَاوُتَ فِي الْحَطِّ مِنْ الدَّمِ إلَى الصَّدَقَةِ فِيمَا إذَا طَافَهُ مُحْدِثًا، وَمِنْ الْبَدَنَةِ إلَى الشَّاةِ فِيمَا إذَا طَافَهُ جُنُبًا، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ يَقْتَضِي وُجُوبَ الشَّاةِ فِيمَا إذَا طَافَ لِلتَّطَوُّعِ جُنُبًا. وَذَكَرَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّهُ إنْ طَافَ لِلْقُدُومِ مُحْدِثًا وَسَعَى وَرَمَلَ عَقِبَهُ فَهُوَ جَائِزٌ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُعِيدَهُمَا عَقِيبَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ، وَإِنْ طَافَ لَهُ جُنُبًا وَسَعَى وَرَمَلَ عَقِبَهُ فَإِنَّهُ لَا يُعْتَدُّ بِهِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ السَّعْيُ عَقِبَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ وَيَرْمُلُ فِيهِ. (قَوْلُهُ: وَالصَّدْرِ) بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى الْقُدُومِ فَتَجِبُ صَدَقَةٌ لَوْ طَافَ مُحْدِثًا وَدَمٌ لَوْ جُنُبًا فَقَدْ سَوَّوْا بَيْنَ طَوَافِ الْقُدُومِ وَبَيْنَ طَوَافِ الصَّدْرِ مَعَ أَنَّ الْأَوَّلَ سُنَّةٌ وَالثَّانِيَ وَاجِبٌ، وَأَجَابَ عَنْهُ فِي الْهِدَايَةِ بِأَنَّ طَوَافَ الْقُدُومِ يَصِيرُ وَاجِبًا أَيْضًا بِالشُّرُوعِ، وَأَقَرَّهُ الشَّارِحُونَ، وَقَدْ يُقَالُ إنَّ مَا وَجَبَ ابْتِدَاءً قَبْلَ الشُّرُوعِ أَقْوَى مِمَّا وَجَبَ بِالشُّرُوعِ فَيَنْبَغِي عَدَمُ الْمُسَاوَاةِ قَيَّدَ بِتَرْكِ الطَّهَارَةِ لِلطَّوَافِ؛ لِأَنَّ السَّعْيَ مُحْدِثًا أَوْ جُنُبًا لَا يُوجِبُ شَيْئًا سَوَاءٌ كَانَ سَعْيَ عُمْرَةٍ أَوْ حَجٍّ؛ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ تُؤَدَّى لَا فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ عِبَادَةٍ تُؤَدَّى لَا فِي الْمَسْجِدِ فِي أَحْكَامِ الْمَنَاسِكِ فَالطَّهَارَةُ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ لَهَا كَالسَّعْيِ وَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَالْمُزْدَلِفَةِ وَرَمْيِ الْجِمَارِ بِخِلَافِ الطَّوَافِ فَإِنَّهُ عِبَادَةٌ تُؤَدَّى فِي الْمَسْجِدِ فَكَانَتْ الطَّهَارَةُ وَاجِبَةً فِيهِ كَذَا فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ. (قَوْلُهُ:   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: حَتَّى حَلَّ بِهِ النِّسَاءُ) كَذَا صَرَّحَ بِهِ فِي اللُّبَابِ حَيْثُ قَالَ: وَيَقَعُ مُعْتَدًّا بِهِ فِي حَقِّ التَّحَلُّلِ لَكِنْ ذَكَرَ قَبْلَهُ فَرْعًا يُخَالِفُهُ حَيْثُ قَالَ: لَوْ طَافَ لِلزِّيَارَةِ جُنُبًا ثُمَّ جَامَعَ ثُمَّ أَعَادَهُ طَاهِرًا فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَقَالَ: شَارِحُهُ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى انْفِسَاخِ الْأَوَّلِ بِالثَّانِي وَتَمَامُهُ فِيهِ (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا وَجَبَ الدَّمُ) أَيْ فِيمَا لَوْ أَعَادَهُ بَعْدَ أَيَّامِ النَّحْرِ، وَقَدْ طَافَهُ جُنُبًا (قَوْلُهُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْخُلْفَ لَفْظِيٌّ) أَيْ الْخُلْفُ بَيْنَ الرَّازِيّ وَالْكَرْخِيِّ، وَفِيهِ نَظَرٌ فَقَدْ قَالَ فِي السِّرَاجِ، وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي إعَادَةِ السَّعْيِ فَعَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ لَا تَجِبُ إعَادَتُهُ، وَعَلَى قَوْلِ الرَّازِيّ تَجِبُ؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ الْأَوَّلَ قَدْ انْفَسَخَ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ. اهـ. وَأَمَّا مَا فِي النَّهْرِ مِنْ أَنَّ مُقْتَضَى مَا قَالَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ اعْتِبَارُ الثَّانِي، وَعَلَيْهِ فَالْخِلَافُ مَعْنَوِيٌّ فَائِدَتُهُ تَظْهَرُ فِي إيجَابِ الدَّمِ، وَعَدَمُهُ فِي فَصْلِ الْحَدَثِ. اهـ. فَفِيهِ نَظَرٌ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ كَلَامَ الْمُؤَلِّفِ فِي فَصْلِ الْجِنَايَةِ، وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِمَا عَلِمْت مِنْ تَأْيِيدِ نَقْلِهِ الِاتِّفَاقَ فِي الْحَدَثِ بِمَا نَقَلْنَاهُ أَوَّلًا عَنْ السِّرَاجِ، وَأَمَّا ثَالِثًا فَلِأَنَّ دَعْوَاهُ أَنَّ مُقْتَضَى مَا قَالَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ اعْتِبَارَ الثَّانِي إنْ كَانَ مُرَادُهُ مِنْ قَوْلِ الْإِسْبِيجَابِيِّ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُ، وَلَيْسَ فِي كَلَامِ النَّهْرِ غَيْرُهُ فَلَا يَقْتَضِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ، وَإِلَّا أَيْ، وَإِنْ لَمْ يُعِدْهَا فِي أَيَّامِ النَّحْرِ وَجَبَ عَلَيْهِ دَمٌ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَقْصُورًا عَلَى فَصْلِ الْجِنَايَةِ. (قَوْلُهُ: وَبِهَذَا ظَهَرَ بُطْلَانُ مَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ مَا قَالَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ مُوَافِقٌ لِمَا فِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ كَمَا فِي الدِّرَايَةِ وَجَزَمَهُ فِي الْمُحِيطِ بِحُكْمٍ لَا يَقْتَضِي عَدَمَ وُجُوبِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لَوْ طَافَ مَعَ النَّجَاسَةِ كَمَا مَرَّ مَعَ وُجُوبِ التَّحَامِي عَنْهَا عَلَى الطَّائِفِينَ نَعَمْ الْقَوْلُ بِضَعْفِهِ لَهُ وَجْهٌ. (قَوْلُهُ: وَأَجَابَ عَنْهُ فِي الْهِدَايَةِ إلَخْ) لَيْسَ ذَلِكَ فِي الْهِدَايَةِ، وَإِنَّمَا أَجَابَ فِيهَا عَمَّا قَدْ يُقَالُ يَنْبَغِي وُجُوبُ الدَّمِ فِي الصَّدْرِ لِوُجُوبِهِ بِأَنَّهُ دُونَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ، وَإِنْ كَانَ وَاجِبًا فَلَا بُدَّ مِنْ إظْهَارِ التَّفَاوُتِ بَيْنَهُمَا قَالَ: وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَجِبُ شَاةٌ إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ أَصَحُّ ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ طَافَ جُنُبًا فَعَلَيْهِ شَاةٌ؛ لِأَنَّهُ نَقْصٌ كَثِيرٌ ثُمَّ هُوَ دُونَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ فَيُكْتَفَى بِالشَّاةِ. اهـ. نَعَمْ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْإِشْكَالِ وَالْجَوَابِ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ، وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ بِقَوْلِهِ: وَقَدْ يُقَالُ إلَخْ فَقَدْ أُجِيبَ عَنْهُ كَمَا فِي النَّهْرِ بِأَنَّ أَحَدَ الْمَحْظُورَيْنِ لَازِمٌ أَعْنِي التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ وَالْقُدُومِ فَالْتَزَمَ أَهْوَنَهُمَا، وَهُوَ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْوَاجِبِ ابْتِدَاءً وَالْوَاجِبِ بَعْدَ الشُّرُوعِ، قَالَ: وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّ طَوَافَ الصَّدْرِ وَاجِبٌ بِفِعْلِ الْعَبْدِ أَيْضًا، وَهُوَ الصَّدْرُ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: إنَّهُ وَهْمٌ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ قَبْلَهُ كَمَا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِخِلَافِ الْقُدُومِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 21 أَوْ تَرَكَ أَقَلَّ طَوَافِ الرُّكْنِ، وَلَوْ تَرَكَ أَكْثَرَهُ بَقِيَ مُحْرِمًا) أَيْ يَجِبُ دَمٌ بِتَرْكِ شَوْطٍ أَوْ شَوْطَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ مِنْ طَوَافِ الزِّيَارَةِ، وَلَوْ تَرَكَ أَرْبَعَةً مِنْهُ فَإِنَّهُ مُحْرِمٌ فِي حَقِّ النِّسَاءِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الرُّكْنَ عِنْدَنَا أَكْثَرُ السَّبْعَةِ، وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَشْوَاطٍ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَإِنَّمَا أُقِيمَ الْأَكْثَرُ مَقَامَ الْكُلِّ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَقَامَ الْأَكْثَرَ فِي الْحَجِّ مَقَامَ الْكُلِّ فِي وُقُوعِ الْأَمْنِ عَنْ الْفَوَاتِ احْتِيَاطًا بِقَوْلِهِ: مَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ، وَقَدْ قُلْنَا مَنْ جَامَعَ بَعْدَ الْوُقُوفِ لَا يَفْسُدُ وَبَعْدَ الرَّمْيِ لَا يَفْسُدُ بِالْإِجْمَاعِ، وَلَوْ حَلَقَ أَكْثَرَ الرَّأْسِ صَارَ مُتَحَلِّلًا فَلَمَّا كَانَ الْأَمْرُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لِلتَّيْسِيرِ جَرَيْنَا عَلَى هَذَا الْأَصْلِ فَأَقَمْنَا الْأَكْثَرَ مَقَامَ الْكُلِّ فِي بَابِ التَّحَلُّلِ، وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهُ صِيَانَةً لِهَذِهِ الْعِبَادَةِ عَنْ الْفَوَاتِ وَتَحْقِيقًا لِلْأَمْرِ يَعْنِي أَنَّ الطَّوَافَ أَحَدُ سَبَبَيْ التَّحَلُّلِ فَلَمَّا أُقِيمَ الْأَكْثَرُ مَقَامَ الْكُلِّ فِي أَحَدِ السَّبَبَيْنِ، وَهُوَ الْحَلْقُ بِالْإِجْمَاعِ أُقِيمَ فِي السَّبَبِ الْآخَرِ، وَهُوَ الطَّوَافُ أَيْضًا كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَتَعَقَّبَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّ إقَامَةَ الْأَكْثَرِ فِي تَمَامِ الْعِبَادَةِ إنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ حُكْمٍ خَاصٍّ، وَهُوَ أَمْنُ الْفَسَادِ وَالْفَوَاتِ لَيْسَ غَيْرُ وَلِذَا لَمْ يَحْكُمْ بِأَنَّ تَرْكَ مَا بَقِيَ أَعْنِي الطَّوَافَ يَتِمُّ مَعَهُ الْحَجُّ، وَهُوَ مَوْرِدُ ذَلِكَ النَّصِّ فَلَا يَلْزَمُ جَوَازُ إقَامَةِ أَكْثَرِ كُلِّ جُزْءٍ مِنْهُ مَقَامَ تَمَامِ ذَلِكَ الْجُزْءِ وَتَرْكِ بَاقِيهِ كَمَا لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ فِي نَفْسِ مَوْرِدِ النَّصِّ أَعْنِي الْحَجَّ فَلَا يَنْبَغِي التَّعْوِيلُ عَلَى هَذَا الْحُكْمِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بَلْ الَّذِي نَدِينُ بِهِ أَنْ لَا يُجْزِئَ أَقَلُّ مِنْ السَّبْعَةِ، وَلَا يُجْبَرُ بَعْضُهُ بِشَيْءٍ غَيْرَ أَنَّا نَسْتَمِرُّ مَعَهُمْ فِي التَّقْرِيرِ عَلَى أَصْلِهِمْ. اهـ. وَهَذَا مِنْ أَبْحَاثِهِ الْمُخَالِفَةِ لِأَهْلِ الْمَذْهَبِ قَاطِبَةً لَكِنْ لَمْ يَجِبْ عَنْ تَمَسُّكِهِمْ بِحَلْقِ أَكْثَرِ الرَّأْسِ فِي أَنَّهُ يُفِيدُ التَّحَلُّلَ بِالْإِجْمَاعِ فَإِقَامَتُنَا الْأَكْثَرَ فِي الطَّوَافِ لِأَجْلِ التَّحَلُّلِ مُسْتَفَادٌ مِنْ دَلَالَةِ الْإِجْمَاعِ الْمَذْكُورِ، وَإِنَّمَا لَزِمَهُ الدَّمُ بِتَرْكِ الْأَقَلِّ؛ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ نَقْصًا فِي طَوَافِهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ طَافَهُ مُحْدِثًا. وَأَشَارَ بِالتَّرْكِ إلَى أَنَّ الدَّمَ إنَّمَا يَجِبُ إذَا لَمْ يَأْتِ بِمَا تَرَكَهُ أَمَّا إذَا أَتَمَّ الْبَاقِيَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ إنْ كَانَ الْإِتْمَامُ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ أَمَّا بَعْدَهَا فَيَلْزَمُهُ صَدَقَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِكُلِّ شَوْطٍ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ خِلَافًا لَهُمَا فَإِنْ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ بَعَثَ شَاةً لِمَا بَقِيَ مِنْ طَوَافِ الزِّيَارَةِ وَشَاةً أُخْرَى لِتَرْكِ طَوَافِ الصَّدْرِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ بَعْثَ الشَّاةِ لِتَرْكِ الْأَقَلِّ مِنْ طَوَافِ الزِّيَارَةِ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا إذَا لَمْ يَكُنْ طَافَ لِلصَّدْرِ؛ لِأَنَّهُ إذَا طَافَ لِلصَّدْرِ انْتَقَلَ مِنْهُ إلَى طَوَافِ الزِّيَارَةِ مَا يُكْمِلُهُ ثُمَّ يَنْظُرُ إلَى الْبَاقِي مِنْ طَوَافِ الصَّدْرِ إنْ كَانَ أَقَلَّهُ لَزِمَهُ صَدَقَةٌ، وَإِلَّا فَدَمٌ، وَلَوْ كَانَ طَافَ لِلصَّدْرِ فِي آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَقَدْ تَرَكَ مِنْ طَوَافِ الزِّيَارَةِ أَكْثَرَهُ كَمَّلَهُ مِنْ الصَّدْرِ، وَلَزِمَهُ دَمَانِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ دَمٌ لِتَأْخِيرِهِ ذَلِكَ وَدَمٌ آخَرُ لِتَرْكِ أَكْثَرِ الصَّدْرِ، وَإِنْ تَرَكَ أَقَلَّهُ لَزِمَهُ لِلتَّأْخِيرِ دَمٌ وَصَدَقَةٌ لِلْمَتْرُوكِ مِنْ الصَّدْرِ مَعَ ذَلِكَ الدَّمِ وَجُمْلَتُهُ كَمَا ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي أَنَّ عَلَيْهِ فِي تَرْكِ الْأَقَلِّ مِنْ طَوَافِ الزِّيَارَةِ دَمًا، وَفِي تَأْخِيرِ الْأَقَلِّ صَدَقَةً، وَفِي تَرْكِ الْأَكْثَرِ مِنْ طَوَافِ الصَّدْرِ دَمٌ، وَفِي تَرْكِ أَقَلِّهِ صَدَقَةٌ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَمَبْنَى هَذَا النَّقْلِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ طَوَافَ الزِّيَارَةِ رُكْنُ عِبَادَةٍ، وَالنِّيَّةُ لَيْسَتْ شَرْطًا لِكُلِّ رُكْنٍ إلَّا مَا يَسْتَقِلُّ عِبَادَةً بِنَفْسِهِ فَشَرْطُ نِيَّةِ أَصْلِ الطَّوَافِ دُونَ التَّعْيِينِ فَلَوْ طَافَ فِي وَقْتِهِ يَنْوِي النَّذْرَ أَوْ النَّفَلَ وَقَعَ عَنْهُ كَمَا لَوْ نَوَى بِالسَّجْدَةِ مِنْ الظُّهْرِ النَّفَلَ لَغَتْ وَوَقَعَتْ عَنْ الرُّكْنِ، وَإِنَّ تَوَالِيَ الْأَشْوَاطِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ الطَّوَافِ كَمَنْ خَرَجَ مِنْ الطَّوَافِ لِتَجْدِيدِ وُضُوءٍ ثُمَّ رَجَعَ بَنَى. (قَوْلُهُ: أَوْ تَرَكَ أَكْثَرَ الصَّدْرِ أَوْ طَافَهُ جُنُبًا وَصَدَقَةٌ بِتَرْكِ أَقَلِّهِ) أَيْ يَجِبُ الدَّمُ، وَلَمَّا كَانَ طَوَافُ الصَّدْرِ وَاجِبًا وَجَبَ بِتَرْكِ كُلِّهِ أَوْ أَكْثَرِهِ دَمٌ وَبِتَرْكِ أَقَلِّهِ صَدَقَةٌ لِكُلِّ شَوْطٍ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ تَفْرِقَةً   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَهَذَا مِنْ أَبْحَاثِهِ الْمُخَالِفَةِ لِأَهْلِ الْمَذْهَبِ) أَيْ فَلَا يُعْتَبَرُ أَصْلًا كَمَا قَالَهُ تِلْمِيذُهُ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ (قَوْلُهُ: ثُمَّ يُنْظَرُ إلَى الْبَاقِي مِنْ طَوَافِ الصَّدْرِ) أَيْ الْبَاقِي عَلَيْهِ مِنْهُ، وَهُوَ قَدْرُ مَا انْتَقَلَ إلَى طَوَافِ الزِّيَارَةِ (قَوْلُهُ: وَجُمْلَتُهُ إلَخْ) أَيْ جُمْلَةُ الْكَلَامِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ السَّابِقَةِ ثُمَّ مَا أَفَادَهُ فِي هَذَا الْحَاصِلِ مِنْ لُزُومِ الصَّدَقَةِ فِي تَأْخِيرِ الْأَقَلِّ مِنْ طَوَافِ الزِّيَارَةِ مُوَافِقٌ لِمَا ذَكَرَهُ أَوَّلًا مِنْ قَوْلِهِ أَمَّا بَعْدَهَا فَيَلْزَمُهُ صَدَقَةٌ، وَمُخَالِفٌ لِمَا بَعْدَهُ مِنْ التَّصْرِيحِ بِلُزُومِ الدَّمِ فِي تَأْخِيرِ أَكْثَرِهِ أَوْ أَقَلِّهِ، وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ لَوْ طَافَ ثَلَاثَةً لِلزِّيَارَةِ وَطَافَ طَوَافَ الصَّدْرِ أَكْمَلَ مِنْهُ الزِّيَارَةَ، وَلَزِمَهُ تَرْكُ طَوَافِ الصَّدْرِ اتِّفَاقًا وَدَمٌ لِتَأْخِيرِ الْأَشْوَاطِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ طَوَافِ الزِّيَارَةِ عَنْ وَقْتِهِ إنْ كَانَ طَافَ لِلصَّدْرِ فِي آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّهُ أَخَّرَ الْأَكْثَرَ فَصَارَ كَتَأْخِيرِ الْكُلِّ. اهـ. وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُؤَخَّرُ الْأَقَلَّ لَمْ يَلْزَمْهُ دَمٌ وَسَنَذْكُرُهُ قَرِيبًا عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة صَرِيحًا، وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ لَوْ أَخَّرَ طَوَافَ الْفَرْضِ كُلَّهُ أَوْ أَكْثَرَهُ عَنْ أَيَّامِ النَّحْرِ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ أَخَّرَ أَقَلَّ طَوَافِهِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ دَمٌ بَلْ صَدَقَةٌ عِنْدَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَفِي تَأْخِيرِ الْأَقَلِّ صَدَقَةٌ) زَادَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَفِي تَرْكِ كُلِّهِ أَوْ أَكْثَرِهِ لَا يَخْرُجُ مِنْ الْإِحْرَامِ، وَفِي تَأْخِيرِ كُلِّهِ أَوْ أَكْثَرِهِ دَمٌ عَلَى الِاخْتِلَافِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 22 بَيْنَ الْأَكْثَرِ وَالْأَقَلِّ بِخِلَافِ الْأَقَلِّ مِنْ طَوَافِ الزِّيَارَةِ وَالْعُمْرَةِ حَيْثُ يَجِبُ دَمٌ بِتَرْكِهِ؛ لِأَنَّهُ طَوَافُ رُكْنٍ فَكَانَ أَقْوَى مِنْ الْوَاجِبِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا حُكْمَ مَا إذَا طَافَ لِلصَّدْرِ جُنُبًا لَكِنْ فِي عِبَارَتِهِ قُصُورٌ حَيْثُ لَمْ يُبَيِّنْ حُكْمَ طَوَافِ الْقُدُومِ جُنُبًا. وَعِبَارَةُ الْمَجْمَعِ أَوْلَى، وَهِيَ وَإِنْ طَافَ لِلْقُدُومِ أَوْ لِلصَّدْرِ مُحْدِثًا وَجَبَتْ صَدَقَةٌ وَجُنُبًا دَمٌ فَأَفَادَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي الْحَدَثَيْنِ. وَأَشَارَ بِالتَّرْكِ إلَى أَنَّهُ لَوْ أَتَى بِمَا تَرَكَهُ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُؤَقَّتٍ، وَفِي الْهِدَايَةِ وَيُؤْمَرُ بِالْإِعَادَةِ مَا دَامَ بِمَكَّةَ إقَامَةً لِلْوَاجِبِ فِي وَقْتِهِ. (قَوْلُهُ: أَوْ طَافَ لِلرُّكْنِ مُحْدِثًا وَلِلصَّدْرِ طَاهِرًا فِي آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَدَمَانِ لَوْ طَافَ لِلرُّكْنِ جُنُبًا) أَيْ تَجِبُ شَاةٌ فِي الْأُولَى وَشَاتَانِ فِي الثَّانِيَةِ أَمَّا فِي الْأُولَى فَهِيَ بِسَبَبِ الْحَدَثِ، وَلَمْ يَنْقُلْ طَوَافَ الصَّدْرِ إلَى الزِّيَارَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي النَّقْلِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ نُقِلَ يَجِبُ عَلَيْهِ الدَّمُ لِتَرْكِ طَوَافِ الصَّدْرِ إجْمَاعًا إنْ كَانَ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ سَوَاءٌ طَافَ لِلصَّدْرِ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ أَوْ لَا، قَيَّدَ بِقَوْلِهِ فِي آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ طَافَ لِلصَّدْرِ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ، وَلَمْ يَرْجِعْ إلَى أَهْلِهِ فَإِنَّهُ يَنْقُلُ طَوَافَ الصَّدْرِ إلَى طَوَافِ الزِّيَارَةِ؛ لِأَنَّ فِي النَّقْلِ فَائِدَةً، وَهُوَ سُقُوطُ الدَّمِ لِأَجْلِ الْحَدَثِ ثُمَّ يَطُوفُ لِلصَّدْرِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا طَافَ لِلصَّدْرِ فِي آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَلَمْ يَرْجِعْ إلَى أَهْلِهِ حَيْثُ لَا يَنْقُلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي النَّقْلِ لِوُجُوبِ دَمٍ بِالتَّأْخِيرِ عَلَى تَقْدِيرِهِ خِلَافًا لَهُمَا. وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّ فِي النَّقْلِ فَائِدَةً، وَهِيَ سُقُوطُ الْبَدَنَةِ فَيَجِبُ دَمٌ لِتَأْخِيرِهِ عَنْ أَيَّامِ النَّحْرِ عِنْدَهُ وَدَمٌ لِتَرْكِ طَوَافِ الصَّدْرِ إنْ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ، وَإِنْ كَانَ بِمَكَّةَ فَإِنَّهُ يَطُوفُ لِلصَّدْرِ، وَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا دَمٌ وَاحِدٌ لِلتَّأْخِيرِ فَإِنْ كَانَ طَافَ لِلصَّدْرِ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ فَإِنَّهُ يُنْقَلُ إلَى طَوَافِ الزِّيَارَةِ ثُمَّ يَطُوفُ لِلصَّدْرِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ أَصْلًا، قَيَّدَ بِكَوْنِ الطَّوَافِ الثَّانِي لِلصَّدْرِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَعَادَهُ بَعْدَ أَيَّامِ النَّحْرِ فَإِنْ كَانَ فِي الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ بَعْدَ الْإِعَادَةِ لَا يَبْقَى إلَّا شُبْهَةُ النُّقْصَانِ، وَفِي الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ يَلْزَمُهُ دَمٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِلتَّأْخِيرِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَتَعَقَّبَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِأَنَّهُ سَهْوٌ؛ لِأَنَّ الرِّوَايَةَ مَسْطُورَةٌ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الدَّمُ إذَا أَعَادَهُ بَعْدَ أَيَّامِ النَّحْرِ لِلتَّأْخِيرِ سَوَاءٌ كَانَ بِسَبَبِ الْحَدَثِ أَوْ الْجِنَايَةِ. اهـ. وَهَكَذَا فِي الْمُحِيطِ سَوَّى بَيْنَ الْحَدَثَيْنِ، وَهَذَا قُصُورُ نَظَرٍ مِنْ صَاحِبِ الْغَايَةِ؛ لِأَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَ رِوَايَاتٍ فَمَا فِي الْهِدَايَةِ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ذَكَرَهَا الْإِمَامُ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوِيهِ وَصَدَّرَ بِهَا وَاعْتَمَدَهَا، وَمَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَالْمُحِيطِ رِوَايَةٌ ثَانِيَةٌ وَذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ أَيْضًا رِوَايَةً ثَالِثَةً عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ عَلَيْهِ الصَّدَقَةَ فِي الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ وَوَجَّهَهَا بِأَنَّهُ أَخَّرَ الْجَبْرَ عَنْ وَقْتِ الطَّوَافِ فَيَبْقَى نَوْعُ نَقْصٍ لَكِنَّ نُقْصَانَ التَّأْخِيرِ دُونَ نُقْصَانِ تَرْكِ الْقَضَاءِ، وَالْوَاجِبُ بِتَرْكِ الْقَضَاءِ هُوَ الدَّمُ فَكَانَ الْوَاجِبُ بِتَأْخِيرِ الْقَضَاءِ هُوَ الصَّدَقَةَ اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ طَافَ لِعُمْرَتِهِ وَسَعَى مُحْدِثًا، وَلَمْ يُعِدْ) أَيْ تَجِبُ شَاةٌ لِتَرْكِهِ الْوَاجِبَ، وَهُوَ الطَّهَارَةُ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ، وَلَمْ يُعِدْ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَعَادَ الطَّوَافَ طَاهِرًا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: لَكِنْ فِي عِبَارَتِهِ قُصُورٌ إلَخْ) قَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ تَرَكَهُ لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ فَفِي اللُّبَابِ وَشَرْحِهِ، وَلَوْ طَافَ لِلْقُدُومِ جُنُبًا فَعَلَيْهِ دَمٌ عَلَى مَا قَالَهُ بَعْضُ مَشَايِخِ الْعِرَاقِ وَاخْتَارَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ، وَقِيلَ صَدَقَةٌ. قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ الظَّاهِرُ وُجُوبُ الصَّدَقَةِ، وَقِيلَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِمَا فِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ لَيْسَ لِطَوَافِ التَّحِيَّةِ صَدَقَةٌ، وَلَوْ طَافَهُ مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ عَلَى مَا فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ وَصَرَّحَ بِهِ عَنْ مُحَمَّدٍ، وَهُوَ مُخْتَارُ الْقُدُورِيِّ وَصَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِمَا. اهـ. أَقُولُ: لَكِنْ مَا فِي الْمَبْسُوطِ لَا يَدُلُّ عَلَى مَا حَكَاهُ شَارِحُ اللُّبَابِ مِنْ الْقَوْلِ الثَّالِثِ؛ لِأَنَّ نَفْيَ الصَّدَقَةِ صَادِقٌ بِوُجُوبِ الدَّمِ فَيَكُونُ ذَلِكَ مُؤَيِّدًا لِلْقَوْلِ الْأَوَّلِ، وَلَيْسَ نَصًّا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ شَيْءٌ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا فِي الْأُولَى) أَيْ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَهِيَ مَا لَوْ طَافَ لِلرُّكْنِ مُحْدِثًا وَلِلصَّدْرِ طَاهِرًا فِي آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَقَوْلُهُ فَهِيَ أَيْ الْجِنَايَةُ أَوْ الشَّاةُ أَيْ وُجُوبُهَا بِسَبَبِ الْحَدَثِ فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ، وَعِبَارَةُ الشَّرْحِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لَمْ يَنْتَقِلْ طَوَافُ الصَّدْرِ إلَى طَوَافِ الزِّيَارَةِ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ، وَإِعَادَةُ الزِّيَارَةِ بِسَبَبِ الْحَدَثِ غَيْرُ وَاجِبٍ، وَإِنَّمَا هُوَ مُسْتَحَبٌّ فَلَا يُنْقَلُ طَوَافُ الصَّدْرِ إلَيْهِ فَيَجِبُ الدَّمُ بِسَبَبِ الْحَدَثِ فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ وَتَبِعَهُ فِي النَّهْرِ وَاعْتَرَضَ قَوْلُ الْمُؤَلِّفِ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي النَّقْلِ إلَخْ بِقَوْلِهِ، وَقَدْ يُقَالُ إنَّ نَفْيَ الْفَائِدَةِ مَمْنُوعٌ إذْ لَوْ نَقَلَ لَسَقَطَ عَنْهُ الدَّمُ وَوَجَبَ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ مَا دَامَ بِمَكَّةَ. اهـ. أَيْ: وَالْحَالُ أَنَّهُ قَدْ طَافَ لِلصَّدْرِ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ وَإِلَّا فَلَا فَائِدَةَ فِي النَّقْلِ لِوُجُوبِ الدَّمِ بِالتَّأْخِيرِ، وَلَا يَخْفَى عَلَيْك انْدِفَاعُ هَذَا الْمَنْعِ؛ لِأَنَّهُ قَيَّدَهُ بِكَوْنِهِ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ أَمَّا لَوْ لَمْ يَرْجِعْ فَقَدْ ذَكَرَ أَنَّهُ يُنْقَلُ إنْ كَانَ طَافَ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ فَتَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ) أَيْ، وَأَمَّا وُجُوبُ الدَّمِ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ، وَهِيَ مَا لَوْ طَافَ لِلرُّكْنِ جُنُبًا وَلِلصَّدْرِ طَاهِرًا فِي آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ. (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَعَادَهُ) أَيْ أَعَادَ الرُّكْنَ. (قَوْلُهُ: قَيَّدَ بِقَوْلِهِ، وَلَمْ يُعِدْ) مُقْتَضَى جَعْلِهِ ذَلِكَ قَيْدًا أَنَّ الْوَاوَ فِيهِ لِلْحَالِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ وَبِهِ صَرَّحَ مِسْكِينٌ ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ أَعَادَهُمَا لَا شَيْءَ، وَإِنْ أَعَادَ الطَّوَافَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 23 فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِارْتِفَاعِ النُّقْصَانِ بِالْإِعَادَةِ، وَلَا يُؤْمَرُ بِالْعَوْدِ إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ لِوُقُوعِ التَّحَلُّلِ بِأَدَاءِ الرُّكْنِ مَعَ الْحَلْقِ، وَالنُّقْصَانُ يَسِيرٌ، وَمَا دَامَ بِمَكَّةَ يُعِيدُ الطَّوَافَ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُعِيدَ السَّعْيَ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلطَّوَافِ، وَإِنْ لَمْ يُعِدْهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِي السَّعْيِ، وَقَدْ وَقَعَ عَقِبَ طَوَافٍ مُعْتَدٍ بِهِ، وَإِعَادَتُهُ لِجَبْرِ النُّقْصَانِ كَوُجُوبِ الدَّمِ لَا لِانْفِسَاخِ الْأَوَّلِ. وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ مُحْدِثًا أَوْ جُنُبًا لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَدَثَيْنِ فِي طَوَافِ الْعُمْرَةِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ لَا يَكْتَفِي بِالشَّاةِ فِيمَا إذَا طَافَ لِعُمْرَتِهِ جُنُبًا؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْجَنَابَةِ أَغْلَظُ مِنْ الْحَدَثِ كَمَا فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ لَكِنْ اكْتَفَى بِهَا اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ طَوَافَ الزِّيَارَةِ فَوْقَ طَوَافِ الْعُمْرَةِ، وَإِيجَابُ أَغْلَظِ الدِّمَاءِ، وَهُوَ الْبَدَنَةُ فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ كَانَ لِمَعْنَيَيْنِ وَكَادَةُ الطَّوَافِ وَغِلَظُ أَمْرِ الْجَنَابَةِ فَإِذَا وُجِدَ أَحَدُ الْمَعْنَيَيْنِ دُونَ الثَّانِي تَعَذَّرَ إيجَابُ أَغْلَظِ الدِّمَاءِ فَاقْتَصَرْنَا عَلَى الشَّاةِ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ. وَفِي الْمُحِيطِ: وَلَوْ طَافَ الْقَارِنُ طَوَافَيْنِ وَسَعَى سَعْيَيْنِ مُحْدِثًا أَعَادَ طَوَافَ الْعُمْرَةِ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِلْجَبْرِ بِجِنْسِهِ فِي وَقْتِهِ فَإِنْ لَمْ يُعِدْ حَتَّى طَلَعَ فَجْرُ يَوْمِ النَّحْرِ لَزِمَهُ دَمٌ لِطَوَافِ الْعُمْرَةِ مُحْدِثًا، وَقَدْ فَاتَ وَقْتُ الْقَضَاءِ وَيَرْمُلُ فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ يَوْمَ النَّحْرِ وَيَسْعَى بَعْدَهُ اسْتِحْبَابًا لِيَحْصُلَ الرَّمْلُ وَالسَّعْيُ عَقِبَ طَوَافٍ كَامِلٍ، وَإِنْ لَمْ يُعِدْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ سَعَى عَقِبَ طَوَافٍ مُعْتَدٍّ بِهِ إذْ الْحَدَثُ الْأَصْغَرُ لَا يَمْنَعُ الِاعْتِدَادَ، وَفِي الْجَنَابَةِ إنْ لَمْ يُعِدْ فَعَلَيْهِ دَمٌ لِلسَّعْيِ، وَكَذَا الْحَائِضُ. اهـ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ قَوْلَهُمْ إنَّ الْمُعْتَمِرَ يُعِيدُ الطَّوَافَ مَحَلُّهُ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ قَارِنًا أَمَّا فِي الْقَارِنِ إذَا دَخَلَ يَوْمُ النَّحْرِ فَلَا إعَادَةَ، وَعَلَّلَ لَهُ مُحَمَّدٌ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ بَدَّارٍ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِأَنَّهُ لَوْ أَعَادَهُ لَانْتَقَضَتْ عُمْرَتُهُ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ رَافِضًا لَهَا بِالْوُقُوفِ، وَقَدْ تَأَكَّدَتْ فَلَا يُمْكِنُ اسْتِدْرَاكُ النَّقْصِ بِجِنْسِهِ فَيُجْبَرُ بِالدَّمِ قَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ فَقُلْتُ لِمُحَمَّدٍ: إنَّكَ قُلْتَ فِي الْأَصْلِ إنَّ الْقَارِنَ لَوْ طَافَ لَهَا أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ وَسَعَى، وَلَمْ يَطُفْ لِحَجَّتِهِ حَتَّى وَقَفَ إنَّهُ يُتِمُّ طَوَافَ الْعُمْرَةِ يَوْمَ النَّحْرِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فَقَدْ أَوْجَبْت الْإِتْمَامَ، وَمَا أَوْجَبْت الدَّمَ قَالَ مُحَمَّدٌ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ قَدَّمَ شَيْئًا عَلَى شَيْءٍ، وَهُنَا الْفَسَادُ وُجِدَ فِي جَمِيعِ الطَّوَافِ فَإِنْ لَمْ نُجَوِّزْ، وَأَبْطَلْنَا طَوَافَهُ لَرَفَضْنَا عُمْرَتَهُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَمْ يَطُفْ. اهـ. وَقَيَّدَ بِكَوْنِ طَوَافِ الْعُمْرَةِ كُلِّهِ مُحْدِثًا، وَالْأَكْثَرُ كَالْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ طَافَ أَقَلَّهُ مُحْدِثًا وَجَبَ عَلَيْهِ لِكُلِّ شَوْطٍ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ حِنْطَةٍ إلَّا إذَا بَلَغَتْ قِيمَتُهُ دَمًا فَيُنْقِصُ مِنْهُ مَا شَاءَ، وَلَوْ طَافَ أَقَلَّهُ جُنُبًا وَجَبَ عَلَيْهِ دَمٌ وَتَجِبُ الْإِعَادَةُ فِي الْحَدَثَيْنِ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا عَلَى الضَّعِيفِ أَمَّا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ أَنَّ الْإِعَادَةَ فِيمَا إذَا طَافَ لِلرُّكْنِ مُحْدِثًا إنَّمَا هِيَ مُسْتَحَبَّةٌ فَفِي طَوَافِ الْعُمْرَةِ أَوْلَى، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ مَا إذَا تَرَكَ الْأَقَلَّ مِنْ طَوَافِ الْعُمْرَةِ وَصَرَّحَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ بِلُزُومِ الدَّمِ وَلِهَذَا لَوْ طَافَ لِلْعُمْرَةِ فِي جَوْفِ الْحِجْرِ، وَلَمْ يُعِدْ حَتَّى رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ لَزِمَهُ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ مِنْ الطَّوَافِ رُبْعَهُ؛ لِأَنَّ الْحِجْرَ رُبْعُ الْبَيْتِ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فِي طَوَافِ الْعُمْرَةِ فَفِي طَوَافِ الْفَرْضِ أَوْلَى، وَأَمَّا فِي الطَّوَافِ الْوَاجِبِ إذَا دَخَلَ فِي جَوْفِ الْحِجْرِ فَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ تَجِبَ فِيهِ الصَّدَقَةُ كَذَا ذَكَرَ الشَّارِحُ، وَلَا يَنْبَغِي التَّعْبِيرُ بِيَنْبَغِي؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ فِي الْمُخْتَصَرِ قَدْ صَرَّحَ بِلُزُومِ الصَّدَقَةِ بِتَرْكِ الْأَقَلِّ مِنْ طَوَافِ الصَّدْرِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الطَّوَافِ الْوَاجِبِ وَالتَّطَوُّعِ فِي   [منحة الخالق] وَلَمْ يُعِدْ السَّعْيَ قِيلَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الصَّحِيحِ، وَقِيلَ عَلَيْهِ دَمٌ. اهـ. وَاخْتَارَ الْأَوَّلَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ كَمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ تَبَعًا لِتَصْحِيحِ الْهِدَايَةِ لَكِنْ قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَأَكْثَرُ مَشَايِخِنَا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَلَى خِلَافِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ حَيْثُ قَالُوا إذَا أَعَادَ الطَّوَافَ، وَلَمْ يُعِدْ السَّعْيَ كَانَ عَلَيْهِ دَمٌ؛ لِأَنَّ الْإِعَادَةَ تَجْعَلُ الْمُؤَدَّى كَأَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ وَجْهٍ فَيَبْقَى السَّعْيُ قَبْلَ الطَّوَافِ وَذَلِكَ خِلَافُ الْمَشْرُوعِ؛ لِأَنَّ الْمَشْرُوعَ فِي السَّعْيِ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الطَّوَافِ. اهـ. قَالَ فِي النَّهْرِ وَالْأَصَحُّ عَدَمُ وُجُوبِهِ، وَلَا نُسَلِّمُ انْتِقَاضَ الْمُؤَدَّى بَلْ مُعْتَدٌّ بِهِ وَالثَّانِي يُعْتَدُّ بِهِ جَابِرًا لِلدَّمِ، وَلَمَّا كَانَ جَعْلُ الْوَاوِ لِلْحَالِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ مَا فِي الشَّرْحِ يَلْزَمُ عَلَيْهِ الْمَشْيُ عَلَى مَرْجُوحٍ عَدَلَ الْعَيْنِيُّ عَنْهُ فَقَالَ: أَيْ لَيْسَ عَلَيْهِ إعَادَتُهُمَا لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّهَا مَنْدُوبَةٌ فَقَطْ، وَعِنْدِي أَنَّ هَذَا الْحَلَّ أَجَلُّ. اهـ. وَحَيْثُ مَشَى الْمُؤَلِّفُ عَلَى مَا فِي الْهِدَايَةِ فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يُجْعَلَ قَوْلُهُ: وَلَمْ يُعِدْ كَلَامًا مُسْتَأْنَفًا كَمَا فِي الْعَيْنِيِّ (قَوْلُهُ: وَيَرْمُلُ فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ إلَخْ) هَذَا الْكَلَامُ مَعَ تَعْلِيلِهِ يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْقَارِنَ يُرْمِلُ فِي طَوَافِ التَّحِيَّةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ مُصَرَّحًا بِهِ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَوْ طَافَ أَقَلَّهُ مُحْدِثًا إلَخْ) ذَكَرَ مِثْلَهُ فِي السِّرَاجِ لَكِنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْفَتْحِ عَنْ الْمُحِيطِ وَنَصُّهُ لَوْ طَافَ لِلْعُمْرَةِ جُنُبًا أَوْ مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ شَاةٌ، وَلَوْ تَرَكَ مِنْ طَوَافِ الْعُمْرَةِ شَوْطًا فَعَلَيْهِ دَمٌ؛ لِأَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِلصَّدَقَةِ فِي الْعُمْرَةِ. اهـ. وَفِي اللُّبَابِ، وَلَوْ طَافَ لِلْعُمْرَةِ كُلَّهُ أَوْ أَكْثَرَهُ أَوْ أَقَلَّهُ لَوْ شَوْطًا جُنُبًا أَوْ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ أَوْ مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ شَاةٌ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْكَثِيرِ وَالْقَلِيلِ وَالْجُنُبِ وَالْمُحْدِثِ؛ لِأَنَّهُ لَا مَدْخَلَ فِي طَوَافِ الْعُمْرَةِ لِلْبَدَنَةِ، وَلَا لِلصَّدَقَةِ بِخِلَافِ طَوَافِ الزِّيَارَةِ، وَكَذَا لَوْ تَرَكَ مِنْهُ أَيْ مِنْ طَوَافِ الْعُمْرَةِ أَقَلَّهُ، وَلَوْ شَوْطًا فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَإِنْ أَعَادَهُ سَقَطَ عَنْهُ الدَّمُ اهـ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 24 لُزُومِ الصَّدَقَةِ لِمَا أَنَّ الطَّوَافَ وَرَاءَ الْحَطِيمِ وَاجِبٌ فِي كُلِّ طَوَافٍ. (قَوْلُهُ: أَوْ تَرَكَ السَّعْيَ أَوْ أَفَاضَ مِنْ عَرَفَاتٍ قَبْلَ الْإِمَامِ أَوْ تَرَكَ الْوُقُوفَ بِمُزْدَلِفَةَ أَوْ رَمْيِ الْجِمَارِ كُلِّهَا أَوْ رَمْيِ يَوْمٍ) أَيْ تَجِبُ شَاةٌ بِتَرْكِ وَاجِبٍ مِنْ وَاجِبَاتِ الْحَجِّ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا كُلَّهَا فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ أَرَادَ بِالتَّرْكِ التَّرْكَ لِغَيْرِ عُذْرٍ أَمَّا إذَا تَرَكَ وَاجِبًا لِعُذْرٍ فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ فِي تَرْكِ السَّعْيِ أَنَّهُ إنْ تَرَكَهُ لِعُذْرٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ بِغَيْرِ عُذْرٍ لَزِمَهُ دَمٌ؛ لِأَنَّ هَذَا حُكْمُ تَرْكِ الْوُجُوبِ فِي هَذَا الْبَابِ أَصْلُهُ طَوَافُ الصَّدْرِ حَيْثُ سَقَطَ عَنْ الْحَائِضِ بِالْحَدِيثِ وَصَرَّحَ فِي الْهِدَايَةِ بِأَنَّ فِي تَرْكِ الْوُقُوفِ بِمُزْدَلِفَةَ بِغَيْرِ عُذْرٍ دَمًا لَا لِعُذْرٍ وَصَرَّحَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوِيهِ بِأَنَّهُ لَوْ سَعَى رَاكِبًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ لَزِمَهُ دَمٌ إنْ لَمْ يُعِدْهُ؛ لِأَنَّ الْمَشْيَ وَاجِبٌ وَتَرْكَ الْوَاجِبِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ يُوجِبُ الدَّمَ، وَلَوْ أَعَادَهُ بَعْدَ مَا حَلَّ وَجَامَعَ لَمْ يَلْزَمْهُ دَمٌ؛ لِأَنَّ السَّعْيَ غَيْرُ مُؤَقَّتٍ فِي نَفْسِهِ إنَّمَا الشَّرْطُ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ بَعْدَ الطَّوَافِ، وَقَدْ وُجِدَ. اهـ. وَكَذَا لَوْ أَتَى بِهِ بَعْدَ مَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ، وَعَادَ إلَى مَكَّةَ لَكِنَّهُ يَعُودُ بِإِحْرَامٍ جَدِيدٍ كَذَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ، وَقَيَّدَ بِتَرْكِهِ كُلِّهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَ ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ أَطْعَمَ لِكُلِّ شَوْطٍ نِصْفَ صَاعٍ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ دَمًا فَيَنْقُصُ مِنْهُ مَا شَاءَ وَتَرْكُ أَكْثَرِهِ كَتَرْكِ كُلِّهِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ مِنْ الْوَاجِبَاتِ فِي السَّعْيِ الِابْتِدَاءَ بِالصَّفَا فَلَوْ بَدَأَ بِالْمَرْوَةِ لَزِمَهُ دَمٌ، وَأَرَادَ بِالْإِفَاضَةِ قَبْلَ الْإِمَامِ الدَّفْعَ مِنْ عَرَفَاتٍ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ سَوَاءٌ كَانَ مَعَ الْإِمَامِ أَوْ وَحْدَهُ وَسَوَاءٌ كَانَ الْإِمَامُ أَوْ غَيْرُهُ لِمَا أَنَّ اسْتِدَامَةَ الْوُقُوفِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ وَاجِبَةٌ حَتَّى لَوْ أَبْطَأَ الْإِمَامُ بِالدَّفْعِ يَجُوزُ لِلنَّاسِ الدَّفْعُ قَبْلَهُ، وَهَذَا الْوَاجِبُ إنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ مَنْ وَقَفَ نَهَارًا أَمَّا إنْ وَقَفَ لَيْلًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّ الْجُزْءَ الْأَوَّلَ مِنْ وُقُوفِهِ اُعْتُبِرَ رُكْنًا وَالْجُزْءَ الثَّانِيَ اُعْتُبِرَ وَاجِبًا كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ فَإِنْ دَفَعَ قَبْلَ الْغُرُوبِ ثُمَّ عَادَ إنْ عَادَ بَعْدَ الْغُرُوبِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَدَمُ السُّقُوطِ وَالصَّحِيحُ السُّقُوطُ؛ لِأَنَّهُ اسْتَدْرَكَ الْمَتْرُوكَ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَإِنْ عَادَ قَبْلَ الْغُرُوبِ فَفِيهِ اخْتِلَافٌ. وَالْقَوْلُ بِالسُّقُوطِ أَظْهَرُ خُصُوصًا عَلَى التَّصْحِيحِ السَّابِقِ بَلْ أَوْلَى. وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ وَقْتَ الْوُقُوفِ بِمُزْدَلِفَةَ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَآخِرَهُ طُلُوعُ الشَّمْسِ فَالْوُقُوفُ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ كَتَرْكِهِ، وَإِنَّمَا وَجَبَ دَمٌ وَاحِدٌ بِتَرْكِ الْجِمَارِ فِي الْأَيَّامِ كُلِّهَا؛ لِأَنَّ الْجِنْسَ مُتَّحِدٌ كَمَا فِي الْحَلْقِ، وَالتَّرْكُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ الرَّمْيِ، وَهُوَ الرَّابِعُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْرَفْ قُرْبَةً إلَّا فِيهَا، وَمَا دَامَتْ الْأَيَّامُ بَاقِيَةً فَالْإِعَادَةُ مُمْكِنَةٌ فَيَرْمِيهَا عَلَى التَّأْلِيفِ ثُمَّ بِتَأْخِيرِهَا يَجِبُ الدَّمُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا، وَإِنْ تَرَكَ رَمْيَ يَوْمٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَلَوْ يَوْمَ النَّحْرِ؛ لِأَنَّهُ نُسُكٌ تَامٌّ. قَيَّدَ بِرَمْيِ يَوْمٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَ إحْدَى الْجِمَارِ الثَّلَاثِ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ نُسُكٌ وَاحِدٌ فِي يَوْمٍ فَكَانَ الْمَتْرُوكُ أَقَلَّ فَيَلْزَمُهُ لِكُلِّ حَصَاةٍ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ دَمًا فَيُنْقِصَ مَا شَاءَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَتْرُوكُ أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ بِأَنْ يَتْرُكَ أَحَدَ عَشَرَ مِنْ أَحَدٍ وَعِشْرِينَ فَحِينَئِذٍ يَلْزَمُهُ الدَّمُ؛ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَنَّهُ إنْ أَخَّرَ رَمْيَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ إلَى الْيَوْمِ الثَّانِي لَزِمَهُ دَمٌ، وَإِنْ أَخَّرَ رَمْيَهَا فِي الْيَوْمِ الثَّانِي إلَى الثَّالِثِ أَوْ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ إلَى الرَّابِعِ وَرَمْيِ الْجَمْرَتَيْنِ لَزِمَهُ صَدَقَةٌ؛ لِأَنَّهَا فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ كُلُّ الرَّمْيِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَفِي غَيْرِهِ ثُلُثُ الرَّمْيِ فَيَكُونُ مُؤَخِّرًا لِلْأَقَلِّ، وَلَوْ لَمْ يَرْمِ الْجَمْرَتَيْنِ لَزِمَهُ دَمٌ لِتَأْخِيرِ الْأَكْثَرِ وَعِنْدَهُمَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِلتَّأْخِيرِ أَصْلًا. (قَوْلُهُ: أَوْ أَخَّرَ الْحَلْقَ أَوْ طَوَافَ الرُّكْنِ) أَيْ تَجِبُ شَاةٌ بِتَأْخِيرِ النُّسُكِ عَنْ زَمَانِهِ فَإِنَّ الْحَلْقَ وَطَوَافَ الزِّيَارَةِ مُؤَقَّتَانِ بِأَيَّامِ النَّحْرِ فَإِذَا أَخَّرَهُمَا عَنْ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: أَمَّا إذَا تَرَكَ وَاجِبًا لِعُذْرٍ فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَخْ) قَيَّدَ بِالْوَاجِبِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ارْتَكَبَ مَحْذُورَ الْعُذْرِ فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ الْجَزَاءُ كَمَا فِي اللُّبَابِ وَسَيَأْتِي. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعُذْرِ هُنَا مَا لَا يَكُونُ مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ كَمَا حَقَّقَهُ الْمُؤَلِّفُ آخِرَ بَابِ الْإِحْصَارِ، وَذَكَرَ مِثْلَهُ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ عِنْدَ قَوْلِ اللُّبَابِ: وَلَوْ فَاتَهُ الْوُقُوفُ أَيْ بِمُزْدَلِفَةَ بِإِحْصَارٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ فَقَالَ: هَذَا غَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ الْإِحْصَارَ مِنْ جُمْلَةِ الْأَعْذَارِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ هَذَا مَانِعٌ مِنْ جَانِبِ الْمَخْلُوقِ فَلَا تَأْثِيرَ فِي إسْقَاطِ دَمِ الْوُجُوبِ الْإِلَهِيِّ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ صَاحِبِ الْبَدَائِعِ فِيمَنْ أُحْصِرَ بَعْدَ الْوُقُوفِ حَتَّى مَضَتْ أَيَّامُ النَّحْرِ ثُمَّ خُلِّيَ سَبِيلُهُ أَنَّ عَلَيْهِ دَمًا لِتَرْكِ الْوُقُوفِ بِمُزْدَلِفَةَ وَدَمًا لِتَرْكِ الرَّمْيِ وَدَمًا لِتَأْخِيرِ طَوَافِ الزِّيَارَةِ، وَاسْتُشْكِلَ بِأَنَّ أَيَّ عُذْرٍ أَعْظَمُ مِنْ الْإِحْصَارِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْإِحْصَارَ بِعَدُوٍّ لَا بِمَرَضٍ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: ثُمَّ خُلِّيَ سَبِيلُهُ وَالْإِحْصَارُ بِعَدُوٍّ لَيْسَ بِعُذْرٍ لِسُقُوطِ الدَّمِ؛ لِأَنَّهُ إكْرَاهٌ، وَهُوَ لَيْسَ بِعُذْرٍ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ أَلَا تَرَى مَا قَالُوا مِنْ أَنَّهُ لَوْ أُكْرِهَ عَلَى مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ كَالطِّيبِ وَاللُّبْسِ فَإِنَّهُ لَا يَتَخَيَّرُ فِي الْجَزَاءِ بَيْنَ الصَّوْمِ وَالدَّمِ وَالصَّدَقَةِ بَلْ عَلَيْهِ عَيْنُ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ. اهـ. وَهُوَ كَلَامٌ حَسَنٌ مُوَافِقٌ لِمَا حَقَّقَهُ الْمُؤَلِّفُ وَغَيْرُهُ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْإِحْصَارِ (قَوْلُهُ: وَالْقَوْلُ بِالسُّقُوطِ أَظْهَرُ إلَخْ) قُلْتُ: وَقَدْ نَصَّ فِي الْجَوْهَرَةِ عَلَى التَّصْحِيحِ بِقَوْلِهِ فَإِنْ عَادَ قَبْلَ الْغُرُوبِ سَقَطَ عَنْهُ الدَّمُ عَلَى الصَّحِيحِ. اهـ. فَالصَّحِيحُ السُّقُوطُ بِالْعَوْدِ مُطْلَقًا أَيْ قَبْلَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 25 أَيَّامِ النَّحْرِ تَرَكَ وَاجِبًا فَيَلْزَمُهُ دَمٌ، وَكَذَا بِتَأْخِيرِ الرَّمْيِ عَنْ وَقْتِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «لَمْ أَشْعُرْ حَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ قَالَ افْعَلْ وَلَا حَرَجَ، وَقَالَ آخَرُ نَحَرْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ قَالَ افْعَلْ وَلَا حَرَجَ فَمَا سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ شَيْءٍ قُدِّمَ أَوْ أُخِّرَ إلَّا قَالَ افْعَلْ وَلَا حَرَجَ» . وَلَهُ أَنَّ التَّأْخِيرَ عَنْ الْمَكَانِ يُوجِبُ الدَّمَ فِيمَا إذَا جَاوَزَ الْمِيقَاتَ غَيْرَ مُحْرِمٍ فَكَذَا التَّأْخِيرُ عَنْ الزَّمَانِ قِيَاسًا وَالْجَامِعُ كَوْنُ التَّأْخِيرِ نُقْصَانًا وَالْمُرَادُ بِالْحَرَجِ الْمَنْفِيِّ الْإِثْمُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ قَالَ: لَمْ أَشْعُرْ فَعُذْرُهُمْ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِالْمَنَاسِكِ قَبْلَ ذَلِكَ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» يُفِيدُ الْوُجُوبَ، وَعَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ إذَا قَدَّمَ نُسُكًا عَلَى نُسُكٍ. قَالَ: فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ اعْلَمْ أَنَّ مَا يُفْعَلُ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ الرَّمْيُ وَالنَّحْرُ وَالْحَلْقُ وَالطَّوَافُ، وَهَذَا التَّرْتِيبُ وَاجِبٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ. اهـ. لِأَثَرِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَوْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَنْ قَدَّمَ نُسُكًا عَلَى نُسُكٍ لَزِمَهُ دَمٌ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إذَا قَدَّمَ الطَّوَافَ عَلَى الْحَلْقِ يَلْزَمُهُ دَمٌ عِنْدَهُ، وَقَدْ نَصَّ فِي الْمِعْرَاجِ فِي مَسْأَلَةِ حَلْقِ الْقَارِنِ قَبْلَ الذَّبْحِ أَنَّهُ إذَا قَدَّمَ الطَّوَافَ عَلَى الْحَلْقِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ حَلَقَ قَبْلَ الرَّمْيِ لَزِمَهُ دَمٌ مُطْلَقًا، وَإِنْ ذَبَحَ قَبْلَ الرَّمْيِ لَزِمَهُ دَمٌ إنْ كَانَ قَارِنًا أَوْ مُتَمَتِّعًا لَا إنْ كَانَ مُفْرِدًا؛ لِأَنَّ أَفْعَالَهُ ثَلَاثَةٌ الرَّمْيُ وَالْحَلْقُ وَالطَّوَافُ، وَأَمَّا ذَبْحُهُ فَلَيْسَ بِوَاجِبٍ فَلَا يَضُرُّهُ تَقْدِيمُهُ وَتَأْخِيرُهُ وَعِنْدَهُمَا لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بِتَقْدِيمِ نُسُكٍ عَلَى نُسُكٍ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ إلَّا أَنَّهُ مُسِيءٌ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمَبْسُوطِ قَيَّدَ بِحَلْقِ الْحَجِّ وَطَوَافِهِ؛ لِأَنَّ حَلْقَ الْعُمْرَةِ وَطَوَافَهَا لَيْسَا بِمُؤَقَّتَيْنِ بِالزَّمَانِ فَلَا يَلْزَمُهُ بِتَأْخِيرِهِمَا شَيْءٌ، وَكَذَا طَوَافُ الصَّدْرِ، وَقَيَّدَ بِالطَّوَافِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ بِتَأْخِيرِ السَّعْيِ شَيْءٌ لِعَدَمِ تَوْقِيتِهِ بِزَمَانٍ. (قَوْلُهُ: أَوْ حَلَقَ فِي الْحِلِّ) أَيْ تَجِبُ شَاةٌ بِتَأْخِيرِ النُّسُكِ عَنْ مَكَانِهِ كَمَا إذَا خَرَجَ مِنْ الْحَرَمِ وَحَلَقَ رَأْسَهُ سَوَاءٌ كَانَ الْحَلْقُ لِلْحَجِّ أَوْ لِلْعُمْرَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ «النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَأَصْحَابَهُ أُحْصِرُوا بِالْحُدَيْبِيَةِ وَحَلَقُوا فِي غَيْرِ الْحَرَمِ» ، وَلَهُمَا الْقِيَاسُ عَلَى الذَّبْحِ وَبَعْضُ الْحُدَيْبِيَةِ مِنْ الْحَرَمِ فَلَعَلَّهُمْ حَلَقُوا فِيهِ مَعَ أَنَّ الْمُحْصَرَ لَا حَلْقَ عَلَيْهِ، وَإِنْ فَعَلَ فَحَسَنٌ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْحَلْقَ يَتَوَقَّتُ بِالْمَكَانِ وَالزَّمَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَتَوَقَّتُ بِهِمَا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَتَوَقَّتُ بِالْمَكَانِ دُونَ الزَّمَانِ، وَعِنْدَ زُفَرَ عَلَى عَكْسِهِ، وَهَذَا الْخِلَافُ فِي التَّوْقِيتِ فِي حَقِّ التَّضْمِينِ بِالدَّمِ أَمَّا لَا يَتَوَقَّتُ فِي حَقِّ التَّحَلُّلِ بِالِاتِّفَاقِ. (قَوْلُهُ: وَدَمَانِ لَوْ حَلَقَ الْقَارِنُ قَبْلَ الذَّبْحِ) أَيْ يَجِبُ دَمَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِتَقْدِيمِ الْقَارِنِ أَوْ الْمُتَمَتِّعِ الْحَلْقَ عَلَى الذَّبْحِ وَعِنْدَهُمَا يَلْزَمُهُ دَمٌ وَاحِدٌ، وَقَدْ نَصَّ ضَابِطُ الْمَذْهَبِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَلَى أَنَّ أَحَدَ الدَّمَيْنِ دَمُ الْقِرَانِ وَالْآخَرَ لِتَأْخِيرِ النُّسُكِ عَنْ وَقْتِهِ، وَأَنَّ عِنْدَهُمَا يَلْزَمُ دَمُ الْقِرَانِ فَقَطْ لَكِنْ وَقَعَ لِكَثِيرٍ مِنْ الْمَشَايِخِ اشْتِبَاهٌ بِسَبَبِ ذِكْرِ الدَّمَيْنِ فِي بَابِ الْجِنَايَةِ فَإِنَّ الظَّاهِرَ مِنْ الْعِبَارَاتِ أَنَّ الدَّمَيْنِ لِأَجْلِ الْجِنَايَةِ، وَإِلَّا كَانَ ذِكْرُ الدَّمِ الْوَاحِدِ كَافِيًا لِلْعِلْمِ بِدَمِ الْقِرَانِ مِنْ بَابِهِ، وَمِنْهُمْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فَإِنَّهُ قَالَ: فَعَلَيْهِ دَمَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ دَمٌ بِالْحَلْقِ فِي غَيْرِ أَوَانِهِ؛ لِأَنَّ أَوَانَهُ بَعْدَ الذَّبْحِ وَدَمٌ لِتَأْخِيرِ الذَّبْحِ عَنْ   [منحة الخالق] الْغُرُوبِ وَبَعْدَهُ كَذَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة. (قَوْلُهُ: أَوْ ابْنِ عَبَّاسٍ) أَتَى بِأَوْ بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِ نُسَخِ الْهِدَايَةِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الْفَتْحِ حَيْثُ قَالَ: وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -، وَهُوَ الْأَعْرَفُ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُ وَالطَّحَاوِيُّ (قَوْلُهُ: وَقَدْ نَصَّ فِي الْمِعْرَاجِ إلَخْ) قَدْ ذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ عِنْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ ثُمَّ إلَى مَكَّةَ أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِ صِحَّةِ الطَّوَافِ إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ يَوْمَ النَّحْرِ، وَلَوْ قَبْلَ الرَّمْيِ وَالْحَلْقِ، وَأَمَّا الْوَاجِبُ فَهُوَ فِعْلُهُ فِي يَوْمٍ مِنْ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ التَّرْتِيبُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّمْيِ وَالذَّبْحِ وَالْحَلْقِ، وَفِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ عِنْدَ عَدِّ الْوَاجِبَاتِ، وَالتَّرْتِيبُ بَيْنَ الرَّمْيِ وَالْحَلْقِ وَالذَّبْحِ يَوْمَ النَّحْرِ، وَأَمَّا التَّرْتِيبُ بَيْنَ الطَّوَافِ وَبَيْنَ الرَّمْيِ وَالْحَلْقِ فَسُنَّةٌ فَلَوْ طَافَ قَبْلَ الرَّمْيِ وَالْحَلْقِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَيُكْرَهُ لُبَابٌ. اهـ. وَبِالْأَوْلَى لَوْ طَافَ الْقَارِنُ وَالْمُتَمَتِّعُ قَبْلَ الذَّبْحِ؛ لِأَنَّ الذَّبْحَ يَجِبُ بَعْدَ الرَّمْيِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الطَّوَافَ قَبْلَ الرَّمْيِ لَا يَجِبُ فِيهِ شَيْءٌ فَبِالْأَوْلَى قَبْلَ الذَّبْحِ. (قَوْلُهُ: وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) بِالرَّفْعِ مَعْطُوفٌ عَلَى الْقِيَاسِ (قَوْلُهُ: وَهَذَا الْخِلَافُ إلَخْ) هَذِهِ عِبَارَةُ الْهِدَايَةِ قَالَ فِي الْفَتْحِ، وَهَذَا الْخِلَافُ فِي التَّضْمِينِ بِالدَّمِ لَا فِي التَّحَلُّلِ يَعْنِي أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ فِي أَيِّ مَكَان أَوْ زَمَانٍ أَتَى بِهِ يَحْصُلُ بِهِ التَّحَلُّلُ بَلْ الْخِلَافُ فِي أَنَّهُ إذَا حَلَقَ فِي غَيْرِ مَا تَوَقَّتَ بِهِ يَلْزَمُ الدَّمُ عِنْدَ مَنْ وَقَّتَهُ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ عِنْدَ مَنْ لَمْ يُوَقِّتْهُ. (قَوْلُهُ: وَلَكِنْ وَقَعَ لِكَثِيرٍ مِنْ الْمَشَايِخِ اشْتِبَاهٌ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ فِيهِ نَظَرٌ إذْ لَا مَعْنَى لِلِاشْتِبَاهِ مَعَ التَّصْرِيحِ بِأَنَّ أَحَدَهُمَا دَمُ الْقِرَانِ. اهـ. وَنَقَلَ قَبْلَهُ عَنْ شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ قَارِنٌ حَلَقَ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ فَعَلَيْهِ دَمَانِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: عَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ لِجِنَايَتِهِ عَلَى إحْرَامِهِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَلْزَمُهُ دَمٌ آخَرُ لِتَأْخِيرِ الذَّبْحِ عَلَى الْحَلْقِ. اهـ. يَعْنِي فَمَا فِي الْهِدَايَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ لَا اشْتِبَاهَ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُؤَلِّفُ عَنْ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 26 الْحَلْقِ وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ دَمٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ الْأَوَّلُ، وَلَا يَجِبُ بِسَبَبِ التَّأْخِيرِ شَيْءٌ. اهـ. فَجُعِلَ الدَّمَيْنِ لِلْجِنَايَةِ فَنَسَبَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ إلَى التَّخْبِيطِ، وَإِلَى التَّنَاقُضِ فَإِنَّهُ جَعَلَ فِي بَابِ الْقِرَانِ أَحَدَهُمَا لِلشُّكْرِ وَالْآخَرَ لِلْجِنَايَةِ وَنَسَبَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إلَى أَنَّهُ سَهْوٌ مِنْ الْقَلَمِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ ذَلِكَ لَزِمَ فِي كُلِّ تَقْدِيمِ نُسُكٍ عَلَى نُسُكٍ دَمَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْفَكُّ عَنْ الْأَمْرَيْنِ، وَلَا قَائِلَ بِهِ. وَلَوَجَبَ فِي حَلْقِ الْقَارِنِ قَبْلَ الذَّبْحِ ثَلَاثَةَ دِمَاءٍ فِي تَفْرِيعِ مَنْ يَقُولُ: إنَّ إحْرَامَ عُمْرَتِهِ انْتَهَى بِالْوُقُوفِ، وَفِي تَفْرِيعِ مَنْ لَا يَرَاهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ خَمْسَةَ دِمَاءٍ؛ لِأَنَّهُ جِنَايَةٌ عَلَى إحْرَامَيْنِ وَالتَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ جِنَايَتَانِ فَفِيهِمَا أَرْبَعَةُ دِمَاءٍ وَدَمُ الْقِرَانِ. اهـ. وَهَكَذَا فِي النِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ، وَلَمْ أَرَ جَوَابًا عَنْهُ وَظَهَرَ لِي أَنَّهُ لَا تَخْبِيطَ، وَلَا سَهْوَ مِنْ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ لِمَا أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ اخْتِلَافًا فَمَا فِي الْهِدَايَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ دَمٌ بِالْحَلْقِ فِي غَيْرِ أَوَانِهِ إجْمَاعًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَغَيْرِهَا وَيَجِبُ دَمُ الْقِرَانِ إجْمَاعًا وَوَقَعَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمْ فِي الدَّمِ الثَّالِثِ فَهَاهُنَا مَشَى عَلَى هَذَا الْقَوْلِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ قَرِيبًا: وَقَالَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الْوَجْهَيْنِ، وَذَكَرَ مِنْهُ مَا إذَا حَلَقَ قَبْلَ الذَّبْحِ فَهُوَ بِنَاءٌ عَلَى أَصْلِ الرِّوَايَةِ الْمَنْقُولَةِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَنْهُمَا أَوْ مَعْنَاهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ عِنْدَهُمَا بِسَبَبِ التَّأْخِيرِ، وَأَمَّا بِسَبَبِ الْجِنَايَةِ فَيَقُولَانِ بِوُجُوبِ الدَّمِ وَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا فِي الْعِنَايَةِ، وَأَمَّا التَّنَاقُضُ الَّذِي ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْغَايَةِ فَمَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي بَابِ الْقِرَانِ مِنْ لُزُومِ دَمٍ وَاحِدٍ لَوْ حَلَقَ قَبْلَ الذَّبْحِ فَإِنَّمَا هُوَ لِمَنْ عَجَزَ عَنْ الْهَدْيِ كَمَا هُوَ صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ فَلَمْ يَكُنْ جَانِيًا بِالْحَلْقِ فِي غَيْرِ أَوَانِهِ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ أَبَاحَ لَهُ التَّحَلُّلَ بِالْحَلْقِ، وَإِنَّمَا قَدَّمَ نُسُكًا عَلَى نُسُكٍ فَقَطْ فَلَزِمَهُ دَمٌ، وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ هُنَا مِنْ لُزُومِ دَمَيْنِ لَوْ حَلَقَ قَبْلَ الذَّبْحِ فَإِنَّمَا هُوَ لِكَوْنِهِ جِنَايَةً؛ لِأَنَّ الْحَلْقَ لَا يَحِلُّ لَهُ قَبْلَ الذَّبْحِ لِقُدْرَتِهِ عَلَيْهِ فَكَانَ جَانِيًا مُؤَخِّرًا فَلَزِمَهُ دَمَانِ، وَأَمَّا إلْزَامُ أَنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ دَمَيْنِ فِيمَا إذَا قَدَّمَ نُسُكًا عَلَى نُسُكٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْفَكُّ عَنْ الْأَمْرَيْنِ، وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ فَمَمْنُوعٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْحَلْقَ قَبْلَ الذَّبْحِ لَا يَحِلُّ فَكَانَ جِنَايَةً عَلَى الْإِحْرَامِ بِخِلَافِ الذَّبْحِ قَبْلَ الرَّمْيِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِجِنَايَةٍ؛ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ مَشْرُوعٌ فِي نَفْسِهِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ نُسُكًا كَامِلًا إذَا قَدَّمَهُ فَكَيْفَ يُوجِبُ دَمًا، وَلَيْسَ بِجِنَايَةٍ، وَإِنَّمَا يَجِبُ دَمٌ وَاحِدٌ بِاعْتِبَارِ التَّقْدِيمِ وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّهُ لَوْ حَلَقَ قَبْلَ الرَّمْيِ فَهُوَ كَمَا لَوْ حَلَقَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَظَهَرَ لِي إلَخْ) شُرُوعٌ فِي تَوْجِيهِ كَلَامِ الْهِدَايَةِ وَحَاصِلُ مَا اعْتَرَضَ عَلَيْهِ أَنَّ فِي كَلَامِهِ خَلَلًا مِنْ أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ الْأَوَّلُ مُخَالَفَتُهُ لِمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ الثَّانِي مُخَالَفَتُهُ لِمَا ذَكَرَ فِي بَابِ الْقِرَانِ الثَّالِثُ لُزُومُ خَمْسَةِ دِمَاءٍ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، الرَّابِعُ مُخَالَفَتُهُ لِمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ عَدَمِ وُجُوبِ شَيْءٍ عِنْدَهُمَا فِيمَا إذَا حَلَقَ قَبْلَ الذَّبْحِ وَسَيُشِيرُ إلَى هَذَا، وَقَدْ اسْتَوْفَى - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْأَجْوِبَةَ عَنْ جَمِيعِ مَا ذُكِرَ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى النَّاظِرِ، وَأَنْتَ إذَا تَأَمَّلْت مَا هُنَا لَمْ تَرَ فِي النَّهْرِ زِيَادَةً عَلَيْهِ بَلْ جَزَمْت بِالْعَكْسِ فَقَوْلُهُ فِي النَّهْرِ، وَهَذَا الْجَمْعُ لَا تَرَاهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ تَمَدُّحٌ بِنِعْمَةِ غَيْرِهِ نَعَمْ صَرَّحَ بِأَنَّ عَدَمَ مُطَابَقَةِ مَا فِي الْهِدَايَةِ لِمَا فِي الْجَامِعِ إنَّمَا هُوَ عَلَى نَقْلِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَغَيْرِهِ لَا عَلَى مَا مَرَّ عَنْ الشَّهِيدِ، وَقَدْ أَخَذَهُ مِنْ الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ عَنْ الْمِعْرَاجِ هُوَ هَذَا، وَإِنَّ الْمُرَادَ بِالْبَعْضِ هُوَ الصَّدْرُ. (قَوْلُهُ: فَمَا فِي الْهِدَايَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ بَعْضِهِمْ) أَيْ لَا عَلَى الرِّوَايَةِ السَّابِقَةِ عَنْ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَهِيَ رِوَايَةُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ، وَمَنْ حَذَا حَذْوَهُ بَلْ عَلَى مَا مَرَّ عَنْ الصَّدْرِ وَفِي شَرْحِ إسْمَاعِيلَ عَنْ الْكَافِي بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ هَذَا الْبَعْضِ، وَمَنْ خَطَّأَ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ فَلِغَفْلَتِهِ عَنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ (قَوْلُهُ: وَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا فِي الْعِنَايَةِ) أَيْ مِنْ أَنَّ مَا هُنَا مُنَاقِضٌ لِمَا ذَكَرَهُ قَرِيبًا مِنْ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ عِنْدَهُمَا فِي الْوَجْهَيْنِ إلَى أَنْ قَالَ: وَالْحَلْقُ قَبْلَ الذَّبْحِ، وَمِنْ أَنَّ ذَلِكَ يَأْبَى حَمْلَ كَلَامِهِ عَلَى مَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ فَإِنَّ ذَلِكَ صَرِيحٌ بِأَنَّهُمَا لَا يَقُولَانِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بِوُجُوبِ شَيْءٍ يَتَعَلَّقُ بِالْكَفَّارَةِ أَصْلًا وَبَيَانُ الِانْدِفَاعِ الَّذِي ذَكَرَهُ أَنَّهُ مَشَى فِي هَذَا الْبَابِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فَفِي مَسْأَلَتِنَا عَلَى قَوْلِ بَعْضِهِمْ، وَمَا قَدَّمَهُ قَبْلَهَا قَرِيبًا عَلَى أَصْلِ رِوَايَةِ الْجَامِعِ أَوْ أَنَّ مَا قَدَّمَهُ قَرِيبًا مَعْنَاهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ عِنْدَهُمَا بِسَبَبِ التَّأْخِيرِ لَا الْجِنَايَةِ كَمَا حَمَلَهُ عَلَيْهِ فِي الْعِنَايَةِ وَالْمُثْبَتُ هُنَا دَمُ الْجِنَايَةِ فِي الْإِحْرَامِ، وَهَذَا الْجَوَابُ عَنْ الْعِنَايَةِ. وَالْجَوَابُ الْآتِي عَمَّا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مَذْكُورَانِ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ (قَوْلُهُ: فَإِنَّمَا هُوَ لِكَوْنِهِ جِنَايَةً) يَعْنِي أَنَّ قَوْلَ الْهِدَايَةِ دَمٌ بِالْحَلْقِ فِي غَيْرِ أَوَانِهِ أَرَادَ بِهِ الْجِنَايَةَ عَلَى الْإِحْرَامِ لَا تَقْدِيمَ الْحَلْقِ عَلَى الذَّبْحِ يُفْصِحُ عَنْهُ مَا مَرَّ عَنْ الصَّدْرِ الشَّهِيدِ وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي الْفَتْحِ مِنْ الْإِلْزَامِ كَمَا سَيُشِيرُ إلَيْهِ قَرِيبًا. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْإِلْزَامُ أَنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ دَمَيْنِ إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا أَوْرَدَهُ فِي الْفَتْحِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ وَجَبَ دَمٌ بِتَقْدِيمِ الْحَلْقِ وَدَمٌ بِتَأْخِيرِ الذَّبْحِ لَزِمَ أَنْ يَجِبَ الدَّمَانِ فِي كُلِّ تَقْدِيمِ نُسُكٍ عَلَى آخَرَ لِوُجُودِ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ. وَالْجَوَابُ أَنَّك عَلِمْت أَنَّ مُرَادَ الْهِدَايَةِ بِوُجُوبِ الدَّمِ بِتَقْدِيمِ الْحَلْقِ وُجُوبُهُ بِالْجِنَايَةِ لَا مِنْ حَيْثُ هُوَ تَقْدِيمٌ وَالذَّبْحُ قَبْلَ الرَّمْيِ مَشْرُوعٌ فِي نَفْسِهِ لَيْسَ جِنَايَةً فَإِنَّهُ يَحِلُّ لَهُ كُلَّ وَقْتٍ بِخِلَافِ الْحَلْقِ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لِلْمُحْرِمِ أَصْلًا نَعَمْ الذَّبْحُ الَّذِي هُوَ نُسُكٌ لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهُ عَلَى الرَّمْيِ فَإِذَا قَدَّمَهُ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ نُسُكًا كَامِلًا فَيَجِبُ الدَّمُ بِاعْتِبَارِ تَقْدِيمِهِ مُرَادًا بِهِ النُّسُكَ لَا بِكَوْنِهِ نَفْسِهِ جِنَايَةً (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ نُسُكًا كَامِلًا إذَا قَدَّمَهُ) كَذَا فِي هَذِهِ النُّسْخَةِ، وَفِي غَيْرِهَا مِنْ النُّسَخِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 27 قَبْلَ الذَّبْحِ بِالْأَوْلَى. وَأَمَّا قَوْلُهُ: لَوَجَبَ ثَلَاثَةُ دِمَاءٍ فَنَلْتَزِمُهُ؛ لِأَنَّهُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَلْزَمُهُ ثَلَاثَةُ دِمَاءٍ دَمَانِ لِلْجِنَايَةِ وَدَمُ الْقِرَانِ، وَأَمَّا لُزُومُ خَمْسَةِ دِمَاءٍ فَمَمْنُوعٌ عَلَى كُلِّ قَوْلٍ؛ لِأَنَّ جِنَايَةَ الْقَارِنِ إنَّمَا تَكُونُ مَضْمُونَةً بِدَمَيْنِ فِيمَا عَلَى الْمُفْرِدِ فِيهِ دَمٌ وَالْمُفْرِدُ لَوْ حَلَقَ قَبْلَ الذَّبْحِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ فَلَا يَتَضَاعَفُ الْغُرْمُ عَلَى الْقَارِنِ هَكَذَا أَجَابَ فِي الْعِنَايَةِ، وَأَجَابَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِأَنَّ التَّضَاعُفَ عَلَى الْقَارِنِ إنَّمَا يَكُونُ فِيمَا إذَا أَدْخَلَ نَقْصًا فِي إحْرَامِ عُمْرَتِهِ أَمَّا فِيمَا لَا يُوجِبُ نَقْصًا فِيهِ فَلَا يَجِبُ إلَّا دَمٌ وَاحِدٌ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَإِنَّهُ قَدْ أَتَى بِرُكْنِهَا وَوَاجِبِهَا وَلِهَذَا إذَا أَفَاضَ الْقَارِنُ قَبْلَ الْإِمَامِ أَوْ طَافَ لِلزِّيَارَةِ جُنُبًا أَوْ مُحْدِثًا لَا يَلْزَمُهُ إلَّا دَمٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّهُ لَا تَعَلُّقَ لِلْعُمْرَةِ بِالْوُقُوفِ وَطَوَافِ الزِّيَارَةِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ جِنَايَةُ الْقَارِنِ مَضْمُونَةً بِدَمَيْنِ مُطْلَقًا فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ أَرْبَعَةُ دِمَاءٍ لَا خَمْسَةٌ؛ لِأَنَّ حَلْقَهُ قَبْلَ أَوَانِهِ جِنَايَةٌ تُوجِبُ دَمَيْنِ وَتَقْدِيمُ النُّسُكِ عَلَى النُّسُكِ يُوجِبُ دَمًا وَاحِدًا وَدَمُ الْقِرَانِ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَعَدَّدَ دَمُ الْقِرَانِ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَعَدَّدَ دَمُ التَّقْدِيمِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ جِنَايَةٌ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ عَلَى الْحَلْقِ قَبْلَ أَوَانِهِ، وَقَدْ وَجَبَ فِيهَا دَمَانِ فَلَا يَجِبُ شَيْءٌ آخَرُ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي تَوْجِيهِ كَلَامِ الْهِدَايَةِ لَكِنَّ الْمَذْهَبَ خِلَافُهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ: إنْ قَتَلَ مُحْرِمٌ صَيْدًا أَوْ دَلَّ عَلَيْهِ مَنْ قَتَلَهُ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95] الْآيَةَ، وَلِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ السَّابِقِ الدَّالِّ عَلَى تَحْرِيمِ الْإِشَارَةِ وَالْأَمْرِ فَأُلْحِقَتْ بِالْقَتْلِ اسْتِحْسَانًا بِاعْتِبَارِ تَفْوِيتِ الْأَمْنِ وَارْتِكَابِ مَحْظُورِ إحْرَامِهِ، وَلَيْسَ زِيَادَةً عَلَى الْكِتَابِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَ إنَّمَا نَصَّ عَلَى الْقَتْلِ، وَتَخْصِيصُ الشَّيْءِ بِالذِّكْرِ لَا يَنْفِي الْحُكْمَ عَمَّا عَدَاهُ، وَحَقِيقَةُ الصَّيْدِ حَيَوَانٌ مُمْتَنِعٌ مُتَوَحِّشٌ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ سَوَاءٌ كَانَ بِقَوَائِمِهِ أَوْ بِجَنَاحِهِ فَدَخَلَ الظَّبْيُ الْمُسْتَأْنَسُ، وَإِنْ كَانَتْ ذَكَاتُهُ بِالذَّبْحِ وَخَرَجَ الْبَعِيرُ وَالشَّاةُ إذَا اسْتَوْحَشَا، وَإِنْ كَانَتْ ذَكَاتُهُمَا بِالْعَقْرِ؛ لِأَنَّ الْمَنْظُورَ إلَيْهِ فِي الصَّيْدِيَّةِ أَصْلُ الْخِلْقَةِ، وَفِي الذَّكَاةِ الْإِمْكَانُ وَعَدَمُهُ، وَخَرَجَ الْكَلْبُ وَالنُّسُورُ مُطْلَقًا أَهْلِيًّا كَانَ أَوْ وَحْشِيًّا، وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ تَعْرِيفَهُ؛ لِأَنَّهُ عَلِمَ مِنْ إبَاحَتِهِ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّاةُ وَالْبَقَرُ، وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ فَعُلِمَ أَنَّ الصَّيْدَ هُوَ مَا ذُكِرَ ثُمَّ هُوَ عَلَى نَوْعَيْنِ بَرِّيٍّ وَبَحْرِيٍّ فَالْبَرِّيُّ مَا يَكُونُ تَوَالُدُهُ فِي الْبَرِّ، وَلَا عِبْرَةَ بِالْمَثْوَى أَيْ الْمَكَانِ، وَالْمَائِيُّ مَا يَكُونُ تَوَالُدُهُ فِي الْمَاءِ، وَلَوْ كَانَ مَثْوَاهُ فِي الْبَرِّ؛ لِأَنَّ التَّوَالُدَ أَصْلٌ وَالْكَيْنُونَةَ بَعْدَهُ عَارِضٌ فَكَلْبُ الْمَاءِ وَالضُّفْدَعِ مَائِيٌّ، وَأَطْلَقَ قَاضِي خَانْ فِي الضُّفْدَعِ، وَقَيَّدَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِالْمَائِيِّ لِإِخْرَاجِ الضُّفْدَعِ الْبَرِّيِّ قَالَ: وَمِثْلُهُ السَّرَطَانُ   [منحة الخالق] وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نُسُكًا إذَا قَدَّمَهُ، وَلَمْ يَظْهَرْ لِي مَعْنَاهَا وَالْأَوْلَى مُوَافَقَةٌ لِمَا قَرَّرْته أَوَّلًا وَالْمَعْنَى، وَإِنَّمَا انْتَفَى كَوْنُهُ نُسُكًا كَامِلًا حِينَ تَقْدِيمِهِ فَقَوْلُهُ إذَا قَدَّمَهُ مُتَعَلِّقٌ بِانْتَفَى الْمَفْهُومُ مَنْ لَمْ يَكُنْ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ} [القلم: 2] أَيْ انْتَفَى عَنْك ذَلِكَ بِنِعْمَةِ رَبِّك كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي (قَوْلُهُ: لِأَنَّ جِنَايَةَ الْقَارِنِ إنَّمَا تَكُونُ إلَخْ) اعْتَرَضَهُ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ بِأَنَّ الْمُفْرِدَ إنَّمَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَا جِنَايَةَ مِنْهُ عَلَى إحْرَامِهِ لِعَدَمِ تَوَقُّتِ الْحَلْقِ فِي حَقِّهِ بِكَوْنِهِ قَبْلَ الذَّبْحِ، وَأَمَّا الْقَارِنُ فَلَيْسَ كَذَلِكَ ثُمَّ أَجَابَ بِمَا يَأْتِي. (قَوْلُهُ: أَمَّا فِيمَا لَا يُوجِبُ نَقْصًا فِيهِ إلَخْ) قَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ فَأَحْلَقَ يَوْمَ النَّحْرِ حَلَّ مِنْ إحْرَامِهِ عَنْ فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ قَضَاءَ الْأَعْمَالِ لَا يَمْنَعُ بَقَاءَ الْإِحْرَامِ، وَالْوُجُوبُ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ جِنَايَةٌ عَلَى الْإِحْرَامِ فَتَأَمَّلْ. [فَصْلٌ قَتَلَ مُحْرِمٌ صَيْدًا أَوْ دَلَّ عَلَيْهِ مَنْ قَتَلَهُ] (فَصْلٌ إنْ قَتَلَ مُحْرِمٌ صَيْدًا أَوْ دَلَّ عَلَيْهِ مَنْ قَتَلَهُ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ) . (قَوْلُهُ: فَأُلْحِقَتْ بِالْقَتْلِ اسْتِحْسَانًا) الضَّمِيرُ يَعُودُ عَلَى الدَّلَالَةِ الْمَفْهُومَةِ مِنْ قَوْلِهِ أَوْ دَلَّ، وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ ذِكْرُ الدَّلَالَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْفَتْحِ، وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ فِي بَابِ الْإِحْرَامِ، وَأَنَّ مُسْلِمًا أَخْرَجَهُ بِلَفْظِ «هَلْ أَشَرْتُمْ أَوْ أَعَنْتُمْ قَالُوا لَا قَالَ: فَكُلُوا» ، وَقَدْ اسْتَدَلَّ فِي الْهِدَايَةِ بِالْحَدِيثِ وَوَجَّهَهُ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَّقَ الْحِلَّ عَلَى عَدَمِ الْإِشَارَةِ، وَهِيَ تَحْصِيلُ الدَّلَالَةِ بِغَيْرِ اللِّسَانِ فَأَحْرَى أَنْ لَا يَحِلَّ إذَا دَلَّهُ بِاللَّفْظِ فَقَالَ: هُنَاكَ صَيْدٌ وَنَحْوُهُ. اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ إلْحَاقَ الْمَنْعِ عَنْ الدَّلَالَةِ بِالْإِشَارَةِ ثَابِتٌ بِدَلَالَةِ النَّصِّ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ أَنَّ الْحِلَّ ثَابِتٌ مَعَ عَدَمِ الْإِشَارَةِ فَيَثْبُتُ مَعَ عَدَمِ الدَّلَالَةِ بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَمَّا عَلَّقَ عَلَى عَدَمِ الْإِشَارَةِ الَّتِي هِيَ أَضْعَفُ مِنْ الدَّلَالَةِ، وَكَانَتْ الْإِشَارَةُ مَمْنُوعًا عَنْهَا عُلِمَ الْمَنْعُ عَنْ الدَّلَالَةِ الَّتِي هِيَ أَقْوَى بِالْأَوْلَى فَافْهَمْ بَقِيَ أَنَّ الْحَدِيثَ دَلَّ عَلَى حُرْمَةِ اللَّحْمِ بِالدَّلَالَةِ لَكِنْ يَلْزَمُهَا أَنْ تَكُونَ الدَّلَالَةُ مَحْظُورَةً فَهِيَ جِنَايَةٌ عَلَى الْإِحْرَامِ، وَلَمَّا فَوَّتَتْ الْأَمْنَ عَلَى الصَّيْدِ عَلَى وَجْهٍ اتَّصَلَ الْقَتْلُ بِهَا كَانَ فِيهَا الْجَزَاءُ قِيَاسًا عَلَى الْقَتْلِ كَمَا أَوْضَحَهُ فِي الْفَتْحِ، وَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ الْحَدِيثَ لَمْ يَثْبُتْ بِهِ الْحُكْمُ، وَهُوَ الْجَزَاءُ بَلْ ثَبَتَ بِالْقِيَاسِ خِلَافُ مَا يُوهِمُهُ كَلَامُ الْهِدَايَةِ حَيْثُ عَطَفَ عَلَى الْحَدِيثِ قَوْلَهُ؛ وَلِأَنَّ الدَّلَالَةَ مِنْ مَحْظُورَاتٍ، وَأَنَّهُ تَفْوِيتُ الْأَمْنِ فَصَارَ كَالْإِتْلَافِ فَإِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْحَدِيثِ وَالْقِيَاسِ مُثْبِتٌ لَهُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الْفَتْحِ. وَعَنْ هَذَا اسْتَدَلَّ الْمُؤَلِّفُ عَلَى وُجُوبِ الْجَزَاءِ بِقَوْلِهِ فَأُلْحِقَتْ بِالْقَتْلِ إلَخْ نَعَمْ. قَوْلُهُ: وَلِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ الدَّالِّ عَلَى التَّحْرِيمِ فِيهِ نَظَرٌ لِمَا عَلِمْت (قَوْلُهُ: وَحَقِيقَةُ الصَّيْدِ حَيَوَانٌ مُمْتَنِعٌ إلَخْ) ، وَقَدْ يُوجَدُ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ أَنْ يَكُونَ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ وَحْشِيَّةَ الْخِلْقَةِ، وَفِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 28 وَالتِّمْسَاحُ وَالسُّلَحْفَاةُ وَالْمَائِيُّ حَلَالٌ لِلْمُحْرِمِ وَالْبَرِّيُّ حَرَامٌ عَلَيْهِ لِلْآيَةِ {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة: 96] ، وَهُوَ بِعُمُومِهِ مُتَنَاوِلٌ لِمَا يُؤْكَلُ مِنْهُ، وَمَا لَا يُؤْكَلُ فَيَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ اصْطِيَادُ الْكُلِّ، وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَالْبَدَائِعِ وَغَيْرِهِمَا، وَبِهِ يَظْهَرُ ضَعْفُ مَا فِي مَنَاسِكِ الْكَرْمَانِيِّ مِنْ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ إلَّا مَا يُؤْكَلُ، وَهُوَ السَّمَكُ خَاصَّةً فَالْمُرَادُ بِالصَّيْدِ فِي الْمُخْتَصَرِ صَيْدُ الْبَرِّ إلَّا مَا يَسْتَثْنِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ الذِّئْبِ وَالْغُرَابِ وَالْحِدَأَةِ وَبَقِيَّةِ السِّبَاعِ أَمَّا الذِّئْبُ وَالْغُرَابُ وَالْحِدَأَةُ فَلَا شَيْءَ فِي قَتْلِهَا أَصْلًا، وَأَمَّا بَقِيَّةُ السِّبَاعِ فَفِيهَا تَفْصِيلٌ نَذْكُرُهُ، وَلَيْسَ هَذَا الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ هُنَا يَشْمَلُهَا، وَأَمَّا بَقِيَّةُ الْفَوَاسِقِ فَلَيْسَتْ بِصُيُودٍ فَلَا حَاجَةَ إلَى اسْتِثْنَائِهَا، وَأَطْلَقَ فِي الصَّيْدِ فَشَمَلَ مَا يُؤْكَلُ، وَمَا لَا يُؤْكَلُ حَتَّى الْخِنْزِيرَ كَمَا فِي الْمُحِيطِ، وَفِيهِ طَيْرُ الْبَحْرِ لَا يَحِلُّ قَتْلُهُ؛ لِأَنَّ مَبِيضَهُ، وَمَفْرَخَهُ فِي الْمَاءِ وَيَعِيشُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ فَكَانَ صَيْدُ الْبَرِّ مِنْ وَجْهٍ فَلَا يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ. وَشَمَلَ الصَّيْدُ الْمَمْلُوكَ وَغَيْرَهُ فَإِذَا قَتَلَ الْمُحْرِمُ صَيْدًا مَمْلُوكًا لَزِمَهُ قِيمَتَانِ قِيمَةٌ لِمَالِكِهِ وَجَزَاؤُهُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى كَذَا ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ فِي مَسْأَلَةِ الْهِبَةِ، وَأَطْلَقَ فِي الْقَتْلِ فَشَمَلَ مَا إذَا كَانَ عَنْ اضْطِرَارٍ أَوْ اخْتِيَارٍ كَمَا سِيَاتِي وَشَمَلَ مَا إذَا كَانَ مُبَاشَرَةً أَوْ بِتَسَبُّبٍ لَكِنْ فِي الْمُبَاشَرَةِ لَا يُشْتَرَطُ التَّعَدِّي فَلَوْ انْقَلَبَ نَائِمٌ عَلَى صَيْدٍ فَقَتَلَهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ، وَأَمَّا التَّسَبُّبُ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّعَدِّي فَلَوْ نَصَبَ شَبَكَةً لِلصَّيْدِ أَوْ حَفَرَ بِئْرًا لِلصَّيْدِ فَعَطِبَ ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ، وَلَوْ نَصَبَ فُسْطَاطًا لِنَفْسِهِ فَتَعَقَّلَ بِهِ فَمَاتَ أَوْ حَفَرَ حَفِيرَةً لِلْمَاءِ أَوْ لِحَيَوَانٍ مُبَاحٍ قَتَلَهُ كَالذِّئْبِ فَعَطِبَ فِيهَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ إلَى حَيَوَانٍ مُبَاحٍ فَأَخَذَ مَا يَحْرُمُ أَوْ أَرْسَلَ إلَى صَيْدٍ فِي الْحِلِّ، وَهُوَ حَلَالٌ فَجَاوَزَ إلَى الْحَرَمِ فَقَتَلَ صَيْدًا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فِي السَّبَبِ بِخِلَافِ مَا لَوْ رَمَى إلَى فَهْدٍ فِي الْحِلِّ فَأَصَابَهُ فِي الْحَرَمِ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ؛ لِأَنَّهُ مُبَاشَرَةٌ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا التَّعَدِّي حَتَّى لَوْ رَمَى إلَى صَيْدٍ فَتَعَدَّى إلَى آخَرَ فَقَتَلَهُمَا ضَمِنَ قِيمَتَهُمَا. وَكَذَا لَوْ ضَرَبَ بِالسَّهْمِ فَوَقَعَ عَلَى بَيْضٍ أَوْ فَرْخٍ فَأَتْلَفَهُمَا ضَمِنَهُمَا، وَعَلَى هَذَا فَمَا فِي الْمُحِيطِ مِنْ أَنَّ أَرْبَعَةً نَزَلُوا بَيْتًا بِمَكَّةَ ثُمَّ خَرَجُوا إلَى مِنًى فَأَمَرُوا أَحَدَهُمْ أَنْ يُغْلِقَ الْبَابَ، وَفِيهِ حَمَامٌ وَغَيْرُهَا فَلَمَّا رَجَعُوا وَجَدُوهَا مَاتَتْ عَطَشًا فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ جَزَاؤُهَا؛ لِأَنَّ الْآمِرِينَ جَمْعُ آمِرٍ تَسَبَّبُوا بِالْأَمْرِ، وَالْمُغْلِقُ بِالْإِغْلَاقِ. انْتَهَى. مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا عَلِمُوا بِالطُّيُورِ فِي الْبَيْتِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ تَعَدِّيًا إلَّا بِهِ، وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ لِفَقْدِ شَرْطِ التَّسَبُّبِ، وَأَرَادَ بِالدَّلَالَةِ الْإِعَانَةَ عَلَى قَتْلِهِ سَوَاءٌ كَانَتْ دَلَالَةً حَقِيقِيَّةً بِالْإِعْلَامِ بِمَكَانِهِ، وَهُوَ غَائِبٌ أَوْ لَا وَشَرَطُوا فِي وُجُوبِ الْجَزَاءِ عَلَى الدَّالِّ الْمُحْرِمِ خَمْسَةَ شُرُوطٍ   [منحة الخالق] بَعْضِهَا مُسْتَأْنَسَةً كَالْجُمُوسِ فَإِنَّهُ فِي بِلَادِ السُّودَانِ مُسْتَوْحِشٌ، وَلَا يُعْرَفُ مِنْهُ مُسْتَأْنَسٌ عِنْدَهُمْ كَذَا فِي شَرْحِ اللُّبَابِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ حُكْمَهُ صَرِيحًا، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي بِلَادِ السُّودَانِ صَيْدًا حَتَّى يَحْرُمَ عَلَى الْمُحْرِمِ صَيْدُهُ مَا دَامَ فِي بِلَادِهِمْ. (قَوْلُهُ: لِلْآيَةِ) قَالَ: فِي شَرْحِ اللُّبَابِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَاءَ الْبَحْرِ لَوْ وُجِدَ فِي أَرْضِ الْحَرَمِ يَحِلُّ صَيْدُهُ أَيْضًا لِعُمُومِ الْآيَةِ وَلِشُمُولِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ وَالْحِلُّ مَيْتَتُهُ» ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الشَّافِعِيَّةُ حَيْثُ قَالُوا لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْبَحْرُ فِي الْحِلِّ أَوْ الْحَرَمِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَفِيهِ) أَيْ الْمُحِيطِ طَيْرُ الْبَحْرِ إلَخْ مُخَالِفٌ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ التَّوَالُدُ لَا الْمَثْوَى لَكِنْ رَأَيْت فِي اللُّبَابِ مَا نَصُّهُ، وَأَمَّا طُيُورُ الْبَحْرِ فَلَا يَحِلُّ اصْطِيَادُهَا؛ لِأَنَّ تَوَالُدَهَا فِي الْبَرِّ قَالَ شَارِحُهُ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَالْمُحِيطِ (قَوْلُهُ: وَأَطْلَقَ فِي الْقَتْلِ إلَخْ) قَالَ فِي اللُّبَابِ وَيَسْتَوِي فِي وُجُوبِ الْجَزَاءِ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ وَالْعَامِدُ وَالنَّاسِي وَالْخَاطِئُ وَالسَّاهِي وَالطَّائِعُ وَالْمُكْرَهُ وَالْمُبْتَدِئُ وَالْعَائِدُ وَالْحَاجُّ وَالْمُعْتَمِرُ وَالنَّائِمُ وَالْيَقْظَانُ وَالصَّاحِي وَالسَّكْرَانُ وَالْمُفِيقُ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالْمُبَاشَرَةُ بِالنَّفْسِ أَوْ بِالْغَيْرِ فَلَوْ أَلْبَسَهُ أَحَدٌ أَوْ طَيَّبَهُ أَوْ حَلَقَ رَأْسَهُ، وَهُوَ نَائِمٌ أَوْ لَا فَعَلَى الْمَفْعُولِ الْجَزَاءُ سَوَاءٌ كَانَ بِأَمْرِهِ أَوْ لَا. اهـ. وَفِيهِ أَيْضًا: وَشَرَائِطُ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ مِنْهَا الْإِسْلَامُ فَلَا تَجِبُ عَلَى كَافِرٍ، وَالْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ فَلَا تَجِبُ عَلَى صَبِيٍّ، وَمَجْنُونٍ إلَّا إذَا جُنَّ بَعْدَ الْإِحْرَامِ، وَلَوْ بَعْدَ سِنِينَ فَيَجِبُ عَلَيْهِ جَزَاءُ مَا ارْتَكَبَهُ فِي الْإِحْرَامِ، وَلَا عَلَى كَافِرٍ، وَأَمَّا الْحُرِّيَّةُ فَلَيْسَتْ بِشَرْطٍ فَيَجِبُ عَلَى الْمَمْلُوكِ الصَّوْمُ فِي الْحَالِ، وَأَمَّا الدَّمُ وَالصَّدَقَةُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَدَاؤُهُ بَعْدَ الْعِتْقِ، وَمِنْهَا الْقُدْرَةُ عَلَى أَدَاءِ الْوَاجِبِ، وَهِيَ أَنْ يَكُونَ فِي مِلْكِهِ فَضْلُ مَالٍ عَلَى كِفَايَتِهِ فَحِينَئِذٍ يُؤْخَذُ مِنْهُ الطَّعَامُ أَوْ الدَّمُ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فَضْلُ مَالٍ، وَلَكِنْ فِي مِلْكِهِ عَيْنُ الْوَاجِبِ مِنْ طَعَامٍ أَوْ دَمٍ صَالِحٍ لِلتَّكْفِيرِ فَإِذَا كَانَ فِي مِلْكِهِ ذَلِكَ وَجَبَ عَلَيْهِ أَدَاؤُهُ وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْقُدْرَةِ وَقْتُ الْأَدَاءِ لَا وَقْتُ الْوُجُوبِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَأَرَادَ بِالدَّلَالَةِ الْإِعَانَةَ عَلَى قَتْلِهِ) لَعَلَّ الْحَامِلَ لَهُ عَلَى هَذَا مَا مَرَّ فِي الْحَدِيثِ مِنْ قَوْلِهِ «أَوْ أَعَنْتُمْ» ، وَإِلَّا لَوْ أُرِيدَ بِالدَّلَالَةِ حَقِيقَتُهَا لَمْ يَشْمَلْ غَيْرَهَا وَسَيَأْتِي تَرْجِيحُ وُجُوبِ الْجَزَاءِ بِإِعَارَةِ سِكِّينٍ وَنَحْوِهَا بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ وَدَخَلَ فِي الدَّلَالَةِ الْإِشَارَةُ أَيْضًا وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ (قَوْلُهُ: عَلَى الدَّالِّ الْمُحْرِمِ) قَيَّدَ بِالْمُحْرِمِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الدَّالُّ حَلَالًا فِي صَيْدِ الْحَرَمِ وَالْحِلِّ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ لُبَابٌ قَالَ فِي شَرْحِهِ: وَفِي الْغَايَةِ عَنْ الْخِزَانَةِ لَوْ دَلَّ حَلَالٌ حَلَالًا عَلَى صَيْدِ الْحَرَمِ فَقَتَلَهُ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ، وَعَلَى الدَّالِّ نِصْفُهَا، وَقَالَ: أَبُو يُوسُفَ لَا شَيْءَ عَلَى الدَّالِّ. اهـ. وَالْمَذْكُورُ فِي الْمَشَاهِيرِ مِنْ الْكُتُبِ عَدَمُ لُزُومِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 29 وَإِنْ كَانَ آثِمًا مُطْلَقًا أَنْ يَتَّصِلَ الْقَتْلُ بِدَلَالَتِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَى الدَّالِّ لَوْ لَمْ يَقْتُلْ الْمَدْلُولَ، وَأَنْ لَا يَكُونَ الْمَدْلُولُ عَالِمًا بِمَكَانِ الصَّيْدِ، وَأَنْ يُصَدِّقَهُ فِي الدَّلَالَةِ، وَأَنْ يَبْقَى الدَّالُّ مُحْرِمًا إلَى أَنْ يَقْتُلَهُ الْمَدْلُولُ، وَأَنْ لَا يَنْفَلِتَ الصَّيْدُ؛ لِأَنَّهُ إذَا انْفَلَتَ صَارَ كَأَنَّهُ جَرَحَهُ ثُمَّ انْدَمَلَ فَتَفَرَّعَ عَلَى الشَّرْطِ الثَّالِثِ مَا فِي الْمُحِيطِ لَوْ أَخْبَرَ الْمُحْرِمُ بِالصَّيْدِ فَلَمْ يَرَهُ حَتَّى أَخْبَرَهُ مُحْرِمٌ آخَرُ فَإِنْ كَذَّبَ الْأَوَّلَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ جَزَاءٌ، وَإِنْ لَمْ يُكَذِّبْهُ، وَلَمْ يُصَدِّقْهُ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَزَاءٌ كَامِلٌ؛ لِأَنَّهُ بِخَبَرِ الْأَوَّلِ وَقَعَ الْعِلْمُ بِمَكَانِ الصَّيْدِ غَالِبًا وَبِالثَّانِي اسْتَفَادَ عِلْمَ الْيَقِينِ فَكَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَلَالَةٌ عَلَى الصَّيْدِ، وَإِنْ أَرْسَلَ مُحْرِمٌ إلَى مُحْرِمٍ فَقَالَ: إنَّ فُلَانًا يَقُولُ لَك أَنَّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ صَيْدًا فَذَهَبَ فَقَتَلَهُ فَعَلَى الرَّسُولِ وَالْمُرْسِلِ وَالْقَاتِلِ الْجَزَاءُ؛ لِأَنَّ الدَّلَالَةَ وُجِدَتْ مِنْهُمَا وَظَهَرَ بِالشَّرْطِ الثَّانِي ضَعْفُ مَا فِي الْمُحِيطِ مَعْزِيًّا إلَى الْمُنْتَقَى مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: خُذْ أَحَدَ هَذَيْنِ، وَهُوَ يَرَاهُمَا فَقَتَلَهُمَا كَانَ عَلَى الدَّالِّ جَزَاءٌ وَاحِدٌ، وَإِنْ كَانَ لَا يَرَاهُمَا فَعَلَيْهِ جَزَاءَانِ. اهـ. لِأَنَّهُ إذَا كَانَ يَرَاهُمَا كَانَ عَالِمًا بِمَكَانِهِمَا، وَقَدْ شَرَطَ وَأُعْدِمَ الْعِلْمُ بِمَكَانِهِ وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرُوا هُنَا الْإِشَارَةَ كَمَا ذَكَرُوهَا فِي بَابِ الْإِحْرَامِ؛ لِأَنَّهَا خَاصَّةٌ بِالْحَاضِرِ وَشَرْطُ وُجُوبِ الْجَزَاءِ عَدَمُ الْعِلْمِ بِالْمَكَانِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْإِشَارَةَ وَالدَّلَالَةَ سَوَاءٌ فِي مَنْعِ الْمُحْرِمِ مِنْهُمَا لَكِنَّ الدَّلَالَةَ مُوجِبَةٌ لِلْجَزَاءِ بِشُرُوطِهَا وَالْإِشَارَةُ لَا تُوجِبُ الْجَزَاءَ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْأَمْرَ بِالْأَخْذِ لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ الدَّلَالَةِ فَيُوجِبُ الْجَزَاءَ مُطْلَقًا وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَغَيْرِهِ لَوْ أَمَرَ الْمُحْرِمُ غَيْرَهُ بِأَخْذِ صَيْدٍ فَأَمَرَ الْمَأْمُورُ آخَرَ فَالْجَزَاءُ عَلَى الْآمِرِ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْتَثِلْ أَمْرَ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتَمِرْ بِالْأَمْرِ بِخِلَافِ مَا لَوْ دَلَّ الْأَوَّلُ عَلَى الصَّيْدِ، وَأَمَرَهُ فَأَمَرَ الثَّانِي ثَالِثًا بِالْقَتْلِ حَيْثُ يَجِبُ الْجَزَاءُ عَلَى الثَّلَاثَةِ، وَكَذَا الْإِرْسَالُ كَمَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا فَقَدْ فَرَّقُوا بَيْنَ الْأَمْرِ الْمُجَرَّدِ وَالْأَمْرِ مَعَ الدَّلَالَةِ. وَدَخَلَ تَحْتَ الْإِعَانَةِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ مُحْرِمٌ رَأَى صَيْدًا فِي مَوْضِعٍ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ فَدَلَّهُ مُحْرِمٌ آخَرُ عَلَى الطَّرِيقِ إلَيْهِ أَوْ رَأَى صَيْدًا دَخَلَ غَارًا فَلَمْ يَعْرِفْ بَابَ الْغَارِ فَدَلَّهُ مُحْرِمٌ آخَرُ عَلَى بَابِهِ فَذَهَبَ إلَيْهِ فَقَتَلَهُ فَعَلَى الدَّالِّ الْجَزَاءُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ حِينَ دَلَّهُ عَلَى الطَّرِيقِ وَالْبَابِ كَأَنَّهُ دَلَّهُ عَلَى الصَّيْدِ، وَكَذَلِكَ مُحْرِمٌ رَأَى صَيْدًا فِي مَوْضِعٍ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَرْمِيَهُ   [منحة الخالق] شَيْءٍ عَلَى الدَّالِّ مُطْلَقًا عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ خِلَافًا لِزُفَرَ. اهـ. ثُمَّ قَالَ فِي اللُّبَابِ، وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمَدْلُولِ مُحَرَّمًا فَلَوْ دَلَّ مُحْرِمٌ حَلَالًا فِي الْحِلِّ فَقَتَلَهُ فَعَلَى الدَّالِّ الْجَزَاءُ، وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمَدْلُولِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ آثِمًا مُطْلَقًا) سَيَأْتِي عَنْ النَّهْرِ أَنَّ الْأَصَحَّ عَدَمُ الْإِثْمِ فِيمَا إذَا عَلِمَ الْمُحْرِمُ بِهِ يَعْنِي الْمَدْلُولَ (قَوْلُهُ: أَنْ يَتَّصِلَ الْقَتْلُ بِدَلَالَتِهِ) أَيْ يَتَحَصَّلَ بِسَبَبِهَا شَرْحِ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ: وَأَنْ لَا يَنْفَلِتَ الصَّيْدُ) فَلَوْ انْفَلَتَ ثُمَّ أَخَذَهُ لَا شَيْءَ عَلَى الدَّالِّ إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ لُبَابٌ (قَوْلُهُ: فَتَفَرَّعَ عَلَى الشَّرْطِ الثَّالِثِ مَا فِي الْمُحِيطِ إلَخْ) ظَهَرَ مِنْ هَذَا التَّفْرِيعِ أَنَّهُ لَيْسَ مَعْنَى التَّصْدِيقِ أَنْ يَقُولَ لَهُ صَدَقْت بَلْ أَنْ لَا يُكَذِّبَهُ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يُكَذِّبْهُ، وَلَمْ يُصَدِّقْهُ) بِأَنْ أَخْبَرَهُ فَلَمْ يَرَهُ كَذَا فِي اللُّبَابِ قَالَ: شَارِحُهُ أَيْ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَحْتَمِلُ إخْبَارَهُ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مُشَاهَدًا ظَاهِرًا فَإِنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ أَنْ لَا يُصَدِّقَهُ، وَلَا أَنْ يُكَذِّبَهُ (قَوْلُهُ: فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْإِشَارَةَ وَالدَّلَالَةَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ قَدَّمْنَا فِي الْإِحْرَامِ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْإِشَارَةِ وَالدَّلَالَةِ إنَّمَا يَحْرُمُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْمُحْرِمُ لَا إنْ عَلِمَ، هُوَ الْأَصَحُّ، وَقِيلَ يَحْرُمُ مُطْلَقًا، وَعُلِمَ مِنْهُ ثُبُوتُ حُرْمَةِ الْإِشَارَةِ مَعَ عَدَمِ الْعِلْمِ اتِّفَاقًا فَيَلْزَمُهُ الْجَزَاءُ بِهَا بَلْ هِيَ أَقْوَى مِنْ الدَّلَالَةِ ثُمَّ رَأَيْته فِي الْبَدَائِعِ قَالَ: لَوْ دَلَّ عَلَيْهِ أَوْ أَشَارَ إلَيْهِ فَإِنْ كَانَ الْمَدْلُولُ يَرَى الصَّيْدَ أَوْ يَعْلَمُ بِهِ مِنْ غَيْرِ دَلَالَةٍ، وَإِشَارَةٍ فَلَا شَيْءَ عَلَى الدَّالِّ، وَإِنْ رَآهُ بِدَلَالَتِهِ فَقَتَلَهُ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا، وَفِي السِّرَاجِ لَوْ أَشَارَ الْمُحْرِمُ لِرَجُلٍ إلَى صَيْدٍ فَقَالَ: خُذْ ذَلِكَ الصَّيْدَ فَأَخَذَهُ وَصَيْدًا كَانَ مَعَهُ فِي الْوَكْرِ فَعَلَى الْآمِرِ الْجَزَاءُ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي فَقَوْلُهُ إنَّ الْإِشَارَةَ لَا شَيْءَ فِيهَا، وَأَنَّهُمْ لَمْ يَذْكُرُوهَا مَمْنُوعٌ، وَلَا تَلَازُمَ بَيْنَ الْإِشَارَةِ، وَعِلْمِ الْمُشَارِ إلَيْهِ قَبْلَهَا كَمَا هُوَ وَاضِحٌ. وَالشُّرُوطُ الْمُتَقَدِّمَةُ فِي الدَّلَالَةِ يَنْبَغِي أَنَّهَا ثَابِتَةٌ فِيهَا بِالْأَوْلَى إذْ لَا مَعْنَى لِتَكْذِيبِهِ مَعَ رُؤْيَتِهِ لَهُ، وَهَذَا وَإِنْ لَمْ أَرَهُ فِي كَلَامِهِمْ صَرِيحًا إلَّا أَنَّ النَّظَرَ الصَّحِيحُ يَقْتَضِيهِ. اهـ. قُلْتُ: يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ مِنْ قَوْلِهِ، وَأَرَادَ بِالدَّلَالَةِ الْإِعَانَةَ عَلَى قَتْلِهِ سَوَاءٌ كَانَ دَلَالَةً حَقِيقَةً بِالْإِعْلَامِ بِمَكَانِهِ، وَهُوَ غَائِبٌ أَوْ لَا فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالدَّلَالَةِ مَا يَعُمُّ الْإِشَارَةَ فَإِنَّ أَصْلَ الدَّلَالَةِ فِي الْغَائِبِ وَالْإِشَارَةَ فِي الْحَاضِرِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِ الْإِحْرَامِ عَلَى أَنَّهُ ذَكَرَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ هُنَاكَ عَنْ الْبُرْجَنْدِيِّ مَا نَصُّهُ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ ذِكْرَ الدَّلَالَةِ يُغْنِي عَنْ الْإِشَارَةِ، وَقَدْ تُخَصُّ الْإِشَارَةُ بِالْحَضْرَةِ وَالدَّلَالَةُ بِالْغَيْبَةِ. اهـ. وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الدَّلَالَةَ بِالْحَضْرَةِ حَقِيقَةً أَيْضًا، وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ النَّهْرِ أَوَّلًا مِنْ الِاسْتِدْلَالِ بِالْحُرْمَةِ عَلَى لُزُومِ الْجَزَاءِ فَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ فَقَدَ أَحَدَ الشُّرُوطِ السَّابِقَةِ يَبْقَى الْإِثْمُ مَعَ عَدَمِ الْجَزَاءِ، وَكَذَا الرَّفَثُ مَحْظُورٌ مَعَ عَدَمِ الْجَزَاءِ فِيهِ ثُمَّ قَالَ فِي النَّهْرِ، وَقَوْلُهُ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إلَخْ مَمْنُوعٌ بَلْ الْأَمْرُ مِنْ قَبِيلِ الدَّلَالَةِ فَقَدْ عَلَّلَ فِي السِّرَاجِ مَا فِي الْفَتْحِ مِنْ كَوْنِ الْجَزَاءِ فِي الْأَمْرِ عَلَى الثَّانِي فَقَطْ بِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِالْقَتْلِ، وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالدَّلَالَةِ فَلَمْ يَكُنْ مُمْتَثِلًا مَا أُمِرَ بِهِ. اهـ. فَجُعِلَ الْأَمْرُ الثَّانِي دَلَالَةً، وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَوَّلِ، غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَمْتَثِلْ أَمْرَهُ فَكَأَنَّهُ كَذَّبَهُ، وَإِنَّمَا تَعَدَّدَ الْجَزَاءُ فِي الثَّانِيَةِ بِاعْتِبَارِ الدَّلَالَةِ لَا الْأَمْرُ لِعَدَمِ امْتِثَالِهِ إيَّاهُ فَلَمْ يَبْقَ ثَمَّةَ إلَّا دَلَالَةٌ تَعَدَّدَتْ وَالْأَمْرُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 30 بِشَيْءٍ فَدَلَّهُ مُحْرِمٌ عَلَى قَوْسٍ وَنُشَّابٍ أَوْ دَفَعَ ذَلِكَ إلَيْهِ فَرَمَاهُ فَقَتَلَهُ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ جَزَاءٌ كَامِلٌ. اهـ. مَعَ أَنَّهُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ مُشَاهِدٌ لِلصَّيْدِ فَعُلِمَ أَنَّ الدَّلَالَةَ إذَا فُقِدَ شَرْطٌ مِنْهَا لَا يُمْتَنَعُ وُجُوبُ الْجَزَاءِ بِسَبَبِ الْإِعَانَةِ، وَاخْتَلَفُوا فِي إعَارَةِ السِّكِّينِ أَوْ الْقَوْسِ أَوْ النُّشَّابِ هَلْ هِيَ إعَارَةٌ مُوجِبَةٌ لِلْجَزَاءِ عَلَى الْمُعِيرِ فَصَرِيحُ عِبَارَةِ الْأَصْلِ أَنَّهُ لَا جَزَاءَ عَلَى صَاحِبِ السِّكِّينِ، وَإِنْ كَانَ مَكْرُوهًا فَحَمَلَهُ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ عَلَى مَا إذَا كَانَ مَعَ الْقَاتِلِ سِلَاحٌ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مَا يَقْتُلُ بِهِ فَالْجَزَاءُ وَاجِبٌ؛ لِأَنَّ التَّمَكُّنَ بِإِعَارَتِهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحِيطِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي السِّيَرِ وَصَحَّحَ السَّرَخْسِيُّ فِي مَبْسُوطِهِ أَنَّهُ لَا جَزَاءَ عَلَى الْمُعِيرِ عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّ الْإِعَارَةَ لَيْسَتْ إتْلَافًا حَقِيقَةً، وَلَا حُكْمًا بِخِلَافِ الدَّلَالَةِ فَإِنَّهَا إتْلَافٌ مَعْنًى، وَالظَّاهِرُ مَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ مِنْ التَّفْصِيلِ لِمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ «هَلْ أَعَنْتُمْ» ، وَلَا شَكَّ أَنَّ إعَارَةَ السِّكِّينِ إعَانَةٌ عَلَيْهِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْجَزَاءَ كَفَّارَةٌ وَبَدَلٌ عِنْدَنَا أَمَّا كَوْنُهُ كَفَّارَةً فَلِوُجُودِ سَبَبِهَا، وَهُوَ الْجِنَايَةُ عَلَى الْإِحْرَامِ بِارْتِكَابِ مَحْظُورِ إحْرَامِهِ وَلِهَذَا قَالَ: {أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ} [المائدة: 95] ، وَأَمَّا كَوْنُهُ بَدَلًا فَلِوُجُودِ سَبَبِهِ، وَهُوَ إتْلَافُ صَيْدٍ مُتَقَوِّمٍ وَلِهَذَا اُعْتُبِرَتْ الْمُمَاثَلَةُ بَيْنَ الْمَقْتُولِ وَالْجَزَاءِ وَلِهَذَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ آخِرَ الْبَابِ أَنَّهُ لَوْ اجْتَمَعَ مُحْرِمَانِ فِي قَتْلِ صَيْدٍ تَعَدَّدَ الْجَزَاءُ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ كَفَّارَةٌ فِي حَقِّ الْجَانِي وَجَبَ جَزَاءً عَلَى فِعْلِهِ، وَفِعْلُ كُلِّ وَاحِدٍ جِنَايَةٌ عَلَى حِدَةٍ بِخِلَافِ الْحَلَالَيْنِ كَمَا سَيَأْتِي. ثُمَّ اعْلَمْ أَيْضًا أَنَّ الْجَزَاءَ يَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْمَقْتُولِ إلَّا إذَا قَصَدَ بِهِ التَّحَلُّلَ وَرَفَضَ إحْرَامَهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْأَصْلِ فَقَالَ: اصْطَادَ الْمُحْرِمُ صَيْدًا كَثِيرًا عَلَى قَصْدِ الْإِحْلَالِ وَالرَّفْضِ لِإِحْرَامِهِ فَعَلَيْهِ لِذَلِكَ كُلِّهِ دَمٌ؛ لِأَنَّهُ قَاصِدٌ إلَى تَعْجِيلِ الْإِحْلَالِ لَا إلَى الْجِنَايَةِ عَلَى الْإِحْرَامِ، وَتَعْجِيلُ الْإِحْلَالِ يُوجِبُ دَمًا وَاحِدًا كَمَا فِي الْمُحْصَرِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ، وَقَدْ يُقَالُ لَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ لِمَا أَنَّ تَعْجِيلَ الْإِحْلَالِ فِي الْمُحْصَرِ مَشْرُوعٌ بِخِلَافِهِ هُنَا وَلِهَذَا كَانَ قَصْدُهُ بَاطِلًا، وَلَا يَرْتَفِضُ بِهِ الْإِحْرَامُ فَوُجُودُهُ، وَعَدَمُهُ سَوَاءٌ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ قِيمَةُ الصَّيْدِ بِتَقْوِيمِ عَدْلَيْنِ فِي مَقْتَلِهِ أَوْ أَقْرَبِ مَوْضِعٍ مِنْهُ فَيَشْتَرِي بِهَا هَدْيًا وَذَبَحَهُ إنْ بَلَغَتْ هَدْيًا أَوْ طَعَامًا وَتَصَدَّقَ بِهِ كَالْفِطْرَةِ أَوْ صَامَ عَنْ طَعَامِ كُلِّ مِسْكِينٍ يَوْمًا) أَيْ الْجَزَاءُ مَا ذَكَرَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ} [المائدة: 95] أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ، وَلَمْ يُقَيِّدْ بِالْعَمْدِ كَمَا فِي الْآيَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ النَّاسِي وَالْعَامِدِ كَإِتْلَافِ الْأَمْوَالِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْجَزَاءَ لَيْسَ كَفَّارَةً مَحْضَةً كَمَا قَدَّمْنَا وَالتَّقْيِيدُ بِهِ، وَفِي الْآيَةِ لِأَجْلِ الْوَعِيدِ الْمَذْكُورِ فِي آخِرِهَا لَا لِوُجُوبِ الْجَزَاءِ؛ وَلِأَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي حَقِّ مَنْ تَعَدَّى كَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي الْبَيْضَاوِيُّ. وَأَشَارَ بِذِكْرِ الْقِيمَةِ فَقَطْ إلَى أَنَّهَا الْمُرَادُ بِالْمِثْلِ فِي الْآيَةِ، وَهُوَ الْمِثْلُ مَعْنًى لَا الْمِثْلُ صُورَةً وَمَعْنًى، وَإِنَّمَا لَمْ يَعْمَلْ بِالْكَامِلِ كَمَا قَالَ مُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ فَإِنَّهُمَا أَوْجَبَا النَّظِيرَ فِيمَا لَهُ نَظِيرٌ؛ لِأَنَّ الْمَعْهُودَ فِي الشَّرْعِ فِي الْقِيَمِيَّاتِ الْمِثْلُ مَعْنًى فَإِنَّهُ لَوْ أَتْلَفَ بَقَرَةً لِإِنْسَانٍ مَثَلًا لَا يَلْزَمُهُ بَقَرَةٌ مِثْلُهَا اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّ الْمِثْلَ مَعْنًى مُرَادٌ بِالْإِجْمَاعِ فِيمَا لَا نَظِيرَ لَهُ، وَهُوَ مَجَازٌ فَلَا يُرَادُ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ، وَهُوَ الْمِثْلُ صُورَةً، وَمَعْنًى لِعَدَمِ جَوَازِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ، وَكَذَلِكَ فِي قَوْله تَعَالَى {فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] أُرِيدَ   [منحة الخالق] بَعْدَهَا لَيْسَ تَكْذِيبًا لَهَا فَمَا فِي الْفَتْحِ لَا دَلَالَةَ فِيهِ (قَوْلُهُ: إذَا فُقِدَ شَرْطٌ مِنْهَا إلَخْ) أَيْ لَوْ فُقِدَ شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِ الدَّلَالَةِ السَّابِقَةِ وَوُجِدَتْ الْإِعَانَةُ لَا يَمْتَنِعُ الْجَزَاءُ بِسَبَبِ الْإِعَانَةِ كَمَا هُنَا فَوُجُوبُ الْجَزَاءِ لِلْإِعَانَةِ لَا لِلدَّلَالَةِ وَجَعَلَ فِي النَّهْرِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ مِمَّا أُلْحِقَ بِالدَّلَالَةِ قَالَ: لَا حَاجَةَ لِمَا فِي الْبَحْرِ؛ لِأَنَّ تَعْلِيلَهُ فِي الْمُحِيطِ يَأْبَاهُ. اهـ. أَقُولُ: تَفْسِيرُهُ الدَّلَالَةَ فِيمَا مَرَّ بِالْإِعَانَةِ يُغْنِي عَمَّا ذَكَرَهُ هُنَا كَمَا أَشَرْنَا إلَيْهِ (قَوْلُهُ: فَحَمَلَهُ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ إلَخْ) قَالَ: فِي الْبَدَائِعِ وَنَظِيرُ هَذَا مَا قَالُوا لَوْ أَنَّ مُحْرِمًا رَأَى صَيْدًا، وَلَهُ قَوْسٌ أَوْ سِلَاحٌ يُقْتَلُ بِهِ، وَلَمْ يَعْرِفْ ذَلِكَ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ فَدَلَّهُ مُحْرِمٌ عَلَى سِكِّينِهِ أَوْ عَلَى قَوْسِهِ فَأَخَذَ فَقَتَلَهُ بِهِ إنْ كَانَ يَجِدُ غَيْرَ مَا دَلَّهُ عَلَيْهِ مِمَّا يَقْتُلُ بِهِ لَا يَضْمَنُ الدَّالُّ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ ضَمِنَ. اهـ. وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ: وَقَدْ يُقَالُ لَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ إلَخْ) قَدَّمَ فِي تَعْلِيلِ عَدَمِ لُزُومِ الدَّمِ فِيمَا إذَا نَوَى بِالْجِمَاعِ الثَّانِي رَفْضَ الْحَجِّ الْفَاسِدِ أَنَّهُ اسْتَنَدَ إلَى قَصْدٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ تَعْجِيلُ الْإِحْلَالِ، وَإِنْ أَخْطَأَ فِي تَأْوِيلِهِ، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي الْفَتْحِ، وَقَدَّمْنَا عَنْ الْكَافِي أَنَّ التَّأْوِيلَ الْفَاسِدَ مُعْتَبَرٌ فِي رَفْعِ الضَّمَانِ كَالْبَاغِي إذَا أَتْلَفَ مَالَ الْعَادِلِ قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة بَعْدَ التَّعْلِيلِ السَّابِقِ، وَعَلَى هَذَا سَائِرُ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ. اهـ. فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ الْقِيَاسَ عَلَى الْمُحْصَرِ بَلْ مُجَرَّدُ التَّشْبِيهِ تَأَمَّلْ. وَقَوْلُ الْمُؤَلِّفِ فَوُجُودُهُ، وَعَدَمُهُ سَوَاءٌ مَمْنُوعٌ لِمَا عَلِمْت، وَقَدَّمْنَا عَنْ اللُّبَابِ تَعْمِيمَ الْمَسْأَلَةِ فِي سَائِرِ الْمَحْظُورَاتِ، وَأَنَّ نِيَّةَ الرَّفْضِ إنَّمَا تُعْتَبَرُ مِمَّنْ زَعَمَ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْهُ بِهَذَا الْقَصْدِ لِجَهْلِهِ. (قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ فِي قَوْله تَعَالَى {فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ} [البقرة: 194] إلَخْ) اعْتَرَضَهُ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ بِأَنَّ الْآيَةَ دَلَّتْ عَلَى إيجَابِ الضَّمَانِ بِالْمِثْلِ صُورَةً، وَمَعْنًى فِي غَصْبِ الْمِثْلِيَّاتِ كَمَا سَيَجِيءُ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ، وَعَلَى إيجَابِ الضَّمَانِ بِالْمِثْلِ مَعْنًى فِي غَصْبِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 31 الْمِثْلُ مَعْنًى، وَهُوَ الْقِيمَةُ، وَأَمَّا رَدُّ الْعَيْنِ فَثَابِتٌ بِالسُّنَّةِ أَوْ لِمَا فِي حَمْلِنَا عَلَى الْمِثْلِ مَعْنًى مِنْ التَّعْمِيمِ لِشُمُولِهِ مَا لَهُ نَظِيرٌ لَهُ، وَمَا لَا نَظِيرَ لَهُ، وَإِذَا حُمِلَ عَلَى الْمِثْلِ الْكَامِلِ كَانَتْ الْآيَةُ قَاصِرَةً عَلَى مَا لَهُ نَظِيرٌ، وَعَلَى هَذَا فَكَلِمَةُ مِنْ النَّعَمِ بَيَانٌ لِمَا، وَهُوَ الْمَقْتُولُ لَا لِلْمِثْلِ وَالنَّعَمُ كَمَا يُطْلَقُ عَلَى الْأَهْلِيِّ يُطْلَقُ عَلَى الْوَحْشِيِّ كَمَا قَالَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ وَالْأَصْمَعِيُّ، وَأَرَادَ بِقِيمَةِ الصَّيْدِ قِيمَةَ لَحْمِهِ قَالَ: الْكَرْمَانِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ يُقَوَّمُ الصَّيْدُ لَحْمًا عِنْدَنَا، وَقَالَ: زُفَرُ يَجِبُ قِيمَتُهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ. وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ لَوْ قَتَلَ بَازِيًا مُعَلَّمًا فَعِنْدَنَا تَجِبُ قِيمَتُهُ لَحْمًا، وَعِنْدَهُ تَجِبُ قِيمَتُهُ مُعَلَّمًا، وَفِي الِاخْتِيَارِ، وَإِذَا كَانَ الْمُرَادُ مِنْ الْجَزَاءِ الْقِيمَةَ يُقَوَّمُ الْعَدْلَانِ اللَّحْمَ لَا الْحَيَوَانَ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يُقَوَّمُ مِنْ حَيْثُ الذَّاتُ لَا مِنْ حَيْثُ الصِّفَةُ؛ لِأَنَّهَا أَمْرٌ عَارِضٌ، وَلَوْ كَانَتْ الصِّفَةُ بِأَمْرٍ خُلُقِيٍّ كَمَا إذَا كَانَ طَيْرًا يُصَوِّتُ فَازْدَادَتْ قِيمَتُهُ لِذَلِكَ فَفِي اعْتِبَارِ ذَلِكَ فِي الْجَزَاءِ رِوَايَتَانِ وَرَجَّحَ فِي الْبَدَائِعِ اعْتِبَارَهَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَتْلَفَ شَيْئًا مَمْلُوكًا فَإِنَّ الْقِيمَةَ تُعْتَبَرُ مِنْ حَيْثُ الذَّاتُ وَالصِّفَاتُ إلَّا إذَا كَانَ الْوَصْفُ لِمُحْرِمٍ مِنْ اللَّهْوِ كَقِيمَةِ الدِّيكِ لِنِقَارِهِ وَالْكَبْشِ لِنِطَاحِهِ فَإِنَّهَا لَا تُعْتَبَرُ كَالْجَارِيَةِ الْمُغَنِّيَةِ، وَلَيْسَ مُرَادُهُمْ أَنَّهُ يُقَوَّمُ لَحْمُهُ بَعْدَ قَتْلِهِ، وَإِنَّمَا يُقَوَّمُ، وَهُوَ حَيٌّ بِاعْتِبَارِ ذَاتِهِ بِدَلِيلِ أَنَّ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يُقَوَّمَ لَحْمُهُ بَعْدَ قَتْلِهِ إذْ لَيْسَ لَهُ قِيمَةٌ، وَإِنَّمَا يُقَوَّمُ بِاعْتِبَارِ جِلْدِهِ، وَكَوْنِهِ صَيْدًا حَيًّا يُنْتَفَعُ بِهِ، وَلَيْسَ مُرَادُهُمْ إهْدَارَ صِفَةِ الصَّيْدِ بِالْكُلِّيَّةِ لِمَا أَنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَتَلَ صَيْدًا حَسَنًا مَلِيحًا لَهُ زِيَادَةُ قِيمَةِ تَجِبُ قِيمَتُهُ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ كَمَا لَوْ قَتَلَ حَمَامَةً مُطَوَّقَةً أَوْ فَاخِتَةً مُطَوَّقَةً كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ. وَإِنَّمَا الْمُرَادُ إهْدَارُ مَا كَانَ بِصُنْعِ الْعِبَادِ، وَأَرَادَ بِالْعَدْلِ مَنْ لَهُ مَعْرِفَةٌ وَبَصَارَةٌ بِقِيمَةِ الصَّيْدِ لَا الْعَدْلُ فِي بَابِ الشَّهَادَةِ، وَقَيَّدَ بِالْعَدْلَيْنِ؛ لِأَنَّ الْعَدْلَ الْوَاحِدَ لَا يَكْفِي لِظَاهِرِ النَّصِّ وَصَحَّحَهُ فِي شَرْحِ الدُّرَرِ، وَفِي الْهِدَايَةِ قَالُوا: وَالْوَاحِدُ يَكْفِي وَالْمُثَنَّى أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ، وَأَبْعَدُ مِنْ الْغَلَطِ كَمَا فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ، وَقِيلَ يُعْتَبَرُ الْمَثْنَى هَاهُنَا بِالنَّصِّ. اهـ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَاَلَّذِينَ لَمْ يُوجِبُوهُ حَمَلُوا الْعَدَدَ فِي الْآيَةِ عَلَى الْأَوْلَوِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ زِيَادَةُ الْأَحْكَامِ وَالْإِتْقَانُ، وَالظَّاهِرُ الْوُجُوبُ، وَقَصْدُ الْأَحْكَامِ، وَالْإِتْقَانُ لَا يُنَافِيهِ بَلْ قَدْ يَكُونُ دَاعِيَتَهُ. اهـ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَكْتَفِيَ بِالْقَاتِلِ إذَا كَانَ لَهُ مَعْرِفَةٌ بِالْقِيمَةِ، وَأَنْ يَحْمِلَ ذِكْرَ الْحَكَمَيْنِ عَلَى الْأَوْلَوِيَّةِ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَكْتَفِي بِالْوَاحِدِ لَكِنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى نَقْلٍ، وَلَمْ أَرَهُ، وَكَلِمَةُ أَوْ فِي قَوْلِهِ أَوْ أَقْرَبُ الْمَوَاضِعِ لِلتَّوْزِيعِ لَا لِلتَّخْيِيرِ يَعْنِي أَنَّ الْحَكَمَيْنِ يُقَوِّمَانِهِ فِي مَكَانِ قَتْلِهِ إنْ كَانَ يُبَاعُ فِيهِ، وَفِي أَقْرَبِ الْمَوَاضِعِ إلَى مَكَانِ قَتْلِهِ كَالْبَرِّيَّةِ، وَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ الْمَكَانِ، وَمِنْ اعْتِبَارِ زَمَانِ قَتْلِهِ لِاخْتِلَافِ الْقِيَمِ بِاخْتِلَافِ الْأَمْكِنَةِ وَالْأَزْمِنَةِ، وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ فَيَشْتَرِي رَاجِعٌ إلَى الْقَاتِلِ فَأَفَادَ أَنَّهُ بَعْدَ تَقْوِيمِ الْحَكَمَيْنِ الْخِيَارُ لِلْقَاتِلِ بَيْنَ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ، وَلَا خِيَارَ لِلْحَكَمَيْنِ؛ لِأَنَّ التَّخْيِيرَ شُرِعَ رِفْقًا بِمَنْ عَلَيْهِ فَيَكُونُ الْخِيَارُ إلَيْهِ كَمَا فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ، وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى اخْتِيَارِهِمَا؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَوْ كَفَّارَةٌ أَوْ عَدْلٌ بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى جَزَاءٍ، وَلَيْسَ مَنْصُوبًا عَطْفًا عَلَى هَدْيًا فَاقْتَضَى أَنْ لَا خِيَارَ لَهُمَا فِي الْإِطْعَامِ وَالصِّيَامِ فَلَزِمَ أَنْ لَا خِيَارَ لَهُمَا فِي الْهَدْيِ لِعَدَمِ الْقَائِلِ بِالْفَصْلِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ أَوْ؛ لِأَنَّ {هَدْيًا} [المائدة: 95] حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ بِهِ، وَهِيَ حَالٌ مُقَدَّرَةٌ   [منحة الخالق] الْقِيَمِيَّاتِ إذَا هَلَكَ الْعَيْنُ الْمَغْصُوبُ كَمَا اعْتَرَفَ بِهِ هُنَا فَانْتَظَمَ لَفْظُ الْمِثْلِ كِلَيْهِمَا فَوَرَدَ الِاعْتِرَاضُ، وَرَدُّ الْعَيْنِ أَمْرٌ آخَرُ لَيْسَ مِنْ إيجَابِ ضَمَانِ الْمِثْلِ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: أَوْ لِمَا فِي حَمْلِنَا) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ لِعَدَمِ (قَوْلُهُ: وَرَجَّحَ فِي الْبَدَائِعِ اعْتِبَارَهَا) لِمَا سَيَذْكُرُهُ مِنْ الِاتِّفَاقِ عَلَى اعْتِبَارِ الْحُسْنِ وَالْمَلَاحَةِ فَإِنَّهَا أَمْرٌ خُلُقِيٌّ، وَهَذَا يُشْكِلُ عَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ (قَوْلُهُ: بِدَلِيلِ أَنَّ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يُقَوَّمَ لَحْمُهُ إلَخْ) ؛ وَلِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنَّ الْجِلْدَ لَا يُقَوَّمُ، وَعَنْ هَذَا اخْتَارَ فِي النَّهْرِ مَا فِي الْعِنَايَةِ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقِيمَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ صَيْدٌ لَا مِنْ حَيْثُ مَا زَادَ بِالصَّنْعَةِ فِيهِ (قَوْلُهُ: وَصَحَّحَهُ فِي شَرْحِ الدُّرَرِ) تَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ فِي النَّهْرِ، وَفِيهِ إنَّ عِبَارَتَهُ كَعِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ هُنَا فَإِنَّهُ قَالَ: وَهُوَ مَا قَوَّمَهُ عَدْلَانِ، وَأَنْتَ تَرَى أَنْ لَا تَصْحِيحَ فِيهَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة، وَقَدْ يُقَالُ جَعْلُهُ إيَّاهُ مَتْنًا وَاقْتِصَارُهُ عَلَيْهِ يُفِيدُ تَصْحِيحَهُ إذْ لَوْ اعْتَقَدَ ضَعْفَهُ لَذَكَرَ مُقَابِلَهُ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكْتَفِيَ إلَخْ) قَالَ أَقُولُ: فِي اللُّبَابِ وَيُشْتَرَطُ لِلتَّقْوِيمِ عَدْلَانِ غَيْرُ الْجَانِي قَالَ: شَارِحُهُ عَلَى مَا نَسَبَهُ ابْنُ جَمَاعَةَ إلَى الْحَنَفِيَّةِ، وَلَعَلَّهُ لِعِلَّةِ التُّهْمَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَأَنْ يَحْمِلَ ذِكْرُ الْحَكَمَيْنِ عَلَى الْأَوْلَوِيَّةِ) الْأَوْلَى حَذْفُهُ كَمَا لَا يَخْفَى، وَقَوْلُهُ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَكْتَفِي مُتَعَلِّقًا بِقَوْلِهِ يَكْتَفِي وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ، وَلَمْ أَرَهُ لِلِاكْتِفَاءِ بِالْقَاتِلِ أَمَّا حَمْلُ ذِكْرِ الْحَكَمَيْنِ عَلَى الْأَوْلَوِيَّةِ فَهُوَ مَنْقُولٌ ذَكَرَهُ قَرِيبًا (قَوْلُهُ: وَلَا خِيَارَ لِلْحَكَمَيْنِ) نَفْيٌ لِقَوْلِ مُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ أَنَّ الْخِيَارَ إلَى الْحَكَمَيْنِ فِي ذَلِكَ فَإِنْ حَكَمَا بِالْهَدْيِ يَجِبُ النَّظِيرُ، وَإِنْ حَكَمَا بِالطَّعَامِ أَوْ بِالصِّيَامِ فَعَلَى مَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ مِنْ اعْتِبَارِ الْقِيمَةِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى كَذَا فِي الْعِنَايَةِ (قَوْلُهُ: أَوْ؛ لِأَنَّ {هَدْيًا} [المائدة: 95] حَالٌ إلَخْ) اقْتَصَرَ مِنْ إعْرَابِ الْآيَةِ عَلَى مَوْضِعِ الِاسْتِدْلَالِ، وَأَعْرَبَهَا فِي الْفَتْحِ بِتَمَامِهَا فَنَذْكُرُ حَاصِلَهُ أَيْضًا حَالًا هُنَا وَذَلِكَ أَنَّهُ قُرِئَ بِتَنْوِينِ جَزَاءً وَرَفْعِ مِثْلُ وَبِدُونِهِ عَلَى الْإِضَافَةِ الْبَيَانِيَّةِ، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ أَيْ فَجَزَاءٌ هُوَ مِثْلُ مَا قَتَلَ، وَمَضْمُونُ الْآيَةِ شَرْطٌ وَجَزَاءٌ حُذِفَ مِنْهُ الْمُبْتَدَأُ بَعْدَ فَاءِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 32 أَيْ صَائِرًا هَدْيًا بِهِ وَذَلِكَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بِوَاسِطَةِ الشِّرَاءِ بِهَا أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ، وَكَوْنُ الْحَالِ مُقَدَّرَةً كَثِيرٌ، وَهُوَ وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْ عَلَى تَقْدِيرِ الْمُخَالِفِ فِيهَا يَلْزَمُ عَلَى تَقْدِيرِهِ فِي وَصْفِهَا، وَهُوَ بَالِغُ الْكَعْبَةِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ حُكْمُهُمَا بِالْهَدْيِ مَوْصُوفًا بِبُلُوغِهِ إلَى الْكَعْبَةِ حَالَ حُكْمِهِمَا بِهِ عَلَى التَّحْقِيقِ بَلْ الْمُرَادُ يَحْكُمَانِ بِهِ مِقْدَارَ بُلُوغِهِ فَلُزُومُ التَّقْدِيرِ ثَابِتٌ غَيْرَ أَنَّهُ يَخْتَلِفُ مَحَلُّهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ. ثُمَّ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ لَا دَلَالَةَ لِلْآيَةِ عَلَى أَنَّ الِاخْتِيَارَ لِلْحَكَمَيْنِ بَلْ الظَّاهِرُ مِنْهَا أَنَّهُ إلَى مَنْ عَلَيْهِ فَإِنَّ مَرْجِعَ ضَمِيرِ الْمَحْذُوفِ مِنْ الْخَبَرِ أَوْ مُتَعَلِّقَ الْمُبْتَدَأِ إلَيْهِ أَعْنِي مَا قَرَّرْنَاهُ مِنْ قَوْلِنَا فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ أَوْ فَعَلَيْهِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ {هَدْيًا} [المائدة: 95] إلَى أَنَّهُ لَوْ اخْتَارَ الْهَدْيَ لَا يَذْبَحُهُ إلَّا بِالْحَرَمِ لِصَرِيحِ قَوْلِهِ {بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95] مَعَ أَنَّ الْهَدْيَ مَا يُهْدَى مِنْ النَّعَمِ إلَى الْحَرَمِ، وَقَوْلُ الْفُقَهَاءِ لَوْ قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَثَوْبِي هَذَا هَدْيٌ أَوْ إنْ لَبِسْت مِنْ غَزْلِك فَهُوَ هَدْيٌ مَجَازٌ عَنْ الصَّدَقَةِ بِقَرِينَةِ التَّقْيِيدِ بِالثَّوْبِ وَالْغَزْلِ. وَالْكَلَامُ فِي مُطْلَقِ الْهَدْيِ فَلَوْ ذَبَحَهُ فِي الْحِلِّ لَا يُجْزِئُهُ عَنْ الْهَدْيِ بَلْ عَنْ الْإِطْعَامِ فَيُشْتَرَطُ أَنْ يُعْطِيَ كُلَّ فَقِيرٍ قَدْرَ قِيمَةِ نِصْفِ صَاعِ حِنْطَةٍ أَوْ صَاعٍ مِنْ غَيْرِهَا إنْ كَانَتْ قِيمَةُ اللَّحْمِ مِثْلَ قِيمَةِ الْمَقْتُولِ، وَإِلَّا فَيُكْمِلُ، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ إنْ بَلَغَتْ هَدْيًا إلَى أَنَّهُ إذَا، وَقَعَ الِاخْتِيَارُ عَلَى الْهَدْيِ يُهْدِي مَا يُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ حَتَّى لَوْ لَمْ تَبْلُغْ قِيمَةُ الْمَقْتُولِ إلَّا عَنَاقًا أَوْ حَمْلًا يَقُومُ بِالْإِطْعَامِ أَوْ الصَّوْمِ لَا بِالْهَدْيِ، وَلَا يُتَصَوَّرُ التَّفْكِيرُ بِالْهَدْيِ إلَّا أَنْ تَبْلُغَ قِيمَتُهُ جَذَعًا عَظِيمًا مِنْ الضَّأْنِ أَوْ ثَيِّبًا مِنْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْهَدْيِ فِي الشَّرْعِ يَنْصَرِفُ إلَى مَا يَبْلُغُ ذَلِكَ السِّنَّ؛ لِأَنَّهُ الْمَعْهُودُ فِي إطْلَاقِ هَدْيِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ وَالْأُضْحِيَّةِ، وَإِنَّمَا يُرَادُ بِهِ غَيْرُ مَا ذَكَرْنَا مَجَازًا بِقَرِينَةِ التَّقْيِيدِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ ذَبَحَهُ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ التَّقَرُّبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالْإِرَاقَةِ فَلِهَذَا لَوْ سَرَقَ بَعْدَ الذَّبْحِ أَجْزَأَهُ، وَلَوْ تَصَدَّقَ بِالْهَدْيِ حَيًّا لَا يُجْزِئُهُ، وَأَمَّا التَّصَدُّقُ بِلَحْمِ الْقُرْبَانِ فَوَاجِبٌ عِنْدَ الْإِمْكَانِ فَلَوْ أَتْلَفَهُ بَعْدَ الذَّبْحِ ضَمِنَهُ فَيَتَصَدَّقُ بِقِيمَتِهِ، وَلَا يَنْعَدِمُ الْإِجْزَاءُ بِهِ، وَكَذَا لَوْ أَكَلَ بَعْضَهُ فَإِنَّهُ يَغْرَمُ قِيمَةَ مَا أَكَلَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِجَمِيعِ اللَّحْمِ عَلَى مِسْكِينٍ وَاحِدٍ، وَكَذَا مَا يَغْرَمُهُ مِنْ قِيمَةِ أَكْلِهِ. وَأَطْلَقَ فِي الطَّعَامِ وَالصَّوْمِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمَا يَجُوزُ إنْ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ وَمُتَفَرِّقًا وَمُتَتَابِعًا لِإِطْلَاقِ النَّصِّ فِيهِمَا، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ كَالْفِطْرَةِ إلَى أَنَّهُ يُطْعِمُ كُلَّ مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُطْعِمَ وَاحِدًا أَقَلَّ مِنْهُ، وَلَهُ أَنْ يُطْعِمَ أَكْثَرَ تَبَرُّعًا حَتَّى لَا يَحْتَسِبَ الزِّيَادَةَ مِنْ الْقِيمَةِ كَيْ لَا يُنْتَقَصَ عَدَدُ الْمَسَاكِينِ هَكَذَا ذَكَرُوهُ هَاهُنَا، وَقَدْ حَقَّقْنَا فِي بَابِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُفَرِّقَ نِصْفَ الصَّاعِ عَلَى مَسَاكِينَ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَإِنَّ الْقَائِلَ بِالْمَنْعِ الْكَرْخِيُّ   [منحة الخالق] الْجَزَاءِ أَوْ الْخَبَرُ أَيْ فَالْوَاجِبُ جَزَاءٌ أَوْ فَعَلَيْهِ جَزَاءٌ، وَمِنْ النَّعَمِ بَيَانٌ لِمَا أَوْ لِلْعَائِدِ إلَيْهَا أَيْ مَا قَتَلَهُ مِنْ النَّعَمِ، وَهُوَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ وَجُمْلَةُ يَحْكُمُ بِهِ صِفَةُ فَجَزَاءٌ الَّذِي هُوَ الْقِيمَةُ أَوْ صِفَةُ مِثْلُ الَّذِي هُوَ هِيَ؛ لِأَنَّ مِثْلًا لَا تَتَعَرَّفُ بِالْإِضَافَةِ فَجَازَ وَصْفُهَا وَوَصْفُ مَا أُضِيفَ إلَيْهَا بِالْجُمْلَةِ وَ {هَدْيًا} [المائدة: 95] حَالٌ مُقَدَّرَةٌ مِنْ ضَمِيرِ بِهِ الرَّاجِعِ إلَى مَوْصُوفِ الْجُمْلَةِ وَ {بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95] صِفَةُ {هَدْيًا} [المائدة: 95] النَّكِرَةُ؛ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ لَفْظِيَّةٌ أَوْ كَفَّارَةٌ أَوْ عَدْلٌ مَعْطُوفَانِ عَلَى جَزَاءٍ وَالْمَعْنَى عَلَى هَذَا فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ جَزَاءٌ هُوَ قِيمَةُ مَا قَتَلَهُ مِنْ النَّعَمِ الْوَحْشِيِّ يَحْكُمُ بِذَلِكَ الْجَزَاءِ الَّذِي هُوَ الْقِيمَةُ عَدْلَانِ حَالَ كَوْنِهِ صَائِرًا هَدْيًا بِوَاسِطَةِ الْقِيمَةِ أَوْ كَفَّارَةً إلَخْ أَيْ الْوَاجِبُ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ الْقِيمَةِ الصَّائِرَةِ هَدْيًا، وَمِنْ الْإِطْعَامِ وَالصِّيَامِ الْمَبْنِيَّيْنِ عَلَى تَعَرُّفِ الْقِيمَةِ. اهـ. مُلَخَّصًا. وَلَا يَخْفَى أَنَّ مُقْتَضَى كَلَامِهِ أَخِيرًا أَنْ يَكُونَ أَوْ عَدْلُ مَعْطُوفًا عَلَى طَعَامٍ الَّذِي هُوَ بَدَلٌ مِنْ كَفَّارَةٍ أَوْ عَطْفُ بَيَانٍ أَوْ خَبَرٌ لِمَحْذُوفٍ لَا عَلَى جَزَاءٍ (قَوْلُهُ: أَيْ صَائِرًا هَدْيًا بِهِ) الظَّاهِرُ أَنَّ ضَمِيرَ بِهِ يَعُودُ عَلَى الْحُكْمِ الْمَفْهُومِ مِنْ يَحْكُمُ فِي الْآيَةِ، وَأَنَّ ضَمِيرَ بِهَا يَعُودُ عَلَى الْقِيمَةِ الْمُفَسَّرِ بِهَا الْجَزَاءُ أَوْ الْمِثْلُ، وَأَنَّ الْمُنَاسِبَ إسْقَاطُ الْبَاءِ الْجَارَّةِ مِنْ قَوْلِهِ أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ كَمَا فِي الْفَتْحِ لِيَكُونَ عَطْفًا عَلَى الشِّرَاءِ لَا عَلَى بِوَاسِطَةٍ، وَالْمُرَادُ بِغَيْرِ الشِّرَاءِ مَا يَحْصُلُ بِهِ مِلْكُ الْهَدْيِ مِنْ هِبَةٍ، وَإِرْثٍ وَنَحْوِهِمَا (قَوْلُهُ: وَهُوَ وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْ) كَأَنَّهُ جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ تَقْدِيرُهُ سَلَّمْنَا أَنَّ كَوْنَهَا مُقَدَّرَةً كَثِيرٌ لَكِنَّهُ خِلَافُ الْأَكْثَرِ فَالْأَوْلَى كَوْنُهَا مُقَارِنَةً فَيَثْبُتُ أَنَّهُ يَصِيرُ هَدْيًا بِاخْتِيَارِهِمَا كَمَا هُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ فَأَجَابَ بِأَنَّ كَوْنَهَا مُقَدَّرَةً فِي الْآيَةِ، وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْهُمَا عَلَى مَا قَرَّرَاهُ فِيهَا لَكِنَّهُ لَازِمٌ فِي وَصْفِهَا، وَهُوَ {بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95] لِظُهُورِ أَنَّ بُلُوغَهُ الْكَعْبَةَ مُتَرَاخٍ عَنْ الْحُكْمِ بِكَوْنِهِ هَدْيًا (قَوْلُهُ: يُقَوَّمُ بِالْإِطْعَامِ إلَخْ) قَالَ فِي اللُّبَابِ، وَلَا يَجُوزُ الصِّغَارُ كَالْجِفْرَةِ وَالْعَنَاقِ وَالْحَمْلِ إلَّا عَلَى وَجْهِ الْإِطْعَامِ بِأَنْ يُعْطِيَ كُلَّ فَقِيرٍ مَا يُسَاوِي قِيمَةَ نِصْفِ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ (قَوْلُهُ: كَمَا قَدَّمْنَاهُ) أَيْ قَرِيبًا مِنْ مَسْأَلَةِ الثَّوْبِ وَالْغَزْلِ (قَوْلُهُ: وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ، وَكَالْفِطْرَةِ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ، وَهَلْ يُشْتَرَطُ عَدَدُ الْمَسَاكِينِ صُورَةً فِي الْإِطْعَامِ تَمْلِيكًا، وَإِبَاحَةً قَالَ: أَصْحَابُنَا لَيْسَ بِشَرْطٍ حَتَّى لَوْ دَفَعَ طَعَامَ سِتَّةِ مَسَاكِينَ، وَهُوَ ثَلَاثَةُ آصُعَ إلَى مِسْكِينٍ وَاحِدٍ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ كُلِّ يَوْمٍ نِصْفُ صَاعٍ أَوْ غَدَّى مِسْكِينًا وَاحِدًا أَوْ عَشَّاهُ سِتَّةَ أَيَّامٍ أَجْزَأَهُ عِنْدَنَا أَمَّا لَوْ دَفَعَ طَعَامَ سِتَّةِ مَسَاكِينَ إلَى مِسْكِينٍ وَاحِدٍ فِي يَوْمٍ دَفْعَةً وَاحِدَةً أَوْ دَفَعَاتٍ فَلَا رِوَايَةَ فِيهِ وَاخْتَلَفَ مَشَايِخُنَا فَقَالَ بَعْضُهُمْ يَجُوزُ، وَقَالَ عَامَّتُهُمْ لَا يَجُوزُ إلَّا عَنْ وَاحِدٍ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. اهـ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 33 فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ هُنَا خُصُوصًا، وَالنَّصُّ هُنَا مُطْلَقٌ فَيَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ لَكِنْ لَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَ لِمِسْكِينٍ وَاحِدٍ كَالْفِطْرَةِ؛ لِأَنَّ الْعَدَدَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ، وَإِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ التَّصَدُّقُ عَلَى الذِّمِّيِّ كَالْمُسْلِمِ كَمَا هُوَ الْحُكْمُ فِي الْمُشَبَّهِ بِهِ وَالْمُسْلِمُ أَحَبُّ، وَإِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِجَزَاءِ الصَّيْدِ عَلَى أَصْلِهِ، وَإِنْ عَلَا، وَفَرْعِهِ وَإِنْ سَفَلَ وَزَوْجَتِهِ وَزَوْجِهَا كَمَا هُوَ الْحُكْمُ فِي كُلِّ صَدَقَةٍ وَاجِبَةٍ كَمَا أَسْلَفْنَاهُ فِي بَابِ الْمَصْرِفِ، وَصَرَّحُوا هُنَا بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّصَدُّقُ بِشَيْءٍ مِنْ جَزَاءِ الصَّيْدِ عَلَى مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ، وَمَا ذَكَرْنَاهُ أَوْلَى لَكِنْ يَرُدُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْإِبَاحَةَ تَكْفِي فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ فِي الْإِطْعَامِ كَالتَّمْلِيكِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ، وَلَا يَكْفِي فِي الْفِطْرَةِ، وَأَشَارَ أَيْضًا بِقَوْلِهِ كَالْفِطْرَةِ إلَى أَنَّ دَفْعَ الْقِيمَةِ جَائِزٌ فَيَدْفَعُ لِكُلِّ مِسْكِينٍ قِيمَةَ نِصْفِ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ، وَلَا يَجُوزُ النَّقْصُ عَنْهَا كَمَا فِي الْعَيْنِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي مَسْأَلَةِ ذَبْحِ الْهَدْيِ فِي الْحِلِّ فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ فَضَلَ أَقَلُّ مِنْ نِصْفِ صَاعٍ تَصَدَّقَ بِهِ أَوْ صَامَ يَوْمًا) ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ مُرَاعَاةُ الْمِقْدَارِ، وَعَدَدُ الْمَسَاكِينِ، وَقَدْ عَجَزَ عَنْ مُرَاعَاةِ الْمِقْدَارِ فَسَقَطَ، وَقَدَرَ عَلَى مُرَاعَاةِ الْعَدَدِ فَلَزِمَهُ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ؛ لِأَنَّهَا مُقَدَّرَةٌ بِإِطْعَامِ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ كُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعٍ لَا يَزِيدُ، وَلَا يَنْقُصُ أَمَّا الْقِيمَةُ هُنَا تَزِيدُ وَتَنْقُصُ فَيُخَيَّرُ إنْ شَاءَ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَى مِسْكِينٍ، وَإِنْ شَاءَ صَامَ يَوْمًا كَامِلًا؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ أَقَلُّ مِنْ يَوْمٍ غَيْرُ مَشْرُوعٍ، وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْوَاجِبَ لَوْ كَانَ دُونَ طَعَامِ مِسْكِينٍ بِأَنْ قَتَلَ يَرْبُوعًا أَوْ عُصْفُورًا فَهُوَ مُخَيَّرٌ أَيْضًا، وَإِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الصَّوْمِ وَالْإِطْعَامِ بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي كَفَّارَةِ الصَّيْدِ الصَّوْمَ أَصْلٌ كَالْإِطْعَامِ حَتَّى يَجُوزَ الصَّوْمُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْإِطْعَامِ فَجَازَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا، وَإِكْمَالُ أَحَدِهِمَا بِالْآخِرِ، وَأَمَّا فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ فَالصَّوْمُ بَدَلٌ عَنْ التَّفْكِيرِ بِالْمَالِ حَتَّى لَا يَجُوزَ الْمَصِيرُ إلَيْهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَالِ فَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْبَدَلِ لِلتَّنَافِي وَشَمَلَ كَلَامُهُ مَا إذَا كَانَ هَذَا الْفَاضِلُ مِنْ جِنْسِ مَا فَعَلَهُ أَوَّلًا حَتَّى لَوْ اخْتَارَ الْهَدْيَ، وَفَضَلَ مِنْ الْقِيمَةِ مَا لَا يَبْلُغُ هَدْيًا فَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي الْفَضْلِ أَيْضًا، وَعَلَى هَذَا لَوْ بَلَغَتْ قِيمَتُهُ هَدْيَيْنِ إنْ شَاءَ ذَبَحَهُمَا، وَإِنْ شَاءَ تَصَدَّقَ بِالطَّعَامِ، وَإِنْ شَاءَ صَامَ عَنْ كُلِّ نِصْفِ صَاعٍ يَوْمًا، وَإِنْ شَاءَ ذَبَحَ أَحَدَهُمَا، وَأَطْعَمَ وَصَامَ عَمَّا بَقِيَ فَيَجْمَعُ بَيْنَ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ أَوْ يَتَصَدَّقُ بِالْقِيمَةِ مِنْ الدَّرَاهِمِ أَوْ الدَّنَانِيرِ وَذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوِيهِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الطَّعَامِ قِيمَةُ الصَّيْدِ، وَفِي الصَّوْمِ قِيمَةُ الطَّعَامِ، وَهَكَذَا فِي الْبَدَائِعِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ جَرَحَهُ أَوْ قَطَعَ عُضْوَهُ أَوْ نَتَفَ شَعْرَهُ ضَمِنَ مَا نَقَصَ) اعْتِبَارًا لِلْبَعْضِ بِالْكُلِّ كَمَا فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ أَفَادَ بِمُقَابَلَةِ الْجُرْحِ لِلْقَتْلِ الْمُتَقَدِّمِ أَنَّهُ لَمْ يَمُتْ مِنْ هَذَا الْجُرْحِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ مَاتَ مِنْهُ وَجَبَ كَمَالُ الْقِيمَةِ فَإِنْ غَابَ، وَلَمْ يَعْلَمْ مَوْتَهُ، وَلَا حَيَاتَهُ فَالْقِيَاسُ أَنْ يَضْمَنَ النُّقْصَانَ لِلشَّكِّ فِي سَبَبِ الْكَمَالِ كَالصَّيْدِ الْمَمْلُوكِ إذَا جَرَحَهُ وَغَابَ وَالِاسْتِحْسَانُ أَنْ يَلْزَمَهُ جَمِيعُ الْقِيمَةِ احْتِيَاطًا كَمَنْ أَخَذَ صَيْدًا مِنْ الْحَرَمِ ثُمَّ أَرْسَلَهُ، وَلَا يَدْرِي أَدَخَلَ الْحَرَمَ أَمْ لَا فَإِنَّهُ تَجِبُ قِيمَتُهُ؛ لِأَنَّ جَزَاءَ الصَّيْدِ يُسْلَكُ بِهِ مَسْلَكُ الْعِبَادَةِ مِنْ وَجْهٍ كَذَا فِي الْمُحِيطِ. وَأَطْلَقَ فِي ضَمَانِهِ النُّقْصَانَ بِسَبَبِ الْجُرْحِ فَشَمَلَ مَا إذَا بَرِئَ مِنْهُ فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ الْجَزَاءُ بِبُرْئِهِ؛ لِأَنَّ الْجَزَاءَ يَجِبُ بِإِتْلَافِ جُزْءٍ مِنْ الصَّيْدِ بِالِانْدِمَالِ لَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ الْإِتْلَافَ لَمْ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ هُنَا) تَابَعَهُ عَلَيْهِ فِي النَّهْرِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ بَحْثٌ مَعَ الْمَنْقُولِ (قَوْلُهُ: كَمَا هُوَ الْحُكْمُ فِي الْمُشَبَّهِ بِهِ) تَقَدَّمَ فِي الْمَصْرِفِ أَنَّ فِيهِ خِلَافَ أَبِي يُوسُفَ وَذَكَرْنَا عَنْ الْحَاوِي أَنَّهُ قَالَ: وَبِهِ نَأْخُذُ (قَوْلُهُ: وَمَا ذَكَرْنَاهُ أَوْلَى) كَانَ وَجْهُ الْأَوْلَوِيَّةِ أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى مَا قَالُوهُ أَنْ لَا يَجُوزَ التَّصَدُّقُ بِهِ عَلَى شَرِيكِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ فِيمَا هُوَ مِنْ شَرِكَتِهِمَا لَكِنْ نَفْيُ الْقَبُولِ يَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلِ، وَهُوَ عَدَمُ الْقَبُولِ مُطْلَقًا وَالشَّرِيكُ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ تُقْبَلُ فِي الْجُمْلَةِ (قَوْلُهُ: لَكِنْ يَرُدُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ قَدْ عُرِفَ أَنَّ الْمُشَبَّهَ لَا يَلْزَمُ أَنْ يُعْطَى حُكْمَ الْمُشَبَّهِ بِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ عَلَى أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ التَّشْبِيهَ إنَّمَا هُوَ فِي الْمِقْدَارِ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ. اهـ. ثُمَّ الْإِبَاحَةُ بِالْوَضْعِ وَالْعَرْضِ لِلْفَقِيرِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مَعَ الْأَوَّلِ لَكِنَّ هَذَا الْخِلَافَ فِي كَفَّارَةِ الْحَلْقِ مِنْ الْأَذَى، وَأَمَّا كَفَّارَةُ الصَّيْدِ فَيَجُوزُ الْإِطْعَامُ عَلَى وَجْهِ الْإِبَاحَةِ بِلَا خِلَافٍ فَيَضَعُ لَهُمْ طَعَامًا وَيُمَكِّنُهُمْ مِنْهُ حَتَّى يَسْتَوْفُوا أَكْلَتَيْنِ مُشْبِعَتَيْنِ غَدَاءً، وَعَشَاءً أَوْ سُحُورًا، وَعَشَاءً أَوْ غَدَاءَيْنِ أَوْ عَشَاءَيْنِ لَكِنَّ الْأَوَّلَ أَوْلَى فَإِنْ غَدَّاهُمْ لَا غَيْرُ أَوْ عَشَّاهُمْ فَقَطْ لَا يُجْزِئُهُ لَكِنْ إنْ غَدَّاهُمْ، وَأَعْطَاهُمْ قِيمَةَ الْعَشَاءِ أَوْ بِالْعَكْسِ جَازَ وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ مَأْدُومًا، وَفِي الْهِدَايَةِ لَا بُدَّ مِنْ الْإِدَامِ فِي خُبْزِ الشَّعِيرِ، وَفِي الْمُصَفَّى غَيْرُ الْبُرِّ لَا يَجُوزُ إلَّا بِإِدَامٍ، وَفِي الْبَدَائِعِ يَسْتَوِي كَوْنُ الطَّعَامِ مَأْدُومًا أَوْ غَيْرَ مَأْدُومٍ حَتَّى لَوْ غَدَّاهُمْ، وَعَشَّاهُمْ خُبْزًا بِلَا إدَامٍ أَجْزَأَهُ، وَكَذَا لَوْ أَطْعَمَ خُبْزَ الشَّعِيرِ أَوْ سَوِيقًا أَوْ تَمْرًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ يُؤْكَلُ وَحْدَهُ ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ هُوَ الشِّبَعُ التَّامُّ لَا مِقْدَارُ الطَّعَامِ حَتَّى لَوْ قَدَّمَ أَرْبَعَةَ أَرْغِفَةٍ أَوْ ثَلَاثَةً بَيْنَ يَدَيْ سِتَّةِ مَسَاكِينَ وَشَبِعُوا أَجْزَأَهُ، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ صَاعًا أَوْ نِصْفَ صَاعٍ، وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمْ شَبْعَانَ قِيلَ لَا يَجُوزُ، وَإِلَيْهِ مَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 34 يَكُنْ بِخِلَافِ مَا إذَا جَرَحَ آدَمِيًّا فَانْدَمَلَتْ جِرَاحَتُهُ فَلَمْ يَبْقَ لَهَا أَثَرٌ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ هُنَاكَ إنَّمَا يَجِبُ لِأَجْلِ الشَّيْنِ، وَقَدْ ارْتَفَعَ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ، وَفِي الْمُحِيطِ خِلَافُهُ فَإِنَّهُ قَالَ: وَإِنْ بَرِئَ مِنْهُ، وَلَمْ يَبْقَ لَهُ أَثَرٌ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الضَّمَانِ قَدْ زَالَ فَيَزُولُ الضَّمَانُ كَمَا فِي الصَّيْدِ الْمَمْلُوكِ. اهـ. وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ جَزَاءِ الصَّيْدِ، وَالصَّيْدُ الْمَمْلُوكُ فِي مَسْأَلَةِ مَا إذَا غَابَ بَعْدَ الْجُرْحِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ قَلَعَ سِنَّ ظَبْيٍ أَوْ نَتَفَ رِيشِ صَيْدٍ فَنَبَتَ أَوْ ضَرَبَ عَيْنَ صَيْدٍ فَابْيَضَّتْ ثُمَّ ذَهَبَ الْبَيَاضُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ عَلَيْهِ صَدَقَةُ الْأَلَمِ، وَأَشَارَ بِكَوْنِ الْجِرَاحَةِ جِنَايَةً مُسْتَقِلَّةً إلَى أَنَّهُ لَوْ جَرَحَ صَيْدًا فَكَفَّرَ ثُمَّ قَتَلَهُ كَفَّرَ أُخْرَى؛ لِأَنَّهُمَا جِنَايَتَانِ، وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُكَفِّرْ حَتَّى قَتَلَهُ لَزِمَهُ كَفَّارَةٌ بِالْقَتْلِ وَنُقْصَانٌ بِالْجِرَاحَةِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ، وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ لَوْ جَرَحَ صَيْدًا ثُمَّ كَفَّرَ عَنْهُ ثُمَّ مَاتَ أَجْزَأَتْهُ الْكَفَّارَةُ الَّتِي أَدَّاهَا؛ لِأَنَّهُ أَدَّى بَعْدَ وُجُودِ سَبَبِ الْوُجُوبِ، وَفِي الْمُحِيطِ مَعْزِيًّا إلَى الْجَامِعِ مُحْرِمٌ بِعُمْرَةٍ جَرَحَ صَيْدًا جُرْحًا لَا يَسْتَهْكِلُهُ ثُمَّ أَضَافَ إلَيْهَا حَجَّةً ثُمَّ جَرَحَهُ أَيْضًا فَمَاتَ مِنْ الْكُلِّ فَعَلَيْهِ لِلْعُمْرَةِ قِيمَتُهُ صَحِيحًا، وَقِيمَتُهُ لِلْحَجِّ وَبِهِ الْجُرْحُ الْأَوَّلُ، وَلَوْ حَلَّ مِنْ الْعُمْرَةِ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجَّةِ ثُمَّ جَرَحَهُ الثَّانِيَةَ فَعَلَيْهِ لِلْعُمْرَةِ قِيمَتُهُ وَبِهِ الْجُرْحُ الثَّانِي وَلِلْحَجِّ قِيمَتُهُ وَبِهِ الْجُرْحُ الْأَوَّلُ، وَلَوْ كَانَ حِينَ أُحِلَّ مِنْ الْعُمْرَةِ قَرَنَ بِحَجَّةٍ، وَعُمْرَةٍ ثُمَّ جَرَحَ الصَّيْدَ فَمَاتَ ضَمِنَ لِلْعُمْرَةِ الْقِيمَةَ وَبِهِ الْجُرْحُ الثَّانِي وَضَمِنَ لِلْقِرَانِ قِيمَتَيْنِ وَبِهِ الْجُرْحُ الْأَوَّلُ، وَلَوْ كَانَ الْجُرْحُ الْأَوَّلُ اسْتِهْلَاكًا غَرِمَ لِلْإِحْرَامِ الْأَوَّلِ قِيمَتَهُ صَحِيحًا وَلِلْقِرَانِ قِيمَتَيْنِ وَبِهِ الْجُرْحُ الْأَوَّلُ. اهـ. وَفِي مَنَاسِكِ الْكَرْمَانِيِّ، وَلَوْ ضَرَبَ صَيْدًا فَمَرِضَ وَانْتَقَصَتْ قِيمَتُهُ أَوْ ازْدَادَتْ ثُمَّ مَاتَ كَانَ عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْقِيمَتَيْنِ مِنْ قِيمَتِهِ وَقْتَ الْجُرْحِ أَوْ وَقْتَ الْمَوْتِ. (قَوْلُهُ: وَتَجِبُ الْقِيمَةُ بِنَتْفِ رِيشِهِ، وَقَطْعِ قَوَائِمِهِ وَحَلْبِهِ، وَكَسْرِ بَيْضِهِ وَخُرُوجِ فَرْخٍ مَيِّتٍ بِهِ) أَمَّا نَتْفُ رِيشِهِ، وَقَطْعُ قَوَائِمِهِ فَلِأَنَّهُ فَوَّتَ عَلَيْهِ الْأَمْنَ بِتَفْوِيتِ آلَةِ الِامْتِنَاعِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَتَلَهُ فَلَزِمَهُ قِيمَةٌ كَامِلَةٌ، وَأَمَّا حَلْبُهُ فَلِأَنَّ اللَّبَنَ مِنْ أَجْزَائِهِ فَيَكُونُ مُعْتَبَرًا بِكُلِّهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ مَا أَتْلَفَ، وَهُوَ قِيمَةُ اللَّبَنِ، وَأَمَّا كَسْرُ بَيْضِهِ فَلِأَنَّهُ أَصْلُ الصَّيْدِ، وَلَهُ عَرْضِيَّةُ أَنْ يَصِيرَ صَيْدًا فَنَزَلَ مَنْزِلَةَ الصَّيْدِ احْتِيَاطًا، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَوَجَبَ عَلَيْهِ قِيمَةُ الْبَيْضِ. وَأَمَّا إذَا خَرَجَ فَرْخٌ مَيِّتٌ بِسَبَبِ الْكَسْرِ فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَغْرَمَ سِوَى قِيمَةِ الْبَيْضَةِ؛ لِأَنَّ حَيَاةَ الْفَرْخِ غَيْرُ مَعْلُومٍ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْبَيْضَ مُعَدٌّ لِيَخْرُجَ مِنْهُ الْفَرْخُ الْحَيُّ وَالْكَسْرُ قَبْلَ أَوَانِهِ سَبَبٌ لِمَوْتِهِ فَيُحَالُ بِهِ عَلَيْهِ احْتِيَاطًا فَتَجِبُ قِيمَتُهُ حَيًّا كَمَا صَرَّحَ بِهِ وَالرِّيشُ جَمْعُ الرِّيشَةِ، وَهُوَ الْجَنَاحُ وَالْقَوَائِمُ الْأَرْجُلُ، وَأَطْلَقَ فِي كَسْرِ بَيْضِهِ، وَقَيَّدَهُ فِي الْهِدَايَةِ بِأَنْ لَا يَكُونَ فَاسِدًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَسَرَ بَيْضَةً مَذِرَةً لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ ضَمَانَهَا لَيْسَ لِذَاتِهَا بَلْ لِعَرْضِيَّةِ الصَّيْدِ، وَهُوَ مَفْقُودٌ فِي الْفَاسِدَةِ، وَبِهَذَا انْتَفَى قَوْلُ الْكَرْمَانِيِّ إذَا كَسَرَ بَيْضَةَ نَعَامَةٍ مَذِرَةٍ وَجَبَ   [منحة الخالق] كَذَا فِي اللُّبَابِ وَشَرْحِهِ. (قَوْلُهُ: وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ) قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة يَعْنِي الظَّاهِرَ بِالنِّسْبَةِ لِمَا حَصَلَ عِنْدَهُ لَا أَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَلِذَا قَالَ فِي النَّهْرِ إنَّ كَلَامَ الْبَدَائِعِ هُوَ الْمُنَاسِبُ لِلْإِطْلَاقِ (قَوْلُهُ: لَزِمَهُ كَفَّارَةٌ بِالْقَتْلِ وَنُقْصَانٌ بِالْجِرَاحَةِ) قَالَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ بَعْدَ نَقْلِهِ ذَلِكَ عَنْ مَنْسَكِ الطَّرَابُلْسِيِّ، وَفِي الْفَتْحِ، وَلَوْ جَرَحَ صَيْدًا، وَلَمْ يُكَفِّرْ حَتَّى قَتَلَهُ وَجَبَ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَمَا نَقَصَتْهُ الْجِرَاحَةُ الْأُولَى سَاقِطٌ، وَكَذَا قَالَ فِي الْبَدَائِعِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ لِلْجِرَاحَةِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَتَلَهُ قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْ الْجِرَاحَةِ صَارَ كَأَنَّهُ قَتَلَهُ دَفْعَةً وَاحِدَةً وَذَكَرَ الْحَاكِمُ فِي مُخْتَصَرِهِ إلَّا مَا نَقَصَتْهُ الْجِرَاحَةُ الْأُولَى أَيْ يَلْزَمُهُ ضَمَانُ صَيْدٍ مَجْرُوحٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الزَّمَانَ قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ مَرَّةً فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ مَرَّةٌ أُخْرَى. اهـ. وَحَاصِلُهُ تَدَاخُلُ الْجِنَايَتَيْنِ، وَمَآلُهُ إلَى جِنَايَةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا حَقَّقَهُ ابْنُ الْهُمَامِ تَبَعًا لِمَا فِي الْبَدَائِعِ فَهُوَ الْمُعَوَّلُ فَتَدَبَّرْ وَتَأَمَّلْ. اهـ. وَكَذَا مَشَى عَلَيْهِ فِي مَتْنِ اللُّبَابِ لَكِنْ مَا ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ يُفِيدُ التَّوْفِيقَ بِأَنَّ مَنْ أَوْجَبَ نُقْصَانَ الْجِرَاحَةِ أَوْجَبَ قِيمَتَهُ فِي الْقَتْلِ مَجْرُوحًا، وَمَنْ لَمْ يُوجِبْهَا أَوْجَبَ قِيمَتَهُ فِي الْقَتْلِ سَالِمًا وَالْمَآلُ فِيهِمَا وَاحِدٌ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ كَفَّرَ عَنْهُ) أَيْ كَفَّارَةَ الْمَوْتِ كَمَا فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ: وَانْتَقَصَتْ قِيمَتُهُ أَوْ ازْدَادَتْ) أَيْ قِيمَةُ جِنْسِهِ لَا خُصُوصُ هَذَا الْمَضْرُوبِ إذْ لَا يُمْكِنُ زِيَادَةُ قِيمَتِهِ بَعْدَ الضَّرْبِ تَأَمَّلْ أَوْ الْمُرَادُ زَادَتْ قِيمَةُ شَعْرِهِ أَوْ بَدَنِهِ كَمَا يَأْتِي عَنْ الْمُحِيطِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَبِذَبْحِ الْحَلَالِ صَيْدَ الْحَرَمِ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ قِيمَةُ اللَّبَنِ) هَذَا عَلَى مَا فِي الْبَحْرِ الزَّاخِرِ، وَفِي الْبَدَائِعِ عَلَيْهِ مَا نَقَصَهُ الْحَلْبُ كَمَا لَوْ أَتْلَفَ جُزْءًا مِنْ أَجْزَائِهِ، وَقَدْ جَمَعَ الطَّرَابُلْسِيِّ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ حَيْثُ قَالَ: وَإِذَا حَلَبَ صَيْدًا فَعَلَيْهِ مَا نَقَصَهُ، وَقِيمَةُ اللَّبَنِ. اهـ. وَلَعَلَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا شَرِبَهُ بِنَفْسِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَطْعَمَهُ الْفُقَرَاءَ كَذَا فِي شَرْحِ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا إذَا خَرَجَ فَرْخٌ مَيِّتٌ إلَخْ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَا تَخْلُو مِنْ أَنْ عَلِمَ أَنَّهُ كَانَ حَيًّا، وَمَاتَ بِالْكَسْرِ أَوْ عَلِمَ أَنَّهُ كَانَ مَيِّتًا أَوْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ مَوْتَهُ بِسَبَبِ الْكَسْرِ أَوْ لَا فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ ضَمِنَ قِيمَتَهُ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ الثَّالِثُ فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَغْرَمَ سِوَى قِيمَةِ الْبَيْضَةِ إلَخْ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 35 الْجَزَاءُ؛ لِأَنَّ لِقِشْرِهَا قِيمَةً، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ نَعَامَةٍ لَا يَجِبُ شَيْءٌ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُحْرِمَ بِالْإِحْرَامِ لَيْسَ مَنْهِيًّا عَنْ التَّعَرُّضِ لِلْقِشْرِ بَلْ لِلصَّيْدِ فَقَطْ، وَلَيْسَ لِلْمَذِرَةِ عَرْضِيَّةُ الصَّيْدِيَّةِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. وَفِي الْبَدَائِعِ وَلَوْ شَوَى بَيْضًا أَوْ جَرَادًا فَضَمِنَهُ لَا يَحْرُمُ أَكْلُهُ، وَلَوْ أَكَلَهُ أَوْ غَيْرُهُ حَلَالًا كَانَ أَوْ حَرَامًا لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَعَلَّلَ لَهُ فِي الْمُحِيطِ بِأَنَّهُ لَا يَفْتَقِرُ إلَى الذَّكَاةِ فَلَا يَصِيرُ مَيْتَةً وَلِهَذَا يُبَاحُ أَكْلُ الْبَيْضِ قَبْلَ الشَّيْءِ، وَأَفَادَ بِمَسْأَلَةِ خُرُوجِ الْفَرْخِ أَنَّهُ لَوْ ضَرَبَ بَطْنَ ظَبْيَةٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا فَإِنَّهُ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ حَيًّا فَإِنْ مَاتَتْ الْأُمُّ ضَمِنَ قِيمَتَهَا أَيْضًا بِخِلَافِ جَنِينِ الْمَرْأَةِ إذَا خَرَجَ مَيِّتًا لَا يَلْزَمُ الضَّارِبُ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ النَّفْسِ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ احْتِيَاطًا، وَفِي حُقُوقِ الْعِبَادِ فِي حُكْمِ الْجُزْءِ؛ لِأَنَّ غَرَامَاتِ الْأَمْوَالِ لَا تَبْتَنِي عَلَى الِاحْتِيَاطِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ، وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ عَلِمَ مَوْتَهُ بِغَيْرِ الْكَسْرِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِلْفَرْخِ لِانْعِدَامِ الْأَمَانَةِ، وَلَا لِلْبَيْضِ لِعَدَمِ الْعَرْضِيَّةِ، وَإِذَا ضَمِنَ الْفَرْخَ لَا يَجِبُ فِي الْبَيْضِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ مَا ضَمَانُهُ لِأَجْلِهِ قَدْ ضَمِنَهُ، وَأَشَارَ بِخُرُوجِ الْفَرْخِ إلَى أَنَّهُ لَوْ نَفَّرَ صَيْدًا عَنْ بَيْضِهِ فَفَسَدَ أَنَّهُ يَضْمَنُ إحَالَةً لِلْفَسَادِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ السَّبَبُ الظَّاهِرُ كَمَا لَوْ أَخَذَ بَيْضَةَ الصَّيْدِ فَدَفَنَهَا تَحْتَ دَجَاجَةٍ فَفَسَدَتْ، وَلَوْ لَمْ تَفْسُدْ وَخَرَجَ مِنْهَا فَرْخٌ وَطَارَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: وَلَا شَيْءَ بِقَتْلِ غُرَابٍ وَحِدَأَةٍ، وَذِئْبٍ وَحَيَّةٍ وَعَقْرَبٍ، وَفَأْرَةٍ وَكَلْبٍ عَقُورٍ، وَبَعُوضٍ وَنَمْلٍ وَبُرْغُوثٍ، وَقُرَادٍ وَسُلَحْفَاةٍ) أَمَّا الْفَوَاسِقُ، وَهِيَ السَّبْعَةُ الْمَذْكُورَةُ هُنَا فَلِمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ «خَمْسٌ مِنْ الدَّوَابِّ لَا حَرَجَ عَلَى مَنْ قَتَلَهُنَّ الْغُرَابُ وَالْحِدَأَةُ وَالْفَأْرَةُ وَالْعَقْرَبُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ» وَزَادَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد «الْحَيَّةُ وَالسَّبُعُ الْعَادِي» ، وَفِي رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ «الذِّئْبُ» فَلِذَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ سَبْعَةً، وَمَعْنَى الْفِسْقِ فِيهِنَّ خُبْثُهُنَّ، وَكَثْرَةُ الضَّرَرِ فِيهِنَّ، وَهُوَ حَدِيثٌ مَشْهُورٌ فَلِذَا خَصَّ بِهِ الْكِتَابَ الْقَطْعِيَّ كَذَا فِي النِّهَايَةِ، وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي نَفْيِ شَيْءٍ بِقَتْلِهَا فَأَفَادَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُحْرِمًا أَوْ حَلَالًا فِي الْحَرَمِ، وَأَطْلَقَ فِي الْغُرَابِ فَشَمَلَ الْغُرَابَ بِأَنْوَاعِهِ الثَّلَاثَةِ، وَمَا فِي الْهِدَايَةِ مِنْ قَوْلِهِ وَالْمُرَادُ بِالْغُرَابِ الَّذِي يَأْكُلُ الْجِيَفَ أَوْ يَخْلِطُ؛ لِأَنَّهُ يَبْتَدِئُ بِالْأَذَى أَمَّا الْعَقْعَقُ غَيْرُ مُسْتَثْنًى؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى غُرَابًا، وَلَا يَبْتَدِئُ بِالْأَذَى فَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ دَائِمًا يَقَعُ عَلَى دُبُرِ الدَّابَّةِ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَسَوَّى الْمُصَنِّفُ بَيْنَ الذِّئْبِ وَالْكَلْبِ الْعَقُورِ، وَهُوَ رِوَايَةُ الْكَرْخِيِّ وَاخْتَارَهَا فِي الْهِدَايَةِ؛ لِأَنَّ الذِّئْبَ يَبْتَدِئُ بِالْأَذَى غَالِبًا وَالْغَالِبُ كَالْمُتَحَقِّقِ؛ وَلِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا الْإِمَامُ الطَّحَاوِيُّ فَلَمْ يَجْعَلْ الذِّئْبَ مِنْ الْفَوَاسِقِ، وَأَطْلَقَ فِي الْفَأْرَةِ فَشَمَلَتْ الْأَهْلِيَّةَ وَالْوَحْشِيَّةَ، وَقَيَّدَ الْكَلْبَ بِالْعَقُورِ اتِّبَاعًا لِلْحَدِيثِ مَعَ أَنَّ الْعَقُورَ وَغَيْرَهُ سَوَاءٌ أَهْلِيًّا كَانَ أَوْ وَحْشِيًّا؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْعَقُورِ لَيْسَ بِصَيْدٍ فَلَا يَجِبُ الْجَزَاءُ بِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ وَاخْتَارَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَفِي السِّنَّوْرِ الْبَرِّيِّ رِوَايَتَانِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْكَلَامَ إنَّمَا هُوَ فِي وُجُوبِ الْجَزَاءِ بِقَتْلِهِ، وَأَمَّا حِلُّ الْقَتْلِ فَمَا لَا يُؤْذِي لَا يَحِلُّ قَتْلُهُ فَالْكَلْبُ الْأَهْلِيُّ إذَا لَمْ يَكُنْ مُؤْذِيًا لَا يَحِلُّ قَتْلُهُ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِقَتْلِ الْكِلَابِ نُسِخَ فَقَيَّدَ الْقَتْلَ بِوُجُوبِ الْإِيذَاءِ. وَأَمَّا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَفِي الْبَدَائِعِ، وَلَوْ شَوَى بَيْضًا أَوْ جَرَادًا إلَخْ) قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ اللَّبَنُ الْمَحْلُوبُ مِنْ الصَّيْدِ. اهـ. ثُمَّ رَأَيْته مُصَرَّحًا بِهِ فِي اللُّبَابِ فَقَالَ: وَلَوْ شَوَى مُحْرِمٌ بَيْضًا أَوْ جَرَادًا أَوْ حَلَبَ صَيْدًا، وَأَدَّى جَزَاءَهُ ثُمَّ أَكَلَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِلْأَكْلِ وَيَجُوزُ لَهُ مَعَ الْكَرَاهَةِ وَيَجُوزُ لِغَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ جَنِينِ الْمَرْأَةِ) أَيْ حُرَّةً أَوْ أَمَةً إذَا خَرَجَ مَيِّتًا أَيْ، وَمَاتَتْ الْأُمُّ بَعْدَهُ وَلِهَذَا عَبَّرَ فِي الْمِعْرَاجِ بِقَوْلِهِ ثُمَّ مَاتَتْ الْأُمُّ، وَقَوْلُهُ لَا يَلْزَمُ الضَّارِبَ شَيْئًا صَوَابُهُ شَيْءٌ، وَمَعْنَاهُ لَا يَلْزَمُهُ الدِّيَةُ كَمَا يَلْزَمُهُ دِيَةُ الْأُمِّ أَوْ قِيمَتُهَا لَوْ أَمَةً، وَإِلَّا فَالْغُرَّةُ لَازِمَةٌ وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ إذَا خَرَجَ مَيِّتًا عَمَّا إذَا خَرَجَ حَيًّا فَمَاتَ فَإِنَّ فِيهِ الدِّيَةَ كَامِلَةً، وَأَمَّا إنْ مَاتَتْ فَأَلْقَتْهُ مَيِّتًا فَدِيَةُ الْأُمِّ فَقَطْ. (قَوْلُهُ: فَلِذَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ سَبْعَةً) ، وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْ السَّبُعَ مَعَ أَنَّهُ مَذْكُورٌ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد؛ لِأَنَّهُ صَيْدٌ عِنْدَنَا فَيَجِبُ فِيهِ الْجَزَاءُ أَوْ؛ لِأَنَّهُ قَيَّدَهُ بِالْعَادِي وَسَيَذْكُرُهُ بِقَوْلِهِ، وَإِنْ صَالَ لَا شَيْءَ بِقَتْلِهِ بَقِيَ الْكَلَامُ فِي عَدَمِ عَدِّهِ مِنْهَا وَجَعَلَهُ مِنْ الصُّيُودِ عَلَى مَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَلِلْمُحَقِّقِ فِي الْفَتْحِ كَلَامٌ أَطَالَ الْبَحْثَ فِيهِ. وَقَالَ فِي آخِرِهِ: وَلَعَلَّ لِعَدَمِ قُوَّةِ وَجْهِهِ كَانَ فِي السِّبَاعِ رِوَايَتَانِ. (قَوْلُهُ: فَفِيهِ نَظَرٌ) رَدَّهُ فِي النَّهْرِ بِمَا فِي الْبَدَائِعِ، وَقَالَ: أَبُو يُوسُفَ الْغُرَابُ الْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي يَأْكُلُ الْجِيَفَ أَوْ يَخْلِطُ؛ لِأَنَّ هَذَا النَّوْعَ هُوَ الَّذِي يَبْتَدِئُ بِالْأَذَى. اهـ. وَأَشَارَ فِي الْمِعْرَاجِ إلَى دَفْعِ مَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِأَنَّهُ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ غَالِبًا وَبِهِ انْدَفَعَ دَعْوَى الدَّيْمُومَةِ فِيهِ، وَلَمَّا كَانَ الْمُطَّرَدُ هُوَ ابْتِدَاؤُهُ بِالْأَذَى اقْتَصَرَ الْإِمَامُ الثَّانِي فِي التَّعْلِيلِ عَلَيْهِ ثُمَّ رَأَيْته فِي الظَّهِيرِيَّةِ قَالَ: وَفِي الْعَقْعَقِ رِوَايَتَانِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ الصُّيُودِ. اهـ. قُلْتُ: وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ مَا فِي الْهِدَايَةِ هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ غَيْرَ الْعَقُورِ) الْمُنَاسِبُ؛ وَلِأَنَّ بِالْوَاوِ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ اتِّبَاعًا (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْأَمْرَ بِقَتْلِ الْكِلَابِ نُسِخَ) كَذَا قَالَهُ فِي الْفَتْحِ قَالَ فِي النَّهْرِ لَكِنْ رَأَيْت فِي الْمُلْتَقَطِ مَا لَفْظُهُ، وَإِذَا كَثُرَتْ الْكِلَابُ فِي قَرْيَةٍ، وَأَضَرَّ بِأَهْلِ الْقَرْيَةِ أُمِرَ أَرْبَابُهَا بِقَتْلِهَا، وَإِنْ أَبَوْا رُفِعَ الْأَمْرُ إلَى الْقَاضِي حَتَّى يَأْمُرَ بِذَلِكَ. اهـ. فَيُحْمَلُ مَا فِي الْفَتْحِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ ضَرَرٌ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 36 الْبَعُوضُ، وَمَا كَانَ مِثْلَهُ مِنْ هَوَامِّ الْأَرْضِ فَلِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِصُيُودٍ أَصْلًا، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا يَبْتَدِئُ بِالْأَذَى كَالْبُرْغُوثِ، وَدَخَلَ الزُّنْبُورُ وَالسَّرَطَانُ وَالذُّبَابُ وَالْبَقُّ وَالْقَنَافِذُ وَالْخَنَافِسُ وَالْوَزَغُ وَالْحَلَمَةُ وَصَيَّاحُ اللَّيْلِ وَابْنُ عُرْسٍ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْعَقْرَبُ وَالْفَأْرَةُ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ؛ لِأَنَّ حَدَّ الصَّيْدِ لَا يُوجَدُ فِيهِمَا وَالْبَعُوضُ مِنْ صِغَارِ الْبَقِّ الْوَاحِدَةُ بَعُوضَةٌ بِالْهَاءِ وَاشْتِقَاقُهَا مِنْ الْبَعْضِ؛ لِأَنَّهَا كَبَعْضِ الْبَقَّةِ قَالَ: اللَّهُ تَعَالَى {مَثَلا مَا بَعُوضَةً} [البقرة: 26] كَذَا فِي ضِيَاءِ الْحُلُومِ، وَفِيهِ الْحِدَأَةُ بِكَسْرِ الْحَاءِ طَائِرٌ مَعْرُوفٌ وَالْجَمْعُ الْحَدَأُ، وَأَمَّا الْحَدَأَةُ بِفَتْحِ الْحَاءِ فَأْسٌ يُنْقَرُ بِهَا الْحِجَارَةُ لَهَا رَأْسَانِ وَالذِّئْبُ بِالْهَمْزَةِ مَعْرُوفٌ وَجَمْعُهُ أَذْؤُبٌ وَأَذْوَابٌ وَذِئَاب وَذُؤْبَانٌ قِيلَ اشْتِقَاقُهُ مِنْ تَذَاءَبَتْ الرِّيحُ إذَا جَاءَتْ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَهُوَ مِنْ أَسْمَاءِ الرِّجَالِ أَيْضًا وَيُصَغَّرُ ذُوَيْبٌ وَالسُّلَحْفَاةُ بِضَمِّ الْحَاءِ، وَفَتْحِ الْفَاءِ وَاحِدَةُ السَّلَاحِفِ مِنْ خَلْقِ الْمَاءِ، وَيُقَالُ أَيْضًا سُلَحْفِيَةٌ بِالْيَاءِ وَالْفَأْرَةُ بِالْهَمْزِ وَاحِدَةُ الْفَأْرِ وَجَمْعُهُ فِيرَانٌ. (قَوْلُهُ: وَبِقَتْلِ قَمْلَةٍ وَجَرَادَةٍ تَصَدَّقَ بِمَا شَاءَ) أَمَّا وُجُوبُ الصَّدَقَةِ بِقَتْلِ الْقَمْلَةِ فَلِأَنَّهَا مُتَوَلِّدَةٌ مِنْ التَّفَثِ الَّذِي عَلَى الْبَدَنِ وَالْمُحْرِمُ مَمْنُوعٌ مِنْ إزَالَتِهِ بِمَنْزِلَةِ إزَالَةِ الشَّعْرِ حَتَّى لَوْ قَتَلَ مَا عَلَى الْأَرْضِ مِنْ الْقَمْلِ فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ أَوْ قَتَلَهَا مِنْ بَدَنِ غَيْرِهِ فَكَذَلِكَ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَغَيْرِهَا، وَفِي الْمُحِيطِ وَيُكْرَهُ قَتْلُ الْقَمْلَةِ، وَمَا تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ خَيْرٌ مِنْهَا أَطْلَقَ فِي قَتْلِ الْقَمْلَةِ فَشَمَلَ مَا إذَا كَانَ مُبَاشَرَةً أَوْ تَسَبُّبًا لَكِنْ يُشْتَرَطُ فِي الثَّانِي الْقَصْدُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ لَوْ وَضَعَ ثِيَابَهُ فِي الشَّمْسِ لِيَقْتُلَ حَرَّ الشَّمْسِ الْقَمْلَ كَالصَّيْدِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لَوْ لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ كَمَا لَوْ غَسَلَ ثَوْبَهُ فَمَاتَ الْقَمْلُ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَقَدْ عُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ الْقَمْلَ كَالصَّيْدِ فَأَفَادَ أَنَّ الدَّلَالَةَ مُوجِبَةٌ فِيهَا فَلَوْ أَشَارَ الْمُحْرِمُ إلَى قَمْلَةٍ عَلَى بَدَنِهِ فَقَتَلَهَا الْحَلَالُ وَجَبَ الْجَزَاءُ، وَعُلِمَ مِنْ التَّعْلِيلِ أَنَّ إلْقَاءَ الْقَمْلَةِ كَالْقَتْلِ؛ لِأَنَّ الْمُوجِبَ إزَالَتُهَا عَنْ الْبَدَنِ لَا خُصُوصُ الْقَتْلِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَغَيْرُهُ، وَأَرَادَ بِالْقَمْلَةِ الْقَلِيلَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْكَثِيرَ مِنْهُ جَزَاءُ قَتْلِهِ صَدَقَةٌ مُعَيَّنَةٌ، وَهِيَ نِصْفُ صَاعٍ لَا التَّصَدُّقُ بِمَا شَاءَ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْإِسْبِيجَابِيِّ أَنَّ مَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ كَثِيرٌ، وَكَلَامُ قَاضِي خَانْ أَنَّ الْعَشَرَةَ فَمَا فَوْقَهَا كَثِيرٌ وَاقْتَصَرَ شُرَّاحُ الْهِدَايَةِ عَلَى الْأَوَّلِ فَكَانَ هُوَ الْمَذْهَبَ، وَأَمَّا وُجُوبُهَا بِقَتْلِ الْجَرَادَةِ فَلِأَنَّ الْجَرَادَ مِنْ صَيْدِ الْبَرِّ فَإِنَّ الصَّيْدَ مَا لَا يُمْكِنُ أَخْذُهُ إلَّا بِحِيلَةٍ وَيَقْصِدُهُ الْآخِذُ، وَقَالَ: عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تَمْرَةٌ خَيْرٌ مِنْ جَرَادَةٍ فَأَوْجَبَهَا عَلَى مَنْ قَتَلَ جَرَادَةً كَمَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ وَتَبِعَهُ أَصْحَابُ الْمَذَاهِبِ. أَمَّا مَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَجَّةٍ أَوْ غَزْوَةٍ فَاسْتَقْبَلَنَا رِجْلٌ مِنْ جَرَادٍ فَجَعَلْنَا نَضْرِبُهُ بِأَسْيَافِنَا، وَقِسِيِّنَا فَقَالَ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلُوهُ فَإِنَّهُ مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ» فَقَدْ أَجَابَ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ بِأَنَّ الْحُفَّاظَ اتَّفَقُوا عَلَى تَضْعِيفِهِ لِضَعْفِ أَبِي الْمُهَزِّمِ، وَهُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ، وَكَسْرِ الزَّايِ، وَفَتْحِ الْهَاءِ بَيْنَهُمَا، وَاسْمُهُ يَزِيدُ بْنُ سُفْيَانَ، وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَالسُّلَحْفَاةُ بِضَمِّ الْحَاءِ، وَفَتْحِ الْفَاءِ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَكَأَنَّهَا مِنْ تَحْرِيفِ النُّسَّاخِ وَالْأَصْلُ، وَفَتْحِ اللَّامِ، وَفِي بَعْضِهَا بِضَمِّ الْفَاءِ، وَفَتْحِ الْعَيْنِ أَيْ فَاءِ الْكَلِمَةِ، وَهِيَ السِّينُ، وَعَيْنِهَا وَهِيَ اللَّامُ. (قَوْلُهُ: فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ لَوْ وَضَعَ ثِيَابَهُ فِي الشَّمْسِ لِيَقْتُلَ إلَخْ) قَالَ: فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة، وَفِي شَرْحِ النُّقَايَةِ لِلْبُرْجُنْدِيِّ مِثْلُهُ ثُمَّ نَقَلَ خِلَافَهُ عَنْ الْمَنْصُورِيَّةِ، وَهُوَ نَفْيُ الْجَزَاءِ (قَوْلُهُ: فَلَوْ أَشَارَ إلَخْ) ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: لِحَلَالٍ ادْفَعْ عَنِّي هَذَا الْقَمْلَ أَوْ أَمَرَهُ بِقَتْلِهَا لُبَابٌ قَالَ شَارِحُهُ: وَكَذَا لَوْ دَفَعَ ثَوْبَهُ لِيَقْتُلَ مَا فِيهِ فَفَعَلَ (قَوْلُهُ: وَأَرَادَ بِالْقَمْلَةِ إلَخْ) قَالَ فِي اللُّبَابِ إنْ قَتَلَ مُحْرِمٌ قَمْلَةً تَصَدَّقَ بِكِسْرَةٍ، وَإِنْ كَانَتْ ثِنْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا فَقَبْضَةٌ مِنْ طَعَامٍ، وَفِي الزَّائِدِ عَلَى الثَّلَاثِ بَالِغًا مَا بَلَغَ نِصْفُ صَاعٍ. اهـ. قَالَ شَارِحُهُ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَالْفَتْحِ، وَهُوَ الَّذِي رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي قَمْلَةٍ أَطْعَمَ شَيْئًا، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى شَيْءٍ يَسِيرٍ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ. اهـ. وَرِوَايَةُ الْحَسَنِ سَيَذْكُرُهَا الْمُؤَلِّفُ قَرِيبًا (قَوْلُهُ: وَأَمَّا وُجُوبُهَا بِقَتْلِ الْجَرَادَةِ إلَخْ) قَالَ: فِي اللُّبَابِ، وَلَوْ وَطِئَ جَرَادًا عَامِدًا أَوْ جَاهِلًا فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ إلَّا أَنْ يَكُونَ كَثِيرًا قَدْ سَدَّ الطَّرِيقَ فَلَا يَضْمَنُ، وَلَوْ شَوَى جَرَادًا فَأَكَلَهُ بَعْدَمَا ضَمِنَهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِلْأَكْلِ وَيُكْرَهُ بَيْعُهُ قَبْلَ الضَّمَانِ. اهـ. قَالَ شَارِحُهُ وَذَكَرَ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحْرِمٌ قَطَعَ شَجَرَةً مِنْ الْحَرَمِ أَوْ شَوَى بَيْضَ صَيْدٍ فِي الْحَرَمِ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ حَلَبَ صَيْدًا أَوْ شَوَى جَرَادًا فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ يَعْنِي الْقِيمَةَ وَيُكْرَهُ لَهُ بَيْعُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَإِنْ بَاعَ جَازَ، وَيَمْلِكُ ثَمَنَهُ بِخِلَافِ الصَّيْدِ الَّذِي قَتَلَهُ الْمُحْرِمُ؛ لِأَنَّهُ مَيْتَةٌ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا، وَإِذَا مَلَكَ الثَّمَنَ إنْ شَاءَ جَعَلَهُ فِي الْقِيمَةِ الَّتِي يُؤَدِّيهَا، وَإِنْ شَاءَ جَعَلَهُ فِي غَيْرِهَا وَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَنْتَفِعَ بِذَلِكَ مِنْ حَيْثُ التَّنَاوُلُ؛ لِأَنَّ الْبَيْضَ وَالْجَرَادَ لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الذَّكَاةِ وَالْحَلَالُ وَالْمُحْرِمُ فِيمَا لَا يَحْتَاجُ إلَى الذَّكَاةِ سَوَاءٌ، وَإِنَّمَا لَا يُبَاحُ لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ صَيْدًا فِي حَقِّهِ، وَلَيْسَ بِصَيْدٍ فِي حَقِّ الثَّانِي. اهـ. وَتَبَيَّنَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْآخِذِ وَالْمُشْتَرِي فِي إبَاحَةِ التَّنَاوُلِ كَمَا لَا يَخْفَى. اهـ. (قَوْلُهُ: رِجْلٌ مِنْ جَرَادٍ) قَوْلُهُ: فِي الْقَامُوسِ الرِّجْلُ بِالْكَسْرِ الطَّائِفَةُ مِنْ الشَّيْءِ أَوْ الْقِطْعَةُ الْعَظِيمَةُ مِنْ الْجَرَادِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 37 قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ: مَيْمُونٌ غَيْرُ مَعْرُوفٍ. اهـ. فَلَيْسَ هُنَا حَدِيثٌ ثَابِتٌ فَثَبَتَ أَنَّهُ مِنْ صَيْدِ الْبَرِّ بِإِيجَابِ عُمَرَ الْجَزَاءَ فِيهِ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ، وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: فِي الْجَرَادِ قَبْضَةٌ مِنْ طَعَامٍ، وَلَمْ أَرَ مَنْ تَكَلَّمَ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْجَرَادِ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ كَالْقَمْلِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالْقَمْلِ فَفِي الثَّلَاثِ، وَمَا دُونَهَا يَتَصَدَّقُ بِمَا شَاءَ، وَفِي الْأَرْبَعِ فَأَكْثَرَ يَتَصَدَّقُ بِنِصْفِ صَاعٍ، وَفِي الْمُحِيطِ مَمْلُوكٌ أَصَابَ جَرَادَةً فِي إحْرَامِهِ إنْ صَامَ يَوْمًا فَقَدْ زَادَ، وَإِنْ شَاءَ جَمَعَهَا حَتَّى تَصِيرَ عِدَّةَ جَرَادَاتٍ فَيَصُومَ يَوْمًا. اهـ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْقَمْلُ كَذَلِكَ فِي حَقِّ الْعَبْدِ لِمَا عُلِمَ أَنَّ الْعَبْدَ لَا يُكَفِّرُ إلَّا بِالصَّوْمِ ثُمَّ أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الصَّدَقَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مِقْدَارَهَا، وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُطْعِمُ فِي الْوَاحِدَةِ كِسْرَةً، وَفِي الِاثْنَيْنِ أَوْ الثَّلَاثَةِ قَبْضَةً مِنْ الطَّعَامِ، وَفِي الْأَكْثَرِ نِصْفَ صَاعٍ كَذَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ. (قَوْلُهُ:، وَلَا يُجَاوِزُ عَنْ شَاةٍ بِقَتْلِ السَّبُعِ، وَإِنْ صَالَ لَا شَيْءَ بِقَتْلِهِ بِخِلَافِ الْمُضْطَرِّ) ؛ لِأَنَّ السَّبُعَ صَيْدٌ، وَلَيْسَ هُوَ مِنْ الْفَوَاسِقِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْتَدِئُ بِالْأَذَى حَتَّى لَوْ ابْتَدَأَ بِالْأَذَى كَانَ مِنْهَا فَلَا يَجِبُ بِقَتْلِهِ شَيْءٌ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ صَالَ أَيْ وَثَبَ بِخِلَافِ الذِّئْبِ فَإِنَّهُ مِنْ الْفَوَاسِقِ؛ لِأَنَّهُ يَنْتَهِبُ الْغَنَمَ، وَأَرَادَ بِالسَّبُعِ كُلَّ حَيَوَانٍ لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِمَّا لَيْسَ مِنْ الْفَوَاسِقِ السَّبْعَةِ وَالْحَشَرَاتِ سَوَاءٌ كَانَ سَبُعًا أَوْ لَا، وَلَوْ خِنْزِيرًا أَوْ قِرْدًا أَوْ فِيلًا كَمَا فِي الْمَجْمَعِ وَالسَّبُعُ اسْمٌ لِكُلِّ مُخْتَطِفٍ مُنْتَهِبٍ جَارِحٍ قَاتِلٍ عَادٍ عَادَةً فَإِذَا وَجَبَ الْجَزَاءُ بِقَتْلِهِ لَا يُجَاوِزُ بِهِ شَاةً؛ لِأَنَّ كَثْرَةَ قِيمَتِهِ إمَّا لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْمُحَارَبَةِ، وَهُوَ خَارِجٌ عَنْ مَعْنَى الصَّيْدِيَّةِ أَوْ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِيذَاءِ، وَهُوَ لَا تَقُومُ لَهُ شَرْعًا فَبَقِيَ اعْتِبَارُ الْجِلْدِ وَاللَّحْمِ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهِ مَأْكُولًا وَذَلِكَ لَا يَزِيدُ عَلَى قِيمَةِ الشَّاةِ غَالِبًا؛ لِأَنَّ لَحْمَ الشَّاةِ خَيْرٌ مِنْ لَحْمِ السَّبُعِ. وَقَيَّدَ بِالسَّبُعِ؛ لِأَنَّ الْجَمَلَ إذَا صَالَ عَلَى إنْسَانٍ فَقَتَلَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْإِذْنَ فِي مَسْأَلَةِ السَّبُعِ بِقَتْلِهِ حَاصِلٌ مِنْ صَاحِبِ الْحَقِّ، وَهُوَ الشَّارِعُ، وَأَمَّا فِي مَسْأَلَةِ الْجَمَلِ فَلَمْ يَحْصُلْ الْإِذْنُ مِنْ صَاحِبِهِ، وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ الْعَبْدُ إذَا صَالَ بِالسَّيْفِ عَلَى إنْسَانٍ فَقَتَلَهُ الْمَصُولُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُهُ مَعَ أَنَّهُ لَا إذْنَ لَهُ أَيْضًا مِنْ مَالِكِهِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْعَبْدَ مَضْمُونٌ فِي الْأَصْلِ حَقًّا لِنَفْسِهِ بِالْآدَمِيَّةِ لَا لِلْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ كَسَائِرِ الْمُكَلَّفِينَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ ارْتَدَّ أَوْ قَتَلَ يُقْتَلُ، وَإِذَا كَانَ مَضْمُونًا لِنَفْسِهِ سَقَطَ هَذَا الضَّمَانُ بِمُبِيحٍ جَاءَ مِنْ قِبَلِهِ، وَهُوَ الْمُصَالُ بِهِ، وَمَالِيَّةُ الْمَوْلَى فِيهِ، وَإِنْ كَانَتْ مُتَقَوِّمَةً مَضْمُونَةً لَهُ فَهِيَ تَبَعٌ لِضَمَانِ النَّفْسِ فَيَسْقُطُ التَّبَعُ فِي ضِمْنِ سُقُوطِ الْأَصْلِ أَطْلَقَ فِي عَدَمِ وُجُوبِ شَيْءٍ إذَا صَالَ فَشَمَلَ مَا إذَا أَمْكَنَهُ دَفْعُهُ بِغَيْرِ سِلَاحٍ أَوْ لَا، وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ إذَا أَمْكَنَهُ دَفْعُهُ بِغَيْرِ السِّلَاحِ فَقَتَلَهُ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ، وَقَيَّدَ قَاضِي خَانْ السَّبُعَ بِكَوْنِهِ غَيْرَ مَمْلُوكٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَمْلُوكًا وَجَبَتْ قِيمَتُهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ يَعْنِي عَلَيْهِ قِيمَتَانِ إذَا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَلَمْ أَرَ مَنْ تَكَلَّمَ عَلَى الْفَرْقِ إلَخْ) اسْتَدْرَكَ عَلَيْهِ فِي النَّهْرِ بِمَا سَيَذْكُرُهُ عَنْ الْمُحِيطِ أَيْ فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ قَلِيلِ الْجَرَادِ، وَكَثِيرِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ فِي الْمَمْلُوكِ لَيْسَ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْحُرِّ ثُمَّ رَأَيْت فِي التَّتَارْخَانِيَّة قَالَ: وَذَكَرَ هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي مُحْرِمٍ أَشَارَ فِي جَرَادٍ، وَلَمْ يَكُونُوا رَأَوْهَا إلَّا مِنْ دَلَالَتِهِ فَأَخَذُوهَا فَعَلَى الدَّالِّ بِكُلِّ جَرَادَةٍ تَمْرَةٌ إلَّا إنْ بَلَغَ ذَلِكَ دَمًا فَعَلَيْهِ دَمٌ. اهـ. وَهَذَا صَرِيحٌ فِي الْفَرْقِ أَيْضًا وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَ الْمُؤَلِّفِ أَنَّهُ لَمْ يَرَ الْفَرْقَ بَيْنَ قَلِيلِهِ الْوَاجِبِ فِيهِ التَّصَدُّقُ بِمَا شَاءَ وَبَيْنَ كَثِيرِهِ الْوَاجِبِ فِيهِ نِصْفُ صَاعٍ هَلْ مَا فَوْقَ الثَّلَاثَةِ كَمَا فِي الْقَمْلِ أَوْ لَا وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا قَوْلُهُ: فَيَنْبَغِي إلَخْ فَلَا اسْتِدْرَاكَ، وَقَدْ رَاجَعْته فَلَمْ أَرَهُ. (قَوْلُهُ: وَأَرَادَ بِالسَّبُعِ كُلَّ حَيَوَانٍ لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ فَكَانَ عَدَمُ التَّخْصِيصِ أَوْلَى إذْ الْمَفْهُومُ مُعْتَبَرٌ فِي الرِّوَايَاتِ اتِّفَاقًا، وَمِنْهُ أَقْوَالُ الصَّحَابَةِ كَمَا فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا يُدْرَكُ بِالرَّأْيِ لَا مَا لَا يُدْرَكُ بِهِ (قَوْلُهُ: عَادٍ) اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ الْعُدْوَانِ عَلَى وَزْنِ قَاضٍ وَاَلَّذِي فِي النُّسَخِ عَادِي بِإِثْبَاتِ الْيَاءِ وَالْأَصْوَبُ حَذْفُهَا (قَوْلُهُ: وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ الْعَبْدُ إذَا صَالَ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ يُحْتَرَزُ بِهِ عَنْ الْحُرِّ الْعَاقِلِ الْبَالِغِ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُهُ، وَقَوْلُنَا الْعَاقِلُ نَحْتَرِزُ بِهِ عَنْ الْمَجْنُونِ فَإِنَّ الْمَجْنُونَ الْحُرَّ إذَا صَالَ فَقَتَلَهُ الْمَصُولُ عَلَيْهِ تَجِبُ دِيَتُهُ، وَإِذَا كَانَ عَبْدًا تَجِبُ قِيمَتُهُ كَالْبَعِيرِ، وَقَوْلُنَا الْبَالِغُ نَحْتَرِزُ بِهِ عَنْ الصَّبِيِّ فَإِذَا كَانَ الصَّائِلُ صَبِيًّا حُرًّا تَجِبُ دِيَتُهُ، وَإِنْ كَانَ عَبْدًا تَجِبُ قِيمَتُهُ، وَلَا يَسْقُطُ الضَّمَانُ لِانْتِفَاءِ التَّكْلِيفِ عَنْهُ كَالْمَجْنُونِ قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ الْمَجْنُونُ أَوْ الْبَعِيرُ الْمُغْتَلِمُ صَالَ عَلَى إنْسَانٍ لِيَقْتُلَهُ فَقَتَلَهُ الْمَصُولُ عَلَيْهِ يَضْمَنُ قِيمَةَ الْبَعِيرِ وَدِيَةَ الْمَجْنُونِ. اهـ. وَفِي الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ، وَإِنْ شَهَرَ الْمَجْنُونُ عَلَى غَيْرِهِ سِلَاحًا فَقَتَلَهُ الْمَشْهُورُ عَلَيْهِ عَمْدًا تَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ، وَعَلَى هَذَا الصَّبِيِّ وَالدَّابَّةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: يَعْنِي عَلَيْهِ قِيمَتَانِ) أَقُولُ: هَذَا إذَا كَانَ غَيْرَ صَائِلٍ أَمَّا الصَّائِلُ فَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ جَزَاءٌ لِلَّهِ تَعَالَى تَأَمَّلْ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 38 كَانَ مُحْرِمًا قِيمَةٌ لِمَالِكِهِ مُطْلَقًا، وَقِيمَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى لَا تُجَاوِزُ قِيمَةَ شَاةٍ كَمَا أَسْلَفْنَاهُ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ بِخِلَافِ الْمُضْطَرِّ أَنَّ الْمُحْرِمَ إذَا اُضْطُرَّ إلَى أَكْلِ الصَّيْدِ لِلْمَخْمَصَةِ فَذَبَحَهُ، وَأَكَلَهُ فَإِنَّهُ يَجِبُ الْجَزَاءُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ مُقَيَّدٌ بِالْكَفَّارَةِ بِالنَّصِّ فِي قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ} [البقرة: 196] الْآيَةَ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الضَّرُورَةَ لَا تُسْقِطُ الْكَفَّارَةَ، وَأَرَادَ بِالشَّاةِ هُنَا أَدْنَى مَا يُجْزِئُ فِي الْهَدْيِ وَالْأُضْحِيَّةِ، وَهُوَ الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ. (قَوْلُهُ: وَلِلْمُحْرِمِ ذَبْحُ شَاةٍ وَبَقَرَةٍ وَبَعِيرٍ وَدَجَاجَةٍ وَبَطٍّ أَهْلِيٍّ) ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِصُيُودٍ، وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ، وَقَيَّدَ الْبَطَّ بِالْأَهْلِيِّ، وَهُوَ الَّذِي يَكُونُ فِي الْمَسَاكِنِ وَالْحِيَاضِ؛ لِأَنَّهُ أَلُوفٌ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ احْتِرَازًا عَنْ الَّذِي يَطِيرُ فَإِنَّهُ صَيْدٌ فَيَجِبُ الْجَزَاءُ بِقَتْلِهِ قَالَ الشَّارِحُ فَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْجَوَامِيسُ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ فَإِنَّهُ فِي بِلَادِ السُّودَانِ وَحْشِيٌّ، وَلَا يُعْرَفُ مِنْهُ مُسْتَأْنَسٌ عِنْدَهُمْ. اهـ. وَفِي الْمَجْمَعِ: وَلَوْ نَزَا ظَبْيٌ عَلَى شَاةٍ يُلْحَقُ وَلَدُهَا بِهَا يَعْنِي فَلَا يَجِبُ بِقَتْلِ الْوَلَدِ جَزَاءٌ؛ لِأَنَّ الْأُمَّ هِيَ الْأَصْلُ. (قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ بِذَبْحِ حَمَامٍ مُسَرْوَلٍ وَظَبْيٍ مُسْتَأْنَسٍ) لِمَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّ الْعِبْرَةَ لِلتَّوَحُّشِ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ، وَلَا عِبْرَةَ لِلْعَارِضِ وَالْحَمَامُ مُتَوَحِّشٌ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ مُمْتَنِعٌ بِطَيَرَانِهِ، وَإِنْ كَانَ بَطِيءَ النُّهُوضِ، وَالِاسْتِئْنَاسُ عَارِضٌ وَاشْتِرَاطُ ذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِصَيْدٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ لِلْعَجْزِ، وَقَدْ زَالَ بِالْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، وَفِي الْمُغْرِبِ حَمَامٌ مُسَرْوَلٌ فِي رِجْلَيْهِ رِيشٌ كَأَنَّهُ سَرَاوِيلُ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِهِ مَعَ أَنَّ الْحُكْمَ فِي الْحَمَامِ مُطْلَقًا كَذَلِكَ لِمَا أَنَّ فِيهِ خِلَافَ مَالِكٍ وَلْيُفْهَمْ غَيْرُهُ بِالْأَوْلَى. (قَوْلُهُ: وَلَوْ ذَبَحَ مُحْرِمٌ صَيْدًا حَرُمَ) أَيْ فَهُوَ مَيْتَةٌ؛ لِأَنَّ الذَّكَاةَ فِعْلٌ مَشْرُوعٌ، وَهَذَا فِعْلٌ حَرَامٌ فَلَا يَكُونُ ذَكَاةً كَذَبِيحَةِ الْمَجُوسِيِّ فَأَفَادَ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ وَالْحَلَالِ، وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْحَلَالَ لَوْ ذَبَحَ صَيْدَ الْحَرَمِ فَإِنَّهُ يَكُونُ مَيْتَةً أَيْضًا كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَأَطْلَقَهُ فَشَمَلَ مَا إذَا كَانَ الْمُحْرِمُ الذَّابِحُ مُضْطَرًّا أَوْ لَا وَاخْتَلَفَتْ الْعِبَارَاتُ فِيمَا إذَا اُضْطُرَّ الْمُحْرِمُ هَلْ يَذْبَحُ الصَّيْدَ فَيَأْكُلَهُ أَوْ يَأْكُلُ الْمَيْتَةَ فَفِي الْمَبْسُوطِ أَنَّهُ يَتَنَاوَلُ مِنْ الصَّيْدِ وَيُؤَدِّي الْجَزَاءَ، وَلَا يَأْكُلُ الْمَيْتَةَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْمَيْتَةِ أَغْلَظُ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الصَّيْدِ تَرْتَفِعُ بِالْخُرُوجِ مِنْ الْإِحْرَامِ أَوْ الْحَرَمِ فَهِيَ مُؤَقَّتَةٌ بِهِ بِخِلَافِ حُرْمَةِ الْمَيْتَةِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَقْصِدَ أَخَفَّ الْحُرْمَتَيْنِ دُونَ أَغْلَظِهِمَا، وَالصَّيْدُ وَإِنْ كَانَ مَحْظُورَ الْإِحْرَامِ لَكِنْ عِنْدَ الضَّرُورَةِ تَرْتَفِعُ الْحَظْرَ فَيَقْتُلُهُ وَيَأْكُلُ مِنْهُ وَيُؤَدِّي الْجَزَاءَ. اهـ. وَالْمُرَادُ بِالْقَتْلِ الذَّبْحُ، وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ الْمُحْرِمُ إذَا اُضْطُرَّ إلَى مَيْتَةٍ وَصَيْدٍ فَالْمَيْتَةُ أَوْلَى فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالْحَسَنُ يَذْبَحُ الصَّيْدَ، وَلَوْ كَانَ الصَّيْدُ مَذْبُوحًا فَالصَّيْدُ أَوْلَى عِنْدَ الْكُلِّ، وَلَوْ وُجِدَ لَحْمُ صَيْدٍ، وَلَحْمُ آدَمِيٍّ كَانَ ذَبْحُ الصَّيْدِ أَوْلَى، وَلَوْ وَجَدَ صَيْدًا أَوْ كَلْبًا فَالْكَلْبُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ فِي الصَّيْدِ ارْتِكَابَ الْمَحْظُورَيْنِ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ الصَّيْدُ أَوْلَى مِنْ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ. اهـ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ تَرْجِيحُ مَا فِي الْفَتَاوَى لِمَا أَنَّ فِي أَكْلِ الصَّيْدِ ارْتِكَابَ حُرْمَتَيْنِ الْأَكْلُ وَالْقَتْلُ، وَفِي أَكْلِ الْمَيْتَةِ ارْتِكَابُ حُرْمَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهِيَ الْأَكْلُ، وَكَوْنُ الْحُرْمَةِ تَرْتَفِعُ لَا يُوجِبُ التَّخْفِيفَ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْمَجْمَعِ: وَالْمَيْتَةُ أَوْلَى مِنْ الصَّيْدِ لِلْمُضْطَرِّ وَيُجِيزُهُ لَهُ مُكَفِّرًا وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ أَنَّ رِوَايَةَ تَقْدِيمِ الْمَيْتَةِ رِوَايَةُ الْمُنْتَقَى وَذَكَرَ الشَّارِحُ أَنَّهُ لَوْ وَجَدَ صَيْدًا حَيًّا، وَمَالَ مُسْلِمٍ يَأْكُلُ الصَّيْدَ لَا مَالَ الْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّ الصَّيْدَ حَرَامٌ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى، وَالْمَالُ حَرَامٌ حَقًّا لِلْعَبْدِ فَكَانَ التَّرْجِيحُ لِحَقِّ الْعَبْدِ لِافْتِقَارِهِ، وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ، وَعَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا مَنْ وَجَدَ طَعَامَ الْغَيْرِ لَا يُبَاحُ لَهُ الْمَيْتَةُ، وَهَكَذَا عَنْ ابْنِ سِمَاعَةَ وَبِشْرٍ أَنَّ الْغَضَبَ أَوْلَى مِنْ الْمَيْتَةِ، وَبِهِ أَخَذَ الطَّحَاوِيُّ، وَقَالَ الْكَرْخِيُّ هُوَ بِالْخِيَارِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَغَرِمَ بِأَكْلِهِ لَا مُحْرِمٌ آخَرُ) لِلْفَرْقِ بَيْنَهُمَا، وَهِيَ أَنَّ حُرْمَتَهُ عَلَى الذَّابِحِ مِنْ جِهَتَيْنِ كَوْنُهُ مَيْتَةً وَتَنَاوُلُهُ مَحْظُورٌ إحْرَامُهُ؛ لِأَنَّ إحْرَامَهُ هُوَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَلَا يُعْرَفُ مِنْهُ مُسْتَأْنَسٌ عِنْدَهُمْ) أَيْ فَإِذَا أَحْرَمَ أَحَدُهُمْ فَمَا دَامَ فِي بِلَادِهِ فَهُوَ صَيْدٌ فِي حَقِّهِ فَإِذَا خَرَجَ إلَى بِلَادٍ يَسْتَأْنِسُ فِيهَا حَلَّ لَهُ، تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: أَيْ فَهُوَ مَيْتَةٌ) ذَكَرَ فِي النَّهْرِ أَنَّهُ لَيْسَ مَيْتَةً حَقِيقَةً بَلْ حُكْمًا مُسْتَدِلًّا بِمَا يَأْتِي مِنْ تَقْدِيرِ الصَّيْدِ عَلَى أَكْلِ الْمَيْتَةِ وَجَعَلَ لِذَلِكَ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الْقُدُورِيِّ فَهُوَ مَيْتَةٌ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ (قَوْلُهُ: وَأَطْلَقَهُ فَشَمَلَ مَا إذَا كَانَ الْمُحْرِمُ الذَّابِحُ مُضْطَرًّا أَوْ لَا) ، وَكَذَا شَمَلَ مَا لَوْ كَانَ مُكْرَهًا أَوْ مُكْرَهًا قَالَ فِي اللُّبَابِ إذَا أَكْرَهَ مُحْرِمٌ مُحْرِمًا عَلَى قَتْلِ صَيْدٍ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَزَاءٌ كَامِلٌ، وَإِنْ أَكْرَهَ حَلَالٌ مُحْرِمًا فَالْجَزَاءُ عَلَى الْمُحْرِمِ، وَلَا شَيْءَ عَلَى الْحَلَالِ، وَلَوْ فِي صَيْدِ الْحَرَمِ، وَإِنْ أَكْرَهَ مُحْرِمٌ حَلَالًا عَلَى صَيْدٍ إنْ كَانَ فِي صَيْدِ الْحَرَمِ فَعَلَى الْمُحْرِمُ جَزَاءٌ كَامِلٌ، وَعَلَى الْحَلَالِ نِصْفُهُ، وَإِنْ كَانَ فِي صَيْدِ الْحِلِّ فَالْجَزَاءُ عَلَى الْمُحْرِمِ، وَإِنْ كَانَا حَلَالَيْنِ فِي صَيْدِ الْحَرَمِ إنْ تَوَعَّدَهُ بِقَتْلٍ كَانَ الْجَزَاءُ عَلَى الْآمِرِ، وَإِنْ تَوَعَّدَهُ بِحَبْسٍ كَانَتْ الْكَفَّارَةُ عَلَى الْمَأْمُورِ الْقَاتِلِ خَاصَّةً. اهـ. وَبَيَانُهُ فِي شَرْحِهِ. (قَوْلُهُ: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ تَرْجِيحُ مَا فِي الْفَتَاوَى) أَيْ تَرْجِيحُ مَا ذَكَرَهُ عَنْ الْفَتَاوَى الْخَانِيَّةِ عَلَى مَا قَدَّمَهُ عَنْ الْمَبْسُوطِ مِنْ أَنَّ الصَّيْدَ أَوْلَى مِنْ الْمَيْتَةِ (قَوْلُهُ: وَيُجِيزُهُ لَهُ مُكَفِّرًا) يَعْنِي قَالَ أَبُو يُوسُفَ يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ الْمُضْطَرِّ أَنْ يَصِيدَ وَيَأْكُلَ وَيُكَفِّرَ، وَهَذَا أَهْوَنُ؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ تَجْبُرُهُ، وَلَا جَابِرَ لِأَكْلِ الْمَيْتَةِ كَذَا فِي شَرْحِ ابْنِ الْمَلَكِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 39 الَّذِي أَخْرَجَ الصَّيْدَ عَنْ الْحِلِّيَّةِ وَالذَّابِحِ عَنْ الْأَهْلِيَّةِ فِي حَقِّ الذَّكَاةِ فَأُضِيفَتْ حُرْمَةُ التَّنَاوُلِ إلَى إحْرَامِهِ فَوَجَبَتْ عَلَيْهِ قِيمَةُ مَا أَكَلَهُ، وَأَمَّا الْمُحْرِمُ الْآخَرُ فَإِنَّمَا هِيَ حَرَامٌ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهُوَ كَوْنُهُ مَيْتَةً فَلَمْ يَتَنَاوَلْ مَحْظُورَ إحْرَامِهِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِأَكْلِ الْمَيْتَةِ سِوَى التَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ وَبِهَذَا انْدَفَعَ قَوْلُهُمَا بِعَدَمِ الْفَرْقِ قِيَاسًا عَلَى أَكْلِ الْمَيْتَةِ أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ مَا إذَا أَكَلَ مِنْهُ قَبْلَ أَدَاءِ الْجَزَاءِ أَوْ بَعْدَهُ لَكِنْ إنْ كَانَ قَبْلَهُ دَخَلَ ضَمَانُ مَا أَكَلَ فِي ضَمَانِ الصَّيْدِ فَلَا يَجِبُ لَهُ شَيْءٌ بِانْفِرَادِهِ، وَقَيَّدَ بِأَكْلِ الْمُحْرِمِ؛ لِأَنَّ الْحَلَالَ لَوْ ذَبَحَ صَيْدًا فِي الْحَرَمِ فَأَدَّى جَزَاءَهُ ثُمَّ أَكَلَ مِنْهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْجَزَاءِ لِفَوَاتِ الْأَمْنِ الثَّابِتِ بِالْحَرَمِ لِلصَّيْدِ لَا لِلَحْمِهِ، وَقَيَّدَ بِأَكْلِهِ أَيْ أَكْلِ لَحْمِهِ؛ لِأَنَّ مَأْكُولَ الْمُحْرِمِ لَوْ كَانَ بَيْضَ صَيْدٍ بَعْدَ مَا كَسَرَهُ، وَأَدَّى جَزَاءَهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْمُحِيطِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْجَزَاءِ فِيهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ أَصْلُ الصَّيْدِ وَبَعْدَ الْكَسْرِ انْعَدَمَ هَذَا الْمَعْنَى، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَيُكْرَهُ بَيْعُهُ فَإِنْ بَاعَهُ جَازَ وَيُجْعَلُ ثَمَنُهُ فِي الْفِدَاءِ إنْ شَاءَ، وَكَذَا شَجَرُ الْحَرَمِ وَاللَّبَنِ. اهـ. وَأَشَارَ إلَى أَنَّ مَأْكُولَهُ لَوْ كَانَ لَحْمَ جَزَاءِ الصَّيْدِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ قِيمَةَ مَا أَكَلَ بِالْأَوْلَى، وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ، وَأَرَادَ بِالْأَكْلِ الِانْتِفَاعَ بِلَحْمِهِ فَشَمَلَ مَا إذَا أَطْعَمَهُ لِكِلَابِهِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ، وَفِي الْمُحِيطِ مُحْرِمٌ وَهَبَ لِمُحْرِمٍ صَيْدًا فَأَكَلَهُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى الْآكِلِ ثَلَاثَةُ أَجْزِيَةٍ قِيمَةٌ لِلذَّبْحِ، وَقِيمَةٌ لِلْأَكْلِ الْمَحْظُورِ، وَقِيمَةٌ لِلْوَاهِبِ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ كَانَتْ فَاسِدَةً، وَعَلَى الْوَاهِبِ قِيمَتُهُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ عَلَى الْآكِلِ قِيمَتَانِ قِيمَةٌ لِلْوَاهِبِ، وَقِيمَةٌ لِلذَّبْحِ، وَلَا شَيْءَ لِلْأَكْلِ عِنْدَهُ. اهـ. وَهُوَ صَرِيحٌ فِي لُزُومِ قِيمَتَيْنِ عَلَى الْمُحْرِمِ بِقَتْلِ الصَّيْدِ الْمَمْلُوكِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ أَوَّلَ الْفَصْلِ. (قَوْلُهُ: وَحَلَّ لَهُ لَحْمُ مَا صَادَهُ حَلَالٌ وَذَبَحَهُ إنْ لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِصَيْدِهِ) لِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ الثَّابِتِ فِي الصَّحِيحَيْنِ «حِينَ اصْطَادَ، وَهُوَ حَلَالٌ حِمَارًا وَحْشِيًّا، وَأَتَى بِهِ لِمَنْ كَانَ مُحْرِمًا مِنْ الصَّحَابَةِ فَإِنَّهُمْ لَمَّا سَأَلُوهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يُجِبْ بِحِلِّهِ لَهُمْ حَتَّى سَأَلَهُمْ عَنْ مَوَانِعِ الْحِلِّ أَكَانَتْ مَوْجُودَةً أَمْ لَا فَقَالَ: - عَلَيْهِ السَّلَامُ - هَلْ مِنْكُمْ أَحَدٌ أَمَرَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا أَوْ أَشَارَ إلَيْهَا قَالُوا لَا فَقَالَ: كُلُوا» إذًا فَدَلَّ عَلَى حِلِّهِ لِلْمُحْرِمِ، وَلَوْ صَادَهُ الْحَلَالُ لِأَجْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مِنْ الْمَوَانِعِ أَنْ يُصَادَ لَهُمْ لَنَظَمَهُ فِي سِلْكِ مَا يُسْأَلُ عَنْهُ مِنْهَا قَيَّدَ بِعَدَمِ الدَّلَالَةِ وَالْأَمْرِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَدَ أَحَدَهُمَا مِنْ الْمُحْرِمِ لِلْحَلَالِ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ أَكْلُهُ عَلَى مَا هُوَ الْمُخْتَارُ، وَفِيهِ رِوَايَتَانِ وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ تَحْرِيمَهُ، وَقَالَ الْجُرْجَانِيُّ: لَا يَحْرُمُ وَغَلَّطَهُ الْقُدُورِيُّ وَاعْتَمَدَ رِوَايَةَ الطَّحَاوِيِّ وَظَاهِرُ مَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّ الرِّوَايَتَيْنِ فِي حُرْمَةِ الصَّيْدِ عَلَى الْحَلَالِ بِدَلَالَةِ الْمُحْرِمِ مَعَ أَنَّ ظَاهِرَ الْكُتُبِ أَنَّ الدَّلَالَةَ مِنْ الْمُحْرِمِ مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ لِلصَّيْدِ لَا عَلَى الصَّائِدِ الْحَلَالِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ عَطْفَهُمْ الْأَمْرَ عَلَى الدَّلَالَةِ هُنَا يُفِيدُ أَنَّهُ غَيْرُهَا، وَهُوَ مُؤَيِّدٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ الْفَصْلِ فَرَاجِعْهُ. (قَوْلُهُ: وَبِذَبْحِ الْحَلَالِ صَيْدَ الْحَرَمِ قِيمَةٌ يَتَصَدَّقُ بِهَا لَا صَوْمٌ) أَيْ وَتَجِبُ قِيمَةٌ بِذَبْحِ صَيْدِ الْحَرَمِ وَيَلْزَمُهُ التَّصَدُّقُ بِهَا، وَلَا يُجْزِئُهُ الصَّوْمُ؛ لِأَنَّ الصَّيْدَ اسْتَحَقَّ الْأَمْنَ بِسَبَبِ الْحَرَمِ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ، وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا فَأَفَادَ حُرْمَةَ التَّنْفِيرِ فَالْقَتْلُ أَوْلَى وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى وُجُوبِ الْجَزَاءِ بِقَتْلِهِ فَيَتَصَدَّقُ بِقِيمَتِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ، وَلَا يُجْزِئُهُ الصَّوْمُ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ فِيهِ بِاعْتِبَارِ الْمَحَلِّ، وَهُوَ الصَّيْدُ فَصَارَ كَغَرَامَةِ الْأَمْوَالِ بِخِلَافِ الْمُحْرِمِ فَإِنَّ الضَّمَانَ ثَمَّةَ جَزَاءُ الْفِعْلِ لَا جَزَاءُ الْمَحَلِّ، وَالصَّوْمُ يَصْلُحُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: فَأَدَّى جَزَاءَهُ ثُمَّ أَكَلَ مِنْهُ) التَّقْيِيدُ بِأَدَاءِ الْجَزَاءِ كَمَا وَقَعَ فِي الْفَتْحِ اتِّفَاقِيٌّ نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي النَّهْرِ، وَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّهُ لَيْسَ بِمَيْتَةٍ، وَهُوَ خِلَافُ مَا مَرَّ عَنْ غَايَةِ الْبَيَانِ، وَفِي شَرْحِ اللُّبَابِ اعْلَمْ أَنَّهُ صَرَّحَ غَيْرُ وَاحِدٍ كَصَاحِبِ الْإِيضَاحِ وَالْبَحْرِ الزَّاخِرِ وَالْبَدَائِعِ وَغَيْرِهِمْ بِأَنَّ ذَبْحَ الْحَلَالِ صَيْدَ الْحَرَمِ يَجْعَلُهُ مَيْتَةً لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ، وَإِنْ أَدَّى جَزَاءَهُ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِخِلَافٍ وَذَكَرَ قَاضِي خَانْ أَنَّهُ يُكْرَهُ أَكْلُهُ تَنْزِيهًا، وَفِي اخْتِلَافِ الْمَسَائِلِ اخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا ذَبَحَ الْحَلَالُ صَيْدًا فِي الْحَرَمِ فَقَالَ: مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ فَقَالَ: الْكَرْخِيُّ هُوَ مَيْتَةٌ، وَقَالَ غَيْرُهُ هُوَ مُبَاحٌ. اهـ. وَعِبَارَةُ مَتْنِ اللُّبَابِ إذَا ذَبَحَ مُحْرِمٌ أَوْ حَلَالٌ فِي الْحَرَمِ صَيْدًا فَذَبِيحَتُهُ مَيْتَةٌ عِنْدَنَا لَا يَحِلُّ أَكْلُهَا لَهُ، وَلَا لِغَيْرِهِ مِنْ مُحْرِمٍ أَوْ حَلَالٍ سَوَاءٌ اصْطَادَهُ هُوَ أَيْ ذَابِحُهُ أَوْ غَيْرُهُ مُحْرِمٌ أَوْ حَلَالٌ، وَلَوْ فِي الْحِلِّ فَلَوْ أَكَلَ الْمُحْرِمُ الذَّابِحُ مِنْهُ شَيْئًا قَبْلَ أَدَاءِ الضَّمَانِ أَوْ بَعْدَهُ فَعَلَيْهِ قِيمَةُ مَا أَكَلَ، وَلَوْ أَكَلَ مِنْهُ غَيْرُ الذَّابِحِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَوْ أَكَلَ الْحَلَالُ مِمَّا ذَبَحَهُ فِي الْحَرَمِ بَعْدَ الضَّمَانِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِلْأَكْلِ، وَلَوْ اصْطَادَ حَلَالٌ فَذَبَحَ لَهُ مُحْرِمٌ أَوْ اصْطَادَ مُحْرِمٌ فَذَبَحَ لَهُ حَلَالٌ فَهُوَ مَيْتَةٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ) أَيْ تَحْتَ قَوْلِ الْمَتْنِ، وَهُوَ قِيمَةُ الصَّيْدِ فِي مَقْتَلِهِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْهِبَةَ كَانَتْ فَاسِدَةً) رَأَيْت بِخَطِّ بَعْضِ الْفُضَلَاءِ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْهِبَةَ الْفَاسِدَةَ لَا تُفِيدُ الْمِلْكَ، وَأَمَّا عَلَى مُقَابِلِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا نَقَلَهُ الْعَلَائِيُّ فَرَاجِعْهُ. اهـ. قُلْتُ: وَفِيهِ أَنَّ الْهِبَةَ هُنَا بَاطِلَةٌ لَا يَمْلِكُهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ خَرَجَتْ عَنْ الْمَحَلِّيَّةِ لِسَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ كَمَا يَأْتِي عِنْدَ قَوْلِهِ وَبَطَلَ بَيْعُ الْمُحْرِمِ صَيْدًا أَوْ شِرَاؤُهُ تَأَمَّلْ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 40 كَفَّارَةٌ لَهُ وَلِصَرِيحِ النَّصِّ {أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا} [المائدة: 95] ، وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى نَفْيِ الصَّوْمِ لِيُفِيدَ أَنَّ الْهَدْيَ جَائِزٌ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مِثْلَ مَا جَنَى؛ لِأَنَّ جِنَايَتَهُ كَانَتْ بِالْإِرَاقَةِ، وَقَدْ أَتَى بِمِثْلِ مَا فَعَلَ، وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ لَا تُجْزِئُهُ الْإِرَاقَةُ، وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الْمَذْبُوحِ قَبْلَ الذَّبْحِ أَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ الصَّيْدِ فَعَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ تَكْفِيهِ الْإِرَاقَةُ، وَعَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ يَتَصَدَّقُ بِتَمَامِ الْقِيمَةِ، وَفِيمَا إذَا سُرِقَ الْمَذْبُوحُ فَعَلَى الظَّاهِرِ لَا يَجِبُ أَنْ يُقِيمَ غَيْرَهُ مَقَامَهُ، وَعَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ تَجِبُ الْإِقَامَةُ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِالْحَلَالِ لِيُفِيدَ أَنَّ حُكْمَ الْمُحْرِمِ فِي صَيْدِ الْحَرَمِ كَحُكْمِ الْحَلَالِ بِالْأَوْلَى وَالْقِيَاسُ أَنْ يَلْزَمَهُ جَزَاءَانِ لِوُجُودِ الْجِنَايَةِ فِي الْإِحْرَامِ وَالْحَرَمِ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَلْزَمُهُ جَزَاءٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْإِحْرَامِ أَقْوَى لِتَحْرِيمِهِ الْقَتْلَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ فَاعْتُبِرَ الْأَقْوَى وَأُضِيفَتْ الْحُرْمَةُ إلَيْهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا وَلِهَذَا وَجَبَ الْجَزَاءُ بِهِ لَا لِنَفْسِهِ، وَأَمَّا شَجَرُ الْحَرَمِ وَحَشِيشُهُ فَهُمَا فِيهِ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ قَيْدٌ احْتِرَازِيٌّ؛ لِأَنَّ الْمُحْرِمَ تَلْزَمُهُ قِيمَةٌ يُخَيَّرُ فِيهَا بَيْنَ الْهَدْيِ وَالْإِطْعَامِ وَالصَّوْمِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي النِّهَايَةِ فِي صَيْدِ الْمُحْرِمِ فِي الْحَرَمِ، وَقَيَّدَ بِذَبْحِ الْحَلَالِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ دَلَّ إنْسَانًا عَلَى صَيْدِ الْحَرَمِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَلَوْ كَانَ الْمَدْلُولُ مُحْرِمًا وَالْفَرْقُ بَيْنَ دَلَالَةِ الْمُحْرِمِ وَدَلَالَةِ الْحَلَالِ أَنَّ الْمُحْرِمَ الْتَزَمَ تَرْكَ التَّعَرُّضِ بِالْإِحْرَامِ فَلَمَّا دَلَّ تَرَكَ مَا الْتَزَمَهُ فَضَمِنَ كَالْمُودِعِ إذَا دَلَّ السَّارِقَ عَلَى الْوَدِيعَةِ، وَلَا الْتِزَامَ مِنْ الْحَلَالِ فَلَا ضَمَانَ بِهَا كَالْأَجْنَبِيِّ إذَا دَلَّ السَّارِقَ عَلَى مَالِ إنْسَانٍ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الضَّمَانَ عَلَى الْمُحْرِمِ جَزَاءُ الْفِعْلِ وَالدَّلَالَةُ فِعْلٌ، وَعَلَى الْحَلَالِ فِي صَيْدِ الْحَرَمِ جَزَاءُ الْمَحَلِّ، وَفِي الدَّلَالَةِ لَمْ يَتَّصِلْ بِالْمَحَلِّ شَيْءٌ، وَلَيْسَ مَقْصُودُهُ تَقْيِيدَ الضَّمَانِ بِالذَّبْحِ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ سَيُصَرِّحُ آخِرَ الْفَصْلِ أَنَّ مَنْ أَخْرَجَ ظَبْيَةَ الْحَرَمِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهَا. وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ: وَمَنْ أَخْرَجَ صَيْدًا مِنْ الْحَرَمِ يَرُدُّهُ إلَى مَأْمَنِهِ فَإِنْ أَرْسَلَهُ فِي الْحِلِّ ضَمِنَهُ؛ لِأَنَّهُ أَزَالَ أَمْنَهُ بِالْإِخْرَاجِ فَمَا لَمْ يُعِدْهُ إلَى مَأْمَنِهِ بِإِرْسَالِهِ فِي الْحَرَمِ لَا يَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ. اهـ. فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالذَّبْحِ إتْلَافُهُ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا، وَلَا فَرْقَ فِي الْإِتْلَافِ بَيْنَ الْمُبَاشَرَةِ وَالتَّسَبُّبِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ التَّسَبُّبُ عُدْوَانًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي صَيْدِ الْمُحْرِمِ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ هُنَا: وَلَوْ أَدْخَلَ الْمُحْرِمُ بَازِيًا فَأَرْسَلَهُ فَقَتَلَ حَمَامَ الْحَرَمِ لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّهُ أَقَامَ وَاجِبًا، وَمَا قَصَدَ الِاصْطِيَادَ فَلَمْ يَكُنْ مُتَعَدِّيًا فِي السَّبَبِ بَلْ كَانَ مَأْمُورًا بِهِ فَلَا يَضْمَنُ. انْتَهَى. فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ صَيْدَ الْحَرَمِ يُضْمَنُ بِالْمُبَاشَرَةِ وَبِالتَّسَبُّبِ وَوَضْعِ الْيَدِ حَتَّى لَوْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى صَيْدِ الْحَرَمِ فَتَلِفَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فَإِنَّهُ يَكُونُ ضَامِنًا كَمَا سَيَأْتِي صَرِيحًا فِي الْكِتَابِ وَالصَّيْدُ يُضْمَنُ عَلَى الْمُحْرِمِ بِهَذِهِ الثَّلَاثَةِ أَيْضًا وَيُزَادُ عَلَيْهَا رَابِعٌ، وَهُوَ الْإِعَانَةُ عَلَى قَتْلِهِ حَتَّى لَوْ أَحْرَمَ، وَفِي يَدِهِ حَقِيقَةً صَيْدٌ فَلَمْ يُرْسِلْهُ حَتَّى هَلَكَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ لَزِمَهُ جَزَاؤُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِحُكْمِ جُزْءِ صَيْدِ الْحَرَمِ كَبَيْضِهِ وَلَبَنِهِ، وَلَعَلَّهُ لِفَهْمِهِ مِنْ صَيْدِ الْحَرَمِ فَإِنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّ الْجُزْءَ مُعْتَبَرٌ بِالْكُلِّ فَإِذَا كَسَرَ بَيْضَ صَيْدِ الْحَرَمِ أَوْ جَرَحَهُ ضَمِنَ ثُمَّ رَأَيْت التَّصْرِيحَ فِي الْمُحِيطِ بِأَنَّ جِرَاحَتَهُ مَضْمُونَةٌ فَقَالَ: حَلَالٌ جَرَحَ صَيْدًا فِي الْحَرَمِ فَزَادَتْ قِيمَتُهُ مِنْ شَعْرٍ أَوْ بَدَنٍ ثُمَّ مَاتَ مِنْ الْجِرَاحَةِ فَعَلَيْهِ مَا نَقَصَتْهُ الْجِرَاحَةُ، وَقِيمَتُهُ يَوْمَ مَاتَ وَتَمَامُ تَفَارِيعِهِ فِيهِ، وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي صَيْدِ الْحَرَمِ فَشَمَلَ مَا إذَا كَانَ الصَّيْدُ فِي الْحَرَمِ وَالصَّائِدُ فِي الْحِلِّ أَوْ عَكْسِهِ، وَقَدْ صَرَّحُوا بِهِ. قَالَ فِي الْمُحِيطِ: ثُمَّ الصَّيْدُ إنَّمَا يَصِيرُ آمِنًا بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ بِإِحْرَامِ الصَّائِدِ وَبِدُخُولِ الصَّيْدِ الْحَرَمَ وَبِدُخُولِ الصَّائِدِ فِي الْحَرَمِ، وَفِي الْأَخِيرِ خِلَافُ زُفَرَ وَنَحْنُ نَقُولُ إنَّ الدَّاخِلَ لِلْحَرَمِ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الِاصْطِيَادُ مُطْلَقًا كَمَا يَحْرُمُ بِالْإِحْرَامِ وَالْعِبْرَةُ لِقَوَائِمِ الصَّيْدِ لَا لِرَأْسِهِ حَتَّى لَوْ كَانَ بَعْضُ قَوَائِمِهِ فِي الْحِلِّ وَرَأْسُهُ فِي الْحَرَمِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي قَتْلِهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: كَحُكْمِ الْحَلَالِ) أَيْ فِي وُجُوبِ الْقِيمَةِ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْمُحْرِمَ يَجُوزُ لَهُ الصَّوْمُ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ قَرِيبًا (قَوْلُهُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ قَيْدٌ احْتِرَازِيٌّ) أَيْ التَّقْيِيدُ بِالْحَلَالِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْمُحْرِمِ فَإِنَّ الْمُحْرِمَ مُخَيَّرٌ كَمَا مَرَّ مَتْنًا فِي أَوَّلِ هَذَا الْفَصْلِ بِخِلَافِ الْحَلَالِ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ الصَّوْمُ كَمَا عَلِمْت، وَفِي عَزْوِهِ الْمَسْأَلَةَ إلَى الْهِدَايَةِ إيهَامٌ أَنَّهَا لَمْ تُذْكَرْ هُنَا، وَفِي اللُّبَابِ، وَأَمَّا الصَّوْمُ فِي صَيْدِ الْحَرَمِ فَلَا يَجُوزُ لِلْحَلَالِ وَيَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ. اهـ. نَعَمْ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ أَوَّلَ الْفَصْلِ مُطْلَقَةٌ يُمْكِنُ تَقْيِيدُهَا بِصَيْدِ الْمُحْرِمِ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ فَلِذَا لَمْ يَعْزُ إلَيْهَا، وَفِي شَرْحِ اللُّبَابِ قَالَ فِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ: إنَّ الْإِطْعَامَ يُجْزِئُ فِي صَيْدِ الْحَرَمِ، وَلَا يَجُوزُ الصَّوْمُ عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ، وَعِنْدَ زُفَرَ يُجْزِئُ، وَفِي الْمُخْتَلِفِ لَا يَجُوزُ الصَّوْمُ بِالْإِجْمَاعِ قَالَ صَاحِبُ الْمَجْمَعِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي الصَّوْمِ عَنْ زُفَرَ رِوَايَتَانِ فَنَقَلَ كُلُّ وَاحِدٍ رِوَايَةً ثُمَّ هَذَا فِي الْحَلَالِ أَمَّا الْمُحْرِمُ فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الصَّوْمُ وَالْهَدْيُ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا اجْتَمَعَ حُرْمَةُ الْإِحْرَامِ وَالْحَرَمِ وَتَعَذَّرَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَجَبَ اعْتِبَارُ أَقْوَاهُمَا، وَهُوَ الْإِحْرَامُ فَأُضِيفَ إلَيْهِ وَرَتَّبَ عَلَيْهِ أَحْكَامَهُ ضَرُورَةً وَبِهِ صَرَّحَ فِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ فَقَالَ: أَمَّا الْمُحْرِمُ إذَا قَتَلَ فِي الْحَرَمِ فَإِنَّهُ تَتَأَدَّى كَفَّارَتُهُ بِالصَّوْمِ. اهـ وَتَمَامُهُ فِيهِ. (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ مَقْصُودُهُ تَقْيِيدَ الضَّمَانِ بِالذَّبْحِ إلَخْ) نَظَرَ فِيهِ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ بِتَقْدِيرِهِ يُسْتَغْنَى عَمَّا سَيَذْكُرُهُ بَعْدُ. اهـ. أَيْ فَالْمُرَادُ التَّقْيِيدُ بِقَرِينَةِ مَا يُصَرِّحُ بِهِ بَعْدُ، وَإِلَّا تَكَرَّرَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 41 أَنْ تَكُونَ جَمِيعُ قَوَائِمِهِ فِي الْحَرَمِ حَتَّى لَوْ كَانَ بَعْضُ قَوَائِمِهِ فِي الْحَرَمِ وَبَعْضُهَا فِي الْحِلِّ وَجَبَ الْجَزَاءُ بِقَتْلِهِ لِتَغْلِيبِ الْحَظْرِ عَلَى الْإِبَاحَةِ وَلِهَذَا لَوْ كَانَ الصَّيْدُ مُلْقًى عَلَى الْأَرْضِ فِي الْحِلِّ وَرَأْسُهُ فِي الْحَرَمِ وَجَبَ الْجَزَاءُ بِقَتْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقَائِمٍ فِي الْحِلِّ وَبَعْضُهُ فِي الْحَرَمِ وَبِمَا ذَكَرْنَا عُلِمَ أَنَّهُ لَوْ رَمَى إلَى صَيْدٍ مِنْ الْحِلِّ فِي الْحِلِّ غَيْرَ أَنَّ مَمَرَّ السَّهْمِ فِي الْحَرَمِ فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ حُكْمُ الْكَلْبِ وَالْبَازِي إذَا أَرْسَلَهُمَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِسْبِيجَابِيُّ، وَهَلْ الْمُعْتَبَرُ حَالَةُ الرَّمْيِ أَوْ الْإِصَابَةِ؟ . فَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ لَوْ رَمَى صَيْدًا فِي الْحِلِّ فَنَفَرَ الصَّيْدُ وَوَقَعَ السَّهْمُ فِي الْحَرَمِ قَالَ مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَا أَعْلَمُ. اهـ. وَذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ مِثْلَهُ فِي آخِرِ الْمَنَاسِكِ وَذَكَرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْجَزَاءُ؛ لِأَنَّهُ فِي الرَّمْيِ غَيْرُ مُرْتَكِبٍ لِلنَّهْيِ، وَلَكِنْ لَا يَحِلُّ تَنَاوُلُ ذَلِكَ الصَّيْدِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ الْمُسْتَثْنَاةُ مِنْ أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّ عِنْدَهُ الْمُعْتَبَرَ حَالَةُ الرَّمْيِ إلَّا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ خَاصَّةً فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي حِلِّ التَّنَاوُلِ حَالَةَ الْإِصَابَةِ احْتِيَاطًا؛ لِأَنَّ الْحِلَّ يَحْصُلُ بِالذَّكَاةِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ عِنْدَ الْإِصَابَةِ، وَعَلَى هَذَا إرْسَالُ الْكَلْبِ. اهـ. وَقَدْ اخْتَلَفَ كَلَامُهُ لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْبَدَائِعِ أَنَّهُ لَا جَزَاءَ عَلَيْهِ قِيَاسًا، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ فَيُحْمَلُ الِاخْتِلَافُ عَلَى الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ، وَفِي فَتَاوَى الْوَلْوَالِجِيِّ لَا يَجِبُ الْجَزَاءُ وَيُكْرَهُ أَكْلُهُ. اهـ. وَبِمَا ذَكَرْنَا عُلِمَ أَنَّ الصَّيْدَ لَوْ كَانَ عَلَى أَغْصَانِ شَجَرَةٍ مُتَدَلِّيَةٍ فِي الْحَرَمِ، وَأَصْلُ الشَّجَرَةِ فِي الْحِلِّ فَإِنْ قَتَلَهُ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الصَّيْدِ مَكَانُهُ لَا أَصْلُهُ، وَفِي حُرْمَةِ قَطْعِ الشَّجَرَةِ الْعِبْرَةُ لِلْأَصْلِ لَا لِلْأَغْصَانِ؛ لِأَنَّ الْأَغْصَانَ تَبَعٌ لِلشَّجَرَةِ، وَلَيْسَ الصَّيْدُ تَبَعًا لَهَا، وَهَكَذَا فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ كَوْنِ الصَّيْدِ فِي الْحَرَمِ أَنْ يَكُونَ فِي أَرْضِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْكَوْنُ فِي الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ طَائِرًا فِي الْحَرَمِ، وَلَيْسَ فِي الْأَرْضِ فَإِنَّهُ مِنْ صَيْدِ الْحَرَمِ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَهُ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران: 97] ، وَهَوَاءُ الْحَرَمِ كَالْحَرَمِ، وَأَمَّا مَسْأَلَةُ مَا إذَا رَمَى حَلَالٌ إلَى صَيْدٍ فَأَحْرَمَ ثُمَّ أَصَابَهُ أَوْ عَكْسُهُ فَصَرَّحُوا فِي آخِرِ الْجِنَايَاتِ بِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ وَقْتُ الرَّمْيِ، وَهُنَا فُرُوعٌ لَمْ أَرَهَا صَرِيحًا فِي كَلَامِ أَئِمَّتِنَا، وَإِنْ أَمْكَنَ اسْتِخْرَاجُهَا مِنْهُ. مِنْهَا لَوْ نَفَّرَ صَيْدًا فَهَلَكَ فِي حَالِ هَرَبِهِ وَنِفَارِهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ضَامِنًا، وَلَا يَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ حَتَّى يَسْكُنَ، وَمِنْهَا لَوْ صَاحَ عَلَى صَيْدٍ فَمَاتَ مِنْ صِيَاحِهِ يَضْمَنُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَاسَ عَلَى مَا إذَا صَاحَ عَلَى صَبِيٍّ فَمَاتَ، وَمِنْهَا مَا لَوْ رَمَى إلَى صَيْدٍ فَنَفَذَ فِيهِ السَّهْمُ فَأَصَابَ صَيْدًا آخَرَ فَقَتَلَهُمَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمَهُ جَزَاءَانِ؛ لِأَنَّ الْعَمْدَ وَالْخَطَأَ فِي هَذَا الْبَابِ سَوَاءٌ، وَهُمْ قَدْ صَرَّحُوا بِهِ فِي صَيْدِ الْحَرَمِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِحُكْمِ جُزْءِ صَيْدِ الْحَرَمِ إلَخْ) أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِلْحَلَالِ قَالَ فِي حَوَاشِي مِسْكِينٍ عَنْ الْحَمَوِيِّ هَذَا عَجِيبٌ مِنْهُ فَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي مَتْنِ النُّقَايَةِ حَيْثُ قَالَ: وَكَذَا ذَبْحُ الْحَلَالِ صَيْدَ الْحَرَمِ أَوْ حَلْبُهُ قَالَ: الشُّرَّاحُ أَيْ حَلْبُ الصَّيْدِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَةُ اللَّبَنِ. اهـ. قُلْتُ: وَكَذَا فِي مَتْنِ الْمُلْتَقَى. (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي حِلِّ التَّنَاوُلِ حَالَةَ الْإِصَابَةِ) تَقْيِيدُهُ بِحِلِّ التَّنَاوُلِ يَقْتَضِي أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ الْمَذْكُورَ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ لَا بِالنِّسْبَةِ إلَى وُجُوبِ الْجَزَاءِ، وَعَدَمِهِ مَعَ أَنَّ عِبَارَةَ الْبَدَائِعِ مُصَرِّحَةٌ بِأَنَّ وُجُوبَ الْجَزَاءِ اسْتِحْسَانٌ وَسَيَذْكُرُ الْمُؤَلِّفُ التَّوْفِيقَ بِالْحَمْلِ عَلَى الِاسْتِحْسَانِ فَيَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ مَبْنِيًّا عَلَى الِاسْتِحْسَانِ، وَهُوَ وُجُوبُ الْجَزَاءِ لَا حِلُّ التَّنَاوُلِ فَتَدَبَّرْ. وَعِبَارَةُ الْبَدَائِعِ هَكَذَا، وَلَوْ أَرْسَلَ كَلْبًا فِي الْحِلِّ عَلَى صَيْدٍ فِي الْحِلِّ فَأَتْبَعَهُ الْكَلْبُ فَأَخَذَهُ فِي الْحَرَمِ فَقَتَلَهُ لَا شَيْءَ عَلَى الْمُرْسِلِ، وَلَا يُؤْكَلُ الصَّيْدُ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي وُجُوبِ الضَّمَانِ لِحَالَةِ الْإِرْسَالِ إذْ هُوَ السَّبَبُ لِلضَّمَانِ وَالْإِرْسَالُ وَقَعَ مُبَاحًا فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الضَّمَانُ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ فِعْلَ الْكَلْبِ ذَبْحٌ لِلصَّيْدِ، وَإِنَّهُ حَصَلَ فِي الْحَرَمِ فَلَا يَحِلُّ أَكْلُهُ كَمَا لَوْ ذَبَحَهُ آدَمِيٌّ إذْ فِعْلُ الْكَلْبِ لَا يَكُونُ أَعْلَى مِنْ فِعْلِ الْآدَمِيِّ. وَلَوْ رَمَى صَيْدًا فِي الْحِلِّ فَنَفَّرَ الصَّيْدَ فَوَقَعَ السَّهْمُ بِهِ فِي الْحَرَمِ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَا أَعْلَمُ، وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجِبَ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ كَمَا فِي إرْسَالِ الْكَلْبِ وَخَاصَّةً عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ حَالَةُ الرَّمْيِ فِي الْمَسَائِلِ حَتَّى قَالَ فِيمَنْ رَمَى إلَى مُسْلِمٍ فَارْتَدَّ الْمَرْمِيُّ إلَيْهِ ثُمَّ أَصَابَهُ السَّهْمُ فَقَتَلَهُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الدِّيَةُ اعْتِبَارًا بِحَالَةِ الرَّمْيِ إلَّا أَنَّهُمْ اسْتَحْسَنُوا فَأَوْجَبُوا الْجَزَاءَ فِي الرَّمْيِ دُونَ الْإِرْسَالِ؛ لِأَنَّ الرَّمْيَ هُوَ الْمُؤَثِّرُ فِي الْإِصَابَةِ بِمَجْرَى الْعَادَةِ إنْ لَمْ يَتَخَلَّلْ بَيْنَ الرَّمْيِ وَالْإِصَابَةِ فِعْلُ فَاعِلٍ مُخْتَارٍ يَقْطَعُ نِسْبَةَ الْأَثَرِ إلَيْهِ شَرْعًا فَبَقِيَتْ الْإِصَابَةُ مُضَافَةً إلَيْهِ شَرْعًا فِي الْأَحْكَامِ فَصَارَ كَأَنَّهُ ابْتَدَأَ الرَّمْيَ بَعْدَ مَا حَصَلَ الصَّيْدُ فِي الْحَرَمِ، وَقَدْ تَخَلَّلَ بَيْنَ الْإِرْسَالِ وَالْأَخْذِ فِعْلُ فَاعِلٍ مُخْتَارٍ، وَهُوَ الْكَلْبُ فَمَنَعَ إضَافَةَ الْأَخْذِ إلَى الْمُرْسِلِ. اهـ. مُلَخَّصًا. (قَوْلُهُ: مِنْهَا لَوْ نَفَّرَ صَيْدَ إلَخْ) صَرَّحَ بِهَذَا وَبِالثَّالِثِ فِي اللُّبَابِ فِي أَوَائِلِ بَحْثِ الْجِنَايَةِ عَلَى الصَّيْدِ مَعَ فُرُوعٍ أُخَرَ فَرَاجِعْهُ ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ: وَلَوْ أَرْسَلَ بَازِيًا فِي الْحِلِّ فَدَخَلَ مِنْ غَيْرِ قَصْدِ مُرْسِلِهِ الْحَرَمَ فَقَتَلَ صَيْدًا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَوْ أَرْسَلَ كَلْبًا عَلَى ذِئْبٍ فِي الْحَرَمِ أَوْ نَصَبَ لَهُ شَبَكَةً فَأَصَابَ الْكَلْبُ صَيْدًا أَوْ وَقَعَ فِي الشَّبَكَةِ صَيْدٌ فَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِ أَيْ؛ لِأَنَّ قَصْدَهُ قَتْلُ الذِّئْبِ الَّذِي هُوَ حَلَالٌ لَهُ فَلَمْ يَكُنْ مُتَعَدِّيًا. اهـ. شَارِحٌ، وَلَوْ نَصَبَهَا لِلصَّيْدِ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ، وَلَوْ نَصَبَ خَيْمَةً فَتَعَلَّقَ بِهِ صَيْدٌ أَوْ حَفَرَ لِلْمَاءِ فَوَقَعَ فِيهِ صَيْدٌ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَلَوْ أَمْسَكَ حَلَالٌ صَيْدًا فِي الْحِلِّ، وَلَهُ فَرْخٌ فِي الْحَرَمِ فَمَاتَا ضَمِنَ الْفَرْخَ لَا الْأُمَّ. اهـ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 42 وَمِنْهَا إذَا حَفَرَ بِئْرًا فَهَلَكَ فِيهَا صَيْدُ الْحَرَمِ وَيَنْبَغِي أَنَّهُ إذَا كَانَ فِي مِلْكِهِ أَوْ مَوَاتٍ لَا ضَمَانَ، وَإِلَّا ضَمِنَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّسَبُّبَ يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّعَدِّي لِلْمَاءِ لَا يَضْمَنُ، وَإِنْ كَانَ لِلِاصْطِيَادِ يَضْمَنُ. وَمِنْهَا لَوْ جَرَحَ الْحَلَالُ صَيْدًا فِي الْحِلِّ ثُمَّ دَخَلَ الصَّيْدُ الْحَرَمَ فَجَرَحَهُ فَمَاتَ مِنْهَا وَيَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمَهُ قِيمَتُهُ مَجْرُوحًا كَمَا تَقَدَّمَ فِي صَيْدِ الْحَرَمِ، وَمِنْهَا لَوْ أَمْسَكَ صَيْدًا فِي الْحِلِّ، وَلَهُ فَرْخٌ فِي الْحَرَمِ فَمَاتَ الْفَرْخُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ضَامِنًا لِلْفَرْخِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ صَيْدِ الْحَرَمِ، وَقَدْ تَسَبَّبَ فِي مَوْتِهِ إنْ قُلْنَا إنَّ إمْسَاكَهُ. عَنْ فَرْخِهِ مَعْصِيَةٌ وَمِنْهَا لَوْ وَقَفَ عَلَى غُصْنٍ فِي الْحِلِّ، وَأَصْلُ الشَّجَرَةِ فِي الْحَرَمِ وَرَمَى إلَى صَيْدٍ فِي الْحِلِّ أَوْ كَانَ الْغُصْنُ فِي الْحَرَمِ وَالشَّجَرَةُ وَالصَّيْدُ فِي الْحِلِّ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْوَاقِفُ عَلَى الْغُصْنِ حُكْمُهُ كَحُكْمِ الطَّائِرِ إذَا كَانَ عَلَى الْغُصْنِ فَلَا ضَمَانَ فِي الْأُولَى وَضَمِنَ فِي الثَّانِيَةِ. وَمِنْهَا إذَا أَدْخَلَ شَيْئًا مِنْ الْجَوَارِحِ فَأَتْلَفَتْ شَيْئًا لَا بِصُنْعِهِ وَيَنْبَغِي أَنَّهُ إنْ لَمْ يُرْسِلْهُ فَأَتْلَفَ ضَمِنَ، وَأَمَّا إذَا أَرْسَلَهُ فَقَدْ قَدَّمْنَا عَنْ الْمُحِيطِ عَدَمَ الضَّمَانِ، وَمِنْهَا لَوْ رَأَى حَلَالٌ جَالِسٌ فِي الْحَرَمِ صَيْدًا فِي الْحِلِّ هَلْ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَعْدُوَ إلَيْهِ لِيَقْتُلَهُ فِي الْحِلِّ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الصَّيْدَ يَصِيرُ آمِنًا بِوَاحِدٍ مِنْ ثَلَاثَةٍ، وَقَدْ يُقَالُ لَمَّا خَرَجَ مِنْ الْحَرَمِ لَمْ يَبْقَ وَاحِدٌ مِنْ الثَّلَاثَةِ فَحَلَّ لَهُ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي حِلِّ سَعْيِهِ فِي الْحَرَمِ مَعَ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالسَّعْيِ أَمْنٌ، وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ وَغَيْرِهَا، وَمِقْدَارُ الْحَرَمِ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ سِتَّةُ أَمْيَالٍ، وَمِنْ الْجَانِبِ الثَّانِي اثْنَا عَشَرَ مِيلًا، وَمِنْ الْجَانِبِ الثَّالِثِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مِيلًا، وَمِنْ الْجَانِبِ الرَّابِعِ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ مِيلًا هَكَذَا قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ، وَهَذَا شَيْءٌ لَا يُعْرَفُ قِيَاسًا، وَإِنَّمَا يُعْرَفُ نَقْلًا. قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ: فِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ فَإِنَّ مِنْ الْجَانِبِ الثَّانِي مِيقَاتَ الْعُمْرَةِ، وَهُوَ التَّنْعِيمُ، وَهَذَا قَرِيبٌ مِنْ ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ. اهـ. وَذَكَرَ الْإِمَامُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ أَنَّ حَدَّهُ مِنْ جِهَةِ الْمَدِينَةِ دُونَ التَّنْعِيمِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ مِنْ مَكَّةَ، وَمِنْ طَرِيقِ الْيَمَنِ عَلَى سَبْعَةِ أَمْيَالٍ مِنْ مَكَّةَ، وَمِنْ طَرِيقِ الطَّائِفِ عَلَى عَرَفَاتٍ مِنْ بَطْنِ نَمِرَةَ عَلَى سَبْعَةِ أَمْيَالٍ، وَمِنْ طَرِيقِ الْعِرَاقِ عَلَى ثَنِيَّةِ جَبَلٍ بِالْمَقْطَعِ عَلَى سَبْعَةِ أَمْيَالٍ، وَمِنْ طَرِيقِ الْجِعْرَانَةِ فِي شُعَبِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ عَلَى تِسْعَةِ أَمْيَالٍ، وَمِنْ طَرِيقِ جُدَّةَ عَلَى عَشَرَةِ أَمْيَالٍ مِنْ مَكَّةَ، وَإِنَّ عَلَيْهِ عَلَامَاتٍ مَنْصُوبَةً فِي جَمِيعِ جَوَانِبِهِ نَصَبَهَا إبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَكَانَ جِبْرِيلُ يُرِيهِ مَوَاضِعَهَا ثُمَّ أُمِرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِتَجْدِيدِهَا ثُمَّ عُمَرُ ثُمَّ عُثْمَانُ ثُمَّ مُعَاوِيَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَهِيَ إلَى الْآنَ بَيِّنَةٌ، وَقَدْ جَمَعَهَا الْقَاضِي أَبُو الْفَضْلِ النَّوْبَرِيُّ فَقَالَ: وَلِلْحَرَمِ التَّحْدِيدُ مِنْ أَرْضِ طِيبَةَ ... ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ إذَا رُمْت إتْقَانَهُ وَسَبْعَةُ أَمْيَالٍ عِرَاقٍ وَطَائِفٍ ... وَجُدَّةَ عَشْرٌ ثُمَّ تِسْعٌ جِعْرَانَةٌ وَمِنْ يَمَنٍ سَبْعٌ بِتَقْدِيمِ سِينِهَا ... وَقَدْ كَمَّلْت فَاشْكُرْ لِرَبِّك إحْسَانَهُ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي أَنَّ مَكَّةَ مَعَ حَرَمِهَا هَلْ صَارَتْ حَرَمًا آمِنًا بِسُؤَالِ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَمْ كَانَتْ قَبْلَهُ كَذَلِكَ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا مَا زَالَتْ مُحَرَّمَةً مِنْ حِينِ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ. اهـ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمَدِينَةِ حَرَمٌ عِنْدَنَا فَيَجُوزُ الِاصْطِيَادُ فِيهَا، وَقَطْعُ أَشْجَارِهَا، وَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهَا صَرِيحَةٌ فِي تَحْرِيمِ الْمَدِينَةِ كَمَكَّةَ، وَأَوَّلُهَا أَصْحَابُنَا بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّحْرِيمِ التَّعْظِيمُ وَيَرُدُّهُ مَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: إنِّي حَرَّمْت الْمَدِينَةَ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا لَا تُقْطَعُ أَغْصَانُهَا، وَلَا يُصَادُ صَيْدُهَا» فَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ لَهَا حَرَمًا كَمَكَّةَ فَلَا يَجُوزُ قَطْعُ شَجَرِهَا، وَلَا الِاصْطِيَادُ فِيهَا وَالْأَحْسَنُ الِاسْتِدْلَال بِحَدِيثِ أَنَسٍ الثَّابِتِ فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ كَانَ لَهُ أَخٌ صَغِيرٌ يُقَالُ لَهُ أَبُو عُمَيْرٍ، وَكَانَ لَهُ نُغَيْرٌ يَلْعَبُ بِهِ فَمَاتَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَمِنْهَا إذَا حَفَرَ بِئْرًا فَهَلَكَ فِيهَا صَيْدُ الْحَرَمِ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَفِي بَعْضِهَا زِيَادَةٌ، وَهِيَ وَيَنْبَغِي أَنَّهُ إنْ كَانَ فِي مِلْكِهِ أَوْ مَوَاتٍ لَا ضَمَانَ، وَإِلَّا ضَمِنَ (قَوْلُهُ: ثُمَّ دَخَلَ الصَّيْدُ الْحَرَمَ فَجَرَحَهُ فَمَاتَ مِنْهَا) كَذَا فِي هَذِهِ النُّسْخَةِ مُوَافِقًا لِمَا فِي النَّهْرِ، وَفِي عِدَّةِ نُسَخٍ غَيْرِهَا بِدُونِ فَجَرَحَهُ وَالظَّاهِرُ مَا هُنَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَمِنْهَا لَوْ أَمْسَكَ صَيْدًا فِي الْحِلِّ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُعْرَفُ مِمَّا مَرَّ فِيمَا لَوْ غَلَقَا الْبَابَ عَلَى صَيْدٍ فَمَاتَ عَطَشًا. اهـ. قُلْتُ: وَكَذَا مِنْ مَسْأَلَةِ مَا لَوْ نَفَّرَ صَيْدًا عَنْ بَيْضِهِ ثُمَّ رَأَيْت الْمَسْأَلَةَ مُصَرَّحًا بِهَا فِي مَتْنِ اللُّبَابِ فَقَالَ: لَوْ مَاتَا ضَمِنَ الْفَرْخَ لَا الْأُمَّ (قَوْلُهُ: إنْ قُلْنَا إنَّ إمْسَاكَهُ عَنْ فَرْخِهِ مَعْصِيَةٌ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ عَنْ الْحِلِّ بَدَلُ قَوْلِهِ عَنْ فَرْخِهِ، وَلَمْ يَظْهَرْ لِي مَعْنَاهُ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِذَلِكَ لِمَا قَدَّمَهُ أَنَّ السَّبَبَ كَالْمُبَاشَرَةِ بِشَرْطِ كَوْنِهِ عُدْوَانًا (قَوْلُهُ: وَمِنْهَا لَوْ وَقَفَ عَلَى غُصْنٍ فِي الْحِلِّ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ فِي السِّرَاجِ لَوْ كَانَ الرَّامِي فِي الْحَرَمِ وَالصَّيْدُ فِي الْحِلِّ أَوْ عَلَى الْعَكْسِ فَهُوَ مِنْ صَيْدِ الْحَرَمِ، وَلَوْ رَمَى إلَى صَيْدٍ فِي الْحِلِّ فَنَفَّرَ فَأَصَابَهُ فِي الْحَرَمِ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ، وَلَوْ أَصَابَهُ فِي الْحِلِّ، وَمَاتَ فِي الْحَرَمِ يَحِلُّ أَكْلُهُ قِيَاسًا وَيُكْرَهُ اسْتِحْسَانًا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَمِنْهَا لَوْ رَأَى حَلَالٌ جَالِسٌ فِي الْحَرَمِ إلَخْ) قَالَ: فِي النَّهْرِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَوَقَّفَ فِي الْجَوَازِ إذْ لَا مَنْعَ ثَمَّةَ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ يَمَنٍ سَبْعٌ إلَى آخِرِ الْبَيْتِ) قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة وَلَوْ قِيلَ، وَمِنْ يَمَنٍ سَبْعُ عِرَاقٍ وَطَائِفٍ وَجُدَّةَ عَشْرٌ ثُمَّ تِسْعٌ جِعْرَانَةُ لَاسْتَغْنَى عَنْ الْبَيْتِ الثَّالِثِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 43 النُّغَيْرُ فَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ يَا أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ» ، وَلَوْ كَانَ لِلْمَدِينَةِ حَرَمٌ لَكَانَ إرْسَالُهُ وَاجِبًا عَلَيْهِ، وَلَأَنْكَرَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي إمْسَاكِهِ، وَلَا يُمَازِحُهُ، وَأَجَابَ فِي الْمُحِيطِ عَنْ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي أَنَّ لَهَا حَرَمًا أَنَّهَا مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى؛ لِأَنَّ الشَّجَرَ لِلْمَدِينَةِ أَمْرٌ تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى وَخَبَرُ الْوَاحِدِ إذَا وَرَدَ فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى لَا يُقْبَلُ إذْ لَوْ كَانَ صَحِيحًا لَاشْتُهِرَ نَقْلُهُ فِيمَا عَمَّ بِهِ الْبَلْوَى. اهـ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ دَخَلَ الْحَرَمَ بِصَيْدٍ أَرْسَلَهُ) أَيْ فَعَلَيْهِ أَنْ يُطْلِقَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا حَصَلَ فِي الْحَرَمِ وَجَبَ تَرْكُ التَّعَرُّضِ لِحُرْمَةِ الْحَرَمِ إذْ هُوَ صَارَ مِنْ صَيْدِ الْحَرَمِ فَاسْتَحَقَّ الْأَمْنَ أَرَادَ بِهِ مَا إذَا دَخَلَ بِهِ، وَهُوَ مُمْسِكٌ لَهُ بِيَدِهِ الْجَارِحَةِ؛ لِأَنَّهُ سَيُصَرِّحُ بِأَنَّهُ إذَا أَحْرَمَ، وَفِي بَيْتِهِ أَوْ فِي قَفَصِهِ صَيْدٌ لَا يُرْسِلُهُ فَكَذَلِكَ إذَا دَخَلَ الْحَرَمَ، وَمَعَهُ صَيْدٌ فِي قَفَصِهِ لَا فِي يَدِهِ لَا يُرْسِلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فَالْحَاصِلُ أَنَّ مَنْ أَحْرَمَ، وَفِي يَدِهِ صَيْدٌ حَقِيقَةً أَوْ دَخَلَ الْحَرَمِ كَذَلِكَ وَجَبَ إرْسَالُهُ، وَإِنْ كَانَ فِي بَيْتِهِ أَوْ قَفَصِهِ لَا يَجِبُ إرْسَالُهُ فِيهِمَا فَنَبَّهَ بِمَسْأَلَةِ دُخُولِ الْحَرَمِ هُنَا عَلَى مَسْأَلَةِ الْمُحْرِمِ وَنَبَّهَ بِمَسْأَلَةِ الْمُحْرِمِ الْآتِيَةِ عَلَى مَسْأَلَةِ الْحَرَمِ، وَعَمَّمَ الدَّاخِلَ لِيَشْمَلَ الْحَلَالَ وَالْمُحْرِمَ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ إرْسَالِهِ تَسْيِيبَهُ؛ لِأَنَّ تَسَيُّبَ الدَّابَّةِ حَرَامٌ بَلْ يُطْلِقُهُ عَلَى وَجْهٍ لَا يَضِيعُ، وَلَا يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ بِهَذَا الْإِرْسَالِ حَتَّى لَوْ خَرَجَ إلَى الْحِلِّ فَلَهُ أَنْ يُمْسِكَهُ، وَلَوْ أَخَذَهُ إنْسَانٌ يَسْتَرِدُّهُ، وَأَطْلَقَ فِي الصَّيْدِ فَشَمَلَ مَا إذَا كَانَ مِنْ الْجَوَارِحِ أَوْ لَا فَلَوْ دَخَلَ الْحَرَمَ، وَمَعَهُ بَازِي فَأَرْسَلَهُ فَقَتَلَ حَمَامَ الْحَرَمِ فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا هُوَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ، وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ بَاعَهُ رَدَّ الْبَيْعَ إنْ بَقِيَ، وَإِنْ فَاتَ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ) ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَمْ يَجُزْ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّعَرُّضِ لِلصَّيْدِ وَذَلِكَ حَرَامٌ، وَلَزِمَهُ الْجَزَاءُ بِفَوْتِهِ لِتَفْوِيتِ الْأَمْنِ الْمُسْتَحَقِّ، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ رَدَّ الْبَيْعَ إلَى أَنَّهُ فَاسِدٌ لَا بَاطِلٌ، وَأَطْلَقَ فِي بَيْعِهِ فَشَمَلَ مَا إذَا بَاعَهُ فِي الْحَرَمِ أَوْ بَعْدَ مَا أَخْرَجَهُ إلَى الْحِلِّ؛ لِأَنَّهُ صَارَ بِالْإِدْخَالِ مِنْ صَيْدِ الْحَرَمِ فَلَا يَحِلُّ إخْرَاجُهُ إلَى الْحِلِّ بَعْدَ ذَلِكَ، وَقَيَّدَ بِكَوْنِ الصَّيْدِ دَاخِلَ الْحَرَمِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي الْحِلِّ وَالْمُتَبَايِعَانِ فِي الْحَرَمِ فَإِنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَنَعَهُ مُحَمَّدٌ قِيَاسًا عَلَى مَنْعِ رَمْيِهِ مِنْ الْحَرَمِ إلَى صَيْدٍ فِي الْحِلِّ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَفَرَّقَ الْإِمَامُ بِأَنَّ الْبَيْعَ لَيْسَ بِتَعَرُّضٍ لَهُ حِسًّا بَلْ حُكْمًا، وَلَيْسَ هُوَ بِأَبْلَغَ مِنْ أَمْرِهِ بِذَبْحِ هَذَا الصَّيْدِ بِخِلَافِ مَا لَوْ رَمَاهُ مِنْ الْحَرَمِ لِلِاتِّصَالِ الْحِسِّيِّ هَذَا مَا ذَكَرَ الشَّارِحُونَ، وَفِي الْمُحِيطِ خِلَافُهُ فَإِنَّهُ قَالَ: لَوْ أَخْرَجَ ظَبْيَةً مِنْ الْحَرَمِ فَبَاعَهَا أَوْ ذَبَحَهَا أَوْ أَكَلَهَا جَازَ الْبَيْعُ وَالْأَكْلُ وَيُكْرَهُ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مَمْلُوكٌ؛ لِأَنَّ قِيَامَ يَدِهِ عَلَى الصَّيْدِ، وَهُمَا فِي الْحِلِّ يُفِيدُ الْمِلْكَ لَهُ فِي الصَّيْدِ كَمَا لَوْ أَثْبَتَ الْيَدَ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً إلَّا أَنَّ لِلَّهِ تَعَالَى فِيهِ حَقًّا، وَهُوَ رَدُّهُ إلَى الْحَرَمِ لَكِنَّ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْعَيْنِ لَا يَمْنَعُ جَوَازَ الْبَيْعِ كَبَيْعِ مَالِ الزَّكَاةِ وَالْأُضْحِيَّةِ. اهـ. فَقَوْلُهُ فِي الْمُخْتَصَرِ: فَإِنْ بَاعَهُ أَيْ الصَّيْدَ، وَهُوَ فِي الْحَرَمِ لَا مُطْلَقًا. (قَوْلُهُ: وَمَنْ أَحْرَمَ، وَفِي بَيْتِهِ أَوْ قَفَصِهِ صَيْدٌ لَا يُرْسِلُهُ) أَيْ لَا يَجِبُ إطْلَاقُهُ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يُحْرِمُونَ، وَفِي بُيُوتِهِمْ صُيُودٌ وَدَوَاجِنُ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُمْ إرْسَالُهَا وَبِذَلِكَ جَرَتْ الْعَادَةُ الْفَاشِيَةُ، وَهِيَ مِنْ إحْدَى الْحُجَجِ؛ وَلِأَنَّ الْوَاجِبَ عَدَمُ التَّعَرُّضِ، وَهُوَ لَيْسَ بِمُتَعَرِّضٍ مِنْ جِهَتِهِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: بَلْ يُطْلِقُهُ عَلَى وَجْهٍ لَا يَضِيعُ) سَيَأْتِي تَفْسِيرُهُ بِأَنْ يُرْسِلَهُ فِي بَيْتٍ أَوْ يُودِعَهُ عِنْدَ إنْسَانٍ. (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَإِنْ بَاعَهُ إلَخْ) قَالَ فِي اللُّبَابِ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمُحْرِمِ صَيْدًا فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ أَيْ سَوَاءٌ كَانَ فِي يَدِهِ أَوْ قَفَصِهِ أَوْ مَنْزِلِهِ، وَلَا بَيْعُ الْحَلَالِ فِي الْحَرَمِ، وَلَا شِرَاؤُهُمَا مِنْ مُحْرِمٍ، وَلَا حَلَالٍ فَإِنْ بَاعَهُ أَوْ ابْتَاعَهُ فَهُوَ بَاطِلٌ سَوَاءٌ كَانَ حَيًّا أَوْ مَذْبُوحًا فِي الْإِحْرَامِ أَوْ الْحَرَمِ، وَلَوْ هَلَكَ الصَّيْدُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَإِنْ كَانَا مُحْرِمَيْنِ أَوْ حَلَالَيْنِ فِي الْحَرَمِ لَزِمَهُمَا الْجَزَاءُ، وَإِنْ كَانَا فِي الْحِلِّ فَعَلَى الْمُحْرِمِ مِنْهُمَا، وَلَوْ وَهَبَهُ لِمُحْرِمٍ فَهَلَكَ عِنْدَهُ فَعَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ جَزَاءُ الصَّيْدِ وَضَمَانٌ لِصَاحِبِهِ أَيْ لِفَسَادِ الْهِبَةِ، وَلَوْ أَكَلَهُ فَعَلَيْهِ جَزَاءٌ ثَالِثٌ، وَعَلَى الْوَاهِبِ جَزَاءٌ وَاحِدٌ، وَلَوْ أَخْرَجَ صَيْدًا مِنْ الْحَرَمِ فَبَاعَهُ فِي الْحِلِّ مِنْ مُحْرِمٍ أَوْ حَلَالٍ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ، وَكَذَا لَوْ أَدْخَلَ صَيْدَ الْحِلِّ الْحَرَمِ ثُمَّ أَخْرَجَهُ، وَبَاعَهُ وَلَوْ وَكَّلَ مُحْرِمٌ حَلَالًا بِبَيْعِ صَيْدٍ جَازَ، وَلَوْ وَكَّلَ حَلَالٌ حَلَالًا ثُمَّ أَحْرَمَ الْمُوَكِّلُ قَبْلَ الْقَبْضِ جَازَ أَيْضًا، وَلَوْ بَاعَ صَيْدًا لَهُ فِي الْحِلِّ، وَهُوَ فِي الْحَرَمِ جَازَ، وَلَكِنْ يُسَلِّمُهُ بَعْدَ الْخُرُوجِ إلَى الْحِلِّ، وَلَوْ تَبَايَعَا صَيْدًا فِي الْحِلِّ ثُمَّ أَحْرَمَا فَوَجَدَ الْمُشْتَرِي بِهِ عَيْبًا رَجَعَ بِالنُّقْصَانِ، وَلَيْسَ لَهُ الرَّدُّ، وَلَوْ بَاعَ حَلَالَانِ صَيْدًا فَأَحْرَمَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ انْفَسَخَ الْبَيْعُ وَتَمَامُهُ فِيهِ وَسَيَأْتِي بَعْضُ هَذَا (قَوْلُهُ: إلَى أَنَّهُ فَاسِدٌ لَا بَاطِلٌ) نَقَلَ التَّصْرِيحَ بِالْفَسَادِ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة عَنْ الْكَافِي وَالتَّبْيِينِ (قَوْلُهُ: وَفِي الْمُحِيطِ خِلَافُهُ إلَخْ) جَزَمَ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ مَا فِي الْمُحِيطِ ضَعِيفٌ مُوَافَقَةً لِرِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ رَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي رَجُلٍ أَخْرَجَ صَيْدًا مِنْ الْحَرَمِ إلَى الْحِلِّ أَنَّ ذَبْحَهُ وَالِانْتِفَاعَ بِلَحْمِهِ لَيْسَ بِمُحَرَّمٍ سَوَاءٌ أَدَّى جَزَاءَهُ أَوْ لَمْ يُؤَدِّ غَيْرَ أَنِّي أَكْرَهُ هَذَا الصُّنْعَ فَإِنْ بَاعَهُ وَاسْتَعَانَ بِقِيمَتِهِ فِي جَزَائِهِ جَازَ. اهـ. وَانْظُرْ مِنْ أَيْنَ يُسْتَفَادُ ضَعْفُهُ مِنْ كَلَامِ الْبَدَائِعِ مَعَ أَنَّهُ جَزَمَ بِهِ فِي الْخَانِيَّةِ فَقَالَ: وَلَوْ ذَبَحَ هَذَا الصَّيْدَ قَبْلَ التَّكْفِيرِ أَوْ بَعْدَهُ كُرِهَ أَكْلُهُ تَنْزِيهًا، وَلَوْ اسْتَعَانَ بِثَمَنِهِ فِي الْجَزَاءِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ وَيَجُوزُ بِهِ الِانْتِفَاعُ لِلْمُشْتَرِي. (قَوْلُهُ: فَإِنْ بَاعَهُ) أَيْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 44 ؛ لِأَنَّهُ مَحْفُوظٌ بِالْبَيْتِ وَالْقَفَصِ لَا بِهِ غَيْرَ أَنَّهُ فِي مِلْكِهِ، وَلَوْ أَرْسَلَهُ فِي مَفَازَةٍ فَهُوَ عَلَى مِلْكِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ بِبَقَاءِ الْمِلْكِ أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ مَا إذَا كَانَ الْقَفَصُ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْقَفَصِ لَا فِي يَدِهِ بِدَلِيلِ جَوَازِ أَخْذِ الْمُصْحَفِ بِغِلَافِهِ لِلْمُحْدِثِ، وَقِيلَ يَلْزَمُهُ إرْسَالُهُ عَلَى وَجْهٍ لَا يَضِيعُ بِأَنْ يُرْسِلَهُ فِي بَيْتٍ أَوْ يُودِعَهُ عِنْدَ إنْسَانٍ بِنَاءً عَلَى كَوْنِهِ فِي يَدِهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَصِيرُ غَاصِبًا لَهُ بِغَصْبِ الْقَفَصِ، وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِ فِي بَيْتِهِ أَوْ قَفَصِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بِيَدِهِ الْجَارِحَةِ لَزِمَهُ إرْسَالُهُ اتِّفَاقًا فَلَوْ هَلَكَ، وَهُوَ فِي يَدِهِ لَزِمَهُ الْجَزَاءُ، وَإِنْ كَانَ مَالِكًا لَهُ لِلْجِنَايَةِ عَلَى الْإِحْرَامِ بِإِمْسَاكِهِ، وَفِي الْمُغْرِبِ شَاةٌ دَاجِنٌ أَلِفَتْ الْبُيُوتَ، وَعَنْ الْكَرْخِيِّ الدَّوَاجِنُ خِلَافُ السَّائِمَةِ. اهـ. فَالْمُرَادُ بِالصَّيْدِ نَحْوُ الصَّقْرِ وَالشَّاهِينِ وَبِالدَّوَاجِنِ نَحْوُ الْغَزَالَةِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَخَذَ حَلَالٌ صَيْدًا فَأَحْرَمَ ضَمِنَ مُرْسِلُهُ) يَعْنِي عِنْدَ الْإِمَامِ وَقَالَا لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الْمُرْسِلَ آمِرٌ بِالْمَعْرُوفِ نَاهٍ عَنْ الْمُنْكَرِ، وَ {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: 91] ، وَلَهُ أَنَّهُ مَلَكَ الصَّيْدَ بِالْأَخْذِ مِلْكًا مُحْتَرَمًا فَلَا يَبْطُلُ احْتِرَامُهُ بِإِحْرَامِهِ، وَقَدْ أَتْلَفَهُ الْمُرْسِلُ فَيَضْمَنُهُ وَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ تَرْكُ التَّعَرُّضِ وَيُمْكِنُهُ ذَلِكَ بِأَنْ يُخَلِّيَهُ فِي بَيْتِهِ فَإِذَا قَطَعَ يَدَهُ عَنْهُ كَانَ مُتَعَدِّيًا قَالَ: فِي الْهِدَايَةِ وَنَظِيرُهُ الِاخْتِلَافُ فِي كَسْرِ الْمَعَازِفِ. اهـ. وَهُوَ يَقْتَضِي أَنْ يُفْتَى بِقَوْلِهِمَا هُنَا؛ لِأَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا فِي عَدَمِ الضَّمَانِ بِكَسْرِ الْمَعَازِفِ. اهـ. وَهِيَ آلَاتُ اللَّهْوِ كَالطُّنْبُورِ، أَطْلَقَ فِي الْإِرْسَالِ فَشَمَلَ مَا إذَا أَرْسَلَهُ مِنْ يَدِهِ الْحَقِيقِيَّةِ أَوْ الْحُكْمِيَّةِ أَيْ مِنْ بَيْتِهِ لَكِنْ يَضْمَنُهُ فِي الثَّانِي اتِّفَاقًا كَذَا فِي شَرْحِ ابْنِ الْمَلَكِ لِلْمَجْمَعِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَخَذَهُ مُحْرِمٌ لَا يَضْمَنُ) أَيْ لَا يَضْمَنُ مُرْسِلُهُ مِنْ يَدِهِ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ بِالْأَخْذِ؛ لِأَنَّ الْمُحْرِمَ لَا يَمْلِكُ الصَّيْدَ بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ؛ لِأَنَّهُ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ فَصَارَ كَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ كَذَا قَالُوا، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ بَاعَهُ الْمُحْرِمُ فَبَيْعُهُ غَيْرُ مُنْعَقِدٍ أَصْلًا، وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْمُحِيطِ بِفَسَادِ الْبَيْعِ، وَالْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِمْ الْمُحْرِمُ لَا يَمْلِكُ الصَّيْدَ بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ الِاخْتِيَارِيَّةِ كَالشِّرَاءِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْوَصِيَّةِ، وَأَمَّا السَّبَبُ الْجَبْرِيُّ فَيَمْلِكُهُ بِهِ كَمَا إذَا وَرِثَ مِنْ قَرِيبِهِ صَيْدًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحِيطِ، وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَوْ أَرْسَلَهُ الْمُحْرِمُ فَأَخَذَهُ حَلَالٌ ثُمَّ حَلَّ مُرْسِلُهُ فَإِنَّهُ يَأْخُذُهُ مُرْسِلُهُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى مِمَّنْ هُوَ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ، وَلَا يَأْخُذُهُ فِي الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَالِكًا أَصْلًا. (قَوْلُهُ: فَإِنْ قَتَلَهُ مُحْرِمٌ آخَرُ ضَمِنَا وَرَجَعَ آخِذُهُ عَلَى قَاتِلِهِ) لِوُجُودِ الْجِنَايَةِ مِنْهُمَا الْآخِذُ بِالْأَخْذِ وَالْقَاتِلُ بِالْقَتْلِ فَلَزِمَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَزَاءٌ كَامِلٌ وَرَجَعَ الْآخِذُ عَلَى الْقَاتِلِ بِمَا غَرِمَ؛ لِأَنَّ أَدَاءَ الضَّمَانِ يُوجِبُ ثُبُوتَ الْمِلْكِ فِي الْمَضْمُونِ بِالْأَخْذِ السَّابِقِ، وَقَدْ تَعَذَّرَ إظْهَارُهُ فِي عَيْنِ الصَّيْدِ فَأَظْهَرْنَاهُ فِي بَدَلِهِ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْمِلْكِ فِي حَقِّ الرُّجُوعِ بِبَدَلِهِ كَمَنْ غَصَبَ مُدَبَّرًا، وَقَتَلَهُ إنْسَانٌ فِي يَدِهِ يَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَ عَلَى الْقَاتِلِ، وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ الْمُدَبَّرَ فَكَذَا هَذَا بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمُدَبَّرَ لَا يَمْلِكُ بِسَبَبٍ مَا وَالْمُحْرِمُ يَمْلِكُ الصَّيْدَ بِسَبَبِ الْإِرْثِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِكَوْنِ الْقَاتِلِ مُحْرِمًا آخَرَ لِقَوْلِهِ ضَمِنَا فَإِنَّ الْقَاتِلَ لَوْ كَانَ حَلَالًا فَإِنْ كَانَ الصَّيْدُ فِي الْحَرَمِ لَزِمَهُ الْجَزَاءُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ صَيْدِ الْحِلِّ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ بِالْقَتْلِ لَكِنْ يَرْجِعُ عَلَيْهِ الْآخِذُ بِمَا ضَمِنَ فَالرُّجُوعُ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْمُحْرِمِ وَالْحَلَالِ، وَفِي الْمُحِيطِ، وَلَوْ كَانَ الْقَاتِلُ نَصْرَانِيًّا أَوْ صَبِيًّا فَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِ لِلَّهِ تَعَالَى وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ الْآخِذُ بِقِيمَتِهِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ حُقُوقُ الْعِبَادِ دُونَ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَيَّدَ بِكَوْنِ الْقَاتِلِ آدَمِيًّا فَإِنَّهُ لَوْ قَتَلَهُ بَهِيمَةُ إنْسَانٍ فَإِنَّ الْجَزَاءَ عَلَى الْآخِذِ وَحْدَهُ، وَلَا   [منحة الخالق] الصَّيْدَ، وَهُوَ فِي الْحَرَمِ ضَمِيرٌ، وَهُوَ رَاجِعٌ إلَى الصَّيْدِ أَيْضًا، وَقَوْلُهُ لَا مُطْلَقًا أَيْ لَيْسَ الْمُرَادُ الْإِطْلَاقَ أَيْ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْحَرَمِ أَوْ بَعْدَ إخْرَاجِهِ إلَى الْحِلِّ، وَهَذَا حَمْلٌ لِكَلَامِ الْمَتْنِ عَلَى مَا فِي الْمُحِيطِ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ يَلْزَمُهُ إرْسَالُهُ إلَخْ) أَشَارَ إلَى ضَعْفِهِ قَالَ فِي النَّهْرِ، وَعِبَارَةُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ تُؤْذِنُ بِتَرْجِيحِ الْأَوَّلِ حَيْثُ قَالَ: وَيَسْتَوِي إنْ كَانَ الْقَفَصُ فِي يَدِهِ أَوْ فِي رَحْلِهِ، وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: إنْ فِي يَدِهِ يَلْزَمُهُ إرْسَالُهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: بِأَنْ يُرْسِلَهُ فِي بَيْتٍ إلَخْ) اعْتَرَضَهُ ابْنُ الْكَمَالِ فَقَالَ: وَمَنْ قَالَ: بِأَنْ يُخَلِّيَهُ فِي بَيْتِهِ فَكَأَنَّهُ غَافِلٌ عَنْ شُمُولِ الْمَسْأَلَةِ لِلْمُحْرِمِ الْمُسَافِرِ الَّذِي لَا بَيْتَ لَهُ، وَمَنْ قَالَ: أَوْ يُودِعَهُ فَكَأَنَّهُ غَافِلٌ عَنْ أَنَّ يَدَ الْمُودِعِ كَيَدِ الْمُودَعِ كَذَا فِي حَوَاشِي مِسْكِينٍ عَنْ الْحَمَوِيِّ قُلْتُ: دَفَعَهُ فِي النَّهْرِ فَقَالَ: وَأَفَادَ فِي فَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّ يَدَ خَادِمِهِ كَرَحْلِهِ وَبِهِ انْدَفَعَ مَنْعُ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ إيدَاعَهُ عَلَى الْقَوْلِ بِإِرْسَالِهِ فَإِنَّ يَدَ الْمُودِعِ كَيَدِهِ فَهَلَّا كَانَتْ يَدُ خَادِمِهِ كَيَدِهِ (قَوْلُهُ: فَالْمُرَادُ بِالصَّيْدِ نَحْوُ الصَّقْرِ إلَخْ) حَمَلَ فِي النَّهْرِ الصُّيُودَ عَلَى الصُّيُودِ الْوَحْشِيَّاتِ وَالدَّوَاجِنَ عَلَى الْمُسْتَأْنَسَةِ ثُمَّ قَالَ: وَمَنْ خَصَّ الصُّيُودَ بِالطُّيُورِ وَالدَّوَاجِنَ بِغَيْرِهَا لَا كَالْغَزَالَةِ فَقَدْ أَبْعَدَ. اهـ. وَمُرَادُهُ التَّعْرِيضُ بِصَاحِبِ غَايَةِ الْبَيَانِ فَإِنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ مَأْخُوذٌ مِنْهُ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ يَقْتَضِي أَنْ يُفْتِيَ بِقَوْلِهِمَا) ، وَهُوَ مُقْتَضَى مَا فِي الْبُرْهَانِ أَيْضًا قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة، وَفِي الْبُرْهَانِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ الْقِيَاسُ، وَقَوْلُهُمَا اسْتِحْسَانٌ، وَهَذَا نَظِيرُ اخْتِلَافِهِمْ فِيمَنْ أَتْلَفَ الْمَعَازِفَ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا السَّبَبُ الْجَبْرِيُّ إلَخْ) قَالَ: فِي النَّهْرِ لَكِنْ فِي السِّرَاجِ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ بِالْمِيرَاثِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ لِمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ: فِي الصُّورَةِ الْأُولَى) وَهِيَ قَوْلُ الْمَتْنِ، وَلَوْ أَخَذَ حَلَالٌ وَالْمُرَادُ بِالثَّانِيَةِ قَوْلُهُ: وَلَوْ أَخَذَهُ مُحْرِمٌ. (قَوْلُهُ: وَقَدْ تَعَذَّرَ إظْهَارُهُ) أَيْ إظْهَارُ الْمِلْكِ فِي الْمَضْمُونِ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 45 رُجُوعَ لِلْآخِذِ عَلَى أَحَدٍ كَمَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ، وَأَطْلَقَ فِي الرُّجُوعِ فَشَمَلَ مَا إذَا كَانَ الْآخِذُ كَفَّرَ بِالصَّوْمِ فَيَرْجِعُ الْآخِذُ بِالْقِيمَةِ مُطْلَقًا، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي النِّهَايَةِ لَكِنْ صَرَّحَ فِي الْمُحِيطِ عَنْ الْمُنْتَقَى أَنَّهُ إنْ كَفَّرَ بِالصَّوْمِ فَلَا رُجُوعَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَغْرَمْ شَيْئًا. اهـ. وَجَزَمَ بِهِ الشَّارِحُ وَاخْتَارَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ قَطَعَ حَشِيشَ الْحَرَمِ أَوْ شَجَرَ غَيْرِ مَمْلُوكٍ، وَلَا مِمَّا يُنْبِتُهُ النَّاسُ ضَمِنَ قِيمَتَهُ إلَّا فِيمَا جَفَّ) لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا، وَلَا يُعْضَدُ شَوْكُهَا» ، وَالْخَلَا بِالْقَصْرِ الْحَشِيشُ وَاخْتِلَاؤُهُ قَطْعُهُ وَالْعَضُدُ قَطْعُ الشَّجَرِ مِنْ بَابِ ضَرَبَ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الْخَلَا هُوَ الرَّطْبُ مِنْ الْكَلَأِ وَالشَّجَرِ اسْمٌ لِلْقَائِمِ الَّذِي بِحَيْثُ يَنْمُو فَإِذَا جَفَّ فَهُوَ حَطَبٌ، وَقَدْ ذَكَرَ النَّوَوِيُّ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّ الْعُشْبَ، وَالْخَلَا اسْمٌ لِلرَّطْبِ وَالْحَشِيشُ اسْمٌ لِلْيَابِسِ، وَأَنَّ الْفُقَهَاءَ يُطْلِقُونَ الْحَشِيشَ عَلَى الرَّطْبِ وَالْيَابِسِ مَجَازًا وَسُمِّيَ الرَّطْبُ حَشِيشًا بِاعْتِبَارِ مَا يَئُولَ إلَيْهِ. اهـ. فَقَدْ أَفَادَ الْحَدِيثُ أَنَّ الْمُحَرَّمَ هُوَ الْمَنْسُوبُ إلَى الْحَرَمِ وَالنِّسْبَةُ إلَيْهِ عَلَى الْكَمَالِ عِنْدَ عَدَمِ النِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِ، قَيَّدَ بِكَوْنِهِ غَيْرَ مَمْلُوكٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَطَعَ مَا أَنْبَتَهُ النَّاسُ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ لِلْحَرَمِ بَلْ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ لِمَالِكِهِ، وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ مِمَّا لَا يُنْبِتُهُ النَّاسُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَطَعَ مَا نَبَتَ بِنَفْسِهِ، وَهُوَ مِنْ جِنْسِ مَا يُنْبِتُهُ النَّاسُ فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا نَبَتَ بِبَذْرٍ وَقَعَ فِيهِ فَصَارَ كَمَا إذَا عُلِمَ أَنَّهُ أَنْبَتَهُ النَّاسُ وَلِهَذَا يَحِلُّ قَطْعُ الشَّجَرِ الْمُثْمِرِ؛ لِأَنَّهُ أُقِيمَ كَوْنُهُ مُثْمِرًا مَقَامَ إنْبَاتِ النَّاسِ؛ لِأَنَّ إنْبَاتَ النَّاسِ فِي الْغَالِبِ لِلثَّمَرِ. وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ: وَلَوْ نَبَتَ شَجَرُ أُمِّ غَيْلَانَ بِأَرْضِ رَجُلٍ فَقَطَعَهُ آخَرُ لَزِمَهُ قِيمَتَانِ قِيمَةٌ لِلشَّرْعِ، وَقِيمَةٌ لِلْمَالِكِ كَالصَّيْدِ الْمَمْلُوكِ فِي الْحَرَمِ أَوْ الْإِحْرَامِ. اهـ. وَهِيَ وَارِدَةٌ عَلَى الْمُصَنِّفِ فَالْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ أَوْ شَجَرًا غَيْرَ مَمْلُوكٍ الشَّجَرُ الَّذِي لَمْ يُنْبِتْهُ أَحَدٌ سَوَاءٌ كَانَ مَمْلُوكًا أَوْ لَا وَلِذَا لَمْ يَذْكُرْ الْمِلْكَ فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ إنَّمَا ذَكَرُوا مَا لَمْ يُنْبِتْهُ النَّاسُ فَالْحَاصِلُ أَنَّ النَّابِتَ فِي الْحَرَمِ أَمَّا إذْخِرٌ أَوْ غَيْرُهُ فَالْأَوَّلُ سَيَسْتَثْنِيهِ، وَالثَّانِي عَلَى ثَلَاثَةٍ إمَّا أَنْ يَجِفَّ أَوْ يَنْكَسِرَ أَوْ لَيْسَ وَاحِدًا مِنْهُمَا، وَقَدْ اسْتَثْنَى مَا جَفَّ أَيْ يَبِسَ وَيُلْحَقُ بِهِ الْمُنْكَسِرُ، وَأَمَّا مَا لَيْسَ وَاحِدًا مِنْهُمَا فَهُوَ عَلَى قِسْمَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ أَنْبَتَهُ النَّاسُ أَوْ لَا وَالْأَوَّلُ لَا شَيْءَ فِيهِ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ جِنْسِ مَا يُنْبِتُهُ النَّاسُ أَوْ لَا وَالثَّانِي إنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ مَا يُنْبِتُهُ النَّاسُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَفِيهِ الْجَزَاءُ فَمَا فِيهِ الْجَزَاءُ هُوَ مَا نَبَتَ بِنَفْسِهِ، وَلَيْسَ مِنْ جِنْسِ مَا أَنْبَتَهُ النَّاسُ، وَلَا مُنْكَسِرًا، وَلَا جَافًّا، وَلَا إذْخِرًا. وَفِي الْمُحِيطِ: وَلَوْ قَطَعَ شَجَرَةً فِي الْحَرَمِ فَغَرِمَ قِيمَتَهَا ثُمَّ غَرَسَهَا مَكَانَهَا ثُمَّ نَبَتَتْ ثُمَّ قَلَعَهَا ثَانِيًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا بِالضَّمَانِ، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ ضَمِنَ قِيمَتَهُ إلَى أَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِلصَّوْمِ هُنَا كَصَيْدِ الْحَرَمِ، وَأَطْلَقَ فِي الْقَاطِعِ فَشَمَلَ الْحَلَالَ وَالْمُحْرِمَ، وَقَيَّدَ بِالْقَطْعِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمَقْلُوعِ ضَمَانٌ ذَكَرَهُ ابْنُ بُنْدَارٍ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ، وَأَشَارَ بِالضَّمَانِ أَيْضًا إلَى أَنَّهُ يَمْلِكُهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ كَمَا فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ وَيُكْرَهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ بَعْدَ الْقَطْعِ بَيْعًا وَغَيْرَهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أُبِيحَ ذَلِكَ لَتَطَرَّقَ النَّاسُ إلَيْهِ، وَلَمْ يَبْقَ فِيهِ شَجَرٌ كَذَا قَالُوا، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَحْرِيمِيَّةٌ، وَفِي الْمُحِيطِ، وَلَوْ بَاعَهُ جَازَ لِلْمُشْتَرِي الِانْتِفَاعُ بِهِ؛ لِأَنَّ إبَاحَةَ الِانْتِفَاعِ لِلْقَاطِعِ تُؤَدِّي إلَى اسْتِئْصَالِ شَجَرِ الْحَرَمِ، وَفِي حَقِّ الْمُشْتَرِي لَا؛ لِأَنَّ تَنَاوُلَهُ بَعْدَ انْقِطَاعِ النَّمَاءِ. اهـ. وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَبِخِلَافِ الصَّيْدِ فَإِنَّ بَيْعَهُ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ أَدَّى قِيمَتَهُ. اهـ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ شَجَرَ الْحَرَمِ يُمْلَكُ بِأَدَاءِ   [منحة الخالق] بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ. (قَوْلُ الْمُصَنِّفُ فَإِنْ قَطَعَ حَشِيشَ الْحَرَمِ) قَالَ فِي اللُّبَابِ، وَلَوْ حَشَّ الْحَشِيشَ فَإِنْ خَرَجَ مَكَانَهُ مِثْلُهُ سَقَطَ الضَّمَانُ، وَإِلَّا فَلَا. اهـ. أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَعُدْ مَكَانَهُ مِثْلُهُ بَلْ أَخْلَفَ دُونَ الْأَوَّلِ لَا يَسْقُطُ الضَّمَانُ بَلْ كَانَ عَلَيْهِ مَا نَقَصَ، وَإِنْ جَفَّ أَصْلُهُ كَانَ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ شَرْحٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَوْ قَطَعَ مَا أَنْبَتَهُ النَّاسُ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ هَذَا خَارِجٌ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَلَا مِمَّا يُنْبِتُهُ النَّاسُ فَيَلْزَمُ عَلَيْهِ التَّكْرَارُ، وَإِغْنَاءُ أَحَدِ الْقَيْدَيْنِ عَنْ الْآخَرِ فَإِنَّ الثَّانِيَ يَشْمَلُ النَّابِتَ بِنَفْسِهِ وَالْمُسْتَنْبَتَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَهِيَ وَارِدَةٌ عَلَى الْمُصَنِّفِ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَالْحَقُّ أَنَّ هَذَا الْقَيْدَ يَعْنِي قَوْلَهُ غَيْرَ مَمْلُوكٍ إنَّمَا هُوَ لِإِخْرَاجِ مَا لَوْ أَنْبَتَهُ إنْسَانٌ فَلَا شَيْءَ بِقَطْعِهِ لِمِلْكِهِ إيَّاهُ، وَلَا يَرِدُ مَا مَرَّ أَيْ عَنْ الْمُحِيطِ؛ لِأَنَّ الْمُتُونَ إنَّمَا هِيَ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ، وَإِنْ رَجَّحَ خِلَافَهُ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ تَمَلُّكَ أَرْضَ الْحَرَمِ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ غَيْرُ مُتَحَقِّقٍ فَوُجُوبُ الْقِيمَتَيْنِ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ، وَهَذَا مِمَّا خَفِيَ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ النَّاظِرِينَ فِي هَذَا الْمَقَامِ وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ اسْتَغْنَى عَنْ قَوْلِهِ فِي الْبَحْرِ الْمُرَادُ بِغَيْرِ الْمَمْلُوكِ الَّذِي لَمْ يُنْبِتْهُ أَحَدٌ سَوَاءٌ كَانَ مَمْلُوكًا أَوْ لَا. اهـ. وَفِيمَا يَأْتِي مِنْ كَلَامِ الْفَتْحِ إشَارَةٌ إلَى هَذَا الْجَوَابِ لَكِنْ لَا يَخْفَى مَا فِيهِ عَلَى الْمُتَأَمِّلِ النَّبِيهِ؛ لِأَنَّ الِاحْتِرَازَ عَمَّا لَوْ أَنْبَتَهُ إنْسَانٌ إنَّمَا يَتَأَتَّى عَلَى قَوْلِهِمَا بِتَحَقُّقِ مِلْكِ الْحَرَمِ، وَمَا يُسْتَنْبَتُ فِيهِ لَا عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ (قَوْلُهُ: فَمَا فِيهِ الْجَزَاءُ هُوَ مَا نَبَتَ بِنَفْسِهِ إلَخْ) أَيْ كَأُمِّ غَيْلَانَ سَوَاءٌ كَانَ مَمْلُوكًا بِأَنْ يَكُونَ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ لِأَحَدٍ أَوْ غَيْرِ مَمْلُوكٍ لُبَابٌ وَشَرْحُهُ (قَوْلُهُ: كَصَيْدِ الْحَرَمِ) أَيْ فِي حَقِّ الْحَلَالِ؛ لِأَنَّ الْمُحْرِمَ تَلْزَمُهُ قِيمَةٌ يُخَيَّرُ فِيهَا بَيْنَ الْهَدْيِ وَالْإِطْعَامِ وَالصَّوْمِ كَمَا قَدَّمَهُ عَنْ الْهِدَايَةِ عِنْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ وَبِذَبْحِ الْحَلَالِ صَيْدَ الْحَرَمِ قِيمَةٌ يَتَصَدَّقُ بِهَا لَا صَوْمٌ، وَقَدَّمْنَاهُ أَيْضًا عَنْ اللُّبَابِ وَشَرْحِهِ (قَوْلُهُ: فَإِنَّ بَيْعَهُ لَا يَجُوزُ) أَيْ لَا يَصِحُّ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 46 الْقِيمَةِ وَصَيْدَ الْحَرَمِ لَا يُمْلَكُ أَصْلًا، وَأَشَارَ بِعَدَمِ الضَّمَانِ فِيمَا جَفَّ إلَى أَنَّهُ يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ حَطَبٌ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُمْ لَوْ نَبَتَ الشَّجَرُ بِأَرْضِ رَجُلٍ مَلَكَهُ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ عَلَى قَوْلِهِمَا أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يُتَصَوَّرُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ عِنْدَهُ تَمَلُّكُ أَرْضِ الْحَرَمِ بَلْ هِيَ سَوَائِبُ عِنْدَهُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَأَرَادَ بِالسَّوَائِبِ الْأَوْقَافَ، وَإِلَّا فَلَا سَائِبَةَ فِي الْإِسْلَامِ وَصَرَّحَ فِي الْهِدَايَةِ بِأَنَّ قَوْلَهُمَا رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ، وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي أُمِّ غَيْلَانَ نَبَتَتْ فِي الْحَرَمِ فِي أَرْضِ رَجُلٍ لَيْسَ لِصَاحِبِهِ قَطْعُهُ، وَلَوْ قَطَعَهُ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ تَعَالَى. اهـ. وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْعِبْرَةَ لِأَصْلِ الشَّجَرَةِ لَا لِأَغْصَانِهَا لَكِنْ قَالَ فِي الْأَجْنَاسِ: الْأَغْصَانُ تَابِعَةٌ لِأَصْلِهَا وَذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ أَصْلُهَا فِي الْحَرَمِ وَالْأَغْصَانُ فِي الْحِلِّ فَعَلَى قَاطِعِ أَغْصَانِهَا الْقِيمَةُ. وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ أَصْلُهَا فِي الْحِلِّ، وَأَغْصَانُهَا فِي الْحَرَمِ لَا ضَمَانَ عَلَى الْقَاطِعِ فِي أَصْلِهَا، وَأَغْصَانِهَا. وَالثَّالِثُ بَعْضُ أَصْلِهَا فِي الْحِلِّ وَبَعْضُهُ فِي الْحَرَمِ فَعَلَى الْقَاطِعِ الضَّمَانُ سَوَاءٌ كَانَ الْغُصْنُ مِنْ جَانِبِ الْحِلِّ أَوْ مِنْ جَانِبِ الْحَرَمِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَحَرُمَ رَعْيُ حَشِيشِ الْحَرَمِ، وَقَطْعُهُ إلَّا الْإِذْخِرَ) لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ «، وَلَا يُخْتَلَى خَلَاهَا» ؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَطْعِ بِالْمَنَاجِلِ وَالْمَشَافِرِ وَالْمِنْجَلُ مَا يُحْصَدُ بِهِ الزَّرْعُ وَالْمِشْفَرُ لِلْبَعِيرِ كَالْحَجْلَةِ مِنْ الْفَرَسِ وَالشَّفَةِ مِنْ الْإِنْسَانِ وَجَوَّزَ أَبُو يُوسُفَ رَعْيَهُ لِمَكَانِ الْحَرَجِ فِي حَقِّ الزَّائِرِينَ وَالْمُقِيمِينَ، وَأَجَابَا بِمَنْعِ الْحَرَجِ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ مِنْ الْحِلِّ مُتَيَسِّرٌ، وَلَئِنْ كَانَ فِيهِ حَرَجٌ فَلَا يُعْتَبَرُ؛ لِأَنَّ الْحَرَجَ إنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي مَوْضِعٍ لَا نَصَّ عَلَيْهِ، وَأَمَّا مَعَ النَّصِّ بِخِلَافِهِ فَلَا، وَأَمَّا الْإِذْخِرُ فَهُوَ نَبْتٌ مَعْرُوفٌ بِمَكَّةَ، وَقَدْ اسْتَثْنَاهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِالْتِمَاسِ الْعَبَّاسِ كَمَا عُرِفَ فِي الصَّحِيحِ وَذَكَرَ فِي الْبَدَائِعِ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ فِي قَلْبِهِ هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ إلَّا أَنَّ الْعَبَّاسَ سَبَقَهُ فَأَظْهَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِلِسَانِهِ مَا كَانَ فِي قَلْبِهِ. الثَّانِي يُحْتَمَلُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَهُ أَنْ يُخْبِرَ بِتَحْرِيمِ كُلِّ خَلَا مَكَّةَ إلَّا مَا يَسْتَثْنِيهِ الْعَبَّاسُ وَذَلِكَ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ. الثَّالِثُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَمَّمَ الْمَنْعَ فَلَمَّا سَأَلَهُ الْعَبَّاسُ جَاءَهُ جِبْرِيلُ بِرُخْصَةِ الْإِذْخِرِ فَاسْتَثْنَاهُ، وَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ صُورَةً تَخْصِيصٌ مَعْنًى وَالتَّخْصِيصُ الْمُتَرَاخِي عَنْ الْعَامِّ نَسْخٌ عِنْدَنَا وَالنَّسْخُ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْفِعْلِ بَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنْ الِاعْتِقَادِ جَائِزٌ عِنْدَنَا. اهـ. وَقَيَّدَ بِالْحَشِيشِ؛ لِأَنَّ الْكُمَاةَ مِنْ الْحَرَمِ يَجُوزُ أَخْذُهَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ نَبَاتِ الْأَرْضِ، وَإِنَّمَا هِيَ مُودَعَةٌ فِيهَا؛ وَلِأَنَّهَا لَا تَنْمُو، وَلَا تَبْقَى فَأَشْبَهَتْ الْيَابِسَ مِنْ النَّبَاتِ، وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِذِكْرِ صَيْدِ الْحَرَمِ وَشَجَرِهِ وَحَشِيشِهِ إلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِإِخْرَاجِ حِجَارَةِ الْحَرَمِ وَتُرَابِهِ إلَى الْحِلِّ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْحَرَمِ فَفِي الْحِلِّ أَوْلَى كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ يَجُوزُ نَقْلُ مَاءِ زَمْزَمَ إلَى سَائِرِ الْبِلَادِ لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ، وَأَمَّا ثِيَابُ الْكَعْبَةِ فَنَقَلَ أَئِمَّتُنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا، وَلَا شِرَاؤُهَا لَكِنَّ الْوَاقِعَ الْآنَ أَنَّ الْإِمَامَ أَذِنَ فِي إعْطَائِهَا لِبَنِي شَيْبَةَ عِنْدَ التَّجْدِيدِ وَلِلْإِمَامِ ذَلِكَ فَأَئِمَّتُنَا إنَّمَا مَنَعُوا مِنْ بَيْعِهَا؛ لِأَنَّهَا مَالُ بَيْتِ الْمَالِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ التَّصَرُّفَ فِيهِ لِلْإِمَامِ فَحَيْثُ جَعَلَهُ عَطَاءً لِقَوْمٍ مَخْصُوصِينَ فَإِنَّ الْبَيْعَ جَائِزٌ، وَهَكَذَا اخْتَارَهُ الْإِمَامُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فَقَالَ: إنَّ الْأَمْرَ فِيهَا إلَى الْإِمَامِ يَصْرِفُهَا فِي بَعْضِ مَصَارِفِ بَيْتِ الْمَالِ بَيْعًا، وَعَطَاءً لِمَا رَوَاهُ الْأَزْرَقِيُّ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يَنْزِعُ كِسْوَةَ الْبَيْتِ كُلَّ سَنَةٍ فَيَقْسِمُهَا عَلَى الْحَاجِّ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجُزْ التَّصَرُّفُ فِي كِسْوَتِهَا لَتَلِفَتْ بِطُولِ الزَّمَانِ قَالَ: ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةُ تُبَاعُ كِسْوَتُهَا وَيُجْعَلُ ثَمَنُهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يَلْبَسَ كِسْوَتَهَا مَنْ صَارَتْ إلَيْهِ مِنْ حَائِضٍ وَجُنُبٍ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَأَجَابَا بِمَنْعِ الْحَرَجِ إلَخْ) قَالَ فِي الْبُرْهَانِ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إنَّ احْتِيَاجَ أَهْلِ مَكَّةَ إلَى حَشِيشِ الْحَرَمِ لِدَوَابِّهِمْ فَوْقَ احْتِيَاجِهِمْ إلَى الْإِذْخِرِ لِعَدَمِ انْفِكَاكِهَا مِنْهُ، وَأَمْرُهُمْ بِرَعْيِهَا خَارِجَ الْحَرَمِ فِي غَايَةِ الْمَشَقَّةِ إذْ أَقْرَبُ حَدِّ الْحَرَمِ جِهَةُ التَّنْعِيمِ، وَهُوَ فَوْقَ أَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ وَالْجِهَاتُ الْأُخَرُ سَبْعَةٌ وَثَمَانِيَةٌ، وَعَشَرَةٌ فَلَوْ حُرِّمَ رَعْيُهُ لَحَرَجَ الرُّعَاةُ كُلَّ يَوْمٍ مَانِعِينَ لَهَا مِنْهُ إلَى إحْدَى الْجِهَاتِ فِي زَمَنٍ ثُمَّ عَادُوا فِي مِثْلِهِ، وَقَدْ لَا يَبْقَى مِنْ النَّهَارِ وَقْتٌ تَرْعَى فِيهِ الدَّوَابُّ إلَى أَنْ تَشْبَعَ عَلَى أَنَّ أَصْلَ جَعْلِ الْحَرَمَ إنَّمَا كَانَ لِيَأْمَنَ أَهْلُهُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَأَمْوَالِهِمْ فَلَوْ لَمْ يَجُزْ لَهُمْ رَعْيُ حَشِيشِهِ لِخُطِفُوا كَغَيْرِهِمْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ} [العنكبوت: 67] ذَكَرَهُ فِي مَعْرِضِ الِامْتِنَانِ عَلَيْهِمْ حَيْثُ كَانَتْ الْعَرَبُ حَوْلَ مَكَّةَ يَغْزُو بَعْضُهُمْ بَعْضًا يَتَغَاوَرُونَ وَيَتَنَاهَبُونَ، وَأَهْلُ مَكَّةَ قَارُّونَ آمِنُونَ فِيهَا لَا يُغْزَوْنَ، وَلَا يُغَارُ عَلَيْهِمْ مَعَ قِلَّتِهِمْ، وَفِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا» وَقَوْلِهِ، «وَلَا يُعْضَدُ شَوْكُهَا» وَسُكُوتِهِ عَنْ نَفْيِ الرَّعْيِ إشَارَةٌ فِي جَوَازِهِ، وَلَوْ كَانَ الرَّعْيُ مِثْلَهُ لَبَيَّنَهُ، وَلَا مُسَاوَاةَ بَيْنَهُمَا لِيَلْحَقَ بِهِ دَلَالَةً إذْ الْقَطْعُ فِعْلُ مَنْ يَعْقِلُ وَالرَّعْيُ فِعْلُ الْعَجْمَاءِ، وَهُوَ جُبَارٌ، وَعَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ، وَلَيْسَ فِي النَّصِّ دَلَالَةٌ عَلَى نَفْيِ الرَّعْيِ لِيَلْزَمَ مِنْ اعْتِبَارِ الْبَلْوَى مُعَارَضَتُهُ بِخِلَافِ الِاحْتِشَاشِ الَّذِي قَالَ بِهِ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْمَدَنِيِّ عَنْ حَاشِيَةِ شَيْخِهِ عَلَى اللُّبَابِ. أَقُولُ: وَفِي اللُّبَابِ وَلَا يَجُوزُ رَعْيُ الْحَشِيشِ، وَلَوْ ارْتَعَتْهُ دَابَّتُهُ حَالَةَ الْمَشْيِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَا يَجُوزُ اتِّخَاذُ الْمَسَاوِيكِ مِنْ أَرَاكِ الْحَرَمِ وَسَائِرِ أَشْجَارِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 47 وَغَيْرِهِمَا ثُمَّ قَالَ النَّوَوِيُّ: لَا يَجُوزُ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْ طِيبِ الْكَعْبَةِ لَا لِلتَّبَرُّكِ، وَلَا لِغَيْرِهِ، وَمَنْ أَخَذَ شَيْئًا مِنْهُ لَزِمَهُ رَدُّهُ إلَيْهَا فَإِنْ أَرَادَ التَّبَرُّكَ أَتَى بِطِيبٍ مِنْ عِنْدَهُ فَمَسَحَهَا بِهِ ثُمَّ أَخَذَهُ اهـ. (قَوْلُهُ:) (وَكُلُّ شَيْءٍ عَلَى الْمُفْرِدِ بِهِ دَمٌ فَعَلَى الْقَارِنِ دَمَانِ) أَيْ دَمٌ لِحَجَّتِهِ وَدَمٌ لِعُمْرَتِهِ؛ لِأَنَّهُ مُحْرِمٌ بِإِحْرَامَيْنِ عِنْدَنَا عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ، وَقَدْ جَنَى عَلَيْهِمَا، وَلَيْسَ إحْرَامُ الْحَجِّ أَقْوَى مِنْ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ حَتَّى يَسْتَتْبِعَهُ كَمَا قُلْنَا فِي الْمُحْرِمِ إذَا قَتَلَ صَيْدَ الْحَرَمِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ جَزَاءٌ وَاحِدٌ لِلْإِحْرَامِ؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَيْنِ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا يَحْرُمُ بِالْآخَرِ وَالتَّفَاوُتُ إنَّمَا هُوَ فِي أَدَاءِ الْأَفْعَالِ. وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ التَّعَدُّدَ إنَّمَا هُوَ بِسَبَبِ إدْخَالِ النَّقْصِ عَلَى الْعِبَادَتَيْنِ بِسَبَبِ الْجِنَايَةِ، وَأَرَادَ بِوُجُوبِ الدَّمِ عَلَى الْمُفْرِدِ مَا كَانَ بِسَبَبِ الْجِنَايَةِ عَلَى الْإِحْرَامِ بِفِعْلِ شَيْءٍ مِنْ مَحْظُورَاتِهِ لَا مُطْلَقًا فَإِنَّ الْمُفْرِدَ إذَا تَرَكَ وَاجِبًا مِنْ وَاجِبَاتِ الْحَجِّ لَزِمَهُ دَمٌ، وَإِذَا تَرَكَهُ الْقَارِنُ لَا يَتَعَدَّدُ الدَّمُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ جِنَايَةً عَلَى الْإِحْرَامِ، وَأَرَادَ بِالدَّمِ الْكَفَّارَةَ سَوَاءٌ كَانَتْ دَمًا أَوْ صَدَقَةً فَإِذَا فَعَلَ الْقَارِنُ مَا يَلْزَمُ الْمُفْرِدَ بِهِ صَدَقَةٌ لَزِمَهُ صَدَقَتَانِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْوَلْوَالِجِيِّ فِي فَتَاوِيهِ وَسَوَاءٌ كَانَتْ كَفَّارَةَ جِنَايَةٍ أَوْ كَفَّارَةَ ضَرُورَةٍ فَإِذَا لَبِسَ أَوْ غَطَّى رَأْسَهُ لِلضَّرُورَةِ تَعَدَّدَتْ الْكَفَّارَةُ، وَأَرَادَ بِالْقَارِنِ مَنْ كَانَ مُحْرِمًا بِإِحْرَامَيْنِ قَارِنًا كَانَ أَوْ مُتَمَتِّعًا سَاقَ الْهَدْيَ فَإِنَّا قَدَّمْنَا أَنَّ الْمُتَمَتِّعَ إذَا سَاقَ الْهَدْيَ لَا يَخْرُجُ عَنْ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ إلَّا بِالْحَلْقِ يَوْمَ النَّحْرِ وَسَيَأْتِي فِي بَابِ إضَافَةِ الْإِحْرَامِ إلَى الْإِحْرَامِ أَنَّ مَنْ جَمَعَ بَيْنَ حَجَّتَيْنِ وَجَنَى جِنَايَةً قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْأَعْمَالِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ دَمَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ مُحْرِمٌ بِإِحْرَامَيْنِ كَالْقَارِنِ، وَأَطْلَقَ فِي لُزُومِ الدَّمَيْنِ فَشَمَلَ مَا إذَا كَانَ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ أَوْ بَعْدَهُ، وَلَا خِلَافَ فِيمَا قَبْلَهُ، وَأَمَّا فِيمَا بَعْدَهُ فَقَدْ قَدَّمْنَا اخْتِلَافَ الْمَشَايِخِ فِي أَنَّ إحْرَامَ الْعُمْرَةِ فِي حَقِّ الْقَارِنِ يَنْتَهِي بِالْوُقُوفِ أَوَّلًا فَمَنْ قَالَ بِانْتِهَائِهِ لَا يَقُولُ بِالتَّعَدُّدِ، وَمَنْ قَالَ بِبَقَائِهِ قَالَ بِهِ. وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّ وُجُوبَ الدَّمَيْنِ عَلَى الْقَارِنِ إذَا كَانَتْ الْجِنَايَةُ قَبْلَ الْوُقُوفِ فِي الْجِمَاعِ وَغَيْرِهِ أَمَّا بَعْدَ الْوُقُوفِ فَفِي الْجِمَاعِ يَجِبُ دَمَانِ، وَفِي سَائِرِ الْمَحْظُورَاتِ دَمٌ وَاحِدٌ. اهـ. وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْمَذْهَبَ بَقَاءُ إحْرَامِ عُمْرَةِ الْقَارِنِ بَعْدَ الطَّوَافِ إلَى الْحَلْقِ فَيَلْزَمُهُ بِالْجِنَايَةِ بَعْدَ الْوُقُوفِ دَمَانِ سَوَاءٌ كَانَ جِمَاعًا أَوْ قَتْلَ صَيْدٍ أَوْ غَيْرَهُمَا، وَقَدَّمْنَا أَنَّ الصَّوَابَ أَنَّهُ يَنْتَهِي بِالْحَلْقِ حَتَّى فِي حَقِّ النِّسَاءِ حَتَّى لَوْ جَامَعَ الْقَارِنُ بَعْدَ الْحَلْقِ لَا يَلْزَمُهُ لِأَجْلِ الْعُمْرَةِ شَيْءٌ فَمَا فِي الْأَجْنَاسِ كَمَا نَقَلَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مِنْ أَنَّ الْقَارِنَ إذَا قَتَلَ صَيْدًا بَعْدَ الْوُقُوفِ يَلْزَمُهُ دَمٌ وَاحِدٌ فَفَرْعٌ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ بِانْتِهَاءِ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ بِالْوُقُوفِ، وَقَدْ عَلِمْت ضَعْفَهُ (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يُجَاوِزَ الْمِيقَاتَ غَيْرَ مُحْرِمٍ) اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ دَاخِلًا فِيمَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ صَدْرَ الْكَلَامِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا لَزِمَ الْمُفْرِدَ بِسَبَبِ الْجِنَايَةِ عَلَى إحْرَامِهِ، وَالْمُجَاوِزُ بِغَيْرِ إحْرَامٍ لَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا لِيَخْرُجَ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ دَمٌ سَوَاءٌ أَحْرَمَ بَعْدَ ذَلِكَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ بِهِمَا أَوْ لَمْ يُحْرِمْ أَصْلًا فَلَا حَاجَةَ إلَى اسْتِثْنَائِهِ فِي كَلَامِهِمْ لَكِنْ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يُحْرِمَ بَعْدَ الْمُجَاوَزَةِ فَقَدْ أَدْخَلَ نَقْصًا فِي إحْرَامِهِ، وَهُوَ تَرْكُ جُزْءٍ مِنْهُ بَيْنَ الْمِيقَاتِ وَالْمَوْضِعِ الَّذِي أَحْرَمَ فِيهِ فَتَوَهَّمَ زُفَرُ أَنَّهُ إذَا أَحْرَمَ قَارِنًا أَنَّهُ أَدْخَلَ هَذَا النَّقْصَ عَلَى الْإِحْرَامَيْنِ فَأَوْجَبَ دَمَيْنِ، وَقُلْنَا إنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ عِنْدَ دُخُولِ الْمِيقَاتِ أَحَدُ النُّسُكَيْنِ فَإِذَا جَاوَزَهُ بِغَيْرِ إحْرَامٍ ثُمَّ أَحْرَمَ بِهِمَا فَقَدْ أَدْخَلَ النَّقْصَ عَلَى مَا لَزِمَهُ، وَهُوَ أَحَدُهُمَا فَلَزِمَهُ جَزَاءٌ وَاحِدٌ. وَأَوْرَدَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ عَلَى اقْتِصَارِهِمْ فِي الِاسْتِثْنَاءِ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَسَائِلَ مِنْهَا أَنَّ الْقَارِنَ إذَا أَفَاضَ قَبْلَ الْإِمَامِ يَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ كَالْمُفْرِدِ، وَمِنْهَا إذَا طَافَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ جُنُبًا أَوْ مُحْدِثًا، وَقَدْ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ، وَمِنْهَا أَنَّ الْقَارِنَ إذَا وَقَفَ بِعَرَفَةَ ثُمَّ قَتَلَ صَيْدًا فَعَلَيْهِ قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ كَمَا فِي الْأَجْنَاسِ   [منحة الخالق] إذَا كَانَ أَخْضَرَ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ إحْرَامُ الْحَجِّ أَقْوَى إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ جَامَعَ بَعْدَ مَا طَافَ لَهَا أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ تَجِبُ شَاةٌ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ الْوُقُوفِ فَبَدَنَةٌ فَقَالُوا فِي الْفَرْقِ إظْهَارًا لِلتَّفَاوُتِ بَيْنَهُمَا، وَلَوْ تَسَاوَيَا لَمْ يَتَفَاوَتْ (قَوْلُهُ: قَارِنًا كَانَ أَوْ مُتَمَتِّعًا سَاقَ الْهَدْيَ) قَدْ مَرَّ أَنَّ الْمُتَمَتِّعَ الَّذِي لَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْحَلْقِ وَبَيْنَ بَقَائِهِ مُحْرِمًا إلَى أَنْ يَدْخُلَ إحْرَامَ الْحَجِّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الَّذِي اخْتَارَ الْبَقَاءَ مِثْلُ مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ التَّحْقِيقُ السَّابِقُ، وَمَسْأَلَةُ مَنْ جَمَعَ بَيْنَ حَجَّتَيْنِ الْآتِيَةُ ثُمَّ رَأَيْته فِي اللُّبَابِ حَيْثُ قَالَ: وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ لُزُومِ الْجَزَاءَيْنِ عَلَى الْقَارِنِ هُوَ حُكْمُ كُلِّ مَنْ جَمَعَ بَيْنَ الْإِحْرَامَيْنِ كَالْمُتَمَتِّعِ الَّذِي سَاقَ الْهَدْيَ أَوْ لَمْ يَسُقْهُ، وَلَكِنْ لَمْ يَحِلَّ مِنْ الْعُمْرَةِ حَتَّى أَحْرَمَ بِالْحَجِّ، وَكَذَا مَنْ جَمَعَ بَيْنَ الْحَجَّتَيْنِ أَوْ الْعُمْرَتَيْنِ عَلَى هَذَا لَوْ أَحْرَمَ بِمِائَةِ حَجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ ثُمَّ جُنَّ قَبْلَ رَفْضِهَا فَعَلَيْهِ مِائَةُ جَزَاءٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْمَذْهَبَ إلَخْ) أَيْ عِنْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ فَإِذَا حَلَقَ يَوْمَ النَّحْرِ حَلَّ مِنْ إحْرَامَيْهِ (قَوْلُهُ: فَلَا حَاجَةَ إلَى اسْتِثْنَائِهِ) قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة لَكِنْ ذُكِرَ لِبَيَانِ قَوْلِ زُفَرَ. اهـ. أَيْ لِلتَّنْصِيصِ عَلَى مُخَالَفَتِهِ (قَوْلُهُ: وَأَوْرَدَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ إلَخْ) أَقُولُ: أَوْصَلَ فِي اللُّبَابِ الْمُسْتَثْنَيَاتِ إلَى اثْنَيْ عَشَرَ، وَفِي شَرْحِهِ كَلَامٌ طَوِيلٌ فَرَاجِعْهُمَا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 48 وَمِنْهَا إذَا حَلَقَ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ دَمٌ وَاحِدٌ، وَمِنْهَا أَنَّ الْقَارِنَ إذَا قَطَعَ شَجَرَ الْحَرَمِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ كَالْمُفْرِدِ. اهـ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُسْتَثْنَى عِدَّةُ مَسَائِلَ لَا مَسْأَلَةٌ وَاحِدَةٌ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ لَا اسْتِثْنَاءَ أَصْلًا أَمَّا مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ فَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ، وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْإِفَاضَةِ فَإِنَّمَا وَجَبَ دَمٌ بِسَبَبِ تَرْكِ وَاجِبٍ مِنْ وَاجِبَاتِ الْحَجِّ، وَلَيْسَ هُوَ جِنَايَةً عَلَى الْإِحْرَامِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَلَا خُصُوصِيَّةَ لِهَذَا الْوَاجِبِ بَلْ كُلُّ وَاجِبٍ مِنْ وَاجِبَاتِ الْحَجِّ فَإِنَّهُ لَا تَعَلُّقَ لِلْعُمْرَةِ بِهِ، وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الطَّوَافِ جُنُبًا فَإِنَّمَا وَجَبَ دَمٌ وَاحِدٌ لِتَرْكِ وَاجِبٍ مِنْ وَاجِبَاتِ الطَّوَافِ لَا لِلْجِنَايَةِ عَلَى الْإِحْرَامِ وَلِهَذَا لَوْ طَافَ جُنُبًا، وَهُوَ غَيْرُ مُحْرِمٍ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ دَمٌ، وَإِنْ كَانَ الدَّمُ مُتَنَوِّعًا إلَى بَدَنَةٍ وَشَاةٍ نَظَرًا إلَى كَمَالِ الْجِنَايَةِ وَخِفَّتِهَا، وَأَمَّا مَسْأَلَةُ قَتْلِ الصَّيْدِ بَعْدَ الْوُقُوفِ فَالْمَذْهَبُ لُزُومُ دَمَيْنِ، وَمَا فِي الْأَجْنَاسِ ضَعِيفٌ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْحَلْقِ قَبْلَ الذَّبْحِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْمُفْرِدَ بِهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الذَّبْحَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ، وَهُوَ إنَّمَا أَوْجَبُوا التَّعَدُّدَ عَلَى الْقَارِنِ فِيمَا يَلْزَمُ الْمُفْرِدَ بِهِ كَفَّارَةٌ، وَلَيْسَ عَلَى الْمُفْرِدِ بِهِ شَيْءٌ فَلَا يَتَعَدَّدُ الدَّمُ عَلَى الْقَارِنِ، وَأَمَّا مَسْأَلَةُ قَطْعِ شَجَرِ الْحَرَمِ فَهُوَ مِنْ بَابِ الْغَرَامَاتِ لَا تَعَلُّقَ لِلْإِحْرَامِ بِهِ بِخِلَافِ صَيْدِ الْحَرَمِ إذَا قَتَلَهُ الْقَارِنُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ قِيمَتَانِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَغَيْرُهُ؛ لِأَنَّهَا جِنَايَةٌ عَلَى الْإِحْرَامِ، وَهُوَ مُتَعَدِّدٌ كَمَا قَدَّمْنَا أَنَّ أَقْوَى الْحُرْمَتَيْنِ تَسْتَتْبِعُ أَدْنَاهُمَا وَالْإِحْرَامُ أَقْوَى فَكَانَ وُجُوبُ الْقِيمَةِ بِسَبَبِ الْإِحْرَامِ فَقَطْ لَا بِسَبَبِ الْحَرَمِ، وَإِنَّمَا يُنْظَرُ إلَى الْحَرَمِ إذَا كَانَ الْقَاتِلُ حَلَالًا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُوَفِّقُ. وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ صُورَةً يَجِبُ فِيهَا عَلَى الْقَارِنِ دَمَانِ لِأَجْلِ الْمُجَاوَزَةِ، وَهِيَ مَا إذَا جَاوَزَ فَأَحْرَمَ بِحَجٍّ ثُمَّ دَخَلَ مَكَّةَ فَأَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ، وَلَمْ يَعُدْ إلَى الْحِلِّ مُحْرِمًا، وَهِيَ غَيْرُ وَارِدَةٍ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ أَحَدَ الدَّمَيْنِ لِلْمُجَاوَزَةِ، وَهُوَ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي لِتَرْكِهِ مِيقَاتَ الْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا دَخَلَ مَكَّةَ الْتَحَقَ بِأَهْلِهَا، وَمِيقَاتُهُمْ فِي الْعُمْرَةِ الْحِلُّ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَتَلَ الْمُحْرِمَانِ صَيْدًا تَعَدَّدَ الْجَزَاءُ، وَلَوْ حَلَالَانِ لَا) أَيْ لَا يَتَعَدَّدُ الْجَزَاءُ بِقَتْلِ صَيْدِ الْحَرَمِ لِمَا قَدَّمْنَا أَنَّ الضَّمَانَ فِي حَقِّ الْمُحْرِمِ جَزَاءَ الْفِعْلِ، وَهُوَ مُتَعَدِّدٌ، وَفِي صَيْدِ الْحَرَمِ جَزَاءُ الْمَحَلِّ، وَهُوَ لَيْسَ بِمُتَعَدِّدٍ كَرَجُلَيْنِ قَتَلَا رَجُلًا خَطَأً يَجِبُ عَلَيْهِمَا دِيَةٌ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّهَا بَدَلُ الْمَحَلِّ، وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفَّارَةٌ؛ لِأَنَّهَا جَزَاءُ الْفِعْلِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَكَ مُحْرِمٌ وَحَلَالٌ فِي قَتْلِ صَيْدِ الْحَرَمِ فَعَلَى الْمُحْرِمِ جَمِيعُ الْقِيمَةِ، وَعَلَى الْحَلَالِ نِصْفُهَا لِمَا أَنَّ الضَّمَانَ يَتَبَعَّضُ فِي حَقِّ الْحَلَالِ، وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ اثْنَيْنِ فِي صَيْدِ الْحَرَمِ قُسِّمَ الضَّمَانُ عَلَى عَدَدِهِمْ، وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَكَ مَعَ الْحَلَالِ مَنْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ مِنْ كَافِرٍ أَوْ صَبِيٍّ وَجَبَ عَلَى الْحَلَالِ بِقَدْرِ مَا يَخُصُّهُ مِنْ الْقِيمَةِ إذَا قُسِمَتْ عَلَى الْعَدَدِ، وَفِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ لَوْ أَخَذَ حَلَالٌ صَيْدَ الْحَرَمِ فَقَتَلَهُ نَصْرَانِيٌّ أَوْ صَبِيٌّ أَوْ بَهِيمَةٌ فِي يَدِهِ فَعَلَى الْحَلَالِ قِيمَتُهُ، وَلَا شَيْءَ عَلَى النَّصْرَانِيِّ وَالصَّبِيِّ وَيَرْجِعُ الْحَلَالُ بِمَا ضَمِنَ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَوْلَا قَتْلُهُمَا لَتَمَكَّنَ الْحَلَالُ مِنْ إرْسَالِهِ. وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَكَ حَلَالٌ وَمُفْرِدٌ وَقَارِنٌ فِي قَتْلِ صَيْدِ الْحَرَمِ فَعَلَى الْحَلَالِ ثُلُثُ الْجَزَاءِ، وَعَلَى الْمُفْرِدِ جَزَاءٌ كَامِلٌ، وَعَلَى الْقَارِنِ جَزَاءَانِ. اهـ. وَلَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ الْجَزَاءَ الَّذِي يَجِبُ عَلَى الْحَلَالَيْنِ بِقَتْلِ صَيْدِ الْحَرَمِ مَعَ أَنَّ فِيهِ تَفْصِيلًا، وَهُوَ أَنَّهُمَا إنْ ضَرَبَاهُ ضَرْبَةً وَاحِدَةً فَمَاتَ كَانَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ قِيمَتِهِ صَحِيحًا، وَإِنْ ضَرَبَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ضَرْبَةً فَإِنْ وَقَعَا مَعًا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا نَقَصَتْهُ جِرَاحَتُهُ ثُمَّ يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ قِيمَتِهِ مَجْرُوحًا بِجِرَاحَتَيْنِ؛ لِأَنَّ عِنْدَ اتِّحَادِ فِعْلِهِمَا جَمِيعُ الصَّيْدِ صَارَ مُتْلَفًا بِفِعْلِهِمَا فَضَمِنَ كُلٌّ نِصْفَ الْجَزَاءِ، وَعِنْدَ الِاخْتِلَافِ الْجُزْءُ الَّذِي تَلِفَ بِضَرْبَةِ كُلٍّ هُوَ الْمُخْتَصُّ بِإِتْلَافِهِ فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ وَالْبَاقِي مُتْلَفٌ بِفِعْلِهِمَا فَعَلَيْهِمَا ضَمَانُهُ، وَإِنْ كَانَ الضَّارِبُ لَهُ حَلَالًا، وَمُحْرِمًا كَذَلِكَ ضَمِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مَا نَقَصَتْهُ جِرَاحَتُهُ ثُمَّ يَضْمَنُ الْحَلَالُ نِصْفَ قِيمَتِهِ مَضْرُوبًا بِالضَّرْبَتَيْنِ، وَعَلَى الْمُحْرِمِ جَمِيعُ قِيمَتِهِ مَضْرُوبًا بِالضَّرْبَتَيْنِ، وَلَوْ لَمْ يَقَعَا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْحَلْقِ قَبْلَ الذَّبْحِ إلَخْ) مَا أَجَابَ بِهِ هُنَا قَدْ عَزَاهُ فِيمَا سَبَقَ إلَى الْعِنَايَةِ، وَقَدَّمْنَا عَنْ السَّعْدِيَّةِ مَا فِيهِ فَالْأَوْجَهُ ذِكْرُ مَا قَدَّمَهُ هُنَاكَ عَنْ غَايَةِ الْبَيَانِ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَجْنِ إلَّا عَلَى إحْرَامِ الْحَجِّ لِفَرَاغِهِ مِنْ أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ فَيَلْزَمُهُ دَمٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ فِي السَّعْدِيَّةِ، وَقَدَّمْنَا مَا فِيهِ أَيْضًا فَرَاجِعْهُ عِنْدَ قَوْلِهِ وَدَمَانِ لَوْ حَلَقَ الْقَارِنُ قَبْلَ الذَّبْحِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 49 مَعًا بِأَنْ جَرَحَهُ الْحَلَالُ أَوَّلًا ثُمَّ ثَنَّى الْمُحْرِمُ ضَمِنَ الْحَلَالُ مَا انْتَقَصَ بِجُرْحِهِ صَحِيحًا وَنِصْفَ قِيمَتِهِ وَبِهِ الْجِرَاحَتَانِ؛ لِأَنَّ النُّقْصَانَ حَصَلَ بِالْجُرْحِ، وَهُوَ صَحِيحٌ وَالْهَلَاكُ حَصَلَ بِأَثَرِ الْفِعْلِ، وَهُوَ مَنْقُوصٌ بِالْجِرَاحَتَيْنِ، وَعَلَى الْمُحْرِمِ قِيمَتُهُ وَبِهِ الْجُرْحُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ حِينَ جُرِحَ كَانَ مَنْقُوصًا بِالْجُرْحِ الْأَوَّلِ، وَلَوْ قَطَعَ حَلَالٌ يَدَ صَيْدٍ ثُمَّ فَقَأَ مُحْرِمٌ عَيْنَهُ ثُمَّ جَرَحَهُ قَارِنٌ فَمَاتَ فَعَلَى الْحَلَالِ قِيمَتُهُ كَامِلَةً؛ لِأَنَّهُ اسْتَهْلَكَهُ مَعْنًى، وَهُوَ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ عَلَيْهِ جِنْسَ الْمَنْفَعَةِ، وَعَلَى الثَّانِي قِيمَتُهُ وَبِهِ الْجُرْحُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ اسْتَهْلَكَهُ مَعْنًى، وَعَلَى الْقَارِنِ قِيمَتَانِ وَبِهِ الْجِنَايَاتُ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَهُ حَقِيقَةً بِأَثَرِ الْفِعْلِ، وَهُوَ مَنْقُوصٌ بِهِمَا وَتَمَامُ تَفَارِيعِهِ فِي الْمُحِيطِ. (قَوْلُهُ: وَيَبْطُلُ بَيْعُ الْمُحْرِمِ صَيْدًا وَشِرَاؤُهُ) ؛ لِأَنَّ بَيْعَهُ حَيًّا تَعَرَّضَ لِلصَّيْدِ بِفَوَاتِ الْأَمْنِ وَبَيْعُهُ بَعْدَ مَا قَتَلَهُ بَيْعُ مَيْتَةٍ كَذَا عَلَّلَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالظَّاهِرُ مِنْ الصَّيْدِ هُوَ الْحَيُّ، وَأَمَّا الْمَيْتَةُ فَمَعْلُومٌ بُطْلَانُ بَيْعِهَا، وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَوْ هَلَكَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِلْبَائِعِ إذَا كَانَ قَدْ اصْطَادَهُ الْبَائِعُ، وَهُوَ مُحْرِمٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ اصْطَادَهُ، وَهُوَ حَلَالٌ ثُمَّ أَحْرَمَ فَبَاعَهُ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يَضْمَنُ لَهُ قِيمَتَهُ، وَأَمَّا الْجَزَاءُ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ جَزَاءٌ كَامِلٌ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ جَنَى بِالْبَيْعِ وَالْمُشْتَرِيَ بِالشِّرَاءِ وَالْأَخْذِ، وَإِنَّمَا كَانَ الْبَيْعُ بَاطِلًا، وَلَمْ يَكُنْ فَاسِدًا؛ لِأَنَّ الصَّيْدَ فِي حَقِّ الْمُحْرِمِ مُحَرَّمُ الْعَيْنِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة: 96] أَضَافَ التَّحْرِيمَ إلَى الْعَيْنِ فَأَفَادَ سُقُوطَ التَّقَوُّمِ فِي حَقِّهِ كَالْخَمْرِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ، وَحَاصِلُهُ إخْرَاجُ الْعَيْنِ عَنْ الْمَحَلِّيَّةِ لِسَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ فَيَكُونُ التَّصَرُّفُ فِيهَا عَبَثًا فَيَكُونُ قَبِيحًا لِعَيْنِهِ فَيَبْطُلُ سَوَاءٌ كَانَا مُحْرِمَيْنِ أَوْ أَحَدَهُمَا وَلِهَذَا أَطْلَقَهُ الْمُصَنِّفُ فَإِنَّهُ أَفَادَ أَنَّ بَيْعَ الْمُحْرِمِ بَاطِلٌ، وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي حَلَالًا، وَأَنَّ شِرَاءَهُ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ حَلَالًا. وَأَمَّا الْجَزَاءُ فَإِنَّمَا يَكُونُ عَلَى الْمُحْرِمِ حَتَّى لَوْ كَانَ الْبَائِعُ حَلَالًا وَالْمُشْتَرِي مُحْرِمٌ لَزِمَ الْمُشْتَرِيَ فَقَطْ، وَعَلَى هَذَا كُلُّ تَصَرُّفٍ فَإِنْ وَهَبَ صَيْدًا فَإِنْ كَانَا مُحْرِمَيْنِ لَزِمَ كُلَّ وَاحِدٍ جَزَاءٌ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُحْرِمًا لَزِمَهُ فَقَطْ، وَلَوْ تَبَايَعَا صَيْدًا فِي الْحِلِّ ثُمَّ أَحْرَمَا أَوْ أَحَدُهُمَا ثُمَّ وَجَدَ الْمُشْتَرِي بِهِ عَيْبًا رَجَعَ بِالنُّقْصَانِ، وَلَيْسَ لَهُ الرَّدُّ، وَعَلَى هَذَا لَوْ غَصَبَ حَلَالٌ صَيْدَ حَلَالٍ ثُمَّ أَحْرَمَ الْغَاصِبُ وَالصَّيْدُ فِي يَدِهِ لَزِمَهُ إرْسَالُهُ وَضَمَانُ قِيمَتِهِ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ فَلَوْ لَمْ يَفْعَلْ وَدَفَعَهُ إلَى الْمَغْصُوبِ مِنْهُ حَتَّى بَرِئَ مِنْ الضَّمَانِ لَهُ كَانَ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ، وَقَدْ أَسَاءَ، وَهَذَا لُغْزٌ يُقَالُ غَاصِبٌ يَجِبُ عَلَيْهِ عَدَمُ الرَّدِّ بَلْ إذَا فَعَلَ يَجِبُ بِهِ الضَّمَانُ فَلَوْ أَحْرَمَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ ثُمَّ دَفَعَهُ إلَيْهِ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْجَزَاءُ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ أَخْرَجَ ظَبْيَةَ الْحَرَمِ فَوَلَدَتْ فَمَاتَا ضَمِنَهُمَا فَإِنْ أَدَّى جَزَاءَهَا فَوَلَدَتْ لَا يَضْمَنُ الْوَلَدَ) ؛ لِأَنَّ الصَّيْدَ بَعْدَ الْإِخْرَاجِ مِنْ الْحَرَمِ بَقِيَ مُسْتَحَقَّ الْأَمْنِ شَرْعًا وَلِهَذَا وَجَبَ رَدُّهُ إلَى مَأْمَنِهِ، وَهَذِهِ صِفَةٌ شَرْعِيَّةٌ فَتَسْرِي إلَى الْوَلَدِ فَإِنْ أَدَّى جَزَاءَهَا ثُمَّ وَلَدَتْ لَيْسَ عَلَيْهِ جَزَاءُ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّ بَعْدَ أَدَاءِ الْجَزَاءِ لَمْ تَبْقَ آمِنَةً؛ لِأَنَّ وُصُولَ الْخَلَفِ كَوُصُولِ الْأَصْلِ وَلِهَذَا يَمْلِكُهَا الَّذِي أَخْرَجَهَا بَعْدَ أَدَاءِ الْجَزَاءِ وَلِهَذَا لَوْ ذَبَحَهَا لَمْ تَكُنْ مَيْتَةً لَكِنَّهُ مَكْرُوهٌ كَذَا قَالُوا: وَقَدْ بَحَثَ فِيهِ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فَقَالَ: وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ أَنَّ أَدَاءَ الْجَزَاءِ إنْ كَانَ حَالَ الْقُدْرَةِ عَلَى إعَادَةِ مَأْمَنِهَا بِالرَّدِّ إلَى الْمَأْمَنِ لَا يَقَعُ كَفَّارَةً، وَلَا يَحِلُّ بَعْدَهُ التَّعَرُّضُ لَهُ بَلْ حُرْمَةُ التَّعَرُّضِ إلَيْهَا قَائِمَةً، وَإِنْ كَانَ حَالَ الْعَجْزِ عَنْهُ بِأَنْ هَرَبَتْ فِي الْحِلِّ بَعْدَ مَا أَخْرَجَهَا إلَيْهِ خَرَجَ بِهِ عَنْ عُهْدَتِهَا فَلَا يَضْمَنُ مَا يَحْدُثُ بَعْدَ التَّكْفِيرِ مِنْ أَوْلَادِهَا، وَلَهُ أَنْ يَصْطَادَهَا، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمُتَوَجَّهَ قَبْلَ الْعَجْزِ عَنْ تَأْمِينِهَا إنَّمَا هُوَ خِطَابُ الرَّدِّ إلَى الْمَأْمَنِ، وَلَا يَزَالُ مُتَوَجِّهًا مَا كَانَ قَادِرًا؛ لِأَنَّ سُقُوطَ الْأَمْرِ إنَّمَا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ قَدْ اصْطَادَهُ، وَهُوَ حَلَالٌ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْبَيْعَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَاسِدٌ وَبِهِ صَرَّحَ فِي النَّهْرِ مَعَ أَنَّهُ دَاخِلٌ فِي عُمُومِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَكَلَامُهُ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمُشْتَرِيَ مُحْرِمٌ أَيْضًا فَيَكُونُ مُخْرِجًا لِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَنْ الْإِطْلَاقِ فَقَوْلُهُ سَوَاءٌ كَانَا مُحْرِمَيْنِ أَوْ أَحَدَهُمَا إلَخْ مُسْتَدْرَكٌ فَتَأَمَّلْهُ، وَقَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ اصْطَادَهُ، وَهُوَ حَلَالٌ إلَى قَوْلِهِ يَضْمَنُ لَهُ قِيمَتَهُ، وَأَمَّا الْجَزَاءُ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ يَصْلُحُ جَوَابًا لِمَا أَلْغَزَ بِهِ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ عِنْدِي سُؤَالٌ حَسَنٌ مُسْتَظْرَفٌ فَرْعٌ عَلَى أَصْلَيْنِ قَدْ تَفَرَّعَا أَتْلَفَ شَيْئًا بِرِضَا مَالِكِهِ وَيَضْمَنُ الْقِيمَةَ وَالْمِثْلَ مَعًا، وَلَمْ أَرَ مَنْ نَظَمَ الْجَوَابَ فَنَظَمْته بِقَوْلِي هَذَا حَلَالٌ بَاعَ صَيْدًا مُحْرِمًا ... فَمَا حَمَى إحْرَامَهُ وَمَا رَعَى وَأَتْلَفَ الصَّيْدَ الْمَبِيعَ جَانِيًا ... فَضَمِنَ الْقِيمَةَ وَالْمِثْلَ مَعًا اهـ. قُلْتُ: لَكِنْ فِيهِ أَنَّ الْمَبِيعَ فَاسِدًا يَمْلِكُهُ الْمُشْتَرِي بِالْقَبْضِ فَالْمَالِكُ هَذَا هُوَ الْمُشْتَرِي لَا الْبَائِعُ (قَوْلُهُ: فَلَوْ لَمْ يَفْعَلْ وَدَفَعَهُ إلَى الْمَغْصُوبِ مِنْهُ إلَخْ) . أَقُولُ: وُجُوبُ الْجَزَاءِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مُشْكِلٌ لِمَا مَرَّ عِنْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ، وَلَوْ أَخَذَ حَلَالٌ صَيْدًا فَأَحْرَمَ ضَمِنَ مُرْسِلُهُ مِنْ أَنَّهُ قَدْ أَتْلَفَهُ الْمُرْسِلُ فَيَضْمَنُهُ وَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ تَرْكُ التَّعَرُّضِ وَيُمْكِنُهُ ذَلِكَ بِأَنْ يُخَلِّيَهُ فِي بَيْتِهِ فَإِذَا قَطَعَ يَدَهُ عَنْهُ كَانَ مُتَعَدِّيًا. اهـ. فَقَوْلُهُ وَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ تَرْكُ التَّعَرُّضِ إلَخْ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إرْسَالُهُ مِنْ يَدِهِ لِإِمْكَانِ تَخْلِيَتِهِ فِي بَيْتِهِ فَهَلَّا كَانَ دَفْعُ الْغَاصِبِ مِثْلَ تَخْلِيَةِ الْمَالِكِ فَلْيُتَأَمَّلْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 50 هُوَ بِفِعْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ مَا لَمْ يَعْجِزْ، وَلَمْ يُوَجَّهْ فَإِذَا عَجَزَ تَوَحَّدَ خِطَابُ الْجَزَاءِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِأَنَّ الْأَخْذَ لَيْسَ سَبَبًا لِلضَّمَانِ بَلْ الْقَتْلُ بِالنَّصِّ فَالتَّفْكِيرُ قَبْلَهُ وَاقِعٌ قَبْلَ السَّبَبِ فَلَا يَقَعُ إلَّا نَفْلًا فَإِذَا مَاتَتْ بَعْدَ أَدَاءِ هَذَا الْجَزَاءِ لَزِمَ الْجَزَاءُ؛ لِأَنَّهُ الْآنَ تَعَلَّقَ خِطَابُ الْجَزَاءِ هَذَا الَّذِي أَدِينُ اللَّهَ بِهِ، وَأَقُولُ: يُكْرَهُ اصْطِيَادُهَا إذَا أَدَّى الْجَزَاءَ بَعْدَ الْهَرَبِ ثُمَّ ظَفِرَ بِهَا بِشُبْهَةِ كَوْنِ دَوَامِ الْعَجْزِ شَرْطَ إجْزَاءِ الْكَفَّارَةِ إلَّا إذَا اصْطَادَهَا لِيَرُدَّهَا إلَى الْحَرَمِ. اهـ. وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُخْرِجُ مُحْرِمًا أَوْ حَلَالًا فَإِنْ كَانَ مُحْرِمًا فَلَا شَكَّ أَنَّ سَبَبَ الضَّمَانِ قَدْ وُجِدَ، وَهُوَ التَّعَرُّضُ لِلصَّيْدِ فَإِنَّ الْآيَةَ، وَإِنْ أَفَادَتْ حُرْمَةَ الْقَتْلِ أَفَادَتْ السُّنَّةُ حُرْمَةَ التَّعَرُّضِ قَتْلًا أَوْ غَيْرَهُ وَلِهَذَا وَجَبَ الضَّمَانُ بِالدَّلَالَةِ، وَلَيْسَتْ قَتْلًا، وَقَدْ صَرَّحُوا كَمَا قَدَّمْنَاهُ بِأَنَّ الْمُحْرِمَ إذَا جَرَحَ صَيْدًا فَكَفَّرَ ثُمَّ مَاتَ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ أُخْرَى؛ لِأَنَّهُ أَدَّى بَعْدَ السَّبَبِ، وَلَيْسَ قَتْلًا، وَإِنْ كَانَ الْمُخْرِجُ حَلَالًا فَالنَّصُّ الْحَدِيثِيُّ أَفَادَ حُرْمَةَ التَّنْفِيرِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ بِقَوْلِهِ، وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا، وَلَمْ يَخُصَّ الْقَتْلَ وَالْمُرَادُ مِنْ التَّنْفِيرِ التَّعَرُّضُ لَهُ فَإِنَّهُ حَرَامٌ كَالْقَتْلِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ بِالدَّلَالَةِ شَيْءٌ فَإِذَا أَخْرَجَهَا فَقَدْ اتَّصَلَ فِعْلُهُ بِهَا فَوُجِدَ سَبَبُ الضَّمَانِ فَجَازَ التَّكْفِيرُ فَإِذَا أَدَّى الْجَزَاءَ مَلَكَهَا مِلْكًا خَبِيثًا وَلِهَذَا قَالُوا يُكْرَهُ أَكْلُهَا، وَهِيَ عِنْدَ إطْلَاقِهِمْ مُنْصَرِفَةٌ إلَى الْكَرَاهَةِ التَّحْرِيمِيَّةِ فَدَلَّ أَنَّهُ يَجِبُ رَدُّهَا إلَى الْحَرَمِ بَعْدَ أَدَاءِ الْجَزَاءِ، وَلَوْ كَانَ الْقَتْلُ عَيْنًا سَبَبًا لِلْجَزَاءِ لَمْ يَجِبْ الْجَزَاءُ بِإِخْرَاجِهَا، وَعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى رَدِّهَا إلَى الْحَرَمِ بِهَرَبِهَا فَالظَّاهِرُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَئِمَّتُنَا. وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِحُكْمِ الزِّيَادَةِ الْمُنْفَصِلَةِ إلَى الزِّيَادَةِ الْمُتَّصِلَةِ كَالسَّمْنِ وَالشَّعْرِ. فَإِنْ أَخْرَجَ حَلَالٌ ظَبْيَةَ الْحَرَمِ فَازْدَادَتْ قِيمَتُهَا مِنْ بَدَنٍ أَوْ شَعْرٍ ثُمَّ مَاتَتْ فَإِنْ لَمْ يُؤَدِّ جَزَاءَهَا قَبْلَ مَوْتِهَا فَالزِّيَادَةُ مَضْمُونَةٌ، وَإِنْ أَدَّى جَزَاءَهَا قَبْلَ مَوْتِهَا فَهِيَ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ؛ لِأَنَّهُ انْعَدَمَ أَثَرُ الْفِعْلِ بِالتَّكْفِيرِ حَتَّى لَوْ أَنْشَأَ الْفِعْلَ فِيهَا لَمْ يَضْمَنْ، وَلَوْ أَخْرَجَهَا مِنْ الْحَرَمِ فَبَاعَهَا أَوْ ذَبَحَهَا أَوْ أَكَلَهَا جَازَ الْبَيْعُ وَالْأَكْلُ وَيُكْرَهُ، وَحُكْمُ الزِّيَادَةِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي قَبْلَ التَّكْفِيرِ وَبَعْدَهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ قَبْلَ الشِّرَاءِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَهُوَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ يُفِيدُ أَنَّ الْإِخْرَاجَ مِنْ الْحَرَمِ لَمَّا كَانَ سَبَبًا لِلضَّمَانِ كَانَ سَبَبًا لِلْمِلْكِ، وَلَوْ لَمْ يُؤَدِّ الْجَزَاءَ، وَالظَّبْيَةُ الْأُنْثَى مِنْ الظِّبَاءِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ، وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ. (بَابُ مُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ بِغَيْرِ إحْرَامٍ) وَصَلَهُ بِمَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ جِنَايَةٌ أَيْضًا لَكِنَّ مَا سَبَقَ جِنَايَةٌ بَعْدَ الْإِحْرَامِ، وَهَذَا قَبْلَهُ وَالْمِيقَاتُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ بِخِلَافِ الْوَقْتِ فَإِنَّهُ خَاصٌّ بِالزَّمَانِ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الْمِيقَاتُ الْمَكَانِيُّ بِدَلِيلِ الْمُجَاوَزَةِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ مُجَاوَزَةُ آخِرِ الْمَوَاقِيتِ إلَّا مُحْرِمًا فَإِذَا جَاوَزَهُ بِلَا إحْرَامٍ لَزِمَهُ دَمٌ، وَأَحَدُ النُّسُكَيْنِ إمَّا حَجٌّ أَوْ عُمْرَةٌ؛ لِأَنَّ مُجَاوَزَةَ الْمِيقَاتِ بِنِيَّةِ دُخُولِ الْحَرَمِ بِمَنْزِلَةِ إيجَابِ الْإِحْرَامِ عَلَى نَفْسِهِ، وَلَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُحْرِمَ لَزِمَهُ إمَّا حَجٌّ أَوْ عُمْرَةٌ فَكَذَلِكَ إذَا وَجَبَ بِالْفِعْلِ كَمَا إذَا افْتَتَحَ صَلَاةَ التَّطَوُّعِ ثُمَّ أَفْسَدَهَا وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاءُ رَكْعَتَيْنِ كَمَا لَوْ أَوْجَبَهَا بِالْقَوْلِ (قَوْلُهُ: مَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ غَيْرَ مُحْرِمٍ ثُمَّ عَادَ مُحْرِمًا مُلَبِّيًا أَوْ جَاوَزَ ثُمَّ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ أَفْسَدَ، وَقَضَى بَطَلَ الدَّمُ) أَيْ مَنْ جَاوَزَ آخِرَ الْمَوَاقِيتِ بِغَيْرِ إحْرَامٍ ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ، وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَلَبَّى فِيهِ فَقَدْ سَقَطَ عَنْهُ الدَّمُ الَّذِي لَزِمَهُ بِالْمُجَاوَزَةِ بِغَيْرِ إحْرَامٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَدَارَكَ مَا فَاتَهُ أَطْلَقَ الْإِحْرَامَ فَشَمِلَ إحْرَامَ الْحَجِّ فَرْضًا كَانَ أَوْ نَفْلًا، وَإِحْرَامَ الْعُمْرَةِ، وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَوْ عَادَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ ثُمَّ أَحْرَمَ مِنْهُ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ الدَّمُ بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَنْشَأَ التَّلْبِيَةَ الْوَاجِبَةَ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الْإِحْرَامِ، وَلِهَذَا كَانَ السُّقُوطُ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ، وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِ مُلَبِّيًا فِي الْمِيقَاتِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ عَادَ مُحْرِمًا، وَلَمْ يُلَبِّ فِي الْمِيقَاتِ فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ الدَّمُ عَنْهُ، وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ مُتَدَارِكًا لِمَا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَخْرَجَهَا مِنْ الْحَرَمِ فَبَاعَهَا أَوْ ذَبَحَهَا إلَخْ) تَقَدَّمَ عَنْ النَّهْرِ أَنَّهُ ضَعِيفٌ تَأَمَّلْ. [بَابُ مُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ بِغَيْرِ إحْرَامٍ] (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ مَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ غَيْرَ مُحْرِمٍ) قَالَ: فِي النَّهْرِ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ لَزِمَهُ دَمٌ إلَّا أَنَّهُ اكْتَفَى بِمَا فُهِمَ اقْتِضَاءً مِنْ قَوْلِهِ بَطَلَ الدَّمُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 51 فَاتَهُ إلَّا بِهَا، وَعِنْدَهُمَا يَسْقُطُ الدَّمُ مُطْلَقًا كَمَا لَوْ أَحْرَمَ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ، وَمَرَّ بِالْمَوَاقِيتِ سَاكِتًا فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا وَجَوَابُهُ أَنَّ الْإِحْرَامَ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ هُوَ الْعَزِيمَةُ، وَقَدْ أَتَى بِهِ فَإِذَا تَرَخَّصَ بِالتَّأْخِيرِ إلَى الْمِيقَاتِ وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاءُ حَقِّهِ بِإِنْشَاءِ التَّلْبِيَةِ، وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَوْ عَادَ مُحْرِمًا، وَلَمْ يُلَبِّ فِيهِ لَكِنْ لَبَّى بَعْدَمَا جَاوَزَهُ ثُمَّ رَجَعَ، وَمَرَّ بِهِ سَاكِتًا فَإِنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ فَوْقَ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ فِي تَعْظِيمِ الْبَيْتِ، وَأَطْلَقَ فِي الْعَوْدِ فَشَمِلَ مَا إذَا عَادَ إلَى الْمِيقَاتِ الَّذِي جَاوَزَهُ غَيْرَ مُحْرِمٍ أَوْ إلَى غَيْرِهِ أَقْرَبَ أَوْ أَبْعَدَ؛ لِأَنَّ الْمَوَاقِيتَ كُلَّهَا سَوَاءٌ فِي حَقِّ الْإِحْرَامِ وَالْأَوْلَى أَنْ يُحْرِمَ مِنْ وَقْتِهِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَقَيَّدْنَا بِكَوْنِهِ جَاوَزَ آخِرَ الْمَوَاقِيتِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ فِي بَابِ الْإِحْرَامِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ إلَّا عِنْدَ آخِرِهَا وَيَجُوزُ مُجَاوَزَةُ مِيقَاتِهِ بِغَيْرِ إحْرَامٍ إذَا كَانَ بَعْدَهُ مِيقَاتٌ آخَرُ وَتَرَكَ الْمُصَنِّفُ قَيْدًا لَا بُدَّ مِنْهُ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْعَوْدُ إلَى الْمِيقَاتِ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْأَعْمَالِ فَلَوْ عَادَ إلَيْهِ بَعْدَمَا طَافَ شَوْطًا لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ اتِّفَاقًا، وَكَذَا بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ مِنْ غَيْرِ طَوَافٍ؛ لِأَنَّ مَا شَرَعَ فِيهِ وَقَعَ مُعْتَدًّا بِهِ فَلَا يَعُودُ إلَى حُكْمِ الِابْتِدَاءِ بِالْعَوْدِ إلَى الْمِيقَاتِ. وَمَا فِي الْهِدَايَةِ مِنْ التَّقْيِيدِ بِاسْتِلَامِ الْحَجَرِ مَعَ الطَّوَافِ فَلَيْسَ احْتِرَازِيًّا بَلْ الطَّوَافُ يُؤَكِّدُ الدَّمَ مِنْ غَيْرِ اسْتِلَامٍ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الْعِنَايَةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الْعَوْدَ أَفْضَلُ أَوْ تَرْكَهُ، وَفِي الْمُحِيطِ إنْ خَافَ فَوْتَ الْحَجّ إذَا عَادَ فَإِنَّهُ لَا يَعُودُ وَيَمْضِي فِي إحْرَامِهِ، وَإِنْ لَمْ يَخَفْ فَوْتَهُ عَادَ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ فَرْضٌ وَالْإِحْرَامُ مِنْ الْمِيقَاتِ وَاجِبٌ، وَتَرْكُ الْوَاجِبِ أَهْوَنُ مِنْ تَرْكِ الْفَرْضِ. اهـ. فَاسْتُفِيدَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا تَفْصِيلَ فِي الْعُمْرَةِ، وَأَنَّهُ يَعُودُ؛ لِأَنَّهَا لَا تَفُوتُ أَصْلًا وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ عُلِمَ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى قَوْلِهِ أَوْ جَاوَزَ ثُمَّ أَحْرَمَ إلَى آخِرِهِ لِدُخُولِهِ تَحْتَ قَوْلِهِ ثُمَّ عَادَ مُحْرِمًا مُلَبِّيًا؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ كَمَا عَلِمْت بَيْنَ إحْرَامِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ أَدَاءً أَوْ قَضَاءً، وَإِنْ كَانَ أَفْرَدَهَا لِأَجْلِ أَنَّ زُفَرَ يُخَالِفُ فِيهَا فَهُوَ مُخَالِفٌ أَيْضًا فِيمَا قَبْلَهَا خُصُوصًا أَنَّهُ مُوهِمٌ غَيْرَ الْمُرَادِ فَإِنَّهُ لَمْ يَشْتَرِطْ الْعَوْدَ إلَى الْمِيقَاتِ فِي الْقَضَاءِ، وَلَا بُدَّ مِنْهُ لِلسُّقُوطِ، وَقَيَّدَ بِالْعُمْرَةِ، وَلَيْسَ احْتِرَازِيًّا بَلْ إذَا فَسَدَ الْحَجُّ ثُمَّ قَضَاهُ بِأَنْ عَادَ إلَى الْمِيقَاتِ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ مِنْ سُقُوطِ الدَّمِ. (قَوْلُهُ: فَلَوْ دَخَلَ كُوفِيٌّ الْبُسْتَانَ لِحَاجَةٍ لَهُ دُخُولُ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ، وَوَقْتُهُ الْبُسْتَانُ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ أَوَّلًا دُخُولَ مَكَّةَ، وَإِنَّمَا قَصَدَ الْبُسْتَانَ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ أَهْلِهِ حِينَ دَخَلَهُ وَلِلْبُسْتَانِيِّ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ لِلْحَاجَةِ فَكَذَلِكَ لَهُ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَوَقْتُهُ الْبُسْتَانُ جَمِيعُ الْحِلِّ الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَرَمِ قَالُوا: وَهَذِهِ حِيلَةُ الْآفَاقِيِّ إذَا أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ فَيَنْوِي أَنْ يَدْخُلَ خُلَيْصًا مِثْلًا فَلَهُ مُجَاوَزَةُ رَابِغٍ الَّذِي هُوَ مِيقَاتُ الشَّامِيِّ وَالْمِصْرِيِّ الْمُحَاذِي لِلْجُحْفَةِ، وَلَمْ أَرَ أَنَّ هَذَا الْقَصْدَ لَا بُدَّ مِنْهُ حِينَ خُرُوجِهِ مِنْ بَيْتِهِ أَوَّلًا، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ هُوَ الْأَوَّلُ فَإِنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَمَا فِي الْهِدَايَةِ مِنْ التَّقْيِيدِ بِاسْتِلَامِ الْحَجَرِ) أَيْ حَيْثُ قَالَ: لَوْ عَادَ بَعْدَمَا ابْتَدَأَ الطَّوَافَ وَاسْتَلَمَ الْحَجَرَ، وَكَذَا فِي بَعْضِ نُسَخِ الدُّرَرِ، وَفِي بَعْضِهَا أَوْ اسْتَلَمَ بِأَوْ، قَالَ: فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ بَعْد نَقْلِهِ عِبَارَةَ الْمُؤَلِّفِ فَلْيُحَرَّرْ هَلْ مُجَرَّدُ الِاسْتِلَامِ مَانِعٌ لِلسُّقُوطِ أَوْ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الطَّوَافِ. اهـ. قُلْتُ: الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ عِبَارَةِ الْعِنَايَةِ عَدَمُ اعْتِبَارِ الِاسْتِلَامِ مَانِعًا وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ بَعْدَ تَعْلِيلِ الْمَسْأَلَةِ وَظَهَرَ لَك بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ قَوْلَهُ وَاسْتَلَمَ الْحَجَرَ لِبَيَانِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي ذَلِكَ الشَّوْطُ. اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ ذِكْرَ الِاسْتِلَامِ لِإِفَادَةِ أَنَّ الْمَانِعَ هُوَ الشَّوْطُ الْكَامِلُ، وَلَيْسَ احْتِرَازِيًّا، وَكَيْفَ يَكُونُ الِاسْتِلَامُ بِمُجَرَّدِهِ مَانِعًا مَعَ أَنَّهُ يَكُونُ أَيْضًا قَبْلَ الِابْتِدَاءِ بِالطَّوَافِ تَأَمَّلْ، وَقَالَ مُنْلَا عَلِيٌّ الْقَارِي عِنْدَ قَوْلِ صَاحِبِ اللُّبَابِ، وَإِنْ عَادَ بَعْدَ شُرُوعِهِ كَأَنْ اسْتَلَمَ الْحَجَرَ الْأَوْلَى كَأَنْ نَوَى الطَّوَافَ سَوَاءٌ اسْتَلَمَهُ أَوْ لَا وَسَوَاءٌ ابْتَدَأَ مِنْهُ أَوْ لَا بَلْ الصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ: بِأَنْ نَوَى. اهـ. (قَوْلُهُ: وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ عُلِمَ إلَخْ) قَرَّرَ فِي النَّهْرِ كَلَامَ الْمَتْنِ بِأَنَّ قَوْلَهُ ثُمَّ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ يُعْلَمُ مِنْهُ مَا إذَا أَحْرَمَ بِحَجَّةٍ بِالْأَوْلَى، وَقَوْلُهُ ثُمَّ أَفْسَدَ أَيْ تِلْكَ الْعُمْرَةَ أَوْ الْحَجَّةَ، وَقَضَى مَا أَفْسَدَهُ مِنْ الْمِيقَاتِ بِأَنْ أَحْرَمَ فِي الْقَضَاءِ مِنْهُ، وَعَزَاهُ إلَى الزَّيْلَعِيِّ ثُمَّ قَالَ: وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي الْبَحْرِ؛ لِأَنَّ مَوْضُوعَ الْأُولَى مَا إذَا عَادَ بَعْدَ الْإِحْرَامِ إلَى الْمِيقَاتِ، وَفِيهَا لَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ أَدَاءً، وَقَضَاءً وَالثَّانِيَةُ مَا إذَا أَنْشَأَ إحْرَامَ الْقَضَاءِ مِنْ الْمِيقَاتِ وَلِذَا لَمْ يَقُلْ ثُمَّ عَادَ قَاضِيًا. اهـ. وَلَا يَخْفَى عَلَيْك إنْ أَنْصَفْت مَا فِيهِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ ثُمَّ عَادَ لَيْسَ قَيْدًا احْتِرَازِيًّا عَمَّا إذَا أَنْشَأَ الْإِحْرَامَ مِنْهُ بَلْ لِيُدْخِلَ فِيهِ ذَلِكَ بِالْأَوْلَى كَمَا مَرَّ؛ وَلِأَنَّ مَسْأَلَةَ الْقَضَاءِ لَا تَخْتَصُّ بِمَا إذَا أَنْشَأَ الْإِحْرَامَ مِنْ الْمِيقَاتِ بَلْ كَذَلِكَ مَا إذَا عَادَ مُحْرِمًا مُلَبِّيًا بِالْقَضَاءِ فَلَا فَرْقَ حِينَئِذٍ بَيْنَ الْقَضَاءِ وَالْأَدَاءِ وَالْمُتُونُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الِاخْتِصَارِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى الْأُولَى لَشَمِلَ أَدَاءَ الْحَجِّ فَرْضِهِ وَنَفْلِهِ وَالْعُمْرَةَ وَقَضَاءَهُمَا. (قَوْلُهُ: بَلْ إذَا فَسَدَ الْحَجُّ ثُمَّ قَضَاهُ بِأَنْ عَادَ إلَى الْمِيقَاتِ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَفِي غَيْرِهَا بَلْ إذَا فَسَدَ الْحَجُّ ثُمَّ عَادَ بِأَنْ قَضَاهُ فَالْحُكْمُ إلَخْ وَالْأُولَى أَظْهَرُ. (قَوْلُهُ: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ هُوَ الْأَوَّلُ إلَخْ) قَالَ: فِي النَّهْرِ الظَّاهِرُ أَنَّ وُجُودَ ذَلِكَ الْقَصْدِ عِنْدَ الْمُجَاوَزَةِ كَافٍ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا فِي الْبَدَائِعِ بَعْدَمَا ذَكَرَ حُكْمَ الْمُجَاوَزَةِ بِغَيْرِ إحْرَامٍ قَالَ: هَذَا إذَا جَاوَزَ أَحَدٌ هَذِهِ الْمَوَاقِيتَ الْخَمْسَةَ يُرِيدُ الْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ أَوْ دُخُولَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 52 الْآفَاقِيَّ يُرِيدُ دُخُولَ الْحِلِّ الَّذِي بَيْنَ الْمِيقَاتِ وَالْحَرَمِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ كَافِيًا فَلَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ قَصْدِ مَكَان مَخْصُوصٍ مِنْ الْحِلِّ الدَّاخِلِ الْمِيقَاتِ حِينَ يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ، وَإِلَّا فَالظَّاهِرُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا نَوَى إقَامَةَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فِي الْبُسْتَانِ فَلَهُ دُخُولُ مَكَّةَ بِلَا إحْرَامٍ، وَإِلَّا فَلَا لَكِنَّ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ الْإِطْلَاقُ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ دَخَلَ مَكَّةَ بِلَا إحْرَامٍ ثُمَّ حَجَّ عَمَّا عَلَيْهِ فِي عَامَّةِ ذَلِكَ صَحَّ عَنْ دُخُولِ مَكَّةَ بِلَا إحْرَامٍ، وَإِنْ تَحَوَّلَتْ السَّنَةُ لَا) ؛ لِأَنَّهُ تَلَافَى الْمَتْرُوكَ فِي وَقْتِهِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ تَعْظِيمُ هَذِهِ الْبُقْعَةِ بِالْإِحْرَامِ كَمَا إذَا أَتَاهَا بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ فِي الِابْتِدَاءِ بِخِلَافِ مَا إذَا تَحَوَّلَتْ السَّنَةُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ فَلَا يَتَأَدَّى إلَّا بِإِحْرَامٍ مَقْصُودٍ كَمَا فِي الِاعْتِكَافِ الْمَنْذُورِ فَإِنَّهُ يَتَأَدَّى بِصَوْمِ رَمَضَانَ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ دُونَ الْعَامِ الثَّانِي. فَإِنْ قُلْتُ: سَلَّمْنَا أَنَّ الْحَجَّةَ بِتَحَوُّلِ السَّنَةِ تَصِيرُ دَيْنًا، وَلَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْعُمْرَةَ تَصِيرُ دَيْنًا؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُؤَقَّتَةٍ قُلْتُ: لَا شَكَّ أَنَّ الْعُمْرَةَ يُكْرَهُ تَرْكُهَا إلَى آخِرِ أَيَّامِ النَّحْرِ وَالتَّشْرِيقِ فَإِذَا أَخَّرَهَا إلَى وَقْتٍ يُكْرَهُ صَارَ كَالْمُفَوِّتِ لَهَا فَصَارَتْ دَيْنًا كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَا فَرْقَ بَيْنَ سَنَةِ الْمُجَاوَزَةِ وَسَنَةٍ أُخْرَى فَإِنَّ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ إذَا دَخَلَهَا بِلَا إحْرَامٍ لَيْسَ إلَّا وُجُوبُ الْإِحْرَامِ بِأَحَدِ النُّسُكَيْنِ فَقَطْ فَفِي أَيِّ وَقْتٍ فَعَلَ ذَلِكَ يَقَعُ أَدَاءً إذْ الدَّلِيلُ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ فِي سَنَةٍ مُعَيَّنَةٍ لِيَصِيرَ بِفَوَاتِهَا دَيْنًا يُقْضَى فَمَهْمَا أَحْرَمَ مِنْ الْمِيقَاتِ بِنُسُكٍ عَلَيْهِ تَأَدِّي هَذَا الْوَاجِبُ فِي ضِمْنِهِ، وَعَلَى هَذَا إذَا تَكَرَّرَ الدُّخُولُ بِلَا إحْرَامٍ مِنْهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْتَاجَ إلَى التَّعْيِينِ، وَإِنْ كَانَتْ أَسْبَابًا مُتَعَدِّدَةَ الْأَشْخَاصِ دُونَ النَّوْعِ كَمَا قُلْنَا فِيمَنْ عَلَيْهِ يَوْمَانِ مِنْ رَمَضَانَ يَنْوِي مُجَرَّدَ قَضَاءِ مَا عَلَيْهِ، وَلَمْ يُعَيِّنْ الْأَوَّلَ، وَلَا غَيْرَهُ جَازَ، وَكَذَا لَوْ كَانَا مِنْ رَمَضَانَيْنِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَكَذَا نَقُولُ إذَا رَجَعَ مِرَارًا فَأَحْرَمَ كُلَّ مَرَّةٍ بِنُسُكٍ حَتَّى أَتَى عَلَى عَدَدٍ دَخَلَاتِهِ خَرَجَ عَنْ عُهْدَةِ مَا عَلَيْهِ. اهـ. يُشِيرُ إلَى رَدِّ مَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ قَاصِدًا مَكَّةَ بِلَا إحْرَامٍ مِرَارًا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ لِكُلِّ مَرَّةٍ إمَّا حَجَّةٌ أَوْ عُمْرَةٌ، وَلَوْ خَرَجَ مِنْ عَامَّةِ ذَلِكَ إلَى الْمِيقَاتِ فَأَحْرَمَ بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ أَوْ غَيْرِهَا فَإِنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ مَا وَجَبَ عَنْهُ لِأَجْلِ الْمُجَاوَزَةِ الْأَخِيرَةِ، وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ مَا وَجَبَ لِأَجْلِ مُجَاوَزَتِهِ قَبْلَهَا؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ قَبْلَ الْأَخِيرَةِ صَارَ دَيْنًا فَلَا يَسْقُطُ إلَّا بِتَعْيِينِ النِّيَّةِ. اهـ. وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ الْحَجَّ فَشَمِلَ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ وَالْحَجَّةَ الْمَنْذُورَةَ وَيَلْحَقُ بِهِ الْعُمْرَةُ الْمَنْذُورَةُ فَلَوْ قَالَ: ثُمَّ أَحْرَمَ عَمَّا عَلَيْهِ فِي عَامِهِ ذَلِكَ لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ كُلَّ إحْرَامٍ وَاجِبٍ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً أَدَاءً، وَقَضَاءً أَوْ فِي الْمُحِيطِ، وَإِذَا جَاوَزَ الْعَبْدُ الْمِيقَاتَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ ثُمَّ أَذِنَ لَهُ مَوْلَاهُ أَنْ يُحْرِمَ   [منحة الخالق] مَكَّةَ أَوْ الْحَرَمِ بِغَيْرِ إحْرَامٍ فَأَمَّا إذَا لَمْ يُرِدْ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ بُسْتَانَ بَنِي عَامِرٍ أَوْ غَيْرَهُ لِحَاجَةٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. اهـ. فَاعْتَبَرَ الْإِرَادَةَ عِنْدَ الْمُجَاوَزَةِ كَمَا تَرَى. اهـ. أَقُولُ: وَظَاهِرُ مَا فِي الْبَدَائِعِ أَنَّ مَنْ أَرَادَ النُّسُكَ يَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ، وَإِنْ قَصَدَ دُخُولَ الْبُسْتَانِ لِقَوْلِهِ أَمَّا إذَا لَمْ يُرِدْ ذَلِكَ إلَخْ، وَكَذَا مَنْ يُرِدْ الْحَرَمَ فَلَا تَنْفَعُهُ إرَادَةُ دُخُولِ الْبُسْتَانِ وَيُؤْخَذُ ذَلِكَ أَيْضًا مِنْ قَوْلِهِ فِي لُبَابِ الْمَنَاسِكِ، وَمَنْ جَاوَزَ وَقْتَهُ يَقْصِدُ مَكَانًا فِي الْحِلِّ ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ فَلَهُ أَنْ يَدْخُلَهَا بِغَيْرِ إحْرَامٍ فَقَوْلُهُ ثُمَّ بَدَا لَهُ أَيْ ظَهَرَ وَحَدَثَ لَهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ دُخُولَ مَكَّةَ عِنْدَ الْمُجَاوَزَةِ يَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ، وَإِنْ أَرَادَ دُخُولَ الْبُسْتَانِ؛ لِأَنَّ دُخُولَ مَكَّةَ لَمْ يَبْدُ لَهُ، وَإِنَّمَا هُوَ مَقْصُودُهُ الْأَصْلِيُّ وَحِينَئِذٍ يُشْكِلُ قَوْلُهُمْ، وَهَذِهِ حِيلَةُ الْآفَاقِيِّ إلَخْ، وَقَدْ أَشَارَ إلَى هَذَا الْإِشْكَالِ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ ثُمَّ قَالَ: وَالْوَجْهُ فِي الْجُمْلَةِ أَنْ يَقْصِدَ الْبُسْتَانَ قَصْدًا أَوَّلِيًّا، وَلَا يَضُرُّهُ دُخُولُ الْحَرَمِ بَعْدَهُ قَصْدًا ضِمْنِيًّا أَوْ عَارِضِيًّا كَمَا إذَا قَصَدَ مَدَنِيٌّ جُدَّةَ لِبَيْعٍ وَشِرَاءٍ أَوَّلًا وَيَكُونُ فِي خَاطِرِهِ أَنَّهُ إذَا فَرَغَ مِنْهُ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ ثَانِيًا بِخِلَافِ مَنْ جَاءَ مِنْ الْهِنْدِ بِقَصْدِ الْحَجِّ أَوَّلًا وَيَقْصِدُ دُخُولَ جُدَّةَ تَبَعًا، وَلَوْ قَصَدَ بَيْعًا وَشِرَاءً. اهـ. وَلَا تَنْسَ مَا مَرَّ قُبَيْلَ بَابِ الْإِحْرَامِ أَنَّ مَنْ كَانَ دَاخِلَ الْمَوَاقِيتِ فَمِيقَاتُهُ الْحِلُّ فَلَا يَدْخُلُ الْحَرَمَ عِنْدَ قَصْدِ النُّسُكِ إلَّا مُحْرِمًا، وَعَلَيْهِ فَمَنْ قَصَدَ الْبُسْتَانَ قَصْدًا أَوَّلِيًّا ثُمَّ أَرَادَ النُّسُكَ لَا يَحِلُّ لَهُ دُخُولُ مَكَّةَ بِلَا إحْرَامٍ وَانْظُرْ مَا كَتَبْنَاهُ هُنَاكَ عَنْ الشَّيْخِ قُطْبِ الدِّينِ. (قَوْلُ الْمُصَنِّفُ ثُمَّ حَجَّ عَمَّا عَلَيْهِ فِي عَامِهِ) ذَلِكَ عِبَارَةُ الدُّرَرِ وَصَحَّ مِنْهُ لَوْ خَرَجَ فِي عَامِهِ ذَلِكَ إلَى الْمِيقَاتِ، وَأَحْرَمَ وَحَجَّ عَمَّا عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْعَامِ قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة كَذَا قَيَّدَ الْخُرُوجَ إلَى الْمِيقَاتِ مِنْ عَامِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَفِي الْبَدَائِعِ مَا يَقْتَضِي عَدَمَ تَقْيِيدِهِ بِالْخُرُوجِ إلَى الْمِيقَاتِ كَمَا نَقَلَهُ الْكَمَالُ بِقَوْلِهِ فَإِنْ أَقَامَ بِمَكَّةَ حَتَّى تَحَوَّلَتْ السَّنَةُ ثُمَّ أَحْرَمَ يُرِيدُ قَضَاءَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ بِدُخُولِ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ أَجْزَأَهُ فِي ذَلِكَ الْمِيقَاتِ أَهْلُ مَكَّةَ فِي الْحَجِّ بِالْحَرَمِ وَبِالْعُمْرَةِ بِالْحِلِّ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَامَ بِمَكَّةَ صَارَ فِي حُكْمِ أَهْلِهَا فَيُجْزِئُهُ إحْرَامُهُ مِنْ مِيقَاتِهِمْ. اهـ. وَتَعْلِيلُهُ يَقْتَضِي أَنْ لَا حَاجَةَ إلَى تَقْيِيدِهِ بِتَحْوِيلِ السَّنَةِ. اهـ. وَلَوْ خَرَجَ وَأَهَّلَ مِنْ مِيقَاتٍ أَقْرَبَ مِمَّا جَاوَزَهُ أَجْزَأَهُ كَمَا فِي الْفَتْحِ عَنْ الْمَبْسُوطِ ثُمَّ التَّقْيِيدُ بِخُرُوجِهِ إلَى الْمِيقَاتِ يُسْقِطُ الدَّمَ الَّذِي لَزِمَهُ بِمُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ غَيْرَ مُحْرِمٍ بِالْإِحْرَامِ مِنْهُ كَمَا تَقَدَّمَ فَإِذَا أَحْرَمَ مِنْ دَاخِلِ الْمِيقَاتِ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ دَمُ الْمُجَاوَزَةِ؛ لِأَنَّ الْمُتَقَرِّرَ عَلَيْهِ أَمْرَانِ دَمُ الْمُجَاوَزَةِ وَلُزُومُ نُسُكٍ بِدُخُولِ مَكَّةَ بِلَا إحْرَامٍ، وَقَدْ عَلِمْت حُكْمَ كُلٍّ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: يُشِيرُ إلَى رَدِّ مَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ إلَخْ) ظَاهِرُهُ اخْتِيَارُ مَا بَحَثَهُ فِي الْفَتْحِ مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ الْمَنْقُولِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ أَذِنَ لَهُ مَوْلَاهُ أَنْ يُحْرِمَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 53 فَأَحْرَمَ لَزِمَهُ دَمُ الْوَقْتِ إذَا أُعْتِقَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْإِحْرَامِ فَلَزِمَهُ الْإِحْرَامُ مِنْ الْمِيقَاتِ، وَأَمَّا الْكَافِرُ إذَا دَخَلَ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ ثُمَّ أَسْلَمَ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ كَالصَّبِيِّ إذَا جَاوَزَهُ بِغَيْرِ إحْرَامٍ ثُمَّ بَلَغَ لِعَدَمِ أَهْلِيَّةِ الْوُجُوبِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ لَا خُصُوصِيَّةَ لِلْآفَاقِيِّ فِي وُجُوبِ الدَّمِ بِتَرْكِ الْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ بَلْ الْمَكِّيُّ كَذَلِكَ حَتَّى لَوْ أَحْرَمَ الْمَكِّيُّ بِالْعُمْرَةِ مِنْ الْحَرَمِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ دَمٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحِيطِ. وَكَذَا لَوْ أَحْرَمَ الْمَكِّيُّ مِنْ الْحِلِّ بِالْحَجِّ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ دَمٌ وَتَتَأَتَّى التَّفَارِيعُ الْمُتَقَدِّمَةُ فِي الْآفَاقِيِّ مِنْ عَوْدِهِ مُحْرِمًا مُلَبِّيًا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ، وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ. (بَابُ إضَافَةِ الْإِحْرَامِ إلَى الْإِحْرَامِ) لَمَّا كَانَ ذَلِكَ جِنَايَةً فِي بَعْضِ الصُّوَرِ أَوْرَدَهُ عَقِيبَ الْجِنَايَاتِ (قَوْلُهُ: مَكِّيٌّ طَافَ شَوْطًا لِعُمْرَةٍ فَأَحْرَمَ بِحَجٍّ رَفَضَهُ، وَعَلَيْهِ حَجٌّ، وَعُمْرَةٌ وَدَمٌ لِرَفْضِهِ فَلَوْ مَضَى عَلَيْهِمَا صَحَّ، وَعَلَيْهِ دَمٌ) بَيَانٌ لِحُكْمِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ مِنْ الْمَكِّيِّ فَإِنَّهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ مَنْهِيٌّ عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فَإِذَا أَدْخَلَ إحْرَامَ الْحَجِّ عَلَى إحْرَامِ الْعُمْرَةِ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهَا فَقَدْ ارْتَكَبَ الْمَنْهِيَّ فَوَجَبَ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ عَنْهُ فَقَالَا: رَفْضُ الْعُمْرَةِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا أَدْنَى حَالًا، وَأَقَلُّ أَعْمَالًا، وَأَيْسَرُ قَضَاءً لِكَوْنِهَا غَيْرَ مُؤَقَّتَةٍ، وَقَالَ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ: رَفْضُ الْحَجِّ أَوْلَى وَلِهَذَا قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ رَفْضُهُ أَيْ الْحَجِّ؛ لِأَنَّ إحْرَامَ الْعُمْرَةِ قَدْ تَأَكَّدَ بِأَدَاءِ شَيْءٍ مِنْ أَعْمَالِهَا، وَإِحْرَامَ الْحَجِّ لَمْ يَتَأَكَّدْ وَرَفْضُ غَيْرِ الْمُتَأَكِّدِ أَيْسَرُ؛ وَلِأَنَّ فِي رَفْضِ الْعُمْرَةِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ إبْطَالَ الْعَمَلِ، وَفِي رَفْضِ الْحَجِّ امْتِنَاعًا عَنْهُ قُيِّدَ بِالْمَكِّيِّ؛ لِأَنَّ الْآفَاقِيَّ إذَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ بَعْدَ فِعْلِ أَقَلِّ أَشْوَاطِ الْعُمْرَةِ كَانَ قَارِنًا بِلَا إسَاءَةٍ كَمَا لَوْ لَمْ يَطُفْ أَصْلًا، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ فِعْلِ الْأَكْثَرِ كَانَ مُتَمَتِّعًا إنْ كَانَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَقَيَّدَ بِالشَّوْطِ، وَأَرَادَ بِهِ أَقَلَّ الْأَشْوَاطِ، وَلَوْ ثَلَاثَةً؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَتَى بِالْأَكْثَرِ فَفِي الْهِدَايَةِ وَشُرُوحِهَا أَنَّهُ يَرْفُضُ الْحَجَّ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ فَيَتَعَذَّرُ رَفْضُهَا، وَفِي الْمَبْسُوطِ أَنَّهُ لَا يَرْفُضُ وَاحِدًا مِنْهُمَا كَمَا لَوْ فَرَغَ مِنْهَا، وَعَلَيْهِ دَمٌ لِمَكَانِ النَّقْصِ بِالْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فَلِذَا لَا يَأْكُلُ مِنْهُ وَجَعَلَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ وَنُقِلَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ رَفْضَ الْحَجِّ أَفْضَلُ وَاخْتَارَهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَقَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ ثُمَّ قَالَ: وَيَمْضِي فِي عُمْرَتِهِ ثُمَّ يَقْضِي الْحَجَّةَ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ إنْ بَقِيَ وَقْتُهُ. اهـ. وَلَمْ يَذْكُرْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ إذَا رَفَضَ الْحَجَّ يَلْزَمُهُ دَمٌ، وَقَضَاءُ عُمْرَةٍ مَعَ الْحَجِّ كَمَا أَوْجَبَهُ أَبُو حَنِيفَةَ فِيمَا لَوْ طَافَ الْأَقَلَّ كَذَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ، وَلَوْ لَمْ يَطُفْ لِلْعُمْرَةِ أَصْلًا فَإِنَّهُ يَرْفُضُهَا اتِّفَاقًا وَيَقْضِيهَا، وَعَلَيْهِ دَمٌ لِرَفْضِهَا كَمَا لَوْ قَرَنَ الْمَكِّيُّ فَإِنَّهُ يَرْفُضُ الْعُمْرَةَ وَيَمْضِي فِي الْحَجِّ، وَأَطْلَقَ فِي الطَّوَافِ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَوْ لَا كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ، وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ أَوَّلًا بِالْحَجِّ وَطَافَ لَهُ شَوْطًا ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ فَإِنَّهُ يَرْفُضُهَا اتِّفَاقًا وَيَقْضِيهَا، وَعَلَيْهِ دَمٌ لِرَفْضِهَا كَمَا لَوْ لَمْ يَطُفْ وَسَيَأْتِي أَنَّهُ إنْ مَضَى عَلَيْهِمَا وَجَبَ عَلَيْهِ دَمٌ، وَقَدْ ظَهَرَ بِمَا قَرَّرْنَاهُ أَوَّلًا أَنَّ رَفْضَ الْحَجِّ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ إنَّمَا هُوَ مُسْتَحَبٌّ، وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ حَتَّى إذَا رَفَضَ الْعُمْرَةَ صَحَّ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَعَلَيْهِ دَمٌ بِالرَّفْضِ أَيَّهُمَا رَفَضَهُ؛ لِأَنَّهُ تَحَلَّلَ قَبْلَ أَوَانِهِ لِتَعَذُّرِ الْمُضِيِّ فِيهِ فَكَانَ فِي مَعْنَى الْمُحْصَرِ إلَّا أَنَّ فِي رَفْضِ الْعُمْرَةِ قَضَاءَهَا لَا غَيْرُ، وَفِي رَفْضِ الْحَجِّ قَضَاؤُهُ وَعُمْرَةٌ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى فَائِتِ الْحَجِّ. اهـ. وَلَمْ يَذْكُرْ بِمَاذَا يَكُونُ رَافِضًا؟ . وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الرَّفْضُ بِالْفِعْلِ بِأَنْ يَلْحَقَ مَثَلًا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ أَعْمَالِ الْعُمْرَةِ، وَلَا يَكْتَفِي بِالْقَوْلِ أَوْ بِالنِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ فِي الْهِدَايَةِ تَحَلُّلًا، وَهُوَ لَا يَكُونُ إلَّا بِفِعْلِ شَيْءٍ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ، وَقَالَ: الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوَاهُ   [منحة الخالق] فَأَحْرَمَ) أَيْ مِنْ مَكَّةَ، وَقَوْلُهُ لَزِمَهُ دَمُ الْوَقْتِ أَيْ لَزِمَهُ دَمٌ لِمُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ إذَا أَعْتَقَ أَيْ يُؤَاخَذُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ (قَوْلُهُ: لَا خُصُوصِيَّةَ لِلْآفَاقِيِّ إلَخْ) يُشِيرُ إلَى حُسْنِ تَعْبِيرِ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ، وَمَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ الشَّامِلَ لِلْآفَاقِيِّ وَغَيْرِهِ فَهُوَ أَحْسَنُ مِمَّا فِي الدُّرَرِ وَغَيْرِهَا (قَوْلُهُ: بَلْ الْمَكِّيُّ كَذَلِكَ) ، وَكَذَا الْمُتَمَتِّعُ إذَا فَرَغَ مِنْ الْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَتِهِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَإِذَا خَرَجَ الْمَكِّيُّ يُرِيدُ الْحَجَّ فَأَحْرَمَ، وَلَمْ يَعُدْ إلَى الْحَرَمِ وَوَقَفَ بِعَرَفَةَ فَعَلَيْهِ شَاةٌ؛ لِأَنَّ وَقْتَهُ الْحَرَمُ، وَقَدْ جَاوَزَهُ بِغَيْرِ إحْرَامٍ فَإِذَا عَادَ إلَى الْحَرَمِ، وَلَبَّى أَوْ لَمْ يُلَبِّ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي الْآفَاقِيِّ وَالْمُتَمَتِّعُ إذَا فَرَغَ مِنْ عُمْرَتِهِ ثُمَّ خَرَجَ مِنْ الْحَرَمِ فَأَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَوَقَفَ بِعَرَفَةَ فَعَلَيْهِ دَمٌ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا دَخَلَ مَكَّةَ، وَأَتَى بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ صَارَ بِمَنْزِلَةِ الْمَكِّيِّ، وَإِحْرَامُ الْمَكِّيِّ مِنْ الْحَرَمِ فَيَلْزَمُهُ الدَّمُ بِتَأْخِيرِهِ عَنْهُ فَإِنْ رَجَعَ إلَى الْحَرَمِ، وَأَهَّلَ فِيهِ قَبْلَ أَنْ يَقِفَ بِعَرَفَةَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي تَقَدَّمَ فِي الْآفَاقِيِّ. اهـ. وَفِي الْفَتْحِ لَمْ أَرَ تَقْيِيدَ مَسْأَلَةِ الْمُتَمَتِّعِ بِمَا إذَا خَرَجَ عَلَى قَصْدِ الْحَجِّ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ بِهِ، وَأَنَّهُ لَوْ خَرَجَ لِحَاجَةٍ إلَى الْحِلِّ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ كَالْمَكِّيِّ وَيَسْقُطُ الدَّمُ بِالْعَوْدِ إلَى مِيقَاتِهِ عَلَى مَا عُرِفَ. [بَابُ إضَافَةِ الْإِحْرَامِ إلَى الْإِحْرَامِ] الجزء: 3 ¦ الصفحة: 54 وَتَحْلِيلُ الرَّجُلِ لِامْرَأَتِهِ أَنْ يَنْهَاهَا وَيَصْنَعَ بِهَا أَدْنَى مَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ بِالْإِحْرَامِ، وَلَا يَكُونُ التَّحْلِيلُ بِالنَّهْيِ، وَلَا بِقَوْلِهِ قَدْ حَلَلْتُكِ؛ لِأَنَّ التَّحْلِيلَ شُرِعَ بِالْفِعْلِ دُونَ الْقَوْلِ. اهـ. بِخِلَافِ مَا إذَا أَحْرَمَ بِحَجَّتَيْنِ، وَإِنْ رَفَضَ أَحَدَهُمَا بِشُرُوعِهِ فِي الْأَعْمَالِ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَمَا سَيَأْتِي مِنْ غَيْرِ تَحْلِيلٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْمُضِيُّ فِيهِمَا، وَهُنَا يُمْكِنُ الْمُضِيُّ فِيهِمَا فَإِنَّهُ إنْ مَضَى عَلَيْهِمَا أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى أَفْعَالَهُمَا كَمَا الْتَزَمَهُمَا غَيْرَ أَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَالنَّهْيُ لَا يَمْنَعُ تَحَقُّقَ الْفِعْلِ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ أَصْلِنَا، وَعَلَيْهِ دَمٌ لِجَمْعِهِ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ تَمَكَّنَ النَّقْصُ فِي عَمَلِهِ لِارْتِكَابِهِ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ، وَهُوَ فِي حَقِّ الْمَكِّيِّ دَمُ جَبْرٍ، وَفِي حَقِّ الْآفَاقِيِّ دَمُ شُكْرٍ، وَأَطْلَقَ فِي قَوْلِهِ، وَعَلَيْهِ حَجَّةٌ، وَعُمْرَةٌ وَدَمٌ، وَهُوَ كَذَلِكَ فِي وُجُوبِ الدَّمِ، وَأَمَّا فِي وُجُوبِ الْعُمْرَةِ فَمُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَحُجَّ مِنْ سَنَتِهِ أَمَّا إذَا حَجَّ مِنْ سَنَتِهِ فَلَا عُمْرَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْعُمْرَةِ مَعَ الْحَجِّ إنَّمَا هُوَ لِكَوْنِهِ فِي مَعْنَى فَائِتِ الْحَجِّ، وَإِذَا حَجَّ مِنْ سَنَتِهِ فَلَيْسَ فِي مَعْنَاهُ كَالْمُحْصَرِ إذَا تَحَلَّلَ ثُمَّ حَجَّ فِي تِلْكَ السَّنَةِ لَا تَجِبُ الْعُمْرَةُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا تَحَوَّلَتْ السَّنَةُ وَوَقَعَ فِي نُسْخَةِ الزَّيْلَعِيِّ الشَّارِحِ أَنَّهُ أَبْدَلَ الْعُمْرَةَ بِالدَّمِ فَقَالَ: إذَا حَجَّ مِنْ سَنَتِهِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ عَلَيْهِ الدَّمُ، وَهُوَ سَبْقُ قَلَمٍ كَمَا لَا يَخْفَى، وَالرَّفْضُ التَّرْكُ، وَهُوَ مِنْ بَابَيْ طَلَبَ وَضَرَبَ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ أَحْرَمَ بِحَجٍّ ثُمَّ بِآخَرَ يَوْمَ النَّحْرِ فَإِنْ حَلَقَ فِي الْأَوَّلِ لَزِمَهُ الْآخَرُ، وَلَا دَمَ، وَإِلَّا لَزِمَ، وَعَلَيْهِ دَمٌ قَصَّرَ أَوْ لَا، وَمَنْ فَرَغَ مِنْ عُمْرَتِهِ إلَّا التَّقْصِيرَ فَأَحْرَمَ بِأُخْرَى لَزِمَهُ دَمٌ) بَيَانٌ لِلْجَمْعِ بَيْنَ إحْرَامَيْنِ لِشَيْئَيْنِ مُتَّحِدَيْنِ وَصَرَّحَ فِي الْهِدَايَةِ بِأَنَّهُ بِدْعَةٌ، وَأَفْرَطَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ فَقَالَ: إنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْإِحْرَامَيْنِ لِحَجَّتَيْنِ أَوْ لِعُمْرَتَيْنِ حَرَامٌ؛ لِأَنَّهُ بِدْعَةٌ. اهـ. وَهُوَ سَهْوٌ لِمَا فِي الْمُحِيطِ وَالْجَمْعُ بَيْنَ إحْرَامَيْ الْحَجِّ لَا يُكْرَهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ فِي الْعُمْرَةِ إنَّمَا كُرِهَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْإِحْرَامَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ جَامِعًا بَيْنَهُمَا فِي الْفِعْلِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّيهِمَا فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ، وَفِي الْحَجِّ لَا يَصِيرُ جَامِعًا بَيْنَهُمَا فِي الْأَدَاءِ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ فَلَا يُكْرَهُ. اهـ. فَإِذَا أَحْرَمَ بِحَجَّةٍ وَوَقَفَ بِعَرَفَاتٍ ثُمَّ أَحْرَمَ بِأُخْرَى يَوْمَ النَّحْرِ فَإِنَّ الثَّانِيَةَ تَلْزَمُهُ مُطْلَقًا لِإِمْكَانِ الْأَدَاءِ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ الثَّانِيَ إنَّمَا يُرْتَفَضُ لِتَعَذُّرِ الْأَدَاءِ، وَلَا تَعَذُّرَ هُنَا فِي الْأَدَاءِ؛ لِأَنَّ إحْرَامَهُ انْصَرَفَ إلَى حَجَّةٍ فِي السَّنَةِ الْقَابِلَةِ فَإِنْ كَانَ الْإِحْرَامُ الثَّانِي بَعْدَ الْحَلْقِ لِلْأَوَّلِ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَحْرَمَ بِالثَّانِيَةِ بَعْدَ التَّحَلُّلِ مِنْ الْأُولَى فَلَمْ يَكُنْ جَامِعًا، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْحَلْقِ لَزِمَهُ دَمٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ إنْ حَلَقَ لِلْأُولَى فَقَدْ جَنَى عَلَى إحْرَامِ الثَّانِيَةِ، وَإِنْ كَانَ نُسُكًا فِي إحْرَامِ الْأُولَى، وَإِنْ لَمْ يَحْلِقْ فَقَدْ أَخَّرَ النُّسُكَ عَنْ وَقْتِهِ، وَهُمَا يَخُصَّانِ الْوُجُوبَ بِمَا إذَا حَلَقَ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يُوجِبَانِ بِالتَّأْخِيرِ شَيْئًا وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّقْصِيرِ فِي قَوْلِهِ قَصَّرَ أَوْ لَا الْحَلْقُ، وَإِنَّمَا اخْتَارَهُ اتِّبَاعًا لِلْجَامِعِ الصَّغِيرِ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَوْ لِيَصِيرَ الْحُكْمُ جَارِيًا فِي الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ التَّقْصِيرَ عَامٌّ فِي الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ. وَإِنَّمَا لَزِمَ الدَّمُ فِيمَا إذَا أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ بَعْدَ أَفْعَالِ الْأُولَى قَبْلَ الْحَلْقِ؛ لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَهُمَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ فِي الْعُمْرَتَيْنِ دُونَ الْحَجَّتَيْنِ فَلِذَا فَرَّقَ فِي الْمُخْتَصَرِ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَأَوْجَبَ فِي الْعُمْرَةِ دَمًا لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْعُمْرَتَيْنِ، وَلَمْ يُوجِبْهُ فِي الْحَجِّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَوْجَبَهُ لَأَوْجَبَ دَمَيْنِ فِيمَا إذَا أَحْرَمَ بِالثَّانِي قَبْلَ الْحَلْقِ لِلْأَوَّلِ دَمٌ لِمَا ذَكَرْنَاهُ سَابِقًا وَدَمٌ لِلْجَمْعِ وَبِهِ قَالَ: بَعْضُ الْمَشَايِخِ اتِّبَاعًا لِرِوَايَةِ الْأَصْلِ، وَمَا فِي الْمُخْتَصَرِ اتِّبَاعٌ لِلْجَامِعِ الصَّغِيرِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ أَدَّى أَفْعَالَهُمَا كَمَا الْتَزَمَهُمَا إلَخْ) قَالَ: فِي النَّهْرِ هَذَا يُؤَيِّدُ قَوْلَ مَنْ قَالَ: إنَّ نَفْيَ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ مَعْنَاهُ نَفْيُ الْحِلِّ كَمَا مَرَّ. (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ، وَمَنْ أَحْرَمَ بِحَجٍّ ثُمَّ بِآخَرَ) اعْلَمْ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ إحْرَامِي حَجَّتَيْنِ فَصَاعِدًا إمَّا أَنْ يَكُونَا مَعًا أَوْ عَلَى التَّعَاقُبِ أَوْ عَلَى التَّرَاخِي، وَعَلَى الثَّالِثِ إمَّا أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الْحَلْقِ لِلْأَوَّلِ أَوْ قَبْلَهُ، وَإِذَا كَانَ قَبْلَهُ فَإِمَّا أَنْ يَفُوتَهُ الْحَجُّ مِنْ عَامِهِ أَوْ لَا (قَوْلُهُ: وَهُوَ سَهْوٌ) قَالَ: فِي النَّهْرِ لَيْسَ مِنْ السَّهْوِ فِي شَيْءٍ بَلْ مَبْنِيٌّ عَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ. اهـ. أَيْ رِوَايَةِ عَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْحَجَّتَيْنِ وَالْعُمْرَتَيْنِ كَمَا يَأْتِي، وَكَيْفَ يَكُونُ سَهْوًا، وَقَدْ قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة: الْجَمْعُ بَيْنَ إحْرَامِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بِدْعَةٌ، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ الْعَتَّابِيُّ حَرَامٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ هَكَذَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. اهـ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّ الثَّانِيَةَ تَلْزَمُهُ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ أَحْرَمَ لِلثَّانِيَةِ قَبْلَ الْحَلْقِ أَوْ بَعْدَهُ (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْحَلْقِ إلَخْ) قَالَ: فِي اللُّبَابِ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْحَلْقِ عَلَيْهِ دَمُ الْجَمْعِ، وَهُوَ دَمُ جَبْرٍ وَيَلْزَمُهُ دَمٌ آخَرُ سَوَاءٌ حَلَقَ لِلْأَوَّلِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ الثَّانِي أَوْ لَا، وَلَوْ حَلَقَ بَعْدَ أَيَّامِ النَّحْرِ فَعَلَيْهِ دَمٌ ثَالِثٌ. اهـ. وَلُزُومُ دَمِ الْجَمْعِ مَبْنِيٌّ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ كَمَا سَيُنَبِّهُ عَلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ قَرِيبًا (قَوْلُهُ: لَزِمَهُ دَمٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ حَلَقَ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ لَا (قَوْلُهُ: وَهُمَا يَخُصَّانِ الْوُجُوبَ بِمَا إذَا حَلَقَ) اُنْظُرْ هَذَا مَعَ مَا فِي النَّهْرِ مِنْ أَنَّ لُزُومَ الْحَجِّ الْآخَرِ عِنْدَهُمَا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَصِحُّ ثُمَّ رَأَيْته فِي الْعِنَايَةِ قَالَ: لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَهُوَ أَنَّ الْمَذْكُورَ مِنْ مَذْهَبِ مُحَمَّدٍ فِي هَذَا الْأَصْلِ أَنَّهُ إذَا جَمَعَ بَيْنَ إحْرَامَيْنِ إنَّمَا يَلْزَمُهُ أَحَدُهُمَا، وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ الْإِمَامِ التُّمُرْتَاشِيِّ وَالْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ وَحِينَئِذٍ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَلْزَمَهُ دَمٌ، وَإِنْ قَصَّرَ لِعَدَمِ لُزُومِ الْآخَرِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ سَهْوًا فِي نَقْلِ مَذْهَبِ مُحَمَّدٍ، وَمَذْهَبُهُ كَمَذْهَبِنَا، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ عَنْهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 55 فَإِنَّهُ أَوْجَبَ دَمًا وَاحِدًا لِلْحَجِّ، وَقَدْ عَلِمْت فِيمَا سَبَقَ عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَتَعَقَّبَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهُ لَا يَتِمُّ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ أَدَاءِ الْعُمْرَةِ الثَّانِيَةِ لَا يُوجِبُ الْجَمْعَ فِعْلًا فَاسْتَوَيَا فَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلَّا رِوَايَةُ الْوُجُوبِ. اهـ. وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِ أَحْرَمَ لِلثَّانِي يَوْمَ النَّحْرِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ بِالثَّانِي بِعَرَفَاتٍ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا رَفَضَ الثَّانِيَةَ، وَعَلَيْهِ دَمٌ لِلرَّفْضِ، وَعُمْرَةٌ وَحَجَّةٌ مِنْ قَابِلٍ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهُ كَفَائِتِ الْحَجِّ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَصِحُّ الْتِزَامُهُ الثَّانِيَةَ ثُمَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ارْتَفَضَ كَمَا انْعَقَدَ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ارْتَفَضَ بِوُقُوفِهِ بِعَرَفَةَ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا أَحْرَمَ بِالثَّانِي يَوْمَ عَرَفَةَ أَوْ لَيْلَةَ النَّحْرِ، وَلَمْ يَكُنْ وَقَفَ نَهَارًا، وَأَمَّا إذَا أَحْرَمَ لَيْلَةَ النَّحْرِ بَعْدَمَا وَقَفَ نَهَارًا فَيَنْبَغِي أَنْ يَرْتَفِضَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِالْوُقُوفِ بِالْمُزْدَلِفَةِ لَا بِعَرَفَةَ؛ لِأَنَّهُ سَابِقٌ وَسَبَبُ التَّرْكِ إنَّمَا يَكُونُ مُتَأَخِّرًا، وَقَيَّدَ بِتَرَاخِي إحْرَامِ الثَّانِي عَنْ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَحْرَمَ بِهِمَا مَعًا أَوْ عَلَى التَّعَاقُبِ لَزِمَاهُ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ فِي الْمَعِيَّةِ يَلْزَمُهُ إحْدَاهُمَا، وَفِي التَّعَاقُبِ الْأُولَى فَقَطْ، وَإِذَا لَزِمَاهُ عِنْدَهُمَا ارْتَفَضَتْ إحْدَاهُمَا بِاتِّفَاقِهِمَا وَيَثْبُتُ حُكْمُ الرَّفْضِ وَاخْتَلَفَا فِي وَقْتِ الرَّفْضِ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ عَقِبَ صَيْرُورَتِهِ مُحْرِمًا بِلَا مُهْلَةٍ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا شَرَعَ فِي الْأَعْمَالِ، وَقِيلَ إذَا تَوَجَّهَ سَائِرًا وَنَصَّ فِي الْمَبْسُوطِ عَلَى أَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَنَافِيَ بَيْنَ الْإِحْرَامَيْنِ، وَإِنَّمَا التَّنَافِي بَيْنَ الْأَدَاءَيْنِ وَثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ فِيمَا إذَا جَنَى قَبْلَ الشُّرُوعِ فَعَلَيْهِ دَمَانِ لِلْجِنَايَةِ عَلَى إحْرَامَيْنِ، وَلَوْ قَتَلَ صَيْدًا لَزِمَهُ قِيمَتَانِ وَدَمٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِارْتِفَاضِ إحْدَاهُمَا قَبْلَهَا، وَإِذَا رَفَضَ إحْدَاهُمَا لَزِمَهُ دَمٌ لِلرَّفْضِ وَيَمْضِي فِي الْأُخْرَى وَيَقْضِي حَجَّةً، وَعُمْرَةً لِأَجْلِ الَّتِي رَفَضَهَا، وَإِذَا أُحْصِرَ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ إلَى مَكَّةَ بَعَثَ بِهَدْيَيْنِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَبِوَاحِدٍ عِنْدَهُمَا أَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَلِأَنَّهُ صَارَ رَافِضًا لِإِحْدَاهُمَا، وَأَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَلِأَنَّهُ لَمْ يُلْزِمْهُ إلَّا أَحَدُهُمَا فَإِذَا لَمْ يَحُجَّ فِي تِلْكَ السَّنَةِ لَزِمَهُ عُمْرَتَانِ وَحَجَّتَانِ؛ لِأَنَّهُ فَاتَهُ حَجَّتَانِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ. وَقَيَّدَ بِكَوْنِ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ الثَّانِيَةِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعُمْرَةِ الْأُولَى إلَّا التَّقْصِيرَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بَعْدَ التَّقْصِيرِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَا مَعًا أَوْ عَلَى التَّعَاقُبِ فَالْحُكْمُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْحَجَّتَيْنِ مِنْ لُزُومِهِمَا عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ مِنْ ارْتِفَاعِ أَحَدِهِمَا بِالشُّرُوعِ فِي عَمَلِ الْأُخْرَى عِنْدَ الْإِمَامِ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَوُجُوبُ الْقَضَاءِ وَدَمٌ لِلرَّفْضِ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْفَرَاغِ بَعْدَمَا طَافَ لِلْأُولَى شَوْطًا رَفَضَ الثَّانِيَةَ، وَعَلَيْهِ دَمُ الرَّفْضِ وَالْقَضَاءُ. وَكَذَا لَوْ طَافَ الْكُلَّ قَبْلَ أَنْ يَسْعَى فَإِنْ كَانَ فَرَغَ إلَّا الْحَلْقَ لَمْ يَرْفُضْ شَيْئًا، وَعَلَيْهِ دَمُ الْجَمْعِ، وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْمُخْتَصَرِ فَإِنْ حَلَقَ لِلْأُولَى لَزِمَهُ دَمٌ آخَرُ لِلْجِنَايَةِ عَلَى الثَّانِيَةِ، وَلَوْ كَانَ جَامَعَ فِي الْأُولَى قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ فَأَفْسَدَهَا ثُمَّ أَدْخَلَ الثَّانِيَةَ يَرْفُضُهَا وَيَمْضِي فِي الْأُولَى حَتَّى يُتِمَّهَا؛ لِأَنَّ الْفَاسِدَ مُعْتَبَرٌ بِالصَّحِيحِ فِي وُجُوبِ الْإِتْمَامِ، وَإِنْ نَوَى رَفْضَ الْأُولَى وَالْعَمَلَ فِي الثَّانِيَةِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إلَّا الْأُولَى، وَمَنْ أَحْرَمَ لَا يَنْوِي شَيْئًا فَطَافَ ثَلَاثَةً فَأَقَلَّ ثُمَّ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ رَفَضَهَا؛ لِأَنَّ الْأُولَى تَعَيَّنَتْ عُمْرَةً حِينَ أَخَذَ فِي الطَّوَافِ فَحِينَ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ أُخْرَى صَارَ جَامِعًا بَيْنَ عُمْرَتَيْنِ فَلِهَذَا يَرْفُضُ الثَّانِيَةَ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ أَحْرَمَ بِحَجٍّ ثُمَّ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ وَقَفَ بِعَرَفَاتٍ فَقَدْ رَفَضَ عُمْرَتَهُ، وَإِنْ تَوَجَّهَ إلَيْهَا لَا) أَيْ لَا يَصِيرُ رَافِضًا؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ قَارِنًا بِالْجَمْعِ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّهُ مَشْرُوعٌ فِي حَقِّ الْآفَاقِيِّ، وَالْكَلَامُ فِيهِ لَكِنَّهُ مُسِيءٌ بِتَقْدِيمِ إحْرَامِ الْحَجِّ عَلَى إحْرَامِ الْعُمْرَةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي بَابِهِ، وَقَدْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ أَدَاءُ الْعُمْرَةِ بِالْوُقُوفِ إذْ هِيَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْحَجِّ غَيْرُ مَشْرُوعَةٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْوُقُوفِ وَالتَّوَجُّهِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّ الْعُمْرَةَ تَحْتَمِلُ الرَّفْضَ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى أَنْ قَالَ لَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَامْشُطِي رَأْسَك وَارْفُضِي عُمْرَتَك» وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ ثُمَّ بِعُمْرَةٍ أَنَّهُ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ، وَلَمْ يَأْتِ بِأَكْثَرِ أَشْوَاطِهَا حَتَّى   [منحة الخالق] فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ. اهـ. وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ أَوْجَبَ دَمًا وَاحِدًا لِلْحَجِّ) قَالَ: فِي الْمِعْرَاجِ، وَفِي الْكَافِي قِيلَ لَا خِلَافَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ سَكَتَ فِي الْجَامِعِ عَنْ إيجَابِ الدَّمِ بِسَبَبِ الْجَمْعِ، وَمَا نَفَاهُ، وَقِيلَ بَلْ فِيهِ رِوَايَتَانِ كَمَا ذَكَرَ فِي جَامِعِ الْكَشَانِيِّ. اهـ. وَاسْتَوْجَهَ فِي الْفَتْحِ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ كَمَا يَأْتِي، وَفِي الْعِنَايَةِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ أَيْضًا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَذْهَبَ مُحَمَّدٍ فِي لُزُومِ الْإِحْرَامَيْنِ كَمَذْهَبِهِمَا، وَإِلَّا لَمَا لَزِمَ عِنْدَهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ غَيْرُ مُتَحَقِّقٍ لِعَدَمِ لُزُومِ أَحَدِهِمَا إلَّا إذَا أَرَادَ بِالْجَمْعِ إدْخَالَ الْإِحْرَامِ عَلَى الْإِحْرَامِ، وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْ إلَّا أَحَدُهُمَا فَيَسْتَقِيمُ (قَوْلُهُ: وَقَدْ عَلِمْت إلَخْ) فِيهِ أَنَّ الْأَصْلَ أَيْضًا مِنْ كُتُبِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ (قَوْلُهُ: فَيَنْبَغِي أَنْ يَرْتَفِضَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِالْوُقُوفِ بِالْمُزْدَلِفَةِ) قَالَ: فِي النَّهْرِ لَكِنَّ قِيَاسَ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَيْ الْآتِيَ عَنْ الْمَبْسُوطِ أَنْ يَبْطُلَ بِالْمَسِيرِ إلَيْهَا (قَوْلُهُ: وَدَمٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) أَيْ لِلْجِنَايَةِ سِوَى دَمِ الرَّفْضِ (قَوْلُهُ: لَزِمَهُ عُمْرَتَانِ وَحَجَّتَانِ) عَزَاهُ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ إلَى مَنْسَكِ الْفَارِسِيِّ وَالطَّرَابُلُسِيِّ وَالْبَحْرِ الْعَمِيقِ ثُمَّ قَالَ: وَقَالَ الْمُصَنِّفُ هَكَذَا أَطْلَقُوهُ، وَلَيْسَ بِمُطْلَقٍ بَلْ إنْ كَانَ عَدَمُ حَجِّهِ مِنْ عَامِهِ لِفَوَاتٍ فَعَلَيْهِ عُمْرَةٌ وَاحِدَةٌ فِي الْقَضَاءِ لِأَجْلِ الَّذِي رَفَضَهُ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ لِلْفَائِتِ عُمْرَةٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَحَلَّلَ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ، وَإِنْ كَانَ عَدَمُ الْحَجِّ لِإِحْصَارِهِ فَعَلَيْهِ عُمْرَتَانِ فِي الْقَضَاءِ لِخُرُوجِهِ مِنْ الْإِحْرَامَيْنِ بِلَا فِعْلٍ. اهـ. وَهُوَ تَحْقِيقٌ حَسَنٌ كَمَا لَا يَخْفَى اهـ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 56 وَقَفَ بِعَرَفَاتٍ فَالْإِتْيَانُ بِالْأَقَلِّ كَالْعَدَمِ. (قَوْلُهُ: فَلَوْ طَافَ لِلْحَجِّ ثُمَّ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ، وَمَضَى عَلَيْهِمَا يَجِبُ دَمٌ) يَعْنِي لِجَمْعِهِ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا مَشْرُوعٌ فَصَحَّ الْإِحْرَامُ بِهِمَا، وَأَرَادَ بِهَذَا الطَّوَافِ طَوَافَ الْقُدُومِ، وَهُوَ سُنَّةٌ فَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِمَا هُوَ رُكْنٌ يُمْكِنُهُ أَنْ يَأْتِيَ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ ثُمَّ بِأَفْعَالِ الْحَجِّ فَلِهَذَا لَوْ مَضَى عَلَيْهِمَا جَازَ، وَلَزِمَهُ دَمٌ لِلْجَمْعِ، وَهُوَ دَمُ كَفَّارَةٍ وَجَبْرٍ حَتَّى لَا يَأْكُلُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ السُّنَّةَ فِي هَذَا الْجَمْعِ وَصَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ (وَنُدِبَ رَفْضُهَا) أَيْ الْعُمْرَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ دَمُ شُكْرٍ، وَهُوَ دَمُ الْقِرَانِ كَمَا اخْتَارَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: وَأَحَبَّ إلَيَّ أَنْ يَرْفُضَ الْعُمْرَةَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ دَمُ شُكْرٍ فَإِنَّهُ لَمْ يَبْنِ أَفْعَالَ الْعُمْرَةِ عَلَى أَفْعَالِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّ مَا أَتَى بِهِ إنَّمَا هُوَ سُنَّةٌ فَيُمْكِنُهُ بِنَاءُ أَفْعَالِ الْحَجِّ عَلَى أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ فَلَا مُوجِبَ لِلْجَبْرِ. وَاخْتَارَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَقَوَّاهُ بِأَنَّ طَوَافَ الْقُدُومِ لَيْسَ مِنْ سُنَنِ نَفْسِ الْحَجِّ بَلْ هُوَ سُنَّةُ قُدُومِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَرَكْعَتَيْ التَّحِيَّةِ لِغَيْرِهِ مِنْ الْمَسَاجِدِ وَلِذَا سَقَطَ بِطَوَافٍ آخَرَ مِنْ مَشْرُوعَاتِ الْوَقْتِ، وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِيهِ قَيَّدَ بِالطَّوَافِ بِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَطُفْ لَمْ يُسْتَحَبَّ رَفْضُهَا فَإِذَا رَفَضَهَا يَقْضِيهَا لِصِحَّةِ الشُّرُوعِ فِيهَا، وَعَلَيْهِ دَمٌ لِرَفْضِهَا. (قَوْلُهُ: وَإِنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ يَوْمَ النَّحْرِ لَزِمَتْهُ، وَلَزِمَهُ الرَّفْضُ وَالدَّمُ وَالْقَضَاءُ) لِصِحَّةِ الشُّرُوعِ مَعَ الْكَرَاهَةِ التَّحْرِيمِيَّةِ فَلَزِمَتْ لِلْأَوَّلِ، وَلَزِمَ التَّرْكُ تَخَلُّصًا مِنْ الْإِثْمِ، وَإِنْ رَفَضَهَا لَزِمَهُ دَمٌ لِلتَّحَلُّلِ مِنْهَا بِغَيْرِ أَفْعَالِهَا وَوَجَبَ الْقَضَاءُ؛ لِأَنَّهُ ثَمَرَةُ اللُّزُومِ، وَأَرَادَ بِيَوْمِ النَّحْرِ الْيَوْمَ الَّذِي تُكْرَهُ الْعُمْرَةُ فِيهِ، وَهُوَ يَوْمُ النَّحْرِ، وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ، وَأَطْلَقَهُ فَشَمَلَ مَا إذَا كَانَ قَبْلَ الْحَلْقِ أَوْ بَعْدَهُ قَبْلَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ أَوْ بَعْدَهُ وَاخْتَارَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَصَحَّحَهُ الشَّارِحُ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْحَلْقِ وَالطَّوَافِ بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ وَاجِبَاتِ الْحَجِّ كَالرَّمْيِ وَطَوَافِ الصَّدْرِ وَسُنَّةِ الْمَبِيتِ، وَقَدْ كُرِهَتْ الْعُمْرَةُ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ أَيْضًا فَيَصِيرُ بَانِيًا أَفْعَالَ الْعُمْرَةِ عَلَى أَفْعَالِ الْحَجِّ بِلَا رَيْبٍ، وَهُوَ مَكْرُوهٌ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ مَضَى عَلَيْهَا صَحَّ وَيَجِبُ دَمٌ) ؛ لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهَا، وَهُوَ كَوْنُهُ مَشْغُولًا بِأَدَاءِ بَقِيَّةِ أَفْعَالِ الْحَجِّ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ فَيَجِبُ تَخْلِيصُ الْوَقْتِ لَهُ تَعْظِيمًا، وَهُوَ لَا يَعْدَمُ الْمَشْرُوعِيَّةَ لَكِنْ يَلْزَمُهُ الدَّمُ كَفَّارَةً لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْإِحْرَامَيْنِ أَوْ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْأَفْعَالِ الْبَاقِيَةِ فَهُوَ دَمُ جَبْرٍ لَا يُؤْكَلُ مِنْهُ كَالْأَوَّلِ. (قَوْلُهُ فَاتَهُ الْحَجُّ فَأَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ أَوْ حَجَّةٍ: وَمَنْ رَفَضَهَا) ؛ لِأَنَّ فَائِتَ الْحَجِّ يَتَحَلَّلُ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقَلِبَ إحْرَامُهُ إحْرَامَ الْعُمْرَةِ فَيَصِيرُ جَامِعًا بَيْنَ الْعُمْرَتَيْنِ مِنْ حَيْثُ الْأَفْعَالُ فَلَزِمَهُ الرَّفْضُ كَمَا لَوْ أَحْرَمَ بِهِمَا أَوْ جَامِعًا بَيْنَ حَجَّتَيْنِ إحْرَامًا فَعَلَيْهِ أَنْ يَرْفُضَ الثَّانِيَةَ كَمَا لَوْ أَحْرَمَ بِحَجَّتَيْنِ، وَلَزِمَهُ الْقَضَاءُ لِصِحَّةِ الشُّرُوعِ وَدَمٌ لِلرَّفْضِ بِالتَّحَلُّلِ قَبْلَ أَوَانِهِ، وَقَدْ شَبَّهُوا فَائِتَ الْحَجِّ بِالْمَسْبُوقِ فَإِنَّهُ مُقْتَدٍ تَحْرِيمَةً حَتَّى لَا يَجُوزُ اقْتِدَاءُ الْغَيْرِ بِهِ، وَمُنْفَرِدٌ أَدَاءً حَتَّى تَلْزَمُهُ الْقِرَاءَةُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (بَابُ الْإِحْصَارِ) هُوَ وَالْفَوَاتُ مِنْ الْعَوَارِضِ النَّادِرَةِ فَأَخَّرَهُمَا، وَقَدَّمَ الْإِحْصَارَ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ لَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - دُونَ الْفَوَاتِ وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ فَقِيلَ الْإِحْصَارُ لِلْمَرَضِ وَالْحَصْرُ لِلْعَدُوِّ، وَعَلَيْهِ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] لِبَيَانِ حُكْمِ الْمَرَضِ، وَأُلْحِقَ بِهِ الْحَصْرُ بِالْعَدُوِّ دَلَالَةً بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّ مَنْعَ الْعَدُوِّ حِسِّيٌّ لَا يُتَمَكَّنُ مَعَهُ مِنْ الْمُضِيِّ بِخِلَافِهِ مَعَ الْمَرَضِ إذْ يُمْكِنُ بِالْمَحْمَلِ وَالْمَرْكَبِ وَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّ الْإِحْصَارَ هُوَ الْمَنْعُ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ خَوْفٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ عَجْزٍ أَوْ عَدُوٍّ وَاخْتَارَهُ فِي الْكَشَّافِ، وَفِي الْمُغْرِبِ الْحَصْرُ الْمَنْعُ مِنْ بَابِ طَلَبَ يُقَال أُحْصِرَ الْحَاجُّ إذَا مَنَعَهُ خَوْفٌ أَوْ مَرَضٌ مِنْ الْوُصُولِ لِإِتْمَامِ حَجَّتِهِ أَوْ عُمْرَتِهِ، وَإِذَا مَنَعَهُ سُلْطَانٌ أَوْ مَانِعٌ قَاهِرٌ فِي حَبْسٍ أَوْ مَدِينَةٍ قِيلَ حُصِرَ، هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَفِي الشَّرِيعَةِ هُوَ مَنْعُ الْوُقُوفِ وَالطَّوَافِ (قَوْلُهُ: لِمَنْ أُحْصِرَ بِعَدُوٍّ أَوْ مَرَضٍ أَنْ يَبْعَثَ شَاةً تُذْبَحُ عَنْهُ فَيَتَحَلَّلُ) لِمَا تَلَوْنَا مِنْ الْآيَةِ، وَأَفَادَ بِذِكْرِ اللَّامِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: كَمَا اخْتَارَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ، وَكَذَا قَاضِي خَانْ وَالْإِمَامُ الْمَحْبُوبِيُّ كَمَا فِي الشرنبلالية. (قَوْلُهُ: فَيَصِيرُ جَامِعًا بَيْنَ الْعُمْرَتَيْنِ إلَخْ) رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ، وَأَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ، وَقَوْلُهُ أَوْ جَامِعًا بَيْنَ حَجَّتَيْنِ رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ أَوْ حَجَّةٍ. [بَابُ الْإِحْصَارِ فِي الْحَجّ أَوْ الْعُمْرَة] (بَابُ الْإِحْصَارِ) . (قَوْلُهُ: وَفِي الشَّرِيعَةِ هُوَ مَنْعُ الْوُقُوفِ وَالطَّوَافِ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَا يَشْمَلُ الْإِحْصَارَ مِنْ الْعُمْرَةِ وَسَيَأْتِي أَنَّهُ يَتَحَقَّقُ فَيُزَادُ فِيهِ أَوْ الطَّوَافُ وَالسَّعْيُ. اهـ. أَيْ يَأْتِي فِي قَوْلِ الْمَتْنِ، وَعَلَى الْمُعْتَمِرِ أَيْ إذَا أُحْصِرَ عُمْرَةٌ لَكِنْ سَيَأْتِي أَنَّ السَّعْيَ وَاجِبٌ فِي الْعُمْرَةِ لَا رُكْنٌ فَلَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِهِ فَلَمْ يَبْقَ لَهَا رُكْنٌ إلَّا الطَّوَافُ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 57 دُونَ عَلَى أَنَّهُ لَوْ صَبَرَ وَرَجَعَ إلَى أَهْلِهِ بِغَيْرِ تَحَلُّلٍ إلَى أَنْ يَزُولَ الْخَوْفُ فَإِنَّهُ جَائِزٌ فَإِنْ أَدْرَكَ الْحَجَّ، وَإِلَّا تَحَلَّلَ بِالْعُمْرَةِ فَالتَّحَلُّلُ بِذَبْحِ الْهَدْيِ إنَّمَا هُوَ لِلضَّرُورَةِ حَتَّى لَا يَمْتَدَّ إحْرَامُهُ فَيَشُقَّ عَلَيْهِ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فَمَا وَقَعَ فِي الْمَبْسُوطِ مِنْ التَّعْبِيرِ بِعَلَى فِي غَيْرِ مَحِلِّهِ. وَأَشَارَ بِذِكْرِ الْعَدُوِّ وَالْمَرَضِ إلَى كُلِّ مَنْعٍ فَيَكُونُ مُحْصَرًا بِهَلَاكِ النَّفَقَةِ، وَمَوْتِ مَحْرَمِ الْمَرْأَةِ أَوْ زَوْجِهَا فِي الطَّرِيقِ وَشَرَطَ فِي التَّجْنِيسِ عَدَمَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَشْيِ فِيمَا إذَا سُرِقَتْ النَّفَقَةُ فَإِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ فَلَيْسَ بِمُحْصَرٍ، وَعَلَّلَهُ فِي الْمَبْسُوطِ بِأَنَّهُ لَا يَبْعُدُ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ الْمَشْيُ فِي الِابْتِدَاءِ وَيَلْزَمَهُ بَعْدَ الشُّرُوعِ كَمَا لَا تَلْزَمُهُ حَجَّةُ التَّطَوُّعِ ابْتِدَاءً وَيَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ إذَا شَرَعَ فِيهَا، وَجَعَلَ فِي الْمُحِيطِ مَا فِي التَّجْنِيسِ قَوْلَ مُحَمَّدٍ، وَقَالَ: أَبُو يُوسُفَ إنْ قَدَرَ عَلَى الْمَشْيِ فِي الْحَالِ وَخَافَ أَنْ يَعْجِزَ جَازَ لَهُ التَّحَلُّلُ، وَمِنْ الْإِحْصَارِ مَا إذَا أَحْرَمَتْ الْمَرْأَةُ بِغَيْرِ زَوْجٍ أَوْ مَحْرَمٍ فَلَا تَحِلُّ إلَّا بِالدَّمِ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ الشَّرْعِيَّ آكُدُ مِنْ الْمَنْعِ الْحِسِّيِّ، وَمِنْهُ مَا إذَا أَحْرَمَتْ لِلتَّطَوُّعِ بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ لَكِنْ لِلزَّوْجِ أَنْ يُحَلِّلَهَا بِغَيْرِ الْهَدْيِ بِأَنْ يَصْنَعَ بِهَا أَدْنَى مَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ كَقَصِّ ظُفُرٍ وَاخْتَلَفُوا فِي كَرَاهَةِ تَحْلِيلِهَا بِالْجِمَاعِ، وَذَكَرَ الْقَوْلَيْنِ فِي الْمُحِيطِ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ وَيَنْبَغِي تَرْجِيحُ الْكَرَاهَةِ لِتَصْرِيحِهِمْ بِالْكَرَاهَةِ فِي إجَازَةِ نِكَاحِ الْفُضُولِيِّ بِالْجِمَاعِ وَدَوَاعِيهِ، وَعَلَيْهَا هَدْيُ الْإِحْصَارِ، وَقَضَاءُ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ إنْ لَمْ تَحُجَّ فِي هَذِهِ السَّنَةِ، وَإِلَّا فَالْحَجُّ كَافٍ، وَلَا تَحْتَاجُ إلَى نِيَّةِ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَزِمَهَا حَجَّةُ هَذِهِ السَّنَةِ، وَأَنَّهَا مُتَعَيِّنَةٌ فَلَا تَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ الْمُتَعَيِّنَةِ، وَمِنْهُ مَا إذَا أَحْرَمَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ وَلِلْمَوْلَى أَنْ يُحَلِّلَهُ بِغَيْرِ هَدْيٍ، وَعَلَى الْعَبْدِ هَدْيٌ، وَقَضَاءُ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ بَعْدَ الْعِتْقِ، وَإِنْ أَحْرَمَ بِإِذْنِهِ كُرِهَ لَهُ أَنْ يُحَلِّلَهُ وَصَحَّ؛ لِأَنَّ اللُّزُومَ، وَلَمْ يَظْهَرْ فِي حَقِّ السَّيِّدِ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهُ مَمْلُوكَةٌ لِلسَّيِّدِ وَبِالْإِذْنِ صَارَ مُعِيرًا مَنَافِعَهُ وَلِلْمُعِيرِ أَنْ يَسْتَرِدَّ مَا أَعَارَ بِخِلَافِ الْمَنْكُوحَةِ إذَا أَحْرَمَتْ بِإِذْنِ الزَّوْجِ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُحَلِّلَهَا؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهَا مَمْلُوكَةٌ لَهَا حَقِيقَةً، وَإِنَّمَا لِلزَّوْجِ فِيهَا حَقٌّ، وَقَدْ أَسْقَطَ حَقَّهُ بِالْإِذْنِ، وَأَمَّا إذَا أَحْرَمَ الْعَبْدُ بِإِذْنِ الْمَوْلَى ثُمَّ أُحْصِرَ بِعَدُوٍّ أَوْ مَرَضٍ اخْتَلَفُوا فَاخْتَارَ فِي الْمُحِيطِ، وَفَتَاوَى قَاضِي خَانْ أَنَّهُ لَا يَجِبُ دَمُ الْإِحْصَارِ عَلَى الْمَوْلَى، وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ بَعْدَ الْإِعْتَاقِ وَاخْتَارَ الْإِسْبِيجَابِيُّ وُجُوبَهُ عَلَى الْمَوْلَى بِمَنْزِلَةِ النَّفَقَةِ وَذَكَرَ الْقَوْلَيْنِ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَيَنْبَغِي تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ لِمَا أَنَّهُ عَارِضٌ لَمْ يَلْتَزِمْهُ الْمَوْلَى بِخِلَافِ النَّفَقَةِ، وَإِنَّمَا كَانَ الْوَاجِبُ الشَّاةَ؛ لِأَنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ هُوَ مَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ، وَأَدْنَاهُ شَاةٌ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ بَعْثَ الشَّاةِ بِعَيْنِهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ يَتَعَذَّرُ بَلْ لَهُ أَنْ يَبْعَثَ بِقِيمَتِهَا حَتَّى يُشْتَرَى بِهَا شَاةٌ فَتُذْبَحَ فِي الْحَرَمِ. وَأَفَادَ بِاقْتِصَارِهِ عَلَى بَعْثِ الشَّاةِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجِدْ مَا يَذْبَحُ لَا يَقُومُ الصَّوْمُ أَوْ الْإِطْعَامُ مَقَامَهُ بَلْ يَبْقَى مُحْرِمًا إلَى أَنْ يَجِدَ أَوْ يَطُوفُ وَيَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَيَحْلِقُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا، وَأَفَادَ بِالْفَاءِ الَّتِي لِلتَّعْقِيبِ فِي قَوْلِهِ فَيَتَحَلَّلُ إلَى أَنَّهُ لَا يَتَحَلَّلُ إلَّا بِالذَّبْحِ؛ وَلِهَذَا قَالُوا إنَّهُ يُوَاعِدُ مَنْ يَبْعَثَهُ بِأَنْ يَذْبَحَهَا فِي يَوْمٍ مُعَيِّنٍ فَلَوْ ظَنَّ أَنَّهُ ذَبَحَ هَدْيَهُ فَفَعَلَ مَا يَفْعَلُهُ الْحَلَالُ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يَذْبَحْ كَانَ عَلَيْهِ مَا عَلَى الَّذِي ارْتَكَبَ مَحْظُورَاتِ إحْرَامِهِ لِبَقَاءِ إحْرَامِهِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ، وَأَفَادَ بِذِكْرِ التَّحَلُّلِ بَعْدَ الذَّبْحِ إلَى أَنَّهُ لَا حَلْقَ عَلَيْهِ، وَلَا تَقْصِيرَ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَإِنْ حَلَقَ فَحَسَنٌ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ عَلَيْهِ أَنْ يَحْلِقَ، وَإِنْ لَمْ يَحْلِقْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَأَطْلَقَهُ فِي الْهِدَايَةِ فَشَمِلَ مَا إذَا أُحْصِرَ فِي الْحِلِّ أَوْ الْحَرَمِ، وَقَيَّدَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي بِمَا إذَا أُحْصِرَ   [منحة الخالق] يُقَالَ: ذِكْرُ الطَّوَافِ فِي كَلَامِ الْمُغْرِبِ شَامِلٌ لِطَوَافِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَجَعَلَ فِي الْمُحِيطِ مَا فِي التَّجْنِيسِ قَوْلَ مُحَمَّدٍ إلَخْ) قِيلَ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ الصَّاحِبَيْنِ فَإِنَّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَخَفْ الْعَجْزَ وَالْمُرَادُ بِالْخَوْفِ غَلَبَةُ الظَّنِّ كَمَا سَبَقَ لَهُ نَظَائِرُ فَهَذَا الْقَيْدُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (قَوْلُهُ: وَمِنْ الْإِحْصَارِ إلَخْ) يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ دَاخِلٌ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لِمَا قَدَّمَهُ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ خُصُوصَ الْعَدُوِّ وَالْمَرَضِ بَلْ كُلُّ مَنْعٍ فَغَيْرُهُمَا دَاخِلٌ فِيهِ بِطَرِيقِ دَلَالَةِ الْمُسَاوَاةِ أَوْ الْأَوْلَوِيَّةِ كَمَا هُنَا كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَرِيبًا، وَفِي النَّهْرِ يُمْكِنُ إدْخَالُهُ فِي قَوْلِهِ بِعَدُوٍّ بِأَنْ يُرَادَ الْقَاهِرُ إلَّا أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ كَلَامَهُ فِي مُحْصَرٍ يَتَوَقَّفُ تَحَلُّلُهُ عَلَى الْهَدْيِ كَمَا سَيَأْتِي وَتَحَلُّلُ هَؤُلَاءِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ. اهـ. وَهَذَا لَا يَجْرِي فِي مَسْأَلَتِنَا بَلْ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ بَعْدَهَا قَالَ فِي اللُّبَابِ الْمَرْأَةُ إذَا أَحْرَمَتْ بِحَجِّ نَفْلٍ، وَلَوْ بِإِذْنِ زَوْجٍ أَوْ الْمَمْلُوكُ، وَلَوْ بِإِذْنِ الْمَوْلَى فَحَلَّلَاهُمَا فَعَلَيْهِمَا الْهَدْيُ، وَلَكِنْ لَا يَتَوَقَّفُ تَحَلُّلُهُمَا عَلَى ذَبْحِ الْهَدْيِ بَلْ يَحِلَّانِ فِي الْحَالِ إذَا فُعِلَ أَدْنَى شَيْءٍ مِنْ الْمَحْظُورَاتِ كَقَصِّ ظُفُرٍ بِأَمْرِ الزَّوْجِ أَوْ الْمَوْلَى أَمَّا إذَا أَحْرَمَتْ الْمَرْأَةُ بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ، وَلَا مَحْرَمَ لَهَا، وَمَنَعَهَا زَوْجُهَا أَوْ مَاتَ زَوْجُهَا أَوْ مَحْرَمُهَا فِي الطَّرِيقِ، وَهِيَ مُحْرِمَةٌ، وَلَوْ بِحَجِّ تَطَوُّعٍ فَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ إلَّا بِذَبْحِ الْهَدْيِ فِي الْحَرَمِ، وَإِنْ حَلَّلَهَا زَوْجُهَا لَا تَتَحَلَّلُ إلَّا بِالْهَدْيِ فِي حَجِّ الْفَرْضِ. اهـ. وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِهِ (قَوْلُهُ: وَأَدْنَاهُ شَاةٌ) قَالَ: فِي اللُّبَابِ وَتَجُوزُ الْبَدَنَةُ عَنْ سَبْعَةٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَيَّدَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي) أَيْ قَيَّدَ الْخِلَافَ السَّابِقَ قَالَ فِي السِّرَاجِ: وَهَذَا الْخِلَافُ إذَا أُحْصِرَ فِي الْحِلِّ أَمَّا إذَا أُحْصِرَ فِي الْحَرَمِ فَالْحَلْقُ وَاجِبٌ. اهـ. وَفِي الشرنبلالية كَذَا جَزَمَ بِهِ فِي الْجَوْهَرَةِ وَالْكَافِي وَحَكَاهُ الْبُرْجَنْدِيُّ عَنْ الْمُصَفَّى بِقِيلَ فَقَالَ: وَقِيلَ إنَّمَا لَا يَجِبُ الْحَلْقُ عَلَى قَوْلِهِمَا إذَا كَانَ الْإِحْصَارُ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ أَمَّا إذَا أُحْصِرَ فِي الْحَرَمِ فَعَلَيْهِ الْحَلْقُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 58 فِي الْحِلِّ أَمَّا إذَا أُحْصِرَ فِي الْحَرَمِ فَيَحْلِقُ اتِّفَاقًا وَيَنْبَغِي أَنْ لَا خِلَافَ فَإِنَّهُمَا قَالَا: بِأَنَّهُ حَسَنٌ، وَهُوَ قَالَ: بِاسْتِحْبَابِهِ، وَلَمْ يَقُلْ بِوُجُوبِهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ قَالَ: وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْخَبَّازِيَّةِ، وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَارِنًا بَعَثَ دَمَيْنِ) أَيْ لَوْ كَانَ الْمُحْصَرُ قَارِنًا فَإِنَّهُ يَبْعَثُ دَمًا لِعُمْرَتِهِ وَدَمًا لِحَجَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ مُحْرِمٌ بِهِمَا أَطْلَقَهُ فَأَفَادَ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَعْيِينِ الَّذِي لِلْعُمْرَةِ وَاَلَّذِي لِلْحَجِّ كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ، وَأَفَادَ أَنَّهُ لَوْ بَعَثَ بِهَدْيٍ وَاحِدٍ لِيَتَحَلَّلَ عَنْ أَحَدِهِمَا وَيَبْقَى فِي الْآخَرِ لَمْ يَتَحَلَّلْ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ التَّحَلُّلَ مِنْهُمَا لَمْ يُشْرَعْ إلَّا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ فَلَوْ تَحَلَّلَ عَنْ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ يَكُونُ فِيهِ تَغْيِيرٌ لِلْمَشْرُوعِ، وَلَوْ بَعَثَ بِثَمَنِ هَدْيَيْنِ فَلَمْ يُوجَدْ بِذَلِكَ بِمَكَّةَ إلَّا هَدْيٌ وَاحِدٌ فَذُبِحَ عَنْهُ فَإِنَّهُ لَا يَتَحَلَّلُ لَا عَنْهُمَا، وَلَا عَنْ أَحَدِهِمَا، وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ بِعُمْرَتَيْنِ أَوْ بِحَجَّتَيْنِ ثُمَّ أُحْصِرَ قَبْلَ السَّيْرِ فَإِنَّهُ يَتَحَلَّلُ بِذَبْحِ هَدْيَيْنِ فِي الْحَرَمِ بِخِلَافِ مَا إذَا أُحْصِرَ بَعْدَ السَّيْرِ فَإِنَّهُ يَصِيرُ رَافِضًا لِأَحَدِهِمَا بِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْبَابِ السَّابِقِ، وَأَشَارَ بِالِاكْتِفَاءِ بِالْبَعْثِ فِي الْمُفْرِدِ وَالْقَارِنِ إلَى أَنَّهُ إذَا بَعَثَ الْهَدْيَ إنْ شَاءَ رَجَعَ، وَإِنْ شَاءَ أَقَامَ إذْ لَا فَائِدَةَ فِي الْإِقَامَةِ (قَوْلُهُ: وَيَتَوَقَّفُ بِالْحَرَمِ لَا بِيَوْمِ النَّحْرِ) يَعْنِي فَيَجُوزُ ذَبْحُهُ فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِالزَّمَانِ، وَأَمَّا تَقْيِيدُهُ بِالْمَكَانِ فَبِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196] أَيْ مَكَانَهُ، وَهُوَ الْحَرَمُ فَكَانَ حُجَّةً عَلَيْهِمَا فِي قِيَاسِ الزَّمَانِ عَلَى الْمَكَانِ فَلَوْ ذَبَحَ فِي الْحِلِّ فَحَلَّ عَلَى ظَنِّ الذَّبْحِ فِي الْحَرَمِ فَهُوَ مُحْرِمٌ كَمَا كَانَ، وَلَا يَحِلُّ حَتَّى يَذْبَحَ فِي الْحَرَمِ، وَعَلَيْهِ الدَّمُ لِتَنَاوُلِ مَحْظُورَاتِ إحْرَامِهِ كَذَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ إحْرَامَ الْحَجِّ، وَإِحْرَامَ الْعُمْرَةِ لَكِنْ لَا خِلَافَ أَنَّ الْمُحْصَرَ بِالْعُمْرَةِ لَا يَتَوَقَّفُ ذَبْحُهُ بِالْيَوْمِ، وَفِي الْمُحِيطِ جَعَلَ الْمُوَاعَدَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ إنَّمَا يُحْتَاجُ إلَيْهَا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ دَمَ الْإِحْصَارِ عِنْدَهُ لَا يَتَوَقَّفُ بِالْيَوْمِ فَلَا يَصِيرُ وَقْتُ الْإِحْلَالِ مَعْلُومًا لِلْمُحْصَرِ مِنْ غَيْرِ مُوَاعَدَةٍ، وَلَا يُحْتَاجُ إلَيْهَا عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ دَمَ الْإِحْصَارِ مُؤَقَّتٌ عِنْدَهُمَا بِيَوْمِ النَّحْرِ فَكَانَ وَقْتُ الْإِحْلَالِ مَعْلُومًا. اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ مُوَقَّتٌ عِنْدَهُمَا بِأَيَّامِ النَّحْرِ لَا بِالْيَوْمِ الْأَوَّلِ فَيَحْتَاجُ إلَى الْمُوَاعَدَةِ لِتَعْيِينِ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ أَوْ الثَّانِي أَوْ الثَّالِثِ، وَقَدْ يُقَالُ يُمْكِنُهُ الصَّبْرُ إلَى مُضِيِّ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا. (قَوْلُهُ: وَعَلَى الْمُحْصَرِ بِالْحَجِّ إنْ تَحَلَّلَ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ، وَعَلَى الْمُعْتَمِرِ عُمْرَةٌ، وَعَلَى الْقَارِنِ حَجَّةٌ، وَعُمْرَتَانِ) بَيَانٌ لِحُكْمِ الْمُحْصَرِ الْمَآلِيِّ فَإِنَّ لَهُ حُكْمَيْنِ حَالِيًّا، وَمَآلِيًّا فَمَا تَقَدَّمَ مِنْ بَعْثِ الشَّاةِ حُكْمُ الْحَالِيِّ وَالْقَضَاءُ إذَا تَحَلَّلَ وَزَالَ الْإِحْصَارُ حُكْمُهُ الْمَآلِيُّ فَإِنْ كَانَ مُفْرِدًا بِالْحَجِّ فَإِنْ حَجَّ مِنْ سَنَتِهِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَإِلَّا لَزِمَهُ قَضَاؤُهَا، وَعُمْرَةٌ أُخْرَى؛ لِأَنَّهُ فَائِتُ الْحَجِّ أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ مَا إذَا كَانَ الْحَجُّ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا شَرَعَ فِيهِ وَشَمِلَ مَا إذَا قَرَنَ فِي الْقَضَاءِ أَوْ أَفْرَدَهُمَا فَإِنَّهُ مُخَيَّرٌ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ الْأَصْلَ لَا الْوَصْفَ، وَأَمَّا نِيَّةُ الْقَضَاءِ فَإِنْ كَانَ بِحَجِّ نَفْلٍ، وَتَحَوَّلَتْ السَّنَةُ فَهِيَ شَرْطٌ، وَإِنْ كَانَ بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ فَلَا يَنْوِي الْقَضَاءَ بَلْ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ، وَإِنَّمَا لَزِمَ الْقَارِنَ عُمْرَةٌ ثَانِيَةٌ؛ لِأَنَّهُ فَائِتُ الْحَجِّ فَلِذَا لَوْ حَجَّ مِنْ سَنَتِهِ، وَأَتَى بِهِمَا فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ عُمْرَةٌ أُخْرَى، وَأَطْلَقَهُ أَيْضًا فَأَفَادَ أَنَّ لَهُ فِي الْقَضَاءِ الْقِرَانَ، وَإِفْرَادَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ هَكَذَا صَرَّحُوا بِهِ هُنَا، وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْمَبْسُوطِ وَالْمُحِيطِ والْوَلْوَالِجِيُّ وَالْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ وَيَرُدُّ عَلَيْهِ مَا قَالُوهُ فِي هَذَا الْبَابِ: مِنْ أَنَّهُ إذَا زَالَ الْإِحْصَارُ إنَّمَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِالْعُمْرَةِ الَّتِي وَجَبَتْ عَلَيْهِ بِالشُّرُوعِ فِي الْقِرَانِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى أَدَائِهَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي الْتَزَمَهُ، وَهُوَ أَنْ تَكُونَ أَفْعَالُ الْحَجِّ مُرَتَّبَةً عَلَيْهَا وَبِفَوَاتِ الْحَجِّ يَفُوتُ ذَلِكَ فَإِنَّ هَذَا يَقْتَضِي أَنْ لَيْسَ لَهُ الْإِفْرَادُ، وَأَنَّ الْقِرَانَ وَاجِبٌ فِي الْقَضَاءِ وَيُنَاقِضُهُ مَا قَالُوهُ فِي بَابِ الْفَوَاتِ مِنْ أَنَّ الْقَارِنَ إذَا فَاتَهُ الْحَجُّ أَدَّى عُمْرَتَهُ مِنْ سَنَتِهِ، وَأَدَّى الْحَجَّ مِنْ سَنَةٍ أُخْرَى؛ لِأَنَّهَا لَا تَفُوتُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُحْصَرَ فَائِتٌ لِلْحَجِّ إذَا لَمْ يُدْرِكُهُ فِي سَنَتِهِ وَالْحَقُّ هُوَ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ بِالشُّرُوعِ الْتَزَمَ أَصْلَ الْقُرْبَةِ لَا صِفَتَهَا، وَهُوَ الْقِرَانُ كَمَا لَوْ شَرَعَ فِي التَّطَوُّعِ قَائِمًا لَا يَلْزَمُهُ الْقِيَامُ عِنْدَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي أَنْ لَا خِلَافَ) أَيْ بِنَاءً عَلَى الرِّوَايَةِ السَّابِقَةِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَإِلَّا فَفِي السِّرَاجِ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّ الْحَلْقَ وَاجِبٌ لَا يَسْعَهُ تَرْكُهُ. (قَوْلُهُ: وَيُنَاقِضُهُ مَا قَالُوهُ إلَخْ) أَيْ يُنَاقِضُ مَا قَالُوهُ فِي هَذَا الْبَابِ مِمَّا حَاصِلُهُ وُجُوبُ الْقِرَانِ فِي الْقَضَاءِ مَا قَالُوهُ فِي بَابِ الْفَوَاتِ مِمَّا حَاصِلُهُ عَدَمُ الْوُجُوبِ، وَقَوْلُهُ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُحْصَرَ إلَخْ بَيَانُ وَجْهِ الْمُنَاقَضَةِ أَيْ إنَّ الْمُحْصَرَ الَّذِي لَمْ يُدْرِكْ الْحَجَّ فَائِتُ الْحَجِّ فَقَدْ دَخَلَ تَحْتَ قَوْلِهِمْ إنَّ الْقَارِنَ إذَا فَاتَهُ الْحَجُّ أَدَّى عُمْرَتَهُ إلَخْ فَحَصَلَتْ الْمُنَاقَضَةُ، وَقَوْلُهُ وَالْحَقُّ هُوَ الْأَوَّلُ أَيْ مَا أَفَادَهُ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْمَبْسُوطِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 59 أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. (قَوْلُهُ: فَإِنْ بَعَثَ ثُمَّ زَالَ الْإِحْصَارُ، وَقَدَرَ عَلَى الْهَدْيِ وَالْحَجِّ تَوَجَّهَ، وَإِلَّا لَا) أَيْ إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِمَا لَا يَلْزَمُهُ التَّوَجُّهُ، وَهِيَ رَبَاعِيَةٌ فَإِنْ قَدَرَ عَلَيْهِمَا لَزِمَهُ التَّوَجُّهُ إلَى الْحَجِّ، وَلَيْسَ لَهُ التَّحَلُّلُ بِالْهَدْيِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنْ إدْرَاكِ الْحَجِّ، وَقَدْ قَدَرَ عَلَى الْأَصْلِ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْ الْبَدَلِ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِمَا لَا يَلْزَمُهُ التَّوَجُّهُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَإِنْ تَوَجَّهَ لِيَتَحَلَّلَ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ جَازَ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْأَصْلُ فِي التَّحَلُّلِ، وَفِيهِ فَائِدَةٌ، وَهُوَ سُقُوطُ الْعُمْرَةِ فِي الْقَضَاءِ، وَإِنْ كَانَ قَارِنًا فَلَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْعُمْرَةِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْقِرَانِ وَالْإِفْرَادِ فِي الْقَضَاءِ وَالثَّالِثُ أَنْ يُدْرِكَ الْهَدْيَ دُونَ الْحَجِّ فَيَتَحَلَّلُ وَالرَّابِعُ عَكْسُهُ فَيَتَحَلَّلُ أَيْضًا صِيَانَةً لِمَالِهِ عَنْ الضَّيَاعِ وَالْأَفْضَلُ التَّوَجُّهُ، وَذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ أَنَّ هَذَا التَّقْسِيمَ لَا يَسْتَقِيمُ عَلَى قَوْلِهِمَا فِي الْمُحْصَرِ بِالْحَجِّ؛ لِأَنَّ دَمَ الْإِحْصَارِ عِنْدَهُمَا يَتَوَقَّفُ بِيَوْمِ النَّحْرِ فَمَنْ يُدْرِكُ الْحَجَّ يُدْرِكُ الْهَدْيَ. وَإِنَّمَا يَسْتَقِيمُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَفِي الْمُحْصَرِ بِالْعُمْرَةِ يَسْتَقِيمُ بِالِاتِّفَاقِ لِعَدَمِ تَوَقُّتِ الدَّمِ بِيَوْمِ النَّحْرِ وَذَكَرَ فِي الْجَوْهَرَةِ أَنَّهُ يَسْتَقِيمُ عَلَى الْإِجْمَاعِ كَمَا إذَا أُحْصِرَ بِعَرَفَةَ، وَأَمَرَهُمْ بِالذَّبْحِ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ يَوْمَ النَّحْرِ فَزَالَ الْإِحْصَارُ قَبْلَ الْفَجْرِ بِحَيْثُ يُدْرِكُ الْحَجَّ دُونَ الْهَدْيِ؛ لِأَنَّ الذَّبْحَ بِمِنًى. اهـ. وَجَوَابُهُ أَنَّ الْإِحْصَارَ بِعَرَفَةَ لَيْسَ بِإِحْصَارٍ لِمَا سَيَأْتِي فَلَوْ أُحْصِرَ بِمَكَانٍ قَرِيبٍ مِنْ عَرَفَةَ لَاسْتَقَامَ، وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ بَعَثَ الْمُحْصَرُ هَدْيًا ثُمَّ زَالَ الْإِحْصَارُ وَحَدَثَ آخَرُ وَنَوَى أَنْ يَكُونَ عَنْ الثَّانِي جَازَ وَحَلَّ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ حَتَّى نَحَرَ لَمْ يَجُزْ كَمَنْ وَكَّلَ فِي كَفَّارَةِ يَمِينٍ فَكَفَّرَ الْمُوَكِّلُ ثُمَّ حَنِثَ فِي يَمِينٍ آخَرَ فَنَوَى أَنْ يَكُونَ مَا فِي يَدِ الْوَكِيلِ كَفَّارَةَ الثَّانِيَةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ حَتَّى تَصَدَّقَ الْمَأْمُورُ لَا، وَكَذَا لَوْ بَعَثَ هَدْيًا جَزَاءَ صَيْدٍ ثُمَّ أُحْصِرَ فَنَوَى أَنْ يَكُونَ لِلْإِحْصَارِ، وَلَوْ قَلَّدَ بَدَنَةً، وَأَوْجَبَهَا تَطَوُّعًا ثُمَّ أُحْصِرَ فَنَوَى أَنْ يَكُونَ لِإِحْصَارِهِ جَازَ، وَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ مَكَانَ مَا أَوْجَبَ. وَقَالَ: أَبُو يُوسُفَ لَا يُجْزِئُهُ إلَّا عَنْ التَّطَوُّعِ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ كَالْوَقْفِ وَخَرَجَتْ عَنْ مِلْكِهِ عِنْدَهُ فَلَا يَمْلِكُ صَرْفَهَا إلَى غَيْرِ تِلْكَ الْجِهَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَا إحْصَارَ بَعْدَمَا وَقَفَ بِعَرَفَةَ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ الْفَوَاتُ بَعْدَهُ فَأُمِنَّ مِنْهُ، وَإِنَّمَا تَحَقَّقَ الْإِحْصَارُ فِي الْعُمْرَةِ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تَفُوتُ لِلُزُومِ الضَّرَرِ بِامْتِدَادِ الْإِحْرَامِ فَوْقَ مَا الْتَزَمَهُ، وَأَمَّا الْمُحْصَرُ فِي الْحَجِّ بَعْدَ الْوُقُوفِ فَيُمْكِنُهُ التَّحَلُّلُ بِالْحَلْقِ يَوْمَ النَّحْرِ فِي غَيْرِ النِّسَاءِ فَلَا ضَرُورَةَ إلَى التَّحَلُّلِ بِالدَّمِ ثُمَّ إنْ دَامَ الْإِحْصَارُ حَتَّى مَضَتْ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ فَعَلَيْهِ لِتَرْكِ الْوُقُوفِ بِالْمُزْدَلِفَةِ دَمٌ وَلِتَرْكِ الْجِمَارِ دَمٌ وَلِتَأْخِيرِ الْحَلْقِ دَمٌ وَلِتَأْخِيرِ الطَّوَافِ دَمٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَيْسَ عَلَيْهِ لِتَأْخِيرِ الْحَلْقِ وَالطَّوَافِ شَيْءٌ كَذَا فِي الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا عَنْ الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهِ أَنَّ وَاجِبَ الْحَجِّ إذَا تَرَكَهُ بِعُذْرٍ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ تَرَكَ الْوُقُوفَ بِالْمُزْدَلِفَةِ خَوْفَ الزِّحَامِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا لَا شَيْءَ عَلَى الْحَائِضِ بِتَرْكِ طَوَافِ الصَّدْرِ فَلَا شَكَّ أَنَّ الْإِحْصَارَ عُذْرٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِتَرْكِ الْوَاجِبَاتِ لِلْعُذْرِ مَعَ أَنَّهُ مَنْقُولٌ فِي الْحَاكِمِ كَمَا رَأَيْتُ، وَهُوَ جَمْعُ كَلَامِ مُحَمَّدٍ فِي كُتُبِهِ السِّتَّةِ الَّتِي هِيَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَقَدْ ظَهَرَ لِي أَنَّ كَلَامَهُمْ هُنَا مَحْمُولٌ عَلَى الْإِحْصَارِ بِسَبَبِ الْعَدُوِّ لَا مُطْلَقًا فَإِنَّهُ إذَا كَانَ بِالْمَرَضِ فَهُوَ سَمَاوِيٌّ يَكُونُ عُذْرًا فِي تَرْكِ الْوَاجِبَاتِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ قِبَلِ الْعِبَادِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ عُذْرًا فِي إسْقَاطِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا قَالُوهُ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ أَنَّ الْعَدُوَّ إذَا أَسَرُوهُ حَتَّى صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ فَإِنَّهُ يُعِيدُهَا بِالْوُضُوءِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَجَوَابُهُ أَنَّ الْإِحْصَارَ بِعَرَفَةَ لَيْسَ بِإِحْصَارٍ إلَخْ) دَفَعَهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ مَنْشَأَ اعْتِرَاضِهِ التَّحْرِيفُ؛ لِأَنَّ النُّسْخَةَ لَوْ أُحْصِرَ بِعَرَفَةَ بِالنُّونِ، وَإِلَّا فَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ يُدْرِكُ الْحَجَّ (قَوْلُهُ: فَكَفَّرَ الْمُوَكِّلُ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ قَيْدٌ لِصِحَّةِ كَوْنِ مَا فِي يَدِ الْوَكِيلِ كَفَّارَةً لِلْيَمِينِ الثَّانِيَةِ بِسَبَبِ عَدَمِ الْوُجُوبِ لِلْأُولَى، وَمُقْتَضَى قَوْلِهِ، وَكَذَا لَوْ بَعَثَ هَدْيًا عَدَمُ التَّقْيِيدِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ، وَلَا إحْصَارَ بَعْدَمَا وَقَفَ بِعَرَفَةَ) اعْتَرَضَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ تَكْرَارٌ مَحْضٌ مَعَ مَا يَأْتِي مِنْ قَوْلِهِ، وَمَنْ مُنِعَ بِمَكَّةَ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَقَدْ ظَهَرَ لِي إلَخْ) نَقَلَهُ عَنْهُ فِي النَّهْرِ، وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ، وَكَأَنَّ الشُّرُنْبُلَالِيُّ لَمْ يَقِفْ عَلَى مَا هُنَا فَاسْتَشْكَلَ الْمَسْأَلَةَ أَيْضًا، وَفِي الرَّمْزِ لِلْمَقْدِسِيِّ، وَمَرَّ أَنَّ تَرْكَ وَاجِبِ الْحَجِّ لِعُذْرٍ لَا شَيْءَ فِيهِ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا يَكُونُ بِعَدُوٍّ، وَأَمَّا الْمَرَضُ فَسَمَاوِيٌّ يُعْذَرُ بِهِ. اهـ. وَقَدَّمْنَا مِثْلَهُ عَنْ شَرْحِ اللُّبَابِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي الْجِنَايَاتِ أَوْ تَرَكَ السَّعْيَ (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ مِنْ قِبَلِ الْعِبَادِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ عُذْرًا إلَخْ) إنْ قُلْتُ: يُنَافِي هَذَا الْحَمْلَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ عَدَمِ وُجُوبِ شَيْءٍ بِتَرْكِ الْوُقُوفِ بِمُزْدَلِفَةَ خَوْفَ الزِّحَامِ فَقَدْ جَعَلُوهُ عُذْرًا مَعَ أَنَّهُ مِنْ قِبَلِ الْعِبَادِ كَالْخَوْفِ مِنْ الْعَدُوِّ فِي التَّيَمُّمِ قُلْتُ: قَدْ مَرَّ هُنَاكَ الِاخْتِلَافُ فِي أَنَّ الْخَوْفَ مِنْ الْعَدُوِّ، وَمِنْ اللَّهِ أَوْ مِنْ الْعِبَادِ وَاَلَّذِي حَقَّقَهُ الْمُؤَلِّفُ هُنَاكَ وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ أَنَّهُ إنْ حَصَلَ بِسَبَبِ وَعِيدٍ مِنْ الْعَبْدِ فَهُوَ مِنْ قِبَلِ الْعِبَادِ، وَإِلَّا فَمِنْ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّ الْخَوْفَ مُطْلَقًا، وَإِنْ كَانَ مِنْهُ تَعَالَى خَلْقًا، وَإِرَادَةً لَكِنْ لَمَّا اسْتَنَدَ إلَى مُبَاشَرَةِ سَبَبٍ مِنْ الْعَبْدِ أُضِيفَ إلَيْهِ، وَمَا هُنَا لَمْ يَحْصُلْ عَنْ مُبَاشَرَةِ سَبَبٍ لَهُ فَكَانَ مُسْنَدًا إلَيْهِ تَعَالَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 60 إذَا أُطْلِقَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ قِبَلِ الْعِبَادِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي تَحَلُّلِ الْمُحْصَرِ بَعْدَ الْوُقُوفِ قِيلَ لَا يَتَحَلَّلُ فِي مَكَانِهِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ عِبَارَةُ الْأَصْلِ حَيْثُ قَالَ: وَهُوَ حَرَامٌ كَمَا هُوَ حَتَّى يَطُوفَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى تَأْخِيرِ الْحَلْقِ عَلَى أَنْ يَفْعَلَهُ فِي الْحَرَمِ، وَقِيلَ يَتَحَلَّلُ فِي مَكَانِهِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ عِبَارَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ حَيْثُ قَالَ: وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَى النِّسَاءِ حَتَّى يَطُوفَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ قَالَ الْعَتَّابِيُّ: وَهُوَ الْأَظْهَرُ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ مُنِعَ بِمَكَّةَ عَنْ الرُّكْنَيْنِ فَهُوَ مُحْصَرٌ، وَإِلَّا لَا) أَيْ، وَإِنْ قَدَرَ عَلَى أَحَدِهِمَا فَلَيْسَ بِمُحْصَرٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا مُنِعَ عَنْهُمَا فِي الْحَرَمِ فَقَدْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْإِتْمَامُ فَصَارَ كَمَا إذَا أُحْصِرَ فِي الْحِلِّ، وَإِذَا قَدَرَ عَلَى الطَّوَافِ فَلِأَنَّ فَائِتَ الْحَجِّ يَتَحَلَّلُ بِهِ وَالدَّمُ بَدَلٌ عَنْهُ فِي التَّحَلُّلِ، وَأَمَّا إنْ قَدَرَ عَلَى الْوُقُوفِ فَلِمَا بَيَّنَّا، وَقَدْ قِيلَ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَالصَّحِيحُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّفْصِيلِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ، وَهُوَ إشَارَةٌ إلَى رَدِّ مَا فِي الْمُحِيطِ حَيْثُ جَعَلَ مَا فِي الْمُخْتَصَرِ مِنْ التَّفْصِيلِ رِوَايَةَ النَّوَادِرِ، وَأَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْإِحْصَارَ بِمَكَّةَ عَنْهُمَا لَيْسَ بِإِحْصَارٍ؛ لِأَنَّهُ نَادِرٌ، وَلَا عِبْرَةَ بِهِ. (بَابُ الْفَوَاتِ) (مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ بِفَوْتِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ فَلْيَحْلِلْ بِعُمْرَةٍ، وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ بِلَا دَمٍ) بَيَانٌ لِأَحْكَامِ أَرْبَعَةٍ. الْأَوَّلُ: أَنَّ فَوَاتَ الْحَجِّ لَا يَكُونُ إلَّا بِفَوْتِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ بِمُضِيِّ وَقْتِهِ. الثَّانِي: أَنَّهُ إذَا فَاتَهُ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ. الثَّالِثُ: لُزُومُ الْقَضَاءِ سَوَاءٌ كَانَ مَا شَرَعَ فِيهِ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ أَوْ نَذْرًا أَوْ تَطَوُّعًا، وَلَا خِلَافَ بَيْنِ الْأُمَّةِ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ فَدَلِيلُهَا الْإِجْمَاعُ. وَالرَّابِعُ: عَدَمُ لُزُومِ الدَّمِ لِحَدِيثِ الدَّارَقُطْنِيِّ الْمُفِيدِ لِذَلِكَ لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ لَكِنْ تَعَدَّدَتْ طُرُقُهُ فَصَارَ حَسَنًا، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ فَلْيَحْلِلْ بِعُمْرَةٍ إلَى وُجُوبِهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ، وَإِلَى أَنَّهُ يَطُوفُ وَيَسْعَى ثُمَّ يَحْلِقُ أَوْ يُقَصِّرُ، وَإِلَى أَنَّ إحْرَامَهُ لَا يَنْقَلِبُ إحْرَامَ عُمْرَةٍ بَلْ يَخْرُجُ عَنْ إحْرَامِ الْحَجِّ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ، وَهُوَ قَوْلُهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَيَشْهَدُ لَهُمَا أَنَّ الْقَارِنَ إذَا فَاتَهُ الْحَجُّ أَدَّى عُمْرَتَهُ؛ لِأَنَّهَا لَا تَفُوتُ ثُمَّ أَتَى بِعُمْرَةٍ أُخْرَى لِفَوَاتِ الْحَجِّ ثُمَّ يَحْلِقُ، وَلَا دَمَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لِلْجَمْعِ بَيْنَ النُّسُكَيْنِ، وَلَمْ يُوجَدْ فَلَوْ انْقَلَبَ إحْرَامُهُ عُمْرَةً لَصَارَ جَامِعًا بَيْنَ إحْرَامِ عُمْرَتَيْنِ، وَأَدَائِهِمَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ وَيَشْهَدُ لَهُمَا أَنَّهُ لَوْ مَكَثَ حَرَامًا حَتَّى دَخَلَ أَشْهُرُ الْحَجِّ مِنْ قَابِلٍ فَتَحَلَّلَ بِعَمَلِ الْعُمْرَةِ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا فَلَوْ انْقَلَبَ إحْرَامُهُ عُمْرَةً كَانَ مُتَمَتِّعًا كَمَنْ أَحْرَمَ لِلْعُمْرَةِ فِي رَمَضَانَ فَطَافَ لَهَا فِي شَوَّالٍ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَيَشْهَدُ لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ فَائِتَ الْحَجِّ لَوْ أَقَامَ حَرَامًا حَتَّى يَحُجَّ مَعَ النَّاسِ مِنْ قَابِلٍ بِذَلِكَ الْإِحْرَامِ لَا يُجْزِئُهُ مِنْ حَجَّتِهِ فَلَوْ بَقِيَ أَصْلُ إحْرَامِهِ لَأَجْزَأَهُ. وَأَجَابَ عَنْهُ فِي الْمَبْسُوطِ بِأَنَّهُ، وَإِنْ بَقِيَ الْأَصْلُ لَكِنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ بِأَعْمَالِ الْعُمْرَةِ فَلَا يَبْطُلُ هَذَا التَّعْيِينُ بِتَحَوُّلِ السَّنَةِ مَعَ أَنَّ إحْرَامَهُ انْعَقَدَ لِأَدَاءِ الْحَجِّ فِي السَّنَةِ الْأُولَى فَلَوْ صَحَّ أَدَاءُ الْحَجِّ بِهِ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ تَغَيَّرَ مُوجِبُ ذَلِكَ الْعَقْدِ بِفِعْلِهِ، وَلَيْسَ إلَيْهِ تَغْيِيرُ مُوجَبِ عَقْدِ الْإِحْرَامِ وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ أَنَّ فَائِدَةَ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا فَاتَهُ الْحَجُّ فَأَهَلَّ بِحَجَّةٍ أُخْرَى غَيْرِ الْأُولَى صَحَّتْ وَبِرَفْضِ الْأُخْرَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا تَصِحُّ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَمْضِي فِي الْأُخْرَى؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ إحْرَامَ الْأُولَى انْقَلَبَ لِلْعُمْرَةِ، وَهَذَا مُحْرِمٌ بِالْعُمْرَةِ، وَقَدْ أَضَافَ إلَيْهَا حَجَّةً، وَعِنْدَهُ لَمَّا بَقِيَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي تَحَلُّلِ الْمُحْصَرِ بَعْدَ الْوُقُوفِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ الْمُرَادُ بِالْمُحْصَرِ الْمَمْنُوعُ؛ لِأَنَّهُ لَا إحْصَارَ بَعْدَ الْوُقُوفِ (قَوْلُهُ: قِيلَ لَا يَتَحَلَّلُ فِي مَكَانِهِ) أَيْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْلِقَ فِي الْحِلِّ فِي الْحَالِ بَلْ يُؤَخِّرُ الْحَلْقَ إلَى مَا بَعْدَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ (قَوْلُهُ: قَالَ الْعَتَّابِيُّ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ) قَالَ فِي النَّهْرِ كَأَنَّهُ لِإِمْكَانِ حَمْلِ الْإِطْلَاقِ فِي الْأَصْلِ عَلَى هَذَا الْقَيْدِ. اهـ. وَاعْتُرِضَ أَوَّلًا بِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى هَذَا أَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَهُمَا خِلَافٌ فَيَكُونُ مَعْنَى مَا فِي الْأَصْلِ مِنْ أَنَّهُ حَرَامٌ أَيْ عَلَى النِّسَاءِ فَقَطْ وَيَأْبَاهُ تَرْجِيحُ الْعَتَّابِيِّ بِأَنَّ مَا فِي الْجَامِعِ أَظْهَرُ إذْ عَلَى فَرْضِ صِحَّةِ هَذَا الْحَمْلِ لَمْ يَبْقَ حَاجَةٌ لِلتَّرْجِيحِ وَثَانِيًا بِأَنَّ قَوْلَهُ فِي الْأَصْلِ، وَهُوَ حَرَامٌ ظَاهِرٌ فِي بَقَاءِ الْإِحْرَامِ مُطْلَقًا فِي حَقِّ النِّسَاءِ وَغَيْرِهِنَّ فَالْحَقُّ أَنَّهُ قَوْلٌ مُقَابِلٌ. اهـ. قُلْتُ: قَدْ يُجَابُ بِأَنَّ عِبَارَةَ الْأَصْلِ، وَإِنْ كَانَتْ ظَاهِرَةً فِي بَقَاءِ الْإِحْرَامِ مُطْلَقًا إلَّا أَنَّهَا مُحْتَمِلَةٌ لِلتَّقْيِيدِ، وَلَمَّا كَانَتْ عِبَارَةُ الْجَامِعِ صَرِيحَةً فِي ذَلِكَ كَانَتْ أَظْهَرَ إذْ لَا شَكَّ أَنَّ الصَّرِيحَ أَظْهَرُ مِنْ الْمُحْتَمَلِ. (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَمَنْ مُنِعَ بِمَكَّةَ عَنْ الرُّكْنَيْنِ) قَالَ: الرَّمْلِيُّ فِي الْفَيْضِ لِلْكَرْكِيِّ، وَلَوْ حَاضَتْ قَبْلَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ، وَلَمْ تَطْهُرْ، وَأَرَادَ الرُّفْقَةُ الْعَوْدَ تَهْجُمُ وَتَطُوفُ حَائِضًا وَتَذْبَحُ بَدَنَةً، وَلَكِنْ لَا نُفْتِي بِالتَّهَجُّمِ فَإِنْ لَمْ تَطُفْ تَبْقَى مُحْرِمَةً أَبَدًا إلَى أَنْ تَطُوفَ، وَكَذَا الرَّجُلُ لَوْ لَمْ يَطُفْهُ. [بَابُ الْفَوَاتِ فِي الْحَجُّ] (بَابُ الْفَوَاتِ) . (قَوْلُهُ: الثَّالِثُ لُزُومُ الْقَضَاءِ) قَالَ: الرَّمْلِيُّ إنْ قِيلَ كَيْفَ تُوصَفُ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ بِالْقَضَاءِ، وَلَا وَقْتَ لَهَا فَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَضَاءِ الْقَضَاءُ اللُّغَوِيُّ لَا الْقَضَاءُ الْحَقِيقِيُّ، وَقِيلَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَحْرَمَ بِهَا تَضَيَّقَ وَقْتُهَا كَمَا قَالُوا فِي الصَّلَاةِ يُفْسِدُهَا ثُمَّ يَفْعَلُهَا فِي الْوَقْتِ فَالْحَجُّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 61 إحْرَامُهُ فَإِذَا أَحْرَمَ بِحَجَّةٍ أُخْرَى يَرْفُضُهَا لِئَلَّا يَكُونَ جَامِعًا بَيْنَ إحْرَامَيْ حَجٍّ، وَعَلَيْهِ دَمٌ، وَعُمْرَةٌ وَحَجَّتَانِ مِنْ قَابِلٍ فَإِنْ كَانَ نَوَى بِالثَّانِيَةِ قَضَاءَ الْفَائِتَةِ فَهِيَ هِيَ، وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ؛ لِأَنَّهُ بَاقٍ فِي إحْرَامِ الْحَجِّ فَإِذَا نَوَى بِهِ الْقَضَاءَ يَصِيرُ نَاوِيًا لِلْإِحْرَامِ الْقَائِمِ فَلَا تَصِحُّ نِيَّتُهُ، وَلَا يَصِيرُ مُحْرِمًا بِإِحْرَامٍ آخَرَ، وَأَطْلَقَ فِي فَوْتِ الْحَجِّ فَشَمَلَ الْحَجَّ الْفَاسِدَ وَالصَّحِيحَ فَلَوْ أَهَلَّ بِحَجٍّ ثُمَّ أَفْسَدَهُ بِالْجِمَاعِ قَبْلَ الْوُقُوفِ ثُمَّ فَاتَهُ الْحَجُّ فَعَلَيْهِ دَمٌ لِلْجِمَاعِ وَيَحِلُّ بِالْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّ الْفَاسِدَ مُعْتَبَرٌ بِالصَّحِيحِ، وَكَذَا لَوْ انْعَقَدَ فَاسِدًا كَمَا إذَا أَحْرَمَ مُجَامِعًا فَإِنَّهُ مُلْحَقٌ بِالصَّحِيحِ، وَقَوْلُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ بَعْدَمَا انْعَقَدَ صَحِيحًا لَا يَخْرُجُ عَنْهُ إلَّا بِأَدَاءِ أَحَدِ النُّسُكَيْنِ مَحْمُولٌ عَلَى اللَّازِمِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ غَيْرِ اللَّازِمِ لِيَخْرُجَ بِهِ الْعَبْدُ وَالزَّوْجَةُ إذَا أَحْرَمَا بِغَيْرِ إذْنٍ لَا مَا قَابَلَ الصَّحِيحَ، وَهُوَ الْفَاسِدُ وَلِيَخْرُجَ بِهِ مَا إذَا أَدْخَلَ حَجَّةً عَلَى عُمْرَةٍ أَوْ عَلَى حَجَّةٍ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِلَازِمٍ وَلِذَا وَجَبَ الرَّفْضُ، وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ الْمُحْصَرُ فَإِنَّ إحْرَامَهُ لَازِمٌ مَعَ أَنَّهُ يَخْرُجُ عَنْهُ بِغَيْرِ الْأَفْعَالِ؛ لِأَنَّهُ عَارِضٌ لَا بِطَرِيقِ الْوَضْعِ. (قَوْلُهُ: وَلَا فَوْتَ لِعُمْرَةٍ) لِعَدَمِ تَوْقِيتِهَا بِالْإِجْمَاعِ (قَوْلُهُ: وَهِيَ طَوَافٌ وَسَعْيٌ) أَيْ أَفْعَالُ الْعُمْرَةِ طَوَافٌ بِالْبَيْتِ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ وَسَعْيٌ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَلَيْسَ مُرَادُهُ بَيَانَ مَاهِيَّتِهَا؛ لِأَنَّ رُكْنَهَا الطَّوَافُ فَقَطْ، وَأَمَّا السَّعْيُ فَوَاجِبٌ، وَإِنَّمَا لَمْ يُصَرِّحْ بِوُجُوبِهِ فِيهَا لِلْعِلْمِ بِهِ مِنْ الْحَجِّ؛ لِأَنَّ السَّعْيَ فِيهِ وَاجِبٌ فَفِي الْعُمْرَةِ أَوْلَى، وَلَمْ يَذْكُرُ الْإِحْرَامَ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ فِي النُّسُكَيْنِ حَجًّا كَانَ أَوْ عُمْرَةً، وَلَمْ يَذْكُرْ الْحَلْقَ؛ لِأَنَّهُ مُحَلِّلٌ مُخْرِجٌ مِنْهَا، وَهُوَ مِنْ وَاجِبَاتِهَا كَمَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ، وَهِيَ فِي اللُّغَةِ بِمَعْنَى الزِّيَارَةِ يُقَالُ اعْتَمَرَ فُلَانٌ فُلَانًا إذَا زَارَهُ، وَفِي الْمُغْرِبِ أَنَّ أَصْلَهَا الْقَصْدُ إلَى مَكَان عَامِرٍ ثُمَّ غَلَبَ عَلَى الْقَصْدِ إلَى مَكَان مَخْصُوصٍ. (قَوْلُهُ: وَتَصِحُّ فِي السَّنَةِ، وَتُكْرَهُ يَوْمَ عَرَفَةَ وَيَوْمَ النَّحْرِ، وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ) لِمَا قَدَّمْنَا أَنَّهَا لَا تَتَوَقَّفُ، وَقَدْ «اعْتَمَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْبَعَ عُمَرَ فِي ذِي الْقِعْدَةِ إلَّا الَّتِي اعْتَمَرَ مَعَ حَجَّتِهِ» كَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ ثُمَّ الْمُرَادُ بِالْأَرْبَعَةِ إحْرَامُهُ بِهِنَّ فَأَمَّا مَا تَمَّ لَهُ مِنْهَا فَثَلَاثٌ الْأُولَى عُمْرَةُ الْحُدَيْبِيَةِ سَنَةَ سِتٍّ فَأُحْصِرَ بِهَا فَنَحَرَ الْهَدْيَ بِهَا وَحَلَقَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ، وَرَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ. الثَّانِيَةُ عُمْرَةُ الْقَضَاءِ فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ، وَهِيَ قَضَاءٌ عَنْ الْحُدَيْبِيَةِ هَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَذَهَبَ مَالِكٌ إلَى أَنَّهَا مُسْتَأْنَفَةٌ لَا قَضَاءٌ عَنْهَا وَتَسْمِيَةُ الصَّحَابَةِ وَجَمِيعِ السَّلَفِ إيَّاهَا بِعُمْرَةِ الْقَضَاءِ ظَاهِرٌ فِي خِلَافِهِ، وَعَدَمُ نَقْلِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَمَرَ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ بِالْقَضَاءِ لَا يُفِيدُ بَلْ الْمُفِيدُ لَهُ نَقْلُ الْعَدَمِ لَا عَدَمُ النَّقْلِ نَعَمْ هُوَ مِمَّا يُؤْنَسُ بِهِ فِي عَدَمِ الْوُقُوعِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَنُقِلَ لَكِنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يُعْتَبَرُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ الثَّابِتِ مَا يُوجِبُ الْقَضَاءَ فِي مِثْلِهِ عَلَى الْعُمُومِ فَيَجِبُ الْحُكْمُ بِعِلْمِهِمْ بِهِ، وَقَضَائِهَا مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ طَرِيقٍ عِلْمِيٍّ الثَّالِثَةُ: عُمْرَتُهُ الَّتِي قَرَنَ مَعَ حَجَّتَهُ عَلَى قَوْلِنَا أَوْ الَّتِي تَمَتَّعَ بِهَا إلَى الْحَجِّ عَلَى قَوْلِ الْقَائِلِينَ أَنَّهُ حَجَّ مُتَمَتِّعًا أَوْ الَّتِي اعْتَمَرَهَا فِي سَفَرِهِ ذَلِكَ عَلَى قَوْلِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّهُ أَفْرَدَ وَاعْتَمَرَ، وَلَا عِبْرَةَ بِالْقَوْلِ الرَّابِعِ. الرَّابِعَةُ عُمْرَتُهُ مِنْ الْجِعْرَانَةِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَأَطْلَقَ فِي الْمُخْتَصَرِ الْكَرَاهَةَ فَانْصَرَفَتْ الْكَرَاهَةُ إلَى كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ؛ لِأَنَّهَا الْمَحْمَلُ عِنْدَ إطْلَاقِهَا وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ حَلَّتْ الْعُمْرَةُ فِي السَّنَةِ كُلِّهَا إلَّا أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ يَوْمُ عَرَفَةَ وَيَوْمُ النَّحْرِ وَيَوْمَانِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا خَمْسَةٌ وَذَكَرَ ثَلَاثَةَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَأَطْلَقَ فِي كَرَاهَتِهَا يَوْمَ عَرَفَةَ فَشَمَلَ مَا قَبْلَ الزَّوَالِ، وَمَا بَعْدَهُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ خِلَافًا لِمَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا لَا تُكْرَهُ قَبْلَ الزَّوَالِ، وَأَفَادَ بِالِاقْتِصَارِ عَلَى الْخَمْسَةِ أَنَّهَا لَا تُكْرَهُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَكِّيِّ وَالْآفَاقِيِّ وَاخْتَلَفُوا فِي أَفْضَلِ أَوْقَاتِهَا فَبِالنَّظَرِ إلَى فِعْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَأَشْهُرُ الْحَجِّ أَفْضَلُ وَبِالنَّظَرِ إلَى قَوْلِهِ فَرَمَضَانُ أَفْضَلُ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «عُمْرَةٌ فِي رَمَضَانَ تَعْدِلُ حَجَّةً» ، وَقَدْ وَقَعَ فِي الْيَنَابِيعِ هُنَا غَلَطٌ فَاجْتَنِبْهُ، وَهُوَ أَنَّهُ قَالَ: تُكْرَهُ الْعُمْرَةُ فِي خَمْسَةِ أَيَّامٍ وَذَكَرَ مِنْهَا يَوْمَ الْفِطْرِ بَدَلَ يَوْمِ عَرَفَةَ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي غَايَةِ السُّرُوجِيِّ، وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ   [منحة الخالق] أَوْلَى بِذَلِكَ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: نَعَمْ هُوَ) أَيْ عَدَمُ نَقْلِ الْأَمْرِ بِالْقَضَاءِ مِمَّا يُؤْنَسُ بِهِ فِي عَدَمِ وُقُوعِ الْأَمْرِ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ، وَإِلَّا لَنُقِلَ لَا أَنَّهُ يَصْلُحُ دَلِيلًا عَلَى عَدَمِهِ، وَقَوْلُهُ لَكِنَّ ذَلِكَ إلَخْ جَوَابٌ عَنْ الِاسْتِئْنَاسِ الْمَذْكُورِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ دَلِيلَ الْوُجُوبِ مُطْلَقًا ثَابِتٌ فَيَجِبُ الْحُكْمُ بِعِلْمِهِمْ بِهِ، وَقَضَائِهَا كَمَا هُوَ مُقْتَضَى ذَلِكَ الدَّلِيلِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ مِنْ أَيْنَ عَلِمُوا بِذَلِكَ (قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ طَرِيقٍ عِلْمِيٍّ) الَّذِي فِي الْفَتْحِ طَرِيقِ عِلْمِهِمْ بِإِضَافَتِهِ إلَى ضَمِيرِ الْجَمَاعَةِ (قَوْلُهُ: وَلَا عِبْرَةَ بِالْقَوْلِ الرَّابِعِ) لَعَلَّ الْمُرَادَ بِهِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حَجَّ، وَلَمْ يَعْتَمِرْ (قَوْلُهُ: وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَكِّيِّ وَالْآفَاقِيِّ) ، وَأَمَّا مَا فِي اللُّبَابِ مِنْ قَوْلِهِ وَيُكْرَهُ فِعْلُهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ لِأَهْلِ مَكَّةَ، وَمَنْ بِمَعْنَاهُمْ. اهـ. أَيْ مِنْ الْمُقِيمِينَ، وَمَنْ فِي دَاخِلِ الْمِيقَاتِ فَقَالَ شَارِحُهُ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَحُجُّوا فِي سَنَتِهِمْ فَيَكُونُوا مُتَمَتِّعِينَ، وَهُمْ عَنْ التَّمَتُّعِ مَمْنُوعُونَ، وَإِلَّا فَلَا مَنْعَ لِلْمَكِّيِّ عَنْ الْعُمْرَةِ الْمُفْرَدَةِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 62 تُكْرَهُ الْعُمْرَةُ فِي خَمْسَةِ أَيَّامٍ لِغَيْرِ الْقَارِنِ. اهـ. وَهُوَ تَقْيِيدٌ حَسَنٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ رَاجِعًا إلَى يَوْمِ عَرَفَةَ لَا إلَى الْخَمْسَةِ كَمَا لَا يَخْفَى، وَأَنْ يَلْحَقَ الْمُتَمَتِّعُ بِالْقَارِنِ. (قَوْلُهُ: وَهِيَ سُنَّةٌ) أَيْ الْعُمْرَةُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، وَهُوَ الصَّحِيحُ فِي الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ بِوُجُوبِهَا وَصَحَّحَهُ فِي الْجَوْهَرَةِ وَاخْتَارَهُ فِي الْبَدَائِعِ، وَقَالَ: إنَّهُ مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا، وَمِنْهُمْ مَنْ أَطْلَقَ اسْمَ السُّنَّةِ، وَهَذَا لَا يُنَافِي الْوُجُوبَ. اهـ. وَالظَّاهِرُ مِنْ الرِّوَايَةِ مَا فِي الْمُخْتَصَرِ فَإِنَّ مُحَمَّدًا نَصَّ فِي كِتَابِ الْحَجْرِ أَنَّ الْعُمْرَةَ تَطَوُّعٌ، وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا كَبِيرُ فَرْقٍ كَمَا قَدَّمْنَاهُ مِرَارًا وَاسْتَدَلَّ لَهَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «سُئِلَ عَنْ الْعُمْرَةِ أَوَاجِبَةٌ هِيَ قَالَ: لَا، وَأَنْ تَعْتَمِرُوا هُوَ أَفْضَلُ» ، وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] فَالْإِتْمَامُ بَعْدَ الشُّرُوعِ، وَلَا كَلَامَ لَنَا فِيهِ؛ لِأَنَّ الشُّرُوعَ مُلْزِمٌ، وَكَلَامُنَا فِيمَا قَبْلَ الشُّرُوعِ وَالْمُرَادُ أَنَّهَا سُنَّةٌ فِي الْعُمْرِ مَرَّةٌ وَاحِدَةٌ فَمَنْ أَتَى بِهَا مَرَّةً فَقَدْ أَقَامَ السُّنَّةَ غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِوَقْتٍ غَيْرَ مَا ثَبَتَ النَّهْيُ عَنْهَا فِيهِ إلَّا أَنَّهَا فِي رَمَضَانَ أَفْضَلُ هَذَا إذَا أَفْرَدَهَا فَلَا يُنَافِيهِ أَنَّ الْقِرَانَ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ يَرْجِعُ إلَى الْحَجِّ لَا الْعُمْرَةِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ مَنْ أَرَادَ الْإِتْيَانَ بِالْعُمْرَةِ عَلَى وَجْهٍ أَفْضَلَ فِيهَا فَفِي رَمَضَانَ أَوْ الْحَجِّ عَلَى وَجْهٍ أَفْضَلَ فَبِأَنْ يَقْرِنَ مَعَهُ عُمْرَةً. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ لِلْعُمْرَةِ مَعْنًى لُغَوِيًّا، وَمَعْنًى شَرْعِيًّا وَسَبَبًا وَرُكْنًا وَشَرَائِطَ وُجُوبٍ وَشَرَائِطَ صِحَّةٍ وَوَاجِبَاتٍ وَسُنَنًا وَآدَابًا، وَمُفْسِدًا كَالْحَجِّ، وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَاهَا وَرُكْنَهَا وَوَاجِبَاتِهَا، وَأَمَّا سَبَبُهَا فَالْبَيْتُ وَشَرَائِطُ وُجُوبِهَا وَصِحَّتِهَا مَا هُوَ شَرَائِطُ الْحَجِّ إلَّا الْوَقْتَ، وَأَمَّا سُنَنُهَا وَآدَابُهَا فَمَا هُوَ سُنَنُ الْحَجِّ وَآدَابُهُ إلَى الْفَرَاغِ مِنْ السَّعْيِ، وَأَمَّا مُفْسِدُهَا فَالْجِمَاعُ قَبْلَ طَوَافِ الْأَكْثَرِ مِنْ السَّبْعَةِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا طَوَافُ الصَّدْرِ، وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ يَجِبُ عَلَيْهِ. (بَابُ الْحَجِّ عَنْ الْغَيْرِ) لَمَّا كَانَ الْحَجُّ عَنْ الْغَيْرِ كَالتَّبَعِ أَخَّرَهُ، وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ ثَوَابَ عَمَلِهِ لِغَيْرِهِ صَلَاةً أَوْ صَوْمًا أَوْ صَدَقَةً أَوْ قِرَاءَةَ قُرْآنٍ أَوْ ذِكْرًا أَوْ طَوَافًا أَوْ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ عِنْدَ أَصْحَابِنَا لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَمَّا الْكِتَابُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [الإسراء: 24] ، وَإِخْبَارُهُ تَعَالَى عَنْ مَلَائِكَتِهِ بِقَوْلِهِ {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا} [غافر: 7] وَسَاقَ عِبَارَتَهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ} [غافر: 7] إلَى قَوْلِهِ {وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ} [غافر: 9] ، وَأَمَّا السُّنَّةُ فَأَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ مِنْهَا مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «حِينَ ضَحَّى بِالْكَبْشَيْنِ فَجَعَلَ أَحَدَهُمَا عَنْ أُمَّتِهِ» ، وَهُوَ مَشْهُورٌ تَجُوزُ الزِّيَادَةُ بِهِ عَلَى الْكِتَابِ، وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد «اقْرَءُوا عَلَى مَوْتَاكُمْ سُورَةَ يس» وَحِينَئِذٍ فَتَعَيَّنَ أَنْ لَا يَكُونَ قَوْله تَعَالَى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى} [النجم: 39] عَلَى ظَاهِرِهِ، وَفِيهِ تَأْوِيلَاتٌ أَقْرَبُهَا مَا اخْتَارَهُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ أَنَّهَا مُقَيَّدَةٌ بِمَا يَهَبُهُ الْعَامِلُ يَعْنِي لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ مِنْ سَعْيِ غَيْرِهِ نَصِيبٌ إلَّا إذَا وَهَبَهُ لَهُ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ لَهُ، وَأَمَّا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا يَصُومُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ، وَلَا يُصَلِّي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ» فَهُوَ فِي حَقِّ الْخُرُوجِ عَنْ الْعُهْدَةِ لَا فِي حَقِّ الثَّوَابِ فَإِنَّ مَنْ صَامَ أَوْ صَلَّى أَوْ تَصَدَّقَ وَجَعَلَ ثَوَابَهُ لِغَيْرِهِ مِنْ الْأَمْوَاتِ وَالْأَحْيَاءِ جَازَ وَيَصِلُ ثَوَابُهَا إلَيْهِمْ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَجْعُولُ لَهُ مَيِّتًا أَوْ حَيًّا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ   [منحة الخالق] فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ إذَا لَمْ يَحُجَّ، وَمَنْ خَالَفَ فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ، وَإِتْيَانُ الْبُرْهَانِ. اهـ. وَهُوَ رَدٌّ عَلَى مَا فِي الْفَتْحِ كَمَا تَقَدَّمَ مَبْسُوطًا فِي بَابِ التَّمَتُّعِ (قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ رَاجِعًا إلَى يَوْمِ عَرَفَةَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ هَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ فَهِمَ أَنَّ مَعْنَى مَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ اسْتِثْنَاءِ الْقَارِنِ أَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ الْعُمْرَةِ لِيَبْنِيَ عَلَيْهَا أَفْعَالَ الْحَجِّ، وَمِنْ ثَمَّ خَصَّهُ بِيَوْمِ عَرَفَةَ، وَهُوَ غَفْلَةٌ عَنْ كَلَامِهِمْ فَقَدْ قَالَ فِي السِّرَاجِ: وَتُكْرَهُ الْعُمْرَةُ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ أَيْ يُكْرَهُ إنْشَاؤُهَا بِالْإِحْرَامِ أَمَّا إذَا أَدَّاهَا بِإِحْرَامٍ سَابِقٍ كَمَا إذَا كَانَ قَارِنًا فَفَاتَهُ الْحَجُّ، وَأَدَاءُ الْعُمْرَةِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ لَا يُكْرَهُ، وَعَلَى هَذَا فَالِاسْتِثْنَاءُ الْوَاقِعُ فِي الْخَانِيَّةِ مُنْقَطِعٌ، وَلَا اخْتِصَاصَ لِيَوْمِ عَرَفَةَ. اهـ. لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْمُرَادُ كَرَاهَةَ الْإِنْشَاءِ لَا يَكُونُ الْقَارِنُ دَاخِلًا؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُنْشِئٍ فَإِخْرَاجُهُ مِمَّا قَبْلَهُ مُنْقَطِعٌ فَلَا يُكْرَهُ فِي حَقِّهِ أَدَاؤُهَا فِي الْخَمْسَةِ قُلْتُ:، وَلَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْ الْقَارِنِ فِي كَلَامِ الْخَانِيَّةِ الْمُدْرِكُ لَا فَائِتُ الْحَجِّ وَحِينَئِذٍ فَلَا شَكَّ أَنَّ عُمْرَتَهُ لَا تَكُونُ بَعْدَ يَوْمِ عَرَفَةَ؛ لِأَنَّهَا تَبْطُلُ بِالْوُقُوفِ، وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ تَعَرُّضٌ لِمَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ، وَلَا؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُتَّصِلٌ أَوْ مُنْقَطِعٌ فَمِنْ أَيْنَ جَاءَتْ الْغَفْلَةُ (قَوْلُهُ: ثُمَّ اعْلَمْ إلَخْ) قَالَ فِي اللُّبَابِ: وَأَحْكَامُ إحْرَامِهَا كَإِحْرَامِهِ. [بَابُ الْحَجِّ عَنْ الْغَيْرِ] (قَوْلُهُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ إلَخْ) أَقُولُ: ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ الْحَافِظُ ابْنُ قَيِّمِ الْجَوْزِيَّةِ الْحَنْبَلِيُّ فِي كِتَابِ الرُّوحِ وَذَكَرَ فِيهَا خِلَافًا عِنْدَهُمْ، وَقَالَ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ غَيْرُ مَنْصُوصَةٍ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَالْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَإِنَّمَا اشْتَرَطَ ذَلِكَ الْمُتَأَخِّرُونَ كَالْقَاضِي، وَأَتْبَاعِهِ فَقِيلَ إنْ نَوَاهُ حَالَ فِعْلِهِ أَوْ قَبْلَهُ وَصَلَ إلَيْهِ، وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَنْوِهِ، وَقَعَ الثَّوَابُ لِلْعَامِلِ فَلَا يُقْبَلُ انْتِقَالُهُ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ وَلِهَذَا لَوْ أَدَّى دَيْنًا عَنْ نَفْسِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 63 لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَنْوِيَ بِهِ عِنْدَ الْفِعْلِ لِلْغَيْرِ أَوْ يَفْعَلُهُ لِنَفْسِهِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَجْعَلُ ثَوَابَهُ لِغَيْرِهِ لِإِطْلَاقِ كَلَامِهِ. وَلَمْ أَرَ حُكْمَ مَنْ أَخَذَ شَيْئًا مِنْ الدُّنْيَا لِيَجْعَلَ شَيْئًا مِنْ عِبَادَتِهِ لِلْمُعْطَى وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ ذَلِكَ وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ فَإِذَا صَلَّى فَرِيضَةً وَجَعَلَ ثَوَابَهَا لِغَيْرِهِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ لَكِنْ لَا يَعُودُ الْفَرْضُ فِي ذِمَّتِهِ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الثَّوَابِ لَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ السُّقُوطِ عَنْ ذِمَّتِهِ، وَلَمْ أَرَ مَنْقُولًا. (قَوْلُهُ: النِّيَابَةُ تُجْزِئُ فِي الْعِبَادَاتِ الْمَالِيَّةِ عِنْدَ الْعَجْزِ وَالْقُدْرَةِ، وَلَمْ تُجْرِ فِي الْبَدَنِيَّةِ بِحَالٍ، وَفِي الْمُرَكَّبِ مِنْهُمَا تُجْزِئُ عِنْدَ الْعَجْزِ فَقَطْ) بَيَانٌ لِانْقِسَامِ الْعِبَادَةِ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ مَالِيَّةٌ مَحْضَةٌ كَالزَّكَاةِ وَصَدَقَةِ   [منحة الخالق] ثُمَّ أَرَادَ بَعْدَ الْأَدَاءِ أَنْ يَجْعَلَهُ عَنْ غَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَكَذَا لَوْ حَجَّ أَوْ صَامَ أَوْ صَلَّى لِنَفْسِهِ وَيُؤَيِّدُ هَذَا أَنَّ الَّذِينَ سَأَلُوا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ لَمْ يَسْأَلُوهُ عَنْ ثَوَابِ إهْدَاءِ الْعَمَلِ بَعْدَهُ بَلْ عَمَّا يَفْعَلُونَهُ عَنْ الْمَيِّتِ كَمَا قَالَ سَعْدٌ أَيَنْفَعُهَا إنْ تَصَدَّقْت عَنْهَا، وَلَمْ يَقُلْ أَنْ أُهْدِيَ لَهَا ثَوَابَ مَا تَصَدَّقْت بِهِ عَنْ نَفْسِي، وَكَذَا قَوْلُ الْمَرْأَةِ الْأُخْرَى أَفَأَحُجُّ عَنْهَا، وَقَوْلُ الرَّجُلِ الْآخَرِ أَفَأَحُجُّ عَنْ أَبِي، وَلَا يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ قَالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْ ثَوَابَ مَا عَمِلْته لِنَفْسِي أَوْ ثَوَابَ عَمَلِي الْمُتَقَدِّمِ لِفُلَانٍ فَهَذَا سِرُّ الِاشْتِرَاطِ، وَهُوَ أَفْقَهُ، وَمَنْ لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ يَقُولُ الثَّوَابُ لِلْعَامِلِ فَإِذَا تَبَرَّعَ بِهِ، وَأَهْدَاهُ إلَى غَيْرِهِ كَانَ بِمَنْزِلَةِ مَا يُهْدِيهِ إلَيْهِ مِنْ مَالِهِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يَصِحُّ إهْدَاءُ الثَّوَابِ الْوَاجِبِ عَلَى الْعَامِلِ. وَأَمَّا عَلَى الثَّانِي فَقِيلَ يَجُوزُ وَيُجْزِئُ فَاعِلَهُ، وَقَدْ نُقِلَ عَنْ جَمَاعَةٍ أَنَّهُمْ جَعَلُوا ثَوَابَ أَعْمَالِهِمْ مِنْ فَرْضٍ وَنَفْلٍ لِلْمُسْلِمِينَ، وَقَالُوا نَلْقَى اللَّهَ تَعَالَى بِالْفَقْرِ وَالْإِفْلَاسِ الْمُجَرَّدِ، وَالشَّرِيعَةُ لَا تَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ. اهـ. مُلَخَّصًا. (قَوْلُهُ: وَلَمْ أَرَ حُكْمَ مَنْ أَخَذَ شَيْئًا مِنْ الدُّنْيَا لِيَجْعَلَ شَيْئًا مِنْ عِبَادَتِهِ لِلْمُعْطَى إلَخْ) إنْ كَانَ الْمُرَادُ مِنْ الْعِبَادَةِ نَحْوَ الْقِرَاءَةِ وَالذِّكْرِ فَالْمُعْطَى يَكُونُ أُجْرَةً وَالْمُفْتَى بِهِ مَذْهَبُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ جَوَازِ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى الطَّاعَاتِ وَبَنَى عَلَيْهِ الْعَلَائِيُّ جَوَازَ الْوَصِيَّةِ لِلْقِرَاءَةِ عَلَى الْقَبْرِ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهَا الْخُضُوعَ وَالتَّذَلُّلَ فَعَدَمُ الصِّحَّةِ ظَاهِرٌ قَالَ: فِي حَاشِيَةِ مِسْكِينٍ قَالَ الْإِمَامُ اللَّامِشِيُّ الْعِبَادَةُ عِبَارَةٌ عَنْ الْخُضُوعِ وَالتَّذَلُّلِ وَحَدُّهَا فِعْلٌ لَا يُرَادُ بِهِ إلَّا تَعْظِيمُ اللَّهِ تَعَالَى بِأَمْرِهِ بِخِلَافِ الْقُرْبَةِ وَالطَّاعَةِ فَإِنَّ الْقُرْبَةَ مَا يُتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَيُرَادُ بِهَا تَعْظِيمُ اللَّهِ تَعَالَى مَعَ إرَادَةِ مَا وُضِعَ لَهُ الْفِعْلُ كَبِنَاءِ الرِّبَاطَاتِ وَالْمَسَاجِدِ وَنَحْوِهَا فَإِنَّهَا قُرْبَةٌ يُرَادُ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ تَعَالَى مَعَ إرَادَةِ الْإِحْسَانِ بِالنَّاسِ وَحُصُولِ الْمَنْفَعَةِ لَهُمْ. وَالطَّاعَةُ مَا يَجُوزُ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ تَعَالَى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59] وَالْعِبَادَةُ مَا لَا يَجُوزُ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالطَّاعَةُ مُوَافَقَةُ الْأَمْرِ. اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ الْأَوَّلُ، وَأَنَّ الْإِجَارَةَ غَيْرُ صَحِيحَةٍ؛ لِأَنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَى جَوَازِهِ تَعْلِيمُ الْقُرْآنِ كَمَا يَأْتِي فِي الْمَتْنِ زَادَ فِي التَّنْوِيرِ تَبَعًا لِصَدْرِ الشَّرِيعَةِ وَغَيْرِهِ تَعْلِيمُ الْفِقْهِ وَالْإِمَامَةِ وَالْأَذَانِ فَهَذِهِ الْمُفْتَى بِهِ جَوَازُ الْإِجَارَةِ عَلَيْهَا فِي زَمَانِنَا، وَعَلَّلُوهُ بِحَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهِ وَظُهُورِ التَّوَانِي فِي الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ وَبِأَنَّ الْمُعَلِّمِينَ كَانَتْ لَهُمْ عَطِيَّاتٌ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَزِيَادَةِ رَغْبَةٍ فِي إقَامَةِ الْحِسْبَةِ وَأُمُورِ الدِّينِ كَمَا بَسَطَهُ تِلْمِيذُ الْمُؤَلِّفِ فِي مِنَحِهِ، وَأَصْلُ الْمَذْهَبِ بُطْلَانُهَا لِلنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ؛ وَلِأَنَّ الْقُرْبَةَ مَتَى وَقَعَتْ كَانَتْ لِلْعَامِلِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْأَجْرَ عَلَى عَمَلٍ، وَقَعَ لَهُ كَمَا فِي الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَتَمَامُهُ فِي الْمِنَحِ فَقَدْ ظَهَرَ مِنْ هَذَا أَنَّ إجَازَةَ مَا ذُكِرَ لِمَكَانِ الضَّرُورَةِ، وَأَنَّ مَا مَرَّ عَنْ الْعَلَائِيِّ غَيْرُ ظَاهِرٍ بَلْ جَوَازُ الْوَصِيَّةِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ مِنْ عَدَمِ كَرَاهَةِ الْقِرَاءَةِ عَلَى الْقُبُورِ، وَمَعَ هَذَا لَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ الْقَارِئِ لِيَكُونَ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ عَلَى وَجْهِ الصِّلَةِ دُونَ الْأُجْرَةِ، وَإِلَّا فَهِيَ بَاطِلَةٌ كَمَا فِي وَصَايَا مُنْتَخَبِ الظَّهِيرِيَّةِ. وَقَدْ شَمِلَ كَلَامُ الْمُؤَلِّفِ بُطْلَانَ مَا اُشْتُهِرَ فِي زَمَانِنَا مِنْ الْوَصِيَّةِ بِدَرَاهِمَ مَعْلُومَةٍ لِبَعْضِ مَشَايِخِ الطُّرُقِ وَالْحَفَظَةِ لِيَعْمَلُوا لِلْمَيِّتِ تَهْلِيلَةً أَوْ يَخْتِمُوا لَهُ خَتَمَاتٍ مِنْ الْقُرْآنِ فَإِنَّهُ مِنْ الْإِجَارَةِ عَلَى الطَّاعَةِ، وَلَيْسَ مِمَّا فِيهِ ضَرُورَةٌ نَعَمْ إنْ كَانَ الْمُوصَى لَهُ مُعَيَّنًا قَدْ يُقَالُ بِالْجَوَازِ بِنَاءً عَلَى مَا مَرَّ عَنْ مُنْتَخَبِ الظَّهِيرِيَّةِ وَانْظُرْ مَا يَأْتِي لَنَا نَقَلَهُ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ عَنْ الرَّمْلِيِّ (قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ إلَخْ) لَمْ يَرْتَضِهِ الْمَقْدِسِيَّ فِي الرَّمْزِ حَيْثُ قَالَ: وَأَمَّا جَعْلُ ثَوَابِ فَرْضِهِ لِغَيْرِهِ فَمُحْتَاجٌ إلَى نَقْلٍ. اهـ. قُلْتُ: رَأَيْت فِي شَرْحِ تُحْفَةِ الْمُلُوكِ قَيَّدَهُ بِالنَّافِلَةِ حَيْثُ قَالَ: يَصِحُّ أَنْ يَجْعَلَ الْإِنْسَانُ ثَوَابَ عِبَادَتِهِ النَّافِلَةِ لِغَيْرِهِ صَوْمًا أَوْ صَلَاةً أَوْ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ أَوْ صَدَقَةً أَوْ الْأَذْكَارَ أَوْ غَيْرَهَا مِنْ أَنْوَاعِ الْبِرِّ. اهـ. لَكِنْ سَيَأْتِي آخِرَ الْبَابِ فِي مَسْأَلَةِ مَنْ أَهَّلَ بِحَجٍّ عَنْ أَبَوَيْهِ فَعَيَّنَ صَحَّ أَيْ جَعَلَ الثَّوَابَ لَهُ وَسَنَذْكُرُ هُنَاكَ أَنَّ الْحَجَّ يَقَعُ عَنْ الْفَاعِلِ فَيَسْقُطُ بِهِ فَرْضُهُ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي الْمُرَادِ. (قَوْلُ الْمَتْنِ النِّيَابَةُ تُجْزِئُ) بِالزَّايِ وَالْهَمْزَةِ كَذَا بِخَطِّ الْإِيَاسِيِّ وَالْغَزِّيِّ، وَفِي نُسْخَةٍ بِالْجِيمِ وَالرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْيَاءِ بِخَطِّ الرَّازِيّ وَالْعَيْنِيِّ وَشَرَحَ عَلَيْهَا الزَّيْلَعِيُّ، وَكَذَا فِيمَا بَعْدَهُ، وَأَجْزَأَ مَهْمُوزًا مَعْنَاهُ أَغْنَى، وَأَجْزَى غَيْرُ مَهْمُوزٍ مَعْنَاهُ كَفَى شَيْخُنَا عَنْ الشَّلَبِيِّ، وَقِيلَ مِنْ جَزَأَ الْأَمْرَ يَجْزِي جَزَاءً مِثْلُ قَضَى وَزْنًا، وَمَعْنًى كَذَا فِي حَوَاشِي مِسْكِينٍ (قَوْلُ الْمَتْنِ، وَفِي الْمُرَكَّبِ مِنْهُمَا) قَالَ الْحَمَوِيُّ فِي قَوْلِهِمْ مُرَكَّبَةٌ مِنْهُمَا نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَتَرَكَّبُ مِنْ شَرْطِهِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: كَوْنُ الشَّيْءِ لَا يَتَرَكَّبُ مِنْ شَرْطِهِ فِي الْمُرَكَّبَاتِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 64 الْفِطْرِ وَالْإِعْتَاقِ وَالْإِطْعَامِ وَالْكِسْوَةِ فِي الْكَفَّارَاتِ وَالْعُشْرِ وَالنَّفَقَاتِ سَوَاءٌ كَانَتْ عِبَادَةً مَحْضَةً أَوْ عِبَادَةً فَهِيَ مَعْنَى الْمُؤْنَةِ أَوْ مُؤْنَةٌ فِيهَا مَعْنَى الْعِبَادَةِ كَمَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ وَبَدَنِيَّةٌ مَحْضَةٌ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالِاعْتِكَافِ، وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالْأَذْكَارِ وَالْجِهَادِ، وَمُرَكَّبَةٌ مِنْ الْبَدَنِ وَالْمَالِ كَالْحَجِّ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ التَّكَالِيفِ الِابْتِلَاءُ وَالْمَشَقَّةُ، وَهِيَ فِي الْبَدَنِيَّةِ بِإِتْعَابِ النَّفْسِ وَالْجَوَارِحِ بِالْأَفْعَالِ الْمَخْصُوصَةِ وَبِفِعْلِ نَائِبِهِ لَا تَتَحَقَّقُ الْمَشَقَّةُ عَلَى نَفْسِهِ فَلَمْ تَجُزْ النِّيَابَةُ مُطْلَقًا لَا عِنْدَ الْعَجْزِ، وَلَا عِنْدَ الْقُدْرَةِ، وَفِي الْمَالِيَّةِ بِتَنْقِيصِ الْمَالِ الْمَحْبُوبِ لِلنَّفْسِ بِإِيصَالِهِ إلَى الْفَقِيرِ، وَهُوَ مَوْجُودٌ بِفِعْلِ النَّائِبِ، وَكَانَ مُقْتَضَى الْقِيَاسِ أَنْ لَا تُجْزِئَ النِّيَابَةُ فِي الْحَجِّ لِتَضَمُّنِهِ لِلْمَشَقَّتَيْنِ الْبَدَنِيَّةِ وَالْمَالِيَّةِ. وَالْأُولَى لَا يُكْتَفَى فِيهَا بِالنَّائِبِ لَكِنَّهُ تَعَالَى رَخَّصَ فِي إسْقَاطِهِ بِتَحَمُّلِ الْمَشَقَّةِ الْأُخْرَى أَعْنِي إخْرَاجَ الْمَالِ عِنْدَ الْعَجْزِ الْمُسْتَمِرِّ إلَى الْمَوْتِ رَحْمَةً وَفَضْلًا بِأَنْ تُدْفَعَ نَفَقَةُ الْحَجِّ إلَى مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ بِخِلَافِ حَالَةِ الْقُدْرَةِ لَمْ يُعْذَرْ؛ لِأَنَّ تَرْكَهُ فِيهَا لَيْسَ إلَّا بِمُجَرَّدِ إيثَارِ رَحْمَةِ نَفْسِهِ عَلَى أَمْرِ رَبِّهِ، وَهُوَ بِهَذَا يَسْتَحِقُّ الْعِقَابَ لَا التَّخْفِيفَ فِي طَرِيقِ الْإِسْقَاطِ، وَإِذَا جَازَتْ النِّيَابَةُ فِي الْمَالِيَّةِ مُطْلَقًا فَالْعِبْرَةُ لِنِيَّةِ الْمُوَكِّلِ لَا لِنِيَّةِ الْوَكِيلِ وَسَوَاءٌ نَوَى الْمُوَكِّلُ وَقْتَ الدَّفْعِ إلَى الْوَكِيلِ أَوْ وَقْتَ دَفْعِ الْوَكِيلِ إلَى الْفُقَرَاءِ أَوْ فِيمَا بَيْنَهُمَا وَلِهَذَا قَالَ فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ فَصْلِ مَصَارِفِ الزَّكَاةِ: رَجُلٌ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ دَرَاهِمَ لِيَتَصَدَّقَ بِهَا عَلَى الْفُقَرَاءِ تَطَوُّعًا فَلَمْ يَتَصَدَّقْ الْمَأْمُورُ حَتَّى نَوَى الْآمِرُ عَنْ الزَّكَاةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَلَفَّظَ بِهِ ثُمَّ تَصَدَّقَ الْمَأْمُورُ جَازَ عَنْ الزَّكَاةِ. وَكَذَا لَوْ أَمَرَهُ أَنْ يُعْتِقَ عَبْدًا تَطَوُّعًا ثُمَّ نَوَى الْآمِرُ عَنْ الْكَفَّارَةِ قَبْلَ إعْتَاقِ الْمَأْمُورِ عَنْ التَّطَوُّعِ. اهـ. وَلِهَذَا لَا تُعْتَبَرُ أَهْلِيَّةُ النَّائِبِ حَتَّى لَوْ وَكَّلَ الْمُسْلِمُ ذِمِّيًّا فِي دَفْعِ الزَّكَاةِ جَازَ كَمَا فِي كَشْفِ الْأَسْرَارِ شَرْحِ أُصُولِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ (قَوْلُهُ: وَالشَّرْطُ الْعَجْزُ الدَّائِمُ إلَى وَقْتِ الْمَوْتِ) أَيْ الشَّرْطُ فِي جَوَازِ النِّيَابَةِ فِي الْمُرَكَّبِ عَجْزُ الْمُسْتَنِيبِ عَجْزًا مُسْتَمِرًّا إلَى مَوْتِهِ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ فَرْضُ الْعُمْرِ فَحَيْثُ تَعَلَّقَ بِهِ خِطَابُهُ لِقِيَامِ مَشْرُوطٍ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُومَ بِنَفْسِهِ فِي أَوَّلِ سِنِي الْإِمْكَانِ فَإِذَا أَخَّرَ أَثِمَ وَتَقَرَّرَ الْقِيَامُ بِنَفْسِهِ فِي ذِمَّتِهِ فِي مُدَّةِ عُمُرِهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُتَّصِفٍ بِالشُّرُوطِ فَإِذَا عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ فِي مُدَّةِ عُمُرِهِ رَخَّصَ لَهُ الِاسْتِنَابَةَ رَحْمَةً وَفَضْلًا فَحَيْثُ قَدَرَ عَلَيْهِ وَقْتًا مِنْ عُمْرِهِ بَعْدَمَا اسْتَنَابَهُ فِيهِ لِعَجْزٍ لَحِقَهُ ظَهَرَ انْتِفَاءُ شَرْطِ الرُّخْصَةِ ثُمَّ ظَاهِرُ مَا فِي الْمُخْتَصَرِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَرَضُ يُرْجَى زَوَالُهُ أَوْ لَا يُرْجَى زَوَالُهُ كَالزَّمَانَةِ وَالْعَمَى فَلَوْ أَحَجَّ الزَّمِنُ أَوْ الْأَعْمَى ثُمَّ صَحَّ، وَأَبْصَرَ لَزِمَهُ أَنْ يَحُجَّ بِنَفْسِهِ وَبِسَبَبِ هَذَا صَرَّحَ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِهِ، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلْ الْحَقُّ التَّفْصِيلُ فَإِنْ كَانَ مَرَضًا يُرْجَى زَوَالُهُ فَأَحَجَّ فَالْأَمْرُ مُرَاعًى فَإِنْ اسْتَمَرَّ الْعَجْزُ إلَى الْمَوْتِ سَقَطَ الْفَرْضُ عَنْهُ، وَإِلَّا فَلَا، وَإِنْ كَانَ مَرَضًا لَا يُرْجَى زَوَالُهُ كَالْعَمَى فَأَحَجَّ غَيْرَهُ سَقَطَ الْفَرْضُ عَنْهُ سَوَاءٌ اسْتَمَرَّ ذَلِكَ الْعُذْرُ أَوْ زَالَ صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحِيطِ، وَفَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَالْمَبْسُوطِ وَصَرَّحَ بِهِ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ بِأَنَّهُ إذَا أَحَجَّ الْأَعْمَى غَيْرَهُ ثُمَّ زَالَ الْعَمَى لَا يَبْطُلُ الْإِحْجَاجُ. اهـ. وَقَيَّدَ بِالْعَجْزِ الدَّائِمِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَحَجَّ، وَهُوَ صَحِيحٌ ثُمَّ عَجَزَ وَاسْتَمَرَّ لَا يُجْزِئُهُ لِفَقْدِ الشَّرْطِ وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا فِي التَّجْنِيسِ، وَفَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُ لَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ ثَلَاثُونَ حَجَّةً فَأَحَجَّ ثَلَاثِينَ نَفْسًا فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ إنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَجِيءَ وَقْتُ الْحَجِّ جَازَ عَنْ الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تُعْرَفْ قُدْرَتُهُ بِنَفْسِهِ عِنْدَ مَجِيءِ وَقْتِ الْحَجِّ، وَإِنْ جَاءَ وَقْتُ الْحَجِّ، وَهُوَ يَقْدِرُ بَطَلَتْ حَجَّتُهُ؛ لِأَنَّهُ يَقْدِرُ بِنَفْسِهِ عَلَيْهَا فَانْعَدَمَ الشَّرْطُ فِيهَا، وَعَلَى هَذَا كُلُّ سَنَةٍ تَجِيءُ. اهـ. وَيَنْبَغِي أَنْ يُرَادَ بِوَقْتِ الْحَجِّ وَقْتُ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ يَعْنِي إنْ جَاءَ يَوْمُ عَرَفَةَ، وَهُوَ مَيِّتٌ أَجْزَأَهُ الْكُلُّ، وَإِنْ كَانَ حَيًّا بَطَلَتْ وَاحِدَةٌ وَتَوَقَّفَ الْأَمْرُ فِي الْبَاقِي، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِوَقْتِ الْحَجِّ أَشْهُرُ الْحَجِّ؛ لِأَنَّ الْإِحْجَاجَ يَكُونُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَلَا يَتَأَتَّى التَّفْصِيلُ، وَإِنْ كَانَ الْمَكَانُ بَعِيدًا فَأَحَجَّ قَبْلَ الْأَشْهُرِ فَهُوَ قَاصِرُ الْإِفَادَةِ عَمَّا إذَا كَانَ قَرِيبًا فَأَحَجَّ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ فَالْأَوْلَى مَا قُلْنَاهُ وَوَجْهُ إشْكَالِهِ   [منحة الخالق] الْحَقِيقِيَّةِ دُونَ الِاعْتِبَارِيَّةِ كَذَا فِي حَوَاشِي مِسْكِينٍ وَالْأَوْلَى مَا ذَكَرَهُ فِي حَاشِيَةِ الدُّرِّ الْمُخْتَارِ مِنْ أَنَّ الْمَالَ مُعْتَبَرٌ فِي الْحَجِّ اعْتِبَارًا قَوِيًّا بِحَيْثُ لَا يَتَأَتَّى، وَلَا يَتَحَصَّلُ إلَّا بِهِ غَالِبًا فَكَانَ كَالْجُزْءِ (قَوْلُهُ: بَلْ الْحَقُّ التَّفْصِيلُ إلَخْ) نَقَلَهُ فِي النَّهْرِ، وَأَقَرَّهُ وَتَابَعَهُ فِي مَتْنِ التَّنْوِيرِ وَحَقَّقَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ، وَقَالَ الْإِمَامُ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: ثُمَّ إنَّمَا يَصِحُّ الْأَمْرُ إذَا كَانَ الْآمِرُ عَاجِزًا بِنَفْسِهِ عَجْزًا لَا يُرْجَى زَوَالُهُ كَالْعَمَى وَالزَّمَانَةِ، وَإِنْ كَانَ عَجْزًا يُرْجَى زَوَالُهُ كَالْحَبْسِ وَالْمَرَضِ إنْ دَامَ إلَى الْمَوْتِ يَقَعُ مَوْقِعَهُ، وَإِنْ زَالَ كَانَ الْحَجُّ عَلَى الْآمِرِ عَلَى حَالِهِ (قَوْلُهُ: بَطَلَتْ حَجَّتُهُ) الَّذِي فِي الْخَانِيَّةِ وَالْفَتْحِ وَالنَّهْرِ حَجَّةٌ بِدُونِ ضَمِيرٍ، وَقَوْلُهُ: وَعَلَى هَذَا كُلُّ سَنَةٍ تَجِيءُ أَيْ إنَّهُ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ إنْ مَاتَ قَبْلَ مَجِيءِ وَقْتِ الْحَجِّ جَازَ عَنْ الْبَاقِي، وَهُوَ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ، وَإِنْ مَاتَ بَعْدَهُ، وَهُوَ يَقْدِرُ بَطَلَتْ حَجَّةٌ وَاحِدَةٌ، وَهَكَذَا فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ إلَى الْآخِرِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 65 عَلَى مَا سَبَقَ إنْ وَقَّتَ الْإِحْجَاجَ كَانَ صَحِيحًا فَإِذَا مَاتَ قَبْلَ وَقْتِهِ أَجْزَأَهُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا أَحَجَّ، وَهُوَ صَحِيحٌ ثُمَّ عَجَزَ لَا يُجْزِئُهُ وَدَفَعَهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِعَجْزِهِ بَعْدَ الْإِحْجَاجِ الْعَجْزُ بَعْدَ فَرَاغِ النَّائِبِ عَنْ الْحَجِّ بِأَنْ كَانَ وَقْتَ الْوُقُوفِ صَحِيحًا فَلَا مُخَالَفَةَ كَمَا لَا يَخْفَى، وَعَلَى هَذَا الْمَرْأَةُ إذَا لَمْ تَجِدْ مَحْرَمًا لَا تَخْرُجُ إلَى الْحَجِّ إلَى أَنْ تَبْلُغَ الْوَقْتَ الَّذِي تَعْجِزُ عَنْ الْحَجِّ فَحِينَئِذٍ تَبْعَثُ مَنْ يَحُجُّ عَنْهَا أَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ لِتَوَهُّمِ وُجُودِ الْمَحْرَمِ فَإِنْ بَعَثَتْ رَجُلًا إنْ دَامَ عَدَمُ الْمَحْرَمِ إلَى أَنْ مَاتَتْ فَذَلِكَ جَائِزٌ كَالْمَرِيضِ إذَا أَحَجَّ عَنْهُ رَجُلًا وَدَامَ الْمَرَضُ إلَى أَنْ مَاتَ، وَأَطْلَقَ فِي الْعَجْزِ فَشَمَلَ مَا إذَا كَانَ سَمَاوِيًّا أَوْ بِصُنْعِ الْعِبَادِ فَلَوْ أَحَجَّ، وَهُوَ فِي السِّجْنِ فَإِذَا مَاتَ فِيهِ أَجْزَأَهُ، وَإِنْ خَلَصَ مِنْهُ لَا، وَإِنْ أَحَجَّ لِعَدُوٍّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ إنْ أَقَامَ الْعَدُوُّ عَلَى الطَّرِيقِ حَتَّى مَاتَ أَجْزَأَهُ، وَإِنْ لَمْ يَقُمْ لَا يُجْزِئُهُ كَذَا فِي التَّجْنِيسِ وَذَكَرَ فِي الْبَدَائِعِ. وَأَمَّا شَرَائِطُ جَوَازِ النِّيَابَةِ فَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ الْمَحْجُوجُ عَنْهُ عَاجِزًا عَنْ الْأَدَاءِ بِنَفْسِهِ، وَلَهُ مَالٌ فَلَا يَجُوزُ إحْجَاجُ الصَّحِيحِ غَنِيًّا كَانَ أَوْ فَقِيرًا؛ لِأَنَّ الْمَالَ مِنْ شَرَائِطِ الْوُجُوبِ، وَمِنْهَا الْعَجْزُ الْمُسْتَدَامُ إلَى الْمَوْتِ، وَمِنْهَا الْأَمْرُ بِالْحَجِّ فَلَا يَجُوزُ حَجُّ الْغَيْرِ عَنْهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ إلَّا الْوَارِثَ يَحُجُّ عَنْ مُوَرِّثِهِ فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لِوُجُودِ الْأَمْرِ دَلَالَةً، وَمِنْهَا نِيَّةُ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ عِنْدَ الْإِحْرَامِ، وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ حَجُّ الْمَأْمُورِ بِمَالِ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ فَإِنْ تَطَوَّعَ الْحَاجُّ عَنْهُ بِمَالِ نَفْسِهِ لَمْ يَجُزْ عَنْهُ حَتَّى يَحُجَّ بِمَالِهِ، وَكَذَا إذَا أَوْصَى أَنْ يَحُجَّ بِمَالِهِ فَمَاتَ فَتَطَوُّعٌ عَنْهُ وَارِثُهُ بِمَالِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ تَعَلَّقَ بِمَالِهِ فَإِذَا لَمْ يَحُجَّ بِمَالِهِ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الْفَرْضُ، وَمِنْهَا الْحَجُّ رَاكِبًا حَتَّى لَوْ أَمَرَهُ بِالْحَجِّ فَحَجَّ مَاشِيًا يَضْمَنُ النَّفَقَةَ وَيَحُجُّ عَنْهُ رَاكِبًا؛ لِأَنَّ الْمَفْرُوضَ عَلَيْهِ هُوَ الْحَجُّ رَاكِبًا فَيَنْصَرِفُ مُطْلَقُ الْأَمْرِ بِالْحَجِّ إلَيْهِ فَإِذَا حَجَّ مَاشِيًا فَقَدْ خَالَفَ فَيَضْمَنُ. اهـ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَاعْلَمْ أَنَّ شَرْطَ الْإِجْزَاءِ كَوْنُ أَكْثَرِ النَّفَقَةِ مِنْ مَالِ الْآمِرِ فَإِنْ أَنْفَقَ الْأَكْثَرَ أَوْ الْكُلَّ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ، وَفِي الْمَالِ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ وَفَاءٌ بِحَجِّهِ رَجَعَ بِهِ فِيهِ إذْ قَدْ يُبْتَلَى بِالْإِنْفَاقِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لِبَعْثِ الْحَاجَةِ، وَلَا يَكُونُ الْمَالُ حَاضِرًا فَيَجُوزُ ذَلِكَ كَالْوَصِيِّ وَالْوَكِيلِ يَشْتَرِي لِلْيَتِيمِ وَيُعْطِي الثَّمَنَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِهِ فِي مَالِ الْيَتِيمِ. اهـ. وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ اشْتِرَاطَهُمْ أَنْ تَكُونَ النَّفَقَةُ مِنْ مَالِ الْآمِرِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ التَّبَرُّعِ لَا مُطْلَقًا (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا شُرِطَ عَجْزُ الْمَنُوبِ لِلْحَجِّ الْفَرْضِ لَا النَّفْلِ) لِجَوَازِ الْإِنَابَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ فِي حَجِّ النَّفْلِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الثَّوَابُ فَإِذَا كَانَ لَهُ تَرَكَهُ أَصْلًا فَلَهُ تَحَمُّلُ مَشَقَّةِ الْمَالِ بِالْأَوْلَى أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ وَالْحَجَّةَ الْمَنْذُورَةَ، وَأَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَوْ أَحَجَّ عَنْهُ، وَهُوَ صَحِيحٌ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ أَوْ كَانَ مَرِيضًا ثُمَّ صَحَّ بَطَلَ وَصْفُ الْفَرْضِيَّةِ لِفَقْدِ شَرْطِهِ، وَهُوَ الْعَجْزُ وَبَقِيَ أَصْلُ الْحَجِّ تَطَوُّعًا لِلْآمِرِ لَا أَنَّهُ فَاسِدٌ أَصْلًا صَرَّحَ بِهِ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَالسَّرَخْسِيُّ وَعَلَاءُ الدِّينِ النَّجَّارِيُّ فِي الْكَشْفِ، وَلَمْ يَحْكُوا فِيهِ خِلَافًا فَعَلَى هَذَا بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالْحَجِّ فَرْقٌ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فَإِنَّهُ يَقُولُ فِيهَا إذَا بَطَلَ وَصْفُهَا بَطَلَ أَصْلُهَا، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ فِي الْحَجِّ ذَلِكَ لِمَا أَنَّ بَابَ الْحَجِّ أَوْسَعُ فَلِهَذَا يُمْضَى فِي فَاسِدِهِ كَمَا يُمْضَى فِي صَحِيحِهِ. وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِجَرَيَانِ النِّيَابَةِ فِي الْحَجِّ عِنْدَ الْعَجْزِ فِي الْفَرْضِ، وَمُطْلَقًا فِي النَّفْلِ أَنَّ أَصْلَ الْحَجِّ يَقَعُ لِلْآمِرِ لِحَدِيثِ الْخَثْعَمِيَّةِ، وَهِيَ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ مِنْ الْمُهَاجِرَاتِ، وَهُوَ أَنَّهَا «قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ فِي الْحَجِّ عَلَى عِبَادِهِ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَثْبُتُ عَلَى الرَّاحِلَةِ أَفَأَحُجُّ عَنْهُ قَالَ: نَعَمْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَقَدْ أَطْلَقَ كَوْنَهُ عَنْهُ، وَقَوْلُهُمَا أَفَأَحُجُّ عَنْهُ فِيهِ رِوَايَتَانِ فَتْحُ الْهَمْزَةِ وَضَمُّ الْحَاءِ أَيْ أَنَا أُحْرِمُ عَنْهُ بِنَفْسِي وَأُؤَدِّي الْأَفْعَالَ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الرِّوَايَةِ وَرُوِيَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ، وَكَسْرِ الْحَاءِ أَيْ آمُرُ أَحَدًا أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ ذَكَرَهُ الْهِنْدِيُّ فِي شَرْحِ الْمُغْنِي، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ أَصْحَابِنَا كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ، وَذَهَبَ عَامَّةُ الْمُتَأَخِّرِينَ كَمَا فِي الْكَشْفِ إلَى أَنَّ الْحَجَّ يَقَعُ عَنْ الْمَأْمُورِ وَلِلْآمِرِ ثَوَابُ النَّفَقَةِ قَالُوا: وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ، وَهُوَ اخْتِلَافٌ لَا ثَمَرَةَ لَهُ؛ لِأَنَّهُمْ اتَّفَقُوا أَنَّ الْفَرْضَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَعَلَى هَذَا الْمَرْأَةُ إذَا لَمْ تَجِدْ مَحْرَمًا) أَيْ يَنْبَنِي عَلَى اشْتِرَاطِ الْعَجْزِ الدَّائِمِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ، وَهِيَ مَذْكُورَةٌ فِي الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ: فَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ الْمَحْجُوجُ عَنْهُ عَاجِزًا إلَخْ) ذَكَرَ الْعَلَّامَةُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الشَّيْخُ السِّنْدِيُّ فِي مَنْسَكِهِ الْكَبِيرِ أَنَّ مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ الْحَجِّ عَنْ الْآمِرِ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ الْمِيقَاتِ فَلَوْ اعْتَمَرَ، وَقَدْ أَمَرَهُ بِالْحَجِّ ثُمَّ حَجَّ مِنْ مَكَّةَ يَضْمَنُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِحَجَّةِ مِيقَاتِهِ. اهـ. وَهَلْ إذَا عَادَ إلَى الْمِيقَاتِ، وَأَحْرَمَ يَقَعُ عَنْ الْآمِرِ ظَاهِرُ التَّعْلِيلِ نَعَمْ فَتَأَمَّلْ، وَأَمَّا لَوْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ فَقَدْ وَقَعَ فِيهِ اخْتِلَافُ الْفَتْوَى بَيْنَ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي زَمَنِ مُنْلَا عَلِيٍّ الْقَارِي، وَقَدَّمْنَا حَاصِلَ ذَلِكَ قُبَيْلَ بَابِ الْإِحْرَامِ فَرَاجِعْهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 66 يَسْقُطُ عَنْ الْآمِرِ، وَلَا يَسْقُطُ عَنْ الْمَأْمُورِ، وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَنْوِيَهُ عَنْ الْآمِرِ، وَهُوَ دَلِيلُ الْمَذْهَبِ، وَأَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَهْلِيَّةُ النَّائِبِ لِصِحَّةِ الْأَفْعَالِ حَتَّى لَوْ أَمَرَ ذِمِّيًّا لَا يَجُوزُ، وَهُوَ دَلِيلُ الضَّعِيفِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِالثَّمَرَةِ، وَقَدْ يُقَالُ إنَّهَا تَظْهَرُ فِيمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَحُجَّ فَعَلَى الْمَذْهَبِ إذَا حَجَّ عَنْ غَيْرِهِ لَا يَحْنَثُ، وَعَلَى الضَّعِيفِ يَحْنَثُ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْعُرْفَ أَنَّهُ قَدْ حَجَّ، وَإِنْ وَقَعَ عَنْ غَيْرِهِ فَيَحْنَثُ اتِّفَاقًا. (قَوْلُهُ: وَمَنْ حَجَّ عَنْ آمِرَيْهِ ضَمِنَ النَّفَقَةَ) ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَمَرَهُ بِأَنْ يُخَلِّصَ النَّفَقَةَ لَهُ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاكٍ، وَلَا يُمْكِنُهُ إيقَاعُهُ عَنْ أَحَدِهِمَا لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ فَيَقَعُ عَنْ الْمَأْمُورِ نَفْلًا، وَلَا يُجْزِئُهُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَيَضْمَنُ النَّفَقَةَ إنْ أَنْفَقَ مِنْ مَالِهِمَا؛ لِأَنَّهُ صَرَفَ نَفَقَةَ الْآمِرِ إلَى حَجِّ نَفْسِهِ أَطْلَقَ فِي الْآمِرَيْنِ فَشَمِلَ الْأَبَوَيْنِ وَسَيَأْتِي إخْرَاجُهُمَا، وَقَيَّدَ بِالْأَمْرِ بِهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ عَنْهُمَا بِغَيْرِ أَمْرِهِمَا فَلَهُ أَنْ يَجْعَلَهُ عَنْ أَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِجَعْلِ ثَوَابِ عَمَلِهِ لِأَحَدِهِمَا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَهُوَ دَلِيلُ الضَّعِيفِ) فِي حُكْمِهِ عَلَيْهِ بِالضَّعْفِ شَيْءٌ إذْ قَالَ فِي الْفَتْحِ: إنَّ عَلَيْهِ جَمْعًا مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْهُمْ صَدْرُ الْإِسْلَامِ والإسبيجابي وَقَاضِي خَانْ حَتَّى نَسَبَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ هَذَا لِأَصْحَابِنَا قَالَ فِي النَّهْرِ: وَفِي الْعِنَايَةِ، وَإِلَيْهِ مَالَ عَامَّةُ الْمُتَأَخِّرِينَ. اهـ. وَمَا عَزَاهُ إلَى قَاضِي خَانْ هُوَ مَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ حَيْثُ قَالَ: وَهُوَ أَقْرَبُ إلَى الْفِقْهِ لَكِنْ صَحَّحَ فِي فَتَاوَاهُ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ فَاعْتِرَاضُ بَعْضِهِمْ مَنْشَؤُهُ عَدَمُ الْمُرَاجَعَةِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَمَرَهُ إلَخْ) عَدَلَ عَنْ قَوْلِ الْهِدَايَةِ فَهِيَ عَنْ الْحَاجِّ وَيَضْمَنُ النَّفَقَةَ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ يَقَعُ عَنْ الْآمِرِ حَتَّى لَا يَخْرُجُ الْحَاجُّ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَمَرَهُ أَنْ يُخَلِّصَ الْحَجَّ لَهُ إلَخْ لَمَّا قَالَ فِي الْعِنَايَةِ وَذَهَبَ الشَّارِحُونَ إلَى أَنَّ الدَّلِيلَ غَيْرُ مُطَابِقٍ لِلْمَدْلُولِ قَالَ: ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ، وَلَكِنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ تَعْلِيلُ حُكْمٍ غَيْرِ مَذْكُورٍ وَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ وَيَضْمَنُ النَّفَقَةَ؛ لِأَنَّهُ خَالَفَهُمَا، وَإِنَّمَا لَا يَضْمَنُ النَّفَقَةَ إذَا وَافَقَ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ إلَخْ قَالَ فِي السَّعْدِيَّةِ، وَلَا قَرِينَةَ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ وَلِذَا قَالَ فِي النَّهْرِ: وَمَا رَأَيْت مَنْ أَفْصَحَ مِنْهُمْ عَنْ الْمَرْمَى لَكِنْ رَأَيْت فِي نُسْخَةٍ قَدِيمَةٍ مُعْتَمَدَةٍ لَا إنَّ الْحَجَّ يَقَعُ عَنْ الْآمِرِ بِلَا النَّافِيَةِ، وَلَيْسَ تَعْلِيلًا لِلْمَسْأَلَةِ، وَقَوْلُهُ حَتَّى لَا يَخْرُجُ غَايَةٌ لِقَوْلِهِ فَهِيَ عَنْ الْحَاجِّ نَفْلًا، وَهَذَا أَوْلَى مَا رَأَيْت فَتَدَبَّرْهُ. اهـ. قُلْتُ:، وَهَذَا أَيْضًا لَا يَخْفَى بَعْدَهُ، وَقَدْ خَطَرَ لِي جَوَابٌ عَنْ النُّسْخَةِ الْأُولَى أَظْهَرُ مِمَّا فِي النِّهَايَةِ بِأَنْ تُجْعَلَ أَلْ فِي الْحَجِّ لِلْعَهْدِ أَيْ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ الْمَأْمُورَ بِهِ مَا يَقَعُ عَنْ الْآمِرِ، وَقَوْلُهُ حَتَّى لَا يَخْرُجُ تَفْرِيعٌ عَلَيْهِ تَأَمَّلْ ثُمَّ رَأَيْت جَوَابِي بِعَيْنِهِ أَجَابَ بِهِ الْعَلَّامَةُ ابْنُ كَمَالِ بَاشَا فِي شَرْحِهِ عَلَى الْهِدَايَةِ. (قَوْلُهُ: فَيَقَعُ عَنْ الْمَأْمُورِ نَفْلًا) كَذَا فِي النَّهْرِ وَاَلَّذِي فِي شَرْحِ الْبَاقَانِيُّ أَنَّهُ يَخْرُجُ بِهَا عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ لَكِنْ قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ إنَّهُ يَقَعُ عَنْ الْآمِرِ مِنْ وَجْهٍ بِدَلِيلِ أَنَّ الْحَاجَّ لَا يَخْرُجُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ، وَرَأَيْت فِي الْفَتْحِ مَا يُفِيدُ مَا ذَكَرَهُ الْبَاقَانِيُّ فَإِنَّهُ فِي الْفَتْحِ ذَكَرَ صُوَرَ الْإِبْهَامِ الْأَرْبَعَةِ الْآتِي ذِكْرُهَا ثُمَّ قَالَ: وَمَبْنَى الْأَجْوِبَةِ عَلَى أَنَّهُ إذَا وَقَعَ عَنْ نَفْسِ الْمَأْمُورِ لَا يَتَحَوَّلُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى الْآمِرِ، وَأَنَّهُ بَعْدَمَا صَرَفَ نَفَقَةَ الْآمِرِ إلَى نَفْسِهِ ذَاهِبًا إلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَخَذَ النَّفَقَةَ لَهُ لَا يَنْصَرِفُ الْإِحْرَامُ إلَى نَفْسِهِ إلَّا إذَا تَحَقَّقَتْ الْمُخَالَفَةُ أَوْ عَجَزَ شَرْعًا عَنْ التَّعْيِينِ. اهـ. وَلَا شَكَّ فِي أَنَّهُ إذَا أَحْرَمَ عَنْهُمَا تَحَقَّقَتْ الْمُخَالَفَةُ، وَعَجَزَ شَرْعًا عَنْ التَّعْيِينِ فَيَقَعُ الْحَجُّ عَنْ نَفْسِهِ وَذَكَرَ فِي الْفَتْحِ أَيْضًا بَعْدَ ذَلِكَ فِيمَا لَوْ أَحْرَمَ عَنْ أَحَدِهِمَا غَيْرَ عَيْنٍ أَنَّ الْمُخَالَفَةَ لَمْ تَتَحَقَّقْ بِمُجَرَّدِ الْإِحْرَامِ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَصِيرَ لِلْمَأْمُورِ؛ لِأَنَّهُ نَصَّ عَلَى إخْرَاجِهَا عَنْ نَفْسِهِ بِجَعْلِهَا لِأَحَدِهِمَا فَلَا يَنْصَرِفُ إلَيْهِ إلَّا إذَا وُجِدَ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْنَاهُمَا أَيْ مِنْ تَحَقُّقِ الْمُخَالَفَةِ أَوْ الْعَجْزِ عَنْ التَّعْيِينِ، وَلَمْ يَتَحَقَّقْ ذَلِكَ مَا لَمْ يَشْرَعْ فِي الْأَعْمَالِ، وَلَوْ شَوْطًا؛ لِأَنَّ الْأَعْمَالَ لَا تَقَعُ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ فَتَقَعُ عَنْهُ، وَلَيْسَ فِي وُسْعِهِ أَنْ يُحَوِّلَهَا إلَى غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا جَعَلَ الشَّرْعُ لَهُ ذَلِكَ فِي الثَّوَابِ. اهـ. وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ بَعْدَ شُرُوعِهِ فِي الْأَعْمَالِ تَحَقَّقَتْ الْمُخَالَفَةُ وَامْتَنَعَ تَحْوِيلُهَا لِغَيْرِهِ وَبَطَلَ إخْرَاجُهَا عَنْ نَفْسِهِ، وَإِذَا بَطَلَ إخْرَاجُهَا عَنْ نَفْسِهِ تَقَعُ عَنْ فَرْضِهِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ يَصِحُّ بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ عِنْدَنَا، وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْفَتْحِ أَيْضًا لَوْ أَمَرَهُ بِالْحَجِّ فَقَرَنَ مَعَهُ عُمْرَةً لِنَفْسِهِ لَا يَجُوزُ وَيَضْمَنُ اتِّفَاقًا ثُمَّ قَالَ: وَلَا يَقَعُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ عَنْ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ أَقَلَّ مَا يَقَعُ بِإِطْلَاقِ النِّيَّةِ، وَهُوَ قَدْ صَرَفَهَا عَنْهُ فِي النِّيَّةِ، وَفِيهِ نَظَرٌ. اهـ. فَقَوْلُهُ: وَفِيهِ نَظَرٌ أَيْ لِمَا قَدَّمَهُ مِنْ أَنَّهُ إذَا تَحَقَّقَتْ الْمُخَالَفَةُ أَوْ عَجَزَ شَرْعًا عَنْ التَّعْيِينِ، وَقَعَتْ عَنْ نَفْسِهِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ إذَا قَرَنَ تَحَقَّقَتْ الْمُخَالَفَةُ فَتَقَعُ الْحَجَّةُ عَنْ نَفْسِهِ وَلِذَا يَضْمَنُ النَّفَقَةَ، وَإِذَا وَقَعَتْ عَنْ نَفْسِهِ يَلْغُو صَرْفُهَا عَنْ نَفْسِهِ فَكَأَنَّهُ أَحْرَمَ عَنْ نَفْسِهِ فَتُجْزِئُهُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي (قَوْلُهُ: وَسَيَأْتِي إخْرَاجُهُمَا) قَالَ الرَّمْلِيُّ الَّذِي يَأْتِي لَيْسَ فِيهِ ذَلِكَ بَلْ سَيَأْتِي مَا يُفِيدُ أَنَّهُ فِي مَسْأَلَةِ الْآمِرِ لَا فَرْقَ، وَأَنَّ مَوْضُوعَ مَسْأَلَةِ الْأَبَوَيْنِ الْآتِيَةَ آخِرَ الْبَابِ فِي الْمَتْنِ فِي جَعْلِ الثَّوَابِ، وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ فِيهِ أَيْضًا بَيْنَ الْأَجْنَبِيِّ وَالْوَارِثِ فَرَاجِعْهُ وَتَأَمَّلْ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْوَارِثِ وَالْأَجْنَبِيِّ إلَّا فِي وَاحِدَةٍ أَنَّهُ لَوْ حَجَّ عَنْ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ إنْ كَانَ وَارِثًا يُجْزِئُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَإِلَّا لَا (قَوْلُهُ: فَلَهُ أَنْ يَجْعَلَهُ عَنْ أَحَدِهِمَا) يَعْنِي إذَا لَمْ يَأْمُرَاهُ، وَأَحْرَمَ عَنْهُمَا يُمْكِنُهُ إيقَاعُهُ بَعْدُ عَنْ أَحَدِهِمَا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَمَرَاهُ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ إيقَاعُهُ عَنْ أَحَدِهِمَا كَمَا مَرَّ يَعْنِي عَلَى وَجْهٍ يَسْقُطُ بِهِ ضَمَانُ النَّفَقَةِ وَحَجُّ الْمُوقَعِ عَنْهُ، وَإِلَّا فَلَهُ جَعْلُ الثَّوَابِ لِأَحَدِهِمَا حَيْثُ وَقَعَ نَفْلًا عَنْ الْمَأْمُورِ فَإِنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ تَبَرُّعِهِ بِجَعْلِ ثَوَابِ عَمَلِهِ لِمَنْ أَرَادَ وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ انْدَفَعَ مَا أَوْرَدَهُ الرَّمْلِيُّ مِنْ أَنَّ جَعْلَ الثَّوَابِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى عَدَمِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 67 أَوْ لَهُمَا فَبَقِيَ عَلَى خِيَارِهِ بَعْدَ وُقُوعِهِ سَبَبًا لِثَوَابِهِ، وَأَشَارَ بِالضَّمَانِ إلَى أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ بِأَنْ يَجْعَلَهُ عَنْ أَحَدِهِمَا بَعْدَ ذَلِكَ، وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِ أَحْرَمَ عَنْهُمَا مَعًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ عَنْ أَحَدِهِمَا غَيْرَ مُعَيِّنٍ فَالْأَمْرُ مَوْقُوفٌ فَإِنْ عَيَّنَ أَحَدَهُمَا قَبْلَ الطَّوَافِ وَالْوُقُوفِ انْصَرَفَ إلَيْهِ، وَإِلَّا انْصَرَفَ إلَى نَفْسِهِ، وَلَا يَكُونُ مُخَالِفًا بِمُجَرَّدِ الْإِحْرَامِ الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّ كُلًّا أَمَرَهُ بِحَجَّةٍ، وَأَحَدُهُمَا صَالِحٌ لِكُلٍّ مِنْهُمَا صَادِقٌ عَلَيْهِ، وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْعَامِّ وَالْخَاصِّ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَصِيرَ لِلْمَأْمُورِ؛ لِأَنَّهُ نَصَّ عَلَى إخْرَاجِهَا عَنْ نَفْسِهِ بِجَعْلِهَا لِأَحَدِ الْآمِرَيْنِ فَلَا يَنْصَرِفُ إلَيْهِ إلَّا إذَا وُجِدَ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْنَاهُمَا، وَلَمْ يَتَحَقَّقْ بَعْدُ فَإِذَا شَرَعَ فِي الْأَعْمَالِ قَبْلَ التَّعْيِينِ تَعَيَّنَتْ لَهُ؛ لِأَنَّ الْأَعْمَالَ لَا تَقَعُ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ ثُمَّ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ أَنْ يُحَوِّلَهَا إلَى غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا جَعَلَ لَهُ الشَّرْعُ ذَلِكَ إلَى الثَّوَابِ، وَلَوْلَا الشَّرْعُ لَمْ يُحْكَمْ بِهِ فِي الثَّوَابِ أَيْضًا، وَلَوْ أَحْرَمَ بِحَجَّةٍ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ فَإِنَّهُ يَصِحُّ التَّعْيِينُ بَعْدَهُ لِأَحَدِهِمَا بِالْأَوْلَى وَذَكَرَ فِي الْكَافِي أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُجْمَعًا عَلَيْهِ لِعَدَمِ الْمُخَالَفَةِ، وَلَوْ أَحْرَمَ مُبْهِمًا مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ مَا أَحْرَمَ بِهِ لِآمِرٍ مُعَيَّنٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ، وَهُوَ أَظْهَرُ مِنْ الْكُلِّ فَصُوَرُ الْإِبْهَامِ أَرْبَعَةٌ فِي وَاحِدَةٍ يَكُونُ مُخَالِفًا، وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ مَنْطُوقًا، وَفِي الثَّلَاثَةِ لَا يَكُونُ مُخَالِفًا، وَهِيَ أَنْ يَكُونَ الْإِبْهَامُ إمَّا فِي الْآمِرِ أَوْ فِي النُّسُكِ أَوْ فِيهِمَا، وَلَوْ أَهَلَّ الْمَأْمُورُ بِالْحَجِّ بِحَجَّتَيْنِ إحْدَاهُمَا عَنْ نَفْسِهِ وَالْأُخْرَى عَنْ الْآمِرِ ثُمَّ رَفَضَ الَّتِي أَهَلَّ بِهَا عَنْ نَفْسِهِ تَكُونُ الْبَاقِيَةُ عَنْ الْآمِرِ كَأَنَّهُ أَهَلَّ بِهَا وَحْدَهَا. وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ الْمَأْمُورَ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ يَصِيرُ مُخَالِفًا فَإِنَّهُ يَضْمَنُ النَّفَقَةَ فَمِنْهَا مَا إذَا أَمَرَهُ بِالْإِفْرَادِ بِحَجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ فَقَرَنَ، فَهُوَ ضَامِنٌ لِلنَّفَقَةِ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا. وَمِنْهَا مَا إذَا أَمَرَهُ بِالْحَجِّ فَاعْتَمَرَ ثُمَّ حَجَّ مِنْ مَكَّةَ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِحَجٍّ مِيقَاتِيٍّ، وَمَا أَتَى بِهِ مَكِّيٌّ بِخِلَافِ مَا إذَا أَمَرَهُ بِالْعُمْرَةِ فَاعْتَمَرَ ثُمَّ حَجَّ عَنْ نَفْسِهِ لَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا، وَالنَّفَقَةُ فِي مُدَّةِ إقَامَتِهِ لِلْحَجِّ فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ أَقَامَ فِي مَنْفَعَةِ نَفْسِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا حَجَّ أَوَّلًا ثُمَّ اعْتَمَرَ لِلْآمِرِ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُخَالِفًا؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْمَسَافَةَ لِلْحَجِّ، وَأَنَّهُ لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ، وَإِنْ كَانَتْ الْحَجَّةُ أَفْضَلَ مِنْ الْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّهُ خِلَافٌ مِنْ حَيْثُ الْجِنْسُ كَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ إذَا بَاعَ بِأَلْفِ دِينَارٍ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْحَاجُّ عَنْ غَيْرِهِ إنْ شَاءَ قَالَ لَبَّيْكَ عَنْ فُلَانٍ، وَإِنْ شَاءَ اكْتَفَى بِالنِّيَّةِ عَنْهُ، وَلَيْسَ لِلْمَأْمُورِ أَنْ يَأْمُرَ غَيْرَهُ بِمَا أُمِرَ بِهِ عَنْ الْآمِرِ، وَإِنْ مَرِضَ فِي الطَّرِيقِ إلَّا أَنْ يَكُونَ وَقْتُ الدَّفْعِ قِيلَ لَهُ اصْنَعْ مَا شِئْت فَحِينَئِذٍ لَهُ أَنْ يَأْمُرَ غَيْرَهُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا فَلَوْ أَحَجَّ رَجُلًا فَحَجَّ ثُمَّ أَقَامَ بِمَكَّةَ جَازَ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ صَارَ مُؤَدًّى وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَحُجَّ ثُمَّ يَعُودَ إلَى أَهْلِهِ. اهـ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ النَّفَقَةَ مَا يَكْفِيهِ لِذَهَابِهِ، وَإِيَابِهِ وَأَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ الْمَحْجُوجُ عَنْهُ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا فَإِنْ كَانَ حَيًّا فَإِنَّهُ يُعْطِيهِ بِقَدْرِ مَا يَكْفِيهِ كَمَا ذَكَرْنَا فَإِنْ أَعْطَاهُ زَائِدًا عَلَى كِفَايَتِهِ فَلَا يَحِلُّ لِلْمَأْمُورِ مَا زَادَ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّهُ إلَى صَاحِبِهِ إلَّا إذَا قَالَ: وَكَّلْتُك أَنْ تَهَبَ الْفَضْلَ مِنْ نَفْسِك وَتَقْبِضَهُ لِنَفْسِك فَإِنْ كَانَ عَلَى مَوْتٍ قَالَ:   [منحة الخالق] الْآمِرِ بَلْ لَهُ ذَلِكَ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ حَيْثُ، وَقَعَ الْحَجُّ لَهُ فَلَهُ جَعْلُ ثَوَابِهِ لِمَنْ أَرَادَ. اهـ. وَسَيَأْتِي مَا يُعَيِّنُ مَا قُلْنَا، وَأَمَّا مَا اعْتَرَضَ بِهِ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ مَنْ حَجَّ عَنْ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَا يَكُونُ حَاجًّا عَنْهُ لِمَا مَرَّ أَيْ مِنْ اشْتِرَاطِ الْآمِرِ بَلْ جَاعِلًا ثَوَابَهُ لَهُ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ التَّقْيِيدُ بِالْآمِرِ احْتِرَازًا عَمَّا إذَا لَمْ يَأْمُرْهُ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي أَنَّ الْحَجَّ لِلْفَاعِلِ فِي الْوَجْهَيْنِ. اهـ. فَمَدْفُوعٌ بِأَنَّ كَوْنَ الْأَمْرِ شَرْطًا لِصِحَّةِ النِّيَابَةِ لَمْ يُذْكَرْ فِي الْمَتْنِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ هُوَ فِي شَرْحِهِ بِقَوْلِهِ وَبَقِيَ مِنْ الشَّرَائِطِ أَمْرُهُ بِهِ وَالْكَلَامُ فِيمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الْمَتْنِ فَتَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَحْرَمَ مُبْهِمًا) اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ الْإِبْهَامِ حَالٌ مِنْ فَاعِلِ أَحْرَمَ أَوْ اسْمُ مَفْعُولٍ أَيْ إحْرَامًا مُبْهَمًا، وَقَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ مَا أَحْرَمَ بِهِ حَالٌ عَلَى الْوَجْهَيْنِ لِبَيَانِ مَا وَقَعَ الْإِبْهَامُ بِهِ، وَقَوْلُهُ لِآمِرٍ مُعَيَّنٍ مُتَعَلِّقٌ بِإِحْرَامِ الْأَوَّلِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُحْرِمَ بِهِ مُبْهَمٌ وَالْمُحْرَمُ عَنْهُ مُعَيَّنٌ، وَعَامَّةُ النُّسَخِ هُنَا مُحَرَّفَةٌ وَالصَّوَابُ هَذِهِ (قَوْلُهُ: فَصُوَرُ الْإِبْهَامِ أَرْبَعَةٌ) ، وَهِيَ أَنْ يُهِلَّ بِحَجَّةٍ عَنْهُمَا أَوْ عَنْ أَحَدِهِمَا عَلَى الْإِبْهَامِ أَوْ بِحَجَّةٍ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ لِلْمَحْجُوجِ عَنْهُ أَوْ يُحْرِمُ عَنْ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ بِلَا تَعْيِينٍ لِمَا أَحْرَمَ بِهِ كَذَا فِي الْفَتْحِ فَالثَّالِثَةُ الْإِبْهَامُ فِيهَا عَكْسُ الرَّابِعَةِ، وَفِي الْحَقِيقَةِ لَا إبْهَامَ فِي الصُّورَةِ الثَّالِثَةِ (قَوْلُهُ: وَفِي الثَّالِثَةِ لَا يَكُونُ مُخَالِفًا) كَذَا فِي أَغْلَبِ النُّسَخِ، وَفِي بَعْضِهَا بِزِيَادَةِ قَوْلِهِ، وَهِيَ أَنْ يَكُونَ الْإِبْهَامُ إمَّا فِي الْآمِرِ أَوْ فِي النُّسُكِ أَوْ فِيهِمَا وَالصَّوَابُ إسْقَاطُهَا إذْ لَيْسَ مِنْ الصُّوَرِ مَا يَكُونُ الْإِبْهَامُ فِيهَا فِي النُّسُكِ وَالْآمِرِ. (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِحَجٍّ مِيقَاتِيٍّ إلَخْ) يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ خَرَجَ إلَى الْمِيقَاتِ، وَأَحْرَمَ مِنْهُ أَنَّهُ يَصِحُّ لَكِنْ يَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَمَّا اعْتَمَرَ جَعَلَ سَفَرَهُ لِلْعُمْرَةِ، وَلَمْ يُؤْمَرْ بِهِ فَيَكُونُ مُخَالِفًا كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُهُ: الْآتِي؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْمَسَافَةَ إلَخْ، وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَى الْمَسْأَلَةِ قُبَيْلَ بَابِ الْإِحْرَامِ فَرَاجِعْهُ، وَقَدَّمْنَا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ قَرِيبًا فِي هَذَا الْبَابِ، وَفِي الْبَابِ الثَّالِثَ عَشَرَ أَيْ مِنْ الشُّرُوطِ عَدَمُ الْمُخَالَفَةِ فَلَوْ أَمَرَهُ بِالْإِفْرَادِ أَوْ الْعُمْرَةِ فَقَرَنَ أَوْ تَمَتَّعَ، وَلَوْ لِلْمَيِّتِ لَمْ يَقَعْ حَجُّهُ عَنْ الْآمِرِ وَيَضْمَنُ النَّفَقَةَ، وَقَالَ فِي شَرْحِهِ: وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِتَجْرِيدِ السَّفَرِ لِلْحَجِّ عَنْ الْمَيِّتِ فَإِنَّهُ الْمَفْرُوضُ عَلَيْهِ وَيَنْصَرِفُ مُطْلَقُ الْأَمْرِ إلَيْهِ إلَّا أَنَّهُ يُشْكِلُ إذَا أَمَرَهُ بِإِفْرَادِ الْعُمْرَةِ ثُمَّ إتْيَانِ الْحَجِّ بَعْدَهُ أَوْ صَرَّحَ بِالتَّمَتُّعِ فِي سَفَرِهِ أَوْ تَفْوِيضِ الْأَمْرِ إلَيْهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا إذَا حَجَّ أَوَّلًا) مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ لَمْ يَكُنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 68 وَالْبَاقِي مِنِّي لَك وَصِيَّةٌ، وَإِنْ كَانَ قَدْ أَوْصَى بِأَنْ يُحَجَّ عَنْهُ ثُمَّ مَاتَ فَإِمَّا أَنْ يُعَيِّنَ قَدْرًا أَوْ لَا فَإِنْ عَيَّنَ قَدْرًا اُتُّبِعَ مَا عَيَّنَهُ حَتَّى لَا يَجُوزُ النَّقْصُ عَنْهُ إذَا كَانَ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ كَمَا سَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ قَرِيبًا فِي مَسْأَلَةِ الْوَصِيَّةِ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ: رَجُلٌ مَاتَ وَتَرَكَ ابْنَيْنِ، وَأَوْصَى بِأَنْ يُحَجَّ عَنْهُ بِثَلَاثِمِائَةٍ وَتَرَكَ تِسْعَمِائَةٍ، وَأَنْكَرَ أَحَدُهُمَا، وَأَقَرَّ الْآخَرُ، وَأَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَ الْمَالِ ثُمَّ إنَّ الْمُقِرَّ دَفَعَ مِائَةً وَخَمْسِينَ يُحَجُّ بِهَا عَنْ الْمَيِّتِ ثُمَّ أَقَرَّ الْآخَرُ إنْ أَحَجَّ بِأَمْرِ الْقَاضِي يَأْخُذْ الْمُقِرُّ مِنْ الْجَاحِدِ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ دِرْهَمًا؛ لِأَنَّهُ جَازَ الْحَجُّ عَنْ الْمَيِّتِ بِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ وَبَقِيَ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ مِيرَاثًا لَهُمَا فَيَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ نِصْفُهُ، وَإِنْ أَحَجَّ لِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي فَإِنَّهُ يَحُجُّ مَرَّةً أُخْرَى بِثَلَاثِمِائَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجُزْ الْحَجُّ عَنْ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِثَلَاثِمِائَةٍ. اهـ. وَمَعَ التَّعْيِينِ الْمَذْكُورِ لَا يَحِلُّ لِلْمَأْمُورِ الْمَذْكُورِ مَا فَضَلَ بَلْ يَرُدُّهُ عَلَى وَرَثَتِهِ؛ وَلِهَذَا قَالُوا لَوْ أَوْصَى بِأَنْ يُعْطَى بَعِيرُهُ هَذَا رَجُلًا لِيَحُجَّ عَنْهُ فَدُفِعَ إلَى رَجُلٍ فَأَكْرَاهُ الرَّجُلُ فَأَنْفَقَ الْكِرَاءَ عَلَى نَفْسِهِ فِي الطَّرِيقِ وَحَجَّ مَاشِيًا جَازَ عَنْ الْمَيِّتِ اسْتِحْسَانًا، وَإِنْ خَالَفَ أَمْرَهُ وَصَحَّحَهُ فِي الْمُحِيطِ، وَقَالَ أَصْحَابُ الْفَتَاوَى: هُوَ الْمُخْتَارُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا مَلَكَ أَنْ يَمْلِكَ رَقَبَتَهَا بِالْبَيْعِ وَيَحُجَّ بِالثَّمَنِ اسْتِحْسَانًا هُوَ الْمُخْتَارُ فَلَأَنْ يَمْلِكَ أَنْ يُمَلِّكَ مَنْفَعَتَهَا بِالْإِجَارَةِ وَيَحُجَّ بِبَدَلِ الْمَنْفَعَةِ كَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَظْهَرْ فِي الْآخِرَةِ أَنَّهُ يَمْلِكُ ذَلِكَ يَكُونُ الْكِرَاءُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ غَاصِبٌ، وَالْحَجُّ لَهُ فَيَتَضَرَّرُ الْمَيِّتُ ثُمَّ يَرُدُّ الْبَعِيرَ إلَى وَرَثَةِ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُ الْمُوَرِّثِ. اهـ. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ خَرَجَتْ عَنْ الْأَصْلِ لِلضَّرُورَةِ فَإِنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الْمَأْمُورَ بِالْحَجِّ رَاكِبًا إذَا حَجَّ مَاشِيًا فَإِنَّهُ يَكُونُ مُخَالِفًا، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ الْمُوصِي قَدْرًا فَإِنَّ الْوَرَثَةَ يَحُجُّونَ عَنْهُ مِنْ الثُّلُثِ بِقَدْرِ الْكِفَايَةِ وَلِهَذَا قَالَ: الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوِيهِ رَجُلٌ مَاتَ، وَأَوْصَى أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ، وَلَمْ يُقَدِّرْ فِيهِ مَالًا فَالْوَصِيُّ إنْ أَعْطَى إلَى رَجُلٍ لِيَحُجَّ عَنْهُ فِي مَحْمَلٍ احْتَاجَ إلَى أَلْفٍ، وَمِائَتَيْنِ، وَإِنْ حَجَّ رَاكِبًا لَا فِي مَحْمَلٍ يَكْفِيهِ الْأَلْفُ وَكُلُّ ذَلِكَ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ يَجِبُ أَقَلُّهُمَا؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُتَيَقَّنُ. اهـ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَأْمُورَ لَا يَكُونُ مَالِكًا لِمَا أَخَذَهُ مِنْ النَّفَقَةِ بَلْ يَتَصَرَّفُ فِيهِ عَلَى مِلْكِ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ حَيًّا كَانَ أَوْ مَيِّتًا مُعَيَّنًا كَانَ الْقَدْرُ أَوْ غَيْرَ مُعَيَّنٍ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ الْفَضْلُ إلَّا بِالشَّرْطِ الْمُتَقَدِّمِ سَوَاءٌ كَانَ الْفَضْلُ كَثِيرًا أَوْ يَسِيرًا كَيَسِيرٍ مِنْ الزَّادِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ كَذَلِكَ الْحَجَّةُ الْمَشْرُوطَةُ مِنْ جِهَةِ الْوَاقِفِ كَمَا شَرَطَ سُلَيْمَانُ بَاشَا بِوَقْفِهِ بِمِصْرَ قَدْرًا مُعَيَّنًا لِمَنْ يَحُجُّ عَنْهُ كُلَّ سَنَةٍ فَإِنَّهُ يُتَّبَعُ شَرْطُهُ، وَلَا يَحِلُّ لِلْمَأْمُورِ مَا فَضَلَ مِنْهُ بَلْ يَجِبُ رَدُّهُ إلَى الْوَقْفِ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا أَوْصَى بِأَنْ يُحَجَّ عَنْهُ أَمَّا إذَا قَالَ: أَحِجُّوا فُلَانًا حَجَّةً، وَلَمْ يَقُلْ عَنِّي، وَلَمْ يُسَمِّ كَمْ يُعْطَى فَإِنَّهُ يُعْطَى قَدْرَ مَا يَحُجُّ بِهِ وَيَكُونُ مِلْكًا لَهُ، وَإِنْ شَاءَ حَجَّ بِهِ، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَحُجَّ، وَهُوَ وَصِيَّةٌ كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ وَغَيْرِهِ. فَإِذَا عُرِفَ ذَلِكَ فَلِلْمَأْمُورِ بِالْحَجِّ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهِ بِالْمَعْرُوفِ ذَاهِبًا وَآيِبًا، وَمُقِيمًا مِنْ غَيْرِ تَبْذِيرٍ، وَلَا تَقْتِيرٍ فِي طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ وَثِيَابِهِ وَرُكُوبِهِ، وَمَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ مِنْ مَحْمَلٍ، وَقِرْبَةٍ، وَأَدَوَاتِ السَّفَرِ فَلَوْ تَوَطَّنَ بِمَكَّةَ بَعْدَ الْفَرَاغِ فَإِنْ كَانَ لِانْتِظَارِ الْقَافِلَةِ فَنَفَقَتُهُ فِي مَالِ الْمَيِّتِ، وَإِلَّا فَمِنْ مَالِ نَفْسِهِ، وَمَا ذَكَرَهُ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ مِنْ أَنَّهُ إذَا تَوَطَّنَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَنَفَقَتُهُ عَلَيْهِ فَمَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ لِغَيْرِ عُذْرٍ، وَهُوَ عَدَمُ خُرُوجِ الْقَافِلَةِ، وَكَذَا مَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ اعْتِبَارِ الثَّلَاثِ، وَإِذَا صَارَتْ النَّفَقَةُ عَلَيْهِ بَعْدَ خُرُوجِهَا ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يَرْجِعَ رَجَعَتْ نَفَقَتُهُ فِي مَالِ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ اسْتَحَقَّ نَفَقَةَ الرُّجُوعِ فِي مَالِ الْمَيِّتِ، وَهُوَ كَالنَّاشِزَةِ إذَا عَادَتْ إلَى الْمَنْزِلِ وَالْمُضَارِبِ إذَا أَقَامَ فِي بَلَدٍ أَوْ بَلْدَةٍ أُخْرَى خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لِحَاجَةِ نَفْسِهِ، وَفِي الْبَدَائِعِ هَذَا إذَا لَمْ يَتَّخِذْ مَكَّةَ دَارًا فَأَمَّا إذَا اتَّخَذَهَا دَارًا ثُمَّ عَادَ لَا تَعُودُ النَّفَقَةُ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنْ أَقَامَ بِهَا مِنْ غَيْرِ نِيَّةِ الْإِقَامَةِ قَالُوا إنْ كَانَتْ الْإِقَامَةُ مُعْتَادَةً لَمْ تَسْقُطْ، وَإِنْ زَادَ عَلَى الْمُعْتَادِ سَقَطَتْ، وَلَوْ تَعَجَّلَ إلَى مَكَّةَ فَهِيَ فِي مَالِ نَفْسِهِ إلَى أَنْ يَدْخُلَ عَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ فَتَصِيرُ فِي مَالِ الْآمِرِ، وَلَوْ سَلَكَ طَرِيقًا أَبْعَدَ مِنْ الْمُعْتَادِ إنْ كَانَ مِمَّا سَلَكَهُ النَّاسُ فَفِي مَالِ الْآمِرِ، وَإِلَّا فَفِي مَالِهِ، وَلَهُ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهِ   [منحة الخالق] مُخَالِفًا (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَظْهَرْ فِي الْآخِرَةِ) تَعْلِيلُ الْأَوْلَوِيَّةِ وَالْآخِرَةُ بِحَرَكَاتٍ أَيْ آخِرَ الْأَمْرِ وَاسْمُ الْإِشَارَةِ إلَى مِلْكِ الْمَنْفَعَةِ بِالْإِجَارَةِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ الْمُوصِي قَدْرًا) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ فَإِنْ عَيَّنَ قَدْرًا اُتُّبِعَ (قَوْلُهُ: وَهُوَ عَدَمُ خُرُوجِ الْقَافِلَةِ) الضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى عُذْرٍ الْمُضَافِ إلَى غَيْرِ (قَوْلُهُ: قَالُوا إنْ كَانَتْ إقَامَةً مُعْتَادَةً لَمْ تَسْقُطْ) ظَاهِرُهُ، وَلَوْ بِلَا عُذْرِ انْتِظَارِ الْقَافِلَةِ، وَلَوْ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا قَبْلَهُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 69 نَفَقَةَ مِثْلِهِ مِنْ طَعَامٍ، وَمِنْهُ اللَّحْمُ وَالْكِسْوَةُ، وَمِنْهُ ثَوْبَا إحْرَامِهِ وَأُجْرَةُ مَنْ يَخْدُمُهُ إنْ كَانَ مِمَّنْ يُخْدَمُ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُنْفِقَ مَا فِيهِ تَرْفِيهٌ كَدُهْنِ السِّرَاجِ وَالْأَدْهَانِ وَالتَّدَاوِي وَالِاحْتِجَامِ وَأُجْرَةِ الْحَمَّامِ وَالْحَلَّاقِ إلَّا أَنْ يُوسِعَ عَلَيْهِ وَاخْتَارَ فِي الْمُحِيطِ وَالْخَانِيَّةِ أَنْ يُعْطَى أُجْرَةَ الْحَمَّامِ وَالْحَارِسِ، وَصَرَّحَ الْوَلْوَالِجِيُّ بِأَنَّهُ الْمُخْتَارُ، وَقَالُوا: لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ حِمَارًا يَرْكَبُهُ وَذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ بِأَنَّهُ مَكْرُوهٌ وَالْجَمَلُ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ فِيهِ أَكْثَرُ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَدْعُوَ أَحَدًا إلَى طَعَامِهِ، وَلَا يَتَصَدَّقَ بِهِ، وَلَا يُقْرِضَ أَحَدًا، وَلَا يَصْرِفَ الدَّرَاهِمَ بِالدَّنَانِيرِ، وَلَا يَشْتَرِيَ بِهَا مَاءً لِوُضُوئِهِ، وَلَوْ اتَّجَرَ فِي الْمَالِ ثُمَّ حَجَّ بِمِثْلِهِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهَا عَنْ الْمَيِّتِ وَيَتَصَدَّقُ بِالرِّبْحِ كَمَا لَوْ خَلَطَهَا بِدَرَاهِمِهِ حَتَّى صَارَ ضَامِنًا ثُمَّ حَجَّ بِمِثْلِهَا، وَلَهُ أَنْ يَخْلِطَ الدَّرَاهِمَ لِلنَّفَقَةِ مَعَ الرُّفْقَةِ لِلْعُرْفِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ. (قَوْلُهُ: وَدَمُ الْإِحْصَارِ عَلَى الْآمِرِ وَدَمُ الْقِرَانِ وَدَمُ الْجِنَايَةِ عَلَى الْمَأْمُورِ) ؛ لِأَنَّ الْآمِرَ هُوَ الَّذِي أَدْخَلَهُ فِي هَذِهِ الْعُهْدَةِ فَعَلَيْهِ خَلَاصُهُ، وَأَرَادَ مِنْ الْآمِرِ الْمَحْجُوجُ عَنْهُ فَشَمِلَ الْمَيِّتَ فَإِنَّ دَمَ الْإِحْصَارِ مِنْ مَالِهِ ثُمَّ قِيلَ هُوَ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ صِلَةٌ كَالزَّكَاةِ وَغَيْرِهَا، وَقِيلَ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ حَقًّا لِلْمَأْمُورِ فَصَارَ دَيْنًا كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَإِذَا تَحَلَّلَ الْمَأْمُورُ الْمُحْصَرُ بِذَبْحِ الْهَدْيِ فَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ بِمَالِ نَفْسِهِ، وَلَا يَكُونُ ضَامِنًا لِلنَّفَقَةِ كَفَائِتِ الْحَجِّ لِعَدَمِ الْمُخَالَفَةِ، وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ بِمَالِ نَفْسِهِ كَذَا قَالُوا، وَلَمْ يُصَرِّحُوا بِأَنَّهُ فِي الْإِحْصَارِ وَالْفَوَاتِ إذَا قَضَى الْحَجَّ هَلْ يَكُونُ عَنْ الْآمِرِ أَوْ يَقَعُ لِلْمَأْمُورِ، وَإِذَا كَانَ لِلْآمِرِ فَهَلْ يُجْبَرُ عَلَى الْحَجِّ مِنْ قَابِلٍ بِمَالِ نَفْسِهِ، وَإِنَّمَا وَجَبَ دَمُ الْقِرَانِ عَلَى الْمَأْمُورِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ وَجَبَ شُكْرًا لِمَا وَفَّقَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ النُّسُكَيْنِ وَالْمَأْمُورُ هُوَ الْمُخْتَصُّ بِهَذِهِ النِّعْمَةِ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْفِعْلِ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ الْحَجُّ يَقَعُ عَنْ الْآمِرِ؛ لِأَنَّهُ وُقُوعٌ شَرْعِيٌّ وَوُجُوبُ دَمِ الشُّكْرِ مُسَبَّبٌ عَنْ الْفِعْلِ الْحَقِيقِيِّ الصَّادِرِ مِنْ الْمَأْمُورِ. وَأَطْلَقَ فِي الْقِرَانِ فَشَمِلَ مَا إذَا أَمَرَهُ وَاحِدٌ بِالْقِرَانِ فَقَرَنَ أَوْ أَمَرَهُ وَاحِدٌ بِالْحَجِّ وَآخَرُ بِالْعُمْرَةِ، وَأَذِنَا لَهُ فِي الْقِرَانِ وَبَقِيَ صُورَتَانِ يَكُونُ بِالْقِرَانِ فِيهِمَا مُخَالِفًا إحْدَاهُمَا مَا إذَا لَمْ يَأْذَنَا لَهُ بِالْقِرَانِ فَقَرَنَ عَنْهُمَا ضَمِنَ نَفَقَتَهُمَا الثَّانِيَةَ مَا إذَا أَمَرَهُ بِالْحَجِّ مُفْرِدًا فَقَرَنَ فَإِنَّهُ يَكُونُ ضَامِنًا لِلنَّفَقَةِ لَا؛ لِأَنَّ الْإِفْرَادَ أَفْضَلُ مِنْ الْقِرَانِ بَلْ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِإِفْرَادِ سَفَرٍ لَهُ، وَقَدْ خَالَفَ، وَفِي الثَّانِيَةِ خِلَافُهُمَا هُمَا يَقُولَانِ هُوَ خِلَافٌ إلَى خَيْرٍ، وَهُوَ يَقُولُ إنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ بِالْعُمْرَةِ، وَلَا وِلَايَةَ لِأَحَدٍ فِي إيقَاعِ نُسُكٍ عَنْ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَمَرَهُ بِالْإِفْرَادِ فَتَمَتَّعَ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُخَالِفًا اتِّفَاقًا، وَأَرَادَ بِالْقِرَانِ دَمَ الْجَمْعِ بَيْنَ النُّسُكَيْنِ قِرَانًا كَانَ أَوْ تَمَتُّعًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ لَكِنْ بِالْإِذْنِ الْمُتَقَدِّمِ، وَأَطْلَقَ فِي دَمِ الْجِنَايَةِ فَشَمِلَ دَمَ الْجِمَاعِ وَدَمَ جَزَاءِ الصَّيْدِ وَدَمَ الْحَلْقِ وَدَمَ لُبْسِ الْمَخِيطِ وَالطِّيبِ وَدَمَ الْمُجَاوَزَةِ بِغَيْرِ إحْرَامٍ، وَإِنَّمَا وَجَبَ عَلَى الْمَأْمُورِ وَحْدَهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ تَعَلَّقَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ بِمَالِ نَفْسِهِ) مَكْرُوهٌ مَعَ مَا قَبْلَهُ، وَأَظُنُّ أَنَّهُ تَغْيِيرٌ مِنْ سَبْقِ الْقَلَمِ وَالْأَصْلُ، وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ فِي نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ عِبَارَةَ السِّرَاجِ عَنْ الْكَرْخِيِّ فَلَا يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ، وَعَلَيْهِ فِي نَفْسِهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ لَزِمَهُ بِالدُّخُولِ إلَى آخِرِ مَا يَأْتِي عَنْ النَّهْرِ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يُصَرِّحُوا بِأَنَّهُ فِي الْإِحْصَارِ وَالْفَوَاتِ إلَخْ) قَالَ: فِي النَّهْرِ عَلَّلَهُ فِي السِّرَاجِ بِأَنَّ الْحَجَّ لَزِمَهُ بِالدُّخُولِ فَإِنْ فَاتَ لَزِمَهُ قَضَاؤُهُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ إنَّ الْحَجَّ يَقَعُ عَنْ الْحَاجِّ. اهـ. يَعْنِي، وَعَلَى قَوْلِ غَيْرِهِ مِنْ أَنَّهُ يَقَعُ عَنْ الْآمِرِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْقَضَاءُ عَنْهُ وَتَلْزَمُهُ النَّفَقَةُ. اهـ. قُلْتُ: رَأَيْت فِي التَّتَارْخَانِيَّة مَا هُوَ صَرِيحٌ فِي الْجَوَابِ قَالَ: وَفِي الْمُنْتَقَى إذَا أَوْصَى أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ فَأَحَجَّ الْوَصِيُّ عَنْهُ رَجُلًا فَأَحْرَمَ الرَّجُلُ بِالْحَجِّ عَنْ الْمَيِّتِ ثُمَّ قَدِمَ، وَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَحُجُّ عَنْ الْمَيِّتِ مِنْ بَلَدِهِ إذَا بَلَغَتْ النَّفَقَةُ، وَإِلَّا فَمِنْ حَيْثُ بَلَغَ، وَعَلَى الْمُحْرِمِ قَضَاءُ الْحَجِّ الَّذِي فَاتَ عَنْ نَفْسِهِ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيمَا أَنْفَقَ، وَلَا نَفَقَةَ لَهُ بَعْدَ الْفَوْتِ. اهـ. وَفِيهَا قَبْلَ هَذَا بِنَحْوِ وَرَقَةِ التَّهْذِيبِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ الْحَاجُّ عَنْ الْغَيْرِ إذَا فَسَدَ حَجُّهُ قَبْلَ الْوُقُوفِ عَلَيْهِ ضَمَانُ النَّفَقَةِ، وَعَلَيْهِ الْحَجُّ الَّذِي أَفْسَدَهُ، وَعُمْرَةٌ وَحَجَّةٌ لِلْآمِرِ، وَلَوْ فَاتَهُ الْحَجُّ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ، وَعَلَيْهِ قَضَاءُ الْفَائِتِ وَحَجٌّ عَنْ الْآمِرِ ثُمَّ قَالَ: وَفِي الْحَاوِي، وَإِنْ كَانَ شَغَلَهُ حَوَائِجُ نَفْسِهِ حَتَّى فَاتَهُ الْحَجُّ فَإِنَّهُ ضَامِنٌ لِلنَّفَقَةِ، وَلَوْ حَجَّ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ قَابِلٍ مِنْ مَالِهِ عَنْ الْمَيِّتِ يَجُوزُ عَنْ الْمَيِّتِ. اهـ. نَقَلَهُ فِي السِّرَاجِ ثُمَّ قَالَ: وَقَالَ زُفَرُ لَا يُجْزِئُهُ عَنْهُ وَيَضْمَنُ الْمَالَ، وَإِنْ فَاتَهُ الْحَجُّ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَوْ بِمَرَضٍ أَوْ سَقَطَ مِنْ الْبَعِيرِ قَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَضْمَنُ النَّفَقَةَ وَنَفَقَتُهُ فِي رُجُوعِهِ مِنْ مَالِهِ خَاصَّةً ثُمَّ نُقِلَ عَنْ الْكَرْخِيِّ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ، وَعَلَيْهِ فِي نَفْسِهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ فِي النَّهْرِ وَاَلَّذِي تَحَرَّرَ مِنْ هَذِهِ النُّقُولِ أَنَّهُ إمَّا أَنْ يَفُوتَهُ بِتَقْصِيرِهِ أَوْ لَا فَفِي الْأَوَّلِ يَضْمَنُ النَّفَقَةَ وَيَحُجُّ مِنْ قَابِلٍ عَنْ الْمَيِّتِ مِنْ مَالِهِ كَمَا فِي الْحَاوِي، وَفِي الثَّانِي لَا يَضْمَنُ النَّفَقَةَ، وَيَحُجُّ مِنْ قَابِلٍ عَنْ نَفْسِهِ عَلَى مَا فِي الْمُنْتَقَى وَالسِّرَاجِ، وَأَمَّا عَلَى مَا فِي التَّهْذِيبِ فَعَنْ الْآمِرِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْأَوَّلَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُنْتَقَى وَالثَّانِي قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ عِبَارَةِ التَّهْذِيبِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا مَرَّ فِي النَّهْرِ عَنْ السِّرَاجِ ثُمَّ عَلَى مَا فِي التَّهْذِيبِ مِنْ أَنَّهُ عَنْ الْآمِرِ ظَاهِرُ قَوْلِهِ، وَعَلَيْهِ قَضَاءُ الْفَائِتِ وَحَجَّ عَنْ الْآمِرِ أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ وَحَجَّ عَنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 70 بِجِنَايَتِهِ لَكِنْ فِي الْجِنَايَةِ بِالْجِمَاعِ تَفْصِيلٌ إنْ كَانَ قَبْلَ الْوُقُوفِ ضَمِنَ جَمِيعَ النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُخَالِفًا بِالْإِفْسَادِ، وَإِنْ بَعْدَهُ فَلَا ضَمَانَ وَالدَّمُ عَلَى الْمَأْمُورِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَإِذَا فَسَدَ حَجُّهُ لَزِمَهُ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ بِمَالِ نَفْسِهِ، وَفِيهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّرَدُّدِ فِي وُقُوعِهِ عَنْ الْآمِرِ، وَلَوْ أَتَمَّ الْحَجَّ إلَّا طَوَافَ الزِّيَارَةِ فَرَجَعَ، وَلَمْ يَطُفْهُ فَهُوَ حَرَامٌ عَلَى النِّسَاءِ وَيَعُودُ بِنَفَقَةِ نَفْسِهِ وَيَقْضِي مَا بَقِيَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ جَانٍ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَمَّا لَوْ مَاتَ بَعْدَ الْوُقُوفِ قَبْلَ الطَّوَافِ جَازَ عَنْ الْآمِرِ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى الرُّكْنَ الْأَعْظَمَ كَذَا قَالُوا، وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْحَجِّ فِيهِ بَحْثًا، وَأَعْظَمِيَّةُ أَمْرِهَا إنَّمَا هُوَ لِلْأَمْنِ مِنْ الْإِفْسَادِ بَعْدَهُ لَا؛ لِأَنَّهُ يَكْفِي فَيَجِبُ عَلَى الْآمِرِ الْإِحْجَاجُ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَأَمَّا دَمُ رَفْضِ النُّسُكِ، وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إذَا تَحَقَّقَ إلَّا فِي مَالِ الْحَاجِّ، وَلَا يَبْعُدُ لَوْ فُرِضَ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِحَجَّتَيْنِ مَعًا فَفَعَلَ حَتَّى ارْتَفَضَتْ إحْدَاهُمَا كَوْنُهُ عَلَى الْآمِرِ، وَلَمْ أَرَهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. اهـ. وَلَوْ اخْتَلَفَ الْمَأْمُورُ وَالْوَرَثَةُ أَوْ الْوَصِيُّ فَقَالَ: وَقَدْ أَنْفَقَ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ مُنِعَتْ مِنْ الْحَجِّ، وَكَذَّبَهُ الْآخَرُ لَا يُصَدَّقُ وَيَضْمَنُ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَمْرًا ظَاهِرًا يَشْهَدُ عَلَى صِدْقِهِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الضَّمَانِ قَدْ ظَهَرَ فَلَا يُصَدَّقُ فِي دَفْعِهِ إلَّا بِظَاهِرٍ يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فَقَالَ: حَجَجْت، وَكَذَّبَهُ الْآمِرُ كَانَ الْقَوْلُ لِلْمَأْمُورِ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الْخُرُوجَ عَنْ عُهْدَةِ مَا هُوَ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ، وَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْوَارِثِ أَوْ الْوَصِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَوْمَ النَّحْرِ بِالْبَلَدِ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى النَّفْيِ إلَّا أَنْ يُقِيمَا عَلَى إقْرَارِهِ أَنَّهُ لَمْ يَحُجَّ أَمَّا لَوْ كَانَ الْحَاجُّ مَدْيُونًا لِلْمَيِّتِ أَمَرَهُ أَنْ يَحُجَّ بِمَا لَهُ عَلَيْهِ وَبَاقِي الْمَسْأَلَةِ بِحَالِهَا فَإِنَّهُ لَا يُصَدَّقُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي قَضَاءَ الدَّيْنِ هَكَذَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ، وَفِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ الْقَوْلُ لَهُ مَعَ يَمِينِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلْوَرَثَةِ مُطَالِبٌ بِدَيْنِ الْمَيِّتِ فَإِنَّهُ لَا يُصَدَّقُ فِي حَقِّ غَرِيمِ الْمَيِّتِ إلَّا بِالْحُجَّةِ، وَالْقَوَاعِدُ تَشْهَدُ لِلْأَوَّلِ فَكَانَ عَلَيْهِ الْمُعَوَّلُ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ مَاتَ فِي طَرِيقِهِ يَحُجُّ عَنْهُ مِنْ مَنْزِلِهِ بِثُلُثِ مَا بَقِيَ) هَذِهِ الْعِبَارَةُ تَحْتَمِلُ شَيْئَيْنِ: الْأَوَّلَ أَنْ يَكُونَ فَاعِلُ مَاتَ الْمَأْمُورُ بِالْحَجِّ فَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْوَصِيَّ إذَا أَحَجَّ رَجُلًا عَنْ الْمَيِّتِ فَمَاتَ الرَّجُلُ فِي الطَّرِيقِ فَإِنَّهُ يَحُجُّ عَنْ الْمَيِّتِ الْمُوصِي مِنْ مَنْزِلِهِ بِثُلُثِ مَا بَقِيَ مِنْ الْمَالِ كُلِّهِ، وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ اقْتَصَرَ الشَّارِحُونَ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ التَّعْقِيدِ فِي الضَّمَائِرِ فَإِنَّ ضَمِيرَ مَاتَ يَرْجِعُ إلَى الْمَأْمُورِ وَضَمِيرَ عَنْهُ، وَمَنْزِلِهِ يَرْجِعُ إلَى الْمُوصِي. الثَّانِيَ أَنْ يَكُونَ فَاعِلُ مَاتَ هُوَ الْمُوصِي، فَيَتَّحِدُ مَرْجِعُ الضَّمَائِرِ، وَهُوَ صَحِيحٌ فَإِنَّهُ إذَا مَاتَ بَعْدَمَا خَرَجَ حَاجًّا، وَأَوْصَى بِالْحَجِّ فَإِنَّهُ يُحَجُّ عَنْهُ مِنْ مَنْزِلِهِ بِثُلُثِ تَرِكَتِهِ، وَيَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ بِثُلُثِ مَا بَقِيَ أَيْ بَعْدَ الْإِنْفَاقِ فِي الطَّرِيقِ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْآمِرَ إمَّا أَنْ يَكُونَ حَيًّا وَقْتَ الْإِحْجَاجِ أَوْ مَيِّتًا فَإِنْ كَانَ حَيًّا، وَمَاتَ الْمَأْمُورُ فِي الطَّرِيقِ فَإِنَّهُ يُحِجُّ إنْسَانًا آخَرَ مِنْ مَنْزِلِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّهُ حَيٌّ يَرْجِعُ إلَيْهِ وَلِهَذَا لَوْ أَمَرَ إنْسَانًا بِأَنْ يَحُجَّ عَنْهُ وَدَفَعَ لَهُ مَالًا فَلَمْ تَبْلُغْ النَّفَقَةُ مِنْ بَلَدِهِ لَمْ يَحُجَّ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ تَبْلُغُ كَالْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ الرُّجُوعُ إلَيْهِ فَيَحْصُلُ الِاسْتِدْرَاكُ بِخِلَافِ الْمَيِّتِ كَذَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ، وَإِنْ كَانَ مَيِّتًا، وَأَوْصَى بِأَنْ يُحَجَّ عَنْهُ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ خَرَجَ حَاجًّا بِنَفْسِهِ، وَمَاتَ فِي الطَّرِيقِ أَوْ لَا، وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا لَا يَخْلُو إمَّا إنْ أَطْلَقَ الْوَصِيَّةَ أَوْ عَيَّنَ الْمَالَ وَالْمَكَانَ فَإِنْ أَوْصَى بِأَنْ يُحَجَّ عَنْهُ، وَأَطْلَقَ يُحَجُّ عَنْهُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ التَّبَرُّعَاتِ فَإِنْ بَلَغَ ثُلُثُهُ أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ مِنْ بَلَدِهِ وَجَبَ الْإِحْجَاجُ مِنْ بَلَدِهِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ بَلَدِهِ الَّذِي يَسْكُنُهُ، وَكَذَا إنْ خَرَجَ لِغَيْرِ الْحَجِّ، وَمَاتَ فِي الطَّرِيقِ، وَأَوْصَى. وَأَمَّا إذَا خَرَجَ لِلْحَجِّ، وَمَاتَ فِي الطَّرِيقِ، وَأَوْصَى فَإِنَّهُ يُحَجُّ عَنْهُ مِنْ بَلَدِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا يُحَجُّ مِنْ حَيْثُ مَاتَ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْمَأْمُورُ فِي الْحَجِّ إذَا مَاتَ فِي الطَّرِيقِ فَإِنَّهُ يَحُجُّ عَنْ الْمُوصِي مِنْ مَنْزِلِهِ بِثُلُثِ مَا بَقِيَ   [منحة الخالق] الْآمِرِ هُوَ الْمُرَادُ بِقَضَاءِ الْفَائِتِ لَا غَيْرُهُ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَفِيهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّرَدُّدِ فِي وُقُوعِهِ عَنْ الْآمِرِ) قَدْ عَلِمْت مِمَّا مَرَّ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ التَّهْذِيبِ أَنَّهُ إذَا أَفْسَدَهُ قَبْلَ الْوُقُوفِ عَلَيْهِ قَضَاءُ الْحَجِّ الَّذِي أَفْسَدَهُ، وَعُمْرَةٌ وَحَجَّةٌ لِلْآمِرِ وَصَرَّحَ فِي الْمِعْرَاجِ بِأَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ عَلَيْهِ حَجَّةً أُخْرَى لِلْآمِرِ سِوَى الْقَضَاءِ فَيَحُجُّ عَنْ نَفْسِهِ ثُمَّ عَنْ الْآمِرِ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَيَجِبُ عَلَى الْآمِرِ الْإِحْجَاجُ) لَا يَخْفَى أَنَّهُ بَحْثٌ مَعَ الْمَنْقُولِ، وَقَدْ مَرَّ جَوَابُهُ عَنْ الْمَقْدِسِيَّ. (قَوْلُهُ: وَيَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ بِثُلُثِ مَا بَقِيَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَا يَخْفَى أَنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْ ثُلُثِ مَا بَقِيَ يَعْنِي مِنْ التَّرِكَةِ عَلَى أَنَّ الْمُصَنِّفَ رَمَزَ عَلَى صِحَّةِ الْخِلَافِ بِقَوْلِهِ مِنْ مَنْزِلِهِ وَبِثُلُثِ مَا بَقِيَ، وَعَلَى مَا ادَّعَى لَا خِلَافَ أَنَّهُ يُحَجُّ عَنْهُ بِثُلُثِ تَرِكَتِهِ. اهـ. وَالْمُرَادُ بِالْخِلَافِ مَا سَنَذْكُرُهُ عَنْ الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْمَأْمُورُ بِالْحَجِّ إلَخْ) أَيْ يَحُجُّ عَنْهُ مِنْ مَنْزِلِهِ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا مِنْ حَيْثُ مَاتَ ثُمَّ عِنْدَهُ يَحُجُّ عَنْهُ مِنْ ثُلُثِ مَا بَقِيَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَنْظُرُ إنْ بَقِيَ مِنْ الْمَدْفُوعِ شَيْءٌ حَجَّ بِهِ، وَإِلَّا بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ كَانَ الْمَدْفُوعُ تَمَامَ الثُّلُثِ كَقَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُ يُكْمَلُ فَإِذَا بَلَغَ بَاقِيهِ مَا يَحُجُّ بِهِ، وَإِلَّا بَطَلَتْ مَثَلًا كَانَ الْمُخَلَّفُ أَرْبَعَةَ آلَافٍ دَفَعَ الْوَصِيَّةَ أَلْفًا فَهَلَكَتْ يُدْفَعُ إلَيْهِ مَا يَكْفِيهِ مِنْ ثُلُثِ الْبَاقِي أَوْ كُلِّهِ، وَهُوَ أَلْفٌ فَإِنْ هَلَكَتْ الثَّانِيَةُ دُفِعَ إلَيْهِ مِنْ ثُلُثِ الْبَاقِي بَعْدَهَا هَكَذَا مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ إلَى أَنْ لَا يَبْقَى مَا ثُلُثُهُ يَبْلُغُ الْحَجَّ فَيَبْطُلُ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَأْخُذُ ثَلَثَمِائَةٍ وَثَلَاثَةً وَثَلَاثِينَ وَثُلُثًا فَإِنَّهَا مَعَ تِلْكَ الْأَلْفِ ثُلُثُ الْأَرْبَعَةِ الْآلَافِ فَإِنْ كَفَتْ، وَإِلَّا بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ إنْ فَضَلَ مِنْ الْأَلْفِ الْأُولَى مَا يَبْلُغُ، وَإِلَّا بَطَلَتْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 71 مِنْ التَّرِكَةِ، وَكَذَا لَوْ مَاتَ الثَّانِي أَوْ الثَّالِثُ إلَى أَنْ لَا يَبْقَى شَيْءٌ يُمْكِنُ أَنْ يُحَجَّ بِثُلُثِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَإِنْ كَانَ لِلْمُوصِي أَوْطَانٌ حُجَّ عَنْهُ مِنْ أَقْرَبِ أَوْطَانِهِ إلَى مَكَّةَ؛ لِأَنَّهُ مُتَيَقَّنٌ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَطَنٌ فَمِنْ حَيْثُ مَاتَ فَلَوْ مَاتَ مَكِّيٌّ بِالْكُوفَةِ، وَأَوْصَى بِحَجَّةٍ حُجَّ عَنْهُ مِنْ مَكَّةَ. وَإِنْ أَوْصَى بِالْقِرَانِ قُرِنَ مِنْ الْكُوفَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْ مَكَّةَ فَإِنْ أَحَجَّ عَنْهُ الْوَصِيُّ مِنْ غَيْرِ وَطَنِهِ مَعَ مَا يُمْكِنُ الْإِحْجَاجُ مِنْ وَطَنِهِ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ فَإِنَّ الْوَصِيَّ يَكُونُ ضَامِنًا وَيَكُونُ الْحَجُّ لَهُ وَيُحِجُّ عَنْ الْمَيِّتِ ثَانِيًا إلَّا إذَا كَانَ الْمَكَانُ الَّذِي أَحَجَّ مِنْهُ قَرِيبًا إلَى وَطَنِهِ مِنْ حَيْثُ يَبْلُغُ إلَيْهِ وَيَرْجِعُ إلَى الْوَطَنِ قَبْلَ اللَّيْلِ فَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ ضَامِنًا مُخَالِفًا هَذَا كُلُّهُ إنْ بَلَغَ ثُلُثُ مَالِهِ فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ الْإِحْجَاجُ مِنْ بَلَدِهِ حُجَّ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ يَبْلُغُ اسْتِحْسَانًا، وَإِنْ بَلَغَ الثُّلُثُ أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ رَاكِبًا فَأَحَجَّ عَنْهُ مَاشِيًا لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ إلَّا مَاشِيًا مِنْ بَلَدِهِ قَالَ مُحَمَّدٌ: يُحَجُّ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ بَلَغَ رَاكِبًا، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ مِنْ بَلَدِهِ مَاشِيًا أَوْ رَاكِبًا مِنْ حَيْثُ تَبْلُغُ هَذَا إذَا أَطْلَقَ، وَأَمَّا إذَا عَيَّنَ مَكَانًا اُتُّبِعَ؛ لِأَنَّ الْإِحْجَاجَ لَا يَجِبُ بِدُونِ الْوَصِيَّةِ فَيَجِبُ بِمِقْدَارِهَا، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الثُّلُثُ يَكْفِي لِحَجَّةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنْ كَانَ يَكْفِي لِحِجَجٍ فَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ إمَّا أَنْ يُعَيِّنَ حَجَّةً وَاحِدَةً أَوْ يُطْلِقَ أَوْ يُعَيِّنَ فِي كُلِّ سَنَةٍ حَجَّةً فَفِي الْأَوَّلِ يُحَجُّ عَنْهُ وَاحِدَةٌ، وَمَا فَضَلَ فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ، وَفِي الثَّانِي خُيِّرَ الْوَصِيُّ إنْ شَاءَ أَحَجَّ عَنْهُ فِي كُلٍّ سَنَةٍ حَجَّةً، وَإِنْ شَاءَ أَحَجَّ عَنْهُ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ حِجَجًا، وَهُوَ الْأَفْضَلُ؛ لِأَنَّهُ تَعْجِيلُ تَنْفِيذِ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا هَلَكَ الْمَالُ، وَفِي الثَّالِثِ كَالثَّانِي، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ التَّفْرِيقِ لَا يُفِيدُ فَصَارَ كَالْإِطْلَاقِ كَمَا لَوْ أَمَرَ الْمُوصِي رَجُلًا بِالْحَجِّ فِي هَذِهِ السَّنَةِ فَأَخَّرَهُ الْمَأْمُورُ إلَى الْقَابِلِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ عَنْ الْمَيِّتِ، وَلَا يَضْمَنُ النَّفَقَةَ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ السَّنَةِ لِلِاسْتِعْجَالِ لَا لِلتَّقْيِيدِ، وَلَوْ أَوْصَى بِأَنْ يُحَجَّ عَنْهُ بِثُلُثِ مَالِهِ أَوْ أَطْلَقَ فَهَلَكَتْ النَّفَقَةُ فِي يَدِ الْمَأْمُورِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُحَجُّ عَنْهُ بِثُلُثِ مَالِهِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ بِمَا بَقِيَ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ، وَأَبْطَلَهُ مُحَمَّدٌ. وَهَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يُعَيِّنْ الْمُوصِي قَدْرًا فَإِنْ عَيَّنَ قَدْرًا مِنْ الْمَالِ فَإِنْ بَلَغَ ذَلِكَ أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ مِنْ بَلَدِهِ وَجَبَ، وَإِلَّا فَمِنْ حَيْثُ يَبْلُغُ، وَلَوْ عَيَّنَ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ يُحَجُّ عَنْهُ بِالثُّلُثِ مِنْ حَيْثُ يَبْلُغُ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ، وَإِعْتَاقِهِ عَنْهُ فَإِنَّهَا بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّ فِي الْعِتْقِ لَا يَجُوزُ النُّقْصَانُ عَنْ الْمُسَمَّى كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ وَذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوَاهُ لَوْ أَوْصَى بِأَنْ يُحَجَّ عَنْهُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ، وَلَمْ يَقُلْ حَجَّةً حُجَّ عَنْهُ مِنْ جَمِيعِ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّهُ أَوْصَى بِصَرْفِ جَمِيعِ الثُّلُثِ إلَى الْحَجِّ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ مِنْ لِلتَّمْيِيزِ عَنْ أَصْلِ الْمَالِ، وَلَوْ دَفَعَ الْوَصِيُّ الدَّرَاهِمَ إلَى رَجُلٍ لِيَحُجَّ عَنْ الْمَيِّتِ فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَرِدَّ كَانَ لَهُ ذَلِكَ مَا لَمْ يُحْرِمْ؛ لِأَنَّ الْمَالَ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ فَإِنْ اسْتَرَدَّهُ فَنَفَقَتُهُ إلَى بَلَدِهِ عَلَى مَنْ تَكُونُ إنْ اسْتَرَدَّ بِجِنَايَةٍ ظَهَرَتْ مِنْهُ فَالنَّفَقَةُ فِي مَالِهِ خَاصَّةً، وَإِنْ اسْتَرَدَّ لَا بِجِنَايَةٍ، وَلَا تُهْمَةَ فَالنَّفَقَةُ عَلَى الْوَصِيِّ فِي مَالِهِ خَاصَّةً، وَإِنْ اسْتَرَدَّ لِضَعْفِ رَأْيٍ فِيهِ أَوْ لِجَهْلِهِ بِأُمُورِ الْمَنَاسِكِ فَأَرَادَ الدَّفْعَ إلَى أَصْلَحَ مِنْهُ فَنَفَقَتُهُ فِي مَالِ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَرَدَّ لِمَنْفَعَةِ الْمَيِّتِ. اهـ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ لَوْ أَوْصَى أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ كَانَ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَحُجَّ بِنَفْسِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ وَارِثًا، وَإِنْ دَفَعَهُ إلَى وَارِثٍ لِيَحُجَّ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ تُجِيزَ الْوَرَثَةُ، وَهُمْ كِبَارٌ؛ لِأَنَّ هَذَا كَالتَّبَرُّعِ بِالْمَالِ فَلَا يَصِحُّ لِلْوَارِثِ إلَّا بِإِجَازَةِ الْبَاقِينَ، وَلَوْ قَالَ الْمَيِّتُ لِلْوَصِيِّ: ادْفَعْ الْمَالَ لِمَنْ يَحُجُّ عَنْهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَحُجَّ بِنَفْسِهِ مُطْلَقًا، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَلَوْ كَانَ ثُلُثُ مَالِهِ قَدْرَ مَا لَا يُمْكِنُ الْإِحْجَاجُ عَنْهُ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ، وَفِي التَّجْنِيسِ رَجُلٌ أَوْصَى بِأَنْ يُحَجَّ عَنْهُ فَحَجَّ عَنْهُ ابْنُهُ لِيَرْجِعَ فِي التَّرِكَةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ كَالدِّينِ إذَا قَضَاهُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ، وَلَوْ حَجَّ عَلَى أَنْ لَا يَرْجِعَ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ عَنْ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ مَقْصُودُ الْمَيِّتِ، وَهُوَ ثَوَابُ الْإِنْفَاقِ، وَعَلَى هَذَا الزَّكَاةُ وَالْكَفَّارَةُ، وَمِثْلُهُ لَوْ قَضَى عَنْهُ دَيْنَهُ مُتَطَوِّعًا جَازَ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ عَنْ الْكَبِيرِ الْعَاجِزِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَا يَجُوزُ، وَقَضَاءُ الدَّيْنِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ يَجُوزُ فَكَذَا بَعْدَ الْمَوْتِ. رَجُلٌ مَاتَ، وَعَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ فَحَجَّ عَنْهُ رَجُلٌ بِإِذْنِهِ، وَلَمْ يَنْوِ لَا فَرْضًا   [منحة الخالق] فَالْخِلَاف فِي مَوْضِعَيْنِ فِيمَا يُدْفَعُ ثَانِيًا، وَفِي الْمَحَلِّ الَّذِي يَجِبُ الْإِحْجَاجُ مِنْهُ ثَانِيًا وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: فَهَلَكَتْ النَّفَقَةُ إلَخْ) قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ، وَلَوْ ضَاعَ مَالُ النَّفَقَةِ بِمَكَّةَ أَوْ بِقُرْبٍ مِنْهَا أَوْ لَمْ يَبْقَ مَالُ النَّفَقَةِ فَأَنْفَقَ الْمَأْمُورُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي مَالِ الْمَيِّتِ، وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِغَيْرِ قَضَاءٍ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَمَرَهُ بِالْحَجِّ فَقَدْ أَمَرَهُ بِأَنْ يُنْفِقَ عَنْهُ (قَوْلُهُ: فَحَجَّ عَنْهُ ابْنُهُ لِيَرْجِعَ فِي التَّرِكَةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ) ، وَكَذَا لَوْ أَحَجَّ الْوَارِثُ رَجُلًا مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لِيَرْجِعَ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَلْيُنْظَرْ لِمَ جَازَ فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ حَجُّ الْوَارِثِ وَإِحْجَاجُهُ، وَلَمْ يَجُزْ حَجُّهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَارَّةِ قَرِيبًا عَنْ الْفَتْحِ إلَّا بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ؟ . اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: مَا هُنَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ وَارِثٌ غَيْرُهُ (قَوْلُهُ: وَلَوْ حَجَّ عَلَى أَنْ لَا يَرْجِعَ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ) كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ حَيْثُ قَالَ: الْمَيِّتُ إذَا أَوْصَى بِأَنْ يُحَجَّ عَنْهُ بِمَالِهِ فَتَبَرَّعَ عَنْهُ الْوَارِثُ أَوْ الْأَجْنَبِيُّ لَا يَجُوزُ. اهـ. لَكِنْ قَالَ بَعْدَهُ: وَلَوْ أَوْصَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 72 وَلَا نَفْلًا فَإِنَّهُ يَجُوزُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ، وَلَوْ نَوَى تَطَوُّعًا لَا يَجُوزُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ. اهـ. وَفِي عُمْدَةِ الْفَتَاوَى لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ لَوْ قَالَ: حُجُّوا مِنْ ثُلُثِي حَجَّتَيْنِ يُكْتَفَى بِوَاحِدَةٍ وَالْبَاقِي لِلْوَرَثَةِ إنْ فَضَلَ. اهـ. وَهُوَ مُشْكِلٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمُحِيطِ والولوالجية، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ أَنْ يُوصِيَ مِنْ الثُّلُثِ وَبَيْنَ أَنْ يُوصِيَ بِجَمِيعِ الثُّلُثِ وَذَكَرَ فِي آخِرِ الْعُمْدَةِ مِنْ الْوَصَايَا لَوْ أَوْصَى بِأَنْ يُحَجَّ عَنْهُ بِالْأَلْفِ مِنْ مَالِهِ فَأَحَجَّ الْوَصِيُّ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لِيَرْجِعَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِاللَّفْظِ فَيُعْتَبَرُ لَفْظُ الْمُوصِي، وَهُوَ أَضَافَ الْمَالَ إلَى نَفْسِهِ فَلَا يُبَدَّلُ. اهـ. وَفِي الْعُدَّةِ امْرَأَةٌ تَرَكَتْ مَهْرَهَا عَلَى الزَّوْجِ لِيَحُجَّ بِهَا وَحَجَّ بِهَا فَعَلَيْهِ الْمَهْرُ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الرِّشْوَةِ، وَهِيَ حَرَامٌ اهـ. وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى الْحَجِّ، وَلَا عَلَى شَيْءٍ مِنْ الطَّاعَاتِ فَلَوْ اُسْتُؤْجِرَ عَلَى الْحَجِّ وَدُفِعَ إلَيْهِ الْأَجْرُ فَحَجَّ عَنْ الْمَيِّتِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ عَنْ الْمَيِّتِ، وَلَهُ مِنْ الْأَجْرِ مِقْدَارُ نَفَقَةِ الطَّرِيقِ فِي الذَّهَابِ وَالْمَجِيءِ وَيُرَدُّ الْفَضْلُ عَلَى الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْفَضْلَ لِنَفْسِهِ إلَّا إذَا تَبَرَّعَ الْوَرَثَةُ بِهِ، وَهُمْ مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ أَوْ أَوْصَى الْمَيِّتُ بِأَنَّ الْفَضْلَ لِلْحَاجِّ. وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: لَا تَجُوزُ هَذِهِ الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ مَجْهُولٌ إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ يَصِيرُ مَعْرُوفًا بِالْحَجِّ كَمَا لَوْ أَوْصَى بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ وَيُعْتَقُ وَيُعْطَى لَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ فَإِنَّهَا جَائِزَةٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا تَجُوزُ. اهـ. وَأَرَادَ الْمُصَنِّفُ بِمَوْتِهِ فِي الطَّرِيقِ مَوْتَهُ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، وَلَوْ كَانَ بِمَكَّةَ، وَفِي الْمُحِيطِ، وَلَوْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ مَالًا لِيَحُجَّ بِهِ عَنْهُ فَأَهَلَّ بِحَجَّةٍ ثُمَّ مَاتَ الْآمِرُ فَلِلْوَرَثَةِ أَنْ يَأْخُذُوا مَا بَقِيَ مِنْ الْمَالِ مَعَهُ وَيَضْمَنُونَهُ مَا أَنْفَقَ مِنْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَلَا يُشْبِهُ الْوَرَثَةُ الْآمِرَ فِي هَذَا؛ لِأَنَّ نَفَقَةَ الْحَجِّ كَنَفَقَةِ ذَوِي الْأَرْحَامِ فَتَبْطُلُ بِالْمَوْتِ وَيَرْجِعُ الْمَالُ إلَى الْوَرَثَةِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ عَنْ أَبَوَيْهِ فَعَيَّنَ صَحَّ) ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الثَّوَابَ لِلْغَيْرِ، وَهُوَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بَعْدَ   [منحة الخالق] بِأَنْ يُحَجَّ عَنْهُ فَأَحَجَّ الْوَارِثُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لَا لِيَرْجِعَ عَلَيْهِ جَازَ لِلْمَيِّتِ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ فَقَدْ فَرَّقَ فِي مَسْأَلَةِ عَدَمِ الرُّجُوعِ بَيْنَ مَا إذَا حَجَّ بِنَفْسِهِ وَبَيْنَ مَا إذَا أَحَجَّ غَيْرَهُ عَنْ الْمَيِّتِ، وَلَمْ يَذْكُرْ وَجْهَ الْفَرْقِ فَلْيُنْظَرْ نَعَمْ قَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّهُ فِي الْأُولَى أَوْصَى بِأَنْ يُحَجَّ بِمَالِهِ دُونَ الثَّانِيَةِ لَكِنْ لَيْسَ فِي كَلَامِ التَّجْنِيسِ وَالْخَانِيَّةِ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: فَلَوْ اُسْتُؤْجِرَ عَلَى الْحَجِّ إلَخْ) قَالَ: فِي الْفَتْحِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَنَّ مَا يُنْفِقُهُ الْمَأْمُورُ إنَّمَا هُوَ عَلَى حُكْمِ مِلْكِ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مِلْكَهُ لَكَانَ بِالِاسْتِئْجَارِ، وَلَا يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى الطَّاعَاتِ، وَعَنْ هَذَا قُلْنَا لَوْ أَوْصَى أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَدَّمَهَا الْمُؤَلِّفُ عَنْهُ ثُمَّ قَالَ: وَإِذَا عُلِمَ هَذَا فَمَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ مِنْ قَوْلِهِ إذَا اسْتَأْجَرَ الْمَحْبُوسُ رَجُلًا لِيَحُجَّ عَنْهُ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ جَازَتْ الْحَجَّةُ عَنْ الْمَحْبُوسِ إذَا مَاتَ فِي الْحَبْسِ وَلِلْأَجِيرِ أَجْرُ مِثْلِهِ مُشْكِلٌ لَا جَرَمَ أَنَّ الَّذِي فِي الْكَافِي لِلْحَاكِمِ أَبِي الْفَضْلِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَالَ: وَلَهُ نَفَقَةُ مِثْلِهِ هِيَ الْعِبَارَةُ الْمُحَرَّرَةُ وَزَادَ إيضَاحُهَا فِي الْمَبْسُوطِ فَقَالَ: وَهَذِهِ النَّفَقَةُ لَيْسَ يَسْتَحِقُّهَا بِطَرِيقِ الْعَرَضِ بَلْ بِطَرِيقِ الْكِفَايَةِ؛ لِأَنَّهُ فَرَّغَ نَفْسَهُ لِعَمَلٍ يَنْتَفِعُ بِهِ الْمُسْتَأْجِرُ هَذَا، وَإِنَّمَا جَازَ الْحَجُّ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا بَطَلَتْ الْإِجَارَةُ بَقِيَ الْأَمْرُ بِالْحَجِّ فَتَكُونُ لَهُ نَفَقَةُ مِثْلِهِ. اهـ. وَأُجِيبَ عَنْ قَاضِي خَانْ بِأَنَّهُ أَرَادَ مَا قَالَهُ الْحَاكِمُ غَيْرَ أَنَّهُ عَبَّرَ عَنْ نَفَقَةِ الْمِثْلِ بِأَجْرِ الْمِثْلِ لِمُشَاكَلَةِ صِفَةِ الْعِبَارَةِ الْمُنَاسِبَةِ لِلَفْظِ الْإِجَارَةِ وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْمُشَاكَلَةَ إنَّمَا تَحْسُنُ فِي الْمَقَامَاتِ الْخَطَابِيَّةِ لَا فِي إفَادَةِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ قِيلَ وَيَنْبَغِي جَوَازُ الِاسْتِئْجَارِ بِنَاءً عَلَى الْمُفْتَى بِهِ مِنْ جَوَازِ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى الطَّاعَاتِ. اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ يَظْهَرُ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ الْبَابِ، وَقَدْ نَصَّ فِي الْمَتْنِ وَالْمُخْتَارِ وَالْمَوَاهِبِ وَالْمَجْمَعِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْمُتُونِ الْمُعْتَبَرَةِ عَلَى عَدَمِ جَوَازِهَا عَلَى الْحَجِّ وَغَيْرِهِ مِنْ الطَّاعَاتِ وَاسْتَثْنَى فِي الْمَتْنِ تَعْلِيمَ الْقُرْآنِ وَزَادَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ الْفِقْهَ وَزَادَ فِي الْمَجْمَعِ وَالْمُخْتَارِ الْإِمَامَةَ وَزَادَ بَعْضُهُمْ الْأَذَانَ، وَقَدْ جُمِعَ الْأَرْبَعَةُ فِي مَتْنِ التَّنْوِيرِ، وَقَدْ صَرَّحَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي رِسَالَتِهِ بُلُوغِ الْأَرَبِ بِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْ مَشَايِخِنَا جَوَازَ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى الْحَجِّ، وَمَا قِيلَ إنَّهُ صَرَّحَ بِهِ الْقُهُسْتَانِيُّ فَغَيْرُ صَحِيحٍ نَعَمْ صَدْرُ كَلَامِهِ مُوهِمٌ لِذَلِكَ، وَلَكِنْ يَرْفَعُهُ التَّعْلِيلُ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ مُرَاجَعَتِهِ، وَلَوْ سَلِمَ فَلَا يُعْتَبَرُ بِمَا يَنْفَرِدُ بِهِ كَمَا هُوَ مَشْهُورٌ كَمَا لَا عِبْرَةَ بِمَا يَنْفَرِدُ بِهِ الزَّاهِدِيُّ كَيْفَ، وَلَوْ صَحَّ يَلْزَمُهُ هَدْمُ كَثِيرٍ مِنْ الْفُرُوعِ مِنْهَا مَا مَرَّ عَنْ الْكَمَالِ، وَمِنْهَا وُجُوبُ رَدِّ الزَّائِدِ مِنْ النَّفَقَةِ إلَّا بِالشَّرْطِ السَّابِقِ، وَمِنْهَا اشْتِرَاطُ الْإِنْفَاقِ بِقَدْرِ مَالِ الْآمِرِ أَوْ أَكْثَرِهِ وَغَيْرُهَا مِمَّا يَظْهَرُ لِلْمُتَأَمِّلِ الْمُتَتَبِّعِ إذْ لَوْ صَحَّتْ الْإِجَارَةُ لَمَا لَزِمَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: وَمَنْ أَهَّلَ بِحَجٍّ عَنْ أَبَوَيْهِ فَعَيَّنَ صَحَّ) قَالَ: فِي الشرنبلالية يُفِيدُ بِطَرِيقٍ أَوْلَى أَنَّهُ إذَا أَهَّلَ عَنْ أَحَدِهِمَا عَلَى الْإِبْهَامِ لَهُ أَنْ يَجْعَلَهَا عَنْ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَتَعْلِيلُ الْمَسْأَلَةِ بِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِجَعْلِ ثَوَابِ عَمَلِهِ لِأَحَدِهِمَا يُفِيدُ وُقُوعَ الْحَجِّ عَنْ الْفَاعِلِ فَيَسْقُطُ بِهِ الْفَرْضُ عَنْهُ، وَإِنْ جَعَلَ ثَوَابَهُ لِغَيْرِهِ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَمَبْنَاهُ عَلَى أَنَّ نِيَّتَهُ لَهُمَا تَلْغُو بِسَبَبِ أَنَّهُ غَيْرُ مَأْمُورٍ مِنْ قِبَلِهِمَا أَوْ أَحَدِهِمَا فَهُوَ مُعْتَبَرٌ فَتَقَعُ الْأَعْمَالُ عَنْهُ أَلْبَتَّةَ، وَإِنَّمَا يَجْعَلُ لَهُمَا الثَّوَابَ وَيُفِيدُ ذَلِكَ مَا فِي الْأَحَادِيثِ الَّتِي رَوَاهَا الْكَمَالُ بِقَوْلِهِ: اعْلَمْ أَنَّ فِعْلَ الْوَلَدِ ذَلِكَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ جِدًّا لِمَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الجزء: 3 ¦ الصفحة: 73 الْأَدَاءِ فَالنِّيَّةُ قَبْلَهُ لَهُمَا لَغْوٌ فَإِذَا فَرَغَ وَجَعَلَهُ لِأَحَدِهِمَا أَوْ لَهُمَا فَإِنَّهُ يَجُوزُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَهَلَّ عَنْ آمِرَيْهِ ثُمَّ عَيَّنَ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ صَارَ مُخَالِفًا وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ التَّعْيِينَ بَعْدَ الْإِبْهَامِ لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ لِيُعْلَمَ مِنْهُ حُكْمُ عَدَمِ التَّعْيِينِ بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ أَنْ جَعَلَهُ لَهُمَا يَمْلِكُ صَرْفَهُ عَنْ أَحَدِهِمَا فَلَأَنْ يُبْقِيَهُ لَهُمَا أَوْلَى وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ الْأَجْنَبِيَّ كَالْوَارِثِ فِي هَذَا فَإِنَّ مَنْ تَبَرَّعَ عَنْ أَجْنَبِيَّيْنِ بِالْحَجِّ فَهُوَ كَالْوَلَدِ عَنْ الْأَبَوَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَجْعُولَ إنَّمَا هُوَ الثَّوَابُ فَلَهُ أَنْ يَجْعَلَهُ لِمَنْ شَاءَ، وَعُلِمَ أَيْضًا أَنَّهُ فِي الْوَارِثِ الْمُتَبَرِّعِ مِنْ غَيْرِ وَصِيَّةٍ أَمَّا إذَا أَوْصَى بِحَجَّةِ الْفَرْضِ فَتَبَرَّعَ الْوَارِثُ بِالْحَجِّ فَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ لَمْ يُوصِ فَتَبَرَّعَ الْوَارِثُ إمَّا بِالْحَجِّ بِنَفْسِهِ أَوْ بِالْإِحْجَاجِ عَنْهُ رَجُلًا فَقَدْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُجْزِئُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لِحَدِيثِ الْخَثْعَمِيَّةِ فَإِنَّهُ شَبَّهَهُ بِدَيْنِ الْعِبَادِ، وَفِيهِ لَوْ قَضَى الْوَارِثُ مِنْ غَيْرِ وَصِيَّةٍ يُجْزِئُهُ فَكَذَا هَذَا، وَفِي الْمَبْسُوطِ فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ أَطْلَقَ أَبُو حَنِيفَةَ الْجَوَابَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ الثَّابِتَةِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْمَشِيئَةِ قُلْنَا إنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ يُوجِبُ الْعَمَلَ فِيمَا طَرِيقُهُ الْعَمَلُ فَأَطْلَقَ الْجَوَابَ فِيهِ فَأَمَّا سُقُوطُ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ عَنْ الْمَيِّتِ بِأَدَاءِ الْوَرَثَةِ طَرِيقُهُ الْعِلْمُ فَإِنَّهُ أَمْرٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ تَعَالَى فَلِهَذَا قَيَّدَ الْجَوَابَ بِالِاسْتِثْنَاءِ. اهـ. وَذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ أَنَّ قَوْلَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْقَبُولِ لَا عَلَى الْجَوَازِ؛ لِأَنَّهُ شَبَّهَهُ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ، وَمَنْ تَبَرَّعَ بِقَضَاءِ دَيْنِ رَجُلٍ كَانَ صَاحِبُ الدَّيْنِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَبِلَ، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَقْبَلْ فَكَذَا فِي بَابِ الْحَجِّ. اهـ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ حَجَّ الْوَلَدِ عَنْ وَالِدِهِ وَوَالِدَتِهِ مَنْدُوبٌ لِلْأَحَادِيثِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ ثُمَّ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَمْ يُقَيِّدْ الْحَاجَّ عَنْ الْغَيْرِ بِشَيْءٍ لِيُفِيدَ أَنَّهُ يَجُوزُ إحْجَاجُ الصَّرُورَةِ، وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَحُجَّ أَوَّلًا عَنْ نَفْسِهِ لَكِنَّهُ مَكْرُوهٌ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَاخْتَارَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّهَا كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ لِلنَّهْيِ الْوَارِدِ فِي ذَلِكَ، وَفِي الْبَدَائِعِ يُكْرَهُ إحْجَاجُ الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ وَالصَّرُورَةِ وَالْأَفْضَلُ إحْجَاجُ الْحُرِّ الْعَالِمِ بِالْمَنَاسِكِ الَّذِي حَجَّ عَنْ نَفْسِهِ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ، وَإِلَّا   [منحة الخالق] «لِمَنْ حَجَّ عَنْ أَبَوَيْهِ أَوْ قَضَى عَنْهُمَا مَغْرَمًا بُعِثَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ الْأَبْرَارِ» ، وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْهُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ: «مَنْ حَجَّ عَنْ أَبِيهِ وَأُمِّهِ فَقَدْ قَضَى عَنْهُ حَجَّتَهُ، وَكَانَ لَهُ فَضْلُ عَشْرِ حِجَجٍ» ، وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا حَجَّ الرَّجُلُ عَنْ وَالِدَيْهِ تُقُبِّلَ مِنْهُ، وَمِنْهُمَا وَاسْتَبْشَرَتْ أَرْوَاحُهُمَا وَكُتِبَ عِنْدَ اللَّهِ بَرًّا» . اهـ. قُلْتُ: وَقَوْلُ الْفَتْحِ، وَمَبْنَاهُ عَلَى أَنَّ نِيَّتَهُ لَهُمَا تَلْغُو إلَخْ يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَأْمُورًا لَا تَلْغُو فَلَا تَقَعُ الْأَعْمَالُ عَنْهُ مُسْقِطَةً لِلْفَرْضِ فَيَصْلُحُ رَدًّا لِمَا ذَكَرَهُ الْبَاقَانِيُّ فِيمَا مَرَّ لَكِنْ يُعَكِّرُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مَا يَأْتِي قَرِيبًا مِنْ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُوصِ فَتَبَرَّعَ الْوَارِثُ إمَّا بِالْحَجِّ بِنَفْسِهِ أَوْ بِالْإِحْجَاجِ عَنْهُ رَجُلًا يُجْزِئُهُ أَيْ يُجْزِئُ الْمَيِّتَ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ كَمَا يَذْكُرُهُ عَنْ الْمَبْسُوطِ وَيَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ: يُجْزِئُ عَنْهُمَا كَمَا يُوهِمُهُ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ الْأَخِيرِ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَاخْتَارَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّهَا كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ) ظَاهِرُهُ أَنَّ كَلَامَ الْفَتْحِ فِي كَرَاهَةِ الْإِحْجَاجِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ فِي الْحَجِّ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ قَالَ: وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ أَنَّ حَجَّ الصَّرُورَةِ عَنْ غَيْرِهِ إنْ كَانَ بَعْدَ تَحَقُّقِ الْوُجُوبِ عَلَيْهِ بِمِلْكِ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ وَالصِّحَّةِ فَهُوَ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَتَضَيَّقُ عَلَيْهِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ فِي أَوَّلِ سِنِي الْإِمْكَانِ فَيَأْثَمُ بِتَرْكِهِ، وَكَذَا لَوْ تَنَفَّلَ لِنَفْسِهِ، وَمَعَ ذَلِكَ يَصِحُّ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ لَيْسَ لِعَيْنِ الْحَجِّ الْمَفْعُولِ بَلْ لِغَيْرِهِ، وَهُوَ خَشْيَةُ أَنْ لَا يُدْرِكُ الْفَرْضَ إذْ الْمَوْتُ فِي سَنَتِهِ غَيْرُ نَادِرٍ. اهـ. وَبِهِ تَأَيَّدَ مَا يَذْكُرُهُ مِنْ التَّحْقِيقِ هَذَا وَرَأَيْت فِي فَتَاوَى الْعَلَّامَةِ حَامِدٍ أَفَنْدِي الْعِمَادِيِّ مُفْتِي دِمَشْقَ مَا نَصُّهُ، وَهَلْ يَجِبُ عَلَى حَاجِّ الصَّرُورَةِ أَنْ يَمْكُثَ بِمَكَّةَ حَتَّى يَحُجَّ عَنْ نَفْسِهِ لَمْ أَرَهُ إلَّا فِي فَتَاوَى أَبِي السُّعُودِ الْمُفَسِّرِ بِمَا صُورَتُهُ مَسْأَلَةٌ: كعبه شريفه يه وَارْمِينَ زَيْدٌ فَقِيرٌ عُمْرك حَجّ شريف ايجون تعيين ايتدوكى اقجه اولوب عمر ونيتنه حَجّ ايلسه شَرْعًا جَائِزًا، وَلَوْ رَمَى الْجَوَابَ اكرجه جَائِزٌ دراما ير دَفَعَهُ حَجَّ ايده لَهُ ايتدرمك كَرَّ كَدُرِّ زُبُر ابوندن وَارَوْب حَجّ اشمك لَازِم الورانده مُجَاوِرًا وليجق عُمْرك حَجَّتِي إتْمَام اتممش اولور. اهـ. أَقُولُ:، وَفِي هَذَا الْكَلَامِ بَحْثٌ إنْ لَمْ يُوجَدْ نَقْلٌ صَرِيحٌ؛ لِأَنَّهُ حَجَّ بِقُدْرَةِ الْغَيْرِ لَا بِقُدْرَةِ نَفْسِهِ، وَمَالِهِ، وَإِذَا أَتَمَّ الْحَجَّ يَمْضِي أَشْهُرُ الْحَجِّ فَإِنَّهَا شَوَّالٌ وَذُو الْقِعْدَةِ، وَعَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ فَكَيْفَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْمُكْثُ حَتَّى تَأْتِيَ أَشْهُرُهُ فَإِذَا كَانَ فَقِيرًا أَوْ لَهُ عَائِلَةٌ فِي بَلَدِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْمُكْثُ إلَى السَّنَةِ الْآتِيَةِ بِلَا نَفَقَةٍ مَعَ تَرْكِهِ عِيَالَهُ يَحْتَاجُ إلَى نَقْلٍ صَرِيحٍ فِي ذَلِكَ فَتَأَمَّلْ. ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ رَأَيْت بِخَطِّ بَعْضِ الْفُضَلَاءِ نَاقِلًا عَنْ مَجْمَعِ الْأَنْهُرِ عَلَى مُلْتَقَى الْأَبْحُرِ مَا صُورَتُهُ: وَيَجُوزُ إحْجَاجُ الصَّرُورَةِ، وَلَكِنْ يَجِبُ عَلَيْهِ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْكَعْبَةِ الْحَجُّ لِنَفْسِهِ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَتَوَقَّفَ إلَى عَامٍ قَابِلٍ وَيَحُجُّ لِنَفْسِهِ أَوْ أَنْ يَحُجَّ بَعْدَ عَوْدَةِ أَهْلِهِ بِمَالِهِ، وَإِنْ فَقِيرًا فَلْتُحْفَظْ وَالنَّاسُ عَنْهَا غَافِلُونَ وَصَرَّحَ عَلِيٌّ الْقَارِي فِي شَرْحِ مَنَاسِكِهِ الْكَبِيرِ بِأَنَّهُ بِوُصُولِهِ لِمَكَّةَ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ. اهـ. وَفِي نَهْجِ النُّحَاةِ لِابْنِ حَمْزَةَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ كَلَامِ حَسَنٍ فَلْتُرَاجَعْ. اهـ مَا رَأَيْته فِي الْحَامِدِيَّةِ. وَرَأَيْت فِي بَعْضِ حَوَاشِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ أَنَّهُ أَفْتَى بِعَدَمِ وُجُوبِ الْحَجِّ عَلَيْهِ مَوْلَانَا الْعَارِفُ بِاَللَّهِ تَعَالَى الشَّيْخُ عَبْدُ الْغَنِيِّ النَّابُلُسِيُّ لِتَلَبُّسِهِ بِالْإِحْرَامِ عَنْ الْغَيْرِ وَوُجُودِ الْحَرَجِ الْمَرْفُوعِ لَوْ أَقَامَ إلَى قَابِلٍ، وَأَلَّفَ فِي ذَلِكَ رِسَالَةً، وَأَفْتَى بِخِلَافِهِ مَوْلَانَا السَّيِّدُ أَحْمَدُ بَادْشَاهْ فِي رِسَالَةٍ لَهُ وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُ مُنْلَا عَلِيٍّ الْقَارِي فِي شَرْحِهِ لَوْ حَجَّ الْفَقِيرُ نَفْلًا يَجِبُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 74 قَالَ: وَيَجِبُ إحْجَاجِ الْحُرِّ إلَى آخِرِهِ وَالْحَقُّ أَنَّهَا تَنْزِيهِيَّةٌ عَلَى الْآمِرِ تَحْرِيمِيَّةٌ عَلَى الصَّرُورَةِ الْمَأْمُورِ الَّذِي اجْتَمَعَتْ فِيهِ شُرُوطُ الْحَجِّ، وَلَمْ يَحُجَّ عَنْ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ آثِمٌ بِالتَّأْخِيرِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ، وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ. (بَابُ الْهَدْيِ) . هُوَ فِي اللُّغَةِ مَا يُهْدَى إلَى الْحَرَمِ مِنْ شَاةٍ أَوْ بَقَرَةٍ أَوْ بَعِيرٍ الْوَاحِدُ هَدْيَةٌ كَمَا يُقَالُ جَدْيٌ فِي جَدْيَةِ السَّرْجِ وَيُقَالُ هَدْيٌ بِالتَّشْدِيدِ عَلَى فَعِيلٍ الْوَاحِدَة هَدِيَّةٌ كَمَطِيَّةٍ، وَمَطِيٍّ، وَمَطَايَا كَذَا فِي الْمُغْرِبِ (قَوْلُهُ: أَدْنَاهُ شَاةٌ، وَهُوَ إبِلٌ وَبَقَرٌ وَغَنَمٌ) يُفِيدُ أَنَّ لَهُ أَعْلَى، وَهُوَ كَذَلِكَ فَإِنَّ الْأَفْضَلَ الْإِبِلُ وَالْأَدْنَى الشَّاةُ وَالْبَقَرُ وَسَطٌ، وَقَدْ فَسَّرَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] بِالشَّاةِ، وَأَرَادَ بِالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ بَيَانَ أَنْوَاعِ مَا يُهْدَى إلَى الْحَرَمِ فَالْهَدْيُ لُغَةً وَشَرْعًا وَاحِدٌ لَا أَنَّ تِلْكَ الْأَنْوَاعَ تُسَمَّى هَدْيًا مِنْ غَيْرِ إهْدَاءٍ إلَى الْحَرَمِ وَحِينَئِذٍ فَإِطْلَاقُ الْهَدْيِ عَلَى غَيْرِ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ فِي كَلَامِ الْفُقَهَاءِ فِي بَابِ الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ مَجَازٌ ثُمَّ الْوَاحِدُ مِنْ النَّعَمِ يَكُونُ هَدْيًا بِجَعْلِهِ صَرِيحًا هَدْيًا أَوْ دَلَالَةً، وَهِيَ إمَّا بِالنِّيَّةِ أَوْ بِسَوْقِ بَدَنَةٍ إلَى مَكَّةَ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ نِيَّةَ الْهَدْيِ ثَابِتَةٌ عُرْفًا؛ لِأَنَّ سَوْقَ الْبَدَنَةِ إلَى مَكَّةَ فِي الْعُرْفِ يَكُونُ لِلْهَدْيِ لَا لِلرُّكُوبِ وَالتِّجَارَةِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَأَرَادَ بِهِ السَّوْقَ بَعْدَ التَّقْلِيدِ لَا مُجَرَّدَ السَّوْقِ، وَأَفَادَ بِبَيَانِ الْأَدْنَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُهْدِيَ، وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ شَاةٌ؛ لِأَنَّهَا الْأَقَلُّ، وَإِنْ عَيَّنَ شَيْئًا لَزِمَهُ فَإِنْ كَانَ مِمَّا يُرَاقُ دَمُهُ فَفِيهِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ فِي رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ يَجُوزُ أَنْ يُهْدِيَ بِقِيمَتِهِ؛ لِأَنَّ إيجَابَ الْعَبْدِ مُعْتَبَرٌ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَمَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ يَتَأَدَّى بِالْقِيمَةِ فَكَذَا مَا أَوْجَبَهُ الْعَبْدُ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ أَجْزَأَهُ أَنْ يُهْدِيَ مِثْلَهُ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُهْدِيَ قِيمَتَهُ؛ لِأَنَّهُ أَوْجَبَ شَيْئَيْنِ الْإِرَاقَةَ وَالتَّصَدُّقَ فَلَا يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى التَّصَدُّقِ كَمَا فِي هَدْيِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ بِخِلَافِ جَزَاءِ الصَّيْدِ؛ لِأَنَّهُ كَمَا أَوْجَبَ الْهَدْيَ أَوْجَبَ غَيْرَهُ، وَهُوَ الْإِطْعَامُ، وَهُنَا النَّاذِرُ مَا أَوْجَبَ إلَّا الْهَدْيَ فَتَعَيَّنَ، وَلَوْ بَعَثَ بِقِيمَتِهِ فَاشْتَرَى بِمَكَّةَ مِثْلَهُ وَذَبَحَهُ جَازَ قَالَ الْحَاكِمُ فِي الْمُخْتَصَرِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا تَأْوِيلَ رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَمَنْ نَذَرَ شَاةً فَأَهْدَى جَزُورًا فَقَدْ أَحْسَنَ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ الْقِيمَةِ لِثُبُوتِ الْإِرَاقَةِ فِي الْبَدَلِ الْأَعْلَى كَالْأَصْلِ. وَقَالُوا إذَا قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُهْدِيَ شَاتَيْنِ فَأَهْدَى شَاةً تُسَاوِي شَاتَيْنِ قِيمَةً لَمْ يُجْزِهِ، وَهِيَ مُرَجِّحَةٌ لِرِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ فَكَانَ هُوَ الْمَذْهَبَ، وَإِنْ كَانَ الْمَنْذُورُ شَيْئًا لَا يُرَاقُ دَمُهُ فَإِنْ كَانَ مَنْقُولًا تَصَدَّقَ بِعَيْنِهِ أَوْ بِقِيمَتِهِ، وَإِنْ كَانَ عَقَارًا تَصَدَّقَ بِقِيمَتِهِ، وَلَا يَتَعَيَّنُ التَّصَدُّقُ بِهِ فِي الْحَرَمِ، وَلَا عَلَى فُقَرَاءِ مَكَّةَ؛ لِأَنَّ الْهَدْيَ فِيهِ مَجَازٌ عَنْ التَّصَدُّقِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا أَلْحَقَ بِلَفْظِ الْهَدْيِ مَا يُبْطِلُهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ كَمَا لَوْ قَالَ: هَذِهِ الشَّاةُ هَدْيٌ إلَى الْحَرَمِ أَوْ إلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْهَدْيِ إنَّمَا يُوجَبُ بِاعْتِبَارِ إضْمَارِ مَكَّةَ بِدَلَالَةِ الْعُرْفِ فَإِذَا صَرَّحَ بِالْحَرَمِ أَوْ الْمَسْجِدِ تَعَذَّرَ هَذَا الْإِضْمَارُ إذْ قَدْ صَرَّحَ بِمُرَادِهِ (قَوْلُهُ: وَمَا جَازَ فِي الضَّحَايَا جَازَ فِي الْهَدَايَا) يَعْنِي فَيَجُوزُ الثَّنِيُّ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ، وَلَا يَجُوزُ الْجَذَعُ إلَّا مِنْ الضَّأْنِ؛ لِأَنَّهُ قُرْبَةٌ تَعَلَّقَتْ بِإِرَاقَةِ الدَّمِ كَالْأُضْحِيَّةِ فَيَتَخَصَّصَانِ بِمَحِلٍّ وَاحِدٍ وَالثَّنِيُّ مِنْ الْغَنَمِ مَا تَمَّ لَهُ سَنَةٌ، وَمِنْ الْبَقَرِ مَا تَمَّ لَهُ سَنَتَانِ، وَمِنْ الْإِبِلِ مَا تَمَّ لَهُ خَمْسٌ وَاخْتُلِفَ فِي الْجَذَعِ مِنْ الضَّأْنِ فَجَزَمَ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّهُ ابْنُ سَبْعَةِ أَشْهُرٍ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ وَسِتَّةٍ فِي اللُّغَةِ، وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّهُ مَا تَمَّ لَهُ ثَمَانِيَةُ أَشْهُرٍ وَشَرَطَ أَنْ يَكُونَ عَظِيمَ الْجُثَّةِ أَمَّا إنْ كَانَ صَغِيرًا فَلَا بُدَّ مِنْ تَمَامِ السَّنَةِ، وَأَفَادَ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلِاشْتِرَاكِ فِي بَدَنَةٍ كَمَا فِي الْأُضْحِيَّةِ بِشَرْطِ إرَادَةِ الْكُلِّ الْقُرْبَةَ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَجْنَاسُهُمْ مِنْ دَمِ مُتْعَةٍ، وَإِحْصَارٍ وَجَزَاءِ صَيْدٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَلَوْ   [منحة الخالق] عَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ حَجًّا ثَانِيًا اهـ. [بَابُ الْهَدْيِ] (قَوْلُهُ: وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُهْدِيَ قِيمَتَهُ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُهْدِيَ مِثْلَهُ وَحِينَئِذٍ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ لَكِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ النَّهْرِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُهْدِيَ مِثْلَهُ أَيْضًا (قَوْلُهُ: وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَجْنَاسُهُمْ إلَخْ) هَذَا صَرِيحٌ فِي خِلَافِ مَا قَدَّمَهُ فِي الْقِرَانِ وَالْجِنَايَاتِ مِنْ أَنَّ الِاشْتِرَاكَ لَا يَكْفِي فِي الْجِنَايَاتِ بِخِلَافِ دَمِ الشُّكْرِ وَنَبَّهْنَا عَلَيْهِ هُنَاكَ فَلَا تَغْفُلْ، وَمَا هُنَا صَرَّحَ بِهِ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ أَيْضًا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 75 كَانَ الْكُلُّ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ كَانَ أَحَبَّ بِأَنْ اشْتَرَى بَدَنَةً لِمُتْعَةٍ مَثَلًا نَاوِيًا أَنْ يَشْتَرِكَ فِيهَا سِتَّةٌ أَوْ يَشْتَرِيَهَا بِغَيْرِ نِيَّةِ الْهَدْيِ ثُمَّ يَشْتَرِكَ فِيهِ سِتَّةٌ وَيَنْوُوا الْهَدْيَ أَوْ يَشْتَرُوهَا مَعًا فِي الِابْتِدَاءِ، وَهُوَ الْأَفْضَلُ، وَأَمَّا إذَا اشْتَرَاهَا لِلْهَدْيِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةِ الشَّرِكَةِ لَيْسَ لَهُ الِاشْتِرَاكُ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بَيْعًا؛ لِأَنَّهَا كُلُّهَا صَارَتْ وَاجِبَةً بَعْضُهَا بِإِيجَابِ الشَّرْعِ، وَمَا زَادَ بِإِيجَابِهِ، وَإِذَا كَانَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ كَافِرًا أَوْ مُرِيدًا اللَّحْمَ دُونَ الْهَدْيِ لَمْ يُجْزِهِمْ، وَإِذَا مَاتَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ فَرَضِيَ وَارِثُهُ أَنْ يَنْحَرَهَا عَنْ الْمَيِّتِ مَعَهُمْ أَجْزَأَهُمْ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ التَّصَدُّقُ، وَأَيُّ الشُّرَكَاءِ نَحْرَهَا يَوْمَ النَّحْرِ أَجْزَأَ الْكُلَّ، وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ السَّلَامَةِ عَنْ الْعُيُوبِ كَمَا فِي الْأُضْحِيَّةِ فَهُوَ مُطَّرِدٌ مُنْعَكِسٌ أَيْ فَمَا لَا يَجُوزُ فِي الضَّحَايَا لَا يَجُوزُ فِي الْهَدَايَا فَعِبَارَةُ الْهِدَايَةِ أَوْلَى، وَهِيَ: وَلَا يَجُوزُ فِي الْهَدَايَا إلَّا مَا جَازَ فِي الضَّحَايَا. فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْإِطْرَادِ الِانْعِكَاسُ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِمْ: وَمَا جَازَ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا فِي الْبَيْعِ جَازَ أَنْ يَكُونَ أُجْرَةً فِي الْإِجَارَةِ لَمْ يَلْزَمْ انْعِكَاسُهُ لِفَسَادِهِ لِجَوَازِ جَعْلِ الْمَنَافِعِ الْمُخْتَلِفَةِ أُجْرَةً لَا ثَمَنًا. (قَوْلُهُ: وَالشَّاةُ تَجُوزُ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا فِي طَوَافِ الرُّكْنِ جُنُبًا وَوَطْءٍ بَعْدَ الْوُقُوفِ) يَعْنِي أَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ ذُكِرَ فِيهِ الدَّمُ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ تُجْزِئُ فِيهِ الشَّاةُ إلَّا فِيمَا ذَكَرَهُ، وَلَيْسَ مُرَادُهُ التَّعْمِيمَ فَإِنَّ مَنْ نَذَرَ بَدَنَةً أَوْ جَزُورًا لَا تُجْزِئُهُ الشَّاةُ، وَإِنَّمَا لَزِمَتْ الْبَدَنَةُ فِيمَا إذَا طَافَ جُنُبًا؛ لِأَنَّ الْجَنَابَةَ أَغْلَظُ فَيَجِبُ جَبْرُ نُقْصَانِهَا بِالْبَدَنَةِ إظْهَارًا لِلتَّفَاوُتِ بَيْنَ الْأَصْغَرِ وَالْأَكْبَرِ وَيَلْحَقُ بِهِ مَا إذَا طَافَتْ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ، وَلَيْسَ مَوْضِعًا ثَالِثًا كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى الْمُوجِبَ لِلتَّغْلِيظِ وَاحِدٌ وَوَجَبَتْ فِي الْجِمَاعِ بَعْدَ الْوُقُوفِ؛ لِأَنَّهُ أَعْلَى أَنْوَاعِ الِارْتِفَاقَاتِ فَيَتَغَلَّظُ مُوجَبَهُ، وَأَطْلَقَ فَشَمِلَ مَا بَعْدَ الْحَلْقِ، وَقَدْ أَسْلَفْنَا فِيهِ اخْتِلَافًا وَالرَّاجِحُ وُجُوبُ الشَّاةِ بَعْدَهُ فَالْمُرَادُ هُنَا الْوَطْءُ بَعْدَ الْوُقُوفِ قَبْلَ الْحَلْقِ وَالطَّوَافِ. (قَوْلُهُ: وَيَأْكُلُ مِنْ هَدْيِ التَّطَوُّعِ وَالْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ فَقَطْ) أَيْ يَجُوزُ لَهُ الْأَكْلُ وَيُسْتَحَبُّ لِلِاتِّبَاعِ الْفِعْلِيِّ الثَّابِتِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ عَلَى مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «نَحَرَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بَدَنَةً بِيَدِهِ وَنَحَرَ عَلِيٌّ مَا بَقِيَ مِنْ الْمِائَةِ ثُمَّ أَمَرَ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ بِبِضْعَةٍ فَجُعِلَتْ فِي قِدْرٍ فَطُبِخَتْ فَأَكَلَا مِنْ لَحْمِهَا وَشَرِبَا مِنْ مَرَقِهَا» ؛ وَلِأَنَّهُ دَمُ النُّسُكِ فَيَجُوزُ مِنْهُ الْأَكْلُ كَالْأُضْحِيَّةِ، وَأَشَارَ بِكَلِمَةِ مِنْ إلَى أَنَّهُ يَأْكُلُ الْبَعْضَ مِنْهُ وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَفْعَلَ كَمَا فِي الْأُضْحِيَّةِ، وَهُوَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالثُّلُثِ وَيُطْعِمَ الْأَغْنِيَاءَ الثُّلُثَ وَيَأْكُلَ وَيَدَّخِرَ الثُّلُثَ، وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ هَدْيِ التَّطَوُّعِ أَنَّهُ بَلَغَ الْحَرَمَ أَمَّا إذَا ذَبَحَهُ قَبْلَ بُلُوغِهِ فَلَيْسَ بِهَدْيٍ فَلَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ عِبَارَتِهِ لِيَحْتَاجَ إلَى الِاسْتِثْنَاءِ فَلِهَذَا لَا يَأْكُلُ مِنْهُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ إذَا بَلَغَ الْحَرَمَ فَالْقُرْبَةُ فِيهِ بِالْإِرَاقَةِ، وَقَدْ حَصَلَتْ وَالْأَكْلُ بَعْدَ حُصُولِهَا، وَإِذَا لَمْ يَبْلُغْ فَهِيَ بِالتَّصَدُّقِ وَالْأَكْلُ يُنَافِيهِ، وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ فَقَطْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْ بَقِيَّةِ الْهَدَايَا كَدِمَاءِ الْكَفَّارَاتِ كُلِّهَا وَالنُّذُورِ، وَهَدْيِ الْإِحْصَارِ، وَكَذَا مَا لَيْسَ بِهَدْيٍ كَالتَّطَوُّعِ إذَا لَمْ يَبْلُغْ الْحَرَمَ، وَكَذَا لَا يَجُوزُ لِلْأَغْنِيَاءِ؛ لِأَنَّ دَمَ النَّذْرِ دَمُ صَدَقَةٍ، وَكَذَا دَمُ الْكَفَّارَاتِ؛ لِأَنَّهُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَأَمَّا إذَا اشْتَرَاهَا لِلْهَدْيِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةِ الشَّرِكَةِ إلَخْ) ذَكَرَ فِي أُضْحِيَّةِ الدُّرَرِ وَصَحَّ لَوْ أَحَدٌ أَشْرَكَ سِتَّةً فِي بَدَنَةٍ مَشْرِيَّةٍ لِأُضْحِيَّةٍ اسْتِحْسَانًا، وَفِي الْقِيَاسِ لَا تَجُوزُ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ؛ لِأَنَّهُ أَعَدَّهَا لِلْقُرْبَةِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ قَدْ يَجِدُ بَقَرَةً سَمِينَةً، وَلَا يَجِدُ الشَّرِيكَ وَقْتَ الشِّرَاءِ فَمَسَّتْ الْحَاجَةُ إلَى هَذَا وَنُدِبَ كَوْنُ الِاشْتِرَاكِ قَبْلَ الشِّرَاءِ لِيَكُونَ أَبْعَدَ عَنْ الْخِلَافِ، وَعَنْ صُورَةِ الرُّجُوعِ فِي الْقُرْبَةِ. اهـ. فَعَلَى مَا هُنَا تَقْيِيدُ مَا فِي الدُّرَرِ بِمَا إذَا نَوَى الشَّرِكَةَ عِنْدَ الشِّرَاءِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: لَيْسَ لَهُ الِاشْتِرَاكُ فِيهَا) قَالَ: فِي الْفَتْحِ فَإِنْ فَعَلَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالثَّمَنِ (قَوْلُهُ: فَهُوَ مُطَّرِدٌ مُنْعَكِسٌ) أُورِدَ عَلَيْهِ مَا مَرَّ مِنْ جَوَازِ إهْدَاءِ الْقِيمَةِ فِي رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ مَعَ أَنَّ الْقِيمَةَ لَا تُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ فَهُوَ وَارِدٌ عَلَى عَكْسِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَعَلَى طَرْدِ كَلَامِ الْهِدَايَةِ، وَفِيهِ أَنَّ مَا وَاقِعَةٌ عَلَى مَا فُسِّرَ بِهِ الْهَدْيُ، وَهُوَ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ وَلِذَا قَالَ: فِي النَّهْرِ، وَمَا أَيْ كُلُّ حَيَوَانٍ عَلَى أَنَّ الْمَذْهَبَ رِوَايَةُ ابْنِ سِمَاعَةَ عَدَمُ الْجَوَازِ، وَأَيْضًا قَدْ تُجْزِئُ الْقِيمَةُ فِي الْأُضْحِيَّةِ كَمَا لَوْ مَضَتْ أَيَّامُهَا، وَلَمْ يُضَحِّ الْغَنِيُّ فَإِنَّهُ يَتَصَدَّقُ بِقِيمَةِ شَاةٍ تُجْزِئُ فِيهَا. (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ إلَّا فِي طَوَافِ الرُّكْنِ جُنُبًا إلَخْ) ، وَلَا ثَالِثَ لَهُمَا فِي الْحَجِّ لُبَابٌ قَالَ شَارِحُهُ: وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا مَاتَ بَعْدَ الْوُقُوفِ، وَأَوْصَى بِإِتْمَامِ الْحَجِّ تَجِبُ الْبَدَنَةُ لِطَوَافِ الزِّيَارَةِ وَجَازَ حَجُّهُ، وَكَذَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ تَجِبُ فِي النَّعَامَةِ بَدَنَةٌ، وَقَوْلُهُ فِي الْحَجِّ احْتِرَازٌ عَنْ الْعُمْرَةِ حَيْثُ لَا تَجِبُ الْبَدَنَةُ بِالْجِمَاعِ قَبْلَ أَدَاءِ رُكْنِهَا مِنْ طَوَافِ الْعُمْرَةِ، وَلَا أَدَاءِ طَوَافِهَا جُنُبًا. (قَوْلُهُ: وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ هَدْيِ التَّطَوُّعِ أَنَّهُ بَلَغَ الْحَرَمَ) نَظَرَ فِي هَذِهِ الْإِفَادَةِ فِي النَّهْرِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ وَجْهَ النَّظَرِ، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ مَنْعُ أَنَّهُ لَا يُسَمَّى هَدْيًا قَبْلَ بُلُوغِهِ الْحَرَمَ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95] فَإِنَّ بَالِغَ سَوَاءً قُدِّرَ صِفَةً أَوْ حَالًا مُقَدَّرَةٌ عَلَى مَا مَرَّ يُفِيدُ تَسْمِيَتُهُ هَدْيًا قَبْلَ الْبُلُوغِ وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا مَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّهُ لَوْ عَطِبَ أَوْ تَعَيَّبَ قَبْلَ بُلُوغِهِ مَحِلَّهُ نَحَرَهُ وَصَبَغَ نَعْلَهُ بِدَمِهِ وَضَرَبَ لِيُعْلَمَ أَنَّهُ هَدْيٌ فَيَأْكُلَهُ الْفَقِيرُ دُونَ الْغَنِيِّ إلَخْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 76 وَجَبَ تَكْفِيرًا لِلذَّنْبِ، وَكَذَا دَمُ الْإِحْصَارِ لِوُجُودِ التَّحَلُّلِ وَالْخُرُوجِ مِنْ الْإِحْرَامِ قَبْلَ أَوَانِهِ. قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَكُلُّ دَمٍ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ بِلَحْمِهِ بَعْدَ الذَّبْحِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ بِهِ لَمَا جَازَ لَهُ أَكْلُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّ الْفُقَرَاءِ وَكُلُّ دَمٍ لَا يَجُوزُ لَهُ الْأَكْلُ مِنْهُ يَجِبُ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ بَعْدَ الذَّبْحِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَجُزْ أَكْلُهُ، وَلَمْ يُتَصَدَّقُ بِهِ يُؤَدِّي إلَى إضَاعَةِ الْمَالِ، وَلَوْ هَلَكَ الْمَذْبُوحُ بَعْدَ الذَّبْحِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي النَّوْعَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا صُنْعَ لَهُ فِي الْهَلَاكِ، وَإِنْ اسْتَهْلَكَهُ بَعْدَ الذَّبْحِ فَإِنْ كَانَ مِمَّا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ بِهِ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ فَيَتَصَدَّقُ بِهَا؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْفُقَرَاءِ فَبِالِاسْتِهْلَاكِ تَعَدَّى عَلَى حَقِّهِمْ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَجِبُ التَّصَدُّقُ بِهِ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا، وَلَوْ بَاعَ اللَّحْمَ جَازَ بَيْعُهُ فِي النَّوْعَيْنِ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ قَائِمٌ إلَّا أَنَّ فِيمَا لَا يَجُوزُ لَهُ أَكْلُهُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ بِهِ يَتَصَدَّقُ بِثَمَنِهِ؛ لِأَنَّهُ ثَمَنُ مَبِيعِ وَاجِبِ التَّصَدُّقِ. اهـ. وَهَكَذَا نَقَلَهُ عَنْهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِاخْتِصَارٍ مَعَ أَنَّهُ قَدَّمَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْ لُحُومِ الْهَدَايَا، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَجُوزُ لَهُ الْأَكْلُ مِنْهُ فَإِنْ بَاعَ شَيْئًا أَوْ أَعْطَى الْجَزَّارَ أَجْرَهُ مِنْهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِقِيمَتِهِ اهـ. وَقَدْ يُقَالُ فِي التَّوْفِيقِ بَيْنَهُمَا إنَّهُ إنْ بَاعَ مِمَّا لَا يَجُوزُ أَكْلُهُ وَجَبَ التَّصَدُّقُ بِالثَّمَنِ، وَلَا يُنْظَرُ إلَى الْقِيمَةِ، وَإِنْ بَاعَ مِمَّا لَا يَجُوزُ لَهُ أَكْلُهُ وَجَبَ التَّصَدُّقُ بِالْقِيمَةِ، وَلَا يُنْظَرُ إلَى الثَّمَنِ، وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالْجَوَازِ فِي كَلَامِ الْبَدَائِعِ الصِّحَّةُ لَا الْحِلُّ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَلَوْ أَكَلَ مِمَّا لَا يَحِلُّ لَهُ الْأَكْلُ مِنْهُ ضَمِنَ مَا أَكَلَ وَبِهِ قَالَ: الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ، وَقَالَ: مَالِكٌ لَوْ أَكَلَ لُقْمَةً ضَمِنَ كُلَّهُ. (قَوْلُهُ: وَخُصَّ ذَبْحُ هَدْيِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ بِيَوْمِ النَّحْرِ فَقَطْ وَالْكُلُّ بِالْحَرَمِ لَا بِفَقِيرِهِ) بَيَانٌ لِكَوْنِ الْهَدْيِ مُوَقَّتًا بِالْمَكَانِ سَوَاءٌ كَانَ دَمَ شُكْرٍ أَوْ جِنَايَةٍ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ اسْمٌ لِمَا يُهْدَى مِنْ النَّعَمِ إلَى الْحَرَمِ، وَأَمَّا تَوْقِيتُهُ بِالزَّمَانِ فَمَخْصُوصٌ بِهَدْيِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ، وَأَمَّا بَقِيَّةُ الْهَدَايَا فَلَا تَتَقَيَّدُ بِزَمَانٍ، وَأَفَادَ أَنَّ هَدْيَ التَّطَوُّعِ إذَا بَلَغَ الْحَرَمَ لَا يَتَقَيَّدُ بِزَمَانٍ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَإِنْ كَانَ ذَبْحُهُ يَوْمَ النَّحْرِ أَفْضَلَ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ خِلَافًا لِلْقُدُورِيِّ، وَأَرَادَ الْمُصَنِّفُ بِيَوْمِ النَّحْرِ وَقْتَهُ، وَهُوَ الْأَيَّامُ الثَّلَاثَةُ، وَأَرَادَ بِالِاخْتِصَاصِ الِاخْتِصَاصَ مِنْ حَيْثُ الْوُجُوبُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَإِلَّا لَوْ ذَبَحَ بَعْدَ أَيَّامِ النَّحْرِ أَجْزَأَ إلَّا أَنَّهُ تَارِكٌ لِلْوَاجِبِ، وَقَبْلَهَا لَا يُجْزِئُ بِالْإِجْمَاعِ، وَعَلَى قَوْلِهِمَا كَذَلِكَ فِي الْقَبْلِيَّةَ، وَكَوْنُهُ فِيهَا هُوَ السُّنَّةُ عِنْدَهُمَا حَتَّى لَوْ ذَبَحَ بَعْدَ التَّحَلُّلِ بِالْحَلْقِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَعِنْدَهُ عَلَيْهِ دَمٌ وَدَخَلَ تَحْتَ قَوْلِهِ وَالْكُلُّ بِالْحَرَمِ الْهَدْيُ الْمَنْذُورُ بِخِلَافِ الْبَدَنَةِ الْمَنْذُورَةِ فَإِنَّهَا لَا تَتَقَيَّدُ بِالْحَرَمِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَقَالَ: أَبُو يُوسُفَ لَا يَجُوزُ ذَبْحُهَا فِي غَيْرِ الْحَرَمِ قِيَاسًا عَلَى الْهَدْيِ الْمَنْذُورِ وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ نَحْرَ جَزُورٍ أَوْ بَقَرَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَتَقَيَّدُ بِالْحَرَمِ، وَلَوْ نَذَرَ بَدَنَةً مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ أَوْ نَوَى أَنْ تُنْحَرَ بِمَكَّةَ تُقَيَّدْ بِالْحَرَمِ اتِّفَاقًا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: مَعَ أَنَّهُ قَدَّمَ إلَخْ) قَالَ: فِي النَّهْرِ، وَفِيهِ مُخَالَفَةٌ لِمَا فِي الْبَدَائِعِ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ وُجُوبُ التَّصَدُّقِ فِيمَا لَهُ الْأَكْلُ مِنْهُ أَيْضًا الثَّانِي أَنَّهُ لَا يُنْظَرُ إلَى الثَّمَنِ فِيمَا لَا يَجُوزُ أَكْلُهُ وَيُمْكِنُ التَّوْفِيقُ فِي الثَّانِي بِأَنْ يُنْظَرَ إلَى الثَّمَنِ إنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ الْقِيمَةِ، وَإِلَى الْقِيمَةِ إنْ كَانَتْ أَكْثَرَ قَالَهُ بَعْضُ الْعَصْرِيِّينَ، وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ مُقْتَضَى كَوْنِهِ بَاعَ مِلْكَهُ أَنَّهُ لَا يُنْظَرُ إلَى الْقِيمَةِ، وَمَا فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ التَّصَدُّقَ بِالثَّمَنِ فِيمَا لَا يَجُوزُ أَكْلُهُ وَبِالْقِيمَةِ فِيمَا يَجُوزُ وَالْجَوَازُ فِي الْأَوَّلِ بِمَعْنَى الصِّحَّةِ لَا الْحِلِّ فِيهِ نَظَرٌ فَتَدَبَّرْهُ. اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّظَرِ مَا قَدَّمَهُ هَذَا، وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لِذِكْرِ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ التَّصَدُّقِ بِقِيمَةِ مَا يُؤْكَلُ لَا يَقْتَضِي وُجُوبَ التَّصَدُّقِ بِهِ نَفْسِهِ كَالْأُضْحِيَّةِ لَا يَجِبُ التَّصَدُّقُ بِهَا، وَلَوْ بَاعَ جِلْدَهَا أَوْ شَيْئًا مِنْ لَحْمِهَا بِمُسْتَهْلَكٍ أَوْ دَرَاهِمَ يَجِبُ التَّصَدُّقُ بِالثَّمَنِ فَلَيْسَ مُخَالِفًا لِقَوْلِ الْبَدَائِعِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ بِلَحْمِهِ، وَبِمَا ذَكَرْنَا تَعْلَمُ سُقُوطَ النَّظَرِ فَإِنَّ الْأُضْحِيَّةَ مِلْكُهُ وَنُظِرَ فِيهَا إلَى الثَّمَنِ فَيُنْظَرُ إلَى الْقِيمَةِ فِي مَسْأَلَتِنَا، وَإِلَّا فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَبِالْجُمْلَةِ فَالْمُخَالَفَةُ ظَاهِرَةٌ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي، وَهُوَ وُجُوبُ التَّصَدُّقِ فِيمَا لَا يَجُوزُ لَهُ أَكْلُهُ بِالثَّمَنِ عَلَى مَا فِي الْبَدَائِعِ وَبِالْقِيمَةِ عَلَى مَا فِي الْفَتْحِ وَبَقِيَ مُخَالَفَةٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ ظَاهِرَ مَا فِي الْبَدَائِعِ عَدَمُ وُجُوبِ التَّصَدُّقِ بِشَيْءٍ فِيمَا يَجُوزُ لَهُ أَكْلُهُ لِتَخْصِيصِهِ وُجُوبَ التَّصَدُّقِ فِيمَا لَا يَجُوزُ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْفَتْحِ وُجُوبُ التَّصَدُّقِ فِيهِمَا وَبَيَانُ التَّوْفِيقِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ أَنْ يُقَيَّدَ قَوْلُ الْفَتْحِ فَإِنْ بَاعَ شَيْئًا إلَخْ بِمَا يَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْهُ فَقَوْلُ الْبَدَائِعِ يَتَصَدَّقُ بِثَمَنِهِ خَاصٌّ بِمَا لَا يَجُوزُ كَمَا هُوَ صَرِيحُ كَلَامِهِ، وَقَوْلُ الْفَتْحِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِقِيمَتِهِ خَاصٌّ بِمَا يَجُوزُ فَانْتَفَتْ الْمُخَالَفَةُ بِوَجْهَيْهَا هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي تَقْرِيرِ هَذَا الْمَحِلِّ فَتَأَمَّلْ ثُمَّ رَأَيْت فِي اللُّبَابِ وَشَرْحِهِ قَالَ: فَلَوْ اسْتَهْلَكَهُ بِنَفْسِهِ بِأَنْ بَاعَهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ بِأَنْ وَهَبَهُ لِغَنِيٍّ أَوْ أَتْلَفَهُ وَضَيَّعَهُ لَمْ يَجُزْ، وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ أَيْ ضَمَانُ قِيمَتِهِ لِلْفُقَرَاءِ إنْ كَانَ مِمَّا يَجِبُ التَّصَدُّقُ بِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ بِهِ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا. اهـ. وَهُوَ مُوَافِقٌ لِظَاهِرِ كَلَامِ الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ بَاعَ مِمَّا لَا يَجُوزُ لَهُ أَكْلُهُ) كَذَا فِي كَثِيرٍ مِنْ النُّسَخِ بِلَا النَّافِيَةِ هُنَا، وَفِيمَا قَبْلَهُ وَالصَّوَابُ حَذْفُهَا هُنَا كَمَا يُوجَدُ فِي بَعْضِهَا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 77 كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَقَوْلُهُ لَا بِفَقِيرِهِ بَيَانٌ لِجَوَازِ التَّصَدُّقِ عَلَى فُقَرَاءِ غَيْرِ الْحَرَمِ بِلَحْمِ الْهَدْيِ لِإِطْلَاقِ الدَّلَائِلِ لَكِنَّ التَّصَدُّقَ عَلَى فُقَرَاءِ مَكَّةَ أَفْضَلُ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ مَعْزِيًّا إلَى الْأَصْلِ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَجِبُ التَّعْرِيفُ بِالْهَدْيِ) ؛ لِأَنَّ الْهَدْيَ يُنْبِئُ عَنْ النَّقْلِ إلَى مَكَانِ التَّقَرُّبِ بِإِرَاقَةِ الدَّمِ فِيهِ لَا عَنْ التَّعْرِيفِ فَلَا يَجِبُ، وَهُوَ الذَّهَابُ بِهِ إلَى عَرَفَاتٍ أَوْ التَّشْهِيرُ بِالتَّقْلِيدِ وَالْإِشْعَارِ، وَلَمْ يَذْكُرْ اسْتِحْبَابَهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَفْصِيلًا فَمَا كَانَ دَمَ شُكْرٍ اُسْتُحِبَّ تَعْرِيفُهُ، وَمَا كَانَ دَمَ كَفَّارَةٍ اُسْتُحِبَّ إخْفَاؤُهُ وَسَتْرُهُ؛ لِأَنَّ سَبَبَهَا الْجِنَايَةُ كَقَضَاءِ الصَّلَاةِ يُسْتَحَبُّ إخْفَاؤُهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ سُنَنَ الذَّبْحِ وَالنَّحْرِ هُنَا لِمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ فِي بَابِ الذَّبَائِحِ وَالْأُضْحِيَّةِ. (قَوْلُهُ:) (وَيَتَصَدَّقُ بِجِلَالِهِ وَخِطَامِهِ، وَلَا يُعْطِي أُجْرَةَ الْجَزَّارِ مِنْهُ) أَيْ الْهَدْيِ وَالْجِلَالُ جَمْعُ الْجَلِّ، وَهُوَ مَا يُلْبَسُ عَلَى الدَّابَّةِ وَالْخِطَامُ هُوَ الزِّمَامُ، وَهُوَ مَا يُجْعَلُ فِي أَنْفِ الْبَعِيرِ لِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ مَرْفُوعًا «أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَمَرَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنْ يَقُومَ عَلَى بَدَنَةٍ، وَأَنْ يُقَسِّمَ بَدَنَةً كُلَّهَا لُحُومَهَا وَجُلُودَهَا وَجِلَالَهَا، وَلَا يُعْطِيَ فِي جُزَارَتِهَا شَيْئًا» ، وَهِيَ بِضَمِّ الْجِيمِ كِرَاءُ عَمَلِ الْجَزَّارِ، وَأَفَادَ أَنَّهُ إنْ أَعْطَاهُ مِنْهَا أُجْرَتَهُ ضَمِنَهُ لِإِتْلَافِ اللَّحْمِ أَوْ مُعَاوَضَتِهِ، وَقَيَّدَ بِالْأَجْرِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَصَدَّقَ بِشَيْءٍ مِنْ لَحْمِهَا عَلَيْهِ سِوَى أُجْرَتِهِ جَازَ؛ لِأَنَّهُ أَهْلٌ لِلصَّدَقَةِ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَرْكَبُهُ بِلَا ضَرُورَةٍ) ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ خَالِصًا لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَنْتَفِعُ بِشَيْءٍ مِنْهُ وَصَرَّحَ فِي الْمُحِيطِ بِأَنَّ رُكُوبَهُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ حَرَامٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَكْرُوهًا كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ؛ لِأَنَّ الدَّلِيلَ لَيْسَ قَطْعِيًّا، وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا يَحْمِلُ عَلَيْهَا أَيْضًا، وَإِلَى أَنْ لَوْ رَكِبَهَا أَوْ حَمَلَ عَلَيْهَا فَنَقَصَتْ فَعَلَيْهِ ضَمَانُ مَا نَقَصَ وَيَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ دُونَ الْأَغْنِيَاءِ؛ لِأَنَّ جَوَازَ الِانْتِفَاعِ بِهَا لِلْأَغْنِيَاءِ مُعَلَّقٌ بِبُلُوغِ الْمَحِلِّ، وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا يَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْهُ، وَمَا لَا يَجُوزُ، وَإِنَّمَا جَازَ لَهُ حَالَةَ الضَّرُورَةِ لِمَا رَوَاهُ صَاحِبُ السُّنَنِ مَرْفُوعًا «ارْكَبْهَا بِالْمَعْرُوفِ إذَا أُلْجِئْت إلَيْهَا حَتَّى تَجِدَ ظَهْرًا» . ، وَفِي الصَّحِيحِ ارْكَبْهَا وَيْلَك فِي الثَّانِيَةِ أَوْ الثَّالِثَةِ حِينَ رَآهُ مُضْطَرًّا إلَى رُكُوبِهَا، وَفِي جَامِعِ التِّرْمِذِيِّ وَيْحَك أَوْ وَيْلَك، وَفِي الْبَدَائِعِ وَيْحَك كَلِمَةُ تَرَحُّمٍ وَوَيْلَك كَلِمَةُ تَهَدُّدٍ، وَعَلَّلَ الْإِمَامُ النَّاصِحِيُّ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ وَقْفَيْ هِلَالٍ وَالْخَصَّافِ بِأَنَّ الْبَدَنَةَ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهَا فَيَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهَا عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَلِهَذَا لَوْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ تَبْلُغَ كَانَتْ مِيرَاثًا. اهـ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهَا إنْ نَقَصَتْ بِرُكُوبِهِ لِضَرُورَةٍ فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ:) (وَلَا يَحْلِبُهُ) أَيْ الْهَدْيَ؛ لِأَنَّهُ جُزْؤُهُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ، وَلَا لِغَيْرِهِ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ فَإِنْ حَلَبَهُ وَانْتَفَعَ بِهِ أَوْ دَفَعَ إلَى الْغَنِيِّ ضَمِنَهُ لِوُجُودِ التَّعَدِّي مِنْهُ كَمَا لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ بِوَبَرِهِ أَوْ صُوفِهِ، وَفِي الْمُحِيطِ ضَمِنَ قِيمَتَهُ فَجَعَلَ اللَّبَنَ قِيَمِيًّا، وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ ضَمِنَ مِثْلَهُ أَوْ قِيمَتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ بَعْدَ الْحَلْبِ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ، وَأَشَارَ إلَى أَنَّهَا لَوْ وَلَدَتْ فَإِنَّهُ يَتَصَدَّقُ بِهِ أَوْ يَذْبَحُهُ مَعَهَا فَإِنْ اسْتَهْلَكَهُ ضَمِنَ قِيمَتَهُ، وَإِنْ بَاعَهُ تَصَدَّقَ بِثَمَنِهِ، وَإِنْ اشْتَرَى بِهَا هَدْيًا فَحَسَنٌ (قَوْلُهُ: وَيَنْضَحُ ضَرْعَهَا بِالنُّقَاخِ) أَيْ يُرَشُّ بِالْمَاءِ الْبَارِدِ حَتَّى يَتَقَلَّصَ وَالنُّقَاخُ بِالنُّونِ الْمَضْمُونَةِ وَالْقَافِ وَالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ الْمَاءُ الْعَذْبُ الَّذِي يَنْقَخُ الْفُؤَادَ بِبَرْدِهِ كَذَا فِي الصِّحَاحِ وَالْمُغْرِبِ، وَفِي الْمِصْبَاحِ الْمُنِيرِ يَنْضَحُ مِنْ بَابَيْ ضَرَبَ وَنَفَعَ فَعَلَى هَذَا تُكْسَرُ ضَادُهُ وَتُفْتَحُ قَالُوا هَذَا إذَا كَانَ قَرِيبًا مِنْ وَقْتِ الذَّبْحِ، وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا يَحْلِبُهَا وَيَتَصَدَّقُ بِلَبَنِهَا كَيْ لَا يَضُرَّ بِهَا ذَلِكَ. (وَإِنْ عَطِبَ وَاجِبٌ أَوْ تَعَيَّبَ أَقَامَ غَيْرَهُ مَقَامَهُ وَالْمَعِيبُ لَهُ) ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي الذِّمَّةِ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ حَتَّى يُذْبَحَ فِي مَحِلِّهِ وَالْمُرَادُ بِالْعَطْبِ هُنَا الْهَلَاكُ، وَهُوَ مِنْ بَابِ عَلِمَ فَهُوَ كَمَا لَوْ عَزَلَ دَرَاهِمَ الزَّكَاةِ فَهَلَكَتْ قَبْلَ الصَّرْفِ إلَى الْفُقَرَاءِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ إخْرَاجُهَا ثَانِيًا وَالْمُرَادُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَأَفَادَ أَنَّهُ إنْ أَعْطَاهُ مِنْهَا أُجْرَتَهُ إلَخْ) قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ، وَلَيْسَ لَهُ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْ لُحُومِ الْهَدَايَا فَإِنْ بَاعَ شَيْئًا أَوْ أَعْطَى الْجَزَّارَ أَجْرَهُ مِنْهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِقِيمَتِهِ، وَقَالَ الطَّرَابُلُسِيُّ، وَلَا يُعْطِي أُجْرَةَ الْجَزَّارِ مِنْهَا فَإِنْ أَعْطَى صَارَ الْكُلُّ لَحْمًا؛ لِأَنَّهُ إذَا شَرَطَ أَعْطَاهُ مِنْهُ يَبْقَى شَرِيكًا لَهُ فِيهَا فَلَا يَجُوزُ الْكُلُّ لِقَصْدِهِ اللَّحْمَ، وَإِنْ أَعْطَاهُ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ قَبْلَ الذَّبْحِ ضَمِنَهُ، وَإِنْ تَصَدَّقَ بِشَيْءٍ مِنْهَا عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ الْأُجْرَةِ جَازَ إنْ كَانَ أَهْلًا لِلتَّصَدُّقِ عَلَيْهِ كَذَا فِي شَرْحِ اللُّبَابِ. (قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهَا إنْ نَقَصَتْ بِرُكُوبِهِ إلَخْ) تَابَعَهُ فِي النَّهْرِ وَتَعَقَّبَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة بِأَنَّ الْمُصَرَّحَ بِهِ خِلَافُهُ قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ: وَمَنْ سَاقَ بَدَنَةً فَاضْطُرَّ إلَى رُكُوبِهَا فَإِنْ رَكِبَهَا أَوْ حَمَلَ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ وَنَقَصَ مِنْهَا شَيْءٌ ضَمِنَ النُّقْصَانَ وَتَصَدَّقَ بِهِ، وَإِذَا اسْتَغْنَى عَنْهَا لَمْ يَرْكَبْهَا. اهـ. وَكَذَا صَرَّحَ الْبُرْجَنْدِيُّ بِقَوْلِهِ، وَلَا يَرْكَبُ إلَّا لِضَرُورَةِ بِأَنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْ الْمَشْيِ، وَإِذَا رَكِبَهَا وَانْتَقَصَ بِرُكُوبِهِ فَعَلَيْهِ ضَمَانُ مَا نَقَصَ مِنْ ذَلِكَ. اهـ. وَكَذَا صَرَّحَ فِي الْهِدَايَةِ بِقَوْلِهِ، وَإِنْ اسْتَغْنَى عَنْ ذَلِكَ لَمْ يَرْكَبْهَا إلَّا أَنْ يَحْتَاجَ إلَى رُكُوبِهَا، وَلَوْ رَكِبَهَا فَانْتَقَصَ بِرُكُوبِهِ فَعَلَيْهِ ضَمَانُ مَا نَقَصَ مِنْ ذَلِكَ. اهـ. وَمِثْلُهُ فِي كَافِي النَّسَفِيِّ، وَمِثْلُهُ فِي الْفَتْحِ عَنْ كَافِي الْحَاكِمِ قَالَ: فَإِنْ رَكِبَهَا أَوْ حَمَلَ مَتَاعَهُ عَلَيْهَا لِلضَّرُورَةِ ضَمِنَ مَا نَقَصَهَا ذَلِكَ يَعْنِي إنْ نَقَصَهَا ذَلِكَ ضَمِنَهُ. اهـ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 78 مِنْ الْعَيْبِ هُنَا مَا يَكُونُ مَانِعًا مِنْ الْأُضْحِيَّةِ فَهُوَ كَهَلَاكِهِ، وَإِنَّمَا كَانَ الْمَعِيبُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ عَيَّنَهُ إلَى جِهَةٍ، وَقَدْ بَطَلَتْ فَبَقِيَ عَلَى مِلْكِهِ، وَهَلْ يَدْخُلُ تَحْتَ الْوَاجِبِ هُنَا مَا لَوْ نَذَرَ شَاةً مُعَيَّنَةً فَهَلَكَتْ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ غَيْرُهَا أَوْ لَا لِكَوْنِ الْوَاجِبِ فِي الْعَيْنِ لَا فِي الذِّمَّةِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ تَطَوُّعًا نَحَرَهُ وَصَبَغَ نَعْلَهُ بِدَمِهِ وَضَرَبَ بِهِ صَفْحَتَهُ، وَلَمْ يَأْكُلْهُ غَنِيٌّ) أَيْ، وَلَوْ كَانَ الْمَعْطُوبُ أَوْ الْمُتَعَيِّبُ تَطَوُّعًا نَحَرَهُ وَصَبَغَ قِلَادَتَهُ بِدَمِهِ فَالْمُرَادُ مِنْ الْعَطْبِ هُنَا الْقُرْبُ مِنْ الْهَلَاكِ لَا الْهَلَاكُ، وَفَائِدَةُ هَذَا الْفِعْلِ أَنْ يَعْلَمَ النَّاسُ أَنَّهُ هَدْيٌ فَيَأْكُلَ مِنْهُ الْفُقَرَاءُ دُونَ الْأَغْنِيَاءِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ فِي تَنَاوُلِهِ مُعَلَّقٌ بِشَرْطِ بُلُوغِهِ مَحِلَّهُ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَحِلَّ قَبْلَ ذَلِكَ أَصْلًا إلَّا أَنَّ التَّصَدُّقَ عَلَى الْفُقَرَاءِ أَفْضَلُ مِنْ أَنْ يَتْرُكَهُ لَحْمًا لِلسِّبَاعِ، وَفِيهِ نَوْعُ تَقَرُّبٍ وَالتَّقَرُّبُ هُوَ الْمَقْصُودُ. (قَوْلُهُ: وَتَقَلَّدَ بَدَنَةَ التَّطَوُّعِ وَالْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ فَقَطْ) ؛ لِأَنَّهُ دَمُ نُسُكٍ، وَفِي التَّقْلِيدِ إظْهَارُهُ وَتَشْهِيرُهُ فَيَلِيقُ بِهِ، وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ فَقَطْ أَنَّهُ لَا يُقَلِّدُ دَمَ الْإِحْصَارِ، وَلَا دَمَ الْجِنَايَاتِ؛ لِأَنَّ سَبَبَهَا الْجِنَايَةُ وَالسِّتْرُ أَلْيَقُ بِهَا وَدَمُ الْإِحْصَارِ جَابِرٌ فَيَلْحَقُ بِجِنْسِهَا، وَلَوْ قَلَّدَهُ لَا يَضُرُّهُ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ، وَقَيَّدَ بِالْبَدَنَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَنُّ تَقْلِيدُ الشَّاةِ، وَلَا تُقَلَّدُ عَادَةً وَدَخَلَ تَحْتَ التَّطَوُّعِ الْمَنْذُورُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ بِإِيجَابِ الْعَبْدِ كَانَ تَطَوُّعًا أَيْ لَيْسَ بِإِيجَابِ الشَّارِعِ ابْتِدَاءً فَلِذَا ذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ يُقَلِّدُ دَمَ النَّذْرِ؛ لِأَنَّهُ دَمُ نُسُكٍ، وَعِبَادَةٍ فَإِنْ قُلْتُ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَلَّدَ هَدَايَا الْإِحْصَارِ» قُلْتُ: جَوَابُهُ أَنَّهُ كَانَ قَلَّدَهَا لِلْمُتْعَةِ فَلَمَّا أُحْصِرَ بَقِيَتْ كَمَا كَانَتْ فَبُعِثَتْ إلَى مَكَّةَ عَلَى حَالِهَا كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَلَمْ يَذْكُرْ وَقْتَ التَّقْلِيدِ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَفْصِيلًا فَإِنْ بَعَثَهُ يُقَلِّدُهُ مِنْ بَلَدِهِ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ فَمِنْ حَيْثُ يُحْرِمُ هُوَ السُّنَّةُ. [مَسَائِلُ مَنْثُورَةٌ فِي الْحَجّ وَالْعُمْرَة] (مَسَائِلُ مَنْثُورَةٌ) ثَابِتَةٌ فِي بَعْضِ النُّسَخِ دُونَ بَعْضٍ، وَقَدْ جَرَتْ عَادَةُ الْمُصَنَّفِينَ أَنَّهُمْ يَذْكُرُونَ فِي آخِرِ الْكِتَابِ مَا شَذَّ وَنَدَرَ مِنْ الْمَسَائِلِ فِي الْأَبْوَابِ السَّالِفَةِ فِي فَصْلٍ عَلَى حِدَةٍ تَكْثِيرًا لِلْفَوَائِدِ وَيَقُولُونَ فِي أَوَّلِهِ مَسَائِلُ مَنْثُورَةٌ أَوْ مَسَائِلُ مُتَفَرِّقَةٌ أَوْ مَسَائِلُ شَتَّى أَوْ مَسَائِلُ لَمْ تَدْخُلْ فِي الْأَبْوَابِ أَوْ فُرُوعٌ (قَوْلُهُ: وَلَوْ شَهِدُوا بِوُقُوفِهِمْ قَبْلَ يَوْمِهِ تُقْبَلُ وَبَعْدَهُ لَا) أَيْ لَوْ شَهِدُوا بَعْدَمَا وَقَفَ النَّاسُ بِعَرَفَةَ أَنَّهُمْ وَقَفُوا يَوْمَ التَّرْوِيَةِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ، وَلَوْ شَهِدُوا أَنَّهُمْ، وَقَفُوا يَوْمَ النَّحْرِ لَا تُقْبَلُ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يُجْزِئُهُمْ اعْتِبَارًا بِمَا إذَا وَقَفُوا يَوْمَ التَّرْوِيَةِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ تَخْتَصُّ بِزَمَانٍ، وَمَكَانٍ فَلَا تَقَعُ عِبَادَةٌ دُونَهُمَا، وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ لِلِاسْتِحْسَانِ وَجْهَيْنِ الْأَوَّلَ أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ لِكَوْنِهَا عَلَى النَّفْيِ. الثَّانِيَ أَنَّهَا تُقْبَلُ لَكِنْ لَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ صِحَّةِ الْوُقُوفِ؛ لِأَنَّ هَذَا النَّوْعَ مِنْ الِاشْتِبَاهِ مِمَّا يَغْلِبُ، وَلَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ فَلَوْ لَمْ يُحْكَمْ بِالْجَوَازِ بَعْدَ الِاجْتِهَادِ لَزِمَ الْحَرَجُ الشَّدِيدُ الْمَنْفِيُّ شَرْعًا، وَهُوَ حِكْمَةُ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «، وَعَرَفَتُكُمْ يَوْمَ تَعْرِفُونَ» أَيْ وَقْتُ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى الْيَوْمُ الَّذِي يَقِفُ فِيهِ النَّاسُ عَنْ اجْتِهَادٍ وَرَأْيِ أَنَّهُ يَوْمُ عَرَفَةَ. وَذَكَرَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ أَنَّ الْوَجْهَ الثَّانِيَ هُوَ الْأَصَحُّ وَرَجَّحَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِدَفْعِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهَا قَامَتْ عَلَى الْإِثْبَاتِ حَقِيقَةً، وَهُوَ رُؤْيَةُ الْهِلَالِ فِي لَيْلَةٍ قَبْلَ رُؤْيَةِ أَهْلِ الْمَوْقِفِ فَلَيْسَتْ شَهَادَةً عَلَى النَّفْيِ، وَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ الشَّهَادَةُ لَا يَثْبُتُ بِهَا عَدَمُ صِحَّةِ الْوُقُوفِ فَلَا فَائِدَةَ فِي سَمَاعِهَا لِلْإِمَامِ فَلَا يَسْمَعُهَا؛ لِأَنَّ سَمَاعَهَا يُشَهِّرُهَا بَيْنَ عَامَّةِ النَّاسِ مِنْ أَهْلِ الْمَوْقِفِ فَيَكْثُرُ الْقِيلُ وَالْقَالُ وَتَثُورُ الْفِتْنَةُ وَتَتَكَدَّرُ قُلُوبُ الْمُسْلِمِينَ بِالشَّكِّ فِي صِحَّةِ حَجِّهِمْ بَعْدَ طُولِ عَنَائِهِمْ فَإِذَا جَاءُوا لِيَشْهَدُوا يَقُولُ لَهُمْ انْصَرَفُوا فَلَا تُسْمَعُ هَذِهِ الشَّهَادَةُ قَدْ تَمَّ حَجُّ النَّاسِ، وَكَذَا حَجُّ الشُّهُودِ، وَلَوْ وَقَفُوا وَحْدَهُمْ لَمْ يُجْزِهِمْ، وَعَلَيْهِمْ إعَادَةُ الْوُقُوفِ مَعَ الْإِمَامِ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ، وَكَذَا إذَا أَخَّرَ الْإِمَامُ الْوُقُوفَ بِمَعْنًى يَسُوغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ لَمْ يُجْزِ وُقُوفُ مَنْ وَقَفَ قَبْلَهُ وَاسْتَشْكَلَ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ تَصْوِيرَ قَبُولِ الشَّهَادَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّ وُقُوفَهُمْ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ عَلَى أَنَّهُ التَّاسِعُ لَا يُعَارِضُهُ شَهَادَةُ مَنْ شَهِدَ أَنَّهُ الثَّامِنُ؛ لِأَنَّ اعْتِقَادَ الثَّامِنِ إنَّمَا يَكُونُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ أَوَّلَ ذِي الْحِجَّةِ ثَبَتَ   [منحة الخالق] مَسَائِلُ مَنْثُورَةٌ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 79 بِإِكْمَالِ عِدَّةِ ذِي الْقِعْدَةِ وَاعْتِقَادُهُ التَّاسِعَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ رُئِيَ قَبْلَ الثَّلَاثِينَ مِنْ ذِي الْقِعْدَةِ فَهَذِهِ شَهَادَةٌ عَلَى الْإِثْبَاتِ وَالْقَائِلُونَ إنَّهُ الثَّامِنُ حَاصِلُ مَا عِنْدَهُمْ نَفْيٌ مَحْضٌ، وَهُوَ أَنَّهُمْ لَمْ يَرَوْهُ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ ذِي الْقِعْدَةِ وَرَآهُ الَّذِينَ شَهِدُوا فَهِيَ شَهَادَةٍ لَا مُعَارِضَ لَهَا. اهـ. فَحَاصِلُهُ أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى خِلَافِ مَا وَقَفَ النَّاسُ لَا يَثْبُتُ بِهَا شَيْءٌ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ، وَهُوَ إنَّمَا يَتِمُّ أَنْ لَوْ انْحَصَرَ التَّصْوِيرُ فِيمَا ذَكَرَهُ بَلْ صُورَتُهُ لَوْ وَقَفَ الْإِمَامُ بِالنَّاسِ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُ يَوْمُ التَّاسِعِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَثْبُتَ عِنْدَهُ رُؤْيَةُ الْهِلَالِ فَشَهِدَ قَوْمٌ أَنَّهُ الْيَوْمُ الثَّامِنُ فَقَدْ تَبَيَّنَ خَطَأُ ظَنِّهِ وَالتَّدَارُكُ مُمْكِنٌ فَهِيَ شَهَادَةٌ لَا مُعَارِضَ لَهَا وَلِهَذَا قَالَ: فِي الْمُحِيطِ لَوْ وَقَفُوا يَوْمَ التَّرْوِيَةِ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ يَوْمُ عَرَفَةَ لَمْ يُجْزِهِمْ وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ عُلِمَ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ تَحْتَاجُ إلَى تَفْصِيلٍ، وَلَا بِدْعَ فِيهِ بَلْ هُوَ مُتَعَيِّنٌ. وَقَدْ بَقِيَ هُنَا مَسْأَلَةٌ ثَالِثَةٌ، وَهِيَ مَا إذَا شَهِدُوا يَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَالنَّاسُ بِمِنًى أَنَّ هَذَا الْيَوْمَ يَوْمُ عَرَفَةَ يُنْظَرُ فَإِنْ أَمْكَنَ الْإِمَامُ أَنْ يَقِفَ مَعَ النَّاسِ أَوْ أَكْثَرِهِمْ نَهَارًا قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا لِلتَّمَكُّنِ مِنْ الْوُقُوفِ فَإِنْ لَمْ يَقِفُوا عَشِيَّةً فَاتَهُمْ الْحَجُّ، وَإِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَقِفَ مَعَهُمْ لَيْلًا لَا نَهَارًا فَكَذَلِكَ اسْتِحْسَانًا، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يَقِفَ لَيْلًا مَعَ أَكْثَرِهِمْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ وَيَأْمُرُهُمْ أَنْ يَقِفُوا مِنْ الْغَدِ اسْتِحْسَانًا وَالشُّهُودُ فِي هَذَا كَغَيْرِهِمْ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ، وَلَا يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْبَلَ فِي هَذَا شَهَادَةُ الْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ تَرَكَ الْجَمْرَةَ الْأُولَى فِي الْيَوْمِ الثَّانِي رَمَى الثَّلَاثَ أَوْ الْأُولَى فَقَطْ) بَيَانٌ لِكَوْنِ التَّرْتِيبِ فِي الْجِمَارِ الثَّلَاثِ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَلَا وَاجِبٍ، وَإِنَّمَا هُوَ سُنَّةٌ وَلِهَذَا قَدَّمَ قَوْلَهُ رَمَى الثَّلَاثَ لِمُرَاعَاةِ التَّرْتِيبِ الْمَسْنُونِ؛ لِأَنَّ كُلَّ جَمْرَةٍ قُرْبَةٌ قَائِمَةٌ بِنَفْسِهَا لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِغَيْرِهَا، وَلَيْسَ بَعْضُهَا تَابِعًا لِبَعْضٍ بِخِلَافِ السَّعْيِ قَبْلَ الطَّوَافِ أَوْ الطَّوَافِ قَبْلَ الْوُقُوفِ فَإِنَّهُ شُرِعَ مُرَتَّبًا عَلَى وَجْهِ اللُّزُومِ فَلَمْ يَدْخُلْ وَقْتَهُ، وَلَوْلَا وُرُودُ النَّصِّ فِي قَضَاءِ الْفَوَائِتِ بِالتَّرْتِيبِ قُلْنَا لَا يَلْزَمُ فِيهَا أَيْضًا؛ لِأَنَّ كُلَّ صَلَاةٍ عِبَادَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ وَبِخِلَافِ الْبُدَاءَةِ بِالْمَرْوَةِ؛ لِأَنَّ الْبَدَاءَةَ مِنْ الصَّفَا ثَبَتَ بِالنَّصِّ، وَهُوَ قَوْلُهُ: - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «ابْدَءُوا بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ» بِصِيغَةِ الْأَمْرِ بِخِلَافِ التَّرْتِيبِ فِي الْجِمَارِ الثَّلَاثِ فَإِنَّهُ ثَبَتَ بِالْفِعْلِ، وَهُوَ لَا يُفِيدُ أَكْثَرَ مِنْ السُّنَّةِ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ أَوْجَبَ حَجًّا مَاشِيًا لَا يَرْكَبُ حَتَّى يَطُوفَ لِلرُّكْنِ) أَيْ بِأَنْ نَذَرَ الْحَجَّ مَاشِيًا، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى وُجُوبِ الْمَشْيِ؛ لِأَنَّ عِبَارَةَ الْمُخْتَصَرِ عِبَارَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَهِيَ كَلَامُ الْمُجْتَهِدِ أَعْنِي أَبَا حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَلَى مَا نَقَلَهُ مُحَمَّدٌ عَنْهُ فِيهِ، وَهُوَ إخْبَارُ الْمُجْتَهِدِ، وَإِخْبَارُهُ مُعْتَبَرٌ بِإِخْبَارِ الشَّرْعِ؛ لِأَنَّهُ نَائِبُهُ فِي بَيَانِ الْأَحْكَامِ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ، وَفِي الْأَصْلِ أَيْ الْمَبْسُوطِ لِمُحَمَّدٍ أَيْضًا خَيَّرَهُ بَيْنَ الرُّكُوبِ وَالْمَشْيِ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ كَرِهَ الْمَشْيَ فَيَكُونُ الرُّكُوبُ أَفْضَلَ وَصَحَّحَ مَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِهِ وَاخْتَارَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ مُعَلِّلًا بِأَنَّهُ الْتَزَمَ الْقُرْبَةَ بِصِفَةِ الْكَمَالِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّ الْمَشْيَ أَكْمَلُ لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ حَجَّ مَاشِيًا كُتِبَتْ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ حَسَنَةٌ مِنْ حَسَنَاتِ الْحَرَمِ قِيلَ، وَمَا حَسَنَاتُ الْحَرَمِ قَالَ: وَاحِدَةٌ بِسَبْعِمِائَةٍ» ، وَإِنَّمَا رَخَّصَ الشَّرْعُ فِي الرُّكُوبِ دَفْعًا لِلْحَرَجِ قَالَ: فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ مَا أُورِدَ فِي النَّوَازِلِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْحَجَّ رَاكِبًا أَفْضَلُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لِمَعْنًى آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ الْمَشْيَ يُسِيءُ خُلُقَهُ وَرُبَّمَا يَقَعُ فِي الْمُنَازَعَةِ وَالْجِدَالِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وَإِلَّا فَالْأَجْرُ عَلَى قَدْرِ التَّعَبِ وَالتَّعَبُ فِي الْمَشْيِ أَكْثَرُ. اهـ. لَا يُقَالُ لَا نَظِيرَ لِلْمَشْيِ فِي الْوَاجِبَاتِ، وَمِنْ شَرْطِ صِحَّةِ النَّذْرِ أَنْ يَكُونَ مِنْ جِنْسِ الْمَنْذُورِ وَاجِبًا؛ لِأَنَّا نَقُولُ بَلْ لَهُ نَظِيرٌ، وَهُوَ مَشْيُ الْمَكِّيِّ الَّذِي لَا يَجِدُ الرَّاحِلَةَ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْمَشْيِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ مَاشِيًا وَنَفْسُ الطَّوَافِ أَيْضًا، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ مَحَلَّ وُجُوبِ ابْتِدَاءِ الْمَشْيِ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ -. لَمْ يَذْكُرْهُ فَلِذَا اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ قِيلَ مِنْ بَيْتِهِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ الْمُرَادُ عُرْفًا، وَقِيلَ مِنْ الْمِيقَاتِ، وَقِيلَ مِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ يُحْرِمُ مِنْهُ وَاخْتَارَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَالْإِمَامُ الْعَتَّابِيُّ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: بَلْ صُورَتُهُ لَوْ وَقَفَ الْإِمَامُ بِالنَّاسِ ظَنًّا مِنْهُ إلَخْ) قُلْتُ: يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: حَمْلُ الْإِمَامِ عَلَى الْوُقُوفِ بِمُجَرَّدِ الظَّنِّ مُسْتَحِيلٌ فِي هَذَا الْمَوْقِفِ الْعَظِيمِ، وَقَالُوا غَلَبَةُ الظَّنِّ مُنَزَّلَةٌ مَنْزِلَةَ الْيَقِينِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ كَذَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة. (قَوْلُهُ: أَنْ يَكُونَ مِنْ جِنْسِ الْمَنْذُورِ وَاجِبًا) كَذَا فِي الْفَتْحِ وَالنُّسَخِ الَّتِي رَأَيْتهَا وَصَوَابُهُ وَاجِبٌ بِالرَّفْعِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 80 وَصَحَّحَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ؛ لِأَنَّهُ نَذَرَ بِالْحَجِّ، وَالْحَجُّ ابْتِدَاؤُهُ الْإِحْرَامُ وَانْتِهَاؤُهُ طَوَافُ الزِّيَارَةِ فَيَلْزَمُهُ بِقَدْرِ مَا الْتَزَمَ، وَلَا عِبْرَةَ بِالْعُرْفِ مَعَ وُجُودِ اللَّفْظِ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ بِالْحَجِّ فَإِنَّهُ يَحُجُّ عَنْهُ مِنْ بَيْتِهِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَنْصَرِفُ إلَى الْفَرْضِ فِي الْأَصْلِ وَلِهَذَا يَحُجُّ عَنْهُ رَاكِبًا لَا مَاشِيًا وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ هُوَ التَّصْحِيحُ الْأَوَّلُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ الرِّوَايَةِ مَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَوْ أَنَّ بَغْدَادِيًّا قَالَ: إنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَعَلَيَّ أَنْ أَحُجَّ مَاشِيًا فَلَقِيَهُ بِالْكُوفَةِ فَكَلَّمَهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَمْشِيَ مِنْ بَغْدَادَ، وَقَوْلُهُ لَا عِبْرَةَ بِالْعُرْفِ مَعَ وُجُودِ اللَّفْظِ مَمْنُوعٌ بَلْ الْمُعْتَبَرُ فِي النُّذُورِ وَالْأَيْمَانِ الْعُرْفُ لَا اللَّفْظُ كَمَا عُرِفَ فِي مَحَلِّهِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَلَوْ أَحْرَمَ مِنْ بَيْتِهِ فَالِاتِّفَاقُ عَلَى أَنْ يَمْشِيَ مِنْ بَيْتِهِ، وَإِنَّمَا يَنْتَهِي وُجُوبُ الْمَشْيِ بِطَوَافِ الزِّيَارَةِ؛ لِأَنَّ بِهِ يَنْتَهِي الْإِحْرَامُ، وَأَمَّا طَوَافُ الصَّدْرِ فَلِلتَّوْدِيعِ، وَلَيْسَ بِأَصْلٍ فِي الْحَجِّ حَتَّى لَا يَجِبُ عَلَى مَنْ لَا يُوَدِّعُ. وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ لَا يَرْكَبُ أَنَّهُ لَوْ رَكِبَ لَزِمَهُ الْجَزَاءُ لِتَرْكِ الْوَاجِبِ فَإِذَا تَرَكَ فِي الْكُلِّ أَوْ فِي الْأَكْثَرِ يَلْزَمُهُ الدَّمُ، وَفِي الْأَقَلِّ يَلْزَمُهُ التَّصَدُّقُ بِقَدْرِهِ مِنْ قِيمَةِ الشَّاةِ الْوَسَطِ، وَمُقْتَضَى الْأَصْلِ أَنْ لَا يَخْرُجَ عَنْ عُهْدَةِ النَّذْرِ إذَا رَكِبَ كَمَا لَوْ نَذَرَ الصَّوْمَ مُتَتَابِعًا فَقَطَعَ التَّتَابُعَ، وَلَكِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ نَصًّا فِي الْحَجِّ فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ، وَهُوَ مَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ «أُخْتَ عُقْبَةَ نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ مَاشِيَةً فَأَمَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تَرْكَبَ وَتُهْدِيَ دَمًا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى عَجْزِهَا عَنْ الْمَشْيِ بِدَلِيلِ الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى، وَأَنَّهَا لَا تُطِيقُ، وَأَطْلَقَ فِي الْإِيجَابِ فَشَمَلَ مَا إذَا كَانَ مُنْجَزًا أَوْ مُعَلَّقًا، وَمَا إذَا قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَوْ عَلَيَّ حَجَّةٌ مَاشِيًا، وَلَوْ قَالَ: عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ، وَلَمْ يَذْكُرْ حَجًّا، وَلَا عُمْرَةً لَزِمَهُ أَحَدُ النُّسُكَيْنِ اسْتِحْسَانًا فَإِنْ جَعَلَهُ عُمْرَةً مَشَى حَتَّى يَحْلِقَ إلَّا إذَا نَوَى بِهِ الْمَشْيَ إلَى مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ أَوْ مَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ أَوْ مَسْجِدٍ مِنْ الْمَسَاجِدِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَقَوْلُهُ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى مَكَّةَ أَوْ الْكَعْبَةِ كَقَوْلِهِ إلَى بَيْتِ اللَّهِ، وَلَوْ قَالَ: عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى الْحَرَمِ أَوْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِعَدَمِ الْعُرْفِ بِالْتِزَامِ النُّسُكِ بِهِ، وَقَالَا يَلْزَمُهُ النُّسُكُ احْتِيَاطًا وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا لُزُومَ لَوْ قَالَ إلَى الصَّفَا أَوْ الْمَرْوَةِ أَوْ مَقَامِ إبْرَاهِيمَ أَوْ إلَى سِتَارِ الْكَعْبَةِ أَوْ بَابِهَا أَوْ مِيزَابِهَا أَوْ عَرَفَاتٍ أَوْ الْمُزْدَلِفَةِ أَوْ مَسْجِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ ذَكَرَ مَكَانَ الْمَشْيِ غَيْرَهُ كَقَوْلِهِ عَلَيَّ الذَّهَابُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ أَوْ الْخُرُوجُ ثُمَّ الْحَجُّ الْمَنْذُورُ يَسْقُطُ بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ فَإِذَا نَذَرَ الْحَجَّ، وَلَمْ يَكُنْ حَجَّ ثُمَّ حَجَّ، وَأَطْلَقَ كَانَ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَسَقَطَ عَنْهُ مَا الْتَزَمَهُ بِالنَّذْرِ؛ لِأَنَّ نَذْرَهُ مُنْصَرِفٌ إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ حَجَّ ثُمَّ نَذَرَ ثُمَّ حَجَّ فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ الْحَجِّ عَنْ النَّذْرِ، وَإِلَّا وَقَعَ تَطَوُّعًا كَمَا حَرَّرَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَحُجَّ فِي سَنَةِ كَذَا فَحَجَّ قَبْلَهَا جَازَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَقْيَسُ بِمَا قَدَّمْنَاهُ فِي نَذْرِ الصَّوْمِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ اشْتَرَى مُحْرِمَةً حَلَّلَهَا وَجَامَعَهَا) ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهَا مُسْتَحَقَّةٌ لِلْمَوْلَى فَيَجُوزُ لَهُ تَحْلِيلُهَا بِغَيْرِ هَدْيٍ غَيْرَ أَنَّ الْبَائِعَ يُكْرَهُ تَحْلِيلُهُ لِإِخْلَافِ الْوَعْدِ حَيْثُ وُجِدَ مِنْهُ الْإِذْنُ وَالْمُشْتَرِي لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْإِذْنُ فَلَا يُكْرَهُ تَحْلِيلُهُ قَيَّدَ بِكَوْنِهَا مُحْرِمَةً؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مَنْكُوحَةً فَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي فَسْخُ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْبَائِعِ، وَهُوَ لَيْسَ لَهُ الْفَسْخُ بَعْدَ الْإِذْنِ، وَأَطْلَقَ فِي إحْرَامِهَا فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ بِإِذْنِ الْبَائِعِ أَوْ لَا، وَأَشَارَ بِعَطْفِ الْجِمَاعِ عَلَى التَّحْلِيلِ إلَى أَنَّهُ يُحَلِّلُهَا بِغَيْرِ الْجِمَاعِ كَقَصِّ ظُفُرٍ وَشَعْرٍ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ التَّحْلِيلِ بِالْجِمَاعِ؛ لِأَنَّهُ أَعْظَمُ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ حَتَّى تَعَلَّقَ بِهِ الْفَسَادُ فَلَا يَفْعَلُهُ تَعْظِيمًا لِأَمْرِ الْحَجِّ، وَلَا يَقَعُ التَّحْلِيلُ بِقَوْلِهِ حَلَلْتُكِ بَلْ بِفِعْلِهِ أَوْ بِفِعْلِهَا بِأَمْرِهِ كَالِامْتِشَاطِ بِأَمْرِهِ، وَأَشَارَ إلَى أَنَّ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يُحَلِّلَ الْعَبْدَ الْمُحْرِمَ لِمَا قَدَّمْنَاهُ، وَإِذَا كَانَ لَهُ مَنْعُهُمَا وَتَحْلِيلُهُمَا لَيْسَ لَهُ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ، وَإِلَى أَنَّ الْحُرَّةَ لَوْ أَحْرَمَتْ بِحَجِّ نَفْلٍ ثُمَّ تَزَوَّجَتْ فَلِلزَّوْجِ أَنْ يُحَلِّلَهَا عِنْدَنَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَحْرَمَتْ بِالْفَرْضِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُحَلِّلَهَا إنْ كَانَ لَهَا مَحْرَمٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا فَلَهُ مَنْعُهَا فَإِنْ أَحْرَمَتْ فَهِيَ مُحْصَرَةٌ لِحَقِّ الشَّرْعِ فَلِذَا إذَا أَرَادَ الزَّوْجُ تَحْلِيلَهَا لَا تَتَحَلَّلُ إلَّا بِالْهَدْيِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَحْرَمَتْ بِنَفْلٍ بِلَا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَمُقْتَضَى الْأَصْلِ) أَيْ الْقِيَاسِ لَا أَصْلِ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ (قَوْلُهُ: يَسْقُطُ بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) الَّذِي فِي الْفَتْحِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ. (قَوْلُهُ: لَيْسَ لَهُ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ) ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ إزَالَتُهُ بِالتَّحْلِيلِ، وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ قَالَ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ فَلَهُ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ، وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 81 إذْنٍ لَهُ أَنْ يُحَلِّلَهَا، وَلَا يَتَأَخَّرُ تَحْلِيلُهُ إيَّاهَا إلَى ذَبْحِ الْهَدْيِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي بَابِ الْإِحْصَارِ، وَلَوْ أَذِنَ لِامْرَأَتِهِ فِي حَجِّ النَّفْلِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ لِمِلْكِهَا مَنَافِعَهَا، وَكَذَا الْمُكَاتَبَةُ بِخِلَافِ الْأَمَةِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَلَوْ جَامَعَ زَوْجَتَهُ أَوْ أَمَته الْمُحْرِمَةَ، وَلَا يَعْلَمُ بِإِحْرَامِهَا لَمْ يَكُنْ تَحْلِيلًا، وَفَسَدَ حَجُّهَا، وَإِنْ عَلِمَهُ كَانَ تَحْلِيلًا، وَلَوْ حَلَّلَهَا ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يَأْذَنَ لَهَا فَأَذِنَ لَهَا فَأَحْرَمَتْ بِالْحَجِّ، وَلَوْ بَعْدَمَا جَامَعَهَا مِنْ عَامِهَا ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا عُمْرَةٌ، وَلَا نِيَّةُ الْقَضَاءِ، وَلَوْ أَذِنَ لَهَا بَعْدَ مُضِيِّ السَّنَةِ كَانَ عَلَيْهَا عُمْرَةٌ مَعَ الْحَجِّ، وَلَوْ حَلَّلَهَا فَأَحْرَمَتْ فَحَلَّلَهَا فَأَحْرَمَتْ هَكَذَا مِرَارًا ثُمَّ حَجَّتْ مِنْ عَامِهَا أَجْزَأَهَا عَنْ كُلِّ التَّحَلُّلَاتِ بِتِلْكَ الْحَجَّةِ الْوَاحِدَةِ، وَلَوْ لَمْ تَحُجَّ إلَّا مِنْ قَابِلٍ كَانَ عَلَيْهَا لِكُلِّ تَحْلِيلٍ عُمْرَةٌ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (كِتَابُ النِّكَاحِ) . ذَكَرَهُ بَعْدَ الْعِبَادَاتِ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَيْهَا حَتَّى كَانَ الِاشْتِغَالُ بِهِ أَفْضَلَ مِنْ التَّخَلِّي لِنَوَافِلِ الْعِبَادَاتِ، وَقُدِّمَ عَلَى الْجِهَادِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الْمَصَالِحِ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ، وَأَمْرُ الْمُنَاسَبَةِ سَهْلٌ وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَاهُ لُغَةً عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ فَقِيلَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْوَطْءِ وَالْعَقْدِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي الصِّحَاحِ فَإِنَّهُ قَالَ: النِّكَاحُ الْوَطْءُ، وَقَدْ يَكُونُ الْعَقْدَ تَقُولُ نَكَحْتهَا وَنَكَحَتْ هِيَ أَيْ تَزَوَّجْت، وَهِيَ نَاكِحٌ فِي بَنِي فُلَانٍ أَيْ ذَاتُ زَوْجٍ وَالْمُرَادُ بِالْمُشْتَرَكِ اللَّفْظِيِّ، وَقِيلَ حَقِيقَةٌ فِي الْعَقْدِ مَجَازٌ فِي الْوَطْءِ وَنَسَبَهُ الْأُصُولِيُّونَ إلَى الشَّافِعِيِّ فِي بَحْثِ مَتَى أَمْكَنَ الْعَمَلُ بِالْحَقِيقَةِ سَقَطَ الْمَجَازُ، وَقِيلَ بِالْعَكْسِ، وَعَلَيْهِ مَشَايِخُنَا صَرَّحُوا بِهِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْرِبِ وَذَكَرَ الْأُصُولِيُّونَ أَنَّ ثَمَرَةَ الِاخْتِلَافِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّافِعِيِّ تَظْهَرُ فِي حُرْمَةِ مَوْطُوءَةِ الْأَبِ مِنْ الزِّنَا أَخْذًا مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 22] فَلَمَّا كَانَ حَقِيقَةً فِي الْعَقْدِ عِنْدَهُ لَمْ تَحْرُمْ مَوْطُوءَتُهُ مِنْ الزِّنَا، وَلَمَّا كَانَ حَقِيقَةً فِي الْوَطْءِ عِنْدَنَا الشَّامِلِ لِلْوَطْءِ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ حَرُمَتْ عِنْدَنَا وَحَرُمَتْ مَعْقُودَةُ الْأَبِ بِغَيْرِ وَطْءٍ بِالْإِجْمَاعِ. وَتَفَرَّعَ عَلَى أَصْلِنَا مَا لَوْ قَالَ: لِامْرَأَتِهِ إنْ نَكَحْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَإِنَّهُ لِلْوَطْءِ فَلَوْ أَبَانَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا لَمْ يَحْنَثْ، وَلَا يَرِدُ عَلَيْنَا مَا لَوْ قَالَ: لِأَجْنَبِيَّةٍ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لِلْعَقْدِ لِتَعَذُّرِ الْوَطْءِ شَرْعًا فَكَانَتْ حَقِيقَةً مَهْجُورَةً كَمَا فِي الْكَشْفِ وَلِذَا لَوْ قَالَ: ذَلِكَ لِمَنْ لَا تَحِلُّ لَهُ أَبَدًا بِأَنْ قَالَ: إنْ نَكَحْتُك فَعَبْدِي حُرٌّ انْصَرَفَ إلَى النِّكَاحِ الْفَاسِدِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ، وَقِيلَ حَقِيقَةٌ فِي الضَّمِّ صَرَّحَ بِهِ مَشَايِخُنَا أَيْضًا لَكِنْ قَالَ: فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ كَلَامِهِمْ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ مِنْ أَفْرَادِ الضَّمِّ وَالْمَوْضُوعُ لِلْأَعَمِّ حَقِيقَةٌ فِي كُلٍّ مِنْ أَفْرَادِهِ كَإِنْسَانٍ فِي زَيْدٍ فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ الْمُشْتَرَكِ الْمَعْنَوِيِّ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ، وَهُوَ مَرْدُودٌ فَإِنَّ الْوَطْءَ مُغَايِرٌ لِلضَّمِّ وَلِذَا قَالَ: فِي الْمُغْرِبِ، وَقَوْلُهُمْ النِّكَاحُ الضَّمُّ مَجَازٌ كَإِطْلَاقِهِ عَلَى الْعَقْدِ إلَّا أَنَّ إطْلَاقَهُ عَلَى الضَّمِّ مِنْ بَابِ تَسْمِيَةِ الْمُسَبَّبِ بِاسْمِ السَّبَبِ، وَإِطْلَاقُهُ عَلَى الْعَقْدِ بِالْعَكْسِ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى مُغَايَرَةِ الْقَوْلَيْنِ أَنَّ صَاحِبَ الْمُحِيطِ ذَكَرَ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الضَّمِّ الشَّامِلِ لِلْوَطْءِ وَالْعَقْدِ بِاعْتِبَارِ ضَمِّ الْإِيجَابِ إلَى الْقَبُولِ فَهُوَ حَقِيقَةٌ فِي الْعَقْدِ أَيْضًا، وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّالِثِ مَجَازٌ فِيهِ وَصَحَّحَ فِي الْمُجْتَبَى مَا فِي الْمُغْرِبِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَرَجَّحَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ الْأَوَّلَ بِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْكَلَامِ الْحَقِيقَةُ وَالْمُشْتَرَكُ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْمَوْضُوعِ الْأَصْلِيِّ دُونَ الْمَجَازِ. اهـ. وَهُوَ غَفْلَةٌ عَمَّا فِي الْأُصُولِ فَإِنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ إذَا دَارَ لَفْظٌ بَيْنَ الِاشْتِرَاكِ وَالْمَجَازِ فَالْمَجَازُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ، وَأَغْلَبُ وَالِاشْتِرَاكُ يُخِلُّ بِالتَّفَاهُمِ وَيَحْتَاجُ إلَى قَرِينَتَيْنِ كَمَا ذَكَرَهُ النَّسَفِيُّ فِي شَرْحِ الْمَنَارِ، وَقَالَ: فِي الْبَدَائِعِ إنَّهُ الْحَقُّ وَالْمُتَحَقِّقُ الِاسْتِعْمَالُ فِي كُلٍّ مِنْ هَذِهِ الْمَعَانِي الثَّلَاثَةِ لَكِنَّ الشَّأْنَ فِي تَعْيِينِ   [منحة الخالق] [كِتَابُ النِّكَاحِ] (قَوْلُهُ: حَتَّى كَانَ الِاشْتِغَالُ بِهِ أَفْضَلَ إلَخْ) أَيْ الِاشْتِغَالُ بِالنِّكَاحِ، وَمَا يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ مِنْ الْقِيَامِ بِالْمَصَالِحِ، وَإِعْفَافِ الْحَرَامِ عَنْ نَفْسِهِ وَتَرْبِيَةِ الْوَلَدِ وَنَحْوِ ذَلِكَ قَالَهُ فِي النَّهْرِ وَسَيَأْتِي الِاسْتِدْلَال عَلَى أَفْضَلِيَّتِهِ بِوُجُوهٍ أَرْبَعَةٍ وَحَقَّقَهُ فِي الْفَتْحِ بِمَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ مَرْدُودٌ) قَالَ: فِي النَّهْرِ قَدْ يُمْنَعُ بِأَنَّ الْوَطْءَ نَفْسَهُ ضَمٌّ، وَقَدْ جَعَلَ فِي الْمُحِيطِ الضَّمَّ أَعَمَّ مِنْ ضَمِّ الْجِسْمِ إلَى الْجِسْمِ وَالْقَوْلِ إلَى الْقَوْلِ فَيَكُونُ مُشْتَرَكًا مَعْنَوِيًّا أَيْضًا غَيْرَ أَنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْ لَفْظِ الضَّمِّ تَعَلُّقُهُ بِالْأَجْسَامِ لَا الْأَقْوَالِ؛ لِأَنَّهَا أَعْرَاضٌ يَتَلَاشَى الْأَوَّلُ مِنْهَا قَبْلَ وُجُودِ الثَّانِي فَلَا يُصَادِفُ الثَّانِي مِنْهَا مَا يَنْضَمُّ إلَيْهِ إلَّا أَنَّ قَوْلَهُمْ الْحَقِيقَةُ وَالْمَجَازُ أَوْلَى مِنْ الِاشْتِرَاكِ يُرَجِّحُ مَا فِي الْمُغْرِبِ، وَأَنَّ إطْلَاقَهُ يَعُمُّ الْمَعْنَوِيَّ أَيْضًا. اهـ. أَيْ إطْلَاقُ قَوْلِهِمْ الْمَجَازُ أَوْلَى مِنْ الِاشْتِرَاكِ يَعُمُّ الْمُشْتَرَكَ الْمَعْنَوِيَّ. (قَوْلُهُ: مِنْ بَابِ تَسْمِيَةِ الْمُسَبَّبِ بِاسْمِ السَّبَبِ) أَيْ إطْلَاقُ النِّكَاحِ الَّذِي هُوَ حَقِيقَةٌ فِي الْوَطْءِ عَلَى الضَّمِّ مَجَازٌ عِلَاقَتُهُ السَّبَبِيَّةُ والمسببية فَإِنَّ الْوَطْءَ سَبَبٌ لِلضَّمِّ فَصَحَّ إطْلَاقُ النِّكَاحِ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ مُسَبَّبًا عَنْهُ، وَإِطْلَاقُهُ عَلَى الْعَقْدِ مَجَازٌ أَيْضًا فَإِنَّهُ سَبَبٌ لِلْوَطْءِ (قَوْلُهُ: وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّالِثِ) أَيْ الْقَوْلِ بِأَنَّ النِّكَاحَ حَقِيقَةٌ فِي الْوَطْءِ يَكُونُ مَجَازًا فِي الْعَقْدِ (قَوْلُهُ: وَرَجَّحَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ الْأَوَّلَ) أَيْ إنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْوَطْءِ وَالْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرَكَ حَقِيقَةٌ فِي مَعْنَيَيْهِ، وَهِيَ الْأَصْلُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ حَقِيقَةً فِي أَحَدِهِمَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 82 الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ لَهُ. وَأَمَّا مَعْنَاهُ شَرْعًا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ حَيْثُ أُطْلِقَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مُجَرَّدًا عَنْ الْقَرَائِنِ فَهُوَ لِلْوَطْءِ فَقَدْ تَسَاوَى الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ وَالشَّرْعِيِّ وَلِذَا قَالَ قَاضِي خَانْ إنَّهُ فِي اللُّغَةِ وَالشَّرْعِ حَقِيقَةٌ فِي الْوَطْءِ مَجَازٌ فِي الْعَقْدِ، وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ مِنْ أَنَّهُ اسْمٌ لِلْعَقْدِ الْخَاصِّ فَهُوَ مَعْنَاهُ فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ وَلِذَا قَالَ: فِي الْمُجْتَبَى إنَّهُ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ الْعَقْدُ فَقَوْلُ مَنْ قَالَ: إنَّهُ فِي الشَّرْعِ اسْمٌ لِلْعَقْدِ الْخَاصِّ كَمَا فِي التَّبْيِينِ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ، وَهُمْ أَهْلُ الشَّرْعِ فَلَا مُخَالَفَةَ وَسَبَبُ مَشْرُوعِيَّتِهِ مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ فِي النِّكَاحِ الْحَظْرُ، وَإِبَاحَتُهُ لِلضَّرُورَةِ كَمَا فِي الْكَشْفِ تَعَلُّقُ بَقَاءِ الْعَالَمِ بِهِ الْمُقَدَّرُ فِي الْعِلْمِ الْأَزَلِيِّ عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ، وَإِلَّا فَيُمْكِنُ بَقَاءُ النَّوْعِ بِالْوَطْءِ عَلَى غَيْرِ الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ لَكِنَّهُ مُسْتَلْزِمٌ لِلتَّظَالُمِ وَالسَّفْكِ وَضَيَاعِ الْأَنْسَابِ بِخِلَافِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ وَشَرْطُهُ نَوْعَانِ عَامٌّ فِي تَنْفِيذِ كُلِّ تَصَرُّفٍ دَائِرٍ بَيْنَ النَّفْعِ وَالضَّرَرِ وَخَاصٌّ فَالْأَوَّلُ الْأَهْلِيَّةُ بِالْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ قَالَ: فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ فِي الْوَلِيِّ لَا فِي الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ، وَلَا فِي مُتَوَلِّي الْعَقْدِ فَإِنَّ تَزْوِيجَ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ جَائِزٌ وَتَوْكِيلُ الصَّبِيِّ الَّذِي يَعْقِدُ الْعَقْدَ وَيَقْصِدُهُ جَائِزٌ فِي الْبَيْعِ عِنْدَنَا فَصِحَّتُهُ هُنَا أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ مَحْضُ سَفِيرٍ، وَأَمَّا الْحُرِّيَّةُ فَشَرْطُ النَّفَاذِ بِلَا إذْنِ أَحَدٍ. اهـ. وَضَمَّ الزَّيْلَعِيُّ الْحُرِّيَّةَ إلَى الْعَقْلِ وَبِالْبُلُوغِ فِي الشَّرْطِ الْعَامِّ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ التَّمْيِيزَ شَرْطٌ فِي مُتَوَلِّي الْعَقْدِ لِلِانْعِقَادِ أَصِيلًا كَانَ أَوْ لَمْ يَكُنْ فَلَمْ يَنْعَقِدْ النِّكَاحُ بِمُبَاشَرَةِ الْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ، وَأَمَّا الْبُلُوغُ وَالْحُرِّيَّةُ فَشَرْطُ النَّفَاذِ فِي مُتَوَلِّي الْعَقْدِ لِنَفْسِهِ لَا لِغَيْرِهِ فَتَوَقُّفُ عَقْدِ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ وَالْعَبْدِ عَلَى إجَازَةِ الْوَلِيِّ وَالْمَوْلَى، وَأَمَّا الْمَحَلِّيَّةُ فَقَالَ: فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إنَّهَا مِنْ الشُّرُوطِ الْعَامَّةِ وَتَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الْأَشْيَاءِ وَالْأَحْكَامِ كَمَحَلِّيَّةِ الْمَبِيعِ لِلْبَيْعِ وَالْأُنْثَى لِلنِّكَاحِ. اهـ. وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: إنَّ مَحَلِّيَّةَ الْأُنْثَى الْمُحَقَّقَةِ مِنْ بَنَاتِ آدَمَ لَيْسَتْ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ، وَفِي الْعِنَايَةِ مَحَلُّهُ امْرَأَةٌ لَمْ يَمْنَعْ مِنْ نِكَاحِهَا مَانِعٌ شَرْعِيٌّ فَخَرَجَ الذَّكَرُ لِلذَّكَرِ وَالْخُنْثَى مُطْلَقًا وَالْجِنِّيَّةُ لِلْإِنْسِيِّ، وَمَا كَانَ مِنْ النِّسَاءِ مُحَرَّمًا عَلَى التَّأْيِيدِ كَالْمَحَارِمِ وَلِذَا قَالَ: فِي التَّبْيِينِ مِنْ كِتَابِ الْخُنْثَى لَوْ زَوَّجَهُ أَبُوهُ أَوْ مَوْلَاهُ امْرَأَةً أَوْ رَجُلًا لَا يُحْكَمُ بِصِحَّتِهِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ حَالُهُ أَنَّهُ رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ فَإِذَا ظَهَرَ أَنَّهُ خِلَافُ مَا زُوِّجَ بِهِ تَبَيَّنَ أَنَّ الْعَقْدَ كَانَ صَحِيحًا، وَإِلَّا فَبَاطِلٌ لِعَدَمِ مُصَادَفَةِ الْمَحَلِّ، وَكَذَا إذَا زُوِّجَ الْخُنْثَى مِنْ خُنْثَى آخَرَ لَا يُحْكَمُ بِصِحَّةِ النِّكَاحِ حَتَّى يَظْهَرَ أَنَّ أَحَدَهُمَا ذَكَرٌ وَالْآخَرَ أُنْثَى. اهـ. وَفِي الْقُنْيَةِ لَا يَجُوزُ التَّزْوِيجُ بِجِنِّيَّةٍ، وَأَجَازَهُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ بِشُهُودٍ وَذَكَرَ أَهْلُ الْأُصُولِ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ نِكَاحِ الْمَحَارِمِ مَجَازٌ عَنْ النَّفْيِ فَكَانَ نَسْخًا لِعَدَمِ مَحَلِّهِ وَصَرَّحَ كَثِيرٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ بِعَدَمِ مَحَلِّيَّةِ الْمَحَارِمِ لِلنِّكَاحِ وَجَزَمَ بِهِ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ لَكِنْ يُشْكِلُ عَلَيْهِ إسْقَاطُ أَبِي حَنِيفَةَ الْحَدَّ عَمَّنْ وَطِئَ مُحَرَّمَةٍ بَعْدَ الْعَقْدِ عَلَيْهَا فَإِنَّهَا إذَا لَمْ تَكُنْ مَحَلًّا لَمْ تَبْقَ شُبْهَةً بِالْعَقْدِ وَالْجَوَابُ أَنَّهَا لَمْ تَخْرُجْ عَنْ الْمَحَلِّيَّةِ لِلنِّكَاحِ أَصْلًا بِدَلِيلِ حِلِّ تَزَوُّجِهَا لِمَنْ لَمْ يَكُنْ مَحْرَمًا لَهَا فَأَبُو حَنِيفَةَ نَظَرَ إلَى هَذَا، وَهُمَا نَظَرَا إلَى خُرُوجِهَا عَنْ الْمَحَلِّيَّةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْوَاطِئِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ فَلِذَا قَالَ: فِي الْخُلَاصَةِ إنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ فِي مَحَلِّهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالثَّانِي أَعْنِي الشَّرْطَ الْخَاصَّ لِلِانْعِقَادِ سَمَاعِ اثْنَيْنِ بِوَصْفٍ خَاصٍّ لِلْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ زَادَ فِي الْمُحِيطِ، وَكَوْنُ الْمَرْأَةِ مِنْ الْمُحَلَّلَاتِ، وَقَدْ عَلِمْت مَا فِيهِ وَرُكْنُهُ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا كَاللَّفْظِ الْقَائِمِ مَقَامَهُمَا مِنْ مُتَوَلِّي الطَّرَفَيْنِ شَرْعًا وَحِكْمَةُ حِلُّ اسْتِمْتَاعِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِالْآخَرِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَأْذُونِ فِيهِ شَرْعًا وَحُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ، وَمِلْكُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَعْضَ الْأَشْيَاءِ عَلَى الْآخَرِ مِمَّا سَيَرِدُ عَلَيْك كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. وَقَدْ ذَكَرَ أَحْكَامَهُ فِي الْبَدَائِعِ فِي فَصْلٍ عَلَى حِدَةٍ فَقَالَ: مِنْهَا حِلُّ الْوَطْءِ لَا فِي الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَالْإِحْرَامِ، وَفِي الظِّهَارِ قَبْلَ التَّكْفِيرِ وَوُجُوبُهُ قَضَاءً مَرَّةٌ وَاحِدَةٌ وَدِيَانَةً فِيمَا زَادَ عَلَيْهَا، وَقِيلَ يَجِبُ قَضَاءً أَيْضًا، وَمِنْهَا حِلُّ النَّظَرِ وَالْمَسِّ مِنْ رَأْسِهَا إلَى قَدِمَهَا إلَّا لِمَانِعٍ   [منحة الخالق] مَجَازًا فِي الْآخَرِ (قَوْلُهُ: مِنْ أَنَّهُ اسْمٌ لِلْعَقْدِ الْخَاصِّ) أَيْ مَا يَأْتِي فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ هُوَ عَقْدٌ يَرِدُ عَلَى مِلْكِ الْمُتْعَةِ (قَوْلُهُ: فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ، وَهُمْ أَهْلُ الشَّرْعِ) الَّذِي فِي غَيْرِ هَذِهِ النُّسْخَةِ فِي عُرْفِ أَهْلِ الشَّرْعِ، وَهُمْ الْفُقَهَاءُ (قَوْلُهُ: فَإِنَّ تَزْوِيجَ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ) مُفَرَّعٌ عَلَى قَوْلِهِ لَا فِي الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ، وَقَوْلُهُ وَتَوْكِيلُ الصَّبِيِّ إلَخْ مُفَرَّعٌ عَلَى قَوْلِهِ، وَلَا فِي مُتَوَلِّي الْعَقْدِ وَكُلٌّ مِنْ تَزْوِيجٍ وَتَوْكِيلٍ مَصْدَرٌ مُضَافٌ لِمَفْعُولِهِ. (قَوْلُهُ: وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: إنَّ مَحَلِّيَّةَ الْأُنْثَى) كَذَا فِيمَا رَأَيْته مِنْ النُّسَخِ بِالْإِضَافَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا مُحَرَّفَةٌ وَالْأَصْلُ مَحَلِّيَّتُهُ أَوْ مَحَلُّهُ بِالضَّمِيرِ مَعَ التَّاءِ أَوْ بِدُونِهَا فَالْأُنْثَى خَبَرُ إنَّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 83 وَمِنْهَا مِلْكُ الْمَنْفَعَةِ، وَهُوَ اخْتِصَاصُ الزَّوْجِ بِمَنَافِعِ بُضْعِهَا وَسَائِرِ أَعْضَائِهَا اسْتِمْتَاعًا، وَمِنْهَا مِلْكُ الْحَبْسِ وَالْقَيْدِ، وَهُوَ صَيْرُورَتُهَا مَمْنُوعَةً عَنْ الْخُرُوجِ وَالْبُرُوزِ، وَمِنْهَا وُجُوبُ الْمَهْرِ عَلَيْهِ، وَمِنْهَا وُجُوبُ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ، وَمِنْهَا حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ، وَمِنْهَا الْإِرْثُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَمِنْهَا وُجُوبُ الْعَدْلِ بَيْنَ النِّسَاءِ فِي حُقُوقِهِنَّ، وَمِنْهَا وُجُوبُ طَاعَتِهِ عَلَيْهَا إذَا دَعَاهَا إلَى الْفِرَاشِ، وَمِنْهَا وِلَايَةُ تَأْدِيبِهَا إذَا لَمْ تُطِعْهُ بِأَنْ نَشَزَتْ، وَمِنْهَا اسْتِحْبَابُ مُعَاشَرَتِهَا بِالْمَعْرُوفِ، وَعَلَيْهِ حُمِلَ الْأَمْرُ فِي قَوْله تَعَالَى، {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 19] ، وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ لَهَا أَيْضًا وَالْمُعَاشَرَةُ بِالْمَعْرُوفِ الْإِحْسَانُ قَوْلًا، وَفِعْلًا وَخُلُقًا إلَى آخِرِ مَا فِي الْبَدَائِعِ، وَمِنْ أَحْكَامِهِ أَنْ لَا يَصِحَّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ لَكِنْ قَالَ: فِي التَّتِمَّةِ تَزَوَّجَ امْرَأَةً إنْ شَاءَتْ أَوْ قَالَ: إنْ شَاءَ زَيْدٌ فَأَبْطَلَ صَاحِبُ الْمَشِيئَةِ مَشِيئَتَهُ فِي الْمَجْلِسِ فَالنِّكَاحُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْمَشِيئَةَ إذَا بَطَلَتْ فِي الْمَجْلِسِ صَارَ نِكَاحًا بِغَيْرِ مَشِيئَةِ كَمَا قَالُوا فِي السَّلَمِ إذَا أَبْطَلَ الْخِيَارَ فِي الْمَجْلِسِ جَازَ السَّلَمُ. وَلَوْ بَدَأَ الزَّوْجُ فَقَالَ: تَزَوَّجْتُك إنْ شِئْت ثُمَّ قَبِلَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ غَيْرِ شُرُوطٍ تَمَّ النِّكَاحُ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إبْطَالِ الْمَشِيئَةِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَوْ قَالَ: تَزَوَّجْتُك بِأَلْفِ دِرْهَمٍ إنْ رَضِيَ فُلَانٌ الْيَوْمَ فَإِنْ كَانَ فُلَانٌ حَاضِرًا فَقَالَ: قَدْ رَضِيت جَازَ النِّكَاحُ اسْتِحْسَانًا، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ حَاضِرٍ لَمْ يَجُزْ، وَلَيْسَ هَذَا كَقَوْلِهِ قَدْ تَزَوَّجْتُك وَلِفُلَانٍ الرِّضَا؛ لِأَنَّ هَذَا قَوْلٌ قَدْ وَجَبَ وَشَرْطُ خِيَارٍ وَالْأَوَّلُ لَمْ يُوجَبْ وَجَعَلَ الْإِيجَابَ مُخَاطَرَةً، وَلَوْ قَالَ: تَزَوَّجْتُك الْيَوْمَ عَلَى أَنَّ لَك الْمَشِيئَةَ الْيَوْمَ إلَى اللَّيْلِ فَالنِّكَاحُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ كَشَرْطِ الْخِيَارِ اهـ هَكَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ لَكِنْ قَالَ: قَبْلَهُ لَوْ قَالَتْ زَوَّجْت نَفْسِي مِنْك إنْ رَضِيَ أَبِي لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِالْخَطَرِ. اهـ. وَقِيَاسُ مَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْأَبَ إنْ كَانَ حَاضِرًا فِي الْمَجْلِسِ وَرَضِيَ الْجَوَازَ ثُمَّ رَأَيْته فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ خَطَبَ بِنْتَ رَجُلٍ لِابْنِهِ فَقَالَ: أَبُوهَا زَوَّجْتهَا قَبْلَك مِنْ فُلَانٍ فَكَذَّبَهُ أَبُو الِابْنِ فَقَالَ: إنْ لَمْ أَكُنْ زَوَّجْتهَا مِنْ فُلَانٍ فَقَدْ زَوَّجْتهَا مِنْ ابْنِك، وَقَبِلَ أَبُو الِابْنِ ثُمَّ عَلِمَ كَذِبَهُ انْعَقَدَ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِالْوُجُودِ تَحْقِيقٌ. اهـ. وَفِي الْمُجْتَبَى زَوَّجْت نَفْسِي مِنْك بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِي فَقَبِلَ لَا يَصِحُّ كَالتَّعْلِيقِ، وَإِضَافَتُهُ إلَى وَقْتٍ لَا يَصِحُّ وَصِفَتُهُ فَرْضٌ وَوَاجِبٌ وَسُنَّةٌ وَحَرَامٌ، وَمَكْرُوهٌ، وَمُبَاحٌ أَمَّا الْأَوَّلُ فَبِأَنْ يَخَافَ الْوُقُوعَ فِي الزِّنَا لَوْ لَمْ يَتَزَوَّجْ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ إلَّا بِهِ؛ لِأَنَّ مَا لَا يُتَوَصَّلُ إلَى تَرْكِ الْحَرَامِ إلَّا بِهِ يَكُونُ فَرْضًا. وَأَمَّا الثَّانِي فَبِأَنْ يَخَافَهُ لَا بِالْحَيْثِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ إذْ لَيْسَ الْخَوْفُ مُطْلَقًا مُسْتَلْزِمًا بُلُوغَهُ إلَى عَدَمِ التَّمَكُّنِ وَبِهِ يَحْصُلُ التَّوْفِيقُ بَيْنَ قَوْلِ مَنْ عَبَّرَ بِالِافْتِرَاضِ وَبَيْنَ مَنْ عَبَّرَ بِالْوُجُوبِ وَكُلٌّ مِنْ هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ مَشْرُوطٌ بِشَرْطَيْنِ. الْأَوَّلُ: مِلْكُ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ فَلَيْسَ مَنْ خَافَهُ إذَا كَانَ عَاجِزًا عَنْهُمَا آثِمًا بِتَرْكِهِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ. الثَّانِي: عَدَمُ خَوْفِ الْجَوْرِ فَإِنْ تَعَارَضَ خَوْفُ الْوُقُوعِ فِي الزِّنَا لَوْ لَمْ يَتَزَوَّجْ وَخَوْفُ الْجَوْرِ لَوْ تَزَوَّجَ قَدَّمَ الثَّانِيَ فَلَا افْتِرَاضَ بَلْ مَكْرُوهٌ كَمَا أَفَادَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَلَعَلَّهُ؛ لِأَنَّ الْجَوْرَ مَعْصِيَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْعِبَادِ وَالْمَنْعُ مِنْ الزِّنَا مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَحَقُّ الْعَبْدِ مُقَدَّمٌ عِنْدَ التَّعَارُضِ لِاحْتِيَاجِهِ وَغِنَى الْمَوْلَى تَعَالَى، وَأَمَّا الثَّالِثُ فَعِنْدَ الِاعْتِدَالِ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ، وَأَمَّا الرَّابِعُ فَبِأَنْ يَخَافَ الْجَوْرَ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا شُرِعَ لِمَصْلَحَةٍ مِنْ تَحْصِينِ النَّفْسِ وَتَحْصِيلِ الثَّوَابِ وَبِالْجَوْرِ يَأْثَمُ وَيَرْتَكِبُ الْمُحَرَّمَاتِ فَتَنْعَدِمُ الْمَصَالِحُ لِرُجْحَانِ هَذِهِ الْمَفَاسِدِ، وَأَمَّا الْخَامِسُ فَبِأَنْ يَخَافَهُ لَا بِالْحَيْثِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ، وَهِيَ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ، وَمَنْ أَطْلَقَ الْكَرَاهَةَ عِنْدَ خَوْفِ الْجَوْرِ فَمُرَادُهُ الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ الْقِسْمَيْنِ. وَأَمَّا السَّادِسُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: لِأَنَّ هَذَا قَوْلٌ قَدْ وَجَبَ وَشَرْطُ خِيَارٍ وَالْأَوَّلُ لَمْ يُوجِبْ إلَخْ) الَّذِي رَأَيْته فِي نُسْخَتَيْنِ مِنْ الْبَزَّازِيَّةِ هَكَذَا؛ لِأَنَّ هَذَا قَوْلٌ قَدْ وَجَبَ وَشَرْطُ الْخِيَارِ لِغَيْرِهِ وَالْأَوَّلُ مُخَاطَرَةٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: كَشَرْطِ الْخِيَارِ) أَيْ فِيمَا لَوْ قَالَ: تَزَوَّجْتُك عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ يَجُوزُ النِّكَاحُ، وَلَا يَصِحُّ الْخِيَارُ؛ لِأَنَّهُ مَا عَلَّقَ النِّكَاحَ بِالشَّرْطِ بَلْ بَاشَرَ النِّكَاحَ وَشَرَطَ الْخِيَارَ فَيَبْطُلُ شَرْطُ الْخِيَارِ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَقِيَاسُ مَا تَقَدَّمَ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ، وَلَوْ قَالَ: تَزَوَّجْتُك بِأَلْفِ دِرْهَمٍ إنْ رَضِيَ فُلَانٌ الْيَوْمَ إلَخْ، وَقِيَاسُ مُبْتَدَأٌ وَالْجَوَازُ خَبَرُهُ، وَقَوْلُهُ بَعْدَهُ ثُمَّ رَأَيْته فِي الظَّهِيرِيَّةِ سَاقِطٌ مِنْ بَعْضِ النُّسَخِ، وَعِبَارَةُ الظَّهِيرِيَّةِ هَكَذَا امْرَأَةٌ قَالَتْ لِرَجُلٍ بِمَحْضَرٍ مِنْ الشَّاهِدَيْنِ تَزَوَّجْتُك عَلَى كَذَا إنْ أَجَازَ أَبِي أَوْ رَضِيَ فَقَالَ: قَبِلْت لَا يَصِحُّ، وَلَوْ كَانَ الْأَبُ فِي الْمَجْلِسِ فَقَالَ: رَضِيت أَوْ أَجَزْت جَازَ. اهـ. وَذَكَرَ فِي الْخَانِيَّةِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَنَقَلَهُ فِي النَّهْرِ قُبَيْلَ كِتَابِ الصَّرْفِ، وَقَالَ: إنَّهُ الْحَقُّ، وَإِنَّ مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ مُشْكِلٌ أَيْ لِمَا مَرَّ مِنْ حُكْمِهِ لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ مَسْأَلَةَ التَّتِمَّةِ تُؤَيِّدُ تَفْصِيلَ الظَّهِيرِيَّةِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ مَا لَا يُتَوَصَّلُ إلَى تَرْكِ الْحَرَامِ إلَّا بِهِ يَكُونُ فَرْضًا) قَالَ: فِي النَّهْرِ فِيهِ نَظَرٌ إذْ التَّرْكُ قَدْ يَكُونُ بِغَيْرِ النِّكَاحِ، وَهُوَ التَّسَرِّي وَحِينَئِذٍ فَلَا يَلْزَمُ وُجُوبُهُ إلَّا لَوْ فَرَضْنَا الْمَسْأَلَةَ بِأَنَّهُ لَيْسَ قَادِرًا عَلَيْهِ. اهـ. وَلَا يَخْفَى عَدَمُ وُرُودِ النَّظَرِ مِنْ أَصْلِهِ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْمُؤَلِّفِ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ إلَّا بِهِ ظَاهِرٌ فِي عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسَرِّي (قَوْلُهُ: فَمُرَادُهُ الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ الْقِسْمَيْنِ) أَيْ قِسْمَيْ الْجَوْرِ، وَهُوَ الْقِسْمُ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْخَامِسِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 84 فَبِأَنْ يَخَافَ الْعَجْزَ عَنْ الْإِيفَاءِ بِمَوَاجِبِهِ كَذَا فِي الْمُجْتَبَى يَعْنِي فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَأَمَّا مَحَاسِنُهُ فَكَثِيرَةٌ وَدَلَائِلُهُ شَهِيرَةٌ (قَوْلُهُ: هُوَ عَقْدٌ يَرِدُ عَلَى مِلْكِ الْمُتْعَةِ قَصْدًا) أَيْ النِّكَاحِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ وَالْمُرَادُ بِالْعَقْدِ مُطْلَقًا نِكَاحًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ مَجْمُوعُ إيجَابِ أَحَدِ الْمُتَكَلِّمَيْنِ مَعَ قَبُولِ الْآخَرِ سَوَاءٌ كَانَ بِاللَّفْظَيْنِ الْمَشْهُورَيْنِ مِنْ زَوَّجْت وَتَزَوَّجْت أَوْ غَيْرِهِمَا مِمَّا سَيُذْكَرُ أَوْ كَلَامُ الْوَاحِدِ الْقَائِمِ مَقَامَهُمَا أَعْنِي مُتَوَلِّيَ الطَّرَفَيْنِ، وَقَوْلُ الْوَرْشَكِيِّ إنَّهُ مَعْنًى يُحِلُّ الْمَحَلَّ فَيَتَغَيَّرُ بِهِ حَالُ الْمَحَلِّ وَزَوَّجْت وَتَزَوَّجْت آلَةُ انْعِقَادِهِ إطْلَاقٌ لَهُ عَلَى حُكْمِهِ فَإِنَّ الْمَعْنَى الَّذِي يَتَغَيَّرُ بِهِ حَالُ الْمَحَلِّ مِنْ الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ هُوَ حُكْمُ الْعَقْدِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِإِخْرَاجِ اللَّفْظَيْنِ عَنْ مُسَمَّاهُ، وَهُوَ اصْطِلَاحٌ آخَرَ غَيْرُ مَشْهُورٍ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَمِلْكُ الْمُتْعَةِ عِبَارَةٌ عَنْ مِلْكِ الِانْتِفَاعِ وَالْوَطْءِ كَمَا فِي الْكَشْفِ، وَمَعْنَى وُرُودِهِ عَلَيْهِ إفَادَتُهُ لَهُ شَرْعًا فَلَوْ قَالَ: يُفِيدُ مِلْكَ الْمُتْعَةِ أَوْ يَثْبُتُ بِهِ مِلْكُ الْمُتْعَةِ قَصْدًا لَكَانَ أَظْهَرَ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ عَقْدٌ يُفِيدُ حُكْمَهُ بِحَسَبِ وَضْعِ الشَّرْعِ. وَالْمُرَادُ بِالْمِلْكِ الْحِلُّ لَا الْمِلْكُ الشَّرْعِيُّ؛ لِأَنَّ الْمَنْكُوحَةَ لَوْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ فَمَهْرُهَا لَهَا، وَلَوْ مَلَكَ الِانْتِفَاعَ بِبُضْعِهَا حَقِيقَةً لَكَانَ بَدَلُهُ لَهُ وَذَكَرَ فِي الْبَدَائِعِ أَنَّ مِنْ أَحْكَامِهِ مِلْكُ الْمُتْعَةِ، وَهُوَ اخْتِصَاصُ الزَّوْجِ بِمَنَافِعِ بُضْعِهَا وَسَائِرِ أَعْضَائِهَا اسْتِمْتَاعًا أَوْ مِلْكُ الذَّاتِ وَالنَّفْسِ فِي حَقِّ التَّمَتُّعِ عَلَى اخْتِلَافِ مَشَايِخِنَا فِي ذَلِكَ وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ قَصْدًا عَمَّا يُفِيدُ الْحِلَّ ضِمْنًا كَمَا إذَا ثَبَتَ فِي ضِمْنِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ كَشِرَاءِ الْجَارِيَةِ لِلتَّسَرِّي فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ شَرْعًا لِمِلْكِ الرَّقَبَةِ، وَمِلْكُ الْمُتْعَةِ ثَابِتٌ ضِمْنًا، وَإِنْ قَصَدَهُ الْمُشْتَرِي، وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ مِلْكُ الْمُتْعَةِ مَقْصُودًا لِمِلْكِ الرَّقَبَةِ فِي الشِّرَاءِ أَوْ نَحْوِهِ لِتَخَلُّفِهِ عَنْهُ فِي شِرَاءِ مَحْرَمِهِ نَسَبًا وَرَضَاعًا وَالْأَمَةِ الْمَجُوسِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ سُنَّةٌ، وَعِنْدَ التَّوَقَانِ وَاجِبٌ) بَيَانٌ لِصِفَتِهِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَالْمُرَادُ بِهِ السُّنَّةُ الْمُؤَكَّدَةُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَهُوَ مَحْمَلُ مَنْ أَطْلَقَ   [منحة الخالق] قَوْلُ الْمُصَنِّفِ هُوَ عَقْدٌ) قَالَ: فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة الْمُرَادُ بِالْعَقْدِ الْحَاصِلُ بِالْمَصْدَرِ احْتِرَازًا عَنْ الْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ الَّذِي هُوَ فِعْلُ الْمُتَكَلِّمِ كَذَا أَفَادَهُ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي صَاحِبَ الدُّرَرِ فِي مَنَاهِيهِ (قَوْلُهُ: وَقَوْلُ الْوَرْشَكِيِّ) بِالْوَاوِ وَالرَّاءِ وَالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ هُوَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْعَلَّامَةُ بَدْرُ الدِّينِ الْبُخَارِيُّ تَفَقَّهَ عَلَيْهِ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْكَرْدَرِيُّ بِبِجَاتَ مَاتَ بِبَلْخٍ سَنَةَ 594 تَفَقَّهَ عَلَى أَبِي الْفَضْلِ الْكَرْمَانِيِّ كَمَا فِي الْجَوَاهِرِ الْمُضِيئَةِ شَيْخِ إسْمَاعِيلَ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ الزَّرْكَشِيّ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (قَوْلُهُ: وَمِلْكُ الْمُتْعَةِ عِبَارَةٌ عَنْ مِلْكِ الِانْتِفَاعِ وَالْوَطْءِ) قَالَ: فِي الدُّرَرِ الْمُتْعَةُ حِلُّ اسْتِمْتَاعِ الرَّجُلِ مِنْ الْمَرْأَةِ، وَهُوَ يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْحَقَّ فِي التَّمَتُّعِ لِلرَّجُلِ لَا لِلْمَرْأَةِ وَيَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ الْأَبْيَارِيُّ شَارِحُ الْكَنْزِ فِي شَرْحِهِ لِلْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «احْفَظْ عَوْرَتَك إلَّا مِنْ زَوْجَتِك، وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُك» مِنْ أَنَّ لِلزَّوْجِ أَنْ يَنْظُرَ إلَى فَرْجِ زَوْجَتِهِ وَحَلَقَةِ دُبُرِهَا بِخِلَافِهَا حَيْثُ لَا تَنْظُرُ إلَيْهِ إذَا مَنَعَهَا مِنْ النَّظَرِ كَذَا فِي حَوَاشِي مِسْكِينٍ، وَعِبَارَةُ الْبَدَائِعِ الْآتِيَةُ أَظْهَرُ فِي إفَادَةِ ذَلِكَ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: فَلَوْ قَالَ: يُفِيدُ مِلْكَ الْمُتْعَةِ إلَخْ) قَالَ: فِي النَّهْرِ الْأَقْرَبُ أَنْ يَكُونَ يَرِدُ بِمَعْنَى يَأْتِي قَالَ: الْجَوْهَرِيُّ الْوُرُودُ خِلَافُ الصُّدُورِ. اهـ. أَيْ الرُّجُوعِ، وَعَلَى تَعْلِيلِيَّةٌ أَيْ يَأْتِي وَضْعًا لِكَذَا. اهـ. أَيْ مِثْلُهَا فِي {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [البقرة: 185] أَيْ لِهِدَايَتِهِ إيَّاكُمْ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِالْمِلْكِ الْحِلُّ إلَخْ) قَالَ: فِي النَّهْرِ، وَفِي سِرَاجِ الدَّبُوسِيِّ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ هَذَا الْمِلْكَ فِي حُكْمِ مِلْكِ الْعَيْنِ أَوْ الْمُتْعَةِ قَالَ: أَصْحَابُنَا بِالْأَوَّلِ وَالشَّافِعِيُّ بِالثَّانِي، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ جَمِيعَ أَجْزَائِهَا، وَمَنَافِعِهَا لَهُ وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا بِجَوَازِ نِكَاحِ الْمُرْضَعَةِ أَيْ الصَّغِيرَةِ، وَلَا مُتْعَةَ وَطْءٍ فِيهَا، وَلَا يَرُدُّ مَا لَوْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ فَإِنَّ الْبَدَلَ لَهَا، وَلَوْ مَلَكَ الْعَيْنَ لَكَانَ لَهُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْمِلْكَ لَيْسَ حَقِيقِيًّا بَلْ فِي حُكْمِهِ فِي حَقِّ تَحْلِيلِ الْوَطْءِ دُونَ مَا سِوَاهُ مِنْ الْأَحْكَامِ الَّتِي لَا تَتَّصِلُ بِحَقِّ الزَّوْجِيَّةِ. اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْخِلَافَ لَفْظِيٌّ، وَإِذَا عُرِفَ هَذَا فَمَا فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمِلْكِ الْحِلُّ لَا الْمِلْكُ الشَّرْعِيُّ؛ لِأَنَّ الْمَنْكُوحَةَ إلَخْ فِيهِ نَظَرٌ بَلْ يَمْلِكُ الِانْتِفَاعَ حَقِيقَةً، وَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ لِمَا مَرَّ. اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ مَدَارَ كَلَامِ الدَّبُوسِيِّ عَلَى أَنَّ هَذَا الْمِلْكَ لَيْسَ حَقِيقِيًّا، وَأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ حُكْمُهُ، وَهُوَ حِلُّ الْوَطْءِ وَنَحْوِهِ، وَهُوَ مَعْنَى كَلَامِ الْبَحْرِ عَلَى أَنَّ كَلَامَ الدَّبُوسِيِّ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ الْمَتْنِ يَرِدُ عَلَى مِلْكِ الْمُتْعَةِ فَإِنَّ مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّافِعِيِّ فِي ذَلِكَ نَعَمْ كَلَامُ الْبَدَائِعِ الْآتِي صَرِيحٌ فِي الْخِلَافِ عِنْدَنَا لَكِنَّ قَوْلَ الْمُؤَلِّفِ هُنَا، وَلَوْ مَلَكَ الِانْتِفَاعَ بِبَعْضِهَا حَقِيقَةً لَكَانَ بَدَلُهُ لَهُ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ لِلْبَدَلِ إنَّمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى مِلْكِهِ لِذَاتِ الْبُضْعِ لَا عَلَى مِلْكِهِ لِمَنْفَعَتِهِ فَيَمْلِكُ عُقْرَ أَمَتِهِ لِمِلْكِهِ لِذَاتِ بُضْعِهَا، وَلَا يَمْلِكُ عُقْرَ زَوْجَتِهِ لِعَدَمِ مِلْكِ الذَّاتِ بَلْ هُوَ مَالِكٌ لِمَنْفَعَتِهِ، وَمِلْكُ كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ وَلِذَا فَسَّرَ فِي الْبَدَائِعِ الْمِلْكَ هُنَا بِالِاخْتِصَاصِ. (قَوْلُهُ: أَمَّا الْأَوَّلُ فَالْمُرَادُ بِهِ السُّنَّةُ الْمُؤَكَّدَةُ عَلَى الْأَصَحِّ) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: إنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَقِيلَ بَلْ وَاجِبٌ عَلَى الْكِفَايَةِ، وَقِيلَ عَلَى التَّعْيِينِ وَيَنْبَغِي تَرْجِيحُهُ لِثُبُوتِ الْمُوَاظَبَةِ عَلَيْهِ وَالْإِنْكَارِ عَلَى مَنْ رَغِبَ عَنْهُ. اهـ. وَهُوَ وَجِيهٌ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالسُّنِّيَّةِ لِمَا مَرَّ فِي بَابِ الْإِمَامَةِ مِنْ تَصْرِيحِ صَاحِبِ الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهِ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْقَوْلِ بِوُجُوبِ الْجَمَاعَةِ وَسُنِّيَّتِهَا بِأَنَّهُ اخْتِلَافٌ فِي الْعِبَارَةِ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ الْمُؤَكَّدَةَ وَالْوَاجِبَ سَوَاءٌ. اهـ. تَأَمَّلْ. وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ كَوْنَ الْوُجُوبِ عِنْدَ التَّوَقَانِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ يَخْتَلِفُ فَإِذَا خَافَ الْوُقُوعَ فِي الْحَرَامِ وَتَرَكَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 85 الِاسْتِحْبَابَ، وَكَثِيرًا مَا يُتَسَاهَلُ فِي إطْلَاقِ الْمُسْتَحَبِّ عَلَى السُّنَّةِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَصَرَّحَ فِي الْمُحِيطِ أَيْضًا بِأَنَّهَا مُؤَكَّدَةٌ، وَمُقْتَضَاهُ الْإِثْمُ لَوْ لَمْ يَتَزَوَّجْ؛ لِأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ تَرْكَ الْمُؤَكَّدَةِ مُؤَثِّمٌ كَمَا عُلِمَ فِي الصَّلَاةِ. وَأَفَادَ بِذِكْرِ وُجُوبِهِ حَالَةَ التَّوَقَانِ أَنَّ مَحَلَّ الْأَوَّلِ حَالَةُ الِاعْتِدَالِ كَمَا فِي الْمَجْمَعِ وَالْمُرَادُ بِهَا حَالَةُ الْقُدْرَةِ عَلَى الْوَطْءِ وَالْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ مَعَ عَدَمِ الْخَوْفِ مِنْ الزِّنَا وَالْجَوْرِ وَتَرْكِ الْفَرَائِضِ وَالسُّنَنِ فَلَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ أَوْ خَافَ وَاحِدًا مِنْ الثَّلَاثَةِ فَلَيْسَ مُعْتَدِلًا فَلَا يَكُونُ سُنَّةً فِي حَقِّهِ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْبَدَائِعِ وَدَلِيلُ السُّنِّيَّةِ حَالَةَ الِاعْتِدَالِ الِاقْتِدَاءُ بِحَالِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي نَفْسِهِ وَرَدُّهُ عَلَى مَنْ أَرَادَ مِنْ أُمَّتِهِ التَّخَلِّيَ لِلْعِبَادَةِ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ رَدًّا بَلِيغًا بِقَوْلِهِ «فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي» كَمَا أَوْضَحَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالتَّوَقَانُ مَصْدَرُ تَاقَتْ نَفْسُهُ إلَى كَذَا إذَا اشْتَاقَتْ مِنْ بَابِ طَلَبَ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَالْمُرَادُ بِهِ أَنْ يَخَافُ مِنْهُ الْوُقُوعَ فِي الزِّنَا لَوْ لَمْ يَتَزَوَّجْ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ الِاشْتِيَاقِ إلَى الْجِمَاعِ الْخَوْفُ الْمَذْكُورُ، وَأَرَادَ بِالْوَاجِبِ اللَّازِمَ فَيَشْمَلُ الْفَرْضَ وَالْوَاجِبَ الِاصْطِلَاحِيَّ فَإِنَّا قَدَّمْنَا أَنَّهُ فَرْضٌ وَوَاجِبٌ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ حَرَامٌ أَوْ مَكْرُوهٌ كَمَا فِي الْمَجْمَعِ؛ لِأَنَّ الْجَوْرَ حَرَامٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى كُلِّ شَخْصٍ، وَلَيْسَ هُوَ مُخْتَصًّا بِالنِّكَاحِ حَتَّى يُجْعَلَ مِنْ أَحْكَامِهِ وَصِفَتِهِ وَالْجَوْرُ الظُّلْمُ يُقَالُ جَارَ أَيْ ظَلَمَ، وَأَفَادَ بِالسُّنِّيَّةِ أَنَّ الِاشْتِغَالَ بِهِ أَفْضَلُ مِنْ التَّخَلِّي لِنَوَافِلِ الْعِبَادَاتِ وَلِذَا قَالَ: فِي الْمَجْمَعِ وَنُفَضِّلُهُ عَلَى التَّخَلِّي لِلنَّوَافِلِ وَاسْتَدَلَّ لَهُ فِي الْبَدَائِعِ بِوُجُوهٍ: الْأَوَّلُ أَنَّ السُّنَنَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى النَّوَافِلِ بِالْإِجْمَاعِ. الثَّانِي أَنَّهُ أَوْعَدَ عَلَى تَرْكِ السُّنَّةِ، وَلَا وَعِيدَ عَلَى تَرْكِ النَّوَافِلِ. الثَّالِثُ أَنَّهُ فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَوَاظَبَ عَلَيْهِ وَثَبَتَ عَلَيْهِ بِحَيْثُ لَمْ يَخْلُ عَنْهُ بَلْ كَانَ يَزِيدُ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ التَّخَلِّي لِلنَّوَافِلِ أَفْضَلَ لَفَعَلَهُ، وَإِذَا ثَبَتَ أَفْضَلِيَّتُهُ فِي حَقِّهِ ثَبَتَتْ فِي حَقِّ أُمَّتِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الشَّرَائِعِ هُوَ الْعُمُومُ وَالْخُصُوصُ بِدَلِيلٍ. وَالرَّابِعُ أَنَّهُ سَبَبٌ مُوصِلٌ إلَى مَا هُوَ مُفَضَّلٌ عَلَى النَّوَافِلِ؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِصِيَانَةِ النَّفْسِ عَنْ الْفَاحِشَةِ وَلِصِيَانَةِ نَفْسِهَا عَنْ الْهَلَاكِ بِالنَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى وَاللِّبَاسِ وَلِحُصُولِ الْوَلَدِ الْمُوَحِّدِ، وَأَمَّا مَدْحُهُ تَعَالَى يَحْيَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِكَوْنِهِ سَيِّدًا وَحَصُورًا، وَهُوَ مَنْ لَا يَأْتِي النِّسَاءَ مَعَ الْقُدْرَةِ فَهُوَ فِي شَرِيعَتِهِمْ لَا فِي شَرِيعَتِنَا. اهـ. وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِكَوْنِهِ سُنَّةً أَوْ وَاجِبًا إلَى اسْتِحْبَابِ مُبَاشَرَةِ عَقْدِ النِّكَاحِ فِي الْمَسْجِدِ لِكَوْنِهِ عِبَادَةً وَصَرَّحُوا بِاسْتِحْبَابِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاخْتَلَفُوا فِي كَرَاهِيَةِ الزِّفَافِ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ إلَّا إذَا اشْتَمَلَ عَلَى مَفْسَدَةٍ دِينِيَّةٍ وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَعْلِنُوا هَذَا النِّكَاحَ وَاجْعَلُوهُ فِي الْمَسَاجِدِ وَاضْرِبُوا عَلَيْهِ بِالدُّفُوفِ» كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِي الذَّخِيرَةِ ضَرْبُ الدُّفِّ فِي الْعُرْسِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَمَحَلُّهُ مَا لَا جَلَاجِلَ لَهُ أَمَّا مَا لَهُ جَلَاجِلُ فَمَكْرُوهٌ، وَكَذَا اخْتَلَفُوا فِي الْغِنَاءِ فِي الْعُرْسِ وَالْوَلِيمَةِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: بِعَدَمِ كَرَاهَتِهِ كَضَرْبِ الدُّفِّ. اهـ. وَفِي فَتَاوَى الْعَلَّامِيِّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ نُدِبَ لَهُ أَنْ يَسْتَدِينَ لَهُ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ضَامِنٌ لَهُ الْأَدَاءَ فَلَا يَخَافُ الْفَقْرَ إذَا كَانَ مِنْ نِيَّتِهِ التَّحْصِينُ وَالتَّعَفُّفُ وَيَتَزَوَّجُ امْرَأَةً صَالِحَةً مَعْرُوفَةَ النَّسَبِ وَالْحَسَبِ وَالدِّيَانَةِ فَإِنَّ الْعِرْقَ نَزَّاعٌ وَيَجْتَنِبُ الْمَرْأَةَ الْحَسْنَاءَ فِي مَنْبَتِ السُّوءِ، وَلَا يَتَزَوَّجُ امْرَأَةً لَحَسِبَهَا، وَعِزِّهَا، وَمَالِهَا وَجَمَالِهَا فَإِنْ تَزَوَّجَهَا لِذَلِكَ لَا يُزَادُ بِهِ إلَّا ذُلًّا، وَفَقْرًا وَدَنَاءَةً وَيَتَزَوَّجُ مَنْ هِيَ فَوْقَهُ فِي الْخُلُقِ وَالْأَدَبِ وَالْوَرَعِ وَالْجَمَالِ وَدُونَهُ فِي الْعِزِّ وَالْحِرْفَةِ وَالْحَسَبِ وَالْمَالِ وَالسِّنِّ وَالْقَامَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ أَيْسَرُ مِنْ الْحَقَارَةِ وَالْفِتْنَةِ، وَيَخْتَارُ أَيْسَرَ النِّسَاءِ خُطْبَةً، وَمُؤْنَةً وَنِكَاحُ الْبِكْرِ أَحْسَنُ لِلْحَدِيثِ «عَلَيْكُمْ بِالْأَبْكَارِ فَإِنَّهُنَّ أَعْذَبُ أَفْوَاهًا، وَأَنْقَى أَرْحَامًا، وَأَرْضَى بِالْيَسِيرِ» ، وَلَا يَتَزَوَّجُ طَوِيلَةً مَهْزُولَةً، وَلَا قَصِيرَةً ذَمِيمَةً، وَلَا مُكْثِرَةً، وَلَا سَيِّئَةَ الْخُلُقِ، وَلَا ذَاتَ الْوَلَدِ، وَلَا مُسِنَّةً لِلْحَدِيثِ «سَوْدَاءُ وَلُودٌ خَيْرٌ مِنْ حَسْنَاءَ عَقِيمٍ» ، وَلَا يَتَزَوَّجُ الْأَمَةَ مَعَ طَوْلِ الْحُرَّةِ، وَلَا حُرَّةً بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا لِعَدَمِ الْجَوَازِ عِنْدَ الْبَعْضِ، وَلَا زَانِيَةً. وَالْمَرْأَةُ تَخْتَارُ الزَّوْجَ الدَّيِّنَ الْحَسَنَ الْخُلُقِ الْجَوَادَ الْمُوسِرَ، وَلَا تَتَزَوَّجُ   [منحة الخالق] يَكُونُ إثْمُهُ أَشَدَّ مِنْ تَرْكِهِ عِنْدَ عَدَمِ التَّوَقَانِ. (قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِهِ أَنْ يَخَافَ مِنْهُ الْوُقُوعَ فِي الزِّنَا) أَيْ الْخَوْفُ بِمَعْنَيَيْهِ السَّابِقَيْنِ لِحَمْلِهِ الْوَاجِبَ عَلَى مَا يَشْمَلُ الْفَرْضَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 86 فَاسِقًا، وَلَا يُزَوِّجُ ابْنَتَهُ الشَّابَّةَ شَيْخًا كَبِيرًا، وَلَا رَجُلًا دَمِيمًا وَيُزَوِّجُهَا كُفُؤًا فَإِذَا خَطَبَهَا الْكُفُؤُ لَا يُؤَخِّرُهَا، وَهُوَ كُلُّ مُسْلِمٍ تَقِيٍّ وَتَحْلِيَةُ الْبَنَاتِ بِالْحُلِيِّ وَالْحُلَلِ لِيُرَغِّبَ فِيهِنَّ الرِّجَالَ سُنَّةٌ وَنَظَرُهُ إلَى مَخْطُوبَتِهِ قَبْلَ النِّكَاحِ سُنَّةٌ فَإِنَّهُ دَاعِيَةٌ لِلْأُلْفَةِ، وَلَا يَخْطُبُ مَخْطُوبَةَ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ جَفَاءٌ وَخِيَانَةٌ وَتَمَامُهُ فِي الْفَصْلِ الْخَامِسِ وَالثَّلَاثِينَ مِنْهَا، وَفِي الْمُجْتَبَى يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ النِّكَاحُ ظَاهِرًا، وَأَنْ يَكُونَ قَبْلَهُ خُطْبَةٌ، وَأَنْ يَكُونَ عَقْدُهُ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَأَنْ يَتَوَلَّى عَقْدَهُ وَلِيٌّ رَشِيدٌ، وَأَنْ يَكُونَ بِشُهُودٍ عُدُولٍ مِنْهَا. (قَوْلُهُ: وَيَنْعَقِدُ بِإِيجَابٍ، وَقَبُولٍ وُضِعَا لِلْمُضِيِّ أَوْ أَحَدِهِمَا) أَيْ يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ أَيْ ذَلِكَ الْعَقْدُ الْخَاصُّ يَنْعَقِدُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ حَتَّى يَتِمُّ حَقِيقَةً فِي الْوُجُودِ وَالِانْعِقَادُ هُوَ ارْتِبَاطُ أَحَدِ الْكَلَامَيْنِ بِالْآخَرِ عَلَى وَجْهٍ يُسَمَّى بِاعْتِبَارِهِ عَقْدًا شَرْعًا وَيَسْتَعْقِبُ الْأَحْكَامَ بِالشَّرَائِطِ الْآتِيَةِ كَذَا قَرَّرَهُ الْكَمَالُ هُنَا، وَقَرَّرَ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ مَا يُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا مِنْ الِانْعِقَادِ الثُّبُوتُ، وَأَنَّ الضَّمِيرَ يَعُودُ إلَى النِّكَاحِ بِاعْتِبَارِ حُكْمِهِ فَالْمَعْنَى يَثْبُتُ حُكْمُ النِّكَاحِ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، وَمَقْصُودُهُ فِي الْبَابَيْنِ تَحْقِيقُ أَنَّ الْإِيجَابَ مَعَ الْقَبُولِ عَيْنُ الْعَقْدِ لَا غَيْرُهُ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ ظَاهِرِ الْعِبَارَةِ وَالْحَقُّ أَنَّ الْعَقْدَ مَجْمُوعُ ثَلَاثَةٍ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ وَالِارْتِبَاطُ الشَّرْعِيُّ فَلَمْ يَكُنْ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ عَيْنَ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ جُزْءَ الشَّيْءِ لَيْسَ عَيْنَهُ وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ فِي الْبَيْعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالْإِيجَابُ لُغَةً الْإِثْبَاتُ وَاصْطِلَاحًا هُنَا اللَّفْظُ الصَّادِرُ أَوَّلًا مِنْ أَحَدِ الْمُتَخَاطِبَيْنِ مَعَ صَلَاحِيَّةِ اللَّفْظِ لِذَلِكَ رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً وَالْقَبُولُ اللَّفْظُ الصَّادِرُ ثَانِيًا مِنْ أَحَدِهِمَا الصَّالِحُ لِذَلِكَ مُطْلَقًا فَمَا وَقَعَ فِي الْمِعْرَاجِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَدَّمَ الْقَبُولَ عَلَى الْإِيجَابِ بِأَنْ قَالَ: تَزَوَّجْت ابْنَتَك فَقَالَ: زَوَّجْتُكهَا فَإِنَّهُ يَنْعَقِدُ غَيْرُ صَحِيحٍ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ تَقْدِيمُهُ بَلْ قَوْلُهُ: تَزَوَّجْت ابْنَتَك إيجَابٌ وَالثَّانِي قَبُولٌ وَهَلْ يَكُونُ الْقَبُولُ بِالْفِعْلِ كَالْقَبُولِ بِاللَّفْظِ كَمَا فِي الْبَيْعِ قَالَ: فِي الْبَزَّازِيَّةِ أَجَابَ صَاحِبُ الْبِدَايَةِ فِي امْرَأَةٍ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا بِأَلْفٍ مِنْ رَجُلٍ عِنْدَ الشُّهُودِ فَلَمْ يَقُلْ الزَّوْجُ شَيْئًا لَكِنْ أَعْطَاهَا الْمَهْرَ فِي الْمَجْلِسِ أَنَّهُ يَكُونُ قَبُولًا، وَأَنْكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحِيطِ، وَقَالَ: لَا مَا لَمْ يَقُلْ بِلِسَانِهِ قَبِلْت بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ يَنْعَقِدُ بِالتَّعَاطِي وَالنِّكَاحُ لِخَطَرِهِ لَا يَنْعَقِدُ حَتَّى يَتَوَقَّفُ عَلَى الشُّهُودِ بِخِلَافِ إجَازَةِ نِكَاحِ الْفُضُولِيِّ بِالْفِعْلِ لِوُجُودِ الْقَوْلِ ثَمَّةَ. اهـ. وَهَلْ يَكُونُ الْقَبُولُ بِالطَّلَاقِ قَالَ: فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ امْرَأَةٌ قَالَتْ لِأَجْنَبِيٍّ زَوَّجْت نَفْسِي مِنْك فَقَالَ: الرَّجُلُ فَأَنْت طَالِقٌ طَلُقَتْ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ لَا تَطْلُقُ، وَلَا يَكُونُ هَذَا الْكَلَامُ قَبُولًا لِلنِّكَاحِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْكَلَامَ إخْبَارٌ أَمَّا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى جَعَلَ طَلَاقَهَا جَزَاءً لِنِكَاحِهَا وَطَلَاقُهَا لَا يَكُونُ جَزَاءً لِنِكَاحِهَا إلَّا بِالْقَبُولِ فَيَكُونُ كَلَامُهُ قَبُولًا لِلنِّكَاحِ ثُمَّ يَقَعُ الطَّلَاقُ بَعْدَهُ. اهـ. فَقَدْ سَاوَى النِّكَاحُ الْبَيْعَ فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ: بِعْتُك هَذَا الْعَبْدَ بِكَذَا فَقَالَ: فَهُوَ حُرٌّ عَتَقَ، وَلَوْ قَالَ: بِدُونِ الْفَاءِ لَا، وَهَذَا بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ قَالَ: فِي الْبَزَّازِيَّةِ قَالَتْ أَنَا امْرَأَتُك فَقَالَ: لَهَا أَنْت طَالِقٌ يَكُونُ إقْرَارًا بِالنِّكَاحِ وَتَطْلُقُ هِيَ لِاقْتِضَائِهِ النِّكَاحَ وَضْعًا. وَلَوْ قَالَ: مَا أَنْتِ لِي بِزَوْجَةٍ، وَأَنْتِ طَالِقٌ لَا يَكُونُ إقْرَارًا لِقِيَامِ الْقَرِينَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَلَى أَنَّهُ مَا أَرَادَ بِالطَّلَاقِ حَقِيقَتَهُ. اهـ. أَطْلَقَ فِي اللَّفْظَيْنِ فَشَمِلَ اللَّفْظَيْنِ حُكْمًا، وَهُوَ اللَّفْظُ الصَّادِرُ مِنْ مُتَوَلِّي الطَّرَفَيْنِ شَرْعًا وَشَمِلَ مَا لَيْسَ بِعَرَبِيٍّ مِنْ الْأَلْفَاظِ، وَمَا لَمْ يُذْكَرْ مَعَهُمَا الْمَفْعُولَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا بَعْدَ دَلَالَةِ الْمَقَامِ وَالْمُقَدِّمَاتِ؛ لِأَنَّ الْحَذْفَ لِدَلِيلٍ كَائِنٍ فِي كُلِّ لِسَانٍ، وَإِنَّمَا اُخْتِيرَ لَفْظُ الْمَاضِي؛ لِأَنَّ وَاضِعَ اللُّغَةِ لَمْ يَضَعْ لِلْإِنْشَاءِ لَفْظًا خَاصًّا، وَإِنَّمَا عُرِفَ الْإِنْشَاءُ بِالشَّرْعِ وَاخْتِيَارِ لَفْظِ الْمَاضِي لِدَلَالَتِهِ عَلَى التَّحْقِيقِ وَالثُّبُوتِ دُونَ الْمُسْتَقْبَلِ، وَقَوْلُهُ أَوْ أَحَدِهِمَا بَيَانٌ لِانْعِقَادِهِ بِلَفْظَيْنِ أَحَدُهُمَا مَاضٍ وَالْآخَرُ مُسْتَقْبَلٌ كَقَوْلِهِ زَوِّجْنِي ابْنَتَك فَقَالَ: زَوَّجْتُك، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمُسْتَقْبَلَ إيجَابٌ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ حَيْثُ قَالَ: وَلَفْظَةُ الْأَمْرِ فِي النِّكَاحِ إيجَابٌ، وَكَذَا الطَّلَاقُ وَالْخُلْعُ وَالْكَفَالَةُ وَالْهِبَةُ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ، وَكَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَذَهَبَ صَاحِبُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: تَقْدِيمُهُ) أَيْ الْقَبُولِ (قَوْلُهُ: وَلَا يَكُونُ هَذَا الْكَلَامُ) أَيْ أَنْتَ بِدُونِ الْفَاءِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 87 الْهِدَايَةِ وَالْمَجْمَعِ إلَى أَنَّ الْأَمْرَ لَيْسَ بِإِيجَابٍ، وَإِنَّمَا هُوَ تَوْكِيلٌ، وَقَوْلُهُ زَوَّجْتُك قَائِمٌ مَقَامَ اللَّفْظَيْنِ بِخِلَافِهِ فِي الْبَيْعِ لِمَا عُرِفَ أَنَّ الْوَاحِدَ فِي النِّكَاحِ يَتَوَلَّى الطَّرَفَيْنِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ، وَهُوَ تَوْكِيلٌ ضِمْنِيٌّ فَلَا يُنَافِيهِ اقْتِصَارُهُ عَلَى الْمَجْلِسِ فَقَدْ عَلِمْت اخْتِلَافَ الْمَشَايِخِ فِي أَنَّ الْأَمْرَ بِإِيجَابٍ أَوْ تَوْكِيلٍ فَمَا فِي الْمُخْتَصَرِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فَانْدَفَعَ مَا اعْتَرَضَ بِهِ مُنْلَا خُسْرو مِنْ أَنَّ صَاحِبَ الْكَنْزِ خَالَفَ الْكُتُبَ فَلَمْ يَتَنَبَّهْ لِمَا فِي الْهِدَايَةِ فَالْمُعْتَرِضُ غَفَلَ عَنْ الْقَوْلِ الْآخَرِ حَفِظَ شَيْئًا وَغَابَتْ عَنْهُ أَشْيَاءُ مَعَ أَنَّ الرَّاجِحَ كَوْنُهُ إيجَابًا؛ لِأَنَّ الْإِيجَابَ لَيْسَ إلَّا اللَّفْظُ الْمُفِيدُ قَصَدَ تَحْقِيقَ الْمَعْنَى أَوْ لَا، وَهُوَ صَادِقٌ عَلَى لَفْظَةِ الْأَمْرِ فَلْيَكُنْ إيجَابًا وَيُسْتَغْنَى عَمَّا أُورِدَ أَنَّهُ تَوْكِيلٌ مِنْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ تَوْكِيلًا لَمَا اقْتَصَرَ عَلَى الْمَجْلِسِ كَذَا رَجَّحَهُ الْكَمَالُ لَكِنْ يَرُدُّ عَلَيْهِ مَا لَوْ قَالَ: الْوَكِيلُ بِالنِّكَاحِ هَبْ ابْنَتَك لِفُلَانٍ فَقَالَ: الْأَبُ، وَهَبْت فَإِنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ مَا لَمْ يَقُلْ الْوَكِيلُ بَعْدَهُ قَبِلْت كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ مُعَلَّلًا بِأَنَّ الْوَكِيلَ لَا يَمْلِكُ التَّوْكِيلَ، وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافًا. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ قَالَ: هَبْ ابْنَتَك لِابْنِي فَقَالَ: وَهَبْت لَمْ يَصِحَّ مَا لَمْ يَقُلْ أَبُو الصَّغِيرِ قَبِلْت، وَفِي التَّتِمَّةِ لَوْ قَالَ: هَبْ ابْنَتَك لِفُلَانٍ فَقَالَ: الْأَبُ وَهَبْت مَا لَمْ يَقُلْ الْوَكِيلُ قَبِلْت لَا يَصِحُّ، وَإِذَا قَالَ: قَبِلْت فَإِنْ قَالَ: لِفُلَانٍ صَحَّ النِّكَاحُ لِلْمُوَكِّلِ، وَإِنْ قَالَ: مُطْلَقًا قَبِلْت يَجِبُ أَنْ يَصِحَّ أَيْضًا لِلْمُوَكِّلِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ قَالَ: بَعْدَمَا جَرَى بَيْنَهُمَا كَلَامٌ بِعْت هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، وَقَالَ: الْآخَرُ اشْتَرَيْت يَصِحُّ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ الْبَائِعُ بِعْت مِنْك. اهـ. وَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ لِلْأَبِ أَنْ يُوَكِّلَ فِي نِكَاحِ ابْنِهِ فَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ إيجَابًا لَمْ يَتَوَقَّفْ عَلَى الْقَبُولِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ لَا إيجَابٌ وَحِينَئِذٍ تَظْهَرُ ثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ لَكِنَّهُ مُتَوَقِّفٌ عَلَى النَّقْلِ وَصَرَّحَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهُ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ تَوْكِيلٌ يَكُونُ تَمَامُ الْعَقْدِ بِالْمُجِيبِ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْأَمْرَ إيجَابٌ يَكُونُ تَمَامُ الْعَقْدِ قَائِمًا بِهِمَا. اهـ. فَعَلَى هَذَا لَا يُشْتَرَطُ سَمَاعُ الشَّاهِدَيْنِ لِلْأَمْرِ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْإِشْهَادُ عَلَى التَّوْكِيلِ وَيُشْتَرَطُ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي كَمَا لَا يَخْفَى، وَظَاهِرُ مَا فِي الْمِعْرَاجِ أَنَّ زَوِّجْنِي، وَإِنْ كَانَ تَوْكِيلًا لَكِنْ لَمَّا لَمْ يَعْمَلْ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: فَانْدَفَعَ مَا اعْتَرَضَ بِهِ مُنْلَا خُسْرو) دَفَعَهُ فِي النَّهْرِ بِوَجْهٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ مَا فِي الْمُخْتَصَرِ لَيْسَ نَصًّا فِي أَنَّهُ إيجَابٌ إذْ كَوْنُ أَحَدِهِمَا لِلْمَاضِي يَصْدُقُ بِكَوْنِ الثَّانِي لِلْحَالِ (قَوْلُهُ: لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ إيجَابٌ (قَوْلُهُ: كَذَا رَجَّحَهُ الْكَمَالُ) قَالَ فِي النَّهْرِ: ثُمَّ قَالَ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِهِ تَوْكِيلًا، وَإِلَّا بَقِيَ طَلَبُ الْفَرْقِ بَيْنَ النِّكَاحِ وَالْبَيْعِ حَيْثُ لَا يَتِمُّ بِقَوْلِهِ بِعَيْنِهِ بِكَذَا فَيَقُولُ بِعْت بِلَا جَوَابٍ. اهـ. ثُمَّ ذَكَرَ فِي النَّهْرِ مَا أَوْرَدَهُ الْمُؤَلِّفُ مِنْ كَلَامِ الْخُلَاصَةِ ثُمَّ قَالَ: لَكِنْ فِي بُيُوعِ الْفَتْحِ الْفَرْقُ بَيْنَ النِّكَاحِ وَالْبَيْعِ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ إيجَابٌ أَنَّ النِّكَاحَ لَا يَدْخُلُهُ الْمُسَاوَمَةُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ مُقَدِّمَاتٍ، وَمُرَاجَعَاتٍ فَكَانَ لِلتَّحْقِيقِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ، وَمَا فِي الْخُلَاصَةِ مُفَرَّعٌ عَلَى أَنَّهُ تَوْكِيلٌ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ التَّعْلِيلُ وَيَنْبَغِي عَلَى أَنَّهُ إيجَابٌ أَنْ لَا يَحْتَاجَ إلَى الْقَبُولِ (قَوْلُهُ: وَفِي التَّتِمَّةِ لَوْ قَالَ: هَبْ ابْنَتَكَ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَبِهِ يُعْلَمُ حُكْمُ مَا لَوْ قَالَ: زَوَّجْتُ مُوَكِّلَكَ فَقَالَ: الْوَكِيلُ قَبِلْتُ، وَلَمْ يَقُلْ لِمُوَكِّلِي فَاعْلَمْهُ فَإِنَّهُ كَثِيرُ الْوُقُوعِ. اهـ. أَيْ فَيَصِحُّ. (قَوْلُهُ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ قَالَ: بَعْدَ مَا جَرَى بَيْنَهُمَا كَلَامٌ إلَخْ) تَأَمَّلْ فِي هَذِهِ الدَّلَالَةِ نَعَمْ مَا يَأْتِي عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ قَوْلِهِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَدُلُّ إلَخْ الدَّلَالَةُ فِيهِ ظَاهِرَةٌ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ لِلْأَبِ أَنْ يُوَكِّلَ فِي نِكَاحِ ابْنِهِ) أَيْ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مُفَرَّعًا عَلَى أَنَّهُ تَوْكِيلٌ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ تَمَامُ الْعَقْدِ بِالْمُجِيبِ غَيْرَ مُتَوَقِّفٍ عَلَى قَبُولِ الْأَبِ بَعْدُ، وَقَوْلُهُ فَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ إيجَابًا إلَخْ صَحِيحٌ فِي نَفْسِهِ، وَلَكِنَّ تَفْرِيعَهُ عَلَى مَا قَبْلَهُ غَيْرُ صَحِيحٍ فَالصَّوَابُ إبْدَالُ قَوْلِهِ إيجَابًا بِتَوْكِيلًا؛ لِأَنَّ عَدَمَ كَوْنِهِ مُفَرَّعًا عَلَى كَوْنِهِ إيجَابًا قَدْ عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ أَوَّلًا لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ إلَخْ أَيْ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ إيجَابٌ، وَعَلَى كُلٍّ فَقَوْلُهُ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إلَخْ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَكَذَا قَوْلُهُ: وَحِينَئِذٍ تَظْهَرُ ثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَفْرِيعُهُ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ إذْ لَوْ كَانَ إيجَابًا أَوْ تَوْكِيلًا لَمَا تَوَقَّفَ عَلَى قَوْلِهِ ثَانِيًا قَبِلْت بَلْ لَوْ كَانَ إيجَابًا كَانَ قَوْلُ الْآخَرِ وَهَبْت قَبُولًا فَيَتِمُّ الْعَقْدُ، وَكَذَا لَوْ كَانَ تَوْكِيلًا كَمَا عَلِمْته مِمَّا مَرَّ وَيُمْكِنُ تَصْحِيحُ كَلَامِهِ عَلَى وَجْهٍ بَعِيدٍ، وَهُوَ أَنْ يُجْعَلَ قَوْلُهُ: فَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ إيجَابًا تَفْرِيعًا عَلَى قَوْلِهِ لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ إلَخْ فَلَا يَرِدُ شَيْءٌ مِمَّا مَرَّ فَتَدَبَّرْ. هَذَا وَقَدْ أَجَابَ فِي الرَّمْزِ عَنْ إشْكَالِ الْمُؤَلِّفِ بِأَنَّهُ إنَّمَا تَوَقَّفَ الِانْعِقَادُ عَلَى الْقَبُولِ فِيمَا ذَكَرَ مِنْ الْفُرُوعِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ إرَادَةُ الْإِيجَابِ فِيهَا؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ أَوْ الْأَبَ إذَا اجْتَمَعَ فَقَالَ: هَبْ ابْنَتَكَ لِفُلَانٍ أَوْ لِابْنِي أَوْ أَعْطِهَا مَثَلًا كَانَ ظَاهِرًا فِي الطَّلَبِ، وَأَنَّهُ مُسْتَقْبَلٌ لَمْ يَرِدْ بِهِ الْحَالُ وَالتَّحَقُّقُ فَلَمْ يَتِمَّ بِهِ عَقْدٌ بِخِلَافِ زَوِّجْنِي ابْنَتَك بِكَذَا بَعْدَ الْخِطْبَةِ وَنَحْوِهَا فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي التَّحَقُّقِ وَالْإِثْبَاتِ الَّذِي هُوَ مَعْنَى الْإِيجَابِ فَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَصِحُّ تَوْكِيلُ الْأَبِ فِي تَزْوِيجِ وَلَدِهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَفْظُهُ هَذَا يَخْرُجُ مَخْرَجَ الْإِيجَابِ وَالْإِثْبَاتِ لِكَوْنِهِ إنْشَاءً لِلتَّزْوِيجِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَظْهَرَ مِنْهُ مَعْنَى الْإِثْبَاتِ كَمَا يَأْتِي عَنْ الْإِسْبِيجَابِيِّ وَيَشْهَدُ لَهُ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ طَلَبَ مِنْهَا الزِّنَا فَقَالَتْ: وَهَبْتُ نَفْسِي مِنْك، وَقِيلَ لَا يَكُونُ نِكَاحًا بِخِلَافِ الْهِبَةِ ابْتِدَاءً عَلَى وَجْهِ النِّكَاحِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 88 زُوِّجْت بِدُونِهِ نُزِّلَ مَنْزِلَةَ شَطْرِ الْعَقْدِ فَعَلَى هَذَا يُشْتَرَطُ سَمَاعُ الشَّاهِدَيْنِ لِلَفْظَةِ الْأَمْرِ أَيْضًا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا تَوْكِيلٌ أَيْضًا ثُمَّ رَأَيْت فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ سَمَاعُ الشُّهُودِ لِلَّفْظِ الْأَمْرِ قَالَ: فِي النِّكَاحِ بِالْكِتَابَةِ سَوَاءٌ قَالَ: زَوِّجِي نَفْسَك مِنِّي فَبَلَغَهَا الْكِتَابُ فَقَالَتْ: زَوَّجْتُك أَوْ كَتَبَ تَزَوَّجْتُك وَبَلَغَهَا الْكِتَابُ فَقَالَتْ زَوَّجْت نَفْسِي مِنْك لَكِنْ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لَا يُشْتَرَطُ إعْلَامُهَا الشُّهُودَ. وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي يُشْتَرَطُ. اهـ. وَإِنَّمَا جُعِلَ الْأَمْرُ إيجَابًا فِي النِّكَاحِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، وَلَمْ يُجْعَلْ فِي الْبَيْعِ إيجَابًا اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ لَا مُسَاوَمَةَ فِي النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ مُقَدِّمَاتٍ، وَمُرَاجَعَاتٍ غَالِبًا فَكَانَ لِلتَّحْقِيقِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ لَا يَتَقَدَّمُهُ مَا ذُكِرَ فَكَانَ الْأَمْرُ فِيهِ لِلْمُسَاوَمَةِ كَمَا ذَكَرَهُ الْكَمَالُ فِي الْبُيُوعِ، وَبِهِ انْدَفَعَ مَا ذَكَرَهُ فِي النِّكَاحِ كَمَا لَا يَخْفَى هَذَا مَعَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يُصَرِّحْ بِالْمُسْتَقْبَلِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ بِلَفْظَيْنِ أَحَدُهُمَا مَاضٍ وَسَكَتَ عَنْ الْآخَرِ لِشُمُولِهِ الْحَالَ وَالْمُسْتَقْبَلَ، وَمِنْهُ الْأَمْرُ، وَقَدْ عَلِمْته، وَأَمَّا الْمُضَارِعُ فَإِنْ كَانَ مَبْدُوءًا بِالْهَمْزَةِ نَحْوُ أَتَزَوَّجُك فَتَقُولُ زَوَّجْته نَفْسِي فَإِنَّهُ يَنْعَقِدُ عَلَّلَهُ فِي الْمُحِيطِ بِأَنَّهُ، وَإِنْ كَانَ حَقِيقَةً فِي الِاسْتِقْبَالِ إلَّا أَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْحَالَ كَمَا فِي كَلِمَةِ الشَّهَادَةِ، وَقَدْ أَرَادَ بِهِ التَّحْقِيقَ وَالْحَالَ لَا الْمُسَاوَمَةَ بِدَلَالَةِ الْخُطْبَةِ وَالْمُقَدِّمَاتِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ. اهـ. وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ الْمُضَارِعَ مَوْضُوعٌ لِلْحَالِ، وَعَلَيْهِ تَتَفَرَّعُ الْأَحْكَامُ كَمَا فِي قَوْلِهِ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ فَهُوَ حُرٌّ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ مَا فِي مِلْكِهِ فِي الْحَالِ لَا مَا يَمْلِكُهُ بَعْدُ إلَّا بِالنِّيَّةِ لِمَا ذَكَرْنَا. وَإِنْ كَانَ مَبْدُوءًا بِالتَّاءِ نَحْوُ تُزَوِّجُنِي بِنْتَك فَقَالَ: فَعَلْت يَنْعَقِدُ بِهِ إنْ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ الِاسْتِيعَادَ؛ لِأَنَّهُ يَتَحَقَّقُ فِيهِ هَذَا الِاحْتِمَالُ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَخْبِرُ نَفْسَهُ عَنْ الْوَعْدِ وَإِذَا كَانَ الْمَقْصُودُ هُوَ الْمَعْنَى لَا اللَّفْظَ لَوْ صَرَّحَ بِالِاسْتِفْهَامِ اُعْتُبِرَ فَهْمُ الْحَالِ كَمَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيِّ لَوْ قَالَ: هَلْ أَعْطَيْتنِيهَا فَقَالَ: أَعْطَيْتُك إنْ كَانَ الْمَجْلِسُ لِلْوَعْدِ فَوَعْدٌ، وَإِنْ كَانَ لِلْعَقْدِ فَنِكَاحٌ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالِانْعِقَادُ بِقَوْلِهِ أَنَا مُتَزَوِّجُك يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالْمُضَارِعِ الْمَبْدُوءِ بِالْهَمْزَةِ سَوَاءً، وَشَمِلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ مَا فِي النَّوَازِلِ لَوْ قَالَ: زَوِّجِينِي نَفْسَك فَقَالَتْ: بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَمَا إذَا قَالَ: كُونِي امْرَأَتِي فَقَبِلَتْ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ قَالَ أَبُو الصَّغِيرَةِ: لِأَبِي الصَّغِيرِ زَوَّجْت ابْنَتِي، وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ شَيْئًا فَقَالَ: أَبُو الصَّغِيرِ قَبِلْت يَقَعُ النِّكَاحُ لِلْأَبِ هُوَ الصَّحِيحُ وَيَجِبُ أَنْ يُحْتَاطَ فِيهِ فَيَقُولُ قَبِلْت لِابْنِي، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ قَالَ: لِآخَرَ بَعْدَمَا جَرَى بَيْنَهُمَا مُقَدِّمَاتُ الْبَيْعِ بِعْت هَذَا الْعَبْدَ، وَقَالَ: الْآخَرُ اشْتَرَيْت يَصِحُّ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ بِعْت مِنْك وَالْخُلْعُ عَلَى هَذَا. اهـ. وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ شَرَائِطَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فَمِنْهَا اتِّحَادُ الْمَجْلِسِ إذَا كَانَ الشَّخْصَانِ حَاضِرَيْنِ فَلَوْ اخْتَلَفَ الْمَجْلِسُ لَمْ يَنْعَقِدْ فَلَوْ أَوْجَبَ أَحَدُهُمَا فَقَامَ الْآخَرُ أَوْ اشْتَغَلَ بِعَمَلٍ آخَرَ بَطَلَ الْإِيجَابُ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الِارْتِبَاطِ اتِّحَادُ الزَّمَانِ فَجُعِلَ الْمَجْلِسُ جَامِعًا تَيْسِيرًا، وَأَمَّا الْفَوْرُ فَلَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ فَلَوْ عَقَدَا، وَهُمَا يَمْشِيَانِ وَيَسِيرَانِ عَلَى الدَّابَّةِ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَا عَلَى سَفِينَةٍ سَائِرَةٍ جَازَ وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ فِي الْبَيْعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَمِنْهَا أَنْ لَا يُخَالِفُ الْقَبُولُ الْإِيجَابَ فَلَوْ أَوْجَبَ بِكَذَا فَقَالَ: قَبِلْت النِّكَاحَ، وَلَا أَقْبَلُ الْمَهْرَ لَا يَصِحُّ، وَإِنْ كَانَ الْمَالُ فِيهِ تَبَعًا كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَتْ زَوَّجْت نَفْسِي مِنْك بِأَلْفٍ فَقَالَ: قَبِلْت بِأَلْفَيْنِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَالْمَهْرُ أَلْفٌ إلَّا إنْ قَبِلَتْ الزِّيَادَةَ فِي الْمَجْلِسِ فَهُوَ أَلْفَانِ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ كَمَا فِي التَّجْنِيسِ وَبِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: تَزَوَّجْتُك بِأَلْفٍ فَقَالَتْ قَبِلْت بِخَمْسِمِائَةٍ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ وَيُجْعَلُ كَأَنَّهَا قَبِلَتْ الْأَلْفَ وَحَطَّتْ عَنْهُ خَمْسَمِائَةٍ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ قَالَتْ لِرَجُلٍ زَوَّجْت نَفْسِي مِنْك بِأَلْفٍ فَقَالَ: الرَّجُلُ قَبِلْت قَبْلَ أَنْ تَنْطِقَ الْمَرْأَةُ بِالتَّسْمِيَةِ لَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ مَا لَمْ يَقُلْ الزَّوْجُ قَبِلْت بَعْدَ التَّسْمِيَةِ، وَمِنْهَا سَمَاعُ كُلٍّ مِنْهُمَا كَلَامَ صَاحِبِهِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: لَا يُشْتَرَطُ إعْلَامُهَا الشُّهُودَ) أَيْ بِمَا فِي الْكِتَابِ وَنَقَلَ فِي شَرْحِ دُرَرِ الْبِحَارِ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ وَسَيُبَيِّنُ الْمُؤَلِّفُ عِبَارَةَ الظَّهِيرِيَّةِ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ عِنْدَ حُرَّيْنِ. (قَوْلُهُ: وَبِهِ انْدَفَعَ مَا ذَكَرَهُ فِي النِّكَاحِ) ، وَهُوَ مَا قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ عَنْ النَّهْرِ مِنْ قَوْلِهِ ثُمَّ قَالَ: وَالظَّاهِرُ إلَخْ (قَوْلُهُ: مَعَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يُصَرِّحْ بِالْمُسْتَقْبَلِ) مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ أَوَّلًا فَمَا فِي الْمُخْتَصَرِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، وَهُوَ جَوَابٌ آخَرُ عَنْ اعْتِرَاضِ الدُّرَرِ حَاصِلُهُ مَنْعُ أَنَّ الْمُرَادَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْأَمْرَ إيجَابٌ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَهُوَ أَيْ كَلَامُ الدُّرَرِ مَرْدُودٌ بِوَجْهَيْنِ. الْأَوَّلُ: أَنَّ مَا فِي الْكِتَابِ لَيْسَ نَصًّا فِي أَنَّهُ إيجَابٌ إذْ كَوْنُ أَحَدِهِمَا لِلْمَاضِي يَصْدُقُ بِكَوْنِ الثَّانِي لِلْحَالِ. الثَّانِي: سَلَّمْنَاهُ لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِكَلَامِهِمْ إلَخْ وَبِهِ تَعْلَمُ مَا فِي كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ هُنَا إذْ لَا يَصِحُّ الْجَوَابُ مَعَ شُمُولِهِ لِلْمُسْتَقْبَلِ عَلَى أَنَّهُ كَانَ الْمُنَاسِبُ تَقْدِيمَ هَذَا الْجَوَابِ كَمَا فَعَلَ فِي النَّهْرِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ لَهُ مَعْرِفَةٌ بِفَنِّ الْبَحْثِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْأَوَّلِ) أَيْ الْمَبْدُوءِ بِالْهَمْزَةِ لَكِنْ قَدْ يُقَالُ إنَّهُ، وَإِنْ لَمْ يَحْتَمِلْ الِاسْتِيعَادَ لَكِنَّهُ يَحْتَمِلُ الْوَعْدَ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: كَالْمُضَارِعِ الْمَبْدُوءِ بِالْهَمْزَةِ) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَلَمْ يَذْكُرُوا الْمُضَارِعَ الْمَبْدُوءَ بِالنُّونِ كَنَتَزَوَّجُكِ أَوْ نُزَوِّجُكِ مِنْ ابْنِي وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالْمَبْدُوءِ بِالْهَمْزَةِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 89 لِأَنَّ عَدَمَ سَمَاعِ أَحَدِهِمَا كَلَامَ صَاحِبِهِ بِمَنْزِلَةِ غَيْبَتِهِ كَمَا فِي الْوِقَايَةِ، وَقَيَّدَ الْمُصَنِّفُ انْعِقَادَهُ بِاللَّفْظِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ بِالْكِتَابَةِ مِنْ الْحَاضِرَيْنِ فَلَوْ كَتَبَ تَزَوَّجْتُك فَكَتَبَتْ قَبِلْت لَمْ يَنْعَقِدْ. وَأَمَّا مِنْ الْغَائِبِ فَكَالْخِطَابِ، وَكَذَا الرَّسُولُ فَيُشْتَرَطُ سَمَاعُ الشُّهُودِ قِرَاءَةَ الْكِتَابِ، وَكَلَامَ الرَّسُولِ، وَفِي الْمُحِيطِ الْفَرْقُ بَيْنَ الْكِتَابِ وَالْخِطَابِ أَنَّ فِي الْخِطَابِ لَوْ قَالَ: قَبِلْت فِي مَجْلِسٍ آخَرَ لَمْ يَجُزْ، وَفِي الْكِتَابِ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ كَمَا وُجِدَ تَلَاشَى فَلَمْ يَتَّصِلُ الْإِيجَابُ بِالْقَبُولِ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ فَأَمَّا الْكِتَابُ فَقَائِمٌ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ، وَقِرَاءَتُهُ بِمَنْزِلَةِ خِطَابِ الْحَاضِرِ فَاتَّصَلَ الْإِيجَابُ بِالْقَبُولِ فَصَحَّ. اهـ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الشَّرْطَ سَمَاعُ الشُّهُودِ قِرَاءَةَ الْكِتَابِ مَعَ قَبُولِهَا أَوْ حِكَايَتِهَا مَا فِي الْكِتَابِ لَهُمْ فَلَوْ قَالَتْ: إنَّ فُلَانًا كَتَبَ إلَيَّ يَخْطُبُنِي فَاشْهَدُوا أَنِّي قَدْ زَوَّجْت نَفْسِي مِنْهُ صَحَّ النِّكَاحُ وَتَمَامُهُ فِي الْفَصْلِ السَّابِعَ عَشَرَ فِي النِّكَاحِ بِالْكِتَابَةِ مِنْ الْخُلَاصَةِ، وَقَيَّدَ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ بِالْإِقْرَارِ فَلَوْ قَالَ بِحَضْرَةِ الشُّهُودِ: هِيَ امْرَأَتِي، وَأَنَا زَوْجُهَا، وَقَالَتْ: هُوَ زَوْجِي، وَأَنَا امْرَأَتُهُ لَمْ يَنْعَقِدْ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ إظْهَارٌ لِمَا هُوَ ثَابِتٌ، وَلَيْسَ بِإِنْشَاءٍ وَنَقَلَ قَاضِي خَانْ عَنْ ابْنِ الْفَضْلِ انْعِقَادَهُ بِهِ مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ وَالْمُخْتَارُ الْأَوَّلُ كَمَا فِي الْوَاقِعَاتِ وَالْخُلَاصَةِ. وَصَحَّ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّ الْإِقْرَارَ إنْ كَانَ بِمَحْضَرِ الشُّهُودِ صَحَّ النِّكَاحُ وَجُعِلَ إنْشَاءً، وَإِلَّا فَلَا، وَمِنْ شُرُوطِ الرُّكْنِ أَنْ يُضِيفَ النِّكَاحَ إلَى كُلِّهَا أَوْ مَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْكُلِّ كَالرَّأْسِ وَالرَّقَبَةِ بِخِلَافِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ كَمَا عُرِفَ فِي الطَّلَاقِ، وَقَالُوا الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَوْ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى ظَهْرِهَا وَبَطْنِهَا لَا يَقَعُ، وَكَذَا الْعِتْقُ فَلَوْ أَضَافَ النِّكَاحَ إلَى ظَهْرِهَا أَوْ بَطْنِهَا ذَكَرَ الْحَلْوَانِيُّ قَالَ مَشَايِخُنَا: الْأَشْبَهُ مِنْ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ وَذَكَرَ رُكْنُ الْإِسْلَامِ وَالسَّرَخْسِيُّ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ، وَلَوْ قَالَ: تَزَوَّجْت نِصْفَك فَالْأَصَحُّ عَدَمُ الصِّحَّةِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَقَوْلُهُمْ إنَّ ذِكْرَ بَعْضِ مَا لَا يَتَجَزَّأُ كَذِكْرِ كُلِّهِ كَطَلَاقِ نِصْفِهَا يَقْتَضِي الصِّحَّةَ، وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ فِي مَوْضِعٍ جَوَازَهُ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْفُرُوجَ يُحْتَاطُ فِيهَا فَلَا يَكْفِي ذِكْرُ الْبَعْضِ لِاجْتِمَاعِ مَا يُوجِبُ الْحِلَّ وَالْحُرْمَةَ فِي ذَاتٍ وَاحِدَةٍ فَتُرَجَّحُ الْحُرْمَةُ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَمِنْهَا أَنْ لَا تَكُونَ الْمَنْكُوحَةُ مَجْهُولَةً فَلَوْ زَوَّجَهُ بِنْتِهٍ، وَلَمْ يُسَمِّهَا، وَلَهُ بِنْتَانِ لَمْ يَصِحَّ لِلْجَهَالَةِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الشَّرْطَ سَمَاعُ الشُّهُودِ قِرَاءَةَ الْكِتَابِ إلَخْ) قَدْ مَرَّ تَقْيِيدُهُ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ بِمَا إذَا لَمْ يَكْتُبْ إلَيْهَا زَوِّجِي نَفْسَك مِنِّي، وَإِلَّا فَلَا يُشْتَرَطُ وَسَيُعِيدُ عِبَارَةَ الظَّهِيرِيَّةِ عِنْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ عِنْدَ حُرَّيْنِ وَيُبَيِّنُ أَنَّ مَا هُنَا لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ. (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ بِالْإِقْرَارِ) لَا يُنَافِيهِ مَا صَرَّحُوا بِهِ مِنْ أَنَّ النِّكَاحَ يَثْبُتُ بِالتَّصَادُقِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِمْ لَا يَنْعَقِدُ بِالْإِقْرَارِ أَيْ لَا يَكُونُ مِنْ صِيَغِ الْعَقْدِ وَالْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِمْ إنَّهُ يَثْبُتُ بِالتَّصَادُقِ أَنَّ الْقَاضِيَ يُثْبِتُهُ بِهِ وَيَحْكُمُ بِهِ، كَذَا فِي حَوَاشِي مِسْكِينٍ مَعْزِيًّا لِلْحَانُوتِيِّ (قَوْلُهُ: قَالَ: مَشَايِخُنَا الْأَشْبَهُ مِنْ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ) قَالَ: فِي النَّهْرِ فَيَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ. اهـ. أَيْ: الْفَرْقِ بَيْنَ النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ فَإِنَّ مُقْتَضَى الْقَاعِدَةِ الْآتِيَةِ مِنْ أَنَّ ذِكْرَ بَعْضِ مَا لَا يَتَجَزَّأُ كَذِكْرِ كُلِّهِ صِحَّةُ الطَّلَاقِ وَالنِّكَاحِ، وَقَاعِدَةُ إذَا اجْتَمَعَ مَا يُوجِبُ الْحِلَّ وَالْحُرْمَةَ فِي ذَاتٍ وَاحِدَةٍ تُرَجَّحُ الْحُرْمَةُ يَقْتَضِي صِحَّةَ الطَّلَاقِ دُونَ النِّكَاحِ. وَالْجَوَابُ عَمَّا قَالَهُ فِي النَّهْرِ أَنَّ مَنْ قَالَ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ بِذَلِكَ يَقُولُ بِصِحَّةِ النِّكَاحِ، وَمَنْ قَالَ: لَا يَقَعُ يَقُولُ لَا يَصِحُّ النِّكَاحُ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ أَيْضًا فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ إذَا قَالَ لَهَا نِصْفُك طَالِقٌ ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي شَرْحِهِ أَنَّهُ لَا يَقَعُ وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ أَنَّهُ يَقَعُ، وَإِنْ قَالَ ظَهْرُك طَالِقٌ أَوْ بَطْنُك قَالَ: شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي شَرْحِهِ إنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ لَا يَقَعُ وَاسْتَدَلَّ بِمَسْأَلَةٍ ذَكَرَهَا فِي الْأَصْلِ إذَا قَالَ: ظَهْرُكِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّيِّ أَوْ قَالَ: بَطْنُكِ عَلَيَّ كَبَطْنِ أُمِّيِّ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ مُظَاهِرًا وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ فِي شَرْحِهِ الْأَشْبَهُ بِمَذْهَبِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ قَالَ: وَهُوَ نَظِيرُ مَا قَالَ مَشَايِخُنَا فِيمَا إذَا أُضِيفَ عَقْدُ النِّكَاحِ إلَى ظَهْرِ الْمَرْأَةِ أَوْ إلَى بَطْنِهَا إنَّ الْأَشْبَهَ بِمَذْهَبِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَالْأَصَحُّ عَدَمُ الصِّحَّةِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ) أَقُولُ: وَرَأَيْت مِثْلَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَنَصُّهُ، وَلَوْ أَضَافَ النِّكَاحَ إلَى نِصْفِ الْمَرْأَةِ فِيهِ رِوَايَتَانِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ. اهـ. وَهَكَذَا رَأَيْته فِي نُسْخَةٍ أُخْرَى مِنْ الظَّهِيرِيَّةِ فَمَا عُزِّيَ إلَى الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ تَصْحِيحِ الصِّحَّةِ غَيْرُ صَحِيحٍ (قَوْلُهُ: وَلَهُ بِنْتَانِ) أَيْ لَيْسَتْ إحْدَاهُمَا ذَاتَ زَوْجٍ قَالَ: فِي الْبَزَّازِيَّةِ رَجُلٌ لَهُ بِنْتَانِ مُزَوَّجَةً وَغَيْرَ مُزَوَّجَةٍ، وَقَالَ: عِنْدَ الشُّهُودِ زَوَّجْت بِنْتِي مِنْك، وَلَمْ يُسَمِّ اسْمَ الْبِنْتِ، وَقَالَ: الْخَاطِبُ قَبِلْتُ صَحَّ وَانْصَرَفَ إلَى الْفَارِغَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: لَمْ يَصِحَّ لِلْجَهَالَةِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ إطْلَاقُهُ دَالٌّ عَلَى عَدَمِ الصِّحَّةِ، وَلَوْ جَرَتْ مُقَدِّمَاتُ الْخِطْبَةِ عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِعَيْنِهَا لِتَتَمَيَّزَ الْمَنْكُوحَةُ عِنْدَ الشُّهُودِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ كَمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ عِنْدَ حُرَّيْنِ تَأَمَّلْ. اهـ. أَقُولُ: ظَاهِرُهُ أَنَّهَا لَوْ تَمَيَّزَتْ عِنْدَ الشُّهُودِ أَيْضًا بِجَرَيَانِ مُقَدِّمَاتِ الْخِطْبَةِ عَلَيْهَا يَصِحُّ الْعَقْدُ، وَهِيَ وَاقِعَةُ الْفَتْوَى تَأَمَّلْ، وَلَا يُنَافِي هَذَا مَا إذَا، وَقَعَتْ الْخِطْبَةُ عَلَى إحْدَاهُمَا وَوَقْتَ الْعَقْدِ عَقَدَا بِاسْمِ الْأُخْرَى خَطَأً فَإِنَّهُ يَصِحُّ عَلَى الَّتِي سَمَّيَاهَا وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ مُقَدِّمَاتِ الْخِطْبَةِ قَرِينَةٌ مُعَيِّنَةٌ إذَا لَمْ يُعَارِضْهَا صَرِيحٌ وَالتَّصْرِيحُ بِذَلِكَ الْأُخْرَى صَرِيحٌ فَلَا تَعْمَلُ مَعَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 90 بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ لَهُ بِنْتٌ وَاحِدَةٌ إلَّا إذَا سَمَّاهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا، وَلَمْ يُشِرْ إلَيْهَا فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ كَافِي التَّجْنِيسِ فَلَوْ كَانَ لَهُ بِنْتَانِ كُبْرَى وَاسْمُهَا عَائِشَةُ وَصُغْرَى اسْمُهَا فَاطِمَةُ فَأَرَادَ تَزْوِيجَ الْكُبْرَى فَغَلَطَ فَسَمَّاهَا فَاطِمَةَ انْعَقَدَ عَلَى الصُّغْرَى فَلَوْ قَالَ: فَاطِمَةُ الْكُبْرَى لَمْ يَنْعَقِدْ لِعَدَمِ وُجُودِهَا. وَفِي الذَّخِيرَةِ إذَا كَانَ لِلْمُزَوِّجِ ابْنَةٌ وَاحِدَةٌ وَلِلْقَابِلِ ابْنٌ وَاحِدٌ فَقَالَ: زَوَّجْت ابْنَتِي مِنْ ابْنِك يَجُوزُ النِّكَاحُ، وَإِذَا كَانَ لِلْمُزَوِّجِ ابْنَةٌ وَاحِدَةٌ وَلِلْقَابِلِ ابْنَانِ إنْ سَمَّى الْقَابِلُ الِابْنَ بِاسْمِهِ صَحَّ النِّكَاحُ لِلِابْنِ الْمُسَمَّى، وَكَذَلِكَ إذَا لَمْ يُسَمِّهِ وَاقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ قَبِلْت يَجُوزُ النِّكَاحُ وَيُجْعَلُ قَوْلُهُ: قَبِلْت جَوَابًا فَيَتَقَيَّدُ بِالْإِيجَابِ، وَلَوْ ذَكَرَ الْقَابِلُ الِابْنَ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُسَمِّهِ بِاسْمِهِ بِأَنْ قَالَ: قَبِلْت لِابْنِي لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ جَوَابًا؛ لِأَنَّهُ زَادَ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ لِلْمَرْأَةِ اسْمَانِ تُزَوَّجُ بِمَا عُرِفَتْ بِهِ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالْأَصَحُّ عِنْدِي أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ الِاسْمَيْنِ وَسَيَأْتِي حُكْمُ مَا إذَا كَانَتْ حَاضِرَةً مُنْتَقِبَةً، وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ وَكَّلَتْ امْرَأَةٌ رَجُلًا بِأَنْ يُزَوِّجَهَا فَزَوَّجَهَا وَغَلَطَ فِي اسْمِ أَبِيهَا لَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ إذَا كَانَتْ غَائِبَةً. اهـ. وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْمُصَنِّفُ الْفَهْمَ قَالَ: فِي التَّجْنِيسِ، وَلَوْ عَقَدَا عَقْدَ النِّكَاحِ بِلَفْظٍ لَا يَفْهَمَانِ كَوْنَهُ نِكَاحًا هَلْ يَنْعَقِدُ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قَالَ: بَعْضُهُمْ يَنْعَقِدُ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقَصْدُ. اهـ. يَعْنِي بِدَلِيلِ صِحَّتِهِ مَعَ الْهَزْلِ وَظَاهِرُهُ تَرْجِيحُهُ، وَلَمْ يُشْتَرَطْ أَيْضًا تَمْيِيزُ الرَّجُلِ مِنْ الْمَرْأَةِ وَقْتَ الْعَقْدِ لِلِاخْتِلَافِ لِمَا فِي النَّوَازِلِ فِي صَغِيرَيْنِ قَالَ: أَبُو أَحَدِهِمَا زَوَّجْت بِنْتِي هَذِهِ مِنْ ابْنِك هَذَا، وَقَبِلَ ثُمَّ ظَهَرَ الْجَارِيَةُ غُلَامًا وَالْغُلَامُ جَارِيَةً جَازَ ذَلِكَ. وَقَالَ الْعَتَّابِيُّ لَا يَجُوزُ، وَفِي الْقُنْيَةِ زَوَّجْت وَتَزَوَّجْت يَصْلُحُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ. (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا يَصِحُّ بِلَفْظِ النِّكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ، وَمَا وُضِعَ لِتَمْلِيكِ الْعَيْنِ فِي الْحَالِ) بَيَانٌ لِانْحِصَارِ اللَّفْظَيْنِ فِيمَا ذُكِرَ أَمَّا انْعِقَادُهُ بِلَفْظِ النِّكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ فَلَا خِلَافَ فِيهِ، وَأَمَّا انْعِقَادُهُ بِمَا وُضِعَ لِتَمْلِيكِ الْأَعْيَانِ فَمَذْهَبُنَا؛ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ سَبَبٌ لِمِلْكِ الْمُتْعَةِ فِي مَحَلِّهَا بِوَاسِطَةِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ، وَهُوَ الثَّابِتُ بِالنِّكَاحِ فَأُطْلِقَ اسْمُ السَّبَبِ كَالْهِبَةِ وَأُرِيدَ الْمُسَبَّبُ، وَهُوَ مِلْكُ الْمُتْعَةِ، وَإِنْ كَانَ مِلْكُ الْمُتْعَةِ قَصْدِيًّا فِي النِّكَاحِ ضِمْنِيًّا فِي التَّمْلِيكِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَصِحَّ التَّمْلِيكُ بِلَفْظِ النِّكَاحِ لِمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ اسْتِعَارَةَ السَّبَبِ لِلْمُسَبَّبِ جَائِزَةٌ مُطْلَقًا، وَعَكْسُهُ لَا يَجُوزُ إلَّا بِشَرْطِ الِاخْتِصَاصِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَلِذَا صَحَّ التَّجَوُّزُ بِلَفْظِ الْعِتْقِ عَنْ الطَّلَاقِ دُونَ عَكْسِهِ وَالْخُلُوصُ فِي قَوْله تَعَالَى {خَالِصَةً لَكَ} [الأحزاب: 50] إنَّمَا هُوَ فِي عَدَمِ الْمَهْرِ لَا فِي الِانْعِقَادِ بِلَفْظِ الْهِبَةِ كَمَا عُرِفَ فِي الْخِلَافِيَّاتِ فَيَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِلَفْظِ الْهِبَةِ وَالْعَطِيَّةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْمِلْكِ وَالتَّمْلِيكِ وَالْجُعْلِ وَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ عَلَى الْأَصَحِّ. وَأَمَّا بِلَفْظِ السَّلَمِ فَإِنْ جُعِلَتْ الْمَرْأَةُ رَأْسَ مَالِ السَّلَمِ فَإِنَّهُ يَنْعَقِدُ إجْمَاعًا، وَإِنْ جُعِلَتْ مُسَلَّمًا فِيهَا فَفِيهِ اخْتِلَافٌ قِيلَ لَا يَنْعَقِدُ؛ لِأَنَّ السَّلَمَ فِي الْحَيَوَانِ لَا يَصِحُّ، وَقِيلَ يَنْعَقِدُ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ بِهِ مِلْكُ الرَّقَبَةِ وَالسَّلَمُ فِي الْحَيَوَانِ يَنْعَقِدُ حَتَّى لَوْ اتَّصَلَ بِهِ الْقَبْضُ فَإِنَّهُ يُفِيدُ مِلْكَ الرَّقَبَةِ مِلْكًا فَاسِدًا، وَلَيْسَ كُلُّ مَا يُفْسِدُ الْحَقِيقِيَّ يُفْسِدُ مَجَازِيَّهُ وَرَجَّحَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَهُوَ مُقْتَضَى مَا فِي الْمُتُونِ، وَفِي الصَّرْفِ رِوَايَتَانِ، وَقَوْلَانِ قِيلَ لَا يَنْعَقِدُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ وُضِعَ لِإِثْبَاتِ مِلْكِ مَا لَا يَتَعَيَّنُ مِنْ النَّقْدِ وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ هُنَا مُتَعَيِّنٌ، وَقِيلَ يَنْعَقِدُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ بِهِ مِلْكُ الْعَيْنِ فِي الْجُمْلَةِ وَيَنْبَغِي تَرْجِيحُهُ لِدُخُولِهِ تَحْتَ الْكُلِّيَّةِ الَّتِي فِي الْمُخْتَصَرِ، وَكَذَا فِي انْعِقَادِهِ بِلَفْظِ الْقَرْضِ قَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا عَدَمُ الِانْعِقَادِ كَمَا فِي الْكَشْفِ والولوالجية   [منحة الخالق] الْقَرِينَةُ بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا فَإِنَّ مُقَدِّمَاتِ الْخِطْبَةِ لَمَّا عَيَّنَتْ وَاحِدَةً مِنْهُمَا عِنْدَ الْعَاقِدَيْنِ وَالشُّهُودِ ارْتَفَعَتْ الْجَهَالَةُ، وَهُوَ الشَّرْطُ، وَلَمْ يُعَارِضْ الْقَرِينَةَ شَيْءٌ صَرِيحٌ هَذَا مَا ظَهَرَ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: يَجُوزُ النِّكَاحُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ لِابْنِهِ الْمُسَمَّى فِي الْإِيجَابِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ عَقَدَا عَقْدَ النِّكَاحِ بِلَفْظٍ لَا يَفْهَمَانِ إلَخْ) قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: وَإِنْ لَمْ يَعْلَمَا أَنَّ هَذَا لَفْظٌ يُعْقَدُ بِهِ النِّكَاحُ فَهَذِهِ جُمْلَةُ مَسَائِلِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالتَّدْبِيرِ وَالنِّكَاحِ وَالْخُلْعِ وَالْإِبْرَاءِ عَنْ الْحُقُوقِ وَالْبَيْعِ وَالتَّمْلِيكِ فَالطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ وَالتَّدْبِيرُ وَاقِعٌ فِي الْحُكْمِ ذَكَرَهُ فِي عَتَاقِ الْأَصْلِ فِي بَابِ التَّدْبِيرِ، وَإِذَا عُرِفَ الْجَوَابُ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ النِّكَاحُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِمَضْمُونِ اللَّفْظِ إنَّمَا يُعْتَبَرُ لِأَجْلِ الْقَصْدِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيمَا يَسْتَوِي فِيهِ الْجَدُّ وَالْهَزْلُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَتَمَامُهُ فِيهَا، وَمِثْلُهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَقَالَ الْعَتَّابِيِّ لَا يَجُوزُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ غَالِبُ النَّاسِ عَلَى الْأَوَّلِ حَتَّى إنَّ كَثِيرًا لَمْ يَنْقُلْ قَوْلَ الْعَتَّابِيِّ وَاقْتَصَرَ عَلَى الْأَوَّلِ. (قَوْلُهُ: أَمَّا انْعِقَادُهُ بِلَفْظِ النِّكَاحِ إلَخْ) حَاصِلُ الْأَلْفَاظِ الْمَذْكُورَةِ هُنَا أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ قِسْمٌ لَا خِلَافَ فِي الِانْعِقَادِ بِهِ فِي الْمَذْهَبِ بَلْ الْخِلَافُ فِي خَارِجِ الْمَذْهَبِ، وَقِسْمٌ فِيهِ خِلَافٌ فِي الْمَذْهَبِ وَالصَّحِيحُ الِانْعِقَادُ، وَقِسْمٌ فِيهِ خِلَافٌ وَالصَّحِيحُ عَدَمُهُ، وَقِسْمٌ لَا خِلَافَ فِي عَدَمِ الِانْعِقَادِ بِهِ فَالْأَوَّلُ مَا سِوَى لَفْظَيْ النِّكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ مِنْ لَفْظِ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالتَّمْلِيكِ وَالْجُعْلِ. وَالثَّانِي الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ. وَالثَّالِثُ الْإِجَارَةُ. وَالرَّابِعُ الْإِبَاحَةُ وَالْإِحْلَالُ وَالْإِعَارَةُ وَالرَّهْنُ وَالتَّمَتُّعُ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَسَيَرِدُ عَلَيْك الْجَمِيعُ مَعَ زِيَادَةٍ عَلَى مَا ذَكَرَ. (قَوْلُهُ: عَلَى الْأَصَحِّ) قَيْدٌ لِلْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ كَمَا عَلِمْت مِنْ كَلَامِ الْفَتْحِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 91 وَفِي الْفَتَاوَى الصَّيْرَفِيَّةِ الْأَصَحُّ الِانْعِقَادُ. اهـ. وَيَنْبَغِي اعْتِمَادُهُ لِمَا أَنَّهُ يُفِيدُ مِلْكَ الْعَيْنِ لِلْحَالِ، وَكَذَا فِي انْعِقَادِهِ بِلَفْظِ الصُّلْحِ قَوْلَانِ وَجَزَمَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِعَدَمِهِ؛ لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِلْحَطِيطَةِ، وَإِسْقَاطِ الْحَقِّ، وَكَذَا فِي انْعِقَادِهِ بِلَفْظِ الرَّهْنِ قَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا عَدَمُ الِانْعِقَادِ كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ أَصْلًا قَيَّدَ بِمَا وُضِعَ لِلتَّمْلِيكِ احْتِرَازًا عَمَّا لَا يُفِيدُهُ فَلَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْفِدَاءِ كَمَا لَوْ قَالَتْ: فَدَيْت نَفْسِي مِنْك فَقَبِلَ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالْإِبْرَاءِ وَالْفَسْخِ وَالْإِقَالَةِ وَالْخُلْعِ وَالْكِتَابَةِ وَالتَّمَتُّعِ وَالْإِبَاحَةِ وَالْإِحْلَالِ وَالرِّضَا وَالْإِجَازَةِ بِالزَّايِ الْوَدِيعَةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُفِيدُ الْمِلْكَ أَصْلًا، وَقَيَّدَ بِتَمْلِيكِ الْعَيْنِ احْتِرَازًا عَمَّا يُفِيدُ مِلْكَ الْمَنْفَعَةِ فَقَطْ كَالْعَارِيَّةِ فَلَا يَنْعَقِدُ بِهَا عَلَى الصَّحِيحِ. وَأَمَّا بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ فَإِنْ جُعِلَتْ الْمَرْأَةُ أُجْرَةً فَيَنْعَقِدُ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ مِلْكَ الْعَيْنِ لِلْحَالِ فِي الْجُمْلَةِ بِأَنْ شَرَطَ الْحُلُولَ أَوْ عُجِّلَتْ، وَأَمَّا إذَا لَمْ تَجْعَلْ أُجْرَةً كَقَوْلِهِ آجَرْتُك ابْنَتِي بِكَذَا فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ؛ لِأَنَّهَا لَا تُفِيدُ مِلْكَ الْعَيْنِ؛ وَلِأَنَّ بَيْنَهُمَا مُضَادَّةً؛ لِأَنَّ التَّأْبِيدَ مِنْ شَرَائِطِهِ وَالتَّأْقِيتَ مِنْ شَرَائِطِهَا وَاحْتِرَازًا عَمَّا يُفِيدُ تَمْلِيكَ بَعْضِ الْعَيْنِ كَلَفْظِ الشَّرِكَةِ فَإِنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ بِهِ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ فِي الْحَالِ احْتِرَازًا عَنْ لَفْظِ الْوَصِيَّةِ فَإِنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِهِ؛ لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ مُضَافٌ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ كَذَا أَطْلَقَ الشَّارِحُونَ، وَقَيَّدَهُ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ بِمَا إذَا أَطْلَقَ أَوْ أَضَافَ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ أَمَّا إذَا قَالَ: أَوْصَيْت بِبُضْعِ ابْنَتِي لِلْحَالِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَقَبِلَ الْآخَرُ انْعَقَدَ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَجَازًا عَنْ التَّمْلِيكِ وَالْمُعْتَمَدُ الْإِطْلَاقُ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ مَجَازٌ عَنْ التَّمْلِيكِ فَلَوْ انْعَقَدَ بِهَا لَكَانَ مَجَازًا عَنْ النِّكَاحِ وَالْمَجَازُ لَا مَجَازَ لَهُ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ مِنْ الْبَيْعِ، وَفِي الْمَبْسُوطِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَمْ يَنْعَقِدْ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ فَإِنَّهُ يُثْبِتُ الشُّبْهَةَ فَيَسْقُطُ الْحَدُّ لَوْ وَطِئَ وَيَجِبُ الْأَقَلُّ مِنْ الْمُسَمَّى، وَمِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ عِنْدَ الدُّخُولِ. اهـ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ إنَّمَا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي الْعَارِيَّةِ وَالْإِجَارَةِ، وَإِنْ كَانَا لَا يُفِيدَانِ مِلْكَ الْعَيْنِ قَطْعًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْأَصْلَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَقَدْ رَوَى الْحَسَنُ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ يُمْلَكُ بِهِ شَيْءٌ يَنْعَقِدُ بِهِ النِّكَاحُ، وَهَذِهِ تَدُلُّ عَلَى الِانْعِقَادِ بِهِمَا وَرَوَى ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ الْإِمَامِ كُلُّ لَفْظٍ يُمْلَكُ بِهِ الرِّقَابُ يَنْعَقِدُ بِهِ النِّكَاحُ، وَهَذِهِ تَدُلُّ عَلَى عَدَمِهِ فِيهِمَا كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ، وَإِنَّمَا اعْتَمَدَ الْمَشَايِخُ رِوَايَةَ ابْنِ رُسْتُمَ؛ لِأَنَّهَا مُحْكَمَةٌ وَرِوَايَةُ الْحَسَنِ مُحْتَمَلَةٌ فَحُمِلَ الْمُحْتَمَلُ عَلَى الْمُحْكَمِ، وَلَمْ يُقَيِّدْ الْمُصَنِّفُ اللَّفْظَ الْمُفِيدَ لِمِلْكِ الْعَيْنِ بِالنِّيَّةِ، وَلَا بِالْقَرِينَةِ، وَفِيهِ اخْتِلَافٌ فَفِي التَّبْيِينِ لَا تُشْتَرَطُ النِّيَّةُ مَعَ ذِكْرِ الْمَهْرِ، وَفِي الْمَبْسُوطِ لَا تُشْتَرَطُ مُطْلَقًا، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ فَهْمِ الشَّاهِدَيْنِ مَقْصُودَهُمَا، وَفِي الْبَدَائِعِ، وَلَوْ أَضَافَ الْهِبَةَ إلَى الْأَمَةِ بِأَنْ قَالَ لِرَجُلٍ، وَهَبْت أَمَتِي هَذِهِ مِنْك فَإِنْ كَانَ الْحَالُ يَدُلُّ عَلَى النِّكَاحِ مِنْ إحْضَارِ الشُّهُودِ وَتَسْمِيَةِ الْمَهْرِ مُؤَجَّلًا، وَمُعَجَّلًا وَنَحْوِ ذَلِكَ يَنْصَرِفُ إلَى النِّكَاحِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْحَالُ دَلِيلًا عَلَى النِّكَاحِ فَإِنْ نَوَى النِّكَاحَ وَصَدَّقَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ فَكَذَلِكَ وَيَنْصَرِفُ إلَى النِّكَاحِ بِقَرِينَةِ النِّيَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ يَنْصَرِفُ إلَى مِلْكِ الرَّقَبَةِ. اهـ. فَلَمْ يُشْتَرَطْ مَعَ النِّيَّةِ فَهْمُ الشُّهُودِ، وَلَا بُدَّ مِنْهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ بِخِلَافِ مَا إذَا أُضِيفَتْ الْهِبَةُ إلَى الْحُرَّةِ فَإِنَّهُ يَنْعَقِدُ مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الْقَرِينَةِ؛ لِأَنَّ عَدَمَ قَبُولِ الْمَحَلِّ لِلْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ، وَهُوَ الْمِلْكُ لِلْحُرَّةِ يُوجِبُ الْحَمْلَ عَلَى الْمَجَازِيِّ فَهُوَ الْقَرِينَةُ فَيَكْتَفِي بِهَا الشُّهُودُ حَتَّى لَوْ قَامَتْ قَرِينَةٌ عَلَى عَدَمِهِ لَا يَنْعَقِدُ بِهِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا لَوْ طَلَبَ مِنْ امْرَأَةٍ الزِّنَا فَقَالَتْ: وَهَبْت نَفْسِي مِنْك فَقَالَ الرَّجُلُ قَبِلْت لَا يَكُونُ نِكَاحًا، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِ أَبِي الْبِنْتِ، وَهَبْتهَا مِنْك لِتَخْدُمَك فَقَالَ: قَبِلْت لَا يَكُونُ نِكَاحًا. اهـ. قَالَ فِي الْفَتَاوَى: إلَّا إذَا أَرَادَ بِهِ النِّكَاحَ فَالْحَاصِلُ أَنَّ النِّكَاحَ يَنْعَقِدُ بِالْهِبَةِ إذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ النِّكَاحِ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ قَالَتْ الْمَرْأَةُ: وَهَبْت نَفْسِي لَك فَقَالَ الرَّجُلُ أَخَذْت قَالُوا لَا يَكُونُ نِكَاحًا صَحِيحًا، وَإِنَّمَا اُسْتُعِيرَتْ الْهِبَةُ لِلنِّكَاحِ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تُفِيدُ الْمِلْكَ إلَّا بِالْقَبْضِ؛ لِأَنَّهَا سَبَبٌ مَوْضُوعٌ لِلْمِلْكِ، وَإِنَّمَا تَأَخَّرَ الْقَبْضُ لِضَعْفِ السَّبَبِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَكَذَا فِي انْعِقَادِهِ بِلَفْظِ الرَّهْنِ قَوْلَانِ) هَذَا مُنَافٍ لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْفَتْحِ حَيْثُ جَعَلَهُ مِمَّا لَا خِلَافَ فِي عَدَمِ الِانْعِقَادِ بِهِ (قَوْلُهُ: وَالْخُلْعِ) قَالَ: فِي النَّهْرِ أَقُولُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ بِمَا إذَا لَمْ تُجْعَلْ بَدَلَ الْخَلْعِ فَإِنْ جُعِلَتْ كَمَا إذَا قَالَ: أَجْنَبِيٌّ اخْلَعْ زَوْجَتَك بِبِنْتِي هَذِهِ فَقَبِلَ صَحَّ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ لَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ فِي الْأَصَحِّ إنْ جُعِلَتْ الْمَرْأَةُ مُسْتَأْجَرَةً أَمَّا إذَا جُعِلَتْ بَدَلَ إجَارَةٍ كَمَا إذَا قَالَ: اسْتَأْجَرْت دَارَك هَذِهِ بِبِنْتِي هَذِهِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُخْتَلَفَ فِي جَوَازِهِ؛ لِأَنَّهُ إضَافَةٌ إلَيْهَا بِلَفْظٍ تُمْلَكُ بِهِ الرِّقَابُ (قَوْلُهُ: انْعَقَدَ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَجَازًا عَنْ التَّمْلِيكِ) قَالَ: فِي النَّهْرِ وَارْتَضَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ قَالَ فِي الْفَتْحِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُخْتَلَفَ فِي صِحَّتِهِ حِينَئِذٍ، وَخَالَفَهُمْ فِي الْبَحْرِ فَقَالَ: الْمُعْتَمَدُ الْإِطْلَاقُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 92 لِتَعَرِّيهِ عَنْ الْعِوَضِ وَيَنْعَدِمُ ذَلِكَ الضَّعْفُ إذَا اُسْتُعْمِلَتْ فِي النِّكَاحِ لِأَنَّ الْعِوَضَ يَجِبُ بِنَفْسِهِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَيُرَدُ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَلْفَاظً يَنْعَقِدُ بِهَا النِّكَاحُ غَيْرُ الثَّلَاثَةِ مِنْهَا الْكَوْنُ لِمَا فِي الذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهَا لَوْ قَالَ: لِامْرَأَةِ كُونِي امْرَأَتِي بِكَذَا فَقَبِلَتْ انْعَقَدَ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَتْ الْمَرْأَةُ أَكُونُ زَوْجَةً لَك فَقَالَ: نَعَمْ لَا يَصِحُّ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَمِنْهَا مَا فِي الْخَانِيَّةِ لَوْ قَالَتْ: الْمَرْأَةُ عَرَّسْتُكَ نَفْسِي فَقَالَ: قَبِلْت انْعَقَدَ وَذَكَرَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ بِلَفْظِ أَعْرَسْتُك، وَمِنْهَا لَفْظُ الرَّجْعَةِ فَقَدْ صَرَّحَ فِي الْوَاقِعَاتِ وَالْخَانِيَّةِ، وَكَثِيرٌ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ إذَا قَالَ لِلْأَجْنَبِيَّةِ رَاجَعْتُك فَقَبِلَتْ كَمَا لَوْ قَالَ لِلْمُبَانَةِ رَاجَعْتُك لَكِنْ شَرَطَ فِي الْخَانِيَّةِ أَنْ يَذْكُرَ الْمَالَ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ مَالًا قَالُوا: لَا يَكُونُ نِكَاحًا وَشَرَطَ فِي التَّجْنِيسِ ذِكْرَ الْمَالِ وَنِيَّةَ الزَّوْجِ، وَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ الْأَجْنَبِيَّةِ وَالْمُبَانَةِ فَيَنْعَقِدُ بِهِ فِي الْمُبَانَةِ دُونَ الْأَجْنَبِيَّةِ وَاسْتَحْسَنَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ، وَكَذَا لَوْ قَالَتْ: الْمُبَانَةُ لِزَوْجِهَا رَدَدْت نَفْسِي عَلَيْك فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الرَّجْعَةِ يَنْعَقِدُ بِهِ النِّكَاحُ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ، وَمِنْهَا ارْفَعْهَا وَاذْهَبْ بِهَا حَيْثُ شِئْت لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ لَوْ قَالَ: زَوِّجْ ابْنَتِك مِنِّي عَلَى كَذَا فَقَالَ: أَبُوهَا بِمَحْضَرٍ مِنْ الشُّهُودِ ارْفَعْهَا وَاذْهَبْ بِهَا حَيْثُ شِئْت قَالَ ابْنُ الْفَضْلِ يَكُونُ نِكَاحًا وَجَزَمَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ بِعَدَمِهِ لِاحْتِمَالِهِ الْوَعْدَ، وَمِنْهَا مَا فِي الْخَانِيَّةِ لَوْ قَالَ: أَبُو الصَّغِيرِ اشْهَدُوا أَنِّي قَدْ زَوَّجْت ابْنَةَ أَحْمَدَ يُرِيدُ بِهِ أَبَا الصَّغِيرَةِ مِنْ ابْنِي فُلَانٍ بِمَهْرِ كَذَا، وَقَالَ: لِأَبِيهَا أَلَيْسَ هَكَذَا فَقَالَ: أَبُوهَا هَكَذَا، وَلَمْ يَزِيدَا عَلَى ذَلِكَ قَالُوا الْأَوْلَى أَنْ يُجَدِّدَا النِّكَاحَ، وَإِنْ لَمْ يُجَدِّدَا جَازَ. اهـ. وَمِنْهَا مَا فِي الْخَانِيَّةِ أَيْضًا لَوْ قَالَ رَجُلٌ جِئْتُك خَاطِبَا ابْنَتَك فَقَالَ الْأَبُ مَلَّكْتُك كَانَ نِكَاحًا، وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ لَوْ قَالَ: لَهَا خَطَبْتُكِ إلَى نَفْسِي عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ فَقَالَتْ: قَدْ زَوَّجْتُك نَفْسِي فَهُوَ نِكَاحٌ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ الْإِيجَابُ، وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ لَوْ قَالَ أَخْطُبُك عَلَى أَلْفٍ فَقَالَتْ: قَدْ فَعَلْت، لَمْ يَنْعَقِدْ حَتَّى يَقُولَ الزَّوْجُ قَبِلْت فَقَدْ قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَالظَّهِيرِيَّةِ: إنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُرِدْ بِهِ الْحَالَ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ رَجُلٌ أَرْسَلَ رَجُلًا أَنْ يَخْطُبَ امْرَأَةً بِعَيْنِهَا فَزَوَّجَهَا الرَّسُولُ إيَّاهُ جَازَ؛ لِأَنَّ الْخِطْبَةَ جُعِلَتْ نِكَاحًا إذَا صَدَرَتْ مِنْ الْآمِرِ فَيَكُونُ الْأَمْرُ بِهَا أَمْرًا بِالنِّكَاحِ وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا فِي الْفَتَاوَى الصَّيْرَفِيَّةِ مَعْزِيًّا إلَى السَّرَخْسِيِّ أَنَّ مَنْ قَالَ: إنْ خَطَبْت فُلَانَةَ أَوْ قَالَ: كُلُّ امْرَأَةٍ خَطَبْتهَا فَهِيَ طَالِقٌ إنَّ يَمِينَهُ لَا يَنْعَقِدُ؛ لِأَنَّ الْخِطْبَةَ عِنْدَ الْعَقْدِ، وَهِيَ تَسْبِقُ الْعَقْدَ فَلَا يَكُونُ هَذَا اللَّفْظُ مُضِيفًا الطَّلَاقَ إلَى الْمِلْكِ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ إنْ خَطَبْتُ فُلَانَةَ وَتَزَوَّجْتهَا فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَأَجَابَ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا فَقَالَ: إذَا خَطَبَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا لَا تَطْلُقُ، وَهَذَا غَلَطٌ؛ لِأَنَّ مَعَ حَرْفِ الْوَاوِ تَصِيرُ الْخِطْبَةُ مَعَ التَّزَوُّجِ شَرْطًا وَاحِدًا كَمَا فِي قَوْلِهِ إنْ أَكَلْت وَشَرِبْت، وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ فَلَا تَنْحَلُّ الْيَمِينُ بِالْخِطْبَةِ وَحْدَهَا فَإِذَا تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ تَنْحَلُّ الْيَمِينُ، وَهِيَ فِي نِكَاحِهِ فَتَطْلُقُ. اهـ. وَذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ إنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ أَوْ خَطَبْتهَا فَهِيَ طَالِقٌ فَخَطَبَهَا وَتَزَوَّجَهَا لَمْ تَطْلُقْ؛ لِأَنَّهُ حِينَ خَطَبَهَا حَنِثَ لِوُجُودِ الشَّرْطِ فَحِينَ تَزَوَّجَهَا   [منحة الخالق] إلَخْ، وَأَقُولُ: مَعْنَى كَوْنِهَا مَجَازًا عَنْ التَّمْلِيكِ إذَا قَالَ الْآنَ أَيْ الْخَاصِّ الَّذِي هُوَ النِّكَاحُ لَا الْمُطْلَقُ فَلَا يَرِدُ أَنَّ الْمَجَازَ لَا مَجَازَ لَهُ. اهـ. أَيْ الْمُرَادُ بِكَوْنِهَا مَجَازًا عَنْ التَّمْلِيكِ هُوَ التَّمْلِيكُ الْخَاصُّ الَّذِي هُوَ النِّكَاحُ لَا مُطْلَقُ التَّمْلِيكِ حَتَّى يَرِدُ مَا ذُكِرَ عَلَى أَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَجَازًا بِمَرْتَبَتَيْنِ كَمَا فِي رَأَيْت مِشْفَرَ زَيْدٍ، وَفِي حَاشِيَةِ الرَّمْلِيِّ قَالَ: الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ الْمَنْظُومِ، وَأَمَّا مَجَازُ الْمَجَازِ فَيَثْبُتُ عِنْدَ مَنْ لَهُ اطِّلَاعٌ عَلَى كُتُبِ اللُّغَةِ كَالْأَسَاسِ وَغَيْرِهِ وَتَمَامُهُ فِيهِ، وَكَتَبَ عَلَى هَامِشِ نُسْخَتِهِ الْبَحْرِ هَذَا مَرْدُودٌ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَمْلِيكٌ كَمَا أَنَّ الْبَيْعَ وَالْهِبَةَ كَذَلِكَ، وَقَدْ صَحَّ النِّكَاحُ بِلَفْظِهِمَا اتِّفَاقًا فَمَا الْمُوجِبُ؛ لَأَنْ تُجْعَلَ الْهِبَةُ مَجَازًا عَنْ التَّمْلِيكِ ثُمَّ التَّمْلِيكُ عَنْ النِّكَاحِ بَلْ نَقُولُ التَّمْلِيكُ الَّذِي هُوَ وَصِيَّةٌ يُجْعَلُ ابْتِدَاءً عِبَارَةً عَنْ النِّكَاحِ، وَكَوْنُهَا تَمْلِيكًا غَنِيٌّ عَنْ الْبَيَانِ غَايَتُهُ أَنَّهُ تَمْلِيكٌ مَخْصُوصٌ بِالْأَدَاءِ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ فَتَجَرَّدَ عَنْ قَيْدِ الْإِضَافَةِ بِالتَّقْيِيدِ بِالْحَالِ فَالظَّاهِرُ مَا ذَكَرَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَقَوْلُهُ الْمَجَازُ لَا مَجَازَ لَهُ مَرْدُودٌ يَعْرِفُ ذَلِكَ مَنْ طَالَعَ أَسَاسَ الْبَلَاغَةِ. اهـ. وَفِي شَرْحِ تَنْوِيرِ الْأَبْصَارِ صَرَّحَ الْجَلَالُ السُّيُوطِيّ فِي الْإِتْقَانِ بِأَنَّ الْمَجَازَ يَكُونُ لَهُ مَجَازٌ، وَمَثَّلَ لَهُ بِمُثُلٍ ثَمَّةَ فَارْجِعْ إلَيْهِ. اهـ. قُلْتُ: لَكِنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ، وَمَا وُضِعَ لِتَمْلِيكِ الْعَيْنِ فِي الْحَالِ يُخْرِجُ الْوَصِيَّةَ فَإِنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لِتَمْلِيكِ الْعَيْنِ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا لِمُطْلَقِ التَّمْلِيكِ فَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْهِبَةِ ظَاهِرٌ فَإِذَا أُرِيدَ مِنْ الْوَصِيَّةِ التَّمْلِيكُ فِي الْحَالِ كَانَ مَجَازًا ثُمَّ إذَا اُسْتُعْمِلَتْ لِلنِّكَاحِ كَانَ مَجَازًا مَبْنِيًّا عَلَى مَجَازٍ فَلَمْ يَشْمَلُهُ قَوْلُهُ: وُضِعَ لِتَمْلِيكِ الْعَيْنِ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ إرَادَةَ التَّمْلِيكِ فِي الْحَالِ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ لَا بِطَرِيقِ الْوَضْعِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمَجَازَ مَوْضُوعٌ أَيْضًا وَيُرَادُ بِالْوَضْعِ مَا يَشْمَلُ الْوَضْعَ الْحَقِيقِيَّ وَالْمَجَازِيَّ كَمَا أَجَابَ بِهِ بَعْضُهُمْ أَوْ يُقَالُ الْمُرَادُ بِالْوَضْعِ الِاسْتِعْمَالُ وَهُوَ شَامِلٌ لِلْمَجَازِ أَيْضًا (قَوْلُهُ: وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا فِي الْفَتَاوَى الصَّيْرَفِيَّةِ) قَالَ: فِي الرَّمْزِ أَقُولُ: يُدْفَعُ بِأَنَّهَا إنَّمَا تُحْمَلُ عَلَى النِّكَاحِ لِلْقَرِينَةِ الْوَاضِحَةِ عَلَى ذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ فِي مَجْلِسٍ سَبَقَهُ إشَارَةٌ إلَى الْخِطْبَةِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 93 تَزَوَّجَهَا وَالْيَمِينُ غَيْرُ بَاقِيَةٍ. اهـ. وَمِنْهَا مَا فِي الْخُلَاصَةِ لَوْ قَالَ: صِرْت لِي أَوْ صِرْت لَك فَإِنَّهُ نِكَاحٌ عِنْدَ الْقَبُولِ، وَقَدْ قِيلَ بِخِلَافِهِ. اهـ. وَمِنْهَا مَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة لَوْ قَالَ: لَهَا يَا عَرُوسِي فَقَالَتْ: لَبَّيْكَ انْعَقَدَ لَكِنْ فِي الصَّيْرَفِيَّةِ أَنَّهُ خِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَمِنْهَا بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لَوْ قَالَ: زَوِّجِي نَفْسَك مِنِّي فَقَالَتْ: بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فَهُوَ نِكَاحٌ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَمِنْهَا مَا فِي الذَّخِيرَةِ لَوْ قَالَ: ثَبَتَ حَقِّي فِي مَنَافِعِ بُضْعِك بِأَلْفٍ فَقَالَتْ: نَعَمْ صَحَّ النِّكَاحُ. اهـ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْعُقُودِ لِلْمَعَانِي حَتَّى فِي النِّكَاحِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ تُؤَدِّي مَعْنَى النِّكَاحِ، وَهَذَا مِمَّا ظَهَرَ لِي مِنْ فَضْلِهِ تَعَالَى. (قَوْلُهُ: عِنْدَ حُرَّيْنِ أَوْ حُرٍّ وَحُرَّتَيْنِ عَاقِلَيْنِ بَالِغَيْنِ مُسْلِمَيْنِ، وَلَوْ فَاسِقَيْنِ أَوْ مَحْدُودَيْنِ أَوْ أَعَمِيَيْنِ أَوْ ابْنَيْ الْعَاقِدَيْنِ) مُتَعَلِّقٌ بِيَنْعَقِدُ بَيَانٌ لِلشَّرْطِ الْخَاصِّ بِهِ، وَهُوَ الْإِشْهَادُ فَلَمْ يَصِحَّ بِغَيْرِ شُهُودٍ لِحَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ «الْبَغَايَا اللَّاتِي يُنْكِحْنَ أَنْفُسَهُنَّ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ» وَلِمَا رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ مَرْفُوعًا «لَا نِكَاحَ إلَّا بِشُهُودٍ» فَكَانَ شَرْطًا وَلِذَا قَالَ: فِي مَآلِ الْفَتَاوَى لَوْ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ شُهُودٍ ثُمَّ أَخْبَرَ الشُّهُودَ عَلَى وَجْهِ الْخَبَرِ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يُجَدِّدَ عَقْدًا بِحَضْرَتِهِمْ. اهـ. . وَفِي الْخَانِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ لَوْ تَزَوَّجَ بِشَهَادَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ لَا يَنْعَقِدُ وَيَكْفُرُ لِاعْتِقَادِهِ أَنَّ النَّبِيَّ يَعْلَمُ الْغَيْبَ وَصَرَّحَ فِي الْمَبْسُوطِ بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ مَخْصُوصًا بِالنِّكَاحِ بِغَيْرِ شُهُودٍ، وَلَا يُشْتَرَطُ الْإِعْلَانُ مَعَ الشُّهُودِ لِمَا فِي التَّبْيِينِ أَنَّ النِّكَاحَ بِحُضُورِ الشَّاهِدَيْنِ يَخْرُجُ عَنْ أَنْ يَكُونَ سِرًّا وَيَحْصُلُ بِحُضُورِهِمَا الْإِعْلَانُ. اهـ. وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ مَسْأَلَةُ الْيَمِينِ لِمَا فِي عِدَّةِ الْفَتَاوَى إذَا حَلَفَ لَيَتَزَوَّجَنَّ سِرًّا فَتَزَوَّجَ بِثَلَاثَةِ شُهُودٍ يَحْنَثُ وَبِالشَّاهِدَيْنِ لَا يَحْنَثُ. اهـ. وَأَفَادَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الشَّهَادَةَ تُشْتَرَطُ فِي الْمَوْقُوفِ عِنْدَ الْعَقْدِ لَا عِنْدَ الْإِجَازَةِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ، وَأَنَّ الْحُضُورَ كَافٍ لِتَعْبِيرِهِ بِكَلِمَةِ عِنْدَ فَلَا يُشْتَرَطُ السَّمَاعُ، وَفِيهِ خِلَافٌ فَفِي الْخَانِيَّةِ، وَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ شَرَطُوا السَّمَاعَ وَالْقَائِلُ بِعَدَمِهِ الْقَاضِي الْإِمَامُ عَلِيٌّ السُّغْدِيُّ. اهـ. وَثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ تَظْهَرُ فِي النَّائِمَيْنِ وَالْأَصَمَّيْنِ فَعَلَى قَوْلِ الْعَامَّةِ لَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِحُضُورِهِمَا، وَعَلَى قَوْلِ السُّغْدِيِّ يَنْعَقِدُ وَصَحَّحَ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِهِ أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ بِحَضْرَةِ الْأَصَمَّيْنِ وَجَزَمَ بِأَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ بِحَضْرَةِ النَّائِمَيْنِ وَجَزَمَ فِي فَتَاوَاهُ بِأَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ بِحَضْرَةِ النَّائِمَيْنِ إذَا لَمْ يَسْمَعَا كَلَامَهُمَا فَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّ الْأَصَحَّ مَا عَلَيْهِ الْعَامَّةُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّجْنِيسِ إذْ الْمَقْصُودُ مِنْ الْحُضُورِ السَّمَاعُ فَقَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ يَنْعَقِدُ بِحَضْرَةِ النَّائِمَيْنِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَلَا يَنْعَقِدُ بِحَضْرَةِ الْأَصَمَّيْنِ عَلَى الْمُخْتَارِ ضَعِيفٌ بَلْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي عَدَمِ الِانْعِقَادِ عَلَى الْأَصَحِّ لِعَدَمِ السَّمَاعِ، وَلَقَدْ أَنْصَفَ الْمُحَقِّقُ الْكَمَالُ حَيْثُ قَالَ: وَلَقَدْ أَبْعَدَ عَنْ الْفِقْهِ، وَعَنْ الْحِكْمَةِ الشَّرْعِيَّةِ مَنْ جَوَّزَهُ بِحَضْرَةِ النَّائِمَيْنِ. اهـ. وَاخْتُلِفَ فِي اشْتِرَاطِ سَمَاعِ الشَّاهِدَيْنِ مَعًا فَنَقَلَ فِي الذَّخِيرَةِ رِوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَجَزَمَ فِي الْخَانِيَّةِ بِأَنَّهُ شَرْطٌ فَكَانَ هُوَ الْمَذْهَبُ فَلَوْ سَمِعَا كَلَامَهُمَا مُتَفَرِّقَيْنِ لَمْ يَجُزْ، وَلَوْ اتَّحَدَ الْمَجْلِسُ فَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَصَمَّ فَسَمِعَ صَاحِبُ السَّمْعِ، وَلَمْ يَسْمَعْ الْأَصَمُّ حَتَّى صَاحَ صَاحِبُهُ فِي أُذُنِهِ أَوْ غَيْرُهُ لَا يَجُوزُ النِّكَاحُ حَتَّى يَكُونَ السَّمَاعُ مَعًا كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَاخْتُلِفَ أَيْضًا فِي فَهْمِ الشَّاهِدَيْنِ كَلَامَهُمَا فَجَزَمَ فِي التَّبْيِينِ بِأَنَّهُ لَوْ عَقَدَ بِحَضْرَةِ هِنْدِيَّيْنِ لَمْ يَفْهَمَا كَلَامَهُمَا لَمْ يَجُزْ وَصَحَّحَهُ فِي الْجَوْهَرَةِ، وَقَالَ: فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فَهْمُ أَنَّهُ نِكَاحٌ وَاخْتَارَهُ فِي الْخَانِيَّةِ فَكَانَ هُوَ الْمَذْهَبُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَالْجَوَابُ أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْعُقُودِ لِلْمَعَانِي إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ الْمُصَنِّفَ أَرَادَ لَفْظَ النِّكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ، وَمَا يُؤَدِّي مَعْنَاهُمَا قَالَ فِي النَّهْرِ: وَفِيهِ مَا لَا يَخْفَى. (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ أَوْ مَحْدُودَيْنِ) أَيْ فِي قَذْفٍ، وَقَيَّدَهُ فِي النَّهْرِ بِقَوْلِهِ، وَقَدْ تَابَا قَالَ: وَهَذَا الْقَيْدُ لَا بُدَّ مِنْهُ، وَإِلَّا لَزِمَ التَّكْرَارُ، وَفِيهِ نَظَرٌ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ قَوْلَهُ لَا بُدَّ مِنْ هَذَا الْقَيْدِ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ الْإِشَارَةُ إلَى خِلَافِ الشَّافِعِيِّ فِي الْفَاسِقِ الْمُظْهِرِ وَالْمَحْدُودِ قَبْلَ التَّوْبَةِ، وَأَمَّا الْمَسْتُورُ وَالْمَحْدُودُ بَعْدَ التَّوْبَةِ فَلَا خِلَافَ لَهُ فِيهِمَا كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَالْحَقَائِقِ فَظَهَرَ أَنَّ قَوْلَهُ لَا بُدَّ مِنْ الْقَيْدِ فِرْيَةٌ بِلَا مِرْيَةٍ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ عَدَمِهِ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ فِي الْبُرْهَانِ: أَوْ مَحْدُودَيْنِ فِي قَذْفٍ غَيْرَ تَائِبَيْنِ، وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ قَوْلَهُ، وَإِلَّا لَزِمَ التَّكْرَارُ مَمْنُوعٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْمَحْدُودَ فِي الْقَذْفِ أَخَصُّ مُطْلَقًا مِنْ الْفَاسِقِينَ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ: إنَّ ذِكْرَ الْخَاصِّ بَعْدَ الْعَامِّ تَكْرَارٌ، كَيْفَ وَهُوَ وَاقِعٌ فِي كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي هُوَ فِي غَايَةِ الْإِعْجَازِ عَلَى أَنَّهُ قَدْ صَرَّحَ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ مِنْ كِتَابِ الْإِكْرَاهِ بِأَنَّهُ إذَا قُوبِلَ الْخَاصُّ بِالْعَامِّ يُرَادُ بِالْعَامِّ مَا عَدَا الْخَاصَّ، هَذَا وَلَا يَخْفَى أَنَّ فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ عَطْفُ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ بِأَوْ، وَهُوَ مِمَّا تَفَرَّدَتْ بِهِ الْوَاوُ حَتَّى كَمَا فِي الْمُغْنِي حَمَوِيٌّ قَالَ شَيْخُنَا وَيُجَابُ بِمَا ذَكَرَهُ هُوَ فِي الْعِنِّينِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ لَوْ عِنِّينًا أَوْ خَصِيًّا مِنْ أَنَّ الْفُقَهَاءَ يَتَسَامَحُونَ فِي ذَلِكَ أَيْ فِي الْعَطْفِ بِأَوْ مُطْلَقًا كَذَا فِي حَوَاشِي مِسْكِينٍ قُلْتُ:، وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي فَصْلِ الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ أَنَّ بَعْضَهُمْ ذَكَرَ أَنَّهُ يَكُونُ بِثُمَّ وَيَكُونُ بِأَوْ أَيْضًا كَمَا فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 94 فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ سَمَاعُهُمَا مَعًا مَعَ الْفَهْمِ عَلَى الْأَصَحِّ لَكِنْ فِي الْخُلَاصَةِ إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِالْعَرَبِيَّةِ، وَالزَّوْجُ وَالْمَرْأَةُ يُحْسِنَانِ الْعَرَبِيَّةَ وَالشُّهُودُ لَا يَعْرِفُونَ الْعَرَبِيَّةَ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ. وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ. اهـ. فَقَدْ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ فِي اشْتِرَاطِ الْفَهْمِ، وَفِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا يَنْعَقِدُ بِحَضْرَةِ السُّكَارَى إذَا فَهِمُوا النِّكَاحَ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرُوا بَعْدَ الصَّحْوِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُشْتَرَطَ فَهْمُهُمْ عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ اشْتِرَاطِهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ عِنْدَ عَدَمِ الْفَهْمِ مُلْحَقٌ بِالْجُنُونِ فِي حَقِّ هَذَا الْحُكْمِ لِعَدَمِ التَّمْيِيزِ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَمْيِيزِ الْمَنْكُوحَةِ عِنْدَ الشَّاهِدَيْنِ لِتَنْتَفِي الْجَهَالَةُ فَإِنْ كَانَتْ حَاضِرَةً مُتَنَقِّبَةً كَفَى الْإِشَارَةُ إلَيْهَا وَالِاحْتِيَاطُ كَشْفُ وَجْهِهَا فَإِنْ لَمْ يَرَوْا شَخْصَهَا وَسَمِعُوا كَلَامَهَا مِنْ الْبَيْتِ إنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ فِي الْبَيْتِ وَحْدَهَا جَازَ النِّكَاحُ لِزَوَالِ الْجَهَالَةِ، وَإِنْ كَانَ مَعَهَا امْرَأَةٌ أُخْرَى لَا يَجُوزُ لِعَدَمِ زَوَالِهَا، وَكَذَا إذَا وَكَّلَتْ بِالتَّزْوِيجِ فَهُوَ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ، وَإِنْ كَانَتْ غَائِبَةً، وَلَمْ يَسْمَعُوا كَلَامَهَا بِأَنْ عَقَدَ لَهَا وَكِيلُهَا فَإِنْ كَانَ الشُّهُودُ يَعْرِفُونَهَا كَفَى ذِكْرُ اسْمِهَا إذَا عَلِمُوا أَنَّهُ أَرَادَهَا، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفُوهَا لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ اسْمِهَا وَاسْمِ أَبِيهَا وَجَدِّهَا وَجَوَّزَ الْخَصَّافُ النِّكَاحَ مُطْلَقًا حَتَّى لَوْ وَكَّلْته فَقَالَ: بِحَضْرَتِهِمَا زَوَّجْت نَفْسِي مِنْ مُوَكِّلَتِي أَوْ مِنْ امْرَأَةٍ جَعَلَتْ أَمْرَهَا بِيَدِي فَإِنَّهُ يَصِحُّ عِنْدَهُ قَالَ قَاضِي خَانْ وَالْخَصَّافُ كَانَ كَبِيرًا فِي الْعِلْمِ يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ وَذَكَرَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْمُنْتَقَى كَمَا قَالَ الْخَصَّافُ. اهـ. وَفِي الْخُلَاصَةِ إذَا زَوَّجَهَا أَخُوهَا فَقَالَ: زَوَّجْت أُخْتِي، وَلَمْ يُسَمِّهَا جَازَ إنْ كَانَتْ لَهُ أُخْتٌ وَاحِدَةٌ فَإِنْ كَانَتْ لَهُ أُخْتَانِ فَسَمَّاهَا جَازَ، وَأَفَادَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ انْعِقَادَ النِّكَاحِ بِكِتَابِ أَحَدِهِمَا يُشْتَرَطُ فِيهِ سَمَاعُ الشَّاهِدَيْنِ قِرَاءَةَ الْكِتَابِ مَعَ قَبُولِ الْآخَرِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ لَكِنْ فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَفِي النِّكَاحِ سَوَاءٌ كَتَبَ زَوِّجِي نَفْسَك مِنِّي فَبَلَغَهَا الْكِتَابُ فَقَالَتْ: زَوَّجْت أَوْ كَتَبَ تَزَوَّجْتُك وَبَلَغَهَا الْكِتَابُ فَقَالَتْ: زَوَّجْت نَفْسِي جَازَ لَكِنْ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، وَلَا يُشْتَرَطُ إعْلَامُهَا الشُّهُودَ، وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي يُشْتَرَطُ. اهـ. فَقَوْلُهُمْ يُشْتَرَطُ حُضُورُهُمَا وَقْتَ قِرَاءَةِ الْكِتَابِ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ صِيغَةَ الْأَمْرِ تَوْكِيلٌ فَقَوْلُهَا زَوَّجْت نَفْسِي مِنْهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فَاكْتُفِيَ بِسَمَاعِهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ الْإِشْهَادُ عَلَى التَّوْكِيلِ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ جَعَلَ الْأَمْرَ إيجَابًا فَلَا بُدَّ مِنْ سَمَاعِ قِرَاءَةِ الْكِتَابِ كَمَا لَا يَخْفَى وَشُرِطَ فِي الشُّهُودِ أَرْبَعَةٌ الْحُرِّيَّةُ وَالْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ وَالْإِسْلَامُ فَلَا يَنْعَقِدُ بِحَضْرَةِ الْعَبِيدِ وَالْمَجَانِينِ وَالصِّبْيَانِ وَالْكُفَّارِ فِي نِكَاحِ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِهَؤُلَاءِ، وَلَا فَرْقَ فِي الْعَبْدِ بَيْنَ الْقِنِّ وَالْمُدَبَّرِ وَالْمُكَاتَبِ فَلَوْ أُعْتِقَ الْعَبِيدُ أَوْ بَلَغَ الصِّبْيَانُ بَعْدَ التَّحَمُّلِ ثُمَّ شَهِدُوا إنْ كَانَ مَعَهُمْ غَيْرُهُمْ وَقْتَ الْعَقْدِ مِمَّنْ يَنْعَقِدُ بِحُضُورِهِمْ جَازَتْ شَهَادَتُهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ أَهْلٌ لِلتَّحَمُّلِ. وَقَدْ انْعَقَدَ الْعَقْدُ بِغَيْرِهِمْ، وَإِلَّا فَلَا كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا، وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْمُصَنِّفُ نُطْقَ الشَّاهِدَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَنْعَقِدُ بِحَضْرَةِ الْأَخْرَسِ إذَا كَانَ يَسْمَعُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالْأَصْلُ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّ كُلَّ مَنْ صَلَحَ أَنْ يَكُونَ وَلِيًّا فِي النِّكَاحِ بِوِلَايَةِ نَفْسِهِ صَلَحَ أَنْ يَكُونَ شَاهِدًا فِيهِ فَخَرَجَ الْمُكَاتَبُ فَإِنَّهُ، وَإِنْ مَلَكَ تَزْوِيجَ أَمَتِهِ لَكِنَّهُ بِوِلَايَةٍ مُسْتَفَادَةٍ مِنْ جِهَةِ الْمَوْلَى لَا بِوِلَايَةِ نَفْسِهِ ثُمَّ النِّكَاحُ لَهُ حُكْمَانِ حُكْمُ الْإِظْهَارِ وَحُكْمُ الِانْعِقَادِ فَحُكْمُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: لَكِنْ فِي الْخُلَاصَةِ إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً إلَخْ) جَعَلَهُ فِي النَّهْرِ مُفَرَّعًا عَلَى اشْتِرَاطِ الْحُضُورِ فَقَطْ أَمَّا عَلَى اشْتِرَاطِ السَّمَاعِ مَعَ الْفَهْمِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَنْعَقِدَ (قَوْلُهُ: قَالَ قَاضِي خَانْ وَالْخَصَّافُ كَانَ كَبِيرًا فِي الْعِلْمِ) هَذَا لَيْسَ مِنْ كَلَامِ قَاضِي خَانْ، وَإِنَّمَا نَقَلَهُ عَنْ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَنَصُّ كَلَامِهِ فِي الْفَتَاوَى، وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هَذَا قَوْلُ الْخَصَّافِ أَمَّا عَلَى قَوْلِ مَشَايِخِنَا، وَمَشَايِخِ بَلْخٍ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَجُوزُ مَا لَمْ يَذْكُرْ اسْمَهَا وَنَسَبَهَا ثُمَّ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِنَّ خَصَّافًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَانَ كَبِيرًا فِي الْعِلْمِ يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ إلَخْ، وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُضْمَرَاتِ أَنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الصَّحِيحُ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى أَيْ لَا يَجُوزُ مَا لَمْ يَذْكُرْ اسْمَهَا وَاسْمَ أَبِيهَا وَاسْمَ جَدِّهَا ثُمَّ ذَكَرَ مَا فِي الْمُنْتَقَى، وَقَالَ: فَيُتَأَمَّلُ عِنْدَ الْفَتْوَى ثُمَّ قَالَ: وَفِي الْبَقَّالِيِّ إذَا لَمْ يَنْسِبْهَا الزَّوْجُ، وَلَمْ يَعْرِفْهَا الشُّهُودُ وَسِعَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى. اهـ. وَذَكَرَ فِي الْخَانِيَّةِ بَعْدَ أَسْطُرٍ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا ذَكَرُوا فِي النِّكَاحِ اسْمَ رَجُلٍ غَائِبٍ وَكُنْيَةَ أَبِيهِ، وَلَمْ يَذْكُرُوا اسْمَ أَبِيهِ إنْ كَانَ الزَّوْجُ حَاضِرًا مُشَارًا إلَيْهِ جَازَ، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا لَا يَجُوزُ مَا لَمْ يَذْكُرْ اسْمَهُ وَاسْمَ أَبِيهِ وَاسْمَ جَدِّهِ قَالَ: وَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يُنْسَبَ إلَى الْمَحَلَّةِ أَيْضًا قِيلَ لَهُ فَإِنْ كَانَ الْغَائِبُ مَعْرُوفًا عِنْدَ الشُّهُودِ قَالَ: وَإِنْ كَانَ مَعْرُوفًا لَا بُدَّ مِنْ إضَافَةِ الْعَقْدِ إلَيْهِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا عَنْ غَيْرِهِ الْغَائِبَةُ إذَا ذَكَرَ الزَّوْجُ اسْمَهَا لَا غَيْرُ، وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ عِنْدَ الشُّهُودِ، وَعَلِمَ الشُّهُودُ أَنَّهُ أَرَادَ تِلْكَ الْمَرْأَةَ يَجُوزُ النِّكَاحُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ صِيغَةَ الْأَمْرِ تَوْكِيلٌ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّا إنْ بَنَيْنَا عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ تَوْكِيلٌ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الظَّهِيرِيَّةِ يَكُونُ قَوْلُهُمْ بِاشْتِرَاطِ حُضُورِهِمَا لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ، وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ إيجَابٌ فَهُوَ عَلَى إطْلَاقِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ يَعُودُ إلَى مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَفِي دُرَرِ الْبِحَارِ ذَكَرَ الِاتِّفَاقَ عَلَى عَدَمِ الِاشْتِرَاطِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 95 الِانْعِقَادِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَأَمَّا حُكْمُ الْإِظْهَارِ فَإِنَّمَا يَكُون عِنْدُ التَّجَاحُدِ فَلَا يُقْبَلُ فِي الْإِظْهَارِ إلَّا شَهَادَةُ مَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ فَلِذَا انْعَقَدَ بِحُضُورِ الْفَاسِقَيْنِ وَالْأَعْمَيَيْنِ وَالْمَحْدُودَيْنِ فِي قَذْفٍ، وَإِنْ لَمْ يَتُوبَا وَابْنَيْ الْعَاقِدَيْنِ، وَإِنْ لَمْ تُقْبَلْ أَدَاؤُهُمْ عِنْدَ الْقَاضِي كَانْعِقَادِهِ بِحَضْرَةِ الْعَدُوَّيْنِ، وَفِي الْبَدَائِعِ أَنَّ الْإِشْهَادَ فِي النِّكَاحِ لِدَفْعِ تُهْمَةِ الزِّنَا لَا لِصِيَانَةِ الْعَقْدِ عِنْدَ الْجُحُودِ وَالْإِنْكَارِ وَالتُّهْمَةُ تَنْدَفِعُ بِالْحُضُورِ مِنْ غَيْرِ قَبُولٍ عَلَى أَنَّ مَعْنَى الصِّيَانَةِ تَحْصُلُ بِسَبَبِ حُضُورِهِمَا، وَإِنْ كَانَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ يَظْهَرُ وَيَشْتَهِرُ بِحُضُورِهِمَا فَإِذَا ظَهَرَ وَاشْتَهَرَ تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ فِيهِ بِالتَّسَامُعِ فَتَحْصُلُ الصِّيَانَةُ. اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ إذَا انْعَقَدَ بِحُضُورِهِ ثُمَّ أَخْبَرَ بِهِ مَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ جَازَ لَهُ الشَّهَادَةُ بِهِ بِالتَّسَامُعِ فَلْيُحْفَظْ هَذَا، وَفِي فَتَاوَى النَّسَفِيِّ لِلْقَاضِي أَنْ يَبْعَثَ إلَى شَفْعَوِيٍّ لِيُبْطِلَ الْعَقْدَ إذَا كَانَ بِشَهَادَةِ الْفَاسِقِ وَلِلْحَنَفِيِّ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ، وَكَذَا لَوْ كَانَ بِغَيْرِ وَلِيٍّ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَبَعَثَ إلَى شَافِعِيٍّ يُزَوِّجُهَا مِنْهُ بِغَيْرِ مُحَلِّلٍ ثُمَّ يَقْضِي بِالصِّحَّةِ وَبُطْلَانِ النِّكَاحِ الْأَوَّلِ يَجُوزُ إذَا لَمْ يَأْخُذْ الْقَاضِي الْكَاتِبَ وَالْمَكْتُوبَ إلَيْهِ شَيْئًا، وَلَا يَظْهَرُ بِهَذَا حُرْمَةُ الْوَطْءِ السَّابِقِ، وَلَا شُبْهَةَ، وَلَا خُبْثَ فِي الْوَلَدِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ ثُمَّ قَالَ الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيُّ لَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ إلَى شَافِعِيِّ الْمَذْهَبِ إلَّا فِي الْيَمِينِ الْمُضَافَةِ أَمَّا لَوْ فَعَلُوا فَقَضَى يُنَفَّذُ. اهـ. وَصُورَةُ التَّزْوِيجِ بِحَضْرَةِ ابْنَيْهِمَا أَنْ تَقَعَ الْفُرْقَةُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ ثُمَّ يُعْقَدُ بِحُضُورِ ابْنَيْهِمَا، وَلَوْ تَجَاحَدَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ ابْنَيْهِمَا مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ شَهَادَتِهِمَا لِأَصْلِهِمَا فَلَوْ كَانَا ابْنَيْهِ وَحْدَهُ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا عَلَيْهِ لَا لَهُ، وَلَوْ كَانَا ابْنَيْهَا وَحْدَهَا قُبِلَتْ عَلَيْهَا لَا لَهَا، وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا ابْنَهَا وَالْآخَرُ ابْنَهُ لَمْ تُقْبَلْ أَصْلًا، وَمَنْ زَوَّجَ بِنْتِهٍ بِشَهَادَةِ ابْنَيْهِ ثُمَّ تَجَاحَدَ الزَّوْجَانِ فَإِنْ كَانَ الْأَبُ مَعَ الْجَاحِدِ مِنْهُمَا أَيُّهُمَا كَانَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ الْأَبُ مَعَ الْمُدَّعِي مِنْهُمَا أَيُّهُمَا كَانَ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ تُقْبَلُ فَأَبُو يُوسُفَ نَظَرَ إلَى الدَّعْوَى وَالْإِنْكَارِ وَمُحَمَّدٌ نَظَرَ إلَى الْمَنْفَعَةِ، وَعَدَمِهَا، وَهُنَا لَا مَنْفَعَةَ لِلْأَبِ. قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَالصَّحِيحُ نَظَرُ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الْقَبُولِ التُّهْمَةُ، وَإِنَّهَا تَنْشَأُ عَنْ النَّفْعِ، وَكَذَلِكَ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ فِيمَا إذَا قَالَ: رَجُلٌ لِعَبْدِهِ إذَا كَلَّمَك زَيْدٌ فَأَنْت حُرٌّ ثُمَّ قَالَ: الْعَبْدُ كَلَّمَنِي زَيْدٌ، وَأَنْكَرَ الْمَوْلَى فَشَهِدَ لِلْعَبْدِ ابْنَا زَيْدٍ أَنَّ أَبَاهُمَا قَدْ كَلَّمَهُ وَالْمَوْلَى يُنْكِرُ تُقْبَلُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ ادَّعَى زَيْدٌ الْكَلَامَ أَوْ لَا لِعَدَمِ مَنْفَعَتِهِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إنْ كَانَ زَيْدٌ يَدَّعِي الْكَلَامَ لَا تُقْبَلُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَدَّعِي تُقْبَلُ، وَكَذَا عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ فِيمَنْ تَوَكَّلَ عَنْ غَيْرِهِ فِي عَقْدٍ ثُمَّ شَهِدَ ابْنَا الْوَكِيلِ عَلَى الْعَقْدِ فَإِنْ كَانَ حُقُوقُ الْعَقْدِ لَا تَرْجِعُ إلَى الْعَاقِدِ تُقْبَلُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ مُطْلَقًا لِعَدَمِ الْمَنْفَعَةِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إنْ كَانَ يَدَّعِي لَا تُقْبَلُ، وَإِنْ كَانَ يُنْكِرُ تُقْبَلُ. اهـ. وَلَوْ زَوَّجَ بِنْتِهٍ، وَأَنْكَرَتْ الرِّضَا فَشَهِدَ أَخَوَاهًا، وَهُمَا ابْنَاهُ لَمْ تُقْبَلْ فِي قَوْلِهِمْ؛ لِأَنَّ الرِّضَا شَرْطُ الْجَوَازِ فَكَانَ فِيهِ تَنْفِيذُ قَوْلِ الْأَبِ مَقْصُودًا فَتَكُونُ شَهَادَةً لَهُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَجَعَلَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ قَوْلَ الْإِمَامِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى كَأَبِي يُوسُفَ، وَلَوْ كَانَتْ الْبِنْتُ صَغِيرَةً لَا تُقْبَلُ اتِّفَاقًا إلَّا إذَا كَانَ الْأَبُ جَاحِدًا وَالْآخَرُ مُدَّعِيًا فَمَقْبُولَةٌ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَلَوْ زَوَّجَ الْمَوْلَيَانِ أَمَتَهُمَا ثُمَّ شَهِدَا بِطَلَاقِهَا فَإِنْ ادَّعَتْ الْأَمَةُ لَا تُقْبَلُ إجْمَاعًا، وَإِنْ أَنْكَرَتْ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تُقْبَلُ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا تُقْبَلُ. اهـ. وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ شَهِدَ عَلَيْهِ بَنُوهُ أَنَّهُ طَلَّقَ أُمَّهُمْ ثَلَاثًا، وَهُوَ يَجْحَدُ فَإِنْ كَانَتْ الْأُمُّ تَدَّعِي فَهِيَ بَاطِلَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ تَجْحَدُ فَهِيَ جَائِزَةٌ ذَكَرَهُ فِي الْفَصْلِ الرَّابِعِ مِنْ الْقَضَاءِ وَذَكَرَ فِي الطَّلَاقِ أَنَّ الشَّهَادَةَ لِضَرَّةِ أُمِّهِ كَالشَّهَادَةِ لِأُمِّهِ، وَقَيَّدْنَا الْإِشْهَادَ بِأَنَّهُ خَاصٌّ بِالنِّكَاحِ لِمَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ بِقَوْلِهِ، وَأَمَّا سَائِرُ الْعُقُودِ فَتُنَفَّذُ بِغَيْرِ شُهُودٍ، وَلَكِنَّ الْإِشْهَادَ عَلَيْهِ مُسْتَحَبٌّ لِلْآيَةِ. اهـ. وَذَكَرَ فِي الْوَاقِعَاتِ أَنَّ الْإِشْهَادَ وَاجِبٌ فِي الْمُدَايَنَاتِ. وَأَمَّا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: فَلِذَا انْعَقَدَ بِحُضُورِ الْفَاسِقَيْنِ أَوْ الْأَعْمَيَيْنِ) مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ بَابِ مَنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ حَيْثُ قَالَ: وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَعْمَى عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَالْإِشَارَةِ إلَيْهِمَا فَلَا يَكُونُ كَلَامُهُ شَهَادَةً، وَلَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِحَضْرَتِهِ. اهـ. لَكِنْ قَالَ شَيْخُنَا وَالتَّرْجِيحُ بِتَقْدِيمِ الْمُتُونِ كَذَا فِي حَاشِيَةِ مِسْكِينٍ (قَوْلُهُ: وَظَاهِرُهُ أَنَّ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ إلَخْ) قَالَ: فِي النَّهْرِ فِيهِ نَظَرٌ. اهـ. قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ: وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ مَا فِي الْبَدَائِعِ لَيْسَ مُعَوَّلًا فِيهِ عَلَى مُجَرَّدِ إخْبَارِ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ بَلْ عَلَيْهِ مَعَ انْضِمَامِ ظُهُورِ النِّكَاحِ وَاشْتِهَارِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَأَنَّ الشَّهَادَةَ لِضَرَّةِ أُمِّهِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ فَإِذَا كَانَتْ تَدَّعِي وَالْأَبُ يَجْحَدُ لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهَا رَاجِعَةٌ إلَى مَنْفَعَةِ الْأُمِّ فَرُدَّتْ لِلتُّهْمَةِ تَأَمَّلْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 96 الْكِتَابَةُ فَقَالَ فِي الْمُحِيطِ مِنْ بَابِ الْعِتْقِ: وَيُسْتَحَبُّ لِلْعَبْدِ أَنْ يَكْتُبَ لِلْعِتْقِ كِتَابًا وَيُشْهِدَ عَلَيْهِ شُهُودًا تَوْثِيقًا وَصِيَانَةً عَنْ التَّجَاحُدِ كَمَا فِي الْمُدَايَنَةِ بِخِلَافِ سَائِرِ التِّجَارَاتِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَكْثُرُ وُقُوعُهَا فَالْكِتَابَةُ فِيهَا تُؤَدِّي إلَى الْحَرَجِ، وَلَا كَذَلِكَ الْعِتْقُ. اهـ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ النِّكَاحُ كَالْعِتْقِ؛ لِأَنَّهُ لَا حَرَجَ فِيهَا. (قَوْلُهُ: وَصَحَّ تَزَوُّجُ مُسْلِمٍ ذِمِّيَّةً عِنْدَ ذِمِّيَّيْنِ) بَيَانٌ لِكَوْنِ اشْتِرَاطِ إسْلَامِ الشَّاهِدِ إنَّمَا هُوَ إذَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ أَمَّا إذَا كَانَتْ ذِمِّيَّةً فَلَا عِنْدَهُمَا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ السَّمَاعَ فِي النِّكَاحِ شَهَادَةٌ، وَلَا شَهَادَةَ لِلْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ فَكَأَنَّهُمَا لَمْ يَسْمَعَا كَلَامَ الْمُسْلِمِ، وَلَهُمَا أَنَّ الشَّهَادَةَ شُرِطَتْ فِي النِّكَاحِ عَلَى اعْتِبَارِ إثْبَاتِ الْمِلْكِ لِوُرُودِهِ عَلَى مَحَلٍّ ذِي خَطَرٍ لَا عَلَى اعْتِبَارِ وُجُوبِ الْمَهْرِ إذْ لَا شَهَادَةَ تُشْتَرَطُ فِي لُزُومِ الْمَالِ، وَهُمَا شَاهِدَانِ عَلَيْهَا بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَسْمَعَا كَلَامَهُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَنْعَقِدُ بِكَلَامَيْهِمَا، وَالشَّهَادَةُ شَرْطٌ عَلَى الْعَقْدِ أَطْلَقَ فِي الذِّمِّيَّيْنِ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَا مُوَافِقَيْنِ لَهَا فِي الْمِلَّةِ أَوْ مُخَالِفَيْنِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ، وَقَيَّدَ بِصِحَّةِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ أَدَاءَهُمَا عِنْدَ الْقَاضِي عِنْدَ إنْكَارِ الْمُسْلِمِ غَيْرُ صَحِيحٍ إجْمَاعًا، وَعِنْدَ إنْكَارِهَا مَقْبُولٌ عِنْدَهُمَا مُطْلَقًا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ إنْ قَالَا كَانَ مَعَنَا مُسْلِمَانِ وَقْتَ الْعَقْدِ قُبِلَ، وَإِلَّا فَلَا، وَكَذَا إذَا أَسْلَمَا، وَأَدَّيَا فَعَلَى هَذَا الْخِلَافُ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا مُطْلَقًا قَالَ: فِي الْبَدَائِعِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِهِ؛ لِأَنَّهَا قَامَتْ عَلَى إثْبَاتِ فِعْلِ الْمُسْلِمِ عَلَى نِكَاحٍ فَاسِدٍ. (فُرُوعٌ) شَهِدَ نَصْرَانِيَّانِ بِإِسْلَامِ نَصْرَانِيٍّ فَجَحَدَ لَا تُقْبَلُ، وَعَلَى نَصْرَانِيَّةٍ تُقْبَلُ شَهِدَ نَصْرَانِيَّانِ عَلَى كَافِرٍ بِأُجْرَةٍ لِمُسْلِمٍ تُقْبَلُ لَا فِي عَكْسِهِ شَهِدَ نَصْرَانِيَّانِ بِاسْتِحْقَاقِ مَا اشْتَرَى نَصْرَانِيٌّ مِنْ مُسْلِمٍ لِنَصْرَانِيٍّ لَا تُقْبَلُ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يُزَوِّجَ صَغِيرَتَهُ فَزَوَّجَهَا عِنْدَ رَجُلٍ وَالْأَبُ حَاضِرٌ صَحَّ، وَإِلَّا فَلَا) ؛ لِأَنَّ الْأَبَ يُجْعَلُ مُبَاشِرًا لِلْعَقْدِ بِاتِّحَادِ الْمَجْلِسِ لِيَكُونَ الْوَكِيلُ سَفِيرًا، وَمُعَبِّرًا فَبَقِيَ الْمُزَوِّجُ شَاهِدًا، وَإِنْ كَانَ الْأَبُ غَائِبًا لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْمَجْلِسَ مُخْتَلِفٌ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ الْأَبُ مُبَاشِرًا، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ خِلَافًا لِمَا فِي النِّهَايَةِ مِنْ إمْكَانِ جَعْلِ الْأَبِ شَاهِدًا مِنْ غَيْرِ نَقْلِ عِبَارَةِ الْوَكِيلِ إلَيْهِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَى ثَمَرَةِ هَذَا الِاخْتِلَافِ، وَقَدْ ظَهَرَ لِي أَنَّ ثَمَرَتَهُ فِي مَوْضِعَيْنِ الْأَوَّلُ أَنَّ وَكِيلَ الْأَبِ لَوْ كَانَ امْرَأَةً فَعَلَى الْمُعْتَمَدِ لَا يَنْعَقِدُ بِحُضُورِ رَجُلٍ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ امْرَأَةٍ أُخْرَى، وَعَلَى مَا فِي النِّهَايَةِ يَنْعَقِدُ، وَلَوْ كَانَ الْآمِرُ بِتَزْوِيجِ الصَّغِيرَةِ أُمَّهَا انْعَكَسَ الْحُكْمُ. الثَّانِي: لَوْ شَهِدَ الْأَبُ بِالنِّكَاحِ بَعْدَ بُلُوغِهَا، وَهِيَ تُنْكِرُ فَعَلَى طَرِيقَةِ مَا فِي النِّهَايَةِ يَنْبَغِي أَنْ تُقْبَلَ؛ لِأَنَّهُ شَاهِدٌ لَا مُزَوِّجٌ، وَعَلَى الْمُعْتَمَدِ لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ مُزَوِّجٌ، وَلَوْ كَانَ الْآمِرُ الْأَخَ أَوْ الْعَمَّ فَشَهِدَ لَهَا أَوْ عَلَيْهَا فَعَلَى مَا فِي النِّهَايَةِ تُقْبَلُ، وَعَلَى الْمُعْتَمَدِ لَا تُقْبَلُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ النِّكَاحُ كَالْعِتْقِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: أَيْ فَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكْتُبَ لَهُ كِتَابًا وَيُشْهِدَ عَلَيْهِ شُهُودًا صِيَانَةً عَنْ التَّجَاحُدِ. (قَوْلُهُ: فُرُوعٌ إلَخْ) سَاقِطَةٌ مِنْ أَكْثَرِ النُّسَخِ (قَوْلُهُ: فَجَحَدَ لَا تُقْبَلُ) أَيْ؛ لِأَنَّ جُحُودَهُ الْإِسْلَامَ رِدَّةٌ فَقَبُولُ شَهَادَةِ النَّصْرَانِيِّينَ عَلَيْهِ يُؤَدِّي إلَى قَتْلِهِ إنْ امْتَنَعَ عَنْ الرُّجُوعِ إلَى الْإِسْلَامِ بِخِلَافِ شَهَادَتِهِمَا عَلَى النَّصْرَانِيَّةِ بِالْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تُقْتَلُ بِالرِّدَّةِ تَأَمَّلْ. . (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْأَبَ يُجْعَلُ مُبَاشِرًا لِلْعَقْدِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ سُئِلْت عَنْ رَجُلٍ وَكَّلَ أَبَاهُ أَنْ يُزَوِّجَهُ بِنْتَ آخَرَ فَزَوَّجَهُ عِنْدَ رَجُلٍ وَالزَّوْجُ حَاضِرٌ هَلْ يَصِحُّ أَمْ لَا فَأَجَبْت بِقَوْلِي يَصِحُّ أَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ بِنَقْلِ عِبَارَةِ الْوَكِيلِ إلَى الْمُوَكِّلِ فَيَكُونُ الْوَكِيلُ شَاهِدًا فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا عَلَى مَا فِي النِّهَايَةِ فَلَمَّا لَمْ يُمْكِنُ جَعْلُ الزَّوْجِ شَاهِدًا لِنِكَاحِهِ تَعَيَّنَ نَقْلُ عِبَارَةِ وَكِيلِهِ إلَيْهِ فَيَكُونُ الْوَكِيلُ سَفِيرًا، وَمَعْبَرًا تَأَمَّلْ. وَأَقُولُ: الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ مَتَى أَمْكَنَ تَصْحِيحُ الْعَقْدِ بِنَقْلِ عِبَارَةِ الْوَكِيلِ أَوْ بِغَيْرِ نَقْلٍ يَقَعُ صَحِيحًا، وَقَوْلُهُمْ فِي مَسْأَلَةِ مَنْ أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يُزَوِّجَ صَغِيرَتَهُ إلَخْ؛ لِأَنَّ الْأَبَ يُجْعَلُ مُبَاشِرًا إلَخْ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ فِي كُلِّ صُورَةٍ كَذَلِكَ بَلْ إنْ صَحَّ الْعَقْدُ بِهِ جُعِلَ، وَإِنْ صَحَّ بِغَيْرِهِ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى النَّقْلِ جُعِلَ وَالْمَدَارُ عَلَى تَصْحِيحِ الْعَقْدِ بِأَيِّ وَجْهٍ أَمْكَنَ، وَعَلَيْهِ لَا وَجْهَ لِقَوْلِهِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ إلَخْ، وَعَلَيْك أَنْ تَتَأَمَّلَ ذَلِكَ. اهـ. (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِمَا فِي النِّهَايَةِ) قَالَ: فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ يُؤَيِّدُ كَلَامَ صَاحِبِ النِّهَايَةِ مَا سَيَجِيءُ فِي الْهِدَايَةِ فِي بَابِ الْمَهْرِ مِنْ أَنَّ الْوَلِيَّ فِي تَزْوِيجِ الصَّغِيرَةِ سَفِيرٌ وَمُعَبِّرٌ لَا عَاقِدٌ مُبَاشِرٌ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ الْآمِرُ بِتَزْوِيجِ الصَّغِيرَةِ أُمَّهَا انْعَكَسَ الْحُكْمُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَفِي نُسْخَةٍ، وَلَوْ كَانَ الْآمِرُ بِتَزْوِيجِ الصَّغِيرَةِ امْرَأَةً وَالْمَأْمُورُ رَجُلًا انْعَكَسَ الْحُكْمُ (قَوْلُهُ: وَعَلَى الْمُعْتَمَدِ لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ مُزَوِّجٌ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَدْ يُقَالُ جَعَلَهُ مُزَوِّجًا لِضَرُورَةِ تَصْحِيحِ النِّكَاحِ، وَمَا ثَبَتَ بِالضَّرُورَةِ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا، وَأَيْضًا عَلَى مَا فِي النِّهَايَةِ جَعَلَهُ شَاهِدًا لِلضَّرُورَةِ وَاَلَّذِي يَنْبَغِي قَبُولُ شَهَادَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَوَلَّ التَّزْوِيجَ بِنَفْسِهِ فَبَقِيَ مُجَرَّدُ الْحُضُورِ حَقِيقَةً فَتُقْبَلُ عَلَيْهَا لَا لَهَا، وَإِنْ قِيلَ بِعَدَمِ الْقَبُولِ لِكَوْنِ الْوَكِيلِ فِي النِّكَاحِ سَفِيرًا، وَمُعَبِّرًا فَيَثْبُتُ نَقْلُهُ إلَى الْمُوَكِّلِ فَلَهُ وَجْهٌ فَتَأَمَّلْ وَرَاجِعْ النَّقْلَ فَلَعَلَّك تَظْفَرْ بِالْمَسْأَلَةِ. (قَوْلُهُ: وَعَلَى الْمُعْتَمَدِ لَا تُقْبَلُ) قَالَ فِي النَّهْرِ يَعْنِي إذَا قَالَ: أَنَا زَوَّجْتهَا أَمَّا إذَا قَالَ: هَذِهِ زَوْجَتُهُ قُبِلَتْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 97 فَلْيُتَأَمَّلْ، وَعِبَارَةُ النُّقَايَةِ هُنَا أَخْصَرُ، وَأَفْوَدُ حَيْثُ قَالَ: وَالْوَكِيلُ شَاهِدٌ إنْ حَضَرَ مُوَكِّلُهُ كَالْوَلِيِّ إنْ حَضَرَتْ مُوَلِّيَتُهُ بَالِغَةً. اهـ. وَلِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَأْمُورُ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً فَإِنْ كَانَ رَجُلًا اُشْتُرِطَ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ رَجُلٌ آخَرُ أَوْ امْرَأَتَانِ، وَإِنْ كَانَ امْرَأَةً اُشْتُرِطَ أَنْ يَكُونَ مَعَهَا رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ قَوْلَهُ عِنْدَ رَجُلٍ لَيْسَ بِقَيْدٍ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَتَيْنِ كَذَلِكَ. وَقَيَّدَ بِكَوْنِ الْمُوَلِّيَةِ بَالِغَةً؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ صَغِيرَةً لَا يَكُونُ الْوَلِيُّ شَاهِدًا؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يُمْكِنُ نَقْلُهُ إلَيْهَا، وَعَلَى هَذَا فَلَا حَاجَةَ إلَى قَوْلِهِ كَالْوَلِيِّ؛ لِأَنَّهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَكِيلٌ فَدَخَلَ تَحْتَ الْأَوَّلِ، وَقَيَّدَ بِحَضْرَةِ مُوَكِّلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَكَّلَ الْمَوْلَى رَجُلًا فِي تَزْوِيجِ عَبْدِهِ فَزَوَّجَهُ الْوَكِيلُ بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ وَالْعَبْدُ حَاضِرٌ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَنْتَقِلْ إلَيْهِ لِعَدَمِ التَّوْكِيلِ مِنْ جِهَتِهِ، وَإِنْ أَذِنَ لِعَبْدِهِ أَنْ يَتَزَوَّجَ فَتَزَوَّجَ بِشَهَادَةِ الْمَوْلَى وَرَجُلٍ آخَرِ فَالصَّوَابُ أَنَّهُ يَجُوزُ وَيَكُونُ الْمَوْلَى شَاهِدًا؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ يَتَصَرَّفُ بِأَهْلِيَّةِ نَفْسِهِ وَالْإِذْنُ فَكُّ الْحَجْرِ، وَلَيْسَ بِتَوْكِيلٍ وَصَحَّحَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَلَوْ زَوَّجَ الْمَوْلَى عَبْدَهُ الْبَالِغَ امْرَأَةً بِحَضْرَةِ رَجُلٍ وَاحِدٍ وَالْعَبْدُ حَاضِرٌ صَحَّ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى يَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُبَاشِرًا فَيَنْتَقِلُ إلَى الْعَبْدِ وَالْمَوْلَى يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ شَاهِدًا، وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ غَائِبًا لَمْ يَجُزْ، وَقَالَ الْمَرْغِينَانِيُّ لَا يَجُوزُ فَكَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ وَرَجَّحَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ عَدَمَ الْجَوَازِ؛ لِأَنَّ مُبَاشَرَةَ السَّيِّدِ لَيْسَ فَكًّا لِلْحَجْرِ عَنْهُمَا فِي التَّزَوُّجِ مُطْلَقًا وَالْأَصَحُّ فِي مَسْأَلَةِ وَكِيلِهِ ثُمَّ إذَا وَقَعَ التَّجَاحُدُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ فَلِلْمُبَاشِرِ أَنْ يَشْهَدَ وَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ إذَا لَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ عَقَدَهُ بَلْ قَالَ: هَذِهِ امْرَأَتُهُ بِعَقْدٍ صَحِيحٍ وَنَحْوَهُ، وَإِنْ بَيَّنَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا قَالَ: هَذِهِ امْرَأَتُهُ، وَلَمْ يَشْهَدْ بِالْعَقْدِ وَالصَّوَابُ أَنَّهَا تُقْبَلُ، وَلَا حَاجَةَ إلَى إثْبَاتِ الْعَقْدِ فَقَدْ حُكِيَ عَنْ أَبِي الْقَاسِمِ الصَّفَّارِ أَنَّ مَنْ تَوَلَّى نِكَاحَ امْرَأَةٍ مِنْ رَجُلٍ، وَقَدْ مَاتَ الزَّوْجُ وَالْوَرَثَةُ يُنْكِرُونَ هَلْ يَجُوزُ لِلَّذِي تَوَلَّى الْعَقْدَ أَنْ يَشْهَدَ قَالَ: نَعَمْ وَيَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَ الْعَقْدَ لَا غَيْرُ فَيَقُولُ هَذِهِ مَنْكُوحَتُهُ، وَكَذَلِكَ قَالُوا فِي الْأَخَوَيْنِ إذَا زَوَّجَا أُخْتَهُمَا ثُمَّ أَرَادَا أَنْ يَشْهَدَا عَلَى النِّكَاحِ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَا هَذِهِ مَنْكُوحَتُهُ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ، وَفِي الْفَتَاوَى بَعَثَ أَقْوَامًا لِلْخُطْبَةِ فَزَوَّجَهَا الْأَبُ بِحَضْرَتِهِمْ فَالصَّحِيحُ الصِّحَّةُ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ فِي جَعْلِ الْكُلِّ خَاطِبِينَ فَيُجْعَلُ الْمُتَكَلِّمُ فَقَطْ وَالْبَاقِي شُهُودٌ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِي الْخُلَاصَةِ الْمُخْتَارُ عَدَمُ الْجَوَازِ، وَفِي الْمُحِيطِ وَاخْتَارَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ الْجَوَازَ. اهـ. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (فَصْلٌ فِي الْمُحَرَّمَاتِ) شُرُوعٌ فِي بَيَانِ شَرْطِ النِّكَاحِ أَيْضًا فَإِنَّ مِنْهُ كَوْنَ الْمَرْأَةِ مُحَلَّلَةً لِتَصِيرَ مَحَلًّا لَهُ وَأَفْرَدَ بِفَصْلٍ عَلَى حِدَةٍ لِكَثْرَةِ شُعَبِهِ، وَاخْتَلَفَ الْأُصُولِيُّونَ فِي إضَافَةِ التَّحْرِيمِ إلَى الْأَعْيَانِ، فَقِيلَ: مَجَازٌ وَالْمُحَرَّمُ حَقِيقَةً الْفِعْلُ، وَرَجَّحُوا أَنَّهُ حَقِيقَةٌ وَانْتِفَاءُ مَحَلِّيَّةِ الْمَرْأَةِ لِلنِّكَاحِ شَرْعًا بِأَسْبَابٍ تِسْعَةٍ: الْأَوَّلُ الْمُحَرَّمَاتُ بِالنَّسَبِ: وَهُنَّ فُرُوعُهُ وَأُصُولُهُ وَفُرُوعُ أَبَوَيْهِ وَإِنْ نَزَلُوا وَفُرُوعُ أَجْدَادِهِ وَجَدَّاتِهِ إذَا انْفَصَلُوا بِبَطْنٍ وَاحِدٍ. الثَّانِي الْمُحَرَّمَاتُ بِالْمُصَاهَرَةِ: وَهُنَّ فُرُوعُ نِسَائِهِ الْمَدْخُولِ بِهِنَّ وَأُصُولُهُنَّ وَحَلَائِلُ فُرُوعِهِ وَحَلَائِلُ أُصُولِهِ، وَالثَّالِثُ الْمُحَرَّمَاتُ بِالرَّضَاعِ وَأَنْوَاعُهُنَّ كَالنَّسَبِ، وَالرَّابِعُ حُرْمَةُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَحَارِمِ وَحُرْمَةُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَجْنَبِيَّاتِ كَالْجَمْعِ بَيْنَ الْخَمْسِ، وَالْخَامِسُ حُرْمَةُ التَّقْدِيمِ وَهُوَ تَقْدِيمُ الْحُرَّةِ عَلَى الْأَمَةِ جَعَلَهُ فِي النِّهَايَةِ وَالْمُحِيطِ قِسْمًا عَلَى حِدَةٍ وَأَدْخَلَهُ الزَّيْلَعِيُّ فِي حُرْمَةِ الْجَمْعِ، فَقَالَ: وَحُرْمَةُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ وَالْحُرَّةُ مُتَقَدِّمَةٌ وَهُوَ الْأَنْسَبُ، وَالسَّادِسُ الْمُحَرَّمَةُ لِحَقِّ الْغَيْرِ كَمَنْكُوحَةِ الْغَيْرِ وَمُعْتَدَّتِهِ وَالْحَامِلِ بِثَابِتِ النَّسَبِ، وَالسَّابِعُ الْمُحَرَّمَةُ لِعَدَمِ دِينٍ سَمَاوِيٍّ كَالْمَجُوسِيَّةِ وَالْمُشْتَرَكَةِ، وَالثَّامِنُ الْمُحَرَّمَةُ لِلتَّنَافِي كَنِكَاحِ السَّيِّدَةِ مَمْلُوكَهَا، وَالتَّاسِعُ لَمْ يَذْكُرْهُ الزَّيْلَعِيُّ وَكَثِيرٌ وَهُوَ الْمُحَرَّمَةُ بِالطَّلْقَاتِ الثَّلَاثِ ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ وَالنِّهَايَةِ، وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْفَصْلِ سَبْعَةً مِنْهَا، وَذَكَرَ الْمُحَرَّمَةَ بِالطَّلْقَاتِ الثَّلَاثَةِ فِي فَصْلِ مَنْ تَحِلُّ بِهِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: لَيْسَ فَكًّا لِلْحَجْرِ عَنْهُمَا) أَيْ عَنْ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ الْوَاقِعَيْنِ فِي عِبَارَةِ الْفَتْحِ وَحَيْثُ اقْتَصَرَ الْمُؤَلِّفُ عَلَى الْعَبْدِ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ عَنْهُ، وَقَوْلُهُ وَالْأَصَحُّ فِي مَسْأَلَةِ وَكِيلِهِ أَيْ الْأَنْقَلُ أَنَّ مُبَاشَرَةَ السَّيِّدِ لَيْسَ فَكًّا لِلْحَجْرِ لَزِمَ صِحَّةُ الْعَقْدِ فِيمَا لَوْ وَكَّلَ رَجُلًا بِتَزْوِيجِ عَبْدِهِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَجُزْ كَمَا مَرَّ. (قَوْلُهُ: وَفِي الْخُلَاصَةِ الْمُخْتَارُ عَدَمُ الْجَوَازِ) ، وَفَّقَ الْحَانُوتِيُّ بِحَمْلِ مَا فِي الْخُلَاصَةِ عَلَى مَا إذَا قَبِلُوا جَمِيعًا كَذَا فِي حَاشِيَةِ مِسْكِينٍ عَنْ خَطِّ الشَّيْخِ عَبْدِ الْبَاقِي الْمَقْدِسِيَّ. اهـ. قُلْتُ: يُنَافِي هَذَا الْجَمْعَ مَا فِي الْخُلَاصَةِ مِنْ قَوْلِهِ، وَقَبِلَ وَاحِدٌ مِنْ الْقَوْمِ ثُمَّ رَأَيْت الشَّيْخَ عَلِيَّ الْمَقْدِسِيَّ فِي الرَّمْزِ جَمَعَ بِمَا مَرَّ ثُمَّ اسْتَدْرَكَ عَلَيْهِ بِمَا ذَكَرْنَاهُ. [فَصْلٌ فِي الْمُحَرَّمَاتِ فِي النِّكَاح] (فَصْلٌ فِي الْمُحَرَّمَاتِ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 98 الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا مِنْ الرَّجْعَةِ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِالْحُرْمَةِ لِحَقِّ الْغَيْرِ لِظُهُورِهِ (قَوْلُهُ حَرُمَ تَزَوُّجُ أُمِّهِ وَبِنْتِهِ وَإِنْ بَعُدَتَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ} [النساء: 23] وَاخْتُلِفَ فِي تَوْجِيهِ حُرْمَةِ الْجَدَّاتِ وَبَنَاتِ الْبَنَاتِ، فَقِيلَ بِوَضْعِ اللَّفْظِ وَحَقِيقَتِهِ؛ لِأَنَّ الْأُمَّ فِي اللُّغَةِ الْأَصْلُ وَالْبِنْتُ الْفَرْعُ فَيَكُونُ الِاسْمُ حِينَئِذٍ مِنْ قَبِيلِ الْمُشَكِّكِ، وَقِيلَ بِمَجَازِهِ لَا أَنَّهُ جَمْعٌ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ بَلْ بِعُمُومِ الْمَجَازِ فَيُرَادُ بِالْأُمِّ الْأَصْلُ أَيْضًا وَبِالْبِنْتِ الْفَرْعُ فَيَدْخُلَانِ فِي عُمُومِهِ وَالْمُعَرِّفُ لِإِرَادَةِ ذَلِكَ فِي النَّصِّ الْإِجْمَاعُ عَلَى حُرْمَتِهِنَّ، وَقِيلَ بِدَلَالَةِ النَّصِّ الْمُحَرِّمِ لِلْعَمَّاتِ وَالْخَالَاتِ وَبَنَاتِ الْأَخِ وَالْأُخْتِ فَفِي الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْأَشِقَّاءَ مِنْهُنَّ أَوْلَادُ الْجَدَّاتِ فَتَحْرِيمُ الْجَدَّاتِ وَهُنَّ أَقْرَبُ أَوْلَى وَفِي الثَّانِي؛ لِأَنَّ بَنَاتِ الْأَوْلَادِ أَقْرَبُ مِنْ بَنَاتِ الْإِخْوَةِ وَكُلٌّ مِنْ التَّوْجِيهَاتِ صَحِيحٌ وَدَخَلَ فِي الْبِنْتِ بِنْتُهُ مِنْ الزِّنَا فَتَحْرُمُ عَلَيْهِ بِصَرِيحِ النَّصِّ الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّهَا بِنْتُهُ لُغَةً وَالْخِطَابُ إنَّمَا هُوَ بِاللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ مَا لَمْ يَثْبُتْ نَقْلٌ كَلَفْظِ الصَّلَاةِ وَنَحْوِهِ فَيَصِيرُ مَنْقُولًا شَرْعًا، وَكَذَا أُخْتُهُ مِنْ الزِّنَا وَبِنْتُ أَخِيهِ وَبِنْتُ أُخْتِهِ أَوْ ابْنِهِ مِنْهُ بِأَنْ زَنَى أَبُوهُ أَوْ أَخُوهُ أَوْ أُخْتُهُ أَوْ ابْنُهُ فَأَوْلَدُوا بِنْتًا فَإِنَّهَا تَحْرُمُ عَلَى الْأَخِ وَالْعَمِّ وَالْخَالِ وَالْجَدِّ، وَصُورَتُهُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ: أَنْ يَزْنِيَ بِبِكْرٍ وَيُمْسِكَهَا حَتَّى تَلِدَ بِنْتًا كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ بَحْثِ إنَّ الزِّنَا يُوجِبُ الْمُصَاهَرَةَ، وَدَخَلَ بِنْتُ الْمُلَاعَنَةِ أَيْضًا فَلَهَا حُكْمُ الْبِنْتِ هُنَا فَلَوْ لَاعَنَ فَنَفَى الْقَاضِي نَسَبَهَا مِنْ الرَّجُلِ وَأَلْحَقَهَا بِالْأُمِّ لَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا؛ لِأَنَّهُ بِسَبِيلٍ مِنْ أَنْ يُكَذِّبَ نَفْسَهُ وَيَدَّعِيَهَا فَيُثْبِتُ نَسَبَهَا مِنْهُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ.، وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي بَابِ الْمَصْرِفِ عَنْ الْمِعْرَاجِ أَنَّ وَلَدَ أُمِّ الْوَلَدِ الَّذِي نَفَاهُ لَا يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَيْهِ، وَمُقْتَضَاهُ ثُبُوتُ الْبِنْتِيَّةِ فِيمَا يُبْنَى عَلَى الِاحْتِيَاطِ فَلَا يَجُوزُ لِوَلَدِهِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا؛ لِأَنَّهَا أُخْتُهُ احْتِيَاطًا وَيَتَوَقَّفُ عَلَى نَقْلٍ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِي بِنْتِ الْمُلَاعَنَةِ إنَّهَا تَحْرُمُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا رَبِيبَةٌ، وَقَدْ دَخَلَ بِأُمِّهَا لَا لِمَا تَكَلَّفَهُ فِي الْفَتْحِ كَمَا لَا يَخْفَى. (قَوْلُهُ وَأُخْتُهُ وَبِنْتُهَا وَبِنْتُ أَخِيهِ وَعَمَّتُهُ وَخَالَتُهُ) لِلنَّصِّ الصَّرِيحِ وَدَخَلَ فِيهِ الْأَخَوَاتُ الْمُتَفَرِّقَاتُ وَبَنَاتُهُنَّ وَبَنَاتُ الْإِخْوَةِ الْمُتَفَرِّقِينَ وَالْعَمَّاتُ وَالْخَالَاتُ الْمُتَفَرِّقَاتُ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ يَشْمَلُ الْكُلَّ، وَكَذَا يَدْخُلُ فِي الْعَمَّاتِ وَالْخَالَاتِ أَوْلَادُ الْأَجْدَادِ وَالْجَدَّاتِ وَإِنْ عَلَوْا، وَكَذَا عَمَّةُ جَدِّهِ وَخَالَتُهُ وَعَمَّةُ جَدَّتِهِ وَخَالَاتُهَا لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ وَذَلِكَ بِالْإِجْمَاعِ وَفِي الْخَانِيَّةِ وَعَمَّةُ الْعَمَّةِ لِأَبٍ وَأُمٍّ كَذَلِكَ، وَأَمَّا عَمَّةُ الْعَمَّةِ لِأَبٍ لَا تَحْرُمُ اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ، وَأَمَّا عَمَّةُ الْعَمَّةِ فَإِنْ كَانَتْ الْعَمَّةُ الْقُرْبَى عَمَّةً لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ فَعَمَّةُ الْعَمَّةِ حَرَامٌ؛ لِأَنَّ الْقُرْبَى إذَا كَانَتْ أُخْتَ أَبِيهِ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ فَإِنَّ عَمَّتَهَا تَكُونُ أُخْتَ جَدِّهِ أَبِ الْأَبِ وَأُخْتُ أَبِ الْأَبِ حَرَامٌ؛ لِأَنَّهَا عَمَّتُهُ وَإِنْ كَانَتْ الْقُرْبَى عَمَّةً لِأُمٍّ فَعَمَّةُ الْعَمَّةِ لَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ أَبَا الْعَمَّةِ يَكُونُ زَوْجَ أُمِّ أَبِيهِ فَعَمَّتُهَا تَكُونُ أُخْتَ زَوْجِ الْجَدَّةِ أُمِّ الْأَبِ وَأُخْتُ زَوْجِ الْأُمِّ لَا تَحْرُمُ فَأُخْتُ زَوْجِ الْجَدَّةِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِالْحُرْمَةِ لِحَقِّ الْغَيْرِ لِظُهُورِهِ) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ فِي قَوْلِهِ أَيْ فِي الرَّجْعَةِ وَيَنْكِحُ مُبَانَتَهُ فِي الْعِدَّةِ وَبَعْدَهَا إيمَاءً إلَيْهِ إذَا قَيَّدَ بِمُبَانَتِهِ؛ لِأَنَّ مُبَانَةَ غَيْرِهِ لَا يَنْكِحُهَا فِيهَا وَعُرِفَ مِنْهُ الْمَنْعُ فِي الْمَنْكُوحَةِ بِالْأَوْلَى اهـ. وَلَا يُنَافِي مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ؛ لِأَنَّهُ نَفَى التَّصْرِيحَ (قَوْلُهُ: وَكَذَا أُخْتُهُ مِنْ الزِّنَا وَبِنْتُ أَخِيهِ وَبِنْتُ أُخْتِهِ) أَقُولُ: مَا ذَكَرَهُ هُنَا مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ فِي الرَّضَاعِ مِنْ أَنَّ الْبِنْتَ مِنْ الزِّنَا لَا تَحْرُمُ عَلَى عَمِّ الزَّانِي وَخَالِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهَا مِنْ الزَّانِي حَتَّى يَظْهَرَ فِيهَا حُكْمُ الْقَرَابَةِ وَتَحْرِيمُهَا عَلَى آبَاءِ الزَّانِي وَأَوْلَادِهِ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِهِ لِاعْتِبَارِ الْجُزْئِيَّةِ وَالْبَعْضِيَّةِ وَلَا جُزْئِيَّةَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعَمِّ وَالْخَالِ اهـ. وَمُخَالِفٌ أَيْضًا لِمَا ذَكَرَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ هُنَاكَ عَنْ التَّجْنِيسِ حَيْثُ قَالَ لَا يَجُوزُ لِلزَّانِي أَنْ يَتَزَوَّجَ بِالصَّبِيَّةِ الْمُرْضَعَةِ وَلَا لِأَبِيهِ وَأَجْدَادِهِ وَلَا لِأَحَدٍ مِنْ أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِهِمْ وَلِعَمِّ الزَّانِي أَنْ يَتَزَوَّجَ بِهَا كَمَا يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِالصَّبِيَّةِ الَّتِي وُلِدَتْ مِنْ الزَّانِي؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهَا مِنْ الزَّانِي حَتَّى يَظْهَرَ فِيهَا حُكْمُ الْقَرَابَةِ وَالتَّحْرِيمُ عَلَى آبَاءِ الزَّانِي وَأَوْلَادِهِ لِاعْتِبَارِ الْجُزْئِيَّةِ وَالْبَعْضِيَّةِ وَلَا جُزْئِيَّةَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعَمِّ وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فِي حَقِّ الْمُتَوَلِّدَةِ مِنْ الزِّنَا فَكَذَا فِي حَقِّ الْمُرْضَعَةِ مِنْ الزِّنَا. اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ عَنْ الْفَتْحِ هُنَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَا قَرَّرَهُ مِنْ حُرْمَةِ الْبِنْتِ مِنْ الزِّنَا بِصَرِيحِ النَّصِّ فَتَدْخُلُ فِي قَوْله تَعَالَى {وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ} [النساء: 23] فَتَحْرُمُ عَلَى الْعَمِّ وَعَلَى الْخَالِ بِصَرِيحِ النَّصِّ وَهُوَ اسْتِنْبَاطٌ حَسَنٌ وَلَكِنْ إنْ كَانَ مَنْقُولًا فَهُوَ مَقْبُولٌ وَإِلَّا فَيَتْبَعُ الْمَنْقُولَ فِي التَّجْنِيسِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَصُورَتُهُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنْ يَزْنِيَ بِبِكْرٍ إلَخْ) قَالَ الْحَانُوتِيُّ وَلَا يُتَصَوَّرُ كَوْنُهَا بِنْتَه مِنْ الزِّنَا إلَّا بِذَلِكَ إذْ لَا يُعْلَمُ كَوْنُ الْوَلَدِ مِنْهُ إلَّا بِهِ كَذَا فِي حَاشِيَةِ مِسْكِينٍ (قَوْلُهُ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِي بِنْتِ الْمُلَاعَنَةِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ ثُبُوتُ اللِّعَانِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الدُّخُولِ بِأُمِّهَا وَحِينَئِذٍ فَلَا يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ رَبِيبَتَهُ (قَوْلُهُ، وَكَذَا عَمَّةُ جَدِّهِ وَخَالَتُهُ إلَخْ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ بَعْدَ قَوْلِهِ وَإِنْ عَلَوْا. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا عَمَّةُ الْعَمَّةِ لِأَبٍ لَا تَحْرُمُ) هَذَا مُشْكِلٌ جِدًّا وَيَرُدُّهُ مَا يَذْكُرُهُ عَنْ الْمُحِيطِ وَمِثْلُهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْحُجَّةِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ لِأَبٍ مِنْ سَبْقِ الْقَلَمِ وَالصَّوَابُ لِأُمٍّ وَاَلَّذِي رَأَيْته فِي نُسْخَتَيْ الْخَانِيَّةِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 99 أَوْلَى أَنْ لَا تَحْرُمَ. وَأَمَّا خَالَةُ الْخَالَةِ فَإِنْ كَانَتْ الْخَالَةُ الْقُرْبَى خَالَةً لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأُمٍّ فَخَالَتُهَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَتْ الْقُرْبَى خَالَةً لِأَبٍ فَخَالَتُهَا لَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ أُمَّ الْخَالَةِ الْقُرْبَى تَكُونُ امْرَأَةَ الْجَدِّ أَبِي الْأُمِّ لَا أُمَّ أُمِّهِ وَأُخْتُهَا تَكُونُ أُخْتَ امْرَأَةِ أَبِي الْأُمِّ وَأُخْتُ امْرَأَةِ الْجَدِّ لَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ اهـ. وَكَمَا يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِمَنْ ذُكِرَ يَحْرُمُ عَلَى الْمَرْأَةِ التَّزَوُّجُ بِنَظِيرِ مَنْ ذُكِرَ وَعِبَارَةُ النُّقَايَةِ أَوْلَى وَهِيَ: وَحَرُمَ أَصْلُهُ أَيْ التَّزَوُّجِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى وَفَرْعُهُ وَفَرْعُ أَصْلِهِ الْقَرِيبُ وَصُلْبِيَّةُ أَصْلِهِ الْبَعِيدِ. (قَوْلُهُ وَأُمُّ امْرَأَتِهِ) بَيَانٌ لِمَا ثَبَتَ بِالْمُصَاهَرَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: 23] أَطْلَقَهُ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ امْرَأَتِهِ مَدْخُولًا بِهَا أَوْ لَا وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَتَوْضِيحُهُ فِي الْكَشَّافِ وَيَدْخُلُ فِي لَفْظِ الْأُمَّهَاتِ جَدَّاتُهَا مِنْ قِبَلِ أَبِيهَا وَأُمِّهَا وَإِنْ عَلَوْنَ وَقَيَّدَ بِالْمَرْأَةِ فَانْصَرَفَ إلَى النِّكَاحِ الصَّحِيحِ فَإِنْ تَزَوَّجَهَا فَاسِدًا فَلَا تَحْرُمُ أُمُّهَا بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ بَلْ بِالْوَطْءِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ مِنْ الْمَسِّ بِشَهْوَةٍ وَالنَّظَرِ بِشَهْوَةٍ؛ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِالْعَقْدِ الصَّحِيحِ وَإِنْ كَانَتْ أَمَتَهُ فَلَا تَحْرُمُ أُمُّهَا إلَّا بِالْوَطْءِ أَوْ دَوَاعِيهِ؛ لِأَنَّ لَفْظَ النِّسَاءِ إذَا أُضِيفَ إلَى الْأَزْوَاجِ كَانَ الْمُرَادُ مِنْهُ الْحَرَائِرَ كَمَا فِي الظِّهَارِ وَالْإِيلَاءِ. (قَوْلُهُ وَبِنْتُهَا إنْ دَخَلَ بِهَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} [النساء: 23] قَالَ فِي الْكَشَّافِ فَإِنْ قُلْتُ: مَا مَعْنَى دَخَلْتُمْ بِهِنَّ؟ قُلْتُ: هُوَ كِنَايَةٌ عَنْ الْجِمَاعِ كَقَوْلِهِمْ بَنَى عَلَيْهَا وَضَرَبَ عَلَيْهَا الْحِجَابَ، وَذِكْرُ الْحِجْرِ فِي الْآيَةِ خَرَجَ مَخْرَجَ الْعَادَةِ أَوْ ذُكِرَ لِلتَّشْنِيعِ عَلَيْهِمْ لَا لِتَعَلُّقِ الْحُكْمِ بِهِ نَحْوُ أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً فِي قَوْله تَعَالَى {لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً} [آل عمران: 130] اهـ. وَتَفْسِيرُ الْحِجْرِ أَنْ تُزَفَّ الْبِنْتُ مَعَ الْأُمِّ إلَى بَيْتِ زَوْجِ الْأُمِّ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْبِنْتُ مَعَ الْأَبِ لَمْ تَكُنْ فِي حِجْرِ زَوْجِ الْأُمِّ وَفِي الْمُغْرِبِ حِجْرُ الْإِنْسَانِ بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ حِضْنُهُ وَهُوَ مَا دُونَ إبْطِهِ إلَى الْكَشْحِ، ثُمَّ قَالُوا: فُلَانٌ فِي حِجْرِ فُلَانٍ أَيْ فِي كَنَفِهِ وَمَنَعَتِهِ كَمَا فِي الْآيَةِ. اهـ. وَأَمَّا بَنَاتُ الرَّبِيبَةِ وَبَنَاتُ أَبْنَائِهَا وَإِنْ سَفَلْنَ فَتَثْبُتُ حُرْمَتُهُنَّ بِالْإِجْمَاعِ وَبِمَا ذَكَرْنَا أَوَّلًا وَفِي الْكَشَّافِ وَاللَّمْسُ وَنَحْوُهُ يَقُومُ مَقَامَ الدُّخُولِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي التَّبْيِينِ وَيَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ {وَرَبَائِبُكُمُ} [النساء: 23] بَنَاتُ الرَّبِيبَةِ وَالرَّبِيبِ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ يَشْمَلُهُنَّ بِخِلَافِ حَلَائِلِ الْأَبْنَاءِ وَالْآبَاءِ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ خَاصٌّ بِهِنَّ فَلَا يَتَنَاوَلُ غَيْرَهُنَّ اهـ. يَعْنِي فَلَا تَحْرُمُ بِنْتُ زَوْجَةِ الِابْنِ وَلَا بِنْتُ ابْنِ زَوْجَةِ الِابْنِ وَلَا بِنْتُ زَوْجَةِ الْأَبِ وَلَا بِنْتُ ابْنِ زَوْجَةِ الْأَبِ (قَوْلُهُ وَامْرَأَةُ أَبِيهِ وَابْنِهِ وَإِنْ بَعُدَا) أَمَّا حَلِيلَةُ الْأَبِ فَبِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 22] فَتَحْرُمُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا وَالْآيَةُ الْمَذْكُورَةُ اسْتَدَلَّ بِهَا الْمَشَايِخُ كَصَاحِبِ النِّهَايَةِ وَغَيْرِهِ عَلَى ثُبُوتِ حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ بِالزِّنَا بِنَاءً عَلَى إرَادَةِ الْوَطْءِ بِالنِّكَاحِ فَإِنْ أُرِيدَ بِهِ حُرْمَةُ امْرَأَةِ الْأَبِ وَالْجَدِّ مَا يُطَابِقُهَا مِنْ إرَادَةِ الْوَطْءِ قَصُرَ عَنْ إفَادَةِ تَمَامِ الْحُكْمِ الْمَطْلُوبِ حَيْثُ قَالَ: وَلَا بِامْرَأَةِ أَبِيهِ، وَتُصَدَّقُ امْرَأَةُ الْأَبِ بِعَقْدِهِ عَلَيْهَا وَإِلَّا لَمْ يَفْسُدْ الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ. وَإِنَّمَا يَصِحُّ عَلَى اعْتِبَارِ لَفْظِ النِّكَاحِ فِي نِكَاحِ الْآبَاءِ فِي مَعْنًى مَجَازِيٍّ يَعُمُّ الْعَقْدَ وَالْوَطْءَ، وَلَك النَّظَرُ فِي تَعْيِينِهِ وَيَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ يُوجِبُ اعْتِبَارَهَا فِي الْمَجَازِيِّ وَلَيْسَ لَك أَنْ تَقُولَ ثَبَتَتْ حُرْمَةُ الْمَوْطُوءَةِ بِالْآيَةِ وَالْمَعْقُودِ عَلَيْهَا بِلَا وَطْءٍ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ لَا أُمَّ أُمِّهِ) أَيْ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْقُرْبَى لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأُمٍّ فَإِنَّ أُمَّهَا تَكُونُ أُمَّ أُمِّهِ وَلَا يَحِلُّ تَزَوُّجُ أُخْتَ أُمِّ الْأُمِّ، وَهَذِهِ صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ فَرَحْمَةُ وَزَيْنَبُ بِنْتَا فَاطِمَةَ مِنْ عَمْرٍو وَمَرْيَمُ بِنْتُهَا مِنْ غَيْرِهِ وَحَوَّاءُ بِنْتُ كُلْثُومٍ مِنْ عَمْرٍو وَزَيْنَبُ خَالَةُ بَكْرِ ابْنِ رَحْمَةَ لِأُمٍّ وَأَبٍ وَمَرْيَمُ خَالَتُهُ لِأُمٍّ فَلَوْ كَانَ لَهُمَا خَالَةٌ تَحْرُمُ عَلَى بَكْرٍ؛ لِأَنَّهَا تَكُونُ أُخْتَ جَدَّتِهِ فَاطِمَةَ، وَأَمَّا حَوَّاءُ فَإِنَّهَا خَالَةُ بَكْرٍ لِأَبٍ فَلَوْ كَانَ لَهَا خَالَةٌ تَكُونُ أُخْتَ كُلْثُومٍ امْرَأَةِ جَدِّهِ أَبِي أُمِّهِ فَتَحِلُّ لَهُ. (قَوْلُهُ وَعِبَارَةُ النُّقَايَةِ أَوْلَى) أَيْ لِإِفَادَتِهَا التَّحْرِيمَ مِنْ الطَّرَفَيْنِ وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ قَاصِرَةٌ عَنْ ذَلِكَ أَيْ صَرِيحًا وَإِلَّا فَلَا يَخْفَى أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ حُرْمَةِ تَزَوُّجِهِ أُصُولَهُ وَفُرُوعَهُ حُرْمَةُ تَزَوُّجِهَا أُصُولَهَا وَفُرُوعَهَا فَإِنَّهُ إذَا حَرُمَ عَلَيْهِ تَزَوُّجُ أُمِّهِ وَبِنْتِهِ فَقَدْ حَرُمَ عَلَيْهِمَا تَزَوُّجُهُ (قَوْلُهُ وَفِي الْكَشَّافِ وَاللَّمْسُ وَنَحْوُهُ إلَخْ) اُعْتُرِضَ بِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى نَقْلِهِ عَنْهُ بَعْدَ مَا طَفَحَتْ الْمُتُونُ بِذِكْرِهِ فَإِنَّ اللَّمْسَ كَالْوَطْءِ فِي إيجَابِهِ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ مِنْ غَيْرِ اخْتِصَاصٍ بِمَوْضِعٍ، دُونَ مَوْضِعٍ أَقُولُ: وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ الْآيَةَ صَرَّحَتْ بِالتَّحْرِيمِ بِقَيْدِ الدُّخُولِ وَبِعَدَمِهِ عِنْدَ عَدَمِهِ فَكَانَ ذَلِكَ مَظِنَّةَ أَنْ يُتَوَهَّمَ أَنَّ الْمَسَّ وَنَحْوَهُ لَيْسَ كَالدُّخُولِ فِي تَحْرِيمِ الرَّبِيبَةِ وَأَنَّ مَا قَالُوهُ مِنْ أَنَّهُ مُحَرَّمٌ مَخْصُوصٌ بِمَا عَدَاهَا فَنَقَلَ أَنَّهُ مِثْلُهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ عَنْ الْكَشَّافِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَكَأَنَّهُ لَمْ يَجِدْ نَقْلًا فِي خُصُوصِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا فِي الْكَشَّافِ فَعَزَاهَا إلَيْهِ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْكَشَّافِ مِنْ مَشَايِخِ الْمَذْهَبِ وَهُوَ حُجَّةٌ فِي النَّقْلِ (قَوْلُهُ فَإِنْ أُرِيدَ بِهِ حُرْمَةُ امْرَأَةِ الْأَبِ وَالْجَدِّ) الَّذِي فِي الْفَتْحِ فَإِنْ أُرِيدَ مِنْ حُرْمَةٍ بِلَفْظِ مِنْ الْجَارَّةِ بُدِّلَ بِهِ وَالْمَعْنَى عَلَيْهَا ظَاهِرٌ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 100 بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْحُكْمُ الْحُرْمَةَ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ وَلَفْظُ الدَّلِيلِ صَالِحٌ لَهُ كَانَ مُرَادًا مِنْهُ بِلَا شُبْهَةٍ فَإِنَّ الْإِجْمَاعَ تَابِعٌ لِلنَّصِّ أَوْ الْقِيَاسِ، عَنْ أَحَدِهِمَا يَكُونُ، وَلَوْ كَانَ عَنْ عِلْمٍ ضَرُورِيٍّ يُخْلَقُ لَهُمْ، يَثْبُتُ بِذَلِكَ أَنَّ ذَلِكَ الْحُكْمَ مُرَادٌ مِنْ كَلَامِ الشَّارِعِ إذَا احْتَمَلَهُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ إنَّ الْآيَةَ تَتَنَاوَلُ مَنْكُوحَةَ الْأَبِ وَطْئًا وَعَقْدًا صَحِيحًا وَإِنْ كَانَ فِيهِ جَمْعٌ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ؛ لِأَنَّهُ نَفْيٌ وَفِي النَّفْيِ يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا كَمَا يَجُوزُ فِي الْمُشْتَرَكِ أَنْ يَعُمَّ جَمِيعَ مَعَانِيهِ فِي النَّفْيِ اهـ. ضَعِيفٌ فِي الْأُصُولِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا لَا فِي النَّفْيِ وَلَا فِي الْإِثْبَاتِ وَلَا عُمُومَ لِلْمُشْتَرَكِ مُطْلَقًا قَالَ الْأَكْمَلُ فِي التَّقْرِيرِ وَالْحَقُّ أَنَّ النَّفْيَ لَمَّا اقْتَضَاهُ الْإِثْبَاتُ فَإِنْ اقْتَضَى الْإِثْبَاتُ الْجَمْعَ بَيْنَ الْمَعْنَيَيْنِ فَالنَّفْيُ كَذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْيَمِينِ الْمَذْكُورِ فِي الْمَبْسُوطِ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ مَوْلَاك وَلَهُ أَعْلَوْنَ وَأَسْفَلُونَ أَيُّهُمْ كَلَّمَ حَنِثَ فَلَيْسَ بِاعْتِبَارِ عُمُومِ الْمُشْتَرَكِ فِي النَّفْيِ كَمَا تَوَهَّمَهُ الْبَعْضُ، وَإِنَّمَا هُوَ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْكَلَامِ مَتْرُوكَةٌ بِدَلَالَةِ الْيَمِينِ إلَى مَجَازٍ يَعُمُّهُمَا وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمُوَالِي مَنْ تَعَلَّقَ بِهِ عِتْقٌ وَهُوَ بِعُمُومِهِ يَتَنَاوَلُ الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلَ اهـ. لَكِنْ اخْتَارَ الْمُحَقِّقُ فِي التَّحْرِيرِ أَنَّهُ يَعُمُّ فِي النَّفْيِ؛ لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ فِي النَّفْيِ وَالْمَنْفِيُّ مَا سُمِّيَ بِاللَّفْظِ وَتَمَامُ تَحْقِيقِهِ فِي الْأُصُولِ، فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَوْلَى أَنَّ النِّكَاحَ فِي الْآيَةِ لِلْعَقْدِ كَمَا هُوَ الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ وَيُسْتَدَلُّ لِثُبُوتِ حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ بِالْوَطْءِ الْحَرَامِ بِدَلِيلٍ آخَرَ وَفِي الْمُحِيطِ رَجُلٌ لَهُ جَارِيَةٌ، فَقَالَ قَدْ وَطِئْتهَا لَا تَحِلُّ لِابْنِهِ وَإِنْ كَانَتْ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ، فَقَالَ قَدْ وَطِئْتهَا، يَحِلُّ لِابْنِهِ أَنْ يُكَذِّبَهُ وَيَطَأَهَا؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ يَشْهَدُ لَهُ وَلَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً مِنْ مِيرَاثِ أَبِيهِ يَسَعُهُ أَنْ يَطَأَهَا حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ الْأَبَ وَطِئَهَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى أَنَّهَا بِكْرٌ فَلَمَّا أَرَادَ مُجَامَعَتَهَا وَجَدَهَا مُفْتَضَّةً، قَالَ لَهَا: مَنْ افْتَضَّك؟ فَقَالَتْ: أَبُوك إنْ صَدَّقَهَا الزَّوْجُ بَانَتْ مِنْهُ وَلَا مَهْرَ لَهَا وَإِنْ كَذَّبَهَا فَهِيَ امْرَأَتُهُ اهـ. ، وَأَمَّا حَلِيلَةُ الِابْنِ فَبِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ} [النساء: 23] فَإِنْ اُعْتُبِرَتْ الْحَلِيلَةُ مِنْ حُلُولِ الْفِرَاشِ أَوْ حَلِّ الْإِزَارِ تَنَاوَلَتْ الْمَوْطُوءَةَ بِمِلْكِ الْيَمِينِ أَوْ شُبْهَةٍ أَوْ زِنًى فَيَحْرُمُ الْكُلُّ عَلَى الْآبَاءِ وَهُوَ الْحُكْمُ الثَّابِتُ عِنْدَنَا وَلَا يَتَنَاوَلُ الْمَعْقُودَ عَلَيْهَا لِلِابْنِ أَوْ بَنِيهِ وَإِنْ سَفَلُوا قَبْلَ الْوَطْءِ. وَالْفَرْضُ أَنَّهَا بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ تَحْرُمُ عَلَى الْآبَاءِ وَذَلِكَ بِاعْتِبَارِهِ مِنْ الْحِلِّ بِكَسْرِ الْحَاءِ، وَقَدْ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى حُرْمَةِ الْمَزْنِيِّ بِهَا لِلِابْنِ عَلَى الْأَبِ فَيَجِبُ اعْتِبَارُهُ فِي أَعَمَّ مِنْ الْحِلِّ، وَالْحِلُّ ثَمَّ يُرَادُ بِالْأَبْنَاءِ الْفُرُوعِ فَتَحْرُمُ حَلِيلَةُ الِابْنِ السَّافِلِ عَلَى الْجَدِّ الْأَعْلَى، وَكَذَا حَلِيلَةُ ابْنِ الْبِنْتِ وَإِنْ سَفَلَ وَكَمَا تَحْرُمُ حَلِيلَةُ الِابْنِ مِنْ النَّسَبِ تَحْرُمُ حَلِيلَةُ الِابْنِ مِنْ الرَّضَاعِ، وَذِكْرُ الْأَصْلَابِ فِي الْآيَةِ لِإِسْقَاطِ حَلِيلَةِ الِابْنِ الْمُتَبَنَّى كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْحَلِيلَةَ الزَّوْجَةُ كَمَا فِي الْمُغْرِبِ فَتَحْرُمُ زَوْجَةُ الِابْنِ عَلَى الْأَبِ مُطْلَقًا بِالْآيَةِ، وَأَمَّا حُرْمَةُ مَنْ وَطِئَهَا مِمَّنْ لَيْسَ بِزَوْجَةٍ فَبِدَلِيلٍ آخَرَ وَكَوْنُهَا مِنْ حُلُولِ الْفِرَاشِ لَا يَقْتَضِي تَنَاوُلَهَا لِلْمَوْطُوءَةِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَغَيْرِهِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ قَيْدِ الزَّوْجِيَّةِ فَإِنَّ صَاحِبَ الْمُغْرِبِ فَسَّرَهَا بِالزَّوْجَةِ، ثُمَّ قَالَ؛ لِأَنَّهَا تُحِلُّ زَوْجَهَا فِي فِرَاشٍ. (قَوْلُهُ وَالْكُلُّ رَضَاعًا) بَيَانٌ لِلنَّوْعِ الثَّالِثِ وَهُوَ أَنَّ مَا يَحْرُمُ بِالنَّسَبِ وَالصِّهْرِيَّةِ يَحْرُمُ بِالرَّضَاعِ لِلْآيَةِ وَالْحَدِيثِ حَتَّى لَوْ أَرْضَعَتْ امْرَأَةٌ صَبِيًّا حُرِّمَ عَلَيْهِ زَوْجَةُ زَوْجِ الظِّئْرِ الَّذِي نَزَلَ لَبَنُهَا مِنْهُ؛ لِأَنَّهَا امْرَأَةُ أَبِيهِ مِنْ الرَّضَاعَةِ وَيَحْرُمُ عَلَى زَوْجِ الظِّئْرِ امْرَأَةُ هَذَا الصَّبِيِّ؛ لِأَنَّهَا امْرَأَةُ ابْنِهِ مِنْ الرَّضَاعَةِ وَفِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ: وَهَذَا يَشْمَلُ عِدَّةَ أَقْسَامٍ كَبِنْتِ الْأُخْتِ مَثَلًا تَشْمَلُ الْبِنْتَ الرَّضَاعِيَّةَ لِلْأُخْتِ النَّسَبِيَّةِ وَالْبِنْتَ النَّسَبِيَّةَ لِلْأُخْتِ الرَّضَاعِيَّةِ وَالْبِنْتَ الرَّضَاعِيَّةَ لِلْأُخْتِ الرَّضَاعِيَّةِ اهـ. وَلَمْ يَسْتَثْنِ الْمُصَنِّفُ هُنَا شَيْئًا وَاسْتَثْنَى فِي كِتَابِ الرَّضَاعِ أُمَّ أَخِيهِ وَأُخْتَ ابْنِهِ وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ حُرِّمَ فِي النَّسَبِ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا فِيهِمَا وَاسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ إحْدَى وَعِشْرِينَ صُورَةً وَجَمَعَهَا فِي قَوْلِهِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ فَإِنَّ الْإِجْمَاعَ تَابِعٌ لِلنَّصِّ أَوْ الْقِيَاسِ، عَنْ أَحَدِهِمَا يَكُونُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ مَعْنَاهُ أَنَّ الْإِجْمَاعَ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ النَّصِّ أَوْ الْقِيَاسِ الْمَأْخُوذِ مِنْ النَّصِّ فَافْهَمْ اهـ. فَقَوْلُهُ عَنْ أَحَدِهِمَا يَكُونُ أَيْ يُوجَدُ وَيَنْشَأُ بَيَانٌ لِلتَّبَعِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَذَكَرَ الْأَصْلَابَ فِي الْآيَةِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَالُوا لَا يَحْرُمُ عَلَى الْمَرْءِ زَوْجَةُ مَنْ تَبَنَّاهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِابْنٍ لَهُ وَلَا تَحْرُمُ بِنْتُ زَوْجِ الْأُمِّ وَلَا أُمُّهُ وَلَا أُمُّ زَوْجَةِ الْأَبِ وَلَا بِنْتُهَا وَلَا أُمُّ زَوْجَةِ الِابْنِ وَلَا بِنْتُهَا وَلَا زَوْجَةُ الرَّبِيبِ وَلَا زَوْجَةُ الرَّابِّ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 101 يُفَارِقُ النَّسَبُ الْإِرْضَاعَ فِي صُوَرْ ... كَأُمٍّ نَافِلَةً أَوْ جَدَّةِ الْوَلَدْ وَأُمِّ عَمٍّ وَأُخْتِ ابْنٍ وَأُمِّ أَخْ ... وَأُمِّ خَالٍ وَعَمَّةِ ابْنٍ اعْتَمَدْ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ السَّبْعِ إمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُضَافُ رَضَاعِيًّا وَالْمُضَافُ إلَيْهِ نَسَبِيًّا أَوْ عَكْسَهُ أَوْ كُلٌّ مِنْهُمَا رَضَاعِيًّا فَيَجُوزُ لَهُ نِكَاحُ أُمِّ أَخِيهِ رَضَاعًا سَوَاءٌ كَانَتْ الْأُمُّ رَضَاعِيَّةً وَحْدَهَا أَوْ نَسَبِيَّةً وَحْدَهَا أَوْ كُلٌّ مِنْهُمَا رَضَاعِيًّا، وَكَذَا فِي بَقِيَّةِ الصُّوَرِ. (قَوْلُهُ وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ نِكَاحًا وَوَطْئًا بِمِلْكِ يَمِينٍ) بَيَانٌ لِلنَّوْعِ الرَّابِعِ وَهُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَحَارِمِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} [النساء: 23] ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِلْحَدِيثِ «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَجْمَعَنَّ مَاءَهُ فِي رَحِمِ أُخْتَيْنِ» وَلَيْسَ حُرْمَةُ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا لِقَطْعِ الرَّحِمِ لِمَا فِي الْمَبْسُوطِ وَلَا يَجْمَعُ الرَّجُلُ بَيْنَ أُخْتَيْنِ مِنْ الرَّضَاعَةِ وَلَا بَيْنَ امْرَأَةٍ وَابْنَةِ أُخْتِهَا أَوْ ابْنَةِ أَخِيهَا، وَكَذَلِكَ كُلُّ امْرَأَةٍ ذَاتِ مَحْرَمٍ مِنْهَا مِنْ الرَّضَاعَةِ لِلْأَصْلِ الَّذِي بَيَّنَّا أَنَّ كُلَّ امْرَأَتَيْنِ لَوْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا ذَكَرًا وَالْأُخْرَى أُنْثَى لَمْ يَجُزْ لِلذَّكَرِ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْأُنْثَى فَإِنَّهُ يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِالْقِيَاسِ عَلَى حُرْمَةِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ فَكَذَلِكَ مِنْ الرَّضَاعَةِ وَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ حُرْمَةَ هَذَا الْجَمْعِ لَيْسَ لِقَطِيعَةِ الرَّحِمِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ الرَّضِيعَيْنِ رَحِمٌ، وَحُرْمَةُ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا ثَابِتَةٌ اهـ. وَسَيَأْتِي حَدِيثٌ يَرُدُّهُ فَلَوْ قَدَّمُوا حُرْمَةَ الْجَمْعِ عَلَى قَوْلِهِمْ وَالْكُلُّ رَضَاعًا لَكَانَ أَوْلَى كَمَا لَا يَخْفَى، وَتَفَرَّعَ عَلَى عَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ نَسَبًا وَرَضَاعًا أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ زَوْجَتَانِ رَضِيعَتَانِ أَرْضَعَتْهُمَا أَجْنَبِيَّةٌ فَسَدَ نِكَاحُهُمَا وَالْمُرَادُ بِالنِّكَاحِ فِي الْمُخْتَصَرِ الْعَقْدُ وَقَوْلُهُ بِمِلْكِ يَمِينٍ مُتَعَلِّقٌ بِالْوَطْءِ فَأَفَادَ أَنَّهُ يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مِلْكًا بِدُونِ الْوَطْءِ. (قَوْلُهُ فَلَوْ تَزَوَّجَ أُخْتَ أَمَتِهِ الْمَوْطُوءَةِ لَمْ يَطَأْ وَاحِدَةً مِنْهُمَا حَتَّى يَبِيعَهَا) بَيَانٌ لِشَيْئَيْنِ، أَحَدُهُمَا صِحَّةُ نِكَاحِ الْأُخْتِ مَعَ كَوْنِ أُخْتِهَا مَوْطُوءَةً لَهُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ لِصُدُورِهِ مِنْ أَهْلِهِ مُضَافًا إلَى مَحَلِّهِ، وَأُورِدَ عَلَيْهِ أَنَّ الْمَنْكُوحَةَ مَوْطُوءَةٌ حُكْمًا بِاعْتِرَافِكُمْ فَيَصِيرُ بِالنِّكَاحِ جَامِعًا وَطْئًا حُكْمًا وَهُوَ بَاطِلٌ، وَجَوَابُهُ: أَنَّ لُزُومَ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا وَطْئًا حُكْمًا لَيْسَ بِلَازِمٍ؛ لِأَنَّ بِيَدِهِ إزَالَتَهُ فَلَا يَضُرُّ بِالصِّحَّةِ وَيُمْنَعُ مِنْ الْوَطْءِ بَعْدَهَا لِقِيَامِهِ إذْ ذَاكَ أَطْلَقَ فِي الْأُخْتِ الْمُتَزَوِّجَةِ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَتْ أَمَةً أَوْ حُرَّةً، ثَانِيهِمَا: حُرْمَةُ وَطْءِ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا حَتَّى يَبِيعَهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَامَعَ الْمَنْكُوحَةَ يَصِيرُ جَامِعًا بَيْنَهُمَا وَطْئًا حَقِيقَةً وَلَوْ جَامَعَ الْمَمْلُوكَةَ يَصِيرُ جَامِعًا بَيْنَهُمَا حَقِيقَةً، وَحُكْمًا وَالْمُرَادُ بِالْبَيْعِ أَنَّهُ يُحَرِّمُ الْمَوْطُوءَةَ عَلَى نَفْسِهِ بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ فَحِينَئِذٍ يَطَأُ الْمَنْكُوحَةَ لِعَدَمِ الْجَمْعِ كَالْبَيْعِ كُلًّا أَوْ بَعْضًا وَالتَّزْوِيجِ الصَّحِيحِ وَالْهِبَةِ مَعَ التَّسْلِيمِ وَالْإِعْتَاقِ كُلًّا أَوْ بَعْضًا وَالْكِتَابَةِ، وَأَمَّا التَّزْوِيجُ الْفَاسِدُ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ إلَّا إذَا دَخَلَ بِهَا فَتَحْرُمُ حِينَئِذٍ الْمَوْطُوءَةُ لِوُجُوبِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا فَتَحِلُّ حِينَئِذٍ الْمَنْكُوحَةُ، وَكَذَا الْمُرَادُ بِالتَّزْوِيجِ فِي الْمُخْتَصَرِ النِّكَاحُ الصَّحِيحُ فَلَوْ تَزَوَّجَ الْأُخْتَ نِكَاحًا فَاسِدًا لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ أَمَتُهُ الْمَوْطُوءَةُ إلَّا إذَا دَخَلَ بِالْمَنْكُوحَةِ فَحِينَئِذٍ تَحْرُمُ الْمَوْطُوءَةُ لِوُجُودِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا حَقِيقَةً وَلَا يُؤَثِّرُ الْإِحْرَامُ وَالْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ وَالصَّوْمُ، وَكَذَا الرَّهْنُ وَالْإِجَارَةُ وَالتَّدْبِيرُ؛ لِأَنَّ فَرْجَهَا لَا يَحْرُمُ بِهَذِهِ الْأَسْبَابِ كَذَا فِي التَّبْيِينِ مِنْ فَصْلِ الِاسْتِبْرَاءِ، وَإِذَا عَادَتْ الْمَوْطُوءَةُ إلَى مِلْكِهِ بَعْدَ الْإِخْرَاجِ سَوَاءٌ كَانَ بِفَسْخٍ أَوْ بِشِرَاءٍ جَدِيدٍ لَمْ يَحِلَّ وَطْءُ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا حَتَّى يُحَرِّمَ الْأَمَةَ عَلَى نَفْسِهِ بِسَبَبٍ كَمَا كَانَ أَوَّلًا، وَأَطْلَقَ فِي الْأَمَةِ فَشَمِلَ أُمَّ الْوَلَدِ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَقَيَّدَ بِكَوْنِهَا مَوْطُوءَةً؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ وَطِئَهَا جَازَ لَهُ وَطْءُ الْمَنْكُوحَةِ؛ لِأَنَّ الْمَرْقُوقَةَ لَيْسَتْ بِمَوْطُوءَةٍ حُكْمًا فَلَمْ يَصِرْ جَامِعًا بَيْنَهُمَا وَطْئًا لَا حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا. وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَ جَارِيَةً وَلَمْ يَطَأْهَا حَتَّى مَلَكَ أُخْتَهَا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَطَأَ الْمُشْتَرَاةَ؛ لِأَنَّ الْمَنْكُوحَةَ مَوْطُوءَةٌ حُكْمًا وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ مَلَكَ أُخْتَيْنِ لَهُ أَنْ يَطَأَ إحْدَاهُمَا فَإِذَا وَطِئَ إحْدَاهُمَا لَيْسَ لَهُ وَطْءُ الْأُخْرَى بَعْدَ ذَلِكَ وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ مَلَكَ جَارِيَةً فَوَطِئَهَا ثُمَّ مَلَكَ أُخْتَهَا كَانَ لَهُ أَنْ يَطَأَ الْأُولَى وَلَيْسَ لَهُ وَطْءُ الْأُخْرَى مَا لَمْ يُحَرِّمْ فَرْجَ الْأُولَى   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَسَيَأْتِي حَدِيثٌ يَرُدُّهُ) أَيْ يَأْتِي عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَبَيْنَ امْرَأَتَيْنِ حَدِيثٌ يَرُدُّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ مِنْ أَنَّ حُرْمَةَ الْجَمْعِ لَيْسَ لِقَطِيعَةِ الرَّحِمِ وَالْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ الرَّضِيعَيْنِ رَحِمٌ إلَخْ. (قَوْلُهُ وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ الْمَنْكُوحَةَ مَوْطُوءَةٌ حُكْمًا) أَيْ بِدَلِيلِ ثُبُوتِ نَسَبِ وَلَدِهَا بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ حَتَّى لَوْ نَكَحَ مَشْرِقِيٌّ مَغْرِبِيَّةً ثَبَتَ نَسَبُ أَوْلَادِهَا مِنْهُ (قَوْلُهُ فَيَصِيرُ بِالنِّكَاحِ جَامِعًا وَطْئًا) أَمَّا فِي الْمَنْكُوحَةِ فَلِمَا قُلْنَا، وَأَمَّا فِي الْأَمَةِ فَلِأَنَّ حُكْمَ الْوَطْءِ الْأَوَّلِ قَائِمٌ حَتَّى نُدِبَ لَهُ عِنْدَ إرَادَةِ بَيْعِهَا اسْتِبْرَاؤُهَا كَذَا فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ بِالْبَيْعِ أَنَّهُ يُحَرِّمُ الْمَوْطُوءَةَ عَلَى نَفْسِهِ بِسَبَبٍ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَلَمْ أَرَ فِي كَلَامِهِمْ مَا لَوْ بَاعَهَا بَيْعًا فَاسِدًا أَوْ وَهَبَهَا كَذَلِكَ وَقُبِضَتْ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَحِلُّ وَطْءُ الْمَنْكُوحَةِ. اهـ. قُلْتُ:، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْهِبَةَ الْفَاسِدَةَ تُفِيدُ الْمِلْكَ بِالْقَبْضِ وَهُوَ الَّذِي بِهِ يُفْتَى كَمَا فِي الدُّرَرِ وَغَيْرِهَا عَلَى خِلَافِ مَا صَحَّحَهُ فِي الْعِمَادِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا التَّزْوِيجُ الْفَاسِدُ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 102 عَلَى نَفْسِهِ وَلَوْ وَطِئَهَا أَثِمَ، ثُمَّ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْءُ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا حَتَّى يُحَرِّمَ الْأُخْرَى بِسَبَبٍ. (قَوْلُهُ وَلَوْ تَزَوَّجَ أُخْتَيْنِ فِي عَقْدَيْنِ وَلَمْ يَدْرِ الْأَوَّلَ فُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا) ؛ لِأَنَّ نِكَاحَ إحْدَاهُمَا بَاطِلٌ بِيَقِينٍ وَلَا وَجْهَ إلَى التَّعْيِينِ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ وَلَا إلَى التَّنْفِيذِ مَعَ التَّجْهِيلِ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ أَوْ لِلضَّرَرِ فَتَعَيَّنَ التَّفْرِيقُ وَطُولِبَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا إذَا طَلَّقَ إحْدَى نِسَائِهِ بِعَيْنِهَا وَنَسِيَهَا حَيْثُ يُؤْمَرُ بِالتَّعْيِينِ وَلَا يُفَارِقُ الْكُلَّ، وَأُجِيبَ بِإِمْكَانِهِ هُنَاكَ لَا هُنَا؛ لِأَنَّ نِكَاحَهُنَّ كَانَ مُتَيَقَّنَ الثُّبُوتِ فَلَهُ أَنْ يَدَّعِيَ نِكَاحَ مَنْ شَاءَ بِعَيْنِهِ مِنْهُنَّ تَمَسُّكًا بِمَا كَانَ مُتَيَقَّنًا وَلَمْ يَثْبُتْ هُنَا نِكَاحٌ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِعَيْنِهَا فَدَعْوَاهُ حِينَئِذٍ تَمَسُّكٌ بِمَا لَمْ يَتَحَقَّقْ ثُبُوتُهُ وَمَعْنَى فُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا: أَنَّهُ يُفْتَرَضُ عَلَيْهِ مُفَارَقَتُهُمَا وَلَوْ عَلِمَ الْقَاضِي بِذَلِكَ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا دَفْعًا لِلْمَعْصِيَةِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْمُخْتَصَرِ أَنَّ هَذَا التَّفْرِيقَ طَلَاقٌ أَوْ فَسْخٌ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ طَلَاقٌ حَتَّى يَنْقُصَ مِنْ طَلَاقِ كُلٍّ مِنْهُمَا طَلْقَةٌ لَوْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنْ وَقَعَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَيَّتَهُمَا شَاءَ لِلْحَالِ أَوْ بَعْدَهُ فَلَيْسَ لَهُ التَّزَوُّجُ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهُمَا وَإِنْ انْقَضَتْ عِدَّةُ إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى فَلَهُ تَزَوُّجُ الَّتِي لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا دُونَ الْأُخْرَى كَيْ لَا يَصِيرَ جَامِعًا وَإِنْ وَقَعَ بَعْدَهُ بِإِحْدَاهُمَا فَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فِي الْحَالِ دُونَ الْأُخْرَى فَإِنَّ عِدَّتَهَا تَمْنَعُ مِنْ تَزَوُّجِ أُخْتِهَا اهـ. وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِ تَزَوَّجَهُمَا فِي عَقْدَيْنِ إذْ لَوْ كَانَا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ بَطَلَا يَقِينًا وَقَيَّدَهُ فِي الْمُحِيطِ بِأَنْ لَا تَكُونَ إحْدَاهُمَا مَشْغُولَةً بِنِكَاحِ الْغَيْرِ أَوْ عِدَّتِهِ فَإِنَّهُ إنْ كَانَتْ كَذَلِكَ صَحَّ نِكَاحُ الْفَارِغَةِ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا كَمَا لَوْ تَزَوَّجَتْ امْرَأَةٌ زَوْجَيْنِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ وَأَحَدُهُمَا مُتَزَوِّجٌ بِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ فَإِنَّهَا تَكُونُ زَوْجَةً لِلْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ الْجَمْعُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ إذَا كَانَتْ هِيَ لَا تَحِلُّ لِأَحَدِهِمَا اهـ. فَإِذَا كَانَا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ فُرِّقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُمَا أَيْضًا فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا مَهْرَ لَهُمَا وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ دَخَلَ بِهِمَا وَجَبَ لِكُلٍّ الْأَقَلُّ مِنْ الْمُسَمَّى وَمِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ كَمَا هُوَ حُكْمُ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَعَلَيْهِمَا الْعِدَّةُ وَقَيَّدَهُ بِعَدَمِ عِلْمِ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ إذْ لَوْ عَلِمَ فَهُوَ الصَّحِيحُ وَالثَّانِي بَاطِلٌ، وَلَهُ وَطْءُ الْأُولَى إلَّا أَنْ يَطَأَ الثَّانِيَةَ فَتَحْرُمُ الْأُولَى إلَى انْقِضَاءِ عِدَّةِ الثَّانِيَةِ كَمَا لَوْ وَطِئَ أُخْتَ امْرَأَتِهِ بِشُبْهَةٍ حَيْثُ تَحْرُمُ امْرَأَتُهُ مَا لَمْ تَنْقَضِ عِدَّةُ ذَاتِ الشُّبْهَةِ. وَفِي الدِّرَايَةِ عَنْ الْكَامِلِ لَوْ زَنَى بِإِحْدَى الْأُخْتَيْنِ لَا يَقْرَبُ الْأُخْرَى حَتَّى تَحِيضَ الْأُخْرَى حَيْضَةً، وَاسْتَشْكَلَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَمْ يُبَيِّنْهُ، وَوَجْهُهُ: أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ لِمَاءِ الزِّنَى وَلِذَا لَوْ زَنَتْ امْرَأَةُ رَجُلٍ لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ وَجَازَ لَهُ وَطْؤُهَا عَقِبَ الزِّنَا، وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَلَوْ تَزَوَّجَ أُخْتَيْنِ فِي عَقْدَيْنِ مَعًا أَوْ لَمْ يَدْرِ الْأَوَّلَ فُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا لَكَانَ أَفْوَدَ لِمَا فِي الذَّخِيرَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْجَامِعِ. لَوْ وَكَّلَ رَجُلٌ رَجُلًا أَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً وَوَكَّلَ رَجُلًا آخَرَ بِمِثْلِ ذَلِكَ فَزَوَّجَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا امْرَأَةً وَهُمَا أُخْتَانِ مِنْ الرَّضَاعِ وَوَقَعَ الْعَقْدَانِ مِنْهُمَا مَعًا فَهُمَا بَاطِلَانِ؛ لِأَنَّ عِبَارَةَ الْوَكِيلِ فِي بَابِ النِّكَاحِ مَنْقُولَةٌ إلَى الْمُوَكِّلِ فَإِذَا خَرَجَ الْكَلَامَانِ مَعًا صَارَ كَأَنَّ الْمُوَكِّلَ خَاطَبَهُمَا بِالنِّكَاحِ وَلَوْ لَمْ يُوَكِّلْهُمَا، وَإِنَّمَا كَانَا فُضُولِيَّيْنِ وَوَقَعَا مَعًا، فَلِلزَّوْجِ أَنْ يُجِيزَ نِكَاحَ إحْدَاهُمَا وَلَوْ خَرَجَ إيجَابُ الْأُخْتَيْنِ مَعًا بِأَنْ قَالَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا لِرَجُلٍ وَاحِدٍ زَوَّجْت نَفْسِي مِنْك بِكَذَا وَخَرَجَ الْكَلَامُ مِنْهُمَا مَعًا فَقَبِلَ الزَّوْجُ نِكَاحَ إحْدَاهُمَا فَهُوَ جَائِزٌ لِعَدَمِ الْجَمْعِ مِنْ الزَّوْجِ. وَأَمَّا مِنْ الْأُخْتَيْنِ فَلِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا عَلَى حِدَةٍ وَلَا وِلَايَةَ لِإِحْدَاهُمَا عَلَى صَاحِبَتِهَا   [منحة الخالق] تَزْوِيجُ أَمَتِهِ لِرَجُلٍ تَزْوِيجًا فَاسِدًا لَا عِبْرَةَ بِهِ مَا لَمْ يَدْخُلْ بِهَا الزَّوْجُ فَتَحِلُّ أُخْتُهَا الَّتِي تَزَوَّجَهَا السَّيِّدُ وَالْمُرَادُ بِالدُّخُولِ الْوَطْءُ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ الْخَلْوَةِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ لَا تُوجِبُ الْعِدَّةَ. (قَوْلُهُ وَلَا إلَى التَّنْفِيذِ) أَيْ تَنْفِيذِ نِكَاحِ وَاحِدَةٍ لَا بِعَيْنِهَا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ مَعَ التَّجْهِيلِ وَعَلَيْهِ فَيَلْزَمُ مِنْ التَّعْيِينِ التَّنْفِيذُ وَلَا عَكْسَ (قَوْلُهُ فَلَهُ أَنْ يَدَّعِيَ نِكَاحَ مَنْ شَاءَ بِعَيْنِهِ مِنْهُنَّ إلَخْ) أَقُولُ: إنْ أُرِيدَ أَنَّ لَهُ الدَّعْوَى مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ فَمُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ التَّحَرِّيَ فِي الْفُرُوجِ مَمْنُوعٌ وَإِنْ أُرِيدَ مَعَ الْمُرَجِّحِ فَلَا فَرْقَ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَحِلَّ لَهُ دِيَانَةً بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى كَذَا فِي الرَّمْزِ اهـ. لَكِنْ فِي قَوْلِهِ: فَلَا فَرْقَ، نَظَرٌ؛ لِأَنَّ نِكَاحَ مَنْ ادَّعَى نِكَاحَهَا كَانَ قَبْلُ ثَابِتًا بِيَقِينٍ بِخِلَافِهِ فِي مَسْأَلَتِنَا (قَوْلُهُ وَإِنْ وَقَعَ بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ الدُّخُولِ (قَوْلُهُ بَطَلَا يَقِينًا) أَيْ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ فَلَا يَسْتَحِقَّانِ شَيْئًا مِنْ الْمَهْرِ اهـ. دُرَرٌ (قَوْلُهُ: وَوَجْهُهُ أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ لِمَاءِ الزَّانِي) قَالَ فِي النَّهْرِ يُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا فِي نَظْمِ ابْنِ وَهْبَانَ وَلَوْ زَنَتْ امْرَأَةٌ حَرُمَتْ ... عَلَى زَوْجِهَا حَتَّى تَحِيضَ وَتَطْهُرَ وَعَزَاهُ فِي الشَّرْحِ إلَى النُّتَفِ مُعَلِّلًا بِاحْتِمَالِ عَلُوقِهَا مِنْ الزِّنَا فَلَا يَسْقِي مَاؤُهُ زَرْعَ غَيْرِهِ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ ضَعْفَهُ وَسَيَأْتِي أَنَّ الْمَوْطُوءَةَ بِزِنًا يَحِلُّ وَطْؤُهَا بِالنِّكَاحِ مِنْ غَيْرِ اسْتِبْرَاءٍ عِنْدَهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا أُحِبُّ أَنْ يَطَأَهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا. اهـ. قُلْتُ: وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِضَعْفِ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ وَهْبَانَ تِلْمِيذُ الْمُؤَلِّفِ فِي مِنَحِهِ وَتَبِعَهُ الْحَصْكَفِيُّ (قَوْلُهُ لِمَا فِي الذَّخِيرَةِ إلَى قَوْلِهِ فَهُمَا بَاطِلَانِ) قَالَ فِي النَّهْرِ كَيْفَ يَتِمُّ هَذَا مَعَ قَوْلِهِ وَلَهُمَا نِصْفُ الْمَهْرِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْبَاطِلَ لَا مَهْرَ فِيهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 103 حَتَّى يُنْقَلَ كَلَامُ كُلٍّ إلَى الْأُخْرَى وَلَوْ بَدَأَ الزَّوْجُ، فَقَالَ تَزَوَّجْتُكُمَا كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا بِأَلْفٍ، فَقَالَتْ إحْدَاهُمَا رَضِيت وَأَبَتْ الْأُخْرَى فَنِكَاحُهُمَا بَاطِلٌ لِوُجُودِ الْجَمْعِ فِي الْخِطَابِ بَيْنَهُمَا فِي إحْدَى شَطْرَيْ الْعَقْدِ وَإِنَّهُ كَافٍ لِلْفَسَادِ، أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا لَوْ قَالَ لِخَمْسِ نِسْوَةٍ قَدْ تَزَوَّجْتُكُنَّ عَلَى أَلْفٍ، فَقَالَتْ إحْدَاهُمَا رَضِيت لَا يَجُوزُ نِكَاحُهُنَّ لِوُجُودِ الْجَمْعِ مِنْ جَانِبِ الزَّوْجِ فَعُلِمَ بِهِ أَنَّ الْجَمْعَ فِي إحْدَى شَطْرَيْ الْعَقْدِ يُوجِبُ الْفَسَادَ كَالْجَمْعِ فِي شَطْرَيْ الْعَقْدِ اهـ. مَعَ بَعْضِ اخْتِصَارٍ مِنْهُ (قَوْلُهُ وَلَهُمَا نِصْفُ الْمَهْرِ) ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ لِلْأُولَى مِنْهُمَا وَانْعَدَمَتْ الْأَوْلَوِيَّةُ لِلْجَهْلِ بِالْأَوَّلِيَّةِ فَيُصْرَفُ إلَيْهِمَا أَطْلَقَهُ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِأَرْبَعَةِ قُيُودٍ كَمَا قَالُوا: الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ الْمَهْرُ مُسَمًّى فِي الْعَقْدِ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُسَمًّى وَجَبَتْ مُتْعَةٌ وَاحِدَةٌ لَهُمَا بَدَلَ نِصْفِ الْمَهْرِ، وَتَرَكَهُ اعْتِمَادًا عَلَى مَا يُصَرِّحُ بِهِ فِي بَابِ الْمَهْرِ. الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مَهْرَاهُمَا مُتَسَاوِيَيْنِ إذْ لَوْ كَانَا مُخْتَلِفَيْنِ يَقْضِي لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِرُبْعِ، مَهْرِهَا وَلَا حَاجَةَ إلَى التَّقْيِيدِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ وَلَهُمَا نِصْفُ الْمَهْرِ عَلَى السَّوَاءِ حَتَّى يَرِدَ عَلَيْهِ ذَلِكَ. الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الدُّخُولِ إذْ لَوْ كَانَتْ الْفُرْقَةُ بَعْدَ الدُّخُولِ يَجِبُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ الْمَهْرُ كَامِلًا؛ لِأَنَّهُ اسْتَقَرَّ بِالدُّخُولِ فَلَا يَسْقُطُ مِنْهُ شَيْءٌ، وَلَا حَاجَةَ إلَى التَّقْيِيدِ بِهِ؛ لِأَنَّ نِصْفَ الْمَهْرِ حُكْمُ الْفُرْقَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ مَعَ أَنَّهُ مُشْكِلٌ بَلْ إذَا كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ فَإِنَّهُ يَقْضِي بِمَهْرٍ كَامِلٍ وَعُقْرٍ كَامِلٍ وَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا اتَّحَدَ الْمُسَمَّى لَهُمَا قَدْرًا وَجِنْسًا أَمَّا إذَا اخْتَلَفَا فَيَتَعَذَّرُ إيجَابُ عُقْرٍ إذْ لَيْسَتْ إحْدَاهُمَا أَوْلَى بِجَعْلِهَا ذَاتَ الْعَقْدِ مِنْ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّهُ فَرْعُ الْحُكْمِ بِأَنَّهَا الْمَوْطُوءَةُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ. الرَّابِعُ: أَنْ تَدَّعِيَ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أَنَّهَا الْأُولَى وَلَا بَيِّنَةَ لَهُمَا أَمَّا إذَا قَالَتَا لَا نَدْرِي أَيَّ النِّكَاحَيْنِ أَوَّلٌ لَا يَقْضِي لَهُمَا بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْمَقْضِيَّ لَهُ مَجْهُولٌ وَهُوَ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْقَضَاءِ كَمَنْ قَالَ لِرَجُلَيْنِ لِأَحَدِهِمَا: عَلَيَّ أَلْفٌ لَا يَقْضِي لِأَحَدِهِمَا بِشَيْءٍ إلَّا أَنْ يَصْطَلِحَا بِأَنْ يَتَّفِقَا عَلَى أَخْذِ نِصْفِ الْمَهْرِ مِنْهُ فَيَقْضِي لَهُمَا بِهِ، وَهَذَا الْقَيْدُ الرَّابِعُ زَادَهُ أَبُو جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيُّ فَظَاهِرُ الْهِدَايَةِ تَضْعِيفُهُ لَكِنَّهُ حَسَنٌ يَنْدَفِعُ بِهِ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُمَا لِجَهَالَةِ الْمَقْضِيِّ لَهُ وَالْمَرْوِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ مِنْ وُجُوبِ مَهْرٍ كَامِلٍ لَهُمَا لِإِقْرَارِ الزَّوْجِ بِجَوَازِ نِكَاحِ إحْدَاهُمَا أَبْعَدُ لِاسْتِلْزَامِهِ إيجَابَ الشَّيْءِ مَعَ تَحَقُّقِ عَدَمِ لُزُومِهِ فَإِنَّ إيجَابَ كَمَالِهِ حُكْمُ الْمَوْتِ أَوْ الدُّخُولُ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا وَهُوَ مَفْقُودٌ وَفِي التَّبْيِينِ: وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ فَهُوَ الْحُكْمُ بَيْنَ كُلِّ مَنْ لَا يَجُوزُ جَمْعُهُ مِنْ الْمَحَارِمِ. (قَوْلُهُ وَبَيْنَ امْرَأَتَيْنِ، أَيَّةٌ فُرِضَتْ ذَكَرًا حَرُمَ النِّكَاحُ) أَيْ حَرُمَ الْجَمْعُ بَيْنَ امْرَأَتَيْنِ إذَا كَانَتَا بِحَيْثُ لَوْ قُدِّرَتْ إحْدَاهُمَا ذَكَرًا حَرُمَ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا أَيَّتَهُمَا كَانَتْ الْمُقَدَّرَةُ ذَكَرًا كَالْجَمْعِ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَالْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا وَالْجَمْعِ بَيْنَ الْأُمِّ وَالْبِنْتِ نَسَبًا أَوْ رَضَاعًا لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ «لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا وَلَا عَلَى خَالَتِهَا وَلَا عَلَى ابْنَةِ أَخِيهَا وَلَا عَلَى ابْنَةِ أُخْتِهَا» ، وَهَذَا مَشْهُورٌ يَجُوزُ تَخْصِيصُ عُمُومِ الْكِتَابِ {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] بِهِ وَيَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِ الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ مَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ بِرِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ وَهُوَ قَوْلُهُ «فَإِنَّكُمْ إذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ قَطَعْتُمْ أَرْحَامَكُمْ» . وَلِرِوَايَةِ أَبِي دَاوُد «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تُنْكَحَ الْمَرْأَةُ عَلَى قَرَابَتِهَا مَخَافَةَ الْقَطِيعَةِ» فَأَوْجَبَ تَعَدِّيَ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ إلَى كُلِّ قَرَابَةٍ يُفْرَضُ وَصْلُهَا وَهُوَ مَا تَضَمَّنَهُ الْأَصْلُ الْمَذْكُورُ فَيَتَخَرَّجُ عَلَيْهِ حُرْمَةُ الْجَمْعِ بَيْنَ عَمَّتَيْنِ وَخَالَتَيْنِ وَذَلِكَ أَنْ يَتَزَوَّجَ كُلٌّ مِنْ الرَّجُلَيْنِ أُمَّ الْآخَرِ فَيُولَدُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بِنْتٌ فَتَكُونُ كُلٌّ مِنْ الْبِنْتَيْنِ عَمَّةً لِلْأُخْرَى أَوْ يَتَزَوَّجَ كُلٌّ مِنْ رَجُلَيْنِ بِنْتَ الْآخَرِ وَيُولَدُ لَهُمَا بِنْتَانِ فَكُلٌّ مِنْ الْبِنْتَيْنِ خَالَةٌ لِلْأُخْرَى، وَبِمَا قُرِّرَ عُلِمَ أَنَّ الْعِلَّةَ خَوْفُ الْقَطِيعَةِ وَظَهَرَ بِهِ ضَعْفُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْمَبْسُوطِ مِنْ أَنَّ الْعِلَّةَ لَيْسَ ذَلِكَ إذْ لَا قَرَابَةَ بَيْنَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ إذْ لَوْ كَانَا مُخْتَلِفَيْنِ يَقْضِي لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِرُبْعِ مَهْرِهَا) كَذَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَالْكَمَالُ وَفِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ عَنْ الْيَعْقُوبِيَّةِ، وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْكَافِي وَالْكِفَايَةِ وَهُوَ أَنَّ لَهُمَا الْأَقَلَّ مِنْ نِصْفَيْ الْمَهْرَيْنِ؛ لِأَنَّ فِيهِ يَقِينًا اهـ. قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ وَالِاحْتِيَاطُ الْقَضَاءُ بِمَا فِي الْكَافِي وَالْكِفَايَةِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ مَطْرُوقٌ بِاحْتِمَالٍ فَكَانَ قَضَاءً بِمُحْتَمَلٍ اهـ. وَقَدْ فَصَّلَ فِي الدُّرَرِ، فَقَالَ: وَإِنْ اخْتَلَفَا أَيْ مُسَمَّاهُمَا فَإِنْ عَلِمَا فَلِكُلٍّ رُبْعُ مَهْرِهَا وَإِلَّا فَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ نِصْفُ أَقَلِّ الْمُسَمَّيَيْنِ، وَاعْتَرَضَهُ مُحَشُّوهُ بِأَنَّ قَوْلَهُ فَلِكُلٍّ صَوَابُهُ فَلَهُمَا وَبِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّفْصِيلِ لَمْ يُوجَدْ فِي شَيْءٍ مِنْ الْكُتُبِ قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ أَرَادَ أَنْ يُوَفِّقَ بَيْنَ مَا وَقَعَ فِي التَّبْيِينِ وَبَيْنَ مَا وَقَعَ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ بِأَنَّ الْأَوَّلَ فِيمَا إذَا كَانَ مَا سَمَّى لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِعَيْنِهَا مَعْلُومًا كَالْخَمْسِمِائَةِ لِفَاطِمَةَ وَالْأَلْفِ لِزَاهِدَةَ وَالثَّانِي فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَعْلُومًا كَذَلِكَ بِأَنْ يُعْلَمَ أَنَّهُ سَمَّى لِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا خَمْسَمِائَةٍ وَلِلْأُخْرَى أَلْفًا إلَّا أَنَّهُ نَسِيَ تَعْيِينَ كُلٍّ مِنْهُمَا لَكِنَّ سِيَاقَ مَا فِي الْكَافِي وَالْكِفَايَةِ لَا يُؤَدِّي انْحِصَارُهُ فِيمَا أُشِيرَ إلَى حَمْلِهِ عَلَيْهِ وَلِذَا قِيلَ لَوْ حُمِلَ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَةِ لَكَانَ أَوْلَى (قَوْلُهُ مَعَ أَنَّهُ مُشْكِلٌ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ إيجَابُ مَهْرٍ كَامِلٍ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا، وَقَوْلُهُ وَيَجِبُ حَمْلُهُ أَيْ حَمْلُ الْقَضَاءِ بِمَهْرٍ كَامِلٍ وَعُقْرٍ كَامِلٍ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 104 الْأُخْتَيْنِ رَضَاعًا. وَجَوَابُهُ أَنَّ حُرْمَةَ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا لِلْحَدِيثِ «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» وَالْمُرَادُ بِالْحُرْمَةِ فِي قَوْلِهِ حُرِّمَ النِّكَاحُ الْحُرْمَةُ الْمُؤَبَّدَةُ أَمَّا الْمُؤَقَّتَةُ فَلَا تُمْنَعُ، وَلِذَا لَوْ تَزَوَّجَ أَمَةً ثُمَّ سَيِّدَتَهَا فَإِنَّهُ يَجُوزُ كَمَا فِي الْجَامِعِ وَالزِّيَادَاتِ؛ لِأَنَّهَا حُرْمَةٌ مُوَقَّتَةٌ بِزَوَالِ مِلْكِ الْيَمِينِ، وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ تَزَوُّجُ السَّيِّدَةِ عَلَيْهَا نَظَرًا إلَى مُطْلَقِ الْحُرْمَةِ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ أَيَّةٌ فُرِضَتْ؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَاوَزَ نِكَاحَ إحْدَاهُمَا عَلَى تَقْدِيرِ مِثْلِ الْمَرْأَةِ وَبِنْتِ زَوْجِهَا أَوْ امْرَأَةِ ابْنِهَا فَإِنَّهُ يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، وَقَدْ جَمَعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ بَيْنَ زَوْجَةِ عَلِيٍّ وَبِنْتِهِ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ، وَبَيَانُهُ أَنَّهُ لَوْ فُرِضَتْ بِنْتُ الزَّوْجِ ذَكَرًا بِأَنْ كَانَ ابْنَ الزَّوْجِ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِهَا؛ لِأَنَّهَا مَوْطُوءَةُ أَبِيهِ وَلَوْ فُرِضَتْ الْمَرْأَةُ ذَكَرًا لَجَازَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِبِنْتِ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهَا بِنْتُ رَجُلٍ أَجْنَبِيٍّ، وَكَذَلِكَ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَامْرَأَةِ ابْنِهَا فَإِنَّ الْمَرْأَةَ لَوْ فُرِضَتْ ذَكَرًا لَحَرُمَ عَلَيْهِ التَّزَوُّجُ بِامْرَأَةِ ابْنِهِ وَلَوْ فُرِضَتْ امْرَأَةُ الِابْنِ ذَكَرًا لَجَازَ لَهُ التَّزَوُّجُ بِالْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ عَنْهَا قَالُوا: وَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَزَوَّجَ الرَّجُلُ امْرَأَةً وَيَتَزَوَّجَ ابْنُهُ أُمَّهَا أَوْ بِنْتَهَا؛ لِأَنَّهُ لَا مَانِعَ، وَقَدْ تَزَوَّجَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِيَّةِ امْرَأَةً وَزَوَّجَ ابْنَهُ بِنْتَهَا. (قَوْلُهُ وَالزِّنَا وَاللَّمْسُ وَالنَّظَرُ بِشَهْوَةٍ يُوجِبُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الزِّنَا لَا يُوجِبُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ؛ لِأَنَّهَا نِعْمَةٌ فَلَا تُنَالُ بِالْمَحْظُورِ، وَلَنَا: أَنَّ الْوَطْءَ سَبَبُ الْجُزْئِيَّةِ بِوَاسِطَةِ الْوَلَدِ حَتَّى يُضَافَ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمُلًا فَيَصِيرُ أُصُولُهَا وَفُرُوعُهَا كَأُصُولِهِ وَفُرُوعِهِ، وَكَذَلِكَ عَلَى الْعَكْسِ وَالِاسْتِمْتَاعُ بِالْجُزْءِ حَرَامٌ إلَّا فِي مَوْضِعِ الضَّرُورَةِ وَهِيَ الْمَوْطُوءَةُ وَالْوَطْءُ مُحَرَّمٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ سَبَبُ الْوَلَدِ لَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ زِنًا وَاللَّمْسُ وَالنَّظَرُ سَبَبٌ دَاعٍ إلَى الْوَطْءِ فَيُقَامُ مَقَامَهُ فِي مَوْضِعِ الِاحْتِيَاطِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَلَمْ يَسْتَدِلَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ} [النساء: 22] كَمَا فَعَلَ الشَّارِحُونَ لِمَا قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ الِاسْتِدْلَال بِهِ، أَرَادَ بِالزِّنَا الْوَطْءَ الْحَرَامَ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْخِلَافِ، أَمَّا لَوْ وَطِئَ الْمَنْكُوحَةَ نِكَاحًا فَاسِدًا أَوْ الْمُشْتَرَاةَ فَاسِدًا أَوْ الْجَارِيَةَ الْمُشْتَرَكَةَ أَوْ الْمُكَاتَبَةَ أَوْ الْمُظَاهَرَةَ مِنْهَا أَوْ الْأَمَةَ الْمَجُوسِيَّةَ أَوْ زَوْجَتَهُ الْحَائِضَ أَوْ النُّفَسَاءَ أَوْ كَانَ مُحْرِمًا أَوْ صَائِمًا فَإِنَّهُ يَثْبُتُ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ اتِّفَاقًا وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الِاعْتِبَارَ لِعَيْنِ الْوَطْءِ لَا لِكَوْنِهِ حَلَالًا أَوْ حَرَامًا وَلِيُفِيدَ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ حَيَّةً؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَطِئَ الْمَيِّتَةَ فَإِنَّهُ لَا تَثْبُتُ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ بِالْحُرْمَةِ إلَخْ) اعْتِرَاضٌ بِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى قَيْدِ التَّأْبِيدِ لِإِغْنَاءِ قَوْلِهِ أَيَّةٌ فُرِضَتْ ذَكَرًا حَرُمَ النِّكَاحُ فَإِنَّ السَّيِّدَةَ لَوْ فُرِضَتْ ذَكَرًا جَازَ لَهُ وَطْءُ الْأُخْرَى، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالنِّكَاحِ الْوَطْءُ أَوْ مَا يَشْمَلُهُ وَيَشْمَلُ الْعَقْدَ وَلِذَا لَمْ يَذْكُرْهُ فِي النَّهْرِ وَأَخْرَجَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِقَوْلِهِ أَيَّةٌ فُرِضَتْ، نَعَمْ لَوْ أُرِيدَ بِالنِّكَاحِ الْعَقْدُ اُحْتِيجَ إلَيْهِ إذْ يَحْرُمُ إيرَادُ الْعَقْدِ حِينَئِذٍ عَلَيْهِمَا، وَأَمَّا مَا يَأْتِي مِنْ اسْتِحْسَانِ إيرَادِ الْعَقْدِ مِنْ السَّيِّدِ عَلَى الْأَمَةِ فَذَاكَ لِلِاحْتِيَاطِ وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ ذِكْرَ التَّأْبِيدِ وَإِخْرَاجِ الْمَسْأَلَةِ بِقَوْلِهِ أَيَّةٌ فُرِضَتْ كَمَا فِي فَعَلَ فِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ غَيْرُ ظَاهِرٍ بَلْ الْوَاجِبُ الِاقْتِصَارُ عَلَى أَحَدِهِمَا (قَوْلُهُ نَظَرًا إلَى مُطْلَقِ الْحُرْمَةِ) قَالَ فِي النَّهْرِ: الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ لَهُ الْتِفَاتٌ إلَى أَنَّ الْحُرْمَةَ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ كَافِيَةٌ كَمَا قَالَ زُفَرُ فَحَرُمَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَبِنْتِ زَوْجِهَا لَا بِالنَّظَرِ إلَى التَّأْبِيدِ وَعَدَمِهِ. (قَوْلُهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ سَبَبُ الْوَلَدِ) قَالَ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ فَإِنْ قِيلَ: ثُبُوتُ حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ نِعْمَةٌ؛ لِأَنَّهَا تُلْحِقُ الْأَجْنَبِيَّاتِ بِالْأُمَّهَاتِ وَالْأَجَانِبَ بِالْآبَاءِ، وَقَدْ ثَبَتَتْ مُسَبَّبَةً عَنْ الزِّنَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَهُوَ تَنَاقُضٌ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ جَعْلَ الزِّنَا مَشْرُوعًا بَعْدَ النَّهْيِ، فَالْجَوَابُ: مَنْعُ ثُبُوتِهَا مُسَبَّبَةً عَنْ الزِّنَا مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ بَلْ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ سَبَبٌ لِلْمَاءِ الَّذِي هُوَ سَبَبُ الْبَعْضِيَّةِ الْحَاصِلَةِ بِالْوَلَدِ الَّذِي هُوَ مُسْتَحِقُّ الْكَرَامَاتِ، وَمِنْهَا حُرْمَةُ الْمَحَارِمِ إقَامَةً لِلسَّبَبِ الظَّاهِرِ الْمُفْضِي إلَى الْمُسَبَّبِ الْخَفِيِّ مَقَامَهُ كَمَا فِي الْوَطْءِ الْحَلَالِ؛ لِأَنَّ الْوُقُوفَ عَلَى حَقِيقَةِ الْعَلُوقِ مُتَعَذِّرٌ وَالْوَلَدُ عَيْنٌ لَا مَعْصِيَةَ فِيهِ ثُمَّ يَتَعَدَّى حُرْمَةَ أَبِي الْوَاطِئِ وَأَبْنَائِهِ مِنْ الْوَلَدِ إلَى الْمَوْطُوءَةِ وَحُرْمَةَ أُمَّهَاتِ الْمَوْطُوءَةِ وَبَنَاتِهَا مِنْهُ أَيْضًا إلَى الْوَاطِئِ لِصَيْرُورَةِ كُلٍّ مِنْ الْوَاطِئِ وَالْمَوْطُوءَةِ بَعْضًا مِنْ الْآخَرِ بِوَاسِطَةِ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ مَخْلُوقٌ مِنْ مَائِهِمَا وَمُضَافٌ إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا، وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: وَثُبُوتُ حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ عِنْدَهُ أَيْ الزِّنَا بِأَمْرٍ آخَرَ لَا بِالزِّنَا اهـ. عِبَارَةُ ابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ وَقَالَ الْحَلَبِيُّ مُحَشِّي الزَّيْلَعِيِّ، وَهَذَا جَوَابٌ لِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ إنَّ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ نِعْمَةٌ فَلَا تُنَالُ بِالْمَحْظُورِ، بَيَانُهُ: أَنَّ الْوَطْءَ يُثْبِتُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ لَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ زِنًا بَلْ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ سَبَبُ الْوَلَدِ الْمَخْلُوقِ مِنْ الْمَاءَيْنِ وَالْوَلَدُ مُحْتَرَمٌ مُكَرَّمٌ دَاخِلٌ تَحْتَ قَوْلِهِ {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [الإسراء: 70] فَلَيْسَ فِيهِ صِفَةُ الْقُبْحِ؛ لِأَنَّهُ مَخْلُوقٌ بِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى أَيِّ وَجْهٍ اجْتَمَعَ الْمَاءَانِ فِي الرَّحِمِ، أَلَا تَرَى إلَى قَوْله تَعَالَى {ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ} [المؤمنون: 14] فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ فِي الْأَصْلِ وَهُوَ الْوَلَدُ صِفَةَ الْقُبْحِ صَارَ الْمَنْظُورُ إلَيْهِ هُوَ الَّذِي قَامَ مَقَامَهُ وَهُوَ الْوَطْءُ كَالتُّرَابِ لَمَّا قَامَ مَقَامَ الْمَاءِ عِنْدَ عَدَمِهِ صَارَ الْمَنْظُورُ صِفَةَ الْمَاءِ فِي إثْبَاتِ الطَّهَارَةِ لَا صِفَةَ التُّرَابِ الَّذِي هُوَ تَلْوِيثٌ فَلَمْ يَرِدْ عَلَيْنَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ إنَّ الزِّنَا مَحْظُورٌ لَا يَثْبُتُ بِهِ مَا سَبِيلُهُ النِّعْمَةُ وَالْكَرَامَةُ؛ لِأَنَّ الزِّنَا لَيْسَ بِمَنْظُورٍ إلَيْهِ فِي إيجَابِ حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ فَافْهَمْ اهـ. عِبَارَةُ الْحَلَبِيِّ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 105 وَلِيُفِيدَ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِي الْقُبُلِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَطِئَ الْمَرْأَةَ فِي الدُّبُرُ فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَحَلِّ الْحَرْثِ فَلَا يُفْضِي إلَى الْوَلَدِ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ وَسَوَاءٌ كَانَ بِصَبِيٍّ أَوْ امْرَأَةٍ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْوَاقِعَاتِ وَلِأَنَّهُ لَوْ وَطِئَهَا فَأَفْضَاهَا لَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ أُمُّهَا لِعَدَمِ تَيَقُّنِ كَوْنِهِ فِي الْفَرْجِ إلَّا إذَا حَبِلَتْ. وَعُلِمَ كَوْنُهُ مِنْهُ وَأُورِدَ عَلَيْهِمَا أَنَّ الْوَطْءَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ حَقُّهُ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا لِلْحُرْمَةِ كَالْمَسِّ بِشَهْوَةٍ سَبَبٌ لَهَا بَلْ الْمَوْجُودُ فِيهِمَا أَقْوَى مِنْهُ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْعِلَّةَ هِيَ الْوَطْءُ، السَّبَبُ لِلْوَلَدِ وَثُبُوتُ الْحُرْمَةِ بِالْمَسِّ لَيْسَ إلَّا لِكَوْنِهِ سَبَبًا لِهَذَا الْوَطْءِ، وَلَمْ يَتَحَقَّقْ فِي الصُّورَتَيْنِ وَلِيُفِيدَ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ بِغَيْرِ حَائِلٍ يَمْنَعُ وُصُولَ الْحَرَارَةِ فَلَوْ جَامَعَهَا بِخِرْقَةٍ عَلَى ذَكَرِهِ لَا تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَلِيُفِيدَ أَنَّ الْمَوْطُوءَةَ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ مُشْتَهَاةً حَالًا أَوْ مَاضِيًا؛ لِأَنَّ الزِّنَا وَطْءٌ مُكَلَّفٌ فِي قُبُلِ مُشْتَهَاةٍ خَالٍ عَنْ الْمِلْكِ وَشُبْهَتِهِ فَلَوْ جَامَعَ صَغِيرَةً لَا تُشْتَهَى لَا تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ ثُبُوتُهَا قِيَاسًا عَلَى الْعَجُوزِ الشَّوْهَاءِ وَلَهُمَا: أَنَّ الْعِلَّةَ وَطْءٌ، سَبَبٌ لِلْوَلَدِ وَهُوَ مُنْتَفٍ فِي الصَّغِيرَةِ الَّتِي لَا تَشْتَهِي بِخِلَافِ الْكَبِيرَةِ لِجَوَازِ وُقُوعِهِ كَمَا وَقَعَ لِإِبْرَاهِيمَ وَزَكَرِيَّا - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. وَلَهُ أَنْ يَقُولَ الْإِمْكَانُ الْعَقْلِيُّ ثَابِتٌ فِيهِمَا وَالْعَادِيُّ مُنْتَفٍ عَنْهُمَا فَتَسَاوَيَا وَالْقِصَّتَانِ عَلَى خِلَافِ الْعَادَةِ لَا تُوجِبُ الثُّبُوتَ الْعَادِيَّ وَلَا يُخْرِجَانِ الْعَادَةَ عَنْ النَّفْيِ اهـ. وَقَدْ يُقَالُ إنَّهَا دَخَلَتْ تَحْتَ حُكْمِ الِاشْتِهَاءِ فَلَا تَخْرُجُ عَنْهُ بِالْكِبَرِ وَلَا كَذَلِكَ الصَّغِيرَةُ وَلَيْسَ حُكْمُ الْبَقَاءِ كَالِابْتِدَاءِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ مَا دُونَ تِسْعِ سِنِينَ لَا تَكُونُ مُشْتَهَاةً وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ. فَأَفَادَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ سَمِينَةً أَوْ لَا وَلِذَا قَالَ فِي الْمِعْرَاجِ بِنْتُ خَمْسٍ لَا تَكُونُ مُشْتَهَاةً اتِّفَاقًا وَبِنْتُ تِسْعٍ فَصَاعِدًا مُشْتَهَاةٌ اتِّفَاقًا وَفِيمَا بَيْنَ الْخَمْسِ وَالتِّسْعِ اخْتِلَافُ الرِّوَايَةِ وَالْمَشَايِخِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا لَا تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَكَذَا تُشْتَرَطُ الشَّهْوَةُ فِي الذَّكَرِ حَتَّى لَوْ جَامَعَ ابْنُ أَرْبَعِ سِنِينَ زَوْجَةَ أَبِيهِ لَا تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ وَفِي الذَّخِيرَةِ خِلَافُهُ وَظَاهِرُ الْأَوَّلِ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِيهِ السِّنُّ الْمَذْكُورُ لَهَا وَهُوَ تِسْعُ سِنِينَ وَكَمَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهَا مُشْتَهَاةً   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَطِئَ الْمَرْأَةَ فِي الدُّبُرِ) قَالَ الْكَاكِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَمَّا لَوْ لَاطَ بِغُلَامٍ لَا يُوجِبُ ذَلِكَ حُرْمَةً عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ إلَّا عِنْدَ أَحْمَدَ وَالْأَوْزَاعِيِّ فَإِنَّ تَحْرِيمَ الْمُصَاهَرَةِ عِنْدَهُمَا يَتَعَلَّقُ بِاللِّوَاطَةِ حَتَّى تَحْرُمَ عَلَيْهِ أُمُّ الْغُلَامِ وَبِنْتُهُ اهـ. وَفِي الْغَايَةِ وَالْجِمَاعُ فِي الدُّبُرِ لَا يُوجِبُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ وَبِهِ أَخَذَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا، وَقِيلَ: يُوجِبُهَا، وَبِهِ كَانَ يُفْتِي شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْأُوزْجَنْدِيُّ؛ لِأَنَّهُ مَسٌّ وَزِيَادَةٌ، قَالَ صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ وَمَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ أَوَّلًا أَصَحُّ لِعَدَمِ إفْضَائِهِ إلَى الْجُزْئِيَّةِ. (فَرْعٌ) قَالَ الْكَاكِيُّ أَيْضًا ثُمَّ إتْيَانُ الْمَرْأَةِ فِي دُبُرِهَا حَرَامٌ بِإِجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ وَمَا رَوَى ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ لَمْ يَصِحَّ تَحْرِيمُهُ عِنْدَنَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ حَلَالٌ قَالَ الرَّبِيعُ كَذَبَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ فِي سِتَّةِ كُتُبٍ عَلَى تَحْرِيمِهِ وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ تَحْرِيمُهُ وَبَعْضُهُمْ جَعَلَ مَا رُوِيَ عَنْهُ قَوْلًا قَدِيمًا وَالْعِرَاقِيُّونَ لَمْ يُثْبِتُوا الرِّوَايَةَ عَنْ مَالِكٍ وَمَا جَعَلَهُ الْبَعْضُ غَيْرُ ثَابِتٍ، كَذَا فِي شَرْحِ الْوَجِيزِ اهـ. مِنْ حَلَبِيٍّ عَلَى الزَّيْلَعِيِّ (قَوْلُهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ) فِي الْفَتَاوَى الْبَزَّازِيَّةِ لَاطَ بِأُمِّ امْرَأَتِهِ أَوْ بِنْتِهَا لَا تَحْرُمُ الْأُمُّ وَالْبِنْتُ، وَذَكَرَ شَمْسُ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ يُفْتِي بِالْحُرْمَةِ احْتِيَاطًا أَخْذًا بِقَوْلِ بَعْضِ الْمَشَايِخِ (قَوْلُهُ إنَّ الْوَطْءَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ حَقُّهُ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا لِلْحُرْمَةِ كَالْمَسِّ بِشَهْوَةٍ لَهَا) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَفِي عَامَّتِهَا أَنَّ الْوَطْءَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَبَبًا لِلْحُرْمَةِ فَالْمَسُّ بِشَهْوَةٍ سَبَبٌ لَهَا بَلْ الْمَوْجُودُ إلَخْ. (قَوْلُهُ وَلَهُمَا أَنَّ الْعِلَّةَ وَطْءٌ سَبَبٌ لِلْوَلَدِ إلَخْ) قَالَ الْمَقْدِسِيَّ فِيمَا نُقِلَ عَنْهُ يُرَدُّ عَلَيْهِ إنَّهُ مُنْتَفٍ فِي مُطْلَقِ الصَّغِيرَةِ لَا يَخْتَصُّ بِاَلَّتِي لَا تُشْتَهَى فَيَلْزَمُ عَلَيْهِ إنْ وَطِئَ مُطْلَقَ الصَّغِيرَةِ لَا يُوجِبُ الْحُرْمَةَ اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ وَطْءَ الْمُشْتَهَاةِ سَبَبٌ لِلْوَلَدِ؛ لِأَنَّهَا فِي سِنِّ الْبُلُوغِ لِمَا يَأْتِي مِنْ أَنَّ مَا دُونَ تِسْعٍ لَا تَكُونُ مُشْتَهَاةً عَلَى الْمُفْتَى بِهِ وَالْمُعْتَمَدُ أَيْضًا فِي سِنِّ الْبُلُوغِ تِسْعٌ (قَوْلُهُ: وَقَدْ يُقَالُ إنَّهَا دَخَلَتْ تَحْتَ حُكْمِ الِاشْتِهَاءِ إلَخْ) مَأْخُوذٌ مِمَّا فِي الذَّخِيرَةِ حَيْثُ قَالَ وَفِي الْفَتَاوَى سُئِلَ الْفَقِيهُ أَبُو بَكْرٍ عَمَّنْ قَبَّلَ امْرَأَةَ ابْنِهِ وَهِيَ بِنْتُ خَمْسِ سِنِينَ أَوْ سِتِّ سِنِينَ عَنْ شَهْوَةٍ قَالَ: لَا تَحْرُمُ عَلَى ابْنِهِ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُشْتَهَاةٍ وَإِنْ اشْتَهَاهَا وَلَا يُنْظَرُ إلَى ذَلِكَ، قِيلَ لَهُ: فَإِنْ كَبُرَتْ حَتَّى خَرَجَتْ عَنْ حَدِّ الِاشْتِهَاءِ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا؟ قَالَ: تَحْرُمُ؛ لِأَنَّ الْكَبِيرَةَ دَخَلَتْ تَحْتَ الْحُرْمَةِ فَلَا تَخْرُجُ وَإِنْ كَبُرَتْ وَلَا كَذَلِكَ الصَّغِيرَةُ. (قَوْلُهُ وَظَاهِرُ الْأَوَّلِ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِيهِ السِّنُّ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ عَلَّلَ فِي الْفَتْحِ بِعَدَمِ اشْتِهَائِهِ وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّ مَنْ لَا يَشْتَهِي لَا تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ بِجِمَاعِهِ وَلَا خَفَاءَ أَنَّ ابْنَ تِسْعٍ عَارٍ مِنْ هَذَا بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُرَاهِقًا ثُمَّ رَأَيْته فِي الْخَانِيَّةِ قَالَ: الصَّبِيُّ الَّذِي يُجَامِعُ مِثْلُهُ كَالْبَالِغِ، قَالُوا: وَهُوَ أَنْ يُجَامِعَ وَيَشْتَهِيَ وَتَسْتَحْيِي النِّسَاءُ مِنْ مِثْلِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي اعْتِبَارِ كَوْنِهِ مُرَاهِقًا لَا ابْنَ تِسْعٍ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي الْفَتْحِ: مَسُّ الْمُرَاهِقِ كَالْبَالِغِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: الْمُرَاهِقُ كَالْبَالِغِ حَتَّى لَوْ جَامَعَ امْرَأَتَهُ أَوْ لَمَسَ بِشَهْوَةٍ تَثْبُتُ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ اهـ. قُلْتُ: لَكِنْ فِي الْوَهْبَانِيَّةِ وَمَنْ هِيَ مَسَّتْ لِابْنِ سِتٍّ بِشَهْوَةٍ ... يَحْرُمُهُ صِهْرٌ أَوْ مَنْ هُوَ أَكْبَرُ وَعَزَاهُ ابْنُ الشِّحْنَةِ إلَى الظَّهِيرِيَّةِ وَالْقُنْيَةِ بِرَقْمِ بُرْهَانِ الدِّينِ قَالَ: ثُمَّ قَالَ: صَبِيٌّ مَسَّتْهُ امْرَأَةٌ بِشَهْوَةٍ فَإِنْ كَانَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 106 لِثُبُوتِ الْحُرْمَةِ فِي الزِّنَا فَكَذَلِكَ لِثُبُوتِهَا فِي الْوَطْءِ الْحَلَالِ لِمَا فِي الْأَجْنَاسِ لَوْ تَزَوَّجَ صَغِيرَةً لَا تُشْتَهَى فَدَخَلَ بِهَا وَطَلَّقَهَا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَتَزَوَّجَتْ بِآخَرَ جَازَ لَهُ تَزَوُّجُ بِنْتِهَا. وَأَطْلَقَ فِي اللَّمْسِ وَالنَّظَرِ بِشَهْوَةٍ، فَأَفَادَ إنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ وَالْإِكْرَاهِ حَتَّى لَوْ أَيْقَظَ زَوْجَتَهُ لِيُجَامِعَهَا فَوَصَلَتْ يَدُهُ إلَى بِنْتِهِ مِنْهَا فَقَرَصَهَا بِشَهْوَةٍ وَهِيَ تُشْتَهَى يَظُنُّ أَنَّهَا أُمُّهَا حَرُمَتْ عَلَيْهِ الْأُمُّ حُرْمَةً مُؤَبَّدَةً، وَلَك أَنْ تَصَوَّرَهَا مِنْ جَانِبِهَا بِأَنْ أَيْقَظَتْهُ هِيَ لِذَلِكَ فَقَرَصَتْ ابْنَهُ مِنْ غَيْرِهَا كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَأَطْلَقَ فِي اللَّمْسِ فَشَمِلَ كُلَّ مَوْضِعٍ مِنْ بَدَنِهَا وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ مَسَّ شَعْرَ امْرَأَةٍ عَنْ شَهْوَةٍ قَالُوا: لَا تَثْبُتُ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ، وَذَكَرَ فِي الْكَيْسَانِيَّاتِ أَنَّهَا تَثْبُتُ اهـ. وَيَنْبَغِي تَرْجِيحُ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الشَّعْرَ مِنْ بَدَنِهَا مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْغُسْلِ فَتَثْبُتُ الْحُرْمَةُ احْتِيَاطًا كَحُرْمَةِ النَّظَرِ إلَيْهِ مِنْ الْأَجْنَبِيَّةِ وَلِذَا جَزَمَ فِي الْمُحِيطِ بِثُبُوتِهَا وَفَصَّلَ فِي الْخُلَاصَةِ: فَمَا عَلَى الرَّأْسِ كَالْبَدَنِ بِخِلَافِ الْمُسْتَرْسِلِ وَانْصَرَفَ اللَّمْسُ إلَى أَيِّ مَوْضِعٍ مِنْ الْبَدَنِ بِغَيْرِ حَائِلٍ، وَأَمَّا إذَا كَانَ بِحَائِلٍ فَإِنْ وَصَلَتْ حَرَارَةُ الْبَدَنِ إلَى يَدِهِ تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ وَإِلَّا فَلَا، كَذَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ، فَمَا فِي الذَّخِيرَةِ مِنْ أَنَّ الشَّيْخَ الْإِمَامَ ظَهِيرَ الدِّينِ يُفْتِي بِالْحُرْمَةِ فِي الْقُبْلَةِ عَلَى الْفَمِ وَالذَّقَنِ وَالْخَدِّ وَالرَّأْسِ وَإِنْ كَانَ عَلَى الْمُقَنَّعَةِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ الْمُقَنَّعَةُ رَقِيقَةً تَصِلُ الْحَرَارَةُ مَعَهَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَقَيَّدَ بِكَوْنِ اللَّمْسِ عَنْ شَهْوَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَنْ غَيْرِ شَهْوَةٍ لَمْ يُوجِبْ الْحُرْمَةَ وَالْمُرَاهِقُ كَالْبَالِغِ وَوُجُودُ الشَّهْوَةِ مِنْ أَحَدِهِمَا كَافٍ، فَإِنْ ادَّعَتْهَا وَأَنْكَرَهَا فَهُوَ مُصَدَّقٌ إلَّا أَنْ يَقُومَ إلَيْهَا مُنْتَشِرًا فَيُعَانِقُهَا؛ لِأَنَّهُ دَلِيلُ الشَّهْوَةِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَزَادَ فِي الْخُلَاصَةِ فِي عَدَمِ تَصْدِيقِهِ أَنْ يَأْخُذَ ثَدْيَهَا أَوْ يَرْكَبَ مَعَهَا، وَتُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالْمَسِّ بِشَهْوَةٍ وَعَلَى الْإِقْرَارِ بِالتَّقْبِيلِ بِشَهْوَةٍ وَهَلْ تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَى نَفْسِ اللَّمْسِ وَالتَّقْبِيلِ عَنْ شَهْوَةٍ؟ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا تُقْبَلُ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْفَضْلِ؛ لِأَنَّهَا أَمْرٌ بَاطِنٌ لَا يُوقَفُ عَلَيْهَا عَادَةً، وَقِيلَ تُقْبَلُ وَإِلَيْهِ مَالَ الْإِمَامُ عَلِيٌّ الْبَزْدَوِيُّ، وَكَذَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي نِكَاحِ الْجَامِعِ؛ لِأَنَّ الشَّهْوَةَ مِمَّا يُوقَفُ عَلَيْهَا فِي الْجُمْلَةِ إمَّا بِتَحَرُّكِ الْعُضْوِ أَوْ بِآثَارٍ أُخَرَ مِمَّنْ لَا يَتَحَرَّكُ عُضْوُهُ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ. وَالْمُخْتَارُ الْقَبُولُ كَمَا فِي التَّجْنِيسِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَثُبُوتُ الْحُرْمَةِ بِلَمْسِهَا مَشْرُوطٌ بِأَنْ يُصَدِّقَهَا وَيَقَعَ فِي أَكْبَرِ رَأْيِهِ صِدْقُهَا وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ فِي مَسِّهِ إيَّاهَا لَا تَحْرُمُ عَلَى أَبِيهِ وَابْنِهِ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهَا أَوْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ صِدْقُهَا ثُمَّ رَأَيْت عَنْ أَبِي يُوسُفَ مَا يُفِيدُ ذَلِكَ اهـ. وَأَطْلَقَ فِي اشْتِرَاطِ الشَّهْوَةِ فِي اللَّمْسِ فَأَفَادَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ التَّقْبِيلِ عَلَى الْفَمِ وَبَيْنَ غَيْرِهِ وَفِي الْجَوْهَرَةِ لَوْ مَسَّ أَوْ قَبَّلَ وَقَالَ لَمْ أَشْتَهِ صُدِّقَ إلَّا إذَا كَانَ اللَّمْسُ عَلَى الْفَرْجِ وَالتَّقْبِيلُ فِي الْفَمِ اهـ. وَرَجَّحَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ قَالَ إلَّا أَنَّهُ يَتَرَاءَى عَلَى هَذَا أَنَّ الْخَدَّ مُلْحَقٌ بِالْفَمِ وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ إذَا قَبَّلَ أُمَّ امْرَأَته أَوْ امْرَأَةً أَجْنَبِيَّةً يُفْتَى بِالْحُرْمَةِ مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ أَنَّهُ قَبَّلَ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي التَّقْبِيلِ هُوَ الشَّهْوَةُ بِخِلَافِ الْمَسِّ اهـ. وَكَذَا فِي الذَّخِيرَةِ إلَّا أَنَّهُ قَالَ: وَظَاهِرُ مَا أَطْلَقَ فِي بُيُوعِ الْعُيُونِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُصَدَّقُ فِي الْقُبْلَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ عَلَى الْفَمِ أَوْ عَلَى مَوْضِعٍ آخَرَ اهـ. وَأَطْلَقَ فِي النَّظَرِ بِشَهْوَةٍ لِلِاخْتِلَافِ فِي مَحَلِّهِ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ النَّظَرُ إلَى مَنَابِتِ الشَّعْرِ يَكْفِي وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا تَثْبُتُ حَتَّى يَنْظُرَ إلَى الشَّقِّ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا بُدَّ أَنْ يَنْظُرَ إلَى الْفَرْجِ الدَّاخِلِ   [منحة الخالق] ابْنَ خَمْسِ سِنِينَ وَلَمْ يَكُنْ يَشْتَهِي لِلنِّسَاءِ فَلَا تَثْبُتُ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ وَقَالَ فِي ابْنِ سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ يَثْبُتُ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ ثُمَّ رَقَمَ لِظَهِيرِ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيِّ صَبِيٌّ قَبَّلَتْهُ امْرَأَةُ أَبِيهِ أَوْ عَلَى الْعَكْسِ بِشَهْوَةٍ رَأَيْت مَنْصُوصًا عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ إنْ كَانَ الصَّبِيُّ يَعْقِلُ الْجِمَاعَ تَثْبُتُ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ وَإِلَّا فَلَا، وَتَمَامُهُ هُنَاكَ فَرَاجِعْهُ. (قَوْلُهُ فَقَرَصَتْ ابْنَهُ مِنْ غَيْرِهَا) قَالَ فِي النَّهْرِ قَيَّدَ بِابْنِهِ مِنْ غَيْرِهَا لِيُعْلَمَ مَا إذَا كَانَ مِنْهَا بِالْأَوْلَى (قَوْلُهُ وَفَصَّلَ فِي الْخُلَاصَةِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ شِقَّا هَذَا الْقَوْلِ مَحْمَلَ الْقَوْلَيْنِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْخِلَافُ فِي لَمْسِهَا لِشَعْرِهِ كَذَلِكَ وَلَمْ أَرَهُ (قَوْلُهُ وَوُجُودُ الشَّهْوَةِ مِنْ أَحَدِهِمَا كَافٍ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَقُولُ: قَالَ فِي مُلْتَقَى الْأَبْحُرِ: وَكَذَا اللَّمْسُ بِشَهْوَةٍ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ وَنَظَرُهُ إلَى فَرْجِهَا الدَّاخِلِ وَنَظَرُهَا إلَى ذَكَرِهِ بِشَهْوَةٍ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فِي بَحْثِ اللَّمْسِ: ثَمَّ وُجُودُ الشَّهْوَةِ مِنْ أَحَدِهِمَا كَافٍ وَلَمْ يَذْكُرُوا ذَلِكَ فِي النَّظَرِ فَدَلَّ أَنَّهُ لَوْ لَمَسَهَا وَلَمْ يَشْتَهِ هُوَ وَاشْتَهَتْ هِيَ حَالَ الْمَسِّ وَعَكْسُهُ تَحْرُمُ الْمُصَاهَرَةُ بِخِلَافِ مَا لَوْ نَظَرَ إلَى فَرْجِهَا فَاشْتَهَتْ هِيَ لَا هُوَ وَعَكْسُهُ وَالْفَرْقُ اشْتِرَاكُهُمَا فِي لَذَّةِ اللَّمْسِ كَالْمُشْتَرَكِينَ فِي لَذَّةِ الْجِمَاعِ بِخِلَافِ النَّظَرِ فَإِنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ ذَلِكَ فِي نَظَرِهِ لَهَا بِلَا شَهْوَةٍ مِنْهُ لَهَا وَفِي نَظَرِهَا إلَى فَرْجِهِ بِلَا شَهْوَةٍ مِنْهَا لَهُ وَإِنْ اشْتَهَتْ هِيَ تَأَمَّلْ، قُلْتُ: وَقَوْلُهُ وَإِنْ اشْتَهَتْ هِيَ لَا مَحَلَّ لَهُ هُنَا تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَالْمُخْتَارُ الْقَبُولُ كَمَا فِي التَّجْنِيسِ) عِبَارَتُهُ: الْمُخْتَارُ أَنَّهُ يُقْبَلُ، إلَيْهِ أَشَارَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ عَلِيٌّ الْبَزْدَوِيُّ؛ لِأَنَّ الشَّهْوَةَ مِمَّا يُوقَفُ عَلَيْهِ بِتَحَرُّكِ الْعُضْوِ مِنْ الَّذِي يَتَحَرَّكُ عُضْوُهُ أَوْ بِآثَارٍ أُخَرَ مِمَّنْ لَا يَتَحَرَّكُ عُضْوُهُ. اهـ. وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ مَا فِي النَّهْرِ مِنْ عَزْوِهِ إلَى التَّجْنِيسِ أَنَّ الْمُخْتَارَ عَدَمُ الْقَبُولِ سَبْقُ قَلَمٍ (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهَا إلَخْ) الَّذِي فِي الْفَتْحِ: إلَّا أَنْ يُصَدِّقَاهُ أَوْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِمَا صِدْقُهُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 107 وَلَنْ يَتَحَقَّقَ ذَلِكَ إلَّا إذَا كَانَتْ مُتَّكِئَةً، وَاخْتَارَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَصَحَّحَهُ فِي الْمُحِيطِ وَالذَّخِيرَةِ وَفِي الْخَانِيَّةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ هَذَا حُكْمٌ تَعَلَّقَ بِالْفَرْجِ وَالدَّاخِلُ فَرْجٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَالْخَارِجُ فَرْجٌ مِنْ وَجْهٍ وَأَنَّ الِاحْتِرَازَ عَنْ الْفَرْجِ الْخَارِجِ مُتَعَذِّرٌ فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ وَلَا يُقَالُ إنَّهُ إذَا تَرَدَّدَ فَالِاحْتِيَاطُ الْقَوْلُ بِثُبُوتِهَا؛ لِأَنَّ هَذَا الْحُكْمَ وَهُوَ التَّحْرِيمُ بِالْمَسِّ وَالنَّظَرِ ثُبُوتُهُ بِالِاحْتِيَاطِ فَلَا يَجِبُ الِاحْتِيَاطُ فِي الِاحْتِيَاطِ لَكِنْ صَحَّحَ فِي الْخُلَاصَةِ النَّظَرَ إلَى مَوْضِعِ الشَّقِّ عَنْ شَهْوَةٍ فَهُوَ تَصْحِيحٌ لِقَوْلِ مُحَمَّدٍ السَّابِقِ، وَظَاهِرُ مَا فِي الذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهَا أَنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ النَّظَرَ بِشَهْوَةٍ إلَى سَائِرِ أَعْضَائِهَا لَا عِبْرَةَ بِهِ مَا عَدَا الْفَرْجَ وَحِينَئِذٍ فَإِطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ فِي مَحَلِّ التَّقْيِيدِ كَمَا لَا يَخْفَى، وَالْعِبْرَةُ لِوُجُودِ الشَّهْوَةِ عِنْدَ الْمَسِّ وَالنَّظَرِ حَتَّى لَوْ وُجِدَا بِغَيْرِ شَهْوَةٍ ثُمَّ اشْتَهَى بَعْدَ التَّرْكِ لَا تَتَعَلَّقُ بِهِ حُرْمَةٌ. وَالنَّظَرُ مِنْ وَرَاءِ الزُّجَاجِ يُوجِبُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ بِخِلَافِ الْمِرْآةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرَ فَرْجَهَا، وَإِنَّمَا رَأَى عَكْسَ فَرْجِهَا، وَكَذَا لَوْ وَقَفَ عَلَى الشَّطِّ فَنَظَرَ إلَى الْمَاءِ فَرَأَى فَرْجَهَا لَا يُوجِبُ الْحُرْمَةَ وَلَوْ كَانَتْ هِيَ فِي الْمَاءِ فَرَأَى فَرْجَهَا تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ حَدَّ الشَّهْوَةِ لِلِاخْتِلَافِ، فَقِيلَ: لَا بُدَّ أَنْ تَنْتَشِرَ آلَتُهُ إذَا لَمْ تَكُنْ مُنْتَشِرَةً أَوْ تَزْدَادَ انْتِشَارًا إنْ كَانَتْ مُنْتَشِرَةً، وَقِيلَ: حَدُّهَا أَنْ يَشْتَهِيَ بِقَلْبِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ مُشْتَهِيًا أَوْ يَزْدَادَ إنْ كَانَ مُشْتَهِيًا وَلَا يُشْتَرَطُ تَحَرُّكُ الْآلَةِ وَصَحَّحَهُ فِي الْمُحِيطِ وَالتُّحْفَةِ وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ وَصَحَّحَ الْأَوَّلَ فِي الْهِدَايَةِ، وَفَائِدَةُ الِاخْتِلَافِ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ تَظْهَرُ فِي الشَّيْخِ الْكَبِيرِ وَالْعِنِّينِ وَاَلَّذِي مَاتَتْ شَهْوَتُهُ فَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ لَا تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ وَعَلَى الثَّانِي تَثْبُتُ فَقَدْ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ لَكِنْ فِي الْخُلَاصَةِ وَبِهِ يُفْتَى أَيْ بِمَا فِي الْهِدَايَةِ فَكَانَ هُوَ الْمَذْهَبَ لَكِنَّ ظَاهِرَ مَا فِي التَّجْنِيسِ وَفَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ مَيْلَ الْقَلْبِ كَافٍ فِي الشَّيْخِ وَالْعِنِّينِ اتِّفَاقًا وَأَنَّ مَحَلَّ الِاخْتِلَافِ فِيمَنْ يَتَأَتَّى مِنْهُ الِانْتِشَارُ إذَا مَالَ بِقَلْبِهِ وَلَمْ تَنْتَشِرْ آلَتُهُ وَهُوَ أَحْسَنُ مِمَّا فِي الذَّخِيرَةِ كَمَا لَا يَخْفَى. وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ وَلَمْ يُقَيِّدْ الْمَسَّ وَالنَّظَرَ بِشَهْوَةٍ بِغَيْرِ الْإِنْزَالِ لِلِاخْتِلَافِ فِيمَا إذَا أَنْزَلَ، فَقِيلَ يُوجِبُ الْحُرْمَةَ وَفِي الْهِدَايَةِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُوجِبُهَا؛ لِأَنَّهُ بِالْإِنْزَالِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ غَيْرُ مُفْضٍ إلَى الْوَطْءِ وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى فَقَدْ أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا فِي مَحَلِّ التَّقْيِيدِ وَأَطْلَقَ فِي اللَّامِسِ وَالْمَلْمُوسِ لِيُفِيدَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فَلَوْ مَسَّتْ الْمَرْأَةُ عُضْوًا مِنْ أَعْضَاءِ الرَّجُلِ بِشَهْوَةٍ أَوْ نَظَرَتْ إلَى ذَكَرِهِ بِشَهْوَةٍ تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ، وَأَطْلَقَ فِيهِمَا أَيْضًا فَشَمِلَ الْمَسَّ وَالنَّظَرَ الْمُبَاحَيْنِ وَالْمُحَرَّمَيْنِ وَأَرَادَ بِحُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ الْحُرُمَاتِ الْأَرْبَعَ: حُرْمَةَ الْمَرْأَةِ عَلَى أُصُولِ الزَّانِي وَفُرُوعِهِ نَسَبًا وَرَضَاعًا وَحُرْمَةَ أُصُولِهَا وَفُرُوعِهَا عَلَى الزَّانِي نَسَبًا وَرَضَاعًا كَمَا فِي الْوَطْءِ الْحَلَالِ وَيَحِلُّ لِأُصُولِ الزَّانِي وَفُرُوعِهِ أُصُولُ الْمَزْنِيِّ بِهَا وَفُرُوعُهَا وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ تُوجِبُ الْمَحْرَمِيَّةَ لَكَانَ أَوْلَى لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَإِذَا فَجَرَ الرَّجُلُ بِامْرَأَةٍ ثُمَّ تَابَ يَكُونُ مَحْرَمًا لِابْنَتِهَا؛ لِأَنَّهُ حَرُمَ عَلَيْهِ نِكَاحُ ابْنَتِهَا عَلَى التَّأْبِيدِ، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَحْرَمِيَّةَ تَثْبُتُ بِالْوَطْءِ الْحَرَامِ وَبِمَا تَثْبُتُ بِهِ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ. اهـ. وَفِي كَشْفِ الْأَسْرَارِ مِنْ بَحْثِ النَّهْيِ: وَبَعْضُ أَصْحَابِنَا قَالُوا حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ تَثْبُتُ بِطَرِيقِ الْعُقُوبَةِ كَمَا يَثْبُتُ حِرْمَانُ الْإِرْثِ فِي حَقِّ الْقَاتِلِ عُقُوبَةً، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ} [النساء: 160] وَعَلَى هَذَا الطَّرِيقِ يَقُولُونَ: الْمَحْرَمِيَّةُ لَا تَثْبُتُ حَتَّى لَا تُبَاحَ الْخَلْوَةُ وَالْمُسَافَرَةُ وَلَكِنَّ هَذَا فَاسِدٌ فَإِنَّ التَّعْلِيلَ لِتَعْدِيَةِ حُكْمِ النَّصِّ لَا لِإِثْبَاتِ حُكْمٍ آخَرَ سِوَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فَإِنَّ ابْتِدَاءَ الْحُكْمِ لَا يَجُوزُ إثْبَاتُهُ بِالتَّعْلِيلِ وَالْمَنْصُوصُ بِهِ حُرْمَةٌ ثَابِتَةٌ بِطَرِيقِ الْكَرَامَةِ فَإِنَّمَا يَجُوزُ التَّعْلِيلُ لِتَعْدِيَةِ تِلْكَ الْحُرْمَةِ لَا لِإِثْبَاتِ حُرْمَةٍ أُخْرَى كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ قُلْتُ: وَإِنَّمَا اخْتَارَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا هَذَا الطَّرِيقَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْحُرْمَةَ لَمَّا كَانَتْ بِطَرِيقِ الِاحْتِيَاطِ كَانَ الِاحْتِيَاطُ فِي إثْبَاتِ حُرْمَةِ الْمُنَاكَحَةِ وَالْمُسَافَرَةِ وَالْخَلْوَةِ جَمِيعًا كَمَا قَالُوا فِيمَا إذَا كَانَ الرَّضَاعُ ثَابِتًا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ لَكِنَّ ظَاهِرَ مَا فِي التَّجْنِيسِ وَفَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ مَيْلَ الْقَلْبِ كَافٍ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ ثُمَّ هَذَا الْحَدُّ فِي حَقِّ الشَّابِّ أَمَّا الشَّيْخُ وَالْعِنِّينُ فَحَدُّهُمَا تَحَرُّكُ قَلْبِهِ أَوْ زِيَادَةُ تَحَرُّكِهِ إنْ كَانَ مُتَحَرِّكًا لَا مُجَرَّدُ مَيَلَانِ النَّفْسِ فَإِنَّهُ يُوجَدُ فِيمَنْ لَا شَهْوَةَ لَهُ أَصْلًا كَالشَّيْخِ الْفَانِي، ثُمَّ قَالَ ثُمَّ وُجُودُ الشَّهْوَةِ مِنْ أَحَدِهِمَا كَافٍ وَلَمْ يَحِدُّوا الْحَدَّ الْمُحَرَّمَ مِنْهَا فِي حَقِّ الْحُرْمَةِ وَأَقَلُّهُ تَحَرُّكُ الْقَلْبِ عَلَى وَجْهٍ يُشَوِّشُ الْخَاطِرَ. (قَوْلُهُ وَيَحِلُّ إلَخْ) يَعْنِي إذَا لَمْ يَكُنْ الْأُصُولُ مِنْهُمَا مَعًا لِمَا قَالَ فِي مِنَحِ الْغَفَّارِ، وَكَذَا أُخْتُهُ أَيْ وَكَذَا أُخْتُ الرَّجُلِ مِنْ الزِّنَا وَبِنْتُ أَخِيهِ وَبِنْتُ أُخْتِهِ أَوْ ابْنِهِ مِنْهُ بِأَنْ زَنَى أَبُوهُ أَوْ أَخُوهُ أَوْ أُخْتُهُ أَوْ ابْنُهُ فَأَوْلَدُوا بِنْتًا فَإِنَّهَا تَحْرُمُ عَلَى الْأَخِ وَالْعَمِّ وَالْخَالِ وَالْجَدِّ، وَصُورَتُهُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ: أَنْ يَزْنِيَ بِبِكْرٍ وَيُمْسِكَهَا حَتَّى تَلِدَ بِنْتًا، كَذَا قَالَهُ الْكَمَالُ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ. (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ تُوجِبُ الْمَحْرَمِيَّةَ لَكَانَ أَوْلَى إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَا يَخْفَى أَنَّ الْكَلَامَ فِي مُحَرَّمَاتِ النِّكَاحِ اهـ. يَعْنِي فَالْأَوْلَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 108 غَيْرَ مَشْهُورٍ لَا تَحِلُّ الْمُنَاكَحَةُ وَلَا الْخَلْوَةُ وَالْمُسَافَرَةُ لِلِاحْتِيَاطِ اهـ. كَلَامُهُ. وَفِي الْخُلَاصَةِ قِيلَ: لِرَجُلٍ مَا فَعَلْت بِأُمِّ امْرَأَتِك؟ قَالَ: جَامَعْتهَا ثَبَتَتْ الْحُرْمَةُ وَلَا يُصَدَّقُ أَنَّهُ كَذَبَ وَإِنْ كَانُوا هَازِلِينَ وَالْإِصْرَارُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الْإِقْرَارِ لِحُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ. اهـ. وَهَذَا عِنْدَ الْقَاضِي وَأَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى إنْ كَانَ كَاذِبًا فِيمَا أَقَرَّ لَمْ تَثْبُتْ الْحُرْمَةُ كَمَا فِي التَّجْنِيسِ، وَإِذَا أَقَرَّ بِجِمَاعِ أُمِّهَا قَبْلَ التَّزَوُّجِ لَا يُصَدَّقُ فِي حَقِّهَا فَيَجِبُ كَمَالُ الْمَهْرِ الْمُسَمَّى إنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ وَنِصْفُهُ إنْ كَانَ قَبْلَهُ كَمَا فِي التَّجْنِيسِ أَيْضًا، فَإِنْ قُلْتُ: لَوْ قَالَ هَذِهِ أُمِّي رَضَاعًا ثُمَّ رَجَعَ وَتَزَوَّجَهَا صَحَّ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا؟ أَجَابَ عَنْهُ فِي التَّجْنِيسِ: بِأَنَّهُ فِي مَسْأَلَتِنَا أَخْبَرَ عَنْ فِعْلِهِ وَهُوَ الْجِمَاعُ وَالْخَطَأُ فِيهِ نَادِرٌ فَلَمْ يُصَدَّقْ وَهُنَا أَخْبَرَ عَنْ فِعْلِ غَيْرِهِ وَهُوَ الْإِرْضَاعُ فَلَهُ الرُّجُوعُ وَالتَّنَاقُضُ فِيهِ مَعْفُوٌّ كَالْمُكَاتَبِ إذَا ادَّعَى الْعِتْقَ قَبْلَ الْكِتَابَةِ وَالْمُخْتَلِعَةِ إذَا ادَّعَتْ الطَّلَاقَ قَبْلَ الْخُلْعِ يُصَدَّقَانِ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ. (قَوْلُهُ وَحَرُمَ تَزَوُّجُ أُخْتَ مُعْتَدَّتِهِ) ؛ لِأَنَّ أَثَرَ النِّكَاحِ قَائِمٌ فَلَوْ جَازَ تَزَوُّجُ أُخْتِهَا لَزِمَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ فَلَا يَجُوزُ، أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْمُعْتَدَّةَ عَنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ أَوْ بَائِنٍ أَوْ عَنْ إعْتَاقِ أُمِّ وَلَدٍ خِلَافًا لَهُمَا، أَوْ عَنْ تَفْرِيقٍ بَعْدَ نِكَاحٍ فَاسِدٍ وَشَمِلَ الْأُخْتَ نَسَبًا وَرَضَاعًا، وَأَشَارَ إلَى حُرْمَةِ تَزَوُّجِ مَحَارِمِهَا فِي عِدَّتِهَا مُطْلَقًا كَعَمَّتِهَا وَخَالَتِهَا وَإِلَى أَنَّ مَنْ طَلَّقَ الْأَرْبَعَ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهِنَّ فَإِنْ انْقَضَتْ عِدَّةُ الْكُلِّ مَعًا، جَازَ لَهُ تَزَوُّجُ أَرْبَعٍ وَإِنْ وَاحِدَةً فَوَاحِدَةٌ وَلَهُ تَزَوُّجُ أَرْبَعٍ سِوَى أُمِّ وَلَدِهِ الْمُعْتَدَّةِ مِنْهُ بَعْدَ عِتْقِهَا وَإِذَا أَخْبَرَ عَنْ مُطَلَّقَتِهِ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا فَإِنْ كَانَتْ الْمُدَّةُ لَا تَحْتَمِلُ لَا يَصِحُّ نِكَاحُ أُخْتِهَا إلَّا أَنْ يُفَسِّرَهُ بِإِسْقَاطِ مُسْتَبِينِ الْخَلْقِ، وَإِنْ احْتَمَلَ حَلَّ نِكَاحُ أُخْتِهَا وَلَوْ كَذَّبَتْهُ الْمُخْبَرُ عَنْهَا، فَإِنْ أَخْبَرَ وَهُوَ صَحِيحٌ وَكَذَّبَتْهُ ثُمَّ مَاتَ فَالْمِيرَاثُ لِلثَّانِيَةِ وَلَوْ كَانَ طَلَاقُ الْأُولَى رَجْعِيًّا وَإِنْ كَانَ مَرِيضًا فَلِلْأُولَى فَقَطْ، وَلِزَوْجِ الْمُرْتَدَّةِ اللَّاحِقَةِ بِدَارِ الْحَرْبِ تَزَوُّجُ أُخْتِهَا وَأَرْبَعٍ سِوَاهَا قَبْلَ عِدَّتِهَا كَمَوْتِهَا وَعَوْدِهَا مُسْلِمَةً لَا يَبْطُلُ نِكَاحُ أُخْتِهَا لَوْ بَعْدَهُ وَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ لَوْ قَبْلَهُ وَفِي الْمِعْرَاجِ لَوْ كَانَتْ إحْدَى الْأَرْبَعِ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَطَلَّقَهَا لَا تَحِلُّ لَهُ الْخَامِسَةُ إلَّا بَعْدَ خَمْسِ سِنِينَ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ حَامِلًا فَيَبْقَى حَمْلُهَا خَمْسَ سِنِينَ، فَلَوْ طَلَّقَهَا بَعْدَ خُرُوجِهَا بِسَنَةٍ انْتَظَرَ أَرْبَعًا فَإِذَا كَانَ احْتِمَالُ الْحَمْلِ يَمْنَعُ فَهُوَ مَوْجُودٌ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَيْضًا اهـ. وَهُوَ مُشْكِلٌ. (قَوْلُهُ وَأَمَتُهُ وَسَيِّدَتُهُ) أَيْ وَحَرُمَ تَزَوُّجُ أَمَتِهِ وَسَيِّدَتِهِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ مَا شُرِعَ إلَّا مُثْمِرًا ثَمَرَاتٍ مُشْتَرَكَةً بَيْنَ الْمُتَنَاكِحَيْنِ، وَالْمَمْلُوكِيَّةُ تُنَافِي الْمَالِكِيَّةَ فَيَمْتَنِعُ وُقُوعُ الثَّمَرَةِ عَلَى الشَّرِكَةِ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةَ بِالْعَقْدِ عَلَى أَمَتِهِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ فَاسِدٌ بَاشَرَهُ لِغَيْرِ فَائِدَةٍ، لَكِنْ فِي الْمُضْمَرَاتِ الْمُرَادُ بِهِ فِي أَحْكَامِ النِّكَاحِ مِنْ ثُبُوتِ الْمَهْرِ فِي ذِمَّةِ الْمَوْلَى وَبَقَاءِ النِّكَاحِ بَعْدَ الْإِعْتَاقِ وَوُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ أَمَّا إذَا تَزَوَّجَهَا مُتَنَزِّهًا عَنْ وَطْئِهَا حَرَامًا عَلَى سَبِيلِ الِاحْتِمَالِ فَهُوَ حَسَنٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ حُرَّةً أَوْ مُعْتَقَةَ الْغَيْرِ أَوْ مَحْلُوفًا عَلَيْهَا بِعِتْقِهَا، وَقَدْ حَنِثَ الْحَالِفُ وَكَثِيرًا مَا يَقَعُ لَا سِيَّمَا إنْ تَدَاوَلَتْهَا الْأَيْدِي اهـ. أَطْلَقَ فِي أَمَتِهِ فَشَمِلَ مَا لَوْ كَانَ لَهُ فِيهَا جُزْءٌ، وَكَذَا فِي سَيِّدَتِهِ لَوْ كَانَتْ تَمْلِكُ سَهْمًا مِنْهُ. (قَوْلُهُ وَالْمَجُوسِيَّةُ وَالْوَثَنِيَّةُ) أَيْ وَحَرُمَ تَزَوُّجُهُمَا عَلَى الْمُسْلِمِ، أَمَّا الْمَجُوسِيَّةُ فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ غَيْرَ نَاكِحِي نِسَائِهِمْ وَلَا آكِلِي ذَبَائِحِهِمْ» أَيْ اُسْلُكُوا بِهِمْ طَرِيقَتَهُمْ يَعْنِي عَامِلُوهُمْ مُعَامَلَتَهُمْ فِي إعْطَاءِ الْأَمَانِ بِأَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ، وَأَمَّا الْوَثَنِيَّةُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة: 221] وَالْمُرَادُ بِالْمَجُوسِ عَبَدَةُ النَّارِ وَذِكْرُ   [منحة الخالق] مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَلَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّهُ لَوْ عَبَّرَ بِالْمَحْرَمِيَّةِ لَمَا خَرَجَ عَمَّا الْكَلَامُ فِيهِ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ الْفَائِدَةِ. (قَوْلُهُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةَ إلَخْ) يُخَالِفُهُ مَا فِي مُتَفَرِّقَاتِ الْبُيُوعِ مِنْ الْبَزَّازِيَّةِ اشْتَرَى جَارِيَةً يَتَزَوَّجُهَا احْتِيَاطًا إنْ أَرَادَ وَطْأَهَا؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَتْ حُرَّةً ارْتَفَعَتْ الْحُرْمَةُ وَإِنْ أَمَةً لَا يَضُرُّهُ النِّكَاحُ اهـ. تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ لَكِنْ فِي الْمُضْمَرَاتِ إلَخْ) قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ بَعْدَ نَقْلِهِ فَمَا وَقَعَ لِبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ مِنْ وَطْءِ السَّرَارِي اللَّاتِي يُجْلَبْنَ الْيَوْمَ مِنْ الرُّومِ وَغَيْرِهَا حَرَامٌ إلَّا أَنْ يُنَصَّبَ فِي الْمَغَانِمِ مَنْ يُحْسِنُ قِسْمَتَهَا فَيُقَسِّمَهَا مِنْ غَيْرِ حَيْفٍ وَلَا ظُلْمٍ أَوْ يَحْصُلُ قِسْمَةٌ مِنْ مُحَكَّمٍ أَوْ تَزَوَّجَ بَعْدَ الْعِتْقِ بِإِذْنِ الْقَاضِي وَالْمُعْتِقِ، وَالِاحْتِيَاطُ اجْتِنَابُهُنَّ مَمْلُوكَاتٍ وَحَرَائِرَ اهـ. فَهَذَا وَرَعٌ لَا حُكْمٌ لَازِمٌ فَإِنَّ الْجَارِيَةَ الْمَجْهُولَةَ الْحَالِ الْمَرْجِعُ فِيهَا إلَى صَاحِبِ الْيَدِ إنْ كَانَتْ صَغِيرَةً وَإِلَى إقْرَارِهَا إنْ كَانَتْ كَبِيرَةً وَإِنْ عُلِمَ حَالُهَا فَلَا إشْكَالَ اهـ. قُلْتُ: وَفِي جِهَادِ الدُّرِّ الْمُخْتَارِ عَنْ مَعْرُوضَاتِ أَبِي السُّعُودِ: وَهَلْ يَحِلُّ وَطْءُ الْإِمَامِ الْمُشْتَرَاةَ مِنْ الْغُزَاةِ الْآنَ حَيْثُ وَقَعَ الِاشْتِبَاهُ فِي قِيمَتِهِمْ بِالْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ؟ فَأَجَابَ: لَا تُوجَدُ فِي زَمَانِنَا قِسْمَةٌ شَرْعِيَّةٌ لَكِنْ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِينَ وَتِسْعِمِائَةٍ وَقَعَ التَّنْفِيلُ الْكُلِّيُّ فَبَعْدَ إعْطَاءِ الْخَمْسِ لَا تَبْقَى شُبْهَةٌ اهـ. فَلْيُحْفَظْ. (قَوْلُهُ الْمُرَادُ بِهِ) أَيْ بِنَفْيِ تَزَوُّجِ السَّيِّدِ أَمَتَهُ نَفْيُهُ مَعَ ثُبُوتِ الْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ فَلَا يُنَافِي كَوْنَهُ مُسْتَحْسَنًا مَعَ عَدَمِ ثُبُوتِ الْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ. (قَوْلُهُ وَغَيْرِ ذَلِكَ) كَعَدِّهَا عَلَيْهِ خَامِسَةً، قَالَ فِي الشرنبلالية، وَكَذَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 109 الْكِتَابِيَّةِ بَعْدَهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَجُوسَ لَا كِتَابَ لَهُمْ، وَقَدْ نُقِلَ فِي الْمَبْسُوطِ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إبَاحَةُ نِكَاحِ الْمَجُوسِيَّةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ لَهُمْ كِتَابًا إلَّا أَنَّ مَلِكَهُمْ وَاقَعَ أُخْتَهُ وَلَمْ يُنْكَرْ عَلَيْهِ فَرُفِعَ كِتَابُهُمْ فَنُسُّوهُ، وَلَيْسَ هَذَا الْكَلَامُ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ نِكَاحِهِمْ لِكَوْنِهِمْ عَبَدَةَ النَّارِ فَهُمْ دَاخِلُونَ فِي الْمُشْرِكِينَ فَكَوْنُهُمْ كَانَ لَهُمْ كِتَابٌ أَوَّلًا لَا أَثَرَ لَهُ وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ كَالْإِجْمَاعِ عَلَى حُرْمَةِ الْوَثَنِيَّةِ وَهِيَ الْمُشْرِكَةُ. وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ هِيَ الَّتِي تَعْبُدُ الْوَثَنَ أَيْ الصَّنَمَ وَالنَّصُّ عَامٌّ يَدْخُلُ تَحْتَهُ سَائِرُ الْمُشْرِكَاتِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَيَدْخُلُ فِي عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ عَبَدَةُ الشَّمْسِ وَالنُّجُومِ وَالصُّوَرِ الَّتِي اسْتَحْسَنُوهَا وَالْمُعَطِّلَةُ وَالزَّنَادِقَةُ وَالْبَاطِنِيَّةُ وَالْإِبَاحِيَّةُ وَفِي شَرْحِ الْوَجِيزِ وَكُلُّ مَذْهَبٍ يَكْفُرُ بِهِ مُعْتَقِدُهُ فَهُوَ يُحَرِّمُ نِكَاحَهَا؛ لِأَنَّ اسْمَ الْمُشْرِكِ يَتَنَاوَلُهُمْ جَمِيعًا اهـ. وَيَنْبَغِي أَنَّ مَنْ اعْتَقَدَ مَذْهَبًا يَكْفُرُ بِهِ، إنْ كَانَ قَبْلَ تَقَدُّمِ الِاعْتِقَادِ الصَّحِيحِ فَهُوَ مُشْرِكٌ، وَإِنْ طَرَأَ عَلَيْهِ فَهُوَ مُرْتَدٌّ كَمَا لَا يَخْفَى وَقَالَ الرُّسْتُغْفَنِيُّ لَا تَجُوزُ الْمُنَاكَحَةُ بَيْنَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالِاعْتِزَالِ وَقَالَ الْفَضْلُ لَا يَجُوزُ بَيْنَ مَنْ قَالَ أَنَا مُؤْمِنٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ كَافِرٌ وَمُقْتَضَاهُ مَنْعُ مُنَاكَحَةِ الشَّافِعِيَّةِ وَاخْتُلِفَ فِيهَا هَكَذَا، قِيلَ: يَجُوزُ، وَقِيلَ: يَتَزَوَّجُ بِنْتَهمْ وَلَا يُزَوِّجُهُمْ بِنْتَه وَعَلَّلَهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ بِقَوْلِهِ تَنْزِيلًا لَهُمْ مَنْزِلَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي بَابِ الْوَتْرِ وَالنَّوَافِلِ إيضَاحَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَأَنَّ الْقَوْلَ بِتَكْفِيرِ مَنْ قَالَ أَنَا مُؤْمِنٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ غَلَطٌ وَيَجِبُ حَمْلُ كَلَامِهِمْ عَلَى مَنْ يَقُولُ ذَلِكَ شَاكًّا فِي إيمَانِهِ وَالشَّافِعِيَّةُ لَا يَقُولُونَ بِهِ، فَتَجُوزُ الْمُنَاكَحَةُ بَيْنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ بِلَا شُبْهَةٍ. وَأَمَّا الْمُعْتَزِلَةُ فَمُقْتَضَى الْوَجْهِ حِلُّ مُنَاكَحَتِهِمْ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ عَدَمُ تَكْفِيرِ أَهْلِ الْقِبْلَةِ كَمَا قَدَّمْنَا نَقَلَهُ عَنْ الْأَئِمَّةِ فِي بَابِ الْإِمَامَةِ وَأَفَادَ بِحُرْمَةِ نِكَاحِهِمَا حُرْمَةَ وَطْئِهِمَا أَيْضًا بِمِلْكِ الْيَمِينِ خِلَافًا لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَجَمَاعَةٍ، لَوْ وَرَدَ الْإِطْلَاقُ فِي سَبَايَا الْعَرَبِ كَأَوْطَاسٍ وَغَيْرِهَا وَهُنَّ مُشْرِكَاتٌ وَعَامَّةُ الْعُلَمَاءِ مَنَعُوا مِنْ ذَلِكَ لِلْآيَةِ، فَأَمَّا أَنْ يُرَادَ بِالنِّكَاحِ الْوَطْءُ أَوْ كُلٌّ مِنْهُ وَمِنْ الْعَقْدِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مُشْتَرِكٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ أَوْ خَاصٌّ فِي الضَّمِّ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي الْأَمْرَيْنِ وَيُمْكِنُ كَوْنُ سَبَايَا أَوْطَاسٍ أَسْلَمْنَ، وَقَيَّدْنَا بِالْمُسْلِمِ لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ: وَتَحِلُّ الْمَجُوسِيَّةُ وَالْوَثَنِيَّةُ لِكُلِّ كَافِرٍ إلَّا الْمُرْتَدَّ اهـ. يَعْنِي يَجُوزُ تَزَوُّجُ الْيَهُودِيِّ نَصْرَانِيَّةً أَوْ مَجُوسِيَّةً وَعَكْسُهُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُمْ أَهْلُ مِلَّةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ حَيْثُ الْكُفْرُ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ نِحَلُهُمْ. (قَوْلُهُ وَحَلَّ تَزَوُّجُ الْكِتَابِيَّةِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [المائدة: 5] أَيْ الْعَفَائِفُ عَنْ الزِّنَا بَيَانًا لِلنَّدْبِ لَا أَنَّ الْعِفَّةَ فِيهِنَّ شَرْطٌ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهَا لَا تَحِلُّ؛ لِأَنَّهَا مُشْرِكَةٌ؛ لِأَنَّهُمْ يَعْبُدُونَ الْمَسِيحَ وَعُزَيْرًا وَحَمْلُ الْمُحْصَنَاتِ فِي الْآيَةِ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُنَّ وَلِلْجُمْهُورِ أَنَّ الْمُشْرِكَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لِلْعَطْفِ فِي قَوْله تَعَالَى {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ} [البينة: 1] وَالْعَطْفُ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ وَفِي قَوْله تَعَالَى {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا} [المائدة: 82] وَفِي التَّبْيِينِ ثُمَّ كُلُّ مَنْ يَعْتَقِدُ دِينًا سَمَاوِيًّا وَلَهُ كِتَابٌ مُنَزَّلٌ كَصُحُفِ إبْرَاهِيمَ وَشِيثٍ وَزَبُورِ دَاوُد فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَتَجُوزُ مُنَاكَحَتُهُمْ وَأَكْلُ ذَبَائِحِهِمْ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِيمَا عَدَا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا تَلَوْنَا وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الْكِتَابِيُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِنَبِيٍّ وَيُقِرُّ بِكِتَابٍ وَالسَّامِرِيَّةُ مِنْ الْيَهُودِ أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ الْكِتَابِيَّةَ هُنَا وَقَيَّدَهَا فِي الْمُسْتَصْفَى بِقَوْلِهِ: قَالُوا هَذَا يَعْنِي الْحِلَّ إذَا لَمْ يَعْتَقِدْ الْمَسِيحَ إلَهًا، أَمَّا إذَا اعْتَقَدَهُ فَلَا، وَيُوَافِقُهُ مَا فِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَيَجِبُ أَنْ لَا يَأْكُلُوا ذَبَائِحَ أَهْلِ الْكِتَابِ إذَا اعْتَقَدُوا أَنَّ الْمَسِيحَ إلَهٌ وَأَنَّ عُزَيْرًا إلَهٌ وَلَا يَتَزَوَّجُوا نِسَاءَهُمْ قِيلَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَلَكِنْ بِالنَّظَرِ إلَى الدَّلَائِلِ يَنْبَغِي أَنَّهُ يَجُوزُ الْأَكْلُ وَالتَّزَوُّجُ. اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمَذْهَبَ الْإِطْلَاقُ لِمَا ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي الْمَبْسُوطِ مِنْ أَنَّ ذَبِيحَةَ النَّصْرَانِيِّ حَلَالٌ مُطْلَقًا سَوَاءٌ قَالَ بِثَالِثِ ثَلَاثَةٍ أَوْ لَا لِإِطْلَاقِ الْكِتَابِ هُنَا، وَالدَّلِيلُ وَرَجَّحَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّ الْقَائِلَ بِذَلِكَ طَائِفَتَانِ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى انْقَرَضُوا لَا كُلُّهُمْ   [منحة الخالق] ثُبُوتُ نَسَبِ وَلَدِهَا وَإِنْ لَمْ يَدَّعِهِ وَالْكُلُّ مُنْتَفٍ. وَلَا يَخْفَى مَا فِي عَدَمِ عَدِّهَا خَامِسَةً وَنَحْوِهِ مِنْ عَدَمِ الِاحْتِيَاطِ فِي وُقُوعِهِ فِي الْمُحَرَّمِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 110 مَعَ أَنَّ مُطْلَقَ لَفْظِ الْمُشْرِكِ إذَا ذُكِرَ فِي لِسَانِ أَهْلِ الشَّرْعِ لَا يَنْصَرِفُ إلَى أَهْلِ الْكِتَابِ وَإِنْ صَحَّ لُغَةً فِي طَائِفَةٍ أَوْ طَوَائِفَ لِمَا عُهِدَ مِنْ إرَادَتِهِ بِهِ مَنْ عَبَدَ مَعَ اللَّهِ غَيْرَهُ مِمَّنْ لَا يَدَّعِي اتِّبَاعَ نَبِيٍّ وَكِتَابٍ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ، وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي أَنَّ لَفْظَ الْمُشْرِكِ يَتَنَاوَلُ أَهْلَ الْكِتَابِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ اسْمَ الْمُشْرِكِ مُطْلَقًا لَا يَتَنَاوَلُهُ لِلْعَطْفِ فِي الْآيَةِ. ثُمَّ الْمُشْرِكُ ثَلَاثَةٌ: مُشْرِكٌ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا كَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ، وَمُشْرِكٌ بَاطِنًا لَا ظَاهِرًا كَالْمُنَافِقِينَ وَمُشْرِكٌ مَعْنًى كَأَهْلِ الْكِتَابِ، فَفِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الأعراف: 190] الْمُرَادُ مُطْلَقُ الشِّرْكِ، وَكَذَا فِي قَوْله تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} [النساء: 48] فَيَتَنَاوَلُ جَمِيعَ الْكُفَّارِ وَفِي قَوْلِهِ {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ} [البقرة: 221] الْمُرَادُ بِهِ الْمُشْرِكُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَهُوَ الْوَثَنِيُّ فَلَا يَتَنَاوَلُ أَهْلَ الْكِتَابِ وَالْمُنَافِقِينَ اهـ. وَأَطْلَقَهُ أَيْضًا فَشَمِلَ الْكِتَابِيَّةَ الْحُرَّةَ وَالْأَمَةَ. وَاتَّفَقَ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ عَلَى حِلِّ الْحُرَّةِ، وَاخْتَلَفُوا فِي حِلِّ الْأَمَةِ كَمَا سَيَأْتِي هَذَا، وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ كِتَابِيَّةً وَلَا يَأْكُلَ ذَبَائِحَهُمْ إلَّا لِضَرُورَةٍ وَفِي الْمُحِيطِ يُكْرَهُ تَزَوُّجُ الْكِتَابِيَّةِ الْحَرْبِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَأْمَنُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ فَيَنْشَأُ عَلَى طَبَائِعِ أَهْلِ الْحَرْبِ وَيَتَخَلَّقُ بِأَخْلَاقِهِمْ فَلَا يَسْتَطِيعُ الْمُسْلِمُ قَلْعَهُ عَنْ تِلْكَ الْعَادَةِ. اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمِيَّةَ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ نَهْيٍ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ؛ لِأَنَّهَا فِي رُتْبَةِ الْوَاجِبِ وَفِي الْخَانِيَّةِ تَزَوُّجُ الْحَرْبِيَّةِ مَكْرُوهٌ فَإِنْ خَرَجَ بِهَا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ بَقِيَ النِّكَاحُ اهـ. وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ يَحِلُّ وَطْءُ الْكِتَابِيَّةِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ، وَسَيَأْتِي أَنَّ الْكِتَابِيَّةَ إذَا تَمَجَّسَتْ فَإِنَّهُ يَنْفَسِخُ نِكَاحُهَا مِنْ الْمُسْلِمِ بِخِلَافِ الْيَهُودِيَّةِ إذَا تَنَصَّرَتْ أَوْ عَكْسُهُ. وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَنَّ لِلْمُسْلِمِ مَنْعَ الذِّمِّيَّةِ إذَا تَزَوَّجَهَا مِنْ الْخُرُوجِ إلَى الْكَنَائِسِ وَالْبِيَعِ وَلَيْسَ لَهُ إجْبَارُهَا عَلَى الْغُسْلِ مِنْ الْحَيْضِ وَالْجَنَابَةِ وَفِي الْخَانِيَّةِ مِنْ فَصْلِ الْجِزْيَةِ مِنْ السِّيَرِ: مُسْلِمٌ لَهُ امْرَأَةٌ ذِمِّيَّةٌ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ شُرْبِ الْخَمْرِ؛ لِأَنَّ شُرْبَ الْخَمْرِ حَلَالٌ عِنْدَهَا وَلَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا عَنْ اتِّخَاذِ الْخَمْرِ فِي الْمَنْزِلِ اهـ. وَهُوَ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ حَلَالًا عِنْدَهَا لَكِنَّ رَائِحَتَهَا تَضُرُّهُ فَلَهُ مَنْعُهَا كَمَنْعِ الْمُسْلِمَةِ مِنْ أَكْلِ الثُّومِ وَالْبَصَلِ، وَلِذَا قَالَ الْكَرْكِيُّ فِي الْفَيْضِ قُبَيْلَ بَابِ التَّيَمُّمِ: إنَّ الْمُسْلِمَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَ زَوْجَتَهُ الذِّمِّيَّةَ مِنْ شُرْبِ الْخَمْرِ كَالْمُسْلِمَةِ لَوْ أَكَلَتْ الثُّومَ وَالْبَصَلَ وَكَانَ زَوْجُهَا يَكْرَهُ ذَلِكَ، لَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا اهـ. وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ كَمَا لَا يَخْفَى. (قَوْلُهُ) (وَالصَّابِئَةُ) أَيْ وَحَلَّ تَزَوُّجُهَا أَطْلَقَهُ وَقَيَّدَهُ فِي الْهِدَايَةِ بِقَوْلِهِ: إنْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِدِينِ نَبِيٍّ وَيُقِرُّونَ بِكِتَابِ اللَّهِ؛ لِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَإِنْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْكَوَاكِبَ وَلَا كِتَابَ لَهُمْ لَمْ تَجُزْ مُنَاكَحَتُهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ مُشْرِكُونَ، وَالْخِلَافُ الْمَنْقُولُ فِيهِ مَحْمُولٌ عَلَى اشْتِبَاهِ مَذْهَبِهِمْ، فَكُلٌّ أَجَابَ عَلَى مَا وَقَعَ عِنْدَهُ، وَعَلَى هَذَا حَلَّ ذَبِيحَتُهُمْ اهـ. وَصَحَّحَهُ أَيْضًا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي الْحَقِيقَةِ لَكِنَّ ظَاهِرَ الْهِدَايَةِ أَنَّ مَنْعَ مُنَاكَحَتِهِمْ مُقَيَّدٌ بِقَيْدَيْنِ: عِبَادَةِ الْكَوَاكِبِ وَعَدَمِ الْكِتَابِ، فَلَوْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْكَوَاكِبَ وَلَهُمْ كِتَابٌ تَجُوزُ مُنَاكَحَتُهُمْ وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ زَعَمُوا أَنَّ عِبَادَةَ الْكَوَاكِبِ لَا تُخْرِجُهُمْ عَنْ كَوْنِهِمْ أَهْلَ الْكِتَابِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُمْ إنْ كَانُوا يَعْبُدُونَهَا حَقِيقَةً فَلَيْسُوا أَهْلَ كِتَابٍ وَإِنْ كَانُوا يُعَظِّمُونَهَا كَتَعْظِيمِ الْمُسْلِمِينَ لِلْكَعْبَةِ فَهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ كَذَا فِي الْمُجْتَبَى وَفِي الْكَشَّافِ أَنَّهُمْ قَوْمٌ عَدَلُوا عَنْ دِينِ الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ وَعَبَدُوا الْمَلَائِكَةَ مِنْ صَبَا إذَا خَرَجَ مِنْ الدِّينِ. (قَوْلُهُ) (وَالْمُحْرِمَةُ وَلَوْ مُحْرِمًا) أَيْ حَلَّ تَزَوُّجُهَا وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ مُحْرِمًا لِحَدِيثِ الْجَمَاعَةِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ» زَادَ الْبُخَارِيُّ «وَبَنَى بِهَا وَهُوَ حَلَالٌ وَمَاتَتْ بِسَرِفَ» ، وَأَمَّا مَا رَوَاهُ يَزِيدُ بْنُ الْأَصَمِّ مِنْ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا وَهُوَ حَلَالٌ فَلَمْ يَقْوَ قُوَّةَ هَذَا فَإِنَّهُ مِمَّا اتَّفَقَ عَلَيْهِ السِّتَّةُ وَحَدِيثُ يَزِيدَ لَمْ يُخَرِّجْهُ الْبُخَارِيُّ وَلَا النَّسَائِيّ وَأَيْضًا لَا يُقَاوَمُ بِابْنِ عَبَّاسٍ حِفْظًا وَاتِّفَاقًا، وَقَدْ أَطَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فِي وُجُوهٍ تُرَجِّحُهُ وَذَكَرُوا تَرْجِيحَهُ فِي الْأُصُولِ مِنْ بَابِ الْبَيَانِ فِي تَعَارُضِ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ، وَأَمَّا مَا رَوَاهُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ كَمَنْعِ الْمُسْلِمَةِ مِنْ أَكْلِ الثُّومِ وَالْبَصَلِ) مُفَادُهُ أَنَّ لَهُ مَنْعَهَا مِنْ شُرْبِ الدُّخَانِ الْمَشْهُورِ فِي هَذَا الزَّمَانِ حَيْثُ كَانَ يَضُرُّهُ. (قَوْلُهُ وَقَيَّدَهُ فِي الْهِدَايَةِ بِقَوْلِهِ إنْ كَانَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ مَا فِي الْهِدَايَةِ لَيْسَ تَقْيِيدُ الْإِطْلَاقِ مَا فِي الْكِتَابِ بَلْ هُوَ تَمْهِيدٌ لِقَوْلِهِ وَالْخِلَافُ الْمَنْقُولُ إلَخْ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 111 الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ: «الْمُحْرِمُ لَا يَنْكِحُ وَلَا يُنْكَحُ» فَحَمَلَهُ الْمَشَايِخُ عَلَى الْوَطْءِ فِي الْجُمْلَةِ الْأُولَى فَالْمَنْهِيُّ الرَّجُلُ وَعَلَى التَّمْكِينِ مِنْهُ فِي الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ فَالْمَنْهِيُّ الْمَرْأَةُ وَالتَّذْكِيرُ بِاعْتِبَارِ الشَّخْصِ وَكَلِمَةُ (لَا) فِيهِ جَازَ أَنْ تَكُونَ نَاهِيَةً وَدُخُولُهَا عَلَى الْمُسْنَدِ لِلْغَائِبِ جَائِزٌ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ أَكْثَرَ وَجَازَ أَنْ تَكُونَ نَافِيَةً وَفِي النِّهَايَةِ وَالْمِعْرَاجِ أَنَّ مَعْنَى الثَّانِيَةِ لَا يُمَكِّنُ الْمَرْأَةَ مِنْ نَفْسِهِ لِتَطَأَهُ كَمَا هُوَ فِعْلُ الْبَعْضِ فَجَعَلَ التَّذْكِيرَ عَلَى حَقِيقَةٍ وَأَنَّ الْمَنْهِيَّ الرَّجُلُ فِيهِمَا وَالْيَاءُ مَفْتُوحَةٌ فِي الْجُمْلَةِ الْأُولَى مَضْمُومَةٌ فِي الثَّانِيَةِ مَعَ كَسْرِ الْكَافِ نَفْيًا لِلْإِنْكَاحِ وَمَعَ فَتْحِ الْكَافِ مِنْ الثَّانِيَةِ فَقَدْ صُحِّفَ وَجُوِّزَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ حَمْلُ النِّكَاحِ فِيهِ عَلَى الْعَقْدِ وَيَكُونُ النَّهْيُ فِيهِ لِلْكَرَاهَةِ جَمْعًا بَيْنَ الدَّلَائِلِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُحْرِمَ فِي شُغُلٍ عَنْ مُبَاشَرَةِ عُقُودِ الْأَنْكِحَةِ؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ شَغْلَ قَلْبِهِ وَهُوَ مَحْمِلُ قَوْلِهِ «وَلَا يَخْطُبُ» وَلَا يَلْزَمُ كَوْنُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَاشَرَهُ لِعَدَمِ شَغْلِ قَلْبِهِ بِخِلَافِنَا اهـ. وَحُمِلَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ قَوْلُهُ «وَلَا يَخْطُبُ» عَلَى النَّهْيِ عَنْ الْتِمَاسِ الْوَطْءِ تَوْفِيقًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ. (قَوْلُهُ وَالْأَمَةُ وَلَوْ كِتَابِيَّةً) أَيْ حَلَّ تَزَوُّجُهَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَأَصْلُهُ التَّقْيِيدُ بِالْوَصْفِ، وَالشَّرْطُ فِي قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء: 25] وَالْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَسْأَلَةٍ أُصُولِيَّةٍ هِيَ أَنَّ مَفْهُومَ الشَّرْطِ وَالْوَصْفِ هَلْ يَكُونُ مُعْتَبَرًا يَنْتَفِي الْحُكْمُ بِانْتِفَائِهِ، فَقَالَ الشَّافِعِيُّ نَعَمْ، وَقُلْنَا لَا فَصَارَ الْحِلُّ ثَابِتًا فِيهَا بِالْعُمُومَاتِ مِثْلُ قَوْلِهِ {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 3] {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] فَلِذَلِكَ جَوَّزْنَا نِكَاحَ الْأَمَةِ مَعَ طَوْلِ الْحُرَّةِ وَنِكَاحَ الْأَمَةِ الْكِتَابِيَّةِ وَتَمَامُهُ فِي الْأُصُولِ وَعَلَى تَقْدِيرِ اعْتِبَارِ مَفْهُومِهِمَا فَمُقْتَضَاهُمَا عَدَمُ الْإِبَاحَةِ الثَّابِتَةِ عِنْدَ وُجُودِ الْقَيْدِ الْمُبِيحِ وَعَدَمُ الْإِبَاحَةِ أَعَمُّ مِنْ ثُبُوتِ الْحُرْمَةِ أَوْ الْكَرَاهَةِ وَلَا دَلَالَةَ لِلْأَعَمِّ عَلَى الْأَخَصِّ بِخُصُوصِهِ فَيَجُوزُ ثُبُوتُ الْكَرَاهَةِ عِنْدَ عَدَمِ الضَّرُورَةِ وَعِنْدَ وُجُودِ طَوْلِ الْحُرَّةِ كَمَا يَجُوزُ ثُبُوتُ الْحُرْمَةِ عَلَى السَّوَاءِ وَالْكَرَاهَةُ أَقَلُّ فَتَعَيَّنَتْ، فَقُلْنَا بِهَا، وَبِالْكَرَاهَةِ صَرَّحَ فِي الْبَدَائِعِ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَقَدْ يُقَالُ مُقْتَضَاهُمَا عَدَمُ الْحِلِّ لَا عَدَمُ الْإِبَاحَةِ وَعَدَمُ الْحِلِّ مُدَّعَاهُ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ فِي كَلَامِ الْبَدَائِعِ تَنْزِيهِيَّةٌ فَلَمْ يَخْرُجْ عَنْ الْمُبَاحِ بِالْكُلِّيَّةِ وَإِنْ كَانَ التَّرْكُ رَاجِحًا عَلَى الْفِعْلِ، نَعَمْ عَدَمُ الْإِبَاحَةِ أَعَمُّ مِنْ الْحَرَامِ وَالْمَكْرُوهِ تَحْرِيمًا. وَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الْمُبَاحَ عِنْدَهُمْ مَا أَذِنَ الشَّارِعُ فِي فِعْلِهِ لَا مَا اسْتَوَى فِعْلُهُ وَتَرْكُهُ كَمَا هُوَ فِي الْأُصُولِ وَالْخِلَافُ لَفْظِيٌّ كَمَا عُرِفَ فِي بَحْثِ الْأَمْرِ مِنْ الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهِ. (قَوْلُهُ وَالْحُرَّةُ عَلَى الْأَمَةِ لَا عَكْسُهُ) أَيْ حَلَّ إدْخَالُ الْحُرَّةِ عَلَى الْأَمَةِ وَلَا يَحِلُّ إدْخَالُ الْأَمَةِ عَلَى الْحُرَّةِ الْمُتَزَوِّجَةِ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ لِلْحَدِيثِ «لَا تُنْكَحُ الْأَمَةُ عَلَى الْحُرَّةِ وَتُنْكَحُ الْحُرَّةُ عَلَى الْأَمَةِ» وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي تَجْوِيزِ ذَلِكَ لِلْعَبْدِ وَعَلَى مَالِكٍ فِي تَجْوِيزِهِ بِرِضَا الْحُرَّةِ وَلِأَنَّ لِلرِّقِّ أَثَرًا فِي تَنْظِيفِ النِّعْمَةِ عَلَى مَا نُقَرِّرُهُ فِي الطَّلَاقِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَيَثْبُتُ بِهِ حِلُّ الْمَحَلِّيَّةِ فِي حَالَةِ الِانْفِرَادِ دُونَ حَالَةِ الِانْضِمَامِ، وَتَمَامُهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. وَفِي الْمُحِيطِ: وَلَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْأَمَةِ عَلَى الْحُرَّةِ وَلَا مَعَهَا وَيَجُوزُ نِكَاحُ الْحُرَّةِ عَلَى الْأَمَةِ وَمَعَهَا وَلَوْ تَزَوَّجَ أَمَةً بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهَا وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا ثُمَّ تَزَوَّجَ حُرَّةً ثُمَّ أَجَازَ الْمَوْلَى لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ نِكَاحَ الْأَمَةِ ارْتَفَعَ بِنِكَاحِ الْحُرَّةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْمِلْكَ وَالْحِلَّ إنَّمَا يَثْبُتُ عِنْدَ الْإِجَازَةِ فَكَانَ لِلْإِجَازَةِ حُكْمُ إنْشَاءِ الْعَقْدِ فِي حَقِّ الْحُكْمِ فَيُصَيِّرُهُ مُتَزَوِّجًا أَمَةً عَلَى حُرَّةٍ وَلَوْ تَزَوَّجَ ابْنَتَهَا وَهِيَ حُرَّةٌ قَبْلَ الْإِجَازَةِ جَازَ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ الْمَوْقُوفَ عَدَمٌ فِي حَقِّ الْمَحَلِّ فَلَا يَمْنَعُ نِكَاحَ غَيْرِهَا اهـ. قَيَّدَ بِالنِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ مُرَاجَعَةُ الْأَمَةِ عَلَى الْحُرَّةِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهَا بَاقٍ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ فِي الرَّجْعَةِ وَفِي الْمُحِيطِ وَلَوْ تَزَوَّجَ أَرْبَعًا مِنْ الْإِمَاءِ وَخَمْسًا مِنْ الْحَرَائِرِ فِي عَقْدٍ صَحَّ نِكَاحُ الْإِمَاءِ؛ لِأَنَّ التَّزَوُّجَ بِالْخَمْسِ بَاطِلٌ فَلَمْ يَتَحَقَّقْ الْجَمْعُ فَصَحَّ نِكَاحُ الْإِمَاءِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ فِي عِدَّةِ الْحُرَّةِ) أَيْ لَا يَحِلُّ إدْخَالُ الْأَمَةِ فِي عِدَّةِ الْحُرَّةِ أَطْلَقَهُ فَأَفَادَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَيَجُوزُ نِكَاحُ الْحُرَّةِ عَلَى الْأَمَةِ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا نِكَاحُ الْمَرْأَةِ وَفِي بَعْضِهَا نِكَاحُ الْأَمَةِ وَهُوَ كَذَلِكَ فِي النَّهْرِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 112 أَنَّهُ لَا فَرْقَ أَنْ تَكُونَ الْعِدَّةُ عَنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ أَوْ بَائِنٍ وَلَا خِلَافَ فِي الْمَنْعِ فِي الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْمُطَلَّقَةَ رَجْعِيًّا زَوْجَةٌ. وَفِي الثَّانِي خِلَافٌ: قَالَا لَا يَحْرُمُ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِتَزَوُّجٍ عَلَيْهَا وَهُوَ الْمُحَرَّمُ وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا لَمْ يَحْنَثْ بِهَذَا، بِخِلَافِ تَزَوُّجِ الْأُخْتِ فِي عِدَّةِ الْأُخْتِ مِنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ إجْمَاعًا وَالْفَرْقُ لَهُمَا أَنَّ الْمَمْنُوعَ فِي تِلْكَ الْجَمْعُ، وَقَدْ وُجِدَ وَهُنَا الْمَمْنُوعُ الْإِدْخَالُ عَلَيْهَا لِتَنْقِيصِهَا لَا الْجَمْعُ وَالْإِدْخَالُ لِلتَّنْقِيصِ لَيْسَ بِمَوْجُودٍ فِي الْمُبَانَةِ وَقَالَ الْإِمَامُ إنَّهُ حَرَامٌ؛ لِأَنَّ نِكَاحَ الْحُرَّةِ بَاقٍ مِنْ وَجْهٍ لِبَقَاءِ بَعْضِ الْأَحْكَامِ فَبَقِيَ الْمَنْعُ احْتِيَاطًا بِخِلَافِ الْيَمِينِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ أَنْ لَا يَدْخُلَ غَيْرُهَا فِي قَسَمِهَا كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ عَلَيْهَا فَطَلَّقَهَا رَجْعِيًّا ثُمَّ تَزَوَّجَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ لَا يَحْنَثُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَا قَسَمَ لَهَا كَالْمُبَانَةِ ذَكَرَهُ فِي الْبَدَائِعِ لَكِنْ عَلَّلَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّ الْعُرْفَ لَا يُسَمَّى مُتَزَوِّجًا عَلَيْهَا بَعْدَ الْإِبَانَةِ وَهُوَ يُفِيدُ الْحِنْثَ فِي الرَّجْعِيِّ وَهُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ قَائِمٌ فِيهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، أَطْلَقَ فِي الْأَمَةِ فَشَمِلَ الْمُدَبَّرَةَ وَأُمَّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبَةَ؛ لِأَنَّهَا كَمَا فِي الصِّحَاحِ خِلَافُ الْحُرَّةِ وَقَيَّدْنَا نِكَاحَ الْحُرَّةِ بِالصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ نِكَاحَهَا الْفَاسِدَ وَلَوْ فِي الْعِدَّةِ وَالْمُعْتَدَّةِ عَنْ وَطْءٍ بِشُبْهَةٍ لَا يَمْنَعُ نِكَاحَ الْأَمَةِ لِعَدَمِ اعْتِبَارِهِ. (قَوْلُهُ وَأَرْبَعٌ مِنْ الْحَرَائِرِ وَالْإِمَاءِ) أَيْ وَحَلَّ تَزَوُّجُ أَرْبَعٍ لَا أَكْثَرَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3] اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ وَجُمْهُورُ الْمُسْلِمِينَ وَلَا اعْتِبَارَ بِخِلَافِ الرَّوَافِضِ وَلَا حَاجَةَ إلَى الْإِطَالَةِ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمْ قَالَ الْقَاضِي الْبَيْضَاوِيُّ {مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3] مَعْدُولَةٌ عَنْ أَعْدَادٍ مُكَرَّرَةٍ: هِيَ ثِنْتَيْنِ ثِنْتَيْنِ وَثَلَاثَ ثَلَاثَ وَأَرْبَعَ أَرْبَعَ وَهِيَ غَيْرُ مُنْصَرِفَةٍ لِلْعَدْلِ وَالصِّفَةِ فَإِنَّهَا بَيَّنَتْ صِفَاتٍ وَإِنْ كَانَتْ أُصُولُهَا لَمْ تُبَيِّنْ لَهَا، وَقِيلَ لِتَكْرَارِ الْعَدْلِ فَإِنَّهَا مَعْدُولَةٌ بِاعْتِبَارِ الصِّيغَةِ وَالتَّكْرِيرِ مَنْصُوبَةٌ عَلَى الْحَالِ مِنْ فَاعِلِ طَابَ وَمَعْنَاهَا الْإِذْنُ لِكُلِّ نَاكِحٍ يُرِيدُ الْجَمْعَ أَنْ يَنْكِحَ مَا شَاءَ مِنْ الْعَدَدِ الْمَذْكُورِينَ مُتَّفِقِينَ وَمُخْتَلِفِينَ كَقَوْلِهِ اقْتَسِمُوا هَذِهِ الْبَدْرَةَ دِرْهَمَيْنِ دِرْهَمَيْنِ وَثَلَاثَةَ ثَلَاثَةَ وَلَوْ أَفْرَدَ كَانَ الْمَعْنَى تَجْوِيزَ الْجَمْعِ بَيْنَ هَذِهِ الْأَعْدَادِ دُونَ التَّوْزِيعِ وَلَوْ ذُكِرَتْ بِأَوْ لَذَهَبَ تَجْوِيزُ الِاخْتِلَافِ فِي الْعَدَدِ اهـ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: وَحَاصِلُ الْحَالِ أَنَّ حِلَّ الْوَاحِدَةِ كَانَ مَعْلُومًا، وَهَذِهِ الْآيَةُ لِبَيَانِ حِلِّ الزَّائِدِ عَلَيْهَا إلَى حَدٍّ مُعَيَّنٍ مَعَ بَيَانِ التَّنْجِيزِ بَيْنَ الْجَمْعِ وَالتَّفْرِيقِ فِي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا كَانَ الْعَدَدُ فِي الْآيَةِ مَانِعًا مِنْ الزِّيَادَةِ وَإِنْ كَانَ مِنْ حَيْثُ هُوَ عَدَدٌ لَا يَمْنَعُهَا لِوُقُوعِهِ حَالًا قَيْدًا فِي الْإِحْلَالِ، قَيَّدَ بِالتَّزَوُّجِ؛ لِأَنَّ لَهُ التَّسَرِّي بِمَا شَاءَ مِنْ الْإِمَاءِ لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3] وَفِي الْفَتَاوَى رَجُلٌ لَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ وَأَلْفُ جَارِيَةٍ وَأَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ جَارِيَةً أُخْرَى فَلَامَهُ رَجُلٌ يُخَافُ عَلَيْهِ الْكُفْرُ اهـ. وَلَمْ أَرَ حُكْمَ مَا إذَا أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ عَلَى امْرَأَتِهِ الْأُخْرَى فَلَامَهُ رَجُلٌ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُخَافَ عَلَيْهِ الْكُفْرُ لِمَا أَنَّ فِي تَزَوُّجِ الْجَمْعِ مِنْ النِّسَاءِ مَشَقَّةً شَدِيدَةً بِسَبَبِ وُجُوبِ الْعَدْلِ بَيْنَهُنَّ، وَلِذَا قَالَ تَعَالَى {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} [النساء: 3] بِخِلَافِ الْجَمْعِ مِنْ السَّرَارِيِّ فَإِنَّهُ لَا قَسَمَ بَيْنَهُنَّ مَعَ أَنَّهُمْ قَالُوا إذَا تَرَكَ التَّزَوُّجَ عَلَى امْرَأَتِهِ كَيْ لَا يُدْخِلَ الْغَمَّ عَلَى زَوْجَتِهِ الَّتِي عِنْدَهُ كَانَ مَأْجُورًا مَعَ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي اللَّوْمُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [المؤمنون: 5] {إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [المؤمنون: 6] . (قَوْلُهُ وَاثْنَتَيْنِ لِلْعَبْدِ) أَيْ وَحَلَّ تَزَوُّجُ اثْنَتَيْنِ لَهُ حُرَّتَيْنِ كَانَتَا أَوْ أَمَتَيْنِ وَلَا يَجُوزُ أَكْثَرُ مِنْهُ فِي النِّكَاحِ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ وَلِأَنَّ الرِّقَّ مُنَصِّفٌ نِعْمَةً وَعُقُوبَةً، أَطْلَقَ فِي الْعَبْدِ فَشَمِلَ الْمُدَبَّرَ وَالْمُكَاتَبَ، وَقَيَّدَ بِالتَّزَوُّجِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ التَّسَرِّي وَلَا أَنْ يُسَرِّيَهُ مَوْلَاهُ وَلَا يَمْلِكُ الْمُكَاتَبُ وَالْعَبْدُ شَيْئًا إلَّا الطَّلَاقَ ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْحِلَّ مُنْحَصِرٌ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ وَمِلْكِ الْيَمِينِ وَلَمْ يَكُنْ الثَّانِي لِلْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ وَإِنْ مَلَكَ فَانْحَصَرَ حِلُّهُ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ. (قَوْلُهُ وَحُبْلَى مِنْ زِنًا لَا مِنْ غَيْرِهِ) أَيْ وَحَلَّ تَزَوُّجُ الْحُبْلَى مِنْ الزِّنَا وَلَا يَجُوزُ تَزَوُّجُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُخَافَ عَلَيْهِ الْكُفْرُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ الدَّلِيلُ الْمُقْتَضِي لِلُحُوقِ الْإِمَاءِ مَعَ الزَّوْجَاتِ وَاحِدٌ فَأَنَّى وَقَعَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا، وَمَا فَرَّقَ بِهِ مِنْ أَنَّ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَرَائِرِ مَشَقَّةً، سَبَبُ وُجُوبِ الْعَدْلِ بَيْنَهُمَا، بِخِلَافِ الْجَمْعِ بَيْنَ السَّرَارِيِّ فَإِنَّهُ لَا قَسَمَ بَيْنَهُنَّ مِمَّا لَا أَثَرَ لَهُ مَعَ النَّصِّ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 113 الْحُبْلَى مِنْ غَيْرِ الزِّنَا أَمَّا الْأَوَّلُ فَهُوَ قَوْلُهُمَا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ هُوَ فَاسِدٌ قِيَاسًا عَلَى الثَّانِي وَهِيَ الْحُبْلَى مِنْ غَيْرِهِ وَإِنْ تَزَوَّجَهَا لَا يَصِحُّ إجْمَاعًا لِحُرْمَةِ الْحَمْلِ، وَهَذَا الْحَمْلُ مُحْتَرَمٌ؛ لِأَنَّهُ لَا جِنَايَةَ مِنْهُ وَلِهَذَا لَمْ يَجُزْ إسْقَاطُهُ وَلَهُمَا أَنَّهُمَا مِنْ الْمُحَلَّلَاتِ بِالنَّصِّ وَحُرْمَةُ الْوَطْءِ كَيْ لَا يَسْقِيَ مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ وَالِامْتِنَاعُ فِي ثَابِتِ النَّسَبِ لِحَقِّ صَاحِبِ الْمَاءِ وَلَا حُرْمَةَ لِلزَّانِي وَمَحَلُّ الْخِلَافِ تَزَوُّجُ غَيْرِ الزَّانِي، أَمَّا تَزَوُّجُ الزَّانِي لَهَا فَجَائِزٌ اتِّفَاقًا وَتَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ عِنْدَ الْكُلِّ وَيَحِلُّ وَطْؤُهَا عِنْدَ الْكُلِّ كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَقَيَّدَ بِالتَّزَوُّجِ؛ لِأَنَّ وَطْأَهَا حَرَامٌ اتِّفَاقًا لِلْحَدِيثِ «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَسْقِيَنَّ مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ» فَإِنْ قِيلَ: فَمُ الرَّحِمِ يَنْسَدُّ بِالْحَبَلِ فَكَيْفَ يَكُونُ سَقَى زَرْعَ غَيْرِهِ؟ قُلْنَا: شَعْرُهُ يَنْبُتُ مِنْ مَاءِ الْغَيْرِ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ وَحُكْمُ الدَّوَاعِي عَلَى قَوْلِهِمَا كَالْوَطْءِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ، وَذَكَرَ التُّمُرْتَاشِيُّ أَنَّهَا لَا نَفَقَةَ لَهَا، وَقِيلَ: لَهَا ذَلِكَ، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الْوَطْءِ مِنْ جِهَتِهَا بِخِلَافِ الْحَيْضِ فَإِنَّهُ سَمَاوِيٌّ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَأَطْلَقَ فِي قَوْلِهِ لَا مِنْ غَيْرِهِ فَشَمِلَ الْحَامِلَ مِنْ حَرْبِيٍّ كَالْمُهَاجِرَةِ وَالْمَسْبِيَّةِ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ صِحَّةُ الْعَقْدِ كَالْحَامِلِ مِنْ الزِّنَا وَصَحَّحَ الشَّارِحُ الْمَنْعَ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَشَمِلَ أُمَّ الْوَلَدِ فَلَوْ زَوَّجَ أُمَّ وَلَدِهِ وَهِيَ حَامِلٌ مِنْهُ فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهَا فِرَاشٌ لِمَوْلَاهَا حَيْثُ يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا مِنْهُ مِنْ غَيْرِ دَعْوَى فَلَوْ صَحَّ النِّكَاحُ لَحَصَلَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْفِرَاشَيْنِ إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ مُتَأَكَّدٍ حَتَّى يَنْتَفِيَ الْوَلَدُ بِالنَّفْيِ مِنْ غَيْرِ لِعَانٍ فَلَا يُعْتَبَرُ مَا لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ الْحَمْلُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَظَاهِرُهُ: أَنَّ الْمَوْلَى اعْتَرَفَ بِأَنَّ الْحَمْلَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: وَهِيَ حَامِلٌ مِنْهُ فَلِذَا لَمْ يَكُنْ تَزْوِيجُهُ إيَّاهَا نَفْيًا لِلْوَلَدِ دَلَالَةً؛ لِأَنَّ الصَّرِيحَ بِخِلَافِهِ فَلَوْ لَمْ يَعْتَرِفْ بِهِ وَزَوَّجَهَا وَهِيَ حَامِلٌ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ النِّكَاحُ وَيَكُونَ نَفْيًا دَلَالَةً فَإِنَّ النَّسَبَ كَمَا يَنْتَفِي بِالصَّرِيحِ يَنْتَفِي بِالدَّلَالَةِ بِدَلِيلِ مَسْأَلَةِ الْأَمَةِ جَاءَتْ بِأَوْلَادٍ ثَلَاثَةٍ فَادَّعَى الْمَوْلَى أَكْبَرَهُمْ حَيْثُ يَثْبُتُ نَسَبُهُ وَيَنْتَفِي نَسَبُ غَيْرِهِ بِدَلَالَةِ اقْتِصَارِهِ عَلَى الْبَعْضِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. (قَوْلُهُ وَالْمَوْطُوءَةُ بِمِلْكٍ) أَيْ حَلَّ تَزَوُّجُ مَنْ وَطِئَهَا الْمَوْلَى بِمِلْكِ يَمِينٍ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِفِرَاشٍ لِمَوْلَاهَا؛ لِأَنَّهَا لَوْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ غَيْرِ دَعْوَى فَلَا يَلْزَمُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْفِرَاشَيْنِ وَأَفَادَ أَنَّهُ يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا مِنْ غَيْرِ اسْتِبْرَاءٍ وَهُوَ قَوْلُهُمَا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا أُحِبُّ أَنْ يَطَأَهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا؛ لِأَنَّهُ احْتَمَلَ الشُّغْلَ بِمَاءِ الْمَوْلَى فَوَجَبَ التَّنَزُّهُ كَمَا فِي الشِّرَاءِ، وَلَهُمَا: أَنَّ الْحُكْمَ بِجَوَازِ النِّكَاحِ أَمَارَةُ الْفَرَاغِ فَلَا يُؤْمَرُ بِالِاسْتِبْرَاءِ لَا اسْتِحْبَابًا وَلَا وُجُوبًا، بِخِلَافِ الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ مَعَ الشُّغْلِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي الْحَاصِلِ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: لِلزَّوْجِ أَنْ يَطَأَهَا بِغَيْرِ اسْتِبْرَاءٍ وَاجِبٍ وَلَمْ يَقُلْ لَا يُسْتَحَبُّ وَمُحَمَّدٌ لَمْ يَقُلْ أَيْضًا هُوَ وَاجِبٌ وَلَكِنَّهُ قَالَ: لَا أُحِبُّ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ مَا فِي الْهِدَايَةِ مِنْ قَوْلِهِ لَا يُؤْمَرُ بِهِ لَا اسْتِحْبَابًا وَلَا وُجُوبًا يَأْبَى هَذَا الْحَمْلَ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ اسْتِبْرَاءَ الْمَوْلَى وَفِي الْهِدَايَةِ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا صِيَانَةً لِمَائِهِ، وَظَاهِرُهُ الْوُجُوبُ وَحَمَلَهُ فِي النِّهَايَةِ وَالْمِعْرَاجِ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ دُونَ الْحَتْمِ وَفِي الذَّخِيرَةِ وَإِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يُزَوِّجَ أَمَتَهُ مِنْ إنْسَانٍ، وَقَدْ كَانَ يَطَؤُهَا بَعْضُ مَشَايِخِنَا قَالُوا: يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا بِحَيْضَةٍ ثُمَّ يُزَوِّجُهَا كَمَا لَوْ أَرَادَ بَيْعًا وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ هَاهُنَا يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ وَإِلَيْهِ مَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ اهـ. وَقَدْ جَعَلَ الْوُجُوبَ فِي الْحَاوِي الْحَصِيرِيُّ قَوْلُهُ مُحَمَّدٌ أَطْلَقَ فِي الْمَوْطُوءَةِ بِالْمِلْكِ فَشَمِلَ أُمَّ الْوَلَدِ مَا لَمْ تَكُنْ حُبْلَى مِنْهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ أَوْ زِنًا) أَيْ وَحَلَّ تَزَوُّجُ الْمَوْطُوءَةِ بِالزِّنَا أَيْ الزَّانِيَةِ، لَوْ رَأَى امْرَأَةً تَزْنِي فَتَزَوَّجَهَا، جَازَ وَلِلزَّوْجِ أَنْ يَطَأَهَا بِغَيْرِ اسْتِبْرَاءٍ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا أُحِبُّ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا مِنْ غَيْرِ اسْتِبْرَاءٍ، وَهَذَا صَرِيحٌ فِي جَوَازِ تَزَوُّجِ الزَّانِيَةِ، وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [النور: 3] فَمَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ} [النساء: 3] عَلَى مَا قِيلَ بِدَلِيلِ الْحَدِيثِ أَنَّ «رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: إنَّ امْرَأَتِي لَا تَدْفَعُ يَدَ لَامِسٍ، فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ بِدَلِيلِ الْأَمَةِ إلَخْ) قَالَ الْمَقْدِسِيَّ فِيمَا نُقِلَ عَنْهُ، أَقُولُ: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْحَمْلَ يَخْفَى أَمْرُهُ فَرُبَّمَا يَكُونُ تَزَوَّجَهَا بِنَاءً مِنْهُ عَلَى عَدَمِهِ بَلْ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ قَدْ يُجْهَلُ الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ أَيْضًا اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَيَّدَ بِالظُّهُورِ وَالْعِلْمِ فَتَأَمَّلْ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 114 طَلِّقْهَا، فَقَالَ: إنِّي أُحِبُّهَا وَهِيَ جَمِيلَةٌ، فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - اسْتَمْتِعْ بِهَا» وَفِي الْمُجْتَبَى مِنْ آخِرِ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ: لَا يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ تَطْلِيقُ الْفَاجِرَةِ وَلَا عَلَيْهَا تَسْرِيحُ الْفَاجِرِ إلَّا إذَا خَافَا أَنْ لَا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَفَرَّقَا. اهـ. . (قَوْلُهُ وَالْمَضْمُومَةُ إلَى مُحَرَّمَةٍ) أَيْ وَحَلَّ نِكَاحُ امْرَأَةٍ مُحَلَّلَةٍ ضُمَّتْ إلَى امْرَأَةٍ مُحَرَّمَةٍ كَأَنْ عَقَدَ عَلَى امْرَأَتَيْنِ إحْدَاهُمَا مُحَرَّمَةٌ أَوْ ذَاتُ زَوْجٍ أَوْ وَثَنِيَّةٌ بِخِلَافِ مَا إذَا جَمَعَ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ فِي الْبَيْعِ حَيْثُ لَا يَصِحُّ فِي الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ قَبُولَ الْعَقْدِ فِي الْحُرِّ شَرْطٌ فَاسِدٌ فِي بَيْعِ الْعَبْدِ وَهُنَا الْمُبْطِلُ يَخُصُّ الْمُحَرَّمَةَ وَالنِّكَاحُ لَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ (قَوْلُهُ وَالْمُسَمَّى لَهَا) أَيْ جَمِيعُ الْمُسَمَّى لِلْمُحَلَّلَةِ الْمَضْمُومَةِ إلَى مُحَرَّمَةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ نَظَرًا إلَى أَنَّ ضَمَّ الْمُحَرَّمَةِ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ لَغْوٌ كَضَمِّ الْجِدَارِ لِعَدَمِ الْمَحَلِّيَّةِ وَالِانْقِسَامِ مِنْ حُكْمِ الْمُسَاوَاةِ فِي الدُّخُولِ فِي الْعَقْدِ وَلَمْ يَجِبْ الْحَدُّ بِوَطْءِ الْمُحَرَّمَةِ؛ لِأَنَّ سُقُوطَهُ مِنْ حُكْمِ صُورَةِ الْعَقْدِ لَا مِنْ حُكْمِ انْعِقَادِهِ فَلَيْسَ قَوْلُهُ بِعَدَمِ الِانْقِسَامِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ عَدَمَ الدُّخُولِ فِي الْعَقْدِ مُنَافِيًا لِقَوْلِهِ بِسُقُوطِ الْحَدِّ لِوُجُودِ صُورَةِ الْعَقْدِ كَمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ كَمَا لَا يَخْفَى، وَعِنْدَهُمَا يَقْسِمُ عَلَى مَهْرِ مِثْلَيْهِمَا كَأَنْ يَكُونَ الْمُسَمَّى أَلْفًا وَمَهْرُ مِثْلِ الْمُحَرَّمَةِ أَلْفَانِ وَالْمُحَلَّلَةِ أَلْفٌ فَيَلْزَمُ ثَلَاثُ مِائَةٍ وَثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثُ دِرْهَمٍ لِلْمُحَلَّلَةِ وَيَسْقُطُ الْبَاقِي نَظَرًا إلَى أَنَّ الْمُسَمَّى قُوبِلَ بِالْبُضْعَيْنِ فَيَنْقَسِمُ عَلَيْهِمَا كَمَا لَوْ جَمَعَ بَيْنَ عَبْدَيْنِ فَإِذَا أَحَدُهُمَا مُدَبَّرٌ وَكَمَا إذَا خَاطَبَ امْرَأَتَيْنِ بِالنِّكَاحِ بِأَلْفٍ فَأَجَابَتْ إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى، وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْمُدَبَّرَ مَحَلٌّ فِي الْجُمْلَةِ لِكَوْنِهِ مَالًا فَدَخَلَ تَحْتَ الِانْعِقَادِ فَانْقَسَمَ بِخِلَافِ الْمُحَرَّمَةِ لِعَدَمِ الْمَحَلِّيَّةِ أَصْلًا وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي الدُّخُولِ تَحْتَ الْإِيجَابِ لِلْمَحَلِّيَّةِ فَانْقَسَمَ الْمَهْرُ عَلَيْهِمَا فَتَرَجَّحَ قَوْلُهُ عَلَى قَوْلِهِمَا وَأُورِدَ عَلَى قَوْلِهِ مَا لَوْ دَخَلَ بِالْمُحَرَّمَةِ فَإِنَّ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ: فِي رِوَايَةِ الزِّيَادَاتِ يَلْزَمُهُ مَهْرُ مِثْلِهَا لَا يُجَاوِزُ بِهِ حِصَّتَهَا مِنْ الْمُسَمَّى وَمُقْتَضَاهُ الدُّخُولُ فِي الْعَقْدِ وَإِلَّا لَوَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ، وَجَوَابُهُ: أَنَّ الْمَنْعَ مِنْ الْمُجَاوَزَةِ عَلَى مَا خَصَّهَا مِنْ الْمُسَمَّى يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ التَّسْمِيَةِ وَرِضَاهَا بِالْقَدْرِ الْمُسَمَّى لَا بِانْعِقَادِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا وَدُخُولِهَا تَحْتَهُ وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي الْمُحَرَّمَةِ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ وَمُقْتَضَاهُ الدُّخُولُ فِي الْعَقْدِ، وَقَدْ قَالَ بِعَدَمِهِ وَهُوَ يَقْتَضِي أَجْنَبِيَّتَهَا عَنْهُ فَلَا يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ فَرْعُ الدُّخُولِ فِي عَقْدٍ فَاسِدٍ، وَجَوَابُهُ: أَنَّ وُجُوبَهُ بِالْعُذْرِ الَّذِي وَجَبَ بِهِ دَرْءُ الْحَدِّ وَهُوَ صُورَةُ الْعَقْدِ وَأُورِدَ عَلَى قَوْلِهِمَا أَيْضًا: كَيْفَ وَجَبَ لَهَا حِصَّتُهَا مِنْ الْأَلْفِ بِالدُّخُولِ وَهُوَ حُكْمُ دُخُولِهَا فِي الْعَقْدِ ثُمَّ يَجِبُ الْحَدُّ وَلَا يَجْتَمِعُ الْحَدُّ وَالْمَهْرُ وَلَا مُخَلِّصَ إلَّا بِتَخْصِيصِهِمَا الدَّعْوَى فَيَجِبُ الْحَدُّ لِانْتِفَاءِ شُبْهَةِ الْحِلِّ وَالْمَهْرِ لِلِانْقِسَامِ بِالدُّخُولِ فِي الْعَقْدِ. (قَوْلُهُ وَبَطَلَ نِكَاحُ الْمُتْعَةِ وَالْمُوَقَّتِ) وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي النِّهَايَةِ وَالْمِعْرَاجِ بِأَنْ يَذْكُرَ فِي الْمُوَقَّتِ لَفْظَ النِّكَاحِ أَوْ التَّزْوِيجِ مَعَ التَّوْقِيتِ وَفِي الْمُتْعَةِ لَفْظَ أَتَمَتَّعُ بِك أَوْ أَسْتَمْتِعُ وَفِي الْعِنَايَة بِفَرْقٍ آخَرَ: أَنَّ الْمُوَقَّتَ يَكُونُ بِحَضْرَةِ الشُّهُودِ وَيَذْكُرُ فِيهِ مُدَّةً مُعَيَّنَةً بِخِلَافِ الْمُتْعَةِ فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ أَتَمَتَّعُ بِك وَلَمْ يَذْكُرْ مُدَّةً كَانَ مُتْعَةً، وَالتَّحْقِيقُ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ مَعْنَى الْمُتْعَةِ عَقْدٌ عَلَى امْرَأَةٍ لَا يُرَادُ بِهِ مَقَاصِدُ عَقْدِ النِّكَاحِ مِنْ الْقَرَارِ لِلْوَلَدِ وَتَرْبِيَتِهِ بَلْ إمَّا إلَى مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ يَنْتَهِي الْعَقْدُ بِانْتِهَائِهَا أَوْ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ بِمَعْنَى بَقَاءِ الْعَقْدِ مَا دَامَ مَعَهَا إلَى أَنْ يَنْصَرِفَ عَنْهَا فَيَدْخُلُ فِيهِ بِمَادَّةِ الْمُتْعَةِ وَالنِّكَاحِ الْمُوَقَّتِ أَيْضًا فَيَكُونُ مِنْ أَفْرَادِ الْمُتْعَةِ وَإِنْ عَقَدَ بِلَفْظِ التَّزْوِيجِ وَأَحْضَرَ الشُّهُودَ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ، وَقَدْ نَقَلَ فِي الْهِدَايَةِ إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ عَلَى حُرْمَتِهِ وَأَنَّهَا كَانَتْ مُبَاحَةً ثُمَّ نُسِخَتْ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُنْت أَذِنْت لَكُمْ فِي الِاسْتِمْتَاعِ بِالنِّسَاءِ، وَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ ذَلِكَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» وَالْأَحَادِيثُ فِي ذَلِكَ كَثِيرَةٌ شَهِيرَةٌ وَمَا نُقِلَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ إبَاحَتِهَا فَقَدْ صَحَّ رُجُوعُهُ وَمَا فِي الْهِدَايَةِ مِنْ نِسْبَتِهِ إلَى مَالِكٍ فَغَلَطٌ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُونَ فَحِينَئِذٍ كَانَ زُفَرُ الْقَائِلُ بِإِبَاحَةِ الْمُوَقَّتِ مَحْجُوجًا بِالْإِجْمَاعِ لِمَا عَلِمْت أَنَّ الْمُوَقَّتَ مِنْ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَجَوَابُهُ أَنَّ الْمَنْعَ مِنْ الْمُجَاوَزَةِ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ) لَمْ يَتَّضِحْ لَنَا الْمَرَامُ فِي هَذَا الْمَقَامِ فَعَلَيْك بِالتَّأَمُّلِ وَالْمُرَاجَعَةِ. (قَوْلُهُ وَفِي الْعِنَايَةِ بِفَرْقٍ آخَرَ) حَاصِلُهُ: أَنَّ التَّمَتُّعَ مَا اشْتَمَلَ عَلَى مَادَّةِ مُتْعَةٍ مَعَ عَدَمِ اشْتِرَاطِ الشُّهُودِ وَتَعْيِينِ الْمُدَّةِ وَفِي الْمُوَقَّتِ الشُّهُودُ وَتَعْيِينُ الْمُدَّةِ قَالَ فِي الْفَتْحِ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَا دَلِيلَ لِهَؤُلَاءِ عَلَى تَعْيِينِ كَوْنِ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ الَّذِي أَبَاحَهُ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ حَرَّمَهُ هُوَ مَا اجْتَمَعَ فِيهِ مَادَّةُ م ت ع لِلْقَطْعِ مِنْ الْآثَارِ بِأَنَّ الْمُتَحَقِّقَ لَيْسَ إلَّا أَنَّهُ أَذِنَ لَهُمْ فِي الْمُتْعَةِ وَلَيْسَ مَعْنَى هَذَا أَنَّ مَنْ بَاشَرَ هَذَا الْمَأْذُونَ فِيهِ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ أَنْ يُخَاطِبَهَا بِلَفْظِ التَّمَتُّعِ وَنَحْوِهِ لِمَا عُرِفَ مِنْ أَنَّ اللَّفْظَ إنَّمَا يُطْلَقُ وَيُرَادُ مَعْنَاهُ فَإِذَا قَالَ تَمَتَّعُوا مِنْ هَذِهِ النِّسْوَةِ فَلَيْسَ مَفْهُومُهُ قُولُوا أَتَمَتَّعُ بِك بَلْ أَوْجِدُوا مَعْنَى هَذَا اللَّفْظِ وَمَعْنَاهُ الْمَشْهُورُ أَنْ يُوجِدَ عَقْدًا عَلَى امْرَأَةٍ إلَى آخِرِ مَا يَأْتِي. (قَوْلُهُ فَيَدْخُلُ فِيهِ مَا بِمَادَّةِ الْمُتْعَةِ وَالنِّكَاحِ الْمُوَقَّتِ أَيْضًا) قُلْتُ: مِمَّا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 115 أَفْرَادِ الْمُتْعَةِ، قَالُوا: ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ نُسِخَتْ مَرَّتَيْنِ: الْمُتْعَةُ وَلُحُومُ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ وَالتَّوَجُّهُ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، أَطْلَقَ فِي الْمُوَقَّتِ فَشَمِلَ الْمُدَّةَ الطَّوِيلَةَ أَيْضًا كَأَنْ يَتَزَوَّجَهَا إلَى مِائَتَيْ سَنَةٍ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ؛ لِأَنَّ التَّأْقِيتَ هُوَ الْمُعَيِّنُ لِجِهَةِ الْمُتْعَةِ، وَشَمِلَ الْمُدَّةَ الْمَجْهُولَةَ أَيْضًا وَقَيَّدَ بِالْمُوَقَّتِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ يُطَلِّقَهَا بَعْدَ شَهْرٍ فَإِنَّهُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْقَاطِعِ يَدُلُّ عَلَى انْعِقَادِهِ مُؤَبَّدًا وَبَطَلَ الشَّرْطُ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ وَلَوْ تَزَوَّجَهَا وَفِي نِيَّتِهِ أَنْ يَقْعُدَ مَعَهَا مُدَّةً نَوَاهَا فَالنِّكَاحُ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ التَّوْقِيتَ إنَّمَا يَكُونُ بِاللَّفْظِ، قَالُوا: وَلَا بَأْسَ بِتَزَوُّجِ النَّهَارِيَّاتِ وَهُوَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا لِيَقْعُدَ مَعَهَا نَهَارًا دُونَ اللَّيْلِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ هَذَا الشَّرْطُ لَازِمًا عَلَيْهَا وَلَهَا أَنْ تَطْلُبَ الْمَبِيتَ عِنْدَهَا لَيْلًا لِمَا عُرِفَ فِي بَابِ الْقَسْمِ. (قَوْلُهُ وَلَهُ وَطْءُ امْرَأَةٍ ادَّعَتْ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا وَقَضَى بِنِكَاحِهَا بِبَيِّنَةٍ وَلَمْ يَكُنْ تَزَوَّجَهَا) ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا لَيْسَ لَهُ وَطْؤُهَا؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ أَخْطَأَ الْحُجَّةَ إذْ الشُّهُودُ كَذَبَةٌ فَصَارَ كَمَا إذَا ظَهَرَ أَنَّهُمْ عَبِيدٌ أَوْ كُفَّارٌ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الشُّهُودَ صَدَقَةٌ عِنْدَهُ وَهُوَ الْحُجَّةُ لِتَعَذُّرِ الْوُقُوفِ عَلَى حَقِيقَةِ الصِّدْقِ، بِخِلَافِ الْكُفْرِ وَالرِّقِّ؛ لِأَنَّ الْوُقُوفَ عَلَيْهِمَا مُتَيَسِّرٌ فَإِذَا ابْتَنَى الْقَضَاءَ عَلَى الْحُجَّةِ وَأَمْكَنَ تَنْفِيذُهُ بَاطِنًا بِتَقْدِيمِ النِّكَاحِ نَفَذَ قَطْعًا لِلْمُنَازَعَةِ، بِخِلَافِ الْأَمْلَاكِ الْمُرْسَلَةِ؛ لِأَنَّ فِي الْأَسْبَابِ تَزَاحُمًا فَلَا إمْكَانَ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِ الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ وَهِيَ أَنَّ الْقَضَاءَ يَنْفُذُ بِشَهَادَةِ الزُّورِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا فِي الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ وَكَمَا يَجُوزُ لَهُ وَطْؤُهَا يَجُوزُ لَهَا تَمْكِينُهُ مِنْهُ، وَكَذَا لَوْ ادَّعَى عَلَيْهَا النِّكَاحَ فَحُكْمُهُ كَذَلِكَ، وَكَذَا لَوْ قَضَى بِالطَّلَاقِ بِشَهَادَةِ الزُّورِ مَعَ عِلْمِهَا حَلَّ لَهَا التَّزَوُّجُ بِآخَرَ بَعْدَ الْعِدَّةِ وَحَلَّ لِلشَّاهِدِ تَزَوُّجُهَا وَحَرُمَتْ عَلَى الْأَوَّلِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ وَلَا الثَّانِي وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ مَا لَمْ يَدْخُلْ بِهَا الثَّانِي فَإِذَا دَخَلَ بِهَا حَرُمَتْ عَلَيْهِ لِوُجُوبِ الْعِدَّةِ كَالْمَنْكُوحَةِ إذَا وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَقَضَى بِنِكَاحِهَا إلَى اشْتِرَاطِ أَنْ تَكُونَ مَحَلًّا لِلْإِنْشَاءِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ ذَاتَ زَوْجٍ أَوْ فِي عِدَّةِ غَيْرِهِ أَوْ مُطَلَّقَةً مِنْهُ ثَلَاثًا لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْإِنْشَاءِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَاخْتَلَفُوا فِي اشْتِرَاطِ حُضُورِ الشُّهُودِ عِنْدَ قَوْلِهِ قَضَيْت فَشَرَطَهُ جَمَاعَةٌ لِلنَّفَاذِ بَاطِنًا عِنْدَهُ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي أَنَّهُ أَخَذَ بِهِ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ، وَقِيلَ: لَا يُشْتَرَطُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ ثَبَتَ بِمُقْتَضَى صِحَّةِ قَضَائِهِ فِي الْبَاطِنِ وَمَا ثَبَتَ بِمُقْتَضَى صِحَّةِ الْغَيْرِ لَا يَثْبُتُ بِشَرَائِطِهِ كَالْبَيْعِ فِي قَوْلِهِ أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي بِأَلْفٍ، وَذَكَرَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ الْأَوْجَهَ عَدَمُ الِاشْتِرَاطِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ إطْلَاقُ الْمُتُونِ، وَذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ أَعْنِي عَدَمَ النَّفَاذِ بَاطِنًا فِيمَا ذَكَرَ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالنِّهَايَةِ: وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ أَوْجَهُ، وَقَدْ اسْتَدَلَّ لَهُ بِدَلَالَةِ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ مَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً ثُمَّ ادَّعَى فَسْخَ بَيْعِهَا كَذِبًا وَبَرْهَنَ فَقُضِيَ بِهِ حَلَّ لِلْبَائِعِ وَطْؤُهَا وَاسْتِخْدَامُهَا مَعَ عِلْمِهِ بِكَذِبِ دَعْوَى الْمُشْتَرِي مَعَ أَنَّهُ يُمْكِنُهُ التَّخَلُّصُ بِالْعِتْقِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ إتْلَافُ مَالِهِ فَإِنَّهُ اُبْتُلِيَ بِأَمْرَيْنِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَخْتَارَ أَهْوَنَهُمَا وَذَلِكَ مَا يَسْلَمُ لَهُ فِيهِ دِينُهُ اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْقَوْلِ بِحِلِّ الْوَطْءِ عَدَمُ إثْمِهِ فَإِنَّهُ أَثِمَ بِسَبَبِ إقْدَامِهِ عَلَى الدَّعْوَى الْبَاطِلَةِ وَإِنْ كَانَ لَا إثْمَ عَلَيْهِ بِسَبَبِ الْوَطْءِ، وَأَلْحَقَ فِي الْهِدَايَةِ بِالْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ الْعِتْقَ وَالنَّسَبَ وَقَدْ وَقَعَتْ لَطِيفَةٌ هِيَ أَنَّ بَعْضَ الْمَغَارِبَةِ بَحَثَ مَعَ الْأَكْمَلِ بِأَنَّهُ يُمْكِنُ قَطْعُ الْمُنَازَعَةِ بِالطَّلَاقِ فَأَجَابَهُ الْأَكْمَلُ مَا تُرِيدُ بِالطَّلَاقِ، الطَّلَاقَ الْمَشْرُوعَ أَوْ غَيْرَهُ؟ وَلَا عِبْرَةَ بِغَيْرِهِ وَالْمَشْرُوعُ يَسْتَلْزِمُ الْمَطْلُوبَ إذْ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ وَتَعَقَّبَهُ تِلْمِيذُهُ عُمَرُ قَارِئُ الْهِدَايَةِ بِأَنَّهُ جَوَابٌ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يُرِيدَ غَيْرَ الْمَشْرُوعِ لِيَكُونَ طَرِيقًا إلَى قَطْعِ الْمُنَازَعَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي نَفْسِهِ صَحِيحًا وَتَعَقَّبَهُمَا تِلْمِيذُهُ ابْنُ الْهُمَامِ بِأَنَّ الْحَقَّ التَّفْصِيلُ وَهُوَ أَنَّ الطَّلَاقَ الْمَذْكُورَ يَصْلُحُ سَبَبًا لِقَطْعِ الْمُنَازَعَةِ إنْ كَانَتْ هِيَ الْمُدَّعِيَةَ إذْ يُمْكِنُهُ ذَلِكَ، وَأَمَّا إذَا كَانَ هُوَ الْمُدَّعِيَ فَلَا يُمْكِنُهَا التَّخَلُّصُ مِنْهُ فَلَمْ يَكُنْ لِقَطْعِ الْمُنَازَعَةِ سَبَبٌ   [منحة الخالق] يُؤَيِّدُ هَذَا التَّحْقِيقَ مَا فِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ قَالَ تَزَوَّجْتُك شَهْرًا فَرَضِيَتْ عِنْدَنَا يَكُونُ مُتْعَةً وَلَا يَكُونُ نِكَاحًا وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَصِحُّ النِّكَاحُ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ. (قَوْلُهُ: وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي أَنَّهُ أَخَذَ بِهِ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ) ذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ فِي كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي أَنَّهُ الْمُعْتَمَدُ. (قَوْلُهُ مَعَ أَنَّهُ يُمْكِنُهُ التَّخَلُّصُ بِالْعِتْقِ) قَدْ يُقَالُ: إنَّ الْعِتْقَ فَرْعٌ عَنْ ثُبُوتِ الْمِلْكِ فَإِنْ كَانَ ثَابِتًا فَلَا حَاجَةَ إلَى الْعِتْقِ وَإِلَّا فَلَا يُجْدِيهِ نَفْعًا تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ إلَخْ) رَاجِعٌ لِأَصْلِ الْمَسْأَلَةِ لَا لِمَا فِي الْفَتْحِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 116 إلَّا النَّفَاذُ بَاطِنًا مَعَ أَنَّ الْحُكْمَ أَعَمُّ مِنْ دَعْوَاهَا أَوْ دَعْوَاهُ، وَلِذَا صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ بِمَا إذَا كَانَتْ هِيَ الْمُدَّعِيَةَ لِيُفِيدَ أَنَّهُ يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا وَإِنْ أَمْكَنَهُ طَلَاقُهَا لِيُفِيدَ أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِالطَّلَاقِ كَمَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ. (بَابُ الْأَوْلِيَاءِ وَالْأَكْفَاءِ) شُرُوعٌ فِي بَيَانِ مَا لَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ النِّكَاحِ عِنْدَنَا وَهُوَ الْوَلِيُّ وَلَهُ مَعْنًى لُغَوِيٌّ وَفِقْهِيٌّ وَأُصُولِيٌّ فَالْوَلِيُّ فِي اللُّغَةِ خِلَافُ الْعَدُوِّ وَالْوِلَايَةُ بِالْكَسْرِ السُّلْطَانُ وَالْوِلَايَةُ النُّصْرَةُ، وَقَالَ سِيبَوَيْهِ الْوَلَايَةُ بِالْفَتْحِ الْمَصْدَرُ وَالْوِلَايَةُ بِالْكَسْرِ الِاسْمُ مِثْلُ الْأَمَارَةِ وَالنِّقَابَةِ؛ لِأَنَّهُ اسْمٌ لِمَا تَوَلَّيْته وَقُمْت بِهِ فَإِذَا أَرَادُوا الْمَصْدَرَ فَتَحُوا كَذَا فِي الصِّحَاحِ وَفِي الْفِقْهِ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ الْوَارِثُ، فَخَرَجَ الصَّبِيُّ وَالْمَعْتُوهُ وَالْكَافِرُ عَلَى الْمُسْلِمَةِ. وَفِي أُصُولِ الدِّينِ: هُوَ الْعَارِفُ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَبِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ حَسْبَمَا يُمْكِنُ، الْمُوَاظِبُ عَلَى الطَّاعَاتِ، الْمُجْتَنِبُ عَنْ الْمَعَاصِي، الْغَيْرُ الْمُنْهَمِكِ فِي الشَّهَوَاتِ وَاللَّذَّاتِ كَمَا فِي شَرْحِ الْعَقَائِدِ وَالْوِلَايَةُ فِي الْفِقْهِ تَنْفِيذُ الْقَوْلِ عَلَى الْغَيْرِ شَاءَ أَوْ أَبَى وَهِيَ فِي النِّكَاحِ نَوْعَانِ وِلَايَةُ نَدْبٍ وَاسْتِحْبَابٍ وَهِيَ الْوِلَايَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ الْبَالِغَةِ بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا وَوِلَايَةُ إجْبَارٍ وَهِيَ الْوِلَايَةُ عَلَى الصَّغِيرِ بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا، وَكَذَا الْكَبِيرَةُ الْمَعْتُوهَةُ وَالْمَرْقُوقَةُ وَتَثْبُتُ الْوِلَايَةُ بِأَسْبَابٍ أَرْبَعَةٍ بِالْقَرَابَةِ وَالْمِلْكِ وَالْوَلَاءِ وَالْإِمَامَةِ، وَالْأَكْفَاءُ جَمْعُ كُفْءٍ وَهُوَ النَّظِيرُ كَمَا فِي الْمُغْرِبِ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ (قَوْلُهُ نَفَذَ نِكَاحُ حُرَّةٍ مُكَلَّفَةٍ بِلَا وَلِيٍّ) ؛ لِأَنَّهَا تَصَرَّفَتْ فِي خَالِصِ حَقِّهَا وَهِيَ مِنْ أَهْلِهِ لِكَوْنِهَا عَاقِلَةً بَالِغَةً وَلِهَذَا كَانَ لَهَا التَّصَرُّفُ فِي الْمَالِ وَلَهَا اخْتِيَارُ الْأَزْوَاجِ، وَإِنَّمَا يُطَالَبُ الْوَلِيُّ بِالتَّزْوِيجِ كَيْ لَا تُنْسَبَ إلَى الْوَقَاحَةِ وَلِذَا كَانَ الْمُسْتَحَبُّ فِي حَقِّهَا تَفْوِيضَ الْأَمْرِ إلَيْهِ وَالْأَصْلُ هُنَا أَنَّ كُلَّ مَنْ يَجُوزُ تَصَرُّفُهُ فِي مَالِهِ بِوِلَايَةِ نَفْسِهِ يَجُوزُ نِكَاحُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكُلُّ مَنْ لَا يَجُوزُ تَصَرُّفُهُ فِي مَالِهِ بِوِلَايَةِ نَفْسِهِ لَا يَجُوزُ نِكَاحُهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {حَتَّى تَنْكِحَ} [البقرة: 230] أَضَافَ النِّكَاحَ إلَيْهَا وَمِنْ السُّنَّةِ حَدِيثُ مُسْلِمٍ «الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا» وَهِيَ مَنْ لَا زَوْجَ لَهَا بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا، فَأَفَادَ أَنَّ فِيهِ حَقَّيْنِ حَقَّهُ وَهُوَ مُبَاشَرَتُهُ عَقْدَ النِّكَاحِ بِرِضَاهَا، وَقَدْ جَعَلَهَا أَحَقَّ مِنْهُ وَلَنْ تَكُونَ أَحَقَّ إلَّا إذَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا بِغَيْرِ رِضَاهُ وَأَمَّا مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ» . وَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ» فَضَعِيفَانِ أَوْ مُخْتَلَفٌ فِي صِحَّتِهِمَا فَلَنْ يُعَارِضَا الْمُتَّفَقَ عَلَى صِحَّتِهِ أَوْ الْأَوَّلُ مَحْمُولٌ عَلَى الْأَمَةِ وَالصَّغِيرَةِ وَالْمَعْتُوهَةِ أَوْ عَلَى غَيْرِ الْكُفْءِ، وَالثَّانِي مَحْمُولٌ عَلَى نَفْيِ الْكَمَالِ أَوْ هِيَ وَلِيَّةُ نَفْسِهَا وَفَائِدَتُهُ نَفْيُ نِكَاحِ مَنْ لَا وِلَايَةَ لَهُ كَالْكَافِرِ لِلْمُسْلِمَةِ وَالْمَعْتُوهَةِ وَالْأَمَةِ كُلُّ ذَلِكَ لِدَفْعِ التَّعَارُضِ مَعَ أَنَّ الْحَدِيثَ الْأَوَّلَ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَعْتَبِرْ عِبَارَةَ النِّسَاءِ فِي النِّكَاحِ، فَإِنَّ مَفْهُومَهُ أَنَّهَا إذَا نَكَحَتْ بِإِذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا صَحِيحٌ وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهِ، وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} [البقرة: 232] فَالْمُرَادُ بِالْعَضْلِ الْمَنْعُ حِسًّا بِأَنْ يَحْبِسَهَا فِي بَيْتٍ وَيَمْنَعَهَا مِنْ أَنْ تَتَزَوَّجَ كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ إنْ كَانَ نَهْيًا لِلْأَوْلِيَاءِ لَا الْمَنْعَ عَنْ الْعَقْدِ بِدَلِيلِ {أَنْ يَنْكِحْنَ} [البقرة: 232] حَيْثُ أَضَافَ الْعَقْدَ إلَيْهِنَّ وَإِنْ كَانَ نَهْيًا لِلْأَزْوَاجِ الْمُطَلِّقِينَ عَنْ الْمَنْعِ عَنْ التَّزَوُّجِ بَعْدَ الْعِدَّةِ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ قَالَ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} [البقرة: 231] فَلَمْ يَكُنْ حُجَّةً أَصْلًا قَيَّدَهُ بِالْحُرَّةِ احْتِرَازًا عَنْ الْأَمَةِ وَالْمُدَبَّرَةِ وَالْمُكَاتَبَةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ نِكَاحُهُنَّ إلَّا بِإِذْنِ الْمَوْلَى وَقَيَّدَهُ بِالْمُكَلَّفَةِ احْتِرَازًا عَنْ الصَّغِيرَةِ وَالْمَجْنُونَةِ فَإِنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ نِكَاحُهُمَا إلَّا بِالْوَلِيِّ وَأَطْلَقَهَا فَشَمِلَ الْبِكْرَ وَالثَّيِّبَ، وَأَطْلَقَ فَشَمِلَ الْكُفْءَ وَغَيْرَهُ، وَهَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ لَكِنْ لِلْوَلِيِّ الِاعْتِرَاضُ فِي غَيْرِ الْكُفْءِ وَمَا رُوِيَ عَنْهُمَا بِخِلَافِهِ فَقَدْ صَحَّ رُجُوعُهُمَا إلَيْهِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ الْإِمَامِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَلِذَا صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ إلَخْ) قَالَ فِي الرَّمْزِ أَقُولُ: فِي تَوْجِيهِ ذَلِكَ وَجْهٌ وَجِيهٌ وَهُوَ أَنَّ الطَّلَاقَ تَعَلَّقَ بِهِ لُزُومُ الْمَهْرِ فَإِذَا شَهِدُوا عَلَيْهِ بِمَهْرٍ كَثِيرٍ وَعَلَّقَ أَكْثَرَهُ أَوْ كُلَّهُ بِالطَّلَاقِ بِأَنْ كَانَ لَهَا رَغْبَةٌ فِي الْإِقَامَةِ مَعَهُ كَانَ لَهُ مَانِعٌ مِنْ الطَّلَاقِ قَوِيٌّ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ فَقِيرًا جِدًّا اهـ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّ الطَّلَاقَ قَدْ لَا يَكُونُ طَرِيقًا إلَى قَطْعِ الْمُنَازَعَةِ وَإِنْ كَانَتْ هِيَ الْمُدَّعِيَةَ. [بَابُ الْأَوْلِيَاءِ وَالْأَكْفَاءِ فِي النِّكَاحِ] (قَوْلُهُ وَفِي الْفِقْهِ: الْبَالِغُ الْعَاقِلُ الْوَارِثُ) اعْتَرَضَهُ الرَّمْلِيُّ بِأَنَّ ذِكْرَ الْوَارِثِ مِمَّا لَا يَنْبَغِي فَإِنَّ الْحَاكِمَ وَلِيٌّ وَلَيْسَ بِوَارِثٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 117 أَنَّهُ إنْ كَانَ الزَّوْجُ كُفُؤًا نَفَذَ نِكَاحُهَا وَإِلَّا فَلَمْ يَنْعَقِدْ أَصْلًا وَفِي الْمِعْرَاجِ مَعْزِيًّا إلَى قَاضِي خَانْ وَغَيْرِهِ وَالْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى فِي زَمَانِنَا رِوَايَةُ الْحَسَنِ وَفِي الْكَافِي وَالذَّخِيرَةِ وَبِقَوْلِهِ أَخَذَ كَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ قَاضٍ يَعْدِلُ وَلَا كُلُّ وَلِيٍّ يُحْسِنُ الْمُرَافَعَةَ وَالْجُثُوَّ بَيْنَ يَدَيْ الْقَاضِي مَذَلَّةً فَسُدَّ الْبَابُ بِالْقَوْلِ بِعَدَمِ الِانْعِقَادِ أَصْلًا، قَالَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ لَوْ زَوَّجَتْ الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا نَفْسَهَا مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ وَدَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ ثُمَّ طَلَّقَهَا لَا تَحِلُّ لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ عَلَى مَا هُوَ الْمُخْتَارُ وَفِي الْحَقَائِقِ هَذَا مِمَّا يَجِبُ حِفْظُهُ لِكَثْرَةِ وُقُوعِهِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فَإِنَّ الْمُحَلِّلَ فِي الْغَالِبِ يَكُونُ غَيْرَ كُفْءٍ وَأَمَّا لَوْ بَاشَرَ الْوَلِيُّ عَقْدَ الْمُحَلِّلِ فَإِنَّهَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ. اهـ. وَسَيَأْتِي فِي الْكَفَاءَةِ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْمَشَايِخِ أَفْتَوْا بِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ لَهَا أَوْلِيَاءُ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلِيٌّ فَهُوَ صَحِيحٌ مُطْلَقًا اتِّفَاقًا وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ مُبَاشَرَةُ الْوَلِيِّ لِلْعَقْدِ؛ لِأَنَّ رِضَاهُ بِالزَّوْجِ كَافٍ لَكِنْ لَوْ قَالَ الْوَلِيُّ رَضِيت بِتَزَوُّجِهَا مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ وَلَمْ يَعْلَمْ بِالزَّوَاجِ عَيْنًا هَلْ يَكْفِي صَارَتْ حَادِثَةً لِلْفَتْوَى وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكْفِيَ؛ لِأَنَّ الرِّضَا بِالْمَجْهُولِ لَا يَصِحُّ كَمَا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ فِي مَسْأَلَةِ مَا إذَا اسْتَأْذَنَهَا الْوَلِيُّ وَلَمْ يُسَمِّ الزَّوْجَ، فَقَالَ؛ لِأَنَّ الرِّضَا بِالْمَجْهُولِ لَا يَتَحَقَّقُ وَلَمْ أَرَهُ مَنْقُولًا صَرِيحًا وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ فِي الْكَفَاءَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (قَوْلُهُ وَلَا تُجْبَرُ بِكْرٌ بَالِغَةٌ عَلَى النِّكَاحِ) أَيْ لَا يَنْفُذُ عَقْدُ الْوَلِيِّ عَلَيْهَا بِغَيْرِ رِضَاهَا عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ لَهُ: الِاعْتِبَارُ بِالصَّغِيرَةِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهَا جَاهِلَةٌ بِأَمْرِ النِّكَاحِ لِعَدَمِ التَّجْرِبَةِ وَلِهَذَا يَقْبِضُ الْأَبُ صَدَاقَهَا بِغَيْرِ أَمْرِهَا. وَلَنَا: أَنَّهَا حُرَّةٌ مُخَاطَبَةٌ فَلَا يَكُونُ لِلْغَيْرِ عَلَيْهَا وِلَايَةٌ وَالْوِلَايَةُ عَلَى الصَّغِيرِ لِقُصُورِ عَقْلِهَا، وَقَدْ كَمَلَ بِالْبُلُوغِ بِدَلِيلِ تَوَجُّهِ الْخِطَابِ فَصَارَ كَالْغُلَامِ وَكَالتَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ، وَإِنَّمَا يَمْلِكُ الْأَبُ قَبْضَ الصَّدَاقِ بِرِضَاهَا دَلَالَةً فَيَبْرَأُ الزَّوْجُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ مَعَ نَهْيِهَا، وَالْجَدُّ كَالْأَبِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَزَادَ فِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ الْقَاضِي وَجَعَلَهُ كَالْأَبِ وَفِي الْمَبْسُوطِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَوْلِيَاءِ لَيْسَ لَهُمْ حَقُّ قَبْضِ مَهْرِهَا بِدُونِ أَمْرِهَا؛ لِأَنَّهُ مَعْبَرٌ وَكَمَا لَا تَتَوَجَّهُ الْمُطَالَبَةُ عَلَيْهِ بِتَسْلِيمِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ لَا يَكُونُ إلَيْهِ قَبْضُ الْبَدَلِ وَبِخِلَافِ سَائِرِ الدُّيُونِ فَإِنَّ الْأَبَ لَا يَمْلِكُ قَبْضَهَا كَمَا فِي الْمُجْتَبَى وَهَذَا كُلُّهُ إذَا قَبَضَ الْأَبُ الْمُسَمَّى قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ رَجُلٌ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِكْرًا بَالِغَةً عَلَى مَهْرٍ مُسَمًّى وَدَفَعَ إلَى أَبِيهَا مَهْرَهَا ضَيْعَةً فَلَمَّا بَلَغَهَا الْخَبَرُ قَالَتْ لَا أَرْضَى بِمَا فَعَلَ الْأَبُ يُنْظَرُ إنْ كَانَ فِي بَلْدَةٍ لَمْ يَجْرِ التَّعَارُفُ بِدَفْعِ الضَّيْعَةِ فِي الْمَهْرِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ هَذَا شِرَاءٌ وَالْبُلُوغُ قَاطِعٌ لِلْوِلَايَةِ وَإِنْ كَانَ فِي بَلْدَةٍ جَرَى التَّعَارُفُ بِذَلِكَ جَازَ؛ لِأَنَّ هَذَا قَبْضٌ لِلْمَهْرِ وَإِنْ كَانَتْ الْبِنْتُ صَغِيرَةً فَأَخَذَ الْأَبُ مَكَانَ الْمَهْرِ ضَيْعَةً لَا تُسَاوِي الْمَهْرَ فَإِنْ كَانَ فِي بَلَدٍ جَرَى التَّعَارُفُ بِذَلِكَ جَازَ وَإِلَّا فَلَا اهـ. زَادَ فِي الذَّخِيرَةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَفِيهَا أَيْضًا: وَلَيْسَ لِلْأَبِ قَبْضُ مَا وَهَبَهُ أَوْ أَهْدَاهُ الزَّوْجُ لِلْبِكْرِ الْبَالِغَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ حَتَّى لَوْ قَبَضَهَا بِغَيْرِ إذْنِهَا كَانَ لِلزَّوْجِ الِاسْتِرْدَادُ. اهـ. وَأَمَّا قَبْضُ الصَّغِيرِ فَلِلَابِّ وَالْجَدِّ وَالْوَصِيِّ دُونَ سَائِرِ الْأَوْلِيَاءِ وَلَوْ أُمًّا فَلَوْ دَفَعَهُ إلَى أُمِّهَا فَإِنْ وَصِيَّةً بَرِئَ وَإِلَّا خُيِّرَتْ بَعْدَ بُلُوغِهَا بَيْنَ أَخْذِهَا مِنْهُ أَوْ مِنْهَا وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْأُمِّ إنْ أَخَذَتْ مِنْهُ الْبِنْتُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ، وَلِلْأَبِ وَالْجَدِّ الْمُطَالَبَةُ بِهِ وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً لَا يَسْتَمْتِعُ بِهَا، بِخِلَافِ النَّفَقَةِ. وَالْقَاضِي كَالْأَبِ إلَّا إذَا زُفَّتْ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ قَبْضُ مَهْرِ الثَّيِّبِ الْبَالِغَةِ فَلَوْ اخْتَلَفَ الْأَبُ وَالزَّوْجُ فِي الدُّخُولِ فَالْقَوْلُ لِلْأَبِ وَيَحْلِفُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ إنْ لَمْ تَعْتَرِفْ الْمَرْأَةُ بِهِ وَلَهُ تَحْلِيفُهَا أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ وَإِقْرَارُ الْأَبِ بِقَبْضِ الصَّدَاقِ عِنْدَ إنْكَارِهَا وَعَدَمُ الْبَيِّنَةِ غَيْرُ مَقْبُولٍ إنْ كَانَتْ وَقْتَهُ ثَيِّبًا بَالِغَةً وَإِلَّا فَمَقْبُولٌ وَإِقْرَارُهُ أَنَّهُ قَبَضَهُ وَهِيَ صَغِيرَةٌ مَعَ إنْكَارِهَا وَعَدَمُ الْبَيَانِ غَيْرُ مَقْبُولٍ إنْ كَانَتْ وَقْتَهُ بَالِغَةً وَإِلَّا فَمَقْبُولٌ وَتَرْجِعُ عَلَى الزَّوْجِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكْفِيَ إلَخْ) نَقَلَهُ عَنْهُ فِي النَّهْرِ وَأَقَرَّهُ، وَقَالَ الرَّمْلِيُّ سَيَأْتِي فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَإِنْ اسْتَأْذَنَهَا إلَخْ نَقْلًا عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ تُفَوِّضْ الْأَمْرَ إلَيْهِ أَمَّا إذَا فَوَّضَتْ بِأَنْ قَالَتْ أَنَا رَاضِيَةٌ بِمَا تَفْعَلُهُ أَنْت بَعْدَ قَوْلِهِ إنَّ أَقْوَامَك يَخْطُبُونَك أَوْ زَوِّجْنِي مِمَّنْ تَخْتَارُهُ وَنَحْوُهُ فَهُوَ اسْتِئْذَانٌ صَحِيحٌ اهـ. فَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّهُ فِي التَّفْوِيضِ لَا يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِالزَّوْجِ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْوَلِيَّ لَوْ قَالَ أَنَا رَاضٍ بِمَا تَفْعَلِينَ أَوْ زَوِّجِي نَفْسَك مِمَّنْ تَخْتَارِينَ وَنَحْوُهُ أَنَّهُ يَكْفِي وَهُوَ ظَاهِرٌ إذْ قَدْ فَوَّضَ الْأَمْرَ إلَيْهَا تَفْعَلُ مَا شَاءَتْ وَلِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْإِسْقَاطِ فَيَصِحُّ وَكَلَامُ الظَّهِيرِيَّةِ كَالصَّرِيحِ فِيهِ. (قَوْلُهُ لَا تُسَاوِي الْمَهْرَ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ سَاوَتْهُ جَازَ؛ لِأَنَّهُ شِرَاءُ الْأَبِ لِلِابْنِ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ. (قَوْلُهُ وَالْقَاضِي كَالْأَبِ إلَّا إذَا زُفَّتْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ بِالزِّفَافِ إلَى الزَّوْجِ تَنْقَطِعُ وِلَايَةُ الْقَاضِي عَنْ قَبْضِ الْمَهْرِ وَاسْتِرْدَادِ الصَّغِيرَةِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ فَإِنَّ لَهُمْ حَقَّ اسْتِرْدَادِهَا إلَى مَنْزِلِهَا وَمَنْعِهَا مِنْ الزَّوْجِ حَتَّى يَدْفَعَ مَهْرَهَا إلَى مَنْ لَهُ حَقُّ قَبْضِهِ كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَغَيْرِهِ وَإِذَا زُفَّتْ الْكَبِيرَةُ انْقَطَعَ الْأَبُ عَنْ قَبْضِ الْمَهْرِ وَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا. (قَوْلُهُ وَإِلَّا فَمَقْبُولٌ) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ ثَيِّبًا بَالِغَةً فَإِقْرَارُهُ مَقْبُولٌ، وَتَحْتَ هَذَا ثَلَاثُ صُوَرٍ: بِأَنْ كَانَتْ بِكْرًا بَالِغَةً، قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ أَقَرَّ الْأَبُ بِقَبْضِ الصَّدَاقِ إنْ بِكْرًا صُدِّقَ وَإِنْ ثَيِّبًا لَا اهـ. أَوْ كَانَتْ وَقْتَهُ صَغِيرَةً مُطْلَقًا فَفِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ يَقْبَلُ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْبَزَّازِيَّةِ أَنَّهُ لَا يَقْبَلُ فِي الثَّيِّبِ الصَّغِيرَةِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 118 وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْأَبِ إلَّا إذَا شَرَطَ بَرَاءَتَهُ مِنْ الصَّدَاقِ وَقْتَ الْقَبْضِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَغَيْرِهِ وَفِي الذَّخِيرَةِ وَالْحُكْمُ فِيمَا بَيْنَ الْوَكِيلِ وَالْمَدِينِ وَرَبِّ الدَّيْنِ فِي مِثْلِ هَذَا نَظِيرُ الْحُكْمِ فِيمَا بَيْنَ الْأَبِ وَالْمَرْأَةِ وَالزَّوْجِ. اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ رَجُلٌ قَبَضَ مَهْرَ ابْنَتِهِ مِنْ الزَّوْجِ ثُمَّ ادَّعَى عَلَيْهِ الرَّدَّ ثَانِيًا إنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ بِكْرًا لَمْ يُصَدَّقْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّ لَهُ حَقَّ الْقَبْضِ وَلَيْسَ لَهُ حَقُّ الرَّدِّ وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا صُدِّقَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حَقُّ الْقَبْضِ فَإِذَا قَبَضَ بِأَمْرِ الزَّوْجِ كَانَ أَمَانَةً لِلزَّوْجِ عِنْدَهُ فَيُصَدَّقُ فِي رَدِّ الْأَمَانَةِ عَلَيْهِ كَالْمُودَعِ إذَا قَالَ رَدَدْتُ الْوَدِيعَةَ. اهـ. وَفِي الذَّخِيرَةِ لِلْأَبِ الْمُخَاصَمَةُ مَعَ الزَّوْجِ فِي مَهْرِ الْبِكْرِ الْبَالِغَةِ كَمَا لَهُ أَنْ يَقْبِضَهُ، وَلَا يُشْتَرَطُ إحْضَارُ الْمَرْأَةِ لِلِاسْتِيفَاءِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ فَإِنْ قَالَ الزَّوْجُ لِلْقَاضِي: مُرْ الْأَبَ فَلْيَقْبِضْ الْمَهْرَ مِنِّي وَلْيُسَلِّمْ الْجَارِيَةَ إلَيَّ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَقُولُ لَهُ: اقْبِضْ الْمَهْرَ وَادْفَعْهَا إلَيْهِ، فَإِنْ امْتَنَعَ الْأَبُ مِنْ ذَلِكَ لَيْسَ عَلَى الزَّوْجِ دَفْعُهُ إلَيْهِ وَلَوْ قَالَ الْأَبُ: لَيْسَتْ فِي مَنْزِلِي وَلَا أَعْرِفُ مَكَانَهَا فَلَيْسَ عَلَى الزَّوْجِ دَفْعُهُ أَيْضًا، وَإِنْ قَالَ الْأَبُ: هِيَ فِي مَنْزِلِي، وَإِنَّمَا أَقْبِضُ الْمَهْرَ وَأُجَهِّزُهَا بِهِ وَأُسَلِّمُهَا إلَيْهِ فَالْقَاضِي يَأْمُرُ الزَّوْجَ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ فَإِنْ طَلَبَ الزَّوْجُ كَفِيلًا بِالْمَهْرِ فَالْقَاضِي يَأْمُرُ الْأَبَ بِكَفِيلٍ بِالْمَهْرِ فَإِذَا أَتَى بِكَفِيلٍ أَمَرَ الزَّوْجَ بِدَفْعِ الْمَهْرِ فَإِنْ سَلَّمَ الْبِنْتَ إلَيْهِ بَرِئَ الْكَفِيلُ وَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ تَوَصَّلَ الزَّوْجُ إلَى حَقِّهِ بِالْكَفِيلِ فَيَعْتَدِلُ النَّظَرُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَهَكَذَا كَانَ يَقُولُ أَبُو يُوسُفَ أَوَّلًا ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ: الْقَاضِي يَأْمُرُ الْأَبَ أَنْ يَجْعَلَ الْمَرْأَةَ مُهَيَّأَةً لِلتَّسْلِيمِ وَيُحْضِرَهَا وَيَأْمُرُ الزَّوْجَ بِدَفْعِ الْمَهْرِ وَالْأَبَ بِتَسْلِيمِ الْبِنْتِ فَيَكُونُ دَفْعُ الزَّوْجِ الْمَهْرَ عِنْدَ تَسْلِيمِهَا نَفْسَهَا إلَى الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ النَّظَرَ لَا يَحْصُلُ لِلزَّوْجِ بِالْكَفَالَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِلُ إلَى الْمَرْأَةِ لَا مَحَالَةَ بِالْكَفَالَةِ، وَإِنَّمَا النَّظَرُ فِي تَسْلِيمِ الْمَهْرِ بِحَضْرَتِهَا، قَالَ الْخَصَّافُ، وَهَذَا أَحْسَنُ الْقَوْلَيْنِ اهـ وَفِي الْخُلَاصَةِ الْأَبُ إذَا جَعَلَ بَعْضَ مَهْرِ الْبِنْتِ آجِلًا وَالْبَعْضَ عَاجِلًا وَوَهَبَ الْبَعْضَ كَمَا هُوَ الْمَعْهُودُ، ثُمَّ قَالَ: إنْ لَمْ تُجِزْ الْبِنْتُ الْهِبَةَ فَقَدْ ضَمِنْت مِنْ مَالِي أَنْ أُؤَدِّيَ قَدْرَ الْهِبَةِ لَا يَصِحُّ هَذَا الضَّمَانُ اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ اسْتَأْذَنَهَا الْوَلِيُّ فَسَكَتَتْ أَوْ ضَحِكَتْ أَوْ زَوَّجَهَا فَبَلَغَهَا الْخَبَرُ فَسَكَتَتْ فَهُوَ إذْنٌ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْبِكْرُ تُسْتَأْمَرُ فِي نَفْسِهَا فَإِنْ سَكَتَتْ فَقَدْ رَضِيَتْ» وَلِأَنَّ حَيْثِيَّةَ الرِّضَا فِيهِ رَاجِحَةٌ؛ لِأَنَّهَا تَسْتَحْيِ عَنْ إظْهَارِ الرَّغْبَةِ لَا عَنْ الرَّدِّ وَالضَّحِكُ أَدَلُّ عَلَى الرِّضَا مِنْ السُّكُوتِ. وَالْأَصْلُ أَنَّ سُكُوتَ الْبِكْرِ لِلِاسْتِئْمَارِ وَكَالَةٌ وَلِلْعَقْدِ إجَازَةٌ كَمَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فَالْإِذْنُ فِي عِبَارَةِ الْمُخْتَصَرِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْوَكَالَةِ وَالْإِجَازَةِ فَفِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى تَوْكِيلٌ وَفِي الثَّانِيَةِ إجَازَةٌ وَيَتَفَرَّعُ عَلَى كَوْنِهِ تَوْكِيلًا أَنَّ الْوَلِيَّ لَوْ اسْتَأْذَنَهَا فِي رَجُلٍ مُعَيَّنٍ، فَقَالَتْ يَصْلُحُ أَوْ سَكَتَتْ ثُمَّ لَمَّا خَرَجَ قَالَتْ لَا أَرْضَى وَلَمْ يَعْلَمْ الْوَلِيُّ بِعَدَمِ رِضَاهَا فَزَوَّجَهَا فَهُوَ صَحِيحٌ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ لَا يَنْعَزِلُ حَتَّى يَعْلَمَ وَلَيْسَ السُّكُوتُ إذْنًا حَقِيقِيًّا لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ الْأَيْمَانِ إذَا حَلَفَتْ أَنْ لَا تَأْذَنَ فِي تَزْوِيجِهَا فَسَكَتَتْ عِنْدَ الِاسْتِئْمَارِ لَا تَحْنَثُ اهـ. وَالْمُرَادُ بِالْوَلِيِّ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ اسْتِحْبَابٍ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْبَالِغَةِ الْعَاقِلَةِ فَيُفِيدُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا وَلِيٌّ أَقْرَبُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَهُ الْوِلَايَةُ الْمَذْكُورَةُ فَلَوْ اسْتَأْذَنَهَا مِنْ غَيْرِهِ أَقْرَبَ مِنْهُ فَلَا يَكُونُ سُكُوتُهَا إذْنًا وَلَا بُدَّ مِنْ النُّطْقِ؛ لِأَنَّ الْأَبْعَدَ مَعَ الْأَقْرَبِ كَالْأَجْنَبِيِّ كَمَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَلِهَذِهِ النُّكْتَةِ عَبَّرَ بِالْوَلِيِّ دُونَ الْقَرِيبِ وَدَخَلَ تَحْتَ الْوَلِيِّ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةَ الِاسْتِحْبَابِ فِي نِكَاحِهَا وَلِذَا قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ وَالْقَاضِي عِنْدَ الْأَوْلِيَاءِ بِمَنْزِلَةِ الْوَلِيِّ فِي ذَلِكَ. اهـ. فَيَكْفِي سُكُوتُهَا وَدَخَلَ أَيْضًا الْمَوْلَى فِي نِكَاحِ الْمُعْتَقَةِ إذَا كَانَتْ بِكْرًا بَالِغَةً كَمَا فِي الْقُنْيَةِ وَلَوْ زَوَّجَهَا وَلِيَّانِ مُتَسَاوِيَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ رَجُلٍ فَأَجَازَتْهُمَا مَعًا بَطَلَا لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ وَإِنْ سَكَتَتْ بَقِيَا مَوْقُوفَيْنِ حَتَّى تُجِيزَ أَحَدَهُمَا بِالْقَوْلِ أَوْ بِالْفِعْلِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْجَوَابِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَحُكْمُ رَسُولِ الْوَلِيِّ كَالْوَلِيِّ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ فَيَكْفِي سُكُوتُهَا وَاخْتَارَهُ أَكْثَرُ الْمُتَأَخِّرِينَ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ وَالْمُرَادُ بِالسُّكُوتِ مَا كَانَ   [منحة الخالق] لِجَعْلِهِ الْمَدَارَ عَلَى الْبَكَارَةِ وَالثُّيُوبَةِ. قَالَ الرَّمْلِيُّ وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَالْحَقُّ أَنْ يَجْعَلَ الصِّغَرَ مَدَارَ الْحُكْمِ اهـ. وَالْأَكْثَرُ عَلَى إدَارَةِ الْحُكْمِ عَلَى الْبَكَارَةِ وَالثُّيُوبَةِ إلَّا فِي الثَّيِّبِ الصَّغِيرَةِ فَإِنَّ الْحُكْمَ فِيهَا كَالصَّغِيرَةِ الْبِكْرِ، وَقَدْ نَقَلَهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ عَنْ فَتَاوَى رَشِيدِ الدِّينِ وَعَنْ الْجَامِعِ وَالْفَتَاوَى، وَنَقَلَهُ هُنَا عَنْ الذَّخِيرَةِ فَإِنَّ تَقْيِيدَهُ بِالثَّيِّبِ الْبَالِغَةِ يُفِيدُ أَنَّ الْبِكْرَ الْبَالِغَةَ، لِلْأَبِ وِلَايَةُ قَبْضِ صَدَاقِهَا وَهُوَ الَّذِي قَدَّمَهُ فِي صَدْرِ الْمَقُولَةِ وَمِثْلُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَمَجْمَعِ الْفَتَاوَى وَالظَّهِيرِيَّةِ، وَأَغْلَبِ كُتُبِ الْفَتَاوَى فَلْيَكُنْ الْمُعَوَّلَ عَلَيْهِ، وَهَذَا كُلُّهُ إنْ لَمْ تَنْهَهُ عَنْ الْقَبْضِ، أَمَّا إذَا أَنْهَتْهُ فَلَا يَمْلِكُهُ وَلَا يَبْرَأُ الزَّوْجُ مِنْهُ، صَرَّحَ بِذَلِكَ كَثِيرٌ مِنْ عُلَمَائِنَا فَاعْلَمْ ذَلِكَ اهـ. ، وَقَدْ مَرَّ التَّصْرِيحُ بِهِ مِنْ الْمُؤَلِّفِ أَيْضًا. (قَوْلُهُ وَفِي الذَّخِيرَةِ لِلْأَبِ الْمُخَاصَمَةُ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ بِغَيْرِ وَكَالَةٍ مِنْهَا كَمَا فِي الْمُضْمَرَاتِ وَفِي مَجْمَعِ الْفَتَاوَى رَجُلٌ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِكْرًا وَدَفَعَ الْمَهْرَ إلَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 119 عَنْ اخْتِيَارٍ لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ لَوْ أَخَذَهَا الْعُطَاسُ أَوْ السُّعَالُ حِينَ أَخْبَرَتْ فَلَمَّا ذَهَبَ الْعُطَاسُ أَوْ السُّعَالُ قَالَتْ لَا أَرْضَى صَحَّ رَدُّهَا، وَكَذَا لَوْ أَخَذَ فَمَهَا ثُمَّ تَرَكَ، فَقَالَتْ لَا أَرْضَى؛ لِأَنَّ ذَلِكَ السُّكُوتَ كَانَ عَنْ اضْطِرَارٍ، وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَتْ عَالِمَةً بِحُكْمِهِ أَوْ جَاهِلَةً وَشَمِلَ مَا إذَا اسْتَأْذَنَهَا لِنَفْسِهِ لِمَا فِي الْجَوَامِعِ لَوْ اسْتَأْذَنَ بِنْتَ عَمِّهِ لِنَفْسِهِ وَهِيَ بِكْرٌ بَالِغَةٌ فَسَكَتَتْ فَزَوَّجَهَا مِنْ نَفْسِهِ جَازَ؛ لِأَنَّهُ صَارَ وَكِيلًا بِسُكُوتِهَا اهـ. وَقَيَّدَ بِالسُّكُوتِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ رَدَّتْهُ ارْتَدَّ وَقَوْلُهَا لَا أُرِيدُ الزَّوْجَ أَوْ لَا أُرِيدُ فُلَانًا سَوَاءٌ فِي أَنَّهُ رَدٌّ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ التَّزْوِيجِ أَوْ بَعْدَهُ وَهُوَ الْمُخْتَارُ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ وَلَوْ قَالَتْ بَعْدَ الِاسْتِئْمَارِ: غَيْرُهُ أَوْلَى مِنْهُ فَلَيْسَ بِإِذْنٍ وَهُوَ إجَازَةٌ بَعْدَ الْعَقْدِ، كَمَا فِيهَا أَيْضًا. وَفَرَّقُوا بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْإِذْنَ وَعَدَمَهُ فَقَبْلَ النِّكَاحِ لَمْ يَكُنْ النِّكَاحُ فَلَا يَجُوزُ بِالشَّكِّ وَبَعْدَ النِّكَاحِ كَانَ فَلَا يَبْطُلُ بِالشَّكِّ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَهُوَ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ نِكَاحًا إلَّا بَعْدَ الصِّحَّةِ وَهُوَ بَعْدَ الْإِذْنِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِإِذْنٍ، فِيهِمَا وَقَوْلُهَا " ذَلِكَ إلَيْك " إذْنٌ مُطْلَقًا بِخِلَافِ قَوْلِهَا أَنْتَ أَعْلَمُ أَوْ أَنْتَ بِالْمَصْلَحَةِ أَخْبَرُ وَبِالْأَحْسَنِ أَعْلَمُ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَأَرَادَ بِالسُّكُوتِ السُّكُوتَ عَنْ الرَّدِّ لَا مُطْلَقَ السُّكُوتِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ بَلَغَهَا الْخَبَرُ فَتَكَلَّمَتْ بِكَلَامٍ أَجْنَبِيٍّ فَهُوَ سُكُوتٌ هُنَا فَيَكُونُ إجَازَةً فَلَوْ قَالَتْ الْحَمْدُ لِلَّهِ اخْتَرْت نَفْسِي أَوْ قَالَتْ هُوَ دَبَّاغٌ لَا أُرِيدُهُ فَهَذَا كَلَامٌ وَاحِدٌ فَكَانَ رَدًّا، كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَأَطْلَقَ فِي الضَّحِكِ فَشَمِلَ التَّبَسُّمَ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَا يَرُدُّ عَلَيْهِ مَا إذَا ضَحِكَتْ مُسْتَهْزِئَةً فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ إذْنًا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَضَحِكُ الِاسْتِهْزَاءِ لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ يَحْضُرُهُ؛ لِأَنَّ الضَّحِكَ إنَّمَا جُعِلَ إذْنًا لِدَلَالَتِهِ عَلَى الرِّضَا فَإِذَا لَمْ يَدُلَّ عَلَى الرِّضَا لَمْ يَكُنْ إذْنًا، وَأَطْلَقَ فِي الِاسْتِئْذَانِ فَانْصَرَفَ إلَى الْكَامِلِ وَهُوَ بِأَنْ يُسَمِّيَ لَهَا الزَّوْجَ عَلَى وَجْهٍ يَقَعُ لَهَا بِهِ الْمَعْرِفَةُ وَيُسَمِّيَ لَهَا الْمَهْرَ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَلَا بُدَّ مِنْهُ لِتَظْهَرَ رَغْبَتُهَا فِيهِ مِنْ رَغْبَتِهَا عَنْهُ فَلَوْ قَالَ أُزَوِّجُك مِنْ رَجُلٍ فَسَكَتَتْ لَا يَكُونُ إذْنًا فَلَوْ سَمَّى فُلَانًا أَوْ فُلَانًا فَسَكَتَتْ فَلَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ أَيِّهِمَا شَاءَ، وَكَذَا لَوْ سَمَّى جَمَاعَةً مُجْمِلًا فَإِنْ كَانُوا يُحْصَوْنَ فَهُوَ رِضًا نَحْوُ مِنْ جِيرَانِي أَوْ بَنِي عَمِّي وَهُمْ كَذَلِكَ وَإِنْ كَانُوا لَا يُحْصَوْنَ نَحْوُ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ فَلَيْسَ بِرِضًا كَمَا فِي الْمُحِيطِ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ تُفَوِّضْ الْأَمْرَ إلَيْهِ أَمَّا إذَا قَالَتْ أَنَا رَاضِيَةٌ بِمَا تَفْعَلُهُ أَنْت بَعْدَ قَوْلِهِ وَإِنْ أَقْوَامًا يَخْطُبُونَك أَوْ زَوِّجْنِي مِمَّنْ تَخْتَارُهُ وَنَحْوُهُ فَهُوَ اسْتِئْذَانٌ صَحِيحٌ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَيْسَ لَهُ بِهَذَا الْمَقَالَةِ أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ رَجُلٍ رَدَّتْ نِكَاحَهُ أَوَّلًا؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَذَا الْعُمُومِ غَيْرُهُ كَالتَّوْكِيلِ بِتَزْوِيجِ امْرَأَةٍ لَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُزَوِّجَهُ مُطَلَّقَتَهُ إذَا كَانَ الزَّوْجُ قَدْ شَكَا مِنْهَا لِلْوَكِيلِ وَأَعْلَمَهُ بِطَلَاقِهَا كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ. وَأَمَّا الثَّانِي فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ مُصَحَّحَةٍ: قِيلَ لَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ الْمَهْرِ فِي الِاسْتِئْذَانِ؛ لِأَنَّ لِلنِّكَاحِ صِحَّةً بِدُونِهِ وَصَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَقِيلَ يُشْتَرَطُ ذِكْرُهُ؛ لِأَنَّ رَغْبَتَهَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الصَّدَاقِ فِي الْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ وَهُوَ قَوْلُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ مَشَايِخِنَا كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّهُ الْأَوْجَهُ وَتَفَرَّعَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَذْكُرْ الْمَهْرَ لَهَا قَالُوا إنْ وَهَبَهَا مِنْ رَجُلٍ نَفَذَ نِكَاحُهُ؛ لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِنِكَاحٍ لَا تَسْمِيَةَ فِيهِ وَالنِّكَاحُ بِلَفْظِ الْهِبَةِ يُوجِبُ مَهْرَ الْمِثْلِ وَإِنْ زَوَّجَهَا بِمَهْرٍ مُسَمًّى لَا يَنْعَقِدُ نِكَاحُ الْوَلِيِّ؛ لِأَنَّهَا مَا رَضِيَتْ بِتَسْمِيَةِ الْوَلِيِّ فَلَا يَنْعَقِدُ نِكَاحُ الْوَلِيِّ إلَّا بِإِجَازَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا، وَهُوَ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى الِاشْتِرَاطِ أَنْ لَا يَصِحَّ الِاسْتِئْذَانُ إذَا لَمْ يَذْكُرْهُ فَلَمْ يَصِحَّ   [منحة الخالق] الْأَبِ بَرِيءَ وَلَيْسَ لِلْأَبِ أَنْ يَأْخُذَ الزَّوْجَ بِالْمَهْرِ إلَّا بِوَكَالَةٍ مِنْهَا اهـ. فَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا هُنَا تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ جَازَ؛ لِأَنَّهُ صَارَ وَكِيلًا بِسُكُوتِهَا) أَمَّا لَوْ زَوَّجَهَا لِنَفْسِهِ فَبَلَغَهَا الْخَبَرُ فَسَكَتَتْ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ كَمَا سَيَأْتِي بَعْدَ وَرَقَةٍ. (قَوْلُهُ كَمَا فِيهَا أَيْضًا) الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إلَى الذَّخِيرَةِ ثُمَّ إنَّ ذِكْرَ قَوْلِهِ وَفَرَّقُوا بَيْنَهُمَا إلَى قَوْلِهِ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ عَقِبَ قَوْلِهِ كَمَا فِيهَا أَيْضًا ثُمَّ إعْقَابُهُ بِقَوْلِهِ وَهُوَ مُشْكِلٌ إلَخْ كَمَا فِي هَذِهِ النُّسْخَةِ أَحْسَنُ مِمَّا فِي عَامَّةِ النُّسَخِ حَيْثُ ذَكَرَ فِيهَا بَعْدَ قَوْلِهِ كَمَا فِيهَا أَيْضًا وَأَرَادَ بِالسُّكُوتِ إلَى قَوْلِهِ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ ثُمَّ قَوْلُهُ وَقَوْلُهَا ذَلِكَ إلَيْك إلَى قَوْلِهِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ ثُمَّ قَوْلُهُ وَفَرَّقُوا بَيْنَهُمَا ثُمَّ قَوْلُهُ وَهُوَ مُشْكِلٌ. (قَوْلُهُ وَقَوْلُهَا ذَلِكَ إلَيْك إذْنٌ) ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُذْكَرُ لِلتَّوْكِيلِ بِخِلَافِ مَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُذْكَرُ لِلتَّعْرِيضِ بِعَدَمِ الْمَصْلَحَةِ فِيهِ كَذَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ وَهُوَ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ نِكَاحًا إلَخْ) أَصْلُ الْإِشْكَالِ لِصَاحِبِ الْفَتْحِ، وَقَدْ أَجَابَ عَنْهُ فِي الرَّمْزِ بِقَوْلِهِ: وَيُجَابُ بِأَنَّ الْعَقْدَ إذَا وَقَعَ وَوَرَدَ بَعْدَهُ مَا يَحْتَمِلُ كَوْنَهُ تَقْرِيرًا لَهُ وَكَوْنَهُ رَدًّا تَرَجَّحَ بِوُقُوعِهِ احْتِمَالَ التَّقْرِيرِ وَإِذَا وَرَدَ قَبْلَهُ مَا يَحْتَمِلُ الْإِذْنَ وَعَدَمَهُ تَرَجَّحَ الرَّدُّ لِعَدَمِ وُقُوعِهِ فَيَمْنَعُ مِنْ إيقَاعِهِ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْإِذْنِ فِيهِ. (قَوْلُهُ قَالُوا إنْ وَهَبَهَا مِنْ رَجُلٍ) قَالَ فِي الْفَتْحِ يَعْنِي فَوَّضَهَا اهـ وَعَزَا الْمَسْأَلَةَ إلَى التَّجْنِيسِ مُعَلَّلَةً بِأَنَّهُ إذَا وَهَبَهَا فَتَمَامُ الْعَقْدِ بِالزَّوْجِ وَالْمَرْأَةُ عَالِمَةٌ بِهِ وَإِذَا سَمَّى مَهْرًا فَتَمَامُهُ بِهِ أَيْضًا، ثُمَّ قَالَ وَهُوَ فَرْعُ اشْتِرَاطِ التَّسْمِيَةِ فِي كَوْنِ السُّكُوتِ الرِّضَا وَيَجِبُ كَوْنُ الْجَوَابِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى مُقَيَّدًا بِمَا إذَا عَلِمَتْ بِالتَّفْوِيضِ تَفْرِيعًا عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ قَالَ فِي النَّهْرِ وَبِهِ انْدَفَعَ إشْكَالُ الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ وَهُوَ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى الِاشْتِرَاطِ إلَخْ) قَالَ فِي الرَّمْزِ وَالْجَوَابُ أَنَّ الَّذِي رَضِيَتْ بِهِ لَمْ يُوجَدْ وَمَا وُجِدَ إنْ لَمْ تَرْضَ بِهِ أَوْ لَا فَإِجَازَتُهَا كَافِيَةٌ فِي نَفَاذِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 120 (قَوْلُهُمْ إنَّهَا رَضِيَتْ بِنِكَاحٍ لَا تَسْمِيَةَ فِيهِ فَسُكُوتُهَا إنَّمَا هُوَ لِعِلْمِهَا بِعَدَمِ صِحَّةِ الِاسْتِئْذَانِ، وَقِيلَ إنْ كَانَ الْمُزَوِّجُ أَبًا أَوْ جَدًّا لَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ الْمَهْرِ عِنْدَ الِاسْتِئْذَانِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُمَا يُشْتَرَطُ وَصَحَّحَهُ فِي الْكَافِي وَالْمِعْرَاجِ وَكَأَنَّهُ سَهْوٌ وَقَعَ مِنْ قَائِلِهِ؛ لِأَنَّ التَّفْرِقَةَ بَيْنَ الْأَبِ وَالْجَدِّ وَبَيْنَ غَيْرِهِمَا إنَّمَا هُوَ فِي تَزْوِيجِ الصَّغِيرَةِ بِحُكْمِ الْجَبْرِ وَالْكَلَامُ إنَّمَا هُوَ فِي الْكَبِيرَةِ الَّتِي وَجَبَ مُشَاوَرَتُهَا وَالْأَبُ فِي ذَلِكَ كَالْأَجْنَبِيِّ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا إلَّا بِرِضَاهَا فَقَدْ اخْتَلَفَ التَّرْجِيحُ فِيهَا وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّ إشَارَةَ كُتُبِ مُحَمَّدٍ تَدُلُّ عَلَيْهِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الْبُكَاءَ لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ وَالصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى أَنَّهَا إنْ بَكَتْ بِلَا صَوْتٍ فَهُوَ إذْنٌ؛ لِأَنَّهُ حُزْنٌ عَلَى مُقَاوَمَةِ أَهْلِهَا وَإِنْ كَانَ بِصَوْتٍ فَلَيْسَ بِإِذْنٍ؛ لِأَنَّهُ دَلِيلُ السَّخَطِ وَالْكَرَاهَةِ غَالِبًا لَكِنْ فِي الْمِعْرَاجِ الْبُكَاءُ وَإِنْ كَانَ دَلِيلَ السَّخَطِ لَكِنَّهُ لَيْسَ بِرَدٍّ حَتَّى لَوْ رَضِيَتْ بَعْدَهُ يَنْفُذُ الْعَقْدُ وَلَوْ قَالَتْ لَا أَرْضَى ثُمَّ رَضِيَتْ بَعْدَهُ لَا يَصِحُّ النِّكَاحُ اهـ. وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ قَوْلَ الْوِقَايَةِ وَالْبُكَاءُ بِلَا صَوْتٍ إذْنٌ وَمَعَهُ رَدٌّ لَيْسَ بِصَحِيحٍ إلَّا أَنْ يُؤَوَّلَ أَنَّ مَعْنَاهُ وَمَعَهُ لَيْسَ بِإِذْنٍ؛ لِأَنَّهُ دَلِيلُ السَّخَطِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ اعْتِبَارُ قَرَائِنِ الْأَحْوَالِ فِي الْبُكَاءِ وَالضَّحِكِ فَإِنْ تَعَارَضَتْ أَوْ أَشْكَلَ اُحْتِيطَ اهـ. وَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ مَسْأَلَةَ الِاسْتِئْذَانِ قَبْلَ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ السُّنَّةُ قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَالسُّنَّةُ أَنْ يَسْتَأْمِرَ الْبِكْرَ وَلِيُّهَا قَبْلَ النِّكَاحِ بِأَنْ يَقُولَ إنَّ فُلَانًا يَخْطُبُك أَوْ يَذْكُرُك فَسَكَتَتْ وَإِنْ زَوَّجَهَا بِغَيْرِ اسْتِئْمَارٍ فَقَدْ أَخْطَأَ السُّنَّةَ وَتَوَقَّفَ عَلَى رِضَاهَا. اهـ. وَهُوَ مَحْمَلُ النَّهْيِ فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ «لَا تُنْكَحُ الْأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ وَلَا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ إذْنُهَا؟ قَالَ أَنْ تَسْكُتَ» فَهُوَ لِبَيَانِ السُّنَّةِ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهَا لَوْ صَرَّحَتْ بِالرِّضَا بَعْدَ الْعَقْدِ نُطْقًا فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَأَرَادَ بِبُلُوغِهَا الْخَبَرَ: عِلْمَهَا بِالنِّكَاحِ فَدَخَلَ فِيهِ مَا لَوْ زَوَّجَهَا الْوَلِيُّ وَهِيَ حَاضِرَةٌ فَسَكَتَتْ فَإِنَّهُ إجَازَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ وَعِلْمُهَا بِهِ يَكُونُ بِإِخْبَارِ وَلِيِّهَا أَوْ رَسُولِهِ مُطْلَقًا أَوْ فُضُولِيٍّ عَدْلٍ أَوْ اثْنَيْنِ مَسْتُورَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَا يَكْفِي إخْبَارُ وَاحِدٍ غَيْرِ عَدْلٍ وَلَهَا نَظَائِرُ سَتَأْتِي فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ مِنْ مَسَائِلَ شَتَّى. وَلَا بُدَّ فِي التَّبْلِيغِ مِنْ تَسْمِيَةِ الزَّوْجِ لَهَا عَلَى وَجْهٍ تَقَعُ بِهِ الْمَعْرِفَةُ لَهَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الِاسْتِئْذَانِ، وَأَمَّا تَسْمِيَةُ الْمَهْرِ فَعَلَى الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ وَفَرَّعَ فِي التَّبْيِينِ عَلَى عَدَمِ الِاشْتِرَاطِ أَنَّهُ إنْ سَمَّاهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ وَافِرًا وَهُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ حَتَّى لَا يَكُونَ السُّكُوتُ رِضًا بِدُونِهِ، وَاخْتُلِفَ فِيمَا إذَا زَوَّجَهَا غَيْرَ كُفْءٍ فَبَلَغَهَا فَسَكَتَتْ، فَقَالَا لَا يَكُونُ رِضًا، وَقِيلَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يَكُونُ رِضًا إنْ كَانَ الْمُزَوِّجُ أَبًا أَوْ جَدًّا وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُمَا فَلَا كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ أَخْذًا مِنْ مَسْأَلَةِ الصَّغِيرَةِ الْمُزَوَّجَةِ مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ مَا إذَا ضَحِكَتْ بَعْدَ بُلُوغِهَا الْخَبَرَ مَعَ أَنَّهُ كَضَحِكِهَا عِنْدَ الِاسْتِئْذَانِ لَهَا كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ اكْتِفَاءً بِذِكْرِهِ أَوَّلًا وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَلَوْ اسْتَأْذَنَهَا الْوَلِيُّ أَوْ زَوَّجَهَا فَعَلِمَتْ بِهِ فَسَكَتَتْ أَوْ ضَحِكَتْ فَهُوَ إذْنٌ لَكَانَ أَوْلَى وَالْبُكَاءُ عِنْدَ التَّزْوِيجِ كَهُوَ عِنْدَ الِاسْتِئْذَانِ وَأَطْلَقَ سُكُوتَهَا بَعْدَ بُلُوغِهَا الْخَبَرَ فَشَمِلَ مَا إذَا اسْتَأْذَنَهَا فِي مُعَيَّنٍ فَرَدَّتْ ثُمَّ زَوَّجَهَا مِنْهُ فَسَكَتَتْ فَإِنَّهُ إجَازَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ بِخِلَافِ مَا لَوْ بَلَغَهَا الْعَقْدُ فَرَدَّتْ، ثُمَّ قَالَتْ رَضِيت حَيْثُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ بَطَلَ بِالرَّدِّ وَلِذَا اسْتَحْسَنُوا التَّجْدِيدَ عِنْدَ الزِّفَافِ فِيمَا إذَا زَوَّجَ قَبْلَ الِاسْتِئْذَانِ إذْ غَالِبُ حَالِهِنَّ إظْهَارُ النَّفْرَةِ عِنْدَ فَجْأَةِ السَّمَاعِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَالْأَوْجَهُ عَدَمُ الصِّحَّةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الرَّدَّ الصَّرِيحَ لَا يَنْزِلُ عَنْ تَضْعِيفِ كَوْنِ ذَلِكَ السُّكُوتِ دَلَالَةَ الرِّضَا وَلَوْ كَانَتْ قَالَتْ قَدْ كُنْت قُلْتُ: لَا أُرِيدُهُ وَلَمْ تَزِدْ عَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ النِّكَاحُ لِلْإِخْبَارِ بِأَنَّهَا عَلَى امْتِنَاعِهَا. اهـ. وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِالسُّكُوتِ عِنْدَ بُلُوغِ الْخَبَرِ إلَى أَنَّهُ لَوْ مَكَّنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا أَوْ طَالَبَتْهُ بِالْمَهْرِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ) فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ كَلَامَ الْمِعْرَاجِ لَيْسَ بِأَقْوَى مِنْ كَلَامِ الْوِقَايَةِ فَإِنَّهَا مِنْ الْمُتُونِ الْمُعْتَبَرَةِ وَمِثْلُهَا فِي النُّقَايَةِ وَالْمُلْتَقَى وَالْإِصْلَاحِ عَلَى أَنَّهُ فِي الْمِعْرَاجِ نَقَلَ أَيْضًا عَنْ الْمَبْسُوطِ مَا نَصُّهُ: وَفِي الْمَبْسُوطِ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ هَذَا إذَا كَانَ لِبُكَائِهَا صَوْتٌ كَالْوَيْلِ، وَأَمَّا إذَا خَرَجَ الدَّمْعُ مِنْ غَيْرِ صَوْتٍ لَا يَكُونُ رَدًّا؛ لِأَنَّهَا تَحْزَنُ عَلَى مُفَارَقَةِ بَيْتِ أَبَوَيْهَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ عِنْدَ الْإِجَازَةِ اهـ. فَقَوْلُهُ هَذَا إذَا كَانَ لِبُكَائِهَا صَوْتٌ أَيْ كَوْنُهُ رَدًّا بِدَلِيلِ مُقَابِلِهِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ أَصْلَ الْخِلَافِ فِي أَنَّ الْبُكَاءَ رَدٌّ أَوْ لَا لِقَوْلِ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: وَإِنْ بَكَتْ كَانَ رَدًّا فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَعَنْهُ فِي رِوَايَةٍ يَكُونُ رِضًا قَالُوا إنْ كَانَ الْبُكَاءُ عَنْ صَوْتٍ وَوَيْلٍ لَا يَكُونُ رِضًا وَإِنْ كَانَ عَنْ سُكُوتٍ فَهُوَ رِضًا اهـ. فَقَوْلُهُ قَالُوا إلَخْ تَوْفِيقٌ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ فَعُلِمَ أَنَّ مَنْ قَالَ لَا يَكُونُ رِضًا مَعْنَاهُ يَكُونُ رَدًّا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي الِاخْتِيَارِ وَلَوْ بَكَتْ فِيهِ رِوَايَتَانِ وَالْمُخْتَارُ إنْ كَانَ بِغَيْرِ صَوْتٍ فَهُوَ رِضًا وَفِي الذَّخِيرَةِ بَعْدَ حِكَايَةِ الرِّوَايَتَيْنِ وَبَعْضُهُمْ قَالُوا إنْ كَانَ الْبُكَاءُ مَعَ الصِّيَاحِ وَالصَّوْتِ فَهُوَ رَدٌّ وَإِنْ كَانَ مَعَ السُّكُوتِ فَهُوَ رِضًا وَهُوَ الْأَوْجَهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. اهـ. (قَوْلُهُ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَالْأَوْجَهُ عَدَمُ الصِّحَّةِ) مُقَابِلُ قَوْلِهِ فَإِنَّهُ إجَازَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ تَأَمَّلْ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 121 وَالنَّفَقَةِ يَكُونُ رِضًا؛ لِأَنَّ الدَّلَالَةَ تَعْمَلُ عَمَلَ الصَّرِيحِ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ أَوْ زَوَّجَهَا؛ لِأَنَّ الْوَلِيَّ لَوْ تَزَوَّجَهَا كَابْنِ الْعَمِّ إذَا تَزَوَّجَ بِنْتَ عَمَّهُ الْبِكْرَ الْبَالِغَةَ بِغَيْرِ إذْنِهَا فَبَلَغَهَا الْخَبَرُ فَسَكَتَتْ لَا يَكُونُ رِضًا؛ لِأَنَّ ابْنَ الْعَمِّ كَانَ أَصِيلًا فِي نَفْسِهِ فُضُولِيًّا فِي جَانِبِ الْمَرْأَةِ فَلَمْ يَتِمَّ الْعَقْدُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ فَلَا يَعْمَلُ الرِّضَا وَلَوْ اسْتَأْمَرَهَا فِي التَّزْوِيجِ مِنْ نَفْسِهِ فَسَكَتَتْ ثُمَّ زَوَّجَهَا مِنْ نَفْسِهِ جَازَ إجْمَاعًا كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَأَطْلَقَ فِي الْبِكْرِ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَتْ تَزَوَّجَتْ قَبْلَ ذَلِكَ وَطَلُقَتْ قَبْلَ زَوَالِ الْبَكَارَةِ وَلِذَا قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَإِذَا فَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَ امْرَأَةِ الْعِنِّينِ وَبَيْنَ الْعِنِّينِ وَجَبَتْ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَتُزَوَّجُ كَمَا تُزَوَّجُ الْأَبْكَارُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأَصْلِ وَشَمِلَ مَا إذَا خَاصَمَتْ الْأَزْوَاجَ فِي الْمَهْرِ وَفِيهِ خِلَافٌ قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالْبِكْرُ إذَا خَاصَمَتْ الْأَزْوَاجَ فِي الْمَهْرِ قِيلَ لَا تُسْتَنْطَقُ، وَقِيلَ تُسْتَنْطَقُ؛ لِأَنَّ عِلَّةَ وَضْعِ النُّطْقِ الْحَيَاءُ وَالْحَيَاءُ زَائِلٌ عَنْهَا اهـ. وَيَنْبَغِي تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ لِعَيْنِ النَّصِّ لَا لِمَعْنَاهُ وَهِيَ بِكْرٌ فَيُكْتَفَى بِسُكُوتِهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهَا حَيَاءٌ كَأَبْكَارِ زَمَانِنَا فَإِنَّ الْغَالِبَ فِيهِنَّ عَدَمُ الْحَيَاءِ، وَقَدْ يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهَا عِلَّةٌ مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا لَا مُسْتَنْبَطَةٌ وَالْمَنْصُوصُ عَلَيْهَا يَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ بِهَا وُجُودًا وَعَدَمًا كَالطَّوَافِ فِي الْهِرَّةِ وَلِذَا كَانَ سُؤْرُ الْهِرَّةِ الْوَحْشِيَّةِ نَجِسًا لِفَقْدِ الطَّوَافِ كَمَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ سُكُوتُهَا بَعْدَ بُلُوغِهَا الْخَبَرَ فِي حَيَاةِ الزَّوْجِ وَإِلَّا فَلَيْسَ بِإِجَازَةٍ؛ لِأَنَّ شَرْطَهَا قِيَامُ الْعَقْدِ، وَقَدْ بَطَلَ بِمَوْتِهِ كَمَا فِي الْفَتَاوَى، وَذَكَرَ فِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ زَوَّجَ ابْنَتَهُ الْبَالِغَةَ وَلَمْ يَعْلَمْ الرِّضَا وَالرَّدَّ حَتَّى مَاتَ زَوْجُهَا، فَقَالَتْ وَرَثَتُهُ إنَّهَا زُوِّجَتْ بِغَيْرِ أَمْرِهَا وَلَمْ تَعْلَمْ بِالنِّكَاحِ وَلَمْ تَرْضَ فَلَا مِيرَاثَ لَهَا قَالَتْ هِيَ زَوَّجَنِي أَبِي بِأَمْرِي كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا وَلَهَا الْمِيرَاثُ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَإِنْ قَالَتْ زَوَّجَنِي أَبِي بِغَيْرِ أَمْرِي فَبَلَغَنِي الْخَبَرُ فَرَضِيتُ فَلَا مَهْرَ لَهَا وَلَا مِيرَاثَ؛ لِأَنَّهَا أَقَرَّتْ أَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ غَيْرَ تَامٍّ فَإِذَا ادَّعَتْ النَّفَاذَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا لِمَكَانِ التُّهْمَةِ. اهـ. وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ السُّكُوتَ إذْ دَلَّ عَلَى الرِّضَا فَإِنَّهُ يَقُومُ مَقَامَ الْقَوْلِ، وَقَدْ ذَكَرُوا مَسَائِلَ أُقِيمَ فِيهَا السُّكُوتُ مَقَامَ التَّصْرِيحِ الْأُولَى: سُكُوتُ الْبِكْرِ عِنْدَ الِاسْتِئْمَارِ، الثَّانِيَةُ: سُكُوتُهَا عِنْدَ بُلُوغِهَا الْخَبَرَ، الثَّالِثَةُ: سُكُوتُهَا عِنْدَ قَبْضِ الْأَبِ أَوْ الْجَدِّ الْمَهْرَ كَذَا قَالُوا وَلَا يَنْبَغِي إدْخَالُهُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَقْبِضَ الْمَهْرَ فِي غَيْبَتِهَا حَتَّى لَوْ رَدَّتْ عِنْدَ بُلُوغِهَا الْخَبَرَ بِقَبْضِهِ لَا تَمْلِكُ ذَلِكَ، نَعَمْ لَهَا نَهْيُهُ عَنْهُ قَبْلَ الْقَبْضِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، الرَّابِعَةُ: سُكُوتُ الْمَالِكِ عِنْدَ قَبْضِ الْمَوْهُوبِ لَهُ أَوْ الْمُتَصَدِّقِ عَلَيْهِ الْعَيْنَ بِحَضْرَتِهِ، الْخَامِسَةُ: فِي الْبَيْعِ وَلَوْ فَاسِدًا إذَا قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي بِمَرْأًى مِنْ الْبَائِعِ فَسَكَتَ صَحَّ وَسَقَطَ حَقُّ الْحَبْسِ بِالثَّمَنِ، السَّادِسَةُ: إذَا اشْتَرَى الْعَبْدُ بِحَضْرَةِ مَوْلَاهُ فَسَكَتَ كَانَ إذْنًا فِي غَيْرِ الْأَوَّلِ، السَّابِعَةُ: الصَّبِيُّ إذَا اشْتَرَى أَوْ بَاعَ بِمَرْأًى مِنْ وَلِيِّهِ فَسَكَتَ فَهُوَ إذْنٌ لَهُ، الثَّامِنَةُ: الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إذَا رَأَى الْعَبْدَ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي فَسَكَتَ سَقَطَ خِيَارُهُ، التَّاسِعَةُ: سَيِّدُ الْعَبْدِ الْمَأْسُورِ إذَا رَآهُ يُبَاعُ فَسَكَتَ بَطَلَ حَقُّهُ فِي أَخْذِهِ بِالْقِيمَةِ، الْعَاشِرَةُ: إذَا سَكَتَ الْأَبُ وَلَمْ يَنْفِ الْوَلَدُ مُدَّةَ التَّهْنِئَةِ لَزِمَهُ فَلَا يَنْبَغِي بَعْدُ، الْحَادِيَةَ عَشَرَ: السُّكُوتُ عَقِيبَ شَقِّ رَجُلٍ زِقَّهُ حَتَّى سَالَ مَا فِيهِ لَا يَضْمَنُ الشَّاقُّ مَا سَالَ، الثَّانِيَةَ عَشَرَ: سُكُوتُهُ عَقِبَ حَلِفِهِ عَلَى أَنْ لَا أُسَكِّنَ فُلَانًا وَفُلَانٌ سَاكِنٌ فَيَحْنَثُ الثَّالِثَةَ عَشَرَ: السُّكُوتُ عَقِيبَ قَوْلِ رَجُلٍ وَاضِعٍ غَيْرَهُ عَلَى أَنْ يُظْهِرَا بَيْعَ تَلْجِئَةٍ، ثُمَّ قَالَ بَدَا لِي جَعْلُهُ بَيْعًا نَافِذًا بِمَسْمَعٍ مِنْ الْآخَرِ ثُمَّ عَقَدَا كَانَ نَافِذًا، الرَّابِعَةَ عَشَرَ: يَصِيرُ مُودَعًا بِسُكُوتِهِ عَقِيبَ وَضْعِ رَجُلٍ مَتَاعَهُ عِنْدَهُ وَهُوَ يَنْظُرُ الْخَامِسَةَ عَشَرَ: الشَّفِيعُ إذَا بَلَغَهُ الْبَيْعُ فَسَكَتَ كَانَ تَسْلِيمًا، السَّادِسَةَ عَشَرَ: مَجْهُولُ النَّسَبِ إذَا بِيعَ فَسَكَتَ كَانَ إقْرَارًا بِالرِّقِّ، السَّابِعَةَ عَشَرَ: يَكُونُ وَكِيلًا بِسُكُوتِهِ عَقِبَ الْأَمْرِ بِبَيْعِ الْمَتَاعِ الثَّامِنَةَ عَشَرَ: إذَا رَأَى مِلْكًا لَهُ يُبَاعُ وَلَوْ عَقَارًا فَسَكَتَ حَتَّى قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي سَقَطَ دَعْوَاهُ فِيهِ لَكِنْ شَرَطَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ لِسُقُوطِ دَعْوَاهُ أَنْ يَقْبِضَ الْمُشْتَرِي وَيَتَصَرَّفَ فِيهِ أَزْمَانًا وَهُوَ   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 122 سَاكِتٌ بِخِلَافِ السُّكُوتِ عِنْدَ مُجَرَّدِ الْبَيْعِ، التَّاسِعَةَ عَشَرَ: فِي الْوَقْفِ عَلَى فُلَانٍ إذَا سَكَتَ جَاوَزَ وَإِنْ رَدَّهُ بَطَلَ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ مِنْ الْإِقْرَارِ وَفِيهِ خِلَافٌ ذَكَرَهُ فِي التَّبْيِينِ مِنْ آخِرِ الْكِتَابِ أَيْضًا وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالِاسْتِقْرَارُ يُفِيدُ عَدَمَ الْحَصْرِ، وَهَذِهِ الْمَشْهُورَةُ لَا الْمَحْصُورَةُ اهـ. وَلِذَا زِدْت عَلَيْهِ مَسْأَلَةَ الْوَقْفِ. وَيُزَادُ أَيْضًا الصَّغِيرَةُ إذَا زَوَّجَهَا غَيْرُ الْأَبِ وَالْجَدِّ فَبَلَغَتْ بِكْرًا فَسَكَتَتْ سَاعَةً بَطَلَ خِيَارُهَا وَهِيَ الْعِشْرُونَ وَهِيَ فِي الْمُجْتَبَى وَيُزَادُ أَيْضًا مَا فِي الْمُحِيطِ رَجُلٌ زُوِّجَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَهَنَّأَهُ الْقَوْمُ وَقَبِلَ التَّهْنِئَةَ فَهُوَ رِضًا؛ لِأَنَّ قَبُولَ التَّهْنِئَةِ دَلِيلُ الْإِجَازَةِ وَهِيَ الْحَادِيَةُ وَالْعِشْرُونَ. (قَوْلُهُ وَإِنْ اسْتَأْذَنَهَا غَيْرُ الْوَلِيِّ فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَوْلِ كَالثَّيِّبِ) أَيْ فَلَا يَكْفِي السُّكُوتُ؛ لِأَنَّهُ لِقِلَّةِ الِالْتِفَاتِ إلَى كَلَامِهِ فَلَمْ يَقَعْ دَلَالَةً عَلَى الرِّضَا وَلَوْ وَقَعَ فَهُوَ مُحْتَمَلٌ وَالِاكْتِفَاءُ بِمِثْلِهِ لِلْحَاجَةِ وَلَا حَاجَةَ فِي غَيْرِ الْأَوْلِيَاءِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمُسْتَأْمِرُ رَسُولَ الْوَلِيِّ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ، وَكَذَلِكَ الثَّيِّبُ لَا يُكْتَفَى بِسُكُوتِهَا؛ لِأَنَّ النُّطْقَ لَا يُعَدُّ عَيْبًا وَقَلَّ الْحَيَاءُ بِالْمُمَارَسَةِ فَلَا مَانِعَ مِنْ النُّطْقِ فِي حَقِّهَا وَاسْتَدَلَّ لَهُ فِي الْهِدَايَةِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَالثَّيِّبُ تُشَاوَرُ» ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمُشَاوَرَةَ لَا تَكُونُ إلَّا بِالْقَوْلِ وَخَرَجَ عَنْ حَقِيقَتِهِ فِي الْبِكْرِ بِقَرِينَةِ آخِرِ الْحَدِيثِ «وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا» وَلَمْ يُوجَدْ مِثْلُهَا فِي الثَّيِّبِ وَبِهِ انْدَفَعَ مَا ذَكَرَهُ فِي التَّبْيِينِ وَالْمُرَادُ بِالثَّيِّبِ هُنَا الْبَالِغَةُ إذْ الصَّغِيرَةُ لَا تُسْتَأْذَنُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَيُزَادُ أَيْضًا الصَّغِيرَةُ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهَا فِي الْفَتْحِ مَعَ أَنَّهُ ذَكَرَهَا نَظْمًا مَعَ الثَّمَانِيَةَ عَشَرَ السَّابِقَةِ حَيْثُ قَالَ وَسُكُوتُ بِكْرٍ فِي النِّكَاحِ وَفِي ... قَبْضِ الْأَبْيَنِ صَدَاقَهَا إذْنُ قَبْضُ الْمُمَلَّكِ وَالْمَبِيعِ وَلَوْ ... فِي فَاسِدٍ وَإِذَا اشْتَرَى قِنُّ وَكَذَا الصَّبِيُّ وَذُو الشِّرَاءِ إذَا ... كَانَ الْخِيَارُ لَهُ كَذَا سَنُّوا مَوْلَى الْأَسِيرِ يُبَاعُ وَهْوَ يَرَى ... وَأَبُو الْوَلِيدِ إذَا انْقَضَى الزَّمَنُ وَعَقِيبَ شَقِّ الزِّقِّ أَوْ حَلِفٍ ... يَنْفِي بِهِ الْإِسْكَانَ إنْ ضَنُّوا وَعَقِيبَ قَوْلِ مُوَاضِعٍ نَمْضِي ... أَوْ وَضْعُ مَالِ ذَا لَهُ يَدْنُو وَبُلُوغُ جَارِيَةٍ وَزَوَّجَهَا ... غَيْرُ الْأَبْيَنِ بِذَاكَ قَدْ مَنُّوا وَكَذَا الشَّفِيعُ وَذُو الْجَهَالَةِ فِي ... نَسَبٍ شَرَاهُ مَنْ بِهِ ضَغْنُ وَإِذَا يَقُولُ لِغَيْرِهِ فَسَكَتْ ... هَذَا مَتَاعِي بِعْهُ يَا مَعْنُ وَإِذَا رَأَى مِلْكًا يُبَاعُ لَهُ ... وَتَصَرَّفُوا رَهْنًا فَلَمْ يَدْنُو قَالَ قَوْلِي سُكُوتُ بِكْرٍ مَا قَبْلَ النِّكَاحِ وَمَا بَعْدَهُ أَعْنِي إذَا زَوَّجَهَا فَبَلَغَهَا فَسَكَتَتْ اهـ. أَيْ: فَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ وَحِينَئِذٍ فَالْمَزِيدُ مَسْأَلَةُ الْوَقْفِ وَمَسْأَلَةُ التَّهْنِئَةِ عِنْدَ تَزَوُّجِ الْفُضُولِيِّ، قَالَ فِي الرَّمْزِ وَزِدْت عَلَيْهِ وَالْوَقْفُ وَالتَّفْوِيضُ أَوْ حَلَفْ ... لِلْعَبْدِ لَا يُعْطَى لَهُ إذْنُ وَشَرِيكُ مَنْ قَالَ اشْتَرَيْت كَذَا ... لِي كَالْوَكِيلِ لِنَفْسِهِ يَعْنُو اهـ. فَقَدْ نَظَمَ مَسْأَلَةَ الْوَقْفِ الَّتِي زَادَهَا الْمُؤَلِّفُ وَزَادَ عَلَيْهِ أَرْبَعَةً أُخَرَ مَذْكُورَةً فِي الْأَشْبَاهِ: إحْدَاهَا سُكُوتُ الْمُفَوَّضِ إلَيْهِ قَبُولٌ لِلتَّفْوِيضِ وَلَهُ رَدُّهُ. الثَّانِيَةُ لَوْ حَلَفَ الْمَوْلَى لَا يَأْذَنُ لَهُ فَسَكَتَ حَنِثَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. الثَّالِثَةُ أَحَدُ شَرِيكَيْ الْعِنَانِ قَالَ لِلْآخَرِ أَنَا أَشْتَرِي هَذِهِ الْأَمَةَ لِنَفْسِي خَاصَّةً فَسَكَتَ الشَّرِيكُ لَا تَكُونُ لَهُمَا. الرَّابِعَةُ سُكُوتُ الْمُوَكِّلِ حِينَ قَالَ لَهُ الْوَكِيلُ بِشِرَاءٍ مُعَيَّنٍ إنِّي أُرِيدُ شِرَاءَهُ لِنَفْسِي فَشَرَاهُ كَانَ لَهُ. وَبَقِيَ مَسَائِلُ فِي الِاشْتِبَاهِ زِيَادَةً عَلَى مَا مَرَّ: الْأُولَى: سُكُوتُ الرَّاهِنِ عِنْدَ قَبْضِ الْمُرْتَهِنِ الْعَيْنَ الْمَرْهُونَةَ. الثَّانِيَةُ: بَاعَ جَارِيَةً وَعَلَيْهَا حُلِيٌّ وَقُرْطَانِ وَلَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ لِلْمُشْتَرِي لَكِنْ تَسَلَّمَ الْمُشْتَرِي الْجَارِيَةَ وَذَهَبَ بِهَا وَالْبَائِعُ سَاكِتٌ كَانَ سُكُوتُهُ بِمَنْزِلَةِ التَّسْلِيمِ فَكَانَ الْحُلِيُّ لَهُ. الثَّالِثَةُ الْقِرَاءَةُ عَلَى الشَّيْخِ وَهُوَ سَاكِتٌ تَنْزِلُ مَنْزِلَةَ نُطْقِهِ فِي الْأَصَحِّ. الرَّابِعَةُ سُكُوتُهُ عِنْدَ بَيْعِ زَوْجَتِهِ أَوْ قَرِيبِهِ عَقَارًا إقْرَارٌ بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ عَلَى مَا أَفْتَى بِهِ مَشَايِخُ سَمَرْقَنْدَ خِلَافًا لِمَشَايِخِ بُخَارَى فَيَنْظُرُ الْمُفْتِي. الْخَامِسَةُ سُكُوتُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَلَا عُذْرَ بِهِ إنْكَارٌ، وَقِيلَ وَلَا يُحْبَسُ، السَّادِسَةُ: سُكُوتُ الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ قَبُولٌ لَا الْمَوْهُوبِ لَهُ. السَّابِعَةُ: سُكُوتُ الْمُقَرِّ لَهُ قَبُولٌ وَيَرْتَدُّ بِرَدِّهِ. الثَّامِنَةُ: سُكُوتُ الْمُزَكِّي عِنْدَ سُؤَالِهِ عَنْ الشَّاهِدِ تَعْدِيلٌ. التَّاسِعَةُ دَفَعَتْ لِبِنْتِهَا فِي تَجْهِيزِهَا أَشْيَاءَ مِنْ أَمْتِعَةِ الْأَبِ وَهُوَ سَاكِتٌ فَلَيْسَ لَهُ الِاسْتِرْدَادُ. الْعَاشِرَةُ أَنْفَقَتْ الْأُمُّ فِي جِهَازِهَا مَا هُوَ الْمُعْتَادُ فَسَكَتَ الْأَبُ لَمْ تَضْمَنْ الْأُمُّ. الْحَادِيَةَ عَشَرَ حَلَفَتْ أَنْ لَا تَتَزَوَّجَ فَزَوَّجَهَا أَبُوهَا فَسَكَتَتْ حَنِثَتْ. الثَّانِيَةَ عَشَرَ سُكُوتُ الْحَالِفِ لَا يَسْتَخْدِمُ مَمْلُوكَهُ إذَا خَدَمَهُ بِلَا أَمْرِهِ وَلَمْ يَنْهَهُ حَنِثَ. الثَّالِثَةَ عَشَرَ السُّكُوتُ قَبْلَ الْبَيْعِ عِنْدَ الْإِخْبَارِ بِالْعَيْبِ رِضًا بِالْعَيْبِ إنْ كَانَ الْمُخْبِرُ عَدْلًا لَا لَوْ كَانَ فَاسِقًا عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا هُوَ رِضًا وَلَوْ فَاسِقًا، وَقَدْ نَظَمْتُ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ عَشَرَ عَلَى التَّرْتِيبِ مُقَدِّمًا الْمَسْأَلَةَ الَّتِي زَادَهَا الْمُؤَلِّفُ عَنْ الْمُحِيطِ تَتْمِيمًا لِلْفَائِدَةِ فَقُلْتُ: عَاطِفًا عَلَى مَا مَرَّ مِنْ الرَّمْزِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى أَسْتَعِينُ أَوْ عِنْدَ تَهْنِئَةٍ بِعَقْدِ فُضُوّ ... لِيٍّ وَقَبْضِ الرَّهْنِ مُرْتَهِنُ أَوْ قَبْضِ مَنْ بِيعَتْ مُقَرَّطَةً ... لَكِنْ بِلَا شَرْطٍ عَلَيْهِ بَنَوْا وَقِرَاءَةٍ عِنْدَ الْمُحَدِّثِ أَوْ ... بَيْعِ الْقَرِيبِ عَقَارَهُ فَاجْنُوا أَوْ مَنْ عَلَيْهِ يَدَّعِي وَتَصَدَّ ... قَ وَالْمُقَرِّ لَهُ الْمُزَكَّيْ أَدْنُوا أَوْ أَعْطَتْ ابْنَتَهَا حَوَائِجَهْ ... عِنْدَ الْجِهَازِ وَعَيْنُهُ تَرْنُو أَوْ أَنْفَقَتْ فِي ذَا دَرَاهِمَهْ ... مُعْتَادُهُمْ لَمْ تَأْتِهَا الْمِحَنُ أَوْ عِنْدَ تَزْوِيجِ الْوَلِيِّ وَخِدْ ... مَةِ عَبْدِهِ بَعْدَ الْيَمِينِ عَنُوا أَوْ قَبْلَ بَيْعٍ حِينَ أَخْبَرَهُ ... بِالْعَيْبِ عَدْلٌ خُذْهُ يَا فَطِنُ. (قَوْلُهُ وَبِهِ انْدَفَعَ مَا ذَكَرَهُ فِي التَّبْيِينِ) حَيْثُ قَالَ وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 123 وَلَا يُشْتَرَطُ رِضَاهَا كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ وَأَوْرَدَ فِي التَّبْيِينِ أَيْضًا عَلَى اشْتِرَاطِ الْقَوْلِ أَنَّ الرِّضَا بِالْقَوْلِ لَا يُشْتَرَطُ فِي حَقِّ الثَّيِّبِ أَيْضًا بَلْ رِضَاهَا هُنَا يَتَحَقَّقُ تَارَةً بِالْقَوْلِ كَقَوْلِهَا رَضِيتُ وَقَبِلْتُ وَأَحْسَنْتَ وَأَصَبْتَ أَوْ بَارَكَ اللَّهُ لَنَا وَلَك وَنَحْوُهَا وَتَارَةً بِالدَّلَالَةِ كَطَلَبِ مَهْرِهَا وَنَفَقَتِهَا أَوْ تَمْكِينِهَا مِنْ الْوَطْءِ وَقَبُولِ التَّهْنِئَةِ وَالضَّحِكِ بِالسُّرُورِ مِنْ غَيْرِ اسْتِهْزَاءٍ، فَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي اشْتِرَاطِ الِاسْتِئْذَانِ وَالرِّضَا وَإِنَّ رِضَاهُمَا قَدْ يَكُونُ صَرِيحًا، وَقَدْ يَكُونُ دَلَالَةً غَيْرَ أَنَّ سُكُوتَ الْبِكْرِ رِضًا دَلَالَةٌ لِحَيَائِهَا دُونَ الثَّيِّبِ؛ لِأَنَّ حَيَاءَهَا قَدْ قَلَّ بِالْمُمَارَسَةِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا اهـ. وَرَدَّهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّ الْحَقَّ أَنَّ الْكُلَّ مِنْ قَبِيلِ الْقَوْلِ إلَّا التَّمْكِينَ فَيَثْبُتُ بِدَلَالَةِ نَصِّ إلْزَامِ الْقَوْلِ؛ لِأَنَّهُ فَوْقَ الْقَوْلِ اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ قَبُولَ التَّهْنِئَةِ لَيْسَ بِقَوْلٍ، وَإِنَّمَا هُوَ سُكُوتٌ وَلِذَا جَعَلُوهُ مِنْ مَسَائِلِ السُّكُوتِ وَلَيْسَ هُوَ فَرْقَ الْقَوْلِ، وَأَمَّا الضَّحِكُ فَذَكَرَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَوَّلًا أَنَّهُ كَالسُّكُوتِ لَا يَكْفِي وَسَلَّمَ هُنَا أَنَّهُ يَكْفِي وَجَعَلَهُ مِنْ قَبِيلِ الْقَوْلِ؛ لِأَنَّهُ حُرُوفٌ، وَدَخَلَ تَحْتَ غَيْرِ الْوَلِيِّ الْوَلِيُّ الْأَبْعَدُ مَعَ الْأَقْرَبِ لِمَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَلِيِّ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ الِاسْتِحْبَابِ وَلَيْسَ لِلْأَبْعَدِ مَعَ وُجُودِ الْأَقْرَبِ ذَلِكَ فَهُوَ غَيْرُ وَلِيٍّ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الْأَبُ كَافِرًا أَوْ عَبْدًا أَوْ مُكَاتَبًا فَهُوَ غَيْرُ وَلِيٍّ فَحِينَئِذٍ لَا حَاجَةَ إلَى جَعْلِهَا مَسْأَلَتَيْنِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ إحْدَاهُمَا: إذَا اسْتَأْذَنَهَا غَيْرُ الْوَلِيِّ وَالثَّانِيَةُ: أَنْ يَسْتَأْذِنَهَا وَلِيٌّ غَيْرُهُ أَوْلَى مِنْهُ لِدُخُولِ الثَّانِيَةِ تَحْتَ الْأُولَى وَفِي الْمُحِيطِ وَالظَّهِيرِيَّةِ وَالثَّيِّبُ إذَا قَبِلَتْ الْهَدِيَّةَ فَلَيْسَ بِرِضًا وَلَوْ أَكَلَتْ مِنْ طَعَامِهِ أَوْ خَدَمَتْهُ كَمَا كَانَتْ فَلَيْسَ بِرِضًا دَلَالَةً زَادَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَوْ خَلَا بِهَا بِرِضَاهَا هَلْ يَكُونُ إجَازَةً؟ لَا رِوَايَةَ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدِي أَنَّ هَذِهِ إجَازَةٌ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ رَسُولَ الْوَلِيِّ كَهُوَ، وَأَمَّا وَكِيلُهُ، فَقَالَ فِي الْقُنْيَةِ لَوْ وَكَّلَ رَجُلًا فِي تَزْوِيجِهَا قَبْلَ الِاسْتِئْمَارِ ثُمَّ اسْتَأْمَرَهَا الْوَكِيلُ بِذِكْرِ الزَّوْجِ، وَقَدْرِ الْمَهْرِ فَسَكَتَتْ فَزَوَّجَهَا جَازَ وَسُكُوتُ الْبِكْرِ عِنْدَ الْعِلْمِ بِنِكَاحِ وَكِيلِ الْأَبِ كَسُكُوتِهَا عِنْدَ نِكَاحِ الْأَبِ اهـ. وَفِيهَا قَبْلَهُ اسْتَأْمَرَ الْبِكْرَ فَسَكَتَتْ فَوَكَّلَ مَنْ يُزَوِّجُهَا مِمَّنْ سَمَّاهُ جَازَ إنْ عَرَفَتْ الزَّوْجَ وَالْمَهْرَ اهـ. وَهُوَ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا سَكَتَتْ عِنْدَ اسْتِئْمَارِهِ فَقَدْ صَارَ الْوَلِيُّ وَكِيلًا عَنْهَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُوَكِّلَ إلَّا بِإِذْنٍ أَوْ بِاعْمَلْ بِرَأْيِك كَمَا سَيَأْتِي فِي الْمُخْتَصَرِ فَمُقْتَضَاهُ عَدَمُ الْجَوَازِ أَوْ تَخْصِيصُ مَسْأَلَةٍ بِغَيْرِ الْوَلِيِّ وِلَايَةَ اسْتِحْبَابٍ وَإِنْ كَانَ وَكِيلًا فِي الْحَقِيقَةِ، وَقَدْ فَرَّعَ فِي الْقُنْيَةِ عَلَى كَوْنِهِ وَكِيلًا بِالسُّكُوتِ مَا لَوْ اسْتَأْمَرَهَا فِي نِكَاحِ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ فَسَكَتَتْ أَوْ أَذِنَتْ ثُمَّ جَرَى عَلَى لِسَانِ الزَّوْجِ قَبْلَ الزِّفَافِ مَا وَقَعَ بِهِ الْفُرْقَةُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْهُ بِحُكْمِ ذَلِكَ الْإِذْنِ؛ لِأَنَّهُ انْتَهَى بِالْعَقْدِ اهـ. فَلَوْ زَوَّجَهَا وَلَمْ يُبْلِغْهَا الطَّلَاقَ وَلَا التَّزْوِيجَ الثَّانِيَ فَمَكَّنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا هَلْ يَكُونُ إجَازَةُ لِعَقْدِ الْوَلِيِّ الَّذِي هُوَ كَالْفُضُولِيِّ فِيهِ؟ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ إجَازَةً؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا جُعِلَ إجَازَةً لِدَلَالَتِهِ عَلَى الرِّضَا وَهُوَ فَرْعُ عِلْمِهَا بِعَقْدِ الثَّانِي وَلَمْ أَرَهُ مَنْقُولًا. (قَوْلُهُ وَمَنْ زَالَتْ بَكَارَتُهَا بِوَثْبَةٍ أَوْ حَيْضَةٍ أَوْ جِرَاحَةٍ أَوْ تَعْنِيسٍ أَوْ زِنًا فَهِيَ بِكْرٌ) أَيْ مَنْ زَالَتْ عُذْرَتُهَا وَهِيَ الْجِلْدَةُ الَّتِي عَلَى الْمَحَلِّ بِمَا ذَكَرَ فَهِيَ بِكْرٌ حُكْمًا، أَمَّا فِي غَيْرِ الزِّنَا فَهِيَ بِكْرٌ حَقِيقَةً أَيْضًا بِالِاتِّفَاقِ وَلِذَا تَدْخُلُ فِي الْوَصِيَّةِ لِأَبْكَارِ بَنِي فُلَانٍ وَلِأَنَّ مُصِيبَهَا أَوَّلُ مُصِيبٍ لَهَا وَمِنْهُ الْبَاكُورَةُ وَالْبُكْرَةُ وَلِأَنَّهَا تَسْتَحْيِ لِعَدَمِ الْمُمَارَسَةِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ الْبِكْرُ اسْمٌ لِامْرَأَةٍ لَمْ تُجَامَعْ بِنِكَاحٍ وَلَا غَيْرِهِ قِيلَ: هَذَا قَوْلُهُمَا، وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِالْفُجُورِ وَلَا يَزُولُ اسْمُ الْبَكَارَةِ وَلِهَذَا تُزَوَّجُ عِنْدَهُ مِثْلَ مَا تُزَوَّجُ الْأَبْكَارُ إلَّا أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ هَذَا قَوْلُ الْكُلِّ؛ لِأَنَّ فِي بَابِ النِّكَاحِ الْحُكْمُ يَنْبَنِي عَلَى الْحَيَاءِ وَأَنَّهُ لَا يَزُولُ بِهَذَا الطَّرِيقِ اهـ. وَحَاصِلُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الزَّائِلَ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ الْعُذْرَةُ لَا الْبَكَارَةُ فَكَانَتْ بِكْرًا حَقِيقَةً وَحُكْمًا فَاكْتَفَى بِسُكُوتِهَا عِنْدَ الِاسْتِئْذَانِ وَبُلُوغِ الْخَبَرِ وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ مَا لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً عَلَى أَنَّهَا بِكْرٌ   [منحة الخالق] دَلَالَةٌ عَلَى اشْتِرَاطِ النُّطْقِ فَإِنَّ الْبِكْرَ أَيْضًا تُشَاوَرُ. (قَوْلُهُ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ قَبُولَ التَّهْنِئَةِ إلَخْ) أَقَرَّهُ فِي النَّهْرِ وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ غَيْرُ وَارِدٍ؛ لِأَنَّهُ قَالَ مِنْ قَبِيلِ الْقَوْلِ لَا مِنْ الْقَوْلِ وَقَبُولُ التَّهْنِئَةِ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْقَبُولِ فِي الرِّضَا اهـ. وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ ذَلِكَ لَمَا اُحْتِيجَ إلَى اسْتِثْنَاءِ التَّمْكِينِ وَأَيْضًا حِينَئِذٍ يَلْزَمُ عَلَيْهِ تَسْلِيمُ الْإِيرَادِ الْمَقْصُودِ رَدُّهُ إذْ لَا شَكَّ أَنَّ الزَّيْلَعِيَّ يُسَلِّمُ أَنَّ مَا ذُكِرَ مِنْ قَبِيلِ الْقَوْلِ فِي الْإِلْزَامِ، وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِي اشْتِرَاطِ خُصُوصِ الْقَوْلِ. (قَوْلُهُ وَهُوَ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا سَكَتَتْ إلَخْ) نَقَلَهُ فِي النَّهْرِ وَأَقَرَّهُ وَقَالَ فِي الرَّمْزِ أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الَّذِي اسْتَأْمَرَهَا هُوَ الْوَكِيلُ وَسُكُوتُهَا لَهُ كَسُكُوتِهَا لِوَلِيِّهَا فَهِيَ رَاضِيَةٌ بِفِعْلِهِ فَهُوَ الْوَكِيلُ عَنْهَا، وَإِنَّمَا تُرَدُّ الشُّبْهَةُ لَوْ كَانَ رَسُولًا فِي اسْتِئْمَارِهَا فَافْهَمْ اهـ. قُلْتُ: وَفِيهِ غَفْلَةٌ عَنْ مَنْشَأِ الْإِشْكَالِ فَإِنَّ مَنْشَأَهُ الْمَسْأَلَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي قَوْلِهِ وَفِيهَا قَبْلَهُ إلَخْ وَلَعَلَّهَا سَاقِطَةٌ مِنْ نُسْخَةِ الْبَحْرِ الَّتِي وَقَعَتْ لِلْمُجِيبِ فَلَا لَوْمَ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ وَالْبُكْرَةُ) بِضَمِّ الْبَاءِ اسْمٌ لِأَوَّلِ النَّهَارِ. (قَوْلُهُ إلَّا أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ هَذَا قَوْلُ الْكُلِّ) مَرْجِعُ الْإِشَارَةِ قَوْلُهُ الْبِكْرُ اسْمٌ لِامْرَأَةٍ إلَخْ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 124 فَوَجَدَهَا زَائِلَةً الْعُذْرَةِ فَإِنَّهُ يَرُدُّهَا عَلَى بَائِعِهَا وَإِنْ لَمْ يُجَامِعْهَا أَحَدٌ؛ لِأَنَّ الْمُتَعَارَفَ مِنْ اشْتِرَاطِ بَكَارَتِهَا اشْتِرَاطُ صِفَةِ الْعُذْرَةِ، وَأَمَّا إذَا زَالَتْ عُذْرَتُهَا بِالزِّنَا فَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِكْرًا عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ وَلِذَا لَوْ أَوْصَى لِأَبْكَارِ بَنِي فُلَانٍ لَا تَدْخُلُ وَلِثَيِّبَاتِ بَنِي فُلَانٍ تَدْخُلُ فِي الْوَصِيَّةِ وَبِرَدِّهَا الْمُشْتَرِي الشَّارِطِ بَكَارَتَهَا فَهِيَ ثَيِّبٌ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ مُصِيبَهَا عَائِدٌ إلَيْهَا وَمِنْهُ الْمَثُوبَةُ لِلثَّوَابِ الْعَائِدِ جَزَاءَ عَمَلِهِ وَالْمَثَابَةُ لِلْبَيْتِ الَّذِي يَعُودُ النَّاسُ إلَيْهِ فِي كُلِّ عَامٍ وَالتَّثْوِيبُ الْعَوْدُ إلَى الْإِعْلَامِ بَعْدَ الْإِعْلَامِ فَجَرَيَا عَلَى هَذَا الْأَصْلِ فِي تَزْوِيجِهَا، فَقَالَا: لَا بُدَّ مِنْ الْقَوْلِ وَلَا يُكْتَفَى بِسُكُوتِهَا؛ لِأَنَّهَا ثَيِّبٌ وَخَرَجَ الْإِمَامُ عَنْ هَذَا الْأَصْلِ، فَقَالَ: إنْ اشْتَهَرَ حَالُهَا بِأَنْ خَرَجَتْ وَأُقِيمَ عَلَيْهَا الْحَدُّ أَوْ صَارَ الزِّنَا عَادَةً لَهَا فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَوْلِ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ أَوْ كَانَ وَطْئًا بِشُبْهَةٍ أَوْ بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ فَكَمَا قَالَا؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ أَظْهَرهُ فِي غَيْرِ الزِّنَا حَيْثُ عَلَّقَ بِهِ أَحْكَامًا وَإِنْ لَمْ يَشْتَهِرْ زِنَاهَا فَإِنَّهُ يَكْتَفِي بِسُكُوتِهَا؛ لِأَنَّ النَّاسَ عَرَفُوهَا بِكْرًا فَيَعِيبُونَهَا بِالنُّطْقِ فَتَتَمَنَّعُ عَنْهُ فَيُكْتَفَى بِسُكُوتِهَا كَيْ لَا يَتَعَطَّلَ عَلَيْهَا مَصَالِحُهَا، وَقَدْ نَدَبَ الشَّارِعُ إلَى سَتْرِ الزِّنَا فَكَانَتْ بِكْرًا شَرْعًا وَالْوَثْبَةُ النَّطَّةُ وَفِي النِّهَايَةِ الْوَثْبَةُ الْوُثُوبُ وَالتَّعْنِيسُ طُولُ الْمُكْثِ مِنْ غَيْرِ تَزْوِيجٍ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى أَنَّ الْبِكْرَ لَوْ خَلَا بِهَا زَوْجُهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَإِنَّهَا تُزَوَّجُ ثَانِيًا كَبِكْرٍ لَمْ تَتَزَوَّجْ أَصْلًا فَيُكْتَفَى بِسُكُوتِهَا وَإِنْ وَجَبَتْ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ؛ لِأَنَّهَا بِكْرٌ حَقِيقَةً. (قَوْلُهُ وَالْقَوْلُ لَهَا إنْ اخْتَلَفَا فِي السُّكُوتِ) أَيْ لَوْ قَالَ الزَّوْجُ بَلَغَك النِّكَاحُ فَسَكَتَ وَقَالَتْ رَدَدْت وَلَا بَيِّنَةَ لَهُمَا وَلَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا وَقَالَ زُفَرُ الْقَوْلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ السُّكُوتَ أَصْلٌ وَالرَّدَّ عَارِضٌ فَصَارَ كَالْمَشْرُوطِ لَهُ الْخِيَارُ إذَا ادَّعَى الرَّدَّ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ وَنَحْنُ نَقُولُ إنَّهُ يَدَّعِي لُزُومَ الْعَقْدِ وَمِلْكَ الْبُضْعِ وَالْمَرْأَةُ تَدْفَعُهُ فَكَانَتْ مُنْكِرَةً كَالْمُودَعِ إذَا ادَّعَى رَدَّ الْوَدِيعَةِ، بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْخِيَارِ؛ لِأَنَّ اللُّزُومَ قَدْ ظَهَرَ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ أَنَّ عَلَيْهَا الْيَمِينَ لِلِاخْتِلَافِ فَعِنْدَ الْإِمَامِ لَا يَمِينَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهُمَا عَلَيْهَا الْيَمِينُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا سَيَأْتِي فِي الدَّعْوَى فِي الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ، وَذَكَرَ فِي الْغَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى فَتَاوَى النَّاصِحِيِّ أَنَّ رَجُلًا لَوْ ادَّعَى عَلَى الْأَبِ أَنَّهُ زَوَّجَهُ ابْنَتَهُ الصَّغِيرَةَ فَأَنْكَرَ الْأَبُ يَحْلِفُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي الْكَبِيرَةِ لَا يَحْلِفُ عِنْدَهُ اعْتِبَارًا بِالْإِقْرَارِ فِيهِمَا. اهـ. وَاسْتَشْكَلَهُ فِي التَّبْيِينِ بِأَنَّهُ مُشْكِلٌ جِدًّا عَلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَ الْيَمِينِ عِنْدَهُ لِامْتِنَاعِ الْبَدَلِ لَا لِامْتِنَاعِ الْإِقْرَارِ. أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَرْأَةَ لَوْ أَقَرَّتْ لِرَجُلٍ بِالنِّكَاحِ نَفَذَ إقْرَارُهَا وَمَعَ هَذَا لَا تَحْلِفُ وَلَا شُبْهَةَ أَنْ يَكُونَ هَذَا قَوْلَهُمَا اهـ. وَقَدْ صَرَّحَ الْعِمَادِيُّ فِي الْفَصْلِ السَّادِسَ عَشَرَ بِأَنَّهُ قَوْلُهُمَا فَقَطْ فَقَدْ ظَهَرَ بَحْثُهُ مَنْقُولًا، قَيَّدْنَا بِعَدَمِ الْبَيِّنَةِ؛ لِأَنَّ أَيَّهُمَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ وَلَيْسَتْ بَيِّنَةُ السُّكُوتِ بِبَيِّنَةِ نَفْيٍ؛ لِأَنَّهُ وُجُودِيٌّ؛ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ ضَمِّ الشَّفَتَيْنِ وَيَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمُ الْكَلَامِ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ أَوْ هُوَ نَفْيٌ يُحِيطُ بِهِ عِلْمُ الشَّاهِدِ فَيُقْبَلُ كَمَا لَوْ ادَّعَتْ أَنَّ زَوْجَهَا تَكَلَّمَ بِمَا هُوَ رِدَّةٌ فِي مَجْلِسٍ فَأَقَامَهَا عَلَى عَدَمِ التَّكَلُّمِ فِيهِ تُقْبَلُ، وَكَذَا إذَا قَالَتْ الشُّهُودُ: كُنَّا عِنْدَهَا وَلَمْ نَسْمَعْهَا تَتَكَلَّمُ ثَبَتَ سُكُوتُهَا كَمَا فِي الْجَامِعِ وَإِنْ أَقَامَاهَا فَبَيِّنَتُهَا أَوْلَى لِإِثْبَاتِ الزِّيَادَةِ أَعْنِي الرَّدَّ فَإِنَّهُ زَائِدٌ عَلَى السُّكُوتِ وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِ ادَّعَى سُكُوتَهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ ادَّعَى إجَازَتَهَا النِّكَاحَ حِينَ أُخْبِرَتْ أَوْ رِضَاهَا وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَبَيِّنَتُهُ أَوْلَى عَلَى مَا فِي الْخَانِيَّةِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْإِثْبَاتِ وَزِيَادَةِ بَيِّنَتِهِ بِإِثْبَاتِ اللُّزُومِ وَفِي الْخُلَاصَةِ نَقْلًا مِنْ أَدَبِ الْقَاضِي لِلْخَصَّافِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ بَيِّنَتَهَا أَوْلَى فَتَحَصَّلَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ وَلَعَلَّ وَجْهَ مَا فِي الْخُلَاصَةِ أَنَّ الشَّهَادَةَ بِالْإِجَازَةِ أَوْ الرِّضَا لَا يَلْزَمُ مِنْهَا كَوْنُهَا بِأَمْرٍ زَائِدٍ عَلَى السُّكُوتِ وَقَيَّدْنَا الصُّورَةَ بِأَنْ تَقُولَ بَلَغَنِي النِّكَاحُ فَرَدَدْت؛ لِأَنَّهَا لَوْ قَالَتْ بَلَغَنِي النِّكَاحُ يَوْمَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ فِي الْفَصْلِ السَّادِسَ عَشَرَ) لَعَلَّهُ الْخَامِسَ عَشَرَ رَمْلِيٌّ. (قَوْلُهُ أَوْ هُوَ نَفْيٌ إلَخْ) جَوَابٌ آخَرُ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّسْلِيمِ، وَالْأَوَّلُ عَلَى الْمَنْعِ وَاعْتِرَاضُ هَذَا فِي السَّعْدِيَّةِ بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي بَابِ الْيَمِينِ فِي الْحَجِّ وَالصَّلَاةِ مِنْ أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى النَّفْيِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ مُطْلَقًا أَحَاطَ بِهِ عِلْمُ الشَّاهِدِ أَوْ لَا اهـ. وَقَالَ الْمُؤَلِّفُ هُنَاكَ الْحَاصِلُ أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى النَّفْيِ الْمَقْصُودُ لَا تُقْبَلُ سَوَاءٌ كَانَتْ نَفْيًا صُورَةً أَوْ مَعْنًى سَوَاءٌ أَحَاطَ بِهِ عِلْمُ الشَّاهِدِ أَوْ لَا وَسَيَأْتِي تَفَارِيعُهُ فِي الشَّهَادَاتِ. اهـ. وَذَكَرَ فِي السَّعْدِيَّةِ أَيْضًا هُنَاكَ وَفِي كَوْنِ السُّكُوتِ أَمْرًا وُجُودِيًّا بَحْثٌ فَفِي شَرْحِ الْعَقَائِدِ السُّكُوتُ تَرْكُ الْكَلَامِ وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ فِي النَّهْرِ. (قَوْلُهُ وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِ ادَّعَى سُكُوتَهَا إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ سُئِلَ فِي امْرَأَةٍ بِكْرٍ بَالِغَةٍ، زَوْجُهَا فُضُولِيٌّ، ثُمَّ وَقَعَ النِّزَاعُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الزَّوْجِ فَالزَّوْجُ يَقُولُ بَلَغَك الْخَبَرُ وَأَجَزْتِ النِّكَاحَ وَرَضِيَتْ بِهِ وَهِيَ تَقُولُ لَا بَلْ رَدَدْتُهُ وَكُلٌّ مِنْهُمَا لَهُ بَيِّنَةٌ تَشْهَدُ بِدَعْوَاهُ فَهَلْ تُقَدَّمُ بَيِّنَتُهَا عَلَى بَيِّنَتِهِ أَمْ بِالْقَلْبِ؟ أَجَابَ: تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الزَّوْجِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ اللُّزُومَ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَعَامَّةِ الشُّرُوحِ وَعَزَاهُ فِي النِّهَايَةِ لِلتُّمُرْتَاشِيِّ لَكِنْ فِي الْخُلَاصَةِ بِخِلَافِهِ، وَأَمَّا إذَا أَقَامَ الزَّوْجُ بَيِّنَةً عَلَى سُكُوتِهَا فِي صُورَةِ مَا لَوْ زَوَّجَهَا الْوَلِيُّ وَهِيَ أَقَامَتْ الْبَيِّنَةَ عَلَى رَدِّ النِّكَاحِ فَبَيِّنَتُهَا أَوْلَى لِإِثْبَاتِ الزِّيَادَةِ أَعْنِي الرَّدَّ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ فَتَنَبَّهْ لِلْفَرْقِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. ذَكَرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 125 كَذَا فَرَدَدْت وَقَالَ الزَّوْجُ لَا بَلْ سَكَتِّ فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ. نَظِيرُهُ: إذَا قَالَ الشَّفِيعُ طَلَبْتُ الشُّفْعَةَ حِينَ عَلِمْتُ وَقَالَ الْمُشْتَرِي مَا طَلَبْتُ حِينَ عَلِمْتَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الشَّفِيعِ وَلَوْ قَالَ الشَّفِيعُ عَلِمْتُ مُنْذُ كَذَا وَطَلَبْتُ وَقَالَ الْمُشْتَرِي مَا طَلَبْتَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي وَالْفَرْقُ أَنَّهُ إذَا قَالَ الشَّفِيعُ طَلَبْتُ حِينَ عَلِمْتُ فَعِلْمُهُ عِنْدَ الْقَاضِي ظَهَرَ لِلْحَالِ، وَقَدْ وُجِدَ مِنْهُ الطَّلَبُ لِلْحَالِ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ، أَمَّا إذَا قَالَ عَلِمْتُ مُنْذُ كَذَا ثَبَتَ عِنْدَ الْقَاضِي بِإِقْرَارِهِ، وَطَلَبُهُ مُنْذُ كَذَا لَمْ يَظْهَرْ فَيَحْتَاجُ إلَى الْإِثْبَاتِ، كَذَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ، وَذَكَرَهَا فِي الذَّخِيرَةِ لَكِنْ فَرَّقَ بَيْنَ بِدَايَةِ الْمَرْأَةِ وَبَيْنَ بِدَايَةِ الزَّوْجِ، فَقَالَ لَوْ قَالَ الزَّوْجُ بَلَغَك الْخَبَرُ وَسَكَتِّ، وَقَالَتْ الْمَرْأَةُ بَلَغَنِي يَوْمَ كَذَا فَرَدَدْت فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَرْأَةِ وَبِمِثْلِهِ لَوْ قَالَتْ الْمَرْأَةُ بَلَغَنِي الْخَبَرُ يَوْمَ كَذَا فَرَدَدْت وَقَالَ الزَّوْجُ لَا بَلْ سَكَتِّ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ اهـ. وَقَيَّدَ بِالْبِكْرِ الْبَالِغَةِ فَإِنَّ الضَّمِيرَ عَائِدٌ إلَيْهَا احْتِرَازًا عَنْ الصَّغِيرَةِ الَّتِي زَوَّجَهَا غَيْرُ الْأَبِ وَالْجَدِّ إذَا قَالَتْ بَعْدَ الْبُلُوغِ كُنْت رَدَدْت حِينَ بَلَغَنِي الْخَبَرُ وَكَذَّبَهَا الزَّوْجُ فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ ثَابِتٌ عَلَيْهَا فَهِيَ بِمَا قَالَتْ تُرِيدُ إبْطَالَ الْمِلْكِ الثَّابِتِ عَلَيْهَا فَكَانَتْ مُدَّعِيَةً صُورَةً فَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا إسْنَادُ الْفَسْخِ حَتَّى لَوْ قَالَتْ عِنْدَ الْقَاضِي: أَدْرَكْت الْآنَ وَفَسَخْت صَحَّ، وَقِيلَ لِمُحَمَّدٍ كَيْفَ يَصِحُّ وَهُوَ كَذِبٌ، وَإِنَّمَا أَدْرَكَتْ قَبْلَ هَذَا الْوَقْتِ؟ فَقَالَ: لَا تُصَدَّقُ بِالْإِسْنَادِ فَجَازَ لَهَا أَنْ تُكَذَّبَ كَيْ لَا يَبْطُلَ حَقُّهَا وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى أَنَّ الِاخْتِلَافَ لَوْ كَانَ فِي الْبُلُوغِ فَإِنَّ الْقَوْلَ لَهَا كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ رَجُلٌ زَوَّجَ وَلِيَّتَهُ فَرَدَّتْ النِّكَاحَ فَادَّعَى الزَّوْجُ أَنَّهَا صَغِيرَةٌ وَادَّعَتْ هِيَ أَنَّهَا بَالِغَةٌ فَالْقَوْلُ لَهَا إنْ كَانَتْ مُرَاهِقَةً؛ لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ مُرَاهِقَةً كَانَ الْمُخْبَرُ بِهِ يَحْتَمِلُ الثُّبُوتَ فَيُقْبَلُ خَبَرُهَا؛ لِأَنَّهَا مُنْكِرَةٌ وُقُوعَ الْمِلْكِ عَلَيْهَا. اهـ. . وَفِي الذَّخِيرَةِ إذَا زَوَّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ، فَقَالَتْ أَنَا بَالِغَةٌ وَالنِّكَاحُ لَمْ يَصِحَّ وَقَالَ الْأَبُ لَا بَلْ هِيَ صَغِيرَةٌ فَالْقَوْلُ لَهَا إنْ كَانَتْ مُرَاهِقَةً، وَقِيلَ: لَهُ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَعَلَى هَذَا إذَا بَاعَ الرَّجُلُ ضِيَاعَ ابْنِهِ، فَقَالَ الِابْنُ أَنَا بَالِغٌ وَقَالَ الْمُشْتَرِي وَالْأَبُ إنَّهُ صَغِيرٌ فَالْقَوْلُ لِلِابْنِ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ زَوَالَ مِلْكِهِ، وَقَدْ قِيلَ بِخِلَافِهِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ اهـ. وَقَيَّدْنَا بِعَدَمِ الدُّخُولِ بِهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ دَخَلَ بِهَا طَوْعًا فَإِنَّهَا لَا تُصَدَّقُ فِي دَعْوَى الرَّدِّ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ كَرْهًا فَإِنَّهَا تُصَدَّقُ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَصَحَّحَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى أَنَّ الرَّجُلَ لَوْ زَوَّجَ ابْنَهُ الْبَالِغَ امْرَأَةً وَمَاتَ الِابْنُ، فَقَالَ أَبُو الزَّوْجِ كَانَ النِّكَاحُ بِغَيْرِ إذْنِ الِابْنِ وَمَاتَ قَبْلَ الْإِجَازَةِ، فَقَالَتْ الْمَرْأَةُ لَا بَلْ أَجَازَ ثُمَّ مَاتَ فَإِنَّ قِيَاسَ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْأَبِ؛ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا أَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ غَيْرَ لَازِمٍ فَالْمَرْأَةُ تَدَّعِي اللُّزُومَ وَالْأَبُ يُنْكِرُ حَتَّى لَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ قَالَتْ كَانَ النِّكَاحُ بِإِذْنِ الِابْنِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا ذَكَرَهَا فِي الذَّخِيرَةِ، وَذَكَرَ أَوَّلًا أَنَّ الصَّدْرَ الشَّهِيدَ قَالَ: الْقَوْلُ قَوْلُهَا وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْأَبِ، ثُمَّ قَالَ وَقِيَاسُ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْأَبِ، ثُمَّ قَالَ وَهَكَذَا كُتِبَتْ فِي الْمُحِيطِ فِي أَصْلِ الْمُتَفَرِّقَاتِ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْأَبِ اهـ. وَإِلَى أَنَّ سَيِّدَ الْعَبْدِ لَوْ قَالَ إنْ لَمْ تَدْخُلْ الدَّارَ الْيَوْمَ فَأَنْتَ حُرٌّ وَمَضَى الْيَوْمُ وَقَالَ الْعَبْدُ لَمْ أَدْخُلْ وَكَذَّبَهُ الْمَوْلَى فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمَوْلَى عِنْدَنَا وَعِنْدَ زُفَرَ لِلْعَبْدِ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إنَّهَا نَظِيرُ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ، وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ فِي الْمَبْسُوطِ إنَّ الْخِلَافَ فِي مَسْأَلَةِ النِّكَاحِ بِنَاءً عَلَى الْخِلَافِ فِي مَسْأَلَةِ الْعَبْدِ إذْ لَيْسَ كَوْنُ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ مَبْنَى الْخِلَافِ بِأَوْلَى مِنْ الْقَلْبِ بَلْ الْخِلَافُ فِيهِمَا مَعًا ابْتِدَائِيٌّ اهـ. وَإِلَى أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ وَلِيِّهَا عَلَيْهَا بِالرِّضَا؛ لِأَنَّهُ يُقِرُّ عَلَيْهَا بِثُبُوتِ الْمِلْكِ وَإِقْرَارُهُ عَلَيْهَا بِالنِّكَاحِ بَعْدَ بُلُوغِهَا غَيْرُ صَحِيحٍ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا تُقْبَلَ شَهَادَتُهُ لَوْ شَهِدَ مَعَ آخَرَ بِالرِّضَا لِكَوْنِهِ سَاعِيًا فِي إتْمَامِ مَا صَدَرَ مِنْهُ فَهُوَ مُتَّهَمٌ وَلَمْ أَرَهُ مَنْقُولًا. (قَوْلُهُ وَلِلْوَلِيِّ إنْكَاحُ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ وَالْوَلِيُّ الْعَصَبَةُ بِتَرْتِيبِ الْإِرْثِ) وَمَالِكٌ يُخَالِفُنَا فِي غَيْرِ الْأَبِ وَالشَّافِعِيُّ يُخَالِفُنَا فِي غَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ وَفِي الثَّيِّبِ الصَّغِيرَةِ أَيْضًا وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ إنَّ الْوِلَايَةَ عَلَى الْحُرَّةِ بِاعْتِبَارِ الْحَاجَةِ وَلَا حَاجَةَ لِانْعِدَامِ الشَّهْوَةِ إلَّا أَنَّ وِلَايَةَ الْأَبِ ثَبَتَتْ نَصًّا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ الرَّجُلَ لَوْ زَوَّجَ ابْنَهُ الْبَالِغَ امْرَأَةً إلَخْ) عِبَارَةُ الذَّخِيرَةِ هَكَذَا رَجُلٌ زَوَّجَ ابْنَهُ الْبَالِغَ امْرَأَةً وَمَاتَ الِابْنُ، فَقَالَ أَبُو الزَّوْجِ كَانَ النِّكَاحُ بِغَيْرِ إذْنِ الِابْنِ وَمَاتَ قَبْلَ الْإِجَازَةِ وَقَالَتْ الْمَرْأَةُ لَا بَلْ أَجَازَ ثُمَّ مَاتَ ذَكَرَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهَا وَالْبَيِّنَةَ بَيِّنَةُ الْأَبِ وَعَلَى قِيَاسِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْأَبِ؛ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا أَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ غَيْرَ لَازِمٍ فَالْمَرْأَةُ تَدَّعِي اللُّزُومَ وَالْأَبُ يُنْكِرُ حَتَّى لَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ قَالَتْ كَانَ النِّكَاحُ بِإِذْنِ الِابْنِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا وَهَكَذَا كَتَبْت فِي الْمُحِيطِ فِي أَصْلِ الْمُتَفَرِّقَاتِ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْأَبِ (قَوْلُهُ وَلَمْ أَرَهُ مَنْقُولًا) أَقُولُ: قَدْ رَأَيْته فِي كَافِي الْحَاكِمِ الشَّهِيدِ وَنَصُّهُ وَإِذَا زَوَّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ فَأَنْكَرَتْ الرِّضَا فَشَهِدَ عَلَيْهَا أَبُوهَا وَأَخُوهَا لَمْ يَجُزْ اهـ. لَكِنْ فِي هَذَا مَانِعٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ شَهَادَةَ الْأَخِ عَلَيْهَا شَهَادَةٌ لِأَبِيهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 126 بِخِلَافِ الْقِيَاسِ وَالْجَدُّ لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ فَلَا يَلْحَقُ بِهِ. قُلْنَا: لَا بَلْ هُوَ مُوَافِقٌ لِلْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ يَتَضَمَّنُ الْمَصَالِحَ وَلَا تَتَوَفَّرُ إلَّا بَيْنَ الْمُتَكَافِئِينَ عَادَةً وَلَا يَتَّفِقُ الْكُفْءُ فِي كُلِّ زَمَانٍ فَأَثْبَتْنَا الْوِلَايَةَ فِي حَالَةِ الصِّغَرِ بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا إحْرَازًا لِلْكُفْءِ وَالْقَرَابَةُ دَاعِيَةٌ إلَى النَّظَرِ كَمَا فِي الْأَبِ وَالْجَدِّ وَمَا فِيهِ مِنْ الْقُصُورِ أَظْهَرْنَاهُ فِي سَلْبِ وِلَايَةِ الْإِلْزَامِ بِخِلَافِ التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ يَتَكَرَّرُ فَلَا يُمْكِنُ تَدَارُكُ الْخَلَلِ وَتَمَامُهُ فِي الْهِدَايَةِ وَشُرُوحِهَا. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ عِلَّةَ ثُبُوتِ الْوِلَايَةِ عَلَى الصَّغِيرَةِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ الْبَكَارَةُ وَعِنْدَنَا عَدَمُ الْعَقْلِ أَوْ نُقْصَانُهُ، وَهَذَا أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ الْمُؤَثِّرُ فِي ثُبُوتِ الْوِلَايَةِ فِي مَالِهَا إجْمَاعًا، وَكَذَا فِي حَقِّ الْغُلَامِ فِي مَالِهِ وَنَفْسِهِ، وَكَذَا فِي حَقِّ الْمَجْنُونَةِ إجْمَاعًا وَلَا تَأْثِيرَ لِكَوْنِهَا ثَيِّبًا أَوْ بِكْرًا فَكَذَا الصَّغِيرَةُ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ لِلْوَلِيِّ إنْكَاحَ الْمَجْنُونِ وَالْمَجْنُونَةِ إذَا كَانَ الْجُنُونُ مُطْبِقًا فَالْمُرَادُ أَنَّ لِلْوَلِيِّ إنْكَاحَ غَيْرِ الْمُكَلَّفَةِ جَبْرًا قَالَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ الرَّجُلُ إذَا كَانَ يُجَنُّ وَيُفِيقُ هَلْ يَثْبُتُ لِلْغَيْرِ وِلَايَةٌ عَلَيْهِ فِي حَالِ جُنُونِهِ؟ إنْ كَانَ يُجَنُّ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ لَا تَثْبُتُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ وَفِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ زَوَّجَ ابْنَهُ الْبَالِغَ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَجُنَّ الِابْنُ قَبْلَ الْإِجَازَةِ قَالُوا: يَنْبَغِي لِلْأَبِ أَنْ يَقُولَ أَجَزْت النِّكَاحَ عَلَى ابْنِي؛ لِأَنَّ الْأَبَ يَمْلِكُ إنْشَاءَ النِّكَاحِ عَلَيْهِ بَعْدَ الْجُنُونِ فَيَمْلِكُ إجَازَتَهُ اهـ. وَقَيَّدَ الْمُصَنِّفُ بِالْإِنْكَاحِ؛ لِأَنَّ الْوَلِيَّ إذَا أَقَرَّ بِالنِّكَاحِ عَلَى الصَّغِيرَةِ لَمْ يَجُزْ إلَّا بِشُهُودٍ أَوْ بِتَصْدِيقِهَا بَعْدَ الْبُلُوغِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَالَا: يُصَدَّقُ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ الْمَوْلَى عَلَى عَبْدِهِ وَالْوَكِيلُ عَلَى مُوَكِّلِهِ ثُمَّ الْوَلِيُّ عَلَى مَنْ يُقِيمُ بَيِّنَةَ الْإِقْرَارِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ قَالُوا الْقَاضِي يُنَصِّبُ خَصْمًا عَنْ الصَّغِيرِ حَتَّى يُنْكِرَ فَتُقَامُ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُنْكِرِ كَمَا إذَا أَقَرَّ الْأَبُ بِاسْتِيفَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ مِنْ عَبْدِ ابْنِهِ الصَّغِيرِ لَا يُصَدَّقُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ فَالْقَاضِي يُنَصِّبُ خَصْمًا عَنْ الصَّغِيرِ فَتُقَامُ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ مُخَرَّجَةٌ مِنْ قَوْلِهِمْ: إنَّ مَنْ مَلَكَ الْإِنْشَاءَ مَلَكَ الْإِقْرَارَ بِهِ كَالْوَصِيِّ وَالْمُرَاجِعِ وَالْمَوْلَى وَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ كَذَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ مَعَ أَنَّ صَاحِبَ الْمَبْسُوطِ قَالَ: وَأَصْلُ كَلَامِهِمْ يُشْكِلُ بِإِقْرَارِ الْوَصِيِّ بِالِاسْتِدَانَةِ عَلَى الْيَتِيمِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ صَحِيحًا وَإِنْ كَانَ هُوَ يَمْلِكُ إنْشَاءَ الِاسْتِدَانَةِ اهـ. وَفَسَّرَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْوَلِيَّ بِالْعَصَبَةِ وَسَيَأْتِي فِي الْفَرَائِضِ أَنَّهُ: (الْعَصَبَةُ) مَنْ أَخَذَ الْكُلَّ إذَا انْفَرَدَ وَالْبَاقِيَ مَعَ ذِي سَهْمٍ، وَهُوَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ مُنْصَرِفٌ إلَى الْعَصَبَةِ بِنَفْسِهِ وَهُوَ ذَكَرٌ يَتَّصِلُ بِلَا تَوَسُّطِ أُنْثَى أَيْ يَتَّصِلُ إلَى غَيْرِ الْمُكَلَّفِ وَلَا يُقَالُ هُنَا إلَى الْمَيِّتِ فَلَا يَرِدُ الْعَصَبَةُ بِالْغَيْرِ كَالْبِنْتِ تَصِيرُ عَصَبَةً بِالِابْنِ فَلَا وِلَايَةَ لَهَا عَلَى أُمِّهَا الْمَجْنُونَةِ، وَكَذَا لَا يَرِدُ الْعَصَبَةُ مَعَ الْغَيْرِ كَالْأَخَوَاتِ مَعَ الْبَنَاتِ. وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ بِتَرْتِيبِ الْإِرْثِ أَنَّ الْأَحَقَّ الِابْنُ وَابْنُهُ وَإِنْ سَفَلَ وَلَا يَتَأَتَّى إلَّا فِي الْمَعْتُوهَةِ عَلَى قَوْلِهِمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ كَمَا سَيَأْتِي ثُمَّ الْأَبُ ثُمَّ الْجَدُّ أَبُوهُ ثُمَّ الْأَخُ الشَّقِيقُ ثُمَّ الْأَبُ، وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّ الْأَخَ وَالْجَدَّ يُشَارِكَانِ فِي الْوِلَايَةِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُقَدَّمُ الْجَدُّ كَمَا هُوَ الْخِلَافُ فِي الْمِيرَاثِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْجَدَّ أَوْلَى بِالتَّزْوِيجِ اتِّفَاقًا، وَأَمَّا الْأَخُ لِأُمٍّ فَلَيْسَ مِنْهُمْ ثُمَّ ابْنُ الشَّقِيقِ ثُمَّ ابْنُ الْأَخِ لِأَبٍ ثُمَّ الْعَمُّ الشَّقِيقُ ثُمَّ لِأَبٍ ثُمَّ ابْنُ الْعَمِّ الشَّقِيقِ ثُمَّ ابْنُ الْعَمِّ لِأَبٍ ثُمَّ أَعْمَامُ الْأَبِ كَذَلِكَ الشَّقِيقُ ثُمَّ لِأَبٍ ثُمَّ أَبْنَاءُ عَمِّ الْأَبِ الشَّقِيقِ ثُمَّ أَبْنَاؤُهُ لِأَبٍ ثُمَّ عَمُّ الْجَدِّ الشَّقِيقِ ثُمَّ عَمُّ الْجَدِّ لِأَبٍ ثُمَّ أَبْنَاءُ عَمٍّ الْجَدِّ الشَّقِيقِ ثُمَّ أَبْنَاؤُهُ لِأَبٍ وَإِنْ سَفَلُوا كُلُّ هَؤُلَاءِ تَثْبُتُ لَهُمْ وِلَايَةُ الْإِجْبَارِ عَلَى الْبِنْتِ وَالذَّكَرِ فِي حَالِ صِغَرِهِمَا وَحَالِ كِبَرِهِمَا إذَا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ الْمَوْلَى عَلَى عَبْدِهِ) وَفِي الْبَدَائِعِ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمَوْلَى إذَا أَقَرَّ عَلَى أَمَتِهِ بِالنِّكَاحِ أَنَّهُ يُصَدَّقُ مِنْ غَيْرِ شَهَادَةٍ فَقَدْ فَرَّقَ بَيْنَ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ، وَوَجْهُهُ أَنَّ إقْرَارَهُ عَلَى الْأَمَةِ إقْرَارٌ عَلَى نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ مَنَافِعَ بُضْعِهَا. (قَوْلُهُ ثُمَّ الْمَوْلَى عَلَى مَنْ يُقِيمُ بَيِّنَةَ الْإِقْرَارِ) مَنْ اسْتِفْهَامِيَّةٌ، وَقَوْلُهُ قَالُوا جَوَابُ اسْتِفْهَامٍ وَمَنْشَؤُهُ قَوْلُهُ قَبْلَهُ إنَّ الْوَلِيَّ لَا يَجُوزُ إقْرَارُهُ عَلَى الصَّغِيرَةِ إلَّا بِشُهُودٍ وَلَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ الْبَيِّنَةَ إنَّمَا تُقَامُ عَلَى النِّكَاحِ لَا عَلَى الْإِقْرَارِ نَفْسِهِ فَفِي الْكَلَامِ تَجَوُّزٌ تَأَمَّلْ وَفِي حَاشِيَةِ الرَّمْلِيِّ قَوْلُهُ ثُمَّ الْوَلِيُّ إلَخْ هَكَذَا فِي النُّسَخِ وَلَا يَصِحُّ وَلَعَلَّ الْعِبَارَةَ ثُمَّ الْمُدَّعِي عَلَى مَنْ يُقِيمُ بَيِّنَةً مَعَ إقْرَارِ الْوَلِيِّ وَعِبَارَةُ النَّهْرِ طَرِيقُ سَمَاعِهَا أَنْ يُنَصِّبَ الْقَاضِي خَصْمًا عَنْ الصَّغِيرِ فَيُنْكِرَ فَتُقَامَ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ اهـ. تَأَمَّلْ كَلَامَ الرَّمْلِيِّ. قُلْتُ: وَفِي الْبَدَائِعِ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ فِي مَوْضِعَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ تَدَّعِيَ امْرَأَةٌ نِكَاحَ الصَّغِيرِ أَوْ يَدَّعِيَ رَجُلٌ نِكَاحَ الصَّغِيرَةِ وَالْأَبُ يُنْكِرُ ذَلِكَ فَيُقِيمُ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ عَلَى إقْرَارِ الْأَبِ بِالنِّكَاحِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا تُقْبَلُ هَذِهِ الشَّهَادَةُ وَعِنْدَهُمَا تُقْبَلُ وَيَظْهَرُ النِّكَاحُ. وَالثَّانِي أَنْ يَدَّعِيَ رَجُلٌ نِكَاحَ الصَّغِيرَةِ أَوْ امْرَأَةٌ نِكَاحَ الصَّغِيرِ بَعْدَ بُلُوغِهِمَا وَهُمَا يُنْكِرَانِ ذَلِكَ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ عَلَى إقْرَارِ الْأَبِ بِالنِّكَاحِ فِي حَالِ الصِّغَرِ لَا تُقْبَلُ هَذِهِ الشَّهَادَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى يَشْهَدَ شَاهِدَانِ عَلَى نَفْسِ النِّكَاحِ فِي حَالِ الصِّغَرِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَهُوَ ذَكَرٌ يَتَّصِلُ بِلَا تَوَسُّطِ أُنْثَى) قَالَ فِي النَّهْرِ هُوَ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْفَرَائِضِ مَنْ يَأْخُذُ الْمَالَ إذَا انْفَرَدَ وَالْبَاقِيَ مَعَ ذِي سَهْمٍ، وَهَذَا أَوْلَى مِنْ تَعْرِيفِهِ بِذَكَرٍ يَتَّصِلُ بِلَا وَاسِطَةِ أُنْثَى كَمَا فِي الْبَحْرِ إذْ الْمُطَلَّقَةُ لَهَا وِلَايَةُ الْإِنْكَاحِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 127 جَنَى ثُمَّ الْمُعْتَقُ وَإِنْ كَانَ امْرَأَةً ثُمَّ بَنُوهُ وَإِنْ سَفَلُوا ثُمَّ عَصَبَتُهُ مِنْ النَّسَبِ عَلَى تَرْتِيبِ عَصَبَاتِ النَّسَبِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَغَيْرِهِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالْجَارِيَةُ بَيْنَ اثْنَيْنِ إذَا جَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَيَاهُ حَيْثُ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَنْفَرِدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالتَّزْوِيجِ، ثُمَّ إذَا اجْتَمَعَ فِي الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ وَلِيَّانِ فِي الدَّرَجَةِ عَلَى السَّوَاءِ فَزَوَّجَ أَحَدُهُمَا جَازَ، أَجَازَ الْأَوَّلُ أَوْ فَسَخَ، بِخِلَافِ الْجَارِيَةِ إذَا كَانَتْ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَزَوَّجَهَا أَحَدُهُمَا لَا يَجُوزُ إلَّا بِإِجَازَةِ الْآخَرِ فَإِنْ زَوَّجَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَلِيَّيْنِ رَجُلًا عَلَى حِدَةٍ فَالْأَوَّلُ يَجُوزُ وَالْآخَرُ لَا يَجُوزُ وَإِنْ وَقَعَا مَعًا سَاعَةً وَاحِدَةً لَا يَجُوزُ كِلَاهُمَا وَلَا وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْآخَرِ وَلَا يُدْرَى السَّابِقُ مِنْ اللَّاحِقِ فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَازَ جَازَ بِالتَّحَرِّي وَالتَّحَرِّي فِي الْفُرُوجِ حَرَامٌ هَذَا إذَا كَانَ فِي الدَّرَجَةِ سَوَاءٌ وَأَمَّا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا أَقْرَبَ مِنْ الْآخَرِ فَلَا وِلَايَةَ لِلْأَبْعَدِ مَعَ الْأَقْرَبِ إلَّا إذَا غَابَ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً فَنِكَاحُ الْأَبْعَدِ يَجُوزُ إذَا وَقَعَ قَبْلَ عَقْدِ الْأَقْرَبِ كَذَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَفِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ وَإِذَا زَوَّجَ غَيْرُ الْأَبِ وَالْجَدِّ الصَّغِيرَةَ فَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يَعْقِدَ مَرَّتَيْنِ مَرَّةً بِمَهْرٍ مُسَمًّى وَمَرَّةً بِغَيْرِ تَسْمِيَةٍ لِأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا لَوْ كَانَ فِي التَّسْمِيَةِ نُقْصَانٌ لَا يَصِحُّ النِّكَاحُ الْأَوَّلُ فَيَصِحُّ النِّكَاحُ الثَّانِي بِمَهْرِ الْمِثْلِ. وَالثَّانِي لَوْ كَانَ الزَّوْجُ حَلَفَ بِطَلَاقِ كُلِّ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا يَنْعَقِدُ الثَّانِي وَتَحِلُّ وَإِنْ كَانَ أَبًا أَوْ جَدًّا فَكَذَلِكَ عِنْدَهُمَا لِلْوَجْهِ. الثَّانِي وَاخْتَلَفُوا فِي وَقْتِ الدُّخُولِ بِالصَّغِيرَةِ، فَقِيلَ لَا يَدْخُلُ بِهَا مَا لَمْ تَبْلُغْ، وَقِيلَ يَدْخُلُ بِهَا إذَا بَلَغَتْ تِسْعَ سِنِينَ وَقِيلَ إنْ كَانَتْ سَمِينَةً جَسِيمَةً تُطِيقُ الْجِمَاعَ يَدْخُلُ بِهَا وَإِلَّا فَلَا، وَكَذَا اخْتَلَفُوا فِي وَقْتِ خِتَانِ الصَّبِيِّ عَلَى الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ، وَقِيلَ يُخْتَنُ إذَا بَلَغَ عَشْرًا اهـ. وَفِي الْخُلَاصَةِ وَأَكْثَرُ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ لِلسِّنِّ فِيهِمَا، وَإِنَّمَا الْمُعْتَبَرُ الطَّاقَةُ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ صَغِيرَةٌ زَوَّجَهَا وَلِيُّهَا مِنْ كُفْءٍ، ثُمَّ قَالَ لَسْت أَنَا بِوَلِيٍّ لَا يُصَدَّقُ وَلَكِنْ يُنْظَرُ إنْ كَانَتْ وِلَايَتُهُ ظَاهِرَةً جَازَ النِّكَاحُ وَإِلَّا فَلَا اهـ. وَفِي الْخُلَاصَةِ صَغِيرَةٌ زُوِّجَتْ فَذَهَبَتْ إلَى بَيْتِ زَوْجِهَا بِدُونِ أَخْذِ الْمَهْرِ فَلِمَنْ هُوَ أَحَقُّ بِإِمْسَاكِهَا قَبْلَ التَّزْوِيجِ أَنْ يَمْنَعَهَا حَتَّى يَأْخُذَ مَنْ لَهُ حَقُّ أَخْذِ جَمِيعِ الْمَهْرِ وَغَيْرُ الْأَبِ إذَا زَوَّجَ الصَّغِيرَةَ وَسَلَّمَهَا إلَى الزَّوْجِ قَبْلَ قَبْضِ جَمِيعِ الصَّدَاقِ فَالتَّسْلِيمُ فَاسِدٌ وَتُرَدُّ إلَى بَيْتِهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا فِي عُرْفِهِمْ أَمَّا فِي زَمَانِنَا فَتَسْلِيمُ جَمِيعِ الصَّدَاقِ لَيْسَ بِلَازِمٍ وَالْأَبُ إذَا سَلَّمَ الْبِنْتَ إلَيْهِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ بَاعَ مَالَ الصَّغِيرِ وَسَلَّمَ قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَرِدُّ اهـ. وَالْفَرْقُ أَنَّ حُقُوقَ النَّقْدِ فِي الْأَمْوَالِ رَاجِعَةٌ إلَيْهِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ وَلِذَا مَلَكَ الْإِبْرَاءَ عَنْ الثَّمَنِ وَيَضْمَنُ وَلَا يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ عَنْ الْمَهْرِ مِنْ الْوَلِيِّ. (قَوْلُهُ وَلَهُمَا خِيَارُ الْفَسْخِ بِالْبُلُوغِ فِي غَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ بِشَرْطِ الْقَضَاءِ) أَيْ لِلصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ إذَا بَلَغَا وَقَدْ زُوِّجَا، أَنْ يَفْسَخَا عَقْدَ النِّكَاحِ الصَّادِرِ مِنْ وَلِيٍّ غَيْرِ أَبٍ وَلَا جَدٍّ بِشَرْطِ قَضَاءِ الْقَاضِي بِالْفُرْقَةِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا خِيَارَ لَهُمَا اعْتِبَارًا بِالْأَبِ وَالْجَدِّ وَلَهُمَا: أَنَّ قَرَابَةَ الْأَخِ نَاقِصَةٌ وَالنُّقْصَانُ يُشْعِرُ بِقُصُورِ الشَّفَقَةِ فَيَتَطَرَّقُ الْخَلَلُ إلَى الْمَقَاصِدِ وَالتَّدَارُكُ يُعْلَمُ بِخِيَارِ الْإِدْرَاكِ، بِخِلَافِ مَا إذَا زَوَّجَهَا الْأَبُ وَالْجَدُّ فَإِنَّهُ لَا خِيَارَ لَهُمَا بَعْدَ بُلُوغِهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا كَامِلَا الرَّأْيِ وَافِرَا الشَّفَقَةِ فَيَلْزَمُ الْعَقْدُ بِمُبَاشَرَتِهِمَا كَمَا إذَا بَاشَرَاهُ بِرِضَاهُمَا بَعْدَ الْبُلُوغِ، وَإِنَّمَا شَرَطَ فِيهِ الْقَضَاءَ بِخِلَافِ خِيَارِ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ هَاهُنَا لِدَفْعِ ضَرَرٍ خَفِيٍّ وَهُوَ تَمَكُّنُ الْخَلَلِ وَلِهَذَا يَشْمَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى فَجُعِلَ إلْزَامًا فِي حَقِّ الْآخَرِ فَيَفْتَقِرُ إلَى الْقَضَاءِ وَخِيَارُ الْعِتْقِ لِدَفْعِ ضَرَرٍ جَلِيٍّ وَهُوَ زِيَادَةُ الْمِلْكِ عَلَيْهَا وَلِهَذَا يَخْتَصُّ بِالْأُنْثَى فَاعْتُبِرَ دَفْعًا وَالدَّفْعُ لَا يَفْتَقِرُ إلَى الْقَضَاءِ أَطْلَقَ الْخِيَارَ لَهُمَا فَشَمِلَ الذِّمِّيِّينَ وَالْمُسْلِمِينَ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَشَمِلَ مَا إذَا زَوَّجَتْ الصَّغِيرَةُ نَفْسَهَا فَأَجَازَ الْوَلِيُّ فَإِنَّ لَهَا الْخِيَارَ إذَا بَلَغَتْ؛ لِأَنَّ الْجَوَازَ ثَبَتَ بِإِجَازَةِ الْوَلِيِّ فَالْتَحَقَ بِنِكَاحٍ بَاشَرَهُ الْوَلِيُّ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ الْمَجْنُونَ وَالْمَجْنُونَةَ   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 128 كَالصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ لَهُمَا الْخِيَارُ إذَا عَقَلَا فِي تَزْوِيجِ غَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ وَلَا خِيَارَ لَهُمَا فِيهِمَا وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا خِيَارَ لَهُمَا فِي تَزْوِيجِ الِابْنِ بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْأَبِ فِي التَّزْوِيجِ وَأَفَادَ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْحُرِّ؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْأَبِ إنَّمَا هِيَ عَلَيْهِ. وَأَمَّا الصَّغِيرُ وَالصَّغِيرَةُ الْمَرْقُوقَانِ إذَا زَوَّجَهُمَا الْمَوْلَى ثُمَّ أَعْتَقَهُمَا ثُمَّ بَلَغَا فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ لَهُمَا خِيَارُ الْبُلُوغِ لِكَمَالِ وِلَايَةِ الْمَوْلَى فَهُوَ أَقْوَى مِنْ الْأَبِ وَالْجَدِّ وَلِأَنَّ خِيَارَ الْعِتْقِ يُغْنِي عَنْهُ حَتَّى لَوْ أَعْتَقَ أَمَته الصَّغِيرَةَ أَوَّلًا ثُمَّ زَوَّجَهَا ثُمَّ بَلَغَتْ فَإِنَّ لَهَا خِيَارَ الْبُلُوغِ كَمَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَهُوَ دَاخِلٌ فِي غَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَلِلْمُوَلَّى عَلَيْهِ خِيَارُ الْفَسْخِ بِالْبُلُوغِ فِي غَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ وَالِابْنِ وَالْمَوْلَى لَكَانَ أَوْلَى وَأَشْمَلَ، وَيَدْخُلُ تَحْتَ غَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ: الْأُمُّ وَالْقَاضِي عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ وِلَايَتَهُمَا مُتَأَخِّرَةٌ عَنْ وِلَايَةِ الْأَخِ وَالْعَمِّ فَإِذَا ثَبَتَ الْخِيَارُ فِي الْحَاجِبِ فَفِي الْمَحْجُوبِ أَوْلَى، وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِالْفَسْخِ لِيُفِيدَ أَنَّ هَذِهِ الْفُرْقَةَ فَسْخٌ لَا طَلَاقٌ فَلَا يَنْقُصُ عَدَدُهُ؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ مِنْ الْأُنْثَى وَلَا طَلَاقَ إلَيْهَا، وَكَذَا بِخِيَارِ الْعِتْقِ لِمَا بَيَّنَّاهُ، وَكَذَا الْفُرْقَةُ بِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ أَوْ نُقْصَانِ الْمَهْرِ فَسْخٌ بِخِلَافِ خِيَارِ الْمُخَيَّرَةِ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ هُوَ الَّذِي مَلَكَهَا وَهُوَ مَالِكٌ لِلطَّلَاقِ وَفِي التَّبْيِينِ وَلَا يُقَالُ النِّكَاحُ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ فَلَا يَسْتَقِيمُ جَعْلُهُ فَسْخًا؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْمَعْنَى بِقَوْلِنَا لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ بَعْدَ التَّمَامِ وَهُوَ النِّكَاحُ الصَّحِيحُ النَّافِذُ اللَّازِمُ وَأَمَّا قَبْلَ التَّمَامِ فَيَحْتَمِلُ الْفَسْخَ وَتَزْوِيجُ الْأَخِ وَالْعَمِّ صَحِيحٌ نَافِذٌ لَكِنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ فَيَقْبَلُ الْفَسْخَ اهـ وَيَرِدُ عَلَيْهِ ارْتِدَادُ أَحَدِهِمَا فَإِنَّهُ فَسْخٌ اتِّفَاقًا وَهُوَ بَعْدَ التَّمَامِ، وَكَذَا إبَاؤُهَا عَنْ الْإِسْلَامِ بَعْدَ إسْلَامِهِ فَإِنَّهُ فَسْخٌ اتِّفَاقًا وَهُوَ بَعْدَ التَّمَامِ، وَكَذَا مِلْكُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ صَاحِبَهُ فَالْحَقُّ أَنَّهُ يَقْبَلُ الْفَسْخَ مُطْلَقًا إذَا وُجِدَ مَا يَقْتَضِيهِ شَرْعًا وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهَلْ يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي الْعِدَّةِ إذَا كَانَتْ هَذِهِ الْفُرْقَةُ بَعْدَ الدُّخُولِ أَيْ الصَّرِيحِ أَوْ لَا لِكُلٍّ وَجْهٌ، وَالْأَوْجَهُ الْوُقُوعُ. اهـ. . وَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْوُقُوعِ لِمَا فِي النِّهَايَةِ مِنْ بَابِ نِكَاحِ أَهْلِ الشِّرْكِ مَعْزِيًّا إلَى الْمُحِيطِ: الْأَصْلُ أَنَّ الْمُعْتَدَّةَ بِعِدَّةِ الطَّلَاقِ يَلْحَقُهَا طَلَاقٌ آخَرُ فِي الْعِدَّةِ وَالْمُعْتَدَّةَ بِعِدَّةِ الْفَسْخِ لَا يَلْحَقُهَا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا خِيَارَ لَهُمَا فِي تَزْوِيجِ الِابْنِ) قَالَ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ ذِكْرِ الْعَصَبَاتِ مَرَّتَيْنِ وَكُلُّ هَؤُلَاءِ يَثْبُتُ لَهُمْ وِلَايَةُ الْإِجْبَارِ عَلَى الْبِنْتِ وَالذَّكَرِ فِي حَالِ صِغَرِهِمَا وَحَالِ كِبَرِهِمَا إذَا جُنَّا: مَثَلًا غُلَامٌ بَلَغَ عَاقِلًا ثُمَّ جُنَّ فَزَوَّجَهُ أَبُوهُ وَهُوَ رَجُلٌ جَازَ إذَا كَانَ مُطْبِقًا فَإِذَا أَفَاقَ فَلَا خِيَارَ لَهُ وَإِنْ زَوَّجَهُ أَخُوهُ فَأَفَاقَ فَلَهُ الْخِيَارُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ خِيَارَ الْعِتْقِ يُغْنِي عَنْهُ) هَذَا فِي حَقِّ الْأُنْثَى أَمَّا الذَّكَرُ فَلَيْسَ لَهُ خِيَارُ الْعِتْقِ بَلْ هُوَ لَهَا فَقَطْ كَمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ قُبَيْلَ قَوْلِهِ وَتَوَارَثَا قَبْلَ الْفَسْخِ، وَالتَّقْيِيدُ بِالصَّغِيرَةِ لَا مَفْهُومَ لَهُ فَإِنَّ الْكَبِيرَةَ كَذَلِكَ لَهَا خِيَارُ الْعِتْقِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُؤَلِّفُ فِي بَابِ نِكَاحِ الرَّقِيقِ لَكِنْ لَمَّا تُوُهِّمَ فِي الصَّغِيرَةِ أَنَّ لَهَا خِيَارَ الْبُلُوغِ قَصَرَ الْبَيَانَ عَلَيْهَا، قَالَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ. (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ أَعْتَقَ أَمَتَهُ الصَّغِيرَةَ) تَخْصِيصُ كَوْنِهَا أُنْثَى بِالذِّكْرِ لَا مَفْهُومَ لَهُ؛ لِأَنَّ الذَّكَرَ كَذَلِكَ لَهُ خِيَارُ الْبُلُوغِ كَمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ هُنَاكَ أَيْضًا. (قَوْلُهُ وَيَرِدُ عَلَيْهِ ارْتِدَادُ أَحَدِهِمَا إلَخْ) قَدْ يُقَالُ: مُرَادُهُ بِالْفَسْخِ مَا كَانَ مَقْصُودًا مُسْتَقِلًّا بِنَفْسِهِ وَهُوَ فِيمَا ذَكَرَهُ مِنْ الصُّورَةِ لَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ تَابِعٌ لَازِمٌ لِغَيْرِهِ أَعْنِي الِارْتِدَادَ وَالْإِبَاءَ وَالْمِلْكَ وَمِثْلُهُ الْفَسْخُ بِتَقْبِيلِ ابْنِ الزَّوْجِ وَسَبْيُ أَحَدِهِمَا وَمُهَاجَرَتُهُ إلَيْنَا تَأَمَّلْ. ثُمَّ رَأَيْت بَعْدَ ذَلِكَ أَجَابَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ بِأَنَّ ذَلِكَ انْفِسَاخٌ لَا فَسْخٌ اهـ. وَهُوَ مُؤَدَّى مَا قُلْنَا. (قَوْلُهُ الْأَصْلُ أَنَّ الْمُعْتَدَّةَ بَعْدَ الطَّلَاقِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَقُولُ: هَذَا الْأَصْلُ مَنْقُوضٌ بِمَا إذَا أَبَتْ عَنْ الْإِسْلَامِ وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ طَلَّقَهَا فِي الْعِدَّةِ وَقَعَ، مَعَ أَنَّهُ فَسْخٌ وَبِوُقُوعِ طَلَاقِ الْمُرْتَدِّ، مَعَ أَنَّ الْفُرْقَةَ بِرِدَّتِهِ فَسْخٌ وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهَا بِرِدَّتِهَا فَسْخٌ وَمَعَ هَذَا يَقَعُ طَلَاقُهُ عَلَيْهَا فِي الْعِدَّةِ كَذَا فِي الْفَتْحِ، وَوَجْهٌ فِي النِّكَاحِ وُقُوعُ الطَّلَاقِ مِنْ زَوْجِ الْمُرْتَدَّةِ بِأَنَّ الْحُرْمَةَ بِالرِّدَّةِ غَيْرُ مُتَأَبِّدَةٍ لِارْتِفَاعِهَا بِالْإِسْلَامِ فَيَقَعُ طَلَاقُهُ عَلَيْهِ فِي الْعِدَّةِ مُسْتَتْبِعًا فَائِدَتَهُ مِنْ حُرْمَتِهَا عَلَيْهِ بَعْدَ الثَّلَاثِ حُرْمَةً مُغَيَّاةً بِوَطْءِ زَوْجٍ آخَرَ بِخِلَافِ حُرْمَةِ الْمَحْرَمِيَّةِ فَإِنَّهَا مُتَأَبِّدَةٌ فَلَا يُفِيدُ لُحُوقُ الطَّلَاقِ فَائِدَةً. اهـ. وَكَانَ هَذَا هُوَ وَجْهُ كَوْنِ الْوُقُوفِ هُنَا أَوْجَهَ تَأَمَّلْ. إلَّا أَنَّهُ يَقْتَضِي قَصْرَ عَدَمِ الْوُقُوفِ فِي الْعِدَّةِ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ الْفُرْقَةُ بِمَا يُوجِبُ حُرْمَةً مُؤَبَّدَةً كَالتَّقْبِيلِ وَكَالْإِرْضَاعِ وَفِيهِ مُخَالَفَةٌ لِظَاهِرِ كَلَامِهِمْ عَرَفَ ذَلِكَ مَنْ تَصَفَّحَهُ. اهـ. وَذَلِكَ أَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِعَدَمِ اللِّحَاقِ فِي عِدَّةِ خِيَارِ الْعِتْقِ وَالْبُلُوغِ، وَكَذَا بَعْدَ الْكَفَاءَةِ وَنُقْصَانِ الْمَهْرِ حَتَّى صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الْفَتْحِ أَوَّلَ كِتَابِ الطَّلَاقِ وَصَرَّحَ أَيْضًا بِعَدَمِ اللِّحَاقِ فِيمَا إذَا سُبِيَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ أَوْ هَاجَرَ إلَيْنَا مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا أَوْ خَرَجَا مُسْتَأْمَنَيْنِ فَأَسْلَمَ أَحَدُهُمَا أَوْ صَارَ ذِمِّيًّا وَصَرَّحَ أَيْضًا هُنَاكَ بِلِحَاقِ الطَّلَاقِ فِيمَا إذَا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا بِإِبَاءِ الْآخَرِ وَبِالِارْتِدَادِ وَقَالَ إنَّ الْفُرْقَةَ بِرِدَّتِهِ فَسْخٌ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَلَوْ كَانَتْ هِيَ الْمُرْتَدَّةَ فَهِيَ فَسْخٌ اتِّفَاقًا وَيَقَعُ طَلَاقُهُ عَلَيْهَا فِي الْعِدَّةِ وَلَمْ يُعَلِّلْ بِمَا عَلَّلَ بِهِ فِي النِّكَاحِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 129 طَلَاقٌ آخَرُ فِي الْعِدَّةِ، وَذَكَرَ فِي خُصُوصِ مَسْأَلَتِنَا أَنَّهُ لَا يَقَعُ، وَأَمَّا حُكْمُ الْمَهْرِ فَإِنْ كَانَتْ الْفُرْقَةُ بَعْدَ الدُّخُولِ وَلَوْ حُكْمًا وَجَبَ تَمَامُهُ وَإِنْ كَانَتْ قَبْلَهُ فَلَا مَهْرَ لَهَا فَإِنْ كَانَتْ مِنْهَا فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهَا جَاءَتْ مِنْ قِبَلِهَا وَإِنْ كَانَتْ مِنْهُ فَسُقُوطُهُ هُوَ فَائِدَةُ الْخِيَارِ لَهُ وَإِلَّا فَلَا فَائِدَةَ فِي إثْبَاتِهِ لَهُ إذْ هُوَ مَالِكٌ لِلطَّلَاقِ قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ وَلَيْسَ لَنَا فُرْقَةٌ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَلَا مَهْرَ عَلَيْهِ إلَّا فِي هَذِهِ. اهـ. وَهَذَا الْحَصْرُ غَيْرُ صَحِيحٍ لِمَا فِي الذَّخِيرَةِ مِنْ الْفَصْلِ السَّادِسِ وَالْعِشْرِينَ فِي الْمُتَفَرِّقَاتِ قُبَيْلَ كِتَابِ النَّفَقَاتِ حُرٌّ تَزَوَّجَ مُكَاتَبَةً بِإِذْنِ سَيِّدِهَا عَلَى جَارِيَةٍ بِعَيْنِهَا فَلَمْ تَقْبِضْ الْمُكَاتَبَةُ الْجَارِيَةَ حَتَّى زَوَّجَتْهَا مِنْ زَوْجِهَا عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ جَازَ النِّكَاحَانِ فَإِنْ طَلَّقَ الزَّوْجُ الْمُكَاتَبَةَ أَوَّلًا ثُمَّ طَلَّقَ الْأَمَةَ وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَى الْمُكَاتَبَةِ وَلَا يَقَعُ عَلَى الْأَمَةِ؛ لِأَنَّ بِطَلَاقِ الْمُكَاتَبَةِ تَتَنَصَّفُ الْأَمَةُ وَعَادَ نِصْفُهَا إلَى الزَّوْجِ بِنَفْسِ الطَّلَاقِ فَيَفْسُدُ نِكَاحُ الْأَمَةِ قَبْلَ وُرُودِ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا فَلَمْ يَعْمَلْ طَلَاقُهَا وَيَبْطُلُ جَمِيعُ مَهْرِ الْأَمَةِ عَنْ الزَّوْجِ مَعَ أَنَّهَا فُرْقَةٌ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ إذَا كَانَتْ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ إنَّمَا لَا تُسْقِطُ كُلَّ الْمَهْرِ إذَا كَانَتْ طَلَاقًا، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْفُرْقَةُ مِنْ قِبَلِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَكَانَتْ فَسْخًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ تُوجِبُ سُقُوطَ كُلِّ الصَّدَاقِ كَالصَّغِيرِ إذَا بَلَغَ. وَأَيْضًا لَوْ اشْتَرَى مَنْكُوحَتَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَإِنَّهُ يُسْقِطُ كُلَّ الصَّدَاقِ مَعَ أَنَّ الْفُرْقَةَ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِهِ؛ لِأَنَّ فَسَادَ النِّكَاحِ حُكْمٌ تَعَلَّقَ بِالْمِلْكِ وَكُلُّ حُكْمٍ تَعَلَّقَ بِالْمِلْكِ فَإِنَّهُ يُحَالُ عَلَى قَبُولِ الْمُشْتَرِي لَا عَلَى إيجَابِ الْبَائِعِ، وَإِنَّمَا سَقَطَ كُلُّ الصَّدَاقِ؛ لِأَنَّهُ فَسْخٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ اهـ. بِلَفْظِهِ، وَيَرُدُّهُ صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ إذَا ارْتَدَّ الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ فَإِنَّهَا فُرْقَةٌ هِيَ فَسْخٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُسْقِطْ كُلَّ الْمَهْرِ بَلْ يَجِبُ نِصْفُهُ فَالْحَقُّ أَنْ لَا يُجْعَلَ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ضَابِطٌ بَلْ يُحْكَمُ فِي كُلِّ فَرْدٍ بِمَا أَفَادَهُ الدَّلِيلُ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْفُرْقَةَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ فُرْقَةً: سَبْعَةٌ مِنْهَا تَحْتَاجُ إلَى الْقَضَاءِ وَسِتَّةٌ لَا تَحْتَاجُ، أَمَّا الْأُولَى: فَالْفُرْقَةُ بِالْجَبِّ وَالْفُرْقَةُ بِالْعُنَّةِ وَالْفُرْقَةُ بِخِيَارِ الْبُلُوغِ وَالْفُرْقَةُ بِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ وَالْفُرْقَةُ بِنُقْصَانِ الْمَهْرِ وَالْفُرْقَةُ بِإِبَاءِ الزَّوْجِ عَنْ الْإِسْلَامِ وَالْفُرْقَةُ بِاللِّعَانِ، وَإِنَّمَا تَوَقَّفَتْ عَلَى الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهَا تَنْبَنِي عَلَى سَبَبٍ خَفِيٍّ؛ لِأَنَّ الْكَفَاءَةَ شَيْءٌ لَا يُعْرَفُ بِالْحِسِّ وَأَسْبَابُهَا مُخْتَلِفَةٌ، وَكَذَا بِنُقْصَانِ مَهْرِ الْمِثْلِ وَخِيَارُ الْبُلُوغِ مَبْنِيٌّ عَلَى قُصُورِ الشَّفَقَةِ وَهُوَ أَمْرٌ بَاطِنٌ وَالْإِبَاءُ رُبَّمَا يُوجَدُ وَرُبَّمَا لَا يُوجَدُ، وَكَذَا الْبَقِيَّةُ، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ: فَالْفُرْقَةُ بِخِيَارِ الْعِتْقِ وَالْفُرْقَةُ بِالْإِيلَاءِ وَالْفُرْقَةُ بِالرَّدِّ وَالْفُرْقَةُ بِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ وَالْفُرْقَةُ بِمِلْكِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ صَاحِبَهُ وَالْفُرْقَةُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ، وَإِنَّمَا لَمْ تَتَوَقَّفْ هَذِهِ السِّتَّةُ عَلَى الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهَا تُبْتَنَى عَلَى سَبَبٍ جَلِيٍّ ثُمَّ قَالَ الْإِمَامُ الْمَحْبُوبِيُّ فِي التَّنْقِيحِ كُلُّ فُرْقَةٍ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِ الْمَرْأَةِ لَا بِسَبَبٍ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ فَهِيَ فُرْقَةٌ بِغَيْرِ طَلَاقٍ كَالرِّدَّةِ مِنْ جِهَةِ الْمَرْأَةِ وَخِيَارِ الْبُلُوغِ وَخِيَارِ الْعَتَاقَةِ وَعَدَمِ الْكَفَاءَةِ؛ وَكُلُّ فُرْقَةٍ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ فَهِيَ طَلَاقٌ كَالْإِيلَاءِ وَالْجَبِّ وَالْعُنَّةِ وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا رِدَّةُ الزَّوْجِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ بِالرِّدَّةِ يَنْتَفِي الْمِلْكُ فَيَنْتَفِي الْحِلُّ الَّذِي هُوَ مِنْ لَوَازِمِ الْمِلْكِ فَإِنَّمَا حَصَلَتْ الْفُرْقَةُ بِالتَّنَافِي وَالتَّضَادِّ لَا بِوُجُودِ الْمُبَاشَرَةِ مِنْ الزَّوْجِ بِخِلَافِ الْإِبَاءِ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ حَيْثُ يَكُونُ طَلَاقًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُ لَا تَنَافِيَ بِدَلِيلِ أَنَّ الْمِلْكَ يَبْقَى بِعَدَمِ الْإِبَاءِ فَلِهَذَا افْتَرَقَا اهـ. (قَوْلُهُ وَيَبْطُلُ بِسُكُوتِهَا إنْ عَلِمَتْ بِكْرًا لَا بِسُكُوتِهِ مَا لَمْ يَقُلْ رَضِيت وَلَوْ دَلَالَةً) أَيْ وَيَبْطُلُ خِيَارُ الْبُلُوغِ بِسُكُوتِ مَنْ بَلَغَتْ إلَى آخِرِهِ اعْتِبَارًا لِهَذِهِ الْحَالَةِ بِحَالَةِ ابْتِدَاءِ النِّكَاحِ، وَسُكُوتُ الْبِكْرِ فِي الِابْتِدَاءِ إذْنٌ بِخِلَافِ سُكُوتِ الثَّيِّبِ وَالْغُلَامِ وَأَرَادَ بِالْعِلْمِ الْعِلْمَ بِأَصْلِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَمَكَّنُ مِنْ التَّصَرُّفِ إلَّا بِهِ، وَالْوَلِيُّ يَنْفَرِدُ بِهِ فَعُذِرَتْ وَلَا يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِأَنَّ لَهَا خِيَارَ الْبُلُوغِ؛ لِأَنَّهَا تَتَفَرَّغُ لِمَعْرِفَةِ أَحْكَامِ الشَّرْعِ وَالدَّارُ دَارُ الْعِلْمِ فَلَمْ تُعْذَرْ بِالْجَهْلِ بِخِلَافِ الْمُعْتَقَةِ؛ لِأَنَّ الْأَمَةَ لَا تَتَفَرَّغُ لِمَعْرِفَتِهَا فَتُعْذَرُ بِالْجَهْلِ بِثُبُوتِ الْخِيَارِ وَاسْتُفِيدَ مِنْ بُطْلَانِهِ بِسُكُوتِهَا أَنَّهُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَأَيْضًا لَوْ اشْتَرَى مَنْكُوحَتَهُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ فِي دَعْوَى كَوْنِ الْفُرْقَةِ مِنْ قِبَلِهِ فِيمَا إذَا مَلَكَهَا أَوْ بَعْضَهَا فِيهِ نَظَرٌ فَفِي الْبَدَائِعِ الْفُرْقَةُ الْوَاقِعَةُ بِمِلْكِهِ إيَّاهَا أَوْ شِقْصًا مِنْهَا فُرْقَةٌ بِغَيْرِ طَلَاقٍ؛ لِأَنَّهَا فُرْقَةٌ حَصَلَتْ بِسَبَبٍ لَا مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ تُجْعَلَ طَلَاقًا فَتُجْعَلُ فَسْخًا. اهـ. وَسَيَأْتِي إيضَاحُهُ فِي مَحَلِّهِ اهـ. فَتَأَمَّلْ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 130 لَا يَمْتَدُّ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ، وَعَلَى هَذَا قَالُوا: يَنْبَغِي أَنْ يَبْطُلَ مَعَ رُؤْيَةِ الدَّمِ فَإِنْ رَأَتْهُ لَيْلًا تَطْلُبُ بِلِسَانِهَا فَتَقُولُ فَسَخْت نِكَاحِي وَتُشْهِدُ إذَا أَصْبَحَتْ وَتَقُولُ رَأَيْت الدَّمَ الْآنَ، وَقِيلَ لِمُحَمَّدٍ كَيْفَ يَصِحُّ وَهُوَ كَذِبٌ، وَإِنَّمَا أَدْرَكَتْ قَبْلَ هَذَا، فَقَالَ لَا تُصَدَّقُ فِي الْإِسْنَادِ فَجَازَ لَهَا أَنْ تَكْذِبَ كَيْ لَا يَبْطُلَ حَقُّهَا ثُمَّ إذَا اخْتَارَتْ وَأَشْهَدَتْ وَلَمْ تَقْدَمْ إلَى الْقَاضِي الشَّهْرَ وَالشَّهْرَيْنِ فَهِيَ عَلَى خِيَارِهَا كَخِيَارِ الْعَيْبِ. وَمَا فِي التَّبْيِينِ مِنْ أَنَّهَا لَوْ بَعَثَتْ خَادِمَهَا حِينَ حَاضَتْ لِلشُّهُودِ فَلَمْ تَقْدِرْ عَلَيْهِمْ وَهِيَ فِي مَكَان مُنْقَطِعٍ لَزِمَهَا وَلَمْ تُعْذَرْ، مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ تَفْسَخْ بِلِسَانِهَا حَتَّى فَعَلَتْ. وَمَا فِيهِ أَيْضًا وَفِي الذَّخِيرَةِ مِنْ أَنَّهَا لَوْ سَأَلَتْ عَنْ اسْمِ الزَّوْجِ أَوْ عَنْ الْمَهْرِ أَوْ سَلَّمَتْ عَلَى الشُّهُودِ بَطَلَ خِيَارُهَا تَعَسُّفٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَغَايَةُ الْأَمْرِ كَوْنُ هَذِهِ الْحَالَةِ كَحَالَةِ ابْتِدَاءِ النِّكَاحِ وَلَوْ سَأَلَتْ الْبِكْرُ عَنْ اسْمِ الزَّوْجِ لَا يَنْفُذُ عَلَيْهَا، وَكَذَا عَنْ الْمَهْرِ وَإِنْ كَانَ عَدَمُ ذِكْرِهِ لَهَا لَا يُبْطِلُ كَوْنَ سُكُوتِهَا رِضًا عَلَى الْخِلَافِ، فَإِنَّ ذَلِكَ إذَا لَمْ تَسْأَلْ عَنْهُ لِظُهُورِ أَنَّهَا رَاضِيَةٌ بِكُلِّ مَهْرٍ وَالسُّؤَالُ يُفِيدُ نَفْيَ ظُهُورِهِ فِي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يَتَوَقَّفُ رِضَاهَا عَلَى مَعْرِفَةِ كَمِّيَّتِهِ، وَكَذَا السَّلَامُ عَلَى الْقَادِمِ لَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا، كَيْفَ وَإِنَّمَا أَرْسَلَتْ لِغَرَضِ الْإِشْهَادِ عَلَى الْفَسْخِ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّ بُطْلَانَ هَذَا الْخِيَارِ لَيْسَ مُتَوَقِّفًا عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ الثَّيِّبِ وَالْغُلَامِ، وَأَمَّا فِي حَقِّ الْبِكْرِ فَيَبْطُلُ بِمُجَرَّدِ السُّكُوتِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الِاشْتِغَالَ بِالسَّلَامِ فَوْقَ السُّكُوتِ. وَإِذَا اجْتَمَعَ خِيَارُ الْبُلُوغِ وَالشُّفْعَةِ تَقُولُ أَطْلُبُ الْحَقَّيْنِ ثُمَّ تَبْتَدِئُ فِي التَّفْسِيرِ بِخِيَارِ الْبُلُوغِ، وَقَيَّدَ بِالْبِكْرِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ ثَيِّبًا كَمَا لَوْ دَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ قَبْلَ الْبُلُوغِ أَوْ كَانَتْ ثَيِّبًا وَقْتَ الْعَقْدِ فَإِنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِسُكُوتِهَا فَهِيَ كَالْغُلَامِ لَا بُدَّ مِنْ الرِّضَا بِالْقَوْلِ أَوْ بِفِعْلٍ دَالٍّ عَلَيْهِ، وَحَاصِلُهُ: أَنَّ وَقْتَ خِيَارِهِمَا الْعُمُرُ؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ عَدَمُ الرِّضَا فَيَبْقَى إلَى أَنْ يُوجَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا، عَلَى هَذَا تَظَافَرَتْ كَلِمَتُهُمْ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ فَمَا نُقِلَ عَنْ الطَّحَاوِيِّ حَيْثُ قَالَ: خِيَارُ الْمُدْرِكَةِ يَبْطُلُ بِالسُّكُوتِ إذَا كَانَتْ بِكْرًا وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا لَمْ يَبْطُلْ بِهِ، وَكَذَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلزَّوْجِ لَا يَبْطُلُ إلَّا بِصَرِيحِ الْإِبْطَالِ أَوْ يَجِيءُ مِنْهُ دَلِيلٌ عَلَى إبْطَالِ الْخِيَارِ كَمَا إذَا اشْتَغَلَتْ بِشَيْءٍ آخَرَ وَأَعْرَضَتْ عَنْ الِاخْتِيَارِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ، مُشْكِلٌ إذْ يَقْتَضِي أَنَّ الِاشْتِغَالَ بِعَمَلٍ آخَرَ يُبْطِلُهُ، وَهَذَا تَقْيِيدٌ بِالْمَجْلِسِ ضَرُورَةً إذْ تَبَدُّلُهُ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا يَسْتَلْزِمُهُ ظَاهِرًا وَفِي الْجَوَامِعِ وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا حِينَ بَلَغَهَا أَوْ كَانَ غُلَامًا لَمْ يَبْطُلْ بِالسُّكُوتِ وَإِنْ أَقَامَتْ مَعَهُ أَيَّامًا إلَّا أَنْ تَرْضَى بِلِسَانِهَا أَوْ يُوجَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا مِنْ الْوَطْءِ أَوْ التَّمْكِينِ مِنْهُ طَوْعًا أَوْ الْمُطَالَبَةِ بِالْمَهْرِ أَوْ النَّفَقَةِ، وَفِيهِ: لَوْ قَالَتْ كُنْت   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ ثُمَّ إذَا اخْتَارَتْ وَأَشْهَدَتْ وَلَمْ تَتَقَدَّمْ إلَى الْقَاضِي الشَّهْرَ وَالشَّهْرَيْنِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ يَعْنِي مَا لَمْ تُمَكِّنْهُ مِنْ نَفْسِهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الذَّخِيرَةِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الشَّهْرَ وَالشَّهْرَيْنِ مِثَالٌ لَا حَدُّ مِقْدَارٍ إذْ حَقُّهَا تَقَرَّرَ بِالْإِشْهَادِ فَلَا يَسْقُطُ بِالتَّأْخِيرِ كَالشُّفْعَةِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَلَا شَكَّ أَنَّ الِاشْتِغَالَ بِالسَّلَامِ فَوْقَ السُّكُوتِ) قَالَ فِي النَّهْرِ مَمْنُوعٌ فَقَدْ نَقَلُوا فِي الشُّفْعَةِ أَنَّ سَلَامَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي لَا يُبْطِلُهَا؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «السَّلَامُ قَبْلَ الْكَلَامِ» وَلَا شَكَّ أَنَّ طَلَبَ الْمُوَاثَبَةِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْبَيْعِ يَبْطُلُ بِالسُّكُوتِ كَخِيَارِ الْبُلُوغِ وَلَوْ كَانَ فَوْقَهُ لَبَطَلَتْ وَقَالُوا لَوْ قَالَ: مَنْ اشْتَرَاهَا؟ وَبِكَمْ اشْتَرَاهَا؟ لَا تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ نَعَمْ مَا وَجَّهَ بِهِ فِي الْمَهْرِ إنَّمَا يَتِمُّ إذَا لَمْ يَخْلُ. أَمَّا إذَا خَلَا بِهَا خَلْوَةً صَحَّحَهُ فَالْوُقُوفُ عَلَى كَمِّيَّتِهِ اشْتِغَالٌ بِمَا لَا يُفِيدُ لِوُجُوبِهِ بِهَا فَإِطْلَاقُ عَدَمِ سُقُوطِهِ مِمَّا لَا يَنْبَغِي اهـ. وَفِي الرَّمْزِ بَعْدَ نَقْلِ بَحْثِ الْمُؤَلِّفِ: وَالْجَوَابُ أَنَّ الرِّضَا لَا بُدَّ مِنْهُ لَكِنَّهُ تَارَةً يَكُونُ صَرِيحًا وَتَارَةً يَكُونُ دَلَالَةً فِي الثَّيِّبِ وَالْبِكْرِ لَكِنَّ مُجَرَّدَ السُّكُوتِ مِنْ الْبِكْرِ جُعِلَ رِضًا شَرْعًا وَقَامَ مَقَامَ الْقَوْلِ لِعِلَّةِ الْحَيَاءِ وَأَقُولُ: يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنْ سَأَلَتْ عَنْ اسْمِ الزَّوْجِ مَعَ عِلْمِهَا بِهِ أَوْ سَلَّمَتْ مَعْنًى بِأَنْ قَالَتْ مَرْحَبًا لِلشُّهُودِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ يَلْزَمُهَا، لِكَوْنِ ذَلِكَ مُسْتَغْنًى عَنْهُ أَمَّا إذَا رَدَّتْ سَلَامَهُمْ أَوْ كَانَتْ جَاهِلَةً بِالزَّوْجِ فَالسُّؤَالُ عَنْهُ لَا يَكُونُ كَالسُّكُوتِ، وَالْحَاصِلُ: أَنَّ اشْتِغَالَهَا بِمَا لَا يُفِيدُ يَقُومُ مَقَامَ السُّكُوتِ فَيَلْزَمُهَا لَا مَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي هَذَا الْمَقْصُودِ. (قَوْلُهُ وَإِذَا اجْتَمَعَ خِيَارُ الْبُلُوغِ وَالشُّفْعَةِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ هَذَا قَوْلٌ، وَقِيلَ بِالشُّفْعَةِ وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَلَوْ ثَبَتَ لِلْبِكْرِ خِيَارُ الْبُلُوغِ وَالشُّفْعَةِ تَقُولُ طَلَبْت الْحَقَّيْنِ ثُمَّ تُفَسِّرُ وَتَبْدَأُ بِالِاخْتِيَارِ، وَقِيلَ بِالشُّفْعَةِ، وَقِيلَ تَطْلُبُ الشُّفْعَةَ وَتَبْكِي صُرَاخًا فَيَصِيرُ هَذَا الْبُكَاءُ رَدًّا لِلنِّكَاحِ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَجْعَلُهُ رَدًّا لَهُ، أَقُولُ: لَا أَدْرِي مَا وَجْهُ تَعْيِينِ الْبُدَاءَةِ بِأَحَدِهِمَا فِي التَّفْسِيرِ بَعْدَ طَلَبِ الْحَقَّيْنِ جُمْلَةً؟ فَإِنَّا حَيْثُ اعْتَبَرْنَاهُ هُوَ الْمَانِعُ مِنْ السُّقُوطِ فَلَا يَضُرُّ تَقْدِيمُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ وَلَا يَبْطُلُ الْمُؤَخَّرُ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِالْإِجْمَالِ الْمُتَقَدِّمِ وَالْأَلِفُ وَاللَّامُ فِيهِ جَامِعَةٌ لَهُمَا وَلَوْ قِيلَ لَا حَاجَةَ إلَى التَّفْسِيرِ بَعْدَهُ أَصْلًا لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ وَجِيهٌ وَأَيْضًا فِيهِ تَضْيِيقٌ وَتَعْسِيرٌ وَنَوْعُ حَرَجٍ وَذَلِكَ مَرْفُوعٌ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُتَقَدِّمِي أَئِمَّتِنَا ذَكَرُوا الْمَسْأَلَةَ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ تَقُولُ طَلَبَتْهُمَا نَفْسِي وَالشُّفْعَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ عَلَى سَبِيلِ الشُّفْعَةِ وَنَفْسِي فَتَوَهَّمَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْحَتْمِ وَاللُّزُومِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ تُقَدِّمُ فِي التَّفْسِيرِ أَيًّا شَاءَتْ تَأَمَّلْ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 131 مُكْرَهَةً فِي التَّمْكِينِ صُدِّقَتْ وَلَا يَبْطُلُ خِيَارُهَا. وَفِي الْخُلَاصَةِ لَوْ أَكَلْت مِنْ طَعَامِهِ أَوْ خَدَمَتْهُ فَهِيَ عَلَى خِيَارِهَا لَا يُقَالُ كَوْنُ الْقَوْلِ لَهَا فِي دَعْوَى الْإِكْرَاهِ فِي التَّمْكِينِ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ يُصَدِّقُهَا كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَا إشْكَالَ فِي عِبَارَةِ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ؛ لِأَنَّ مُرَادَهُ مِنْ الِاشْتِغَالِ بِشَيْءٍ آخَرَ عَمَلٌ يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا بِالنِّكَاحِ كَالتَّمْكِينِ وَنَحْوِهِ لَا مُطْلَقِ الْعَمَلِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ سِيَاقُ كَلَامِهِ بَلْ قَدْ صَرَّحَ بِأَنَّ خِيَارَ الْبُلُوغِ فِي حَقِّ الثَّيِّبِ وَالْغُلَامِ لَا يَبْطُلُ بِالْقِيَامِ عَنْ الْمَجْلِسِ وَإِلَّا فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ لِيُوَافِقَ غَيْرَهُ وَفِي الْجَوَامِعِ إذَا بَلَغَ الْغُلَامُ، فَقَالَ فَسَخْت يَنْوِي الطَّلَاقَ فَهِيَ طَالِقٌ بَائِنٌ وَإِنْ نَوَى الثَّلَاثَ فَثَلَاثٌ، وَهَذَا حَسَنٌ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْفَسْخِ يَصْلُحُ كِنَايَةً عَنْ الطَّلَاقِ. ثُمَّ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمَوْلَيَيْنِ عَلَى اخْتِيَارِ أَمَتِهِمَا الَّتِي زَوَّجَاهَا نَفْسَهَا إذَا أَعْتَقَاهَا وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْغَاصِبَيْنِ الْمُزَوِّجَيْنِ بَعْدَ الْبُلُوغِ أَنَّهَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا؛ لِأَنَّ سَبَبَ الرَّدِّ قَدْ انْقَطَعَ فِي الْأُولَى بِالْعِتْقِ وَلَمْ يَنْقَطِعْ فِي الثَّانِيَةِ إذْ هُوَ النَّسَبُ وَهُوَ بَاقٍ اهـ. وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ خِيَارَ الْبُلُوغِ يُخَالِفُ خِيَارَ الْعِتْقِ فِي مَسَائِلَ مِنْهَا اشْتِرَاطُ الْقَضَاءِ. وَالثَّانِي أَنَّ خِيَارَ الْمُعْتَقَةِ لَا يَبْطُلُ بِالسُّكُوتِ بَلْ يَمْتَدُّ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ كَمَا فِي الْمُخَيَّرَةِ، بِخِلَافِ خِيَارِ الْبُلُوغِ فِي حَقِّ الْبِكْرِ. وَالثَّالِثُ أَنَّ خِيَارَ الْعِتْقِ يَثْبُتُ لِلْأُنْثَى فَقَطْ بِخِلَافِ خِيَارِ الْبُلُوغِ يَثْبُتُ لَهُمَا. وَالرَّابِعُ أَنَّ الْجَهْلَ بِخِيَارِ الْبُلُوغِ لَيْسَ بِعُذْرٍ بِخِلَافِهِ فِي خِيَارِ الْعِتْقِ. وَالْخَامِسُ أَنَّ خِيَارَ الْعِتْقِ يَبْطُلُ بِالْقِيَامِ عَنْ الْمَجْلِسِ كَالْمُخَيَّرَةِ وَخِيَارَ الْبُلُوغِ فِي حَقِّ الثَّيِّبِ وَالْغُلَامِ لَا يَبْطُلُ بِهِ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَأَفَادَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَلَوْ دَلَالَةً أَنَّ دَفْعَ الْمَهْرِ رِضًا كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَحَمَلَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ عَلَى مَا إذَا كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ أَمَّا إذَا كَانَ دَخَلَ بِهَا قَبْلَ بُلُوغِهِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ دَفْعُ الْمَهْرِ بَعْدَ بُلُوغِهِ رِضًا؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ أَقَامَ أَوْ فَسَخَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَتَوَارَثَا قَبْلَ الْفَسْخِ) صَادِقٌ بِصُورَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا مَا إذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْبُلُوغِ ثَانِيهِمَا مَا إذَا مَاتَ بَعْدَ الْبُلُوغِ قَبْلَ التَّفْرِيقِ فَإِنَّ الْآخَرَ يَرِثُهُ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْعَقْدِ صَحِيحٌ وَالْمِلْكُ الثَّابِتُ بِهِ قَدْ انْتَهَى بِالْمَوْتِ بِخِلَافِ مُبَاشَرَةِ الْفُضُولِيِّ إذَا مَاتَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ قَبْلَ الْإِجَازَةِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ ثَمَّةَ مَوْقُوفٌ فَيَبْطُلُ بِالْمَوْتِ وَهَاهُنَا نَافِذٌ فَيَتَقَرَّرُ بِهِ، أَشَارَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى أَنَّهُ يَحِلُّ لِلزَّوْجِ وَطْؤُهَا قَبْلَ الْفَسْخِ لِمَا ذَكَرْنَا وَإِلَى أَنَّهَا لَوْ بَلَغَتْ وَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا وَالزَّوْجُ غَائِبٌ لَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا مَا لَمْ يَحْضُرْ الْغَائِبُ وَلَوْ كَانَ زَوْجُهَا صَبِيًّا لَا يُنْتَظَرُ كِبَرُهُ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِحَضْرَةِ وَالِدِهِ أَوْ وَصِيِّهِ إنْ لَمْ يَأْتِيَا بِمَا يَدْفَعُهَا كَذَا فِي أَحْكَامِ الصِّغَارِ. (قَوْلُهُ وَلَا وِلَايَةَ لِصَغِيرٍ وَعَبْدٍ وَمَجْنُونٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَثْبُتَ عَلَى غَيْرِهِمْ وَلِأَنَّ هَذِهِ وِلَايَةٌ نَظَرِيَّةٌ وَلَا نَظَرَ فِي التَّفْوِيضِ إلَى هَؤُلَاءِ أَطْلَقَ فِي الْعَبْدِ فَشَمِلَ الْمُكَاتَبَ فَلَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى وَلَدِهِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ لَكِنْ لِلْمَكَاتِبِ وِلَايَةٌ فِي تَزْوِيجِ أَمَتِهِ كَمَا عُرِفَ وَأَرَادَ بِالْمَجْنُونِ الْمُطْبِقَ وَهُوَ شَهْرٌ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَقْيِيدِهِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُزَوِّجُ حَالَ جُنُونِهِ مُطْبِقًا أَوْ غَيْرَ مُطْبِقٍ وَيُزَوَّجُ حَالَةَ إفَاقَتِهِ عَنْ جُنُونٍ مُطْبِقٍ أَوْ غَيْرِ مُطْبِقٍ لَكِنَّ الْمَعْنَى أَنَّهُ إذَا كَانَ مُطْبِقًا تُسْلَبُ وِلَايَتُهُ فَتُزَوَّجُ وَلَا يُنْتَظَرُ إفَاقَتُهُ وَغَيْرُ الْمُطْبِقِ الْوِلَايَةُ ثَابِتَةٌ لَهُ فَلَا تُزَوَّجُ وَتُنْتَظَرُ إفَاقَتُهُ كَالنَّائِمِ وَمُقْتَضَى النَّظَرِ أَنَّ الْكُفْءَ الْخَاطِبَ إنْ فَاتَ بِانْتِظَارِ إفَاقَتِهِ تَزَوَّجَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُطْبِقًا وَإِلَّا انْتَظَرَ عَلَى مَا اخْتَارَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي غَيْبَةِ الْوَلِيِّ الْأَقْرَبِ اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا لِكَافِرٍ عَلَى مُسْلِمٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا} [النساء: 141] وَلِهَذَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِ وَلَا يَتَوَارَثَانِ، قَيَّدَ بِالْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّ لِلْكَافِرِ وِلَايَةً عَلَى وَلَدِهِ الْكَافِرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال: 73] وَلِهَذَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ عَلَى بَعْضِهِمْ وَيَجْرِي بَيْنَهُمَا التَّوَارُثُ وَكَمَا لَا تَثْبُتُ الْوِلَايَةُ لِكَافِرٍ عَلَى مُسْلِمٍ كَذَلِكَ لَا تَثْبُتُ لِمُسْلِمٍ عَلَى كَافِرَةٍ أَعْنِي وِلَايَةَ التَّزْوِيجِ بِالْقَرَابَةِ وَوِلَايَةَ التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ قَالُوا: وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُسْلِمُ سَيِّدَ أَمَةٍ كَافِرَةٍ أَوْ سُلْطَانًا، قَالَ السُّرُوجِيُّ لَمْ أَرَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ يُصَدِّقُهَا) جَوَابُ لَا يُقَالُ. (قَوْلُهُ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْعَاصِبَيْنِ) تَثْنِيَةُ عَاصِبٍ بِالْعَيْنِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَمَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ مِنْ الْغَاصِبَيْنِ بِالْمُعْجَمَةِ فَتَحْرِيفٌ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُزَوِّجُ حَالَ جُنُونِهِ إلَخْ) يُزَوِّجُ مُضَارِعٌ مَبْنِيٌّ لِلْمَعْلُومِ وَفَاعِلُهُ ضَمِيرٌ يَعُودُ إلَى الْمَجْنُونِ وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ وَيُزَوِّجُ حَالَةَ إفَاقَتِهِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ بَعْدُ فَتُزَوَّجُ فَهُوَ بِالتَّاءِ مَبْنِيٌّ لِلْمَجْهُولِ وَنَائِبُ الْفَاعِلِ يَعُودُ إلَى الْمَرْأَةِ الْمُوَلَّى عَلَيْهَا وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تُزَوَّجُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُطْبِقًا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 132 هَذَا الِاسْتِثْنَاءَ فِي كُتُبِ أَصْحَابِنَا، وَإِنَّمَا هُوَ مَنْسُوبٌ إلَى الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ قَالَ فِي الْمِعْرَاجِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُرَادًا وَرَأَيْت فِي مَوْضِعٍ مَعْزُوًّا إلَى الْمَبْسُوطِ الْوِلَايَةُ بِالسَّبَبِ الْعَامِّ تَثْبُتُ لِلْمُسْلِمِ عَلَى الْكَافِرِ كَوِلَايَةِ السَّلْطَنَةِ وَالشَّهَادَةِ فَقَدْ ذَكَرَ مَعْنَى ذَلِكَ الِاسْتِثْنَاءِ اهـ. وَقَيَّدَ بِالْكُفْرِ؛ لِأَنَّ الْفِسْقَ لَا يَسْلُبُ الْأَهْلِيَّةَ عِنْدَنَا عَلَى الْمَشْهُورِ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْمَنْظُومَةِ وَعَنْ الشَّافِعِيِّ اخْتِلَافٌ فِيهِ أَمَّا الْمَسْتُورُ فَلَهُ الْوِلَايَةُ بِلَا خِلَافٍ فَمَا فِي الْجَوَامِعِ أَنَّ الْأَبَ إذَا كَانَ فَاسِقًا لِلْقَاضِي أَنْ يُزَوِّجَ الصَّغِيرَةَ مِنْ كُفْءٍ غَيْرُ مَعْرُوفٍ نَعَمْ إذَا كَانَ مُتَهَتِّكًا لَا يَنْفُذُ تَزْوِيجُهُ إيَّاهَا بِنَقْصٍ عَنْ مَهْرِ الْمِثْلِ وَمِنْ غَيْرِ كُفْءٍ وَسَيَأْتِي هَذَا كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَصَبَةً فَالْوِلَايَةُ لِلْأُمِّ ثُمَّ لِلْأُخْتِ لِأَبٍ وَأُمٍّ ثُمَّ لِأَبٍ ثُمَّ لِوَلَدِ الْأُمِّ ثُمَّ لِذَوِي الْأَرْحَامِ ثُمَّ لِلْحَاكِمِ) ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَعِنْدَهُمَا لَيْسَ لِغَيْرِ الْعَصَبَاتِ مِنْ الْأَقَارِبِ وِلَايَةٌ، وَإِنَّمَا الْوِلَايَةُ لِلْحَاكِمِ بَعْدَ الْعَصَبَاتِ لِحَدِيثِ «الْإِنْكَاحُ إلَى الْعَصَبَاتِ» وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ الْوِلَايَةَ نَظَرِيَّةٌ وَالنَّظَرُ يَتَحَقَّقُ بِالتَّفْوِيضِ إلَى مَنْ هُوَ الْمُخْتَصُّ بِالْقَرَابَةِ الْبَاعِثَةِ عَلَى الشَّفَقَةِ، وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فَفِي الْهِدَايَةِ الْأَشْهَرُ أَنَّهُ مَعَ مُحَمَّدٍ وَفِي الْكَافِي الْجُمْهُورُ أَنَّهُ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي التَّبْيِينِ وَالْجَوْهَرَةِ وَالْمُجْتَبَى وَالذَّخِيرَةِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي تَهْذِيبِ الْقَلَانِسِيِّ وَرَوَى ابْنُ زِيَادٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ قَوْلُهُمَا لَا يَلِيهِ إلَّا الْعَصَبَاتِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ. وَهُوَ غَرِيبٌ لِمُخَالَفَتِهِ الْمُتُونَ الْمَوْضُوعَةَ لِبَيَانِ الْفَتْوَى وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ الْأُمِّ الْبِنْتَ؛ لِأَنَّهُ خَاصٌّ بِالْمَجْنُونِ وَالْمَجْنُونَةِ فَبَعْدَ الْأُمِّ الْبِنْتُ ثُمَّ بِنْتُ الِابْنِ ثُمَّ بِنْتُ ابْنِ الِابْنِ ثُمَّ بِنْتُ بِنْتِ الْبِنْتِ وَأَطْلَقَ فِي وَلَدِ الْأُمِّ فَشَمِلَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى، وَذَكَرَ الشَّارِحُ أَنَّ بَعْدَ وَلَدِ الْأُمِّ وَلَدُهُ، وَأَفَادَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِتَقْدِيمِ الْأُمِّ عَلَى الْأُخْتِ تَضْعِيفَ مَا نَقَلَهُ فِي الْمُسْتَصْفَى عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَنَقَلَهُ فِي التَّجْنِيسِ عَنْ عُمَرَ النَّسَفِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ أَنَّ الْأُخْتَ الشَّقِيقَةَ أَوْلَى مِنْ الْأُمِّ؛ لِأَنَّهَا مِنْ قِبَلِ الْأَبِ، وَوَجْهُ ضَعْفِهِ أَنَّ الْأُمَّ أَقْرَبُ مِنْهَا وَصَرَّحَ فِي الْخُلَاصَةِ بِأَنَّهُ يُفْتَى بِتَقْدِيمِ الْأُمِّ عَلَى الْأُخْتِ وَسَيَأْتِي فِي آخِرِ الْمُخْتَصَرِ أَنَّ ذَا الرَّحِمِ قَرِيبٌ لَيْسَ بِذِي سَهْمٍ وَلَا عَصَبَةٍ وَأَنَّ تَرْتِيبَهُمْ كَتَرْتِيبِ الْعَصَبَاتِ فَتُقَدَّمُ الْعَمَّاتُ ثُمَّ الْأَخْوَالُ ثُمَّ الْخَالَاتُ ثُمَّ بَنَاتُ الْأَعْمَامِ ثُمَّ بَنَاتُ الْعَمَّاتِ كَتَرْتِيبِ الْإِرْثِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْجَدَّ الْفَاسِدَ مُؤَخَّرٌ عَنْ الْأُخْتِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ، وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُسْتَصْفَى أَنَّ الْجَدَّ الْفَاسِدَ أَوْلَى مِنْ الْأُخْتِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الْوِلَايَةُ لَهُمَا كَمَا فِي الْمِيرَاثِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقِيَاسُ مَا صَحَّ فِي الْجَدِّ وَالْأَخِ مِنْ تَقَدُّمِ الْجَدِّ الْفَاسِدِ عَلَى الْأُخْتِ اهـ. فَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّ الْجَدَّ الْفَاسِدَ بَعْدَ الْأُمِّ قَبْلَ الْأُخْتِ وَفِي الْقُنْيَةِ أُمُّ الْأَبِ فِي التَّزْوِيجِ مِنْ الْأُمِّ وَأَطْلَقَ فِي نَفْيِ الْعَصَبَةِ فَشَمِلَ الْعَصَبَةَ النَّسَبِيَّةَ وَالسَّبَبِيَّةَ فَمَوْلَى الْعَتَاقَةِ، ثُمَّ عَصَبَتُهُ عَلَى التَّرْتِيبِ السَّابِقِ يُقَدَّمَانِ عَلَى الْأُمِّ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ مَوْلَى الْمُوَالَاةِ وَهُوَ الَّذِي أَسْلَمَ أَبُو الصَّغِيرِ عَلَى يَدَيْهِ وَوَالَاهُ، قَالُوا: إنَّ آخِرَ   [منحة الخالق] قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَالْوِلَايَةُ لِلْأُمِّ) قَالَ الرَّمْلِيُّ لَمْ يَذْكُرْ أُمَّ الْأُمِّ وَفِي الْجَوْهَرَةِ وَأُولَاهُمْ الْأُمُّ ثُمَّ الْجَدَّةُ ثُمَّ الْأُخْتُ لِأَبٍ وَأُمٍّ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَ وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِابْنِ الْمَلَكِ وَالْأُمُّ وَأَقَارِبُهَا كَالْجَدَّةِ وَالْخَالِ وَالْخَالَةِ وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ الْمُصَنِّفِ اهـ. أَقُولُ: لَا يَظْهَرُ مِنْ عِبَارَةِ الْمَجْمَعِ مَرْتَبَةُ الْجَدَّةِ فِي أَنَّهَا مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْأُخْتِ كَمَا هُوَ صَرِيحُ عِبَارَةِ الْجَوْهَرَةِ، وَقَدْ أُغْفِلَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ الْمُعْتَبَرَةِ ذِكْرُ الْجَدَّةِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِذِكْرِهَا وَبِتَقْدِيمِهَا عَلَى الْأُخْتِ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ عَنْهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي رِسَالَةٍ لَهُ خَاصَّةٍ وَقَالَ: وَلَمْ يُقَيِّدْ الْجَدَّةَ بِكَوْنِهَا لِأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ غَيْرَ أَنَّ السِّيَاقَ يَقْتَضِي أَنَّهَا الْجَدَّةُ لِأُمٍّ وَعَلَى ذَلِكَ لَا يُعْلَمُ حُكْمُ الْجَدَّةِ لِأَبٍ هَلْ تُقَدَّمُ عَلَى الْجَدَّةِ لِأُمٍّ أَوْ تَتَأَخَّرُ عَنْهَا أَوْ تُزَاحِمُهَا فِي وِلَايَةِ التَّزْوِيجِ ثُمَّ نَقَلَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ مَا يَأْتِي عَنْ الْقُنْيَةِ مِنْ أَنَّ أُمَّ الْأَبِ أَوْلَى مِنْ الْأُمِّ وَقَالَ: فَعَلَى هَذَا تَكُونُ أُمُّ الْأَبِ مُتَقَدِّمَةً عَلَى أُمِّ الْأُمِّ لِتَقَدُّمِهَا عَلَى الْأُمِّ لَكِنَّ الْمُتُونَ تَقْتَضِي خِلَافَ مَا فِي الْقُنْيَةِ فَفِي الْكَنْزِ جَعَلَ الْأُمَّ تَلِي الْعَصَبَةَ فَيُقَدَّمُ مَا فِي الْمُتُونِ، وَقَدْ يُقَالُ حَيْثُ ذَكَرَ فِي الْقُنْيَةِ تَقَدُّمَ أُمِّ الْأَبِ عَلَى الْأُمِّ عَارَضَهُ الْكَنْزُ كَانَتْ أُمُّ الْأَبِ تَلِي الْأُمَّ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ لَكِنْ يُعَارِضُهُ سِيَاقُ الشَّيْخِ قَاسِمٍ الَّذِي يَقْتَضِي أَنَّ الْجَدَّةَ هِيَ الَّتِي لِأُمٍّ فَتَلِي الْأُمَّ، وَقَدْ يُقَالُ إنَّ الْجَدَّةَ الَّتِي لِأُمٍّ وَالْجَدَّةَ الَّتِي لِأَبٍ رُتْبَتُهُمَا وَاحِدَةٌ فَتَثْبُتُ وِلَايَةُ التَّزْوِيجِ لَهُمَا فِي رُتْبَةٍ وَاحِدَةٍ لِعَدَمِ الْمُرَجِّحِ مِنْ أَقْرَبِيَّةٍ وَاحِدَةٍ، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ قَرَابَةَ الْأَبِ لَهَا حُكْمُ الْعَصَبَةِ فَتُقَدَّمُ أُمُّ الْأَبِ عَلَى أُمِّ الْأُمِّ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ. قُلْتُ: وَهَذَا الَّذِي جَزَمَ بِهِ الرَّمْلِيُّ كَمَا سَيَأْتِي. (قَوْلُهُ ثُمَّ بِنْتُ بِنْتِ الْبِنْتِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ ثُمَّ أُمُّ الْأَبِ ثُمَّ أُمُّ الْأُمِّ ثُمَّ الْجَدُّ الْفَاسِدُ وَعَلَيْك أَنْ تَتَأَمَّلَ فِي هَذَا وَفِيمَا يَأْتِي. (قَوْلُهُ وَفِي الْقُنْيَةِ أُمُّ الْأَبِ أَوْلَى إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَالَ فِي النَّهْرِ هَذَا التَّرْتِيبُ يَعْنِي تَرْتِيبَ الْكَنْزِ هُوَ الْمُفْتَى بِهِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَحَكَى عَنْ خُوَاهَرْ زَادَهْ وَعُمَرَ النَّسَفِيِّ تَقْدِيمَ الْأُخْتِ عَلَى الْأُمِّ؛ لِأَنَّهَا مِنْ قَوْمِ الْأَبِ أَقُولُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُخْرَجَ مَا فِي الْقُنْيَةِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ اهـ. فَقَدْ عَلِمْت بِهِ ضَعْفَ مَا فِي الْقُنْيَةِ؛ لِأَنَّهُ مُقَابِلٌ لِمَا عَلَيْهِ الْفَتْوَى وَقَيَّدَ فِيهَا بِالْأُمِّ؛ لِأَنَّ الْجَدَّةَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 133 الْأَوْلِيَاءِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْقَاضِي؛ لِأَنَّ هَذَا الْعَقْدَ يُفِيدُ الْخِلَافَةَ فِي الْإِرْثِ فَيُفِيدُ فِي الْإِنْكَاحِ كَالْعَصَبَاتِ، وَأَطْلَقَ فِي الْحَاكِمِ فَشَمِلَ الْإِمَامَ وَالْقَاضِيَ لَكِنْ قَالُوا: إنَّ الْقَاضِيَ إنَّمَا يَمْلِكُ ذَلِكَ إذَا كَانَ ذَلِكَ فِي عَهْدِهِ وَمَنْشُورِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِي عَهْدِهِ لَمْ يَكُنْ وَلِيًّا كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَغَيْرِهَا وَفِي الْمُجْتَبَى مَا يُفِيدُ أَنَّ لِنَائِبِ الْقَاضِي وِلَايَةَ التَّزْوِيجِ حَيْثُ كَانَ الْقَاضِي كَتَبَ لَهُ فِي مَنْشُورِهِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَالَ: ثُمَّ السُّلْطَانُ ثُمَّ الْقَاضِي وَنُوَّابُهُ إذَا اشْتَرَطَ فِي عَهْدِهِ تَزْوِيجَ الصِّغَارِ وَالصَّغَائِرِ وَإِلَّا فَلَا اهـ. بِنَاءً عَلَى أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ إنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ الْقَاضِي دُونَ نُوَّابِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ شَرْطًا فِيهِمَا فَإِذَا كَتَبَ فِي مَنْشُورِ قَاضِي الْقُضَاةِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي عَهْدِ نَائِبِهِ مِنْهُ مَلَكَهُ النَّائِبُ وَإِلَّا فَلَا، وَلَمْ أَرَ فِيهِ مَنْقُولًا صَرِيحًا وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ فَإِنْ زَوَّجَهَا الْقَاضِي وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ السُّلْطَانُ ثُمَّ أَذِنَ لَهُ بِذَلِكَ فَأَجَازَ الْقَاضِي ذَلِكَ جَازَ اسْتِحْسَانًا وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَلَوْ زَوَّجَ الْقَاضِي الصَّغِيرَةَ مِنْ ابْنِهِ كَانَ بَاطِلًا، وَكَذَا إذَا بَاعَ مَالَ الْيَتِيمِ مِنْ نَفْسِهِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ حَكَمٌ وَحُكْمُهُ لِنَفْسِهِ لَا يَجُوزُ وَلَوْ اشْتَرَطَ مِنْ وَصِيِّ الْيَتِيمِ يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ الْقَاضِي أَقَامَهُ وَصِيًّا؛ لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْ الْمَيِّتِ لَا عَنْ الْقَاضِي اهـ. وَعَلَّلَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهُ كَالْوَكِيلِ لَا يَجُوزُ عَقْدُهُ لِابْنِهِ قَالَ وَالْإِلْحَاقُ بِالْوَكِيلِ يَكْفِي لِلْحُكْمِ مُسْتَغْنٍ عَنْ جَعْلِ فِعْلِهِ حُكْمًا مَعَ انْتِفَاءِ شَرْطِهِ. اهـ. وَفِي الْفَوَائِدِ النَّاجِيَّةِ مَعْزِيًّا إلَى فَتَاوَى سَمَرْقَنْدَ سُئِلَ الْقَاضِي بَدِيعُ الدِّينِ عَنْ صَغِيرَةٍ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا وَلَا وَلِيَّ لَهَا وَلَا قَاضِيَ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ قَالَ: يَتَوَقَّفُ وَيَنْفُذُ بِإِجَازَتِهَا بَعْدَ بُلُوغِهَا اهـ. مَعَ أَنَّهُمْ قَالُوا كُلُّ عَقْدٍ لَا مُجِيزَ لَهُ حَالَ صُدُورِهِ فَهُوَ بَاطِلٌ لَا يَتَوَقَّفُ وَلَعَلَّ التَّوَقُّفَ فِيهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ مُجِيزَهُ السُّلْطَانُ كَمَا لَا يَخْفَى وَفِي النَّوَازِلِ وَالذَّخِيرَةِ امْرَأَةٌ جَاءَتْ إلَى قَاضٍ   [منحة الخالق] لِأَبٍ أَوْلَى مِنْ الْجَدَّةِ لِأُمٍّ قَوْلًا وَاحِدًا فَتَحْصُلُ بَعْدَ الْأُمِّ أُمُّ الْأَبِ ثُمَّ أُمُّ الْأُمِّ ثُمَّ الْجَدُّ الْفَاسِدُ تَأَمَّلْ اهـ. كَلَامُ الرَّمْلِيِّ. (قَوْلُهُ وَفِي الْمُجْتَبَى مَا يُفِيدُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ إنَّ مَا فِي الْمُجْتَبَى لَا يُفِيدُ عَدَمَ اشْتِرَاطِ تَفْوِيضِ الْأَصِيلِ لِلنَّائِبِ كَمَا تَوَهَّمَهُ فِي الْبَحْرِ. اهـ. قَالَ الرَّمْلِيُّ، أَقُولُ: كَيْفَ لَا يُفِيدُ مَعَ إطْلَاقِهِ فِي نُوَّابِهِ، وَالْمُطْلَقُ يَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ لَمَّا فَوَّضَ لَهُمْ مَا لَهُ وِلَايَتُهُ الَّتِي مِنْ جُمْلَتِهَا تَزْوِيجُ الصِّغَارِ وَالصَّغَائِرِ صَارَ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ مَا فَوَّضَ إلَيْهِمْ، وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّهُمْ نُوَّابُ السُّلْطَانِ حَيْثُ أَذِنَ لَهُ بِالِاسْتِنَابَةِ عَنْهُ فِيمَا فَوَّضَهُ إلَيْهِ، وَقَدْ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ: وَلَا وِلَايَةَ لِلْقَاضِي إلَّا إذَا كَانَ وَلِيًّا قَرِيبًا اهـ. وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ فِي عَهْدِهِ وَمَنْشُورِهِ، وَأَقُولُ: حَيْثُ قُلْنَا بِأَنَّهُ وَلِيٌّ لِوُجُودِ ذَلِكَ يَدْخُلُ فِي الْمُجِيزِ الَّذِي يَتَوَقَّفُ نِكَاحُ الْفُضُولِيِّ عَلَى إجَازَتِهِ حَيْثُ لَا وَلِيَّ غَيْرُهُ وَهِيَ وَاقِعَةُ الْفَتْوَى تَأَمَّلْ اهـ. قُلْتُ: وَقَدْ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ الطَّرَسُوسِيُّ فِي أَنْفَعْ الْوَسَائِلِ حَيْثُ قَالَ: الظَّاهِرُ أَنَّ النَّائِبَ الَّذِي لَمْ يَنُصَّ لَهُ الْقَاضِي عَلَى تَزْوِيجِ الصِّغَارِ لَا يَمْلِكُهُ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ فَوَّضَ إلَيْهِ الْحُكْمَ بَيْنَ النَّاسِ فَهَذَا مَخْصُوصٌ بِالْمُرَافَعَاتِ وَإِنْ قَالَ اسْتَنَبْتُك فِي الْحُكْمِ فَكَذَلِكَ لَا يَتَعَدَّى إلَى التَّزْوِيجِ أَمَّا لَوْ قَالَ لَهُ اسْتَنَبْتُك فِي جَمِيعِ مَا فَوَّضَ إلَيَّ السُّلْطَانُ فَيَمْلِكُ؛ لِأَنَّهُ اسْتَنَابَهُ فِي التَّزْوِيجِ أَيْضًا حَيْثُ عَمَّمَ لَهُ الْوِلَايَةَ، ثُمَّ قَالَ الطَّرَسُوسِيُّ وَهَلْ يُقَالُ إنَّهُ إذَا مَلَكَ التَّزْوِيجَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ هَلْ لَهُ أَنْ يَأْذَنَ لِأَحَدٍ فِي التَّزْوِيجِ أَمْ لَا؟ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ فِي الْمَعْنَى مِنْ السُّلْطَانِ وَهُوَ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي ذَلِكَ فَلَمْ يَمْلِكْهُ فَبَقِيَ كَأَحَدِ الْعَقَّادِ الْمَأْذُونِ لَهُمْ مِنْ الْحَاكِمِ الْأَصْلُ؛ لِأَنَّهُ اسْتَفَادَ التَّزْوِيجَ مِنْ جِهَةِ الْقَاضِي لَا مِنْ السُّلْطَانِ وَلِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ عَنْ الْقَاضِي وَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُوَكِّلَ إلَّا بِإِذْنٍ وَهَلْ يَكُونُ تَزْوِيجُهُ هَذَا بِمَنْزِلَةِ تَزْوِيجِهِ إذَا كَانَتْ الْوِلَايَةُ لَهُ وَيَكُونُ حَكَمًا أَمْ لَا، وَكَذَا هَلْ يَمْلِكُ ذَلِكَ لِابْنِهِ وَلِمَنْ لَا يَجُوزُ قَضَاؤُهُ لَهُ أَمْ لَا؟ الظَّاهِرُ: أَنَّهُ لَا يَكُونُ حَكَمًا وَيَمْلِكُ مُبَاشَرَتَهُ لِابْنِهِ وَنَحْوِهِ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَمْنَعَ وَيُسَاوِيَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْأَوَّلِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْقَاضِيَ وَلِيٌّ أَبْعَدُ فَإِذَا أَذِنَ لَهُ الْأَقْرَبُ بَاشَرَ أَهْلِيَّتَهُ وَبِوِلَايَتِهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ النَّاسِ إذَا بَاشَرَ بِوَكَالَةٍ مِنْ الْوَلِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ أَصْلًا فَهُوَ وَكِيلٌ مَحْضٌ اهـ. مُلَخَّصًا. (قَوْلُهُ وَعَلَّلَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَقُولُ: الْإِلْحَاقُ بِالْوَكِيلِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَ أَوْ بَاعَ مِنْ ابْنِهِ أَكْثَرَ مِنْ الْقِيمَةِ وَمِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ جَازَ إذْ لَا خِلَافَ فِي جَوَازِ بَيْعِ الْوَكِيلِ مِمَّنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ بِذَلِكَ وَتَعْلِيلُهُمْ بِأَنَّ فِعْلَهُ حُكْمٌ يَقْتَضِي الْمَنْعَ مُطْلَقًا وَهُوَ الظَّاهِرُ وَأَيْضًا الْوَكِيلُ يَلْحَقُهُ الْعُهْدَةُ وَالْقَاضِي لَا عُهْدَةَ عَلَيْهِ، وَقَدْ نَصَّ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ أَنَّ الْوَرَثَةَ لَوْ طَلَبُوا الْقِسْمَةَ وَفِيهِمْ غَائِبٌ أَوْ صَغِيرٌ قَالَ الْإِمَامُ لَا أَقْسِمُ بَيْنَهُمْ وَلَا أَقْضِي عَلَى الْوَارِثِ وَالصَّغِيرِ؛ لِأَنَّ قِسْمَةَ الْقَاضِي قَضَاءٌ مِنْهُ وَحَيْثُ عَلَى ذَلِكَ نَصَّ الْإِمَامُ لَمْ يَبْقَ لِلْبَحْثِ فِيهِ مَجَالٌ. فَإِنْ قُلْتُ: فَمَاذَا تَفْعَلُ فِيمَا اتَّفَقَتْ كَلِمَتُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّ شَرْطَ نَفَاذِ الْقَضَاءِ فِي الْمُجْتَهَدَاتِ أَنْ يَصِيرَ الْحُكْمُ حَادِثَةً تَجْرِي فِيهِ خُصُومَةٌ صَحِيحَةٌ عِنْدَ الْقَاضِي مِنْ خَصْمٍ عَلَى خَصْمٍ، قُلْتُ: الظَّاهِرُ إنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْحُكْمِ الْقَوْلِيِّ أَمَّا الْفِعْلِيُّ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ ذَلِكَ تَوْفِيقًا بَيْنَ كَلَامِهِمْ. (قَوْلُهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّ مُجِيزَهُ السُّلْطَانُ) أَيْ أَوْ الْقَاضِي الْمَشْرُوطُ لَهُ تَزْوِيجُ الصِّغَارِ وَالصَّغَائِرِ؛ لِأَنَّهُ نَائِبُهُ قَالَ الرَّمْلِيُّ وَفِيهِ إنْ فَرَضَ الْمَسْأَلَةَ حَيْثُ لَا قَاضِيَ، تَأَمَّلْ: قُلْتُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ بِأَنْ لَا يَكُونَ ذَلِكَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَيَرِدُ عَلَيْهِ مَا إذَا تَزَوَّجَ صَغِيرَةً لَا وَلِيَّ لَهَا فَمُقْتَضَاهُ التَّوَقُّفُ؛ لِأَنَّ لَهُ مُجِيزًا وَهُوَ السُّلْطَانُ ثُمَّ رَأَيْت مَنْقُولًا عَنْ الْغَايَةِ عِنْدَ قَوْلِ الْهِدَايَةِ كُلُّ عَقْدٍ صَدَرَ عَنْ الْفُضُولِيِّ وَلَهُ مُجِيزٌ انْعَقَدَ مَوْقُوفًا، إنَّمَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ وَلَهُ مُجِيزٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ كَمَا إذَا زَوَّجَ الْفُضُولِيَّ يَتِيمَةً الجزء: 3 ¦ الصفحة: 134 فَقَالَتْ لَهُ: أُرِيدُ أَنْ أَتَزَوَّجَ وَلَا وَلِيَّ لِي فَلِلْقَاضِي أَنْ يَأْذَنَ لَهَا فِي النِّكَاحِ كَمَا لَوْ عَلِمَ أَنَّ لَهَا وَلِيًّا، وَمَا نُقِلَ فِيهِ مِنْ إقَامَتِهَا الْبَيِّنَةَ خِلَافُ الْمَشْهُورِ وَمَا نُقِلَ مِنْ قَوْلِ إسْمَاعِيلَ بْنِ حَمَّادِ بْنِ أَبِي حَنِيفَةَ يَقُولُ لَهَا الْقَاضِي إنْ لَمْ تَكُونِي قُرَشِيَّةً وَلَا عَرَبِيَّةً وَلَا ذَاتَ بَعْلٍ وَلَا مُعْتَدَّةً فَقَدْ أَذِنْتُ لَك فَالظَّاهِرُ أَنَّ الشَّرْطَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ مَحْمُولَانِ عَلَى رِوَايَةِ عَدَمِ الْجَوَازِ مِنْ غَيْرِ الْكُفْءِ وَأَمَّا الشَّرْطُ الثَّالِثُ فَمَعْلُومُ الِاشْتِرَاطِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الشَّرْطَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ كَذِبِهَا بِأَنْ كَانَ لَهَا وَلِيٌّ، أَمَّا إنْ كَانَتْ صَادِقَةً فِي عَدَمِ الْوَلِيِّ فَلَيْسَا بِشَرْطَيْنِ عَلَى جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ وَصِيَّ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ قَرِيبًا وَلَا حَاكِمًا فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ التَّزْوِيجِ سَوَاءٌ كَانَ أَوْصَى إلَيْهِ الْأَبُ فِي ذَلِكَ أَوْ لَمْ يُوصِ، وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إنْ أَوْصَى إلَيْهِ الْأَبُ جَازَ لَهُ، كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ مَا فِي التَّبْيِينِ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يُفَوِّضَ إلَيْهِ الْمُوصِي ذَلِكَ، رِوَايَةُ هِشَامٍ وَهِيَ ضَعِيفَةٌ وَاسْتَثْنَى فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مَا إذَا كَانَ الْمُوصِي عَيَّنَ رَجُلًا فِي حَيَاتِهِ لِلتَّزْوِيجِ فَيُزَوِّجُهَا الْوَصِيُّ كَمَا لَوْ وَكَّلَ فِي حَيَاتِهِ بِتَزْوِيجِهَا اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ زَوَّجَهَا مِنْ الْمُعَيَّنِ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي فَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَصِيٍّ، وَإِنَّمَا هُوَ وَكِيلٌ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ مَوْتِهِ فَقَدْ بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ بِمَوْتِهِ وَانْقَطَعَتْ وِلَايَتُهُ فَانْتَقَلَتْ الْوِلَايَةُ لِلْحَاكِمِ عِنْدَ عَدَمِ قَرِيبٍ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَمَنْ يَعُولُ صَغِيرًا أَوْ صَغِيرَةً لَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَهُمَا. (قَوْلُهُ وَلِلْأَبْعَدِ التَّزْوِيجُ بِغَيْبَةِ الْأَقْرَبِ مَسَافَةَ الْقَصْرِ) أَيْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا؛ لِأَنَّ هَذِهِ وِلَايَةٌ نَظَرِيَّةٌ وَلَيْسَ مِنْ النَّظَرِ التَّفْوِيضُ إلَى مَنْ لَا يُنْتَفَعُ بِرَأْيِهِ فَفَوَّضْنَاهُ إلَى الْأَبْعَدِ وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْحَاكِمِ كَمَا إذَا مَاتَ الْأَقْرَبُ، وَاخْتُلِفَ فِي حَدِّ الْغَيْبَةِ فَذَهَبَ أَكْثَرُ الْمُتَأَخِّرِينَ إلَى أَنَّهَا مُقَدَّرَةٌ بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِأَقْصَاهَا غَايَةٌ فَاعْتُبِرَ بِأَدْنَى مُدَّةِ السَّفَرِ، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَاخْتَارَ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ أَنَّهَا مُقَدَّرَةٌ بِفَوْتِ الْكُفْءِ الْخَاطِبِ بِاسْتِطْلَاعِ رَأْيِهِ وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْفَضْلِ وَفِي الْهِدَايَةِ، وَهَذَا أَقْرَبُ إلَى الْفِقْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا نَظَرَ فِي إبْقَاءِ وِلَايَتِهِ حِينَئِذٍ وَفِي الْمُجْتَبَى وَالْمَبْسُوطِ وَالذَّخِيرَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَبِهِ كَانَ يُفْتِي الشَّيْخُ الْإِمَامَ الْأُسْتَاذُ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ أَكْثَرِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَأَكْثَرِ الْمَشَايِخِ اهـ. وَهُنَا أَقْوَالٌ أُخَرُ لَكِنَّهَا ضَعِيفَةٌ وَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّصْحِيحَ قَدْ اخْتَلَفَ وَالْأَحْسَنُ الْإِفْتَاءُ بِمَا عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ وَعَلَيْهِ فَرَّعَ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُخْتَفِيًا بِالْمَدِينَةِ بِحَيْثُ لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ تَكُونُ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً، وَهَذَا أَحْسَنُ؛ لِأَنَّهُ النَّظَرُ وَيَتَفَرَّعُ عَلَى مَا فِي الْمُخْتَصَرِ أَنَّهُ لَا يُزَوَّجُ الْأَبْعَدُ إذَا كَانَ الْأَقْرَبُ بِالْمَدِينَةِ مُخْتَفِيًا وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِعَدَمِ ذِكْرِ سَلْبِ وِلَايَةِ الْأَقْرَبِ إلَى أَنَّهَا بَاقِيَةٌ مَعَ الْغَيْبَةِ حَتَّى لَوْ زَوَّجَهَا الْأَقْرَبُ حَيْثُ هُوَ، اخْتَلَفُوا فِيهِ، وَالظَّاهِرُ هُوَ الْجَوَازُ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ وَلَوْ زُوِّجَا مَعًا أَوْ لَا يُدْرَى السَّابِقُ مِنْ   [منحة الخالق] لَا يَتَوَقَّفُ الْعَقْدُ لَا يُقَالُ السُّلْطَانُ أَوْ الْقَاضِي مُجِيزٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَوَقَّفَ؛ لِأَنَّا نَقُولُ يُمْكِنُ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ فِي مَوْضِعٍ لَا قَاضِيَ فِيهِ كَدَارِ الْحَرْبِ مَثَلًا اهـ. تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الشَّرْطَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ هَذَا مِمَّا لَا حَاجَةَ إلَيْهِ إذْ الْحَمْلُ لَا يَتَأَتَّى وُجُودُهُ إلَّا عَلَى فَرْضِ كَذِبِهَا؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ مَعَ وُجُودِ الْوَلِيِّ لَا مَعَ عَدَمِهِ كَمَا مَرَّ، وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ. (قَوْلُهُ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ زَوَّجَهَا إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَأَقُولُ: فِي الذَّخِيرَةِ لَا وِلَايَةَ لَهُ فِي إنْكَاحِ الصَّغِيرَةِ سَوَاءٌ أَوْصَى إلَيْهِ الْأَبُ بِالنِّكَاحِ أَوْ لَمْ يُوصِ إلَّا إذَا كَانَ الْوَصِيُّ وَلِيًّا وَحِينَئِذٍ يَمْلِكُ الْإِنْكَاحَ بِحُكْمِ الْوِلَايَةِ اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ رَوَى هِشَامٌ فِي نَوَادِرِهِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ لِلْوَصِيِّ وِلَايَةَ التَّزْوِيجِ وَلَا يُشْتَرَطُ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنْ يُوصِيَ إلَيْهِ بِذَلِكَ فَمَا فِي الْفَتْحِ مِنْ أَنَّ الْوَصِيَّ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ وَإِنْ أَوْصَى إلَيْهِ بِهِ مُوَافِقٌ لِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَقَوْلُهُ: إلَّا إذَا كَانَ عَيَّنَ الْمُوصِي رَجُلًا مُوَافِقٌ لِإِطْلَاقِ رِوَايَةِ هِشَامٍ فَإِنَّهُ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ إذَا كَانَ يَمْلِكُ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ الْمُوصِي أَحَدًا فَفِيمَا إذَا عَيَّنَ ذَلِكَ أَوْلَى فَمَا فِي الْفَتْحِ مُلَفَّقٌ مِنْ الْقَوْلَيْنِ وَمَا فِي الذَّخِيرَةِ هُوَ الْمَذْهَبُ. (قَوْلُهُ وَالْأَحْسَنُ الْإِفْتَاءُ بِمَا عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ) أَيْ مِنْ تَقْدِيرِ الْغَيْبَةِ بِمُدَّةٍ يَفُوتُ فِيهَا الْكُفْءُ الْخَاطِبُ، وَقَالَ فِي الْفَتْحِ إنَّهُ الْأَشْبَهُ بِالْفِقْهِ اهـ. وَتَقَدَّمَ تَرْجِيحُهُ عَنْ الْهِدَايَةِ وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الْمُنْتَقَى وَالِاخْتِيَارِ وَالنُّقَايَةِ قُلْتُ: وَهَلْ الْمُرَادُ بِالْخَاطِبِ مَخْصُوصٌ وَهُوَ الْخَاطِبُ بِالْفِعْلِ أَوْ جِنْسُ الْخَاطِبِ؟ وَالْمُتَبَادِرُ الْأَوَّلُ حَتَّى لَوْ كَانَ الْخَاطِبُ بِالشَّامِ وَالْوَلِيُّ بِمِصْرَ فَإِنْ رَضِيَ الْخَاطِبُ أَنْ يَنْتَظِرَ إلَى اسْتِئْذَانِ الْوَلِيِّ الْأَقْرَبِ لَمْ يَصِحَّ لِلْأَبْعَدِ الْعَقْدُ وَإِلَّا فَلَا، لَكِنْ مَا فَرَّعَهُ قَاضِي خَانْ يُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ جِنْسُ الْخَاطِبِ بِنَاءً عَلَى الْعَادَةِ مِنْ عَدَمِ انْتِظَارِ الْمُخْتَفِي إذْ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ الْخَاطِبَ بِالْفِعْلِ لَكَانَ الْأَمْرُ مُتَوَقِّفًا عَلَى سُؤَالِهِ، وَأَنَّهُ هَلْ يَنْتَظِرُ أَوْ لَا؟ فَلَعَلَّهُ يَنْتَظِرُ أَيَّامًا رَجَاءَ ظُهُورِهِ فَإِطْلَاقُ الْجَوَابِ فِي عَدِّ ذَلِكَ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً يُفِيدُ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ خَاطِبًا مَخْصُوصًا إلَّا أَنْ يَكُونَ بِنَاءً عَلَى الْغَالِبِ مِنْ أَنَّهُ مَعَ الِاخْتِفَاءِ لَا يَنْتَظِرُ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِمُدَّتِهِ وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَاخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِهِ، فَقَالَ الْفَضْلِيُّ وَالسَّرَخْسِيُّ وَغَيْرُهُمَا إنَّ مُدَّتَهَا مَا لَمْ يَنْتَظِرْ الْكُفْءُ الْخَاطِبُ حُضُورَهُ أَوْ خَيَّرَهُ الْمُجَوِّزُ لِلنِّكَاحِ أَوْ غَيْرُ الْمُجَوِّزِ فَلَوْ انْتَظَرَهُ الْخَاطِبُ لَمْ يَنْكِحْ الْأَبْعَدُ إلَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 135 اللَّاحِقِ فَهُوَ بَاطِلٌ كَذَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَقَيَّدَ بِالْغَيْبَةِ؛ لِأَنَّ الْأَقْرَبَ إذَا عَضَلَهَا يَثْبُتُ لِلْأَبْعَدِ وِلَايَةُ التَّزْوِيجِ بِالْإِجْمَاعِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَبِهِ انْدَفَعَ مَا ذَكَرَهُ السُّرُوجِيُّ مِنْ أَنَّهُ تَثْبُتُ لِلْقَاضِي وَقَيَّدَ بِالتَّزْوِيجِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْأَبْعَدِ التَّصَرُّفُ فِي الْمَالِ وَهُوَ لِلْأَقْرَبِ؛ لِأَنَّ رَأْيَهُ مُنْتَفَعٌ بِهِ فِي مَالِهَا بِأَنْ يُنْقَلَ إلَيْهِ لِيَتَصَرَّفَ فِي مَالِهَا كَذَا فِي الْمُحِيطِ قَالُوا إذَا خَطَبَهَا كُفْءٌ وَعَضَلهَا الْوَلِيُّ تَثْبُتُ الْوِلَايَةُ لِلْقَاضِي نِيَابَةً عَنْ الْعَاضِلِ فَلَهُ التَّزْوِيجُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي مَنْشُورِهِ. لَكِنْ مَا الْمُرَادُ بِالْعَضْلِ؟ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ تَزْوِيجِهَا مُطْلَقًا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَعَمَّ مِنْ الْأَوَّلِ وَمِنْ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ تَزْوِيجِهَا مَنْ هَذَا الْخَاطِبِ الْكُفْءِ لِيُزَوِّجَهَا مِنْ كُفْءٍ غَيْرِهِ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَلَمْ أَرَهُ صَرِيحًا (قَوْلُهُ وَلَا يَبْطُلُ بِعَوْدِهِ) أَيْ لَا يَبْطُلُ تَزْوِيجُ الْأَبْعَدِ بِعَوْدِ الْأَقْرَبِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ صَدَرَ عَنْ وِلَايَةٍ تَامَّةٍ فَالضَّمِيرُ فِي لَا يَبْطُلُ عَائِدٌ إلَى التَّزْوِيجِ وَمَا فِي التَّبْيِينِ مِنْ عَوْدِهِ إلَى وِلَايَةِ الْأَبْعَدِ فَبَعِيدٌ عَنْ النَّظْمِ وَالْمَعْنَى؛ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ تَبْطُلُ بِعَوْدِ الْأَقْرَبِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَالْأَحْسَنُ مَا قُلْنَا. (قَوْلُهُ وَوَلِيُّ الْمَجْنُونَةِ الِابْنُ لَا الْأَبُ) أَيْ فِي النِّكَاحِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ   [منحة الخالق] آخِرِهِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْمُرَادَ الْمُعَيَّنُ. (قَوْلُهُ وَإِذَا خَطَبَهَا كُفْءٌ وَعَضَلَهَا الْوَلِيُّ تَثْبُتُ الْوِلَايَةُ لِلْقَاضِي) قَالَ الرَّمْلِيُّ تَقَدَّمَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهَا تَنْتَقِلُ إلَى الْأَبْعَدِ فَيُحْمَلُ مَا هُنَا عَلَى مَنْ لَيْسَ لَهَا وَلِيٌّ أَبْعَدُ. اهـ. وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الْمُؤَلِّفِ وَبِهِ انْدَفَعَ مَا ذَكَرَهُ السُّرُوجِيُّ إلَخْ لَكِنْ لِلشُّرُنْبُلَالِيِّ رِسَالَةٌ سَمَّاهَا " كَشْفُ الْمُعْضَلِ فِيمَنْ عَضَلَ " حَقَّقَ فِيهَا عَكْسَ مَا فَهِمَهُ الْمُؤَلِّفُ وَالرَّمْلِيُّ وَأَيَّدَهُ بِالنُّقُولِ فَلَا بَأْسَ بِإِيرَادِ حَاصِلِهَا هُنَا فَنَقُولُ: قَالَ ابْنُ الشِّحْنَةِ عَنْ الْغَايَةِ عَنْ رَوْضَةِ النَّاطِفِيِّ إنْ كَانَ لِلصَّغِيرَةِ أَبٌ امْتَنَعَ عَنْ تَزْوِيجِهَا لَا تَنْتَقِلُ الْوِلَايَةُ إلَى الْجَدِّ اهـ. وَنَقَلَهُ أَيْضًا عَنْ أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ عَنْ الْمُنْتَقَى وَنَصُّهُ: إذَا كَانَ لِلصَّغِيرَةِ أَبٌ امْتَنَعَ عَنْ تَزْوِيجِهَا لَا تَنْتَقِلُ الْوِلَايَةُ إلَى الْجَدِّ بَلْ يُزَوِّجُهَا الْقَاضِي اهـ. وَكَذَا نَقَلَ الْمَقْدِسِيَّ عَنْ الْغَايَةِ أَنَّهُ ثَبَتَ لِلْقَاضِي نِيَابَةً عَنْ الْعَاضِلِ فَلَهُ التَّزَوُّجُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي مَنْشُورِهِ، وَكَذَا نَقَلَ فِي النَّهْرِ عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّهُ تَنْتَقِلُ إلَى الْحَاكِمِ وَنَصَّ فِي الْفَيْضِ بِمَا مَرَّ عَنْ الْمُنْتَقَى وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلِلْأَبْعَدِ التَّزْوِيجُ بِغَيْبَةِ الْأَقْرَبِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ بَلْ يُزَوِّجُهَا الْحَاكِمُ اعْتِبَارًا بِعَضْلِهِ وَقَالَ فِي الْبَدَائِعِ. وَالشَّافِعِيُّ يَقُولُ إنَّ وِلَايَةَ الْأَقْرَبِ بَاقِيَةٌ كَمَا قَالَ زُفَرُ إلَّا أَنَّهُ امْتَنَعَ دَفْعُ حَاجَتِهَا مِنْ قِبَلِ الْأَقْرَبِ مَعَ قِيَامِ وِلَايَتِهِ عَلَيْهَا بِسَبَبِ الْغَيْبَةِ فَتَثْبُتُ الْوِلَايَةُ لِلسُّلْطَانِ كَمَا إذَا خَطَبَهَا كُفْءٌ وَامْتَنَعَ الْوَلِيُّ مِنْ تَزْوِيجِهَا مِنْهُ لِلْقَاضِي أَنْ يُزَوِّجَهَا، وَالْجَامِعُ دَفْعُ الضَّرَرِ عَنْهَا، ثُمَّ قَالَ فِي تَقْرِيرِ دَلِيلِنَا وَبِهِ تَبَيَّنَ أَنَّ نَقْلَ الْوِلَايَةِ إلَى السُّلْطَانِ أَيْ حَالَ غَيْبَةِ الْأَقْرَبِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ السُّلْطَانَ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ وَهَاهُنَا لَهَا وَلِيٌّ أَوْ وَلِيَّانِ فَلَا تَثْبُتُ الْوِلَايَةُ لِلسُّلْطَانِ إلَّا عِنْدَ الْعَضْلِ مِنْ الْوَلِيِّ وَلَمْ يُوجَدْ اهـ. وَقَالَ فِي التَّسْهِيلِ وَلَيْسَ هَذَا كَالْعَضْلِ فَإِنَّهُ ثَمَّةَ صَارَ ظَالِمًا بِالِامْتِنَاعِ فَقَامَ السُّلْطَانُ مَقَامَهُ فِي دَفْعِ الظُّلْمِ وَالْأَقْرَبُ غَيْرُ ظَالِمٍ فِي سَفَرِهِ خُصُوصًا الْحَجَّ اهـ. وَنَحْوُهُ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ الْمَلَكِيِّ فَهَذِهِ النُّقُولُ تُفِيدُ الِاتِّفَاقَ عِنْدَنَا عَلَى ثُبُوتِهَا بِعَضْلِ الْأَقْرَبِ لِلْقَاضِي فَقَطْ، وَأَمَّا مَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ مِنْ أَنَّهَا تَنْتَقِلُ إلَى الْأَبْعَدِ بِعَضْلِ الْأَقْرَبِ إجْمَاعًا فَالْمُرَادُ بِالْأَبْعَدِ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ آخِرُ الْأَوْلِيَاءِ فَالتَّفْضِيلُ عَلَى بَابِهِ وَإِلَّا نَاقَضَهُ مَا مَرَّ الْمُفِيدُ وِلَايَةَ الْقَاضِي إجْمَاعًا وَيَدُلُّ عَلَيْهِ ذِكْرُ صَاحِبِ الْفَيْضِ كَلَامَ الْخُلَاصَةِ بَعْدَ قَوْلِهِ إنَّ تَزْوِيجَهُ هُنَا نِيَابَةٌ عَنْ الْعَاضِلِ بِإِذْنِ الشَّرْعِ لَا بِغَيْرِهِ فَهُوَ نَصٌّ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَبْعَدِ الْقَاضِي وَمَا ذَكَرَ فِي الْبَحْرِ وَرَدَّ بِهِ عَلَى السُّرُوجِيِّ لَوْ نَظَرَ إلَى مَا مَرَّ مَا وَسِعَهُ أَنْ يَقُولَهُ بَلْ صَارَ كَالْمُتَنَاقِضِ حَيْثُ ذَكَرَ بَعْدَهُ بِنَحْوِ سَطْرٍ مَا يُخَالِفُهُ اهـ. مُلَخَّصًا. وَمَنْ رَامَ الزِّيَادَةَ فَلْيَرْجِعْ إلَى تِلْكَ الرِّسَالَةِ فَإِنَّ فِيهَا زِيَادَةَ تَحْقِيقٍ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِحَمْلِ مَا فِي الْخُلَاصَةِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ قَاضٍ، هَذَا وَمَا فِي الْمِنَحِ مِنْ قَاضِي خَانْ أَنَّهُ مَا دَامَ لِلصَّغِيرِ قَرِيبٌ فَالْقَاضِي لَيْسَ بِوَلِيٍّ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ صَاحِبَيْهِ مَا دَامَ عَصَبَةً اهـ. قَالَ الْمَرْحُومُ حَامِدٌ أَفَنْدِي الْعِمَادِيُّ فِي فَتَاوِيهِ إنَّ قَاضِي خَانْ ذَكَرَ هَذِهِ الْعِبَارَةَ فِي تَعْدَادِ الْأَوْلِيَاءِ فِي مَسْأَلَةِ الْعَضْلِ فَفِي نَقْلِ الْمِنَحِ لَهَا فِي هَذَا الْمَحَلِّ تَسَامُحٌ اهـ. أَيْ: أَنَّ مَا فِي الْخَانِيَّةِ بَيَانٌ لِرُتْبَةِ وِلَايَةِ الْقَاضِي وَأَنَّهَا مُؤَخَّرَةٌ عَنْ الْعَصَبَاتِ وَذَوِي الْأَرْحَامِ وَعِنْدَهُمَا عَنْ الْعَصَبَاتِ فَقَطْ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ تَزْوِيجَ الْقَاضِي عِنْدَ عَضْلِ الْأَقْرَبِ لَيْسَ بِطَرِيقِ الْوِلَايَةِ بَلْ بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ وَلِذَا يَثْبُتُ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي مَنْشُورِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَلَمْ أَرَهُ صَرِيحًا) قَالَ الرَّمْلِيُّ هَذَا الظَّاهِرُ غَيْرُ ظَاهِرٍ إذْ الْوِلَايَةُ بِالْعَضْلِ نِيَابَةً إنَّمَا انْتَقَلَتْ لِلْقَاضِي لِدَفْعِ الْأَضْرَارِ بِهَا وَلَا يُوجَدُ مَعَ إرَادَةِ التَّزْوِيجِ بِكُفْءٍ غَيْرِهِ تَأَمَّلْ. اهـ. قُلْتُ: فِيهِ أَنَّهُ قَدْ يُرِيدُ أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ كُفْءٍ آخَرَ لَا تُحِبُّهُ وَلَا تَرْضَى بِهِ فَإِذَا امْتَنَعَ مِنْ تَزْوِيجِهَا مِمَّنْ تَرْضَى بِهِ يَلْزَمُ مَنْعُهَا عَنْ التَّزَوُّجِ أَصْلًا وَقَدْ يُقَالُ إنَّ الْكَلَامَ فِي الصَّغِيرَةِ وَلَا عِبْرَةَ بِرِضَاهَا وَعَدَمِهِ بَلْ يَنْبَغِي التَّفْصِيلُ بِأَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ الْكُفْءُ الْآخَرُ حَاضِرًا وَامْتَنَعَ الْأَبُ مِنْ تَزْوِيجِهَا مِنْ الْأَوَّلِ وَأَرَادَ تَزْوِيجَهَا مِنْ الثَّانِي لَا يَكُونُ عَاضِلًا؛ لِأَنَّ شَفَقَتَهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ اخْتَارَ لَهَا الْأَنْفَعَ أَمَّا لَوْ حَضَرَ كُفْءٌ وَامْتَنَعَ مِنْ تَزْوِيجِهَا لَهُ وَأَرَادَ انْتِظَارَ كُفْءٍ آخَرَ فَهُوَ عَاضِلٌ؛ لِأَنَّهُ مَتَى حَضَرَ الْكُفْءُ لَا يُنْتَظَرُ غَيْرُهُ خَوْفًا مِنْ فَوْتِهِ وَلِذَا تَنْتَقِلُ الْوِلَايَةُ إلَى الْأَبْعَدِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 136 وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ أَبُوهَا؛ لِأَنَّهُ أَوْفَرُ شَفَقَةً مِنْ الِابْنِ، وَلَهُمَا: أَنَّ الِابْنَ هُوَ الْمُقَدَّمُ فِي الْعُصُوبَةِ، وَهَذِهِ الْوِلَايَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَيْهَا وَلَا مُعْتَبَرَ بِزِيَادِ الشَّفَقَةِ كَأَبِي الْأُمِّ مَعَ بَعْضِ الْعَصَبَاتِ وَأَخَذَ الطَّحَاوِيُّ بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَالتَّقْيِيدُ بِالْمَجْنُونَةِ اتِّفَاقِيٌّ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ فِي الْمَجْنُونِ إذَا كَانَ لَهُ أَبٌ وَابْنٌ كَذَلِكَ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَأْمُرَ الِابْنُ الْأَبَ بِالنِّكَاحِ حَتَّى يَجُوزَ بِلَا خِلَافٍ ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَحُكْمُ ابْنِ الِابْنِ وَإِنْ سَفَلَ كَالِابْنِ فِي تَقْدِيمِهِ عَلَى الْأَبِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَأَطْلَقَ فِي الْمَجْنُونِ فَشَمِلَ الْأَصْلِيَّ وَالْعَارِضَ خِلَافًا لِزُفَرَ فِي الثَّانِي وَقَيَّدْنَا بِالنِّكَاحِ؛ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ فِي الْمَالِ لِلْأَبِ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا فِي تَهْذِيبِ الْقَلَانِسِيِّ، وَقَدْ قَدَّمْنَا حُكْمَ الصَّلَاةِ فِي الْجَنَائِزِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا قَرِيبًا أَنَّ الْمَجْنُونَ وَالْمَجْنُونَةَ الْبَالِغَيْنِ إذَا زَوَّجَهُمَا الِابْنُ ثُمَّ أَفَاقَا فَإِنَّهُ لَا خِيَارَ لَهُمَا؛ لِأَنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْأَبِ وَالْجَدِّ وَلَا خِيَارَ لَهُمَا فِي تَزْوِيجِهِمَا فَالِابْنُ أَوْلَى. [فَصْلٌ فِي الْأَكْفَاءِ فِي النِّكَاح] (فَصْلٌ فِي الْأَكْفَاءِ) . جَمْعُ كُفْءٍ بِمَعْنَى النَّظِيرِ لُغَةً، وَالْمُرَادُ هُنَا: الْمُمَاثَلَةُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ فِي خُصُوصِ أُمُورٍ أَوْ كَوْنُ الْمَرْأَةِ أَدْنَى وَهِيَ مُعْتَبَرَةٌ فِي النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ الْمَصَالِحَ إنَّمَا تَنْتَظِمُ بَيْنَ الْمُتَكَافِئِينَ عَادَةً؛ لِأَنَّ الشَّرِيفَةَ تَأْبَى أَنْ تَكُونَ مُسْتَفْرَشَةً لِلْخَسِيسِ بِخِلَافِ جَانِبِهَا؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ مُسْتَفْرِشٌ فَلَا يَغِيظُهُ دَنَاءَةُ الْفِرَاشِ وَمِنْ الْغَرِيبِ مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالْكَفَاءَةُ فِي النِّسَاءِ لِلرِّجَالِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا اهـ. وَذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ وَعَزَاهُ إلَى الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَكِنْ فِي الْخَبَّازِيَّةِ الصَّحِيحُ أَنَّهَا غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ مِنْ جَانِبِهَا عِنْدَ الْكُلِّ اهـ. وَهُوَ حَقُّ الْوَلِيِّ لَا حَقُّهَا فَلِذَا ذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوِيهِ امْرَأَةٌ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْ رَجُلٍ وَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّهُ حُرٌّ أَوْ عَبْدٌ فَإِذَا هُوَ عَبْدٌ مَأْذُونٌ فِي النِّكَاحِ فَلَيْسَ لَهَا الْخِيَارُ وَلِلْأَوْلِيَاءِ الْخِيَارُ وَإِنْ زَوَّجَهَا الْأَوْلِيَاءُ بِرِضَاهَا وَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ عَبْدٌ أَوْ حُرٌّ ثُمَّ عَلِمُوا لَا خِيَارَ لِأَحَدِهِمْ، هَذَا إذَا لَمْ يُخْبِرْ الزَّوْجُ أَنَّهُ حُرٌّ وَقْتَ الْعَقْدِ، أَمَّا إذَا أَخْبَرَ الزَّوْجُ أَنَّهُ حُرٌّ وَبَاقِي الْمَسْأَلَةِ عَلَى حَالِهَا كَانَ لَهُمْ الْخِيَارُ وَدَلَّتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْ رَجُلٍ وَلَمْ تَشْتَرِطْ الْكَفَاءَةَ وَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّهُ كُفْءٌ أَمْ لَا ثُمَّ عَلِمَتْ أَنَّهُ غَيْرُ كُفْءٍ لَا خِيَارَ لَهَا، وَكَذَلِكَ الْأَوْلِيَاءُ لَوْ زَوَّجُوهَا بِرِضَاهَا وَلَمْ يَعْلَمُوا بِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ ثُمَّ عَلِمُوا لَا خِيَارَ لَهُمْ، وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ عَجِيبَةٌ، أَمَّا إذَا شَرَطُوا فَأَخْبَرَهُمْ بِالْكَفَاءَةِ فَزَوَّجُوهَا عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ غَيْرُ كُفْءٍ كَانَ لَهُمْ الْخِيَارُ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ الْكَفَاءَةَ كَانَ عَدَمُ الرِّضَا بِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ مِنْ الْوَلِيِّ وَمِنْهَا ثَابِتًا مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ حَالَ الزَّوْجِ مُحْتَمَلٌ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ كُفُؤًا وَبَيْنَ أَنْ لَا يَكُونَ كُفُؤًا وَالنَّصُّ إنَّمَا أَثْبَتَ حَقَّ الْفَسْخِ بِسَبَبِ عَدَمِ الْكَفَاءَةِ حَالَ عَدَمِ الرِّضَا بِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَا يَثْبُتُ حَالَ وُجُودِ الرِّضَا بِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ مِنْ وَجْهٍ اهـ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَوْ انْتَسَبَ الزَّوْجُ لَهَا نَسَبًا غَيْرَ نَسَبِهِ فَإِنْ ظَهَرَ دُونَهُ وَهُوَ لَيْسَ بِكُفْءٍ فَحَقُّ الْفَسْخِ ثَابِتٌ لِلْكُلِّ وَإِنْ كَانَ كُفُؤًا فَحَقُّ الْفَسْخِ لَهَا دُونَ الْأَوْلِيَاءِ، وَإِنْ كَانَ مَا ظَهَرَ فَوْقَ مَا أَخْبَرَ فَلَا فَسْخَ لِأَحَدٍ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ لَهَا الْفَسْخَ؛ لِأَنَّهَا عَسَى تَعْجِزُ عَنْ الْمُقَامِ مَعَهُ اهـ. وَفِي الذَّخِيرَةِ إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى أَنَّهُ فُلَانٌ بْنُ فُلَانٍ فَإِذَا هُوَ أَخُوهُ أَوْ عَمُّهُ فَلَهَا الْخِيَارُ. اهـ. (قَوْلُهُ مَنْ نَكَحَتْ غَيْرَ كُفْءٍ فَرَّقَ الْوَلِيُّ) لِمَا ذَكَرْنَا، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي انْعِقَادِهِ صَحِيحًا وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ الثَّلَاثَةِ فَتَبْقَى أَحْكَامُهُ مِنْ إرْثٍ وَطَلَاقٍ وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي هَذِهِ الْفُرْقَةِ قَضَاءُ الْقَاضِي فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ فَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا بِطَلَبِ الْوَلِيِّ لَكَانَ أَظْهَرَ وَقَدَّمْنَا أَنَّهَا لَا تَكُونُ طَلَاقًا وَأَنَّ الْمُفْتَى بِهِ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ الْإِمَامِ مِنْ عَدَمِ الِانْعِقَادِ أَصْلًا إذَا كَانَ لَهَا   [منحة الخالق] إذَا غَابَ الْأَقْرَبُ كَمَا مَرَّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ فِي الْأَكْفَاءِ) (قَوْلُهُ: وَذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ وَعَزَاهُ إلَى الْجَامِعِ الصَّغِيرِ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَفِي الْبَدَائِعِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ اعْتِبَارَهَا فِي جَانِبِ الرِّجَالِ خَاصَّةً وَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ قَالَ إنَّهَا مُعْتَبَرَةٌ فِي جَانِبِ النِّسَاءِ عِنْدَهُمَا أَيْضًا اسْتِدْلَالًا بِمَسْأَلَةِ الْجَامِعِ وَهِيَ مَا لَوْ وَكَّلَهُ أَمِيرٌ أَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً فَزَوَّجَهُ أَمَةً لِغَيْرِهِ جَازَ عِنْدَ الْإِمَامِ خِلَافًا لَهُمَا وَلَا دَلَالَةَ فِيهَا عَلَى مَا زَعَمُوا؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْجَوَازِ عِنْدَهُمَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ؛ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ فِيهَا مُقَيَّدٌ بِالْعُرْفِ وَالْعَادَةِ أَوْ لِاعْتِقَادِ الْكَفَاءَةِ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ خَاصَّةً، وَقَدْ نَصَّ مُحَمَّدٌ عَلَى الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ فِيهَا فِي وَكَالَةِ الْأَصْلِ فَلَمْ يَكُنْ دَلِيلًا عَلَى مَا ذَكَرَ. اهـ. وَسَيَأْتِي التَّعَرُّضُ لِلْمَسْأَلَةِ آخِرَ الْفَصْلِ. (قَوْلُهُ وَهِيَ حَقُّ الْوَلِيِّ لَا حَقُّهَا) فِيهِ نَظَرٌ بَلْ الْكَفَاءَةُ حَقٌّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي الذَّخِيرَةِ قُبَيْلَ الْفَصْلِ السَّادِسِ مِنْ أَنَّ الْحَقَّ فِي إتْمَامِ مَهْرِ الْمِثْلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِلْمَرْأَةِ وَلِلْأَوْلِيَاءِ كَحَقِّ الْكَفَاءَةِ وَعِنْدَهُمَا لِلْمَرْأَةِ لَا غَيْرُ، اهـ. فَإِنَّ قَوْلَهُ كَحَقِّ الْكَفَاءَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ حَقٌّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ مِنْ حَمْلِ الْمُخْتَلِفِ عَلَى الْمُؤْتَلِفِ كَمَا هُوَ الْأَصْلُ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ، وَكَذَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا يَذْكُرُ الْمُؤَلِّفُ قَرِيبًا عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ وَعَنْ الذَّخِيرَةِ، وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ فَإِنَّمَا لَمْ يَثْبُتْ لَهَا الْخِيَارُ وَثَبَتَ لِلْأَوْلِيَاءِ لِرِضَاهَا بِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ مِنْ وَجْهٍ حَيْثُ لَمْ تَشْتَرِطْهَا كَمَا أَفَادَهُ آخِرُ كَلَامِ الْوَلْوَالِجيَّةِ. (قَوْلُهُ وَقَدَّمْنَا) أَيْ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ: وَلَهُمَا خِيَارُ الْفَسْخِ بِالْبُلُوغِ وَقَوْلُهُ وَإِنَّ الْمُفْتَى بِهِ إلَخْ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ: نَفَذَ نِكَاحُ حُرَّةٍ رَمْلِيٌّ. (قَوْلُهُ إذَا كَانَ لَهَا وَلِيٌّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 137 وَلِيٌّ لَمْ يَرْضَ بِهِ قَبْلَ الْعَقْدِ فَلَا يُفِيدُ الرِّضَا بَعْدَهُ فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ مَنْ نَكَحَتْ غَيْرَ كُفْءٍ بِغَيْرِ رِضَا الْوَلِيِّ لَكَانَ أَوْلَى، وَأَمَّا تَمْكِينُهَا مِنْ الْوَطْءِ فَعَلَى الْمُفْتَى بِهِ هُوَ حَرَامٌ كَمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْوَطْءُ لِعَدَمِ انْعِقَادِهِ، وَأَمَّا عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ أَنَّ لَهَا أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا اهـ. وَلَا تُمَكِّنُهُ مِنْ الْوَطْءِ حَتَّى يَرْضَى الْوَلِيُّ هَكَذَا اخْتَارَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَإِنْ كَانَ هَذَا خِلَافَ ظَاهِرِ الْجَوَابِ؛ لِأَنَّ مِنْ حُجَّةِ الْمَرْأَةِ أَنْ تَقُولَ إنَّمَا تَزَوَّجْت بِك رَجَاءَ أَنْ يُجِيزَ الْوَلِيُّ وَالْوَلِيُّ عَسَى يُخَاصِمُ فَيُفَرِّقُ بَيْنَنَا فَيَصِيرُ هَذَا وَطْئًا بِشُبْهَةٍ اهـ. وَفِي الْخُلَاصَةِ وَكَثِيرٌ مِنْ مَشَايِخِنَا أَفْتَوْا بِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهَا لَيْسَ لَهَا أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا اهـ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْمَشَايِخِ أَفْتَوْا بِانْعِقَادِهِ، فَقَدْ اخْتَلَفَ الْإِفْتَاءُ وَأَطْلَقَ فِي الْوَلِيِّ فَانْصَرَفَ إلَى الْكَامِلِ وَهُوَ الْعَصَبَةُ كَمَا قَيَّدَهُ بِهِ فِي الْخَانِيَّةِ لَا مَنْ لَهُ وِلَايَةُ النِّكَاحِ عَلَيْهَا لَوْ كَانَتْ صَغِيرَةً فَلَا يَدْخُلُ ذُو الْأَرْحَامِ فِي هَذَا الْحُكْمِ وَلَا الْأُمُّ وَلَا الْأُخْتُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَالْخَانِيَّةِ وَاَلَّذِي يَلِي الْمُرَافَعَةَ هُوَ الْمَحَارِمُ وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ الْمَحَارِمُ وَغَيْرُهُمْ سَوَاءٌ وَهُوَ الْأَصَحُّ اهـ. يَعْنِي: لَا فَرْقَ فِي الْعَصَبَةِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مَحْرَمًا أَوْ لَا كَمَا ذَكَرَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ أَنَّهُ الْمُخْتَارُ وَشَمِلَ كَلَامُهُ مَا إذَا تَزَوَّجَتْ غَيْرَ كُفْءٍ بِغَيْرِ رِضَا الْوَلِيِّ بَعْدَ مَا زَوَّجَهَا الْوَلِيُّ أَوَّلًا مِنْهُ بِرِضَاهَا وَفَارَقَتْهُ فَلِلْوَلِيِّ التَّفْرِيقُ؛ لِأَنَّ الرِّضَا بِالْأَوَّلِ لَا يَكُونُ رِضًا بِالثَّانِي وَشَمِلَ مَا إذَا كَانَتْ مَجْهُولَةَ النَّسَبِ فَتَزَوَّجَتْ رَجُلًا ثُمَّ أَعَادَهَا رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ وَأَثْبَتَ الْقَاضِي نَسَبَهَا مِنْهُ وَجَعَلَهَا بِنْتًا لَهُ وَزَوَّجَهَا حَجَّامًا فَلِهَذَا الْأَبِ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا وَلَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَكِنْ أَقَرَّتْ بِالرِّقِّ لِرَجُلٍ لَمْ يَكُنْ لِمَوْلَاهَا أَنْ يُبْطِلَ النِّكَاحَ بَيْنَهُمَا كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَفِيهَا أَيْضًا لَوْ زَوَّجَ أَمَةً لَهُ صَغِيرَةً رَجُلًا ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهَا بِنْتُهُ ثَبَتَ النَّسَبُ وَالنِّكَاحُ عَلَى حَالِهِ إنْ كَانَ الزَّوْجُ كُفُؤًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كُفُؤًا فَهُوَ فِي الْقِيَاسِ لَازِمٌ وَلَوْ بَاعَهَا ثُمَّ ادَّعَى الْمُشْتَرِي أَنَّهَا بِنْتُهُ فَكَذَلِكَ اهـ. وَإِذَا فَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا فَإِنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ فَلَهَا الْمُسَمَّى وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَلَهَا النَّفَقَةُ فِيهَا وَالْخَلْوَةُ الصَّحِيحَةُ كَالدُّخُولِ وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُمَا فَلَا مَهْرَ لَهَا؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ لَيْسَتْ مِنْ قِبَلِهِ هَكَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَهُوَ تَفْرِيعٌ عَلَى انْعِقَادِهِ، وَأَمَّا عَلَى الْمُفْتَى بِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ الْأَقَلُّ مِنْ الْمُسَمَّى وَمِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ وَأَنْ لَا نَفَقَةَ لَهَا فِي هَذِهِ الْعِدَّةِ كَمَا لَا يَخْفَى وَفِي الْخَانِيَّةِ وَإِنْ زَوَّجَهَا الْوَلِيُّ غَيْرَ كُفْءٍ وَدَخَلَ بِهَا ثُمَّ بَانَتْ مِنْهُ بِالطَّلَاقِ ثُمَّ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا هَذَا الزَّوْجَ بِغَيْرِ وَلِيٍّ ثُمَّ فَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا قَبْلَ الدُّخُولِ كَانَ عَلَى الزَّوْجِ كُلُّ الْمَهْرِ الثَّانِي وَعَلَيْهَا عِدَّةٌ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا مَهْرَ عَلَى الزَّوْجِ وَعَلَيْهَا بَقِيَّةُ الْعِدَّةِ الْأُولَى، وَذَكَرَ لَهَا نَظَائِرَ تَأْتِي فِي كِتَابِ الْعِدَّةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ تَفْرِيعًا عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَمَّا عَلَى الْمُفْتَى بِهِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ الْمَهْرُ الثَّانِي بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّهُ نِكَاحٌ فَاسِدٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْخَانِيَّةِ فِيمَا إذَا كَانَ النِّكَاحُ الثَّانِي فَاسِدًا وَقَيَّدَ بِالنِّكَاحِ؛ لِأَنَّ لَهُ الْمُرَاجَعَةَ إذَا طَلَّقَهَا رَجْعِيًّا بَعْدَ مَا زَوَّجَهَا الْوَلِيُّ غَيْرَ كُفْءٍ بِرِضَاهَا كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ. (قَوْلُهُ وَرِضَا الْبَعْضِ كَالْكُلِّ) أَيْ وَرِضَا بَعْضِ الْأَوْلِيَاءِ الْمُسْتَوِينَ فِي الدَّرَجَةِ كَرِضَا كُلِّهِمْ حَتَّى لَا يَتَعَرَّضَ أَحَدٌ مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَكُونُ كَالْكُلِّ كَمَا إذَا أَسْقَطَ أَحَدُ الدَّائِنِينَ حَقَّهُ مِنْ الْمُشْتَرَكِ. وَلَهُمَا: أَنَّهُ حَقٌّ وَاحِدٌ لَا يَتَجَزَّأُ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِسَبَبٍ لَا يَتَجَزَّأُ فَيَثْبُتُ لِكُلٍّ عَلَى الْكَمَالِ كَوِلَايَةِ الْأَمَانِ قَيَّدْنَا بِالِاسْتِوَاءِ احْتِرَازًا عَمَّا إذَا رَضِيَ الْأَبْعَدُ فَإِنَّ لِلْأَقْرَبِ الِاعْتِرَاضَ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَغَيْرِهِ وَقَيَّدَ بِالرِّضَا؛ لِأَنَّ التَّصْدِيقَ بِأَنَّهُ كُفْءٌ مِنْ الْبَعْضِ لَا يُسْقِطُ حَقَّ مَنْ أَنْكَرَهَا. قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: لَوْ ادَّعَى أَحَدُ الْأَوْلِيَاءِ أَنَّ الزَّوْجَ كُفْءٌ وَأَثْبَتَ الْآخَرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِكُفْءٍ يَكُونُ لَهُ أَنْ يُطَالِبَهُ بِالتَّفْرِيقِ؛ لِأَنَّ الْمُصَدِّقَ يُنْكِرُ سَبَبَ الْوُجُوبِ وَإِنْكَارُ سَبَبِ وُجُوبِ الشَّيْءِ لَا يَكُونُ إسْقَاطًا لَهُ اهـ. وَفِي الْفَوَائِدِ التَّاجِيَّةِ أَقَامَ وَلِيُّهَا شَاهِدَيْنِ بِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ أَوْ أَقَامَ زَوْجُهَا بِالْكَفَاءَةِ قَالَ لَا يُشْتَرَطُ لَفْظُ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّهُ إخْبَارٌ، ذَكَرَهُ عَنْ الْقَاضِي بَدِيعِ الدِّينِ فِي الشَّهَادَةِ وَأَطْلَقَ فِي الرِّضَا فَشَمِلَ مَا إذَا   [منحة الخالق] لَمْ يَرْضَ بِهِ قَبْلَ الْعَقْدِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ إذَا كَانَ لَهَا وَلِيٌّ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ قَاسِمٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيِّدَ عَدَمَ الصِّحَّةِ الْمُفْتَى بِهِ بِمَا إذَا كَانَ لَهَا أَوْلِيَاءُ أَحْيَاءٌ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الصِّحَّةِ إنَّمَا كَانَ عَلَى مَا وَجَّهَ بِهِ هَذِهِ الرِّوَايَةَ دَفْعًا لِضَرَرِهِمْ فَإِنَّهُمْ يَتَضَرَّرُونَ أَمَّا مَا يَرْجِعُ إلَى حَقِّهَا فَقَدْ سَقَطَ بِرِضَاهَا بِغَيْرِ الْكُفْءِ اهـ. قُلْتُ: قَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْمُؤَلِّفُ هُنَاكَ، وَنَقَلَ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ حَيْثُ قَالَ: وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ لَهَا أَوْلِيَاءُ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلِيٌّ فَهُوَ صَحِيحٌ مُطْلَقًا اتِّفَاقًا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 138 رَضِيَ بَعْضُهُمْ بِهِ قَبْلَ الْعَقْدِ أَوْ رَضِيَ بِهِ بَعْدَهُ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ وَقَدْ قَدَّمْنَا بَحْثًا فِي أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهَا قَبْلَ الْعَقْدِ رَضِيت بِتَزَوُّجِك مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ وَلَمْ يُعَيِّنْ أَحَدًا أَوْ قَالَ رَضِيت بِهِ بَعْدَ الْعَقْدِ وَلَمْ يَعْرِفْهُ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ رِضًا مُعْتَبَرًا لِمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَنَّ الرِّضَا بِالْمَجْهُولِ لَا يَتَحَقَّقُ. (قَوْلُهُ وَقَبْضُ الْمَهْرِ وَنَحْوِهِ رِضًا) ؛ لِأَنَّهُ تَقْرِيرٌ لِحُكْمِ الْعَقْدِ وَأَرَادَ بِنَحْوِهِ كُلَّ فِعْلٍ دَلَّ عَلَى الرِّضَا، وَأَطْلَقَ فِي قَبْضِ الْمَهْرِ فَشَمِلَ مَا إذَا جَهَّزَهَا بِهِ أَوْ لَا، أَمَّا إنْ جَهَّزَهَا بِهِ فَهُوَ رِضًا اتِّفَاقًا وَإِنْ لَمْ يُجَهِّزْهَا فَفِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ رِضًا كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ وَدَخَلَ فِي نَحْوِهِ مَا إذَا خَاصَمَ الزَّوْجَ فِي نَفَقَتِهَا وَتَقْرِيرِ مَهْرِهَا عَلَيْهِ بِوَكَالَةٍ مِنْهَا كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ رِضًا وَتَسْلِيمًا لِلْعَقْدِ اسْتِحْسَانًا، وَهَذَا إذَا كَانَ عَدَمُ الْكَفَاءَةِ ثَابِتًا عِنْدَ الْقَاضِي قَبْلَ مُخَاصَمَةِ الْوَلِيِّ إيَّاهُ، فَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ عَدَمُ الْكَفَاءَةِ ثَابِتًا عِنْدَ الْقَاضِي قَبْلَ مُخَاصَمَةِ الْوَلِيِّ إيَّاهُ لَا يَكُونُ رِضًا بِالنِّكَاحِ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ (قَوْلُهُ لَا السُّكُوتُ) أَيْ لَا يَكُونُ سُكُوتُ الْوَلِيِّ رِضًا؛ لِأَنَّهُ مُحْتَمَلٌ فَلَا يُجْعَلُ رِضًا إلَّا فِي مَوَاضِعَ مَخْصُوصَةٍ لَيْسَ هَذَا مِنْهَا أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا وَلَدَتْ فَلَهُ حَقُّ الْفَسْخِ بَعْدَ الْوِلَادَةِ كَمَا فِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَكَمَا فِي الْمِعْرَاجِ لَكِنْ قَيَّدَهُ الشَّارِحُونَ بِعَدَمِ الْوِلَادَةِ فَلَوْ وَلَدَتْ فَلَيْسَ لَهُ حَقُّ الْفَسْخِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ وَلِذَا اخْتَارَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَكَأَنَّهُ لِلضَّرَرِ الْحَاصِلِ بِالْفَسْخِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْحَبَلُ الظَّاهِرُ كَالْوِلَادَةِ وَشَمِلَ مَا إذَا طَالَتْ الْمُدَّةُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ امْرَأَةً تَحْتَ رَجُلٍ هُوَ لَيْسَ بِكُفْءٍ لَهَا فَخَاصَمَهُ أَخُوهَا فِي ذَلِكَ وَأَبُوهَا غَائِبٌ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً أَوْ خَاصَمَهُ وَلِيٌّ آخَرُ غَيْرُهُ أَوْلَى مِنْهُ وَهُوَ غَائِبٌ عَنْهُ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً فَادَّعَى الزَّوْجُ أَنَّ الْوَلِيَّ الْأَوْلَى زَوَّجَهُ يُؤْمَرُ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَإِلَّا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَإِنْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى ذَلِكَ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ وَأَجَزْتهَا عَلَى الْأَوْلَى يَعْنِي الْأَوَّلَ الَّذِي هُوَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ هَذَا خَصْمٌ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْكَفَاءَةُ تُعْتَبَرُ نَسَبًا فَقُرَيْشٌ أَكْفَاءٌ وَالْعَرَبُ أَكْفَاءٌ وَحُرِّيَّةً وَإِسْلَامًا وَأَبَوَانِ فِيهِمَا كَالْآبَاءِ وَدِيَانَةً وَمَالًا وَحِرْفَةً) ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ يَقَعُ بِهَا التَّفَاخُرُ فِيمَا بَيْنَهُمْ فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِهَا وَتُعْتَبَرُ الْكَفَاءَةُ عِنْدَ ابْتِدَاء الْعَقْدِ وَزَوَالُهَا بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ وَلِذَا قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَوْ تَزَوَّجَهَا وَهُوَ كُفْءٌ لَهَا ثُمَّ صَارَ فَاجِرًا دَاعِرًا لَا يُفْسَخُ النِّكَاحُ اهـ. وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ اعْتِبَارَهَا فِي سِتَّةِ أَشْيَاءَ: الْأَوَّلُ النَّسَبُ وَهُوَ مَعْرُوفٌ، وَأَمَّا الْعَرَبُ فَهُمْ خِلَافُ الْعَجَمِ وَاحِدُهُمْ عَرَبِيٌّ وَالْأَعْرَابُ أَهْلُ الْبَادِيَةِ وَاحِدُهُمْ أَعْرَابِيٌّ وَجَمْعُ الْأَعْرَابِ أَعَارِيبُ، وَقِيلَ الْعَرَبُ جَمْعُ عَرَبَةٍ بِالْهَاءِ وَهِيَ النَّفْسُ وَالْعَرَبِيُّ أَيْضًا الْمَنْسُوبُ إلَى الْعَرَبِ قَالَ تَعَالَى {قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [يوسف: 2] كَذَا فِي ضِيَاءِ الْحُلُومِ وَفِيهِ: التَّقَرُّشُ الِاكْتِسَابُ وَالتَّقَرُّشُ التَّجَمُّعُ وَبِذَلِكَ سُمِّيَتْ قُرَيْشٌ لِاجْتِمَاعِهِمْ بِمَكَّةَ وَتَقَرَّشَ الرَّجُلُ إذَا انْتَسَبَ إلَى قُرَيْشٍ اهـ. ثُمَّ الْقُرَشِيَّانِ مِنْ جَمْعِهِمَا أَبٌ هُوَ النَّضْرُ بْنُ كِنَانَةَ فَمَنْ دُونَهُ وَمَنْ لَمْ يُنْسَبْ إلَّا لِأَبٍ فَوْقَهُ فَهُوَ عَرَبِيٌّ غَيْرُ قُرَشِيٍّ وَالنَّضْرُ هُوَ الْجَدُّ الثَّانِي عَشَرَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلَبِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيِّ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرِكَةَ بْنِ إلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ بْنِ نِزَارِ بْنِ مَعْدِ بْنِ عَدْنَانَ اقْتَصَرَ الْبُخَارِيُّ فِي نَسَبِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى عَدْنَانَ وَالْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ الْخُلَفَاءُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَجْمَعِينَ كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ لِانْتِسَابِهِمْ إلَى النَّضْرِ فَمَنْ دُونَهُ وَلَيْسَ فِيهِمْ هَاشِمِيٌّ إلَّا عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّ الْجَدَّ الْأَوَّلَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَدُّهُ فَإِنَّهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَهُوَ مِنْ أَوْلَادِ هَاشِمٍ وَأَمَّا أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّهُ يَجْتَمِعُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْجَدِّ السَّادِسِ وَهُوَ مُرَّةُ فَإِنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عَامِرِ بْنِ عُمَرَ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمِ بْنِ مُرَّةَ. وَأَمَّا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّهُ يَجْتَمِعُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْجَدِّ السَّابِعِ وَهُوَ كَعْبٌ فَإِنَّهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بْنِ نُفَيْلِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ رَبَاحِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُرْطِ بْنِ رَوَاحِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ مَعْدٍ وَرِيَاحٌ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَأَجَزْتهَا عَلَى الْأَوْلَى) ضَمِيرُ الْمُتَكَلِّمِ فِي قَوْلِهِ وَأَجَزْتهَا لِلْإِمَامِ مُحَمَّدٍ فَإِنَّ الْمَسْأَلَةَ فِي الذَّخِيرَةِ مُصَدَّرَةٌ بِقَوْلِهِ فِي الْمُنْتَقَى إبْرَاهِيمَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي امْرَأَةٍ تَحْتَ رَجُلٍ إلَخْ وَقَوْلُهُ يَعْنِي الْأَوَّلَ الَّذِي فِي الذَّخِيرَةِ يَعْنِي عَلَى الْوَلِيِّ الَّذِي هُوَ أَوْلَى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 139 بِكَسْرِ الرَّاءِ وَبِالْيَاءِ تَحْتَهَا نُقْطَتَانِ، وَأَمَّا عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَيَجْتَمِعُ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْجَدِّ الثَّالِثِ وَهُوَ عَبْدُ مَنَافٍ فَإِنَّهُ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ وَبِهَذَا اسْتَدَلَّ الْمَشَايِخُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ التَّفَاضُلُ فِيمَا بَيْنَ قُرَيْشٍ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فَقُرَيْشٌ أَكْفَاءٌ حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَتْ هَاشِمِيَّةٌ قُرَشِيًّا غَيْرَ هَاشِمِيٍّ لَمْ يُرَدَّ عَقْدُهَا وَإِنْ تَزَوَّجَتْ عَرَبِيًّا غَيْرَ قُرَشِيٍّ لَهُمْ رَدُّهُ كَتَزْوِيجِ الْعَرَبِيَّةِ عَجَمِيًّا، وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَوَّجَ بِنْتَه مِنْ عُثْمَانَ وَهُوَ أُمَوِيٌّ لَا هَاشِمِيٌّ» وَزَوَّجَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِنْتَهُ أُمَّ كُلْثُومٍ مِنْ عُمَرَ وَكَانَ عَدَوِيًّا لَا هَاشِمِيًّا فَانْدَفَعَ بِذَلِكَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ مِنْ أَنَّهُ تُعْتَبَرُ الزِّيَادَةُ بِالْخِلَافَةِ حَتَّى لَا يُكَافِئَ أَهْلُ بَيْتِ الْخِلَافَةِ غَيْرَهُمْ مِنْ الْقُرَشِيِّينَ، هَذَا إنْ قُصِدَ بِهِ عَدَمُ الْمُكَافَأَةِ لَا إنْ قُصِدَ بِهِ تَسْكِينُ الْفِتْنَةِ وَأَفَادَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ غَيْرَ الْعَرَبِيِّ لَا يُكَافِئُ الْعَرَبِيَّ وَإِنْ كَانَ حَسِيبًا أَوْ عَالِمًا لَكِنْ ذَكَرَ قَاضِي خَانْ فِي جَامِعِهِ قَالُوا الْحَسِيبُ يَكُونُ كُفُؤًا لِلنَّسِيبِ فَالْعَالِمُ الْعَجَمِيُّ يَكُونُ كُفُؤًا لِلْجَاهِلِ الْعَرَبِيِّ وَالْعَلَوِيَّةِ؛ لِأَنَّ شَرَفَ الْعِلْمِ فَوْقَ شَرَفِ النَّسَبِ وَالْحَسَبُ مَكَارِمُ الْأَخْلَاقِ وَفِي الْمُحِيطِ عَنْ صَدْرِ الْإِسْلَامِ الْحَسِيبُ الَّذِي لَهُ جَاهٌ وَحِشْمَةٌ وَمَنْصِبٌ وَفِي الْيَنَابِيعِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَيْسَ كُفُؤًا لِلْعَلَوِيَّةِ، وَأَصْلُ مَا ذَكَرَهُ الْمَشَايِخُ مِنْ ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الَّذِي أَسْلَمَ بِنَفْسِهِ أَوْ أُعْتِقَ إذَا أَحْرَزَ مِنْ الْفَضَائِلِ مَا يُقَابِلُ نَسَبَ الْآخَرِ كَانَ كُفُؤًا لَهُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَكُلُّهُ تَفَقُّهَاتُ الْمَشَايِخِ وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْعَجَمِيَّ لَا يَكُونُ كُفُؤًا لِلْعَرَبِيَّةِ مُطْلَقًا. قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ أَفْضَلُ النَّاسِ نَسَبًا بَنُو هَاشِمٍ ثُمَّ قُرَيْشٌ ثُمَّ الْعَرَبُ لِمَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَنَّ اللَّهَ اخْتَارَ مِنْ النَّاسِ الْعَرَبَ وَمِنْ الْعَرَبِ قُرَيْشًا وَاخْتَارَ مِنْهُمْ بَنِي هَاشِمٍ وَاخْتَارَنِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ» اهـ. وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الْمَوَالِيَ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَوْلَى هُنَا مَا لَيْسَ بِعَرَبِيٍّ وَإِنْ لَمْ يَمَسَّهُ رِقٌّ؛ لِأَنَّ الْعَجَمَ لَمَّا ضَلُّوا أَنْسَابَهُمْ كَانَ التَّفَاخُرُ بَيْنَهُمْ فِي الدِّينِ كَمَا فِي الْفَتْحِ أَوْ؛ لِأَنَّ بِلَادَهُمْ فُتِحَتْ عَنْوَةً بِأَيْدِي الْعَرَبِ فَكَانَ لِلْعَرَبِ اسْتِرْقَاقُهُمْ فَإِذَا تَرَكُوهُمْ أَحْرَارًا فَكَأَنَّهُمْ أَعْتَقُوهُمْ وَالْمَوَالِي هُمْ الْمُعْتَقُونَ كَمَا فِي التَّبْيِينِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَتْ هَاشِمِيَّةٌ قُرَشِيًّا غَيْرَ هَاشِمِيٍّ لَمْ يُرَدَّ عَقْدُهَا) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَفِي الْفَيْضِ لِلْكَرْكِيِّ وَالْقُرَشِيُّ لَا يَكُونُ كُفُؤًا لِلْهَاشِمِيِّ اهـ. وَمِثْلُ مَا فِي هَذَا الشَّرْحِ فِي التَّبْيِينِ وَكَثِيرٍ مِنْ شُرُوحِ الْكَنْزِ وَالْهِدَايَةِ وَالتَّتَارْخَانِيَّةِ وَغَالِبِ الْمُعْتَبَرَاتِ فَلَعَلَّ كَلِمَةَ لَا فِي الْفَيْضِ مِنْ زِيَادَةِ النُّسَّاخِ تَنْسُبُهُ. (قَوْلُهُ فَانْدَفَعَ بِذَلِكَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ) قَالَ الرَّمْلِيُّ الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ وَالْعَيْنِيِّ وَمُنْلَا مِسْكِينٍ وَالنَّهْرِ وَكَثِيرٍ أَنَّهَا رِوَايَةٌ عَنْ (قَوْلِهِ قَالُوا الْحَسِيبُ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ لَا يَخْفَى عَلَى أَخِي الْفَقِهِ مَا فِي قَوْلِهِ قَالُوا مِنْ التَّبَرِّي تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَكُلُّهُ تَفَقُّهَاتُ الْمَشَايِخِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْفَتَاوَى الْعَالِمُ يَكُونُ كُفُؤًا لِلْعَلَوِيَّةِ؛ لِأَنَّ شَرَفَ الْحَسَبِ أَقْوَى مِنْ شَرَفِ النَّسَبِ وَعَنْ هَذَا قِيلَ إنَّ عَائِشَةَ أَفْضَلُ مِنْ فَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -؛ لِأَنَّ لِعَائِشَةَ شَرَفَ الْعِلْمِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ أَقُولُ: وَقَدْ جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْمُحِيطِ وَارْتَضَاهُ كَمَا ارْتَضَاهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، ثُمَّ قَالَ فِي النَّهْرِ: وَقَدْ ارْتَضَاهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَجَزَمَ بِهِ الْبَزَّازِيُّ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفَيْضِ وَجَامِعِ الْفَتَاوَى، وَذَكَرَهُ فِي الْخُلَاصَةِ بِصِيغَةِ قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ، وَقَدْ جَعَلَهُ صَاحِبُ الْغُرَرِ مَتْنًا وَفِي تَنْوِيرِ الْأَبْصَارِ الْعَجَمِيُّ لَا يَكُونُ كُفُؤًا لِلْعَرَبِيَّةِ وَلَوْ عَالِمًا وَهُوَ الْأَصَحُّ اهـ. قَالَ فِي شَرْحِهِ كَذَا فِي الْفَتْحِ نَقْلًا عَنْ الْيَنَابِيعِ أَقُولُ: وَقَدْ أَخَذَهُ مِنْ الْبَحْرِ فَتَحَرَّرَ أَنَّ فِيهِ اخْتِلَافًا وَلَكِنْ حَيْثُ صَحَّ أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ لَا يُكَافِئُهَا فَهُوَ الْمَذْهَبُ وَخُصُوصًا، وَقَدْ نَصَّ فِي الْيَنَابِيعِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَأَمَّلْ اهـ. كَلَامُ الرَّمْلِيِّ. أَقُولُ: الثَّابِتُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْعَجَمِيَّ لَا يَكُونُ كُفُؤًا لِلْعَرَبِيَّةِ، وَهَذَا وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُ الْإِطْلَاقَ لَكِنْ قَيَّدَهُ الْمَشَايِخُ بِغَيْرِ الْعَالِمِ، وَكَمْ لَهُ مِنْ نَظِيرٍ حَيْثُ يَكُونُ اللَّفْظُ مُطْلَقًا فَيَحْمِلُونَهُ عَلَى بَعْضِ مَدْلُولَاتِهِ أَخْذًا مِنْ قَوَاعِدَ مَذْهَبِيَّةٍ أَوْ مَسَائِلَ فَرْعِيَّةٍ أَوْ أَدِلَّةٍ شَرْعِيَّةٍ أَوْ عَقْلِيَّةٍ، وَقَدْ أَفْتَى فِي آخِرِ الْفَتَاوَى الْخَيْرِيَّةِ فِي قُرَشِيٍّ جَاهِلٍ تَقَدَّمَ عَلَى عَالِمٍ فِي مَجْلِسٍ بِأَنَّهُ يَحْرُمُ إذْ كُتُبُ الْعُلَمَاءِ طَافِحَةٌ بِتَقَدُّمِ الْعَالِمِ عَلَى الْقُرَشِيِّ وَلَمْ يُفَرِّقْ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بَيْنَ الْقُرَشِيِّ وَغَيْرِهِ فِي قَوْلِهِ {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الزمر: 9] إلَخْ وَحَيْثُ جَزَمَ بِهَذَا فِي مَجْمَعِ الْفَتَاوَى وَالْمُحِيطِ وَالْبَزَّازِيَّةِ وَالْفَيْضِ وَارْتَضَاهُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهِ وَلَا يُقَالُ إنَّهُ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَأَمَّا مَا صَحَّحَهُ فِي الْيَنَابِيعِ فَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى تَفْسِيرِ الْحَسِيبِ بِذِي الْمَنْصِبِ وَالْجَاهِ لَا عَلَى تَفْسِيرِهِ بِالْعَالِمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ أَفْضَلُ النَّاسِ نَسَبًا إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ فَهِمَ صَاحِبُ النَّهْرِ أَنَّهُ أَوْرَدَهُ دَلِيلًا لِمُدَّعَاهُ، فَقَالَ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لَا دَلَالَةَ فِيهِ إذْ كَوْنُ شَرَفِ الْحَسَبِ يُوَازِي شَرَفَ النَّسَبِ لَا يُنَافِي كَوْنَ بَنِي هَاشِمٍ أَفْضَلَ نَسَبًا. نَعَمْ الْحَسِيبُ قَدْ يُرَادُ بِهِ ذُو الْمَنْصِبِ وَالْجَاهِ كَمَا فَسَّرَهُ بِهِ فِي الْمُحِيطِ عَنْ صَدْرِ الْإِسْلَامِ، وَهَذَا لَيْسَ كُفُؤًا لِلْعَلَوِيَّةِ كَمَا فِي الْيَنَابِيعِ اهـ. وَأَنْتَ عَلَى عِلْمٍ بِأَنَّهُ وَإِنْ ذَكَرَهُ تِلْوَهُ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَوْرَدَهُ لِذَلِكَ بَلْ لِفَائِدَةِ مَعْرِفَةِ التَّفَاضُلِ فِي الْأَنْسَابِ وَإِلَّا يُشْكِلُ بِتَأْخِيرِ قُرَيْشٍ عَنْ بَنِي هَاشِمٍ، وَقَدْ عَلِمْت فِيمَا سَبَقَ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ التَّفَاضُلُ فِيمَا بَيْنَ قُرَيْشٍ حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَتْ هَاشِمِيَّةٌ قُرَشِيًّا لَمْ يُرَدَّ عَقْدُهَا تَأَمَّلْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 140 أَوْ؛ لِأَنَّهُمْ نَصَرُوا الْعَرَبَ عَلَى قَتْلِ الْكُفَّارِ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ وَالنَّاصِرُ يُسَمَّى مَوْلًى قَالَ تَعَالَى {وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ} [محمد: 11] كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ النَّسَبَ الْمُعْتَبَرَ هُنَا خَاصٌّ بِالْعَرَبِ، وَأَمَّا الْعَجَمُ فَلَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّهِمْ وَلِذَا كَانَ بَعْضُهُمْ كُفُؤًا لِبَعْضٍ، وَأَمَّا مُعْتَقُ الْعَرَبِيِّ فَهُوَ لَيْسَ بِكُفْءٍ لِمُعْتَقِ الْعَجَمِيِّ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْحُرِّيَّةِ، وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي الْعَرَبِ فَأَفَادَ أَنَّ بَنِي بَاهِلَةَ كُفْءٌ لِبَقِيَّةِ الْعَرَبِ غَيْرِ قُرَيْشٍ وَفِي الْهِدَايَةِ وَبَنُو بَاهِلَةَ لَيْسُوا بِأَكْفَاءٍ لِعَامَّةِ الْعَرَبِ؛ لِأَنَّهُمْ مَعْرُوفُونَ بِالْخَسَاسَةِ. قَالُوا: لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَخْرِجُونَ النُّقِيَّ مِنْ عِظَامِ الْمَوْتَى وَيَطْبُخُونَ الْعِظَامَ وَيَأْخُذُونَ الدُّسُومَاتِ مِنْهَا وَيَأْكُلُونَ بَقِيَّةَ الطَّعَامِ مَرَّةً ثَانِيَةً وَرَدَّهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ نَظَرٍ فَإِنَّ النَّصَّ لَمْ يُفَصِّلْ مَعَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ أَعْلَمَ بِقَبَائِلِ الْعَرَبِ وَأَخْلَاقِهِمْ، وَقَدْ أَطْلَقَ فِي قَوْلِهِ «الْعَرَبُ بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ» وَلَيْسَ كُلُّ بَاهِلِيٍّ كَذَلِكَ بَلْ فِيهِمْ الْأَجْوَادُ وَكَوْنُ فَصِيلَةٍ مِنْهُمْ أَوْ بَطْنٍ صَعَالِيكَ فَعَلُوا ذَلِكَ لَا يَسْرِي فِي حَقِّ الْكُلِّ اهـ. فَالْحَقُّ الْإِطْلَاقُ وَبَاهِلَةُ فِي الْأَصْلِ اسْمُ امْرَأَةٍ مِنْ هَمْدَانَ وَالتَّأْنِيثُ لِلْقَبِيلَةِ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْأَصْلِ اسْمَ رَجُلٍ أَوْ اسْمَ امْرَأَةٍ كَذَا فِي الصِّحَاحِ وَقَالَ فِي الدِّيوَانِ الْبَاهِلَةُ قَبِيلَةٌ مِنْ قَبِيلَةِ الْقَيْسِ وَفِي الْقَامُوسِ، بَاهِلَةُ: قَوْمٌ. وَأَمَّا الثَّانِي وَالثَّالِثُ أَعْنِي الْحُرِّيَّةَ وَالْإِسْلَامَ فَهُمَا مُعْتَبَرَانِ فِي حَقِّ الْعَجَمِ؛ لِأَنَّهُمْ يَفْتَخِرُونَ بِهِمَا دُونَ النَّسَبِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْكُفْرَ عَيْبٌ، وَكَذَا الرِّقُّ؛ لِأَنَّهُ أَثَرُهُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالْإِسْلَامُ زَوَالُ الْعَيْبِ فَيُفْتَخَرُ بِهِمَا دُونَ النَّسَبِ فَلَا يَكُونُ مَنْ أَسْلَمَ بِنَفْسِهِ كُفُؤًا لِمَنْ لَهَا أَبٌ فِي الْإِسْلَامِ وَلَا يَكُونُ مَنْ لَهُ أَبٌ وَاحِدٌ كُفُؤًا لِمَنْ لَهَا أَبَوَانِ فِي الْإِسْلَامِ وَمَنْ لَهُ أَبَوَانِ فِي الْإِسْلَامِ كُفُؤًا لِمَنْ لَهَا آبَاءٌ كَثِيرَةٌ فِيهِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَأَبَوَانِ فِيهِمَا كَالْآبَاءِ أَيْ فِي الْإِسْلَامِ وَالْحُرِّيَّةِ وَهِيَ نَظِيرُ الْإِسْلَامِ فِيمَا ذَكَرْنَا فَلَا يَكُونُ الْعَبْدُ كُفُؤًا لِحُرَّةِ الْأَصْلِ، وَكَذَا الْمُعْتَقُ لَا يَكُونُ كُفُؤًا لِحُرَّةٍ أَصْلِيَّةٍ وَالْمُعْتَقُ أَبُوهُ لَا يَكُونُ كُفُؤًا لِمَنْ لَهُ أَبَوَانِ فِي الْحُرِّيَّةِ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْعَبْدَ كُفْءٌ لِلْمُعْتَقَةِ وَفِيهِ تَأَمُّلٌ وَفِي الْمُجْتَبَى مُعْتَقَةُ الشَّرِيفِ لَا يُكَافِئُهَا مُعْتَقُ الْوَضِيعِ وَفِي التَّجْنِيسِ وَلَوْ كَانَ أَبُوهَا مُعْتَقًا وَأُمُّهَا حُرَّةَ الْأَصْلِ لَا يُكَافِئُهَا الْمُعْتَقُ؛ لِأَنَّ فِيهِ أَثَرَ الرِّقِّ وَهُوَ الْوَلَاءُ وَالْمَرْأَةُ لَمَّا كَانَتْ أُمُّهَا حُرَّةَ الْأَصْلِ كَانَتْ هِيَ حُرَّةَ الْأَصْلِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَبْعُدُ كَوْنُ مَنْ أَسْلَمَ بِنَفْسِهِ كُفُؤًا لِمَنْ عَتَقَ بِنَفْسِهِ اهـ. قَيَّدْنَا اعْتِبَارَهُمَا فِي حَقِّ الْعَجَمِ لِمَا فِي التَّبْيِينِ وَغَيْرِهِ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ اتَّفَقُوا أَنَّ الْإِسْلَامَ لَا يَكُونُ مُعْتَبَرًا فِي حَقِّ الْعَرَبِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَتَفَاخَرُونَ بِهِ، وَإِنَّمَا يَتَفَاخَرُونَ بِالنَّسَبِ اهـ. فَعَلَى هَذَا لَوْ تَزَوَّجَ عَرَبِيٌّ لَهُ أَبٌ كَافِرٌ بِعَرَبِيَّةٍ لَهَا آبَاءٌ فِي الْإِسْلَامِ فَهُوَ كُفْءٌ، وَأَمَّا الْحُرِّيَّةُ فَهِيَ لَازِمَةٌ لِلْعَرَبِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُهُمْ فَعَلَى هَذَا فَالنَّسَبُ مُعْتَبَرٌ فِي حَقِّ الْعَرَبِ فَقَطْ، وَأَمَّا الْحُرِّيَّةُ وَالْإِسْلَامُ فَمُعْتَبَرَانِ فِي الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الزَّوْجِ، وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى أَبِيهِ وَجَدِّهِ فَالْحُرِّيَّةُ مُعْتَبَرَةٌ فِي حَقِّ الْكُلِّ أَيْضًا، وَأَمَّا الْإِسْلَامُ فَمُعْتَبَرٌ فِي الْعَجَمِ فَقَطْ وَفِي الْقُنْيَةِ رَجُلٌ ارْتَدَّ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ ثُمَّ أَسْلَمَ فَهُوَ كُفْءٌ لِمَنْ لَمْ يَجْرِ عَلَيْهَا رِدَّةٌ. اهـ. وَأَمَّا الرَّابِعُ وَهُوَ الدِّيَانَةُ فَفَسَّرَهَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِالتَّقْوَى وَالزُّهْدِ وَالصَّلَاحِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ وَالدِّينِ؛ لِأَنَّهُ بِمَعْنَى الْإِسْلَامِ فَيَلْزَمُ التَّكْرَارُ وَإِنْ أُرِيدَ بِالْأَوَّلِ إسْلَامُ الْآبَاءِ وَهُنَا إسْلَامُ الزَّوْجِ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ إسْلَامَ الزَّوْجِ لَيْسَ مِنْ الْكَفَاءَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ شَرْطُ جَوَازِ النِّكَاحِ وَاعْتِبَارُ التَّقْوَى فِيهَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَعْلَى الْمَفَاخِرِ وَالْمَرْأَةُ تُعَيَّرُ بِفِسْقِ الزَّوْجِ فَوْقَ مَا تُعَيَّرُ بِضَعَةِ نَسَبِهِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا تُعْتَبَرُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أُمُورِ الْآخِرَةِ فَلَا تُبْتَنَى أَحْكَامُ الدُّنْيَا عَلَيْهِ إلَّا إذَا كَانَ يُصْفَعُ وَيُسْخَرُ مِنْهُ أَوْ يَخْرُجُ إلَى الْأَسْوَاقِ سَكْرَانَ وَيَلْعَبُ بِهِ الصِّبْيَانُ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَخَفٌّ بِهِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مَعْزِيًّا إلَى الْمُحِيطِ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَلَعَلَّهُ الْمُحِيطُ الْبُرْهَانِيُّ فَإِنَّهُ لَمْ أَجِدْهُ فِي الْمُحِيطِ الرَّضَوِيِّ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا صَحَّحَهُ فِي الْمَبْسُوطِ مِنْ أَنَّهَا لَا تُعْتَبَرُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَتَصْحِيحُ الْهِدَايَةِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ لَا يُكَافِئُهَا مُعْتَقُ الْوَضِيعِ أَمَّا الْمُوَالِي فَإِنَّهُ يُكَافِئُهَا) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ مُعْتَقَةُ أَشْرَفِ الْقَوْمِ تَكُونُ كُفُؤًا لِلْمَوْلَى؛ لِأَنَّ لَهَا شَرَفَ الْوَلَاءِ وَلِلْمُوَالِي شَرَفَ إسْلَامِ الْآبَاءِ. (قَوْلُهُ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَبْعُدُ إلَخْ) مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ بَحْثٌ لَهُ وَرَأَيْت فِي الذَّخِيرَةِ مَا صُورَتُهُ ذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ فِي الرَّجُلِ يُسْلِمُ وَالْمَرْأَةُ مُعْتَقَةٌ أَنَّهُ كُفْءٌ لَهَا اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ مِثْلَهُ مَا لَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ قَدْ أَسْلَمَتْ وَالرَّجُلُ مُعْتَقٌ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ إسْلَامُهُ طَارِئًا بَلْ يَكُونُ مُسْلِمَ الْأَصْلِ بِأَنْ يَكُونَ أَبُوهُ إسْلَامُهُ تَبَعًا لِإِسْلَامِ أَبَوَيْهِ ثُمَّ يَعْتِقُ هُوَ وَحْدَهُ أَمَّا لَوْ كَانَ إسْلَامُهُ طَارِئًا فَيَكُونُ فِيهِ أَثَرُ الْكُفْرِ وَأَثَرُ الرِّقِّيَّةِ مَعًا فَلَا يَكُونُ كُفُؤًا لِلْحُرَّةِ الَّتِي أَسْلَمَتْ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ فَعَلَى هَذَا فَالنَّسَبُ مُعْتَبَرٌ إلَخْ) حَاصِلُهُ: أَنَّ النَّسَبَ مُعْتَبَرٌ فِي الْعَرَبِ فَقَطْ وَإِسْلَامُ الْأَبِ وَالْجَدِّ فِي الْعَجَمِ فَقَطْ وَالْجِزْيَةُ فِي الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ، وَكَذَا إسْلَامُ نَفْسِ الزَّوْجِ. (قَوْلُهُ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مَعْزِيًّا إلَى الْمُحِيطِ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 141 مُعَارِضٌ لَهُ فَالْإِفْتَاءُ بِمَا فِي الْمُتُونِ أَوْلَى فَلَا يَكُونُ الْفَاسِقُ كُفُؤًا لِلصَّالِحَةِ بِنْتِ الصَّالِحِينَ سَوَاءٌ كَانَ مُعْلِنًا بِالْفِسْقِ أَوْ لَا كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ وَوَقَعَ لِي تَرَدُّدٌ فِيمَا إذَا كَانَتْ صَالِحَةً دُونَ أَبِيهَا أَوْ كَانَ أَبُوهَا صَالِحًا دُونَهَا هَلْ يَكُونُ الْفَاسِقُ كُفُؤًا لَهَا أَوْ لَا؟ فَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِينَ أَنَّ الْعِبْرَةَ لِصَلَاحِ أَبِيهَا وَجَدِّهَا فَإِنَّهُمْ قَالُوا لَا يَكُونُ الْفَاسِقُ كُفُؤًا لِلصَّالِحَةِ بِنْتِ الصَّالِحِينَ وَاعْتُبِرَ فِي الْجَمِيعِ صَلَاحُهَا، فَقَالَ فَلَا يَكُونُ الْفَاسِقُ كُفُؤًا لِلصَّالِحَةِ وَفِي الْخَانِيَّةِ لَا يَكُونُ الْفَاسِقُ كُفُؤًا لِلصَّالِحَةِ بِنْتِ الصَّالِحِينَ فَاعْتُبِرَ صَلَاحُ الْكُلِّ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الطَّلَاحَ مِنْهَا أَوْ مِنْ آبَائِهَا كَافٍ لِعَدَمِ كَوْنِ الْفَاسِقِ كُفُؤًا لَهَا وَلَمْ أَرَهُ صَرِيحًا وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ التَّقْوَى مُعْتَبَرَةٌ فِي حَقِّ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ فَلَا يَكُونُ الْعَرَبِيُّ الْفَاسِقُ كُفُؤًا لِلصَّالِحَةِ عَرَبِيَّةً كَانَتْ أَوْ عَجَمِيَّةً. وَأَمَّا الْخَامِسُ فَالْمَالُ، أَطْلَقَهُ فَأَفَادَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّسَاوِي فِيهِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ الْإِسْكَافِ قَالَ فِي النَّوَازِلِ عَنْهُ إذَا كَانَ لِلرَّجُلِ عَشَرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ يُرِيدُ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً، لَهَا مِائَةُ أَلْفٍ وَأَخُوهَا لَا يَرْضَى بِذَلِكَ قَالَ: لِأَخِيهَا أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ ذَلِكَ وَلَا يَكُونُ كُفُؤًا وَجَعَلَهُ فِي الْمُجْتَبَى قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَيَّدَهُ فِي الْهِدَايَةِ بِأَنْ يَكُونَ مَالِكًا لِلْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ حَتَّى أَنَّ مَنْ لَا يَمْلِكُهُمَا أَوْ لَا يَمْلِكُ أَحَدَهُمَا لَا يَكُونُ كُفُؤًا؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ بَدَلُ الْبُضْعِ فَلَا بُدَّ مِنْ إيفَائِهِ وَبِالنَّفَقَةِ قِوَامُ الِازْدِوَاجِ وَدَوَامُهُ وَالْمُرَادُ بِالْمَهْرِ قَدْرُ مَا تَعَارَفُوا تَعْجِيلَهُ؛ لِأَنَّ مَا وَرَاءَهُ مُؤَجَّلٌ عُرْفًا اهـ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّبْيِينِ وَدَخَلَ فِي النَّفَقَةِ الْكِسْوَةُ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ وَالْعِنَايَةِ، وَذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ رَجُلٌ مَلَكَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ أَلْفِ دِرْهَمٍ وَمَهْرُ مِثْلِهَا أَلْفٌ جَازَ النِّكَاحُ، وَهَذَا الرَّجُلُ كُفْءٌ لَهَا وَإِنْ كَانَتْ الْكَفَاءَةُ بِالْقُدْرَةِ عَلَى الْمَهْرِ؛ لِأَنَّ هَذَا الرَّجُلَ قَادِرٌ عَلَى الْمَهْرِ فَإِنَّهُ يَقْضِي أَيَّ الدَّيْنَيْنِ شَاءَ بِذَلِكَ. اهـ. وَاخْتَلَفُوا فِي قَدْرِ النَّفَقَةِ، فَقِيلَ يُعْتَبَرُ نَفَقَةُ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَقِيلَ نَفَقَةُ شَهْرٍ وَصَحَّحَهُ فِي التَّجْنِيسِ وَفِي الْمُجْتَبَى وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى النَّفَقَةِ عَلَى طَرِيقِ الْكَسْبِ كَانَ كُفُؤًا اهـ. فَقَدْ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ وَتَصْحِيحُ الْمُجْتَبَى أَظْهَرُ كَمَا لَا يَخْفَى وَفِي الذَّخِيرَةِ إذَا كَانَ يَجِدُ نَفَقَتَهَا وَلَا يَجِدُ نَفَقَةَ نَفْسِهِ يَكُونُ كُفُؤًا وَإِنْ لَمْ يَجِدْ نَفَقَتَهَا لَا يَكُونُ كُفُؤًا وَإِنْ كَانَتْ فَقِيرَةً وَلَوْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ صَغِيرَةً لَا تُطِيقُ الْجِمَاعَ فَهُوَ كُفْءٌ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا وَفِي الْمُجْتَبَى وَالصَّبِيُّ كُفْءٌ بِغِنَى أَبِيهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ اهـ. يَعْنِي بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَهْرِ، وَأَمَّا فِي النَّفَقَةِ فَلَا يُعَدُّ غَنِيًّا بِغِنَى أَبِيهِ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ الْآبَاءَ يَتَحَمَّلُونَ الْمَهْرَ عَنْ الْأَبْنَاءِ وَلَا يَتَحَمَّلُونَ النَّفَقَةَ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَالْوَاقِعَاتِ وَفِي التَّبْيِينِ، وَقِيلَ: إنْ كَانَ ذَا جَاهٍ كَالسُّلْطَانِ وَالْعَالِمِ يَكُونُ كُفُؤًا وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ إلَّا النَّفَقَةَ؛ لِأَنَّ الْخَلَلَ يَنْجَبِرُ بِهِ وَمِنْ ثَمَّ قَالُوا: الْفَقِيهُ الْعَجَمِيُّ يَكُونُ كُفُؤًا لِلْعَرَبِيِّ الْجَاهِلِ. اهـ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ لَا بُدَّ مِنْهُ فِي كُلِّ زَوْجٍ عَرَبِيًّا كَانَ أَوْ عَجَمِيًّا لِكُلِّ امْرَأَةٍ وَلَوْ كَانَتْ فَقِيرَةً بِنْتَ فُقَرَاءَ   [منحة الخالق] الَّذِي فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُحِيطِ، وَقِيلَ عَلَيْهِ الْفَتْوَى وَمِثْلُهُ فِي الرَّمْزِ مَعْزِيًّا إلَى الْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ، وَكَذَا فِي الذَّخِيرَةِ عَبَّرَ بِقِيلَ (قَوْلُهُ فَإِنَّهُمْ قَالُوا لَا يَكُونُ الْفَاسِقُ كُفُؤًا لِلصَّالِحَةِ بِنْتِ الصَّالِحِينَ) لَفْظُ الصَّالِحَةِ زَائِدٌ مِنْ الْكَاتِبِ فَإِنَّ الَّذِي فِي شُرُوحِ الْهِدَايَةِ كَالْفَتْحِ وَالْمِعْرَاجِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ لَوْ نَكَحَتْ امْرَأَةٌ مِنْ بَنَاتِ الصَّالِحِينَ فَاسِقًا كَانَ لِلْأَوْلِيَاءِ حَقُّ الرَّدِّ. اهـ. (قَوْلُهُ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الصَّلَاحَ مِنْهَا أَوْ مِنْ آبَائِهَا كَافٍ) قَالَ فِي النَّهْرِ مَا فِي الْخَانِيَّةِ يَقْتَضِي اعْتِبَارَ الصَّلَاحِ مِنْ حَيْثُ الْآبَاءُ فَقَطْ حَيْثُ قَالَ: إذَا كَانَ الْفَاسِقُ مُحْتَرَمًا مُعَظَّمًا عِنْدَ النَّاسِ كَأَعْوَانِ السُّلْطَانِ يَكُونُ كُفُؤًا لِبَنَاتِ الصَّالِحِينَ، ثُمَّ قَالَ وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِ بَلْخٍ لَا يَكُونُ كُفُؤًا لِبِنْتِ الصَّلَاحِ مُعْلِنًا كَانَ أَوْ لَا، وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ الْفَضْلِ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَيُؤَيِّدُهُ مَا مَرَّ عَنْ الْمُحِيطِ وَحِينَئِذٍ فَلَا اعْتِبَارَ بِفِسْقِهَا وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ. اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ عَنْ الْخَانِيَّةِ أَيْضًا يَقْتَضِي اعْتِبَارَهُ مِنْ جِهَتِهَا أَيْضًا فَالْوَاجِبُ التَّوْفِيقُ بِمَا قَالَهُ الْمُؤَلِّفُ أَوْ بِاشْتِرَاطِ الصَّلَاحِ مِنْ الْجِهَتَيْنِ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الْقُهُسْتَانِيِّ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ فَلَيْسَ فَاسِقٌ كُفُؤًا لِبِنْتِ صَالِحٍ مَا نَصُّهُ وَهِيَ صَالِحَةٌ، وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنْ تَكُونَ الْبِنْتُ صَالِحَةً بِصَلَاحِهِ اهـ. فَجَعَلَ صَلَاحَهَا شَرْطًا كَصَلَاحِ آبَائِهَا وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ كَلَامُ الشَّارِحِينَ ثُمَّ رَأَيْته فِي الرَّمْزِ صَرَّحَ بِذَلِكَ حَيْثُ قَالَ قُلْتُ: اقْتِصَارُهُمْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ صَلَاحَهَا يُعْرَفُ بِصَلَاحِهِمْ لِخَفَاءِ حَالِ الْمَرْأَةِ غَالِبًا لَا سِيَّمَا الْأَبْكَارُ وَالصَّغَائِرُ اهـ. وَفِي الْحَوَاشِي الْيَعْقُوبِيَّةِ قَوْلُهُ فَلَيْسَ فَاسِقٌ كُفْءَ بِنْتِ صَالِحٍ فِيهِ كَلَامٌ وَهُوَ أَنَّ بِنْتَ الصَّالِحِ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ فَاسِقَةً فَيَكُونُ كُفُؤًا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، وَالْأَوْلَى مَا فِي الْمَجْمَعِ وَهُوَ أَنَّ الْفَاسِقَ لَيْسَ كُفُؤًا لِلصَّالِحَةِ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْغَالِبُ أَنَّ بِنْتَ الصَّالِحِ صَالِحَةٌ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ بِنَاءً عَلَى الْغَالِبِ. (قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ التَّقْوَى مُعْتَبَرَةٌ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ صَرَّحَ بِهَذَا فِي إيضَاحِ الْإِصْلَاحِ عَلَى أَنَّهُ الْمَذْهَبُ. (قَوْلُهُ: فَقِيلَ يُعْتَبَرُ نَفَقَةُ سِتَّةِ أَشْهُرٍ) نَقَلَهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُنْتَقَى عَنْ مُحَمَّدٍ، وَنَقَلَ فِي الْخَانِيَّةِ وَالتَّجْنِيسِ عَنْ بَعْضِهِمْ نَفَقَةَ سَنَةٍ. (قَوْلُهُ وَتَصْحِيحُ الْمُجْتَبَى أَظْهَرُ) جَمَعَ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ فِي النَّهْرِ، فَقَالَ وَلَوْ قِيلَ إنْ كَانَ غَيْرَ مُحْتَرِفٍ فَنَفَقَةُ شَهْرٍ وَإِلَّا فَأَنْ يَكْتَسِبَ كُلَّ يَوْمٍ قَدْرَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لَكَانَ حَسَنًا ثُمَّ رَأَيْته فِي الْخَانِيَّةِ نَقَلَ مَا فِي الْمُجْتَبَى عَنْ الثَّانِي، ثُمَّ قَالَ وَالْأَحْسَنُ فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 142 كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْوَاقِعَاتِ مُعَلِّلًا بِأَنَّ الْمَهْرَ وَالنَّفَقَةَ عَلَيْهِ فَيُعْتَبَرُ هَذَا الْوَصْفُ فِي حَقِّهِ اهـ. فَفِي إدْخَالِ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمَا فِي الْكَفَاءَةِ إشْكَالٌ؛ لِأَنَّ الْكَفَاءَةَ الْمُمَاثَلَةُ، وَهَذَا شَرْطٌ فِي حَقِّ الزَّوْجِ فَقَطْ لَكِنْ قَدَّمْنَا أَنَّهَا شَرْعًا الْمُمَاثَلَةُ أَوْ كَوْنُ الْمَرْأَةِ أَدْنَى. وَأَمَّا السَّادِسُ فَالْكَفَاءَةُ فِي الْحِرْفَةِ بِالْكَسْرِ وَهِيَ كَمَا فِي ضِيَاءِ الْحُلُومِ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَسُكُونِ الرَّاءِ اسْمٌ مِنْ الِاحْتِرَافِ وَهُوَ الِاكْتِسَابُ بِالصِّنَاعَةِ وَالتِّجَارَةِ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ الصِّنَاعَةُ الْحِرْفَةُ. اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْحِرْفَةَ أَعَمُّ مِنْ الصِّنَاعَةِ؛ لِأَنَّهَا الْعِلْمُ الْحَاصِلُ مِنْ التَّمَرُّنِ عَلَى الْعَمَلِ وَلِذَا عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِالْحِرْفَةِ دُونَ الصِّنَاعَةِ لَكِنْ قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْحِرْفَةُ بِالْكَسْرِ الطُّعْمَةُ وَالصِّنَاعَةُ يُرْتَزَقُ مِنْهَا وَكُلُّ مَا اشْتَغَلَ الْإِنْسَانُ بِهِ وَهِيَ تُسَمَّى صَنْعَةً وَحِرْفَةً؛ لِأَنَّهُ يَنْحَرِفُ إلَيْهَا اهـ. فَأَفَادَ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ، وَقَدْ حَقَّقَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّ اعْتِبَارَ الْكَفَاءَةِ فِي الصَّنَائِعِ هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَتَفَاخَرُونَ بِشَرَفِ الْحِرَفِ وَيَتَعَيَّرُونَ بِدَنَاءَتِهَا وَهِيَ وَإِنْ أَمْكَنَ تَرْكُهَا يَبْقَى عَارُهَا كَمَا فِي الْمُجْتَبَى وَفِي الذَّخِيرَةِ مَعْزِيًّا إلَى أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - النَّاسُ بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ إلَّا حَائِكًا أَوْ حَجَّامًا وَفِي رِوَايَةٍ، أَوْ دَبَّاغًا: قَالَ مَشَايِخُنَا وَرَابِعُهُمْ الْكَنَّاسُ فَوَاحِدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةِ لَا يَكُونُ كُفُؤًا لِلصَّيْرَفِيِّ وَالْجَوْهَرِيِّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَبَعْدَ هَذَا الْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إنَّ الْحِرَفَ مَتَى تَقَارَبَتْ لَا يُعْتَبَرُ التَّفَاوُتُ وَتَثْبُتُ الْكَفَاءَةُ فَالْحَائِكُ يَكُونُ كُفُؤًا لِلْحَجَّامِ، وَالدَّبَّاغُ يَكُونُ كُفُؤًا لِلْكَنَّاسِ وَالصَّفَّارُ يَكُونُ كُفُؤًا لِلْحَدَّادِ وَالْعَطَّارُ يَكُونُ كُفُؤًا لِلْبَزَّازِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. اهـ. فَالْمُفْتَى بِهِ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْمُخْتَصَرِ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْكَفَاءَةِ فِي الصَّنَائِعِ لَا تَتَحَقَّقُ إلَّا بِكَوْنِهِمَا مِنْ صَنْعَةٍ وَاحِدَةٍ إلَّا أَنَّ التَّقَارُبَ بِمَنْزِلَةِ الْمُمَاثَلَةِ فَلَا مُخَالَفَةَ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْحَائِكُ يَكُونُ كُفُؤًا لِلْعَطَّارِ بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ لِمَا هُنَاكَ مِنْ حُسْنِ اعْتِبَارِهَا وَعَدَمِ عَدِّهَا نَقْصًا أَلْبَتَّةَ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَقْتَرِنَ بِهَا خَسَاسَةُ غَيْرِهَا اهـ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ صَاحِبُ الْوَظَائِفِ فِي الْأَوْقَافِ كُفُؤًا لِبِنْتِ التَّاجِرِ فِي مِصْرَ إلَّا أَنْ تَكُونَ وَظِيفَةً دَنِيئَةً عُرْفًا كَسَوَّاقٍ وَفَرَّاشٍ وَوَقَّادٍ وَبَوَّابٍ وَتَكُونُ الْوَظَائِفُ مِنْ الْحِرَفِ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ طَرِيقًا لِلِاكْتِسَابِ فِي مِصْرَ كَالصَّنَائِعِ اهـ. وَيَنْبَغِي أَنَّ مَنْ لَهُ وَظِيفَةُ تَدْرِيسٍ أَوْ نَظَرٍ يَكُونُ كُفُؤًا لِبِنْتِ الْأَمِيرِ بِمِصْرَ وَفِي الْقُنْيَةِ الْحَائِكُ لَا يَكُونُ كُفُؤًا لِبِنْتِ الدِّهْقَانِ وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا، وَقِيلَ هُوَ كُفْءٌ اهـ. وَفِي الْمُغْرِبِ غَلَبَ اسْمُ الدِّهْقَانِ عَلَى مَنْ لَهُ عَقَارٌ كَثِيرَةٌ وَفِي الْمُجْتَبَى وَهُنَا جِنْسٌ أَخَسُّ مِنْ الْكُلِّ وَهُوَ الَّذِي يَخْدُمُ الظَّلَمَةَ يُدْعَى شَاكِرِيًّا وَتَابِعًا وَإِنْ كَانَ صَاحِبَ مُرُوءَةٍ وَمَالٍ فَظُلْمُهُ خَسَاسَةٌ اهـ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالشَّاكِرِيَّةِ لَا يَكُونُ كُفُؤًا لِأَحَدٍ إلَّا لِأَمْثَالِهِمْ وَهُمْ الَّذِينَ يَتْبَعُونَ هَؤُلَاءِ الْمُتْرَفِينَ هَكَذَا قَالَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ الظَّاهِرَ اعْتِبَارُ هَذِهِ الْكَفَاءَةِ بَيْنَ الزَّوْجِ وَأَبِيهَا وَأَنَّ الظَّاهِرَ اعْتِبَارُهَا وَقْتَ التَّزَوُّجِ فَلَوْ كَانَ دَبَّاغًا أَوَّلًا ثُمَّ صَارَ تَاجِرًا ثُمَّ تَزَوَّجَ بِنْتَ تَاجِرٍ أَصْلِيٍّ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كُفُؤًا، لَكِنْ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الصَّنْعَةَ وَإِنْ أَمْكَنَ تَرْكُهَا يَبْقَى عَارُهَا يُخَالِفُهُ كَمَا لَا يَخْفَى، وَقَدْ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِاقْتِصَارِهِ عَلَى الْأُمُورِ السِّتَّةِ إلَى أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ غَيْرُهَا فَلَا عِبْرَةَ بِالْجَمَالِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَلَا يُعْتَبَرُ فِيهَا الْعَقْلُ فَالْمَجْنُونُ كُفْءٌ لِلْعَاقِلَةِ وَفِيهِ اخْتِلَافٌ بَيْنَ الْمَشَايِخِ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ وَلَا عِبْرَةَ بِالْبَلَدِ فَالْقَرَوِيُّ كُفْءٌ لِلْمَدَنِيِّ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فَعَلَى هَذَا التَّاجِرُ فِي الْقُرَى يَكُونُ كُفُؤًا لِبِنْتِ التَّاجِرِ فِي الْمِصْرِ لِلتَّقَارُبِ وَلَا تُعْتَبَرُ الْكَفَاءَةُ عِنْدَنَا فِي السَّلَامَةِ مِنْ الْعُيُوبِ الَّتِي يُفْسَخُ بِهَا الْبَيْعُ كَالْجُذَامِ وَالْجُنُونِ وَالْبَرَصِ وَالْبَخَرِ وَالدَّفْرِ كَمَا سَيَأْتِي وَلَا تُعْتَبَرُ الْكَفَاءَةُ بَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَلَوْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا، فَقَالَ وَلِيُّهَا لَيْسَ هَذَا كُفُؤًا لَمْ يُفَرَّقْ بَلْ هُمْ أَكْفَاءٌ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ قَالَ   [منحة الخالق] الْمُحْتَرِفِينَ قَوْلُهُ، وَهَذَا يُشِيرُ إلَى مَا قُلْنَا. (قَوْلُهُ: وَقَدْ حَقَّقَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ إلَخْ) أَقُولُ: وَقَالَ أَيْضًا فِي الْبَدَائِعِ، وَأَمَّا الْحِرْفَةُ فَقَدْ ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّ الْكَفَاءَةَ فِيهَا مُعْتَبَرَةٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَذَكَرَ أَبَا حَنِيفَةَ بَنَى الْأَمْرَ فِيهَا عَلَى عَادَةِ الْعَرَبِ أَنَّ مَوَالِيَهُمْ يَعْمَلُونَ هَذِهِ الْأَعْمَالَ لَا يَقْصِدُونَ بِهَا الْحِرَفَ فَلَا يُعَيَّرُونَ بِهَا وَأَجَابَ أَبُو يُوسُفَ عَلَى عَادَةِ أَهْلِ الْبِلَادِ وَأَنَّهُمْ يَتَّخِذُونَ ذَلِكَ حِرْفَةً فَيُعَيَّرُونَ بِالدَّنِيءِ مِنْ الصَّنَائِعِ فَلَا يَكُونُ بَيْنَهُمْ خِلَافٌ فِي الْحَقِيقَةِ اهـ. قُلْتُ: وَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّ الْعَرَبَ إذَا كَانُوا يَحْتَرِفُونَ بِأَنْفُسِهِمْ تُعْتَبَرُ فِيهِمْ الْكَفَاءَةُ فِي الْحِرْفَةِ أَيْضًا. (قَوْلُهُ لَكِنْ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الصَّنْعَةَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ الْمُخَالَفَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى تَسْلِيمِ كَوْنِهِ كُفُؤًا وَلِقَائِلٍ مَنْعُهُ لِقِيَامِ الْمَانِعِ بِهِ وَهُوَ بَقَاءُ عَارِ الْحِرْفَةِ السَّابِقَةِ وَاعْتِبَارُهَا وَقْتَ الْعَقْدِ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ وَقْتَهُ كُفُؤًا ثُمَّ صَارَ فَاجِرًا دَاعِرًا لَا يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ وَلَوْ قِيلَ إنَّهُ إنْ بَقِيَ عَارُهَا لَمْ يَكُنْ كُفُؤًا وَإِنْ تَنَاسَى أَمْرَهَا لِتَقَادُمِ زَمَانِهَا كَانَ كُفُؤًا لَكَانَ حَسَنًا (قَوْلُهُ وَفِيهِ اخْتِلَافٌ بَيْنَ الْمَشَايِخِ) قَالَ فِي النَّهْرِ، وَقِيلَ يُعْتَبَرُ؛ لِأَنَّهُ يُفَوِّتُ مَقَاصِدَ النِّكَاحِ فَكَانَ أَشَدَّ مِنْ الْفَقْرِ وَدَنَاءَةِ الْحِرْفَةِ وَيَنْبَغِي اعْتِمَادُهُ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يُعَيِّرُونَ بِتَزْوِيجِ الْمَجْنُونِ أَكْثَرَ مِنْ دَنِيءِ الْحِرْفَةِ الدَّنِيئَةِ وَفِي الْبِنَايَةِ عَنْ الْمَرْغِينَانِيِّ لَا يَكُونُ الْمَجْنُونُ كُفُؤًا لِلْعَاقِلَةِ وَعِنْدَ بَقِيَّةِ الْأَئِمَّةِ هُوَ مِنْ الْعُيُوبِ الَّتِي يَنْفَسِخُ بِهَا النِّكَاحُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 143 فِي الْأَصْلِ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَسَبًا مَشْهُورًا كَبِنْتِ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِهِمْ خَدَعَهَا حَائِكٌ أَوْ سَائِسٌ فَإِنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمْ لَا لِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ بَلْ لِتَسْكِينِ الْفِتْنَةِ وَالْقَاضِي مَأْمُورٌ بِتَسْكِينِهَا بَيْنَهُمْ كَمَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ. (قَوْلُهُ وَلَوْ نَقَصَتْ عَنْ مَهْرِ مِثْلِهَا لِلْوَلِيِّ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا أَوْ يُتِمَّ الْمَهْرَ) يَعْنِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَا زَادَ عَنْ الْعَشَرَةِ حَقُّهَا وَمَنْ أَسْقَطَ حَقَّهُ لَا يُعْتَرَضُ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْإِبْرَاءِ بَعْدَ التَّسْمِيَةِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْأَوْلِيَاءَ يَفْتَخِرُونَ بِغَلَاءِ الْمَهْرِ وَيَتَعَيَّرُونَ بِنُقْصَانِهَا فَأَشْبَهَ الْكَفَاءَةَ بِخِلَافِ الْإِبْرَاءِ بَعْدَ التَّسْمِيَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَيَّرُ بِهِ فَحَاصِلُهُ: أَنَّ فِي الْمَهْرِ حُقُوقًا ثَلَاثَةً: أَحَدُهُمَا حَقُّ الشَّرْعِ وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ أَوْ مَا يُسَاوِيهَا. وَالثَّانِي حَقُّ الْأَوْلِيَاءِ وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ أَقَلَّ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ. وَالثَّالِثُ حَقُّ الْمَرْأَةِ وَهُوَ كَوْنُهُ مِلْكًا لَهَا، ثُمَّ حَقُّ الشَّرْعِ، وَالْأَوْلِيَاءِ مُرَاعًى وَقْتَ الثُّبُوتِ فَقَطْ فَلَا حَقَّ لَهُمَا حَالَةَ الْبَقَاءِ. وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ لِلْوَلِيِّ أَنْ يُفَرِّقَ أَنَّ الْوَلِيَّ لَوْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا مَهْرَ لَهَا وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ فَلَهَا الْمُسَمَّى، وَكَذَا إذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ التَّفْرِيقِ فَلَيْسَ لَهُمْ الْمُطَالَبَةُ بِالتَّكْمِيلِ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ لَهُمْ لَيْسَ إلَّا أَنْ يَفْسَخَ أَوْ يُكْمِلَ فَإِذَا امْتَنَعَ هُنَا عَنْ تَكْمِيلِ الْمَهْرِ لَا يُمْكِنُ الْفَسْخُ وَإِنْ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ قَبْلَ تَفْرِيقِ الْوَلِيِّ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَهَا نِصْفُ الْمُسَمَّى كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَالْمُرَادُ مِنْ الْوَلِيِّ هُنَا الْعَصَبَةُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَحْرَمًا عَلَى الْمُخْتَارِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْكَفَاءَةِ فَخَرَجَ الْقَرِيبُ الَّذِي لَيْسَ بِعَصَبَةٍ وَخَرَجَ الْقَاضِي فَلِذَا قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ مِنْ كِتَابِ الْحَجْرِ الْمَحْجُورُ عَلَيْهَا إذَا تَزَوَّجَتْ بِأَقَلَّ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا لَيْسَ لِلْقَاضِي الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ فِي الْمَالِ لَا فِي النَّفْسِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ زَوَّجَ طِفْلَهُ غَيْرَ كُفْءٍ أَوْ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ صَحَّ وَلَمْ يَجُزْ ذَلِكَ لِغَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ) يَعْنِي لَوْ زَوَّجَ الْأَبُ الصَّاحِي وَلَدَهُ الصَّغِيرَ أَمَةً أَوْ بِنْتَه الصَّغِيرَةَ عَبْدًا أَوْ زَوَّجَهُ وَزَادَ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ زِيَادَةً فَاحِشَةً أَوْ زَوَّجَهَا وَنَقَصَ عَنْ مَهْرِ مِثْلِهَا نُقْصَانًا فَاحِشًا فَهُوَ صَحِيحٌ مِنْ الْأَبِ وَالْجَدِّ دُونَ غَيْرِهِمَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ عِنْدَهُمَا عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ مُقَيَّدَةٌ بِشَرْطِ النَّظَرِ فَعِنْدَ فَوَاتِهِ يَبْطُلُ الْعَقْدُ وَلَهُ: أَنَّ الْحُكْمَ يُدَارُ عَلَى دَلِيلِ النَّظَرِ وَهُوَ قُرْبُ الْقَرَابَةِ وَفِي النِّكَاحِ مَقَاصِدُ تَرْبُو عَلَى الْمَهْرِ وَالْكَفَاءَةِ قَيَّدَ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ؛ لِأَنَّ الْغَبْنَ الْيَسِيرَ فِي الْمَهْرِ مَعْفُوٌّ اتِّفَاقًا كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَقَيَّدَ بِالنِّكَاحِ؛ لِأَنَّ فِي التَّصَرُّفَاتِ الْمَالِيَّةِ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْإِجَارَةِ وَالِاسْتِئْجَارِ وَالصُّلْحِ فِي دَعْوَى الْمَالِ لَا يَمْلِكُ الْأَبُ وَالْجَدُّ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْمَالُ وَقَدْ حَصَلَ النُّقْصَانُ فِيهِ بِلَا جَابِرٍ فَلَمْ يَجُزْ وَفِي النِّكَاحِ وُجِدَ الْجَابِرُ وَهُوَ مَا قُلْنَا مِنْ الْمَقَاصِدِ، وَأَطْلَقَ فِي الْأَبِ وَالْجَدِّ وَقَيَّدَهُ الشَّارِحُونَ وَغَيْرُهُمْ بِأَنْ لَا يَكُونَ مَعْرُوفًا بِسُوءِ الِاخْتِيَارِ حَتَّى لَوْ كَانَ مَعْرُوفًا بِذَلِكَ مَجَانَةً وَفِسْقًا فَالْعَقْدُ بَاطِلٌ عَلَى الصَّحِيحِ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَمَنْ زَوَّجَ ابْنَتَهُ الصَّغِيرَةَ الْقَابِلَةَ لِلتَّخَلُّقِ بِالْخَيْرِ وَالشَّرِّ مِمَّنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ شِرِّيرٌ فَاسِقٌ فَهُوَ ظَاهِرُ سُوءِ اخْتِيَارِهِ وَلِأَنَّ تَرْكَ النَّظَرِ هُنَا مَقْطُوعٌ بِهِ فَلَا يُعَارِضُهُ ظُهُورُ إرَادَةِ مَصْلَحَةٍ تُفَوِّتُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ يَعْنِي لَوْ زَوَّجَ الْأَبُ الصَّاحِي) قَالَ الرَّمْلِيُّ لَوْ زَادَ عَلَى هَذَا الَّذِي لَمْ يُعْرَفْ بِسُوءِ الِاخْتِيَارِ لَكَانَ أَوْلَى كَمَا سَيَظْهَرُ مِمَّا يَأْتِي (قَوْلُهُ وَلَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ عِنْدَهُمَا عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ هَذَا مُوَافِقٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ مِنْ اعْتِبَارِ الْكَفَاءَةِ فِي جَانِبِهَا مُخَالِفٌ لِمَا مَرَّ عَنْ الْخَبَّازِيَّةِ مِنْ عَدَمِ اعْتِبَارِهَا عِنْدَ الْكُلِّ قَالَ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ وَلَعَلَّهُمَا يَعْتَبِرَانِ الْكَفَاءَةَ بِالْحُرِّيَّةِ مِنْ جَانِبِهَا دُونَ غَيْرِهَا؛ لِأَنَّ رِقِّيَّةَ الزَّوْجَةِ تَسْتَتْبِعُ رِقِّيَّةَ أَوْلَادِهَا اهـ. وَهَذَا يُرْشِدُ إلَيْهِ تَصْوِيرُهُمْ الْمَسْأَلَةَ بِمَا إذَا زَوَّجَهُ أَمَةً إلَّا أَنَّ الظَّاهِرَ اعْتِبَارُهَا فِي جَانِبِهَا عِنْدَهُمَا مُطْلَقًا عَلَى مَا مَرَّ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْغَبْنَ الْيَسِيرَ فِي الْمَهْرِ مَعْفُوٌّ) الْغَبْنُ الْيَسِيرُ هُوَ مَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ أَيْ مَا يَغْبِنُ فِيهِ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِأَنْ يَتَحَمَّلُوهُ وَلَا يَعُدُّهُ كُلُّ أَحَدٍ غَبْنًا بِخِلَافِ الْفَاحِشِ وَهُوَ مَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ وَاَلَّذِي يَتَغَابَنُ فِيهِ فِي النِّكَاحِ مَا دُونَ نِصْفِ الْمَهْرِ كَذَا قَالَ شَيْخُنَا مُوَفَّقُ الدِّينِ، وَقِيلَ مَا دُونَ الْعَشْرِ اهـ. فَعَلَى الثَّانِي نُقْصَانُ تِسْعَةٍ مِنْ الْمِائَةِ يَسِيرٌ وَنُقْصَانُ عَشَرَةٍ مِنْهَا فَاحِشٌ وَعَلَى الْأَوَّلِ نُقْصَانُ تِسْعَةٍ وَأَرْبَعِينَ مِنْ الْمِائَةِ يَسِيرٌ وَنُقْصَانُ خَمْسِينَ فَاحِشٌ وَالْأَقْرَبُ الْقَوْلُ الثَّانِي كَمَا لَا يَخْفَى اهـ. تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَقَيَّدَهُ الشَّارِحُونَ وَغَيْرُهُمْ بِأَنْ لَا يَكُونَ إلَخْ) قَدَّمَ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَلَا لِكَافِرٍ عَلَى مُسْلِمٍ قَيَّدَ بِالْكُفْرِ؛ لِأَنَّ الْفِسْقَ لَا يَسْلُبُ الْأَهْلِيَّةَ عِنْدَنَا عَلَى الْمَشْهُورِ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْمَنْظُومَةِ اهـ. كَذَا قَالَهُ الرَّمْلِيُّ. قُلْتُ: وَلَا يُخَالِفُ مَا هُنَا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ ذَاكَ فِي بَقَاءِ الْأَهْلِيَّةِ مَعَ شَرْطِهِ وَهُوَ تَزْوِيجُهُ مِنْ كُفْءٍ بِمَهْرِ الْمِثْلِ وَمَا هُنَا فِي نَفْيِ الْجَوَازِ عِنْدَ فَقْدِ الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَعْرُوفًا بِسُوءِ الِاخْتِيَارِ فَزَوَّجَ مِنْ كُفْءٍ بِمَهْرِ الْمِثْلِ يَصِحُّ إذْ لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ مَا يُنَافِي الشَّفَقَةَ. (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ كَانَ مَعْرُوفًا بِذَلِكَ مَجَانَةً وَفِسْقًا) فِي الْمُغْرِبِ الْمَاجِنُ الَّذِي لَا يُبَالِي مَا يَصْنَعُ وَمَا قِيلَ لَهُ، وَمَصْدَرُهُ الْمُجُونُ وَالْمَجَانَةُ اسْمٌ مِنْهُ وَالْفِعْلُ مِنْ بَابِ طَلَبَ اهـ. وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِابْنِ مَلَكٍ حَتَّى لَوْ عُرِفَ مِنْ الْأَبِ سُوءُ الِاخْتِيَارِ لِسَفَهِهِ أَوْ لِطَمَعِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 144 ذَلِكَ نَظَرًا إلَى شَفَقَةِ الْأُبُوَّةِ اهـ. فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْأَبَ إذَا كَانَ مَعْرُوفًا بِسُوءِ الِاخْتِيَارِ لَمْ يَصِحَّ عَقْدُهُ بِأَقَلَّ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ وَلَا بِأَكْثَرَ فِي الصَّغِيرِ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ وَلَا مِنْ غَيْرِ الْكُفْءِ فِيهِمَا سَوَاءٌ كَانَ عَدَمُ الْكَفَاءَةِ بِسَبَبِ الْفِسْقِ أَوْ لَا حَتَّى لَوْ زَوَّجَ بِنْتَه مِنْ فَقِيرٍ أَوْ مُحْتَرِفٍ حِرْفَةً دَنِيئَةً وَلَمْ يَكُنْ كُفُؤًا فَالْعَقْدُ بَاطِلٌ فَقَصَرَ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ كَلَامَهُمْ عَلَى الْفَاسِدِ مِمَّا لَا يَنْبَغِي، وَذَكَرَ أَصْحَابُ الْفَتَاوَى أَنَّ الْأَبَ إذَا زَوَّجَ بِنْتَهُ الصَّغِيرَةَ مِمَّنْ يُنْكِرُ أَنَّهُ يَشْرَبُ الْمُسْكِرَ فَإِذَا هُوَ مُدْمِنٌ لَهُ وَقَالَتْ بَعْدَمَا كَبُرَتْ لَا أَرْضَى بِالنِّكَاحِ إنْ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُهُ الْأَبُ بِشُرْبِهِ وَكَانَ غَلَبَةُ أَهْلِ بَيْتِهِ صَالِحِينَ فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا زَوَّجَ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ كُفْءٌ اهـ. وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّ الْأَبَ لَوْ عَرَفَهُ بِشُرْبِهِ فَالنِّكَاحُ نَافِذٌ وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا مِنْهُ سُوءُ اخْتِيَارٍ بِيَقِينٍ لَكِنْ لَمْ يَلْزَمْ مِنْ تَحَقُّقِهِ كَوْنُ الْأَبِ مَعْرُوفًا لِلنَّاسِ بِهِ فَقَدْ يَتَّصِفُ بِهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَلَا يَشْتَهِرُ بِهِ فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ مَا ذَكَرُوهُ كَمَا لَا يَخْفَى، وَفَرَّقَ بَيْنَ عِلْمِهِ وَعَدَمِهِ فِي الذَّخِيرَةِ بِأَنَّهُ إذَا كَانَ عَالِمًا بِأَنَّهُ لَيْسَ بِكُفْءٍ عُلِمَ أَنَّهُ تَأَمَّلَ غَايَةَ التَّأَمُّلِ وَعَرَفَ هَذَا الْعَقْدَ مَصْلَحَةً فِي حَقِّهَا أَمَّا هَاهُنَا ظَنَّهُ كُفُؤًا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَتَأَمَّلُ. اهـ. وَقَدْ وَقَعَ فِي أَكْثَرِ الْفَتَاوَى فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ النِّكَاحَ بَاطِلٌ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَمْ يَنْعَقِدْ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَلَمْ يَقُلْ إنَّهُ بَاطِلٌ وَهُوَ الْحَقُّ وَلِذَا قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ فِي قَوْلِهِمْ فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ أَيْ يَبْطُلُ. ثَمَّ اعْلَمْ، أَنَّهُ لَا خُصُوصِيَّةَ لِمَا إذَا عَلِمَهُ فَاسِقًا، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّهُ إذَا زَوَّجَهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ كُفْءٌ فَإِذَا هُوَ لَيْسَ بِكُفْءٍ فَإِنَّهُ بَاطِلٌ وَلِذَا قَالَ فِي الْقُنْيَةِ زَوَّجَ بِنْتَه الصَّغِيرَةَ مِنْ رَجُلٍ ظَنَّهُ حُرَّ الْأَصْلِ وَكَانَ مُعْتَقًا فَهُوَ بَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ وَقَيَّدَ بِتَزْوِيجِهِ طِفْلَهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ زَوَّجَ أَمَةً طِفْلَهُ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ إضَاعَةُ مَالِهِمَا؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ مِلْكُهُمَا وَلَا مَقْصُودَ آخَرَ بَاطِنٌ يُصْرَفُ النَّظَرُ إلَيْهِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْمُرَادُ بِعَدَمِ الْجَوَازِ فِي قَوْلِهِ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ لِغَيْرِهِمَا عَدَمُ الصِّحَّةِ وَعَلَيْهِ اُبْتُنِيَ الْفَرْعُ الْمَعْرُوفُ، وَلَوْ زَوَّجَ الْعَمُّ الصَّغِيرَةَ حُرَّةَ الْجَدِّ مِنْ مُعْتَقِ الْجَدِّ فَكَبُرَتْ وَأَجَازَتْ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ الْعَقْدُ مَوْقُوفًا إذْ لَا مُجِيزَ لَهُ فَإِنَّ الْعَمَّ وَنَحْوَهُ لَا يَصِحُّ مِنْهُمْ التَّزْوِيجُ لِغَيْرِ الْكُفْءِ وَلِذَا ذَكَرَ فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا أَنَّ غَيْرَ الْأَبِ وَالْجَدِّ إذَا زَوَّجَ الصَّغِيرَةَ فَالْأَحْوَطُ أَنْ يُزَوِّجَهَا مَرَّتَيْنِ مَرَّةً بِمَهْرٍ مُسَمًّى وَمَرَّةً بِغَيْرِ التَّسْمِيَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي التَّسْمِيَةِ نُقْصَانٌ فَاحِشٌ وَلَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ الْأَوَّلُ يَصِحُّ الثَّانِي اهـ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ   [منحة الخالق] لَا يَجُوزُ عَقْدُهُ اتِّفَاقًا. (قَوْلُهُ فَقَصَرَ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ إلَخْ) أَقَرَّ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمُحَقِّقِ مِنْ أَنَّهُ يَظْهَرُ سُوءُ اخْتِيَارِهِ بِمُجَرَّدِ تَزْوِيجِهِ ابْنَتَهُ لِلْفَاسِقِ مَعَ أَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِمْ أَنْ لَا يَكُونَ مَعْرُوفًا بِسُوءِ الِاخْتِيَارِ يُخَالِفُهُ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ ظُهُورِ سُوءِ اخْتِيَارِهِ بِذَلِكَ كَوْنُهُ مَشْهُورًا بِسُوءِ الِاخْتِيَارِ كَمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ قَرِيبًا فِي دَفْعِ الْمُنَافَاةِ وَلَعَلَّهُ قَصَدَ بِمَا سَيَأْتِي التَّعْرِيضُ لِمَا فِي الْفَتْحِ أَيْضًا وَعَنْ هَذَا قَالَ فِي النَّهْرِ التَّحْقِيقُ أَنَّ الْأَبَ تَارَةً يُعْرَفُ بِسُوءِ الِاخْتِيَارِ فَلَا يَصِحُّ عَقْدُهُ مُطْلَقًا أَوْ لَا فَيَصِحُّ مُطْلَقًا وَلَوْ مِنْ فَاسِقٍ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ صَاحِيًا إذْ لَوْ كَانَ فِعْلُهُ ذَلِكَ آيَةَ سُوءِ اخْتِيَارِهِ لَزِمَ إحَالَةُ الْمَسْأَلَةِ فَتَدَبَّرْهُ اهـ. فَقَوْلُهُ " إذْ لَوْ كَانَ " رَدٌّ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمُحَقِّقِ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَزِمَ عَدَمُ تَصَوُّرِ صِحَّةِ تَزْوِيجِ الْأَبِ وَالْجَدِّ بِغَيْرِ الْكُفْءِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الْفَتَاوَى مِمَّا سَيَذْكُرُهُ الْمُؤَلِّفُ قَرِيبًا. (قَوْلُهُ: وَقَدْ وَقَعَ فِي أَكْثَرِ الْفَتَاوَى فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ) أَيْ الَّتِي ذَكَرَهَا أَصْحَابُ الْفَتَاوَى. (قَوْلُهُ إنَّ النِّكَاحَ بَاطِلٌ) لَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُمْ النِّكَاحُ بَاطِلٌ إنَّمَا هُوَ بَعْدَ رَدِّهَا وَذَلِكَ لَا يُفِيدُ بُطْلَانَهُ مِنْ أَصْلِهِ، نَعَمْ يَرُدُّ مَا قَالَهُ عَلَى عِبَارَةِ الْقُنْيَةِ الْآتِيَةِ حَيْثُ لَمْ يَذْكُرْ فِيهَا رَدَّ الْبِنْتِ أَمَّا عَلَى مَا مَرَّ فَلَا، وَقَدْ رَأَيْته كَذَلِكَ فِي الْخَانِيَّةِ وَالذَّخِيرَةِ والولوالجية وَالتَّجْنِيسِ وَالْبَزَّازِيَّةِ فَكُلُّهُمْ ذَكَرُوا الْبُطْلَانَ بَعْدَ الرَّدِّ وَهَلْ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَضَاءِ؟ لَمْ أَرَهُ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ لَا خُصُوصِيَّةَ لِمَا إذَا عَلِمَهُ فَاسِقًا) قَالَ الرَّمْلِيُّ. وَالْحَاصِلُ مِمَّا تَقَدَّمَ: أَنَّهُ إنْ لَمْ يَعْلَمْ بِعَدَمِ كَفَاءَتِهِ ثُمَّ عَلِمَ فَهُوَ بَاطِلٌ أَيْ سَيَبْطُلُ وَإِنْ عَلِمَ بِهَا يَنْظُرُ، إنْ عَلِمَ سُوءَ تَدْبِيرِهِ فَكَذَلِكَ وَإِلَّا فَهُوَ صَحِيحٌ نَافِذٌ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا فِي الْمُتُونِ هَذَا، وَقَدْ قَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ عَنْ الْوَلْوَالِجِيِّ امْرَأَةٌ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْ رَجُلٍ وَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّهُ عَبْدٌ أَوْ حُرٌّ إلَخْ وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ الْحُكْمَ مُخْتَلِفٌ بَيْنَ مَا إذَا زَوَّجَ الْكَبِيرَةَ بِرِضَاهَا عَلَى ظَنِّ الْكَفَاءَةِ فَلَا خِيَارَ عِنْدَ ظُهُورِ عَدَمِهَا وَفِيمَا إذَا زَوَّجَ الصَّغِيرَةَ عَلَى ذَلِكَ الظَّنِّ فَظَهَرَ خِلَافُهُ فَإِنَّهُ بَاطِلٌ أَيْ سَيَبْطُلُ، وَقَدْ تَوَهَّمَ بَعْضٌ خِلَافَ ذَلِكَ. اهـ. وَكَانَ مُرَادُهُ بِالْبَعْضِ الْعَلَّامَةَ الْمَقْدِسِيَّ فَإِنَّهُ قَالَ فِي الرَّمْزِ بَعْدَ مَا ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ الْمَنْقُولَةَ عَنْ الْفَتَاوَى قُلْتُ: وَهُوَ يُخَالِفُ مَا نَقَلْنَا آنِفًا أَنَّهُ لَوْ زَوَّجَتْ مِنْ غَيْرِ شَرْطِهِمْ الْكَفَاءَةَ فَظَهَرَ غَيْرَ كُفْءٍ لَا اعْتِرَاضَ لَهُمْ، فَأَمَّا أَنْ يَخُصَّ هَذَا مِنْهُ أَوْ يَدْخُلَ هَذَا فِيهِ. (قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ بِعَدَمِ الْجَوَازِ إلَخْ) فِيهِ رَدٌّ عَلَى صَدْرِ الشَّرِيعَةِ حَيْثُ قَالَ فِي شَرْحِهِ: وَإِنْ فَعَلَ غَيْرَهُمَا فَلَهُمَا أَنْ يَفْسَخَا بَعْدَ الْبُلُوغِ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي الصِّحَّةَ وَهُوَ وَهْمٌ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ ابْنُ الْكَمَالِ وَغَيْرُهُ، وَكَذَا رَدَّهُ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ فِي التَّلْوِيحِ فِي بَحْثِ الْعَوَارِضِ، وَذَكَرَ أَنَّهُ لَا يُوجَدُ لَهُ رِوَايَةٌ أَصْلًا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 145 فِي هَذَا الْمَعْنَى فَالتَّخْصِيصُ بِالصَّغِيرَةِ مِمَّا لَا يَنْبَغِي وَلَيْسَ لِلتَّزْوِيجِ مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ حِيلَةٌ كَمَا لَا يَخْفَى وَقَيَّدَ بِتَزْوِيجِ الْأَبِ أَيْ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِوَكِيلِ الْأَبِ أَنْ يُزَوِّجَ بِنْتَه الصَّغِيرَةَ بِأَقَلَّ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا كَذَا فِي الْقُنْيَةِ وَيَنْبَغِي اسْتِثْنَاءُ الْقَلِيلِ الَّذِي يَتَسَاهَلُ فِيهِ كَمَا لَا يَخْفَى وَقَيَّدْنَا الْأَبَ بِكَوْنِهِ صَاحِيًا؛ لِأَنَّ السَّكْرَانَ إذَا قَصَّرَ فِي مَهْرِ ابْنَتِهِ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ إجْمَاعًا وَالصَّاحِي: يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ السَّكْرَانِ أَنَّهُ لَا يَتَأَمَّلُ إذْ لَيْسَ لَهُ رَأْيٌ كَامِلٌ فَيَبْقَى النُّقْصَانُ ضَرَرًا مَحْضًا وَالظَّاهِرُ مِنْ حَالِ الصَّاحِي أَنَّهُ يَتَأَمَّلُ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ، وَكَذَا السَّكْرَانُ إذَا زَوَّجَ مِنْ غَيْرِ الْكُفْءِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَبِ مَنْ لَيْسَ بِسَكْرَانَ وَلَا عُرِفَ بِسُوءِ الِاخْتِيَارِ وَأَطْلَقَ فِي غَيْرِ الْكُفْءِ فَشَمِلَ مَا إذَا زَوَّجَهَا مِنْ مَمْلُوكٍ نَفْسَهُ فَعِنْدَهُمَا لَمْ يَصِحَّ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ وَقَيَّدَ بِالطِّفْلِ؛ لِأَنَّ الْأَبَ لَوْ زَوَّجَ الْكَبِيرَةَ مِنْ مَمْلُوكِهِ بِرِضَاهَا فَهُوَ جَائِزٌ اتِّفَاقًا وَلَا خُصُوصِيَّةَ لِلْأَبِ بَلْ كُلُّ وَلِيٍّ كَذَلِكَ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا غَيْرُهُ أَقْرَبَ مِنْهُ لَمْ يَرْضَ بِهِ قَبْلَ الْعَقْدِ وَالطِّفْلُ الصَّبِيُّ وَيَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَالْجَمَاعَةُ يُقَالُ طِفْلَةٌ وَأَطْفَالٌ اهـ. (فَصْلٌ) حَاصِلُهُ بَعْضُ مَسَائِلِ الْوَكِيلِ وَالْفُضُولِيِّ وَتَأْخِيرُهُمَا عَنْ الْوَلِيِّ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ أَصْلِيَّةٌ. (قَوْلُهُ لِابْنِ الْعَمِّ أَنْ يُزَوِّجَ بِنْتَ عَمِّهِ مِنْ نَفْسِهِ وَلِلْوَكِيلِ أَنْ يُزَوِّجَ مُوَكِّلَتَهُ مِنْ نَفْسِهِ) ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ فِي النِّكَاحِ مُعَبِّرٌ وَسَفِيرٌ وَالتَّمَانُعُ فِي الْحُقُوقِ دُونَ التَّعْبِيرِ وَلَا تَرْجِعُ الْحُقُوقُ إلَيْهِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ مُبَاشِرٌ حَتَّى رَجَعَتْ الْحُقُوقُ إلَيْهِ، وَرَوَى الْبُخَارِيُّ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ قَالَ لِأُمِّ حَكِيمِ ابْنَةِ فَارِضٍ أَتَجْعَلِينَ أَمْرَك إلَيَّ قَالَتْ نَعَمْ قَالَ تَزَوَّجْتُك فَعَقَدَهُ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ. . وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «قَالَ لِرَجُلٍ أَتَرْضَى أَنْ أُزَوِّجَك فُلَانَةَ قَالَ نَعَمْ وَقَالَ لِلْمَرْأَةِ أَتَرْضَيْنَ أَنْ أُزَوِّجَك فُلَانًا قَالَتْ نَعَمْ فَزَوَّجَ أَحَدَهُمَا صَاحِبَهُ» وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ الْحُدَيْبِيَةَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فَمَا فِي الْغَايَةِ مِنْ أَنَّ قَوْلَهُمْ أَنَّهُ سَفِيرٌ وَمُعَبِّرٌ لَمْ يَسْلَمْ مِنْ النَّقْضِ فَإِنَّ الْوَكِيلَ لَوْ زَوَّجَ مُوَكِّلَتَهُ عَلَى عَبْدِ نَفْسِهِ يُطَالَبُ بِتَسْلِيمِهِ سَهْوٌ فَإِنَّهُ لَمْ يَلْزَمْهُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ، وَإِنَّمَا لَزِمَهُ بِالْتِزَامِهِ حَيْثُ جَعَلَهُ مَهْرًا وَأَضَافَ الْعَقْدَ إلَيْهِ وَالْمُرَادُ بِبِنْتِ الْعَمِّ الصَّغِيرَةَ فَيَكُونُ ابْنُ الْعَمِّ أَصِيلًا مِنْ جَانِبٍ وَوَلِيًّا مِنْ جَانِبٍ وَلَا يُرَادُ بِهَا الْكَبِيرَةُ هُنَا؛ لِأَنَّهَا لَوْ وَكَّلَتْهُ فَهُوَ وَكِيلٌ دَاخِلٌ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ وَإِلَّا فَهُوَ فُضُولِيٌّ سَيَأْتِي بُطْلَانُهُ إنْ لَمْ يَقْبَلْ عَنْهَا أَحَدٌ وَلَوْ أَجَازَتْهُ بَعْدَهُ وَالْمُرَادُ بِالْوَكِيلِ الْوَكِيلُ فِي أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ نَفْسِهِ لِمَا فِي الْمُحِيطِ لَوْ وَكَّلَتْهُ بِتَزْوِيجِهَا مِنْ رَجُلٍ فَزَوَّجَهَا مِنْ نَفْسِهِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهَا أَمَرَتْهُ بِالتَّزْوِيجِ مِنْ رَجُلٍ نَكِرَةٍ وَهُوَ مَعْرِفَةٌ بِالْخِطَابِ وَالْمَعْرِفَةُ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ النَّكِرَةِ وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ لَوْ قَالَتْ الْمَرْأَةُ زَوِّجْ نَفْسِي مِمَّنْ شِئْت لَا يَمْلِكُ أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ نَفْسِهِ فَرْقٌ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا إذَا أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ، فَقَالَ لِلْمُوصَى لَهُ ضَعْ ثُلُثَ مَالِي حَيْثُ شِئْت كَانَ لِلْمُوصَى لَهُ أَنْ يَضَعَ عِنْدَ نَفْسِهِ. وَالْفَرْقُ أَنَّ الزَّوْجَ مَجْهُولٌ وَجَهَالَةُ الزَّوْجِ تَمْنَعُ صِحَّةَ الشَّرْطِ وَصَارَ كَالْمَسْكُوتِ عَنْهُ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْوَصِيَّةِ فَيُعْتَبَرُ التَّفْوِيضُ مُطْلَقًا اهـ. فَلَوْ وَكَّلَتْهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي أُمُورِهَا لَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَهَا مِنْ نَفْسِهِ بِالْأَوْلَى كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالْوَكَالَةُ كَمَا تَثْبُتُ بِالصَّرِيحِ تَثْبُتُ بِالسُّكُوتِ، وَلِذَا قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ قَالَ ابْنُ الْعَمِّ الْكَبِيرُ إنِّي أُرِيدُ أَنْ أُزَوِّجَك مِنْ نَفْسِي فَسَكَتَتْ فَزَوَّجَهَا مِنْ نَفْسِهِ جَازَ اهـ. وَلَمْ يُقَيِّدْهَا بِالْبِكْرِ وَقَيَّدَهَا بِالْبِكْرِ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَغَيْرِهِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ خَاصٌّ بِالْوَلِيِّ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ وَأُطْلِقَ فِي الْوَكَالَةِ بِهِ فَأَفَادَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْإِشْهَادُ عِنْدَهَا لِلصِّحَّةِ، وَإِنَّمَا لِخَوْفِ الْإِنْكَارِ وَلَمْ يُبَيِّنْ كَيْفَ يُزَوِّجُهَا الْوَكِيلُ مِنْ نَفْسِهِ وَأَنَّهُ هَلْ يُشْتَرَطُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِوَكِيلِ الْأَبِ أَنْ يُزَوِّجَ بِنْتَه إلَخْ) قَالَ فِي الرَّمْزِ يَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ بِمَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْأَبُ بِالزَّوْجِ كَأَنْ يُوَكِّلَهُ فِي تَحْصِيلِ زَوْجٍ لِبِنْتِهِ الصَّغِيرَةِ أَمَّا لَوْ كَانَ يَعْرِفُهُ خُصُوصًا بَعْدَ خُطْبَتِهِ، وَإِنَّمَا وَكَّلَ فِي مُجَرَّدِ الْعَقْدِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُ إذَا زَوَّجَ الْوَكِيلُ لِغَيْرِ كُفْءٍ لَا بِأَقَلَّ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ الَّذِي الْكَلَامُ فِيهِ وَفِي هَذَا قَالَ فِي النَّهْرِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ مَا لَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يُزَوِّجَ طِفْلَهُ أَمَّا لَوْ عَيَّنَ لَهُ الْمِقْدَارَ الَّذِي هُوَ غَبْنٌ فَاحِشٌ فَيَصِحُّ (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي اسْتِثْنَاءُ الْقَلِيلِ إلَخْ) قَالَ فِي الرَّمْزِ يُفِيدُ ذَلِكَ تَقْيِيدَهُمْ بِالْفَاحِشِ فَفِيهِ اسْتِغْنَاءٌ عَنْ هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ. [فَصْلٌ بَعْضُ مَسَائِلِ الْوَكِيلِ وَالْفُضُولِيِّ فِي النِّكَاح] (فَصْلٌ) (قَوْلُهُ وَجَهَالَةُ الزَّوْجِ تَمْنَعُ صِحَّةَ الشَّرْطِ إلَخْ) قَالَ فِي الرَّمْزِ هَذَا يَقْتَضِي أَنْ لَا يَصِحَّ مِنْ غَيْرِهِ أَيْضًا. اهـ. قُلْتُ: لَكِنْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْوَلِيِّ خِلَافُهُ حَيْثُ قَالَ عِنْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ وَإِنْ اسْتَأْذَنَهَا الْوَلِيُّ إلَخْ، أَمَّا إذَا قَالَتْ وَأَنَا رَاضِيَةٌ بِمَا تَفْعَلُهُ أَنْتَ بَعْدَ قَوْلِهِ إنَّ أَقْوَامًا يَخْطُبُونَك أَوْ زَوِّجْنِي مِمَّنْ تَخْتَارُهُ وَنَحْوَهُ فَهُوَ اسْتِئْذَانٌ صَحِيحٌ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 146 أَنْ يَعْرِفَهَا الشُّهُودُ لِلِاخْتِلَافِ فَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَتُهَا وَلَا ذِكْرُ اسْمِهَا وَنَسَبِهَا لِلشُّهُودِ حَتَّى لَوْ قَالَ تَزَوَّجْت الْمَرْأَةَ الَّتِي جَعَلَتْ أَمْرَهَا إلَيَّ عَلَى صَدَاقٍ كَذَا عِنْدَهُمْ صَحَّ وَالْمُخْتَارُ فِي الْمَذْهَبِ خِلَافُهُ وَإِنْ كَانَ الْخَصَّافُ كَبِيرًا فِي الْعِلْمِ يُقْتَدَى بِهِ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوِيهِ امْرَأَةٌ وَكَّلَتْ رَجُلًا أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ نَفْسِهِ فَذَهَبَ الْوَكِيلُ وَقَالَ اشْهَدُوا أَنِّي قَدْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ وَلَمْ تَعْرِفْ الشُّهُودُ فُلَانَةَ لَا يَجُوزُ النِّكَاحُ مَا لَمْ يَذْكُرْ اسْمَهَا وَاسْمَ أَبِيهَا وَجَدِّهَا؛ لِأَنَّهَا غَائِبَةٌ وَالْغَائِبَةُ لَا تُعْرَفُ إلَّا بِالنِّسْبَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ تَزَوَّجْت امْرَأَةً وَكَّلَتْنِي بِالنِّكَاحِ لَا يَجُوزُ وَإِنْ كَانَتْ حَاضِرَةً مُتَنَقِّبَةً وَلَا يَعْرِفُهَا الشُّهُودُ، فَقَالَ اشْهَدُوا أَنِّي تَزَوَّجْت هَذِهِ الْمَرْأَةَ، فَقَالَتْ الْمَرْأَةُ زَوَّجْت نَفْسِي مِنْهُ جَازَ هُوَ الْمُخْتَارُ؛ لِأَنَّهَا حَاضِرَةٌ وَالْحَاضِرَةُ تُعْرَفُ بِالْإِشَارَةِ فَإِذَا أَرَادُوا الِاحْتِيَاطَ يَكْشِفُ وَجْهَهَا حَتَّى يَعْرِفَهَا الشُّهُودُ أَوْ يَذْكُرَ اسْمَهَا وَاسْمَ أَبِيهَا وَاسْمَ جَدِّهَا حَتَّى يَكُونَ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ فَيَقَعَ الْأَمْنُ مِنْ أَنْ يُرْفَعَ إلَى قَاضٍ يَرَى قَوْلُ مَنْ لَا يَجُوزُ وَهُوَ نُصَيْرُ بْنُ يَحْيَى فَيَبْطُلُ النِّكَاحُ هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الشُّهُودُ لَا يَعْرِفُونَ الْمَرْأَةَ أَمَّا إذَا كَانُوا يَعْرِفُونَهَا وَهِيَ غَائِبَةٌ فَذَكَرَ اسْمَهَا لَا غَيْرُ، جَازَ النِّكَاحُ إذَا عَرَفَ الشُّهُودُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْمَرْأَةَ الَّتِي عَرَفُوهَا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ النِّسْبَةِ التَّعْرِيفُ، وَقَدْ حَصَلَ بِاسْمِهَا اهـ. وَقَدْ وَقَعَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْفَتَاوَى وَالِاحْتِيَاطُ كَشْفُ وَجْهِهَا أَوْ ذِكْرُ اسْمِهَا بِكَلِمَةٍ أَوْ وَالصَّوَابُ بِالْوَاوِ كَمَا فِي عُمْدَةِ الْفَتَاوَى لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ؛ لِأَنَّ الِاحْتِيَاطَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا لَا أَحَدِهِمَا وَفِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ أَرْسَلَ رَجُلًا لِيَخْطُبَ لَهُ امْرَأَةً بِعَيْنِهَا فَذَهَبَ الرَّسُولُ وَزَوَّجَهَا إيَّاهُ جَازَ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِالْخِطْبَةِ وَتَمَامُ الْخِطْبَةِ بِالْعَقْدِ اهـ. وَيُشْتَرَطُ لِلُزُومِ عَقْدِ الْوَكِيلِ مُوَافَقَتُهُ فِي الْمَهْرِ الْمُسَمَّى فَلِذَا قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ لَوْ وَكَّلَهُ فِي أَنْ يُزَوِّجَهُ فُلَانَةَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَزَوَّجَهَا إيَّاهُ بِأَلْفَيْنِ إنْ أَجَازَ الزَّوْجُ جَازَ وَإِنْ رَدَّ بَطَلَ النِّكَاحُ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الزَّوْجُ بِذَلِكَ حَتَّى دَخَلَ بِهَا فَالْخِيَارُ بَاقٍ إنْ أَجَازَ كَانَ عَلَيْهِ الْمُسَمَّى لَا غَيْرُ، وَإِنْ رَدَّ بَطَلَ النِّكَاحُ فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ إنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ الْمُسَمَّى وَإِلَّا يَجِبُ الْمُسَمَّى وَإِنْ لَمْ يَرْضَ الزَّوْجُ بِالزِّيَادَةِ، فَقَالَ الْوَكِيلُ أَنَا أَغْرَمُ الزِّيَادَةَ وَأُلْزِمُكُمَا النِّكَاحَ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ امْرَأَةٌ وَكَّلَتْ رَجُلًا لِيُزَوِّجَهَا بِأَرْبَعِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَزَوَّجَهَا الْوَكِيلُ وَأَقَامَتْ مَعَ الزَّوْجِ سَنَةً ثُمَّ زَعَمَ الزَّوْجُ أَنَّ الْوَكِيلَ زَوَّجَهَا مِنْهُ بِدِينَارٍ وَصَدَّقَهُ الْوَكِيلُ فِي ذَلِكَ فَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ مُقِرًّا أَنَّ الْمَرْأَةَ لَمْ تُوَكِّلْهُ بِدِينَارٍ كَانَتْ الْمَرْأَةُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَتْ أَجَازَتْ النِّكَاحَ بِدِينَارٍ وَلَيْسَ لَهَا غَيْرُ ذَلِكَ وَإِنْ شَاءَتْ رَدَّتْ النِّكَاحَ وَلَهَا عَلَيْهِ مَهْرُ مِثْلِهَا بَالِغًا مَا بَلَغَ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّ ثَمَّةَ الْمَرْأَةَ رَضِيَتْ بِالْمُسَمَّى فَإِذَا بَطَلَ النِّكَاحُ وَوَجَبَ الْعُقْرُ بِالدُّخُولِ لَا يُزَادُ عَلَى مَا رَضِيَتْ أَمَّا هُنَا الْمَرْأَةُ مَا رَضِيَتْ بِالْمُسَمَّى فِي الْعَقْدِ فَكَانَ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ وَلَيْسَ لَهَا نَفَقَةُ الْعِدَّةِ وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ يَدَّعِي التَّوْكِيلَ بِدِينَارٍ وَهِيَ تُنْكِرُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا مَعَ الْيَمِينِ، وَهَذَا أَمْرٌ يُحْتَاطُ فِيهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُشْهَدَ عَلَى أَمْرِهَا وَتُجِيزَهُ بَعْدَ الْعَقْدِ إذَا خَالَفَ أَمْرَهَا، وَكَذَا الْوَلِيُّ إذَا كَانَتْ بَالِغَةً يَفْعَلُ مَا يَفْعَلُهُ الْوَكِيلُ اهـ. (قَوْلُهُ وَنِكَاحُ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ بِغَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ مَوْقُوفٌ كَنِكَاحِ الْفُضُولِيِّ) شَرَعَ فِي بَيَانِ الْفُضُولِيِّ وَبَعْضِ أَحْكَامِهِ وَهُوَ مَنْ يَتَصَرَّفُ لِغَيْرِهِ بِغَيْرِ وِلَايَةٍ وَلَا وَكَالَةٍ أَوْ لِنَفْسِهِ وَلَيْسَ أَهْلًا لَهُ، وَإِنَّمَا زِدْنَاهُ لِيَدْخُلَ نِكَاحُ الْعَبْدِ بِغَيْرِ إذْنٍ إنْ قُلْنَا إنَّهُ فُضُولِيٌّ وَإِلَّا فَهُوَ مُلْحَقٌ بِهِ فِي أَحْكَامِهِ وَالْفُضُولِيُّ جَمْعُ فَضْلٍ غَلَبَ فِي الِاشْتِغَالِ بِمَا لَا يَعْنِيهِ وَمَا لَا وِلَايَةَ لَهُ فِيهِ فَقَوْلُ بَعْضِ الْجَهَلَةِ لِمَنْ يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ أَنْتَ فُضُولِيٌّ يُخْشَى عَلَيْهِ الْكُفْرُ وَصِفَتُهُ أَنَّهُ عَقْدٌ صَحِيحٌ غَيْرُ نَافِذٍ وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ عَقْدٍ صَدَرَ مِنْ الْفُضُولِيِّ وَلَهُ مُجِيزٌ انْعَقَدَ مَوْقُوفًا عَلَى الْإِجَازَةِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تَصَرُّفَاتُ الْفُضُولِيِّ كُلُّهَا بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ وُضِعَ لِحُكْمِهِ وَالْفُضُولِيُّ لَا يَقْدِرُ عَلَى إثْبَاتِ الْحُكْمِ فَيَلْغُو وَلَنَا أَنَّ رُكْنَ التَّصَرُّفِ صَدَرَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَالْمُخْتَارُ فِي الْمَذْهَبِ خِلَافُهُ إلَخْ) قَالَ الْمَقْدِسِيَّ فِيمَا نُقِلَ عَنْهُ إنْ أَرَادَ أَنَّ كَلَامَ الْوَلْوَالِجِيِّ يَشْهَدُ لَهُ فَمَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّ ذَاكَ فِي صِحَّةِ نِكَاحِ الْمُنْتَقِبَةِ أَيْ فَهُوَ الْمُخْتَارُ بِالنِّسْبَةِ إلَى قَوْلِ نُصَيْرِ بْنِ يَحْيَى وَمِمَّا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ شَمْسَ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيَّ مَعَ جَلَالَةِ قَدْرِهِ نَقَلَ كَلَامَ الْخَصَّافِ بِجَمِيلِ الْأَوْصَافِ مَعَ أَنَّهُ كَبِيرٌ يُقْتَدَى بِهِ وَلَوْ كَانَ الْمُخْتَارُ خِلَافَهُ لَنَبَّهَ عَلَيْهِ اهـ. وَذَكَرَ قَرِيبًا مِنْ هَذَا فِي الرَّمْزِ وَفِيهِ أَنَّ اقْتِصَارَ الْوَلْوَالِجِيِّ عَلَى خِلَافِ كَلَامِ الْخَصَّافِ يُشْعِرُ بِاخْتِيَارِهِ وَنَقْلُ الْحَلْوَانِيُّ لَهُ لَا يُفِيدُ أَنَّهُ الْمُخْتَارُ فِي الْمَذْهَبِ بَلْ قَوْلُ الْحَلْوَانِيِّ يَجُوزُ تَقْلِيدُهُ يُفِيدُ أَنَّ الْمَشْهُورَ مِنْ الْمَذْهَبِ خِلَافُهُ، وَقَدْ قَدَّمْنَا عِنْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ بِلَفْظِ النِّكَاحِ نَقْلًا عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُضْمَرَاتِ التَّصْرِيحُ بِأَنَّ خِلَافَهُ هُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. (قَوْلُهُ جَازَ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِالْخِطْبَةِ وَتَمَامُ الْخِطْبَةِ بِالْعَقْدِ) قَالَ فِي الرَّمْزِ لَعَلَّ هَذَا فِي عُرْفِهِمْ وَإِلَّا فَقَدْ يَخْطُبُ الشَّخْصُ لِيَنْظُرَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 147 مِنْ أَهْلِهِ مُضَافًا إلَى مَحَلِّهِ وَلَا ضَرَرَ فِي انْعِقَادِهِ فَيَنْعَقِدُ مَوْقُوفًا حَتَّى إذَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِيهِ يُنْفِذُهُ، وَقَدْ يَتَرَاخَى حُكْمُ الْعَقْدِ عَنْ الْعَقْدِ وَفُسِّرَ الْمُجِيزُ فِي النِّهَايَةِ بِقَابِلٍ يَقْبَلُ الْإِيجَابَ سَوَاءٌ كَانَ فُضُولِيًّا أَوْ وَكِيلًا أَوْ أَصِيلًا فَإِنْ كَانَ لَهُ مُجِيزٌ حَالَةَ الْعَقْدِ تُوُقِّفَ وَإِلَّا بَطَلَ بَيَانُهُ الصَّبِيَّ إذَا بَاعَ مَالَهُ أَوْ اشْتَرَى أَوْ تَزَوَّجَ أَوْ زَوَّجَ أَمَتَهُ أَوْ كَاتَبَ عَبْدَهُ أَوْ نَحْوَهُ يُتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الْوَلِيِّ فِي حَالَةِ الصِّغَرِ فَلَوْ بَلَغَ قَبْلَ أَنْ يُجِيزَهُ الْوَلِيُّ فَأَجَازَهُ بِنَفْسِهِ نَفَذَ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ مُتَوَقِّفَةً وَلَا يَنْفُذُ بِمُجَرَّدِ بُلُوغِهِ وَلَوْ طَلَّقَ الصَّبِيُّ امْرَأَتَهُ أَوْ خَلَعَهَا أَوْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَلَى مَالٍ أَوْ دُونِهِ أَوْ وَهَبَ أَوْ تَصَدَّقَ أَوْ زَوَّجَ عَبْدَهُ أَوْ بَاعَ مَالَهُ بِمُحَابَاةٍ فَاحِشَةٍ أَوْ اشْتَرَى بِأَكْثَرَ مِنْ الْقِيمَةِ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ فِيهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَوْ فَعَلَهُ وَلِيُّهُ لَا يَنْفُذُ كَانَتْ هَذِهِ الصُّوَرُ بَاطِلَةً غَيْرَ مُتَوَقِّفَةٍ وَلَوْ أَجَازَهَا بَعْدَ الْبُلُوغِ لِعَدَمِ الْمُجِيزِ وَقْتَ الْعَقْدِ إلَّا إذَا كَانَ لَفْظُ الْإِجَازَةِ يَصْلُحُ لِابْتِدَاءِ الْعَقْدِ فَيَصِحُّ عَلَى وَجْهِ الْإِنْشَاءِ كَأَنْ يَقُولَ بَعْدَ الْبُلُوغِ أَوْقَعْت ذَلِكَ الطَّلَاقَ وَالْعَتَاقَ اهـ. قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَهَذَا يُوجِبُ أَنْ يُفَسَّرَ الْمُجِيزُ هُنَا بِمَنْ يَقْدِرُ عَلَى إمْضَاءِ الْعَقْدِ لَا بِالْقَابِلِ مُطْلَقًا وَلَا بِالْوَلِيِّ إذْ لَا تَوَقُّفَ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ وَإِنْ قَبِلَ فُضُولِيٌّ آخَرُ أَوْ وَلِيٌّ لِعَدَمِ قُدْرَةِ الْوَلِيِّ عَلَى إمْضَائِهَا اهـ. وَمِنْ الْبَاطِلِ لِكَوْنِهِ لَا مُجِيزَ لَهُ تَزْوِيجُهُ أَمَةً وَتَحْتَهُ حُرَّةٌ أَوْ أُخْتَ امْرَأَتِهِ أَوْ خَامِسَةً أَوْ صَغِيرَةً فِي دَارِ الْحَرْبِ إذَا لَمْ يَكُنْ سُلْطَانٌ وَلَا قَاضٍ، وَأَمَّا كَفَالَةُ الْمُكَاتَبِ وَتَوْكِيلُهُ بِعِتْقِ عَبْدِهِ وَوَصِيَّتُهُ بِعَيْنٍ مِنْ مَالِهِ فَصَحِيحٌ إذَا أَجَازَ بَعْدَ عِتْقِهِ إلَّا فِي الْأَوَّلِ فَبِغَيْرِ إجَازَةٍ لِمَا عُرِفَ فِي التَّبْيِينِ وَدَخَلَ تَحْتَ تَعْرِيفِ الْفُضُولِيِّ مَا لَوْ عَلَّقَ طَلَاقَ زَوْجَةِ غَيْرِهِ بِشَرْطٍ فَهُوَ مَوْقُوفٌ فَإِنْ أَجَازَ الزَّوْجُ تُعَلَّقُ فَتَطْلُقُ بِوُجُودِ الشَّرْطِ وَلَوْ وُجِدَ قَبْلَهَا لَمْ تَطْلُقْ عِنْدَهَا إلَّا إذَا وُجِدَ ثَانِيًا بَعْدَهَا كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَلِذَا قُلْنَا مَنْ يَتَصَرَّفُ وَلَمْ نَقُلْ مَنْ يَعْقِدُ عَقْدًا، وَلِذَا فُسِّرَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الْمُجِيزُ بِمَنْ يَقْدِرُ عَلَى الْإِمْضَاءِ لَا بِالْقَابِلِ إذْ لَيْسَ فِي الْيَمِينِ قَابِلٌ وَفِي التَّجْنِيسِ حُرٌّ تَزَوَّجَ عَشْرَ نِسْوَةٍ بِغَيْرِ إذْنِهِنَّ فَبَلَغَهُنَّ الْخَبَرُ فَأَجَزْنَ جَمِيعًا جَازَ نِكَاحُ التَّاسِعَةِ وَالْعَاشِرَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَزَوَّجَ الْخَامِسَةَ كَانَ رَدًّا لِنِكَاحِ الْأَرْبَعِ فَلَمَّا تَزَوَّجَ التَّاسِعَةَ كَانَ رَدًّا لِنِكَاحِ الْأَرْبَعِ الْآخَرِ فَبَقِيَ نِكَاحُ التَّاسِعَةِ وَالْعَاشِرَةِ مَوْقُوفًا عَلَى إجَازَتِهِمَا. اهـ. وَفِي الْخَانِيَّةِ عَبْدٌ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى ثُمَّ امْرَأَةً ثُمَّ امْرَأَةً ثُمَّ امْرَأَةً فَبَلَغَ الْمَوْلَى فَأَجَازَ الْكُلَّ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهِنَّ جَازَ نِكَاحُ الثَّالِثَةِ؛ لِأَنَّ الْإِقْدَامَ عَلَى نِكَاحِ الثَّالِثَةِ فَسْخٌ لِنِكَاحِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ فَيَتَوَقَّفُ نِكَاحُ الثَّالِثَةِ فَيَنْفُذُ بِإِجَازَةِ الْمَوْلَى وَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِهِنَّ لَا يَصِحُّ نِكَاحُهُنَّ؛ لِأَنَّ الْإِقْدَامَ عَلَى نِكَاحِ الثَّالِثَةِ فِي عِدَّةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ لَمْ يَصِحَّ فَلَمْ يَكُنْ فَسْخًا لِمَا قَبْلَهَا فَلَا تَصِحُّ إجَازَةُ الْمَوْلَى كَمَا لَوْ تَزَوَّجَهُنَّ فِي عِدَّةٍ وَاحِدَةٍ اهـ. وَهَذَا يُوجِبُ تَقْيِيدَ مَا فِي التَّجْنِيسِ أَيْضًا وَقَوْلُهُ مَوْقُوفٌ أَيْ عَلَى الْإِجَازَةِ فَلَوْ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ ثُمَّ أَذِنَ السَّيِّدُ لَا يَنْفُذُ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ لَيْسَ بِإِجَازَةٍ فَلَا بُدَّ مِنْ إجَازَةِ الْعَبْدِ الْعَاقِدِ وَإِنْ صَدَرَ الْعَقْدُ مِنْهُ كَمَا فِي التَّجْنِيسِ وَتَثْبُتُ الْإِجَازَةُ لِنِكَاحِ الْفُضُولِيِّ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ فَمِنْ الْأَوَّلِ أَجَزْت وَنَحْوَهُ، وَكَذَا نِعْمَ مَا صَنَعْت وَبَارَكَ اللَّهُ لَنَا وَأَحْسَنْت وَأَصَبْت وَطَلِّقْهَا إلَّا إذَا قَالَ الْمَوْلَى لِعَبْدِهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ وَمِنْ الثَّانِي قَبُولُ الْمَهْرِ بِخِلَافِ قَبُولِ الْهَدِيَّةِ وَقَوْلُهَا لَا يُعْجِبُنِي هَذَا الْمَهْرُ لَيْسَ رَدًّا فَلَهَا الْإِجَازَةُ وَمِنْ أَحْكَامِ الْفُضُولِيِّ أَنَّهُ يَمْلِكُ فَسْخَ مَا عَقَدَهُ فِي بَعْض الصُّوَرِ دُونَ بَعْضٍ كَمَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُ الْفَتَاوَى قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالْفُضُولِيُّ فِي بَابِ النِّكَاحِ لَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ قَبْلَ الْإِجَازَةِ وَالْوَكِيلُ فِي النِّكَاحِ الْمَوْقُوفِ يَمْلِكُ الرُّجُوعَ قَوْلًا أَوْ فِعْلًا بَيَانُهُ رَجُلٌ وَكَّلَ رَجُلًا بِأَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً فَزَوَّجَهُ امْرَأَةً بَالِغَةً بِغَيْرِ إذْنِهَا أَوْ زَوَّجَهَا أَبُوهَا فَلَمْ يَبْلُغْهَا حَتَّى نَقَضَ الْوَكِيلُ النِّكَاحَ قَوْلًا أَوْ فِعْلًا بِأَنْ يُزَوِّجَهُ أُخْتَهَا صَحَّ وَلَوْ كَانَ فُضُولِيًّا وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا لَا يَمْلِكُ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي قَوْلِهِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْفُضُولِيَّ يَمْلِكُ الرُّجُوعَ أَيْضًا وَالْفُضُولِيُّ فِي بَابِ الْبَيْعِ يَمْلِكُ الرُّجُوعَ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ فِرَارٌ عَنْ الْعُهْدَةِ فِي بَابِ الْبَيْعِ   [منحة الخالق] مَا يُجَابُ بِهِ وَمَا يُشْتَرَطُ عَلَيْهِ وَمَا يُطْلَبُ مِنْهُ. (قَوْلُهُ لِمَا عُرِفَ فِي التَّبْيِينِ) حَيْثُ قَالَ؛ لِأَنَّ كَفَالَتَهُ جَائِزَةٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ نَافِذَةٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا الْتِزَامُ الْمَالِ فِي الذِّمَّةِ وَذِمَّتُهُ مَمْلُوكَةٌ لَهُ قَابِلَةٌ لِلْإِلْزَامِ، وَإِنَّمَا لَا يَظْهَرُ فِي الْحَالِ لِحَقِّ الْمَوْلَى فَإِذَا زَالَ الْمَانِعُ بِالْعِتْقِ ظَهَرَ مُوجِبُهُ، وَأَمَّا التَّوْكِيلُ وَالْوَصِيَّةُ فَالْإِجَازَةُ فِيهِمَا إنْشَاءٌ؛ لِأَنَّهُمَا يَنْعَقِدَانِ بِلَفْظِ الْإِجَازَةِ، وَالْإِنْشَاءُ لَا يَسْتَدْعِي عَقْدًا سَابِقًا. (قَوْلُهُ وَلَوْ وُجِدَ قَبْلَهَا) أَيْ لَوْ وُجِدَ الشَّرْطُ قَبْلَ الْإِجَازَةِ لَمْ تَطْلُقْ عِنْدَهَا أَيْ عِنْدَ الْإِجَازَةِ إلَّا إذَا وُجِدَ الشَّرْطُ ثَانِيًا بَعْدَ الْإِجَازَةِ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْإِقْدَامَ عَلَى نِكَاحِ الثَّالِثَةِ فَسْخٌ إلَخْ) قَالَ الْمَقْدِسِيَّ فِيمَا نُقِلَ عَنْهُ يَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا كَانَ عَالِمًا بِالْحُكْمِ وَإِلَّا فَفِي هَذَا الزَّمَانِ الَّذِي غَلَبَ فِيهِ الْجَهْلُ رُبَّمَا لَا يَقْصِدُ بِالثَّالِثَةِ إبْطَالَ الْأَوَّلَيْنِ، وَكَذَا مَا قَبْلَهُ اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الرَّمْزِ قَالَ وَلَا سِيَّمَا أَنَّ مَالِكًا يُجِيزُ الْأَرْبَعَ لِلْعَبْدِ، وَقَدْ عُذِرَتْ الْأَمَةُ بِالْجَهْلِ لِاشْتِغَالِهَا بِالْخِدْمَةِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 148 بِخِلَافِ النِّكَاحِ وَفِي وَجْهٍ الْوَكِيلُ يَمْلِكُ الْفَسْخَ قَوْلًا لَا فِعْلًا بِأَنْ وَكَّلَهُ بِأَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً بِعَيْنِهَا فَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ رِضَاهَا مَلَكَ الْوَكِيلُ نَقْضَهُ قَوْلًا؛ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ فِيهِ وَلَا يَمْلِكُ نَقْضَهُ فِعْلًا حَتَّى لَوْ زَوَّجَهُ أُخْتَهَا لَا يُنْقَضُ نِكَاحُ الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ فُضُولِيٌّ فِي نِكَاحِ الثَّانِيَةِ وَفِي وَجْهٍ يَمْلِكُ الْفَسْخَ فِعْلًا لَا قَوْلًا نَحْوَ أَنْ يُوَكِّلَ رَجُلًا بِأَنْ يُزَوِّجَهُ فَأَجَازَ الْوَكِيلُ نِكَاحًا بَاشَرَهُ قَبْلَ ذَلِكَ صَحَّ اسْتِحْسَانًا وَلَا يَمْلِكُ نَقْضَ هَذَا النِّكَاحِ قَوْلًا؛ لِأَنَّهُ كَانَ فُضُولِيًّا حِينَ عَقَدَهُ وَيَمْلِكُ نَقْضَهُ فِعْلًا بِأَنْ يُزَوِّجَهُ أُخْتَهَا مِنْ غَيْرِ رِضَاهَا؛ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ فِي الْعَقْدِ الثَّانِي. اهـ. فَحَاصِلُهُ أَنَّ كُلَّ عَقْدٍ صَدَرَ مِنْ الْفُضُولِيِّ فِي النِّكَاحِ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ نَقْضَهُ قَوْلًا وَلَا فِعْلًا؛ لِأَنَّهُ لَا عُهْدَةَ عَلَيْهِ لِيَتَخَلَّصَ مِنْهَا إلَّا إذَا صَارَ وَكِيلًا بَعْدَهُ فَلَهُ نَقْضُهُ فِعْلًا لِضَرُورَةِ امْتِثَالِ مَا وُكِّلَ فِيهِ، وَإِنَّمَا مَلَكَ الْوَكِيلُ فِي الْمَوْقُوفِ الْفَسْخَ مَعَ أَنَّهُ لَا عُهْدَةَ عَلَيْهِ أَيْضًا لِتَنْجِيزِ مُرَادِ الْمُوَكِّلِ فَإِنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ مَقْصُودُهُ بِالْمَوْقُوفِ فَلِلْوَكِيلِ الِانْتِقَالُ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ لَهُ الْفَسْخُ فِعْلًا فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ بِتَزَوُّجِهَا مُعَيَّنَةً فَحَيْثُ زَوَّجَهَا لَهُ انْتَهَتْ وَكَالَتُهُ فَلَمْ يَمْلِكْ تَزْوِيجًا آخَرَ، وَلِذَا كَانَ فُضُولِيًّا فِي الثَّانِي وَتَفَرَّعَ عَلَى الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ مَا لَوْ زَوَّجَ فُضُولِيٌّ رَجُلًا خَمْسَ نِسْوَةٍ فِي عُقَدٍ مُتَفَرِّقَةٍ فَلِلزَّوْجِ أَنْ يَخْتَارَ أَرْبَعًا مِنْهُنَّ وَيُفَارِقَ الْأُخْرَى بِخِلَافِ مَا لَوْ تَزَوَّجَ الرَّجُلُ خَمْسَ نِسْوَةٍ فِي عُقَدٍ مُتَفَرِّقَةٍ بِغَيْرِ رِضَاهُنَّ؛ لِأَنَّ إقْدَامَهُ عَلَى نِكَاحِ الْخَامِسَةِ يَتَضَمَّنُ نَقْضَ نِكَاحِ الْأَرْبَعِ دَلَالَةً بِخِلَافِ الْفُضُولِيِّ لَا يَمْلِكُ النَّقْضَ لَا صَرِيحًا وَلَا دَلَالَةً كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَمِنْ أَحْكَامِهِ أَيْضًا أَنَّ الْعَقْدَ النَّافِذَ مِنْ جَانِبٍ إذَا طَرَأَ عَلَى غَيْرِ نَافِذٍ مِنْ الْجَانِبَيْنِ يَرْفَعُهُ وَلَوْ طَرَأَ مَوْقُوفٌ عَلَى نَافِذٍ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ لَا يَرْفَعُهُ وَلَوْ طَرَأَ نَافِذٌ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ عَلَى نَافِذٍ مِنْ جَانِبِهِ يَرْفَعُهُ بَيَانُهُ رَجُلٌ وَكَّلَ رَجُلًا بِأَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً بِأَلْفِ فَزَوَّجَهَا إيَّاهُ عَلَى خَمْسِينَ دِينَارًا بِإِذْنِهَا أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهَا ثُمَّ زَوَّجَهَا بِأَلْفٍ يَنْفَسِخُ الْأَوَّلُ وَلَوْ زَوَّجَهَا الْوَكِيلُ إيَّاهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ بِغَيْرِ إذْنِهَا ثُمَّ زَوَّجَهَا إيَّاهُ بِخَمْسِينَ بِغَيْرِ إذْنِهَا يَبْقَى الْأَوَّلُ فَإِنْ أَجَازَتْهُ جَازَ وَيَبْطُلُ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ كَانَ نَافِذًا مِنْ وَجْهٍ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ أَيْضًا ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ إجَازَةَ نِكَاحِ الْفُضُولِيِّ صَحِيحَةٌ بَعْدَ مَوْتِ الْعَاقِدِ الْفُضُولِيِّ بِخِلَافِ إجَازَةِ بَيْعِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ فِي بَيْعِ الْفُضُولِيِّ فَعَلَى هَذَا يُشْتَرَطُ قِيَامُ الْمَعْقُودِ لَهُ وَأَحَدِ الْعَاقِدِينَ لِنَفْسِهِ فَقَطْ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ قِيَامُ أَرْبَعَةٍ مَعَ الثَّمَنِ إنْ كَانَ عَرْضًا. (قَوْلُهُ وَلَا يَتَوَقَّفُ شَطْرُ الْعَقْدِ عَلَى قَبُولِ نَاكِحٍ غَائِبٍ) أَيْ لَا يَتَوَقَّفُ الْإِيجَابُ عَلَى قَبُولِ مَنْ كَانَ غَائِبًا عَنْ الْمَجْلِسِ بَلْ يَبْطُلُ وَلَا يَلْحَقُهُ إجَازَةٌ، وَهَذَا بِالِاتِّفَاقِ كَمَا لَوْ أَوْجَبَ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَلَمْ يَقْبَلْ الْآخَرُ فِي الْمَجْلِسِ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ الْإِيجَابُ لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ الْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْعُقُود فَقَوْلُهُ نَاكِحٍ لَيْسَ بِقَيْدٍ احْتِرَازِيٍّ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ مَا يَقُومُ بِالْفُضُولِيِّ عَقْدٌ تَامٌّ فَيَصِحُّ أَنْ يَتَوَلَّى الطَّرَفَيْنِ أَوْ شَطْرَهُ فَلَا يُتَوَقَّفُ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ شَطْرٌ فَيَبْطُلُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ عَقْدٌ تَامٌّ فَيُتَوَقَّفُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَأْمُورًا مِنْ الْجَانِبَيْنِ يَنْفُذُ فَإِذَا كَانَ فُضُولِيًّا يَتَوَقَّفُ فَصَارَ كَالْخُلْعِ وَالطَّلَاقِ وَالْإِعْتَاقِ عَلَى مَالٍ وَلَهُمَا أَنَّ الْمَوْجُودَ شَطْرُ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ شَطْرُ حَالَةِ الْحَضْرَةِ فَكَذَا عِنْدَ الْغَيْبَةِ وَشَطْرُ الْعَقْدِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مَا وَرَاءَ الْمَجْلِسِ كَمَا فِي الْبَيْعِ بِخِلَافِ الْمَأْمُورِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَنْتَقِلُ كَلَامُهُ إلَى الْعَاقِدَيْنِ وَمَا يَجْرِي بَيْنَ الْفُضُولِيَّيْنِ عَقْدٌ تَامٌّ فَكَذَا الْخُلْعُ وَاخْتَارَهُ؛ لِأَنَّهُ يَمِينٌ مِنْ جَانِبِهِ حَتَّى يَلْزَمَ فَيَتِمَّ بِهِ فَتَفَرَّعَ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ سِتُّ صُوَرٍ ثَلَاثَةٌ اتِّفَاقِيَّةٌ وَهِيَ قَوْلُ الرَّجُلِ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ أَوْ الْمَرْأَةِ تَزَوَّجْت فُلَانًا أَوْ الْفُضُولِيِّ زَوَّجْت فُلَانًا مِنْ فُلَانَةَ وَقِيلَ آخَرُ فِي الثَّلَاثِ فَالْعَقْدُ مُتَوَقِّفٌ لِحُصُولِ الشَّطْرَيْنِ وَثَلَاثَةٌ خِلَافِيَّةٌ هِيَ هَذِهِ إذَا لَمْ يَقْبَلْ أَحَدٌ فَلَا تَقُومُ عِبَارَةُ الْفُضُولِيِّ مَقَامَ عِبَارَتَيْنِ سَوَاءٌ تَكَلَّمَ بِكَلَامٍ وَاحِدٍ أَوْ بِكَلَامَيْنِ حَتَّى لَوْ قَالَ زَوَّجْت فُلَانًا وَقَبِلْت عَنْهُ لَمْ يَتَوَقَّفْ عَلَى قَوْلِهِمَا وَهُوَ الْحَقُّ خِلَافًا لِمَا ذُكِرَ فِي الْحَوَاشِي لِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ فِي نَقْلِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَأَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ لِنَفْسِهِ فَقَطْ) فِي الْعِبَارَةِ تَسَامُحٌ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ وَأَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ وَهُوَ الْعَاقِدُ لِنَفْسِهِ فَقَطْ (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ قِيَامُ أَرْبَعَةٍ) هِيَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي وَالْمَبِيعُ وَصَاحِبُ الْمَتَاعِ وَهُوَ الْمَعْقُودُ لَهُ (قَوْلُهُ فَقَوْلُهُ نَاكِحٌ لَيْسَ بِقَيْدٍ احْتِرَازِيٍّ) قَالَ فِي النَّهْرِ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ أَلْ فِي الْعَقْدِ لِلْجِنْسِ لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهَا لِلْعَهْدِ أَيْ عَقْدَ النِّكَاحِ إذْ الْكَلَامُ فِيهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 149 قَوْلِهِمَا عَلَى أَنَّ الْفُضُولِيَّ الْوَاحِدَ لَا يَتَوَلَّى الطَّرَفَيْنِ وَهُوَ مُطْلَقٌ وَلَوْ عَبَّرَ بِهِ الْمُصَنِّفُ لَكَانَ أَوْلَى وَحَاصِلُ مُتَوَلِّي الطَّرَفَيْنِ بِالْقِسْمَةِ الْعَقْلِيَّةِ عَشَرَةٌ وَاحِدٌ مِنْهَا مُسْتَحِيلٌ وَهُوَ الْأَصِيلُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَأَرْبَعَةٌ هِيَ مِنْ مَنْطُوقِ الْمَتْنِ عَلَى الْخِلَافِ الْفُضُولِيُّ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَالْفُضُولِيُّ مِنْ جَانِبٍ الْوَكِيلُ مِنْ جَانِبٍ وَالْفُضُولِيُّ مِنْ جَانِبٍ الْأَصِيلُ مِنْ جَانِبٍ وَالْفُضُولِيُّ مِنْ جَانِبٍ الْوَلِيُّ مِنْ جَانِبٍ فَعِنْدَهُمَا لَا يَتَوَقَّفُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَالْخَمْسَةُ الْبَاقِيَةُ مُسْتَفَادَةٌ مِنْ مَفْهُومِ الْمَتْنِ وَهِيَ نَافِذَةٌ بِالِاتِّفَاقِ الْوَكِيلُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَالْوَلِيُّ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَالْأَصِيلُ مِنْ جَانِبٍ الْوَلِيُّ مِنْ جَانِبٍ وَالْوَكِيلُ مِنْ جَانِبٍ الْأَصِيلُ مِنْ جَانِبٍ وَالْوَلِيُّ مِنْ جَانِبٍ الْوَكِيلُ مِنْ جَانِبٍ ثُمَّ إذَا تَوَلَّى الطَّرَفَيْنِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ الْخَمْسِ فَقَوْلُهُ زَوَّجْت فُلَانَةَ مِنْ نَفْسِي يَتَضَمَّنُ الشَّطْرَيْنِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْقَبُولِ بَعْدَهُ، وَكَذَا وَلِيُّ الصَّغِيرَيْنِ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَالْوَكِيلُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ يَقُولُ زَوَّجْت فُلَانَةَ مِنْ فُلَانٍ وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ، وَهَذَا إذَا ذَكَرَ لَفْظًا هُوَ أَصِيلٌ فِيهِ أَمَّا إذَا ذَكَرَ لَفْظًا هُوَ نَائِبٌ فِيهِ فَلَا يَكْفِي فَإِنْ قَالَ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ كَفَى وَإِنْ قَالَ زَوَّجْتهَا مِنْ نَفْسِي لَا يَكْفِي؛ لِأَنَّهُ نَائِبٌ فِيهِ وَعِبَارَةُ الْهِدَايَةِ صَرِيحَةٌ فِي نَفْيِ هَذَا الِاشْتِرَاطِ وَصُرِّحَ بِنَفْيِهِ فِي التَّجْنِيسِ أَيْضًا فِي عَلَامَةِ غَرِيبِ الرِّوَايَةِ وَالْفَتَاوَى الصُّغْرَى قَالَ رَجُلٌ زَوَّجَ بِنْتَ أَخِيهِ مِنْ ابْنِ أَخِيهِ، فَقَالَ زَوَّجْت فُلَانَةَ مِنْ فُلَانٍ يَكْفِي وَلَا يَحْتَاجُ أَنْ يَقُولَ قَبِلْت، وَكَذَا كُلُّ مَنْ يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ إذَا أَتَى بِأَحَدِ شَطْرَيْ الْإِيجَابِ يَكْفِيهِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى الشَّطْرِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ الْوَاحِدَ يَقَعُ دَلِيلًا مِنْ الْجَانِبَيْنِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. (قَوْلُهُ وَالْمَأْمُورُ بِنِكَاحِ امْرَأَةٍ مُخَالِفٌ بِامْرَأَتَيْنِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ إلَى تَنْفِيذِهِمَا لِلْمُخَالَفَةِ وَلَا إلَى التَّنْفِيذِ فِي أَحَدِهِمَا غَيْرَ عَيْنٍ لِلْجَهَالَةِ وَلَا إلَى التَّعْيِينِ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ فَتَعَيَّنَ التَّفْرِيقُ عِنْدَ عَدَمِ الْإِجَازَةِ وَهُوَ مُرَادُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ قَالَ فِي صَدْرِ الْمَسْأَلَةِ لَمْ تَلْزَمْهُ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا فَكَانَ كَلَامُهُ مُسْتَقِيمًا فَانْدَفَعَ بِهِ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ عَدَمِ اسْتِقَامَتِهِ، وَلِذَا عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِالْمُخَالَفَةِ لِيُفِيدَ عَدَمَ النَّفَاذِ وَأَنَّهُ عَقْدُ فُضُولِيٍّ وَإِنْ أَجَازَ نِكَاحَهُمَا أَوْ إحْدَاهُمَا نَفَذَ فِيهِ بِالْأَمْرِ بِوَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَمَرَهُ أَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَتَيْنِ فِي عُقْدَةٍ فَزَوَّجَهُ وَاحِدَةً جَازَ إلَّا إذَا قَالَ لَا تُزَوِّجْنِي إلَّا امْرَأَتَيْنِ فِي عُقْدَةٍ وَاحِدَةٍ فَحِينَئِذٍ لَا يَجُوزُ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَمِثْلُهُ فِي الْمُحِيطِ لَوْ أَمَرَهُ أَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَتَيْنِ فِي عُقْدَةٍ فَزَوَّجَهُمَا فِي عُقْدَتَيْنِ جَازَ وَلَوْ قَالَ لَا تُزَوِّجْنِي امْرَأَتَيْنِ إلَّا فِي عُقْدَتَيْنِ فَزَوَّجَهُمَا فِي عُقْدَةٍ لَا يَجُوزُ وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الْأَوَّلِ أَثْبَتَ الْوَكَالَةَ حَالَةَ الْجَمْعِ وَلَمْ يَنْفِ الْوَكَالَةَ حَالَ التَّفَرُّدِ نَصًّا بَلْ سَكَتَ عَنْهُ وَالتَّنْصِيصُ عَلَى الْجَمْعِ لَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ مَا عَدَاهُ وَفِي الْعَقْدِ الثَّانِي نَفَى الْوَكَالَةَ حَالَةَ التَّفَرُّدِ وَالنَّفْيُ مُفِيدٌ؛ لِأَنَّ فَائِدَتَهُ فِي الْجَمْعِ أَكْثَرُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْجِيلِ مَقْصُودِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ مُرَاعَاةِ النَّفْيِ فَلَمْ يَصِرْ وَكِيلًا حَالَةَ الِانْفِرَادِ اهـ. وَهَذَا بِخِلَافِ الْبَيْعِ لَوْ أَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ ثَوْبَيْنِ فِي صَفْقَةٍ لَا يَمْلِكُ التَّفْرِيقَ؛ لِأَنَّ الثِّيَابَ إذَا اُشْتُرِيَتْ جُمْلَةً تُؤْخَذُ بِأَرْخَصَ مِمَّا تُشْتَرَى عَلَى التَّفَارِيقِ فَاعْتُبِرَ قَوْلُهُ فِيهِ، فَأَمَّا هَاهُنَا بِخِلَافِهِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يُزَوِّجَهُ فُلَانَةَ أَوْ فُلَانَةَ فَأَيَّتُهُمَا زَوَّجَهُ جَازَ وَلَا يَبْطُلُ التَّوْكِيلُ بِهَذِهِ الْجَهَالَةِ وَإِنْ زَوَّجَهُمَا جَمِيعًا فِي عُقْدَةٍ وَاحِدَةٍ لَمْ يَجُزْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا كَمَا لَوْ وَكَّلَ رَجُلًا أَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً فَزَوَّجَهُ امْرَأَتَيْنِ فِي عُقْدَةٍ وَاحِدَةٍ لَمْ يَجُزْ اهـ. وَقُيِّدَ بِكَوْنِ الْمَرْأَةِ مُنْكِرَةً أَخْذًا مِنْ التَّنْكِيرِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ عَيَّنَهَا فَزَوَّجَهَا وَأُخْرَى مَعَهَا تَلْزَمُهُ الْمُعَيَّنَةُ وَقُيِّدَ فِي الْهِدَايَةِ نِكَاحُ الْمَرْأَتَيْنِ بِأَنْ يَكُونَ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ زَوَّجَهُمَا فِي عُقْدَتَيْنِ تَلْزَمُهُ الْأُولَى وَنِكَاحُ الثَّانِيَةِ مَوْقُوفٌ عَلَى الْإِجَازَةِ؛ لِأَنَّهُ فُضُولِيٌّ فِيهِ، وَلِذَا قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ بِامْرَأَتَيْنِ وَلَمْ يَقُلْ بِعَقْدَيْنِ وَفَرَّعُوا عَلَى أَنَّ التَّنْصِيصَ عَلَى الشَّيْءِ لَا يَنْفِي الْحُكْمَ عَمَّا عَدَاهُ لَوْ قَالَ زَوِّجْ ابْنَتِي هَذِهِ رَجُلًا يَرْجِعُ إلَى عِلْمٍ وَدِينٍ بِمَشُورَةِ فُلَانٍ وَفُلَانٍ فَزَوَّجَهَا رَجُلًا عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ مِنْ غَيْرِ مَشُورَةٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ.   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَهُوَ مُرَادُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ) أَيْ التَّقْيِيدُ بِقَوْلِهِ عِنْدَ عَدَمِ الْإِجَازَةِ، وَهَذَا الْجَوَابُ مَذْكُورٌ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ (قَوْلُهُ فَحِينَئِذٍ لَا يَجُوزُ) أَيْ لَا يَجُوزُ أَنْ يُزَوِّجَهُ وَاحِدَةً وَقَوْلُهُ وَمِثْلُهُ مَا فِي الْمُحِيطِ إلَخْ فِيهِ أَنَّهُ لَا مُمَاثَلَةَ؛ لِأَنَّ صُورَةَ الْمُخَالَفَةِ فِي مَسْأَلَةِ الْمُحِيطِ بِتَزْوِيجِ الْمَرْأَتَيْنِ فِي عُقْدَةٍ وَاحِدَةٍ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ صُورَةَ الْمُخَالَفَةِ فِي مَسْأَلَةِ غَايَةِ الْبَيَانِ بِتَزْوِيجِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ فَأَيْنَ الْمُمَاثَلَةُ ثُمَّ اُنْظُرْ هَلْ يَجُوزُ فِي صُورَةِ الْمُحِيطِ أَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً وَاحِدَةً فَإِنَّ الْحَصْرَ لَمْ يَدْخُلْ عَلَى الْمَرْأَتَيْنِ كَمَا هُوَ فِي مَسْأَلَةِ غَايَةِ الْبَيَانِ بَلْ عَلَى الْعُقْدَتَيْنِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 150 وَأَمَّا إذَا قَالَ لَهُ بِعْ عَبْدِي هَذَا بِشُهُودٍ أَوْ بِمَحْضَرِ فُلَانٍ فَبَاعَهُ بِغَيْرِ شُهُودٍ أَوْ بِغَيْرِ مَحْضَرِ فُلَانٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لَا تَبِعْهُ إلَّا بِشُهُودٍ فَبَاعَهُ بِغَيْرِ شُهُودٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ (قَوْلُهُ لَا بِأَمَةٍ) أَيْ لَا يَكُونُ الْمَأْمُورُ بِنِكَاحِ امْرَأَةٍ مُخَالِفًا بِنِكَاحِ أَمَةٍ لِغَيْرِهِ فَيَنْفُذُ عَلَى الْمُوَكِّلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رُجُوعًا إلَى إطْلَاقِ اللَّفْظِ وَعَدَمِ التُّهْمَةِ وَقَالَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُزَوِّجَهُ كُفُؤًا؛ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يَنْصَرِفُ إلَى الْمُتَعَارَفِ وَهُوَ التَّزَوُّجُ بِالْأَكْفَاءِ قُلْنَا الْعُرْفُ مُشْتَرَكٌ أَوْ هُوَ عُرْفٌ عَمَلِيٌّ فَلَا يَصِحُّ مُقَيَّدًا وَذُكِرَ فِي الْوَكَالَةِ أَنَّ اعْتِبَارَ الْكَفَاءَةِ فِي هَذَا اسْتِحْسَانٌ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ لَا يَعْجِزُ عَنْ التَّزَوُّجِ بِمُطْلَقِ الزَّوْجَةِ فَكَانَتْ الِاسْتِعَانَةُ فِي التَّزَوُّجِ بِالْكُفْءِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَظَاهِرُهُ تَرْجِيحُ قَوْلِهِمَا؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْسَانَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْقِيَاسِ إلَّا فِي مَسَائِلَ مَعْدُودَةٍ لَيْسَ هَذَا مِنْهَا، وَلِذَا قَالَ الْإِسْبِيجَابِيُّ قَوْلُهُمَا أَحْسَنُ لِلْفَتْوَى وَاخْتَارَهُ أَبُو اللَّيْثِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْحَقُّ أَنَّ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ لَيْسَ قِيَاسًا؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ بِنَفْسِ اللَّفْظِ الْمَنْصُوصِ فَكَانَ النَّظَرُ فِي أَيِّ الِاسْتِحْسَانَيْنِ أَوْلَى اهـ. قُيِّدَ بِكَوْنِهِ أَمَرَهُ بِنِكَاحِ امْرَأَةٍ وَلَمْ يَصِفْهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَكَّلَهُ بِتَزْوِيجِ حُرَّةٍ فَزَوَّجَهُ أَمَةً أَوْ عَكْسِهِ لَمْ يَجُزْ وَلَوْ زَوَّجَهُ فِي عَكْسِهِ مُدَبَّرَةً أَوْ أُمَّ وَلَدٍ أَوْ مُكَاتَبَةً جَازَ وَأُطْلِقَ فِي الْآمِرِ فَشَمِلَ الْأَمِيرَ وَغَيْرَهُ وَوَضَعَهَا فِي الْهِدَايَةِ فِي الْأَمِيرِ لِيُفِيدَ أَنَّ غَيْرَهُ بِالْأَوْلَى وَقُيِّدَ بِكَوْنِ الْآمِرِ رَجُلًا؛ لِأَنَّهَا لَوْ وَكَّلَتْهُ فِي تَزْوِيجِهَا وَلَمْ تُعَيِّنْ فَزَوَّجَهَا غَيْرَ كُفْءٍ كَانَ مُخَالِفًا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ لِاعْتِبَارِهَا مِنْ جِهَةِ الرِّجَالِ وَإِنْ كَانَ كُفُؤًا إلَّا أَنَّهُ أَعْمَى أَوْ مُقْعَدٌ أَوْ صَبِيٌّ أَوْ مَعْتُوهٌ فَهُوَ جَائِزٌ، وَكَذَا لَوْ كَانَ خَصِيًّا أَوْ عِنِّينًا وَإِنْ كَانَ لَهَا التَّفْرِيقُ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَفَادَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الْأَمْرَ الْمُطْلَقَ يَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ وَلَا يَجُوزُ تَقْيِيدُهُ إلَّا بِدَلِيلٍ وَأَنَّ الْعُرْفَ الْمُشْتَرَكَ لَا يَصِحُّ مُخَصِّصًا فَالْوَكِيلُ بِتَزْوِيجِ امْرَأَةٍ لَيْسَ مُخَالِفًا لَوْ زَوَّجَهُ عَمْيَاءَ أَوْ شَوْهَاءَ فَوْهَاءَ لَهَا لُعَابٌ سَائِلٌ وَعَقْلٌ زَائِلٌ وَشِقٌّ مَائِلٌ أَوْ شَلَّاءَ أَوْ رَتْقَاءَ أَوْ صَغِيرَةً لَا يُجَامَعُ مِثْلُهَا أَوْ كِتَابِيَّةً أَوْ امْرَأَةً حَلَفَ بِطَلَاقِهَا أَوْ زَوَّجَهُ امْرَأَةً عَلَى أَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا وَلَوْ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ عِنْدَ الْإِمَامِ أَوْ زَوَّجَهَا رَجُلًا بِأَقَلَّ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا كَذَلِكَ أَوْ امْرَأَةً كَانَ الْمُوَكِّلُ آلَى مِنْهَا أَوْ فِي عِدَّةِ الْمُوَكِّلِ وَالْأَصِيلُ أَنَّ الْوَكِيلَ إذَا خَالَفَ إلَى خَيْرٍ أَوْ كَانَ خِلَافُهُ كَلَا خِلَافٍ نَفَذَ عَقْدُهُ كَمَا لَوْ أَمَرَهُ بِعَمْيَاءَ فَزَوَّجَهُ بَصِيرَةً وَلَيْسَ مِنْهُ مَا إذَا أَمَرَهُ بِالْفَاسِدِ فَزَوَّجَهُ صَحِيحًا بَلْ لَا يَجُوزُ لِعَدَمِ الْوَكَالَةِ بِالنِّكَاحِ أَصْلًا وَأَمَّا الْعِدَّةُ بَعْدَ الدُّخُولِ فِيهِ وَثُبُوتِ النَّسَبِ فَلَيْسَ حُكْمًا لَهُ بَلْ لِلْوَطْءِ إذْ لَمْ يَتَمَحَّضْ زِنًا بِخِلَافِ أَمْرِهِ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ لَهُ الْبَيْعُ صَحِيحًا وَلَيْسَ مِنْهُ أَيْضًا مَا إذَا وَكَّلَهُ بِأَلْفٍ فَلَمْ تَرْضَ الْمَرْأَةُ حَتَّى زَادَهَا الْوَكِيلُ ثَوْبًا مِنْ مَالِ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ الزَّوْجِ لِكَوْنِهِ ضَرَرًا عَلَى تَقْدِيرِ اسْتِحْقَاقِ الثَّوْبِ أَوْ هَلَاكِهِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَإِنَّهَا تَرْجِعُ بِقِيمَتِهِ عَلَى الزَّوْجِ لَا الْوَكِيلِ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ وَلِلزَّوْجِ الْخِيَارُ وَإِذَا دَخَلَ بِهَا قَبْلَ الْعِلْمِ وَإِنْ اخْتَارَ التَّفْرِيقَ فَكَالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَلَيْسَ مِنْهُ أَيْضًا مَا إذَا أَمَرَهُ بِبَيْضَاءَ فَزَوَّجَهُ سَوْدَاءَ أَوْ عَلَى الْقَلْبِ أَوْ مِنْ قَبِيلَةِ كَذَا فَزَوَّجَهُ مِنْ أُخْرَى فَإِنَّهُ غَيْرُ نَافِذٍ وَقَيَّدْنَا بِكَوْنِ الْأَمَةِ لِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ زَوَّجَهُ أَمَةَ نَفْسِهِ وَلَوْ مُكَاتَبَتَهُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ فَإِنَّهُ لَا يَنْفُذُ لِلتُّهْمَةِ كَمَا لَوْ زَوَّجَهُ بِنْتَه فَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً لَا يَجُوزُ اتِّفَاقًا، وَكَذَا مُولِيَتُهُ كَبِنْتِ أَخِيهِ الصَّغِيرَةِ وَإِنْ كَانَتْ كَبِيرَةً فَكَذَلِكَ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا وَلَوْ زَوَّجَهُ أُخْتَهُ الْكَبِيرَةَ بِرِضَاهَا جَازَ اتِّفَاقًا وَالْوَكِيلُ مِنْ قِبَلِ الْمَرْأَةِ إذَا زَوَّجَهَا مِنْ أَبِيهِ أَوْ ابْنِهِ لَا يَجُوزُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَا يَنْفُذُ فِعْلُ الْوَكِيلِ فَالْعَقْدُ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ الْمُوَكِّلِ وَحُكْمُ الرَّسُولِ كَحُكْمِ الْوَكِيلِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا وَضَمَانُهُمَا الْمَهْرَ صَحِيحٌ وَإِنْكَارُ الْمُرْسِلِ وَالْمُوَكِّلِ الرِّسَالَةَ وَالْوَكَالَةَ بَعْدَ الضَّمَانِ وَلَا بَيِّنَةٍ لَا يُسْقِطُ الضَّمَانَ عَنْهُمَا فَيَجِبُ نِصْفُ الْمَهْرِ وَتَوْكِيلُ الْمَرْأَةِ الْمُتَزَوِّجَةِ بِالتَّزْوِيجِ إذَا طَلُقَتْ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا صَحِيحٌ كَتَوْكِيلِهِ أَنْ يُزَوِّجَهُ فُلَانَةَ وَهِيَ مُتَزَوِّجَةٌ فَطَلُقَتْ وَحَلَّتْ فَزَوَّجَهَا فَإِنَّهُ صَحِيحٌ وَإِذَا زَوَّجَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَقَالَا لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يُزَوِّجَهُ كُفُؤًا إلَخْ) قَالَ الْكَشَّافُ دَلَّتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَنَّ الْكَفَاءَةَ تُعْتَبَرُ فِي النِّسَاءِ لِلرِّجَالِ أَيْضًا عِنْدَهُمَا، وَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الْأَصْلِ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ، وَذَكَرَ قَبْلَهُ تَحْتَ قَوْلِ الْهِدَايَةِ وَمَنْ أَمَرَهُ أَمِيرٌ إلَخْ قَيَّدَهُ بِالْأَمِيرِ وَحُكْمُ غَيْرِهِ كَذَلِكَ قَالَ الْإِمَامُ الْمَحْبُوبِيُّ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا لَمْ يَكُنْ أَمِيرًا فَزَوَّجَهُ الْوَكِيلُ أَمَةً أَوْ حُرَّةً عَمْيَاءَ أَوْ مَقْطُوعَةَ الْيَدَيْنِ أَوْ رَتْقَاءَ أَوْ مَفْلُوجَةً أَوْ مَجْنُونَةً إمَّا اتِّفَاقًا وَإِمَّا لِمَا قِيلَ قَيَّدَهُ بِذَلِكَ لِيُظْهِرَ الْكَفَاءَةَ فَإِنَّهَا مِنْ جَانِبِ النِّسَاءِ لِلرِّجَالِ مُسْتَحْسَنَةٌ فِي الْوَكَالَةِ عِنْدَهُمَا اهـ. فَأَفَادَ أَنَّهَا مُعْتَبَرَةٌ عِنْدَهُمَا لَا مُطْلَقًا بَلْ هُنَا فَقَطْ وَعَنْ هَذَا قَالَ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ قَوْلُهُ دَلَّتْ الْمَسْأَلَةُ إلَخْ إنْ أَرَادَ دَلَّتْ عَلَى اعْتِبَارِهَا فِي الْوَكَالَةِ عِنْدَهُمَا فَمُسَلَّمٌ بِالنَّظَرِ إلَى دَلِيلِهَا وَإِنْ أَرَادَ مُطْلَقًا فَمَنُوعٌ اهـ. وَيُؤَيِّدُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ عَنْ الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ أَوْ عُرْفٌ عَمَلِيٌّ إلَخْ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 151 الْوَكِيلُ مُوَكِّلَهُ زَوْجَةَ الْغَيْرِ أَوْ مُعْتَدَّتَهُ أَوْ أُمَّ امْرَأَتِهِ وَدَخَلَ بِهَا الْمُوَكِّلُ غَيْرَ عَالِمٍ وَلَزِمَهُ الْمَهْرُ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْوَكِيلِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَفِي الذَّخِيرَةِ الْوَكِيلُ بِتَزْوِيجِ امْرَأَةٍ إذَا زَوَّجَهُ امْرَأَةً عَلَى عَبْدٍ لِلْوَكِيلِ أَوْ عَرَضٍ لَهُ فَهُوَ نَافِذٌ وَلَزِمَ الْوَكِيلَ تَسْلِيمُهُ وَإِذَا سَلَّمَ لَا يُرْجَعُ عَلَى الزَّوْجِ بِشَيْءٍ وَلَوْ كَانَ مَكَانُ النِّكَاحِ خُلْعًا يُرْجَعُ عَلَى الْمَرْأَةِ بِمَا أَدَّى وَلَوْ زَوَّجَهُ الْوَكِيلُ امْرَأَةً بِأَلْفٍ مِنْ مَالِهِ بِأَنْ قَالَ زَوَّجْتُك هَذِهِ الْمَرْأَةَ بِأَلْفٍ مِنْ مَالِي أَوْ بِأَلْفَيْ هَذِهِ جَازَ وَالْمَالُ عَلَى الزَّوْجِ وَلَا يُطَالَبُ الْوَكِيلُ بِالْأَلْفِ الْمُشَارِ إلَيْهِ لِعَدَمِ تَعَيُّنِهَا فِي الْمُعَاوَضَاتِ وَتَمَامِهِ فِيهَا وَفِي الْمُحِيطِ وَلَوْ زَوَّجَهُ عَلَى عَبْدِ الزَّوْجِ جَازَ اسْتِحْسَانًا وَعَلَى الزَّوْجِ قِيمَةُ عَبْدِهِ لَا تَسْلِيمُ عَيْنِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (بَابُ الْمَهْرِ) هُوَ حُكْمُ الْعَقْدِ فَيَتَعَقَّبُهُ فِي الْوُجُودِ فَعَقَّبَهُ فِي الْبَيَانِ لِيُحَاذِيَ بِتَحْقِيقِهِ الْوُجُودِيِّ تَحْقِيقَهُ التَّعْلِيمِيَّ وَفِي الْغَايَةِ لَهُ أَسَامٍ الْمَهْرُ وَالنِّحْلَةُ وَالصَّدَاقُ وَالْعُقْرُ وَالْعَطِيَّةُ وَالْأُجْرَةُ وَالصَّدَقَةُ وَالْعَلَائِقُ وَالْحِبَاءُ. (قَوْلُهُ صَحَّ النِّكَاحُ بِلَا ذِكْرِهِ) ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ عَقْدُ انْضِمَامٍ وَازْدِوَاجٍ لُغَةً فَيَتِمُّ بِالزَّوْجَيْنِ ثُمَّ الْمَهْرُ وَاجِبٌ شَرْعًا إبَانَةً لِشَرَفِ الْمَحَلِّ فَلَا يُحْتَاجُ إلَى ذِكْرِهِ لِصِحَّةِ النِّكَاحِ، وَكَذَا إذَا تَزَوَّجَهَا بِشَرْطِ أَنْ لَا مَهْرَ لَهَا لِمَا بَيَّنَّاهُ وَاسْتُدِلَّ لَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ} [البقرة: 236] فَقَدْ حُكِمَ بِصِحَّةِ الطَّلَاقِ مَعَ عَدَمِ التَّسْمِيَةِ وَلَا يَكُونُ الطَّلَاقُ إلَّا فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ فَعُلِمَ أَنَّ تَرْكَ التَّسْمِيَةِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ النِّكَاحِ، وَذَكَرَ الْأَكْمَلُ وَالْكَمَالُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ لِأَحَدٍ فِي صِحَّتِهِ بِلَا ذِكْرِ الْمَهْرِ. (قَوْلُهُ وَأَقَلُّهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ) أَيْ أَقَلُّ الْمَهْرِ شَرْعًا لِلْحَدِيثِ «لَا مَهْرَ أَقَلُّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ» وَهُوَ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا فَقَدْ تَعَدَّدَتْ طُرُقُهُ وَالْمَنْقُولُ فِي الْأُصُولِ أَنَّ الضَّعِيفَ إذَا تَعَدَّدَتْ طُرُقُهُ فَإِنَّهُ يَصِيرُ حَسَنًا إذَا كَانَ ضَعْفُهُ بِغَيْرِ الْفِسْقِ وَلِأَنَّهُ حَقُّ الشَّرْعِ وُجُوبًا إظْهَارًا لِشَرَفِ الْمَحَلِّ فَيُقَدَّرُ بِمَا لَهُ خَطَرٌ وَهُوَ الْعَشَرَةُ اسْتِدْلَالًا بِنِصَابِ السَّرِقَةِ أَطْلَقَ الدَّرَاهِمَ فَشَمِلَ الْمَصْكُوكَ وَغَيْرَهُ فَلَوْ سَمَّى عَشَرَةً تِبْرًا أَوْ عَرْضًا قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ تِبْرًا لَا مَضْرُوبَةً صَحَّ، وَإِنَّمَا تُشْتَرَطُ الْمَصْكُوكَةُ فِي نِصَابِ السَّرِقَةِ لِلْقَطْعِ تَقْلِيلًا لِوُجُودِ الْحَدِّ وَشَمِلَ الدَّيْنَ وَالْعَيْنَ فَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى عَشَرَةٍ دَيْنٍ لَهُ عَلَى فُلَانٍ صَحَّتْ التَّسْمِيَةُ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ مَالٌ فَإِنْ شَاءَتْ أَخَذَتْهُ مِنْ الزَّوْجِ وَإِنْ شَاءَتْ مِمَّنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ زَادَ فِي الْخَانِيَّةِ وَيُؤَاخَذُ الزَّوْجُ حَتَّى يُوَكِّلَهَا بِقَبْضِ الدَّيْنِ مِنْ الْمَدْيُونِ اهـ. فَقَدْ جَعَلُوا الدَّيْنَ مَالًا هُنَا وَأَدْخَلُوهُ تَحْتَ قَوْله تَعَالَى {أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} [النساء: 24] وَلَمْ يَجْعَلُوهُ مَالًا فِي الزَّكَاةِ فَلَمْ يَجُزْ الدَّيْنُ عَنْ الْعَيْنِ وَلَا فِي الْأَيْمَانِ فَلَوْ حَلَفَ لَا مَالَ لَهُ وَلَهُ دَيْنٌ عَلَى مُوسِرٍ لَا يَحْنَثُ وَشَمِلَ الدِّيَةَ أَيْضًا، وَلِذَا قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى مَا وَجَبَ لَهُ مِنْ الدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَتِهَا فَلَا شَيْءَ لَهَا عَلَى عَاقِلَتِهَا؛ لِأَنَّهَا مُؤَدِّيَةٌ عَنْهُمْ وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى عَيْبِ عَبْدٍ اشْتَرَاهُ مِنْهَا جَازَ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا تَزَوَّجَتْ عَلَى عَيْبِهِ صَارَتْ مُقِرَّةً بِحِصَّةِ الْعَيْبِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مَهْرٍ فَيَكُونُ نِكَاحًا بِمَالٍ فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْعَيْبِ عَشَرَةً فَهُوَ مَهْرُهَا وَإِلَّا يَكْمُلُ عَشَرَةً. اهـ. وَمُرَادُ الْمُصَنِّفِ أَنَّ أَقَلَّهُ عَشَرَةٌ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا بِالْقِيمَةِ وَاخْتُلِفَ فِي وَقْتِ الْقِيمَةِ فَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّ الِاعْتِبَارَ وَقْتَ الْعَقْدِ وَلَا اعْتِبَارَ لِيَوْمِ الْقَبْضِ فَلَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْعَقْدِ عَشَرَةً وَصَارَتْ يَوْمَ التَّسْلِيمِ ثَمَانِيَةً فَلَيْسَ لَهَا إلَّا هُوَ وَلَوْ كَانَ عَلَى عَكْسِهِ لَهَا الْعَرْضُ الْمُسَمَّى وَدِرْهَمَانِ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الثَّوْبِ وَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ؛ لِأَنَّ مَا جُعِلَ مَهْرًا لَمْ يَتَغَيَّرْ فِي نَفْسِهِ، وَإِنَّمَا التَّغْيِيرُ فِي رَغَبَاتِ النَّاسِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَفِي الْمُحِيطِ وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى ثَوْبٍ وَقِيمَتُهُ عَشَرَةٌ فَقَبَضَتْهُ وَقِيمَتُهُ عِشْرُونَ وَطَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَالْخَلْوَةِ وَالثَّوْبُ مُسْتَهْلَكٌ رَدَّتْ عَشَرَةً؛ لِأَنَّهُ   [منحة الخالق] أَيْ عُرْفٌ مِنْ حَيْثُ الْعَمَلُ وَالِاسْتِعْمَالُ لَا مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ، وَبَيَانُهُ أَنَّ الْعُرْفَ عَلَى نَوْعَيْنِ لَفْظِيٍّ نَحْوَ الدَّابَّةِ تُقَيَّدُ لَفْظًا بِالْفَرَسِ وَنَحْوَ الْمَالِ بَيْنَ الْعَرَبِ بِالْإِبِلِ وَعَمَلِيٍّ أَيْ الْعُرْفُ مِنْ حَيْثُ الْعَمَلُ أَيْ مِنْ حَيْثُ إنَّ عَمَلَ النَّاسِ كَذَا كَلُبْسِهِمْ الْجَدِيدَ يَوْمَ الْعِيدِ وَأَمْثَالَهُ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَفِيهِ بَحْثٌ لِصَاحِبِ السَّعْدِيَّةِ فَرَاجِعْهُ [بَابُ الْمَهْرِ] (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ حَقُّ الشَّرْعِ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ لِلْحَدِيثِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهَا مُؤَدِّيَةٌ عَنْهُمْ) أَيْ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ مُؤَدِّيَةٌ عَنْ الْعَاقِلَةِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِمْ وَمَنْ أَدَّى دَيْنَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا أَدَّى؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي لَكِنْ يُخَالِفُ هَذَا مَا نَذْكُرُهُ قَرِيبًا عَنْ الذَّخِيرَةِ مِنْ أَنَّ الدَّيْنَ إذَا كَانَ عَلَى غَيْرِ الْمَرْأَةِ فَالنِّكَاحُ لَا يَتَعَلَّقُ بِعَيْنِ ذَلِكَ الدَّيْنِ، وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِمِثْلِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 152 إنَّمَا دَخَلَ فِي ضَمَانِهَا بِالْقَبْضِ فَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْقَبْضِ اهـ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ الِاعْتِبَارَ لِيَوْمِ الْعَقْدِ فِي حَقِّ التَّسْمِيَةِ وَلِيَوْمِ الْقَبْضِ فِي حَقِّ دُخُولِهِ فِي ضَمَانِهَا وَفِي الذَّخِيرَةِ النِّكَاحُ إذَا أُضِيفَ إلَى دَرَاهِمِ عَيْنٍ لَا يَتَعَلَّقُ بِعَيْنِهَا، وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِمِثْلِهَا دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ وَإِذَا أُضِيفَ إلَى دَرَاهِمِ دَيْنٍ فِي ذِمَّةِ الْمَرْأَةِ تَتَعَلَّقُ بِعَيْنِهَا وَلَا يَتَعَلَّقُ بِمِثْلِهَا دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ عِوَضٌ مِنْ وَجْهٍ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مِلْكٌ بِمُقَابَلَةِ شَيْءٍ صِلَةٍ مِنْ وَجْهٍ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا مَالِيَّةَ لِمَا يُقَابِلُهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ حَتَّى يَجِبَ الْحَيَوَانُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ فِي النِّكَاحِ وَالدَّرَاهِمُ تَتَعَيَّنُ فِي الصِّلَاتِ لَا فِي الْمُعَاوَضَاتِ فَعَلِمْنَا بِحَقِيقَةِ الْمُعَاوَضَةِ إذَا أُضِيفَ إلَى الدَّرَاهِمِ الْعَيْنِ فَتَعَلَّقَ بِمِثْلِهَا وَعَمِلْنَا بِمَعْنَى الصِّلَةِ إذَا أُضِيفَ إلَى الدَّيْنِ فَتَعَلَّقَ بِعَيْنِهَا عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ، وَفَائِدَةُ الْأَوَّلِ لَوْ تَزَوَّجَهَا أَحَدُ الدَّائِنَيْنِ عَلَى حِصَّتِهِ مِنْ دَيْنٍ لَهُمَا عَلَيْهَا فَلَيْسَ لِلسَّاكِتِ مُشَارَكَتُهُ لِتَعَلُّقِهِ بِعَيْنِ الْحِصَّةِ، وَفَائِدَةُ الثَّانِي لَوْ تَزَوَّجَهَا أَحَدُهُمَا عَلَى دَرَاهِمَ مُطْلَقَةٍ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ مِنْ الدَّيْنِ وَصَارَ قِصَاصًا فَلِشَرِيكِهِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ نِصْفَهَا لِتَعَلُّقِهِ بِمِثْلِهَا وَالدَّيْنُ إذَا كَانَ عَلَى غَيْرِ الْمَرْأَةِ فَهُوَ كَالْعَيْنِ يَتَعَلَّقُ النِّكَاحُ بِمِثْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَعَلَّقَ بِالْعَيْنِ لَكَانَ تَمْلِيكُ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ عَلَيْهَا وَفَائِدَتُهُ أَنَّهَا مُخَيَّرَةٌ إنْ شَاءَتْ أَخَذَتْ مِنْ الزَّوْجِ وَإِنْ شَاءَتْ مِنْ الْعَاقِلَةِ اهـ. وَالْأَخِيرُ مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ وَيُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بِأَنَّ مَا فِي الذَّخِيرَةِ مُصَوَّرٌ بِأَنَّهُ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَرْشٍ لَهُ عَلَى عَاقِلَتِهَا وَأَمَرَهَا بِقَبْضِ ذَلِكَ وَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ خَالٍ عَنْ الْآمِرِ بِالْقَبْضِ، وَقَدْ عُلِمَ أَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى دَرَاهِمَ وَأَشَارَ إلَيْهَا فَلَهُ إمْسَاكُهَا وَدَفْعُ مِثْلِهَا وَلَوْ دَفَعَ الدَّرَاهِمَ إلَيْهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ لَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهَا رَدُّ عَيْنِ نِصْفِهَا، وَإِنَّمَا يَتَعَيَّنُ رَدُّ مِثْلِهَا كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَفُرِّعَ عَلَيْهِ مَا إذَا كَانَ الْمَهْرُ أَلْفًا دَفَعَهُ إلَيْهَا وَحَالَ الْحَوْلُ وَوَجَبَتْ الزَّكَاةُ عَلَيْهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ عَنْهَا زَكَاةُ النِّصْفِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَتَعَيَّنْ رَدُّ الْعَيْنِ كَانَ بِمَنْزِلَةِ دَيْنٍ حَادِثٍ. اهـ. وَمِنْ أَحْكَامِ الْمَهْرِ أَنَّهُ يَصِحُّ تَأْجِيلُهُ إلَى وَقْتٍ مَجْهُولٍ كَالْحَصَادِ وَالدِّيَاسِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَلَوْ تَزَوَّجَهَا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنْ يَنْقُدَ مَا تَيَسَّرَ لَهُ وَالْبَقِيَّةَ إلَى سَنَةٍ كَانَ الْأَلْفُ كُلُّهُ إلَى سَنَةٍ إلَّا أَنْ تُقِيمَ الْمَرْأَةُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ تَيَسَّرَ لَهُ مِنْهَا شَيْءٌ أَوْ كُلُّهُ فَتَأْخُذَهُ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ. (قَوْلُهُ فَإِنْ سَمَّاهَا أَوْ دُونَهَا فَلَهَا عَشَرَةٌ بِالْوَطْءِ أَوْ بِالْمَوْتِ) ؛ لِأَنَّ بِالدُّخُولِ يَتَحَقَّقُ تَسْلِيمُ الْمُبْدَلِ وَبِهِ يَتَأَكَّدُ الْبَدَلُ وَبِالْمَوْتِ يَنْتَهِي النِّكَاحُ نِهَايَتَهُ وَالشَّيْءُ بِانْتِهَائِهِ يَتَقَرَّرُ وَيَتَأَكَّدُ فَيَتَقَرَّرُ بِجَمِيعِ مُوَاجِبِهِ وَسَيَأْتِي أَنَّ الْخَلْوَةَ كَالْوَطْءِ فَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمَهْرَ يَجِبُ بِالْعَقْدِ وَيَتَأَكَّدُ بِإِحْدَى مَعَانٍ ثَلَاثٍ وَيَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ رَابِعٌ وَهُوَ وُجُوبُ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا مِنْهُ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْعِدَّةِ لَوْ طَلَّقَهَا بَائِنًا بَعْدَ الدُّخُولِ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ثَانِيًا فِي الْعِدَّةِ وَجَبَ كَمَالُ الْمَهْرِ الثَّانِي بِدُونِ الْخَلْوَةِ وَالدُّخُولِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا فَوْقَ الْخَلْوَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ خَامِسٌ وَهُوَ مَا لَوْ أَزَالَ بَكَارَتَهَا بِحَجَرٍ وَنَحْوِهِ فَإِنَّ لَهَا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَفَائِدَةُ الْأَوَّلِ) أَقُولُ: تَصَرُّفٌ فِي عِبَارَةِ الذَّخِيرَةِ بِمَا لَيْسَ فِيهَا فَإِنَّ الَّذِي فِي الذَّخِيرَةِ بَعْدَ قَوْلِهِ عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ مَا نَصُّهُ، وَهَذَا إذَا كَانَ الْمُضَافُ إلَيْهِ النِّكَاحَ عَلَى الْمَرْأَةِ، فَأَمَّا إذَا كَانَ عَلَى غَيْرِ الْمَرْأَةِ فَالنِّكَاحُ لَا يَتَعَلَّقُ بِعَيْنِ ذَلِكَ الدَّيْنِ، وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِمِثْلِهِ بَيَانُ الْأَوَّلِ إذَا كَانَ لِرَجُلَيْنِ عَلَى امْرَأَةٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَتَزَوَّجَهَا أَحَدُ الرَّجُلَيْنِ عَلَى حِصَّتِهِ لَا يَكُونُ لِلسَّاكِتِ أَنْ يَتْبَعَ الزَّوْجَ فَيَأْخُذَ مِنْهُ مِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ تَعَلَّقَ بِعَيْنِ الْحِصَّةِ لَا بِمِثْلِهَا دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ وَسَقَطَ عَنْ ذِمَّتِهَا عَيْنُ حِصَّةِ الزَّوْجِ فَصَارَ كَمَا لَوْ سَقَطَ ذَلِكَ بِالْهِبَةِ وَالْإِبْرَاءِ وَذَكَرَ فِي الْقُدُورِيِّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِيهَا رِوَايَتَيْنِ فِي رِوَايَةٍ لَا يَرْجِعُ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى خَمْسِمِائَةٍ كَانَ لِلشَّرِيكِ أَنْ يَتْبَعَ الزَّوْجَ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ هَاهُنَا أُضِيفَ إلَى خَمْسِمِائَةٍ مُرْسَلَةٍ وَلِلزَّوْجِ عَلَيْهَا مِثْلُ ذَلِكَ فَالْتَقَيَا قِصَاصًا وَصَارَ الزَّوْجُ مُقْتَضِيًا نَصِيبَهُ فَيَكُونُ لِشَرِيكِهِ حَقُّ الْمُشَارَكَةِ، وَذَكَرَ الْحَلْوَانِيُّ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتْبَعَهُ بِشَيْءٍ، وَبَيَانُ الثَّانِي إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى أَرْشٍ لَهُ عَلَى عَاقِلَتِهَا وَأَمَرَهَا بِقَبْضِ ذَلِكَ فَهِيَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَتْ اتَّبَعَتْ الزَّوْجَ أَوْ الْعَاقِلَةَ وَلَوْ تَعَلَّقَ النِّكَاحُ بِالدَّيْنِ الْمُضَافِ إلَيْهِ لَمْ يَكُنْ لَهَا اتِّبَاعُ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ إذَا كَانَ عَلَى غَيْرِ الْمَرْأَةِ لَوْ تَعَلَّقَ الْعَقْدُ بِعَيْنِهَا لَأَدَّى إلَى تَمْلِيكِ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ اهـ. مُلَخَّصًا وَمِثْلُهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَغَيْرُ خَافٍ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ بَيَانُ الْأَوَّلِ مَا إذَا كَانَ الْمُضَافُ إلَيْهِ الْعَقْدَ عَلَى الْمَرْأَةِ وَبِالثَّانِيَةِ مَا إذَا كَانَ عَلَى غَيْرِهَا (قَوْلُهُ وَيُمْكِنُ التَّوْفِيقُ) قَدْ سَمِعْت مِنْ عِبَارَةِ الذَّخِيرَةِ الَّتِي نَقَلْنَاهَا التَّصْرِيحَ بِالْأَمْرِ بِالْقَبْضِ وَكَأَنَّ الْمُؤَلِّفُ لَمْ يَرَهُ. (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ رَابِعٌ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ وُجُوبَ الْعِدَّةِ وَتَمَامَ الْمَهْرِ عَلَيْهَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بِاعْتِبَارِ الْوَطْءِ السَّابِقِ لِبَقَاءِ أَثَرِهِ وَهُوَ الْعِدَّةُ وَسَيَأْتِي فِي الْعِدَّةِ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ إحْدَى الْمَسَائِلِ الْعَشْرِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى أَنَّ الدُّخُولَ فِي النِّكَاحِ الْأَوَّلِ دُخُولٌ فِي الثَّانِي (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ خَامِسٌ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ وُجُوبَ كَمَالِ الْمَهْرِ هُنَا بِسَبَبِ الْخَلْوَةِ فَإِنَّ الْمُتَبَادِرَ أَنَّهُ اخْتَلَى بِهَا فَأَزَالَ بَكَارَتَهَا بِأُصْبُعِهِ أَوْ حَجَرٍ وَأَنَّ إزَالَتَهَا بِالدَّفْعَةِ فِي غَيْرِ الْخَلْوَةِ فَلِذَا وَجَبَ فِي الْأَوَّلِ التَّمَامُ وَفِي الثَّانِي النِّصْفُ وَإِلَّا بِأَنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي الْخَلْوَةِ أَوْ بِدُونِهَا فَمَا وَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا تَأَمَّلْ ثُمَّ رَأَيْت فِي جِنَايَاتِ الْخَانِيَّةِ مَا يُشِيرُ إلَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 153 كَمَالَ الْمَهْرِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَزَالَهَا بِدَفْعَةٍ فَإِنَّهُ يَجِبُ النِّصْفُ لَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَلَوْ دَفَعَهَا أَجْنَبِيٌّ فَزَالَتْ بَكَارَتُهَا وَطَلُقَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ وَجَبَ نِصْفُ الْمُسَمَّى عَلَى الزَّوْجِ وَعَلَى الْأَجْنَبِيِّ نِصْفُ صَدَاقِ مِثْلِهَا، وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ مَهْرُ الْمِثْلِ إذَا سَمَّى دُونَ الْعَشَرَةِ كَمَا قَالَ زُفَرَ؛ لِأَنَّ فَسَادَ هَذِهِ التَّسْمِيَةِ لِحَقِّ الشَّرْعِ، وَقَدْ صَارَ مَقْضِيًّا بِالْعَشَرَةِ، فَأَمَّا مَا يَرْجِعُ إلَى حَقِّهَا فَقَدْ رَضِيَتْ بِالْعَشَرَةِ لِرِضَاهَا بِمَا دُونَهَا وَلَا مُعْتَبَرَ بِانْعِدَامِ التَّسْمِيَةِ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَرْضَى بِالتَّمْلِيكِ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ تَكَرُّمًا وَلَا تَرْضَى فِيهِ بِالْعِوَضِ الْيَسِيرِ، وَقَدْ عُلِمَ حُكْمُ الْأَكْثَرِ بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ فِي الْمَهْرِ يَمْنَعُ النُّقْصَانَ فَقَطْ وَفِي الْمُحِيطِ وَالظَّهِيرِيَّةِ لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفَيْنِ أَلْفٌ مِنْهَا لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ لِلْخَاطِبِ أَوْ لِوَلَدِي أَوْ لِفُلَانٍ فَالْمَهْرُ أَلْفٌ؛ لِأَنَّ هَذَا اسْتِئْنَاءٌ فِي كَلَامٍ وَاحِدٍ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى غَنَمٍ بِعَيْنِهَا عَلَى أَنَّ أَصْوَافَهَا لِي كَانَ لَهُ الصُّوفُ اسْتِحْسَانًا وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى جَارِيَةٍ حُبْلَى عَلَى أَنَّ مَا فِي بَطْنِهَا تَكُونُ لَهُ الْجَارِيَةُ وَمَا فِي بَطْنِهَا لَهَا اهـ. وَكُلُّهُ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ كَجُزْئِهَا فَلَمْ يَصِحَّ اسْتِثْنَاؤُهُ وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَالْخَانِيَّةِ لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ فَكَسَدَتْ وَصَارَ النَّقْدُ غَيْرَهَا كَانَ عَلَى الزَّوْجِ قِيمَةُ تِلْكَ الدَّرَاهِمِ يَوْمَ كَسَدَتْ هُوَ الْمُخْتَارُ وَلَوْ كَانَ مَكَانُ النِّكَاحِ بَيْعًا فَسَدَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ الْكَسَادَ بِمَنْزِلَةِ الْهَلَاكِ وَهَلَاكُ الْبَدَلِ يُوجِبُ فَسَادَ الْبَيْعِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ اهـ. (قَوْلُهُ وَبِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ يَتَنَصَّفُ) أَيْ الْمُسَمَّى لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} [البقرة: 237] الْآيَةَ وَالْأَقْيِسَةُ مُتَعَارِضَةٌ فَفِيهِ تَفْوِيتُ الزَّوْجِ الْمِلْكَ عَلَى نَفْسِهِ بِاخْتِيَارِهِ وَفِيهِ عَوْدُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ إلَيْهَا سَالِمًا فَكَانَ الْمَرْجِعُ فِيهِ النَّصَّ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَهُوَ بَيَانٌ لِلْوَاقِعِ؛ لِأَنَّهُ جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ كَمَا فَهِمَهُ الشَّارِحُونَ وَتَمَامُهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَشَمِلَ الدُّخُولُ الْخَلْوَةَ لِمَا فِي الْمُجْتَبَى وَلَمْ يَذْكُرْ الْخَلْوَةَ مَعَ أَنَّهَا شَرْطٌ لِمَا أَنَّ اسْمَ الدُّخُولِ يَشْمَلُهَا؛ لِأَنَّهَا دُخُولٌ حُكْمًا اهـ. وَظَاهِرُ قَوْلِهِ يَتَنَصَّفُ أَنَّ النِّصْفَ يَعُودُ إلَى مِلْكِ الزَّوْجِ وَأَطْلَقَهُ وَفِيهِ تَفْصِيلٌ فَإِنْ كَانَ الْمَهْرُ لَمْ يُسَلِّمْهُ إلَيْهَا عَادَ إلَى مِلْكِ الزَّوْجِ نِصْفُهُ بِمُجَرَّدِ الطَّلَاقِ وَإِنْ كَانَ مَقْبُوضًا لَهَا فَإِنَّهُ لَا يَبْطُلُ مِلْكُ الْمَرْأَةِ فِي النِّصْفِ إلَّا بِقَضَاءٍ أَوْ رِضًا؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْجَبَ فَسَادَ سَبَبِ مِلْكِهَا فِي النِّصْفِ وَفَسَادُ السَّبَبِ فِي الِابْتِدَاءِ لَا يَمْنَعُ ثُبُوتَ مِلْكِهَا بِالْقَبْضِ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَمْنَعَ   [منحة الخالق] مَا قُلْتُهُ فَإِنَّهُ ذُكِرَ أَنَّهُ لَوْ دَفَعَ امْرَأَتَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَذَهَبَتْ عُذْرَتُهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ عَلَيْهِ بِنِصْفِ الْمَهْرِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَكُلِّهِ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ. اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الْفَتْحِ مِنْ هَذَا الْبَابِ فَقَوْلُهُ لَوْ دَفَعَ امْرَأَتَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ يُشِيرُ إلَى أَنَّ مَسْأَلَةَ إزَالَتِهَا بِالْحَجَرِ بَعْدَ الدُّخُولِ وَفِي جِنَايَاتِ الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ عَنْ الْمُحِيطِ وَلَوْ دَفَعَ امْرَأَتَهُ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَذَهَبَتْ عَذْرَتُهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا فَعَلَيْهِ نِصْفُ الْمَهْرِ وَلَوْ دَفَعَ امْرَأَةَ الْغَيْرِ وَذَهَبَتْ عُذْرَتُهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا وَدَخَلَ وَجَبَ لَهَا مَهْرَانِ اهـ. أَيْ: مَهْرٌ بِالدَّفْعِ وَمَهْرٌ بِالنِّكَاحِ وَالدُّخُولِ وَدَلَّ كَلَامُهُ أَنَّ الزَّوْجَ إذَا أَزَالَ بَكَارَةَ زَوْجَتِهِ بِغَيْرِ الْوَطْءِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَإِنَّمَا لَزِمَهُ هُنَا نِصْفُ الْمَهْرِ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ إزَالَتَهَا بِالْحَجَرِ أَوْ الْإِصْبُعِ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا لَزِمَهُ كُلُّ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْعَادَةِ لَا يَكُونُ إلَّا فِي الْخَلْوَةِ حَتَّى لَوْ ضَرَبَهَا بِحَجَرٍ فِي غَيْرِ الْخَلْوَةِ فَأَزَالَ بَكَارَتَهَا وَطَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ لَا يَلْزَمُهُ سِوَى نِصْفِ الْمَهْرِ بِحُكْمِ النِّكَاحِ لَا بِحُكْمِ الضَّرْبِ. (قَوْلُهُ وَلَوْ دَفَعَهَا أَجْنَبِيٌّ فَزَالَتْ بَكَارَتُهَا إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ تَدَافَعَتْ جَارِيَةٌ مَعَ أُخْرَى فَزَالَتْ بَكَارَتُهَا وَجَبَ عَلَيْهَا مَهْرُ الْمِثْلِ اهـ. وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ يَعُمُّ مَا لَوْ كَانَتْ الْمَدْفُوعَةُ مُتَزَوِّجَةً فَيُسْتَفَادُ مِنْهُ وُجُوبُهُ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ كَامِلًا فِيمَا إذَا لَمْ يُطَلِّقْهَا الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ فَتَدَبَّرْهُ. اهـ. قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ فِيهِ إنَّ عِبَارَةَ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ تَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ كَمَالِ مَهْرِ الْمِثْلِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ بَيْنَ مَا إذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ لَمْ يُطَلِّقْهَا كَمَا لَا يَخْفَى وَحِينَئِذٍ يُعَارِضُ إيجَابَ الْمُؤَلِّفِ نِصْفَ مَهْرِ الْمِثْلِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ فِيمَا إذَا طَلَّقَهَا الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ هَذَا وَقَالَ فِي الْمِنَحِ لَكِنْ فِي جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى وَلَوْ افْتَضَّ مَجْنُونٌ بَكَارَةَ امْرَأَةٍ بِإِصْبَعَ وَأَفْضَاهَا فَقَدْ أَشَارَ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ إذَا افْتَضَّهَا كُرْهًا بِإِصْبُعٍ أَوْ حَجَرٍ أَوْ آلَةٍ مَخْصُوصَةٍ حَتَّى أَفْضَاهَا فَعَلَيْهِ الْمَهْرُ وَلَكِنَّ مَشَايِخَنَا يَذْكُرُونَ أَنَّ هَذَا وَقَعَ سَهْوًا وَلَا يَجِبُ إلَّا بِالْآلَةِ الْمَوْضُوعَةِ لِقَضَاءِ الشَّهْوَةِ وَالْوَطْءِ وَيَجِبُ الْأَرْشُ فِي مَالِهِ اهـ. كَلَامُ الْمِنَحِ فَلْيُحَرَّرْ. اهـ. قُلْتُ: الظَّاهِرُ أَنَّ مَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا فِي الْمَبْسُوطِ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ (قَوْلُهُ أَيْ الْمُسَمَّى) هَذَا بِنَاءً عَلَى أَنْ يَتَنَصَّفَ بِالْيَاءِ، قَالَ فِي النَّهْرِ إلَّا أَنَّ كَوْنَهُ بِالتَّاءِ الْفَوْقِيَّةِ أَوْلَى وَأَنَّهُ لَوْ سَمَّى مَا دُونَهَا لَا يَتَنَصَّفُ الْمُسَمَّى فَقَطْ وَفِي الْمَبْسُوطِ وَغَيْرِهِ تَزَوَّجَهَا عَلَى ثَوْبٍ قِيمَتُهُ خَمْسَةٌ فَطَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ كَانَ لَهَا نِصْفُ الثَّوْبِ وَدِرْهَمَانِ وَنِصْفٌ وَمَا فِي الْخُلَاصَةِ لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَقَلَّ مِنْ الْعَشَرَةِ أَوْ ثَوْبٍ قِيمَتُهُ أَقَلُّ مِنْ عَشَرَةٍ كَانَ لَهَا نِصْفُ الْمُسَمَّى عِنْدَ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا. (قَوْلُهُ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ يَتَنَصَّفُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَمَعْنَى تَنْصِيفِهَا اسْتِحْقَاقُ الزَّوْجِ النِّصْفَ مِنْهَا لَا أَنَّهُ يَعُودُ إلَى مِلْكِهِ كَمَا فَهِمَهُ فِي الْبَحْرِ فَلَا يَرِدُ أَنَّ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَقْبُوضًا لَهَا اهـ. وَوَجْهُهُ أَنَّ اسْتِحْقَاقَ النِّصْفِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ نِصْفُ الْعَيْنِ أَوْ الْقِيمَةِ فَلَا يُحْتَاجُ إلَى التَّقْيِيدِ بِخِلَافِ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 154 بَقَاءَهُ فَلَوْ أَعْتَقَ الزَّوْجُ الْعَبْدَ الْمَهْرَ الْمَقْبُوضَ بَعْدَ الطَّلَاقِ قَبْلَهُ لَمْ يَنْفُذْ فِي شَيْءٍ مِنْهُ وَلَوْ قَضَى الْقَاضِي بَعْدَ ذَلِكَ يَعُودُ نِصْفُهُ إلَى مِلْكِهِ؛ لِأَنَّهُ عِتْقٌ سَبَقَ مِلْكَهُ فَلَمْ يَنْفُذْ وَنَفَذَ عِتْقُ الْمَرْأَةِ فِي الْكُلِّ، وَكَذَا بَيْعُهَا وَهِبَتُهَا لِبَقَاءِ مِلْكِهَا فِي الْكُلِّ قَبْلَ الْقَضَاءِ وَالرِّضَا وَإِذَا نَفَذَ تَصَرُّفُهَا فَقَدْ تَعَذَّرَ عَلَيْهَا رَدُّ النِّصْفِ بَعْدَ وُجُوبِهِ فَتَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهِ لِلزَّوْجِ يَوْمَ قَبَضَتْ وَلَوْ وُطِئَتْ الْجَارِيَةُ بِشُبْهَةٍ فَحُكْمُ الْعُقْرِ حُكْمُ الزِّيَادَةِ الْمُنْفَصِلَةِ الْمُتَوَلِّدَةِ مِنْ الْأَصْلِ كَالْأَرْشِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ مِنْ جُزْءٍ مِنْ عَيْنِهَا فَإِنَّ الْمُسْتَوْفَى بِالْوَطْءِ فِي حُكْمِ الْعَيْنِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَوْ زَادَ الْمَهْرُ زِيَادَةً مُنْفَصِلَةً كَالْوَلَدِ وَالثَّمَرِ وَالْأَرْشِ وَالْعُقْرِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَكُلُّهَا تَتَنَصَّفُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَ الْقَبْضِ لَا تَتَنَصَّفُ وَعَلَيْهَا نِصْفُ قِيمَةِ الْأَصْلِ يَوْمَ قَبَضَتْ، وَكَذَلِكَ لَوْ ارْتَدَّتْ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَوْ قَبَّلَتْ ابْنَ الزَّوْجِ وَإِنْ كَانَتْ بَدَلَ الْمَنَافِعِ كَالْكَسْبِ وَالْغَلَّةِ وَالْمَوْهُوبِ لِلْمَهْرِ فَهِيَ لِلْمَرْأَةِ وَلَيْسَتْ بِمَهْرٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَتَنَصَّفُ مَعَ الْأَصْلِ، وَكَذَلِكَ عَلَى هَذَا كَسْبُ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَلَوْ آجَرَهُ الزَّوْجُ فَالْأُجْرَةُ لَهُ وَلَزِمَهُ التَّصَدُّقُ بِهَا وَالزِّيَادَةُ الْمُتَّصِلَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ تَتَنَصَّفُ بِالْإِجْمَاعِ وَبَعْدَ الْقَبْضِ تَتَنَصَّفُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لَهُمَا وَالزِّيَادَةُ الْمُنْفَصِلَةُ بَعْدَ الْقَبْضِ إذَا هَلَكَتْ يَتَنَصَّفُ الْأَصْلُ دُونَ الزِّيَادَةِ وَلَوْ اسْتَوْلَدَ الزَّوْجُ الْجَارِيَةَ الْمَمْهُورَةَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَادَّعَى نَسَبَ الْوَلَدِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ تَتَنَصَّفُ الْجَارِيَةُ وَالْوَلَدُ؛ لِأَنَّ الْعُلُوقَ وُجِدَ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ فَلَمْ تَصِحَّ الدَّعْوَةُ وَذُكِرَ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى أَنَّهُ يَثْبُتُ النَّسَبُ وَتَصِيرُ الْجَارِيَةُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ؛ لِأَنَّهُ عَادَ إلَيْهِ قَدِيمُ مِلْكِهِ وَعَتَقَ نِصْفُ الْوَلَدِ بِإِقْرَارِهِ؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهُ وَيَسْعَى الْوَلَدُ فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ لِلْمَرْأَةِ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ جَمِيعًا ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ حَاصِلَ الزِّيَادَةِ فِي الْمَهْرِ أَنَّهَا إذَا حَدَثَتْ بَعْدَ قَبْضِ الْمَرْأَةِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَإِنَّهَا لَا تَتَنَصَّفُ سَوَاءٌ كَانَتْ مُتَّصِلَةً مُتَوَلِّدَةً أَوْ مُنْفَصِلَةً مُتَوَلِّدَةً أَوَّلًا إلَّا مُتَّصِلَةً مُتَوَلِّدَةً عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَأَمَّا إذَا حَدَثَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنَّ الْمُتَوَلِّدَةَ تَتَنَصَّفُ مُتَّصِلَةً أَوْ مُنْفَصِلَةً وَغَيْرَ الْمُتَوَلِّدَةِ لَا تَتَنَصَّفُ وَفِي خِيَارِ الْعَيْبِ الزِّيَادَةُ الْمُتَوَلِّدَةُ مُتَّصِلَةٌ أَوْ مُنْفَصِلَةٌ غَيْرُ مُتَوَلِّدَةٍ وَأَنَّهَا لَا تَمْنَعُ الرَّدَّ بِهِ وَالْمُتَّصِلَةُ غَيْرُ الْمُتَوَلِّدَةِ وَالْمُنْفَصِلَةُ الْمُتَوَلِّدَةُ يَمْنَعَانِ الرَّدَّ بِهِ وَفِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ كُلُّ زِيَادَةٍ فَإِنَّهَا لَا تَمْنَعُ الِاسْتِرْدَادَ وَالْفَسْخَ إلَّا زِيَادَةً مُتَّصِلَةً غَيْرَ مُتَوَلِّدَةٍ وَفِي بَابِ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ فَإِنَّ الزِّيَادَةَ الْمُتَّصِلَةَ مُتَوَلِّدَةٌ أَوْ غَيْرُ مُتَوَلِّدَةٍ مَانِعَةٌ مِنْ الرُّجُوعِ وَالْمُنْفَصِلَةَ مُتَوَلِّدَةٌ أَوَّلًا غَيْرُ مَانِعَةٍ وَفِي بَابِ الْغَصْبِ لَا يَمْنَعُ مِنْ رَدِّ الْعَيْنِ إلَّا الزِّيَادَةُ الْمُتَّصِلَةُ الْغَيْرُ الْمُتَوَلِّدَةِ الَّتِي لَا يُمْكِنُ فَصْلُ الْمَغْصُوبِ عَنْهَا فَلْتَحْفَظْ هَذِهِ الْمَوَاضِعَ فَإِنَّهَا نَفِيسَةٌ وَأَمَّا الْمُتَّصِلَةُ الْغَيْرُ الْمُتَوَلِّدَةِ كَالصِّبْغِ فِي مَسْأَلَةِ الزِّيَادَةِ فِي الْمَهْرِ فَخَارِجَةٌ عَنْ الْبَحْثِ وَاعْلَمْ بِأَنَّ الْأَوْصَافَ لَا تُفْرَدُ بِالْعَقْدِ وَلَا تُفْرَدُ بِضَمَانِ الْعَقْدِ وَالْإِتْلَافُ يَرِدُ عَلَى الْأَوْصَافِ فَأَمْكَنَ إظْهَارُ حُكْمِ الْإِتْلَافِ فِيهَا فَنَقُولُ إذَا حَدَثَ فِي الْمَهْرِ عَيْبٌ سَمَاوِيٌّ إنْ شَاءَتْ أَخَذَتْهُ نَاقِصًا بِلَا غُرْمِهِ النُّقْصَانَ وَإِنْ شَاءَتْ أَخَذَتْ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْعَقْدِ وَإِنْ حَدَثَ بِفِعْلِ الزَّوْجِ فَإِنْ شَاءَتْ أَخَذَتْهُ وَقِيمَةَ النُّقْصَانِ وَإِنْ شَاءَتْ أَخَذَتْ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْعَقْدِ وَإِنْ حَدَثَ بِفِعْلِ الزَّوْجِ صَارَتْ قَابِضَةً وَإِنْ حَدَثَ بِفِعْلِ أَجْنَبِيٍّ فَإِنْ شَاءَتْ أَخَذَتْهُ وَقِيمَةَ النُّقْصَانِ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ وَإِنْ شَاءَتْ أَخَذَتْ قِيمَتَهُ مِنْ الزَّوْجِ وَلَا حَقَّ لَهَا فِي النُّقْصَانِ وَإِنْ حَدَثَ بِفِعْلِ الْمَهْرِ فَكَالْآفَةِ السَّمَاوِيَّةِ فِي رِوَايَةٍ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ هُوَ كَحُكْمِ جِنَايَةِ الزَّوْجِ وَالْحُدُوثُ بِفِعْلِ الْمَهْرِ أَنْ يَكُونَ الْمَهْرُ عَبْدًا فَقَطَعَ يَدَهُ أَوْ فَقَأَ عَيْنَهُ وَإِذَا قَبَضَتْ الْمَهْرَ فَتَغَيَّبَ بِفِعْلِهَا أَوْ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَوْ بِفِعْلِ الْمَهْرِ قَبْلَ الطَّلَاقِ أَوْ بَعْدَهُ قَبْلَ الْحُكْمِ بِالرَّدِّ فَإِنْ شَاءَ الزَّوْجُ أَخَذَ نِصْفَهُ وَلَا يُضَمِّنُهَا النُّقْصَانَ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهَا نِصْفَ قِيمَتِهِ صَحِيحًا يَوْمَ الْقَبْضِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ الطَّلَاقِ وَالْحُكْمِ بِالرَّدِّ فَلِلزَّوْجِ أَنْ يَأْخُذَهُ وَنِصْفَ الْأَرْشِ وَإِنْ تَعَيَّبَ بِفِعْلِ الْأَجْنَبِيِّ يُضَمِّنُهَا نِصْفَ الْقِيمَةِ لَا غَيْرُ وَإِنْ تَعَيَّبَ بِفِعْلِ الزَّوْجِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ كَمَا فِي الْأَجْنَبِيِّ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ فَصَارَ حَاصِلُ وُجُوهِ النُّقْصَانِ عِشْرِينَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ بَعْدَ الطَّلَاقِ قَبْلَهُ) الظَّرْفَانِ مُتَعَلِّقَانِ بِأَعْتَقَ وَالضَّمِيرُ فِي قَبْلِهِ لِلْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا وَأُفْرِدَ الضَّمِيرُ لِمَكَانٍ أَوْ. (قَوْلُهُ أَوَّلًا) أَيْ أَوْ لَمْ تَكُنْ مُتَوَلِّدَةً فِيهِمَا وَلَوْ قَالَ سَوَاءٌ كَانَتْ مُتَّصِلَةً أَوْ مُنْفَصِلَةً مُتَوَلِّدَةً أَوْ لَا لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَظْهَرَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 155 لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَوْ بِفِعْلِهِ أَوْ بِفِعْلِهَا أَوْ بِفِعْلِ الْمَهْرِ أَوْ بِفِعْلِ الْأَجْنَبِيِّ وَكُلٌّ مِنْ الْخَمْسَةِ عَلَى أَرْبَعَةٍ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي يَدِ الزَّوْجِ أَوْ فِي يَدِهَا قَبْلَ الطَّلَاقِ أَوْ فِي يَدِهَا بَعْدَهُ قَبْلَ الْحُكْمِ بِالرَّدِّ أَوْ بَعْدَهُ بَعْدَ الْحُكْمِ وَأَحْكَامُهَا مَذْكُورَةٌ كَمَا أَنَّ حَاصِلَ وُجُوهِ الزِّيَادَةِ ثَمَانِيَةٌ؛ لِأَنَّهَا إمَّا أَنْ تَكُونَ مُتَّصِلَةً مُتَوَلِّدَةً أَوَّلًا أَوْ مُنْفَصِلَةً مُتَوَلِّدَةً أَوَّلًا وَكُلٌّ مِنْهَا إمَّا أَنْ تَكُونَ فِي يَدِهِ أَوْ فِي يَدِهَا وَالْأَحْكَامُ مَذْكُورَةٌ إلَّا حُكْمَ الْمُتَّصِلَةِ الْغَيْرِ الْمُتَوَلِّدَةِ كَالصِّبْغِ لِظُهُورِ أَنَّهَا لَا تَتَنَصَّفُ وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ وُجُوهُ النُّقْصَانِ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ فَإِنَّ النُّقْصَانَ فِي يَدِ الزَّوْجِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الطَّلَاقِ أَوْ بَعْدَهُ فَهِيَ خَمْسَةٌ فِي خَمْسَةٍ وَإِذَا وَلَدَتْ الْجَارِيَةُ الْمَمْهُورَةُ فِي يَدِ الزَّوْجِ فَهَلَكَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا أَخَذَتْ نِصْفَ قِيمَةِ الْأُمِّ لَا غَيْرَ وَإِنْ قَتَلَهُمَا الزَّوْجُ فَإِنْ شَاءَتْ ضَمَّنَتْهُ نِصْفَ قِيمَةِ الْأُمِّ يَوْمَ الْعَقْدِ وَإِنْ شَاءَتْ ضَمَّنَتْ عَاقِلَتَهُ نِصْفَ قِيمَتِهَا وَتَضْمَنُ الْعَاقِلَةُ نِصْفَ قِيمَةِ الْوَلَدِ يَوْمَ الْقَتْلِ وَلَا يَضْمَنُ الزَّوْجُ نُقْصَانَ الْوِلَادَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فَاحِشًا وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى زَرْعِ بَقْلٍ فَاسْتَحْصَدَ الزَّرْعَ فِي يَدِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَلَا سَبِيلَ لِلزَّوْجِ عَلَى الزَّرْعِ. وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى عِشْرِينَ شَاةً عَجْفَاءَ فَحَمَلَتْ فِي يَدِهَا وَدَرَّ اللَّبَنُ فِي ضُرُوعِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا يَأْخُذُ الزَّوْجُ نِصْفَهَا وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَرْضٍ قَرَاحٍ عَلَى أَنَّهَا ثَلَاثُونَ جَرِيبًا فَإِذَا هِيَ عِشْرُونَ إنْ شَاءَتْ أَخَذَتْ الْقَرَاحَ نَاقِصًا لَا غَيْرُ، وَإِنْ شَاءَتْ أَخَذَتْ قِيمَتَهُ ثَلَاثِينَ جَرِيبًا مِثْلَ هَذِهِ الْأَرْضِ وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى نَخْلٍ صِغَارٍ فَطَالَتْ وَكَبِرَتْ فِي يَدِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَلَهَا نِصْفُهَا نُصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُنْتَقَى قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدِي هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ الْمَذْهَبَ عِنْدَهُ أَنَّ الزِّيَادَةَ الْمُتَّصِلَةَ لَا تَمْنَعُ التَّنْصِيفَ اهـ. مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ بِحُرُوفِهِ وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ مَسْأَلَةُ الشَّاةِ كَمَسْأَلَةِ النَّخْلِ مَحْمُولَةً عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَظَاهِرُ مَا فِي الْمُخْتَصَرِ أَنَّ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ يَسْقُطُ نِصْفُ الْمَهْرِ وَيَبْقَى النِّصْفُ وَهُوَ قَوْلُ الْمُحَقِّقِينَ، وَقِيلَ يَسْقُطُ كُلُّهُ وَيَجِبُ نِصْفُ الْمَهْرِ بِطَرِيقِ الْمُتْعَةِ وَاخْتَارَهُ فِي الْهِدَايَةِ فِي بَابِ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَاتِ قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ وَفَائِدَتُهُ أَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ وَرَهَنَهَا بِهَا رَهْنًا ثُمَّ طَلَّقَهَا فَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ لَهَا إمْسَاكُ الرَّهْنِ وَعَلَى الثَّانِي لَا اهـ. وَفِي الْبَدَائِعِ ضَعُفَ الْقَوْلُ بِسُقُوطِ الْكُلِّ ثُمَّ إيجَابُ النِّصْفِ بِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ وَأَنَّ طَرِيقَ أَصْحَابِنَا هُوَ الْأَوَّلُ وَذُكِرَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِي الرَّهْنِ فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ هُوَ رَهْنٌ بِهَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا وَفِي الْقُنْيَةِ افْتَرَقَا، فَقَالَتْ افْتَرَقْنَا بَعْدَ الدُّخُولِ وَقَالَ الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا؛ لِأَنَّهَا تُنْكِرُ سُقُوطَ نِصْفِ الْمَهْرِ اهـ. وَفِيهَا أَيْضًا لَوْ تَبَرَّعَ بِالْمَهْرِ عَنْ الزَّوْجِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ جَاءَتْ الْفُرْقَةُ مِنْ قِبَلِهَا يَعُودُ نِصْفُ الْمَهْرِ فِي الْأَوَّلِ وَالْكُلُّ فِي الثَّانِي إلَى مِلْكِ الزَّوْجِ بِخِلَافِ الْمُتَبَرِّعِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ إذَا ارْتَفَعَ السَّبَبُ يَعُودُ إلَى مِلْكِ الْقَاضِي إنْ كَانَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ وَتَمَامِهِ فِيهَا مِنْ كِتَابِ الْمُدَايَنَاتِ. (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِ أَوْ نَفَاهُ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا إنْ وَطِئَ أَوْ مَاتَ عَنْهَا) لِمَا رُوِيَ فِي السُّنَنِ وَالْجَامِعِ التِّرْمِذِيِّ عَنْ «عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فِي رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَمَاتَ عَنْهَا وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَلَمْ يَفْرِضْ لَهَا الصَّدَاقَ، فَقَالَ لَهَا الصَّدَاقُ كَامِلًا وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَلَهَا الْمِيرَاثُ، فَقَالَ مَعْقِلُ بْنُ سِنَانٍ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِهِ فِي تَزْوِيجِ بِنْتِ وَاشِقٍ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَلِأَنَّهُ حَقُّ الشَّرْعِ وُجُوبًا، وَإِنَّمَا يَصِيرُ حَقَّهَا فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ فَتَمْلِكُ الْإِبْرَاءَ دُونَ النَّفْيِ وَمِنْ صُوَرِهِ مَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ عَلَى أَنْ تَرُدَّ إلَيْهِ أَلْفًا؛ لِأَنَّ الْأَلْفَ بِمُقَابَلَةِ مِثْلِهَا فَبَقِيَ النِّكَاحُ بِلَا تَسْمِيَةٍ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَمِنْهَا مَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى عَبْدِهَا وَلَيْسَ مِنْهَا مَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى عَبْدِ الْغَيْرِ فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يُجِزْ مَالِكُهُ وَجَبَتْ قِيمَتُهُ وَمِنْهَا مَا فِي الْقُنْيَةِ قَالَتْ زَوَّجْت نَفْسِي مِنْك بِخَمْسِينَ دِينَارًا وَأَبْرَأْتُك مِنْ الْخَمْسِينَ، فَقَالَ قَبِلْت يَنْعَقِدُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ لِعَدَمِ التَّسْمِيَةِ وَمِنْهَا مَا فِيهَا تَزَوَّجْتُك بِمَهْرٍ جَائِزٍ فِي الشَّرْعِ وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ وَلَا يَنْصَرِفُ إلَى الْعَشَرَةِ؛ لِأَنَّ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ «قَضَى بِهِ فِي تَزْوِيجِ بِنْتِ وَاشِقٍ» الَّذِي فِي الْفَتْحِ «قَضَى فِي بِرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ» بِمِثْلِهِ وَقَالَ هَذَا لَفْظُ أَبِي دَاوُد وَلَهُ رِوَايَاتٌ أُخَرُ بِأَلْفَاظٍ وَذُكِرَ قَبْلَهُ وَبِرْوَعُ بِكَسْرِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ فِي الْمَشْهُورِ وَيُرْوَى بِفَتْحِهَا. (قَوْلُهُ وَمِنْهَا مَا فِيهَا) أَيْ فِي الْقُنْيَةِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 156 مَهْرَ الْمِثْلِ جَائِزٌ شَرْعًا أَيْضًا وَفِي الْمِعْرَاجِ لَهَا الْعَشَرَةُ وَمِنْهَا مَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى حُكْمِهَا أَوْ حُكْمِهِ أَوْ حُكْمِ رَجُلٍ آخَرَ أَوْ عَلَى مَا فِي بَطْنِ جَارِيَتِي أَوْ أَغْنَامِي كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَمِنْهَا مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ يَهَبَ الزَّوْجُ لِأَبِيهَا أَلْفَ دِرْهَمٍ كَانَ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ وَهَبَ لِأَبِيهَا أَلْفًا أَوْ لَمْ يَهَبْ فَإِنْ وَهَبَ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي الْهِبَةِ وَمِنْهَا مَا فِيهَا أَيْضًا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى دَرَاهِمَ كَانَ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ وَلَا يُشْبِهُ الْخُلْعَ وَمِنْهَا تَسْمِيَةُ الْمَحْرَمِ وَمِنْهَا تَسْمِيَةُ الْمَجْهُولِ جَهَالَةً فَاحِشَةً كَمَا سَيَأْتِي كَمَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى مَا يَكْسِبُهُ الْعَامَ أَوْ يَرِثُهُ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَمِنْهَا تَسْمِيَةُ مَا لَا يَصْلُحُ مَهْرًا كَتَأْخِيرِ الدَّيْنِ عَنْهَا سَنَةً وَالتَّأْخِيرُ بَاطِلٌ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ أَوْ أُبْرِئَ فُلَانٌ مِنْ الدَّيْنِ فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَلَيْسَ مِنْهَا مَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى حَجَّةٍ فَإِنَّ لَهَا قِيمَةَ حَجَّةٍ وَسَطٍ لَا مَهْرَ الْمِثْلِ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَفُسِّرَ فِي الْمِعْرَاجِ الْوَسَطُ بِرُكُوبِ الرَّاحِلَةِ وَلَيْسَ مِنْهَا مَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى عِتْقِ أَخِيهَا عَنْهَا فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ لَهَا لِثُبُوتِ الْمِلْكِ لَهَا اقْتِضَاءً فِي الْأَخِ بِخِلَافِ مَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى عِتْقِ أَخِيهَا أَوْ طَلَاقِ ضَرَّتِهَا فَإِنَّهُ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِمَالٍ وَتَمَامُهُ فِي الْمُحِيطِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ وُجُوبَ مَهْرِ الْمِثْلِ بِتَمَامِهِ عِنْدَ عَدَمِ التَّسْمِيَةِ مَشْرُوطٌ بِأَنْ لَا يَشْتَرِطَ الزَّوْجُ عَلَيْهَا شَيْئًا لِمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَالْمُحِيطِ لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ تَدْفَعَ إلَيْهِ هَذَا الْعَبْدَ يُقْسَمُ مَهْرُهَا عَلَى قِيمَةِ الْعَبْدِ وَعَلَى مَهْرِ مِثْلِهَا؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ بَذَلَتْ الْبُضْعَ وَالْعَبْدُ بِإِزَاءِ مَهْرِ مِثْلِهَا وَالْبَدَلُ يَنْقَسِمُ عَلَى قَدْرِ قِيمَةِ الْمُبْدَلِ فَمَا أَصَابَ قِيمَةَ الْعَبْدِ فَالْبَيْعُ فِيهِ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهَا بَاعَتْهُ بِشَيْءٍ مَجْهُولٍ وَالْبَاقِي يَصِيرُ مَهْرًا. اهـ. وَيُخَالِفُهُ مَا نَقَلَاهُ أَيْضًا لَوْ قَالَ لِامْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُك عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي عَبْدَك هَذَا فَقَبِلَتْ جَازَ النِّكَاحُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ وَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ الْعَبْدِ فَيَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ، وَقَدْ يُقَالُ إنَّ فِي الثَّانِيَةِ لَمْ يُجْعَلْ الْعَبْدُ مَبِيعًا بَلْ هِبَةً فَلَا يَنْقَسِمُ مَهْرُ الْمِثْلِ عَلَى الْعَبْدِ وَعَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ ذَكَرَ الْإِعْطَاءَ وَالْعَطِيَّةُ الْهِبَةُ وَفِي الْأُولَى جَعَلَ الْعَبْدَ مَبِيعًا فَانْقَسَمَ مَهْرُ الْمِثْلِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ ذَكَرَ الدَّفْعَ لَا الْإِعْطَاءَ وَأَمَّا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ عَلَى أَنْ تَدْفَعَ إلَيْهِ هَذَا الْعَبْدَ، فَقَالَ فِي الْمُحِيطِ صَحَّ النِّكَاحُ وَالْبَيْعُ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ مَشْرُوطٌ فِي النِّكَاحِ، فَأَمَّا النِّكَاحُ غَيْرُ مَشْرُوطٍ فِي الْبَيْعِ فَثَبَتَ الْبَيْعُ ضِمْنًا لِلنِّكَاحِ وَلَوْ قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ أَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ مَوْتَهَا كَمَوْتِهِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَلَيْسَ مِنْ صُوَرِ عَدَمِ التَّسْمِيَةِ مَا لَوْ تَزَوَّجَتْ بِمِثْلِ مَهْرِ أُمِّهَا وَالزَّوْجُ لَا يَعْلَمُ مِقْدَارَ مَهْرِ أُمِّهَا فَإِنَّهُ جَائِزٌ بِمِقْدَارِ مَهْرِ أُمِّهَا وَلَوْ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَلَهَا نِصْفُ ذَلِكَ وَلِلزَّوْجِ الْخِيَارُ إذَا عَلِمَ مِقْدَارَ مَهْرِ أُمِّهَا كَمَا لَوْ اشْتَرَى بِوَزْنِ هَذَا الْحَجَرِ ذَهَبًا ثُمَّ عَلِمَ بِوَزْنِهِ وَلَا خِيَارَ لِلْمَرْأَةِ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَلَيْسَ مِنْهَا مَا إذَا افْتَرَقَا وَبَقِيَ عَلَيْهِ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ مِنْ الْمَهْرِ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بِتِلْكَ الْعَشَرَةِ فَإِنَّ الْمُصَرَّحَ بِهِ فِي الْقُنْيَةِ أَنَّهُ تَزَوَّجَ بِمِثْلِ الْعَشَرَةِ فَيَكُونُ الْمَهْرُ عَشَرَةً أُخْرَى غَيْرَ عَشَرَةِ الدَّيْنِ. (قَوْلُهُ وَالْمُتْعَةُ إنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الْوَطْءِ) أَيْ لَهَا الْمُتْعَةُ إنْ لَمْ يُسَمِّ شَيْئًا وَطَلَّقَهَا قَبْلَ الْوَطْءِ وَالْخَلْوَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ} [البقرة: 236] الْآيَةَ ثُمَّ هَذِهِ الْمُتْعَةُ وَاجِبَةٌ رُجُوعًا إلَى الْأَمْرِ وَلَا يَكُونُ لَفْظُ الْمُحْسِنِينَ قَرِينَةً صَارِفَةً إلَى النَّدْبِ؛ لِأَنَّ الْمُحْسِنَ أَعَمُّ مِنْ الْمُتَطَوِّعِ وَالْقَائِمِ بِالْوَاجِبِ أَيْضًا فَلَا يُنَافِي الْوُجُوبَ مَعَ مَا انْضَمَّ إلَيْهِ مِنْ لَفْظٍ حَقًّا وَعَلَى وَفِي الْأَسْرَارِ لِلدَّبُوسِيِّ قَالَ عُلَمَاؤُنَا وَالْمُتْعَةُ بَعْدَ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي نِكَاحٍ لَا تَسْمِيَةَ فِيهِ تَجِبُ خَلْفًا عَنْ مَهْرِ الْمِثْلِ الَّذِي كَانَ وَاجِبًا بِهِ قَبْلَ الطَّلَاقِ بَدَلًا عَنْ الْمِلْكِ الْوَاقِعِ بِالْعَقْدِ لِلرَّجُلِ عَلَى الْمَرْأَةِ فِي الْحَالَيْنِ جَمِيعًا اهـ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُتْعَةَ إنَّمَا تَجِبُ فِي مَوْضِعٍ لَمْ تَصِحَّ التَّسْمِيَةُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ أَمَّا إذَا صَحَّتْ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَإِنَّهُ لَا تَجِبُ الْمُتْعَةُ وَإِنْ وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ بِالدُّخُولِ كَمَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ وَكَرَامَتِهَا أَوْ عَلَى أَلْفٍ وَعَلَى أَنْ يُهْدِيَ لَهَا هَدِيَّةً وَأَنَّهُ إذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ كَانَ لَهَا نِصْفُ الْأَلْفِ لَا الْمُتْعَةُ مَعَ أَنَّهُ لَوْ دَخَلَ بِهَا وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ لَا يَنْقُصُ مِنْ الْأَلْفِ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى لَمْ يَفْسُدْ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؛ لِأَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ كَرَامَتِهَا وَالْإِهْدَاءِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ مَوْتَهَا كَمَوْتِهِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ فَلَوْ مَاتَا ذَكَرَ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِيمَا لَوْ مَاتَ الزَّوْجُ أَوَّلًا أَوْ مَاتَا مَعًا أَوْ لَا يُعْلَمُ أَيُّهُمَا مَاتَ أَوَّلًا خِلَافًا بَيْنَ الْإِمَامِ وَصَاحِبَيْهِ فَعِنْدَهُمَا لِوَرَثَةِ الْمَرْأَةِ مَهْرُ مِثْلِهَا فِي تَرِكَةِ الزَّوْجِ وَعِنْدَهُ لَا يُقْضَى بِمَهْرِ الْمِثْلِ بَعْدَ مَوْتِهَا فَرَاجِعْهُ وَكَانَ يَنْبَغِي ذِكْرُ ذَلِكَ أَيْضًا لَكِنَّ الْفَتْوَى فِي الْمَسْأَلَةِ عَلَى قَوْلِهِمَا كَمَا ذَكَرَهُ الْبَزَّازِيُّ. (قَوْلُهُ أَمَّا إذَا صَحَّتْ مِنْ وَجْهٍ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَقُولُ: قَدَّمْنَا عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ أَوْ أَلْفَيْنِ وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ عِنْدَ الْإِمَامِ خِلَافًا لَهُمَا. قَالَ وَلَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ كَانَ لَهَا خَمْسُمِائَةٍ بِالْإِجْمَاعِ وَهِيَ عِنْدَهُ بِحُكْمِ الْمُتْعَةِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ قِيمَةَ الْمُتْعَةِ عِنْدَهُ لَا تَزِيدُ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ حَتَّى لَوْ زَادَتْ كَانَ لَهَا الْمُتْعَةُ عِنْدَهُ كَمَا فِي الْعَشَرَةِ وَالْعِشْرِينَ اهـ. وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ إيجَابَ الْخَمْسِمِائَةِ فِيمَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ وَكَرَامَتِهَا أَوْ عَلَى أَنْ يُهْدِيَ إلَيْهَا لَيْسَ لِصِحَّةِ التَّسْمِيَةِ مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّ قِيمَةَ الْمُتْعَةِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 157 يُوجِبُ الْأَلْفَ لَا مَهْرَ الْمِثْلِ قُيِّدَ بِالطَّلَاقِ وَالْمُرَادُ مِنْهُ فُرْقَةٌ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِهِ وَلَمْ يُشَارِكْهُ صَاحِبُ الْمَهْرِ فِي سَبَبِهَا طَلَاقًا كَانَتْ أَوْ فَسْخًا كَالطَّلَاقِ وَالْفُرْقَةِ بِالْإِيلَاءِ وَاللِّعَانِ وَالْجَبِّ وَالْعُنَّةِ وَرِدَّتِهِ وَإِبَائِهِ الْإِسْلَامَ وَتَقْبِيلِهِ ابْنَتَهَا أَوْ أُمَّهَا بِشَهْوَةٍ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ فُرْقَةٍ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَإِنَّهُ لَا مُتْعَةَ لَهَا لَا وُجُوبًا وَلَا اسْتِحْبَابًا كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ كَمَا لَا يَجِبُ نِصْفُ الْمُسَمَّى لَوْ كَانَ مَوْجُودًا كَرِدَّتِهَا وَإِبَائِهَا الْإِسْلَامَ وَتَقْبِيلِهَا ابْنَهُ بِشَهْوَةٍ وَالرَّضَاعِ وَخِيَارِ الْبُلُوغِ وَالْعِتْقِ وَعَدَمِ الْكَفَاءَةِ وَقَيَّدْنَا بِأَنَّهُ لَمْ يُشَارِكْهُ فِي سَبْيِهَا لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا إذَا اشْتَرَى مَنْكُوحَتَهُ مِنْ الْمَوْلَى أَوْ اشْتَرَاهَا وَكِيلُهُ مِنْهُ فَإِنَّ مَالِكَ الْمَهْرِ يُشَارِكُ الزَّوْجَ فِي السَّبَبِ وَهُوَ الْمِلْكُ فَلِذَا لَا تَجِبُ الْمُتْعَةُ وَلَا نِصْفُ الْمُسَمَّى بِخِلَافِ مَا لَوْ بَاعَهَا الْمَوْلَى مِنْ رَجُلٍ ثُمَّ اشْتَرَاهَا الزَّوْجُ مِنْهُ فَإِنَّهَا وَاجِبَةٌ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (قَوْلُهُ وَهِيَ دِرْعٌ وَخِمَارٌ وَمِلْحَفَةٌ) وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَدِرْعُ الْمَرْأَةِ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ مَا تَلْبَسُهُ فَوْقَ الْقَمِيصِ وَهُوَ مُذَكَّرٌ وَالْخِمَارُ مَا تُغَطِّي بِهِ الْمَرْأَةُ رَأْسَهَا وَالْمِلْحَفَةُ هِيَ الْمُلَاءَةُ وَهِيَ مَا تَلْتَحِفُ بِهِ الْمَرْأَةُ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الذَّخِيرَةِ الدِّرْعَ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْقَمِيصَ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَفِي الْمِعْرَاجِ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ هَذَا فِي دِيَارِهِمْ أَمَّا فِي دِيَارِنَا تَلْبَسُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَيُزَادُ عَلَى هَذَا إزَارٌ وَمُكَعَّبٌ اهـ. وَفِي الْبَدَائِعِ وَلَوْ أَعْطَاهَا قِيمَةَ الْأَثْوَابِ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ تُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ؛ لِأَنَّ الْأَثْوَابَ مَا وَجَبَتْ لِعَيْنِهَا بَلْ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا مَالٌ كَالشَّاةِ فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ فِي بَابِ الزَّكَاةِ اهـ. وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ اعْتِبَارَهَا بِحَالِهِ أَوْ بِحَالِهَا لِلِاخْتِلَافِ فَالْكَرْخِيُّ اعْتَبَرَ حَالَهَا وَاخْتَارَهُ الْقُدُورِيُّ فَإِنْ كَانَتْ سَفَلَةً فَمِنْ الْكِرْبَاسِ وَإِنْ كَانَتْ وَسِطَةً فَمِنْ الْقَزِّ وَإِنْ كَانَتْ مُرْتَفِعَةَ الْحَالِ فَمِنْ الْإِبْرَيْسَمِ فَإِنَّهَا بَدَلُ بُضْعِهَا فَتُعْتَبَرُ بِحَالِهَا وَالْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ اعْتَبَرَ وَصَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَة عَمَلًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} [البقرة: 236] لَكِنْ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ قَالُوا فَلَا تُزَادُ عَلَى نِصْفِ مَهْرِ مِثْلِهَا؛ لِأَنَّ الْحَقَّ عِنْدَ التَّسْمِيَةِ آكَدُ وَأَثْبَتُ مِنْهُ عِنْدَ عَدَمِ التَّسْمِيَةِ ثُمَّ عِنْدَهَا لَا يُزَادُ عَلَى نِصْفِ الْمُسَمَّى فَلَأَنْ لَا يُزَادَ عِنْدَ عَدَمِهَا عَلَى نِصْفِ مَهْرِ الْمِثْلِ أَوْلَى وَلَا تَنْقُصُ الْمُتْعَةُ عَنْ خَمْسَةِ دَرَاهِمَ؛ لِأَنَّهَا تَجِبُ عَلَى طَرِيقِ الْعِوَضِ وَأَقَلُّ عِوَضٍ ثَبَتَ فِي النِّكَاحِ نِصْفُ عَشَرَةٍ فَلَا بُدَّ فِي الْمُتْعَةِ مِنْ مُلَاحَظَةِ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ فَلَيْسَ مُلَاحَظَةُ الْأَمْرَيْنِ مُنَاقِضًا لِلْقَوْلِ بِاعْتِبَارِ حَالِهِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَدَعْوَاهُ بِأَنَّ الْمُلَاحَظَةَ الْمَذْكُورَةَ صَرِيحَةٌ فِي اعْتِبَارِ حَالِهَا مَمْنُوعَةٌ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ غَنِيَّةً قِيمَةُ مُتْعَتِهَا مِائَةُ دِرْهَمٍ وَالزَّوْجُ فَقِيرٌ يُنَاسِبُهُ أَنْ تَكُونَ الْمُتْعَةُ فِي حَقِّهِ عِشْرِينَ دِرْهَمًا فَعَلَى مَنْ اُعْتُبِرَ حَالُهُ الْوَاجِبُ عِشْرُونَ وَعَلَى مَنْ اُعْتُبِرَ حَالُهَا الْوَاجِبُ الْمِائَةُ نَعَمْ لَوْ كَانَ غَنِيًّا وَحَالُهُ يَقْتَضِي مِائَةً وَهِيَ فَقِيرَةٌ مُتْعَتُهَا عِشْرُونَ فَحِينَئِذٍ لَا يُزَادُ عَلَى الْعِشْرِينَ لَا بِاعْتِبَارِ حَالِهَا بَلْ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَالْإِمَامُ الْخَصَّافُ اعْتَبَرَ حَالَهُمَا قَالُوا وَهُوَ أَشْبَهُ بِالْفِقْهِ وَصَحَّحَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ؛ لِأَنَّ فِي اعْتِبَارِ حَالِهِ تَسْوِيَةً بَيْنَ الشَّرِيفَةِ وَالْخَسِيسَةِ وَهُوَ مُنْكَرٌ بَيْنَ النَّاسِ فَقَدْ اخْتَلَفَ التَّرْجِيحُ وَالْأَرْجَحُ قَوْلُ الْخَصَّافِ؛ لِأَنَّ الْوَلْوَالِجِيَّ فِي فَتَاوَاهُ صَحَّحَهُ وَقَالَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا أَفْتَوْا بِهِ فِي النَّفَقَةِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ مُلَاحَظَةَ الْأَمْرَيْنِ عَلَى جَمِيعِ الْأَقْوَالِ مُعْتَبَرَةٌ فَلَا يُزَادُ عَلَى نِصْفِ مَهْرِ الْمِثْلِ وَلَا يَنْقُصُ عَنْ خَمْسَةِ دَرَاهِمَ كَمَا هُوَ صَرِيحُ الْأَصْلِ وَالْمَبْسُوطِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَإِطْلَاقِ الذَّخِيرَةِ كَوْنُهَا وَسَطًا لَا بِغَايَةِ الْجَوْدَةِ وَلَا بِغَايَةِ الرَّدَاءَةِ لَا يُوَافِقُ رَأْيًا مِنْ الثَّلَاثَةِ الِاعْتِبَارُ بِحَالِهِ أَوْ حَالِهَا أَوْ حَالِهِمَا اهـ. وَلَعَلَّهُ سَهْوٌ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْوَسَطِ مُوَافِقٌ لِلْأَقْوَالِ كُلِّهَا؛ لِأَنَّهُ عَلَى قَوْلِ مَنْ اُعْتُبِرَ حَالُهَا وَكَانَتْ فَقِيرَةً مَثَلًا   [منحة الخالق] لَا تَزِيدُ عَلَيْهَا وَحِينَئِذٍ فَلَا حَاجَةَ إلَى هَذَا التَّقْيِيدِ اهـ. قُلْتُ:، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى تَسْلِيمِ فَسَادِ التَّسْمِيَةِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِيهِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَوْ نَكَحَهَا بِأَلْفٍ عَلَى أَنْ لَا يُخْرِجَهَا إلَخْ. (قَوْلُهُ وَهِيَ مَا تَلْتَحِفُ بِهِ الْمَرْأَةُ) زَادَ فِي النَّهْرِ مِنْ قَرْنِهَا إلَى قَدَمِهَا. (قَوْلُهُ وَلَمْ يُذْكَرْ فِي الذَّخِيرَةِ الدِّرْعُ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَقُولُ: دِرْعُ الْمَرْأَةِ قَمِيصُهَا وَالْجَمْعُ أَدْرُعٌ وَعَلَيْهِ جَرَى الْعَيْنِيُّ وَعَزَاهُ فِي الْبِنَايَةِ لِابْنِ الْأَثِيرِ فَعَلَى هَذَا فَكَوْنُهُ فِي الذَّخِيرَةِ لَمْ يَذْكُرْهُ مَبْنِيٌّ عَلَى تَفْسِيرِ الْمُطَرِّزِيُّ. (قَوْلُهُ فَيُزَادُ عَلَى هَذَا إزَارٌ وَمُكَعَّبٌ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَلَا يَخْفَى إغْنَاءُ الْمِلْحَفَةِ عَنْ الْإِزَارِ إذْ هِيَ بِهَذَا التَّفْسِيرِ إزَارٌ إلَّا أَنْ يُتَعَارَفَ تَغَايُرُهُمَا كَمَا فِي مَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ. (قَوْلُهُ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ) أَيْ كَمَا ظَنَّهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فَهُوَ قَيْدٌ لِلْمَنْفِيِّ وَهُوَ كَوْنُ الْمُلَاحَظَةِ الْمَذْكُورَةِ مُنَاقِضَةٌ. (قَوْلُهُ بَلْ لِمَا ذَكَرْنَاهُ) أَيْ مِنْ أَنَّهَا لَا تُزَادُ عَلَى نِصْفِ مَهْرِ الْمِثْلِ فَلْيُتَأَمَّلْ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ كَمْ مِقْدَارُ مَهْرِ الْمِثْلِ فَإِطْلَاقُ عَدَمِ الزِّيَادَةِ عَلَى الْعِشْرِينَ غَيْرُ ظَاهِرٍ وَلَعَلَّ قَوْلَ النَّهْرِ بَعْدَ نَقْلِهِ كَلَامَ الْمُؤَلِّفِ وَفِيهِ نَظَرٌ إشَارَةً إلَى هَذَا. (قَوْلُهُ وَلَعَلَّهُ سَهْوٌ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَعِنْدِي أَنَّهُ لَيْسَ بِسَهْوٍ بَلْ هُوَ السَّاهِي إذْ ظَاهِرُ الْإِطْلَاقِ فِي الذَّخِيرَةِ يُفِيدُ أَنَّهُ يَجِبُ مِنْ الْقَزِّ أَبَدًا؛ لِأَنَّهُ الْوَسَطُ الْمُطْلَقُ، وَهَذَا لَا يُوَافِقُ رَأْيًا مِنْ الثَّلَاثَةِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ إيجَابَ الْوَسَطِ مِنْ الْقَزِّ أَوْ الْكِرْبَاسِ إيجَابُ وَسَطٍ مُطْلَقًا بَلْ إيجَابُ وَسَطٍ مِنْ الْأَعْلَى أَوْ مِنْ الْأَدْنَى وَظَاهِرُ أَنَّ الْمُطْلَقَ خِلَافُ الْمُقَيَّدِ نَعَمْ صَرْفُ الْكَلَامِ عَنْ ظَاهِرِهِ بِحَمْلِ مَا فِي الذَّخِيرَةِ عَلَى مَا ادَّعَاهُ فِي الْبَحْرِ مُمْكِنٌ وَاعْتِرَاضُهُ فِي الْفَتْحِ لَيْسَ إلَّا عَلَى الْإِطْلَاقِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 158 فَإِنَّهُ يَجِبُ لَهَا الْكِرْبَاسُ الْوَسَطُ لَا الْجَيِّدُ وَلَا الرَّدِيءُ وَفِي الْمُتَوَسِّطَةِ قَزٌّ وَسَطٌ وَفِي الْمُرْتَفِعَةِ إبْرَيْسَمَ وَسَطٌ وَعَلَى قَوْلِ مَنْ اُعْتُبِرَ حَالُهُ وَكَانَ فَقِيرًا يَجِبُ لَهَا الْكِرْبَاسُ الْوَسَطُ وَإِنْ كَانَ مُتَوَسِّطًا فَقَزٌّ وَسَطٌ وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا فَإِبْرِيسَمٌ وَسَطٌ وَعَلَى قَوْلِ مَنْ اُعْتُبِرَ حَالُهُمَا وَإِنْ كَانَا فَقِيرَيْنِ فَالْوَاجِبُ كِرْبَاسُ وَسَطٌ وَإِنْ كَانَا غَنِيَّيْنِ فَالْوَاجِبُ إبْرَيْسَمَ وَسَطٌ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا غَنِيًّا وَالْآخَرُ فَقِيرًا فَالْوَاجِبُ قَزٌّ وَسَطٌ فَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْوَسَطَ مُعْتَبَرٌ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ الْكَفِيلُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ لَا يَكُونُ كَفِيلًا بِالْمُتْعَةِ الْوَاجِبَةِ وَالرَّهْنِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَصِيرَ رَهْنًا بِالْمُتْعَةِ حَتَّى لَا يُحْبَسَ بِهَا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَصِيرُ رَهْنًا بِالْمُتْعَةِ حَتَّى يُحْبَسَ بِهَا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَهِيَ مِنْ الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ الَّتِي رَجَعَ أَبُو يُوسُفَ مِنْ الِاسْتِحْسَانِ إلَى الْقِيَاسِ لِقُوَّةِ وَجْهِ الْقِيَاسِ وَالثَّانِيَةُ إذَا تَلَا آيَةَ السَّجْدَةِ فِي رَكْعَةٍ ثُمَّ أَعَادَهَا فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ الْقِيَاسُ أَنْ تَكْفِيَهُ سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرُ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ تَلْزَمُهُ أُخْرَى وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَالثَّالِثَةُ الْعَبْدُ إذَا جَنَى جِنَايَةً فِيمَا دُونَ النَّفْسِ يُخَيَّرُ الْمَوْلَى بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ وَإِنْ اخْتَارَ الْفِدَاءَ ثُمَّ مَاتَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ وَالْقِيَاسُ أَنْ يُخَيَّرَ الْمَوْلَى ثَانِيًا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرُ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ أَنْ لَا يُخَيَّرَ وَهُوَ قَوْلُهُ الْأَوَّلُ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَمَا فُرِضَ بَعْدَ الْعَقْدِ أَوْ زِيدَ لَا يَتَنَصَّفُ) أَيْ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ أَمَّا مَا فُرِضَ بَعْدَ الْعَقْدِ فَلِأَنَّ هَذَا الْفَرْضَ تَعْيِينٌ لِلْوَاجِبِ بِالْعَقْدِ وَهُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا شُفْعَةَ لِلشَّفِيعِ لَوْ فَرَضَ لَهَا دَارًا بَعْدَ الْعَقْدِ بِخِلَافِ مَا لَوْ دَفَعَ لَهَا الدَّارَ بَدَلًا عَنْ الْمُسَمَّى فِي الْعَقْدِ وَأَنَّ لَهُ الشُّفْعَةَ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَوْ طَلُقَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ تَرُدُّ نِصْفَ الْمُسَمَّى لَا نِصْفَ الدَّارِ وَذَلِكَ لَا يَتَنَصَّفُ فَكَذَا مَا نَزَلَ مَنْزِلَتَهُ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] الْمَفْرُوضُ فِي الْعَقْدِ إذْ هُوَ الْفَرْضُ الْمُتَعَارَفُ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الْفَرْضُ بَعْدَ الْعَقْدِ بِتَرَاضِيهِمَا أَوْ بِفَرْضِ الْقَاضِي فَإِنَّ لَهَا أَنْ تَرْفَعَهُ إلَى الْقَاضِي لِيَفْرِضَ لَهَا إذَا لَمْ يَكُنْ فَرَضَ لَهَا فِي الْعَقْدِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَقَدْ يُقَالُ إنَّ فَرْضَ الْقَاضِي الْمَذْكُورَ إذَا لَمْ يَكُنْ بِرِضَاهُ فَهُوَ مُتَوَقِّفٌ عَلَى النَّظَرِ فِيمَنْ يُمَاثِلُهَا فِي الْأَوْصَافِ الْآتِيَةِ مِنْ نِسَاءِ أَبِيهَا وَيَثْبُتُ عِنْدَهُ ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ كَمَا سَيَأْتِي فَهُوَ قَضَاءٌ بِمَهْرِ الْمِثْلِ لَا طَرِيقَ لِفَرْضِهِ جَبْرًا إلَّا بِهِ كَمَا لَا يَخْفَى وَأَمَّا مَا زِيدَ عَلَى الْمُسَمَّى فَإِنَّمَا لَا يَتَنَصَّفُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ التَّنْصِيفَ يَخْتَصُّ بِالْمَفْرُوضِ فِي الْعَقْدِ وَدَلَّ وَضْعُ الْمَسْأَلَةِ عَلَى جَوَازِ الزِّيَادَةِ فِي الْمَهْرِ بَعْدَ الْعَقْدِ وَهِيَ لَازِمَةٌ لَهُ بِشَرْطِ قَبُولِهَا فِي الْمَجْلِسِ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ أَوْ قَبُولِ وَلِيِّهَا إنْ كَانَتْ صَغِيرَةً وَلَوْ لَمْ تَقْبَلْ كَمَا فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ وَاسْتَدَلُّوا لِجَوَازِهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ} [النساء: 24] فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ مَا تَرَاضَوْا عَلَى إلْحَاقِهِ وَإِسْقَاطِهِ وَلَا يَلْزَمُ كَوْنُ الشَّيْءِ بَدَلَ مِلْكِهِ إلَّا لَوْ قُلْنَا بِعَدَمِ الِالْتِحَاقِ وَنَحْنُ نَقُولُ بِالْتِحَاقِهِ بِأَصْلِ الْعَقْدِ وَمِنْ فُرُوعِ الزِّيَادَةِ عَلَى الْمَهْرِ لَوْ رَاجَعَ الْمُطَلَّقَةَ رَجْعِيًّا عَلَى أَلْفٍ فَإِنْ قَبِلَتْ لَزِمَتْ وَإِلَّا فَلَا وَمِنْ فُرُوعِهَا لَوْ وَهَبَتْ مَهْرَهَا مِنْ زَوْجِهَا ثُمَّ إنَّ الزَّوْجَ أَشْهَدَ أَنَّ لَهَا عَلَيْهِ كَذَا مِنْ مَهْرِهَا تَكَلَّمُوا فِيهِ وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ أَنَّ إقْرَارَهُ جَائِزٌ إذَا قَبِلَتْ وَوَجْهُهُ فِي التَّجْنِيسِ بِوُجُوبِ تَصْحِيحِ التَّصَرُّفِ مَا أَمْكَنَ، وَقَدْ أَمْكَنَ بِأَنْ يُجْعَلَ كَأَنَّهُ زَادَ عَلَى الْمَهْرِ وَفِي الْقُنْيَةِ جَدَّدَ لِلْحَلَالِ نِكَاحًا بِمَهْرٍ يَلْزَمُ إنْ جَدَّدَهُ لِأَجْلِ الزِّيَادَةِ لَا احْتِيَاطًا اهـ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ تَزَوَّجَهَا بِأَلْفٍ ثُمَّ جَدَّدَ النِّكَاحَ بِأَلْفَيْنِ الْمُخْتَارُ عِنْدَنَا أَنْ لَا تَلْزَمَهُ الْأَلْفُ الثَّانِيَةُ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِزِيَادَةٍ لَفْظًا وَلَوْ ثَبَتَتْ الزِّيَادَةُ إنَّمَا تَثْبُتُ فِي حَقِّ ضِمْنِ النِّكَاحِ فَإِذَا لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ لَمْ يَصِحَّ مَا فِي ضِمْنِهِ اهـ. وَفِي الْقُنْيَةِ قَالَ بَعْدَ الْمَهْرِ جَعَلْت أَلْفَ دِرْهَمٍ مَهْرَك لَا يَلْزَمُ اهـ. فَالْحَاصِلُ أَنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ النِّكَاحَ بَعْدَ النِّكَاحِ لَا يَصِحُّ، وَإِنَّمَا الِاخْتِلَافُ فِي لُزُومِ الْمَهْرِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ الصُّلْحِ الصُّلْحُ بَعْدَ الصُّلْحِ بَاطِلٌ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَقَدْ يُقَالُ إنَّ فَرْضَ الْقَاضِي) مَجِيئُهُ بِذَلِكَ الْكَلَامِ عَلَى صُورَةِ الِاعْتِرَاضِ يُوهِمُ أَنَّهُ غَيْرُ مَا قَبْلَهُ مَعَ أَنَّهُ تَقْرِيرٌ وَتَوْضِيحٌ لَهُ؛ لِأَنَّ حَاصِلَهُ أَنَّ مَا فَرَضَهُ الْقَاضِي مَهْرُ الْمِثْلِ فَهُوَ لَا يَتَنَصَّفُ كَمَا فُرِضَ بِتَرَاضِيهِمَا وَكَلَامِ الْفَتْحِ فِي ذَلِكَ كَمَا لَا يَخْفَى قَالَ فِي النَّهْرِ وَالْمُرَادُ بِفَرْضِ الْقَاضِي مَهْرَ الْمِثْلِ لِمَا فِي الْبَدَائِعِ لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ لَا مَهْرَ لَهَا وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ بِنَفْسِ الْعَقْدِ عِنْدَنَا، ثُمَّ قَالَ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا قُلْنَا أَنَّهَا لَوْ طَلَبَتْ الْفَرْضَ مِنْ الزَّوْجِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْفَرْضُ حَتَّى لَوْ امْتَنَعَ فَالْقَاضِي يُجْبِرُهُ عَلَى ذَلِكَ وَلَوْ لَمْ يَفْعَلْ نَابَ مَنَابَهُ فِي الْفَرْضِ، وَهَذَا دَلِيلُ الْوُجُوبِ قَبْلَ الْفَرْضِ اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا يَلْزَمُ كَوْنُ الشَّيْءِ بَدَلَ مِلْكِهِ إلَخْ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ أَنَّهَا لَوْ صَحَّتْ بَعْدَ الْعَقْدِ لَزِمَ كَوْنُ الشَّيْءِ بَدَلَ مِلْكِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 159 وَكَذَا الصُّلْحُ بَعْدَ الشِّرَاءِ وَالشِّرَاءُ بَعْدَ الشِّرَاءِ فَالثَّانِي أَحَقُّ اهـ. وَقُيِّدَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَالْقُنْيَةِ الْأَخِيرَةِ بِأَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ الثَّانِي أَكْثَرَ مِنْ الْأَوَّلِ أَوْ أَقَلَّ لِيَنْفَسِخَ الْعَقْدُ الْأَوَّلُ وَإِنْ كَانَ بِمِثْلِ الْأَوَّلِ فَالْأَوَّلُ أَحَقُّ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ امْرَأَةٌ قَالَتْ لِرَجُلٍ زَوَّجْتُك نَفْسِي عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ، فَقَالَ الزَّوْجُ قَبِلْت النِّكَاحَ عَلَى أَلْفَيْنِ جَازَ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّهُ أَجَابَ بِمَا خَاطَبَتْهُ وَزِيَادَةً فَإِنْ قَالَتْ الْمَرْأَةُ قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا قَبِلْت الْأَلْفَيْنِ فَعَلَى الزَّوْجِ أَلْفَا دِرْهَمٍ؛ لِأَنَّهَا قَبِلَتْ الزِّيَادَةَ وَإِنْ لَمْ تَقْبَلْ الْمَرْأَةُ حَتَّى تَفَرَّقَا جَازَ النِّكَاحُ عَلَى أَلْفٍ، وَهَذَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ فِي الْأَلْفَيْنِ أَلْفًا وَزِيَادَةً وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ. بِلَفْظِهِ وَبِمَا نَقَلْنَاهُ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي صِحَّتِهَا لَفْظُ الزِّيَادَةِ، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ زِيدَ إلَى أَنَّهُ مَعْلُومٌ فَلَوْ قَالَ زِدْتُك فِي مَهْرِك وَلَمْ يُعَيِّنْ لَمْ تَصِحَّ الزِّيَادَةُ لِلْجَهَالَةِ كَمَا فِي الْوَاقِعَاتِ وَأَطْلَقَ فِي صِحَّةِ الزِّيَادَةِ فَأَفَادَ أَنَّهَا صَحِيحَةٌ بِلَا شُهُودٍ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ وَشَمِلَ الزِّيَادَةَ بَعْدَ هِبَةِ الْمَهْرِ وَالْإِبْرَاءِ مِنْهُ وَشَمِلَ مَا إذَا كَانَتْ الزِّيَادَةُ مِنْ جِنْسِ الْمَهْرِ أَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ كَمَا فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ وَشَمِلَ مَا إذَا زَادَ بَعْدَ مَوْتِهَا فَإِنَّهَا صَحِيحَةٌ إذَا قَبِلَتْ الْوَرَثَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا كَمَا فِي التَّبْيِينِ مِنْ الْبُيُوعِ وَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ بَعْدَ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَأَمَّا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فِي الرَّجْعِيِّ وَبَعْدَ الطَّلَاقِ الْبَائِنِ فَلَمْ أَرَ فِيهِ نَقْلًا قَالَ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ وَقِيَاسُ الزِّيَادَةِ بَعْدَ مَوْتِهَا أَنْ تَصِحَّ فِيهِمَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بَلْ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّ فِي الْمَوْتِ انْقَطَعَ النِّكَاحُ وَفَاتَ مَحَلُّ التَّمْلِيكِ وَبَعْدَ الطَّلَاقِ قَابِلٌ وَمَا ذُكِرَ فِي إكْرَاهِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ مِنْ أَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الْمَهْرِ بَعْدَ الْفُرْقَةِ بَاطِلَةٌ هَكَذَا رَوَى بِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ قَالَ إذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا أَوْ بَعْدَهُ ثُمَّ زَادَهُ فِي الْمَهْرِ لَمْ تَصِحَّ الزِّيَادَةُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَحْدَهُ لَا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ أَبَا يُوسُفَ خَالَفَهُ فِي الزِّيَادَةِ بَعْدَ مَوْتِ الْمَرْأَةِ فَيَكُونُ قَدْ مَشَى عَلَى أَصْلِهِ اهـ. وَأَمَّا الزِّيَادَةُ بَعْدَ عِتْقِهَا فَذُكِرَ فِي التَّبْيِينِ فِي زِيَادَةِ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ أَنَّهُ لَوْ زَوَّجَ أَمَتَهُ ثُمَّ أَعْتَقَهَا ثُمَّ زَادَ الزَّوْجُ عَلَى مَهْرِهَا بَعْدَ الْعِتْقِ تَكُونُ الزِّيَادَةُ لِلْمَوْلَى؛ لِأَنَّهَا تَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ اهـ. وَيُوَافِقُهُ مَا فِي الْمُحِيطِ مِنْ آخِرِ بَابِ نِكَاحِ الْإِمَاءِ قَالَ الزَّوْجُ لِلْمُعْتَقَةِ لَك خَمْسُونَ دِرْهَمًا عَلَى أَنْ تَخْتَارِينِي لَزِمَ الْعَقْدُ وَلَا شَيْءَ لَهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ وَلَوْ قَالَ اخْتَارِينِي وَلَك خَمْسُونَ دِرْهَمًا زِيَادَةٌ عَلَى صَدَاقِك صَحَّتْ وَتَجِبُ الزِّيَادَةُ لِلْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ بَدَلًا عَنْ الْبُضْعِ؛ لِأَنَّهُ زِيدَ عَلَى الصَّدَاقِ وَالْمَالُ يَصْلُحُ عِوَضًا عَنْ الْبُضْعِ فَيَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ. اهـ. وَيُخَالِفُهُ مَا فِي الْمُحِيطِ أَيْضًا مِنْ بَابِ خِيَارِ الْعِتْقِ وَالْبُلُوغِ رَجُلٌ زَوَّجَ أَمَتَهُ مِنْ رَجُلٍ ثُمَّ أَعْتَقَهَا ثُمَّ زَادَ الزَّوْجُ فِي الْمَهْرِ فَالزِّيَادَةُ لَهَا وَلَا أُجْبِرُ الزَّوْجَ عَلَى دَفْعِ الزِّيَادَةِ لِلْمَرْأَةِ، وَكَذَلِكَ إنْ بَاعَهَا فَالزِّيَادَةُ لِلْمُشْتَرِي وَلَا أُجْبِرُهُ عَلَى دَفْعِ الزِّيَادَةِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَبِمَا نَقَلْنَاهُ عُلِمَ إلَخْ) رَدٌّ عَلَى مَا مَرَّ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِزِيَادَةٍ لَفْظًا قُلْتُ: لَكِنَّ صَاحِبَ الظَّهِيرِيَّةِ لَمْ يَشْتَرِطْ لَفْظَ الزِّيَادَةِ مُطْلَقًا بَلْ حَاصِلُ كَلَامِهِ أَنَّهَا لَا تَلْزَمُ إلَّا إذَا كَانَتْ بِلَفْظِ الزِّيَادَةِ أَوْ ثَبَتَتْ فِي ضِمْنِ الْعَقْدِ وَمَا ذَكَرَهُ هُنَا عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ إنَّمَا ثَبَتَتْ فِيهِ لِكَوْنِهَا فِي ضِمْنِ عَقْدٍ صَحِيحٍ بِخِلَافِ تَجْدِيدِ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ حَيْثُ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ الثَّانِي لَمْ يُوجَدْ عَقْدٌ نَعَمْ يَرِدُ عَلَيْهِ مَسْأَلَةُ الْإِقْرَارِ الْمَارَّةُ عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ لَكِنَّ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ إذَا وَهَبَتْ مَهْرَهَا لِلزَّوْجِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ أَشْهَدَ عَلَيْهِ أَنَّ لَهَا عَلَيْهِ كَذَا، وَكَذَا مِنْ مَهْرِهَا وَلَمْ يُسَمِّهِ زِيَادَةً تَكَلَّمُوا فِيهِ قَالَ فِي التَّتِمَّةِ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَالْأَصَحُّ عِنْدِي أَنَّهُ يَصِحُّ وَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ زَادَ فِي الْمَهْرِ بَعْدَ هِبَةِ الْمَهْرِ وَالْأَشْبَهُ أَنْ لَا يَصِحَّ وَلَا يُجْعَلَ زِيَادَةً إلَّا إذَا نَوَى الزِّيَادَةَ اهـ. فَأَفَادَ أَنَّ نِيَّةَ الزِّيَادَةِ قَائِمَةٌ مَقَامَ لَفْظِهَا وَفِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الزِّيَادَةِ لَفْظُ الزِّيَادَةِ بَلْ يَصِحُّ بِلَفْظِهَا وَبِقَوْلِهِ رَاجَعْتُك بِكَذَا إنْ قَبِلْت ذَلِكَ مِنْهُ يَكُونُ زِيَادَةً وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِلَفْظِ زِدْتُك فِي مَهْرِك، وَكَذَا تَصِحُّ الزِّيَادَةُ بِتَجْدِيدِ النِّكَاحِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِلَفْظِ الزِّيَادَةِ عَلَى خِلَافٍ فِيهِ، وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ لِزَوْجَتِهِ بِمَهْرٍ وَكَانَتْ قَدْ وَهَبَتْهُ لَهُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِلَفْظِ الزِّيَادَةِ لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ الْقَبُولِ فِي مَجْلِسِ الْإِقْرَارِ اهـ. (قَوْلُهُ قَالَ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ وَقِيَاسُ الزِّيَادَةِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ الظَّاهِرُ عَدَمُ جَوَازِهَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْبَيْنُونَةِ وَإِلَيْهِ يُرْشِدُ تَقْيِيدُ الْمُحِيطِ بِحَالِ قِيَامِ النِّكَاحِ إذْ قَدْ نَقَلُوا أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ أَنَّ الزِّيَادَةَ بَعْدَ هَلَاكِ الْمَبِيعِ لَا تَصِحُّ وَفِي رِوَايَةِ النَّوَادِرِ تَصِحُّ وَمِنْ ثَمَّ جُزِمَ فِي الْمِعْرَاجِ وَغَيْرِهِ بِأَنَّ شَرْطَهَا بَقَاءُ الزَّوْجِيَّةِ حَتَّى لَوْ زَادَهَا بَعْدَ مَوْتِهَا لَمْ تَصِحَّ وَالِالْتِحَاقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ وَإِنْ كَانَ يَقَعُ مُسْتَنِدًا إلَّا أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَثْبُتَ أَوَّلًا فِي الْحَالِ ثُمَّ يَسْتَنِدَ وَثُبُوتُهُ مُتَعَذِّرٌ لِانْتِفَاءِ الْمَحَلِّ فَتَعَذَّرَ اسْتِنَادُهُ وَمَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ مُوَافِقٌ لِرِوَايَةِ النَّوَادِرِ، وَقَدْ قَالُوا لَوْ أَعْتَقَ الْمُشْتَرِي الْجَارِيَةَ ثُمَّ زَادَ فِي الثَّمَنِ لَمْ يَصِحَّ وَهُوَ قَوْلُهُمَا وَرَوَيَا عَنْهُ الصِّحَّةَ ذَكَرَهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ اهـ. قَالَ بَعْضُ الْمُحَشِّينَ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ مَا فِي الْمِعْرَاجِ وَالْمُحِيطِ مُخْرَجٌ عَلَى قَوْلِهِمَا لَا يُنَافِي مَا فِي التَّبْيِينِ وَكَوْنُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَدَمَ صِحَّةِ الزِّيَادَةِ بَعْدَ هَلَاكِ الْمَبِيعِ لَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ هُوَ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ هُنَا لِفَرْقٍ بَيْنَ الْفَصْلَيْنِ قَامَ عِنْدَ الْمُجْتَهِدِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 160 بِمَنْزِلَةِ الْهِبَةِ اهـ. وَهُوَ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّهُ رِوَايَةُ الْمُنْتَقَى وَلِمُخَالَفَتِهِ الْأَصْلَ الْمُمَهَّدَ وَهُوَ الِالْتِحَاقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ وَفِي التَّلْخِيصِ وَشَرْحِهِ لَوْ قَالَ زِدْتُك فِي صَدَاقِك كَذَا عَلَى أَنْ تَخْتَارِينِي فَفَعَلَتْ بَطَلَ خِيَارُهَا وَتَكُونُ الزِّيَادَةُ لِلْمَوْلَى لِلِالْتِحَاقِ كَالزِّيَادَةِ بَعْدَ مَوْتِ الْبَائِعِ إذَا قَبِلَ الْوَارِثُ تَكُونُ تَرِكَةً لِلْمَيِّتِ حَتَّى تُقْضَى مِنْهَا دُيُونُهُ وَتَنْفِيذُ وَصَايَاهُ بِخِلَافِ تَعْلِيقِ الزِّيَادَةِ بِدُخُولِ الدَّارِ حَيْثُ لَا يَصِحُّ وَلَا يَجِبُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهَا مُعْتَبَرَةٌ بِأَصْلِ الْعَقْدِ اهـ. وَقُيِّدَ بِزِيَادَةِ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّ زِيَادَةَ الْمَنْكُوحَةِ لَا تَجُوزُ كَمَا إذَا زَوَّجَهُ أَمَةً ثُمَّ زَادَهُ أُخْرَى؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ مَا وَرَدَ بِتَمْلِيكِ الزِّيَادَةِ الْمُتَوَلِّدَةِ فِي الْمَمْلُوكَةِ بِالنِّكَاحِ تَبَعًا لِلْمَنْكُوحَةِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ. (قَوْلُهُ وَصَحَّ حَطُّهَا) أَيْ حَطُّ الْمَرْأَةِ مِنْ مَهْرِهَا؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ حَقُّهَا وَالْحَطُّ يُلَاقِيهِ حَالَةَ الْبَقَاءِ وَالْحَطُّ فِي اللُّغَةِ الْإِسْقَاطُ كَمَا فِي الْمُغْرِبِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ حَطَّ الْكُلِّ أَوْ الْبَعْضِ وَشَمِلَ مَا إذَا قَبِلَ الزَّوْجُ أَوْ لَمْ يَقْبَلْ بِخِلَافِ الزِّيَادَةِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ فِي صِحَّتِهَا مِنْ قَبُولِهَا فِي الْمَجْلِسِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَقُيِّدَ فِي الْبَدَائِعِ الْإِبْرَاءُ عَنْ الْمَهْرِ بِأَنْ يَكُونَ دَيْنًا أَيْ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ وَظَاهِرُهُ أَنَّ حَطَّ الْمَهْرِ الْعَيْنِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْحَطَّ لَا يَصِحُّ فِي الْأَعْيَانِ وَفِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ الظَّاهِرُ أَنَّ الْحَطَّ يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ وَإِنْ لَمْ يَتَوَقَّفْ عَلَى الْقَبُولِ كَهِبَةِ الدَّيْنِ مِمَّنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ إذَا رَدَّ وَلَمْ أَرَ فِيهِ نَقْلًا صَرِيحًا. اهـ. وَقَدْ ظَفِرْت بِالنَّقْلِ صَرِيحًا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ ذُكِرَ فِي الْقُنْيَةِ مِنْ كِتَابِ الْمُدَايَنَاتِ مِنْ بَابِ الْإِبْرَاءِ مِنْ الْمَهْرِ قَالَتْ لِزَوْجِهَا أَبْرَأْتُك وَلَمْ يَقُلْ الزَّوْجُ قَبِلْت أَوْ كَانَ غَائِبًا، فَقَالَتْ أَبْرَأْت زَوْجِي يَبْرَأُ إلَّا إذَا رَدَّهُ اهـ. بِلَفْظِهِ وَقُيِّدَ بِحَطِّهَا؛ لِأَنَّ حَطَّ أَبِيهَا غَيْرُ صَحِيحٍ فَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَتْ كَبِيرَةً تُوُقِّفَ عَلَى إجَازَتِهَا فَإِنْ ضَمِنَهُ الْأَبُ إنْ لَمْ تُجِزْهُ الْبِنْتُ فَالضَّمَانُ بَاطِلٌ كَمَا قَدَّمْنَا نَقَلَهُ عَنْ الْخُلَاصَةِ فِي بَابِ الْأَوْلِيَاءِ وَلَا بُدَّ فِي صِحَّةِ حَطِّهَا مِنْ الرِّضَا حَتَّى لَوْ كَانَتْ مُكْرَهَةً لَمْ يَصِحَّ، وَلِذَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ مِنْ كِتَابِ الْهِبَةِ إذَا خَوَّفَ امْرَأَتَهُ بِضَرْبٍ حَتَّى وَهَبَتْ مَهْرَهَا لَا يَصِحُّ إنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الضَّرْبِ. اهـ. وَفِي الْقُنْيَةِ مِنْ الْإِكْرَاهِ تَزَوَّجَ امْرَأَةً سِرًّا وَأَرَادَ أَنْ تُبْرِئَهُ مِنْ الْمَهْرِ فَدَخَلَ عَلَيْهَا أَصْدِقَاؤُهُ وَقَالُوا لَهَا إمَّا أَنْ تُبْرِئِيهِ مِنْ الْمَهْرِ وَإِلَّا قُلْنَا لِلشِّحْنَةِ كَذَا، وَكَذَا فَيَسْوَدُّ وَجْهُك فَأَبْرَأَتْهُ خَوْفًا مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ إكْرَاهٌ وَلَا يَبْرَأُ وَلَوْ لَمْ يَقُولُوا فَيَسْوَدُّ وَجْهُك وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَلَيْسَ بِإِكْرَاهٍ اهـ. وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الْكَرَاهِيَةِ وَالطَّوْعِ وَلَا بَيِّنَةَ فَالْقَوْلُ لِمُدَّعِي الْإِكْرَاهِ وَلَوْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَبَيِّنَةُ الطَّوَاعِيَةِ أَوْلَى كَمَا فِي الْقُنْيَةِ فِي نَظِيرِهِ مِنْ الدَّعْوَى وَفِي الْخُلَاصَةِ قَالَ لِمُطَلَّقَتِهِ لَا أَتَزَوَّجُك مَا لَمْ تَهَبِينِي مَا لَك عَلَيَّ مِنْ الْمَهْرِ فَوَهَبَتْ مَهْرَهَا عَلَى أَنْ يَتَزَوَّجَهَا ثُمَّ إنَّ الزَّوْجَ أَبَى أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فَالْمَهْرُ بَاقٍ عَلَى الزَّوْجِ تَزَوَّجَ أَوْ لَمْ يَتَزَوَّجْ وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَبْرِئِينِي مِنْ مَهْرِك حَتَّى أَهَبَ لَك كَذَا فَوَهَبَتْ مَهْرَهَا وَأَبَى الزَّوْجُ أَنْ يَهَبَ لَهَا مَا وَعَدَ يَعُودُ الْمَهْرُ ذَكَرَهُ فِي النِّكَاحِ وَفِيهَا مِنْ الْهِبَةِ لَوْ قَالَتْ لِزَوْجِهَا وَهَبْت مَهْرِي مِنْك عَلَى أَنَّ كُلَّ امْرَأَةٍ تَتَزَوَّجُهَا تَجْعَلُ أَمْرَهَا بِيَدِي إنْ لَمْ يَقْبَلْ الزَّوْجُ الْهِبَةَ لَا تَصِحُّ الْهِبَةُ وَقَدْ ذَكَرْنَا الْجَوَابَ الْمُخْتَارَ أَنَّهَا تَصِحُّ مِنْ غَيْرِ قَبُولٍ وَإِنْ قَبِلَ أَنَّ جَعْلَ أَمْرِهَا بِيَدِهَا فَالْهِبَةُ مَاضِيَةٌ وَإِنْ لَمْ يَجْعَلْ فَكَذَلِكَ عِنْدَ الْبَعْضِ وَالْمُخْتَارُ أَنَّ الْمَهْرَ يَعُودُ وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَتْ وَهَبْت مَهْرِي مِنْك عَلَى أَنْ لَا تَظْلِمَنِي أَوْ عَلَى أَنْ تَحُجَّ بِي أَوْ عَلَى أَنْ تَهَبَ لِي كَذَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا شَرْطًا فِي الْهِبَةِ لَا يَعُودُ الْمَهْرُ اهـ. وَهُوَ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ تَعْلِيقَ الْإِبْرَاءِ بِالشَّرْطِ بَاطِلٌ وَفِيهَا مِنْ النِّكَاحِ لَوْ أَحَالَتْ إنْسَانًا عَلَى الزَّوْجِ عَلَى أَنْ يُؤَدِّيَ مِنْ الْمَهْرِ ثُمَّ وَهَبَتْ الْمَهْرَ مِنْ الزَّوْجِ لَا يَصِحُّ وَهِيَ الْحِيلَةُ لِمَنْ أَرَادَتْ أَنْ تَهَبَ الْمَهْرَ وَلَا يَصِحُّ وَلَوْ وَهَبَتْ مَهْرَهَا مِنْ أَبِيهَا وَوَكَّلَتْهُ بِالْقَبْضِ يَصِحُّ اهـ. وَفِي الْقُنْيَةِ وَلَهُ ثَلَاثُ حِيَلٍ غَيْرَ هَذِهِ: إحْدَاهَا شِرَاءُ شَيْءٍ مَلْفُوفٍ مِنْ زَوْجِهَا بِالْمَهْرِ قَبْلَ الْهِبَةِ. وَالثَّانِيَةُ صُلْحُ إنْسَانٍ مَعَهَا عَنْ الْمَهْرِ بِشَيْءٍ مَلْفُوفٍ قَبْلَ الْهِبَةِ. وَالثَّالِثَةُ هِبَةُ الْمَرْأَةِ الْمَهْرَ لِابْنٍ صَغِيرٍ لَهَا قَبْلَ الْهِبَةِ كَذَا فِي كِتَابِ الْمُدَايَنَاتِ وَفِي التَّجْنِيسِ وَهَبَتْ الْمَهْرَ لِابْنِهَا الصَّغِيرِ وَقَبِلَ الْأَبُ فَالْمُخْتَارُ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ؛ لِأَنَّهَا هِبَةٌ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ رِوَايَةُ الْمُنْتَقَى) لَا يَخْفَى أَنَّ تَعْلِيلَ الضَّعْفِ بِذَلِكَ غَيْرُ ظَاهِرٍ فَكَانَ الْمُنَاسِبُ الِاقْتِصَارَ عَلَى التَّعْلِيلِ الثَّانِي. (قَوْلُهُ وَظَاهِرُهُ أَنَّ حَطَّ الْمَهْرِ الْعَيْنِيِّ لَا يَصِحُّ) قَالَ فِي النَّهْرِ مَعْنَى عَدَمِ صِحَّتِهِ أَنَّ لَهَا أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُ مَا دَامَ قَائِمًا فَلَوْ هَلَكَ فِي يَدِهِ سَقَطَ الْمَهْرُ عَنْهُ لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ أَبْرَأْتُك عَنْ هَذَا الْعَبْدِ يَبْقَى الْعَبْدُ وَدِيعَةً عِنْدَهُ. (قَوْلُهُ ذُكِرَ فِي الْقُنْيَةِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَا يَخْفَى أَنَّ الْمُدَّعَى إنَّمَا هُوَ رَدُّ الْحَطِّ وَكَأَنَّهُ نَظَرَ إلَى أَنَّهُ إبْرَاءٌ مَعْنًى. (قَوْلُهُ وَهُوَ مُشْكِلٌ) أُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ تَعْلِيقِ الْهِبَةِ بِشَرْطٍ مُلَائِمٍ لَا مِنْ بَابِ تَعْلِيقِ الْإِبْرَاءِ بِالشَّرْطِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَتَعْلِيقُ الْهِبَةِ بِكَلِمَةِ إنْ بَاطِلٌ وَبِعَلَيَّ إنْ مُلَائِمًا كَهِبَةٍ عَلَى أَنْ يُعَوِّضَهُ يَجُوزُ وَإِنْ مُخَالِفًا بَطَلَ الشَّرْطُ وَصَحَّتْ الْهِبَةُ اهَكَذَا فِي حَوَاشِي مِسْكِينٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 161 غَيْرُ مَقْبُوضَةٍ. اهـ. وَفِيهَا قَالَتْ لِزَوْجِهَا إنْ كَانَ يَهُمُّك الْمَهْرُ فَقَدْ أَبْرَأْتُك يَبْرَأُ فِي الْحَالِ وَلَيْسَ بِتَعْلِيقٍ وَلَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا وَلَمْ تَعْلَمْ بِهِ، ثُمَّ قَالَ لَهَا إنْ لَمْ تُبْرِئِينِي مِنْ الْمَهْرِ فَأَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا فَأَبْرَأَتْهُ، وَقِيلَ يَبْرَأُ وَقَالَ أَبُو حَامِدٍ يَبْرَأُ قَبِلَ أَوْ لَمْ يَقْبَلْ وَلَوْ قَالَتْ الصَّدَاقُ الَّذِي لِي عَلَى زَوْجِي مِلْكُ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ لَا حَقَّ لِي فِيهِ وَصَدَّقَهَا الْمُقَرُّ لَهُ ثُمَّ أَبْرَأَتْ زَوْجَهَا عَنْهُ يَبْرَأُ وَلَوْ قَالَتْ الْمَهْرُ الَّذِي لِي عَلَى زَوْجِي لِوَالِدَيَّ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهَا بِهِ اهـ. وَفِي كِتَابِ النِّكَاحِ مِنْهَا اخْتَلَفَا فِي هِبَةِ الْمَهْرِ، فَقَالَتْ وَهَبْته لَك بِشَرْطِ أَنْ لَا تُطَلِّقَنِي وَقَالَ بِغَيْرِ شَرْطٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا اهـ. وَذُكِرَ فِي الدَّعْوَى لَوْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَبَيِّنَةُ الْمَرْأَةِ أَوْلَى، وَقِيلَ بَيِّنَةُ الزَّوْجِ أَوْلَى وَلَا بُدَّ فِي صِحَّةِ حَطِّهَا مِنْ أَنْ لَا تَكُونَ مَرِيضَةً مَرَضَ الْمَوْتِ لِمَا عُرِفَ فِي إبْرَاءِ الْوَارِثِ وَفِي الْخُلَاصَةِ مِنْ الْمَهْرِ وَهَبَتْ مَهْرَهَا مِنْ الزَّوْجِ وَمَاتَتْ ثُمَّ اخْتَلَفَتْ وَرَثَتُهَا مَعَ الزَّوْجِ قَالَتْ الْوَرَثَةُ كَانَتْ الْهِبَةُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ وَقَالَ الزَّوْجُ كَانَتْ فِي الصِّحَّةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ الْمَهْرَ. اهـ. وَفِي الْقُنْيَةِ مِنْ كِتَابِ الْهِبَةِ وَهَبَتْ مَهْرَهَا مِنْ زَوْجِهَا فِي مَرَضِ مَوْتِهَا وَمَاتَ زَوْجُهَا قَبْلَهَا فَلَا دَعْوَى لَهَا لِصِحَّةِ الْإِبْرَاءِ مَا لَمْ تَمُتْ فَإِذَا مَاتَتْ مِنْهُ فَلِوَرَثَتِهَا دَعْوَى مَهْرِهَا اهـ. وَفِيهَا أَيْضًا مِنْ بَابِ الْبَيِّنَتَيْنِ الْمُتَضَادَّتَيْنِ أَقَامَ الزَّوْجُ بَيِّنَةً أَنَّهَا أَبْرَأَتْهُ مِنْ الصَّدَاقِ حَالَ صِحَّتِهَا وَأَقَامَ الْوَرَثَةُ بَيِّنَةً أَنَّهَا أَبْرَأَتْهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهَا فَبَيِّنَةُ الصِّحَّةِ أَوْلَى، وَقِيلَ بَيِّنَةُ الْوَارِثِ أَوْلَى. اهـ. وَالرَّاجِحُ الْأَوَّلُ وَفِيهَا أَيْضًا مِنْ الْهِبَةِ أَبْرَأَهُ عَنْ الدَّيْنِ لِيُصْلِحَ مُهِمَّهُ عِنْدَ السُّلْطَانِ لَا يَبْرَأُ وَهُوَ رِشْوَةٌ. وَلَوْ أَبَى الِاضْطِجَاعَ عِنْدَ امْرَأَتِهِ، فَقَالَ لَهَا أَبْرِئِينِي مِنْ الْمَهْرِ فَأَضْطَجِعُ مَعَك فَأَبْرَأَتْهُ قِيلَ يَبْرَأُ؛ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ لِلتَّوَدُّدِ الدَّاعِي فِي الْجِمَاعِ وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «تَهَادَوْا تَحَابُّوا» بِخِلَافِ الْإِبْرَاءِ فِي الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ مَقْصُورٌ عَلَى إصْلَاحِ الْمُهِمِّ وَإِصْلَاحُ الْمُهِمِّ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ دِيَانَةٌ وَبَذْلُ الْمَالِ فِيمَا هُوَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ حَدُّ الرِّشْوَةِ اهـ. وَفِيهَا مِنْ كِتَابِ الدَّعْوَى امْرَأَةٌ مَاتَتْ فَطَلَبَ زَوْجُهَا مِنْ وَرَثَتِهَا بَرَاءَتَهُ مِنْ الْمَهْرِ فَأَبَوْا فَأَعْطَى الْمَهْرَ ثُمَّ ظَهَرَ لَهُ بَيِّنَةٌ أَنَّ امْرَأَتَهُ أَبْرَأَتْهُ فِي حَالِ الصِّحَّةِ وَلَمْ يَعْلَمْ الزَّوْجُ بِذَلِكَ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِمَا أَعْطَى مِنْ الْمَهْرِ دِيَانَةً فَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِمْ قَضَاءً اهـ. وَفِيهَا مِنْ بَابِ الْبَيِّنَتَيْنِ الْمُتَضَادَّتَيْنِ أَقَامَتْ الْمَرْأَةُ بَيِّنَةً عَلَى الْمَهْرِ عَلَى أَنَّ زَوْجَهَا كَانَ مُقِرًّا بِذَلِكَ إلَى يَوْمِنَا هَذَا وَأَقَامَ الزَّوْجُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا أَبْرَأَتْهُ مِنْ هَذَا الْمَهْرِ الَّذِي تَدَّعِي فَبَيِّنَةُ الْمُبَرَّأَة أَوْلَى. وَكَذَا فِي الدَّيْنِ اهـ. وَيُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ إبْرَائِهَا عَنْ الْمَهْرِ عَمَلُهَا بِمَعْنَاهَا لِمَا فِي التَّجْنِيسِ لَوْ قَالَ لَهَا قَوْلِي وَهَبْت مَهْرِي مِنْك، فَقَالَتْ الْمَرْأَةُ ذَلِكَ وَهِيَ لَا تُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ لَا يَصِحُّ فَرْقٌ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ حَيْثُ يَقَعَانِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الرِّضَا شَرْطُ جَوَازِ الْهِبَةِ وَلَيْسَ بِشَرْطٍ لِجَوَازِ الْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ اهـ. وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَهَا بِمِائَةِ دِينَارٍ عَلَى أَنْ تَحُطَّ عَنْهُ خَمْسِينَ مِنْهَا فَقَبِلَتْ فَهُوَ صَحِيحٌ بِالْأَوْلَى كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ. (قَوْلُهُ وَالْخَلْوَةُ بِلَا مَرَضِ أَحَدِهِمَا وَحَيْضٍ وَنِفَاسٍ وَإِحْرَامٍ وَصَوْمِ فَرْضٍ كَالْوَطْءِ) بَيَانٌ لِلسَّبَبِ الثَّالِثِ الْمُكَمِّلِ لِلْمَهْرِ وَهِيَ الْخَلْوَةُ الصَّحِيحَةُ؛ لِأَنَّهَا سَلَّمَتْ الْمُبْدَلَ حَيْثُ رَفَعَتْ الْمَوَانِعَ وَذَلِكَ وُسْعُهَا فَيَتَأَكَّدُ حَقُّهَا فِي الْبَدَلِ اعْتِبَارًا بِالْبَيْعِ، وَقَدْ حَكَى الطَّحَاوِيُّ إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ عَلَيْهِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ الدَّارَقُطْنِيِّ «مَنْ كَشَفَ خِمَارَ امْرَأَةٍ أَوْ نَظَرَ إلَيْهَا وَجَبَ الصَّدَاقُ دَخَلَ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ» وَحِينَئِذٍ فَالْمُرَادُ بِالْمَسِّ فِي قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} [البقرة: 237] الْخَلْوَةُ إطْلَاقًا لِاسْمِ الْمُسَبَّبِ عَلَى السَّبَبِ إذْ الْمَسُّ مُسَبَّبٌ عَنْ الْخَلْوَةِ عَادَةً وَيَكُونُ كَمَالُهُ بِالْجِمَاعِ بِحَضْرَةِ النَّاسِ بِالْإِجْمَاعِ لَا بِالْآيَةِ وَمِنْ فُرُوعِ لُزُومِ الْمَهْرِ بِالْخَلْوَةِ لَوْ زَنَى بِامْرَأَةٍ فَتَزَوَّجَهَا وَهُوَ عَلَى بَطْنِهَا فَعَلَيْهِ مَهْرَانِ مَهْرُ الزِّنَا؛ لِأَنَّهُ سَقَطَ الْحَدُّ بِالتَّزَوُّجِ قَبْلَ تَمَامِ الزِّنَا وَالْمَهْرُ الْمُسَمَّى بِالنِّكَاحِ؛ لِأَنَّ هَذَا يَزِيدُ عَلَى الْخَلْوَةِ وَقَدْ شَرَطَ الْمُصَنِّفُ فِي إقَامَتِهَا مَقَامَ الْوَطْءِ شُرُوطًا تَرْجِعُ إلَى أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ الْخَلْوَةُ الْحَقِيقِيَّةُ وَعَدَمُ مَانِعٍ حِسِّيٍّ وَعَدَمُ مَانِعٍ طَبْعِيٍّ وَعَدَمُ مَانِعٍ شَرْعِيٍّ مِنْ الْوَطْءِ فَالْأَوَّلُ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا إذَا كَانَ هُنَاكَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَفِيهَا قَالَتْ لِزَوْجِهَا) أَيْ فِي الْقُنْيَةِ مِنْ كِتَابِ الْمُدَايَنَاتِ أَيْضًا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 162 ثَالِثٌ فَلَيْسَتْ بِخَلْوَةٍ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الثَّالِثُ بَصِيرًا أَوْ أَعْمَى أَوْ يَقْظَانَا أَوْ نَائِمًا بَالِغًا أَوْ صَبِيًّا يَعْقِلُ وَفُصِلَ فِي الْمُبْتَغَى فِي الْأَعْمَى فَإِنْ لَمْ يَقِفْ عَلَى حَالِهِ تَصِحُّ وَإِنْ كَانَ أَصَمَّ إنْ كَانَ نَهَارًا لَا تَصِحُّ وَإِنْ كَانَ لَيْلًا تَصِحُّ اهـ. وَشَمِلَ الثَّالِثُ زَوْجَتَهُ الْأُخْرَى وَهُوَ الْمَذْهَبُ بِنَاءً عَلَى كَرَاهَةِ وَطْئِهَا بِحَضْرَةِ ضَرَّتِهَا وَاخْتُلِفَ فِي الْجَارِيَةِ عَلَى أَقْوَالٍ قِيلَ لَا تَمْنَعُ مُطْلَقًا وَلَوْ كَانَتْ جَارِيَةً لِغَيْرِهِمَا، وَقِيلَ جَارِيَتُهَا تَمْنَعُ بِخِلَافِ جَارِيَتِهِ وَالْمُخْتَارُ أَنَّ جَارِيَتَهَا لَا تَمْنَعُ كَجَارِيَتِهِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْمُبْتَغَى وَجَزَمَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ فِي الْمَبْسُوطِ بِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَمْنَعُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَمْتَنِعُ مِنْ غِشْيَانِهَا بَيْنَ يَدَيْ أَمَتِهِ طَبْعًا اهـ. وَشَمِلَ الثَّالِثُ الْكَلْبَ إنْ كَانَ عَقُورًا مُطْلَقًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَقُورًا فَكَذَلِكَ إنْ كَانَ لَهَا وَإِنْ كَانَ لَهُ صَحَّتْ الْخَلْوَةُ وَخَرَجَ مِنْ الثَّالِثِ الصَّبِيُّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ وَالْمَجْنُونُ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالْمُرَادُ بِاَلَّذِي يَعْقِلُ هُنَا مَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُعَبِّرَ مَا يَكُونُ بَيْنَهُمَا كَافِي الْخَانِيَّةِ وَلِلِاحْتِرَازِ عَنْ مَكَان لَا يَصْلُحُ لِلْخَلْوَةِ وَالصَّالِحُ لَهَا أَنْ يَأْمَنَا فِيهِ اطِّلَاعَ غَيْرِهِمَا عَلَيْهِمَا كَالدَّارِ وَالْبَيْتِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ سَقْفٌ، وَكَذَا الْخَيْمَةُ فِي الْمَفَازَةِ وَالْمَحَلُّ الَّذِي عَلَيْهِ قُبَّةٌ مَضْرُوبَةٌ وَكَذَا الْبُسْتَانُ الَّذِي لَهُ بَابٌ وَأُغْلِقَ فَلَا تَصِحُّ فِي الْمَسْجِدِ وَالطَّرِيقِ الْأَعْظَمِ وَالْحَمَّامِ وَسَطْحِ الدَّارِ مِنْ غَيْرِ سَاتِرٍ وَالْبُسْتَانِ الَّذِي لَيْسَ لَهُ بَابٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ أَحَدٌ وَاخْتُلِفَ فِي الْبَيْتِ إذَا كَانَ بَابُهُ مَفْتُوحًا أَوْ طَوَابِقُهُ بِحَيْثُ لَوْ نَظَرَ إنْسَانٌ رَآهُمَا فَفِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ إنْ كَانَ لَا يَدْخُلُ عَلَيْهِمَا أَحَدٌ إلَّا بِإِذْنٍ فَهِيَ خَلْوَةٌ وَاخْتَارَ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ مَانِعٌ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَيَصِحُّ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْفُرُوعُ دَاخِلَةً فِي الْمَانِعِ الْحِسِّيِّ؛ لِأَنَّ وُجُودَ ثَالِثٍ وَعَدَمَ صَلَاحِيَةِ الْمَكَانِ مَانِعٌ حِسِّيٌّ كَمَا فِي الْأَسْرَارِ، وَأَشَارَ بِالْمَرَضِ إلَى الْمَانِعِ الْحِسِّيِّ وَعَمَّمَهُ بِعَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَ مَرَضِهِ وَمَرَضِهَا وَأَطْلَقَهُ فَأَفَادَ أَنَّ مُطْلَقَ الْمَرَضِ مَانِعٌ وَهُوَ كَذَلِكَ فِي مَرَضِهِ، وَأَمَّا فِي مَرَضِهَا فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَرَضًا يَمْنَعُ الْجِمَاعَ أَوْ يَلْحَقُهُ بِهِ ضَرَرٌ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ مَرَضَهُ لَا يَعْرَى عَنْ تَكَسُّرٍ وَفُتُورٍ عَادَةً وَمِنْ الْمَانِعِ الْحِسِّيِّ الرَّتَقُ وَالْقَرْنُ وَالْعَفْلُ وَالشَّعْرُ دَاخِلَ الْفَرْجِ الْمَانِعُ مِنْ جِمَاعِهَا وَالْقَرْنُ فِي الْفَرْجِ مَانِعٌ يَمْنَعُ مِنْ سُلُوكِ الذَّكَرِ فِيهِ إمَّا غُدَّةٌ غَلِيظَةٌ أَوْ لَحْمٌ أَوْ عَظْمٌ وَامْرَأَةٌ رَتْقَاءُ بِهَا ذَلِكَ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَامْرَأَةٌ رَتْقَاءُ بَيِّنَةُ الرَّتَقِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا خَرْقٌ إلَّا الْمَبَالُ وَضُبِطَ الْقَرْنُ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ بِسُكُونِ الرَّاءِ وَالرَّتَقُ بِفَتْحِ التَّاءِ وَالْعَفْلُ شَيْءٌ مُدَوَّرٌ يَخْرُجُ بِالْفَرْجِ وَمِنْهُ صِغَرُهَا بِحَيْثُ لَا تُطِيقُ الْجِمَاعَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا قَبْلَ أَنْ تُطِيقَهُ وَقُدِّرَ بِالْبُلُوغِ، وَقِيلَ بِالتِّسْعِ، وَالْأَوْلَى عَدَمُ التَّقْدِيرِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَلَوْ قَالَ الزَّوْجُ تُطِيقُهُ وَأَرَادَ الدُّخُولَ وَأَنْكَرَ الْأَبُ فَالْقَاضِي يُرِيهَا النِّسَاءَ وَلَمْ يُعْتَبَرْ السِّنُّ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَفِي خَلْوَةِ الصَّغِيرِ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى الْجِمَاعِ قَوْلَانِ وَجَزَمَ قَاضِي خَانْ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ فَكَانَ هُوَ الْمُعْتَمَدَ وَلِذَا قُيِّدَ فِي الذَّخِيرَةِ بِالْمُرَاهِقِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى الْخَصِيِّ وَنَحْوِهِ، وَأَشَارَ بِالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ إلَى الْمَانِعِ الطَّبْعِيِّ وَهُوَ شَرْعِيٌّ أَيْضًا وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ عِنْدَ عَدَمِ دُرُورِ الدَّمِ لَيْسَ مَانِعًا طَبْعًا مَعَ أَنَّهُ مَانِعٌ شَرْعًا؛ لِأَنَّ الطُّهْرَ الْمُتَخَلِّلَ بَيْنَ الدَّمَيْنِ فِي الْمُدَّةِ حَيْضٌ وَنِفَاسٌ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُوجَدُ لَنَا مَانِعٌ طَبْعِيٌّ إلَّا وَهُوَ شَرْعِيٌّ فَلَوْ اكْتَفَوْا بِالْمَانِعِ الشَّرْعِيِّ عَنْهُ لَكَانَ أَوْلَى وَأَشَارَ بِالْإِحْرَامِ وَالصَّوْمِ إلَى الْمَانِعِ الشَّرْعِيِّ أَمَّا الْإِحْرَامُ فَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْإِحْرَامَ بِحَجِّ فَرْضٍ أَوْ نَفْلٍ أَوْ بِعُمْرَةٍ وَعَلَّلَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا بِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ الْوَطْءِ مَعَهُ الدَّمُ وَفَسَادُ النُّسْكِ وَالْقَضَاءِ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ خَلَا بِهَا بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ فَإِنَّهَا صَحِيحَةٌ لِلْأَمْنِ مِنْ الْفَسَادِ مَعَ أَنَّ الْجَوَابَ مُطْلَقٌ وَهُوَ الظَّاهِرُ لِلْحُرْمَةِ شَرْعًا، وَأَمَّا الصَّوْمُ فَقَيَّدَهُ الْمُصَنِّفُ بِصَوْمِ الْفَرْضِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ صَوْمِ التَّطَوُّعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْخَلْوَةِ وَإِنْ كَانَ وَاجِبًا بِالشُّرُوعِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهُ لِضَرُورَةِ صِيَانَةِ الْمُؤَدِّي فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ مَعَ أَنَّ الْإِفْطَارَ فِيهِ بِغَيْرِ عُذْرٍ جَائِزٌ فِي رِوَايَةٍ وَشَمِلَ صَوْمُ الْفَرْضِ قَضَاءَ رَمَضَانَ وَالْكَفَّارَاتِ وَالْمَنْذُورَ فَإِنَّهَا تَمْنَعُ صِحَّةَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَشَمِلَ الثَّالِثُ) أَيْ الْوَاقِعُ فِي قَوْلِهِ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا إذَا كَانَ هُنَاكَ ثَالِثٌ. (قَوْلُهُ وَلِلِاحْتِرَازِ عَنْ مَكَان لَا يَصْلُحُ لِلْخَلْوَةِ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا إذَا كَانَ هُنَاكَ ثَالِثٌ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ مَرَضَهُ لَا يُعْرِي عَنْ تَكَسُّرٍ وَفُتُورٍ عَادَةً) فِيهِ كَلَامٌ وَهُوَ أَنَّ الْمَرَضَ لَا يَلْزَمُ فِيهِ ذَلِكَ خُصُوصًا فِي ابْتِدَائِهِ قَبْلَ اسْتِحْكَامِ الضَّعْفِ ثُمَّ إنْ كَانَ الْمُرَادُ مَرَضًا فِيهِ تَكَسُّرٌ وَفُتُورٌ مَانِعٌ مِنْ الْوَطْءِ سَاوَى مَرَضَ الْمَرْأَةِ وَإِلَّا فَهُوَ غَيْرُ مَانِعٍ إذْ لَا فَرْقَ حِينَئِذٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّحِيحِ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ مَرَضَهُ فِي الْعَادَةِ مَانِعٌ فَلَا يُفِيدُ تَقْيِيدَهُ بِالْمَنْعِ بِخِلَافِ مَرَضِهَا. (قَوْلُهُ وَضُبِطَ الْقَرْنُ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ الْقَرَنُ بِفَتْحِ رَائِهِ أَرْجَحُ مِنْ إسْكَانِهَا وَسَيَأْتِي زِيَادَةُ كَلَامٍ فِي ذَلِكَ فِي بَابِ الْعِنِّينِ. (قَوْلُهُ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ خَلَا بِهَا بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ) أَيْ أَوْ بَعْدَ طَوَافِ أَكْثَرِ الْعُمْرَةِ وَفِي النَّهْر يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ الْمَنْظُورُ إلَيْهِ إنَّمَا هُوَ لُزُومُ الدَّمِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْبَدَنَةَ فَوْقَهُ، وَأَمَّا لُزُومُ الْفَسَادِ فَمُؤَكِّدٌ لِلْمَانِعِ فَقَطْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 163 الْخَلْوَةِ وَهُوَ قَوْلُ الْبَعْضِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ صِحَّتَهَا؛ لِأَنَّهَا لَا كَفَّارَةَ فِي إفْسَادِهَا فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَصَوْمُ رَمَضَانَ أَيْ أَدَاءً كَمَا فِي الْمَجْمَعِ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ الصَّحِيحُ أَوْ قَالَ وَالصَّوْمُ اخْتِيَارًا لِقَوْلِ الْبَعْضِ لَأَمْكَنَ؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ عِنْدَ الْبَعْضِ بَيْنَ صَوْمِ التَّطَوُّعِ وَالْفَرْضِ فِي أَنَّهُ يَمْنَعُ صِحَّتَهَا كَالْإِحْرَامِ فَتَقْيِيدُهُ بِصَوْمِ الْفَرْضِ لَيْسَ عَلَى قَوْلٍ مِنْ الْأَقْوَالِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ صَوْمُ الْفَرْضِ وَلَوْ مَنْذُورًا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْخَلْوَةِ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ إفْسَادُهُ وَإِنْ كَانَ لَا كَفَّارَةَ فِيهِ فَهُوَ مَانِعٌ شَرْعِيٌّ، وَأَمَّا الصَّلَاةُ، فَقَالُوا فَرْضُهَا كَفَرْضِ الصَّوْمِ وَنَفْلُهَا كَنَفْلِهِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَعَلَّلَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِأَنَّهُ لَا يَأْثَمُ بِتَرْكِ النَّافِلَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ فَلَا يَكُونُ مَانِعًا بِخِلَافِ صَلَاةِ الْفَرْضِ فَإِنَّهُ يَأْثَمُ بِتَرْكِهَا اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ الْكَلَامُ فِي التَّرْكِ، وَإِنَّمَا هُوَ فِي الْإِفْسَادِ وَلَا شَكَّ أَنَّ إفْسَادَ الصَّلَاةِ لِغَيْرِ عُذْرٍ حَرَامٌ فَرْضًا كَانَتْ أَوْ نَفْلًا فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُطْلَقُ الصَّلَاةِ مَانِعًا مَعَ أَنَّهُمْ قَالُوا إنَّ الصَّلَاةَ الْوَاجِبَةَ كَالنَّفْلِ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْخَلْوَةِ كَمَا فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ مَعَ أَنَّهُ يَأْثَمُ بِتَرْكِهَا وَأَغْرَبُ مِنْهُ مَا فِي الْمُحِيطِ أَنَّ صَلَاةَ التَّطَوُّعِ لَا تَمْنَعُ صِحَّتَهَا إلَّا الْأَرْبَعُ قَبْلَ الظُّهْرِ فَإِنَّهَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْخَلْوَةِ؛ لِأَنَّهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ فَلَا يَجُوزُ تَرْكُهَا بِمِثْلِ هَذَا الْعُذْرِ اهـ. فَإِنَّهُ يَقْتَضِي عَدَمَ الْفَرْقِ بَيْنَ السُّنَنِ الْمُؤَكَّدَةِ وَيَقْتَضِي أَنَّ الْوَاجِبَةَ تَمْنَعُ صِحَّتَهَا بِالْأَوْلَى وَمِنْ الْمَانِعِ الشَّرْعِيِّ أَنْ يَكُونَ طَلَاقُهَا مُعَلَّقًا بِخَلْوَتِهَا فَلَوْ قَالَ لَهَا إنْ خَلَوْت بِك فَأَنْت طَالِقٌ فَخَلَا بِهَا طَلُقَتْ فَيَجِبُ نِصْفُ الْمَهْرِ لِحُرْمَةِ وَطِئَهَا كَذَا فِي الْوَاقِعَاتِ زَادَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ بِأَنَّهُ لَا تَجِبُ الْعِدَّةُ فِي هَذَا الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْوَطْءِ وَسَيَأْتِي وُجُوبُهَا فِي الْخَلْوَةِ الْفَاسِدَةِ عَلَى الصَّحِيحِ فَتَجِبُ الْعِدَّةُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ احْتِيَاطًا وَصَوَّرَهَا فِي الْمُبْتَغَى   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ أَوْ قَالَ وَالصَّوْمُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ لَا يُنَاسِبُ هَذَا قَوْلَهُ لَكَانَ أَوْلَى إذْ هَذَا الِاخْتِيَارُ لَيْسَ لِلصَّحِيحِ فَلَوْ قَالَهُ لَمْ يُخِلَّ مِنْ هَذَا النَّقْدِ الْمُتَقَدِّمِ وَلَوْ أُرِيدَ مُجَرَّدُ الْجَوَابِ لَكَفَى مُوَافَقَتُهُ لِقَوْلِ الْبَعْضِ إنَّ مُطْلَقَ الْفَرْضِ يَمْنَعُ، وَقَدْ قَدَّمَهُ وَالْعَجَبُ مِنْهُ أَنَّهُ قَدَّمَهُ قَرِيبًا وَقَالَ تَلَوْهُ فَتَقْيِيدُهُ بِصَوْمِ الْفَرْضِ لَيْسَ عَلَى قَوْلٍ مِنْ الْأَقْوَالِ تَأَمَّلْ اهـ. وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ قَوْلَهُ وَشَمِلَ صَوْمَ الْفَرْضِ إلَى قَوْلِهِ وَهُوَ قَوْلُ الْبَعْضِ لَيْسَ نَصًّا فِي أَنَّ هَذَا الْبَعْضَ لَا يَقُولُ إنَّ النَّفَلَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ أَحَدُ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي حَكَاهَا فِي النَّهْرِ عَنْ الْخَانِيَّةِ وَهُوَ أَنَّ النَّفَلَ يَمْنَعُ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ ذَلِكَ آخِرَ كَلَامِهِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَرَ الْقَوْلَ الثَّانِيَ وَهُوَ أَنَّ الْفَرْضَ يَمْنَعُ دُونَ التَّطَوُّعِ وَإِلَّا لِحَمْلِ الْمَتْنِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ فَتَقْيِيدُهُ بِصَوْمِ الْفَرْضِ لَيْسَ عَلَى قَوْلٍ مِنْ الْأَقْوَالِ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَقُولُ: عِبَارَةُ قَاضِي خَانْ فِي الْفَتَاوَى تُفِيدُ أَنَّ ثَمَّةَ خِلَافًا فِي الْفَرْضِ وَآخَرَ فِي التَّطَوُّعِ وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ إنَّ الْخَلْوَةَ فِي صَوْمِ الْفَرْضِ أَوْ صَلَاةِ الْفَرْضِ لَا تَصِحُّ وَفِي صَوْمِ الْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَاتِ وَالْمَنْذُورَاتِ رِوَايَتَانِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ الْخَلْوَةَ وَصَوْمُ التَّطَوُّعِ لَا يَمْنَعُ الْخَلْوَةَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَقِيلَ يَمْنَعُ اهـ. وَفِي شُرُوحِ الْهِدَايَةِ أَنَّ رِوَايَةَ الْمَنْعِ فِي التَّطَوُّعِ شَاذَّةٌ وَعَلَى هَذَا فَالتَّقْيِيدُ بِالْفَرْضِ صَحِيحٌ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ اخْتَارَ الْمَرْجُوحَ. (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ صَوْمُ الْفَرْضِ وَلَوْ مَنْذُورًا يَمْنَعُ) وَقَوْلُهُ بَعْدَهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُطْلَقُ الصَّلَاةِ مَانِعًا قَالَ فِي النَّهْرِ لَا شَكَّ أَنَّ الْحُرْمَةَ فِي الْأَدَاءِ أَقْوَى مِنْهَا فِي غَيْرِهِ لِمَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِنْ إفْسَادِ الصَّوْمِ وَهَتْكِ حُرْمَةِ الشَّهْرِ، وَلِذَا غُلِّظَ عَلَيْهِ بِالْكَفَّارَةِ مَعَ الْقَضَاءِ وَلَا بُدَّ مِنْ الْتِزَامِ هَذَا فِي الصَّلَاةِ وَإِلَّا أَشْكَلَ اهـ. وَانْظُرْ مَا مَرْجِعُ الْإِشَارَةِ فِي قَوْلِهِ وَلَا بُدَّ مِنْ الْتِزَامِ هَذَا فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَرْجِعُهَا هُوَ قَوْلُ الْمُؤَلِّفِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُطْلَقُ الصَّلَاةِ مَانِعًا فَيَكُونَ قَدْ أَقَرَّهُ عَلَى الْبَحْثِ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ وَعَلَيْهِ فَقَوْلُهُ وَإِلَّا أَشْكَلَ أَيْ وَإِلَّا نُقِلَ كَذَلِكَ أَشْكَلَ الْأَمْرُ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ مِنْ أَنَّ إفْسَادَ الصَّلَاةِ لِغَيْرِ عُذْرٍ حَرَامٌ مُطْلَقًا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَرْجِعُهَا قَوْلَهُ لَا شَكَّ أَنَّ الْحُرْمَةَ فِي الْأَدَاءِ أَقْوَى إلَخْ وَحِينَئِذٍ فَمُفَادُهُ تَخْصِيصُ الْمَنْعِ بِالْفَرْضِ الْمُؤَدَّى دُونَ الْمَقْضِيِّ وَيُوَافِقُهُ قَوْلُهُمْ فَرْضُهَا كَفَرْضِ الصَّوْمِ وَنَفْلُهَا كَنَفْلِهِ لَكِنْ مَا عُلِّلَ بِهِ لِلصَّوْمِ لَا يَظْهَرُ فِي الصَّلَاةِ إذْ الْحُرْمَةُ فِي إفْسَادِ أَدَائِهَا وَقَضَائِهَا سَوَاءٌ وَأَيْضًا مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ عَنْ غَايَةِ الْبَيَانِ ظَاهِرٌ فِي عَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَ أَدَائِهَا وَقَضَائِهَا إلَّا أَنْ يُدَّعَى الْفَرْقُ بِأَنَّ إفْسَادَ الْأَدَاءِ الْحُرْمَةُ فِيهِ أَقْوَى لِاحْتِمَالِ التَّفْوِيتِ عَنْ الْوَقْتِ بِخِلَافِ إفْسَادِ الْقَضَاءِ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَفِيهِ نَظَرٌ إلَخْ) قَدْ يُجَابُ بِأَنَّ مُرَادَهُ بَيَانُ التَّفَاوُتِ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ بِأَنَّ صَلَاةَ الْفَرْضِ لَمَّا كَانَ يَأْثَمُ بِتَرْكِهَا كَانَتْ مَانِعَةً لِصِحَّةِ الْخَلْوَةِ؛ لِأَنَّ صِحَّتَهَا تَتَوَقَّفُ عَلَى قَطْعِ الصَّلَاةِ وَقَطْعُهَا حَرَامٌ أَعْظَمُ مِنْ حُرْمَةِ قَطْعِ النَّفْلِ وَالْقَطْعُ قَدْ يَكُونُ سَبَبًا لِلتَّرْكِ. (قَوْلُهُ وَأَغْرَبُ مِنْهُ مَا فِي الْمُحِيطِ إلَخْ) ظَاهِرُ كَلَامِ صَاحِبِ الْمُخْتَارِ أَنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى رِوَايَةٍ أُخْرَى فَإِنَّهُ قَالَ: وَقِيلَ فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ رِوَايَتَانِ، وَكَذَلِكَ السُّنَنُ إلَّا رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَالْأَرْبَعَ قَبْلَ الظُّهْرِ لِشِدَّةِ تَأَكُّدِهِمَا بِالْوَعِيدِ عَلَى تَرْكِهِمَا اهـ. (قَوْلُهُ فَتَجِبُ الْعِدَّةُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ احْتِيَاطًا) قَالَ الرَّمْلِيُّ كَيْفَ الْقَطْعُ بِوُجُوبِهَا مَعَ مُصَادَمَتِهِ لِلنَّقْلِ عَلَى أَنَّ هَذِهِ مُطْلَقَةٌ قَبْلَ الدُّخُولِ فَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ وَالْخَلْوَةُ بِالْأَجْنَبِيَّةِ لَا تُوجِبُ الْعِدَّةَ فَلَيْسَتْ مِنْ قِسْمِ الْخَلْوَةِ الصَّحِيحَةِ وَلَا الْفَاسِدَةِ فَتَأَمَّلْ وَانْظُرْ إلَى قَوْلِهِمْ إنَّمَا تُقَامُ مَقَامَ الْوَطْءِ إذَا تَحَقَّقَ التَّسْلِيمُ اهـ. وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ إذْ مُصَادَمَتُهُ لِلنَّقْلِ بِالنَّقْلِ لَا بِالْعَقْلِ لِمَا سَيَجِيءُ مِنْ أَنَّ الْمَذْهَبَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 164 بِالْمُعْجَمَةِ بِأَنْ قَالَ إنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ فَخَلَوْت بِهَا فَهِيَ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَهَا وَخَلَا بِهَا كَانَ لَهَا نِصْفُ الْمُسَمَّى وَمِنْ الْمَانِعِ الشَّرْعِيِّ أَنْ لَا يَعْرِفَهَا حِينَ دَخَلَتْ عَلَيْهِ أَوْ حِينَ دَخَلَ عَلَيْهَا عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تُقَامُ مَقَامَ الْوَطْءِ إذَا تَحَقَّقَ بِالْخَلْوَةِ التَّسْلِيمُ وَالتَّمْكِينُ وَذَا لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالْمَعْرِفَةِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَيُصَدَّقُ فِي أَنَّهُ لَمْ يَعْرِفْهَا كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ عَرَفَهَا هُوَ وَلَمْ تَعْرِفْهُ هِيَ تَصِحُّ الْخَلْوَةُ كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَلَعَلَّ الْفَرْقَ أَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ وَطْئِهَا إذَا عَرَفَهَا وَلَمْ تَعْرِفْهُ بِخِلَافِ عَكْسِهِ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ وَطْؤُهَا وَفِي الْخَانِيَّةِ الْكَافِرُ إذَا خَلَى بِامْرَأَتِهِ بَعْدَمَا أَسْلَمَتْ صَحَّتْ الْخَلْوَةُ وَلَوْ أَسْلَمَ الْكَافِرُ وَامْرَأَتُهُ مُشْرِكَةٌ فَخَلَا بِهَا لَا تَصِحُّ الْخَلْوَةُ اهـ. وَلَعَلَّ الْفَرْقَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْكَافِرَ غَيْرُ مُخَاطَبٍ بِالْفُرُوعِ فَكَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ وَطْءِ الْمُسْلِمَةِ بِخِلَافِ وَطْءِ الْمُسْلِمِ الْمُشْرِكَةَ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَلَوْ دَخَلَتْ عَلَيْهِ وَهُوَ نَائِمٌ صَحَّتْ عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ اهـ. وَهُوَ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَمَكَّنْ مَعَ النَّوْمِ مِنْ وَطْئِهَا كَمَا إذَا لَمْ يَعْرِفْهَا لَكِنْ أَقَامُوهُ مُقَامَ الْيَقْظَانِ هُنَا وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِنْ الْمَانِعِ الشَّرْعِيِّ كَوْنُهُ مُظَاهِرًا مِنْهَا فَلَوْ ظَاهَرَ مِنْهَا ثُمَّ خَلَّا بِهَا قَبْلَ التَّكْفِيرِ لَمْ تَصِحَّ لِحُرْمَةِ وَطْئِهَا عَلَيْهِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْإِمَامَ الدَّبُوسِيَّ فِي الْأَسْرَارِ فَسَّرَ الْمَانِعَ الشَّرْعِيَّ بِمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ مَعَهُ جِمَاعُهَا وَأَطْلَقَ فِي إقَامَتِهَا مُقَامَ الْوَطْءِ فِي الْأَحْكَامِ فَأَفَادَ أَنَّهُ يَكْمُلُ لَهَا الْمُسَمَّى وَإِنْ قَالَتْ لَمْ يَطَأْنِي كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ لَمْ تُمَكِّنْهُ مِنْ الْوَطْءِ فِي الْخَلْوَةِ فَفِيهِ اخْتِلَافُ الْمُتَأَخِّرِينَ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَقِيَاسُ وُجُوبِ النَّفَقَةِ أَنْ تَصِحَّ الْخَلْوَةُ كَمَا لَا يَخْفَى وَاخْتَارَ الطَّرَسُوسِيُّ تَفَقُّهًا مِنْ عِنْدِهِ أَنَّهَا إنْ كَانَتْ بِكْرًا صَحَّتْ الْخَلْوَةُ؛ لِأَنَّهَا لَا تُوطَأُ إلَّا كُرْهًا وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا لَمْ تَصِحَّ لِعَدَمِ تَسْلِيمِ الْبُضْعِ اخْتِيَارًا وَكَانَتْ رَاضِيَةً بِإِسْقَاطِ حَقِّهَا بِخِلَافِ الْبِكْرِ فَإِنَّهَا تَسْتَحْيِ وَأَفَادَ أَنَّهَا كَالْوَطْءِ فِي الْأَحْكَامِ لَكِنْ هِيَ كَالْوَطْءِ فِي أَحْكَامٍ دُونَ أَحْكَامٍ فَأَقَامُوهَا مُقَامَهُ فِي حَقِّ كَمَالِ الْمَهْرِ وَثُبُوتِ النَّسَبِ وَوُجُوبِ الْعِدَّةِ وَالنَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى فِي هَذِهِ الْعِدَّةِ وَحُرْمَةِ نِكَاحِ أُخْتِهَا وَأَرْبَعٍ سِوَاهَا وَحُرْمَةِ نِكَاحِ الْأَمَةِ فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُرَاعَاةِ وَقْتِ الطَّلَاقِ فِي حَقِّهَا، كَذَا ذَكَرُوا وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُذْكَرَ ثُبُوتُ النَّسَبِ مِنْ أَحْكَامِ الْخَلْوَةِ الْقَائِمَةِ مَقَامَ الْوَطْءِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ أَحْكَامِ الْعَقْدِ وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ خَلْوَةٌ أَصْلًا كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي الْمَبْسُوطِ، وَكَذَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى وَحُرْمَةُ نِكَاحِ الْأُخْتِ وَنَحْوُهَا فَإِنَّهَا مِنْ أَحْكَامِ الْعِدَّةِ فَذِكْرُهَا يُغْنِي عَنْهَا هَذَا مَا فَهِمْته ثُمَّ بَعْدَ مُدَّةٍ رَأَيْت فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ نَقْلًا عَنْ أَدَبِ الْقَاضِي لِلْخَصَّافِ أَنَّهَا قَائِمَةٌ مُقَامَ الْوَطْءِ فِي حَقِّ تَكْمِيلِ الْمَهْرِ وَوُجُوبِ الْعِدَّةِ وَلَمْ تَقُمْ مَقَامَهُ فِي بَقِيَّةِ الْأَحْكَامِ اهـ. وَهَذَا هُوَ التَّحْقِيقُ وَلَمْ يُقِيمُوهَا مَقَامَهُ فِي حَقِّ الْإِحْصَانِ إنْ تَصَادَقَا عَلَى عَدَمِ الدُّخُولِ وَإِنْ أَقَرَّا بِهِ لَزِمَهُمَا حُكْمُ الْإِحْصَانِ وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ أَحَدُهُمَا صُدِّقَ فِي حَقِّ نَفْسِهِ دُونَ صَاحِبِهِ كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ وَفِي حُرْمَةِ الْبَنَاتِ وَحِلِّهَا لِلْأَوَّلِ   [منحة الخالق] وُجُوبُ الْعِدَّةِ مُطْلَقًا وَلَوْ الْمَانِعُ شَرْعِيًّا، وَقَوْلُهُ إنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ مَمْنُوعَةٌ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَطْلُقْ إلَّا بِثُبُوتِ الْخَلْوَةِ فَلَمْ تَصِرْ أَجْنَبِيَّةً إلَّا بَعْدَ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ بَعْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ كَمَا فِي قَوْلِهِ لِأَجْنَبِيَّةٍ إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ. (قَوْلُهُ وَلَعَلَّ الْفَرْقَ أَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ وَطْئِهَا إلَخْ) قِيلَ فِيهِ إنَّهُ إذَا لَمْ تَعْرِفْهُ يَحْرُمُ عَلَيْهَا تَمْكِينُهُ مِنْهَا. وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا تَمْنَعُهُ مِنْ وَطْئِهَا بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَانِعًا فَتَأَمَّلْ اهـ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا الْمَانِعَ بِيَدِهِ إزَالَتُهُ بِأَنْ يُخْبِرَهَا أَنَّهُ زَوْجُهَا فَلِمَا جَاءَ التَّقْصِيرُ مِنْ جِهَتِهِ يُحْكَمُ بِصِحَّةِ الْخَلْوَةِ فَيَلْزَمُ الْمَهْرُ اهـ. هَذَا وَفِي حَوَاشِي مِسْكِينٍ عَنْ الْحَمَوِيِّ مَعْزِيًّا إلَى الْمُلْتَقَطَاتِ أَنَّ عَدَمَ مَعْرِفَتِهِ أَنَّهُ زَوْجُهَا مَانِعٌ كَعَكْسِهِ. (قَوْلُهُ وَلَعَلَّ الْفَرْقَ مَبْنِيٌّ إلَخْ) فُرِّقَ فِي النَّهْرِ بِغَيْرِ هَذَا وَهُوَ أَنَّ الْمَانِعَ فِي الْأَوَّلِ مِنْهُ إذْ بِيَدِهِ إزَالَتُهُ، وَفِي الثَّانِي مِنْهَا قَالَ: وَهَذَا أَوْلَى مِمَّا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِنْ الْمَانِعِ الشَّرْعِيِّ كَوْنُهُ مُظَاهِرًا مِنْهَا) قَالَ فِي النَّهْرِ أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ، وَلِذَا أَغْفَلُوهُ وَذَلِكَ أَنَّ الْمَانِعَ مِنْهُ وَبِيَدِهِ إزَالَتُهُ بِالتَّكْفِيرِ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهَا مِنْ أَحْكَامِ الْعَقْدِ وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ خَلْوَةٌ أَصْلًا) هَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَوَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ حِينِ الطَّلَاقِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ لِلتَّيَقُّنِ بِأَنَّ الْعُلُوقَ بِهِ كَانَ قَبْلَ الطَّلَاقِ وَتَبَيُّنِ أَنَّهُ طَلَّقَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ أَمَّا لَوْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَا يَلْزَمُهُ لِعَدَمِ الْعِدَّةِ فَلَوْ اخْتَلَى بِهَا يَكُونُ طَلَاقًا فِي الْعِدَّةِ فَيَلْزَمُهُ الْوَلَدُ وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ تَظْهَرُ الْخُصُوصِيَّةُ لِلْخَلْوَةِ كَمَا أَفَادَهُ ابْنُ الشِّحْنَةِ فِي عَقْدِ الْفَوَائِدِ (قَوْلُهُ هَذَا مَا فَهِمْته) قَدْ سَبَقَهُ إلَى هَذَا الْفَهْمِ الْعَلَّامَةُ ابْنُ الشِّحْنَةِ فِي عَقْدِ الْفَوَائِدِ وَقَالَ إنَّ مَا عَدَا تَكْمِيلَ الْمَهْرِ وَثُبُوتَ النَّسَبِ فِي التَّحْقِيقِ مِنْ فُرُوعِ وُجُوبِ الْعِدَّةِ لَا مِنْ فُرُوعِ نَفْسِ الْخَلْوَةِ وَإِنْ كَانَ رَاجِعًا إلَيْهَا اهـ. لَكِنَّ ثُبُوتَ النَّسَبِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُ وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُسْتَثْنَى أَيْضًا وُجُوبُ الْعِدَّةِ فَإِنَّهُ مِنْ فُرُوعِ الْخَلْوَةِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ هُنَا. (قَوْلُهُ وَفِي حُرْمَةِ الْبَنَاتِ) أَيْ وَلَمْ يُقِيمُوهَا مَقَامَهُ فِي ذَلِكَ وَالْكَلَامُ فِي الْخَلْوَةِ الصَّحِيحَةِ كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي التَّبْيِينِ وَالْفَتْحِ وَغَيْرِهِمَا فَمَا حَرَّرَهُ فِي عَقْدِ الْفَوَائِدِ مِمَّا حَاصِلُهُ أَنَّ حُرْمَةَ الْبَنَاتِ بِالْخَلْوَةِ الصَّحِيحَةِ لَا خِلَافَ فِيهَا بَيْنَ الصَّاحِبَيْنِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْفَاسِدَةِ قَالَ مُحَمَّدٌ لَا تَحْرُمُ وَحَرَّمَهَا الثَّانِي ضَعِيفٌ وَمَا ادَّعَاهُ مِنْ عَدَمِ الْخِلَافِ مَمْنُوعٌ كَمَا أَوْضَحَهُ فِي النَّهْرِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 165 وَالْمِيرَاثِ حَتَّى لَوْ أَبَانَهَا ثُمَّ مَاتَ فِي عِدَّتِهَا لَمْ تَرِثْهُ كَمَا فِي الْمُجْتَبَى وَفِي الرَّجْعَةِ فَلَا يَصِيرُ مُرَاجِعًا بِالْخَلْوَةِ وَلَا رَجْعَةَ لَهُ بَعْدَ الطَّلَاقِ الصَّرِيحِ بَعْدَ الْخَلْوَةِ وَأَمَّا فِي حَقِّ وُقُوعِ طَلَاقٍ آخَرَ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ وَالْأَقْرَبُ إلَى الصَّوَابِ الْوُقُوعُ؛ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ لَمَّا اخْتَلَفَتْ يَجِبُ الْقَوْلُ بِالْوُقُوعِ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَجَعَلَهَا فِي الْمُجْتَبَى كَالْوَطْءِ فِي حَقِّ التَّزْوِيجِ فَإِنَّهَا تُزَوَّجُ كَمَا تُزَوَّجُ الثَّيِّبُ وَهُوَ ضَعِيفٌ لِمَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّهَا تُزَوَّجُ بَعْدهَا كَالْأَبْكَارِ إذَا قَالَتْ لَمْ يَدْخُلْ بِي وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ إذَا خَلَّا بِهَا فِي النِّكَاحِ الْمَوْقُوفِ تَكُونُ إجَازَةً؛ لِأَنَّ الْخَلْوَةَ بِالْأَجْنَبِيَّةِ حَرَامٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ نَفْسُ الْخَلْوَةِ لَا تَكُونُ إجَازَةً اهـ. وَزَادَ فِي الْمُجْتَبَى فِي عَدَمِ كَوْنِهَا كَالْوَطْءِ فِي مَنْعِهَا نَفْسَهَا لِلْمَهْرِ وَلَا يَنْبَغِي إدْخَالُهُ هُنَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَطِئَهَا حَقِيقَةً فَلَهَا مَنْعُهُ بَعْدَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ نَعَمْ يَتَأَتَّى عَلَى قَوْلِهِمَا كَمَا لَا يَخْفَى وَفِي الْمُجْتَبَى الْمَوْتُ أُقِيمَ مُقَامَ الدُّخُولِ فِي حُكْمِ الْعِدَّةِ وَالْمَهْرِ وَفِيمَا سِوَاهُمَا كَالْعَدَمِ وَفِي شَرْحِ النَّاصِحِيِّ فَإِنْ مَاتَتْ الْأُمُّ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا فَابْنَتُهَا لَهُ حَلَالٌ اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ مَجْبُوبًا أَوْ عِنِّينًا أَوْ خَصِيًّا) أَيْ الْخَلْوَةُ بِلَا الْمَوَانِعِ الْمَذْكُورَةِ كَالْوَطْءِ وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ مَجْبُوبًا أَوْ نَحْوَهُ فَلَهَا كَمَالُ الْمَهْرِ بَعْدَ الطَّلَاقِ وَالْخَلْوَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا كَذَلِكَ فِي الْخَصِيِّ وَالْعِنِّينِ وَفِي الْمَجْبُوبِ عَلَيْهِ النِّصْفُ؛ لِأَنَّهُ أَعْجَزُ مِنْ الْمَرِيضِ بِخِلَافِ الْعِنِّينِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ أَدْبَرَ عَلَى سَلَامَةِ الْآلَةِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَلَيْهَا التَّسْلِيمُ فِي حَقِّ السُّحْقِ، وَقَدْ أَتَتْ بِهِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْخَلْوَةَ الصَّحِيحَةَ عِنْدَهُ هِيَ التَّمْكِينُ مِنْ الْوَطْءِ بِأَقْصَى مَا فِي وُسْعِهَا فَإِنْ قُلْتُ: يَلْزَمُ عَلَى هَذَا أَنْ تُوجِبَ الْخَلْوَةُ بِالرَّتْقَاءِ كَمَالَ الْمَهْرِ إذْ لَيْسَ هُنَا تَسْلِيمٌ غَيْرَهُ قُلْنَا إنَّ الرَّتَقَ قَدْ يَزُولُ فَكَانَ هَذَا التَّسْلِيمُ مُنْتَظَرًا غَيْرُهُ فَلَمْ يَجِبْ كَمَالُ الْمَهْرِ لِعَدَمِ التَّسْلِيمِ كَامِلًا كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَالْجَبُّ الْقَطْعُ وَمِنْهُ الْمَجْبُوبُ الْخَصِيُّ الَّذِي اُسْتُؤْصِلَ ذَكَرُهُ وَخُصْيَتَاهُ، وَقَدْ جُبَّ جَبًّا وَخَصَاهُ نَزَعَ خُصْيَتَيْهِ يَخْصِيهِ خِصَاءً عَلَى فِعَالٍ وَالْإِخْصَاءُ فِي مَعْنَاهُ خَطَأٌ، وَأَمَّا الْخَصْيُ عَلَى فَعْلٍ فَقِيَاسٌ وَإِنْ لَمْ نَسْمَعْهُ وَالْمَفْعُولُ خَصِيٌّ عَلَى فَعِيلٍ وَالْجَمْعُ خُصْيَانٌ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَفِي الْغَايَةِ الظَّاهِرُ أَنَّ قَطْعَ الْخُصْيَتَيْنِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الْمَجْبُوبِ، وَلِذَا اقْتَصَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ عَلَى قَطْعِ الذَّكَرِ. وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى صِحَّةِ خَلْوَةِ الْخُنْثَى بِالْأَوْلَى وَإِلَى أَنَّ نَسَبَ الْوَلَدِ يَثْبُتُ مِنْ الْمَجْبُوبِ وَهُوَ بِالْإِجْمَاعِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ، وَذَكَرَ التُّمُرْتَاشِيُّ إنْ عُلِمَ أَنَّهُ يُنْزِلُ يَثْبُتُ وَإِنْ عُلِمَ خِلَافُهُ فَلَا وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَالْأُولَى أَحْسَنُ وَعَلِمَ الْقَاضِي أَنَّهُ يُنْزِلُ أَوَّلًا رُبَّمَا يَتَعَذَّرُ أَوْ يَتَعَسَّرُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. (قَوْلُهُ وَتَجِبُ الْعِدَّةُ فِيهَا) أَيْ تَجِبُ الْعِدَّةُ عَلَى الْمُطَلَّقَةِ بَعْدَ الْخَلْوَةِ احْتِيَاطًا، وَإِنَّمَا أُفْرِدَ هَذَا الْحُكْمُ مَعَ أَنَّهُ مَعْلُومٌ وَمِنْ جَعْلِهَا كَالْوَطْءِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْحُكْمَ لَا يَخُصُّ الصَّحِيحَةَ بَلْ حُكْمُ الْخَلْوَةِ وَلَوْ فَاسِدَةً احْتِيَاطًا اسْتِحْسَانًا لِتَوَهُّمِ الشُّغْلِ وَالْعِدَّةُ حَقُّ الشَّرْعِ وَالْوَلَدِ لِأَجْلِ النَّسَبِ فَلَا تُصَدَّقُ فِي إبْطَالِ حَقِّ الْغَيْرِ بِخِلَافِ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ لَا يُحْتَاطُ فِي إيجَابِهِ، وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ أَنَّ الْمَانِعَ إنْ كَانَ شَرْعِيًّا تَجِبُ الْعِدَّةُ لِثُبُوتِ التَّمَكُّنِ حَقِيقَةً وَإِنْ كَانَ حَقِيقِيًّا كَالْمَرَضِ وَالصِّغَرِ لَا يَجِبُ لِانْعِدَامِ التَّمَكُّنِ حَقِيقَةً وَاخْتَارَهُ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوَاهُ لَكِنْ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إلَّا أَنَّ الْأَوْجَهَ عَلَى هَذَا أَنْ يَخْتَصَّ الصَّغِيرُ بِغَيْرِ الْقَادِرِ وَالْمَرَضِ بِالْمُدْنَفِ لِثُبُوتِ التَّمَكُّنِ حَقِيقَةً فِي غَيْرِهِمَا. اهـ. وَالْمَذْهَبُ وُجُوبُ الْعِدَّةِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ نَصُّ مُحَمَّدٍ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ قَضَاءً وَدِيَانَةً وَفِي الْمُجْتَبَى، وَذَكَرَ الْعَتَّابِيُّ تَكَلُّمَ مَشَايِخِنَا فِي الْعِدَّةِ الْوَاجِبَةِ بِالْخَلْوَةِ الصَّحِيحَةِ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ ظَاهِرًا أَمْ عَلَى الْحَقِيقَةِ، فَقِيلَ لَوْ تَزَوَّجَتْ وَهِيَ مُتَيَقِّنَةٌ بِعَدَمِ الدُّخُولِ حَلَّ لَهَا دِيَانَةً لَا قَضَاءً اهـ. وَفِي الْمُجْتَبَى وَالْخَلْوَةُ الصَّحِيحَةُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ لَا تُوجِبُ الْعِدَّةَ. (قَوْلُهُ وَتُسْتَحَبُّ الْمُتْعَةُ لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ إلَّا لِلْمُفَوِّضَةِ قَبْلَ الْوَطْءِ) وَهِيَ بِكَسْرِ الْوَاوِ مَنْ فَوَّضَتْ أَمْرَهَا إلَى وَلِيِّهَا وَزَوْجِهَا بِلَا مَهْرٍ وَبِفَتْحِهَا مَنْ فَوَّضَهَا وَلِيُّهَا إلَى الزَّوْجِ بِلَا مَهْرٍ فَإِنَّ الْمُتْعَةَ لَهَا وَاجِبَةٌ عَلَى زَوْجِهَا كَسَائِرِ دُيُونِهَا كَمَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فَالْمُرَادُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَأَمَّا فِي حَقِّ وُقُوعِ طَلَاقٍ آخَرَ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّهَا قَائِمَةٌ مَقَامَهُ عَلَى مَا هُوَ الْمُخْتَارُ مِنْ الْوُقُوعِ مَعَ أَنَّهُ مِنْ فُرُوعِ وُجُوبِ الْعِدَّةِ كَمَا فِي النَّهْرِ قَالَ: وَهَذَا مِمَّا غُفِلَ عَنْهُ فِي عَقْدِ الْفَوَائِدِ وَالْبَحْرِ. (قَوْلُهُ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ) أَقُولُ: تَمَامُ عِبَارَةِ الذَّخِيرَةِ ثُمَّ هَذَا الطَّلَاقُ يَكُونُ رَجْعِيًّا أَوْ بَائِنًا ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ يَكُونُ بَائِنًا. (قَوْلُهُ: وَأَشَارَ إلَى صِحَّةِ خَلْوَةِ الْخُنْثَى بِالْأَوْلَى) قَالَ فِي النَّهْرِ يَجِبُ أَنْ يُرَادَ بِهِ مَنْ ظَهَرَ حَالُهُ أَمَّا الْمُشْكِلُ فَنِكَاحُهُ مَوْقُوفٌ إلَى أَنْ يَتَبَيَّنَ حَالُهُ وَلِهَذَا لَا يُزَوِّجُهُ وَلِيُّهُ مَنْ يَخْتِنُهُ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ الْمَوْقُوفَ لَا يُفِيدُ إبَاحَةَ النَّظَرِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَأَفَادَ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّ يَتَبَيَّنُ بِالْبُلُوغِ فَإِنْ ظَهَرَتْ فِيهِ عَلَامَةُ الرِّجَالِ، وَقَدْ زَوَّجَهُ أَبُوهُ امْرَأَةً حُكِمَ بِصِحَّةِ نِكَاحِهِ مِنْ حِينِ عَقَدَ الْأَبُ فَإِنْ لَمْ يَصِلْ أُجِّلَ كَالْعِنِّينِ وَإِنْ تَزَوَّجَ رَجُلًا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 166 بِالْوَاجِبِ هُنَا اللَّازِمُ وَأُخْرِجَ الْوَاجِبُ عَنْ أَنْ يَكُونَ مُسْتَحَبًّا بِنَاءً عَلَى الِاصْطِلَاحِ وَشَمِلَ كَلَامُهُ مَنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، وَقَدْ سَمَّى لَهَا مَهْرًا فَإِنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ عَلَى مَا فِي الْمَبْسُوطِ وَالْمُحِيطِ وَالْمُخْتَصَرِ وَعَلَى رِوَايَةِ التَّأْوِيلَاتِ وَصَاحِبِ التَّيْسِيرِ وَصَاحِبِ الْكَشَّافِ وَصَاحِبِ الْمُخْتَلَفِ وَعَلَى مَا فِي بَعْضِ نُسَخِ الْقُدُورِيِّ لَا تَكُونُ مُسْتَحَبَّةً لَهَا حُكْمًا لِلطَّلَاقِ وَلَوْ كَانَتْ مُسْتَحَبَّةً كَانَ لِمَعْنًى آخَرَ كَمَا فِي قَوْلِهِ فِي عِيدِ الْفِطْرِ وَلَا يُكَبِّرُ فِي طَرِيقِ الْمُصَلَّى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْ حُكْمًا لِلْعِيدِ وَلَكِنْ لَوْ كَبَّرَ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ اللَّهَ تَعَالَى يَجُوزُ وَيُسْتَحَبُّ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ نَفْيِ الْمُسْتَحَبِّ هُنَا أَنْ لَا ثَوَابَ فِي فِعْلِهِ بَلْ فِيهِ ثَوَابٌ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ إحْسَانٌ وَبِرٌّ لَهَا، وَإِنَّمَا مَحَلُّ الِاخْتِلَافِ أَنَّ هَذَا الْمُسْتَحَبَّ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ الطَّلَاقِ أَوَّلًا، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْفُرْقَةَ إذَا كَانَتْ مِنْ قِبَلِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَإِنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ لَهَا الْمُتْعَةُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا جَانِيَةٌ. (قَوْلُهُ وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ فِي الشِّغَارِ) ؛ لِأَنَّهُ سَمَّى مَا لَا يَصِحُّ صَدَاقًا فَيَصِحُّ الْعَقْدُ وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ كَمَا إذَا سَمَّى خَمْرًا أَوْ خِنْزِيرًا وَالشِّغَارُ فِي اللُّغَةِ الْخُلُوُّ يُقَالُ شَغَرَ الْكَلْبُ إذَا رَفَعَ إحْدَى رِجْلَيْهِ لِيَبُولَ وَبَلْدَةٌ شَاغِرَةٌ إذَا كَانَتْ خَالِيَةً مِنْ السُّلْطَانِ، وَأَمَّا فِي الِاصْطِلَاحِ فَتَزْوِيجُهُ مُولِيَتَهُ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ الْآخَرُ مُولِيَتَهُ لِيَكُونَ أَحَدُ الْعَقْدَيْنِ عِوَضًا عَنْ الْآخَرِ سَوَاءٌ كَانَتْ الْمُولِيَةُ بِنْتًا أَوْ أُخْتًا أَوْ أَمَةً سُمِّيَ بِهِ لِخُلُوِّهِ عَنْ الْمَهْرِ، وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِأَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا صَدَاقًا عَنْ الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ بِأَنْ قَالَ زَوَّجْتُك بِنْتِي عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِي بِنْتَك وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ فَقَبِلَ الْآخَرُ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ شِغَارًا اصْطِلَاحًا وَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ وُجُوبَ مَهْرِ الْمِثْلِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا عَلَى أَنْ يَكُونَ بُضْعُ بِنْتِي صَدَاقًا لِبِنْتِك وَلَمْ يَقْبَلْ الْآخَرُ بَلْ زَوَّجَهُ بِنْتَه وَلَمْ يَجْعَلْهَا صَدَاقًا فَلَيْسَ بِشِغَارٍ وَإِنْ وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ حَتَّى كَانَ الْعَقْدُ صَحِيحًا اتِّفَاقًا، وَأَمَّا حَدِيثُ الْكُتُبِ السِّتَّةِ مَرْفُوعًا مِنْ «النَّهْيِ عَنْ نِكَاحِ الشِّغَارِ» فَقَدْ قُلْنَا بِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا نُهِيَ عَنْهُ لِخُلُوِّهِ عَنْ الْمَهْرِ، وَقَدْ أَوْجَبْنَا فِيهِ مَهْرَ الْمِثْلِ فَلَمْ يَبْقَ شِغَارًا قُيِّدَ بِالشِّغَارِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ زَوَّجَ ابْنَتَهُ مِنْ رَجُلٍ عَلَى مَهْرٍ مُسَمًّى عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ الْآخَرُ ابْنَتَهُ عَلَى مَهْرٍ مُسَمًّى فَإِنْ زَوَّجَهُ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا سُمِّيَ لَهَا مِنْ الْمَهْرِ وَإِنْ لَمْ يُزَوِّجْهُ الْآخَرُ كَانَ لِلْمُزَوَّجَةِ تَمَامُ مَهْرِ مِثْلِهَا؛ لِأَنَّ رِضَاهَا بِدُونِ مَهْرِ الْمِثْلِ بِاعْتِبَارِ مَنْفَعَةٍ مَشْرُوطَةٍ لِأَبِيهَا كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ. (قَوْلُهُ وَخِدْمَةِ زَوْجٍ حُرٍّ لِلْأَمْهَارِ) أَيْ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ إذَا تَزَوَّجَ حُرٌّ امْرَأَةً وَجَعَلَ خِدْمَتَهُ لَهَا سَنَةً مَثَلًا صَدَاقَهَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَهَا قِيمَةُ خِدْمَتِهِ سَنَةً؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى مَالٌ إلَّا أَنَّهُ عَجَزَ عَنْ التَّسْلِيمِ لِمَكَانِ الْمُنَاقَضَةِ فَصَارَ كَالْمُتَزَوِّجِ عَلَى عَبْدِ الْغَيْرِ وَلَهُمَا أَنَّ الْخِدْمَةَ لَيْسَتْ بِمَالٍ لِمَا فِيهِ مِنْ قَلْبِ الْمَوْضُوعِ إذْ لَا تُسْتَحَقُّ فِيهِ بِحَالٍ فَصَارَ كَتَسْمِيَةِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ تَقَوُّمَهُ بِالْعَقْدِ لِلضَّرُورَةِ فَإِذَا لَمْ يَجِبْ تَسْلِيمُهُ بِالْعَقْدِ لَمْ يَظْهَرْ تَقَوُّمُهُ فَيَبْقَى الْحُكْمُ عَلَى الْأَصْلِ وَهُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ أُطْلِقَ فِي الْخِدْمَةِ فَشَمِلَ رَعْيَ غَنَمِهَا وَزِرَاعَةَ أَرْضِهَا وَهِيَ رِوَايَةُ الْأَصْلِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ، وَذَكَرَ فِي الْمِعْرَاجِ أَنَّ الْأَصَحَّ رِوَايَةُ الْأَصْلِ وَهُوَ وُجُوبُ مَهْرِ الْمِثْلِ لَكِنْ يُشْكِلُ عَلَيْهِ أَنَّهُمْ لَمْ يَجْعَلُوا رَعْيَ الْغَنَمِ وَالزِّرَاعَةَ خِدْمَةً فِي مَسْأَلَةِ اسْتِئْجَارِ الِابْنِ أَبَاهُ، فَقَالُوا لَوْ اسْتَأْجَرَ أَبَاهُ لِلْخِدْمَةِ لَا يَجُوزُ وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِلرَّعْيِ وَالزِّرَاعَةِ يَصِحُّ فَمُقْتَضَاهُ تَرْجِيحُ الصِّحَّةِ فِي جَعْلِهِ صَدَاقًا وَكَوْنُ الْأَوْجَهِ الصِّحَّةَ لِقَصِّ اللَّهِ تَعَالَى قِصَّةَ شُعَيْبٍ وَمُوسَى مِنْ غَيْرِ بَيَانِ نَفْيِهِ فِي شَرْعِنَا إنَّمَا يَلْزَمُ لَوْ كَانَتْ الْغَنَمُ مِلْكَ الْبِنْتِ دُونَ شُعَيْبٍ وَهُوَ مُنْتَفٍ وَقُيِّدَ بِخِدْمَةِ   [منحة الخالق] تُبُيِّنَ بُطْلَانُهُ، وَهَذَا صَرِيحٌ فِي عَدَمِ صِحَّةِ خَلْوَتِهِ قَبْلَ ذَلِكَ وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ عَلِمْت أَنَّ مَا نَقَلَهُ فِي الْأَشْبَاهِ عَنْ الْأَصْلِ لَوْ زَوَّجَهُ أَبُوهُ رَجُلًا فَوَصَلَ إلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا عِلْمَ لِي بِذَلِكَ أَوْ امْرَأَةً فَبَلَغَ فَوَصَلَ إلَيْهَا جَازَ وَإِلَّا أُجِّلَ كَالْعِنِّينِ لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ. (قَوْلُهُ وَعَلَى رِوَايَةِ التَّأْوِيلَاتِ) هُوَ مَعَ مَا عُطِفَ عَلَيْهِ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ عَلَى مَا فِي الْمَبْسُوطِ وَقَوْلُهُ وَعَلَى مَا فِي بَعْضِ نُسَخِ الْقُدُورِيِّ إلَخْ كَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ. (قَوْلُهُ لِيَكُونَ أَحَدُ الْعَقْدَيْنِ عِوَضًا عَنْ الْآخَرِ) عِبَارَةُ النَّهْرِ أَيْ عَلَى أَنْ يَكُونَ بُضْعُ كُلٍّ صَدَاقًا عَنْ الْآخَرِ، وَهَذَا الْقَيْدُ لَا بُدَّ مِنْهُ فِي مُسَمَّى الشِّغَارِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ وَلَا مَعْنَاهُ بَلْ قَالَ زَوَّجْتُك بِنْتِي إلَخْ اهـ. وَهَذِهِ عِبَارَةُ الْفَتْحِ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ عِبَارَةُ الْهِدَايَةِ وَالْمُؤَدَّى وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَقْدِ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ وَهُوَ الْبُضْعُ كَمَا فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ نَعَمْ كَانَ الظَّاهِرُ كَمَا فِيهَا أَيْضًا أَنْ يَقُولَ لِيَكُونَ كُلٌّ مِنْ الْعَقْدَيْنِ عِوَضًا عَنْ الْآخَرِ وَقُبْلَةُ الزَّوْجِ كَمَا لَا يَخْفَى. (قَوْلُهُ وَلَهُمَا أَنَّ الْخِدْمَةَ لَيْسَتْ بِمَالِ) أَيْ خِدْمَةَ الزَّوْجِ الْحُرِّ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْمَنَافِعِ وَهِيَ أَعْرَاضٌ تَتَلَاشَى فَلَا تَتَقَوَّمُ وَتَقَوُّمُهَا فِي الْعَقْدِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ بِخِلَافِ خِدْمَةِ الْعَبْدِ فَإِنَّهَا ابْتِغَاءٌ بِالْمَالِ لِتَضَمُّنِ الْعَقْدِ تَسْلِيمَ رَقَبَتِهِ. (قَوْلُهُ إذْ لَا تُسْتَحَقُّ فِيهِ بِحَالٍ) جَعَلَهُ فِي الْهِدَايَةِ دَلِيلًا مُسْتَقِلًّا وَعَلَّلَهُ بِقَوْلِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ قَلْبِ الْمَوْضُوعِ فَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُؤَلِّفِ اتِّبَاعُهُ كَمَا لَا يَخْفَى. (قَوْلُهُ: فَقَالُوا لَوْ اسْتَأْجَرَ أَبَاهُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ، وَهَذَا شَاهِدٌ أَقْوَى وَمِنْ هُنَا قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي كَافِيهِ بَعْدَ ذِكْرِ رِوَايَةِ الْأَصْلِ الصَّوَابُ أَنْ يُسَلَّمَ لَهَا إجْمَاعًا. (قَوْلُهُ وَكَوْنُ الْأَوْجَهِ الصِّحَّةَ) جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ وَتَقْرِيرُهُ ظَاهِرٌ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 167 الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى خِدْمَةِ حُرٍّ آخَرَ فَالصَّحِيحُ صِحَّتُهُ وَتَرْجِعُ عَلَى الزَّوْجِ بِقِيمَةِ خِدْمَتِهِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَا يَخْدُمُهَا فَإِمَّا؛ لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ فَلَا يُؤْمَنُ الِانْكِشَافُ عَلَيْهَا مَعَ مُخَالَطَتِهِ لِلْخِدْمَةِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ إذَا كَانَ بِغَيْرِ أَمْرِ ذَلِكَ الْحُرِّ وَلَمْ يُجِزْهُ وَظَاهِرُ مَا فِي الْهِدَايَةِ أَنَّهُ إذَا وَقَعَ بِرِضَاهُ يَجِبُ عَلَيْهِ تَسْلِيمُ خِدْمَتِهِ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ عَلَى عَبْدِ الْغَيْرِ بِرِضَا مَوْلَاهُ حَيْثُ يَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى تَسْلِيمُهُ وَقُيِّدَ بِالْحُرِّ لِمَا سَيَأْتِي صَرِيحًا وَقُيِّدَ بِالْخِدْمَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى مَنَافِعِ سَائِرِ الْأَعْيَانِ مِنْ سُكْنَى دَارِهِ وَخِدْمَةِ عَبْدِهِ وَرُكُوبِ دَابَّتِهِ وَالْحَمْلِ عَلَيْهَا وَزِرَاعَةِ أَرْضِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ مَنَافِعِ الْأَعْيَانِ مُدَّةً مَعْلُومَةً صَحَّتْ التَّسْمِيَةُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَنَافِعَ أَمْوَالٌ أَوْ أُلْحِقَتْ بِالْأَمْوَالِ شَرْعًا فِي سَائِرِ الْعُقُودِ لِمَكَانِ الْحَاجَةِ وَالْحَاجَةُ فِي النِّكَاحِ مُتَحَقِّقَةٌ وَإِمْكَانُ الدَّفْعِ بِالتَّسْلِيمِ ثَابِتٌ بِتَسْلِيمِ مَحَالِّهَا إذْ لَيْسَ فِيهِ اسْتِخْدَامُ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا فَجُعِلَتْ أَمْوَالًا وَأُلْحِقَتْ بِالْأَعْيَانِ فَصَحَّتْ تَسْمِيَتُهَا، كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَالْمُرَادُ بِزِرَاعَةِ أَرْضِهِ أَنْ تَزْرَعَ أَرْضَهُ بِبَذْرِهَا وَلَيْسَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الْخَارِجِ، وَأَمَّا إذَا شُرِطَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الْخَارِجِ فَإِنَّ التَّسْمِيَةَ تَفْسُدُ قَالَ فِي الْمَجْمَعِ مِنْ كِتَابِ الْمُزَارَعَةِ وَلَوْ تَزَوَّجَ عَلَى أَنْ تَزْرَعَ هِيَ أَرْضَهُ بِالنِّصْفِ بِبَذْرِهَا صَحَّ وَفَسَدَتْ فَيَجْعَلَ مَهْرَهَا نِصْفَ أَجْرِ مِثْلِ الْأَرْضِ وَرُبْعَهُ إنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَأُوجِبَ مَهْرُ الْمِثْلِ لَا يُزَادُ عَلَى أَجْرِ مِثْلِ الْأَرْضِ وَالْمُتْعَةِ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَهُ وَإِنْ كَانَ هُوَ الْعَامِلَ فِي أَرْضِهَا بِبَذْرِهَا يُجْعَلُ مَهْرُهَا نِصْفَ أَجْرِ مِثْلِ عَمَلِهِ لَا مَهْرَ الْمِثْلِ أَوْ عَلَى أَنْ تَزْرَعَ هِيَ بِبَذْرِهِ أَوْ هُوَ أَرْضَهَا بِبَذْرِهِ وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ اهـ. وَقَدْ وَقَعَ فِي شَرْحِهِ هُنَا لِابْنِ الْمَلَكِ خَلَلٌ فِي التَّوْجِيهِ فَاجْتَنِبْهُ وَفِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى جَارِيَةٍ عَلَى أَنَّ لَهُ خِدْمَتَهَا مَا عَاشَ أَوْ مَا فِي بَطْنِهَا لَهُ كَانَتْ الْجَارِيَةُ وَخِدْمَتُهَا وَمَا فِي بَطْنِهَا لِلْمَرْأَةِ إنْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا مِثْلَ قِيمَةِ الْخَادِمِ أَوْ أَكْثَرَ وَإِنْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا أَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ الْخَادِمِ كَانَ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ إلَّا أَنْ يُسَلِّمَ الزَّوْجُ الْخَادِمَ إلَيْهَا بِاخْتِيَارِهِ. (قَوْلُهُ وَتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ) أَيْ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ إذَا جُعِلَ الصَّدَاقُ تَعْلِيمَ الْقُرْآنِ؛ لِأَنَّ الْمَشْرُوعَ إنَّمَا هُوَ الِابْتِغَاءُ بِالْمَالِ وَالتَّعْلِيمُ لَيْسَ بِمَالٍ، وَكَذَا الْمَنَافِعُ عَلَى أَصْلِنَا وَلِأَنَّ التَّعْلِيمَ عِبَادَةٌ فَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ صَدَاقًا وَلِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمَفْرُوضُ مِمَّا لَهُ نِصْفٌ حَتَّى يُمْكِنَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِهِ إذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بَعْدَ الْقَبْضِ وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ فِي التَّعْلِيمِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «زَوَّجْتُكهَا بِمَا مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ» فَلَيْسَتْ الْبَاءُ مُتَعَيِّنَةً لِلْعِوَضِ لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ لِلسَّبَبِيَّةِ أَوْ لِلتَّعْلِيلِ أَيْ لِأَجْلِ أَنَّك مِنْ أَهْلِ الْقُرْآنِ أَوْ الْمُرَادُ بِبَرَكَةِ مَا مَعَك مِنْهُ فَلَا يَصْلُحُ دَلِيلًا وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِ الْإِجَارَاتِ أَنَّ الْفَتْوَى الْيَوْمَ عَلَى جَوَازِ الِاسْتِئْجَارِ لِتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَالْفِقْهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ تَسْمِيَتُهُ مَهْرًا؛ لِأَنَّ مَا جَازَ أَخْذُ الْأَجْرِ فِي مُقَابَلَتِهِ مِنْ الْمَنَافِعِ جَازَ تَسْمِيَتُهُ صَدَاقًا كَمَا قَدَّمْنَا نَقْلَهُ عَنْ الْبَدَائِعِ وَلِهَذَا ذُكِرَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ هُنَا أَنَّهُ لَمَّا جَوَّزَ الشَّافِعِيُّ أَخْذَ الْأَجْرِ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ صُحِّحَ تَسْمِيَتُهُ صَدَاقًا فَكَذَا نَقُولُ يَلْزَمُ الْمُفْتِيَ بِهِ صِحَّةُ تَسْمِيَتِهِ صَدَاقًا وَلَمْ أَرَ أَحَدًا تَعَرَّضَ لَهُ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ. وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَ أَمَةً وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا فَإِنَّ التَّسْمِيَةَ لَا تَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَيْسَ بِمَالٍ فَإِنْ تَزَوَّجَتْهُ فَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ وَإِنْ أَبَتْ لَا تُجْبَرُ وَعَلَيْهَا قِيمَتُهَا لِلْمَوْلَى، وَكَذَا أُمُّ الْوَلَدِ لَكِنْ لَا قِيمَةَ عَلَيْهَا لَهُ عِنْدَ إبَائِهَا وَلَوْ قَالَتْ لِعَبْدِهَا أَعْتَقْتُك عَلَى أَنْ تَتَزَوَّجَنِي بِأَلْفٍ فَقَبِلَ عَتَقَ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ لَهَا إنْ أَبَى أَنْ يَتَزَوَّجَهَا وَإِلَّا قُسِمَ الْأَلْفُ عَلَى قِيمَةِ نَفْسِهِ وَعَلَى مَهْرِ مِثْلِهَا فَمَا أَصَابَ الرَّقَبَةَ فَهُوَ قِيمَتُهُ وَمَا أَصَابَ الْمَهْرَ فَهُوَ مَهْرُهَا يَتَنَصَّفُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ. وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ يَحُجَّ بِهَا وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ لَكِنْ فُرِّقَ فِي الْخَانِيَّةِ بَيْنَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ يَحُجَّ بِهَا وَبَيْنَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا عَلَى حَجَّةٍ فَأُوجِبَ فِي الْأَوَّلِ مَهْرُ الْمِثْلِ وَفِي الثَّانِي قِيمَةُ حَجَّةٍ وَسَطٍ. (قَوْلُهُ وَلَهَا خِدْمَتُهُ لَوْ عَبْدًا) يَعْنِي لَوْ تَزَوَّجَ عَبْدٌ حُرَّةً عَلَى خِدْمَتِهِ لَهَا سَنَةً   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ فَكَذَا نَقُولُ إلَخْ) أَقَرَّهُ فِي النَّهْرِ وَقَالَ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَلْزَمُ تَعْلِيمُ كُلِّهِ إلَّا إذَا قَامَتْ قَرِينَةٌ عَلَى إرَادَةِ الْبَعْضِ وَالْحِفْظُ لَيْسَ مِنْ مَفْهُومِهِ كَمَا لَا يَخْفَى اهـ. قَالَ فِي الشرنبلالية قُلْتُ: لَكِنَّهُ يُعَارِضُهُ أَنَّهُ خِدْمَةٌ لَهَا وَلَيْسَتْ مِنْ مُشْتَرَكِ مَصَالِحِهَا فَلَا يَصِحُّ تَسْمِيَةُ التَّعْلِيمِ اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ لَيْسَ كُلُّ اسْتِئْجَارٍ اسْتِخْدَامًا مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا نَقَلَهُ الْمُؤَلِّفُ آنِفًا مِنْ أَنَّهُمْ لَمْ يَجْعَلُوا رَعْيَ الْغَنَمِ وَالزِّرَاعَةَ خِدْمَةً فِي مَسْأَلَةِ اسْتِئْجَارِ الِابْنِ أَبَاهُ، فَتَعْلِيمُ الْقُرْآنِ بِالْأَوْلَى كَمَا لَا يَخْفَى ثُمَّ رَأَيْت بَعْضَ الْمُحْتَسِبِينَ ذَكَرَ نَحْوَ مَا ذَكَرْته وَعَزَاهُ إلَى الشَّيْخِ عَبْدِ الْحَيِّ تِلْمِيذِ الشُّرُنْبُلَالِيُّ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 168 بِإِذْنِ مَوْلَاهُ صَحَّتْ التَّسْمِيَةُ وَيَخْدُمُهَا سَنَةً؛ لِأَنَّهُ لَمَّا خَدَمَهَا بِإِذْنِ الْمَوْلَى صَارَ كَأَنَّهُ يَخْدُمُ مَوْلَاهُ حَقِيقَةً وَلِأَنَّ خِدْمَةَ الْعَبْدِ لِزَوْجَتِهِ لَيْسَتْ بِحَرَامٍ إذْ لَيْسَ لَهُ شَرَفُ الْحُرِّيَّةِ وَلِهَذَا سُلِبَتْ عَنْهُ عَامَّةُ الْكَرَامَاتِ الثَّابِتَةِ لِلْأَحْرَارِ فَكَذَا هَذَا كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَصَرَّحَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوَاهُ بِأَنَّ اسْتِخْدَامَ الزَّوْجِ لَا يَجُوزُ لِمَا فِيهِ مِنْ الِاسْتِهَانَةِ وَصَرَّحَ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِأَنَّ خِدْمَةَ الزَّوْجِ لَهَا حَرَامٌ؛ لِأَنَّهَا تُوجِبُ الْإِهَانَةَ اهـ. وَفِي الْبَدَائِعِ إنَّ اسْتِخْدَامَ الْحُرَّةِ زَوْجَهَا الْحُرَّ حَرَامٌ لِكَوْنِهِ اسْتِهَانَةً وَإِذْلَالًا اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهَا الِاسْتِخْدَامُ وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ الْخِدْمَةُ لَهَا وَظَاهِرُ الْمُخْتَصَرِ أَنَّ الْمَرْأَةَ حُرَّةٌ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْخِدْمَةَ لَهَا، وَأَمَّا لَوْ تَزَوَّجَ عَبْدٌ أَمَةً عَلَى خِدْمَتِهِ سَنَةً لِمَوْلَاهَا فَإِنَّهُ صَحِيحٌ بِالْأَوْلَى وَيَخْدُمُ الْمَوْلَى وَيَنْبَغِي أَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ يَخْدُمَهَا أَنْ لَا تَصِحَّ التَّسْمِيَةُ أَصْلًا وَلَمْ أَرَهُمَا صَرِيحًا. (قَوْلُهُ وَلَوْ قَبَضَتْ أَلْفَ الْمَهْرِ وَوَهَبَتْهُ لَهُ فَطَلَّقَهَا قَبْلَ الْوَطْءِ رَجَعَ عَلَيْهَا بِالنِّصْفِ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ بِالْهِبَةِ عَيْنُ مَا يَسْتَوْجِبُهُ؛ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ لَا يَتَعَيَّنَانِ فِي الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ، وَلِذَا لَوْ سَمَّى لَهَا دَرَاهِمَ، وَأَشَارَ إلَيْهَا لَهُ أَنْ يَحْبِسَهَا وَيَدْفَعَ مِثْلَهَا جِنْسًا وَنَوْعًا، وَقَدْرًا وَصِفَةً كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَلَا يَلْزَمُهَا رَدُّ عَيْنِ مَا أَخَذَتْ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَلِذَا قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوِيهِ مِنْ بَابِ الزَّكَاةِ وَلَوْ تَزَوَّجَ رَجُلٌ امْرَأَةً عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ وَقَبَضَتْ وَحَال الْحَوْلُ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا زَكَّتْ الْأَلْفَ كُلَّهَا؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ فِي ذِمَّتِهَا مِثْلُ نَفْسِ الْمَقْبُوضِ لَا عَيْنِ الْمَقْبُوضِ وَالدَّيْنُ بَعْدَ الْحَوْلِ لَا يُسْقِطُ الْوَاجِبَ وَلَوْ كَانَتْ سَائِمَةٌ غَيْرَ الْأَثْمَانِ زَكَّتْ نِصْفَهَا؛ لِأَنَّهُ اُسْتُحِقَّ نِصْفُهَا مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارِهَا فَصَارَ كَالْهَلَاكِ وَلَا يُزَكِّي الزَّوْجُ شَيْئًا؛ لِأَنَّ مِلْكَ الزَّوْجِ الْآنَ عَادَ فِي النِّصْفِ اهـ. وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ حُكْمَ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ إذَا لَمْ يَكُنْ مُعَيَّنًا حُكْمُ النَّقْدِ لِعَدَمِ التَّعْيِينِ، وَأَمَّا الْمُعَيَّنُ مِنْهُ فَكَالْعَرْضِ وَفِي الْبَدَائِعِ وَإِنْ كَانَ تِبْرًا أَوْ نُقْرَةً ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً فَهُوَ كَالْعَرْضِ فِي رِوَايَةٍ فَيُجْبَرُ عَلَى تَسْلِيمِ الْعَيْنِ وَفِي رِوَايَةٍ كَالْمَضْرُوبِ فَلَا يُجْبَرُ. (قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ تَقْبِضْ الْأَلْفَ أَوْ قَبَضَتْ النِّصْفَ وَوَهَبَتْ الْأَلْفَ أَوْ وَهَبَتْ الْعَرْضَ الْمَهْرَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ فَطَلُقَتْ قَبْلَ الْوَطْءِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ) بَيَانٌ لِمَفْهُومِ الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَهِيَ ثَلَاثُ مَسَائِلَ الْأُولَى إذَا لَمْ تَقْبِضْ شَيْئًا مِنْ الْمَهْرِ ثُمَّ وَهَبَتْهُ كُلَّهُ لَهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَإِنَّهُ لَا رُجُوعَ لَهُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ وَفِي الْقِيَاسِ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِنِصْفِ الصَّدَاقِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ؛ لِأَنَّهُ سُلِّمَ لَهُ بِالْإِبْرَاءِ فَلَا تَبْرَأُ عَمَّا يَسْتَحِقُّهُ بِالطَّلَاقِ، وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ وَصَلَ إلَيْهِ عَيْنُ مَا يَسْتَحِقُّهُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَهُوَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ عَنْ نِصْفِ الْمَهْرِ وَلَا يُبَالَى بِاخْتِلَافِ السَّبَبِ عِنْدَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ وَلَهُ نَظَائِرُ مِنْهَا مَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ الْغَاصِبُ إذَا وَهَبَ الْمَغْصُوبَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ وَمِثْلُهُ مَا إذَا قَالَ إنَّك غَصَبْت مِنِّي أَلْفَ دِرْهَمٍ، فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَلْ اسْتَقْرَضْتهَا اهـ. وَتَمَامُهُ فِي التَّلْخِيصِ وَمِنْهَا مَا إذَا بَاعَ بَيْعًا فَاسِدًا وَقَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ ثُمَّ وَهَبَهُ لِلْبَائِعٍ لَا يَضْمَنُ قِيمَتَهُ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِخِلَافِ مَا لَوْ وَصَلَ الْمَبِيعُ إلَيْهِ مِنْ جِهَةِ غَيْرِ الْمُشْتَرِي حَيْثُ لَا يَبْرَأُ مِنْ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ مِنْ الْجِهَةِ الْمُسْتَحِقَّةِ وَمِنْهَا مَا إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً بِعَبْدٍ ثُمَّ وَهَبَ الْجَارِيَةَ مِنْ مُشْتَرِي الْعَبْدِ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ الْعَبْدُ مِنْ يَدِهِ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي لِلْجَارِيَةِ بِقِيمَتِهَا اسْتِحْسَانًا وَمِنْهَا مَرِيضٌ وَهَبَ جَارِيَةً مِنْ إنْسَانٍ لَا مَالَ لَهُ غَيْرُهَا وَسَلَّمَ الْجَارِيَةَ إلَيْهِ ثُمَّ وَهَبَ الْمَوْهُوبُ لَهُ الْجَارِيَةَ مِنْ الْمَرِيضِ ثُمَّ مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ الْمَوْهُوبُ لَهُ قِيمَةَ ثُلُثَيْ الْجَارِيَةِ لِلْوَرَثَةِ اسْتِحْسَانًا بِخِلَافِ مَا لَوْ وَهَبَ الْمَرِيضُ لِأَحَدِ بَنِيهِ عَبْدًا ثُمَّ وَهَبَهُ الْأَخُ لِأَخِيهِ ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى أَخِيهِ الْوَاهِبِ بِنِصْفِ قِيمَةِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ مَا وَصَلَ إلَيْهِ مِنْ جِهَةِ أَبِيهِ وَمِنْهَا الْمُرْتَهِنُ إذَا أَبْرَأَ الرَّاهِنَ عَنْ الدَّيْنِ ثُمَّ هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ لَا يَضْمَنُ وَمِنْهَا الْمُسَلَّمُ إلَيْهِ إذَا وَهَبَ رَأْسَ الْمَالِ وَهُوَ عَرْضٌ مِنْ رَبِّ السَّلَمِ ثُمَّ تَقَايَلَا السَّلَمَ لَا يَغْرَمُ الْمُسَلَّمُ إلَيْهِ شَيْئًا اسْتِحْسَانًا وَيَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ قِيَاسًا وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 169 كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَيَرِدُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ أَعْنِي أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ لِاخْتِلَافِ السَّبَبِ إذَا حَصَلَ الْمَقْصُودُ مَا ذَكَرَهُ فِي التَّبْيِينِ مِنْ بَابِ التَّحَالُفِ لَوْ قَالَ بِعْتنِي هَذِهِ الْجَارِيَةَ فَأَنْكَرَ، فَقَالَ مَا بِعْتُكهَا، وَإِنَّمَا زَوَّجْتُكهَا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا لِاخْتِلَافِ الْحُكْمِ فَإِنَّ حُكْمَ مِلْكِ الْيَمِينِ خِلَافُ حُكْمِ الزَّوْجِيَّةِ اهـ. إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُمَا مُخْتَلِفٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ دَاخِلًا تَحْتَ الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ مَا إذَا أَقَرَّ لَهُ بِأَلْفٍ مِنْ ثَمَنِ مَتَاعٍ، فَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ هِيَ غَصْبٌ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ مِنْ بَابِ التَّحَالُفِ أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ لِاتِّحَادِ الْحُكْمِ وَفِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ مِنْ بَابِ الْإِقْرَارِ بِمَا يَكُونُ قِصَاصًا قَالَ أَوْدَعْتنِي هَذِهِ الْأَلْفَ، فَقَالَ بَلْ لِي أَلْفٌ قَرْضٌ فَقَدْ رُدَّ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ غَيْرُ الدَّيْنِ إلَّا أَنْ يَتَصَادَقَا؛ لِأَنَّ الْمُقِرَّ كَالْمُبْتَدِئِ وَلَوْ قَالَ أَقْرَضْتُكهَا أَخَذَ الْأَلْفَ؛ لِأَنَّ التَّكَاذُبَ فِي الزَّوَالِ وَلَوْ قَالَ غَصَبْتُك أَخَذَ أَلْفًا؛ لِأَنَّ مُوجِبَهُ الضَّمَانُ فَاتَّفَقَا عَلَى الدَّيْنِ وَاخْتَلَفَا فِي الْجِهَةِ فَلَغَتْ، وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ بِالْقَرْضِ وَهُوَ ادَّعَى الثَّمَنَ اهـ. وَفِي الْمِعْرَاجِ فَإِنْ قِيلَ يَلْزَمُ عَلَى هَذَا مَا إذَا اشْتَرَى عَبْدًا بِأَلْفٍ ثُمَّ حَطَّ الْبَائِعُ عُشْرَ الثَّمَنِ ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا بِنَقْصِ عُشْرِ الثَّمَنِ حَيْثُ يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ وَإِنْ حَصَلَ لَهُ هَذَا بِالْحَطِّ قُلْنَا مُوجِبُ الْعَيْبِ سُقُوطُ بَعْضِ الثَّمَنِ، وَهَذَا لَا يَحْصُلُ لَهُ بِالْحَطِّ؛ لِأَنَّ الْمَحْطُوطَ خَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ ثَمَنًا اهـ. الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: مَا إذَا قَبَضَتْ النِّصْفَ ثُمَّ وَهَبَتْ الْكُلَّ الْمَقْبُوضَ وَغَيْرَهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِشَيْءٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِنِصْفِ مَا قَبَضَتْ اعْتِبَارًا لِلْبَعْضِ بِالْكُلِّ؛ لِأَنَّ الْحَطَّ يَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ وَلَهُ أَنَّ مَقْصُودَهُ سَلَامَةُ النِّصْفِ بِالطَّلَاقِ، وَقَدْ حَصَلَ وَالْحَطُّ لَا يَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ فِي النِّكَاحِ كَالزِّيَادَةِ، وَلِذَا لَا تَتَنَصَّفُ الزِّيَادَةُ مَعَ الْأَصْلِ اتِّفَاقًا هَكَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ وَالتَّبْيِينِ وَكَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ وَاسْتَشْكَلَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّ الْتِحَاقَ الزِّيَادَةِ بِأَصْلِ الْعَقْدِ هُوَ الدَّافِعُ لِقَوْلِ الْمَانِعِينَ لَهَا لَوْ صَحَّتْ كَانَ مِلْكُهُ عِوَضًا عَنْ مِلْكِهِ فَإِذَا لَمْ تَلْتَحِقْ بَقِيَ إبْطَالُهُمْ بِلَا جَوَابٍ فَالْحَقُّ أَنَّهَا تَلْتَحِقُ كَمَا يُعْطِيهِ كَلَامُ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الْمَشَايِخِ، وَإِنَّمَا لَا تَتَنَصَّفُ؛ لِأَنَّ الِانْتِصَافَ خَاصٌّ بِالْمَفْرُوضِ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ حَقِيقَةً كَمَا قَدَّمْنَاهُ اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ تَنَاقَضَ كَلَامُهُمْ فَصَرَّحُوا هُنَا بِعَدَمِ الِالْتِحَاقِ وَفِي مَسْأَلَةِ زِيَادَةِ الْمَهْرِ بِالِالْتِحَاقِ فَرَجَّحَ الْمُحَقِّقُ مَا صَرَّحُوا بِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ وَأَبْطَلَ كَلَامَهُمْ هُنَا وَالْحَقُّ أَنَّ كَلَامَهُمْ فِي الْمَوْضِعَيْنِ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُمْ هُنَاكَ بِالِالْتِحَاقِ إنَّمَا هُوَ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ لِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّهَا لَوْ حَطَّتْ مِنْ الْمَهْرِ حَتَّى صَارَ الْبَاقِي أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ وَلَوْ الْتَحَقَ الْحَطُّ بِأَصْلِ الْعَقْدِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لَلَزِمَ تَكْمِيلُهَا وَلَوَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ لَوْ حَطَّتْ الْكُلَّ كَأَنَّهُ لَمْ يُسَمِّ شَيْئًا وَقَوْلُهُمْ هُنَا بِعَدَمِهِ إنَّمَا هُوَ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ عَمَلًا فِي كُلِّ مَوْضِعٍ بِمَا يُنَاسِبُهُ فَرُوعِيَ جَانِبُ الِالْتِحَاقِ لِتَصْحِيحِ الزِّيَادَةِ حَتَّى لَا يَكُونَ مِلْكُهُ عِوَضًا عَنْ مِلْكِهِ لِلنَّصِّ الْمُفِيدِ لِصِحَّتِهَا كَمَا أَسْلَفْنَاهُ وَرُوعِيَ جَانِبُ عَدَمِهِ هُنَا؛ لِأَنَّهُ لَا دَاعِيَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ سَلَامَةُ النِّصْفِ لِلزَّوْجِ، وَقَدْ حَصَلَ فَلَا ضَرُورَةَ إلَى الْقَوْلِ بِالِالْتِحَاقِ الَّذِي هُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّهُ مُغَيِّرٌ لِلْعَقْدِ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ. وَقَوْلُهُ وَوَهَبَتْ الْأَلْفَ عَائِدٌ إلَى الْمَسْأَلَتَيْنِ مَعَ أَنَّ هِبَةَ الْأَلْفِ لَيْسَ بِقَيْدٍ فِي الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ وَهَبَتْ النِّصْفَ الَّذِي فِي ذِمَّتِهِ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ مِنْ أَنَّهُ لَا رُجُوعَ لَهُ عَلَيْهَا عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا وَقُيِّدَ بِقَبْضِ النِّصْفِ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا إذَا قَبَضَتْ أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ وَوَهَبَتْ الْبَاقِيَ فَإِنَّهَا تَرُدُّ عَلَيْهِ مَا زَادَ عَلَى النِّصْفِ عِنْدَهُ كَمَا لَوْ قَبَضَتْ سِتَّمِائَةٍ وَوَهَبَتْ أَرْبَعَمِائَةٍ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِمِائَةٍ وَعِنْدَهُمَا يَرْجِعُ بِنِصْفِ الْمَقْبُوضِ فَتَرُدُّ ثَلَثَمِائَةٍ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَلَوْ وَهَبَتْهُ مِائَتَيْنِ رَجَعَ بِثَلَاثِ مِائَةٍ تَتْمِيمًا لِلنِّصْفِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ، وَأَمَّا إذَا قَبَضَتْ أَقَلَّ مِنْ النِّصْفِ وَوَهَبَتْ الْبَاقِيَ فَهُوَ مَعْلُومٌ بِالْأَوْلَى فَعُلِمَ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالنِّصْفِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْأَكْثَرِ لَا عَنْ الْأَقَلِّ وَحُكْمُ الْمِثْلِيِّ الْغَيْرِ الْمُعَيَّنِ حُكْمُ النَّقْدِ هُنَا أَيْضًا.   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ هُوَ الدَّافِعُ لِقَوْلِ الْمَانِعِينَ لَهَا) يَعْنِي أَنَّ قَوْلَهُ كَالزِّيَادَةِ يُفِيدُ أَنَّهَا لَا تَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ مَعَ أَنَّهُ قَدْ مَرَّ فِي الْجَوَابِ عَنْ قَوْلِ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ أَنَّ الزِّيَادَةَ بَعْدَ الْعَقْدِ لَا تَصِحُّ إذْ لَوْ صَحَّتْ لَزِمَ كَوْنُ الشَّيْءِ عِوَضًا عَنْ مِلْكِهِ أَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُ ذَلِكَ لَوْ قُلْنَا بِعَدَمِ الِالْتِحَاقِ وَنَحْنُ نَقُول بِالْتِحَاقِهَا بِأَصْلِ الْعَقْدِ وَحِينَئِذٍ فَقَدْ تَنَاقَضَ كَلَامُهُمْ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَعَلَى مَا هُنَا بَقِيَ قَوْلُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ إذْ لَوْ صَحَّتْ إلَخْ بِلَا جَوَابٍ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 170 الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ لَوْ كَانَ الْمَهْرُ عَرْضًا فَوَهَبَتْهُ لَهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَهُ فَإِنَّهُ لَا رُجُوعَ لَهُ بِشَيْءٍ عَلَيْهَا سَوَاءٌ كَانَتْ الْهِبَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ وَصَلَ إلَيْهِ عَيْنُ حَقِّهِ لِتَعَيُّنِهِ فِي الْفَسْخِ كَتَعَيُّنِهِ فِي الْعَقْدِ وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَفْعُ شَيْءٍ آخَرَ، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ الْعَرْضَ الْمَهْرَ إلَى أَنَّهُ لَمْ يَتَعَيَّبْ؛ لِأَنَّهَا لَوْ وَهَبَتْهُ لَهُ بَعْدَ مَا تَعَيَّبَ بِعَيْبٍ فَاحِشٍ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَهُ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِنِصْفِ قِيمَةِ الْعَرْضِ يَوْمَ قَبَضَتْ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَيَّبَ فَاحِشًا صَارَ كَأَنَّهَا وَهَبَتْهُ عَيْنًا أُخْرَى غَيْرَ الْمَهْرِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْعَيْبَ الْيَسِيرَ كَالْعَدَمِ لِمَا سَيَأْتِي أَنَّ الْعَيْبَ الْيَسِيرَ فِي الْمَهْرِ مُتَحَمِّلٌ وَأُطْلِقَ فِي الْعَرْضِ فَشَمِلَ الْمُعَيَّنَ وَمَا فِي الذِّمَّةِ بِخِلَافِ الْمِثْلِيَّاتِ فَإِنَّ مَا فِي الذِّمَّةِ مِنْهَا لَيْسَ حُكْمُهُ كَالْعَرْضِ وَالْمُعَيَّنُ مِنْهَا كَالْعَرْضِ وَهُوَ مِنْ خُصُوصِ النِّكَاحِ فَإِنَّ الْعَرْضَ فِيهِ يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ فِيهِ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ فَيَجْرِي فِيهِ التَّسَامُحُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَتَمْثِيلُهُمْ هُنَا لَهُ بِالْحَيَوَانِ الْمُرَادُ بِهِ هُنَا الْفَرَسُ وَالْحِمَارُ وَنَحْوُهُمَا لَا مُطْلَقُ الْحَيَوَانِ فَإِنَّ التَّسْمِيَةَ تَفْسُدُ كَمَا سَيَأْتِي وَقُيِّدَ بِالْهِبَةِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ بَاعَتْ عَرْضَ الصَّدَاقِ مِنْ الزَّوْجِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَهُ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِالنِّصْفِ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَلَمْ يُبَيِّنْ أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِنِصْفِ قِيمَتِهِ أَوْ بِنِصْفِ الثَّمَنِ الْمَدْفُوعِ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ وَقُيِّدَ بِهِبَةِ الْمَرْأَةِ لِلزَّوْجِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ وَهَبَتْ الْعَرْضَ لِأَجْنَبِيٍّ بَعْدَ قَبْضِهِ ثُمَّ وَهَبَهُ الْأَجْنَبِيُّ مِنْ الزَّوْجِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا رَجَعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِ الصَّدَاقِ الْعَيْنِ وَالدَّيْنُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ النِّصْفُ مِنْ جِهَتِهَا كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَقُيِّدَ بِهِبَةِ جَمِيعِ الْعَرْضِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ وَهَبَتْ لَهُ أَقَلَّ مِنْ النِّصْفِ وَقَبَضَتْ الْبَاقِيَ فَإِنَّهَا تَرُدُّ مَا زَادَ عَلَى النِّصْفِ وَلَوْ وَهَبَتْ لَهُ أَكْثَرَهُ أَوْ النِّصْفَ فَلَا رُجُوعَ لَهُ وَمِمَّا يُنَاسِبُ مَسْأَلَةَ هِبَةِ الْمَرْأَةِ الْعَرْضَ الْمَهْرَ مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ وَهَبَتْ الْمَرْأَةُ الْعَيْنَ الْمَمْهُورَةَ لِلزَّوْجِ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ فَإِنَّهَا تَرْجِعُ عَلَيْهِ بِقِيمَتِهَا. اهـ. ؛ لِأَنَّهُ بِالِاسْتِحْقَاقِ بَطَلَتْ الْهِبَةُ، وَقَدْ تَزَوَّجَهَا عَلَى عَيْنٍ مَمْلُوكَةٍ لِغَيْرِهِ، وَقَدْ ظَهَرَ لِي هُنَا أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ أَعْنِي مَا إذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بَعْدَمَا وَهَبَتْهُ عَلَى سِتِّينَ وَجْهًا؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ إمَّا ذَهَبٌ أَوْ فِضَّةٌ أَوْ مِثْلِيٌّ غَيْرُهُمَا أَوْ قِيَمِيٌّ فَالْأَوَّلُ عَلَى عِشْرِينَ وَجْهًا؛ لِأَنَّ الْمَوْهُوبَ إمَّا الْكُلُّ أَوْ النِّصْفُ وَكُلٌّ مِنْهُمَا إمَّا أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَ قَبْضِ النِّصْفِ أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ فَهِيَ عَشَرَةٌ وَكُلُّ مِنْهَا إمَّا أَنْ يَكُونَ مَضْرُوبًا أَوْ تِبْرًا فَهِيَ عِشْرُونَ وَالْعَشَرَةُ الْأُولَى فِي الْمِثْلِيِّ وَكُلٌّ مِنْهَا إمَّا أَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا أَوْ لَا، وَكَذَا فِي الْقِيَمِيِّ وَالْأَحْكَامُ مَذْكُورَةٌ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَلَوْ نَكَحَهَا بِأَلْفٍ عَلَى أَنْ لَا يُخْرِجَهَا أَوْ عَلَى أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا أَوْ عَلَى أَلْفٍ إنْ أَقَامَ بِهَا وَعَلَى أَلْفَيْنِ إنْ أَخْرَجَهَا فَإِنْ وَفَى وَأَقَامَ فَلَهَا الْأَلْفُ وَإِلَّا فَمَهْرُ الْمِثْلِ) بَيَانُ الْمَسْأَلَتَيْنِ الْأُولَى ضَابِطُهَا أَنْ يُسَمِّيَ لَهَا قَدْرًا وَمَهْرُ مِثْلِهَا أَكْثَرُ مِنْهُ وَيُشْتَرَطُ مَنْفَعَةٌ لَهَا أَوْ لِأَبِيهَا أَوْ لِذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهَا فَإِنْ وَفَى بِمَا شُرِطَ فَلَهَا الْمُسَمَّى؛ لِأَنَّهُ صَلُحَ مَهْرًا، وَقَدْ تَمَّ رِضَاهَا بِهِ وَإِلَّا فَمَهْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ سَمَّى مَا لَهَا فِيهِ نَفْعٌ فَعِنْدَ فَوَاتِهِ يَنْعَدِمُ رِضَاهَا بِالْمُسَمَّى فَيَكْمُلُ مَهْرُ مِثْلِهَا كَمَا إذَا شَرَطَ أَنَّهُ لَا يُخْرِجُهَا مِنْ الْبَلَدِ أَوْ لَا يَتَزَوَّجُ عَلَيْهَا أَوْ أَنْ يُكْرِمَهَا وَلَا يُكَلِّفُهَا الْأَعْمَالَ الشَّاقَّةَ أَوْ أَنْ يُهْدِيَ لَهَا هَدِيَّةً أَوْ أَنْ يُطَلِّقَ ضَرَّتَهَا أَوْ عَلَى أَنْ يُعْتِقَ أَخَاهَا أَوْ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَ أَبَاهَا ابْنَتَهُ وَعَلَّلَهُ فِي الْمُحِيطِ بِأَنَّهَا تَنْتَفِعُ بِمَا لِأَخِيهَا وَابْنِهَا فَصَارَتْ كَالْمَنْفَعَةِ الْمَشْرُوطَةِ لَهَا اهـ. وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ فِي الْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ لِيَكُونَ وَعْدًا إنْ وَفَى بِهِ فِيهَا وَإِلَّا لَا يَلْزَمُهُ الْإِعْتَاقُ وَالتَّطْلِيقُ وَيَكْمُلُ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ. أَمَّا إذَا شَرَطَهُ بِالْمَصْدَرِ كَمَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ وَعِتْقِ أَخِيهَا أَوْ طَلَاقِ ضَرَّتِهَا عَتَقَ الْأَخُ وَطَلُقَتْ الْمَرْأَةُ بِنَفْسِ النِّكَاحِ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى أَنْ يُوقِعَهُمَا وَلِلْمَرْأَةِ الْمُسَمَّى فَقَطْ، وَأَمَّا وَلَاءُ الْأَخِ فَإِنْ قَالَ الزَّوْجُ وَعِتْقُ أَخِيهَا عَنْهَا فَهُوَ لَهَا؛ لِأَنَّهَا الْمُعْتَقَةُ لِتَقَدُّمِ الْمِلْكِ لَهَا وَيَصِيرُ الْعَبْدُ مِنْ جُمْلَةِ الْمَهْرِ الْمُسَمَّى وَإِنْ لَمْ يَقُلْ الزَّوْجُ عَنْهَا فَهُوَ الْمُعْتِقُ وَالْوَلَاءُ لَهُ وَالطَّلَاقُ الْوَاقِعُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَمِمَّا يُنَاسِبُ إلَخْ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ ذُكِرَ هَذَا قَبْلَ قَوْلِهِ، وَقَدْ ظَهَرَ لِي وَفِي بَعْضِهَا بَعْدَهُ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْمَوْهُوبَ إمَّا الْكُلُّ أَوْ النِّصْفُ) كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَزِيدَ قَوْلَهُ أَوْ الْأَقَلُّ أَوْ الْأَكْثَرُ مِنْ النِّصْفِ وَبِهَذِهِ الزِّيَادَةِ تَصِلُ إلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ وَجْهًا فَافْهَمْ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 171 رَجْعِيٌّ؛ لِأَنَّهُ قُوبِلَ بِالْبُضْعِ وَهُوَ لَيْسَ بِمُتَقَوِّمٍ وَتَقَوُّمُهُ بِالْعَقْدِ لِضَرُورَةِ التَّمَلُّكِ فَلَا يَعُدُّوهَا فَلَمْ يَظْهَرْ فِي حَقِّ الطَّلَاقِ الْوَاقِعِ عَلَى الضَّرَّةِ فَبَقِيَ طَلَاقًا بِغَيْرِ بَدَلٍ فَكَانَ رَجْعِيًّا كَمَا لَوْ قَالَ مَوْلَى الْمَنْكُوحَةِ لِلزَّوْجِ طَلِّقْهَا عَلَى أَنْ أُزَوِّجَك أَمَتِي الْأُخْرَى فَفَعَلَ طَلُقَتْ رَجْعِيَّةً وَلَا شَيْءَ لَهُ إنْ لَمْ يُزَوِّجَهُ؛ لِأَنَّ الْبُضْعَ عِنْدَ خُرُوجِهِ لَا قِيمَةَ لَهُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ قُيِّدَ بِكَوْنِ الْمَنْفَعَةِ الْمَشْرُوطَةِ لَهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ شَرَطَ مَعَ الْمُسَمَّى مَنْفَعَةً لِأَجْنَبِيٍّ وَلَمْ يُوفِ فَلَيْسَ لَهَا إلَّا الْمُسَمَّى؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَنْفَعَةٍ مَقْصُودَةٍ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ حُكْمَ مَا إذَا شَرَطَ مَعَ الْمُسَمَّى مَا يَضُرُّهَا كَالتَّزَوُّجِ عَلَيْهَا أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا إلَّا الْمُسَمَّى مُطْلَقًا بِالْأَوْلَى وَقَيَّدْنَا بِأَنْ يَكُونَ مَهْرُ مِثْلِهَا أَكْثَرَ مِنْ الْمُسَمَّى؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى لَوْ كَانَ مِثْلَ مَهْرِ الْمِثْلِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ وَلَمْ يُوفِ بِمَا وَعَدَ فَلَيْسَ لَهَا إلَّا الْمُسَمَّى كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَأَشَارَ بِمَا ذَكَرَهُ إلَى أَنَّ الْمَنْفَعَةَ الْمَشْرُوطَةَ لَهَا مِمَّا يُبَاحُ لَهَا الِانْتِفَاعُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ شَرَطَ لَهَا مَعَ الْمُسَمَّى مَا لَا يُبَاحُ الِانْتِفَاعُ بِهِ شَرْعًا كَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ فَإِنْ كَانَ الْمُسَمَّى عَشَرَةً فَصَاعِدًا وَجَبَ لَهَا وَبَطَلَ الْحَرَامُ وَلَا يَكْمُلُ مَهْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَنْتَفِعُ بِالْحَرَامِ فَلَا يَجِبُ عِوَضٌ بِفَوَاتِهِ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ ذَكَرَ أَنَّ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَعْنِي مَسْأَلَةَ شَرْطِ الْمَنْفَعَةِ مَعَ الْمُسَمَّى مَا إذَا شَرَطَ الْكَرَامَةَ وَالْهَدِيَّةَ مَعَ الْأَلْفِ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إنْ وَفَى فَلَهَا الْمُسَمَّى وَإِلَّا فَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ فِي مَسْأَلَةِ مَا إذَا ظَهَرَ أَحَدُ الْعَبْدَيْنِ حُرًّا مَعَ أَنَّ الْهَدِيَّةَ وَالْكَرَامَةَ مَجْهُولَتَانِ وَلَا يُمْكِنُ الْوَفَاءُ بِالْمَجْهُولِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا لَيْسَتْ دَاخِلَةً فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَإِنَّمَا التَّسْمِيَةُ فَاسِدَةٌ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا لَيْسَتْ دَاخِلَةً إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ رَأَيْت فِي الْمَبْسُوطِ مَا يُؤَيِّدُ مَا فِي الْهِدَايَةِ وَذَلِكَ أَنَّهُ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ عِبَارَةَ مُحَمَّدٍ لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ وَكَرَامَتِهَا أَوْ يُهْدِي لَهَا هَدِيَّةً فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا لَا يَنْقُصُ مِنْ الْأَلْفِ قَالَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يُكْرِمَهَا أَوْ يُهْدِيَ لَهَا هَدِيَّةً أَوْ لَمْ يُكْرِمْهَا وَلَمْ يُهْدِ لَهَا فَإِنْ أَكْرَمَهَا أَوْ أَهْدَى لَهَا هَدِيَّةً فَبِهَا وَنِعْمَتْ وَلَهَا الْمُسَمَّى وَإِلَّا فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا اهـ، وَهَذَا كَمَا تَرَى مُفِيدٌ لِلْإِطْلَاقِ. وَالظَّاهِرُ أَنْ يَكْفِيَ فِي ذَلِكَ أَدْنَى مَا يُعَدُّ إكْرَامًا وَهَدِيَّةً اهـ. وَوُفِّقَ الْمَقْدِسِيَّ فِي الرَّمْزِ بِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ يُحْمَلُ مَا هُنَا عَلَى مَا إذَا كَانَ الْمَشْرُوطُ هَدِيَّةً مُعَيَّنَةً وَكَرَامَةً مُعَيَّنَةً كَإِخْدَامِهَا أَمَةً وَبِالْجُمْلَةِ ذُكِرَ مَا يَصْلُحُ مَهْرًا وَمَا فِي الْمُحِيطِ عَلَى الْمُنْكَرِ الْمَجْهُولِ. اهـ. قُلْتُ: لَكِنْ ذُكِرَ فِي الْبَدَائِعِ فِي بَيَانِ مَا يَسْقُطُ بِهِ نِصْفُ الْمَهْرِ مَا هُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمُنْكَرَ مَجْهُولٌ حَيْثُ قَالَ وَلَوْ شَرَطَ مَعَ الْمُسَمَّى الَّذِي هُوَ مَالٌ مَا لَيْسَ بِمَالٍ بِأَنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ وَعَلَى أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ الْأُخْرَى أَوْ عَلَى أَنْ لَا يُخْرِجَهَا مِنْ بَلَدِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَهَا نِصْفُ الْمُسَمَّى وَسَقَطَ الشَّرْطُ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَفِ بِهِ يَجِبُ تَمَامُ مَهْرِ الْمِثْلِ وَمَهْرُ الْمِثْلِ لَا يَثْبُتُ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْمُسَمَّى فَتَنَصَّفَ، وَكَذَلِكَ إنْ شَرَطَ مَعَ الْمُسَمَّى شَيْئًا مَجْهُولًا كَمَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ وَأَنْ يُهْدِيَ إلَيْهَا هَدِيَّةً ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَلَهَا نِصْفُ الْمُسَمَّى؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَفِ بِالْكَرَامَةِ وَالْهَدِيَّةِ يَجِبُ تَمَامُ مَهْرِ الْمِثْلِ وَمَهْرُ الْمِثْلِ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَسَقَطَ اعْتِبَارُ هَذَا الشَّرْطِ اهـ. فَهَذَا أَيْضًا يُؤَيِّدُ مَا فِي الْهِدَايَةِ وَقَوْلُهُ شَيْئًا مَجْهُولًا يُنَافِي حَمْلَهُ عَلَى الْمُعَيَّنِ بَلْ يَتَعَيَّنُ حَمْلُ مَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَالْمُحِيطِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُكْرِمْهَا وَلَمْ يُهْدِ لَهَا هَدِيَّةً كَمَا حُمِلَ فِي الْمَبْسُوطِ كَلَامُ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ فَيُوَافِقُ مَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمَبْسُوطِ وَالْبَدَائِعِ لَكِنْ بَقِيَ هُنَا شَيْءٌ وَهُوَ أَنَّهُ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ فِي الِاخْتِيَارِ شَرْحِ الْمُخْتَارِ بِلَفْظٍ وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ وَكَرَامَتِهَا فَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ لَا يَنْقُصُ مِنْ أَلْفٍ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِهَا وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ لَهَا نِصْفُ الْأَلْفِ؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ مِنْ الْمُتْعَةِ اهـ. فَأَفَادَ مَا وَجَبَ الطَّلَاقُ قَبْلَ الدُّخُولِ إنَّمَا وَجَبَ بِحُكْمِ الْمُتْعَةِ لِفَسَادِ التَّسْمِيَةِ وَلَكِنَّهُ إنَّمَا وَجَبَ لَهَا نِصْفُ الْأَلْفِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا سَمَّى الْأَلْفَ فَقَدْ رَضِيَ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الْمُتْعَةِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْعَادَةِ أَكْثَرُ مِنْهَا وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْمُتْعَةَ لَوْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الْمُسَمَّى تَجِبُ الْمُتْعَةُ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَمْ تَرْضَ بِالْأَلْفِ فَقَطْ بَلْ مَعَ شَيْءٍ زَائِدٍ فَلَمْ تَكُنْ رَاضِيَةً بِنِصْفِهِ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَإِذَا كَانَتْ مُتْعَتُهَا أَكْثَرَ مِنْهُ وَجَبَتْ الْمُتْعَةُ فَهُوَ نَظِيرُ مَا سَيَأْتِي فِيمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى هَذَا الْعَبْدِ أَوْ هَذَا الْعَبْدِ وَأَحَدُهُمَا أَوْكَسُ فَإِنَّهُ يُحَكَّمُ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَقَدْ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ إنَّ الْوَاجِبَ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي مِثْلِهِ الْمُتْعَةُ وَنِصْفُ الْأَوْكَسِ يَزِيدُ عَلَيْهَا فِي الْعَادَةِ فَوَجَبَ لِاعْتِرَافِهِ بِالزِّيَادَةِ اهـ. فَهَذَا يُفِيدُ فَسَادَ التَّسْمِيَةِ فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ قَبْلَ الطَّلَاقِ وَالْمُتْعَةُ بَعْدَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبِهِ يَظْهَرُ أَنَّ مَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَالْمُحِيطِ قَوْلٌ آخَرُ وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ الْقَوْلِ بِفَسَادِ التَّسْمِيَةِ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ الْهَدِيَّةِ وَالْإِكْرَامِ وَبِارْتِفَاعِهِ عَلَى تَقْدِيرِ وُجُودِ الْهَدِيَّةِ وَالْإِكْرَامِ لِزَوَالِ الْجَهَالَةِ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ كَلَامُ الْمَبْسُوطِ الَّذِي شَرَحَ بِهِ كَلَامَ مُحَمَّدٍ وَبِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ تَقَرَّرَتْ الْجَهَالَةُ فَلَزِمَ نِصْفُ الْمُسَمَّى الْمَعْلُومِ فَقَطْ وَبَطَلَ الْمَجْهُولُ فَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ بِحُكْمِ التَّسْمِيَةِ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ الطَّلَاقِ إنَّمَا أَمْكَنَ أَنْ يُزَادَ عَلَى الْأَلْفِ الْمُسَمَّى عِنْدَ عَدَمِ الْهَدِيَّةِ وَالْإِكْرَامِ إذَا كَانَ مَهْرُ الْمِثْلِ أَكْثَرَ مِنْهُ اعْتِبَارًا لِمَهْرِ الْمِثْلِ وَمَهْرُ الْمِثْلِ لَا يَتَنَصَّفُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَتَعَيَّنَ تَنْصِيفُ الْأَلْفِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 172 فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَلِذَا قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوِيهِ وَصَاحِبُ الْمُحِيطِ لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ وَكَرَامَتِهَا أَوْ عَلَى أَنْ يُهْدِيَ لَهَا هَدِيَّةً فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا لَا يَنْقُصُ مِنْ الْأَلْفِ؛ لِأَنَّ الْكَرَامَةَ وَالْهَدِيَّةَ مَجْهُولَةُ الْقَدْرِ، وَهَذِهِ الْجَهَالَةُ أَكْثَرُ مِنْ جَهَالَةِ مَهْرِ الْمِثْلِ فَيُصَارُ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَلَهَا نِصْفُ الْأَلْفِ؛ لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَى الْأَلْفِ يَثْبُتُ عَلَى اعْتِبَارِ مَهْرِ الْمِثْلِ وَمَهْرُ الْمِثْلِ لَا يَتَنَصَّفُ اهـ. وَقُيِّدَ بِكَوْنِهِ شَرَطَ لَهَا مَنْفَعَةً وَلَمْ يَشْتَرِطْ عَلَيْهَا رَدَّ شَيْءٍ فَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ وَعَلَى أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ فُلَانَةَ وَعَلَى أَنْ تَرُدَّ عَلَيْهِ عَبْدًا فَقَدْ بَذَلَتْ الْبُضْعَ وَالْعَبْدَ وَالزَّوْجُ بَذَلَ الْأَلْفَ وَشَرَطَ الطَّلَاقَ فَيَنْقَسِمُ الْأَلْفُ عَلَى مَهْرِ مِثْلِهَا وَعَلَى قِيمَةِ الْعَبْدِ فَإِذَا كَانَا سَوَاءً صَارَ نِصْفُ الْأَلْفِ ثَمَنًا لِلْعَبْدِ وَنِصْفُهَا صَدَاقًا لَهَا فَإِذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا فَلَهَا نِصْفُ ذَلِكَ وَإِنْ دَخَلَ بِهَا نُظِرَ إنْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا خَمْسَمِائَةٍ أَوْ أَقَلَّ فَلَيْسَ لَهَا إلَّا ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ فَإِنْ وَفَى بِالشَّرْطِ فَلَيْسَ لَهَا إلَّا الْخَمْسُمِائَةِ وَإِنْ أَبَى أَنْ يُطَلِّقَ فَلَهَا كَمَالُ مَهْرِ الْمِثْلِ وَتَمَامُهُ فِي الْمُحِيطِ وَالْمَبْسُوطِ، وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ وُجُوبَ مَهْرِ الْمِثْلِ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ الدُّخُولِ إمَّا إنْ طَلَّقَهَا قَبْلَهُ فَلَهَا نِصْفُ الْمُسَمَّى وَبَطَلَ شَرْطُ الْمَنْفَعَةِ لَهَا، وَلِذَا قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ يَجُوزُ أَنْ يُصَارَ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ قَبْلَ الطَّلَاقِ وَلَا يُصَارُ إلَى الْمَنْفَعَةِ بَعْدَ الطَّلَاقِ كَمَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ وَكَرَامَتِهَا. اهـ. وَقَدْ يُقَالُ إنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى وُجُوهٍ ثَلَاثَةٍ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ إمَّا أَنْ يَكُونَ نَافِعًا لَهَا أَوْ لِأَجْنَبِيٍّ أَوْ ضَارًّا وَكُلٌّ مِنْهَا إمَّا أَنْ يَكُونَ الْوَفَاءُ حَاصِلًا بِمُجَرَّدِ النِّكَاحِ أَوْ مُتَوَقِّفًا عَلَى فِعْلِ الزَّوْجِ فَهِيَ سِتَّةٌ وَكُلٌّ مِنْ السِّتَّةِ إمَّا أَنْ يَكُونَ مَهْرُ الْمِثْلِ أَكْثَرَ مِنْ الْمُسَمَّى أَوْ أَقَلَّ أَوْ مُسَاوِيًا وَكُلٌّ مِنْ الثَّمَانِيَةَ عَشَرَ إمَّا أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ وَكُلٌّ مِنْ السِّتَّةِ وَالثَّلَاثِينَ إمَّا أَنْ يُبَاحَ الِانْتِفَاعُ بِالشَّرْطِ أَوْ لَا وَكُلٌّ مِنْ الِاثْنَيْنِ وَالسَّبْعِينَ إمَّا أَنْ يُشْتَرَطَ عَلَيْهَا رَدُّ شَيْءٍ إلَيْهِ أَوْ لَا وَكُلٌّ مِنْ الْمِائَةِ وَالْأَرْبَعَةِ وَالْأَرْبَعِينَ إمَّا أَنْ يَحْصُلَ الْوَفَاءُ بِالشَّرْطِ أَوْ لَا فَهِيَ مِائَتَانِ وَثَمَانِيَةٌ وَثَمَانُونَ فَلْيُتَأَمَّلْ الثَّانِيَةُ حَاصِلُهَا أَنْ يُسَمِّيَ لَهَا مَهْرًا عَلَى تَقْدِيرٍ وَآخَرَ عَلَى تَقْدِيرٍ آخَرَ كَأَنْ يَتَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ إنْ أَقَامَ بِهَا أَوْ أَنْ لَا يَتَسَرَّى أَوْ أَنْ يُطَلِّقَ ضَرَّتَهَا أَوْ إنْ كَانَتْ مَوْلَاةً أَوْ إنْ كَانَتْ أَعْجَمِيَّةً أَوْ ثَيِّبًا وَعَلَى أَلْفَيْنِ إنْ كَانَ أَضْدَادُهَا فَإِنْ وَفَى بِالشَّرْطِ أَوْ كَانَتْ أَعْجَمِيَّةً وَنَحْوَهُ فَلَهَا الْأَلْفُ وَإِلَّا فَمَهْرُ الْمِثْلِ لَا يُزَادُ عَلَى أَلْفَيْنِ وَلَا يَنْقُصُ عَنْ الْأَلْفِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَكَذَا إنْ قُدِّمَ شَرْطُ الْأَلْفَيْنِ يَصِحُّ الْمَذْكُورُ عِنْدَهُ فَحَاصِلُهُ أَنَّ الشَّرْطَ الْأَوَّلَ صَحِيحٌ عِنْدَهُ وَالثَّانِي فَاسِدٌ وَقَالَا الشَّرْطَانِ جَائِزَانِ حَتَّى كَانَ لَهَا الْأَلْفُ إنْ أَقَامَ وَالْأَلْفَانِ إنْ أَخْرَجَهَا وَقَالَ زُفَرُ الشَّرْطَانِ جَمِيعًا فَاسِدَانِ وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْإِجَارَاتِ فِي قَوْلِهِ إنْ خَطَّتْهُ الْيَوْمَ فَلَكَ دِرْهَمٌ وَإِنْ خَطَّتْهُ غَدًا فَلَكَ نِصْفُ دِرْهَمٍ فَعِنْدَ الْإِمَامِ الْيَوْمُ لِلتَّعْجِيلِ وَالْغَدُ لِلْإِضَافَةِ وَعِنْدَهُمَا الْيَوْمُ لِلتَّوْقِيتِ وَالْغَدُ لِلْإِضَافَةِ وَعِنْدَ زُفَرَ الْيَوْمُ لِلتَّعْجِيلِ وَالْغَدُ لِلتَّرْفِيهِ وَالتَّيْسِيرِ وَتَمَامُهُ فِي الْمُحِيطِ مِنْ الْإِجَارَاتِ اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُمْ هُنَا بِصِحَّةِ التَّسْمِيَةِ الْأُولَى فَقَطْ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا مُنَجَّزَةٌ لَا يَتِمُّ إلَّا فِي قَوْلِهِ عَلَى أَلْفٍ إنْ أَقَامَ، وَأَمَّا عَلَى نَحْوِ أَلْفٍ إنْ طَلَّقَ ضَرَّتَهَا وَعَلَى أَلْفَيْنِ إنْ لَمْ يُطَلِّقْ فَعَلَى الْعَكْسِ؛ لِأَنَّ الْمُنَجَّزَ الْآنَ عَدَمُ الطَّلَاقِ فَيَنْبَغِي فَسَادُ الْأُولَى وَصِحَّةُ الثَّانِيَةِ، وَأَمَّا فِي نَحْوِ إنْ كَانَتْ مَوْلَاةً فَلَمْ يُعْلَمْ أَيُّهُمَا الْمُنَجَّزُ مِنْ الْمُعَلَّقِ وَحَاصِلُ دَلِيلِهِ هُنَا أَنَّ إحْدَى التَّسْمِيَتَيْنِ مُنَجَّزَةٌ وَالْأُخْرَى مُعَلَّقَةٌ فَلَا يَجْتَمِعُ فِي الْحَالِ تَسْمِيَتَانِ فَإِذَا أَخْرَجَهَا فَقَدْ اجْتَمَعَا فَيَفْسُدَانِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ لَا يُوجَدُ قَبْلَ شَرْطِهِ وَالْمُنَجَّزَ لَا يَنْعَدِمُ بِوُجُودِ الْمُعَلَّقِ فَيَتَحَقَّقُ الِاجْتِمَاعُ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ لَا قَبْلَهُ وَأُورِدَ عَلَيْهِ طَلَبُ الْفَرْقِ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ إنْ كَانَتْ قَبِيحَةً وَعَلَى أَلْفَيْنِ إنْ كَانَتْ جَمِيلَةً حَيْثُ يَصِحُّ   [منحة الخالق] بِحُكْمِ التَّسْمِيَةِ أَمَّا إذَا كَانَتْ الْمُتْعَةُ أَكْثَرَ مِنْهُ فَيُزَادُ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْمُتْعَةِ؛ لِأَنَّهَا الْوَاجِبَةُ عِنْدَ فَسَادِ التَّسْمِيَةِ وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَتَوَافَقُ كَلَامُ الْمَبْسُوطِ وَالْهِدَايَةِ وَالْبَدَائِعِ مَعَ كَلَامِ الْوَلْوَالِجيَّةِ وَالْمُحِيطِ وَبِهِ يَظْهَرُ الْجَوَابُ عَنْ فَرْعٍ سَيَأْتِي عَنْ الْخَانِيَّةِ ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ عِنْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ وَعَلَى ثَوْبٍ أَوْ خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ إلَخْ وَالْفَرْعُ هُوَ قَوْلُهُ فِي الْخَانِيَّةِ لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى عَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَثَوْبٍ وَلَمْ يَصِفْهُ كَانَ لَهَا عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَلَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا كَانَ لَهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ إلَّا أَنْ تَكُونَ مُتْعَتُهَا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ اهـ. فَإِنَّ الثَّوْبَ مَجْهُولُ الْجِنْسِ ذُكِرَ مَعَ مُسَمًّى مَعْلُومِ الْقَدْرِ فَهُوَ مِثْلُ تَزَوُّجِهَا عَلَى أَلْفٍ وَأَنْ يُهْدِيَ لَهَا هَدِيَّةً فَإِنَّ الْهَدِيَّةَ مَجْهُولَةُ الْجِنْسِ أَيْضًا فَيُحْمَلُ قَوْلُ الْخَانِيَّةِ كَانَ لَهَا عَشَرَةُ دَرَاهِمَ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ الْعَشَرَةُ مَهْرَ مِثْلِهَا وَلَمْ يُعْطِهَا ثَوْبًا فَيَتَقَرَّرْ الْفَسَادُ وَيَجِبْ مَهْرُ الْمِثْلِ وَهُوَ الْعَشَرَةُ وَبِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ تَجِبُ الْمُتْعَةُ فَيُوَافِقُ مَا قَدَّمْنَاهُ وَلَوْ حُمِلَ كَلَامُ الْخَانِيَّةِ عَلَى مَا حَمَلَهُ عَلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ فِيمَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّهُ يَلْغُو ذِكْرُ الثَّوْبِ لِجَهَالَتِهِ فَتَجِبُ الْعَشَرَةُ فَقَطْ أُشْكِلَ عَلَيْهِ اعْتِبَارُ الْمُتْعَةِ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ عَلَى أَنَّ جَهَالَةَ الْهَدِيَّةِ أَفْحَشُ مِنْ جَهَالَةِ الثَّوْبِ فَإِنَّ الثَّوْبَ تَحْتَهُ الْكَتَّانُ وَالْحَرِيرُ وَالْقُطْنُ وَنَحْوُهُمَا وَالْهَدِيَّةَ تَحْتَهَا أَجْنَاسُ الثِّيَابِ وَالْعُرُوضِ وَالْعَقَارُ وَالنُّقُودُ وَالْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ فَإِذَا لَمْ يَلْغُ ذِكْرُ الْهَدِيَّةِ يَلْزَمُ أَنْ لَا يَلْغُوَ ذِكْرُ الثَّوْبِ بِالْأَوْلَى فَتَعَيَّنَ مَا قُلْنَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 173 الشَّرْطَانِ اتِّفَاقًا فَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا فِي الْغَايَةِ بِأَنَّ الْخَطَرَ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ دَخَلَ عَلَى التَّسْمِيَةِ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ لَا يَعْرِفُ هَلْ يُخْرِجُهَا أَوْ لَا وَلَا مُخَاطَرَةَ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ عَلَى صِفَةٍ وَاحِدَةٍ لَكِنَّ الزَّوْجَ لَا يَعْرِفُ ذَلِكَ وَجَهَالَتُهُ لَا تُوجِبُ خَطَرًا وَرَدَّهُ فِي التَّبْيِينِ بِأَنَّهُ يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفَيْنِ إنْ كَانَتْ حُرَّةَ الْأَصْلِ وَعَلَى أَلْفٍ إنْ كَانَتْ مَوْلَاةً أَوْ عَلَى أَلْفَيْنِ إنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَةٌ وَعَلَى أَلْفٍ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ امْرَأَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَا مُخَاطَرَةَ هُنَا وَلَكِنْ جُهِلَ الْحَالُ وَارْتَضَاهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ ثُمَّ قَالَ، وَالْأَوْلَى أَنْ تُجْعَلَ مَسْأَلَةُ الْقَبِيحَةِ وَالْجَمِيلَةِ عَلَى الْخِلَافِ فَقَدْ نُصَّ فِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَلَى الْخِلَافِ فِيهَا اهـ. وَقَدْ أَخَذَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ مِنْ الْمُجْتَبَى، وَقَدْ يُقَالُ فِي الْفَرْقِ أَنَّ الْمَرْأَةَ وَإِنْ كَانَتْ فِي الْكُلِّ عَلَى صِفَةٍ وَاحِدَةٍ لَكِنَّ الْجَهَالَةَ قَوِيَّةٌ فِي الْحُرِّيَّةِ أَصَالَةً وَعَدَمَهَا وَنَحْوَهَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ أَمْرًا مُشَاهَدًا بَلْ إذَا وَقَعَ فِيهِ التَّنَازُعُ احْتَاجَ إلَى الْإِثْبَاتِ فَكَانَ فِيهِ مُخَاطَرَةٌ مَعْنًى بِخِلَافِ الْجَمَالِ وَالْقُبْحِ فَإِنَّهُ أَمْرٌ مُشَاهَدٌ فِيهَا فَجَهَالَتُهُ يَسِيرَةٌ لِزَوَالِهَا بِلَا مَشَقَّةٍ فَنَزَلَتْ مَنْزِلَةَ الْعَدَمِ فَلِذَا صَحَّحَ أَبُو حَنِيفَةَ التَّسْمِيَتَيْنِ كَمَا نَقَلَهُ الْإِمَامُ الدَّبُوسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَصَاحِبُ الْمُحِيطِ، وَكَذَا ذَكَرَ الِاتِّفَاقَ الْإِمَامُ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوِيهِ وَغَيْرِهِ وَارْتَضَاهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ فَمَا فِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ مِنْ الْخِلَافِ ضَعِيفٌ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ دَلِيلَ الْإِمَامِ الْمَذْكُورَ هُنَا لَا يَشْمَلُ مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنْ طَلَّقَ ضَرَّتَهَا وَنَحْوَهُ كَمَا لَا يَخْفَى وَقَوْلُهُ وَإِلَّا فَمَهْرُ الْمِثْلِ عَائِدٌ إلَى الْمَسْأَلَتَيْنِ أَيْ إنْ لَمْ يُوفِ بِمَا شُرِطَ لَهَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَلَمْ يَقُمْ بِهَا فِي الثَّانِيَةِ فَالْوَاجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ لَكِنْ قَدْ عَلِمْت أَنَّهُ فِي الثَّانِيَةِ لَا يُزَادُ عَلَى التَّسْمِيَةِ الثَّانِيَةِ لِرِضَاهَا بِهَا وَلَا يَنْقُصُ عَنْ التَّسْمِيَةِ الْأُولَى لِرِضَاهُ بِهَا، وَأَشَارَ بِوُجُوبِ مَهْرِ الْمِثْلِ إلَى أَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَهَا نِصْفُ الْمُسَمَّى أَوَّلًا سَوَاءٌ وَفَى بِشَرْطِهِ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ لَا يَتَنَصَّفُ. (قَوْلُهُ وَلَوْ نَكَحَهَا عَلَى هَذَا الْعَبْدِ أَوْ عَلَى هَذَا الْأَلْفِ حُكْمُ مَهْرِ الْمِثْلِ) أَيْ جُعِلَ مَهْرُ الْمِثْلِ حُكْمًا فِيمَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَحَدِ شَيْئَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ قِيمَةً؛ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ فَاسِدَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا لَهَا لِأَقَلَّ؛ لِأَنَّ الْمَصِيرَ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ لِتَعَذُّرِ إيجَابِ الْمُسَمَّى، وَقَدْ أَمْكَنَ إيجَابُ الْأَقَلِّ لِتَيَقُّنِهِ وَلَهُ أَنَّ الْمُوجَبَ الْأَصْلِيَّ مَهْرُ الْمِثْلِ إذْ هُوَ الْأَعْدَلُ وَالْعُدُولُ عَنْهُ عِنْدَ صِحَّةِ التَّسْمِيَةِ، وَقَدْ فَسَدَتْ لِمَكَانِ الْجَهَالَةِ وَرَجَحَ قَوْلُهُمَا فِي التَّحْرِيرِ بِأَنَّ لُزُومَ الْمُوجَبِ الْأَصْلِيِّ عِنْدَ عَدَمِ تَسْمِيَتِهِ مُمْكِنَةٌ فَالْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ أَصْلٌ عِنْدَهُ وَالْمُسَمَّى خَلْفٌ عَنْهُ وَعِنْدَهُمَا عَلَى الْعَكْسِ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مَعْزِيًّا إلَى الْجَامِعِ الْكَبِيرِ فَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ التَّرَدُّدِ فِي نَقْلِ ذَلِكَ عَنْهُمْ لَا مَحَلَّ لَهُ وَمَعْنَى التَّحْكِيمِ أَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ إنْ وَافَقَ أَحَدَهُمَا وَجَبَ وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا فَمَهْرُ الْمِثْلِ وَإِنْ نَقَصَ عَنْ الْأَقَلِّ فَلَهَا الْأَقَلُّ لِرِضَاهُ بِهِ وَإِنْ زَادَ عَلَى الْأَكْثَرِ فَلَهَا الْأَكْثَرُ فَقَطْ لِرِضَاهَا بِهِ وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ أَعْتَقَتْ الْمَرْأَةُ أَوْكَسَهُمَا قَبْلَ الطَّلَاقِ إنْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا مِثْلَ الْأَوْكَسِ أَوْ أَقَلَّ جَازَ عِتْقُهَا فِي الْأَوْكَسِ وَإِنْ أَعْتَقَتْ الْأَرْفَعَ وَكَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ جَازَ عِتْقُهَا وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْهَا لَمْ يَجُزْ وَلَا يَجُوزُ عِتْقُهَا فِي الْأَرْفَعِ بَعْدَ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَيَجُوزُ فِي الْأَوْكَسِ، وَأَشَارَ بِالتَّحْكِيمِ إلَى اخْتِلَافِ الشَّيْئَيْنِ فَلَوْ كَانَا سَوَاءً فَلَا تَحْكِيمَ وَلَهَا الْخِيَارُ فِي أَخْذِ أَيِّهِمَا شَاءَتْ وَلَا فَرْقَ فِي الِاخْتِلَافِ بَيْنَ أَنْ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَقَدْ يُقَالُ فِي الْفَرْقِ إلَخْ) يَرِدُ بَعْدَ هَذَا مَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفَيْنِ إنْ كَانَ لَهُ امْرَأَةٌ وَعَلَى أَلْفٍ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ امْرَأَةٌ فَإِنَّهَا خِلَافِيَّةٌ أَيْضًا مَعَ أَنَّ النِّكَاحَ مِمَّا يَثْبُتُ بِالتَّسَامُعِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتٍ عِنْدَ الْمُنَازَعَةِ فَكَانَ يَنْبَغِي الصِّحَّةُ وَكَوَّنَ الْجَهَالَةِ يَسِيرَةً خِلَافَ الْأَصْلِ كَذَا فِي النَّهْرِ وَفِيهِ أَنَّهُ رُبَّمَا كَانَتْ لَهُ امْرَأَةٌ فِي بَلْدَةٍ أُخْرَى أَوْ غَائِبَةٌ لَمْ تَعْلَمْ بِهَا هَذِهِ وَلَا شَكَّ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْقُبْحِ وَالْجَمَالِ فَإِنَّ الثَّانِيَ أَمْرٌ مُشَاهَدٌ لَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ بِخِلَافِ كَوْنِ لَهُ امْرَأَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَعْلَمُهُ كُلُّ أَحَدٍ وَكَوْنُ الْجَهَالَةِ فِيهِ يَسِيرَةً مَمْنُوعٌ. (قَوْلُهُ وَرُجِّحَ قَوْلُهُمَا فِي التَّحْرِيرِ) كِتَابَةُ هَذَا هُنَا عَقِبَ قَوْلِهِ لِمَكَانِ الْجَهَالَةِ أَحْسَنُ مِمَّا فِي بَعْضِ النُّسَخِ مِنْ كِتَابَتِهِ بَعْدَ قَوْلِهِ فَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ (فَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ التَّرَدُّدِ) حَيْثُ قَالَ، وَهَذَا وَإِنْ كَانَ تَخْرِيجًا فَلَيْسَ بِلَازِمِ لِجَوَازِ أَنْ يَتَّفِقُوا عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ مَهْرُ الْمِثْلِ ثُمَّ يَخْتَلِفُوا فِي فَسَادِ هَذِهِ التَّسْمِيَةِ فَعِنْدَهُ فَسَدَتْ لِإِدْخَالٍ أَوْ فَصِيرَ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ وَعِنْدَهُمَا لَمْ تَفْسُدْ؛ لِأَنَّ الْمُرَدَّدَ بَيْنَهُمَا لَمَّا تَفَاوَتَ وَرَضِيَتْ هِيَ بِأَيِّهِمَا كَانَ فَقَدْ رَضِيَتْ بِالْأَوْكَسِ فَتَعَيَّنَ دُونَ الْأَرْفَعِ إذْ لَا يُمْكِنُ تَعَيُّنُهُ عَلَيْهِ مَعَ رِضَاهَا بِالْأَوْكَسِ وَإِذَا تَعَيَّنَ مَالُهَا لَمْ يَصِرْ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ الْمَصِيرَ إلَيْهِ حُكْمِ عَقْدٍ لَا تَسْمِيَةَ فِيهِ صَحِيحَةٌ. اهـ. وَنُقِلَ فِي النَّهْرِ عَنْ الْمَبْسُوطِ مَا هُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ مَبْنَى الْخِلَافِ فِيهِ فَسَادُ هَذِهِ التَّسْمِيَةِ وَعَدَمُهُ، ثُمَّ قَالَ وَسَيَأْتِي أَنَّهُمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الْمَهْرِ حُكِمَ مَهْرُ الْمِثْلِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَمُحَمَّدٍ قَالَ أَبُو يُوسُفَ الْقَوْلُ لَهُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَهُمَا أَنَّ الْقَوْلَ فِي الدَّوَاعِي قَوْلُ مَنْ يَشْهَدُ لَهُ الظَّاهِرُ. وَالظَّاهِرُ شَاهِدٌ لِمَنْ يَشْهَدُ لَهُ مَهْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ الْمُوجِبُ الْأَصْلِيُّ فِي بَابِ النِّكَاحِ، وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ مُحَمَّدًا يَجْعَلُهُ مُوجِبًا أَصْلِيًّا وَهُوَ يُعَيِّنُ أَنَّ مَا مَرَّ تَخْرِيجٌ فَقَطْ وَإِلَّا لَزِمَ مُخَالَفَةُ أَصْلِهِ السَّابِقِ فَتَدَبَّرْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 174 يَكُونَ فِي الْقَدْرِ أَوْ فِي الْوَصْفِ فَشَمِلَ مَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ حَالَّةٍ أَوْ مُؤَجَّلَةٍ إلَى سَنَةٍ فَإِنْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا أَلْفًا أَوْ أَكْثَرَ فَلَهَا الْحَالَّةُ وَإِلَّا فَالْمُؤَجَّلَةُ وَعِنْدَهُمَا الْمُؤَجَّلَةُ؛ لِأَنَّهَا الْأَقَلُّ وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ حَالَّةٍ أَوْ أَلْفَيْنِ إلَى سَنَةٍ وَمَهْرُ مِثْلِهَا كَالْأَكْثَرِ فَالْخِيَارُ لَهَا وَإِنْ كَانَ كَالْأَقَلِّ فَالْخِيَارُ لَهُ وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ وَعِنْدَهُمَا الْخِيَارُ لَهُ لِوُجُوبِ الْأَقَلِّ عِنْدَهُمَا وَقَيَّدْنَا الشَّيْئَيْنِ بِالِاخْتِلَافِ؛ لِأَنَّهُمَا لَوْ كَانَا سَوَاءً مِنْ حَيْثُ الْقِيمَةُ صَحَّتْ التَّسْمِيَةُ اتِّفَاقًا كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقَيَّدْنَا الِاخْتِلَافَ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ مِنْ حَيْثُ الْقِيمَةُ لِإِفَادَةِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الِاخْتِلَافُ جِنْسًا فَيَدْخُلُ تَحْتَهُ مَا إذَا نَكَحَهَا عَلَى هَذَا الْعَبْدِ أَوْ هَذَا الْعَبْدِ أَوْ عَلَى هَذَا الْأَلْفِ أَوْ الْأَلْفَيْنِ. وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِاقْتِصَارِهِ عَلَى كَلِمَةٍ أَوْ بِدُونِ تَخْيِيرٍ إلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِيهِ خِيَارٌ لِأَحَدِهِمَا كَأَنْ يَقُولَ عَلَى أَنَّهَا بِالْخِيَارِ تَأْخُذُ أَيَّهُمَا شَاءَتْ أَوْ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ أُعْطِيك أَيَّهُمَا شِئْت فَإِنَّهُ يَصِحُّ كَذَلِكَ اتِّفَاقًا لِانْتِفَاءِ الْمُنَازَعَةِ وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَإِنَّهُ بِحُكْمِ مُتْعَةِ مِثْلِهَا؛ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ فِيهِ كَمَهْرِ الْمِثْلِ قَبْلَ الطَّلَاقِ وَنِصْفُ الْأَقَلِّ يَزِيدُ عَلَيْهَا فِي الْعَادَةِ فَوَجَبَ لِاعْتِرَافِهِ بِالزِّيَادَةِ كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ نِصْفَ الْأَقَلِّ لَوْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ الْمُتْعَةِ فَالْوَاجِبُ الْمُتْعَةُ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوَاهُ فَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مِنْ أَنَّ لَهَا نِصْفَ الْأَقَلِّ اتِّفَاقًا لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ وَأَشَرْنَا إلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَلِمَةٍ أَوْ لَفْظِ أَحَدِهِمَا فَلَوْ قَالَ تَزَوَّجْتُك عَلَى أَحَدِ هَذَيْنِ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحِيطِ، وَلِذَا ذُكِرَ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ أَنَّ مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى أَحَدِ مَهْرَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ يُقْضَى بِمَهْرِ الْمِثْلِ عِنْدَهُ إلَى آخِرِهِ وَقُيِّدَ بِالنِّكَاحِ؛ لِأَنَّ فِي الْخُلْعِ عَلَى أَحَدِ شَيْئَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ أَوْ الْإِعْتَاقِ عَلَيْهِ يَجِبُ الْأَقَلُّ اتِّفَاقًا وَهُوَ حُجَّتُهُمَا فِي مَسْأَلَتِنَا وَفَرَّقَ الْإِمَامُ بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مُوجِبٌ أَصْلِيٌّ يُصَارُ إلَيْهِ عِنْدَ فَسَادِ التَّسْمِيَةِ فَوَجَبَ الْأَقَلُّ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَشُرُوحِهِمَا وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَلَوْ كَانَ هَذَا فِي الْخُلْعِ تُعْطِيهِ أَيَّهُمَا شَاءَتْ الْمَرْأَةُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ. وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لَهَا غَرَضٌ فِي إمْسَاكِ الْأَقَلِّ قِيمَةً فَتَدْفَعُ الْأَعْلَى وَهِيَ تُرِيدُ خِلَافَهُ وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ أَنَّهَا تَدْفَعُ الْأَقَلَّ، وَكَذَا فِي الْإِقْرَارِ بِأَحَدِ شَيْئَيْنِ كَأَلْفٍ أَوْ أَلْفَيْنِ فَالْوَاجِبُ الْأَقَلُّ اتِّفَاقًا لِمَا ذَكَرْنَاهُ. (قَوْلُهُ وَعَلَى فَرَسٍ أَوْ حِمَارٍ يَجِبُ الْوَسَطُ أَوْ قِيمَتُهُ) أَيْ لَوْ نَكَحَهَا عَلَى فَرَسٍ أَوْ نَكَحَهَا عَلَى حِمَارٍ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ سَمَّى جِنْسَ الْحَيَوَانِ دُونَ نَوْعِهِ كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَفِي الْهِدَايَةِ مَعْنَى الْمَسْأَلَةِ أَنْ يُسَمِّيَ جِنْسَ الْحَيَوَانِ دُونَ الْوَصْفِ وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ الْحَاصِلُ أَنَّ جَهَالَةَ الْجِنْسِ وَالْقَدْرِ مَانِعَةٌ وَجَهَالَةُ النَّوْعِ وَالْوَصْفِ لَا اهـ. وَإِنَّمَا صَحَّتْ التَّسْمِيَةُ مَعَ هَذِهِ الْجَهَالَةِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ مُعَاوَضَةُ مَالٍ بِغَيْرِ مَالٍ فَجَعَلْنَا الْتِزَامَ الْمَالِ ابْتِدَاءً حَتَّى لَا يَفْسُدَ بِأَصْلِ الْجَهَالَةِ كَالدِّيَةِ وَالْأَقَارِيرِ وَشَرَطْنَا أَنْ يَكُونَ الْمُسَمَّى مَالًا وَسَطُهُ مَعْلُومٌ رِعَايَةً لِلْجَانِبَيْنِ وَذَلِكَ عِنْدَ إعْلَامِ الْجِنْسِ؛ لِأَنَّهُ يَشْتَمِلُ عَلَى الْجَيِّدِ وَالرَّدِيءِ وَالْوَسَطُ ذُو حَظٍّ مِنْهُمَا بِخِلَافِ جَهَالَةِ الْجِنْسِ؛ لِأَنَّهُ وَاسِطَةٌ لِاخْتِلَافِ مَعَانِي الْأَجْنَاسِ وَبِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ مَبْنَاهُ عَلَى الْمُضَايَقَةِ وَالْمُمَاكَسَةِ أَمَّا النِّكَاحُ فَمَبْنَاهُ عَلَى الْمُسَامَحَةِ، وَإِنَّمَا يَتَخَيَّرُ الزَّوْجُ؛ لِأَنَّ الْوَسَطَ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِالْقِيمَةِ فَصَارَتْ أَصْلًا فِي حَقِّ الْإِيفَاءِ وَالْعَبْدُ أَصْلُ تَسْمِيَةٍ فَيُتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا، وَالْأَوْسَطُ مِنْ الْعَبِيدِ فِي زَمَانِنَا الْأَدْنَى التُّرْكِيُّ وَالْأَرْفَعُ الْهِنْدِيُّ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَفِي الْبَدَائِعِ الْجَيِّدُ عِنْدَهُمْ هُوَ الرُّومِيُّ وَالْوَسَطُ فَتَخَنَّقَ وَالرَّدِيءُ الْهِنْدِيُّ، وَأَمَّا عِنْدَنَا فَالْجَيِّدُ هُوَ التُّرْكِيُّ وَالْوَسَطُ الرُّومِيُّ وَالرَّدِيءُ الْهِنْدِيُّ. اهـ. وَالْأَوْسَطُ فِي الْقَاهِرَةِ فِي زَمَانِنَا الْعَبْدُ الْحَبَشِيُّ وَالْأَعْلَى الْأَبْيَضُ وَالرَّدِيءُ الْأَسْوَدُ وَتُعْتَبَرُ قِيمَةُ الْوَسَطِ عَلَى قَدْرِ غَلَاءِ السِّعْرِ وَالرُّخْصِ عِنْدَهُمَا وَهُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ أَيْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ، وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَقَدْ قَدَّرَهُ بِحَسَبِ زَمَنِهِ قُيِّدَ بِكَوْنِهِ لَمْ يُضِفْهُ إلَى نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَضَافَهُ إلَى نَفْسِهِ كَمَا إذَا قَالَ تَزَوَّجْتُك عَلَى عَبْدِي أَوْ عَلَى ثَوْبِي أَوْ قَالَتْ الْمَرْأَةُ اخْتَلَعْتُ نَفْسِي مِنْك عَلَى عَبْدِي ثُمَّ أَتَى   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ يُقْضَى بِمَهْرِ الْمِثْلِ عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ الْإِمَامِ وَتَمَامُ عِبَارَةِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ عَلَى مَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ لَا يُنْقَصُ عَنْ الْأَقَلِّ وَلَا يُزَادُ عَلَى الْأَكْثَرِ وَعِنْدَهُمَا يَقَعُ عَلَى الْأَقَلِّ إلَى آخِرِ مَا قَالَ: وَإِنَّمَا ذَكَرْنَا هَذِهِ الزِّيَادَةَ لِدَفْعِ مَا يُتَوَهَّمُ مِمَّا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ مِنْ عِبَارَةِ الْجَامِعِ وَهُوَ أَنَّهُ يُقْضَى عِنْدَهُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ بِدُونِ تَحْكِيمٍ فَيُنَافِي مَا مَرَّ. (قَوْلُهُ وَالْمُمَاكَسَةِ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ تَمَاكَسَا فِي الْبَيْعِ تَشَاحَّا وَمَاكَسَهُ شَاحَّهُ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَقَدْ قَدَّرَهُ بِحَسَبِ زَمَنِهِ) أَيْ حَيْثُ قُدِّرَ فِي السُّودِ بِأَرْبَعِينَ وَفِي الْبِيضِ بِخَمْسِينَ كَمَا فِي الْفَتْحِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 175 بِالْقِيمَةِ لَا تُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ؛ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ إلَى نَفْسِهِ مِنْ أَسْبَابِ التَّعْرِيفِ كَالْإِشَارَةِ، وَهَذَا بِخِلَافِهَا فِي الْوَصِيَّةِ فَإِنَّ مَنْ أَوْصَى لِإِنْسَانٍ بِعَشَرَةٍ مِنْ رَقِيقِهِ وَلَهُ رَقِيقٌ فَهَلَكُوا وَاسْتَفَادَ رَقِيقًا آخَرَ لَا تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ وَلَوْ اُلْتُحِقَتْ الْإِضَافَةُ بِالْإِشَارَةِ لَبَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ كَمَا لَوْ أَشَارَ إلَى الرَّقِيقِ فَهَلَكُوا فَإِنَّهَا تَبْطُلُ؛ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ بِمَنْزِلَةِ الْإِشَارَةِ مِنْ وَجْهٍ مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ وُضِعَتْ لِلتَّعْرِيفِ إلَّا أَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْإِطْلَاقِ مِنْ وَجْهٍ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا لَا تَقْطَعُ الشَّرِكَةَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَالْعَمَلُ بِالشَّبَهَيْنِ مُتَعَذِّرٌ فِي جَمِيعِ الْعُقُودِ فَعَمِلْنَا بِشَبَهِ الْإِشَارَةِ فِي الْأَمَانِ وَالنِّكَاحِ وَالْخُلْعِ وَبِشَبَهِ الْإِطْلَاقِ فِي الْوَصِيَّةِ عَمَلًا بِهِمَا بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّهُ لَا يُسَوَّى بَيْنَ الْمُشَارِ إلَيْهِ وَبَيْنَ الْمُضَافِ هُنَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؛ لِأَنَّ الْمُشَارَ إلَيْهِ لَيْسَ فِيهِ شَرِكَةٌ أَصْلًا فَلِذَا تَمْلِكُهُ الْمَرْأَةُ بِمُجَرَّدِ الْقَبُولِ إنْ كَانَ مِلْكًا لِلزَّوْجِ وَأَمَّا فِي الْمُضَافِ فَلَا تَمْلِكُهُ الْمَرْأَةُ بِمُجَرَّدِ الْقَبُولِ حَتَّى يُعَيِّنَهُ الزَّوْجُ فَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا فِي هَذَا الْحُكْمِ غَيْرُ صَحِيحٍ وَيُشْكِلُ عَلَى مَا فِي الذَّخِيرَةِ مَا فِي الْخَانِيَّةِ لَوْ قَالَ أَتَزَوَّجُك عَلَى نَاقَةٍ مِنْ إبِلِي هَذِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُعْطِيهَا نَاقَةً مِنْ إبِلِهِ مَا شَاءَ اهـ. فَإِنَّ النَّاقَةَ كَالْعَبْدِ فَيَنْبَغِي أَنْ تَصِحَّ التَّسْمِيَةُ كَمَا لَا يَخْفَى وَذُكِرَ فِي الْبَدَائِعِ الْجَمَلُ مَعَ الْعَبْدِ وَأَنَّهُ تَصِحُّ تَسْمِيَتُهُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْجَمَلِ وَالنَّاقَةِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهَا مَجْهُولَةٌ وَلَا يُمْكِنُ إيجَابُ الْوَسَطِ مَعَ التَّقْيِيدِ بِقَوْلِهِ مِنْ إبِلِي هَذِهِ فَالْمُفْسِدُ لِلتَّسْمِيَةِ قَوْلُهُ مِنْ إبِلِي لَا مُطْلَقُ ذِكْرِ النَّاقَةِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي الْمِعْرَاجِ أَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى نَاقَةٍ مِنْ هَذِهِ الْإِبِلِ وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ فَالْإِشَارَةُ وَالْإِضَافَةُ فِيهِ سَوَاءٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمُشَارُ إلَيْهِ فِي مِلْكِهِ فَلَهَا الْمُطَالَبَةُ بِشِرَائِهِ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ شِرَائِهِ لَزِمَهُ قِيمَتُهُ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْعَرْضَ الْمُعَيَّنَ وَالْمِثْلِيَّ كَذَلِكَ تَمْلِكُهُ الْمَرْأَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ لِتَعَيُّنِهِ إلَّا النَّقْدَيْنِ فَلَا تَمْلِكُهُ إلَّا بِالْقَبْضِ، وَكَذَا غَيْرُ الْمُعَيَّنِ مِنْ الْأَوَّلَيْنِ وَمِنْ أَحْكَامِ الْعَرْضِ الْمَهْرِ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ فِيهِ خِيَارُ رُؤْيَةٍ؛ لِأَنَّ فَائِدَتَهُ فَسْخُ الْعَقْدِ بِالرَّدِّ وَهُوَ لَا يَقْبَلُهُ، وَأَمَّا خِيَارُ الْعَيْبِ فَإِنْ كَانَ الْعَيْبُ يَسِيرًا فَلَا تَرُدُّهُ بِهِ وَإِنْ كَانَ فَاحِشًا فَلَهَا رَدُّهُ هَكَذَا أَطْلَقَهُ كَثِيرٌ وَاسْتُثْنِيَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ الْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ فَإِنَّهَا تَرُدُّهُ بِالْيَسِيرِ وَالْفَاحِشِ وَفِي الْمَبْسُوطِ كُلُّ عَيْبٍ يَنْقُصُ مِنْ الْمَالِيَّةِ مِقْدَارَ مَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ تَقْوِيمِ الْمُقَوَّمِينَ فِي الْأَسْوَاقِ فَهُوَ فَاحِشٌ وَإِنْ كَانَ يَنْقُصُ بِقَدْرِ مَا يَدْخُلُ بَيْنَ تَقْوِيمِ الْمُتَقَوِّمِينَ فَهُوَ يَسِيرٌ. اهـ. وَقَيَّدَ الْمُصَنِّفُ بِالْفَرَسِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى قِيمَةِ هَذَا الْفَرَسِ أَوْ عَلَى قِيمَةِ هَذَا الْعَبْدِ وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ سَمَّى مَجْهُولَ الْجِنْسِ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ فَفُرِّقَ بَيْنَ الْقِيمَةِ ابْتِدَاءً وَبَقَاءً؛ لِأَنَّهُ يُتَسَامَحُ فِي الْبَقَاءِ مَا لَا يُتَسَامَحُ فِي الِابْتِدَاءِ. وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَرْبَعِمِائَةِ دِينَارٍ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهَا بِكُلِّ مِائَةٍ خَادِمًا فَإِنَّهُ يَجُوزُ الشَّرْطُ وَلَهَا أَرْبَعٌ مِنْ الْخَدَمِ الْأَوْسَاطِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ بِالْأَوْلَى وَإِنْ عَيَّنَ الْخَدَمَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَهُوَ صَحِيحٌ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ بِالْأَوْلَى. (قَوْلُهُ وَعَلَى ثَوْبٍ أَوْ خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ أَوْ عَلَى هَذَا الْخَلِّ فَإِذَا هُوَ خَمْرٌ أَوْ عَلَى هَذَا الْعَبْدِ فَإِذَا هُوَ حُرٌّ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ) بَيَانٌ لِثَلَاثِ مَسَائِلَ الْحُكْمُ فِيهَا وَاحِدٌ وَهُوَ وُجُوبُ مَهْرِ الْمِثْلِ لِفَسَادِ التَّسْمِيَةِ الْأُولَى إذَا كَانَ الْمُسَمَّى مَجْهُولَ الْجِنْسِ كَالثَّوْبِ؛ لِأَنَّ الْأَثْوَابَ أَجْنَاسٌ شَتَّى كَالْحَيَوَانِ وَالدَّابَّةِ فَلَيْسَ الْبَعْضُ أَوْلَى مِنْ الْبَعْضِ بِالْإِرَادَةِ فَصَارَتْ الْجَهَالَةُ فَاحِشَةً، وَقَدْ فُسِّرَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ الْجِنْسُ بِالنَّوْعِ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْجِنْسَ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ هُوَ الْمَقُولُ عَلَى كَثِيرِينَ مُخْتَلِفِينَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ فِي الْأَمَانِ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ كَنَسْخِ النَّهْرِ فِي الْأَيْمَانِ وَلَكِنَّ الَّذِي رَأَيْته فِي الذَّخِيرَةِ فِي الْأَمَانِ مَصْدَرُ آمَنَ لَا جَمْعُ يَمِينٍ. (قَوْلُهُ غَيْرُ صَحِيحٍ) قَالَ فِي النَّهْرِ هَذَا سَهْوٌ بَلْ هُوَ صَحِيحٌ وَذَلِكَ أَنَّ الْمُدَّعَى إنَّمَا هُوَ ثُبُوتُ الْمِلْكِ لَهَا بِمُجَرَّدِ الْقَبُولِ وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا الْقَدْرَ ثَابِتٌ فِي الْمُشَارِ إلَيْهِ وَالْمُضَافِ غَيْرَ أَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ مُسْتَغْنٍ عَنْ التَّمْيِيزِ بِخِلَافِ الثَّانِي فَإِذَا قَالَ عَلَى عَبْدِي وَلَهُ أَعْبُدٌ ثَبَتَ لَهَا الْمِلْكُ فِي وَاحِدٍ وَسَطٍ مِمَّا فِي مِلْكِهِ وَعَلَيْهِ تَعْيِينُهُ وَدَعْوَى تَوَقُّفِ مِلْكِهَا لَهُ غَيْرُ صَحِيحٍ إذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَاسْتَوَى الْإِبْهَامُ وَالْإِضَافَةُ فِي هَذَا فَإِنَّهُ لَوْ عَيَّنَ لَهَا فِي الْإِبْهَامِ وَسَطًا أُجْبِرَتْ عَلَى قَبُولِهِ اهـ. فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ فَالْمُفْسِدُ لِلتَّسْمِيَةِ قَوْلُهُ مِنْ إبِلِي) قَالَ الْمَقْدِسِيَّ فِي الرَّمْزِ هَذَا مِنْ قَلْبِ الْمَوْضُوعِ؛ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ إذَا صَحَّ فَصِحَّةُ الْمُقَيَّدِ أَوْلَى. (قَوْلُهُ كَمَا فِي الْخَانِيَّة بِالْأَوْلَى) يُوجَدُ فِي النُّسَخِ لَفْظَةُ بِالْأَوْلَى فِي الْمَوْضِعَيْنِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا فِي الْأَوَّلِ مِنْهُمَا زَائِدَةٌ. (قَوْلُهُ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ فِي الْهِدَايَةِ قَالَ وَلَوْ سُمِّيَ جِنْسًا بِأَنْ قَالَ هَرَوِيٌّ تَصِحُّ التَّسْمِيَةُ وَيُخَيَّرُ الزَّوْجُ، وَكَذَا إذَا سُمِّيَ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا سُمِّيَ جِنْسُهُ دُونَ صِفَتِهِ وَإِنْ سُمِّيَ جِنْسُهُ وَصِفَتُهُ لَا يُخَيَّرُ إلَخْ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْهَرَوِيَّ الَّذِي فُسِّرَ بِهِ الْجِنْسُ لَيْسَ جِنْسًا عِنْدَ الْفُقَهَاءِ بَلْ الْجِنْسُ عِنْدَهُمْ هُوَ الثَّوْبُ وَالْهَرَوِيُّ نَوْعٌ، وَكَذَا قَوْلُهُ سُمِّيَ جِنْسُهُ إنْ أُرِيدَ بِهِ الْجِنْسُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ سُمِّيَ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا؛ لِأَنَّهُ الْجِنْسُ عِنْدَهُمْ مَعَ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ سُمِّيَ بُرًّا أَوْ شَعِيرًا مَثَلًا، وَهَذَا هُوَ النَّوْعُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ فَكَانَ مُرَادُهُ بِالْجِنْسِ النَّوْعَ، وَلِذَا قَالَ دُونَ صِفَتِهِ وَلَمْ يَقُلْ دُونَ نَوْعِهِ؛ لِأَنَّ الصِّفَةَ تَحْتَ النَّوْعِ كَمَا أَنَّ النَّوْعَ تَحْتَ الْجِنْسِ تَأَمَّلْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 176 بِالْأَحْكَامِ كَإِنْسَانٍ وَالنَّوْعُ هُوَ الْمَقُولُ عَلَى كَثِيرِينَ مُتَّفِقِينَ بِالْأَحْكَامِ كَرَجُلٍ وَلَا شَكَّ أَنَّ الثَّوْبَ تَحْتَهُ - الْكَتَّانُ وَالْقُطْنُ وَالْحَرِيرُ وَالْأَحْكَامُ مُخْتَلِفَةٌ فَإِنَّ الثَّوْبَ الْحَرِيرَ لَا يَحِلُّ لُبْسُهُ وَغَيْرُهُ يَحِلُّ فَهُوَ جِنْسٌ عِنْدَهُمْ، وَكَذَا الْحَيَوَانُ تَحْتَهُ الْفَرَسُ وَالْحِمَارُ وَغَيْرُهُمَا، وَأَمَّا الدَّارُ فَتَحْتَهَا مَا يَخْتَلِفُ اخْتِلَافًا فَاحِشًا بِالْبُلْدَانِ وَالْمَحَالِّ وَالسَّعَةِ وَالضِّيقِ وَكَثْرَةِ الْمَرَافِقِ وَقِلَّتِهَا فَتَكُونُ هَذِهِ الْجَهَالَةُ أَفْحَشَ مِنْ جَهَالَةِ مَهْرِ الْمِثْلِ فَمَهْرُ الْمِثْلِ أَوْلَى وَهُوَ الضَّابِطُ هُنَا سَوَاءٌ كَانَ مَجْهُولَ الْجِنْسِ أَوْ مَجْهُولَ النَّوْعِ وَأَمَّا الْبَيْتُ فَذَكَرُوا أَنَّ تَسْمِيَتَهُ صَحِيحَةٌ كَفَرَسٍ وَحِمَارٍ، وَقَدْ بَحَثَ فِيهِ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ بِأَنَّهُ فِي عُرْفِنَا لَيْسَ خَاصًّا بِمَا يُبَاتُ فِيهِ بَلْ يُقَالُ لِمَجْمُوعِ الْمَنْزِلِ وَالدَّارِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ بِتَسْمِيَتِهِ مَهْرُ الْمِثْلِ كَالدَّارِ وَذُكِرَ فِي الْبَدَائِعِ أَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى بَيْتٍ فَلَهَا بَيْتٌ وَسَطٌ مِمَّا يُجَهَّزُ بِهِ النِّسَاءُ وَهُوَ بَيْتُ الثَّوْبِ لَا الْبَيْتُ الْمَبْنِيُّ فَيَنْصَرِفُ إلَى فِرَاشِ الْبَيْتِ فِي أَهْلِ الْأَمْصَارِ وَفِي أَهْلِ الْبَادِيَةِ إلَى بَيْتِ الشَّعْرِ اهـ. وَبِهِ انْدَفَعَ مَا بَحَثَهُ ابْنُ الْهُمَامِ؛ لِأَنَّهُمْ مَا أَرَادُوا بِهِ الْمَبْنِيَّ وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَفِي عُرْفِنَا يُرَادُ بِالْبَيْتِ الْمَبْنِيُّ الَّذِي مِنْ الْمَدَرِ يُبَاتُ فِيهِ فَلَا يَصْلُحُ مَهْرًا إذَا لَمْ يَكُنْ مُعَيَّنًا اهـ. قُيِّدَ بِالثَّوْبِ مِنْ غَيْرِ بَيَانِ نَوْعِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ زَادَ عَلَيْهِ، فَقَالَ هَرَوِيٌّ أَوْ مَرْوِيٌّ صَحَّتْ التَّسْمِيَةُ وَيَجِبُ الْوَسَطُ أَوْ قِيمَتُهُ يُخَيَّرُ الزَّوْجُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَكَذَا إذَا بَالَغَ فِي وَصْفِ الثَّوْبِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ اسْتَهْلَكَهَا لَا يَضْمَنُ الْمِثْلَ قَالَ مُحَمَّدٌ وَأَصْلُ هَذَا أَنَّ كُلَّ مَا جَازَ السَّلَمُ فِيهِ فَلَهَا أَنْ لَا تَأْخُذَ إلَّا الْمُسَمَّى وَمَا لَمْ يَجُزْ فِيهِ السَّلَمُ كَانَ لِلزَّوْجِ أَنْ يُعْطِيَهَا الْقِيمَةَ وَالسَّلَمُ فِي الثِّيَابِ جَائِزٌ إذَا كَانَتْ مُؤَجَّلَةً وَلَا يَجُوزُ بِدُونِ الْأَجَلِ فَلَهُ أَنْ يُعْطِيَهَا الْقِيمَةَ إلَّا فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ لَهَا أَنْ لَا تَأْخُذَ الْقِيمَةَ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُؤَجَّلَةً؛ لِأَنَّ الْمَكِيلَ وَالْمَوْزُونَ يَصْلُحُ مَهْرًا وَثَمَنًا مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الْأَجَلِ أَمَّا الثَّوْبُ الْمَوْصُوفُ وَإِنْ صَلَحَ مَهْرًا إلَّا أَنَّ الثَّوْبَ يَتَعَيَّنُ بِالتَّعَيُّنِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْعَبْدِ وَمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى عَبْدٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ الْقِيمَةَ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَكِيلَ وَالْمَوْزُونَ غَيْرُ النَّقْدِ إذَا سُمِّيَ جِنْسُهُ وَصِفَتُهُ صَارَ كَالْمُشَارِ إلَيْهِ الْعَرْضِ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ صِفَتَهُ فَهُوَ كَالْفَرَسِ وَالْحِمَارِ وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى عَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَثَوْبٍ وَلَمْ يَصِفْهُ كَانَ لَهَا عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَلَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا كَانَ لَهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ إلَّا أَنْ تَكُونَ مُتْعَتُهَا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ. اهـ. وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ وُجُوبَ مَهْرِ الْمِثْلِ فِيمَا إذَا سُمِّيَ مَجْهُولُ الْجِنْسِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مُسَمًّى مَعْلُومٌ لَكِنْ يَنْبَغِي عَلَى هَذَا أَنْ لَا يُنْظَرَ إلَى الْمُتْعَةِ أَصْلًا؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى هُنَا عَشَرَةٌ فَقَطْ وَذِكْرُ الثَّوْبِ لَغْوٌ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَمْ يُكْمِلْ لَهَا مَهْرَ الْمِثْلِ قَبْلَ الطَّلَاقِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى دَرَاهِمَ كَانَ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ وَلَا يُشْبِهُ هَذَا الْخُلْعَ اهـ. وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ جَهَالَةَ الْقَدْرِ كَجَهَالَةِ الْجِنْسِ وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَقَلَّ مِنْ أَلْفِ دِرْهَمٍ وَمَهْرُ مِثْلِهَا أَلْفَانِ كَانَ لَهَا أَلْفُ دِرْهَمٍ؛ لِأَنَّ النُّقْصَانَ عَنْ الْأَلْفِ لَمْ يَصِحَّ لِمَكَانِ الْجَهَالَةِ فَصَارَ كَأَنَّهُ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ وَإِنْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةٍ قَالَ مُحَمَّدٌ لَهَا عَشَرَةُ دَرَاهِمَ اهـ. وَفِي الْبَدَائِعِ لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى بَيْتٍ وَخَادِمٍ وَوُصِفَ الْوَسَطُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُمَّ صَالَحَتْ مِنْ ذَلِكَ زَوْجَهَا عَلَى أَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ الْوَسَطِ سِتِّينَ دِينَارًا أَوْ سَبْعِينَ دِينَارًا جَازَ الصُّلْحُ؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ لِلْبَعْضِ وَيَجُوزُ ذَلِكَ بِالنَّقْدِ وَالنَّسِيئَةِ فَإِنْ صَالَحَتْهُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الْوَسَطِ فَالْفَضْلُ بَاطِلٌ لِكَوْنِ الْقِيمَةِ وَاجِبَةً بِالْعَقْدِ. الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ تَسْمِيَةُ الْمُحَرَّمِ كَمَا إذَا تَزَوَّجَ مُسْلِمٌ مُسْلِمَةً عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ التَّسْمِيَةُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ أَوْ مَالٍ غَيْرِ مُتَقَوِّمٍ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ فَوَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ وَأَشَارَ إلَى عَدَمِ صِحَّتِهَا عَلَى الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ عِنْدَ أَحَدٍ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَبِهِ انْدَفَعَ مَا بَحَثَهُ ابْنُ الْهُمَامِ) فِيهِ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ عَنْ الْبَدَائِعِ لَا يَدْفَعُ مَا بَحَثَهُ مِنْ اخْتِلَافِ الْحُكْمِ بِاخْتِلَافِ الْعُرْفِ نَعَمْ يَدْفَعُ مَا يُشْعِرُ بِهِ كَلَامُهُ مِنْ حَمْلِ كَلَامِهِمْ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا يُبَاتُ فِيهِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا إذَا بَالَغَ فِي وَصْفِ الثَّوْبِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ، وَكَذَا يَتَخَيَّرُ بَيْنَ دَفْعِ الثَّوْبِ أَوْ قِيمَتِهِ وَلَوْ بَالَغَ لَا أَنَّهُ يَجِبُ الْوَسَطُ وَلَوْ بَالَغَ فَإِنَّهُ إذَا دُفِعَ الثَّوْبُ اُعْتُبِرَ وَصْفُهُ حَتَّى لَوْ قَالَ ثَوْبٌ هَرَوِيٌّ جَيِّدٌ أَوْ وَسَطٌ أَوْ رَدِيءٌ اُعْتُبِرَ الْوَصْفُ الْمُعَيَّنُ إذَا دَفَعَهُ، وَكَذَا إذَا دَفَعَ الْقِيمَةَ يَدْفَعُ قِيمَةَ الْجَيِّدِ فِي تَعْيِينِهِ وَقِيمَةَ الْوَسَطِ فِي تَعْيِينِهِ، وَكَذَا الرَّدِيءُ. (قَوْلُهُ وَبِهَذَا عُلِمَ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ تَأَمَّلْهُ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الثَّوْبَ لَا يَدْخُلُ فِي الْمَهْرِ وَيُحْمَلُ عَلَى التَّبَرُّعِ بِهِ مِنْ الزَّوْجِ قَطْعًا وَلَوْ دَخَلَ لَكَانَتْ التَّسْمِيَةُ فَاحِشَةً مَعَهُ فَيُوجِبُ فَسَادَهَا فَيُحْمَلُ عَلَى الْعِدَّةِ كَمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ وَعَلَيْك بِالتَّأَمُّلِ. اهـ. وَجَزَمَ بِهَذَا فِي فَتَاوَاهُ الْخَيْرِيَّةِ وَقَالَ، وَقَدْ جُعِلَ فِي الْبَحْرِ تَسْمِيَةُ الثَّوْبِ لَغْوًا، وَقَدْ زَاغَ فَهْمُ صَاحِبِ الْبَحْرِ وَأَخِيهِ صَاحِبِ النَّهْرِ فِيهِ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ وَحَمْلُهُ عَلَى الْعِدَّةِ يُوَضِّحُ الْكَلَامَ وَيَنْفِي الْمَرَامَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ اهـ. أَقُولُ: لَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّ حَمْلَ الثَّوْبِ عَلَى الْعِدَّةِ وَالتَّبَرُّعِ هُوَ مَعْنَى مَا حَمَلَهُ عَلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ مِنْ أَنَّ ذِكْرَهُ لَغْوٌ بَلْ الْجَوَابُ عَنْ كَلَامِ الْخَانِيَّةِ هُوَ مَا قَدَّمْنَاهُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 177 أَصْلًا وَقُيِّدَ فِي الْهِدَايَةِ بِأَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ مُسْلِمًا وَقُيِّدَ فِي الْبَدَائِعِ بِإِسْلَامِهِمَا. وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَ مُسْلِمٌ ذِمِّيَّةً عَلَى خَمْرٍ لَمْ تَصِحَّ التَّسْمِيَةُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إيجَابُهَا عَلَى الْمُسْلِمِ وَقُيِّدَ بِكَوْنِ الْمُسَمَّى هُوَ الْمُحَرَّمُ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ لَوْ سَمَّى لَهَا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَرِطْلًا مِنْ خَمْرٍ فَلَهَا الْمُسَمَّى وَلَا يَكْمُلُ مَهْرُ الْمِثْلِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ. وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى صِحَّةِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ قَبُولِ الْخَمْرِ شَرْطٌ فَاسِدٌ فَيَصِحُّ النِّكَاحُ وَيَلْغُو الشَّرْطُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ. الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ أَنْ يُسَمِّيَ مَا يَصْلُحُ مَهْرًا وَيُشِيرُ إلَى مَا لَا يَصْلُحُ مَهْرًا كَمَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى هَذَا الْعَبْدِ فَإِذَا هُوَ حُرٌّ أَوْ عَلَى هَذِهِ الشَّاةِ الذَّكِيَّةِ فَإِذَا هِيَ مَيِّتَةٌ أَوْ عَلَى هَذَا الدَّنِّ الْخَلِّ فَإِذَا هُوَ خَمْرٌ فَالتَّسْمِيَةُ فَاسِدَةٌ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ وَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ تَصِحُّ التَّسْمِيَةُ فِي الْكُلِّ وَعَلَيْهِ فِي الْحُرِّ قِيمَةُ الْحُرِّ لَوْ كَانَ عَبْدًا وَفِي الشَّاةِ قِيمَةُ الشَّاةِ لَوْ كَانَتْ ذَكِيَّةً وَفِي الْخَمْرِ مِثْلُ ذَلِكَ الدَّنِّ مِنْ خَلٍّ وَسَطٍ وَمُحَمَّدٌ فَرَّقَ فَوَافَقَ الْإِمَامُ فِي الْحُرِّ وَالْمَيْتَةِ وَأَبَا يُوسُفَ فِي الْخَمْرِ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ وَأَنَّ الْمُعْتَبَرَ الْمُشَارَ إلَيْهِ إنْ كَانَ الْمُسَمَّى مِنْ جِنْسِهِ وَإِنْ كَانَ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ فَالْمُسَمَّى قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي إنَّ هَذِهِ الْمَسَائِلَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَصْلٍ وَهُوَ أَنَّ الْإِشَارَةَ وَالتَّسْمِيَةَ إذَا اجْتَمَعَتَا وَالْمُشَارُ إلَيْهِ مِنْ خِلَافِ جِنْسِ الْمُسَمَّى فَالْعِبْرَةُ لِلتَّسْمِيَةِ؛ لِأَنَّهَا تُعَرِّفُ الْمَاهِيَّةَ وَالْإِشَارَةَ تُعَرِّفُ الصُّورَةَ فَكَانَ اعْتِبَارُ التَّسْمِيَةِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمَعَانِيَ أَحَقُّ بِالِاعْتِبَارِ وَإِنْ كَانَ الْمُشَارُ إلَيْهِ مِنْ جِنْسِ الْمُسَمَّى إلَّا أَنَّهُمَا اخْتَلَفَا وَصْفًا فَالْعِبْرَةُ لِلْإِشَارَةِ وَالشَّأْنِ فِي التَّخْرِيجِ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ فَأَبُو يُوسُفَ يَقُولُ الْحُرُّ مَعَ الْعَبْدِ وَالْخَلُّ مَعَ الْخَمْرِ جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ فِي حَقِّ الصَّدَاقِ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا مَالٌ مُتَقَوِّمٌ يَصْلُحُ صَدَاقًا وَالْآخَرُ لَا فَالْحُكْمُ حِينَئِذٍ لِلْمُسَمَّى وَكَأَنَّ الْإِشَارَةَ تُبَيِّنُ وَصْفَهُ وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ الْعَبْدُ مَعَ الْحُرِّ جِنْسٌ وَاحِدٌ إذْ مَعْنَى الذَّاتِ لَا يَفْتَرِقُ وَأَمَّا الْخَلُّ مَعَ الْخَمْرِ فَجِنْسَانِ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ لَا تَأْخُذُ الذَّاتَانِ حُكْمَ الْجِنْسَيْنِ إلَّا بِتَبَدُّلِ الصُّورَةِ وَالْمَعْنَى؛ لِأَنَّ كُلَّ مَوْجُودٍ مِنْ الْحَوَادِثِ مَوْجُودٌ بِهِمَا وَصُورَةُ الْخَلِّ وَالْخَمْرِ وَالْحُرِّ وَالْعَبْدِ وَاحِدَةٌ فَاتَّحَدَ الْجِنْسُ فَالْعِبْرَةُ لِلْإِشَارَةِ وَالْمُشَارُ إلَيْهِ غَيْرُ صَالِحٍ فَوَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ. اهـ. وَارْتَضَاهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقَالَ وَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنْ يَكُونَ مُسَمَّى الْخَمْرِ خَلًّا وَالْحُرِّ عَبْدًا تَجَوُّزًا وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ تَعَلُّقَ الْحُكْمِ بِالْمُرَادِ كَمَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ هَذِهِ الْكَلْبَةُ طَالِقٌ وَلِعَبْدِهِ هَذَا الْحِمَارُ حُرٌّ تَطْلُقُ وَيَعْتِقُ فَظَهَرَ أَنْ لَا اخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي الْأَصْلِ بَلْ فِي اخْتِلَافِ الْجِنْسِ وَاتِّحَادِهِ فَلَزِمَ إنَّمَا ذَكَرَهُ فِي بَعْضِ شُرُوحِ الْفِقْهِ مِنْ أَنَّ الْجِنْسَ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ الْمَقُولُ عَلَى كَثِيرِينَ مُخْتَلِفِينَ بِالْأَحْكَامِ إنَّمَا هُوَ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ الْمُخْتَلِفِينَ بِالْمَقَاصِدِ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ هُوَ الْمَقُولُ عَلَى مُتَّحِدِي الصُّورَةِ وَالْمَعْنَى ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ اللَّائِقَ كَوْنُ الْجَوَابِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وُجُوبَ الْقِيمَةِ أَوْ عَبْدٍ وَسَطٍ؛ لِأَنَّ إلْغَاءَ الْإِشَارَةِ وَاعْتِبَارَ الْمُسَمَّى يُوجِبُ كَوْنَ الْحَاصِلِ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا عَلَى عَبْدٍ وَحُكْمُهُ مَا قُلْنَا. اهـ. وَفِي الْأَسْرَارِ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ وَمُحَمَّدًا اعْتَبَرَا الْمَعْنَى وَأَبُو حَنِيفَةَ اعْتَبَرَ الصُّورَةَ وَآلَ الْأَمْرُ إلَى أَنَّ الذَّاتَ الْوَاحِدَةَ تَلْحَقُ بِجِنْسَيْنِ إذَا اخْتَلَفَتْ صُورَةٌ وَمَعْنًى وَالذَّاتَانِ قَدْ يَلْحَقَانِ بِجِنْسٍ وَاحِدٍ إذَا اتَّفَقَا صُورَةً وَمَعْنًى فَلَا يُنْسَبُ غَيْرَانِ إلَى وَاحِدٍ إلَّا بِاتِّحَادِ الصُّورَةِ وَالْمَعْنَى وَلَا الْوَاحِدُ إلَى الْغَيْرَيْنِ إلَّا بِاخْتِلَافِ الصُّورَةِ وَالْمَعْنَى وَكَلَامُنَا فِي ذَاتٍ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّ الْوَصْفَيْنِ اللَّذَيْنِ اخْتَلَفَا فِيهِمَا يَتَعَاقَبَانِ عَلَى ذَاتٍ وَاحِدَةٍ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ وَلَا يُنْسَبُ الْوَاحِدُ إلَى غَيْرَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ إلَّا بِاخْتِلَافِ الصُّورَةِ وَالْمَعْنَى وَلَمْ يُوجَدْ اخْتِلَافُ الصُّورَةِ اهـ. وَقَوْلُهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ اللَّائِقَ إلَى آخِرِهِ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّ أَبَا يُوسُفَ مَا أَلْغَى الْإِشَارَةَ بِالْكُلِّيَّةِ، وَإِنَّمَا أَلْغَاهَا مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ كَمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ - مَا فِي الْأَسْرَارِ أَنَّهُ فِي الْعَبْدِ الْمُطْلَقِ إذَا أَتَى بِهِ إلَيْهَا تُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ كَمَا لَوْ أَتَاهَا بِالْقِيمَةِ وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَوْ أَتَاهَا بِعَبْدٍ وَسَطٍ لَا تُجْبَرُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ. اهـ. وَفِي الْبَدَائِعِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ هَذِهِ التَّسْمِيَةَ لَا تَكُونُ مِنْ قَبِيلِ الْمَجَازِ فَإِنَّهُ قَالَ وَحَقِيقَةُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَفِي الْبَدَائِعِ مَا يَقْتَضِي إلَخْ) رَدٌّ عَلَى قَوْلِ الْفَتْحِ وَغَايَةِ الْأَمْرِ إلَخْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 178 الْفِقْهِ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ هَذَا حُرٌّ سُمِّيَ عَبْدًا وَتَسْمِيَةُ الْحُرِّ عَبْدًا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ كَذِبٌ فَالْتَحَقَتْ التَّسْمِيَةُ بِالْعَدَمِ وَبَقِيَتْ الْإِشَارَةُ وَالْمُشَارُ إلَيْهِ لَا يَصْلُحُ مَهْرًا اهـ. وَذُكِرَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَيْضًا مِنْ الْبُيُوعِ أَنَّ الْجِنْسَ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ لَيْسَ إلَّا الْمَقُولُ عَلَى كَثِيرِينَ لَا يَتَفَاوَتُ الْغَرَضُ مِنْهَا فَاحِشًا فَالْجِنْسَانِ مَا يَتَفَاوَتُ مِنْهَا فَاحِشًا مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارٍ لِلذَّاتِ اهـ. وَقَالَ فِي بَابِ الرِّبَا إنَّ اخْتِلَافَ الْجِنْسِ يُعْرَفُ بِاخْتِلَافِ الِاسْمِ وَالْمَقْصُودِ فَالْحِنْطَةُ جِنْسٌ وَالشَّعِيرُ جِنْسٌ آخَرُ، وَأَمَّا اعْتِرَاضُهُ عَلَى مَا فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ فَفِيهِ نَظَرٌ أَيْضًا فِي بَحْثِ الْخَاصِّ فَإِنَّهُمْ جَعَلُوا إنْسَانًا مِنْ قَبِيلِ خُصُوصِ الْجِنْسِ؛ لِأَنَّهُ مَقُولٌ عَلَى كَثِيرِينَ مُخْتَلِفِينَ بِالْأَحْكَامِ كَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَجَعَلُوا رَجُلًا مِنْ قَبِيلِ خُصُوصِ النَّوْعِ وَأَنَّهُ الْمَقُولُ عَلَى كَثِيرِينَ مُتَّفِقِينَ فِي الْأَحْكَامِ فَأُورِدَ عَلَيْهِ الْحُرُّ وَالْعَبْدُ وَالْعَاقِلُ وَالْمَجْنُونُ فَإِنَّهُمْ دَاخِلُونَ تَحْتَ رَجُلٍ وَأَحْكَامُهُمْ مُخْتَلِفَةٌ فَأَجَابُوا بِأَنَّ اخْتِلَافَ الْأَحْكَامِ بِالْعَرْضِ لَا بِالْأَصَالَةِ بِخِلَافِ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى فَإِنَّ اخْتِلَافَ أَحْكَامِهِمَا بِالْأَصَالَةِ فَقَوْلُهُ إنَّ الْحُرَّ وَالْعَبْدَ جِنْسٌ وَاحِدٌ مَعْنَاهُ أَنَّهُمَا دَاخِلَانِ تَحْتَ شَيْءٍ وَاحِدٍ وَهُوَ رَجُلٌ وَكَذَا الْخَلُّ وَالْخَمْرُ دَاخِلَانِ تَحْتَ مَاءِ الْعَصِيرِ فَرَجُلٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْحُرِّ وَالْعَبْدِ جِنْسٌ لَهُمَا وَإِنْ كَانَ نَوْعًا لِإِنْسَانٍ وَالْحُرُّ مَثَلًا نَوْعٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى زَيْدٍ وَعَمْرٍو مَثَلًا وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ إنَّ الْحُرَّ وَالْعَبْدَ جِنْسَانِ لَيْسَ مَعْنَاهُ الْجِنْسَ الْمُصْطَلَحَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا أَبُو يُوسُفَ نَظَرَ إلَى أَنَّ لَفْظَ حُرٍّ تَحْتَهُ أَشْخَاصٌ هِيَ زَيْدٌ وَعَمْرٌو وَبَكْرٌ وَغَيْرُهَا وَلَفْظَ عَبْدٍ كَذَلِكَ فَجَعَلَهُمَا جِنْسَيْنِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ حَكَمَ بِاتِّحَادِ الْجِنْسِ فِيهِمَا نَظَرًا إلَى دُخُولِهِمَا تَحْتَ شَيْءٍ وَهُوَ رَجُلٌ وَأَبُو يُوسُفَ حَكَمَ بِالِاخْتِلَافِ نَظَرًا إلَى أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَقُولٌ عَلَى أَشْخَاصٍ كَثِيرَةٍ فَلَمْ يُرِيدُوا الْجِنْسَ الْمُصْطَلَحَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ أَرَادُوهُ لَمْ يَصِحَّ كَلَامُهُمْ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ لَيْسَا جِنْسًا، وَإِنَّمَا هُوَ نَوْعُ النَّوْعِ وَهُوَ رَجُلٌ، وَأَمَّا قَوْلُهُ إنَّ اللَّائِقَ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ إلَى آخِرِهِ فَهُوَ مَا نَقَلَهُ الْقُدُورِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ فَتَجِدُهُ مُوَافِقًا لِإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ أَمَّا عَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ فَأَجَابَ عَنْهُ الزَّيْلَعِيُّ بِقَوْلِهِ، وَإِنَّمَا لَمْ تَجِبْ قِيمَةُ عَبْدٍ وَسَطٍ لِاعْتِبَارِهِ الْإِشَارَةَ مِنْ وَجْهٍ اهـ. وَقَيَّدَ الْمُصَنِّفُ بِكَوْنِ الْمُشَارِ إلَيْهِ حُرًّا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ تَزَوَّجَهَا عَلَى هَذَا الْعَبْدِ فَإِذَا هُوَ مُدَبَّرٌ أَوْ مُكَاتَبٌ أَوْ أُمُّ وَلَدٍ وَالْمَرْأَةُ تَعْلَمُ بِحَالِ الْعَبْدِ أَوْ لَمْ تَعْلَمْ كَانَ لَهَا قِيمَةُ الْعَبْدِ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ مَعَ أَنَّ الْمُشَارَ إلَيْهِ لَا يَصْلُحُ مَهْرًا لَكِنْ لَمَّا لَمْ يَخْرُجْ عَنْ الْمَالِيَّةِ بِالْكُلِّيَّةِ صَحَّتْ التَّسْمِيَةُ وَاعْتُبِرَ الْمُسَمَّى وَفِيهَا أَيْضًا لَوْ سُمِّيَ خَلًّا وَأَشَارَ إلَى طَلًا فَلَهَا مِثْلُ الدَّنِّ مِنْ الْخَلِّ وَكَأَنَّهُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَالطَّلَا الْمُثَلَّثُ كَمَا فِي الْمُغْرِبِ وَقُيِّدَ بِكَوْنِ الْمُسَمَّى حَلَالًا وَالْمُشَارُ إلَيْهِ حَرَامًا إذْ لَوْ كَانَ عَلَى عَكْسِهِ كَمَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى هَذَا الْحُرِّ فَإِذَا هُوَ عَبْدٌ فَإِنَّ لَهَا الْعَبْدَ الْمُشَارَ إلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ كَمَا فِي الْمَجْمَعِ وَالْخَانِيَّةِ وَالْبَدَائِعِ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ الْعِبْرَةُ لِلْمُشَارِ إلَيْهِ وَهُوَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ وَمُحَمَّدٌ أَوْجَبَ مَهْرَ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ كَالْهَازِلِ بِالتَّسْمِيَةِ وَقُيِّدَ بِكَوْنِ الْمُشَارِ إلَيْهِ حَرَامًا؛ لِأَنَّهُمَا لَوْ كَانَا حَلَالَيْنِ وَهُمَا مُخْتَلِفَانِ كَمَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى هَذَا الدَّنِّ مِنْ الْخَلِّ فَإِذَا هُوَ زَيْتٌ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ إنَّ لَهَا مِثْلَ ذَلِكَ الدَّنِّ خَلًّا؛ لِأَنَّهَا أَمْوَالٌ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى هَذَا الْعَبْدِ فَإِذَا هِيَ جَارِيَةٌ أَوْ عَلَى هَذَا الثَّوْبِ الْمَرْوِيِّ فَإِذَا هُوَ قُوهِيٌّ فَإِنَّ عَلَيْهِ عَبْدًا بِقِيمَةِ الْجَارِيَةِ وَثَوْبًا مَرْوِيًّا بِقِيمَةِ الْقُوهِيِّ لِمَا ذَكَرْنَاهُ اهـ. وَفِي الْخَانِيَّةِ إذَا كَانَا حَلَالَيْنِ فَلَهَا مِثْلُ ذَلِكَ الْمُسَمَّى وَهُوَ يَقْتَضِي وُجُوبَ عَبْدٍ وَسَطٍ أَوْ قِيمَتِهِ وَلَا يُنْظَرُ إلَى قِيمَةِ الْجَارِيَةِ فَصَارَ الْحَاصِلُ إنَّ الْقِسْمَةَ رُبَاعِيَّةٌ؛ لِأَنَّهُمَا إمَّا أَنْ يَكُونَا حَرَامَيْنِ أَوْ حَلَالَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا حَرَامًا وَالْآخَرُ حَلَالًا فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ فِيمَا إذَا كَانَا حَرَامَيْنِ أَوْ الْمُشَارُ إلَيْهِ حَرَامًا وَتَصِحُّ التَّسْمِيَةُ فِي الْآخَرَيْنِ وَمَسْأَلَةُ مَا إذَا كَانَا حَرَامَيْنِ مَذْكُورَةٌ فِي الْخَانِيَّةِ أَيْضًا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى هَذَا الزِّقِّ السَّمْنِ فَإِذًا لَا شَيْءَ فِيهِ كَانَ لَهَا مِثْلُ ذَلِكَ الزِّقِّ سَمْنًا إنْ كَانَ يُسَاوِي عَشَرَةً وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى مَا فِي الزِّقِّ مِنْ السَّمْنِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَذُكِرَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَيْضًا مِنْ الْبُيُوعِ إلَخْ) رَدٌّ لِكَلَامِهِ بِكَلَامِهِ. (قَوْلُهُ وَكَأَنَّهُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ) أَيْ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ الْمَالِيَّةِ بِالْكُلِّيَّةِ قَالَ فِي النَّهْرِ أَقُولُ: فِي أَشْرِبَةِ الْوَافِي يَصِحُّ بَيْعُ غَيْرِ الْخَمْرِ مِنْ الْأَشْرِبَةِ الْمُحَرَّمَةِ وَضِمْنُ مُتْلَفِهِ فَالطَّلَا وَهُوَ الْعَصِيرُ إنْ طُبِخَ فَذَهَبَ أَقَلُّ مِنْ ثُلُثِهِ لَيْسَ بِقَيْدٍ إذْ السُّكَّرُ وَهُوَ النِّيءُ مِنْ مَاءِ الرُّطَبِ وَنَقِيعِ الزَّبِيبِ إنْ اشْتَدَّ وَغَلَى كَذَلِكَ وَإِذَا عُرِفَ هَذَا فَالْمُثَلَّثُ الْعِنَبِيُّ بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يَحِلُّ شُرْبُهُ عِنْدَ الْإِمَامِ لَا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ. (قَوْلُهُ فَإِذَا هُوَ قُوهِيٌّ) نِسْبَةٌ إلَى قُوهِسْتَانَ بِالضَّمِّ قَالَ فِي الْقَامُوسِ كُورَةٌ وَمَوْضِعٌ بَيْنَ نَيْسَابُورَ وَهَرَاةَ وَقَصَبَتِهَا وَبَلَدٍ بِكَرْمَانَ وَمِنْهُ ثَوْبٌ قُوهِيٌّ لِمَا يُنْسَجُ بِهَا أَوْ كُلُّ ثَوْبٍ أَشْبَهَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ قُوهِسْتَانَ. (قَوْلُهُ وَتَصِحُّ التَّسْمِيَةُ فِي الْآخَرَيْنِ) وَهُمَا مَا إذَا كَانَا حَلَالَيْنِ أَوْ الْمُشَارُ إلَيْهِ حَلَالًا فَفِي الْأَوَّلِ مِنْهُمَا لَهَا مِثْلُ ذَلِكَ الْمُسَمَّى لَوْ مِثْلِيًّا أَوْ قِيمَتُهُ وَفِي الثَّانِي لَهَا الْمُشَارُ إلَيْهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 179 فَإِذًا لَا شَيْءَ فِيهِ كَانَ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ فِي الزِّقِّ شَيْءٌ آخَرُ خِلَافُ الْجِنْسِ وَلَوْ قَالَ تَزَوَّجْتُك عَلَى الشَّاةِ الَّتِي فِي هَذَا الْبَيْتِ فَإِذَا فِي الْبَيْتِ خِنْزِيرٌ أَوْ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ كَانَ لَهَا شَاةٌ وَسَطٌ وَتَبْطُلُ الْإِشَارَةُ اهـ. وَكَأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ مَسْأَلَتَيْ الزِّقِّ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لَمْ يَجْعَلْ الْمُسَمَّى مَا فِيهِ، وَإِنَّمَا جَعَلَهُ قَدْرَ مَا يَمْلَأُ الظَّرْفَ الْمُشَارَ إلَيْهِ وَفِي الثَّانِيَةِ جَعَلَ الْمُسَمَّى السَّمْنَ الَّذِي هُوَ فِيهِ وَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ فَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يُسَمِّ شَيْئًا فَوَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الشَّاةِ الَّتِي فِي هَذَا الْبَيْتِ فَلَيْسَتْ مِنْ قَبِيلِ مَا اجْتَمَعَ فِيهِ الْإِشَارَةُ وَالتَّسْمِيَةُ، وَإِنَّمَا حَاصِلُهَا أَنَّهُ سَمَّى شَاةً وَوَصَفَهَا بِوَصْفٍ وَهُوَ كَوْنُهَا فِي بَيْتٍ خَاصٍّ فَإِذَا لَمْ تُوجَدْ فِي الْبَيْتِ بَطَلَ الْوَصْفُ وَبَقِيَ الْمَوْصُوفُ وَهُوَ مُطْلَقُ الشَّاةِ فَوَجَبَ شَاةٌ وَسَطٌ أَوْ نَقُولُ اجْتَمَعَ الْإِشَارَةُ وَالتَّسْمِيَةُ وَالْجِنْسُ مُخْتَلِفٌ لِتَبَدُّلِ الصُّورَةِ وَالْمَعْنَى فَيَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِالْمُسَمَّى وَهُوَ مَالٌ وَفِي الْبَدَائِعِ لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى هَذَا الدَّنِّ الْخَمْرِ وَقِيمَةُ الظَّرْفِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ فَصَاعِدًا فَفِيهِ رِوَايَتَانِ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي رِوَايَةٍ لَهَا الدَّنُّ لَا غَيْرُ؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى شَيْئَانِ الْخَمْرُ وَالظَّرْفُ فَيَلْغُو تَسْمِيَةُ الْخَمْرِ وَبَقِيَ الظَّرْفُ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى خَلٍّ وَخَمْرٍ فَلَهَا الْخَلُّ لَا غَيْرُ، وَفِي رِوَايَةٍ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ الظَّرْفَ لَا يُقْصَدُ بِالْعَقْدِ عَادَةً فَإِذَا بَطَلَتْ فِي الْمَقْصُودِ بَطَلَتْ فِي التَّبَعِ. اهـ. وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِوُجُوبِ مَهْرِ الْمِثْلِ عَيْنًا إلَى أَنَّ الْمُشَارَ إلَيْهِ لَوْ كَانَ حُرًّا حَرْبِيًّا فَاسْتُرِقَّ وَمَلَكَهُ هَذَا الزَّوْجُ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُهُ وَنُقِلَ فِي الْأَسْرَارِ أَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ الْخَمْرُ بِعَيْنِهَا لَوْ تَخَلَّلَتْ لَمْ يَجِبْ تَسْلِيمُهَا، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ تَسْلِيمُ مِثْلِهَا خِلَافَيْ قَوْلِهِمَا؛ لِأَنَّ الْمُشَارَ إلَيْهِ لَمْ يَكُنْ مَالًا حِينَ سُمِّيَ فَفَسَدَتْ التَّسْمِيَةُ فِي حَقِّ مَا لَيْسَ بِمَالٍ فَلَا يُسْتَحَقُّ تَسْلِيمُهُ بِالتَّسْمِيَةِ تَبَعًا لِوَصْفِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِذَا أَمْهَرَ عَبْدَيْنِ وَأَحَدُهُمَا حُرٌّ فَمَهْرُهَا الْعَبْدُ) يَعْنِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا سَاوَى عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَإِلَّا كَمُلَ لَهَا الْعَشَرَةُ؛ لِأَنَّهُ مُسَمًّى وَوُجُوبُ الْمُسَمَّى وَإِنْ قَلَّ يَمْنَعُ وُجُوبَ مَهْرِ الْمِثْلِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَهَا الْعَبْدُ وَقِيمَةُ الْحُرِّ لَوْ كَانَ عَبْدًا؛ لِأَنَّهُ أَطْمَعَهَا سَلَامَةَ الْعَبْدَيْنِ وَعَجَزَ عَنْ تَسْلِيمِ أَحَدِهِمَا فَتَجِبُ قِيمَتُهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَهُوَ رِوَايَةً عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَهَا الْعَبْدُ الْبَاقِي وَتَمَامُ مَهْرِ مِثْلِهَا إنْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا أَكْثَرَ مِنْ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُمَا لَوْ كَانَا حُرَّيْنِ يَجِبُ تَمَامُ مَهْرِ الْمِثْلِ عِنْدَهُ فَإِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا عَبْدًا يَجِبُ الْعَبْدُ وَتَمَامُ مَهْرِ الْمِثْلِ وَالِاخْتِلَافُ هُنَا فَرْعٌ عَلَى قَوْلِهِمْ السَّابِقِ وَالْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا إذَا سَمَّى لَهَا وَشَرَطَ مَعَهُ مَنْفَعَةً وَلَمْ يُوفِ حَيْثُ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا رَضِيَتْ بِالْمُسَمَّى عَلَى تَقْدِيرِ حُصُولِ الْمَنْفَعَةِ فَعِنْدَ عَدَمِ الْوَفَاءِ بِهَا لَمْ تَكُنْ رَاضِيَةً بِالْمُسَمَّى أَصْلًا، وَأَمَّا هُنَا فَقَدْ رَضِيَتْ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَبْدَيْنِ ثُمَّ لَمَّا ظَهَرَ أَحَدُهُمَا حُرًّا لَمْ يَجِبْ مَهْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْمُسَمَّى فِي أَحَدِهِمَا لِوُجُودِ رِضَاهَا فِيهِ مَنَعَ ذَلِكَ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَقَدْ يُقَالُ إنَّهَا إنَّمَا رَضِيَتْ بِكُلِّ وَاحِدٍ عَلَى أَنَّهُ بَعْضُ الْمَهْرِ لَا كُلُّهُ فَإِذَا ظَهَرَ أَنَّهُ كُلُّ الْمَهْرِ لَمْ تَكُنْ رَاضِيَةً بِهِ فَيَنْبَغِي وُجُوبُ مَهْرِ الْمِثْلِ، وَقَدْ يُجَابُ عَنْهُ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهَا هُنَا مُقَصِّرَةٌ فِي الْفَحْصِ عَنْ حَالِ الْمُسَمَّيَيْنِ فَإِنَّهُ مِمَّا يُعْلَمُ بِالْفَحْصِ بِخِلَافِ تِلْكَ الْمَسَائِلِ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْإِخْرَاجِ وَطَلَاقَ الضَّرَّةِ إنَّمَا يُعْلَمُ بَعْدَ ذَلِكَ فَكَانَتْ هُنَا مُلْتَزِمَةً لِلضَّرَرِ مَعْنًى لِسُوءِ ظَنِّهَا وَأَرَادَ الْمُصَنِّفُ بِالْعَبْدَيْنِ الشَّيْئَيْنِ الْحَلَالَيْنِ وَأَرَادَ بِالْحُرِّ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا حَرَامًا فَدَخَلَ فِيهِ مَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى هَذَا الْعَبْدِ، وَهَذَا الْبَيْتِ فَإِذَا الْعَبْدُ حُرٌّ أَوْ عَلَى مَذْبُوحَتَيْنِ فَإِذَا أَحَدُهُمَا مَيِّتَةٌ كَمَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَقُيِّدَ بِأَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا حُرًّا إذْ لَوْ اُسْتُحِقَّ أَحَدُهُمَا فَلَهَا الْبَاقِي وَقِيمَةُ الْمُسْتَحَقِّ وَلَوْ اُسْتُحِقَّا جَمِيعًا فَلَهَا قِيمَتُهُمَا، وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ بِخِلَافِ مَا إذَا اُسْتُحِقَّ نِصْفُ الدَّارِ الْمَمْهُورَةِ وَأَنَّ لَهَا الْخِيَارَ إنْ شَاءَتْ أَخَذَتْ الْبَاقِيَ وَنِصْفَ الْقِيمَةِ وَإِنْ شَاءَتْ أَخَذَتْ كُلَّ الْقِيمَةِ فَإِذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَلَيْسَ لَهَا إلَّا النِّصْفُ الْبَاقِي وَلَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى أَبِيهَا عَتَقَ فَإِنْ اُسْتُحِقَّ الْأَبُ ثُمَّ مَلَكَهُ الزَّوْجُ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِالْقِيمَةِ لَهَا لَمْ يَكُنْ لَهَا إلَّا الْأَبُ وَلَوْ مَلَكَهُ الزَّوْجُ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِالْقِيمَةِ لَهَا فَلَيْسَ لَهَا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَالِاخْتِلَافُ هُنَا فَرْعٌ عَلَى قَوْلِهِمْ السَّابِقِ) قَالَ فِي النَّهْرِ فَعِنْدَ الْإِمَامِ تَسْمِيَةُ الْعَبْدِ عِنْدَ الْإِشَارَةِ إلَى الْحُرِّ لَغْوٌ فَصَارَ كَأَنَّهُ تَزَوَّجَهَا عَلَى عَبْدٍ فَقَطْ وَاعْتَبَرَهَا الثَّانِي وَإِذَا سَمَّى عَبْدَيْنِ وَعَجَزَ عَنْ تَسْلِيمِ أَحَدِهِمَا وَجَبَتْ قِيمَتُهُ وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ لَكِنَّهَا لَمْ تَرْضَ بِتَمْلِيكِ بُضْعِهَا بِعَبْدٍ وَاحِدٍ فَوَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهَا. (قَوْلُهُ، وَقَدْ يُجَابُ عَنْهُ كَمَا فِي الْفَتْحِ إلَخْ) قَدْ ذَكَرَ فِي الْفَتْحِ هَذَا الْجَوَابَ أَوَّلًا ثُمَّ رَدَّهُ فِي تَوْجِيهِ الْأَقْوَالِ، وَرَجَّحَ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ، فَقَالَ الْأَوْجَهُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 180 أَنْ تَأْخُذَ الْأَبَ لِبُطْلَانِ حَقِّهَا مِنْ الْعَيْنِ إلَى الْقِيمَةِ بِالْقَضَاءِ وَإِذَا مَلَكَهُ الزَّوْجُ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ لَا تَمْلِكُهُ الْمَرْأَةُ إلَّا بِالْقَضَاءِ أَوْ بِتَسْلِيمِ الزَّوْجِ إلَيْهَا وَيَجُوزُ تَصَرُّفُ الزَّوْجِ فِيهِ قَبْلَ الْقَضَاءِ لِلْمَرْأَةِ أَوْ التَّسْلِيمِ إلَيْهَا كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلِلِاحْتِرَازِ عَمَّا إذَا وَجَدَتْ الْمُسَمَّى أَزْيَدَ أَوْ أَنْقَصَ قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالْمُحِيطِ لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى هَذِهِ الْأَثْوَابِ الْعَشَرَةِ فَإِذَا هِيَ أَحَدَ عَشَرَ قَالَ مُحَمَّدٌ يُعْطِيهَا عَشَرَةٌ مِنْهَا أَيُّهَا شَاءَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا مِثْلَ أَجْوَدِ الْعَشَرَةِ أَوْ زِيَادَةً فَلَهَا أَجْوَدُ الْعَشَرَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَلَوْ وَجَدَتْ الثِّيَابَ تِسْعَةً قَالَ مُحَمَّدٌ لَهَا تِسْعَةٌ وَتَمَامُ مَهْرِ مِثْلِهَا إنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ التِّسْعَةِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَهَا التِّسْعَةُ لَا غَيْرُ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ فَإِذَا أَحَدُهُمَا حُرٌّ وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى هَذِهِ الْأَثْوَابِ الْعَشَرَةِ الْهَرَوِيَّةِ فَإِذَا هِيَ تِسْعَةٌ فَلَهَا تِسْعَةٌ وَثَوْبٌ آخَرُ هَرَوِيٌّ وَسَطٌ بِالْإِجْمَاعِ وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الْأُولَى ذَكَرَ الثِّيَابَ مُطْلَقَةً وَالثَّوْبُ الْمُطْلَقُ مِمَّا لَا يَجِبُ مَهْرًا إذَا لَمْ يَكُنْ مُشَارًا إلَيْهِ وَالثَّوْبُ الْعَاشِرِ لَمْ يَكُنْ مُشَارًا إلَيْهِ فَلَا يَجِبُ وَفِي الثَّانِيَةِ ذَكَرَ الثِّيَابَ مَوْصُوفَةً بِكَوْنِهَا هَرَوِيَّةً وَالثَّوْبُ الْهَرَوِيُّ يَصْلُحُ مَهْرًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعَيَّنًا اهـ. وَقَدْ بَسَطَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. (قَوْلُهُ وَفِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ إنَّمَا يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ بِالْوَطْءِ) ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ فِيهِ لَا يَجِبُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ لِفَسَادِهِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ بِاسْتِيفَاءِ مَنَافِعِ الْبُضْعِ، وَكَذَا بَعْدَ الْخَلْوَةِ؛ لِأَنَّ الْخَلْوَةَ فِيهِ لَا يَثْبُتُ بِهَا التَّمَكُّنُ فَهِيَ غَيْرُ صَحِيحَةٍ كَالْخَلْوَةِ بِالْحَائِضِ فَلَا تُقَامُ مَقَامَ الْوَطْءِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْمَشَايِخِ الْخَلْوَةُ الصَّحِيحَةُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ كَالْخَلْوَةِ الْفَاسِدَةِ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَفِيهِ مُسَامَحَةٌ لِفَسَادِ الْخَلْوَةِ وَالْمُرَادُ بِالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ النِّكَاحُ الَّذِي لَمْ تَجْتَمِعْ شَرَائِطُهُ كَتَزَوُّجِ الْأُخْتَيْنِ مَعًا وَالنِّكَاحُ بِغَيْرِ شُهُودٍ وَنِكَاحُ الْأُخْتِ فِي عِدَّةِ الْأُخْتِ وَنِكَاحُ الْمُعْتَدَّةِ وَالْخَامِسَةِ فِي عِدَّةِ الرَّابِعَةِ وَالْأَمَةِ عَلَى الْحُرَّةِ وَيَجِبُ عَلَى الْقَاضِي التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا كَيْ لَا يَلْزَمَ ارْتِكَابُ الْمَحْظُورِ وَاغْتِرَارًا بِصُورَةِ الْعَقْدِ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَذُكِرَ فِي الْمُحِيطِ مِنْ بَابِ نِكَاحِ الْكَافِرِ وَلَوْ تَزَوَّجَ ذِمِّيٌّ مُسْلِمَةً فُرِّقَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ فَاسِدًا. اهـ. فَظَاهِرُهُ أَنَّهُمَا لَا يُحَدَّانِ وَأَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ فِيهِ وَالْعِدَّةُ إنْ دَخَلَ بِهَا، وَإِنَّمَا وَجَبَ الْمَهْرُ فِي الْفَاسِدِ بِالْوَطْءِ عَمَلًا بِحَدِيثِ السُّنَنِ «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ» ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا الْمَهْرُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا فَصَارَ أَصْلًا لِلْمَهْرِ فِي كُلِّ نِكَاحٍ فَاسِدٍ بَعْدَ حَمْلِنَا لَهُ عَلَى الصَّغِيرَةِ وَالْأَمَةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ بَاعَ جَارِيَةً بَيْعًا فَاسِدًا وَقَبَضَهَا الْمُشْتَرِي ثُمَّ تَزَوَّجَهَا الْبَائِعُ لَمْ يَجُزْ اهـ. وَلَوْ وَطِئَهَا الظَّاهِرُ أَنْ لَا مَهْرَ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ لَوْ وَطِئَ الْجَارِيَةَ الْمَبِيعَةَ فَاسِدًا يَجِبُ الْمَهْرُ عَلَيْهِ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَأَشَارَ بِمَهْرِ الْمِثْلِ إلَى أَنَّ الْمُسَمَّى فِيهِ لَيْسَ بِمُعْتَبَرٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَلِذَا قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى خَادِمٍ بِعَيْنِهَا نِكَاحًا فَاسِدًا وَدَفَعَ الْخَادِمَ إلَيْهَا فَأَعْتَقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَالْعِتْقُ بَاطِلٌ وَإِنْ أَعْتَقَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ فَالْعِتْقُ جَائِزٌ اهـ. وَهَكَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَدْفَعْهَا إلَيْهَا فَالْعِتْقُ بَاطِلٌ مُطْلَقًا وَهُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّهُ بِالدَّفْعِ تَعَيَّنَ لِمَهْرِ الْمِثْلِ فِي الْمَدْفُوعِ وَحُكْمُ الدُّخُولِ فِي النِّكَاحِ الْمَوْقُوفِ كَالدُّخُولِ فِي الْفَاسِدِ فَيَسْقُطُ الْحَدُّ وَيَثْبُتُ النَّسَبُ وَيَجِبُ الْأَقَلُّ مِنْ الْمُسَمَّى وَمِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ وَمَا فِي الِاخْتِيَارِ مِنْ كِتَابِ الْعِدَّةِ أَنَّهُ لَا تَجِبُ الْعِدَّةُ فِي النِّكَاحِ الْمَوْقُوفِ قَبْلَ الْإِجَازَةِ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ لَا يَثْبُتُ فِيهِ غَيْرُ صَحِيحٍ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَذَكَرَهُ الشَّارِحُ الزَّيْلَعِيُّ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَيَثْبُتُ النَّسَبُ وَالْعِدَّةُ وَأَفَادَ الْمُصَنِّفُ بِإِطْلَاقِهِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ بِالْجِمَاعِ فِيهِ وَلَوْ تَكَرَّرَ إلَّا مَهْرٌ وَاحِدٌ وَلَا يَتَكَرَّرُ الْمَهْرُ بِتَكَرُّرِ الْوَطْءِ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْوَطْءَ مَتَى حَصَلَ عُقَيْبَ شُبْهَةِ الْمِلْكِ مِرَارًا لَمْ يَجِبْ إلَّا مَهْرٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ الثَّانِيَ صَادَفَ مِلْكَهُ كَالْوَطْءِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَكَمَا لَوْ وَطِئَ جَارِيَةَ ابْنِهِ أَوْ جَارِيَةَ مُكَاتَبِهِ أَوْ وَطِئَ مَنْكُوحَتَهُ ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ حَلَفَ بِطَلَاقِهَا أَوْ وَطِئَ جَارِيَةً ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ وَمَتَى حَصَلَ الْوَطْءُ عُقَيْبَ شُبْهَةِ الِاشْتِبَاهِ مِرَارًا فَإِنَّهُ يَجِبُ بِكُلِّ   [منحة الخالق] وَكَوْنُهَا مُقَصِّرَةً بِذَلِكَ مَمْنُوعٌ إذْ الْعَادَةُ مَانِعَةٌ مِنْ التَّرَدُّدِ فِي أَنَّ الْمُسَمَّى حُرٌّ أَوْ عَبْدٌ. (قَوْلُهُ وَفِيهِ مُسَامَحَةٌ لِفَسَادِ الْخَلْوَةِ) أَيْ فَلَا يُقَالُ إنَّ الْخَلْوَةَ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ صَحِيحَةٌ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ الْخَلْوَةُ الْخَالِيَةُ عَمَّا يَمْنَعُهَا أَوْ يُفْسِدُهَا مِنْ وُجُودِ ثَالِثٍ أَوْ صَوْمٍ أَوْ صَلَاةٍ أَوْ حَيْضٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا سِوَى فَسَادِ النِّكَاحِ لِظُهُورِ أَنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ، وَهَذَا وَجْهُ الْمُسَامَحَةِ. (قَوْلُهُ فَأَعْتَقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ) كَذَا فِي النُّسَخِ بِضَمِيرِ الْمُذَكَّرِ فِي أَعْتَقَهَا الْعَائِدِ إلَى الزَّوْجِ، وَكَذَلِكَ فِيمَا بَعْدَهُ وَهُوَ الَّذِي رَأَيْته فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَمُنْتَخَبِهَا لِلْعَيْنِيِّ وَالْخَانِيَّةِ وَالْمِعْرَاجِ وَالتَّتَارْخَانِيَّةِ مَعْزِيًّا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 181 وَطْءٍ مَهْرٌ عَلَى حِدَةٍ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَطْءٍ صَادَفَ مِلْكَ الْغَيْرِ كَوَطْءِ الِابْنِ جَارِيَةَ أَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ أَوْ جَارِيَةَ امْرَأَتِهِ مِرَارًا، وَقَدْ ادَّعَى الشُّبْهَةَ فَعَلَيْهِ لِكُلِّ وَطْءٍ مَهْرٌ وَمِنْهُ وَطْءُ الْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَكَةِ مِرَارًا فَعَلَيْهِ بِكُلِّ وَطْءٍ نِصْفُ مَهْرٍ وَلَوْ وَطِئَ مُكَاتَبَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ فَعَلَيْهِ فِي نِصْفِهِ نِصْفُ مَهْرٍ وَاحِدٍ وَعَلَيْهِ فِي نِصْفِ شَرِيكِهِ بِكُلِّ وَطْءٍ نِصْفُ مَهْرٍ وَذَلِكَ كُلُّهُ لِلْمُكَاتَبَةِ الْكُلُّ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَفِي الْخُلَاصَةِ لَوْ وَطِئَ الْمُعْتَدَّةَ عَنْ طَلَاقٍ ثَلَاثٍ وَادَّعَى الشُّبْهَةَ يَلْزَمُهُ مَهْرٌ وَاحِدٌ أَمْ بِكُلِّ وَطْءٍ مَهْرٌ قِيلَ إنْ كَانَتْ الطَّلْقَاتُ الثَّلَاثُ جُمْلَةً فَظَنَّ أَنَّهَا لَمْ تَقَعْ فَهُوَ ظَنٌّ فِي مَوْضِعِهِ فَيَلْزَمُهُ مَهْرٌ وَاحِدٌ وَإِنْ ظَنَّ أَنَّهَا تَقَعُ لَكِنْ ظَنَّ أَنَّ وَطْأَهَا حَلَالٌ فَهُوَ ظَنٌّ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ فَيَلْزَمُهُ بِكُلِّ وَطْءٍ مَهْرٌ اهـ. وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْبَالِغَ وَالصَّبِيَّ لَكِنْ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالْمُحِيطِ عَنْ مُحَمَّدٍ صَبِيٌّ جَامَعَ امْرَأَةً بِشُبْهَةِ نِكَاحٍ فَلَا مَهْرَ عَلَيْهِ قَالَ فِي الْمُحِيطِ؛ لِأَنَّ الْوَلِيَّ لَا يَمْلِكُ النِّكَاحَ الْفَاسِدَ فِي حَقِّهِ وَلَا الْإِذْنَ لَهُ فِيهِ فَسَقَطَ اعْتِبَارُ قَوْلِهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ وَطْءٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ شُبْهَةِ عَقْدٍ وَتَجِبُ الْعِدَّةُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ فِعْلَهَا جَائِزٌ فِي حَقِّ نَفْسِهَا وَذُكِرَ قَبْلَهُ لَوْ جَامَعَ مَجْنُونٌ أَوْ صَبِيٌّ امْرَأَةً نَائِمَةً إنْ كَانَتْ ثَيِّبًا فَلَا مَهْرَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا وَافْتَضَّهَا فَعَلَيْهِ الْمَهْرُ. اهـ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمَهُ الْمَهْرُ فِي الْحَالَيْنِ حَيْثُ كَانَتْ نَائِمَةً؛ لِأَنَّهُ مُؤَاخَذَةٌ بِأَفْعَالِهِ وَلَا يَسْقُطُ حَقُّهَا إلَّا بِالتَّمْكِينِ وَلَمْ يُوجَدْ اهـ. وَأَرَادَ بِالْوَطْءِ الْجِمَاعَ فِي الْقُبُلِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَطِئَهَا فِي الدُّبُرِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مِنْ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَحَلِّ النَّسْلِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالْقُنْيَةِ فَلَا يَجِبُ بِالْمَسِّ وَالتَّقْبِيلِ بِشَهْوَةٍ شَيْءٌ بِالْأَوْلَى كَمَا صَرَّحُوا بِهِ أَيْضًا وَأَفَادَ بِالتَّقْيِيدِ بِالْوَطْءِ أَنَّ النِّكَاحَ الْفَاسِدَ لَا حُكْمَ لَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً نِكَاحًا فَاسِدًا بِأَنْ مَسَّ أُمَّهَا بِشَهْوَةٍ فَتَزَوَّجَهَا ثُمَّ تَرَكَهَا لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْأُمَّ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَالْخُلْعُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ لَا يُسْقِطُ الْمَهْرَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِخُلْعٍ اهـ. وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْبَدَلُ عَلَيْهَا لَوْ شُرِطَ بِالْأَوْلَى وَإِذَا ادَّعَتْ فَسَادَهُ وَهُوَ صِحَّتُهُ فَالْقَوْلُ لَهُ وَعَلَى عَكْسِهِ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَلَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ إنْ لَمْ يَدْخُلْ وَالْكُلُّ إنْ دَخَلَ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي مِنْ أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا أَنَّ النِّكَاحَ كَانَ فِي صِغَرِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَلَا نِكَاحَ بَيْنَهُمَا وَلَا مَهْرَ لَهَا إنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا قَبْلَ الْإِدْرَاكِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ لَا يَصِيرُ مُحْصَنًا بِهَذَا الدُّخُولِ وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُحْصَنًا فِي الْعَقْدِ الصَّحِيحِ إلَّا بِالدُّخُولِ. وَفِي الْخُلَاصَةِ التَّصَرُّفَاتُ الْفَاسِدَةُ عَشَرَةٌ: النِّكَاحُ الْفَاسِدُ، وَقَدْ عَلِمْت حُكْمَهُ. الثَّانِي الْبَيْعُ الْفَاسِدُ   [منحة الخالق] إلَى الظَّهِيرِيَّةِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ فَأَعْتَقَتْهَا فِي الْمَوْضِعَيْنِ بِضَمِيرِ الْمُؤَنَّثِ الْعَائِدِ إلَى الْمَرْأَةِ تَأَمَّلْ ثُمَّ رَأَيْت فِي الْجَوْهَرَةِ قِيلَ نِكَاحُ الرَّقِيقِ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى عَبْدٍ بِعَيْنِهِ نِكَاحًا فَاسِدًا وَدَفَعَهُ إلَيْهَا فَأَعْتَقَتْهُ قَبْلَ الدُّخُولِ فَالْعِتْقُ بَاطِلٌ وَإِنْ أَعْتَقَتْهُ بَعْدَ الدُّخُولِ فَالْعِتْقُ جَائِزٌ اهـ. بِتَأْنِيثِ ضَمِيرِ الْفَاعِلِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَقَدْ عَزَا الْمَسْأَلَةَ مَعَ فَرْعٍ آخَرَ إلَى الْفَتَاوَى الْكُبْرَى فَلْتُرَاجَعْ أَيْضًا. (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمَهُ الْمَهْرُ فِي الْحَالَيْنِ) قَالَ فِي النَّهْرِ فِيهِ نَظَرٌ إذْ الضَّمَانُ فِيمَا إذَا كَانَتْ بِكْرًا ضَمَانُ إتْلَافٍ، وَكَذَا إذَا تَدَافَعَتْ جَارِيَةٌ مَعَ أُخْرَى فَأَزَالَتْ بَكَارَتَهَا وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَلَا إتْلَافَ فِيمَا إذَا كَانَتْ ثَيِّبًا وَإِذَا كَانَ عَلَى مَا رَوَى هِشَامٌ يَعْنِي فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا مَعَ شُبْهَةِ الْعَقْدِ لَا مَهْرَ فَمَعَ عَدَمِهِ أَوْلَى إلَّا أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ تُقَيَّدَ رِوَايَةُ هِشَامٍ بِغَيْرِ الْبِكْرِ كَمَا لَا يَخْفَى. (قَوْلُهُ بِأَنْ مَسَّ أُمَّهَا بِشَهْوَةٍ فَتَزَوَّجَهَا ثُمَّ تَرَكَهَا) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ تَزَوَّجَ الْبِنْتَ الَّتِي مَسَّ أُمَّهَا بِشَهْوَةٍ فَحَرُمَتْ الْبِنْتُ لِمَسِّهِ أُمَّهَا بِشَهْوَةٍ ثُمَّ تَرَكَهَا لِحُرْمَتِهَا عَلَيْهِ بِذَلِكَ وَتَزَوَّجَ الْمَمْسُوسَةَ الَّتِي حَرُمَتْ بِنْتُهَا عَلَيْهِ بِالْمَسِّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْأُمَّ؛ لِأَنَّ عَقْدَهُ عَلَى بِنْتِهَا فَاسِدٌ لِحُرْمَتِهَا بِذَلِكَ وَأَصْلُهُ أَنَّ النِّكَاحَ الْفَاسِدَ لَا يُوجِبُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ إذْ لَا حُرْمَةَ لَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ كَمَا قَدَّمَهُ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَأُمُّ امْرَأَتِهِ. (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى مِنْهُ إلَخْ) وَجْهُ الِاسْتِثْنَاءِ أَنَّ مَا فِي الْخَانِيَّةِ يُؤَوَّلُ إلَى جَعْلِ الْقَوْلِ لِلزَّوْجِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ ادَّعَى الصِّحَّةَ أَوْ الْفَسَادَ بِخِلَافِ مَا ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ لِجَعْلِهِ الْقَوْلَ لِمَنْ يَدَّعِي الْفَسَادَ مُطْلَقًا أَيًّا مَا كَانَ وَانْظُرْ مَا وَجْهُ الْفَسَادِ فِي مَسْأَلَةِ الْحَاكِمِ وَلَعَلَّهُ بِاعْتِبَارِ عَدَمِ الْكَفَاءَةِ أَوْ الْغَبْنِ الْفَاحِشِ فِي الْمَهْرِ يَعْنِي وَكَانَ الْعَاقِدُ غَيْرَ الْأَبِ وَالْجَدِّ كَذَا فِي حَوَاشِي مِسْكِينٍ أَوْ بِاعْتِبَارِ عَدَمِ الْوَلِيِّ وَعَلَّلَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ عَنْ الْمُحِيطِ بِقَوْلِهِ لِاخْتِلَافِهِمَا فِي وُجُودِ الْعَقْدِ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَنْبَغِي اسْتِثْنَاؤُهَا؛ لِأَنَّ مَا فِي الْخَانِيَّةِ فِي دَعْوَى الْفَسَادِ وَمَا ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ فِي دَعْوَى الصِّحَّةِ فَلَمْ تَدْخُلْ فِيمَا قَبْلَهَا حَتَّى تُسْتَثْنَى وَفِي الذَّخِيرَةِ إذَا اخْتَلَفَا فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ وَفَسَادِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَدَّعِي الصِّحَّةَ بِشَهَادَةِ الظَّاهِرِ لَهُ وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي أَصْلِ وُجُودِ الْعَقْدِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يُنْكِرُ الْوُجُودَ، ثُمَّ قَالَ فِي تَعْلِيلِ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ فِي حَالَةِ الصِّغَرِ قَبْلَ إجَازَةِ الْوَلِيِّ لَيْسَ بِنِكَاحٍ مَعْنًى؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ تَرَدَّدَ بَيْنَ الضَّرَرِ وَالنَّفْعِ وَعِبَارَةُ الصَّبِيِّ فِي مِثْلِ هَذَا التَّصَرُّفِ مُلْحَقَةٌ بِالْعَدَمِ. (قَوْلُهُ وَفِي الْخُلَاصَةِ التَّصَرُّفَاتُ الْفَاسِدَةُ عَشَرٌ) زَادَ فِي النَّهْرِ عَلَيْهَا إحْدَى عَشَرَ أُخْرَى، فَقَالَ وَبَقِيَ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ الْفَاسِدَةِ الصَّدَقَةُ وَالْخُلْعُ وَالشَّرِكَةُ وَالسَّلَمُ وَالْكَفَالَةُ وَالْوَكَالَةُ وَالْوَقْفُ وَالْإِقَالَةُ وَالصَّرْفُ وَالْوَصِيَّةُ وَالْقِسْمَةُ أَمَّا الصَّدَقَةُ فَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَنَّهَا كَالْهِبَةِ الْفَاسِدَةِ مَضْمُونَةٌ بِالْقَبْضِ، وَأَمَّا الْخُلْعُ فَحُكْمُهُ أَنَّهُ إذَا بَطَلَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 182 مَضْمُونٌ فِيهِ الْمَبِيعُ. الثَّالِثُ الْإِجَارَةُ الْفَاسِدَةُ وَالْوَاجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ وَالْعَيْنُ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ. الرَّابِعُ الرَّهْنُ الْفَاسِدُ وَهُوَ رَهْنُ الْمُشَاعِ وَلِلرَّاهِنِ نَقْضُهُ وَلَوْ هَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ هَلَكَ أَمَانَةً عِنْدَ الْكَرْخِيِّ وَفِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَالرَّهْنِ الْجَائِزِ. الْخَامِسُ الصُّلْحُ الْفَاسِدُ لِكُلٍّ نَقْضُهُ. السَّادِسُ الْقَرْضُ الْفَاسِدُ وَهُوَ بِالْحَيَوَانِ أَوْ مَا كَانَ مُتَفَاوِتًا وَمَعَ هَذَا لَوْ اسْتَقْرَضَ وَبَاعَ صَحَّ الْبَيْعُ. السَّابِعُ الْهِبَةُ الْفَاسِدَةُ وَأَنَّهَا مَضْمُونَةٌ بِالْقِيمَةِ يَوْمَ الْقَبْضِ وَلَا تُفِيدُ الْمِلْكَ. الثَّامِنُ الْمُضَارَبَةُ الْفَاسِدَةُ وَالْمَالُ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُضَارِبِ. التَّاسِعُ الْكِتَابَةُ الْفَاسِدَةُ وَالْوَاجِبُ فِيهَا الْأَكْثَرُ مِنْ الْمُسَمَّى وَمِنْ الْقِيمَةِ. وَالْعَاشِرُ الْمُزَارَعَةُ الْفَاسِدَةُ وَالْخَارِجُ مِنْهَا لِصَاحِبِ الْبَذْرِ وَعَلَيْهِ مِثْلُ أُجْرَةِ الْعَامِلِ إنْ كَانَتْ الْأَرْضُ لِرَبِّ الْبَذْرِ وَيَطِيبُ لَهُ وَإِنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ الْعَامِلِ فَعَلَيْهِ أُجْرَةُ مِثْلِ الْأَرْضِ وَالْخَارِجِ لَهُ اهـ. (قَوْلُهُ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى الْمُسَمَّى) أَيْ لَمْ يَزِدْ مَهْرُ الْمِثْلِ عَلَى الْمُسَمَّى؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُسَمَّ الزِّيَادَةَ فَكَانَتْ رَاضِيَةً لِلْحَطِّ مُسْقِطَةً حَقَّهَا فِي الزِّيَادَةِ إلَى تَمَامِهِ حَيْثُ لَمْ تُسَمَّ تَمَامَهُ لَا لِأَجْلِ أَنَّ التَّسْمِيَةَ صَحِيحَةٌ مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ أَنَّهَا فَاسِدَةٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِوُقُوعِهَا فِي عَقْدٍ فَاسِدٍ وَلِهَذَا لَوْ كَانَ مَهْرُ الْمِثْلِ أَقَلَّ مِنْ الْمُسَمَّى وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ فَقَطْ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَوْ زَوَّجَ أَحَدُ الْمَوْلَيَيْنِ أَمَتَهُ وَدَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ فَلِلْآخَرِ النَّقْضُ فَإِنْ نَقَضَ فَلَهُ نِصْفُ مَهْرِ الْمِثْلِ وَلِلْمُزَوِّجِ الْأَقَلُّ مِنْ نِصْفِ مَهْرِ الْمِثْلِ وَمِنْ نِصْفِ الْمُسَمَّى اهـ. فَعَلَى هَذَا يُعْطَى هَذَا الْعَقْدُ حُكْمَ الْفَاسِدِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُزَوِّجِ وَحُكْمَ الْعَدَمِ بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِ. وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْمُسَمَّى مَعْلُومٌ، وَلِذَا لَا يُزَادُ عَلَيْهِ فَلَوْ كَانَ الْمُسَمَّى مَجْهُولًا وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ اتِّفَاقًا كَمَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ تَسْمِيَةٌ أَصْلًا وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ لَوْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ الْعَشَرَةِ فَلَيْسَ لَهَا إلَّا مَهْرُ الْمِثْلِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ الصَّحِيحِ إذَا وَجَبَ فِيهِ مَهْرُ الْمِثْلِ فَإِنَّهُ لَا يَنْقُصُ عَنْ عَشَرَةٍ وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ تَزَوَّجَ مَحْرَمَهُ لَا حَدَّ عَلَيْهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَلَيْهِ مَهْرُ مِثْلِهَا بَالِغًا مَا بَلَغَ اهـ. فَإِنْ كَانَ النِّكَاحُ بَاطِلًا فَظَاهِرٌ وَإِنْ كَانَ فَاسِدًا فَهِيَ مُسْتَثْنَاةٌ، وَقَدْ نُقِلَ الِاخْتِلَافُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، فَقِيلَ بَاطِلٌ عِنْدَهُ وَسُقُوطُ الْحَدِّ لِشُبْهَةِ الِاشْتِبَاهِ، وَقِيلَ فَاسِدٌ وَسُقُوطُهُ لِشُبْهَةِ الْعَقْدِ اهـ. وَلَمْ يُذْكَرْ لِلِاخْتِلَافِ ثَمَرَةٌ. (قَوْلُهُ وَيَثْبُتُ النَّسَبُ) أَيْ نَسَبُ الْمَوْلُودِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ؛ لِأَنَّ   [منحة الخالق] الْعِوَضُ فِيهِ وَقَعَ بَائِنًا وَذَلِكَ كَالْخُلْعِ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ أَوْ مَيْتَةٍ، وَأَمَّا الشَّرِكَةُ فَهِيَ الْمَفْقُودُ مِنْهَا شَرْطُهَا مِثْلَ أَنْ يَجْعَلَ الرِّبْحَ فِيهَا عَلَى قَدْرِ الْمَالِ كَمَا فِي الْمَجْمَعِ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لَوْ هَلَكَ الْمَالُ فِي يَدِهِ كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، وَأَمَّا السَّلَمُ وَهُوَ مَا فُقِدَ مِنْهُ شَرْطٌ مِنْ شَرَائِطِ الصِّحَّةِ فَحُكْمُ رَأْسِ الْمَالِ فِيهِ كَالْمَغْصُوبِ فَيَصِحُّ فِيهِ أَنْ يَأْخُذَ مَا بَدَا لَهُ يَدًا بِيَدٍ كَذَا فِي الْفُصُولِ وَأَمَّا الْكَفَالَةُ كَمَا إذَا جُهِلَ الْمَكْفُولُ عَنْهُ مَثَلًا كَقَوْلِهِ مَا بَايَعْت أَحَدًا فَعَلَيَّ فَحُكْمُهَا عَدَمُ الْوُجُوبِ عَلَيْهِ وَيَرْجِعُ بِمَا أَدَّاهُ حَيْثُ كَانَ الضَّمَانُ فَاسِدًا كَذَا فِي الْفُصُولِ أَيْضًا، وَأَمَّا الْوَكَالَةُ وَالْوَقْفُ وَالْإِقَالَةُ وَالصَّرْفُ وَالْوَصِيَّةُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ فَاسِدِهَا وَبَاطِلِهَا وَصَرَّحُوا بِأَنَّ الْإِقَالَةَ كَالنِّكَاحِ لَا يُبْطِلُهَا الشَّرْطُ الْفَاسِدُ، وَقَدْ عُرِفَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ فَاسِدِهِ وَبَاطِلِهِ وَقَالُوا لَوْ وَقَعَتْ الْإِقَالَةُ بَعْدَ الْقَبْضِ بَعْدَمَا وَلَدَتْ الْجَارِيَةُ فَهِيَ بَاطِلَةٌ اهـ. كَلَامُ النَّهْرِ. وَلَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَى الْقِسْمَةِ الْفَاسِدَةِ كَالْقِسْمَةِ عَلَى شَرْطِ هِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ بَيْعٍ مِنْ الْمَقْسُومِ أَوْ غَيْرِهِ وَفِي مَتْنِ التَّنْوِيرِ الْمَقْبُوضُ بِالْقِسْمَةِ الْفَاسِدَةِ يَثْبُتُ الْمِلْكُ فِيهِ وَيُفِيدُ التَّصَرُّفَ كَالْمَقْبُوضِ بِالشِّرَاءِ الْفَاسِدِ، وَقِيلَ لَا اهـ. وَقَدْ نَظَمْت هَذِهِ الْإِحْدَى وَعِشْرِينَ بِقَوْلِي جُمْلَةُ مَا مِنْ الْعُقُودِ فَاسِدٌ ... عِشْرُونَ صَرَّحُوا بِهَا وَوَاحِدُ الْبَيْعُ وَالنِّكَاحُ وَالْمُضَارَبَهْ ... إجَارَةٌ وَالرَّهْنُ وَالْمُكَاتَبَهْ صُلْحٌ وَقَرْضُ هِبَةٍ مُزَارَعَهْ ... عِدَّتُهَا نَظْمًا لِحِفْظِ نَافِعَهْ صَدَقَةٌ شَرِكَةٌ وَخُلْعٌ ... وَكَالَةٌ بِسَلَمٍ فَاسْتَمِعُوا وَصِيَّةٌ وَالصَّرْفُ وَالْإِقَالَةُ ... وَقِسْمَةٌ وَالْوَقْفُ وَالْكَفَالَهْ وَقُلْتُ: أَيْضًا عُقُودٌ أَتَتْ إحْدَى وَعِشْرِينَ قَدْ تُرَى ... فَوَاسِدُ فَاحْفَظْهَا تَكُنْ ذَا جَلَالَهْ مُضَارَبَةٌ بَيْعٌ نِكَاحٌ إجَارَةٌ ... مُكَاتَبَةٌ رَهْنٌ وَصُلْحٌ كَفَالَهْ كَذَا هِبَةٌ قَرْضٌ وَخُلْعٌ وَصِيَّةٌ ... مُزَارَعَةٌ صَرْفٌ وَوَقْفٌ إقَالَهْ كَذَا سَلَمٌ مَعَ شَرِكَةٍ ثُمَّ قِسْمَةٌ ... كَذَا صَدَقَاتٌ وَالتَّمَامُ الْوَكَالَهْ (قَوْلُهُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ إلَخْ) لِيَنْظُرَ كَيْفَ يَكُونُ مَهْرُ مِثْلِهَا الْمُعْتَبَرُ بِقَوْمِ أَبِيهَا كَمَا سَيَأْتِي أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ مَعَ أَنَّ الْعَشَرَةَ أَقَلُّ الْوَاجِبِ فِي الْمَهْرِ. (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَيَثْبُتُ النَّسَبُ وَالْعِدَّةُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ سَيَأْتِي فِي الْحُدُودِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَبِمَحْرَمٍ نَكَحَهَا مَا هُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ نِكَاحَ الْمَحَارِمِ لَا يُثْبِتُ النَّسَبَ وَلَا الْعِدَّةَ وَهُوَ مِنْ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ فَيَكُونُ هَذَا مُسْتَثْنًى لَكِنْ قُدِّمَ فِي الْمَقُولَةِ السَّابِقَةِ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْفَاسِدِ النِّكَاحُ الَّذِي لَمْ تَجْتَمِعْ شَرَائِطُهُ كَتَزَوُّجِ الْأُخْتَيْنِ مَعًا إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ فَلَعَلَّ هَذَا مِنْ النِّكَاحِ الْبَاطِلِ فَلَمْ يَدْخُلْ فِي كَلَامِهِ، وَقَدْ رَأَيْنَا كَثِيرًا فِي كَلَامِهِمْ مَا يُوجِبُ الْفَرْقَ بَيْنَ الْفَاسِدِ وَالْبَاطِلِ فَفِي الْبَزَّازِيَّةِ نِكَاحُ الْمَحَارِمِ فَاسِدٌ أَمْ بَاطِلٌ قِيلَ بَاطِلٌ وَسُقُوطُ الْحَدِّ بِشُبْهَةِ الِاشْتِبَاهِ، وَقِيلَ فَاسِدٌ وَسُقُوطُ الْحَدِّ بِشُبْهَةِ الْعَقْدِ. اهـ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ قَبْلَ التَّكَلُّمِ عَلَى نِكَاحِ الْمُتْعَةِ مَا صُورَتُهُ قَوْلُهُ فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ ذَكَرَ الْفَاسِدَ فِيمَا تَقَدَّمَ وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي النِّكَاحِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ اهـ. أَقُولُ: وَاَلَّذِي ظَهَرَ لِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبَاطِلِ فِي كَلَامِ الْبَزَّازِيَّةِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 183 النَّسَبَ مِمَّا يُحْتَاطُ فِي إثْبَاتِهِ إحْيَاءً لِلْوَلَدِ فَيَتَرَتَّبُ عَلَى الثَّابِتِ مِنْ وَجْهٍ أَطْلَقَهُ فَأَفَادَ أَنَّهُ يَثْبُتُ بِغَيْرِ دَعْوَةٍ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ وَتُعْتَبَرُ مُدَّةُ النَّسَبِ وَهِيَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الدُّخُولِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ الْفَاسِدَ لَيْسَ بِدَاعٍ إلَيْهِ وَالْإِقَامَةُ بِاعْتِبَارِهِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ ابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ قِيَاسًا عَلَى الصَّحِيحِ وَالْمَشَايِخُ أَفْتَوْا بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ لِبُعْدِ قَوْلِهِمَا لِعَدَمِ صِحَّةِ الْقِيَاسِ الْمَذْكُورِ وَفَائِدَةُ الِاخْتِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا أَتَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ وَلِأَقَلَّ مِنْهَا مِنْ وَقْتِ الدُّخُولِ فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ فَتَقْدِيرُ مُدَّةِ النَّسَبِ بِالْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ إنَّمَا هُوَ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْأَقَلِّ لَا عَنْ مَا زَادَ عَنْ أَكْثَرِ مُدَّةِ الْحَمْلِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ جَاءَتْ بِالْوَلَدِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ أَوْ الدُّخُولِ وَلَمْ يُفَارِقْهَا فَإِنَّهُ يَثْبُتُ نَسَبُهُ اتِّفَاقًا وَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا فِي التَّبْيِينِ مِنْ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ وَقْتِ الْعَقْدِ فَقَطْ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ اعْتِبَارَ وَقْتِ الْعَقْدِ أَوْ الدُّخُولِ إنَّمَا هُوَ لِنَفْيِ الْأَقَلِّ فَقَطْ وَانْدَفَعَ مَا فِي الْغَايَةِ مِنْ قِيَاسِ النَّسَبِ عَلَى الْعِدَّةِ وَأَنَّ الْأَحْوَطَ أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءِ مُدَّةِ النَّسَب مِنْ وَقْتِ التَّفْرِيقِ كَالْعِدَّةِ لِمَا عَلِمْت مِنْ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي يَثْبُتُ فِيهَا النَّسَبُ قَبْلَ التَّفْرِيقِ فَكَيْفَ يُعْتَبَرُ بِهِ وَانْدَفَعَ بِهِ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ ابْتِدَاؤُهَا مِنْ وَقْتِ التَّفْرِيقِ إذَا وَقَعَتْ فُرْقَةٌ وَمَا لَمْ تَقَعْ فَمِنْ وَقْتِ النِّكَاحِ أَوْ الدُّخُولِ عَلَى الْخِلَافِ؛ لِأَنَّهُ يَرِدُ عَلَيْهِ مَا إذَا أَتَتْ بِهِ بَعْدَ التَّفْرِيقِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ أَوْ الدُّخُولِ وَلِأَقَلَّ مِنْهَا مِنْ وَقْتِ التَّفْرِيقِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ نَسَبُهُ وَمُقْتَضَى مَا فِي الْفَتْحِ خِلَافُهُ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا حَقَّقْنَاهُ أَنَّهُمْ جَعَلُوا مُدَّةَ النَّسَبِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ أَيْضًا وَلَيْسَ هُوَ قَطْعًا إلَّا لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْأَقَلِّ لَا عَنْ الْأَكْثَرِ فَكَذَلِكَ هُنَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ وَالْعِدَّةُ) أَيْ وَتَثْبُتُ الْعِدَّةُ فِيهِ وُجُوبًا بَعْدَ الْوَطْءِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ لَا الْخَلْوَةُ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ إلْحَاقًا لِلشُّبْهَةِ بِالْحَقِيقَةِ فِي مَوْضِعِ الِاحْتِيَاطِ وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الدُّخُولِ فَالْقَوْلُ لَهُ فَلَا يَثْبُتُ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَحْكَامِ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ وَلَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ ابْتِدَاءَهَا لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مِنْ وَقْتِ التَّفْرِيقِ لَا مِنْ آخِرِ الْوَطَآتِ؛ لِأَنَّهَا تَجِبُ بِاعْتِبَارِ شُبْهَةِ النِّكَاحِ وَرَفْعُهَا بِالتَّفْرِيقِ كَالطَّلَاقِ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ وَلَا إحْدَادَ عَلَيْهَا فِي هَذِهِ الْعِدَّةِ وَلَا نَفَقَةَ لَهَا فِيهَا؛ لِأَنَّ وُجُوبَهَا بِاعْتِبَارِ الْمِلْكِ الثَّابِتِ بِالنِّكَاحِ وَهُوَ مُنْتَفٍ هُنَا وَالْمُرَادُ بِالْعِدَّةِ هُنَا عِدَّةُ الطَّلَاقِ، وَأَمَّا عِدَّةُ الْوَفَاةِ فَلَا تَجِبُ عَلَيْهَا مِنْ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْمَرْأَةُ الْمَوْطُوءَةُ أُخْتَ امْرَأَتِهِ حَرُمَتْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ إلَى انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ ابْتِدَاءَهَا مِنْ وَقْتِ التَّفْرِيقِ قَضَاءً وَدِيَانَةً وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ هَذَا فِي الْقَضَاءِ أَمَّا فِيمَا بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى إذَا عَلِمَتْ أَنَّهَا حَاضَتْ بَعْدَ آخِرِ وَطْءٍ ثَلَاثًا يَنْبَغِي أَنْ يَحِلَّ لَهَا التَّزَوُّجُ فِيمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى قِيَاسِ مَا قَدَّمْنَا مِنْ نَقْلِ الْعَتَّابِيِّ اهـ. وَمَحَلُّهُ فِيمَا إذَا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا أَمَّا إذَا حَاضَتْ ثَلَاثَ حِيَضٍ مِنْ آخِرِ الْوَطَآتِ وَلَمْ يُفَارِقْهَا فَلَيْسَ لَهَا التَّزَوُّجُ اتِّفَاقًا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ   [منحة الخالق] فِي قَوْلِهِ نِكَاحُ الْمَحَارِمِ فَاسِدٌ أَمْ بَاطِلٌ إلَخْ الَّذِي وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ لَا أَنَّ النِّكَاحَ يَنْقَسِمُ إلَى بَاطِلٍ وَفَاسِدٍ تَأَمَّلْ اهـ. كَلَامُ الرَّمْلِيِّ. قُلْتُ: وَالصَّحِيحُ أَنَّ سُقُوطَ الْحَدِّ لِشُبْهَةِ الْعَقْدِ كَمَا نُصَّ عَلَيْهِ فِي حُدُودِ الْمِعْرَاجِ؛ لِأَنَّهُمْ ذَكَرُوا فِي الْحُدُودِ فِي مَبْنَى الْخِلَافِ بَيْنَ الْإِمَامِ وَصَاحِبَيْهِ حَيْثُ يُحَدُّ عِنْدَهُمَا لَا عِنْدَهُ أَنَّ الْعَقْدَ هَلْ يُوجِبُ شُبْهَةً أَوْ لَا وَمَدَارُهُ أَنَّهُ هَلْ وَرَدَ عَلَى مَا هُوَ مَحَلُّهُ أَوْ لَا. (قَوْلُهُ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْقِيَاسِ الْمَذْكُورِ) ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ الْفَاسِدَ لَيْسَ بِدَاعٍ إلَى الْوَطْءِ لِحُرْمَتِهِ وَلِهَذَا لَا تَثْبُتُ بِهِ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ بِدُونِ الْوَطْءِ أَوْ اللَّمْسِ أَوْ التَّقْبِيلِ وَرَجَحَ فِي النَّهْرِ قَوْلُهُمَا حَيْثُ قَالَ وَلَا يَخْفَى أَنَّ النَّسَبَ حَيْثُ كَانَ يُحْتَاطُ فِي إثْبَاتِهِ فَالِاعْتِبَارُ بِوَقْتِ الْعَقْدِ بِهِ أَمْسِ. (قَوْلُهُ لِمَا ذَكَرْنَا) تَعْلِيلٌ لِلِانْدِفَاعِ. (قَوْلُهُ لِمَا عَلِمْت مِنْ الْمَسْأَلَةِ) وَهِيَ مَا لَوْ جَاءَتْ بِالْوَلَدِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ أَوْ الدُّخُولِ وَلَمْ يُفَارِقْهَا (قَوْلُهُ وَانْدَفَعَ بِهِ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَقُولُ: اعْتِبَارُ ابْتِدَاءِ الْمُدَّةِ مِنْ وَقْتِ النِّكَاحِ أَوْ الدُّخُولِ مَعْنَاهُ نَفْيُ الْأَقَلِّ حَتَّى لَوْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةٍ مِنْ هَذَا الِابْتِدَاءِ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ وَاعْتِبَارُهَا مِنْ وَقْتِ التَّفْرِيقِ مَعْنَاهُ أَنَّهَا لَوْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ التَّفْرِيقِ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ فَهِيَ لِلْأَكْثَرِ لَا لِلْأَقَلِّ فَلَا يَرِدُ مَا ذُكِرَ فَتَدَبَّرْ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الرَّمْزِ. (قَوْلُهُ وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الدُّخُولِ فَالْقَوْلُ لَهُ فَلَا يَثْبُتُ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَحْكَامِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة إذَا تَزَوَّجَهَا نِكَاحًا فَاسِدًا أَوْ خَلَا بِهَا وَجَاءَتْ بِوَلَدٍ وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ الدُّخُولَ فَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ قَالَ يَثْبُتُ النَّسَبُ وَيَجِبُ الْمَهْرُ وَالْعِدَّةُ وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ وَلَا يَجِبُ الْمَهْرُ وَالْعِدَّةُ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِنْ لَمْ يُخِلَّ بِهَا لَا يَلْزَمُهُ الْوَلَدُ اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ فَقَوْلُهُ هُنَا لَا يَثْبُتُ شَيْءٌ مِنْ الْأَحْكَامِ مُوَافِقٌ لِلرِّوَايَةِ الْمُوَافَقَةِ لِقَوْلِ زُفَرَ فَهُوَ اخْتِيَارٌ لَهَا تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَظَاهِرُ الزَّيْلَعِيِّ يُوهِمُ خِلَافَهُ) عِبَارَتُهُ وَيُعْتَبَرُ ابْتِدَاؤُهَا مِنْ وَقْتِ التَّفْرِيقِ وَقَالَ زُفَرَ مِنْ آخِرِ الْوَطَآتِ وَاخْتَارَهُ أَبُو الْقَاسِمِ الصَّفَّارُ حَتَّى لَوْ حَاضَتْ ثَلَاثَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 184 يُوهِمُ خِلَافَهُ وَالتَّفْرِيقُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ إمَّا بِتَفْرِيقِ الْقَاضِي أَوْ بِمُتَارَكَةِ الزَّوْجِ وَلَا يَتَحَقَّقُ الطَّلَاقُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ بَلْ هُوَ مُتَارَكَةٌ فِيهِ وَلَا تَحَقُّقَ لِلْمُتَارَكَةِ إلَّا بِالْقَوْلِ إنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا كَقَوْلِهِ تَارَكْتُك أَوْ تَارَكْتهَا أَوْ خَلَّيْت سَبِيلَك أَوْ خَلَّيْت سَبِيلَهَا أَوْ خَلَّيْتهَا، وَأَمَّا غَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا فَتَتَحَقَّقُ الْمُتَارَكَةُ بِالْقَوْلِ وَبِالتَّرْكِ عِنْدَ بَعْضِهِمْ وَهُوَ تَرْكُهَا عَلَى قَصْدِ أَنْ لَا يَعُودَ إلَيْهَا وَعِنْدَ الْبَعْضِ لَا تَكُونُ الْمُتَارَكَةُ إلَّا بِالْقَوْلِ فِيهِمَا حَتَّى لَوْ تَرَكَهَا وَمَضَى عَلَى عِدَّتِهَا سُنُونَ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بِآخَرَ وَإِنْكَارُ الزَّوْجِ النِّكَاحَ إنْ كَانَ بِحَضْرَتِهَا فَهُوَ مُتَارَكَةٌ وَإِلَّا فَلَا كَإِنْكَارِ الْوَكِيلِ الْوَكَالَةَ، وَأَمَّا عِلْمُ غَيْرِ الْمُتَارَكَةِ بِالْمُتَارَكَةِ فَنَقَلَ فِي الْقُنْيَةِ قَوْلَيْنِ مُصَحَّحَيْنِ الْأَوَّلُ أَنَّهُ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْمُتَارَكَةِ هُوَ الصَّحِيحُ حَتَّى لَوْ لَمْ يُعْلِمْهَا لَا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا ثَانِيهِمَا إنَّ عِلْمَ الْمَرْأَةِ فِي الْمُتَارَكَةِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الْأَصَحِّ كَمَا فِي الصَّحِيحِ اهـ. وَيَنْبَغِي تَرْجِيحُ الثَّانِي وَلِهَذَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الزَّيْلَعِيُّ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْمُتَارَكَةَ لَا تَكُونُ مِنْ الْمَرْأَةِ أَصْلًا كَمَا قَيَّدَهُ الزَّيْلَعِيُّ بِالزَّوْجِ لَكِنْ فِي الْقُنْيَةِ أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَسْتَبِدَّ بِفَسْخِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ بِالْإِجْمَاعِ وَبَعْدَ الدُّخُولِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَفِي الذَّخِيرَةِ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ فَسْخُ هَذَا النِّكَاحِ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْ صَاحِبِهِ عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ إنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَكَذَلِكَ وَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا حَقُّ الْفَسْخِ إلَّا بِمَحْضَرٍ مِنْ صَاحِبِهِ اهـ. وَهَكَذَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِلْمَرْأَةِ فَسْخَهُ بِمَحْضَرِ الزَّوْجِ اتِّفَاقًا وَلَا شَكَّ أَنَّ الْفَسْخَ مُتَارَكَةٌ إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَهُوَ بَعِيدٌ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَمِنْ أَحْكَامِ الْعَقْدِ الْفَاسِدِ أَنَّهُ لَا يُحَدُّ بِوَطْئِهَا قَبْلَ التَّفْرِيقِ لِلشُّبْهَةِ وَيُحَدُّ إذَا وَطِئَهَا بَعْدَ التَّفْرِيقِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي الْعِدَّةِ أَوْ لَا وَلَمْ أَرَهُ صَرِيحًا. (قَوْلُهُ وَمَهْرُ مِثْلِهَا يُعْتَبَرُ بِقَوْمِ أَبِيهَا إذَا اسْتَوَيَا سِنًّا وَجَمَالًا وَمَالًا وَبَلَدًا وَعَصْرًا وَعَقْلًا وَدِينًا وَبَكَارَةً) بَيَانٌ لِشَيْئَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الِاعْتِبَارَ لِقَوْمِ الْأَبِ فِي مَهْرِ الْمِثْلِ لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَهَا مَهْرُ مِثْلِ نِسَائِهَا وَهُنَّ أَقَارِبُ الْأَبِ وَلِأَنَّ الْإِنْسَانَ مِنْ جِنْسِ قَوْمِ أَبِيهِ وَقِيمَةُ الشَّيْءِ إنَّمَا تُعْرَفُ بِالنَّظَرِ فِي قِيمَةِ جِنْسِهِ وَلَا يُعْتَبَرُ بِأُمِّهَا وَخَالَتِهَا إذَا لَمْ يَكُونَا مِنْ قَبِيلَتِهَا لِمَا بَيَّنَّا. ثَانِيهُمَا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الِاسْتِوَاءِ فِي الْأَوْصَافِ الْمَذْكُورَةِ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ هَذِهِ الْأَوْصَافِ، وَكَذَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الدَّارِ وَالْعَصْرِ أَيْ الزَّمَانِ، وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ ثَمَانِيَةَ أَشْيَاءَ وَأَرَادَ بِالسِّنِّ الصِّغَرَ أَوْ الْكِبَرَ وَأُطْلِقَ فِي اعْتِبَارِ الْجَمَالِ وَالْمَالِ، وَقِيلَ لَا يُعْتَبَرُ الْجَمَالُ فِي بَيْتِ الْحَسَبِ وَالشَّرَفِ، وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ فِي أَوْسَاطِ النَّاسِ إذْ الرَّغْبَةُ فِيهِنَّ لِلْجَمَالِ بِخِلَافِ بَيْتِ الشَّرَفِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَهَذَا جَيِّدٌ. اهـ. وَالظَّاهِرُ اعْتِبَارُهُ مُطْلَقًا وَأَرَادَ بِالدِّينِ التَّقْوَى كَمَا ذَكَرَهُ الْعَيْنِيُّ وَزَادَ فِي   [منحة الخالق] حِيَضٍ مِنْ آخِرِ الْوَطَآتِ قَبْلَ التَّفْرِيقِ فَقَدْ انْقَضَتْ. (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ تَرَكَهَا) قَالَ الرَّمْلِيُّ هَذَا الضَّمِيرُ لِلْمَدْخُولِ بِهَا إذْ غَيْرُهَا لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا فَفِي كَلَامِهِ مَا لَا يَخْفَى مِنْ التَّشْوِيشِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَهُوَ بَعِيدٌ) قَالَ فِي النَّهْرِ مَنْ تَصَفَّحَ كَلَامَهُمْ جَزَمَ بِالْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَذَلِكَ أَنَّ الْمُتَارَكَةَ فِي مَعْنَى الطَّلَاقِ فَيَخْتَصُّ بِهِ الزَّوْجُ، وَأَمَّا الْفَسْخُ فَرَفْعُ الْعَقْدِ فَلَا يَخْتَصُّ بِهِ وَإِنْ كَانَ فِي مَعْنَى الْمُتَارَكَةِ اهـ. قَالَ الرَّمْلِيُّ أَقُولُ: بَعْدَمَا صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ الطَّلَاقُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ كَيْفَ يُقَالُ بِأَنَّ فِي الْمُتَارَكَةِ الَّتِي هِيَ مُفَاعَلَةٌ تَقْتَضِي الِاشْتِرَاكَ مَعْنَى الطَّلَاقِ فَيَخْتَصُّ بِهِ الزَّوْجُ فَالْحَقُّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ عَدَمِ الْفَرْقِ، وَلِذَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ غَانِمٍ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ الْمَنْظُومِ وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا مَا ذَكَرَهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ فِي الْفَصْلِ الثَّلَاثِينَ بِالْفَارِسِيَّةِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ مَا مَعْنَاهُ قَالَ لَهَا إنْ ضَرَبْتُك فَأَمْرُك بِيَدِك فَضَرَبَهَا فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا بِحُكْمِ الْأَمْرِ فَإِنْ قِيلَ هُوَ مُتَارَكَةٌ فَلَهُ وَجْهٌ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَلَوْ قِيلَ لَا فَلَهُ وَجْهٌ فَطَلَاقُ الْفَاسِدِ فَسْخٌ وَمُتَارَكَةٌ. اهـ. فَقَوْلُهُ فَطَلَاقُ الْفَاسِدِ مُتَارَكَةٌ يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الْمُتَارَكَةِ مِنْهَا وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَصِحَّ التَّعْلِيقُ لِعَدَمِ شَرْطِهِ وَهُوَ الْمِلْكُ أَوْ الْإِضَافَةُ إلَى الْمِلْكِ اُعْتُبِرَ مُجَرَّدُ قَوْلِهَا طَلَّقْت نَفْسِي وَهُوَ فَسْخٌ وَمُتَارَكَةٌ فَصَحَّ مِنْهَا فَيَظْهَرُ بِهِ صِحَّةُ مُتَارَكَتِهَا كَفَسْخِهَا تَأَمَّلْ. اهـ. قُلْتُ: مَا عَزَاهُ إلَى الْفُصُولَيْنِ ذَكَرَهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ هُنَا فِي الثَّالِثَ عَشَرَ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَزَادَ عَلَى مَا هُنَا وَنَصُّهُ جَعْلُ أَمْرِهَا بِيَدِهَا فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ إنْ ضَرَبَهَا بِلَا جُرْمٍ فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا بِحُكْمِ التَّفْوِيضِ إنْ قِيلَ يَكُونُ مُتَارَكَةً كَالطَّلَاقِ وَهُوَ الظَّاهِرُ فَلَهُ وَجْهٌ وَإِنْ قِيلَ لَا فَلَهُ وَجْهٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْمُتَارَكَةَ فَسْخٌ وَتَعْلِيقُ الْفَسْخِ بِالشَّرْطِ لَا يَصِحُّ وَلَوْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك وَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا يَكُونُ مُتَارَكَةً؛ لِأَنَّهُ لَا تَعْلِيقَ فِيهِ وَفِي الْأَوَّلِ تَعْلِيقُ الْفَسْخِ بِالضَّرْبِ اهـ. وَبِهِ يَظْهَرُ أَنَّ التَّطْلِيقَ جَاءَ مِنْ قِبَلِهِ لِكَوْنِهِ هُوَ الَّذِي فَوَّضَ لَهَا الطَّلَاقَ فَيَكُونُ مُتَارَكَةً صَادِرَةً مِنْهُ فِي الْحَقِيقَةِ لَا مِنْهَا وَلَوْ كَانَ الطَّلَاقُ مُتَارَكَةً مِنْهَا لِتَحَقُّقٍ مِنْهَا بِدُونِ تَفْوِيضٍ فَلَا يَدُلُّ مَا نَقَلَهُ عَلَى صِحَّةِ مُتَارَكَتِهَا فَتَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ وَلَمْ أَرَهُ صَرِيحًا) سَيَذْكُرُ الْمُؤَلِّفُ فِي بَابِ الْعِدَّةِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ بِمَا بَعْدَ الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّ وَطْءَ الْمُعْتَدَّةِ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ اهـ. وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ فِي النَّهْرِ هُنَاكَ وَسَيَأْتِي رَدُّهُ. (قَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ اعْتِبَارُهُ مُطْلَقًا) ، وَكَذَا قَالَ فِي النَّهْرِ وَإِطْلَاقُ الْكِتَابِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 185 التَّبْيِينِ عَلَى هَذِهِ الثَّمَانِيَةِ أَرْبَعَةً وَهِيَ الْعِلْمُ وَالْأَدَبُ وَكَمَالُ الْخُلُقِ وَأَنْ لَا يَكُونَ لَهَا وَلَدٌ وَزَادَ الْمَشَايِخُ بِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ حَالُ الزَّوْجِ أَيْضًا وَفَسَّرَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنْ يَكُونَ زَوْجُ هَذِهِ كَأَزْوَاجِ أَمْثَالِهَا مِنْ نِسَائِهَا فِي الْمَالِ وَالْحَسَبِ وَعَدَمِهِمَا. اهـ. وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَخْتَصَّ بِهَذَيْنِ الشَّيْئَيْنِ؛ لِأَنَّ لِلْجَمَالِ وَالْبَلَدِ وَالْعَصْرِ وَالْعَقْلِ وَالتَّقْوَى وَالسِّنِّ مَدْخَلًا مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ أَيْضًا فَيَنْبَغِي اعْتِبَارُهَا فِي حَقِّهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الشَّابَّ يَتَزَوَّجُ بِأَرْخَصَ مِنْ الشَّيْخِ، وَكَذَا الْمُتَّقِي بِأَرْخَصَ مِنْ الْفَاسِقِ، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ مَالًا إلَى أَنَّ الْكَلَامَ إنَّمَا هُوَ فِي الْحُرَّةِ، وَلِذَا قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَالْمُجْتَبَى مَهْرُ مِثْلِ الْأَمَةِ عَلَى قَدْرِ الرَّغْبَةِ فِيهَا وَعَنْ الْأَوْزَاعِيِّ ثُلُثُ قِيمَتِهَا ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ اعْتِبَارَ مَهْرِ الْمِثْلِ بِمَا ذُكِرَ حُكْمُ كُلِّ نِكَاحٍ صَحِيحٍ لَا تَسْمِيَةَ فِيهِ أَصْلًا أَوْ سُمِّيَ فِيهِ مَا هُوَ مَجْهُولٌ أَوْ مَا لَا يَحِلُّ شَرْعًا كَمَا قَدَّمْنَا تَفَاصِيلَهُ وَحُكْمُ كُلِّ نِكَاحٍ فَاسِدٍ بَعْدَ الْوَطْءِ سُمِّيَ فِيهِ مَهْرٌ أَوَّلًا، وَأَمَّا الْمَوَاضِعُ الَّتِي يَجِبُ فِيهَا الْمَهْرُ بِسَبَبِ الْوَطْءِ بِشُبْهَةٍ فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْمَهْرِ فِيهَا مَهْرُ الْمِثْلِ الْمَذْكُورِ هُنَا لِمَا فِي الْخُلَاصَةِ بَعْدَ ذِكْرِ الْمَوَاضِعِ الَّتِي يَجِبُ فِيهَا الْمَهْرُ بِالْوَطْءِ عَنْ شُبْهَةٍ قَالَ وَالْمُرَادُ مِنْ الْمَهْرِ الْعُقْرُ وَتَفْسِيرُ الْعُقْرِ الْوَاجِبِ بِالْوَطْءِ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ مَا قَالَ الشَّيْخُ نَجْمُ الدِّينِ سَأَلْت الْقَاضِيَ الْإِمَامَ الْإِسْبِيجَابِيَّ عَنْ ذَلِكَ بِالْفَتْوَى فَكَتَبَ هُوَ الْعُقْرُ أَنَّهُ يَنْظُرُ بِكَمْ تُسْتَأْجَرُ لِلزِّنَا لَوْ كَانَ حَلَالًا يَجِبُ ذَلِكَ الْقَدْرُ، وَكَذَا نُقِلَ عَنْ مَشَايِخِنَا فِي شُرْبِ الْأَصْلِ لِلْإِمَامِ السَّرَخْسِيِّ اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ وَيُخَالِفُهُ مَا فِي الْمُحِيطِ لَوْ زُفِّتَ إلَيْهِ غَيْرُ امْرَأَتِهِ فَوَطِئَهَا لَزِمَهُ مَهْرُ مِثْلِهَا اهـ. إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْعُقْرِ الْمَذْكُورِ فِي الْخُلَاصَةِ تَوْفِيقًا وَلَمْ أَرَ حُكْمَ مَا إذَا سَاوَتْ الْمَرْأَةُ امْرَأَتَيْنِ مِنْ أَقَارِبِ أَبِيهَا فِي جَمِيعِ الْأَوْصَافِ الْمُعْتَبَرَةِ مَعَ اخْتِلَافِ مَهْرِهِمَا قِلَّةً وَكَثْرَةً هَلْ يُعْتَبَرُ بِالْمَهْرِ الْأَقَلِّ أَوْ الْأَكْثَرِ وَيَنْبَغِي أَنَّ كُلَّ مَهْرٍ اعْتَبَرَهُ الْقَاضِي وَحَكَمَ بِهِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ لِقِلَّةِ التَّفَاوُتِ وَفِي الْخُلَاصَةِ يُعْتَبَرُ بِأَخَوَاتِهَا وَعِمَامَتِهَا وَبَنَاتِهِنَّ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا أُخْتٌ وَلَا عَمَّةٌ فَبِنْتُ الْأُخْتِ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَبِنْتُ الْعَمِّ اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ بِنْتَ الْأُخْتِ وَبِنْتَ الْعَمِّ مُؤَخَّرَانِ عَمَّا ذَكَرَهُ فَيَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهَا أُخْتٌ وَبِنْتُ عَمٍّ قَدْ سَاوَتْهُمَا فِي الْأَوْصَافِ الْمَذْكُورَةِ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرَ بِنْتُ الْعَمِّ مَعَ وُجُودِ الْأُخْتِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ خِلَافُهُ وَفِي الْخُلَاصَةِ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمُخْبِرُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ وَيُشْتَرَطُ لَفْظُ الشَّهَادَةِ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ عَلَى ذَلِكَ شُهُودٌ عُدُولٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ مَعَ يَمِينِهِ. اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْقَضَاءُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ بِدُونِ الشَّهَادَةِ أَوْ الْإِقْرَارِ مِنْ الزَّوْجِ وَيُخَالِفُهُ مَا فِي الْمُحِيطِ   [منحة الخالق] كَغَيْرِهِ بِرَدِّهِ. (قَوْلُهُ فَيَنْبَغِي اعْتِبَارُهَا فِي حَقِّهِ أَيْضًا) وَافَقَهُ عَلَى هَذَا الْبَحْثِ فِي النَّهْرِ وَالرَّمْزِ. (قَوْلُهُ لِمَا فِي الْخُلَاصَةِ) ذُكِرَ مَا فِي الْخُلَاصَةِ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَغُرَرِ الْأَفْكَارِ، وَكَذَا ذَكَرَهُ الْمَقْدِسِيَّ فِي الرَّمْزِ ثُمَّ قَالَ وَفِي وَاقِعَاتِ النَّاطِفِيِّ أَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ مَا يَتَزَوَّجُ بِهِ مِثْلَهَا اهـ. قُلْتُ: وَفِي الْفَيْضِ لِلْكُرْكِيِّ بَعْدَ ذِكْرِهِ حَاصِلُ مَا فِي الْخُلَاصَةِ وَقَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ الْعُقْرُ فِي الْحَرَائِرِ مَهْرُ الْمِثْلِ وَفِي الْجَوَارِي إذَا كُنَّ أَبْكَارًا عُشْرُ الْقِيمَةِ وَإِنْ كُنَّ ثَيِّبَاتٍ نِصْفُ الْعُشْرِ، وَقِيلَ فِي الْجَوَارِي يُنْظَرُ إلَى مِثْلِ تِلْكَ الْجَارِيَةِ جَمَالًا وَمَوْلًى بِكَمْ تَتَزَوَّجُ فَيُعْتَبَرُ بِذَلِكَ وَهُوَ الْمُخْتَارُ اهـ. وَفِي الْفَصْلِ الثَّانِيَ عَشَرَ مِنْ التَّتَارْخَانِيَّة فِي نَوْعٍ مِنْهُ فِي وُجُوبِ الْمَهْرِ بِلَا نِكَاحٍ ذُكِرَ مَا هُنَا مَعْزِيًّا إلَى الْمُحِيطِ ثُمَّ أَعْقَبَهُ بِقَوْلِهِ وَفِي الْحُجَّةِ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ تَفْسِيرُ الْعُقْرِ هُوَ مَا يَتَزَوَّجُ بِهِ مِثْلَهَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ. فَظَهَرَ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافًا وَأَنَّ الْمُفْتَى بِهِ خِلَافُ مَا هُنَا. (قَوْلُهُ وَيُخَالِفُهُ مَا فِي الْمُحِيطِ) لَمْ يَذْكُرْ مَا مَرَّ عَنْ الْخَانِيَّةِ لَوْ تَزَوَّجَ مُحَرَّمَةٍ لَا حَدَّ عَلَيْهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَلَيْهِ مَهْرُ مِثْلِهَا بَالِغًا مَا بَلَغَ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ هُنَا الْوَطْءُ بِشُبْهَةٍ بِدُونِ نِكَاحٍ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ قَبْلُ وَحُكْمُ كُلِّ نِكَاحٍ فَاسِدٍ وَمَسْأَلَةُ الْخَانِيَّةِ مِنْ ذَلِكَ الْقَبِيلِ لَا مِمَّا نَحْنُ فِيهِ وَبِمَا قَرَّرْنَا انْدَفَعَ مَا قِيلَ يُخَالِفُهُ أَيْضًا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ سَابِقًا وَلَمْ يَزِدْ عَلَى الْمُسَمَّى. (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي أَنَّ كُلَّ مَهْرٍ اعْتَبَرَهُ الْقَاضِي إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ نَصَّ عُلَمَاؤُنَا عَلَى أَنَّ التَّفْوِيضَ لِقُضَاةِ الْعَهْدِ فَسَادٌ وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ نَظَرُ الْفَقِيهِ اعْتِبَارُ الْأَقَلِّ لِلتَّيَقُّنِ بِهِ فَلَا تَشْتَغِلُ ذِمَّةُ الزَّوْجِ بِغَيْرِهِ تَأَمَّلْ. اهـ. قُلْتُ: وَيَظْهَرُ لِي أَنْ يُنْظَرَ فِي مَهْرِ كُلٍّ مِنْ هَاتَيْنِ الْمَرْأَتَيْنِ فَمَنْ وَافَقَ مَهْرُهَا مَهْرَ أَمْثَالِهَا تُعْتَبَرُ إذْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ حَصَلَ فِي مَهْرِ أَحَدِهِمَا مُحَابَاةٌ مِنْ الزَّوْجِ أَوْ الزَّوْجَةِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَيُخَالِفُهُ مَا فِي الْمُحِيطِ) أَجَابَ عَنْهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ مَا فِي الْمُحِيطِ يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا إذَا رَضِيَا بِذَلِكَ وَإِلَّا فَالزِّيَادَةُ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ عِنْدَ آبَائِهِ وَالنَّقْصُ عَنْهُ عِنْدَ إبَائِهَا لَا يَجُوزُ اهـ. قُلْتُ: لَكِنَّ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ مَا يُؤَيِّدُ كَلَامَ الْمُؤَلِّفِ حَيْثُ قَالَ: وَهَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَفْرِضْ الْقَاضِي فِي مَهْرِ الْمِثْلِ شَيْئًا وَلَمْ يَتَرَاضَ الزَّوْجَانِ عَلَى شَيْءٍ مِنْهُ وَإِلَّا فَهُوَ الْمَهْرُ كَمَا فِي الْمَشَارِعِ اهـ. فَقَوْلُهُ وَلَمْ يَتَرَاضَ الزَّوْجَانِ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْحُكْمَ لَيْسَ بِتَرَاضِيهِمَا، وَقَدْ صَرَّحَ بِالْمَسْأَلَةِ أَيْضًا الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي الَّذِي جَمَعَ كُتُبَ مُحَمَّدٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ بَيَانِ مَهْرِ الْمِثْلِ فَإِنْ فَرَضَ لَهَا الزَّوْجُ بَعْدَ الْعَقْدِ مَهْرًا أَوْ رَافَعَتْهُ إلَى الْقَاضِي فَفَرَضَ لَهَا مَهْرًا فَهُوَ سَوَاءٌ وَذَلِكَ لَهَا إنْ دَخَلَ بِهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَإِنَّمَا لَهَا الْمُتْعَةُ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْفَرِيضَةِ لَمْ تَكُنْ فِي الْعَقْدِ اهـ. فَقَوْلُهُ: أَوْ رَافَعَتْهُ ظَاهِرٌ فِي عَدَمِ تَرَاضِيهِمَا فَتَدَبَّرْ، وَأَمَّا قَوْلُ الْمُحِيطِ زَادَ أَوْ نَقَصَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ رَاجِعٌ إلَى صُورَةِ فَرْضِ الزَّوْجِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 186 قَالَ فَإِنْ فَرَضَ الْقَاضِي أَوْ الزَّوْجُ بَعْدَ الْعَقْدِ جَازَ؛ لِأَنَّهُ يَجْرِي ذَلِكَ مَجْرَى التَّقْدِيرِ لِمَا وَجَبَ بِالْعَقْدِ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ زَادَ أَوْ نَقَصَ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى الْوَاجِبِ صَحِيحَةٌ وَالْحَطُّ عَنْهُ جَائِزٌ اهـ. وَفِي الذَّخِيرَةِ أَنَّ الِاعْتِبَارَ لِهَذِهِ الْأَوْصَافِ وَقْتَ التَّزْوِيجِ وَفِي الصَّيْرَفِيَّةِ مَاتَ فِي غُرْبَةٍ وَخَلَفَ زَوْجَتَيْنِ غَرِيبَتَيْنِ تَدَّعِيَانِ الْمَهْرَ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُمَا قَالَ كَمْ مَهْرُ مِثْلِهِمَا وَلَيْسَ لَهُمَا أَخَوَاتٌ فِي الْغُرْبَةِ قَالَ يُحْكَمُ بِجَمَالِهِمَا بِكَمْ يُنْكَحُ مِثْلُهُنَّ، فَقِيلَ لَهُ يَخْتَلِفُ بِالْبُلْدَانِ قَالَ إنْ وُجِدَ فِي بَلَدِهِمَا يُسْأَلُ وَإِلَّا فَلَا يُعْطَى لَهُمَا شَيْءٌ. (قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فَمِنْ الْأَجَانِبِ) شَامِلٌ لِمَسْأَلَتَيْنِ إحْدَاهُمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا أَحَدٌ مِنْ قَوْمِ أَبِيهَا الثَّانِيَةُ إذَا كَانَ لَهَا أَقَارِبُ مِنْهُمْ لَكِنْ لَمْ يُوجَدْ فِيهِمْ مَنْ يُمَاثِلُهَا فِي الْأَوْصَافِ الْمَذْكُورَةِ كُلِّهَا أَوْ بَعْضِهَا وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا يُعْتَبَرُ مَهْرُهَا بِأَجْنَبِيَّةٍ مَوْصُوفَةٍ بِذَلِكَ وَفِي الْخُلَاصَةِ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِثْلُهَا فِي قَرَابَتِهَا يُنْظَرُ فِي قَبِيلَةٍ أُخْرَى مِثْلِهَا أَيْ مِثْلِ قَبِيلَةِ أَبِيهَا كَذَا فُسِّرَ الضَّمِيرُ فِي مِثْلِهَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُرْجَعَ إلَى الْمَرْأَةِ لِيَكُونَ مُوَافِقًا لِمَا فِي الْمُخْتَصَرِ مِنْ الِاعْتِبَارِ بِالْأَجْنَبِيَّاتِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ قَبِيلَةٍ مُمَاثِلَةٍ لِقَبِيلَةِ أَبِيهَا أَوْ لَا وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يُعْتَبَرُ بِالْأَجْنَبِيَّاتِ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا كَانَ لَهَا أَقَارِبُ وَإِلَّا امْتَنَعَ الْقَضَاءُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ اهـ. وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْقَضَاءَ بِمَهْرِ الْمِثْلِ لَمْ يَنْحَصِرْ فِي النَّظَرِ إلَى مَنْ يُمَاثِلُهَا مِنْ النِّسَاءِ بَلْ لَوْ فَرَضَ لَهَا الْقَاضِي شَيْئًا مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ صَحَّ كَمَا فِي الْمُحِيطِ فَالْمَرْوِيُّ مِنْ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ بِالْأَجْنَبِيَّاتِ صَحِيحٌ مُطْلَقًا وَيَفْرِضُ الْقَاضِي لَهَا الْمَهْرَ فَلَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ امْتِنَاعُ الْقَضَاءِ بِهِ لَوْ أُجْرِيَ عَلَى عُمُومِهِ. (قَوْلُهُ وَصَحَّ ضَمَانُ الْوَلِيِّ الْمَهْرَ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الِالْتِزَامِ، وَقَدْ أَضَافَهُ إلَى مَا يَقْبَلُهُ فَيَصِحُّ وَالْمُرَادُ بِهِ أَنَّهُ فِي الصِّحَّةِ أَمَّا فِي مَرَضِ الْمَوْتِ فَلَا؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ لِوَارِثِهِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ دَيْنٍ ضَمِنَهُ عَنْ وَارِثِهِ أَوْ لِوَارِثِهِ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ وَارِثًا لَهُ فَالضَّمَانُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ مِنْ الثُّلُثِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي ضَمَانِ الْأَجْنَبِيّ وَأُطْلِقَ فِي الْوَلِيِّ فَشَمِلَ وَلِيَّ الْمَرْأَةِ وَوَلِيَّ الزَّوْجِ الصَّغِيرَيْنِ وَالْكَبِيرَيْنِ أَمَّا وَلِيُّ الزَّوْجِ الْكَبِيرُ فَهُوَ وَكِيلٌ عَنْهُ كَالْأَجْنَبِيِّ وَوِلَايَتُهُ عَلَيْهِ وِلَايَةُ اسْتِحْبَابٍ وَحُكْمُ ضَمَانِ مَهْرِهِ كَحُكْمِ ضَمَانِ الْأَجْنَبِيِّ فَإِنْ ضَمِنَ عَنْهُ بِإِذْنِهِ رَجَعَ وَإِلَّا فَلَا كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ صَغِيرًا بِأَنْ زَوَّجَ ابْنَهُ وَضَمِنَ لِلْمَرْأَةِ مَهْرَهَا فَلِأَنَّ الْوَلِيَّ سَفِيرٌ وَمُعَبِّرٌ فِيهِ وَلَيْسَ بِمُبَاشِرٍ بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى لَهُ شَيْئًا ثُمَّ ضَمِنَ عَنْهُ الثَّمَنَ لِلْبَائِعِ حَيْثُ لَا يَصِحُّ ضَمَانُهُ؛ لِأَنَّهُ أَصِيلٌ فِيهِ فَيَلْزَمُهُ الثَّمَنُ ضَمِنَ أَوْ لَمْ يَضْمَنْ وَلَا بُدَّ فِي صِحَّتِهِ مِنْ قَبُولِ الْمَرْأَةِ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ كَغَيْرِهِ مِنْ الْكَفَالَاتِ، وَالْمَجَانِينُ كَالصِّبْيَانِ فِي ذَلِكَ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَاسْتُفِيدَ مِنْ صِحَّةِ الضَّمَانِ أَنَّ لَهَا مُطَالَبَةَ الْوَلِيِّ وَمُطَالَبَةَ الزَّوْجِ وَإِذَا بَلَغَ لَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ وَأَنَّهُ لَوْ أَدَّى الْأَبُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ لَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الصَّغِيرِ؛ لِأَنَّ الْكَفِيلَ لَا رُجُوعَ لَهُ إلَّا بِالْأَمْرِ وَلَمْ يُوجَدْ لَكِنْ ذُكِرَ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ إنْ شُرِطَ الرُّجُوعُ فِي أَصْلِ الضَّمَانِ فَلَهُ الرُّجُوعُ كَأَنَّهُ كَالْإِذْنِ مِنْ الْبَالِغِ فِي الْكَفَالَةِ وَفِي فَتَاوَى الْوَلْوَالِجِيِّ لَا رُجُوعَ لَهُ إلَّا إذَا أَشْهَدَ عِنْدَ الْأَدَاءِ أَنَّهُ يُؤَدِّي لِيَرْجِعَ عَلَيْهِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا أَعْنِي عَدَمَ الرُّجُوعِ إذَا لَمْ يُشْهِدْ مُقَيَّدٌ   [منحة الخالق] وَيُمْكِنُ إرْجَاعُهُ إلَى صُورَةِ فَرْضِ الْقَاضِي بِأَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى أَنَّ الْقَاضِيَ مَا حَكَمَ بِمَهْرِ الْمِثْلِ إلَّا بَعْدَ النَّظَرِ وَالتَّأَمُّلِ فِي أَمْثَالِهَا فَإِنْ كَانَ مَا حُكِمَ بِهِ زَائِدًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ أَوْ نَاقِصًا يَكُونُ ذَلِكَ زِيَادَةً فِي الْمَهْرِ أَوْ حَطًّا عَنْهُ وَذَلِكَ جَائِزٌ بِالتَّرَاضِي فَيَكُونُ الْحُكْمُ بِهِ نَافِذًا أَيْضًا عَلَيْهِمَا كَمَا لَوْ حَكَمَ بِشَهَادَةِ الزُّورِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ كُلِّهَا أَوْ بَعْضِهَا) يُفِيدُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ التَّسَاوِي فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الْمَذْكُورَةِ قَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ كُلُّهَا فِي قَوْمِ أَبِيهَا يُعْتَبَرُ الْمَوْجُودُ مِنْهَا، وَكَذَا فِي الْبُرْجَنْدِيِّ مُعَلَّلًا بِأَنَّ اجْتِمَاعَ هَذِهِ الْأَوْصَافِ فِي امْرَأَتَيْنِ يَتَعَذَّرُ كَذَا فِي حَوَاشِي مِسْكِينٍ. (قَوْلُهُ: وَالْأَوْلَى أَنْ يَرْجِعَ إلَى الْمَرْأَةِ) دَفَعَهُ فِي النَّهْرِ بِقَوْلِ الشَّارِحِ الزَّيْلَعِيِّ مِنْ قَبِيلَةٍ مِثْلَ قَبِيلَةِ أَبِيهَا قَالَ وَهُوَ مُقَيَّدٌ لِإِطْلَاقِ الْكِتَابِ وَمَا فُسِّرَ بِهِ فِي الْفَتْحِ كَلَامُ الْخُلَاصَةِ مُتَعَيِّنٌ. (قَوْلُهُ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَيَجِبُ حَمْلُهُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ لَا كَلَامَ فِي نَفْيِ هَذَا الْوُجُوبِ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ إذْ لَوْ حُمِلَ عَلَيْهِ لَكَانَ رِوَايَةً وَاحِدَةً وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْمَتْنِ فَمَا مَعْنَى ذِكْرِهَا. (قَوْلُهُ وَإِلَّا امْتَنَعَ الْقَضَاءُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ مُسَلَّمٌ لَوْ لَمْ يَكُنْ قَضَاءُ الْقَاضِي مُطْلَقًا أَوْ بِاعْتِبَارِ حَالِهَا بِنَفْسِهَا دَاخِلًا فِي مُسَمَّى مَهْرِ الْمِثْلِ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَلَا يَضُرُّ وَيَكُونُ الْحُكْمُ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ لَوْ وُجِدَ الْمِثْلُ وَالْأَجْنَبِيَّةُ لَيْسَتْ بِمِثْلٍ فَعِنْدَ عَدَمِهِ يَقْضِي الْقَاضِي مُطْلَقًا أَوْ مُعْتَبِرًا حَالَهَا وَأَمَّا لَوْ أَلْحَقْنَاهُ بِهِ فَهُوَ مَمْنُوعٌ وَالْمَعْنَى فِيهِ عَلَى الْأَوَّلِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُوجَدْ الْمِثْلُ فِي الْأَقَارِبِ تَعَذَّرَتْ أَوْ تَعَسَّرَتْ الْمُمَاثَلَةُ فَيَنْظُرُ الْقَاضِي نَظَرَهُ عَلَى الثَّانِي إنْ نَظَرَهُ لَا بُدَّ وَأَنْ يَسْتَنِدَ إلَى مَا يُسَهِّلُ عَلَيْهِ طَرِيقَ الْقَضَاءِ فَكَانَ فِي حُكْمِ الْقَضَاءِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ هَذَا وَقَوْلُهُ: وَالْأَوْلَى إلَخْ أَقُولُ: لَا بُدَّ مِنْ مُمَاثَلَتِهَا لِمَنْ فِي الْقَبِيلَةِ الْمُمَاثِلَةِ كَمَا هُوَ صَرِيحُ كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ وَلَا بُدَّ مِنْ الشَّيْئَيْنِ وَبِهِ عَلِمْت مَا فِي كَلَامِ الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ وَالنَّهْرِ (قَوْلُهُ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْقَضَاءَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَأَنْتَ قَدْ عَلِمْت بِأَنَّ مَا فِي الْمُحِيطِ لَا يُمْكِنُ إجْرَاؤُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ فَلَمْ يَتِمَّ الِاسْتِشْهَادُ بِهِ اهـ. وَأَنْتَ قَدْ عَلِمْت مَا فِيهِ. (قَوْلُهُ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ) وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا نَظَرَ فِيهِ فِي النَّهْرِ بِمَا يَأْتِي عَنْ غَايَةِ الْبَيَانِ، ثُمَّ قَالَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 187 بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلصَّغِيرِ مَالٌ. اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ أَنَّهُ إذَا أَشْهَدَ عِنْدَ الْأَدَاءِ أَنَّهُ أَدَّى لِيَرْجِعَ رَجَعَ وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ عِنْدَ الضَّمَانِ اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْإِشْهَادَ عِنْدَ الْأَدَاءِ أَوْ الضَّمَانِ شَرْطُ الرُّجُوعِ وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ لَوْ أَدَّى الْأَبُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ فَالْقِيَاسُ أَنْ يَرْجِعَ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْأَبِ لَوْ ضَمِنَ بِإِذْنِ الْأَبِ وَأَدَّى يَرْجِعُ فِي مَالِ الصَّغِيرِ فَكَذَا الْأَبُ؛ لِأَنَّ قِيَامَ وِلَايَةِ الْأَبِ عَلَيْهِ فِي الصِّغَرِ بِمَنْزِلَةِ أَمْرِهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا رُجُوعَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْآبَاءَ يَتَحَمَّلُونَ الْمُهُورَ عَنْ أَبْنَائِهِمْ عَادَةً وَلَا يَطْمَعُونَ فِي الرُّجُوعِ وَالثَّابِتُ بِالْعُرْفِ كَالثَّابِتِ بِالنَّصِّ إلَّا إذَا شُرِطَ الرُّجُوعُ فِي أَصْلِ الضَّمَانِ فَحِينَئِذٍ يَرْجِعُ؛ لِأَنَّ الصَّرِيحَ يَفُوقُ الدَّلَالَةَ أَعْنِي دَلَالَةَ الْعُرْفِ بِخِلَافِ الْوَصِيِّ إذَا أَدَّى الْمَهْرَ عَنْ الصَّغِيرِ بِحُكْمِ الضَّمَانِ يَرْجِعُ؛ لِأَنَّ التَّبَرُّعَ مِنْ الْوَصِيِّ لَا يُوجَدُ عَادَةً فَصَارَ كَبَقِيَّةِ الْأَوْلِيَاءِ غَيْرَ الْأَبِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ عَدَمَ الرُّجُوعِ مَخْصُوصٌ بِالْأَبِ وَاسْتُفِيدَ مِنْ صِحَّةِ الضَّمَانِ أَيْضًا أَنَّ الْأَبَ لَوْ مَاتَ قَبْلَ الْأَدَاءِ فَلِلْمَرْأَةِ الِاسْتِيفَاءُ مِنْ تَرِكَةِ الْأَبِ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ بِالْمَالِ لَا تَبْطُلُ بِمَوْتِ الْكَفِيلِ وَإِذَا اسْتَوْفَتْ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ رَجَعَ سَائِرُ الْوَرَثَةِ بِذَلِكَ فِي نَصِيبِ الِابْنِ أَوْ عَلَيْهِ إنْ كَانَ قَبَضَ نَصِيبَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ خِلَافًا وَذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ قَالَ إنَّ الْأَبَ مُتَبَرِّعٌ وَلَا يَرْجِعُ هُوَ وَلَا وَارِثُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ عَلَى الِابْنِ بِشَيْءٍ وَحُكْمُ الِاسْتِيفَاءِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ كَالِاسْتِيفَاءِ بَعْدَ الْمَوْتِ مِنْ أَنَّ الْوَرَثَةَ يَرْجِعُونَ عَلَيْهِ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَاسْتُفِيدَ مِنْ الْقَوْلِ بِصِحَّةِ الضَّمَانِ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَضْمَنْ الْأَبُ مَهْرَ ابْنِهِ الصَّغِيرِ لَا يُطَالَبُ بِهِ وَلَوْ كَانَ عَاقِدًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَزِمَهُ بِلَا ضَمَانٍ لَمْ يَكُنْ لِلضَّمَانِ فَائِدَةٌ وَلِمَا فِي الْمِعْرَاجِ لَوْ زَوَّجَ ابْنَهُ الصَّغِيرَ لَا يَثْبُتُ الْمَهْرُ فِي ذِمَّةِ الْأَبِ بَلْ يَثْبُتُ فِي ذِمَّةِ الِابْنِ عِنْدَنَا سَوَاءٌ كَانَ الِابْنُ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا ذَكَرَهُ فِي الْمَنْظُومَةِ وَشَرْحِهَا مُعَلِّلًا بِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَنْفَكُّ عَنْ لُزُومِ الْمَالِ إنَّمَا يَنْفَكُّ عَنْ إيفَاءِ الْمَهْرِ فِي الْحَالِ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ ضَرُورَةِ الْإِقْدَامِ عَلَى تَزْوِيجِهِ ضَمَانُ الْمَهْرِ عَنْهُ، وَهَذَا هُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ مِنْ أَنَّ لِلْمَرْأَةِ مُطَالَبَةَ أَبٍ الصَّغِيرِ بِمَهْرِهَا ضَمِنَ أَوْ لَمْ يَضْمَنْ. اهـ. وَجَوَابُهُ أَنَّ كَلَامَ شَارِحِ الطَّحَاوِيِّ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ لِلصَّغِيرِ مَالٌ فَإِنَّ لَهَا مُطَالَبَةَ الْأَبِ بِغَيْرِ ضَمَانٍ لِيُؤَدِّيَ مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا الْحَمْلِ أَنَّ صَاحِبَ الْمِعْرَاجِ نَقَلَ أَوَّلًا مَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ ثُمَّ بَعْدَ أَسْطُرٍ ذَكَرَ مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ مِنْ عَدَمِ لُزُومِ الْمَهْرِ عَلَى الْأَبِ بِلَا ضَمَانٍ لَكِنْ قَيَّدَهُ بِالِابْنِ الْفَقِيرِ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْأَوَّلُ فِي الِابْنِ الْغَنِيِّ وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي الذَّخِيرَةِ إذَا اشْتَرَى لِابْنِهِ الصَّغِيرِ شَيْئًا آخَرَ سِوَى الطَّعَامِ وَالْكُسْوَةِ وَنَقَدَ الثَّمَنَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الصَّغِيرِ بِذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ الرُّجُوعُ؛ لِأَنَّهُ لَا عُرْفَ أَنَّ الْآبَاءَ يَتَحَمَّلُونَ الثَّمَنَ عَنْ الْأَبْنَاءِ اهـ. وَفِي الْخُلَاصَةِ لَوْ كَبِرَ الِابْنُ ثُمَّ أَدَّى الْأَبُ إنْ أَشْهَدَ يَرْجِعُ وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ لَا وَلَوْ كَانَ عَلَى الْأَبِ دَيْنٌ لِلصَّغِيرِ فَأَدَّى مَهْرَ امْرَأَتِهِ وَلَمْ يُشْهِدْ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ إنَّمَا أَدَّيْت مَهْرَهُ عَنْ دَيْنِهِ الَّذِي عَلَيَّ صُدِّقَ. اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ إذَا أَعْطَى الْأَبُ أَرْضًا فِي مَهْرِ امْرَأَتِهِ ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ قَبْلَ قَبْضِ الْمَرْأَةِ لَا تَكُونُ الْأَرْضُ لَهَا؛ لِأَنَّهَا هِبَةٌ مِنْ الْأَبِ لَمْ تَتِمَّ بِالتَّسْلِيمِ فَإِنْ ضَمِنَ الْمَهْرَ وَأَدَّى الْأَرْضَ عَنْهُ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ كَانَتْ الْأَرْضُ لِلْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ فَلَا يَبْطُلُ بِالْمَوْتِ، وَأَمَّا ضَمَانُ وَلِيِّ الْمَرْأَةِ الْمَهْرَ عَنْ زَوْجِهَا فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ تَكُونَ كَبِيرَةً أَوْ صَغِيرَةً فَإِنْ كَانَتْ كَبِيرَةً فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ كَالْأَجْنَبِيِّ إذَا ضَمِنَ لَهَا الْمَهْرَ وَيَثْبُتُ لَهَا الْخِيَارُ إنْ شَاءَتْ طَالَبَتْهُ وَإِنْ شَاءَتْ طَالَبَتْ زَوْجَهَا إنْ كَانَ كَبِيرًا وَهِيَ أَهْلٌ لِلْمُطَالَبَةِ وَيَرْجِعُ الْوَلِيُّ بَعْدَ الْأَدَاءِ عَلَى الزَّوْجِ إنْ ضَمِنَ بِأَمْرِهِ سَوَاءٌ كَانَتْ الْكَبِيرَةُ عَاقِلَةً أَوْ مَجْنُونَةً، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ صَغِيرَةً زَوَّجَهَا الْأَبُ وَضَمِنَ مَهْرَهَا فَإِنَّمَا صَحَّ؛ لِأَنَّهُ سَفِيرٌ وَمُعَبِّرٌ لَا تَرْجِعُ الْحُقُوقُ إلَيْهِ وَإِنَّمَا مَلَكَ قَبْضَ مَهْرِ الصَّغِيرَةِ بِحُكْمِ الْأُبُوَّةِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ عَاقِدٌ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُهُ بَعْدَ بُلُوغِهَا إلَّا بِرِضَاهَا صَرِيحًا أَوْ دَلَالَةً بِأَنْ تَسْكُتَ وَهِيَ بِكْرٌ بِخِلَافِ   [منحة الخالق] بَعْدَ كَلَامٍ وَإِذَا كَانَ فِي ذِي الْمَالِ لَا يَرْجِعُ إلَّا إذَا أَشْهَدَ فَفِي الْفَقِيرِ أَوْلَى وَقَالَ أَيْضًا بَقِيَ أَنَّ غَيْرَ الْأَبِ هَلْ يَرْجِعُ بِدُونِ الْإِشْهَادِ فِي الْفَقِيرِ لَمْ أَرَهُ لَهُمْ. (قَوْلُهُ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ عَدَمَ الرُّجُوعِ مَخْصُوصٌ بِالْأَبِ) يُشِيرُ إلَى مَا فِي عِبَارَةِ الزَّيْلَعِيِّ مِنْ الْمُؤَاخَذَةِ حَيْثُ قَالَ إذَا أَدَّى الْوَلِيُّ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي مَالِ الصَّغِيرِ إنْ أَشْهَدَ أَنَّهُ يُؤَدِّيهِ لِيَرْجِعَ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ اسْتِحْسَانًا فَلَا يَكُونُ لَهُ الرُّجُوعُ فِي مَالِهِ اهـ. فَإِطْلَاقُهُ لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الرُّجُوعِ عِنْدَ عَدَمِ الْإِشْهَادِ خَاصٌّ بِالْأَبِ. (قَوْلُهُ وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا الْحَمْلِ) أَقُولُ: وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا مَا فِي غُرَرِ الْأَفْكَارِ لَوْ زَوَّجَ ابْنَهُ الصَّغِيرَ امْرَأَةً بِمَهْرٍ فَعُلَمَاؤُنَا لَمْ يُوجِبُوا إبْرَاءَ ذَلِكَ الْمَهْرِ عَلَى الْأَبِ وَقْتَ فَقْرِ الِابْنِ لِانْعِدَامِ كَفَالَةِ الْأَبِ عَنْهُ صَرِيحًا وَدَلَالَةً وَأَوْجَبَهُ مَالِكٌ عَلَى الْأَبِ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ وَافَقَاهُ؛ لِأَنَّ قَبُولَ الْمَهْرِ عَنْ صَغِيرٍ لَا مَالَ لَهُ دَلِيلٌ عَلَى ضَمَانِهِ قُلْنَا لَا دَلَالَةَ لِقَبُولِهِ الْمَهْرَ عَنْهُ بَلْ عَلَى أَدَائِهِ مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ قَبْلَ الْبُلُوغِ إذَا حَصَلَ مَالٌ لَهُ أَوْ عَلَى أَدَاءِ ابْنِهِ بِنَفْسِهِ بَعْدَ بُلُوغِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 188 مَا إذَا بَاعَ مَالَ الصَّغِيرِ وَضَمِنَ الثَّمَنَ عَنْ الْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ أَصِيلٌ فِيهِ حَتَّى تَرْجِعَ الْحُقُوقُ عَلَيْهِ وَيَصِحَّ إبْرَاؤُهُ مِنْ الثَّمَنِ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ لَكِنَّهُ يَضْمَنُهُ لِلْوَلَدِ لِتَعَدِّيهِ بِالْإِبْرَاءِ وَيَمْلِكُ قَبْضَ الثَّمَنِ بَعْدَ بُلُوغِهِ فَلَوْ صَحَّ الضَّمَانُ لَصَارَ ضَامِنًا لِنَفْسِهِ وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ قَوْلَهُ (وَتُطَالِبُ زَوْجَهَا أَوْ وَلِيَّهَا) مَخْصُوصٌ بِمَا إذَا كَانَ الضَّامِنُ وَلِيَّهَا مَعَ أَنَّ الْحُكْمَ أَعَمُّ فَلَوْ قَالَ وَتُطَالِبُ زَوْجَهَا أَوْ الْوَلِيَّ الضَّامِنَ لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ مَا إذَا كَانَ الضَّامِنُ وَلِيَّهُ وَقَوْلُ الشَّارِحِ الزَّيْلَعِيِّ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ فَالْمُطَالَبَةُ إلَى وَلِيِّ الزَّوْجِ مَكَانَ وَلِيِّهَا غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْمُطَالَبَةَ عَلَيْهِ لَا إلَيْهِ وَجَعْلُ إلَيَّ بِمَعْنَى عَلَيَّ هُنَا مَجَازًا بَعِيدٌ كَمَا لَا يَخْفَى وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِ الزَّوْجِ بِالْبُلُوغِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهَا مُطَالَبَةُ الصَّغِيرِ بَلْ وَلِيِّهَا فَقَطْ وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِ صِحَّةِ ضَمَانِهِ لَهَا مِنْ قَبُولِهَا أَوْ قَبُولِ قَابِلٍ فِي الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّ الْمَوْجُودَ شَطْرٌ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مَا وَرَاءِ الْمَجْلِسِ فِي الْمَذْهَبِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الصَّغِيرَةِ وَالْكَبِيرَةِ وَإِطْلَاقُهُمْ صِحَّةَ ضَمَانِهِ مَهْرَ الصَّغِيرَةِ يَقْتَضِي أَنْ لَا يُشْتَرَطَ قَبُولُ أَحَدٍ فِي الْمَجْلِسِ وَأَنَّ إيجَابَهُ يَكُونُ مَقَامَ الْقَبُولِ عَنْهَا وَلَا بُدَّ مِنْ التَّقْيِيدِ بِصِحَّةِ وَلِيِّهَا إذْ ضَمَانُهُ فِي مَرَضِهِ بَاطِلٌ لِمَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّ الضَّمَانَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ لِلْوَارِثِ أَوْ عَنْهُ بَاطِلٌ وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا كَانَتْ مُولِيَتُهُ وَارِثَتَهُ وَأَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ وَارِثَتَهُ كَمَا إذَا كَانَتْ بِنْتَ عَمِّهِ مَثَلًا وَلَهُ وَارِثٌ يَحْجُبُهَا فَالضَّمَانُ صَحِيحٌ مُطْلَقًا كَمَا لَا يَخْفَى وَيَكُونُ مِنْ الثُّلُثِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَأَشَارَ بِصِحَّةِ ضَمَانِ الْوَلِيِّ إلَى صِحَّةِ ضَمَانِ الرَّسُولِ فِي النِّكَاحِ وَالْوَكِيلِ بِالْأَوْلَى فَلَوْ ضَمِنَ الرَّسُولُ الْمَهْرَ ثُمَّ جَحَدَ الزَّوْجُ الرِّسَالَةَ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيمَا يَلْزَمُ الرَّسُولَ وَصُحِّحَ فِي الْمُحِيطِ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا طَلَبَتْ التَّفْرِيقَ مِنْ الْقَاضِي وَفُرِّقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الزَّوْجِ كَانَ لَهَا عَلَى الرَّسُولِ نِصْفُ الْمَهْرِ وَإِنْ لَمْ تَطْلُبْ التَّفْرِيقَ كَانَ لَهَا جَمِيعُ الْمَهْرِ وَلَوْ زَوَّجَهُ الْوَكِيلُ عَلَى أَلْفٍ مِنْ مَالِهِ أَوْ عَلَى هَذِهِ الْأَلْفِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ وَلَوْ ضَمِنَ الْمَهْرَ لَزِمَهُ فَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ فَلَا رُجُوعَ لَهُ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالْخُلْعِ فَإِنَّهُ إذَا ضَمِنَ الْبَدَلَ عَنْهَا رَجَعَ بِهِ عَلَيْهَا وَإِنْ لَمْ تَأْمُرْهُ بِالضَّمَانِ لِانْصِرَافِ التَّوْكِيلِ إلَى الْأَمْرِ بِالضَّمَانِ لِصِحَّةِ الْخُلْعِ بِلَا تَوْكِيلٍ مِنْهَا بِخِلَافِ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ بِلَا تَوْكِيلٍ مِنْهَا فَانْصَرَفَ الْأَمْرُ إلَيْهِ وَلَوْ زَوَّجَهُ الْوَكِيلُ امْرَأَةً عَلَى عَرْضِهِ جَازَ فَإِنْ هَلَكَ فِي يَدِ الْوَكِيلِ رَجَعَتْ بِقِيمَتِهِ عَلَى الزَّوْجِ وَفِي الْخُلْعِ تَرْجِعُ عَلَى الْوَكِيلِ وَالْكُلُّ مِنْ الْمُحِيطِ. (قَوْلُهُ وَلَهَا مَنْعُهُ مِنْ الْوَطْءِ وَالْإِخْرَاجِ لِلْمَهْرِ وَإِنْ وَطِئَهَا) أَيْ لِلْمَرْأَةِ مَنْعُ نَفْسِهَا مِنْ وَطْءِ الزَّوْجِ وَإِخْرَاجِهَا مِنْ بَلَدِهَا حَتَّى يُوفِيَهَا مَهْرَهَا وَإِنْ كَانَتْ قَدْ سَلَّمَتْ نَفْسَهَا لِلْوَطْءِ فَوَطِئَهَا لَتَعَيَّنَ حَقُّهَا فِي الْبَدَلِ كَمَا تَعَيَّنَ حَقُّ الزَّوْجِ فِي الْمُبْدَلِ فَصَارَ كَالْبَيْعِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَأُورِدَ عَلَيْهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّ هَذَا التَّحْلِيلَ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي الصَّدَاقِ الدَّيْنِ، أَمَّا الْعَيْنُ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى عَبْدٍ بِعَيْنِهِ فَلَا؛ لِأَنَّهَا بِالْعَقْدِ مَلَكَتْهُ وَتَعَيَّنَ حَقُّهَا فِيهِ حَتَّى مَلَكَتْ عِتْقَهُ اهـ. وَقَدْ قَالُوا فِي بَيْعِ الْمُقَايَضَةِ يُقَالُ لَهُمَا سَلِّمَا مَعًا وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هُنَا كَذَلِكَ فَلَهَا الْمَنْعُ قَبْلَهُ وَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ أَنَّ مِثْلَهُ لَا يَتَأَتَّى فِي النِّكَاحِ إذَا كَانَ الْمَهْرُ عَبْدًا مُعَيَّنًا مَثَلًا وَلَا فِي مَعِيَّةِ الْخَلْوَةِ لِإِطْلَاقِ الْجَوَابِ بِأَنَّ لَهَا الِامْتِنَاعَ إلَى أَنْ تَقْبِضَ اهـ. فَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّسْلِيمِ هُنَا التَّخْلِيَةُ بِرَفْعِ الْمَوَانِعِ وَهُوَ مُمْكِنٌ فِي الْعَبْدِ أَيْضًا بِأَنْ يُخَلِّيَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ بِشُرُوطِ التَّخْلِيَةِ وَتُخِلِّي بَيْنَهَا وَبَيْنَ نَفْسِهَا بِرَفْعِ الْمَوَانِعِ مِنْهَا وَيَكُونَا سَوَاءً، وَهَذَا قَبْلَ الِاطِّلَاعِ عَلَى النَّقْلِ ثُمَّ رَأَيْت فِي الْمُحِيطِ وَإِنْ كَانَ الْمَهْرُ عَيْنًا فَإِنَّهُمَا يَتَقَابَضَانِ كَمَا فِي بَيْعِ الْمُقَايَضَةِ اهـ. وَبِهَذَا سَقَطَ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ) أَيْ صُورَةِ مَا إذَا كَانَ الضَّامِنُ وَلِيَّهُ وَسَمَّاهَا ثَانِيَةً نَظَرًا إلَى قَوْلِهِ لِيَشْمَلَ وَإِنْ كَانَ فِي التَّقْرِيرِ ذَكَرَهَا أَوَّلًا. (قَوْلُهُ لَتَعَيَّنَ حَقُّهَا فِي الْبَدَلِ) الَّذِي فِي الْفَتْحِ لِيَتَعَيَّنَ بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ، وَقَدْ وُجِدَ كَذَلِكَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ. (قَوْلُهُ وَأُورِدَ عَلَيْهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ) أَجَابَ عَنْهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ التَّعْيِينُ التَّامُّ الْمُخْرَجُ عَنْ الضَّمَانِ وَلَنْ يَكُونَ ذَلِكَ إلَّا بِالتَّسْلِيمِ، أَلَا تَرَى أَنَّ عَبْدَ الْمَهْرِ فِي ضَمَانِهِ مَا بَقِيَ فِي يَدِهِ. (قَوْلُهُ: وَقَدْ قَالُوا فِي بَيْعِ الْمُقَايَضَةِ إلَخْ) تَمْهِيدٌ لِمَا بَعْدَهُ وَهُوَ قَوْلُهُ وَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إلَخْ لَا جَوَابَ عَمَّا قَبْلَهُ. (قَوْلُهُ مِنْ أَنَّ مِثْلَهُ لَا يَتَأَتَّى فِي النِّكَاحِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ يَعْنِي الْقَوْلُ لَهُمَا سَلِمَا مَعًا وَقَوْلُهُ وَلَا فِي مَعِيَّةِ الْخَلْوَةِ يَعْنِي لَا يَتَأَتَّى مِثْلُهُ فِي النِّكَاحِ وَلَا فِي مَعِيَّةِ الْخَلْوَةِ أَيْ أَنْ يُقَالَ لَهُمَا سَلِّمَا مَعًا فِيهِمَا أَيْ لَا يَتَأَتَّى مَعِيَّةُ الْخَلْوَةِ وَتَسْلِيمُ الْمَهْرِ مَعًا. (قَوْلُهُ لِإِطْلَاقِ الْجَوَابِ إلَخْ) تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ لَا يَتَأَتَّى أَيْ لَا يَتَأَتَّى التَّسْلِيمُ هُنَا كَمَا فِي بَيْعِ الْمُقَايَضَةِ لِقَوْلِهِمْ لَهَا الِامْتِنَاعُ إلَى أَنْ تَقْبِضَ. (قَوْلُهُ وَبِهَذَا سَقَطَ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ) قَالَ فِي النَّهْرِ مَا فِي الْفَتْحِ مَنْقُولٌ كَلَامهمْ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَإِذَا كَانَ يَعْنِي الثَّمَنُ عَيْنًا يُسَلَّمَانِ مَعًا وَهَاهُنَا يُقَدَّمُ تَسْلِيمُ الْمَهْرِ عَلَى كُلِّ حَالٍّ سَوَاءٌ كَانَ دَيْنًا أَوْ عَيْنًا؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ وَالتَّسْلِيمَ مَعًا مُتَعَذِّرٌ وَلَا تَعَذُّرَ فِي الْبَيْعِ اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ وَلَا يُشْتَرَطُ إحْضَارُ الْمَرْأَةِ لِاسْتِيفَاءِ الْأَبِ مَهْرَ بِنْتِهِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَزُفَرَ يُشْتَرَطُ لَهُمَا أَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ أَنَّ تَسْلِيمَ الْمَرْأَةِ يَتَأَخَّرُ عَنْ قَبْضِ صَدَاقِهَا زَمَانًا فَلَمَّا عِلْم الزَّوْجُ بِذَلِكَ كَانَ رَاضِيًا بِتَعْجِيلِ الصَّدَاقِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 189 أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِمَنْعِهَا لَهُ مِمَّا ذُكِرَ إلَى أَنَّهُ لَا يَمْنَعُهَا مِنْ أَنْ تَخْرُجَ فِي حَوَائِجِهَا وَالزِّيَارَةِ بِغَيْرِ إذْنِهِ قَبْلَ قَبْضِ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَحْبُوسَةٍ لَحِقَهُ بِخِلَافِ مَا بَعْدَ إيفَائِهِ؛ لِأَنَّهَا مَحْبُوسَةٌ لَهُ وَإِلَى أَنَّ لِلْأَبِ أَنْ يُسَافِرَ بِابْنَتِهِ الْبِكْرِ وَلَوْ كَانَتْ بَالِغَةً قَبْلَ إيفَاءِ الْمَهْرِ وَبَعْدَهُ لَا كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَإِلَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا عَلَى كُرْهٍ مِنْهَا قَبْلَ إيفَائِهِ قَالَ فِي الْمُحِيطِ مِنْ النَّفَقَةِ وَهَلْ يَحِلُّ لِلزَّوْجِ أَنْ يَطَأَهَا عَلَى كُرْهٍ مِنْهَا إنْ كَانَ الِامْتِنَاعُ لَا لِطَلَبِ الْمَهْرِ يَحِلُّ؛ لِأَنَّهَا ظَالِمَةٌ وَإِنْ كَانَ لِطَلَبِ الْمَهْرِ لَا يَحِلُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَحِلُّ اهـ. وَأُطْلِقَ فِي الْإِخْرَاجِ فَشَمِلَ الْإِخْرَاجَ مِنْ بَيْتِهَا وَمِنْ بَلَدِهَا فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَتَفْسِيرُ الْإِخْرَاجِ بِالْمُسَافَرَةِ بِهَا كَمَا فِي الْهِدَايَةِ مِمَّا لَا يَنْبَغِي؛ لِأَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّ لَهُ إخْرَاجَهَا مِنْ بَيْتِهَا إلَى بَيْتٍ آخَرَ فِي مِصْرِهَا وَأُطْلِقَ فِي الْمَهْرِ وَفِيهِ تَفْصِيلٌ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إمَّا أَنْ يُصَرِّحَا بِحُلُولِهِ أَوْ بِتَعْجِيلِهِ أَوْ بِتَأْجِيلِهِ كُلِّهِ أَوْ بِحُلُولِ بَعْضِهِ وَتَأْجِيلِ بَعْضِهِ أَوْ يَسْكُتَا فَإِنْ شَرَطَا حُلُولَهُ أَوْ تَعْجِيلَهُ كُلَّهُ فَلَهَا الِامْتِنَاعُ حَتَّى تَسْتَوْفِيَهُ كُلَّهُ وَالْحُلُولُ وَالتَّعْجِيلُ مُتَرَادِفَانِ وَلَا اعْتِبَارَ بِالْعُرْفِ إذَا جَاءَ الصَّرِيحُ بِخِلَافِهِ، وَكَذَا إذَا شَرَطَا حُلُولَ الْبَعْضِ فَلَهَا الِامْتِنَاعُ حَتَّى تَقْبِضَ الْمَشْرُوطَ فَقَطْ وَأَمَّا إذَا شُرِطَ تَأْجِيلُ الْكُلِّ فَلَيْسَ لَهَا الِامْتِنَاعُ أَصْلًا؛ لِأَنَّهَا أَسْقَطَتْ حَقَّهَا بِالتَّأْجِيلِ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ لَهَا الِامْتِنَاعَ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا طَلَبَ تَأْجِيلَهُ كُلَّهُ فَقَدْ رَضِيَ بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ فِي الِاسْتِمْتَاعِ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ وَبِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يُفْتَى اسْتِحْسَانًا بِخِلَافِ الْبَيْعِ اهـ. وَلِأَنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ بِتَأْخِيرِ الدُّخُولِ عِنْدَ تَأْخِيرِ جَمِيعِ الْمَهْرِ وَفِي الْخُلَاصَةِ أَنَّ الْأُسْتَاذَ ظَهِيرَ الدِّينِ كَانَ يُفْتِي بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهَا الِامْتِنَاعُ وَالصَّدْرُ الشَّهِيدُ كَانَ يُفْتِي بِأَنَّ لَهَا ذَلِكَ اهـ. فَقَدْ اخْتَلَفَتْ الْفَتْوَى وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ إذَا كَانَ الْمَهْرُ مُؤَجَّلًا ثُمَّ حَلَّ الْأَجَلُ فَلَيْسَ لَهَا الِامْتِنَاعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَمْ أَرَ حُكْمَ مَا إذَا كَانَ الْأَجَلُ سَنَةً مَثَلًا فَلَمْ تُسَلِّمْ نَفْسَهَا حَتَّى مَضَى الْأَجَلُ هَلْ يَصِيرُ حَالًّا أَوْ لَا بُدَّ مِنْ سَنَةٍ بَعْدَ التَّسْلِيمِ كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْبَيْعِ فَإِنْ قِيسَ النِّكَاحُ عَلَى الْبَيْعِ صَحَّ؛ لِأَنَّهُمْ اعْتَبَرُوهُ بِهِ هُنَا وَفِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ لَوْ أَحَالَتْ الْمَرْأَةُ رَجُلًا عَلَى زَوْجِهَا بِالْمَهْرِ فَلَهَا الِامْتِنَاعُ إلَى أَنْ يَقْبِضَ الْمُحْتَالُ؛ لِأَنَّ غَرِيمَهَا بِمَنْزِلَةِ وَكِيلِهَا وَإِنْ أَحَالَهَا الزَّوْجُ بِمَهْرِهَا لَيْسَ لَهَا الِامْتِنَاعُ، وَهَذَا إذَا كَانَ الْأَجَلُ مَعْلُومًا فَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا فَإِنْ كَانَتْ جَهَالَةً مُتَقَارِبَةً كَالْحَصَادِ وَالدِّيَاسِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَهُوَ كَالْمَعْلُومِ وَهَذِهِ عَلَى وُجُوهٍ إمَّا أَنْ يُصَرَّحَ بِحُلُولِ كُلِّهِ أَوْ تَعْجِيلِهِ أَوْ حُلُولِ بَعْضِهِ وَتَأْجِيلِ بَعْضِهِ أَوْ تَأْجِيلِ كُلِّهِ أَجَلًا مَعْلُومًا أَوْ مَجْهُولًا أَوْ مُتَقَارِبًا أَوْ مُتَفَاحِشًا فَهِيَ سَبْعَةٌ وَكُلٌّ مِنْهَا إمَّا بِشَرْطِ الدُّخُولِ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ لَا فَهِيَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ وَكُلٌّ مِنْهَا إمَّا أَنْ يَكُونَ الْمَنْعُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ أَوْ بَعْدَهُ فَهِيَ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ بِهَذَا الشَّرْطِ وَإِنْ كَانَتْ مُتَفَاحِشَةً كَإِلَى الْمَيْسَرَةِ أَوْ إلَى هُبُوبِ الرِّيحِ أَوْ إلَى أَنْ تُمْطِرَ السَّمَاءُ فَالْأَجَلُ لَا يَثْبُتُ وَيَجِبُ الْمَهْرُ حَالًّا كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ التَّأْجِيلَ إلَى الطَّلَاقِ أَوْ الْمَوْتِ مُتَفَاحِشٌ فَيَجِبُ الْمَالُ حَالًّا بِمُقْتَضَى إطْلَاقِ الْعَقْدِ. وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ لِجَرَيَانِ الْعُرْفِ بِالتَّأْجِيلِ بِهِ، وَذَكَرَ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ اخْتِلَافًا فِيهِ وَصُحِّحَ أَنَّهُ صَحِيحٌ وَحُكْمُ التَّأْجِيلِ بَعْدَ الْعَقْدِ كَحُكْمِهِ فِيهِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَيْضًا، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يُشْتَرَطْ الدُّخُولُ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ فَلَوْ شَرَطَهُ وَرَضِيَتْ لَيْسَ لَهَا الِامْتِنَاعُ اتِّفَاقًا كَمَا فِي الْفَتْحِ أَيْضًا وَفِي الْخُلَاصَةِ وَبِالطَّلَاقِ يَتَعَجَّلُ الْمُؤَجَّلُ   [منحة الخالق] وَتَأْخِيرِ تَسْلِيمِهَا وَلَا كَذَلِكَ فِي الْبَيْعِ اهـ. وَهَذَا إنَّمَا يُنَاسِبُ مَا فِي الْبَدَائِعِ فَمَا فِي الْمُحِيطِ أَوَّلًا أَيْ مِمَّا اسْتَشْهَدَ بِهِ الْمُؤَلِّفُ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ رِوَايَةٌ. (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَتْ بَالِغَةً) عِبَارَةُ الْفَتْحِ لِلْأَبِ أَنْ يُسَافِرَ بِالْبِكْرِ قَبْلَ إيفَائِهِ كَذَا فِي الْفَتَاوَى زَوَّجَ بِنْتَه الْبِكْرَ الْبَالِغَةَ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَتَحَوَّلَ إلَى بَلَدٍ آخَرَ بِعِيَالِهِ فَلَهُ أَنْ يَحْمِلَهَا مَعَهُ وَإِنْ كَرِهَ الزَّوْجُ فَإِنْ أَعْطَاهَا الْمَهْرَ كَانَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهَا فَكَأَنَّ الْمُؤَلِّفَ أَخَذَ التَّعْمِيمَ مِنْ إطْلَاقِ كَلَامِ الْفَتْحِ أَوْ فَهِمَ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْبَالِغَةِ فِي كَلَامِ الْفَتَاوَى اتِّفَاقِيٌّ. (قَوْلُهُ وَبَعْدَهُ لَا) أَيْ وَبَعْدَ إيفَاءِ الزَّوْجِ الْمَهْرَ لَا يُسَافِرُ الْأَبُ بِهَا (قَوْلُهُ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إمَّا أَنْ يُصَرِّحَا) لَمْ يَسْتَوْفِ جَمِيعَ الصُّوَرِ صَرِيحًا فَنَقُولُ إمَّا أَنْ يُصَرِّحَا بِحُلُولِهِ أَوْ تَأْجِيلِهِ أَوْ حُلُولِ الْبَعْضِ وَتَأْجِيلِ الْبَعْضِ أَوْ يَسْكُتَا وَفِي الْأَخِيرَتَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ الْأَجَلُ مَعْلُومًا أَوْ مَجْهُولًا مُتَقَارِبًا أَوْ مُتَفَاحِشًا وَفِي كُلٍّ إمَّا أَنْ يُشْتَرَطَ الدُّخُولُ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ أَوْ لَا فَهَذِهِ ثَلَاثَةَ عَشْرَ صُورَةً وَفِي اشْتِرَاطِ الْحُلُولِ أَوْ تَأْجِيلِ الْكُلِّ أَوْ الْبَعْضِ إمَّا أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الْعَقْدِ أَوْ لَا. (قَوْلُهُ وَلَا اعْتِبَارَ بِالْعُرْفِ إذَا جَاءَ الصَّرِيحُ بِخِلَافِهِ) يَعْنِي لَهَا الِامْتِنَاعُ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ الْكُلَّ فِيمَا لَوْ شَرَطَا الْحُلُولَ وَإِنْ كَانَ ثَمَّ عُرْفٌ فِي تَعْجِيلِ الْبَعْضِ وَتَأْجِيلِ الْبَعْضِ وَلَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ الْعُرْفُ لِلتَّصْرِيحِ بِخِلَافِهِ. (قَوْلُهُ وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ هَذَا اخْتِيَارٌ لِمَا أَفْتَى بِهِ الْأُسْتَاذُ ظَهِيرُ الدِّينِ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ لَمَّا وَقَعَ الْعَقْدُ مُوجِبًا لِتَسْلِيمِهَا قَبْلَ قَبْضِ الْمَهْرِ بِالتَّأْجِيلِ لَا يَمْتَنِعُ ذَلِكَ بِحُلُولِ الْأَجَلِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ لَيْسَ لَهَا الِامْتِنَاعُ اتِّفَاقًا) قَالَ نُوحِ أَفَنِدِّي فِي كَلَامِ قَاضِي خَانْ مَا يَدُلُّ عَلَى الْخِلَافِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَيْضًا فَإِنَّهُ قَالَ وَلَوْ كَانَ كُلُّ الْمَهْرِ مُؤَجَّلًا وَشُرِطَ الدُّخُولُ قَبْلَ أَدَاءِ شَيْءٍ كَانَ لَهُ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ اهـ. فَإِنَّهُ يُشْعِرُ بِخِلَافِ أَبِي يُوسُفَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 190 وَلَوْ رَاجَعَهَا لَا يَتَأَجَّلُ اهـ. يَعْنِي إذَا كَانَ التَّأْجِيلُ إلَى الطَّلَاقِ أَمَّا إذَا كَانَ التَّأْجِيلُ إلَى مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ لَا يَتَعَجَّلُ بِالطَّلَاقِ كَمَا يَقَعُ فِي دِيَارِ مِصْرَ فِي بَعْضِ الْأَنْكِحَةِ أَنَّهُمْ يَجْعَلُونَ بَعْضَهُ حَالًّا وَبَعْضَهُ مُؤَجَّلًا إلَى الطَّلَاقِ أَوْ إلَى الْمَوْتِ وَبَعْضَهُ مُنَجَّمًا فِي كُلِّ سَنَةٍ قَدْرٌ مُعَيَّنٌ فَإِذَا طَلَّقَهَا تَعَجَّلَ الْبَعْضُ الْمُؤَجَّلُ لَا الْمُنَجَّمُ؛ لِأَنَّهَا تَأْخُذُهُ بَعْدَ الطَّلَاقِ عَلَى نُجُومِهِ كَمَا تَأْخُذُهُ قَبْلَ الطَّلَاقِ عَلَى نُجُومِهِ، وَذَكَرَ قَوْلَيْنِ فِي الْفَتَاوَى الصَّيْرَفِيَّةِ فِي كَوْنِهِ يَتَعَجَّلُ الْمُؤَجَّلَ بِالطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ مُطْلَقًا أَوْ إلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَجَزَمَ فِي الْقُنْيَةِ بِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ إلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ قَالَ وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ مَشَايِخِنَا وَفِي الصَّيْرَفِيَّةِ لَوْ ارْتَدَّتْ وَلَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ أَسْلَمَتْ وَتَزَوَّجَهَا الْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يُطَالَبُ بِالْمَهْرِ الْمُؤَجَّلِ إلَى الطَّلَاقِ اهـ. وَوَجْهُهُ أَنَّ الرِّدَّةَ فَسْخٌ وَلَيْسَتْ بِطَلَاقٍ، وَأَمَّا إذَا سَكَتَا عَنْ وَصْفِهِ فَهُوَ حَالٌّ بِمُقْتَضَى إطْلَاقِ الْعَقْدِ فَالْقِيَاسُ عَلَى الْبَيْعِ يَقْتَضِي أَنَّ لَهَا الِامْتِنَاعَ قَبْلَ قَبْضِهِ لَكِنَّ الْعُرْفَ صَرَفَهُ عَنْ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ عُرْفٌ فِي تَعْجِيلِ بَعْضِهِ وَتَأْخِيرِ بَاقِيهِ إلَى الْمَوْتِ أَوْ الْمَيْسَرَةِ أَوْ الطَّلَاقِ فَلَيْسَ لَهَا الِامْتِنَاعُ إلَّا إلَى تَسْلِيمِ ذَلِكَ بِتَمَامِهِ وَلَوْ بَقِيَ دِرْهَمٌ قَالَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ فَإِنْ لَمْ يُبَيِّنُوا قَدْرَ الْمُعَجَّلِ يُنْظَرُ إلَى الْمَرْأَةِ وَإِلَى الْمَهْرِ أَنَّهُ كَمْ يَكُونُ الْمُعَجَّلُ لِمِثْلِ هَذِهِ الْمَرْأَةِ مِنْ مِثْلِ هَذَا الْمَهْرِ فَيُعَجَّلُ ذَلِكَ وَلَا يَتَقَدَّرُ بِالرُّبْعِ وَالْخُمُسِ بَلْ يُعْتَبَرُ الْمُتَعَارَفُ فَإِنَّ الثَّابِتَ عُرْفًا كَالثَّابِتِ شَرْطًا اهـ. وَفِي الصَّيْرَفِيَّةِ الْفَتْوَى عَلَى اعْتِبَارِ عُرْفِ بَلَدِهِمَا مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ الثُّلُثِ أَوْ النِّصْفِ كَمَا رُوِيَ فَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مِنْ إطْلَاقِ قَوْلِهِ فَإِنْ كَانَ يَعْنِي الْمَهْرَ بِشَرْطِ التَّعْجِيلِ أَوْ مَسْكُوتًا عَنْهُ يَجِبُ حَالًّا وَلَهَا أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا حَتَّى يُعْطِيَهَا الْمَهْرَ إنَّمَا هُوَ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَأَمَّا عَلَى الْمُفْتَى بِهِ فَالْمُعْتَبَرُ فِي الْمَسْكُوتِ عَنْهُ الْعُرْفُ وَبِهِ سَقَطَ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي الْقَاسِمِيَّة إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى مِائَةٍ مَثَلًا عَلَى حُكْمِ الْحُلُولِ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ أَرْبَعِينَ وَالْبَاقِي عَلَى حُكْمِهِ فَلَهَا الْمُطَالَبَةُ بِالْبَاقِي قَبْلَ الطَّلَاقِ أَوْ الْمَوْتِ وَلَهَا الِامْتِنَاعُ حَتَّى تَقْبِضَهُ وَقَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ لَيْسَ لَهَا أَنْ تَحْبِسَ نَفْسَهَا فِيمَا تُعُورِفَ تَأْجِيلُهُ وَلَوْ كَانَ حَالًّا أَنَّهُ وَلَوْ كَانَ حَالًّا بِمُقْتَضَى الْعَقْدِ فَإِنَّ الْعُرْفَ يَقْضِي بِهِ وَبَقِيَّةُ كَلَامِهِ يَدُلُّ عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُهُ فَإِذَا نَصَّا عَلَى تَعْجِيلِ جَمِيعِ الْمَهْرِ إلَى آخِرِهِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ التَّعْجِيلِ مُرَادِفٌ لِشَرْطِ الْحُلُولِ حُكْمًا؛ لِأَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا لَهَا الْمُطَالَبَةَ مَتَى شَاءَتْ وَلَوْ كَانَ مَعْنَاهُ وَلَوْ كَانَ حَالًّا بِالشَّرْطِ لَنَاقَضَ قَوْلَهُ وَإِنْ نَصَّا عَلَى التَّعْجِيلِ فَهُوَ عَلَى مَا شَرَطَا وَلَيْسَ فِي اشْتِرَاطِ تَعْجِيلِ الْبَعْضِ مَعَ النَّصِّ عَلَى حُلُولِ الْجَمِيعِ دَلِيلٌ عَلَى تَأْخِيرِ الْبَاقِي إلَى الطَّلَاقِ أَوْ الْمَوْتِ بِوَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الدَّلَالَاتِ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْعَادَةُ فِي مِثْلِ هَذَا التَّأْخِيرِ إلَى اخْتِيَارِ الْمُطَالَبَةِ وَقَالَ الزَّاهِدِيُّ وَصَارَ تَأْخِيرُ الصَّدَاقِ إلَى الْمَوْتِ أَوْ الطَّلَاقِ بِخُوَارِزْمَ عَادَةً مَأْثُورَةً وَشَرِيعَةً مَعْرُوفَةً عِنْدَهُمْ اهـ. وَعُرْفُ خُوَارِزْمَ فِيمَا لَا نَصَّ فِيهِ عَلَى تَعْجِيلٍ وَلَا تَأْجِيلٍ وَهُوَ خِلَافُ الْوَاقِعِ فِي مَمْلَكَةِ مِصْرَ وَالشَّامِ وَمَا وَالَاهُمَا مِنْ الْبِلَادِ اهـ. مَا فِي الْقَاسِمِيَّةِ وَفِي الصَّيْرَفِيَّةِ تَزَوَّجَهَا وَسَمَّى لَهَا الْمُعَجَّلَ مِائَةً وَسَكَتَ عَنْ الْمُؤَجَّلِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَهَا نِصْفُ الْمُسَمَّى وَيَنْبَغِي أَنْ تَجِبَ لَهَا الْمُتْعَةُ اهـ. وَأُطْلِقَ فِي قَوْلِهِ فَإِنْ وَطِئَهَا فَشَمِلَ مَا إذَا وَطِئَهَا مُكْرَهَةً كَانَتْ أَوْ صَغِيرَةً أَوْ بِرِضَاهَا وَهِيَ كَبِيرَةٌ وَلَا خِلَافَ فِيمَا إذَا كَانَتْ مُكْرَهَةً أَوْ صَبِيَّةً أَوْ مَجْنُونَةً فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ حَقُّهَا فِي الْحَبْسِ، وَأَمَّا إذَا وَطِئَهَا أَوْ خَلَا بِهَا بِرِضَاهَا فَفِيهِ خِلَافٌ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَهَا أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا وَخَالَفَاهُ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ صَارَ مُسَلَّمًا إلَيْهِ بِالْوَطْأَةِ الْوَاحِدَةِ وَبِالْخَلْوَةِ وَلِهَذَا يَتَأَكَّدُ بِهَا جَمِيعُ الْمَهْرِ فَلَمْ يَبْقَ لَهَا حَقُّ الْحَبْسِ كَالْبَائِعِ إذَا سَلَّمَ الْمَبِيعَ وَلَهُ أَنَّهَا مَنَعَتْ مِنْهُ مَا قَابَلَ الْبَدَلَ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَطْأَةٍ تُصْرَفُ فِي الْبُضْعِ الْمُحْتَرَمِ فَلَا يُعْرِي عَنْ الْعِوَضِ إبَانَةً لِخَطَرِهِ وَالتَّأْكِيدُ بِالْوَاحِدَةِ لِجَهَالَةِ مَا وَرَاءَهَا فَلَا يَصِحُّ مُزَاحِمًا لِلْمَعْلُومِ ثُمَّ إذَا وُجِدَ آخَرُ وَصَارَ مَعْلُومًا تَحَقَّقَتْ الْمُزَاحَمَةُ وَصَارَ الْمَهْرُ مُقَابَلًا بِالْكُلِّ كَالْعَبْدِ إذَا جَنَى جِنَايَةً يُدْفَعُ كُلُّهُ بِهَا ثُمَّ إذَا جَنَى جِنَايَةً أُخْرَى وَأُخْرَى يُدْفَعُ بِجَمِيعِهَا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَبِهِ سَقَطَ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ بَعْدَ نَقْلِهِ عِبَارَةَ الْخَانِيَّةِ وَمِثْلُ هَذَا فِي غَيْرِ نُسْخَةٍ مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ فَمَا وَقَعَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مِنْ إطْلَاقِ قَوْلِهِ إلَخْ لَيْسَ بِوَاقِعٍ. (قَوْلُهُ وَفِي الْقَاسِمِيَّةِ) أَيْ الْفَتَاوَى الْمَنْسُوبَةِ لِلْعَلَّامَةِ قَاسِمِ بْنِ قُطْلُوبُغَا تِلْمِيذِ الْمُحَقِّقِ ابْنِ الْهُمَامِ (قَوْلُهُ أَنَّهُ وَلَوْ كَانَ حَالًّا بِمُقْتَضَى الْعَقْدِ) أَيْ مَعْنَاهُ أَوْ تَأْوِيلُهُ وَلَوْ كَانَ حَالًّا إلَخْ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ أَيْ بِمُقْتَضَى الْعَقْدِ وَهُوَ أَظْهَرُ لَكِنَّ الَّذِي رَأَيْته فِي الْقَاسِمِيَّةِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ وَلَوْ كَانَ حَالًّا أَنَّهُ وَلَوْ كَانَ حَالًّا بِمُقْتَضَى الْعَقْدِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 191 وَيُبْتَنَى عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ اسْتِحْقَاقُ النَّفَقَةِ بَعْدَ الِامْتِنَاعِ فَعِنْدَهُ تَسْتَحِقُّهَا وَلَيْسَتْ بِنَاشِزَةٍ وَعِنْدَهُمَا لَا تَسْتَحِقُّهَا وَهِيَ نَاشِزَةٌ كَذَا قَالُوا وَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَكُونَ نَاشِرَةً عَلَى قَوْلِهِمَا إذَا مَنَعَتْهُ مِنْ الْوَطْءِ وَهِيَ فِي بَيْتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنُشُورٍ مِنْهَا بَعْدَ أَخْذِ الْمَهْرِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي النَّفَقَاتِ وَفِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلْبَزْدَوِيِّ كَانَ أَبُو الْقَاسِمِ الصِّفَار يُفْتِي فِي الْمَنْعِ بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَفِي السَّفَرِ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، ثُمَّ قَالَ، وَهَذَا حَسَنٌ فِي الْفُتْيَا يَعْنِي بَعْدَ الدُّخُولِ لَا تَمْنَعُ نَفْسَهَا وَلَوْ مَنَعَتْ لَا نَفَقَةَ لَهَا كَمَا هُوَ مَذْهَبُهُمَا وَلَا يُسَافِرُ بِهَا وَلَهَا الِامْتِنَاعُ مِنْهُ لِطَلَبِ الْمَهْرِ وَلَهَا النَّفَقَةُ كَمَا هُوَ مَذْهَبُهُ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَقُيِّدَ بِقَوْلِهِ لِلْمَهْرِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهَا الِامْتِنَاعُ مِنْهُمَا بَعْدَ قَبْضِهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَطْلُبَ انْتِقَالَهَا إلَى مَنْزِلِهِ فِي الْمِصْرِ أَوْ إلَى بَلَدٍ أُخْرَى أَمَّا الْأَوَّلُ فَلَيْسَ لَهَا الِامْتِنَاعُ مِنْهُ اتِّفَاقًا وَسَيَأْتِي فِي النَّفَقَاتِ بَيَانُ الْبَيْتِ الشَّرْعِيِّ وَأَنَّهُ يُسَكِّنُهَا بَيْنَ جِيرَانٍ صَالِحِينَ وَأَنَّهُ يَلْزَمُهُ مُؤْنِسَةٌ لَهَا كَمَا فِي الْفَتَاوَى السِّرَاجِيَّةِ وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ وَجَدَتْ الْمَرْأَةُ الْمَهْرَ الْمَقْبُوضَ زُيُوفًا أَوْ سَتُّوقَةً أَوْ اشْتَرَتْ مِنْهُ بِالْمَهْرِ شَيْئًا فَاسْتُحِقَّ الْمَبِيعُ بَعْدَ الْقَبْضِ فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ لَوْ سَلَّمَتْ نَفْسَهَا مِنْ غَيْرِ قَبْضٍ لَمْ يَكُنْ لَهَا حَقُّ الْمَنْعِ فَكَذَا هَذَا وَلَيْسَ هَذَا كَالْبَيْعِ اهـ. وَلَمْ يُذْكَرْ قَوْلُ الْإِمَامِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَإِنَّ نَقَلَهَا مِنْ مِصْرَ إلَى قَرْيَةٍ أَوْ مِنْ قَرْيَةٍ إلَى مِصْرَ أَوْ مِنْ قَرْيَةٍ إلَى قَرْيَةٍ فَظَاهِرُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي أَنَّ لَهُ ذَلِكَ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ لَا تَتَحَقَّقُ الْغُرْبَةُ فِيهِ وَعَلَّلَهُ أَبُو الْقَاسِمِ الصَّفَّارُ بِأَنَّهُ تَبْوِئَةٌ وَلَيْسَ بِسَفَرٍ، وَذَكَرَ فِي الْقُنْيَةِ اخْتِلَافًا فِي نَقْلِهَا مِنْ الْمِصْرِ إلَى الرُّسْتَاقِ فَعَزَا إلَى كُتُبٍ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ ثُمَّ عَزَا إلَى غَيْرِهَا أَنَّ لَهُ ذَلِكَ قَالَ وَهُوَ الصَّوَابُ. اهـ. وَأَمَّا إذَا طَلَبَ انْتِقَالَهَا مِنْ مِصْرِهَا إلَى مِصْرَ أُخْرَى فَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ والولوالجية أَنَّ لَيْسَ لَهَا الِامْتِنَاعُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق: 6] وَلَيْسَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ تَفْصِيلٌ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مَأْمُونًا عَلَيْهَا أَوْ لَا وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُفْتَى بِهِ فَذُكِرَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِهَا إذَا أَوْفَاهَا الْمُعَجَّلَ اهـ. فَهَذَا إفْتَاءٌ بِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَأَفْتَى أَبُو الْقَاسِمِ الصَّفَّارُ وَتَبِعَهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِهَا مُطْلَقًا بِغَيْرِ رِضَاهَا لِفَسَادِ الزَّمَانِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَأْمَنُ عَلَى نَفْسِهَا فِي مَنْزِلِهَا فَكَيْفَ إذَا خَرَجَتْ وَصُرِّحَ فِي الْمُخْتَارِ بِأَنَّهُ لَا يُسَافِرُ بِهَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَفِي الْمُحِيطِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَمَا فِي فُصُولِ الأسروشني مَعْزِيًّا إلَى ظَهِيرِ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيِّ مِنْ أَنَّ الْأَخْذَ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْلَى مِنْ الْأَخْذِ بِقَوْلِ الْفَقِيهِ فَقَدْ رَدَّهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِأَنَّ قَوْلَ الْفَقِيهِ لَيْسَ مُنَافِيًا لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ النَّصَّ مَعْلُولٌ بِعَدَمِ الْإِضْرَارِ، أَلَا تَرَى إلَى سِيَاقِ الْآيَةِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَلا تُضَارُّوهُنَّ} [الطلاق: 6] وَفِي إخْرَاجِهَا إلَى غَيْرِ بَلَدِهَا إضْرَارٌ بِهَا فَلَا يَجُوزُ. اهـ. وَذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ أَنَّ جَوَابَ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَانَ فِي زَمَانِهِمْ أَمَّا فِي زَمَانِنَا لَا يَمْلِكُ الزَّوْجُ ذَلِكَ فَجَعَلَهُ مِنْ بَابِ اخْتِلَافِ الْحُكْمِ بِاخْتِلَافِ الْعَصْرِ وَالزَّمَانِ كَمَا قَالُوا فِي مَسْأَلَةِ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى الطَّاعَاتِ وَأَفْتَى بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ إذَا أَوْفَاهَا الْمُعَجَّلَ وَالْمُؤَجَّلَ وَكَانَ مَأْمُونًا يُسَافِرُ بِهَا وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّ التَّأْجِيلَ إنَّمَا يَثْبُتُ بِحُكْمِ الْعُرْفِ فَلَعَلَّهَا إنَّمَا رَضِيَتْ بِالتَّأْجِيلِ لِأَجْلِ إمْسَاكِهَا فِي بَلَدِهَا أَمَّا إذَا أَخْرَجَهَا إلَى دَارِ الْغُرْبَةِ فَلَا قَالَ صَاحِبُ الْمَجْمَعِ فِي شَرْحِهِ وَبِهِ يُفْتَى اهـ. فَقَدْ اخْتَلَفَ الْإِفْتَاءُ وَالْأَحْسَنُ الْإِفْتَاءُ بِقَوْلِ الْفَقِيهَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ وَاخْتَارَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ كَمَا فِي الْكَافِي وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَعَلَيْهِ عَمَلُ الْقُضَاةِ فِي زَمَانِنَا كَمَا فِي أَنْفَعْ الْوَسَائِلِ. وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَلَهَا مَنْعُهُ إلَى أَنَّهَا بَالِغَةٌ فَلَوْ كَانَتْ صَغِيرَةً فَلِلْوَلِيِّ الْمَنْعُ الْمَذْكُورُ حَتَّى يَقْبِضَ مَهْرَهَا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ لَيْسَ لَهَا الِامْتِنَاعُ مِنْهُمَا) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ مِنْ الْوَطْءِ وَالْإِخْرَاجِ. (قَوْلُهُ وَأَنَّهُ يَلْزَمُهُ مُؤْنِسَةٌ) الظَّاهِرُ أَنْ لَا النَّافِيَةَ سَاقِطَةٌ؛ لِأَنَّ الَّذِي سَيَأْتِي فِي النَّفَقَاتِ عَنْ السِّرَاجِيَّةِ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ عَلَيْهِ وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ هُنَاكَ فَرَاجِعْهُ. (قَوْلُهُ: وَذَكَرَ فِي الْقُنْيَةِ اخْتِلَافًا إلَخْ) قَالَ فِي الشرنبلالية يَنْبَغِي الْعَمَلُ بِالْقَوْلِ بِعَدَمِ نَقْلِهَا مِنْ الْمِصْرِ إلَى الْقَرْيَةِ فِي زَمَانِنَا لِمَا هُوَ ظَاهِرٌ مِنْ فَسَادِ الزَّمَانِ وَالْقَوْلُ بِنَقْلِهَا إلَى الْقَرْيَةِ ضَعِيفٌ لِمَا قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ، وَقِيلَ يُسَافَرُ بِهَا إلَى قُرَى الْمِصْرِ الْقَرِيبَةِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِغُرْبَةٍ اهـ. وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالسَّفَرِ فِي كَلَامِ الِاخْتِيَارِ الشَّرْعِيُّ بَلْ النَّقْلُ لِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِغُرْبَةٍ. (قَوْلُهُ كَانَ فِي زَمَنِهِمْ) قَالَ فِي النَّهْرِ يَعْنِي لِغَلَبَةِ الصَّلَاحِ وَالْأَمْنِ عَلَيْهَا وَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّهُ لَا تَفْصِيلَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بَيْنَ كَوْنِهِ مَأْمُونًا عَلَيْهَا أَوَّلًا اهـ. يَعْنِي: أَنَّ جَوَابَ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مَشْرُوطٌ بِالصَّلَاحِ حُكْمًا تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ بِقَوْلِ الْفَقِيهَيْنِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ هُمَا أَبُو الْقَاسِمِ الصِّفَار وَأَبُو اللَّيْثِ مِنْ عَدَمِ السَّفَرِ بِهَا مُطْلَقًا اهـ. قَالَ سَيِّدِي عَبْدُ الْغَنِيِّ النَّابُلُسِيُّ فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ الْمُحِبِّيَّةِ، وَالْأَوْلَى الْمَنْعُ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ، وَقَدْ اخْتَارَهُ النَّاظِمُ بَلْ جَزَى اللَّهُ تَعَالَى الشَّيْخَ أَبَا الْقَاسِمِ الصَّفَّارَ كُلَّ خَيْرٍ حَيْثُ اخْتَارَ الْمَنْعَ فَقَدْ أَخْبَرَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ مِنْ مَشَايِخِي الزَّاهِدِينَ أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ فِي بِلَادِ الرُّومِ تَزَوَّجَ امْرَأَةً حُرَّةً مِنْ بَنَاتِ الْكِبَارِ ثُمَّ سَافَرَ بِهَا إلَى أَقْصَى مَكَانِ وَبَاعَهَا عَلَى أَنَّهَا أَمَةٌ وَلَمْ يُوجَدْ مَنْ يَعْرِفُهَا وَاسْتَمَرَّتْ مُدَّةً عِنْدَ مَنْ اشْتَرَاهَا حَتَّى سَمِعَ بِذَلِكَ أَهْلُهَا فَأَخْرَجُوا أَمْرًا مِنْ جَانِبِ السَّلْطَنَةِ الْعَلِيَّةِ بِأَخْذِهَا فَأُخِذَتْ وَلَا حَوْلَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 192 وَتَسْلِيمُهَا نَفْسَهَا غَيْرُ صَحِيحٍ فَلِلْوَلِيِّ اسْتِرْدَادُهَا وَلَيْسَ لِغَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ أَنْ يُسَلِّمَهَا إلَى الزَّوْجِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ الصَّدَاقَ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ قَبْضِهِ فَإِنْ سَلَّمَهَا فَهُوَ فَاسِدٌ وَتُرَدُّ إلَى بَيْتِهَا كَمَا فِي التَّجْنِيسِ وَغَيْرِهِ. (قَوْلُهُ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الْمَهْرِ حُكِمَ مَهْرُ الْمِثْلِ) أَيْ اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ فِي قَدْرِهِ بِأَنْ ادَّعَى أَلْفًا وَهِيَ أَلْفَيْنِ وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ فَإِنَّهُ يُجْعَلُ مَهْرُ الْمِثْلِ حُكْمًا فَإِنْ كَانَ مَهْرُ الْمِثْلِ أَلْفًا أَوْ أَقَلَّ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ بِاَللَّهِ مَا تَزَوَّجْتهَا عَلَى أَلْفَيْنِ فَإِنْ حَلَفَ لَزِمَهُ مَا أَقَرَّ بِهِ تَسْمِيَةً وَإِنْ نَكَلَ لَزِمَهُ مَا ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى أَنَّهُ مُسَمًّى لِإِقْرَارِهِ أَوْ بَذْلِهِ بِالنُّكُولِ وَإِنْ كَانَ أَلْفَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا مَعَ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ مَا تَزَوَّجْته بِأَلْفٍ كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ أَوْ بِاَللَّهِ مَا رَضِيت بِأَلْفٍ كَمَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ فَإِنْ نَكَلَتْ فَلَهَا مَا أَقَرَّ بِهِ الزَّوْجُ تَسْمِيَةً لِإِقْرَارِهَا بِهِ وَإِنْ حَلَفَتْ فَلَهَا جَمِيعُ مَا ادَّعَتْ بِقَدْرِ مَا أَقَرَّ بِهِ الزَّوْجُ عَلَى أَنَّهُ مُسَمًّى لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَيْهِ وَالزَّائِدُ بِحُكْمِ أَنَّهُ مَهْرُ الْمِثْلِ لَا بِالْيَمِينِ حَتَّى يَتَخَيَّرَ فِيهِ الزَّوْجُ بَيْنَ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَإِنْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا أَقَلَّ مِمَّا قَالَتْ وَأَكْثَرَ مِمَّا قَالَ تَحَالَفَا وَأَيُّهُمَا نَكَلَ لَزِمَهُ دَعْوَى صَاحِبِهِ وَمَا وَقَعَ فِي النِّهَايَةِ مِنْ أَنَّ الزَّوْجَ إذَا نَكَلَ لَزِمَهُ أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ كَأَنَّهُ غَلَطٌ مِنْ النَّاسِخِ وَإِنْ حَلَفَا وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ بِقَدْرِ مَا أَقَرَّ بِهِ الزَّوْجُ يَجِبُ عَلَى أَنَّهُ مُسَمًّى وَالزَّائِدُ بِحُكْمِ مَهْرِ الْمِثْلِ حَتَّى يَتَخَيَّرَ فِيهِ بَيْنَ دَفْعِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ أَعْنِي تَحْكِيمَ مَهْرِ الْمِثْلِ وَبِنَاءَ الْأَمْرِ عَلَيْهِ وَأَبُو يُوسُفَ لَا يُحْكِمُهُ وَيَجْعَلُ الْقَوْلَ قَوْلَ الزَّوْجِ مَعَ يَمِينِهِ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِشَيْءٍ مُسْتَنْكَرٍ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ مُدَّعِيَةٌ لِلزِّيَادَةِ وَهُوَ يُنْكِرُهَا وَلَهُمَا أَنَّ الْقَوْلَ فِي الدَّعَاوَى قَوْلُ مَنْ يَشْهَدُ لَهُ الظَّاهِرُ. وَالظَّاهِرُ شَاهِدٌ لِمَنْ يَشْهَدُ لَهُ مَهْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُوجِبُ الْأَصْلِيُّ فِي بَابِ النِّكَاحِ وَصَارَ كَالصَّبَّاغِ مَعَ رَبِّ الثَّوْبِ إذَا اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ الْأَجْرِ تُحَكَّمُ قِيمَةُ الصَّبْغِ وَاخْتَلَفَا فِي تَفْسِيرِ الْمُسْتَنْكَرِ عِنْدَهُ، فَقِيلَ هُوَ الْمُسْتَنْكَرُ عُرْفًا مَا لَا يَتَعَارَفُ مَهْرًا لَهَا وَصَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْبَدَائِعِ وَشَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ، وَذَكَرَ أَنَّهُ مَرْوِيٌّ عَنْهُ، وَقِيلَ هُوَ الْمُسْتَنْكَرُ شَرْعًا وَهُوَ أَنْ يَدَّعِيَ تَزَوُّجَهَا عَلَى أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْهُ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي الْإِسْبِيجَابِيُّ، وَذَكَرَ الْوَبَرِيُّ أَنَّهُ أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي كِتَابِ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا عَلَى مِائَةٍ وَهِيَ تَدَّعِي أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ وَمَهْرُ مِثْلِهَا أَلْفٌ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ ثُمَّ رَجَعَ لَا يَضْمَنُونَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ لَوْلَا الشَّهَادَةُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَلَمْ يَجْعَلْ الْمِائَةَ مُسْتَنْكَرًا فِي حَقِّهَا وَاخْتَارَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَعِبَارَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِشَيْءٍ قَلِيلٍ وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَلَفْظُ الْجَامِعِ أَبْيَنُ اهـ. مَعَ أَنَّ الِاحْتِمَالَ مَوْجُودٌ فِيهَا أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْقَلِيلِ مَا قَلَّ شَرْعًا أَوْ عُرْفًا فَسَاوَتْ التَّعْبِيرَ بِالْمُسْتَنْكَرِ الْمَذْكُورِ فِي غَيْرِهِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا أَنَّ تَحْكِيمَ مَهْرِ الْمِثْلِ مُعْتَبَرٌ قَبْلَ التَّحَالُفِ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى تَخْرِيجِ أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيّ وَحَاصِلُهُ أَنَّ التَّحَالُفَ عَلَى تَخْرِيجِهِ فِي فَصْلٍ وَاحِدٍ وَهُوَ مَا إذَا خَالَفَ مَهْرُ الْمِثْلِ قَوْلَهُمَا، وَأَمَّا إذَا وَافَقَ قَوْلَ أَحَدِهِمَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ؛ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ مَعَ شَهَادَةِ الظَّاهِرِ، وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ التَّحَالُفِ مِنْ كِتَابِ الدَّعْوَى أَنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ ثُمَّ يُحَكَّمُ مَهْرُ الْمِثْلِ وَهُوَ عَلَى تَخْرِيجِ الْكَرْخِيِّ وَصَحَّحَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْمُحِيطِ وَحَاصِلُهُ وُجُوبُ التَّحَالُفِ فِي الْفُصُولِ الثَّلَاثَةِ أَعْنِي مَا إذَا وَافَقَ مَهْرُ الْمِثْلِ قَوْلَهُ أَوْ قَوْلَهَا أَوْ خَالَفَهُمَا فَإِذَا تَحَالَفَا قُضِيَ بِقَوْلِهِ لَوْ كَانَ مَهْرُ الْمِثْلِ كَمَا قَالَ وَبِقَوْلِهَا لَوْ كَانَ كَمَا قَالَتْ وَبِمَهْرِ الْمِثْلِ لَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ لَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا عِنْدَ سُقُوطِ التَّسْمِيَةِ وَهِيَ لَا تَسْقُطُ إلَّا بِالتَّحَالُفِ. وَالظَّاهِرُ لَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَى الْغَيْرِ وَلَمْ أَرَ مَنْ صَحَّحَ تَخْرِيجَ الرَّازِيّ فَكَانَ الْمَذْهَبُ تَخْرِيجَ الْكَرْخِيِّ فَيُحْمَلُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا عَلَيْهِ لِيُطَابِقَ مَا صُرِّحَ بِهِ فِي بَابِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ بِمَنْ يَبْدَأُ فِي التَّحَالُفِ لِلِاخْتِلَافِ فَذَكَرَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّهُ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا يَعْنِي اسْتِحْبَابًا؛ لِأَنَّهُ لَا رُجْحَانَ   [منحة الخالق] وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ. (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الْمَهْرِ) قَالَ فِي الْفَتْحِ الِاخْتِلَافُ فِي الْمَهْرِ إمَّا فِي قَدْرِهِ أَوْ فِي أَصْلِهِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا إمَّا فِي حَالِ الْحَيَاةِ أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِمَا أَوْ مَوْتِ أَحَدِهِمَا وَكُلٌّ مِنْهُمَا إمَّا بَعْدَ الدُّخُولِ أَوْ قَبْلَهُ. (قَوْلُهُ لَزِمَهُ مَا أَقَرَّ بِهِ تَسْمِيَةً) أَيْ لَزِمَتْهُ الْأَلْفُ الَّتِي أَقَرَّ بِهَا عَلَى أَنَّهَا تَسْمِيَةٌ فَلَا يَتَخَيَّرُ فِيهَا بَيْنَ أَنْ يُعْطِيَهَا دَرَاهِمَ أَوْ قِيمَتَهَا ذَهَبًا؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ يَكُونُ فِي الزَّائِدِ دُونَ الْمُسَمَّى. (قَوْلُهُ لِإِقْرَارِهِ أَوْ بَذْلِهِ بِالنُّكُولِ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ لَزِمَهُ أَيْ لَزِمَهُ مَا ادَّعَتْهُ؛ لِأَنَّ النُّكُولَ إقْرَارٌ أَوْ بَذْلٌ عَلَى الْخِلَافِ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ) أَيْ قَدْرَ مَا أَقَرَّ بِهِ الزَّوْجُ فَإِنَّهُ لَا يُتَخَيَّرُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَى أَنَّهُ مُسَمًّى. (قَوْلُهُ وَلَمْ أَرَ مَنْ صَحَّحَ تَخْرِيجَ الرَّازِيّ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَقُولُ: تَقْدِيمُ الشَّارِحِ وَغَيْرِهِ تَبَعًا لِصَاحِبِ الْهِدَايَةِ مَا خَرَّجَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 193 لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ وَاخْتَارَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ والولوالجية وَشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَكَثِيرٌ أَنَّهُ يُبْدَأُ بِيَمِينِ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ أَوَّلَ التَّسْلِيمَيْنِ عَلَيْهِ فَيَكُونُ أَوَّلُ الْيَمِينَيْنِ عَلَيْهِ كَتَقْدِيمِ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ فِي التَّحَالُفِ وَالْخِلَافُ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ حَتَّى لَوْ بَدَأَ بِأَيِّهِمَا كَانَ جَازَ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقَيَّدْنَا بِعَدَمِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَامَتْ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ قُضِيَ بِبَيِّنَتِهِ، وَإِنَّمَا سَكَتَ عَنْهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا؛ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِهِ فِي بَابِهِ وَعِبَارَتِهِ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْمَهْرِ قُضِيَ لِمَنْ بَرْهَنَ وَإِنْ بَرْهَنَا فَلِلْمَرْأَةِ وَإِنْ عَجَزَا تَحَالَفَا إلَى آخِرِهِ إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ وَإِنْ بَرْهَنَا فَلِلْمَرْأَةِ شَامِلٌ لِمَا إذَا كَانَ مَهْرُ الْمِثْلِ شَاهِدًا لَهُ أَوْ لَهَا أَوْ بَيْنَهُمَا وَفِي الْأَوَّلِ الْبَيِّنَةُ بَيِّنَتُهَا؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ أَمْرًا زَائِدًا وَأَمَّا فِي الثَّانِي فَفِيهِ اخْتِلَافٌ ذَكَرَهُ فِي الْبَدَائِعِ قَالَ بَعْضُهُمْ يُقْضَى بِبَيِّنَتِهَا أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا أَظْهَرَتْ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ ظَاهِرًا بِتَصَادُقِهِمَا، وَأَمَّا الظُّهُورُ بِشَهَادَةِ مَهْرِ الْمِثْلِ فَلَا اعْتِبَارَ بِهِ لِمَا قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَى الْغَيْرِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُقْضَى بِبَيِّنَةِ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ بَيِّنَتَهُ تُظْهِرُ حَطَّ الْأَلْفِ عَنْ مَهْرِ الْمِثْلِ وَبَيِّنَتَهَا لَا تُظْهِرُ شَيْئًا؛ لِأَنَّ الْأَلْفَيْنِ كَانَتْ ظَاهِرَةً بِشَهَادَةِ مَهْرِ الْمِثْلِ، وَهَذَا الْقَوْلُ جَزَمَ بِهِ الزَّيْلَعِيُّ فِي بَابِ التَّحَالُفِ وَفِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَأَمَّا فِي الثَّالِثِ وَهُوَ مَا إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا فَالصَّحِيحُ أَنَّهُمَا يَتَهَاتَرَانِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الدَّعْوَى وَالْإِثْبَاتِ ثُمَّ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ كُلُّهُ فَيَتَخَيَّرُ فِيهِ الزَّوْجُ بَيْنَ دَفْعِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ بِخِلَافِ التَّحَالُفِ؛ لِأَنَّ بَيِّنَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَنْفِي تَسْمِيَةَ صَاحِبِهِ فَخَلَا الْعَقْدُ عَنْ التَّسْمِيَةِ فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ وَلَا كَذَلِكَ التَّحَالُفُ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ قَدْرِ مَا يُقِرُّ بِهِ الزَّوْجُ بِحُكْمِ الِاتِّفَاقِ وَالزَّائِدُ بِحُكْمِ مَهْرِ الْمِثْلِ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْكَرْمَانِيُّ وَذَكَرَ قَاضِي خَانْ أَنَّهُ يَجِبُ قَدْرُ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ عَلَى أَنَّهُ مُسَمًّى وَالزَّائِدُ عَلَى أَنَّهُ مَهْرُ الْمِثْلِ كَمَا فِي التَّحَالُفِ. وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ كَمَا لَا يَخْفَى وَفِي الْمُحِيطِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَجُلٌ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى أَنَّهُ تَزَوَّجَ هَذِهِ الْمَرْأَةَ بِأَلْفٍ وَأَقَامَتْ بَيِّنَةً أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفَيْنِ فَالْمَهْرُ أَلْفٌ وَلَوْ أَقَامَ رَجُلٌ بَيِّنَةً أَنَّهُ اشْتَرَى هَذِهِ الدَّارَ بِأَلْفٍ وَأَقَامَ الْبَائِعُ بَيِّنَةً أَنَّهُ بَاعَهَا مِنْهُ بِأَلْفَيْنِ فَهِيَ بِأَلْفَيْنِ وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الْبَيْعِ أَمْكَنَ الْعَمَلُ بِالْبَيِّنَتَيْنِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ اشْتَرَى مِنْهُ أَوَّلًا ثُمَّ اشْتَرَاهَا مِنْهُ بِأَلْفَيْنِ ثَانِيًا كَمَا سَيَأْتِي فَيَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ وَالنِّكَاحَ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ وَكُلٌّ مِنْهُمَا ادَّعَى عَقْدًا غَيْرَ مَا ادَّعَاهُ الْآخَرُ فَتَهَاتَرَتْ الْبَيِّنَتَانِ وَوَجَبَ لَهَا الْأَلْفُ بِاعْتِرَافِ الزَّوْجِ اهـ فَإِنْ كَانَ هَذَا مِنْ مُحَمَّدٍ نَقْلًا لِلْمَذْهَبِ لَا قَوْلَهُ وَحْدَهُ فَمَعْنَى قَوْلِهِمْ وَإِنْ بَرْهَنَا فَلِلْمَرْأَةِ مَا إذَا شَهِدَتْ بَيِّنَتُهُ بِأَنَّ الْمَهْرَ أَلْفٌ وَبَيِّنَتَهَا بِأَنَّ الْمَهْرَ أَلْفَانِ وَلَمْ تَقَعْ الشَّهَادَةُ بِالْعَقْدِ أَمَّا إذَا وَقَعَتْ بِالْعَقْدِ وَمَعَهُ مُسَمًّى فَقَدْ عَلِمَتْ حُكْمَهُ وَأُطْلِقَ فِي الْقَدْرِ فَشَمِلَ النَّقْدَ وَالْمَكِيلَ وَالْمَوْزُونَ لِمَا فِي الْمُحِيطِ وَلَوْ كَانَ الْمَهْرُ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا بِعَيْنِهِ فَاخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْمَذْرُوعِ فَهُوَ مِثْلُ الِاخْتِلَافِ فِي الْأَلْفِ وَالْأَلْفَيْنِ؛ لِأَنَّهُ اخْتِلَافٌ فِي الذَّاتِ، أَلَا تَرَى أَنَّ إزَالَةَ الْبَعْضِ مِنْهُ لَا تُنْقِصُ الْبَاقِيَ اهـ. وَحَاصِلُ الِاخْتِلَافِ فِي الْقَدْرِ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ الْمَهْرُ دَيْنًا أَوْ عَيْنًا فَإِنْ كَانَ دَيْنًا مَوْصُوفًا فِي الذِّمَّةِ بِأَنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى مَكِيلٍ مَوْصُوفٍ أَوْ مَوْزُونٍ أَوْ مَذْرُوعٍ كَذَلِكَ فَاخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الْمَكِيلِ وَالْوَزْنِ وَالذَّرْعِ فَهُوَ كَالِاخْتِلَافِ فِي قَدْرِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَإِنْ كَانَ عَيْنًا فَإِنْ كَانَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ الْعَقْد بِقَدْرِهِ فَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى طَعَامٍ بِعَيْنِهِ فَاخْتَلَفَا فِي قَدْرِهِ، فَقَالَ الزَّوْجُ تَزَوَّجْتُك عَلَى هَذَا الطَّعَامِ عَلَى أَنَّهُ كُرٌّ، فَقَالَتْ إنَّهُ كُرَّانِ فَهُوَ كَالْأَلْفِ وَالْأَلْفَيْنِ وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِقَدْرِهِ بِأَنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى ثَوْبٍ بِعَيْنِهِ كُلُّ ذِرَاعٍ مِنْهُ يُسَاوِي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَاخْتَلَفَا، فَقَالَ الزَّوْجُ تَزَوَّجْتُك عَلَى هَذَا الثَّوْبِ بِشَرْطِ أَنَّهُ ثَمَانِيَةُ أَذْرُعٍ، فَقَالَتْ بِشَرْطِ أَنَّهُ عَشَرَةُ أَذْرُعٍ لَا يَتَحَالَفَانِ وَلَا يُحْكَمُ مَهْرُ الْمِثْلِ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ بِالْإِجْمَاعِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ، وَهَذِهِ وَارِدَةٌ عَلَى إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ وَجَوَابُهُ أَنَّ الْقَدْرَ فِي الثَّوْبِ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَجْزَائِهِ حَقِيقَةً لَكِنَّهُ جَارٍ مَجْرَى الْوَصْفِ وَهُوَ صِفَةُ الْجَوْدَةِ شَرْعًا؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ صِفَةَ الْجَوْدَةِ لِغَيْرِهِ مِنْ الْأَجْزَاءِ، وَلِذَا كَانَ الزَّائِدُ لِلْمُشْتَرِي   [منحة الخالق] الرَّازِيّ يُؤْذِنُ بِتَرْجِيحِهِ وَصَحَّحَهُ فِي النِّهَايَةِ وَقَالَ قَاضِي خَانْ أَنَّهُ الْأَوْلَى وَاخْتِيَارُ الْمُصَنِّفِ لَهُ هُنَا لَا يُنَافِي اخْتِيَارَ غَيْرِهِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَحَمْلُ كَلَامِهِ هُنَا عَلَى مَا قَالَهُ فِي التَّحَالُفِ ظَاهِرُ الْبُعْدِ إذْ وُجُوبُ الْمَسْأَلَةِ حِينَئِذٍ تَحَالُفًا وَحُكْمُ مَهْرِ الْمِثْلِ وَلَا دَلَالَةَ فِي كَلَامِهِ عَلَى هَذَا الْمَحْذُوفِ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ أَوَّلَ التَّسْلِيمَيْنِ عَلَيْهِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ تَسْلِيمِ الْمَهْرِ أَوَّلًا ثُمَّ تَسْلِيمِ نَفْسِهَا. (قَوْلُهُ وَقَيَّدْنَا بِعَدَمِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ) أَيْ بِقَوْلِهِ فِي صَدْرِ الْمَقُولَةِ وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ. (قَوْلُهُ فَمَعْنَى قَوْلِهِمْ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ فَتَدَبَّرْهُ. (قَوْلُهُ فَقَدْ عَلِمْت حُكْمَهُ) أَيْ مِمَّا نَقَلَهُ فِي الْمُحِيطِ عَنْ مُحَمَّدٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 194 فِيمَا إذَا بَاعَهُ وَعَيَّنَ قَدْرًا فَوَجَدَهُ أَزْيَدَ وَالْأَصْلُ أَنَّ مَا يُوجِبُ فَوَاتَ بَعْضِهِ نُقْصَانًا فِي الْبَقِيَّةِ فَهُوَ كَالْوَصْفِ وَمَا لَا يُوجِبُهُ لَا يَكُونُ كَالْوَصْفِ كَمَا عُلِمَ فِي الْبُيُوعِ وَصُرِّحَ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ هُنَا وَقُيِّدَ بِالْقَدْرِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اخْتَلَفَا فِي جِنْسِ الْمَهْرِ أَوْ نَوْعِهِ أَوْ صِفَتِهِ فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُسَمَّى دَيْنًا أَوْ عَيْنًا فَإِنْ كَانَ دَيْنًا فَإِنْ كَانَ فِي الْجِنْسِ كَمَا إذَا قَالَ تَزَوَّجْتُك عَلَى عَبْدٍ، فَقَالَتْ عَلَى جَارِيَةٍ أَوْ قَالَ عَلَى كُرِّ شَعِيرٍ، فَقَالَتْ عَلَى كُرِّ حِنْطَةٍ أَوْ عَلَى ثِيَابٍ هَرَوِيَّةٍ أَوْ قَالَ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ وَقَالَتْ عَلَى مِائَةِ دِينَارٍ أَوْ كَانَ فِي النَّوْعِ كَالتُّرْكِيِّ مَعَ الرُّومِيِّ وَالدَّنَانِيرِ الْمِصْرِيَّةِ مَعَ الصُّورِيَّةِ أَوْ كَانَ فِي الصِّفَةِ مِنْ الْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ فَإِنَّ الِاخْتِلَافَ فِيهِ كَالِاخْتِلَافِ فِي الْعَيْنَيْنِ إلَّا الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ فَإِنَّ الِاخْتِلَافَ فِيهَا كَالِاخْتِلَافِ فِي الْأَلْفِ وَالْأَلْفَيْنِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْجِنْسَيْنِ وَالنَّوْعَيْنِ وَالْمَوْصُوفَيْنِ لَا يَمْلِكُ إلَّا التَّرَاضِيَ بِخِلَافِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فَإِنَّهُمَا وَإِنْ كَانَا جِنْسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ لَكِنَّهُمَا فِي بَابِ مَهْرِ الْمِثْلِ جُعِلَا كَجِنْسٍ وَاحِدٍ وَإِنْ كَانَ الْمُسَمَّى عَيْنًا بِأَنْ قَالَ تَزَوَّجْتُك عَلَى هَذَا الْعَبْدِ وَقَالَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى هَذِهِ الْجَارِيَةِ فَهُوَ كَالِاخْتِلَافِ فِي الْأَلْفِ وَالْأَلْفَيْنِ إلَّا فِي فَصْلٍ وَاحِدٍ وَهُوَ مَا إذَا كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا مِثْلَ قِيمَةِ الْجَارِيَةِ أَوْ أَكْثَرَ فَلَهَا قِيمَةُ الْجَارِيَةِ لَا عَيْنُهَا؛ لِأَنَّ تَمْلِيكَ الْجَارِيَةِ لَا يَكُونُ إلَّا بِالتَّرَاضِي وَلَمْ يَتَّفِقَا عَلَى تَمْلِيكِهَا فَلَمْ يُوجَدْ الرِّضَا مِنْ صَاحِبِ الْجَارِيَةِ بِتَمْلِيكِهَا فَتَعَذَّرَ التَّسْلِيمُ فَيُقْضَى بِقِيمَتِهَا بِخِلَافِ مَا إذَا اخْتَلَفَا فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فَإِنَّهُ نَظِيرُ الِاخْتِلَافِ فِي الْأَلْفِ وَالْأَلْفَيْنِ عَلَى مَعْنَى أَنَّ مَهْرَ مِثْلِهَا إنْ كَانَ مِثْلَ مِائَةِ دِينَارٍ أَوْ أَكْثَرَ فَلَهَا الْمِائَةُ دِينَارٍ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ أَيْضًا وَذُكِرَ فِي الْمُحِيطِ الِاخْتِلَافُ فِي الْجِنْسِ أَوْ النَّوْعِ أَوْ الصِّفَةِ إنْ كَانَ الْمُسَمَّى عَيْنًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ وَإِنْ كَانَ دَيْنًا فَهُوَ كَالِاخْتِلَافِ فِي الْأَصْلِ. اهـ. يَعْنِي يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ الْمُخَالَفَةِ لِمَا فِي الْبَدَائِعِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الْوَصْفِ وَالْقَدْرِ جَمِيعًا فَالْقَوْلُ لِلزَّوْجِ فِي الْوَصْفِ وَالْقَوْلُ لِلْمَرْأَةِ فِي الْقَدْرِ إلَى تَمَامِ مَهْرِ مِثْلِهَا وَفِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ لَوْ تَصَادَقَا عَلَى مَهْرِ عَيْنٍ كَالْعَبْدِ ثُمَّ هَلَكَ عِنْدَ الزَّوْجِ فَاخْتَلَفَا فِي الْقِيمَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ وَهُوَ الزَّوْجُ وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ قَالَتْ الْمَرْأَةُ تَزَوَّجْنِي عَلَى عَبْدِك هَذَا وَقَالَ الرَّجُلُ تَزَوَّجْتُك عَلَى أَمَتِي هَذِهِ وَهِيَ أُمُّ الْمَرْأَةِ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ بَيِّنَتَهَا قَامَتْ عَلَى حَقِّ نَفْسِهَا وَبَيِّنَةَ الزَّوْجِ قَامَتْ عَلَى حَقِّ الْغَيْرِ وَتَعْتِقُ الْأَمَةُ عَلَى الزَّوْجِ بِإِقْرَارِهِ اهـ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ فِي أَيْدِيهِمَا دَارٌ فَأَقَامَتْ الْمَرْأَةُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الدَّارَ لَهَا وَالرَّجُلَ عَبْدُهَا وَأَقَامَ الرَّجُلُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الدَّارَ لَهُ وَالْمَرْأَةَ زَوْجَتُهُ وَلَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ حُرٌّ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمَرْأَةِ وَالدَّارُ وَالْعَبْدُ لَهَا وَلَا نِكَاحَ بَيْنَهُمَا وَلَوْ أَقَامَهَا أَنَّهُ حُرُّ الْأَصْلِ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا يُقْضَى بِأَنَّهُ حُرٌّ وَالْمَرْأَةُ زَوْجَتُهُ وَالدَّارُ لِلْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّهَا خَارِجَةٌ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُنَاسِبُ الدَّعْوَى إلَى أَنْ قَالَ لَوْ أَقَامَ رَجُلٌ بَيِّنَةً عَلَى امْرَأَةٍ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ وَأَقَامَتْ بَيِّنَةً أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا عَلَى مِائَةِ دِينَارٍ وَأَقَامَ أَبُوهَا وَهُوَ عَبْدُ الزَّوْجِ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا عَلَى رَقَبَتِهِ وَأَقَامَتْ أُمُّهَا وَهِيَ أَمَةُ الزَّوْجِ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا عَلَى رَقَبَتِهَا فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْأَبِ وَالْأُمِّ وَالنِّكَاحُ جَائِزٌ عَلَى نِصْفِ رَقَبَتِهِمَا؛ لِأَنَّ بَيِّنَتَهُمَا تُوجِبُ الْمَهْرَ وَالْحُرِّيَّةَ فَكَانَتْ بَيِّنَتُهُمَا أَكْثَرَ إثْبَاتًا فَكَانَتْ أَوْلَى فَإِنْ كَانَ الْقَاضِي قَضَى لِلْمَرْأَةِ بِمِائَةِ دِينَارٍ ثُمَّ ادَّعَى الْأَبُ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَالْقَاضِي يَقْضِي بِأَنَّ الْأَبَ صَدَاقُهَا وَيَعْتِقُ مِنْ مَالِهَا وَيَبْطُلُ الْقَضَاءُ الْأَوَّلُ وَلَوْ قُضِيَ بِعِتْقِ الْأَبِ مِنْ مَالِ ابْنَتِهِ ثُمَّ أَقَامَتْ أُمُّهَا بَيِّنَةً أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا عَلَى رَقَبَتِهَا لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّ فِي قَبُولِ بَيِّنَتِهَا إبْطَالَ عِتْقِ الْأَبِ اهـ. وَهُوَ مُلْحَقٌ بِالْأَصْلِ إلَّا الْمَسْأَلَةَ الْأُولَى. (قَوْلُهُ وَالْمُتْعَةُ لَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الْوَطْءِ) أَيْ حُكِمَتْ الْمُتْعَةُ فَإِنْ شَهِدَتْ لِأَحَدِهِمَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَإِنْ كَانَتْ بَيْنَ نِصْفِ مَا يَدَّعِيهِ وَنِصْفِ مَا تَدَّعِيهِ الْمَرْأَةُ حَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمَا فِي حَالِ قِيَامِ النِّكَاحِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ مَعَ يَمِينِهِ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِشَيْءٍ مُسْتَنْكَرٍ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَهَذَا عَلَى رِوَايَةِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَهُوَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَلَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ حُرٌّ) قَالَ الْمَقْدِسِيَّ فِيهِ إنَّ كَوْنَ الدَّارِ لَهُ تَتَضَمَّنُ حُرِّيَّتَهُ، وَالْجَوَابُ أَنَّهُ يَجُوزُ كَوْنُهُ مُكَاتَبًا أَوْ مَأْذُونًا مَدْيُونًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 195 قِيَاسُ قَوْلِهِمَا وَفِي رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالْأَصْلُ الْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ فِي نِصْفِ الْمَهْرِ مِنْ غَيْرِ تَحْكِيمٍ لِلْمُتْعَةِ وَفِي الْهِدَايَةِ، وَوَجْهُ التَّوْفِيقِ أَنَّهُ وَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْأَصْلِ فِي الْأَلْفِ وَالْأَلْفَيْنِ وَالْمُتْعَةُ لَا تَبْلُغُ هَذَا الْمَبْلَغَ فِي الْعَادَةِ فَلَا يُفِيدُ تَحْكِيمَهَا وَوَضْعَهَا فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ فِي الْعَشَرَةِ وَالْمِائَةِ وَمُتْعَةُ مِثْلِهَا عِشْرُونَ فَيُفِيدُ التَّحْكِيمَ وَالْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ سَاكِتٌ عَنْ ذِكْرِ الْمِقْدَارِ فَيُحْمَلُ عَلَى مَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْأَصْلِ. اهـ. وَصُحِّحَ فِي الْبَدَائِعِ وَشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ يَتَنَصَّفُ مَا قَالَ الزَّوْجُ وَرَجَّحَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّ الْمُتْعَةَ مُوجَبَةٌ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ تَسْمِيَةٌ وَهُنَا اتَّفَقَا عَلَى التَّسْمِيَةِ فَقُلْنَا بِبَقَاءِ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ وَهُوَ نِصْفُ مَا أَقَرَّ بِهِ الزَّوْجُ وَيَحْلِفُ عَلَى نَفْيِ دَعْوَاهَا الزَّائِدَ وَأَرَادَ بِتَحْكِيمِ الْمُتْعَةِ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُسَمَّى دَيْنًا أَمَّا إذَا كَانَ عَيْنًا كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْعَبْدِ وَالْجَارِيَةِ فَلَهَا الْمُتْعَةُ مِنْ غَيْرِ تَحْكِيمٍ إلَّا أَنْ يَرْضَى الزَّوْجُ أَنْ تَأْخُذَ نِصْفَ الْجَارِيَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا اخْتَلَفَا فِي الْأَلْفِ وَالْأَلْفَيْنِ؛ لِأَنَّ نِصْفَ الْأَلْفِ ثَابِتٌ بِيَقِينٍ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى تَسْمِيَةِ الْأَلْفِ وَالْمِلْكُ فِي نِصْفِ الْجَارِيَةِ لَيْسَ بِثَابِتٍ بِيَقِينٍ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى تَسْمِيَةِ أَحَدِهِمَا فَلَا يُمْكِنُ الْقَضَاءُ بِنِصْفِ الْجَارِيَةِ إلَّا بِاخْتِيَارِهِمَا فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ سَقَطَ الْبَدَلَانِ فَوَجَبَ الرُّجُوعُ إلَى الْمُتْعَةِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ. (قَوْلُهُ وَلَوْ فِي أَصْلِ الْمُسَمَّى يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ) أَيْ وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي أَصْلِ الْمُسَمَّى بِأَنْ ادَّعَاهُ أَحَدُهُمَا وَنَفَاهُ الْآخَرُ فَإِنَّهُ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ اتِّفَاقًا وَالْمُتْعَةُ إنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ اتِّفَاقًا أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا يَدَّعِي التَّسْمِيَةَ وَالْآخَرَ يُنْكِرُهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ، وَكَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِتَعَذُّرِ الْقَضَاءِ بِالْمُسَمَّى بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ الْقَضَاءُ بِالْمُتَّفَقِ وَهُوَ الْأَقَلُّ مَا لَمْ يَكُنْ مُسْتَنْكَرًا وَقَوْلُهُ فِي الْهِدَايَةِ؛ لِأَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ هُوَ الْأَصْلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ قَدَّمَ قَبْلَهُ أَنَّ الْمُسَمَّى هُوَ الْأَصْلُ عَنْ مُحَمَّدٍ، وَإِنَّمَا مَهْرُ الْمِثْلِ هُوَ الْأَصْلُ عِنْدَ الْإِمَامِ فَقَطْ كَذَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُونَ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ الْأَصْلُ فِي التَّحْكِيمِ عِنْدَهُمَا كَمَا مَرَّ فِي الِاخْتِلَافِ فِي الْقَدْرِ وَلَيْسَ مُرَادُهُ الْأَصَالَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُسَمَّى فَلَا إشْكَالَ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الِاخْتِلَافَ فِي حَيَاتِهِمَا وَبَعْدَ مَوْتِ أَحَدِهِمَا سَوَاءٌ كَانَ فِي الْأَصْلِ أَوْ فِي الْقَدْرِ فَحُكْمُ الِاخْتِلَافِ بَعْدَ مَوْتِ أَحَدِهِمَا فِي الْقَدْرِ كَهُوَ فِي حَيَاتِهِمَا كَمَا فِي الْمُحِيطِ، وَأَمَّا فِي الْأَصْلِ، فَقَالَ فِي التَّبْيِينِ وَلَوْ كَانَ الِاخْتِلَافُ بَعْدَ مَوْتِ أَحَدِهِمَا فَالْجَوَابُ فِيهِ كَالْجَوَابِ فِي حَيَاتِهِمَا بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ مَهْرِ الْمِثْلِ لَا يَسْقُطُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا، وَكَذَا لَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ اهـ. يَعْنِي: تُحَكَّمُ الْمُتْعَةُ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ ادَّعَتْ الْمُسَمَّى بَعْدَ مَوْتِهِ فَأَقَرَّ الْوَارِثُ بِهِ لَكِنْ قَالَ لَا أَعْرِفُ قَدْرَهُ حُبِسَ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ لَا يُزَادُ عَلَى مَا ادَّعَتْهُ الْمَرْأَةُ لَوْ كَانَتْ هِيَ الْمُدَّعِيَةَ لِلتَّسْمِيَةِ وَلَا يَنْقُصُ عَمَّا ادَّعَاهُ الزَّوْجُ لَوْ كَانَ هُوَ الْمُدَّعِيَ لَهَا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْبَدَائِعِ وَلَمْ يَتَعَرَّضُ الشَّارِحُونَ لِلتَّحْلِيفِ، وَذَكَرَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ أَنَّهُ يَحْلِفُ عِنْدَهُمَا فَإِنْ نَكِل ثَبَتَ الْمُسَمَّى وَإِنْ حَلَفَ الْمُنْكِرُ وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْلِفَ الْمُنْكِرُ؛ لِأَنَّهُ لَا تَحْلِيفَ عِنْدَهُ فِي النِّكَاحِ فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ التَّحْلِيفَ هُنَا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَفِي الْهِدَايَةِ، وَوَجْهُ التَّوْفِيقِ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ وَحَاصِلُهُ يَرْجِعُ إلَى وُجُوبِ تَحْكِيمِ الْمُتْعَةِ إلَّا فِي مَوْضِعٍ يَكُونُ مَا اعْتَرَفَ بِهِ أَكْثَرَ مِنْهَا فَيُؤْخَذُ بِاعْتِرَافِهِ وَيُعْطِي نِصْفَ مَهْرِ الْمِثْلِ. (قَوْلُهُ وَيَحْلِفُ عَلَى نَفْسِ دَعْوَاهَا الزَّائِدَ) قَالَ فِي الْفَتْحِ بَعْدَهُ وَعَلَى هَذَا فَلَا يَتِمُّ ذَلِكَ التَّوْفِيقُ بَلْ يَتَحَقَّقُ الْخِلَافُ وَلِهَذَا قِيلَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ لَكِنَّ مَا ذُكِرَ فِي جَوَابِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ آنِفًا يَدْفَعُهُ اهـ. وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ قُبَيْلَهُ نَصُّهُ، وَأَمَّا قَوْلُهُ تَيَقَّنَا التَّسْمِيَةَ وَهِيَ مَا أَقَرَّ بِهِ الزَّوْجُ فَلَيْسَ بِذَاكَ بَلْ الْمُتَيَقَّنُ أَحَدُهُمَا غَيْرَ عَيْنٍ وَهُوَ لَا يَنْفِي الرُّجُوعَ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ ذَلِكَ وَعَدَمِ التَّسْمِيَةِ حَيْثُ تَعَذَّرَ الْقَضَاءُ بِأَحَدِهِمَا عَيْنًا اهـ. وَقَوْلُهُ وَهُوَ لَا يَنْفِي الرُّجُوعَ أَيْ كَوْنُ الْمُتَيَقَّنِ غَيْرَ عَيْنٍ لَا يَنْفِي الرُّجُوعَ إلَى الْأَصْلِ وَهُوَ هُنَا الْمُتْعَةُ وَبِهِ يَظْهَرُ مَا فِي قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ وَرَجَّحَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. (قَوْلُهُ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ الْأَصْلُ فِي التَّحْكِيمِ) يَنْبُو عَنْ هَذَا الْجَوَابِ قَوْلُ الْهِدَايَةِ أَنَّهُ الْمُوجِبُ الْأَصْلِيُّ فِي بَابِ النِّكَاحِ وَعَنْ هَذَا قَالَ فِي النَّهْرِ، وَقَدْ مَرَّ فِيمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى هَذَا الْعَبْدِ أَوْ عَلَى هَذَا الْعَبْدِ مَا يُغْنِيك عَنْ هَذَا الْجَوَابِ وَمَا فِيهِ مِنْ التَّعَسُّفِ. (قَوْلُهُ حُبِسَ) أَيْ حَتَّى يُبَيِّنَ لِقِيَامِهِ مَقَامَ الزَّوْجِ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ. (قَوْلُهُ وَفِيهِ نَظَرٌ) سَبَقَهُ إلَيْهِ صَاحِبُ الدُّرَرِ وَتَبِعَهُ ابْنُ الْكَمَالِ قَالَ نُوحٌ أَفَنْدِي وَأَجَابَ عَنْهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ فِي حَوَاشِي صَدْرِ الشَّرِيعَةِ، فَقَالَ لَا يُقَالُ إنَّ الْكَلَامَ فِي النِّكَاحِ دُونَ الْمَهْرِ وَيَجْرِي الْحَلِفُ فِي الْمَالِ اتِّفَاقًا كَمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى بِقَوْلِهِ إنْ ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ إلَى قَوْلِهِ يَلْزَمُ الْمَالُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ مَا ذَكَرَهُ هُنَاكَ رِوَايَةً وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ هَاهُنَا دِرَايَةً، وَقَدْ رَمَزَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ يَنْبَغِي، وَجْهُ الدِّرَايَةِ هَاهُنَا عَدَمُ نَفْعِ التَّحْلِيفِ عِنْدَ النُّكُولِ إذْ الْأَصْلُ فِيهِ عِنْدَهُ مَهْرُ الْمِثْلِ دُونَ الْمُسَمَّى فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَفِيهِ نَفْعٌ لِوُجُوبِ الْمُسَمَّى عِنْدَ النُّكُولِ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ عِنْدَهُمَا اهـ. ثُمَّ نَقَلَ عَنْ الْوَافِي جَوَابًا رَدَّهُ فِي الْعَزْمِيَّةِ وَالْجَوَابُ السَّابِقُ قَالَ فِيهِ الْبَاقَانِيُّ فِيهِ نَظَرٌ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 196 عَلَى الْمَالِ لَا عَلَى أَصْلِ النِّكَاحِ فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَحْلِفَ مُنْكِرُ التَّسْمِيَةِ إجْمَاعًا وَلِهَذَا سَكَتُوا عَنْهُ لِظُهُورِهِ وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ ادَّعَتْ مَهْرَهَا بَعْدَ مَوْتِهِ فَادَّعَى الْوَارِثُ الْخُلْعَ قَبْلَ الْمَوْتِ بَعْدَ إنْكَارِهِ أَصْلَ النِّكَاحِ لَا تُسْمَعُ وَإِنْ ادَّعَى الْإِبْرَاءَ فَفِيهَا أَقْوَالٌ ثَالِثُهَا إنْ ادَّعَى الْإِبْرَاءَ عَنْ الْمَهْرِ لَا تُسْمَعُ وَإِنْ ادَّعَى الْإِبْرَاءَ عَنْ دَعْوَى الْمَهْرِ تُسْمَعُ. اهـ. . (قَوْلُهُ وَلَوْ مَاتَا وَلَوْ فِي الْقَدْرِ فَالْقَوْلُ لِوَرَثَتِهِ) أَيْ لَوْ مَاتَ الزَّوْجَانِ وَاخْتَلَفَ وَرَثَتُهُمَا فَالْقَوْلُ لِوَرَثَةِ الزَّوْجِ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْقَدْرِ أَوْ فِي الْأَصْلِ فَإِنْ كَانَ فِي الْقَدْرِ لَزِمَ مَا اعْتَرَفُوا بِهِ وَإِنْ كَانَ فِي الْأَصْلِ بِأَنْ ادَّعَى وَرَثَتُهَا الْمُسَمَّى وَأَنْكَرَهُ وَرَثَتُهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ، وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا الِاخْتِلَافُ بَعْدَ مَوْتِهِمَا كَالِاخْتِلَافِ فِي حَيَاتِهِمَا فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْقَدْرِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُقْضَى بِمَهْرِ الْمِثْلِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ الْقَوْلُ لِوَرَثَةِ الزَّوْجِ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْأَصْلِ يُقْضَى بِمَهْرِ الْمِثْلِ إذَا كَانَ النِّكَاحُ ظَاهِرًا إلَّا إذَا أَقَامَتْ وَرَثَتُهُ الْبَيِّنَةَ عَلَى إيفَاءِ الْمَهْرِ أَوْ عَلَى إقْرَارِهَا بِهِ أَوْ إقْرَارِ وَرَثَتِهَا بِهِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ فَلَا يَسْقُطُ بِالْمَوْتِ كَالْمُسَمَّى فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهَا مَاتَتْ أَوَّلًا سَقَطَ نَصِيبُهُ مِنْهُ وَمَا بَقِيَ فَلِوَرَثَتِهَا وَلَهُ أَنَّ مَوْتَهُمَا يَدُلُّ عَلَى انْقِرَاضِ أَقْرَانِهَا فَبِمَهْرِ مَنْ يُقَدِّرُ الْقَاضِي مَهْرَ الْمِثْلِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَسْأَلَةَ مُصَوَّرَةٌ فِي التَّقَادُمِ فَلَوْ كَانَ الْعَهْدُ قَرِيبًا قُضِيَ بِهِ وَعَلَى أَنَّهُ لَوْ أُقِيمَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمَهْرِ قُضِيَ بِهَا عَلَى وَرَثَةِ الزَّوْجِ وَقَدْ صُرِّحَ بِالثَّانِي فِي الْمُحِيطِ وَشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَعِبَارَةُ الْمُحِيطِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا أَقْضِي بِشَيْءٍ حَتَّى يَثْبُتَ بِالْبَيِّنَةِ أَصْلُ التَّسْمِيَةِ وَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا عَلَّلَ بِهِ بَعْضُ الْمَشَايِخِ لَهُ مِنْ أَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ مِنْ حَيْثُ هُوَ قِيمَةُ الْبُضْعِ يُشْبِهُ الْمُسَمَّى وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَجِبُ بِغَيْرِ شَرْطٍ يُشْبِهُ النَّفَقَةَ وَالصِّلَةُ فَبِاعْتِبَارِ الشَّبَهِ الْأَوَّلِ لَمْ يَسْقُطْ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا وَبِاعْتِبَارِ الشَّبَهِ الثَّانِي يَسْقُطُ فَسَقَطَ بِمَوْتِهِمَا فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا تُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ بَعْدَ مَوْتِهِمَا لِسُقُوطِهِ أَصْلًا وَالْمَنْصُوصُ عَنْ الْإِمَامِ خِلَافُهُ كَمَا عَلِمْت، وَلِذَا قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إنَّ تَعْلِيلَ الْهِدَايَةِ أَوْجَهُ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا وَفِي الْمُحِيطِ قَالَ مَشَايِخُنَا هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ تُسَلِّمْ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا فَإِنْ سَلَّمَتْ نَفْسَهَا ثُمَّ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي حِيَالِ الْحَيَاةِ أَوْ بَعْدَ الْمَمَاتِ فَإِنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّا نَعْلَمُ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تُسَلِّمُ نَفْسَهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ تَتَعَجَّلَ مِنْ مَهْرِهَا شَيْئًا عَادَةً فَيُقَالُ لَهَا لَا بُدَّ أَنْ تُقِرِّي بِمَا تَعَجَّلْت وَإِلَّا قَضَيْنَا عَلَيْك بِالْمُتَعَارَفِ ثُمَّ يُعْمَلُ فِي الْبَاقِي كَمَا ذَكَرْنَا اهـ. وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ الشَّارِحُونَ وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَحَلَّهُ فِيمَا إذَا ادَّعَى الزَّوْجُ إيصَالَ شَيْءٍ إلَيْهَا أَمَّا لَوْ لَمْ يَدَّعِ فَلَا يَنْبَغِي ذَلِكَ وَفِي الْمُحِيطِ مَعْزِيًّا إلَى النَّوَادِرِ امْرَأَةٌ ادَّعَتْ عَلَى زَوْجِهَا بَعْدَ مَوْتِهِ أَنَّ لَهَا عَلَيْهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ مِنْ مَهْرِهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا إلَى تَمَامِ مَهْرِ مِثْلِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ يَشْهَدُ لَهَا. اهـ. وَهَذَا يُخَالِفُ مَا ذَكَرَهُ الْمَشَايِخُ سَابِقًا وَفِي الْخُلَاصَةِ مِنْ الْفَصْلِ الثَّانِيَ عَشَرَ مِنْ كِتَابِ الدَّعْوَى امْرَأَةٌ ادَّعَتْ عَلَى وَارِثِ زَوْجِهَا مَهْرَهَا فَأَنْكَرَ الْوَارِثُ يُوقَفُ قَدْرُ مَهْرِ مِثْلِهَا وَيَقُولُ لَهُ الْقَاضِي أَكَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا كَذَا أَعْلَى مِنْ ذَلِكَ إنْ قَالُوا لَا قَالَ أَكَانَ كَذَا دُونَ مَا قَالَ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى مِقْدَارِ مَهْرِ مِثْلِهَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَمَنْ بَعَثَ إلَى امْرَأَتِهِ شَيْئًا، فَقَالَتْ هُوَ هَدِيَّةٌ وَقَالَ هُوَ مِنْ الْمَهْرِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي غَيْرِ الْمُهَيَّأِ لِلْأَكْلِ) ؛ لِأَنَّهُ الْمُمَلِّكُ فَكَانَ أَعْرَفَ بِجِهَةِ التَّمْلِيكِ كَيْفَ وَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ يَسْعَى فِي إسْقَاطِ الْوَاجِبِ إلَّا فِيمَا يُتَعَارَفُ هَدِيَّةً وَهُوَ الْمُهَيَّأُ لِلْأَكْلِ؛ لِأَنَّهُ مُتَنَاقِضٌ عُرْفًا وَفَسَّرَ الْإِمَامُ الْوَلْوَالِجِيُّ الْمُهَيَّأَ لِلْأَكْلِ بِمَا لَا يَبْقَى وَيَفْسُدُ فَخَرَجَ نَحْوُ التَّمْرِ وَالدَّقِيقِ وَالْعَسَلِ فَإِنَّ الْقَوْلَ فِيهِ قَوْلُهُ اهـ. وَدَخَلَ تَحْتَ غَيْرِ الْمُهَيَّأِ لِلْأَكْلِ الثِّيَابُ مُطْلَقًا فَالْقَوْلُ فِيهَا قَوْلُهُ وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ الْمُخْتَارُ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ مَتَاعٍ سِوَى مَا يَجِبُ عَلَيْهِ فَالْقَوْلُ لَهُ وَإِلَّا فَلَهَا كَالدِّرْعِ وَالْخِمَارِ وَمَتَاعِ الْبَيْتِ؛ لِأَنَّ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْقَدْرِ أَوْ فِي الْأَصْلِ) الَّذِي فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي الْأَصْلِ فَالْقَوْلُ لِمَنْ أَنْكَرَهُ، وَلِذَا قِيلَ إنَّ حَقَّ التَّرْكِيبِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فَلَوْ بِالْفَاءِ؛ لِأَنَّ مَعَ الْوَاوِ يُتَوَهَّمُ أَنَّهَا لِلْوَصْلِ كَمَا شَرَحَ بِهِ الْعَيْنِيُّ وَصَاحِبُ النَّهْرِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا فِي الْهِدَايَةِ وَمَا هُنَا؛ لِأَنَّ الْمُنْكِرَ لِلتَّسْمِيَةِ عَادَةً وَرَثَةُ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي قَوْلِ الْإِمَامِ وَلَا نَفْعَ لِوَرَثَةِ الزَّوْجَةِ فِي إنْكَارِ التَّسْمِيَةِ عَلَى قَوْلِهِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ الْقَوْلُ لِوَرَثَةِ الزَّوْجِ) الْفَرْقُ بَيْنَ قَوْلِهِ وَقَوْلِ الْإِمَامِ أَنَّ الْإِمَامَ لَمْ يَسْتَثْنِ الْقَلِيلَ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ أَيْ فَيُصَدَّقُ وَرَثَةُ الزَّوْجِ وَإِنْ ادَّعَوْا شَيْئًا قَلِيلًا كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ. (قَوْلُهُ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَسْأَلَةَ إلَخْ) كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَالْفَتْحِ وَقَالَ فِي الْفَتْحِ؛ لِأَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ فَإِذَا تَقَادَمَ الْعَهْدُ يَتَعَذَّرُ الْوُقُوفُ عَلَى مِقْدَارِهِ وَأَيْضًا يُؤَدِّي إلَى تَكَرُّرِ الْقَضَاءِ بِهِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ مِمَّا يَثْبُتُ بِالتَّسَامُعِ فَيَدَّعِي وَرَثَةُ وَرَثَةِ الْوَرَثَةِ عَلَى وَرَثَةِ وَرَثَةِ الْوَرَثَةِ ثُمَّ وَثُمَّ فَيُفْضِي إلَى ذَلِكَ اهـ. وَفِي شَرْحِ الْجَامِعِ لِلْقَاضِي فَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ الْعَهْدُ قَرِيبًا وَلَمْ يَكُنْ مُتَقَادِمًا لَا يَعْجِزُ عَنْ الْقَضَاءِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ فَيَقْضِي بِهِ. (قَوْلُهُ وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَحَلَّهُ إلَخْ) قَالَ فِي الشرنبلالية فِيهِ تَأَمُّلٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى مَا قَالَهُ فِي حَالِ مَوْتِهِمَا اهـ. فَلَوْ قَالَ فِيمَا إذَا ادَّعَى الزَّوْجُ أَوْ وَرَثَتُهُ لَكَانَ أَوْلَى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 197 الظَّاهِرُ يُكَذِّبُهُ وَالْخُفُّ وَالْمُلَاءَةُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُهَيِّئَ لَهَا أَمْرَ خُرُوجِهَا كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ ثُمَّ كَوْنُ الظَّاهِرِ يُكَذِّبُهُ فِي نَحْوِ الدِّرْعِ وَالْخِمَارِ إنَّمَا يَنْفِي احْتِسَابَهُ مِنْ الْمَهْرِ لَا مِنْ شَيْءٍ آخَرَ كَالْكُسْوَةِ. اهـ. وَهَذَا الْبَحْثُ مُوَافِقٌ لِمَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَإِنَّهُ قَالَ إلَّا فِي الطَّعَامِ الَّذِي يُؤْكَلُ فَإِنَّهُ أَعَمُّ مِنْ الْمُهَيَّأِ لِلْأَكْلِ وَغَيْرِهِ وَفِيهِ أَيْضًا وَاَلَّذِي يَجِبُ اعْتِبَارُهُ فِي دِيَارِنَا جَمِيعُ مَا ذُكِرَ مِنْ الْحِنْطَةِ وَاللَّوْزِ وَالدَّقِيقِ وَالسُّكَّرِ وَالشَّاةِ الْحَيَّةِ وَبَاقِيهَا يَكُونُ الْقَوْلُ فِيهَا قَوْلَ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ الْمُتَعَارَفَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ أَنْ يُرْسِلَهُ هَدِيَّةً. وَالظَّاهِرُ مَعَ الْمَرْأَةِ لَا مَعَهُ وَلَا يَكُونُ الْقَوْلُ لَهُ إلَّا فِي نَحْوِ الثِّيَابِ وَالْجَارِيَةِ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَذْكُرْ وَقْتَ الدَّفْعِ جِهَةً أُخْرَى غَيْرَ الْمَهْرِ فَإِنْ ذَكَرَ وَقَالَ اصْرِفُوا بَعْضَ الدَّنَانِيرِ إلَى الشَّمْعِ وَبَعْضَهَا إلَى الْحِنَّاءِ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ مِنْ الْمَهْرِ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ. وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ بَعَثَ إلَيْهَا ثَوْبًا وَقَالَ هُوَ مِنْ الْمَكْسُوَّةِ وَقَالَتْ هَدِيَّةٌ فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ وَالْبَيِّنَةَ بَيِّنَتُهَا كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ مِنْ كِتَابِ الدَّعْوَى، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْبَيِّنَةَ بَيِّنَتُهَا فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ أَيْضًا لِعَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَأَرَادَ بِكَوْنِ الْقَوْلِ قَوْلَهُ فِي الْمُخْتَصَرِ أَنْ يَحْلِفَ فَإِنْ حَلَفَ إنْ كَانَ الْمَتَاعُ قَائِمًا كَانَ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَرُدَّ الْمَتَاعَ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَرْضَ بِكَوْنِهِ مَهْرًا وَتَرْجِعَ عَلَى الزَّوْجِ بِمَا بَقِيَ مِنْ الْمَهْرِ وَإِنْ كَانَ الْمَتَاعُ هَالِكًا إنْ كَانَ شَيْئًا مِثْلِيًّا رَدَّتْ عَلَى الزَّوْجِ مِثْلَ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلِيًّا لَا تَرْجِعُ عَلَى الزَّوْجِ بِمَا بَقِيَ مِنْ الْمَهْرِ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ جِنْسِ الْمَهْرِ فَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِهِ وَقَعَ قِصَاصًا كَمَا لَا يَخْفَى وَصُرِّحَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ أَنَّ فِيمَا كَانَ الْقَوْلَ فِيهِ قَوْلُهَا وَهُوَ الْمُهَيَّأُ لِلْأَكْلِ فَإِنَّهُ مَعَ يَمِينِهَا وَإِنْ كَانَ الْعُرْفُ شَاهِدًا لَهَا. وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ الزَّوْجَ لَوْ بَعَثَ إلَيْهَا هَدَايَا وَعَوَّضَتْهُ الْمَرْأَةُ ثُمَّ زُفَّتْ إلَيْهِ ثُمَّ فَارَقَهَا وَقَالَ بَعَثْتهَا إلَيْك عَارِيَّةً وَأَرَادَ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ وَأَرَادَتْ هِيَ أَنْ تَسْتَرِدَّ الْعِوَضَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي الْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُ أَنْكَرَ التَّمْلِيكَ وَإِذَا اسْتَرَدَّهُ تَسْتَرِدُّ هِيَ مَا عَوَّضَتْهُ كَذَا فِي الْفَتَاوَى السَّمَرْقَنْدِيَّة وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَوْ بَعَثَ هُوَ وَبَعَثَ أَبُوهَا لَهُ أَيْضًا، ثُمَّ قَالَ هُوَ مِنْ الْمَهْرِ فَلِلْأَبِ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ إنْ كَانَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ وَكَانَ قَائِمًا وَإِنْ كَانَ هَالِكًا لَا يَرْجِعُ وَإِنْ كَانَ مِنْ مَالِ الْبِنْتِ بِإِذْنِهَا فَلَيْسَ لَهَا الرُّجُوعُ؛ لِأَنَّهُ هِبَةٌ مِنْهَا وَهِيَ لَا تَرْجِعُ فِيمَا وَهَبَتْ لِزَوْجِهَا اهـ. وَيُفَرَّقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا سَبَقَ أَنَّ فِي الْأُولَى التَّعْوِيضَ مِنْهَا كَانَ بِنَاءً عَلَى ظَنِّهَا التَّمْلِيكَ مِنْهُ، وَقَدْ أَنْكَرَهُ فَلَمْ يَصِحَّ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَهَذَا يُخَالِفُ مَا ذَكَرَهُ الْمَشَايِخُ سَابِقًا) قَالَ الرَّمْلِيُّ لَيْسَ مُخَالِفًا إذْ هُوَ مُقَيَّدٌ كَمَا ذَكَرَهُ الْمَشَايِخُ بِمَا قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَأَيُّ مُخَالَفَةٍ، وَمِثْلُهُ مَا فِي الْخُلَاصَةِ تَأَمَّلْ ثُمَّ رَأَيْت فِي النَّهْرِ أَقُولُ: لَا مُخَالَفَةَ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْمُطْلَقُ مَحْمُولًا عَلَى الْمُقَيَّدِ وَهُوَ عَيْنُ مَا قُلْتُهُ. وَاَللَّهُ تَعَالَى هُوَ الْمُوَفِّقُ. (قَوْلُهُ إنَّمَا يَنْفِي احْتِسَابَهُ مِنْ الْمَهْرِ إلَخْ) أَيْ لَوْ ادَّعَاهُ أَنَّهُ مِنْ الْمَهْرِ لَا يُصَدَّقُ أَمَّا لَوْ ادَّعَاهُ مِنْ الْكُسْوَةِ الْوَاجِبَةِ وَادَّعَتْ أَنَّهُ هَدِيَّةٌ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ لَا يُكَذِّبُهُ فِي ذَلِكَ بَلْ الظَّاهِرُ يُصَدِّقُهُ فِيهِ، وَهَذَا مَا سَيَنْقُلُهُ الْمُؤَلِّفُ عَنْ الْخُلَاصَةِ. (قَوْلُهُ، وَهَذَا الْبَحْثُ مُوَافِقٌ لِمَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ) كَذَا فِي النُّسَخِ وَقَعَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ قَبْلَ قَوْلِهِ وَفِيهِ أَيْضًا أَيْ فِي الْفَتْحِ وَاَلَّذِي يَنْبَغِي ذِكْرُهَا بَعْدَهُ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ بِمَا بَقِيَ مِنْ الْمَهْرِ) أَيْ إنْ كَانَ دَفَعَ لَهَا شَيْئًا مِنْهُ. (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ الْمَتَاعُ هَالِكًا) قَالَ فِي النَّهْرِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ اتَّخَذَ لَهَا ثِيَابًا وَلَبِسَتْهَا حَتَّى تَحَرَّقَتْ، ثُمَّ قَالَ هُوَ مِنْ الْمَهْرِ وَقَالَتْ هُوَ مِنْ النَّفَقَةِ أَعْنِي الْكُسْوَةَ فَالْقَوْلُ لَهَا قِيلَ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا إذَا كَانَ الثَّوْبُ قَائِمًا حَيْثُ يَكُونُ الْقَوْلُ ثَمَّةَ لَهُ قُلْنَا الْفَرْقُ أَنَّ فِي الْقَائِمِ اتَّفَقَا عَلَى أَصْلِ التَّمْلِيكِ وَاخْتَلَفَا فِي صِفَتِهِ وَالْقَوْلُ لِلْمَالِكِ؛ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِجِهَةِ التَّمْلِيكِ بِخِلَافِ الْهَالِكِ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي سُقُوطَ بَعْضِ الْمَهْرِ وَالْمَرْأَةُ تُنْكِرُ ذَلِكَ فَإِنْ قِيلَ لِمَ لَمْ يُجْعَلْ هَذَا اخْتِلَافًا فِي جِهَةِ التَّمْلِيكِ كَالْقَائِمِ قُلْنَا بِالْهَلَاكِ خَرَجَ عَنْ الْمَمْلُوكِيَّةِ وَالِاخْتِلَافُ فِي أَصْلِ التَّمْلِيكِ أَوْ فِي جِهَتِهِ وَلَا مِلْكَ بِحَالٍ بَاطِلٍ فَيَكُونُ اخْتِلَافًا فِي ضَمَانِ الْهَالِكِ وَبَدَلَهُ فَالْقَوْلُ لِمَنْ يَمْلِكُ الْبَدَلَ وَالضَّمَانَ اهـ. ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْقَوْلَ لَهَا فِيمَا لَوْ كَانَ هَالِكًا فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ؛ لِأَنَّهُ بِذَلِكَ يَدَّعِي الْهَالِكَ وَهِيَ تُنْكِرُ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمْنَا وَالْفَرْقُ يَعْسُرُ فَتَدَبَّرْهُ. (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلِيًّا لَا تَرْجِعُ إلَخْ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ تَجِبُ قِيمَتُهُ مُقَوَّمًا بِالدَّرَاهِمِ وَهِيَ مِنْ جِنْسِ الْمَهْرِ فَيَقَعُ قِصَاصًا فَلَا تَرْجِعُ بِمَا بَقِيَ مِنْ الْمَهْرِ إنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ قَدْرَ مَا بَقِيَ لَهَا (قَوْلُهُ وَيُفَرَّقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا سَبَقَ إلَخْ) يُمْكِنُ أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّ مَا سَبَقَ مُصَوَّرٌ فِيمَا إذَا صَرَّحَتْ بِالتَّعْوِيضِ بِخِلَافِ مَا هُنَا فَإِنَّهُ إقْرَارٌ لِفِعْلِ الْأَبِ بِدُونِ تَصْرِيحٍ قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَلَوْ أَرْسَلَ إلَى امْرَأَةٍ نَافِجَةَ مِسْكٍ أَوْ طِيبًا، ثُمَّ قَالَ كَانَ مِنْ الْمَهْرِ فَالْقَوْلُ لَهُ فَإِنْ وَجَّهَتْ هِيَ إلَيْهِ عِوَضًا لِذَلِكَ الطِّيبِ وَحَسِبَتْ أَنَّ زَوْجَهَا وَجَّهَهُ هَدِيَّةً فَلَمَّا ظَهَرَ الْخِلَافُ أَرَادَتْ الرُّجُوعَ هَلْ لَهَا ذَلِكَ قَالَ لَا؛ لِأَنَّ نِيَّةَ الْعِوَضِ فَاسِدَةٌ وَكَانَتْ هِبَةٌ جَدِيدَةٌ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ نَقْلِ مَا فِي الْفَتَاوَى السَّمَرْقَنْدِيَّة وَفِي الْخَانِيَّةِ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْكَافُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنْ صَرَّحَتْ حِينَ بَعَثَتْ أَنَّهَا عِوَضٌ فَكَذَلِكَ اهـ. لَكِنَّ قَاضِي خَانْ قَدْ ذَكَرَ قَبْلَ قَوْلِ الْإِسْكَافِ مَا نَصُّهُ قَالُوا الْقَوْلُ لِلزَّوْجِ فِي مَتَاعِهِ؛ لِأَنَّهُ أَنْكَرَ التَّمْلِيكَ وَلِلْمَرْأَةِ أَنْ تَسْتَرِدَّ مَا بَعَثَتْ؛ لِأَنَّهَا تَزْعُمُ أَنَّهَا بَعَثَتْ عِوَضًا لِلْهِبَةِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ هِبَةً لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عِوَضًا وَكَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 198 التَّعْوِيضُ فَلَمْ يَكُنْ هِبَةً مِنْهَا فَلَهَا الِاسْتِرْدَادُ وَفِي الثَّانِيَةِ حَصَلَ التَّمْلِيكُ فَصَحَّ التَّعْوِيضُ فَلَا رُجُوعَ لَهَا وَقَدْ يُقَالُ التَّعْوِيضُ عَلَى ظَنِّ الْهِبَةِ لَا مُطْلَقًا، وَقَدْ أَنْكَرَهَا فَيَنْبَغِي أَنْ تَرْجِعَ وَقَيَّدَ الْمُصَنِّفُ بِكَوْنِهِ ادَّعَاهُ مَهْرًا؛ لِأَنَّهَا لَوْ ادَّعَتْ أَنَّهُ مِنْ الْمَهْرِ وَقَالَ هُوَ وَدِيعَةٌ فَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ الْمَهْرِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا وَإِنْ كَانَ مِنْ خِلَافِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَأُطْلِقَ فِي الْبَعْثِ فَشَمِلَ مَا إذَا اشْتَرَى لَهَا شَيْئًا بَعْدَمَا بَنَى بِهَا بِأَمْرِهَا أَوْ دَفَعَ إلَيْهَا دَرَاهِمَ حَتَّى اشْتَرَتْ هِيَ صُرِّحَ بِهِ فِي التَّجْنِيسِ وَفِيهِ لَوْ قَالَتْ لَهُ أَنْفِقْ عَلَى مَمَالِيكِي مِنْ مَهْرِي فَفَعَلَ، ثُمَّ قَالَتْ لَا أَحْسُبُهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّك اسْتَخْدَمْتهمْ فَمَا أُنْفِقَ عَلَيْهِمْ بِالْمَعْرُوفِ فَهُوَ مِنْ الْمَهْرِ وَلَوْ بَعَثَ إلَيْهَا بَقَرَةً عِنْدَ مَوْتِ أَبِيهَا فَذَبَحَتْهَا وَأَطْعَمَتْهَا فَطَلَبَ قِيمَتَهَا فَإِنْ اتَّفَقَا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ قِيمَةً لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى ذِكْرِ الرُّجُوعِ بِالْقِيمَةِ فَلَهُ الرُّجُوعُ وَإِنْ اخْتَلَفَا فَالْقَوْلُ لَهَا وَاخْتَارَ قَاضِي خَانْ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهَا تَدَّعِي الْإِذْنَ بِالِاسْتِهْلَاكِ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَهُوَ يُنْكِرُ فَالْقَوْلُ لَهُ كَمَنْ دَفَعَ إلَى غَيْرِهِ دَرَاهِمَ فَأَنْفَقَهَا ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهَا قَرْضٌ وَقَالَ الْقَابِضُ إنَّهَا هِبَةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِ الدَّرَاهِمِ. اهـ. وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ لَوْ جَاءَ إلَى بَيْتِهِ بِقُطْنٍ فَغَزَلَتْهُ الْمَرْأَةُ فَإِنْ قَالَ اغْزِلِيهِ لِي فَهُوَ لَهُ وَلَا أَجْرَ لَهَا وَإِنْ قَالَ اغْزِلِيهِ لَنَا فَهُوَ لَهُ وَلَهَا أَجْرُ مِثْلِهَا وَإِنْ قَالَ اغْزِلِيهِ فَهُوَ لَهُ وَإِنْ قَالَ اغْزِلِيهِ لِنَفْسِك فَهُوَ لَهَا وَإِنْ اخْتَلَفَا، فَقَالَتْ قُلْتُ: اغْزِلِيهِ لِنَفْسِك وَكَذَّبَهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَإِنْ نَهَاهَا عَنْ غَزْلِهِ فَغَزَلَتْهُ كَانَ لَهَا؛ لِأَنَّهَا غَاصِبَةٌ وَلَهُ عَلَيْهَا مِثْلُ قُطْنِهِ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي النَّهْيِ فَالْقَوْلُ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَنْهَ وَلَمْ يَأْذَنْ فَغَزَلَتْهُ إنْ كَانَ بَيَّاعُ الْقُطْنِ فَهُوَ لَهَا وَعَلَيْهَا مِثْلُ قُطْنِهِ وَإِلَّا فَهُوَ لَهُ إلَى آخِرِ مَا فِي الْفَتَاوَى وَهَاهُنَا فُرُوعٌ ذَكَرُوهَا فِي الْفَتَاوَى لَا بَأْسَ بِإِيرَادِهَا فَإِنَّهَا مُهِمَّةٌ الْأَوَّلُ: لَوْ خَطَبَ امْرَأَةً فِي بَيْتِ أَخِيهَا فَأَبَى الْأَخُ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ دَرَاهِمَ فَدَفَعَ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا كَانَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَسْتَرِدَّ مَا دَفَعَ لَهُ. الثَّانِي: لَوْ خَطَبَ ابْنَةَ رَجُلٍ، فَقَالَ أَبُوهَا إنْ نَقَدْت إلَيَّ الْمَهْرَ كَذَا أُزَوِّجُهَا مِنْك ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ بَعَثَ بِهَدَايَا إلَى بَيْتِ الْأَبِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَنْ يَنْقُدَ الْمَهْرَ وَلَمْ يُزَوِّجْهُ فَأَرَادَ أَنْ يَرْجِعَ قَالُوا مَا بَعَثَ لِلْمَهْرِ وَهُوَ قَائِمٌ أَوْ هَالِكٌ يَسْتَرِدُّهُ وَكَذَا كُلُّ مَا بَعَثَ هَدِيَّةً وَهُوَ قَائِمٌ، فَأَمَّا الْهَالِكُ وَالْمُسْتَهْلَكُ فَلَا شَيْءَ فِيهِ الثَّالِثُ لَوْ أَنْفَقَ عَلَى مُعْتَدَّةِ الْغَيْرِ عَلَى طَمَعِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا إذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَلَمَّا انْقَضَتْ أَبَتْ ذَلِكَ إنْ شَرَطَ فِي الْإِنْفَاقِ التَّزَوُّجَ كَأَنْ يَقُولَ أُنْفِقُ بِشَرْطِ أَنْ تَتَزَوَّجِينِي يَرْجِعُ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا أَوْ لَا، وَكَذَا إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ عَلَى الصَّحِيحِ، وَقِيلَ لَا يَرْجِعُ إذَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا، وَقَدْ كَانَ شَرَطَهُ وَصُحِّحَ أَيْضًا وَإِنْ أَبَتْ وَلَمْ يَكُنْ شَرَطَهُ لَا يَرْجِعُ عَلَى   [منحة الخالق] أَنْ يَسْتَرِدَّ مَتَاعَهُ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْكَافُ إلَخْ وَظَاهِرُهُ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ عَدَمُ اشْتِرَاطِ التَّصْرِيحِ بِهِ وَعَلَيْهِ فَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ مَا سَبَقَ مُصَوَّرٌ فِيمَا إذَا قَصَدَتْ التَّعْوِيضَ وَمَا هُنَا فِيمَا إذَا لَمْ تَقْصِدْهُ هِيَ أَوْ الْأَبُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بَعْدَمَا ذَكَرَ مَا نَقَلَهُ عَنْهُ الْمُؤَلِّفُ ذَكَرَ عِبَارَةَ الْفَتَاوَى السَّمَرْقَنْدِيَّة، ثُمَّ قَالَ وَفِيمَا إذَا بَعَثَ الْأَبُ بَعْدَ بَعْثِ الزَّوْجِ تَعْوِيضًا يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذُكِرَ فِي فَتَاوَى أَهْلِ سَمَرْقَنْدَ، وَكَذَا الْبِنْتُ فِيمَا أَذِنَتْ فِي بَعْثِهِ تَعْوِيضًا اهـ. فَعُلِمَ أَنَّ مَا بَعَثَهُ الْأَبُ مِنْ مَالِهِ أَوْ مِنْ مَالِهَا بِإِذْنِهَا عَلَى وَجْهِ التَّعْوِيضِ يَثْبُتُ فِيهِ الرُّجُوعُ كَمَا يَثْبُتُ فِيمَا بَعَثَتْهُ هِيَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ وَلَوْ بَعَثَ إلَيْهَا بَقَرَةً) قَالَ فِي النَّهْرِ، وَهَذَا قَدْ يُشْكِلُ عَلَى مَا مَرَّ؛ لِأَنَّهُ الْمُمَلِّكُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَكَانَ أَعْرَفَ بِجِهَةِ التَّمْلِيكِ، وَلِذَا قَالَ الْقَاضِي يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ لِلزَّوْجِ. اهـ. قُلْتُ: تَصْوِيرُ الْمَسْأَلَةِ عَلَى مَا فِي الْعِمَادِيَّةِ التَّتَارْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهِمَا امْرَأَةٌ مَاتَتْ فَاتَّخَذَتْ وَالِدَتُهَا مَأْتَمًا فَبَعَثَ زَوْجُ الْمَيِّتَةِ بَقَرَةً إلَى أُمِّ الْمَرْأَةِ فَذَبَحَتْهَا إلَى آخِرِ مَا هُنَا وَبِهِ يَظْهَرُ جَوَابُ الْإِشْكَالِ فَتَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ اغْزِلِيهِ لَنَا) أَيْ لِي وَلَك وَقَوْلُهُ فَهُوَ لَهُ أَيْ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُسْتَأْجِرًا لَهَا بِجُزْءٍ مِنْهُ فَهُوَ مِثْلُ قَفِيزِ الطَّحَّانِ فَلَمْ تَصِحَّ الْإِجَارَةُ وَيَكُونُ لَهَا أَجْرُ مِثْلِهَا؛ لِأَنَّهَا غَزَلَتْهُ عَلَى طَمَعِ أَنَّ لَهَا مِنْهُ حِصَّةً لَا تَبَرُّعًا. (قَوْلُهُ كَانَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَسْتَرِدَّ مَا دَفَعَ) أَيْ قَائِمًا أَوْ هَالِكًا؛ لِأَنَّهُ رِشْوَةٌ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا يَرْجِعُ إلَخْ) حَاصِلُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ يَرْجِعُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ شَرَطَ التَّزَوُّجَ أَوْ لَا وَسَوَاءٌ تَزَوَّجَتْهُ أَوْ لَا. وَحَاصِلُ الثَّانِي أَنَّهُ يَرْجِعُ فِي صُورَةِ مَا إذَا أَبَتْ وَكَانَ شَرَطَ التَّزَوُّجَ أَمَّا إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ أَوْ تَزَوَّجَتْهُ مُطْلَقًا فَلَا رُجُوعَ لَهُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ إذَا زُوِّجَتْ إلَخْ يُفْهَمُ مِنْهُ عَدَمُ الرُّجُوعِ إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ بِالْأَوْلَى وَيُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ وَإِنْ أَبَتْ إلَخْ أَنَّهُ إنْ شَرَطَهُ يَرْجِعُ فَصَارَ حَاصِلُهُ مَا قُلْنَا وَفِي كَلَامِهِ مُخَالَفَةٌ لِمَا فِي الْفَتْحِ حَيْثُ قَالَ وَفِي الْخُلَاصَةِ أَنْفَقَ عَلَى مُعْتَدَّةِ الْغَيْرِ عَلَى طَمَعِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا إذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَلَمَّا انْقَضَتْ أَبَتْ إنْ شَرَطَ فِي الْإِنْفَاقِ التَّزَوُّجَ يَرْجِعُ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ رِشْوَةٌ، وَالصَّحِيحُ لَا يَرْجِعُ لَوْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا وَإِنْ لَمْ يَشْرِطْ لَكِنْ أَنْفَقَ عَلَى هَذَا الطَّمَعِ اخْتَلَفُوا وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ إذَا زَوَّجَتْ قَالَهُ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَقَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْهُ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ رِشْوَةٌ وَاخْتَارَهُ فِي الْمُحِيطِ، وَهَذَا إذَا دَفَعَ الدَّرَاهِمَ إلَيْهَا لِتُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهَا. أَمَّا إذَا أَكَلَ مَعَهَا فَلَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ اهـ. وَلَمْ يَذْكُرْ مَا إذَا أَبَتْ أَنْ تَتَزَوَّجَهُ فِي فَصْلِ عَدَمِ الِاشْتِرَاطِ صَرِيحًا إلَّا مَا قَدْ يُتَوَهَّمُ مِنْ اقْتِصَارِهِ عَلَى قَوْلِ الشَّهِيدِ وَمِنْ بَعْدِهِ أَنَّهُ يَرْجِعُ إذَا لَمْ تَتَزَوَّجْهُ وَحُكِيَ فِي فَتَاوَى الْخَاصِّيِّ فِيمَا إذَا أَنْفَقَ بِلَا شَرْطٍ بَلْ لِلْعِلْمِ عُرْفًا أَنَّهُ يُنْفِقُ لِلتَّزَوُّجِ ثُمَّ لَمْ تَتَزَوَّجْ بِهِ خِلَافًا مِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَرْجِعُ؛ لِأَنَّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 199 الصَّحِيحِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ مَا ذَكَرَهُ الْعِمَادِيُّ فِي فُصُولِهِ أَنَّهَا إنْ تَزَوَّجَتْهُ لَا رُجُوعَ مُطْلَقًا وَإِنْ أَبَتْ فَلَهُ الرُّجُوعُ إنْ كَانَ دَفَعَ لَهَا وَإِنْ أَكَلَتْ مَعَهُ فَلَا مُطْلَقًا. الرَّابِعُ مَسْأَلَةُ الْجِهَازِ وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ الْأُولَى قَالَ فِي الْمُبْتَغَى بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ مَنْ زُفَّتْ إلَيْهِ امْرَأَتُهُ بِلَا جِهَازٍ فَلَهُ مُطَالَبَةُ الْأَبِ بِمَا بَعَثَ إلَيْهِ مِنْ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ وَإِنْ كَانَ الْجِهَازُ قَلِيلًا فَلَهُ الْمُطَالَبَةُ بِمَا يَلِيقُ بِالْمَبْعُوثِ يَعْنِي إذَا لَمْ تَجْهَرْ بِمَا يَلِيقُ بِالْمَبْعُوثِ فَلَهُ اسْتِرْدَادُ مَا بَعَثَ وَالْمُعْتَبَرُ مَا يُتَّخَذُ لِلزَّوْجِ لَا مَا يُتَّخَذُ لَهَا وَلَوْ سَكَتَ بَعْدَ الزِّفَافِ طَوِيلًا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَهُ بَعْدَهُ وَإِنْ لَمْ يُتَّخَذْ لَهُ شَيْءٌ وَلَوْ جَهَّزَ ابْنَتَهُ وَسَلَّمَهُ إلَيْهَا لَيْسَ لَهُ فِي الِاسْتِحْسَانِ اسْتِرْدَادُهُ مِنْهَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَلَوْ أَخَذَ أَهْلُ الْمَرْأَةِ شَيْئًا عِنْدَ التَّسْلِيمِ فَلِلزَّوْجِ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ؛ لِأَنَّهُ رِشْوَةٌ الثَّانِيَةُ لَوْ جَهَّزَ بِنْتَه ثُمَّ ادَّعَى أَنَّ مَا دَفَعَهُ لَهَا عَارِيَّةً وَقَالَتْ تَمْلِيكًا أَوْ قَالَ الزَّوْجُ ذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِهَا لِيَرِثَ مِنْهُ وَقَالَ الْأَبُ عَارِيَّةٌ فَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالتَّجْنِيسِ وَالذَّخِيرَةِ وَالْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى أَنَّ الْقَوْلَ لِلزَّوْجِ وَلَهَا إذَا كَانَ الْعُرْفُ مُسْتَمِرًّا أَنَّ الْأَبَ يَدْفَعُ مِثْلَهُ جِهَازًا لَا عَارِيَّةً كَمَا فِي دِيَارِنَا وَإِنْ كَانَ مُشْتَرَكًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْأَبِ وَقَالَ قَاضِي خَانْ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ عَلَى التَّفْصِيلِ إنْ كَانَ الْأَبُ مِنْ الْأَشْرَافِ وَالْكِرَامِ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إنَّهُ عَارِيَّةٌ وَإِنْ كَانَ الْأَبُ مِمَّنْ لَا يُجَهِّزُ الْبَنَاتَ بِمِثْلِ ذَلِكَ قُبِلَ قَوْلُهُ. اهـ. وَالْوَاقِعُ فِي دِيَارِنَا الْقَاهِرَةِ أَنَّ الْعُرْفَ مُشْتَرَكٌ فَيُفْتَى بِأَنَّ الْقَوْلَ لِلْأَبِ وَإِذَا كَانَ الْقَوْلُ لِلزَّوْجِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فَأَقَامَ الْأَبُ بَيِّنَةً قُبِلَتْ قَالَ فِي التَّجْنِيسِ والولوالجية وَالذَّخِيرَةِ وَالْبَيِّنَةُ الصَّحِيحَةُ أَنْ يُشْهِدَ عِنْدَ التَّسْلِيمِ إلَى الْمَرْأَةِ أَنِّي إنَّمَا سَلَّمْت هَذِهِ الْأَشْيَاءَ بِطَرِيقِ الْعَارِيَّةِ أَوْ يَكْتُبَ نُسْخَةً مَعْلُومَةً وَيَشْهَدَ الْأَبُ عَلَى إقْرَارِهَا أَنَّ جَمِيعَ مَا فِي هَذِهِ النُّسْخَةِ مِلْكُ وَالِدِي عَارِيَّةٌ فِي يَدِي مِنْهُ لَكِنْ هَذَا يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ لَا لِلِاحْتِيَاطِ لِجَوَازِ أَنَّهُ اشْتَرَى لَهَا بَعْضَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فِي حَالَةِ الصِّغَرِ فَبِهَذَا الْإِقْرَارِ لَا يَصِيرُ الْأَبُ صَادِقًا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهَا مَا فِي هَذِهِ النُّسْخَةِ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ ثُمَّ إنَّ الْبِنْتَ تُبَرِّئُهُ عَنْ الثَّمَنِ. اهـ. وَمِنْ فُرُوعِ الْجِهَازِ لَوْ زَوَّجَ ابْنَتَهُ الْبَالِغَةَ وَجَهَّزَهَا بِأَمْتِعَةٍ مُعَيَّنَةٍ وَلَمْ يُسَلِّمْهَا إلَيْهَا ثُمَّ فَسَخَ الْعَقْدَ وَزَوَّجَهَا مِنْ آخَرَ فَلَيْسَ لَهَا مُطَالَبَةُ الْأَبِ بِذَلِكَ الْجِهَازِ؛ لِأَنَّ التَّجْهِيزَ تَمْلِيكٌ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ التَّسْلِيمُ وَلَوْ كَانَ لَهَا عَلَى أَبِيهَا دَيْنٌ فَجَهَّزَهَا أَبُوهَا، ثُمَّ قَالَ جَهَّزْتهَا بِدَيْنِهَا عَلَيَّ وَقَالَتْ بَلْ بِمَا لَك فَالْقَوْلُ لِلْأَبِ، وَقِيلَ لِلْبِنْتِ وَلَوْ دَفَعَ إلَى أُمِّ وَلَدِهِ شَيْئًا لِتَتَّخِذَهُ جِهَازًا لِلْبِنْتِ فَفَعَلَتْ وَسَلَّمَتْهُ إلَيْهَا لَا يَصِحُّ تَسْلِيمُهَا. صَغِيرَةٌ نَسَجَتْ جِهَازًا بِمَالِ أُمِّهَا وَأَبِيهَا وَسَعْيُهَا حَالَ صِغَرِهَا وَكِبَرِهَا فَمَاتَتْ أُمُّهَا فَسَلَّمَ أَبُوهَا جَمِيعَ الْجِهَازِ إلَيْهَا فَلَيْسَ لِإِخْوَتِهَا دَعْوَى نَصِيبِهِمْ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ امْرَأَةٌ نَسَجَتْ فِي بَيْتِ أَبِيهَا شَيْئًا كَثِيرًا مِنْ إبْرَيْسَمَ كَانَ يَشْتَرِيهِ أَبُوهَا ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ فَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ لَهَا بِاعْتِبَارِ الْعَادَةِ وَلَوْ دَفَعَتْ فِي تَجْهِيزِهَا لِبِنْتِهَا أَشْيَاءَ مِنْ أَمْتِعَةِ الْأَبِ بِحَضْرَتِهِ وَعِلْمِهِ وَكَانَ سَاكِتًا وَزُفِّتَ إلَيْهِ أَيْ إلَى الزَّوْجِ فَلَيْسَ لِلْأَبِ أَنْ يَسْتَرِدَّ ذَلِكَ مِنْ بِنْتِهِ، وَكَذَا لَوْ أَنْفَقَتْ الْأُمُّ فِي جِهَازِهَا مَا هُوَ مُعْتَادٌ وَالْأَبُ سَاكِتٌ لَا تَضْمَنُ الْكُلَّ فِي الْقُنْيَةِ فِي بَابِ تَجْهِيزِ الْبَنَاتِ وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ الْأَبَ أَوْ الْأُمَّ إذَا جَهَّزَ بِنْتَه ثُمَّ مَاتَ فَلَيْسَ لِبَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ عَلَى الْجِهَازِ سَبِيلٌ لَكِنْ هَلْ هَذَا الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ فِي الْأَبِ يَتَأَتَّى فِي الْأُمِّ وَالْجَدِّ فَلَوْ جَهَّزَهَا جَدُّهَا ثُمَّ مَاتَتْ وَقَالَ مِلْكِي وَقَالَ زَوْجُهَا مِلْكُهَا صَارَتْ وَاقِعَةَ الْفَتْوَى وَلَمْ أَرَ فِيهَا نَقْلًا صَرِيحًا. (قَوْلُهُ وَلَوْ نَكَحَ ذِمِّيٌّ ذِمِّيَّةً بِمَيْتَةٍ أَوْ بِغَيْرِ مَهْرٍ وَذَا جَائِزٌ عِنْدَهُمْ فَوُطِئَتْ أَوْ طَلُقَتْ قَبْلَهُ أَوْ مَاتَ عَنْهَا فَلَا مَهْرَ لَهَا، وَكَذَا الْحَرْبِيَّانِ ثُمَّ) بَيَانٌ لِمُهُورِ الْكُفَّارِ بَعْدَ بَيَانِ مُهُورِ الْمُسْلِمِينَ وَسَيَأْتِي بَيَانُ أَنْكِحَتِهِمْ فَقَوْلُهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّ هَذَا بَيَانٌ لِأَنْكِحَتِهِمْ سَهْوٌ وَحَاصِلُهُ أَنَّ نِكَاحَهُمْ مَشْرُوعٌ   [منحة الخالق] الْمَعْرُوفَ كَالْمَشْرُوطِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا قَالَ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَنْفَقَ عَلَى قَصْدِهِ لَا بِشَرْطِهِ اهـ. كَلَامُ الْفَتْحِ وَالْمَفْهُومُ مِنْهُ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ فِيمَا إذَا تَزَوَّجَتْهُ مُطْلَقًا شَرَطَ الرُّجُوعَ أَوْ لَا وَيَرْجِعُ فِيمَا إذَا أَبَتْ مُطْلَقًا، وَهَذَا هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ الْعِمَادِيَّةِ أَيْضًا وَمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ مِنْ الْقَوْلِ الثَّانِي مُخَالِفٌ لَهُمَا فَلْيَنْظُرْ مِنْ أَيْنَ أَخَذَهُ، وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ فَهُوَ مُوَافِقٌ لِإِطْلَاقِ مَا تَقَدَّمَ عَنْ الشَّيْخِ الْإِمَامِ الَّذِي اخْتَارَهُ فِي الْمُحِيطِ. (قَوْلُهُ لَيْسَ لَهُ فِي الِاسْتِحْسَانِ) أَيْ لَيْسَ لِلْأَبِ. . (قَوْلُهُ وَقَالَ قَاضِي خَانْ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ، وَهَذَا لَعَمْرِي مِنْ الْحُسْنِ بِمَكَانٍ (قَوْلُهُ إذَا جَهَّزَ بِنْتَه) أَيْ الصَّغِيرَةَ مُطْلَقًا أَوْ الْكَبِيرَةَ إنْ سَلَّمَهُ لَهَا كَمَا يُعْلَمُ مَا مَرَّ. (قَوْلُهُ لَكِنْ هَلْ هَذَا الْحُكْمُ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ الَّذِي يَظْهَرُ بِبَادِئِ الرَّأْيِ أَنَّهُمَا أَيْ الْأُمَّ وَالْجَدَّ كَذَلِكَ أَمَّا الْأُمُّ فَلِمَا قَدَّمَهُ مِنْ قَوْلِ الْقُنْيَةِ صَغِيرَةٌ نَسَجَتْ جِهَازًا مِنْ مَالِ أُمِّهَا وَأَبِيهَا إلَخْ، وَأَمَّا الْجَدُّ فَلِقَوْلِهِمْ الْجَدُّ كَالْأَبِ إلَّا فِي مَسَائِلَ لَيْسَتْ هَذِهِ مِنْهَا تَأَمَّلْ اهـ. قُلْتُ: وَجَزَمَ فِي مَتْنِ التَّنْوِيرِ أَنَّ الْأُمَّ كَالْأَبِ فِي تَجْهِيزِهَا وَعَزَاهُ فِي شَرْحِ الْمِنَحِ إلَى فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ وَفِي شَرْحِ الدُّرِّ الْمُخْتَارِ مَعْزِيًّا إلَى شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ، وَكَذَا وَلِيُّ الصَّغِيرَةِ وَلَا يَخْفَى شُمُولُهُ الْجَدَّ وَغَيْرَهُ. (قَوْلُهُ سَهْوٌ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَيْسَ كَمَا قَالَ بَلْ أَرَادَ أَنَّهُ بَيَانٌ لِحُكْمِ أَنْكِحَتِهِمْ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمَهْرَ مِنْ أَحْكَامِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 200 بِغَيْرِ مَهْرٍ وَبِمُسَمًّى غَيْرِ مَالٍ حَيْثُ كَانُوا يَعْتَقِدُونَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا فَرْقَ عِنْدَهُ بَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَأَهْلِ الْحَرْبِ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَهُمَا وَافَقَاهُ فِي أَهْلِ الْحَرْبِ وَقَالَا فِي الذِّمِّيَّةِ لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا إنْ مَاتَ عَنْهَا أَوْ دَخَلَ بِهَا وَالْمُتْعَةُ إنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَزُفَرَ أَوْجَبَ مَهْرَ الْمِثْلِ فِي الْكُلِّ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ وَقَعَ عَامًّا فَيَثْبُتُ الْحُكْمُ عَلَى الْعُمُومِ وَلَهُمَا أَنَّ أَهْلَ الْحَرْبِ غَيْرُ مُلْتَزِمِينَ أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ وَوِلَايَةُ الْإِلْزَامِ مُنْقَطِعَةٌ بِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ بِخِلَافِ أَهْلِ الذِّمَّةِ؛ لِأَنَّهُمْ الْتَزَمُوا أَحْكَامَنَا فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْمُعَامَلَاتِ كَالزِّنَا وَالرِّبَا وَوِلَايَةُ الْإِلْزَامِ مُتَحَقِّقَةٌ لِاتِّحَادِ الدَّارَيْنِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ لَا يَلْتَزِمُونَ أَحْكَامَنَا فِي الدِّيَانَاتِ وَفِيمَا يَعْتَقِدُونَ خِلَافَهُ فِي الْمُعَامَلَاتِ وَوِلَايَةُ الْإِلْزَامِ بِالسَّيْفِ وَالْمُحَاجَّةِ وَكُلُّ ذَلِكَ مُنْقَطِعٌ عَنْهُمْ بِاعْتِبَارِ عَقْدِ الذِّمَّةِ فَإِنَّا أُمِرْنَا بِتَرْكِهِمْ وَمَا يَدِينُونَ فَصَارُوا كَأَهْلِ الْحَرْبِ بِخِلَافِ الزِّنَا؛ لِأَنَّهُ حَرَامٌ فِي الْأَدْيَانِ كُلِّهَا وَالرِّبَا مُسْتَثْنًى مِنْ عُقُودِهِمْ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إلَّا مِنْ أَرْبَى فَلَيْسَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ عَهْدٌ» أُطْلِقَ فِي الذِّمِّيِّ فَشَمِلَ الْكِتَابِيَّ وَالْمَجُوسِيَّ وَأَرَادَ بِالْمَيْتَةِ كُلَّ مَا لَيْسَ بِمَالٍ كَالدَّمِ وَاخْتُلِفَ فِي قَوْلِهِ أَوْ بِغَيْرِ مَهْرٍ، فَقِيلَ الْمُرَادُ بِهِ مَا إذَا نَفَيَاهُ أَمَّا إذَا سَكَتَا عَنْهُ فَإِنَّهُ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا فَرْقَ عِنْدَهُ بَيْنَ نَفْيِهِ وَالسُّكُوتِ عَنْهُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ وُجُوبُ مَهْرِ الْمِثْلِ عِنْدَهُ إذَا سَكَتَا عَنْهُ مُخَالِفًا لِمَا فِي الْهِدَايَةِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ مُعَاوَضَةٌ فَمَا لَمْ يُنَصَّ عَلَى نَفْيِهِ يَكُونُ مُسْتَحِقًّا لَهَا وَالْوَاوُ فِي قَوْلِهِ وَذَا جَائِزٌ لِلْحَالِ وَقَوْلُهُ فَلَا مَهْرَ جَوَابُ الْمَسْأَلَةِ وَضُبِطَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ إلَّا مَنْ أَرْبَى أَنَّهُ حَرْفُ التَّنْبِيهِ لَا اسْتِثْنَاءٌ وَقَيَّدَ الْمُصَنِّفُ بِالْمَهْرِ؛ لِأَنَّ بَقِيَّةَ أَحْكَامِ النِّكَاحِ ثَابِتَةٌ فِي حَقِّهِمْ كَالْمُسْلِمِينَ مِنْ وُجُوبِ النَّفَقَةِ فِي النِّكَاحِ وَوُقُوعِ الطَّلَاقِ وَالْعِدَّةِ وَالتَّوَارُثِ بِالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ كَالنَّسَبِ وَثُبُوتِ خِيَارِ الْبُلُوغِ وَحُرْمَةِ نِكَاحِ الْمَحَارِمِ وَالْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَأَمَّا الْكَفَاءَةُ فَفِي الْخَانِيَّةِ أَنَّ الذِّمِّيَّةَ إذَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا رَجُلًا لَمْ يَكُنْ لِوَلِيِّهَا حَقُّ الْفَسْخِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَمْرًا ظَاهِرًا بِأَنْ زَوَّجَتْ بِنْتُ مَلِكِهِمْ أَوْ حَبْرِهِمْ نَفْسَهَا كَنَّاسًا أَوْ دَبَّاغًا مِنْهُمْ أَوْ نَقَصَتْ مِنْ مَهْرِهَا نُقْصَانًا فَاحِشًا كَانَ لِأَوْلِيَائِهَا أَنْ يُطَالِبُوهُ بِالتَّبْلِيغِ إلَى تَمَامِ مَهْرِ الْمِثْلِ أَوْ يَفْسَخُ اهـ. وَفَائِدَةُ عَدَمِ الْمَهْرِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّهُمَا لَوْ أَسْلَمَا أَوْ أَحَدُهُمَا أَوْ تَرَافَعَا أَوْ أَحَدُهُمَا إلَيْنَا لَا نَحْكُمُ بِهِ وَمَسْأَلَةُ خِطَابِ الْكُفَّارِ وَتَفَاصِيلُهَا أُصُولِيَّةٌ لَمْ تُذْكَرْ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ، وَإِنَّمَا هِيَ مُسْتَنْبَطَةٌ وَتَمَامُهُ فِي كِتَابِنَا الْمُسَمَّى بِلُبِّ الْأُصُولِ. (قَوْلُهُ وَلَوْ تَزَوَّجَ ذِمِّيٌّ ذِمِّيَّةً بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ عَيْنٍ فَأَسْلَمَا أَوْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا لَهَا الْخَمْرُ وَالْخِنْزِيرُ وَفِي غَيْرِ الْعَيْنِ لَهَا قِيمَةُ الْخَمْرِ وَمَهْرُ الْمِثْلِ فِي الْخِنْزِيرِ) بَيَانٌ لِمَا إذَا سَمَّيَا مَا هُوَ مَالٌ عِنْدَهُمْ وَلَيْسَ بِمَالٍ عِنْدَنَا وَحَاصِلُهُ أَنَّ التَّسْمِيَةَ صَحِيحَةٌ وَلَهَا الْمُسَمَّى فَإِنْ قَبَضَتْهُ صَحَّ وَإِنْ لَمْ تَقْبِضْهُ حَتَّى أَسْلَمَا أَوْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا فَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمُسَمَّى مُعَيَّنًا أَوْ غَيْرَ مُعَيَّنٍ وَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا فَلَيْسَ لَهَا إلَّا هُوَ قِيَمِيًّا كَانَ أَوْ مِثْلِيًّا وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُعَيَّنٍ فَلَهَا الْقِيمَةُ فِي الْمِثْلِيِّ وَمَهْرُ الْمِثْلِ فِي الْقِيَمِيِّ، وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ فِي الْوَجْهَيْنِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَهَا الْقِيمَةُ فِي الْوَجْهَيْنِ وَجْهُ قَوْلِهِمَا إنَّ الْقَبْضَ مُؤَكِّدٌ لِلْمِلْكِ فِي الْمَقْبُوضِ فَيَكُونُ لَهُ شَبَهٌ بِالْعَقْدِ فَيَمْتَنِعُ بِسَبَبِ الْإِسْلَامِ كَالْعَقْدِ وَصَارَ كَمَا إذَا كَانَا بِغَيْرِ أَعْيَانِهِمَا وَأَمَّا إذَا الْتَحَقَتْ حَالَةَ الْقَبْضِ بِحَالَةِ الْعَقْدِ فَأَبُو يُوسُفَ يَقُولُ لَوْ كَانَا مُسْلِمَيْنِ وَقْتَ الْعَقْدِ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ فَكَذَا هُنَا وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ صَحَّتْ التَّسْمِيَةُ لِكَوْنِ الْمُسَمَّى مَالًا عِنْدَهُمْ إلَّا أَنَّهُ امْتَنَعَ التَّسْلِيمُ لِلْإِسْلَامِ فَيَجِبُ الْقِيمَةُ كَمَا إذَا هَلَكَ الْعَبْدُ الْمُسَمَّى قَبْلَ الْقَبْضِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمِلْكَ فِي الصَّدَاقِ الْمُعَيَّنِ يَتِمُّ بِنَفْسِ الْعَقْدِ وَلِهَذَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيهِ وَبِالْقَبْضِ يَنْتَقِلُ مِنْ ضَمَانِ الزَّوْجِ إلَى ضَمَانِهَا وَذَلِكَ لَا يَمْتَنِعُ بِالْإِسْلَامِ كَاسْتِرْدَادِ الْخَمْرِ الْمَغْصُوبِ وَفِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ الْقَبْضُ مُوجِبٌ مِلْكَ الْعَيْنِ فَيَمْتَنِعُ بِالْإِسْلَامِ بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ مِلْكَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ) نَبَّهَ فِي الْهِدَايَةِ عَلَى أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ فِي الْمَيْتَةِ أَيْضًا، فَقَالَ: وَقَدْ قِيلَ فِي الْمَيْتَةِ وَالسُّكُوتُ رِوَايَتَانِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْكُلَّ عَلَى الْخِلَافِ وَجَعَلَ فِي الْفَتْحِ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ وُجُوبَ مَهْرِ الْمِثْلِ فِيهِمَا وَقَالَ وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ النِّكَاحَ مُعَاوَضَةٌ فَمَا لَمْ يُنَصَّ عَلَى نَفْيِ الْعِوَضِ يَكُونُ مُسْتَحَقًّا لَهَا وَالْمَيْتَةُ كَالسُّكُوتِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مَالًا عِنْدَهُمْ فَذِكْرُهَا لَغْوٌ وَصَحَّحَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الْكُلَّ عَلَى الْخِلَافِ وَهُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 201 التَّصَرُّفِ إنَّمَا يُسْتَفَادُ فِيهِ بِالْقَبْضِ وَإِذَا تَعَذَّرَ الْقَبْضُ فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ لَا تَجِبُ الْقِيمَةُ فِي الْخِنْزِيرِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ فَيَكُونُ أَخْذُ قِيمَتِهِ كَأَخْذِ عَيْنِهِ وَلَا كَذَلِكَ الْخَمْرُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ جَاءَ بِالْقِيمَةِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ تُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ فِي الْخِنْزِيرِ يَرُدُّونَ الْخَمْرَ وَلَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَمَنْ أَوْجَبَ مَهْرَ الْمِثْلِ أَوْجَبَ الْمُتْعَةَ وَمَنْ أَوْجَبَ الْقِيمَةَ أَوْجَبَ نِصْفَهَا وَفِي الْغَايَةِ وَيَرِدُ عَلَى هَذَا مَا لَوْ اشْتَرَى ذِمِّيٌّ دَارًا مِنْ ذِمِّيٍّ بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ وَشَفِيعُهَا مُسْلِمٌ يَأْخُذُ بِالشُّفْعَةِ بِقِيمَةِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ فَلَمْ تُجْعَلْ قِيمَةُ الْخِنْزِيرِ كَعَيْنِهِ وَلَمْ يَجِبْ عَنْهُ بِشَيْءٍ وَأَجَابَ عَنْهُ فِي التَّبْيِينِ أَنَّ قِيمَةَ الْخِنْزِيرِ إنَّمَا تَكُون كَعَيْنِهِ أَنْ لَوْ كَانَ بَدَلًا عَنْ الْخِنْزِيرِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ النِّكَاحِ أَمَّا لَوْ كَانَ بَدَلًا عَنْ غَيْرِهِ فَلَا وَفِي مَسْأَلَةِ الشُّفْعَةِ قِيمَةُ الْخِنْزِيرِ بَدَلٌ عَنْ الدَّارِ الْمَشْفُوعَةِ، وَإِنَّمَا صِيرَ إلَيْهَا لِلتَّقْدِيرِ بِهَا لَا غَيْرُ، فَلَا يَكُونُ لَهَا حُكْمُ عَيْنِهِ وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ لَهَا فِي الْمُعَيَّنِ الْمُسَمَّى أَنَّهُ لَوْ كَانَ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَإِنَّ لَهَا نِصْفَهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (بَابُ نِكَاحِ الرَّقِيقِ) ذَكَرَهُ بَعْدَ نِكَاحِ الْأَحْرَارِ الْمُسْلِمِينَ مُقَدَّمًا عَلَى نِكَاحِ الْكُفَّارِ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ فِيهِمْ غَالِبٌ، وَالرَّقِيقُ فِي اللُّغَةِ: الْعَبْدُ، وَيُقَالُ لِلْعَبِيدِ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا: الْمَمْلُوكُ مِنْ الْآدَمِيِّ لِأَنَّهُمْ قَالُوا: إنَّ الْكَافِرَ إذَا أُسِرَ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَهُوَ رَقِيقٌ لَا مَمْلُوكٌ وَإِذَا أُخْرِجَ فَهُوَ مَمْلُوكٌ أَيْضًا فَعَلَى هَذَا فَكُلُّ مَمْلُوكٍ مِنْ الْآدَمِيِّ رَقِيقٌ لَا عَكْسُهُ (قَوْلُهُ: لَمْ يَجُزْ نِكَاحُ الْعَبْدِ، وَالْأَمَةِ وَالْمُكَاتَبِ، وَالْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ إلَّا بِإِذْنِ السَّيِّدِ) أَيْ لَا يَنْفُذُ فَالْمُرَادُ بِعَدَمِ الْجَوَازِ عَدَمُ النَّفَاذِ لَا عَدَمُ الصِّحَّةِ بِقَرِينَةِ سَابِقِهِ فِي فَصْلِ الْوَكَالَةِ بِالنِّكَاحِ حَيْثُ صَرَّحَ بِأَنَّهُ مَوْقُوفٌ كَعَقْدِ الْفُضُولِيِّ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَيُّمَا عَبْدٍ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ فَهُوَ عَاهِرٌ» حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالْعَهْرُ الزِّنَا وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا وَطِئَ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ وَهُوَ زِنًا شَرْعِيٌّ لَا فِقْهِيٌّ فَلَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ وُجُوبُ الْحَدِّ لِأَنَّهُ مُتَرَتِّبٌ عَلَى الزِّنَا الْفِقْهِيِّ كَمَا سَيَأْتِي وَلِأَنَّ فِي تَنْفِيذِ نِكَاحِهِمَا تَعْيِيبُهُمَا إذْ النِّكَاحُ عَيْبٌ فِيهِمَا فَلَا يَمْلِكَانِهِ بِدُونِ إذْنِ مَوْلَاهُمَا وَكَذَلِكَ الْمُكَاتَبُ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ أَوْجَبَتْ فَكَّ الْحَجْرِ فِي حَقِّ الْكَسْبِ فَبَقِيَ فِي حَقِّ النِّكَاحِ عَلَى حُكْمِ الرِّقِّ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ الْمُكَاتَبُ تَزْوِيجَ عَبْدِهِ وَيَمْلِكُ تَزْوِيجَ أَمَتِهِ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الِاكْتِسَابِ وَكَذَا الْمُكَاتَبَةُ لَا تَمْلِكُ تَزْوِيجَ نَفْسِهَا بِدُونِ إذْنِ الْمَوْلَى وَتَمْلِكُ تَزْوِيجَ أَمَتِهَا لِمَا قُلْنَا وَكَذَا الْمُدَبَّرُ وَأُمُّ الْوَلَدِ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِمَا قَائِمٌ وَدَخَلَ فِي الْمُكَاتَبِ مُعْتَقُ الْبَعْضِ لَا يَجُوزُ نِكَاحُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ حُرٌّ مَدْيُونٌ وَدَخَلَ فِي أُمِّ الْوَلَدِ ابْنُهَا أَيْ ابْنُهَا مِنْ غَيْرِ مَوْلَاهَا كَمَا إذَا زَوَّجَ أُمَّ وَلَدِهِ مِنْ غَيْرِهِ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ مِنْ زَوْجِهَا فَحُكْمُهُ حُكْمُ أُمِّهِ وَأَمَّا وَلَدُهَا مِنْ مَوْلَاهَا فَحُرٌّ وَيُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِمْ ابْنُ أُمِّ الْوَلَدِ مِنْ غَيْرِ الْمَوْلَى كَأُمِّهِ مَسْأَلَةٌ ذَكَرَهَا فِي الْمَبْسُوطِ مِنْ بَابِ الِاسْتِيلَادِ لَوْ اشْتَرَى ابْنَ أُمِّ وَلَدٍ لَهُ مِنْ غَيْرِهِ بِأَنْ اسْتَوْلَدَ جَارِيَةً بِالنِّكَاحِ ثُمَّ فَارَقَهَا فَزَوَّجَهَا الْمَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ فَوَلَدَتْ ثُمَّ اشْتَرَى الْجَارِيَةَ مَعَ الْوَلَدَيْنِ فَالْجَارِيَةُ تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَوَلَدُهُ حُرٌّ وَوَلَدُهَا مِنْ غَيْرِهِ لَهُ بَيْعُهُ اهـ. إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهَا حِينَ وَلَدَتْهُ لَمْ تَكُنْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ فَلَا اسْتِثْنَاءَ. وَأَطْلَقَ فِي نِكَاحِهِ فَشَمِلَ مَا إذَا تَزَوَّجَ بِنَفْسِهِ وَمَا إذَا زَوَّجَهُ غَيْرُهُ وَقَيَّدَ بِالنِّكَاحِ لِأَنَّ التَّسَرِّيَ لِلْعَبْدِ وَالْمُكَاتَبِ، وَالْمُدَبَّرِ حَرَامٌ مُطْلَقًا كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَقَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَفِي مَسْأَلَةِ الشُّفْعَةِ إلَخْ) قَالَ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ وَلَك أَنْ تَقُولَ كَذَلِكَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ بَدَلٌ عَنْ الْبُضْعِ، وَإِنَّمَا صِيرَ إلَيْهِ لِلتَّقْدِيرِ بِهَا فَلْيُتَأَمَّلْ فَجَوَابُهُ يَظْهَرُ مِنْ تَقْرِيرِ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَالَ فِي النَّهْرِ وَأَقُولُ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا هُنَا بَدَلٌ عَنْ مَنَافِعِ الْبُضْعِ إذْ مَنَافِعُهُ إنَّمَا قُوبِلَتْ بِالْخِنْزِيرِ وَبِالْإِسْلَامِ تَعَذَّرَ أَخْذُ الْقِيمَةِ لِمَا مَرَّ فَصِيرَ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ. اهـ. قُلْتُ: وَاَلَّذِي قَرَّرَهُ قَاضِي خَانْ هُوَ قَوْلُهُ وَلِأَنَّ قِيمَةَ الْخِنْزِيرِ لَهَا حُكْمُ عَيْنِ الْخِنْزِيرِ وَلِهَذَا لَوْ أَتَاهَا بِقِيمَةِ الْخِنْزِيرِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ أُجْبِرَتْ عَلَى الْقَبُولِ فَكَانَ وُجُوبُ قِيمَةِ الْخِنْزِيرِ مِنْ مُوجِبَاتِ تِلْكَ التَّسْمِيَةِ وَالْإِسْلَامُ يُقَرِّرُ حُكْمَ التَّسْمِيَةِ فَإِنَّمَا يُسْتَوْفَى بَعْدَ الْإِسْلَامِ مَا لَيْسَ مِنْ مُوجِبَاتِ تِلْكَ التَّسْمِيَةِ وَهُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ أَمَّا قِيمَةُ الْخَمْرِ لَيْسَتْ مِنْ مُوجِبَاتِهَا فَتُسْتَوْفَى بَعْدَ الْإِسْلَامِ اهـ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ هَذَا التَّقْرِيرِ أَنَّ الْجَوَابَ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ إنَّ قِيمَةَ الْخِنْزِيرِ لَهَا حُكْمُ عَيْنِهِ وَإِنَّهَا مِنْ مُوجِبَاتِ التَّسْمِيَةِ فَفِيهِ مَنْعٌ لِكَوْنِ الْمَصِيرِ إلَيْهَا لِلتَّقْدِيرِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الشُّفْعَةِ فَإِنَّ الْقِيمَةَ فِيهَا لَيْسَتْ مِنْ مُوجِبَاتِ التَّسْمِيَةِ وَحِينَئِذٍ فَمَنَاطُ الْفَرْقِ هَذَا تَأَمَّلْ وَعَلَيْك بِالتَّأَمُّلِ فِي جَوَابِ النَّهْرِ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مُرَادَهُ وَارْجِعْ إلَى مَا مَرَّ فِي بَابِ الْعَاشِرِ آخِرَ الزَّكَاةِ عِنْدَ قَوْلِهِ عُشْرُ الْخَمْرِ لَا الْخِنْزِيرِ. [بَابُ نِكَاحِ الرَّقِيقِ] (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُمْ قَالُوا. . . إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: مُقْتَضَاهُ أَنَّ الْأَمَةَ لَوْ تَزَوَّجَتْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَتَوَقَّفُ نِكَاحُهَا بَلْ يَبْطُلُ لِأَنَّهُ لَا مُجِيزَ لَهُ آنَ وُقُوعِهِ وَلَمْ أَظْفَرْ بِهَا صَرِيحَةً فِي كَلَامِهِمْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 202 فَرْعٌ مُهِمٌّ لِلتُّجَّارِ رُبَّمَا يَدْفَعُ لِعَبْدِهِ جَارِيَةً لِيَتَسَرَّى بِهَا وَلَا يَجُوزُ لِلْعَبْدِ أَنْ يَتَسَرَّى أَصْلًا أَذِنَ لَهُ مَوْلَاهُ أَوْ لَمْ يَأْذَنْ لِأَنَّ حِلَّ الْوَطْءِ لَا يَثْبُتُ شَرَعَا إلَّا بِمِلْكِ الْيَمِينِ أَوْ عَقْدِ النِّكَاحِ وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ مِلْكُ يَمِينٍ فَانْحَصَرَ حِلُّ وَطْئِهِ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ اهـ. وَشَمِلَ السَّيِّدُ الشَّرِيكَيْنِ فَلَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْمُشْتَرَكِ إلَّا بِإِذْنِ الْكُلِّ لِمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ زَوَّجَ أَحَدُ الْمَوْلَيَيْنِ أَمَتَهُ وَدَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ فَلِلْآخَرِ النَّقْضُ فَإِنْ نَقَضَ فَلَهُ نِصْفُ مَهْرِ الْمِثْلِ وَلِلزَّوْجِ الْأَقَلُّ مِنْ نِصْفِ مَهْرِ الْمِثْلِ وَمِنْ نِصْفِ الْمُسَمَّى اهـ. وَشَمِلَ وَرَثَةَ سَيِّدِ الْمُكَاتَبِ لِمَا فِي التَّجْنِيسِ إذَا أَذِنَ الْوَرَثَةُ لِلْمُكَاتَبِ بِالنِّكَاحِ جَازَ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَمْلِكُوا رَقَبَتَهُ لِأَنَّهُ صَارَ كَالْحُرِّ وَلَكِنَّ الْوَلَاءَ لَهُمْ اهـ. وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ السَّيِّدَ هُنَا مَنْ لَهُ وِلَايَةُ تَزْوِيجِ الرَّقِيقِ وَلَوْ غَيْرَ مَالِكٍ لَهُ وَلِهَذَا كَانَ لِلْأَبِ، وَالْجَدِّ، وَالْقَاضِي، وَالْوَصِيِّ تَزْوِيجُ أَمَةِ الْيَتِيمِ وَلَيْسَ لَهُمْ تَزْوِيجُ الْعَبْدِ لِمَا فِيهِ مِنْ عَدَمِ الْمَصْلَحَةِ، وَمَلَكَ الْمُكَاتَبُ، وَالْمُفَاوِضُ تَزْوِيجَ الْأَمَةِ وَلَا يَمْلِكَانِ تَزْوِيجَ الْعَبْدِ لِمَا ذَكَرْنَا فَخَرَجَ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ، وَالْمُضَارِبُ وَشَرِيكُ الْعَنَانِ فَإِنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَ تَزْوِيجَ الْأَمَةِ أَيْضًا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: الْقَاضِي لَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَ أَمَةِ الْغَائِبِ وَقِنِّهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ وَيَمْلِكُ أَنْ يُكَاتِبَهُمَا وَأَنْ يَبِيعَهُمَا اهـ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ: الْوَصِيُّ لَوْ زَوَّجَ أَمَةَ الْيَتِيمِ مِنْ عَبْدِهِ لَا يَجُوزُ، وَالْأَبُ إذَا زَوَّجَ جَارِيَةَ ابْنِهِ مِنْ عَبْدِ ابْنِهِ جَازَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِزُفَرَ اهـ. وَهَذَا يُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِمْ: لَا يَجُوزُ لِلْأَبِ تَزْوِيجُ عَبْدِ الِابْنِ بِأَنْ يُقَالَ إلَّا مِنْ جَارِيَةِ الِابْنِ لَكِنْ فِي الْمَبْسُوطِ لَا يَجُوزُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَلَا اسْتِثْنَاءَ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ نِكَاحَ الْعَبْدِ حَالَةَ التَّوَقُّفِ سَبَبٌ لِلْحَالِ مُتَأَخِّرٌ حُكْمُهُ إلَى وَقْتِ الْإِجَازَةِ فَبِالْإِجَازَةِ ظَهَرَ الْحِلُّ مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ كَالْبَيْعِ الْمَوْقُوفِ سَبَبٌ لِلْحَالِ فَإِذَا زَالَ الْمَانِعُ مِنْ ثُبُوتِ الْحُكْمِ بِوُجُودِ الْإِجَازَةِ ظَهَرَ أَثَرُهُ مِنْ وَقْتِ وُجُودِهِ، وَقَدْ مَلَكَ الزَّوَائِدَ بِخِلَافِ تَفْوِيضِ الطَّلَاقِ الْمَوْقُوفِ لَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ إلَّا مِنْ وَقْتِ الْإِجَازَةِ وَلَا يَسْتَنِدُ لِأَنَّهُ مِمَّا يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ فَجَعَلَ الْمَوْجُودَ مِنْ الْفُضُولِيِّ مُتَعَلِّقًا بِالْإِجَازَةِ فَعِنْدَهَا يَثْبُتُ لِلْحَالِ بِخِلَافِ الْأَوَّلَيْنِ لِعَدَمِ صِحَّةِ تَعْلِيقِهِمَا وَهَذَا هُوَ الضَّابِطُ فِيمَا يَسْتَنِدُ وَمَا يَقْتَصِرُ مِنْ الْمَوْقُوفِ. (قَوْلُهُ: فَلَوْ نَكَحَ عَبْدٌ بِإِذْنِهِ بِيعَ فِي مَهْرِهَا) أَيْ بِإِذْنِ السَّيِّدِ لِأَنَّهُ دَيْنٌ وَجَبَ فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ لِوُجُودِ سَبَبِهِ مِنْ أَهْلِهِ، وَقَدْ ظَهَرَ فِي حَقِّ الْمَوْلَى لِصُدُورِ الْإِذْنِ مِنْ جِهَتِهِ فَيَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ دَفْعًا لِلْمَضَرَّةِ عَنْ أَصْحَابِ الدُّيُونِ كَمَا فِي دَيْنِ التِّجَارَةِ فَيُبَاعُ فِيهِ إلَّا إذَا فَدَاهُ الْمَوْلَى لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ دَفْعُ الْمَضَرَّةِ عَنْ صَاحِبِ الدَّيْنِ وَأَفَادَ الْمُصَنِّفُ بِاقْتِصَارِهِ عَلَى الْبَيْعِ الْمُنْصَرِفِ إلَى مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ أَنَّهُ لَوْ بِيعَ فَلَمْ يَفِ ثَمَنُهُ بِالْمَهْرِ لَا يُبَاعُ ثَانِيًا وَيُطَالَبُ بِالْبَاقِي بَعْدَ الْعِتْقِ وَفِي دَيْنِ النَّفَقَةِ يُبَاعُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى لِأَنَّهُ تَجِبُ شَيْئًا فَشَيْئًا وَفِي الْمَبْسُوطِ فَإِذَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ مِنْ النَّفَقَةِ مَا يَعْجِزُ عَنْ أَدَائِهِ يُبَاعُ فِيهِ ثُمَّ إذَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ مَرَّةً أُخْرَى يُبَاعُ فِيهِ أَيْضًا وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ دُيُونِ الْعَبْدِ مَا يُبَاعُ فِيهِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى إلَّا النَّفَقَةُ لِأَنَّهُ يَتَجَدَّدُ وُجُوبُهَا بِمُضِيِّ الزَّمَانِ وَذَلِكَ فِي حُكْمِ دَيْنٍ حَادِثٍ اهـ. وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ مَثَلًا مِائَتَانِ فَبِيعَ بِمِائَةٍ لَا يُبَاعُ ثَانِيًا لِلنَّفَقَةِ الْمُتَجَمِّدَةِ وَإِنَّمَا يُبَاعُ لِمَا سَيَأْتِي وَسَتَزْدَادُ وُضُوحًا فِي النَّفَقَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَعَلَّلَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ لِعَدَمِ تَكْرَارِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ السَّيِّدَ هُنَا. . . إلَخْ) هَذَا فِي الْأَمَةِ لَا الْعَبْدِ لِمَا فِي الدُّرَرِ اعْلَمْ أَنَّ مَنْ لَا يَمْلِكُ إعْتَاقَ الْعَبْدِ لَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَهُ بِخِلَافِ الْأَمَةِ فَالْأَبُ، وَالْجَدُّ، وَالْوَلِيُّ، وَالْقَاضِي، وَالْوَصِيُّ، وَالْمُكَاتَبُ، وَالشَّرِيكُ الْمُفَاوِضُ يَمْلِكُونَ تَزْوِيجَ الْأَمَةِ. . إلَخْ لَكِنَّ الصَّوَابَ حَذْفُ قَوْلِهِ " وَالْوَلِيُّ "، وَالِاقْتِصَارُ عَلَى غَيْرِهِ مِمَّا ذَكَرَهُ كَمَا فَعَلَ فِي مُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ إذْ لَيْسَ لِوَلِيٍّ غَيْرِ الْأَبِ، وَالْجَدِّ، وَالْوَصِيِّ، وَالْقَاضِي وِلَايَةٌ فِي التَّصَرُّفِ فِي مَالِ الصَّغِيرِ كَذَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة، وَفِي النَّهْرِ: وَلَمْ أَرَ حُكْمَ نِكَاحِ رَقِيقِ بَيْتِ الْمَالِ وَالرَّقِيقِ فِي الْغَنِيمَةِ الْمُحْرَزَةِ بِدَارِنَا قَبْلَ الْقِسْمَةِ، وَالْوَقْفُ إذَا كَانَ بِإِذْنِ الْإِمَامِ، وَالْمُتَوَلِّي وَيَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ فِي الْأَمَةِ دُونَ الْعَبْدِ كَالْوَصِيِّ ثُمَّ رَأَيْت فِي الْبَزَّازِيَّةِ لَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَ الْعَبْدِ إلَّا مَنْ يَمْلِكُ إعْتَاقَهُ اهـ. وَالِاسْتِشْهَادُ بِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَنَظِيرُهُ مَا مَرَّ فِي الدُّرَرِ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى قَوْلِهِ دُونَ الْعَبْدِ نَعَمْ تَخْرِيجُ الْجَوَازِ فِي الْأَمَةِ عَلَى الْوَصِيِّ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ: لَوْ زَوَّجَ أَمَةَ الْيَتِيمِ مِنْ عَبْدِهِ) أَيْ عَبْدِ الْيَتِيمِ (قَوْلُهُ: وَهَذَا يُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِمْ. . . إلَخْ) وَكَذَا يُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِمْ مَنْ لَا يَمْلِكُ إعْتَاقَ الْعَبْدِ لَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَهُ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ اجْتَمَعَ. . إلَخْ) وَحِينَئِذٍ فَقَدْ سَاوَتْ النَّفَقَةُ الْمَهْرَ فِي أَنَّهُ لَا يُبَاعُ مَرَّةً ثَانِيَةً لِتَكْمِيلِ مَا بِيعَ لَهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَافْتَرَقَا فِي أَنَّهُ يُبَاعُ لِمَا سَيَأْتِي أَيْ مَا يَحْدُثُ مِنْ النَّفَقَةِ بَعْدَ الْبَيْعِ وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ أَنَّهُ لَوْ لَزِمَهُ مَهْرٌ آخَرُ عِنْدَ السَّيِّدِ الثَّانِي كَمَا إذَا طَلَّقَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بِيعَ ثَانِيًا فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَهْرِ، وَالنَّفَقَةِ إلَّا بِاعْتِبَارِ أَنَّ النَّفَقَةَ تَتَجَدَّدُ عِنْدَ السَّيِّدِ الثَّانِي وَلَا بُدَّ بِخِلَافِ الْمَهْرِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ النَّفَقَةَ الَّتِي حَدَثَتْ عِنْدَ الثَّانِي سَبَبُهَا مُتَحَقِّقٌ عِنْدَ السَّيِّدِ الْأَوَّلِ فَتَكَرَّرَ بَيْعُهُ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ بِخِلَافِ بَيْعِهِ فِي مَهْرٍ ثَانٍ حَدَثَ عِنْدَ الثَّانِي فَإِنَّ هَذَا مُسَبَّبٌ عَنْ عَقْدٍ مُسْتَقِلٍّ حَتَّى تَوَقَّفَ عَلَى إذْنِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 203 بَيْعِهِ فِي الْمَهْرِ بِأَنَّهُ بِيعَ فِي جَمِيعِ الْمَهْرِ فَيُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ بِيعَ فِي مَهْرِهَا الْمُعَجَّلِ ثُمَّ حَلَّ الْأَجَلُ يُبَاعُ مَرَّةً أُخْرَى لِأَنَّهُ إنَّمَا بِيعَ فِي بَعْضِهِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ فِي الْمَأْذُونِ الْمَدْيُونِ أَنَّهُ يُبَاعُ لِأَجْلِ الدَّيْنِ الْقَلِيلِ فَكَذَلِكَ يُبَاعُ لِأَجْلِ الْمَهْرِ الْقَلِيلِ حَيْثُ لَمْ يَفْدِهِ وَأَشَارَ بِالْبَيْعِ إلَى أَنَّهُ لَوْ مَاتَ الْعَبْدُ سَقَطَ الْمَهْرُ، وَالنَّفَقَةُ ذَكَرَهُ التُّمُرْتَاشِيُّ وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا دَخَلَ الْعَبْدُ بِهَا أَوَّلًا وَقَيَّدَ بِالْإِذْنِ لِأَنَّهُ لَوْ نَكَحَ بِغَيْرِ إذْنٍ فَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ فَلَا حُكْمَ لَهُ، وَإِنْ دَخَلَ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا الْمَوْلَى بَعْدَهُ أَوْ يُجِيزَ النِّكَاحَ فَإِنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَلَا مَهْرَ لَهَا عَلَيْهِ حَتَّى يَعْتِقَ لِأَنَّهُ دَيْنٌ لَمْ يَظْهَرْ فِي حَقِّ الْمَوْلَى فَصَارَ كَدَيْنٍ أَقَرَّ بِهِ الْعَبْدُ، وَإِنْ أَجَازَهُ الْمَوْلَى بَعْدَهُ فَالْقِيَاسُ أَنْ يَجِبَ مَهْرَانِ مَهْرٌ بِالدُّخُولِ وَمَهْرٌ بِالْإِجَازَةِ كَمَا فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ إذَا جَدَّدَهُ صَحِيحًا وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا الْمُسَمَّى لِأَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ لَوْ وَجَبَ لَوَجَبَ بِاعْتِبَارِ الْعَقْدِ وَحِينَئِذٍ يَجِبُ بِعَقْدٍ وَاحِدٍ مَهْرَانِ وَأَنَّهُ مُمْتَنِعٌ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ وَدَلَّ كَلَامُهُ أَنَّ السَّيِّدَ لَوْ زَوَّجَهُ بِنَفْسِهِ فَإِنَّهُ يُبَاعُ بِالْأَوْلَى وَفِي الْقِنْيَةِ بَاعَ عَبْدَهُ بَعْدَمَا زَوَّجَهُ امْرَأَةً فَالْمَهْرُ فِي رَقَبَةِ الْغُلَامِ يَدُورُ مَعَهُ أَيْنَمَا دَارَ هُوَ الصَّحِيحُ كَدَيْنِ الِاسْتِهْلَاكِ وَقِيلَ الْمَهْرُ فِي الثَّمَنِ اهـ. وَكُلٌّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ مُشْكِلٌ لِأَنَّهُمْ جَعَلُوا الْمَهْرَ كَدَيْنِ التِّجَارَةِ، وَقَدْ نَقَلُوا فِي بَابِ الْمَأْذُونِ أَنَّ السَّيِّدَ إذَا بَاعَ الْمَدْيُونَ بِغَيْرِ رِضَا أَصْحَابِ الدُّيُونِ رَدُّوا الْبَيْعَ وَأَخَذُوهُ، وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي عَيَّبَ الْعَبْدَ فَهُمْ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءُوا ضَمَّنُوا السَّيِّدَ قِيمَتَهُ أَوْ ضَمَّنُوا الْمُشْتَرِيَ قِيمَتَهُ أَوْ أَجَازُوا الْبَيْعَ وَأَخَذُوا الثَّمَنَ فَكَذَلِكَ هُنَا وَلَيْسَ دَيْنُ الِاسْتِهْلَاكِ مُخَالِفًا لِدَيْنِ التِّجَارَةِ فَإِنَّهُ يُبَاعُ فِي الْكُلِّ وَفِي الْقُنْيَةِ أَيْضًا: زَوَّجَ عَبْدَهُ حُرَّةً ثُمَّ أَعْتَقَهُ تَخَيَّرَ فِي تَضْمِينِ الْمَوْلَى أَوْ الْعَبْدِ ثُمَّ رَقَّمَ آخَرُ أَنَّ الْمَوْلَى يَضْمَنُ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ مَهْرِهَا اهـ. وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ زَوَّجَ عَبْدَهُ امْرَأَةً بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ثُمَّ بَاعَهُ مِنْهَا بِتِسْعِمِائَةِ دِرْهَمٍ بَعْدَمَا دَخَلَ الْعَبْدُ بِهَا فَإِنَّهَا تَأْخُذُ التِّسْعَمِائَةِ بِمَهْرِهَا وَيَبْطُلُ النِّكَاحُ وَلَا تَرْجِعُ الْمَرْأَةُ بِالْمِائَةِ الْبَاقِيَةِ عَلَى الْعَبْدِ، وَإِنْ عَتَقَ وَلَوْ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ لِرَجُلٍ آخَرَ دَيْنٌ أَلْفِ دِرْهَمٍ فَأَجَازَ الْغَرِيمُ بَيْعَ الْعَبْدِ مِنْ الْمَرْأَةِ كَانَ التِّسْعُمِائَةِ بَيْنَ الْغَرِيمِ، وَالْمَرْأَةِ يَضْرِبُ الْغَرِيمُ فِيهَا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، وَالْمَرْأَةُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَلَا تَتْبَعُهُ الْمَرْأَةُ بَعْدَ ذَلِكَ وَيَتْبَعُهُ الْغَرِيمُ بِمَا بَقِيَ مِنْ دَيْنِهِ إذَا عَتَقَ اهـ. وَاعْلَمْ أَنَّهُمْ قَالُوا فِي كِتَابِ الْمَأْذُونِ لَوْ أَعْتَقَ الْمَوْلَى الْمَدْيُونَ خَيَّرَ الْغَرِيمَ بَيْنَ تَضْمِينِ الْمَوْلَى الْقِيمَةَ أَوْ اتِّبَاعِ الْعَبْدِ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْإِعْتَاقِ بِإِذْنِ الْغَرِيمِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَلَوْ دَبَّرَهُ فَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمَوْلَى قِيمَتَهُ، وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى الْعَبْدُ فِي جَمِيعِ دَيْنِهِ وَلَوْ بَاعَهُ فَقَدْ كَتَبْنَاهُ وَلَوْ وَهَبَهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْغَرِيمِ فَلَهُ نَقْضُهَا وَبِإِذْنِهِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ وَعَلَى رِوَايَةِ الْجَوَازِ فَلِلْغَرِيمِ بَيْعُهُ وَأَخْذُهُ مِنْ الْمَوْهُوبِ لَهُ لِأَنَّهُ انْتَقَلَ إلَيْهِ بِدَيْنِهِ وَلَوْ كَانَ دَيْنُ الْعَبْدِ مُؤَجَّلًا فَبَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ مَوْلَاهُ جَازَ فَإِذَا حَلَّ ضَمِنَ الْمَوْلَى قِيمَتَهُ فَإِذَا رَهَنَهُ أَوْ أَجَّرَهُ قَبْلَ حُلُولِهِ جَازَ فَإِذَا حَلَّ ضَمِنَ الْمَوْلَى قِيمَتَهُ فِي الرَّهْنِ دُونَ الْإِجَارَةِ وَلِلْغَرِيمِ فَسْخُهَا وَلِلْقَاضِي بَيْعُ الْمَدْيُونِ لِلْوَفَاءِ إذَا امْتَنَعَ سَيِّدُهُ لَكِنْ بِحَضْرَتِهِ فَإِنْ أَرَادَ الْمَوْلَى أَنْ يُؤَدِّيَ قَدْرَ ثَمَنِهِ فَلَهُ ذَلِكَ وَلَا يُبَاعُ الْكُلُّ مِنْ الْمُحِيطِ وَحَيْثُ عَلِمْت أَنَّ الْمَهْرَ كَدَيْنِ التِّجَارَةِ فَهَذِهِ الْأَحْكَامُ أَيْضًا لِلْمَهْرِ وَذَكَرَ الْحَاكِمُ فِي الْكَافِي أَنَّ الْعَبْدَ الْمَأْذُونَ الْمَدْيُونَ لِلْغَرِيمِ مَنَعَ الْمَوْلَى مِنْ اسْتِخْدَامِهِ وَرَهْنِهِ وَإِجَارَتِهِ، وَالسَّفَرِ بِهِ إذَا كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا، وَإِنْ كَانَ مُؤَجَّلًا فَلَهُ ذَلِكَ قَبْلَ حُلُولِهِ اهـ. وَمُقْتَضَاهُ ثُبُوتُ هَذِهِ الْأَحْكَامِ أَيْضًا فِي الْعَبْدِ الْمَدْيُونِ بِمَهْرِ امْرَأَتِهِ فَإِنْ كَانَ الْمَهْرُ حَالًّا لَا يَجُوزُ لِلْمَوْلَى وَإِلَّا جَازَ وَفِي الْكَافِي إذَا بِيعَ فِي الدَّيْنِ فَاشْتَرَاهُ الْمَوْلَى وَدَفَعَ الثَّمَنَ لِلْغُرَمَاءِ وَلَمْ يُوَفِّهِمْ ثُمَّ أَذِنَ لَهُ مَوْلَاهُ فِي التِّجَارَةِ فَلَحِقَهُ دَيْنٌ يُبَاعُ وَيَشْتَرِكُ فِيهِ الْأَوَّلُونَ فِيمَا بَقِيَ لَهُمْ، وَالْآخَرُونَ وَمُقْتَضَاهُ لَوْ بِيعَ فِي مَهْرِهَا فَاشْتَرَاهُ الْمَوْلَى فَلَمْ يُوفِ ثُمَّ وَجَبَ بَيْعُهُ لِلنَّفَقَةِ أَنْ تَأْخُذَ الْمَرْأَةُ مَا بَقِيَ لَهَا مِنْ الْمَهْرِ مَعَ النَّفَقَةِ وَكُلُّ هَذِهِ مِنْ بَابِ التَّخْرِيجِ وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ قَالَ الْمَوْلَى: لَا أَرْضَى وَلَا أُجِيزُ كَانَ رَدًّا فَلَوْ قَالَ لَا أَرْضَى وَلَكِنْ رَضِيت مُتَّصِلًا جَازَ اسْتِحْسَانًا اهـ. وَأَشَارَ بِالْبَيْعِ إلَى   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: فَيُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ بِيعَ. . إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّ هَذِهِ الْإِفَادَةَ غَيْرُ مُرَادَةٍ وَكَيْفَ يُبَاعُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَلَمْ يَتَجَدَّدْ سَبَبٌ آخَرُ يَقْتَضِي بَيْعَهُ وَهُوَ فِي يَدِهِ حَتَّى يَكُونَ فِي حُكْمِ دَيْنٍ حَادِثٍ وَحُلُولُ الْأَجَلِ لَيْسَ بِمَعْنَى تَجَدُّدِ وُجُوبِ الدَّيْنِ بَلْ الْمَهْرُ كُلُّهُ دَيْنٌ وَاحِدٌ، وَلِذَا قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ دُيُونِ الْعَبْدِ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ: حَيْثُ لَمْ يَفْدِهِ) أَيْ سَيِّدُهُ وَهُوَ مُضَارِعُ فَدَاهُ (قَوْلُهُ: سَقَطَ الْمَهْرُ، وَالنَّفَقَةُ) سَيَأْتِي فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَلَوْ زَوَّجَ عَبْدًا مَأْذُونًا أَنَّهُ مَحْمُولٌ فِي حَقِّ الْمَهْرِ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ أَوْ مَأْذُونًا لَمْ يَتْرُكْ كَسْبًا وَإِلَّا أَخَذَ مِمَّا تَرَكَهُ مِنْ كَسْبِهِ (قَوْلُهُ: فَكَذَلِكَ هَا هُنَا) نُقِلَ فِي مِنَحِ الْغَفَّارِ عَنْ جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى مَا يُؤَيِّدُهُ حَيْثُ قَالَ: رَجُلٌ زَوَّجَ غُلَامَهُ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَبِيعَهُ بِدُونِ رِضَا الْمَرْأَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَرْأَةِ عَلَى الْعَبْدِ مَهْرٌ فَلِلْمَوْلَى أَنْ يَبِيعَهُ بِدُونِ رِضَاهَا فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ الْمَهْرُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 204 أَنَّ مُسْتَحِقَّ الْمَهْرِ غَيْرُ سَيِّدِهِ فَلَوْ زَوَّجَ أَمَتَهُ مِنْ عَبْدِهِ اخْتَلَفُوا فَقِيلَ يَجِبُ الْمَهْرُ ثُمَّ يَسْقُطُ لِأَنَّ وُجُوبَهُ حَقُّ الشَّرْعِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا يَجِبُ وَهَذَا أَصَحُّ لِأَنَّ الْوُجُوبَ، وَإِنْ كَانَ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى فَإِنَّمَا يَجِبُ لِلْمَوْلَى وَلَوْ جَازَ وُجُوبُهُ لِلْمَوْلَى سَاعَةً لَجَازَ وُجُوبُهُ أَكْثَرَ مِنْ سَاعَةٍ كَذَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ ثَمَرَةً لِهَذَا الِاخْتِلَافِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّهَا تَظْهَرُ فِيمَا لَوْ زَوَّجَ الْأَبُ أَمَةَ الصَّغِيرِ مِنْ عَبْدِهِ فَعَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ يَجِبُ ثُمَّ يَسْقُطُ قَالَ بِالصِّحَّةِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمَنْ قَالَ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ أَصْلًا بِعَدَمِهَا، وَهُوَ قَوْلُهُ: أَمَا وَقَدْ جَزَمَ بِعَدَمِهَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ مِنْ الْمَأْذُونِ مُعَلِّلًا بِأَنَّهُ نِكَاحٌ لِلْأَمَةِ بِغَيْرِ مَهْرٍ لِعَدَمِ وُجُوبِهِ عَلَى الْعَبْدِ فِي كَسْبِهِ لِلْحَالِ فَلَوْ اخْتَلَفَتْ الْمَرْأَةُ، وَالْعَبْدُ فِي الْإِذْنِ وَعَدَمِهِ قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ عَبْدٌ تَزَوَّجَ حُرَّةً ثُمَّ قَالَ الْعَبْدُ: لَمْ يَأْذَنْ لِي الْمَوْلَى، وَقَدْ نَقَضَ النِّكَاحُ هُوَ وَقَالَتْ الْمَرْأَةُ قَدْ أَذِنَ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا لِإِقْرَارِهِ أَنَّ النِّكَاحَ فَاسِدٌ فَيَلْزَمُهُ كَمَالُ الْمَهْرِ إنْ كَانَ قَدْ دَخَلَ بِهَا وَيُنَصَّفُ الْمَهْرُ إنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَلَهَا نَفَقَةُ الْعِدَّةِ اهـ. وَيَنْبَغِي أَنَّ الْمَوْلَى إنْ صَدَّقَهَا فَالْمَهْرُ فِي رَقَبَتِهِ كُلًّا وَنِصْفًا وَإِلَّا فَفِي ذِمَّتِهِ وَلَوْ تَزَوَّجَ عَبْدٌ حُرَّتَيْنِ ثُمَّ دَخَلَ بِإِحْدَاهُمَا ثُمَّ تَزَوَّجَ أَمَةً ثُمَّ أَمَةً فَأَجَازَ الْمَوْلَى نِكَاحَهُنَّ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَجُوزُ نِكَاحُ الْحُرَّتَيْنِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَةً فِي عِدَّةِ حُرَّةٍ وَقَالَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْأَمَةِ الْأَخِيرَةِ لِأَنَّ عِنْدَهُمَا لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْأَمَةَ فِي عِدَّةِ الْحُرَّةِ لَوْ تَزَوَّجَ أَمَتَيْنِ فِي عُقْدَةٍ وَدَخَلَ بِإِحْدَاهُمَا ثُمَّ تَزَوَّجَ حُرَّتَيْنِ فِي عُقْدَةٍ وَدَخَلَ بِإِحْدَاهُمَا ثُمَّ أَجَازَ الْمَوْلَى نِكَاحَ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ لَمْ يَجُزْ نِكَاحُ شَيْءٍ مِنْهُنَّ وَلَوْ تَزَوَّجَ حُرَّةً وَأَمَةً ثُمَّ حُرَّةً وَأَمَةً فَأَجَازَ الْمَوْلَى الْكُلَّ جَازَ نِكَاحُ الْحُرَّتَيْنِ، وَإِنْ دَخَلَ بِهِنَّ فَنِكَاحُهُنَّ فَاسِدٌ الْكُلُّ مِنْ الظَّهِيرِيَّةِ وَلَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ مَهْرَ الْأَمَةِ وَفِي الْبَدَائِعِ ثُمَّ كُلُّ مَا وَجَبَ مِنْ مَهْرِ الْأَمَةِ فَهُوَ لِلْمَوْلَى سَوَاءٌ وَجَبَ بِالْعَقْدِ أَوْ بِالدُّخُولِ وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَهْرُ مُسَمًّى أَوْ مَهْرُ الْمِثْلِ وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْأَمَةُ قِنَّةً أَوْ مُدَبَّرَةً أَوْ أُمَّ وَلَدٍ إلَّا الْمُكَاتَبَةُ، وَالْمُعْتَقُ بَعْضُهَا فَإِنَّ الْمَهْرَ لَهَا اهـ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إنَّ مَهْرَ الْأَمَةِ يَثْبُتُ لَهَا ثُمَّ يَنْتَقِلُ إلَى الْمَوْلَى حَتَّى لَوْ كَانَ عَلَيْهَا دَيْنٌ قُضِيَ مِنْ الْمَهْرِ اهـ. وَفِي الْقُنْيَةِ: اشْتَرَى جَارِيَةً تَحْتَ زَوْجٍ قَبْلَ الدُّخُولِ ثُمَّ دَخَلَ بِهَا فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَالْمَهْرُ لِلْبَائِعِ وَفِي الْمُحِيطِ مُسْلِمٌ أَذِنَ لِعَبْدِهِ النَّصْرَانِيِّ فِي التَّزَوُّجِ فَأَقَامَتْ الْمَرْأَةُ شُهُودًا نَصَارَى أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا تُقْبَلُ لِأَنَّ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ نَصْرَانِيٌّ وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ مُسْلِمًا، وَالْمَوْلَى نَصْرَانِيًّا لَا تُقْبَلُ لِمَا عُرِفَ اهـ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ رَجُلَانِ شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ آخَرَ أَنَّهُ أَعْتَقَ جَارِيَتَهُ هَذِهِ وَهُوَ يَجْحَدُ فَقَضَى الْقَاضِي بِالْعِتْقِ ثُمَّ رَجَعَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا أَحَدُهُمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ تَزَوَّجَتْ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِالْقِيمَةِ عَلَيْهِمَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَبَعْدَ الْقَضَاءِ جَازَ نِكَاحُهُ اهـ. كَأَنَّهُ لِمَا فِي زَعْمِ الشَّاهِدِ أَنَّهَا أَمَةٌ فَلَمْ يَجُزْ نِكَاحُهُ وَبَعْدَ الْقَضَاءِ خَرَجَتْ عَنْ مِلْكِ صَاحِبِهَا لِأَخْذِهِ الْعِوَضَ فَجَازَ نِكَاحُهُ وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: تَزَوَّجْ عَلَى رَقَبَتِك فَتَزَوَّجَ عَلَى رَقَبَتِهِ أَمَةً أَوْ مُدَبَّرَةً أَوْ أُمَّ وَلَدٍ أَذِنَ مَوْلَاهَا جَازَ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِي رَقَبَتِهِ يَثْبُتُ لِمَوْلَاهَا فَلَا يَمْنَعُ الْجَوَازَ وَلَوْ تَزَوَّجَ حُرَّةً أَوْ مُكَاتَبَةً فَالنِّكَاحُ فَاسِدٌ لِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِلْمَنْكُوحَةِ فِي رَقَبَتِهِ مُقَارِنًا لِلْعَقْدِ وَأَنَّهُ مُفْسِدٌ لَهُ إذَا طَرَأَ فَإِذَا قَارَنَ أَوْلَى أَنْ يُمْنَعَ جَوَازُهُ فَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ مُكَاتَبًا أَوْ مُدَبَّرًا صَحَّ النِّكَاحُ لِأَنَّهُمَا لَا يَحْتَمِلَانِ النَّقْلَ مِنْ مِلْكِ مَوْلَاهُمَا وَيَكُونُ الْمَهْرُ الْقِيمَةَ   [منحة الخالق] بِدُونِ رِضَا الْمَرْأَةِ وَهَذَا كَمَا قُلْنَا فِي الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ الْمَدْيُونِ إذَا بَاعَهُ بِدُونِ رِضَا الْغُرَمَاءِ فَلَوْ أَرَادَ الْغَرِيمُ الْفَسْخَ فَلَهُ أَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ كَذَلِكَ هَاهُنَا إذَا كَانَ عَلَيْهِ الْمَهْرُ لِأَنَّ الْمَهْرَ دَيْنٌ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ ثَمَرَةً لِهَذَا الِاخْتِلَافِ) قَالَ فِي الرَّمْزِ، وَفِي الْفَتْحِ: مَهْرُ الْأَمَةِ يَثْبُتُ لَهَا ثُمَّ يَنْتَقِلُ إلَى الْمَوْلَى حَتَّى لَوْ كَانَ عَلَيْهَا دَيْنٌ قُضِيَ مِنْهُ اهـ. أَقُولُ:: يَنْبَغِي أَنْ يَظْهَرَ بِهَذَا ثَمَرَةُ الْخِلَافِ فِي الْقَوْلِ بِوُجُوبِهِ لَوْ زَوَّجَ عَبْدَهُ أَمَتَهُ وَيَتَرَجَّحُ هَذَا فَلِذَا قَالَ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ الْأَصَحُّ الْوُجُوبُ اهـ. لَكِنْ فِي النَّهْرِ: قَالَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ الْخِلَافِ مَا إذَا لَمْ تَكُنْ الْأَمَةُ مَأْذُونَةً مَدْيُونَةً فَإِنْ كَانَتْ بِيعَ أَيْضًا ثُمَّ اسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِعِبَارَةِ الْفَتْحِ ثُمَّ نُقِلَ عَنْ الْمُحِيطِ ارْتَدَّتْ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ قَبَّلَتْ ابْنَ زَوْجِهَا قِيلَ لَا يَسْقُطُ لِأَنَّ الْحَقَّ لِلْمَوْلَى وَقِيلَ يَسْقُطُ لِأَنَّهُ يَجِبُ لَهَا ثُمَّ يَنْتَقِلُ إلَى الْمَوْلَى إذَا فَرَغَ مِنْ حَاجَتِهَا حَتَّى لَوْ كَانَ عَلَيْهَا دَيْنٌ يُصْرَفُ إلَى حَاجَتِهَا اهـ. وَالْأَظْهَرُ مَا فِي الرَّمْزِ لِأَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْفَتْحِ، وَالْمُحِيطِ أَنَّ الصَّرْفَ إلَى حَاجَتِهَا مُفَرَّعٌ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَثْبُتُ لَهَا لَا عَلَى الْقَوْلَيْنِ، وَقَدْ يُقَالُ الْأَظْهَرُ مَا فِي النَّهْرِ لِأَنَّ الْخِلَافَ فِي مَسْأَلَةِ الْمُحِيطِ فِيمَا إذَا زَوَّجَ أَمَتَهُ غَيْرَ عَبْدِهِ، وَالْخِلَافُ فِي مَسْأَلَتِنَا فِيمَا إذَا زَوَّجَهَا عَبْدَهُ وَحَاصِلُ الْخِلَافِ فِيهَا أَنَّهُ هَلْ يَجِبُ لِلْمَوْلَى ثُمَّ يَسْقُطُ أَمْ لَا يَجِبُ أَصْلًا؟ فَالثَّمَرَةُ إنَّمَا تَظْهَرُ فِي الْخِلَافِ فِي الْأُولَى لِأَنَّ مَنْ قَالَ: الْحَقُّ لِلْمَوْلَى لَا يَقُولُ بِالصَّرْفِ إلَى حَاجَتِهَا، وَمَنْ قَالَ الْحَقُّ لَهُ مُتَنَقِّلًا عَنْهَا يَقُولُ بِالصَّرْفِ أَمَّا فِي مَسْأَلَتِنَا فَلَا تَظْهَرُ الثَّمَرَةُ فَقَوْلُ النَّهْرِ يَنْبَغِي. . . إلَخْ تَقْيِيدٌ لِلْقَوْلَيْنِ فِيهَا لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا مَحْذُورَ فِي وُجُوبِهِ لَهَا لِأَنَّ مَنْ قَالَ بِسُقُوطِهِ بَعْدَ وُجُوبِهِ يَدَّعِي عَدَمَ الْفَائِدَةِ فِي بَقَائِهِ، وَمَنْ قَالَ بِعَدَمِ وُجُوبِهِ أَصْلًا يَدَّعِي أَنَّ عَدَمَ بَقَائِهِ دَلِيلُ عَدَمِ وُجُوبِهِ تَأَمَّلْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 205 اهـ. وَفِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ وَلَوْ خَالَعَ عَلَى رَقَبَتِهَا فَإِنْ كَانَ حُرًّا لَا يَصِحُّ لِقِرَانِ الْمُنَافِي وَتَبَيَّنَ لِأَنَّ الْمَالَ زَائِدٌ فَكَانَ أَوْلَى بِالرَّدِّ مِنْ الطَّلَاقِ، وَكَذَا الْقِنَّةُ لَوْ طَلَّقَهَا عَلَى رَقَبَتِهَا وَتَقَعُ رَجْعِيَّةٌ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ وَلَوْ كَانَ رَقِيقًا صَحَّ بِالْمُسَمَّى لِمَا مَرَّ وَلَمْ أَرَ حُكْمَ إذْنِ الْمَوْلَى السَّفِيهِ عَبْدَهُ بِالتَّزَوُّجِ عَلَى قَوْلِهِمَا مِنْ الْحَجْرِ عَلَيْهِ، وَقَدْ عَلَّلَ فِي الْهِدَايَةِ لِصِحَّةِ نِكَاحِ السَّفِيهِ بِأَنَّهُ مِنْ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ نِكَاحَ عَبْدِهِ، وَإِنْ قُلْنَا بِصِحَّتِهِ لِأَنَّهُ تَحْصِينٌ لِلْعَبْدِ فَيَجِبُ أَنْ لَا يَلْزَمَ فِي مَهْرِهِ مَا زَادَ عَلَى مَهْرِ مِثْلِهَا لِأَنَّهُ حُكْمُ نِكَاحِ الْمَوْلَى السَّفِيهِ فَعَبْدُهُ الْأَوْلَى. (قَوْلُهُ: وَسَعَى الْمُدَبَّرُ، وَالْمُكَاتَبُ) أَيْ فِي الْمَهْرِ وَلَمْ يُبَاعَا فِيهِ لِأَنَّهُمَا لَا يَقْبَلَانِهِ مَعَ بَقَائِهِمَا فَيُؤَدَّى مِنْ كَسْبِهِمَا لَا مِنْ أَنْفُسِهِمَا وَكَذَا مُعْتَقُ الْبَعْضِ وَابْنُ أُمِّ الْوَلَدِ قَيَّدْنَا بِكَوْنِهِ مَعَ بَقَائِهِمَا لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ إذَا عَجَزَ وَرُدَّ فِي الرِّقِّ صَارَ الْمَهْرُ فِي رَقَبَتِهِ يُبَاعُ فِيهِ إلَّا إذَا أَدَّى الْمَهْرَ مَوْلَاهُ وَاسْتَخْلَصَهُ كَمَا فِي الْقِنِّ وَقِيَاسُهُ أَنَّ الْمُدَبَّرَ إذَا عَادَ إلَى الرِّقِّ بِحُكْمِ الشَّافِعِيِّ بِبَيْعِهِ أَنَّهُ يَصِيرُ الْمَهْرُ فِي رَقَبَتِهِ أَيْضًا قَيَّدَ بِإِذْنِ الْمَوْلَى لِأَنَّ الْمُدَبَّرَ، وَالْمُكَاتَبَ إذَا تَزَوَّجَا بِغَيْرِ إذْنٍ فَحُكْمُهُمَا كَالْقِنِّ إنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا حُكْمَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ وَلَمْ يُجِزْ الْمَوْلَى تَأَخَّرَ إلَى مَا بَعْدَ الْعِتْقِ، وَإِنْ كَانَتْ جِنَايَةُ الْمُكَاتَبِ فِي كَسْبِهِ لِلْحَالِ لِأَنَّ الْمَهْرَ حُكْمُ الْعَقْدِ وَهُوَ قَوْلٌ لَا فِعْلٌ، وَإِنْ أَجَازَ الْمَوْلَى فَكَمَا إذَا أَجَازَ قَبْلَهُ فَيَسْعَيَانِ فِيهِ وَفِي الْقُنْيَةِ: زَوَّجَ مُدَبَّرَهُ امْرَأَةً ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى فَالْمَهْرُ فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ يُؤْخَذُ بِهِ إذَا عَتَقَ اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ حُكْمَهُ السِّعَايَةُ قَبْلَ الْعِتْقِ لَا التَّأَخُّرُ إلَى مَا بَعْدَ الْعِتْقِ وَحَاصِلُ مَسْأَلَةِ مَهْرِ الرَّقِيقِ أَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى وَكُلٌّ مِنْهُمَا إمَّا بِإِذْنِ الْمَوْلَى أَوْ لَا وَكُلٌّ مِنْ الْأَرْبَعَةِ إمَّا قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ وَكُلٌّ مِنْ الثَّمَانِيَةِ إمَّا أَنْ يَقْبَلَ الْبَيْعَ أَوْ لَا فَهِيَ سِتَّةَ عَشَرَ. (قَوْلُهُ: وَطَلِّقْهَا رَجْعِيَّةً إجَازَةٌ لِلنِّكَاحِ الْمَوْقُوفِ لَا طَلِّقْهَا أَوْ فَارِقْهَا) لِأَنَّ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ النِّكَاحِ الصَّحِيحِ فَكَانَ الْأَمْرُ بِهِ إجَازَةُ اقْتِضَاءٍ بِخِلَافِ قَوْلِ الْمَوْلَى تَزَوَّجْ أَرْبَعًا أَوْ كَفِّرْ عَنْ يَمِينِك بِالْمَالِ حَيْثُ لَا تَثْبُتُ الْحُرِّيَّةُ اقْتِضَاءً لِأَنَّ شَرَائِطَ الْأَهْلِيَّةِ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهَا اقْتِضَاءً بِخِلَافِ النِّكَاحِ لِأَنَّ الْعَبْدَ أَهْلٌ لَهُ لِأَنَّهُ مِنْ خَصَائِصِ الْآدَمِيَّةِ، وَإِنَّمَا لَا يَكُونُ قَوْلُ الْمَوْلَى لَهُ طَلِّقْهَا أَوْ فَارِقْهَا إجَازَةً لِاحْتِمَالِهِ الْإِجَازَةَ، وَالرَّدَّ فَحُمِلَ عَلَى الرَّدِّ لِأَنَّهُ أَدْنَى لِأَنَّ الدَّفْعَ أَسْهَلُ مِنْ الرَّفْعِ أَوْ لِأَنَّهُ أَلْيَقُ بِحَالِ الْعَبْدِ الْمُتَمَرِّدِ عَلَى مَوْلَاهُ فَكَانَتْ الْحَقِيقَةُ مَتْرُوكَةً بِقَرِينَةِ الْحَالِ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ: رَجْعِيَّةً لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهُ طَلِّقْهَا بَائِنًا لَا يَكُونُ إجَازَةً لِأَنَّ الطَّلَاقَ الْبَائِنَ يَحْتَمِلُ الْمُتَارَكَةَ كَمَا فِي الطَّلَاقِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ، وَالْمَوْقُوفِ وَيَحْتَمِلُ الْإِجَازَةَ فَحُمِلَ عَلَى الْأَدْنَى كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ لَا طَلِّقْهَا لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ أَوْقِعْ عَلَيْهَا الطَّلَاقَ كَانَ إجَازَةً لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ لِلْمُتَارَكَةِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَكَذَا إذَا قَالَ: طَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً يَقَعُ عَلَيْهَا كَمَا فِي التَّبْيِينِ، وَالْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ لِلنِّكَاحِ الْمَوْقُوفِ لِلْعَهْدِ الذِّكْرِيِّ أَيْ نِكَاحِ الْعَبْدِ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ احْتِرَازًا عَنْ نِكَاحِ الْفُضُولِيِّ فَإِنَّ قَوْلَ الزَّوْجِ لِلْفُضُولِيِّ طَلِّقْهَا يَكُونُ إجَازَةً لِأَنَّهُ يَمْلِكُ التَّطْلِيقَ بِالْإِجَازَةِ فَيَمْلِكُ الْأَمْرَ بِهِ بِخِلَافِ الْمَوْلَى وَلِأَنَّ فِعْلَ الْفُضُولِيِّ إعَانَةٌ كَالْوَكِيلِ، وَالْإِعَانَةُ تَنْتَهِضُ سَبَبًا لِإِمْضَاءِ تَصَرُّفِهِ بِالْإِجَازَةِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَفِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ وَلَوْ خَالَعَ عَلَى رَقَبَتِهَا) أَيْ لَوْ خَالَعَ السَّيِّدُ الْأَمَةَ مِنْ زَوْجِهَا عَلَى رَقَبَتِهَا فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ حُرًّا لَا يَصِحُّ الْخُلْعُ فِي حَقِّ الْبَدَلِ لِأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ بِالْبَدَلِ مَلَكَ الزَّوْجُ رَقَبَتَهَا مُقَارِنًا لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ، وَمِلْكُ الزَّوْجِ رَقَبَتَهَا مُنَافٍ لِلْوُقُوعِ لَكِنَّهَا تَبِينُ بِطَلْقَةٍ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُمْكِنْ تَصْحِيحُهُ خُلْعًا بَقِيَ لَفْظُ الْخُلْعِ وَهُوَ مِنْ كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ وَقَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ طَلَّقَهَا أَيْ وَكَذَا لَا يَصِحُّ إيجَابُ الْبَدَلِ لَوْ لَمْ يُخَالِعْ الْمَوْلَى لَكِنَّ الزَّوْجَ طَلَّقَهَا عَلَى رَقَبَتِهَا وَقَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ رَقِيقًا أَيْ لَوْ كَانَ الزَّوْجُ رَقِيقًا بِأَنْ كَانَ قِنًّا أَوْ مُكَاتَبًا أَوْ مُدَبَّرًا صَحَّ الْخُلْعُ بِالْمُسَمَّى لِمَا مَرَّ مِنْ عَدَمِ الْمَانِعِ وَهُوَ مِلْكُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ رَقَبَةَ الْآخَرِ لِأَنَّ الْمِلْكَ يَقَعُ لِلْمَوْلَى كَذَا فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ لِلْفَارِسِيِّ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ: وَلَمْ أَرَ حُكْمَ إذْنِ الْمَوْلَى إلَى قَوْلِهِ فَعَبْدُهُ أَوْلَى) سَاقِطٌ مِنْ بَعْضِ النُّسَخِ. (قَوْلُهُ: وَفِيهِ نَظَرٌ. . . إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ هَذَا مَدْفُوعٌ بِأَنَّ مَا فِي الْقُنْيَةِ فِيهِ إفَادَةُ حُكْمٍ سَكَتُوا عَنْهُ هُوَ أَنَّ الْمُدَبَّرَ إذَا لَزِمَتْهُ السِّعَايَةُ فِي حَيَاةِ الْمَوْلَى فَمَاتَ الْمَوْلَى هَلْ يُؤَاخَذُ بِالْمَهْرِ بَعْدَ الْعِتْقِ؟ قَالَ: نَعَمْ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ يُؤَاخَذُ بِهِ جُمْلَةً وَاحِدَةً حَيْثُ قَدَرَ عَلَيْهِ وَيَبْطُلُ حُكْمُ السِّعَايَةِ اهـ. قُلْتُ: أَيْ الْمُرَادُ بَيَانُ أَنَّ الْمُدَبَّرَ إنَّمَا يَسْعَى فِي حَيَاةِ الْمَوْلَى لِأَنَّ الْمَهْرَ تَعَلَّقَ بِكَسْبِهِ لَا بِنَفْسِهِ لِعَدَمِ إمْكَانِ بَيْعِهِ أَمَّا إذَا مَاتَ الْمَوْلَى فَقِيرًا فَإِنَّ الْمُدَبَّرَ يَسْعَى أَوَّلًا فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ ثُمَّ بَعْدَ الْأَدَاءِ إلَى الْوَرَثَةِ يَعْتِقُ فَيُطَالَبُ بِالْمَهْرِ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِرَقَبَتِهِ أَيْ بِذِمَّتِهِ فَيُطَالَبُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ جُمْلَةً لَا بِحُكْمِ السِّعَايَةِ لِأَنَّهُ صَارَ حُرًّا. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَسْعَى أَوَّلًا فِي فِكَاكِ رَقَبَتِهِ ثُمَّ فِي دَيْنِ الْمَهْرِ (قَوْلُهُ: أَوْ لِأَنَّهُ أَلْيَقُ بِحَالِ الْعَبْدِ الْمُتَمَرِّدِ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ لِأَنَّهُ أَدْنَى، وَفِي النَّهْرِ عَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنَّهُ لَوْ زَوَّجَهُ فُضُولِيٌّ فَقَالَ الْمَوْلَى لِعَبْدِهِ: طَلِّقْهَا أَنَّهُ يَكُونُ إجَازَةً إذْ لَا تَمَرُّدَ مِنْهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ اهـ. قُلْتُ: نَعَمْ لَكِنَّ التَّعْلِيلَ الْأَوَّلَ أَعَمُّ لِإِفَادَتِهِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ إجَازَةً فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 206 وَعَدَمِ الْغَايَةِ بِخِلَافِ الْمُتَمَرِّدِ عَلَى مَوْلَاهُ وَهُوَ مُخْتَارُ صَاحِبِ الْمُحِيطِ وَمُخْتَارُ الصَّدْرِ الشَّهِيدِ وَنَجْمِ الدِّينِ النَّسَفِيِّ أَنَّهُ لَيْسَ بِإِجَازَةٍ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فَلِذَا عَمَّمَ فِي الْمُخْتَصَرِ فِي النِّكَاحِ الْمَوْقُوفَ لَكِنَّ الْأَوَّلَ أَوْجَهُ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الطَّلَاقَ يَسْتَدْعِي سَبْقَ النِّكَاحِ هَذَا هُوَ الْأَصْلُ وَخَرَجَ عَنْ الْأَصْلِ مَسْأَلَةُ الْعَبْدِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ فَلِذَا كَانَ تَطْلِيقُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ نِكَاحٌ بَعْدَ إنْكَارِهِ إقْرَارًا بِالنِّكَاحِ إلَّا إذَا قَالَ: مَا أَنْتِ لِي بِزَوْجَةٍ وَأَنْتِ طَالِقٌ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَقَوْلُ الْمَرْأَةِ لِرَجُلٍ طَلِّقْنِي إقْرَارٌ بِالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ النَّافِذِ وَتَطْلِيقُ وَاحِدَةٍ مِنْ إحْدَى الْفَرِيقَيْنِ إجَازَةٌ لِذَلِكَ الْفَرِيقِ فِيمَا إذَا زَوَّجَهُ فُضُولِيٌّ أَرْبَعًا فِي عُقْدَةٍ ثُمَّ زَوَّجَهُ ثَلَاثًا فِي عُقْدَةٍ فَبَلَغَهُ فَطَلَّقَ إحْدَى الْأَرْبَعِ أَوْ إحْدَى الثَّلَاثِ بِغَيْرِ عَيْنِهَا كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَعَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ إذَا طَلَّقَهَا الزَّوْجُ فِي نِكَاحِ الْفُضُولِيِّ قِيلَ يَكُونُ إجَازَةً، وَقِيلَ: لَا وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَنَّ هَذَا الِاخْتِلَافَ فِي الطَّلْقَةِ الْوَاحِدَةِ أَمَّا لَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَهِيَ إجَازَةٌ وِفَاقًا وَقُبِلَ الِاخْتِلَافُ فِيمَا لَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَهُ الْخَبَرُ أَمَّا لَوْ بَلَغَهُ الْخَبَرُ فَقَالَ: طَلِّقْهَا يَكُونُ إجَازَةً وِفَاقًا أَقُولُ: عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُ إجَازَةٌ يَنْبَغِي أَنْ تُحَرَّمَ عَلَيْهِ لَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَأَنَّهُ أَجَازَ أَوَّلًا ثُمَّ طَلَّقَ اهـ. وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الزَّيْلَعِيُّ فَقَالَ: لِأَنَّ كَلَامَ الزَّوْجِ لَا يَصِحُّ إلَّا إذَا حُمِلَ عَلَى وُقُوعِ الطَّلَاقِ فَيَكُونُ إجَازَةً تَصْحِيحًا لِكَلَامِهِ اهـ. وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا قَرَّرْنَاهُ أَنَّ قَوْلَهُ " طَلِّقْهَا أَوْ فَارِقْهَا "، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إجَازَةً فَهُوَ رَدٌّ فَيَنْفَسِخُ بِهِ نِكَاحُ الْعَبْدِ حَتَّى لَا تَلْحَقَهُ الْإِجَازَةُ بَعْدَهُ وَفِي الْخَانِيَّةِ: لَوْ قَالَ الْمَوْلَى لَا أَرْضَى وَلَا أُجِيزُ كَانَ رَدًّا وَلَوْ قَالَ: لَا أَرْضَى وَلَكِنْ رَضِيتُ مُتَّصِلًا جَازَ اسْتِحْسَانًا اهـ. وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ مُكَاتَبٌ أَوْ عَبْدٌ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى ثُمَّ طَلَّقَ كَانَ ذَلِكَ رَدًّا مِنْهُ لِأَنَّ الطَّلَاقَ يَقْطَعُ النِّكَاحَ النَّافِذَ فَلَأَنْ يَقْطَعَ النِّكَاحَ الْمَوْقُوفَ أَوْلَى فَإِنْ أَجَازَهُ الْمَوْلَى بَعْدَ الطَّلْقَاتِ الثَّلَاثِ لَمْ يَجُزْ النِّكَاحُ لِأَنَّهُ أَجَازَ بَعْدَ الْفَسْخِ وَلَوْ أَذِنَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بَعْدَمَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا أَوْ أَجَازَ الْمَوْلَى النِّكَاحَ بَعْدَ الطَّلْقَاتِ كُرِهَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا وَقَدْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَلَوْ تَزَوَّجَهَا لَمْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يُكْرَهُ أَبُو يُوسُفَ يَقُولُ بِأَنَّ إجَازَةَ الْمَوْلَى لَمَّا كَانَتْ بَاطِلَةً كَانَ عَدَمًا وَلَوْ لَمْ يُجِزْ الْمَوْلَى كَانَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا ثَانِيًا أَذِنَهُ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ بِالْإِجْمَاعِ فَكَذَا هُنَا وَهُمَا يَقُولَانِ الْإِجَازَةُ فِي الِانْتِهَاءِ كَالْإِذْنِ فِي الِابْتِدَاءِ، وَالْإِذْنُ فِي الِابْتِدَاءِ لَوْ كَانَ هَا هُنَا مَوْجُودًا صَارَتْ مُحَرَّمَةً حَقِيقَةً فَإِذَا وُجِدَتْ صُورَةُ الْإِجَازَةِ فِي الِانْتِهَاءِ يَجِبُ أَنْ يَثْبُتَ بِهِ نَوْعُ كَرَاهِيَةٍ اهـ. وَفِي الذَّخِيرَةِ: وَلَوْ تَزَوَّجَتْ أَمَةٌ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى فَوَطِئَهَا لَمْ يَكُنْ نَقْضًا لِلنِّكَاحِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ اهـ. وَإِذَا تَزَوَّجَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ فَهَلْ لِلْمَرْأَةِ فَسْخُهُ قَبْلَ إجَازَةِ الْمَوْلَى صَرَّحَ فِي الذَّخِيرَةِ بِأَنَّ لَهَا الْفَسْخَ فِي نَظِيرِهِ وَهِيَ مَا إذَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْ صَبِيٍّ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّهُ كَمَا لِلْمَوْلَى فَسْخُهُ لِكُلٍّ مِنْ الْعَاقِدَيْنِ فَسْخُهُ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ الْإِجَازَةَ تَثْبُتُ بِالدَّلَالَةِ كَمَا تَثْبُتُ بِالصَّرِيحِ فَإِنَّ قَوْلَ الْمَوْلَى طَلِّقْهَا رَجْعِيَّةً إجَازَةُ دَلَالَةٍ وَحَاصِلُهُ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ أَنَّهَا تَثْبُتُ بِالصَّرِيحِ وَبِالدَّلَالَةِ وَبِالضَّرُورَةِ فَمِنْ الصَّرِيحِ أَجَزْتُ أَوْ رَضِيتُ أَوْ أَذِنْتُ وَنَحْوُهُ وَأَمَّا الدَّلَالَةُ فَهِيَ قَوْلٌ أَوْ فِعْلٌ يَدُلُّ عَلَى الْإِجَازَةِ كَقَوْلِ الْمَوْلَى بَعْدَ بُلُوغِهِ الْخَبَرَ حَسَنٌ أَوْ صَوَابٌ أَوْ لَا بَأْسَ بِهِ أَوْ يَسُوقُ إلَى الْمَرْأَةِ أَوْ شَيْئًا مِنْهُ فِي نِكَاحِ الْعَبْدِ وَأَمَّا الضَّرُورَةُ فَنَحْوُ أَنْ يَعْتِقَ الْعَبْدُ أَوْ الْأَمَةُ فَيَكُونُ الْإِعْتَاقُ إجَازَةً، وَفِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ قَالَ الْمَوْلَى: أَجَزْتُ إنْ زِدْت لِي الْمَهْرَ فَأَبَى فَهُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى حَالِهِ لِأَنَّهُ جَوَابٌ عَلَى الزِّيَادَةِ فَيَقْتَصِرُ الرَّدُّ عَلَيْهَا وَكَذَا لَوْ قَالَ: لَا أُجِيزُ حَتَّى تَزِيدَ إذْ الْمُغَيَّا التَّوَقُّفُ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَمْتَدُّ وَيَنْتَهِي لَا الرَّدُّ وَكَذَا لَوْ قَالَ إلَّا بِزِيَادَةٍ لِأَنَّهُ تَكَلَّمَ بِالْبَاقِي فَإِنْ قَبِلَ نَفَذَ، وَالزِّيَادَةُ كَمَهْرِ الْمِثْلِ حَتَّى تَسْقُطَ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَلَوْ قَالَ: لَا أُجِيزُ لَكِنْ زِدْنِي   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يُكْرَهُ) مِثْلُهُ فِي النَّهْرِ وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْفَتْحِ حَيْثُ ذَكَرَ الْخِلَافَ عَلَى عَكْسِ مَا هُنَا لَكِنْ رَأَيْتُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة ذَكَرَ الْخِلَافَ كَمَا هُنَا مَعْزِيًّا إلَى شَرْحِ السَّرَخْسِيِّ ثُمَّ نُقِلَ عَنْ الْمُنْتَقَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُكْرَهُ اهـ. وَكَذَا رَأَيْتُ الْخِلَافَ كَمَا هُنَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ الشَّهِيدِ (قَوْلُهُ: إلَى أَنَّ الْإِجَازَةَ تَثْبُتُ. . . إلَخْ) عَبَّرَ الزَّيْلَعِيُّ بِالْإِذْنِ بَدَلَ الْإِجَازَةِ فَقَالَ: إذْنُ السَّيِّدِ يَثْبُتُ. . . إلَخْ وَكَذَا فِي الْفَتْحِ وَبَيْنَهُمَا فَرْقٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ النَّهْرِ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ إجَازَةُ النِّكَاحِ لَمْ يَقُلْ إذْنٌ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَاحْتَاجَ إلَى الْإِجَازَةِ وَمِنْ ثَمَّ قَالُوا لَوْ زَوَّجَهُ فُضُولِيٌّ فَأَذِنَ الْمَوْلَى لَهُ بِالنِّكَاحِ فَإِذَا أَجَازَهُ الْعَبْدُ صَحَّ اهـ. وَكَذَا قَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ، وَالْإِذْنُ فِي النِّكَاحِ لَا يَكُونُ إجَازَةً فَإِنْ أَجَازَ الْعَبْدُ مَا صَنَعَ جَازَ اسْتِحْسَانًا وَاَلَّذِي يَظْهَرُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 207 أَوْ أُجِيزُ إنْ زِدْتنِي بَطَلَ الْعَقْدُ لِأَنَّهُ مُقَرِّرٌ لِلنَّفْيِ وَكَأَنَّهُ قَالَ: لَا أُجِيزُ وَسَكَتَ وَلَوْ أَذِنَ لَهُ بِالنِّكَاحِ لَمْ يَكُنْ إجَازَةً فَإِنَّ أَجَازَهُ الْعَبْدُ جَازَ وَلَوْ مَاتَ الْمَوْلَى قَبْلَ الْإِجَازَةِ فَإِنْ كَانَتْ أَمَةٌ فَإِنْ وَرِثَهَا مَنْ يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا بَطَلَ النِّكَاحُ الْمَوْقُوفُ وَإِنْ وَرِثَهَا مَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا بِأَنْ كَانَ الْوَارِثُ ابْنَ الْمَيِّتِ، وَقَدْ وَطِئَهَا أَوْ كَانَتْ الْأَمَةُ أُخْتَهُ مِنْ الرَّضَاعِ أَوْ وَرِثَهَا جَمَاعَةٌ فَلِلْوَارِثِ الْإِجَازَةُ وَلَوْ أَجَازَ الْبَعْضَ دُونَ الْبَعْضِ لَمْ يَجُزْ النِّكَاحُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَفِيهِ: لَوْ تَزَوَّجَ الْمَوْلَى امْرَأَةً عَلَى رَقَبَتِهَا بَطَلَ النِّكَاحُ الْمَوْقُوفُ لِأَنَّهُ مِلْكُهَا لِلْمَرْأَةِ اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَتَوَقَّفَ عَلَى إجَازَةِ الْمَرْأَةِ كَمَا لَوْ بَاعَهَا الْمَوْلَى مِنْ امْرَأَةٍ فَإِنَّهُمْ قَالُوا إذَا بَاعَهَا الْمَوْلَى قَبْلَ الْإِجَازَةِ فَهُوَ عَلَى التَّفْصِيلِ الَّذِي ذَكَرْنَا فِي الْوَارِثِ، وَلَوْ بَاعَهَا مِمَّنْ لَا تَحِلُّ لَهُ فَلَمْ يَجُزْ حَتَّى بَاعَهَا مِمَّنْ تَحِلُّ لَهُ فَأَجَازَ لَمْ يَجُزْ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَفِي الذَّخِيرَةِ وَلَوْ بَاعَهَا عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ يُفْسَخُ النِّكَاحُ لِأَنَّهُ يَنْفُذُ بِالسُّكُوتِ إذَا مَضَتْ الْمُدَّةُ اهـ. وَمُرَادُهُ بَاعَهَا مِمَّنْ تَحِلُّ لَهُ وَعَلَى هَذَا قَالُوا: فِيمَنْ تَزَوَّجَ جَارِيَةَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَوَطِئَهَا ثُمَّ بَاعَهَا الْمَوْلَى مِنْ رَجُلٍ أَنَّ لِلْمُشْتَرِي الْإِجَازَةَ لِأَنَّ الزَّوْجَ يَمْنَعُ حِلَّ الْوَطْءِ لِلْمُشْتَرِي وَرَدَّهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ بِأَنَّ مَا فِي الْكِتَابِ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الْإِجَازَةُ صَحِيحٌ لِأَنَّ وُجُوبَ الْعِدَّةِ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ التَّفْرِيقِ، وَأَمَّا قَبْلَ التَّفْرِيقِ فَهِيَ لَيْسَتْ بِمُعْتَدَّةٍ فَاعْتِرَاضُ الْمِلْكِ الثَّانِي يُبْطِلُ النِّكَاحَ الْمَوْقُوفَ، وَإِنْ كَانَ هُوَ مَمْنُوعًا عَنْ غَشَيَانِهَا، وَجَعْلُ هَذَا قِيَاسَ الْمَنْعِ بِسَبَبِ الِاسْتِرْدَادِ لَا يَمْنَعُ بُطْلَانَ النِّكَاحِ الْمَوْقُوفِ فَهَذَا مِثْلُهُ، وَجَعْلُ عَدَمِ صِحَّةِ الْإِجَازَةِ فِي الْمُحِيطِ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَأَنَّ الْقَوْلَ بِالْإِجَازَةِ رِوَايَةُ ابْنِ سِمَاعَةَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعِدَّةَ غَيْرُ وَاجِبَةٍ فِي النِّكَاحِ الْمَوْقُوفِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَإِنْ كَانَ عَبْدًا فَمَاتَ الْمَوْلَى أَوْ بَاعَهُ قَبْلَ الْإِجَازَةِ فَلِلْوَارِثِ، وَالْمُشْتَرِي الْإِجَازَةُ، وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: زَوَّجَهَا الْغَاصِبُ ثُمَّ اشْتَرَاهَا فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ دَخَلَ بِهَا صَحَّتْ الْإِجَازَةُ وَإِلَّا بَطَلَ النِّكَاحُ، وَلَوْ ضَمِنَهَا لَا رِوَايَةَ فِيهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَبْطُلَ النِّكَاحُ لِأَنَّ الْمِلْكَ بِالضَّمَانِ ضَرُورِيٌّ فَلَا يَكْفِي لِجَوَازِ النِّكَاحِ كَمَا لَوْ حَرَّرَ غَاصِبٌ ثُمَّ ضَمِنَهُ فَإِنْ قُلْتُ: قَدْ ذَكَرُوا فِي الْإِجَازَةِ الصَّرِيحَةِ لَفْظَ أَذِنْت وَقَالُوا: لَوْ أَذِنَ لَهُ بِالنِّكَاحِ بَعْدَمَا تَزَوَّجَ لَا يَكُونُ إجَازَةً فَهَلْ بَيْنَهُمَا تَنَاقُضٌ قُلْتُ: يُحْمَلُ الْأَوَّلُ عَلَى مَا إذَا عُلِمَ بِالنِّكَاحِ، فَقَالَ بَعْدَهُ: أَذِنْت، وَالثَّانِي عَلَى مَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ ثُمَّ رَأَيْت فِي الْمِعْرَاجِ إنَّ أَذِنْت مِنْ أَلْفَاظِ الْإِذْنِ اهـ. يَعْنِي لَا مِنْ أَلْفَاظِ الْإِجَازَةِ فَلَا إشْكَالَ وَفِي الْقُنْيَةِ: سُكُوتُ الْمَوْلَى عِنْدَ الْعَقْدِ لَيْسَ بِرِضًا، وَفِي الْخُلَاصَةِ: أَذِنَ لِعَبْدِهِ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِدِينَارٍ فَتَزَوَّجَ بِدِينَارَيْنِ لَا يَجُوزُ النِّكَاحُ، وَفِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ: عَبْدٌ طَلَبَ مِنْ مَوْلَاهُ أَنْ يُزَوِّجَهُ مُعْتَقَةً فَأَبَى فَتَشَفَّعَ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ بِالتَّزَوُّجِ فَأَذِنَ لَهُ فَتَزَوَّجَ هَذِهِ الْمُعْتَقَةَ يَجُوزُ. اهـ. . (قَوْلُهُ: وَالْإِذْنُ فِي النِّكَاحِ يَتَنَاوَلُ الْفَاسِدَ أَيْضًا) أَيْ كَمَا يَتَنَاوَلُ الصَّحِيحَ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا الصَّحِيحَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ النِّكَاحِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ الْإِعْفَافُ، وَالتَّحْصِينُ وَذَلِكَ بِالْجَائِزِ وَلَهُ أَنَّ اللَّفْظَ مُطْلَقٌ فَيَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ، وَبَعْضُ الْمَقَاصِدِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ حَاصِلٌ كَالنَّسَبِ وَوُجُوبِ الْمَهْرِ، وَالْعِدَّةِ عَلَى اعْتِبَارِ وُجُودِ الْوَطْءِ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي حَقِّ لُزُومِ الْمَهْرِ فِيمَا إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً نِكَاحًا فَاسِدًا وَدَخَلَ بِهَا لِأَنَّهُ يُبَاعُ فِي الْمَهْرِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا لَا يُطَالَبُ إلَّا بَعْدَ الْعِتْقِ، وَفِي حَقِّ انْتِهَاءِ الْإِذْنِ بِالْعَقْدِ فَيَنْتَهِي بِهِ عِنْدَهُ فَلَيْسَ لَهُ التَّزَوُّجُ بَعْدَهُ صَحِيحًا لَا مِنْهَا وَلَا مِنْ غَيْرِهَا، وَعِنْدَهُمَا لَا يَنْتَهِي بِهِ فَلَهُ ذَلِكَ بَعْدَهُ قَيَّدَ بِالْإِذْنِ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ   [منحة الخالق] فِي الْفَرْقِ أَنَّ الْإِجَازَةَ مَا يَكُونُ لِأَمْرٍ وَقَعَ، وَالْإِذْنُ مَا يَكُونُ لِأَمْرٍ سَيَقَعُ وَيَظْهَرُ مِنْ الْفُرُوعِ الْآتِيَةِ أَيْضًا أَنَّ الْإِذْنَ يَكُونُ بِمَعْنَى الْإِجَازَةِ إذَا كَانَ الْآذِنُ عَالِمًا بِالْأَمْرِ الْوَاقِعِ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الْمُؤَلِّفِ الْآتِي بَعْدَ صَفْحَةٍ وَعَلَى مَا قُلْنَا مِنْ الْفَرْقِ فَالتَّعْبِيرُ هُنَا بِالْإِجَازَةِ أَنْسَبُ مِنْ تَعْبِيرِ الزَّيْلَعِيِّ بِالْإِذْنِ. (قَوْلُهُ: أَوْ أُجِيزُ أَنْ زِدْتنِي) الَّذِي فِي التَّلْخِيصِ أَوْ وَأُجِيزُ بِوَاوٍ بَعْدَ أَوْ قَالَ الْفَارِسِيُّ فِي شَرْحِهِ أَيْ وَلَوْ قَالَ الْوَلِيُّ: لَا أُجِيزُ لَكِنْ زِدْنِي أَوْ قَالَ لَا أُجِيزُ وَأُجِيزُ إنْ زِدْتنِي بَطَلَ الْعَقْدُ أَصْلًا رَضِيَ الزَّوْجُ بِالزِّيَادَةِ أَمْ لَمْ يَرْضَ لِأَنَّ الْعَطْفَ مُقَرِّرٌ لِلْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ وَهُوَ نَفْيُ الْإِجَازَةِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ: لَا أُجِيزُ وَسَكَتَ ثُمَّ قَالَ زِدْنِي أَوْ وَأُجِيزُ إنْ زِدْتنِي (قَوْلُهُ: بَطَلَ النِّكَاحُ الْمَوْقُوفُ) أَيْ أَيْ لِطُرُوِّ الْحِلِّ الْبَاتِّ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَفِيهِ لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى رَقَبَتِهَا) أَيْ رَقَبَةِ الْأَمَةِ الْمَوْقُوفِ نِكَاحُهَا (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الزَّوْجَ يَمْنَعُ حِلَّ الْوَطْءِ لِلْمُشْتَرِي) قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ لِأَنَّهُ لَمَّا دَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ فِي الْمِلْكِ الْأَوَّلِ وَجَبَ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ، وَالْمُعْتَدَّةُ لَا تَحِلُّ لِغَيْرِ الْمُعْتَدِّ مِنْهُ فَهِيَ لَمْ تَصِرْ مُحَلِّلَةً لِلتَّمَلُّكِ الثَّانِي فَلَا يَفْسُدُ النِّكَاحُ الْمَوْقُوفُ فَإِذَا أَجَازَ كَانَ صَحِيحًا (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ عَبْدًا) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ فَإِنْ كَانَتْ أَمَةً وَحَاصِلُهُ أَنَّ فِي الْعَبْدِ يَتَوَقَّفُ فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا عَلَى إجَازَةِ الْمُشْتَرِي أَوْ الْوَارِثِ، وَالتَّفْصِيلُ السَّابِقُ فِي الْأَمَةِ (قَوْلُهُ: يَعْنِي لَا مِنْ أَلْفَاظِ الْإِجَازَةِ) مُنَافٍ لِمَا مَرَّ مِنْ عَدِّهِ مِنْ أَلْفَاظِ الْإِجَازَةِ فَالْأَوْلَى التَّوْفِيقُ بِحَمْلِ مَا فِي الْمِعْرَاجِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِالنِّكَاحِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 208 بِالنِّكَاحِ لَا يَتَنَاوَلُ الْفَاسِدَ فَلَا يَنْتَهِي بِهِ اتِّفَاقًا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْمُصَفَّى لِأَنَّ مَطْلُوبَ الْآمِرِ فِيهِ ثُبُوتُ الْحِلِّ، وَالْوَكِيلُ بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ لَا يَمْلِكُ النِّكَاحَ الصَّحِيحَ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ يَمْلِكُ الصَّحِيحَ، كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَالْيَمِينُ فِي النِّكَاحِ لَا يَتَنَاوَلُ الْفَاسِدَ كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِالصَّحِيحِ وَأَمَّا إذَا حَلَفَ أَنَّهُ مَا تَزَوَّجَ فِي الْمَاضِي فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ الصَّحِيحَ، وَالْفَاسِدَ أَيْضًا لِأَنَّ الْمُرَادَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ الْإِعْفَافُ، وَفِي الْمَاضِي وُقُوعُ الْعَقْدِ ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَلَوْ نَوَى الصَّحِيحَ صُدِّقَ دِيَانَةً وَقَضَاءً، وَإِنْ كَانَ فِيهِ تَخْفِيفٌ رِعَايَةً لِجَانِبِ الْحَقِيقَةِ كَذَا فِي التَّلْخِيصِ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ الْإِذْنَ بِالْبَيْعِ وَهُوَ التَّوْكِيلُ بِهِ يَتَنَاوَلُ الْفَاسِدَ بِالْأَوْلَى اتِّفَاقًا لِأَنَّ الْفَاسِدَ فِيهِ يُفِيدُ الْمِلْكَ بِالْقَبْضِ وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا أَذِنَ لَهُ فِي نِكَاحِ حُرَّةٍ أَوْ أَمَةٍ وَمَا إذَا كَانَتْ مُعَيَّنَةً أَوْ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ فَمَا فِي الْهِدَايَةِ مِنْ التَّقْيِيدِ بِالْأَمَةِ، وَالْمُعَيَّنَةِ اتِّفَاقِيٌّ، وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِ أَذِنَهُ فِي النِّكَاحِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ لِأَنَّهُ لَوْ قَيَّدَهُ بِأَنْ أَذِنَ لَهُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ فَإِنَّهُ يَتَقَيَّدُ بِهِ اتِّفَاقًا وَقَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَلَوْ أَذِنَ لَهُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ نَصًّا وَدَخَلَ بِهَا يَلْزَمُهُ الْمَهْرُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا أَمَّا عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا عَلَى أَصْلِهِمَا فَلِأَنَّ الصَّرْفَ إلَى الصَّحِيحِ لِضَرْبِ دَلَالَةٍ أَوْجَبَتْ الْمَصِيرَ إلَيْهِ فَإِذَا جَاءَ النَّصُّ بِخِلَافِهِ بَطَلَتْ الدَّلَالَةُ اهـ. وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ قَيَّدَ بِالصَّحِيحِ فَإِنَّهُ يَتَقَيَّدُ بِهِ اتِّفَاقًا وَأَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَ صَحِيحًا فِي صُورَةِ التَّقْيِيدِ بِالْفَاسِدِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ اتِّفَاقًا وَحَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ إمَّا أَنْ يُطْلِقَ الْمَوْلَى الْوَصْفَ أَوْ يُقَيِّدَهُ فَإِنْ أَطْلَقَ فَهُوَ مَحَلُّ الِاخْتِلَافِ، وَإِنْ قَيَّدَ فَإِمَّا أَنْ يُوَافِقَ أَوْ يُخَالِفَ، وَقَدْ عَلِمْت الْأَحْكَامَ اعْلَمْ أَنَّ الْإِذْنَ فِي النِّكَاحِ، وَالْبَيْعِ، وَالتَّوْكِيلِ فِي الْبَيْعِ يَتَنَاوَلُ الْفَاسِدَ، وَالتَّوْكِيلِ بِالنِّكَاحِ لَا يَتَنَاوَلُ، وَالْيَمِينُ فِي النِّكَاحِ إنْ كَانَتْ عَلَى الْمُضِيِّ تَنَاوَلَتْهُ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ لَا تَتَنَاوَلُهُ، وَالْيَمِينُ عَلَى الصَّلَاةِ كَالْيَمِينِ عَلَى النِّكَاحِ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَكَذَا الْيَمِينُ عَلَى الْحَجِّ، وَالصَّوْمِ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَالْيَمِينُ عَلَى الْبَيْعِ كَذَلِكَ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي الْيَوْمَ لَا يَتَقَيَّدُ بِالصَّحِيحَةِ قِيَاسًا وَتَقَيَّدَ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّهُ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَمِثْلُهُ لَا يَتَزَوَّجُ الْيَوْمَ، وَفِي الْمُحِيطِ: صَلَّى رَكْعَتَيْنِ بِغَيْرِ وُضُوءٍ الْيَوْمَ ثُمَّ قَالَ إنْ كُنْت صَلَّيْت الْيَوْمَ رَكْعَتَيْنِ فَعَبْدِي حُرٌّ يَعْتِقُ وَلَوْ قَالَ: إنْ لَمْ أَكُنْ صَلَّيْت الْيَوْمَ رَكْعَتَيْنِ فَعَبْدِي حُرٌّ لَا يَعْتِقُ، وَالْيَمِينُ عَلَى الشِّرَاءِ لَا تَتَقَيَّدُ بِالصَّحِيحِ، وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا قَرَّرْنَاهُ أَنَّهُ لَوْ أَذِنَهُ بِالتَّزَوُّجِ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً وَكَذَا لَوْ قَالَ لَهُ: تَزَوَّجْ فَإِنَّهُ لَا يَتَزَوَّجُ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً لِأَنَّ الْأَمْرَ لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ وَكَذَا إذَا قَالَ: تَزَوَّجْ امْرَأَةً لِأَنَّ قَوْلَهُ " امْرَأَةً " اسْمٌ لِوَاحِدَةٍ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ، وَفِي شَرْحِ الْمُغْنِي لِلْهِنْدِيِّ لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: تَزَوَّجْ وَنَوَى مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ عَدَدٌ مَحْضٌ وَلَوْ نَوَى ثِنْتَيْنِ يَصِحُّ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلُّ نِكَاحِ الْعَبْدِ إذْ الْعَبْدُ لَا يَمْلِكُ التَّزَوُّجَ بِأَكْثَرَ مِنْ ثِنْتَيْنِ وَكَذَا التَّوْكِيلُ بِالنِّكَاحِ بِأَنْ قَالَ: تَزَوَّجْ لِي امْرَأَةً لَا يَمْلِكُ أَنْ يُزَوِّجَهُ إلَّا امْرَأَةً وَاحِدَةً وَلَوْ نَوَى الْمُوَكِّلُ الْأَرْبَعَ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ عَلَى قِيَاسِ مَا ذَكَرْنَا لِأَنَّهُ كُلُّ جِنْسِ النِّكَاحِ فِي حَقِّهِ وَلَكِنِّي مَا ظَفِرْت بِالنَّقْلِ اهـ. ذَكَرَهُ فِي بَحْثِ الْأَمْرِ مِنْ الْأُصُولِ وَفِي الْمُحِيطِ أَذِنَ لِعَبْدِهِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَهُوَ التَّوْكِيلُ بِهِ) فَسَّرَ الْإِذْنَ بِالتَّوْكِيلِ مَعَ أَنَّهُ أَعَمُّ لِشُمُولِهِ لِمَا إذَا أَذِنَ لِعَبْدِهِ بِهِ بِالْأَوْلَى لِأَنَّهُ لَا يُنَاسِبُ قَوْلَهُ يَتَنَاوَلُ الْفَاسِدَ بِالْأَوْلَى لِكَوْنِهِ يَتَصَرَّفُ فِيهِ بِأَهْلِيَّتِهِ الْأَصْلِيَّةِ لِارْتِفَاعِ الْحَجْرِ عَنْهُ بِالْإِذْنِ فَالْفَاسِدُ، وَالصَّحِيحُ فِي حَقِّهِ سَوَاءٌ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَقَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَلَوْ أَذِنَ. . . إلَخْ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَفِي بَعْضِهَا كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَلَوْ أَذِنَ. . . إلَخْ، وَالْأُولَى أَوْلَى فَإِنَّ قَوْلَهُ: وَلَوْ أَذِنَ هِيَ الَّتِي رَأَيْتُهَا فِي الْبَدَائِعِ. (قَوْلُهُ: وَأَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَ صَحِيحًا. . . إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ فِيهِ نَظَرٌ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ اتِّفَاقًا وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ: أَمَّا عَلَى أَصْلِهِ فَظَاهِرٌ يَعْنِي مِنْ أَنَّهُ لِلتَّنْصِيصِ عَلَيْهِ إذْ غَايَةُ مَا فِيهِ أَنَّهُ تَنْصِيصٌ عَلَى بَعْضِ مَا يَتَنَاوَلُهُ لَفْظُهُ وَهُوَ بِهِ يَمْلِكُهُ فَإِذَا نَصَّ عَلَيْهِ أَوْلَى وَأَمَّا عَلَى أَصْلِهِمَا فَلِأَنَّ الصَّرْفَ إلَى الصَّحِيحِ لِضَرْبِ دَلَالَةٍ هِيَ أَنَّ مَقَاصِدَهُ لَا تَنْتَظِمُ بِأَفْعَالِهِ فَإِذَا جَاءَ النَّصُّ بَطَلَتْ الدَّلَالَةُ الْمُقْتَضِيَةُ لِعَدَمِ دُخُولِ الْمَقَاصِدِ وَكُلٌّ مِنْ الْوَجْهَيْنِ كَمَا تَرَى صَرِيحٌ فِي الصَّحِيحِ وَكَأَنَّهُ النَّظَرُ الصَّحِيحُ اهـ. وَهُوَ غَيْرُ ظَاهِرٍ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَمَّا عَلَى أَصْلِهِ فَظَاهِرٌ وَجْهُهُ أَنَّهُ لَوْ بَاشَرَ الْفَاسِدَ مَعَ الْإِطْلَاقِ صَحَّ لِأَنَّهُ مِنْ مُتَنَاوِلَاتِ اللَّفْظِ فَبِالْأَوْلَى مَعَ التَّقْيِيدِ بِهِ، وَذَلِكَ لَا يُفِيدُ صِحَّةَ الصَّحِيحِ حِينَئِذٍ بَلْ مُقْتَضَى التَّقْيِيدِ خِلَافُهُ وَقَوْلُهُ: وَأَمَّا عَلَى أَصْلِهِمَا. . . إلَخْ وَجْهُهُ أَنَّهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ انْصَرَفَ إلَى الصَّحِيحِ لِضَرْبِ دَلَالَةٍ هِيَ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ النِّكَاحِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ الْإِعْفَافُ، وَالتَّحْصِينُ وَذَلِكَ بِالْجَائِزِ فَإِذَا نَصَّ عَلَى خِلَافِ الظَّاهِرِ انْصَرَفَ إلَيْهِ وَتَقَيَّدَ بِهِ لِبُطْلَانِ الدَّلَالَةِ وَلَوْ كَانَ مَعَ الْإِطْلَاقِ يَتَقَيَّدُ بِالصَّحِيحِ وَمَعَ التَّقْيِيدِ يَشْمَلُهُ، وَالْفَاسِدُ لَزِمَ قَلْبَ الْمَوْضُوعِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْوَكِيلَ بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ لَا يَمْلِكُ النِّكَاحَ الصَّحِيحَ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لِلْآمِرِ غَرَضٌ فِي الْفَاسِدِ وَهُوَ عَدَمُ لُزُومِ الْمَهْرِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ فَيَكُونُ الصَّحِيحُ مُلْزِمًا لَهُ بِالْمَهْرِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ وَهُوَ إلْزَامٌ عَلَى الْغَيْرِ بِمَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ نَوَى الْمُوَكِّلُ الْأَرْبَعَ) أَيْ إذَا قَالَ لَهُ: زَوِّجْنِي أَمَّا لَوْ قَالَ: تَزَوَّجْ لِي امْرَأَةً فَلَا تَصِحُّ نِيَّةُ الْأَرْبَعِ لِمَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 209 فِي النِّكَاحِ فَتَزَوَّجَ ثِنْتَيْنِ فِي عُقْدَةٍ وَاحِدَةٍ لَمْ يَجُزْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا إلَّا إذَا قَالَ الْمَوْلَى عَنَيْتُ امْرَأَتَيْنِ، وَفِي الْبَدَائِعِ هَذَا إذَا خَصَّ وَأَمَّا إذَا عَمَّ بِأَنْ قَالَ: تَزَوَّجْ مَا شِئْت مِنْ النِّسَاءِ جَازَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ ثِنْتَيْنِ فَقَطْ وَقَيَّدَ بِالْفَاسِدِ لِأَنَّهُ لَا يَنْتَهِي بِالْمَوْقُوفِ اتِّفَاقًا كَالتَّوْكِيلِ حَتَّى جَازَ لَهُمَا أَنْ يُجَدِّدَ الْعَقْدَ ثَانِيًا عَلَيْهَا أَوْ عَلَى غَيْرِهَا كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَقَيَّدَ بِالِانْتِهَاءِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ لُزُومِ الْمَهْرِ فَإِنَّ الْعَبْدَ الْمَأْذُونَ لَهُ فِي النِّكَاحِ إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِفُضُولِيٍّ ثُمَّ أَجَازَتْ فَإِنَّ الْمَهْرَ فِي رَقَبَتِهِ يُبَاعُ فِيهِ فَتَنَاوَلَ الْإِذْنَ الْمَوْقُوفَ فِي حَقِّ هَذَا الْحُكْمِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَتَنَاوَلُهُ فِي حَقِّ انْتِهَاءِ الْإِذْنِ بِهِ وَلَمْ أَرَهُ صَرِيحًا. (قَوْلُهُ: وَلَوْ زَوَّجَ عَبْدًا مَأْذُونًا لَهُ امْرَأَةٌ صَحَّ وَهِيَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ فِي مَهْرِهَا) أَمَّا الصِّحَّةُ فَإِنَّهَا تَنْبَنِي عَلَى مِلْكِ الرَّقَبَةِ، وَهُوَ بَاقٍ بَعْدَ الدَّيْنِ كَمَا هُوَ قَبْلَهُ فَلَمَّا صَحَّ لَزِمَ الْمَهْرُ لِأَنَّ وُجُوبَهُ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ النِّكَاحِ فَقَدْ وَجَبَ بِسَبَبٍ لَا مَرَدَّ لَهُ فَشَابَهُ دَيْنَ الِاسْتِهْلَاكِ، وَصَارَ كَالْمَرِيضِ الْمَدْيُونِ إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَلِمَهْرِ مِثْلِهَا أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ أَرَادَ بِالْأُسْوَةِ الْمُسَاوَاةَ فِي طَلَبِ الْحَقِّ بِأَنْ تَضْرِبَ هِيَ فِي ثَمَنِ الْعَبْدِ بِمَهْرِهَا، وَيَضْرِبَ الْغُرَمَاءُ فِيهِ عَلَى قَدْرِ دُيُونِهِمْ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ فِي مَهْرِهَا دُونَ أَنْ يَقُولَ فِي الْمَهْرِ إلَى أَنَّ مُسَاوَاتَهَا لَهُمْ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُسَمَّى قَدْرَ مَهْرِ الْمِثْلِ أَوْ أَقَلَّ أَمَّا إذَا كَانَ أَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ فَإِنَّهَا تُسَاوِيهِمْ فِي قَدْرِهِ، وَالزَّائِدُ عَلَيْهِ يُطَالَبُ بِهِ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الْغُرَمَاءِ كَدَيْنِ الصِّحَّةِ مَعَ دَيْنِ الْمَرَضِ، وَقَدْ عُلِمَ مِنْ كِتَابِ الْمَأْذُونِ أَنَّ الدُّيُونَ تَتَعَلَّقُ بِمَا فِي يَدِهِ وَرَقَبَتِهِ فَتُوَفَّى الدُّيُونُ مِنْهُمَا وَمِنْهُ يُعْلَمُ حُكْمُ حَادِثَةٍ وَهِيَ أَنَّ الْمَأْذُونَ إذَا مَاتَ، وَفِي يَدِهِ كَسْبُهُ وَعَلَيْهِ مَهْرُ زَوْجَتِهِ فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْمَهْرَ يُوَفَّى مِنْ كَسْبِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ كَمَا يُقْضَى الدُّيُونُ مِنْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَلَيْسَ لِلْمَوْلَى الِاخْتِصَاصُ بِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحِيطِ فِي مَسْأَلَةِ الدُّيُونِ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِالْمَهْرِ، وَقَدْ عُلِمَ هُنَا أَنَّهُ مِنْهَا فَلَا فَرْقَ، وَقَدْ أَجَبْت بِذَلِكَ فَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ التُّمُرْتَاشِيِّ مِنْ أَنَّ الْمَهْرَ، وَالنَّفَقَةَ يَسْقُطَانِ بِمَوْتِ الْعَبْدِ مَحْمُولٌ فِي الْمَهْرِ عَلَى الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ أَوْ الْمَأْذُونِ الَّذِي لَمْ يَتْرُكْ كَسْبًا كَمَا لَا يَخْفَى، وَفِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ: لَوْ تَزَوَّجَ الْمَأْذُونُ عَلَى رَقَبَتِهِ بِإِذْنِ الْمَوْلَى صَحَّ، وَالْمَرْأَةُ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ قَالَ الشَّارِحُ: يَضْرِبُ مَوْلَاهَا مَعَهُمْ بِقَدْرِ قِيمَةِ الْعَبْدِ بِخِلَافِ الْخُلْعِ عَلَى رَقَبَةِ الْمَأْذُونَةِ الْمَدْيُونَةِ فَإِنَّهُ إنْ لَمْ يَفْضُلْ مِنْ ثَمَنِهَا شَيْءٌ تَتْبَعُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ كَمَا لَوْ قَتَلَ عَمْدًا فَصَالَحَ الْمَوْلَى عَلَى رَقَبَتِهِ فَفِي الْخُلْعِ، وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ لَا مُشَارَكَةَ لِلْغُرَمَاءِ، وَأَمَّا الْجِنَايَةُ خَطَأً فَإِنْ فَدَاهُ الْمَوْلَى أَوْ الْغَرِيمُ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ، وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى دَفْعِهِ مَلَكَهُ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ مَشْغُولًا بِدَيْنِهِ وَلِلْغُرَمَاءِ بَيْعُهُ وَأَخْذُ ثَمَنِهِ فَلَوْ فَقَأَ مَأْذُونٌ مَدْيُونٌ عَيْنَ مِثْلِهِ فَاخْتَارُوا دَفْعَهُ انْتَقَلَ نِصْفُ دَيْنِ الْمَفْقُوءِ إلَى الْفَاقِئِ لَكِنْ إذَا بِيعَ الْفَاقِئُ لِلْغُرَمَاءِ بُدِئَ بِدَيْنِهِ فَإِنْ فَضَلَ مِنْ ثَمَنِهِ شَيْءٌ قُضِيَ بِهِ نِصْفُ الدَّيْنِ الْمُنْتَقِلِ إلَيْهِ مِنْ الْمَفْقُوءِ وَتَمَامُهُ فِي التَّلْخِيصِ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ زَوَّجَ أَمَته لَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَبْوِئَتُهَا فَتَخْدُمُهُ وَيَطَؤُهَا الزَّوْجُ إنْ ظَفِرَ) لِأَنَّ حَقَّ الْمَوْلَى فِي الِاسْتِخْدَامِ بَاقٍ، وَالتَّبْوِئَةُ إبْطَالٌ لَهُ فَلَمَّا لَمْ تَلْزَمْهُ يُقَالُ لِلزَّوْجِ اسْتَوْفِ مَنَافِعَ الْبُضْعِ إذَا قَدَرْت لِأَنَّ حَقَّهُ ثَابِتٌ فِيهَا، وَفِي الْمُحِيطِ مَتَى وَجَدَ فُرْصَةً وَفَرَاغُهَا عَنْ خِدْمَةِ الْمَوْلَى لَيْلًا أَوْ نَهَارًا يَسْتَمْتِعُ بِهَا اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ وَجَدَهَا مَشْغُولَةً بِخِدْمَةِ الْمَوْلَى فِي مَكَان خَالٍ لَيْسَ لَهُ وَطْؤُهَا وَإِنَّمَا يَجُوزُ لَهُ إذَا لَمْ تَكُنْ مَشْغُولَةً بِخِدْمَةِ الْمَوْلَى وَلَمْ أَرَهُ صَرِيحًا أَطْلَقَ الْأَمَةَ فَشَمِلَ الْقِنَّةَ، وَالْمُدَبَّرَةَ وَأُمَّ الْوَلَدِ فَالْكُلُّ فِي هَذَا الْحُكْمِ سَوَاءٌ وَلَا تَدْخُلُ الْمُكَاتَبَةُ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ فَتَخْدُمُهُ أَيْ الْمَوْلَى لِأَنَّ الْمُكَاتَبَةَ لَا يَمْلِكُ الْمَوْلَى اسْتِخْدَامُهَا فَلِذَا تَجِبُ النَّفَقَةُ لَهَا بِدُونِ التَّبْوِئَةِ بِخِلَافِ غَيْرِهَا فَإِنَّهُ إنْ بَوَّأَهَا مَنْزِلًا مَعَ الزَّوْجِ وَجَبَتْ النَّفَقَةُ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّهَا جَزَاءُ الِاحْتِبَاسِ وَأَشَارَ بِإِطْلَاقِ عَدَمِ وُجُوبِهَا إلَى أَنَّهُ لَوْ بَوَّأَهَا مَعَهُ مَنْزِلًا ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يَسْتَخْدِمَهَا لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْحَقَّ بَاقٍ لِبَقَاءِ الْمِلْكِ فَلَا يَسْقُطُ بِالتَّبْوِئَةِ كَمَا لَا يَسْقُطُ بِالنِّكَاحِ وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ شُرِطَ تَبْوِئَتُهَا لِلزَّوْجِ وَقْتَ الْعَقْدِ كَانَ الشَّرْطُ بَاطِلًا لَا يَمْنَعُهُ مِنْ أَنْ يَسْتَخْدِمَهَا لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ لِلزَّوْجِ مِلْكُ الْحِلِّ لَا غَيْرُ لِأَنَّ   [منحة الخالق] تَقَدَّمَ آنِفًا عَنْ الْبَدَائِعِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: حَتَّى جَازَ لَهُمَا) أَيْ لِلْمَأْذُونِ، وَالْوَكِيلِ (قَوْلُهُ: فَتَنَاوَلَ الْإِذْنَ الْمَوْقُوفَ فِي حَقِّ هَذَا الْحُكْمِ) قَالَ فِي النَّهْرِ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ يَتَنَاوَلُهُ فِي حَقِّ هَذَا الْحُكْمِ أَيْضًا إذْ ثُبُوتُهُ بَعْدَ الْإِجَازَةِ وَلَا تَوَقُّفَ إذْ ذَاكَ اهـ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْخُلْعِ عَلَى رَقَبَةِ الْمَأْذُونَةِ الْمَدْيُونَةِ) أَيْ لَوْ خَلَعَ الْمَوْلَى أَمَتَهُ عَلَى رَقَبَتِهَا تُبَاعُ فِي الدَّيْنِ وَيُبْدَأُ بِدَيْنِ الْغُرَمَاءِ وَتُتْبَعُ بَعْدَ الْعِتْقِ إنْ لَمْ يَفْضُلْ مِنْ ثَمَنِهَا شَيْءٌ. (قَوْلُهُ: كَانَ الشَّرْطُ بَاطِلًا) مُخَالِفٌ لِمَا سَيَأْتِي عَنْ الْفَتْحِ مِنْ أَنَّهُ وَعْدٌ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ لَكِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ صِحَّتِهِ وُجُودُ مُتَعَلِّقِهِ بِخِلَافِ اشْتِرَاطِ جِرْيَةِ الْأَوْلَادِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِبُطْلَانِ هَذَا الشَّرْطِ فِي كَافِي الْحَاكِمِ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ أَنَّهُ وَاجِبٌ دِيَانَةً لَا قَضَاءً بِحَيْثُ لَا يَصِيرُ حَقًّا لِلزَّوْجِ فَتَأَمَّلْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 210 الشَّرْطَ لَوْ صَحَّ لَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ بِطَرِيقِ الْإِجَارَةِ أَوْ الْإِعَارَةِ فَلَا يَصِحُّ الْأَوَّلُ لِجَهَالَةِ الْمُدَّةِ وَكَذَا الثَّانِي لِأَنَّ الْإِعَارَةَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا اللُّزُومُ فَإِنْ قُلْتُ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ أَنْ يَشْتَرِطَ الْحُرُّ الْمُتَزَوِّجُ بِأَمَةِ رَجُلٍ حُرِّيَّةَ أَوْلَادِهِ حَيْثُ يَلْزَمُ الشَّرْطُ فِي هَذِهِ وَتَثْبُتُ حُرِّيَّةُ مَا يَأْتِي مِنْ الْأَوْلَادِ وَهَذَا أَيْضًا شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيه نِكَاحُ الْأَمَةِ فَالْجَوَابُ أَنَّ قَبُولَ الْمَوْلَى الشَّرْطَ، وَالتَّزْوِيجَ عَلَى اعْتِبَارِهِ هُوَ مَعْنَى تَعْلِيقِ الْحُرِّيَّةِ بِالْوِلَادَةِ وَتَعْلِيقُ ذَلِكَ صَحِيحٌ وَعِنْدَ وُجُودِ التَّعْلِيقِ فِيمَا يَصِحُّ يَمْتَنِعُ الرُّجُوعُ عَنْ مُقْتَضَاهُ فَتَثْبُتُ الْحُرِّيَّةُ عِنْدَ الْوِلَادَةِ جَبْرًا مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارٍ بِخِلَافِ اشْتِرَاطِ التَّبْوِئَةِ فَإِنَّ بِتَعْلِيقِهَا لَا تَقَعُ هِيَ عِنْدَ ثُبُوتِ الشَّرْطِ بَلْ يَتَوَقَّفُ وُجُودُهَا عَلَى فِعْلٍ حِسِّيٍّ اخْتِيَارِيٍّ مِنْ فَاعِلٍ مُخْتَارٍ فَإِذَا امْتَنَعَ لَمْ يُوجَدْ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُعَلَّقَ هُنَا وَعْدٌ يَجِبُ الْإِيفَاءُ بِهِ غَيْرَ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَفِ بِهِ لَا يَثْبُتُ مُتَعَلِّقُهُ أَعْنِي نَفْسَ الْمَوْعُودِ بِهِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ السَّيِّدَ لَوْ مَاتَ قَبْلَ وَضْعِ الْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَطِ حُرِّيَّةَ أَوْلَادِهَا لَا يَكُونُ الْوَلَدُ حُرًّا وَأَنَّ السَّيِّدَ لَوْ بَاعَ هَذِهِ الْجَارِيَةَ قَبْلَ الْوَضْعِ يَصِحُّ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ قَبْلَ وُجُودِ شَرْطِهِ عَدَمٌ. وَقَدْ ذَكَرَ هَذَيْنِ الْحُكْمَيْنِ فِي الْمَبْسُوطِ فِي مَسْأَلَةِ التَّعْلِيقِ صَرِيحًا بِقَوْلِهِ: كُلُّ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ فَهُوَ حُرٌّ فَقَالَ لَوْ مَاتَ الْمَوْلَى وَهِيَ حُبْلَى لَمْ يَعْتِقْ مَا تَلِدُهُ لِفَقْدِ الْمِلْكِ لِانْتِقَالِهَا لِلْوَرَثَةِ وَلَوْ بَاعَهَا الْمَوْلَى وَهِيَ حُبْلَى جَازَ بَيْعُهُ فَإِنْ وَلَدَتْ بَعْدَهُ لَمْ يَعْتِقْ ذَكَرَهُ فِي بَابِ عِتْقِ مَا فِي الْبَطْنِ إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ التَّعْلِيقِ صَرِيحًا، وَالتَّعْلِيقِ مَعْنًى وَلَمْ يَظْهَرْ لِي الْآنَ وَذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ فِي بَابِ عِتْقِ مَا تَلِدُهُ الْأَمَةُ وَقَالَ بَعْدَهُ: وَلَوْ قَالَ لِعَبْدٍ يَمْلِكُهُ أَوْ لَا يَمْلِكُهُ كُلُّ وَلَدٍ يُولَدُ لَك فَهُوَ حُرٌّ فَإِنْ وُلِدَ لَهُ مِنْ أَمَةٍ يَمْلِكُهَا الْحَالِفُ يَوْمَ حَلَفَ عَتَقَ إنْ وَلَدَتْ فِي مِلْكِهِ وَإِلَّا بَطَلَتْ الْيَمِينُ اهـ. وَهَذَا أَشْبَهُ بِمَسْأَلَتِنَا وَقَيَّدَ بِالتَّبْوِئَةِ لِأَنَّ الْمَوْلَى إذَا اسْتَوْفَى صَدَاقَهَا أُمِرَ أَنْ يُدْخِلَهَا عَلَى زَوْجِهَا، وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْهُ أَنْ يُبَوِّئَهَا كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَلِذَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ لَوْ بَاعَهَا بِحَيْثُ لَا يَقْدِرُ الزَّوْجُ عَلَيْهَا سَقَطَ مَهْرُهَا كَمَا سَيَأْتِي فِي مَسْأَلَةِ مَا إذَا قَتَلَهَا، وَالتَّبْوِئَةُ مَصْدَرٌ بَوَّأْته مَنْزِلًا وَبَوَّأْته لَهُ إذَا أَسْكَنْته إيَّاهُ. وَفِي الِاصْطِلَاحِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ: أَنْ يُخَلِّيَ الْمَوْلَى بَيْنَ الْأَمَةِ وَزَوْجِهَا وَيَدْفَعَهَا إلَيْهِ وَلَا يَسْتَخْدِمَهَا أَمَّا إذَا كَانَتْ هِيَ تَذْهَبُ وَتَجِيءُ وَتَخْدُمُ مَوْلَاهَا لَا تَكُونُ تَبْوِئَةً وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ فِي النَّفَقَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَأَنَّ التَّحْقِيقَ أَنَّ الْعِبْرَةَ لِكَوْنِهَا فِي بَيْتِ الزَّوْجِ لَيْلًا وَلَا يَضُرُّ الِاسْتِخْدَامُ نَهَارًا وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ لِلْمَوْلَى أَنْ يُسَافِرَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَبَيْنَ أَنْ يَشْتَرِطَ الْحُرُّ الْمُتَزَوِّجُ) كَذَا فِي الْفَتْحِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْعَبْدَ لَيْسَ كَذَلِكَ مَعَ أَنَّ مَا يَأْتِي جَارٍ فِيهِ تَأَمُّلٌ ثُمَّ رَأَيْت فِي شَرْحِ الْمَقْدِسِيَّ مَا نَصُّهُ: فَرْعٌ جَعَلَ مُحَمَّدٌ وَلَدَ الْعَبْدِ الْمَغْرُورِ حُرًّا بِالْقِيمَةِ كَوَلَدِ الْحُرِّ الْمَغْرُورِ لِأَنَّ السَّبَبَ الْمُوجِبَ لِحُرِّيَّتِهِ الْغُرُورُ وَاشْتِرَاطُ الْحُرِّيَّةِ عِنْدَ النِّكَاحِ وَذَا يَتَحَقَّقُ فِي الرَّقِيقِ كَالْحُرِّ وَكَمَا يَحْتَاجُ الْحُرُّ إلَى حُرِّيَّةِ الْوَلَدِ فَكَذَا الْمَمْلُوكُ بَلْ حَاجَتُهُ أَظْهَرُ إذْ رُبَّمَا يَتَطَرَّقُ بِهِ لِحُرِّيَّةِ نَفْسِهِ تَوْضِيحُهُ أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِحُرِّيَّةِ الزَّوْجِ وَرِقِهِ فِي رِقِّ الْوَلَدِ بَلْ الْمُعْتَبَرُ جَانِبُ الْأُمِّ وَسَقَطَ اعْتِبَارُ رِقِّهَا فِي حَقِّ الْوَلَدِ عِنْدَ اشْتِرَاطِ الْحُرِّيَّةِ إذَا كَانَ الزَّوْجُ حُرًّا فَكَذَا لَوْ كَانَ عَبْدًا وَحَكَمَا بِرِقِّهِ لِأَنَّهُ خُلِقَ مِنْ مَاءِ رَقِيقَيْنِ لِتَفَرُّعِ الْوَلَدِ مِنْ الْأَصْلِ فَيَتَّصِفُ بِصِفَتِهِ فَلَا تَثْبُتُ الْحُرِّيَّةُ لِلْوَلَدِ مِنْ غَيْرِ عِتْقٍ وَأَمَّا إذَا كَانَ الزَّوْجُ حُرًّا فَحُرِّيَّةُ الْوَلَدِ تَثْبُتُ بِاتِّفَاقِ الصَّحَابَةِ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ وَتَمَامُهُ فِيهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ فِي الْعِبَارَةِ سَقْطًا وَاَلَّذِي فِي الْخَانِيَّةِ، وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمَا التَّعْبِيرُ بِرَجُلٍ وَهُوَ شَامِلٌ لِلْحُرِّ، وَالْعَبْدِ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَظْهَرْ لِي الْآنَ) أَيْ الْفَرْقُ الْمَذْكُورُ وَيُمْكِنُ أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّ التَّعْلِيقَ الضِّمْنِيَّ فِي مَسْأَلَتِنَا لَا يُعَامَلُ مُعَامَلَةَ التَّعْلِيقِ الصَّرِيحِ لِأَنَّ حُرِّيَّةَ الْأَوْلَادِ تَعَلَّقَ فِيهَا حَقُّ الزَّوْجِ وَإِذَا تَزَوَّجَ الْمَغْرُورُ أَمَةً عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ فَأَوْلَادُهُ أَحْرَارٌ لِأَنَّهُ فِي الْمَعْنَى شَارِطٌ لِحُرِّيَّةِ الْأَوْلَادِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْأَوْلَادَ أَحْرَارٌ، وَإِنْ مَاتَ مَوْلَاهَا أَوْ بَاعَهَا وَلَا يُنَزَّلُ اشْتِرَاطُ الْحُرِّيَّةِ صَرِيحًا فِي مَسْأَلَتِنَا عَنْ اشْتِرَاطِهَا مَعْنًى فِي مَسْأَلَةِ الْمَغْرُورِ لِأَنَّ الزَّوْجَ مَلَكَ بُضْعَهَا بِهَذَا الشَّرْطِ فَلَا يَفْتَرِقُ الْحَالُ بَيْنَ بَقَائِهَا عَلَى مِلْكِ الْمَوْلَى وَانْتِقَالِهَا إلَى غَيْرِهِ كَالْمُكَاتَبِ فَإِنَّهُ فِي مَعْنَى الْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ عَلَى الْأَدَاءِ وَلَا يَبْطُلُ هَذَا التَّعْلِيقُ الْمَعْنَوِيُّ بِمَوْتِ الْمُعَلِّقِ. (قَوْلُهُ: وَهَذَا أَشْبَهُ بِمَسْأَلَتِنَا) أَيْ لِأَنَّ فِيهِ تَعْلِيقُ حُرِّيَّةِ أَوْلَادِ الْغَيْرِ مِنْ أَمَةِ الْمُعَلِّقِ (قَوْلُهُ: سَقَطَ مَهْرُهَا) أَيْ إنْ كَانَ الْبَيْعُ قَبْلَ الْوَطْءِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ كَمَا سَيَأْتِي. . . إلَخْ (قَوْلُهُ: وَفِي الِاصْطِلَاحِ. . . إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: اعْلَمْ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الْمَعْنَى الْعُرْفِيِّ مِنْ التَّقْيِيدِ بِدَفْعِهَا إلَيْهِ كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ، وَالِاكْتِفَاءُ بِالتَّخْلِيَةِ كَمَا ظَنَّ بَعْضُهُمْ غَيْرُ وَاقِعٍ وَتَسْلِيمُهَا إلَيْهِ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الصَّدَاقِ وَاجِبٌ بِمُقْتَضَى الْعَقْدِ وَذَلِكَ بِالتَّخْلِيَةِ، وَالتَّبْوِئَةُ أَمْرٌ زَائِدٌ عَلَيْهَا وَإِقْدَامُ الْمَوْلَى عَلَى هَذَا لَا يَسْتَلْزِمُ رِضَاهُ بِهَا بَلْ بِمُجَرَّدِ إطْلَاقِ وَطْئِهِ إيَّاهَا مَتَى ظَفَرَ يَتَوَفَّرُ مُقْتَضَاهُ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ كَافٍ فِي التَّسْلِيمِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الدِّرَايَةِ حَيْثُ قَالَ التَّبْوِئَةُ قَدْرٌ زَائِدٌ عَلَى التَّسْلِيمِ لِيَتَحَقَّقَ بِدُونِهَا بِأَنْ قِيلَ مَتَى ظَفِرْت بِهَا وَطِئْتهَا وَمَا فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّهُ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الصَّدَاقِ يُؤْمَرُ بِأَنْ يُدْخِلَهَا عَلَى زَوْجِهَا مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُسَلِّمُهَا إلَيْهِ اهـ. وَهُوَ أَوْلَى مِمَّا جَمَعَ بِهِ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِهِ بَيْنَ مَا فِي الدِّرَايَةِ وَبَيْنَ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ عَنْ الْمَبْسُوطِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَنْفِيِّ التَّبْوِيَةُ الْمُسْتَمِرَّةُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 211 بِهَا وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ مَنْعُهُ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ. (قَوْلُهُ: وَلَهُ إجْبَارُهُمَا عَلَى النِّكَاحِ) أَيْ لِلسَّيِّدِ إجْبَارُ الْعَبْدِ، وَالْأَمَةِ عَلَيْهِ بِمَعْنَى تَنْفِيذِ النِّكَاحِ عَلَيْهِمَا، وَإِنْ لَمْ يَرْضَيَا لَا أَنْ يَحْمِلَهُمَا عَلَى النِّكَاحِ بِضَرْبٍ أَوْ نَحْوِهِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا إجْبَارَ فِي الْعَبْدِ لِأَنَّ النِّكَاحَ مِنْ خَصَائِصِ الْآدَمِيَّةِ، وَالْعَبْدُ دَاخِلٌ تَحْتَ مِلْكِ الْمَوْلَى مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَالٌ فَلَا يَمْلِكُ إنْكَاحَهُ بِخِلَافِ الْأَمَةِ لِأَنَّهُ مَالِكٌ لِمَنَافِعِ بُضْعِهَا فَيَمْلِكُ تَمْلِيكَهَا، وَلَنَا أَنَّ الْإِنْكَاحَ إصْلَاحُ مِلْكِهِ لِأَنَّ فِيهِ تَحْصِينَهُ عَنْ الزِّنَا الَّذِي هُوَ سَبَبُ الْهَلَاكِ، وَالنُّقْصَانِ، فَيَمْلِكُهُ اعْتِبَارًا بِالْأَمَةِ أَطْلَقَهُمَا فَشَمِلَ الصَّغِيرَ، وَالْكَبِيرَ، وَالصَّغِيرَةَ، وَالْكَبِيرَةَ، وَالْقِنَّ، وَالْمُدَبَّرَ وَأُمَّ الْوَلَدِ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِي الْكُلِّ كَامِلٌ وَخَرَجَ الْمُكَاتَبُ، وَالْمُكَاتَبَةُ، وَالصَّغِيرَةُ فَلَيْسَ لَهُ إجْبَارُهُمَا عَلَيْهِ صَغِيرَيْنِ كَانَا أَوْ كَبِيرَيْنِ لِأَنَّهُمَا الْتَحَقَا بِالْأَحْرَارِ تَصَرُّفًا فَيُشْتَرَطُ رِضَاهُمَا فَالْحَاصِلُ أَنَّ وِلَايَةَ الْإِجْبَارِ فِي الْمَمْلُوكِ تَعْتَمِدُ كَمَالَ الْمِلْكِ لَا كَمَالَ الرِّقِّ، وَالْمِلْكُ كَامِلٌ فِي الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ، وَإِنْ كَانَ الرِّقُّ نَاقِصًا، وَالْمُكَاتَبُ عَلَى عَكْسِهِمَا وَلِذَا دَخَلَا تَحْتَ قَوْلِهِ: كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ فَهُوَ حُرٌّ دُونَهُ. وَحَلَّ وَطْءُ أُمِّ الْوَلَدِ دُونَ الْمُكَاتَبَةِ لِأَنَّهُ يَعْتَمِدُ كَمَالَ الْمِلْكِ فَقَطْ وَلَمْ يَجُزْ عِتْقُهُمَا عَنْ الْكَفَّارَةِ لِأَنَّهَا تُبْتَنَى عَلَى كَمَالِ الرِّقِّ وَأَمَّا الْبَيْعُ فَإِنَّهُ يَعْتَمِدُ كَمَالُهُمَا فَلَمْ يَجُزْ بَيْعُ الْكُلِّ، وَفِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ الْمَوْلَى إذَا زَوَّجَ مُكَاتَبَتَهُ الصَّغِيرَةَ تَوَقَّفَ النِّكَاحُ عَلَى إجَارَتِهَا لِأَنَّهَا مُلْحَقَةٌ بِالْبَالِغَةِ فِيمَا يُبْتَنَى عَلَى الْكِتَابَةِ ثُمَّ إنَّهَا لَوْ لَمْ تُرَدْ حَتَّى أَدَّتْ فَعَتَقَتْ بَقِيَ النِّكَاحُ مَوْقُوفًا عَلَى إجَازَةِ الْمَوْلَى لَا إجَازَتِهَا لِأَنَّهَا بَعْدَ الْعِتْقِ لَمْ تَبْقَ مُكَاتَبَةً وَهِيَ صَغِيرَةٌ، وَالصَّغِيرَةُ لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الْإِجَازَةِ فَاعْتُبِرَ التَّوَقُّفُ عَلَى إجَازَتِهَا حَالَ رَقِّهَا وَلَمْ يُعْتَبَرْ بَعْدَ الْعِتْقِ. قَالُوا وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ أَعْجَبِ الْمَسَائِلِ فَإِنَّهَا مَهْمَا زَادَتْ مِنْ الْمَوْلَى بُعْدًا ازْدَادَتْ إلَيْهِ قُرْبًا فِي النِّكَاحِ فَإِنَّهُ يَمْلِكُ إلْزَامَ النِّكَاحِ عَلَيْهَا بَعْدَ الْعِتْقِ لَا قَبْلَهُ وَأَعْجَبُ مِنْهُ أَنَّهَا لَوْ رُدَّتْ إلَى الرِّقِّ يَبْطُلُ النِّكَاحُ الَّذِي بَاشَرَهُ الْمَوْلَى، وَإِنْ أَجَازَهُ الْمَوْلَى لِأَنَّهُ طَرَأَ حِلُّ بَاتٌّ عَلَى مَوْقُوفٍ فَأَبْطَلَهُ إلَّا أَنَّ هَذَا كُلَّهُ ثَبَتَ بِالدَّلِيلِ وَهُوَ يَعْمَلُ الْعَجَائِبَ، وَقَدْ بَحَثَ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّ الَّذِي يَقْتَضِيه النَّظَرُ عَدَمُ التَّوَقُّفِ عَلَى إجَازَةِ الْمَوْلَى بَعْدَ الْعِتْقِ بَلْ بِمُجَرَّدِ عِتْقِهَا يَنْفُذُ النِّكَاحُ لِمَا صَرَّحُوا بِهِ مِنْ أَنَّهُ إذَا تَزَوَّجَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ فَأَعْتَقَهُ نَفَذَ لِأَنَّهُ لَوْ تَوَقَّفَ فَإِمَّا عَلَى إجَازَةِ الْمَوْلَى وَهُوَ مُمْتَنِعٌ لِانْتِفَاءِ وِلَايَتِهِ، وَإِمَّا عَلَى الْعَبْدِ فَلَا وَجْهَ لَهُ لِأَنَّهُ صَدَرَ مِنْ جِهَتِهِ فَكَيْفَ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ كَانَ نَافِذًا مِنْ جِهَتِهِ وَإِنَّمَا تَوَقَّفَ عَلَى السَّيِّدِ فَكَذَا السَّيِّدُ هُنَا فَإِنَّهُ وَلِيٌّ مُجْبَرٌ وَإِنَّمَا التَّوَقُّفُ عَلَى إذْنِهَا لِعَقْدِ الْكِتَابَةِ، وَقَدْ زَالَ فَبَقِيَ النَّفَاذُ مِنْ جِهَةِ السَّيِّدِ وَهَذَا هُوَ الْوَجْهُ وَكَثِيرًا مَا يُقَلِّدُ السَّاهُونَ السَّاهِينَ وَهَذَا بِخِلَافِ الصَّبِيِّ إذَا زَوَّجَ نَفْسَهُ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ فَإِنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ وَلِيِّهِ فَلَوْ بَلَغَ قَبْلَ أَنْ يَرُدَّهُ لَا يَنْفُذُ حَتَّى يُجِيزَهُ الصَّبِيُّ لِأَنَّ الْعَقْدَ حِينَ صَدَرَ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ نَافِذًا مِنْ جِهَتِهِ إذْ لَا نَفَاذَ حَالَةَ الصِّبَا أَوْ عَدَمِ أَهْلِيَّةِ الرَّأْيِ بِخِلَافِ الْعَبْدِ وَمَوْلَى الْمُكَاتَبَةِ الصَّغِيرَةِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الصَّغِيرَ، وَالصَّغِيرَةَ لَيْسَا مِنْ أَهْلِ الْعِبَارَةِ بِخِلَافِ الْبَالِغِ اهـ. وَجَوَابُهُ أَنَّهُ سُوءُ أَدَبٍ وَغَلَطٌ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ صَرَّحَ بِهَا الْإِمَامُ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ فَكَيْفَ يُنْسَبُ السَّهْوُ إلَيْهِ وَإِلَى مُقَلِّدِيهِ، وَأَمَّا الثَّانِي: فَلِأَنَّ مُحَمَّدًا عَلَّلَ لِتَوَقُّفِهِ عَلَى إجَازَةِ الْمَوْلَى بِأَنَّهُ تَجَدَّدَ لَهُ وِلَايَةٌ لَمْ تَكُنْ وَقْتَ الْعَقْدِ، وَهِيَ الْوَلَاءُ بِالْعِتْقِ وَلِذَا إنَّمَا يَكُونُ لَهُ الْإِجَازَةُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلِيٌّ أَقْرَبُ مِنْهُ كَالْأَخِ، وَالْعَمِّ قَالَ فَصَارَ كَالشَّرِيكِ زَوَّجَ الْعَبْدَ ثُمَّ مَلَكَ الْبَاقِيَ وَكَمَنْ أَذِنَ لِعَبْدِ ابْنِهِ أَوْ زَوَّجَ نَافِلَتَهُ ثُمَّ مَاتَ الِابْنُ بِخِلَافِ الرَّاهِنِ وَمَوْلَى الْمَأْذُونِ بَاعَا ثُمَّ سَقَطَ الدَّيْنُ حَيْثُ لَا يَفْتَقِرُ إلَى الْإِجَازَةِ لِأَنَّ النَّفَاذَ بِالْوِلَايَةِ الْأَصْلِيَّةِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْوِلَايَةَ الَّتِي قَارَنَهَا رِضَاهُ بِتَزْوِيجِهَا وِلَايَةٌ بِحُكْمِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَجَوَابُهُ أَنَّهُ سُوءُ أَدَبٍ وَغَلَطٌ) أَقَرَّهُ عَلَيْهِ فِي النَّهْرِ وَاسْتَحْسَنَهُ وَكَذَا فِي الشرنبلالية وَشَرْحِ الْبَاقَانِيُّ وَغَيْرِهِمْ وَقَالَ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ فِي الرَّمْزِ قُلْتُ: هَذَا الَّذِي بَحَثَهُ هُوَ الْقِيَاسُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ الْحَصِيرِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَإِذَا كَانَ هُوَ الْقِيَاسُ فَلَا يُقَالُ فِي شَأْنِهِ إنَّهُ غَلَطٌ وَسُوءُ أَدَبٍ عَلَى أَنَّ الشَّخْصَ الَّذِي بَلَغَ رُتْبَةَ الِاجْتِهَادِ إذَا قَالَ مُقْتَضَى النَّظَرِ كَذَا الشَّيْءُ هُوَ الْقِيَاسُ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ بِأَنَّ هَذَا مَنْقُولٌ لِأَنَّهُ إنَّمَا اتَّبَعَ الدَّلِيلَ الْمَقْبُولَ، وَإِنْ كَانَ الْبَحْثُ لَا يَقْضِي عَلَى الْمَذْهَبِ اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَا ذَكَرَهُ لَا يَنْفِي كَوْنَ تَعْبِيرِ الْمُحَقِّقِ سُوءَ أَدَبٍ فِي حَقِّ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ مُحَرِّرِ الْمَذْهَبِ وَأَتْبَاعِهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى نِسْبَةِ الْفَرْعِ الْمَذْكُورِ إلَيْهِ إذْ ذَاكَ بَلْ ظَنَّهُ تَخْرِيجًا مِنْ بَعْضِ الْمَشَايِخِ وَتَبِعَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا كَمَا يُشْعِرُ بِهِ كَلَامُهُ حَيْثُ قَالَ وَعَنْ هَذَا اسْتَظْرَفْت مَسْأَلَةً نُقِلَتْ عَنْ الْمُحِيطِ هِيَ أَنَّ الْمَوْلَى إلَى أَنْ قَالَ هَكَذَا تَوَارَدَهَا الشَّارِحُونَ عَلَى أَنَّا لَمْ نَعْهَدْ مِنْهُ فِي مُخَالَفَاتِهِ لِلْمَذْهَبِ صَرِيحًا مِثْلَ هَذَا الْكَلَامِ فَالْأَنْسَبُ حُسْنُ الظَّنِّ بِمِثْلِ هَذَا الْإِمَامِ (قَوْلُهُ: أَوْ زَوَّجَ نَافِلَتَهُ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا فِي التَّلْخِيصِ، وَفِي بَعْضِهَا أَوْ نَافِلَتَهُ بِدُونِ زَوَّجَ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ النَّفَاذَ بِالْوِلَايَةِ الْأَصْلِيَّةِ) وَهِيَ وِلَايَةُ الْمِلْكِ وَإِنَّمَا امْتَنَعَ النَّفَاذُ فِي الْحَالِ لِمَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 212 الْمِلْكِ، وَبَعْدَ الْعَقْدِ تَجَدَّدَ لَهُ وِلَايَةٌ بِحُكْمِ الْوَلَاءِ فَيُشْتَرَطُ تَجَدُّدُ رِضَاهُ لِتَجَدُّدِ الْوِلَايَةِ كَذَا فِي شَرْحِ تَلْخِيصِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَكَثِيرًا مَا يَعْتَرِضُ الْمُخْطِئُ عَلَى الْمُصِيبِينَ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ السَّيِّدَ لَوْ زَوَّجَ الْمُكَاتَبَةَ بِغَيْرِ رِضَاهَا ثُمَّ عَجَزَتْ بَطَلَ النِّكَاحُ لِمَا ذَكَرْنَا، وَإِنْ كَانَ مُكَاتَبًا لَمْ يَبْطُلْ لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ إجَازَةِ الْمَوْلَى، وَإِنْ كَانَ قَدْ رَضِيَ أَوَّلًا لِأَنَّهُ إنَّمَا رَضِيَ بِتَعَلُّقِ مُؤَنِ النِّكَاحِ كَالْمَهْرِ، وَالنَّفَقَةِ بِكَسْبِ الْمُكَاتَبِ لَا بِمِلْكِ نَفْسِهِ وَكَسْبُ الْمَكَاتِبِ بَعْدَ عَجْزِهِ مِلْكُ الْمَوْلَى كَذَا فِي التَّلْخِيصِ فَهُوَ نَظِيرُ مَا إذَا زَوَّجَهَا الْأَبْعَدَ مَعَ وُجُودِ الْأَقْرَبِ ثُمَّ زَالَتْ وِلَايَةُ الْأَقْرَبِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُجِيزَهُ الْأَبْعَدُ وَسَيَأْتِي إيضَاحُهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَيْضًا وَاعْلَمْ أَنَّ الْفُضُولِيَّ إذَا بَاشَرَ ثُمَّ صَارَ وَكِيلًا فَإِنَّهُ يَنْفُذُ بِإِجَازَتِهِ بَيْعًا كَانَ أَوْ نِكَاحًا، وَكَذَا لَوْ صَارَ وَلِيًّا وَلَوْ صَارَ مَالِكًا فَإِنْ طَرَأَ عَلَيْهِ حِلٌّ بَاتٌّ أَبْطَلَهُ وَإِلَّا فَلَا وَيَنْفُذُ بِإِجَارَتِهِ، وَالْعَبْدُ الْمَحْجُورُ إذَا بَاشَرَ عَقْدًا ثُمَّ أُذِنَ لَهُ بِهِ فَإِنْ كَانَ نِكَاحًا نَفَذَ بِإِجَازَتِهِ وَلَوْ كَانَ بَيْعَ مَالِ مَوْلَاهُ فَإِنَّهُ لَا يَنْفُذُ بِإِجَازَتِهِ، وَالصَّبِيُّ الْمَحْجُورُ إذَا بَاشَرَ عَقْدًا ثُمَّ أَذِنَ لَهُ وَلِيُّهُ فِيهِ فَأَجَازَهُ جَازَ نِكَاحًا أَوْ بَيْعًا وَلَوْ بَلَغَ فَأَجَازَهُ بَعْدَ بُلُوغِهِ جَازَ، وَالْعَبْدُ الْمَحْجُورُ إذَا تَصَرَّفَ بِلَا إذْنٍ ثُمَّ أُعْتِقَ فَإِنْ كَانَ نِكَاحًا أَوْ إقْرَارًا بِدَيْنٍ نَفَذَ بِلَا إجَازَةٍ، وَإِنْ كَانَ بَيْعًا لَا يَجُوزُ بِإِجَازَتِهِ بَعْدَ إعْتَاقِهِ، وَالْمُكَاتَبُ لَوْ زَوَّجَ قِنَّهُ ثُمَّ عَتَقَ فَأَجَازَ لَمْ يَجُزْ، وَالْقَاضِي لَوْ زَوَّجَ الْيَتِيمَ وَلَمْ يَكُنْ فِي مَنْشُورِهِ ثُمَّ أَذِنَ لَهُ فَأَجَازَ جَازَ وَكَذَا الْوَلِيُّ الْأَبْعَدُ مَعَ الْأَقْرَبِ وَتَمَامُهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مِنْ الْفَصْلِ الرَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ. (قَوْلُهُ: وَيَسْقُطُ الْمَهْرُ بِقَتْلِ السَّيِّدِ أَمَتَهُ قَبْلَ الْوَطْءِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا عَلَيْهِ الْمَهْرُ لِمَوْلَاهَا اعْتِبَارًا بِمَوْتِهَا حَتْفَ أَنْفِهَا، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَقْتُولَ مَيِّتٌ بِأَجَلِهِ وَلَهُ أَنَّهُ مَنَعَ الْمُبْدَلَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَيُجَازَى بِمَنْعِ الْبَدَلِ كَمَا إذَا ارْتَدَّتْ الْحُرَّةُ وَكَمَا إذَا قَتَلَ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ، وَالْقَتْلُ فِي حَقِّ أَحْكَامِ الدُّنْيَا جُعِلَ إتْلَافًا حَتَّى وَجَبَ الْقِصَاصُ، وَالدِّيَةُ فَكَذَا فِي حَقِّ الْمَهْرِ أَفَادَ بِسُقُوطِهِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَقْبُوضًا سَقَطَ عَنْ ذِمَّةِ الزَّوْجِ، وَإِنْ كَانَ مَقْبُوضًا لَزِمَهُ رَدُّ جَمِيعِهِ عَلَى الزَّوْجِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ: وَقَيَّدَ بِالسَّيِّدِ لِأَنَّهُ لَوْ قَتَلَهَا أَجْنَبِيٌّ لَا يَسْقُطُ اتِّفَاقًا وَأَطْلَقَ السَّيِّدَ فَشَمِلَ الصَّغِيرَ، وَالْكَبِيرَ، وَذَكَرَ فِي الْمُسْتَصْفَى فِيهِ قَوْلَانِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْمُجَازَاةِ بِأَنْ كَانَ صَبِيًّا زَوَّجَ أَمَتَهُ وَصِيَّهُ مَثَلًا قَالُوا: يَجِبُ أَنْ لَا يَسْقُطَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ بِخِلَافِ الْحُرَّةِ الصَّغِيرَةِ إذَا ارْتَدَّتْ يَسْقُطُ مَهْرُهَا لِأَنَّ الصَّغِيرَةَ الْعَاقِلَةَ مِنْ أَهْلِ الْمُجَازَاةِ عَلَى الرِّدَّةِ بِخِلَافِ غَيْرِهَا مِنْ الْأَفْعَالِ لِأَنَّهَا لَمْ تُحْظَرْ عَلَيْهَا، وَالرِّدَّةُ مَحْظُورَةٌ عَلَيْهَا اهـ. فَتَرَجَّحَ بِهِ عَدَمُ السُّقُوطِ وَقَيَّدَ بِالْأَمَةِ لِأَنَّ السَّيِّدَ لَوْ قَتَلَ زَوْجَ أَمَتِهِ لَمْ يَسْقُطْ الْمَهْرُ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي الْعَاقِدِ لَا فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِ قَبْلَ الْوَطْءِ لِأَنَّهُ لَوْ قَتَلَهَا بَعْدَهُ لَا يَسْقُطُ اتِّفَاقًا وَأَشَارَ بِالْقَتْلِ إلَى كُلِّ تَفْوِيتٍ حَصَلَ بِفِعْلِ الْمَوْلَى فَلِهَذَا سَقَطَ الْمَهْرُ لَوْ بَاعَهَا وَذَهَبَ بِهَا الْمُشْتَرِي مِنْ الْمِصْرِ أَوْ أَعْتَقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَاخْتَارَتْ الْفُرْقَةَ أَوْ غَيَّبَهَا بِمَوْضِعٍ لَا يَصِلُ إلَيْهَا الزَّوْجُ كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَغَيْرِهِ، وَالْمُرَادُ بِسُقُوطِهِ فِي الْأُولَى، وَالثَّالِثَةِ سُقُوطُ الْمُطَالَبَةِ بِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحِيطِ، وَالظَّهِيرِيَّةِ لَا سُقُوطَهُ أَصْلًا لِأَنَّهُ لَوْ أَحْضَرَهَا بَعْدَهُ فَلَهُ الْمَهْرُ كَمَا لَا يَخْفَى وَأَرَادَ الْمُصَنِّفُ بِالْأَمَةِ الْقِنَّةَ، وَالْمُدَبَّرَةَ وَأُمَّ الْوَلَدِ لِمَا عُرِفَ مِنْ أَنَّ مَهْرَ الْمُكَاتَبَةِ لَهَا لَا الْمَوْلَى فَلَا يَسْقُطُ بِقَتْلِ الْمَوْلَى إيَّاهَا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا مَاتَتْ فَلَا تَخْلُو إمَّا أَنْ تَكُونَ حُرَّةً أَوْ مُكَاتَبَةً أَوْ أَمَةً وَكُلٌّ مِنْ الثَّلَاثَةِ إمَّا أَنْ تَكُونَ حَتْفَ أَنْفِهَا أَوْ بِقَتْلِهَا نَفْسَهَا أَوْ بِقَتْلِ غَيْرِهَا، وَكُلٌّ مِنْ التِّسْعَةِ إمَّا قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ فَهِيَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَلَا يَسْقُطُ مَهْرُهَا عَلَى الصَّحِيحِ فِي الْكُلِّ إلَّا إذَا كَانَتْ أَمَةً وَقَتَلَهَا سَيِّدُهَا قَبْلَ الدُّخُولِ (قَوْلُهُ: لَا بِقَتْلِ الْحُرَّةِ نَفْسَهَا قَبْلَهُ) أَيْ لَا يَسْقُطُ الْمَهْرُ بِقَتْلِ الْحُرَّةِ نَفْسَهَا قَبْلَ الْوَطْءِ لِأَنَّ جِنَايَةَ الْمَرْءِ عَلَى نَفْسِهِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ فِي حَقِّ أَحْكَامِ الدُّنْيَا فَشَابَهَ مَوْتَهَا حَتْفَ أَنْفِهَا وَلِأَنَّهَا لَا تَمْلِكُ إسْقَاطَ حَقِّهِمْ فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ اُقْتُلْنِي فَقَتَلَهُ فَإِنَّهُ تَجِبُ الدِّيَةُ بِخِلَافِ اقْطَعْ يَدَيَّ فَقَطَعَهَا لَا يَجِبُ شَيْءٌ بِخِلَافِ   [منحة الخالق] فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِالْمُرْتَهِنِ، وَالْغُرَمَاءِ فَإِذَا سَقَطَ الدَّيْنُ فَاتَ الضَّرَرُ فَنَفَذَ الْعَقْدُ بِالْوِلَايَةِ الْأَصْلِيَّةِ. (قَوْلُهُ: وَقَالَا عَلَيْهِ الْمَهْرُ لِمَوْلَاهَا) قَالَ فِي النَّهْرِ: يَنْبَغِي أَنْ يُقَيِّدَ الْخِلَافَ بِمَا إذَا لَمْ تَكُنْ مَأْذُونَةً لَحِقَهَا بِهِ دَيْنٌ فَإِنْ كَانَتْ لَا يَسْقُطُ اتِّفَاقًا لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْمَهْرَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَهَا يُوفِي مِنْهُ دُيُونَهَا غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَفِ بِدَيْنِهَا كَانَ عَلَى الْمَوْلَى قِيمَتُهَا لِلْغُرَمَاءِ فَيُضَمُّ إلَى الْمَهْرِ وَيُقْسَمُ بَيْنَهُمْ سَيَأْتِي أَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَ الْمَدْيُونَ كَانَ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ فَالْقَتْلُ أَوْلَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 213 قَتْلِ الْمَوْلَى لِأَنَّهُ مُعْتَبَرٌ فِي حَقِّ أَحْكَامِ الدُّنْيَا حَتَّى تَجِبَ الْكَفَّارَةُ عَلَيْهِ وَلِذَا لَوْ قَالَ الْمَوْلَى لِغَيْرِهِ: اُقْتُلْ عَبْدِي فَقَتَلَهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِالْحُرَّةِ لِلِاخْتِلَافِ فِي قَتْلِ الْأَمَةِ نَفْسَهَا، وَالصَّحِيحُ عَدَمُ السُّقُوطِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ لِأَنَّ الْمَهْرَ لِمَوْلَاهَا وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ مَنْعُ الْمُبْدَلِ فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ: لَا بِقَتْلِ الْمَرْأَةِ نَفْسَهَا لَكَانَ أَوْلَى وَقَيَّدَ بِالْقَتْلِ لِأَنَّ الْأَمَةَ لَوْ أَبَقَتْ فَلَا صَدَاقَ لَهَا مَا لَمْ تَحْضُرْ فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ ارْتَدَّتْ الْمَرْأَةُ عَنْ الْإِسْلَامِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَإِنْ كَانَتْ حُرَّةً سَقَطَ الْمَهْرُ اتِّفَاقًا، وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً فَفِي التَّبْيِينِ أَنَّ فِي السُّقُوطِ رِوَايَتَيْنِ وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَإِذَا ارْتَدَّتْ الْأَمَةُ أَوْ الْحُرَّةُ قَبْلَ الدُّخُولِ يَسْقُطُ الْمَهْرُ اتِّفَاقًا فَكَأَنَّهُ لِضَعْفِ رِوَايَةِ عَدَمِهِ لَمْ يَعْتَبِرْهَا وَحُكْمُ تَقْبِيلِ ابْنِ الزَّوْجِ مِنْهُمَا كَالرِّدَّةِ، وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ قَبَّلَتْ الْأَمَةُ ابْنَ زَوْجِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَادَّعَى الزَّوْجُ أَنَّهَا قَبَّلَتْهُ بِشَهْوَةٍ وَكَذَّبَهُ سَيِّدُهَا تَبِينُ الْأَمَةُ مِنْهُ بِإِقْرَارِهِ وَيَلْزَمُهُ نِصْفُ الْمَهْرِ لِتَكْذِيبِ الْمَوْلَى أَنَّهُ كَانَ بِشَهْوَةٍ اهـ. وَيَنْبَغِي تَرْجِيحُ عَدَمِ سُقُوطِهِ فِي رِدَّةِ الْأَمَةِ وَتَقْبِيلِهَا ابْنَ الزَّوْجِ قِيَاسًا عَلَى مَا إذَا قَتَلَتْ نَفْسَهَا فَإِنَّ الزَّيْلَعِيَّ جَعَلَ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْكُلِّ، وَقَدْ صَحَّحَ قَاضِي خَانْ عَدَمَهُ فِي الْقَتْلِ فَلْيَكُنْ تَصْحِيحًا فِي الْأُخْرَيَيْنِ أَيْضًا، وَهُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّ مُسْتَحِقَّهُ لَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا وَهُوَ الْمَوْلَى وَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ بِنَاءِ الْخِلَافِ عَلَى الْخِلَافِ فِي أَنَّ الْمَهْرَ هَلْ يَجِبُ لِلْمَوْلَى ابْتِدَاءً أَوْ يَجِبُ لَهَا ثُمَّ يَنْتَقِلُ لِلْمَوْلَى عِنْدَ الْفَرَاغِ مِنْ حَاجَتِهَا ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ وَلَوْ وَجَبَ لَهَا ابْتِدَاءً يَسْتَقِرُّ لِلْمَوْلَى بَعْدَهُ فَلَا يَسْقُطُ بِفِعْلِهَا عَلَى الْقَوْلَيْنِ كَمَا لَا يَخْفَى وَأَمَّا الْقَائِلُ بِالسُّقُوطِ بِقَتْلِهَا نَفْسَهَا عَلَّلَ بِأَنَّ فِعْلَهَا يُضَافُ إلَى الْمَوْلَى بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَتَلَتْ إنْسَانًا خُوطِبَ مَوْلَاهَا بِالدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ، وَالتَّقْيِيدُ بِقَتْلِ الْمَرْأَةِ نَفْسَهَا لَيْسَ احْتِرَازِيًّا لِأَنَّ وَارِثَهَا لَوْ قَتَلَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ الْمَهْرُ أَيْضًا لِأَنَّهُ بِالْقَتْلِ لَمْ يَبْقَ وَارِثًا مُسْتَحِقًّا لِلْمَهْرِ لِحِرْمَانِهِ بِهِ فَصَارَ كَالْأَجْنَبِيِّ إذَا قَتَلَهَا. (قَوْلُهُ: وَالْإِذْنُ فِي الْعَزْلِ لِسَيِّدِ الْأَمَةِ) لِأَنَّهُ يُخِلُّ بِمَقْصُودِ الْمَوْلَى وَهُوَ الْوَلَدُ فَيُعْتَبَرُ رِضَاهُ وَهَذَا هُوَ قَوْل أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَنْهُمَا فِي غَيْرِهَا: أَنَّ الْإِذْنَ لَهَا وَهُوَ ضَعِيفٌ قَيَّدَ بِالْأَمَةِ أَيْ أَمَةَ الْغَيْرِ لِأَنَّ الْعَزْلَ جَائِزٌ عَنْ أَمَةِ نَفْسِهِ بِغَيْرِ إذْنِهَا، وَالْإِذْنُ فِي الْعَزْلِ عَنْ الْحُرَّةِ لَهَا وَلَا يُبَاحُ بِغَيْرِهِ لِأَنَّهُ حَقُّهَا، وَفِي الْخَانِيَّةِ: ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ أَنَّهُ لَا يُبَاحُ بِغَيْرِ إذْنِهَا وَقَالُوا فِي زَمَانِنَا يُبَاحُ لِسُوءِ الزَّمَانِ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بَعْدَهُ فَلْيُعْتَبَرْ مِثْلُهُ مِنْ الْأَعْذَارِ مُسْقِطًا لِإِذْنِهَا وَأَفَادَ وَضْعُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْعَزْلَ جَائِزٌ بِالْإِذْنِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ لِمَا فِي الْبُخَارِيِّ «عَنْ جَابِرٍ: كُنَّا نَعْزِلُ وَالْقُرْآنُ يَنْزِلُ» . وَلِحَدِيثِ السُّنَنِ «أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ لِي جَارِيَةً وَأَنَا أَعْزِلُ عَنْهَا وَأَنَا أَكْرَهُ أَنْ تَحْمِلَ وَأَنَا أُرِيدُ مَا يُرِيدُ الرِّجَالُ وَإِنَّ الْيَهُودَ تُحَدِّثُ أَنَّ الْعَزْلَ الْمَوْءُودَةُ الصُّغْرَى قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَذَبَتْ الْيَهُودُ لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَخْلُقَهُ مَا اسْتَطَعْت أَنْ تَصْرِفَهُ» . وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ ثُمَّ فِي بَعْضِ أَجْوِبَةِ الْمَشَايِخِ الْكَرَاهَةُ، وَفِي بَعْضِهَا عَدَمُهَا، وَفِي الْمِعْرَاجِ الْعَزْلُ أَنْ يُجَامِعَ فَإِذَا جَاءَ وَقْتُ الْإِنْزَالِ نَزَعَ فَأَنْزَلَ خَارِجَ الْفَرْجِ اهـ. ثُمَّ إذَا عَزَلَ بِإِذْنٍ أَوْ بِغَيْرِ إذْنٍ ثُمَّ ظَهَرَ بِهَا حَبَلٌ هَلْ يَحِلُّ نَفْيُهُ قَالُوا إنْ لَمْ يَعُدْ إلَيْهَا أَوْ عَادَ وَلَكِنْ بَال قَبْلَ الْعَوْدِ حَلَّ نَفْيُهُ، وَإِنْ لَمْ يَبُلْ لَا يَحِلُّ كَذَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِأَنَّ بَقِيَّةَ الْمَنِيِّ فِي ذَكَرِهِ يَسْقُطُ فِيهَا، وَلِذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: فِيمَا إذَا اغْتَسَلَ مِنْ الْجَنَابَةِ قَبْلَ الْبَوْلِ ثُمَّ بَالَ فَخَرَجَ الْمَنِيُّ وَجَبَ إعَادَةُ الْغُسْلِ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ، وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: رَجُلٌ لَهُ جَارِيَةٌ غَيْرُ مُحْصَنَةٍ تُخْرِجُ وَتُدْخِلُ وَيَعْزِلُ عَنْهَا الْمَوْلَى فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ وَأَكْبَرُ ظَنِّهِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ كَانَ فِي سَعَةٍ مِنْ نَفْيِهِ، وَإِنْ كَانَتْ مُحْصَنَةً لَا يَسَعُهُ نَفْيُهُ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَعْزِلُ فَيَقَعُ الْمَاءُ فِي الْفَرْجِ الْخَارِجِ ثُمَّ يُدْخِلُ فَلَا يَعْتَمِدُ عَلَى الْعَزْلِ اهـ. وَهَذَا يُفِيدُ ضَعْفَ التَّفْصِيلِ الْمُتَقَدِّمِ وَأَنَّهُ لَا يَحِلُّ النَّفْيُ مُطْلَقًا حَيْثُ كَانَتْ مُحْصَنَةً وَأَنَّ جَوَازَهُ مَشْرُوطٌ بِثَلَاثَةٍ: عَدَمُ تَحْصِينِهَا وَوُجُودُ الْعَزْلِ مِنْهُ، وَغَلَبَةُ الظَّنِّ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ مَا فِي الْمِعْرَاجِ بَيَانٌ لِمَحَلِّ غَلَبَةِ الظَّنِّ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ فَإِذَا كَانَ قَدْ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ بِنَاءِ الْخِلَافِ) قُلْت مَا فِي الْفَتْحِ تَقَدَّمَ مِثْلُهُ فِي عِبَارَةِ النَّهْرِ عَنْ الْمُحِيطِ قُبَيْلَ قَوْلِ الْمَتْنِ وَسَعَى الْمُدَبَّرُ، وَالْمُكَاتَبُ (قَوْلُهُ: يَسْتَقِرُّ لِلْمَوْلَى بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ وُجُوبِهِ لَهَا فَهُوَ عِنْدَ الرِّدَّةِ، وَالتَّقْبِيلِ كَانَ مُسْتَقِرًّا لَهُ فَلَا يَسْقُطُ إلَّا بِفِعْلٍ مِنْهُ، قَالَ فِي النَّهْرِ وَبِهَذَا عُرِفَ أَنَّ مَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مِنْ حِكَايَةِ الِاتِّفَاقِ عَلَى سُقُوطِهِ بِالرِّدَّةِ ضَعِيفٌ. (قَوْلُهُ: أَوْ عَادَ وَلَكِنْ بَالَ قَبْلَ الْعَوْدِ) أَيْ وَعَزَلَ فِي الْعَوْدِ أَيْضًا نَقَلَهُ فِي حَوَاشِي مِسْكِينٍ عَنْ الْحَانُوتِيِّ وَهُوَ ظَاهِرُ الْإِرَادَةِ وَنَقَلَ عَنْ خَطِّ الزَّيْلَعِيِّ يَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ بَعْدَ غَسْلِ الذَّكَرِ وَكَانَ وَجْهُهُ نَفْيُ احْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ عَلَى رَأْسِ الذَّكَرِ بَقِيَّةٌ مِنْهُ بَعْدَ الْبَوْلِ فَتُزَالُ بِالْغَسْلِ وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ مَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ مِنْ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ النَّوْمُ، وَالْمَشْيُ مِثْلُ الْبَوْلِ فِي حُصُولِ الْإِنْقَاءِ كَمَا ذَكَرُوهُ فِي بَابِ الْغُسْلِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 214 عَزَلَ وَلَمْ يَعُدْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ بِشَرْطِ أَنْ لَا تَكُونَ مُحْصَنَةً وَبِهِ يَحْصُلُ التَّوْفِيقُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ سَدُّ الْمَرْأَةِ فَمَ رَحِمِهَا كَمَا تَفْعَلُهُ النِّسَاءُ لِمَنْعِ الْوَلَدِ حَرَامًا بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ قِيَاسًا عَلَى عَزْلِهِ بِغَيْرِ إذْنِهَا، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهَلْ يُبَاحُ الْإِسْقَاطُ بَعْدَ الْحَبَلِ يُبَاحُ مَا لَمْ يَتَخَلَّقْ شَيْءٌ مِنْهُ ثُمَّ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُمْ أَرَادُوا بِالتَّخْلِيقِ نَفْخَ الرُّوحِ، وَإِلَّا فَهُوَ غَلَطٌ لِأَنَّ التَّخْلِيقَ يَتَحَقَّقُ بِالْمُشَاهَدَةِ قَبْلَ هَذِهِ الْمُدَّةِ اهـ. وَفِي الْخَانِيَّةِ مِنْ كِتَابِ الْكَرَاهِيَةِ: وَلَا أَقُولُ: بِأَنَّهُ يُبَاحُ الْإِسْقَاطُ مُطْلَقًا فَإِنَّ الْمُحْرِمَ إذَا كَسَرَ بَيْضَ الصَّيْدِ يَكُونُ ضَامِنًا لِأَنَّهُ أَصْلُ الصَّيْدِ فَلَمَّا كَانَ يُؤَاخَذُ بِالْجَزَاءِ ثَمَّ فَلَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ يَلْحَقَهَا إثْمٌ هَاهُنَا إذَا أُسْقِطَتْ بِغَيْرِ عُذْرٍ اهـ. وَيَنْبَغِي الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَهُ أَصْلًا صَحِيحًا يُقَاسُ عَلَيْهِ وَلِظَاهِرِ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لَمْ تُنْقَلْ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ صَرِيحًا وَلِذَا يُعَبِّرُونَ عَنْهَا بِصِيغَةِ قَالُوا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْأَمَةِ فِي الْمُخْتَصَرِ الْقِنَّةُ، وَالْمُدَبَّرَةُ وَأُمُّ الْوَلَدِ وَأَمَّا الْمُكَاتَبَةُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْإِذْنُ إلَيْهَا لِأَنَّ الْوَلَدَ لَمْ يَكُنْ لِلْمَوْلَى وَلَمْ أَرَهُ صَرِيحًا. (قَوْلُهُ: وَلَوْ عَتَقَتْ أَمَةٌ أَوْ مُكَاتَبَةٌ خُيِّرَتْ وَلَوْ زَوْجُهَا حُرًّا) «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِبَرِيرَةَ حِينَ أُعْتِقَتْ مَلَكْتِ الْمُزَوَّجَ فَاخْتَارِي» فَالتَّعْلِيلُ بِمِلْكِ الْبُضْعِ صَدَرَ مُطْلَقًا فَيَنْتَظِمُ الْفَصْلَيْنِ وَالشَّافِعِيُّ يُخَالِفُنَا فِيمَا إذَا كَانَ زَوْجُهَا حُرًّا وَهُوَ مَحْجُوجٌ بِهِ وَلِأَنَّهُ يَزْدَادُ الْمِلْكُ عَلَيْهَا عِنْدَ الْعِتْقِ فَيَمْلِكُ الزَّوْجُ بَعْدَهُ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ فَتَمْلِكُ رَفْعَ أَصْلِ الْعَقْدِ دَفْعًا لِلزِّيَادَةِ، وَالْعِلَّةُ الْمَذْكُورَةُ أَعْنِي ازْدِيَادَ الْمِلْكِ عَلَيْهَا قَدْ وُجِدَتْ فِي الْمُكَاتَبَةِ لِأَنَّ عِدَّتَهَا قُرْآنِ وَطَلَاقَهَا ثِنْتَانِ، وَقَدْ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ فِي زَوْجِ بَرِيرَةَ فَرُوِيَ أَنَّهُ كَانَ حُرًّا وَرُوِيَ أَنَّهُ كَانَ عَبْدًا وَرَجَّحَ أَئِمَّتُنَا الْأُولَى لِمَا فِي الْأُصُولِ مِنْ أَنَّهَا مُثْبِتَةٌ وَرِوَايَةُ أَنَّهُ كَانَ عَبْدًا نَافِيَةٌ لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ كَانَ حَالَتُهُ الْأَصْلِيَّةُ الرِّقَّ، وَالنَّافِي هُوَ الَّذِي أَبْقَاهَا، وَنَفْيُ الْأَمْرِ الْمُعَارِضِ، وَالْمُثْبِتِ هُوَ الْمَخْرَجُ عَنْهَا وَقَدْ رَجَّحَ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ قَوْلَ زُفَرَ مِنْ أَنَّ الْمُكَاتَبَةَ إذَا أَعْتَقَتْ فَإِنَّهُ لَا خِيَارَ لَهَا بِأَنَّهُ قَوْلُهُ: - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَدْ مَلَكْتِ بُضْعَكِ لَيْسَ مَعْنَاهُ إلَّا مَنَافِعَ بُضْعَك إذْ لَا يُمْكِنُ مِلْكُهَا لِعَيْنِهِ وَمِلْكُهَا لِإِكْسَابِهَا تَبَعٌ لِمِلْكِهَا لِمَنَافِعِ نَفْسِهَا فَلَزِمَ كَوْنُهَا مَالِكَةً مُقَابَلٌ بِالْمَعْنَى الْمُرَادِ قَبْلَ الْعِتْقِ فَلَمْ يَتَنَاوَلْهَا النَّصُّ اهـ. وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ مِلْكُهَا مُقَابَلٌ بِالْعِتْقِ وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ ازْدِيَادُ الْمِلْكِ عَلَيْهَا، وَهُوَ وُجُودٌ فِي الْمُكَاتَبَةِ وَعَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ مِلْكُ الْبُضْعِ فَلَا شَكَّ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ مَالِكَةً لِمَنَافِعِ بُضْعِهَا قَبْلَ الْعِتْقِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَا تَمْلِكُ أَنْ تُزَوِّجَ نَفْسَهَا بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى، وَقَدْ مَلَكَتْ ذَلِكَ بَعْدَ الْعِتْقِ فَصَحَّ أَنْ يُقَالَ إنَّهَا مَلَكَتْ بُضْعَهَا بِالْعِتْقِ فَدَخَلَتْ تَحْتَ النَّصِّ وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ وَطْؤُهَا لِلْمَوْلَى وَجَبْرُهَا عَلَى النِّكَاحِ لَا لِأَجْلِ أَنَّهَا مَلَكَتْ بُضْعَهَا بَلْ لِعَقْدِ الْكِتَابَةِ لِأَنَّهُ أَوْجَبَ عَدَمَ التَّعَرُّضِ لَهَا فِي أَكْسَابِهَا وَهُوَ مِنْهَا فَتَرَجَّحَ بِهِ قَوْلُ أَئِمَّتِنَا خُصُوصًا قَدْ حَدَّثَ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّإِ أَنَّ بَرِيرَةَ كَانَتْ مُكَاتَبَةُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَأَنَّهَا خُيِّرَتْ حِينَ أُعْتِقَتْ فَكَانَ نَصًّا فِي الْمَسْأَلَةِ فَكَانَ زُفَرُ مَحْجُوجًا بِهِ وَشَمِلَ إطْلَاقَ الْأَمَةِ الْقِنَّةَ، وَالْمُدَبَّرَةَ وَأُمَّ الْوَلَدِ وَشَمِلَ الْكَبِيرَةَ، وَالصَّغِيرَةَ فَإِذَا أَعْتَقَتْ الصَّغِيرَةُ تَوَقَّفَ خِيَارُهَا إلَى بُلُوغِهَا لِأَنَّ فَسْخَ النِّكَاحِ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ الْمُتَرَدِّدَةِ بَيْنَ النَّفْعِ، وَالضَّرَرِ فَلَا تَمْلِكُهُ الصَّغِيرَةُ وَلَا يَمْلِكُهُ وَلِيُّهَا عَلَيْهَا لِقِيَامِهِ مَقَامَهَا كَذَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ فَإِذَا بَلَغَتْ كَانَ لَهَا خِيَارُ الْعِتْقِ لَا خِيَارُ الْبُلُوغِ عَلَى الْأَصَحِّ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَقَدَّمْنَاهُ وَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ النِّكَاحُ أَوَّلًا صَدَرَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ سَدُّ الْمَرْأَةِ. . . إلَخْ) نَظَرَ فِيهِ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ لَهَا أَنْ تُعَالِجَ نَفْسَهَا فِي إسْقَاطِ الْوَلَدِ قَبْلَ إكْمَالِ الْخِلْقَةِ كَمَا سَيَأْتِي بِشَرْطِهِ فَمَنْعُ سَبَبِهِ بِالْجَوَازِ أَحْرَى، وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ كَرَاهَةِ الْعَزْلِ بِغَيْرِ إذْنِهَا لَا يَخْفَى عَلَى مُتَأَمِّلٍ ثُمَّ نُقِلَ مَا مَرَّ عَنْ الْخَانِيَّةِ مِنْ قَوْلِهِمْ بِإِبَاحَةِ الْعَزْلِ لِسُوءِ الزَّمَانِ وَقَالَ وَعَلَى هَذَا فَيُبَاحُ لَهَا سَدُّهُ (قَوْلُهُ:، وَفِي الْخَانِيَّةِ. . . إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ قَالَ ابْنُ وَهْبَانَ وَمِنْ الْأَعْذَارِ أَنْ يَنْقَطِعَ لَبَنُهَا بَعْدَ ظُهُورِ الْحَمْلِ وَلَيْسَ لِأَبِي الصَّغِيرِ مَا يَسْتَأْجِرُ بِهِ الظِّئْرَ وَيَخَافُ هَلَاكَهُ وَنُقِلَ عَنْ الذَّخِيرَةِ لَوْ أَرَادَتْ الْإِلْقَاءَ قَبْلَ مُضِيِّ زَمَنٍ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ هَلْ يُبَاحُ لَهَا ذَلِكَ أَمْ لَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَكَانَ الْفَقِيهُ عَلِيُّ بْنُ مُوسَى يَقُولُ إنَّهُ يُكْرَهُ فَإِنَّ الْمَاءَ بَعْدَمَا وَقَعَ فِي الرَّحِمِ مَآلُهُ الْحَيَاةُ فَيَكُونُ لَهُ حُكْمُ الْحَيَاةِ كَمَا فِي بَيْضَةِ صَيْدِ الْحَرَمِ وَنَحْوُهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ قَالَ ابْنُ وَهْبَانَ فَإِبَاحَةُ الْإِسْقَاطِ مَحْمُولَةٌ عَلَى حَالَةِ الْعُذْرِ أَوْ أَنَّهَا لَا تَأْثَمُ إثْمَ الْقَتْلِ اهـ. وَبِمَا فِي الذَّخِيرَةِ تَبَيَّنَ أَنَّهُمْ مَا أَرَادُوا بِالتَّخْلِيقِ إلَّا نَفْخَ الرُّوحِ وَأَنَّ قَاضِي خَانْ مَسْبُوقٌ بِمَا مَرَّ مِنْ التَّفَقُّهِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْوَلَدَ لَمْ يَكُنْ لِلْمَوْلَى) قَالَ مُحَشِّي مِسْكِينٌ هَذَا التَّعْلِيلِ يَقْتَضِي أَيْضًا عَدَمُ تَوَقُّفِ الْعَزْلِ عَلَى إذْنِ الْمَوْلَى إذَا اشْتَرَطَ الزَّوْجُ حُرِّيَّةَ أَوْلَادِهِ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لِلْمَوْلَى فِي الْأَوْلَادِ حِينَئِذٍ وَلَمْ أَرَهُ. (قَوْلُهُ: فَيَنْتَظِمُ الْفَصْلَيْنِ) أَيْ مَا إذَا كَانَ زَوْجُهَا حُرًّا أَوْ لَا (قَوْلُهُ: لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ كَانَ. . . إلَخْ) اللَّامُ لِلتَّعْلِيلِ لَا مُتَعَلِّقَةً بِنَافِيَةٍ (قَوْلُهُ: وَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ النِّكَاحُ أَوَّلًا صَدَرَ بِرِضَاهَا أَوْ جَبْرًا) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَلَوْ أَعْتَقَتْ أَمَةً أَوْ مُكَاتَبَةً خُيِّرَتْ وَلَوْ زَوَّجَهَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 215 بِرِضَاهَا أَوْ جَبْرًا وَشَمِلَ مَا إذَا كَانَتْ حُرَّةً فِي الْأَصْلِ ثُمَّ صَارَتْ أَمَةً ثُمَّ عَتَقَتْ لِمَا فِي الْمَبْسُوطِ لَوْ كَانَتْ حُرَّةً فِي أَصْلِ الْعَقْدِ ثُمَّ صَارَتْ أَمَةً ثُمَّ أَعْتَقَتْ بِأَنْ ارْتَدَّتْ امْرَأَةٌ مَعَ زَوْجِهَا وَلَحِقَا بِدَارِ الْحَرْبِ مَعًا، وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ سُبِيَا مَعًا فَأَعْتَقَتْ الْأَمَةُ كَانَ لَهَا الْخِيَارُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهَا بِالْعِتْقِ مَلَكَتْ أَمْرَ نَفْسِهَا وَازْدَادَ مِلْكُ الزَّوْجِ عَلَيْهَا وَلَا خِيَارَ لَهَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِأَنَّ بِأَصْلِ الْعَقْدِ يَثْبُتُ عَلَيْهَا مِلْكٌ كَامِلٌ بِرِضَاهَا ثُمَّ انْتَقَضَ الْمِلْكُ فَإِذَا أَعْتَقَتْ عَادَ إلَى أَصْلِهِ كَمَا كَانَ اهـ. وَلَا يَخْفَى تَرْجِيحُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لِدُخُولِهَا تَحْتَ النَّصِّ، وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ أَنَّ خِيَارَ الْبُلُوغِ يُفَارِقُ خِيَارَ الْعِتْقِ مِنْ وُجُوهٍ أَحَدُهَا أَنَّ خِيَارَ الْعِتْقِ يَبْطُلُ بِالْقِيَامِ مِنْ الْمَجْلِسِ وَالثَّانِي أَنَّ الْجَهْلَ بِخِيَارِ الْعِتْقِ عُذْرٌ، وَالثَّالِثُ أَنَّهُ يَثْبُتُ لِلْأَمَةِ دُونَ الْغُلَامِ، وَالرَّابِعُ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِالسُّكُوتِ، وَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا، وَالْخَامِسُ: أَنَّ الْفُرْقَةَ لَا تَتَوَقَّفُ فِيهِ عَلَى الْقَضَاءِ بِخِلَافِ خِيَارِ الْبُلُوغِ فِي الْكُلِّ، وَفِيهَا أَيْضًا أَنَّ خِيَارَ الْعِتْقِ بِمَنْزِلَةِ خِيَارِ الْمُخَيَّرَةِ وَإِنَّمَا يُفَارِقُهُ مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ وَهُوَ أَنَّ الْفُرْقَةَ فِي خِيَارِ الْعِتْقِ لَا تَكُونُ طَلَاقًا، وَفِي خِيَارِ الْمُخَيَّرَةِ يَكُونُ طَلَاقًا اهـ. وَيُزَادُ عَلَى هَذَا مَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَنَّ الْجَهْلَ بِأَنَّ لَهَا الْخِيَارَ فِي خِيَارِ الْمُخَيَّرَةِ لَيْسَ بِعُذْرٍ بِخِلَافِهِ فِي الْإِعْتَاقِ وَفَرَّقُوا بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْأَمَةَ لَا تَتَفَرَّغُ لِلْعِلْمِ بِخِلَافِ الْمُخَيَّرَةِ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْمُخَيَّرَةَ لَوْ كَانَتْ أَمَةً فَإِنَّهَا تُعْذَرُ بِالْجَهْلِ اهـ. وَفِيهِ أَيْضًا أَنَّ الْأَمَةَ إذَا أَعْتَقَتْ فِي عِدَّةِ الرَّجْعِيِّ لَهَا الْخِيَارُ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الظَّاهِرَ الْإِطْلَاقُ مِنْ أَنَّ الْجَهْلَ فِي الْمُخَيَّرَةِ لَيْسَ بِعُذْرٍ لِأَنَّهُمْ عَلَّلُوا كَوْنَهُ عُذْرًا فِي خِيَارِ الْعِتْقِ بِعِلَّتَيْنِ إحْدَاهُمَا أَنَّ الْأَمَةَ مَشْغُولَةٌ بِخِدْمَةِ الْمَوْلَى فَلَا تَتَفَرَّغُ لِمَعْرِفَةِ أَنَّ لَهَا الْخِيَارَ بِخِلَافِ الْجَهْلِ بِخِيَارِ الْبُلُوغِ فَإِنَّ الْحُرَّةَ الصَّغِيرَةَ لَمْ تَكُنْ مَشْغُولَةً بِخِدْمَةِ أَحَدٍ ثَانِيهمَا: أَنَّ سَبَبَ الْخِيَارِ فِي الْعِتْقِ لَا يَعْلَمُهُ إلَّا الْخَوَاصُّ مِنْ النَّاسِ لِخَفَائِهِ بِخِلَافِ خِيَارِ الْبُلُوغِ لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ يَعْرِفُهُ كُلُّ أَحَدٍ وَلِظُهُورِهِ ظَنَّ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّهُ يَثْبُتُ فِي نِكَاحِ الْأَبِ أَيْضًا هَكَذَا فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ فَالْعِلَّةُ الْأُولَى، وَإِنْ كَانَتْ لَا تُفِيدُ أَنَّ الْجَهْلَ فِي خِيَارِ الْمُخَيَّرَةِ الْأَمَةِ لَيْسَ بِعُذْرٍ فَالْعِلَّةُ الثَّانِيَةُ تُفِيدُهُ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْخِيَارِ مَعَ التَّخْيِيرِ ظَاهِرٌ يَعْرِفُهُ كُلُّ أَحَدٍ وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا بِلَا عِلْمِ الزَّوْجِ يَصِحُّ وَقِيلَ لَا يَصِحُّ بِغَيْبَةِ الزَّوْجِ اهـ. وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ إنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَلَا مَهْرَ لَهَا إنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ لِأَنَّ اخْتِيَارَهَا نَفْسَهَا فَسْخٌ مِنْ الْأَصْلِ، وَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا فَالْمَهْرُ وَاجِبٌ لِسَيِّدِهَا لِأَنَّ الدُّخُولَ بِحُكْمِ نِكَاحٍ صَحِيحٍ فَتَقَرَّرَ بِهِ الْمُسَمَّى، وَإِنْ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا فَالْمَهْرُ لِسَيِّدِهَا دَخَلَ الزَّوْجُ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ لِأَنَّ الْمَهْرَ وَاجِبٌ بِمُقَابَلَةِ مَا مَلَكَ الزَّوْجُ مِنْ الْبُضْعِ، وَقَدْ مَلَكَهُ عَنْ الْمَوْلَى فَيَكُونُ بَدَلَهُ لِلْمَوْلَى اهـ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَهْرَ لِلْمَوْلَى فِي سَائِرِ الْوُجُوهِ إلَّا إذَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، وَفِي الْمُحِيطِ زَوَّجَ عَبْدَهُ جَارِيَتَهُ ثُمَّ أَعْتَقَهَا فَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ لَهَا الْخِيَارَ حَتَّى ارْتَدَّا وَلَحِقَا بِدَارِ الْحَرْبِ وَرَجَعَا مُسْلِمَيْنِ ثُمَّ عَلِمَتْ بِثُبُوتِ الْخِيَارِ أَوْ عَلِمَتْ بِالْخِيَارِ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَلَهَا الْخِيَارُ فِي مَجْلِسِ الْعِلْمِ وَبِمِثْلِهِ لَوْ سُبِيَا لَيْسَ لَهَا الْخِيَارُ لِأَنَّ بِالسَّبْيِ يَبْطُلُ الْعِتْقُ فَانْعَدَمَ سَبَبُ الْخِيَارِ فَلَمْ يَثْبُتْ الْخِيَارُ اهـ. وَفِي التَّلْخِيصِ وَلَا يَبْطُلُ بِارْتِدَادِهَا إلَّا إذَا قَضَى بِاللَّحَاقِ لِلْمَوْتِ اهـ. وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي تَخْيِيرِهَا فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَتْ حَائِضًا وَكَذَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ لَا بَأْسَ بِأَنْ تَخْتَارَ نَفْسَهَا حَائِضًا كَانَتْ أَوْ طَاهِرَةً وَكَذَا الصَّبِيَّةُ إذَا أَدْرَكَتْ بِالْحَيْضِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِطَلَاقٍ وَلِأَنَّ فِيهِ ضَرُورَةً لِأَنَّ التَّأْخِيرَ لَا يُمْكِنُ اهـ. . (قَوْلُهُ: وَلَوْ نَكَحَتْ بِلَا إذْنٍ فَعَتَقَتْ نَفَذَ بِلَا خِيَارٍ) أَيْ نَكَحَتْ الْأَمَةُ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى ثُمَّ أُعْتِقَتْ فَإِنَّهُ يَنْفُذُ ذَلِكَ النِّكَاحُ مِنْ جِهَتِهَا لِأَنَّهَا مِنْ أَهْلِ الْعِبَارَةِ وَامْتِنَاعُ النُّفُوذِ لِحَقِّ الْمَوْلَى، وَقَدْ زَالَ وَلَا خِيَارَ لَهَا لِأَنَّ النُّفُوذَ بَعْدَ.   [منحة الخالق] حُرًّا وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ النِّكَاحُ بِرِضَاهَا أَوْ بِغَيْرِ رِضَاهَا اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الدُّرَرِ قَالَ فِي الشرنبلالية وَنَفْيُ رِضَا الْمُكَاتَبَةِ لِتَزْوِيجِهَا مَنْفِيٌّ لِأَنَّهُ صَرَّحَ فِي بَابِ الْمُكَاتَبِ بِأَنَّهَا بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ خَرَجَتْ مِنْ يَدِ الْمَوْلَى فَصَارَ كَالْأَجْنَبِيِّ وَصَارَتْ أَحَقَّ بِنَفْسِهَا وَيَغْرَمُ الْمَوْلَى الْعُقْرَ إنْ وَطِئَهَا. اهـ. وَقَوْلُهُ: وَصَارَتْ أَحَقَّ بِنَفْسِهَا لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ لِبَقَاءِ مِلْكِ الْمَوْلَى فِي رَقَبَتِهَا فَلَا يَنْفُذُ تَزْوِيجُهَا بِدُونِ إذْنِ مَوْلَاهَا كَمَا لَا يَنْفُذُ تَزْوِيجُهُ إيَّاهَا بِدُونِ رِضَاهَا لِمُوجِبِ الْكِتَابَةِ، وَعِبَارَةُ كَافِي النَّسَفِيِّ الْمُكَاتَبَةُ إذَا تَزَوَّجَتْ بِإِذْنِ مَوْلَاهَا ثُمَّ عَتَقَتْ خُيِّرَتْ. اهـ. فَلْيُتَنَبَّهْ لِذَلِكَ. اهـ. قُلْت وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الْمُؤَلِّفِ فِي الرَّدِّ عَلَى الْكَمَالِ وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ وَطْؤُهَا لِلْمَوْلَى وَجَبْرُهَا عَلَى النِّكَاحِ لَا لِأَجْلِ أَنَّهَا مَلَكَتْ بُضْعَهَا بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ وَكَذَا مَا صَرَّحَ بِهِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَهُ إجْبَارُهُمَا عَلَى النِّكَاحِ حَيْثُ قَالَ وَخَرَجَ الْمُكَاتَبُ، وَالْمُكَاتَبَةُ، وَالصَّغِيرَةُ فَلَيْسَ لَهُ إجْبَارُهُمَا عَلَيْهِ لِأَنَّهُمَا الْتَحَقَا بِالْأَحْرَارِ تَصَرُّفًا فَيُشْتَرَطُ رِضَاهُمَا اهـ. وَفِي الْمِعْرَاجِ وَلَا يَجُوزُ تَزْوِيجُ الْمَكَاتِبِ، وَالْمُكَاتَبَةِ جَبْرًا بِالْإِجْمَاعِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الظَّاهِرَ الْإِطْلَاقُ مِنْ أَنَّ الْجَهْلَ) كَذَا فِي هَذِهِ النُّسْخَةِ فَقَوْلُهُ: مِنْ أَنَّ الْجَهْلَ مُتَعَلِّقٌ بِالْإِطْلَاقِ الَّذِي هُوَ خَبَرُ أَنَّ، وَفِي غَيْرِهَا أَنَّ ظَاهِرَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 216 الْعِتْقِ فَلَا تَتَحَقَّقُ زِيَادَةُ الْمِلْكِ كَمَا إذَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا بَعْدَ الْعِتْقِ وَلِذَا قَالَ الْإِسْبِيجَابِيُّ: الْأَصْلُ أَنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ مَتَى تَمَّ عَلَى الْمَرْأَةِ وَهِيَ مَمْلُوكَةٌ يُثْبِتُ لَهَا خِيَارَ الْعِتْقِ وَمَتَى تَمَّ عَلَيْهَا وَهِيَ حُرَّةٌ لَا يُثْبِتُ لَهَا خِيَارَ الْعِتْقِ اهـ. وَلَوْ اقْتَرَنَا لَا خِيَارَ لَهَا كَمَا لَوْ زَوَّجَهَا فُضُولِيٌّ وَأَعْتَقَهَا فَأَجَازَ الْمَوْلَى الْكُلَّ فَإِنَّهُ لَا خِيَارَ لَهَا كَذَا فِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ أَطْلَقَ فِي الْأَمَةِ فَشَمِلَ الْقِنَّةَ، وَالْمُدَبَّرَةَ، وَأُمَّ الْوَلَدِ، وَالْمُكَاتَبَةَ لَكِنْ فِي الْمُدَبَّرَةِ، وَأُمِّ الْوَلَدِ تَفْصِيلٌ فَفِي الْمُدَبَّرَةِ إنْ أَعْتَقَهَا الْمَوْلَى فِي حَيَاتِهِ فَالْحُكْمُ كَالْقِنَّةِ إذَا أَعْتَقَتْ، وَإِنْ عَتَقَتْ بِمَوْتِ الْمَوْلَى فَقَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ تَزَوَّجَتْ مُدَبَّرَةٌ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهَا ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى، وَقَدْ خَرَجَتْ مِنْ الثُّلُثِ جَازَ النِّكَاحُ، وَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ لَمْ يَجُزْ حَتَّى تُؤَدِّيَ السِّعَايَةَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ اهـ. وَأَمَّا أُمَّ الْوَلَدِ إذَا أَعْتَقَهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا الْمَوْلَى فَإِنَّ النِّكَاحَ لَا يَنْفُذُ لِأَنَّ الْعِدَّةَ وَجَبَتْ عَلَيْهَا مِنْ الْمَوْلَى كَمَا عَتَقَتْ، وَالْعِدَّةُ تَمْنَعُ نَفَاذَ النِّكَاحِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَالْخَانِيَّةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ فِي جَوَابِ الْمَسْأَلَةِ فَإِنَّ النِّكَاحَ يَبْطُلُ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَوَقُّفُهُ مَعَ وُجُودِ الْعِدَّةِ إذْ النِّكَاحُ فِي عِدَّةِ الْغَيْرِ فَاسِدٌ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا زَادَ فِي الْمُحِيطِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَإِنْ دَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ قَبْلَ الْعِتْقِ نَفَذَ النِّكَاحُ وَهَذَا إنَّمَا يَصِحُّ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ لِأَنَّهُ وَجَبَتْ الْعِدَّةُ مِنْ الزَّوْجِ فَلَا تَجِبُ الْعِدَّةُ مِنْ الْمَوْلَى وَلَا يَصِحُّ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّهُ لَا تَجِبُ الْعِدَّةُ مِنْ الزَّوْجِ فَوَجَبَتْ الْعِدَّةُ مِنْ الْمَوْلَى وَوُجُوبُ الْعِدَّةِ مِنْ الْمَوْلَى قَبْلَ الْإِجَازَةِ يُوجِبُ انْفِسَاخَ النِّكَاحِ اهـ. فَقَوْلُهُ: يُوجِبُ الِانْفِسَاخَ ظَاهِرٌ فِيهِ وَإِنَّمَا قَيَّدَ الْمُصَنِّفُ بِالْأَمَةِ مَعَ أَنَّ الْحُكْمَ فِي الْعَبْدِ أَنَّهُ إذَا تَزَوَّجَ بِلَا إذْنٍ ثُمَّ أَعْتَقَ فَإِنَّ النِّكَاحَ يَنْفُذُ لِزَوَالِ الْمَانِعِ فِيهِمَا لِأَجْلِ أَنْ يُبَيِّنَ نَفْيَ الْخِيَارِ، وَلِذَا قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَمَةِ، وَالْعَبْدِ فِي هَذَا الْحُكْمِ وَإِنَّمَا فَرَضَهَا فِي الْأَمَةِ لِيُرَتِّبَ عَلَيْهَا الْمَسْأَلَةَ الَّتِي تَلِيهَا تَفْرِيعًا اهـ. وَفِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ وَلَوْ زَوَّجَ فُضُولِيٌّ عَبْدًا امْرَأَتَيْنِ ثُمَّ عَتَقَ يُخَيَّرُ فِي اثْنَتَيْنِ كَيْفَ شَاءَ بِخِلَافِ مَا لَوْ بَاشَرَ الْعَبْدُ حَيْثُ يُخَيَّرُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ لِأَنَّهُ رَدَّ فِي الْأُولَيَيْنِ كَمَا أَنَّ الْحُرَّ لَوْ تَزَوَّجَ أَرْبَعًا ثُمَّ أَرْبَعًا ثُمَّ ثِنْتَيْنِ بِغَيْرِ أَمْرِهِنَّ تَوَقَّفَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ وَارْتَدَّ الْبَاقِي وَلَوْ أَجَازَ الْعَبْدُ النِّكَاحَ فِي ثَلَاثٍ بَطَلَ عَقْدُهُنَّ لِأَنَّ الْجَمْعَ إجَازَةٌ كَالْجَمْعِ حَالَةَ الْعَقْدِ وَيُخَيَّرُ فِي الرَّابِعَةِ، وَكَذَا لَوْ زَوَّجَ فُضُولِيٌّ حُرًّا لَهُ امْرَأَةٌ أَرْبَعًا فِي عُقُودٍ فَمَاتَتْ امْرَأَتُهُ لَا يُخَيَّرُ إلَّا فِي الثَّلَاثِ، وَإِنْ كَانَ فِي عَقْدٍ يَلْغُو كَمَا لَوْ زَوَّجَهُ أُخْتَهَا أَوْ تَزَوَّجَ مُكَاتَبَتَهُ ثُمَّ عَتَقَتْ وَإِنَّمَا يُوقَفُ مَالُهُ مُجِيزٌ حَالَةَ الْعَقْدِ اهـ. وَقَيَّدَ بِالنِّكَاحِ لِأَنَّهَا لَوْ اشْتَرَتْ شَيْئًا فَأَعْتَقَهَا الْمَوْلَى لَا يَنْفُذُ الشِّرَاءُ بَلْ يَبْطُلُ لِأَنَّهُ لَوْ نَفَذَ عَلَيْهَا لَتَغَيَّرَ الْمَالِكُ وَقَيَّدَ بِالرَّقِيقِ لِأَنَّ الصَّبِيَّ إذَا تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ ثُمَّ بَلَغَ فَإِنَّهُ لَا يَنْفُذُ بَلْ يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لَهُ أَصْلًا فَلَمْ يَكُنْ نَافِذًا مِنْ جِهَتِهِ وَلِأَنَّ الْوَلِيَّ الْأَبْعَدَ إذَا زَوَّجَ مَعَ وُجُودِ الْأَقْرَبِ ثُمَّ غَابَ الْأَقْرَبُ أَوْ مَاتَ فَتَحَوَّلَتْ الْوِلَايَةُ إلَى الْمُزَوَّجِ فَإِنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةٍ مُسْتَأْنَفَةٍ مِنْهُ وَإِنْ زَالَ الْمَانِعُ لِأَنَّ الْأَبْعَدَ حِينَ بَاشَرَ لَمْ يَكُنْ وَلِيًّا وَمَنْ لَمْ يَكُنْ وَلِيًّا فِي شَيْءٍ لَا يُبَالِي بِعَوَاقِبِهِ اتِّكَالًا عَلَى رَأْيِ الْأَقْرَبِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الْأَصْلَحِ فَلَيْسَ هُوَ مِنْ بَابِ زَوَالِ الْمَانِعِ لِأَنَّهُ لَهُ وِلَايَةٌ جَدِيدَةٌ وَلِأَنَّ الْمَوْلَى إذَا زَوَّجَ مُكَاتَبَتَهُ الصَّغِيرَةَ حَتَّى تَوَقَّفَ عَلَى إجَازَتِهَا ثُمَّ أَدَّتْ الْمَالَ قَبْلَ الْإِجَازَةِ فَعَتَقَتْ فَإِنَّهُ لَا يَنْفُذُ ذَلِكَ الْعَقْدُ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ إجَازَةِ الْمَوْلَى، وَإِنْ كَانَ هُوَ الْعَاقِدُ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَلِيًّا حِينَ الْعَقْدِ فَلَا يُبَالِي بِعَوَاقِبِهِ، وَفِيهِ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الْبَحْثِ وَقَيَّدَ بِالْعِتْقِ لِأَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَ الْعَبْدُ بِلَا إذْنٍ ثُمَّ أَذِنَ لَهُ فَإِنَّهُ لَا يَنْفُذُ إلَّا بِإِجَازَةِ الْمَوْلَى أَوْ الْعَبْدِ وَقَدَّمْنَاهُ وَلِأَنَّهُ لَوْ انْتَقَلَ الْمِلْكُ إلَى غَيْرِ الْمَوْلَى كَالْمُشْتَرِي، وَالْمَوْهُوبِ لَهُ، وَالْوَارِثِ فَإِنَّ الْإِجَارَةَ تَنْتَقِلُ إلَى الْمَالِكِ الثَّانِي وَلَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ إنْ كَانَ الْمُتَزَوِّجُ بِلَا إذْنٍ عَبْدًا، وَإِنْ كَانَ أَمَةً فَإِنْ كَانَ الْمَالِكُ الثَّانِي لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا فَإِنَّهُ يَنْفُذُ بِإِجَازَتِهِ، وَإِنْ كَانَ يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا فَإِنْ كَانَ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا الزَّوْجُ لَمْ تَصِحَّ الْإِجَازَةُ وَبَطَلَ الْعَقْدُ الْمَوْقُوفُ لِأَنَّهُ طَرَأَ حِلُّ بَاتٌّ عَلَى مَوْقُوفٍ فَأَبْطَلَهُ، وَإِنْ   [منحة الخالق] الْإِطْلَاقِ بِالْإِضَافَةِ، وَفِي تَصْحِيحِهَا تَكَلُّفٌ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: يُخَيَّرُ فِي اثْنَتَيْنِ) وَكَذَا قَوْلُهُ: بَعْدَهُ يُخَيَّرُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ كَذَا فِي النُّسَخِ بِلَفْظِ يُخَيَّرُ مُضَارِعُ خَيَّرَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَاَلَّذِي رَأَيْته فِي التَّلْخِيصِ يُجِيزُ مُضَارِعُ أَجَازَ قَالَ الْفَارِسِيُّ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ أَيْ لَوْ زَوَّجَ فُضُولِيٌّ عَبْدَ رَجُلٍ امْرَأَتَيْنِ فِي عُقْدَةٍ بِرِضَاهُمَا ثُمَّ امْرَأَتَيْنِ فِي عُقْدَةٍ بِرِضَاهُمَا ثُمَّ عَتَقَ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَهُ النِّكَاحُ فَلَهُ أَنْ يُجِيزَ النِّكَاحَ فِي امْرَأَتَيْنِ مِنْهُنَّ كَيْفَ شَاءَ إنْ شَاءَ الْأُولَيَيْنِ أَوْ الْأُخْرَيَيْنِ أَوْ وَاحِدَةً مِنْ كُلِّ عَقْدٍ لِأَنَّ نِكَاحَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ مَوْقُوفٌ عَلَى احْتِمَالِ الْإِجَازَةِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 217 كَانَ قَدْ دَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ فَفِي رِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ تَصِحُّ الْإِجَازَةُ لِوُجُوبِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا بِهَذَا الدُّخُولِ فَلَا يَحِلُّ فَرْجُهَا لِلْمُشْتَرِي فَتَصِحُّ إجَازَةُ الْمُشْتَرِي وَجَزَمَ بِهِ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ: أَنَّهُ لَا تَصِحُّ الْإِجَازَةُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي كَافِي الْحَاكِمِ الشَّهِيدِ وَقَوَّاهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ بِأَنَّ وُجُوبَ الْعِدَّةِ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ التَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا فَأَمَّا قَبْلَ التَّفْرِيقِ فَهِيَ لَيْسَتْ بِمُعْتَدَّةٍ فَاعْتِرَاضُ الْمِلْكِ الثَّانِي يُبْطِلُ الْمِلْكَ الْمَوْقُوفَ، وَإِنْ كَانَ هُوَ مَمْنُوعًا مِنْ غَشَيَانِهَا، وَقَدْ أَسْلَفْنَاهُ وَظَاهِرُ مَا فِي الْمُحِيطِ: أَنَّهُ لَا عِدَّةَ فِي النِّكَاحِ الْمَوْقُوفِ بَعْدَ الْوَطْءِ أَصْلًا، وَقَدْ أَسْلَفْنَاهُ، وَأَرَادَ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْأَمَةِ الْأَمَةَ الْكَبِيرَةَ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ صَغِيرَةً تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى ثُمَّ أَعْتَقَهَا فَإِنَّهُ لَا يَنْفُذُ ذَلِكَ الْعَقْدُ وَيَبْطُلُ عَلَى قَوْلِ زُفَرَ وَعِنْدَنَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الْمَوْلَى إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا عَصَبَةٌ سِوَاهُ، وَإِنْ كَانَ لَهَا عَصَبَةٌ غَيْرُ الْمَوْلَى فَإِذَا أَجَازَ جَازَ وَإِذَا أَدْرَكَتْ فَلَهَا خِيَارُ الْإِدْرَاكِ فِي غَيْرِ الْأَبِ، وَالْجَدِّ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَقَيَّدَ بِكَوْنِ التَّوَقُّفِ لِأَجْلِ الْمَوْلَى لِأَنَّ الْمَوْلَى لَوْ زَوَّجَ أَمَتَهُ الْكَبِيرَةَ رَجُلًا بِرِضَاهَا وَقَبِلَ عَنْ الزَّوْجِ فُضُولِيٌّ ثُمَّ أُعْتِقَتْ قَبْلَ إجَازَةِ الزَّوْجِ فَإِنَّ لَهَا النَّقْضَ وَلَوْ نَقَضَ الْمَوْلَى قَالُوا لَا يَصِحُّ فَإِنْ أَجَازَ الرَّجُلُ قَبْلَ النَّقْضِ فَلَا خِيَارَ لَهَا، وَالْمَهْرُ لَهَا وَلَوْ كَانَ زَوْجُهَا بِغَيْرِ رِضَاهَا فَلَهَا الرَّدُّ، وَإِنْ أَجَازَ الزَّوْجُ وَتَمَامُهُ فِي الْمُحِيطِ. (قَوْلُهُ: فَلَوْ وَطِئَ قَبْلَهُ فَالْمَهْرُ لَهُ وَإِلَّا فَلَهَا) أَيْ لَوْ وَطِئَ زَوْجُ الْأَمَةِ الَّتِي نَكَحَتْ بِغَيْرِ إذْنٍ قَبْلَ الْعِتْقِ ثُمَّ نَفَذَ بِالْعِتْقِ فَالْمَهْرُ لِلْمَوْلَى، وَإِنْ وَطِئَهَا بَعْدَ الْعِتْقِ فَالْمَهْرُ لَهَا لِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ اسْتَوْفَى مَنَافِعَ مَمْلُوكَةٍ لِلْمَوْلَى، وَفِي الثَّانِي لَهَا، وَفِي الْقِيَاسِ يَجِبُ عَلَيْهِ مَهْرَانِ مَهْرٌ لِلْمَوْلَى بِالدُّخُولِ لِشُبْهَةِ النِّكَاحِ قَبْلَ الْعِتْقِ وَمَهْرٌ لَهَا لِنُفُوذِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا بَعْدَ الْعِتْقِ وَلَكِنَّا اسْتَحْسَنَّا وَقُلْنَا لَا يَجِبُ إلَّا مَهْرٌ وَاحِدٌ لِلْمَوْلَى لِأَنَّ وُجُوبَهُ إنَّمَا يَكُونُ بِاعْتِبَارِ الْعَقْدِ، وَالْعَقْدُ الْوَاحِدُ لَا يُوجِبُ إلَّا مَهْرًا وَاحِدًا وَإِذَا وَجَبَ بِهِ الْمَهْرُ لِلْمَوْلَى لَا يَجِبُ لَهَا بِهِ مَهْرٌ آخَرُ يُوَضِّحُهُ أَنَّ الْإِجَازَةَ، وَإِنْ كَانَتْ بَعْدَ الْعِتْقِ فَحُكْمُهَا يَسْتَنِدُ إلَى أَصْلِ الْعَقْدِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَإِنَّمَا لَمْ يُقْسَمْ الْمَهْرُ هَاهُنَا بَيْنَ الْمَوْلَى وَبَيْنَهُمَا كَمَا قَالَ الْإِمَامُ فِي مَسْأَلَةِ حَبْسِ الْمَرْأَةِ نَفْسَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ بِرِضَاهَا حَتَّى يُوفِيَهَا مَهْرَهَا مُعَلِّلًا بِأَنَّ الْمَهْرَ مُقَابَلٌ بِالْكُلِّ أَيْ بِجَمِيعِ وَطَآتٍ تُوجَدُ فِي النِّكَاحِ حَتَّى لَا يَخْلُوَ الْوَطْءُ عَنْ الْمَهْرِ لِأَنَّ قِسْمَتَهُ عَلَى جَمِيعِ الْوَطَآتِ إذَا لَمْ يَخْتَلِفْ الْمُسْتَحَقُّ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ لَا تَضُرُّ فِيهِ وَأَمَّا إذَا اخْتَلَفَ الْمُسْتَحَقُّ كَمَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَلَا يُمْكِنُ قِسْمَتُهُ فَاسْتَحَقَّهُ بِتَمَامِهِ مَنْ حَصَلَ الْوَطْءُ الْأَوَّلُ عَلَى مِلْكِهِ وَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا ذَكَرَهُ فِي التَّبْيِينِ وَأَرَادَ الْمُصَنِّفُ بِالْمَهْرِ الْمَهْرَ الْمُسَمَّى لَا مَهْرَ الْمِثْلِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَالْمُرَادُ بِالْمَهْرِ الْأَلْفُ الْمُسَمَّى لِأَنَّ نَفَاذَ الْعَقْدِ بِالْعِتْقِ اسْتَنَدَ إلَى وَقْتِ وُجُودِ الْعِتْقِ فَصَحَّتْ التَّسْمِيَةُ وَوَجَبَ الْمُسَمَّى، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَقَدْ يُورَدُ فَيُقَالُ لَوْ اسْتَنَدَ إلَى أَصْلِ الْعَقْدِ يَجِبُ كَوْنُ الْمَهْرِ لِلْمَوْلَى كَمَا لَوْ تَزَوَّجَتْ بِإِذْنِ الْمَوْلَى وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا حَتَّى أَعْتَقَهَا وَهُوَ بِمَعْزِلٍ عَنْ صُورَةِ الْمَسْأَلَةِ فَإِنَّمَا النَّفَاذُ بِالْعِتْقِ وَبِهِ تَمْلِكُ مَنَافِعَهَا بِخِلَافِ النَّفَاذِ بِالْإِذْنِ، وَالرِّقُّ قَائِمٌ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ حَاصِلَ الْخِيَارَاتِ فِي النِّكَاحِ خَمْسَةٌ خِيَارُ الْمُخَيَّرَةِ، وَالْعِتْقُ، وَالْبُلُوغُ، وَالنُّقْصَانُ عَنْ مَهْرِ الْمِثْلِ، وَالتَّزَوُّجُ بِغَيْرِ كُفْءٍ، وَالْخِيَارُ فِي الْأَخِيرَيْنِ لِلْأَوْلِيَاءِ وَيُزَادُ خِيَارُ الْعُنَّةِ، وَالْخَصِيِّ، وَالْجَبِّ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ وَطِئَ أَمَةَ ابْنِهِ فَوَلَدَتْ فَادَّعَاهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ وَصَارَتْ أُمَّ وَلَدِهَا وَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا لَا عُقْرُهَا وَقِيمَةُ وَلَدِهَا) لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةَ تَمَلُّكِ مَالَ ابْنِهِ لِلْحَاجَةِ إلَى الْبَقَاءِ فَلَهُ تَمَلُّكُ جَارِيَةَ ابْنِهِ لِلْحَاجَةِ إلَى صِيَانَةِ الْمَاءِ، وَحَاصِلُ وُجُوهُ مَسْأَلَةِ جَارِيَةِ الِابْنِ إذَا وَلَدَتْ مِنْ الْأَبِ فَادَّعَاهُ سِتٌّ وَتِسْعُونَ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ الِابْنُ أَوْ يُكَذِّبَهُ أَوْ يَدَّعِيَهُ مَعَهُ أَوْ يَسْكُتَ وَكُلٌّ مِنْ الْأَرْبَعَةِ إمَّا أَنْ تَكُونَ قِنَّةً أَوْ مُدَبَّرَةً أَوْ أُمَّ وَلَدٍ أَوْ مُكَاتَبَةً وَكُلٌّ مِنْ السِّتَّةَ عَشَرَ إمَّا أَنْ تَكُونَ كُلَّهَا لَهُ أَوْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَجْنَبِيٍّ أَوْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِيهِ وَكُلٌّ مِنْ الثَّمَانِيَةِ، وَالْأَرْبَعِينَ إمَّا أَنْ يَكُونَ الْأَبُ أَهْلًا لِلْوِلَايَةِ أَوْ لَا غَيْرَ أَنَّ الْحَاجَةَ إلَى إبْقَاءِ نَسْلِهِ دُونَهَا.   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا فِي التَّبْيِينِ) حَيْثُ قَالَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُشْكِلَةٌ بِمَا ذُكِرَ فِي بَابِ الْمَهْرِ فِي تَعْلِيلِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي حَبْسِ الْمَرْأَةِ نَفْسَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ بِرِضَاهَا حَتَّى يُوفِيَهَا مَهْرَهَا إنَّ الْمَهْرَ مُقَابَلٌ بِالْكُلِّ أَيْ بِجَمْعِ وَطَآتٍ تُوجَدُ فِي النِّكَاحِ حَتَّى لَا يَخْلُوَ الْوَطْءُ عَنْ الْمَهْرِ فَقَضِيَّةُ هَذَا أَنْ يَكُونَ لَهَا شَيْءٌ مِنْ الْمَهْرِ بِمُقَابَلَةِ مَا اسْتَوْفَى بَعْدَ الْعِتْقِ وَلَا يَكُونُ الْكُلُّ لِلْمَوْلَى اهـ. وَاعْتَرَضَ فِي النَّهْرِ عَلَى مَا أَجَابَ بِهِ الْمُؤَلِّفُ فَقَالَ: وَفِيهِ بَحْثٌ إذْ يَلْزَمُ عَلَى مَا ادَّعَاهُ أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَزَوَّجَهَا وَدَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ ثُمَّ اسْتَحَقَّ نِصْفَهَا أَنْ لَا يَقْسِمَ الْمَهْرَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ اخْتَلَفَ الْمُسْتَحَقُّ وَهُوَ خِلَافُ الْوَاقِعِ قَالَ مُحَشِّي مِسْكِينٍ وَأَجَابَ الشَّيْخُ شَاهِينُ بِأَنَّ مَسْأَلَةَ الِاسْتِحْقَاقِ وَرَدَ بِالْعَقْدِ عَلَى مِلْكِهِمَا بِخِلَافِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَإِنَّ اسْتِحْقَاقَ الْجَارِيَةِ عَارِضٌ بِسَبَبِ الْعِتْقِ فَلَا تُزَاحِمُ سَيِّدَهَا فِي مِلْكِهِ وَقْتَ الْعَقْدِ فَلَا يُقْسَمُ الْمَهْرُ بَيْنَهُمَا. (قَوْلُهُ: لِلْحَاجَةِ إلَى صِيَانَةِ الْمَاءِ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 218 إلَى إبْقَاءِ نَفْسِهِ فَلِهَذَا يَتَمَلَّكُ الْجَارِيَةَ بِالْقِيمَةِ، وَالطَّعَامَ بِغَيْرِ الْقِيمَةِ ثُمَّ هَذَا الْمِلْكُ يَثْبُتُ قُبَيْلَ الِاسْتِيلَادِ شَرْطًا لَهُ إذْ الْمُصَحَّحُ حَقِيقَةُ الْمِلْكِ أَوْ حَقُّهُ وَكُلُّ ذَلِكَ غَيْرُ ثَابِتٍ لِلْأَبِ فِيهَا حَتَّى يَجُوزَ لَهُ التَّزَوُّجُ بِهَا فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيمِهِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْوَطْءَ يُلَاقِي مِلْكَهُ فَلَا يَلْزَمُهُ الْعُقْرُ وَقِيمَةُ الْوَلَدِ وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ يَلْزَمُهُ الْمَهْرُ لِأَنَّهُمَا يُثْبِتَانِ الْمِلْكَ حُكْمًا لِلِاسْتِيلَادِ كَمَا فِي الْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَكَةِ وَأَفَادَ بِإِضَافَةِ الْأَمَةِ إلَى ابْنَةٍ مَمْلُوكَةٍ لِلِابْنِ مِنْ وَقْتِ الْعُلُوقِ إلَى وَقْتِ الدَّعْوَةِ فَلَوْ حَبِلَتْ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ أَوْ فِيهِ وَأَخْرَجَهَا الِابْنُ عَنْ مِلْكِهِ ثُمَّ اسْتَرَدَّهَا لَمْ تَصِحَّ الدَّعْوَةُ لِأَنَّ الْمِلْكَ إنَّمَا يَثْبُتُ بِطَرِيقِ الِاسْتِنَادِ إلَى وَقْتِ الْعُلُوقِ فَيَسْتَدْعِي قِيَامَ وِلَايَةِ التَّمَلُّكِ مِنْ حِينِ الْعُلُوقِ إلَى التَّمَلُّكِ هَذَا إنْ كَذَّبَهُ الِابْنُ فَإِنْ صَدَّقَهُ صَحَّتْ الدَّعْوَى وَلَا يَمْلِكُ الْجَارِيَةَ كَمَا إذَا ادَّعَاهُ أَجْنَبِيٌّ وَيَعْتِقُ عَلَى الْمَوْلَى كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَأَفَادَ أَيْضًا أَنَّهَا كُلَّهَا لِلِابْنِ فَإِنْ كَانَتْ مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَجْنَبِيٍّ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ يَضْمَنُ لِشَرِيكِهِ نِصْفَ عُقْرِهَا وَلَمْ أَرَهُ وَلَوْ كَانَتْ مُشْتَرَكَةً بَيْنَ الْأَبِ، وَالِابْنِ أَوْ غَيْرِهِ تَجِبُ حِصَّةُ الشَّرِيكِ الِابْنِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْعُقْرِ وَقِيمَةُ بَاقِيهَا إذَا حَبِلَتْ لِعَدَمِ تَقْدِيمِ الْمِلْكِ فِي كُلِّهَا لِانْتِفَاءِ مُوجِبِهِ وَهُوَ صِيَانَةُ النَّسْلِ إذْ مَا فِيهَا مِنْ الْمِلْكِ يَكْفِي لِصِحَّةِ الِاسْتِيلَادِ وَإِذَا صَحَّ ثَبَتَ الْمِلْكُ فِي بَاقِيهَا حُكْمًا لَهُ لَا شَرْطًا كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهِيَ مَسْأَلَةٌ عَجِيبَةٌ فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْوَاطِئِ فِيهَا شَيْءٌ لَا مَهْرَ عَلَيْهِ وَإِذَا كَانَتْ مُشْتَرَكَةً لَزِمَهُ وَأَطْلَقَ الْأَمَةَ وَهِيَ مُقَيَّدَةٌ بِالْقِنَّةِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا لِأَنَّ الْقَابِلَ لِلِانْتِقَالِ مِنْ مِلْكِ الْمَوْلَى الْقِنَّةُ فَقَطْ فَخَرَجَ عَنْ هَذَا الْحُكْمِ الْمُدَبَّرَةُ وَأُمُّ الْوَلَدِ، وَالْمُكَاتَبَةُ فَلَوْ ادَّعَى وَلَدَ مُدَبَّرِهِ ابْنَهُ أَوْ وَلَدَ أُمِّ وَلَدِهِ الْمَنْفِيِّ مِنْ جِهَةِ الِابْنِ أَوْ وَلَدُهُ مُكَاتَبَتَهُ الَّذِي وَلَدَتْهُ فِي الْكِتَابَةِ أَوْ قَبْلَهَا لَا تَصِحُّ دَعْوَاهُ إلَّا بِتَصْدِيقِ الِابْنِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَقَيَّدَ بِابْنِهِ لِأَنَّهُ لَوْ وَطِئَ جَارِيَةَ امْرَأَتِهِ أَوْ وَالِدِهِ أَوْ جَدِّهِ فَوَلَدَتْ وَادَّعَاهُ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ وَيَدْرَأُ عَنْهُ الْحَدَّ لِلشُّبْهَةِ فَإِنْ قَالَ أَحَلَّهَا الْمَوْلَى لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ الْمَوْلَى فِي الْإِحْلَالِ، وَفِي أَنَّ الْوَلَدَ مِنْهُ فَإِنْ صَدَّقَهُ فِي الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا ثَبَتَ النَّسَبُ وَإِلَّا فَلَا، وَإِنْ كَذَّبَهُ الْمَوْلَى ثُمَّ مَلَكَ الْجَارِيَةَ يَوْمًا مِنْ الدَّهْرِ ثَبَتَ النَّسَبُ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَفِي الْقُنْيَةِ وَطِئَ جَارِيَةَ أَبِيهِ فَوَلَدَتْ مِنْهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ هَذَا الْوَلَدِ ادَّعَى الْوَاطِئُ الشُّبْهَةَ أَوَّلًا لِأَنَّهُ وَلَدُ وَلَدِهِ فَيَعْتِقُ عَلَيْهِ حِينَ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ كَمَنْ زَنَى بِجَارِيَةِ غَيْرِهِ فَوَلَدَتْ مِنْهُ ثُمَّ مَلَكَ الْوَلَدَ يَعْتِقُ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ مِنْهُ اهـ. وَأَطْلَقَ فِي الِابْنِ فَشَمِلَ الْكَبِيرَ، وَالصَّغِيرَ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَقَيَّدَ بِالْوِلَادَةِ لِأَنَّهُ لَوْ وَطِئَ أَمَةَ ابْنِهِ وَلَمْ تَحْبَلْ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ لَا يُحَدُّ وَلَا يَمْلِكُهَا وَيَلْزَمُهُ عُقْرُهَا بِخِلَافِ مَا إذَا حَبِلَتْ مِنْهُ فَإِنَّهُ يَتَبَيَّنُ أَنَّ الْوَطْءَ حَلَالٌ لِتَقَدُّمِ مِلْكِهِ عَلَيْهِ وَلَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ أَمَّا إذَا لَمْ تَلِدْ مِنْهُ فَظَاهِرٌ لِأَنَّهُ وَطِئَ وَطْئًا حَرَامًا فِي غَيْرِ مِلْكِهِ وَأَمَّا إذَا حَبِلَتْ مِنْهُ فَلِأَنَّ شُبْهَةَ الْخِلَافِ فِي أَنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ قَبْلَ الْإِيلَاجِ أَوْ بَعْدَهُ مُسْقِطٌ لِإِحْصَانِهِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَغَيْرِهِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْأَبَ إذَا تَكَرَّرَ مِنْهُ الْوَطْءُ فَلَمْ تَحْبَلْ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ مَهْرٌ وَاحِدٌ بِخِلَافِ مَا إذَا وَطِئَ الِابْنُ جَارِيَةَ الْأَبِ مِرَارًا وَقَدْ ادَّعَى الشُّبْهَةَ فَعَلَيْهِ لِكُلِّ وَطْءٍ مَهْرٌ، وَالْفَرْقُ قَدْ ذَكَرْنَاهُ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ فَادَّعَاهُ إلَى أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ وِلَايَةِ الدَّعْوَةِ فَلَوْ كَانَ الْأَبُ عَبْدًا أَوْ مُكَاتَبًا أَوْ كَافِرًا أَوْ مَجْنُونًا لَمْ تَصِحَّ دَعْوَتُهُ لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ وَلَوْ أَفَاقَ الْمَجْنُونُ ثُمَّ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ يَصِحُّ اسْتِحْسَانًا لَا قِيَاسًا وَلَوْ كَانَا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ إلَّا أَنَّ مِلَّتَيْهِمَا مُخْتَلِفَةٌ جَازَتْ الدَّعْوَةُ مِنْ الْأَبِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ ادَّعَاهُ وَهِيَ حُبْلَى قَبْلَ الْوِلَادَةِ لَمْ تَصِحَّ دَعْوَتُهُ حَتَّى تَلِدَ وَلَمْ أَرَهُ الْآنَ صَرِيحًا وَإِلَى أَنَّهُ ادَّعَاهُ وَحْدَهُ فَلَوْ ادَّعَاهُ الِابْنُ مَعَ دَعْوَةِ   [منحة الخالق] وُجِدَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ بَعْدَ هَذَا غَيْرَ أَنَّ الْحَاجَةَ إلَى آخِرِ مَا يَأْتِي، وَفِي بَعْضِهَا كَمَا فِي هَذِهِ النُّسْخَةِ بَعْدَ قَوْلِهِ إلَى صِيَانَةِ الْمَاءِ وَحَاصِلُ وُجُوهِ الْمَسْأَلَةِ. . . إلَخْ. (قَوْلُهُ: أَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ لِلِابْنِ مِنْ وَقْتِ الْعُلُوقِ إلَى وَقْتِ الدَّعْوَةِ) قَالَ فِي النَّهْرِ: فِيهِ نَظَرٌ لَا يَخْفَى اهـ. قُلْت ضَمِيرُ فَوَلَدَتْ عَائِدٌ عَلَى أَمَةِ الِابْنِ وَمُفَادُ الْإِضَافَةِ إلَى الِابْنِ وَبَقَاؤُهَا عَلَى مِلْكِهِ، وَالدَّعْوَةُ عَقِبَ الْوِلَادَةِ بِلَا مُهْلَةٍ بِقَرِينَةِ الْفَاءِ فَيُفِيدُ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: فَإِنْ صَدَّقَهُ. . إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ الْمَذْكُورُ فِي الشَّرْحِ وَعَلَيْهِ جَرَى فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي صِحَّتِهَا دَعْوَى الشُّبْهَةِ وَلَا تَصْدِيقُ الِابْنِ اهـ. أَقُولُ: وَسَيَأْتِي التَّصْرِيحُ بِهِ مِنْ الْمُؤَلِّفِ لَكِنَّ ذَلِكَ فِيمَا إذَا لَمْ تَخْرُجْ عَنْ مِلْكِ الِابْنِ فَلَا يُنَافِي مَا هُنَا لِأَنَّهُ فِيمَا إذَا خَرَجَتْ عَنْ مِلْكِهِ وَلَوْ كَانَ تَصْدِيقُ الِابْنِ غَيْرَ شَرْطٍ مُطْلَقًا لَمْ تَبْقَ فَائِدَةٌ لِاشْتِرَاطِ عَدَمِ خُرُوجِهَا عَنْ مِلْكِ الِابْنِ مَعَ أَنَّهُ مَذْكُورٌ فِي الْفَتْحِ، وَالتَّبْيِينِ أَيْضًا وَكَانَ صَاحِبُ النَّهْرِ فَهِمَ أَنَّ قَوْلَهُ هَذَا إنْ كَذَّبَهُ الِابْنُ. . . إلَخْ رَاجِعٌ إلَى أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ رَاجِعٌ إلَى مَا إذَا خَرَجَتْ عَنْ مِلْكِهِ كَمَا قُلْنَا، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ: مِنْ الْعِتْقِ يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ الْجَارِيَةُ فِي مِلْكِهِ مِنْ وَقْتِ الْعُلُوقِ إلَى وَقْتِ الدَّعْوَةِ حَتَّى لَوْ عَلِقَتْ فَبَاعَهَا الِابْنُ ثُمَّ اشْتَرَاهَا أَوْ رُدَّتْ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ بِقَضَاءٍ أَوْ غَيْرِ قَضَاءٍ أَوْ بِخِيَارِ رُؤْيَةٍ أَوْ شَرْطٍ أَوْ بِفَسَادِ الْبَيْعِ ثُمَّ ادَّعَاهُ الْأَبُ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ إلَّا إذَا صَدَّقَهُ الِابْنُ فَحِينَئِذٍ يَثْبُتُ اهـ. (قَوْلُهُ: لَمْ تَصِحَّ دَعْوَتُهُ حَتَّى تَلِدَ) قَالَ فِي النَّهْرِ يَنْبَغِي أَنَّهَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 219 الْأَبِ قُدِّمَتْ دَعْوَةُ الِابْنِ لِأَنَّهَا سَابِقَةٌ مَعْنًى وَلَوْ كَانَتْ مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَبِ فَادَّعَيَاهُ قُدِّمَتْ دَعْوَةُ الْأَبِ لِأَنَّ لَهُ جِهَتَيْنِ حَقِيقَةُ الْمِلْكِ فِي نَصِيبِهِ وَحَقُّ الْمِلْكِ فِي نَصِيبِ وَلَدِهِ، كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: وَحَقُّ الْمُتَمَلِّكِ بَدَلَ قَوْلِهِ وَحَقُّ الْمِلْكِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ وَفِي الْمُحِيطِ وَلَوْ وَلَدَتْ وَلَدَيْنِ فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ فَبَاعَ الْمَوْلَى أَحَدَهُمَا فَادَّعَى أَبُو الْبَائِعِ الْوَلَدَيْنِ وَكَذَّبَهُ الْبَائِعُ، وَالْمُشْتَرِي صَحَّتْ الدَّعْوَةُ وَثَبَتَ نَسَبُ الْوَلَدَيْنِ وَعَتَقَ مَا فِي يَدِ الِابْنِ بِغَيْرِ قِيمَةٍ وَمَا فِي يَدِ الْمُشْتَرِي عَبْدٌ بِحَالِهِ وَصَارَتْ أُمُّ وَلَدٍ لَهُ اهـ. وَإِلَى أَنَّهُ لَا تُشْتَرَطُ دَعْوَى الشُّبْهَةِ مِنْ الْأَبِ وَإِلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَصْدِيقُ الِابْنِ لِأَنَّهُ لَمْ يُشْتَرَطْ غَيْرُ دَعْوَى الْوَلَدِ مِنْ الْأَبِ وَأَطْلَقَ فِي وُجُوبِ الْقِيمَةِ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الْأَبُ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا كَمَا فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَالْعُقْرُ مَهْرُ مِثْلِهَا فِي الْجَمَالِ أَيْ مَا يَرْغَبُ فِيهِ فِي مِثْلِهَا جَمَالًا فَقَطْ وَأَمَّا مَا قِيلَ مَا يُسْتَأْجَرُ بِهِ مِثْلُهَا لِلزِّنَا لَوْ جَازَ فَلَيْسَ مَعْنَاهُ بَلْ الْعَادَةُ أَنَّ مَا يُعْطَى لِذَلِكَ أَقَلُّ مِمَّا يُعْطَى مَهْرًا لِأَنَّ الثَّانِيَ لِلْبَقَاءِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ، وَالْعَادَةُ زِيَادَةٌ عَلَيْهِ اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ اسْتَحَقَّهَا رَجُلٌ يَأْخُذُهَا وَعُقْرَهَا وَقِيمَةَ وَلَدِهَا لِأَنَّ الْأَبَ صَارَ مَغْرُورًا وَيَرْجِعُ الْأَبُ عَلَى الِابْنِ بِقِيمَةِ الْجَارِيَةِ دُونَ الْعُقْرِ وَقِيمَةِ الْوَلَدِ لِأَنَّ الِابْنَ مَا ضَمِنَ لَهُ سَلَامَةَ الْأَوْلَادِ اهـ. هَذَا وَقَدْ ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي بَابِ الِاسْتِيلَادِ، وَالْمُصَنِّفُ ذَكَرَهَا هَاهُنَا لِمُنَاسَبَتِهَا لِنِكَاحِ الرَّقِيقِ فَإِنَّ الْمَوْطُوءَةَ هُنَا مَرْقُوقَةٌ (قَوْلُهُ: وَدَعْوَةُ الْجَدِّ كَدَعْوَةِ الْأَبِ حَالَ عَدَمِهِ) أَيْ عَدَمِ الْأَبِ لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ، وَالْمُرَادُ بِعَدَمِهِ عَدَمُ وِلَايَتِهِ بِالْمَوْتِ أَوْ الْكُفْرِ أَوْ الرِّقِّ أَوْ الْجُنُونِ لَا عَدَمُ وُجُودِهِ فَقَطْ وَلَيْسَ مُرَادُهُ بِحَالِ الْعَدَمِ أَنْ يَكُونَ الْأَبُ مَعْدُومًا وَقْتَ الدَّعْوَةِ فَقَطْ لِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَعْدُومًا وَقْتَ الْعُلُوقِ أَيْضًا فَحِينَئِذٍ يُشْتَرَطُ أَنْ يَثْبُتَ وِلَايَتُهُ مِنْ وَقْتِ الْعُلُوقِ إلَى وَقْتِ الدَّعْوَةِ حَتَّى لَوْ أَتَتْ بِالْوَلَدِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ انْتِقَالِ الْوِلَايَةِ إلَيْهِ لَمْ تَصِحَّ دَعْوَتُهُ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْأَبِ، وَلَمَّا شَرَطَ الْمُصَنِّفُ عَدَمَ الْأَبِ لِوِلَايَةِ دَعْوَةِ الْجَدِّ عُلِمَ أَنَّ وِلَايَةَ الْجَدِّ مُنْتَقِلَةٌ مِنْ الْأَبِ إلَيْهِ فَأَفَادَ أَنَّهُ أَبُو الْأَبِ وَأَمَّا الْجَدُّ أَبُو الْأُمِّ وَغَيْرِهِ مِنْ ذَوِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ فَلَا يُصَدَّقُ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ لِفَقْدِ وِلَايَتِهِمْ كَذَا فِي الْمُحِيطِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ زَوَّجَهَا أَبَاهُ فَوَلَدَتْ لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَيَجِبُ الْمَهْرُ لَا الْقِيمَةُ وَوَلَدُهَا حُرٌّ) لِأَنَّهُ يَصِحُّ التَّزَوُّجُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ لِخُلُوِّهَا عَنْ مِلْكِ الْأَبِ أَلَا تَرَى أَنَّ الِابْنَ مَلَكَهَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَمْلِكَهَا الْأَبُ مِنْ وَجْهٍ وَكَذَلِكَ يَمْلِكُ الِابْنُ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ مَا لَا يَبْقَى مَعَهَا مِلْكُ الْأَبِ لَوْ كَانَ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى انْتِفَاءِ مِلْكِهِ إلَّا أَنَّهُ يَسْقُطُ الْحَدُّ لِلشُّبْهَةِ فَإِذَا أَجَازَ النِّكَاحَ صَارَ مَاؤُهُ مَصُونًا بِهِ فَلَمْ يَثْبُتْ مِلْكُ الْيَمِينِ فَلَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَلَا قِيمَةَ عَلَيْهِ فِيهَا وَلَا فِي وَلَدِهَا لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهَا وَعَلَيْهِ الْمَهْرُ لِالْتِزَامِهِ بِالنِّكَاحِ، وَالْوَلَدُ حُرٌّ لِأَنَّهُ مَلَكَ أَخَاهُ فَعَتَقَ عَلَيْهِ بِالْقَرَابَةِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْوَلَدَ عَلَقَ رَقِيقًا وَاخْتُلِفَ فِيهِ فَقِيلَ يَعْتِقُ قَبْلَ الِانْفِصَالِ، وَقِيلَ يَعْتِقُ بَعْدَ الِانْفِصَالِ وَثَمَرَتُهُ تَظْهَرُ فِي الْإِرْثِ حَتَّى لَوْ مَاتَ الْمَوْلَى وَهُوَ الِابْنُ يَرِثُهُ الْوَلَدُ عَلَى الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي، وَالْوَجْهُ هُوَ الْأَوَّلُ لِأَنَّ الْوَلَدَ حَدَثَ عَلَى مِلْكِ الْأَخِ مِنْ حِينِ الْعُلُوقِ فَلَمَّا مَلَكَهُ عَتَقَ عَلَيْهِ بِالْقَرَابَةِ بِالْحَدِيثِ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَالظَّاهِرُ عِنْدِي هُوَ الثَّانِي لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ قَبْلَ الْوَضْعِ لِقَوْلِهِمْ الْمِلْكُ هُوَ الْقُدْرَةُ عَلَى التَّصَرُّفَاتِ فِي الشَّيْءِ ابْتِدَاءً وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَا قُدْرَةَ لِلسَّيِّدِ عَلَى التَّصَرُّفِ فِي الْجَنِينِ قَبْلَ وَضْعِهِ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ وَإِنْ صَحَّ الْإِيصَاءُ بِهِ وَإِعْتَاقُهُ فَلَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْحَدِيثُ لِأَنَّهُ فِي الْمَمْلُوكِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَلِذَا قَالُوا لَوْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ فَهُوَ حُرٌّ لَا يَتَنَاوَلُ الْحَمْلَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَلَوْ تَزَوَّجَهَا أَبُوهُ بَدَلَ قَوْلِهِ وَلَوْ زَوَّجَهَا أَبَاهُ لَكَانَ أَوْلَى لِشُمُولِهِ مَا إذَا كَانَتْ الْجَارِيَةُ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ، فَتَزَوَّجَهَا الْأَبُ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ وَلَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ قَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوَاهُ: إذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ جَارِيَةَ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ فَوَلَدَتْ مِنْهُ لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَيَعْتِقُ الْوَلَدُ   [منحة الخالق] لَوْ وَلَدَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ دَعْوَتِهِ أَنْ تَصِحَّ. (قَوْلُهُ: وَالظَّاهِرُ عِنْدِي هُوَ الثَّانِي) نَقَلَهُ فِي النَّهْرِ، وَالرَّمْزِ وَأَقَرَّاهُ عَلَيْهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 220 بِالْقَرَابَةِ وَإِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يَطَأَ جَارِيَتَهُ لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ مِنْهُ لَوْ وَلَدَتْ فَإِنَّهُ يَبِيعُهَا مِنْ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ ثُمَّ يَتَزَوَّجُهَا اهـ. أَطْلَقَ فِي التَّزَوُّجِ فَشَمِلَ الصَّحِيحَ، وَالْفَاسِدَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّبْيِينِ لِأَنَّ الْفَاسِدَ مِنْهُ يَثْبُتُ فِيهِ النَّسَبُ فَاسْتَغْنَى عَنْ تَقَدُّمِ الْمِلْكِ لَهُ، وَفِي النِّهَايَةِ الْوَطْءُ بِشُبْهَةٍ كَالنِّكَاحِ وَعِبَارَتُهَا وَكَذَلِكَ لَوْ اسْتَوْلَدَهَا بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ وَوَطِئَ بِشُبْهَةٍ لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَعَلَّلَهُ آخِرًا بِأَنَّهُ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَى تَمَلُّكِهَا لِإِثْبَاتِ النَّسَبِ بَلْ النِّكَاحُ أَوْ شُبْهَةُ النِّكَاحِ يَكْفِي لِذَلِكَ اهـ. فَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُمْ: وَمَنْ وَطِئَ جَارِيَةَ ابْنِهِ فَوَلَدَتْ فَادَّعَاهُ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مَحَلُّهُ مَا إذَا وَطِئَهَا عَالِمًا بِالْحُرْمَةِ وَأَمَّا إذَا وَطِئَ بِالشُّبْهَةِ فَلَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ مَعَ أَنَّهُمْ قَالُوا كَمَا ذَكَرْنَا لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَدَّعِيَ الشُّبْهَةَ أَوْ لَا فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْوَطْءَ بِشُبْهَةٍ لَيْسَ كَالنِّكَاحِ. (قَوْلُهُ: حُرَّةٌ قَالَتْ لِسَيِّدِ زَوْجِهَا: اعْتِقْهُ عَنِّي بِأَلْفٍ فَفَعَلَ فَسَدَ النِّكَاحُ) ، وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَفْسُدُ وَأَصْلُهُ أَنَّهُ يَقَعُ الْعِتْقُ عَنْ الْآمِرِ عِنْدَنَا حَتَّى يَكُونَ الْوَلَاءُ لَهُ وَلَوْ نَوَى بِهِ الْكَفَّارَةَ يَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ وَعِنْدَهُ يَقَعُ عَنْ الْمَأْمُورِ لِأَنَّهُ طَلَبَ أَنْ يُعْتِقَ الْمَأْمُورُ عَبْدَهُ عَنْهُ وَهَذَا مُحَالٌ لِأَنَّهُ لَا عِتْقَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ فَلَمْ يَصِحَّ الطَّلَبُ فَيَقَعُ الْعِتْقُ عَنْ الْمَأْمُورِ وَلَنَا أَنَّهُ أَمْكَنَ تَصْحِيحُهُ بِتَقْدِيمِ الْمِلْكِ بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاءِ إذْ الْمِلْكُ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْعِتْقِ عَنْهُ فَيَصِيرُ قَوْلُهُ: اعْتِقْ طَلَبُ التَّمْلِيكِ مِنْهُ بِالْأَلْفِ ثُمَّ أَمْرُهُ بِإِعْتَاقِ عَبْدِ الْآمِرِ عَنْهُ وَقَوْلُهُ: أَعْتَقْت تَمْلِيكٌ مِنْهُ ثُمَّ إعْتَاقٌ عَنْهُ وَإِذَا ثَبَتَ الْمِلْكُ لِلْآمِرِ فَسَدَ النِّكَاحُ لِلتَّنَافِي بَيْنَ الْمِلْكَيْنِ، فَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ الِاقْتِضَاءِ وَهُوَ دَلَالَةُ اللَّفْظِ عَلَى مَسْكُوتٍ يَتَوَقَّفُ صِدْقُهُ عَلَيْهِ أَوْ صِحَّتُهُ فَالْمُقْتَضَى بِالْفَتْحِ مَا اسْتَدْعَاهُ صِدْقُ الْكَلَامِ كَرَفْعِ الْخَطَأِ، وَالنِّسْيَانِ أَوْ حُكْمٍ لَزِمَهُ شَرْعًا كَمَسْأَلَةِ الْكِتَابِ فَالْمِلْكُ فِيهِ شَرْطٌ وَهُوَ تَبَعٌ لِلْمُقْتَضِي وَهُوَ الْعِتْقُ إذْ الشُّرُوطُ اتِّبَاعٌ فَلِذَا ثَبَتَ الْبَيْعُ الْمُقْتَضَى بِالْفَتْحِ بِشُرُوطِ الْمُقْتَضِي وَهُوَ الْعِتْقُ لَا بِشُرُوطِ نَفْسِهِ إظْهَارًا لِلتَّبَعِيَّةِ فَسَقَطَ الْقَبُولُ الَّذِي هُوَ رُكْنُ الْبَيْعِ وَلَا يَثْبُتُ فِيهِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ، وَالْعَيْبِ وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ مَقْدُورَ التَّسْلِيمِ حَتَّى صَحَّ الْأَمْرُ بِإِعْتَاقِ الْآبِقِ وَلَوْ قَالَ: أَعْتِقْهُ عَنِّي بِأَلْفٍ وَرِطْلٍ مِنْ خَمْرٍ فَأَعْتَقَهُ وَقَعَ عَنْ الْآمِرِ وَسَقَطَ اعْتِبَارُ الْقَبْضِ فِي الْفَاسِدِ لِأَنَّهُ مُلْحَقٌ بِالصَّحِيحِ فِي احْتِمَالِ سُقُوطِ الْقَبْضِ هُنَا وَيُعْتَبَرُ فِي الْآمِرِ أَهْلِيَّةُ الْإِعْتَاقِ حَتَّى لَوْ كَانَ صَبِيًّا مَأْذُونًا لَمْ يَثْبُتْ الْبَيْعُ بِهَذَا الْكَلَامِ لِكَوْنِهِ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْإِعْتَاقِ وَأَشَارَ بِفَسَادِ النِّكَاحِ إلَى سُقُوطِ الْمَهْرِ لِاسْتِحَالَةِ وُجُوبِهِ عَلَى عَبْدِهَا وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ رَجُلٌ تَحْتَهُ أَمَةٌ لِمَوْلَاهَا: أَعْتِقْهَا عَنِّي بِأَلْفٍ فَفَعَلَ عَتَقَتْ الْأَمَةُ وَفَسَدَ النِّكَاحُ لِلتَّنَافِي أَيْضًا لَكِنْ لَا يَسْقُطُ الْمَهْرُ وَقَيَّدَ بِكَوْنِ الْمَأْمُورِ فَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ لِأَنَّهُ لَوْ زَادَ عَلَيْهِ بِأَنْ قَالَ: بِعْتُك بِأَلْفٍ ثُمَّ أَعْتَقْت لَمْ يَصِرْ مُجِيبًا لِكَلَامِهِ بَلْ كَانَ مُبْتَدَأً وَوَقَعَ الْعِتْقُ عَنْ نَفْسِهِ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ يَعْنِي فَلَا يَفْسُدُ النِّكَاحُ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ لَمْ تَقُلْ بِأَلْفٍ لَا يَفْسُدُ النِّكَاحُ، وَالْوَلَاءُ لَهُ) أَيْ لِلْمَأْمُورِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: هَذَا وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ لِأَنَّهُ يُقَدِّمُ التَّمْلِيكَ بِغَيْرِ عِوَضٍ تَصْحِيحًا لِتَصَرُّفِهِ وَيَسْقُطُ اعْتِبَارُ الْقَبْضِ كَمَا إذَا كَانَ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ ظِهَارٍ فَأَمَرَ غَيْرَهُ أَنْ يُطْعِمَ عَنْهُ وَلَهُمَا أَنَّ الْهِبَةَ مِنْ شُرُوطِهَا الْقَبْضُ بِالنَّصِّ وَلَا يُمْكِنُ إسْقَاطُهُ وَلَا إثْبَاتُهُ اقْتِضَاءً لِأَنَّهُ فِعْلٌ حِسِّيٌّ بِخِلَافِ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ شَرْعِيٌّ، وَفِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ: الْفَقِيرُ يَنُوبُ عَنْ الْآمِرِ فِي الْقَبْضِ أَمَّا الْعَبْدُ فَلَا يَقَعُ فِي يَدِهِ شَيْءٌ لِيَنُوبَ عَنْهُ فَالْحَاصِلُ أَنَّ فِعْلَ الْيَدِ الَّذِي هُوَ الْأَخْذُ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَتَضَمَّنَهُ فِعْلُ اللِّسَانِ وَيَكُونُ مَوْجُودًا بِوُجُودِهِ بِخِلَافِ الْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَتَضَمَّنُ ضِمْنَ قَوْلٍ آخَرَ وَيُعْتَبَرُ مُرَادُهُ مَعَهُ وَهَذَا ظَاهِرٌ وَقَوْلُ أَبِي الْيُسْرِ وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَظْهَرُ لَا يَظْهَرُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَإِنَّمَا يَسْقُطُ الْقَبْضُ فِيمَا قَدَّمْنَاهُ وَهُوَ أَعْتِقْهُ عَنِّي بِأَلْفٍ وَرِطْلٍ مِنْ خَمْرٍ لِأَنَّ الْفَاسِدَ مُلْحَقٌ بِالصَّحِيحِ فِي احْتِمَالِ سُقُوطِ الْقَبْضِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ، وَالْمَآبُ.   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 221 [بَابُ نِكَاحِ الْكَافِر] (بَابُ نِكَاحِ الْكَافِرِ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ نِكَاحِ الْمُسْلِمِينَ بِمَرْتَبَتَيْهِ الْأَحْرَارِ، وَالْأَرِقَّاءِ شَرَعَ فِي بَيَانِ نِكَاحِ الْكُفَّارِ، وَالتَّعْبِيرُ بِنِكَاحِ الْكَافِرِ أَوْلَى مِنْ التَّعْبِيرِ بِنِكَاحِ أَهْلِ الشِّرْكِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ لِأَنَّهُ لَا يَشْمَلُ الْكِتَابِيَّ إلَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ يُدْخِلُهُ فِي الْمُشْرِكِ بِاعْتِبَارِ قَوْلِ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ، وَالْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ رَبِّ الْعِزَّةِ، وَالْكِبْرِيَاءِ الْمُنَزَّهِ عَنْ الْوَلَدِ وَهَاهُنَا ثَلَاثَةُ أُصُولٍ الْأَوَّلُ أَنَّ كُلَّ نِكَاحٍ صَحِيحٍ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ صَحِيحٌ إذَا تَحَقَّقَ بَيْنَ أَهْلِ الْكُفْرِ لِتَضَافُرِ الِاعْتِقَادَيْنِ عَلَى صِحَّتِهِ وَلِعُمُومِ الرِّسَالَةِ فَحَيْثُ وَقَعَ مِنْ الْكُفَّارِ عَلَى وَفْقِ الشَّرْعِ الْعَامِّ وَجَبَ الْحُكْمُ بِصِحَّتِهِ خِلَافًا لِمَالِكٍ وَيَرُدُّهُ قَوْله تَعَالَى {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} [المسد: 4] وَقَوْلُهُ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وُلِدْت مِنْ نِكَاحٍ لَا مِنْ سِفَاحٍ» كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ الثَّانِي إنَّ كُلَّ نِكَاحٍ حُرِّمَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ لِفَقْدِ شَرْطِهِ كَالنِّكَاحِ بِغَيْرِ شُهُودٍ أَوْ فِي الْعِدَّةِ مِنْ الْكَافِرِ يَجُوزُ فِي حَقِّهِمْ إذَا اعْتَقَدُوهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيُقَرَّانِ عَلَيْهِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ الثَّالِثُ إنَّ كُلَّ نِكَاحٍ حُرِّمَ لِحُرْمَةِ الْمَحَلِّ كَنِكَاحِ الْمَحَارِمِ اُخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى قَوْلِهِ قَالَ مَشَايِخُنَا يَقَعُ جَائِزًا وَقَالَ مَشَايِخُ الْعِرَاقِ يَقَعُ فَاسِدًا وَسَيَأْتِي (قَوْلُهُ: تَزَوَّجَ كَافِرٌ بِلَا شُهُودٍ أَوْ فِي عِدَّةِ كَافِرٍ وَذَا فِي دِينِهِمْ جَائِزٌ ثُمَّ أَسْلَمَا أُقِرَّا عَلَيْهِ) يَعْنِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَوَافَقَاهُ فِي الْأَوَّلِ وَخَالَفَاهُ فِي الثَّانِي لِأَنَّ حُرْمَةَ نِكَاحِ الْمُعْتَدَّةِ مُجْمَعٌ عَلَيْهَا فَكَانُوا مُلْتَزِمِينَ لَهَا وَحُرْمَةَ النِّكَاحِ بِغَيْرِ شُهُودٍ مُخْتَلِفٌ فِيهَا وَلَمْ يَلْتَزِمُوا أَحْكَامَنَا بِجَمِيعِ الِاخْتِلَافَاتِ وَبِهِ انْدَفَعَ قَوْلُ زُفَرَ مِنْ التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْحُرْمَةَ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهَا حَقًّا لِلشَّرْعِ لِأَنَّهُمْ لَا يُخَاطَبُونَ بِحُقُوقِهِ وَلَا وَجْهَ إلَى إيجَابِ الْعِدَّةِ حَقًّا لِلزَّوْجِ لِأَنَّهُ لَا يَعْتَقِدُهُ وَإِذَا صَحَّ النِّكَاحُ فَحَالَةَ الْإِسْلَامِ، وَالْمُرَافَعَةُ حَالَةَ الْبَقَاءِ، وَالشَّهَادَةُ لَيْسَتْ شَرْطًا فِيهَا وَكَذَا الْعِدَّةُ لَا تَنَافِيهَا كَالْمَنْكُوحَةِ إذَا وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ أَطْلَقَ الْكَافِرَ فَشَمِلَ الذِّمِّيَّ، وَالْحَرْبِيَّ وَبَحَثَ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فِي قَوْلِهِمْ إنَّ الْحُرْمَةَ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهَا حَقًّا لِلشَّرْعِ لِأَنَّهُمْ لَا يُخَاطَبُونَ بِحُقُوقِهِ بِأَنَّ أَهْلَ الْأُصُولِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِالْمُعَامَلَاتِ، وَالنِّكَاحُ مِنْهَا وَكَوْنُهُ مِنْ حُقُوقِ الشَّرْعِ لَا يُنَافِي كَوْنَهُ مُعَامَلَةً فَيَلْزَمُ اتِّفَاقُ الثَّلَاثِ عَلَى أَنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِأَحْكَامِ النِّكَاحِ غَيْرَ أَنَّ حُكْمَ الْخِطَابِ إنَّمَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ الْمُكَلَّفِ بِبُلُوغِهِ إلَيْهِ، وَالشُّهْرَةُ تَنْزِلُ مَنْزِلَتَهُ وَهِيَ مُتَحَقِّقَةٌ فِي حَقِّ أَهْلِ الذِّمَّةِ دُونَ أَهْلِ الذِّمَّةِ دُونَ أَهْلِ الْحَرْبِ فَمُقْتَضَى النَّظَرِ التَّفْصِيلُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ ذِمِّيًّا فَلَا يُقَرُّ عَلَيْهِ وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ حَرْبِيًّا فَيُقَرُّ عَلَيْهِ اهـ. وَجَوَابُهُ أَنَّ النِّكَاحَ لَمْ يَتَمَحَّضْ مُعَامَلَةً بَلْ فِيهِ مَعْنَى الْعِبَادَةِ وَلِهَذَا كَانَ الِاشْتِغَالُ بِهِ أَوْلَى مِنْ التَّخَلِّي لِلنَّوَافِلِ فَمَا ذَكَرَهُ الْأُصُولِيِّينَ إنَّمَا هُوَ فِي الْمُعَامَلَةِ الْمَحْضَةِ فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْمَوْضِعَيْنِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الذِّمِّيِّ، وَالْحَرْبِيِّ فِي هَذَا الْحُكْمِ وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِ فِي عِدَّةِ كَافِرٍ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ فِي عِدَّةِ مُسْلِمٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَا يُقَرَّانِ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا وَظَاهِرُ كَلَامِ الْهِدَايَةِ أَنَّهُ لَا عِدَّةَ مِنْ الْكَافِرِ عِنْدَ الْإِمَامِ أَصْلًا، وَفِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ فَذَهَبَ طَائِفَةٌ إلَيْهِ وَأُخْرَى إلَى وُجُوبِهَا عِنْدَهُ لَكِنَّهَا ضَعِيفَةٌ لَا تَمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ النِّكَاحِ لِضَعْفِهَا كَالِاسْتِبْرَاءِ وَفَائِدَةُ الِاخْتِلَافِ تَظْهَرُ فِي ثُبُوتِ الرَّجْعَةِ لِلزَّوْجِ بِمُجَرَّدِ طَلَاقِهَا، وَفِي ثُبُوتِ نَسَبِ الْوَلَدِ إذَا أَتَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يَثْبُتَانِ وَعَلَى الثَّانِي يَثْبُتَانِ وَاخْتَارَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الْأَوَّلَ وَمَنَعَ عَدَمَ ثُبُوتِ النَّسَبِ لِجَوَازِ أَنْ يُقَالَ لَا تَجِبُ الْعِدَّةُ وَإِذَا عَلِمَ مَنْ لَهُ الْوَلَدُ   [منحة الخالق] بَابُ نِكَاحِ الْكَافِرِ) (قَوْلُهُ: وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِ فِي عِدَّةِ كَافِرٍ. . . إلَخْ) أَقُولُ: لَمْ يَذْكُرْ مُحْتَرَزَ كَوْنِ الْمُتَزَوِّجِ كَافِرًا أَيْضًا إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا فَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِ فَفِي الْخَانِيَّةِ مِنْ فَصْلِ الْمُحَرَّمَاتِ، وَالذِّمِّيُّ إذَا أَبَانَ امْرَأَتَهُ الذِّمِّيَّةَ فَتَزَوَّجَهَا مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ مِنْ سَاعَتِهِ ذَكَرَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُهَا وَلَا يُبَاحُ لَهُ وَطْؤُهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا بِحَيْضَةٍ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَفِي قَوْلِ صَاحِبَيْهِ نِكَاحُهَا بَاطِلٌ حَتَّى تَعْتَدَّ بِثَلَاثِ حِيَضٍ، وَرَوَى أَصْحَابُ الْأَمَالِي عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا اهـ. وَقَالَ فِي النَّهْرِ وَأَقُولُ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَخْتَلِفَ فِي وُجُوبِهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُسْلِمِ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ وُجُوبَهَا أَلَا تَرَى أَنَّ الْقَوْلَ بِعَدَمِ وُجُوبِهَا فِي حَقِّ الْكَافِرِ مُقَيَّدٌ بِكَوْنِهِمْ لَا يَدِينُونَهَا وَبِكَوْنِهِ جَائِزًا عِنْدَهُمْ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ جَائِزًا بِأَنْ اعْتَقَدُوا وُجُوبَهَا يُفَرَّقُ إجْمَاعًا اهـ. قُلْت لَكِنْ قَدْ عَلِمْت أَنَّ الْعِدَّةَ تَجِبُ حَقًّا لِلزَّوْجِ وَإِذَا كَانَ الزَّوْجُ كَافِرًا لَا يَعْتَقِدُهَا لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهَا حَقًّا لَهُ وَلِذَا نَقَلَ بَعْضُ الْمُحَشِّينَ عَنْ ابْنِ كَمَالٍ بَاشَا عِنْدَ قَوْلِهِ وَذَا فِي دَيْنِهِمْ جَائِزٌ أَنَّ الشَّرْطَ جَوَازُهُ فِي دَيْنِ الزَّوْجِ خَاصَّةً اهـ. أَيْ الزَّوْجُ الَّذِي طَلَّقَهَا عَلَى أَنَّهُ بَعْدَ ثُبُوتِ نَقْلِ ذَلِكَ عَنْ الْإِمَامِ لَا وَجْهَ لِإِنْكَارِهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْهِدَايَةِ) أَيْ قَوْلُهُ: وَلَا وَجْهَ إلَى إيجَابِ الْعِدَّةِ حَقًّا لِلزَّوْجِ لِأَنَّهُ لَا يَعْتَقِدُهُ (قَوْلُهُ: كَالِاسْتِبْرَاءِ) فَإِنَّهُ يَجُوزُ تَزْوِيجُ الْأَمَةِ فِي حَالِ قِيَامِ وُجُوبِهِ عَلَى السَّيِّدِ كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: وَاخْتَارَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الْأَوَّلَ) عِبَارَةُ الْفَتْحِ وَقِيلَ الْأَلْيَقُ الْأَوَّلُ أَيْ عَدَمُ وُجُوبِ الْعِدَّةِ لِمَا عُرِفَ مِنْ وُجُوبِ تَرْكِهِمْ وَمَا يَدِينُونَ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ تَرْكَهُمْ تَحَرُّزًا عَنْ الْغَدْرِ لِعَقْدِ الذِّمَّةِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 222 بِطَرِيقٍ آخَرَ وَجَبَ إلْحَاقُهُ بِهِ بَعْدَ كَوْنِهِ عَنْ فِرَاشٍ صَحِيحٍ وَمَجِيئُهَا بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ الطَّلَاقِ مِمَّا يُفِيدُ ذَلِكَ فَيُلْحَقُ بِهِ وَهُمْ لَمْ يَنْقُلُوا ذَلِكَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ بِثُبُوتِهِ وَلَا عَدَمِهِ بَلْ اخْتَلَفُوا أَنَّ قَوْلَهُ بِالصِّحَّةِ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهَا فَيَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ ذَلِكَ أَوَّلًا فَلَا فَلَنَا أَنْ نَقُولَ بِعَدَمِهَا وَيَثْبُتُ النَّسَبُ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ اهـ. وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِ جَائِزًا فِي دِينِهِمْ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ جَائِزًا عِنْدَهُمْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ وَقَعَ بَاطِلًا فَيَجِبُ التَّجْدِيدُ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: فَيَلْزَمُ فِي الْمُهَاجِرَةِ لُزُومُ الْعِدَّةِ إذَا كَانُوا يَعْتَقِدُونَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمُضَافَ إلَى تَبَايُنِ الدَّارِ الْفُرْقَةُ لَا نَفْيُ الْعِدَّةِ وَأَطْلَقَ فِي عَدَمِ التَّفْرِيقِ بِالْإِسْلَامِ فَشَمِلَ مَا إذَا أَسْلَمَا، وَالْعِدَّةُ مُنْقَضِيَةٌ أَوْ غَيْرُ مُنْقَضِيَةٍ لَكِنْ إذَا أَسْلَمَا وَهِيَ مُنْقَضِيَةٌ لَا يُفَرَّقُ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ وَلَمْ يَذْكُرْ عَدَمَ التَّفْرِيقِ فِيمَا إذَا تَرَافَعَا إلَيْنَا لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ مِنْ الْإِسْلَامِ بِالْأَوْلَى. (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَتْ مَحْرَمُهُ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا) أَيْ لَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ مَحْرَمًا لِلْكَافِرِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا إذَا أَسْلَمَا أَوْ أَحَدُهُمَا اتِّفَاقًا لِأَنَّ نِكَاحَ الْمَحَارِمِ لَهُ حُكْمُ الْبُطْلَانِ فِيمَا بَيْنَهُمْ عِنْدَهُمَا كَمَا ذَكَرْنَا فِي الْعِدَّةِ وَوَجَبَ التَّعَرُّضُ بِالْإِسْلَامِ فَيُفَرَّقُ وَعِنْدَهُ لَهُ حُكْمُ الصِّحَّةِ فِي الصَّحِيحِ إلَّا أَنَّ الْمَحْرَمِيَّةَ تُنَافِي بَقَاءَ النِّكَاحِ فَيُفَرَّقُ بِخِلَافِ الْعِدَّةِ لِأَنَّهَا لَا تُنَافِيهِ ثُمَّ بِإِسْلَامِ أَحَدِهِمَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَبِمُرَافَعَةِ أَحَدِهِمَا لَا يُفَرَّقُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا، وَالْفَرْقُ أَنَّ اسْتِحْقَاقَ أَحَدِهِمَا لَا يَبْطُلُ بِمُرَافَعَةِ صَاحِبِهِ إذْ لَا يَتَغَيَّرُ بِهِ اعْتِقَادُهُ أَمَّا اعْتِقَادُ الْمُصِرِّ لَا يُعَارِضُ إسْلَامَ الْمُسْلِمِ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى عَلَيْهِ وَلَوْ تَرَافَعَا يُفَرَّقُ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ مُرَافَعَتَهُمَا كَتَحْكِيمِهِمَا كَذَا فِي الْهِدَايَةِ فَأَفَادَ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ عَقْدَهُ عَلَى مَحْرَمِهِ صَحِيحٌ وَقِيلَ فَاسِدٌ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي وُجُوبِ النَّفَقَةِ إذَا طَلَبَتْ، وَفِي سُقُوطِ إحْصَانِهِ بِالدُّخُولِ فِيهِ فَعَلَى الصَّحِيحِ يَجِبُ وَلَا يَسْقُطُ حَتَّى لَوْ أَسْلَمَ وَقَذَفَهُ إنْسَانٌ يُحَدُّ وَمُقْتَضَى الْقَوْلِ بِالصِّحَّتَانِ يَتَوَارَثَا، وَالْمَنْقُولُ فِي الْبَدَائِعِ أَنَّهُمَا لَا يَتَوَارَثَانِ اتِّفَاقًا وَعَلَّلَهُ فِي التَّبْيِينِ بِأَنَّ الْإِرْثَ يَثْبُتُ بِالنَّصِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فِيهَا إذَا كَانَتْ الزَّوْجِيَّةُ مُطْلَقَةً بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ فَيُقْتَصَرُ عَلَيْهِ وَعَلَّلَهُ فِي الْمُحِيطِ بِأَنَّ نِكَاحَ الْمَحَارِمِ فِي شَرِيعَةِ آدَمَ لَمْ يَثْبُتْ كَوْنُهُ سَبَبًا لِاسْتِحْقَاقِ الْمِيرَاثِ فِي دِينِهِ فَلَا يَصِيرُ سَبَبًا لِلْمِيرَاثِ فِي دِيَانَتِهِمْ لِأَنَّهُ لَا عِبْرَةَ لِدِيَانَتِهِمْ إذْ لَمْ يَعْتَمِدْ شَرْعًا مَا اهـ. وَقَدْ يُقَالُ هَلْ كَانَ نِكَاحُ الْمَحَارِمِ فِي تِلْكَ الشَّرِيعَةِ سَبَبًا لِوُجُوبِ النَّفَقَةِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ فِي نِكَاحِ الْمَحَارِمِ يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا الْقَاضِي بِإِسْلَامِ أَحَدِهِمَا أَوْ بِمُرَافَعَتِهِمَا لَا بِمُرَافَعَةِ أَحَدِهِمَا عِنْدَ الْإِمَامِ وَأَمَّا إذَا لَمْ تَحْصُلْ الْمُرَافَعَةُ أَصْلًا فَلَا تَفْرِيقَ اتِّفَاقًا لِلْأَمْرِ بِتَرْكِهِمْ وَمَا يُدَيَّنُونَ، وَفِي التَّبْيِينِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْمُطْلَقَةُ ثَلَاثًا، وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْمَحَارِمِ أَوْ الْخَمْسِ اهـ. وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ لَوْ كَانَتْ امْرَأَةُ الذِّمِّيِّ مُطْلَقَةً ثَلَاثًا فَطَلَبَتْ التَّفْرِيقَ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ هَذَا التَّفْرِيقَ لَا يَتَضَمَّنُ إبْطَالَ حَقٍّ عَلَى الزَّوْجِ لِأَنَّ الطَّلْقَاتِ الثَّلَاثَ قَاطِعَةٌ لِمِلْكِ النِّكَاحِ فِي الْأَدْيَانِ كُلِّهَا ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَهَا أَنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا مِنْ غَيْرِ مُرَافَعَةٍ فِي مَوَاضِعَ بِأَنْ يَخْلَعَهَا ثُمَّ يُقِيمَ مَعَهَا مِنْ   [منحة الخالق] لَا يَسْتَلْزِمُ صِحَّةَ مَا تُرِكُوا وَإِيَّاهُ كَالْكُفْرِ تُرِكُوا وَإِيَّاهُ وَهُوَ الْبَاطِلُ الْأَعْظَمُ وَلَوْ سُلِّمَ لَمْ يَسْتَلْزِمْ عَدَمَ ثُبُوتِ النَّسَبِ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ لِجَوَازِ أَنْ يُقَالَ إلَى آخِرِ مَا نَقَلَهُ الْمُؤَلِّفُ عَنْهُ قَالَ فِي النَّهْرِ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ وُجُوبَ تَرْكِهِمْ وَمَا يَدِينُونَ لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى الْقَوْلِ بِصِحَّةِ مَا تُرِكُوا وَإِيَّاهُ لِيُورِدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَسْتَلْزِمُهُ وَقَوْلُهُ: وَلَوْ سُلِّمَ لَمْ يَسْتَلْزِمْ مَبْنِيٌّ عَلَى عَدَمِ ثُبُوتِ النَّسَبِ مِنْهُ إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَالْمَذْكُورُ فِي الْمُحِيطِ وَعَلَيْهِ جَرَى الشَّارِحُ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَقَدْ غَفَلَ عَنْهُ فِي الْبَحْرِ اهـ. قُلْت وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ عَلَى الْمُتَأَمِّلِ فَإِنَّ صَاحِبَ الْفَتْحِ نَازَعَ الْمَشَايِخُ فِي التَّخْرِيجِ الْمَذْكُورِ بِأَنَّ عَدَمَ ثُبُوتِ الْعِدَّةِ لَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ ثُبُوتِ النَّسَبِ فَيُمْكِنُ ثُبُوتُهُ مَعَ عَدَمِ ثُبُوتِهَا فَمَا فِي الْمُحِيطِ وَجَرَى عَلَيْهِ الزَّيْلَعِيُّ إنَّمَا هُوَ نَقْلٌ لِمَا ذَكَرَهُ الْمَشَايِخُ تَخْرِيجًا وَحَيْثُ لَمْ يَنْقُلُوهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يُمْكِنُ مُنَازَعَتُهُمْ فِيهِ وَصَاحِبُ الْفَتْحِ مُجْتَهِدٌ فِي الْمَذْهَبِ كَمَا مَرَّ فَمُعَارَضَتُهُ بِمَا فِي الْمُحِيطِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ وَلَمَّا رَأَى صَاحِبُ الْبَحْرِ قُوَّةَ مَا ذَكَرَهُ لَمْ يُعَارِضْهُ بِمَا فِي الْمُحِيطِ وَشَرْحِ الزَّيْلَعِيِّ فَنِسْبَتُهُ إلَى الْغَفْلَةِ غَيْرُ مُسَلَّمَةٍ. (قَوْلُهُ: وَالْمَنْقُولُ فِي الْبَدَائِعِ أَنَّهُمَا لَا يَتَوَارَثَانِ اتِّفَاقًا) يُخَالِفُ دَعْوَى الِاتِّفَاقِ مَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ حَيْثُ قَالَ: لَوْ لَمْ يُسْلِمَا بَلْ تَرَافَعَا إلَيْنَا لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا مُعْتَقِدَيْنِ ذَلِكَ وَيَجْرِي الْإِرْثُ بَيْنَهُمَا وَيَقْضِي بِالنَّفَقَةِ وَلَا يَسْقُطُ إحْصَانُهُ حَتَّى يُحَدَّ قَاذِفُهُ وَهَذَا عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا فِي كُلٍّ مِنْ الْأَرْبَعَةِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ اهـ. وَفِي سَكْبِ الْأَنْهُرِ لِلطَّرَابُلُسِيِّ وَلَا يَتَوَارَثُونَ بِنِكَاحٍ لَا يُقَرَّانِ عَلَيْهِ كَنِكَاحِ الْمَحَارِمِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ ثُمَّ إنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ يُخَالِفُ مَا نَقَلَهُ الْمُؤَلِّفُ عَنْ الْهِدَايَةِ مِنْ أَنَّهُمَا لَوْ تَرَافَعَا يُفَرَّقُ بِالْإِجْمَاعِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَهَا أَنَّهُ يُفَرَّقُ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَذُكِرَ فِي الْغَايَةِ مَعْزِيَّا إلَى الْمُحِيطِ أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ ثَلَاثًا لَوْ طَلَبَتْ التَّفْرِيقَ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ لَا يَتَضَمَّنُ إبْطَالَ حَقِّ الزَّوْجِ وَكَذَا فِي الْخُلْعِ وَعِدَّةُ الْمُسْلِمِ لَوْ كَانَتْ كِتَابِيَّةً وَكَذَا لَوْ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ زَوْجٍ آخَرَ فِي الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا اهـ. وَمَا ذَكَرَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 223 غَيْرِ عَقْدٍ أَوْ يُطْلِقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ يَتَزَوَّجَهَا قَبْلَ التَّزَوُّجِ بِآخَرَ لِأَنَّهُ زِنًا أَوْ يَتَزَوَّجَ كِتَابِيَّةً فِي عِدَّةِ مُسْلِمٍ صِيَانَةً لِمَاءِ الْمُسْلِمِ اهـ. فَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا إنْ أَمْسَكَهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُجَدِّدَ النِّكَاحَ عَلَيْهَا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ لَمْ يَتَرَافَعَا إلَى الْقَاضِي، وَإِنْ جَدَّدَ عَقْدَ النِّكَاحِ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِآخَرَ فَلَا تَفْرِيقَ كَذَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ لِأَنَّهُ سَوَّى فِي التَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا بَيْنَ مَا إذَا تَزَوَّجَهَا أَوَّلًا حَيْثُ لَمْ تَتَزَوَّجْ بِغَيْرِهِ، وَفِي النِّهَايَةِ لَوْ: تَزَوَّجَ أُخْتَيْنِ فِي عُقْدَةٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ فَارَقَ إحْدَاهُمَا ثُمَّ أَسْلَمَ أُقِرَّا عَلَيْهِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَيَنْبَغِي عَلَى قَوْلِ مَشَايِخِ الْعِرَاقِ وَمَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّحْقِيقِ أَنْ يُفَرَّقَ لِوُقُوعِ الْعَقْدِ فَاسِدًا فَوَجَبَ التَّعَرُّضُ بِالْإِسْلَامِ. اهـ. . (قَوْلُهُ: وَلَا يَنْكِحُ مُرْتَدٌّ أَوْ مُرْتَدَّةٌ أَحَدًا) أَمَّا الْمُرْتَدُّ فَلِأَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ الْقَتْلَ، وَالْإِمْهَالُ ضَرُورَةُ التَّأَمُّلِ، وَالنِّكَاحُ يَشْغَلُهُ عَنْهُ فَلَا يُشْرَعُ فِي حَقِّهِ وَلَا يُرَدُّ مُسْتَحِقُّ الْقَتْلِ لِلْقِصَاصِ حَيْثُ يَجُوزُ لَهُ التَّزَوُّجُ مَعَ أَنَّهُ يُقْتَلُ لِأَنَّ الْعَفْوَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ فِيهِ فَيَسْلَمُ مِنْهُ بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ لِأَنَّهُ لَا يَرْجِعُ غَالِبًا وَأَمَّا الْمُرْتَدَّةُ فَلِأَنَّهَا مَحْبُوسَةٌ لِلتَّأَمُّلِ وَخِدْمَةُ الزَّوْجِ تَشْغَلُهَا عَنْهُ وَلِأَنَّهُ لَا يَنْتَظِمُ بَيْنَهُمَا الْمَصَالِحُ، وَالنِّكَاحُ مَا شُرِعَ لِعَيْنِهِ بَلْ لِمَصَالِحِهِ وَعَبَّرَ بِأَحَدٍ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ لِيُفِيدَ الْعُمُومَ فَلَا يَتَزَوَّجُ الْمُرْتَدُّ مُسْلِمَةً وَلَا كِتَابِيَّةً وَلَا مُرْتَدَّةً وَلَا يَتَزَوَّجُ الْمُرْتَدَّةَ مُسْلِمٌ وَلَا كَافِرٌ وَلَا مُرْتَدٌّ. (قَوْلُهُ:، وَالْوَلَدُ يَتْبَعُ خَيْرَ الْأَبَوَيْنِ دِينًا) لِأَنَّهُ أَنْظَرُ لَهُ فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ مُسْلِمًا فَالْوَلَدُ عَلَى دِينِهِ وَكَذَا إنْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا وَلَهُ وَلَدٌ صَغِيرٌ صَارَ وَلَدُهُ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِهِ   [منحة الخالق] الْمُؤَلِّفُ عَنْ الْمُحِيطِ قَالَ فِي النَّهْرِ هُوَ الَّذِي رَأَيْته فِي الْمُحِيطِ الرَّضَوِيِّ وَسَاقَ عِبَارَتَهُ ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا كَمَا تَرَى يُخَالِفُ مَا فِي الْغَايَةِ مِنْ التَّوَقُّفِ عَلَى الطَّلَبِ فِي الْخُلْعِ وَنَحْوِهِ وَعَلَى ظَاهِرِ مَا فِي الْغَايَةِ فَسَّرَ فِي الْفَتْحِ الْخُلْعَ بِأَنْ اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا الذِّمِّيِّ ثُمَّ أَمْسَكَهَا فَرَفَعَتْهُ إلَى الْحَاكِمِ فَإِنَّهُ يُفَرَّقُ اهـ. قُلْت لَكِنْ يُشْكِلُ مَا نَقَلَهُ هُنَا عَنْ الْمُحِيطِ حَيْثُ ذَكَرَ أَوَّلًا فِي الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا أَنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا إذَا طَلَبَتْ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا إذَا تَزَوَّجَهَا قَبْلَ زَوْجٍ آخَرَ وَلَمْ يُقَيِّدْ بِطَلَبِهَا التَّفْرِيقَ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ لَمْ تَطْلُبْ وَأَنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا إذَا لَمْ يَتَزَوَّجْهَا قَبْلَ زَوْجٍ آخَرَ بِالْأَوْلَى لِأَنَّهُ إذَا تَزَوَّجَهَا بَعْدَ الطَّلَاقِ ثَلَاثًا وُجِدَتْ شُبْهَةُ الْعَقْدِ بِخِلَافِ مَا إذَا طَلَّقَهَا وَأَقَامَ مَعَهَا وَلَمْ يَعْقِدْ عَلَيْهَا وَلِذَا فَرَّقَ الْإِسْبِيجَابِيُّ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ فَأَثْبَتَ التَّفْرِيقَ فِيمَا إذَا أَمْسَكَهَا وَلَمْ يُجَدِّدْ الْعَقْدِ، وَنَفَاهُ فِيمَا إذَا جَدَّدَهُ، هَذَا وَرَأَيْتُ فِي الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ مَا نَصُّهُ: وَإِذَا طَلَّقَ الذِّمِّيُّ زَوْجَتَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ أَقَامَ عَلَيْهَا فَرَافَعَتْهُ إلَى السُّلْطَانِ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ اخْتَلَعَتْ مِنْهُ وَإِذَا تَزَوَّجَ الذِّمِّيُّ الذِّمِّيَّةَ، وَهِيَ فِي عِدَّةٍ مِنْ زَوْجٍ مُسْلِمٍ قَدْ طَلَّقَهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا فَإِنِّي أُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا اهـ. قُلْت وَهَذَا مِثْلُ مَا عَزَاهُ فِي الْغَايَةِ إلَى الْمُحِيطِ مِنْ التَّوَقُّفِ عَلَى الطَّلَبِ فِي الطَّلَاقِ ثَلَاثًا بِدُونِ تَجْدِيدِ الْعَقْدِ، وَفِي الْخُلْعِ لَكِنْ مُفَادُهُ أَنَّ فِي التَّزَوُّجِ فِي عِدَّةِ الْمُسْلِمِ لَا يَحْتَاجُ إلَى طَلَبٍ وَمُرَافَعَةٍ أَصْلًا وَهُوَ ظَاهِرٌ وَمِثْلُهُ مَا لَوْ تَزَوَّجَ الذِّمِّيُّ مُسْلِمَةً حُرَّةً أَوْ أَمَةً فَقَدْ صَرَّحَ الْحَاكِمُ بِأَنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَيُوجَعُ عُقُوبَةً إنْ دَخَلَ بِهَا وَيُعَزَّرُ مَنْ زَوَّجَهُ وَتُعَزَّرُ الْمَرْأَةُ، وَإِنْ أَسْلَمَ بَعْدَ النِّكَاحِ لَمْ يُتْرَكْ عَلَى نِكَاحِهِ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْمُحِيطِ) أَيْ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْحَاصِلِ عَنْ الْإِسْبِيجَابِيِّ مُخَالِفٌ لِكَلَامِ الْمُحِيطِ السَّابِقِ لِأَنَّهُ جَعَلَ التَّفْرِيقَ فِيمَا إذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ التَّزَوُّجِ بِآخَرَ، وَصَرِيحُ كَلَامِ الْإِسْبِيجَابِيِّ أَنَّهُ لَا تَفْرِيقَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَإِنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا أَمْسَكَهَا مِنْ غَيْرِ تَجْدِيدِ النِّكَاحِ وَقَوْلُ الْمُؤَلِّفِ لِأَنَّهُ سَوَّى. . . إلَخْ أَيْ صَاحِبُ الْمُحِيطِ حَكَمَ بِالتَّفْرِيقِ فِيمَا إذَا لَمْ تَتَزَوَّجْ بِغَيْرِهِ سَوَاءٌ عَقَدَ عَلَيْهَا أَمْ لَا (قَوْلُهُ: وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَيَنْبَغِي. . . إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَا يَخْفَى أَنَّ مُجَرَّدَ وُقُوعِ الْعَقْدِ فَاسِدًا لَا أَثَرَ لَهُ فِي وُجُوبِ التَّفْرِقَةِ وَإِلَّا لَفَرَّقَ فِي النِّكَاحِ بِلَا شُهُودٍ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ قِيَامِ الْمُنَافِي مَعَ الْبَقَاءِ كَالْمَحْرَمِيَّةِ وَهُوَ هُنَا قَدْ زَالَ فَمَا فِي النِّهَايَةِ أَوْجَهُ. (قَوْلُهُ: صَارَ وَلَدُهُ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِهِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْمُمَيِّزَ وَغَيْرَهُ، وَقَدْ قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة نَقْلًا عَنْ الذَّخِيرَةِ بَعْضُ الْمَشَايِخِ قَالُوا إنَّمَا يَصِيرُ مُسْلِمًا تَبَعًا لِأَحَدِ أَبَوَيْهِ إذَا كَانَ لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ فَأَمَّا إذَا كَانَ يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ لَا يَصِيرُ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِ أَحَدِ أَبَوَيْهِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ مُحَمَّدٌ وَبَعْضُهُمْ قَالُوا يَصِيرُ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِ أَحَدِ أَبَوَيْهِ، وَإِنْ كَانَ يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ وَاسْتَدَلَّ هَذَا الْقَائِلُ بِمَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ أَنَّ الْمُسْتَأْمَنَ فِي دَارِنَا إذَا أَسْلَمَ وَلَهُ وَلَدٌ صَغِيرٌ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَخَرَجَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ لِزِيَارَةِ أَبِيهِ بِأَمَانٍ وَهُوَ مِمَّنْ يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَرْجِعَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ لَا يَكُونُ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْلِمًا تَبَعًا لِأَبِيهِ وَبِهِ كَانَ يُفْتِي شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ اهـ. وَسُئِلَ شَيْخُ شُيُوخِنَا الْحَلَبِيُّ عَنْ نَصْرَانِيَّةٍ أَسْلَمَتْ وَلَهَا بِنْتٌ صَغِيرَةٌ تَرَكَتْهَا عِنْدَ أُمِّهَا فَلَمَّا كَبِرَتْ زَوَّجَتْهَا جَدَّتُهَا بِنَصْرَانِيٍّ هَلْ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهَا تَبَعًا لِأُمِّهَا فَلَا يَصِحُّ نِكَاحُهَا لَهُ أَمْ لَا؟ أَجَابَ إذَا ثَبَتَ أَنَّ الْبِنْتَ الْمَذْكُورَةَ حِينَ إسْلَامِ أُمِّهَا كَانَتْ لَا تَعْقِلُ الْأَدْيَانَ فَهِيَ مُسْلِمَةٌ تَبَعًا لِأُمِّهَا فَلَا يَصِحُّ وَإِذَا كَانَتْ تَعْقِلُ الْأَدْيَانَ انْقَطَعَتْ تَبَعِيَّتُهَا لِأُمِّهَا اهـ. كَلَامُ الرَّمْلِيِّ: أَقُولُ وَقَدْ صَرَّحَ الْمُؤَلِّفُ فِي الْجَنَائِزِ بِأَنَّهُ تَابِعٌ لِأَحَدِ أَبَوَيْهِ إلَى الْبُلُوغِ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِإِطْلَاقِ الْمُتُونِ الْوَلَدَ وَبِهِ صَرَّحَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 224 سَوَاءٌ كَانَ الْأَبُ أَوْ الْأُمُّ وَتُتَصَوَّرُ تَبَعِيَّتُهُ لِأُمِّهِ الْمُسْلِمَةِ وَأَبُوهُ كَافِرٌ بِأَنْ كَانَا كَافِرَيْنِ فَأَسْلَمَتْ فَقَبْلَ عَرْضِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ وَلَدَتْ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ، وَفِي التَّبْيِينِ وَهَذَا إذَا لَمْ تَخْتَلِفْ الدَّارُ بِأَنْ كَانَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ كَانَ الصَّغِيرُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَأَسْلَمَ الْوَالِدُ فِي دَارِ الْحَرْبِ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ حُكْمًا فَأَمَّا إذَا كَانَ الْوَلَدُ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَالْوَالِدُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمَ لَا يَتْبَعُهُ وَلَدُهُ وَلَا يَكُونُ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِهِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ الْوَالِدُ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ بِخِلَافِ الْعَكْسِ اهـ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: أَمَّا لَوْ تَبَايَنَتْ دَارُهُمَا بِأَنْ كَانَ الْوَالِدُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، وَالْوَلَدُ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ عَلَى الْعَكْسِ فَإِنَّهُ لَا يَصِيرُ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِ الْأَبِ اهـ. وَهُوَ سَهْوٌ فَاجْتَنِبْهُ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا صَارَ مُسْلِمًا بِالتَّبَعِيَّةِ ثُمَّ بَلَغَ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ تَجْدِيدُ الْإِيمَانِ لِوُقُوعِهِ فَرْضًا أَمَّا عَلَى قَوْلِ الْمَاتُرِيدِيِّ فَظَاهِرٌ لِأَنَّهُ قَائِلٌ بِوُجُوبِ أَدَاءِ الْأَيْمَانِ عَلَى الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ كَمَا فِي التَّحْرِيرِ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ فَظَاهِرٌ أَيْضًا لِأَنَّهُ قَائِلٌ بِأَصْلِ الْوُجُوبِ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَجِبْ أَدَاؤُهَا فَإِذَا أَدَّاهُ وَقَعَ فَرْضًا كَتَعْجِيلِ الزَّكَاةِ قَبْلَ الْحَوْلِ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ قَالَ بِعَدَمِ أَصْلِ الْوُجُوبِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا قَالَ بِهِ لِلتَّرْفِيهِ عَلَيْهِ فَإِذَا وُجِدَ مِنْهُ وُجِدَ الْوُجُوبُ كَالْمُسَافِرِ إذَا صَلَّى الْجُمُعَةَ وَلَا خِلَافَ لِأَحَدٍ فِي عَدَمِ وُجُوبِ نِيَّةِ الْفَرْضِ عَلَيْهِ بَعْدَ بُلُوغِهِ وَتَمَامُهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ بَابِ الْمُرْتَدِّينَ. (قَوْلُهُ: وَالْمَجُوسِيُّ شَرٌّ مِنْ الْكِتَابِيِّ) لِأَنَّ لِلْكِتَابِيِّ دِينًا سَمَاوِيًّا بِحَسَبِ الدَّعْوَى وَلِهَذَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ وَتَجُوزُ مُنَاكَحَةُ الْكِتَابِيَّةَ بِخِلَافِ الْمَجُوسِيِّ فَكَانَ شَرًّا مِنْهُ حَتَّى إذَا وُلِدَ وَلَدٌ بَيْنَ كِتَابِيٍّ وَمَجُوسِيٍّ فَهُوَ كِتَابِيٌّ لِأَنَّ فِيهِ نَوْعُ نَظَرٍ لَهُ حَتَّى فِي الْآخِرَةِ بِنُقْصَانِ الْعِقَابِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ بَعْدَ مَا حَكَمَ بِكَوْنِهِ تَبَعًا لِخَيْرِ الْأَبَوَيْنِ لَا يَزُولُ الْخَيْرِيَّةُ فَلَوْ ارْتَدَّ الْمُسْلِمُ مِنْهُمَا لَا يَتْبَعُهُ الْوَلَدُ فِي الرِّدَّةِ إلَّا إنْ لَحِقَ بِهِ الْمُرْتَدُّ إلَى دَارِ الْحَرْبِ فَإِنَّ الصَّبِيَّةَ الْمَنْكُوحَةَ تَبِينُ مِنْ زَوْجِهَا لِلتَّبَايُنِ إلَّا إذَا كَانَ أَحَدُ الْأَبَوَيْنِ مَاتَ عَلَى إسْلَامِهِ وَتَمَامُهُ فِي الْمُحِيطِ وَبَعْدَمَا حَكَمَ بِكَوْنِهِ تَبَعًا لِأَقَلِّهِمَا شَرًّا إذَا تَمَجَّسَ الْمَتْبُوعُ بَطَلَتْ التَّبَعِيَّةُ وَلَمْ يَقُلْ الْمُصَنِّفُ، وَالْكِتَابِيُّ خَيْرٌ مِنْ الْمَجُوسِيِّ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَبَعْضِ الْكُتُبِ لِأَنَّهُ لَا خَيْرَ فِي دَيْنِ هَؤُلَاءِ الطَّائِفَةِ وَلَكِنْ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا خِلَافُ الْخَيْرِ، وَفِي الْمَجُوسِيَّةِ أَكْثَرُ فَيَكُونُ شَرًّا مِنْهَا، وَفِي الْخُلَاصَةِ مِنْ كِتَابِ أَلْفَاظِ التَّكْفِيرِ لَوْ قَالَ: النَّصْرَانِيَّةُ خَيْرٌ مِنْ الْيَهُودِيَّةِ يَكْفُرُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ الْيَهُودِيَّةُ شَرٌّ مِنْ النَّصْرَانِيَّةِ اهـ. فَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ قَالَ الْكِتَابِيُّ خَيْرٌ مِنْ الْمَجُوسِيِّ يَكْفُرُ مَعَ أَنَّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ وَقَعَتْ لِبَعْضِ مَشَايِخِنَا كَمَا سَمِعْت إلَّا أَنْ يُقَالَ بِالْفَرْقِ وَهُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّهُ لَا خَيْرِيَّةَ لِإِحْدَى الْمِلَّتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا، وَالْآخِرَةِ بِخِلَافِ الْكِتَابِيِّ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَجُوسِيِّ لِلْفَرْقِ بَيْنَ أَحْكَامِهِمَا فِي الدُّنْيَا، وَالْآخِرَةِ وَفِي الْخَبَّازِيَّةِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ الْمَنْعَ إنَّمَا هُوَ لِتَفْضِيلِ النَّصْرَانِيَّةِ عَلَى الْيَهُودِيَّةِ، وَالْأَمْرُ بِالْعَكْسِ لِأَنَّ الْيَهُودَ نِزَاعُهُمْ فِي النُّبُوَّاتِ، وَالنَّصَارَى فِي الْإِلَهِيَّاتِ فَالنَّصَارَى أَشَدُّ كُفْرًا اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ قَوْلُهُ: فِي الْخُلَاصَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ الْيَهُودِيَّةُ شَرٌّ مِنْ النَّصْرَانِيَّةِ فَعُلِمَ أَنَّ التَّكْفِيرَ إنَّمَا هُوَ لِأَجْلِ إثْبَاتِ الْخَيْرِيَّةِ لِلْكَافِرِ وَلِذَا قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ لَوْ قَالَ النَّصْرَانِيَّةُ خَيْرٌ مِنْ الْمَجُوسِيَّةِ كَفَرَ وَيَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ الْمَجُوسِيَّةُ شَرٌّ مِنْ النَّصْرَانِيَّةِ اهـ. وَيَلْزَمُ عَلَى مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ أَنَّ النَّصَارَى شَرٌّ مِنْ الْيَهُودِ   [منحة الخالق] الْأُسْرُوشَنِيُّ فِي سِرِّ أَحْكَامِ الصِّغَارِ وَعَزَاهُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ إلَى شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِفَخْرِ الْإِسْلَامِ وَذَكَرَ أَنَّهُ نَصَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ قُلْت وَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَيْهِ مَا نَصُّهُ: وَبِهَذَا تَبَيَّنَ خَطَأُ مَنْ يَقُولُ مِنْ أَصْحَابِنَا إنَّ الَّذِي يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ لَا يَصِيرُ مُسْلِمًا تَبَعًا لِأَبَوَيْهِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَتُتَصَوَّرُ تَبَعِيَّتُهُ لِأُمِّهِ) إشَارَةٌ إلَى الْجَوَابِ عَنْ الِاعْتِرَاضِ عَلَى قَوْلِ الْقُدُورِيِّ فَإِنْ كَانَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ مُسْلِمًا فَالْوَلَدُ عَلَى دِينِهِ بِأَنَّ عُمُومَهُ غَيْرُ صَحِيحٍ إذْ لَا وُجُودَ لِنِكَاحِ الْمُسْلِمَةِ مَعَ كَافِرٍ فَالْمُرَادُ وَتُتَصَوَّرُ التَّبَعِيَّةُ مَعَ بَقَاءِ الزَّوْجِيَّةِ وَهَذَا غَيْرُ الصُّورَةِ السَّابِقَةِ وَبِهِ انْدَفَعَ قَوْلُ الرَّمْلِيِّ قَدَّمَ تَصْوِيرَهَا أَيْضًا بِقَوْلِهِ أَوْ الْأُمُّ وَهُمَا فِي الْعَارِضِ فَمَا مَحَلُّهُ وَكَانَ يَنْبَغِي إرْدَافُهُ بِ أَيْضًا أَوْ يَقُولَ وَبَيْنَهُمَا وَلَدٌ أَوْ حَمْلٌ اهـ. تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَقُلْ الْمُصَنِّفُ، وَالْكِتَابِيُّ خَيْرٌ. . . إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ فِي قَوْلِهِ السَّابِقِ، وَالْوَلَدُ يَتْبَعُ خَيْرَ الْأَبَوَيْنِ دِينًا إطْلَاقُ الْخَيْرِيَّةِ عَلَى مَنْ لَا خَيْرَ فِيهِ (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يُقَالَ بِالْفَرْقِ وَهُوَ الظَّاهِرُ. . . إلَخْ) يُخَالِفُهُ مَا يَذْكُرُهُ قَرِيبًا مِنْ إثْبَاتِ أَشَرِّيَّةِ النَّصَارَى مِنْ الْيَهُودِ فِي الدَّارَيْنِ (قَوْلُهُ: وَيَلْزَمُ عَلَى مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ أَنَّ النَّصَارَى. . . إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: يَعْنِي وَلَيْسَ بِالْوَاقِعِ اهـ. قُلْت بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّهُ الْوَاقِعُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: بَعْدُ فَعُلِمَ أَنَّ النَّصْرَانِيَّ شَرٌّ مِنْ الْيَهُودِيِّ. . . إلَخْ ثُمَّ إنَّ الَّذِي فِي الْبَزَّازِيَّةِ هَكَذَا، وَلَوْ قَالَ: النَّصْرَانِيَّةُ خَيْرٌ مِنْ الْيَهُودِيَّةِ كَفَرَ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ الْخَيْرِيَّةَ لِمَا هُوَ قَبِيحٌ شَرْعًا وَعَقْلًا ثَابِتٌ قُبْحُهُ بِالْقَطْعِيِّ، وَالْمَذْكُورُ فِي كُتُبِ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ الْمَجُوسِيَّ أَسْعَدُ حَالًا مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ لِإِثْبَاتِ الْمَجُوسِيِّ خَالِقَيْنِ وَهَؤُلَاءِ خَالِقًا إلَّا عَدْلَهُ، وَفِيهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 225 أَنَّ الْوَلَدَ الْمُتَوَلِّدَ مِنْ يَهُودِيَّةٍ وَنَصْرَانِيٍّ أَوْ عَكْسُهُ أَنْ يَكُونَ تَبَعًا لِلْيَهُودِيِّ دُونَ النَّصْرَانِيِّ فَإِنْ قُلْت مَا فَائِدَتُهُ قُلْت خِفَّةُ الْعُقُوبَةِ فِي الْآخِرَةِ وَأَمَّا فِي الدُّنْيَا فَلِمَا ذَكَرَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ مِنْ كِتَابِ الْأُضْحِيَّةِ أَنَّ الْكَافِرَ إذَا دَعَا رَجُلًا إلَى طَعَامِهِ فَإِنْ كَانَ مَجُوسِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا يُكْرَهُ، وَإِنْ قَالَ اشْتَرَيْت اللَّحْمَ مِنْ السُّوقِ لِأَنَّ الْمَجُوسِيَّ يَطْبُخُ الْمُنْخَنِقَةَ، وَالْمَوْقُوذَةَ، وَالْمُتَرَدِّيَةَ، وَالنَّصْرَانِيُّ لَا ذَبِيحَةَ لَهُ وَإِنَّمَا يَأْكُلُ ذَبِيحَةَ الْمُسْلِمِ أَوْ يَخْنُقُ، وَإِنْ كَانَ الدَّاعِي إلَى الطَّعَامِ يَهُودِيًّا فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ لِأَنَّ الْيَهُودِيَّ لَا يَأْكُلُ إلَّا مِنْ ذَبِيحَةِ الْيَهُودِيِّ أَوْ الْمُسْلِمِ اهـ. فَعُلِمَ أَنَّ النَّصْرَانِيَّ شَرٌّ مِنْ الْيَهُودِيِّ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا أَيْضًا. (قَوْلُهُ: وَإِذَا أَسْلَمَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ عُرِضَ الْإِسْلَامُ عَلَى الْآخَرِ فَإِنْ أَسْلَمَ وَإِلَّا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا) لِأَنَّ الْمَقَاصِدَ قَدْ فَاتَتْ فَلَا بُدَّ مِنْ سَبَبٍ تُبْتَنَى عَلَيْهِ الْفُرْقَةُ، وَالْإِسْلَامُ طَاعَةٌ فَلَا يَصْلُحُ سَبَبًا فَيُعْرَضُ الْإِسْلَامُ لِتَحْصُلَ الْمَقَاصِدُ بِالْإِسْلَامِ أَوْ تَثْبُتَ الْفُرْقَةُ بِالْإِبَاءِ وَإِضَافَةُ الشَّافِعِيِّ الْفُرْقَةَ إلَى الْإِسْلَامِ مِنْ بَابِ فَسَادِ الْوَضْعِ وَهُوَ أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَى الْعِلَّةِ نَقِيضُ مَا تَقْتَضِيه وَسَيَأْتِي أَنَّ زَوْجَ الْكِتَابِيَّةِ إذَا أَسْلَمَ فَإِنَّهُ يَبْقَى النِّكَاحُ لِجَوَازِ التَّزَوُّجِ بِهَا ابْتِدَاءً فَحِينَئِذٍ صَارَ الْمُرَادُ مِنْ عِبَارَتِهِ هُنَا أَنَّهُمَا إمَّا مَجُوسِيَّانِ فَأَسْلَمَ الزَّوْجُ أَوْ الْمَرْأَةُ أَوْ كِتَابِيًّا فَأَسْلَمَتْ الْمَرْأَةُ أَوْ أَحَدُهُمَا كِتَابِيٌّ، وَالْآخَرُ مَجُوسِيٌّ فَأَسْلَمَ الْكِتَابِيُّ أَوْ الْمَجُوسِيُّ وَهُوَ الْمَرْأَةُ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُمَا إمَّا أَنْ يَكُونَا كِتَابِيَّيْنِ أَوْ مَجُوسِيَّيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا كِتَابِيٌّ، وَالْآخَرُ مَجُوسِيٌّ وَهُوَ صَادِقٌ بِصُورَتَيْنِ فَهِيَ أَرْبَعَةٌ وَكُلٌّ مِنْ الْأَرْبَعَةِ إمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُسْلِمُ الزَّوْجُ أَوْ الزَّوْجَةُ فَهِيَ ثَمَانِيَةٌ مِنْهَا مَسْأَلَتَانِ لَا يُعْرَضُ الْإِسْلَامُ فِيهِمَا عَلَى الْآخَرِ وَهُمَا إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ كِتَابِيَّةً، وَالزَّوْجُ كِتَابِيٌّ أَوْ مَجُوسِيٌّ، وَالْمُسْلِمُ هُوَ الزَّوْجُ، وَالْبَاقِيَةُ مُرَادُهُ هُنَا أَطْلَقَ فِي الْآخِرِ فَشَمِلَ الْبَالِغَ، وَالصَّبِيَّ لَكِنْ بِشَرْطِ التَّمْيِيزِ حَتَّى يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِإِبَاءِ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ بِاتِّفَاقٍ عَلَى الْأَصَحِّ، وَالْفَرْقُ لِأَبِي يُوسُفَ بَيْنَ رِدَّتِهِ وَإِبَائِهِ أَنَّ الْإِبَاءَ تَمَسُّكٌ بِمَا هُوَ عَلَيْهِ فَيَكُونُ صَحِيحًا فَأَمَّا الرِّدَّةُ فَإِنْشَاءٌ لِمَا لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا وَهُوَ يَضُرُّهُ فَلَا يَصِحُّ مِنْهُ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ، وَفِيهِ الْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ مَنْ صَحَّ مِنْهُ الْإِسْلَامُ إذَا أَتَى بِهِ يَصِحُّ مِنْهُ الْإِبَاءُ إذَا عُرِضَ عَلَيْهِ اهـ. وَأَمَّا الصَّبِيُّ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ فَإِنَّهُ يُنْتَظَرُ عَقْلُهُ أَيْ تَمْيِيزُهُ، وَالصَّبِيَّةُ كَالصَّبِيِّ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مَجْنُونًا فَإِنَّهُ لَا يُنْتَظَرُ بَلْ يُعْرَضُ عَلَى أَبَوَيْهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ نِهَايَةٌ مَعْلُومَةٌ كَالْمَرْأَةِ إذَا وَجَدَتْ الزَّوْجَ عِنِّينًا فَإِنَّهُ يُؤَجَّلُ وَلَوْ مَجْبُوبًا فَإِنَّهُ لَا يُؤَجَّلُ بَلْ يُفَرَّقُ لِلْحَالِ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِي الِانْتِظَارِ بِخِلَافِ الْعِنِّينِ يُؤَجَّلُ لِإِفَادَتِهِ وَمَعْنَى الْعَرْضِ عَلَى أَبَوَيْ الْمَجْنُونِ أَنَّ أَيَّ الْأَبَوَيْنِ أَسْلَمَ بَقِيَ النِّكَاحُ لِأَنَّهُ يَتْبَعُ الْمُسْلِمَ مِنْهُمَا كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَيَرِدُ عَلَى الْمُصَنِّفِ مَا إذَا أَسْلَمَ الزَّوْجُ وَهِيَ مَجُوسِيَّةٌ فَتَهَوَّدَتْ أَوْ تَنَصَّرَتْ دَامَا عَلَى النِّكَاحِ كَمَا لَوْ كَانَتْ يَهُودِيَّةً أَوْ نَصْرَانِيَّةً مِنْ الِابْتِدَاءِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَقَوْلُهُ: فَإِنْ أَسْلَمَ وَإِلَّا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا يُنَافِيه وَقَيَّدَ بِالْإِسْلَامِ لِأَنَّ النَّصْرَانِيَّةَ إذَا تَهَوَّدَتْ أَوْ عَكْسُهُ لَا يُلْتَفَتُ   [منحة الخالق] إثْبَاتُ الْخَيْرِيَّةِ لِلْمَجُوسِيِّ عَلَى الْمُعْتَزِلَةِ الْقَدَرِيَّةِ أُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ هُوَ كَوْنُهُمْ خَيْرًا مِنْ كَذَا مُطْلَقًا لَا كَوْنُهُمْ أَسْعَدَ حَالًا بِمَعْنَى أَقَلَّ مُكَابَرَةً وَأَدْنَى إثْبَاتًا لِلشِّرْكِ إذْ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ كُفْرُ بَعْضِهِمْ أَخَفُّ مِنْ بَعْضٍ وَعَذَابُ بَعْضٍ أَدْنَى مِنْ بَعْضٍ وَأَهْوَنُ أَوْ الْحَالُ بِمَعْنَى الْوَصْفِ كَذَا قِيلَ وَلَا يَتِمُّ، وَقَدْ قِيلَ الْمَنْعُ مِنْ قَوْلِهِمْ الْيَهُودِيَّةُ خَيْرٌ مِنْ النَّصْرَانِيَّةِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ كُفْرَ النَّصَارَى أَغْلَظُ مِنْ كُفْرِ الْيَهُودِ لِأَنَّ نِزَاعَهُمْ فِي النُّبُوَّاتِ وَنِزَاعَ النَّصَارَى فِي الْإِلَهِيَّاتِ وقَوْله تَعَالَى {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ} [التوبة: 30] كَلَامُ طَائِفَةٍ قَلِيلَةٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّفْسِيرِ وقَوْله تَعَالَى {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً} [المائدة: 82] الْآيَةَ لَا يَرُدُّ عَلَى هَذَا لِأَنَّ الْبَحْثَ فِي قُوَّةِ الْكُفْرِ وَشِدَّتِهِ لَا فِي قُوَّةِ الْعَدَاوَةِ وَضَعْفِهَا إذَا تَأَمَّلْت النُّصُوصَ بِعِلَّتِهَا وَمَعْلُولِهَا وَحِينَئِذٍ لَا يُتَّجَهُ الِاعْتِرَاضُ اهـ. كَلَامُ الْبَزَّازِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ قَالَ اشْتَرَيْت اللَّحْمَ مِنْ السُّوقِ) صَرَّحُوا فِي الْحَظْرِ، وَالْإِبَاحَةِ بِأَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُ الْكَافِرِ وَلَوْ مَجُوسِيًّا اشْتَرَيْت اللَّحْمَ مِنْ كِتَابِيٍّ فَيَحِلُّ أَوْ مِنْ مَجُوسِيٍّ فَيُحَرَّمُ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ مِنْ الْحِلِّ عَدَمُ كَوْنِهِ مَيْتَةً فَلَا يُنَافِي الْكَرَاهَةَ أَوْ يُقَالُ سَبَبُ الْكَرَاهَةِ هُنَا احْتِمَالُ تَنَجُّسِ الْقُدُورِ بِطَبْخِ الْمُنْخَنِقَةِ بِهَا كَمَا يُومِئُ إلَيْهِ قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمَجُوسِيَّ. . . إلَخْ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: فَلَا بَأْسٍ بِأَكْلِهِ) تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ وَحَلَّ تَزَوُّجُ الْكِتَابِيَّةِ أَنَّ الْأَوْلَى عَدَمُ أَكْلِ ذَبِيحَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ إلَّا لِضَرُورَةٍ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: بَلْ يُعْرَضُ عَلَى أَبَوَيْهِ) ذَكَرَ الْبَاقَانِيُّ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى مَا نَصُّهُ قَالَ فِي رَوْضَةِ الْعُلَمَاءِ لِلزَّاهِدِيِّ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ نَصَبَ الْقَاضِي عَنْ الْمَجْنُونِ وَصِيًّا فَيَقْضِي عَلَيْهِ بِالْفُرْقَةِ وَإِنَّمَا يَنْصِبُ الْوَلِيَّ لِأَنَّ الْمَجْنُونَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ التَّطْلِيقِ لِيَنُوبَ الْقَاضِي بِالتَّفْرِيقِ اهـ. وَمَا نَقَلَهُ عَنْ الزَّاهِدِيِّ مَذْكُورٌ فِي التَّتَارْخَانِيَّة (قَوْلُهُ: كَالْمَرْأَةِ إذَا وَجَدَتْ الزَّوْجَ عِنِّينًا فَإِنَّهُ يُؤَجَّلُ وَلَوْ مَجْبُوبًا فَإِنَّهُ لَا يُؤَجَّلُ) هَكَذَا فِي نُسْخَةٍ وَاَلَّذِي فِي عَامَّةِ النُّسَخِ كَالْمَرْأَةِ إذَا وَجَدَتْ الزَّوْجَ مَجْبُوبًا فَإِنَّهُ لَا يُؤَجَّلُ (قَوْلُهُ: وَيَرُدْ عَلَى الْمُصَنِّفِ مَا إذَا أَسْلَمَ الزَّوْجُ. . . إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَالَ فِي النَّهْرِ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ بِالْكِتَابِيَّةِ وَلَوْ مَآلًا فَلَا يَرِدُ اهـ. يَعْنِي فِي قَوْلِهِ الْآتِي وَلَوْ أَسْلَمَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 226 إلَيْهِمْ لِأَنَّ الْكُفْرَ كُلَّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ وَكَذَا لَوْ تَمَجَّسَتْ زَوْجَةُ النَّصْرَانِيِّ فَهُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا كَمَا لَوْ كَانَتْ مَجُوسِيَّةً فِي الِابْتِدَاءِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ وَإِلَّا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ إنْ لَمْ يُسْلِمْ الْآخَرُ بِأَنْ أَبَى عَنْهُ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَأَمَّا إذَا لَمْ يُسْلِمْ وَلَمْ يَمْتَنِعْ بِأَنْ سَكَتَ فَإِنَّهُ يُكَرِّرُ الْعَرْضَ عَلَيْهِ لِمَا فِي الذَّخِيرَةِ إذَا صَرَّحَ بِالْإِبَاءِ فَالْقَاضِي لَا يَعْرِضُ الْإِسْلَامَ عَلَيْهِ مَرَّةً أُخْرَى وَيُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا وَإِنْ سَكَتَ وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا فَالْقَاضِي يَعْرِضُ عَلَيْهِ الْإِسْلَامَ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى حَتَّى تَتِمَّ الثَّلَاثُ احْتِيَاطًا اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِبَاؤُهُ طَلَاقٌ لَا إبَاؤُهَا) وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يَكُونُ طَلَاقًا فِي الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ سَبَبٌ يَشْتَرِكُ فِيهِ الزَّوْجَانِ فَلَا يَكُونُ طَلَاقًا كَالْفُرْقَةِ بِسَبَبِ الْمِلْكِ وَلَهُمَا أَنَّهُ بِالْإِبَاءِ امْتَنَعَ عَنْ الْإِمْسَاكِ بِالْمَعْرُوفِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ بِالْإِسْلَامِ فَيَنُوبُ الْقَاضِي مَنَابَهُ فِي التَّسْرِيحِ بِالْإِحْسَانِ كَمَا فِي الْجَبِّ، وَالْعُنَّةِ أَمَّا الْمَرْأَةُ فَلَيْسَتْ بِأَهْلٍ لِلطَّلَاقِ فَلَا يَنُوبُ مَنَابَهَا عِنْدَ إبَائِهَا كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَمُرَادُهُ أَنَّهُ لَا يَنُوبُ مَنَابَهَا فِي الطَّلَاقِ لِأَنَّهُ لَيْسَ إلَيْهَا وَإِنَّمَا يَنُوبُ مَنَابَهَا فِيمَا إلَيْهَا وَهُوَ التَّفْرِيقُ عَلَى أَنَّهُ فَسْخٌ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ نَائِبٌ عَنْ كُلٍّ مِنْهُمَا فِيمَا إلَيْهِ لَا كَمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ أَنَّهُ نَائِبٌ عَنْ الزَّوْجِ لَا عَنْهَا لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ تَتَوَقَّفْ الْفُرْقَةُ عَلَى الْقَضَاءِ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْآبِيَةُ وَلَيْسَ مُرَادُهُ أَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ بِمُجَرَّدِ إبَائِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ لِمَا قَدَّمَهُ مِنْ قَوْلِهِ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا أَيْ فَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا وَلَوْ وَقَعَ بِمُجَرَّدِ إبَائِهِ لَمْ يَحْتَجْ إلَى تَفْرِيقِ الْقَاضِي وَلِذَا قَالُوا وَمَا لَمْ يُفَرِّقْ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا فَهِيَ امْرَأَتُهُ حَتَّى يَجِبَ كَمَالُ الْمَهْرِ لَهَا بِمَوْتِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَإِنَّمَا لَا يَتَوَارَثَانِ لَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ التَّفْرِيقِ لِلْمَانِعِ مِنْهُ وَهُوَ كُفْرُ أَحَدِهِمَا لَا لِلْبَيْنُونَةِ وَسَيَأْتِي حُكْمُ الْمَهْرِ فِي الِارْتِدَادِ حَيْثُ قَالَ: وَالْإِبَاءُ نَظِيرُهُ وَأَطْلَقَ فِي الزَّوْجِ فَشَمِلَ الصَّغِيرَ، وَالْكَبِيرَ، وَالْمَجْنُونَ فَيَكُونُ إبَاءُ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ طَلَاقًا عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ وَإِبَاءُ أَحَدِ أَبَوَيْ الْمَجْنُونِ طَلَاقًا أَيْضًا مَعَ أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَصِحُّ مِنْهُمَا لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَعْنَى قَالُوا وَهِيَ مِنْ أَغْرَبِ الْمَسَائِلِ حَيْثُ يَقَعُ الطَّلَاقُ مِنْهُمَا نَظِيرُهُ إذَا كَانَا مَجْبُوبَيْنِ أَوْ كَانَ الْمَجْنُونُ عِنِّينًا فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا وَيَكُونُ طَلَاقًا اتِّفَاقًا وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ الصَّبِيَّ، وَالْمَجْنُونَ أَهْلَانِ لِلْوُقُوعِ لَا لِلْإِيقَاعِ بِدَلِيلِ أَنَّ الصَّبِيَّ إذَا وَرِثَ قَرِيبَهُ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ وَمَا نَحْنُ فِيهِ وُقُوعٌ لَا إيقَاعٌ وَنَظِيرُهُ لَوْ عَلَّقَ الزَّوْجُ الطَّلَاقَ بِشَرْطٍ   [منحة الخالق] زَوْجُ الْكِتَابِيَّةِ بَقِيَ نِكَاحُهَا أَقُولُ: وَأَحْسَنُ مِنْ هَذَا أَنَّ الْمُرَادَ فِي كَلَامِهِ بِالزَّوْجَيْنِ الْمُمْتَنِعُ نِكَاحُهُمَا بَعْدَ إسْلَامِ أَحَدِهِمَا وَبَقِيَا عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ وَإِلَّا كَانَ يُرَدُّ عَلَيْهِ أَيْضًا زَوْجُ الْكِتَابِيَّةِ إذَا أَسْلَمَ وَكَانَ كِتَابِيًّا أَوْ مَجُوسِيًّا تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ نَائِبٌ عَنْ كُلٍّ مِنْهُمَا فِيمَا إلَيْهِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَهُوَ الطَّلَاقُ مِنْهُ، وَالْفَسْخُ مِنْهَا (قَوْلُهُ: وَإِبَاءُ أَحَدِ أَبَوَيْ الْمَجْنُونِ) الْمُرَادُ تَعْمِيمُ الْآبِي سَوَاءٌ كَانَ الْأَبُ أَوْ الْأُمُّ أَيْ إذَا وُجِدَ أَحَدُهُمَا وَأَبَى يَكُونُ طَلَاقًا فَلَا يَرِدُ أَنَّهُ لَوْ وُجِدَ أَوْ أَبَى أَحَدُهُمَا وَأَسْلَمَ الْآخَرُ يَصِيرُ مُسْلِمًا تَبَعًا لِأَشْرَفِهِمَا دِينًا، وَفِي التَّحْرِيرِ وَشَرْحِهِ (وَصَحَّ إسْلَامُهُ) أَيْ الْمَجْنُونِ تَبَعًا لِأَبَوَيْهِ أَوْ أَحَدِهِمَا كَالصَّبِيِّ (وَإِنَّمَا يُعْرَضُ الْإِسْلَامُ لِإِسْلَامِ زَوْجَتِهِ عَلَى أَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ لِصَيْرُورَتِهِ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِهِ) أَيْ إسْلَامِ أَحَدِهِمَا فَإِنْ أَسْلَمَ أُقِرَّا عَلَى النِّكَاحِ، وَإِنْ أَبَى فَرَّقَ بَيْنَهُمَا دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ الْمُسْلِمَةِ بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ (وَإِنَّمَا عُرِضَ) عَلَى وَلِيِّهِ إذَا أَسْلَمَتْ زَوْجَتُهُ (دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهَا إذْ لَيْسَ لَهُ) أَيْ الْجُنُونِ (نِهَايَةٌ مَعْلُومَةٌ) فَفِي التَّأْخِيرِ ضَرَرٌ بِهَا مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الْفَسَادِ لِقُدْرَةِ الْمَجْنُونِ عَلَى الْوَطْءِ ثُمَّ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ عَرْضِ الْإِسْلَامِ عَلَى، وَالِدِهِ أَنْ يُعْرَضَ عَلَيْهِ بِطَرِيقِ الْإِلْزَامِ بَلْ عَلَى سَبِيلِ الشَّفَقَةِ الْمَعْلُومَةِ مِنْ الْآبَاءِ عَلَى الْأَوْلَادِ عَادَةً فَلَعَلَّ ذَلِكَ يَحْمِلُهُ عَلَى أَنْ يُسْلِمَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ، وَالِدَانِ جَعَلَ الْقَاضِي لَهُ خَصْمًا وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْإِبَاءَ يَسْقُطُ اعْتِبَارُهُ هُنَا لِلتَّعَذُّرِ (وَيَصِيرُ مُرْتَدًّا تَبَعًا بِارْتِدَادِ أَبَوَيْهِ وَلَحَاقِهِمَا بِهِ) أَيْ بِالْمَجْنُونِ بِدَارِ الْحَرْبِ (إذَا بَلَغَ مَجْنُونًا وَهُمَا مُسْلِمَانِ) لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ الْإِسْلَامُ فِي حَقِّهِ تَبَعًا لَهُمْ فَيَزُولُ بِزَوَالِ مَا يَتْبَعُهُ ثُمَّ كَوْنُ أَبَوَيْهِ مُسْلِمَيْنِ لَيْسَ بِقَيْدٍ لِأَنَّ إسْلَامَ أَحَدِهِمَا وَارْتِدَادَهُ وَلُحُوقَهُ مَعَهُ بِدَارِ الْحَرْبِ كَافٍ فِي ارْتِدَادِهِ (بِخِلَافِ مَا إذَا تَرَكَاهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ) فَإِنَّهُ يَكُونُ مُسْلِمًا لِظُهُورِ تَبَعِيَّةِ الدَّارِ بِزَوَالِ تَبَعِيَّةِ الْأَبَوَيْنِ لِأَنَّهَا كَالْخَلَفِ عَنْهُمَا (أَوْ بَلَغَ مُسْلِمًا ثُمَّ جُنَّ أَوْ أَسْلَمَ عَاقِلًا فَجُنَّ) قَبْلَ الْبُلُوغِ (فَارْتَدَّا وَلَحِقَا بِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ) لِأَنَّهُ صَارَ أَصْلًا فِي الْإِيمَانِ بِتَقَرُّرِ رُكْنِهِ فَلَا يَنْعَدِمُ بِالتَّبَعِيَّةِ أَوْ عُرُوضِ الْجُنُونِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَنَظِيرُهُ إذَا كَانَا مَجْبُوبَيْنِ) مِنْ الْجَبِّ وَهُوَ قَطْعُ الذَّكَرِ وَضَمِيرُ كَانَا يَرْجِعُ إلَى الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ، وَالْكَبِيرِ الْمَجْنُونِ وَقَوْلُهُ: أَوْ كَانَ الْمَجْنُونُ عِنِّينًا قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّ الصَّغِيرَ الْعِنِّينَ يُنْتَظَرُ بُلُوغُهُ (قَوْلُهُ: وَمَا نَحْنُ فِيهِ وُقُوعٌ لَا إيقَاعٌ) جَوَابٌ عَنْ الِاسْتِغْرَابِ وَنَظَرَ فِيهِ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ لِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّهُ إنَّمَا كَانَ إبَاؤُهُ طَلَاقًا لِأَنَّهُ لَمَّا فَاتَ الْإِمْسَاكُ بِالْمَعْرُوفِ وَجَبَ التَّسْرِيحُ بِالْإِحْسَانِ فَإِنْ فَعَلَ وَإِلَّا نَابَ الْقَاضِي مَنَابَهُ فَكَانَ تَفْرِيقُ الْقَاضِي بِإِبَائِهِ بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ عَنْ الْمُمَيِّزِ وَأَحَدِ أَبَوَيْ الْمَجْنُونِ وَفِعْلُ النَّائِبِ مَنْسُوبٌ لِلْمَنُوبِ عَنْهُ لَا مَحَالَةَ فَكَانَ الطَّلَاقُ وَاقِعًا مِنْهُمَا حُكْمًا اهـ. قُلْت وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ شَمْسَ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيَّ حَقَّقَ أَنَّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 227 وَهُوَ عَاقِلٌ فَجُنَّ ثُمَّ وُجِدَ الشَّرْطُ وَقَعَ عَلَيْهِ وَهُوَ مَجْنُونٌ لِمَا ذَكَرْنَا وَأَشَارَ بِالطَّلَاقِ إلَى وُجُوبِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا إنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا لِأَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا كَانَتْ مُسْلِمَةً فَقَدْ الْتَزَمَتْ أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ وَمِنْ حُكْمِهِ وُجُوبُ الْعِدَّةِ وَإِنْ كَانَتْ كَافِرَةً لَا تَعْتَقِدُ وُجُوبَهَا لِأَنَّ الزَّوْجَ مُسْلِمٌ، وَالْعِدَّةُ حَقُّهُ وَحُقُوقُنَا لَا تَبْطُلُ بِدَيَّانَتِهِمْ وَأَشَارَ أَيْضًا إلَى وُجُوبِ النَّفَقَةِ لَهَا مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ، وَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ مُسْلِمَةً لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ جَاءَ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ وَهُوَ غَيْرُ مُسْقِطٍ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ كَافِرَةً وَأَسْلَمَ الزَّوْجُ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ جِهَتِهَا وَلِذَا لَا مَهْرَ لَهَا إنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ وَأَشَارَ أَيْضًا إلَى وُقُوعِ طَلَاقِهِ عَلَيْهَا مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ كَمَا لَوْ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بِالْخُلْعِ أَوْ بِالْجَبِّ، وَالْعُنَّةِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْآبِي أَوْ هِيَ وَظَاهِرُ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّهُ خَاصٌّ بِمَا إذَا أَسْلَمَتْ وَأَبَى هُوَ، وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ، وَقَدْ وَقَعَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِابْنِ الْمَلَكِ هُنَا سَهْوٌ وَنَقَلَهُ عَنْ الْمُحِيطِ وَهُوَ بَرِيءٌ عَنْهُ فَاجْتَنِبْهُ فَإِنَّهُ قَالَ لَوْ كَانَتْ نَصْرَانِيَّةً وَقْتَ إسْلَامِهِ ثُمَّ تَمَجَّسَتْ تَكُونُ فُرْقَتُهَا طَلَاقًا وَإِنَّمَا الصَّوَابُ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بِلَا عَرْضٍ عَلَيْهَا كَمَا فِي الْمُحِيطِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا ثَمَّةَ لَمْ تَبِنْ حَتَّى تَحِيضَ ثَلَاثًا فَإِذَا حَاضَتْ ثَلَاثًا بَانَتْ) لِأَنَّ الْإِسْلَامَ لَيْسَ سَبَبًا لِلْفُرْقَةِ، وَالْعَرْضُ عَلَى الْإِسْلَامِ مُتَعَذِّرٌ لِقُصُورِ الْوِلَايَةِ وَلَا بُدَّ مِنْ الْفُرْقَةِ دَفْعًا لِلْفَسَادِ وَأَقَمْنَا شَرْطَهَا وَهُوَ مُضِيُّ الْحَيْضِ مَقَامَ السَّبَبِ كَمَا فِي حَفْرِ الْبِئْرِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْمَدْخُولَ بِهَا وَغَيْرَهَا وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنْ هَذِهِ الْحِيَضَ لَيْسَتْ بِعِدَّةٍ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ عِدَّةً لَاخْتَصَّتْ بِالْمَدْخُولِ بِهَا وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ عَلَيْهَا بَعْدَ ذَلِكَ عِدَّةً لِعَدَمِ وُجُوبِهَا لِأَنَّ الْمَرْأَةَ إنْ كَانَتْ حَرْبِيَّةً فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا، وَإِنْ كَانَتْ هِيَ الْمُسْلِمَةُ فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا كَمَا سَيَأْتِي فِي الْمُهَاجِرَةِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ تَبَعًا لِمَا فِي الْمَبْسُوطِ وَذَكَرَ الْإِمَامُ الطَّحَاوِيُّ وُجُوبَ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا وَأَطْلَقَهُ وَيَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى اخْتِيَارِ قَوْلِهِمَا وَأَفَادَ بِتَوَقُّفِ الْبَيْنُونَةِ عَلَى الْحَيْضِ أَنَّ الْآخَرَ لَوْ أَسْلَمَ قَبْلَ انْقِضَائِهَا فَلَا بَيْنُونَةَ وَأَطْلَقَ فِي إسْلَامِ أَحَدِهِمَا فِي دَارِ الْحَرْبِ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الْآخَرُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَقَامَ الْآخَرُ فِيهَا أَوْ خَرَجَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَحَاصِلُهُ أَنَّهُ مَا لَمْ يَجْتَمِعَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ لَا يُعْرَضُ الْإِسْلَامُ عَلَى الْمُصِرِّ سَوَاءٌ خَرَجَ الْمُسْلِمُ أَوْ الْآخَرُ لِأَنَّهُ لَا يُقْضَى لِغَائِبٍ وَلَا عَلَى غَائِبٍ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَأَشَارَ بِالْحَيْضِ إلَى أَنَّهَا مِنْ ذَوَاتِهِ فَلَوْ كَانَتْ لَا تَحِيضُ لِصِغَرٍ أَوْ كِبَرٍ فَلَا تَبِينُ إلَّا بِمُضِيِّ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ مَسْأَلَةَ مَا إذَا أَسْلَمَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ عَلَى اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَجْهًا لِأَنَّ الثَّمَانِيَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ عَلَى أَرْبَعَةٍ لِأَنَّهُمَا إمَّا أَنْ يَكُونَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ أَحَدُهُمَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَقَطْ وَهُوَ صَادِقٌ بِصُورَتَيْنِ وَلَمْ يُبَيِّنْ صِفَةَ الْبَيْنُونَةِ هَلْ هِيَ طَلَاقٌ أَوْ فَسْخٌ لِلِاخْتِلَافِ فَفِي السِّيَرِ إنَّهَا طَلَاقٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لِأَنَّ انْصِرَامَ هَذِهِ الْمُدَّةِ جُعِلَ بَدَلًا عَنْ قَضَاءِ الْقَاضِي وَالْبَدَلُ قَائِمٌ مَقَامَ الْأَصْلِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَسْخٌ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْهُمَا لِأَنَّ هَذِهِ فُرْقَةٌ وَقَعَتْ حُكْمًا لَا بِتَفْرِيقِ الْقَاضِي فَكَانَتْ فَسْخًا بِمَنْزِلَةِ رِدَّةِ الزَّوْجِ وَمِلْكِهِ امْرَأَتَهُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ الْمُسْلِمُ هُوَ الْمَرْأَةُ فَهِيَ فُرْقَةٌ بِطَلَاقٍ لِأَنَّ الْآبِيَ هُوَ الزَّوْجُ حُكْمًا، وَقَدْ أُقِيمَ مُضِيُّ الْمُدَّةِ مَقَامَ إبَائِهِ وَتَفْرِيقُ الْقَاضِي وَإِبَاؤُهُ طَلَاقٌ عِنْدَهُمَا فَكَذَا مَا قَامَ مَقَامَهُ، وَإِنْ كَانَ الْمُسْلِمُ هُوَ الزَّوْجُ فَهِيَ فَسْخٌ لِمَا تَقَدَّمَ فِي إبَائِهَا فَكَذَا حُكْمُ مَا قَامَ مَقَامَهُ وَأَمَّا وُقُوعُ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْبَيْنُونَةِ فَلَا إشْكَالَ فِي الْوُقُوعِ لِأَنَّهَا زَوْجَةٌ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ فَإِنْ كَانَ فِي الْعِدَّةِ عِنْدَ مَنْ أَوْجَبَهَا وَقَعَ وَإِلَّا فَلَا وَأَمَّا عِنْدَ مَنْ   [منحة الخالق] الطَّلَاقَ بِمِلْكِ النِّكَاحِ إذْ لَا ضَرَرَ فِي إثْبَاتِ أَصْلِ الْمِلْكِ بَلْ فِي الْإِيقَاعِ فَإِذَا تَحَقَّقَتْ الْحَاجَةُ إلَى صِحَّةِ إيقَاعِ الطَّلَاقِ مِنْ جِهَتِهِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ كَانَ صَحِيحًا، وَتَمَامُهُ فِي فَصْلِ الْعَوَارِضِ مِنْ شَرْحِ التَّحْرِيرِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَتْ هِيَ مُسْلِمَةً) الْأَوْلَى إسْقَاطُ الْوَاوِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ كَافِرَةً وَأَسْلَمَ الزَّوْجُ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا) قَالَ فِي الشرنبلالية شَامِلٌ لِلصَّغِيرَةِ الْمَجْنُونَةِ الَّتِي فَرَّقَ بِإِبَاءِ، وَالِدِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا وَلَا نَفْعَ لَهَا فِي إسْقَاطِ حَقِّهَا فَيَكُونُ وَارِدًا عَلَى أَنَّهُ لَا يَتَصَرَّفُ إلَّا فِيمَا فِيهِ نَفْعٌ لِلصَّغِيرِ فَلْيُنْظَرْ جَوَابُهُ (قَوْلُهُ: وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ. . . إلَخْ) هَذَا الظَّاهِرُ خِلَافُ الظَّاهِرِ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ خَاصٌّ بِمَا إذَا كَانَ هُوَ الْآبِي لِيَكُونَ إبَاؤُهُ طَلَاقًا كَمَا هُوَ مُقْتَضَى التَّشْبِيهِ فِي قَوْلِهِ كَمَا لَوْ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بِالْخُلْعِ أَوْ بِالْجَبِّ، وَالْعُنَّةِ فَإِنَّهَا فُرْقَةٌ مِنْ جَانِبِهِ فَتَكُونُ طَلَاقًا وَمُعْتَدَّةُ الطَّلَاقِ يَقَعُ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ أَمَّا لَوْ كَانَ الْآبِي هِيَ تَكُونُ الْفُرْقَةُ فَسْخًا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ أَهْلًا لِلطَّلَاقِ، وَالْفَسْخُ رَفْعٌ لِلْعَقْدِ فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي عِدَّتِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا وَجْهُ مَا فِي الْفَتْحِ لَكِنْ سَيَأْتِي أَوَّلَ كِتَابِ الطَّلَاقِ أَنَّهُ لَا يَقَعُ طَلَاقٌ فِي عِدَّةٍ عَنْ فَسْخٍ إلَّا فِي تَفْرِيقِ الْقَاضِي بِإِبَاءِ أَحَدِهِمَا عَنْ الْإِسْلَامِ، وَفِي ارْتِدَادِ أَحَدِهِمَا مُطْلَقًا. (قَوْلُهُ: لَيْسَ سَبَبًا) بَلْ السَّبَبُ إنَّمَا هُوَ الْإِبَاءُ عَنْ الْإِسْلَامِ بِشَرْطِ مُضِيِّ الْحَيْضِ أَوْ الْأَشْهُرِ فِيمَنْ لَا تَحِيضُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 228 لَمْ يُوجِبْهَا فَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَا يَقَعُ شَيْءٌ وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مِنْ أَفْرَادِ الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ فَفِيهَا الْأَقْسَامُ السِّتَّةُ، وَأَمَّا الْقِسْمَانِ الْآخَرَانِ فَخَارِجَانِ بِقَوْلِهِ (وَلَوْ أَسْلَمَ زَوْجُ الْكِتَابِيَّةِ بَقِيَ نِكَاحُهُمَا) فَهُوَ مُخَصِّصٌ لِكُلٍّ مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ صَادِقٌ بِصُورَتَيْنِ مَا إذَا كَانَ الزَّوْجُ كِتَابِيًّا أَوْ مَجُوسِيًّا لِأَنَّهُ يَصِحُّ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا ابْتِدَاءً فَلَأَنْ يَبْقَى أَوْلَى وَلَوْ تَمَجَّسَتْ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا لِفَسَادِ النِّكَاحِ. (قَوْلُهُ: وَتَبَايُنُ الدَّارَيْنِ سَبَبُ الْفُرْقَةِ لَا السَّبْيِ) وَالشَّافِعِيُّ يَعْكِسُهُ لِأَنَّ التَّبَايُنَ أَثَرُهُ فِي انْقِطَاعِ الْوِلَايَةِ وَذَلِكَ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْفُرْقَةِ كَالْحَرْبِيِّ الْمُسْتَأْمَنِ، وَالْمُسْلِمِ الْمُسْتَأْمَنِ أَمَّا السَّبْيُ فَيَقْتَضِي الصَّفَاءَ لِلسَّابِي وَلَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِانْقِطَاعِ النِّكَاحِ وَلِهَذَا يَسْقُطُ الدَّيْنُ عَنْ ذِمَّةِ الْمَسْبِيِّ وَلَنَا أَنَّ مَعَ التَّبَايُنِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا لَا يَنْتَظِمُ الْمَصَالِحُ فَشَابَهَ الْمَحْرَمِيَّةَ، وَالسَّبْيُ يُوجِبُ مِلْكَ الرَّقَبَةِ وَهُوَ لَا يُنَافِي النِّكَاحَ ابْتِدَاءً فَكَذَلِكَ بَقَاءً وَصَارَ كَالشِّرَاءِ ثُمَّ يَقْتَضِي الصَّفَاءَ فِي مَحَلِّ عَمَلِهِ وَهُوَ الْمَالُ لَا فِي مَحَلِّ النِّكَاحِ، وَفِي الْمُسْتَأْمَنِ لَمْ تَتَبَايَنْ الدَّارُ حُكْمًا لِقَصْدِ الرُّجُوعِ فَيَتَفَرَّعُ أَرْبَعُ صُوَرٍ وِفَاقِيَّتَانِ وَهُمَا لَوْ خَرَجَ الزَّوْجَانِ إلَيْنَا مَعًا ذِمِّيَّيْنِ أَوْ مُسْلِمَيْنِ أَوْ مُسْتَأْمَنَيْنِ ثُمَّ أَسْلَمَا أَوْ صَارَا ذِمِّيَّيْنِ لَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ اتِّفَاقًا وَمَا لَوْ سُبِيَ أَحَدُهُمَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ اتِّفَاقًا عِنْدَهُ لِلسَّبْيِ وَعِنْدَنَا لِلتَّبَايُنِ وَخِلَافِيَّتَانِ إحْدَاهُمَا مَا إذَا خَرَجَ أَحَدُهُمَا إلَيْنَا مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا أَوْ مُسْتَأْمَنًا ثُمَّ صَارَ بِأَحَدِ الْوَصْفَيْنِ عِنْدَنَا تَقَعُ فَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ حَلَّ لَهُ التَّزَوُّجُ بِأَرْبَعٍ فِي الْحَالِ وَبِأُخْتٍ امْرَأَتِهِ الَّتِي فِي دَارِ الْحَرْبِ إذَا كَانَتْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَعِنْدَهُ لَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ زَوْجَتِهِ الَّتِي فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَالثَّانِيَةُ مَا إذَا سُبِيَ الزَّوْجَانِ مَعًا فَعِنْدَهُ تَقَعُ فَلِلسَّابِي أَنْ يَطَأَهَا بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ وَعِنْدَنَا لَا لِعَدَمِ تَبَايُنِ دَارَيْهِمَا أَطْلَقَ فِي التَّبَايُنِ فَانْصَرَفَ إلَيْهِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا فَلَوْ تَزَوَّجَ مُسْلِمٌ كِتَابِيَّةً حَرْبِيَّةً فِي دَارِ الْحَرْبِ فَخَرَجَ عَنْهَا الزَّوْجُ بَانَتْ لِوُجُودِهِ وَلَوْ خَرَجَتْ الْمَرْأَةُ قَبْلَ الزَّوْجِ لَمْ تَبِنْ لِأَنَّ التَّبَايُنَ، وَإِنْ وُجِدَ حَقِيقَةً لَمْ يُوجَدْ حُكْمًا لِأَنَّهَا صَارَتْ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ لِأَنَّهَا الْتَزَمَتْ أَحْكَامَ الْمُسْلِمِينَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا لَا تَعُودُ إلَى دَارِ الْحَرْبِ، وَالزَّوْجُ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ حُكْمًا بِخِلَافِ مَا إذَا أَخْرَجَهَا كُرْهًا فَإِنَّهَا تَبِينُ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا لِتَحَقُّقِ التَّبَايُنِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا لِأَنَّهَا فِي دَارِ الْحَرْبِ حُكْمًا وَزَوْجُهَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ حُكْمًا وَإِذَا دَخَلَ الْحَرْبِيُّ دَارَنَا بِأَمَانٍ لَمْ تَبِنْ زَوْجَتُهُ لِأَنَّهُ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ حُكْمًا فَإِنْ قَبِلَ الذِّمَّةَ بَانَتْ لِأَنَّهُ صَارَ مِنْ أَهْلِ دَارِنَا حَقِيقَةً وَحُكْمًا. (قَوْلُهُ: وَتُنْكَحُ الْمُهَاجِرَةُ الْحَائِلُ بِلَا عِدَّةٍ) أَيْ الَّتِي لَيْسَتْ بِحَامِلٍ وَهَذَا بَيَانٌ لِحُكْمٍ آخَرَ جُزْئِيٍّ مِنْ جُزْئِيَّاتِ مَوْضُوعِ الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ فَإِنَّ مِنْهَا مَا إذَا خَرَجَتْ الْمَرْأَةُ مُسْلِمَةً أَوْ ذِمِّيَّةً وَتَرَكَتْ زَوْجَهَا فِي دَارِ الْحَرْبِ فَأَفَادَ أَنَّهَا إذَا بَانَتْ فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا إنْ لَمْ تَكُنْ حَامِلًا فَتَتَزَوَّجُ لِلْحَالِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَقَالَا عَلَيْهَا: الْعِدَّةُ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ وَقَعَتْ بَعْدَ الدُّخُولِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَيَلْزَمُهَا حُكْمُ الْإِسْلَامِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا أَثَرُ النِّكَاحِ الْمُتَقَدِّمِ وَوَجَبَتْ إظْهَارًا لِخَطَرِهِ وَلَا خَطَرَ لِمِلْكِ الْحَرْبِيِّ وَلِهَذَا لَا تَجِبُ عَلَى الْمَسْبِيَّةِ، وَقَدْ تَأَيَّدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة: 10] ، وَالْعِصَمُ جَمْعُ عِصْمَةٍ بِمَعْنَى الْمَنْعِ، وَالْكَوَافِرُ جَمْعُ كَافِرَةٍ ثُمَّ اخْتَلَفَا لَوْ خَرَجَ زَوْجُهَا بَعْدَهَا وَهِيَ بَعْدُ فِي هَذِهِ الْعِدَّةِ فَطَلَّقَهَا هَلْ يَلْحَقُهَا طَلَاقٌ قَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَقَعُ عَلَيْهَا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَقَعُ، وَالْأَصْلُ أَنَّ الْفُرْقَةَ إذَا وَقَعَتْ بِالتَّنَافِي تَصِيرُ الْمَرْأَةُ مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تَصِيرُ وَهُوَ أَوْجَهُ إلَّا أَنْ تَكُونَ مَحْرَمُهُ لِعَدَمِ فَائِدِ الطَّلَاقِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ وَثَمَرَتُهُ تَظْهَرُ فِيمَا لَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا لَا يَحْتَاجُ زَوْجُهَا فِي تَزَوُّجِهَا إذَا أَسْلَمَ إلَى زَوْجٍ آخَرَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: حَقِيقَةً وَحُكْمًا) قَالَ فِي النَّهْرِ: الْمُرَادُ بِالتَّبَايُنِ حَقِيقَةً تَبَاعُدُهُمَا شَخْصًا وَبِالْحُكْمِ أَنْ لَا يَكُونَ فِي الدَّارِ الَّتِي دَخَلَهَا عَلَى سَبِيلِ الرُّجُوعِ بَلْ عَلَى سَبِيلِ الْقَرَارِ، وَالسُّكْنَى حَتَّى لَوْ دَخَلَ الْحَرْبِيُّ دَارَنَا بِأَمَانٍ لَمْ تَبِنْ زَوْجَتُهُ لِأَنَّهُ فِي دَارِهِ حُكْمًا إلَّا إذَا قَبِلَ الذِّمَّةَ اهـ. (قَوْلُهُ: بِأَحَدِ الْوَصْفَيْنِ) أَيْ أَسْلَمَ أَوْ صَارَ ذِمِّيًّا (قَوْلُهُ: فَلَوْ تَزَوَّجَ مُسْلِمٌ كِتَابِيَّةً) تَفْرِيعٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّبَايُنِ التَّبَايُنُ حَقِيقَةً وَحُكْمًا وَهُوَ ظَاهِرٌ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ تَفْسِيرِهِمَا، وَفِي الْفَتْحِ عَنْ الْمُحِيطِ مُسْلِمٌ تَزَوَّجَ حَرْبِيَّةً فِي دَارِ الْحَرْبِ فَخَرَجَ بِهَا رَجُلٌ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ بَانَتْ مِنْ زَوْجِهَا بِالتَّبَايُنِ فَلَوْ خَرَجَتْ بِنَفْسِهَا قَبْلَ زَوْجِهَا لَمْ تَبِنْ لِأَنَّهَا صَارَتْ مِنْ أَهْلِ دَارِنَا بِالْتِزَامِهَا أَحْكَامَ الْمُسْلِمِينَ إذْ لَا تُمَكَّنُ مِنْ الْعَوْدِ، وَالزَّوْجُ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ فَلَا تَبَايُنَ اهـ. وَوَجَّهَهُ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّ الْمُرَادَ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى إذَا أَخْرَجَهَا الرَّجُلُ قَهْرًا حَتَّى مَلَكَهَا لِتَحَقُّقِ التَّبَايُنِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا حِينَئِذٍ حَقِيقَةً وَحُكْمًا أَمَّا حَقِيقَةً فَظَاهِرٌ وَأَمَّا حُكْمًا فَلِأَنَّهَا فِي دَارِ الْحَرْبِ حُكْمًا وَزَوْجُهَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ حُكْمًا فَإِنَّ فِي النَّهْرِ عَنْ الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ، وَفِي قَوْلِهِ: وَأَمَّا حُكْمًا. . . إلَخْ بَحْثٌ اهـ. قَالَ: وَلَعَلَّ وَجْهَهُ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ مَعْنَى الْحُكْمِ أَنْ لَا يَكُونَ فِي الدَّارِ الَّتِي دَخَلَهَا عَلَى سَبِيلِ الرُّجُوعِ بَلْ عَلَى سَبِيلِ الْقَرَارِ وَهِيَ هُنَا كَذَلِكَ إذْ لَا تُمَكَّنُ مِنْ الرُّجُوعِ قَالَ: ثُمَّ رَاجَعْتُ الْمُحِيطَ الرَّضَوِيَّ فَإِذَا الَّذِي فِيهِ مَا لَفْظُهُ وَسَاقَ الْمَسْأَلَةَ عَنْهُ بِنَحْوِ مَا سَاقَهُ الْمُؤَلِّفُ ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا لَا غُبَارَ عَلَيْهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا وَقَعَ فِي نُسْخَةِ صَاحِبِ الْفَتْحِ تَحْرِيفٌ، وَالصَّوَابُ مَا أَسْمَعْتُك. (قَوْلُهُ: مَا إذَا خَرَجَتْ مُسْلِمَةً أَوْ ذِمِّيَّةً) وَكَذَا إذَا أَسْلَمَتْ فِي دَارِنَا أَوْ صَارَتْ ذِمِّيَّةً الجزء: 3 ¦ الصفحة: 229 عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَحْتَاجُ إلَيْهِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَأَرَادَ بِالْمُهَاجِرَةِ التَّارِكَةَ لِدَارِ الْحَرْبِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ عَلَى عَزْمِ عَدَمِ الْعَوْدِ وَذَلِكَ بِأَنْ تَخْرُجَ مُسْلِمَةً أَوْ ذِمِّيَّةً أَوْ صَارَتْ كَذَلِكَ وَقَيَّدَ بِالْحَائِلِ لِأَنَّ الْحَامِلَ لَا يَصِحُّ الْعَقْدُ عَلَيْهَا حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا وَظَاهِرُ مَفْهُومِ الْكِتَابِ أَنَّ ذَلِكَ لِأَجْلِ الْعِدَّةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَالتَّبْيِينِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْعَقْدَ صَحِيحٌ، وَالْوَطْءَ حَرَامٌ حَتَّى تَضَعَهُ لِأَنَّهُ لَا حُرْمَةَ لِمَاءِ الْحَرْبِيِّ كَمَاءِ الزَّانِي وَصَحَّحَ الشَّارِحُونَ الْأَوَّلَ لِأَنَّ النَّسَبَ ثَابِتٌ فَكَانَ الرَّحِمُ مَشْغُولًا بِحَقِّ الْغَيْرِ فَكَانَ الِاحْتِيَاطُ فِي مَنْعِ الْعَقْدِ كَالْوَطْءِ بِخِلَافِ الْحَمْلِ مِنْ الزِّنَا وَصَحَّحَ الْأَقْطَعُ رِوَايَةَ الصِّحَّةِ، وَالْأَكْثَرُ عَلَى الْأَوَّلِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ لِأَنَّهُ إذَا ظَهَرَ الْفِرَاشُ فِي حَقِّ النَّسَبِ يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْمَنْعِ مِنْ النِّكَاحِ احْتِيَاطًا (قَوْلُهُ: وَارْتِدَادُ أَحَدِهِمَا فَسْخٌ فِي الْحَالِ) يَعْنِي فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مُضِيِّ ثَلَاثَةِ قُرُوءٍ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا وَلَا عَلَى قَضَاءِ الْقَاضِي لِأَنَّ وُجُودَ الْمُنَافِي يُوجِبُهُ كَالْمَحْرَمِيَّةِ بِخِلَافِ الْإِسْلَامِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُنَافٍ لِلْعِصْمَةِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ ارْتِدَادَ الْمَرْأَةِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَبَعْضُ مَشَايِخِ بَلْخَ وَمَشَايِخِ سَمَرْقَنْدَ أَفْتَوْا بِعَدَمِ الْفُرْقَةِ بِرِدَّتِهَا حَسْمًا لِبَابِ الْمَعْصِيَةِ، وَالْحِيلَةُ لِلْخَلَاصِ مِنْهُ وَعَامَّةُ مَشَايِخِ بُخَارَى أَفْتَوْا بِالْفُرْقَةِ لَكِنَّهَا تُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَالنِّكَاحِ مَعَ زَوْجِهَا الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْحَسْمَ يَحْصُلُ بِهَذَا الْخَبَرِ فَلَا ضَرُورَةَ إلَى إسْقَاطِ اعْتِبَارِ الْمُنَافِي وَتَعَقَّبَهُمْ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ بِأَنَّ جَبْرَ الْحُرَّةِ الْبَالِغَةِ مُنَافٍ لِلشَّرْعِ أَيْضًا فَلَزِمَهُمْ مَا هَرَبُوا مِنْهُ مِنْ إسْقَاطِ اعْتِبَارِ الْمُنَافِي اهـ. وَهُوَ مَرْدُودٌ لِأَنَّ الْجَبْرَ عَلَى النِّكَاحِ عُهِدَ فِي الشَّرْعِ فِي الْجُمْلَةِ لِلضَّرُورَةِ كَمَا فِي الْعَبْدِ، وَالْأَمَةِ، وَالْحُرِّ الصَّغِيرِ، وَالْحُرَّةِ الصَّغِيرَةِ فَجَازَ ارْتِكَابُهُ فِي غَيْرِهِمْ لِلضَّرُورَةِ وَلَمْ يُعْهَدْ بَقَاءُ النِّكَاحِ مَعَ الْمُنَافِي لَهُ فَافْتَرَقَا قَالُوا: وَلِكُلِّ قَاضٍ أَنْ يُجَدِّدَ النِّكَاحَ بِمَهْرٍ يَسِيرٍ وَلَوْ بِدِينَارٍ رَضِيَتْ أَوْ لَا وَتُعَزَّرُ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ اهـ. وَهُوَ اخْتِيَارٌ؛ لِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِي التَّعْزِيرِ هُنَا فَإِنَّ نِهَايَتَهُ فِي تَعْزِيرِ الْحُرِّ عِنْدَهُ خَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ وَعِنْدَهُمَا تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ مَعَ أَنَّ الْقُدْسِيَّ فِي الْحَاوِي قَالَ بَعْدَ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْمَذْكُورِ وَبِهِ نَأْخُذُ فَعَلَى هَذَا الْمُعْتَمَدِ فِي نِهَايَةِ التَّعْزِيرِ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ سَوَاءٌ كَانَ فِي تَعْزِيرِ الْمُرْتَدَّةِ أَوْ لَا وَصَحَّحَ فِي الْمُحِيطِ، وَالْخِزَانَةِ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ مِنْ وُقُوعِ الْفُرْقَةِ، وَالْجَبْرِ عَلَى تَجْدِيدِ النِّكَاحِ مِنْ الْأَوَّلِ وَعَدَمِ تَزَوُّجِهَا بِغَيْرِهِ بَعْدَ إسْلَامِهَا، وَقَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَحَلَّهُ مَا إذَا طَلَبَ الْأَوَّلُ ذَلِكَ أَمَّا إذَا رَضِيَ بِتَزَوُّجِهَا مِنْ غَيْرِهِ فَهُوَ صَحِيحٌ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ وَكَذَلِكَ لَوْ لَمْ يَطْلُبْ تَجْدِيدَ النِّكَاحِ وَاسْتَمَرَّ سَاكِتًا لَا يُجَدِّدُهُ الْقَاضِي حَيْثُ أَخْرَجَهَا مِنْ بَيْتِهِ، وَفِي الْقُنْيَةِ الْمُرْتَدَّةُ مَا دَامَتْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهَا لَا تُسْتَرَقُّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَفِي النَّوَادِرِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا تُسْتَرَقُّ وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ عَالِمًا اسْتَوْلَى عَلَيْهَا بَعْدَ الرِّدَّةِ تَكُونُ فَيْئًا لِلْمُسْلِمِينَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ثُمَّ يَشْتَرِيهَا مِنْ الْإِمَامِ أَوْ يَصْرِفُهَا إلَيْهِ إنْ كَانَ مَصْرِفًا فَلَوْ أَفْتَى مُفْتٍ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ حَسْمًا لِهَذَا الْأَمْرِ لَا بَأْسَ بِهِ قُلْت، وَفِي زَمَانِنَا بَعْدَ فِتْنَةِ التَّتَرِ الْعَامَّةِ صَارَتْ هَذِهِ الْوِلَايَاتُ الَّتِي غَلَبُوا عَلَيْهَا وَأَجْرَوْا أَحْكَامَهُمْ فِيهَا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ مَفْهُومِ الْكِتَابِ. . . إلَخْ) قَالَ الْبَاقَانِيُّ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى هَذَا الْخِلَافُ يَتَحَقَّقُ فِي الْحَائِلِ، وَالْحَامِلِ فِي وُجُوبِ الْعِدَّةِ وَعَدَمِ وُجُوبِهَا أَمَّا أَنَّهُ هَلْ يَجُوزُ نِكَاحُ الْحَامِلِ عِنْدَهُ مَعَ عَدَمِ الْعِدَّةِ فَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يَجُوزُ ذَكَرَهُ فِي الْحَقَائِقِ نَقْلًا عَنْ الْمَبْسُوطِ فَمَنْ اسْتَثْنَى الْحَامِلَ فَقَدْ تَوَهَّمَ وَمَنْشَؤُهُ قَوْلُ الْهِدَايَةِ: وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا لَمْ تُزَوَّجْ حَتَّى تَضَعَ فَفُهِمَ أَنَّ الْمَانِعَ عِنْدَهُ وُجُوبُ الْعِدَّةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ فَرْشَتَةَ وَغَيْرُهُ، وَالْحَالُ أَنَّ آخِرَ عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ تُؤْذِنُ بِأَنَّ الْمَانِعَ إنَّمَا هُوَ ثُبُوتُ النَّسَبِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: مَعَ أَنَّ الْقُدْسِيَّ فِي الْحَاوِي قَالَ. . . إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ لَيْسَ مُخْتَارًا هُنَا فَقَطْ (قَوْلُهُ: أَوْ يَصْرِفُهَا إلَيْهِ إنْ كَانَ مُصَرِّفًا) أَيْ يَصْرِفُهَا الْإِمَامُ إلَيْهِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الِاسْتِيلَادُ عَلَيْهَا بِلَا شِرَاءٍ أَوْ صَرْفٍ وَقَدْ نَقَلَ فِي الْقُنْيَةِ عَنْ الْوَبَرِيِّ أَنَّ مَنْ لَهُ حَظٌّ فِي بَيْتِ الْمَالِ ظَفِرَ بِمَالِهِ وَجْهٌ لِبَيْتِ الْمَالِ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ دِيَانَةً وَنَظَمَهُ ابْنُ وَهْبَانَ فِي مَنْظُومَتِهِ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ قَالَ الْإِمَامُ الْحَلْوَانِيُّ: إذَا كَانَ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ فَمَاتَ الْمُودِعُ بِلَا وَارِثٍ لَهُ أَنْ يَصْرِفَ الْوَدِيعَةَ إلَى نَفْسِهِ فِي زَمَانِنَا هَذَا لِأَنَّهُ لَوْ أَعْطَاهَا لِبَيْتِ الْمَالِ لَضَاعَتْ لِأَنَّهُمْ لَا يَصْرِفُونَهُ مَصَارِفَهُ فَإِذَا كَانَ مِنْ أَهْلِهِ صَرَفَهُ إلَى نَفْسِهِ وَإِلَّا صَرَفَهُ إلَى الْمَصْرِفِ (قَوْلُهُ: فَلَوْ أَفْتَى مُفْتٍ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ. . . إلَخْ) قَالَ تِلْمِيذُ الْمُؤَلِّفِ فِي مِنَحِهِ: وَمَنْ تَصَفَّحَ أَحْوَالَ نِسَاءِ زَمَانِنَا وَمَا يَقَعُ مِنْهُنَّ مِنْ مُوجِبَاتِ الرِّدَّةِ مُكَرَّرًا فِي كُلِّ يَوْمٍ لَمْ يَتَوَقَّفْ فِي الْإِفْتَاءِ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ اهـ. وَفِي النَّهْرِ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْإِفْتَاءَ بِمَا اخْتَارَهُ بَعْضُ أَئِمَّةِ بَلْخَ أَوْلَى مِنْ الْإِفْتَاءِ بِمَا فِي النَّوَادِرِ وَلَقَدْ شَاهَدْنَا مِنْ الْمَشَاقِّ فِي تَجْدِيدِهَا فَضْلًا عَنْ جَبْرِهَا بِالضَّرْبِ وَنَحْوِهِ مَا لَا يُعَدُّ وَلَا يُحَدُّ، وَقَدْ كَانَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا مِنْ عُلَمَاءِ الْعَجَمِ اُبْتُلِيَ بِامْرَأَةٍ تَقَعُ فِيمَا يُوجِبُ الْكُفْرَ كَثِيرًا ثُمَّ تُنْكِرُ وَعَنْ التَّجْدِيدِ تَأْبَى، وَمِنْ الْقَوَاعِدِ: الْمَشَقَّةُ تَجْلِبُ التَّيْسِيرَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُيَسِّرُ لِكُلِّ عَسِيرٍ اهـ. لَكِنْ مَا ذَكَرَهُ يُفِيدُ أَنَّ مَا اخْتَارَهُ أَئِمَّةُ بَلْخَ أَوْلَى مِمَّا اخْتَارَهُ أَئِمَّةُ بُخَارَى لَا مِمَّا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 230 كَخُوَارِزْمَ وَمَا وَرَاءَ النَّهْرِ وَخُرَاسَانَ وَنَحْوِهَا صَارَتْ دَارَ الْحَرْبِ فِي الظَّاهِرِ فَلَوْ اسْتَوْلَى عَلَيْهَا الزَّوْجُ بَعْدَ الرِّدَّةِ يَمْلِكُهَا وَلَا يَحْتَاجُ إلَى شِرَائِهَا مِنْ الْإِمَامِ فَيُفْتِي بِحُكْمِ الرِّقِّ حَسْمًا لِكَيْدِ الْجَهَلَةِ وَمَكْرِ الْمَكْرَةِ عَلَى مَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ اهـ. مَا فِي الْقُنْيَةِ وَهَكَذَا فِي خِزَانَةِ الْفَتَاوَى وَنَقَلَ قَوْلَهُ فَلَوْ أَفْتَى مُفْتٍ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ عَنْ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ لِلزَّوْجِ أَنْ يَبِيعَهَا بَعْدَ الِاسْتِيلَاءِ لِأَنَّهُ صَارَ مَالِكًا لَهَا وَيَنْبَغِي أَنْ يَمْتَنِعَ بَيْعُهَا إذَا كَانَتْ وَلَدَتْ مِنْهُ قَبْلَ الرِّدَّةِ تَنْزِيلًا لَهَا مَنْزِلَةَ أُمِّ وَلَدِهِ، وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْخَانِيَّةِ أَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ إذَا ارْتَدَّتْ وَلَحِقَتْ بِدَارُ الْحَرْبِ ثُمَّ سُبِيَتْ ثُمَّ مَلَكَهَا السَّيِّدُ يَعُودُ كَوْنُهَا أُمَّ وَلَدِهِ وَأُمِّيَّةُ الْوَلَدِ تَتَكَرَّرُ بِتَكْرَارِ الْمِلْكِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ مِنْ بَابِ الرِّدَّةِ: رَجُلٌ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَغَابَ عَنْهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَأَخْبَرَهُ مُخْبِرٌ أَنَّهَا ارْتَدَّتْ، وَالْمُخْبِرُ حُرٌّ أَوْ مَمْلُوكٌ أَوْ مَحْدُودٌ فِي قَذْفٍ وَهُوَ ثِقَةٌ عِنْدَهُ وَسِعَهُ أَنْ يُصَدِّقَهُ وَيَتَزَوَّجَ أَرْبَعًا سِوَاهَا وَكَذَا إذَا كَانَ غَيْرَ ثِقَةٍ وَأَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ صَادِقٌ، وَإِنْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ كَاذِبٌ لَا يَتَزَوَّجُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ، وَإِنْ أُخْبِرَتْ الْمَرْأَةُ أَنَّ زَوْجَهَا قَدْ ارْتَدَّ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بِآخَرَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فِي رِوَايَةِ الِاسْتِحْسَانِ وَفِي رِوَايَةِ السِّيَرِ لَيْسَ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ الْأَصَحُّ رِوَايَةُ الِاسْتِحْسَانِ اهـ. وَإِنَّمَا كَانَتْ رِدَّتُهُ فَسْخًا وَإِبَاؤُهُ طَلَاقًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ الرِّدَّةَ مُنَافِيَةٌ لِلنِّكَاحِ لِكَوْنِهَا مُنَافِيَةً لِلْعِصْمَةِ، وَالطَّلَاقُ رَافِعٌ فَتَعَذَّرَ أَنْ يُجْعَلَ طَلَاقًا بِخِلَافِ الْإِبَاءِ فَإِنَّهُ يُفَوِّتُ الْإِمْسَاكَ بِالْمَعْرُوفِ فَيَجِبُ التَّسْرِيحُ بِالْإِحْسَانِ وَلِذَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَضَاءِ فِي الْإِبَاءِ دُونَهَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ إنَّ رِدَّتَهُ طَلَاقٌ كَإِبَائِهِ وَأَبُو يُوسُفَ مَرَّ عَلَى أَصْلِهِ مِنْ أَنَّ إبَاءَهُ فَسْخٌ فَرِدَّتُهُ كَذَلِكَ وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ فَسْخٌ أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ الْعَدَدَ وَلِذَا قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: رَجُلٌ ارْتَدَّ مِرَارًا وَجَدَّدَ الْإِسْلَامَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَجَدَّدَ النِّكَاحَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ تَحِلُّ امْرَأَتُهُ مِنْ غَيْرِ إصَابَةِ زَوْجٍ ثَانٍ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُؤَلِّفُ وُجُوبَ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا وَلَا شَكَّ فِي وُجُوبِهَا قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَتَعْتَدُّ بِثَلَاثِ حِيَضٍ لَوْ حُرَّةً مِمَّنْ تَحِيضُ وَبِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ لَوْ آيِسَةً أَوْ صَغِيرَةً وَبِوَضْعِ الْحَمْلِ لَوْ حَامِلًا لَوْ دَخَلَ سَوَاءٌ ارْتَدَّ أَوْ ارْتَدَّتْ وَلَا نَفَقَةَ لَهَا فِي الْعِدَّةِ وَلَوْ ارْتَدَّ هُوَ لَا تُجْبَرُ الْمَرْأَةُ عَلَى التَّزَوُّجِ اهـ. وَفِي الْخُلَاصَةِ: إذَا ارْتَدَّتْ لَا نَفَقَةَ لَهَا فِي الْعِدَّةِ وَلَهَا السُّكْنَى وَبِهِ يُفْتَى ذَكَرَهُ فِي أَلْفَاظِ التَّكْفِيرِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ وَلِزَوْجِ الْمُرْتَدَّةِ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأُخْتِهَا وَأَرْبَعٍ سِوَاهَا إذَا لَحِقَتْ بِالدَّارِ كَأَنَّهَا مَاتَتْ فَإِنْ خَرَجَتْ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ مُسْلِمَةً بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَفْسُدُ نِكَاحُ أُخْتِهَا إذَا ارْتَدَّتْ الْمُعْتَدَّةُ وَلَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ قَضَى الْقَاضِي بِلَحَاقِهَا بَطَلَتْ عِدَّتُهَا لِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ وَانْقِطَاعِ الْعِصْمَةِ كَأَنَّهَا مَاتَتْ فَإِنْ رَجَعَتْ إلَيْنَا بَعْدَ ذَلِكَ مُسْلِمَةً قَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْعِدَّةِ، وَالْحَيْضِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا تَعُودُ مُعْتَدَّةً وَقَالَ مُحَمَّدٌ: تَعُودُ مُعْتَدَّةً اهـ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الرَّجُلَ الْمُسْلِمَ يَرِثُ مِنْ امْرَأَتِهِ الْمُرْتَدَّةِ إذَا مَاتَتْ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ اسْتِحْسَانًا وَلَا يَرِثُ قِيَاسًا وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ ثُمَّ قَالَ فِيهَا: مُسْلِمٌ أُسِرَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَخَرَجَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ وَمَعَهُ امْرَأَتُهُ فَقَالَتْ الْمَرْأَةُ ارْتَدَدْتَ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَإِنْ أَنْكَرَ الزَّوْجُ ذَلِكَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ، وَإِنْ قَالَ تَكَلَّمْتُ بِالْكُفْرِ مُكْرَهًا وَقَالَتْ الْمَرْأَةُ لَمْ تَكُنْ مُكْرَهًا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمَرْأَةِ فَإِنْ صَدَّقَتْهُ الْمَرْأَةُ فِيمَا قَالَ فَالْقَاضِي لَا يُصَدِّقُهُ اهـ. وَهَكَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُقَيِّدْهُ بِكَوْنِهَا مَعَهُ وَظَاهِرُ التَّقْيِيدِ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا إذَا لَمْ تَكُنْ مَعَهُ وَلَهُ وَجْهٌ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ لَا عِلْمَ لَهَا بِذَلِكَ وَصَرَّحَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ: فِي دَعْوَى   [منحة الخالق] فِي النَّوَادِرِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: يَمْلِكُهَا. . . إلَخْ) أَيْ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ حَيْثُ كَانَ الدَّارُ دَارَ حَرْبٍ (وَقَوْلُهُ: وَتَعْتَدُّ بِثَلَاثِ حِيَضٍ. . . إلَخْ) أَقُولُ: وَيَلْحَقُهَا الطَّلَاقُ لَوْ أَوْقَعَهُ فِي الْعِدَّةِ إلَّا إذَا لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ لِمَا سَيَأْتِي قُبَيْلَ بَابِ تَفْوِيضِ الطَّلَاقِ عَنْ الْبَدَائِعِ وَنَصُّهُ: وَإِذَا ارْتَدَّ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَطَلَّقَهَا فِي الْعِدَّةِ لَمْ يَقَعْ لِانْقِطَاعِ الْعِصْمَةِ فَإِنْ عَادَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ وَقَعَ وَإِذَا ارْتَدَّتْ وَلَحِقَتْ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا طَلَاقُهُ فَإِنْ عَادَتْ قَبْلَ الْحَيْضِ لَمْ يَقَعْ كَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِبُطْلَانِ الْعِدَّةِ بِاللَّحَاقِ ثُمَّ لَا تَعُودُ بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ اهـ. (قَوْلُهُ: يَرِثُ مِنْ امْرَأَتِهِ الْمُرْتَدَّةِ. . . إلَخْ) هَذَا إذَا كَانَتْ رِدَّتُهَا فِي مَرَضِهَا قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: مِنْ فَصْلِ الْمُعْتَدَّةِ الَّتِي تَرِثُ إذَا ارْتَدَّ الرَّجُلُ، وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَقُتِلَ أَوْ لَحِقَ بِدَارٍ الْحَرْبِ أَوْ مَاتَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ عَلَى الرِّدَّةِ وَرِثَتْهُ امْرَأَتُهُ، وَإِنْ ارْتَدَّتْ الْمَرْأَةُ ثُمَّ مَاتَتْ أَوْ لَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ إنْ كَانَتْ الرِّدَّةُ فِي الصِّحَّةِ لَا يَرِثُهَا الزَّوْجُ، وَإِنْ كَانَتْ فِي الْمَرَضِ وَرِثَهَا الزَّوْجُ اسْتِحْسَانًا، وَإِنْ ارْتَدَّا مَعًا ثُمَّ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا إنْ مَاتَ الْمُسْلِمُ مِنْهُمَا لَا يَرِثُهُ الْمُرْتَدُّ، وَإِنْ مَاتَ الْمُرْتَدُّ إنْ كَانَ هُوَ الزَّوْجُ وَرِثَتْهُ الْمُسْلِمَةُ، وَإِنْ كَانَتْ الْمُرْتَدَّةُ قَدْ مَاتَتْ فَإِنْ كَانَ رِدَّتُهَا فِي الْمَرَضِ وَرِثَهَا الزَّوْجُ الْمُسْلِمُ، وَإِنْ كَانَتْ فِي الصِّحَّةِ لَمْ يَرِثْ اهـ. قُلْت: وَالْفَرْقُ أَنَّ رِدَّتَهُ فِي مَعْنَى مَرَضِ الْمَوْتِ لِأَنَّهُ يُقْتَلُ إنْ أَبَى عَنْ الْعَوْدِ إلَى الْإِسْلَامِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ رِدَّتِهِ فِي الْمَرَضِ أَوْ فِي الصِّحَّةِ فَيَكُونُ فَارًّا فَتَرِثُهُ إذَا مَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ بِخِلَافِ رِدَّتِهَا فِي الصِّحَّةِ لِأَنَّهَا لَا تُقْتَلُ فَلَمْ تَكُنْ فِي مَعْنَى الْفَارَّةِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 231 الْإِكْرَاهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَلَوْ شَهِدُوا عَلَى الْإِكْرَاهِ إلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا لَا نَدْرِي أَكَفَرَ أَمْ لَا، وَقَالَ الْأَسِيرُ إنَّمَا أُجْرِيَتْ كَلِمَةُ الْكُفْرِ عِنْدَ الْإِكْرَاهِ لَا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْأَسِيرِ وَلَوْ قَالَتْ لِلْقَاضِي سَمِعْتُهُ يَقُولُ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ تَعَالَى فَقَالَ الزَّوْجُ إنَّمَا حَكَيْت قَوْلَ النَّصَارَى فَإِنْ أَقَرَّ أَنَّهُ لَمْ يَتَكَلَّمْ إلَّا بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ بَانَتْ امْرَأَتُهُ، وَإِنْ قَالَ وَصَلْتُ بِكَلَامِي فَقُلْت النَّصَارَى يَقُولُونَ وَكَذَّبَتْهُ الْمَرْأَةُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ: مَعَ الْيَمِينِ وَلَا يُحْكَمُ بِكُفْرِهِ، وَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ حُكِمَ بِهِ اهـ. وَهُوَ مُشْكِلٌ إنْ صَحَّتْ النُّسْخَةُ لِأَنَّ النُّكُولَ شُبْهَةٌ، وَالتَّكْفِيرُ لَا يَثْبُتُ مَعَ الشُّبْهَةِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّهَا تَبِينُ بِالنُّكُولِ وَلَا يَثْبُتُ كُفْرُهُ وَإِنْ قِيلَ لَا تَبِينُ أَيْضًا فَمُشْكِلٌ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا فَائِدَةَ فِي التَّحْلِيفِ مَعَ أَنَّهُ لِرَجَاءِ النُّكُولِ (قَوْلُهُ: فَلِلْمَوْطُوءَةِ الْمَهْرُ) لِتَأَكُّدِهِ بِهِ أَطْلَقَهُ ارْتِدَادُهُ وَارْتِدَادُهَا، وَالْخَلْوَةُ بِهَا لِأَنَّهَا وَطْءٌ حُكْمًا (قَوْلُهُ: وَلِغَيْرِهَا النِّصْفُ إنْ ارْتَدَّ) لِأَنَّ الْفُرْقَةَ مِنْ قِبَلِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ مُوجِبَةٌ لِنِصْفِ الْمَهْرِ عِنْدَ التَّسْمِيَةِ وَلِلْمُتْعَةِ عِنْدَ عَدَمِهَا (قَوْلُهُ:، وَإِنْ ارْتَدَّتْ لَا) أَيْ لَيْسَ لَهَا شَيْءٌ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِهَا أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْحُرَّةَ، وَالْأَمَةَ الْكَبِيرَةَ، وَالصَّغِيرَةَ، وَقَدْ قَدَّمْنَا التَّصْرِيحَ بِذَلِكَ فِي بَابِ نِكَاحِ الرَّقِيقِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَيَسْقُطُ الْمَهْرُ بِقَتْلِ السَّيِّدِ أَمَتَهُ لَا بِقَتْلِ الْحُرَّةِ نَفْسَهَا وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ هُنَا لِلِاكْتِفَاءِ بِمَا ذَكَرُوهُ هُنَاكَ وَحُكْمُ نَفَقَةِ الْعِدَّةِ كَحُكْمِ الْمَهْرِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُرْتَدُّ فَلَهَا نَفَقَةُ الْعِدَّةِ، وَإِنْ ارْتَدَّتْ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا (قَوْلُهُ: وَالْإِبَاءُ نَظِيرُهُ) أَيْ إنَّ إبَاءَ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ عَنْ الْإِسْلَامِ بَعْدَ إسْلَامِ الْآخَرِ نَظِيرُ الِارْتِدَادِ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ فَلَهَا كُلُّ الْمَهْرِ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ فَلَهَا النِّصْفُ إنْ كَانَ هُوَ الْآبِي عَنْ الْإِسْلَامِ، وَإِنْ كَانَتْ هِيَ الْآبِيَةُ فَلَا شَيْءَ لَهَا كَمَا لَا نَفَقَةَ لَهَا فِي الْعِدَّةِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ ارْتَدَّا مَعًا وَأَسْلَمَا مَعًا لَمْ تَبِنْ) اسْتِحْسَانًا لِعَدَمِ الْمُنَافَاةِ لِأَنَّ جِهَةَ الْمُنَافَاةِ بِرِدَّةِ أَحَدِهِمَا عَدَمُ انْتِظَامِ الْمَصَالِحِ بَيْنَهُمَا، وَالْمُوَافَقَةُ عَلَى الِارْتِدَادِ ظَاهِرَةٌ فِي انْتِظَامِهَا بَيْنَهُمَا إلَّا أَنْ يَمُوتَا بِقَتْلٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَقَدْ اسْتَدَلَّ الْمَشَايِخُ بِأَنَّ بَنِي حَنِيفَةَ ارْتَدُّوا ثُمَّ أَسْلَمُوا وَلَمْ تَأْمُرُهُمْ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - بِتَجْدِيدِ الْأَنْكِحَةِ وَلَمَّا لَمْ تَأْمُرْهُمْ بِذَلِكَ عَلِمْنَا أَنَّهُمْ اعْتَبَرُوا أَنَّ رِدَّتَهُمْ وَقَعَتْ مَعًا إذْ لَوْ حُمِلَتْ عَلَى التَّعَاقُبِ فَسَدَتْ أَنْكِحَتُهُمْ وَلَزِمَهُمْ التَّجْدِيدُ، وَالْمُرَادُ مِنْ الْمَعِيَّةِ عَدَمُ تَعَاقُبِ كُلِّ زَوْجَيْنِ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ أَمَّا جَمِيعُهُمْ فَلَا لِأَنَّ الرِّجَالَ جَازَ أَنْ يَتَعَاقَبُوا وَلَا تَفْسُدُ أَنْكِحَتُهُمْ إذَا كَانَ كُلُّ رَجُلٍ ارْتَدَّ مَعَ امْرَأَتِهِ مَعًا وَحُكْمُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - بِذَلِكَ حُكْمٌ بِالظَّاهِرِ لَا بِالْحَمْلِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ قَيِّمَ الْبَيْتِ إذَا أَرَادَ أَمْرًا تَكُونُ قَرِينَتُهُ فِيهِ قَرِينَتَهُ وَتَعَقَّبَهُمْ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّ ارْتِدَادَهُمْ بِمَنْعِهِمْ الزَّكَاةَ كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ وَهُوَ يَتَوَقَّفُ عَلَى نَقْلِ أَنَّ مَنْعَهُمْ كَانَ لِجَحْدِ افْتِرَاضِهَا وَلَمْ يُنْقَلْ وَلَا هُوَ لَازِمٌ وَقِتَالُ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يَسْتَلْزِمُهُ لِجَوَازِ قِتَالِهِمْ إذَا أَجْمَعُوا عَلَى مَنْعِهِمْ حَقًّا شَرْعِيًّا وَعَطَّلُوهُ، وَالْأَوْجَهُ الِاسْتِدْلَال بِوُقُوعِ رِدَّةِ الْعَرَبِ وَقِتَالِهِمْ عَلَى ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ بَنِي حَنِيفَةَ وَمَانِعِي الزَّكَاةِ وَهُوَ قَطْعِيٌّ وَلَمْ يُؤْمَرُوا بِتَجْدِيدِ الْأَنْكِحَةِ اهـ. وَفِي الصِّحَاحِ حَنِيفَةُ أَبُو حَيٍّ مِنْ الْعَرَبِ وَلَمَّا قَدَّمَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ التَّبَايُنَ سَبَبٌ لِلْفُرْقَةِ عُلِمَ أَنَّهُمَا إذَا ارْتَدَّا ثُمَّ لَحِقَ أَحَدُهُمَا بِدَارِ الْحَرْبِ فَإِنَّهَا تَبِينُ بِالتَّبَايُنِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ ارْتَدَّا مَعًا أَعَمُّ مِنْ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّهُمَا ارْتَدَّا فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ لَمْ يَعْرِفْ سَبْقَ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ قَالَ فِي الْمُحِيطِ: وَإِذَا لَمْ يَعْرِفْ سَبْقَ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ فِي الرِّدَّةِ جَعَلَ فِي الْحُكْمِ كَأَنَّهُمَا وُجِدَا مَعًا كَمَا فِي الْغَرْقَى، وَالْحَرْقَى وَقَيَّدَ بِالرِّدَّةِ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ إذَا كَانَ تَحْتَهُ نَصْرَانِيَّةٌ فَتَمَجَّسَا مَعًا قَالَ أَبُو يُوسُفَ تَقَعُ الْفُرْقَةُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا تَقَعُ لِأَنَّهُمَا ارْتَدَّا مَعًا لِأَنَّ تَمَجُّسَ الْمَرْأَةِ بِمَنْزِلَةِ الرِّدَّةِ لِأَنَّهَا أَحْدَثَتْ زِيَادَةَ صِفَةٍ فِي الْكُفْرِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ إحْدَاثِ أَصْلِ الْكُفْرِ لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَمْ تُوجَدْ الرِّدَّةُ مِنْهَا لِأَنَّ الرِّدَّةَ لَيْسَتْ إلَّا بِتَبْدِيلِ أَصْلِ الدِّينِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهَا تَبْدِيلُ أَصْلِ الدِّينِ فَقَدْ وُجِدَ ارْتِدَادُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ فَبَانَتْ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَلَوْ تَهَوَّدَا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا اتِّفَاقًا لِأَنَّهَا مَا أَحْدَثَتْ زِيَادَةَ صِفَةٍ فِي   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: لَا بِالْحَمْلِ) أَيْ لَا بِالْحَمْلِ عَلَى أَنَّ كُلَّ زَوْجَيْنِ ارْتَدَّا مَعًا لِلْجَهْلِ بِالْحَالِ كَالْغَرْقَى، وَالْحَرْقَى (قَوْلُهُ: وَهُوَ يَتَوَقَّفُ عَلَى نَقْلٍ. . . إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: قَدْ يُقَالُ إنَّ قَوْلَهُ فِي الرِّوَايَةِ فَأَسْلَمُوا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَنْعَ كَانَ جَحْدًا اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا يُجْدِي فَإِنَّ ذَلِكَ مَحَلُّ النِّزَاعِ أَيْضًا (قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ ارْتَدَّا مَعًا. . . إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: الْمُرَادُ أَنْ لَا يُعْرَفَ سَبْقُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ أَمَّا الْمَعِيَّةُ الْحَقِيقِيَّةُ فَمُتَعَذَّرَةٌ وَمَا فِي الْبَحْرِ فِيهِ بُعْدٌ ظَاهِرٌ نَعَمْ ارْتِدَادُهُمَا مَعًا بِالْفِعْلِ مُمْكِنٌ بِأَنْ حَمَلَا مُصْحَفًا وَأَلْقَيَاهُ فِي الْقَاذُورَاتِ أَوْ سَجَدَا لِلصَّنَمِ مَعًا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 232 الْكُفْرُ. (قَوْلُهُ: وَبَانَتْ لَوْ أَسْلَمَا مُتَعَاقِبًا) لِأَنَّ رِدَّةَ الْآخَرِ مُنَافِيَةٌ لِلنِّكَاحِ ابْتِدَاءً فَكَذَا بَقَاءً وَيُعْلَمُ بِهِ حُكْمُ الْبَيْنُونَةِ بِإِسْلَامِ أَحَدِهِمَا فَقَطْ بِالْأَوْلَى وَلَا مَهْرَ لَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ إنْ كَانَ الْمُسْلِمُ هُوَ الزَّوْجُ، وَإِنْ كَانَ هِيَ فَلَهَا النِّصْفُ وَبَعْدَ الدُّخُولِ لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مُطْلَقًا وَلَا تَرِثُ مِنْهُ إنْ أَسْلَمَ وَمَاتَ فَإِنْ أَسْلَمَتْ ثُمَّ مَاتَ مُرْتَدًّا وَرِثَتْهُ كَذَا فِي الْمُبْتَغَى بِالْمُعْجَمَةِ قَالَ فِي الْمُحِيطِ: تَزَوَّجَ صَبِيَّةً لَهَا أَبَوَانِ مُسْلِمَانِ فَارْتَدَّا مَعًا تَبِنْ لِأَنَّهَا مُسْلِمَةٌ تَبَعًا لِلْأَبَوَيْنِ وَتَبَعًا لِلدَّارِ بِاعْتِبَارِ الِاتِّصَالِ، وَالْمُجَاوَرَةِ وَلِهَذَا اللَّقِيطُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا لِلدَّارِ وَلَوْ أُدْخِلَتْ صَغِيرَةٌ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ وَلَيْسَ مَعَهَا أَبَوَاهَا فَمَاتَتْ فَإِنَّهُ يُصَلَّى عَلَيْهَا وَتَبَعِيَّةُ الدَّارِ هُنَا قَائِمَةٌ فَبَقِيَتْ مُسْلِمَةً لِأَنَّ الْبَقَاءَ أَسْهَلُ مِنْ الِابْتِدَاءِ فَإِنْ لَحِقَا بِهَا بِدَارِ الْحَرْبِ بَانَتْ لِانْقِطَاعِ حُكْمِ الدَّارِ وَلَوْ مَاتَ أَحَدُ الْأَبَوَيْنِ فِي دَارِنَا مُسْلِمًا أَوْ مُرْتَدًّا ثُمَّ ارْتَدَّ الْآخَرُ وَلَحِقَ بِهَا بِدَارِ الْحَرْبِ لَمْ تَبِنْ وَيُصَلَّى عَلَيْهَا إذَا مَاتَتْ لِأَنَّ التَّبَعِيَّةَ حُكْمٌ تَنَاهَى بِالْمَوْتِ مُسْلِمًا وَكَذَا بِالْمَوْتِ مُرْتَدًّا لِأَنَّ أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ قَائِمَةٌ وَلَوْ أَنَّ صَبِيَّةً نَصْرَانِيَّةً تَحْتَ مُسْلِمٍ تَمَجَّسَ أَبُوهَا وَقَدْ مَاتَتْ الْأُمُّ نَصْرَانِيَّةً لَمْ تَبِنْ لِأَنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُ خَيْرَ الْوَالِدَيْنِ دِينًا فَبَقِيَتْ عَلَى دِينِ الْأُمِّ وَلَوْ تَمَجَّسَ أَبَوَاهَا بَانَتْ وَلَا مَهْرَ لَهَا وَلَا يُمْكِنُ الْحُكْمُ بِالْإِسْلَامِ هُنَا تَبَعًا لِلدَّارِ لِأَنَّ الدَّارَ لَا تُثْبِتُ التَّبَعِيَّةَ ابْتِدَاءً مَا دَامَتْ تَبَعِيَّةُ الْأَبَوَيْنِ قَائِمَةً فَإِنْ بَلَغَتْ عَاقِلَةٌ مُسْلِمَةٌ ثُمَّ جَنَتْ ثُمَّ ارْتَدَّ أَبُوهَا لَمْ تَبِنْ، وَإِنْ لَحِقَ بِهَا بِدَارِ الْحَرْبِ لِأَنَّهَا مُسْلِمَةٌ أَصْلًا لَا تَبَعًا وَكَذَلِكَ الصَّبِيَّةُ الْعَاقِلَةُ لَوْ أَسْلَمَتْ ثُمَّ جُنَّتْ لِأَنَّهَا صَارَتْ أَصْلًا فِي الْإِسْلَامِ اهـ. وَهُنَا مَسْأَلَتَانِ الْأُولَى مَسْأَلَةُ مَا إذَا أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعٍ أَوْ أُخْتَانِ وَحُكْمُهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ إنْ كَانَ التَّزَوُّجُ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ فَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُنَّ أَوْ فِي عَقْدَيْنِ فَنِكَاحُ مَنْ يَحِلُّ سَبْقُهُ جَائِزٌ وَنِكَاحُ مَنْ تَأَخَّرَ فَوَقَعَ الْجَمْعُ بِهِ، وَالزِّيَادَةُ عَلَى الْأَرْبَعِ بَاطِلٌ، الثَّانِيَةُ مَسْأَلَةُ مَا إذَا بَلَغَتْ الْمُسْلِمَةُ الْمَنْكُوحَةُ وَلَمْ تَصِفْ الْإِسْلَامَ فَإِنَّهَا تَبِينُ وَهِيَ مَذْكُورَةٌ فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (بَابُ الْقَسْمِ) بَيَانٌ لِحُكْمٍ مِنْ أَحْكَامِ النِّكَاحِ وَأَخَّرَهُ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ إلَّا عِنْدَ تَعَدُّدِ الْمَنْكُوحَاتِ، وَالنِّكَاحُ لَا يَسْتَلْزِمُهُ وَلَا هُوَ غَالِبٌ فِيهِ، وَالْقَسْمُ بِفَتْحِ الْقَافِ مَصْدَرُ قَسَمَ، وَفِي الْقَامُوسِ: وَالْقَسْمُ الْعَطَاءُ وَلَا يُجْمَعُ، وَالرَّأْيُ، وَالشَّكُّ، وَالْغَيْثُ، وَالْمَاءُ، وَالْقَدْرُ وَهَذَا يَنْقَسِمُ قِسْمَيْنِ بِالْفَتْحِ إذَا أُرِيدَ الْمَصْدَرُ وَبِالْكَسْرِ إذَا أُرِيدَ النَّصِيبُ اهـ. وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْمَنْكُوحَاتِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الزَّوْجَ مَأْمُورٌ بِالْعَدْلِ فِي الْقِسْمَةِ بَيْنَ النِّسَاءِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَلَوْ تَمَجَّسَ أَبَوَاهَا بَانَتْ) قَالَ فِي النَّهْرِ، وَفِي الْفَرْقِ بَيْنَ مَا لَوْ تَمَجَّسَا أَوْ ارْتَدَّا تَأَمُّلٌ، فَلْيُتَدَبَّرْ اهـ. قُلْت الْفَرْقُ ظَاهِرٌ وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ الْبِنْتَ بِارْتِدَادِ أَبَوَيْهَا الْمُسْلِمَيْنِ تَبْقَى مُسْلِمَةً تَبَعًا لِلْأَبَوَيْنِ وَلِلدَّارِ، وَالْمُرْتَدُّ فِي حُكْمِ الْمُسْلِمِ يُجْبِرُهُ عَلَى الْإِسْلَامِ بِخِلَافِ تَمَجُّسِ أَبَوَيْهَا النَّصْرَانِيِّينَ لِأَنَّهَا تَصِيرُ تَبَعًا لَهُمَا فِي التَّمَجُّسِ وَلَا يُمْكِنُ تَبَعِيَّتُهَا لِلدَّارِ مَعَ بَقَاءِ تَبَعِيَّةِ الْأَبَوَيْنِ وَكَأَنَّهُ ظَنَّ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي ارْتَدَّا لِلْأَبَوَيْنِ النَّصْرَانِيِّينَ وَلَيْسَ بِالْوَاقِعِ (قَوْلُهُ: وَهِيَ مَذْكُورَةٌ فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ) قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة، وَفِي الْمُحِيطِ مُسْلِمٌ تَزَوَّجَ نَصْرَانِيَّةً صَغِيرَةً وَلَهَا أَبَوَانِ نَصْرَانِيَّانِ فَكَبِرَتْ وَهِيَ لَا تَعْقِلُ دِينًا مِنْ الْأَدْيَانِ وَلَا تَصِفُهُ وَهِيَ غَيْرُ مَعْتُوهَةٍ فَإِنَّهَا تَبِينُ مِنْ زَوْجِهَا، مَعْنَى قَوْلِهِ: لَا تَعْقِلُ دِينًا بِقَلْبِهَا، وَمَعْنَى قَوْلِهِ لَا تَصِفُهُ لَا تَعْرِفُهُ بِاللِّسَانِ، وَكَذَلِكَ الصَّغِيرَةُ الْمُسْلِمَةُ إذَا بَلَغَتْ عَاقِلَةً وَلَا تَعْقِلُ الْإِسْلَامَ وَلَا تَصِفُهُ وَهِيَ غَيْرُ مَعْتُوهَةٍ بَانَتْ مِنْ زَوْجِهَا كَمَا ذَكَرْنَا وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - سَمَّى هَذِهِ فِي الْكِتَابِ مُرْتَدَّةً، وَفِي الْكَافِي وَلَا مَهْرَ لَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ يَجِبُ الْمُسَمَّى، وَيَجِبُ أَنْ يَذْكُرَ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى بِجَمِيعِ صِفَاتِهِ عِنْدَهَا وَيُقَالُ لَهَا هُوَ كَذَلِكَ فَإِنْ قَالَتْ: نَعَمْ حُكِمَ بِإِسْلَامِهَا، وَفِي الْمُحِيطِ لَمْ يَذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إذَا بَلَغَتْ فَعَرَفَتْ الْإِسْلَامَ فَإِنْ قَالَتْ: أَنَا أَعْرِفُ الْإِسْلَامَ وَأَقْدِرُ عَلَى وَصْفِهِ إلَّا أَنِّي لَا أَصِفُهُ هَلْ تَبِينُ مِنْ زَوْجِهَا قِيلَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - عَلَى قَوْلِ مَنْ يَشْتَرِطُ الْإِقْرَارَ بِاللِّسَانِ لِصَيْرُورَتِهِ مُسْلِمًا تَبِينُ مِنْ زَوْجِهَا وَكَذَا لَمْ يَذْكُرْ مَا إذَا قَالَتْ: أَنَا أَعْقِلُ الْإِسْلَامَ وَأَعْرِفُهُ لَكِنْ لَا أَقْدِرُ عَلَى الْوَصْفِ هَلْ تَبِينُ قِيلَ يَجِبُ أَنَّ فِيهِ اخْتِلَافَ الْمَشَايِخِ أَيْضًا وَلَوْ كَانَتْ هَاتَانِ اللَّتَانِ بَلَغَتَا قَدْ عَقَلَتَا الْإِسْلَامَ أَوْ النَّصْرَانِيَّةَ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَا وَلَكِنْ لَمْ يَصِفَا ذَلِكَ وَلَا غَيْرَهُ لَمْ تَبِنْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ صَدَقَ قَلْبُهُ كَانَ مُسْلِمًا وَأَنْ يُقِرَّ بِلِسَانِهِ، وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَبِهِ أَخَذَ الْمَاتُرِيدِيُّ وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَشْعَرِيِّ وَعَامَّةِ مَشَايِخِنَا قَالُوا لَا بَلْ الْإِقْرَارُ شَرْطٌ وَتَأْوِيلُ الْمَسْأَلَةِ عَلَى قَوْلِ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ أَنَّهُمَا عَقَلَتَا الْإِسْلَامَ قَبْلَ الْبُلُوغِ وَلَمْ تَصِفَا ذَلِكَ فَلَا يَبِينَانِ أَمَّا بَعْدَ الْبُلُوغِ فَلَا. [بَابُ الْقَسْمِ] الجزء: 3 ¦ الصفحة: 233 بِالْكِتَابِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ} [النساء: 129] مَعْنَاهُ لَنْ تَسْتَطِيعُوا الْعَدْلَ، وَالتَّسْوِيَةَ فِي الْمَحَبَّةِ فَلَا تَمِيلُوا فِي الْقَسْمِ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - وَقَالَ تَعَالَى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 19] وَغَايَتُهُ الْقَسْمُ. وَقَالَ تَعَالَى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3] ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فَاسْتَفَدْنَا أَنَّ حِلَّ الْأَرْبَعِ مُقَيَّدٌ بِعَدَمِ خَوْفِ عَدَمِ الْعَدْلِ وَثُبُوتُ الْمَنْعِ عَنْ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ عِنْدَ خَوْفِهِ فَعُلِمَ إيجَابُهُ عِنْدَ تَعَدُّدِهِنَّ اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إذَا خَافَ عَدَمَ الْعَدْلِ حَرُمَ عَلَيْهِ الزِّيَادَةُ عَلَى الْوَاحِدَةِ، وَفِي الْبَدَائِعِ أَيْ: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا} [النساء: 3] فِي الْقَسْمِ، وَالنَّفَقَةِ فِي الْمَثْنَى، وَالثَّلَاثِ، وَالْأَرْبَعِ فَوَاحِدَةً نَدْبٌ إلَى نِكَاحِ الْوَاحِدَةِ عِنْدَ خَوْفِ تَرْكِ الْعَدْلِ فِي الزِّيَادَةِ وَإِنَّمَا يُخَافُ عَلَى تَرْكِ الْوَاجِبِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْعَدْلَ بَيْنَهُنَّ فِي الْقَسْمِ، وَالنَّفَقَةِ وَاجِبٌ اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إذَا خَافَ عَدَمَ الْعَدْلِ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ لَا يَزِيدَ لَا أَنَّهُ يَحْرُمُ فَإِنْ قُلْت قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا خَافَ الْجَوْرَ حَرُمَ التَّزَوُّجُ فَكَيْفَ يَكُونُ مُسْتَحَبًّا قُلْت الْعَدْلُ بِمَعْنَى تَرْكِ الْجَوْرِ لَيْسَ بِمُرَادٍ هُنَا لِأَنَّهُ وَاجِبٌ لِلْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِهِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْمَنْكُوحَاتِ وَهَذَا إنَّمَا يَحْرُمُ تَرْكُهُ بَعْدَ وُجُوبِهِ لَا التَّزَوُّجُ إذَا خَافَ عَدَمَهُ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى {ذَلِكَ أَدْنَى أَلا تَعُولُوا} [النساء: 3] أَيْ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْوَاحِدَةِ، وَالْمَمْلُوكَاتِ أَقْرَبُ إلَى أَنْ لَا تَعُولُوا فَفَسَّرَ الْأَكْثَرُ الْعَوْلَ بِالْجَوْرِ يُقَالُ عَالَ الْمِيزَانُ إذَا مَالَ وَعَالَ الْحَاكِمُ إذَا جَارَ وَفَسَّرَهُ الشَّافِعِيُّ بِكَثْرَةِ الْعِيَالِ وَرُدَّ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَقَالَ أَنْ لَا تُعِيلُوا لِأَنَّهُ مِنْ أَعَالَ يُعِيلُ وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ لُغَوِيٌّ لَا يُعْتَرَضُ عَلَيْهِ بِكَلَامِ غَيْرِهِ وَبِأَنَّهُ ثَبَتَ فِي اللُّغَةِ عَالَ الرَّجُلُ إذَا كَثُرَتْ مُؤْنَتُهُ فَتَفْسِيرُهُ بِكَثْرَةِ الْعِيَالِ تَفْسِيرٌ بِاللَّازِمِ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ كَثْرَةِ الْعِيَالِ كَثْرَةُ الْمُؤَنِ وَبِالْحَدِيثِ الْمَرْوِيِّ فِي الْبُخَارِيِّ: «ابْدَأْ بِنَفْسِك ثُمَّ بِمَنْ تَعُولُ» . وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْعَدْلَ فِي الْكِتَابِ مُبْهَمٌ يَحْتَاجُ إلَى الْبَيَانِ لِأَنَّهُ أَوْجَبَهُ وَصَرَّحَ بِهِ بِأَنَّهُ مُطْلَقًا لَا يُسْتَطَاعُ فَعُلِمَ أَنَّ الْوَاجِبَ مِنْهُ شَيْءٌ مُعَيَّنٌ، وَكَذَا السُّنَّةُ جَاءَتْ مُجْمَلَةً فِيهِ فَإِنَّ قَوْلَهُ الْمَرْوِيَّ فِي السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ «كَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَقْسِمُ فَيَعْدِلُ وَيَقُولُ اللَّهُمَّ هَذَا قَسْمِي فِيمَا أَمْلِكُ فَلَا تَلُمْنِي فِيمَا تَمْلِكُ وَلَا أَمْلِكُ» يَعْنِي الْقَلْبَ أَيْ زِيَادَةُ الْمَحَبَّةِ فَظَاهِرُهُ أَنَّ مَا عَدَاهُ دَاخِلٌ تَحْتَ مِلْكِهِ وَقُدْرَتِهِ فِي التَّسْوِيَةِ، وَمِنْهُ عَدَدُ الْوَطَآتِ، وَالْقُبُلَاتِ، وَالتَّسْوِيَةُ فِيهَا غَيْرُ لَازِمَةٍ بِالْإِجْمَاعِ وَكَذَا مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «مَنْ كَانَ لَهُ امْرَأَتَانِ فَمَالَ إلَى إحْدَاهُمَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ مَائِلٌ» أَيْ مَفْلُوجٌ وَلَمْ يُبَيِّنْ فِيهِ الْمُرَادَ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: لَكِنْ لَا نَعْلَمُ خِلَافًا فِي أَنَّ الْعَدْلَ الْوَاجِبَ فِي الْبَيْتُوتَةِ، وَالتَّأْنِيسِ فِي الْيَوْمِ، وَاللَّيْلَةِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنْ يَضْبِطَ زَمَانَ النَّهَارِ فَبِقَدْرِ مَا عَاشَرَ فِيهِ إحْدَاهُمَا يُعَاشِرُ الْأُخْرَى بِقَدْرِهِ بَلْ ذَلِكَ فِي الْبَيْتُوتَةِ وَأَمَّا النَّهَارُ فَفِي الْجُمْلَةِ اهـ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ التَّسْوِيَةَ فِي الْمَحَبَّةِ لَمَّا بَيَّنَ الشَّارِعُ سُقُوطَهَا بَقِيَ مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ مُرَادًا وَهُوَ الْبَيْتُوتَةُ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنْ لَا تَجِبَ التَّسْوِيَةُ فِيمَا عَدَاهَا وَلِذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَالتَّسْوِيَةُ الْمُسْتَحَقَّةُ فِي الْبَيْتُوتَةِ لَا فِي الْمُجَامَعَةِ لِأَنَّهُ يُبْتَنَى عَلَى النَّشَاطِ اهـ. وَفِي الْبَدَائِعِ يَجِبُ عَلَيْهِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْحُرَّتَيْنِ أَوْ الْأَمَتَيْنِ فِي الْمَأْكُولِ، وَالْمَشْرُوبِ، وَالْمَلْبُوسِ، وَالسُّكْنَى، وَالْبَيْتُوتَةِ اهـ. وَهَكَذَا ذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ، وَالْحَقُّ أَنَّهُ عَلَى قَوْلِ مَنْ اعْتَبَرَ حَالَ الرَّجُلِ وَحْدَهُ فِي النَّفَقَةِ فَالتَّسْوِيَةُ فِيهَا وَاجِبَةٌ أَيْضًا وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ الْمُفْتَى بِهِ مِنْ اعْتِبَارِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: فَعُلِمَ إيجَابُهُ عِنْدَ تَعَدُّدِهِنَّ) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فَرْضًا لِظَاهِرِ الْآيَةِ فَتَدَبَّرْ اهـ. وَفِيهِ أَنَّ الْفَرْضِيَّةَ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِقَطْعِيِّ الثُّبُوتِ، وَالدَّلَالَةِ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ وَهُنَا قَوْله تَعَالَى: {فَوَاحِدَةً} [النساء: 3] يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ فَالْوَاجِبُ وَاحِدَةً أَوْ الْمَفْرُوضُ وَاحِدَةً أَوْ الْمَطْلُوبُ وَاحِدَةً فَلَيْسَ صَرِيحًا بِفَرْضِيَّةِ تَزَوُّجِ الْوَاحِدَةِ فَمِنْ أَيْنَ يُؤْخَذُ فَرْضِيَّةُ الْقَسْمِ، وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ خَبَرٌ بِمَعْنَى الْأَمْرِ فَالْأَمْرُ لَيْسَ نَصًّا فِي الْفَرْضِ الْقَطْعِيِّ بَلْ يَعُمُّ الظَّنِّيَّ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى أَنَّهُ لِلْوُجُوبِ وَإِلَّا فَيَحْتَمِلُ النَّدْبَ، وَالْإِبَاحَةَ وَغَيْرَهُمَا فَلَيْسَ قَطْعِيَّ الدَّلَالَةِ عَلَى الْمُرَادِ وَهَذَا إنْ أُخِذَ مِنْ قَوْله تَعَالَى {فَوَاحِدَةً} [النساء: 3] كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْفَتْحِ، وَإِنْ أُخِذَ مِنْ قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ خِفْتُمْ} [النساء: 3] عَلَى مَا يَأْتِي فَالْأَمْرُ أَظْهَرُ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ: وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إذَا خَافَ عَدَمَ الْعَدْلِ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَزِيدَ. . . إلَخْ) صَرَّحَ بِهِ الْقُهُسْتَانِيِّ حَيْثُ قَالَ: مُسْتَدْرِكًا عَلَى مَا فِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ عَدَمِ الْجَوَازِ لَكِنْ فِي شَرْحِ التَّأْوِيلَاتِ جَازَ لَهُ ذَلِكَ فَإِنَّ الْأَمْرَ فِي قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} [النساء: 3] أَيْ الْزَمُوهَا مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ لَا الْحَتْمِ اهـ. وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي شَرْحِ الْمَقْدِسِيَّ مِنْ حَمْلِ النَّدْبِ فِي كَلَامِ الْبَدَائِعِ عَلَى اللُّغَوِيِّ (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِهِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْمَنْكُوحَاتِ) لَا يَخْفَى أَنَّهُ إذَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ التَّسْوِيَةُ وَتَرَكَهَا كَانَ جَوْرًا وَقَدْ قَالُوا يَحْرُمُ التَّزَوُّجُ عِنْدَ خَوْفِ الْجَوْرِ وَتَخْصِيصُ مَا هُنَا بِأَنَّهُ يَحْرُمُ بَعْدَ وُجُوبِهِ يُقَالُ فِي غَيْرِهِ وَإِلَّا فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ جَوْرٍ وَجَوْرٍ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: لَا التَّزَوُّجُ إذَا خَافَ عَدَمَهُ) اُنْظُرْ مَا وَقَعَ هَذَا الْكَلَامُ وَلَعَلَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ يَحْرُمُ تَرْكُهُ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَحْرُمُ تَرْكُهُ بَعْدَ وُجُوبِهِ لَا يَحْرُمُ التَّزَوُّجُ قَبْلَ وُجُوبِهِ إذَا خَافَ عَدَمَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 234 حَالِهِمَا فَلَا لِأَنَّ إحْدَاهُمَا قَدْ تَكُونُ غَنِيَّةً، وَالْأُخْرَى فَقِيرَةً فَلَا يَلْزَمُهُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا مُطْلَقًا فِي النَّفَقَةِ، وَفِي الْغَايَةِ: اتَّفَقُوا عَلَى التَّسْوِيَةِ فِي النَّفَقَةِ قَالَ الشَّارِحُ: وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ فِي النَّفَقَةِ يُعْتَبَرُ حَالُهُمَا عَلَى الْمُخْتَارِ فَكَيْفَ يَدَّعِي الِاتِّفَاقَ فِيهَا عَلَى التَّسْوِيَةِ وَلَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ إلَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَعْتَبِرُ حَالَ الرَّجُلِ وَحْدَهُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْبِكْرُ كَالثَّيِّبِ، وَالْجَدِيدَةُ كَالْقَدِيمَةِ، وَالْمُسْلِمَةُ كَالْكِتَابِيَّةِ فِيهِ) أَيْ فِي الْقَسْمِ لِإِطْلَاقِ مَا تَلَوْنَا وَمَا رَوَيْنَا وَلِأَنَّ الْقَسْمَ مِنْ حُقُوقِ النِّكَاحِ وَلَا تَفَاوُتَ بَيْنَهُمَا فِي ذَلِكَ وَمَا رُوِيَ فِي الْحَدِيثِ «لِلْبِكْرِ سَبْعٌ وَلِلثَّيِّبِ ثَلَاثٌ» «وَقَوْلُهُ: - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِأُمِّ سَلَمَةَ إنْ شِئْتِ سَبَّعْتُ لَك وَسَبَّعْتُ لِنِسَائِي، وَإِنْ شِئْتِ ثَلَّثْتُ لَك وَدُرْتُ» فَالْمُرَادُ التَّفْضِيلُ فِي الْبُدَاءَةِ بِالْجَدِيدَةِ دُونَ الزِّيَادَةِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْأَحَادِيثَ مُحْتَمِلَةٌ فَلَمْ تَكُنْ قَطْعِيَّةَ الدَّلَالَةِ فَوَجَبَ تَقْدِيمُ الدَّلِيلِ الْقَطْعِيِّ، وَالْأَحَادِيثِ الْمُطْلَقَةِ وَحِينَئِذٍ فَلَا مَعْنَى لِتَرَدُّدِهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فِي الْقَطْعِيَّةِ وَكَمَا لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا ذُكِرَ وَمُقَابِلَيْهِنَّ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَجْنُونَةِ الَّتِي لَا يُخَافُ مِنْهَا، وَالْمَرِيضَةِ، وَالصَّحِيحَةِ، وَالرَّتْقَاءِ، وَالْحَائِضِ، وَالنُّفَسَاءِ، وَالصَّغِيرَةِ الَّتِي يُمْكِنُ وَطْؤُهَا، وَالْمُحَرَّمَةِ، وَالْمُظَاهَرِ مِنْهَا وَمُقَابِلَاتِهِنَّ وَأَمَّا الْمُطْلَقَةُ رَجْعِيًّا فَإِنْ قَصَدَ رَجْعَتَهَا قَسَمَ لَهَا وَإِلَّا لَا كَمَا فِي الْبَدَائِعِ مِنْ بَابِ الرَّجْعَةِ وَأَمَّا النَّاشِزَةُ فَلَا حَقَّ لَهَا فِي الْقَسْمِ وَحَيْثُ عُلِمَ أَنَّ وُجُوبَ الْقَسْمِ إنَّمَا هُوَ لِلصِّحَّةِ، وَالْمُؤَانَسَةِ دُونَ الْمُجَامَعَةِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ زَوْجٍ وَزَوْجٍ فَالْمَجْبُوبُ، وَالْعِنِّينُ، وَالْخَصِيُّ كَالْفَحْلِ وَكَذَا الصَّبِيُّ إذَا دَخَلَ بِامْرَأَتَيْهِ لِأَنَّ وُجُوبَهُ لِحَقِّ النِّسَاءِ وَحُقُوقُ الْعِبَادِ تَتَوَجَّهُ عَلَى الصِّبْيَانِ عِنْدَ تَقَرُّرِ السَّبَبِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: وَقَالَ مَالِكٌ وَيَدُورُ وَلِيُّ الصَّبِيِّ بِهِ عَلَى نِسَائِهِ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ فِيهِ عَلَى شَيْءٍ عِنْدَنَا وَإِذَا قُلْنَا بِوُجُوبِهِ عَلَى الصَّبِيِّ وَتَرْكِهِ فَهَلْ يَأْثَمُ الْوَلِيُّ إذَا لَمْ يَأْمُرْهُ بِذَلِكَ وَلَمْ يَدْرِ بِهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَأْثَمَ وَفِي الْمُحِيطِ: وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ الصَّغِيرُ بِهَا فَلَا فَائِدَةَ فِي كَوْنِهِ مَعَهَا اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْقَسْمَ عَلَى الْبَالِغِ لِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا لِأَنَّ فِي كَوْنِهِ مَعَهَا فَائِدَةً وَلِذَا إنَّمَا قَيَّدُوا بِالدُّخُولِ فِي امْرَأَةِ الصَّبِيِّ، وَفِي الْجَوْهَرَةِ وَلَا يُجَامِعُ الْمَرْأَةَ فِي غَيْرِ يَوْمِهَا وَلَا يَدْخُلُ بِاللَّيْلِ عَلَى الَّتِي لَا قَسْمَ لَهَا وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهَا بِالنَّهَارِ لِحَاجَةٍ وَيَعُودُهَا فِي مَرَضِهَا فِي لَيْلَةِ غَيْرِهَا فَإِنْ ثَقُلَ مَرَضُهَا فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُقِيمَ عِنْدَهَا حَتَّى تُشْفَى أَوْ تَمُوتَ اهـ. وَفِي الْهِدَايَةِ، وَالِاخْتِيَارْ فِي مِقْدَارِ الدَّوْرِ إلَى الزَّوْجِ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ هُوَ التَّسْوِيَةُ دُونَ طَرِيقِهِ اهـ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْإِطْلَاقَ لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُهُ عَلَى صِرَافَتِهِ فَإِنَّهُ لَوْ أَرَادَ أَنْ يَدُورَ سَنَةً سَنَةً مَا يَظُنُّ إطْلَاقُ ذَلِكَ لَهُ بَلْ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُطْلِقَ لَهُ مِقْدَارَ مُدَّةِ الْإِيلَاءِ وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَإِذَا كَانَ وُجُوبُهُ لِلتَّأْنِيسِ وَدَفْعِ الْوَحْشَةِ وَجَبَ أَنْ تُعْتَبَرَ الْمُدَّةُ الْقَرِيبَةُ وَأُظَنُّ أَكْثَرَ مِنْ جُمُعَةٍ مُضَارَّةً إلَّا أَنْ يَرْضَيَا بِهِ اهـ. وَالظَّاهِرُ الْإِطْلَاقُ لِأَنَّهُ لَا مُضَارَّةَ حَيْثُ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْقَسْمِ لِأَنَّهَا مُطْمَئِنَّةٌ بِمَجِيءِ نَوْبَتِهَا، وَالْحَقُّ لَهُ فِي الْبُدَاءَةِ بِمِنْ شَاءَ وَحَيْثُ عُلِمَ أَنَّ الْوَطْءَ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْقَسْمِ فَهَلْ هُوَ وَاجِبٌ لِلزَّوْجَةِ، وَفِي الْبَدَائِعِ: وَلِلزَّوْجَةِ أَنْ تُطَالِبَ زَوْجَهَا بِالْوَطْءِ لِأَنَّ حَلَّهُ لَهَا حَقُّهَا كَمَا أَنَّ حَلَّهَا لَهُ حَقُّهُ وَإِذَا طَالَبَتْهُ يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ وَيُجْبَرُ عَلَيْهِ فِي الْحُكْمِ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَالزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ تَجِبُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ فِي الْحُكْمِ عِنْدَ بَعْضِ أَصْحَابِنَا وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ تَجِبُ عَلَيْهِ فِي الْحُكْمِ اهـ. وَلَمْ يُبَيِّنْ حَدَّ الزِّيَادَةِ عَلَى الْمَرَّةِ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ كُلَّمَا طَلَبَتْ لِأَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى شَهْوَتِهِ لَهَا، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ وَطْؤُهَا أَحْيَانَا، وَفِي الْمِعْرَاجِ وَلَوْ أَقَامَ عِنْدَ إحْدَاهُمَا شَهْرًا فَخَاصَمَتْهُ الْأُخْرَى فِي ذَلِكَ قَضَى عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْعَدْلَ بَيْنَهُمَا وَمَا مَضَى هَدَرٌ غَيْرَ أَنَّهُ أَثِمَ فِيهِ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ تَكُونُ فِيهِ بَعْدَ الطَّلَبِ وَلَوْ عَادَ بَعْدَمَا نَهَاهُ الْقَاضِي أَوْجَعَهُ عُقُوبَةً وَأَمَرَهُ بِالْعَدْلِ لِأَنَّهُ أَسَاءَ الْأَدَبَ وَارْتَكَبَ مَا هُوَ حَرَامٌ عَلَيْهِ وَهُوَ الْجَوْرُ فَيُعَزَّرُ فِي ذَلِكَ اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا يُعَزَّرُ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى وَإِذَا عُزِّرَ فَتَعْزِيرُهُ بِالضَّرْبِ، وَفِي الْجَوْهَرَةِ: لَا يُعَزَّرُ بِالْحَبْسِ لِأَنَّهُ لَا يُسْتَدْرَكُ الْحَقُّ فِيهِ بِالْحَبْسِ لِأَنَّهُ يَفُوتُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ اهـ. وَهَذَا مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِهِمْ إنَّ لِلْقَاضِي.   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْقَسْمَ عَلَى الْبَالِغِ) الْجَارُّ، وَالْمَجْرُورُ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ أَيْ وَاجِبٌ عَلَى الْبَالِغِ (قَوْلُهُ: وَالظَّاهِرُ الْإِطْلَاقُ) قَالَ فِي النَّهْرِ فِي نَفْيِ الْمُضَارَّةِ مُطْلَقًا نَظَرٌ لَا يَخْفَى اهـ. لَكِنْ نَقَلَ فِي الْمِنَحِ عَنْ الْخُلَاصَةِ التَّقْيِيدَ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَكَذَا قَالَ فِي الرَّمْزِ لِلْمَقْدِسِيِّ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى قَدْرِ عَيْنٍ فِيهِ، وَفِي الْخُلَاصَةِ وَمَنَعَ الزِّيَادَةَ عَلَى الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ إلَّا بِإِذْنِ الْأُخْرَى اهـ. قُلْت لَكِنْ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ لَهُ أَنْ يُقِيمَ عِنْدَ امْرَأَةٍ ثَلَاثَةً أَوْ سَبْعَةً وَعِنْدَ أُخْرَى كَذَلِكَ كَمَا فِي قَاضِي خَانْ، وَالسِّرَاجِيَّةِ وَغَيْرِهِمَا اهـ. وَهُوَ مُؤَيِّدٌ لِمَا بَحَثَهُ فِي الْفَتْحِ وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا مَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ حَيْثُ قَالَ فَإِنَّهُ يَكُونُ عِنْدَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا يَوْمًا وَلَيْلَةً فَإِنْ شَاءَ أَنْ يَجْعَلَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَعَلَ وَرُوِيَ عَنْ الْأَشْعَثِ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ «قَالَ لِأُمِّ سَلَمَةَ حِينَ دَخَلَ بِهَا إنْ شِئْتِ سَبَّعْتُ لَك وَسَبَّعْتُ لَهُنَّ» اهـ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 235 الْخِيَارَ فِي التَّعْزِيرِ بَيْنَ الضَّرْبِ، وَالْحَبْسِ. (قَوْلُهُ: وَلِلْحُرَّةِ ضِعْفُ الْأَمَةِ) يَعْنِي إذَا كَانَ لَهُ زَوْجَتَانِ حُرَّةٌ وَأَمَةٌ فَلِلْحُرَّةِ الثُّلُثَانِ مِنْ الْقَسْمِ وَلِلْأَمَةِ الثُّلُثُ بِذَلِكَ وَرَدَ الْأَثَرُ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلِأَنَّ حِلَّ الْأَمَةِ أَنْقَصُ مِنْ حِلِّ الْحُرَّةِ فَلَا بُدَّ مِنْ إظْهَارِ النُّقْصَانِ فِي الْحُقُوقِ وَأَطْلَقَهَا فَشَمِلَ الْمُكَاتَبَةَ، وَالْمُدَبَّرَةَ وَأُمَّ الْوَلَدِ، وَالْمُبَعَّضَةَ لِأَنَّ الرِّقَّ فِيهِنَّ قَائِمٌ، وَفِي الْبَدَائِعِ: وَهَذَا التَّفَاوُتُ فِي السُّكْنَى، وَالْبَيْتُوتَةِ فَأَمَّا فِي الْمَأْكُولِ، وَالْمَشْرُوبِ، وَالْمَلْبُوسِ فَإِنَّهُ يُسَوِّي بَيْنَهُمَا لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْحَاجَاتِ اللَّازِمَةِ وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى اعْتِبَارِ حَالِهِ أَمَّا عَلَى اعْتِبَارِ حَالِهِمَا فَلَا، وَفِي الْمِعْرَاجِ: لَوْ أَقَامَ عِنْدَ امْرَأَتِهِ الْأَمَةِ يَوْمًا ثُمَّ أَعْتَقَتْ لَمْ يُقِمْ عِنْدَ الْحُرَّةِ إلَّا يَوْمًا وَاحِدًا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ وَتُجْعَلُ حُرِّيَّتُهَا عِنْدَ انْتِهَاءِ النَّوْبَةِ بِمَنْزِلَةِ حُرِّيَّتِهَا عِنْدَ ابْتِدَاءِ النَّوْبَةِ وَكَذَا لَوْ أَقَامَ عِنْدَ حُرَّةٍ يَوْمًا ثُمَّ أُعْتِقَتْ الْأَمَةُ تَحَوَّلَ عَنْهَا إلَى الْمُعْتَقَةِ لِمَا ذَكَرْنَا اهـ. (قَوْلُهُ: وَيُسَافِرُ بِمَا شَاءَ مِنْهُنَّ، وَالْقُرْعَةُ أَحَبُّ) لِأَنَّهُ قَدْ يَثِقُ بِإِحْدَاهُمَا فِي السَّفَرِ وَبِالْأُخْرَى فِي الْحَضَرِ، وَالْقَرَارِ فِي الْمَنْزِلِ لِحِفْظِ الْأَمْتِعَةِ أَوْ لِخَوْفِ الْفِتْنَةِ أَوْ يَمْنَعُ مِنْ سَفَرِ إحْدَاهُمَا كَثْرَةُ سِمَنِهَا فَتَعْيِينُ مَنْ يَخَافُ صُحْبَتَهَا فِي السَّفَرِ لِخُرُوجِ قُرْعَتِهَا إلْزَامٌ لِلضَّرَرِ الشَّدِيدِ وَهُوَ مُنْدَفِعٌ بِالْمُنَافِي لِلْحَرَجِ، وَأَمَّا مَا رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ مِنْ قُرْعَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَهُنَّ إذَا أَرَادَ سَفَرًا فَكَانَ لِلِاسْتِحْبَابِ تَطْيِيبًا لِقُلُوبِهِنَّ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْفِعْلِ لَا يَقْتَضِي الْوُجُوبَ فَكَيْفَ وَهُوَ مَحْفُوفٌ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ مِنْ عَدَمِ وُجُوبِ الْقَسْمِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِقَوْلِهِ تَعَالَى {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ} [الأحزاب: 51] وَكَانَ مِمَّنْ أَرْجَاهُنَّ سَوْدَةَ وَجُوَيْرِيَةَ وَأُمَّ حَبِيبَةَ وَصَفِيَّةَ وَمَيْمُونَةَ وَمِمَّنْ آوَى عَائِشَةَ، وَالْبَاقِيَاتِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ أَجْمَعِينَ - قَالَ الْقَاضِي فِي تَفْسِيرِهِ: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ} [الأحزاب: 51] تُؤَخِّرُهَا وَتَتْرُكُ مُضَاجَعَتَهَا {وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ} [الأحزاب: 51] تَضُمُّ إلَيْك وَتُضَاجِعُهَا أَوْ تُطَلِّقُ مَنْ تَشَاءُ وَتُمْسِكُ مَنْ تَشَاءُ {وَمَنِ ابْتَغَيْتَ} [الأحزاب: 51] أَيْ طَلَبْت {مِمَّنْ عَزَلْتَ} [الأحزاب: 51] طَلُقَتْ بِالرَّجْعَةِ {فَلا جُنَاحَ عَلَيْكَ} [الأحزاب: 51] فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ اهـ. قَيَّدَ بِالسَّفَرِ لِأَنَّ مَرَضَهُ لَا يُسْقِطُ الْقَسْمَ عَنْهُ، وَقَدْ صَحَّ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَّا مَرِضَ اسْتَأْذَنَ نِسَاءَهُ أَنْ يُمَرَّضَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَأَذِنَّ لَهُ» وَلَمْ أَرَ كَيْفِيَّةَ قَسْمِهِ فِي مَرَضِهِ إذَا كَانَ لَا يَسْتَطِيعُ التَّحَوُّلَ إلَى بَيْتِ الْأُخْرَى، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَسْمِهِ فِي مَرَضِهِ أَنَّهُ إذَا صَحَّ ذَهَبَ إلَى الْأُخْرَى بِقَدْرِ مَا أَقَامَ عِنْدَ الْأُولَى بِخِلَافِ مَا إذَا سَافَرَ بِوَاحِدَةٍ فَإِنَّهُ إذَا أَقَامَ لَا يَقْضِي لِلْمُقِيمَةِ (قَوْلُهُ: وَلَهَا أَنْ تَرْجِعَ إذَا وَهَبَتْ قَسْمَهَا لِأُخْرَى) فَأَفَادَ جَوَازَ الْهِبَةِ، وَالرُّجُوعِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ وَهَبَتْ يَوْمَهَا لِعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَأَمَّا صِحَّةُ الرُّجُوعِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَلِأَنَّهَا أَسْقَطَتْ حَقًّا لَمْ يَجِبْ بَعْدُ فَلَا يَسْقُطُ، وَقَدْ فَرَّعَ الشَّافِعِيَّةُ هُنَا تَفَارِيعَ لَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ مَشَايِخِنَا ذَكَرَهَا، مِنْهَا أَنَّهَا إذَا وَهَبَتْ حَقَّهَا لِمُعَيَّنَةٍ وَرَضِيَ بَاتَ عِنْدَ الْمَوْهُوبِ لَيْلَتَيْنِ، وَإِنْ كَرِهَتْ مَا دَامَتْ الْوَاهِبَةُ فِي نِكَاحِهِ وَلَوْ كَانَا مُتَفَرِّقَيْنِ لَمْ يُوَالِ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ وَهَبَتْهُ لِلْجَمِيعِ جَعَلَهَا كَالْمَعْدُومَةِ وَلَوْ وَهَبَتْهُ لَهُ فَخَصَّ بِهِ وَاحِدَةً جَازَ كَذَا فِي الرَّوْضِ وَلَعَلَّ مَشَايِخَنَا إنَّمَا لَمْ يَعْتَبِرُوا هَذَا التَّفْصِيلَ لِأَنَّ هَذِهِ الْهِبَةَ إنَّمَا هِيَ إسْقَاطٌ عَنْهُ فَكَانَ الْحَقُّ لَهُ سَوَاءٌ وَهَبَتْ لَهُ أَوْ لِصَاحِبَتِهَا فَلَهُ أَنْ يَجْعَلَ حِصَّةَ الْوَاهِبَةِ لِمَنْ شَاءَ. (تَتِمَّةٌ) فِي حُقُوقِ الزَّوْجَيْنِ ذَكَرَ فِي الْبَدَائِعِ أَنَّ مِنْ أَحْكَامِ النِّكَاحِ: الْمُعَاشَرَةُ بِالْمَعْرُوفِ لِلْآيَةِ وَاخْتُلِفَ فِيهَا فَقِيلَ التَّفْصِيلُ، وَالْإِحْسَانُ إلَيْهَا قَوْلًا وَفِعْلًا وَخُلُقًا وَقِيلَ أَنْ يَعْمَلَ مَعَهَا كَمَا يَجِبُ أَنْ يَعْمَلَ مَعَ نَفْسِهِ وَهِيَ مُسْتَحَبَّةٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَمِنْهَا إذَا حَصَلَ نُشُوزٌ أَنْ يَبْدَأَهَا بِالْوَعْظِ ثُمَّ بِالْهَجْرِ ثُمَّ بِالضَّرْبِ لِلْآيَةِ لِأَنَّهَا لِلتَّرْتِيبِ عَلَى التَّوْزِيعِ وَاخْتُلِفَ فِي الْهَجْرِ فَقِيلَ يَتْرُكُ مُضَاجَعَتَهَا وَقِيلَ يَتْرُكُ جِمَاعَهَا، وَالْأَظْهَرُ تَرْكُ كَلَامِهَا مَعَ الْمُضَاجَعَةِ، وَالْجِمَاعِ إنْ احْتَاجَ إلَيْهِ، وَفِي الْمِعْرَاجِ إذَا كَانَ لَهُ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ يُؤْمَرُ أَنْ يَبِيتَ مَعَهَا وَلَا يُعَطِّلَهَا، وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ لَهَا لَيْلَةٌ مِنْ كُلِّ أَرْبَعٍ إنْ كَانَتْ حُرَّةً وَمِنْ كُلِّ سَبْعٍ إنْ كَانَتْ أَمَةً، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يَتَعَيَّنُ   [منحة الخالق] فَإِنَّ مُقْتَضَى ذِكْرِهِ الْحَدِيثَ بَعْدَ التَّثْلِيثِ أَنَّ لَهُ التَّسْبِيعَ وَلَمْ يَذْكُرْ زِيَادَةً عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: بِقَدْرِ مَا أَقَامَ عِنْدَ الْأُولَى) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ إذَا كَانَ الِاخْتِيَارُ فِي مِقْدَارِ الدَّوْرِ إلَيْهِ حَالَ صِحَّتِهِ فَفِي مَرَضِهِ أَوْلَى فَإِذَا مَكَثَ عِنْدَ الْأُولَى مُدَّةً أَقَامَ عِنْدَ الثَّانِيَةِ بِقَدْرِهَا اهـ. وَهَذَا إذَا أَرَادَ أَنْ يَجْعَلَ مُدَّةَ إقَامَتِهِ دَوْرًا لِمَا مَرَّ أَنَّ الِاخْتِيَارَ فِي مِقْدَارِ الدَّوْرِ إلَيْهِ وَبِهِ انْدَفَعَ مَا ذَكَرَهُ الْمَقْدِسِيَّ حَيْثُ قَالَ: وَمَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَقَامَ عِنْدَ وَاحِدَةٍ شَهْرًا فَطَلَبَتْ مِثْلَهَا الْأُخْرَى لَا يَفْعَلُ وَيَسْتَأْنِفُ الْقَسْمَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَسْتَأْنِفُ هُنَا بِالْأَوْلَى اهـ. نَعَمْ يَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ عَلَى مَا مَرَّ عَنْ الْخُلَاصَةِ فَلَوْ أَقَامَ أَكْثَرَ مِنْهَا أَقَامَ عِنْدَ الْأُخْرَى ثَلَاثَةً فَقَطْ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: فَكَانَ الْحَقُّ لَهُ. . . إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: كَوْنُ الْحَقِّ لَهُ فِيمَا إذَا وَهَبَتْ لِصَاحِبَتِهَا مَمْنُوعٌ فَفِي الْبَدَائِعِ فِي تَوْجِيهِ الْمَسْأَلَةِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 236 حَقُّهَا فِي يَوْمٍ مِنْ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ لِأَنَّ الْقَسْمَ عِنْدَ الْمُزَاحَمَةِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُؤْمَرُ اسْتِحْبَابُ أَنْ يَصْحَبَهَا أَحْيَانًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ مُؤَقَّتٌ وَلَوْ كَانَ لَهُ مُسْتَوْلَدَاتٌ وَإِمَاءٌ فَلَا يَقْسِمُ لَهُنَّ لِأَنَّهُ مِنْ خَصَائِصِ النِّكَاحِ وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ لَا يُعَطِّلَهُنَّ وَأَنْ يُسَوِّيَ بَيْنَهُنَّ فِي الْمُضَاجَعَةِ وَلَوْ حَطَّتْ لِزَوْجِهَا جُعْلًا عَلَى أَنْ يَزِيدَهَا فِي الْقَسْمِ فَهُوَ حَرَامٌ وَهُوَ رِشْوَةٌ وَتَرْجِعُ بِمَالِهَا وَكَذَا لَوْ جَعَلَتْ مِنْ مَهْرِهَا شَيْئًا لِيَزِيدَهَا فِي الْقَسْمِ أَوْ زَادَهَا فِي مَهْرِهَا أَوْ جَعَلَ لَهَا شَيْئًا لِتَجْعَلَ يَوْمَهَا لِصَاحِبَتِهَا فَالْكُلُّ بَاطِلٌ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الضِّرَّتَيْنِ أَوْ الضَّرَائِرِ فِي مَسْكَنٍ وَاحِدٍ إلَّا بِرِضَاهُنَّ لِلُزُومِ الْوَحْشَةِ وَلَوْ اجْتَمَعَتْ الضَّرَائِرُ فِي مَسْكَنٍ وَاحِدٍ بِالرِّضَا يُكْرَهُ أَنْ يَطَأَ إحْدَاهُمَا بِحَضْرَةِ الْأُخْرَى حَتَّى لَوْ طَلَبَ وَطْأَهَا لَمْ تَلْزَمْهَا الْإِجَابَةُ وَلَا تَصِيرُ بِالِامْتِنَاعِ نَاشِزَةً وَلَا خِلَافَ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَلَهُ أَنْ يُجْبِرَهَا عَلَى الْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ، وَالْحَيْضِ، وَالنِّفَاسِ إلَّا أَنْ تَكُونَ ذِمِّيَّةً وَلَهُ جَبْرُهَا عَلَى التَّنْظِيفِ، وَالِاسْتِحْدَادِ وَلَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ كُلِّ مَا يَتَأَذَّى مِنْ رَائِحَتِهِ وَلَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ الْغَزْلِ اهـ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: وَعَلَى هَذَا لَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ التَّزَيُّنِ بِمَا يَتَأَذَّى بِرِيحِهِ كَأَنْ يَتَأَذَّى بِرَائِحَةِ الْحِنَّاءِ الْمُخَضِّبِ اهـ. وَسَيَأْتِي فِي فَصْلِ التَّعْزِيرِ الْمَوَاضِعُ الَّتِي يَضْرِبُهَا فِيهَا وَفِي بَابِ النَّفَقَاتِ مَا يَجُوزُ لَهَا مِنْ الْخُرُوجِ وَمَا لَا يَجُوزُ قَالُوا وَلَوْ كَانَ أَبُوهَا زَمِنًا وَلَيْسَ لَهُ مَنْ يَقُومُ عَلَيْهِ مُؤْمِنًا كَانَ أَوْ كَافِرًا فَإِنَّ عَلَيْهَا أَنْ تَعْصِيَ الزَّوْجَ فِي الْمَنْعِ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ الْحَظْرِ، وَالْإِبَاحَةِ وَحَقُّ الزَّوْجِ عَلَى الزَّوْجَةِ أَنْ تُطِيعَهُ فِي كُلِّ مُبَاحٍ يَأْمُرُهَا بِهِ اهـ. وَفِيهَا مِنْ آخِرِ الْجِنَايَاتِ: ادَّعَتْ عَلَى زَوْجِهَا ضَرْبًا فَاحِشًا وَثَبَتَ ذَلِكَ عَلَيْهِ يُعَزَّرُ الزَّوْجُ اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ فَاحِشًا وَهُوَ غَيْرُ الْمُبَرِّحِ فَإِنَّهُ لَا يُعَزَّرُ فِيهِ وَذَكَرَ الْبِقَاعِيُّ فِي الْمُنَاسَبَاتِ حَدِيثًا «لَا يُسْأَلُ الرَّجُلُ فِيمَ ضَرَبَ زَوْجَتَهُ» وَحَدِيثًا آخَرَ «أَنَّهُ نَهَى الْمَرْأَةَ أَنْ تَشْكُوَ زَوْجَهَا» وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (كِتَابُ الرَّضَاعِ) لَمَّا كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْ النِّكَاحِ الْوَلَدَ أَيْ غَالِبًا وَهُوَ لَا يَعِيشُ غَالِبًا فِي ابْتِدَاءِ إنْشَائِهِ إلَّا بِالرَّضَاعِ وَكَانَ لَهُ أَحْكَامٌ تَتَعَلَّقُ بِهِ وَهِيَ مِنْ آثَارِ النِّكَاحِ الْمُتَأَخِّرَةِ بِمُدَّةٍ وَجَبَ تَأْخِيرُهُ إلَى آخِرِ أَحْكَامِهِ وَذَكَرَ فِي الْمُحَرَّمَاتِ مَا تَتَعَلَّقُ الْمَحْرَمِيَّةُ بِهِ إجْمَالًا وَذَكَرَ هُنَا التَّفَاصِيلَ الْكَثِيرَةَ ثُمَّ قِيلَ كِتَابُ الرَّضَاعِ لَيْسَ مِنْ تَصْنِيفِ مُحَمَّدٍ إنَّمَا عَمِلَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ وَنَسَبَهُ إلَيْهِ لِيُرَوِّجَهُ وَلِذَا لَمْ يَذْكُرْهُ الْحَاكِمُ أَبُو الْفَضْلِ فِي مُخْتَصَرِهِ الْمُسَمَّى بِالْكَافِي مَعَ الْتِزَامِهِ إيرَادَ كَلَامِ مُحَمَّدٍ فِي جَمِيعِ كُتُبِهِ مَحْذُوفَةَ التَّعَالِيلِ وَعَامَّتُهُمْ عَلَى أَنَّهُ مِنْ أَوَائِلِ مُصَنَّفَاتِهِ وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهُ الْحَاكِمُ اكْتِفَاءً بِمَا أَوْرَدَهُ مِنْ ذَلِكَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ وَهُوَ فِي اللُّغَةِ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَفَتْحِهَا مَصُّ الثَّدْيِ مُطْلَقًا، وَفِي الْمِصْبَاحِ رَضِعَ الصَّبِيُّ رَضَعًا مِنْ بَابِ تَعِبَ فِي لُغَةِ نَجْدٍ وَرَضَعَ رَضْعًا مِنْ بَابِ ضَرَبَ لُغَةٌ لِأَهْلِ تِهَامَةَ وَأَهْلُ مَكَّةَ يَتَكَلَّمُونَ بِهَا وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ أَصْلُ الْمَصْدَرِ مِنْ هَذِهِ اللُّغَةِ بِكَسْرِ الضَّادِ وَإِنَّمَا السُّكُونُ تَخْفِيفٌ مِثْلُ الْحَلِفِ، وَالْحَلْفِ وَرَضَعَ يَرْضَعُ بِفَتْحَتَيْنِ لُغَةٌ ثَالِثَةٌ رَضَاعًا وَرَضَاعَةً بِفَتْحِ الرَّاءِ وَأَرْضَعْته أُمُّهُ فَارْتَضَعَ فَهِيَ مُرْضِعٌ وَمُرْضِعَةٌ أَيْضًا وَقَالَ الْفَرَّاءُ وَجَمَاعَةٌ إنْ قُصِدَ حَقِيقَةُ الْوَصْفِ بِالْإِرْضَاعِ فَمُرْضِعٌ بِغَيْرِ هَاءٍ، وَإِنْ قُصِدَ مَجَازُ الْوَصْفِ بِمَعْنَى أَنَّهَا مَحَلُّ الْإِرْضَاعِ فِيمَا كَانَ أَوْ سَيَكُونُ فَبِالْهَاءِ وَعَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ} [الحج: 2] وَنِسَاءٌ مَرَاضِعُ وَمَرَاضِيعُ وَرَاضَعَتْهُ مُرَاضَعَةً وَرِضَاعًا بِالْكَسْرِ وَهُوَ رَضَعِيٌّ بِالْكَسْرِ وَرَضِيعِيٌّ اهـ. وَذَكَرَ فِي الْقَامُوسِ أَنَّ رَضِعَ مِنْ بَابِ سَمِعَ وَضَرَبَ وَكَرُمَ فَأَفَادَ أَنَّهُ يَجُوزُ فِي الضَّادِ الْحَرَكَاتُ الثَّلَاثُ كَمَا يَجُوزُ فِي الضَّادِ مِنْ مَصْدَرِهِ الْفَتْحُ، وَالْكَسْرُ، وَالسُّكُونُ وَكَمَا يَجُوزُ فِي الرَّضَاعِ الْفَتْحُ، وَالْكَسْرُ، وَالضَّمُّ لَكِنْ الضَّمُّ   [منحة الخالق] بِأَنَّهُ حَقٌّ يَثْبُتُ لَهَا فَلَهَا أَنْ تَسْتَوْفِيَ وَلَهَا أَنْ تَتْرُكَ اهـ. قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: كَوْنُ الْحَقِّ لَهَا إنَّمَا هُوَ قَبْلَ الْإِسْقَاطِ أَمَّا بَعْدَهُ فَاعْتَبَرَهُ الْمَشَايِخُ إسْقَاطًا عَنْهُ فَرَجَعَ الْأَمْرُ إلَيْهِ فِيهِ، وَقَدْ يُقَالُ إنَّ الْحَقَّ حَيْثُ كَانَ لَهَا وَأَسْقَطَتْهُ لِمُعَيَّنَةٍ لَا يَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَهُ لِغَيْرِهَا (قَوْلُهُ: أَوْ زَادَهَا فِي مَهْرِهَا. . . إلَخْ) قَالَ الْبَاقَانِيُّ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى: فِيهِ نَظَرٌ إذْ هُوَ حَقُّهَا فَإِذَا رَضِيَتْ بِإِسْقَاطِهِ فِي مُقَابَلَةِ الزِّيَادَةِ فَمَا الْمَانِعُ مِنْ الْجَوَازِ فَتَأَمَّلْ اهـ. وَجَوَابُهُ مَا مَرَّ مِنْ تَعْلِيلِ صِحَّةِ رُجُوعِهَا لَوْ وَهَبَتْهُ لِضَرَّتِهَا بِأَنَّهَا أَسْقَطَتْ حَقًّا لَمْ يَجِبْ بَعْدُ فَتَدَبَّرْ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَأْتِي فِيهِ الْكَلَامُ الَّذِي قَالُوهُ فِي النُّزُولِ عَنْ الْوَظَائِفِ وَمَنْ أَفْتَى بِجَوَازِ أَخْذِ الْمَالِ بِمُقَابَلَتِهِ إنَّمَا بَنَاهُ عَلَى الْعُرْفِ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا عُرْفَ هُنَا وَأَمَّا مَنْ مَنَعَهُ مُطْلَقًا يَقُولُ بِالْمَنْعِ هُنَا بِالْأَوْلَى تَدَبَّرْ. [كِتَابُ الرَّضَاعِ] الجزء: 3 ¦ الصفحة: 237 بِمَعْنَى أَنْ يَرْضَعَ مَعَهُ آخَرُ كَالْمُرَاضَعَةِ وَتَمَامُهُ فِيهِ وَأَمَّا فِي الشَّرِيعَةِ فَمَا أَفَادَهُ (قَوْلُهُ: هُوَ مَصُّ الرَّضِيعِ مِنْ ثَدْيِ الْآدَمِيَّةِ فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ) أَيْ وُصُولُ اللَّبَنِ مِنْ ثَدْيِ الْمَرْأَةِ إلَى جَوْفِ الصَّغِيرِ مِنْ فَمِهِ أَوْ أَنْفِهِ فِي مُدَّةِ الرَّضَاعِ الْآتِيَةِ فَشَمِلَ مَا إذَا حَلَبَتْ لَبَنَهَا فِي قَارُورَةٍ فَإِنَّ الْحُرْمَةَ تَثْبُتُ بِإِيجَارِ هَذَا اللَّبَنِ صَبِيًّا، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ الْمَصُّ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِلْوُصُولِ فَأَطْلَقَ السَّبَبَ وَأَرَادَ الْمُسَبَّبَ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَصِّ، وَالصَّبِّ، وَالسَّعُوطِ، وَالْوَجُورِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَخَرَجَ بِالْآدَمِيَّةِ الرَّجُلُ، وَالْبَهِيمَةُ وَأَطْلَقَهَا فَشَمِلَ الْبِكْرَ، وَالثَّيِّبَ، وَالْحَيَّةَ، وَالْمَيِّتَةَ وَقَيَّدْنَا بِالْفَمِ، وَالْأَنْفِ لِيَخْرُجَ مَا إذَا وَصَلَ بِالْإِقْطَارِ فِي الْأُذُنِ، وَالْإِحْلِيلِ، وَالْجَائِفَةِ، وَالْآمَّةِ وَبِالْحُقْنَةِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَسَيَأْتِي وَخَرَجَ بِالْوُصُولِ لَوْ أَدْخَلَتْ امْرَأَةٌ حَلَمَةَ ثَدْيِهَا فِي فَمِ رَضِيعٍ وَلَا يَدْرِي أَدَخَلَ اللَّبَنُ فِي حَلْقِهِ أَمْ لَا لَا يُحَرِّمُ النِّكَاحَ لِأَنَّ فِي الْمَانِعِ شَكًّا كَذَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَفِي الْقُنْيَةِ: امْرَأَةٌ كَانَتْ تُعْطِي ثَدْيَهَا صَبِيَّةً وَاشْتَهَرَ ذَلِكَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ تَقُولُ لَمْ يَكُنْ فِي ثَدْيِي لَبَنٌ حِينَ أَلْقَمْتهَا ثَدْيَيْنِ وَلَا يُعْلَمُ ذَلِكَ الْأَمْرُ إلَّا مِنْ جِهَتِهَا جَازَ لِابْنِهَا أَنْ يَتَزَوَّجَ بِهَذِهِ الصَّبِيَّةِ اهـ. وَفِي الْخَانِيَّةِ صَبِيَّةٌ أَرْضَعَهَا قَوْمٌ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ قَرْيَةٍ أَقَلُّهُمْ أَوْ أَكْثَرُهُمْ وَلَا يَدْرِي مَنْ أَرْضَعَهَا وَأَرَادَ وَاحِدٌ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ الْقَرْيَةِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الصَّفَّارُ إذَا لَمْ يَظْهَرْ لَهُ عَلَامَةٌ وَلَا يَشْهَدْ لَهُ بِذَلِكَ يَجُوزُ نِكَاحُهَا اهـ وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: وَالْوَاجِبُ عَلَى النِّسَاءِ أَنْ لَا يُرْضِعْنَ كُلَّ صَبِيٍّ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ فَإِذَا فَعَلْنَ فَلْيَحْفَظْنَ أَوْ لِيَكْتُبْنَ اهـ. وَفِي الْخَانِيَّةِ مِنْ الْحَظْرِ، وَالْإِبَاحَةِ امْرَأَةٌ تُرْضِعُ صَبِيًّا مِنْ غَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا يُكْرَهُ لَهَا ذَلِكَ إلَّا إذَا خَافَتْ هَلَاكَ الرَّضِيعِ فَحِينَئِذٍ لَا بَأْسَ بِهِ اهـ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا عَلَيْهَا عِنْدَ خَوْفِ الْهَلَاكِ إحْيَاءً لِلنَّفْسِ، وَفِي الْمُحِيطِ: وَلَا يَنْبَغِي لِلرَّجُلِ أَنْ يُدْخِلَ وَلَدَهُ إلَى الْحَمْقَاءِ لِتُرْضِعَهُ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ لَبَنِ الْحَمْقَاءِ» ، وَقَالَ: «اللَّبَنُ يُعْدِي» وَإِنَّمَا نَهَى لِأَنَّ الدَّفْعَ إلَى الْحَمْقَاءِ يُعَرِّضُ وَلَدَهُ لِلْهَلَاكِ بِسَبَبِ قِلَّةِ حِفْظِهَا لَهُ وَتَعَهُّدِهَا أَوْ لِسُوءِ الْأَدَبِ فَإِنَّهَا لَا تُحْسِنُ تَأْدِيبَهُ فَيَنْشَأُ الْوَلَدُ سَيِّئَ الْأَدَبِ وَقَوْلُهُ: «اللَّبَنُ يُعْدِي» يُحْتَمَلُ أَنَّ الْحَمْقَاءَ لَا تَحْتَمِي مِنْ الْأَشْيَاءِ الضَّارَّةِ لِلْوَلَدِ فَيُؤَثِّرُ فِي لَبَنِهَا فَيَضُرُّ بِالصَّبِيِّ وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا تَقُولُهُ الْأَطِبَّاءُ فَإِنَّهُمْ يَأْمُرُونَ الْمُرْضِعَةَ بِالِاحْتِمَاءِ عَنْ أَشْيَاءَ تُورِثُ بِالصَّبِيِّ عِلَّةً وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ إنَّمَا نَهَى عَنْ ذَلِكَ حَتَّى إذَا اتَّفَقَ اتِّفَاقٌ لَا يُضَافُ إلَى الْعَدْوَى كَمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا تُسَافِرُوا، وَالْقَمَرُ فِي الْعَقْرَبِ فَهَذَا إنْ صَحَّ عَنْهُ فَإِنَّمَا نَهْي عَنْهُ لِئَلَّا يَتَّفِقَ اتِّفَاقٌ فَيُنْسَبَ إلَى كَوْنِ الْقَمَرِ فِي الْعَقْرَبِ فَيَكُونُ إيمَانًا بِالنُّجُومِ وَتَكْذِيبًا لِلْأَخْبَارِ الْمَرْوِيَّةِ فِي النَّهْيِ فِي هَذَا الْبَابِ اهـ. وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ ظَهَرَ أَنَّ تَعْرِيفَ الْمُصَنِّفِ مُنْتَقِضٌ طَرْدًا وَعَكْسًا لَوْ بَقِيَ عَلَى ظَاهِرِهِ فَإِنَّهُ يُوجَدُ الْمَصُّ وَلَا رَضَاعَ إنْ لَمْ يَصِلْ إلَى الْجَوْفِ وَيَنْتَفِي الْمَصُّ فِي الْوَجُورِ، وَالسَّعُوطِ وَلَمْ يَنْتِفْ الرَّضَاعُ، وَالثَّدْيُ مُذَكَّرٌ كَمَا فِي الْمُغْرِبِ، وَفِي الْمِصْبَاحِ الثَّدْيُ لِلْمَرْأَةِ، وَقَدْ يُقَالُ فِي الرَّجُلِ أَيْضًا قَالَهُ ابْنُ السِّكِّيتِ وَيُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ فَيُقَالُ هُوَ الثَّدْيُ وَهِيَ الثَّدْيُ، وَالْجَمْعُ أَثْدٍ وَثُدِيٌّ وَأَصْلُهَا أَفْعَلُ وَفُعُولُ مِثْلُ أَفْلُسَ وَفُلُوسٍ وَرُبَّمَا جُمِعَ عَلَى ثِدَاءٍ مِثْلُ سَهْمٍ وَسِهَامٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَحُرِّمَ بِهِ، وَإِنْ قَلَّ فِي ثَلَاثِينَ شَهْرًا مَا حُرِّمَ مِنْهُ بِالنَّسَبِ) أَيْ حُرِّمَ بِسَبَبِ الرَّضَاعِ مَا حُرِّمَ بِسَبَبِ النَّسَبِ قَرَابَةً وَصِهْرِيَّةً فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ وَلَوْ كَانَ الرَّضَاعُ قَلِيلًا لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ الْمَشْهُورِ: «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْحُرْمَةَ بِسَبَبِ الرَّضَاعِ تُعْتَبَرُ بِحُرْمَةِ النَّسَبِ فَشَمِلَ حَلِيلَةَ الِابْنِ، وَالْأَبِ مِنْ الرَّضَاعِ لِأَنَّهَا حَرَامٌ بِسَبَبِ النَّسَبِ فَكَذَا بِسَبَبِ الرَّضَاعِ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ، وَفِي الْقُنْيَةِ زَنَى بِامْرَأَةٍ يَحْرُمُ عَلَيْهِ بِنْتُهَا مِنْ الرَّضَاعِ اهـ. وَلِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى {وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: 23] قُلْنَا لَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَلِيلِ، وَالْكَثِيرِ وَأَمَّا حَدِيثُ «لَا تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ وَلَا الْمَصَّتَانِ» وَمَا دَلَّ عَلَى التَّقْدِيرِ فَمَنْسُوخٌ صَرَّحَ بِنَسْخِهِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - حِينَ قِيلَ لَهُ إنَّ النَّاسَ يَقُولُونَ إنَّ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ) أَيْ ذَكَرَ الْمَصَّ (قَوْلُهُ: لَوْ بَقِيَ عَلَى ظَاهِرِهِ) أَمَّا عَلَى تَأْوِيلِهِ بِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَصِّ الْوُصُولُ إلَى الْجَوْفِ مِنْ الْمَنْفَذَيْنِ مِنْ إطْلَاقِ السَّبَبِ وَإِرَادَةِ الْمُسَبَّبِ فَلَا نَقْضَ لَكِنْ قَالَ فِي النَّهْرِ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَا نُسَلِّمُ وُجُودَ مَصِّ اللَّبَنِ فِيمَا إذَا لَمْ يُعْلَمْ أَوَصَلَ أَمْ لَا لِلتَّلَازُمِ الْعَادِيِّ بَيْنَ الْمَصِّ، وَالْوُصُولِ لُغَةً قَالَ فِي الْقَامُوسِ مَصِصْتُهُ بِالْكَسْرِ وَمَصَصْته كَخَصَصْتُهُ أَخُصُّهُ شَرِبْته شُرْبًا رَفِيقًا كَامْتَصَصْتُهُ اهـ. وَكَيْفَ يَصِحُّ مَا ادَّعَاهُ مَعَ قَوْلِهِ مِنْ ثَدْيِ الْآدَمِيَّةِ وَأَمَّا الْوَجُورُ، وَالسَّعُوطُ فَمُلْحَقَانِ بِالْمَصِّ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ خَصَّهُ جَرْيًا عَلَى الْغَالِبِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 238 الرَّضْعَةُ لَا تُحَرِّمُ فَقَالَ كَانَ ذَلِكَ ثُمَّ نُسِخَ، وَالرَّضَاعُ، وَإِنْ قَلَّ يَحْصُلُ بِهِ نَشْوٌ بِقَدْرِهِ فَكَانَ الرَّضَاعُ مُطْلَقًا مَظِنَّةً بِالنِّسْبَةِ إلَى الصَّغِيرِ وَفَسَّرَ الْقَلِيلَ فِي الْيَنَابِيعِ بِمَا يُعْلَمُ أَنَّهُ وَصَلَ إلَى الْجَوْفِ وَقَيَّدَ بِالثَّلَاثِينَ لِأَنَّ الرَّضَاعَ بَعْدَهَا لَا يُوجِبُ التَّحْرِيمَ وَأَفَادَ بِإِطْلَاقِهِ أَنَّهَا ثَابِتَةٌ بَعْدَ الْفِطَامِ، وَالِاسْتِغْنَاءُ بِالطَّعَامِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مَعْزِيًّا إلَى وَاقِعَاتِ النَّاطِفِيِّ الْفَتْوَى عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ مِنْ عَدَمِ ثُبُوتِهَا بَعْدَهُ فَخِلَافُ الْمُعْتَمَدِ لِمَا عُلِمَ مِنْ أَنَّ الْفَتْوَى إذَا اخْتَلَفَتْ كَانَ التَّرْجِيحُ لِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَأَشَارَ بِجَعْلِ الْمُدَّةِ ظَرْفًا لِلْمُحَرَّمَةِ أَنَّهَا لَيْسَتْ مُدَّةَ اسْتِحْقَاقِ الْأَجْرِ عَلَى الْأَبِ بَلْ اتَّفَقُوا أَنَّهُ لَا تَجِبُ أُجْرَةُ الْإِرْضَاعِ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ وَكَذَا لَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْإِرْضَاعُ دِيَانَةً بَعْدَهُمَا كَمَا فِي الْمُجْتَبَى وَهُمَا مَحْمَلُ ذِكْرِ الْحَوْلَيْنِ فِي التَّنْزِيلِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الْأَصَحُّ قَوْلُهُ: مَا مِنْ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْحَوْلَيْنِ فِي حَقِّ التَّحْرِيمِ أَيْضًا وَبِهِ أَخَذَ الطَّحَاوِيُّ وَمُرَادُهُ بِالنَّظَرِ إلَى الدَّلِيلِ بِحَسَبِ ظَنِّهِ وَإِلَّا فَالْمَذْهَبُ لِلْإِمَامِ الْأَعْظَمِ، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ دَلِيلُهُ لِوُجُوبِ الْعَمَلِ عَلَى الْمُقَلِّدِ بِقَوْلِ الْمُجْتَهِدِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ فِي الدَّلِيلِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي أَوَّلِ الْخَانِيَّةِ وَلَكِنْ قَالَ فِي آخِرِ الْحَاوِي الْقُدْسِيُّ: فَإِنْ خَالَفَاهُ قَالَ بَعْضُهُمْ: يُؤْخَذُ بِقَوْلِهِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُؤْخَذُ بِقَوْلِهِمَا وَقِيلَ يُخَيَّرُ الْمُفْتَى، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْعِبْرَةَ لِقُوَّةِ الدَّلِيلِ اهـ. وَلَا يَخْفَى قُوَّةُ دَلِيلِهِمَا وَأَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة: 233] يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا رَضَاعَ بَعْدَ التَّمَامِ وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ أَرَادَا فِصَالا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا} [البقرة: 233] فَإِنَّمَا هُوَ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ بِدَلِيلِ تَقْيِيدِهِ بِالتَّرَاضِي، وَالتَّشَاوُرِ وَبَعْدَهَا لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِمَا وَبِهِ يَضْعُفُ مَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمَبْسُوطِ، وَالْمُحِيطِ مِنْ أَنَّهُ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ فَيَكُونُ دَلِيلًا لَهُ لِمَا عَلِمْت مِنْ ضَيَاعِ الْقَيْدَيْنِ حِينَئِذٍ وَأَمَّا اسْتِدْلَالُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ لِلْإِمَامِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15] بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُدَّةَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا، وَقَدْ قَامَ الْمُنْقَصُ فِي الْحَمْلِ فَبَقِيَ الْفِصَالُ عَلَى حَالِهِ فَقَدْ رَجَعَ إلَى الْحَقِّ فِي بَابِ ثُبُوتِ النَّسَبِ مِنْ أَنَّ الثَّلَاثِينَ لَهُمَا لِلْحَمْلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ، وَالْعَامَانِ لِلْفِصَالِ وَاخْتَلَفُوا فِي إبَاحَتِهِ بَعْدَ الْمُدَّةِ، وَاقْتَصَرَ الشَّارِحُ عَلَى الْمَنْعِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ وَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ لِلتَّدَاوِي، قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَأَهْلُ الطِّبِّ يُثْبِتُونَ لِلَّبَنِ الْبِنْتُ أَيْ الَّذِي نَزَلَ بِسَبَبِ بِنْتٍ مُرْضَعَةٍ نَفْعًا لِوَجَعِ الْعَيْنِ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قِيلَ لَا يَجُوزُ وَقِيلَ يَجُوزُ إذَا عُلِمَ أَنَّهُ يَزُولُ بِهِ الرَّمَدُ وَلَا يَخْفَى أَنَّ حَقِيقَةَ الْعِلْمِ مُتَعَذِّرٌ فَالْمُرَادُ إذَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ وَإِلَّا فَهُوَ مَعْنَى الْمَنْعِ اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ التَّدَاوِي بِالْمُحَرَّمِ لَا يَجُوزُ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ أَصْلُهُ بَوْلُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ فَإِنَّهُ لَا يُشْرَبُ أَصْلًا، وَفِي الْجَوْهَرَةِ وَلِلْأَبِ إجْبَارُ أَمَتِهِ عَلَى فِطَامِ وَلَدِهَا مِنْهُ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ إذَا لَمْ يَضُرَّهُ الْفِطَامُ كَمَا لَهُ أَنْ يُجْبِرَهَا عَلَى الْإِرْضَاعِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْمُرَ زَوْجَتَهُ الْحُرَّةَ عَلَى الْفِطَامِ قَبْلَهُمَا لِأَنَّ لَهَا حَقَّ التَّرْبِيَةِ إلَى تَمَامِ مُدَّةِ الْإِرْضَاعِ إلَّا أَنْ تَخْتَارَ هِيَ ذَلِكَ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إجْبَارُهَا عَلَى الْإِرْضَاعِ اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَالرَّضَاعُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَدَارِ الْحَرْبِ سَوَاءٌ حَتَّى إذَا أُرْضِعَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَأَسْلَمُوا وَخَرَجُوا إلَى دَارِنَا ثَبَتَتْ أَحْكَامُ الرَّضَاعِ فِيمَا بَيْنَهُمْ اهـ. (قَوْلُهُ: إلَّا أُمَّ أُخْتِهِ وَأُخْتَ ابْنِهِ) يَعْنِي فَإِنَّهُمَا يَحِلَّانِ مِنْ الرَّضَاعِ دُونَ النَّسَبِ أَطْلَقَ الْمُضَافَ، وَالْمُضَافَ إلَيْهِ فَفِي أُمِّ أُخْتِهِ ثَلَاثُ صُوَرٍ: الْأُولَى الْأُمُّ رَضَاعًا، وَالْأُخْتُ نَسَبًا بِأَنْ أَرْضَعَتْ أَجْنَبِيَّةٌ أُخْتَهُ نَسَبًا وَلَمْ تُرْضِعْهُ، الثَّانِيَةُ: عَكْسُهُ أَنْ يَكُونَ لِأُخْتِهِ رَضَاعًا أُمٌّ مِنْ النَّسَبِ، الثَّالِثَةُ: أَنْ يَكُونَا رَضَاعًا بِأَنْ أَرْضَعَتْ امْرَأَةٌ صَبِيًّا وَصَبِيَّةً وَلِهَذِهِ الصَّبِيَّةُ أُمٌّ أُخْرَى مِنْ الرَّضَاعِ لَمْ تُرْضِعْ الصَّبِيَّ، وَفِي أُخْتِ ابْنِهِ ثَلَاثٌ أَيْضًا فَالْأُولَى أَنْ تَكُونَ الْأُخْتُ رَضَاعًا فَقَطْ بِأَنْ كَانَ لَهُ ابْنٌ مِنْ النَّسَبِ وَلِهَذَا الِابْنِ أُخْتٌ مِنْ الرَّضَاعَةِ ارْتَضَعَا عَلَى غَيْرِ امْرَأَةِ أَبِيهِ، وَالثَّانِيَةُ أَنْ يَكُونَ الِابْنُ رَضَاعًا فَقَطْ وَلَهُ أُخْتٌ مِنْ النَّسَبِ   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 239 وَالثَّالِثَةُ أَنْ يَكُونَا رَضَاعًا وَمُرَادُهُ مِنْ الِابْنِ الْوَلَدُ فَيَشْمَلُ الْبِنْتَ، وَفِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ: فَإِنْ قِيلَ قَوْلُهُ: إلَّا أُمَّ أُخْتِهِ إنْ أُرِيدَ بِالْأُمِّ الْأُمُّ رَضَاعًا وَبِالْأُخْتِ الْأُخْتُ رَضَاعًا لَا يَشْمَلُ مَا إذَا كَانَتْ إحْدَاهُمَا فَقَطْ بِطَرِيقِ الرَّضَاعِ، وَإِنْ أُرِيدَ بِالْأُمِّ الْأُمُّ نَسَبًا وَبِالْأُخْتِ الْأُخْتُ رَضَاعًا أَوْ بِالْعَكْسِ لَا يَشْمَلُ الصُّورَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ قُلْنَا الْمُرَادُ مَا إذَا كَانَتْ إحْدَاهُمَا بِطَرِيقِ الرَّضَاعِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ تَكُونَ إحْدَاهُمَا فَقَطْ أَوْ كُلٌّ مِنْهُمَا اهـ. وَلَا شَكَّ أَنَّ السَّبَبَ فِي اسْتِثْنَاءِ هَذَيْنِ عَدَمُ وُجُودِ الْعِلَّةِ فَإِنَّهَا فِي التَّحْرِيمِ مِنْ الرَّضَاعِ وُجُودُ الْمَعْنَى الْمُحَرِّمِ فِي النَّسَبِ وَلَمْ تُوجَدْ فِي هَذَيْنِ أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّ أُمَّ أُخْتِهِ مِنْ النَّسَبِ إنَّمَا حُرِّمَتْ لِكَوْنِهَا أُمَّهُ أَوْ مَوْطُوءَةَ أَبِيهِ وَهُوَ مَفْقُودٌ فِي الرَّضَاعِ وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّ أُخْتَ ابْنِهِ نَسَبًا إنَّمَا حُرِّمَتْ لِكَوْنِهَا بِنْتَه أَوْ بِنْتَ امْرَأَتِهِ وَلَمْ يُوجَدْ فِي الرَّضَاعِ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا حَصْرَ فِي كَلَامِهِ، وَقَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ الِانْتِفَاءُ فِي صُوَرٍ أُخْرَى فَزَادَ عَلَى الصُّورَتَيْنِ فِي الْوِقَايَةِ أَرْبَعَةٌ: أُمُّ عَمِّهِ، وَعَمَّتُهُ، وَأُمُّ خَالِهِ، وَخَالَتُهُ لِأَنَّ أُمَّ هَؤُلَاءِ مَوْطُوءَةُ الْجَدِّ الصَّحِيحِ أَوْ الْفَاسِدِ وَلَا كَذَلِكَ مِنْ الرَّضَاعِ، وَفِي شَرْحِهَا وَلَا تَنْسَ الصُّوَرَ الثَّلَاثَ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا اهـ. يَعْنِي: مِنْ اعْتِبَارِ الرَّضَاعِ فِي الْمُضَافِ فَقَطْ أَوْ الْمُضَافِ إلَيْهِ فَقَطْ أَوْ فِيهِمَا وَزَادَ الشَّارِحُونَ صُوَرًا أُخْرَى الْأُولَى أُمُّ حَفَدَتِهِ رَضَاعًا بِأَنْ أَرْضَعَتْ أَجْنَبِيَّةٌ وَلَدَ وَلَدِهِ فَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِهَذِهِ الْمَرْأَةِ بِخِلَافِهِ مِنْ النَّسَبِ لِأَنَّهَا حَلِيلَةُ ابْنِهِ أَوْ بِنْتِهِ وَلَمْ يُوجَدْ هَذَا الْمَعْنَى فِي الرَّضَاعِ، وَفِي الْمِصْبَاحِ حَفَدَ حَفَدًا خَدَمَ فَهُوَ حَافِدٌ، وَالْجَمْعُ حَفَدَةٌ مِثْلُ كَافِرٍ وَكَفَرَةٍ وَمِنْهُ قِيلَ لِلْأَعْوَانِ حَفَدَةٌ وَقِيلَ لِأَوْلَادِ الْأَوْلَادِ حَفَدَةٌ لِأَنَّهُمْ كَالْخُدَّامِ فِي الصِّغَرِ اهـ. وَالْمُرَادُ هُنَا أَوْلَادُ الْأَوْلَادِ ، وَالثَّانِيَةُ جَدَّةُ وَلَدِهِ مِنْ الرَّضَاعِ بِأَنْ أَرْضَعَتْ أَجْنَبِيَّةٌ وَلَدَهُ وَلَهَا أُمٌّ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ التَّزَوُّجُ بِهَذِهِ الْأُمِّ بِخِلَافِهِ مِنْ النَّسَبِ لِأَنَّهَا أُمُّهُ أَوْ أُمُّ امْرَأَتِهِ، الثَّالِثَةُ: عَمَّةُ الْوَلَدِ مِنْ الرَّضَاعِ بِأَنْ كَانَ لِزَوْجِ الْمُرْضِعَةِ أُخْتٌ فَلِأَبِ الرَّضِيعِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِخِلَافِهِ مِنْ النَّسَبِ لِأَنَّهَا أُخْتُهُ وَلَمْ يَذْكُرُوا خَالَةَ وَلَدِهِ لِأَنَّهَا حَلَالٌ مِنْ النَّسَبِ أَيْضًا لِأَنَّهَا أُخْتُ زَوْجَتِهِ الرَّابِعَةُ يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ التَّزَوُّجُ بِأَبِي أَخِيهَا مِنْ الرَّضَاعِ أَوْ بِأَخِي وَلَدِهَا مِنْ الرَّضَاعِ وَبِأَبِي حَفَدَتِهَا مِنْ الرَّضَاعِ وَبِجَدِّ وَلَدِهَا مِنْ الرَّضَاعِ وَبِخَالِ وَلَدِهَا مِنْ الرَّضَاعِ وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ كُلُّهُ مِنْ النَّسَبِ لِمَا قُلْنَا فِي حَقِّ الرَّجُلِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ صِحَّةِ اعْتِبَارِ الرَّضَاعِ فِي الْمُضَافِ فَقَطْ أَوْ فِي الْمُضَافِ إلَيْهِ فَقَطْ أَوْ فِيهِمَا يَطَّرِدُ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ وَهْبَانَ فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ وَأَفَادَ أَنَّهَا تَبْلُغُ نَيِّفًا وَسِتِّينَ مَسْأَلَةً لَيْسَ هَذَا الْمُخْتَصَرُ مَوْضِعُ ذِكْرِهَا وَأَحَالَ إلَى الذِّهْنِ فِي حِلِّ بَعْضِهَا وَتَبِعَهُ فِي الْإِضْرَابِ عَنْ حِلِّهَا الْعَلَّامَةُ عَبْدُ الْبَرِّ بْنُ الشِّحْنَةِ وَأَقُولُ: فِي بَيَانِ حِلِّهَا إنَّ مَسْأَلَتَيْ الْكِتَابِ أَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ صُورَةً لِأَنَّ لِأُمِّ أَخِيهِ بِتَذْكِيرِ الْأَخِ وَبِتَأْنِيثِ الْأُخْتِ صُورَتَيْنِ لِجَوَازِ إضَافَةِ الْأُمِّ إلَى الْأَخِ، وَالْأُخْتِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا بِالِاعْتِبَارَاتِ الثَّلَاثَةِ فَهِيَ سِتَّةٌ وَلِأُخْتِ ابْنِهِ بِتَذْكِيرِ الِابْنِ وَتَأْنِيثِ الْبِنْتِ صُورَتَيْنِ لِجَوَازِ إضَافَةِ الْأُخْتِ إلَى الِابْنِ، وَالْبِنْتِ وَبِالِاعْتِبَارَاتِ سِتَّةٌ وَلِكُلٍّ مِنْ الِاثْنَيْ عَشَرَ صُورَتَانِ أَمَّا بِاعْتِبَارِ مَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَوْ مَا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ فَإِنَّهُ كَمَا يَجُوزُ لَهُ التَّزَوُّجُ بِأُمِّ أَخِيهِ يَجُوزُ لَهَا التَّزَوُّجُ بِأَبِي أَخِيهَا فِيهِ أَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ، وَأَمَّا الْأَرْبَعَةُ الثَّانِيَةُ أَعْنِي أُمَّ عَمِّهِ وَعَمَّتَهُ وَأُمَّ خَالِهِ وَخَالَتَهُ فَهِيَ أَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ صُورَةً أَيْضًا لِأَنَّ الْأَرْبَعَةَ بِالِاعْتِبَارَاتِ الثَّلَاثِ اثْنَا عَشَرَ وَلِكُلٍّ مِنْهَا صُورَتَانِ أَمَّا بِاعْتِبَارِ مَا يَحِلُّ لَهُ أَوْ لَهَا فَإِنَّهُ كَمَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ التَّزَوُّجُ بِأُمِّ عَمِّ وَلَدِهِ رَضَاعًا يَجُوزُ لَهَا التَّزَوُّجُ بِأَبِي عَمِّ وَلَدِهَا رَضَاعًا إلَى آخِرِ الْأَقْسَامِ وَأَنَّ الثَّلَاثَةَ الْأَخِيرَةَ أَعْنِي أُمَّ حَفَدَتِهِ وَجَدَّةَ وَلَدِهِ وَعَمَّةَ وَلَدِهِ فَهِيَ بِالِاعْتِبَارَاتِ الثَّلَاثِ تِسْعَةٌ وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا صُورَتَانِ بِاعْتِبَارِ مَا يَحِلُّ لَهُ أَوْ لَهَا فَإِنَّهُ كَمَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ التَّزَوُّجُ بِأُمِّ حَفَدَتِهِ يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ التَّزَوُّجُ بِأَبِي حَفَدَتِهَا مِنْ الرَّضَاعِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ لَكِنْ لَا يُتَصَوَّرُ فِي حَقِّهَا عَمُّ وَلَدِهَا لِأَنَّهُ حَلَالٌ مِنْ النَّسَبِ أَيْضًا لَهَا لِأَنَّهُ أَخُو زَوْجِهَا وَلَكِنَّ الْعَدَدَ الْمَذْكُورَ لَا يُنْتَقَصُ بِهِ لِأَنَّ بَدَلَهُ خَالُ وَلَدِهَا فَإِنَّهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ جَائِزٌ لَهَا   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 240 مِنْ الرَّضَاعِ دُونَ النَّسَبِ لِأَنَّهُ أَخُوهَا فَصَارَتْ الثَّلَاثَةُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ فَصَارَ الْكُلُّ سِتًّا وَسِتِّينَ صُورَةً فَالْمُرَادُ بِالنَّيِّفِ فِي كَلَامِ ابْنِ وَهْبَانَ سِتٌّ وَهَذَا الْبَيَانُ مِنْ خَوَاصِّ هَذَا الْكِتَابِ بِحَوْلِ اللَّهِ وَقُوَّتِهِ ثُمَّ تَأَمَّلْت بَعْدَ قَوْلِ ابْنِ الْهُمَامِ إذَا عَرَفْت مَنَاطَ الْإِخْرَاجِ أَمْكَنَك تَسْمِيَةُ صُوَرٍ أُخْرَى فَفَتَحَ اللَّهُ تَعَالَى بِتَسْمِيَةِ صُورَتَيْنِ الْأُولَى بِنْتُ أُخْتِ وَلَدِهِ حَلَالٌ مِنْ الرَّضَاعِ حَرَامٌ مِنْ النَّسَبِ لِأَنَّهَا إمَّا بِنْتُ بِنْتِهِ أَوْ بِنْتُ رَبِيبَتِهِ وَيَصِحُّ فِيهِ الْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ وَكُلٌّ مِنْهَا إمَّا أَنْ تَكُونَ الْأُخْتُ مُضَافَةً إلَى الِابْنِ أَوْ الْبِنْتِ فَهِيَ سِتَّةٌ وَكُلٌّ مِنْهَا إمَّا بِاعْتِبَارِ مَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَوْ لَهَا فَإِنَّهُ كَمَا يَجُوزُ لَهُ التَّزَوُّجُ بِبِنْتِ أُخْتٍ، وَالِدِهِ رَضَاعًا يَجُوزُ لَهَا التَّزَوُّجُ بِابْنِ أُخْتٍ وَلَدِهَا رَضَاعًا فَصَارَتْ اثْنَيْ عَشَرَ الثَّانِيَةُ بِنْتُ عَمَّةِ وَلَدِهِ جَائِزَةٌ مِنْ الرَّضَاعِ حَرَامٌ مِنْ النَّسَبِ لِأَنَّهَا بِنْتُ أُخْتِهِ وَفِيهَا الْوُجُوهُ الثَّلَاثَةُ فَقَطْ بِاعْتِبَارِ مَا يَحِلُّ لَهُ وَلَا يَتَأَتَّى هُنَا بِاعْتِبَارِ الْمَرْأَةِ فَإِنَّهُ يَحِلُّ لَهَا التَّزَوُّجُ بِابْنِ عَمَّةِ وَلَدِهَا مِنْ النَّسَبِ، وَالرَّضَاعِ جَمِيعًا بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهَا التَّزَوُّجُ بِابْنِ أُخْتِ وَلَدِهَا مِنْ النَّسَبِ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ ابْنَ بِنْتِهَا أَوْ ابْنَ بِنْتِ زَوْجِهَا وَهُوَ يَحْرُمُ عَلَيْهِ التَّزَوُّجُ بِحَلِيلَةِ جَدِّهِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ وَجْهًا فَصَارَتْ الْمَسَائِلُ الْمُسْتَثْنَاةُ إحْدَى وَثَمَانِينَ مَسْأَلَةً وَلِلَّهِ الْحَمْدُ لَكِنْ صِحَّةُ اتِّصَالٍ مِنْ الرَّضَاعِ فِي قَوْلِهِمْ إلَّا أُمَّ أُخْتِهِ مِنْ الرَّضَاعِ وَنَحْوِهِ بِكُلٍّ مِنْ الْمُضَافِ وَحْدَهُ، وَالْمُضَافِ إلَيْهِ وَحْدَهُ وَبِهِمَا إنَّمَا هُوَ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَمَّا مِنْ جِهَةِ الْإِعْرَابِ فَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْأُمِّ حَالًا مِنْهُ لِأَنَّ الْأُمَّ مَعْرِفَةٌ فَيَجِيءُ الْمَجْرُورُ حَالًا مِنْهُ لَا مُتَعَلِّقًا بِمَحْذُوفٍ وَلَيْسَ صِفَةً لِأَنَّهُ مَعْرِفَةٌ أَعْنِي أُمَّ أُخْتِهِ بِخِلَافِ أُخْتِهِ لِأَنَّهُ مُضَافٌ إلَيْهِ وَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ مُسَوِّغَاتِ مَجِيءِ الْحَالِ مِنْهُ وَمِثْلُ هَذَا يَجِيءُ فِي أُخْتِ ابْنِهِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَقَدْ حَكَى الْمُرَادِيُّ فِي شَرْحِ الْأَلْفِيَّةِ عَنْ بَعْضِ الْبَصْرِيِّينَ جَوَازَ مَجِيءِ الْحَالِ مِنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ بِلَا مُسَوِّغٍ مِنْ الْمُسَوِّغَاتِ الثَّلَاثَةِ نَحْوُ ضَرَبْت غُلَامَ هِنْدٍ جَالِسَةً وَنُوزِعَ ابْنُ مَالِكٍ فِي شَرْحِ التَّسْهِيلِ فِي دَعْوَى أَنَّ عَدَمَ جَوَازِهِ بِلَا خِلَافٍ وَذَكَرَ فِي الْمُغْنِي أَنَّ الْجَارَّ، وَالْمَجْرُورَ، وَالظَّرْفَ إذَا وَقَعَا بَعْدَ نَكِرَةٍ مَحْضَةٍ كَانَا صِفَتَيْنِ نَحْوُ: رَأَيْت طَائِرًا فَوْقَ غُصْنٍ أَوْ عَلَى غُصْنٍ وَإِذَا وَقَعَا بَعْدَ مَعْرِفَةٍ مَحْضَةٍ كَانَا حَالَيْنِ نَحْوُ: رَأَيْت الْهِلَالَ بَيْنَ السَّحَابِ أَوْ فِي الْأُفُقِ وَمُحْتَمِلَانِ فِي نَحْوِ يُعْجِبُنِي الزَّهْرُ فِي أَكْمَامِهِ، وَالثَّمَرُ عَلَى أَغْصَانِهِ لِأَنَّ الْمُعَرَّفَ الْجِنْسِيَّ كَالنَّكِرَةِ، وَفِي نَحْوِ: هَذَا ثَمَرٌ يَانِعٌ عَلَى أَغْصَانِهِ لِأَنَّ النَّكِرَةَ الْمَوْصُوفَةَ كَالْمَعْرِفَةِ اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ التَّعْرِيفَ بِالْإِضَافَةِ هُنَا كَالتَّعْرِيفِ الْجِنْسِيِّ فَيَجُوزُ إعْرَابُهُ صِفَةً وَحَالًا وَقَوْلُهُ: يَتَعَلَّقُ بِالْأُمِّ لَا مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ لَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ الظَّرْفَ، وَالْمَجْرُورَ يَجِبُ تَعَلُّقُهُمَا بِمَحْذُوفٍ فِي ثَمَانِيَةِ مَوَاضِعَ مِنْهَا وُقُوعُهُمَا حَالًا أَوْ صِفَةً كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي مِنْ الْبَابِ الثَّالِثِ، وَالتَّقْدِيرُ هُنَا إلَّا أُمَّ أُخْتِهِ كَائِنَةً مِنْ الرَّضَاعِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّا قَدَّمْنَا أَنَّ أُمَّ الْعَمِّ وَأُمَّ الْخَالِ لَا تَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ، فَقَالَ الشَّارِحُ وَمِنْ الْعَجَبِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ أَنَّ أُمَّ الْعَمِّ مِنْ الرَّضَاعِ لَا تَحْرُمُ وَكَذَا أُمُّ الْخَالِ وَهَذَا لَا يَصِحُّ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ مُعْتَبَرٌ بِالنَّسَبِ، وَالْمَعْنَى الَّذِي أَوْجَبَ الْحُرْمَةَ فِي النَّسَبِ مَوْجُودٌ فِي الرَّضَاعِ فَكَيْفَ يَصِحُّ هَذَا بَيَانُهُ أَنَّهَا لَا تَخْلُو إمَّا أَنْ تَكُونَ جَدَّتَهُ مِنْ الرَّضَاعِ أَوْ مَوْطُوءَةَ جَدِّهِ وَكِلَاهُمَا يُوجِبُ الْحُرْمَةَ فَلَا يَسْتَقِيمُ إلَّا إذَا أُرِيدَ بِالْعَمِّ مِنْ الرَّضَاعِ مَنْ رَضَعَ مَعَ أَبِيهِ وَبِالْخَالِ مَنْ رَضَعَ مَعَ أُمِّهِ فَحِينَئِذٍ يَسْتَقِيمُ اهـ. وَرَدَّهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِقَوْلِهِ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ بِمَنْعِ الْحَصْرِ لِجَوَازِ كَوْنِهَا لَمْ تُرْضِعْ أَبَاهُ وَلَا أُمَّهُ فَلَا تَكُونُ جَدَّتَهُ مِنْ الرَّضَاعِ وَلَا مَوْطُوءَةَ جَدِّهِ بَلْ أَجْنَبِيَّةً أَرْضَعَتْ عَمَّهُ مِنْ النَّسَبِ وَخَالَهُ اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الشَّارِحَ فَهِمَ أَنَّ الْجَارَّ، وَالْمَجْرُورَ أَعْنِي قَوْلَهُ مِنْ الرَّضَاعِ مُتَّصِلٌ بِالْمُضَافِ إلَيْهِ فَقَطْ وَحِينَئِذٍ يَحْرُمُ التَّزَوُّجُ وَصُورَتُهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ عَمٌّ وَخَالٌ رَضَاعًا وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا أُمُّ نَسَبٍ فَحِينَئِذٍ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّزَوُّجُ بِهَا   [منحة الخالق] [الْمُحْرِمَات بِسَبَبِ الرَّضَاعِ] (قَوْلُهُ: وَلَا يَتَأَتَّى هُنَا بِاعْتِبَارِ الْمَرْأَةِ) كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَفْرِضَ بَدَلَهُ ابْنَ خَالَةِ وَلَدِهَا حَتَّى لَا يُنْتَقَصَ الْعَدَدُ كَمَا فَرَضَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ أَعْنِي عَمَّ وَلَدِهَا حَيْثُ فَرَضَ بَدَلَهُ خَالَ وَلَدِهَا (قَوْلُهُ: وَقَوْلُهُ: يَتَعَلَّقُ بِالْأُمِّ. . إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: هَذَا وَهْمٌ لِلْقَطْعِ بِأَنَّهُ أَرَادَ بِالتَّعَلُّقِ فِي قَوْلِهِ فَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْأُمِّ التَّعَلُّقَ الْمَعْنَوِيَّ وَهُوَ كَوْنُهُ وَصْفًا لَهُ لِمَا اسْتَقَرَّ مِنْ أَنَّ الْحَالَ قَيْدٌ فِي عَامِلِهَا وَصْفٌ لِصَاحِبِهَا وَهَذَا هُوَ الْمَنْفِيُّ يَعْنِي لَا مُتَعَلِّقًا بِمَحْذُوفٍ هُوَ صَاحِبُ الْحَالِ، وَالتَّقْدِيرُ إلَّا أُمَّ أَخِيهِ فَإِنَّهَا لَا تُحَرَّمُ مِنْ الرَّضَاعِ فَيَكُونُ صَاحِبُ الْحَالِ هُوَ الضَّمِيرُ فِي يُحَرَّمُ إذْ لَا مُحْوِجَ إلَيْهِ وَهَذَا مِمَّا يَجِبُ أَنْ يُفْهَمَ فِي هَذَا الْمَقَامِ وَكَيْفَ يُنْسَبُ إلَى مِثْلِ هَذَا الْإِمَامِ أَنَّهُ قَدْ خَفَى عَلَيْهِ مِثْلُ هَذَا الْكَلَامِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 241 لِأَنَّهَا كَمَا قَالَ إمَّا جَدَّتُهُ رَضَاعًا أَوْ مَوْطُوءَةُ جَدِّهِ وَغَفَلَ الشَّارِحُ عَنْ الْوَجْهَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ اللَّذَيْنِ هُمَا مُرَادُ صَاحِبِ الْغَايَةِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مُتَّصِلٌ بِالْمُضَافِ فَقَطْ أَعْنِي الْأُمَّ بِأَنْ كَانَ لَهُ عَمٌّ وَخَالٌ نَسَبًا فَأَرْضَعَتْهُمَا أَجْنَبِيَّةٌ فَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِهَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ جَدَّتُهُ وَلَا مَوْطُوءَةُ جَدِّهِ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَغَفَلَ عَنْ الْوَجْهِ الْآخَرِ وَهُوَ أَنْ يَتَّصِلَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا بِأَنْ كَانَ لَهُ عَمٌّ وَخَالٌ رَضَاعًا وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا أُمٌّ رَضَاعًا فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ لَهُ التَّزَوُّجُ بِهَا لِمَا قُلْنَاهُ وَهَاهُنَا وَجْهٌ رَابِعٌ وَهُوَ أَنْ يُرَادَ بِالْعَمِّ مِنْ الرَّضَاعِ مَنْ رَضَعَ مَعَ أَبِيهِ رَضَاعًا وَبِالْخَالِ مَنْ رَضَعَ مَعَ أُمِّهِ رَضَاعًا وَلَا شَكَّ فِي حِلِّ أُمِّهِمَا لِمَا قُلْنَاهُ وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِ الْأَبِ بِإِرْضَاعٍ وَكَذَا الْأُمُّ وَإِلَّا لَا تَحِلُّ أُمُّهُمَا وَمِنْ الْعَجَبِ أَنَّ الشَّارِحَ حَمَلَ كَلَامَ الْغَايَةِ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ وَأَخَلَّ بِهَذَا الْقَيْدِ وَيَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ أُرِيدَ بِالْعَمِّ مِنْ الرَّضَاعِ مَنْ رَضَعَ مَعَ أَبِيهِ نَسَبًا وَبِالْخَالِ مَنْ رَضَعَ مَعَ أُمِّهِ نَسَبًا لَمْ يَسْتَقِمْ فَإِنْ قُلْت قَدْ قَرَّرَتْ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ اتِّصَالُهُ بِالْمُضَافِ إلَيْهِ فَقَطْ فَيَلْزَمُ بُطْلَانُ قَوْلِ شَارِحِ الْوِقَايَةِ وَلَا تَنْسَ الصُّوَرَ الثَّلَاثَ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا وَعَدَمُ صِحَّةِ تَقْسِيمِ ابْنِ وَهْبَانَ إلَى نَيِّفٍ وَسِتِّينَ لِإِسْقَاطِ هَذِهِ الصُّورَةِ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ قُلْت لَمْ يَلْزَمَا لِأَنَّهُ يَصِحُّ اتِّصَالُهُ بِالْمُضَافِ إلَيْهِ فَقَطْ عَلَى الْوَجْهِ الرَّابِعِ لَا عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ فَلِاتِّصَالِهِ بِالْمُضَافِ إلَيْهِ فَقَطْ صُورَتَانِ فِي صُورَةٍ لَا تَحِلُّ الْأُمُّ، وَفِي صُورَةٍ تَحِلُّ فَيُحْمَلُ كَلَامُهُمْ عَلَى الصُّورَةِ الَّتِي تَحِلُّ تَصْحِيحًا وَتَوْفِيقًا وَهَذَا الْبَيَانُ مِنْ خَوَاصِّ هَذَا الْكِتَابِ لَمْ أُسْبَقْ إلَيْهِ بِحَوْلِ اللَّهِ وَقُوَّتِهِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: ثُمَّ قَالَتْ طَائِفَةٌ هَذَا الْإِخْرَاجُ تَخْصِيصٌ لِلْحَدِيثِ أَعْنِي «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» بِدَلِيلِ الْعَقْلِ، وَالْمُحَقِّقُونَ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ تَخْصِيصًا لِأَنَّهُ أَحَالَ مَا يَحْرُمُ بِالرَّضَاعِ عَلَى مَا يَحْرُمُ بِالنَّسَبِ وَمَا يَحْرُمُ بِالنَّسَبِ هُوَ مَا تَعَلَّقَ بِهِ خِطَابُ تَحْرِيمِهِ وَقَدْ تَعَلَّقَ بِمَا عَبَّرَ عَنْهُ بِلَفْظِ الْأُمَّهَاتِ، وَالْبَنَاتِ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ فَمَا كَانَ مِنْ مُسَمَّى هَذِهِ الْأَلْفَاظِ مُتَحَقِّقًا مِنْ الرَّضَاعِ حَرُمَ فِيهِ، وَالْمَذْكُورَاتُ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْهَا مِنْ مُسَمَّى تِلْكَ فَكَيْفَ تَكُونُ مُخَصَّصَةً وَهِيَ غَيْرُ مُتَنَاوَلَةٍ وَلِذَا إذَا خَلَا تَنَاوَلَ الِاسْمُ فِي النَّسَبِ جَازَ النِّكَاحُ كَمَا إذَا ثَبَتَ النَّسَبُ مِنْ اثْنَيْنِ وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا بِنْتٌ جَازَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَنْ يَتَزَوَّجَ بِنْتَ الْآخَرِ، وَإِنْ كَانَتْ أُخْتَ وَلَدِهِ مِنْ النَّسَبِ وَأَنْتَ إذَا حَقَّقَتْ مَنَاطَ الْإِخْرَاجِ أَمْكَنَك تَسْمِيَةُ صُوَرٍ أُخْرَى، وَالِاسْتِثْنَاءُ فِي عِبَارَةِ الْكِتَابِ عَلَى هَذَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُنْقَطِعًا أَعْنِي قَوْلَهُ يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ إلَّا أُمَّ أُخْتِهِ إلَى آخِرِهِ اهـ. وَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا ذَكَرَهُ الْبَيْضَاوِيُّ بِقَوْلِهِ: وَاسْتِثْنَاءُ أُخْتِ ابْنِ الرَّجُلِ وَأُمِّ أَخِيهِ مِنْ الرَّضَاعِ مِنْ هَذَا الْأَصْلِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّ حُرْمَتَهَا فِي النَّسَبِ بِالْمُصَاهَرَةِ دُونَ النَّسَبِ اهـ. لِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْمُنْقَطِعِ صَحِيحٌ إلَّا أَنْ يُرِيدَ الِاسْتِثْنَاءَ الْمُتَّصِلَ. (قَوْلُهُ: زَوْجُ مُرْضِعَةٍ لَبَنُهَا مِنْهُ أَبٌ لِلرَّضِيعِ وَابْنُهُ أَخٌ وَبِنْتُهُ أُخْتٌ وَأَخُوهُ عَمٌّ وَأُخْتُهُ عَمَّةٌ) بَيَانٌ لِأَنَّ لَبَنَ الْفَحْلِ يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّحْرِيمُ لِعُمُومِ الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ وَإِذَا ثَبَتَ كَوْنُهُ أَبًا لَهُ لَا يَحِلُّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا مَوْطُوءَةُ الْآخَرِ، وَالْمُرَادُ بِهِ اللَّبَنُ الَّذِي نَزَلَ مِنْ الْمَرْأَةِ بِسَبَبِ وِلَادَتِهَا مِنْ رَجُلٍ زَوْجٍ أَوْ سَيِّدٍ فَلَيْسَ الزَّوْجُ قَيْدًا فِي كَلَامِهِ قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ: وَإِنَّمَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ وَإِذَا ثَبَتَتْ هَذِهِ الْحُرْمَةُ مِنْ زَوْجِ الْمُرْضِعَةِ فَمِنْهَا أَوْلَى فَلَا تَتَزَوَّجُ الصَّغِيرَةُ أَبَا الْمُرْضِعَةِ لِأَنَّهُ جَدُّهَا لِأُمِّهَا وَلَا أَخَاهَا لِأَنَّهُ خَالُهَا وَلَا عَمَّهَا لِأَنَّهَا بِنْتُ بِنْتِ أَخِيهِ وَلَا خَالَهَا لِأَنَّهَا بِنْتُ بِنْتِ أُخْتِهِ وَلَا أَبْنَاءَهَا، وَإِنْ كَانُوا مِنْ غَيْرِ صَاحِبِ اللَّبَنِ لِأَنَّهُمْ إخْوَتُهَا لِأُمِّهَا وَلَوْ كَانَ لِرَجُلٍ زَوْجَتَانِ أَرْضَعَتْ كُلٌّ مِنْهُمَا بِنْتًا لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُمَا أُخْتَانِ رَضَاعًا مِنْ الْأَبِ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ لَبَنُهَا مِنْهُ لِأَنَّ لَبَنَهَا لَوْ كَانَ مِنْ غَيْرِهِ بِأَنْ تَزَوَّجَتْ بِرَجُلٍ وَهِيَ ذَاتُ لَبَنٍ لِآخَرَ قَبْلَهُ فَأَرْضَعَتْ صَبِيَّةً فَإِنَّهَا رَبِيبَةٌ لِلثَّانِي بِنْتٌ لِلْأَوَّلِ فَيَحِلُّ تَزَوُّجُهَا بِأَبْنَاءِ الثَّانِي وَلَوْ كَانَ الرَّضِيعُ صَبِيًّا حَلَّ لَهُ التَّزَوُّجُ بِبَنَاتِهِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا كَمَا قَالَ إمَّا جَدَّتُهُ رَضَاعًا أَوْ مَوْطُوءَةُ جَدِّهِ) أَقُولُ: لَا يَخْفَى أَنَّ الْمُرْضِعَةَ إنْ كَانَتْ أُمَّ الْعَمِّ أَوْ الْخَالِ فَعَدَمُ جَوَازِ التَّزَوُّجِ بِالْأُمِّ النَّسَبِيَّةِ وَهِيَ الْمُرْضِعَةُ هُنَا لِكَوْنِهَا جَدَّتَهُ رَضَاعًا وَمَوْطُوءَةَ جَدِّهِ أَيْ جَدِّهِ مِنْ الرَّضَاعِ، وَإِنْ كَانَتْ الْمُرْضِعَةُ أَجْنَبِيَّةً فَالْأُمُّ النَّسَبِيَّةُ لَيْسَتْ جَدَّتَهُ مِنْ الرَّضَاعِ وَلَا مَوْطُوءَةَ جَدِّهِ وَعَلَى كُلٍّ فَالتَّرْدِيدُ غَيْرُ ظَاهِرٍ (قَوْلُهُ: فَإِنَّ حُرْمَتَهُمَا فِي النَّسَبِ بِالْمُصَاهَرَةِ دُونَ النَّسَبِ) فِي إطْلَاقِهِ نَظَرٌ لِأَنَّ أُخْتَ ابْنِ الرَّجُلِ إنَّمَا تَكُونُ حُرْمَتُهَا بِالْمُصَاهَرَةِ إذَا كَانَتْ أُخْتًا لِأُمٍّ فَتَكُونُ رَبِيبَتَهُ بِخِلَافِهَا شَقِيقَةً أَوْ لِأَبٍ وَأُمُّ أَخِيهِ إنَّمَا تَكُونُ حُرْمَتُهَا بِالْمُصَاهَرَةِ إذَا كَانَ الْأَخُ أَخًا لِأَبٍ فَإِنَّ أُمَّهُ حِينَئِذٍ امْرَأَةُ الْأَبِ بِخِلَافِ الْأَخِ الشَّقِيقِ أَوْ لِأُمٍّ فَإِنَّ حُرْمَةَ أُمِّهِ بِالنَّسَبِ لِأَنَّهَا أُمٌّ قَالَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 242 مِنْ غَيْرِ الْمُرْضِعَةِ هَذَا مَا لَمْ تَلِدْ مِنْ الثَّانِي فَإِذَا وَلَدَتْ مِنْ الثَّانِي انْقَطَعَ لَبَنُ الْأَوَّلِ وَصَارَ لِلثَّانِي فَإِذَا أَرْضَعَتْ بِهِ صَبِيًّا كَانَ وَلَدًا لِلثَّانِي اتِّفَاقًا وَإِذَا حَبَلَتْ مِنْ الثَّانِي وَلَمْ تَلِدْ فَهُوَ وَلَدٌ لِلْأَوَّلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَيَّدْنَا بِكَوْنِهِ نَزَلَ بِسَبَبِ وِلَادَتِهَا مِنْهُ لِأَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَلَمْ تَلِدْ مِنْهُ قَطُّ وَنَزَلَ لَهَا لَبَنٌ وَأَرْضَعَتْ بِهِ وَلَدًا لَا يَكُونُ الزَّوْجُ أَبًا لِلْوَلَدِ لِأَنَّهُ لَيْسَ ابْنُهُ لِأَنَّ نِسْبَتَهُ إلَيْهِ بِسَبَبِ الْوِلَادَةِ مِنْهُ فَإِذَا انْتَفَتْ انْتَفَتْ النِّسْبَةُ فَكَانَ كَلَبَنِ الْبِكْرِ وَلِهَذَا لَوْ وَلَدَتْ لِلزَّوْجِ فَنَزَلَ لَهَا لَبَنٌ فَأَرْضَعَتْ بِهِ ثُمَّ جَفَّ لَبَنُهَا ثُمَّ دَرَّ فَأَرْضَعَتْ صَبِيَّةً فَإِنَّ لِابْنِ زَوْجِ الْمُرْضِعَةِ التَّزَوُّجَ بِهَذِهِ الصَّبِيَّةِ وَلَوْ كَانَ صَبِيًّا كَانَ لَهُ التَّزَوُّجُ بِأَوْلَادِ هَذَا الرَّجُلِ مِنْ غَيْرِ الْمُرْضِعَةِ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَأَشَارَ بِذِكْرِ الزَّوْجِ إلَى أَنَّ لَبَنَ الزِّنَا لَيْسَ كَالْحَلَالِ حَتَّى لَوْ وَلَدَتْ مِنْ الزِّنَا وَأَرْضَعَتْ بِهِ صَبِيَّةً يَجُوزُ لِأُصُولِ الزَّانِي وَفُرُوعِهِ التَّزَوُّجُ بِهَا وَلَا تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ إلَّا مِنْ جَانِبِ الْأُمِّ ذَكَرَهُ الْقَاضِي الْإِسْبِيجَابِيُّ وَاخْتَارَهُ الْوَبَرِيُّ وَصَاحِبُ الْيَنَابِيعِ، وَفِي الْمُحِيطِ خِلَافُهُ، وَفِي الْخَانِيَّةِ، وَالذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهِمَا وَهُوَ الْأَحْوَطُ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَمَدَ، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ مِنْ الزِّنَا لِلْبَعْضِيَّةِ وَذَلِكَ فِي الْوَلَدِ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ مَخْلُوقٌ مِنْ مَائِهِ دُونَ اللَّبَنِ إذْ لَيْسَ اللَّبَنُ كَائِنًا مِنْ مَنِيِّهِ لِأَنَّهُ فَرْعُ التَّغَذِّي وَهُوَ لَا يَقَعُ إلَّا بِمَا يَدْخُلُ مِنْ أَعْلَى الْمَعِدَةِ لَا مِنْ أَسْفَلِ الْبَدَنِ كَالْحُقْنَةِ فَلَا إنْبَاتَ فَلَا حُرْمَةَ بِخِلَافِ ثَابِتِ النَّسَبِ لِلنَّصِّ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا مَحَلَّ الْخِلَافِ بِأُصُولِ الزَّانِي وَفُرُوعِهِ لِأَنَّهَا لَا تَحِلُّ لِلزَّانِي اتِّفَاقًا لِأَنَّهَا بِنْتُ الْمَزْنِيِّ بِهَا وَقَدَّمْنَا أَنَّ فُرُوعَ الْمَزْنِيِّ بِهَا مِنْ الرَّضَاعِ حَرَامٌ عَلَى الزَّانِي وَلِذَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ بَعْدَمَا ذَكَرَ حُرْمَتَهَا عَلَى الزَّانِي: وَكَذَا لَوْ لَمْ تَحْبَلْ مِنْ الزِّنَا وَأَرْضَعَتْ لَا بِلَبَنِ الزِّنَا فَإِنَّهَا تَحْرُمُ عَلَى الزَّانِي كَمَا تَحْرُمُ بِنْتُهَا مِنْ النَّسَبِ عَلَيْهِ اهـ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ هَذِهِ الصَّبِيَّةَ لَا تَحْرُمُ عَلَى عَمِّ الزَّانِي وَخَالِهِ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهَا مِنْ الزَّانِي حَتَّى يَظْهَرَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَأَشَارَ بِذِكْرِ الزَّوْجِ) قَدْ قَدَّمَ أَنَّ ذِكْرَ الزَّوْجِ لَيْسَ قَيْدًا فَلَا يُفِيدُ مَا ذُكِرَ فَالْأَوْلَى التَّنْبِيهُ عَلَى مَسْأَلَةٍ مُسْتَأْنَفَةٍ (قَوْلُهُ: وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ) أَيْ دِرَايَةً لَا رِوَايَةً كَمَا تُوهِمُهُ عِبَارَةُ صَاحِبِ الْبَحْرِ مِنْ إطْلَاقِهِ كَلَامَ الْكَمَالِ الْأَوْجَهِيَّةَ وَقَيَّدَ أُسْتَاذُنَا بِمَا قُلْنَاهُ فِي هَامِشِ نُسْخَتِهِ مِنْ فَتْحِ الْقَدِيرِ وَعَلَّلَهُ بِمَا يَأْتِي آخِرَ كَلَامِ الْكَمَالِ كَذَا فِي الشرنبلالية، وَقَدْ وَقَعَ التَّقْيِيدُ بِمَا ذُكِرَ فِي شَرْحِ الْمَقْدِسِيَّ أَيْضًا، وَفِيهِ نَظَرٌ يَظْهَرُ لِمَنْ أَمْعَنَ النَّظَرَ فِي كَلَامِ الْفَتْحِ كَمَا نُشِيرُ إلَيْهِ قَرِيبًا (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا لَا تَحِلُّ لِلزَّانِي اتِّفَاقًا) فِي دَعْوَى الِاتِّفَاقِ نَظَرٌ فَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ أَنَّ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ وَنَصُّهُ: لَوْ زَنَى رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ فَوَلَدَتْ وَأَرْضَعَتْ صَبِيَّةً جَازَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا كَمَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَكِنْ فِي الْخُلَاصَةِ أَنَّهُ لَمْ يَجُزْ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ اهـ. وَفِي الْجَوْهَرَةِ لَوْ زَنَى رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ فَوَلَدَتْ مِنْهُ وَأَرْضَعَتْ صَبِيَّةً بِلَبَنِهِ تَحْرُمُ عَلَيْهِ هَذِهِ الصَّبِيَّةُ وَعَلَى أُصُولِهِ وَفُرُوعِهِ وَذَكَرَ الْخُجَنْدِيُّ خِلَافَ هَذَا فَقَالَ: الْمَرْأَةُ إذَا وَلَدَتْ مِنْ الزِّنَا فَنَزَلَ لَهَا لَبَنٌ أَوْ نَزَلَ لَهَا لَبَنٌ مِنْ غَيْرِ وِلَادَةٍ فَأَرْضَعَتْ بِهِ صَبِيًّا فَإِنَّ الرَّضَاعَ يَكُونُ مِنْهَا خَاصَّةً لَا مِنْ الزَّانِي وَكُلُّ مَنْ لَمْ يَثْبُتْ مِنْهُ النَّسَبُ لَا يَثْبُتُ مِنْهُ الرَّضَاعُ اهـ. بَلْ كَلَامُ الْوَبَرِيِّ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ وَهُوَ الَّذِي قَالَ فِي الْفَتْحِ: إنَّهُ الْأَوْجَهُ كَمَا تَقَدَّمَ وَعِبَارَةُ الْفَتْحِ هَكَذَا وَذَكَرَ الْوَبَرِيُّ أَنَّ الْحُرْمَةَ تَثْبُتُ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ خَاصَّةً مَا لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ فَحِينَئِذٍ يَثْبُتُ مِنْ الْأَبِ وَكَذَا ذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَصَاحِبُ الْيَنَابِيعِ وَهُوَ أَوْجَهُ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ مِنْ الزِّنَا إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْحُرْمَةَ لَا تَثْبُتُ مِنْ جِهَةِ الزَّانِي لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ مِنْهُ، وَلِهَذَا قَالَ فِي الْفَتْحِ رَادًّا عَلَى كَلَامِ الْخُلَاصَةِ الْآتِي وَإِذَا تَرَجَّحَ عَدَمُ حُرْمَةِ الرَّضِيعَةِ بِلَبَنِ الزَّانِي عَلَى الزَّانِي كَمَا ذَكَرْنَا فَعَدَمُ حُرْمَتِهَا عَلَى مَنْ لَيْسَ اللَّبَنُ مِنْهُ أَوْلَى اهـ. فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ كَلَامَ الْوَبَرِيِّ وَغَيْرِهِ فِي عَدَمِ ثُبُوتِ الْحُرْمَةِ عَلَى الزَّانِي نَفْسِهِ فَيَلْزَمُ مِنْهُ بِالْأَوْلَى عَدَمُ ثُبُوتِ الْحُرْمَةِ عَلَى أُصُولِهِ وَفُرُوعِهِ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَيْنِ وَظَهَرَ الْوَجْهُ لِإِحْدَاهُمَا لَا يُعْدَلُ عَنْهَا لِمَا قَالَ فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي مِنْ أَنَّهُ لَا يَعْدِلُ عَنْ الدِّرَايَةِ إذَا وَافَقَتْهَا رِوَايَةٌ وَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الشُّرُنْبُلَالِيُّ وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّ كَلَامَ الْفَتْحِ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ الْأَوْجَهُ دِرَايَةً لَا رِوَايَةً فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ لِثُبُوتِ كُلٍّ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ وَظُهُورِ الْوَجْهِ لِإِحْدَاهُمَا وَكَأَنَّهُمْ تَوَهَّمُوا مِنْ قَوْلِ الْفَتْحِ وَلِأَنَّهُ خِلَافُ الْمَسْطُورِ فِي الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ أَنَّهُ رَاجِعٌ إلَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّهُ الْأَوْجَهُ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ رَاجِعٌ إلَى مَا نَقَلَهُ عَنْ الْخُلَاصَةِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ (قَوْلُهُ: وَلِذَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ. . . إلَخْ) أَقُولُ: مَا قَالَهُ فِي الْخُلَاصَةِ رَدَّهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي تَحْرِيمَ بِنْتِ الْمُرْضِعَةِ بِلَبَنِ غَيْرِ الزَّوْجِ عَلَى الزَّوْجِ بِطَرِيقٍ أَوْلَى اهـ. يَعْنِي: أَنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ فِي الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ اللَّبَنُ لِغَيْرِ الزَّوْجِ لَا تَحْرُمُ الرَّضِيعَةُ عَلَى الزَّوْجِ وَقَوْلُ الْخُلَاصَةِ لَوْ أَرْضَعَتْ لَا بِلَبَنِ الزِّنَا تَحْرُمُ عَلَى الزَّانِي يَقْتَضِي خِلَافَ الْمَسْطُورِ فِي الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ فَهُوَ مَرْدُودٌ (قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ. . . إلَخْ) أَيْ كَمَا يُسْتَفَادُ مِنْ التَّقْيِيدِ السَّابِقِ بِأُصُولِ الزَّانِي وَفُرُوعِهِ وَمِنْ التَّعْلِيلِ لِلْحُرْمَةِ بِالْبَعْضِيَّةِ، وَفِي الْفَتْحِ عَنْ التَّجْنِيسِ لَا يَجُوزُ لِلزَّانِي أَنْ يَتَزَوَّجَ بِالصَّبِيَّةِ الْمُرْضَعَةِ وَلَا لِأَبِيهِ وَأَجْدَادِهِ وَلَا لِأَحَدٍ مِنْ أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِهِمْ وَلِعَمِّ الزَّانِي أَنْ يَتَزَوَّجَ بِهَا كَمَا يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِالصَّبِيَّةِ الَّتِي وَلَدَتْ مِنْ الزَّانِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 243 فِيهَا حُكْمُ الْقَرَابَةِ، وَالتَّحْرِيمِ عَلَى آبَاءِ الزَّانِي وَأَوْلَادِهِ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِهِ لِاعْتِبَارِ الْجُزْئِيَّةِ، وَالْبَعْضِيَّةِ وَلَا جُزْئِيَّةَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعَمِّ، وَالْخَالِ فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فِي حَقِّ الْمُتَوَلِّدَةِ مِنْ الزِّنَا فَكَذَلِكَ فِي حَقِّ الْمِرْضَعَةِ بِلَبَنِ الزِّنَا فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ لَبَنَ الْفَحْلِ الزَّانِي لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّحْرِيمُ وَظَاهِرُ مَا فِي الْمِعْرَاجِ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ ثُبُوتُهُ قَالَ: وَتَثْبُتُ الْحُرْمَةُ مِنْ اللَّبَنِ النَّازِلِ بِالزِّنَا وَوَلَدُ الْمُلَاعَنَةِ فِي حَقِّ الْفَحْلِ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَشْهُورِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ: لَا يَثْبُتُ فِي الزِّنَا، وَالْمَنْفِيَّةُ بِاللِّعَانِ وَهَكَذَا ذَكَرَ الْوَبَرِيُّ والإسبيجابي وَصَاحِبُ الْيَنَابِيعِ وَتَثْبُتُ فِي حَقِّ الْأُمِّ بِالْإِجْمَاعِ اهـ. وَظَاهِرُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ فَإِنَّهُ قَالَ: رَجُلٌ زَنَى بِامْرَأَةٍ فَوَلَدَتْ مِنْهُ فَأَرْضَعَتْ بِهَذَا اللَّبَنِ صَغِيرَةً لَا يَجُوزُ لَهَا الزَّانِي وَلَا لِأَحَدٍ مِنْ آبَائِهِ وَأَوْلَادِهِ نِكَاحُ هَذِهِ الصَّبِيَّةِ وَذَكَر فِي الدَّعْوَى رَجُلٌ قَالَ لِمَمْلُوكٍ: هَذَا ابْنِي مِنْ الزِّنَا ثُمَّ اشْتَرَاهُ مَعَ أُمِّهِ عَتَقَ الْمَمْلُوكُ وَلَا تَصِيرُ الْجَارِيَةُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ اهـ. وَإِنَّمَا تَمَسَّك بِمَسْأَلَةِ الدَّعْوَى لِأَنَّهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الزِّنَا كَالْحَلَالِ فِي ثُبُوتِ الْبُنُوَّةِ وَإِلَّا كَانَ لَغْوًا، وَإِنْ وَطِئَ امْرَأَةً بِشُبْهَةٍ فَحَبَلَتْ مِنْهُ فَأَرْضَعَتْ صَبِيًّا فَهُوَ ابْنُ الْوَاطِئِ مِنْ الرَّضَاعِ وَعَلَى هَذَا كُلُّ مَنْ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ الْوَاطِئِ يَثْبُتُ مِنْ الرَّضَاعِ وَمَنْ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ لَا يَثْبُتُ مِنْهُ الرَّضَاعُ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ فَالْمُرَادُ بِلَبَنِ الْفَحْلِ عَلَى قَوْلِ مَنْ جَعَلَ الزِّنَا كَالْحَلَالِ لَبَنٌ حَدَثَ مِنْ حَمْلِ رَجُلٍ وَعَلَى قَوْلِ مَنْ فَرَّقَ يُقَالُ لَا مِنْ زِنًا (قَوْلُهُ: وَتَحِلُّ أُخْتُ أَخِيهِ رَضَاعًا) يَصِحُّ اتِّصَالُهُ بِكُلٍّ مِنْ الْمُضَافِ، وَالْمُضَافِ إلَيْهِ وَبِهِمَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي نَظَائِرِهِ فَالْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَخٌ مِنْ النَّسَبِ وَلِهَذَا الْأَخِ أُخْتٌ رَضَاعِيَّةٌ، وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ لَهُ أَخٌ مِنْ الرَّضَاعِ لَهُ أُخْتٌ نَسَبِيَّةٌ، وَالثَّالِثُ ظَاهِرٌ. (قَوْلُهُ: وَنَسَبًا) أَيْ تَحِلُّ أُخْتُ أَخِيهِ نَسَبًا بِأَنْ يَكُونَ لَهُ أَخٌ مِنْ أَبٍ لَهُ أُخْتٌ مِنْ أُمِّهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ التَّزَوُّجُ بِهَا فَقَوْلُهُ: نَسَبًا مُتَّصِلٌ بِالْمُضَافِ، وَالْمُضَافِ إلَيْهِ وَلَا يَتَّصِلُ بِأَحَدِهِمَا فَقَطْ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ دَاخِلٌ فِي الِاحْتِمَالَاتِ الثَّلَاثِ فِيمَا قَبْلَهَا. (قَوْلُهُ: وَلَا حِلَّ بَيْنَ رَضِيعَيْ ثَدْيٍ) أَيْ بَيْنَ مَنْ اجْتَمَعَا عَلَى الِارْتِضَاعِ مِنْ ثَدْيِ وَاحِدٍ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ لِأَنَّهُمَا أَخَوَانِ مِنْ الرَّضَاعِ فَإِنْ كَانَ اللَّبَنُ مِنْ زَوْجَيْنِ فَهُمَا أَخَوَانِ لِأُمٍّ أَوْ أُخْتَانِ لِأُمٍّ، وَإِنْ كَانَ لِرَجُلٍ فَأَخَوَانِ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ أُخْتَانِ لَهُمَا وَلَوْ كَانَ تَحْتَ رَجُلٍ امْرَأَتَانِ فَأَرْضَعَتْ كُلٌّ مِنْهُمَا صَبِيَّةً فَهُمَا أُخْتَانِ لِأَبٍ رَضَاعًا كَذَا فِي الْفَتَاوَى الْبَزَّازِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَبَيْنَ مُرْضَعَةٍ وَوَلَدِ مُرْضِعَتِهَا وَوَلَدِ وَلَدِهَا) ، وَالْمُرْضَعَةُ الْأُولَى بِفَتْحِ الضَّادِ اسْمُ مَفْعُولٍ، وَالثَّانِيَةُ بِكَسْرِهَا أَيْ لَا حِلَّ بَيْنَ الصَّغِيرَةِ الْمُرْضَعَةِ، وَوَلَدِ الْمَرْأَةِ الَّتِي أَرْضَعَتْهُمَا لِأَنَّهُمَا أَخَوَانِ مِنْ الرَّضَاعِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ وَلَدِ الَّتِي أَرْضَعَتْ رَضِيعًا مَعَ الْمُرْضَعَةِ أَوْ كَانَ سَابِقًا لِسِنٍّ بِسِنِينَ كَثِيرَةٍ أَوْ مَسْبُوقًا بِارْتِضَاعِهَا بِأَنْ وُلِدَ بَعْدَهُ بِسِنِينَ وَكَذَا لَا يَتَزَوَّجُ أُخْتَ الْمُرْضَعَةِ لِأَنَّهَا خَالَتُهُ وَلَا وَلَدَ وَلَدِهَا لِأَنَّهُ وَلَدُ الْأَخِ، وَفِي آخِرِ الْمَبْسُوطِ: وَلَوْ كَانَتْ أُمُّ الْبَنَاتِ أَرْضَعَتْ إحْدَى الْبَنِينَ وَأُمُّ الْبَنِينَ أَرْضَعَتْ إحْدَى الْبَنَاتِ لَمْ يَكُنْ لِلِابْنِ الْمُرْتَضَعِ مِنْ أُمِّ الْبَنَاتِ أَنْ يَتَزَوَّجَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ وَكَانَ لِإِخْوَتِهِ أَنْ يَتَزَوَّجُوا بَنَاتِ الْأُخْرَى إلَّا الِابْنَةَ الَّتِي أَرْضَعَتْهَا أُمُّهُمْ وَحْدَهَا لِأَنَّهَا أُخْتُهُمْ مِنْ الرَّضَاعَةِ وَإِنَّمَا لَمْ يَكْتَفِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَلَا حِلَّ بَيْنَ رَضِيعَيْ ثَدْيٍ عَمَّا بَعْدَهُ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يُوهِمُ أَنَّ   [منحة الخالق] لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهَا مِنْ الزَّانِي حَتَّى يَظْهَرَ فِيهَا حُكْمُ الْقَرَابَةِ، وَالتَّحْرِيمُ عَلَى آبَاءِ الزَّانِي وَأَوْلَادِهِ لِاعْتِبَارِ الْجُزْئِيَّةِ، وَالْبَعْضِيَّةِ وَلَا جُزْئِيَّةَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعَمِّ وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فِي حَقِّ الْمُتَوَلِّدَةِ مِنْ الزِّنَا فَكَذَا فِي حَقِّ الْمُرْضَعَةِ بِلَبَنِ الزِّنَا اهـ. قُلْت وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا نَقَلَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي فَصْلِ الْمُحَرَّمَاتِ مِنْ أَنَّهُ تَحْرُمُ عَلَيْهِ أُخْتُهُ مِنْ الزِّنَا وَبِنْتُ أَخِيهِ وَبِنْتُ أُخْتِهِ وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ فِيهِ فَلْيُرَاجَعْ. (قَوْلُهُ: إنَّ لَبَنَ الْفَحْلِ الزَّانِي لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّحْرِيمُ) أَيْ عَلَى أُصُولِهِ وَفُرُوعِهِ أَمَّا حُرْمَةُ تِلْكَ الرَّضِيعَةِ عَلَى الزَّانِي نَفْسِهِ فَلَيْسَتْ بِسَبَبِ اللَّبَنِ بَلْ لِكَوْنِهَا بِنْتَ الْمَزْنِيِّ بِهَا كَمَا مَرَّ وَعَلِمْت مَا فِيهِ، وَجَعْلُهُ هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي الْمَذْهَبِ مُفِيدٌ لِحَمْلِهِ الْأَوْجَهِيَّةَ فِي كَلَامِ الْكَمَالِ عَلَى الرِّوَايَةِ أَيْضًا (قَوْلُهُ: فَالْمُرَادُ بِلَبَنِ الْفَحْلِ) أَيْ كَمَا وَقَعَ فِي عِبَارَةِ الْقُدُورِيِّ حَيْثُ قَالَ: وَلَبَنُ الْفَحْلِ يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّحْرِيمُ. (قَوْلُهُ: فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ) قَيَّدَ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَرْطًا لِمَا يَأْتِي مَعَ مَا فِيهِ لَكِنْ لَا يُنَاسِبُهُ التَّفْرِيعُ بِقَوْلِهِ فَإِنْ كَانَ اللَّبَنُ مِنْ زَوْجَيْنِ فَإِنَّهُ لَا اتِّحَادَ لِلْوَقْتِ ضَرُورَةً فَكَانَ الصَّوَابُ عَدَمَ التَّقْيِيدِ (قَوْلُهُ: وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ وَلَدِ الَّتِي أَرْضَعَتْ رَضِيعًا) اسْمُ الْكَوْنِ مَا أُضِيفَ إلَيْهِ وَرَضِيعًا خَبَرُهُ وَمَفْعُولُ أَرْضَعَتْ مَحْذُوفٌ أَيْ أَرْضَعَتْ الْمُرْضِعَةُ وَقَوْلُهُ: مَعَ الْمُرْضِعَةِ مُتَعَلِّقٌ ب رَضِيعًا وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَزِيدَ بَعْدَ قَوْلِهِ أَوْ مَسْبُوقًا بِارْتِضَاعِهَا أَوْ لَمْ تُرْضِعْهُ أَصْلًا لِئَلَّا يُوهِمَ اشْتِرَاطُ رَضَاعِهَا وَلَدَهَا مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ شَرْطٍ كَمَا يَأْتِي قَرِيبًا عَنْ النَّهْرِ (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا لَمْ يَكْتَفِ الْمُصَنِّفُ. . . إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: مِنْ أَيْنَ يُوهِمُ أَنَّ الِاجْتِمَاعَ مِنْ حَيْثُ الزَّمَانُ لَا بُدَّ مِنْهُ وَلَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَالَ فِي النَّهْرِ: وَأَفَادَ بِالْجُمْلَةِ الْأُولَى اشْتِرَاطَ الِاجْتِمَاعِ مِنْ حَيْثُ الْمَكَانُ فِي الْأَجْنَبِيَّيْنِ وَبِالثَّانِيَةِ عَدَمَ اشْتِرَاطِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 244 الِاجْتِمَاعَ مِنْ حَيْثُ الزَّمَانُ لَا بُدَّ مِنْهُ فَذَكَرَ الِاجْتِمَاعَ مِنْ حَيْثُ الزَّمَانُ ثُمَّ أَرْدَفَهُ بِإِثْبَاتِ الْحُرْمَةِ بِالِاجْتِمَاعِ مِنْ حَيْثُ الْمَكَانُ وَهُوَ الثَّدْيُ لِيُفِيدَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ لَكِنْ لَوْ انْتَصَرَ عَلَى الثَّانِي لَاسْتَغْنَى عَنْ الْأَوَّلِ. (قَوْلُهُ: وَاللَّبَنُ الْمَخْلُوطُ بِالطَّعَامِ لَا يُحَرِّمُ) أَطْلَقَهُ فَأَفَادَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ اللَّبَنِ غَالِبًا بِحَيْثُ يَتَقَاطَرُ عِنْدَ رَفْعِ اللُّقْمَةِ أَوْ لَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الصَّحِيحُ مَطْبُوخًا أَوْ لَا لِأَنَّ الطَّعَامَ أَصْلٌ، وَاللَّبَنَ تَابِعٌ فِيمَا هُوَ الْمَقْصُودُ وَهُوَ التَّغَذِّي وَهُوَ مَنَاطُ التَّحْرِيمِ وَلِأَنَّ الْغَلَبَةَ إنَّمَا تُعْتَبَرُ حَالَةَ الْوُصُولِ إلَى الْمَعِدَةِ، وَفِي تِلْكَ الْحَالَةِ الطَّعَامُ هُوَ الْغَالِبُ وَقَالَا إنْ كَانَ اللَّبَنُ غَالِبًا تَعَلَّقَ بِهِ التَّحْرِيمُ نَظَرًا لِلْغَالِبِ، وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا لَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ أَمَّا الْمَطْبُوخُ فَلَا اتِّفَاقًا وَيَدْخُلُ فِي الطَّعَامِ الْخُبْزُ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُسْتَصْفَى إنَّمَا يَثْبُتُ التَّحْرِيمُ عِنْدَهُ إذَا لَمْ يَشْرَبْهُ أَمَّا إذَا حَسَاهُ يَنْبَغِي أَنْ يَثْبُتَ وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ هَذَا إذَا أَكَلَ الطَّعَامَ لُقْمَةً لُقْمَةً فَإِذَا حَسَاهُ حَسْوًا ثَبَتَتْ الْحُرْمَةُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا، وَالْحَقُّ أَنَّ لِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عِلَّتَيْنِ كَمَا ذَكَرْنَا فَعَلَى الْأُولَى لَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَسْوِ وَغَيْرِهِ وَعَلَى الثَّانِيَةِ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْحَسْوِ وَغَيْرِهِ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْمُحِيطِ قَالَ وَوَضْعُ مُحَمَّدٌ فِي الْأَكْلِ يَدُلُّ عَلَى هَذَا اهـ. وَفِي الْقَامُوسِ: حَسَا زَيْدٌ الْمَرَقَ شَرِبَهُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِ مَخْلُوطًا لِأَنَّ لَبَنَ الْمَرْأَةِ إذَا جُبِّنَ وَأُطْعِمَ الصَّبِيَّ تَعَلَّقَ بِهِ التَّحْرِيمُ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ، وَفِي الْبَدَائِعِ خِلَافُهُ وَلَفْظُهُ وَلَوْ جَعَلَ اللَّبَنَ مَخِيضًا أَوْ رَائِبًا أَوْ شِيرَازًا أَوْ جُبْنًا أَوْ أَقِطًا أَوْ مَصْلًا فَتَنَاوَلَهُ الصَّبِيُّ لَا يَثْبُتُ التَّحْرِيمُ بِهِ لِأَنَّ اسْمَ الرَّضَاعِ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ وَلِذَا لَا يَنْبُتُ اللَّحْمُ وَلَا يَنْشُرُ الْعَظْمُ وَلَا يَكْتَفِي بِهِ الصَّبِيُّ فِي الِاغْتِذَاءِ فَلَا يَحْرُمُ بِهِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَيُعْتَبَرُ الْغَالِبُ لَوْ بِمَاءٍ وَدَوَاءٍ وَلَبَنِ شَاةٍ وَامْرَأَةٍ أُخْرَى) أَيْ لَوْ اخْتَلَطَ اللَّبَنُ بِمَا ذُكِرَ يُعْتَبَرُ الْغَالِبُ فَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ الْمَاءَ لَا يَثْبُتُ التَّحْرِيمُ كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يَشْرَبُ لَبَنًا لَا يَحْنَثُ بِشُرْبِ الْمَاءِ الَّذِي فِيهِ أَجْزَاءُ اللَّبَنِ وَتُعْتَبَرُ الْغَلَبَةُ مِنْ حَيْثُ الْأَجْزَاءُ كَذَا فِي أَيْمَانِ الْخَانِيَّةِ وَكَذَا إذَا كَانَ الْغَالِبُ هُوَ الدَّوَاءُ وَفَسَّرَ الْغَلَبَةَ فِي الْخَانِيَّةِ بِأَنْ يُغَيِّرَهُ ثُمَّ قَالَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ غَيَّرَ طَعْمَ اللَّبَنِ وَلَوْنَهُ لَا يَكُونُ رَضَاعًا، وَإِنْ غَيَّرَ أَحَدَهُمَا دُونَ الْآخَرِ كَانَتْ رَضَاعًا اهـ. وَمِثْلُ الدَّوَاءِ الدُّهْنُ أَوْ النَّبِيذُ سَوَاءٌ أُوجِرَ بِذَلِكَ أَوْ أُسْعِطَ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَكَذَا إذَا كَانَ الْغَالِبُ لَبَنَ الشَّاةِ لِأَنَّ لَبَنَهَا لَمَّا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَثَرٌ فِي إثْبَاتِ الْحُرْمَةِ كَانَ كَالْمَاءِ وَلَوْ اسْتَوَيَا وَجَبَ ثُبُوتُ الْحُرْمَةِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَغْلُوبٍ فَلَمْ يَكُنْ مُسْتَهْلِكًا وَإِذَا اخْتَلَطَ لَبَنُ امْرَأَتَيْنِ تَعَلَّقَ التَّحْرِيمُ بِأَغْلَبِهِمَا عِنْدَهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ تَعَلَّقَ بِهِمَا كَيْفَمَا كَانَ لِأَنَّ الْجِنْسَ لَا يَغْلِبُ الْجِنْسَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ فِي الْغَايَةِ وَهُوَ أَظْهَرُ وَأَحْوَطُ، وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ قِيلَ إنَّهُ الْأَصَحُّ، وَفِي الْجَوْهَرَةِ وَأَمَّا إذَا تَسَاوَيَا تَعَلَّقَ بِهِمَا جَمِيعًا إجْمَاعًا لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ وَأَمَّا لَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ لَبَنَ هَذِهِ الْبَقَرَةِ فَخَلَطَ لَبَنَهَا بِلَبَنِ بَقَرَةٍ أُخْرَى فَشَرِبَهُ وَلَبَنُ الْبَقَرَةِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهَا مَغْلُوبٌ لَا يَحْنَثُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَلَوْ كَانَ غَالِبًا حَنِثَ اتِّفَاقًا وَلَوْ اسْتَوَيَا ذَكَرَ فِي أَيْمَانِ الْخَانِيَّةِ أَنَّهُ يَحْنَثُ اسْتِحْسَانًا. (قَوْلُهُ: وَلَبَنُ الْبِكْرِ، وَالْمَيِّتَةِ يُحَرَّمُ) أَيْ مُوجِبٌ لِلْحُرْمَةِ بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ الْبِكْرُ بَلَغَتْ تِسْعَ سِنِينَ فَأَكْثَرَ أَمَّا لَوْ لَمْ تَبْلُغْ تِسْعَ سِنِينَ فَنَزَلَ لَهَا لَبَنٌ فَأَرْضَعَتْ بِهِ صَبِيًّا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ تَحْرِيمٌ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ: لَوْ أَرْضَعَتْ الْبِكْرُ صَبِيًّا صَارَتْ أُمًّا لِلصَّبِيِّ وَتَثْبُتُ جَمِيعُ أَحْكَامِ الرَّضَاعِ بَيْنَهُمَا حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَتْ الْبِكْرُ رَجُلًا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا كَانَ لِهَذَا الزَّوْجِ أَنْ يَتَزَوَّجَ الصَّبِيَّةَ، وَإِنْ طَلَّقَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ بِهَا لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا لِأَنَّهَا صَارَتْ مِنْ الرَّبَائِبِ الَّتِي دَخَلَ بِأُمِّهَا وَأَطْلَقَ فِي لَبَنِ الْمَيِّتَةِ فَأَفَادَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَحْلِبَ قَبْلَ مَوْتِهَا فَيَشْرَبَهُ الصَّبِيُّ بَعْدَ مَوْتِهَا أَوْ حَلَبَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ، وَالْخَانِيَّةِ وَإِذَا ثَبَتَتْ الْحُرْمَةُ بِلَبَنِ الْمَيِّتَةِ حَلَّ لِزَوْجِ هَذِهِ الصَّبِيَّةِ الَّتِي تَزَوَّجَهَا الْآنَ دَفْنُ الْمَيِّتَةِ وَتَيَمُّمُهَا لِأَنَّهُ صَارَ مَحْرَمًا لَهَا لِأَنَّهَا أُمُّ امْرَأَتِهِ وَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ الرَّضِيعَةِ وَبِنْتِ الْمَيِّتَةِ لِأَنَّهُمَا أُخْتَانِ وَفِي   [منحة الخالق] فِي الْأَجْنَبِيَّةِ وَوَلَدِهَا إذْ الْمُرْضَعَةُ أُخْتٌ لِوَلَدِهَا رَضَاعًا سَوَاءٌ أَرْضَعَتْ وَلَدَهَا أَوْ لَا وَبِهَذَا لَا يُسْتَغْنَى بِالثَّانِيَةِ عَنْ الْأُولَى هَذَا حَاصِلُ مَا أَفَادَهُ الشَّارِحُ الْمُحَقِّقُ وَوَقَعَ فِي الْبَحْرِ فِي تَقْرِيرِ هَذَا الْمَحَلِّ خَلْطٌ فَاجْتَنِبْهُ اهـ. كَلَامُ الرَّمْلِيِّ نَعَمْ يَظْهَرُ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي قَوْلِ الْقُدُورِيِّ وَكُلُّ صَبِيَّيْنِ اجْتَمَعَا عَلَى ثَدْيٍ وَاحِدَةٍ فِي مُدَّةِ الرَّضَاعِ لَمْ يَجُزْ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَتَزَوَّجَ بِالْآخَرِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 245 فَتْحِ الْقَدِيرِ لَبَنُ الْمَيِّتَةِ طَاهِرٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ التَّنَجُّسَ بِالْمَوْتِ لَمَّا حَلَّتْهُ الْحَيَاةُ قَبْلَهُ وَهُوَ مُنْتَفٍ فِي اللَّبَنِ وَهُمَا، وَإِنْ قَالَا بِنَجَاسَتِهِ لِلْمُجَاوَرَةِ لِلْوِعَاءِ النَّجِسِ لَا يَمْنَعُ مِنْ الْحُرْمَةِ كَمَا لَوْ حَلَبَ فِي إنَاءٍ نَجِسٍ وَأَوْجَرَ بِهِ صَبِيٌّ تَثْبُتُ وَهَذَا بِخِلَافِ وَطْءِ الْمَيِّتَةِ فَإِنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ بِالْإِجْمَاعِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ اللَّبَنِ التَّغَذِّي، وَالْمَوْتُ لَا يَمْنَعُ مِنْهُ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْوَطْءِ اللَّذَّةُ الْمُعْتَادَةُ وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ فِي وَطْءِ الْمَيِّتَةِ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ (قَوْلُهُ: لَا الِاحْتِقَانُ) أَيْ الِاحْتِقَانُ بِاللَّبَنِ لَا يُوجِبُ الْحُرْمَةَ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا يَتَغَذَّى بِهِ وَلِذَا لَا يَثْبُتُ بِالْإِقْطَارِ فِي الْإِحْلِيلِ، وَالْأُذُنِ، وَالْجَائِفَةِ، وَالْآمَّةِ قَالَ فِي الْمُغْرِبِ الصَّوَابُ حُقِنَ إذَا عُولِجَ بِالْحُقْنَةِ وَاحْتُقِنَ بِالضَّمِّ غَيْرُ جَائِزٍ، وَفِي تَاجِ الْمَصَادِرِ الِاحْتِقَانُ حَقَنَهُ كردن فَجَعَلَهُ مُتَعَدِّيًا فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ عَلَى بِنَاءِ الْمَفْعُولِ وَهُوَ الْأَكْثَرُ فِي اسْتِعْمَالِ الْفُقَهَاءِ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ، وَالنِّهَايَةِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهَذَا غَلَطٌ لِأَنَّ مَا فِي تَاجِ الْمَصَادِرِ مِنْ التَّفْسِيرِ لَا يُفِيدُ تَعْدِيَةَ الِافْتِعَالِ مِنْهُ لِلْمَفْعُولِ الصَّرِيحِ كَالصَّبِيِّ فِي عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ حَيْثُ قَالَ إذَا احْتَقَنَ الصَّبِيُّ بَلْ إلَى الْحُقْنَةِ وَهِيَ آلَةُ الِاحْتِقَانِ، وَالْكَلَامُ فِي بِنَائِهِ لِلْمَفْعُولِ الَّذِي هُوَ الصَّبِيُّ وَمَعْلُومٌ أَنَّ كُلَّ قَاصِرٍ يَجُوزُ بِنَاؤُهُ لِلْمَفْعُولِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَجْرُورِ، وَالظَّرْفِ كَجُلِسَ فِي الدَّارِ وَمُرَّ بِزَيْدٍ وَلَيْسَ يَلْزَمُ مِنْ جَوَازِ الْبِنَاءِ بِاعْتِبَارِ الْآلَةِ، وَالظَّرْفِ جَوَازُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَفْعُولِ بَلْ إذَا كَانَ مُتَعَدِّيًا إلَيْهِ بِنَفْسِهِ اهـ. وَفِي الْمِصْبَاحِ حَقَنْت الْمَرِيضَ إذَا أَوْصَلْت الدَّوَاءَ إلَى بَاطِنِهِ مِنْ مَخْرَجِهِ بِالْمِحْقَنَةِ وَاحْتَقَنَ هُوَ، وَالِاسْمُ الْحُقْنَةُ مِثْلُ الْغُرْفَةِ مِنْ الِاغْتِرَافِ ثُمَّ أُطْلِقَتْ عَلَى مَا يُتَدَاوَى بِهِ، وَالْجَمْعُ حُقَنٌ مِثْلُ غَرْفَةٍ وَغُرَفٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَبَنُ الرَّجُلِ) أَيْ لَا يُوجِبُ الْحُرْمَةَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِلَبَنٍ عَلَى الْحَقِيقَةِ لِأَنَّ اللَّبَنَ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ مِمَّنْ تُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْوِلَادَةُ فَصَارَ كَالصَّغِيرَةِ الَّتِي لَمْ تَبْلُغْ تِسْعَ سِنِينَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَإِذَا نَزَلَ لِلْخُنْثَى لَبَنٌ إنْ عُلِمَ أَنَّهُ امْرَأَةٌ تَعَلَّقَ بِهِ التَّحْرِيمُ، وَإِنْ عُلِمَ أَنَّهُ رَجُلٌ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ تَحْرِيمٌ، وَإِنْ أَشْكَلَ إنْ قَالَ النِّسَاءُ إنَّهُ لَا يَكُونُ عَلَى غَزَارَتِهِ إلَّا لِلْمَرْأَةِ تَعَلَّقَ بِهِ التَّحْرِيمُ احْتِيَاطًا، وَإِنْ لَمْ يَقُلْنَ ذَلِكَ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ تَحْرِيمٌ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ (قَوْلُهُ:، وَالشَّاةُ) أَيْ لَبَنُ الشَّاةِ لَا يُوجِبُ الْحُرْمَةَ حَتَّى لَوْ ارْتَضَعَ صَبِيٌّ وَصَبِيَّةٌ عَلَى لَبَنِ شَاةٍ فَلَا أُخُوَّةَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الْأُمُومَةَ لَا تَثْبُتُ بِهِ لِأَنَّهُ لَا حُرْمَةَ لَهُ وَلِأَنَّ لَبَنَ الْبَهَائِمِ لَهُ حُكْمُ الطَّعَامِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الشَّاةِ وَغَيْرِهَا مِنْ غَيْرِ الْآدَمِيِّ قَيَّدَ بِالثَّلَاثَةِ لِأَنَّ الْوَجُورَ، وَالسَّعُوطَ تَثْبُتُ بِهِ الْحُرْمَةُ اتِّفَاقًا وَإِنَّمَا يَفْسُدُ الصَّوْمُ بِمَا ذُكِرَ مَا عَدَا الْإِقْطَارَ فِي الْإِحْلِيلِ لِأَنَّ الْفِطْرَ يَتَعَلَّقُ بِالْوُصُولِ إلَى الْجَوْفِ، وَالْوَجُورُ بِفَتْحِ الْوَاوِ الدَّوَاءُ يُصَبُّ فِي الْحَلْقِ وَيُقَالُ: أَوْجَرْته وَوَجَرْته، وَالسَّعُوطُ: صَبُّهُ فِي الْأَنْفِ، وَفِي الْمِصْبَاحِ، وَالسَّعُوطُ مِثَالُ رَسُولٍ دَوَاءٌ يُصَبُّ فِي الْأَنْفِ، وَالسَّعُوطُ مِثْلُ قُعُودٍ مَصْدَرٌ وَأَسْعَطَهُ الدَّوَاءُ يَتَعَدَّى إلَى مَفْعُولَيْنِ وَاسْتَعَطَ زَيْدٌ، وَالْمُسْعَطُ بِضَمِّ الْمِيمِ الْوِعَاءُ يُجْعَلُ فِيهِ السَّعُوطُ وَهُوَ مِنْ النَّوَادِرِ الَّتِي جَاءَتْ بِالضَّمِّ وَقِيَاسُهَا الْكَسْرُ لِأَنَّهُ اسْمُ آلَةٍ وَإِنَّمَا ضُمَّتْ الْمِيمُ لِيُوَافِقَ الْأَبْنِيَةَ الْغَالِبَةَ مِثْلُ فَعْلَلٌّ وَلَوْ كُسِّرَتْ أَدَّى إلَى بِنَاءٍ مَفْقُودٍ إذْ لَيْسَ فِي الْكَلَامِ مَفْعَلُ وَلَا فَعْلَلٌّ بِكَسْرِ الْأَوَّلِ وَضَمِّ الثَّالِثِ اهـ. وَقَدْ حُكِيَ فِي الْمَبْسُوطِ، وَالْكَشْفِ الْكَبِيرِ أَنَّ الْبُخَارِيَّ صَاحِبَ الْأَخْبَارِ دَخَلَ بُخَارَى وَجَعَلَ يُفْتِي فَقَالَ لَهُ أَبُو حَفْصٍ الْكَبِيرُ: لَا تَفْعَلْ فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَ نَصِيحَتَهُ حَتَّى اسْتَفْتَى فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَأَفْتَى بِثُبُوتِ الْحُرْمَةِ بَيْنَ صَبِيَّيْنِ ارْتَضَعَا مِنْ ثَدْيِ لَبَنِ شَاةٍ تَمَسُّكًا بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «كُلُّ صَبِيَّيْنِ اجْتَمَعَا عَلَى ثَدْيٍ وَاحِدٍ حُرِّمَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ» ، وَقَدْ أَخْطَأَ لِفَوَاتِ الرَّأْيِ وَهَوَائِهِ لَمْ يَتَأَمَّلْ أَنَّ الْحُكْمَ مُتَعَلِّقٌ بِالْجُزْئِيَّةِ، وَالْبَعْضِيَّةِ فَأَخْرَجُوهُ مِنْ بُخَارَى، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بَعْدَ هَذِهِ الْحِكَايَةِ وَمَنْ لَمْ يَدُقَّ نَظَرُهُ فِي مَنَاطِ الْأَحْكَامِ وَحُكْمِهَا كَثُرَ خَطَؤُهُ وَكَانَ ذَلِكَ فِي زَمَنِ الشَّيْخِ أَبِي حَفْصٍ الْكَبِيرِ وَمَوْلِدُهُ مَوْلِدُ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُمَا وُلِدَا مَعًا فِي الْعَامِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ أَبُو حَنِيفَةَ وَهُوَ سَنَةُ خَمْسِينَ وَمِائَةٍ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَو ْ أَرْضَعَتْ ضَرَّتَهَا حُرِّمَتَا) أَيْ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: حَقَنَهُ كردن) أَيْ فَعَلَ الْحُقْنَةَ فكردن مَصْدَرٌ مَاضِيه كرد وَمُضَارِعُهُ كند وَاسْمُ فَاعِلِهِ كرده وَاسْمُ الْمَفْعُولِ كننده فَالْأَوَّلُ بِمَعْنَى فَعَلَ، وَالثَّانِي بِمَعْنَى فَاعِلٍ، وَالرَّابِعُ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ وكردن بِمَعْنَى فِعْلًا فَحَقَنَهُ كردن بِمَعْنَى فَعَلَ الْحُقْنَةَ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ فِي اللُّغَةِ الْفَارِسِيَّةِ مَقْلُوبَةٌ كَذَا أَفَادَنِيهِ بَعْضُ مَنْ لَهُ خِبْرَةٌ بِهَا (قَوْلُهُ: وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهَذَا غَلَطٌ. . . إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا إنَّمَا يَتِمُّ أَنْ لَوْ كَانَتْ الرِّوَايَةُ مِحْقَنَةٌ كردن وَكَانَ هَذَا هُوَ الْوَاقِعُ فِي نُسْخَتِهِ أَمَّا إذَا كَانَتْ حَقَنَهُ كردن كَمَا مَرَّ أَيْ فَعَلَ الْحُقْنَةَ فَفِي كَوْنِهِ غَلَطًا نَظَرٌ فَتَدَبَّرْ اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَفْسِيرِ الِاحْتِقَانِ بِفِعْلِ الْحُقْنَةِ تَعْدِيَتُهُ لِلْمَفْعُولِ الصَّرِيحِ كَمَا لَوْ فَسَّرْت الِاغْتِسَالَ بِفِعْلِ الْغُسْلِ. [وَلَبَنُ الرَّجُلِ لَا يُوجِبُ الْحُرْمَةَ] (قَوْلُهُ: قَيَّدَ بِالثَّلَاثَةِ) أَيْ بِالِاحْتِقَانِ وَلَبَنِ الرَّجُلِ، وَالشَّاةِ وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَذْكُرَهُ عِنْدَ قَوْلِهِ لَا الِاحْتِقَانُ فَيَقُولُ قَيَّدَ بِهِ. . إلَخْ إذْ لَا مَدْخَلَ فِي ذَلِكَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 246 لَوْ أَرْضَعَتْ الْكَبِيرَةُ الصَّغِيرَةَ الَّتِي هِيَ زَوْجَةُ زَوْجِهَا حَرُمَتَا عَلَى الزَّوْجِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ جَامِعًا بَيْنَ الْأُمِّ، وَالْبِنْتِ رَضَاعًا فَفَسَدَ نِكَاحُهُمَا وَلَمْ يَنْفَسِخْ لِأَنَّ الْمَذْهَبَ عِنْدَ عُلَمَائِنَا أَنَّ النِّكَاحَ لَا يَرْتَفِعُ بِحُرْمَةِ الرَّضَاعِ، وَالْمُصَاهَرَةِ بَلْ يَفْسُدُ حَتَّى لَوْ وَطِئَهَا قَبْلَ التَّفْرِيقِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ اشْتَبَهَ الْأَمْرُ أَوْ لَمْ يَشْتَبِهْ نَصَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ وَذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي بَابِ اللِّعَانِ وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ: فِي الْمِعْرَاجِ فَيَنْفَسِخُ النِّكَاحُ لَا يُخَالِفُهُ أَنَّ الِانْفِسَاخَ غَيْرُهُ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَبِثُبُوتِ حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ وَحُرْمَةِ الرَّضَاعِ لَا يَرْتَفِعُ بِهِمَا النِّكَاحُ حَتَّى لَا تَمْلِكُ الْمَرْأَةُ التَّزَوُّجَ بِزَوْجٍ آخَرَ إلَّا بَعْدَ الْمُتَارَكَةِ، وَإِنْ مَضَى عَلَيْهِ سُنُونَ اهـ. وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الْفَاسِدِ مِنْ تَفْرِيقِ الْقَاضِي أَوْ الْمُتَارَكَةِ بِالْقَوْلِ فِي الْمَدْخُولَةِ، وَفِي غَيْرِهَا يَكْتَفِي بِالْمُفَارَقَةِ بِالْأَبْدَانِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْفَسَادُ فِي الرَّضَاعِ الطَّارِئِ عَلَى النِّكَاحِ أَمَّا لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَشَهِدَ عَدْلَانِ أَنَّهَا أُخْتُهُ ارْتَفَعَ النِّكَاحُ بِالْكُلِّيَّةِ حَتَّى لَوْ وَطِئَهَا يُحَدُّ وَيَجُوزُ لَهَا التَّزَوُّجُ بَعْدَ الْعِدَّةِ مِنْ غَيْرِ مُتَارَكَةٍ، وَالتَّقْيِيدُ بِأَنَّهَا أَرْضَعَتْ ضَرَّتَهَا لَيْسَ احْتِرَازِيًّا لِأَنَّ أُخْتَ الْكَبِيرَةِ وَأُمَّهَا وَبِنْتَهَا نَسَبًا وَرَضَاعًا إنْ دَخَلَ بِالْكَبِيرَةِ كَهِيَ لِلُزُومِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَبِنْتِ أُخْتِهَا فِي الْأَوَّلِ وَبَيْنَ الْأُخْتَيْنِ فِي الثَّانِي وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ وَبِنْتِ بِنْتِهَا فِي الثَّالِثِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا قَطُّ وَلَا الْمُرْضِعَةُ أَيْضًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِالْكَبِيرَةِ فِي الثَّالِثَةِ فَإِنَّ الْمُرْضِعَةَ لَا تَحِلُّ لَهُ قَطُّ لِكَوْنِهَا أُمَّ امْرَأَتِهِ وَلَا الْكَبِيرَةُ لِكَوْنِهَا أُمَّ أُمِّ امْرَأَتِهِ وَتَحِلُّ الصَّغِيرَةُ لِكَوْنِهَا ابْنَةَ ابْنَةِ امْرَأَتِهِ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَلَوْ أَرْضَعَتْهَا عَمَّةُ الْكَبِيرَةِ أَوْ خَالَتُهَا لَمْ تَبِنْ لِأَنَّهَا صَارَتْ بِنْتَ عَمَّتِهَا أَوْ بِنْتَ خَالَتِهَا قَالَ: وَيَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ امْرَأَةٍ وَبِنْتِ عَمَّتِهَا أَوْ بِنْتِ خَالَتِهَا فِي النَّسَبِ، وَالرَّضَاعِ وَلَوْ كَانَ تَحْتَهُ صَغِيرَتَانِ وَكَبِيرَةٌ فَأَرْضَعَتْ الْكَبِيرَةُ الصَّغِيرَتَيْنِ وَاحِدَةً بَعْدَ وَاحِدَةٍ وَلَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِالْكَبِيرَةِ فَإِنَّهَا تَبِينُ الْكَبِيرَةُ، وَالصَّغِيرَةُ الَّتِي أَرْضَعَتْهَا أَوَّلًا لِكَوْنِهِمَا صَارَ أُمًّا وَبِنْتًا وَلَا تَبِينُ الَّتِي أَرْضَعَتْهَا آخِرًا لِأَنَّهَا حِينَ أَرْضَعَتْهَا لَمْ يَكُنْ فِي نِكَاحِهِ غَيْرُهَا وَلَوْ أَرْضَعَتْهُمَا مَعًا بِنَّ جَمِيعًا لِأَنَّهُنَّ صِرْنَ أُمًّا وَبِنْتَيْنِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْكَبِيرَةَ وَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَيَّ الصَّغِيرَتَيْنِ شَاءَ وَلَوْ كَانَ دَخَلَ بِالْكَبِيرَةِ بِنَّ جَمِيعًا سَوَاءٌ أَرْضَعَتْهُمَا مَعًا أَوْ عَلَى التَّعَاقُبِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ، وَقَدْ عُلِمَ بِهِ أَنَّ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ لَوْ كَانَ دَخَلَ بِالْكَبِيرَةِ أَوْ كَانَ لَبَنُهَا الَّذِي أَرْضَعَتْ بِهِ الصَّغِيرَ مِنْ زَوْجِهَا لَا يَتَزَوَّجُ وَاحِدَةً مِنْهُمَا قَطُّ وَإِلَّا لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الصَّغِيرَةَ فَقَطْ لِأَنَّ الْعَقْدَ عَلَى الْأُمِّ لَا يُحَرِّمُ الْبِنْتَ، وَالْعَقْدَ عَلَى الْبِنْتِ يُحَرِّمُ الْأُمَّ وَلَوْ كَانَ تَحْتَهُ صَغِيرَتَانِ فَأَرْضَعَتْهُمَا امْرَأَةٌ حَرُمَتَا عَلَيْهِ لِلْأُخْتِيَّةِ سَوَاءٌ كَانَ الْإِرْضَاعُ مَعًا أَوْ مُتَفَرِّقًا فَإِنْ كُنَّ ثَلَاثًا فَأَرْضَعَتْهُنَّ وَاحِدَةً بَعْدَ وَاحِدَةٍ بَانَتْ الْأُولَيَانِ لَا الثَّالِثَةُ لِأَنَّ الثَّالِثَةَ أَرْضَعَتْ وَقَدْ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا فَلَمْ يَحْصُلْ الْجَمْعُ وَإِنْ أَرْضَعَتْ الْأُولَى ثُمَّ الثِّنْتَيْنِ مَعًا بِنَّ جَمِيعًا، وَإِنْ أَرْضَعَتْهُنَّ مَعًا بِأَنْ حَلَبَتْ لَبَنَهَا فِي قَارُورَةٍ وَأَلْقَمَتْ إحْدَى ثَدْيَيْهَا إحْدَاهُنَّ، وَالْأُخْرَى الْأُخْرَى وَأَوْجَرَتْ الثَّلَاثَةَ مَعًا بِنَّ جَمِيعًا لِأَنَّهُنَّ صِرْنَ أَخَوَاتٍ مَعًا، وَإِنْ كُنَّ أَرْبَعًا فَأَرْضَعَتْهُنَّ وَاحِدَةً بَعْدَ الْأُخْرَى بِنَّ جَمِيعًا لِأَنَّ الثَّانِيَةَ صَارَتْ أُخْتًا لِلْأُولَى فَبَانَتَا فَلَمَّا أَرْضَعَتْ الرَّابِعَةَ صَارَتْ أُخْتًا لِلثَّالِثَةِ فَبَانَتَا أَيْضًا كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَلَوْ كُنَّ كَبِيرَتَيْنِ وَصَغِيرَتَيْنِ فَأَرْضَعَتْ كُلٌّ مِنْ الْكَبِيرَتَيْنِ صَغِيرَةً حُرِّمَتْ عَلَيْهِ الْأَرْبَعُ لِلُزُومِ الْجَمْعِ   [منحة الخالق] اللَّبَنِ الرَّجُلُ، وَالشَّاةُ فَإِنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الشُّرْبِ، وَالْوَجُورِ، وَالسَّعُوطِ تَأَمَّلْ. [أَرْضَعَتْ ضَرَّتَهَا] (قَوْلُهُ: فَقَوْلُهُ فِي الْمِعْرَاجِ فَيَنْفَسِخُ النِّكَاحُ لَا يُخَالِفُهُ) كَذَا فِي أَغْلِبْ النُّسَخِ، وَفِي بَعْضِهَا يُخَالِفُهُ بِدُونِ لَا وَهُوَ الظَّاهِرُ بِدَلِيلِ التَّعْلِيلِ (قَوْلُهُ: أَمَّا لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً. . . إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: سَيَأْتِي آخِرَ الْبَابِ أَنَّهُ لَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ إلَّا بِتَفْرِيقِ الْقَاضِي فَرَاجِعْهُ، وَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: أَوْ كَانَ لَبَنُهَا الَّذِي أَرْضَعَتْ بِهِ الصَّغِيرَةَ مِنْ زَوْجِهَا) كَذَا فِي النَّهْرِ وَشَرْحِ الْمَقْدِسِيَّ وَأُورِدَ عَلَيْهِ أَنَّ عَطْفَهُ عَلَى مَا قَبْلَهُ يَقْتَضِي إمْكَانَ انْفِرَادِ كَوْنِ اللَّبَنِ مِنْهُ عَنْ كَوْنِهَا مَدْخُولَةً وَهُوَ فَاسِدٌ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ اللَّبَنِ مِنْهُ أَنْ تَكُونَ مَدْخُولَةً اللَّهُمَّ إلَّا إنْ قَالَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ بِالزِّنَا بِهَا فَهُوَ مِنْهُ بِغَيْرِ دُخُولٍ فِي هَذَا النِّكَاحِ وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ: إلَّا لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الصَّغِيرَةَ أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَلَمْ يَكُنْ لَبَنُهَا مِنْهُ، وَالْأَقْرَبُ أَنْ يُقَالَ إنَّ قَوْلَ الْمُؤَلِّفِ لَوْ كَانَ دَخَلَ بِالْكَبِيرَةِ مَعْنَاهُ وَكَانَ اللَّبَنُ مِنْ غَيْرِهِ وَقَوْلُهُ: أَوْ كَانَ لَبَنُهَا. . . إلَخْ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِنَا وَكَانَ اللَّبَنُ مِنْ غَيْرِهِ وَقَوْلُهُ: وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لَمْ يُدْخَلْ بِالْكَبِيرَةِ الَّتِي لَبَنُهَا مِنْ غَيْرِهِ وَهَذَا مَعْنَى مَا فِي الْفَتْحِ حَيْثُ قَالَ ثُمَّ حُرْمَةُ الْكَبِيرَةِ حُرْمَةٌ مُؤَبَّدَةٌ لِأَنَّهَا أُمُّ امْرَأَتِهِ، وَالْعَقْدُ عَلَى الْبِنْتِ يُحَرِّمُ الْأُمَّ وَأَمَّا الصَّغِيرَةُ فَإِنْ كَانَ اللَّبَنُ الَّذِي أَرْضَعَتْهَا بِهِ الْكَبِيرَةُ نَزَلَ لَهَا مِنْ وَلَدٍ وَلَدَتْهُ لِلرَّجُلِ كَانَ حُرْمَتُهَا أَيْضًا مُؤَبَّدَةً كَالْكَبِيرَةِ لِأَنَّهُ صَارَ أَبًا لَهَا، وَإِنْ كَانَ نَزَلَ لَهَا مِنْ رَجُلٍ قَبْلَهُ ثُمَّ تَزَوَّجَتْ هَذَا الرَّجُلَ وَهِيَ ذَاتُ لَبَنٍ مِنْ الْأَوَّلِ جَازَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا ثَانِيًا لِانْتِفَاءِ أُبُوَّتِهِ لَهَا إلَّا إنْ كَانَ دَخَلَ بِالْكَبِيرَةِ فَيَتَأَبَّدُ أَيْضًا لِأَنَّ الدُّخُولَ بِالْأُمِّ يُحَرِّمُ الْبِنْتَ اهـ. وَلَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَوْ كَانَ دَخَلَ بِالْكَبِيرَةِ سَوَاءٌ كَانَ لَبَنُهَا مِنْ زَوْجِهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهِ لَا يَتَزَوَّجُ وَاحِدَةً مِنْهُمَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 247 بَيْنَ الْأُمَّيْنِ وَابْنَتَيْهِمَا وَلَوْ أَرْضَعَتْ إحْدَى الْكَبِيرَتَيْنِ الصَّغِيرَتَيْنِ ثُمَّ أَرْضَعَتْهُمَا الْكَبِيرَةُ الْأُخْرَى وَذَلِكَ قَبْلَ الدُّخُولِ بِالْكَبِيرَتَيْنِ فَالْكُبْرَى الْأُولَى مَعَ الصُّغْرَى الْأُولَى بَانَتَا مِنْهُ، وَالصُّغْرَى الثَّانِيَةُ لَمْ تَبِنْ بِإِرْضَاعِ الْكُبْرَى الْأُولَى، وَالْكَبِيرَةُ الثَّانِيَةُ إنْ ابْتَدَأَتْ بِإِرْضَاعِ الصُّغْرَى الثَّانِيَةِ بَانَتَا مِنْهُ أَوْ بِالصُّغْرَى الْأُولَى فَالصُّغْرَى الثَّانِيَةُ امْرَأَتُهُ لِأَنَّهَا حِينَ أَرْضَعَتْ الْأُولَى صَارَتْ أُمًّا لَهَا وَفَسَدَ نِكَاحُهَا لِصِحَّةِ الْعَقْدِ عَلَى الصُّغْرَى الْأُولَى فِيمَا تَقَدَّمَ، وَالْعَقْدُ عَلَى الْبِنْتِ يُحَرِّمُ الْأُمَّ ثُمَّ أَرْضَعَتْ الثَّانِيَةُ وَلَيْسَ فِي نِكَاحِهِ غَيْرُهَا كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي الْمُحِيطِ: رَجُلٌ لَهُ امْرَأَتَانِ كَبِيرَةٌ وَصَغِيرَةٌ وَلِابْنِهِ امْرَأَتَانِ صَغِيرَةٌ وَكَبِيرَةٌ فَأَرْضَعَتْ امْرَأَةُ الْأَبِ امْرَأَةَ الِابْنِ وَامْرَأَةُ الِابْنِ امْرَأَةَ الْأَبِ، وَاللَّبَنُ مِنْهُمَا فَقَدْ بَانَتْ الصَّغِيرَتَانِ وَنِكَاحُ الْكَبِيرَتَيْنِ ثَابِتٌ لِأَنَّ الصَّغِيرَتَيْنِ صَارَتَا بِنْتَيْنِ لَهُمَا، وَقَدْ دَخَلَ بِأُمِّهِمَا فَحُرِّمَتَا عَلَيْهِ دُونَ أُمِّهِمَا وَكَذَا لَوْ كَانَ مَكَانَهُمَا أَخَوَيْنِ وَلَوْ كَانَا أَجْنَبِيَّيْنِ لَمْ تَبِنْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا وَلَوْ كَانَ رَجُلٌ وَعَمُّهُ فَنِكَاحُ امْرَأَةِ الِابْنِ ثَابِتٌ وَتَبِينُ امْرَأَةُ الْعَمِّ الصَّغِيرَةُ مِنْهُ اهـ. وَأَطْلَقَ فِي الضَّرَّتَيْنِ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَتْ الْكَبِيرَةُ مُعْتَدَّتَهُ لِمَا فِي الْبَدَائِعِ وَلَوْ طَلَقَ رَجُلٌ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ أَرْضَعَتْ الْمُطْلَقَةُ قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا امْرَأَةً لَهُ صَغِيرَةً بَانَتْ الصَّغِيرَةُ لِأَنَّهَا صَارَتْ بِنْتًا لَهَا فَحَصَلَ الْجَمْعُ فِي حَالِ الْعِدَّةِ، وَالْجَمْعُ فِي حَالِ قِيَامِ الْعِدَّةِ كَالْجَمْعِ فِي حَالِ قِيَامِ النِّكَاحِ اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ طَلَقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ أَنَّ أُخْتَ الْمُعْتَدَّةِ أَرْضَعَتْ امْرَأَةً لَهُ صَغِيرَةً قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّةِ الْمُطْلَقَةِ بَانَتْ الصَّغِيرَةُ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْجَمْعِ حَالَةَ الْعِدَّةِ كَالْحُرْمَةِ فِي حَالِ قِيَامِ النِّكَاحِ اهـ. وَلَا يُشْتَرَطُ قِيَامُ نِكَاحِ الصَّغِيرَةِ وَقْتَ إرْضَاعِهَا بَلْ وُجُودُهُ فِيمَا مَضَى كَافٍ لِمَا فِي الْبَدَائِعِ وَلَوْ تَزَوَّجَ صَغِيرَةً فَطَلَّقَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَ كَبِيرَةً لَهَا لَبَنٌ فَأَرْضَعَتْهَا حُرِّمَتْ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا صَارَتْ أُمَّ مَنْكُوحَةٍ كَانَتْ لَهُ فَتُحَرَّمُ بِنِكَاحِ الْبِنْتِ اهـ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ بَيْنُونَتَهُمَا لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الِارْتِضَاعِ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ وُصُولُ لَبَنِ الْكَبِيرَةِ إلَى جَوْفِ الصَّغِيرَةِ حَتَّى لَوْ أَخَذَ رَجُلٌ لَبَنَ الْكَبِيرَةِ فَأَوْجَرَ الصَّغِيرَةَ بَانَتَا مِنْهُ وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الصَّدَاقِ عَلَى الزَّوْجِ وَيَغْرَمُ الرَّجُلُ لِلزَّوْجِ نِصْفَ مَهْرِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا إنْ تَعَمَّدَ الْفَسَادَ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَالتَّعَمُّدُ أَنْ يَرْضِعَهَا مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى الِارْتِضَاعِ بِأَنْ كَانَتْ شَبْعَاءَ وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ: أَنَّهُ لَمْ يَتَعَمَّدْ الْفَسَادَ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُرْجَعُ عَلَيْهِ بِكُلِّ حَالٍ اهـ. وَهَاهُنَا فُرُوعٌ ثَلَاثَةٌ الْأُولَى فِي الْمُحِيطِ وَفَتَاوَى الْوَلْوَالِجيَّةِ رَجُلٌ لَهُ أُمُّ وَلَدٍ فَزَوَّجَهَا مِنْ صَبِيٍّ ثُمَّ أَعْتَقَهَا فَخُيِّرَتْ فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَتْ بِآخَرَ وَوَلَدَتْ ثُمَّ جَاءَتْ إلَى الصَّبِيِّ فَأَرْضَعَتْهُ بَانَتْ مِنْ زَوْجِهَا لِأَنَّهَا صَارَتْ امْرَأَةَ ابْنِهِ مِنْ الرَّضَاعِ لِأَنَّ الصَّغِيرَ صَارَ ابْنًا لِهَذَا الزَّوْجِ فَلَوْ بَقِيَ النِّكَاحُ لَصَارَ الزَّوْجُ مُتَزَوِّجًا بِامْرَأَةِ ابْنِهِ مِنْ الرَّضَاعِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ. الثَّانِي فِي الْمُحِيطِ، وَالْخَانِيَّةِ لَوْ زَوَّجَ الْمَوْلَى أُمَّ وَلَدِهِ عَبْدَهُ الصَّغِيرَ فَأَرْضَعَتْهُ بِلَبَنِ السَّيِّدِ حُرِّمَتْ عَلَى زَوْجِهَا وَعَلَى مَوْلَاهَا لِأَنَّ الْعَبْدَ صَارَ ابْنًا لِلْمَوْلَى فَحُرِّمَتْ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا كَانَتْ مَوْطُوءَةَ أَبِيهِ وَحُرِّمَتْ عَلَى الْمَوْلَى لِأَنَّهَا امْرَأَةُ ابْنِهِ الثُّلُثُ فِي الْبَدَائِعِ زَوَّجَ ابْنَهُ الصَّغِيرَ امْرَأَةً كَبِيرَةً فَارْتَدَّتْ وَبَانَتْ ثُمَّ أَسْلَمَتْ وَتَزَوَّجَتْ بِرَجُلٍ وَحَبَلَتْ مِنْهُ فَأَرْضَعَتْ الصَّغِيرَ الَّذِي كَانَ تَزَوَّجَهَا حُرِّمَتْ عَلَى زَوْجِهَا لِأَنَّهَا صَارَتْ مَنْكُوحَةَ ابْنِهِ مِنْ الرَّضَاعِ اهـ. وَالْحَاصِلُ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّ الرَّضَاعَ الطَّارِئَ عَلَى النِّكَاحِ بِمَنْزِلَةِ السَّابِقِ وَضَرَّةُ الْمَرْأَةِ امْرَأَةُ زَوْجِهَا، وَالْجَمْعُ ضِرَّاتٌ عَلَى الْقِيَاسِ وَسُمِعَ ضَرَائِرُ وَكَأَنَّهَا جَمْعُ ضَرِيرَةٍ مِثْلُ كَرِيمَةٍ وَكَرَائِمُ وَلَا يَكَادُ يُوجَدُ لَهَا نَظِيرٌ كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ رَجُلٌ وَطِئَ امْرَأَةً بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ ثُمَّ تَزَوَّجَ صَغِيرَةً فَأَرْضَعَتْهَا أُمُّ الْمَوْطُوءَةِ بَانَتْ الصَّبِيَّةُ لِأَنَّهَا صَارَتْ أُخْتَ الْمَوْطُوءَةِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَا مَهْرَ لِلْكَبِيرَةِ إنْ لَمْ يَطَأْهَا) لِأَنَّ الْفُرْقَةَ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِهَا فَصَارَ كَرِدَّتِهَا وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ الْكَبِيرَةَ لَوْ كَانَتْ مُكْرَهَةً أَوْ نَائِمَةً فَارْتَضَعَتْهَا الصَّغِيرَةُ أَوْ أَخَذَ شَخْصٌ لَبَنَهَا فَأَوْجَرَ بِهِ الصَّغِيرَةَ أَوْ كَانَتْ الْكَبِيرَةُ مَجْنُونَةً كَانَ لَهَا   [منحة الخالق] لَكَانَ أَصْوَبَ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الصَّغِيرَتَيْنِ صَارَتَا بِنْتَيْنِ لَهُمَا) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ أَيْ زَوْجَةُ الْأَبِ صَارَتْ بِنْتًا لِلِابْنِ وَزَوْجَةُ الِابْنِ صَارَتْ بِنْتًا لِلْأَبِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ صَارَتَا رَبِيبَةً لَهُ، وَفِي بَعْضِهَا رَبِيبَتَيْنِ لَهُمَا (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ كَانَ مَكَانَهُمَا أَخَوَيْنِ) أَيْ مَكَانَ الْأَبِ، وَالِابْنِ (قَوْلُهُ: لِمَا فِي الْبَدَائِعِ وَلَوْ تَزَوَّجَ صَغِيرَةً. . . إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا مِمَّا الْكَلَامُ فِيهِ إذْ الْكَلَامُ فِي حُرْمَتِهَا عَلَيْهِ لِلْجَمْعِ، وَالصَّغِيرَةُ لَا تُحَرَّمُ هُنَا بَلْ الْكَبِيرَةُ فَقَطْ نَعَمْ إنْ كَانَ قَدْ دَخَلَ بِالْأُمِّ حَرَّمْنَا عَلَيْهِ لَا لِأَنَّهُ صَارَ جَامِعًا بَلْ لِأَنَّ الدُّخُولَ بِالْأُمَّهَاتِ يُحَرِّمُ الْبَنَاتِ، وَالْعَقْدُ عَلَى الْبَنَاتِ يُحَرِّمُ الْأُمَّهَاتِ، وَقَدْ وُجِدَ (قَوْلُهُ: ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ بَيْنُونَتَهُمَا. . . إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ قَدَّمَ فِي تَعْرِيفِ الرَّضَاعِ أَنَّهُ حَمَلَ الْمَصَّ عَلَى الْوُصُولِ فَهَلَّا حَمَلَهُ هُنَا عَلَيْهِ أَيْضًا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 248 نِصْفُ الْمَهْرِ لِانْتِفَاءِ إضَافَةِ الْفُرْقَةِ إلَيْهَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ إنْ لَمْ يَطَأْهَا لِأَنَّهُ لَوْ وَطِئَهَا كَانَ لَهَا كَمَالُ الْمَهْرِ مُطْلَقًا لَكِنْ لَا نَفَقَةَ لَهَا فِي هَذِهِ الْعِدَّةِ إنْ جَاءَتْ الْفُرْقَةُ وَإِلَّا فَلَهَا النَّفَقَةُ (قَوْلُهُ: وَلِلصَّغِيرَةِ نِصْفُهُ) أَيْ نِصْفُ الْمَهْرِ مُطْلَقًا لِأَنَّ الْفُرْقَةَ لَا مِنْ قِبَلِهَا وَأُورِدَ عَلَيْهِ مَا لَوْ ارْتَدَّ أَبَوَا صَغِيرَةٍ مَنْكُوحَةٍ وَلَحِقَا بِهَا بِدَارِ الْحَرْبِ بَانَتْ مِنْ زَوْجِهَا وَلَيْسَ لَهَا شَيْءٌ مِنْ الْمَهْرِ وَلَمْ يُوجَدْ الْفِعْلُ مِنْهَا أَصْلًا فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ وَجَدَ وَلَمْ يُعْتَبَرْ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الرِّدَّةَ مَحْظُورَةٌ فِي حَقِّ الصَّغِيرَةِ أَيْضًا وَإِضَافَةُ الْحُرْمَةِ إلَى رِدَّتِهَا التَّابِعَةِ لِرِدَّةِ أَبَوَيْهَا بِخِلَافِ الِارْتِضَاعِ لَا حَاظِرَ لَهُ فَيَسْتَحِقُّ النَّظَرَ فَلَا يَسْقُطُ الْمَهْرُ وَقَدَّمْنَا أَنَّهَا لَا تَبِينُ بِرِدَّةِ أَبَوَيْهَا وَإِنَّمَا بَانَتْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِلَّحَاقِ بِدَارِ الْحَرْبِ (قَوْلُهُ: وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْكَبِيرَةِ إنْ تَعَمَّدَتْ الْفَسَادَ وَإِلَّا لَا) أَيْ وَيَرْجِعُ الزَّوْجُ عَلَى الْكَبِيرَةِ بِمَا لَزِمَهُ مِنْ نِصْفِ مَهْرِ الصَّغِيرَةِ بِشَرْطِ تَعَمُّدِهَا فَسَادَ النِّكَاحِ، وَإِنْ لَمْ تَتَعَمَّدْهُ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا لِأَنَّ الْمُتَسَبِّبَ لَا يَضْمَنُ إلَّا بِالتَّعَدِّي كَحَافِرِ الْبِئْرِ إنْ كَانَ فِي مِلْكِهِ لَا يَضْمَنُ وَإِلَّا ضَمِنَ وَإِنَّمَا لَمْ يَضْمَنْ قَاتِلُ الزَّوْجَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ مَا لَزِمَ الزَّوْجَ لِأَنَّ الزَّوْجَ حَصَلَ لَهُ شَيْءٌ مِمَّا هُوَ الْوَاجِبُ بِالْقَتْلِ فَلَا يُضَاعَفُ عَلَى الْقَاتِلِ وَإِنَّمَا لَمْ يَلْزَمْهُمَا شَيْءٌ فِيمَا لَوْ أَرْضَعَتْ أَجْنَبِيَّتَانِ لَهُمَا لَبَنٌ مِنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ صَغِيرَتَيْنِ تَحْتَ رَجُلٍ، وَإِنْ تَعَمَّدَتَا الْفَسَادَ لِأَنَّ فِعْلَ كُلٍّ مِنْ الْكَبِيرَتَيْنِ غَيْرُ مُسْتَقِلٍّ فَلَا يُضَافُ إلَى وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا لِأَنَّ الْفَسَادَ بِاعْتِبَارِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ مِنْهُمَا بِخِلَافِ الْحُرْمَةِ هُنَا لِأَنَّهُ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْأُمِّ، وَالْبِنْتِ وَهُوَ يَقُومُ بِالْكَبِيرَةِ كَالْمَرْأَتَيْنِ اللَّتَيْنِ لَهُمَا لَبَنٌ مِنْ زَوْجِ الصَّغِيرَةِ إذَا أَرْضَعَتَاهَا لِأَنَّ كُلًّا أَفْسَدَتْ لِصَيْرُورَةِ كُلٍّ بِنْتًا لِلزَّوْجِ وَقَدْ اشْتَبَهَ عَلَى بَعْضِهِمْ الثَّانِيَةُ بِالْأُولَى وَحُرِّفَتْ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ فَلْتُحْفَظْ وَتَعَمُّدُ الْفَاسِدِ لَهُ شُرُوطٌ: الْأَوَّلُ أَنْ تَكُونَ عَاقِلَةً فَلَا رُجُوعَ عَلَى الْمَجْنُونَةِ الثَّانِي أَنْ تُعْلَمَ بِالنِّكَاحِ الثَّالِثُ أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ الرَّضَاعَ مُفْسِدٌ الرَّابِعُ أَنْ يَكُونَ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ بِأَنْ كَانَتْ شَبْعَانَةً فَإِنْ أَرْضَعَتْهَا عَلَى ظَنِّ أَنَّهَا جَائِعَةٌ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهَا شَبْعَانَةٌ لَا تَكُونُ مُتَعَمِّدَةً الْخَامِسُ أَنْ تَكُونَ مُتَيَقِّظَةً فَلَوْ ارْتَضَعَتْ مِنْهَا وَهِيَ نَائِمَةٌ لَا تَكُونُ مُتَعَمِّدَةً، وَالْقَوْلُ قَوْلُهَا مَعَ يَمِينِهَا أَنَّهَا لَمْ تَتَعَمَّدْ، وَفِي الْمِعْرَاجِ، وَالْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُهَا إنْ لَمْ يَظْهَرْ مِنْهَا تَعَمُّدُ الْفَسَادِ لِأَنَّهُ شَيْءٌ فِي بَاطِنِهَا لَا يَقِفُ عَلَيْهِ غَيْرُهَا اهـ. وَهُوَ قَيْدٌ حَسَنٌ لِأَنَّهُ إذَا ظَهَرَ مِنْهَا تَعَمُّدُ الْفَاسِدِ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا لِظُهُورِ كَذِبِهَا وَإِنَّمَا اعْتَبَرْنَا الْجَهْلَ هُنَا لِدَفْعِ قَصْدِ الْفَسَادِ الَّذِي يَصِيرُ الْفِعْلُ بِهِ تَعَدِّيًا لَا لِدَفْعِ الْحُكْمِ مَعَ وُجُودِ الْعِلَّةِ وَكَمَا يَرْجِعُ الزَّوْجُ عَلَى الْكَبِيرَةِ عِنْدَ تَعَمُّدِهَا يَرْجِعُ عَلَى أَجْنَبِيٍّ أَخَذَ ثَدْيَهَا وَجَعَلَهُ فِي فَمِ الصَّغِيرِ بِمَا لَزِمَ الزَّوْجَ وَهُوَ نِصْفُ صَدَاقِ كُلٍّ مِنْهُمَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ: وَيَثْبُتُ بِمَا يَثْبُتُ بِهِ الْمَالُ) وَهُوَ شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ عَدْلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ عُدُولٍ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْحُرْمَةِ لَا يَقْبَلُ الْفَصْلَ عَنْ زَوَالِ الْمِلْكِ فِي بَابِ النِّكَاحِ وَإِبْطَالُ الْمِلْكِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى لَحْمًا فَأَخْبَرَهُ وَاحِدٌ أَنَّهُ ذَبِيحَةُ الْمَجُوسِيِّ حَيْثُ يَحْرُمُ أَكْلُهُ لِأَنَّهُ أَمْرٌ دِينِيٌّ حَيْثُ انْفَكَّتْ حُرْمَةُ التَّنَاوُلِ عَنْ زَوَالِ الْمِلْكِ كَالْخَمْرِ الْمَمْلُوكَةِ وَجِلْدِ الْمَيْتَةِ قَبْلَ الدِّبَاغِ أَفَادَ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ يَتَنَاوَلُ الْإِخْبَارَ قَبْلَ الْعَقْدِ وَبَعْدَهُ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْكَافِي، وَالنِّهَايَةِ وَذَكَرَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مَعْزِيًّا إلَى الْمُحِيطِ لَوْ شَهِدَتْ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ قَبْلَ الْعَقْدِ قِيلَ يُعْتَبَرُ فِي رِوَايَةٍ وَلَا يُعْتَبَرُ فِي رِوَايَةٍ اهـ. وَفِي الْخَانِيَّةِ مِنْ الرَّضَاعِ وَكَمَا لَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بَعْدَ النِّكَاحِ وَلَا تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ بِشَهَادَتِهِنَّ فَكَذَلِكَ قَبْلَ النِّكَاحِ إذَا أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يَخْطُبَ امْرَأَةً فَشَهِدَتْ امْرَأَةٌ قَبْلَ النِّكَاحِ أَنَّهَا أَرْضَعَتْهُمَا كَانَ فِي سَعَةٍ مِنْ تَكْذِيبِهَا كَمَا لَوْ شَهِدَتْ بَعْدَ النِّكَاحِ اهـ. وَذَكَرَ فِي بَابِ الْمُحَرَّمَاتِ صَغِيرٌ وَصَغِيرَةٌ بَيْنَهُمَا شُبْهَةُ الرَّضَاعِ لَا يُعْلَمُ ذَلِكَ حَقِيقَةً قَالُوا لَا بَأْسَ بِالنِّكَاحِ بَيْنَهُمَا هَذَا إذَا لَمْ يُخْبِرْ بِذَلِكَ إنْسَانٌ فَإِنْ أَخْبَرَ عَدْلٌ ثِقَةٌ يُؤَثِّرُ بِقَوْلِهِ وَلَا يَجُوزُ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ كَانَ الْخَبَرُ بَعْدَ النِّكَاحِ وَهُمَا كَبِيرَانِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: فِيمَا لَوْ أَرْضَعَتْ أَجْنَبِيَّتَانِ لَهُمَا لَبَنٌ مِنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ صَغِيرَتَيْنِ) أَيْ أَرْضَعَتْ كُلٌّ مِنْ الْأَجْنَبِيَّتَيْنِ وَاحِدَةً مِنْ الصَّغِيرَتَيْنِ إذْ لَوْ أَرْضَعَتَا كُلًّا مِنْ الصَّغِيرَتَيْنِ كَانَ فِعْلَ كُلٍّ مِنْهُمَا مُسْتَقِلًّا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْفَسَادَ بِاعْتِبَارِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ الْأَجْنَبِيَّتَيْنِ، وَالْجَارُّ، وَالْمَجْرُورُ مُتَعَلِّقٌ بِالْفَسَادِ (قَوْلُهُ: اللَّتَيْنِ لَهُمَا لَبَنٌ مِنْ زَوْجِ الصَّغِيرَةِ إذَا أَرْضَعَتَاهَا) صَوَابُهُ الصَّغِيرَتَيْنِ إذَا أَرْضَعَتَاهُمَا بِتَثْنِيَةِ الصَّغِيرَةِ وَتَثْنِيَةِ الضَّمِيرِ الْمَنْصُوبِ أَيْضًا قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَقَدْ حُرِّفَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فَوَقَعَ فِيهَا الْخَطَأُ وَذَلِكَ بِأَنْ قِيلَ فَأَرْضَعَتْهُمَا امْرَأَتَانِ لَهُمَا مِنْهُ لَبَنٌ مَكَانَ قَوْلِنَا لَهُمَا لَبَنٌ مِنْ رَجُلٍ (قَوْلُهُ: لِصَيْرُورَةِ كُلٍّ بِنْتًا لِلزَّوْجِ) أَيْ لِصَيْرُورَةِ كُلٍّ مِنْ الصَّغِيرَتَيْنِ بِنْتًا لَهُ (قَوْلُهُ: الْأَوَّلُ أَنْ تَكُونَ عَاقِلَةً) فِي ذِكْرِ هَذَا الشَّرْطِ، وَالشَّرْطِ الْخَامِسِ نَظَرٌ لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُمَا بِالْقَصْدِ لِأَنَّ الْمَجْنُونَةَ، وَالنَّائِمَةَ لَا يَكُونُ مِنْهُمَا تَعَمُّدُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 249 فَالْأَحْوَطُ أَنْ يُفَارِقَهَا رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ أَمَرَ بِالْمُفَارَقَةِ اهـ. فَإِمَّا أَنْ يُوَفَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ كُلًّا رِوَايَةٌ وَإِمَّا يُحْمَلُ الْأَوَّلُ عَلَى مَا إذَا لَمْ تُعْلَمْ عَدَالَةُ الْمُخْبِرِ وَجَزَمَ الْبَزَّازِيُّ بِمَا ذَكَرَهُ فِي الْمُحَرَّمَاتِ مُعَلِّلًا بِأَنَّ الشَّكَّ فِي الْأَوَّلِ وَقَعَ فِي الْجَوَازِ، وَفِي الثَّانِي فِي الْبُطْلَانِ، وَالدَّفْعُ أَسْهَلُ مِنْ الرَّفْعِ، وَفِي التَّبْيِينِ مَعْزِيًّا إلَى الْمُغْنِي إنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ مَقْبُولٌ فِي الرَّضَاعِ الطَّارِئِ وَمَعْنَاهُ أَنْ يَكُونَ تَحْتَهُ صَغِيرَةٌ وَتَشْهَدَ وَاحِدَةٌ بِأَنَّهَا أَرْضَعَتْ أُمَّهُ أَوْ أُخْتَهُ أَوْ امْرَأَتَهُ بَعْدَ الْعَقْدِ وَوَجْهُهُ أَنَّ إقْدَامَهُمَا عَلَى النِّكَاحِ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّتِهِ فَمَنْ شَهِدَ بِالرَّضَاعِ الْمُتَقَدِّمِ عَلَى النِّكَاحِ صَارَ مُنَازِعًا لَهُمَا لِأَنَّهُ يَدَّعِي فَسَادَ الْعَقْدِ ابْتِدَاءً وَأَمَّا مَنْ شَهِدَ بِالرَّضَاعِ الْمُتَأَخِّرِ عَنْ الْعَقْدِ فَقَدْ سَلَّمَ صِحَّةَ الْعَقْدِ وَلَا يُنَازِعُ فِيهِ وَإِنَّمَا يَدَّعِي حُدُوثَ الْمُفْسِدِ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِقْدَامُهُمَا عَلَى النِّكَاحِ يَدُلُّ عَلَى صِحَّتِهِ وَلَا يَدُلُّ عَلَى انْتِفَاءِ مَا يَطْرَأُ عَلَيْهِ مِنْ الْمُفْسِدِ فَصَارَ كَمَنْ أَخْبَرَ بِارْتِدَادٍ مُقَارِنٍ مِنْ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ حَيْثُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَلَوْ أَخْبَرَ بِارْتِدَادٍ طَارِئٍ يُقْبَلُ قَوْلُهُ: لِمَا قُلْنَا وَذَكَرَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ أَيْضًا فِي كِتَابِ الْكَرَاهِيَةِ وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُقْبَلَ قَوْلُ الْوَاحِدَةِ قَبْلَ الْعَقْدِ لِعَدَمِ مَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الْعَقْدِ مِنْ الْإِقْدَامِ عَلَيْهِ اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الرِّوَايَةَ قَدْ اخْتَلَفَتْ فِي إخْبَارِ الْوَاحِدَةِ قَبْلَ النِّكَاحِ وَظَاهِرُ الْمُتُونِ أَنَّهُ لَا يُعْمَلُ بِهِ وَكَذَا الْإِخْبَارُ بِرَضَاعٍ طَارٍ فَلْيَكُنْ هُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي الْمَذْهَبِ وَلِذَا اعْتَرَضَ عَلَى الْهِدَايَةِ فِي مَسْأَلَةِ الرَّضَاعِ الطَّارِئِ بِأَنَّ هُنَا مَا يُوجِبُ عَدَمَ الْقَبُولِ فِي مَسْأَلَةِ الصَّغِيرَةِ وَهُوَ أَنَّ الْمِلْكَ لِلزَّوْجِ فِيهَا ثَابِتٌ، وَالْمِلْكُ الثَّابِتُ لَا يَبْطُلُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَقَدْ أَجَابَ عَنْهُ فِي الْعِنَايَةِ بِأَنَّ ذَلِكَ إذَا كَانَ ثَابِتًا بِدَلِيلٍ يُوجِبُ مِلْكَهُ فِيهَا وَهُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ وَخَبَرُ الْوَاحِدِ أَقْوَى مِنْهُ اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ ذَكَرْنَاهُ فِي تَعْلِيقِ الْأَنْوَارِ عَلَى أُصُولِ الْمَنَارِ وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَنَّ الْأَفْضَلَ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا إذَا أَخْبَرَتْهُ امْرَأَةٌ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا يُعْطِيهَا نِصْفَ الْمَهْرِ، وَالْأَفْضَلُ لَهَا أَنْ لَا تَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ بِهَا فَالْأَفْضَلُ لِلزَّوْجِ أَنْ يُعْطِيَهَا كَمَالَ الْمَهْرِ، وَالنَّفَقَةِ، وَالسُّكْنَى وَالْأَفْضَلُ لَهَا أَنْ تَأْخُذَ الْأَقَلَّ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا أَوْ مِنْ الْمُسَمَّى وَلَا تَأْخُذُ النَّفَقَةَ وَلَا السُّكْنَى اهـ. فَإِنْ قُلْت إذَا أَخْبَرَتْهُ بِالرَّضَاعِ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ صِدْقُهَا صَرَّحَ الشَّارِحُ بِأَنَّهُ يَتَنَزَّهُ يَعْنِي وَلَا تُحَرَّمُ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ تُحَرَّمَ قُلْت هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى الثُّبُوتِ لَا عَلَى غَلَبَةِ الظَّنِّ، وَفِي خِزَانَةِ الْفِقْهِ رَجُلٌ تَزَوَّجَ بِامْرَأَةٍ فَقَالَتْ امْرَأَةٌ أَنَا أَرْضَعْتهمَا فَهِيَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ إنْ صَدَّقَهَا الزَّوْجَانِ أَوْ كَذَّبَاهَا أَوْ كَذَّبَهَا الزَّوْجُ وَصَدَّقَتْهَا الْمَرْأَةُ أَوْ صَدَّقَهَا الزَّوْجُ وَكَذَّبَتْهَا الْمَرْأَةُ أَمَّا إذَا صَدَّقَاهَا ارْتَفَعَ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا وَلَا مَهْرَ إنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا فَإِنْ كَانَ قَدْ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ، وَإِنْ كَذَّبَاهَا لَا يَرْتَفِعُ النِّكَاحُ وَلَكِنْ يُنْظَرُ إنْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهَا صَادِقَةٌ يُفَارِقُهَا احْتِيَاطًا، وَإِنْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهَا كَاذِبَةٌ يُمْسِكُهَا، وَإِنْ كَذَّبَهَا الزَّوْجُ وَصَدَّقَتْهَا الْمَرْأَةُ بَقِيَ النِّكَاحُ وَلَكِنْ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَسْتَحْلِفَ الزَّوْجَ بِاَللَّهِ مَا تَعْلَمُ أَنِّي أُخْتُك مِنْ الرَّضَاعِ فَإِنْ نَكَلَ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ حَلَفَ فَهِيَ امْرَأَتُهُ، وَإِنْ صَدَّقَهَا الزَّوْجُ وَكَذَّبَتْهَا الْمَرْأَةُ يَرْتَفِعُ النِّكَاحُ وَلَكِنْ لَا يُصَدَّقُ الزَّوْجُ فِي حَقِّ الْمَهْرِ إنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا يَلْزَمُهُ مَهْرٌ كَامِلٌ وَإِلَّا فَنِصْفُ مَهْرٍ اهـ. وَفِي الْخَانِيَّةِ إذَا أَقَرَّ رَجُلٌ أَنَّ امْرَأَتَهُ أُخْتُهُ مِنْ الرَّضَاعِ وَلَمْ يُصِرَّ عَلَى إقْرَارِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا وَإِنْ أَصَرَّ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا وَكَذَا لَوْ أَقَرَّتْ الْمَرْأَةُ قَبْلَ النِّكَاحِ وَلَمْ تُصِرَّ عَلَى إقْرَارِهَا كَانَ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بِهِ، وَإِنْ أَقَرَّتْ بِذَلِكَ وَلَمْ تُصِرَّ وَلَمْ تُكَذِّبْ نَفْسَهَا وَلَكِنَّ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْهُ جَازَ نِكَاحُهَا لِأَنَّ النِّكَاحَ قَبْلَ الْإِصْرَارِ وَقَبْلَ الرُّجُوعِ عَنْ الْإِقْرَارِ بِمَنْزِلَةِ الرُّجُوعِ عَنْ إقْرَارِهَا، وَإِنْ قَالَتْ الْمَرْأَةُ بَعْدَ النِّكَاحِ كُنْت أَقْرَرْت قَبْلَ النِّكَاحِ أَنَّهُ أَخِي مِنْ الرَّضَاعِ   [منحة الخالق] الْفَسَادِ أَيْ قَصْدُهُ نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا يَحْمِلُ الْأَوَّلَ عَلَى مَا إذَا لَمْ تُعْلَمْ عَدَالَةُ الْمُخْبِرِ) وَفَّقَ الْمَقْدِسِيَّ بِأَنَّ قَوْلَهُ إذَا أَخْبَرَ ثِقَةٌ يُؤْخَذُ بِقَوْلِهِ فَلَا يَجُوزُ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا مَعْنَاهُ يُفْتَى لَهُمْ بِذَلِكَ احْتِيَاطًا وَأَمَّا الثُّبُوتُ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَطَلَبُ الْحُكْمِ مِنْهُ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى شَهَادَةِ النِّصَابِ التَّامِّ قَالَ وَقَالَ الشَّيْخُ قَاسِمُ بْنُ قُطْلُوبُغَا فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ وَلَوْ قَامَتْ عِنْدَهُ حُجَّةٌ دِينِيَّةٌ يُفْتَى لَهُ بِالْأَخْذِ بِالِاحْتِيَاطِ لِأَنَّ تَرْكَ نِكَاحِ امْرَأَةٍ يَحِلُّ نِكَاحُهَا أَوْلَى مِنْ إنْكَاحِ امْرَأَةٍ لَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا (قَوْلُهُ: فَمَنْ شَهِدَ بِالرَّضَاعِ الْمُتَقَدِّمِ عَلَى الْعَقْدِ) أَيْ كَمَا إذَا كَانَتْ كَبِيرَةً قَالَ فِي كَرَاهِيَةِ الْهِدَايَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْمَنْكُوحَةُ كَبِيرَةً لِأَنَّهُ أَخْبَرَ بِفَسَادٍ مُقَارِنٍ لِلْعَقْدِ، وَالْإِقْدَامُ عَلَى الْعَقْدِ يَدُلُّ عَلَى صِحَّتِهِ، وَإِنْكَارُ فَسَادِهِ فَثَبَتَ الْمُنَازِعُ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ: وَذَكَرَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ. . . إلَخْ) قَالَ الْمُؤَلِّفُ فِي شَرْحِ الْمَنَارِ بَعْدُ وَهُوَ تَحْقِيقٌ حَسَنٌ يَجِبُ حِفْظُهُ، وَالطَّلَبَةُ عَنْهُ غَافِلُونَ لَكِنْ اُعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ هُنَا إلَى آخِرِ مَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: وَفِيهِ نَظَرٌ ذَكَرْنَاهُ فِي تَعْلِيقِ الْأَنْوَارِ) أَيْ فِي بَحْثِ الْأَقْسَامِ الْمُخْتَصَّةِ بِالسِّنِينَ عِنْدَ قَوْلِ الْمَنَارِ، وَالثُّلُثُ فِي مَحَلِّ الْخَبَرِ حَيْثُ قَالَ: وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِي الْكَبِيرَةِ أَيْضًا ثَابِتٌ بِالِاسْتِصْحَابِ وَكَذَا فِي سَائِرِ الْأَمْلَاكِ فَلَا يَجُوزُ إبْطَالُهُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 250 وَقَدْ قُلْت إنَّمَا أَقْرَرْت بِهِ حَقٌّ حِينَ أَقْرَرْت بِذَلِكَ فَلَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ لَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَبِمِثْلِهِ لَوْ أَقَرَّ الزَّوْجُ بَعْدَ النِّكَاحِ وَقَالَ كُنْت أَقْرَرْت قَبْلَ النِّكَاحِ أَنَّهَا أُخْتِي مِنْ الرَّضَاعِ وَمَا قُلْته حَقٌّ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا اهـ. وَكَذَا هَذَا الْبَابُ فِي النَّسَبِ عِنْدَنَا لِأَنَّ الْغَلَطَ، وَالِاشْتِبَاهَ فِيهِ أَظْهَرُ فَإِنَّ سَبَبَ النَّسَبِ أَخْفَى مِنْ الرَّضَاعِ وَهَذَا فِيمَنْ لَيْسَ لَهُمَا نَسَبٌ مَعْرُوفٌ كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَظَاهِرُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ أَنَّ مَعْنَى الْإِصْرَارِ هُنَا أَنْ يَقُولَ إنَّ مَا قُلْته حَقٌّ، وَفِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ أَنَّ هَذَا هُوَ تَفْسِيرُ الْإِصْرَارِ، وَالثَّبَاتِ وَلَا يُشْتَرَطُ تَكْرَارُ الْإِقْرَارِ وَلَا يُكْتَفَى فِيهِ فِي تَفْسِيرِ الْإِصْرَارِ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ إذَا قَالَتْ هَذَا ابْنِي رَضَاعًا وَأَصَرَّتْ عَلَيْهِ جَازَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا لِأَنَّ الْحُرْمَةَ لَيْسَتْ إلَيْهَا قَالُوا وَبِهِ يُفْتَى فِي جَمِيعِ الْوُجُوهِ اهـ. وَأَطْلَقْنَا الْمَرْأَتَيْنِ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَتْ إحْدَاهُمَا هِيَ الْمُرْضِعَةُ وَلَا يَضُرُّ فِي شَهَادَتِهِمَا كَوْنُهَا عَلَى فِعْلِ نَفْسِهَا لِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ فِي ذَلِكَ كَشَهَادَةِ الْقَاسِمِ وَشَهَادَةِ الْوَزَّانِ، وَالْكَيَّالِ عَلَى رَبِّ الدَّيْنِ حَيْثُ كَانَ حَاضِرًا كَمَا عُرِفَ فِي الْفَتَاوَى ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الرَّضَاعَ إذَا شَهِدَ بِهِ رَجُلَانِ عَدْلَانِ لَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ إلَّا بِتَفْرِيقِ الْقَاضِي لِمَا فِي الْمُحِيطِ وَلَوْ شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ فَالتَّفْرِيقُ لِلْقَاضِي لِأَنَّ هَذِهِ فُرْقَةٌ وَحُرْمَةٌ تَتَضَمَّنُ إبْطَالَ حَقِّ الْعَبْدِ فَلَا يَتَعَلَّقُ هَذَا الْحُكْمُ بِالشَّهَادَةِ إلَّا بِانْضِمَامِ الْقَضَاءِ إلَيْهَا اهـ. وَهَلْ يَتَوَقَّفُ عَلَى دَعْوَى الْمَرْأَةِ الظَّاهِرُ عَدَمُهُ كَمَا فِي الشَّهَادَةِ بِطَلَاقِهَا فَإِنَّهُ يَتَضَمَّنُ حُرْمَةَ الْفَرْجِ وَهِيَ مِنْ حُقُوقِهِ تَعَالَى وَلَوْ شَهِدَ عِنْدَهَا عَدْلَانِ عَلَى إرْضَاعٍ بَيْنَهُمَا وَهُوَ يَجْحَدُ ثُمَّ مَاتَا أَوْ غَابَا قَبْلَ الشَّهَادَةِ عِنْدَ الْقَاضِي لَا يَسَعُهَا الْمَقَامُ مَعَهُ كَمَا لَوْ شَهِدَا بِطَلَاقِهَا الثَّلَاثِ كَذَلِكَ وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (كِتَابُ الطَّلَاقِ)   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا) تَمَامُ عِبَارَةِ الْخَانِيَّةِ: لِأَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا أَقَرَّتْ بَعْدَ النِّكَاحِ أَنَّ الزَّوْجَ أَخُوهَا مِنْ الرَّضَاعِ وَأَصَرَّتْ عَلَى ذَلِكَ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا عَلَى الزَّوْجِ وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا فَكَذَا إذَا أَسْنَدَتْ ذَلِكَ إلَى مَا قَبْلَ النِّكَاحِ أَمَّا الزَّوْجُ لَوْ أَقَرَّ بَعْدَ النِّكَاحِ وَأَصَرَّ عَلَى إقْرَارِهِ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَكَذَا إذَا أَسْنَدَ إقْرَارَهُ إلَى مَا قَبْلَ النِّكَاحِ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَكْتَفِي بِهِ فِي تَفْسِيرِ الْإِصْرَارِ) الضَّمِيرُ فِي بِهِ يَعُودُ عَلَى تَكْرَارِ الْإِقْرَارِ، وَفِي مَسَائِلَ شَتَّى آخِرَ مِنَحِ الْغَفَّارِ وَهَلْ يَكُونُ تَكْرَارُ إقْرَارِهِ بِذَلِكَ ثَبَاتًا كَانَتْ وَاقِعَةً الْفَتْوَى وَاخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ الْعَصْرِيُّونَ فَمِنْ مُقْتَصِرٍ فِي ذَلِكَ عَلَى الْمَنْقُولِ وَأَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ ثَبَاتًا لَفْظِيًّا فَلَا يَدُلُّ عَلَى الثَّبَاتِ النَّفْسِيِّ وَمِنْ قَائِلٍ بِأَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ ثَبَاتًا لَفْظِيًّا فَيَدُلُّ عَلَى الثَّبَاتِ النَّفْسِيِّ وَاتَّفَقَتْ فِي ذَلِكَ مَبَاحِثُ طَوِيلَةُ الذُّيُولِ وَآلَ الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ إلَى كِتَابَةِ عِبَارَاتِ النُّقُولِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَعَرْضِهَا عَلَى شَيْخِ الْإِسْلَامِ قَاضِي الْقُضَاةِ الشَّيْخِ زَكَرِيَّا الشَّافِعِيِّ إذْ ذَاكَ فَأَجَابَ عَنْهُ بِمَا فِيهِ الْكِفَايَةُ مَذْكُورٌ فِي فَتَاوَاهُ اهـ. قُلْت وَاَلَّذِي فِي فَتَاوَاهُ مَا نَصُّهُ صَرِيحُ هَذِهِ النُّقُولِ وَمَنْطُوقُهَا مَعَ الْعِلْمِ بِوُقُوعِ الْعَطْفِ التَّفْسِيرِيِّ فِي الْكَلَامِ الْفَصِيحِ وَمَعَ النَّظَرِ إلَى مَا هُوَ وَاجِبٌ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ الْمَذْكُورِينَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ النَّظَرِ إلَى الْمَعْنَى الْمَفْهُومِ مِنْ كَلَامِهِمْ شَاهِدٌ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالثَّبَاتِ، وَالدَّوَامِ، وَالْإِصْرَارِ وَاحِدٌ وَبِأَنَّ الْمُقِرَّ بِأُخُوَّةِ الرَّضَاعِ وَنَحْوِهَا إنْ ثَبَتَ عَلَى إقْرَارِهِ لَا يُقْبَلُ رُجُوعُهُ عَنْهُ وَإِلَّا قُبِلَ وَبِأَنَّ الثَّبَاتَ عَلَيْهِ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالْقَوْلِ بِأَنْ يَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ بِذَلِكَ أَوْ يَقُولَ حَقٌّ حَقٌّ أَوْ كَمَا قُلْت أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ كَقَوْلِهِ هُوَ صِدْقٌ أَوْ صَوَابٌ أَوْ صَحِيحٌ أَوْ لَا شَكَّ فِيهِ عِنْدِي إذْ لَا رَيْبَ أَنَّ قَوْلَهُ هُوَ صِدْقٌ آكَدُ مِنْ قَوْلِهِ هُوَ كَمَا قُلْت فَكَلَامُ مَنْ جَمَعَ بَيْنَ هُوَ حَقٌّ وَكَمَا قُلْت كَمَا فَعَلَ السِّرَاجُ الْهِنْدِيُّ مَحْمُولٌ عَلَى التَّأْكِيدِ وَكَلَامُ مَنْ اقْتَصَرَ عَلَى بَعْضِهَا وَلَوْ بِطَرِيقِ الْحَصْرِ مُؤَوَّلٌ بِتَقْدِيرِ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ لِمَا قُلْنَا كَمَا أَوَّلَ قَوْله تَعَالَى {قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [الأنبياء: 108] . وَقَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا الرَّبَّا فِي النَّسِيئَةِ» وَلَيْسَ فِي مَنْطُوقِ النُّصُوصِ الْمَذْكُورَةِ أَنَّ التَّكْرَارَ يَقُومُ مَقَامَ قَوْلِهِ هُوَ حَقٌّ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ حَتَّى يَمْتَنِعَ الرُّجُوعُ بَعْدَهُ نَعَمْ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ صَاحِبِ الْمَبْسُوطِ وَلَكِنَّ الثَّابِتَ عَلَى الْإِقْرَارِ كَالْمُجَدِّدِ لَهُ بَعْدَ الْعَقْدِ أَنَّهُ إذَا أَقَرَّ بِذَلِكَ قَبْلَ الْعَقْدِ ثُمَّ أَقَرَّ بِهِ بَعْدَهُ يَقُومُ مَقَامَ ذَلِكَ اهـ. (قَوْلُهُ: قَالُوا بِهِ يُفْتَى فِي جَمِيعِ الْوُجُوهِ) أَيْ سَوَاءٌ قَالَتْ ذَلِكَ قَبْلَ النِّكَاحِ أَوْ بَعْدَهُ وَسَوَاءٌ أَصَرَّتْ عَلَيْهِ أَوْ أَكَذَبَتْ نَفْسَهَا وَهَذَا خِلَافُ مَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْخَانِيَّةِ السَّابِقِ فَإِنَّ مَفْهُومَهُ إنَّهَا لَوْ قَالَتْ ذَلِكَ قَبْلَ النِّكَاحِ وَأَصَرَّتْ عَلَيْهِ لَيْسَ لَهَا التَّزَوُّجُ بِهِ وَنَصُّ عِبَارَةِ الْبَزَّازِيَّةِ آخِرَ كِتَابِ الطَّلَاقِ قُبَيْلَ كِتَابِ الْأَيْمَانِ قَالَتْ: طَلِّقْنِي ثَلَاثًا ثُمَّ أَرَادَتْ تَزْوِيجَ نَفْسِهَا مِنْهُ لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ أَصَرَّتْ عَلَيْهِ أَوْ أَكَذَبَتْ نَفْسَهَا وَنَصَّ فِي الرَّضَاعِ عَلَى أَنَّهَا إذَا قَالَتْ هَذَا ابْنِي رَضَاعًا وَأَصَرَّتْ عَلَيْهِ جَازَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا لِأَنَّ الْحُرْمَةَ لَيْسَتْ إلَيْهَا قَالُوا وَبِهِ يُفْتِي فِي جَمِيعِ الْوُجُوهِ اهـ. كَلَامُ الْبَزَّازِيَّةِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ مَاتَا أَوْ غَابَا) أَيْ الْعَدْلَانِ وَلَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ فِي الْخَانِيَّةِ وَقَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ لَا يَسَعُهَا الْمَقَامُ عِنْدَهُ لِأَنَّ هَذِهِ شَهَادَةٌ لَوْ قَامَتْ عِنْدَ الْقَاضِي يَثْبُتُ الرَّضَاعُ فَكَذَا إذَا قَامَتْ عِنْدَهَا [كِتَابُ الطَّلَاقِ] الجزء: 3 ¦ الصفحة: 251 لَمَّا ذَكَرَ النِّكَاحَ وَأَحْكَامَهُ اللَّازِمَةَ، وَالْمُتَأَخِّرَةَ عَنْهُ شَرَعَ فِيمَا بِهِ يَرْتَفِعُ وَقَدَّمَ الرَّضَاعَ لِأَنَّهُ يُوجِبُ حُرْمَةً مُؤَبَّدَةً بِخِلَافِ الطَّلَاقِ تَقْدِيمًا لِلْأَشَدِّ عَلَى الْأَخَفِّ وَهُوَ فِي اللُّغَةِ يَدُلُّ عَلَى الْحَلِّ، وَالِانْحِلَالِ يُقَالُ أَطْلَقْت الْأَسِيرَ إذَا حَلَلْت إسَارَهُ وَخَلَّيْت عَنْهُ فَانْطَلَقَ أَيْ ذَهَبَ فِي سَبِيلِهِ وَطَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقًا فَهُوَ مُطَلِّقٌ فَإِنْ كَثُرَ تَطْلِيقُهُ لِلنِّسَاءِ قِيلَ مِطْلِيقٌ وَمِطْلَاقٌ، وَالِاسْمُ الطَّلَاقُ فَطَلَقَتْ هِيَ تَطْلُقُ مِنْ بَابِ قَتَلَ، وَفِي لُغَةٍ مِنْ بَابِ قَرَّبَ فَهِيَ طَالِقٌ بِغَيْرِ هَاءٍ. قَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَكُلُّهُمْ يَقُولُ طَالِقٌ بِغَيْرِ هَاءٍ قَالَ وَأَمَّا قَوْلُ الْأَعْشَى أَيَا جَارَتَا بِينِي فَإِنَّكِ طَالِقَهْ ... كَذَاكَ أُمُورُ النَّاسِ غَادٍ وَطَارِقَهْ فَقَالَ اللَّيْثُ: أَرَادَ طَالِقَةً غَدًا وَإِنَّمَا اجْتَرَأَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يُقَالُ طَلُقَتْ فَحُمِلَ النَّعْتُ عَلَى الْفِعْلِ، وَقَالَ ابْنِ فَارِسٍ: أَيْضًا امْرَأَةٌ طَالِقٌ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا وَطَالِقَةٌ غَدًا فَصَرَّحَ بِالْفَرْقِ لِأَنَّ الصِّفَةَ غَيْرُ وَاقِعَةٍ، وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ إذَا كَانَ النَّعْتُ مُنْفَرِدًا بِهِ الْأُنْثَى دُونَ الذَّكَرِ لَمْ تَدْخُلْهُ الْهَاءُ نَحْوُ طَالِقٍ وَطَامِثٍ وَحَائِضٍ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى فَارِقٍ لِاخْتِصَاصِ الْأُنْثَى بِهِ وَتَمَامُهُ فِي الْمِصْبَاحِ وَبِهِ انْدَفَعَ مَا ذَكَرَهُ فِي الصِّحَاحِ مِنْ أَنَّهُ يُقَالُ طَالِقٌ وَطَالِقَةٌ قَالُوا إنَّهُ اُسْتُعْمِلَ فِي النِّكَاحِ بِالتَّطْلِيقِ، وَفِي غَيْرِهِ بِالْإِطْلَاقِ حَتَّى كَانَ الْأَوَّلُ صَرِيحًا، وَالثَّانِي كِنَايَةً فَلَمْ يَتَوَقَّفْ عَلَى النِّيَّةِ فِي طَلَّقْتُك وَأَنْتِ مُطَلَّقَةٌ بِالتَّشْدِيدِ وَتَوَقَّفَ عَلَيْهَا فِي أَطْلَقْتُك وَمُطْلَقَةٌ بِالتَّخْفِيفِ، وَالتَّفْعِيلُ هُنَا لِلتَّكْثِيرِ إنْ قَالَهُ فِي الثَّالِثَةِ كَغَلَّقَتْ الْأَبْوَابَ وَإِلَّا فَلِلْإِخْبَارِ عَنْ أَوَّلِ طَلْقَةٍ أَوْقَعَهَا فَلَيْسَ فِيهِ إلَّا التَّوْكِيدُ، وَفِي الْمِعْرَاجِ أَنَّهُ اسْمُ مَصْدَرٍ بِمَعْنَى التَّطْلِيقِ كَالسَّلَامِ بِمَعْنَى التَّسْلِيمِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: 229] أَوْ مَصْدَرٌ مِنْ طَلُقَتْ الْمَرْأَةُ بِالضَّمِّ طَلَاقًا أَوْ بِالْفَتْحِ كَالْفَسَادِ مِنْ فَسَدَ، وَعَنْ الْأَخْفَشِ لَا يُقَالُ طَلُقَتْ بِالضَّمِّ، وَفِي دِيوَانِ الْأَدَبِ أَنَّهُ لُغَةٌ اهـ. وَفِي الشَّرِيعَةِ مَا أَفَادَهُ بِقَوْلِهِ (وَهُوَ رَفْعُ الْقَيْدِ الثَّابِتِ شَرْعًا بِالنِّكَاحِ) فَخَرَجَ بِالشَّرْعِيِّ الْقَيْدُ الْحِسِّيُّ وَبِالنِّكَاحِ الْعِتْقُ وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى رَفْعِ قَيْدِ النِّكَاحِ لَخَرَجَا بِهِ وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْقُوضٌ طَرْدًا وَعَكْسًا أَمَّا الْأَوَّلُ فَبِالْفَسْخِ كَتَفْرِيقِ الْقَاضِي بِإِبَائِهَا عَنْ الْإِسْلَامِ وَرِدَّةِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ وَخِيَارِ الْبُلُوغِ، وَالْعِتْقِ فَإِنَّ تَفْرِيقَ الْقَاضِي وَنَحْوِهِ فِيهِ فَسْخٌ وَلَيْسَ بِطَلَاقٍ فَقَدْ وُجِدَ الْحَدُّ وَلَمْ يُوجَدْ الْمَحْدُودُ وَأَمَّا الثَّانِي فَبِالطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ رَفْعُ الْقَيْدِ فَقَدْ انْتَفَى الْحَدُّ وَلَمْ يَنْتَفِ الْمَحْدُودُ فَالْحَدُّ الصَّحِيحُ قَوْلُنَا رَفْعُ قَيْدِ النِّكَاحِ حَالًا أَوْ مَآلًا بِلَفْظٍ مَخْصُوصٍ فَخَرَجَ بِقَيْدِ النِّكَاحِ الْحِسِّيُّ، وَالْعِتْقُ وَبِاللَّفْظِ الْمَخْصُوصِ الْفَسْخُ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا اشْتَمَلَ عَلَى مَادَّةِ الطَّلَاقِ صَرِيحًا وَكِنَايَةً وَسَائِرُ الْكِنَايَاتِ الرَّجْعِيَّةِ، وَالْبَائِنَةِ وَلَفْظُ الْخُلْعِ وَقَوْلُ الْقَاضِي فَرَّقْت بَيْنَكُمَا عِنْدَ إبَاءِ الزَّوْجِ عَنْ الْإِسْلَامِ، وَفِي الْعُنَّةِ، وَاللِّعَانِ وَدَخَلَ الرَّجْعِيُّ بِقَوْلِنَا أَوْ مَآلًا وَهَاهُنَا أَبْحَاثٌ الْأَوَّلُ أَنَّهُمْ قَالُوا رُكْنُهُ اللَّفْظُ الْمَخْصُوصُ الدَّالُّ عَلَى رَفْعِ الْقَيْدِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُعَرِّفُوهُ بِهِ فَإِنَّ حَقِيقَةَ الشَّيْءِ رُكْنُهُ فَعَلَى هَذَا هُوَ لَفْظٌ دَالٌّ عَلَى رَفْعِ قَيْدِ النِّكَاحِ الثَّانِي أَنَّ الْقَيْدَ صَيْرُورَتُهَا مَمْنُوعَةً عَنْ الْخُرُوجِ، وَالْبُرُوزِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ النِّكَاحِ وَرَفْعُهُ يَحْصُلُ بِالْإِذْنِ لَهَا فِي الْخُرُوجِ، وَالْبُرُوزِ فَكَانَ هَذَا التَّعْرِيفُ مُنَاسِبًا لِلْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ لَا الشَّرْعِيِّ. وَلِذَا قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: رُكْنُ الطَّلَاقِ اللَّفْظُ الَّذِي جُعِلَ دَلَالَةً عَلَى مَعْنَى الطَّلَاقِ لُغَةً وَهُوَ التَّخْلِيَةُ، وَالْإِرْسَالُ وَرَفْعُ الْقَيْدِ فِي الصَّرِيحِ وَقَطْعُ الْوَصْلَةِ وَنَحْوُهُ فِي الْكِنَايَاتِ أَوْ شَرْعًا وَهُوَ إزَالَةُ حِلِّ الْمَحَلِّيَّةِ فِي النَّوْعَيْنِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَ اللَّفْظِ اهـ. فَقَدْ أَفَادَ أَنَّ رُكْنَهُ شَرْعًا اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى إزَالَةِ حِلِّ الْمَحَلِّيَّةِ وَأَنَّ رَفْعَ الْقَيْدِ إنَّمَا هُوَ مُنَاسِبٌ لِلْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: صَرِيحًا وَكِنَايَةً) أَيْ كَأَنْتِ طَالِقٌ وَكَأَنْتِ مُطْلَقَةٌ بِالتَّخْفِيفِ وَأَنْتِ طَ لَ قَ فَإِنَّهَا كِنَايَةٌ وَقَوْلُهُ: وَسَائِرُ الْكِنَايَاتِ. . . إلَخْ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ مَا اشْتَمَلَ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ غَيْرُ مُشْتَمِلَةٍ عَلَى مَادَّةِ ط ل ق لَكِنَّ عِبَارَةَ الْفَتْحِ تُفِيدُ خِلَافَ هَذَا فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: فَكَانَ هَذَا التَّعْرِيفُ مُنَاسِبًا لِلْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ لَا الشَّرْعِيِّ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ الْقَيْدَ لَيْسَ مَقْصُورًا عَلَى مَا ذَكَرَهُ وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الْبَدَائِعِ مَا يُوهِمُ هَذَا فَإِنَّهُ قَالَ وَأَمَّا مَا يَرْفَعُ حُكْمَ النِّكَاحِ فَالطَّلَاقُ وَقَالَ قَبْلَهُ لِلنِّكَاحِ الصَّحِيحِ أَحْكَامٌ بَعْضُهَا أَصْلِيٌّ وَبَعْضُهَا مِنْ التَّوَابِعِ فَالْأَوَّلُ حِلُّ الْوَطْءِ إلَّا لِعَارِضٍ، وَالثَّانِي حِلُّ النَّظَرِ وَمِلْكُ الْمُتْعَةِ وَمِلْكُ الْحَبْسِ وَغَيْرُ ذَلِكَ اهـ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ إزَالَةُ حِلِّ الْمَحَلِّيَّةِ فِي النَّوْعَيْنِ) أَيْ فِي الصَّرِيحِ، وَالْكِنَايَةِ وَأَرَادَ بِحِلِّ الْمَحَلِّيَّةِ كَوْنَ الْمَرْأَةِ مَحَلًّا لِلْحِلِّ أَيْ حِلِّ الْوَطْءِ وَدَوَاعِيهِ وَقَوْلُهُ: أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَ اللَّفْظِ مَعْطُوفٌ عَلَى اللَّفْظِ فِي قَوْلِهِ رُكْنُ الطَّلَاقِ اللَّفْظُ وَفَسَّرَ فِي الْبَدَائِعِ الَّذِي يَقُومُ مَقَامَ اللَّفْظِ بِالْكِتَابَةِ، وَالْإِشَارَةِ أَيْ الْكِتَابَةِ الْمُسْتَبِينَةِ، وَالْإِشَارَةِ بِالْأَصَابِعِ الْمَقْرُونَةِ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 252 الثَّالِثُ كَانَ يَنْبَغِي تَعْرِيفُهُ بِأَنَّهُ رَفْعُ عَقْدِ النِّكَاحِ بِلَفْظٍ مَخْصُوصٍ وَلَوْ مَآلًا لَا يُقَالُ لَوْ كَانَ الطَّلَاقُ رَافِعًا لِلْعَقْدِ لَارْتَفَعَ الطَّلَاقُ لِأَنَّ رَفْعَ الْعَقْدِ بِدُونِ الْعَقْدِ لَا يُتَصَوَّرُ فَإِذَا انْعَدَمَ الْعَقْدُ مِنْ الْأَصْلِ انْعَدَمَ الْفَسْخُ مِنْ الْأَصْلِ فَإِذَا انْعَدَمَ الْفَسْخُ عَادَ الْعَقْدُ لِفَقْدِ مَا يُنَافِيهِ لِأَنَّا نَقُولُ جَوَابُهُ مَا أَجَابُوا بِهِ فِي الْقَوْلِ بِفَسْخِ عَقْدِ الْبَيْعِ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يَجْعَلُ الْعَقْدَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ دُونَ الْمَاضِي وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَهُوَ فِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ الْمَعْنَى الْمَوْضُوعِ لِحَلِّ عُقْدَةِ النِّكَاحِ وَيُقَالُ إنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ إسْقَاطِ الْحَقِّ عَنْ الْبُضْعِ وَلِهَذَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ، وَالطَّلَاقُ عِنْدَهُمْ لَا يُزِيلُ الْمِلْكَ وَإِنَّمَا يَحْصُلُ زَوَالُ الْمِلْكِ عَقِيبَهُ إذَا كَانَ طَلَاقًا قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَائِنًا، وَإِنْ كَانَ رَجْعِيًّا وَقَفَ عَلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ أَيْ لَمْ يَزُلْ الْمِلْكُ إلَّا بَعْدَ انْقِضَائِهَا اهـ. وَفِي الْبَدَائِعِ وَأَمَّا بَيَانُ مَا يَرْفَعُ حُكْمَ النِّكَاحِ فَالطَّلَاقُ إلَى آخِرِهِ فَجُعِلَ الْمَرْفُوعُ الْحُكْمَ، وَفِيهِ مَا عَلِمْت، وَقَدْ يُقَالُ إنَّمَا لَمْ يَقُولُوا بِرَفْعِ الْعَقْدِ لِبَقَاءِ آثَارِهِ مِنْ الْعِدَّةِ إلَّا أَنَّهُ يَخُصُّ الْمَدْخُولَ بِهَا وَأَمَّا غَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا فَلَا أَثَرَ بَعْدَ الطَّلَاقِ، وَالتَّحْقِيقُ مَا أَفَادَهُ فِي التَّلْوِيحِ مِنْ بَحْثِ الْعِلَلِ بِقَوْلِهِ وَأَمَّا بَقَاءُ الْعِلَلِ الشَّرْعِيَّةِ حَقِيقَةً كَالْعُقُودِ مَثَلًا فَلَا خَفَاءَ فِي بُطْلَانِهِ فَإِنَّهَا كَلِمَاتٌ لَا يُتَصَوَّرُ حُدُوثُ حَرْفٍ مِنْهَا حَالَ قِيَامِ حَرْفٍ آخَرَ، وَالْفَسْخُ إنَّمَا يَرِدُ عَلَى الْحُكْمِ دُونَ الْعَقْدِ وَلَوْ سُلِّمَ فَالْحُكْمُ بِبَقَائِهَا ضَرُورِيٌّ ثَبَتَ دَفْعًا لِلْحَاجَةِ إلَى الْفَسْخِ فَلَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ غَيْرِ الْفَسْخِ اهـ. الرَّابِعُ أَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا ثُمَّ رَاجَعَهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ طَلَاقًا لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الرَّفْعُ فِي الْمَآلِ وَجَوَابُهُ أَنَّ الرَّفْعَ فِي الْمَآلِ لَمْ يَنْحَصِرْ فِي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ قَبْلَ الْمُرَاجَعَةِ بَلْ فِيهِ، وَفِيمَا إذَا طَلَّقَهَا بَعْدَ ثِنْتَيْنِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَظْهَرُ عَمَلُ الطَّلْقَةِ الْأُولَى بِانْضِمَامِ الثِّنْتَيْنِ إلَيْهَا فَتَحْرُمُ حُرْمَةً غَلِيظَةً. كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْمُحِيطِ بِقَوْلِهِ: وَإِذَا طَلَّقَهَا ثُمَّ رَاجَعَهَا يَبْقَى الطَّلَاقُ، وَإِنْ كَانَ لَا يُزِيلُ الْقَيْدَ، وَالْحِلَّ لِلْحَالِ لِأَنَّهُ يُزِيلُهُمَا فِي الْمَآلِ إذَا انْضَمَّ إلَيْهِ ثِنْتَانِ اهـ. وَعَلَى هَذَا لَوْ طَلَّقَهَا ثُمَّ مَاتَتْ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ أَوْ طَلَّقَهَا ثُمَّ رَاجَعَهَا ثُمَّ مَاتَتْ بَعْدَ سِنِينَ يَنْبَغِي أَنْ يَتَبَيَّنَ عَدَمُ وُقُوعِ الطَّلْقَةِ الْأُولَى حَتَّى لَوْ حَلَفَ أَنَّهُ لَمْ يُوقِعْ عَلَيْهَا طَلَاقًا قَطُّ لَا يَحْنَثُ، وَقَدْ عَلِمْت رُكْنَهُ، وَأَمَّا سَبَبُهُ فَالْحَاجَةُ إلَى الْخَلَاصِ عِنْدَ تَبَايُنِ الْأَخْلَاقِ وَعُرُوضِ الْبَغْضَاءِ الْمُوجِبَةِ عَدَمَ إقَامَةِ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى وَشَرْعِهِ رَحْمَةً مِنْهُ - سُبْحَانَهُ - وَأَمَّا صِفَتُهُ فَهُوَ أَبْغَضُ الْمُبَاحَاتِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَفِي الْمِعْرَاجِ: إيقَاعُ الطَّلَاقِ مُبَاحٌ، وَإِنْ كَانَ مُبَغَّضًا فِي الْأَصْلِ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ: لَا يُبَاحُ إيقَاعُهُ إلَّا لِضَرُورَةِ كِبَرِ سِنٍّ أَوْ رِيبَةٍ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَعَنَ اللَّهُ كُلَّ مِذْوَاقٍ مِطْلَاقٍ» وَلَنَا إطْلَاقُ الْآيَاتِ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي الْإِبَاحَةَ مُطْلَقًا «وَطَلَّقَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَفْصَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَأَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يُرَاجِعَهَا فَإِنَّهَا صَوَّامَةٌ قَوَّامَةٌ» وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ رِيبَةٌ وَلَا كِبَرُ سِنٍّ وَكَذَا الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَإِنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - طَلَّقَ أُمَّ عَاصِمٍ وَابْنَ عَوْفٍ تُمَاضِرَ وَالْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ أَرْبَعَ نِسْوَةٍ وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - اسْتَكْثَرَ النِّكَاحَ، وَالطَّلَاقَ بِالْكُوفَةِ فَقَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى الْمِنْبَرِ: إنَّ ابْنِي هَذَا مِطْلَاقٌ فَلَا تُزَوِّجُوهُ فَقَالُوا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: لَا يُقَالُ لَوْ كَانَ الطَّلَاقُ رَافِعًا لِلْعَقْدِ لَارْتَفَعَ الطَّلَاقُ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَفِي بَعْضِهَا لَارْتَفَعَ الْعَقْدُ، وَفِي بَعْضِهَا لَوْ كَانَ الطَّلَاقُ رَافِعًا لِلْقَيْدِ لَارْتَفَعَ الطَّلَاقُ لِأَنَّ رَفْعَ الْقَيْدِ بِدُونِ الْعَقْدِ لَا يُتَصَوَّرُ. . . إلَخْ. (قَوْلُهُ: فَإِذَا انْعَدَمَ الْفَسْخُ عَادَ الْعَقْدُ لِفَقْدِ مَا يُنَافِيهِ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَفِي بَعْضِهَا عَادَ الطَّلَاقُ، وَالصَّوَابُ الْأُولَى كَمَا ذَكَرَهُ الرَّمْلِيُّ (قَوْلُهُ: وَفِيهِ مَا عَلِمْت) أَيْ مِنْ أَنَّهُ يَكُونُ التَّعْرِيفُ مُنَاسِبًا لِلْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ لَا الشَّرْعِيِّ، وَقَدْ عَلِمْت انْدِفَاعَهُ بِمَا مَرَّ عَنْ النَّهْرِ وَمِمَّا يُؤَيِّدُ مَا فِي الْبَدَائِعِ مَا يَأْتِي قَرِيبًا عَنْ التَّلْوِيحِ (قَوْلُهُ: وَقَدْ يُقَالُ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ الثَّالِثِ كَانَ يَنْبَغِي تَعْرِيفُهُ بِأَنَّهُ رَفْعُ عَقْدِ النِّكَاحِ لَكِنْ يُنَافِيهِ مَا يَأْتِي عَنْ التَّلْوِيحِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الرَّمْلِيُّ (قَوْلُهُ: الرَّابِعُ أَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا. . . إلَخْ) وَارِدٌ عَلَى قَوْلِهِ فِي التَّعْرِيفِ السَّابِقِ أَوْ مَآلًا الْمَدْخَلُ لِلرَّجْعِيِّ (قَوْلُهُ: وَفِيمَا إذَا طَلَّقَهَا بَعْدَ ثِنْتَيْنِ) لَفْظٌ بَعْدُ مَبْنِيٌّ عَلَى الضَّمِّ لَا مُضَافٌ إلَى ثِنْتَيْنِ لِأَنَّهُ لَا يُلَائِمُهُ مَا بَعْدَهُ. (قَوْلُهُ: وَعَلَى هَذَا لَوْ طَلَّقَهَا. . . إلَخْ.) قِيلَ مَا حَاصِلُهُ هَذَا يَصْلُحُ إيرَادًا عَلَى الْجَوَابِ الْمُتَقَدِّمِ فَإِنَّهُ لَمْ يَرْتَفِعْ الْقَيْدُ بِأَحَدِ الشَّيْئَيْنِ مَعَ أَنَّهُ قَدْ صَدَرَ مِنْهُ اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى رَفْعِ الْقَيْدِ الَّذِي هُوَ رُكْنُ الطَّلَاقِ فَالْأَحْسَنُ فِي التَّعْرِيفِ الشَّرْعِيِّ مَا ذَكَرَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ بِقَوْلِهِ هُوَ إزَالَةُ النِّكَاحِ أَوْ نُقْصَانُ حِلِّهِ بِلَفْظٍ مَخْصُوصٍ اهـ. وَفِيهِ أَنَّ مُجَرَّدَ صُدُورِ اللَّفْظِ الَّذِي هُوَ الرُّكْنُ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ زَوَالُ الْقَيْدِ فِي الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ بَلْ يَتَوَقَّفُ عَلَى انْضِمَامِ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ أَوْ إيقَاعِ الثِّنْتَيْنِ كَمَا هُوَ صَرِيحُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ فَهُوَ طَلَاقٌ لَكِنْ لَمْ يَظْهَرْ حُكْمُهُ لِعَدَمِ وُجُودِ شَرْطِهِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْمُحِيطِ. (قَوْلُهُ: حَتَّى لَوْ حَلَفَ أَنَّهُ لَمْ يُوقِعْ عَلَيْهَا طَلَاقًا قَطُّ لَمْ يَحْنَثْ) قَالَ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِهِ: كَيْفَ يُقَالُ لَمْ يُوقِعْ طَلْقَةً وَلَوْ أَوْقَعَ ثِنْتَيْنِ بَعْدَهَا حَرُمَتْ حُرْمَةً غَلِيظَةً إجْمَاعًا، وَالْمُرَاجَعَةُ تَقْتَضِي وُقُوعَ الطَّلَاقِ فَقَدْ صَرَّحَ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ الْمُرَاجَعَةَ بِدُونِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ مُحَالٌ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 253 نُزَوِّجُهُ ثُمَّ نُزَوِّجُهُ ثُمَّ نُزَوِّجُهُ اهـ. وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا «أَبْغَضُ الْحَلَالِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى عَزَّ وَجَلَّ الطَّلَاقُ» قَالَ الشُّمُنِّيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنْ قِيلَ هَذَا الْحَدِيثُ مُشْكِلٌ لِأَنَّ كَوْنَ الطَّلَاقِ مُبَغَّضًا إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مُنَافٍ لِكَوْنِهِ حَلَالًا لِأَنَّ كَوْنَهُ مُبَغَّضًا يَقْتَضِي رُجْحَانَ تَرْكِهِ عَلَى فِعْلِهِ وَكَوْنُهُ حَلَالًا يَقْتَضِي مُسَاوَاةَ تَرْكِهِ بِفِعْلِهِ أُجِيبَ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْحَلَالِ هُنَا مَا اسْتَوَى فِعْلُهُ وَتَرْكُهُ بَلْ مَا لَيْسَ تَرْكُهُ بِلَازِمٍ الشَّامِلَ لِلْمُبَاحِ، وَالْوَاجِبِ، وَالْمَنْدُوبِ، وَالْمَكْرُوهِ اهـ. وَبِمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ الْمِعْرَاجِ تَبَيَّنَ أَنَّ قَوْلَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَالْأَصَحُّ حَظْرُهُ إلَّا لِحَاجَةٍ اخْتِيَارُ الْقَوْلِ الضَّعِيفِ وَلَيْسَ الْمَذْهَبُ عَنْ عُلَمَائِنَا وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ كَلَامَهُمْ فِيمَا سَيَأْتِي مِنْ التَّعْلِيلِ يُصَرِّحُ بِأَنَّهُ مَحْظُورٌ لِمَا فِيهِ مِنْ كُفْرَانِ نِعْمَةِ النِّكَاحِ وَإِنَّمَا أُبِيحَ لِلْحَاجَةِ، وَالْحَاجَةُ مَا ذَكَرْنَا فِي بَيَانِ سَبَبِهِ فَبَيْنَ الْحُكْمَيْنِ مِنْهُمْ تَدَافُعٌ اهـ. فَجَوَابُهُ أَنَّهُ لَا تَدَافُعَ بَيْنَ كَلَامِهِمْ لِأَنَّ كَلَامَهُمْ هُنَا صَرِيحٌ فِي إبَاحَتِهِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ وَدَعْوَى أَنَّ تَعْلِيلَهُمْ فِيمَا سَيَأْتِي بِأَنَّهُ مَحْظُورٌ خِلَافَ الْوَاقِعِ مِنْهُمْ وَإِنَّمَا قَالُوا فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى بِدْعِيَّةِ الثَّلَاثِ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الطَّلَاقِ هُوَ الْحَظْرُ لِمَا فِيهِ مِنْ قَطْعِ النِّكَاحِ الَّذِي تَعَلَّقَتْ بِهِ الْمَصَالِحُ الدِّينِيَّةُ، وَالدُّنْيَوِيَّةُ، وَالْإِبَاحَةُ لِلْحَاجَةِ إلَى الْخَلَاصِ وَلَا حَاجَةَ إلَى الْجَمْعِ بَيْنَ الثَّلَاثِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُحِيطِ وَغَيْرِهِمَا فَهَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَحْظُورٌ شَرْعًا وَإِنَّمَا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: أُجِيبَ. . . إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَلَالِ مَا لَيْسَ بِحَرَامٍ فَلَا يُنَافِي الْحُكْمَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ مَبْغُوضٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ أَحَدُ مَا شَمَلَهُ وَهُوَ الْمَكْرُوهُ فَيَصِحُّ الْحُكْمُ عَلَيْهِ بِالْأَبْغَضِيَّةِ بِخِلَافِ مَا إذَا أُرِيدَ بِالْحَلَالِ الْمُبَاحُ فَإِنَّهُ يُنَافِي الْحُكْمَ الْمَذْكُورَ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْجَوَابَ مُؤَيِّدٌ لِمَا صَحَّحَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ: اخْتِيَارٌ لِلْقَوْلِ الضَّعِيفِ) أَيْ مِنْ حَيْثُ التَّقْيِيدُ بِالْحَاجَةِ لَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِأَنَّ الْقَوْلَ الضَّعِيفَ تَخْصِيصُ الْحَاجَةِ بِالْكِبَرِ، وَالرِّيبَةِ وَاَلَّذِي فِي الْفَتْحِ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ قَالَ غَيْرَ أَنَّ الْحَاجَةَ لَا تَقْتَصِرُ عَلَى الْكِبَرِ، وَالرِّيبَةِ فَمِنْ الْحَاجَةِ الْمُبِيحَةِ أَنْ يُلْقِي إلَيْهِ عَدَمَ اشْتِهَائِهَا بِحَيْثُ يَعْجِزُ أَوْ يَتَضَرَّرُ بِإِكْرَاهِهِ نَفْسَهُ عَلَى جِمَاعِهَا فَهَذَا إذَا وَقَعَ فَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى طَوْلِ غَيْرِهَا مَعَ اسْتِبْقَائِهَا وَرَضِيَتْ بِإِقَامَتِهَا فِي عِصْمَتِهِ بِلَا وَطْءٍ وَبِلَا قَسَمٍ فَيُكْرَهُ طَلَاقُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَادِرًا عَلَى طَوْلِهَا أَوْ لَمْ تَرْضَ هِيَ بِتَرْكِ حَقِّهَا فَهُوَ مُبَاحٌ اهـ. (قَوْلُهُ: فَهَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَحْظُورٌ شَرْعًا إلَخْ.) . اعْلَمْ أَنَّهُ فِي الْهِدَايَةِ صَرَّحَ بِأَنَّ الطَّلَاقَ مَشْرُوعٌ فِي ذَاتِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ إزَالَةُ الرِّقِّ وَقَالَ إنَّهُ لَا يُنَافِي الْحَظْرَ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ وَهُوَ مَا فِيهِ مِنْ قَطْعِ النِّكَاحِ الَّذِي تَعَلَّقَتْ بِهِ الْمَصَالِحُ الدِّينِيَّةُ، وَالدُّنْيَوِيَّةُ وَصَرَّحَ أَيْضًا بِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ الْحَظْرُ وَأَنَّ الْإِبَاحَةَ لِحَاجَةِ الْخَلَاصِ فَتَحْصُلُ مِنْ مَجْمُوعِ كَلَامِهِ أَنَّهُ مَشْرُوعٌ مِنْ جِهَةٍ وَمَحْظُورٌ مِنْ جِهَةٍ فَمَشْرُوعِيَّتُهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ إزَالَةُ الرِّقِّ فَإِنَّ النِّكَاحَ رِقُّ الْمَرْأَةِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ، وَقَدْ يَتَضَرَّرُ الرَّجُلُ بِهَا كَمَا قَدْ تَتَضَرَّرُ هِيَ بِهِ فَلَوْ لَمْ يُشْرَعْ وَجْهٌ لِلْخَلَاصِ لَلَزِمَ الضَّرَرُ الْمُؤَدِّي إلَى أَنْ لَا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَإِنَّمَا كَانَ الْأَصْلُ فِيهِ الْحَظْرَ لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا} [الروم: 21] الْآيَةَ فَفِيهِ كُفْرَانُ هَذِهِ النِّعْمَةِ وَقَطْعٌ لِهَذِهِ الْمَوَدَّةِ، وَالرَّحْمَةِ الَّتِي بِهَا مَصَالِحُ الدِّينِ، وَالدُّنْيَا فَهَذِهِ جِهَةُ حَظْرِهِ وَلَا تَنَافِي بَيْنَ الْحَظْرِ، وَالْمَشْرُوعِيَّةِ مِنْ جِهَتَيْنِ كَالصَّلَاةِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ لَكِنَّ جِهَةَ الْحَظْرِ تَنْدَفِعُ بِالْحَاجَةِ كَكِبَرٍ أَوْ رِيبَةٍ أَوْ دَمَامَةِ خِلْقَةٍ أَوْ تَنَافُرِ طِبَاعٍ بَيْنَهُمَا أَوْ إرَادَةِ تَأْدِيبٍ أَوْ عَدَمِ قُدْرَةٍ عَلَى الْإِقَامَةِ بِحُقُوقِ النِّكَاحِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَبِالْحَاجَةِ تَتَمَحَّضُ جِهَةُ الْمَشْرُوعِيَّةِ وَتَزُولُ جِهَةُ الْحَظْرِ وَبِدُونِهَا تَبْقَى الْجِهَتَانِ لِمَا فِيهِ مِنْ كُفْرَانِ النِّعْمَةِ وَإِيذَائِهَا وَإِيذَاءِ أَهْلِهَا وَأَوْلَادِهِ مِنْهَا بِلَا حَاجَةٍ وَلَا سَبَبٍ وَلِذَا قَالَ تَعَالَى: {فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلا} [النساء: 34] أَيْ فَلَا تَطْلُبُوا الْفِرَاقَ وَعَلَيْهِ الْحَدِيثُ «أَبْغَضُ الْحَلَالِ إلَى اللَّهِ الطَّلَاقُ» أَيْ أَبْغَضُ الْمَشْرُوعِ الطَّلَاقُ وَمَشْرُوعِيَّتُهُ بِمَعْنَى عَدَمِ حُرْمَتِهِ فَلَا يُنَافِي كَوْنَهُ مَبْغُوضًا كَمَا مَرَّ عَنْ الشُّمُنِّيِّ أَوْ كَمَا قَالَ فِي الْفَتْحِ أَنَّهُ بِاعْتِبَارِ إبَاحَتِهِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ أَعْنِي أَوْقَاتَ تَحَقُّقِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ. وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ قَوْلِهِمْ أَنَّهُ مُبَاحٌ وَقَوْلُهُمْ: الْأَصْلُ فِيهِ الْحَظْرُ، وَالْإِبَاحَةُ لِلْحَاجَةِ إلَى الْخَلَاصِ فَإِنَّ إبَاحَتَهُ مِنْ جِهَةٍ وَحَظْرَهُ مِنْ جِهَةٍ وَلَيْسَتْ جِهَةُ الْإِبَاحَةِ خَاصَّةً بِالْكِبَرِ، وَالرِّيبَةِ كَمَا مَرَّ عَنْ بَعْضِهِمْ فَإِنَّهُ ضَعِيفٌ بَلْ هِيَ مُطْلَقَةٌ فَكُلُّ دَاعٍ إلَى الْخَلَاصِ مِمَّا هُوَ مُعْتَبَرٌ شَرْعًا مِنْ الْأَعْذَارِ رَافِعٌ لِجِهَةِ الْحَظْرِ وَمُمَحِّضٌ لِجِهَةِ الْإِبَاحَةِ وَالْمَشْرُوعِيَّةِ فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْمِعْرَاجِ أَنَّهُ مُبَاحٌ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ ذَكَرَهُ فِي مَعْرِضِ الرَّدِّ عَلَى الْقَوْلِ بِتَقْيِيدِ الْحَاجَةِ بِالْكِبَرِ، وَالرِّيبَةِ وَلِذَا قَالَ فِي الْفَتْحِ غَيْرَ أَنَّ الْحَاجَةَ لَا تَقْتَصِرُ عَلَى ذَلِكَ وَلَا يُمْكِنُ إثْبَاتُ الْإِبَاحَةِ مُطْلَقًا لِمُنَافَاتِهِ إثْبَاتَ جِهَةِ الْحَظْرِ إذْ لَا شَكَّ أَنَّهُ بِلَا سَبَبٍ أَصْلًا لَا يَنْبَغِي فِعْلُهُ وَيُنْسَبُ فَاعِلُهُ إلَى الْحُمْقِ لِمَا فِيهِ مِنْ كُفْرَانِ النِّعْمَةِ، وَالْإِيذَاءِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ فَلَيْسَتْ جِهَةُ الْحَظْرِ سَاقِطَةً بِالْكُلِّيَّةِ كَمَا يُوهِمُهُ كَلَامُ الْبَحْرِ وَلِذَا كَانَ أَبْغَضَ الْحَلَالِ بِخِلَافِ قَوْلِهِمْ الْأَصْلُ فِي النِّكَاحِ الْحَظْرُ فَإِنَّ هَذَا الْأَصْلَ سَاقِطٌ وَإِنَّهُ حَرَامٌ فِي الْأَصْلِ لِمَا فِيهِ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِجُزْءِ الْآدَمِيِّ الْمُحْتَرَمِ، وَالِاطِّلَاعِ عَلَى الْعَوْرَاتِ وَارْتَفَعَ هَذَا الْأَصْلُ لِحَاجَةِ التَّوَالُدِ، وَالتَّنَاسُلِ وَبَقَاءِ الْعَالَمِ أَمَّا الْأَصْلُ فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 254 يُفِيدُ أَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ الْحَظْرُ وَتُرِكَ ذَلِكَ بِالشَّرْعِ فَصَارَ الْحِلُّ هُوَ الْمَشْرُوعُ فَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِ صَاحِبِ كَشْفِ الْأَسْرَارِ أَنَّ الْأَصْلَ فِي النِّكَاحِ الْحَظْرُ وَإِنَّمَا أُبِيحَ لِلْحَاجَةِ إلَى التَّوَالُدِ، وَالتَّنَاسُلِ فَهَلْ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ مَحْظُورٌ فَالْحَقُّ إبَاحَتُهُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ طَلَبًا لِلْخَلَاصِ مِنْهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ} [البقرة: 236] وَحَمْلُهُ عَلَى الْحَاجَةِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ. وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ: يُسْتَحَبُّ طَلَاقُهَا إذَا كَانَتْ سَلِيطَةً مُؤْذِيَةً أَوْ تَارِكَةً لِلصَّلَاةِ لَا تُقِيمُ حُدُودَ اللَّهِ تَعَالَى اهـ. وَهُوَ يُفِيدُ جَوَازَ مُعَاشَرَةِ مَنْ لَا تُصَلِّي وَلَا إثْمَ عَلَيْهِ بَلْ عَلَيْهَا وَلِذَا قَالُوا فِي الْفَتَاوَى لَهُ أَنْ يَضْرِبَهَا عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ وَلَمْ يَقُولُوا عَلَيْهِ مَعَ أَنَّ فِي ضَرْبِهَا عَلَى تَرْكِهَا رِوَايَتَيْنِ ذَكَرَهُمَا قَاضِي خَانْ فَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ مُبَاحٌ وَمُسْتَحَبٌّ وَسَيَأْتِي أَنَّهُ حَرَامٌ بِدْعِيٌّ وَيَكُونُ وَاجِبًا إذَا فَاتَ الْإِمْسَاكُ بِالْمَعْرُوفِ كَمَا فِي امْرَأَةِ الْمَجْبُوبِ، وَالْعِنِّينِ بَعْدَ الطَّلَبِ، وَلِذَا قَالُوا إذَا فَاتَهُ الْإِمْسَاكُ بِالْمَعْرُوفِ نَابَ الْقَاضِي مَنَابَهُ فَوَجَبَ التَّسْرِيحُ بِالْإِحْسَانِ وَأَمَّا شَرْطُهُ فِي الزَّوْجِ فَالْعَقْلُ، وَالْبُلُوغُ، وَفِي الزَّوْجَةِ أَنْ تَكُونَ مَنْكُوحَتَهُ أَوْ فِي عِدَّتِهِ الَّتِي تَصْلُحُ مَعَهَا مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ وَهِيَ الْمُعْتَدَّةُ بِعِدَّةِ الطَّلَاقِ لَا الْمُعْتَدَّةُ بِعِدَّةِ الْوَطْءِ، وَالْخَلْوَةِ وَحَاصِلُ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ الْمُعْتَدَّةَ الَّتِي هِيَ مَحَلٌّ لِلطَّلَاقِ هِيَ كُلُّ مُعْتَدَّةٍ عَنْ طَلَاقٍ أَوْ بَعْدَ تَفْرِيقِ الْقَاضِي بِإِبَاءِ أَحَدِهِمَا عَنْ الْإِسْلَامِ وَبَعْدَ ارْتِدَادِ أَحَدِهِمَا مُطْلَقًا فَقَطْ فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي عِدَّةٍ عَنْ فَسْخٍ إلَّا فِي هَاتَيْنِ وَلَا يَقَعُ فِي الْعِدَّةِ عَنْ فَسْخٍ بِحُرْمَةٍ مُؤَبَّدَةٍ كَمَا إذَا اعْتَرَضَتْ الْحُرْمَةُ بِتَقْبِيلِ ابْنِ الزَّوْجِ وَكَذَا عَنْ فَسْخٍ بِحُرْمَةٍ غَيْرِ مُؤَبَّدَةٍ كَالْفَسْخِ بِخِيَارِ الْعِتْقِ، وَالْبُلُوغِ وَعَدَمِ الْكَفَاءَةِ وَنُقْصَانِ الْمَهْرِ وَسَبْيِ أَحَدِهِمَا وَمُهَاجِرَتِهِ إلَيْنَا، وَقَدْ صَرَّحَ فِي بَحْثِ خِيَارِ الْبُلُوغِ بِأَنَّ الْأَوْجَهَ وُقُوعُ الطَّلَاقِ فِي الْعِدَّةِ وَنَبَّهْنَا فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ أَنَّ الْمَنْقُولَ خِلَافُهُ فَالْحَقُّ مَا ذَكَرَهُ هُنَا مِنْ عَدَمِهِ وَزَادَ فِي الْبَدَائِعِ أَنَّ مِنْ شَرَائِطِهِ شَرْطَ الرُّكْنِ وَهُوَ اللَّفْظُ الْمَخْصُوصُ أَنْ لَا يَلْحَقَهُ اسْتِثْنَاءٌ وَأَنْ لَا يَكُونَ لِلطَّلَاقِ انْتِهَاءُ غَايَةٍ فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ لَمْ تَقَعْ الثَّلَاثُ عِنْدَ الْإِمَامِ وَأَمَّا حُكْمُهُ فَوُقُوعُ الْفُرْقَةِ مُؤَجَّلًا إلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فِي الرَّجْعِيِّ وَبِدُونِهِ فِي الْبَائِنِ وَأَمَّا مَحَاسِنُهُ فَالتَّخَلُّصُ بِهِ مِنْ الْمَكَارِهِ الدِّينِيَّةِ، وَالدُّنْيَوِيَّةِ وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ طَلَاقَ الدَّوْرَ وَاقِعٌ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ مِنْ آخِرِ الْإِيمَانِ وَأَمَّا أَقْسَامُهُ فَثَلَاثَةٌ: حَسَنٌ، وَأَحْسَنُ، وَبِدْعِيٌّ   [منحة الخالق] الطَّلَاقِ فَإِنَّهُ بَاقٍ لَمْ يَسْقُطْ بِالْكُلِّيَّةِ فَبَيْنَ الْأَصْلَيْنِ بَوْنٌ بَعِيدٌ لِمَا قُلْنَا مِنْ بَقَاءِ الْحَظْرِ إذَا كَانَ بِلَا سَبَبٍ أَصْلًا وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ طَلَاقُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - عَلَى فِعْلِهِ بِلَا سَبَبٍ أَصْلًا بِأَنْ يَكُونَ لَغْوًا وَعَبَثًا بَلْ لَا بُدَّ مِنْ سَبَبٍ مُعْتَبَرٍ شَرْعًا مِنْ الْأَعْذَارِ الْمَذْكُورَةِ وَنَحْوِهَا فَهَذَا تَحْقِيقُ الْمَقَامِ بِمَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ فَاغْتَنِمْهُ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ يُفِيدُ جَوَازَ مُعَاشَرَةِ مَنْ لَا تُصَلِّي) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَفِي بَعْضِهَا كَرَاهَةُ مُعَاشَرَةِ مَنْ لَا تُصَلِّي وَلَا مُخَالَفَةَ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْكَرَاهَةِ التَّنْزِيهِيَّةُ (قَوْلُهُ: هِيَ كُلُّ مُعْتَدَّةٍ عَنْ طَلَاقٍ) يُسْتَثْنَى مِنْهُ اللِّعَانُ لِأَنَّهُ يُوجِبُ حُرْمَةً مُؤَبَّدَةً وَهُوَ طَلَاقٌ لَا فَسْخٌ كَمَا مَرَّ فِي النِّكَاحِ (قَوْلُهُ: وَبَعْدَ ارْتِدَادِ أَحَدِهِمَا مُطْلَقًا) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِطْلَاقِ سَوَاءٌ كَانَ الْمُرْتَدُّ هُوَ أَوْ هِيَ وَلَمْ يُطَلِّقْ فِي مَسْأَلَةِ الْإِبَاءِ لِقَوْلِهِ بَعْدَهُ فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي عِدَّةٍ عَنْ فَسْخٍ إلَّا فِي هَاتَيْنِ فَيُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ الْفَسْخُ وَلَوْ كَانَ هُوَ الْآبِي كَانَ إبَاؤُهُ طَلَاقًا لَا فَسْخًا. وَفِي مَسْأَلَةِ الرِّدَّةِ لَوْ كَانَ هُوَ الْمُرْتَدُّ فَفِي كَوْنِهِ فَسْخًا خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ أَمَّا رِدَّتُهَا فَفَسْخٌ اتِّفَاقًا هَذَا وَلَكِنْ سَيَأْتِي فِي آخِرِ كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ أَنَّ الْمُرْتَدَّ إذَا لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَطَلَّقَهَا فِي الْعِدَّةِ لَمْ يَقَعْ طَلَاقُهُ لِانْقِطَاعِ الْعِصْمَةِ فَإِنْ عَادَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ وَقَعَ إلَى آخِرِ مَا نَقَلَهُ عَنْ الْبَدَائِعِ وَنَقَلَ هُنَاكَ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ إذَا أَسْلَمَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ لَا يَقَعُ عَلَى الْآخَرِ طَلَاقُهُ وَكَتَبَ الرَّمْلِيُّ هُنَاكَ أَنَّ هَذَا فِي الْحَرْبِيَّةِ إذَا خَرَجَتْ مُسْلِمَةً ثُمَّ خَرَجَ زَوْجُهَا بِأَمَانٍ فَطَلَّقَهَا لَا يَقَعُ. . إلَخْ رَاجِعْهُ. (قَوْلُهُ: وَسَبْيُ أَحَدِهِمَا وَمُهَاجِرَتُهُ إلَيْنَا) إنَّمَا لَا يَقَعُ فِيهِمَا لِعَدَمِ الْعِدَّةِ لِأَنَّ الْمَسْبِيَّ، وَالْمُهَاجِرَ إنْ كَانَ الزَّوْجَ فَلَا عِدَّةَ عَلَى زَوْجَتِهِ الْحَرْبِيَّةِ، وَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةَ فَكَذَلِكَ لِحِلِّهَا لِلسَّابِي بِاسْتِبْرَاءٍ إنْ كَانَتْ مَسْبِيَّةً، وَإِنْ كَانَتْ مُهَاجِرَةً فَكَذَلِكَ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ فَهِيَ عِدَّةٌ لَا تُوجِبُ مِلْكَ يَدٍ فَكَانَتْ كَالْعِدَّةِ فِي الْفَاسِدِ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَزَادَ بَعْدَهُ وَكَذَا لَوْ خَرَجَ الزَّوْجَانِ مُسْتَأْمِنَيْنِ فَأَسْلَمَ أَحَدُهُمَا أَوْ صَارَ ذِمِّيًّا فَهِيَ امْرَأَتُهُ حَتَّى تَحِيضَ ثَلَاثًا فَتَقَعَ الْفُرْقَةُ بِلَا طَلَاقٍ فَلَا يَقَعُ عَلَيْهَا طَلَاقُهُ لِأَنَّ الْمُصِرَّ مِنْهُمَا كَأَنَّهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الرُّجُوعِ اهـ. وَفِي كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ تَسَامُحٌ إذْ قَوْلُهُ: وَسَبْيُ أَحَدِهِمَا وَمُهَاجِرَتُهُ يُشْعِرُ بِوُجُودِ الْعِدَّةِ فِيهِمَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ طَلَاقَ الدَّوْرِ وَاقِعٌ) أَيْ بِكَوْنِ التَّخَلُّصِ الْمَذْكُورِ مِنْ مَحَاسِنِهِ يُعْلَمُ وُقُوعُهُ وَإِلَّا لَفَاتَتْ هَذِهِ الْحِكْمَةُ تَأَمَّلْ وَصُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ لَهَا: إنْ طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا وَهُوَ وَاقِعٌ إجْمَاعًا كَمَا حَرَّرَهُ فِي مِنَحِ الْغَفَّارِ عَنْ جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى فَلَوْ حَكَمَ بِعَدَمِهِ حَاكِمٌ لَا يَنْفُذُ أَصْلًا وَلَا عِبْرَةَ بِخِلَافِ ابْنِ سُرَيْجٍ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ قُلْت وَسَيَأْتِي ذِكْرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَبْسُوطًا فِي الْفَصْلِ الْآتِي بَعْدَ بَابِ الصَّرِيحِ عِنْدَ قَوْلِهِ، وَإِنْ نَكَحَهَا قَبْلَ أَمْسِ وَقَعَ الْآنَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 255 وَأَمَّا أَلْفَاظُهُ فَثَلَاثَةٌ صَرِيحٌ وَمَا أُلْحِقَ بِهِ وَكِنَايَةٌ وَسَيَأْتِيَانِ. قَوْلُهُ: (تَطْلِيقُهَا وَاحِدَةً فِي طُهْرٍ لَا وَطْءَ فِيهِ وَتَرَكَهَا حَتَّى تَمْضِيَ عِدَّتُهَا أَحْسَنُ) أَيْ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْبَعْضِ الْآخَرِ لَا أَنَّهُ فِي نَفْسِهِ حَسَنٌ فَانْدَفَعَ بِهِ مَا قِيلَ كَيْفَ يَكُونُ حَسَنًا مَعَ أَنَّهُ أَبْغَضُ الْحَلَالِ وَهَذَا أَحَدُ قِسْمَيْ الْمَسْنُونِ فَإِنَّهُ حَسَنٌ وَأَحْسَنُ وَمَعْنَى الْمَسْنُونِ هُنَا مَا ثَبَتَ عَلَى وَجْهٍ لَا يَسْتَوْجِبُ عِتَابًا لَا أَنَّهُ الْمُسْتَعْقِبُ لِلثَّوَابِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَيْسَ عِبَادَةً فِي نَفْسِهِ لِيَثْبُتَ لَهُ ثَوَابٌ فَالْمُرَادُ هُنَا الْمُبَاحُ نَعَمْ لَوْ وَقَعَتْ لَهُ دَاعِيَةٌ أَنْ يُطَلِّقَهَا بِدْعِيًّا فَمَنَعَ نَفْسَهُ إلَى وَقْتِ السُّنِّيِّ يُثَابُ عَلَى كَفِّ نَفْسِهِ عَنْ الْمَعْصِيَةِ لَا عَلَى نَفْسِ الطَّلَاقِ كَكَفِّ نَفْسِهِ عَنْ الزِّنَا مَثَلًا بَعْدَ تَهْيِئِ أَسْبَابِهِ وَوُجُودِ الدَّاعِيَةِ فَإِنَّهُ يُثَابُ لَا عَلَى عَدَمِ الزِّنَا لِأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ الْمُكَلَّفَ بِهِ الْكَفُّ لَا الْعَدَمُ كَمَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ، وَفِي الْمِعْرَاجِ: إنَّمَا كَانَ هَذَا الْقِسْمُ أَحْسَنَ مِنْ الثَّانِي لِأَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الثَّانِي فَإِنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَإِنَّ مَالِكًا قَالَ بِكَرَاهَتِهِ لِانْدِفَاعِ الْحَاجَةِ بِالْوَاحِدَةِ قَيَّدَ بِالْوَاحِدَةِ لِأَنَّ الزَّائِدَ عَلَيْهَا بِكَلِمَةِ وَاحِدَةٍ بِدْعِيٌّ وَمُتَفَرِّقًا لَيْسَ بِأَحْسَنَ وَسَيَأْتِي أَنَّ الْوَاحِدَةَ الْبَائِنَةَ بِدْعِيٌّ فَالْمُرَادُ بِالْوَاحِدَةِ هُنَا الرَّجْعِيَّةُ وَقَيَّدَ بِالطُّهْرِ لِأَنَّهُ فِي الْحَيْضِ بِدْعِيٌّ وَقَيَّدَ بِعَدَمِ الْوَطْءِ لِأَنَّهُ فِي طُهْرٍ وَطِئَهَا فِيهِ بِدْعِيٌّ لِوُقُوعِ النَّدَمِ بِاحْتِمَالِ حَمْلِهَا وَاسْتُفِيدَ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ بَعْدَ ظُهُورِ حَمْلِهَا لَا يَكُونُ بِدْعِيًّا مِنْ هَذَا الْقِسْمِ لِفَقْدِ الْعِلَّةِ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْبَدَائِعِ وَصَرَّحَ أَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا فِي طُهْرٍ لَا وَطْءَ فِيهِ لَكِنْ وَطِئَ فِي الْحَيْضِ قَبْلَهُ يَكُونُ بِدْعِيًّا لِوُجُودِ الْعِلَّةِ وَعُلِمَ مِنْ مُقَابِلِهِ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْحَيْضُ الَّذِي قَبْلَ هَذَا الطُّهْرِ لَا طَلَاقَ فِيهِ وَلَا فِي بَعْضِهِ جِمَاعٌ وَلَا طَلَاقَ فَلَوْ قَالَ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ: الْأَحْسَنُ تَطْلِيقُهَا إذَا كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً فِي طُهْرٍ لَا جِمَاعَ فِيهِ وَلَا طَلَاقَ فِيهِ وَلَا فِي حَيْضَةِ جِمَاعٌ وَلَا طَلَاقٌ وَتَرَكَهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا لَكَانَ أَحْسَنَ. فَإِنْ قُلْت عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ فِي طُهْرٍ لَا وَطْءَ فِيهِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِوَطْئِهِ، وَعِبَارَةُ الْمَجْمَعِ فِي طُهْرٍ لَمْ يُجَامِعْهَا فِيهِ وَأَيُّ الْعِبَارَتَيْنِ أَوْلَى قُلْت يَرِدُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا شَيْءٌ أَمَّا عَلَى الْكَنْزِ فَالزِّنَا فَإِنَّهُ إذَا طَلَّقَهَا فِي طُهْرٍ وَطِئَهَا فِيهِ غَيْرُهُ بِزِنًا فَإِنَّهُ سُنِّيٌّ مَعَ أَنَّهُ مَا خَلَا عَنْ الْوَطْءِ فِيهِ وَأَمَّا عَلَى الْمَجْمَعِ فَوَطِئَ غَيْرُهُ بِشُبْهَةٍ فَإِنَّ الطَّلَاقَ فِي طُهْرٍ لَمْ يُجَامِعْهَا هُوَ وَإِنَّمَا جَامَعَهَا غَيْرُهُ بِشُبْهَةٍ بِدْعِيٌّ كَمَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَثْنِيَ الْمُصَنِّفُ الزِّنَا وَيَزِيدَ فِي الْمَجْمَعِ وَلَا غَيْرُهُ بِشُبْهَةٍ وَخَرَجَ الْحَسَنُ بِقَوْلِهِ وَتَرَكَهَا حَتَّى تَمْضِيَ عِدَّتُهَا وَمَعْنَاهُ التَّرْكُ مِنْ غَيْرِ طَلَاقٍ آخَرَ لَا التَّرْكُ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ إذَا رَاجَعَهَا لَا يَخْرُجُ الطَّلَاقُ عَنْ كَوْنِهِ أَحْسَنَ كَمَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ، وَفِي الْمُحِيطِ: لَوْ قَالَ لَهَا: أَنْت طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ وَهِيَ طَاهِرَةٌ مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ وَلَكِنْ وَطِئَهَا غَيْرُهُ فَإِنْ كَانَ زِنًا وَقَعَ فِي هَذَا الطُّهْرِ، وَإِنْ كَانَ بِشُبْهَةٍ لَمْ يَقَعْ. قَوْلُهُ: (وَثَلَاثًا فِي أَطْهَارٍ حَسَنٌ وَسُنِّيٌّ) أَيْ تَطْلِيقُهَا ثَلَاثًا فِي ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ حَسَنٌ وَسُنِّيٌّ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ كُلًّا مِنْ الْحَسَنِ، وَالْأَحْسَنِ سُنِّيٌّ، فَتَخْصِيصُ هَذَا بِاسْمِ طَلَاقِ السُّنَّةِ لَا وَجْهَ لَهُ، وَالْمُنَاسِبُ تَمْيِيزُهُ بِالْمَفْضُولِ مِنْ طَلَاقَيْ السُّنَّةِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ لَكِنَّ مَشَايِخَنَا إنَّمَا خَصُّوهُ بِاسْمِ السُّنَّةِ لِمَا أَنَّهُ وَرَدَ فِي وَاقِعَةِ «ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مَا هَكَذَا أَمَرَك اللَّهُ قَدْ أَخْطَأْت السُّنَّةَ السُّنَّةُ أَنْ تَسْتَقْبِلَ الطُّهْرَ فَتُطَلِّقَ لِكُلِّ قُرْءٍ تَطْلِيقَةً» وَخَصُّوا الْأَوَّلَ بِاسْمِ الْأَحْسَنِ لِمَا رُوِيَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ أَنْ لَا يَزِيدُوا فِي الطَّلَاقِ عَلَى وَاحِدَةٍ حِينَ تَمْضِي عِدَّتُهَا وَأَنَّ هَذَا أَفْضَلُ عِنْدَهُمْ وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الْأَطْهَارُ خَالِيَةً عَنْ الْجِمَاعِ فِيهَا، وَفِي حَيْضٍ قَبْلَهَا، وَعَنْ طَلَاقٍ فِيهِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهَا يُخْرِجُهُ عَنْ السُّنَّةِ صَرَّحَ بِهِ فِي الْفَوَائِدِ التَّاجِيَّةِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْكَلَامَ كُلَّهُ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا وَأَمَّا غَيْرُهَا فَسَيَذْكُرُ حُكْمَهَا. وَالتَّطْلِيقُ فِي الطُّهْرِ الْأَوَّلِ صَادِقٌ بِكَوْنِهِ فِي أَوَّلِهِ، وَفِي آخِرِهِ وَاخْتُلِفَ فِيهِ قِيلَ الْأَوْلَى التَّأْخِيرُ إلَى آخِرِ الطُّهْرِ احْتِرَازًا عَنْ تَطْوِيلِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ: وَالْأَظْهَرُ أَنْ يُطَلِّقَهَا عَقِيبَ الطُّهْرِ لِأَنَّهُ لَوْ أَخَّرَ الْإِيقَاع رُبَّمَا يُجَامِعُهَا وَمِنْ قَصْدِهِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: لَكِنَّ مَشَايِخَنَا إنَّمَا خَصُّوهُ بِاسْمِ السُّنَّةِ لِمَا أَنَّهُ وَرَدَ. . . إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَوْ قِيلَ أَنَّهُ إنَّمَا خَصَّ الْحُسْنَ بِهَذَا لِيُعْلَمَ أَنَّهُ فِي الْأَحْسَنِ سُنِّيٌّ بِالْأَوْلَى لَكَانَ فِي الْجَوَابِ أَوْلَى اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الشرنبلالية بِزِيَادَةٍ حَيْثُ قَالَ: وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْأَحْسَنَ سُنِّيٌّ بِالْإِجْمَاعِ لَمْ يَحْتَجْ إلَى التَّصْرِيحِ بِكَوْنِهِ سُنِّيًّا وَصَرَّحَ بِكَوْنِ الْحَسَنِ سُنِّيًّا لِدَفْعِ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهُ لَيْسَ بِسُنِّيٍّ لَا لِأَنَّهُ عِنْدَنَا سُنِّيٌّ دُونَ الْأَوَّلِ كَذَا أَفَادَهُ شَيْخُنَا اهـ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 256 أَنْ يُطَلِّقَهَا فَيُبْتَلَى بِالْإِيقَاعِ عَقِيبَ الْوِقَاعِ وَهُوَ بِدْعِيٌّ أَيْ الْأَظْهَرُ مِنْ عِبَارَةِ مُحَمَّدٍ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَرُجِّحَ الْأَوَّلُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهُ أَقَلُّ ضَرَرًا فَكَانَ أَوْلَى وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ. وَالْمُعْتَمَدُ مَا فِي الْهِدَايَةِ لِمَا ذَكَرَهُ وَلِأَنَّهُ إذَا أَخَّرَ إلَى آخِرِهِ رُبَّمَا فَجَأَهَا الْحَيْضُ قَبْلَ التَّطْلِيقِ فَيَفُوتُ مَقْصُودُهُ، وَفِي الْمَبْسُوطِ: وَإِذَا كَانَ الزَّوْجُ غَائِبًا وَأَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَهَا لِلسُّنَّةِ كَتَبَ إلَيْهَا إذَا جَاءَك كِتَابِي هَذَا ثُمَّ حِضْت فَطَهُرْت فَأَنْتِ طَالِقٌ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ قَدْ امْتَدَّ طُهْرُهَا الَّذِي جَامَعَهَا فِيهِ وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ كَتَبَ ثُمَّ إذَا حِضْت وَطَهُرْت فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ إذَا حِضْت وَطَهُرْت فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَإِنْ شَاءَ أَوْجَزَ فَكَتَبَ إذَا جَاءَك كِتَابِي هَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ فَيَقَعُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تَحِيضُ كَتَبَ إذَا جَاءَك كِتَابِي هَذَا ثُمَّ أَهَلَّ شَهْرٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ اهـ. وَهَذِهِ الْكِتَابَةُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَاجِبَةٌ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِي الْبَدَائِعِ وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الرُّقَيَّاتِ أَنَّهُ يَكْتُبُ إلَيْهَا: إذَا جَاءَك كِتَابِي هَذَا فَعَلِمْت مَا فِيهِ ثُمَّ حِضْت وَطَهُرْت فَأَنْت طَالِقٌ وَتِلْكَ الرِّوَايَةُ أَحْوَطُ اهـ. وَظَاهِرُ قَوْلِهِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ قَدْ امْتَدَّ طُهْرُهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ سَافَرَ وَهِيَ حَائِضٌ وَلَمْ يُجَامِعْهَا فِي ذَلِكَ الْحَيْضِ فَإِنَّهُ يَكْتُبُ لَهَا إذَا جَاءَك كِتَابِي هَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى قَوْلِهِ ثُمَّ حِضْت فَطَهُرْت فَإِنَّهُ لَمْ يُجَامِعْهَا فِي طُهْرِ الطَّلَاقِ إلَّا أَنْ يُقَالَ جَازَ أَنْ تَكُونَ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ فِي غَيْبَتِهِ وَهُوَ بَعِيدُ الْوُقُوعِ وَأَمَّا الزِّنَا فَلَا اعْتِبَارَ بِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَفِي الْمُحِيطِ: لَوْ قَالَ لَهَا: إذَا طَهُرْت مِنْ حَيْضَةٍ فَأَنْت طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ فَطَهُرَتْ مِنْ حَيْضَةٍ ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ وَيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ مُنْذُ طَلَّقَ لَمْ تَطْلُقْ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ حَيْضًا، وَإِنْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ وَثَلَاثَةِ أَيَّامٍ طَلُقَتْ لِأَنَّ الْحَيْضَ تَمَّ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَهَذَا الْوَلَدُ رَجْعَةٌ. اهـ. قَوْلُهُ: (وَثَلَاثًا فِي طُهْرٍ أَوْ بِكَلِمَةٍ بِدْعِيٌّ) أَيْ تَطْلِيقُهَا ثَلَاثًا مُتَفَرِّقَةً فِي طُهْرٍ وَاحِد أَوْ ثَلَاثًا بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ بِدْعِيٌّ أَيْ مَنْسُوبٌ إلَى الْبِدْعَةِ، وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا الْمُحَرَّمَةُ لِأَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِعِصْيَانِهِ وَمُرَادُهُ بِهَذَا الْقِسْمِ مَا لَيْسَ حَسَنًا وَلَا أَحْسَنَ وَلِذَا قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ طَلَاقُ الْبِدْعَةِ مَا خَالَفَ قِسْمَيْ السُّنَّةِ فَدَخَلَ فِي كَلَامِهِ مَا لَوْ طَلَّقَ ثِنْتَيْنِ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ مُتَفَرِّقًا أَوْ وَاحِدَةً فِي طُهْرٍ قَدْ جَامَعَهَا فِيهِ أَوْ فِي حَيْضٍ قَبْلَهُ وَأَمَّا الطَّلَاقُ فِي الْحَيْضِ فَسَيُصَرِّحُ بِهِ، وَقَدْ عُلِمَ مِنْ تَعْلِيلِهِمْ الطَّلَاقَ بِالْحَاجَةِ إلَى الْخَلَاصِ وَلَا حَاجَةَ فِيمَا زَادَ عَلَى الْوَاحِدَةِ أَنَّ الْبَائِنَةَ بِدْعِيَّةٌ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ لِأَنَّ الْحَاكِمَ الشَّهِيدَ فِي الْكَافِي نَصَّ عَلَى أَنَّهُ أَخْطَأَ السُّنَّةَ، وَفِي رِوَايَةِ الزِّيَادَاتِ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ لِلْحَاجَةِ إلَى الْخَلَاصِ نَاجِزًا وَيَشْهَدُ لَهَا «أَنَّ أَبَا رُكَانَةَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَلْبَتَّةَ، وَالْوَاقِعُ بِهَا بَائِنٌ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» ، وَالْقِيَاسُ عَلَى الْخُلْعِ. وَالْجَوَابُ تَجْوِيزُ أَنْ يَكُونَ أَبُو رُكَانَةَ طَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ أَنَّهُ أَخَّرَ الْإِنْكَارَ عَلَيْهِ لِحَالٍ اقْتَضَتْ تَأْخِيرَهُ إذْ ذَاكَ، وَالْخُلْعُ لَا يَكُونُ إلَّا عِنْدَ تَحَقُّقِ الْحَاجَةِ وَبُلُوغِهَا النِّهَايَةَ وَلِذَا رُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّ الْخُلْعَ لَا يُكْرَهُ حَالَةَ الْحَيْضِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَنَّ الْخُلْعَ لَا يُكْرَهُ كَمَا لَا يُكْرَهُ حَالَةَ الْحَيْضِ بِالْإِجْمَاعِ وَعَلَّلَهُ فِي الْمُحِيطِ بِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَحْصِيلُ الْعِوَضِ إلَّا بِهِ اهـ. وَلَمْ أَرَ حُكْمَ مَا إذَا طَلَبَتْ مِنْهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا بِأَلْفٍ، وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ يُبَاحُ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَحْصِيلُ كَمَالِ الْأَلْفِ إلَّا بِالثَّلَاثِ حَيْثُ لَمْ تَرْضَ إلَّا بِهَا، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ ثُلُثَ الْعِوَضِ حَاصِلٌ لَهُ بِطَلَاقِهَا وَاحِدَةً جَبْرًا عَلَيْهَا فَيَفُوتُهُ كَمَالُ الْأَلْفِ لَا كُلُّهَا بِخِلَافِ الْخُلْعِ فَإِنَّهُ إنْ لَمْ يَخْلَعْهَا لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا فَافْتَرَقَا وَلَا حَاجَةَ إلَى الِاشْتِغَالِ بِالْأَدِلَّةِ عَلَى رَدِّ قَوْلِ مَنْ أَنْكَرَ وُقُوعَ الثَّلَاثِ جُمْلَةً لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ كَمَا حَكَاهُ فِي الْمِعْرَاجِ وَلِذَا قَالُوا: لَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِأَنَّ الثَّلَاثَ بِفَمٍ وَاحِدٍ وَاحِدَةٌ لَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُ لِأَنَّهُ لَا يَسُوغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ لِأَنَّهُ خِلَافٌ لَا اخْتِلَافٌ، وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ طَلَّقَهَا وَهِيَ حُبْلَى أَوْ حَائِضٌ أَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ فَحَكَمَ بِبُطْلَانِهِ قَاضٍ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْبَعْضِ لَمْ يَنْفُذْ وَكَذَا لَوْ حَكَمَ بِبُطْلَانِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَالْقِيَاسُ عَلَى الْخُلْعِ بِالرَّفْعِ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ «أَنَّ أَبَا رُكَانَةَ» (قَوْلُهُ: وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَنَّ الْخُلْعَ لَا يُكْرَهُ. . . إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَكِنْ ذَكَرَ الْحَدَّادِيُّ أَنَّ هَذَا رِوَايَةُ الْمُنْتَقَى، وَفِي رِوَايَةِ الزِّيَادَاتِ يُكْرَهُ إيقَاعُهُ حَالَةَ الْحَيْضِ، وَالْكَلَامُ فِي الْخُلْعِ عَلَى مَالٍ لِتَعْلِيلِ الْمُحِيطِ الْآتِي وَاسْتَدَلَّ فِي الْمِعْرَاجِ بِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] وَهَذَا بِإِطْلَاقِهِ يَعُمُّ مَا لَوْ طَلَبَتْ مِنْهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا بِأَلْفٍ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُوقِعَ الثَّلَاثَ لِتُحَصِّلَ الْأَلْفَ، وَمَا فِي الْبَحْرِ مَدْفُوعٌ بِمَا عَلِمْت عَلَى أَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ ثُلُثَ الْأَلْفِ لَيْسَ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ فَجَازَ أَنْ يُرْفَعَ إلَى مَنْ يَرَى عَدَمَ اسْتِحْقَاقِهِ شَيْئًا لَوْ فَعَلَ فَكَانَ مُضْطَرًّا إلَى الْكُلِّ فَتَدَبَّرْ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 257 طَلَاقِ مَنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ لَا يَنْفُذُ اهـ. وَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لِلسَّائِلِ الَّذِي جَاءَ يَسْأَلُهُ عَنْ الَّذِي طَلَّقَ ثَلَاثًا بِقَوْلِهِ: عَصَيْت رَبَّك وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ مَرْفُوعًا عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «بَانَتْ بِثَلَاثٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى» فَقَدْ أَفَادَ الْوُقُوعَ، وَالْعِصْيَانَ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الطَّلَاقِ الْحَظْرُ وَإِنَّمَا أُبِيحَ لِلْحَاجَةِ إلَى الْخَلَاصِ هُوَ يَحْصُلُ بِالْوَاحِدَةِ فَلَا حَاجَةَ إلَى مَا زَادَ عَلَيْهَا وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ مَشْرُوعٌ فَلَا يَكُونُ مَحْظُورًا دُفِعَ بِأَنَّهُ مَشْرُوعٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ وَاقِعٌ لِحَاجَةِ لُزُومِ فَسَادِ الدِّينِ، وَالدُّنْيَا غَيْرُ مَشْرُوعٍ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ إضْرَارٌ أَوْ كُفْرَانٌ بِلَا حَاجَةٍ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْبِدْعَةَ فِي الْجَمْعِ مُقَيَّدَةٌ بِمَا إذَا لَمْ يَتَخَلَّلْ بَيْنَ التَّطْلِيقَتَيْنِ رَجْعَةٌ فَإِنْ تَخَلَّلَتْ فَلَا يُكْرَهُ إنْ كَانَتْ بِالْقَوْلِ أَوْ بِنَحْوِ الْقُبْلَةِ، وَاللَّمْسِ عَنْ شَهْوَةٍ. وَأَمَّا إذَا رَاجَعَهَا بِالْجِمَاعِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ هَذَا طُهْرٌ فِيهِ جِمَاعٌ، وَإِنْ رَاجَعَهَا بِالْجِمَاعِ وَأَعْلَقَهَا لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا أُخْرَى فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي هَذَا الطُّهْرِ لِلسُّنَّةِ حَتَّى يَمْضِيَ شَهْرٌ مِنْ التَّطْلِيقَةِ الْأُولَى ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ، وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ لَهَا أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ وَهُوَ مُمْسِكٌ يَدَهَا بِشَهْوَةٍ وَقَعَتْ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ مُتَعَاقِبًا لِأَنَّ عِنْدَهُ يَصِيرُ مُرَاجِعًا بِالْمَسِّ عَنْ شَهْوَةٍ، وَالرَّجْعَةُ فَاصِلَةٌ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا تَقَعُ وَاحِدَةً لِلْحَالِ وَتَقَعُ ثِنْتَانِ فِي طُهْرَيْنِ آخَرَيْنِ لِأَنَّ الرَّجْعَةَ غَيْرُ فَاصِلَةٍ اهـ. وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ وَمَشَى عَلَيْهَا فِي الْمَنْظُومَةِ وَأَمَّا عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَكَقَوْلِهِمَا مِنْ أَنَّ الرَّجْعَةَ لَا تَكُونُ فَاصِلَةً كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ وَهَذَا كُلُّهُ فِي تَخَلُّلِ الرَّجْعَةِ أَمَّا لَوْ تَخَلَّلَ النِّكَاحُ فَأَقْوَالٌ، وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَةِ عَنْهُ، وَفِي الْمِصْبَاحِ الْبِدْعَةُ اسْمٌ مِنْ الِابْتِدَاعِ كَالرِّفْعَةِ مِنْ الِارْتِفَاعِ غَلَبَ اسْتِعْمَالُهَا عَلَى مَا هُوَ نَقْصٌ فِي الدِّينِ أَوْ زِيَادَةٌ لَكِنْ قَدْ يَكُونُ بَعْضُهَا غَيْرَ مَكْرُوهٍ فَيُسَمَّى بِدْعَةً مُبَاحَةً وَهُوَ مَا شَهِدَ لِجِنْسِهِ أَصْلٌ فِي الشَّرْعِ أَوْ اقْتَضَتْهُ مَصْلَحَةٌ تَنْدَفِعُ بِهَا مَفْسَدَةٌ كَاحْتِجَابِ الْخَلِيفَةِ عَنْ اخْتِلَاطِ النَّاسِ اهـ. قَوْلُهُ: (وَغَيْرُ الْمَوْطُوءَةِ تَطْلُقُ لِلسُّنَّةِ وَلَوْ حَائِضًا) أَيْ الَّتِي لَمْ يُدْخَلْ بِهَا يَجُوزُ تَطْلِيقُهَا لِلسُّنَّةِ وَاحِدَةً وَلَوْ كَانَتْ حَائِضًا بِخِلَافِ الْمَدْخُولِ بِهَا، وَالْفَرْقُ أَنَّ الرَّغْبَةَ فِيهَا مُتَوَفِّرَةٌ مَا لَمْ يَذُقْهَا فَطَلَاقُهَا فِي حَالَةِ الْحَيْضِ يَقُومُ دَلِيلًا عَلَى تَحَقُّقِ الْحَاجَةِ بِخِلَافِ الْمَدْخُولِ بِهَا وَلَيْسَ هُوَ تَعْلِيلًا فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ أَعْنِي وَاقِعَةَ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لِأَنَّ فِيهِ «فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ تَطْلُقَ لَهَا النِّسَاءُ» ، وَالْعِدَّةُ لَيْسَتْ إلَّا لِلْمَدْخُولِ بِهَا كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَوْ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «فَلْيُرَاجِعْهَا» ، وَالْمُرَاجَعَةُ بَعْدَ الدُّخُولِ لَا قَبْلَهُ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ السُّنَّةَ فِي الطَّلَاقِ مِنْ وَجْهَيْنِ سُنَّةٌ فِي الْوَقْتِ وَسُنَّةٌ فِي الْعَدَدِ فَالسُّنَّةُ فِي الْعَدَدِ يَسْتَوِي فِيهَا الْمَدْخُولُ بِهَا وَغَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا حَتَّى لَوْ قَالَ لِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا: أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ تَقَعُ لِلْحَالِ وَاحِدَةً سَوَاءٌ كَانَتْ حَائِضًا أَوْ طَاهِرَةً وَلَا تَقَعُ عَلَيْهَا الثَّانِيَةُ إلَّا بِالتَّزْوِيجِ وَكَذَا الثَّالِثَةُ بِالتَّزْوِيجِ ثَالِثًا لِأَنَّ الطَّلَاقَ السُّنِّيَّ الْمُرَتَّبَ فِي حَقِّ غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ، وَالسُّنَّةُ فِي الْوَقْتِ أَعْنِي الطُّهْرِ الْخَالِي عَنْ الْجِمَاعِ يَثْبُتُ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا خَاصَّةً، وَالْخَلْوَةُ كَالدُّخُولِ عِنْدَنَا فِي حُكْمِ الْعِدَّةِ وَمُرَاعَاةِ وَقْتِ السُّنَّةِ فِي الطَّلَاقِ لِأَجْلِ الْعِدَّةِ، كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ وَهِيَ وَارِدَةٌ عَلَى الْمُصَنِّفِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهَا مَوْطُوءَةٌ حُكْمًا. (قَوْلُهُ: (وَفَرَّقَ عَلَى الْأَشْهُرِ فِيمَنْ لَا تَحِيضُ) أَيْ فَرَّقَ الزَّوْجُ الطَّلَاقَ عَلَى أَشْهُرِ الْعِدَّةِ إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ مِمَّنْ لَا تَحِيضُ لِصِغَرٍ أَوْ كِبَرٍ أَوْ حَمْلٍ لِأَنَّ الشَّهْرَ فِي حَقِّهَا قَائِمٌ مَقَامَ الْحَيْضِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ} [الطلاق: 4] إلَى أَنْ قَالَ: {وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: 4] ، وَالْإِقَامَةُ فِي حَقِّ الْحَيْضِ خَاصَّةً حَتَّى يُقَدَّرَ الِاسْتِبْرَاءُ فِي حَقِّهَا بِالشَّهْرِ وَهُوَ بِالْحَيْضِ لَا بِالطُّهْرِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْخِلَافُ فِي أَنَّ الْأَشْهُرَ قَائِمَةٌ مَقَامَ الْحَيْضِ، وَالطُّهْرِ أَوْ مَقَامَ الْحَيْضِ لَا غَيْرُ وَتَصْحِيحُ الثَّانِي قَلِيلُ الْجَدْوَى لَا ثَمَرَةَ لَهُ فِي الْفُرُوعِ كَذَا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَأَعْلَقَهَا) أَيْ أَحْبَلَهَا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 258 فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِي الْمِعْرَاجِ وَثَمَرَةُ اخْتِلَافِ أَصْحَابِنَا تَظْهَرُ فِي حَقِّ إلْزَامِ الْحُجَّةِ عَلَى الْبَعْضِ لِإِجْمَاعِهِمْ أَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ يَكْتَفِي بِالْحَيْضِ عَلَى أَنَّ الشَّهْرَ قَائِمٌ مَقَامَ الْحَيْضِ إذْ التَّبَعُ خَلْفَ الْأَصْلِ بِحَالِهِ لَا بِذَاتِهِ اهـ. وَفِي الْبَدَائِعِ: إذَا وَقَعَ عَلَيْهَا ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ فِي ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ فَقَدْ مَضَى مِنْ عِدَّتِهَا حَيْضَتَانِ إنْ كَانَتْ حُرَّةً لِأَنَّ الْعِدَّةَ بِالْحَيْضِ عِنْدَنَا وَبَقِيَتْ حَيْضَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا حَاضَتْ حَيْضَةً أُخْرَى فَقَدْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَشْهُرِ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً وَإِذَا مَضَى شَهْرٌ طَلَّقَهَا أُخْرَى ثُمَّ إذَا مَضَى شَهْرٌ طَلَّقَهَا أُخْرَى ثُمَّ إذَا كَانَتْ حُرَّةً وَقَعَ عَلَيْهَا ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ وَمَضَى مِنْ عِدَّتِهَا شَهْرَانِ وَبَقِيَ شَهْرٌ وَاحِدٌ مِنْ عِدَّتِهَا فَإِذَا مَضَى شَهْرٌ وَاحِدٌ فَقَدْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً وَوَقَعَ عَلَيْهَا تَطْلِيقَتَانِ فِي شَهْرٍ بَقِيَ مِنْ عِدَّتِهَا نِصْفُ شَهْرٍ فَإِذَا مَضَى نِصْفُ شَهْرٍ فَقَدْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا اهـ. وَالْمُرَادُ بِالصَّغِيرَةِ الَّتِي لَمْ تَبْلُغْ تِسْعَ سِنِينَ عَلَى الْمُخْتَارِ وَبِالْكَبِيرَةِ الْآيِسَةُ وَهِيَ بِنْتُ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ عَلَى الْأَظْهَرِ وَدَخَلَ تَحْتَ مَنْ لَا تَحِيضُ مَنْ بَلَغَتْ بِالسِّنِّ وَلَمْ تَرِدْ مَا أَصْلًا فَإِنَّ الطَّلَاقَ يُفَرَّقُ عَلَى الْأَشْهُرِ أَيْضًا، وَإِنْ لَمْ تَدْخُلْ تَحْتَ قَوْلِهِ وَصَحَّ طَلَاقُهُنَّ بَعْدَ الْوَطْءِ، وَفِي الْمُحِيطِ، وَالْبَدَائِعِ: وَلَوْ طَلَّقَهَا وَهِيَ صَغِيرَةٌ ثُمَّ حَاضَتْ فَطَهُرَتْ قَبْلَ مُضِيِّ شَهْرٍ فَلَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا أُخْرَى بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ حُكْمَ الشَّهْرِ قَدْ بَطَلَ وَكَذَا لَوْ طَلَّقَ مَنْ تَحِيضُ ثُمَّ أَيِسَتْ فَلَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا أُخْرَى لِتَبَدُّلِ الْحَالِ وَلَا تَدْخُلُ الْمُمْتَدَّةُ طُهْرُهَا تَحْتَ مَنْ لَا تَحِيضُ لِمَا فِي الْبَدَائِعِ وَأَمَّا الْمُمْتَدَّةُ طُهْرُهَا فَإِنَّهَا لَا تَطْلُقُ لِلسُّنَّةِ إلَّا وَاحِدَةً لِأَنَّهَا مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ لِأَنَّهَا قَدْ رَأَتْ الدَّمَ وَهِيَ شَابَّةٌ وَلَمْ تَدْخُلْ فِي حَقِّ الْإِيَاسِ إلَّا أَنَّهُ امْتَدَّ طُهْرُهَا وَيُحْتَمَلُ الزَّوَالُ سَاعَةً فَسَاعَةً فَبَقِيَ أَحْكَامُ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ فِيهَا وَلَا تَطْلُقُ ذَاتُ الْقَرْءِ فِي طُهْرٍ لَا جِمَاعَ فِيهِ لِلسُّنَّةِ إلَّا وَاحِدَةً اهـ. فَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ قَدْ جَامَعَهَا فِي الطُّهْرِ وَامْتَدَّ لَا يُمْكِنُ تَطْلِيقُهَا لِلسُّنَّةِ حَتَّى تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ. وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ مُعَلِّلًا بِأَنَّ الْحَيْضَ مَرْجُوٌّ فِي حَقِّهَا وَهِيَ كَثِيرَةُ الْوُقُوعِ فِي الشَّابَّةِ الَّتِي لَا تَحِيضُ زَمَانَ الرَّضَاعِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - اعْتِبَارَ الْأَشْهُرِ بِالْأَيَّامِ أَوْ بِالْأَهِلَّةِ قَالُوا إنْ كَانَ الطَّلَاقُ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ فَتُعْتَبَرُ الشُّهُورُ بِالْأَهِلَّةِ، وَإِنْ كَانَ فِي وَسَطِهِ فَفِي حَقِّ تَفْرِيقِ الطَّلَاقِ يُعْتَبَرُ كُلُّ شَهْرٍ بِالْأَيَّامِ وَذَلِكَ ثَلَاثُونَ يَوْمًا بِالِاتِّفَاقِ وَكَذَلِكَ فِي حَقِّ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يُعْتَبَرُ شَهْرٌ وَاحِدٌ بِالْأَيَّامِ وَشَهْرَانِ بِالْأَهِلَّةِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ، وَفِي الْكَافِي الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا لِأَنَّهُ أَسْهَلُ، وَالْمُرَادُ بِأَوَّلِ الشَّهْرِ اللَّيْلَةُ الَّتِي رُئِيَ فِيهَا الْهِلَالُ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ قَوْلُهُ: (وَصَحَّ طَلَاقُهُنَّ بَعْدَ الْوَطْءِ) أَيْ حَلَّ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيهِ لَا فِي الصِّحَّةِ لِأَنَّهُ لَا يُتَوَهَّمُ الْحَبَلُ فِيمَنْ لَا تَحِيضُ، وَالْكَرَاهَةُ فِيمَنْ تَحِيضُ بِاعْتِبَارِهِ لِحُصُولِ النَّدَمِ عِنْدَ ظُهُورِهِ وَهَذَا الْوَجْهُ يَقْتَضِي فِي الَّتِي لَا تَحِيضُ لَا لِصِغَرٍ وَلَا لَكِبَرٍ بَلْ اتَّفَقَ امْتِدَادُ طُهْرِهَا مُتَّصِلًا بِالصِّغَرِ، وَفِي الَّتِي لَمْ تَبْلُغْ بَعْدُ، وَقَدْ وَصَلَتْ إلَى سِنِّ الْبُلُوغِ أَنْ لَا يَجُوزَ تَعْقِيبُ وَطْئِهَا بِطَلَاقِهَا لِتَوَهُّمِ الْحَمْلِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ، وَفِي الْمُحِيطِ قَالَ الْحَلْوَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هَذَا فِي صَغِيرَةٍ لَا يُرْجَى حَبَلُهَا أَمَّا فِيمَنْ يُرْجَى فَالْأَفْضَلُ لَهُ أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَ طَلَاقِهَا وَوَطْئِهَا بِشَهْرٍ كَمَا قَالَ زُفَرُ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَ زُفَرَ لَيْسَ هُوَ فِي أَفْضَلِيَّةِ الْفَصْلِ بَلْ لِلُّزُومِ الْفَصْلِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ التَّشْبِيهَ فِي الْأَفْضَلِيَّةِ وَإِنَّمَا هُوَ بِأَصْلِ الْفَاصِلِ وَهُوَ الشَّهْرُ وَشَمَلَ كَلَامُهُ الْحَامِلَ وَهُوَ قَوْلُهُ: مَا فَيَفْصِلُ بَيْنَ تَطْلِيقَتَيْنِ بِشَهْرٍ وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ، وَالْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ لَا يُطَلِّقُهَا لِلسُّنَّةِ إلَّا وَاحِدَةً كَالْمُمْتَدِّ طُهْرُهَا وَلَهُمَا أَنَّ الْإِبَاحَةَ بِعِلَّةِ الْحَاجَةِ وَهِيَ لَا تَنْدَفِعُ بِالْوَاحِدَةِ فَشُرِعَ لِدَفْعِهَا عَلَى وَجْهٍ لَا يُعْقِبُ النَّدَمَ لِلتَّفْرِيقِ عَلَى أَوْقَاتِ الرَّغْبَةِ وَهِيَ الْأَطْهَارُ الَّتِي تَلِي الْحَيْضَ لِيَكُونَ كُلُّ طَلَاقٍ دَلِيلًا عَلَى قِيَامِهَا بِخِلَافِ الْمُمْتَدِّ طُهْرُهَا لِأَنَّهَا مَحَلُّ النَّصِّ عَلَى نَفْيِ جَوَازِ الْإِيقَاعِ بِالطُّهْرِ الْحَاصِلِ عَقِيبَ الْحَيْضِ وَهُوَ مَرْجُوٌّ فِي حَقِّهَا كُلَّ لَحْظَةٍ وَلَا يُرْجَى فِي الْحَامِلِ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (وَطَلَاقُ الْمَوْطُوءَةِ حَائِضًا بِدْعِيَّةٌ) أَيْ حَرَامٌ لِلنَّهْيِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: الَّتِي لَمْ تَبْلُغْ تِسْعَ سِنِينَ عَلَى الْمُخْتَارِ) مَفْهُومُهُ أَنَّ مَنْ بَلَغَتْهَا لَا يُفَرَّقُ طَلَاقُهَا عَلَى الْأَشْهُرِ إذَا لَمْ تَحِضْ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا تَظْهَرُ فَائِدَةُ هَذَا التَّقْيِيدِ بِالنَّظَرِ إلَى قَوْلِهِ بَعْدَهُ وَصَحَّ طَلَاقُهُنَّ بَعْدَ الْوَطْءِ كَمَا يَأْتِي عَنْ الْفَتْحِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَعْقِيبُ طَلَاقِهَا بِوَطْئِهَا لِتَوَهُّمِ الْحَبَلِ (قَوْلُهُ: وَفِي الْكَافِي الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا) قَالَ فِي الْفَتْحِ قِيلَ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا لِأَنَّهُ أَسْهَلُ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَفِي النَّهْرِ قِيلَ: وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا كَذَا فِي الْكَافِي. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 259 عَنْهُ الثَّابِتِ ضِمْنَ الْأَمْرِ فِي قَوْله تَعَالَى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] «وَقَوْلُهُ: - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - حِينَ طَلَّقَهَا فِيهِ مَا هَكَذَا أَمَرَك اللَّهُ» وَلِإِجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّهُ عَاصٍ قُيِّدَ بِالطَّلَاقِ لِأَنَّ التَّخْيِيرَ، وَالِاخْتِيَارَ، وَالْخُلْعَ فِي الْحَيْضِ لَا يُكْرَهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَإِذَا أَدْرَكَتْ الصَّبِيَّةُ فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَلَا بَأْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا فِي الْحَيْضِ كَذَا فِي الْمُجْتَبَى وَلَمَّا كَانَ الْمَنْعُ مِنْهُ فِيهِ لِتَطْوِيلِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا كَانَ النِّفَاسُ كَالْحَيْضِ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَمَا فِي الْمُحِيطِ مِنْ تَعْلِيلِ عَدَمِ كَرَاهَةِ الْخُلْعِ فِيهِ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ بِطَلَاقٍ صَرِيحٍ، وَالنَّصُّ وَرَدَ بِتَحْرِيمِ الطَّلَاقِ الصَّرِيحِ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْكِنَايَاتِ لَا تُكْرَهُ فِي الْحَيْضِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ وَيَرِدُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ عَلَى مَالٍ فَإِنَّهُ لَا يُكْرَهُ فِي الْحَيْضِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمِعْرَاجِ مَعَ أَنَّهُ صَرِيحٌ، وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ ثَلَاثَةَ أَنْوَاعٍ لِلْبِدْعِيِّ وَهِيَ ثَمَانِيَةٌ: الرَّابِعُ: تَطْلِيقُهَا ثِنْتَيْنِ بِكَلِمَةٍ، الْخَامِسُ: تَطْلِيقُهَا ثِنْتَيْنِ فِي طُهْرٍ لَمْ يَتَخَلَّلْ بَيْنَهُمَا رَجْعَةٌ. السَّادِسُ: تَطْلِيقُهَا فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ. السَّابِعُ: تَطْلِيقُهَا فِي طُهْرٍ لَمْ يُجَامِعْهَا فِيهِ لَكِنْ جَامَعَهَا فِي حَيْضٍ كَانَ قَبْلَهُ، الثَّامِنُ: تَطْلِيقُهَا فِي النِّفَاسِ قَوْلُهُ: (فَيُرَاجِعُهَا) أَيْ وُجُوبًا فِي الْحَيْضِ لِلتَّخَلُّصِ مِنْ الْمَعْصِيَةِ بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ لِأَنَّ رَفْعَهُ بَعْدَ وُقُوعِهِ غَيْرُ مُمْكِنٍ وَرَفْعُ أَثَرِهِ وَهُوَ الْعِدَّةُ بِالْمُرَاجَعَةِ مُمْكِنٌ وَلَمْ يَذْكُرْ صِفَتَهَا لِلِاخْتِلَافِ فَاخْتَارَ الْقُدُورِيُّ اسْتِحْبَابَهَا لِقَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي الْأَصْلِ وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا فَإِنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْوُجُوبِ. وَالْأَصَحُّ وُجُوبُهَا لِمَا قُلْنَا وَعَمَلًا بِحَقِيقَةِ الْأَمْرِ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مُرْ ابْنَك فَلْيُرَاجِعْهَا» ، وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ لَفْظَ الْأَمْرِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الصِّيغَةِ النَّادِبَةِ، وَالْمُوجِبَةِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ حَتَّى يَصْدُقَ النَّدْبُ مَأْمُورًا بِهِ فَلَا يَلْزَمُ الْوُجُوبُ مِنْ قَوْلِهِ مُرْ ابْنَك وَأَمَّا عِنْدَنَا فَمُسَمَّى الْأَمْرِ الصِّيغَةُ الْمُوجِبَةُ كَمَا أَنَّ الصِّيغَةَ حَقِيقَةٌ فِي الْوُجُوبِ فَيَلْزَمُ الْوُجُوبُ مِنْهَا، وَإِنْ كَانَتْ صَادِرَةً عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْهُ فِيهَا فَهُوَ كَالْمُبَلِّغِ لِلصِّيغَةِ فَاشْتَمَلَ قَوْلُهُ: «مُرْ ابْنَك» عَلَى وَجَوْبَيْنِ صَرِيحٍ وَهُوَ الْوُجُوبُ عَلَى عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنْ يَأْمُرَ وَضِمْنِيٍّ وَهُوَ مَا يَتَعَلَّقُ بِابْنِهِ عِنْدَ تَوَجُّهِ الصِّيغَةِ إلَيْهِ قَيَّدْنَا بِقَوْلِنَا فِي الْحَيْضِ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُرَاجِعْهَا حَتَّى طَهُرَتْ تَقَرَّرَتْ الْمَعْصِيَةُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مُسْتَنِدًا إلَى أَنَّهُ الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ عِنْدَ التَّأَمُّلِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي الصَّحِيحَيْنِ: «مُرْ ابْنَك فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ لْيُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ» إلَى آخِرِهِ، وَقَدْ يُقَالُ إنَّ هَذَا ظَاهِرٌ عَلَى رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ الْآتِيَةِ مِنْ أَنَّهَا إذَا طَهُرَتْ طَلَّقَهَا وَأَمَّا عَلَى الْمَذْهَبِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تُقَرَّرَ الْمَعْصِيَةُ حَتَّى يَأْتِيَ الطُّهْرُ الثَّانِي الَّذِي هُوَ أَوَانُ طَلَاقِهَا. قَوْلُهُ: (وَيُطَلِّقُهَا فِي طُهْرٍ ثَانٍ) يَعْنِي إذَا رَاجَعَهَا فِي الْحَيْضِ أَمْسَكَ عَنْ طَلَاقِهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ فَيُطَلِّقَهَا ثَانِيَةً وَلَا يُطَلِّقُهَا فِي الطُّهْرِ الَّذِي طَلَّقَهَا فِي حَيْضَتِهِ لِأَنَّهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ بِدْعِيٌّ وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ يُطَلِّقُهَا فِي طُهْرِهِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ أَثَرَ الطَّلَاقِ انْعَدَمَ بِالْمُرَاجَعَةِ فَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يُطَلِّقْهَا فِي هَذِهِ الْحَيْضَةِ فَيُسَنُّ تَطْلِيقُهَا فِي طُهْرِهَا، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْأَصْلِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي الْكَافِي وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَقَوْلُ الْكُلِّ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَيَدُلُّ لَهُ حَدِيثُ الصَّحِيحَيْنِ: «مُرْ ابْنَك فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ لْيُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ فَتَطْهُرَ فَإِنْ بَدَا لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فَلْيُطَلِّقْهَا قَبْلَ أَنْ يُمْسِكَهَا فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ تَطْلُقَ لَهَا النِّسَاءُ» وَلِأَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَ كُلِّ تَطْلِيقَتَيْنِ بِحَيْضَةٍ، وَالْفَاصِلُ هُنَا بَعْضُ الْحَيْضَةِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ قَالَ لِمَوْطُوءَتِهِ: أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَمَا فِي الْمُحِيطِ مِنْ تَعْلِيلٍ. . . إلَخْ) قَدَّمَ الْمُؤَلِّفُ عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّهُ عَلَّلَ عَدَمَ كَرَاهَتِهِ بِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَحْصِيلُ الْعِوَضِ إلَّا بِهِ وَهَذَا أَحْسَنُ مِنْ تَعْلِيلِهِ هُنَا وَبِهِ يَظْهَرُ وَجْهُ عَدَمِ كَرَاهَةِ الطَّلَاقِ عَلَى مَالٍ وَأَمَّا التَّخْيِيرُ، وَالِاخْتِيَارُ فَالظَّاهِرُ أَنَّ وَجْهَهُ أَنَّ التَّخْيِيرَ لَيْسَ طَلَاقًا مُسْتَقِلًّا بِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ بِقَوْلِهِ لَهَا اخْتَارِي نَفْسَك لَا يَقَعُ مَا لَمْ تَخْتَرْ نَفْسَهَا فَإِذَا اخْتَارَتْ فَكَأَنَّهَا هِيَ الَّتِي أَوْقَعَتْ عَلَى نَفْسِهَا الطَّلَاقَ كَمَا لَوْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا بِخِيَارِ الْعِتْقِ أَوْ الْبُلُوغِ أَوْ الْعُنَّةِ فَإِنَّهُ لَا يُكْرَهُ فِي الْحَيْضِ أَيْضًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الذَّخِيرَةِ، وَالْمَمْنُوعُ عَنْ الطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ هُوَ الرَّجُلُ لَا هِيَ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ: وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ ثَلَاثَةَ أَنْوَاعٍ لِلْبِدْعِيِّ) وَهِيَ الطَّلَاقُ ثَلَاثًا فِي طُهْرٍ أَوْ بِكَلِمَةٍ وَطَلَاقُ الْمَوْطُوءَةِ حَائِضًا وَمَرْفُوعٌ آخَرُ عَنْ الْبَدَائِعِ وَهُوَ طَلَاقُهَا فِي طُهْرٍ طَلَّقَهَا فِي حَيْضٍ قَبْلَهُ فَهِيَ تِسْعَةٌ. (قَوْلُهُ: وَضِمْنِيٌّ وَهُوَ مَا يَتَعَلَّقُ بِابْنِهِ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ فَلْيُرَاجِعْهَا أَمْرٌ لِابْنِ عُمَرَ فَتَجِبُ عَلَيْهِ الْمُرَاجَعَةُ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا عَلَى الْمَذْهَبِ فَيَنْبَغِي. . . إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ مَا اسْتَنَدَ إلَيْهِ فِي الْفَتْحِ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ «ثُمَّ لْيُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ» يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْمُرَاجَعَةِ فِي الْحَيْضِ وَحَيْثُ كَانَ الْمُعْتَمَدُ فِي الْمَذْهَبِ مُحْتَمِلًا لِتَقَرُّرِ الْمَعْصِيَةِ بِالطُّهْرِ الْأَوَّلِ أَوْ الثَّانِي تَعَيَّنَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْحَدِيثِ كَيْ لَا يُخَالِفَهُ سِيَّمَا مَعَ قَوْلِهِ فِي الْفَتْحِ أَنَّهُ الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ عِنْدَ التَّأَمُّلِ تَأَمَّلْ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 260 لِلسُّنَّةِ وَقَعَ عِنْدَ كُلِّ طُهْرٍ طَلْقَةٌ) لِأَنَّ اللَّامَ فِيهِ لِلْوَقْتِ وَوَقْتُ السُّنَّةِ طُهْرٌ لَا جِمَاعَ فِيهِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَا يَسْتَلْزِمُ الْجَوَابَ لِأَنَّ الْمَعْنَى حِينَئِذٍ ثَلَاثًا لِوَقْتِ السُّنَّةِ وَهَذَا يُوجِبُ تَقْيِيدَ الطَّلَاقِ بِإِحْدَى جِهَتَيْ سُنَّةِ الطَّلَاقِ، وَهُوَ السُّنِّيُّ وَقْتًا وَحِينَئِذٍ فَمُرَادُهُ ثَلَاثًا فِي وَقْتِ السُّنَّةِ فَيَصْدُقُ بِوُقُوعِهَا جُمْلَةً فِي طُهْرٍ بِالْإِجْمَاعِ فَيَمْتَنِعُ بِهَذَا التَّقْرِيرِ تَعْمِيمُ السُّنَّةِ فِي جِهَتَيْهَا، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ اللَّامَ لِلِاخْتِصَاصِ فَالْمَعْنَى الطَّلَاقُ الْمُخْتَصُّ بِالسُّنَّةِ وَهُوَ مُطْلَقٌ فَيَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلِ وَهُوَ السُّنِّيُّ عَدَدًا وَوَقْتًا فَوَجَبَ جَعْلُ الثَّلَاثِ مُفَرَّقًا عَلَى الْأَطْهَارِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ السُّنِّيِّ وَقْتًا السُّنِّيُّ عَدَدًا إذْ لَا يُمْكِنُ إيقَاعُ ثَلَاثٍ عَلَى وَجْهِ السُّنَّةِ أَصْلًا. وَأَمَّا السُّنِّيُّ عَدَدًا فَغَيْرُ مُسْتَلْزِمٍ لِلسُّنِّيِّ وَقْتًا فَإِنَّ الْوَاحِدَةَ تَكُونُ سُنَّةً فِي طُهْرٍ فِيهِ جِمَاعٌ فِي الْآيِسَةِ، وَالصَّغِيرَةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ مَا إذَا نَوَاهُ أَوْ لَمْ يَنْوِهِ وَقَيَّدَ بِالْمَوْطُوءَةِ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ لِغَيْرِهَا ذَلِكَ وَقَعَتْ لِلْحَالِ وَاحِدَةً وَلَوْ كَانَتْ حَائِضًا ثَمَّ لَا يَقَعُ عَلَيْهَا قَبْلَ التَّزَوُّجِ شَيْءٌ وَلَا يَنْحَلُّ الْيَمِينُ لِأَنَّ زَوَالَ الْمِلْكِ بَعْدَ الْيَمِينِ لَا يُبْطِلُهَا فَإِنْ تَزَوَّجَهَا وَقَعَتْ الثَّانِيَةُ فَإِنْ تَزَوَّجَهَا أَيْضًا وَقَعَتْ الثَّالِثَةُ فَيُفَرِّقُ الثَّلَاثَ عَلَى التَّزَوُّجَاتِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فَمَا فِي الْمِعْرَاجِ مِنْ أَنَّهُ يَقَعُ الثَّلَاثُ لِلْحَالِ بِالْإِجْمَاعِ سَهْوٌ ظَاهِرٌ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ عِنْدَ كُلِّ طُهْرٍ إلَى أَنَّهَا مِنْ ذَوَاتِ الْحَيْضِ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَشْهُرِ يَقَعُ لِلْحَالِ وَاحِدَةً وَبَعْدَ شَهْرٍ أُخْرَى وَكَذَا لَوْ كَانَتْ حَامِلًا عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي طَلَاقِ الْحَامِلِ وَأَشَارَ بِذِكْرِ الثَّلَاثِ وَتَفْرِيقِهَا عَلَى الْأَطْهَارِ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ لِلشُّهُورِ يَقَعُ عِنْدَ كُلِّ شَهْرٍ تَطْلِيقَةٌ وَلَوْ قَالَ لِلْحَيْضِ يَقَعُ عِنْدَ كُلِّ حَيْضٍ وَاحِدَةً وَتُكْرَهُ الثَّانِيَةُ فِي رِوَايَةٍ وَلَا تُكْرَهُ فِي أُخْرَى كَذَا فِي الْمُبْتَغَى بِالْمُعْجَمَةِ، وَالْحَيْضُ بِالْجَمْعِ لَا الْمَصْدَرِ وَقَيَّدَهُ فِي الْمِعْرَاجِ بِأَنْ يَنْوِيَ الثَّلَاثَ وَلَفْظُهُ وَلَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ لِلشُّهُورِ أَوْ الْحَيْضِ وَنَوَى ثَلَاثًا كَانَتْ ثَلَاثًا لِأَنَّهُ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى مَا لَهُ عَدَدٌ اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ لَهَا أَنْت طَالِقٌ لِلْحَيْضِ وَلَيْسَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْحَيْضِ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ، وَفِي الْبَدَائِعِ وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ وَهِيَ مِنْ ذَوَاتِ الْحَيْضِ: أَنْت طَالِقٌ لِلْحَيْضِ وَقَعَ عِنْدَ كُلِّ طُهْرٍ مِنْ كُلِّ حَيْضَةٍ تَطْلِيقَةٌ لِأَنَّ الْحَيْضَ الَّذِي يُضَافُ إلَيْهِ الطَّلَاقُ هِيَ أَطْهَارُ الْعِدَّةِ اهـ. وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْأَوَّلِ، وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ إنَّمَا هِيَ لِلْحَيْضِ لَا لِلْأَطْهَارِ وَذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ عَنْ الْمُنْتَقَى وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ عِنْدَ كُلِّ طُهْرٍ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ طَاهِرَةً وَقْتَهُ وَلَمْ يَكُنْ جَامَعَهَا فِيهِ وَقَعَتْ لِلْحَالِ وَاحِدَةً، وَإِنْ كَانَتْ حَائِضًا أَوْ جَامَعَهَا فِي ذَلِكَ الطُّهْرِ لَمْ تَطْلُقُ حَتَّى تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ، وَفِي الْبَدَائِعِ: لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ لِلسُّنَّةِ وَقَعَتْ الطَّلْقَتَانِ عِنْدَ كُلِّ طُهْرٍ وَاحِدَةٌ قَوْلُهُ: (وَإِنْ نَوَى أَنْ تَقَعَ الثَّلَاثُ السَّاعَةَ أَوْ عِنْدَ كُلِّ شَهْرٍ وَاحِدَةٌ صَحَّتْ) أَيْ نِيَّتُهُ أَمَّا الْأُولَى فَلِأَنَّ الثَّلَاثَ سُنِّيٌّ وُقُوعًا أَيْ وُقُوعُهُ بِالسُّنَّةِ فَتَصِحُّ إرَادَتُهُ وَتَكُونُ اللَّامُ لِلتَّعْلِيلِ أَيْ لِأَجْلِ السُّنَّةِ الَّتِي أَوْجَبَتْ وُقُوعَ الثَّلَاثِ فَإِنَّ وُقُوعَهَا مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ خِلَافًا لِلرَّوَافِضِ وَلِأَنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ الْمُجْتَمِعِ سُنَّةٌ عِنْدَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ النِّيَّةِ وَعِنْدَ عَدَمِهَا يُحْمَلُ عَلَى الْكَامِلِ وَهُوَ السُّنِّيُّ وُقُوعًا وَإِيقَاعًا فَإِنْ قِيلَ الْوُقُوعُ بِدُونِ الْإِيقَاعِ مُحَالٌ فَلَمَّا كَانَ الْوُقُوعُ سُنِّيًّا كَانَ الْإِيقَاعُ سُنِّيًّا لِامْتِنَاعِ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ سُنِّيًّا وَلَازِمُهُ بِدْعِيًّا قُلْت الْوُقُوعُ لَا يُوصَفُ بِالْحُرْمَةِ لِأَنَّهُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ لَا اخْتِيَارَ لِلْعَبْدِ فِيهِ وَحُكْمُ الشَّرْعِ لَا يُوصَفُ بِالْبِدْعَةِ، وَالْإِيقَاعُ فِعْلُ الْعَبْدِ فَيُوصَفُ بِالْحُرْمَةِ، وَالْبِدْعَةِ فَكَانَ الْوُقُوعُ أَشْبَهَ بِالسُّنَّةِ الْمَرْضِيَّةِ، كَذَا فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلِأَنَّ رَأْسَ الشَّهْرِ إمَّا أَنْ يَكُونَ زَمَانَ حَيْضِهَا أَوْ طُهْرِهَا فَعَلَى الثَّانِي هُوَ سُنِّيٌّ وُقُوعًا وَإِيقَاعًا وَعَلَى الْأَوَّلِ هُوَ سُنِّيٌّ وُقُوعًا فَنِيَّةُ الثَّلَاثِ عِنْدَ رَأْسِ كُلِّ شَهْرٍ وَاحِدَةٌ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ رَأْسَ الشَّهْرِ قَدْ تَكُونُ حَائِضًا فِيهِ بِنِيَّةِ الْأَعَمِّ مِنْ السُّنِّيِّ وُقُوعًا وَإِيقَاعًا مَعًا أَوْ أَحَدُهُمَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ ثَلَاثًا. لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ وَلَمْ يَذْكُرْ ثَلَاثًا وَقَعَتْ وَاحِدَةً لِلْحَالِ   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 261 إنْ كَانَتْ فِي طُهْرٍ لَمْ يُجَامِعْهَا فِيهِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ جَامَعَهَا أَوْ كَانَتْ حَائِضًا لَا يَقَعُ شَيْءٌ حَتَّى تَطْهُرَ فَيَقَعَ وَاحِدَةً فَلَوْ نَوَى ثَلَاثًا مُفَرِّقًا عَلَى الْأَطْهَارِ صَحَّ لِأَنَّ الْمَعْنَى فِي أَوْقَاتِ طَلَاقِ السُّنَّةِ وَلَوْ نَوَى الثَّلَاثَ جُمْلَةً اُخْتُلِفَ فِيهِ فَذَهَبَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ وَالصَّدْرِ الشَّهِيدِ وَصَاحِبُ الْمُخْتَلَفَاتِ إلَى عَدَمِ صِحَّتِهَا وَإِنَّمَا يَقَعُ بِهِ وَاحِدَةً فَقَطْ، وَذَهَبَ الْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَشَيْخُ الْإِسْلَامِ إلَى أَنَّهُ يَصِحُّ فَتَقَعُ الثَّلَاثُ جُمْلَةً كَمَا تَقَعُ مُفَرَّقًا عَلَى الْأَطْهَارِ، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَوْ نَوَى وَاحِدَةً بَائِنَةً لَمْ تَكُنْ بَائِنَةً لِأَنَّ لَفْظَ الطَّلَاقِ لَا يَدُلُّ عَلَى الْبَيْنُونَةِ وَكَذَا لَفْظُ السُّنَّةِ بَلْ يَمْنَعُ ثُبُوتَ الْبَيْنُونَةِ لِأَنَّ الْإِبَانَةَ لَيْسَتْ بِمَسْنُونَةٍ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَلَوْ نَوَى ثِنْتَيْنِ لَمْ تَكُنْ ثِنْتَيْنِ لِأَنَّهُ عَدَدٌ مَحْضٌ بِخِلَافِ الثَّلَاثِ لِأَنَّهُ فَرْدٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ جِنْسُ كُلِّ الطَّلَاقِ وَلَوْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَبِقَوْلِهِ لِلسُّنَّةِ أُخْرَى لَمْ يَقَعْ لِأَنَّ قَوْلَهُ لِلسُّنَّةِ لَيْسَتْ مِنْ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ لِلسُّنَّةِ لَا يَقَعُ، وَإِنْ نَوَى الطَّلَاقَ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَقَيَّدَ بِاللَّامِ لِأَنَّهُ لَوْ صَرَّحَ بِالْأَوْقَاتِ فَقَالَ: أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا أَوْقَاتَ السُّنَّةِ لَا تَصِحُّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ جُمْلَةَ. وَالْفَرْقُ أَنَّ اللَّامَ تَحْتَمِلُ أَنْ لَا تَكُونَ لِلْوَقْتِ فَقَدْ نَوَى مُحْتَمَلَ كَلَامِهِ وَأَمَّا التَّصْرِيحُ بِالْوَقْتِ فَغَيْرُ مُحْتَمِلٍ غَيْرَهُ فَانْصَرَفَ إلَى السُّنَّةِ الْكَامِلَةِ وَهِيَ السُّنَّةُ وُقُوعًا وَإِيقَاعًا كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ لَا فَرْقَ بَيْنَ جَمْعِ الْوَقْتِ وَأَفْرَادِهِ لِأَنَّهُ مَعَ التَّصْرِيحِ بِهِ مُفْرَدٌ لَا يُحْتَمَلُ غَيْرُهُ كَمَا فِي الْمَجْمَعِ، وَمُرَادُهُ اللَّامُ وَمَا كَانَ بِمَعْنَاهُ فَلَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ فِي السُّنَّةِ أَوْ عَلَى السُّنَّةِ أَوْ مَعَ السُّنَّةِ أَوْ طَلَاقَ السُّنَّةِ فَهُوَ كَاللَّامِ وَكَذَا السُّنَّةُ لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ مِثْلُهَا مَا كَانَ بِمَعْنَاهَا كَطَلَاقِ الْعَدْلِ أَوْ طَلَاقًا عَدْلًا وَطَلَاقِ الْعِدَّةِ أَوْ لِلْعِدَّةِ أَوْ طَلَاقِ الدِّينِ أَوْ الْإِسْلَامِ أَوْ أَحْسَنَ الطَّلَاقِ أَوْ أَجْمَلَهُ أَوْ طَلَاقِ الْحَقِّ أَوْ طَلَاقِ الْقُرْآنِ أَوْ الْكِتَابِ وَذَكَرَ فِي الْمِعْرَاجِ أَنَّهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: الْأَوَّلُ جَمِيعُ مَا ذَكَرْنَاهُ وَمِنْهُ طَلَاقُ التَّحَرِّي، وَالثَّانِي: أَنْ يَقُولَ أَنْت طَالِقٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ أَوْ بِكِتَابِ اللَّهِ أَوْ مَعَ كِتَابِ اللَّهِ فَإِنْ نَوَى بِهِ طَلَاقَ السُّنَّةِ وَقَعَ فِي أَوْقَاتِهَا، وَإِنْ لَمْ يَنْوِهَا وَقَعَ فِي الْحَالِ لِأَنَّ كِتَابَ اللَّهِ يَدُلُّ عَلَى وُقُوعِ الطَّلَاقِ لِلسُّنَّةِ، وَالْبِدْعَةِ فَيَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ، وَالثَّالِثُ: أَنْ يَقُولَ أَنْت طَالِقٌ عَلَى الْكِتَابِ أَوْ بِالْكِتَابِ أَوْ عَلَى قَوْلِ الْقُضَاةِ أَوْ عَلَى قَوْلِ الْفُقَهَاءِ أَوْ طَلَاقَ الْقُضَاةِ أَوْ طَلَاقَ الْفُقَهَاءِ فَإِنْ نَوَى السُّنَّةَ يُدَيَّنُ وَيَقَعُ فِي الْحَالِ فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّ قَوْلَ الْقُضَاةِ أَوْ الْفُقَهَاءِ يَقْتَضِي الْأَمْرَيْنِ فَإِذَا خَصَّصَ يُدَيَّنُ وَلَا يُسْمَعُ فِي الْقَضَاءِ اهـ. وَفِي مُخْتَصَرِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ: لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ تَطْلِيقَةً لِلسُّنَّةِ يَقِفُ عَلَى مَحَلِّهِ بِخِلَافِ سُنِّيَّةٍ أَوْ عِدْلَةٍ أَوْ عَدْلِيَّةٍ أَوْ حَسَنَةٍ أَوْ جَمِيلَةٍ لِأَنَّهُ وَصْفٌ لِلْوَاقِعِ وَهُنَاكَ الْإِيقَاعُ وَلَوْ قَالَ أَحْسَنَ الطَّلَاقِ أَوْ أَعْدَلَهُ أَوْ أَجْمَلَهُ تَوَقَّفَ لِحَرْفِ الْمُبَالَغَةِ وَلَوْ قَالَ تَطْلِيقَةً حَسَنَةً فِي دُخُولِك الدَّارَ وَشَدِيدَةً فِي ضَرْبِك أَوْ قَوِيَّةً فِي بَطْشِك أَوْ ظَرِيفَةً فِي نِقَابِك أَوْ مُعْتَدِلَةً فِي قِيَامِك تَتَعَلَّقُ وَلَوْ لَمْ يَذْكُرْ التَّطْلِيقَةَ يُتَنَجَّزُ لِأَنَّهُ وَصَفَهَا وَتَمَّ وَصْفُهُ اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ: لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ تَطْلِيقَةً حَقًّا طَلُقَتْ السَّاعَةَ وَلَوْ قَالَ طَلَاقَ الْحَقِّ كَانَ لِلسُّنَّةِ وَقَيَّدَ بِالسُّنَّةِ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ لِلْبِدْعَةِ أَوْ طَلَاقَ الْبِدْعَةِ وَنَوَى الثَّلَاثَ وَقَعَتْ لِلْحَالِ وَكَذَا الْوَاحِدَةُ فِي الْحَيْضِ، وَالطُّهْرِ الَّذِي فِيهِ جِمَاعٌ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ، وَإِنْ كَانَ فِي طُهْرٍ فِيهِ جِمَاعٌ أَوْ فِي حَالِ الْحَيْضِ أَوْ النِّفَاسِ وَقَعَتْ وَاحِدَةً مِنْ سَاعَتِهِ، وَإِنْ كَانَتْ فِي طُهْرٍ لَا جِمَاعَ فِيهِ لَا يَقَعُ لِلْحَالِ حَتَّى تَحِيضَ أَوْ يُجَامِعَهَا فِي ذَلِكَ الطُّهْرِ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ، وَقَدْ بَحَثَ بَعْضُ الطَّلَبَةِ بِدَرْسِ الصرغتمشية أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ تَقَعَ الثَّلَاثُ بِلَا نِيَّةٍ إذَا كَانَتْ فِي طُهْرٍ لَمْ يُجَامِعْهَا فِيهِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى الْحَيْضِ أَوْ الْجِمَاعِ لِأَنَّهُ بِدْعِيٌّ فَأَجَبْته بِأَنَّ الْبِدْعِيَّ عَلَى قِسْمَيْنِ: فَاحِشٍ وَأَفْحَشَ كَالْأَحْسَنِ، وَالْحَسَنِ فِي السُّنِّيِّ فَالثَّلَاثُ أَفْحَشُ وَمَا دُونَهَا فَاحِشٌ فَلَا يَنْصَرِفُ إلَى الْأَفْحَشِ إلَّا بِالنِّيَّةِ، وَفِي الْمُحِيطِ: لَوْ أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ لِلسُّنَّةِ وَهِيَ مَدْخُولَةٌ بِهَا فَقَالَ لَهَا الْوَكِيلُ أَنْت طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ أَوْ قَالَ إذَا حِضْت وَطَهُرْت.   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَمِنْهُ طَلَاقُ التَّحَرِّي) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْمَتْنِ وَهُوَ أَنْ يَتَحَرَّى طَلَاقَهَا فِي الطُّهْرِ مَرَّةً أَوْ ثَلَاثًا فِي ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ (قَوْلُهُ: فَإِنْ نَوَى بِهِ طَلَاقَ السُّنَّةِ وَقَعَ فِي أَوْقَاتِهَا) أَيْ وَقَعَ ثَلَاثٌ مُتَفَرِّقَةٌ عَلَى أَوْقَاتِ السُّنَّةِ مِنْ الْأَطْهَارِ أَوْ الْأَشْهُرِ، وَقَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَنْوِ وَقَعَ فِي الْحَالِ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ وُقُوعُ الثَّلَاثِ فِي الْحَالِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ التَّعْلِيلِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ أَحْسَنُ الطَّلَاقِ. . . إلَخْ) سَيَأْتِي قُبَيْلَ فَصْلِ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَحْسَنُ الطَّلَاقِ أَسَنُّهُ أَجْمَلُهُ أَعْدَلُهُ خَيْرُهُ أَكْمَلُهُ أَفْضَلُهُ أَتَمُّهُ يَقَعُ رَجْعِيًّا وَتَكُونُ طَالِقًا لِلسُّنَّةِ فِي وَقْتِهَا، وَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا فَهِيَ ثَلَاثٌ لِلسُّنَّةِ كَذَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَنَّهَا تَكُونُ رَجْعِيَّةً فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ الْحَالَةُ حَالَةَ حَيْضٍ أَوْ طُهْرٍ وَذَكَرَ مَا جَزَمَ بِهِ الْحَاكِمُ رِوَايَةً عَنْ أَبِي يُوسُفَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 262 فَأَنْت طَالِقٌ فَحَاضَتْ وَطَهُرَتْ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ لِأَنَّهُ فُوِّضَ إلَيْهِ الطَّلَاقُ فِي وَقْتِ السُّنَّةِ فَلَا يَمْلِكُ إيقَاعَهُ قَبْلَ وَقْتِ السُّنَّةِ كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ طَلِّقْ امْرَأَتِي غَدًا فَقَالَ لَهَا الْوَكِيلُ: أَنْت طَالِقٌ غَدًا لَا يَقَعُ إذَا جَاءَ غَدٌ حَتَّى لَوْ حَاضَتْ وَطَهُرَتْ ثُمَّ قَالَ الْوَكِيلُ: أَنْتِ طَالِقٌ طَلُقَتْ وَلَوْ قَالَ لَهُ طَلِّقْ امْرَأَتِي ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ لِلْحَالِ وَقَعَتْ وَاحِدَةً وَيَنْبَغِي أَنْ يُطَلِّقَهَا أُخْرَى فِي طُهْرٍ آخَرَ ثُمَّ يُطَلِّقَهَا أُخْرَى فِي طُهْرٍ آخَرَ اهـ. . قَوْلُهُ: (وَيَقَعُ طَلَاقُ كُلِّ زَوْجٍ عَاقِلٍ بَالِغٍ) لِصُدُورِهِ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ وَهُوَ بَيَانٌ لِلْمَحَلِّ وَشَرَائِطُهُ فَأَشَارَ إلَى مَحَلِّهِ بِذِكْرِ الزَّوْجِ فَإِنَّهُ الزَّوْجَةُ وَلَوْ حُكْمًا وَهِيَ الْمُعْتَدَّةُ كَمَا سَبَقَ وَأَشَارَ إلَى شَرْطِهِ بِالْبُلُوغِ، وَالْعَقْلِ وَهُوَ تَكْلِيفُ الزَّوْجِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِمَفْهُومِهِ فِيمَا يَأْتِي وَلَمْ يَشْتَرِطْ أَنْ يَكُونَ جَادًّا فَيَقَعُ طَلَاقُ الْهَازِلِ بِهِ، وَاللَّاعِبِ لِلْحَدِيثِ الْمَعْرُوفِ «ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ النِّكَاحُ، وَالطَّلَاقُ، وَالْعَتَاقُ» وَلَا أَنْ يَكُونَ خَالِيًا عَنْ شَرْطِ الْخِيَارِ فَيَقَعُ طَلَاقُ شَارِطِ الْخِيَارِ فِي بَابِ الطَّلَاقِ بِعِوَضٍ وَبِغَيْرِهِ لِنَفْسِهِ وَلَهَا إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ وَهِيَ مَا إذَا شَرَطَ لَهَا فِي الطَّلَاقِ بِعِوَضٍ لِكَوْنِهِ مِنْ جَانِبِهَا مُعَاوَضَةَ مَالٍ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْخُلْعِ وَلَا أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا وَلَا مُسْلِمًا فَيَقَعُ مِنْ الْمَرِيضِ، وَالْكَافِرِ وَلَا أَنْ يَكُونَ عَامِدًا فَيَقَعُ طَلَاقُ الْمُخْطِئِ وَهُوَ الَّذِي يُرِيدُ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِغَيْرِ الطَّلَاقِ فَيَسْبِقُ عَلَى لِسَانِهِ الطَّلَاقُ وَكَذَا الْعَتَاقُ، وَرَوَى الْكَرْخِيُّ أَنَّ فِي الْعَتَاقِ رِوَايَتَيْنِ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ، وَرَوَى بِشْرٌ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ وَهُوَ الصَّحِيحُ الْكُلُّ مِنْ الْبَدَائِعِ وَلَا أَنْ يَكُونَ نَاوِيًا لَهُ لِأَنَّهُ شَرْطٌ فِي الْكِنَايَاتِ فَقَطْ وَاعْلَمْ أَنَّ طَلَاقَ الْفُضُولِيِّ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ الزَّوْجِ فَإِنَّ أَجَازَهُ وَقَعَ وَإِلَّا فَلَا سَوَاءٌ كَانَ الْفُضُولِيُّ امْرَأَةً أَوْ غَيْرَهَا كَمَا فِي الْمُحِيطِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ: رَجُلٌ قِيلَ لَهُ إنَّ فُلَانًا طَلَّقَ امْرَأَتَك أَوْ أَعْتَقَ عَبْدَك فَقَالَ نِعْمَ مَا صَنَعَ أَوْ بِئْسَ مَا صَنَعَ اخْتَلَفُوا فِيهِ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ فِيهِمَا رَجُلٌ قَالَ لِغَيْرِهِ: طَلَّقْت امْرَأَتَك فَقَالَ أَحْسَنْت أَوْ قَالَ أَسَأْت عَلَى وَجْهِ الْإِنْكَارِ لَا يَكُونُ إجَازَةً. وَلَوْ قَالَ أَحْسَنْت يَرْحَمُك اللَّهُ حَيْثُ خَلَّصْتنِي مِنْهَا أَوْ قَالَ فِي إعْتَاقِ الْعَبْدِ أَحْسَنْت تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنْك كَانَ إجَازَةً اهـ. وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ إجَازَةً فِي نِعْمَ مَا صَنَعْت لِحَمْلِهِ عَلَى الِاسْتِهْزَاءِ بِهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ التَّنْجِيزِ، وَالتَّعْلِيقِ فَلَوْ عَلَّقَهُ الْفُضُولِيُّ بِشَرْطٍ فَأَجَازَ الزَّوْجُ جَازَ فَلَوْ وُجِدَ الشَّرْطُ قَبْلَ الْإِجَازَةِ ثُمَّ أَجَازَ لَمْ يَقَعْ حَتَّى يُوجَدَ الشَّرْطُ بَعْدَ الْإِجَازَةِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَفِي الْقُنْيَةِ لَوْ طَلَّقَ امْرَأَةَ غَيْرِهِ فَقَالَ زَوْجُهَا: بِئْسَ مَا صَنَعْت قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو بَكْرٍ هُوَ إجَازَةٌ وَلَوْ قَالَ: نِعْمَ مَا صَنَعْت لَا يَكُونُ إجَازَةً وَعِنْدِي عَلَى عَكْسِهِ وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ: لِأَنَّهُ الظَّاهِرُ اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ فَصْلِ التَّعْلِيقِ بِالْمِلْكِ وَتَطْلِيقُ الْفُضُولِيِّ، وَالْإِجَازَةُ قَوْلًا وَفِعْلًا كَالنِّكَاحِ اهـ. فَلَوْ حَلَفَ لَا يُطَلِّقُ فَطَلَّقَ فُضُولِيٌّ إنْ أَجَازَ بِالْقَوْلِ حَنِثَ وَبِالْفِعْلِ لَا ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا جَمَعَ بَيْنَ مَنْكُوحَتِهِ وَغَيْرِهَا فِي الطَّلَاقِ بِكَلِمَةٍ فَقَالَ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ فَهَلْ يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَى مَنْكُوحَتِهِ فَذَكَرَ فِي الْخَانِيَّةِ: لَوْ جَمَعَ بَيْنَ مَنْكُوحَتِهِ وَرَجُلٍ فَقَالَ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَى امْرَأَتِهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَقَعُ، وَلَوْ جَمَعَ بَيْنَ امْرَأَتِهِ وَأَجْنَبِيَّةٍ وَقَالَ طَلَّقْت إحْدَاكُمَا طَلُقَتْ امْرَأَتُهُ، وَلَوْ قَالَ: إحْدَاكُمَا طَالِقٌ وَلَمْ يَنْوِ شَيْئًا لَا تَطْلُقُ امْرَأَتُهُ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا تَطْلُقُ وَلَوْ جَمَعَ بَيْنَ امْرَأَتِهِ وَمَا لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلطَّلَاقِ كَالْبَهِيمَةِ، وَالْحَجَرِ، وَقَالَ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ طَلُقَتْ امْرَأَتُهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا تَطْلُقُ وَلَوْ جَمَعَ بَيْنَ امْرَأَتِهِ الْحَيَّةِ، وَالْمَيِّتَةِ وَقَالَ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ لَا تَطْلُقُ الْحَيَّةُ اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ الرَّجُلَ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلطَّلَاقِ وَكَذَا الْمَيِّتَةُ فَيَنْبَغِي الْوُقُوعُ كَمَا فِي الْبَهِيمَةِ، وَالْحَجَرِ وَلِذَا قَالُوا لَوْ قَالَ أَنَا مِنْك طَالِقٌ لَا يَقَعُ، وَإِنْ نَوَى مُعَلِّلِينَ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لَهُ لَكِنْ قَالَ فِي الْمُحِيطِ إنَّ إضَافَةَ الطَّلَاقِ إلَى الرَّجُلِ، وَإِنْ لَمْ تَصِحَّ فَحُكْمُهُ يَثْبُتُ فِي حَقِّهِ وَهُوَ الْحُرْمَةُ وَلِذَا لَوْ أَضَافَ الزَّوْجُ الْحُرْمَةَ، وَالْبَيْنُونَةَ إلَى نَفْسِهِ صَحَّ فَصَارَ كَالْأَجْنَبِيَّةِ اهـ. وَفِيهَا أَيْضًا إذَا جَمَعَ بَيْنَ امْرَأَتَيْنِ إحْدَاهُمَا صَحِيحَةُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَبِالْفِعْلِ لَا) قَالَ فِي النَّهْرِ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ بِالْفِعْلِ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهَا مُؤَخَّرَ صَدَاقِهَا بَعْدَمَا طَلَّقَهَا الْفُضُولِيُّ اهـ. قَالَ الرَّمْلِيُّ وَمِثْلُ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ فِي فَتَاوَى قَاضِي ظَهِيرٍ لَكِنْ نَقَلَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ عَنْ فَوَائِدِ صَاحِبِ الْمُحِيطِ إنْ بَعَثَ الْمَهْرَ إلَيْهَا لَيْسَ بِإِجَازَةٍ لِوُجُوبِهِ قَبْلَ الطَّلَاقِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ وَنَقَلَ عَنْ مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ فِي الطَّلَاقِ، وَالْخُلْعِ قَوْلَيْنِ فِي قَبْضِ الْجُعْلِ هَلْ هُوَ إجَازَةٌ أَمْ لَا فَرَاجِعْهُ اهـ. إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ مَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، وَالْمَجْمُوعِ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَهْرِ الْمُعَجَّلِ فَلْيُرَاجَعْ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 263 النِّكَاحِ، وَالْأُخْرَى فَاسِدَةُ النِّكَاحِ فَقَالَ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ لَا تَطْلُقُ صَحِيحَةُ النِّكَاحِ كَمَا لَوْ جَمَعَ بَيْنَ مَنْكُوحَةٍ وَأَجْنَبِيَّةٍ، وَقَالَ: إحْدَاكُمَا طَالِقٌ وَلَوْ كَانَ لَهُ زَوْجَتَانِ اسْمُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا زَيْنَبُ إحْدَاهُمَا صَحِيحَةُ النِّكَاحِ، وَالْأُخْرَى فَاسِدَةُ النِّكَاحِ فَقَالَ زَيْنَبُ طَالِقٌ طَلُقَتْ صَحِيحَةُ النِّكَاحِ، وَإِنْ قَالَ عَنَيْت بِهِ الْأُخْرَى لَا يُصَدَّقُ قَضَاءً اهـ. وَفِيهَا أَيْضًا لَوْ حَلَفَ لَيُطَلِّقَن فُلَانَةَ الْيَوْمَ ثَلَاثًا وَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ فَيَمِينُهُ عَلَى التَّطْلِيقِ بِاللِّسَانِ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَيَتَزَوَّجَنَّ فُلَانَةَ الْيَوْمَ وَهِيَ مَنْكُوحَةُ الْغَيْرِ وَمَدْخُولَتُهُ كَانَتْ الْيَمِينُ عَلَى النِّكَاحِ الْفَاسِدِ اهـ. فَالْأَجْنَبِيَّةُ مَحَلٌّ لَهُ فِي الْأَيْمَانِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ مُكْرَهًا) أَيْ وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ مُكْرَهًا عَلَى إنْشَاءِ الطَّلَاقِ لَفْظًا خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لِحَدِيثِ: «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ، وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» وَلَنَا مَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ «ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ» كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَمَا رَوَوْهُ مِنْ بَابِ الْمُقْتَضَى وَلَا عُمُومَ لَهُ فَلَا يَجُوزُ تَقْدِيرُ الْحُكْمِ الشَّامِلِ لِحُكْمِ الدُّنْيَا، وَالْآخِرَةِ بَلْ إمَّا حُكْمُ الدُّنْيَا وَإِمَّا حُكْمُ الْآخِرَةِ، وَالْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ حُكْمَ الْآخِرَةِ وَهُوَ الْمُؤَاخَذَةُ مُرَادٌ فَلَا يُرَادُ الْآخِرَةُ مَعَهُ وَإِلَّا يَلْزَمُ عُمُومُهُ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا أُكْرِهَ عَلَى التَّوْكِيلِ بِالطَّلَاقِ فَوَكَّلَ فَطَلَّقَ الْوَكِيلُ فَإِنَّهُ يَقَعُ. وَفِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ أَكْرَهَهُ السُّلْطَانُ لِيُوَكِّلَهُ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ فَقَالَ الزَّوْجُ مَخَافَةَ الْحَبْسِ، وَالضَّرْبِ أَنْت وَكِيلٌ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ وَطَلَّقَ الْوَكِيلُ امْرَأَتَهُ ثُمَّ قَالَ الْمُوَكِّلُ لَمْ أُوَكِّلْهُ بِطَلَاقِ امْرَأَتِي قَالُوا لَا يُسْمَعُ مِنْهُ وَيَقَعُ الطَّلَاقُ لِأَنَّهُ أَخْرَجَ الْكَلَامَ جَوَابًا لِخِطَابِ الْأَمْرِ، وَالْجَوَابُ يَتَضَمَّنُ إعَادَةَ مَا فِي السُّؤَالِ اهـ. وَقَيَّدْنَا بِالْإِنْشَاءِ لِأَنَّهُ لَوْ أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يُقِرَّ بِالطَّلَاقِ فَأَقَرَّ لَا يَقَعُ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِالطَّلَاقِ هَازِلًا أَوْ كَاذِبًا كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ الْإِكْرَاهِ وَمُرَادُهُ بِعَدَمِ الْوُقُوعِ فِي الْمُشَبَّهِ بِهِ عَدَمُهُ دِيَانَةً لِمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَوْ أَقَرَّ بِالطَّلَاقِ وَهُوَ كَاذِبٌ وَقَعَ فِي الْقَضَاءِ اهـ. وَصَرَّحَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ بِأَنَّ لَهُ فِي الدِّيَانَةِ إمْسَاكُهَا إذَا قَالَ أَرَدْت بِهِ الْخَبَرَ عَنْ الْمَاضِي كَذِبًا، وَإِنْ لَمْ يُرِدْ بِهِ الْخَبَرَ عَنْ الْمَاضِي أَوْ أَرَادَ بِهِ الْكَذِبَ أَوْ الْهَزْلَ وَقَعَ قَضَاءً وَدِيَانَةً وَاسْتَثْنَى فِي الْقُنْيَةِ مِنْ الْوُقُوعِ قَضَاءً مَا إذَا شَهِدَ قَبْلَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْقَاضِي يَتَّهِمُهُ فِي إرَادَتِهِ الْكَذِبَ فَإِذَا أَشْهَدَ قَبْلَهُ زَالَتْ التُّهْمَةُ، وَالْإِقْرَارُ بِالْعِتْقِ كَالْإِقْرَارِ بِالطَّلَاقِ وَقَيَّدَهُ الْبَزَّازِيُّ بِالْمَظْلُومِ إذَا أَشْهَدَ عِنْدَ اسْتِحْلَافِ الظَّالِمِ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثَ أَنَّهُ يَحْلِفُ كَاذِبًا قَالَ يُصَدَّقُ فِي الْحُرِّيَّةِ، وَالطَّلَاقِ جَمِيعًا وَهَذَا صَحِيحٌ اهـ. وَقَيَّدْنَا بِكَوْنِهِ عَلَى النُّطْقِ لِأَنَّهُ لَوْ أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يَكْتُبَ طَلَاقَ امْرَأَتِهِ فَكَتَبَ لَا تَطْلُقُ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ أُقِيمَتْ مُقَامَ الْعِبَارَةِ بِاعْتِبَارِ الْحَاجَةِ وَلَا حَاجَةَ هُنَا كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ أُكْرِهَ عَلَى طَلَاقِهَا فَكَتَبَ فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانٍ طَالِقٌ لَمْ يَقَعْ اهـ. وَفِي الْخِزَانَةِ لِأَبِي اللَّيْثِ وَجُمْلَةُ مَا يَصِحُّ مَعَهُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ شَيْئًا الطَّلَاقُ، وَالنِّكَاحُ، وَالرَّجْعَةُ، وَالْحَلِفُ بِطَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ وَظِهَارٍ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ مَا إذَا أُكْرِهَ عَلَى التَّوْكِيلِ بِالطَّلَاقِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَمِثْلُهُ الْعَتَاقُ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَأَمَّا التَّوْكِيلُ بِالنِّكَاحِ فَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُخَالِفُهُمَا فِي ذَلِكَ لِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّ الثَّلَاثَ تَصِحُّ مَعَ الْإِكْرَاهِ اسْتِحْسَانًا، وَقَدْ ذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ فِي مَسْأَلَةِ الطَّلَاقِ أَنَّ الْوُقُوعَ اسْتِحْسَانٌ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَصِحَّ الْوَكَالَةُ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ تَبْطُلُ بِالْهَزْلِ فَكَذَا مَعَ الْإِكْرَاهِ كَالْبَيْعِ وَأَمْثَالِهِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يَمْنَعُ انْعِقَادَ الْبَيْعِ وَلَكِنْ يُوجِبُ فَسَادَهُ فَكَذَا التَّوْكِيلُ يَنْعَقِدُ مَعَ الْإِكْرَاهِ، وَالشُّرُوطُ الْفَاسِدَةُ لَا تُؤَثِّرُ فِي الْوَكَالَةِ لِكَوْنِهَا مِنْ الْإِسْقَاطَاتِ فَإِذَا لَمْ تَبْطُلْ نَفَذَ تَصَرُّفُ الْوَكِيلِ اهـ. فَانْظُرْ إلَى عِلَّةِ الِاسْتِحْسَانِ فِي الطَّلَاقِ تَجِدْهَا فِي النِّكَاحِ فَيَكُونُ حُكْمُهُمَا وَاحِدًا تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَمُرَادُهُ بِالْوُقُوعِ فِي الْمُشَبَّهِ بِهِ) أَيْ فِي قَوْلِهِ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِالطَّلَاقِ هَازِلًا أَوْ كَاذِبًا لَكِنَّ مَا فِي الْفَتْحِ لَيْسَ فِيهِ تَعَرُّضٌ لِمَا ادَّعَاهُ فِي الْهَازِلِ بَلْ فِي الْكَاذِبِ فَقَطْ لَكِنَّ الْهَازِلَ كَاذِبٌ فِي الْمَعْنَى (قَوْلُهُ: وَقَعَ قَضَاءً وَدِيَانَةً) هُوَ مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا عَنْ الْخَانِيَّةِ بِقَوْلِهِ لَا يَقَعُ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِالطَّلَاقِ هَازِلًا أَوْ كَاذِبًا قَالَهُ الرَّمْلِيُّ لَكِنْ يُمْكِنُ حَمْلُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ فِي مَسْأَلَةِ الْكَذِبِ عَلَى مَا إذَا أَرَادَ بِهِ الْإِخْبَارَ عَنْ الْمَاضِي وَكَذَلِكَ عِبَارَةُ الْفَتْحِ تُحْمَلُ عَلَى ذَلِكَ فَلَا مُخَالَفَةَ نَعَمْ تَبْقَى الْمُخَالَفَةُ فِي الْهَازِلِ وَسَيَأْتِي التَّصْرِيحُ فِيهِ عَنْ الْخُلَاصَةِ بِمِثْلِ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ مُعَلَّلًا بِأَنَّ الْهَازِلَ مُكَابِرٌ بِاللَّفْظِ فَيَسْتَحِقُّ التَّغْلِيظَ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْهَزْلَ إنْ كَانَ فِي إنْشَاءِ الطَّلَاقِ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ يُبْطِلُ الْهَزْلُ وَيَقَعُ مَا تَكَلَّمَ بِهِ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِسَبَبِهِ الَّذِي هُوَ مَلْزُومٌ لِلْحُكْمِ شَرْعًا وَلِذَا لَا يَحْتَمِلُ شَرْطَ الْخِيَارِ، وَإِنْ كَانَ فِي الْإِقْرَارِ بِهِ وَكَانَ مِمَّا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ كَالْبَيْعِ أَوَّلًا فَلَا يَثْبُتُ مَعَ الْهَزْلِ كَمَا فِي كُتُبِ الْأُصُولِ وَقَالَ فِي التَّلْوِيحِ وَكَمَا أَنَّهُ يَبْطُلُ الْإِقْرَارُ بِالطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقُ مُكْرَهًا كَذَلِكَ يَبْطُلُ الْإِقْرَارُ بِهِمَا هَازِلًا لِأَنَّ الْهَزْلَ دَلِيلُ الْكَذِبِ كَالْإِكْرَاهِ حَتَّى لَوْ أَجَازَ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ إنَّمَا تَلْحَقُ سَبَبًا مُنْعَقِدًا يَحْتَمِلُ الصِّحَّةَ، وَالْبُطْلَانَ وَبِالْإِجَازَةِ لَا يَصِيرُ الْكَذِبُ صِدْقًا وَهَذَا بِخِلَافِ إنْشَاءِ الطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ فَإِنَّهُ لَا أَثَرَ فِيهِ لِلْهَزْلِ عَلَى مَا سَبَقَ اهـ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 264 وَإِيلَاءٍ، وَالْعِتْقُ وَإِيجَابُ الصَّدَقَةِ، وَالْعَفْوُ عَنْ دَمٍ عَمْدٍ وَقَبُولُ الْمَرْأَةِ الطَّلَاقَ عَلَى مَالٍ، وَالْإِسْلَامُ وَقَبُولُ الْقَاتِلِ الصُّلْحَ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ عَلَى مَالٍ، وَالتَّدْبِيرُ، وَالِاسْتِيلَاءُ، وَالرَّضَاعُ، وَالْيَمِينُ، وَالنَّذْرُ اهـ. وَالْمَذْكُورُ فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ أَنَّهَا عَشَرَةٌ النِّكَاحُ، وَالطَّلَاقُ، وَالرَّجْعَةُ، وَالْإِيلَاءُ، وَالْفَيْءُ، وَالظِّهَارُ، وَالْعَتَاقُ، وَالْعَفْوُ عَنْ الْقِصَاصِ، وَالْيَمِينُ، وَالنَّذْرُ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْخِزَانَةِ الْفَيْءَ فَصَارَتْ تِسْعَةَ عَشَرَ وَيُزَادُ قَبُولُ الْوَدِيعَةِ قَالَ فِي الْقُنْيَةِ أُكْرِهَ عَلَى قَبُولِ الْوَدِيعَةِ فَتَلِفَتْ فِي يَدِهِ فَلِمُسْتَحِقِّهَا تَضْمِينُ الْمُودَعِ اهـ. إنْ كَانَ بِفَتْحِ الدَّالِ وَهُوَ الظَّاهِرُ فَهِيَ عِشْرُونَ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهَا سِتَّةَ عَشَرَ لِأَنَّ الطَّلَاقَ يَشْمَلُ الْمُعَلَّقَ، وَالْمُنَجَّزَ، وَالطَّلَاقَ عَلَى مَالٍ، وَالْعِتْقُ كَذَلِكَ، وَالنَّذْرُ يَشْمَلُ إيجَابَ الصَّدَقَةِ فَالزَّائِدُ عَلَى الْعَشَرَةِ الْإِسْلَامُ وَقَبُولُ الصُّلْحِ، وَالتَّدْبِيرُ، وَالِاسْتِيلَادُ، وَالرَّضَاعُ وَقَبُولُ الْوَدِيعَةِ وَقَدْ أَطْلَقَ كَثِيرٌ صِحَّةَ إسْلَامِ الْمُكْرَهِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ مِنْ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَالْعَفْوُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ) قَالَ فِي الْكَافِي: وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا وَجَبَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ قِصَاصٌ فِي نَفْسٍ أَوْ فِيمَا دُونَهَا فَأُكْرِهَ بِوَعِيدِ تَلَفٍ أَوْ حَبْسٍ حَتَّى عَفَا فَالْعَفْوُ جَائِزٌ وَلَا ضَمَانَ لَهُ عَلَى الْجَانِي وَلَا عَلَى الْمُكْرِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يُتْلِفْ لَهُ مَالًا (قَوْلُهُ: وَقَبُولُ الْمَرْأَةِ الطَّلَاقَ عَلَى مَالٍ) قَالَ فِي الْكَافِي: وَلَوْ أُكْرِهَتْ امْرَأَةٌ بِوَعِيدِ تَلَفٍ أَوْ حَبْسٍ حَتَّى تَقْبَلَ مِنْ زَوْجِهَا تَطْلِيقَهُ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ فَقَبِلَتْ ذَلِكَ مِنْهُ، وَقَدْ دَخَلَ بِهَا وَمَهْرُهَا الَّذِي تَزَوَّجَهَا عَلَيْهِ أَرْبَعَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ أَوْ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ فَالطَّلَاقُ وَاقِعٌ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا مِنْ الْمَالِ وَلَوْ كَانَ مَكَانَ التَّطْلِيقَةِ خُلْعٌ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا اهـ. وَذَكَرَ قَبْلَهُ لَوْ أُكْرِهَ رَجُلٌ بِوَعِيدِ تَلَفٍ حَتَّى خَلَعَ امْرَأَتَهُ عَلَى أَلْفٍ وَمَهْرُهَا الَّذِي تَزَوَّجَهَا عَلَيْهِ أَرْبَعَةُ آلَافٍ، وَقَدْ دَخَلَ بِهَا، وَالْمَرْأَةُ غَيْرُ مُكْرَهَةٍ فَالْخُلْعُ وَاقِعٌ وَلِلرَّجُلِ عَلَى الْمَرْأَةِ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَلَا شَيْءَ عَلَى الَّذِي أَكْرَهَهُ اهـ. (قَوْلُهُ: فَهِيَ عِشْرُونَ) نَظَمَهَا فِي النَّهْرِ فَقَالَ طَلَاقٌ وَإِيلَاءٌ ظِهَارٌ وَرَجْعَةٌ ... نِكَاحٌ مَعَ اسْتِيلَادِ عَفْوٍ عَنْ الْعَمْدِ رَضَاعٌ وَأَيْمَانٌ وَفَيْءٌ وَنَذْرُهُ ... قَبُولٌ لِإِيدَاعٍ كَذَا الصُّلْحُ عَنْ عَمْدِ طَلَاقٌ عَلَى جُعْلٍ يَمِينٌ بِهِ أَتَتْ ... كَذَا الْعِتْقُ وَالْإِسْلَامُ تَدْبِيرٌ لِلْعَبْدِ وَإِيجَابُ إحْسَانٍ وَعِتْقٌ فَهَذِهِ ... تَصِحُّ مَعَ الْإِكْرَاهِ عِشْرِينَ فِي الْعَدِّ قَالَ ثُمَّ ظَهَرَ لِي بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ مَا فِي الْقُنْيَةِ بِكَسْرِ الدَّالِ فَلَيْسَ مِنْ الْمَوَاضِعِ فِي شَيْءٍ وَذَلِكَ أَنَّهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ قَالَ أُكْرِهَ بِالْحَبْسِ عَلَى إيدَاعِ مَالِهِ عِنْدَ هَذَا الرَّجُلِ وَأُكْرِهَ الْمُودَعُ أَيْضًا عَلَى قَبُولِهِ فَضَاعَ فِي يَدِهِ لَا يَضْمَنُ اهـ. قُلْت وَلَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُ فِي النَّظْمِ كَذَا الصُّلْحُ مَعْنَاهُ كَذَا قَبُولُ الصُّلْحِ وَقَوْلُهُ: طَلَاقٌ مَعْطُوفٌ عَلَى الصُّلْحِ بِعَاطِفٍ مَحْذُوفٍ أَيْ كَذَا قَبُولُ الصُّلْحِ وَقَبُولُ الطَّلَاقِ وَحَيْثُ كَانَ مَا فِي الْقُنْيَةِ لَيْسَ مِنْهَا عَادَتْ إلَى خَمْسَةَ عَشَرَ، وَقَدْ أَخَذْت بَعْضَ أَبْيَاتِ النَّهْرِ وَأَسْقَطْت مِنْهَا بَيْتًا مُقْتَصِرًا عَلَى الْخَمْسَةَ عَشَرَ فَقُلْت طَلَاقٌ وَإِيلَاءٌ ظِهَارٌ وَرَجْعَةٌ ... نِكَاحٌ مَعَ اسْتِيلَادٍ عَفْوٌ عَنْ الْعَمْدِ رَضَاعٌ وَأَيْمَانٌ وَفَيْءٌ وَنَذْرُهُ ... قَبُولٌ لِصُلْحِ الْعَمْدِ تَدْبِيرٌ لِلْعَبْدِ وَعِتْقٌ وَإِسْلَامٌ فَذَلِكَ خَمْسَةٌ ... وَعَشْرٌ مَعَ الْإِكْرَاهِ صَحَّتْ بِلَا نَقْدِ وَنَظَمَ صَاحِبُ الْفَتْحِ الْعَشَرَةَ الَّتِي فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ بِقَوْلِهِ: يَصِحُّ مَعَ الْإِكْرَاهِ عِتْقٌ وَرَجْعَةٌ ... نِكَاحٌ وَإِيلَاءٌ طَلَاقٌ مُفَارِقُ وَفَيْءٌ ظِهَارٌ وَالْيَمِينُ وَنَذْرُهُ ... وَعَفْوٌ لِقَتْلٍ شَابَ مِنْهُ مَفَارِقُ اهـ. وَتَمَمْتهَا بِقَوْلِي رَضَاعٌ وَتَدْبِيرٌ قَبُولٌ لِصُلْحِهِ ... كَذَلِكَ الِاسْتِيلَادُ وَالْإِسْلَامُ فَارَقَ ثُمَّ ظَهَرَ لِي زِيَادَةُ أَشْيَاءَ الْأَوَّلُ التَّوْكِيلُ بِالطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقُ اسْتِحْسَانًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الرَّمْلِيُّ الثَّانِي الْكَفَّارَةُ عَنْ الظِّهَارِ كَمَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ مِنْ كِتَابِ الْإِكْرَاهِ حَيْثُ قَالَ: وَكَذَا لَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى أَنْ ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ كَانَ مُظَاهِرًا فَإِنْ أَجْبَرَهُ عَلَى أَنْ يَكْفُرَ فَفَعَلَ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الَّذِي أَكْرَهَهُ لِأَنَّهُ أَمْرٌ يَلْزَمُهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ أَكْرَهَهُ عَلَى عِتْقِ عَبْدٍ لَهُ بِعَيْنِهِ عَنْ ظِهَارِهِ فَفَعَلَ عَتَقَ وَرَجَعَ عَلَى الَّذِي أَكْرَهَهُ بِقِيمَتِهِ وَلَمْ يُجْزِهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ الثَّالِثُ شَرْطُ الْحِنْثِ كَمَا لَوْ قَالَ: عَبْدُهُ حُرٌّ إنْ دَخَلَ هَذِهِ الدَّارَ فَأُكْرِهَ حَتَّى دَخَلَ عَتَقَ الْعَبْدُ وَلَا يَضْمَنُ لَهُ الْمُكْرِهُ قِيمَتَهُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْكَافِي أَيْضًا، وَفِيهِ أَيْضًا وَإِذَا أُكْرِهَ بِوَعِيدِ تَلَفٍ حَتَّى اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ عَبْدًا بِعَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ وَقِيمَتُهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَعَلَى دَفْعِ الثَّمَنِ وَقَبْضِ الْعَبْدِ، وَقَدْ كَانَ الْمُشْتَرِي حَلَفَ أَنَّ كُلَّ عَبْدٍ يَمْلِكُهُ فِيمَا يَسْتَقْبِلُ فَهُوَ حُرٌّ أَوْ حَلَفَ عَلَى ذَلِكَ الْعَبْدِ بِعَيْنِهِ فَقَدْ عَتَقَ الْعَبْدُ وَعَلَى الْمُشْتَرِي قِيمَتُهُ لِلْبَائِعِ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُكْرِهِ بِشَيْءٍ وَكَذَا لَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى شِرَاءِ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ أَوْ أَمَةٍ قَدْ وَلَدَتْ مِنْهُ أَوْ أَمَةً قَدْ جَعَلَهَا مُدَبَّرَةً إذَا مَلَّكَهَا. الرَّابِعُ: الْخُلْعُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْكَافِي الْخَامِسُ: الْفَسْخُ بِالْعِتْقِ قَالَ فِي الْكَافِي وَلَوْ أُعْتِقَتْ أَمَةٌ لَهَا زَوْجٌ حُرٌّ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَأُكْرِهَتْ بِوَعِيدِ تَلَفٍ أَوْ غَيْرِهِ عَلَى أَنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فِي مَجْلِسِهَا بَطَلَ الصَّدَاقُ كُلُّهُ عَنْ الزَّوْجِ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الَّذِي أَكْرَهَهَا وَلَوْ كَانَ دَخَلَ بِهَا قَبْلَ ذَلِكَ كَانَ الصَّدَاقُ لِمَوْلَاهَا عَلَى الزَّوْجِ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الَّذِي أَكْرَهَهَا بِشَيْءٍ اهـ. (قَوْلُهُ: وَفِي الْخَانِيَّةِ مِنْ السِّيَرِ. . . إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ هَذَا التَّقْيِيدُ لَمْ يُوجَدْ فِي سِيَرِ الْخَانِيَّةِ بَلْ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّهُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ اهـ. قَالَ مُحَشِّي مِسْكِينٍ وَتَعَقَّبَهُ شَيْخُنَا بِأَنَّ نَفْيَ الْوُجُودِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ بَلْ هُوَ مَوْجُودٌ فِيهَا وَنَصُّهُ فِي بَابِ مَا يَكُونُ كُفْرًا مِنْ الْمُسْلِمِ وَمَا لَا يَكُونُ وَكَذَا إسْلَامُ الْمُكْرَهِ إسْلَامٌ عِنْدَنَا إنْ كَانَ حَرْبِيًّا، وَإِنْ كَانَ ذِمِّيًّا لَا يَكُونُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 265 السِّيَرِ قَيَّدَهُ بِأَنْ يَكُونَ حَرْبِيًّا، وَإِنْ كَانَ ذِمِّيًّا لَا يَكُونُ إسْلَامًا، وَفِي الْقُنْيَةِ: أُكْرِهَ عَلَى طَلَاقِ امْرَأَتِهِ ثَلَاثًا فَطَلَّقَ لَمْ يَصِرْ فَارًّا فَلَا تَرِثُ مِنْهُ. قَوْلُهُ: (وَسَكْرَانُ) أَيْ وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ سَكْرَانَ لِأَنَّ الشَّارِعَ لَمَّا خَاطَبَهُ فِي حَالِ سُكْرِهِ بِالْأَمْرِ، وَالنَّهْيِ بِحُكْمٍ فَرْعِيٍّ عَرَفْنَا أَنَّهُ اعْتَبَرَهُ كَقَائِمِ الْعَقْلِ تَشْدِيدًا عَلَيْهِ فِي الْأَحْكَامِ الْفَرْعِيَّةِ، وَقَدْ فَسَرُّوهُ هُنَا بِمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ مَنْ لَا يَعْرِفُ الرَّجُلَ مِنْ الْمَرْأَةِ وَلَا السَّمَاءَ مِنْ الْأَرْضِ فَإِنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ الْعَقْلِ مَا يَقُومُ بِهِ التَّكْلِيفُ فَهُوَ كَالصَّاحِي. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ السَّكْرَانَ الَّذِي تَصِحُّ مِنْهُ التَّصَرُّفَاتُ مَنْ لَا عَقْلَ لَهُ يُمَيِّزُ بِهِ الرَّجُلَ مِنْ الْمَرْأَةِ إلَى آخِرِهِ وَبِهِ يَبْطُلُ قَوْلُ مَنْ ادَّعَى أَنَّ الْخِلَافَ فِيهِ إنَّمَا هُوَ فِيهِ بِمَعْنًى عَكْسِ الِاسْتِحْسَانِ، وَالِاسْتِقْبَاحِ مَعَ تَمْيِيزِهِ الرَّجُلَ مِنْ الْمَرْأَةِ، وَالْعَجَبُ مَا صَرَّحَ بِهِ فِي بَعْضِ الْعِبَارَاتِ مِنْ أَنَّهُ مَعَهُ مِنْ الْعَقْلِ مَا يَقُومُ بِهِ التَّكْلِيفُ وَلَا شَكَّ أَنَّ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لَا يُتَّجَهُ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ لَا تَصِحُّ تَصَرُّفَاتُهُ وَمَا فِي بَعْضِ نُسَخِ الْقُدُورِيِّ مِنْ تَقْيِيدِ وُقُوعِ طَلَاقِ الْمُكْرَهِ، وَالسَّكْرَانِ بِالنِّيَّةِ فَلَيْسَ مَذْهَبًا لِأَصْحَابِنَا وَلِأَنَّهُ إذَا قَالَ نَوَيْت بِهِ يَجِبُ أَنْ يَقَعَ بِالْإِجْمَاعِ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يَقَعُ طَلَاقُ السَّكْرَانِ وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ وَالطَّحَاوِيُّ وَالْكَرْخِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَلَّامٍ اهـ. وَقَدْ اخْتَارُوا قَوْلَهُمَا فِي تَفْسِيرِهِ فِي وُجُوبِ الْحَدِّ وَهُوَ الَّذِي أَكْثَرُ كَلَامِهِ هَذَيَانُ وَاخْتَارُوا فِي نَقْضِ طَهَارَتِهِ أَنَّهُ الَّذِي فِي مِشْيَتِهِ خَلَلٌ وَكَذَا فِي يَمِينِهِ أَنْ لَا يَسْكَرَ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَنْ سَكِرَ مُكْرَهًا أَوْ مُضْطَرًّا فَطَلَّقَ. وَقَدْ جَزَمَ فِي الْخُلَاصَةِ بِالْوُقُوعِ مُعَلَّلًا بِأَنَّ زَوَالَ الْعَقْلِ حَصَلَ بِفِعْلٍ هُوَ مَحْظُورٌ فِي الْأَصْلِ، وَإِنْ كَانَ مُبَاحًا بِعَارِضِ الْإِكْرَاهِ وَلَكِنَّ السَّبَبَ الدَّاعِيَ لِلْحَظْرِ قَائِمٌ فَأَثَّرَ قِيَامِ السَّبَبِ فِي حَقِّ الطَّلَاقِ اهـ. وَصَحَّحَهُ الشُّمُنِّيُّ وَصَحَّحَ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَفَتَاوَاهُ عَدَمَ الْوُقُوعِ وَكَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مَعْزِيًّا إلَى التُّحْفَةِ وَقَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّهُ الْأَحْسَنُ، وَفِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ حَسَنٌ لَكِنَّهُ خِلَافُ إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَإِنَّ بَعْضَهُمْ قَالُوا لَا يَقَعُ مَعْذُورًا أَوْ غَيْرَ مَعْذُورٍ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَقَعُ فِي الْحَالَيْنِ فَمَنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا كَانَ قَوْلُهُ: بِخِلَافِ قَوْلِ الصَّحَابَةِ فَيَكُونُ بَاطِلًا اهـ. وَشَمَلَ أَيْضًا مَنْ سَكِرَ مِنْ الْأَشْرِبَةِ الْمُتَّخَذَةِ مِنْ الْحُبُوبِ، وَالْعَسَلِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَقَالَ الْإِمَامُ: الثَّانِي لَا يَقَعُ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَيُفْتَى بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ لِأَنَّ السُّكْرَ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ مُحَرَّمٍ اهـ. وَصَحَّحَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ عَدَمَ الْوُقُوعِ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ الْمُخْتَارُ فِي زَمَانِنَا لُزُومُ الْحَدِّ لِأَنَّ الْفُسَّاقَ يَجْتَمِعُونَ عَلَيْهِ وَكَذَا الْمُخْتَارُ وُقُوعُ الطَّلَاقِ لِأَنَّ الْحَدَّ يُحْتَالُ لِدَرْئِهِ، وَالطَّلَاقُ يُحْتَاطُ فِيهِ فَلَمَّا وَجَبَ مَا يَحْتَالُ لَأَنْ يَقَعَ مَا يُحْتَاطُ أَوْلَى، وَقَدْ طَالَبَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ نَافِي الْحَدِّ بِالْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السُّكْرِ مِنْ الْمُبَاحِ كَالْمُثَلَّثِ فَعَجَزُوا ثُمَّ قَالَ وَجَدْت نَصًّا عَنْ مُحَمَّدٍ عَلَى لُزُومِ الْحَدِّ وَشَمَلَ أَيْضًا مَنْ غَابَ عَقْلُهُ بِأَكْلِ الْحَشِيشِ فَطَلَّقَ وَهُوَ الْمُسَمَّى بِوَرَقِ الْقُنَّبِ، وَقَدْ اتَّفَقَ عَلَى وُقُوعِ طَلَاقِهِ فَتْوَى مَشَايِخِ الْمَذْهَبَيْنِ الشَّافِعِيَّةِ، وَالْحَنَفِيَّةِ لِفَتْوَاهُمْ بِحُرْمَتِهِ وَتَأْدِيبِ بَاعَتِهِ حَتَّى قَالُوا مَنْ قَالَ بِحِلِّهِ فَهُوَ زِنْدِيقٌ كَذَا فِي الْمُبْتَغَى بِالْمُعْجَمَةِ وَتَبِعَهُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِحُرْمَةِ الْحَشِيشِ، وَالْبَنْجِ، وَالْأَفْيُونِ الْحَدَّادِيُّ فِي الْجَوْهَرَةِ فِي آخِرِ الْأَشْرِبَةِ وَصَرَّحَ بِتَعْزِيرِ آكِلِهِ وَشَمَلَ أَيْضًا مَنْ غَابَ عَقْلُهُ بِالْبَنْجِ، وَالْأَفْيُونِ فَإِنَّهُ يَقَعُ طَلَاقُهُ إذَا اسْتَعْمَلَهُ لِلَّهْوِ وَإِدْخَالِ الْآفَاتِ قَصْدًا لِكَوْنِهِ مَعْصِيَةً. وَإِنْ كَانَ لِلتَّدَاوِي فَلَا لِعَدَمِهَا وَعَنْ هَذَا قُلْنَا إذَا شَرِبَ الْخَمْرَ فَتَصَدَّعَ فَزَالَ عَقْلُهُ بِالصُّدَاعِ فَطَلَّقَ لَا يَقَعُ لِأَنَّ زَوَالَ الْعَقْلِ مُضَافٌ إلَى الصُّدَاعِ لَا إلَى الشَّرَابِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي حُرْمَةِ الْبَنْجِ الْأَفْيُونِ لَا لِلدَّوَاءِ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَالتَّعْلِيلُ يُنَادِي بِحُرْمَتِهِ لَا لِلتَّدَاوِي اهـ. وَفِي الْخَانِيَّةِ مِنْ كِتَابِ الْخُلْعِ سَائِرُ تَصَرُّفَاتِ السَّكْرَانِ جَائِزَةٌ إلَّا الرِّدَّةُ، وَالْإِقْرَارُ بِالْحُدُودِ، وَالْإِشْهَادُ عَلَى شَهَادَةِ نَفْسِهِ وَمِنْ كِتَابِ   [منحة الخالق] إسْلَامًا اهـ. وَوَجْهُ الْمَسْأَلَةِ فِي مِنَحِ الْغَفَّارِ بِأَنَّ الْحَرْبِيَّ يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ دُونَ الذِّمِّيِّ اهـ. لَكِنْ يَبْقَى الْكَلَامُ فِي التَّوْفِيقِ بَيْنَ مَا فِي السِّيَرِ مِنْ الْخَانِيَّةِ وَبَيْنَ مَا أَطْلَقَهُ غَيْرُهُ، وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ الشِّحْنَةِ فِي كِتَابِ الْإِكْرَاهِ فِي إسْلَامِ النَّصْرَانِيِّ عَنْ التَّتِمَّةِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ قِيَاسًا وَيَصِحُّ اسْتِحْسَانًا قَالَ فِي إكْرَاهِ الْمِنَحِ فَيُحْمَلُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ عَلَى الْقِيَاسِ. (قَوْلُهُ: نَافِي الْحَدِّ) اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ النَّفْيِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ جَمْعُ نَافٍ لِقَوْلِهِ بَعْدَهُ فَعَجَزُوا هُوَ مَفْعُولُ طَالَبَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 266 السِّيَرِ هَذَا إذَا كَانَ لَا يَعْرِفُ الْأَرْضَ مِنْ السَّمَاءُ أَمَّا إذَا كَانَ يَعْرِفُ فَكُفْرُهُ صَحِيحٌ، وَفِي بَابِ حَدِّ الشُّرْبِ أَنَّ تَصَرُّفَاتِ السَّكْرَانِ مِنْ الْمُتَّخَذَةِ مِنْ الْحُبُوبِ، وَالْفَوَاكِهِ الصَّحِيحُ أَنَّهَا لَا تَنْفُذُ كَمَا لَا تَنْفُذُ مِنْ الَّذِي زَالَ عَقْلُهُ بِالْبَنْجِ، وَفِي الْيَنَابِيعِ مِنْ الْأَيْمَانِ سَكْرَانُ وَهَبَ لِزَوْجَتِهِ دِرْهَمًا فَقَالَتْ لَهُ: إنَّك تَسْتَرِدُّهُ مِنِّي إذَا صَحَوْت فَقَالَ إنْ اسْتَرَدَّتِيهِ فَأَنْت طَالِقٌ ثُمَّ أَخَذَهُ لِلْحَالِ وَهُوَ سَكْرَانُ لَا يَقَعُ لِأَنَّ كَلَامَهُ خَرَجَ جَوَابًا لَهَا، وَفِي الْمُجْتَبَى: سَكِرَ الْوَكِيلُ فَطَلَّقَ لَا يَقَعُ لِأَنَّ ضَرَرَهُ يَرْجِعُ إلَى الْمُوَكِّلِ وَلَمْ يَجُزْ اهـ. وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَالصَّحِيحُ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ الْأَشْرِبَةِ، وَالْخَانِيَّةِ مِنْ الطَّلَاقِ الْوُقُوعُ بِخِلَافِ مَا إذَا جُنَّ الْوَكِيلُ فَطَلَّقَ، وَفِي الْقُنْيَةِ سَكْرَانُ قَرَعَ الْبَابَ فَلَمْ يُفْتَحْ لَهُ فَقَالَ إنْ لَمْ تَفْتَحِي الْبَابَ اللَّيْلَةَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَلَمْ يَكُنْ فِي الدَّارِ أَحَدٌ فَمَضَتْ اللَّيْلَةُ وَلَمْ تَفْتَحْ لَا تَطْلُقُ اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ سَكْرَانُ قَالَ لِآخَرَ وَهَبْت دَارِي هَذِهِ مِنْك ثُمَّ قَالَ إنْ لَمْ أَقُلْ مِنْ قَلْبِي فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ ثُمَّ أَفَاقَ وَلَمْ يَذْكُرْ مِنْ هَذَا شَيْئًا لَا تَطْلُقُ امْرَأَتُهُ لِأَنَّهُ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ فِي غَايَةِ النَّشَاطِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ مِنْ قَلْبِهِ اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَكَّلَهُ بِالطَّلَاقِ فَطَلَّقَهَا فِي حَالِ السُّكْرِ إنْ كَانَ التَّوْكِيلُ عَلَى طَلَاقٍ بِمَالٍ لَا يَقَعُ وَلَوْ كَانَ التَّوْكِيلُ فِي حَالِ الصَّحْوِ، وَالْإِيقَاعُ فِي حَالِ السُّكْرِ لَا يَقَعُ، وَإِنْ كَانَا فِي حَالِ السُّكْرِ يَقَعُ إذَا كَانَ بِلَا مَالٍ وَلَوْ كَانَ بِمَالٍ لَا يَقَعُ مُطْلَقًا لِأَنَّ الرَّأْيَ لَا بُدَّ مِنْهُ لِتَقْدِيرِ الْبَدَلِ اهـ. وَهُوَ تَفْصِيلٌ حَسَنٌ. قَوْلُهُ: (وَأَخْرَسُ بِإِشَارَتِهِ) أَيْ وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ أَخْرَسَ فَإِنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ بِإِشَارَتِهِ لِأَنَّهَا صَارَتْ مَفْهُومَةً فَكَانَتْ كَالْعِبَارَةِ فِي الدَّلَالَةِ اسْتِحْسَانًا فَيَصِحُّ بِهَا نِكَاحُهُ وَطَلَاقُهُ وَعَتَاقُهُ وَبَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ سَوَاءٌ قَدَرَ عَلَى الْكِتَابَةِ أَوْ لَا وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ إنْ كَانَ يُحْسِنُ الْكِتَابَةَ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ بِالْإِشَارَةِ لِانْدِفَاعِ الضَّرُورَةِ بِمَا هُوَ أَدَلُّ عَلَى الْمُرَادِ مِنْ الْإِشَارَةِ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: وَهُوَ قَوْلٌ حَسَنٌ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِشَارَةِ الَّتِي يَقَعُ بِهَا طَلَاقُهُ الْإِشَارَةُ الْمَقْرُونَةُ بِتَصْوِيتٍ مِنْهُ لِأَنَّ الْعَادَةَ مِنْهُ ذَلِكَ فَكَانَتْ الْإِشَارَةُ بَيَانًا لِمَا أَجْمَلَهُ الْأَخْرَسُ اهـ. وَإِنَّمَا ذَكَرَ إشَارَتَهُ دُونَ كِتَابَتِهِ لِمَا أَنَّهَا لَا تَخْتَصُّ بِهِ لِأَنَّ غَيْرَ الْأَخْرَسِ يَقَعُ طَلَاقُهُ بِكِتَابَتِهِ إذَا كَانَ مُسْتَبِينًا لَا مَا لَا يَسْتَبِينُ فَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الرَّسْمِ لَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ وَلَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ أَنَّهُ عَنَى تَجْرِبَةَ الْخَطِّ وَرَسْمَهَا أَنْ يُكْتَبَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَمَّا بَعْدُ إذَا وَصَلَ إلَيْك كِتَابِي فَأَنْتِ طَالِقٌ فَإِنْ كَانَ مُعَلِّقًا بِالْإِتْيَانِ إلَيْهَا لَا يَقَعُ إلَّا بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعَلِّقًا وَقَعَ عَقِيبَ الْكِتَابَةِ، وَإِنْ عَلَّقَهُ بِالْمَجِيءِ إلَيْهَا فَوَصَلَ إلَى أَبِيهَا مَزَّقَهُ وَلَمْ يَدْفَعْهُ إلَيْهَا فَإِنْ كَانَ مُتَصَرِّفًا فِي أُمُورِهَا وَقَعَ وَإِلَّا لَا، وَإِنْ أَخْبَرَهَا مَا لَمْ يَدْفَعْ إلَيْهَا الْكِتَابَ الْمُمَزَّقَ وَلَوْ كَتَبَ إلَيْهَا إذَا أَتَاك كِتَابِي هَذَا فَأَنْت طَالِقٌ ثُمَّ نَسَخَهُ فِي كِتَابٍ آخَرَ أَوْ غَيْرَهُ فَبَلَغَا إلَيْهَا تَطْلُقُ تَطْلِيقَتَيْنِ وَلَا يُدَيَّنُ فِي الْقَضَاءِ وَلَوْ كَتَبَ إلَى امْرَأَتِهِ كُلُّ امْرَأَةٍ لِي غَيْرُك وَغَيْرُ فُلَانَةَ فَهِيَ طَالِقٌ ثُمَّ مَحَى اسْمَ الْأَخِيرَةِ ثُمَّ بَعَثَ بِالْكِتَابِ لَا تَطْلُقُ وَهَذِهِ حِيلَةٌ عَجِيبَةٌ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَذَكَرَ فِيهِ مَسْأَلَةَ مَا إذَا كَتَبَ مَعَ الطَّلَاقِ غَيْرَهُ مِنْ الْحَوَائِجِ ثُمَّ مَحَى مِنْهُ شَيْئًا. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْحَوَائِجَ إنْ كَتَبَهَا فِي أَوَّلِهِ، وَالطَّلَاقَ فِي آخِرِهِ فَإِنْ مَحَى الْحَوَائِجَ فَقَطْ فَوَصَلَ إلَيْهَا لَا تَطْلُقُ، وَإِنْ مَحَى الطَّلَاقَ فَقَطْ طَلُقَتْ، وَإِنْ كَتَبَ الطَّلَاقَ أَوَّلًا، وَالْحَوَائِجَ آخِرًا انْعَكَسَ الْحُكْمُ وَلَوْ كَتَبَ الطَّلَاقَ فِي وَسَطِهِ وَكَتَبَ الْحَوَائِجَ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ فَإِنْ مَحَى الطَّلَاقَ وَتَرَكَ مَا قَبْلَهُ طَلُقَتْ، وَإِنْ مَحَى مَا قَبْلَهُ أَوْ أَكْثَرَ لَا تَطْلُقُ وَلَوْ جَحَدَهُ فَبَرْهَنَتْ عَنْهُ كَتَبَهُ بِيَدِهِ وَقَعَ قَضَاءً كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَإِنْ كَانَ لَا عَلَى وَجْهِ الرَّسْمِ نَحْوُ أَنْ يَكْتُبَ إنْ جَاءَ كِتَابِي هَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَهَذَا يَنْوِي وَيُبَيِّنُ الْأَخْرَسُ نِيَّتَهُ بِكِتَابَتِهِ وَقَيَّدَ صَاحِبُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَكَّلَهُ بِالطَّلَاقِ. . . إلَخْ) النُّسَخُ فِي هَذَا الْمَحَلِّ مُخْتَلِفَةٌ وَنَصُّ عِبَارَةِ الْبَزَّازِيَّةِ هَكَذَا وَكَّلَهُ بِالطَّلَاقِ فَطَلَّقَهَا فِي حَالِ السُّكْرِ إنْ كَانَ التَّوْكِيلُ عَلَى طَلَاقٍ بِمَالٍ لَا يَقَعُ لَوْ كَانَ التَّوْكِيلُ فِي حَالِ الصَّحْوِ، وَالْإِيقَاعُ فِي حَالِ السُّكْرِ، وَإِنْ كَانَا فِي حَالِ السُّكْرِ وَقَعَ وَإِذَا كَانَ بِلَا مَالٍ يَقَعُ مُطْلَقًا لِأَنَّ الرَّأْيَ لَا بُدَّ مِنْهُ لِتَقْدِيرِ الْبَدَلِ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ. . . إلَخْ) أَقُولُ: هَذَا الْقَوْلُ تَصْرِيحٌ بِمَا هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَفِي كَافِي الْحَاكِمِ مَا نَصُّهُ: فَإِنْ كَانَ الْأَخْرَسُ لَا يَكْتُبُ وَكَانَ لَهُ إشَارَةٌ تُعْرَفُ فِي طَلَاقِهِ وَنِكَاحِهِ وَشِرَائِهِ وَبَيْعِهِ فَهُوَ جَائِزٌ، وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ ذَلِكَ مِنْهُ أَوْ شُكَّ فِيهِ فَهُوَ بَاطِلٌ اهـ. فَقَدْ رُتِّبَ جَوَازُ الْإِشَارَةِ عَلَى عَجْزِهِ عَنْ الْكِتَابَةِ فَيُفِيدُ أَنَّهُ إنْ كَانَ يُحْسِنُ الْكِتَابَةَ لَا تَجُوزُ إشَارَتُهُ وَقَالَ فِي الْكَافِي أَيْضًا: وَإِذَا طَلَّقَ الْأَخْرَسُ امْرَأَتَهُ فِي كِتَابٍ وَهُوَ يَكْتُبُ جَازَ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ مَا يَجُوزُ عَلَى الصَّحِيحِ فِي كِتَابِهِ وَكَذَلِكَ الْعِتْقُ، وَالنِّكَاحُ فَإِنْ كَتَبَ الصَّحِيحُ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمْ يَجُزْ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الطَّلَاقَ فَإِنْ نَوَاهُ جَازَ عَلَيْهِ إذَا كَتَبَ كِتَابًا يَسْتَبِينُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَسْتَبِينُ وَنَوَى بِهِ الطَّلَاقَ فَهُوَ بَاطِلٌ وَكَذَلِكَ الْأَخْرَسُ وَإِنَّمَا يُعْرَفُ ذَلِكَ مِنْ الْأَخْرَسِ أَنْ يَسْأَلَ بِكِتَابٍ فَيُجِيبُ بِكِتَابَةٍ وَلَوْ كَتَبَ الصَّحِيحُ إلَى امْرَأَتِهِ فِي صَحِيفَةٍ بِطَلَاقِهَا ثُمَّ جَحَدَ الْكِتَابَ وَقَامَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ كَتَبَهُ بِيَدِهِ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا فِي الْقَضَاءِ وَأَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ لَمْ يَنْوِ بِهِ الطَّلَاقَ فَهِيَ امْرَأَتُهُ وَكَذَلِكَ الْأَخْرَسُ اهـ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 267 الْيَنَابِيعِ الْأَخْرَسَ بِكَوْنِهِ وُلِدَ أَخْرَسَ أَوْ طَرَأَ عَلَيْهِ وَدَامَ، وَإِنْ لَمْ يَدُمْ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ وَقَدَّرَ التُّمُرْتَاشِيُّ الِامْتِدَادَ هُنَا بِسَنَةٍ وَذَكَرَ الْحَاكِمُ أَبُو مُحَمَّدٍ رِوَايَةً عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فَقَالَ إنْ دَامَتْ الْعُقْلَةُ إلَى وَقْتِ الْمَوْتِ يَجُوزُ إقْرَارُهُ بِالْإِشَارَةِ وَيَجُوزُ الْإِشْهَادُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ عَجَزَ عَنْ النُّطْقِ بِمَعْنًى لَا يُرْجَى زَوَالُهُ فَكَانَ كَالْأَخْرَسِ قَالَ الشَّارِحُ: فِي آخِرِ الْكِتَابِ قَالُوا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ. فَعَلَى هَذَا إذَا طَلَّقَ مَنْ اعْتَقَلَ لِسَانُهُ تَوَقَّفَ فَإِنْ دَامَ بِهِ إلَى الْمَوْتِ نَفَذَ، وَإِنْ زَالَ بَطَلَ. قَوْلُهُ: (أَوْ حُرًّا أَوْ عَبْدًا) لِلْعُمُومَاتِ وَلِحَدِيثِ ابْنِ مَاجَهْ، وَالدَّارَقُطْنِيِّ «الطَّلَاقُ لِمَنْ أَخَذَ بِالسَّاقِ» قَوْلُهُ: (لَا طَلَاقَ الصَّبِيِّ، وَالْمَجْنُونِ) تَصْرِيحٌ بِمَا فُهِمَ سَابِقًا لِلْحَدِيثِ «كُلُّ طَلَاقٍ جَائِزٌ إلَّا طَلَاقَ الصَّبِيِّ، وَالْمَجْنُونِ» ، وَالْمُرَادُ بِالْجَوَازِ النَّفَاذُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُرَادَ بِهِ الصِّحَّةُ لِيَدْخُلَ تَحْتَهُ طَلَاقُ الْفُضُولِيِّ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ غَيْرُ نَافِذٍ أَطْلَقَ الصَّبِيَّ فَشَمَلَ الْعَاقِلَ وَلَوْ مُرَاهِقًا لِفَقْدِ أَهْلِيَّةِ التَّصَرُّفِ خُصُوصًا مَا هُوَ دَائِرٌ بَيْنَ النَّفْعِ، وَالضَّرَرِ وَنُقِلَ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ وَابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - صِحَّتُهُ مِنْهُ وَمِثْلُهُ عَنْ ابْنِ حَنْبَلٍ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِصِحَّةِ هَذِهِ النُّقُولِ وَإِنَّمَا صَحَّ إسْلَامُهُ لِأَنَّهُ حَسَنٌ لِذَاتِهِ لَا يَقْبَلُ السُّقُوطَ وَنَفَعَ لَهُ وَلَوْ طَلَّقَ الصَّبِيُّ ثُمَّ بَلَغَ فَقَالَ أَجَزْت ذَلِكَ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ وَلَوْ قَالَ أَوْقَعْته وَقَعَ لِأَنَّهُ ابْتِدَاءُ إيقَاعٍ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: لَوْ طَلَّقَ رَجُلٌ امْرَأَةَ الصَّبِيِّ فَلَمَّا بَلَغَ الصَّبِيُّ قَالَ أَوْقَعْت الطَّلَاقَ الَّذِي أَوْقَعَهُ فُلَانٌ يَقَعُ وَلَوْ قَالَ أَجَزْت ذَلِكَ لَا يَقَعُ وَقَالَ قَبْلَهُ طَلَّقَ النَّائِمُ فَلَمَّا انْتَبَهَ قَالَ لَهَا طَلَّقْتُك فِي النَّوْمِ لَا يَقَعُ وَكَذَا لَوْ قَالَ أَجَزْت ذَلِكَ الطَّلَاقَ وَلَوْ قَالَ أَوْقَعْت ذَلِكَ الطَّلَاقَ يَقَعُ وَلَوْ قَالَ أَوْقَعْت الَّذِي تَلَفَّظْت بِهِ لَا يَقَعُ وَكَذَا الصَّبِيُّ، وَالْفَرْقُ أَنَّ قَوْلَهُ أَوْقَعْت ذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إشَارَةً إلَى الْجِنْسِ وَقَوْلُهُ: الَّذِي تَلَفَّظْت إشَارَةٌ إلَى الشَّخْصِ الَّذِي حَكَمَ بِبُطْلَانِهِ فَأَشْبَهَ مَا إذَا قَالَ لَهَا: أَنْت طَالِقٌ أَلْفًا ثُمَّ قَالَ ثَلَاثًا عَلَيْك، وَالْبَاقِي عَلَى ضَرَّاتِهَا لِأَنَّ الزَّائِدَ عَلَى الثَّلَاثِ غَيْرُ عَامِلٍ اهـ. وَأَرَادَ بِالْمَجْنُونِ مَنْ فِي عَقْلِهِ اخْتِلَالٌ فَيَدْخُلُ الْمَعْتُوهُ وَأَحْسَنُ الْأَقْوَالِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمَعْتُوهَ هُوَ الْقَلِيلُ الْفَهْمِ الْمُخْتَلِطُ الْكَلَامِ الْفَاسِدُ التَّدْبِيرِ لَكِنْ لَا يَضْرِبُ وَلَا يَشْتُمُ بِخِلَافِ الْمَجْنُونِ وَيَدْخُلُ الْمُبَرْسَمُ، وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ، وَالْمَدْهُوشُ، وَفِي الصِّحَاحِ الْبَرْسَامُ دَاءٌ مَعْرُوفٌ، وَفِي بَعْضِ كُتُبِ الطِّبِّ أَنَّهُ وَرَمٌ حَارٌّ يَعْرِضُ لِلْحِجَابِ الَّذِي بَيْنَ الْكَبِدِ، وَالْمَعَاثِمِ يَتَّصِلُ بِالدِّمَاغِ وَهُوَ مُعَرَّبٌ وَبُرْسِمَ الرَّجُلُ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ يُقَالُ بَرْسَامٌ وَبِلْسَامٌ وَهُوَ مُبَرْسَمٌ وَمُبَلْسَمٌ اهـ. وَفِي الْخَانِيَّةِ: رَجُلٌ عُرِفَ أَنَّهُ كَانَ مَجْنُونًا فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ طَلَّقْتَنِي الْبَارِحَةَ، فَقَالَ أَصَابَنِي الْجُنُونُ وَلَا يُعْرَفُ ذَلِكَ إلَّا بِقَوْلِهِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلُهُ: ثُمَّ قَالَ رَجُلٌ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهُوَ صَاحِبُ بِرُسُمٍ فَلَمَّا صَحَّ قَالَ قَدْ طَلَّقْت امْرَأَتِي ثُمَّ قَالَ إنِّي كُنْت أَظُنُّ أَنَّ الطَّلَاقَ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ لَا يَقَعُ كَانَ وَاقِعًا قَالَ مَشَايِخُنَا - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى -: حِينَمَا أَقَرَّ بِالطَّلَاقِ إنْ رَدَّهُ إلَى حَالَةِ الْبَرْسَامِ بِأَنْ قَالَ قَدْ طَلَّقْت امْرَأَتِي حَالَةَ الْبَرْسَامِ فَالطَّلَاقُ غَيْرُ وَاقِعٍ، وَإِنْ لَمْ يَرُدَّهُ إلَى حَالَةِ الْبَرْسَامِ فَهُوَ مَأْخُوذٌ بِذَلِكَ قَضَاءً، وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ: هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ إقْرَارُهُ بِذَلِكَ فِي حَالَةِ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ اهـ. وَفِيهِ أَيْضًا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ طَلِّقِي نَفْسَك إذَا شِئْت ثُمَّ جُنَّ الرَّجُلُ جُنُونًا مُطْبِقًا ثُمَّ طَلَّقَتْ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا قَالَ مُحَمَّدٌ كُلُّ شَيْءٍ يَمْلِكُ الزَّوْجُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ كَلَامِهِ يَبْطُلُ بِالْجُنُونِ، وَكُلُّ شَيْءٍ لَمْ يَمْلِكُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ كَلَامِهِ لَا يَبْطُلُ بِالْجُنُونِ، وَفِيهَا أَيْضًا لَوْ جُنَّ الْمُوَكِّلُ بَطَلَتْ وَكَالَتُهُ إنْ جُنَّ زَمَانًا طَوِيلًا، وَإِنْ كَانَ سَاعَةً لَا تَبْطُلُ وَلَمْ يُوَقِّتْ أَبُو حَنِيفَةَ فِيهِ شَيْئًا. اهـ. . قَوْلُهُ: (وَالنَّائِمُ) أَيْ لَا يَقَعُ طَلَاقُ النَّائِمِ فَلَوْ قَالَ لَهَا بَعْدَمَا اسْتَيْقَظَ طَلَّقْتُك فِي النَّوْمِ أَوْ أَجَزْت ذَلِكَ الطَّلَاقَ أَوْ أَوْقَعْت مَا تَلَفَّظْت بِهِ حَالَةَ النَّوْمِ لَا يَقَعُ وَلَوْ قَالَ أَوْقَعْت ذَلِكَ الطَّلَاقَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: أَطْلَقَ الصَّبِيَّ. . . إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَأَطْلَقَ الطَّلَاقَ فَشَمِلَ الْمُعَلَّقَ، وَالْمُنَجَّزَ وَاَلَّذِي بِمَالٍ أَوْ بِغَيْرِ مَالٍ، وَالرَّجْعِيَّ، وَالْبَائِنَ بِنَوْعَيْهِ وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ الطَّلَاقُ الْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ شَرْعًا كَمَا إذَا كَانَ مَجْبُوبًا وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا فَإِنَّهُ طَلَاقٌ عَلَى الصَّحِيحِ وَيُؤَهَّلُ لَهُ لِكَوْنِهِ مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِ وَكَذَا إذَا أَسْلَمَتْ زَوْجَتُهُ فَعُرِضَ الْإِسْلَامُ عَلَيْهِ مُمَيِّزًا وَأَبَى وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَقَدْ أَفْتَيْت بِعَدَمِ وُقُوعِ طَلَاقِهِ فِيمَا إذَا زَوَّجَهُ أَبُوهُ امْرَأَةً وَعَلَّقَ عَلَيْهِ مَتَى تَزَوَّجَ أَوْ تَسَرَّى عَلَيْهَا فَكَذَا وَكَبِرَ فَتَزَوَّجَ عَالِمًا بِالتَّعْلِيقِ أَوْ لَا (قَوْلُهُ:، وَالْمَدْهُوشُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ فِي حَوَاشِي الْمِنَحِ: الْمُرَادُ بِالْمَدْهُوشِ مَنْ ذَهَبَ عَقْلُهُ مِنْ ذَهِلَ أَوْ وَلِهَ لَا مُطْلَقُ الْمُتَحَيِّرِ وَهَذَا الَّذِي يَجِبُ أَنْ يُفَسَّرَ بِهِ إذْ التَّحَيُّرُ لَا يَمْنَعُ وُقُوعَ الطَّلَاقِ، وَقَدْ قَالَ فِي الْقَامُوسِ: دَهِشَ كَفَرِحَ فَهُوَ دَهِشٌ تَحَيَّرَ أَوْ ذَهَبَ عَقْلُهُ مِنْ ذَهِلَ أَوْ وَلِهَ، وَالذَّاهِلُ الْمُتَحَيِّرُ، وَالْوَلَهُ مُحَرَّكَةٌ: الْحُزْنُ أَوْ ذَهَابُ الْعَقْلِ خَوْفًا، وَالْحِيرَةُ، وَالْخَوْفُ فَرَجَعَ الْمَعْنَى فِي كَلَامِهِمْ أَوْ ذَهَبَ عَقْلُهُ مِنْ التَّحَيُّرِ، وَالْخَوْفِ فَيَكُونُ نَوْعًا مِنْ الْجُنُونِ اهـ. مُلَخَّصًا وَكَلَامُ الْمُؤَلِّفِ ظَاهِرٌ فِي ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ أَوْقَعْت ذَلِكَ الطَّلَاقَ أَوْ جَعَلْته طَلَاقًا وَقَعَ) مُوَافِقٌ لِمَا مَرَّ فِي الصَّبِيِّ لَكِنْ فِي الْجَوْهَرَةِ لَوْ اسْتَيْقَظَ فَقَالَ أَجَزْت ذَلِكَ الطَّلَاقَ أَوْ أَوْقَعْته لَا يَقَعُ لِأَنَّهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 268 أَوْ جَعَلْته طَلَاقًا وَقَعَ، وَفِيهِ مِنْ الْبَحْثِ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي طَلَاقِ الصَّبِيِّ. قَوْلُهُ: (وَالسَّيِّدُ عَلَى امْرَأَةِ عَبْدِهِ) أَيْ لَا يَقَعُ لِمَا رَوَيْنَا، وَفِي الْخَانِيَّةِ: مِنْ فَصْلِ النِّكَاحِ عَلَى الشَّرْطِ الْمَوْلَى إذَا زَوَّجَ أَمَتَهُ مِنْ عَبْدِهِ إنْ بَدَأَ الْعَبْدُ فَقَالَ زَوِّجْنِي أَمَتُك هَذِهِ عَلَى أَنَّ أَمْرَهَا بِيَدِك تُطَلِّقُهَا كُلَّمَا شِئْت فَزَوَّجَهَا مِنْهُ يَجُوزُ النِّكَاحُ وَلَا يَكُونُ الْأَمْرُ بِيَدِ الْمَوْلَى وَلَوْ ابْتَدَأَ الْمَوْلَى فَقَالَ زَوَّجْتُك أَمَتِي عَلَى أَنَّ أَمْرَهَا بِيَدِي أُطَلِّقُهَا كُلَّمَا أُرِيدُ فَقَالَ الْعَبْدُ قَبِلْت جَازَ النِّكَاحُ وَيَكُونُ الْأَمْرُ بِيَدِ الْمَوْلَى اهـ. فَإِنْ قُلْت مَا الْحِيلَةُ فِي صَيْرُورَةِ الْأَمْرِ بِيَدِهِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى قَبُولِ الْعَبْدِ فَإِنَّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ قَدْ تَمَّ النِّكَاحُ بِقَوْلِ الْمَوْلَى زَوَّجْتُك أَمَتِي فَيُمْكِنُ الْعَبْدُ أَنْ لَا يَقْبَلَ فَلَا يَصِيرُ الْأَمْرُ بِيَدِ الْمَوْلَى قُلْت يَمْتَنِعُ الْمَوْلَى مِنْ تَزْوِيجِهِ حَتَّى يَقُولَ الْعَبْدُ قَبْلَ التَّزْوِيجِ إذَا تَزَوَّجْتهَا فَأَمْرُهَا بِيَدِك أَبَدًا ثُمَّ يُزَوِّجُهَا الْمَوْلَى لَهُ فَيَكُونُ الْأَمْرُ بِيَدِ الْمَوْلَى وَلَا يُمْكِنُهُ إخْرَاجُهُ أَبَدًا، وَالْفَرْعُ مَذْكُورٌ فِي الْخَانِيَّةِ أَيْضًا فِي ذَلِكَ الْفَصْلِ. قَوْلُهُ: (وَاعْتِبَارُهُ بِالنِّسَاءِ) أَيْ اعْتِبَارُ عَدَدِهِ بِالْمَرْأَةِ فَطَلَاقُ الْأَمَةِ ثِنْتَانِ حُرًّا كَانَ زَوْجُهَا أَوْ عَبْدًا وَطَلَاقُ الْحُرَّةِ ثَلَاثَةٌ حُرًّا كَانَ زَوْجُهَا أَوْ عَبْدًا لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ، وَالدَّارَقُطْنِيّ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - تَرْفَعُهُ «طَلَاقُ الْأَمَةِ ثِنْتَانِ وَعِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ» جُعِلَ طَلَاقُ جِنْسِ الْإِمَاءِ ثِنْتَيْنِ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ لَامَ الْجِنْسِ عَلَى الْإِمَاءِ كَأَنَّهُ قَالَ: طَلَاقُ كُلِّ أَمَةٍ ثِنْتَانِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَمَا إذَا كَانَ زَوْجُهَا حُرًّا أَوْ عَبْدًا، وَالْمَسْأَلَةُ مُخْتَلِفَةٌ بَيْنَ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - فَعَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - مِثْلُ قَوْلِنَا وَعَنْ عُثْمَانَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مِثْلُ قَوْلِ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ مِنْ أَنَّ اعْتِبَارَ عَدَدِهِ بِالزَّوْجِ وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْعِدَّةَ تُعْتَبَرُ بِحَالِ الْمَرْأَةِ وَتَمَامُهُ فِي الْبَدَائِعِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: وَنُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَمَّا قَالَ عِيسَى بْنُ أَبَانَ لَهُ أَيُّهَا الْفَقِيهُ إذَا مَلَكَ الْحُرُّ عَلَى امْرَأَتِهِ الْأَمَةِ ثَلَاثًا كَيْفَ يُطَلِّقُهَا لِلسُّنَّةِ قَالَ يُوقِعُ عَلَيْهَا وَاحِدَةً فَإِذَا حَاضَتْ وَطَهُرَتْ أَوْقَعَ عَلَيْهَا أُخْرَى فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَقُولَ فَإِذَا حَاضَتْ وَطَهُرَتْ قَالَ لَهُ: حَسْبُك قَدْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَلَمَّا تَحَيَّرَ رَجَعَ فَقَالَ لَيْسَ فِي الْجَمْعِ بِدْعَةٌ وَلَا فِي التَّفْرِيقِ سُنَّةٌ اهـ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [بَابُ أَلْفَاظُ الطَّلَاقِ] (بَابُ الطَّلَاقِ) . أَيْ أَلْفَاظُهُ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مَا تَقَدَّمَ كَانَ ذِكْرَ الطَّلَاقِ نَفْسِهِ وَأَقْسَامِهِ الْأَوَّلِيَّةِ السُّنِّيِّ، وَالْبِدْعِيِّ وَإِعْطَاءً لِبَعْضِ الْأَحْكَامِ تِلْكَ الْكُلِّيَّاتِ وَهَذَا الْبَابُ لِبَيَانِ أَحْكَامِ جُزْئِيَّاتِ تِلْكَ الْكُلِّيَّاتِ فَإِنَّ الْمَوْرِدَ فِيهِ خُصُوصُ أَلْفَاظٍ كَأَنْتِ طَالِقٌ وَمُطَلَّقَةٌ وَطَلَاقٌ لِإِعْطَاءِ أَحْكَامِهَا هَكَذَا أَوْ مُضَافَةٌ إلَى بَعْضِ الْمَرْأَةِ وَإِعْطَاءِ حُكْمِ الْكُلِّيِّ وَتَصْوِيرِهِ قَبْلَ الْجُزْئِيِّ فَنَزَلَ مَنْزِلَةَ تَفْصِيلٍ يَعْقُبُ إجْمَالًا فَظَهَرَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ بَيَانُ أَحْكَامِ مَا بِهِ الْإِيقَاعُ، وَالْوُقُوعُ لَا أَنَّهُ أَرَادَ الْمَعْنَى الْمَصْدَرِيَّ الَّذِي لَا تَحَقُّقَ لَهُ خَارِجًا اهـ. قَوْلُهُ: (الصَّرِيحُ كَأَنْتِ طَالِقٌ وَمُطَلَّقَةٌ وَطَلَّقْتُك) بِتَشْدِيدِ اللَّامِ مِنْ مُطْلَقَةٍ أَمَّا بِتَخْفِيفِهَا فَمُلْحَقٌ بِالْكِنَايَةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَإِنَّمَا كَانَتْ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ صَرَائِحَ لِأَنَّهَا اُسْتُعْمِلَتْ فِيهِ دُونَ غَيْرِهِ فَإِنَّ الصَّرِيحَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ مَا غَلَبَ اسْتِعْمَالُهُ فِي مَعْنًى بِحَيْثُ يَتَبَادَرُ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا فَإِنْ لَمْ يُسْتَعْمَلْ فِي غَيْرِهِ فَأَوْلَى بِالصَّرَاحَةِ وَهُوَ فِي اللُّغَةِ أَمَّا مَنْ صَرَّحَ خَلَصَ مِنْ تَعَلُّقَاتِ الْغَيْرِ وَزْنًا وَمَعْنًى فَهُوَ صَرِيحٌ وَكُلُّ خَالِصٍ صَرِيحٌ وَمِنْهُ قَوْلٌ صَرِيحٌ وَهُوَ الَّذِي لَا يَحْتَاجُ إلَى إضْمَارٍ وَتَأْوِيلٍ كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ أَوْ مَنْ صَرَّحَهُ أَظْهَرَهُ، وَفِي الْفِقْهِ هُنَا مَا اُسْتُعْمِلَ فِي الطَّلَاقِ دُونَ غَيْرِهِ كَمَا فِي الْوِقَايَةِ. وَقَدْ وَقَعَ فِي الْهِدَايَةِ تَدَافُعٌ فَإِنَّهُ عَلَّلَ كَوْنَهَا صَرَائِحَ   [منحة الخالق] عَادَ الضَّمِيرُ إلَى غَيْرِ مُعْتَبَرٍ فَلْيُحَرَّرْ الْفَرْقُ (قَوْلُهُ: وَفِيهِ مِنْ الْبَحْثِ مَا قَدَّمْنَاهُ) لَعَلَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا قَدَّمَهُ مِنْ الْفَرْقِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَفِي الْخَانِيَّةِ مِنْ فَصْلِ النِّكَاحِ عَلَى شَرْطِ الْمَوْلَى. . . إلَخْ) ذَكَرَ قَبْلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَرْعًا أَبْدَى فِيهِ الْفَرْقَ وَنَظَرَ هَذِهِ بِهِ وَهُوَ مَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنَّهَا طَالِقٌ جَازَ النِّكَاحُ وَبَطَلَ الطَّلَاقُ فَقَالَ وَقَالَ أَبُو اللَّيْثِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا إذَا بَدَأَ الزَّوْجُ وَقَالَ تَزَوَّجْتُك عَلَى أَنَّك طَالِقٌ، وَإِنْ ابْتَدَأَتْ الْمَرْأَةُ فَقَالَتْ زَوَّجْت نَفْسِي مِنْك عَلَى أَنِّي طَالِقٌ أَوْ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ بِيَدِي أُطَلِّقُ نَفْسِي كُلَّمَا شِئْت فَقَالَ الزَّوْجُ قَبِلْت جَازَ النِّكَاحُ وَيَقَعُ الطَّلَاقُ وَيَكُونُ الْأَمْرُ بِيَدِهَا لِأَنَّ الْبُدَاءَةَ إذَا كَانَتْ مِنْ الزَّوْجِ كَانَ الطَّلَاقُ، وَالتَّفْوِيضُ قَبْلَ النِّكَاحِ فَلَا يَصِحُّ أَمَّا إذَا كَانَتْ الْبِدَايَةُ مِنْ قِبَلِ الْمَرْأَةِ يَصِيرُ التَّفْوِيضُ بَعْدَ النِّكَاحِ لِأَنَّ الزَّوْجَ لَمَّا قَالَ بَعْدَ كَلَامِ الْمَرْأَةِ قَبِلْت. وَالْجَوَابُ يَتَضَمَّنُ إعَادَةَ مَا فِي السُّؤَالِ صَارَ كَأَنَّهُ قَالَ قَبِلْت عَلَى أَنَّك طَالِقٌ أَوْ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ بِيَدِك فَيَصِيرُ مُفَوِّضًا بَعْدَ النِّكَاحِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 269 بِالِاسْتِعْمَالِ فِي مَعْنَى الطَّلَاقِ دُونَ غَيْرِهِ وَكَوْنُهَا لَا تَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ بِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِيهِ لِغَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ فَإِنَّ الْمَوْصُوفَ بِالْغَلَبَةِ هُنَا هُوَ مَا وَصَفَهُ بِعَدَمِ الِاسْتِعْمَالِ فِي الطَّلَاقِ لَا فِي غَيْرِهِ، وَالْغَلَبَةُ فِي مَفْهُومِهَا الِاسْتِعْمَالُ فِي الْغَيْرِ قَلِيلًا لِلتَّقَابُلِ بَيْنَ الْغَلَبَةِ، وَالِاخْتِصَاصِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَوْ حَمَلَ الْعِبَارَةَ الْأُولَى عَلَى الْغَالِبِ لَانْدَفَعَ، وَفِي التَّتِمَّةِ إذَا قَالَ: طَلَّقْتُك آخِرَ الثَّلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ فَثَلَاثٌ وَلَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ آخِرَ ثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ فَوَاحِدَةً، وَالْفَرْقُ دَقِيقٌ حَسَنٌ وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ تَمَامَ ثَلَاثٍ أَوْ ثَالِثَ ثَلَاثَةٍ فَهِيَ ثَلَاثَةٌ اهـ. وَفِيهَا أَيْضًا لَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ وَاحِدَةً تَكُونُ ثَلَاثًا أَوْ تَصِيرُ ثَلَاثًا أَوْ تَعُودُ ثَلَاثًا أَوْ تَتِمُّ ثَلَاثًا فَهِيَ ثَلَاثٌ اهـ. وَأَفَادَ بِالْكَافِ عَدَمَ حَصْرِ الصَّرِيحِ فِي الثَّلَاثَةِ فَإِنَّهُ سَيَذْكُرُ أَنَّ مِنْهُ الْمَصْدَرَ كَأَنْتِ الطَّلَاقُ وَمِنْهُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ شِئْت طَلَاقَك وَرَضِيت طَلَاقَك وَأَوْقَعْت عَلَيْك طَلَاقَك وَخُذِي طَلَاقَك وَوَهَبْت لَك طَلَاقَك وَلَوْ قَالَ أَرَدْت طَلَاقَك لَا يَقَعُ اهـ. وَمِنْهُ أَوْدَعْتُك طَلَاقَك رَهَنْتُك طَلَاقَك عَلَى الْأَصَحِّ لِأَنَّ الْإِيدَاعَ، وَالرَّهْنَ لَا يَكُونَانِ إلَّا لِلْمَوْجُودِ وَأَعَرْتُك طَلَاقَك صَارَ الْأَمْرُ بِيَدِهَا كَذَا فِي الصَّيْرَفِيَّةِ وَمِنْهُ أَنْتِ أَطْلَقُ مِنْ فُلَانَةَ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ لَوْ قَالَتْ لِزَوْجِهَا قَدْ طَلَّقَ فُلَانٌ زَوْجَتَهُ فَطَلِّقْنِي فَقَالَ الزَّوْجُ فَأَنْت أَطْلَقُ مِنْهَا فَهِيَ طَالِقٌ وَكَذَا لَوْ قَالَ أَنْت أَطْلَقُ مِنْ فُلَانَةَ اهـ. وَذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ أَنَّهُ مِنْ الْكِنَايَاتِ وَجَعَلَهُ فِي الْخُلَاصَةِ مِنْ الْكِنَايَاتِ إلَّا أَنْ يَكُونَ جَوَابًا لِسُؤَالِهَا الطَّلَاقَ كَمَا إذَا قَالَتْ فُلَانٌ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَطَلِّقْنِي فَقَالَ أَنْت أَطْلَقُ مِنْهَا أَوْ أَبْيَنُ مِنْهَا طَلُقَتْ وَلَا يُدَيَّنُ اهـ. وَهُوَ الظَّاهِرُ وَمِنْهُ يَا طَالِقُ أَوْ يَا مُطَلَّقَةُ بِالتَّشْدِيدِ وَلَوْ قَالَ أَرَدْت الشَّتْمَ لَا يُصَدَّقُ قَضَاءً وَيُدَيَّنُ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَلَوْ كَانَ لَهَا زَوْجٌ طَلَّقَهَا قَبْلُ فَقَالَ أَرَدْت ذَلِكَ الطَّلَاقَ صُدِّقَ دِيَانَةً بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ وَقَضَاءً فِي رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَهُوَ حَسَنٌ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهَا زَوْجٌ لَا يُصَدَّقُ وَكَذَا لَوْ كَانَ لَهَا زَوْجٌ قَدْ مَاتَ وَلَوْ قَالَ قُولِي أَنَا طَالِقٌ لَا تَطْلُقُ حَتَّى تَقُولَهَا، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ لَوْ قَالَ لَهَا خُذِي طَلَاقَك فَقَالَتْ أَخَذْت اُخْتُلِفَ فِي اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ وَصُحِّحَ الْوُقُوعُ بِلَا اشْتِرَاطِهَا اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَقَعُ حَتَّى تَقُولَ الْمَرْأَةُ أَخَذْت وَيَكُونُ تَفْوِيضًا وَظَاهِرُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْخَانِيَّةِ خِلَافُهُ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مَعْزِيًّا إلَى فَتَاوَى صَدْرِ الْإِسْلَامِ وَالْقَاضِي لَا يَحْتَاجُ إلَى قَوْلِهَا أَخَذْت وَيَقَعُ بِالتَّهَجِّي كَانَتْ ط ل ق وَكَذَا لَوْ قِيلَ لَهُ: طَلَّقْتهَا فَقَالَ ن عِ م أَوْ بَلَى بِالْهِجَاءِ، وَإِنْ لَمْ يَتَكَلَّمْ بِهِ أَطْلَقَهُ فِي الْخَانِيَّةِ وَلَمْ يَشْتَرِطْ النِّيَّةَ وَشَرَطَهَا فِي الْبَدَائِعِ وَمِنْهُ طَلَّقَك اللَّهُ كَأَعْتَقَكِ اللَّهُ فَلَا يَتَوَقَّفَانِ عَلَى نِيَّةٍ كَمَا فِي الْوَاقِعَاتِ وَأَوْقَفَهَا عَلَيْهَا فِي الْعُيُونِ   [منحة الخالق] بَابُ الطَّلَاقِ) . (قَوْلُهُ: وَلَوْ حَمَلَ الْعِبَارَةَ الْأُولَى عَلَى الْغَالِبِ لَانْدَفَعَ) بِأَنْ يُقَالَ لِلِاسْتِعْمَالِ فِي مَعْنَى الطَّلَاقِ دُونَ غَيْرِهِ أَيْ غَالِبًا فَيُوَافِقُ قَوْلُهُ: لِغَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ، وَقَدْ يُجَابُ أَيْضًا بِأَنَّهَا فِي أَصْلِ الْوَضْعِ تُسْتَعْمَلُ فِي الطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ ثُمَّ غَلَبَ الِاسْتِعْمَالُ فِيهَا عَلَى الْأَصْلِ الْوَضْعِيِّ فَتَخَصَّصَتْ بِالطَّلَاقِ فَقَطْ أَيْ بِسَبَبِ غَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ اخْتَصَّتْ بِالطَّلَاقِ عُرْفًا فَمَعْنَى غَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ هُوَ الِاسْتِعْمَالُ الْعُرْفِيُّ الَّذِي غَلَبَ عَلَى الْأَصْلِ الْوَضْعِيِّ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهَا تُسْتَعْمَلُ فِي الطَّلَاقِ غَالِبًا، وَفِي غَيْرِهِ نَادِرًا حَتَّى يُنَافِيَ قَوْلُهُ: دُونَ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ: وَالْفَرْقُ دَقِيقٌ حَسَنٌ) وَجْهُهُ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ أَنَّهُ أَضَافَ الْآخَرَ إلَى ثَلَاثٍ مَعْهُودَةٍ وَمَعْهُودِيَّتُهَا بِوُقُوعِهَا بِخِلَافِ الْمُنَكَّرِ اهـ. لَكِنَّ هَذَا إنَّمَا يَظْهَرُ عَلَى تَعْرِيفِ الثَّلَاثِ فِي قَوْلِهِ طَلَّقْتُك آخِرَ الثَّلَاثِ وَاَلَّذِي فِي الْبَزَّازِيَّةِ فِي نَوْعٍ فِي الْأَلْفَاظِ الَّتِي يَقَعُ بِهَا الثَّلَاثُ أَوْ الْوَاحِدَةُ بِتَنْكِيرِ الثَّلَاثِ فِي الصُّورَتَيْنِ وَعَلَّلَ الْأُولَى بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ الثَّالِثُ وَلَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِتَقَدُّمِ مِثْلَيْهِ عَلَيْهِ وَعَلَّلَ الثَّانِيَةَ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ أَخْبَرَ عَنْ إيقَاعِ الثَّلَاثِ فَيَقَعُ، وَفِي الثَّانِي وَصْفُ الْمَرْأَةِ بِكَوْنِهَا آخِرَ الثَّلَاثِ بَعْدَ الْإِيقَاعِ وَهِيَ لَا تُوصَفُ بِذَلِكَ فَبَقِيَ أَنْتِ طَالِقٌ وَبِهِ يَقَعُ الْوَاحِدُ اهـ. وَكَذَا رَأَيْته مُنَكَّرًا فِي الصُّورَتَيْنِ فِي التَّتَارْخَانِيَّة، وَالذَّخِيرَةِ، وَالْهِنْدِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَأَفَادَ بِالْكَافِ عَدَمَ حَصْرِ الصَّرِيحِ) تَعْرِيضٌ بِمَا فِي كَلَامِ الْقُدُورِيِّ حَيْثُ قَالَ: فَالصَّرِيحُ قَوْلُهُ: أَنْتِ طَالِقٌ. . . إلَخْ، وَلِذَا قَالَ فِي الْفَتْحِ ظَاهِرُ الْحَمْلِ أَنْ لَا صَرِيحَ سِوَى ذَلِكَ وَلَيْسَ بِمُرَادٍ فَسَيَذْكُرُ مِنْهُ التَّطْلِيقَ بِالْمَصْدَرِ، وَلَفْظُ الْكَنْزِ أَحْسَنُ لِإِشْعَارِ الْكَافِ بِعَدَمِ الْحَصْرِ قَالَ فِي النَّهْرِ: وَأَقُولُ: عِبَارَةَ الْقُدُورِيِّ فَالصَّرِيحُ قَوْلُهُ: أَنْتِ طَالِقٌ. . . إلَخْ وَقَوْلُهُ: أَنْتِ الطَّلَاقُ. . . إلَخْ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَ وَقَوْلُهُ: فِي الْبَحْرِ أَنَّ مِنْهُ شِئْت وَرَضِيت طَلَاقَك وَوَهَبْته لَك وَكَذَا أَوْدَعْتُك وَرَهَنْتُك وَخُذِي فِي الْأَصَحِّ وَلَا يَفْتَقِرُ إلَى قَوْلِهَا أَخَذْت كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ فَهِمَ أَنَّ الصَّرِيحَ يَكُونُ بِغَيْرِ الثَّلَاثِ، وَالْمَصْدَرُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ الْوُقُوعُ فِيمَا ادَّعَاهُ إنَّمَا هُوَ بِالْمَصْدَرِ. (قَوْلُهُ: وَمِنْهُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ لِعَدِّهِ إيَّاهُ مِنْ الصَّرِيحِ مَعَ إنْ شِئْت طَلَاقَك وَرَضِيت طَلَاقَك لَا بُدَّ فِيهِمَا مِنْهَا كَمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ أَنْت طَالِقٌ إنْ شِئْت فَقَالَتْ شِئْت إنْ شِئْت وَذَكَرَهُ هَذَا الشَّارِحُ أَيْضًا فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ لَكِنْ سَاقَ فِي قَوْلِهِ شِئْت طَلَاقَك قَوْلَيْنِ فِي اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فَرَاجِعْهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 270 وَهُوَ الْحَقُّ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَيْسَ مِنْهُ أُطَلِّقُك بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ إلَّا إذَا غَلَبَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْحَالِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. وَفِي الصَّيْرَفِيَّةِ سُئِلَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ عَمَّنْ قَالَ لِجَمَاعَةٍ: كُلُّ مَنْ كَانَ لَهُ امْرَأَةٌ مُطَلَّقَةٌ فَلْيُصَفِّقْ بِيَدَيْهِ فَصَفَّقُوا طُلِّقْنَ وَقِيلَ لَا، وَفِيهَا قَالَتْ لَهُ طَلِّقْنِي فَقَالَ أُطَلِّقُك وَقَعَ عِنْدَ مَشَايِخِ سَمَرْقَنْدَ وَمِنْهُ الْأَلْفَاظُ الْمُصَحَّفَةُ وَهِيَ خَمْسَةٌ: تَلَاقٌ وَتَلَاغٌ وَطَلَاغٌ وَطَلَاك وَتَلَاك فَيَقَعُ قَضَاءً وَلَا يُصَدَّقُ إلَّا إذَا أَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ قَبْلَ التَّكَلُّمِ بِأَنْ قَالَ امْرَأَتِي تَطْلُبُ مِنِّي الطَّلَاقَ وَأَنَا لَا أُطَلِّقُ فَأَقُولُ: هَذَا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَالِمِ، وَالْجَاهِلِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَمِنْهُ ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ عَلَيْك طَلُقَتْ ثَلَاثًا وَكَذَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: الْعَتَاقُ عَلَيْك يَعْتِقُ وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ عَلَيْك هَذَا الْعَبْدُ بِأَلْفٍ فَقَالَ قَبِلْت يَكُونُ بَيْعًا كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ لَوْ قَالَ عَلَيْك الطَّلَاقُ أَوْ لَك اُعْتُبِرَتْ النِّيَّةُ وَلَيْسَ مِنْهُ لِلَّهِ عَلَيَّ طَلَاقُ امْرَأَتِي فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ كَمَا فِي الْأَصْلِ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا لَوْ قَالَ طَلَاقُك عَلَيَّ وَاجِبٌ أَوْ لَازِمٌ أَوْ ثَابِتٌ أَوْ فَرْضٌ قِيلَ يَقَعُ فِي الْكُلِّ بِلَا نِيَّةٍ وَقِيلَ لَا، وَإِنْ نَوَى وَقِيلَ نَعَمْ بِالنِّيَّةِ وَصَحَّحَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ عَدَمَهُ فِي الْكُلِّ عِنْدَ الْإِمَامِ وَصَحَّحَ فِي الْوَاقِعَاتِ الْوُقُوعَ فِي الْكُلِّ وَفَرَّقَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ فَأَوْقَعَ فِي وَاجِبٍ وَنَفَى فِي غَيْرِهِ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَفِي فَتَاوَى الْخَاصِّيِّ الْمُخْتَارُ الْوُقُوعُ فِي الطَّلَاقِ فِي الْكُلِّ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَكُونُ وَاجِبًا أَوْ ثَابِتًا بَلْ حُكْمُهُ وَحُكْمُهُ لَا يَجِبُ وَلَا يَثْبُتُ إلَّا بَعْدَ الْوُقُوعِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَتَاقِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ ثُبُوتَهُ اقْتِضَاءٌ وَيَتَوَقَّفُ عَلَى نِيَّتِهِ إلَّا أَنْ يَظْهَرَ فِيهِ عُرْفٌ فَاشٍ فَيَصِيرُ صَرِيحًا فَلَا يُصَدَّقُ قَضَاءً فِي صَرْفِهِ عَنْهُ، وَفِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى إنْ قَصَدَهُ وَقَعَ وَإِلَّا لَا فَإِنَّهُ يُقَالُ هَذَا الْأَمْرُ عَلَيَّ وَاجِبٌ بِمَعْنَى يَنْبَغِي أَنْ أَفْعَلَهُ لَا إنِّي فَعَلْته فَكَأَنَّهُ قَالَ يَنْبَغِي أَنْ أُطَلِّقَك اهـ. ، وَالْمُعْتَمَدُ عَدَمُ الْوُقُوعِ فِي الْكُلِّ لِأَنَّهُ الْمَذْكُورُ فِي الْأَصْلِ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَالْمُخْتَارُ عَدَمُ الْوُقُوعِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَقَدْ تُعُورِفَ فِي عُرْفِنَا فِي الْحَلِفِ الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي لَا أَفْعَلُ كَذَا يُرِيدُ إنْ فَعَلْته لَزِمَ الطَّلَاقُ وَوَقَعَ فَوَجَبَ أَنْ يَجْرِيَ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُ صَارَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ وَكَذَا تَعَارَفَ أَهْلُ الْأَرْيَافِ الْحَلِفَ بِقَوْلِهِ عَلَيَّ الطَّلَاقُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا غَلَبَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْحَالِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: يُسْتَفَادُ مِنْهُ الْوُقُوعُ بِقَوْلِهِ تَكُونِي طَالِقًا أَوْ تَكُونُ طَالِقًا إذْ هُوَ الْغَالِبُ فِي كَلَامِ أَهْلِ بِلَادِنَا تَأَمَّلْ اهـ. وَقَالَ فِي النَّهْرِ، وَفِي الصَّيْرَفِيَّةِ: لَوْ كَانَ جَوَابًا لِسُؤَالِهَا الطَّلَاقَ وَقَعَ عِنْدَ مَشَايِخِ سَمَرْقَنْدَ كَأَنَّهُ لِأَنَّ سُؤَالَهَا إيَّاهُ قَرِينَةٌ مُعَيِّنَةٌ لِلْحَالِ لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَخْتَلِفَ فِي عَدَمِ الْوُقُوعِ فِيمَا إذَا قَرَنَهُ بِحَرْفِ التَّنْفِيسِ إلَّا إذَا نَوَاهُ فَتَكُونُ السِّينُ لِمُجَرَّدِ التَّأْكِيدِ نَحْوُ {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} [الضحى: 5] . (قَوْلُهُ: يُرِيدُ إنْ فَعَلْته لَزِمَ الطَّلَاقُ) أَيْ فَهُوَ فِي مَعْنَى الْمُعَلَّقِ عَلَى شَرْطٍ وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْإِفْتَاءَ بِالْوُقُوعِ بِشَرْطِ فِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ لَا مُطْلَقًا وَهَذَا، وَإِنْ كَانَ الشَّرْطُ فِيهِ غَيْرَ صَرِيحٍ لَكِنَّهُ فِي الْعُرْفِ مُلَاحَظٌ وَهُوَ مُعْتَبَرٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي الْفَصْلِ التَّاسِعَ عَشَرَ مِنْ التَّتَارْخَانِيَّة فِي نَوْعٍ فِي ذِكْرِ مَسَائِلِ الشَّرْطِ، وَفِي الْحَاوِي عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْكَرْخِيِّ فِيمَنْ اُتُّهِمَ أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ الْغَدَاةَ، فَقَالَ عَبْدُهُ حُرٌّ إنَّهُ قَدْ صَلَّاهَا، وَقَدْ صَلَّاهَا، وَقَدْ تَعَارَفُوا شَرْطًا فِي لِسَانِهِمْ هَذَا قَالَ أَجْرَى أَمْرَهُمْ عَلَى الشَّرْطِ عَلَى تَعَارُفِهِمْ كَقَوْلِهِ: عَبْدِي حُرٌّ إنْ لَمْ أَكُنْ صَلَّيْت الْغَدَاةَ وَصَلَّاهَا لَمْ يَعْتِقْ كَذَا هُنَا اهـ. وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ أَجْرَوْهُ مَجْرَى الْقَسَمِ مِثْلُ وَاَللَّهِ فَعَلْت كَذَا وَعَلَيْهِ جَرَى الْحَنَابِلَةُ (قَوْلُهُ: فَوَجَبَ أَنْ يَجْرِيَ عَلَيْهِمْ. . . إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا سَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ كُلُّ حِلٍّ عَلَيَّ حَرَامٌ أَوْ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ، أَوْ حَلَالُ اللَّهِ عَلَيَّ حَرَامٌ حَيْثُ قَالَ الْمُتَأَخِّرُونَ: وَقَعَ بَائِنًا بِلَا نِيَّةٍ لِغَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ بِالْعُرْفِ، وَلَوْ قَالَ عَلَيَّ الطَّلَاقُ أَوْ الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي أَوْ الْحَرَامُ وَلَمْ يَقُلْ لَا أَفْعَلُ كَذَا لَمْ أَجِدْهُ فِي كَلَامِهِمْ، وَفِي الْفَتْحِ: لَوْ قَالَ طَلَاقُك عَلَيَّ لَا يَقَعُ، وَفِي تَصْحِيحِ الْقُدُورِيِّ وَمِنْ الْأَلْفَاظِ الْمُسْتَعْمَلَةِ فِي مِصْرِنَا وَرِيفِنَا: الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي، وَالْحَرَامُ يَلْزَمُنِي، وَعَلَيَّ الطَّلَاقُ، وَعَلَيَّ الْحَرَامُ قَالَ فِي الْمُخْتَارَاتِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ امْرَأَةٌ يَكُونُ يَمِينًا فَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِالْحِنْثِ، وَهَكَذَا ذَكَرَ الشَّهِيدُ فِي وَاقِعَاتِهِ وَبِهِ كَانَ يُفْتِي الْإِمَامُ الْأُوزْجَنْدِيُّ وَكَانَ نَجْمُ الدِّينِ النَّسَفِيُّ يَقُولُ إنَّ الْكَلَامَ يَبْطُلُ وَلَا يُجْعَلُ هَذَا يَمِينًا اهـ. وَفِي حَوَاشِي مِسْكِينٍ، وَقَدْ ظَفِرَ بِهِ شَيْخُنَا مُصَرَّحًا بِهِ فِي كَلَامِ الْغَايَةِ لِلسُّرُوجِيِّ مَعْزِيًّا إلَى الْمُغْنِي وَنَصُّهُ: الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي أَوْ لَازِمٌ لِي صَرِيحٌ لِأَنَّهُ يُقَالُ لِمَنْ وَقَعَ طَلَاقُهُ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ وَكَذَا قَوْلُهُ: عَلَيَّ الطَّلَاقُ اهـ. وَنَقَلَ السَّيِّدُ الْحَمَوِيُّ عَنْ الْغَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْجَوَاهِرِ الطَّلَاقُ لِي لَازِمٌ يَقَعُ بِغَيْرِ نِيَّةٍ اهـ. قُلْت وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي جَرَيَانُ الْخِلَافِ الْمَارِّ فِي طَلَاقِك عَلَيَّ وَاجِبٌ وَنَحْوُهُ هُنَا إذْ لَا فَرْقَ يَظْهَرُ بَيْنَ طَلَاقِك عَلَيَّ وَاجِبٌ أَوْ لَازِمٌ وَبَيْنَ عَلَيَّ الطَّلَاقُ أَوْ الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي فَتَأَمَّلْ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الْوُقُوعَ فِي قَوْلِهِ عَلَيَّ الطَّلَاقُ لَا أَفْعَلُ بِسَبَبِ كَوْنِهِ فِي مَعْنَى إنْ فَعَلْت كَذَا وَقَعَ الطَّلَاقُ بِاعْتِبَارِ الْعُرْفِ كَمَا أَفَادَهُ كَلَامُ الْكَمَالِ فَيَكُونُ حِينَئِذٍ قَوْلُهُ: عَلَيَّ الطَّلَاقُ فَقَطْ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ وَلَمْ يَقُلْ إنْ فَعَلْت كَذَا فَلْيُتَأَمَّلْ وَيَنْبَغِي أَنْ يُدَيَّنَ إنْ أَرَادَ التَّعْلِيقَ لَا التَّنْجِيزَ (قَوْلُهُ: وَكَذَا تَعَارَفَ أَهْلُ الْأَرْيَافِ) أَيْ الْفَلَّاحُونَ قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الرِّيفُ بِالْكَسْرِ: أَرْضٌ فِيهَا زَرْعٌ وَخِصْبٌ وَمَا قَارَبَ الْمَاءَ مِنْ أَرْضِ الْعَرَبِ، وَفِي حَوَاشِي الْمِنَحِ لِلرَّمْلِيِّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 271 لَا أَفْعَلُ فَإِنْ قُلْت الْكِتَابَةُ مِنْ الصَّرِيحِ أَوْ مِنْ الْكِنَايَةِ قُلْت إنْ كَانَتْ عَلَى وَجْهِ الرَّسْمِ مُعَنْوَنَةً فَهِيَ صَرِيحٌ وَإِلَّا فَكِنَايَةٌ، وَإِنْ كَتَبَ عَلَى الْهَوَاءِ أَوْ الْمَاءِ فَلَيْسَ صَرِيحًا وَلَا كِنَايَةً وَكَذَا لَا يَقَعُ بِالنِّيَّةِ وَقَدَّمْنَاهُ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: مِنْ فَصْلِ الِاخْتِيَارِ قَالَ لِلْكَاتِبِ اُكْتُبْ إنِّي إذَا خَرَجْت مِنْ الْمِصْرِ بِلَا إذْنِهَا فَهِيَ طَالِقٌ وَاحِدَةً فَلَمْ تَتَّفِقْ الْكِتَابَةُ وَتَحَقُّقَ الشَّرْطِ وَقَعَ وَأَصْلُهُ أَنَّ الْأَمْرَ بِكِتَابَةِ الْإِقْرَارِ إقْرَارٌ كُتِبَ أَمْ لَا اهـ. وَمِنْهُ كُونِي طَالِقًا أَوْ أَطْلِقِي كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ: لِأَمَتِهِ كَوْنِي حُرَّةً تَعْتِقُ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَمِنْهُ أَخْبَرَهَا بِطَلَاقِهَا بَشِّرْهَا بِطَلَاقِهَا احْمِلْ إلَيْهَا طَلَاقَهَا أَخْبِرْهَا أَنَّهَا طَالِقٌ قُلْ لَهَا إنَّهَا طَالِقٌ فَتَطْلُقُ لِلْحَالِ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى وُصُولِ الْخَبَرِ إلَيْهَا وَلَا عَلَى قَوْلِ الْمَأْمُورِ ذَلِكَ وَلَوْ قَالَ قُلْ لَهَا أَنْت طَالِقٌ لَا يَقَعُ مَا لَمْ يَقُلْ لَهَا الْمَأْمُورُ ذَلِكَ وَلَوْ قَالَ اُكْتُبْ لَهَا طَلَاقَهَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ الطَّلَاقُ لِلْحَالِ كَمَا لَوْ قَالَ احْمِلْ إلَيْهَا طَلَاقَهَا أَوْ اُكْتُبْ إلَى امْرَأَتِي أَنَّهَا طَالِقٌ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَلَيْسَ مِنْهُ نِسَاءُ الْعَالَمِ أَوْ الدُّنْيَا طَوَالِقُ فَلَا تَطْلُقُ امْرَأَتُهُ بِخِلَافِ نِسَاءِ هَذِهِ الْبَلْدَةِ أَوْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ طَوَالِقُ، وَفِيهَا امْرَأَتُهُ طَلُقَتْ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَوْ قَالَ نِسَاءُ بَغْدَادَ طَوَالِقُ، وَفِيهَا امْرَأَتُهُ لَا تَطْلُقُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ تَطْلُقُ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَجَزَمَ بِالْوُقُوعِ فِي الْبَزَّازِيَّةِ فِي نِسَاءِ الْمَحَلَّةِ، وَالدَّارِ، وَالْبَيْتِ وَجَعَلَ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي نِسَاءِ الْقَرْيَةِ وَمِنْهُ أَنْت طَالِقٌ فِي قَوْلِ الْفُقَهَاءِ أَوْ الْقُضَاةِ أَوْ الْمُسْلِمِينَ أَوْ الْقُرْآنِ أَوْ قَوْلِ فُلَانٍ الْقَاضِي أَوْ الْمُفْتِي فَتَطْلُقُ قَضَاءً وَلَا تَطْلُقُ دِيَانَةً إلَّا بِالنِّيَّةِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَمِنْهُ أَنْتِ مِنَى ثَلَاثًا. وَإِنْ لَمْ يَنْوِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَلَيْسَ مِنْهُ أَحْسِبُهَا مُطَلَّقَةً كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَقَيَّدَ بِخِطَابِهَا لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ حَلَفْت بِالطَّلَاقِ وَلَمْ يُضِفْ إلَيْهَا لَا يَقَعُ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ   [منحة الخالق] سَأَلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَبُو السُّعُودِ الْعِمَادِيُّ مُفْتِي الرُّومِ عَمَّا صُورَتُهُ مَا قَوْلُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ فِي رَجُلٍ قَالَ عَلَيَّ الطَّلَاقُ أَوْ يَلْزَمُنِي الطَّلَاقُ هَلْ هُوَ صَرِيحٌ أَوْ كِنَايَةٌ فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ لَيْسَ بِشَيْءٍ مِنْهُمَا وَسَأَلَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَيْضًا عَمَّا صُورَتُهُ مَا قَوْلُكُمْ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْكُمْ - فِي زَيْدٍ قَالَ عَلَيَّ الطَّلَاقُ ثَلَاثًا لَا أُشَغِّلُ عَمْرًا وَبَكْرًا عِنْدِي فَإِذَا أَشْغَلَهُمَا بَعْدَ ذَلِكَ عِنْدَهُ فَهَلْ يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ أَوْ لَا فَأَجَابَ بِمَا صُورَتُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ طَلَاقُك عَلَيَّ وَاجِبٌ أَوْ لَازِمٌ أَوْ فَرْضٌ أَوْ ثَابِتٌ قِيلَ يَقَعُ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً نَوَى أَوْ لَا، وَالْمُخْتَارُ عَدَمُ الْوُقُوعِ وَلَوْ قَالَ طَلَاقٌ عَلَيَّ لَا وَلَوْ قَالَ عَلَيْك الطَّلَاقُ يَقَعُ إذَا نَوَى اهـ. كَلَامُ الرَّمْلِيِّ لَكِنْ قَالَ فِي الْمِنَحِ: فِي دِيَارِنَا صَارَ الْعُرْفُ فَاشِيًّا فِي اسْتِعْمَالِهِ فِي الطَّلَاقِ لَا يَعْرِفُونَ مِنْ صِيَغِ الطَّلَاقِ غَيْرَهُ فَيَجِبُ الْإِفْتَاءُ بِهِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ كَمَا هُوَ الْحُكْمُ فِي الْحَرَامِ يَلْزَمُنِي وَعَلَيَّ الْحَرَامُ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ بِهِ لِلتَّعَارُفِ الشَّيْخُ قَاسِمٌ فِي تَصْحِيحِهِ وَإِفْتَاءُ أَبِي السُّعُودِ مَبْنِيٌّ عَلَى عَدَمِ اسْتِعْمَالِهِ فِي دِيَارِهِمْ فِي الطَّلَاقِ أَصْلًا كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ: وَمِنْهُ أَنْتِ طَالِقٌ فِي قَوْلِ الْفُقَهَاءِ. . . إلَخْ) تَأَمَّلْ هَذَا مَعَ مَا مَرَّ فِي طَلَاقِ السُّنَّةِ أَنَّ قَوْلَهُ عَلَى قَوْلِ الْقُضَاةِ أَوْ الْفُقَهَاءِ إنْ نَوَى السُّنَّةَ يُدَيَّنُ وَيَقَعُ فِي الْحَالِ فِي الْقَضَاءِ أَيْ يَقَعُ ثَلَاثًا فِي الْحَالِ قَضَاءً، وَإِنْ نَوَى السُّنَّةَ فَفِي أَوْقَاتِهَا (قَوْلُهُ: وَمِنْهُ أَنْتِ مِنِّي ثَلَاثًا) قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة، وَفِي فَتَاوَى الْفَضْلِيِّ إذَا قَالَ لَهَا أَنْت مِنِّي ثَلَاثًا إنْ نَوَى الطَّلَاقَ طَلُقَتْ، وَإِنْ قَالَ لَمْ أَنْوِ الطَّلَاقَ لَا يُصَدَّقُ إذَا كَانَ الْحَالُ مُذَاكَرَةَ الطَّلَاقِ، وَإِذَا قَالَ لَهَا تُوسِهِ وَنَوَى الطَّلَاقَ قَالَ يَقَعُ (قَوْلُهُ: وَقَيَّدَ بِخِطَابِهَا لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ. . . إلَخْ) اُعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ عِبَارَةُ الْبَزَّازِيَّةِ لَا تُفِيدُ أَنَّ عَدَمَ الْوُقُوعِ لِعَدَمِ الْخِطَابِ حَتَّى يُؤْخَذَ مِنْهُ فَائِدَةُ التَّقْيِيدِ بِالْخِطَابِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ خُصُوصَ الْخِطَابِ لَيْسَ مُرَادًا بَلْ مَا هُوَ الْأَعَمُّ مِنْهُ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ كَالْإِضَافَةِ وَذَكَرَ الِاسْمَ بِدَلِيلِ مَا يَأْتِي اهـ. وَهَذَا الْجَوَابُ فِي نَفْسِهِ حَسَنٌ لَكِنْ يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا لِلْمُؤَلِّفِ مَا يَأْتِي قُبَيْلَ قَوْلِ الْمَتْنِ وَلَوْ قَالَ أَنْتِ الطَّلَاقُ مِنْ قَوْلِهِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ قَوْلَهُمْ الصَّرِيحُ لَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ إنَّمَا هُوَ فِي الْقَضَاءِ أَمَّا فِي الدِّيَانَةِ فَمُحْتَاجٌ إلَيْهَا لَكِنَّ وُقُوعَهُ فِي الْقَضَاءِ بِلَا نِيَّةٍ إنَّمَا هُوَ بِشَرْطِ أَنْ يَقْصِدَهَا بِالْخِطَابِ. . . إلَخْ هَذَا، وَفِي الْقُنْيَةِ عَنْ الْمُحِيطِ رَجُلٌ دَعَتْهُ جَمَاعَةٌ إلَى شُرْبِ الْخَمْرِ فَقَالَ إنِّي حَلَفْت بِالطَّلَاقِ أَنِّي لَا أَشْرَبُ وَكَانَ كَاذِبًا فِيهِ ثُمَّ شَرِبَ طَلُقَتْ، وَقَالَ صَاحِبُ التُّحْفَةِ لَا تَطْلُقُ دِيَانَةً اهـ. أَيْ فَقَوْلُهُ: طَلُقَتْ أَيْ قَضَاءً وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ إذَا أَقَرَّ بِالطَّلَاقِ كَاذِبًا وَقَعَ قَضَاءً لَا دِيَانَةً وَظَاهِرٌ أَنَّ قَوْلَ الْبَزَّازِيَّةِ هُنَا لَا يَقَعُ أَيْ قَضَاءً فَفِيهِ مُخَالَفَةٌ لِهَذَا وَقَدْ ذَكَرَ فِي لِسَانِ الْحُكَّامِ عِبَارَةَ الْبَزَّازِيَّةِ ثُمَّ أَعْقَبَهَا بِعِبَارَةِ الْقُنْيَةِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُمَا وَيُمْكِنُ أَنْ يُوَفِّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ مَحْمُولٌ عَلَى إنْشَاءِ الْحَلِفِ لَا عَلَى الْإِخْبَارِ وَمَا فِي الْقُنْيَةِ عَلَى الْإِخْبَارِ لِقَوْلِهِ وَكَانَ كَاذِبًا فِيهِ لَكِنْ بَعْدَ هَذَا يَرُدُّ عَلَى مَا فِي الْقُنْيَةِ أَنَّ قَوْلَهُ إنِّي حَلَفْت بِالطَّلَاقِ يَحْتَمِلُ الْحَلِفَ بِطَلَاقِ امْرَأَةٍ أُخْرَى إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ امْرَأَةٌ غَيْرَهَا فَيَكُونُ إخْبَارًا عَنْ طَلَاقٍ مُضَافٍ إلَيْهَا وَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ لَهُ غَيْرَهَا وَإِلَّا لَا يُصَدَّقُ بِدَلِيلِ مَا يَأْتِي عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ قَوْلِهِ لَوْ قَالَ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ وَلَمْ يُسَمِّ وَلَهُ امْرَأَةٌ مَعْرُوفَةٌ طَلُقَتْ اسْتِحْسَانًا، وَإِنْ قَالَ لِي امْرَأَةٌ أُخْرَى وَإِيَّاهَا عَنَيْت لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَتَأَمَّلْ وَرَاجِعْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 272 مِنْ الْأَيْمَانِ وَعِبَارَتُهَا قَالَ لَهَا: لَا تَخْرُجِي مِنْ الدَّارِ إلَّا بِإِذْنِي فَإِنِّي حَلَفْت بِالطَّلَاقِ فَخَرَجَتْ لَا يَقَعُ لِعَدَمِ ذِكْرِ حَلِفِهِ بِطَلَاقِهَا وَيُحْتَمَلُ الْحَلِفُ بِطَلَاقِ غَيْرِهَا فَالْقَوْلُ لَهُ اهـ. وَذِكْرُ اسْمِهَا أَوْ إضَافَتِهَا إلَيْهِ كَخِطَابِهِ كَمَا بَيَّنَّا فَلَوْ قَالَ طَالِقٌ فَقِيلَ لَهُ مَنْ عَنَيْت فَقَالَ امْرَأَتِي طَلُقَتْ امْرَأَتُهُ وَلَوْ قَالَ امْرَأَةٌ طَالِقٌ أَوْ قَالَ طَلَّقْت امْرَأَةً ثَلَاثًا وَقَالَ لَمْ أَعْنِ بِهِ امْرَأَتِي يُصَدَّقُ، وَلَوْ قَالَ عَمْرَةُ طَالِقٌ، وَامْرَأَتُهُ عَمْرَةُ، وَقَالَ لَمْ أَعْنِ بِهِ امْرَأَتِي طَلُقَتْ امْرَأَتُهُ وَلَا يُصَدَّقُ قَضَاءً وَكَذَا لَوْ قَالَ بِنْتُ فُلَانٍ طَالِقٌ ذَكَرَ اسْمَ الْأَبِ وَلَمْ يَذْكُرْ اسْمَ الْمَرْأَةِ وَامْرَأَتُهُ بِنْتُ فُلَانٍ وَقَالَ لَمْ أَعْنِ امْرَأَتِي لَا يُصَدَّقُ قَضَاءً وَتَطْلُقُ امْرَأَتُهُ وَكَذَا لَوْ لَمْ يَنْسُبْهَا إلَى أَبِيهَا وَإِنَّمَا نَسَبَهَا إلَى أُمِّهَا أَوْ وَلَدِهَا تَطْلُقُ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ زَادَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَوْ نَسَبَهَا إلَى أُخْتِهَا. وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْهَا رَجُلٌ قَالَ امْرَأَتُهُ عَمْرَةُ بِنْتُ صُبَيْحٍ طَالِقٌ وَامْرَأَتُهُ عَمْرَةُ بِنْتُ حَفْصٍ وَلَا نِيَّةَ لَهُ لَا تَطْلُقُ امْرَأَتُهُ، وَإِنْ كَانَ صُبَيْحٌ زَوْجَ أُمِّ امْرَأَتِهِ وَكَانَتْ تُنْسَبُ إلَيْهِ وَهِيَ فِي حِجْرِهِ فَقَالَ ذَلِكَ وَهُوَ يَعْلَمُ نَسَبَ امْرَأَتِهِ أَوْ لَا يَعْلَمُ طَلُقَتْ امْرَأَتُهُ وَلَا يُصَدَّقُ قَضَاءً، وَفِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَقَعُ إنْ كَانَ يَعْرِفُ نَسَبَهَا، وَإِنْ كَانَ لَا يَعْرِفُ يَقَعُ دِيَانَةً، وَإِنْ نَوَى امْرَأَتَهُ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ طَلُقَتْ قَضَاءً وَدِيَانَةً وَلَوْ قَالَ امْرَأَتُهُ الْحَبَشِيَّةُ طَالِقٌ وَامْرَأَتُهُ لَيْسَتْ بِحَبَشِيَّةٍ لَا يَقَعُ، وَلَوْ كَانَ لَهُ امْرَأَةُ بَصِيرَةٌ فَقَالَ امْرَأَتُهُ هَذِهِ الْعَمْيَاءُ طَالِقٌ وَأَشَارَ إلَى الْبَصِيرَةِ تَطْلُقُ الْبَصِيرَةُ وَلَا تُعْتَبَرُ التَّسْمِيَةُ وَلَا الصِّفَةُ مَعَ الْإِشَارَةِ اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ الْأَصْلُ أَنَّهُ مَتَى وُجِدَتْ النِّسْبَةُ وَغَيَّرَ اسْمَهَا بِغَيْرِهِ لَا يَقَعُ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ لَا يَحْصُلُ بِالتَّسْمِيَةِ مَتَى بَدَّلَ اسْمَهَا لِأَنَّ بِذَلِكَ الِاسْمِ تَكُونُ امْرَأَةً أَجْنَبِيَّةً وَلَوْ بَدَّلَ اسْمَهَا وَأَشَارَ إلَيْهَا يَقَعُ ثُمَّ قَالَ وَلَوْ قَالَ امْرَأَتِي بِنْتُ صُبَيْحٍ أَوْ بِنْتُ فُلَانٍ الَّتِي فِي وَجْهِهَا خَالٌ طَالِقٌ وَلَمْ يَكُنْ لَهَا خَالٌ وَكَذَا الَّتِي هِيَ عَمْيَاءُ أَوْ زَمْنَى وَهِيَ بَصِيرَةٌ صَحِيحَةٌ طَالِقٌ طَلُقَتْ وَذِكْرُ الْعَمَى، وَالزَّمَنِ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ عَرَفَ امْرَأَتَهُ بِالنِّسْبَةِ وَوَصَفَهَا بِصِفَةٍ فَصَحَّ التَّعْرِيفُ وَلَغَتْ الصِّفَةُ وَلَوْ قَالَ امْرَأَتِي عَمْرَةُ أُمُّ وَلَدِي هَذِهِ الْجَالِسَةُ طَالِقٌ وَلَا نِيَّةَ لَهُ، وَالْجَالِسَةُ غَيْرُهَا وَلَيْسَتْ بِامْرَأَتِهِ لَمْ تَطْلُقْ لِأَنَّهُ سَمَّاهَا وَأَشَارَ، وَالْعِبْرَةُ لِلْإِشَارَةِ لَا لِلتَّسْمِيَةِ اهـ. وَمِنْهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ رَجُلٌ لَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ فَقَالَ أَنْت ثُمَّ أَنْت ثُمَّ أَنْت ثُمَّ أَنْت طَالِقٌ طَلُقَتْ الرَّابِعَةُ لَا غَيْرُ لِأَنَّهُ مَا أَوْصَلَ الْإِيقَاعَ إلَّا بِالرَّابِعَةِ لِأَنَّ كَلِمَةَ ثُمَّ تَقْطَعُ الْوَصْلَ اهـ. وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بِالْوَاوِ وَقَعَ عَلَى الْكُلِّ لِأَنَّهَا لِلْوَصْلِ وَالْجَمْعِ، وَصَرَّحَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ بِأَنَّ الْوَاوَ كَذَلِكَ وَعِبَارَتُهَا وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً تَقَعُ وَاحِدَةً وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ وَأَنْتِ يَقَعُ ثِنْتَانِ، وَفِي الْفَتَاوَى وَاحِدَةٌ وَلَوْ قَالَ: وَأَنْتِ لِامْرَأَةٍ أُخْرَى يَقَعُ عَلَيْهَا وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ وَأَنْتُمَا لِلْأُولَى، وَالثَّانِيَةِ يَقَعُ عَلَى الْأُولَى ثِنْتَانِ وَعَلَى الثَّانِيَةِ وَاحِدَةٌ، وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ أَوْ لَا بَلْ أَنْت يَقَعُ وَاحِدَةً وَلَوْ قَالَ ثَانِيًا أَنْتِ لِلْأُخْرَى لَا يَقَعُ بِدُونِ النِّيَّةِ فَأَمَّا وَأَنْتِ تَقَعُ وَاحِدَةً كَقَوْلِهِ هَذِهِ طَالِقٌ وَهَذِهِ يَقَعُ عَلَيْهَا وَلَوْ قَالَ هَذِهِ وَهَذِهِ طَالِقٌ طَلُقَتَا، وَلَوْ قَالَ: هَذِهِ هَذِهِ طَالِقٌ لَمْ تَطْلُقْ الْأُولَى إلَّا أَنْ يَقُولَ طَالِقَانِ، وَلَوْ قَالَ: هَذِهِ طَالِقٌ هَذِهِ لَمْ يَقَعْ عَلَى الْأُخْرَى بِدُونِ النِّيَّةِ وَلَوْ قَالَ لَهُنَّ أَنْت ثُمَّ أَنْت ثُمَّ أَنْت طَالِقٌ طَلُقَتْ الْأَخِيرَةُ وَكَذَا بِحَرْفِ الْوَاوِ وَلَوْ قَالَ طَوَالِقُ طُلِّقْنَ وَلَوْ قَدَّمَ الطَّلَاقَ طَلِّقْنَ وَلَوْ قَالَ هَذِهِ طَالِقٌ مَعَك لَمْ يَقَعْ عَلَى الْمُخَاطَبَةِ إلَّا بِالنِّيَّةِ اهـ. وَسَيَأْتِي مَا إذَا نَادَى امْرَأَتَهُ فَأَجَابَهُ غَيْرُهَا، وَفِي وَضْعٍ آخَرَ مِنْهَا لَوْ قَالَ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ وَلَمْ يُسَمِّ وَلَهُ امْرَأَةٌ مَعْرُوفَةٌ طَلُقَتْ اسْتِحْسَانًا وَلَوْ قَالَ لِي امْرَأَةٌ أُخْرَى وَإِيَّاهَا عَنَيْت لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ وَلَوْ قَالَ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ وَلَهُ امْرَأَتَانِ كِلْتَاهُمَا مَعْرُوفَةٌ كَانَ لَهُ أَنْ يَصْرِفَ الطَّلَاقَ إلَى أَيَّتِهِمَا شَاءَ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ الْأَيْمَانِ إنْ فَعَلْت كَذَا فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ وَلَهُ امْرَأَتَانِ أَوْ أَكْثَرُ طَلُقَتْ وَاحِدَةٌ، وَالْبَيَانُ إلَيْهِ. وَإِنْ طَلَّقَ إحْدَاهُمَا بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا وَمَضَتْ عِدَّتُهَا ثُمَّ وُجِدَ الشَّرْطُ تَعَيَّنَتْ الْأُخْرَى لِلطَّلَاقِ، وَإِنْ كَانَ لَمْ تَنْقَضِ الْعِدَّةُ فَالْبَيَانُ إلَيْهِ اهـ. وَفِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِي: عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَلَهُ امْرَأَةٌ مَعْرُوفَةٌ فَقَالَ لِي امْرَأَةٌ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: لِأَنَّ التَّعْرِيفَ لَا يَحْصُلُ بِالتَّسْمِيَةِ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَفِي بَعْضِهَا بِالنِّسْبَةِ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 273 أُخْرَى، وَالدَّيْنُ لَهَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ، وَلَوْ قَالَ: امْرَأَتِي طَالِقٌ وَلَهَا عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَالطَّلَاقُ، وَالدَّيْنُ لِلْمَعْرُوفَةِ وَلَا يُصَدَّقُ فِي الصَّرْفِ إلَى غَيْرِهَا وَكَذَا لَوْ بَدَأَ بِالْمَالِ فَقَالَ لِامْرَأَتِي عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَهِيَ طَالِقٌ وَلَوْ قَالَ امْرَأَتِي طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ لِامْرَأَتِي عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ ثُمَّ قَالَ لِي امْرَأَةٌ أُخْرَى وَإِيَّاهَا عَنَيْت صُدِّقَ فِي الْمَالِ وَلَا يُصَدَّقُ فِي الطَّلَاقِ، وَلَوْ كَانَ لَهُ امْرَأَتَانِ لَمْ يَدْخُلْ بِهِمَا فَقَالَ امْرَأَتِي طَالِقٌ امْرَأَتِي طَالِقٌ ثَانِيًا فَإِنْ قَالَ أَرَدْت وَاحِدَةً مِنْهُمَا لَا يُقْبَلُ وَكَذَا لَوْ قَالَ امْرَأَتِي طَالِقٌ وَامْرَأَتِي طَالِقٌ ثَانِيًا وَكَذَلِكَ الْعِتْقُ وَلَوْ كَانَ دَخَلَ بِهِمَا فَقَالَ امْرَأَتِي طَالِقٌ امْرَأَتِي طَالِقٌ كَانَ لَهُ أَنْ يُوقِعَ الطَّلَاقَيْنِ عَلَى إحْدَاهُمَا اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ فُلَانَةُ طَالِقٌ وَلَمْ يُسَمِّ بِاسْمِهَا إنْ نَوَى امْرَأَتَهُ يَقَعُ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّ فُلَانَةَ اسْمٌ مُشْتَرَكٌ يَتَنَاوَلُ امْرَأَتَهُ، وَالْأَجْنَبِيَّةَ وَأَطْلَقَ اللَّامَ فِي طَالِقٍ فَشَمِلَ مَا إذَا فَتَحَهَا فَإِنَّهُ يَقَعُ لِأَنَّهُ مِمَّا يَجْرِي عَلَى لِسَانِ النَّاسِ خُصُوصًا فِي الْغَضَبِ، وَالْخُصُومَةِ فَلَوْ كَانَ تُرْكِيًّا وَقَالَ أَرَدْت بِهِ الطِّحَالَ، وَفِي التُّرْكِيَّةِ: يُقَالُ لِلطِّحَالِ طَالِقٌ لَا يَصْدُقُ قَضَاءً كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ. وَلَوْ حَذَفَ الْقَافَ مِنْ طَالِقٍ فَقَالَ أَنْت طَالَ فَإِنْ كَسَرَ اللَّامَ وَقَعَ بِلَا نِيَّةٍ وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ فِي مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ، وَالْغَضَبِ فَكَذَلِكَ وَإِلَّا تَوَقَّفَ عَلَى النِّيَّةِ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَفِي الْجَوْهَرَةِ لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالَ لَمْ يَقَعْ إلَّا بِالنِّيَّةِ إلَّا فِي حَالِ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ أَوْ الْغَضَبِ وَلَوْ قَالَ يَا طَالِ بِكَسْرِ اللَّامِ وَقَعَ الطَّلَاقُ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ اهـ. وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَإِنْ حَذَفَ اللَّامَ فَقَطْ فَقَالَ أَنْتِ طَاقَ لَا يَقَعُ، وَإِنْ نَوَى وَلَوْ حَذَفَ اللَّامَ، وَالْقَافَ بِأَنْ قَالَ أَنْتِ طَا وَسَكَتَ أَوْ أَخَذَ إنْسَانٌ فَمَه لَا يَقَعُ، وَإِنْ نَوَى لِأَنَّ الْعَادَةَ مَا جَرَتْ بِحَذْفِ حَرْفَيْنِ مِنْ آخِرِ الْكَلَامِ وَأَطْلَقَ فِي طَالِقٍ وَمُطَلَّقَةٌ فَشَمِلَ مَا إذَا سَمَّاهَا بِهِ فَإِنَّهُ يَقَعُ بِخِلَافِ مَا إذَا سَمَّاهُ حُرٌّ أَوْ نَادَاهُ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْحُرَّ اسْمٌ صَالِحٌ فَصَحَّتْ التَّسْمِيَةُ بِهِ وَهُوَ اسْمٌ لِبَعْضِ النَّاسِ وَأَمَّا الْمُطَلَّقَةُ، وَالطَّالِقُ فَلَيْسَ اسْمًا صَالِحًا فَلَا تَصِحُّ التَّسْمِيَةُ كَذَا ذَكَرَ الْمَحْبُوبِيُّ فِي التَّلْقِيحِ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَالْمُعْتَمَدُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ عَدَمِ الْفَرْقِ وَاعْتَمَدَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَرُوِيَ فِيهِ أَثَرًا عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَتْ الْمَرْأَةُ أَنَا طَالِقٌ فَقَالَ الزَّوْجُ نَعَمْ كَانَتْ طَالِقًا إنْ نَوَى بِهِ طَلَاقًا مُسْتَقْبَلًا، وَإِنْ نَوَى بِهِ الْخَبَرَ عَمَّا مَضَى وَقَعَ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ قَالَتْ لَهُ أَنَا طَالِقٌ فَقَالَ نَعَمْ طَلُقَتْ وَلَوْ قَالَتْ طَلِّقْنِي فَقَالَ نَعَمْ لَا، وَإِنْ نَوَى اهـ. وَلَوْ قَالَ لِآخَرَ هَلْ: امْرَأَتُك إلَّا طَالِقٌ فَقَالَ الزَّوْجُ لَا: تَطْلُقُ وَلَوْ قَالَ نَعَمْ لَا تَطْلُقُ لِأَنَّ فِي الْأَوَّلِ صَارَ قَائِلًا لَيْسَ امْرَأَتِي إلَّا طَالِقٌ، وَفِي الثَّانِي صَارَ قَائِلًا نَعَمْ امْرَأَتِي غَيْرُ طَالِقٍ اهـ. وَكَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ قِيلَ لَهُ أَلَسْت طَلَّقْتهَا فَقَالَ بَلَى طَلَّقْت وَلَوْ قَالَ نَعَمْ لَا تَطْلُقُ وَاَلَّذِي يَنْبَغِي عَدَمُ الْفَرْقِ فَإِنَّ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَلَمْ يُسَمِّ بِاسْمِهَا) أَيْ بِأَنْ ذَكَرَ لَفْظَ فُلَانَةَ الْمُكَنِّي بِهِ عَنْ الْعَلَمِ لَا الِاسْمِ الْعَلَمِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ التَّعْلِيلُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَلَوْ حَذَفَ الْقَافَ مِنْ طَالِقٍ. . . إلَخْ) وَجْهُ الْوُقُوعِ بِأَنَّهُ تَرْخِيمٌ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَهُوَ غَلَطٌ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ اخْتِيَارًا فِي النِّدَاءِ، وَفِي غَيْرِهِ اضْطِرَارًا فِي الشِّعْرِ قَالَ فِي النَّهْرِ وَأَقُولُ: التَّرْخِيمُ لُغَةً يُقَالُ عَلَى مُطْلَقِ الْحَذْفِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْجَوْهَرِيِّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا اهـ. فَتَأَمَّلْهُ قُلْت، وَفِي كِنَايَاتِ الْفَتْحِ، وَالْوَجْهُ إطْلَاقُ التَّوَقُّفِ عَلَى النِّيَّةِ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ بِلَا قَافٍ لَيْسَ صَرِيحًا بِالِاتِّفَاقِ لِعَدَمِ غَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَلَا التَّرْخِيمُ لُغَةً جَائِزٌ فِي غَيْرِ النِّدَاءِ فَانْتَفَى لُغَةً وَعُرْفًا فَيُصَدَّقُ قَضَاءً مَعَ الْيَمِينِ هَذَا فِي حَالَةِ الرِّضَا وَعَدَمِ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ أَمَّا فِي أَحَدِهِمَا فَيَقَعُ قَضَاءً أَسْكَنَهَا أَوْ لَا، وَفِيهِ أَيْضًا النَّظَرُ الْمَذْكُورُ لِأَنَّهُ إيقَاعٌ بِلَا لَفْظٍ لَهُ وَلَا لِأَعَمَّ مِنْهُ لِيَكُونَ كِنَايَةً لَيْسَ بِمَجَازٍ فِيهِ وَهَذَا الْبَحْثُ يُوجِبُ أَنْ لَا يَقَعَ بِهِ أَصْلًا، وَإِنْ نَوَى وَمِثْلُ هَذَا الْبَحْثِ يَجْرِي فِي التَّطْلِيقِ بِالتَّهَجِّي كَأَنْتِ ط ل ق لِأَنَّهُ لَيْسَ طَلَاقًا وَلَا كِنَايَةً لِأَنَّ مَوْضُوعَهَا يَحْتَمِلُ أَشْيَاءَ وَأَوْضَاعُ هَذِهِ الْمُسَمَّيَاتِ هِيَ حُرُوفٌ وَلِذَا لَوْ قَرَأَ آيَةَ السَّجْدَةِ تَهَجِّيًا لَا يَجِبُ السُّجُودُ لِأَنَّهُ لَيْسَ قُرْآنًا وَلَا مُخَلِّصَ إلَّا بِعَدَمِ اشْتِرَاطِ غَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ فِي الصَّرِيحِ، وَالِاكْتِفَاءِ فِيهِ بِكَوْنِ اللَّفْظِ دَالًّا عَلَيْهِ وَضْعًا أَوْ عُرْفًا وَحِينَئِذٍ يَقَعُ بِالتَّهَجِّي فِي الْقَضَاءِ وَلَوْ ادَّعَى عَدَمَ النِّيَّةِ وَكَذَا بِطَالٍ بِلَا قَافٍ اهـ. (قَوْلُهُ:، وَالْمُعْتَمَدُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ عِبَارَةُ الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ سَمَّى امْرَأَتَهُ مُطَلَّقَةً قَالَ سَمَّيْتُك مُطَلَّقَةً لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا لَا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا فِي الْقَضَاءِ، وَفِيهَا مِنْ الْعَتَاقِ رَجُلٌ أَشْهَدَ أَنَّ اسْمَ عَبْدِهِ حُرٌّ دَعَاهُ بِالْحُرِّ لَا يَعْتِقُ اهـ. وَنَقَلَهُ عَنْهَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَقَوْلُهُ: وَاعْتَمَدَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إلَى آخِرِ عِبَارَتِهِ وَيَنْبَغِي عَلَى قِيَاسِ مَا فِي الْعِتْقِ لَوْ سَمَّاهَا طَالِقًا ثُمَّ نَادَاهَا بِهِ لَا تَطْلُقُ. وَقَدْ رَوَى وَكِيعٌ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ خَيْثَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ لِزَوْجِهَا سَمِّنِي فَسَمَّاهَا الطَّيِّبَةَ، فَقَالَتْ مَا قُلْت شَيْئًا، فَقَالَ هَاتِ مَا أُسَمِّيك بِهِ فَقَالَتْ سَمِّنِي خَلِيَّةً طَالِقًا قَالَ فَأَنْتِ خَلِيَّةٌ طَالِقٌ فَجَاءَتْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَقَالَتْ إنَّ زَوْجِي طَلَّقَنِي فَجَاءَ زَوْجُهَا فَقَصَّ الْقِصَّةَ فَأَوْجَعَ عُمَرُ رَأْسَهَا، وَقَالَ خُذْ بِيَدِهَا وَأَوْجِعْ رَأْسَهَا اهـ. وَذَكَرَ هَذَا الشَّارِحُ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْفَرْقِ هُنَا فِي كِتَابِ الْإِعْتَاقِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَهَذَا ابْنِي أَوْ أَبِي فَرَاجِعْهُ إنْ شِئْت. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 274 أَهْلَ الْعُرْفِ لَا يُفَرِّقُونَ بَلْ يَفْهَمُونَ مِنْهُمَا إيجَابَ الْمَنْفِيِّ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. قَوْلُهُ: (وَتَقَعُ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً، وَإِنْ نَوَى الْأَكْثَرَ أَوْ الْإِبَانَةَ أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا) بَيَانٌ لِأَحْكَامِ الصَّرِيحِ وَهِيَ ثَلَاثَةٌ الْأَوَّلُ وُقُوعُ الرَّجْعِيِّ بِهِ وَلَا تَصِحُّ نِيَّةُ الْإِبَانَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} [البقرة: 228] بَعْدَ صَرِيحِ طَلَاقِهِ الْمُفَادِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ} [البقرة: 228] فَعُلِمَ أَنَّ الصَّرِيحَ يَسْتَعْقِبُهَا لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبُعُولَةِ فِي الْآيَةِ الْمُطَلِّقُونَ صَرِيحًا حَقِيقَةً كَانَ أَوْ مَجَازًا غَيْرُ مُتَوَقِّفٍ عَلَى إثْبَاتِ كَوْنِ الْمُطَلِّقِ طَلَاقًا رَجْعِيًّا بَعْلًا حَقِيقَةً وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا قَوْله تَعَالَى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] فَإِنَّهُ أَعْقَبَهُ الرَّجْعَةَ الَّتِي هِيَ الْمُرَادُ بِالْإِمْسَاكِ، وَفِي الصَّيْرَفِيَّةِ: لَوْ قَالَ لَهَا أَنْت طَالِقٌ وَلَا رَجْعَةَ لِي عَلَيْك فَرَجْعِيَّةٌ وَلَوْ قَالَ عَلَى أَنْ لَا رَجْعَةَ لِي عَلَيْك فَبَائِنٌ اهـ. أَطْلَقَ وُقُوعَ الرَّجْعِيِّ بِهِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ عِنْدَ تَسْمِيَةِ مَالٍ أَوْ فِي مُقَابَلَةِ إبْرَاءٍ أَوْ عِنْدَ وَصْفِهِ بِمَا يُنْبِئُ عَنْ الشِّدَّةِ أَوْ عِنْدَ تَقَدُّمِ طَلَاقٍ بَائِنٍ لَيْسَ مِنْهُ فَلَا حَاجَةَ إلَى الِاحْتِرَازِ عَنْهُ بِشَيْءٍ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الصَّرِيحِ فَالْمُرَادُ عِنْدَ عَدَمِ الْعَارِضِ، وَفِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ الْبَيْنُونَةُ لِلْعَارِضِ وَاخْتَارَ الْأَوَّلَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَاخْتَارَ الثَّانِي فِي الْبَدَائِعِ مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ فَقَالَ: الصَّرِيحُ نَوْعَانِ صَرِيحٌ رَجْعِيٌّ وَصَرِيحٌ بَائِنٌ فَالصَّرِيحُ الرَّجْعِيُّ أَنْ يَكُونَ الطَّلَاقُ بَعْدَ الدُّخُولِ حَقِيقَةً لَيْسَ مَقْرُونًا بِعِوَضٍ وَلَا بِعَدَدِ الثَّلَاثِ لَا نَصًّا وَلَا إشَارَةً وَلَا مَوْصُوفًا بِصِفَةٍ تُنْبِئُ عَنْ الْبَيْنُونَةِ أَوْ تَدُلُّ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ حَرْفِ الْعَطْفِ وَلَا مُشَبَّهٍ بِعَدَدٍ أَوْ صِفَةٍ تَدُلُّ عَلَيْهَا وَأَمَّا الصَّرِيحُ الْبَائِنُ فَبِخِلَافِهِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ بِحُرُوفِ الْإِبَانَةِ أَوْ بِحُرُوفِ الطَّلَاقِ لَكِنْ قَبْلَ الدُّخُولِ حَقِيقَةً أَوْ بَعْدَهُ لَكِنْ مَقْرُونًا بِعَدَدِ الثَّلَاثِ نَصًّا أَوْ إشَارَةً أَوْ مَوْصُوفًا بِصِفَةٍ تُنْبِئُ عَنْ الْبَيْنُونَةِ أَوْ تَدُلُّ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ حَرْفِ الْعَطْفِ أَوْ مُشَبَّهًا بِعَدَدٍ أَوْ صِفَةٍ تَدُلُّ عَلَيْهَا اهـ. وَهُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّ حَدَّ الصَّرِيحِ يَشْمَلُ الْكُلَّ وَأَمَّا عَدَمُ صِحَّةِ نِيَّةِ الْإِبَانَةِ فَلِأَنَّهُ نَوَى تَغْيِيرَ الشَّرْعِ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَثْبَتَ الْبَيْنُونَةَ بِهَذَا اللَّفْظِ مُؤَجَّلًا إلَى مَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَإِذَا نَوَى إثْبَاتَهَا لِلْحَالِ مُعَجَّلًا فَقَدْ نَوَى تَغْيِيرَ الشَّرْعِ وَلَيْسَ لَهُ هَذِهِ الْوِلَايَةُ فَبَطَلَتْ نِيَّتُهُ الثَّانِي وُقُوعُ الْوَاحِدَةِ بِهِ وَلَا تَصِحُّ نِيَّةُ الْأَكْثَرِ ثِنْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا وَقَالَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ: يَقَعُ مَا نَوَى وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ نَوَى مُحْتَمَلَ لَفْظِهِ لِأَنَّ ذِكْرَ الطَّلَاقِ ذِكْرٌ لِلطَّلَاقِ الْمَصْدَرِ لِأَنَّ الْوَصْفَ كَالْفِعْلِ جُزْءٌ مَفْهُومُهُ الْمَصْدَرُ وَهُوَ يَحْتَمِلُهُ اتِّفَاقًا وَلِذَا صَحَّ قِرَانُ الْعَدَدِ بِهِ تَفْسِيرًا حَتَّى يُنْصَبَ عَلَى التَّمْيِيزِ وَحَاصِلُ التَّمْيِيزِ لَيْسَ إلَّا تَعْيِينُ أَحَدِ مُحْتَمَلَاتِ اللَّفْظِ وَلِذَا صَحَّتْ نِيَّةُ الثَّلَاثِ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ بَائِنٌ وَهُوَ كِنَايَةٌ فَفِي الصَّرِيحِ الْأَقْوَى أَوْلَى وَلَنَا أَنَّ الشَّارِعَ نَقَلَهُ مِنْ الْإِخْبَارِ إلَى إنْشَاءِ الْوَاحِدَةِ إذْ لَا يُفْهَمُ مِنْ أَنْتِ طَالِقٌ قَطُّ لَازِمُ الْإِخْبَارِ وَهُوَ احْتِمَالُ الصِّدْقِ، وَالْكَذِبِ فَجَعَلَهُ مُوقَعًا بِهِ مَا شَاءَ اسْتِعْمَالًا فِي غَيْرِ الْمَنْقُولِ إلَيْهِ وَمُلَاحَظَةَ مَا يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِالْمَصْدَرِ إنَّمَا يَتَفَرَّعُ عَنْ إرَادَةِ الِاسْتِعْمَالِ اللُّغَوِيِّ وَنَقْلُهُ إلَى الْإِنْشَاءِ يُبَايِنُهُ لِأَنَّهُ جَعَلَ اللَّفْظَ عِلَّةً لِدُخُولِ الْمَعْنَى الْخَاصِّ فِي الْوُجُودِ الْمُخَالِفِ لِمُقْتَضَاهُ لُغَةً عَلَى أَنَّ الْمَصْدَرَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ هُوَ الِانْطِلَاقُ الَّذِي هُوَ وَصْفُهَا وَذَلِكَ لَا يَتَعَدَّدُ أَصْلًا وَبِهَذَا يَظْهَرُ عَدَمُ صِحَّةِ إرَادَةِ الثَّلَاثِ فِي مُطَلَّقَةٍ وَطَلَّقْتُك لِأَنَّهُ صَارَ إنْشَاءً فِي الْوَاحِدَةِ غَيْرَ مُلَاحَظٍ فِيهِ مَعْنَى اللُّغَةِ وَعَلَى هَذَا فَالْعَدَدُ نَحْوُ ثَلَاثًا لَا يَكُونُ صِفَةً لِمَصْدَرِ الْوَصْفِ بَلْ لِمَصْدَرِ غَيْرِهِ أَيْ طَلَاقًا أَيْ تَطْلِيقًا ثَلَاثًا كَمَا يُنْصَبُ فِي الْفِعْلِ مَصْدَرُ غَيْرِهِ مِثْلُ: {أَنْبَتَكُمْ مِنَ الأَرْضِ نَبَاتًا} [نوح: 17] أَوْ يُضْمَرُ لَهُ فِعْلٌ عَلَى الْخِلَافِ فِيهِ بِخِلَافِ طَلَّقْتهَا وَطَلِّقِي نَفْسَك. لِأَنَّ الْمَصْدَرَ الْمُحْتَمِلَ لِلْكُلِّ مَذْكُورٌ لُغَةً فَصَحَّ إرَادَتُهُ مِنْهُ لِأَنَّهُ لَا نَقْلَ فِيهِ إلَى إيقَاعِ وَاحِدَةٍ، وَفِيهِ أَبْحَاثٌ مَذْكُورَةٌ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَإِنَّمَا صَحَّتْ نِيَّةُ الثَّلَاثِ فِي الْكِنَايَاتِ لِأَنَّهَا عَامِلَةٌ بِحَقَائِقِهَا وَهِيَ مُتَنَوِّعَةٌ إلَى غَلِيظَةٍ وَخَفِيفَةٍ فَعِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ يَثْبُتُ الْأَخَفُّ لِلتَّيَقُّنِ بِهِ قَيَّدَ بِالنِّيَّةِ لِأَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ وَاحِدَةً ثُمَّ قَالَ جَعَلْت تِلْكَ التَّطْلِيقَةَ بَائِنَةً أَوْ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ عَلَى أَنْ لَا رَجْعَةَ لِي عَلَيْك فَبَائِنٌ) سَيَأْتِي لِلْمُؤَلِّفِ تَحْقِيقُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَأَنَّ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ قُبَيْلَ فَصْلِ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ (قَوْلُهُ: لَيْسَ مِنْهُ) خَبَرُ إنَّ، وَالضَّمِيرُ يَعُودُ عَلَى الصَّرِيحِ (قَوْلُهُ: فَالْمُرَادُ عِنْدَ عَدَمِ الْعَارِضِ) أَيْ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ مَا ذَكَرَ مِنْ الصَّرِيحِ فَالْمُرَادُ بِالصَّرِيحِ الْوَاقِعِ بِهِ الرَّجْعِيَّةُ مَا لَمْ يَعْرِضْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ تَسْمِيَةِ مَالٍ وَنَحْوِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 275 جَعَلْتهَا ثَلَاثًا اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ تَصِيرُ بَائِنًا وَثَلَاثًا وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لَا تَصِيرُ بَائِنًا وَلَا ثَلَاثًا وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يَصِحُّ جَعْلُهَا بَائِنًا وَلَا يَصِحُّ جَعْلُهَا ثَلَاثًا وَلَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ بَعْدَ الدُّخُولِ وَاحِدَةً ثُمَّ قَالَ بَعْدَ الْعِدَّةِ أَلْزَمْت امْرَأَتِي ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ بِتِلْكَ التَّطْلِيقَةِ أَوْ قَالَ أَلْزَمْتهَا تَطْلِيقَتَيْنِ بِتِلْكَ التَّطْلِيقَةِ فَهُوَ عَلَى مَا قَالَ إنْ أَلْزَمَهَا ثَلَاثًا فَهِيَ ثَلَاثٌ، وَإِنْ قَالَ أَلْزَمَهَا تَطْلِيقَتَيْنِ فَهِيَ ثِنْتَانِ وَلَوْ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً ثُمَّ رَاجَعَهَا ثُمَّ قَالَ جَعَلْت تِلْكَ التَّطْلِيقَةَ بَائِنَةً لَا تَصِيرُ بَائِنَةً لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إبْطَالَ الرَّجْعَةِ وَلَوْ قَالَ لَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ إذَا طَلَّقْتُك وَاحِدَةً فَهِيَ بَائِنٌ أَوْ هِيَ ثَلَاثٌ فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً فَإِنَّهُ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ وَلَا يَكُونُ بَائِنًا وَلَا ثَلَاثًا لِأَنَّهُ قَدَّمَ الْقَوْلَ قَبْلَ نُزُولِ الطَّلَاقِ. وَلَوْ قَالَ لَهَا إذَا دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْت طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ جَعَلْت هَذِهِ التَّطْلِيقَةَ بَائِنًا أَوْ قَالَ جَعَلْتهَا ثَلَاثًا قَالَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ قَبْلَ دُخُولِ الدَّارِ لَا تَلْزَمُهُ هَذِهِ الْمَقَالَةُ لِأَنَّ التَّطْلِيقَةَ لَمْ تَقَعْ عَلَيْهَا كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَفِي التَّتِمَّةِ: لَوْ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً ثُمَّ قَالَ جَعَلْتهَا بَائِنَةً رَأْسَ الشَّهْرِ قَالَ إنْ لَمْ يُرَاجِعْهَا فَهِيَ بَائِنٌ، وَإِنْ رَاجَعَهَا فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ لَا يَكُونُ بَائِنًا وَلَوْ طَلَّقَهَا رَجْعِيَّةً ثُمَّ قَالَ جَعَلْتهَا ثَلَاثًا رَأْسَ الشَّهْرِ ثُمَّ رَاجَعَهَا قَالَ تَكُونُ رَأْسَ الشَّهْرِ ثَلَاثًا قَالَ وَلَيْسَ يُشْبِهُ قَوْلُهُ: جَعَلْتهَا بَائِنًا قَوْلَهُ جَعَلْتهَا ثَلَاثًا اهـ. أَمَّا قَوْلُ مُحَمَّدٍ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ فَإِنَّ الرَّجْعِيَّةَ تَصِيرُ بَائِنَةً بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَأَمَّا الْوَاحِدَةُ فَلَا تَصِيرُ ثَلَاثًا وَأَمَّا قَوْلُ الْإِمَامِ فَلِأَنَّهُ يَمْلِكُ إيقَاعَهَا بَائِنَةً مِنْ الِابْتِدَاءِ فَيَمْلِكُ إلْحَاقَهَا بِالْبَائِنَةِ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ إنْشَاءَ الْإِبَانَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَمَا كَانَ يَمْلِكُهَا فِي الِابْتِدَاءِ وَمَعْنَى جَعْلِ الْوَاحِدَةِ ثَلَاثًا أَنَّهُ أَلْحَقَ بِهَا تَطْلِيقَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ لَا أَنَّهُ جَعَلَ الْوَاحِدَةَ ثَلَاثًا كَذَا فِي الْبَدَائِعِ، وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ وَقَعَتْ بَائِنَةً إلَّا إذَا نَوَى تَطْلِيقَةً أُخْرَى سِوَى قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ فَهُمَا بَائِنَتَانِ اهـ. الثَّالِثُ عَدَمُ تَوَقُّفِهِ عَلَى النِّيَّةِ وَنَقَلَ فِيهِ إجْمَاعَ الْفُقَهَاءِ وَلِأَنَّ احْتِمَالَ إرَادَةِ الطَّلَاقِ عَنْ غَيْرِ قَيْدِ النِّكَاحِ احْتِمَالٌ بَعِيدٌ عِنْدَ خِطَابِ الْمَرْأَةِ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ فَصَارَ اللَّفْظُ بِمَنْزِلَةِ الْمَعْنَى، وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - حَيْثُ أَمَرَهُ بِالْمُرَاجَعَةِ وَلَمْ يَسْأَلْهُ أَنَوَى أَمْ لَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّ تَرْكَ الِاسْتِفْصَالِ فِي وَقَائِعِ الْأَحْوَالِ كَالْعُمُومِ فِي الْمَقَالِ وَعَدَلَ الْمُصَنِّفُ عَنْ قَوْلِهِ، وَإِنْ نَوَى غَيْرَهُ لِيُفِيدَ أَنَّهُ لَوْ نَوَى غَيْرَهُ صُدِّقَ وَلِذَا قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ ثُمَّ قَوْلُنَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى النِّيَّةِ مَعْنَاهُ إذَا لَمْ يَنْوِ شَيْئًا أَصْلًا يَقَعُ لَا أَنَّهُ يَقَعُ، وَإِنْ نَوَى شَيْئًا آخَرَ لِمَا ذُكِرَ أَنَّهُ إذَا نَوَى الطَّلَاقَ عَنْ وِثَاقٍ صُدِّقَ إلَى آخِرِهِ اهـ. وَحَاصِلُ مَا ذَكَرُوهُ هُنَا ثَلَاثَةُ أَلْفَاظٍ الْوِثَاقُ، وَالْقَيْدُ، وَالْعَمَلُ وَكُلٌّ مِنْهُمَا إمَّا أَنْ يُذْكَرَ أَوْ يُنْوَى فَإِنْ ذُكِرَ فَإِمَّا أَنْ يُقْرَنَ بِالْعَدَدِ أَوْ لَا فَإِنْ قُرِنَ بِالْعَدَدِ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ وَيَقَعُ الطَّلَاقُ بِلَا نِيَّةٍ كَمَا لَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا مِنْ هَذَا الْقَيْدِ تَطْلُقُ ثَلَاثًا وَلَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ. وَإِنْ لَمْ يَقْرِنْ بِالْعَدَدِ وَقَعَ فِي ذِكْرِ الْعَمَلِ قَضَاءً لَا دِيَانَةً نَحْوُ أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ هَذَا الْعَمَلِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَغَيْرِهَا وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ: عَلَيَّ الطَّلَاقُ مِنْ ذِرَاعِي لَا أَفْعَلُ كَذَا كَمَا يَحْلِفُ بِهِ بَعْضُ الْعَوَامّ أَنَّهُ يَقَعُ قَضَاءً بِالْأُولَى، وَفِي لَفْظَيْ الْوِثَاقِ، وَالْقَيْدِ لَا يَقَعُ أَصْلًا، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ وَإِنَّمَا نَوَاهَا لَا يُدَيَّنُ فِي لَفْظِ الْعَمَلِ أَصْلًا وَيُدَيَّنُ فِي الْوِثَاقِ، وَالْقَيْدِ وَيَقَعُ قَضَاءً إلَّا أَنْ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: أَمَّا قَوْلُ مُحَمَّدٍ فَظَاهِرٌ) قَالَ الرَّمْلِيُّ هَذَا بَيَانٌ لِمَا قَدَّمَهُ مِنْ قَوْلِهِ: وَالصَّحِيحُ أَنَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ تَصِيرُ بَائِنًا وَثَلَاثًا (قَوْلُهُ: وَعَدَلَ الْمُصَنِّفُ عَنْ قَوْلِهِ، وَإِنْ نَوَى غَيْرَهُ. . . إلَخْ) يَعْنِي إنَّمَا قَالَ: وَإِنْ نَوَى الْأَكْثَرَ أَوْ الْإِبَانَةَ أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا وَعَدَلَ عَنْ أَنْ يَقُولَ بَدَلَهُ، وَإِنْ نَوَى غَيْرَهُ مَعَ أَنَّهُ أَخْصَرُ لِاقْتِضَائِهِ وُقُوعَ الرَّجْعِيَّةِ فِيمَا لَوْ نَوَى الطَّلَاقَ عَنْ وِثَاقٍ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ عَلَيَّ الطَّلَاقُ مِنْ ذِرَاعِي. . . إلَخْ) . قَالَ الرَّمْلِيُّ فِي حَوَاشِي الْمِنَحِ وَعِنْدِي أَنَّهُ لَا يَدُلُّ لَا بِالْأَوْلَوِيَّةِ وَلَا بِالْمُسَاوَاةِ لِأَنَّ فَرْعَ الْبَزَّازِيِّ مَصْدَرٌ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَهُوَ مُعَيِّنٌ لَهَا بِخِلَافِ عَلَيَّ الطَّلَاقُ وَلِذَا لَوْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ كَمَا أَفْتَى بِهِ أَبُو السُّعُودِ الْعِمَادِيُّ مُعَلِّلًا بِأَنَّهُ لَيْسَ بِصَرِيحٍ وَلَا كِنَايَةٍ كَمَا يَأْتِي، وَالْقَائِلُ بِوُقُوعِهِ اعْتَمَدَ عَلَى تَعَارُفِ أَهْلِ دِيَارِهِ بِهِ عَلَى أَنَّ فِيهِ نَظَرًا ظَاهِرًا بِخِلَافِ الْأَوَّلِ، وَالْحَالِفُ بِهِ أَيْ بِقَوْلِهِ عَلَيَّ الطَّلَاقُ مِنْ ذِرَاعِي لَا يُرِيدُ الزَّوْجَةَ قَطْعًا إذْ عَادَةُ الْعَوَامّ الْإِعْرَاضُ بِهِ عَنْهَا خَشْيَةِ الْوُقُوعِ فَيَقُولُونَ تَارَةً عَلَيَّ الطَّلَاقُ مِنْ ذِرَاعِي وَتَارَةً مِنْ كشتواني وَتَارَةً مِنْ مُرُوءَتِي وَبَعْضُهُمْ يَزِيدُ بَعْدَ ذِكْرِهِ لِأَنَّ النِّسَاءَ لَا خَيْرَ فِيهِنَّ. وَالْوُقُوعُ بِهِ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِمْ لَوْ قَالَ: أَنَا مِنْك طَالِقٌ فَهُوَ لَغْوٌ، وَإِنْ نَوَى مُعَلِّلِينَ بِأَنَّ الطَّلَاقَ لِإِزَالَةِ الْمِلْكِ بِالنِّكَاحِ، وَالْقَيْدِ فَمَحَلُّ الطَّلَاقِ بِمَحَلِّهِمَا وَهِيَ مَحَلُّهُمَا دُونَ الرَّجُلِ فَالْإِضَافَةُ إلَيْهِ إضَافَةُ الطَّلَاقِ إلَى غَيْرِ مَحَلِّهِ وَإِلَى مَا نَصُّوا عَلَيْهِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَضَافَهُ إلَى مَضْمُونِهَا مِمَّا لَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْهَا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْفُرُوعِ فَكَيْفَ يَقَعُ بِالْإِضَافَةِ إلَى ذِرَاعِهِ أَوْ خَاتَمِهِ أَوْ مُرُوءَتِهِ وَهَذَا ظَاهِرٌ فَتَأَمَّلْ ثُمَّ اسْتَنَدَ إلَى مَا كَتَبْنَاهُ عَنْهُ فِي مَسْأَلَةِ الطَّلَاقِ يَلْزَمُنِي وَعَلَيَّ الطَّلَاقُ لَا أَفْعَلُ كَذَا ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَزِيدَ وَيَقُولَ عَلَيَّ الطَّلَاقُ ثَلَاثًا مِنْ ذِرَاعِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 276 يَكُونَ مُكْرَهًا، وَالْمَرْأَةُ كَالْقَاضِي إذَا سَمِعَتْهُ أَوْ أَخْبَرَهَا عَدْلٌ لَا يَحِلُّ لَهَا تَمْكِينُهُ هَكَذَا اقْتَصَرَ الشَّارِحُونَ وَذَكَرَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَذَكَرَ الْأُوزْجَنْدِيُّ أَنَّهَا تَرْفَعُ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا بَيِّنَةٌ يُحَلِّفُهُ فَإِنْ حَلَفَ فَالْإِثْمُ عَلَيْهِ اهـ. وَلَا فَرْقَ فِي الْبَائِنِ بَيْنَ الْوَاحِدَةِ، وَالثَّلَاثِ اهـ. وَهَلْ لَهَا أَنْ تَقْتُلَهُ إذَا أَرَادَ جِمَاعَهَا بَعْدَ عِلْمِهَا بِالْبَيْنُونَةِ فِيهِ قَوْلَانِ، وَالْفَتْوَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا أَنْ تَقْتُلَهُ وَعَلَى الْقَوْلِ بِقَتْلِهِ تَقْتُلُهُ بِالدَّوَاءِ فَإِنْ قَتَلَتْهُ بِالسِّلَاحِ وَجَبَ الْقِصَاصُ عَلَيْهَا وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَقْتُلَ نَفْسَهَا وَعَلَيْهَا أَنْ تَفْدِيَ نَفْسَهَا بِمَالٍ أَوْ تَهْرُبَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْتُلَهَا إذَا حَرُمَتْ عَلَيْهِ وَلَا يَقْدِرُ أَنْ يَتَخَلَّصَ مِنْهَا بِسَبَبِ أَنَّهُ كُلَّمَا هَرَبَ رَدَّتْهُ بِالسِّحْرِ الْكُلُّ فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ لِابْنِ الشِّحْنَةِ وَسَيَأْتِي فِي فَصْلِ مَا تَحِلُّ بِهِ الْمُطَلَّقَةُ أَنَّهُ هَلْ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بِغَيْرِهِ فِي غَيْبَتِهِ إذَا عَلِمَتْ بِالْبَيْنُونَةِ وَهُوَ يُنْكِرُ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: وَالْوَثَاقُ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِهَا الْقَيْدُ وَجَمْعُهُ وُثُقٌ كَرِبَاطٍ وَرُبُطٌ وَأَفَادَ بِعَدَمِ تَوَقُّفِهِ عَلَى النِّيَّةِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِمَعْنَاهُ فَلَوْ لَقَّنَتْهُ لَفْظَ الطَّلَاقِ فَتَلَفَّظَ بِهِ غَيْرَ عَالِمٍ بِمَعْنَاهُ وَقَعَ قَضَاءً لَا دِيَانَةً وَقَالَ مَشَايِخُ أُوزْجَنْدَ لَا يَقَعُ أَصْلًا صِيَانَةً لِأَمْلَاكِ النَّاسِ عَنْ الضَّيَاعِ بِالتَّلْبِيسِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَالْعَتَاقُ، وَالتَّدْبِيرُ. وَالْإِبْرَاءُ عَنْ الْمَهْرِ كَالطَّلَاقِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَالطَّلَاقُ وَمَا مَعَهُ يُقَاسُ عَلَى النِّكَاحِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ، وَالْإِبْرَاءِ لَا يَصِحَّانِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْمَعْنَى كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَأَفَادَ أَنَّ طَلَاقَ الْهَازِلِ، وَاللَّاعِبِ، وَالْمُخْطِئِ وَاقِعٌ كَمَا قَدَّمْنَاهُ لَكِنَّهُ فِي الْقَضَاءِ وَأَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَقَعُ عَلَى الْمُخْطِئِ وَمَا فِي الْخُلَاصَةِ مِنْ أَنَّ طَلَاقَ الْمُخْطِئِ وَاقِعٌ أَيْ فِي الْقَضَاءِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ قَالَ بَعْدَهُ: وَلَوْ كَانَ بِالْعَتَاقِ يُدَيَّنُ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَتَاقِ، وَالطَّلَاقِ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ الْإِمَامِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْمَنْذُورَ يَلْزَمُهُ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَوْ جَرَى عَلَى لِسَانِهِ الْكُفْرُ   [منحة الخالق] فَلِلْقَوْلِ بِوُقُوعِهِ وَجْهٌ لِأَنَّ ذِكْرَ الثَّلَاثِ يُعَيِّنُهُ فَتَأَمَّلْ وَارْجِعْ إلَى مَا عَلَّلُوا بِهِ يَظْهَرْ لَك ذَلِكَ، وَالْعِلَّةُ الَّتِي فِي عَلَيَّ الطَّلَاقُ تَقْتَضِي عَدَمَ الْوُقُوعِ تَأَمَّلْ وَنَقَلَ بَعْضُ الْمُحَشِّينَ نَحْوَ هَذَا عَنْ الْعَلَّامَةِ الْمَقْدِسِيَّ وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ أَنَّ إضَافَتَهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ إلَى غَيْرِ مَحَلِّهِ وَمَا نَظِيرُهُ إلَّا إذَا قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ أَوْ بَهِيمَةٍ أَنْتِ كَذَا قَالَ وَهُوَ وَجِيهٌ قُلْت إنْ كَانَ الْعُرْفُ كَمَا قَالَ الرَّمْلِيُّ مِنْ عَدَمِ قَصْدِ الزَّوْجَةِ فَيُحْتَمَلُ مَا قَالَهُ لِأَنَّ لَفْظَ الطَّلَاقِ مِنْ أَلْفَاظِ الصَّرِيحِ وَمَعْنَى عَلَيَّ الطَّلَاقُ أَنَّ الطَّلَاقَ عَلَيَّ وَاقِعٌ أَوْ لَازِمٌ أَوْ ثَابِتٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا يُنَاسِبُ وَلَيْسَ فِيهِ خِطَابُ امْرَأَتِهِ وَلَا إضَافَتُهُ إلَيْهَا فَهُوَ مِثْلُ مَا مَرَّ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ قَوْلِهِ لَا تَخْرُجِي إلَّا بِإِذْنِي فَإِنِّي حَلَفْت بِالطَّلَاقِ فَخَرَجَتْ لَا يَقَعُ لِعَدَمِ ذِكْرِ حَلِفِهِ بِطَلَاقِهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْعُرْفُ ذَلِكَ فَالْأَظْهَرُ الْوُقُوعُ لِأَنَّهُ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ إنْ فَعَلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ كَمَا مَرَّ عَنْ الْفَتْحِ فَقَوْلُهُ: بَعْدَهُ مِنْ ذِرَاعِي مِثْلُ قَوْلِهِ مِنْ هَذَا الْعَمَلِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: لَا يُدَيَّنُ فِي لَفْظِ الْعَمَلِ) قَالَ فِي الْفَتْحِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لِرَفْعِ الْقَيْدِ وَهِيَ لَيْسَتْ مُقَيَّدَةً بِالْعَمَلِ فَلَا يَكُونُ مُحْتَمَلَ اللَّفْظِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يُدَيَّنُ لِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ لِلتَّخَلُّصِ فَكَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ مُتَخَلِّصَةٌ عَنْ الْعَمَلِ وَعَلَّلَ وُقُوعَهُ أَيْضًا فِيمَا لَوْ ذَكَرَ الْعَدَدَ بِأَنَّهُ يَظُنُّ أَنَّهُ طَلَّقَ ثُمَّ وَصَلَ لَفْظَ الْعَمَلِ اسْتِدْرَاكًا بِخِلَافِ مَا لَوْ وَصَلَ لَفْظَ الْوِثَاقِ حَيْثُ يُصَدَّقُ قَضَاءً لِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِيهِ قَلِيلًا (قَوْلُهُ: وَقَالَ مَشَايِخُ أُوزْجَنْدَ لَا يَقَعُ أَصْلًا) قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَحُكِيَ عَنْ الْقَاضِي الْإِمَامِ مَحْمُودٍ الْأُوزْجَنْدِيِّ عَمَّنْ لَقَّنَتْهُ امْرَأَتُهُ طَلَاقًا فَطَلَّقَهَا وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِذَلِكَ قَالَ وَقَعَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بِأُوزَجَنْدَ فَشَاوَرْت أَصْحَابِي فِي ذَلِكَ وَاتَّفَقَتْ آرَاؤُنَا أَنَّهُ لَا يُفْتِي بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ صِيَانَةً لِأَمْلَاكِ النَّاسِ عَنْ الْإِبْطَالِ بِنَوْعِ تَلْبِيسٍ وَلَوْ لَقَّنَهَا أَنْ تَخْلَعَ نَفْسَهَا مِنْهُ بِمَهْرِهَا وَنَفَقَةِ عِدَّتِهَا وَاخْتَلَعَتْ وَخَالَعَهَا مِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ صَحَّ لَكِنْ مَا لَمْ يَقْبَلْ الزَّوْجُ لَا يَصِحُّ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا يَصِحُّ وَبِهِ يُفْتَى اهـ. وَقَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ لَقَّنَتْهُ الطَّلَاقَ بِالْعَرَبِيَّةِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَوْ الْعَتَاقَ أَوْ التَّدْبِيرَ أَوْ لَقَّنَهَا الزَّوْجُ الْإِبْرَاءَ عَنْ الْمَهْرِ وَنَفَقَةِ الْعِدَّةِ بِالْعَرَبِيِّ وَهِيَ لَا تَعْلَمُ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ لَا يَقَعُ دِيَانَةً. وَقَالَ مَشَايِخُ أُوزْجَنْدَ لَا يَقَعُ أَصْلًا صِيَانَةً لِأَمْلَاكِ النَّاسِ عَنْ الْإِبْطَالِ بِالتَّلْبِيسِ وَكَمَا إذَا بَاعَ أَوْ اشْتَرَى بِالْعَرَبِيِّ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ وَبَعْضٌ فَرَّقُوا بَيْنَ الْبَيْعِ، وَالشِّرَاءِ، وَالطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقِ، وَالْخُلْعِ، وَالْهِبَةِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ لِلرِّضَا أَثَرًا فِي وُجُودِ الْبَيْعِ لَا الطَّلَاقِ، وَالْهِبَةِ تَمَامُهَا بِالْقَبْضِ وَهُوَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالتَّسْلِيمِ وَكَذَا لَوْ لُقِّنَتْ الْخُلْعَ وَهِيَ لَا تَعْلَمُ قِيلَ يَصِحُّ الْخُلْعُ بِقَبُولِهَا، وَالْمُخْتَارُ مَا ذَكَرْنَا وَكَذَا لَوْ لَقَّنَ الْمَدْيُونُ الدَّائِنَ الْإِبْرَاءَ عَنْ الدَّيْنِ بِلِسَانٍ لَا يَعْرِفُهُ الدَّائِنُ لَا يُبَرَّأُ فِيمَا عَلَيْهِ الْفَتْوَى نَصَّ عَلَيْهِ فِي هِبَةِ النَّوَازِلِ اهـ. (قَوْلُهُ: يُقَاسُ عَلَى النِّكَاحِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ الَّذِي ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ يَقْتَضِي قِيَاسَ النِّكَاحِ عَلَى الطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقِ لَا قِيَاسَهُمَا عَلَيْهِ فَإِنَّ عِبَارَتَهُ بَعْدَ الْكَلَامِ عَلَيْهِمَا وَإِذَا عُرِفَ الْجَوَابُ فِي الطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ فِي النِّكَاحِ كَذَلِكَ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ: فَلَا يَقَعُ عَلَى الْمُخْطِئِ) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّ طَلَاقَ الْهَازِلِ، وَاللَّاعِبِ وَاقِعٌ دِيَانَةً أَيْضًا كَمَا يَأْتِي قَرِيبًا وَتَقَدَّمَتْ الْمَسْأَلَةُ أَيْضًا عِنْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ وَلَوْ مُكْرَهًا وَمَرَّ مَا فِيهَا مِنْ الْمُخَالَفَةِ أَيْضًا بَيْنَ الْخَانِيَّةِ، وَالْبَزَّازِيَّةِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 277 مُخْطِئًا لَا يَكْفُرُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ أَيْضًا وَكَذَا إذَا تَلَفَّظَ بِهِ غَيْرُ عَالِمٍ بِمَعْنَاهُ وَإِنَّمَا يَقَعُ قَضَاءً فَقَطْ بِدَلِيلِ مَا فِي الْخُلَاصَةِ قَالَتْ لِزَوْجِهَا اقْرَأْ عَلَيَّ اعْتَدِّي أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا فَفَعَلَ طَلُقَتْ ثَلَاثًا فِي الْقَضَاءِ لَا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى إذَا لَمْ يَعْلَمْ الزَّوْجُ وَلَمْ يَنْوِ بِخِلَافِ الْهَازِلِ فَإِنَّهُ يَقَعُ عَلَيْهِ قَضَاءً وَدِيَانَةً لِأَنَّهُ مُكَابِرٌ بِاللَّفْظِ فَيَسْتَحِقُّ التَّغْلِيظَ وَمَا فِي الْخُلَاصَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْأَصْلِ لَهُ امْرَأَتَانِ زَيْنَبُ وَعَمْرَةُ فَقَالَ يَا زَيْنَبُ فَأَجَابَتْهُ عَمْرَةُ فَقَالَ أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا طَلُقَتْ الْمُجِيبَةُ فَلَوْ قَالَ نَوَيْت زَيْنَبَ طَلُقَتْ هَذِهِ بِالْإِشَارَةِ وَتِلْكَ بِالِاعْتِرَافِ اهـ. مَحْمُولٌ عَلَى الْقَضَاءِ أَمَّا فِي الدِّيَانَةِ فَلَا يَقَعُ عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا لِمَا فِي الْحَاوِي مَعْزِيًّا إلَى الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ أَسَدًا سُئِلَ عَمَّنْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ زَيْنَبُ طَالِقٌ فَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ عَمْرَةُ عَلَى أَيِّهِمَا يَقَعُ الطَّلَاقُ فَقَالَ فِي الْقَضَاءِ تَطْلُقُ الَّتِي سَمَّى، وَفِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لَا تَطْلُقُ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا أَمَّا الَّتِي سَمَّى فُلَانَةُ لَمْ يُرِدْهَا وَأَمَّا غَيْرُهَا فَلِأَنَّهَا لَوْ طَلُقَتْ طَلُقَتْ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَأَمَّا مَا رَوَى عَنْهُمَا نُصَيْرٌ مِنْ أَنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَكَلَّمَ فَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ الطَّلَاقُ يَقَعُ دِيَانَةً وَقَضَاءً فَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ قَوْلَهُمْ الصَّرِيحَ لَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ إنَّمَا هُوَ فِي الْقَضَاءِ أَمَّا فِي الدِّيَانَةِ فَمُحْتَاجٌ إلَيْهَا لَكِنَّ وُقُوعَهُ فِي الْقَضَاءِ بِلَا نِيَّةٍ إنَّمَا هُوَ بِشَرْطِ أَنْ يَقْصِدَهَا بِالْخِطَابِ بِدَلِيلِ مَا قَالُوا لَوْ كَرَّرَ مَسَائِلَ الطَّلَاقِ بِحَضْرَةِ زَوْجَتِهِ وَيَقُولُ أَنْتِ طَالِقٌ وَلَا يَنْوِي لَا تَطْلُقُ، وَفِي مُتَعَلِّمٍ يَكْتُبُ نَاقِلًا مِنْ كِتَابِ رَجُلٍ قَالَ ثُمَّ يَقِفُ وَيَكْتُبُ: امْرَأَتِي طَالِقٌ وَكُلَّمَا كَتَبَ قَرَنَ الْكِتَابَةَ بِاللَّفْظِ بِقَصْدِ الْحِكَايَةِ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ وَمَا فِي الْقُنْيَةِ: امْرَأَةٌ كَتَبَتْ أَنْت طَالِقٌ ثُمَّ قَالَتْ لِزَوْجِهَا: اقْرَأْ عَلَيَّ فَقَرَأَ لَا تَطْلُقُ اهـ. وَأَمَّا مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَا بُدَّ مِنْ الْقَصْدِ بِالْخِطَابِ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ عَالِمًا بِمَعْنَاهُ أَوْ النِّسْبَةِ إلَى الْغَائِبَةِ كَمَا يُفِيدُهُ فُرُوعٌ وَذِكْرُ مَا ذَكَرْنَاهُ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ شَرْطًا لِلْوُقُوعِ قَضَاءً وَدِيَانَةً فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِالْوُقُوعِ قَضَاءً فِيمَنْ سَبَقَ لِسَانُهُ، وَإِنْ كَانَ شَرْطًا لِلْوُقُوعِ دِيَانَةً لَا قَضَاءً فَكَذَلِكَ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي الْوُقُوعَ قَضَاءً فِيمَا لَوْ كَرَّرَ مَسَائِلَ الطَّلَاقِ بِحَضْرَتِهَا، وَفِي الْمُتَعَلِّمِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَالْحَقُّ مَا اقْتَصَرْنَا عَلَيْهِ، وَفِي الْقُنْيَةِ ظَنَّ أَنَّهُ وَقَعَ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ عَلَى امْرَأَتِهِ بِإِفْتَاءِ مَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِلْفَتْوَى وَكَلَّفَ الْحَاكِمُ كَتْبَهَا فِي الصَّكِّ فَكُتِبَتْ ثُمَّ اسْتَفْتَى مَنْ هُوَ أَهْلٌ لِلْفَتْوَى فَأَفْتَى بِأَنَّهَا لَا تَقَعُ، وَالتَّطْلِيقَاتُ مَكْتُوبَةٌ فِي الصَّكِّ بِالظَّنِّ فَلَهُ أَنْ يَعُودَ إلَيْهَا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَكِنْ لَا يُصَدَّقُ فِي الْحُكْمِ اهـ. وَهَذَا مِنْ بَابِ الْإِقْرَارِ بِالطَّلَاقِ كَاذِبًا وَقَدَّمْنَا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: أَمَّا فِي الدِّيَانَةِ فَلَا يَقَعُ عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا. . . إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ وُقُوعُهُ عَلَى الْمُجِيبَةِ قَضَاءً وَدِيَانَةً لِأَنَّهُ خَاطَبَهَا بِالطَّلَاقِ وَعَلَى زَيْنَبَ قَضَاءً فَقَطْ كَمَا هُوَ مُفَادُ تَعْلِيلِ الْأَصْلِ وَأَمَّا مَا فِي الْحَاوِي فَلَيْسَ فِيهِ إشَارَةٌ وَمُخَاطَبَةٌ بَلْ مُجَرَّدُ التَّسْمِيَةِ بِلَا قَصْدٍ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ قَوْلَهُمْ الصَّرِيحَ لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ إنَّمَا هُوَ فِي الْقَضَاءِ) هَذَا خَاصٌّ بِالْمُخْطِئِ أَمَّا الْهَازِلُ فَلَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا مُطْلَقًا وَمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ هُنَا تَبِعَ فِيهِ مَا حَقَّقَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهُوَ مَا حَقَّقَهُ أَيْضًا فِي التَّحْرِيرِ فَقَالَ ثُمَّ مِنْ ثُبُوتِ حُكْمِ الصَّرِيحِ بِلَا نِيَّةِ جَرَيَانُهُ عَلَى لِسَانِهِ غَلَطًا فِي نَحْوِ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَاسْقِنِي أَمَّا قَصْدُ الصَّرِيحِ مَعَ صَرْفِهِ بِالنِّيَّةِ إلَى مُحْتَمَلِهِ فَلَهُ ذَلِكَ دِيَانَةً كَقَصْدِ الطَّلَاقِ مِنْ وِثَاقٍ فَهِيَ زَوْجَتُهُ دِيَانَةً وَمُقْتَضَى النَّظَرِ ثُبُوتُ حُكْمِهِ بِلَا نِيَّةٍ فِي الْكُلِّ أَيْ الْغَلَطِ وَمَا قَصَدَ صَرْفَهُ بِالنِّيَّةِ إلَى مُحْتَمَلِهِ قَضَاءً فَقَطْ وَإِلَّا أَشْكَلَ بِعْت وَاشْتَرَيْت إذْ لَا يَثْبُتُ حُكْمُهُمَا فِي الْوَاقِعِ مَعَ الْهَزْلِ مَعَ أَنَّهُمَا صَرِيحٌ وَإِنَّمَا ثَبَتَ حُكْمُهُ مُطْلَقًا فِي الْهَزْلِ فِي نَحْوِ الطَّلَاقِ، وَالنِّكَاحِ لِخُصُوصِيَّةِ دَلِيلٍ وَهُوَ حَدِيثُ «ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ» وَهَذَا الدَّلِيلُ لَا يَنْفِي مَا قُلْنَا لِأَنَّ الْهَازِلَ رَاضٍ بِالسَّبَبِ لَا بِالْحُكْمِ، وَالْغَالِطُ غَيْرُ رَاضٍ بِهِمَا فَلَا يَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي حَقِّ الْأَوَّلِ ثُبُوتُهُ فِي حَقِّ الثَّانِي اهـ. مُوَضَّحًا مِنْ شَرْحِهِ لِابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ (قَوْلُهُ: بِدَلِيلِ مَا قَالُوا. . . إلَخْ) الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ مُسْتَدِلًّا بِهِ عَدِمَ الْفَسَادُ بِهِ فِي الدِّيَانَةِ دُونَ الْقَضَاءِ وَكَذَا مَا نَقَلَهُ عَنْ الْقُنْيَةِ يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا نَقَلَهُ سَابِقًا عَنْ الْخُلَاصَةِ مِنْ قَوْلِهِ قَالَتْ لِزَوْجِهَا اقْرَأْ عَلَيَّ. . . إلَخْ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ شَرْطًا. . . إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَقُولُ: هَذَا وَهْمٌ بَلْ هُوَ صَحِيحٌ وَذَلِكَ أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّهُ شَرْطٌ لِلْوُقُوعِ قَضَاءً وَدِيَانَةً فَخَرَجَ مَا لَا يَقَعُ بِهِ لَا قَضَاءً وَلَا دِيَانَةً كَمَنْ كَرَّرَ مَسَائِلَ الطَّلَاقِ وَمَا يَقَعُ بِهِ قَضَاءً فَقَطْ كَمَنْ سَبَقَ لِسَانُهُ وَبِهِ عُرِفَ أَنَّهُ لَا يَرِدُ عَلَيْهِ مَنْ سَبَقَ لِسَانُهُ لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ فِيهِ دِيَانَةً كَمَا أَفْصَحَ بِهِ فِي الْفَتْحِ فِي آخِرِ كَلَامِهِ حَيْثُ قَالَ: وَقَدْ يُشِيرُ إلَيْهِ أَيْ إلَى الْوُقُوعِ قَضَاءً فَقَطْ قَوْلُهُ: فِي الْخُلَاصَةِ بَعْدَ ذِكْرِ مَا لَوْ سَبَقَ لِسَانُهُ بِالطَّلَاقِ وَلَوْ كَانَ بِالْعَتَاقِ يُدَيَّنُ اهـ. يَعْنِي وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقِ وَبِهَذَا يَبْطُلُ قَوْلُهُ: فِي الْبَحْرِ إنَّ الْوُقُوعَ فِي الْقَضَاءِ بِشَرْطِ أَنْ يَقْصِدَ خِطَابَهَا لِظُهُورِ أَنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ اسْقِنِي فَسَبَقَ لِسَانُهُ بِالطَّلَاقِ لَمْ يَقْصِدْ خِطَابَهَا نَعَمْ الْهَازِلُ يَقَعُ عَلَيْهِ قَضَاءً وَدِيَانَةً لِأَنَّهُ مُكَابِرٌ فَاسْتَحَقَّ التَّغْلِيظَ اهـ. قُلْت وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَيْضًا لَوْ قَالَ امْرَأَتِي طَالِقٌ بَلْ كَثِيرٌ مِنْ أَمْثَالِهِ مِمَّا مَرَّ مَعَ أَنَّهُ لَا خِطَابَ فِيهَا أَصْلًا لَا بِأَصْلِ اللَّفْظِ وَلَا بِالطَّلَاقِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 278 أَنَّهُ يَقَعُ قَضَاءً لَا دِيَانَةً، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ قَالَ لَهَا مَا بَقِيَ لَك سِوَى طَلَاقٍ وَاحِدٍ فَطَلَّقَهَا وَاحِدًا لَا يُمْكِنُ لَهُ التَّزَوُّجُ بِهَا وَإِقْرَارُهُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ وَلَوْ قَالَ لَهَا بَقِيَ لَك طَلَاقٌ وَاحِدٌ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا كَانَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِهَا لِأَنَّ التَّخْصِيصَ بِالْوَاحِدِ لَا يَدُلُّ لَهُ عَلَى نَفْيِ بَقَاءِ الْآخَرِ لِأَنَّ النَّصَّ عَلَى الْعَدَدِ لَا يَنْفِي الزَّائِدَ كَمَا فِي أَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ اهـ. وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى إنَّمَا هُوَ فِي الْقَضَاءِ أَمَّا فِي الدِّيَانَةِ فَلَا يَقَعُ إلَّا مَا كَانَ أَوْقَعَهُ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ قَالَ أَنْت الطَّلَاقُ أَوْ أَنْت طَالِقٌ الطَّلَاقَ أَوْ أَنْت طَالِقٌ طَلَاقًا يَقَعُ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً بِلَا نِيَّةٍ أَوْ نَوَى وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ فَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ) بَيَانٌ لِمَا إذَا كَانَ الْخَبَرُ عَنْهَا الْمَصْدَرَ مُعَرَّفًا كَانَ أَوْ مُنَكَّرًا أَوْ اسْمَ الْفَاعِلِ وَذَكَرَ بَعْدَهُ الْمَصْدَرَ مُعَرَّفًا أَوْ مُنَكَّرًا أَمَّا الْوُقُوعُ بِاللَّفْظِ الْأَوَّلِ أَعْنِي الْمَصْدَرَ فَلِأَنَّهُ يُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ اسْمُ الْفَاعِلِ يُقَالُ رَجُلٌ عَدْلٌ أَيْ عَادِلٌ فَصَارَ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ إذَا أُرِيدَ بِهِ اسْمُ الْفَاعِلِ يَلْزَمُهُ عَدَمُ صِحَّةِ نِيَّةِ الثَّلَاثِ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ حَيْثُ اُسْتُعْمِلَ كَانَ إرَادَةُ طَالِقٍ بِهِ هُوَ الْغَالِبُ فَيَكُونُ صَرِيحًا فِي طَالِقٍ الصَّرِيحِ فَيَثْبُتُ لَهُ حُكْمُ طَالِقٍ وَلِذَا كَانَ عِنْدَنَا مِنْ الصَّرِيحِ لَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ. لِكَوْنِهِ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ ذَاتُ طَلَاقٍ وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ تَصِحُّ إرَادَةُ الثَّلَاثِ قَلَّمَا كَانَ مُحْتَمَلًا تَوَقَّفَ عَلَى النِّيَّةِ بِخِلَافِ نِيَّةِ الثِّنْتَيْنِ بِالْمَصْدَرِ لِأَنَّ نِيَّةَ الثَّلَاثِ لَمْ تَصِحَّ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ كَثَّرَهُ بَلْ بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا فَرْدٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ جِنْسٌ وَاحِدٌ وَأَمَّا الثِّنْتَانِ فِي الْحُرَّةِ فَعَدَدٌ مَحْضٌ وَأَلْفَاظُ الْوُحْدَانِ لَا تَحْتَمِلُ الْعَدَدَ الْمَحْضَ بَلْ يُرَاعَى فِيهَا التَّوْحِيدُ وَهُوَ بِالْفَرْدِيَّةِ الْحَقِيقِيَّةِ، وَالْجِنْسِيَّةُ الَّتِي هِيَ فَرْدٌ اعْتِبَارِيٌّ، وَالْمُثَنَّى بِمَعْزِلٍ عَنْهُمَا فَلَوْ كَانَ طَلَّقَ الْحُرَّةَ وَاحِدَةً ثُمَّ قَالَ لَهَا: أَنْت الطَّلَاقُ نَاوِيًا اثْنَتَيْنِ فَهَلْ تَقَعُ الثِّنْتَانِ لِأَنَّهُ كُلُّ مَا بَقِيَ قُلْت لَا تَقَعُ إلَّا وَاحِدَةً لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ لَوْ قَالَ لِحُرَّةٍ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً أَنْت بَائِنٌ وَنَوَى ثِنْتَيْنِ تَقَعُ وَاحِدَةً اهـ. وَعَلَّلَهُ فِي الْبَدَائِعِ بِأَنَّ الْبَاقِيَ لَيْسَ كُلَّ جِنْسِ طَلَاقِهَا وَصَرَّحَ فِي الذَّخِيرَةِ بِأَنَّهُ إذَا نَوَى ثِنْتَيْنِ بِالْمَصْدَرِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ، وَإِنْ كَانَ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً وَأَمَّا مَا فِي الْجَوْهَرَةِ مِنْ أَنَّهُ إذَا تَقَدَّمَ عَلَى الْحُرَّةِ وَاحِدَةٌ فَإِنَّهُ يَقَعُ ثِنْتَانِ إذَا نَوَاهُمَا يَعْنِي مَعَ الْأُولَى فَسَهْوٌ ظَاهِرٌ وَفَرَّقَ الطَّحَاوِيُّ بَيْنَ الْمَصْدَرِ الْمُنَكَّرِ حَيْثُ لَا تَصِحُّ فِيهِ نِيَّةُ الثَّلَاثِ وَبَيْنَ الْمُعَرَّفِ حَيْثُ يَصِحُّ لَا أَصْلَ لَهُ عَلَى الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ. وَأَمَّا وُقُوعُهُ بِأَنْتِ طَالِقٌ الطَّلَاقَ أَوْ طَلَاقًا فَظَاهِرٌ وَأَمَّا صِحَّةُ نِيَّةِ الثَّلَاثِ فَبِالْمَصْدَرِ مَعَ أَنَّ الْمُنْتَصِبَ هُوَ مَصْدَرُ طَالِقٍ لِكَوْنِ الطَّلَاقِ بِمَعْنَى التَّطْلِيقِ كَالسَّلَامِ بِمَعْنَى التَّسْلِيمِ فَهُوَ مَصْدَرٌ لِمَحْذُوفٍ كَذَا قَالُوا وَلَا يَتِمُّ إلَّا بِإِلْغَاءِ طَالِقٍ مَعَ الْمَصْدَرِ كَإِلْغَائِهِ مَعَ الْعَدَدِ وَإِلَّا لَوَقَعَ بِطَالِقٍ وَاحِدَةً وَبِالطَّلَاقِ ثِنْتَانِ حِينَ إرَادَتِهِ الثَّلَاثَ فَيَلْزَمُ الثِّنْتَانِ بِالْمَصْدَرِ وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهِ قَيَّدَ بِكَوْنِهِ نَوَى ثِنْتَيْنِ بِالْمَجْمُوعِ لِأَنَّهُ لَوْ نَوَى ثِنْتَيْنِ بِالتَّوْزِيعِ كَأَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَبِالطَّلَاقِ أُخْرَى تَقَعُ ثِنْتَانِ خِلَافًا لِفَخْرِ الْإِسْلَامِ لِأَنَّ طَالِقًا نَعْتٌ وَطَلَاقًا مَصْدَرُهُ فَلَا يَقَعُ إلَّا وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً، وَوَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا صَالِحٌ لِلْإِيقَاعِ فَصَارَ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ طَالِقٌ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ طَالِقٌ وَطَالِقٌ إذْ لَيْسَ فِي الْكَلَامِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْوَاوِ وَرُجِّحَ الْأَوَّلُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّ طَلَاقًا مَنْصُوبٌ وَلَا يُرْفَعُ بَعْدَ صَلَاحِيَةِ اللَّفْظِ لِتَعَدُّدِهِ وَصِحَّةِ الْإِرَادَةِ بِهِ إلَّا بِإِهْدَارِ لُزُومِ صِحَّةِ الْإِعْرَابِ فِي الْإِيقَاعِ مِنْ الْعَالِمِ، وَالْجَاهِلِ، وَفِي الْمُغْنِي لِابْنِ هِشَامٍ مِنْ الْبَابِ الْأَوَّلِ مِنْ بَحْثِ اللَّامِ (تَنْبِيهٌ) كَتَبَ الرَّشِيدُ لَيْلَةً إلَى الْقَاضِي أَبِي يُوسُفَ يَسْأَلُهُ عَنْ قَوْلِ الْقَائِلِ فَإِنْ تَرْفُقِي يَا هِنْدُ فَالرِّفْقُ أَيْمَنُ ... وَإِنْ تَخْرُقِي يَا هِنْدُ فَالْخُرْقُ أَشْأَمُ فَأَنْتِ طَلَاقٌ وَالطَّلَاقُ عَزِيمَةٌ ... ثَلَاثٌ وَمَنْ يَخْرُقْ أَعَقُّ وَأَظْلَمُ فَقَالَ مَاذَا يَلْزَمُهُ إذَا رَفَعَ الثَّلَاثَ وَإِذَا نَصَبَهَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ فَقُلْت هَذِهِ مَسْأَلَةٌ نَحْوِيَّةٌ فِقْهِيَّةٌ وَلَا آمَنُ الْخَطَأَ إنْ قُلْت فِيهَا بِرَأْيِي فَأَتَيْت الْكِسَائِيَّ وَهُوَ فِي فِرَاشِهِ فَسَأَلْته فَقَالَ إنْ رَفَعَ ثَلَاثًا طَلُقَتْ وَاحِدَةً   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: فَسَهْوٌ ظَاهِرٌ) قَالَ فِي النَّهْرِ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ إذَا نَوَى الثِّنْتَيْنِ مَعَ الْأُولَى فَقَدْ نَوَى الثَّلَاثَ وَإِذَا لَمْ يَبْقَ فِي مِلْكِهِ إلَّا ثِنْتَانِ وَقَعَتَا اهـ. أَقُولُ: يُؤَيِّدُهُ مَا فِي الذَّخِيرَةِ فِي الْفَصْلِ الرَّابِعِ فِي الْكِنَايَاتِ فِي قَوْلِهِ أَنْت عَلَيَّ حَرَامٌ إنْ نَوَى ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ أَوْ وَاحِدَةً فَوَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ، وَإِنْ نَوَى ثِنْتَيْنِ فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ أَيْضًا وَلَوْ كَانَتْ أَمَةً تَصِحُّ نِيَّةُ الثِّنْتَيْنِ وَلَوْ طَلَّقَ الْحُرَّةَ وَاحِدَةً ثُمَّ قَالَ لَهَا أَنْت عَلَيَّ حَرَامٌ يَنْوِي ثِنْتَيْنِ لَا تَصِحُّ نِيَّتُهُ وَلَوْ نَوَى الثَّلَاثَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ تَصِحُّ نِيَّتُهُ وَتَقَعُ تَطْلِيقَتَانِ أُخْرَيَانِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَرَجَّحَ الْأَوَّلَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ) كَذَا فِي النُّسَخِ وَصَوَابُهُ الثَّانِي لِأَنَّ التَّرْجِيحَ لِكَلَامِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَذَكَرَ فِي النَّهْرِ أَنَّهُ الْمُرَجَّحُ فِي الْمَذْهَبِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 279 لِأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ طَلَاقٌ ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّ الطَّلَاقَ التَّامَّ ثَلَاثٌ، وَإِنْ نَصَبَهَا طَلُقَتْ ثَلَاثًا لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَمَا بَيْنَهُمَا جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ فَكَتَبْتُ بِذَلِكَ إلَى الرَّشِيدِ فَأَرْسَلَ إلَيَّ بِجَوَائِزَ فَوَجَّهْت بِهَا إلَى الْكِسَائِيّ اهـ. مُلَخَّصًا. وَأَقُولُ: إنَّ الصَّوَابَ أَنَّ كُلًّا مِنْ الرَّفْعِ، وَالنَّصْبِ مُحْتَمَلٌ لِوُقُوعِ الثَّلَاثِ وَلِوُقُوعِ الْوَاحِدَةِ أَمَّا الرَّفْعُ فَلِأَنَّ أَلْ فِي الطَّلَاقِ إمَّا لِمَجَازِ الْجِنْسِ كَمَا تَقُولُ: زَيْدٌ الرَّجُلُ أَيْ هُوَ الرَّجُلُ الْمُعْتَدُّ بِهِ، وَإِمَّا لِلْعَهْدِ الذِّكْرِيِّ مِثْلُهَا فِي {فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} [المزمل: 16] أَيْ وَهَذَا الطَّلَاقُ الْمَذْكُورُ عَزِيمَةً ثَلَاثٌ وَلَا يَكُونُ لِلْجِنْسِ الْحَقِيقِيِّ لِئَلَّا يَلْزَمَ الْإِخْبَارُ عَنْ الْعَامِّ بِالْخَاصِّ كَمَا يُقَالُ الْحَيَوَانُ إنْسَانٌ وَذَلِكَ بَاطِلٌ إذْ لَيْسَ كُلُّ حَيَوَانٍ إنْسَانًا وَلَا كُلُّ طَلَاقٍ عَزِيمَةً وَثَلَاثًا فَعَلَى الْعَهْدِيَّةِ تَقَعُ الثَّلَاثُ وَعَلَى الْجِنْسِيَّةِ تَقَعُ وَاحِدَةً كَمَا قَالَ الْكِسَائَيُّ: وَأَمَّا النَّصْبُ فَلِأَنَّهُ مُحْتَمِلٌ لَأَنْ يَكُونَ عَلَى الْمَفْعُولِ الْمُطْلَقِ وَحِينَئِذٍ يَقْتَضِي وُقُوعَ الثَّلَاثِ إذْ الْمَعْنَى فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ اعْتَرَضَ بَيْنَهُمَا بِقَوْلِهِ، وَالطَّلَاقُ عَزِيمَةٌ وَلِأَنَّ يَكُونَ حَالًا مِنْ الضَّمِيرِ الْمُسْتَتِرِ فِي عَزِيمَةٍ وَحِينَئِذٍ لَا يَلْزَمُ وُقُوعُ الثَّلَاثِ لِأَنَّ الْمَعْنَى، وَالطَّلَاقُ عَزِيمَةٌ إذَا كَانَ ثَلَاثًا فَإِنَّمَا يَقَعُ مَا نَوَاهُ هَذَا مَا يَقْتَضِيهِ مَعْنَى هَذَا اللَّفْظِ وَأَمَّا الَّذِي أَرَادَهُ هَذَا الشَّاعِرُ الْمُعَيَّنُ فَهُوَ الثَّلَاثُ لِقَوْلِهِ بَعْدُ فَبِينِي بِهَا إنْ كُنْت غَيْرَ رَفِيقَةٍ ... وَمَا لِامْرِئ بَعْدَ الثَّلَاثِ مُقَدَّمُ اهـ. وَتَعَقَّبَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهُ بَعْدَ كَوْنِهِ غَلَطًا بَعِيدٌ عَنْ مَعْرِفَةِ مَقَامِ الِاجْتِهَادِ فَإِنَّ مِنْ شَرْطِهِ مَعْرِفَةَ الْعَرَبِيَّةِ وَأَسَالِيبِهَا لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ يَقَعُ فِي الْأَدِلَّةِ السَّمْعِيَّةِ الْعَرَبِيَّةِ وَاَلَّذِي نَقَلَهُ أَهْلُ الثَّبْتِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَمَّنْ قَرَأَ الْفَتْوَى حِينَ وَصَلَتْ خِلَافَهُ وَأَنَّ الْمُرْسِلَ بِهَا الْكِسَائَيُّ إلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَلَا دَخْلَ لِأَبِي يُوسُفَ أَصْلًا وَلَا لِلرَّشِيدِ وَلَمَقَامُ أَبِي يُوسُفَ أَجَلُّ مِنْ أَنْ يَحْتَاجَ فِي مِثْلِ هَذَا التَّرْكِيبِ مَعَ إمَامَتِهِ وَاجْتِهَادِهِ وَبَرَاعَتِهِ فِي التَّصَرُّفَاتِ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْأَلْفَاظِ ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ تَخْرُقِي بِضَمِّ الرَّاءِ مُضَارِعُ خَرِقَ بِكَسْرِهَا، وَالْخُرْقُ بِالضَّمِّ الِاسْمُ، وَهُوَ ضِدُّ الرِّفْقِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ الظَّاهِرَ فِي النَّصْبِ كَوْنُهُ عَلَى الْمَفْعُولِ الْمُطْلَقِ نِيَابَةً عَنْ الْمَصْدَرِ لِقِلَّةِ الْفَائِدَةِ عَلَى إرَادَةِ أَنَّ الطَّلَاقَ عَزِيمَةٌ إذَا كَانَ ثَلَاثًا وَأَمَّا الرَّفْعُ فَلِامْتِنَاعِ الْجِنْسِ الْحَقِيقِيِّ بَقِيَ أَنْ يُرَادَ مَجَازُ الْجِنْسِ فَتَقَعُ وَاحِدَةً أَوْ الْعَهْدُ الذِّكْرِيُّ وَهُوَ أَظْهَرُ الِاحْتِمَالَيْنِ فَيَقَعُ الثَّلَاثُ وَلِذَا ظَهَرَ مِنْ الشَّاعِرِ أَنَّهُ إرَادَةٌ كَمَا أَفَادَهُ الْبَيْتُ الْأَخِيرُ فَجَوَابُ مُحَمَّدٍ بِنَاءً عَلَى مَا هُوَ الظَّاهِرُ كَمَا يَجِبُ فِي مِثْلِهِ مِنْ حَمْلِ اللَّفْظِ عَلَى الظَّاهِرِ وَعَدَمِ الِالْتِفَاتِ إلَى الِاحْتِمَالِ اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْعَهْدَ الذِّكْرِيَّ حَيْثُ كَانَ أَظْهَرَ الِاحْتِمَالَيْنِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُجِيبَ مُحَمَّدٌ بِمَا يَقْتَضِيهِ وَهُوَ الثَّلَاثُ فَكَلَامُ ابْنِ الْهُمَامِ آخِرُهُ مُخَالِفٌ لِأَوَّلِهِ كَمَا لَا يَخْفَى ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ ابْنَ الصَّائِغِ تَعَقَّبَ ابْنَ هِشَامٍ فِي مَنْعِ كَوْنِهَا لِلْجِنْسِ الْحَقِيقِيِّ بِأَنَّهُ يَجُوزُ كَوْنُهَا بِمَعْنَى كُلّ الْمَجْمُوعِيِّ لَا كُلّ الْأَفْرَادِيِّ وَيَصِيرُ الْمَعْنَى أَنَّ مَجْمُوعَ أَفْرَادِ الطَّلَاقِ ثَلَاثٌ لَا أَنَّ الْوَاقِعَ مِنْهُ ثَلَاثٌ وَرَدَّهُ الشُّمُنِّيُّ بِأَنَّ اللَّامَ لَيْسَ مِنْ مَعَانِيهَا الْكُلُّ الْمَجْمُوعِيُّ، وَإِنْ كَانَ مَعْنًى مِنْ مَعَانِي كُلٍّ وَتَعَقَّبَ ابْنُ هِشَامٍ أَيْضًا الدَّمَامِينِيُّ فِي كَوْنِ الثَّلَاثِ حَالًا مِنْ الضَّمِيرِ فِي عَزِيمَتِهِ بِأَنَّ الْكَلَامَ مُحْتَمِلٌ لِوُقُوعِ الثَّلَاثِ عَلَى تَقْدِيرِ الْعَهْدِ أَيْضًا بِأَنْ تُجْعَلَ لِلْعَهْدِ الذِّكْرِيِّ وَرَدَّهُ الشُّمُنِّيُّ بِأَنَّهُ إنَّمَا نَفَى لُزُومَ الثَّلَاثِ وَهُوَ صَادِقٌ بِاحْتِمَالِ الثَّلَاثِ وَتَعَقَّبَ الشُّمُنِّيُّ ابْنَ هِشَامٍ أَيْضًا فِي كَوْنِ النَّصْبِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْمَفْعُولِ الْمُطْلَقِ فَيَقْتَضِي الثَّلَاثَ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَقْتَضِيهِ لَوْ كَانَ مَفْعُولًا مُطْلَقًا لِلطَّلَاقِ الْأَوَّلِ أَوْ لِلطَّلَاقِ الثَّانِي، وَاللَّازِمُ لِلْعَهْدِ أَمَّا إذَا كَانَ مَفْعُولًا مُطْلَقًا لِلطَّلَاقِ الثَّانِي، وَاللَّامُ لِلْجِنْسِ فَلَا يَقْتَضِي ذَلِكَ اهـ. وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ. لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: أَنْت الثَّلَاثَ وَنَوَى لَا يَقَعُ لِأَنَّهُ جَعَلَ الثَّلَاثَ صِفَةً لِلْمَرْأَةِ لَا صِفَةً لِلطَّلَاقِ الْمُضْمَرِ فَقَدْ نَوَى مَا لَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ فَلَمْ يَصِحَّ وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْت مِنِّي بِثَلَاثٍ وَنَوَى الطَّلَاقَ طَلُقَتْ لِأَنَّهُ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ، وَإِنْ قَالَ لَمْ أَنْوِ الطَّلَاقَ لَمْ يُصَدَّقْ إنْ كَانَ فِي حَالَةِ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ لِأَنَّهُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَأَقُولُ: إنَّ الصَّوَابَ. . . إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَائِلُهُ ابْنُ هِشَامٍ الْمَذْكُورُ فِي كِتَابِهِ الْمُغْنِي (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الرَّفْعُ فَلِامْتِنَاعِ الْجِنْسِ الْحَقِيقِيِّ) الْجَارُّ، وَالْمَجْرُورُ فِي قَوْلِهِ فَلِامْتِنَاعِ مُتَعَلِّقٌ بِمَا بَعْدَهُ وَهُوَ قَوْلُهُ: بَقِيَ فَهُوَ عِلَّةٌ مُقَدَّمَةٌ عَلَى مَعْلُولِهَا (قَوْلُهُ: آخِرُهُ مُخَالِفٌ لِأَوَّلِهِ) أَيْ قَوْلُهُ: إنَّ جَوَابَ مُحَمَّدٍ بِنَاءً عَلَى مَا هُوَ الظَّاهِرُ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ قَبْلَهُ إنَّ الْعَهْدَ الذِّكْرِيَّ أَظْهَرُ الِاحْتِمَالَيْنِ فَيَقَعُ ثَلَاثٌ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 280 لَا يَحْتَمِلُ الرَّدَّ وَلَوْ قَالَ أَنْت بِثَلَاثٍ وَأَضْمَرَ الطَّلَاقَ يَقَعُ كَأَنَّهُ قَالَ أَنْت طَالِقٌ بِثَلَاثٍ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ أَنْتِ مِنِّي بِثَلَاثٍ وَأَنْتِ بِثَلَاثٍ بِحَذْفِ مِنِّي سَوَاءٌ فِي كَوْنِهِ كِنَايَةً وَأَمَّا أَنْتِ الثَّلَاثُ فَلَيْسَ بِكِنَايَةٍ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى جُمْلَتِهَا أَوْ إلَى مَا يُعَبِّرُ بِهِ عَنْهَا كَالرَّقَبَةِ، وَالْعُنُقِ، وَالرُّوحِ، وَالْبَدَنِ، وَالْجَسَدِ، وَالْفَرْجِ، وَالْوَجْهِ أَوْ إلَى جُزْءٍ شَائِعٍ مِنْهَا كَنِصْفِهَا وَثُلُثِهَا تَطْلُقُ) أَرَادَ بِالْإِضَافَةِ إلَى الْجُمْلَةِ أَنْ يَكُونَ بِطَرِيقِ الْوَضْعِ كَأَنْتِ طَالِقٌ وَبِمَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْجُمْلَةِ بِطَرِيقِ التَّجَوُّزِ كَرَقَبَتِك وَإِلَّا فَالْكُلُّ يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْجُمْلَةِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَذَكَرَ الشَّارِحُ أَنَّ مَا يُضَافُ إلَى الْجُمْلَةِ أَنْتِ، وَالرُّوحُ، وَالْبَدَنُ، وَالْجَسَدُ وَأَمَّا مَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْهَا مَا عَدَاهَا، وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ كَمَا لَا يَخْفَى وَأَشَارَ بِالتَّعْبِيرِ بِهِ عَنْهَا إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ مَثَلًا رَقَبَتُك طَالِقٌ أَمَّا لَوْ قَالَ الرَّقَبَةُ مِنْك طَالِقٌ أَوْ الْوَجْهُ أَوْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى الرَّأْسِ أَوْ الْعُنُقِ وَقَالَ هَذَا الْعُضْوُ طَالِقٌ لَمْ يَقَعْ فِي الْأَصَحِّ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْهُ عِبَارَةً عَنْ الْكُلِّ بَلْ عَنْ الْبَعْضِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَضَعْ يَدَهُ بَلْ قَالَ هَذَا الرَّأْسُ طَالِقٌ وَأَشَارَ إلَى رَأْسِ امْرَأَتِهِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَقَعُ كَمَا لَوْ قَالَ رَأْسُك هَذَا طَالِقٌ. وَلِهَذَا لَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ بِعْت مِنْك هَذَا الرَّأْسَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَأَشَارَ إلَى رَأْسِ عَبْدِهِ فَقَالَ الْمُشْتَرِي قَبِلْت جَازَ الْبَيْعُ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَقَيَّدَ بِالرَّقَبَةِ وَمَا بَعْدَهَا لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ بِالْبَطْنِ، وَالظَّهْرِ، وَالْبُضْعِ، وَالدَّمِ عَلَى الصَّحِيحِ وَلِهَذَا لَوْ قَالَ دَمُك حُرٌّ لَا يَعْتِقُ، وَقَدْ صَحَّحُوا صِحَّةَ التَّكَفُّلِ بِالدَّمِ لِمَا يُقَالُ دَمُهُ هَدَرٌ أَيْ نَفْسُهُ فَكَانَ الْعُرْفُ جَرَى بِهِ فِي الْكَفَالَةِ دُونَ الْعِتْقِ، وَالطَّلَاقِ، وَصُحِّحَ فِي الْجَوْهَرَةِ وُقُوعُ الطَّلَاقِ يُقَالُ ذَهَبَ دَمُهُ هَدَرًا فَحِينَئِذٍ لَا فَرْقَ بَيْنَ الطَّلَاقِ وَالْكَفَالَةِ وَتَقْيِيدُهُمْ الْجُزْءَ بِالشَّائِعِ لَيْسَ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْمُعَيَّنِ لِمَا فِي الْخُلَاصَةِ: لَوْ قَالَ نِصْفُك الْأَعْلَى طَالِقٌ وَاحِدَةً وَنِصْفُك الْأَسْفَلُ ثِنْتَيْنِ فَقَدْ وَقَعَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بِبُخَارَى فَأَفْتَى بَعْضُهُمْ بِوُقُوعِ الْوَاحِدَةِ لِأَنَّ الرَّأْسَ فِي النِّصْفِ الْأَعْلَى وَبَعْضُهُمْ اعْتَبَرَ الْإِضَافَتَيْنِ لِأَنَّ الْفَرْجَ فِي الْأَسْفَلِ اهـ. وَقَدْ عُلِمَ بِهِ أَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى أَحَدِهِمَا وَقَعَتْ وَاحِدَةً اتِّفَاقًا، وَقَدْ أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ وُقُوعَ الطَّلَاقِ بِمَا ذُكِرَ فَأَفَادَ أَنَّهُ صَرِيحٌ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى النِّيَّةِ فَلَوْ قَالَ أَرَدْت بِهِ الْعُضْوَ حَقِيقَةً لَمْ يُصَدَّقْ قَضَاءً وَيُصَدَّقُ دِيَانَةً لَكِنَّهُ كَيْفَ يَكُونُ صَرِيحًا مَعَ أَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ بِغَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَلَقَدْ أَبْعَدَ الشَّارِحُ الزَّيْلَعِيُّ حَيْثُ قَالَ فِي بَحْثِ قَوْلِهِ أَنَا مِنْك طَالِقٌ لَغْوٌ وَكَوْنُهُ غَيْرَ مُتَعَارَفٍ إيقَاعُهُ لَا يُخْرِجُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ صَرِيحًا كَقَوْلِهِ عُشْرُك طَالِقٌ أَوْ فَرْجُك أَوْ طَلَّقْتُك نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ اهـ. لِأَنَّ الصَّرَاحَةَ إنَّمَا هِيَ بِغَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْوُقُوعَ قَضَاءً إنَّمَا هُوَ إذَا كَانَ التَّعْبِيرُ بِهِ عَنْ الْكُلِّ عُرْفًا مُشْتَهِرًا وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى التَّعْبِيرِ عَنْ الْجُمْلَةِ لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّ الْإِضَافَةَ إلَى الْجُمْلَةِ عُلِمَتْ مِنْ أَوَّلِ الْبَابِ مِنْ قَوْلِهِ كَأَنْتِ طَالِقٌ. قَوْلُهُ: (وَإِلَى الْيَدِ، وَالرِّجْلِ، وَالدُّبُرِ لَا) أَيْ لَا تَطْلُقُ بِالْإِضَافَةِ إلَى مَا ذُكِرَ أَيْ إلَى مَا لَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْجُمْلَةِ فَدَخَلَ فِيهِ الشَّعْرُ، وَالْأَنْفُ، وَالسَّاقُ، وَالْفَخِذُ، وَالظَّهْرُ، وَالْبَطْنُ، وَاللِّسَانُ، وَالْأُذُنُ، وَالْفَمُ، وَالصَّدْرُ، وَالذَّقَنُ، وَالسِّنُّ، وَالرِّيقُ، وَالْعِرْقُ، وَالْكَبِدُ، وَالْقَلْبُ أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ مَا إذَا نَوَى بِهِ كُلَّ الْبَدَنِ لَكِنْ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَذَكَرَ الْإِمَامُ الْحَلْوَانِيُّ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَتَقْيِيدُهُمْ الْجُزْءَ بِالشَّائِعِ لَيْسَ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْمُعَيَّنِ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَقُولُ: بَلْ هُوَ احْتِرَازٌ عَنْ الْمُعَيَّنِ الَّذِي لَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْكُلِّ كَمَا سَيَأْتِي، وَالْوُقُوعُ بِالنِّصْفِ الْأَعْلَى أَوْ بِهِمَا لَيْسَ إلَّا بِاعْتِبَارِ أَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا مَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْكُلِّ كَمَا أَفْصَحَ عَنْهُ التَّعْلِيلُ اهـ. أَقُولُ: وَفِيهِ أَنَّ الِاحْتِرَازَ عَنْ الْمُعَيَّنِ الَّذِي لَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْكُلِّ خَرَجَ بِقَوْلِهِ أَوْ إلَى مَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْهَا وَأَيْضًا فَإِنَّ الْجُزْءَ الشَّائِعَ يُقَابِلُهُ الْجُزْءُ الْمُعَيَّنُ سَوَاءٌ كَانَ يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْكُلِّ أَوْ لَا (قَوْلُهُ: وَقَدْ عُلِمَ بِهِ أَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى أَحَدِهِمَا وَقَعَتْ وَاحِدَةً اتِّفَاقًا) قَالَ فِي النَّهْرِ مَمْنُوعٌ فِي الثَّانِي كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ اهـ. وَهُوَ كَمَا قَالَ بِنَاءً عَلَى مَا هُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنْ الْعِبَارَةِ وَلَكِنْ يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُرَادَ الْمُؤَلِّفِ فَيَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ اقْتَصَرَ عَلَى أَحَدِهِمَا أَيْ وَقَالَ طَالِقٌ وَاحِدَةً لِأَنَّ مُرَادَهُ إثْبَاتُ أَنَّهَا تَطْلُقُ بِإِضَافَةِ الطَّلَاقِ إلَى النِّصْفِ سَوَاءٌ كَانَ الْأَعْلَى أَوْ الْأَسْفَلَ لَكِنَّ الْوُقُوعَ اتِّفَاقًا فِي النِّصْفِ الْأَسْفَلِ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ مَنْ أَفْتَى بِوُقُوعِ وَاحِدَةٍ بِالنِّصْفِ الْأَعْلَى لَا يُوقِعُ شَيْئًا بِالنِّصْفِ الْأَسْفَلِ (قَوْلُهُ: وَلَقَدْ أَبْعَدَ الشَّارِحُ الزَّيْلَعِيُّ. . . إلَخْ) قَدْ يُقَالُ لَا إبْعَادَ فِي كَلَامِهِ إذْ الصَّرِيحُ مَا فِيهِ مَادَّةُ ط ل ق كَطَالِقٍ وَطَلَاقٍ وَتَطْلِيقٍ وَنَحْوِهِ فَقَوْلُهُ: أَنْتِ طَالِقٌ صَرِيحٌ وَلَا مَدْخَلَ لِقَوْلِهِ أَنْتِ فِي صَرَاحَتِهِ وَكَذَا لَا مَدْخَلَ لِغَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ فِي صَرَاحَتِهِ وَإِنَّمَا هِيَ شَرْطٌ لِلْوُقُوعِ بِلَا نِيَّةٍ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَا مَا مَرَّ عَنْ الْهِدَايَةِ أَوَّلَ الْبَابِ مِنْ تَعْلِيلِ كَوْنِهَا صَرَائِحَ بِالِاسْتِعْمَالِ فِي مَعْنَى الطَّلَاقِ دُونَ غَيْرِهِ وَمِنْ كَوْنِهَا لَا تَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ بِغَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ فَظَهَرَ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ لَا تُسْتَعْمَلُ غَالِبًا إلَّا فِي الطَّلَاقِ فَهِيَ صَرَائِحُ لَكِنَّ وُقُوعَهَا بِلَا نِيَّةٍ مُتَوَقِّفٌ عَلَى كَوْنِهِ مُتَعَارَفًا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 281 إنْ ذَكَرَ عُضْوًا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ وَنَوَى اقْتِصَارَ الطَّلَاقِ عَلَيْهِ لَمْ يَبْعُدْ أَنْ يُصَدَّقَ وَلَوْ ذَكَرَ الْيَدَ، وَالرِّجْلَ وَأَرَادَ بِهِ كُلَّ الْبَدَنِ فَلَنَا أَنْ نَقُولَ يَقَعُ الطَّلَاقُ، وَإِنْ كَانَ جُزْءًا لَا يَسْتَمْتِعُ بِهِ كَالسِّنِّ، وَالرِّيقِ لَا يَقَعُ اهـ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ: لَوْ أَضَافَهُ إلَى قَلْبِهَا لَا رِوَايَةَ لِهَذَا فِي الْكِتَابِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ كِتَابِ الْكَفَالَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ مَا إذَا كَفَلَ بِعَيْنِهِ قَالَ الْبَلْخِيّ: لَا يَصِحُّ كَمَا فِي الطَّلَاقِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِهِ الْبَدَنَ وَاَلَّذِي يَجِبُ أَنْ يَصِحَّ فِي الْكَفَالَةِ، وَالطَّلَاقِ إذْ الْعَيْنُ مِمَّا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْكُلِّ يُقَالُ عَيْنُ الْقَوْمِ وَهُوَ عَيْنٌ فِي النَّاسِ وَلَعَلَّهُ لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا فِي زَمَانِهِمْ أَمَّا فِي زَمَانِنَا فَلَا شَكَّ فِي ذَلِكَ اهـ. وَمِثْلُ الطَّلَاقِ الظِّهَارُ، وَالْإِيلَاءُ، وَالْعَفْوُ عَنْ الْقِصَاصِ، وَالْعَتَاقُ حَتَّى لَوْ أَعْتَقَ أُصْبُعَهُ لَا يَقَعُ قَيَّدْنَا بِكَوْنِهِ لَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْجُمْلَةِ لِأَنَّ الْيَدَ وَمَا مَعَهَا لَوْ كَانَ عِنْدَ قَوْمٍ يُعَبِّرُونَ بِهِ عَنْ الْجُمْلَةِ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَهُوَ مَحْمَلُ مَا وَرَدَ مِنْهَا مُرَادًا بِهِ الْجُمْلَةَ كَالْحَدِيثِ «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تَرُدَّ» وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} [المسد: 1] وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ ثَلَاثَةٌ صَرِيحٌ يَقَعُ قَضَاءً بِلَا نِيَّةٍ كَالرَّقَبَةِ وَكِنَايَةٌ لَا يَقَعُ بِهَا إلَّا بِالنِّيَّةِ كَالْيَدِ وَمَا لَيْسَ صَرِيحًا وَلَا كِنَايَةً لَا يَقَعُ بِهِ، وَإِنْ نَوَى كَالرِّيقِ، وَالسِّنِّ، وَالشَّعْرِ، وَالظُّفُرِ، وَالْعَرَقِ، وَالْكَبِدِ، وَالْقَلْبِ وَقَيَّدَ بِالدُّبُرِ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ اسْتُك طَالِقٌ وَقَعَ كَفَرْجِك كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ فَالِاسْتُ، وَإِنْ كَانَ مُرَادِفًا لِلدُّبُرِ لَا يَلْزَمُ مُسَاوَاتُهُمَا فِي الْحُكْمِ. لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ هُنَا لِكَوْنِ اللَّفْظِ يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْكُلِّ أَلَا تَرَى أَنَّ الْبُضْعَ مُرَادِفٌ لِلْفَرْجِ وَلَيْسَ حُكْمُهُ هُنَا كَحُكْمِهِ فِي التَّعْبِيرِ وَقَيَّدَ بِالطَّلَاقِ فِي الْجُزْءِ الشَّائِعِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْعَتَاقِ وَتَوَابِعِهِ فَإِنَّهُ مِنْ قَبِيلِ مَا يَتَجَزَّأُ فَلَوْ أَعْتَقَ نِصْفَ عَبْدِهِ لَمْ يَعْتِقْ كُلُّهُ عِنْدَ الْإِمَامِ وَلِلِاحْتِرَازِ عَنْ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَ نِصْفَهَا لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ احْتِيَاطًا كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَبِهِ ضُعِّفَ قَوْلُ الشَّارِحِ أَنَّ الْجُزْءَ الشَّائِعَ مَحَلٌّ لِلنِّكَاحِ، وَالْعَفْوُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ وَتَسْلِيمُ الشُّفْعَةِ كَالطَّلَاقِ، وَالْأَصْلُ أَنَّ ذِكْرَ بَعْضِ مَا لَا يَتَجَزَّأُ كَذِكْرِ كُلِّهِ. قَوْلُهُ: (وَنِصْفُ التَّطْلِيقَةِ أَوْ ثُلُثُهَا طَلْقَةٌ) وَمُرَادُهُ أَنَّ جُزْءَ الطَّلْقَةِ تَطْلِيقَةٌ وَلَوْ جُزْءًا مِنْ أَلْفِ جُزْءٍ لِأَنَّ الشَّرْعَ نَاظِرٌ إلَى صَوْنِ كَلَامِ الْعَاقِلِ عَنْ الْإِلْغَاءِ وَتَصَرُّفِهِ مَا أَمْكَنَ وَلِذَا اعْتَبَرَ الْعَفْوَ عَنْ بَعْضِ الْقِصَاصِ عَفْوًا عَنْهُ فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ لِلطَّلَاقِ جُزْءٌ كَانَ كَذِكْرِ كُلِّهِ تَصْحِيحًا كَالْعَفْوِ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ قِيلَ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يَقَعُ ثِنْتَانِ لِأَنَّ التَّطْلِيقَةَ كَمَا لَا تَتَجَزَّأُ فِي الْإِيقَاعِ لَا تَتَجَزَّأُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ إلَّا وَاحِدَةً وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَقَعُ الثَّلَاثَ لِأَنَّ النِّصْفَ فِي الطَّلَاقِ لَا يَتَجَزَّأُ فِي الْإِيقَاعِ وَلَا فِي الِاسْتِثْنَاءِ وَلَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ تَطْلِيقَةً إلَّا نِصْفَهَا تَقَعُ وَاحِدَةً وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى مَا قَالَ مُحَمَّدٌ اهـ. وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ لَا يُشِيرُ إلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لِأَنَّ أَبَا يُوسُفَ إنَّمَا لَمْ يَقُلْ بِالتَّكْمِيلِ فِي الِاسْتِثْنَاءِ هُنَا لِعَدَمِ فَائِدَتِهِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَصِحُّ لِكَوْنِهِ اسْتِثْنَاءَ الْكُلِّ مِنْ الْكُلِّ وَلَوْ قَالَ وَجُزْءُ الطَّلْقَةِ تَطْلِيقَةٌ لَكَانَ أَوْجَزَ وَأَشْمَلَ وَأَحْسَنَ. قَوْلُهُ: (وَثَلَاثَةُ أَنْصَافِ تَطْلِيقَتَيْنِ ثَلَاثٌ) لِأَنَّ نِصْفَ التَّطْلِيقَتَيْنِ تَطْلِيقَةٌ فَإِذَا جَمَعَ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَنْصَافٍ تَكُونُ ثَلَاثًا ضَرُورَةً إلَّا إذَا نَوَى تَنْصِيفَ كُلٍّ مِنْ التَّطْلِيقَتَيْنِ فَتَكُونُ أَنْصَافُهَا أَرْبَعًا فَثَلَاثَةٌ مِنْهَا طَلْقَةٌ وَنِصْفٌ فَتَقَعُ طَلِيقَتَانِ دِيَانَةً وَلَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ احْتِمَالُ خِلَافِ الظَّاهِرِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ نِصْفَ التَّطْلِيقَتَيْنِ تَطْلِيقَةٌ لَا نِصْفَا تَطْلِيقَتَيْنِ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ تَطْلِيقَتَيْنِ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ ثَلَاثَةَ أَنْصَافِ تَطْلِيقَةٍ وَقَعَتْ تَطْلِيقَتَانِ لِأَنَّهَا طَلْقَةٌ وَنِصْفٌ فَتَتَكَامَلُ وَهُوَ الْمَنْقُولُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَاخْتَارَهُ النَّاطِفِيُّ وَصَحَّحَهُ الْعَتَّابِيُّ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَرْبَعَةُ أَنْصَافِ تَطْلِيقَةٍ وَقَعَتْ ثِنْتَانِ أَيْضًا وَعُرِفَ مِنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ قَالَ نِصْفَيْ تَطْلِيقَةٍ وَقَعَتْ وَاحِدَةً. وَفِي الذَّخِيرَةِ: لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ نِصْفَ تَطْلِيقَتَيْنِ فَوَاحِدَةً وَلَوْ قَالَ نِصْفَيْ تَطْلِيقَتَيْنِ فَثِنْتَانِ وَكَذَا نِصْفُ ثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ وَلَوْ قَالَ نِصْفَيْ ثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ فَثَلَاثٌ وَحَاصِلُهَا أَنَّهَا اثْنَتَا عَشْرَةَ مَسْأَلَةً لِأَنَّ الْمُضَافَ أَعْنِي النِّصْفَ إمَّا أَنْ يَكُونَ وَاحِدًا أَوْ اثْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا وَكُلٌّ   [منحة الخالق] فَعَدَمُ تَعَارُفِهِ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ صَرَاحَتِهِ كَمَا قَالَ الْمُحَقِّقُ الزَّيْلَعِيُّ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي (قَوْلُهُ: وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ أَضَافَهُ إلَى قَلْبِهَا لَا رِوَايَةً. . . إلَخْ) قَالَ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِهِ: يَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ لِأَنَّهُ كَالرُّوحِ وَقَالَ تَعَالَى {فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة: 283] . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 282 مِنْهَا إمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُضَافُ إلَيْهِ وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا فَإِنْ كَانَ النِّصْفُ مُضَافًا إلَى الطَّلْقَةِ فَقَطْ فَوَاحِدَةً، وَإِنْ كَانَ النِّصْفُ مُضَافًا إلَى الطَّلْقَتَيْنِ فَوَاحِدَةً، وَإِنْ كَانَ النِّصْفُ مُضَافًا إلَى الثَّلَاثِ فَثِنْتَانِ، وَإِنْ كَانَ النِّصْفَانِ مُضَافًا إلَى الْوَاحِدَةِ فَوَاحِدَةً وَإِلَى الثِّنْتَيْنِ فَثِنْتَانِ وَإِلَى الثَّلَاثِ فَثَلَاثٌ، وَإِنْ كَانَ الثَّلَاثَةُ أَنْصَافٍ مُضَافًا إلَى الْوَاحِدَةِ فَثِنْتَانِ وَإِلَى الثِّنْتَيْنِ فَثَلَاثٌ وَإِلَى الثَّلَاثِ فَكَذَلِكَ اسْتِنْبَاطًا مِمَّا قَبْلَهَا لَا نَقْلًا، وَإِنْ كَانَ الْمُضَافُ أَرْبَعَةَ الْأَنْصَافِ فَثِنْتَانِ فَإِنْ إلَى الْوَاحِدَةِ، وَإِنْ إلَى الثِّنْتَيْنِ أَوْ إلَى الثَّلَاثِ فَثَلَاثٌ اسْتِنْبَاطًا وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِلْمَدْخُولِ بِهَا أَنْت طَالِقٌ نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ وَثُلُثَ تَطْلِيقَةٍ وَسُدُسَ تَطْلِيقَةٍ وَقَعَ ثَلَاثٌ لِأَنَّ الْمُنَكَّرَ إذَا أُعِيدَ مُنَكَّرًا كَانَ الثَّانِي غَيْرَ الْأَوَّلِ فَيَتَكَامَلُ كُلُّ جُزْءٍ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ: أَنْت طَالِقٌ نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ وَثُلُثَهَا وَسُدُسَهَا حَيْثُ تَقَعُ وَاحِدَةً لِأَنَّ الثَّانِي، وَالثَّالِثَ عَيْنُ الْأَوَّلِ فَالْكُلُّ أَجْزَاءُ طَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ حَتَّى لَوْ زَادَ عَلَى الْوَاحِدَةِ وَقَعَتْ ثَانِيَةً وَكَذَا فِي الثَّالِثَةِ وَهُوَ مُخْتَارُ جَمَاعَةٍ مِنْ الْمَشَايِخِ. وَفِي الْمُحِيطِ، والولوالجية وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَهَكَذَا ذَكَرَ الْحَسَنُ فِي الْمُجَرَّدِ لِأَنَّهُ زَادَ عَلَى أَجْزَاءِ تَطْلِيقَةٍ وَاحِدَةٍ فَلَا بُدَّ وَأَنْ تَكُونَ الزِّيَادَةُ مِنْ تَطْلِيقَةٍ أُخْرَى فَتَتَكَامَلُ الزِّيَادَةُ، وَالْأَصَحُّ فِي اتِّحَادِ الْمَرْجِعِ، وَإِنْ زَادَتْ أَجْزَاءُ وَاحِدَةٍ أَنْ تَقَعَ وَاحِدَةً لِأَنَّهُ أَضَافَ الْأَجْزَاءَ إلَى وَاحِدَةٍ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمَبْسُوطِ وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ وَاحِدَةً وَنِصْفَهَا تَقَعُ وَاحِدَةً كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ بِخِلَافِ وَاحِدَةٍ وَنِصْفًا وَأَمَّا غَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا فَلَا يَقَعُ عَلَيْهَا إلَّا وَاحِدَةً فِي الصُّوَرِ كُلِّهَا كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَدَلَّ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ بَيْنَكُنَّ تَطْلِيقَةٌ طَلُقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ وَاحِدَةً لِأَنَّ الرُّبُعَ يَتَكَامَلُ وَكَذَا بَيْنَكُنَّ تَطْلِيقَتَانِ أَوْ ثَلَاثٌ أَوْ أَرْبَعٌ إلَّا إذَا نَوَى أَنَّ كُلَّ تَطْلِيقَةٍ بَيْنَهُنَّ جَمِيعًا فَيَقَعُ فِي التَّطْلِيقَتَيْنِ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا تَطْلِيقَتَانِ، وَفِي الثَّلَاثِ ثَلَاثٌ وَلَوْ قَالَ بَيْنَكُنَّ خَمْسُ تَطْلِيقَاتٍ وَقَعَ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ ثِنْتَانِ إلَى ثَمَانٍ وَلَوْ قَالَ بَيْنَكُنَّ تِسْعٌ وَقَعَ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ ثَلَاثٌ وَلَفْظُ أَشْرَكْتُكُنَّ كَلَفْظِ بَيْنَ بِخِلَافِ مَا لَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَيْنِ كُلَّ وَاحِدَةٍ ثُمَّ قَالَ لِثَالِثَةٍ: شَرِكْتُك فِيمَا أَوْقَعْت عَلَيْهِمَا يَقَعُ عَلَيْهَا تَطْلِيقَتَانِ لِأَنَّهُ شَرِكَهَا فِي كُلِّ تَطْلِيقَةٍ وَلَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ لِأُخْرَى: أَشْرَكْتُك مَعَهَا فِي الطَّلَاقِ وَقَعَ عَلَى الثَّانِيَةِ ثَلَاثٌ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ لِأَنَّ هُنَاكَ لَمْ يَسْبِقْ وُقُوعُ شَيْءٍ فَلَمْ يُقَسِّمْ بَيْنَهُنَّ وَهُنَا قَدْ أَوْقَعَ الثَّلَاثَ عَلَى الْأُولَى فَلَا يُمْكِنُهُ رَفْعُ شَيْءٍ مِنْهُ. وَلَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ لِأُخْرَى أَشْرَكْتُك فِيمَا أَوْقَعْت عَلَيْهَا ثُمَّ قَالَ لِثَالِثَةٍ أَشْرَكْتُك فِيمَا أَوْقَعْت عَلَيْهِمَا قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: وَقَدْ وَرَدَ اسْتِفْتَاءٌ فِيهَا فَبَعْدَ أَنْ كَتَبْنَا تَطْلُقُ الثَّلَاثَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا قُلْنَا إنَّ وُقُوعَهُنَّ عَلَى الثَّالِثَةِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ أَشْرَكَهَا فِي سِتَّةٍ اهـ. يَعْنِي: أَنَّهُ عَلَّلَ وُقُوعَ الثَّلَاثِ عَلَى الثَّالِثَةِ بَعْدَ الْإِفْتَاءِ بِأَنَّهُ أَشْرَكَهَا فِي سِتٍّ أَوْقَعَهَا فَيَقَعُ عَلَيْهَا الثَّلَاثُ وَيَلْغُو ثَلَاثٌ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ ظَهَرَ لَهُ شَيْءٌ بِخِلَافِ مَا أَفْتَى بِهِ كَمَا قَدْ تُوُهِّمَ، وَفِي الْمَبْسُوطِ: لَوْ قَالَ لِامْرَأَتَيْنِ أَنْتُمَا طَالِقَتَانِ ثَلَاثًا يَنْوِي أَنَّ الثَّلَاثَ بَيْنَهُمَا فَهُوَ مُدَيَّنٌ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَتَطْلُقُ كُلٌّ مِنْهُمَا ثِنْتَيْنِ لِأَنَّهُ مِنْ مُحْتَمَلَاتِ لَفْظِهِ لَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَلَا يُدَيَّنُ فِي الْقَضَاءِ فَتَطْلُقُ كُلٌّ ثَلَاثًا وَكَذَا لَوْ قَالَ لِأَرْبَعٍ: أَنْتُنَّ طَوَالِقُ ثَلَاثًا يَنْوِي أَنَّ الثَّلَاثَ بَيْنَهُنَّ فَهُوَ مُدَيَّنٌ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَتَطْلُقُ كُلُّ وَاحِدَةٍ وَاحِدَةً، وَفِي الْقَضَاءِ تَطْلُقُ كُلٌّ ثَلَاثًا اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ: فُلَانَةُ طَالِقٌ ثَلَاثًا، وَفُلَانَةُ مَعَهَا أَوْ قَالَ أَشْرَكْت فُلَانَةَ مَعَهَا طَلُقَتَا ثَلَاثًا ثَلَاثًا وَلَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثُمَّ قَالَ لِأُخْرَى قَدْ أَشْرَكْتُك فِي طَلَاقِهَا طَلُقَتْ وَاحِدَةً. وَلَوْ قَالَ لِثَالِثَةٍ قَدْ أَشْرَكْتُك فِي طَلَاقِهِمَا طَلُقَتْ ثِنْتَيْنِ وَلَوْ قَالَ لِلرَّابِعَةِ قَدْ أَشْرَكْتُك فِي طَلَاقِهِنَّ طَلُقَتْ ثَلَاثًا وَلَوْ كَانَ الطَّلَاقُ عَلَى الْأُولَى بِمَالٍ مُسَمًّى ثُمَّ قَالَ لِلثَّانِيَةِ قَدْ أَشْرَكْتُك فِي طَلَاقِهَا طَلُقَتْ وَلَمْ يَلْزَمْهَا الْمَالُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَالْأَصَحُّ فِي اتِّحَادِ الْمَرْجِعِ. إلَخْ) أَقُولُ: يُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ مَا مَرَّ قَرِيبًا مِنْ قَوْلِهِ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ تَطْلِيقَتَيْنِ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ ثَلَاثَةَ أَنْصَافِ تَطْلِيقَةٍ وَقَعَتْ طَلْقَتَانِ. . . إلَخْ إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّ تَطْلِيقَهُ الْمُضَافَ إلَيْهِ نَكِرَةٌ، وَالْإِضَافَةُ تَأْتِي لِمَا تَأْتِي لَهُ الْأَلِفُ وَاللَّامُ فَتَكُونُ لِلْجِنْسِ بِخِلَافِ الطَّلْقَةِ الَّتِي عَادَ عَلَيْهَا ضَمِيرُ نِصْفِهَا وَثُلُثِهَا وَرُبُعِهَا فَإِنَّهَا وَاحِدَةٌ مُعَيَّنَةٌ فَيَلْغُو الْجُزْءُ الزَّائِدُ عَلَيْهَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا لَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَيْنِ كُلَّ وَاحِدَةٍ) وَقَعَ فِي الْفَتْحِ لَفْظُ وَاحِدَةٍ مُكَرَّرًا وَهُوَ الْمُنَاسِبُ وَكَانَ مَا هُنَا سَاقِطٌ مِنْ قَلَمِ الْكَاتِبِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ بَيْنَكُنَّ تَطْلِيقَةٌ أَوْ تَطْلِيقَتَانِ أَوْ ثَلَاثٌ أَوْ أَرْبَعٌ أَوْ خَمْسٌ وَعِبَارَةُ الْفَتْحِ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ لِأَنَّ هُنَاكَ لَمْ يَسْبِقْ وُقُوعُ شَيْءٍ فَيَنْقَسِمُ الثَّلَاثُ بَيْنَهُنَّ نِصْفَيْنِ قِسْمَةً وَاحِدَةً وَهُنَا قَدْ أَوْقَعَ الثَّلَاثَ عَلَى الْأُولَى فَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَرْفَعَ شَيْئًا مِمَّا أَوْقَعَ عَلَيْهَا بِإِشْرَاكِ الثَّانِيَةِ وَإِنَّمَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُسَوِّيَ الثَّانِيَةَ بِهَا بِإِيقَاعِ الثَّلَاثِ عَلَيْهَا وَلِأَنَّهُ لَمَّا وَقَعَ الثَّلَاثُ عَلَى الْأُولَى فَكَلَامُهُ فِي حَقِّ الثَّانِيَةِ إشْرَاكٌ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الثَّلَاثِ اهـ. وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ قَوْلَ الْمُؤَلِّفِ فَلَا يُقَسَّمُ بَيْنَهُنَّ صَوَابُهُ فَيُقَسَّمُ بِإِسْقَاطِ لَا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 283 لِأَنَّ الِاشْتِرَاكَ وُجِدَ فِي الطَّلَاقِ لَا فِي الْمَالِ، وَلَوْ قَالَ أَشْرَكْتُك فِي طَلَاقِهَا عَلَى كَذَا مِنْ الْمَالِ فَإِنْ قَبِلَتْ لَزِمَهَا الطَّلَاقُ، وَالْمَالُ وَإِلَّا فَلَا اهـ. وَلَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَى كَوْنِهِ بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا حَيْثُ لَمْ يَقُلْ عَلَى كَذَا وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى رَجْعِيًّا لِأَنَّ الْبَيْنُونَةَ لِأَجْلِ الْمَالِ وَلَمْ يُوجَدْ وَيَنْبَغِي أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهَا: أَنْت طَالِقٌ بَائِنٌ أَوْ بَائِنٌ نَاوِيًا ثُمَّ قَالَ لِأُخْرَى أَشْرَكْتُك فِي طَلَاقِهَا أَنْ يَقَعَ عَلَى الثَّانِيَةِ بَائِنًا أَيْضًا ثُمَّ قَالَ فِي الْمُحِيطِ أَيْضًا: وَلَوْ أُعْتِقَتْ الْأَمَةُ الْمَنْكُوحَةُ فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَقَالَ زَوْجُهَا لِامْرَأَةٍ أُخْرَى لَهُ: قَدْ أَشْرَكْتُك فِي فُرْقَةِ هَذِهِ طَلُقَتْ بَائِنًا، وَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ وَحَكَى أَبُو سُلَيْمَانَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ وَلَوْ قَالَ فِي فُرْقَةِ الْعِنِّينِ، وَاللِّعَانِ، وَالْإِيلَاءِ، وَالْخُلْعِ قَدْ أَشْرَكْتُك فِي فُرْقَةِ هَذِهِ طَلُقَتْ لِأَنَّ هَذِهِ الْفُرْقَةَ فِرْقَةُ طَلَاقٍ بِخِلَافِ الْأُولَى وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْت طَالِقٌ خَمْسَ تَطْلِيقَاتٍ فَقَالَتْ ثَلَاثٌ تَكْفِنِي فَقَالَ ثَلَاثٌ لَك، وَالْبَاقِي عَلَى صَوَاحِبِك وَقَعَ الثَّلَاثُ عَلَيْهَا وَلَمْ يَقَعْ شَيْءٌ عَلَى غَيْرِهَا لِأَنَّ الْبَاقِي بَعْدَ الثَّلَاثِ صَارَ لَغْوًا فَقَدْ صُرِفَ اللَّغْوُ إلَى صَوَاحِبِهَا فَلَا يَقَعُ شَيْءٌ اهـ. وَقَدَّمْنَا خِلَافًا فِي الْأَخِيرَةِ. قَوْلُهُ: (وَمِنْ وَاحِدَةٍ أَوْ مَا بَيْنَ وَاحِدَةٍ إلَى ثِنْتَيْنِ وَاحِدَةٌ وَإِلَى ثَلَاثٍ ثِنْتَانِ) يَعْنِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَتَدْخُلُ الْغَايَةُ الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ وَقَالَا بِدُخُولِهِمَا فَيَقَعُ فِي الْأُولَى ثِنْتَانِ، وَفِي الثَّانِيَةِ ثَلَاثٌ اسْتِحْسَانًا بِالتَّعَارُفِ إلَّا أَنَّهُمَا أَطْلَقَا فِيهِ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ إنَّمَا تَدْخُلُ الْغَايَتَانِ عُرْفًا فِيمَا مَرْجِعُهُ الْإِبَاحَةُ كَخُذْ مِنْ مَالِي مِنْ عَشَرَةٍ إلَى مِائَةٍ وَبِعْ عَبْدِي بِمَالٍ مِنْ مِائَةٍ إلَى أَلْفٍ وَكُلْ مِنْ الْمِلْحِ إلَى الْحُلْوِ فَلَهُ أَخْذُ الْمِائَةِ، وَالْبَيْعُ بِأَلْفٍ وَأَكْلُ الْحَلْوَاءِ، وَأَمَّا مَا أَصْلُهُ الْحَظْرُ حَتَّى لَا يُبَاحَ إلَّا لِدَفْعِ الْحَاجَةِ فَلَا، وَالطَّلَاقُ مِنْهُ فَكَانَ قَرِينَةً عَلَى عَدَمِ إرَادَةِ الْكُلِّ غَيْرَ أَنَّ الْغَايَةَ الْأُولَى لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِهَا لِيُرَتِّبَ عَلَيْهَا الطَّلْقَةَ الثَّانِيَةَ فِي صُورَةِ إيقَاعِهَا وَهِيَ صُورَةٌ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ إذْ لَا ثَانِيَةَ بِلَا أَوْلَى وَوُجُودُ الطَّلَاقِ عَيْنُ وُقُوعِهِ بِخِلَافِ الْغَايَةِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ ثَلَاثٌ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وُقُوعُ الثَّانِيَةِ بِلَا ثَالِثَةٍ أَمَّا صُورَةٌ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثِنْتَيْنِ فَلَا حَاجَةَ إلَى إدْخَالِهَا لِأَنَّهَا إنَّمَا دَخَلَتْ ضَرُورَةَ إيقَاعِ الثَّانِيَةِ وَهُوَ مُنْتَفٍ وَإِيقَاعُ الْوَاحِدَةِ لَيْسَ بِاعْتِبَارِ إدْخَالِهَا غَايَةً بَلْ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ انْتِفَاءِ الْعُرْفِ فِيهِ فَلَا تَدْخُلُ فَيَلْغُو قَوْلُهُ: مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثِنْتَيْنِ وَيَقَعُ بِطَالِقٍ وَاحِدَةً وَلَا يَرِدُ أَنْتِ طَالِقٌ ثَانِيَةً حَيْثُ لَا يَقَعُ إلَّا وَاحِدَةً لِأَنَّ ثَانِيَةً لَغْوٌ فَيَقَعُ بِأَنْتِ طَالِقٌ، وَقَدْ ظَهَرَ بِهَذَا التَّقْرِيرِ أَنَّ الِاخْتِلَافَ إنَّمَا نَشَأَ مِنْ اعْتِبَارِ إثْبَاتِ الْعُرْفِ وَعَدَمِهِ مَعَ الِاتِّفَاقِ عَلَى اعْتِبَارِ الْعُرْفِ فَلَا يَرِدُ دُخُولُ الْمُرَافِقِ لِأَنَّ الْعُرْفَ لَمَّا أَدْخَلَ مَا بَعْدَ إلَى تَارَةً وَأَخْرَجَهُ أُخْرَى كَانَ الِاحْتِيَاطُ الدُّخُولَ فَإِنْ قِيلَ مَا بَيْنَ هَذَا وَهَذَا يَسْتَدْعِي وُجُودَ الْأَمْرَيْنِ وَوُجُودَهُمَا وُقُوعَهُمَا فَيَقَعُ الثَّلَاثُ الْجَوَابُ إنَّ ذَلِكَ فِي الْمَحْسُوسَاتِ وَأَمَّا مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ الْأُمُورِ الْمَعْنَوِيَّةِ فَإِنَّمَا يَقْتَضِي الْأَوَّلَ وَاحْتِمَالَ وُجُودِ الثَّانِي عُرْفًا فَفِيمَا بَيْنَ السِّتِّينَ إلَى السَّبْعِينَ يُصَدَّقُ إذَا لَمْ يَبْلُغْ السَّبْعِينَ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ لَوْ بَاعَ بِالْخِيَارِ إلَى غَدٍ دَخَلَ الْغَدُ فِي الْخِيَارِ وَلَوْ حَلَفَ لَيَقْضِيَن دَيْنَهُ إلَى خَمْسَةِ أَيَّامٍ لَا يَحْنَثُ مَا لَمْ تَغْرُبْ الشَّمْسُ مِنْ الْيَوْمِ الْخَامِسِ وَكَذَا لَا يُكَلِّمُهُ إلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ دَخَلَ الْعَاشِرُ وَكَذَا فِي إنْ تَزَوَّجْت إلَى عَشْرِ سِنِينَ دَخَلَتْ الْعَاشِرَةُ وَأَمَّا فِي الْإِجَارَةِ فَفِي بَعْضِ الْكُتُبِ لَوْ أَجَّرَ إلَى خَمْسِ سِنِينَ دَخَلَتْ الْخَامِسَةُ، وَفِي عَامَّةِ الْكُتُبِ لَا تَدْخُلُ اهـ. وَتَمَامُ تَقْرِيرِهِ فِي شَرْحِنَا الْمُسَمَّى بِتَعْلِيقِ الْأَنْوَارِ عَلَى أُصُولِ الْمَنَارِ وَلَوْ نَوَى فِي الثَّانِيَةِ وَاحِدَةً دُيِّنَ دِيَانَةً لَا قَضَاءً لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُهُ وَهُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ إلَى ثِنْتَيْنِ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ: مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى وَاحِدَةٍ تَقَعُ وَاحِدَةً بِالْأُولَى اتِّفَاقًا وَقِيلَ لَا يَقَعُ شَيْءٌ عِنْدَ زُفَرَ لِأَنَّهُ لَا يَقُولُ بِدُخُولِ الْغَايَتَيْنِ، وَالْأَصَحُّ الْوُقُوعُ عِنْدَهُ بِطَالِقِ وَيَلْغُو مَا بَعْدَهُ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ إلَى ثَلَاثٍ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ مَا بَيْنَ وَاحِدَةٍ وَثَلَاثٍ بِحَرْفِ الْعَطْفِ دُونَ الْغَايَةِ وَقَعَتْ وَاحِدَةً عِنْدَ الْكُلِّ إلَّا إنْ كَانَ فِيهِ الْعُرْفُ الْكَائِنَ فِي الْغَايَةِ وَلَوْ قَالَ مِنْ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَلَوْ نَوَى فِي الثَّانِيَةِ) أَيْ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ مَسْأَلَتَيْ الْمَتْنِ وَهِيَ الَّتِي غَايَتُهَا إلَى ثَلَاثٍ أَعْنِي مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ أَوْ مَا بَيْنَ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا يَقَعُ شَيْءٌ عِنْدَ زُفَرَ) أَيْ فِي قَوْلِهِ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى وَاحِدَةٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 284 وَاحِدَةٍ إلَى عَشَرَةٍ وَقَعَتْ ثِنْتَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقِيلَ ثَلَاثٌ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ اللَّفْظَ مُعْتَبَرٌ فِي الطَّلَاقِ حَتَّى لَوْ قَالَتْ طَلِّقْنِي سِتًّا بِأَلْفٍ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَقَعْنَ بِخَمْسِمِائَةٍ وَرَجَّحَهُ فِي الْقُنْيَةِ بِأَنَّهُ أَحْسَنُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى، وَفِيهَا لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ مِنْ ثَلَاثٍ إلَى وَاحِدَةٍ تَقَعُ ثَلَاثٌ قَالَ بَدِيعٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا بِالِاتِّفَاقِ ثُمَّ ظَهَرَ لِي أَنَّهُ عَلَى قَوْلِهِمَا وَهُوَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ أَنَّهُ يَقَعُ عِنْدَهُ ثِنْتَانِ وَعِنْدَهُمَا ثَلَاثٌ اهـ. . قَوْلُهُ: (وَوَاحِدَةٌ فِي ثِنْتَيْنِ وَاحِدَةٌ إنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا أَوْ نَوَى الضَّرْبَ) أَيْ تَقَعُ وَاحِدَةً فِيمَا لَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ وَاحِدَةً فِي ثِنْتَيْنِ إنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا أَوْ نَوَى الضَّرْبَ، وَالْحِسَابَ عَالِمًا بِعُرْفِ الْحِسَابِ خِلَافًا لِزُفَرَ فِي الثَّانِي لِأَنَّ عُرْفَهُمْ فِيهِ تَضْعِيفُ أَحَدِ الْعَدَدَيْنِ بِعَدَدِ الْآخَرِ كَقَوْلِهِ وَاحِدٌ مَرَّتَيْنِ وَلَنَا أَنَّ قَوْلَهُ فِي ثِنْتَيْنِ ظَرْفٌ حَقِيقَةً وَهُوَ لَا يَصْلُحُ لَهُ فَيَقَعُ الْمَظْرُوفُ دُونَ الظَّرْفِ وَلِهَذَا أَلْزَمَهُ عَشَرَةً فِي لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ فِي عَشَرَةٍ إلَّا إنْ قَصَدَ الْمَعِيَّةَ أَوْ الْعَطْفَ فَعِشْرُونَ لِمُنَاسَبَةِ الظَّرْفِ كِلَيْهِمَا، وَأَمَّا الضَّرْبُ فَإِنْ كَانَ فِي الْمَمْسُوحَاتِ أَعْنِي فِيمَا لَهُ طُولٌ وَعَرْضٌ وَعُمْقٌ فَأَثَرُهُ فِي تَكْثِيرِ الْمَضْرُوبِ وَإِذَا كَانَ فِيمَا لَيْسَ لَهُ طُولٌ وَعَرْضٌ فَأَثَرُهُ فِي تَكْثِيرِ الْأَجْزَاءِ فَإِنَّهُ لَوْ زَادَ بِالضَّرْبِ فِي نَفْسِهِ لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ فِي الدُّنْيَا فَقِيرًا لِأَنَّهُ يَضْرِبُ مَا مَلَكَهُ مِنْ الدَّرَاهِمِ فِي مِائَةٍ فَيَصِيرُ مِائَةً ثُمَّ يَضْرِبُ الْمِائَةَ فِي الْأَلْفِ فَيَصِيرُ مِائَةَ أَلْفٍ فَصَارَ مَعْنَى قَوْلِنَا وَاحِدَةً فِي ثِنْتَيْنِ وَاحِدَةً ذَاتَ جُزْأَيْنِ وَكَذَا قَوْلُنَا وَاحِدَةٌ فِي ثَلَاثٍ وَاحِدَةٌ ذَاتُ أَجْزَاءٍ ثَلَاثَةٍ، وَالتَّطْلِيقَةُ الْوَاحِدَةُ، وَإِنْ كَثُرَتْ أَجْزَاؤُهَا لَا تَصِيرُ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ وَرَجَّحَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَالتَّحْرِيرُ قَوْلُ زُفَرَ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي عُرْفِ الْحِسَابِ فِي التَّرْكِيبِ اللَّفْظِيِّ كَوْنُ أَحَدِ الْعَدَدَيْنِ مُضَعَّفًا بِعَدَدِ الْآخَرِ، وَالْعُرْفُ لَا يَمْنَعُ، وَالْفَرْضُ أَنَّهُ تَكَلَّمَ بِعُرْفِهِمْ وَأَرَادَهُ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَوْقَعَ بِلُغَةٍ أُخْرَى فَارِسِيَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا وَهُوَ يَدْرِيهَا اهـ. وَهَكَذَا رَجَّحَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَجَوَابُهُ أَنَّ اللَّفْظَ لَمَّا لَمْ يَكُنْ صَالِحًا لَمْ يُعْتَبَرْ فِيهِ الْعُرْفُ وَلَا النِّيَّةُ كَمَا لَوْ نَوَى بِقَوْلِهِ: اسْقِنِي الْمَاءَ الطَّلَاقَ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ بِهِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً وَثِنْتَيْنِ فَثَلَاثٌ) يَعْنِي فِي الْمَدْخُولِ بِهَا وَإِلَّا فَوَاحِدَةً لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُهُ فَإِنَّ حَرْفَ الْوَاوِ لِلْجَمْعِ، وَالظَّرْفُ يَجْمَعُ الْمَظْرُوفَ فَصَحَّ أَنْ يُرَادَ بِهِ مَعْنَى الْوَاوِ قَيَّدَ بِكَوْنِهِ نَوَى بَقِيَ الْوَاوُ لِأَنَّهُ لَوْ نَوَى بِهَا مَعْنَى مَعَ وَقَعَ الثَّلَاثُ مَدْخُولًا بِهَا أَوْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا كَمَا لَوْ قَالَ لِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا: أَنْت طَالِقٌ وَاحِدَةً مَعَ ثِنْتَيْنِ وَإِرَادَةُ مَعْنَى لَفْظَةِ مَعَ بِهَا ثَابِتٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ} [الأحقاف: 16] وَأَمَّا الِاسْتِشْهَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي} [الفجر: 29] أَيْ مَعَ عِبَادِي فَبَعِيدٌ يَنْبُو عَنْهُ {وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر: 30] فَإِنَّ دُخُولَهَا مَعَهُمْ لَيْسَ إلَّا إلَى الْجَنَّةِ فَهِيَ عَلَى حَقِيقَتِهَا وَلِهَذَا قَالَ فِي الْكَشَّافِ إنَّ الْمُرَادَ فِي جُمْلَةِ عِبَادِي وَقِيلَ فِي أَجْسَادِ عِبَادِي وَيُؤَيِّدُهُ قِرَاءَةُ فِي عَبْدِي فَالْأَوْجَهُ الِاسْتِشْهَادُ بِمَا ذَكَرْنَا وَحُكْمُ مَا إذَا نَوَى الظَّرْفِيَّةَ حُكْمُ مَا إذَا لَمْ يَنْوِ شَيْئًا لِأَنَّهُ ظَرْفٌ لَهُ فَلِذَا لَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ فَالْوُجُوهُ خَمْسَةٌ. قَوْلُهُ: (وَثِنْتَيْنِ فِي ثِنْتَيْنِ ثِنْتَانِ) يَعْنِي إنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ أَوْ نَوَى الظَّرْفَ أَوْ الضَّرْبَ لِمَا ذَكَرْنَا، وَإِنْ نَوَى مَعْنَى الْوَاوِ أَوْ مَعْنَى مَعَ وَقَعَتْ ثَلَاثٌ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا، وَفِي غَيْرِهَا ثِنْتَانِ فِي الْأَوَّلِ وَثَلَاثٌ فِي الثَّانِي كَمَا قَدَّمْنَاهُ قَوْلُهُ: (وَمِنْ هُنَا إلَى الشَّامِ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً) لِأَنَّهُ وَصَفَهُ بِالْقَصْرِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ مَتَى وَقَعَ وَقَعَ فِي جَمِيعِ الدُّنْيَا، وَفِي السَّمَوَاتِ فَلَمْ يَثْبُتْ بِهَذَا اللَّفْظِ زِيَادَةُ شِدَّةٍ، وَقَالَ التُّمُرْتَاشِيُّ: مَعَ أَنَّهُ إنَّمَا مَدَّ الْمَرْأَةَ لَا الطَّلَاقَ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ حَالٌ وَلَا يَصْلُحُ صَاحِبُ الْحَالِ فِي التَّرْكِيبِ إلَّا الضَّمِيرُ فِي طَالِقٍ قَوْلُهُ: (وَبِمَكَّةَ، وَفِي مَكَّةَ، وَفِي الدَّارِ تَنْجِيزٌ) فَتَطْلُقُ فِي الْحَالِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الدَّارِ وَلَا بِمَكَّةَ وَكَذَا فِي الظِّلِّ، وَفِي الشَّمْسِ، وَالثَّوْبُ كَالْمَكَانِ فَلَوْ قَالَ فِي ثَوْبِ كَذَا وَعَلَيْهَا غَيْرُهُ طَلُقَتْ لِلْحَالِ وَكَذَا لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ مَرِيضَةً أَوْ مُصَلِّيَةً   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَقِيلَ ثَلَاثٌ بِالْإِجْمَاعِ. . . إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ سَيَأْتِي فِي الْخُلْعِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ قَالَتْ طَلِّقْنِي ثَلَاثًا بِأَلْفٍ نَقْلًا عَنْ الْخُلَاصَةِ لَوْ قَالَتْ طَلِّقْنِي أَرْبَعًا بِأَلْفٍ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَهِيَ بِالْأَلْفِ وَلَوْ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً فَبِثُلُثِ الْأَلْفِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا هُنَا وَلَعَلَّ مَا هُنَا رِوَايَةٌ وَيَنْبَغِي اعْتِمَادُ مَا فِي الْخُلَاصَةِ لِأَنَّ الْمَنْظُورَ إلَيْهِ حُصُولُ الْمَقْصُودِ لَا اللَّفْظِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْخُلْعِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي عُرْفِ الْحِسَابِ. . إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَكَذَا الْإِلْزَامُ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَبْقَ فِي الدُّنْيَا فَقِيرٌ لِأَنَّ ضَرْبَ دِرْهَمِهِ فِي مِائَةِ أَلْفٍ مَثَلًا إنْ كَانَ عَلَى مَعْنَى الْإِخْبَارِ كَقَوْلِهِ عِنْدِي دِرْهَمٌ فِي مِائَةٍ فَهُوَ كَذِبٌ، وَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْإِنْشَاءِ كَجَعَلْتُهُ فِي مِائَةٍ لَا يُمْكِنُ لِأَنَّهُ لَا يَنْجَعِلُ بِقَوْلِهِ ذَلِكَ وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ وَمَا أَجَابَ بِهِ فِي الْبَحْرِ مَمْنُوعٌ بِالْفَرْقِ الْبَيِّنِ بَيْنَهُمَا اهـ. وَكَذَا رَدَّهُ تِلْمِيذُهُ فِي مِنَحِ الْغَفَّارِ بِأَنَّهُ لَمَّا تَكَلَّمَ بِعُرْفِهِمْ فَقَدْ تَكَلَّمَ بِلَفْظٍ مَوْضُوعٍ بِاعْتِبَارِ الْعُرْفِ لِمَعْنًى مَعْلُومٍ فَهُوَ مُتَكَلِّمٌ بِحَقِيقَةٍ عُرْفِيَّةٍ وَبِهِ يُوجَدُ صَلَاحِيَةُ اللَّفْظِ لِذَلِكَ وَاعْتِبَارُهُ بِقَوْلِهِ اسْقِنِي الْمَاءَ. . . إلَخْ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ كَمَا لَا يَخْفَى اهـ. وَكَذَا قَالَ الْمَقْدِسِيَّ وَلَا يَخْفَى أَنَّ اللَّفْظَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 285 أَوْ وَأَنْتِ مَرِيضَةٌ، وَإِنْ قَالَ عَنَيْت إذَا لَبِسْت أَوْ إذَا مَرِضْت صُدِّقَ دِيَانَةً لَا قَضَاءً لِمَا فِيهِ مِنْ التَّخْفِيفِ عَلَى نَفْسِهِ كَمَا إذَا قَصَدَ بِمَسْأَلَةِ الْكِتَابِ الدُّخُولَ فَيَتَعَلَّقُ بِهِ دِيَانَةً لَا قَضَاءً وَإِنَّمَا تَعَلَّقَ الطَّلَاقُ بِالزَّمَانِ دُونَ الْمَكَانِ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْفِعْلِ وَبَيْنَ الْفِعْلِ، وَالزَّمَانِ مُنَاسَبَةٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا بَقَاءَ لَهُمَا فَكَمَا يُوجَدَانِ يَذْهَبَانِ وَلِلْمَكَانِ بَقَاءٌ لَا يَتَجَدَّدُ كُلَّ سَاعَةٍ أَمَّا الزَّمَانُ يَتَجَدَّدُ وَيَحْدُثُ كُلَّ سَاعَةٍ كَالْفِعْلِ فَكَانَ اخْتِصَاصُ الطَّلَاقِ بِالزَّمَانِ أَكْثَرَ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ فِي اللَّيْلِ، وَالنَّهَارِ طَلُقَتْ وَاحِدَةً. وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ فِي اللَّيْلِ، وَفِي النَّهَارِ تَقَعُ ثِنْتَانِ وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ فِي لَيْلِك وَنَهَارِك طَلُقَتْ لِلْحَالِ، وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ إلَى رَأْسِ الشَّهْرِ أَوْ إلَى الشِّتَاءِ تَعَلَّقَ قَوْلُهُ: (وَإِذَا دَخَلْت مَكَّةَ تَعْلِيقٌ لِوُجُودِ حَقِيقَةِ التَّعْلِيقِ) وَكَذَا إذَا قَالَ أَنْت طَالِقٌ فِي دُخُولِك الدَّارَ أَوْ فِي لُبْسِك ثَوْبَ كَذَا يَتَعَلَّقُ بِالْفِعْلِ فَلَا تَطْلُقُ حَتَّى تَفْعَلَ لِأَنَّ حَرْفَ فِي لِلظَّرْفِ، وَالْفِعْلُ لَا يَصْلُحُ شَاغِلًا لَهُ فَيُحْمَلُ عَلَى مَعْنَى الشَّرْطِ لِلْمُنَاسَبَةِ بَيْنَهُمَا وَلَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ فِيهَا دُخُولِك الدَّارَ طَلُقَتْ فِي الْحَالِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَالْمِعْرَاجِ وَأَوْضَحَهُ فِي الذَّخِيرَةِ بِأَنَّهُ إذَا ذَكَرَ فِي بِدُونِ حَرْفِ الْهَاءِ يَصِيرُ صِفَةً لِلْمَذْكُورِ أَوَّلًا وَهُوَ الطَّلَاقُ، وَالدُّخُولُ لَا يَصْلُحُ ظَرْفًا لِأَنَّهُ فِعْلٌ فَجُعِلَ شَرْطًا فَصَارَ الطَّلَاقُ مُعَلَّقًا بِدُخُولِ الدَّارِ وَإِذَا ذُكِرَ فِي مَعَ حَرْفِ الْهَاءِ صَارَ صِفَةً لِلْمَذْكُورِ آخِرًا وَهُوَ الدُّخُولُ، وَالطَّلَاقُ لَا يَصْلُح ظَرْفًا لِلدُّخُولِ وَلَا يُمْكِنُ جَعْلُ الطَّلَاقِ شَرْطًا أَيْضًا لِلدُّخُولِ فَتَعَذَّرَ الْعَمَلُ بِالظَّرْفِيَّةِ، وَالشَّرْطِيَّةِ فَيُلْغِي كَلِمَةٌ فِي فَوَقَعَ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ اهـ. فَإِنْ كَانَتْ الرِّوَايَةُ بِهَاءِ التَّأْنِيثِ فَهِيَ رَاجِعَةٌ إلَى الطَّلْقَةِ، وَإِنْ كَانَ الضَّمِيرُ مُذَكَّرًا فَهُوَ عَائِدٌ إلَى الطَّلَاقِ كَمَا لَا يَخْفَى وَإِنَّمَا لَا يَصِحُّ التَّعْلِيقُ بِهَا فِي قَوْلِهِ لِأَجْنَبِيَّةٍ أَنْتِ طَالِقٌ فِي نِكَاحِك حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَهَا لَا تَقَعُ لِأَنَّهَا كَالتَّعْلِيقِ تَوَقُّفًا لَا تَرَتُّبًا وَتَمَامُهُ فِي الْأُصُولِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ مَا يَقُومُ بِهَا فِعْلًا اخْتِيَارِيًّا أَوْ غَيْرَهُ حَتَّى لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ فِي مَرَضِك أَوْ وَجَعِك أَوْ صَلَاتِك لَمْ تَطْلُقُ حَتَّى تَمْرَضَ أَوْ تُصَلِّيَ إمَّا لِأَنَّ " فِي " حَرْفٌ بِمَعْنَى مَعَ أَوْ لِأَنَّ الْمَرَضَ وَنَحْوَهُ لَمَّا لَمْ يَصْلُحْ ظَرْفًا حُمِلَ عَلَى مَعْنَى الشَّرْطِ مَجَازًا لِتَصْحِيحِ كَلَامِ الْعَاقِلِ. وَأَشَارَ فِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ إلَى قَاعِدَةٍ هِيَ أَنَّ الْإِضَافَةَ إنْ كَانَتْ إلَى الْمَوْجُودِ فَإِنَّهُ يَتَنَجَّزُ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ فِي الدَّارِ، وَإِنْ كَانَتْ إلَى مَعْدُومٍ فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ كَقَوْلِهِ فِي دُخُولِك وَقَيَّدَ بِفِي لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ لِدُخُولِك الدَّارَ أَوْ قَالَ لِحَيْضِك تَطْلُقُ لِلْحَالِ وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ بِدُخُولِك الدَّارَ أَوْ بِحَيْضِك لَا تَطْلُقُ حَتَّى تَدْخُلَ الدَّارَ وَتَحِيضَ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَفِي الْمُحِيطِ: لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ فِي حَيْضِك وَهِيَ حَائِضٌ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَحِيضَ أُخْرَى لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ دُرُورِ الدَّمِ وَنُزُولِهِ لِوَقْتِهِ فَكَانَ فِعْلًا فَصَارَ شَرْطًا كَمَا فِي الدُّخُولِ، وَالشَّرْطُ يُعْتَبَرُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَا فِي الْمَاضِي وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ فِي حَيْضَةٍ أَوْ فِي حَيْضَتِك لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَحِيضَ وَتَطْهُرَ لِأَنَّ الْحَيْضَةَ اسْمٌ لِلْحَيْضَةِ الْكَامِلَةِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَبَايَا أَوْطَاسٍ «أَلَا لَا تُوطَأُ الْحَبَالَى حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَلَا الْحَبَالَى حَتَّى يَسْتَبْرِئْنَ بِحَيْضَةٍ» فَأَرَادَ بِهَا كَمَالَهَا اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ ذَكَرَ الْحَيْضَةَ بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقُ كَانَ تَعْلِيقًا لِطَلَاقِهَا عَلَى الطُّهْرِ مِنْ حَيْضَةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ، وَإِنْ ذَكَرَهُ بِغَيْرِ تَاءٍ كَانَ تَعْلِيقًا عَلَى رُؤْيَةِ الدَّمِ بِشَرْطِ أَنْ يَمْتَدَّ ثَلَاثًا كَذَا فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ ثُمَّ قَالَ فِي الْمُحِيطِ: وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ طَلُقَتْ لِلْحَالِ لِأَنَّ الْوَقْتَ يَصْلُحُ ظَرْفًا لِكَوْنِهَا طَالِقًا وَمَتَى طَلُقَتْ فِي وَقْتٍ طَلُقَتْ فِي سَائِرِ الْأَوْقَاتِ وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ فِي مَجِيءِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى يَجِيءَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ لِأَنَّ الْمَجِيءَ فِعْلٌ فَلَمْ يَصْلُحْ ظَرْفًا فَصَارَ شَرْطًا وَلَا يُحْتَسَبُ بِالْيَوْمِ الَّذِي حَلَفَ فِيهِ لِأَنَّ الشُّرُوطَ تُعْتَبَرُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَا فِي الْمَاضِي وَمَجِيءُ الْيَوْمِ يَكُونُ مِنْ أَوَّلِهِ، وَقَدْ مَضَى جُزْءُ أَوَّلِهِ وَلَوْ قَالَ فِي مُضِيِّ يَوْمٍ تَطْلُقُ فِي الْغَدِ فِي مِثْلِ تِلْكَ السَّاعَةِ وَلَوْ قَالَ فِي مَجِيءِ يَوْمٍ تَطْلُقُ حِينَ يَطْلُعُ الْفَجْرُ مِنْ الْغَدِ لِأَنَّ الْمَجِيءَ عِبَارَةٌ عَنْ مَجِيءِ أَوَّلِ جُزْئِهِ يُقَالُ جَاءَ يَوْمُ   [منحة الخالق] صَرِيحٌ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ الضَّمِيرُ مُذَكَّرًا. . . إلَخْ) بِأَنْ قَالَ فِيهِ دُخُولُك الدَّارَ، وَالْوُقُوعُ فِيهِ لِلْحَالِ أَظْهَرُ لِكَوْنِهِ عَائِدًا إلَى الطَّلَاقِ كَذَا فِي النَّهْرِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 286 الْجُمُعَةِ كَمَا طَلَعَ الْفَجْرُ وَجَاءَ شَهْرُ رَمَضَانَ كَمَا هَلَّ الْهِلَالُ، وَإِنْ لَمْ يَجِئْ كُلُّهُ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إذَا جَاءَ أَوَّلُ جُزْءٍ مِنْهُ فَأَمَّا الْمُضِيُّ فَعِبَارَةٌ عَنْ جَمِيعِ أَجْزَاءِ الْيَوْمِ، وَقَدْ وُجِدَ مِنْ حِينِ حَلَفَ مُضِيُّ بَعْضِ يَوْمٍ لَا مُضِيُّ كُلِّهِ فَوَجَبَ ضَرُورَةُ تَتْمِيمِهِ مِنْ الْيَوْمِ الثَّانِي لِيَتَحَقَّقَ مُضِيُّ جَمِيعِ يَوْمٍ اهـ. وَفِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ " فِي " لِلظَّرْفِيَّةِ وَتُجْعَلُ شَرْطًا لِلتَّعَذُّرِ إلَى أَنْ قَالَ: وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ يَتَنَجَّزُ، وَالْوَكِيلُ بِهِ يَمْلِكُ ثَلَاثًا مُتَفَرِّقَةً قَالَ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ أَنْت طَالِقٌ فِي مُضِيِّ الْيَوْمِ يَقَعُ عِنْدَ غُرُوبِهَا، وَفِي مُضِيِّ الْيَوْمِ عِنْدَ مَجِيءِ تِلْكَ السَّاعَةِ وَكَذَا فِي مُضِيِّ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَوْ قَالَ لَيْلًا يَقَعُ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فِي الثَّالِثِ اهـ. وَصُورَةُ التَّوْكِيلِ بِهِ أَنْ يَقُولَ لِآخَرَ طَلِّقْ امْرَأَتِي فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْإِيقَاعَ لَا يَمْتَدُّ فَاقْتَضَى التَّفْرِيقَ بِخِلَافِ وَصْفِهَا بِالطَّلَاقِ فِي الثَّلَاثَةِ. (فَصْلٌ) يَعْنِي فِي إضَافَةِ الطَّلَاقِ إلَى الزَّمَانِ ذَكَرَ فِي بَابِ إيقَاعِ الطَّلَاقِ فَصَلَيْنَ بِاعْتِبَارِ تَنْوِيعِ الْإِيقَاعِ أَيْ مَا بِهِ عَلَى مَا قَدَّمْنَا إلَى مُضَافٍ وَمَوْصُوفٍ وَمُشَبَّهٍ وَغَيْرُهُ مُتَعَلِّقٌ بِمَدْخُولٍ بِهَا وَغَيْرِ مَدْخُولٍ بِهَا وَكُلٌّ مِنْهَا صِنْفٌ تَحْتَ ذَلِكَ الصِّنْفِ الْمُسَمَّى بَابًا كَمَا أَنَّ الْبَابَ يَكُونُ تَحْتَ الصِّنْفِ الْمُسَمَّى كِتَابًا، وَالْكُلُّ تَحْتَ الصِّنْفِ الَّذِي هُوَ نَفْسُ الْعِلْمِ الْمُدَوَّنِ فَإِنَّهُ صِنْفٌ عَالٍ، وَالْعِلْمُ مُطْلَقًا بِمَعْنَى الْإِدْرَاكِ جِنْسٌ وَمَا تَحْتَهُ مِنْ الْيَقِينِ، وَالظَّنِّ نَوْعٌ، وَالْعُلُومُ الْمُدَوَّنَةُ تَكُونُ ظَنِّيَّةً كَالْفِقْهِ وَقَطْعِيَّةً كَالْكَلَامِ، وَالْحِسَابِ، وَالْهَنْدَسَةِ فَوَاضِعُ الْعِلْمِ لَمَّا لَاحَظَ الْغَايَةَ الْمَطْلُوبَةَ لَهُ فَوَجَدَهَا تَتَرَتَّبُ عَلَى الْعِلْمِ بِأَحْوَالٍ شَتَّى أَوْ أَشْيَاءَ مِنْ جِهَةٍ خَاصَّةٍ وَضَعَهُ لِيَبْحَثَ عَنْ أَحْوَالِهِ مِنْ تِلْكَ الْجِهَةِ فَقَدْ قَيَّدَ ذَلِكَ النَّوْعَ مِنْ الْعِلْمِ بِعَارِضٍ كُلِّيٍّ فَصَارَ صِنْفًا وَقِيلَ الْوَاضِعُ صَنَّفَ الْعِلْمَ أَيْ جَعَلَهُ صِنْفًا فَالْوَاضِعُ أَوْلَى بِاسْمِ الْمُصَنِّفِ مِنْ الْمُؤَلِّفِينَ، وَإِنْ صَحَّ أَيْضًا فِيهِمْ وَعُلِمَ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ أَنَّهَا تَتَبَايَنُ مُنْدَرِجَةً تَحْتَ صِنْفٍ أَعْلَى لِتَبَايُنِ الْعَوَارِضِ الْمُقَيَّدِ بِكُلٍّ مِنْهَا النَّوْعُ وَإِنَّ مَا ذُكِرَ مِنْ نَحْوِ كِتَابِ الْحَوَالَةِ اللَّائِقُ بِهِ خِلَافُ تَسْمِيَتِهِ بِكِتَابٍ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَالصِّنْفُ فِي اللُّغَةِ الطَّائِفَةُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَقِيلَ النَّوْعُ كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ قَوْلُهُ: (أَنْت طَالِقٌ غَدًا أَوْ فِي غَدٍ تَطْلُقُ عِنْدَ الصُّبْحِ) لِأَنَّهُ وَصَفَهَا بِالطَّلَاقِ فِي جَمِيعِ الْغَدِ فِي الْأَوَّلِ لِأَنَّ جَمِيعَهُ هُوَ مُسَمَّى الْغَدِ فَتَعَيَّنَ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ لِعَدَمِ الْمُزَاحِمِ، وَفِي الثَّانِي وَصَفَهَا فِي جُزْءٍ مِنْهُ وَأَفَادَ أَنَّهُ إذَا أَضَافَهُ إلَى وَقْتٍ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ لِلْحَالِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَقَالَ مَالِكٌ يَقَعُ فِي الْحَالِ إذَا كَانَ الْوَقْتُ يَأْتِي لَا مَحَالَةَ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ إذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ أَوْ دَخَلَ رَمَضَانُ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَهُوَ بَاطِلٌ بِالتَّدْبِيرِ فَإِنَّ الْمَوْتَ يَأْتِي زَمَانُهُ لَا مَحَالَةَ وَلَا يَتَنَجَّزُ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الطَّلَاقَ يَتَأَقَّتُ. فَإِذَا قَالَ: أَنْت طَالِقٌ إلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ فَإِنَّهُ يَقَعُ بَعْدَ الْعَشَرَةِ وَتَكُونُ إلَى بِمَعْنَى بَعْدَ، وَالْعِتْقُ، وَالْكَفَالَةُ إلَى شَهْرٍ كَالطَّلَاقِ إلَيْهِ وَعَنْ الثَّانِي أَنَّهُ كَفِيلٌ فِي الْحَالِ، وَالْفَتْوَى أَنَّهُ كَفِيلٌ بَعْدَ شَهْرٍ، وَالْأَمْرُ بِالْيَدِ إلَى عَشَرَةٍ صَارَ الْأَمْرُ بِيَدِهَا لِلْحَالِ وَيَزُولُ بِمُضِيِّهَا وَلَوْ نَوَى أَنْ يَكُونَ بِيَدِهَا بَعْدَ الْعَشَرَةِ لَا يُصَدَّقُ قَضَاءً، وَالْبَيْعُ إلَى شَهْرٍ تَأْجِيلٌ لِلثَّمَنِ، وَالْوَكَالَةُ تَقْبَلُ التَّأْقِيتَ حَتَّى لَوْ تَصَرَّفَ بَعْدَ الْوَقْتِ لَا يَصِحُّ، وَفِي الْإِجَارَةِ إلَى شَهْرٍ تَعَيَّنَ مَا يَلِي الْعَقْدَ وَتَمَّتْ بِمُضِيِّهِ وَكَذَا فِي الْمُزَارَعَةِ، وَالشِّرْكَةِ إلَى شَهْرٍ كَالْإِجَارَةِ، وَالصُّلْحِ إلَى شَهْرٍ، وَالْقِسْمَةُ إلَيْهِ لَا تَصِحُّ، وَالْإِبْرَاءُ إلَى شَهْرٍ كَالطَّلَاقِ إلَّا إذَا قَالَ أَرَدْت التَّأْخِيرَ فَيَكُونُ تَأْجِيلًا إلَيْهِ، وَالْإِقْرَارُ إلَى شَهْرٍ إنْ صَدَّقَهُ الْمُقِرُّ لَهُ ثَبَتَ الْأَجَلُ، وَإِنْ كَذَّبَهُ لَزِمَ الْمَالُ حَالًّا، وَالْقَوْلُ لَهُ وَإِذْنُ الْعَبْدِ لَا يَتَأَقَّتُ، وَالتَّحْكِيمُ، وَالْقَضَاءُ يَقْبَلَانِ التَّأْقِيتَ نَهْيُ الْوَكِيلِ عَنْ الْبَيْعِ يَوْمًا يَتَأَقَّتُ هَذِهِ الْجُمْلَةُ لِبَيَانِ مَا يَتَوَقَّتُ وَمَا لَا يَتَوَقَّتُ ذَكَرْتهَا هُنَا لِكَثْرَةِ فَوَائِدِهَا وَهِيَ مَذْكُورَةٌ فِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ فَصْلِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ، وَفِيهَا مِنْ الْأَيْمَانِ أَنْتِ كَذَا إذَا جَاءَ غَدٌ يَمِينٌ أَنْتِ كَذَا غَدًا لَيْسَ بِيَمِينٍ لِأَنَّهُ أَضَافَهُ، وَالطَّلَاقُ الْمُضَافُ إلَى وَقْتَيْنِ يَنْزِلُ عِنْدَ أَوَّلِهِمَا، وَالْمُعَلَّقُ   [منحة الخالق] [فَصْلٌ فِي إضَافَةِ الطَّلَاقِ إلَى الزَّمَانِ] فَصْلٌ) (قَوْلُهُ: ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الطَّلَاقَ يَتَأَقَّتُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: قَالَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ رَجُلٌ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْت طَالِقٌ إلَى سَنَةٍ يَقَعُ بَعْدَ السَّنَةِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَحْتَمِلُ التَّأْقِيتَ فَتَكُونُ هَذِهِ إضَافَةً لِلْإِيقَاعِ إلَى مَا بَعْدَ السَّنَةِ. اهـ. فَالْحُكْمُ مُوَافِقٌ، وَالْعِلَّةُ مُخَالِفَةٌ لِمَا هُنَا، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ فِي الْأَمْرِ بِالْيَدِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَنَّ الْأَمْرَ يَحْتَمِلُ التَّوْقِيتَ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ حَتَّى لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ إلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ تَكُونُ إلَى بِمَعْنَى بَعْدُ لِأَنَّ تَأْجِيلَ الْوُقُوعِ غَيْرُ مُمْكِنٌ فَأَجَّلَ الْإِيقَاعَ وَلَوْ نَوَى أَنْ يَقَعَ فِي الْحَالِ يَقَعُ اهـ. فَتَعَيَّنَ أَنْ تَكُونَ كَلِمَةُ لَا سَاقِطَةً سَهْوًا أَوْ يَكُونَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ إيقَاعِ الطَّلَاقِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا قَالَ أَرَدْت التَّأْخِيرَ) فَيَكُونُ تَأْجِيلًا إلَيْهِ لِلْمُؤَلَّفِ فِي هَذَا بَحْثٌ يَأْتِي ذِكْرُهُ فِي بَابِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ (قَوْلُهُ: وَالطَّلَاقُ الْمُضَافُ إلَى وَقْتَيْنِ) أَيْ مُسْتَقْبَلَيْنِ فَلَوْ أَحَدُهَا حَالًّا فَسَيَأْتِي بَيَانُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ، وَفِي الْيَوْمِ غَدًا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 287 بِالْفِعْلَيْنِ عِنْدَ آخِرِهِمَا، وَالْمُضَافُ إلَى أَحَدِ الْوَقْتَيْنِ كَقَوْلِهِ غَدًا أَوْ بَعْدَ غَدٍ طَلُقَتْ بَعْدَ غَدٍ وَلَوْ عَلَّقَ بِأَحَدِ الْفِعْلَيْنِ يَنْزِلُ عِنْدَ أَوَّلِهِمَا، وَالْمُعَلَّقُ بِفِعْلٍ أَوْ وَقْتٍ يَقَعُ بِأَيِّهِمَا سَبَقَ، وَفِي الزِّيَادَاتِ إنْ وُجِدَ الْفِعْلُ أَوَّلًا يَقَعُ وَلَا يُنْظَرُ وُجُودُ الْوَقْتِ، وَإِنْ وُجِدَ الْوَقْتُ أَوَّلًا لَا يَقَعُ مَا لَمْ يُوجَدْ الْفِعْلُ اهـ. وَفِيهَا مِنْ فَصْلِ الِاسْتِثْنَاءِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً غَدًا أَوْ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا تَعَلَّقَ ثِنْتَانِ لِمَجِيءِ الْغَدِ وَكَلَامِ فُلَانٍ اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ: وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ تَطْلِيقَةً تَقَعُ عَلَيْك غَدًا تَطْلُقُ حِينَ يَطْلُعُ الْفَجْرُ فَإِنَّهُ وَصَفَ التَّطْلِيقَةَ بِمَا تَتَّصِفُ بِهِ فَإِنَّهَا تَتَّصِفُ بِالْوُقُوعِ غَدًا بِأَنْ كَانَتْ مُضَافَةً إلَى الْغَدِ فَلَا تَقَعُ بِدُونِ ذَلِكَ الْوَصْفِ، وَلَوْ قَالَ: تَطْلِيقَةً لَا تَقَعُ إلَّا غَدًا طَلُقَتْ لِلْحَالِ لِأَنَّهُ وَصَفَهَا بِمَا لَا تَتَّصِفُ بِهِ إذْ لَيْسَ مِنْ الطَّلَاقِ مَا لَا يَقَعُ إلَّا فِي الْغَدِ بَلْ يُتَصَوَّرُ وُقُوعُهُ حَالًا وَاسْتِقْبَالًا فَلَغَا ذِكْرُ الْوَصْفِ فَبَقِيَ مُرْسَلًا كَمَا لَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ تَطْلِيقَةً تَصِيرُ أَوْ تُصْبِحُ غَدًا وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ بَعْدَ يَوْمِ الْأَضْحَى تَطْلُقُ حِينَ يَمْضِي الْيَوْمُ لِأَنَّ الْبَعْدِيَّةَ صِفَةٌ لِلطَّلَاقِ لِمَا بَيَّنَّا فَصَارَ الطَّلَاقُ مُضَافًا إلَى مَا بَعْدَ يَوْمِ الْأَضْحَى فَلَمْ يَقَعْ قَبْلَهُ، وَلَوْ قَالَ بَعْدَهَا يَوْمُ الْأَضْحَى طَلُقَتْ لِلْحَالِ لِأَنَّ الْبَعْدِيَّةَ صِفَةٌ لِلْيَوْمِ فَيَتَأَخَّرُ الْيَوْمُ عَنْ الطَّلَاقِ فَبَقِيَ الطَّلَاقُ مُرْسَلًا غَيْرَ مُضَافٍ، وَلَوْ قَالَ مَعَ يَوْمِ الْأَضْحَى طَلُقَتْ حِينَ يَطْلُعُ فَجْرُهُ لِأَنَّ مَعَ لِلْقِرَانِ فَقَدْ جَعَلَ الْوُقُوعَ مُقَارِنًا لِيَوْمِ الْأَضْحَى وَلَوْ قَالَ مَعَهَا يَوْمُ الْأَضْحَى طَلُقَتْ لِلْحَالِ لِأَنَّ حَرْفَ مَعَ هُنَا دَخَلَتْ عَلَى الْوَقْتِ فَصَارَ مُضِيفًا الْوَقْتَ إلَى الطَّلَاقِ وَإِضَافَةُ الْوَقْتِ إلَى الطَّلَاقِ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يَتَجَزَّأُ فَيَبْقَى الطَّلَاقُ مُرْسَلًا كَمَا لَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ قَبْلَهَا يَوْمُ الْأَضْحَى طَلُقَتْ لِلْحَالِ اهـ. وَفِي الذَّخِيرَةِ: الْحَاصِلُ أَنَّ الطَّلَاقَ إذَا أُضِيفَ إلَى وَقْتٍ لَا يَقَعُ مَا لَمْ يَجِئْ ذَلِكَ الْوَقْتُ، وَإِنْ أُضِيفَ الْوَقْتُ إلَى الطَّلَاقِ وَقَعَ لِلْحَالِ، وَتَوْضِيحُهُ فِيهَا وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ غَدًا لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ لَا بَلْ غَدًا طَلُقَتْ السَّاعَةَ وَاحِدَةً، وَفِي الْغَدِ أُخْرَى كَذَا فِي الْمُحِيطِ مَعْزِيًّا إلَى أَبِي يُوسُفَ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ إنْ شِئْت فَأَنْتِ طَالِقٌ غَدًا فَالْمَشِيئَةُ إلَيْهَا لِلْحَالِ بِخِلَافِ أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا إنْ شِئْت فَإِنَّ الْمَشِيئَةَ إلَيْهَا فِي الْغَدِ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ قَالَ رَجُلٌ لِامْرَأَتِهِ: أَنْت طَالِقٌ غَدًا إذَا دَخَلْت الدَّارَ يَلْغُو ذِكْرُ الْغَدِ فَيَتَعَلَّقُ الطَّلَاقُ بِدُخُولِ الدَّارِ حَتَّى لَوْ دَخَلَتْ فِي أَيِّ وَقْتٍ كَانَ طَلُقَتْ وَهَذَا مُشْكِلٌ فَإِنَّهُ إذَا أَلْغَى ذِكْرَ الْغَدِ يَصِيرُ فَاصِلًا بَيْنَ الشَّرْطِ، وَالْجَزَاءِ فَوَجَبَ أَنْ يَتَجَزَّأَ الْجَزَاءُ وَلَوْ قَدَّمَ الشَّرْطَ وَقَالَ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْت طَالِقٌ غَدًا يَتَعَلَّقُ طَلَاقُ الْغَدِ بِالدُّخُولِ اهـ. وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْوَقْتِ إنَّمَا يَصِحُّ إذَا لَمْ يَأْتِ بَعْدَهُ تَعْلِيقٌ لِتَعَارُضِ الْإِضَافَةِ، وَالتَّعْلِيقِ فَيَتَرَجَّحُ الْمُتَأَخِّرُ. قَوْلُهُ: (وَنِيَّةُ الْعَصْرِ تَصِحُّ فِي الثَّانِي) أَيْ نِيَّةُ آخِرِ النَّهَارِ تَصِحُّ مَعَ ذِكْرِ كَلِمَةِ فِي وَلَا تَصِحُّ عِنْدَ حَذْفِهَا قَضَاءً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا لَا تَصِحُّ فِي الثَّانِي كَالْأَوَّلِ، وَالْفَرْقُ لَهُ عُمُومُ مُتَعَلَّقِهَا بِدُخُولِهَا مُقَدَّرَةً لَا مَلْفُوظَةً لُغَةً لِلْفَرْقِ بَيْنَ صُمْت سَنَةً، وَفِي سَنَةٍ لُغَةً وَكَذَا شَرْعًا فِيمَا لَوْ حَلَفَ لَيَصُومَن عُمْرَهُ فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ عُمُرِهِ حَتَّى لَا يَبَرَّ فِي يَمِينِهِ إلَّا بِصَوْمِ جَمِيعِ الْعُمُرِ وَلَوْ قَالَ لَأَصُومَن فِي عُمُرِي فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ سَاعَةً مِنْ عُمُرِهِ حَتَّى لَوْ صَامَ سَاعَةً بَرَّ فِي يَمِينِهِ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ فَنِيَّةُ جُزْءٍ مِنْ الزَّمَانِ مَعَ ذِكْرِهَا نِيَّةُ الْحَقِيقَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ الْجُزْءَ مِنْ أَفْرَادِ الْمُتَوَاطِئِ وَمَعَ حَذْفِهَا نِيَّةُ تَخْصِيصِ الْعَامِّ فَلَا يُصَدَّقُ قَضَاءً وَإِنَّمَا يَتَعَيَّنُ أَوَّلُ أَجْزَائِهِ مَعَ عَدَمِهَا لِعَدَمِ الْمُزَاحِمِ وَجَعْلُهُمْ لَفْظَةَ غَدٍ عَامًّا مَعَ كَوْنِهِ نَكِرَةً فِي الْإِثْبَاتِ لِتَنْزِيلِ الْأَجْزَاءِ مَنْزِلَةَ الْأَفْرَادِ وَكَانَ يَكْفِيهِمْ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ، وَفِيهِ تَخْفِيفٌ عَلَى نَفْسِهِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَا يَتَجَزَّأُ الزَّمَانُ فِي حَقِّهِ فَإِنَّهُ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْحَذْفِ، وَالْإِثْبَاتِ كَصَمْتِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَفِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ قَيَّدْنَا بِكَوْنِهِ قَضَاءً لِأَنَّهُ يُصَدَّقُ دِيَانَةً فِيهِمَا اتِّفَاقًا، وَالْيَوْمُ، وَالشَّهْرُ وَوَقْتُ الْعَصْرِ كَالْغَدِ فِيهِمَا وَمِثْلُ قَوْلِهِ فِي غَدٍ قَوْلُهُ: فِي شَعْبَانَ مَثَلًا فَإِذَا قَالَ أَنْت طَالِقٌ فِي شَعْبَانَ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ طَلُقَتْ حِينَ تَغِيبُ الشَّمْسُ مِنْ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَجَبٍ، وَإِنْ نَوَى آخِرَ يَوْمٍ مِنْ شَعْبَانَ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ وَمِمَّا تَفَرَّعَ عَلَى حَذْفِ فِي   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: إذْ لَيْسَ مِنْ الطَّلَاقِ مَا لَا يَقَعُ إلَّا فِي الْغَدِ. . . إلَخْ) قَالَ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِهِ: فِيهِ بَحْثٌ لِأَنَّ كَوْنَ الطَّلْقَةِ لَا تَقَعُ إلَّا غَدًا وَصْفٌ مُمْكِنٌ لَهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا قَبْلَهُ إذَا أُضِيفَتْ إلَيْهِ أَوْ عُلِّقَتْ بِمَجِيئِهِ، وَالْقَصْرُ شَائِعٌ سَائِغٌ فَلْيُحْمَلْ عَلَيْهِ صَوْنًا لَهُ عَنْ الْإِلْغَاءِ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ - أَعْلَمُ اهـ. وَيَتَلَخَّصُ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ دِيَانَةً إذَا أَرَادَ التَّخْصِيصَ وَإِلَّا فَظَاهِرُ الْكَلَامِ لَغْوٌ كَمَا قَالُوا لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ أَعَمِّ الْأَوْقَاتِ أَيْ لَا تَقَعُ عَلَيْك فِي الْأَوْقَاتِ الْحَالَّةِ، وَالْمُسْتَقْبِلَةِ إلَّا فِي الْغَدِ فَيَلْغُو الْوَصْفُ الْمَذْكُورُ (قَوْلُهُ: وَهَذَا مُشْكِلٌ. . . إلَخْ) أَقُولُ: وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ أَيْضًا مَا سَيَأْتِي بَعْدَ وَرَقَةٍ وَنِصْفٍ مِنْ أَنَّهُ إذَا قَالَ أَنْت طَالِقٌ الْيَوْمَ إذَا جَاءَ غَدٌ لَا تَطْلُقُ إلَّا بِطُلُوعِ الْفَجْرِ فَتَوَقَّفَ الْمُنَجَّزُ لِاتِّصَالِ مُغَيِّرِ الْأَوَّلِ بِالْآخِرِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 288 وَإِثْبَاتِهَا لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ كُلَّ يَوْمٍ يَقَعُ وَاحِدَةً عِنْدَ الثَّلَاثَةِ وَقَالَ زُفَرُ: تَقَعُ ثَلَاثٌ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَوْ قَالَ فِي كُلِّ يَوْمٍ طَلُقَتْ ثَلَاثًا فِي كُلِّ يَوْمٍ وَاحِدَةً إجْمَاعًا كَمَا لَوْ قَالَ عِنْدَ كُلِّ يَوْمٍ أَوْ كُلَّمَا مَضَى يَوْمٌ، وَالْفَرْقُ لَنَا أَنَّ فِي لِلظَّرْفِ، وَالزَّمَانُ إنَّمَا هُوَ ظَرْفٌ مِنْ حَيْثُ الْوُقُوعُ فَيَلْزَمُ مِنْ كُلِّ يَوْمٍ فِيهِ وُقُوعُ تَعَدُّدِ الْوَاقِعِ بِخِلَافِ كَوْنِ كُلِّ يَوْمٍ فِيهِ الِاتِّصَافُ بِالْوَاقِعِ فَلَوْ نَوَى أَنْ تَطْلُقَ كُلَّ يَوْمٍ تَطْلِيقَةً أُخْرَى صَحَّتْ نِيَّتُهُ، وَفِي الْخُلَاصَةِ أَنْت طَالِقٌ مَعَ كُلِّ يَوْمٍ تَطْلِيقَةً فَإِنَّهَا تَطْلُقُ ثَلَاثًا سَاعَةَ حَلَفَ، وَفِي التَّتِمَّةِ أَنْت طَالِقٌ رَأْسَ كُلِّ شَهْرٍ تَطْلُقُ ثَلَاثًا فِي رَأْسِ كُلِّ شَهْرٍ وَاحِدَةً وَلَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ رَأْسَ كُلِّ شَهْرٍ طَلُقَتْ وَاحِدَةً لِأَنَّ فِي الْأَوَّلِ بَيْنَهُمَا فَصْلٌ فِي الْوُقُوعِ وَلَا كَذَلِكَ فِي الثَّانِي وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ كُلَّ جُمُعَةٍ فَإِنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ عَلَى كُلِّ يَوْمِ جُمُعَةٍ فَهِيَ طَالِقٌ فِي كُلِّ يَوْمِ جُمُعَةٍ حَتَّى تَبِينَ بِثَلَاثٍ، وَإِنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ عَلَى كُلِّ جُمُعَةٍ تَمُرُّ بِأَيَّامِهَا عَلَى الدَّهْرِ فَهِيَ طَالِقٌ وَاحِدَةً، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَهِيَ وَاحِدَةٌ اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ: أَنْت عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي كُلَّ يَوْمٍ كَانَ ظِهَارًا وَاحِدًا فَلَا يَقْرَبُهَا لَيْلًا وَلَا نَهَارًا حَتَّى يُكَفِّرَ كَمَا لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ كُلَّ يَوْمٍ وَلَوْ قَالَ فِي كُلِّ يَوْمٍ كَانَ مُظَاهِرًا فِي كُلِّ يَوْمٍ لِأَنَّهُ أَفْرَدَ كُلَّ يَوْمٍ بِالظِّهَارِ فَإِذَا جَاءَ اللَّيْلُ بَطَلَ الظِّهَارُ وَعَادَ مِنْ الْغَدِ لِأَنَّ الظِّهَارَ يَتَوَقَّتُ فَإِذَا مَضَى الْوَقْتُ بَطَلَ الظِّهَارُ، وَإِنْ كَفَّرَ فِي كُلِّ يَوْمٍ فَلَهُ أَنْ يَقْرَبَهَا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لِأَنَّ الظِّهَارَ قَدْ ارْتَفَعَ بِالتَّكْفِيرِ وَعَادَ مِنْ الْغَدِ، وَلَوْ قَالَ أَنْت عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي الْيَوْمَ وَكُلَّمَا جَاءَ يَوْمٌ كَانَ مُظَاهِرًا الْيَوْمَ فَإِذَا جَاءَ اللَّيْلُ بَطَلَ وَلَهُ أَنْ يَقْرَبَهَا لَيْلًا لِأَنَّهُ وَقَّتَهُ بِالْيَوْمِ فَإِذَا جَاءَ الْغَدُ صَارَ مُظَاهِرًا وَلَا يَقْرَبُهَا لَيْلًا وَلَا نَهَارًا حَتَّى يُكَفِّرَ وَكَذَلِكَ فِي كُلِّ يَوْمٍ هُوَ مُظَاهِرٌ ظِهَارًا مُسْتَقْبَلًا عِنْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ لَا يُبْطِلُهُ إلَّا كَفَّارَةٌ عَلَى حِدَةٍ لِأَنَّهُ ذَكَرَهُ بِكَلِمَةِ كُلَّمَا فَيَنْعَقِدُ كُلَّ يَوْمٍ ظِهَارٌ عَلَى حِدَةٍ وَهُوَ مُرْسَلٌ فَيَقَعُ مُؤَبَّدًا اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَيَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ لَا أُكَلِّمُهُ كُلَّ يَوْمٍ اللَّيْلَةَ حَتَّى لَوْ كَلَّمَهُ فِي اللَّيْلِ فَهُوَ كَالْكَلَامِ بِالنَّهَارِ كَمَا فِي قَوْلِهِ أَيَّامَ هَذِهِ الْجُمُعَةِ، وَفِي قَوْلِهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ لَا تَدْخُلُ اللَّيْلَةُ حَتَّى لَوْ كَلَّمَهُ فِي اللَّيْلِ لَا يَحْنَثُ لَا يُكَلِّمُهُ الْيَوْمَ وَغَدًا وَبَعْدَ غَدٍ فَهَذَا عَلَى كَلَامٍ وَاحِدٍ لَيْلًا كَانَ أَوْ نَهَارًا وَلَوْ قَالَ فِي الْيَوْمِ، وَفِي غَدٍ، وَفِي بَعْدَ غَدٍ لَا يَحْنَثُ حَتَّى يُكَلِّمَ فِي كُلِّ يَوْمٍ سَمَّاهُ وَلَوْ كَلَّمَهُ لَيْلًا لَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ اهـ. وَمِمَّا يَدْخُلُ تَحْتَ هَذَا الْأَصْلِ مَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِيُنْجِزَ لَهُ كَذَا مِنْ الدَّقِيقِ الْيَوْمَ فَسَدَتْ لِجَهَالَةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ مِنْ كَوْنِهِ الْعَمَلَ أَوْ الْمَنْفَعَةَ وَلَوْ قَالَ فِي الْيَوْمِ لَا تَفْسُدُ لِأَنَّهُ لِلظَّرْفِ لَا لِتَقْدِيرِ الْمُدَّةِ فَكَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ الْعَمَلَ فَقَطْ ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي الْإِجَارَاتِ، وَفِي التَّلْوِيحِ وَمِمَّا خَرَجَ عَنْ هَذَا الْأَصْلِ مَا رَوَى إبْرَاهِيمُ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إذَا قَالَ أَمْرُك بِيَدِك رَمَضَانَ أَوْ فِي رَمَضَانَ فَهُمَا سَوَاءٌ وَكَذَا غَدًا أَوْ فِي غَدٍ وَيَكُونُ الْأَمْرُ بِيَدِهَا فِي رَمَضَانَ أَوْ فِي الْغَدِ كُلِّهِ اهـ. يَعْنِي: فَلَمْ يَتَعَيَّنْ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ هُنَا وَهَذِهِ رِوَايَةٌ ضَعِيفَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ لِمَا فِي الْمُحِيطِ مِنْ بَابِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَوْ قَالَ أَمْرُك بِيَدِك الْيَوْمَ فَهُوَ عَلَى الْيَوْمِ كُلِّهِ وَلَوْ قَالَ فِي هَذَا الْيَوْمِ فَهُوَ عَلَى مَجْلِسِهَا وَهُوَ صَحِيحٌ مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ فِي الْغَدِ اهـ. مَا فِي الْمُحِيطِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْبَزَّازِيَّةِ فَلَمْ يَخْرُجْ عَنْ هَذَا الْأَصْلِ وَعَلَى تِلْكَ الرِّوَايَةِ فَالْفَرْقُ أَنَّ الطَّلَاقَ مِمَّا لَا يَمْتَدُّ بِخِلَافِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ، وَفِي الصَّيْرَفِيَّةِ قَالَ لَهَا إنْ طَلَّقْتُك غَدًا فَأَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا فِي هَذَا الْيَوْمِ يَنْبَغِي أَنْ تَطْلُقَ ثَلَاثًا لِلْحَالِ لِأَنَّ الثَّلَاثَ فِي الْيَوْمِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَفِي الْخُلَاصَةِ أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ كُلِّ يَوْمٍ تَطْلِيقَةٌ) أَقُولُ: لَيْسَ فِي عِبَارَةِ الْخُلَاصَةِ لَفْظَةُ يَوْمٍ بَلْ عِبَارَتُهَا أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ كُلِّ تَطْلِيقَةٍ وَسَيَنْقُلُهَا الْمُؤَلِّفُ هَكَذَا عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ قُبَيْلَ فَصْلِ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ (قَوْلُهُ: وَفِي التَّتِمَّةِ أَنْتِ طَالِقٌ رَأْسَ كُلِّ شَهْرٍ. إلَخْ) الَّذِي رَأَيْته فِي الذَّخِيرَةِ وَكَذَا فِي الْهِنْدِيَّةِ عَنْ الذَّخِيرَةِ وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ رَأْسَ كُلِّ شَهْرٍ تَطْلُقُ ثَلَاثًا فِي رَأْسِ كُلِّ شَهْرٍ وَاحِدَةً وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ فِي كُلِّ شَهْرٍ طَلُقَتْ وَاحِدَةً. إلَخْ وَهَكَذَا رَأَيْته فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُنْتَقَى وَبِهِ يُعْلَمُ مَا فِي عِبَارَتِهِ مِنْ التَّحْرِيفِ وَقَوْلُهُ: لِأَنَّ فِي الْأَوَّلِ بَيْنَهُمَا فَصْلٌ. إلَخْ. وَجْهُهُ أَنَّ رَأْسَ الشَّهْرِ أَوَّلُهُ فَبَيْنَ رَأْسِ الشَّهْرِ وَرَأْسِ الشَّهْرِ فَاصِلٌ فَاقْتَضَى إيقَاعَ طَلْقَةٍ فِي أَوَّلِ كُلِّ شَهْرٍ بِخِلَافِ قَوْلِهِ فِي كُلِّ شَهْرٍ فَإِنَّ الْوَقْتَ الْمُضَافَ إلَيْهِ الطَّلَاقُ مُتَّصِلٌ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ وَقْتٍ وَاحِدٍ كَذَا ظَهَرَ لِي وَمِثْلُهُ يُقَالُ فِي قَوْلِهِ بَعْدَهُ فِي أَنْتِ طَالِقٌ كُلَّ جُمُعَةٍ فَإِذَا نَوَى بِهَا الْيَوْمَ الْمَخْصُوصَ الْمُسَمَّى بِالْجُمُعَةِ صَارَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ رَأْسَ كُلِّ شَهْرٍ، وَإِنْ نَوَى بِهَا الْأُسْبُوعَ صَارَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ فِي كُلِّ شَهْرٍ (قَوْلُهُ: وَهَذِهِ رِوَايَةٌ ضَعِيفَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ) دَفَعَ الْمُخَالَفَةَ مِنْ أَصْلِهَا السَّيِّدُ الشَّرِيفُ فِي حَوَاشِي التَّلْوِيحِ بِأَنَّ مَا مَرَّ فِي الْفَرْقِ فِي إثْبَاتِ الظَّرْفِ وَحَذْفِهِ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَخَالَفَهُ صَاحِبَاهُ لِعَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَغَيْرُهُ قَالَ وَعَلَى هَذَا لَا مُخَالَفَةَ فِيمَا رَوَى إبْرَاهِيمُ عَنْ مُحَمَّدٍ لِذَهَابِهِ عَلَى مَذْهَبِهِ اهـ. وَعَلَى هَذَا؛ فَالظَّاهِرُ أَنَّ عَنْ مُحَمَّدٍ رِوَايَةً وَافَقَ فِيهَا الْإِمَامَ وَأَنَّ مَذْهَبَهُ عَدَمُ الْفَرْقِ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ الْمُحِيطِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَا كَمَا يُوهِمُهُ كَلَامُ الْمُؤَلِّفِ مِنْ الْعَكْسِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الثَّلَاثَ فِي الْيَوْمِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 289 لَا تَصْلُحُ جُزْءًا لِلطَّلَاقِ فِي الْغَدِ اهـ. وَفِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ وَعَبْدُهُ حُرٌّ غَدًا أَوْ وَسَطَ غَدٍ وَقَعَا فِيهِ لِإِضَافَتِهِمَا إلَيْهِ قَالَ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ الْيَوْمَ وَعَبْدُهُ حُرٌّ غَدًا كَانَ كَمَا قَالَ وَلَوْ ذَكَرَ غَدًا مُتَقَدِّمًا يَتَأَخَّرُ الْعِتْقُ عَلَى الْأَصَحِّ وَلَوْ اسْتَثْنَى فِي آخِرِهِ انْصَرَفَ إلَى الْكُلِّ اهـ. ذَكَرَهُ فِي بَابِ الْحِنْثِ يَقَعُ بِأَمْرَيْنِ أَوْ بِأَمْرٍ وَاحِدٍ، وَفِي الْخَانِيَّةِ طَلِّقْ امْرَأَتِي غَدًا فَقَالَ لَهَا الْوَكِيلُ أَنْت طَالِقٌ غَدًا كَانَ بَاطِلًا. قَوْلُهُ: (وَفِي الْيَوْمِ غَدًا أَوْ غَدًا الْيَوْمَ يُعْتَبَرُ الْأَوَّلُ) أَيْ يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي أَوَّلِ الْوَقْتَيْنِ تَفَوَّهَ بِهِ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ نَجَّزَهُ فَلَا يَقَعُ مُتَأَخِّرًا إلَى وَقْتٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَلَا يُعْتَبَرُ لِإِضَافَةٍ أُخْرَى لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِأَنَّهَا إذَا طَلُقَتْ الْيَوْمَ كَانَتْ غَدًا كَذَلِكَ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ وَقَعَ مُضَافًا بَعْدَهُ فَلَا يَكُونُ مُنَجَّزًا بَعْدَهُ بَلْ لَوْ اُعْتُبِرَ كَانَ تَطْلِيقًا آخَرَ وَإِنَّمَا وَصَفَهَا بِوَاحِدَةٍ فَلَزِمَ إلْغَاءُ الثَّانِي ضَرُورَةً وَلَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ نَسْخًا لِلْأَوَّلِ لِأَنَّ النَّسْخَ إنَّمَا يَكُونُ بِكَلَامٍ مُسْتَجَدٍّ مُتَرَاخٍ وَهُوَ مُنْتَفٍ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ الْيَوْمَ غَدًا لِأَنَّهُ إذَا قَالَ أَنْت طَالِقٌ الْيَوْمَ إذَا جَاءَ غَدٌ لَا تَطْلُقُ إلَّا بِطُلُوعِ الْفَجْرِ فَتَوَقَّفَ الْمُنَجَّزُ لِاتِّصَالِهِ بِغَيْرِ الْأَوَّلِ بِالْآخَرِ، وَقَدْ جَعَلُوا الشَّرْطَ مُغَيِّرًا لِلْأَوَّلِ دُونَ الْإِضَافَةِ، وَقَدْ طُولِبُوا بِالْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَمَا ذَكَرُوا مِنْ أَنَّ الْيَوْمَ فِي الشَّرْطِ لِبَيَانِ وَقْتِ التَّعْلِيقِ لَا لِبَيَانِ وَقْتِ الْوُقُوعِ، وَفِي الْإِضَافَةِ لِبَيَانِ وَقْتِ الْوُقُوعِ لَا يُفِيدُ فَرْقًا وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ الْيَوْمَ وَإِذَا جَاءَ غَدٌ طَلُقَتْ وَاحِدَةً لِلْحَالِ وَأُخْرَى فِي الْغَدِ لِأَنَّ الْمَجِيءَ شَرْطٌ مَعْطُوفٌ عَلَى الْإِيقَاعِ، وَالْمَعْطُوفُ غَيْرُ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ، وَالْمُوَقَّعُ لِلْحَالِ لَا يَكُونُ مُتَعَلِّقًا بِشَرْطٍ فَلَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ الْمُتَعَلِّقُ تَطْلِيقَةً أُخْرَى كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ أَنْت طَالِقٌ السَّاعَةَ وَغَدًا أُخْرَى بِأَلْفٍ فَقَبِلَتْ وَقَعَتْ وَاحِدَةً لِلْحَالِ بِنِصْفِ الْأَلْفِ، وَالْأُخْرَى غَدًا بِغَيْرِ شَيْءٍ، وَإِنْ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ مَجِيءِ الْغَدِ ثُمَّ جَاءَ الْغَدُ تَقَعُ أُخْرَى بِخَمْسِمِائَةٍ أُخْرَى اهـ. وَذِكْرُ الْوَاوِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَعَدَمُ ذِكْرِهَا سَوَاءٌ حَتَّى لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ الْيَوْمَ وَغَدًا أَوْ أَوَّلَ النَّهَارِ وَآخِرَهُ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ إلَّا وَاحِدَةً إلَّا إذَا نَوَى أُخْرَى فَيَتَعَدَّدُ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ وَغَدًا وَقَعَتْ وَاحِدَةً وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ غَدًا، وَالْيَوْمَ وَقَعَتْ ثِنْتَانِ لِلْمُغَايَرَةِ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ عِنْدَ الِاحْتِيَاجِ وَهُوَ فِي الثَّانِيَةِ دُونَ الْأُولَى وَكَذَا لَوْ قَالَ أَمْسِ، وَالْيَوْمَ فَهِيَ ثِنْتَانِ لِأَنَّ الْوَاقِعَ فِي الْيَوْمِ لَا يَكُونُ وَاقِعًا فِي الْأَمْسِ فَاقْتَضَى أُخْرَى وَلَوْ قَالَ الْيَوْمَ وَأَمْسِ فَهِيَ وَاحِدَةٌ مِثْلُ قَوْلِهِ الْيَوْمَ وَغَدًا كَذَا فِي الْمُحِيطِ فِيهِ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ غَدًا، وَالْيَوْمَ وَبَعْدَ غَدٍ، وَالْمَرْأَةُ مَدْخُولٌ بِهَا يَقَعُ ثَلَاثًا خِلَافًا زُفَرَ، وَفِي الْخَانِيَّةِ أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ وَبَعْدَ غَدٍ طَلُقَتْ ثِنْتَيْنِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَيَّدْنَا بِعَدَمِ النِّيَّةِ لِأَنَّهُ لَوْ نَوَى فِي الْأُولَى أَنْ يَقَعَ عَلَيْهَا الْيَوْمَ وَاحِدَةً وَغَدًا وَاحِدَةً صَحَّ وَوَقَعَتْ ثِنْتَانِ وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ الْيَوْمَ وَغَدًا وَبَعْدَ غَدٍ تَقَعُ وَاحِدَةً بِلَا نِيَّةٍ فَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا مُتَفَرِّقَةً عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَقَعْنَ كَذَلِكَ وَاسْتُفِيدَ مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ بِالنَّهَارِ أَنْت طَالِقٌ بِاللَّيْلِ، وَالنَّهَارِ يَقَعُ عَلَيْهِ تَطْلِيقَتَانِ وَلَوْ قَالَ بِالنَّهَارِ، وَاللَّيْلِ تَقَعُ وَاحِدَةً وَلَوْ كَانَ بِاللَّيْلِ انْعَكَسَ الْحُكْمُ كَذَا فِي التَّنْقِيحِ لِلْمَحْبُوبِيِّ وَعَلَى هَذَا فَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ آخِرَ النَّهَارِ وَأَوَّلُهُ تَطْلُقُ ثِنْتَيْنِ وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ أَوَّلَ النَّهَارِ وَآخِرَهُ تَطْلُقُ وَاحِدَةً مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَتْ هَذِهِ الْمَقَالَةُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ فَلَوْ كَانَتْ فِي آخِرِ النَّهَارِ انْعَكَسَ الْحُكْمُ، وَفِي الْمُحِيطِ الْأَصْلُ أَنَّ الطَّلَاقَ مَتَى أُضِيفَ إلَى وَقْتَيْنِ مُسْتَقْبَلَيْنِ نَزَلَ فِي أَوَّلِهِمَا لِيَصِيرَ   [منحة الخالق] لَا تَصْلُحُ جُزْءًا لِلطَّلَاقِ فِي الْغَدِ) قَالَ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِهِ قُلْت فَيَنْبَغِي أَنْ يَلْغُوَ الْيَوْمُ فَيَتَعَلَّقُ بِالْغَدِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ ذَكَرَ تَأَخُّرَ الْعِتْقِ عَلَى الْأَصَحِّ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَفِي بَعْضِهَا بَيَاضٌ بَعْدَ قَوْلِهِ ذَكَرُوا فِي بَعْضِهَا وَلَوْ ذَكَرَ الِاسْتِثْنَاءَ تَأَخَّرَ الْعِتْقُ، وَفِي بَعْضِهَا وَلَوْ ذَكَرَ غَدًا مُتَقَدِّمًا تَأَخَّرَ الْعِتْقَ وَهِيَ أَنْسَبُ أَيْ بِأَنْ قَالَ: غَدًا أَنْت طَالِقٌ وَعَبْدُهُ حُرٌّ فَلْيُرَاجَعْ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ الْيَوْمَ وَأَمْسِ فَهِيَ وَاحِدَةٌ) قَالَ فِي النَّهْرِ: أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الْعِلَّةَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْأَمْسِ، وَالْيَوْمِ تَأْتِي فِي الْيَوْمِ، وَالْأَمْسِ فَتَدَبَّرْ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا فَإِنَّهُ دَقِيقٌ عَلَى أَنَّ مُقْتَضَى الضَّابِطِ أَيْ الْآتِي قَرِيبًا وُقُوعُ وَاحِدَةٍ فِي الْأَمْسِ، وَالْيَوْمِ لِأَنَّهُ بَدَأَ بِالْكَائِنِ وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ اهـ. قُلْت قَالَ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِهِ: وَفِي الذَّخِيرَةِ طَالِقٌ أَمْسِ، وَالْيَوْمَ تَقَعُ وَاحِدَةً وَلَوْ قَالَ الْيَوْمَ وَأَمْسِ تَقَعُ ثِنْتَانِ وَنُقِلَ عَنْ الْمُحِيطِ خِلَافُهُ، وَفِيهِ بَحْثٌ لِأَنَّ إيقَاعَهُ فِي أَمْسِ إيقَاعٌ فِي الْيَوْمِ فَكَأَنَّهُ كَرَّرَ الْيَوْمَ اهـ. قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ وَهُوَ الْحَقُّ (قَوْلُهُ: فَلَوْ كَانَتْ فِي آخِرِهِ انْعَكَسَ الْحُكْمُ) قَالَ فِي النَّهْرِ: يَعْنِي فَيَقَعُ فِي قَوْلِهِ أَوَّلَ النَّهَارِ وَآخِرَهُ إذَا قَالَهُ فِي آخِرِ النَّهَارِ ثِنْتَانِ، وَفِي آخِرِ النَّهَارِ وَأَوَّلِهِ وَاحِدَةٌ وَأَقُولُ: قَدْ يُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا فِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ وَسَطَ النَّهَارِ أَنْت طَالِقٌ أَوَّلَ النَّهَارِ وَآخِرَهُ وَقَعَتْ وَاحِدَةً لِأَنَّهُ بَدَأَ بِالْوَقْتِ الْكَائِنِ فَجَعَلَ الْمَاضِي بِقَيْدِ كَوْنِهِ فِيهِ كَائِنًا وَهَذَا يُفِيدُ لَوْ كَانَ فِي آخِرِ النَّهَارِ وَقَعَتْ وَاحِدَةً أَيْضًا لِأَنَّهُ بَدَأَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 290 وَاقِعًا فِيهِمَا. وَإِنْ كَانَ أَحَدُ الْوَقْتَيْنِ كَائِنًا، وَالْآخَرُ مُسْتَقْبَلًا وَبَيْنَهُمَا حَرْفُ الْعَطْفِ فَإِنْ بَدَأَ بِالْكَائِنِ وَقَعَ طَلَاقٌ وَاحِدٌ فِي أَوَّلِهِمَا، وَإِنْ بَدَأَ بِالْمُسْتَقْبَلِ وَقَعَ طَلَاقَانِ اهـ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ قَالَ لَهَا أَنْت طَالِقٌ مَا خَلَا الْيَوْمَ طَلُقَتْ لِلْحَالِ اهـ. وَفِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ لَوْ قَالَ لَهَا أَنْت طَالِقٌ طَلَاقًا لَا يَقَعُ إلَّا غَدًا أَوْ طَلَاقًا لَا يَقَعُ إلَّا فِي دُخُولِك الدَّارَ وَقَعَ لِلْحَالِ وَلَا يَتَقَيَّدُ بِالدُّخُولِ وَلَا بِالْغَدِ لِأَنَّهُ وَصَفَهُ بِمَا لَا يَصْلُحُ وَصْفًا لَهُ إذْ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ الطَّلَاقُ وَاقِعًا فِي غَدٍ فَقَطْ أَوْ فِي دُخُولِهَا فَقَطْ وَهَذَا بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ تَطْلِيقَةً لَا تَقَعُ عَلَيْك إلَّا بَائِنًا حَيْثُ تَقَعُ عَلَيْهَا وَاحِدَةً بَائِنَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَلْحَقُ الْوَصْفُ، وَفِي الْمُحِيطِ الْأَصْلُ أَنَّ الطَّلَاقَ مَتَى أُضِيفَ إلَى أَحَدِ الْوَقْتَيْنِ وَقَعَ عِنْدَ آخِرِهِمَا كَقَوْلِهِ أَنْت طَالِق غَدًا أَوْ رَأْسَ الشَّهْرِ يَقَعُ عِنْدَ رَأْسِ الشَّهْرِ وَكَذَا الْيَوْمَ أَوْ غَدًا يَقَعُ عِنْدَ الْغَدِ، وَإِنْ عَلَّقَهُ بِفِعْلَيْنِ يَقَعُ عِنْدَ آخِرِهِمَا نَحْوُ إذَا جَاءَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ فَلَا يَقَعُ إلَّا عِنْدَ مَجِيئِهِمَا، وَإِنْ عَلَّقَ بِأَحَدِ الْفِعْلَيْنِ يَقَعُ عِنْدَ أَوَّلِهِمَا نَحْوُ: إذَا جَاءَ فُلَانٌ أَوْ جَاءَ فُلَانٌ فَأَيُّهُمَا جَاءَ طَلُقَتْ، وَإِنْ عَلَّقَهُ بِالْفِعْلِ، وَالْوَقْتِ يَقَعُ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ تَطْلِيقَةٌ، وَإِنْ عَلَّقَهُ بِفِعْلٍ أَوْ وَقْتٍ فَإِنْ سَبَقَ الْفِعْلُ وَقَعَ وَلَمْ يُنْتَظَرْ الْوَقْتُ، وَإِنْ سَبَقَ الْوَقْتُ لَمْ يَقَعْ حَتَّى يُوجَدَ الْفِعْلُ وَتَمَامُهُ فِيهِ. وَفِي التَّلْخِيصِ: لَوْ قَالَ طَالِقٌ الْيَوْمَ وَرَأْسَ الشَّهْرِ اتَّحَدَ الْوَاقِعُ فِي الْأَصَحِّ بِخِلَافِ التَّخْيِيرِ لِأَنَّ الْأَوَّلَ انْتَهَى بِالْغُرُوبِ كَالظِّهَارِ إذْ الْوَقْتُ كَالْمَجْلِسِ فَقَدْرُ الصَّدْرِ مُعَادٌ إحْذَارَ اللَّغْوِ كَذَا يَوْمًا وَيَوْمًا لَا لِأَنَّ لَا لَغْوَ إلَّا أَنْ يَزِيدَ أَبَدًا تَرْجِيحًا لِلتَّعْدِيدِ عَلَى النَّفْيِ بِالْعُرْفِ عَكْسَ الْأَوَّلِ فَيَقَعُ ثَلَاثًا آخِرُهُنَّ فِي الْخَامِسِ، وَفِي نُسْخَةٍ السَّادِسُ بَدَأَ مِنْ الثَّانِي إذَا أَضَافَ إلَى أَحَدِ الْوَقْتَيْنِ، وَالْأَظْهَرُ الْبُدَاءَةُ مِنْ الْأَوَّلِ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ كَمَا لَوْ لَمْ يَزِدْ وَلَهُ النِّيَّةُ إلَّا أَنْ يُتَّهَمَ فَتُرَدُّ قَضَاءً اهـ. وَتَوْضِيحُهُ فِي شَرْحِهِ، وَفِي الْجَامِعِ لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ الْمُعَلَّقُ بِشَرْطَيْنِ يَنْزِلُ عِنْدَ آخِرِهِمَا وَبِأَحَدِهِمَا عِنْدَ الْأَوَّلِ، وَالْمُضَافُ بِالْعَكْسِ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ غَدًا وَبَعْدَهُ يَقَعُ غَدًا وَبَعْدَهُ فِي أَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ إذَا جَاءَ زَيْدٌ وَعَمْرٌو يَقَعُ عِنْدَ آخِرِهِمَا وَبِأَوْ عِنْدَ الْأَوَّلِ قَالَ: إنْ دَخَلَ هَذِهِ فَعَبْدُهُ حُرٌّ أَوْ إنْ كَلَّمَهُنَّ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ أَيُّهُمَا وُجِدَ شَرْطُهَا نَزَلَ جَزَاؤُهَا وَتَبْطُلُ الْأُخْرَى، وَإِنْ وُجِدَا مَعًا يَتَخَيَّرُ وَلَا يَتَخَيَّرُ قَبْلَهُ قَالَ أَنْت طَالِقٌ غَدًا أَوْ عَبْدُهُ حُرٌّ بَعْدَهُ يَنْزِلُ أَحَدُهُمَا بَعْدَهُ وَيَتَخَيَّرُ قَالَ أَنْت طَالِقٌ إنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ، وَإِنْ دَخَلْت هَذِهِ أَوْ أَوْسَطُ الْجَزَاءِ يَتَعَلَّقُ بِأَحَدِهِمَا وَلَا يَتَعَدَّدُ، وَإِنْ أَخَّرَهُ فِيهِمَا وَكَذَا إنْ لَمْ يُعِدْ حَرْفَ الشَّرْطِ قَدَّمَ أَوْ وَسَطَ أَوْ أَخَّرَ ذِكْرَهُ فِي الْأَيْمَانِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ أَنْت طَالِقٌ غَدًا إنْ شِئْت كَانَتْ الْمَشِيئَةُ إلَيْهَا فِي الْغَدِ وَلَوْ قَالَ لَهَا   [منحة الخالق] بِالْوَقْتِ الْكَائِنِ وَبِهِ يَحْصُلُ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا فِي التَّنْقِيحِ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ قَالَ فِي النَّهَارِ أَنْتِ كَذَا فِي لَيْلِك وَنَهَارِك أَوْ قَبْلَهُ وَهُوَ فِي اللَّيْلِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ بَدَأَ بِالْكَائِنِ بَعْدَ مُضِيِّهِ فَوَقَعَتَا. (قَوْلُهُ: وَتَوْضِيحُهُ فِي شَرْحِهِ) أَيْ لِابْنِ بَلْبَانَ الْفَارِسِيِّ الْمُسَمَّى بِتُحْفَةِ الْحَرِيصِ وَذَلِكَ حَيْثُ قَالَ لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ وَرَأْسَ الشَّهْرِ يَتَّحِدُ الْوَاقِعُ وَلَا يَتَعَدَّدُ فِي الْأَصَحِّ لِأَنَّهُ وَصَفَهَا بِالطَّالِقِيَّةِ فِي الْيَوْمِ وَرَأْسِ الشَّهْرِ، وَالْوَصْفُ مِمَّا يَمْتَدُّ فَإِذَا صَارَتْ طَالِقًا فِي الْيَوْمِ كَانَتْ طَالِقًا فِي سَائِرِ الْأَيَّامِ، وَفِي رَأْسِ الشَّهْرِ بِخِلَافِ التَّخْيِيرِ بِقَوْلِهِ أَمْرُك بِيَدِك الْيَوْمَ وَرَأْسَ الشَّهْرِ لِأَنَّ الْأَمْرَ الْأَوَّلَ انْتَهَى بِغُرُوبِ الشَّمْسِ لِتَوَقُّتِهِ كَمَا فِي الظِّهَارِ إذْ الْوَقْتُ وَهُوَ الْيَوْمُ فِي تَوَقُّتِ الْأَمْرِ بِهِ كَالْمَجْلِسِ وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ الْأَوَّلُ يَنْتَهِي بِغُرُوبِ الشَّمْسِ وَجَبَ تَقْدِيرُ صَدْرِ الْكَلَامِ وَهُوَ أَمْرُك بِيَدِك مُعَادًا مَعَ قَوْلِهِ: وَرَأْسَ الشَّهْرِ لِيَصِيرَ التَّقْدِيرُ وَأَمْرُك بِيَدِك رَأْسَ الشَّهْرِ ضَرُورَةَ تَصْحِيحِ قَوْلِهِ: وَرَأْسَ الشَّهْرِ وَإِلَّا لَغَا وَكَذَا يَتَّحِدُ الطَّلَاقُ فِيمَا إذَا قَالَ أَنْت طَالِقٌ يَوْمًا وَيَوْمًا لَا فَتَطْلُقُ وَاحِدَةً لِأَنَّ كَلِمَةَ لَا فِي لَفْظِهِ لَغْوٌ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يُرَادَ بِهَا وَيَوْمًا لَا تَقَعُ عَلَيْك تِلْكَ التَّطْلِيقَةُ أَوْ تَطْلِيقَةٌ أُخْرَى أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ التَّطْلِيقَةَ بَعْدَ وُقُوعِهَا لَا يُتَصَوَّرُ رَفْعُهَا وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ وُجُودَهُ كَعَدَمِهِ فَيَبْقَى قَوْلُهُ: أَنْتِ طَالِقٌ فَيَقَعُ بِهِ فِي الْحَالِ وَاحِدَةً إلَّا أَنْ يَقُولَ أَنْتِ طَالِقٌ أَبَدًا يَوْمًا وَيَوْمًا لَا فَيَتَعَدَّدُ. لِأَنَّهُ الظَّاهِرُ عُرْفًا إذْ يُقَالُ فِي الْعُرْفِ أَصُومُ أَبَدًا يَوْمًا وَيَوْمًا لَا فَبِذِكْرِ الْأَبَدِ عَلِمْنَا أَنَّهُ مَا قَصَدَ نَفْيَ الْوَاقِعِ وَإِبْطَالَهُ بَلْ أَنَّهُ يَقَعُ طَلَاقُهَا فِي يَوْمٍ ثُمَّ لَا يَقَعُ فِي يَوْمٍ فَيَكُونُ كُلَّ يَوْمَيْنِ دَوْرٌ لِطَلَاقٍ مُسْتَأْنَفٍ لِاسْتِحَالَةِ رَفْعِ الْوَاقِعِ بَعْدَ تَقَرُّرِهِ وَاسْتِحَالَةِ تَجَدُّدِهِ فِي الدَّوْرِ الثَّانِي وَقَوْلُهُ: عَكْسُ الْأَوَّلِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ زِيَادَةَ الْأَبَدِ هُنَا مُخَالِفَةٌ لِزِيَادَتِهِ فِي مَسْأَلَةٍ أَوَّلَ الْبَابِ هِيَ أَنْتِ طَالِقٌ أَبَدًا حَيْثُ أَوْجَبَ الِاتِّحَادَ هُنَاكَ دُونَ التَّعَدُّدِ بِخِلَافِهِ هُنَا فَيَقَعُ ثَلَاثٌ آخِرُهُنَّ فِي الْيَوْمِ الْخَامِسِ، وَفِي نُسْخَةٍ السَّادِسِ الْأُولَى فِي الْيَوْمِ الثَّانِي لَا الْأَوَّلِ، وَالثَّانِيَةُ فِي الرَّابِعِ، وَالثَّالِثَةُ فِي السَّادِسِ لِأَنَّهُ أَضَافَهُ إلَى أَحَدِ وَقْتَيْنِ فَيَنْزِلُ عِنْدَ آخِرِهِمَا وَهَذَا رِوَايَةُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ آخِرُهُنَّ الْخَامِسُ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ الْأَوَّلَ فِي الْأُولَى، وَالثَّانِي فِي الثَّالِثِ، وَالثَّالِثُ فِي الْخَامِسِ وَيُصَدَّقُ فِي نِيَّةِ خِلَافِ الظَّاهِرِ مِنْ مُحْتَمَلَاتِ كَلَامِهِ ثُمَّ إنْ كَانَ فِيهِ تَشْدِيدٌ عَلَيْهِ كَنِيَّةِ التَّعَدُّدِ فِيمَا ظَاهِرُهُ الِاتِّحَادُ صُدِّقَ قَضَاءً وَدِيَانَةً، وَفِيمَا فِيهِ تَخْفِيفٌ لَا يُصَدَّقُ قَضَاءً لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فَيَرُدُّهُ الْقَاضِي اهـ. مُلَخَّصًا. (قَوْلُهُ: يَقَعُ غَدًا وَبَعْدَهُ فِي أَوْ) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 291 إنْ شِئْت فَأَنْت طَالِقٌ غَدًا كَانَتْ الْمَشِيئَةُ لِلْحَالِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: الْمَشِيئَةُ إلَيْهَا فِي الْغَدِ فِي الْفَصْلَيْنِ، وَقَالَ زُفَرُ: الْمَشِيئَةُ إلَيْهَا لِلْحَالِ فِي الْفَصْلَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ. قَوْلُهُ: (أَنْت طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك أَوْ أَمْسِ وَنَكَحَهَا الْيَوْمَ لَغْوٌ) بَيَانٌ لِلْمُضَافِ إلَى زَمَنٍ مَاضٍ بَعْدَ بَيَانِ الْمُسْتَقْبَلِ لِأَنَّهُ أَسْنَدَهُ إلَى حَالَةٍ مُنَافِيَةٍ فَصَارَ كَقَوْلِهِ طَلَّقْتُك وَأَنَا صَبِيٌّ أَوْ نَائِمٌ أَوْ مَجْنُونٌ وَكَانَ جُنُونُهُ مَعْهُودًا وَإِلَّا طَلُقَتْ لِلْحَالِ قَيَّدَ بِالطَّلَاقِ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْت حُرٌّ قَبْلَ أَنْ أَشْتَرِيَك أَوْ أَنْت حُرٌّ أَمْسِ، وَقَدْ اشْتَرَاهُ الْيَوْمَ عَتَقَ عَلَيْهِ لِإِقْرَارِهِ لَهُ بِالْحُرِّيَّةِ قَبْلَ مِلْكِهِ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِعِتْقِ عَبْدٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ وَلَا فَرْقَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى بَيْنَ أَنْ يَزِيدَ عَلَى قَوْلِهِ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك بِشَهْرٍ أَوَّلًا كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِ لَمْ يُعَلِّقْهُ بِالتَّزَوُّجِ لِأَنَّهُ لَوْ عَلَّقَهُ بِالتَّزَوُّجِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُقَدِّمَ الْجَزَاءَ أَوْ يُؤَخِّرَهُ فَإِنْ قَدَّمَهُ فَلَهُ صُورَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنْ يَجْعَلَ الْقَبْلِيَّةَ مُتَوَسِّطَةً كَقَوْلِهِ: أَنْت طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك إذَا تَزَوَّجْت بِك. وَالثَّانِيَةُ أَنْ يُؤَخِّرَهَا كَقَوْلِهِ: أَنْت طَالِقٌ إذَا تَزَوَّجْتُك قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك، وَفِيهِمَا يَقَعُ الطَّلَاقُ عِنْدَ وُجُودِ التَّزَوُّجِ اتِّفَاقًا وَتَلْغُو الْقَبْلِيَّةَ لِأَنَّهُ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ تَمَّ الشَّرْطُ، وَالْجَزَاءُ فَصَحَّ التَّعْلِيقُ وَبِقَوْلِهِ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك قَصَدَ إبْطَالَهُ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ وَصْفًا لِلْجَزَاءِ لَا يَلِيقُ بِهِ وَأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ فَيُلْغَى وَأَمَّا فِي الصُّورَةِ الْأُولَى فَالتَّعْلِيقُ الْمُتَأَخِّرُ نَاسِخٌ لِلْإِضَافَةِ قَبْلَهُ فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ تَدْخُلِي الدَّارَ إنْ دَخَلْتِيهَا تَعَلَّقَ بِدُخُولِهَا وَلَغَا قَوْلُهُ: قَبْلَ أَنْ تَدْخُلِي، وَإِنْ أَخَّرَ الْجَزَاءَ بِأَنْ قَالَ إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْت طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك لَمْ يَقَعْ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ ذِكْرَ الْفَاءِ رَجَّحَ جِهَةَ الشَّرْطِيَّةِ، وَالْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ كَالْمُنَجَّزِ عِنْدَ وُجُودِهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ بَعْدَ التَّزَوُّجِ أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك. وَالْحَاصِلُ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ تَقْدِيمِ الشَّرْطِ وَتَأْخِيرِهِ وَهُمَا فَرَّقَا، وَفِي شَرْحِ تَلْخِيصِ الْجَامِعِ لَا يُقَالُ بِأَنَّ قَوْلَهُ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك كَلَامُ لَغْوِ، وَقَدْ فَصَلَ بَيْنَ الشَّرْطِ، وَالْمَشْرُوطِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَتَعَلَّقَ الطَّلَاقُ بِالتَّزَوُّجِ لِأَنَّا نَقُولُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَغْوٌ بَلْ تَصْرِيحٌ بِمَا انْتَظَمَهُ صَدْرُ الْكَلَامِ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي كَوْنُهُ إيقَاعًا فِي الْحَالِ إدْخَالَ وُجُودِ الْقَوْلِ مِنْهُ بِوَصْفٍ بِكَوْنِهِ قَبْلَ التَّزَوُّجِ فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ لِمَنْكُوحَتِهِ: أَنْت طَالِقٌ السَّاعَةَ إذَا دَخَلْت الدَّارَ أَوْ أَنْت طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ تَدْخُلِي الدَّارَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ لِأَنَّ قَوْلَهُ السَّاعَةَ وَقَبْلَ أَنْ تَدْخُلِي تَصْرِيحٌ بِمَا اقْتَضَاهُ صَدْرُ الْكَلَامِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ جَعَلَ هُنَاكَ فَاصِلًا يَتَنَجَّزُ وَهُنَا لَوْ جَعَلَ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك فَاصِلًا يَلْغُو فَكَانَ أَوْلَى بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ غَيْرَ فَاصِلٍ تَصْحِيحًا لِكَلَامِ الْعَاقِلِ اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ إنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ بَعْدَ فُلَانَةَ فَهُمَا طَالِقَتَانِ فَتَزَوَّجَهُمَا كَمَا قَالَ: طَلُقَتَا لِأَنَّهُ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى تَزَوُّجِهِمَا لِأَنَّ قَوْلَهُ بَعْدَ فُلَانَةَ أَيْ بَعْدَ تَزَوُّجِ فُلَانَةَ فَصَارَ تَزَوُّجُ فُلَانَةَ مَذْكُورًا ضَرُورَةً وَقَدْ تَزَوَّجَهُمَا كَمَا شَرَطَ فَوُجِدَ الشَّرْطُ فَنَزَلَ الطَّلَاقُ، وَإِنْ قَالَ إنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ قَبْلَ فُلَانَةَ فَهُمَا طَالِقَتَانِ فَتَزَوَّجَ الْأُولَى طَلُقَتْ لِأَنَّ الشَّرْطَ فِي حَقِّهَا قَدْ وُجِدَ وَهُوَ الْقَبْلِيَّةَ لِأَنَّ وَصْفَ الشَّيْءِ بِالْقَبْلِيَّةِ لَا يَقْتَضِي وُجُودَ مَا بَعْدَهُ، وَإِنْ تَزَوَّجَ الثَّانِيَةَ طَلُقَتْ أَيْضًا وَقِيلَ يَنْبَغِي أَنْ لَا تَطْلُقَ، وَلَوْ قَالَ إنْ تَزَوَّجْت زَيْنَبَ قَبْلَ عَمْرَةَ بِشَهْرٍ فَهُمَا طَالِقَتَانِ فَتَزَوَّجَ زَيْنَبَ ثُمَّ عَمْرَةَ بَعْدَهَا بِشَهْرٍ طَلُقَتْ زَيْنَبُ لِلْحَالِ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَلَا يَسْتَنِدُ كَمَا لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ قَبْلَ قُدُومِ فُلَانَةَ بِشَهْرٍ وَلَا تَطْلُقُ عَمْرَةُ لِأَنَّهُ أَضَافَ طَلَاقَ عَمْرَةَ إلَى شَهْرٍ قَبْلَ تَزَوُّجِهَا، وَلَوْ قَالَ إنْ تَزَوَّجْت زَيْنَبَ قُبَيْلَ عَمْرَةَ فَتَزَوَّجَ زَيْنَبَ وَحْدَهَا لَا تَطْلُقُ لِأَنَّ قُبَيْلَ عِبَارَةٌ عَنْ سَاعَةٍ لَطِيفَةٍ يَتَّصِلُ بِهِ مَا ذُكِرَ عَقِيبَهُ وَذَلِكَ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِالتَّزْوِيجِ بِعَمْرَةَ كَمَا لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ قُبَيْلَ اللَّيْلِ لَا تَطْلُقُ إلَّا عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَلَوْ قَالَ قَبْلَ اللَّيْلِ تَطْلُقُ لِلْحَالِ فَإِنْ تَزَوَّجَ عَمْرَةَ بَعْدَ ذَلِكَ طَلُقَتْ زَيْنَبُ لَا عَمْرَةُ، وَإِنْ طَالَ مَا بَيْنَ التَّزَوُّجَيْنِ لَمْ تَطْلُقْ إحْدَاهُمَا اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ نَكَحَهَا قَبْلَ أَمْسِ وَقَعَ الْآنَ) لِأَنَّهُ أَسْنَدَهُ إلَى حَالَةٍ مُنَافِيَةٍ وَلَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ إخْبَارًا   [منحة الخالق] يَعْنِي: يَقَعُ غَدًا فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا وَبَعْدَهُ بِالْوَاوِ، وَفِي أَوْ بَعْدَهُ بِأَوْ يَقَعُ بَعْدَ غَدٍ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ: إنْ تَزَوَّجْت زَيْنَبَ قُبَيْلَ عَمْرَةَ. إلَخْ) اُنْظُرْ لِمَا يَأْتِي عَنْ التَّتِمَّةِ قُبَيْلَ قَوْلِهِ أَنَا مِنْك طَالِقٌ لَغْوٌ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 292 أَيْضًا فَكَانَ إنْشَاءً، وَالْإِنْشَاءُ فِي الْمَاضِي إنْشَاءٌ فِي الْحَالِ فَيَقَعُ السَّاعَةَ وَعَلَى هَذِهِ النُّكْتَةِ حَكَمَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ مَشَايِخِنَا فِي مَسْأَلَةِ الدَّوْرِ الْمَنْقُولَةِ عَنْ مُتَأَخِّرِي الشَّافِعِيَّةِ بِالْوُقُوعِ وَهِيَ إنْ طَلَّقْتُك فَأَنْت طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا وَحَكَمَ أَكْثَرُهُمْ بِأَنَّهَا لَا تَطْلُقُ بِتَنْجِيزِ طَلَاقِهَا لِأَنَّهُ لَوْ تَنَجَّزَ وَقَعَ الْمُعَلَّقُ قَبْلَهُ ثَلَاثًا وَوُقُوعُ الثَّلَاثِ سَابِقًا عَلَى التَّنْجِيزِ يَمْنَعُ الْمُنَجَّزَ بِوُقُوعِ الْمُنَجَّزِ وَالْمُعَلَّقِ لِأَنَّ الْإِيقَاعَ فِي الْمَاضِي إيقَاعٌ فِي الْحَالِ وَنَقُولُ أَيْضًا إنَّ هَذَا تَغْيِيرٌ لِحُكْمِ اللُّغَةِ لِأَنَّ الْأَجْزِئَةَ تَنْزِلُ بَعْدَ الشَّرْطِ أَوْ مَعَهُ لَا قَبْلَهُ وَلِحُكْمِ الْعَقْلِ أَيْضًا. لِأَنَّ مَدْخُولَ أَدَاةِ الشَّرْطِ سَبَبٌ، وَالْجَزَاءُ مُسَبَّبٌ عَنْهُ وَلَا يُعْقَلُ تَقَدُّمُ الْمُسَبَّبِ عَلَى السَّبَبِ فَكَانَ قَوْلُهُ: قَبْلَهُ لَغْوًا أَلْبَتَّةَ فَيَبْقَى الطَّلَاقُ جَزَاءً لِلشَّرْطِ غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِالْقَبْلِيَّةِ وَلِحُكْمِ الشَّرْعِ لِأَنَّ النُّصُوصَ نَاطِقَةٌ بِشَرْعِيَّةِ الطَّلَاقِ وَهَذَا يُؤَدِّي إلَى رَفْعِهَا فَيَتَفَرَّعُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ: وُقُوعُ ثَلَاثِ الْوَاحِدَةُ الْمُنَجَّزَةِ وَثِنْتَانِ مِنْ الْمُعَلَّقَةِ وَلَوْ طَلَّقَهَا ثِنْتَيْنِ وَقَعَتَا وَوَاحِدَةً مِنْ الْمُعَلَّقَةِ أَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا يَقَعْنَ فَيَنْزِلُ الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ لَا يُصَادِفُ أَهْلِيَّةً فَيَلْغُو وَلَوْ كَانَ قَالَ إنْ طَلَّقْتُك فَأَنْت طَالِقٌ قَبْلَهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً وَقَعَتْ ثِنْتَانِ الْمُنَجَّزَةُ، وَالْمُعَلَّقَةُ وَقِسْ عَلَى ذَلِكَ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ يَنْتَقِضُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} [النحل: 53] فَإِنَّ الْأَوَّلَ اسْتِقْرَارُ النِّعْمَةِ بِالْمُخَاطَبِينَ، وَالثَّانِيَ كَوْنُهَا مِنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَيْسَ الْأَوَّلُ سَبَبًا لِلثَّانِي بَلْ الْأَوَّلُ فَرْعٌ لِلثَّانِي وَقَالَ الرَّضِيُّ لَا يَلْزَمُ مَعَ الْفَاءِ أَنْ يَكُونَ الْأَوَّلُ سَبَبًا لِلثَّانِي بَلْ اللَّازِمُ أَنْ يَكُونَ مَا بَعْدَ الْفَاءِ لَازِمًا لِمَضْمُونِ مَا قَبْلَهَا كَمَا فِي جَمِيعِ صُوَرِ الشَّرْطِ، وَالْجَزَاءُ فَفِي قَوْله تَعَالَى {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} [النحل: 53] كَوْنُ النِّعْمَةِ مِنْهُ لَازِمُ حُصُولِهَا مَعْنًى وَلَا يَغُرَّنك قَوْلُ بَعْضِهِمْ إنَّ الشَّرْطَ سَبَبٌ فِي الْجَزَاءِ اهـ. وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الْمُغْنِي لِلدَّمَامِينِيِّ مِنْ بَحْثٍ مَا مِنْ الْمَبْحَثِ الْأَوَّلِ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَلْغُو قَوْلُهُ: قَبْلَهُ لِعَدَمِ الْمُنَافَاةِ وَلَا يَضُرُّ رَفْعُ شَرْعِيَّةِ الطَّلَاقِ عَلَى وَاحِدٍ اخْتَارَ لِنَفْسِهِ ذَلِكَ فَأَلْزَمَ نَفْسَهُ بِهِ كَمَا لَوْ قَالَ: كُلَّمَا تَزَوَّجْت امْرَأَةً فَهِيَ طَالِقٌ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ عِنْدَنَا، وَإِنْ كَانَ فِيهِ سَدُّ بَابِ النِّكَاحِ الْمَشْرُوعِ، وَفِي الْقُنْيَةِ مِنْ آخِرِ كِتَابِ الْأَيْمَانِ قَالَ لَهَا كُلَّمَا وَقَعَ عَلَيْك طَلَاقِي وَأَنْتِ قَبْلَهُ طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ طَلَّقَهَا بَعْدَ ذَلِكَ ثَلَاثًا يَقَعْنَ وَهَذَا طَلَاقُ الدَّوْرُ وَإِنَّهُ لَا يَقَعُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي وَجِيزِهِ إذَا قَالَ: إنْ طَلَّقْتُك فَأَنْت طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا يُحْسَمُ بَابُ الطَّلَاقِ عَلَى أَظْهَرْ الْوَجْهَيْنِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: بِالْوُقُوعِ) أَيْ وُقُوعِ الثَّلَاثِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى التَّفْرِيعِ وَيَأْتِي التَّصْرِيحُ بِهِ أَيْضًا فِي كَلَامِهِ وَسَنَذْكُرُ عَنْ ابْنِ حَجَرٍ الْخِلَافَ فِي وُقُوعِ الْمُنَجَّزِ وَحْدَهُ وَوُقُوعِ الثَّلَاثِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْإِيقَاعَ فِي الْمَاضِي إيقَاعٌ فِي الْحَالِ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ تَعْلِيلٌ لِلْقَوْلِ الْأَوَّلِ بِالْوُقُوعِ وَقَوْلُهُ: وَنَقُولُ أَيْضًا إلَخْ تَأْيِيدٌ لَهُ فَأَخَّرَ تَعْلِيلَ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ إلَى مَا بَعْدَ الْقَوْلَيْنِ لِيَرْتَبِطَ الْكَلَامُ. (قَوْلُهُ: وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ يَنْتَقِضُ. . . إلَخْ) مُنِعَ لِقَوْلِهِ وَلِحُكْمِ الْعَقْلِ، وَقَوْلُهُ: بَعْدَهُ وَلَا يَضُرُّ رَفْعُ شَرْعِيَّةِ الطَّلَاقِ. . . إلَخْ مُنِعَ لِقَوْلِهِ وَلِحُكْمِ الشَّرْعِ قَالَ فِي النَّهْرِ: بَعْدَ ذِكْرِهِ لِحَاصِلِ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ، وَفِيهِ نَظَرٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ مَا قَالَهُ الرَّضِيُّ إنَّمَا هُوَ مَذْهَبُ النُّحَاةِ يُفْصِحُ عَنْ ذَلِكَ مَا فِي الْمُطَوَّلِ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الشَّرْطَ النَّحْوِيَّ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ وُجُودُ الشَّيْءِ بَلْ هُوَ الْمَذْكُورُ بَعْدَ إنَّ وَأَخَوَاتِهِ مُعَلَّقٌ عَلَيْهِ حُصُولُ مَضْمُونِ الْجَزَاءِ أَيْ حُكِمَ بِأَنَّهُ يَحْصُلُ مَضْمُونُ تِلْكَ الْجُمْلَةِ عِنْدَ حُصُولِهِ فَهُوَ فِي الْغَالِبِ مَلْزُومٌ، وَالْجَزَاءُ لَازِمٌ وَانْتِفَاءُ اللَّازِمِ يُوجِبُ انْتِفَاءَ الْمَلْزُومِ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ ثُمَّ قَالَ: الشَّرْطُ عِنْدَهُمْ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا نَحْوُ لَوْ كَانَتْ الشَّمْسُ طَالِعَةً فَالْعَالَمُ مُضِيءٌ أَوْ شَرْطًا نَحْوُ لَوْ كَانَ لِي مَالٌ لَحَجَجْت أَوْ غَيْرَهُمَا نَحْوُ لَوْ كَانَ النَّهَارُ مَوْجُودًا لَكَانَتْ الشَّمْسُ طَالِعَةً الثَّانِي سَلَّمْنَا أَنَّ أَدَاةَ الشَّرْطِ لَا يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ سَبَبًا لَكِنَّ بُطْلَانَ تَقَدُّمِ الشَّيْءِ عَلَى شَرْطِهِ ضَرُورِيٌّ لِأَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ فَلَا يَحْصُلُ قَبْلَهُ كَمَا فِي التَّلْوِيحِ، وَفِيهِ الْحَقُّ أَنَّ بُطْلَانَ تَقَدُّمِ الشَّيْءِ عَلَى شَرْطِهِ أَظْهَرُ مِنْ بُطْلَانِ تَقَدُّمِهِ عَلَى السَّبَبِ لِجَوَازِ أَنْ يَثْبُتَ بِأَسْبَابٍ شَتَّى اهـ. وَبِهَذَا يَبْطُلُ قَوْلُهُ: فَلَا يَلْغُو قَوْلُهُ: قَبْلَهُ لِعَدَمِ الْمُنَافَاةِ اهـ. قُلْت لَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّ أَوَّلَ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ مُؤَيِّدٌ لِكَلَامِ الْمُؤَلِّفِ فِي دَعْوَاهُ عَدَمَ لُزُومِ كَوْنِ مَدْخُولِ أَدَاةِ الشَّرْطِ سَبَبًا، وَالْجَزَاءِ مُسَبَّبًا عَنْهُ إذْ لَا خَفَاءَ أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا بِالشَّرْطِ الْوَاقِعِ بَعْدَ الْأَدَاةِ الشَّرْطُ النَّحْوِيُّ لَا الشَّرْعِيُّ (قَوْلُهُ: قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي وَجِيزِهِ. . . إلَخْ) أَقُولُ: رَأَيْت مُؤَلَّفًا مُسْتَقِلًّا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِلْعَلَّامَةِ ابْنِ حَجَرٍ الْمَكِّيِّ الشَّافِعِيِّ وَنَقَلَ أَنَّ الْغَزَالِيَّ رَجَعَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ عَمَّا ذَكَرَهُ فِي وَسِيطِهِ وَوَجِيزِهِ وَأَنَّهُ قَالَ الرُّجُوعُ إلَى الْحَقِّ أَوْلَى مِنْ التَّمَادِي فِي الْبَاطِلِ وَنَقَلَ أَيْضًا عَنْ التَّاجِ السُّبْكِيّ أَنَّ وَالِدَهُ التَّقِيَّ السُّبْكِيَّ رَجَعَ عَنْ الْقَوْلِ بِالْمَسْأَلَةِ السُّرَيْجِيَّةُ وَأَلَّفَ فِيهَا مُؤَلَّفًا سَمَّاهُ النَّوْرَ فِي الدَّوْرِ ثُمَّ نُقِلَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُمْ أَلَّفُوا تَأْلِيفَاتٍ فِي ذَلِكَ رَدُّوا فِيهَا عَلَى الْقَائِلِينَ مِنْهُمْ بِصِحَّةِ الدَّوْرِ وَقَالَ أَيْضًا وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ سَائِرِ الْمَذَاهِبِ غَيْرِ مَذْهَبِنَا عَلَى فَسَادِ الدَّوْرِ قَالَ وَهَذَا مِمَّا لَا شَكَّ فِيهِ كَيْفَ وَشَنَّعَ عَلَى الْقَائِلِينَ بِصِحَّةِ الدَّوْرِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ، وَالْحَنَفِيَّةِ، وَالْحَنَابِلَةِ، وَقَدْ نَقَلَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 293 وَقِيلَ إذَا نَجَزَ وَاحِدَةً تَقَعُ تِلْكَ الْوَاحِدَةُ وَقِيلَ تَقَعُ الثَّلَاثُ إنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ ثُمَّ قَالَ الْغَزَالِيُّ إنْ وَطِئْت وَطْئًا مُبَاحًا فَأَنْت طَالِقٌ قَبْلَهُ فَوَطِئَ فَلَا خِلَافَ أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ اهـ. وَالْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ مَا صَحَّحَهُ الشَّيْخَانِ مِنْ وُقُوعِ الْمُنَجَّزَةِ دُونَ الْمُعَلَّقَةِ كَمَا فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ، وَفِيهِ لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: مَتَى دَخَلْت الدَّارَ وَأَنْتِ زَوْجَتِي فَعَبْدِي حُرٌّ قَبْلَهُ وَمَتَى دَخَلَهَا وَهُوَ عَبْدِي فَأَنْت طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا فَدَخَلَا مَعًا لَمْ يَعْتِقْ الْعَبْدُ وَلَمْ تَطْلُقْ الزَّوْجَةُ لِلُّزُومِ الدَّوْرِ. لِأَنَّهُمَا لَوْ حَصَلَا لَحَصَلَا مَعًا قَبْلَ دُخُولِهِمَا وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ الْعَبْدُ عَبْدَهُ وَقْتَ الدُّخُولِ وَلَا الْمَرْأَةُ زَوْجَتَهُ وَقْتَئِذٍ فَلَا تَكُونُ الصِّفَةُ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهَا حَاصِلَةً وَلَا يَتَأَتَّى فِي هَذَا الْقَوْلِ بُطْلَانُ الدَّوْرِ إذْ لَيْسَ فِيهَا سَدُّ بَابِ التَّصَرُّفِ وَلَوْ دَخَلَا مُرَتَّبًا وَقَعَ الْمُعَلَّقُ عَلَى الْمَسْبُوقِ دُونَ السَّابِقِ فَلَوْ دَخَلَتْ الْمَرْأَةُ أَوَّلًا ثُمَّ الْعَبْدُ عَتَقَ وَلَمْ تَطْلُقْ هِيَ لِأَنَّهُ حِينَ دَخَلَ لَمْ يَكُنْ عَبْدًا لَهُ فَلَمْ تَحْصُلْ صِفَةُ طَلَاقِهَا، وَإِنْ دَخَلَ الْعَبْدُ أَوَّلًا ثُمَّ الْمَرْأَةُ طَلُقَتْ وَلَمْ يَعْتِقْ الْعَبْدُ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ فِي تَعْلِيقِهِ الْمَذْكُورِ لَفْظَةَ قَبْلُ فِي الظَّرْفَيْنِ وَدَخَلَا مَعًا عَتَقَ وَطَلَّقَتْ، وَإِنْ دَخَلَا مُرَتَّبًا فَكَمَا سَبَقَ اهـ. وَفِيهِ وَلَوْ قَالَ إنْ ظَاهَرْت مِنْك أَوْ آلَيْت أَوْ لَاعَنْت أَوْ فَسَخْت النِّكَاحَ بِعَيْبٍ فَأَنْت طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ وُجِدَ الْمُعَلَّقُ بِهِ صَحَّ وَلَغَا تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ لِاسْتِحَالَةِ وُقُوعِهِ اهـ. قَوْلُهُ: (أَنْت طَالِقٌ مَا لَمْ أُطَلِّقْك أَوْ مَتَى لَمْ أُطَلِّقْك أَوْ مَتَى مَا لَمْ أُطَلِّقْك وَسَكَتَ طَلُقَتْ) بَيَانٌ لِمَا إذَا أَضَافَ إلَى مُطْلَقِ الْوَقْتِ وَذِكْرُهُمْ إنْ وَإِذَا هُنَا بِالتَّبَعِيَّةِ وَإِلَّا فَالْمُنَاسِبُ لَهُمَا التَّعْلِيقُ لَا الْإِضَافَةُ وَإِنَّمَا طَلُقَتْ بِالسُّكُوتِ لِأَنَّ " مَتَى " ظَرْفُ زَمَانٍ وَكَذَا مَا تَكُونُ مَصْدَرِيَّةً نَائِبَةً عَنْ ظَرْفِ الزَّمَانِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {مَا دُمْتُ حَيًّا} [مريم: 31] أَيْ مُدَّةَ دَوَامِ حَيَاتِي أَوْ مُدَّةَ دَوَامِي حَيًّا وَهِيَ، وَإِنْ اُسْتُعْمِلَتْ لِلشَّرْطِ لَكِنْ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهَا هُنَا لِلْوَقْتِ وَلِذَا نُقِلَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ اتِّفَاقُ   [منحة الخالق] عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ الِاتِّفَاقَ عَلَى فَسَادِ الدَّوْرِ وَإِنَّمَا وَقَعَ عَنْهُمْ فِي وُقُوعِ الثَّلَاثِ أَوْ الْمُنَجَّزِ وَحْدَهُ، وَفِي مُغْنِي الْحَنَابِلَةِ لَا نَصَّ لِأَحْمَدَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَقَالَ الْقَاضِي: تَطْلُقُ ثَلَاثًا وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ تَطْلُقُ بِالْمُنَجَّزِ لَا غَيْرُ اهـ. ثُمَّ نُقِلَ عَنْ عِشْرِينَ إمَامًا مِنْ الْأَئِمَّةِ الشَّافِعِيَّةِ اتَّفَقُوا عَلَى بُطْلَانِ الدَّوْرِ، وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي عَدَدِ الْوَاقِعِ بِهِ وَقَالَ أَيْضًا وَبَالَغَ فِي تَخْطِئَةِ الْقَائِلِينَ بِصِحَّتِهِ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَنَاهِيك بِهِ جَلَالَةً وَمِنْ ثَمَّ لُقِّبَ بِسُلْطَانِ الْعُلَمَاءِ، وَعِبَارَتُهُ كَمَا حَكَاهُ تِلْمِيذُهُ الْإِمَامُ الْقَرَافِيُّ عَنْهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: لَا يَصِحُّ فِيهَا التَّقْلِيدُ، وَالتَّقْلِيدُ فِيهَا فُسُوقٌ؛ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي يُنْقَضُ إذَا خَالَفَ أَحَدَ أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ الْإِجْمَاعَ أَوْ النَّصَّ أَوْ الْقَوَاعِدَ أَوْ الْقِيَاسَ الْجَلِيَّ وَمَا لَا يُقَرُّ شَرْعًا إذَا تَأَكَّدَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي يُنْقَضُ فَأَوْلَى إذَا لَمْ يَتَأَكَّدْ وَإِذَا لَمْ يُقَرَّ شَرْعًا حَرُمَ التَّقْلِيدُ فِيهِ لِأَنَّ التَّقْلِيدَ فِي غَيْرِ شَرْعٍ هَلَاكٌ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُخَالِفَةٌ لِلْقَوَاعِدِ الشَّرْعِيَّةِ فَلَا يَصِحُّ التَّقْلِيدُ فِيهَا قَالَ الْقَرَافِيُّ: وَهَذَا بَيَانٌ حَسَنٌ ظَاهِرٌ وَقَالَ الْإِمَامُ ابْنُ الصَّلَاحِ: ابْنُ سُرَيْجٍ بَرِيءٌ مَا نُسِبَ إلَيْهِ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الطَّوَائِفُ مِنْ أَصْحَابِ الْمَذَاهِبِ، وَجَمَاهِيرُ أَصْحَابِنَا الْقَوْلُ بِأَنَّهُ لَا يَنْسَدُّ بَابُ الطَّلَاقِ بَلْ يَقَعُ عَلَى اخْتِلَافٍ فِي كَمِّيَّةِ الْوَاقِعِ، وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي الْخَادِمِ: وَبَالَغَ السُّرُوجِيُّ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ فَقَالَ: الْقَوْلُ بِانْسِدَادِ بَابِ الطَّلَاقِ يُشْبِهُ مَذَاهِبَ النَّصَارَى أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ لِلزَّوْجِ إيقَاعُ طَلَاقٍ عَلَى زَوْجَتِهِ مُدَّةَ عُمُرِهِ. وَقَالَ الْإِمَامُ الْكَمَالُ بْنُ الرَّدَّادِ شَارِحُ الْإِرْشَادِ الْمُعْتَمَدُ فِي الْفَتْوَى وُقُوعُ الطَّلَاقِ الْمُنَجَّزِ وَهُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ وَصَحَّحَهُ جَمْعٌ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ فِي الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، وَالشَّامِيَّةِ وَهُوَ الْقَوِيُّ فِي الدَّلِيلِ وَعَزَاهُ الرَّافِعِيُّ إلَى أَبِي حَنِيفَةَ هَذَا حَاصِلُ مَا أَرَدْت تَلْخِيصَهُ مِنْ مُؤَلَّفِ ابْنِ حَجَرٍ وَتَقَدَّمَ عَنْ الْمُحَقِّقِ ابْنِ الْهُمَامِ تَقْوِيَةُ الْقَوْلِ بِالْوُقُوعِ وَنَقَلَ الْغَزِّيِّ فِي مِنَحِ الْغَفَّارِ أَوَّلَ كِتَابِ الطَّلَاقِ رَدَّ الْقَوْلِ بِخِلَافِهِ بِأَبْلَغِ وَجْهٍ حَيْثُ قَالَ: وَفِي جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ إذَا قَالَ الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ: إنْ طَلَّقْتُك ثَلَاثًا فَأَنْت طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ عَلَيْهَا لَا يَقَعُ أَبَدًا وَأَنْكَرَ عَلَيْهِ جَمِيعُ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا مِثْلُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ وَالْإِمَامِ الْغَزَالِيِّ. وَهَذَا قَوْلٌ مُخْتَرَعٌ مُخَالِفٌ لِأَهْلِ الْقِبْلَةِ فَإِنَّ الْأُمَّةَ أَجْمَعَتْ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَالتَّابِعِينَ وَأَئِمَّةِ السَّلَفِ مِنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِمَا عَلَى أَنَّ طَلَاقَ الْمُكَلَّفِ وَاقِعٌ. وَقَدْ «قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ خَالَفَ الْجَمَاعَةَ قَيْدَ شِبْرٍ فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ» ، وَعَنْ بَعْضِ مَشَايِخِنَا أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَنَامِ فَسَأَلَهُ عَنْ طَلَاقِ الدَّوْرِ، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ قَالَ بِطَلَاقِ الدَّوْرِ فَقَدْ أَضَلَّ أُمَّتِي فَقَالَ لَا يُقْبَلُ مِنِّي فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا عَلَيْك إلَّا الْبَلَاغَ ثُمَّ بَحَثَ فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى بُطْلَانِهِ ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِصِحَّةِ الدَّوْرِ وَبَقَاءِ النِّكَاحِ وَعَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ لَا يُنَفَّذُ حُكْمُهُ وَيَجِبُ عَلَى حَاكِمٍ آخَرَ تَفْرِيقُهُمَا لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا لَا يُعَدُّ خِلَافًا لِأَنَّهُ قَوْلٌ مَجْهُولٌ بَاطِلٌ فَاسِدٌ ظَاهِرُ الْبُطْلَانِ اهـ. إلَى هُنَا كَلَامُ الْمِنَحِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 294 الْعُلَمَاءِ عَلَى وُقُوعِ الطَّلَاقِ بِالسُّكُوتِ فَصَارَ حَاصِلُ الْمَعْنَى إضَافَةَ طَلَاقِهَا إلَى زَمَانٍ خَالٍ عَنْ طَلَاقِهَا وَهُوَ حَاصِلٌ بِسُكُوتِهِ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ وَسَكَتَ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ مُوصَلًا أَنْتِ طَالِقٌ بَرَّ كَمَا سَيَأْتِي وَمِثْلُ مَتَى حِينَ وَزَمَانَ وَحَيْثُ وَيَوْمَ فَلَوْ قَالَ حِينَ لَمْ أُطَلِّقْك وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَهِيَ طَالِقٌ حِينَ سَكَتَ وَكَذَا زَمَانَ لَمْ أُطَلِّقْك وَحَيْثُ لَمْ أُطَلِّقْك وَيَوْمَ لَمْ أُطَلِّقْك إذَا كَانَ بِلَمْ الْجَازِمَةِ فَلَوْ كَانَ بِلَا النَّافِيَةِ نَحْوُ زَمَانَ لَا أُطَلِّقُك أَوْ حِينَ لَا أُطَلِّقُك بِحَرْفِ لَا النَّافِيَةِ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَمْضِيَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْحَرْفَيْنِ إنْ لَمْ تَقْلِبْ الْمُضَارِعَ مَاضِيًا مَعَ النَّفْيِ، وَقَدْ وُجِدَ زَمَانٌ لَمْ يُطَلِّقْهَا فِيهِ فَوَقَعَ وَكَلِمَةُ لَا لِلِاسْتِقْبَالِ غَالِبًا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ لَا يَقَعُ فِي الْحَالِ وَإِنَّمَا يُرَادُ بِحِينٍ سِتَّةَ أَشْهُرٍ لِأَنَّهُ أَوْسَطُ اسْتِعْمَالَاتِهِ مِنْ السَّاعَةِ، وَالْأَرْبَعِينَ سَنَةً وَسِتَّةِ أَشْهُرٍ فِي قَوْله تَعَالَى: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} [الروم: 17] {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ} [الإنسان: 1] {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا} [إبراهيم: 25] ، وَالزَّمَانُ كَالْحِينِ لِأَنَّهُمَا سَوَاءٌ فِي الِاسْتِعْمَالِ وَلَوْ قَالَ يَوْمَ لَا أُطَلِّقُك لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى يَمْضِيَ يَوْمُ الْكُلِّ مِنْ الْمُحِيطِ وَأَمَّا حَيْثُ فَهِيَ لِلْمَكَانِ وَكَمْ مَكَان لَمْ يُطَلِّقْهَا فِيهِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فَكَأَنَّهُ قَالَ أَنْت طَالِقٌ فِي مَكَان لَمْ أُطَلِّقْك فِيهِ. وَذُكِرَ فِي الْمُغْنِي أَنَّ الْأَخْفَشَ جَعَلَهَا لِلزَّمَانِ أَيْضًا فَلَا إشْكَالَ وَقَيَّدَ بِمَا ذَكَرَ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ كُلَّمَا لَمْ أُطَلِّقْك فَأَنْت طَالِقٌ وَسَكَتَ يَقَعُ الثَّلَاثُ مُتَتَابِعًا لَا جُمْلَةً لِأَنَّهَا تَقْتَضِي عُمُومَ الِانْفِرَادِ لَا عُمُومَ الِاجْتِمَاعِ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَدْخُولًا بِهَا بَانَتْ بِوَاحِدَةٍ فَقَطْ وَقَيَّدَ بِمُطَلِّقِ الْوَقْتِ لِأَنَّهُ لَوْ قَيَّدَهُ مَعَ الْعَدَمِ كَأَنْ قَالَ إنْ لَمْ تَدْخُلِي الدَّارَ سَنَةً فَأَنْت طَالِقٌ فَمَضَتْ السَّنَةُ قَبْلَ الدُّخُولِ طَلُقَتْ كَمَا فِي الْإِيلَاءِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ. (قَوْلُهُ: وَفِي إنْ لَمْ أُطَلِّقْك أَوْ إذَا لَمْ أُطَلِّقْك أَوْ إذَا مَا لَمْ أُطَلِّقْك لَا حَتَّى بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا) أَيْ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ إلَّا بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا قَبْلَ التَّطْلِيقِ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ وَدَلَالَةِ الْفَوْرِ لِأَنَّ الشَّرْطَ أَنْ لَا يُطَلِّقَهَا وَذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِالْيَأْسِ عَنْ الْحَيَاةِ وَهُوَ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْحَيَاةِ أَمَّا فِي مَوْتِهِ فَظَاهِرٌ وَلَمْ يُقَدِّرْهُ الْمُتَقَدِّمُونَ بَلْ قَالُوا تَطْلُقُ قُبَيْلَ مَوْتِهِ فَإِنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا وَرِثَتْهُ بِحُكْمِ الْفِرَارِ، وَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ ثَلَاثًا وَإِلَّا لَا تَرِثُهُ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا أَنَّ مَوْتَهَا كَمَوْتِهِ وَصَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ مَا لَوْ قَالَ إنْ لَمْ أَدْخُلْ الدَّارَ فَأَنْت طَالِقٌ حَيْثُ يَقَعُ بِمَوْتِهِ لَا بِمَوْتِهَا لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الدُّخُولُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَلَا يَتَحَقَّقُ الْيَأْسُ بِمَوْتِهَا فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ أَمَّا الطَّلَاقُ فَإِنَّهُ يَتَحَقَّقُ الْيَأْسُ عَنْهُ بِمَوْتِهَا لِعَدَمِ الْمَحَلِّيَّةِ وَإِذَا حَكَمْنَا بِوُقُوعِهِ قُبَيْلَ مَوْتِهَا لَا يَرِثُ مِنْهَا الزَّوْجُ لِأَنَّهَا بَانَتْ قُبَيْلَ الْمَوْتِ فَلَمْ يَبْقَ بَيْنَهُمَا زَوْجِيَّةٌ حَالَ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا حَكَمْنَا بِالْبَيْنُونَةِ، وَإِنْ كَانَ الْمُعَلَّقُ صَرِيحًا لِانْتِفَاءِ الْعِدَّةِ كَغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ الْوُقُوعَ فِي آخِرِ جُزْءٍ لَا يَتَجَزَّأُ فَلَمْ يَلِهِ إلَّا الْمَوْتُ وَبِهِ تَبَيَّنَ وَلِذَا جَعَلَ الْمُصَنِّفُ الْوُقُوعَ بِالْمَوْتِ، وَإِنْ كَانَ قُبَيْلَهُ وَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ عَدَمَ إرْثِهِ مِنْهَا مُطْلَقٌ سَوَاءٌ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا أَوْ لَا ثَلَاثًا أَوْ وَاحِدَةً وَبِهِ تَبَيَّنَ أَنَّ تَقْيِيدَ الشَّارِحِ عَدَمَهُ بِعَدَمِ الدُّخُولِ أَوْ الثَّلَاثِ غَيْرُ صَحِيحٍ وَتَسْوِيَةُ الْمُصَنِّفِ بَيْنَ إنْ وَإِذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ فَهِيَ عِنْدَهُ إذَا جُوزِيَ بِهَا حَرْفٌ لِمُجَرَّدِ الشَّرْطِ لِأَنَّ مُجَرَّدَهُ رَبْطٌ خَاصٌّ وَهُوَ مِنْ مَعَانِي الْحُرُوفِ. وَقَدْ تَكُونُ الْكَلِمَةُ حَرْفًا أَوْ اسْمًا فَلَمَّا كَانَتْ لِلشَّرْطِ، وَالْوَقْتِ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ لِلْحَالِ بِالشَّكِّ وَعِنْدَهُمَا كَمَتَى لِلْوَقْتِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْإِمَامَ بَنَى مَذْهَبَهُ عَلَى أَنَّ إذَا تَخْرُجُ عَنْ الظَّرْفِيَّةِ وَتَكُونُ لِمَحْضِ الشَّرْطِ وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ النُّحَاةِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي لَكِنْ ذَكَرَ أَنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى أَنَّهَا لِلظَّرْفِيَّةِ مُتَضَمِّنَةً مَعْنَى الشَّرْطِيَّةِ وَأَنَّهَا لَا تَخْرُجُ عَنْ الظَّرْفِيَّةِ وَهُوَ مُرَجِّحٌ لِقَوْلِهِمَا هُنَا، وَقَدْ رَجَّحَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَا يَرُدُّ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ أَنْتِ طَالِقٌ إذَا شِئْت حَيْثُ وَافَقَهُمَا أَنَّهَا كَمَتَى فَلَا يَخْرُجُ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا وَلَوْ كَانَتْ كَإِنْ لَخَرَجَ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا لِشَكِّ الْخُرُوجِ بَعْدَ تَحَقُّقِ الدُّخُولِ وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ وُقُوعَ الشَّكِّ فِي الشَّرْطِيَّةِ، وَالظَّرْفِيَّةِ يُوجِبُ وُقُوعَهُ فِي الْحِلِّ، وَالْحُرْمَةِ فِي الْحَالِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَحْرُمَ تَقْدِيمًا لِلْمُحَرَّمِ كَمَا قَالَا وَأُجِيبَ بِأَنَّ الشَّكَّ لَا يُوجِبُ   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 295 شَيْئًا إنَّمَا ذَلِكَ مَعَ تَعَارُضِ دَلِيلِ الْحُرْمَةِ مَعَ دَلِيلِ الْحِلِّ فَالِاحْتِيَاطُ الْعَمَلُ بِدَلِيلِ الْحُرْمَةِ أَمَّا هُنَا لَوْ اعْتَبَرْنَا الْحُرْمَةَ لَمْ نَعْمَلْ بِدَلِيلٍ بَلْ بِالشَّكِّ وَقَيَّدْنَا بِعَدَمِ النِّيَّةِ لِأَنَّهُ لَوْ نَوَى بِإِذَا مَعْنَى مَتَى صُدِّقَ اتِّفَاقًا قَضَاءً وَدِيَانَةً لِتَشْدِيدِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَكَذَا إذَا نَوَى بِإِذَا مَعْنَى " إنْ " عَلَى قَوْلِهِمَا وَيَنْبَغِي أَنْ يُصَدَّقَ عِنْدَهُمَا دِيَانَةً فَقَطْ لِأَنَّهَا عِنْدَهُمَا ظَاهِرَةٌ فِي الظَّرْفِيَّةِ، وَالشَّرْطِيَّةُ احْتِمَالٌ فَلَا يُصَدِّقُهُ الْقَاضِي وَقَيَّدْنَا بِعَدَمِ دَلَالَةِ الْفَوْرِ لِأَنَّهُ لَوْ قَامَتْ دَلَالَةٌ عَلَيْهِ عُمِلَ بِهَا، وَلِذَا قَالَ فِي الْقُنْيَةِ لَوْ قَالَتْ لَهُ: طَلِّقْنِي فَقَالَ إنْ لَمْ أُطَلِّقْك يَقَعُ عَلَى الْفَوْرِ، وَقَدْ زَادَ هَذَا الْقَيْدَ فِي الْمُبْتَغِي بِالْمُعْجَمَةِ فَقَالَ لَوْ قَالَ لَهَا إنْ لَمْ تُخْبِرِينِي بِكَذَا فَأَنْت طَالِقٌ فَهُوَ عَلَى الْأَبَدِ إنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ مَا يَدُلُّ عَلَى الْفَوْرِ اهـ. وَتَبِعَهُ عَلَيْهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقَالَ: إنَّهُ قَيْدٌ حَسَنٌ وَمِنْ ثَمَّ قَالُوا: لَوْ أَرَادَ أَنْ يُجَامِعَ امْرَأَتَهُ فَلَمْ تُطَاوِعْهُ فَقَالَ إنْ لَمْ تَدْخُلِي الْبَيْتَ مَعِي فَأَنْت طَالِقٌ فَدَخَلَتْ بَعْدَمَا سَكَنَتْ شَهْوَتُهُ طَلُقَتْ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ مِنْ الدُّخُولِ كَانَ قَضَاءَ الشَّهْوَةِ، وَقَدْ فَاتَ، وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ الْبَوْلُ لَا يَقْطَعُ الْفَوْرَ، وَالصَّلَاةُ إذَا خَافَ خُرُوجَ وَقْتِهَا كَذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ وَبِهِ يُفْتَى وَقَالَ نُصَيْرٌ: الصَّلَاةُ تَقْطَعُ الْفَوْرَ وَسَتَأْتِي مَسَائِلُ الْفَوْرِ فِي آخِرِ بَابِ الْيَمِينِ عَلَى الْخُرُوجِ، وَالدُّخُولِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَمِمَّا يُنَاسِبُ مَسْأَلَةَ أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَقْطَعُ الْفَوْرَ مَا فِي الْفَتَاوَى الصَّيْرَفِيَّةِ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ لَيُصَلِّيَن الظُّهْرَ فِي مَسْجِدِهِ فَذَهَبَ إلَى مَوْضِعٍ لَوْ يَجِيءُ تَفُوتُهُ الصَّلَاةُ وَإِلَّا لَا قَالَ يُصَلِّيهَا فِي وَقْتِهِ وَتَطْلُقُ ثُمَّ رَقَّمَ بِعَلَامَةِ ب د إنَّ هَذَا فِي الْوَاحِدَةِ أَمَّا فِي الثَّلَاثِ فَيُصَلِّي فِي مَسْجِدِهِ اهـ. وَقَيَّدَ بِاقْتِصَارِهِ فِي التَّعْلِيقِ عَلَى عَدَمِ التَّطْلِيقِ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: إذَا طَلَّقْتُك فَأَنْت طَالِقٌ وَإِذَا لَمْ أُطَلِّقْك فَأَنْت طَالِقٌ فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُطَلِّقَ وَقَعَ عَلَيْهَا طَلَاقَانِ لِأَنَّهُ لَمَّا مَاتَ قَبْلَ التَّطْلِيقِ حَنِثَ فِي الْيَمِينِ الثَّانِيَةِ فَيَقَعُ عَلَيْهَا طَلَاقٌ وَهَذَا الطَّلَاقُ يَصْلُحُ شَرْطًا فِي الْيَمِينِ الْأُولَى فَحَنِثَ فِي الْيَمِينَيْنِ وَلَوْ قَلَبَ فَقَالَ إذَا لَمْ أُطَلِّقْك فَأَنْت طَالِقٌ وَإِذَا طَلَّقْتُك فَأَنْت طَالِقٌ فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُطَلِّقَ وَقَعَتْ وَاحِدَةً بِسَبَبِ الْيَمِينِ الْأُولَى وَلَا يَصْلُحُ شَرْطًا لِلثَّانِيَةِ لِأَنَّهُ وَقَعَ بِكَلَامٍ وُجِدَ قَبْلَ الْيَمِينِ الثَّانِيَةِ، وَالشُّرُوطُ تُرَاعَى فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَا الْمَاضِي كَذَا ذَكَرَهُ فِي الْمُنْتَقَى وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا وَقَالَ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِهِ وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِمَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يُنْتَظَرَ الْمَوْتُ بَلْ كَمَا سَكَتَ حَنِثَ اهـ. وَقَيَّدَ بِكَوْنِ الشَّرْطِ عَدَمَ التَّطْلِيقِ لِأَنَّ الشَّرْطَ لَوْ كَانَ التَّطْلِيقُ بِأَنْ قَالَ: إنْ طَلَّقْتُك فَأَنْت طَالِقٌ فَآلَى مِنْهَا فَمَضَتْ الْمُدَّةُ وَقَعَ عَلَيْهَا طَلَاقَانِ لِأَنَّ الْإِيلَاءَ تَطْلِيقٌ بَعْدَ الْمُدَّةِ وَلَوْ عِنِّينًا فَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا لَمْ يَقَعْ عَلَى الْأَصَحِّ، وَالْفَرْق أَنَّ فِي الْإِيلَاءِ وَقَعَ الطَّلَاقُ بِقَوْلِهِ حَقِيقَةً، وَفِي الْعِنِّينِ لَا وَإِنَّمَا جُعِلَ مُطَلِّقًا شَرْعًا كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَفِي اللِّعَانِ لَا يَحْنَثُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَهُمَا يَحْنَثُ، وَفِي الْخُلْعِ يَحْنَثُ، وَفِي خُلْعِ الْفُضُولِيِّ إنْ أَجَازَ بِالْقَوْلِ يَحْنَثُ، وَبِالْفِعْلِ لَا يَحْنَثُ وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ لَا يَحْنَثُ فِي الْإِيلَاءِ كَذَا فِي الْمُبْتَغَى وَلَوْ عَلَّقَ وَوُجِدَ الشَّرْطُ فَإِنْ كَانَ التَّعْلِيقُ قَبْلَ الْيَمِينِ لَا يَحْنَثُ وَإِلَّا حَنِثَ وَلَوْ طَلَّقَ الْوَكِيلُ أَوْ أَعْتَقَ حَنِثَ سَوَاءٌ كَانَ التَّوْكِيلُ قَبْلَ الْيَمِينِ أَوْ بَعْدَهُ وَكَذَا لَوْ قَالَ أَعْتِقْ نَفْسَك وَطَلِّقِي نَفْسَك كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَفِيهِ لَوْ قَالَ لَهَا كُلَّمَا وَقَعَ عَلَيْك طَلَاقِي فَأَنْت طَالِقٌ فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً وَقَعَ الثَّلَاثَ لِأَنَّهُ جَعَلَ شَرْطَ الْحِنْثِ وُقُوعَ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا، وَقَدْ وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا مَرَّتَيْنِ بَعْدَ الْيَمِينِ مَرَّةً بِالتَّطْلِيقِ وَمَرَّةً بِالْحِنْثِ فَوَقَعَتْ الثَّالِثَةُ بِوُقُوعِ الثَّانِيَةِ لِأَنَّ كُلَّمَا تُوجِبُ تَكْرَارَ الْجَزَاءِ بِتَكْرَارِ الشَّرْطِ وَلَوْ قَالَ كُلَّمَا طَلَّقْتُك فَأَنْت طَالِقٌ ثُمَّ طَلَّقَهَا يَقَعُ ثِنْتَانِ لِأَنَّهُ جَعَلَ شَرْطَ الْحِنْثِ تَطْلِيقَهَا وَلَمْ يُوجَدْ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً فَوَقَعَتْ وَاحِدَةً بِالْإِيقَاعِ وَأُخْرَى بِالْحِنْثِ وَبَقِيَتْ الْيَمِينُ مُنْعَقِدَةً لِأَنَّهَا عُقِدَتْ بِحَرْفِ التَّكْرَارِ اهـ. وَفِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ مِنْ بَابِ الطَّلَاقِ يَحْنَثُ أَمْ بِغَيْرِ حِنْثٍ لَوْ قَالَ إنْ طَلَّقْت زَيْنَبَ فَعَمْرَةُ طَالِقٌ، وَإِنْ طَلَّقْت عَمْرَةَ فَحَمَادَةُ طَالِقٌ، وَإِنْ طَلَّقْت حَمَادَةَ فَزَيْنَبُ طَالِقٌ فَطَلُقَتْ الْأُولَى لَمْ تَطْلُقْ الْأُخْرَى إذْ الْوُسْطَى طَلُقَتْ بِلَفْظٍ سَبَقَ يَمِينَ الْأُخْرَى، وَالشَّرْطُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَهَذَا الطَّلَاقُ يَصْلُحُ شَرْطًا فِي الْيَمِينِ) تَأَمَّلْهُ مَعَ قَوْلِهِ الْآتِي وَلَوْ قَالَ كُلَّمَا طَلَّقْتُك فَأَنْت طَالِقٌ. . . إلَخْ (قَوْلُهُ: وَلَوْ عَلَّقَ وَوُجِدَ الشَّرْطُ. . . إلَخْ) صُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ إنْ دَخَلْت فَأَنْت كَذَا ثُمَّ قَالَ إنْ طَلَّقْتُك فَأَنْت طَالِقٌ (قَوْلُهُ: مِنْ بَابِ الطَّلَاقِ) لَمْ أَجِدْ هَذَا الْبَابَ فِي الْجُزْءِ الَّذِي عِنْدِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 296 آتٍ لَا مَاضٍ وَكَذَا لَوْ طَلَّقَ الْوُسْطَى لَمْ تَطْلُقْ الْأُولَى إذْ الْأُخْرَى طَلُقَتْ بِلَفْظٍ سَبَقَ يَمِينَ الْأُولَى كَمَا فِي الْمُحِيطِ بِخِلَافِ إنْ وَقَعَ طَلَاقِي إذْ الشَّرْطُ الْوُقُوعُ، وَقَدْ تَأَخَّرَ وِزَانُهُ إنْ أَوْقَفَتْ أَوْ لَفَظَتْ، وَإِنْ طَلَّقَ الْأُخْرَى تَطْلُقُ الْوُسْطَى لِتَأَخُّرِ طَلَاقِ الْأُولَى عَنْ يَمِينِ الْوُسْطَى وَلَوْ كَانَ قَالَ إنْ طَلَّقْت حَمَادَةَ فَبَشِيرَةُ، وَإِنْ طَلَّقْت بَشِيرَةَ فَزَيْنَبُ وَطَلَّقَ حَمَادَةَ تَطْلُقُ بَشِيرَةُ، وَإِنْ طَلَّقَ بَشِيرَةَ طُلِّقْنَ إلَّا حَمَادَةَ، وَالْحَرْفُ مَا مَرَّ وَلِهَذَا لَوْ جَعَلَ زَيْنَبَ جَزَاءً لِعَمْرَةَ ثُمَّ عَكَسَ تَطْلُقُ زَيْنَبُ مَثْنَى إنْ طَلَّقَهَا وَفَرْدًا إنْ طَلَّقَ عَمْرَةَ، وَإِنْ طَلَّقَ إحْدَاهُنَّ وَمَاتَ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَالْبَيَانِ فَفِي الثَّلَاثِ لِعَمْرَةَ نِصْفُ مَهْرٍ بِلَا إرْثٍ فِي الطَّلَاقِ قَطْعًا وَلَهُمَا مَهْرٌ وَرُبُعٌ إذْ تَطْلُقُ فَرْدًا فِي حَالٍ وَفَرْدًا جَزْمًا، وَفِي الْأَرْبَعِ لِعَمْرَةَ خَمْسَةُ أَثْمَانِ مَهْرِهَا لِأَنَّهَا تَطْلُقُ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ وَلِلْبَاقِيَاتِ مَهْرَانِ وَرُبُعٌ اعْتِبَارًا لِلْحَالِ فِي فَرْدٍ بَعْدَ إفْرَادِ فَرْدٍ لِلطَّلَاقِ وَأُخْرَى لِلنِّكَاحِ لَا فِي كُلِّ فَرْدٍ كَزَعْمِ عِيسَى وَأَنْ يُرَادَ بِهِ رُبُعًا إذْ لَا حَاجَةَ مَعَ الْجَزْمِ وَلِعَمْرَةَ ثُمُنُ إرْثٍ إنْ طَلُقَتْ فِي أَحْوَالٍ وَزَاحَمَتْ فِي حَالٍ وَلِحَمَادَةَ ثَلَاثَةُ أَثْمَانٍ اعْتِبَارًا لِلْحَالِ فِي نِصْفٍ لَمْ تُنَازِعْهَا الْأُولَى، وَفِي نِصْفٍ نَازَعَتْ وَلِأَنَّ لَهَا الْكُلَّ فِي حَالٍ دُونَ أَحْوَالٍ، وَالنِّصْفَ فِي حَالٍ دُونَ أَحْوَالٍ فَأَخَذَتْ رُبُعَهَا، وَالْبَاقِي لِلْأَخِيرَتَيْنِ اهـ. وَتَوْضِيحُهُ فِي شَرْحِ الْفَارِسِيِّ وَحَاصِلُهُ فِي النِّسَاءِ الثَّلَاثِ أَنَّهُ إنْ طَلَّقَ زَيْنَبَ طَلُقَتْ عَمْرَةُ فَقَطْ، وَإِنْ طَلَّقَ عَمْرَةَ طَلُقَتْ حَمَادَةُ فَقَطْ، وَإِنْ طَلَّقَ حَمَادَةَ طَلُقَتْ زَيْنَبُ وَعَمْرَةُ، وَفِي التَّلْخِيصِ أَيْضًا مِنْ الْأَيْمَانِ بَابُ الْحِنْثِ بِالْحَلِفِ لَوْ حَلَفَ لَا يَحْلِفُ حَنِثَ بِالتَّعْلِيقِ لِوُجُودِ الرُّكْنِ دُونَ الْإِضَافَةِ لِعَدَمِهِ إلَّا أَنْ يُعَلِّقَ بِأَعْمَالِ الْقَلْبِ أَوْ بِمَجِيءِ الشَّهْرِ فِي ذَوَاتِ الْأَشْهُرِ لِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِي التَّمْلِيكِ أَوْ بَيَانِ وَقْتِ السُّنَّةِ فَلَا يَتَمَحَّضُ لِلتَّعْلِيقِ، وَلِهَذَا لَمْ يَحْنَثْ بِتَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِالتَّطْلِيقِ لِاحْتِمَالِ حِكَايَةِ الْوَاقِعِ وَلَا بِإِنْ أَدَّيْت فَأَنْتَ حُرٌّ، وَإِنْ عَجَزْت فَأَنْتَ رَقِيقٌ لِأَنَّهُ تَفْسِيرُ الْكِتَابَةِ وَلَا بِإِنْ حِضْت حَيْضَةً أَوْ عِشْرِينَ حَيْضَةً لِاحْتِمَالِ تَفْسِيرِ السُّنَّةِ وَلَا يَلْزَمُ إنْ حِضْت لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ تَفْسِيرًا لِلْبِدْعِيِّ لِتَنَوُّعِهِ وَتَعَذُّرِ التَّعْيِينِ فَتَمَحَّضَ تَعْلِيقًا وَلَا إنْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ لِأَنَّ الْحَمْلَ، وَالْمَنْعَ ثَمَرَةٌ فَتَمَّ الرُّكْنُ دُونَهَا اهـ. فَالْمُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِمْ حَنِثَ بِالتَّعْلِيقِ سِتُّ مَسَائِلَ فَلْتُحْفَظْ. قَوْلُهُ: (أَنْت طَالِقٌ مَا لَمْ أُطَلِّقْك أَنْت طَالِقٌ طَلُقَتْ هَذِهِ الطَّلْقَةَ) تَصْرِيحٌ بِمَا فُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ وَسَكَتَ وَمُرَادُهُ أَنَّهَا تَطْلُقُ الْمُنَجَّزَةَ لَا الْمُعَلَّقَةَ اسْتِحْسَانًا وَلَا يُعْتَبَرُ زَمَانُ الِاشْتِغَالِ بِالْمُنَجَّزَةِ سُكُوتًا لِأَنَّ زَمَنَ الْبِرِّ مُسْتَثْنًى بِدَلَالَةِ حَالِ الْحَلِفِ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَنْعَقِدُ لِلْبِرِّ فَهُوَ الْمَقْصُودُ بِهَا وَلَا يُمْكِنُ إلَّا بِجَعْلِ هَذَا الْقَدْرِ مُسْتَثْنًى فَهُوَ نَظِيرُ مَنْ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: لِوُجُودِ الرُّكْنِ) أَيْ رُكْنِ الْيَمِينِ وَهُوَ تَعْلِيقُ الْجَزَاءِ بِالشَّرْطِ وَقَوْلُهُ: دُونَ الْإِضَافَةِ أَيْ إلَى الْوَقْتِ كَأَنْتِ طَالِقٌ غَدًا فَلَا يَحْنَثُ بِهَا لِعَدَمِ الرُّكْنِ فَلَمْ يُوجَدْ شَرْطُ الْحِنْثِ وَهُوَ الْحَلِفُ لِأَنَّهَا سَبَبٌ فِي الْحَالِ فَكَانَ إيقَاعًا مُؤَجَّلًا فَيُعْتَبَرُ بِالْمُعَجَّلِ كَأَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ. أَمَّا التَّعْلِيقُ لَيْسَ سَبَبًا فِي الْحَالِ سَوَاءٌ كَانَ فِعْلَ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ مَجِيءَ الْوَقْتِ، وَالْمَرْأَةُ مِمَّنْ تَحِيضُ وَسَوَاءٌ كَانَ الْجَزَاءُ طَلَاقًا أَمْ عَتَاقًا أَمْ حَجًّا أَوْ نَذْرًا إلَّا أَنْ يُعَلِّقَ الْجَزَاءَ بِعَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِ الْقَلْبِ كَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْت أَوْ أَحْبَبْت أَوْ رَضِيت أَوْ بِمَجِيءِ الشَّهْرِ كَإِذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ، وَالْمَرْأَةُ مِنْ ذَوَاتِ الْأَشْهُرِ دُونَ الْحَيْضِ فَلَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الْأَوَّلَ مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّمْلِيكِ دُونَ التَّعْلِيقِ وَلِذَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ، وَالثَّانِيَ: مُسْتَعْمَلٌ فِي بَيَانِ وَقْتِ السُّنَّةِ لِأَنَّهُ وَقْتُ وُقُوعِ الطَّلَاقِ السُّنِّيِّ فِي حَقِّهَا فَلَمْ يَتَمَحَّضْ لِلتَّعْلِيقِ وَلِهَذَا لَمْ يَحْنَثْ بِتَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِالتَّطْلِيقِ كَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ طَلَّقْتُك لِاحْتِمَالِ إرَادَةِ حِكَايَةِ الْوَاقِعِ مِنْ كَوْنِهِ مَالِكًا لِتَطْلِيقِهَا وَلَا بِإِنْ أَدَّيْت. . . إلَخْ لِأَنَّهُ تَفْسِيرُ الْكِتَابَةِ فَلَمْ يَتَمَحَّضْ لِلتَّعْلِيقِ وَلَا بِأَنْتِ طَالِقٌ إنْ حِضْت حَيْضَةً لِأَنَّهَا اسْمٌ لِلْكَامِلِ مِنْهَا وَلَا وُجُودَ لَهُ إلَّا بِجُزْءٍ مِنْ الطُّهْرِ فَأَمْكَنَ جَعْلُهُ تَفْسِيرًا لِطَلَاقِ السُّنَّةِ وَكَذَا عِشْرِينَ حَيْضَةً لِأَنَّ مَا بَعْدَهَا وَقْتٌ لِطَلَاقِ السُّنَّةِ فِي الْجُمْلَةِ إذْ لَوْ طَلَّقَهَا فِي طُهْرٍ لَمْ يُجَامِعْهَا فِيهِ فَإِنْ رَاجَعَهَا وَتَرَكَهَا حَتَّى حَاضَتْ عِشْرِينَ حَيْضَةً ثُمَّ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ وَهِيَ حَائِضٌ وَقَعَتْ سُنِّيَّةً بَعْدَ هَذَا الْحَيْضِ فَلَمْ يَتَمَحَّضْ لِلتَّعْلِيقِ وَإِنَّمَا لَمْ يَحْنَثْ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ لِأَنَّ الْحَلِفَ بِالطَّلَاقِ مَحْظُورٌ وَحَمْلُ كَلَامِ الْعَاقِلِ عَلَى مَا فِيهِ إعْدَامُ الْمَحْظُورِ أَوْ تَقْلِيلُهُ أَوْلَى، وَقَدْ أَمْكَنَ حَمْلُهُ هُنَا عَلَى مَا يَحْتَمِلُهُ مِنْ التَّمْلِيكِ أَوْ التَّفْسِيرِ فَلَا يُحْمَلُ عَلَى الْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ وَقَوْلُهُ: وَلَا يَلْزَمُ إنِّي حِضْت أَيْ حَيْثُ يَحْنَثُ مَعَ إمْكَانِ جَعْلِهِ تَفْسِيرًا لِلْبِدْعِيِّ كَأَنَّهُ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ لِلْبِدْعَةِ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ تَفْسِيرًا لَهُ لِتَعَدُّدِ أَنْوَاعِهِ كَالْإِيقَاعِ فِي الْحَيْضِ أَوْ فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ أَوْ فِي طُهْرٍ قَبْلَهُ وَنَحْوُهُ وَلَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ تَفْسِيرًا لِلْكُلِّ لِلتَّنَافِي وَلَا لِوَاحِدٍ لِلْجَهَالَةِ فَتَعَذَّرَ التَّعْيِينُ بِخِلَافِ السُّنِّيِّ فَإِنَّهُ نَوْعٌ وَاحِدٌ وَلَا يَلْزَمُ أَيْضًا أَنْتِ طَالِقٌ إنْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ، وَإِنْ كَانَ مَعْنَى الْيَمِينِ وَهُوَ الْحَمْلُ، وَالْمَنْعُ مَفْقُودًا لِأَنَّهُمَا ثَمَرَةُ الْيَمِينِ لَا رُكْنُهُ، وَالْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ فِي الْعُقُودِ الشَّرْعِيَّةِ يَتَعَلَّقُ بِالصُّورَةِ لَا بِالثَّمَرَةِ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ فَبَاعَ فَاسِدًا أَوْ بِخِيَارٍ لَهُ يَحْنَثُ لِوُجُودِ الرُّكْنِ، وَإِنْ كَانَ انْتِقَالُ الْمِلْكِ غَيْرَ ثَابِتٍ كَذَا فِي شَرْحِ الْفَارِسِيِّ مُلَخَّصًا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 297 حَلَفَ لَا يَسْكُنُ هَذِهِ الدَّارَ وَهُوَ سَاكِنُهَا فَاشْتَغَلَ بِالنُّقْلَةِ مِنْ سَاعَتِهِ بَرَّ وَفَائِدَةُ وُقُوعِ الْمُنَجَّزَةِ دُونَ الْمُعَلَّقَةِ إنَّ الْمُعَلَّقَ لَوْ كَانَ ثَلَاثًا وَقَعَتْ وَاحِدَةً بِالْمُنَجَّزِ فَقَطْ إذَا كَانَ مَوْصُولًا فَلَوْ كَانَ مَفْصُولًا وَقَعَ الْمُنَجَّزُ، وَالْمُعَلَّقُ، وَفِي الْمُحِيطِ: لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ لَمْ أُطَلِّقْك الْيَوْمَ ثَلَاثًا فَأَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا فَحِيلَتُهُ أَنْ يَقُولَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ فَلَمْ تَقْبَلْ الْمَرْأَةُ فَإِنْ مَضَى الْيَوْمُ تَقَعُ الثَّلَاثُ فِي قِيَاسِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّهُ تَحَقَّقَ شَرْطُ الْحِنْثِ وَهُوَ عَدَمُ التَّطْلِيقِ لِأَنَّهُ أَتَى بِالتَّعْلِيقِ، وَالتَّعْلِيقُ غَيْرُ التَّطْلِيقِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى لِأَنَّهُ أَتَى بِالتَّطْلِيقِ لِأَنَّ هَذَا تَطْلِيقٌ مُقَيَّدٌ لِأَنَّهُ تَطْلِيقٌ بِعِوَضٍ، وَالْمُعَاوَضَةُ لَيْسَتْ بِتَعْلِيقٍ حَقِيقَةً، وَالْمُقَيَّدُ يَدْخُلُ تَحْتَ الْمُطْلَقِ فَيَنْعَدِمُ شَرْطُ الْحِنْثِ اهـ. قَوْلُهُ: (أَنْت كَذَا يَوْمَ أَتَزَوَّجُك فَنَكَحَهَا لَيْلًا حَنِثَ بِخِلَافِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ) يَعْنِي بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لَهَا أَمْرُك بِيَدِك يَوْمَ يَقْدَمُ زَيْدٌ فَإِنْ قَدِمَ زَيْدٌ لَيْلًا لَا خِيَارَ لَهَا أَوْ نَهَارًا دَخَلَ الْأَمْرُ فِي يَدِهَا إلَى الْغُرُوبِ، وَالْفَرْقُ مَبْنِيٌّ عَلَى قَاعِدَةٍ هِيَ أَنَّ مَظْرُوفَ الْيَوْمِ إذَا كَانَ غَيْرَ مُمْتَدٍّ يُصْرَفُ الْيَوْمُ عَنْ حَقِيقَتِهِ وَهُوَ بَيَاضُ النَّهَارِ إلَى مَجَازِهِ وَهُوَ مُطْلَقُ الْوَقْتِ لِأَنَّ ضَرْبَ الْمُدَّةِ لَهُ لَغْوٌ إذْ لَا يَحْتَمِلُهُ، وَإِنْ كَانَ مُمْتَدًّا يَكُونُ بَاقِيًا عَلَى حَقِيقَتِهِ، وَالْمُرَادُ بِمَا يَمْتَدُّ مَا يَصِحُّ ضَرْبُ الْمُدَّةِ لَهُ كَالسَّيْرِ، وَالرُّكُوبِ، وَالصَّوْمِ وَتَخْيِيرِ الْمَرْأَةِ وَتَفْوِيضِ الطَّلَاقِ وَبِمَا لَا يَمْتَدُّ عَكْسُهُ كَالطَّلَاقِ، وَالتَّزَوُّجِ، وَالْكَلَامِ، وَالْعَتَاقِ، وَالدُّخُولِ، وَالْخُرُوجِ، وَالْمُرَادُ بِالِامْتِدَادِ امْتِدَادٌ يُمْكِنُ أَنْ يَسْتَوْعِبَ النَّهَارَ لَا مُطْلَقُ الِامْتِدَادِ لِأَنَّهُمْ جَعَلُوا التَّكَلُّمَ مِنْ قَبِيلِ غَيْرِ الْمُمْتَدِّ وَلَا شَكَّ أَنَّ التَّكَلُّمَ يَمْتَدُّ زَمَانًا طَوِيلًا لَكِنْ لَا يَمْتَدُّ بِحَيْثُ يَسْتَوْعِبُ النَّهَارَ كَذَا فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ، وَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي التَّكَلُّمِ هَلْ هُوَ مِمَّا يَمْتَدُّ أَوَّلًا فَجَزَمَ فِي الْهِدَايَةِ بِالثَّانِي، وَجَزَمَ السِّرَاجُ الْهِنْدِيُّ فِي شَرْحِ الْمُغْنِي بِالْأَوَّلِ وَجَعَلَ الثَّانِي ظَنًّا ظَنَّهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ وَرَجَّحَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَالْحَقُّ مَا فِي الْهِدَايَةِ لِمَا فِي التَّلْوِيحِ مِنْ أَنَّ امْتِدَادَ الْإِعْرَاضِ إنَّمَا هُوَ بِتَجَدُّدِ الْأَمْثَالِ كَالضَّرْبِ، وَالْجُلُوسِ، وَالرُّكُوبِ فَمَا يَكُونُ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ مِثْلُهَا فِي الْأُولَى مِنْ كُلِّ وَجْهٍ جُعِلَ كَالْعَيْنِ الْمُمْتَدِّ بِخِلَافِ الْكَلَامِ فَإِنَّ الْمُتَحَقِّقَ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ لَا يَكُونُ مِثْلَهُ فِي الْأُولَى فَلَا يَتَحَقَّقُ تَجَدُّدُ الْأَمْثَالِ اهـ. ثُمَّ الْجُمْهُورُ وَمِنْهُمْ الْمُحَقِّقُونَ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي الِامْتِدَادِ وَعَدَمِهِ الْمَظْرُوفُ وَهُوَ الْجَوَابُ وَمِنْ مَشَايِخِ مَنْ تَسَامَحَ فَاعْتَبَرَ الْمُضَافَ إلَيْهِ الْيَوْمَ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ الْمُضَافَ إلَيْهِ وَمَظْرُوفُ الْيَوْمِ مِمَّا يَمْتَدُّ كَقَوْلِهِ أَمْرُك بِيَدِك يَوْمَ يَرْكَبُ فُلَانٌ أَوْ يَكُونَا مِنْ غَيْرِ الْمُمْتَدِّ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ يَوْمَ يَقْدَمُ زَيْدٌ، وَفِي هَذَيْنِ لَا يَخْتَلِفُ الْجَوَابُ إنْ اُعْتُبِرَ الْمُضَافُ إلَيْهِ أَوْ الْمَظْرُوفُ. وَإِنْ كَانَ الْمَظْرُوفُ مُمْتَدًّا، وَالْمُضَافُ إلَيْهِ غَيْرَ مُمْتَدٍّ كَقَوْلِهِ أَمْرُك بِيَدِك يَوْمَ يَقْدَمُ فُلَانٌ أَوْ يَكُونُ الْمُضَافُ إلَيْهِ مُمْتَدًّا وَالْمَظْرُوفُ غَيْرَ مُمْتَدٍّ نَحْوُ أَنْتَ حُرٌّ يَوْمَ يَرْكَبُ فُلَانٌ فَحِينَئِذٍ يَخْتَلِفُ الْجَوَابُ مَعَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَفَائِدَةُ وُقُوعِ الْمُنَجَّزَةِ دُونَ الْمُعَلَّقَةِ. . . إلَخْ) فِيهِ أَنَّ الْفَائِدَةَ تَظْهَرُ، وَإِنْ كَانَ الْمُعَلَّقُ وَاحِدَةً حَيْثُ لَمْ يَقَعْ الْمُعَلَّقُ كَمَا وَقَعَ الْمُنَجَّزُ نَعَمْ هَذِهِ فَائِدَةُ التَّنْجِيزِ مَوْصُولًا فَإِنَّهُ لَوْلَاهُ لَوَقَعَ الثَّلَاثُ الْمُعَلَّقَةُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ هَذَا تَطْلِيقٌ مُقَيَّدٌ. . . إلَخْ) مُقْتَضَاهُ تَسْلِيمُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ تَعْلِيقًا يَحْنَثُ فَيُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ فِي حِيَلِ الْأَشْبَاهِ مِنْ أَنَّ الْحِيلَةَ أَنْ يَقُولَ أَنْت طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَوْ عَلَى أَلْفٍ فَلَا تَقْبَلُ. (قَوْلُهُ: كَالسَّيْرِ، وَالرُّكُوبِ. . . إلَخْ) قَالَ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِهِ قَوْلَهُمْ: الرُّكُوبُ مِنْ الْمُمْتَدِّ مَمْنُوعٌ بَلْ حَقِيقَتُهُ حَرَكَتُهُ الَّتِي يَصِيرُ بِهَا فَوْقَ الدَّابَّةِ، وَاللُّبْسُ هُوَ جَعْلُ الثَّوْبِ عَلَى بَدَنِهِ، وَالْمُمْتَدُّ بَقَاؤُهُ وَلَكِنَّهُ يُتَسَامَحُ فَيُقَالُ لَبِسَ يَوْمًا وَرَكِبَ يَوْمًا إذَا دَامَ عَلَيْهِ فَالْمَرْجِعُ الْعُرْفُ اهـ. وَالْأَنْسَبُ مَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ فِي حَوَاشِي التَّلْوِيحِ مِنْ أَنَّهُ مَجَازٌ عَنْ الْبَقَاءِ، وَالْقَرِينَةُ التَّقْيِيدُ بِنَحْوِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ (قَوْلُهُ: وَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي التَّكَلُّمِ. . . إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَلَمْ أَرَ مَنْ أَظْهَرَ لِلْخِلَافِ ثَمَرَةً وَيَنْبَغِي أَنْ تَظْهَرَ فِي اشْتِرَاطِ اسْتِيعَابِ النَّهَارِ فِيمَا يَمْتَدُّ وَعَدَمِهِ فَمَنْ اشْتَرَطَهُ جَعَلَ الْكَلَامَ مِمَّا لَا يَمْتَدُّ وَمَنْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ جَعَلَهُ مِنْ الْمُمْتَدِّ وَإِذَا عُرِفَ هَذَا فَمَا فِي الْبَحْرِ الْمُرَادُ بِالِامْتِدَادِ امْتِدَادٌ يُمْكِنُ أَنْ يَسْتَوْعِبَ النَّهَارَ لَا مُطْلَقَ الِامْتِدَادِ لِأَنَّهُمْ جَعَلُوا التَّكَلُّمَ. . . إلَخْ مَبْنِيٌّ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ نَعَمْ اخْتَارَ فِي التَّلْوِيحِ أَنَّهُ مِمَّا لَا يَمْتَدُّ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ مَنْ جَعَلَهُ مِنْ الْمُمْتَدِّ نَظَرَ إلَى أَنَّ الْمَرَّةَ الثَّانِيَةَ كَالْأُولَى أَيْضًا مِنْ حَيْثُ النُّطْقُ بِالْحُرُوفِ، وَالِاخْتِلَافُ بِالْوَصْفِ لَا يُبَالَى بِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْجُلُوسَ لَوْ اخْتَلَفَتْ كَيْفِيَّتُهُ عُدَّ مُمْتَدًّا فَكَذَا هَذَا اهـ. وَفِي شَرْحِ الْمَقْدِسِيَّ أَقُولُ: مَا قَالَهُ الْهِنْدِيُّ أَصْوَبُ عِنْدِي لِأَنَّهُ يُقَالُ تَكَلَّمَ فُلَانٌ عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ عِشْرِينَ دَرَجَةً وَأَكْثَرَ فَيُضْرَبُ لَهُ الْمُدَّةُ وَقَوْلُ التَّلْوِيحِ إنَّهُ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ لَيْسَ كَالْأُولَى مَمْنُوعٌ إذْ لَيْسَ إلَّا بِتَحْرِيكِ اللِّسَانِ، وَالتَّصْوِيتِ وَمَا فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ مِنْ تَقْيِيدِ الِامْتِدَادِ بِمَا يُمْكِنُ أَنْ يَسْتَوْعِبَ النَّهَارَ لِأَنَّهُمْ جَعَلُوا التَّكَلُّمَ مِنْ غَيْرِ الْمُمْتَدِّ مَبْنِيٌّ عَلَى هَذَا، وَقَدْ عَلِمْت مَا فِيهِ اهـ. مُلَخَّصًا. وَهُوَ عَيْنُ مَا بَحَثَهُ فِي النَّهْرِ. وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ عَلَى أَحَدِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 298 اعْتِبَارِ الْمَظْرُوفِ فِيمَا يَخْتَلِفُ الْجَوَابُ فِيهِ عَلَى الِاعْتِبَارَيْنِ فَفِي أَمْرُك بِيَدِك يَوْمَ يَقْدَمُ زَيْدٌ فَقَدِمَ لَيْلًا لَا يَكُونُ الْأَمْرُ بِيَدِهَا اتِّفَاقًا، وَفِي أَنْت حُرٌّ يَوْمَ يَرْكَبُ زَيْدٌ فَرَكِبَ لَيْلًا عَتَقَ اتِّفَاقًا، وَمَنْ اعْتَبَرَ الْمُضَافَ إلَيْهِ دُونَ الْمَظْرُوفِ إنَّمَا اعْتَبَرَهُ فِيمَا لَا يَخْتَلِفُ الْجَوَابُ فَعَلَى هَذَا فَلَا خِلَافَ فِي الْحَقِيقَةِ كَمَا فِي الْكَشْفِ، وَالتَّلْوِيحِ وَغَيْرِهِمَا وَلِذَا اعْتَبَرَ فِي الْهِدَايَةِ فِي هَذَا الْفَصْلِ الْمَظْرُوفَ حَيْثُ قَالَ، وَالطَّلَاقُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ وَاعْتَبَرَ فِي الْأَيْمَانِ الْمُضَافَ إلَيْهِ حَيْثُ قَالَ فِي قَوْلِهِ يَوْمَ أُكَلِّمُ فُلَانًا، وَالْكَلَامُ فِيمَا لَا يَمْتَدُّ بِهِ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ مَا حَكَاهُ بَعْضُ الشَّارِحِينَ مِنْ الْخِلَافِ وَهْمٌ، وَأَنَّ مَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ مِنْ أَنَّ الْأَوْجَهَ أَنْ يُعْتَبَرَ الْمُمْتَدُّ مِنْهَا وَعَلَيْهِ مَسَائِلُهُمْ لَيْسَ بِالْأَوْجَهِ وَأَنَّ مَا قَالَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ مِنْ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ الْمُمْتَدُّ مِنْهُمَا لَيْسَ مِمَّا يَنْبَغِي وَإِنَّمَا الصَّحِيحُ اعْتِبَارُ الْجَوَابِ فَقَطْ وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ الْجَوَابُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِذِكْرِ الظَّرْفِ إفَادَةُ وُقُوعِ الْجَوَابِ فِيهِ بِخِلَافِ الْمُضَافِ إلَيْهِ فَإِنَّهُ، وَإِنْ كَانَ مَظْرُوفًا أَيْضًا لَكِنْ لَمْ يَقْصِدْ بِذِكْرِ الظَّرْفِ ذَلِكَ بَلْ إنَّمَا ذَكَرَ الْمُضَافَ إلَيْهِ لِيَتَعَيَّنَ الظَّرْفُ فَيَتِمُّ الْمَقْصُودُ مِنْ تَعْيِينِ زَمَنِ وُقُوعِ مَضْمُونِ الْجَوَابِ وَلَا شَكَّ أَنَّ اعْتِبَارَ مَا قُصِدَ الظَّرْفُ لَهُ لِاسْتِعْلَامِ الْمُرَادِ مِنْ الظَّرْفِ أَهُوَ الْحَقِيقِيُّ أَوْ الْمَجَازِيُّ أَوْلَى مِنْ اعْتِبَارِ مَا لَمْ يُقْصَدْ لَهُ فِي اسْتِعْلَامِ حَالِهِ، وَفِي التَّلْوِيحِ إنَّمَا اُعْتُبِرَ الْجَوَابُ لِأَنَّهُ الْمَظْرُوفُ الْمَقْصُودُ وَمَظْرُوفٌ لَفْظًا وَمَعْنًى، وَالْمُضَافُ إلَيْهِ ضِمْنِيٌّ مَعْنًى لَا لَفْظًا ثُمَّ قَالَ فَإِنْ قُلْت كَثِيرًا مَا يَمْتَدُّ الْفِعْلُ مَعَ كَوْنِ الْيَوْمِ لِمُطْلَقِ الْوَقْتِ مِثْلُ ارْكَبُوا يَوْمَ يَأْتِيكُمْ الْعَدُوُّ وَأَحْسِنُوا الظَّنَّ بِاَللَّهِ يَوْمَ يَأْتِيكُمْ الْمَوْتُ وَبِالْعَكْسِ فِي مِثْلِ أَنْتِ طَالِقٌ يَوْمَ يَصُومُ زَيْدٌ وَأَنْتَ حُرٌّ يَوْمَ تُكْسَفُ الشَّمْسُ. قُلْت الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، وَالْخُلُوِّ عَنْ الْمَوَانِعِ وَلَا يَمْتَنِعُ مُخَالَفَتُهُ بِمَعُونَةِ الْقَرَائِنِ كَمَا فِي الْأَمْثِلَةِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى أَنَّهُ لَا امْتِنَاعَ فِي حَمْلِ الْيَوْمِ فِي الْأَوَّلِ عَلَى بَيَاضِ النَّهَارِ وَيُعْلَمُ الْحُكْمُ فِي غَيْرِهِ بِدَلِيلِ الْعَقْلِ، وَفِي الثَّانِي عَلَى مُطْلَقِ الْوَقْتِ وَيُجْعَلُ التَّقْيِيدُ بِالْيَوْمِ مِنْ الْإِضَافَةِ مَا إذَا قَالَ أَنْت طَالِقٌ حِينَ يَصُومُ أَوْ حِينَ تَنْكَسِفُ الشَّمْسُ اهـ. ثُمَّ لَفْظُ الْيَوْمِ يُطْلَقُ عَلَى بَيَاضِ النَّهَارِ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ اتِّفَاقًا وَعَلَى مُطْلَقِ الْوَقْتِ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ عِنْدَ الْبَعْضِ فَيَصِيرُ مُشْتَرَكًا وَبِطَرِيقِ الْمَجَازِ عِنْدَ الْأَكْثَرِ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ حَمْلَ الْكَلَامِ عَلَى الْمَجَازِ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الِاشْتِرَاكِ لِمَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الْيَوْمَ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَالنَّهَارَ مِنْ طُلُوعِهَا إلَى غُرُوبِهَا، وَاللَّيْلَ لِلسَّوَادِ خَاصَّةً وَهُوَ ضِدُّ النَّهَارِ فَلَوْ قَالَ: إنْ دَخَلْت لَيْلًا لَمْ تَطْلُقْ إنْ دَخَلَتْ نَهَارًا لِأَنَّ اللَّيْلَ لَا يُسْتَعْمَلُ لِلْوَقْتِ عُرْفًا فَبَقِيَ اسْمًا لِسَوَادِ اللَّيْلِ وَضْعًا وَعُرْفًا كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَلَوْ قَالَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى: عَنَيْت بِهِ بَيَاضَ النَّهَارِ صُدِّقَ قَضَاءً لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ فَيُصَدَّقُ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ تَخْفِيفٌ عَلَى نَفْسِهِ كَذَا ذَكَرَ الشَّارِحُ وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ وَدِيَانَةً لِأَنَّ مَا صُدِّقَ فِيهِ قَضَاءً صُدِّقَ فِيهِ دِيَانَةً وَلَا يَنْعَكِسُ كَمَا لَا يَخْفَى ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْيَوْمَ إنَّمَا يَكُونُ لِمُطْلَقِ الْوَقْتِ فِيمَا لَا يَمْتَدُّ إذَا كَانَ الْيَوْمُ مُنَكَّرًا أَمَّا إذَا كَانَ مُعَرَّفًا بِاللَّامِ الَّتِي لِلْعَهْدِ الْحُضُورِيِّ فَإِنَّهُ يَكُونُ لِبَيَاضِ النَّهَارِ وَلِذَا قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ الْأَيْمَانِ لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُك الْيَوْمَ وَلَا غَدًا وَلَا بَعْدَ غَدٍ كَانَ لَهُ أَنْ يُكَلِّمَهُ فِي اللَّيَالِي وَإِذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُك الْيَوْمَ وَغَدًا وَبَعْدَ غَدٍ فَهُوَ كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُك ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ تَدْخُلُ فِيهَا اللَّيَالِي اهـ. وَالْفَرْقُ أَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ أَيْمَانٌ ثَلَاثَةٌ لِتَكْرَارِ حَرْفِ لَا، وَفِي الثَّانِي يَمِينٌ وَاحِدَةٌ، وَفِي التَّلْوِيحِ ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: أَمْرُك بِيَدِك الْيَوْمَ وَغَدًا دَخَلَتْ اللَّيْلَةُ قُلْت وَلَيْسَ مَبْنِيًّا عَلَى أَنَّ الْيَوْمَ لِمُطْلَقِ الْوَقْتِ بَلْ عَلَى أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ أَمْرُك بِيَدِك يَوْمَيْنِ، وَفِي مِثْلِهِ يَسْتَتْبِعُ اسْمُ الْيَوْمِ اللَّيْلَةَ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ أَمْرُك بِيَدِك الْيَوْمَ وَبَعْدَ غَدٍ فَإِنَّ الْيَوْمَ الْمُنْفَرِدَ لَا يَسْتَتْبِعُ مَا بِإِزَائِهِ مِنْ اللَّيْلِ اهـ. وَمِنْ فُرُوعِ الْإِضَافَةِ أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ قُدُومِ زَيْدٍ بِشَهْرٍ وَنَحْوُهُ قَالَ   [منحة الخالق] الْقَوْلَيْنِ جَزَمَهُ بِأَنَّ الْكَلَامَ مَا يَمْتَدُّ زَمَانًا طَوِيلًا (قَوْلُهُ: وَلِذَا قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ. . . إلَخْ) أَيْ فَإِنَّ قَوْلَهُ لَا أُكَلِّمُك الْيَوْمَ لَمَّا كَانَتْ (الـ) فِيهِ لِلْعَهْدِ الْحُضُورِيِّ اقْتَصَرَ عَلَى بَيَاضِ النَّهَارِ الْحَاضِرِ فَلَوْ كَلَّمَهُ بَعْدَهُ لَيْلًا لَمْ يَحْنَثْ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ بِمَعْنَى لَا أُكَلِّمُك ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ دَخَلَ فِيهِ اللَّيْلُ، وَفِي النَّهْرِ: لَوْ خَرَجَ الْفَرْعُ الْأَوَّلُ عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ مِمَّا يَمْتَدُّ لَاسْتَغْنَى عَنْ هَذَا التَّقْيِيدِ اهـ. وَمَا قَالَهُ الْمُؤَلِّفُ أَظْهَرُ لِاقْتِضَائِهِ التَّقْيِيدَ بِبَيَاضِ النَّهَارِ، وَإِنْ قِيلَ إنَّ الْكَلَامَ مِمَّا لَا يَمْتَدُّ بِخِلَافِهِ عَلَى مَا قَالَهُ فِي النَّهْرِ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي عَدَمَ التَّقْيِيدِ عَلَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 299 فِي التَّلْخِيصِ: بَابُ مَا يَقَعُ بِالْوَقْتِ وَمَا لَا يَقَعُ أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك بِشَهْرٍ لَغْوٌ لِسَبْقِهِ الْعَقْدَ كَطَالِقٍ أَمْسِ أَوْ قِرَانِهِ فَإِنَّهُ تَوَقَّفَ لِلتَّعَرُّفِ وَلَا شَرْطَ لَفْظًا لِيَتَأَخَّرَ وَقَبْلَ قُدُومِ زَيْدٍ أَوْ مَوْتِهِ وَاقِعٌ إنْ كَانَا بَعْدَ شَهْرٍ لِلْإِضَافَةِ، وَالْوَصْفُ فِي الْمِلْكِ مُقْتَصِرًا عِنْدَهُمَا لِلتَّوَقُّفِ مُسْنَدًا عِنْدَ زُفَرَ لِلْإِضَافَةِ كَذَا فِي الْعِتْقِ وَالْإِمَامُ مَعَهُمَا فِي الْقُدُومِ إذْ الْمُعَرَّفُ الْحَظْرُ شَرْطٌ مَعْنًى بِدَلِيلِ إنْ كَانَ فِي عِلْمِ اللَّهِ قُدُومُهُ مَعَهُ فِي الْمَوْتِ لِأَنَّهُ كَائِنٌ فَلَوْ عَرَّفَ الشَّهْرَ وَقَعَ بِأَوَّلِهِ كَقَبْلِ الْفِطْرِ فَيَنْزِلُ قُبَيْلَ الْمَوْتِ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ تَوْسِيطًا بَيْنَ الظُّهُورِ، وَالْإِنْشَاءِ حَتَّى لَغَا الْخُلْعُ وَالْكِتَابَةُ عِنْدَهُ بِسَبَقِ الزَّوَالِ فَيَرُدُّ الْبَدَلَ إلَّا أَنْ يَمُوتَ بَعْدَ الْعِدَّةِ   [منحة الخالق] الْقَوْلِ الْآخَرِ مَعَ أَنَّ الْيَوْمَ مُعَرَّفٌ بِالْعَهْدِ الْحُضُورِيِّ فَكَيْفَ يَشْمَلُ غَيْرَهُ تَدَبَّرْ (قَوْلُهُ: لَغْوٌ لِسَبْقِهِ الْعَقْدَ. . . إلَخْ) . يَعْنِي أَنَّ قَوْلَهُ ذَلِكَ لِلْأَجْنَبِيَّةِ لَغْوٌ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ لَا تَطْلُقُ أَبَدًا إمَّا لِسَبْقِهِ الْعَقْدَ إنْ كَانَ الْعَقْدُ قَبْلَ مُضِيِّ شَهْرٍ مِنْ ذَلِكَ الْقَوْلِ كَمَا فِي أَنْت طَالِقٌ أَمْسِ لِمَنْ تَزَوَّجَهَا الْيَوْمَ إمَّا لِقِرَانِهِ الْعَقْدَ إنْ كَانَ لِتَمَامِ شَهْرٍ فَصَاعِدًا مِنْ وَقْتِ ذَلِكَ الْقَوْلِ وَهَذَا لِأَنَّ الطَّلَاقَ تَوَقَّفَ عَلَى وُجُودِ التَّزَوُّجِ لَا لِأَنَّهُ شَرْطٌ بَلْ لِكَوْنِهِ مَصْرِفًا لِلشَّرْطِ الَّذِي هُوَ الشَّهْرُ الْمُتَّصِلُ بِالتَّزَوُّجِ لَا أَنَّهُ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ قَبْلَ شَهْرٍ فِي آخِرِهِ تَزَوَّجَ فَكَانَ الشَّهْرُ شَرْطًا يُعَرَّفُ بِأَوَّلِ زَمَانِ التَّزَوُّجِ فَيَكُونُ وُجُودُهُ قُبَيْلَ التَّزَوُّجِ فَيَنْزِلُ الْمَشْرُوطُ وَهُوَ الطَّلَاقُ عُقَيْبَ الشَّهْرِ مُقَارِنًا لِلتَّزَوُّجِ، وَالطَّلَاقُ شُرِعَ رَافِعًا لِلنِّكَاحِ فَلَا يَصْلُحُ مُقَارِنًا لَهُ وَلَا شَرْطَ لَفْظًا دَاخِلٌ عَلَى التَّزَوُّجِ فِي كَلَامِهِ لِيَتَأَخَّرَ وُقُوعُ الطَّلَاقِ عَنْ التَّزَوُّجِ كَمَا فِي قَوْلِهِ: إذَا تَزَوَّجْتُك فَأَنْت طَالِقٌ قَبْلَهُ بِشَهْرٍ فَتَزَوَّجَهَا بَعْدَ شَهْرٍ وَأَمَّا فِي قَوْلِهِ لِامْرَأَتِهِ أَنْت طَالِقٌ قَبْلَ قُدُومِ زَيْدٍ بِشَهْرٍ أَوْ قَبْلَ مَوْتِهِ بِشَهْرٍ فَيَقَعُ إنْ وُجِدَا بَعْدَ شَهْرٍ لِمَا ذَكَرَ مِنْ الْإِضَافَةِ، وَالْوَصْفِ فِي الْمِلْكِ حَيْثُ أَضَافَ طَلَاقَ مَنْكُوحَتِهِ إلَى شَهْرٍ مَوْصُوفٍ بِوَصْفٍ وَهُوَ الْقُدُومُ أَوْ الْمَوْتُ، وَقَدْ وُجِدَ، وَالْمَرْأَةُ فِي مِلْكِهِ، وَقَوْلُهُ: مُقْتَصِرًا حَالٌ مِنْ الضَّمِيرِ فِي وَاقِعٌ أَيْ وَاقِعُ مُقْتَصِرًا عِنْدَ الصَّاحِبَيْنِ عَلَى حَالِ الْقُدُومِ أَوْ الْمَوْتِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا شَرْطٌ لِتَوَقُّفِ الطَّلَاقِ عَلَيْهِ مُسْتَنِدًا عِنْدَ زُفَرَ لِإِضَافَةِ الطَّلَاقِ إلَى الْوَقْتِ الْمَوْصُوفِ وَهُوَ شَهْرٌ يَتَّصِلُ بِآخِرِهِ قُدُومُ زَيْدٍ أَوْ مَوْتُهُ فَإِذَا وُجِدَ تَبَيَّنَ اتِّصَافُهُ مِنْ أَوَّلِهِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَتُعْتَبَرُ الْعِدَّةُ مِنْ أَوَّلِهِ، وَالْعِتْقُ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ وَالْإِمَامُ مَعَهُمَا فِي مَسْأَلَةِ الْقُدُومِ فَأَوْقَعَ الطَّلَاقَ، وَالْعِتْقَ مُقْتَصِرًا لِأَنَّ الْقُدُومَ مُعَرِّفٌ لِلشَّرْطِ، وَالْمُعَرِّفُ إذَا كَانَ عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ شُرِطَ مَعْنًى، وَإِنْ لَمْ يُذْكَرْ حَرْفُهُ بِدَلِيلِ مَا لَوْ قَالَ: إنْ كَانَ فِي عِلْمِ اللَّهِ قُدُومُ زَيْدٍ إلَى شَهْرٍ فَأَنْت طَالِقٌ وَقَدِمَ لِتَمَامِهِ فَإِنَّهَا تَطْلُقُ بَعْدَ قُدُومِهِ مُقْتَصِرًا لَكِنْ لَمَّا لَمْ يَكُنْ الْقُدُومُ مَعْلُومًا لَنَا تَوَقَّفَ الْحُكْمُ عَلَى ظُهُورِهِ لَنَا وَصَارَ فِي مَعْنَى الشَّرْطِ وَمَعَ زُفَرَ فِي مَسْأَلَةِ الْمَوْتِ فَأَوْقَعَهُمَا مُسْتَنِدًا لِأَنَّهُ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ فَلَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَى الشَّرْطِ فَيَكُونُ مُعَرِّفًا لِلْوَقْتِ الْمُضَافِ إلَيْهِ الطَّلَاقُ وَهُوَ الشَّهْرُ فَإِذَا عُرِفَ الشَّهْرُ وَقَعَ الطَّلَاقُ بِأَوَّلِهِ كَمَا فِي الشَّهْرِ الْمَعْلُومِ مِنْ الْأَصْلِ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ الْفِطْرِ بِشَهْرٍ وَمَعْرِفَةُ الشَّهْرِ فِي مَسْأَلَتِنَا تَتَحَقَّقُ بِظُهُورِ آثَارِ الْمَوْتِ فَصَارَ الْمُعَرِّفُ لِكَوْنِهِ شَهْرًا قَبْلَ مَوْتِ زَيْدٍ تِلْكَ الْآثَارُ لَا الْمَوْتُ نَفْسُهُ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ حُكْمُ الشَّرْطِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى بِخِلَافِ الْقُدُومِ فَصَارَ الْمَوْتُ فِي الِابْتِدَاءِ مُظْهِرًا لِلشَّهْرِ، وَفِي الِانْتِهَاءِ شَرْطًا لِتَوَقُّفِ وُجُودِهِ عَلَيْهِ فَدَارَ بَيْنَ الظُّهُورِ، وَالْإِنْشَاءِ فَأَثْبَتْنَا حُكْمًا بَيْنَهُمَا وَهُوَ نُزُولُ الطَّلَاقِ قُبَيْلَ الْمَوْتِ عِنْدَ وُجُودِ الْآثَارِ مُسْتَنِدًا إلَى أَوَّلِ الشَّهْرِ تَوْسِيطًا بَيْنَهُمَا عَمَلًا بِهِمَا كَذَا فِي شَرْحِ الْفَارِسِيِّ مُلَخَّصًا. (قَوْلُهُ: حَتَّى لَغَا. . . إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى الِاخْتِلَافِ بَيْنَ الْإِمَامِ وَصَاحِبَيْهِ فِي الِاسْتِنَادِ، وَالِاقْتِصَارِ فَإِذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا قَبْلَ مَوْتِ زَيْدٍ بِشَهْرٍ ثُمَّ خَلَعَهَا بَعْدَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا عَلَى أَلْفٍ أَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: أَنْت حُرٌّ قَبْلَ مَوْتِ زَيْدٍ بِشَهْرٍ ثُمَّ كَاتَبَهُ عَلَى أَلْفٍ بَعْدَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ مَاتَ زَيْدٌ بَعْدَ ذَلِكَ لِتَمَامِ شَهْرٍ بَطَلَ الْخُلْعُ، وَالْكِتَابَةُ عِنْدَهُ لِسَبْقِ زَوَالِ الْمَحِلِّ فَيَرُدُّ الزَّوْجُ بَدَلَ الْخُلْعِ، وَالْمَوْلَى بَدَلَ الْكِتَابَةِ إلَّا أَنْ يَمُوتَ زَيْدٌ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَأَدَاءِ الْمُكَاتَبِ وَلَغَا الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ بِشَهْرٍ قَبْلَ مَوْتِ الزَّوْجِ عِنْدَهُمَا لِقِرَانِهِ لِزَوَالِ مِلْكِ النِّكَاحِ، وَالطَّلَاقُ الْمُضَافُ إلَى حَالِ زَوَالِ النِّكَاحِ غَيْرُ صَحِيحٍ وَعِنْدَهُ يَقَعُ حِينَ ظُهُورِ آثَارِ الْمَوْتِ لِقِيَامِ الْمَحَلِّ ثُمَّ يَسْتَنِدُ وَقَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْعِتْقِ يَعْنِي فِي أَنْتَ حُرٌّ قَبْلَ مَوْتِي بِشَهْرٍ حَيْثُ يَقَعُ الْعَتَاقُ اتِّفَاقًا أَمَّا عِنْدَهُ فَظَاهِرٌ. وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِبَقَاءِ الْمِلْكِ بَعْدَ الْمَوْتِ إذَا كَانَ الْمَيِّتُ مُحْتَاجًا إلَيْهِ وَلِهَذَا إذَا قَالَ: أَنْت حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي بِشَهْرٍ صَحَّ فَلَمْ يَكُنْ إضَافَةً إلَى حَالِ زَوَالِ الْمِلْكِ لَكِنْ يَعْتِقُ عِنْدَهُمَا مِنْ الثُّلُثِ لِاقْتِصَارِهِ عَلَى الْمَوْتِ فَكَانَ كَالْمُدَبَّرِ وَعِنْدَهُ مِنْ الْكُلِّ لِاسْتِنَادِهِ إلَى وَقْتٍ لَمْ يَتَعَلَّقْ حَقُّ الْوَارِثِ بِهِ لَكِنَّ هَذَا لَوْ الْإِيجَابُ فِي الصِّحَّةِ وَإِلَّا فَمِنْ الثُّلُثِ إجْمَاعًا وَلِلْمَوْلَى بَيْعُ الْعَبْدِ قَبْلَ مُضِيِّ الشَّهْرِ وَكَذَا بَعْدَهُ عِنْدَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ بِذَلِكَ مُدَبَّرًا مُطْلَقًا لِاشْتِرَاطِ الْقَبْلِيَّةَ وَهِيَ صِفَةٌ زَائِدَةٌ فَصَارَ كَقَوْلِهِ إنْ مِتَّ مِنْ مَرَضِي هَذَا وَلَوْ جُنِيَ عَلَى الْعَبْدِ بِأَنْ قُطِعَتْ يَدُهُ فِي الشَّهْرِ ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى لِتَمَامِ الشَّهْرِ فَالْأَرْشُ لِلْعَبْدِ لَا الْمَوْلَى لَكِنْ عَلَى الْقَاطِعِ أَرْشُ الْقِنِّ وَهُوَ نِصْفُ الْقِيمَةِ لَا الْحُرِّ وَهُوَ نِصْفُ الدِّيَةِ لِأَنَّ الْعِتْقَ عِنْدَهُ ثَبَتَ مُسْتَنِدًا وَلَا اسْتِنَادَ فِي الْجُزْءِ الْفَائِتِ وَهُوَ الْيَدُ، وَالْأَرْشُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 300 لِفَوْتِ مَحَلِّ الْإِنْشَاءِ وَلَغَا طَالِقٌ قَبْلَ مَوْتِي بِشَهْرٍ عِنْدَهُمَا لِقِرَانِ الْمَوْتِ بِخِلَافِ الْعِتْقِ لِبَقَاءِ الْمِلْكِ لَكِنْ مِنْ الثُّلُثِ عِنْدَهُمَا، وَالْكُلُّ عِنْدَهُ وَلَهُ الْبَيْعُ بِشَرْطِ صِفَةٍ فِي الْمَوْتِ أَوْ غَيْرِهِ مَعَهُ كَإِنْ مِتَّ وَدُفِنْت أَوْ مِنْ مَرَضِي وَلَوْ جُنِيَ عَلَيْهِ فِي الشَّهْرِ فَالْأَرْشُ لَهُ لَكِنَّ أَرْشَ الْقِنِّ إذْ لَا اسْتِنَادَ فِي الْفَائِتِ، وَالْخَلَفُ كَالْأَصْلِ فِيمَا يَقْبَلُهُ وَهُوَ الْمِلْكُ لَا الْعِتْقُ نَظِيرُهُ الْجِنَايَةُ عَلَى السَّاعِي فِي كِتَابَةِ أَبِيهِ وَضَمَانُ التَّسْبِيبِ يَلْحَقُ الْمَيِّتَ بَعْدَ إعْتَاقِ الْوَارِثِ فَإِنَّهُ يَسْتَنِدُ فِي حَقِّ الدَّيْنِ دُونَ رَدِّ الْعِتْقِ بِسَبَبِهِ. وَلَوْ بِيعَ النِّصْفُ عَتَقَ الْبَاقِي وَلَمْ يَفْسُدْ الْبَيْعُ إذْ الِاسْتِنَادُ عُدِمَ فِي حَقِّ الزَّائِلِ وَلَمْ يَضْمَنْ لِعَدَمِ الصُّنْعِ كَالْمِيرَاثِ وَلَوْ قَالَ قَبْلَ مَوْتِ زَيْدٍ وَعَمْرٍو بِشَهْرٍ فَمَاتَ زَيْدٌ قَبْلَ شَهْرٍ لَمْ يَقَعْ أَبَدًا لِفَوَاتِ الْوَصْفِ، وَإِنْ مَاتَ بَعْدَهُ وَقَعَ لِتَعْيِينِ الشَّهْرِ وَهُوَ الْمُتَّصِلُ بِأَوَّلِ الْكَائِنَيْنِ كَقَبْلَ الْفِطْرِ، وَالْأَضْحَى بِخِلَافِ الْقُدُومِ، وَالْقِرَانُ مَبْنَى طَعْنِ الرَّازِيّ وَهُوَ مُحَالٌ فَلَا يُرَادُ كَذَا قَبْلَ أَنْ تَحِيضِي حَيْضَةً بِشَهْرٍ وَرَأَتْ الدَّمَ ثَلَاثًا وَقَبْلَ قُدُومِ زَيْدٍ وَمَوْتِ عَمْرٍو وَقُدِّمَ لِأَنَّ الْبَاقِيَ كَائِنٌ بِخِلَافِ مَا لَوْ مَاتَ عَمْرٌو اهـ. وَتَوْضِيحُهُ فِي شَرْحِ الْفَارِسِيِّ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَوْ قَالَ: أَطْوَلُكُمَا حَيَاةً طَالِقٌ السَّاعَةَ لَمْ يَقَعْ حَتَّى تَمُوتَ إحْدَاهُمَا فَإِذَا مَاتَتْ طَلُقَتْ الْأُخْرَى مُسْتَنِدًا اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ   [منحة الخالق] الْخَلَفُ يُعْطَى حُكْمَ الْأَصْلِ فِي حَقٍّ يَقْبَلُهُ وَهُوَ اخْتِصَاصُ الْعَبْدِ بِهِ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ دُونَ مَا لَا يَقْبَلُهُ وَهُوَ الْعِتْقُ وَنَظِيرُهُ فِي ذَلِكَ حُكْمُ الْجِنَايَةِ عَلَى الْوَلَدِ السَّاعِي فِي كِتَابَةِ أَبِيهِ بَعْدَ مَوْتِ الْأَبِ فَإِنَّهُ إذَا قُطِعَتْ يَدُهُ ثُمَّ أَدَّى وَحُكِمَ بِعِتْقِهِ وَعِتْقِ أَبِيهِ فِي آخِرِ حَيَاةِ الْأَبِ يَجِبُ أَرْشُهُ لَهُ قِنًّا لَا حُرًّا لِكَوْنِ الْخَلَفِ وَهُوَ الْأَرْشُ كَالْأَصْلِ وَهُوَ الْيَدُ فِيمَا يَقْبَلُهُ وَهُوَ ثُبُوتُ الْمِلْكِ لِلِابْنِ لَا فِيمَا لَا يَقْبَلُهُ وَهُوَ الْحُرِّيَّةُ وَكَذَا ضَمَانُ التَّسَبُّبِ فَإِنَّ الْمُوَرِّثَ إذَا حَفَرَ بِئْرًا فِي الطَّرِيقِ ثُمَّ مَاتَ عَنْ عَبْدٍ فَأَعْتَقَهُ الْوَارِثُ ثُمَّ تَلِفَ بِالْبِئْرِ دَابَّةٌ تُسَاوِي الْعَبْدَ فَالضَّمَانُ يَسْتَنِدُ إلَى الْحَفْرِ فِيمَا يَقْبَلُهُ وَهُوَ ثُبُوتُ الدَّيْنِ عَلَى الْمَيِّتِ حَتَّى يَضْمَنَ الْوَارِثُ قِيمَةَ الْعَبْدِ لَا فِيمَا لَا يَقْبَلُهُ وَهُوَ رَدُّ الْعِتْقِ وَهَذَا عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ نِصْفُ الْقِيمَةِ لِلْمَوْلَى لِأَنَّ الْقَطْعَ وَرَدَ عَلَى مِلْكِهِ لِلِاقْتِصَارِ وَقَوْلُهُ: وَلَوْ بِيعَ. . . إلَخْ أَيْ لَوْ بَاعَ الْمَوْلَى النِّصْفَ ثُمَّ مَاتَ زَيْدٌ لِتَمَامِ الشَّهْرِ عَتَقَ النِّصْفُ الْبَاقِي إجْمَاعًا وَقَوْلُهُ: وَلَمْ يَفْسُدْ جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ إذَا عَتَقَ الْبَاقِي مُسْتَنِدًا ظَهَرَ مِنْ وَجْهٍ أَنَّهُ مُعْتَقُ الْبَعْضِ فَهُوَ مُكَاتَبٌ كُلُّهُ وَبَيْعُهُ لَا يَجُوزُ. وَالْجَوَابُ لَمْ يُكَاتِبْهُ الْمَوْلَى نَصًّا فَلَوْ ظَهَرَتْ الْكِتَابَةُ تَظْهَرُ ضَرُورَةُ عِتْقِ النِّصْفِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا، وَالضَّرُورَةُ فِي ثُبُوتِ الْعِتْقِ فِي نَصِيبِهِ لَا فِي صَيْرُورَةِ الْآخَرِ مُكَاتَبًا وَلَمْ يَضْمَنْ لِمُشْتَرِي النِّصْفِ شَيْئًا لِثُبُوتِ الْعِتْقِ بِلَا صُنْعٍ مِنْهُ لِكَوْنِهِ ثَبَتَ حُكْمًا لِلْكَلَامِ السَّابِقِ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَصَارَ كَمَا لَوْ وَرِثَ نِصْفَ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ بِالْقَرَابَةِ. وَقَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ أَيْ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْت طَالِقٌ قَبْلَ مَوْتِ زَيْدٍ وَعَمْرٍو بِشَهْرٍ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ شَهْرٍ مِنْ وَقْتِ الْكَلَامِ فَاتَ الْوَصْفُ وَهُوَ الْقَبْلِيَّةَ عَلَى مَوْتِهِمَا بِشَهْرٍ فَفَاتَ الْمَوْصُوفُ وَهُوَ الْوَقْتُ الْمُضَافُ إلَيْهِ الطَّلَاقُ فَتَعَذَّرَ الْوُقُوعُ، وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ شَهْرٍ وَقَعَ مُسْتَنِدًا عِنْدَهُ إلَى أَوَّلِ الشَّهْرِ مُقْتَصِرًا عِنْدَهُمَا لَا يُنْتَظَرُ مَوْتُ الْآخَرِ لِتَعَيُّنِ الشَّهْرِ الْمُضَافِ إلَيْهِ الطَّلَاقُ وَهُوَ الْمُتَّصِلُ بِأَوَّلِ الْكَائِنَيْنِ وَهُمَا مَوْتُ زَيْدٍ وَعَمْرٍو لَا مَحَالَةَ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لِلثَّانِي تَأْثِيرٌ فِي إيجَادِ الشَّرْطِ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ فَصَارَ كَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ الْفِطْرِ، وَالْأَضْحَى بِشَهْرٍ يَقَعُ فِي أَوَّلِ رَمَضَانَ وَلَا يُنْتَظَرُ مَا بَعْدَهُ وَهَذَا بِخِلَافِ الْقُدُومِ فِي أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ قُدُومِ زَيْدٍ وَعَمْرٍو بِشَهْرٍ لَا يَقَعُ مَا لَمْ يَقْدَمْ الْآخَرُ لِعَدَمِ تَعَيُّنِ الشَّهْرِ الْمُضَافِ إلَيْهِ الطَّلَاقُ عِنْدَ اتِّصَالِهِ بِأَوَّلِهِمَا لِجَوَازِ أَنْ لَا يَقْدَمَ الْآخَرُ أَصْلًا فَكَانَ لِلثَّانِي تَأْثِيرٌ فِي إيجَادِ الشَّرْطِ فَإِذَا قَدِمَ طَلُقَتْ بِطَرِيقِ الِاقْتِصَارِ خِلَافًا لِزُفَرَ أَمَّا فِي الْمَوْتِ فَيَتَعَيَّنُ الشَّهْرُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا لِكَوْنِ مَوْتِ الْآخَرِ كَائِنًا لَا مَحَالَةَ (قَوْلُهُ: وَالْقِرَانُ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ: مَبْنِيٌّ طَعَنَ الرَّازِيّ وَهُوَ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْقِيَاسَ فِي الصُّورَتَيْنِ وَاحِدٌ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ مَا لَمْ يَقْتَرِنْ مَوْتُهُمَا أَوْ قُدُومُهُمَا وَهُوَ الَّذِي بَنَى عَلَيْهِ الرَّازِيّ طَعْنَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ بَعْدَ مَوْتِ أَحَدِهِمَا بِشَهْرٍ وَمَوْتِ الْآخَرِ بِأَكْثَرَ كَانَ خِلَافَ الْوَقْتِ الْمُضَافِ إلَيْهِ الطَّلَاقُ وَقَوْلُهُ: وَهُوَ أَيْ اشْتِرَاطُ قِرَانِ مَوْتِهِمَا أَوْ قُدُومِهِمَا مُحَالٌ عَادَةً وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُرِيدُ بِكَلَامِهِ الْمُمْتَنِعَ عَادَةً بَلْ الْمُعْتَادُ وَذَلِكَ شَهْرٌ قَبْلَ مَوْتِهِمَا عَلَى التَّعَاقُبِ لَا الْقِرَانِ كَمَا فِي قَبْلَ الْفِطْرِ، وَالْأَضْحَى بِشَهْرٍ. (قَوْلُهُ: كَذَا قَبْلَ أَنْ تَحِيضِي. إلَخْ) لِتَعْلِيقِهِ الطَّلَاقَ بِشَهْرٍ قَبْلَ الْحَيْضَةِ وَصِفَةُ الْقَبْلِيَّةَ تَثْبُتُ بِالِاتِّصَالِ بِالْحَيْضَةِ فَصَارَ الِاتِّصَالُ شَرْطًا، وَالْحَيْضَةُ مُوجِدَةً لَهُ، وَالْمُوجِدُ لِلشَّرْطِ يُقَارِنُهُ الطَّلَاقُ لَكِنَّ التَّوَقُّفَ عَلَيْهِ ضَرُورَةُ وُجُودِ الشَّرْطِ وَلَيْسَ لِمَا وَرَاءَ الثَّلَاثِ أَثَرٌ فِي إيجَادِ الشَّرْطِ بِخِلَافِ إذَا حِضْت حَيْضَةً حَيْثُ يَتَعَلَّقُ بِالطُّهْرِ إذْ لَا حَيْضَةَ إلَّا بَعْدَ الطُّهْرِ وَهُنَا عَلَّقَهُ بِشَهْرٍ قَبْلَهَا، وَالْحَيْضَةُ مُعَرِّفَةٌ لَهُ، وَقَدْ وُجِدَتْ وَهِيَ تَنْقَطِعُ لَا مَحَالَةَ وَكَذَا إذَا قَدِمَ زَيْدٌ بَعْدَ شَهْرٍ يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ قَبْلَ قُدُومِهِ وَقَبْلَ مَوْتِ عَمْرو وَلِأَنَّ الْمَوْتَ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ فَلَا يُنْتَظَرُ فِي حَقِّ الطَّلَاقِ بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ عَمْرٌو أَوْ لَا حَيْثُ يُنْتَظَرُ قُدُومُ زَيْدٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِكَائِنٍ لَا مَحَالَةَ كَذَا فِي شَرْحِ الْفَارِسِيِّ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ: طَلُقَتْ الْأُخْرَى مُسْتَنِدًا) أَيْ عِنْدَهُ وَمُقْتَصِرًا عِنْدَهُمَا كَمَا فِي الْفَتْحِ قَالَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 301 أَنْت طَالِقٌ إلَى قَرِيبٍ فَهُوَ إلَى مَا نَوَى لِأَنَّ مُدَّةَ الدُّنْيَا كُلَّهَا قَرِيبَةٌ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ فَإِلَى أَنْ يَمْضِيَ شَهْرٌ إلَّا يَوْمًا، وَفِي الذَّخِيرَةِ أَنْت طَالِقٌ السَّاعَةَ وَاحِدَةً وَغَدًا أُخْرَى بِأَلْفٍ فَقَبِلَتْ وَقَعَتْ وَاحِدَةً لِلْحَالِ بِنِصْفِ الْأَلْفِ، وَالْأُخْرَى غَدًا بِغَيْرِ شَيْءٍ، وَإِنْ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ مَجِيءِ الْغَدِ ثُمَّ جَاءَ وَقَعَتْ أُخْرَى بِخَمْسِمِائَةٍ وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ السَّاعَةَ وَاحِدَةً أَمْلِكُ الرَّجْعَةَ وَغَدًا أُخْرَى بِأَلْفٍ فَقَبِلَتْ وَقَعَتْ وَاحِدَةً لِلْحَالِ بِغَيْرِ شَيْءٍ فَإِذَا جَاءَ الْغَدُ وَقَعَتْ أُخْرَى بِأَلْفٍ وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ الْيَوْمَ تَطْلِيقَةً بَائِنَةٌ وَغَدًا أُخْرَى بِأَلْفٍ يَقَعُ لِلْحَالِ تَطْلِيقَةً بَائِنَةً بِغَيْرِ شَيْءٍ فَإِذَا جَاءَ الْغَدُ وَقَعَتْ أُخْرَى بِغَيْرِ شَيْءٍ وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ الْيَوْمَ وَاحِدَةً بِغَيْرِ شَيْءٍ وَغَدًا أُخْرَى بِأَلْفٍ فَقَبِلَتْ وَقَعَ الْيَوْمَ وَاحِدَةً بِغَيْرِ شَيْءٍ وَغَدًا أُخْرَى بِالْأَلْفِ وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ السَّاعَةَ وَاحِدَةً أَمْلِكُ الرَّجْعَةَ وَغَدًا أُخْرَى أَمْلِكُ الرَّجْعَةَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ انْصَرَفَ الْبَدَلُ إلَيْهِمَا فَتَقَعُ الْيَوْمَ وَاحِدَةً بِخَمْسِمِائَةٍ وَغَدًا أُخْرَى بِغَيْرِ شَيْءٍ إلَّا أَنْ يَتَزَوَّجَهَا كَمَا إذَا لَمْ يُضِفْ أَصْلًا. وَكَذَا إذَا قَالَ: أَنْت طَالِقٌ السَّاعَةَ ثَلَاثًا وَغَدًا أُخْرَى بَائِنَةٌ أَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ السَّاعَةَ وَاحِدَةً بِغَيْرِ شَيْءٍ وَغَدًا أُخْرَى بِغَيْرِ شَيْءٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَالْبَدَلُ يَنْصَرِفُ إلَيْهِمَا فَيَقَعُ الْيَوْمَ وَاحِدَةً بِخَمْسِمِائَةٍ وَغَدًا أُخْرَى بِغَيْرِ شَيْءٍ وَلَوْ وَصَفَ الثَّانِيَةَ فَقَطْ بِأَنْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ الْيَوْمَ وَاحِدَةً وَغَدًا أُخْرَى أَمْلِكُ الرَّجْعَةَ بِأَلْفٍ أَوْ بِغَيْرِ شَيْءٍ بِأَلْفٍ أَوْ بَائِنَةٌ بِأَلْفٍ لَغَا ذَلِكَ الْوَصْفُ فَتَقَعُ وَاحِدَةً الْيَوْمَ بِخَمْسِمِائَةٍ وَأُخْرَى بِغَيْرِ شَيْءٍ إلَّا أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فَصَارَ الْحَاصِلُ أَنَّ الْوُجُوهَ عَشَرَةٌ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ لَا يَصِفَ وَاحِدَةً مِنْهُمَا أَوْ يَصِفَ الْأُولَى فَقَطْ إمَّا بِالرَّجْعَةِ أَوْ بِالْبَيْنُونَةِ أَوْ بِكَوْنِهَا بِغَيْرِ شَيْءٍ أَوْ يَصِفَ الثَّانِيَةَ فَقَطْ كَذَلِكَ أَوْ يَصِفَهُمَا جَمِيعًا كَذَلِكَ فَلْيُتَأَمَّلْ، وَفِي تَتِمَّةِ الْفَتَاوَى أَنْت طَالِقٌ قُبَيْلَ غَدٍ وَقُبَيْلَ قُدُومِ فُلَانٍ فَهُوَ قَبْلَ ذَلِكَ بِطَرْفَةِ عَيْنٍ لِأَنَّ قُبَيْلَ وَقْتٍ قَالَ أَبُو الْفَضْلِ هَذَا هُوَ الْجَوَابُ فِي قَوْلِهِ قُبَيْلَ قُدُومِ فُلَانٍ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ إذَا قَدِمَ فُلَانٌ فَلَوْ قَالَ إذَا كَانَ ذُو الْقِعْدَةِ فَأَنْت طَالِقٌ، وَقَدْ مَضَى بَعْضُهُ فَهِيَ طَالِقٌ سَاعَةَ مَا تَكَلَّمَ اهـ. وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذِهِ الْمَسَائِلَ تَتْمِيمًا لِلطَّلَاقِ الْمُضَافِ تَكْثِيرًا لِلْفَوَائِدِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَهُوَ الْمُيَسِّرُ لِكُلِّ عَسِيرٍ. قَوْلُهُ: (أَنَا مِنْك طَالِقٌ لَغْوٌ، وَإِنْ نَوَى وَتَبِينُ فِي الْبَائِنِ، وَالْحَرَامِ) يَعْنِي إذَا قَالَ أَنَا مِنْك بَائِنٌ أَوْ عَلَيْك حَرَامٌ فَإِنَّهَا تَبِينُ بِالنِّيَّةِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الطَّلَاقَ لِإِزَالَةِ الْمِلْكِ الثَّابِتِ بِالنِّكَاحِ أَوْ الْقَيْدِ فَمَحَلُّ الطَّلَاقِ مَحَلُّهُمَا وَهِيَ مَحَلُّهُمَا دُونَهُ فَالْإِضَافَةُ إلَيْهِ إضَافَةُ الطَّلَاقِ إلَى غَيْرِ مَحَلِّهِ فَيَلْغُو وَأَمَّا حَجْرُهُ عَنْ أُخْتِهَا أَوْ خَامِسَةٍ فَلَيْسَ مُوجِبٌ نِكَاحَهَا بَلْ حَجْرٌ شَرْعِيٌّ ثَابِتٌ ابْتِدَاءً عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ وَخَمْسٍ لَا حُكْمًا لِلنِّكَاحِ وَلِهَذَا لَوْ تَزَوَّجَهَا مَعَ أُخْتِهَا مَعًا أَوْ ضَمَّ خَمْسًا مَعًا لَا يَجُوزُ بِخِلَافِ الْإِبَانَةِ لِأَنَّ لَفْظَهَا مَوْضُوعٌ لِإِزَالَةِ الْوَصْلَةِ وَوَصْلَةُ النِّكَاحِ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُمَا فَصَحَّتْ إضَافَتُهَا إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا عَالِمًا بِحَقِيقَتِهَا وَبِخِلَافِ التَّحْرِيمِ لِأَنَّهُ لِإِزَالَةِ الْحِلِّ وَهُوَ مُشْتَرَكٌ قَيَّدْنَا بِقَوْلِنَا مِنْك وَعَلَيْك لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنَا بَائِنٌ أَوْ أَبَنْت نَفْسِي وَلَمْ يَقُلْ مِنْك أَوْ حَرَامٌ وَلَمْ يَقُلْ عَلَيْك لَمْ تَطْلُقْ، وَإِنْ نَوَى لِأَنَّ الْبَيْنُونَةَ مُتَعَدِّدَةٌ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ: أَنْت بَائِنٌ أَوْ حَرَامٌ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ حَيْثُ تَطْلُقُ إذَا نَوَى لِتَعْيِينِ إزَالَةِ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْوَصْلَةِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَوْ مَلَّكَهَا الطَّلَاقَ فَطَلَّقَتْهُ لَا يَقَعُ لِمَا قَدَّمْنَاهُ. وَفِي الْقُنْيَةِ أَنْتِ حَرَامٌ أَوْ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ يَقَعُ الطَّلَاقُ بِدُونِ النِّيَّةِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى كَلِمَةِ " عَلَيَّ " مت وَكَذَا فِي سن فَقَالَ لَوْ قَالَ لَهَا: أَنَا بَائِنٌ وَلَمْ يَقُلْ مِنْك أَوْ أَنَا حَرَامٌ وَلَمْ يَقُلْ عَلَيْك فَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ أَنْتِ بَائِنٌ أَوْ أَنْتِ حَرَامٌ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَفِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ ع لَوْ قَالَ لَهَا: أَنْت حَرَامٌ أَوْ بَائِنٌ وَلَمْ يَقُلْ مِنِّي فَهُوَ بَاطِلٌ وَهَذَا سَهْوٌ مِنْهُ حَيْثُ نَقَلَهُ مِنْ الْعُيُونِ، وَفِي الْعُيُونِ ذَكَرَ ذَلِكَ مِنْ جَانِبِ الْمَرْأَةِ فَقَالَ لَوْ جَعَلَ أَمْرَ امْرَأَتِهِ بِيَدِهَا فَقَالَتْ لِلزَّوْجِ أَنْت عَلَيَّ حَرَامٌ أَوْ أَنْت مِنِّي بَائِنٌ أَوْ حَرَامٌ أَوْ أَنَا عَلَيْك حَرَامٌ أَوْ بَائِنٌ وَقَعَ وَلَوْ قَالَتْ أَنْت بَائِنٌ أَوْ حَرَامٌ وَلَمْ تَقُلْ مِنِّي فَهُوَ بَاطِلٌ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ   [منحة الخالق] الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِهِ قُلْت فَيَلْزَمُهُ الْعُقْرُ لَوْ وَطِئَهَا بَيْنَهُمَا لَوْ كَانَ بَائِنًا وَيُرَاجِعُ لَوْ رَجْعِيًّا وَلَوْ قَالَ نَظِيرَهُ لِإِحْدَى أَمَتَيْهِ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَفِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ ع) قَالَ الرَّمْلِيُّ: أَيْ مَعْزِيًّا إلَى الْعُيُونِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي النَّهْرِ اهـ. وَاعْلَمْ أَنَّ خِزَانَةَ الْأَكْمَلِ اسْمُ كِتَابٍ فِي سِتِّ مُجَلَّدَاتٍ تَصْنِيفُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ يُوسُفَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الْجُرْجَانِيِّ وَنُسِبَ لِأَبِي اللَّيْثِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لِهَذَا كَذَا فِي تَاجِ التَّرَاجِمِ لِلْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 302 نُسَخِ الْعُيُونِ وَلَوْ قَالَ بِغَيْرِ تَاءِ التَّأْنِيثِ وَظَنَّ صَاحِبُ الْأَكْمَلِ أَنَّهَا مَسْأَلَةٌ مُبْتَدَأَةٌ وَظَنَّ أَنَّهُ لَوْ قَالَ ذَلِكَ الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَقَالَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَعِنْدَ هَذَا ازْدَادَ سَهْوًا شَيْخُنَا نَجْمُ الْأَئِمَّةِ الْبُخَارِيُّ فَزَادَ فِيهَا لَفْظَةَ لَهَا فَقَالَ لَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ حَرَامٌ أَوْ بَائِنٌ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَالْمَسْأَلَةُ مَعَ تَاءِ التَّأْنِيثِ مَذْكُورَةٌ فِي الْوَاقِعَاتِ الْكُبْرَى الْمَدَنِيَّةِ وَغَيْرِ الْمَدَنِيَّةِ فِي مَسَائِلِ الْعُيُونِ فَعُرِفَ بِهِ سَهْوُهُمَا اهـ. وَالْحَاصِلُ مِنْ جِهَةِ الْأَحْكَامِ أَنَّهُ إذَا أَضَافَ الْحُرْمَةَ أَوْ الْبَيْنُونَةَ إلَيْهَا وَقَعَ مِنْ غَيْرِ إضَافَةٍ إلَيْهِ، وَإِنْ أَضَافَ إلَى نَفْسِهِ لَا يَقَعُ مِنْ غَيْرِ إضَافَةٍ إلَيْهَا، وَإِنْ خَيَّرَهَا فَأَجَابَتْ بِالْحُرْمَةِ أَوْ الْبَيْنُونَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْإِضَافَتَيْنِ أَنْتِ حَرَامٌ عَلَيَّ أَنَا حَرَامٌ عَلَيْك أَنْتِ بَائِنٌ مِنِّي أَنَا بَائِنٌ مِنْك وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْمُوَفِّقُ وَقَدْ حُكِيَ فِي الْمِعْرَاجِ فِي مَسْأَلَةِ أَنَا مِنْك طَالِقٌ أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ لِزَوْجِهَا لَوْ كَانَ إلَيَّ مَا إلَيْك لَرَأَيْت مَاذَا أَصْنَعُ فَقَالَ جَعَلْت مَا إلَيَّ إلَيْك فَقَالَتْ طَلَّقْتُك فَرَفَعَ ذَلِكَ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَقَالَ خَطَّأَ اللَّهُ نَوْءَهَا هَلَّا قَالَتْ طَلَّقْت نَفْسِي مِنْك وَرَوَى خَطَّ اللَّهُ وَصَوَّبَهُ النَّسَفِيُّ وَقَالَ لَا يَجُوزُ خَطَّأَ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ عَكْسَهُ، وَالنَّوْءُ كَوْكَبٌ تَسْتَمْطِرُ بِهِ الْعَرَبُ اهـ. قَوْلُهُ: (أَنْت طَالِقٌ وَاحِدَةً أَوَّلًا أَوْ مَعَ مَوْتِي أَوْ مَعَ مَوْتِك لَغْوٌ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَهُوَ قَوْلُهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَقَعُ رَجْعِيَّةً لِصَرْفِ الشَّكِّ إلَى الْوَاحِدَةِ وَلَهُمَا أَنَّ الْوَصْفَ مَتَى قُرِنَ بِالْعَدَدِ كَانَ الْوُقُوعُ بِالْعَدَدِ بِدَلِيلِ مَا أُجْمِعَ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا طَلُقَتْ ثَلَاثًا وَلَوْ كَانَ الْوُقُوعُ بِطَالِقٍ لَبَانَتْ لَا إلَى عِدَّةٍ فَيَلْغُو الْعَدَدُ وَمِنْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ وَاحِدَةً إنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ الْوُقُوعُ بِطَالِقٍ لَكَانَ الْعَدَدُ فَاصِلًا فَوَقَعَ وَمِنْ أَنَّهَا لَوْ مَاتَتْ قَبْلَ الْعَدَدِ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ كَمَا سَيَأْتِي ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْوُقُوعَ أَيْضًا بِالْمَصْدَرِ عِنْدَ ذِكْرِهِ وَكَذَا الْوُقُوعُ بِالصِّفَةِ عِنْدَ ذِكْرِهَا كَمَا إذَا قَالَ أَنْت طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ كَانَ الْوُقُوعُ بِأَلْبَتَّةَ حَتَّى لَوْ قَالَ بَعْدَهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ مُتَّصِلًا لَا يَقَعُ وَلَوْ كَانَ الْوُقُوعُ بِاسْمِ الْفَاعِلِ لَوَقَعَ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ أَوْ أَنْت طَالِقٌ بَائِنٌ فَمَاتَتْ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ لِلسُّنَّةِ أَوْ بَائِنٌ لَا يَقَعُ شَيْءٌ لِأَنَّهُ صِفَةٌ لِلْإِيقَاعِ لَا لِلتَّطْلِيقَةِ فَيَتَوَقَّفُ الْإِيقَاعُ عَلَى ذِكْرِ الصِّفَةِ وَأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ بَعْدَ الْمَوْتِ اهـ. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ بِالْأُولَى مَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ الْعِتْقِ رَجُلٌ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْت حُرٌّ أَلْبَتَّةَ فَمَاتَ الْعَبْدُ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ أَلْبَتَّةَ فَإِنَّهُ يَمُوتُ عَبْدًا اهـ. وَمُرَادُهُ مِنْ الْوَاحِدَةِ مُطْلَقُ الْعَدَدِ فَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا أَوَّلًا عَلَى الْخِلَافِ وَقَيَّدَ بِالْعَدَدِ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَوَّلًا لَا يَقَعُ فِي قَوْلِهِمْ، وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ أَوْ غَيْرُ طَالِقٍ أَوْ أَنْت طَالِقٌ أَوْ لَا شَيْءَ أَوْ أَنْت طَالِقٌ أَوَّلًا لَا يَقَعُ شَيْءٌ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ الشَّكَّ فِي الْإِيقَاعِ وَكَذَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إلَّا لِأَنَّ هَذَا اسْتِثْنَاءٌ، وَالْإِيقَاعُ إذَا لَحِقَهُ اسْتِثْنَاءٌ لَا يَبْقَى إيقَاعًا وَكَذَا لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ إنْ كَانَ أَوْ أَنْت طَالِقٌ إنْ لَمْ يَكُنْ أَوْ لَوْلَا لِأَنَّ هَذَا شَرْطٌ، وَالْإِيقَاعُ إذَا لَحِقَهُ شَرْطٌ لَمْ يَبْقَ إيقَاعًا اهـ ثُمَّ قَالَ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ فَالْبَيَانُ إلَيْهِ وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ لِغَيْرِ الْمَدْخُولَةِ تَقَعُ وَاحِدَةً بِلَا خِيَارٍ لِأَنَّهَا صَارَتْ أَجْنَبِيَّةً وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ وَفُلَانَةُ أَوْ فُلَانَةُ يَقَعُ عَلَيْهَا وَعَلَى إحْدَى الْأُخْرَيَيْنِ لِأَنَّ كَلِمَةَ التَّشْكِيكِ دَخَلَتْ بَيْنَ الثَّانِيَةِ، وَالثَّالِثَةِ، وَالْأُولَى سَلِمَتْ عَنْ التَّشْكِيكِ وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ أَوْ فُلَانَةُ وَفُلَانَةُ يَقَعُ عَلَى الْأَخِيرَةِ وَعَلَى إحْدَى الْأَوَّلِيَّيْنِ، وَالْبَيَانُ إلَيْهِ لِأَنَّ كَلِمَةَ التَّشْكِيكِ دَخَلَتْ عَلَى الْأُولَى، وَالثَّانِيَةِ لَا عَلَى الْأَخِيرَةِ لَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ فَقَالَ أَنْت طَالِقٌ أَوْ هَذِهِ وَهَذِهِ أَوْ هَذِهِ فَلَهُ الْخِيَارُ فِي إحْدَى الْأَوَّلِيَّيْنِ وَإِحْدَى الْأُخْرَيَيْنِ وَلَوْ قَالَ أَنْتِ وَهَذِهِ أَوْ هَذِهِ وَهَذِهِ طَلُقَتْ الْأُولَى، وَالْأَخِيرَةُ وَلَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ الثَّانِيَةِ، وَالثَّالِثَةِ. وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ أَوْ هَذِهِ وَهَذِهِ وَهَذِهِ طَلُقَتْ الثَّالِثَةُ، وَالرَّابِعَةُ وَيَتَخَيَّرُ فِي الْأُولَى، وَالثَّانِيَةِ وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ لَا بَلْ هَذِهِ أَوْ هَذِهِ لَا بَلْ هَذِهِ طَلُقَتْ الْأُولَى، وَالْأَخِيرَةُ وَلَهُ الْخِيَارُ فِي الثَّانِيَةِ، وَالثَّالِثَةِ وَلَوْ قَالَ عَمْرَةُ طَالِقٌ أَوْ زَيْنَبُ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَدَخَلَهَا خُيِّرَ فِي إيقَاعِهِ عَلَى أَيَّتِهِمَا شَاءَ لِأَنَّهُ عَلَّقَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَرُوِيَ خَطَّ اللَّهُ) قَالَ فِي النَّهْرِ: الْخَطُّ مِنْ الْخَطِيطَةِ وَهِيَ أَرْضٌ لَمْ تُمْطَرْ كَذَا فِي الدِّرَايَةِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 303 بِالدُّخُولِ طَلَاقًا مُتَرَدِّدًا بَيْنَهُمَا وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا أَوْ فُلَانَةُ عَلَيَّ حَرَامٌ وَعَنَى بِهِ الْيَمِينَ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى الْبَيَانِ حَتَّى تَمْضِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَإِذَا مَضَتْ وَلَمْ يَقْرَبْهَا يُجْبَرُ عَلَى أَنْ يُوقِعَ طَلَاقَ الْإِيلَاءِ أَوْ طَلَاقَ الصَّرِيحِ لِأَنَّهُ قَبْلَ مُضِيِّ هَذِهِ الْمُدَّةِ هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الطَّلَاقِ، وَالْتِزَامِ الْكَفَّارَةِ وَأَحَدُهُمَا لَا يَدْخُلُ فِي الْحُكْمِ فَلَمْ يُلْزِمْهُ الْقَاضِي وَبَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ الْوَاقِعُ أَحَدُ الطَّلَاقَيْنِ وَذَلِكَ يَدْخُلُ فِي الْحُكْمِ فَيُلْزِمُهُ وَلَوْ قَالَ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ أَوْ عَبْدُهُ حُرٌّ فَمَاتَ قَبْلَ الْبَيَانِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَتَقَ الْعَبْدُ وَيَسْعَى فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَقَعُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُهُ وَتَمَامُهُ فِيهِ، وَفِي التَّلْخِيصِ مِنْ بَابِ الْحِنْثِ يَقَعُ بِالْوَاحِدَةِ، وَالِاثْنَيْنِ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ ذَا أَوْ ذَا وَذَا فَحِنْثُهُ بِالْأَوَّلِ أَوْ الْأَخِيرِينَ، وَفِي عَكْسِهِ بِالْآخِرِ أَوْ الْأَوَّلَيْنِ إذْ الْوَاوُ لِلْجَمْعِ وَأَوْ بِمَعْنَى وَلَا لِتَنَاوُلِهَا نَكِرَةً فِي النَّفْيِ بِخِلَافِ ذَا حُرٌّ أَوْ ذَا وَذَا لِأَنَّهَا تَخُصُّ فِي الْإِثْبَاتِ فَأَشْبَهَ أَحَدُكُمَا حُرٌّ وَذَا أَوْ الْخَبَرُ مَعَادٌ ثَمَّةَ لَا هُنَا فَأَفْرَدَ الْمَعْطُوفَ بِعِتْقٍ كَمَا أَفْرَدَ بِالنِّصْفِ فِي نَظِيرَتِهِ فِي الْإِقْرَارِ اهـ. وَذَكَرَ الشَّارِحُ الْفَارِسِيُّ أَنَّ الطَّلَاقَ كَالْعِتْقِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الطَّلَاقَ، وَالْعِتْقَ، وَالْإِقْرَارَ مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا عُطِفَ عَلَى الْأَوَّلِ بِأَوْ ثُمَّ عُطِفَ بِالْوَاوِ أَنَّ الثَّالِثَ الْمَعْطُوفَ بِالْوَاوِ يَثْبُتُ لَهُ الْحُكْمُ مِنْ غَيْرِ خِيَارٍ فَيَعْتِقُ الثَّالِثُ وَتَطْلُقُ الثَّالِثَةُ وَيَكُونُ نِصْفُ الْمَالِ الْمُقِرُّ بِهِ لِلثَّالِثِ فِي قَوْلِهِ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفٌ أَوْ لِفُلَانٍ وَفُلَانٍ، وَالتَّخْيِيرُ إنَّمَا هُوَ بَيْنَ الْأَوَّلَيْنِ وَأَمَّا فِي الْأَيْمَانِ فَإِنَّمَا هُوَ جَمَعَ بَيْنَ الثَّالِثِ، وَالثَّانِي بِالْوَاوِ، وَالْأَوَّلُ ثَبَتَ لَهُ الْحُكْمُ وَحْدَهُ فَإِنْ كَلَّمَ الْأَوَّلَ وَحْدَهُ حَنِثَ وَلَا يَحْنَثُ إلَّا بِكَلَامِ الْأَخِيرَيْنِ وَلَا يَحْنَثُ بِكَلَامِ أَحَدِهِمَا، وَالْفَرْقُ مَا ذَكَرَهُ فِي التَّلْخِيصِ وَحَاصِلُ أَوْ فِي الطَّلَاقِ إمَّا فِي أَصْلِهِ كَأَنْتِ طَالِقٌ أَوَّلًا لَا وُقُوعَ اتِّفَاقًا أَوْ بَعْدَ الْعَدَدِ فَكَذَا عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ كَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً أَوَّلًا أَوْ بَيْنَ عَدَدَيْنِ كَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ فَالْبَيَانُ إلَيْهِ فِي الْمَدْخُولَةِ وَوَاحِدَةً فِي غَيْرِهَا أَوْ بَيْنَ امْرَأَتَيْنِ فَطَلَاقٌ مُبْهَمٌ كَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ هَذِهِ أَوْ بَيْنَ ثَلَاثِ نِسْوَةٍ وَاوٌ فِي الْأَخِيرَةِ فَقَطْ طَلُقَتْ الْأُولَى، وَالْبَيَانُ لَهُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ أَوْ بَيْنَ ثَلَاثٍ وَاوٌ فِي الثَّانِيَةِ فَقَطْ وَقَعَ عَلَى الْأَخِيرَةِ، وَالْبَيَانُ لَهُ فِي الْأُولَيَيْنِ وَلَوْ بَيْنَ أَرْبَعٍ مُكَرَّرَةٍ بِأَنْ ذَكَرُوا فِي الثَّانِيَةِ، وَالْوَاوُ فِي الثَّالِثَةِ وَأَوْ فِي الرَّابِعَةِ طَلُقَتْ إحْدَى الْأُولَيَيْنِ وَإِحْدَى الْأُخْرَيَيْنِ وَلَوْ ذَكَرَ الثَّانِيَةَ بِالْوَاوِ، وَالثَّالِثَةَ بِأَوْ وَكَذَا الرَّابِعَةَ بِالْوَاوِ طَلُقَتْ الْأُولَى، وَالْأَخِيرَةُ، وَالْبَيَانُ إلَيْهِ فِي الثَّانِيَةِ، وَالثَّالِثَةِ وَلَوْ أَدْخَلَ أَوْ عَلَى الثَّانِيَةِ فَقَطْ فَالْبَيَانُ إلَيْهِ فِي الْأُولَى، وَالثَّانِيَةِ وَوَقَعَ عَلَى الثَّالِثَةِ، وَالرَّابِعَةِ. وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ أَعْنِي مَعَ مَوْتِي أَوْ مَعَ مَوْتِك فَلِإِضَافَةِ الطَّلَاقِ إلَى حَالَةٍ مُنَافِيَةٍ لَهُ لِأَنَّ مَوْتَهُ يُنَافِي الْأَهْلِيَّةَ وَمَوْتَهَا يُنَافِي الْمَحَلِّيَّةَ وَلَا بُدَّ مِنْ الْأَهْلِيَّةِ فِي الْمُوقِعِ، وَالْمَحَلِّيَّةِ فِي الْمُوقَعِ عَلَيْهَا إذْ الْمَعْنَى عَلَى تَعْلِيقِهِ بِالْمَوْتِ، وَإِنْ كَانَتْ مَعَ الْقِرَانِ بِدَلِيلِ أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ دُخُولِك الدَّارَ فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ فَاسْتَدْعَى وُقُوعَهُ تَقَدُّمَ الشَّرْطِ وَهُوَ الْمَوْتُ فَيَقَعُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَهُوَ بَاطِلٌ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ مَلَكَهَا أَوْ شِقْصَهَا أَوْ مَلَكَتْهُ أَوْ شِقْصَهُ بَطَلَ الْعَقْدُ) أَيْ انْفَسَخَ لِمُنَافَاةٍ بَيْنَ الْمِلْكَيْنِ أَعْنِي مِلْكَ الرَّقَبَةِ وَمِلْكَ النِّكَاحِ فِي الْأَوَّلِ وَلِاجْتِمَاعِ الْمَالِكِيَّةِ، وَالْمَمْلُوكِيَّةِ فِي الثَّانِي فَإِنْ قُلْت هَلْ ارْتَفَعَ أَثَرُ النِّكَاحِ بِالْكُلِّيَّةِ كَمَا ارْتَفَعَ أَصْلُهُ قُلْت لَا لِمَا صَرَّحُوا بِهِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا ثِنْتَيْنِ ثُمَّ مَلَكَهَا لَا تَحِلُّ لَهُ إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ، وَفِي الْمُحِيطِ: لَوْ ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ أَوْ لَاعَنَهَا وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ ارْتَدَّتْ، وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَسُبِيَتْ لَا يَحِلُّ لِلزَّوْجِ وَطْؤُهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ لِأَنَّ حُكْمَ اللِّعَانِ، وَالظِّهَارِ بَاقٍ فَحَرُمَ الِاسْتِمْتَاعُ، وَالِاجْتِمَاعُ مَعَهَا اهـ. أَطْلَقَهُ فَانْصَرَفَ إلَى الْكَامِلِ وَهُوَ الْمِلْكُ الْمُسْتَقِرُّ لِأَنَّهُ لَوْ مَلَكَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ مِلْكًا غَيْرَ مُسْتَقِرٍّ لَا يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ كَمِلْكِ الْوَكِيلِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ الْمُضَعَّفِ وَكَمَا قَالُوا فِيمَنْ تَزَوَّجَ أَمَةً ثُمَّ تَزَوَّجَ حُرَّةً عَلَى رَقَبَةِ الْأَمَةِ ثُمَّ أَجَازَ ذَلِكَ مَوْلَاهَا فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَتَصِيرُ الْأَمَةُ مِلْكًا لِلْحُرَّةِ وَلَا يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا، وَإِنْ كَانَ الْمِلْكُ يَنْتَقِلُ إلَى الزَّوْجِ أَوَّلًا فِي الْأَمَةِ ثُمَّ يَنْتَقِلُ مِنْهُ إلَى الْحُرَّةِ لِمَا أَنَّ مِلْكَهُ فِيهَا غَيْرُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: فَحِنْثُهُ بِالْأَوَّلِ أَوْ الْأَخِيرَيْنِ) لِأَنَّ أَوْ لِأَحَدِ الشَّيْئَيْنِ وَلَوْ كَلَّمَ أَحَدَ الْأَخِيرَيْنِ فَقَطْ لَا يَحْنَثُ مَا لَمْ يُكَلِّمْ الْآخَرَ فَارِسِيٌّ (قَوْلُهُ: وَفِي عَكْسِهِ) أَيْ لَوْ قَالَ لَا أُكَلِّمُ ذَا وَذَا أَوْ ذَا فَحِنْثُهُ بِكَلَامِ الْأَخِيرِ أَوْ بِكَلَامِ الْأَوَّلَيْنِ لِأَنَّ الْوَاوَ لِلْجَمْعِ وَكَلِمَةَ أَوْ بِمَعْنَى وَلَا لِتَنَاوُلِهَا نَكِرَةً فِي النَّفْيِ فَتَعُمُّ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} [الإنسان: 24] فَفِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ جَمَعَ بَيْنَ الثَّانِي، وَالثَّالِثِ بِحَرْفِ الْجَمْعِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ: لَا أُكَلِّمُ هَذَا وَلَا هَذَيْنِ، وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي جَمَعَ بَيْنَ الْأَوَّلِ، وَالثَّانِي بِحَرْفِ الْجَمْعِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ لَا أُكَلِّمُ هَذَيْنِ وَلَا هَذَا فَارِسِيٌّ (قَوْلُهُ: أَوْ الْخَبَرُ مُعَادٌ ثَمَّةَ) أَيْ فِي مَسْأَلَةِ الْعِتْقِ لِأَنَّ الْخَبَرَ الْمَذْكُورَ لَا يَصْلُحُ خَبَرًا لِلْمَعْطُوفِ، وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ لِإِفْرَادِهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ هَذَا حُرٌّ وَهَذَا حُرٌّ فَأَفْرَدَ الْمَعْطُوفَ بِعِتْقٍ عَلَى حِدَةٍ كَمَا أَفْرَدَ الْمُقَرُّ لَهُ الْمَعْطُوفُ بِنِصْفِ الْمَالِ الْمُقَرِّ بِهِ فِي نَظِيرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْإِقْرَارِ بِقَوْلِهِ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفٌ أَوْ لِفُلَانٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 304 مُسْتَقِرٍّ وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْمِلْكَ بِأَيِّ سَبَبٍ كَانَ بِشِرَاءٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ إرْثٍ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَأَرَادَ مِنْ الْمِلْكِ حَقِيقَتَهُ فَخَرَجَ حَقُّ الْمِلْكِ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ لَوْ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ لَا يَنْفَسِخُ لِعَدَمِ حَقِيقَةِ الْمِلْكِ لَهُ لِقِيَامِ الرِّقِّ وَإِنَّمَا الثَّابِتُ لَهُ حَقُّ الْمِلْكِ وَهُوَ لَا يَمْنَعُ بَقَاءَ النِّكَاحِ، وَإِنْ مَنَعَ ابْتِدَاءَهُ فَإِنَّ الْمَوْلَى لَوْ تَزَوَّجَ جَارِيَةَ مُكَاتَبِهِ لَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهَا حَقِيقَةُ مِلْكٍ لِوُجُودِ حَقِّ الْمِلْكِ بِخِلَافِ جَارِيَةِ الِابْنِ فَإِنَّ لِلْأَبِ نِكَاحَهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حَقِيقَةُ مِلْكٍ وَلَا حَقَّ لَهُ فِيهَا وَإِنَّمَا لَهُ أَنْ يَتَمَلَّكَهَا عِنْدَ الْحَاجَةِ فَالثَّابِتُ لَهُ حَقُّ أَنْ يَتَمَلَّكَ وَهُوَ لَيْسَ بِمَانِعٍ، وَفِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ مِنْ بَابِ الْأَمْرِ بِالنِّكَاحِ. وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ تَزَوَّجْ عَلَى رَقَبَتِك جَازَ إلَّا فِي الْحُرَّةِ لِقِرَانِ الْمُنَافِي، وَالْمُكَاتَبَةِ لِأَنَّ حَقَّ الْمِلْكِ يَمْنَعُ إنْ لَمْ يُرْفَعْ كَالْعِدَّةِ فَإِنْ دَخَلَ بِهَا يُبَاعُ فِي الْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمَهْرِ الْمِثْلِ وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ مُدَبَّرًا صَحَّ بِقِيمَتِهِ فِي رَقَبَتِهِ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ وَكَذَا الْمُكَاتَبُ وَلَا يَتَضَمَّنُ الْفَسْخَ لِأَنَّهُ إبْطَالٌ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ عَلَى رَقَبَتِك صَحَّ فِي الْجَمِيعِ وَتَسْمِيَتُهُ الرَّقَبَةَ لِلتَّقْدِيرِ كَمَا فِي عَبْدِ الْغَيْرِ وَعِنْدَهُمَا إذَا كَانَ فِيهِ غَبَنٌ فَاحِشٌ لَا يَصِحُّ النِّكَاحُ وَهِيَ فُرَيْعَةُ التَّوْكِيلِ بِالتَّزْوِيجِ وَلَوْ خَالَعَ عَلَى رَقَبَتِهَا   [منحة الخالق] وَفُلَانٍ، وَالنِّصْفُ الْبَاقِي بَيْنَ الْأَوَّلِينَ إذَا اصْطَلَحَا أَمَّا فِي مَسْأَلَةِ الْكَلَامِ فَالْخَبَرُ لَيْسَ بِمُعَادٍ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ فَارِسِيٌّ مُلَخَّصًا. (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ. . . إلَخْ) أَيْ لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ الْقِنِّ ذَلِكَ فَتَزَوَّجَ عَلَى رَقَبَتِهِ أَمَةً أَوْ مُدَبَّرَةً أَوْ أُمَّ وَلَدٍ جَازَ لِوُجُودِ الرُّكْنِ بِالْإِذْنِ وَفَقْدِ الْمَانِعِ وَهُوَ مِلْكُ الزَّوْجَةِ رَقَبَتَهُ إذْ هُوَ لِمَوْلَاهَا وَهُوَ وَإِنْ كَانَ يَثْبُتُ لِلْأَمَةِ أَوَّلًا بِدَلِيلِ قَضَاءِ دُيُونِهَا مِنْهُ إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ مُتَقَرِّرٍ كَالْوَكِيلِ بِشِرَاءِ زَوْجَتِهِ أَوْ قَرِيبَةٍ بِخِلَافِ مَا إذَا تَزَوَّجَ حُرَّةً لِقِرَانِ الْمُنَافِي وَهُوَ مِلْكُهَا لَهُ لِلْعَقْدِ، وَالْمُنَافِي إذَا طَرَأَ عَلَى مِلْكِ النِّكَاحِ أَبْطَلَهُ فَإِذَا قَارَنَهُ أَوْلَى أَنْ يَمْنَعَ وُجُودَهُ وَبِخِلَافِ مَا لَوْ تَزَوَّجَ مُكَاتَبَةً إذْ لَوْ جَازَ لَثَبَتَ لَهَا حَقُّ الْمِلْكِ فِي رَقَبَتِهِ وَأَنَّهُ يَمْنَعُ جَوَازَ النِّكَاحِ ابْتِدَاءً، وَإِنْ كَانَ لَا يَرْفَعُهُ إذَا طَرَأَ كَالْعِدَّةِ لَا تَرْفَعُ النِّكَاحَ كَمَا لَوْ وُطِئَتْ الْمَنْكُوحَةُ بِشُبْهَةٍ وَتَمْنَعُ انْعِقَادَهُ ابْتِدَاءً (قَوْلُهُ: فَإِنْ دَخَلَ بِهَا) أَيْ الْعَبْدُ بِالْحُرَّةِ أَوْ بِالْمُكَاتَبَةِ وَجَبَ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا لِأَنَّهُ دُخُولٌ فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ فَيُبَاعُ عِنْدَهُ وَقَالَا يُتْبَعُ بَعْدَ عِتْقِهِ لِعَدَمِ تَنَاوُلِ الْإِذْنِ الْفَاسِدِ عِنْدَهُمَا (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ) أَيْ وَلَوْ كَانَ الْمَأْذُونُ بِالنِّكَاحِ عَلَى رَقَبَتِهِ مُدَبَّرًا صَحَّ النِّكَاحُ بِقِيمَتِهِ، وَالْمُسَمَّى فِي رَقَبَتِهِ يَسْعَى فِيهِ كَالْمُدَبَّرِ الْمَأْذُونِ أَمَّا صِحَّةُ النِّكَاحِ فَلِوُجُودِ الْإِذْنِ وَعَدَمِ الْمَانِعِ لِأَنَّ الْمُدَبَّرَ لَا يَمْلِكُ وَأَمَّا وُجُوبُ الْقِيمَةِ فَلِأَنَّ الْمُسَمَّى وَهُوَ رَقَبَتُهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ وَقَدْ تَعَذَّرَ تَسْلِيمُهُ لِحَقٍّ مُسْتَحَقٍّ لَا لِفَسَادِ الْعَقْدِ فَكَانَ كَالتَّزَوُّجِ عَلَى عَبْدِ الْغَيْرِ إذَا لَمْ يَجُزْ وَكَذَا الْمُكَاتَبُ فِي الْفُصُولِ كُلِّهَا وَقَوْلُهُ: وَلَا يَتَضَمَّنُ الْفَسْخَ جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ الْمُكَاتَبُ يَقْبَلُ النَّفَلَ مِنْ مِلْكِ الْمَوْلَى بِرِضَاهُ وَلِذَا لَوْ بَاعَهُ بِرِضَاهُ جَازَ وَيَتَضَمَّنُ فَسْخَ الْكِتَابَةِ فَكَذَا إقْدَامُهُ عَلَى أَمْهَارِ رَقَبَتِهِ إذْ لَا تَصِيرُ مَهْرًا إلَّا بَعْدَ فَسْخِهَا فَيَصِيرُ مَحَلًّا لِلْمِلْكِ فَيُوجَدُ الْمَانِعُ. وَالْجَوَابُ أَنَّا لَوْ قُلْنَا بِتَضَمُّنِ إقْدَامِهِ فَسْخَهَا كَمَا فِي الْبَيْعِ لَزِمَ إبْطَالُ الْمُتَضَمَّنِ لَهُ وَهُوَ النِّكَاحُ وَلَا يَجُوزُ إثْبَاتُ الْمُقْتَضَى عَلَى وَجْهٍ يُبْطِلُ الْمُقْتَضَى بِخِلَافِ الْبَيْعِ إذْ تَضَمُّنُهُ فَسْخَهَا لَا يُبْطِلُهُ عَلَى أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ بَيْعَهُ بِرِضَاهُ لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا فَسَخَاهَا. (قَوْلُهُ: صَحَّ فِي الْجَمِيعِ) أَيْ جَمِيعِ الصُّوَرِ لِوُجُودِ الْإِذْنِ وَعَدَمِ الْمَانِعِ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِالنِّكَاحِ لَا بِإِمْهَارِ رَقَبَتِهِ فَكَانَ فُضُولِيًّا فَلَمْ تَصِرْ مِلْكًا لِلْحُرَّةِ وَلَا لِمَوْلَى الْأَمَةِ وَتَسْمِيَةُ الرَّقَبَةِ مَهْرًا مِنْ الْعَبْدِ لِتَقْدِيرِ الْمَهْرِ بِهَا كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى عَبْدِ الْغَيْرِ وَهَذَا لِأَنَّ أَمْرَ الْمَوْلَى لَهُ بِالنِّكَاحِ أَمْرٌ بِالْإِمْهَارِ فَيَنْعَقِدُ عَلَى قِيمَتِهِ، وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ عِنْدَهُ لِأَنَّهَا أَقَلُّ جَهَالَةً وَقَالَا إذَا كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْهُ بِغَبَنٍ فَاحِشٍ لَا يَصِحُّ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فُرَيْعَةُ التَّوْكِيلِ بِالتَّزْوِيجِ فَإِنَّهُ لَوْ وَكَّلَ رَجُلًا أَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً بِعَيْنِهَا فَزَوَّجَهُ إيَّاهَا بِأَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ جَازَ وَلَزِمَهُ عِنْدَهُ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ إلَّا لِدَلِيلِ التَّقْيِيدِ وَعِنْدَهُمَا لَا يَلْزَمُهُ بِدَلَالَةِ الْعُرْفِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ خَالَعَ. . . إلَخْ) رَجُلٌ زَوَّجَ أَمَتَهُ مِنْ رَجُلٍ وَدَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ فَخَالَعَ السَّيِّدُ الْأَمَةَ مِنْ زَوْجِهَا عَلَى رَقَبَتِهَا فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ حُرًّا لَا يَصِحُّ الْخُلْعُ فِي حَقِّ الْبَدَلِ وَإِلَّا لَمَلَكَ الزَّوْجُ رَقَبَتَهَا مُقَارِنًا لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ وَذَلِكَ مُنَافٍ لَهُ لِأَنَّهُ مَتَى صَحَّ الْخُلْعُ مَلَكَ الزَّوْجُ رَقَبَتَهَا فَيَبْطُلُ النِّكَاحَ فَيَبْطُلُ الْخُلْعُ لَكِنَّهَا تَبِينُ بِطَلْقَةٍ لِأَنَّهُ لَمْ يُمْكِنْ تَصْحِيحُهُ خُلْعًا بَقِيَ لَفْظُ الْخُلْعِ وَهُوَ مِنْ الْكِنَايَاتِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ لِدَلَالَةِ الْبَدَلِ عَلَى الطَّلَاقِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: لَا يَصِحُّ الطَّلَاقُ أَيْضًا اعْتِبَارًا بِمَا لَوْ تَزَوَّجَ عَلَى رَقَبَتِهِ بِإِذْنِ الْمَوْلَى حُرَّةً حَيْثُ بَطَلَ النِّكَاحُ أَصْلًا لِبُطْلَانِ التَّسْمِيَةِ. لِأَنَّ الشَّرْطَ الْمُنَافِيَ لِلنِّكَاحِ مُنَافٍ لِلطَّلَاقِ ضَرُورَةً إذْ لَا يُتَصَوَّرُ رَفْعُ النِّكَاحِ حَالَ عَدَمِهِ، وَوَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ إسْقَاطَ الْمُنَافَاةِ وَاجِبٌ وَذَلِكَ بِإِسْقَاطِ أَدْنَى الْمُتَنَافِيَيْنِ وَهُوَ هُنَا الْمُسَمَّى لِأَنَّ الْمَالَ زَائِدٌ فِي الطَّلَاقِ لِصِحَّتِهِ بِدُونِهِ فَكَانَ أَوْلَى بِالرَّدِّ مِنْ الطَّلَاقِ كَمَا لَوْ خَلَعَ مُبَانَتَهُ عَلَى أَلْفٍ يَقَعُ الطَّلَاقُ وَلَا يَجِبُ الْمَالُ بِخِلَافِ النِّكَاحِ لِأَنَّهُ لَمْ يُشْرَعْ بِغَيْرِ مَالٍ، وَقَدْ تَعَذَّرَ إيجَابُ الْمَالِ أَصْلًا لِأَنَّ تَسْمِيَةَ السَّيِّدِ رَقَبَةَ الْأَمَةِ بَدَلًا فِي الْخُلْعِ صَحِيحَةٌ لِكَوْنِ الرَّقَبَةِ مَالًا مُتَقَوِّمًا وَصِحَّةُ التَّسْمِيَةِ تَنْفِي وُجُوبَ مَهْرِ الْمِثْلِ، وَالْمُنَافَاةُ تَنْفِي وُجُوبَ قِيمَةِ الْمُسَمَّى لِأَنَّ الْمَصِيرَ إلَيْهَا مِنْ قَضَايَا فَسَادِ تَسْمِيَةٍ لَا تَقْتَضِي بُطْلَانَ النِّكَاحِ لَوْ تَحَقَّقَتْ كَمَا فِي مَهْرِ الْمِثْلِ أَمَّا فَسَادُ تَسْمِيَةٍ يَكُونُ مُقْتَضَاهَا بُطْلَانَ النِّكَاحِ لَوْ تَحَقَّقَتْ فَلَا لِأَنَّ الْمُتَنَافِيَيْنِ لَا يَجْتَمِعَانِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 305 فَإِنْ كَانَ حُرًّا لَا يَصِحُّ لِقِرَانِ الْمُنَافِي وَتَبِينُ لِأَنَّ الْمَالَ زَائِدٌ فَكَانَ أَوْلَى بِالرَّدِّ مِنْ الطَّلَاقِ كَمَا فِي خُلْعِ الْمُبَانَةِ أَمَّا النِّكَاحُ لَمْ يُشْرَعْ بِغَيْرِ مَالٍ، وَالتَّسْمِيَةُ تَنْفِي مَهْرَ الْمِثْلِ وَلِمُنَافَاةِ الْقِيمَةِ وَكَذَا لَوْ طَلَّقَهَا عَلَى رَقَبَتِهَا فَإِنْ كَانَ حُرًّا لَا يَصِحُّ وَتَقَعُ رَجْعِيَّةً لِأَنَّهُ صَرِيحٌ وَلَوْ كَانَ رَقِيقًا صَحَّ لِلْمُسَمَّى لِمَا مَرَّ وَلَوْ خَالَعَهَا عَلَى رَقَبَةِ إحْدَاهُمَا بِعَيْنِهَا صَحَّ فِي غَيْرِ الْبَدَلِ بِحِصَّتِهَا مِنْ رَقَبَةِ الْبَدَلِ إذَا قُسِّمَتْ عَلَى مَهْرَيْهِمَا الْمُسَمَّى وَلَا يَقَعُ عَلَى الْأُخْرَى طَلَاقٌ لِلْمِلْكِ وَلَوْ خَالَعَ كُلَّ وَاحِدَةٍ عَلَى رَقَبَةِ الْأُخْرَى طَلُقَتْ بِغَيْرِ شَيْءٍ لِقِرَانِ الْمُنَافِي اهـ. قَوْلُهُ: (فَلَوْ اشْتَرَاهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا لَمْ يَقَعْ) لِأَنَّ الطَّلَاقَ يَسْتَدْعِي قِيَامَ النِّكَاحِ وَلَا بَقَاءَ لَهُ مَعَ الْمُنَافِي لَا مِنْ وَجْهٍ كَمَا فِي مِلْكِ الْبَعْضِ وَلَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَمَا فِي مِلْكِ الْكُلِّ، وَالْعِدَّةُ غَيْرُ وَاجِبَةٍ فَإِنَّهُ يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا وَيَسْتَحِيلُ وُجُودُ الْوَطْءِ حَلَالًا مَعَ قِيَامِ الْعِدَّةِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَأَوْرَدَ فِي الْكَافِي عَلَى قَوْلِهِمْ بِعَدَمِ وُجُوبِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا لَوْ اشْتَرَاهَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّزْوِيجُ بِهَا مِنْ آخَرَ وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الْعِدَّةِ قُلْنَا قَدْ قَالُوا إنَّهُ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ زَوَّجَهَا مِنْ آخَرَ جَازَ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَزْوِيجُهَا مِنْ آخَرَ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا تَجِبُ الْعِدَّةُ عَلَيْهَا فِي حَقِّ مَنْ اشْتَرَاهَا وَهَلْ تَجِبُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ فَهُوَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ اهـ. وَهَكَذَا فِي الْمِعْرَاجِ قَيَّدَ بِشِرَائِهِ لِأَنَّهَا لَوْ مَلَكَتْهُ أَوْ شِقْصًا مِنْهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا وَقَعَ فِيمَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْ الْكُلِّ لِأَنَّ الْعِدَّةَ، وَإِنْ وَجَبَتْ لَكِنَّ مِلْكَ الْيَمِينِ مَانِعٌ مِنْ مَالِكِيَّةِ الطَّلَاقِ وَأَطْلَقَ الشِّرَاءَ وَأَرَادَ الْمِلْكَ مَجَازًا وَقَيَّدَ بِكَوْنِ الطَّلَاقِ وَهِيَ مَمْلُوكَةٌ لَهُ لِأَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَهَا بَعْدَ الْمِلْكِ ثُمَّ طَلَّقَهَا وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَيْهِ لِزَوَالِ الْمَانِعِ مِنْ ظُهُورِ الْعِدَّةِ وَهُوَ الْمِلْكُ وَكَذَا لَوْ أَعْتَقَتْهُ بَعْدَمَا مَلَكَتْهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا وَقَعَ طَلَاقُهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِزَوَالِ الْمُنَافِي لِمَالِكِيَّةِ الطَّلَاقِ وَلِهَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ، وَالسُّكْنَى وَلَمْ يَقَعْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فِيهِمَا لِأَنَّ السَّاقِطَ لَا يَعُودُ وَلَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِشَرْطٍ أَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ أَوْ آلَى مِنْهَا قَبْلَ الشِّرَاءِ فَوُجِدَ الشَّرْطُ أَوْ جَاءَ وَقْتُ السُّنَّةِ أَوْ مَضَتْ مُدَّةُ الْإِيلَاءِ بَعْدَ الشِّرَاءِ، وَالْعِتْقِ وَقَعَ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ، وَإِنْ وُجِدَ ذَلِكَ بَعْدَ الشِّرَاءِ قَبْلَ الْعِتْقِ لَمْ يَقَعْ فِي الْوَجْهَيْنِ، وَالْبَيْعُ بَعْدَ الشِّرَاءِ كَالْعِتْقِ فِيمَا ذَكَرْنَا لِزَوَالِ الْمَانِعِ كَذَا ذَكَرَ الشَّارِحُ. وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: عَبْدٌ قَالَ لِامْرَأَتِهِ الْحُرَّةِ أَنْت طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ فَاشْتَرَتْهُ وَقَعَ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ إذَا طَهُرَتْ فِي قِيَاسِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لَا يَقَعُ عَلَيْهَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَالْحُرُّ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ ذَلِكَ ثُمَّ اشْتَرَاهَا لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ الْمِلْكُ اهـ. وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ الْمَهْرِ لَوْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ فِيمَا إذَا اشْتَرَى زَوْجَتَهُ، وَفِي الْمُحِيطِ: رَجُلٌ وَكَّلَ رَجُلًا بِأَنْ يَشْتَرِيَ امْرَأَتَهُ مِنْ سَيِّدِهَا فَاشْتَرَاهَا، وَالزَّوْجُ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَقَدْ انْتَقَضَ النِّكَاحُ وَلَا مَهْرَ عَلَى الزَّوْجِ لِأَنَّ انْفِسَاخَ النِّكَاحِ حَصَلَ بِفِعْلِ الْمَوْلَى بِسُوءِ جَهْلٍ حَيْثُ عُلِمَ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا لِلزَّوْجِ وَلَوْ بَاعَهَا مِنْ رَجُلٍ ثُمَّ اشْتَرَاهَا الزَّوْجُ مِنْ الرَّجُلِ فَعَلَيْهِ نِصْفُ الْمَهْرِ لِلْمَوْلَى الْأَوَّلِ لِأَنَّ انْتِقَاضَ النِّكَاحِ مُضَافٌ إلَى الْبَيْعِ الثَّانِي لَا إلَى بَيْعِ الْمَوْلَى فَحَصَلَتْ الْفُرْقَةُ بِفِعْلِ الزَّوْجِ لَا بِفِعْلِ الْمَوْلَى فَاسْتَحَقَّ نِصْفَ الْمَهْرِ وَلَوْ اشْتَرَاهَا الْوَكِيلُ مِنْ الْمَوْلَى الْأَوَّلِ لِلزَّوْجِ وَلَمْ يَعْرِفْ مِنْ الزَّوْجِ الْوَكَالَةَ بِهِ إلَّا بِقَوْلِ الْوَكِيلِ بَعْدَ الشِّرَاءِ فَإِنَّهُ لَا يُصَدَّقُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَعَلَى الْآخَرِ الْيَمِينُ عَلَى عِلْمِهِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ كُلَّ عَامِلٍ وَعَاقِدٍ يَعْمَلُ لِنَفْسِهِ وَإِنَّمَا يَعْمَلُ وَيَعْقِدُ لِغَيْرِهِ بِعَارِضِ تَوْكِيلٍ فَلَا يُصَدَّقُ إلَّا بِحُجَّةٍ اهـ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ كِتَابِ الْعِتْقِ رَجُلٌ قَالَ لِأَمَتِهِ إذَا مَاتَ، وَالِدِي فَأَنْت حُرَّةٌ ثُمَّ بَاعَهَا مِنْ، وَالِدِهِ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ثُمَّ قَالَ لَهَا إذَا مَاتَ، وَالِدِي فَأَنْت طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ فَمَاتَ الْوَالِدُ كَانَ مُحَمَّدٌ يَقُولُ أَوَّلًا تَعْتِقُ وَلَا تَطْلُقُ ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ لَا يَقَعُ طَلَاقٌ وَلَا عَتَاقٌ، وَالْمَسْأَلَةُ عَلَى اسْتِقْصَاءٍ فِي الْمَبْسُوطِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ طَلَّقَهَا. . . إلَخْ) أَيْ وَكَذَا لَا يَصِحُّ إيجَابُ الْبَدَلِ لَوْ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ عَلَى رَقَبَتِهَا إلَّا أَنَّهُ هُنَا يَقَعُ رَجْعِيًّا لِأَنَّهُ صَرِيحٌ (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ) أَيْ الزَّوْجُ رَقِيقًا قِنًّا أَوْ مُكَاتَبًا أَوْ مُدَبَّرًا صَحَّ الْخُلْعُ بِالْمُسَمَّى لِمَا مَرَّ مِنْ عَدَمِ الْمَانِعِ وَهُوَ مِلْكُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ رَقَبَةَ الْآخَرِ لِأَنَّ الْمِلْكَ يَقَعُ لِلْمَوْلَى (قَوْلُهُ: وَلَوْ خَلَعَهُمَا. . . إلَخْ) حُرٌّ تَحْتَهُ أَمَتَانِ زَيْنَبُ وَعَمْرَةُ فَخَلَعَهُمَا سَيِّدُهُمَا عَلَى رَقَبَةِ عَمْرَةَ مَثَلًا صَحَّ فِي حَقِّ الَّتِي لَمْ يُعَيِّنْهَا لِلْبَدَلِ وَهِيَ زَيْنَبُ فَتَطْلُقُ بِحِصَّتِهَا مِنْ رَقَبَةِ عَمْرَةَ إذَا قُسِّمَتْ رَقَبَتُهَا عَلَى قَدْرِ مَهْرِ مِثْلِهِمَا الْمُسَمَّى فَمَا أَصَابَ مَهْرَ زَيْنَبَ فَلِلزَّوْجِ وَمَا أَصَابَ مَهْرَ عَمْرَةَ بَقِيَ لِلْمَوْلَى وَإِنَّمَا صَحَّ الْخُلْعُ فِي حَقِّ زَيْنَبَ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ تَصْحِيحُهُ لِأَنَّ طَلَاقَهَا لَا يُقَارِنُ مِلْكَ الزَّوْجِ فِيهَا وَلَا يَقَعُ عَلَى عَمْرَةَ طَلَاقٌ لِمِلْكِ الزَّوْجِ بَعْضَ رَقَبَتِهَا مُقَارِنًا لِلطَّلَاقِ لِثُبُوتِ الْعِوَضِ، وَالْمُعَوَّضِ مَعًا وَلَوْ خَالَعَ كُلًّا مِنْهُمَا عَلَى رَقَبَةِ صَاحِبَتِهَا وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَيْهِمَا بِغَيْرِ شَيْءٍ لِأَنَّ مِلْكَ الزَّوْجِ رَقَبَةَ كُلٍّ مِنْهُمَا يُقَارِنُ الْمُنَافِي وَهُوَ الْوُقُوعُ فَصَحَّ الْخُلْعُ فِي حَقِّ الطَّلَاقِ دُونَ الْبَدَلِ لِمَا مَرَّ هَذَا مَا لَخَّصْته مِنْ شَرْحِ الْفَارِسِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 306 اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ مِنْ بَابِ مَا تَحِلُّ بِهِ الْمُطَلَّقَةُ وَلَوْ تَزَوَّجَ أَمَةَ مُوَرِّثِهِ ثُمَّ قَالَ لَهَا إذَا مَاتَ مَوْلَاك فَأَنْت طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى، وَالزَّوْجُ وَارِثُهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا تَطْلُقُ لِأَنَّ الطَّلَاقَ مُضَافٌ إلَى حَالِ زَوَالِ النِّكَاحِ لِأَنَّ الْوَارِثَ يَمْلِكُ الْأَمَةَ مُقَارِنًا لِزَوَالِهَا عَنْ مِلْكِ الْمَيِّتِ وَزَوَالُ النِّكَاحِ يَثْبُتُ مُقَارِنًا بِدُخُولِهَا فِي مِلْكِ الزَّوْجِ لِأَنَّ هَذِهِ أَشْيَاءُ مُتَضَادَّةٌ مُتَنَافِيَةٌ وَمِلْكُ الْيَمِينِ يُضَادُّ مِلْكَ النِّكَاحِ فِي حَقِّ أَحْكَامِهِ وَثَمَرَاتُهَا وَثُبُوتُ أَحَدِ الضِّدَّيْنِ يَكُونُ مُقَارِنًا لِذَهَابِ الضِّدِّ الْآخَرِ لَا مُرَتَّبًا عَلَيْهِ كَثُبُوتِ السَّوَادِ يَكُونُ مُقَارِنًا لِذَهَابِ الْبَيَاضِ وَكَقَدَحٍ مَمْلُوءٍ مِنْ الْمَاءِ إذَا أُلْقِيَ فِيهِ حَجَرٌ وَخَرَجَ الْمَاءُ يَكُونُ خُرُوجُ الْمَاءِ مُقَارِنًا لِدُخُولِ الْحَجَرِ لَا مُرَتَّبًا عَلَيْهِ لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يَكُونَ الْقَدَحُ وَاسِعًا لِلْحَجَرِ ثُمَّ يَخْرُجُ الْمَاءُ بَعْدَهُ وَإِضَافَةُ الطَّلَاقِ إلَى حَالِ زَوَالِ النِّكَاحِ لَا يَصِحُّ لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الطَّلَاقَ مُضَافٌ إلَى حَالِ قِيَامِ النِّكَاحِ لِأَنَّ زَوَالَ النِّكَاحِ يَتَرَتَّبُ عَلَى مِلْكُ الْوَارِثِ وَمُلْكُ الْوَارِثِ يَتَرَتَّبُ عَلَى انْقِطَاعِ مِلْكِ الْمَيِّتِ وَهَذِهِ أَحْوَالٌ مُتَعَاقِبَةٌ مُتَرَادِفَةٌ لِأَنَّ الْقَوْلَ بِالْمُقَارَنَةِ يُؤَدِّي إلَى اسْتِحَالَةٍ وَهُوَ سَبْقُ ثُبُوتِ الْحُكْمِ عَلَى الْعِلَّةِ، وَالْحُكْمُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بَعْدَ تَمَامِ الْعِلَّةِ فَالشِّرَاءُ مَا لَمْ يَتِمَّ لَا يَزُولُ مِلْكُ الْبَائِعِ وَلَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي. وَهَكَذَا نَقُولُ فِي قَدَحِ الْمَاءِ يَتَرَتَّبُ خُرُوجُ الْمَاءِ عَلَى دُخُولِ الْحَجَرِ وَلَا يَقْتَرِنَانِ لِاسْتِحَالَةِ إثْبَاتِ الْخُرُوجِ قَبْلَ دُخُولِ الْحَجَرِ الَّذِي هُوَ عِلَّةُ الْخُرُوجِ وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ لِأَمَةِ مُوَرِّثِهِ إذَا مَاتَ مَوْلَاك فَأَنْت حُرَّةٌ فَمَاتَ الْمَوْلَى لَا تَعْتِقُ وَقَالَ زُفَرُ: وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ تَعْتِقُ لِأَنَّ مَوْتَ الْمُوَرِّثِ سَبَبٌ لِمِلْكِ الْوَارِثِ فَقَدْ أَضَافَهُ إلَى سَبَبِ الْمِلْكِ فَصَحَّ كَمَا لَوْ قَالَ إنْ وَرِثْتُك وَلَنَا أَنَّ شَرْطَ الْعِتْقِ وَهُوَ الْمَوْتُ وُجِدَ حَالَةَ انْقِطَاعِ مِلْكِ الْمَيِّتِ لَا حَالَ قِيَامِ مِلْكِ الْوَارِثِ فَيَكُونُ مِلْكُ الْحَالِفِ بَعْدَ الْعِتْقِ بِسَاعَتَيْنِ فَلَا يَكُونُ الْعِتْقُ مُضَافًا إلَى الْمِلْكِ وَلَا إلَى سَبَبِ الْمِلْكِ لِأَنَّ الْمَوْتَ لَمْ يُوضَعْ سَبَبًا لِإِفَادَةِ مِلْكِ الْوَارِثِ بَلْ سَبَبُ مِلْكِهِ هُوَ الْقَرَابَةُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَأَمَّا إذَا جَمَعَ بَيْنَ الْيَمِينِ بِالطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقِ بِأَنْ قَالَ إنْ مَاتَ مَوْلَاك فَأَنْت طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ قَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَقَعَانِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ بِالطَّلَاقِ فَقَطْ، وَفِي الْمُحِيطِ مِنْ الطَّلَاقِ الْمُبْهَمِ: رَجُلٌ تَحْتَهُ أَمَتَانِ فَقَالَ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ ثُمَّ اشْتَرَى إحْدَاهُمَا وَقَعَ الطَّلَاقُ لِأَنَّ بِالشِّرَاءِ خَرَجَ عَنْ مَحَلِّيَّةِ الطَّلَاقِ لِانْقِطَاعِ النِّكَاحِ فَتَعَيَّنَتْ الثَّانِيَةُ كَمَا لَوْ مَاتَتْ إحْدَاهُمَا فَإِنْ اشْتَرَاهُمَا بَطَلَ خِيَارُ التَّعْيِينِ لِبُطْلَانِ النِّكَاحِ فَإِنْ جَامَعَ إحْدَاهُمَا تَعَيَّنَ الطَّلَاقُ فِي الْأُخْرَى. (قَوْلُهُ: (أَنْت طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ مَعَ عِتْقِ مَوْلَاك إيَّاكَ فَأَعْتَقَ لَهُ الرَّجْعَةُ) لِأَنَّهُ عَلَّقَ التَّطْلِيقَ إذْ هُوَ السَّبَبُ حَقِيقَةً بِالْإِعْتَاقِ أَوْ الْعِتْقِ فَإِنْ كَانَ الْمُتَكَلِّمُ ذَكَرَ الْإِعْتَاقَ فَلَا كَلَامَ، وَإِنْ كَانَ الْمَذْكُورُ الْعِتْقَ فَالْمُرَادُ بِهِ الْإِعْتَاقُ لِأَنَّ الْعِتْقَ حُكْمُهُ فَاسْتُعِيرَ الْحُكْمُ لِلْعِلَّةِ فَكَانَ مَجَازًا فِيهِ وَعَلَى هَذَا فَإِعْمَالُهُ فِي لَفْظِ إيَّاكَ إمَّا عَلَى اعْتِبَارِ إرَادَةِ الْفِعْلِ بِهِ إعْمَالُ الْمُسْتَعَارِ لِلْمَصْدَرِ أَوْ عَلَى اعْتِبَارِ إعْمَالِ اسْمِ الْمَصْدَرِ كَأَعْجَبَنِي كَلَامُك زَيْدًا وَإِلَّا فَالْعِتْقُ قَاصِرٌ وَإِنَّمَا يَعْمَلُ فِي الْمَفْعُولِ الْمُتَعَدِّي وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّهُ مُعَلَّقٌ بِهِ مَعَ كَوْنِ حَقِيقَةِ مَعَ لِلْقِرَانِ لِأَنَّهَا قَدْ تُذْكَرُ لِلْمُتَأَخِّرِ تَنْزِيلًا لَهُ مَنْزِلَةَ الْمُقَارِنِ بِتَحَقُّقِ وُقُوعِهِ بَعْدَهُ وَنَفْيِ الرَّيْبِ عَنْهُ كَمَا فِي الْآيَةِ {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح: 6] فَصَارَ هَذَا الْمَعْنَى مُحْتَمِلًا لَهَا وَصُيِّرَ إلَيْهِ بِمُوجِبٍ وَهُوَ وُجُودُ مَعْنَى الشَّرْطِ لَهَا وَهُوَ تَوَقُّفُ حُكْمٍ عَلَى ثُبُوتِ مَعْنَى مَا بَعْدَهَا الْمَعْدُومِ حَالَ التَّكَلُّمِ وَهُوَ عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ فَإِنْ كَانَ الْإِعْتَاقُ شَرْطًا لِلتَّطْلِيقِ فَيُوجَدُ تَطْلِيقُ الثِّنْتَيْنِ بَعْدَهُ مُقَارِنًا لِلْعِتْقِ الْمُتَأَخِّرِ عَنْ الْإِعْتَاقِ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ الْمُتَأَخِّرُ عَنْ التَّطْلِيقِ بَعْدَهُ فَيُصَادِفُهَا حُرَّةً فَيَمْلِكُ الزَّوْجُ الرَّجْعَةَ، وَإِنْ كَانَ الْعِتْقُ فَأَظْهَرُ لِكَوْنِهِ مُقَارِنًا لِلتَّطْلِيقِ، وَالطَّلَاقُ يَعْقُبُهُمَا فَيَقَعُ وَهِيَ حُرَّةٌ، وَفِي الْكَافِي لِأَنَّهُ جَعَلَ التَّطْلِيقَ مُتَّصِلًا بِالْعِتْقِ وَذَلِكَ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا بِأَنْ يَتَعَلَّقَ أَحَدُهُمَا بِالْآخِرِ تَعَلُّقَ الشَّرْطِ بِالْمَشْرُوطِ أَوْ يَتَعَلَّقَ أَحَدُهُمَا بِالْآخِرِ تَعَلُّقَ الْعِلَّةِ بِالْمَعْلُولِ أَوْ يَتَعَلَّقَا بِشَرْطٍ وَاحِدٍ أَوْ بِعِلَّةٍ وَاحِدَةٍ وَيَنْزِلَا عِنْدَهُ، وَالثَّالِثُ مُنْتَفٍ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَتَعَلَّقَا بِشَرْطٍ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: بِأَنْ قَالَ إنْ مَاتَ مَوْلَاك) لَعَلَّ فِي الْعِبَارَةِ سَقْطًا، وَالْأَصْلُ إنْ مَاتَ مَوْلَاك فَأَنْتِ حُرَّةٌ، وَإِنْ مَاتَ. . . إلَخْ أَوْ الْأَصْلُ بِأَنْ قَالَ: وَإِنْ مَاتَ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ سَابِقًا إذَا مَاتَ مَوْلَاك فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَلْيُرَاجَعْ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 307 وَاحِدٍ أَوْ بِعِلَّةٍ وَاحِدَةٍ وَكَذَا الثَّانِي لِأَنَّ إعْتَاقَ الْمَوْلَى لَيْسَ بِعِلَّةٍ لِتَطْلِيقِ الزَّوْجِ وَكَذَا تَطْلِيقُهُ لَيْسَ بِعِلَّةٍ لِإِعْتَاقِهِ فَتَعَيَّنَ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ وَاسْتَحَالَ أَنْ يَتَعَلَّقَ الْعِتْقُ بِالتَّطْلِيقِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَزُولُ مِلْكُ الْمَالِكِ بِلَا رِضَاهُ فَيَتَعَيَّنُ تَعَلُّقُ الطَّلَاقِ بِالْإِعْتَاقِ، وَالْمُعَلَّقُ بِهِ التَّطْلِيقُ لَا الطَّلَاقُ عِنْدَنَا لِمَا قَرَرْت فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْأُصُولِ أَنَّ أَثَرَ التَّعَلُّقِ فِي مَنْعِ السَّبَبِ لَا فِي مَنْعِ الْحُكْمِ عِنْدَنَا. وَإِنَّمَا امْتَنَعَ الْحُكْمُ ضَرُورَةَ امْتِنَاعِ السَّبَبِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فَيَصِيرُ التَّصَرُّفُ تَطْلِيقًا عِنْدَ الشَّرْطِ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ صَارَ تَطْلِيقًا زَمَنَ التَّكَلُّمِ إلَى آخِرِهِ وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ مَا إذَا قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ: أَنْت طَالِقٌ مَعَ نِكَاحِك حَيْثُ يَتَأَتَّى فِيهِ التَّقْرِيرُ الْمَذْكُورُ مَعَ أَنَّهُ لَا يَقَعُ إذَا تَزَوَّجَهَا وَحَاصِلُ مَا أَجَابُوا بِهِ أَنَّهُ يَمْلِكُ التَّعْلِيقَ بِصَرِيحِ الشَّرْطِ وَبِمَعْنَاهُ بَعْدَ النِّكَاحِ وَأَمَّا قَبْلَهُ فَلَا يَمْلِكُهُ إلَّا بِالصَّرِيحِ كَإِنْ وَنَحْوِهِ الْمَوْضُوعَةِ لِلتَّعْلِيقِ وَلِذَا صَحَّ التَّعْلِيقُ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ فِي دُخُولِك الدَّارَ وَلَمْ يَصِحَّ قَوْلُهُ: لِأَجْنَبِيَّةٍ أَنْتِ طَالِقٌ فِي نِكَاحِك وَتَعَقَّبَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ تَبَعًا لِمَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ بِأَنَّ الدَّلِيلَ إنَّمَا قَامَ عَلَى مِلْكِ الْيَمِينِ الْمُضَافَةِ إلَى الْمِلْكِ فَتَعَلَّقَ بِمَا يُوجِبُ مَعْنَاهُ كَيْفَمَا كَانَ اللَّفْظُ، وَالتَّقْيِيدُ بِلَفْظٍ خَاصٍّ بَعْدَ تَحَقُّقِ الْمَعْنَى تَحَكُّمٌ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ الطَّلَاقَ مَعَ النِّكَاحِ يَتَنَافَيَانِ فَلَمْ تَصِحَّ الْحَقِيقَةُ فِيهِ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ، وَالْعِتْقَ لَا يَتَنَافَيَانِ، وَفِي الْمُحِيطِ رَجُلٌ تَحْتَهُ حُرَّةٌ وَأَمَةٌ دَخَلَ بِهِمَا فَقَالَ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ فَأُعْتِقَتْ الْأَمَةُ فَعَيَّنَ الطَّلَاقَ فِي الْأَمَةِ فِي مَرَضِهِ طَلُقَتْ ثِنْتَيْنِ وَلَا تَحِلُّ إلَّا بِزَوْجٍ لِأَنَّ الطَّلَاقَ الْمُبْهَمَ فِي حَقِّ الْمُوقِعِ نَازِلٌ رَجُلٌ تَحْتَهُ أَمَتَانِ فَقَالَ الْمَوْلَى إحْدَاكُمَا حُرَّةٌ فَقَالَ الزَّوْجُ الْمُعْتَقَةُ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ فَالْخِيَارُ لِلْمَوْلَى لِأَنَّ الزَّوْجَ جَعَلَ إيقَاعَهُ بِنَاءً عَلَى إيقَاعِ الْمَوْلَى الْعِتْقَ وَخِيَارُ الْبَيَانِ لِمَنْ هُوَ الْأَصْلُ فِي الْإِبْهَامِ وَهُوَ الْمَوْلَى وَمَلَكَ الزَّوْجُ الرَّجْعَةَ لِأَنَّهُ طَلَّقَ فِي حَالِ الْحُرِّيَّةِ، وَالْحُرِّيَّةُ لَا تَحْرُمُ بِالثِّنْتَيْنِ وَلَوْ قَالَ الزَّوْجُ: إحْدَاكُمَا طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ فَقَالَ الْمَوْلَى: الْمُطَلَّقَةُ مُعْتَقَةٌ فَالْبَيَانُ إلَى الزَّوْجِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُجْمِلُ وَلَا يَمْلِكُ الزَّوْجُ الرَّجْعَةَ لِأَنَّ الطَّلَاقَ صَادَفَهَا، وَهِيَ أَمَةٌ فَتَحْرُمُ بِالثِّنْتَيْنِ فَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى فِي الصُّورَةِ الْأُولَى قَبْلَ الْبَيَانِ عَتَقَ نِصْفُ كُلِّ وَاحِدَةٍ وَخُيِّرَ الزَّوْجُ فِي بَيَانِ الْمُطَلَّقَةِ لِوُقُوعِ الْيَأْسِ بِمَوْتِ الْمَوْلَى فَجُعِلَ الْبَيَانُ إلَى الزَّوْجِ بِخِلَافِ مَا لَوْ غَابَ الْمَوْلَى لَا يُجْبَرُ الزَّوْجُ عَلَى الْبَيَانِ لِعَدَمِ الْيَأْسِ اهـ. . قَوْلُهُ: (وَلَوْ تَعَلَّقَ عِتْقُهَا وَطَلْقَتَاهَا بِمَجِيءِ الْغَدِ فَجَاءَ لَا) يَعْنِي لَوْ قَالَ الْمَوْلَى لِأَمَتِهِ: إذَا جَاءَ غَدٌ فَأَنْت حُرَّةٌ وَقَالَ زَوْجُهَا: إذَا جَاءَ غَدٌ فَأَنْت طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ فَجَاءَ الْغَدُ لَا يَمْلِكُ الزَّوْجُ الرَّجْعَةَ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ، وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْعِلَّةَ وَالْمَعْلُولَ يَقْتَرِنَانِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ فِي الْخَارِجِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إنَّ الْمَعْلُولَ يَعْقُبُهَا بِلَا فَصْلٍ وَمِنْهُمْ خَصُّوا الْعِلَلَ الشَّرْعِيَّةَ فَجَعَلُوهَا تَسْتَعْقِبُ الْمَعْلُولَ بِخِلَافِ الْعَقْلِيَّةِ كَالِاسْتِطَاعَةِ مَعَ الْفِعْلِ وَاخْتَارَ الْقَوْلَ الثَّانِي فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ سَوَاءٌ كَانَتْ عَقْلِيَّةً أَوْ شَرْعِيَّةً حَتَّى إنَّ الِانْكِسَارَ يَعْقُبُ الْكَسْرَ فِي الْخَارِجِ غَيْرَ أَنَّهُ لِسُرْعَةِ إعْقَابِهِ مَعَ قِلَّةِ الزَّمَنِ إلَى الْغَايَةِ إذَا كَانَ آنِيًّا لَمْ يَقَعْ تَمْيِيزُ التَّقَدُّمِ، وَالتَّأَخُّرِ فِيهِمَا وَهَذَا لِأَنَّ الْمُؤَثِّرَ لَا يَقُومُ بِهِ التَّأْثِيرُ قَبْلَ وُجُودِهِ وَحَالَةَ خُرُوجِهِ مِنْ الْعَدَمِ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ تَكْمُلَ هُوِيَّتُه لِيَقُومَ بِهِ عَارِضٌ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ مُؤَثِّرًا، وَفِي التَّلْوِيحِ لَا نِزَاعَ فِي تَقَدُّمِ الْعِلَّةِ عَلَى الْمَعْلُولِ بِمَعْنَى احْتِيَاجِهِ إلَيْهَا وَيُسَمَّى التَّقْدِيمُ بِالْعَلِيَّةِ وَبِالذَّاتِ وَلَا فِي مُقَارَنَةِ الْعِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ لِمَعْلُولِهَا بِالزَّمَانِ كَيْ لَا يَلْزَمَ التَّخَلُّفُ، وَالْخِلَافُ فِي الْعِلَلِ الشَّرْعِيَّةِ اهـ. وَإِذَا عُرِفَ هَذَا فَمِنْ الْأَوْجَهِ لِمُحَمَّدٍ أَنَّهُمَا لَمَّا تَعَلَّقَا بِشَرْطٍ وَاحِدٍ وَجَبَ أَنْ تَطْلُقَ زَمَنَ نُزُولِ الْحُرِّيَّةِ فَيُصَادِفُهَا وَهِيَ حُرَّةٌ لِاقْتِرَانِهِمَا وُجُودًا فَلَا تَحْرُمُ بِهَا حُرْمَةً غَلِيظَةً قُلْنَا الْمُتَعَلِّقَانِ بِشَرْطٍ وَاحِدٍ يَقْتَضِي أَنْ يُصَادِفَهَا عَلَى الْحَالَةِ الَّتِي صَادَفَهَا عَلَيْهَا الْعِتْقُ وَهِيَ الرِّقُّ فَتَغْلُظُ الْحُرْمَةُ بِلَا شَكٍّ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ هُنَاكَ شَرْطٌ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ بَعْدَهُ قَوْلُهُ: (وَعِدَّتُهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ) يَعْنِي فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ اتِّفَاقًا كَمَا فِي الْمُحِيطِ لِأَنَّهَا حُكْمُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ. . . إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: هَذَا مَأْخُوذٌ مِمَّا فِي الشَّرْحِ حَيْثُ قَالَ فِي جَوَابِ أَصْلِ الْإِشْكَالِ قُلْنَا إنَّمَا تَرَكْنَا الْحَقِيقَةَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الزَّوْجَ مَالِكٌ لِلطَّلَاقِ تَنْجِيزًا وَتَصَرُّفُهُ نَافِذٌ فَلَزِمَ مِنْ صِحَّتِهِ تَعَلُّقُهُ بِهِ وَأَمَّا الْأَجْنَبِيُّ فَلَا يَمْلِكُ ذَلِكَ وَلَكِنْ يَمْلِكُ الْيَمِينَ فَإِنْ صَحَّ التَّرْكِيبُ بِذِكْرِ حُرُوفِهِ كَإِنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ صَحَّ ضَرُورَةَ صِحَّةِ الْيَمِينِ مَعَ الْمُنَافِي فِيمَا لَمْ يَلْزَمْ الْعُدُولُ فِيهِ عَنْ الْحَقِيقَةِ، وَفِيمَا لَمْ يُؤَدِّ إلَى التَّنَافِي، وَالطَّلَاقُ، وَالْعِتْقُ لَا يَتَنَافَيَانِ اهـ. مُلَخَّصًا. وَأَنْتَ إذَا تَحَقَّقْته عَلِمْت أَنَّ مَا أَجَابَ بِهِ فِي الْبَحْرِ لَا يَمَسُّ مَا نَحْنُ فِيهِ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ فِي نَفْسِهِ إذْ صِحَّةُ الْحَقِيقَةِ لَيْسَ هُوَ الْمُدَّعِي لِيَتَرَتَّبَ نَفْيُهَا عَلَى التَّنَافِي اهـ. فَتَأَمَّلْهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 308 الطَّلَاقِ فَتَعَقَّبَهُ أَوْ لِأَنَّهُ يُحْتَاطُ فِيهَا وَكَذَا يُحْتَاطُ فِي الْحُرْمَةِ الْغَلِيظَةِ وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ مَرِيضًا لَا تَرِثُ مِنْهُ لِأَنَّهُ حِينَ تَكَلَّمَ بِالطَّلَاقِ لَمْ يَقْصِدْ الْفِرَارَ إذْ لَمْ يَكُنْ لَهَا حَقٌّ فِي مَالِهِ وَلِأَنَّ الْعِتْقَ وَالطَّلَاقَ يَقَعَانِ مَعًا ثُمَّ الطَّلَاقُ يُصَادِفُهَا وَهِيَ رَقِيقَةٌ فَلَا مِيرَاثَ لَهَا كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ (قَوْلُهُ: (أَنْت طَالِقٌ هَكَذَا وَأَشَارَ بِثَلَاثِ أَصَابِعَ فَهِيَ ثَلَاثٌ) لِأَنَّ هَذَا تَشْبِيهٌ بِعَدَدِ الْمُشَارِ إلَيْهِ وَهُوَ الْعَدَدُ الْمُفَادُ كَمِّيَّتُهُ بِالْأَصَابِعِ الْمُشَارِ إلَيْهِ بِذَا لِأَنَّ الْهَاءَ لِلتَّنْبِيهِ، وَالْكَافَ لِلتَّشْبِيهِ وَذَا لِلْإِشَارَةِ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ بِثَلَاثٍ لِأَنَّهُ لَوْ أَشَارَ بِوَاحِدَةٍ فَوَاحِدَةٌ أَوْ ثِنْتَيْنِ فَثِنْتَانِ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْإِشَارَةَ تَقَعُ بِالْمَنْشُورَةِ مِنْهَا دُونَ الْمَضْمُومَةِ لِلْعُرْفِ وَلِلسُّنَّةِ وَلَوْ نَوَى الْإِشَارَةَ بِالْمَضْمُومَتَيْنِ صُدِّقَ دِيَانَةً لَا قَضَاءً وَكَذَا لَوْ نَوَى الْإِشَارَةَ بِالْكَفِّ، وَالْإِشَارَةُ بِالْكَفِّ أَنْ تَقَعَ الْأَصَابِعُ كُلُّهَا مَنْشُورَةً وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَهُنَاكَ أَقْوَالٌ ذَكَرَهَا فِي الْمِعْرَاجِ الْأَوَّلُ عَنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ لَوْ جَعَلَ ظَهْرَ الْكَفِّ إلَيْهَا، وَالْأَصَابِعَ الْمَنْشُورَةَ إلَى نَفْسِهِ دُيِّنَ قَضَاءً وَلَوْ جَعَلَ ظَهْرَ الْكَفِّ إلَى نَفْسِهِ وَبُطُونَ الْأَصَابِعِ إلَيْهَا لَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ الثَّانِي لَوْ كَانَ بَاطِنُ الْكَفِّ إلَى السَّمَاءِ فَالْعِبْرَةُ إلَى النَّشْرِ، وَإِنْ كَانَ إلَى الْأَرْضِ فَالْعِبْرَةُ إلَى الضَّمِّ، وَالثَّالِثُ إنْ كَانَ نَشْرًا عَنْ ضَمٍّ فَالْعِبْرَةُ لِلنَّشْرِ، وَإِنْ كَانَ ضَمًّا عَنْ نَشْرٍ فَالْعِبْرَةُ لِلضَّمِّ اعْتِبَارًا لِلْعَادَةِ اهـ. وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ هَكَذَا لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ وَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ وَلَمْ يَقُلْ هَكَذَا فَهِيَ وَاحِدَةٌ لِفَقْدِ التَّشْبِيهِ الْمُتَقَدِّمِ، وَفِي الْمُحِيطِ وَكَذَا لَوْ قَالَتْ لِزَوْجِهَا طَلِّقْنِي فَأَشَارَ إلَيْهَا بِثَلَاثِ أَصَابِعَ وَأَرَادَ بِهِ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ لَا يَقَعُ مَا لَمْ يَقُلْ هَكَذَا لِأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ وَقَعَ بِالضَّمِيرِ، وَالطَّلَاقُ لَا يَقَعُ بِالضَّمِيرِ اهـ. وَلَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ مِثْلُ هَذَا وَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ الثَّلَاثِ يَقَعُ ثَلَاثٌ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: قَيَّدَ بِقَوْلِهِ بِثَلَاثٍ. . . إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: أَنْتِ هَكَذَا فَهُوَ لَغْوٌ وَلَوْ نَوَى الطَّلَاقَ لِأَنَّ اللَّفْظَ لَا يُشْعِرُ بِهِ، وَالنِّيَّةُ لَا تُؤَثِّرُ بِغَيْرِ لَفْظٍ، قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي تَعْلِيلِ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ بِالْأَصَابِعِ تُفِيدُ الْعِلْمَ بِالْعَدَدِ عُرْفًا وَشَرْعًا إذَا اقْتَرَنَتْ بِالِاسْمِ الْمُبْهَمِ اهـ. وَلَا طَلَاقَ هُنَا يُشَارُ إلَيْهِ بِهِ فَتَأَمَّلْ وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ فِي هَذَا الْمَحَلِّ إلَى الْآنَ ثُمَّ رَاجَعْت أَحْكَامَ الْإِشَارَةِ مِنْ الْأَشْبَاهِ، وَالنَّظَائِرِ فَوَجَدْته قَالَ وَلَمْ أَرَ الْآنَ أَنْتِ هَكَذَا مُشِيرًا بِأَصَابِعِهِ وَلَمْ يَقُلْ طَالِقٌ اهـ. أَقُولُ: وَقَدْ رَأَيْت الْحُكْمَ كَمَا ذَكَرْته بِالْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ كَشَرْحِ الرَّوْضِ لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا وَغَيْرِهِ وَلَا شَيْءَ مِنْ قَوَاعِدِنَا يُنَافِيهِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَالْإِشَارَةُ بِالْكَفِّ. . . إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ، وَالْإِشَارَةُ تَقَعُ بِالْمَنْشُورِ وَلَوْ نَوَى الْإِشَارَةَ بِالْمَضْمُومَتَيْنِ يُصَدَّقُ دِيَانَةً لَا قَضَاءً وَكَذَا إذَا نَوَى الْإِشَارَةَ بِالْكَفِّ فِي الدِّرَايَةِ الْإِشَارَةُ بِالْكَفِّ أَنْ تَقَعَ الْأَصَابِعُ كُلُّهَا مَنْشُورَةً فَاَلَّذِي يَثْبُتُ بِالنِّيَّةِ مِنْهُ أَنْ تَكُونَ الْأَصَابِعُ الثَّلَاثُ مَنْشُورَةً فَقَطْ حَتَّى يَقَعَ فِي الْأُولَى ثِنْتَانِ دِيَانَةً، وَفِي الثَّانِيَةِ وَاحِدَةٌ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُهُ لَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ اهـ. قُلْت وَحَاصِلُ كَلَامِ الْفَتْحِ الْمَذْكُورِ أَنَّهُ إذَا كَانَتْ الثَّلَاثُ مَنْشُورَةً تَقَعُ ثَلَاثٌ وَتَصِحُّ فِيهَا نِيَّتُهُ دِيَانَةً فِي الْأُولَى أَيْ فِيمَا إذَا نَوَى الْإِشَارَةَ بِالْمَضْمُومَتَيْنِ فَتَقَعُ ثِنْتَانِ. وَكَذَا تَصِحُّ نِيَّتُهُ دِيَانَةً فِي الثَّانِيَةِ أَيْ فِيمَا إذَا نَوَى الْإِشَارَةَ بِالْكَفِّ فَتَقَعُ وَاحِدَةً وَلَمَّا كَانَ خِلَافَ الظَّاهِرِ مِنْ كَوْنِ الْمُرَادِ الْمَنْشُورَةَ دُونَ الْمَضْمُومَةِ وَدُونَ الْكَفِّ لَمْ يُصَدَّقُ قَضَاءً وَمُقْتَضَى هَذَا الْكَلَامِ أَنَّهُ إذَا كَانَتْ الْأَصَابِعُ كُلُّهَا مَنْشُورَةً وَنَوَى الْكَفَّ أَنَّهُ يُصَدَّقُ قَضَاءً وَدِيَانَةً لِأَنَّهُ خَصَّ صِحَّةَ نِيَّةِ الْكَفِّ دِيَانَةً بِمَا إذَا كَانَتْ الثَّلَاثُ مَنْشُورَةً وَهَذَا خِلَافُ مَا فَهِمَهُ الْمُؤَلِّفُ فَإِنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ يُصَدَّقُ دِيَانَةً فِي نِيَّةِ الْإِشَارَةِ بِالْكَفِّ إذَا كَانَتْ الْأَصَابِعُ كُلُّهَا مَنْشُورَةً وَبِمَا ذَكَرْنَاهُ يَحْصُلُ التَّوْفِيقُ بَيْنَ مَا هُنَا وَمَا ذَكَرَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ نَوَى الْإِشَارَةَ بِالْكَفِّ صُدِّقَ قَضَاءً بِخِلَافِ مَا إذَا نَوَى الْمَعْقُودَتَيْنِ اهـ. فَيُحْمَلُ كَلَامُ الْقُهُسْتَانِيِّ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ كُلُّهَا مَنْشُورَةً وَكَلَامُ غَيْرِهِ مِنْ أَنَّهُ يُصَدَّقُ دِيَانَةً فَقَطْ عَلَى مَا إذَا كَانَ بَعْضُهَا مَنْشُورًا وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ فَإِنَّ نَشْرَ الْكُلِّ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ الْإِشَارَةَ بِالْأَصَابِعِ بَلْ أَرَادَ الْكَفَّ وَيَظْهَرُ أَنَّ مِثْلَهُ مَا لَوْ كَانَتْ كُلُّ الْأَصَابِعِ مَضْمُومَةً بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بَعْضُهَا مَنْشُورًا فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ أَرَادَ الْإِشَارَةَ بِالْمَنْشُورَةِ فَلَا يُصَدَّقُ قَضَاءً أَنَّهُ أَرَادَ الْمَضْمُومَ مِنْهَا أَوْ الْكَفَّ وَيُصَدَّقُ دِيَانَةً فَقَطْ لِأَنَّهُ مُحْتَمَلُ كَلَامِهِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي هُنَا فَتَأَمَّلْهُ (قَوْلُهُ: وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ) أَيْ مَا ذَكَرَهُ مِنْ اعْتِبَارِ الْمَنْشُورَةِ دُونَ الْمَضْمُومَةِ بِلَا تَفْصِيلٍ هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ حِكَايَةُ الْأَقْوَالِ بَعْدَهُ وَكَذَا قَوْلُ الْفَتْحِ بَعْدَ حِكَايَةِ الْأَقْوَالِ الْمَذْكُورَةِ، وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ اهـ. فَلَيْسَ قَوْلُهُ: وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ رَاجِعًا إلَى قَوْلِهِ: وَالْإِشَارَةُ. . . إلَخْ كَمَا فَهِمَهُ الْعَلَائِيُّ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَقُلْ هَكَذَا فَهِيَ وَاحِدَةٌ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَإِنْ نَوَى بِهِ الثَّلَاثَ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْخَانِيَّةِ وَبِهِ يُعْلَمُ جَوَابُ مَا يَقَعُ مِنْ الْأَتْرَاكِ مَنْ رَمْي ثَلَاثَ حَصَوَاتٍ قَائِلًا أَنْتِ هَكَذَا وَلَا يَنْطِقُ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ وَهُوَ عَدَمُ الْوُقُوعِ تَأَمَّلْ اهـ. وَفِي عِلْمِهِ مِنْ هَذَا تَأَمَّلْ بَلْ هُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ أَنْتِ هَكَذَا مُشِيرًا بِأَصَابِعِهِ فَحَقُّهُ أَنْ يَذْكُرَ فِي الْقَوْلَةِ السَّابِقَةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: لِفَقْدِ التَّشْبِيهِ) لِأَنَّهُ كَمَا لَا يَتَحَقَّقُ الطَّلَاقُ بِدُونِ اللَّفْظِ لَا يَتَحَقَّقُ عَدَدُهُ بِدُونِهِ كَذَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ وَقَعَ بِالضَّمِيرِ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 309 إنْ نَوَى ثَلَاثًا وَإِلَّا فَوَاحِدَةً، هَكَذَا فِي الْمُبْتَغَى بِالْمُعْجَمَةِ فَقَدْ فَرَّقُوا هُنَا بَيْنَ الْكَافِ وَمِثْلٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْكَافَ لِلتَّشْبِيهِ فِي الذَّاتِ وَمِثْلًا لِلتَّشْبِيهِ فِي الصِّفَاتِ وَلِذَا نُقِلَ عَنْ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ إيمَانِي كَإِيمَانِ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَلَا أَقُولُ: إيمَانِي مِثْلُ إيمَانِ جِبْرِيلَ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ - وَفِي الْبَدَائِعِ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ التَّشْبِيهَ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدُ وَيَحْتَمِلُ التَّشْبِيهَ فِي الصِّفَةِ وَهُوَ الشَّبَهُ فَأَيُّهُمَا نَوَى صَحَّتْ نِيَّتُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ يُحْمَلُ عَلَى التَّشْبِيهِ مِنْ حَيْثُ الصِّفَةُ لِأَنَّهُ أَدْنَى اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ: إذَا لَمْ يَنْوِ الثَّلَاثَ تَقَعُ وَاحِدَةً بَائِنَةٌ كَمَا فِي قَوْلِهِ أَنْت طَالِقٌ كَأَلْفٍ وَعَلَى قِيَاسِ هَذَا لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ مِثْلُ سَنْجَةِ دَانِقٍ تَقَعُ وَاحِدَةً لِأَنَّ لَهُ سَنْجَةً وَاحِدَةً فَقَدْ شَبَّهَ الْوَاقِعَ بِالْوَاحِدَةِ وَلَوْ قَالَ مِثْلُ سَنْجَةِ دَانِقٍ وَنِصْفٍ أَوْ دَانِقَيْنِ تَقَعُ ثِنْتَانِ لِأَنَّ لَهُ سَنْجَتَيْنِ فَقَدْ شَبَّهَ الْوَاقِعَ بِالْعَدَدَيْنِ وَلَوْ قَالَ مِثْلُ سَنْجَةِ دَانِقَيْنِ وَنِصْفٍ تَقَعُ الثَّلَاثُ لِأَنَّهُ يُوزَنُ بِثَلَاثِ سَنَجَاتٍ وَلَوْ قَالَ مِثْلُ سَنْجَةِ نِصْفِ دِرْهَمٍ تَقَعُ وَاحِدَةً وَلَوْ قَالَ: مِثْلُ سَنْجَةِ ثُلُثَيْ دِرْهَمٍ فَتَقَعُ ثِنْتَانِ لِأَنَّ لَهُ سَنْجَتَيْنِ وَلَوْ قَالَ مِثْلُ سَنْجَةِ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ دِرْهَمٍ تَقَعُ ثَلَاثٌ لِأَنَّهُ لَهُ ثَلَاثُ سَنَجَاتٍ وَلَوْ قَالَ مِثْلُ سَنْجَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ تَقَعُ وَاحِدَةً اهـ. وَفِي الْمِصْبَاحِ الْأُصْبُعُ مُؤَنَّثَةٌ وَكَذَلِكَ سَائِرُ أَسْمَائِهَا مِثْلُ الْخِنْصَرِ، وَالْبِنْصِرِ، وَفِي كَلَامِ ابْنِ فَارِسٍ مَا يَدُلُّ عَلَى تَذْكِيرِ الْإِصْبَعِ وَقَالَ الصَّغَانِيُّ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ، وَالْغَالِبُ التَّأْنِيثُ قَالَ بَعْضُهُمْ، وَفِي الْإِصْبَعِ عَشْرُ لُغَاتٍ تَثْلِيثُ الْهَمْزَةِ مَعَ تَثْلِيثِ الْبَاءِ، وَالْعَاشِرُ أُصْبُوعٌ وِزَانُ عُصْفُورٍ، وَالْمَشْهُورُ مِنْ لُغَاتِهَا كَسْرُ الْهَمْزَةِ وَفَتْحُ الْبَاءِ وَهِيَ الَّتِي ارْتَضَاهَا الْفُصَحَاءُ. قَوْلُهُ: (أَنْت طَالِقٌ بَائِنٌ أَوْ أَلْبَتَّةَ أَوْ أَفْحَشَ الطَّلَاقِ أَوْ طَلَاقَ الشَّيْطَانِ أَوْ الْبِدْعَةِ أَوْ كَالْجَبَلِ أَوْ أَشَدَّ الطَّلَاقِ أَوْ كَأَلْفٍ أَوْ مِلْءَ الْبَيْتِ أَوْ تَطْلِيقَةً شَدِيدَةً أَوْ طَوِيلَةً أَوْ عَرِيضَةً فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ إنْ لَمْ يَنْوِ ثَلَاثًا) بَيَانٌ لِلطَّلَاقِ الْبَائِنِ بَعْدَ بَيَانِ الرَّجْعِيِّ وَإِنَّمَا كَانَ بَائِنًا فِي هَذِهِ لِأَنَّهُ وَصَفَ الطَّلَاقَ بِمَا يَحْتَمِلُهُ وَهُوَ الْبَيْنُونَةُ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ بِهِ الْبَيْنُونَةُ قَبْلَ الدُّخُولِ لِلْحَالِ وَكَذَا عِنْدَ ذِكْرِ الْمَالِ وَبَعْدَهُ إذَا انْقَضَتْ الْعِدَّةُ وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ احْتَمَلَ الْبَيْنُونَةَ لَصَحَّتْ إرَادَتُهَا بِطَالِقٍ، وَقَدْ قَدَّمْنَا عَدَمَ صِحَّتِهَا وَأُجِيبَ بِأَنَّ عَمَلَ النِّيَّةِ فِي الْمَلْفُوظِ لَا فِي غَيْرِهِ وَلَفْظُ بَائِنٍ لَمْ يَصِرْ مَلْفُوظًا بِهِ بِالنِّيَّةِ بِخِلَافِ طَالِقٍ بَائِنٍ، وَفِيهِ نَظَرٌ مَذْكُورٌ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ قَيَّدَ بِكَوْنِ بَائِنٍ صِفَةً بِلَا عَطْفٍ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ وَبَائِنٌ أَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ ثُمَّ بَائِنٌ وَقَالَ لَمْ أَنْوِ بِقَوْلِي بَائِنٌ شَيْئًا فَهِيَ رَجْعِيَّةٌ وَلَوْ ذَكَرَ بِحَرْفِ الْفَاءِ، وَالْبَاقِي بِحَالِهِ فَهِيَ بَائِنَةٌ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ فَهِيَ وَاحِدَةٌ إنْ لَمْ يَنْوِ ثَلَاثًا أَنَّهُ لَوْ نَوَى ثِنْتَيْنِ لَا يَصِحُّ لِكَوْنِهِ عَدَدًا مَحْضًا إلَّا إذَا عَنَى بِأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَبِقَوْلِهِ بَائِنٌ أَوْ أَلْبَتَّةَ أَوْ نَحْوَهُمَا أُخْرَى يَقَعُ تَطْلِيقَتَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّرْكِيبَ خَبَرٌ بَعْدَ خَبَرٍ وَهُمَا بَائِنَتَانِ لِأَنَّ بَيْنُونَةَ الْأُولَى ضَرُورَةُ بَيْنُونَةِ الثَّانِيَةِ إذْ مَعْنَى الرَّجْعِيِّ كَوْنُهُ بِحَيْثُ يَمْلِكُ رَجْعَتَهَا وَذَلِكَ مُنْتَفٍ بِاتِّصَالِ الْبَائِنَةِ الثَّانِيَةِ فَلَا فَائِدَةَ فِي وَصْفِهَا بِالرَّجْعِيَّةِ وَكُلُّ كِنَايَةٍ قُرِنَتْ بِطَالِقٍ يَجْرِي فِيهَا ذَلِكَ فَيَقَعُ ثِنْتَانِ بَائِنَتَانِ وَأَشَارَ بِأَفْحَشِ الطَّلَاقِ إلَى كُلِّ وَصْفٍ عَلَى أَفْعَلَ لِأَنَّهُ لِلتَّفَاوُتِ وَهُوَ يَحْصُلُ بِالْبَيْنُونَةِ وَهُوَ أَفْحَشُ مِنْ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ فَدَخَلَ أَخْبَثُ الطَّلَاقِ وَأَسْوَأُهُ وَأَشَرُّهُ وَأَخْشَنُهُ وَأَكْبَرُهُ وَأَغْلَظُهُ وَأَطْوَلُهُ وَأَعْرَضُهُ وَأَعْظَمُهُ إلَّا قَوْلُهُ: أَكْثَرُهُ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ فَإِنَّهُ يَقَعُ بِهِ الثَّلَاثُ وَلَا يُدَيَّنُ   [منحة الخالق] الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الضَّمِيرُ الْقَلْبِيُّ لَا النَّحْوِيُّ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَوَاحِدَةً) قَالَ فِي النَّهْرِ أَيْ بَائِنَةً كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ كَأَلْفٍ كَذَا فِي الْمُحِيطِ اهـ. وَسَيَأْتِي. (قَوْلُهُ: وَفِيهِ نَظَرٌ مَذْكُورٌ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ) حَاصِلُهُ أَنَّهُ لَيْسَ مَعْنَى عَمَلِ النِّيَّةِ فِي الْمَلْفُوظِ إلَّا تَوْجِيهُهُ إلَى بَعْضِ مُحْتَمَلَاتِهِ فَإِذَا فُرِضَ لِلَّفْظِ ذَلِكَ صَحَّ عَمَلُ النِّيَّةِ فِيهِ، وَقَدْ فُرِضَ بِطَالِقٍ ذَلِكَ فَتَعْمَلُ فِيهِ النِّيَّةُ وَلَا يَكُونُ عَامِلُهُ بِلَا لَفْظٍ عَلَى أَنَّ هَذَا قَدْ يُعْطِي بِظَاهِرِهِ افْتِقَارَ وُقُوعِ الْبَائِنِ فِي طَالِقٍ بَائِنٍ إلَى النِّيَّةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ قُلْت، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الطَّلَاقَ مِنْ حَيْثُ هُوَ قَدْ يَكُونُ رَجْعِيًّا وَقَدْ يَكُونُ بَائِنًا فَإِذَا اقْتَصَرَ عَلَى الصَّرِيحِ مِنْهُ كَانَ رَجْعِيًّا وَإِذَا وَصَفَهُ بِمَا يُنْبِئُ عَنْ الْبَيْنُونَةِ كَانَ بَائِنًا، وَالْبَيْنُونَةُ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ تَكُونُ خَفِيفَةً وَغَلِيظَةً فَإِذَا نَوَى الثَّانِيَةَ صَحَّتْ نِيَّتُهَا وَقَوْلُهُ: أَنْتِ طَالِقٌ بَائِنٌ فِي مَعْنَى أَنْتِ طَالِقٌ طَلَاقًا هُوَ بَائِنٌ عَلَى أَنْ يَكُونَ بَائِنٌ وَصْفًا لِلطَّلَاقِ لَا لِلْمَرْأَةِ فَيَكُونُ وَصْفًا فِي الْمَعْنَى لِطَلَاقِ مَصْدَرٍ فَتَصِحُّ بِهِ نِيَّةُ الثَّلَاثِ وَلَيْسَ الْوُقُوعُ بِلَفْظِ بَائِنٍ فَقَطْ حَتَّى يَحْتَاجَ إلَى النِّيَّةِ بَلْ هُوَ قَرِينَةُ إرَادَةِ الْبَيْنُونَةِ الْغَلِيظَةِ بِتَقْدِيرِ الْمَصْدَرِ كَمَا فِي أَلْبَتَّةَ فَإِنَّهُ فِي مَعْنَى طَلَاقًا أَلْبَتَّةَ وَكَذَا فِي أَفْحَشِ الطَّلَاقِ فَإِنَّهُ فِي مَعْنَى طَلَاقًا أَفْحَشَ الطَّلَاقِ وَهَكَذَا فِي الْبَوَاقِي (قَوْلُهُ: بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ) وَأَمَّا مَا فِي مَتْنِ التَّنْوِيرِ مِنْ ضَبْطِهِ بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقُ فَصَوَابُهُ الْمُثَلَّثَةُ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الرَّمْلِيُّ فِي حَوَاشِي الْمِنَحِ وَقَالَ: إنَّ الْحُكْمَ صَحِيحٌ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 310 إذَا قَالَ نَوَيْت وَاحِدَةً. وَإِنَّمَا وَقَعَ الْبَائِنُ بِطَلَاقِ الشَّيْطَانِ، وَالْبِدْعَةِ لِأَنَّ الرَّجْعِيَّ هُوَ السُّنِّيُّ غَالِبًا فَلَا يَرِدُ أَنَّ الرَّجْعِيَّ قَدْ لَا يَكُونُ سُنِّيًّا كَالطَّلَاقِ الصَّرِيحِ فِي الْحَيْضِ فَإِنْ قُلْت قَدْ تَقَدَّمَ فِي الطَّلَاقِ الْبِدْعِيِّ أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ لِلْبِدْعَةِ أَوْ طَلَاقَ الْبِدْعَةِ وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَإِنْ كَانَ فِي طُهْرٍ فِيهِ جِمَاعٌ أَوْ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ أَوْ النِّفَاسِ وَقَعَتْ وَاحِدَةً مِنْ سَاعَتِهِ، وَإِنْ كَانَتْ فِي طُهْرٍ لَا جِمَاعَ فِيهِ لَا يَقَعُ فِي الْحَالِ حَتَّى تَحِيضَ أَوْ يُجَامِعَهَا فِي ذَلِكَ الطُّهْرِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَفَتْحِ الْقَدِيرِ قُلْت لَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ مَا ذَكَرُوهُ هُنَا هُوَ وُقُوعُ الْوَاحِدَةِ الْبَائِنَةِ بِلَا نِيَّةٍ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهَا تَقَعُ السَّاعَةَ أَوْ بَعْدَ وُجُودِ شَيْءٍ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ كَالْجَبَلِ إلَى التَّشْبِيهِ بِمَا يُوجِبُ زِيَادَةً فِي الْعِظَمِ وَهُوَ بِزِيَادَةِ وَصْفِ الْبَيْنُونَةِ فَيَدْخُلُ فِيهِ مِثْلُ الْجَبَلِ وَأَمَّا الْبَيْنُونَةُ بِأَشَدِّ الطَّلَاقِ فَلِأَنَّهُ وَصَفَهُ بِالشِّدَّةِ لِأَنَّ أَفْعَلَ يُرَادُ بِهِ الْوَصْفُ فَلِذَا لَمْ يَكُنْ لِلثَّلَاثِ بِلَا نِيَّةٍ لِأَنَّ أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ بَعْضُ مَا أُضِيفَ إلَيْهِ فَكَانَ أَشَدُّ مُعَبَّرًا بِهِ عَنْ الْمَصْدَرِ الَّذِي هُوَ الطَّلَاقُ وَأَمَّا الْبَيْنُونَةُ بِقَوْلِهِ كَأَلْفٍ فَلِأَنَّ التَّشْبِيهَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِي الْقُوَّةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِي الْعَدَدِ فَإِنْ نَوَى الثَّانِي وَقَعَ الثَّلَاثُ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ ثَبَتَ الْأَقَلُّ وَهُوَ الْبَيْنُونَةُ وَدَخَلَ فِيهِ مِثْلُ أَلْفٍ وَمِثْلُ ثَلَاثٍ وَوَاحِدَةً كَالْأَلْفِ إلَّا أَنَّهُ فِي هَذِهِ إذَا نَوَى الثَّلَاثَ لَا تَقَعُ إلَّا وَاحِدَةً اتِّفَاقًا لِأَنَّ الْوَاحِدَةَ لَا تَحْتَمِلُ الثَّلَاثَ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَخَرَجَ عَنْهُ كَعَدَدِ الْأَلْفِ وَكَعَدَدِ الثَّلَاثِ فَإِنَّهُ يَقَعُ الثَّلَاثُ بِلَا نِيَّةٍ وَدَخَلَ فِيهِ أَيْضًا مَا لَوْ شَبَّهَ بِالْعَدَدِ فِيمَا لَا عَدَدَ فِيهِ كَعَدَدِ الشَّمْسِ أَوْ التُّرَابِ أَوْ قَالَ مِثْلَهُ لِأَنَّ التَّشْبِيهَ يَقْتَضِي ضَرْبًا مِنْ الزِّيَادَةِ وَهُوَ بِالْبَيْنُونَةِ مَوْجُودٌ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ كَالنُّجُومِ فَهِيَ وَاحِدَةٌ يَعْنِي كَالنُّجُومِ ضِيَاءً لَا عَدَدًا إلَّا أَنْ يَقُولَ كَعَدَدِ النُّجُومِ وَلَوْ أَضَافَهُ إلَى عَدَدٍ مَعْلُومِ النَّفْيِ كَعَدَدِ شَعْرِ بَطْنِ كَفِّي أَوْ مَجْهُولِ النَّفْيِ، وَالْإِثْبَاتِ كَعَدَدِ شَعْرِ إبْلِيسَ أَوْ نَحْوِهِ وَقَعَتْ وَاحِدَةً أَوْ مِنْ شَأْنِهِ الثُّبُوتُ لَكِنَّهُ كَانَ زَائِلًا وَقْتَ الْحَلِفِ بِعَارِضٍ كَعَدَدِ شَعْرِ سَاقِي أَوْ سَاقَك، وَقَدْ تَنَوَّرَ لَا يَقَعُ لِعَدَمِ الشَّرْطِ كَذَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ أَنْت عَلَيَّ حَرَامٌ أَلْفَ مَرَّةٍ تَقَعُ وَاحِدَةً اهـ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ: أَنْت طَالِقٌ عَدَدَ مَا فِي هَذَا الْحَوْضِ مِنْ السَّمَكِ وَلَيْسَ فِي الْحَوْضِ سَمَكٌ تَقَعُ وَاحِدَةً وَحَكَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ كُنَّا عِنْدَ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ فَسُئِلَ عَمَّنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْت طَالِقٌ عَدَدَ الشَّعْرِ الَّذِي عَلَى فَرْجِك، وَقَدْ كَانَتْ أَطْلَتْ فَبَقِيَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ يَتَفَكَّرُ فِيهِ وَشَبَّهَهُ بِظَهْرِ الْكَفِّ ثُمَّ أَجْمَعَ رَأْيَهُ عَلَى أَنَّهُ إنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ بِعَدَدِ الشَّعْرِ الَّذِي عَلَى ظَهْرِ كَفِّي وَقَدْ أُطْلِيَ أَنَّهُ لَا يَقَعُ، وَإِنْ قَالَ بِعَدَدِ الشَّعْرِ الَّذِي فِي بَطْنِ كَفِّي أَنَّهُ يَقَعُ وَاحِدَةً لِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ يَقَعُ عَلَى عَدَدِ الشُّعُورِ النَّابِتَةِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَعْرٌ لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ، وَفِي الثَّانِيَةِ لَا يَقَعُ عَلَى عَدَدِ الشَّعْرِ، وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّهَا تَطْلُقُ ثَلَاثًا فِي عَدَدِ شَعْرِ رَأْسِي أَوْ عَدَدِ شَعْرِ ظَهْرِ كَفِّي، وَقَدْ أَطْلَى لِأَنَّهُ ذُو عَدَدٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا، وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ عَدَدَ مَا فِي هَذِهِ الْقَصْعَةِ مِنْ الثَّرِيدِ إنْ قَالَ ذَلِكَ قَبْلَ صَبِّ الْمَرَقَةِ عَلَيْهِ فَهِيَ ثَلَاثٌ، وَإِنْ قَالَ بَعْدَ صَبِّ الْمَرَقَةِ فَهِيَ وَاحِدَةٌ اهـ. وَفَرَّقَ فِي الْجَوْهَرَةِ بَيْنَ التُّرَابِ، وَالرَّمْلِ فَقَالَ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ عَدَدَ التُّرَابِ فَهِيَ   [منحة الخالق] فِي ذَلِكَ أَيْضًا وَذَكَرَ فِي فَتَاوَاهُ نَحْوَهُ وَأَفْتَى بِالثَّلَاثِ فِيهِ أَيْضًا قُلْت وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّهُ قَصَدَ التَّنْبِيهَ عَلَى التَّعْبِيرِ بِالْمُثَلَّثَةِ بِالْأُولَى تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: لَا يَقَعُ فِي الْحَالِ حَتَّى تَحِيضَ أَوْ يُجَامِعَهَا فِي ذَلِكَ الطُّهْرِ) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وُقُوعُ بَائِنَةٍ لِلْحَالِ، وَإِنْ لَمْ تَتَّصِفْ بِهَذَا الْوَصْفِ وَهَذَا لِأَنَّ الْبِدْعِيَّ لَمْ يَنْحَصِرْ فِيمَا ذَكَرَهُ إذْ الْبَائِنُ بِدْعِيٌّ كَمَا مَرَّ اهـ. قُلْت: وَفِي الْبَدَائِعِ مِنْ هَذَا الْبَابِ وَلَوْ قَالَ لَهَا أَنْت طَالِقٌ لِلْبِدْعَةِ فَهِيَ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ لِأَنَّ الْبِدْعَةَ قَدْ تَكُونُ فِي الْبَائِنِ، وَقَدْ تَكُونُ فِي الطَّلَاقِ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ فَيَقَعُ الشَّكُّ فِي ثُبُوتِ الْبَيْنُونَةِ فَلَا يَثْبُتُ بِالشَّكِّ وَكَذَا إذَا قَالَ أَنْت طَالِقٌ طَلَاقَ الشَّيْطَانِ فَهُوَ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ لِلْبِدْعَةِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْت طَالِقٌ لِلْبِدْعَةِ وَنَوَى وَاحِدَةً بَائِنَةً فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ لِأَنَّ لَفْظَهُ يَحْتَمِلُ ذَلِكَ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَصَحَّتْ نِيَّتُهُ اهـ. تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ أَلْفَ مَرَّةٍ تَقَعُ وَاحِدَةً) يُشْكِلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ نَوَى بِأَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ ثَلَاثًا تَقَعُ الثَّلَاثُ وَكَذَا لَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ مِرَارًا تَطْلُقُ ثَلَاثًا لَوْ مَدْخُولًا بِهَا كَمَا يَأْتِي قُلْت وَلَعَلَّ الْفَرْقَ أَنَّ قَوْلَهُ أَلْفَ مَرَّةٍ بِمَنْزِلَةِ تَكْرَارِ هَذَا اللَّفْظِ مِرَارًا وَإِذَا بَانَتْ بِالْمَرَّةِ الْأُولَى لَا تَبِينُ بِالثَّانِيَةِ، وَالثَّالِثَةِ وَهَكَذَا لِأَنَّ الْبَائِنَ لَا يَلْحَقُ الْبَائِنَ بِخِلَافِ مَا لَوْ نَوَى بِأَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ الثَّلَاثَ فَإِنَّهُ أَوْقَعَهَا جُمْلَةً بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ وَأَمَّا أَنْتِ طَالِقٌ مِرَارًا فَتَطْلُقُ بِهِ ثَلَاثًا لِأَنَّهُ صَرِيحٌ، وَالصَّرِيحُ إذَا كُرِّرَ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى يَقَعُ وَلِهَذَا شَرَطَ كَوْنَهَا مَدْخُولًا بِهَا إذْ لَوْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا تَبِينُ بِأَوَّلِ مَرَّةٍ فَلَا يَلْحَقُهَا مَا بَعْدَهَا مِنْ الْمَرَّاتِ. لِأَنَّهَا بَانَتْ بِلَا عِدَّةٍ مَعَ أَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا جُمْلَةً وَقَعَ الثَّلَاثُ فَهَذَا يُؤَيِّدُ أَنَّ قَوْلَهُ أَلْفَ مَرَّةٍ بِمَنْزِلَةِ تَكْرَارِهِ مِرَارًا وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ فَرْقٌ فِي أَنْتِ طَالِقٌ مِرَارًا بَيْنَ الْمَدْخُولِ بِهَا وَغَيْرِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لَكِنْ سَيَأْتِي فِي الْكِنَايَاتِ عَنْ الْمُنْتَقَى عَنْ مُحَمَّدٍ: اذْهَبِي أَلْفَ مَرَّةٍ يَنْوِي بِهِ طَلَاقًا فَثَلَاثٌ اهـ. مَعَ أَنَّ لَفْظَ اذْهَبِي كِنَايَةٌ مِثْلُ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ فَلْيُتَأَمَّلْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 311 وَاحِدَةٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَثَلَاثٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَإِنْ قَالَ عَدَدَ الرَّمْلِ فَهِيَ ثَلَاثٌ إجْمَاعًا وَأَمَّا الْبَيْنُونَةُ بِمِلْءِ الْبَيْتِ فَلِأَنَّ الشَّيْءَ قَدْ يَمْلَأُ الْبَيْتَ لِعِظَمِهِ فِي نَفْسِهِ، وَقَدْ يَمْلَؤُهُ لِكَثْرَتِهِ فَأَيُّهُمَا نَوَى صَحَّتْ نِيَّتُهُ وَعِنْدَ عَدَمِهَا يَثْبُتُ الْأَقَلُّ وَأَمَّا الْبَيْنُونَةُ بِتَطْلِيقَةٍ شَدِيدَةٍ وَمَا بَعْدَهُ فَلِأَنَّ مَا لَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ يَشْتَدُّ عَلَيْهِ وَهُوَ الْبَائِنُ وَمَا يَصْعُبُ تَدَارُكُهُ يُقَالُ فِيهِ لِهَذَا الْأَمْرِ طُولٌ وَعَرْضٌ فَهُوَ الْبَائِنُ أَيْضًا قَيَّدَ بِكَوْنِ الشِّدَّةِ وَأَخَوَاتِهَا صِفَةً لِلتَّطْلِيقَةِ. لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ قَوِيَّةً أَوْ شَدِيدَةً أَوْ طَوِيلَةً أَوْ عَرِيضَةً وَلَمْ يَذْكُرْ التَّطْلِيقَةَ كَانَ رَجْعِيًّا لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ صِفَةً لِلطَّلَاقِ وَيَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ صِفَةً لِلْمَرْأَةِ كَمَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ: طَوِيلَةً أَوْ عَرِيضَةً لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ طُولَ كَذَا وَعَرْضَ كَذَا فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ وَلَا تَكُونُ ثَلَاثًا، وَإِنْ نَوَاهَا لِأَنَّ الطُّولَ، وَالْعَرْضَ يَدُلَّانِ عَلَى الْقُوَّةِ لَكِنَّهُمَا يَكُونَانِ لِلشَّيْءِ الْوَاحِدِ وَكَأَنَّهُ قَالَ طَالِقٌ وَاحِدَةٌ طُولُهَا كَذَا وَعَرْضُهَا كَذَا فَلَمْ تَصِحَّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ كَذَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ وَلِذَا صَرَّحَ بَعْضُهُمْ فِي شَرْحِهِ بِأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهَا لَا تَقَعُ الثَّلَاثُ فِي طَوِيلَةٍ أَوْ عَرِيضَةٍ، وَإِنْ نَوَاهَا وَنَسَبَهُ إلَى شَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَرُجِّحَ بِأَنَّ النِّيَّةَ إنَّمَا تَعْمَلُ فِي الْمُحْتَمَلِ وَتَطْلِيقَةُ بِتَاءِ الْوَاحِدَةِ لَا يَحْتَمِلُ الثَّلَاثَ وَقَيَّدَ بِمَا ذَكَرَ مِنْ الْأَوْصَافِ لِأَنَّهُ لَوْ وَصَفَهُ بِمَا لَا يُوصَفُ بِهِ يَلْغُو الْوَصْفُ وَيَقَعُ رَجْعِيًّا نَحْوُ طَلَاقًا لَا يَقَعُ عَلَيْك أَوْ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ، وَإِنْ كَانَ يُوصَفُ بِهِ وَلَا يُنْبِئُ عَلَى زِيَادَةٍ فِي أَثَرِهِ كَقَوْلِهِ أَحْسَنَ الطَّلَاقِ أَسَنَّهُ أَجْمَلَهُ أَعْدَلَهُ أَخْيَرَهُ أَكْمَلَهُ أَفْضَلَهُ أَتَمَّهُ فَيَقَعُ رَجْعِيًّا وَتَكُونُ طَالِقًا لِلسُّنَّةِ فِي وَقْتِهَا، وَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا فَهِيَ ثَلَاثٌ لِلسُّنَّةِ كَذَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَنَّهَا تَكُونُ رَجْعِيَّةً فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ الْحَالَةُ حَالَةَ حَيْضٍ أَوْ طُهْرٍ وَذَكَرَ مَا جَزَمَ بِهِ الْحَاكِمُ رِوَايَةً عَنْ أَبِي يُوسُفَ فَصَارَ الْحَاصِلُ أَنَّ الْوَصْفَ بِمَا يُنْبِئُ عَنْ الزِّيَادَةِ يُوجِبُ الْبَيْنُونَةَ وَأَمَّا التَّشْبِيهُ فَكَذَلِكَ أَيُّ شَيْءِ كَانَ الْمُشَبَّهُ بِهِ كَرَأْسِ إبْرَةٍ وَكَحَبَّةِ خَرْدَلٍ وَكَسَمْسَمَةٍ لِاقْتِضَاءِ التَّشْبِيهِ الزِّيَادَةَ. وَاشْتَرَطَ أَبُو يُوسُفَ ذِكْرَ الْعِظَمِ مُطْلَقًا وَزُفَرُ أَنْ يَكُونَ عَظِيمًا عِنْدَ النَّاسِ فَرَأْسُ الْإِبْرَةِ بَائِنٌ عِنْدَ الْإِمَامِ فَقَطْ وَكَالْجَبَلِ عِنْدَهُ وَعِنْدَ زُفَرَ فَقَطْ وَكَعَظِيمَةٍ بَائِنٌ عِنْدَ الْكُلِّ وَكَعِظَمِ الْإِبْرَةِ إلَّا عِنْدَ زُفَرَ وَمُحَمَّدٍ قِيلَ مَعَ الْأَوَّلِ وَقِيلَ مَعَ الثَّانِي، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ أَنْت طَالِقٌ كَالثَّلْجِ إنْ أَرَادَ فِي الْبُرُودَةِ فَبَائِنٌ، وَإِنْ أَرَادَ فِي الْبَيَاضِ فَرَجْعِيٌّ، وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ عَدَدًا تَقَعُ ثِنْتَانِ وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ حَتَّى تَسْتَكْمِلَ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ فَهِيَ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ، وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ كَذَا كَذَا يَقَعُ الثَّلَاثُ لِأَنَّ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ تَقَعُ عَلَى أَحَدَ عَشَرَ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ أَحَدَ عَشَرَ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ وَبَائِنٌ أَوْ فَبَائِنُ فَوَاحِدَةً بَائِنَةً، وَلَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ وَشَيْءٌ وَلَا نِيَّةَ لَهُ طَلُقَتْ ثِنْتَيْنِ، وَإِنْ نَوَى بِشَيْءٍ ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ كَثِيرًا ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ يَقَعُ الثَّلَاثَ لِأَنَّ الْكَثِيرَ هُوَ الثَّلَاثُ وَذَكَرَ أَبُو اللَّيْثِ فِي الْفَتَاوَى يَقَعُ ثِنْتَانِ، وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ أَكْثَرَ الطَّلَاقِ فَهِيَ ثَلَاثٌ وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ كَبِيرَ الطَّلَاقِ فَهِيَ ثِنْتَانِ وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ لَا قَلِيلَ وَلَا كَثِيرَ وَقَعَ ثَلَاثٌ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: فَهِيَ وَاحِدَةٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) أَيْ رَجْعِيَّةٌ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَقَالَ وَاخْتَارَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ لِأَنَّ التَّشْبِيهَ بِالْعَدَدِ فِيمَا لَا عَدَدَ لَهُ لَغْوٌ وَلَا عَدَدَ لِلتُّرَابِ. (قَوْلُهُ: وَثَلَاثٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ) قَالَ فِي الْفَتْحِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِالْعَدَدِ إذَا ذَكَرَ الْكَثْرَةَ، وَفِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَاحِدَةً بَائِنَةً لِأَنَّ التَّشْبِيهَ يَقْتَضِي ضَرْبًا مِنْ الزِّيَادَةِ كَمَا مَرَّ وَلَوْ قَالَ مِثْلَ التُّرَابِ يَقَعُ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً عِنْدَ مُحَمَّدٍ اهـ. وَفِي النَّهْرِ إنَّمَا كَانَ التُّرَابُ غَيْرَ مَعْدُودٍ لِأَنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ إفْرَادِيٍّ بِخِلَافِ الرَّمْلِ فَإِنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ جَمْعِيٍّ لَا يَصْدُقُ عَلَى أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ قَالَ فِي الصِّحَاحِ: الرَّمْلُ وَاحِدُ الرِّمَالِ، وَالرَّمْلَةُ أَخَصُّ مِنْهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلِذَا صَرَّحَ بَعْضُهُمْ فِي شَرْحِهِ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ الْعَتَّابِيُّ لِقَوْلِهِ فِي الْفَتْحِ وَقَالَ الْعَتَّابِيُّ الصَّحِيحُ. . . إلَخْ وَذَكَرَ أَيْضًا شَدِيدَةً قَبْلَ قَوْلِهِ طَوِيلَةً وَهَكَذَا فِي النَّهْرِ وَكَأَنَّهَا سَقَطَتْ هُنَا مِنْ قَلَمِ النَّاسِخِ الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ: وَرَجَّحَ بِأَنَّ النِّيَّةَ. . . إلَخْ) الْمُرَجِّحُ هُوَ الْأَتْقَانِيُّ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَأَقَرَّهُ فِي الْفَتْحِ وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُمْ عَلَّلُوا صِحَّةَ نِيَّةِ الثَّلَاثِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ كُلِّهَا بِأَنَّهُ وَصْفُ الطَّلَاقِ بِالْبَيْنُونَةِ وَهِيَ خَفِيفَةٌ وَغَلِيظَةٌ، وَالْغَلِيظَةُ هِيَ الثَّلَاثُ وَتَاءُ الْوَحْدَةِ لَا تُنَافِي صِحَّةَ إرَادَةِ الْبَيْنُونَةِ الْغَلِيظَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهَا الْعَدَدَ الْمَحْضَ لِأَنَّ الْبَيْنُونَةَ لَفْظٌ مُفْرَدٌ تَصِحُّ إرَادَتُهُ بِمَا وُضِعَ لِلْمُفْرَدِ وَهَذَا الْمُفْرَدُ يُطْلَقُ عَلَى نَوْعَيْنِ أَحَدُهُمَا مَا يَمْلِكُ بَعْدَهُ الرَّجْعَةَ، وَالْآخَرُ مَا لَا يَمْلِكُهَا إلَّا بِزَوْجٍ آخَرَ عَلَى أَنَّ الثَّلَاثَ أَيْضًا فَرْدٌ اعْتِبَارِيٌّ فَلَا يُنَافِي تَاءَ الْوَحْدَةِ وَلِذَا لَمْ تَصِحَّ نِيَّةُ الثِّنْتَيْنِ لِأَنَّهُمَا عَدَدٌ مَحْضٌ (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ لَا قَلِيلَ وَلَا كَثِيرَ يَقَعُ ثَلَاثٌ) قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ هُوَ الْمُخْتَارُ لِأَنَّ الْقَلِيلَ وَاحِدَةٌ، وَالْكَثِيرَ ثَلَاثٌ، وَإِذَا قَالَ أَوَّلًا لَا قَلِيلَ قَصَدَ الثَّلَاثَ ثُمَّ لَا يَعْمَلُ قَوْلُهُ: وَلَا كَثِيرَ بَعْدَ ذَلِكَ اهـ. وَهُوَ اخْتِيَارٌ لِمَا مَرَّ عَنْ الْأَصْلِ مِنْ أَنَّ الْكَثِيرَ ثَلَاثٌ لَكِنْ قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: أَنْتِ طَالِقٌ لَا قَلِيلَ وَلَا كَثِيرَ يَقَع الثَّلَاثَ فِي الْمُخْتَارِ وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ ثِنْتَانِ فِي الْأَشْبَهِ اهـ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 312 وَلَوْ قَالَ لَا كَثِيرَ وَلَا قَلِيلَ يَقَعُ وَاحِدَةً وَعَلَى قِيَاسِ مَا قَالَهُ أَبُو اللَّيْثِ إذَا قَالَ أَنْت طَالِقٌ كَثِيرًا يَقَعُ ثِنْتَانِ يَنْبَغِي إذَا قَالَ لَا قَلِيلَ وَلَا كَثِيرَ يَقَعُ ثِنْتَانِ اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: مِنْ فَصْلِ الِاسْتِثْنَاءِ الْأَصْلُ أَنَّ الْمُسْتَثْنَى إذَا وُصِفَ بِمَا يَلِيقُ بِالْمُسْتَثْنَى بِجَعْلِ صِفَةٍ لِلْمُسْتَثْنَى وَيَبْطُلُ بِبُطْلَانِ الْمُسْتَثْنَى، وَإِنْ كَانَتْ تَلِيقُ بِالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ لَا غَيْرُ قِيلَ يُجْعَلُ وَصْفًا لَهُ حَتَّى يَثْبُتَ بِثُبُوتِهِ تَصْحِيحًا لَهُ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ وَقِيلَ يُجْعَلُ وَصْفًا لِلْكُلِّ تَحْقِيقًا لِلْمُجَانَسَةِ بَيْنَ الْمُسْتَثْنَى، وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ ظَاهِرًا. وَإِنْ ذَكَرَ وَصْفًا يَلِيقُ بِهِمَا قِيلَ يُجْعَلُ وَصْفًا لِلْكُلِّ تَحْقِيقًا لِلْمُجَانَسَةِ وَقِيلَ يُجْعَلُ وَصْفًا لِلْمُسْتَثْنَى مِنْهُ لَا غَيْرُ لِأَنَّهُ لَوْ جَعَلَهُ وَصْفًا لِلْمُسْتَثْنَى بَطَلَ هَذَا إذَا ذَكَرَ وَصْفًا زَائِدًا، وَإِنْ ذَكَرَ وَصْفًا أَصْلِيًّا لَا يُعْتَبَرُ أَصْلًا وَيُجْعَلُ ذِكْرُهُ وَعَدَمُ ذِكْرِهِ سَوَاءً، بَيَانُهُ أَنْت طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ إلَّا وَاحِدَةً بَائِنَةً أَوْ إلَّا وَاحِدًا بَائِنًا تَطْلُقُ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً لِأَنَّهَا لَا تَصْلُحُ صِفَةً لِلْمُسْتَثْنَى مِنْهُ لَا يُقَالُ طَلْقَتَانِ بَائِنٌ وَصَلَحَ صِفَةً لِلْمُسْتَثْنَى فَبَطَلَ بِبُطْلَانِهِ وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ أَلْبَتَّةَ إلَّا وَاحِدَةً تَقَعُ وَاحِدَةً بَائِنَةً لِصَلَاحِيَةِ الْوَصْفِ لِلْمُسْتَثْنَى مِنْهُ يُقَالُ تَطْلِيقَتَيْنِ أَلْبَتَّةَ فَجُعِلَ صِفَةً لَهُ وَاسْتَثْنَى وَاحِدَةً مِنْهُمَا فَتَقَعُ وَاحِدَةً بَائِنَةً وَكَذَا أَنْت طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ إلَّا وَاحِدَةً أَلْبَتَّةَ تَقَعُ وَاحِدَةً بَائِنَةً لِأَنَّ أَلْبَتَّةَ لَا تَصْلُحُ صِفَةً لِلْمُسْتَثْنَى لِعَدَمِ وُقُوعِهِ وَتَصْلُحُ صِفَةً لِلْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فَتُجْعَلُ صِفَةً لِلْكُلِّ أَوْ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ كَأَنَّهُ قَالَ ثِنْتَيْنِ أَلْبَتَّةَ إلَّا وَاحِدَةً وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا أَلْبَتَّةَ إلَّا وَاحِدَةً أَوْ أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا بَائِنَةً إلَّا وَاحِدَةَ تَقَعُ رَجْعِيَّتَانِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا وَصْفٌ أَصْلِيٌّ لِلثَّلَاثِ لَا يُوجَدُ بِدُونِهِمَا فَلَا يُفِيدُ إلَّا مَا أَفَادَ الثَّلَاثَ فَلَا يُعْتَبَرُ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً اهـ. وَفِيهَا أَيْضًا أَنْتِ طَالِقٌ تَمَامَ الثَّلَاثِ أَوْ ثَالِثَ ثَلَاثَةٍ فَثَلَاثٌ وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ غَيْرَ ثِنْتَيْنِ فَثَلَاثٌ وَلَوْ قَالَ غَيْرَ وَاحِدَةٍ فَثِنْتَيْنِ، وَفِيهَا أَيْضًا أَنْتِ طَالِقٌ وَسَكَتَ ثُمَّ قَالَ ثَلَاثًا إنْ لِانْقِطَاعِ النَّفَسِ فَثَلَاثٌ وَإِلَّا فَوَاحِدَةٌ أَنْتِ طَالِقٌ فَقِيلَ لَهُ بَعْدَمَا سَكَتَ كَمْ قَالَ ثَلَاثٌ وَقَعَ قَالَ الصَّدْرُ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ فَإِنَّ مَوْقِعَ الْوَاحِدَةِ لَوْ ثَلَّثَهُ بَعْدَ زَمَانٍ صَحَّ أَنْتِ طَالِقٌ عَشْرًا إنْ دَخَلْت الدَّارَ تَقَعُ ثَلَاثٌ إذَا وُجِدَ الشَّرْطُ، وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ إذَا دَخَلْت الدَّارَ عَشْرًا لَا تَطْلُقُ وَاحِدَةً حَتَّى تَدْخُلَ الدَّارَ عَشْرًا أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ كُلِّ تَطْلِيقَةٍ فَثَلَاثٌ فِي سَاعَةِ الْحَلِفِ اهـ. وَفِي الذَّخِيرَةِ أَنْت طَالِقٌ لَوْنَيْنِ مِنْ الطَّلَاقِ فَهُمَا تَطْلِيقَتَانِ رَجْعِيَّتَانِ وَلَوْ قَالَ ثَلَاثَةَ أَلْوَانٍ فَهِيَ ثَلَاثَةٌ وَكَذَا إذَا قَالَ أَلْوَانًا مِنْ الطَّلَاقِ فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَإِنْ قَالَ نَوَيْت أَلْوَانَ الْحُمْرَةِ، وَالصُّفْرَةِ فَلَهُ نِيَّتُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى أَنْتِ طَالِقٌ عَامَّةَ الطَّلَاقِ أَوْ جُلَّهُ فَهُمَا ثِنْتَانِ وَلَوْ قَالَ أَكْثَرَهُ فَهِيَ ثَلَاثٌ وَلَوْ قَالَ كُلَّ الطَّلَاقِ فَوَاحِدَةٌ وَلَوْ قَالَ أَكْثَرَ الثَّلَاثِ فَثِنْتَانِ وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ الطَّلَاقَ كُلَّهُ فَهِيَ ثَلَاثٌ وَكَذَا إذَا قَالَ كُلَّ طَلْقَةٍ وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ وَأُخْرَى فَهِيَ وَاحِدَةٌ وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ وَاحِدَةً وَأُخْرَى فَهِيَ ثِنْتَانِ. وَفِي الْجَوْهَرَةِ: لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ مِرَارًا تَطْلُقُ ثَلَاثًا إنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا كَذَا فِي النِّهَايَةِ ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ عَلَى أَنَّهُ لَا رَجْعَةَ لِي عَلَيْك يَلْغُو وَيَمْلِكُ الرَّجْعَةَ وَقِيلَ تَقَعُ وَاحِدَةً بَائِنَةً، وَإِنْ نَوَى الثَّلَاثَ فَثَلَاثٌ اهـ. وَظَاهِرُ مَا فِي الْهِدَايَةِ أَنَّ الْمَذْهَبَ الثَّانِي فَإِنَّهُ قَالَ وَإِذَا وَصَفَ الطَّلَاقَ بِضَرْبٍ مِنْ الشِّدَّةِ، وَالزِّيَادَةِ كَانَ بَائِنًا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَقَعُ رَجْعِيًّا إذَا كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ لِأَنَّ وَصْفَهُ بِالْبَيْنُونَةِ خِلَافُ الْمَشْرُوعِ فَيَلْغُو كَمَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَنْ لَا رَجْعَةَ لِي عَلَيْك وَلَنَا أَنَّهُ وَصَفَهُ بِمَا يَحْتَمِلُهُ إلَى أَنْ قَالَ وَمَسْأَلَةُ الرَّجْعَةِ مَمْنُوعَةٌ اهـ. فَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ قَوْلُهُ: وَمَسْأَلَةُ الرَّجْعَةِ مَمْنُوعَةٌ أَيْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ   [منحة الخالق] وَذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ الْأَوَّلُ مَا حُكِيَ عَنْ ابْنِ الْفَضْلِ وَأَبِي بَكْرٍ الْبَلْخِيّ أَنَّهُ يَقَعُ وَاحِدَةً لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يُوصَفُ بِالْقِلَّةِ فَلَغَا ذِكْرُ الْقِلَّةِ، وَالْكَثْرَةِ، وَالثَّانِي مَا اخْتَارَهُ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ أَنَّهُ يَقَعُ الثَّلَاثُ وَعَلَّلَهُ بِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْجَوْهَرَةِ ثُمَّ قَالَ وَحُكِيَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيُّ أَنَّهُ يَقَعُ ثِنْتَانِ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ لَا قَلِيلَ فَقَدْ قَصَدَ إيقَاعَ الثِّنْتَيْنِ لِأَنَّ الثِّنْتَيْنِ كَثِيرٌ فَلَا يَعْمَلُ قَوْلُهُ: وَلَا كَثِيرَ بَعْدَ ذَلِكَ وَهَذَا الْقَوْلُ أَقْرَبُ إلَى الصَّوَابِ اهـ. وَهَذَا كَمَا تَرَى مَبْنِيٌّ عَلَى مَا قَالَهُ أَبُو اللَّيْثِ مِنْ أَنَّ الْكَثِيرَ ثِنْتَانِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ لَا كَثِيرَ وَلَا قَلِيلَ تَقَعُ وَاحِدَةً) أَيْ بِقَوْلِهِ طَالِقٌ وَيَلْغُو قَوْلُهُ: لَا كَثِيرَ وَلَا قَلِيلَ وَإِلَّا فَلَوْ قِيلَ كَمَا مَرَّ إنَّهُ قَصَدَ بِقَوْلِهِ لَا كَثِيرَ الْقَلِيلَ لَمْ يَخْتَصَّ بِالْوَاحِدَةِ لِأَنَّ الْكَلَامَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْكَثِيرَ ثَلَاثٌ فَغَيْرُهُ يَصْدُقُ بِالْوَاحِدَةِ وَالثِّنْتَيْنِ تَأَمَّلْ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ لَمَّا قَالَ لَا كَثِيرَ أَثْبَتَ الْقَلِيلَ وَهُوَ الْوَاحِدَةُ بِنَاءً عَلَى إلْغَاءِ الْوَسَطِ فَلَمَّا قَالَ وَلَا قَلِيلَ أَرَادَ نَفْيَ مَا أَوْقَعَهُ فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ كُلَّ الطَّلَاقِ فَوَاحِدَةً) كَذَا رَأَيْته فِي الذَّخِيرَةِ لَكِنْ ذَكَرَ فِي مُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ أَنَّهُ يَقَعُ ثَلَاثٌ قُلْت وَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ لِأَنَّ الطَّلَاقَ مَصْدَرٌ يَحْتَمِلُ الثَّلَاثَ عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كُلِّ الطَّلَاقِ وَبَيْنَ الطَّلَاقِ كُلِّهِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَنَّهُ لَا رَجْعَةَ لِي عَلَيْك. . إلَخْ) تَقَدَّمَ فِي بَابِ الطَّلَاقِ عِنْدَ قَوْلِهِ، وَتَقَعُ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً مَا نَصُّهُ: " وَفِي الصَّيْرَفِيَّةِ لَوْ قَالَ لَهَا أَنْت طَالِقٌ وَلَا رَجْعَةَ لِي عَلَيْك فَرَجْعِيَّةٌ وَلَوْ قَالَ عَلَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 313 لَا يَقَعُ بَائِنًا بَلْ تَقَعُ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ وَلَئِنْ سُلِّمَ فَالْفَرْقُ أَنَّ فِي قَوْلِهِ أَنْ لَا رَجْعَةَ تَصْرِيحٌ بِنَفْيِ الْمَشْرُوعِ، وَفِي مَسْأَلَتِنَا وَصَفَهُ بِالْبَيْنُونَةِ وَلَمْ يَنْفِ الرَّجْعَةَ صَرِيحًا لَكِنْ يَلْزَمُ مِنْهَا نَفْيُ الرَّجْعَةِ ضِمْنًا وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَثْبُتُ ضِمْنًا، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ قَصْدًا كَذَا أَفَادَ شَيْخُ شَيْخِي الْعَلَّامَةُ اهـ. وَهَكَذَا شَرَحَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ، وَالتَّبْيِينِ فَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمَذْهَبَ وُقُوعُ الْبَائِنِ، وَقَدْ تَمَسَّكَ بِهِ بَعْضُ مَنْ لَا خِبْرَةَ لَهُ وَلَا دِرَايَةَ بِالْمَذْهَبِ عَلَى أَنَّ قَوْلَ الْمُوَثِّقِينَ فِي التَّعَالِيقِ تَكُونُ طَالِقًا طَلْقَةً تَمْلِكُ بِهَا نَفْسَهَا لَا يُوجِبُ الْبَيْنُونَةَ وَأَجَابَ بِذَلِكَ عَلَى الْفَتْوَى مُسْتَدِلًّا بِأَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَنْ لَا رَجْعَةَ كَانَ رَجْعِيًّا وَهُوَ خَطَأٌ مِنْ وَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ أَنَّ مَسْأَلَةَ الرَّجْعَةِ مَمْنُوعَةٌ كَمَا عَلِمْته الثَّانِي أَنَّهُ لَمْ يَنْفِ الرَّجْعَةَ صَرِيحًا وَإِنَّمَا نَفَاهَا ضِمْنًا فَهُوَ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ بَائِنٌ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ إذَا وَصَفَ الطَّلَاقَ بِصِفَةٍ تَدُلُّ عَلَى الْبَيْنُونَةِ كَانَ بَائِنًا وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَلَا تَمْلِكُ نَفْسَهَا إلَّا بِالْبَائِنِ وَقَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَيْسَ فِي الرَّجْعِيِّ مِلْكُهَا نَفْسَهَا، وَقَدْ أَوْسَعْت الْكَلَامَ فِيهَا فِي رِسَالَةٍ أَلَّفْتهَا حِينَ وَقَعَتْ الْحَادِثَةُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (فَصْلٌ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ) أَخَّرَهُ لِأَنَّ الطَّلَاقَ بَعْدَ الدُّخُولِ أَصْلٌ لَهُ لِكَوْنِهِ بَعْدَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ وَقَبْلَهُ بِالْعَوَارِضِ وَلِذَا قِيلَ بِأَنَّهُ لَا يَقَعُ وَقَدَّمْنَا عَنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَنَّهُ لَوْ قَضَى بِهِ قَاضٍ لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ (قَوْلُهُ: طَلَّقَ غَيْرَ الْمَدْخُولِ بِهَا ثَلَاثًا وَقَعْنَ) سَوَاءٌ قَالَ أَوْقَعْت عَلَيْك ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَلَا خِلَافَ فِي الْأَوَّلِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِي الثَّانِي خِلَافٌ قِيلَ يَقَعُ وَاحِدَةً، وَالْجُمْهُورُ عَلَى خِلَافِهِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَقَالَ بَلَغَنَا ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَلِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْوَاقِعَ عِنْدَ ذِكْرِ الْعَدَدِ مَصْدَرٌ مَوْصُوفٌ بِالْعَدَدِ أَيْ تَطْلِيقًا ثَلَاثًا فَتَصِيرُ الصِّيغَةُ الْمَوْضُوعَةُ لِإِنْشَاءِ الطَّلَاقِ مُتَوَقَّعًا حُكْمُهَا عِنْدَ ذِكْرِ الْعَدَدِ عَلَيْهِ، وَفِي الْمُحِيطِ: لَوْ قَالَ لِنِسَائِهِ أَنْت طَالِقٌ وَهَذِهِ وَهَذِهِ ثَلَاثًا طَلُقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ ثَلَاثًا لِأَنَّ الْعَدَدَ الْمَذْكُورَ آخِرًا يَصِيرُ مُلْحَقًا بِالْإِيقَاعِ أَوَّلًا كَيْ لَا يَلْغُوَ وَلَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ وَاحِدَةً وَهَذِهِ وَهَذِهِ ثَلَاثًا طَلُقَتْ الْأُولَى، وَالثَّانِيَةُ وَاحِدَةً، وَالثَّالِثَةُ ثَلَاثًا لِأَنَّ الثَّانِيَةَ تَابِعَةٌ لِلسَّابِقَةِ، وَالثَّالِثَةُ مُفْرَدَةٌ بِعَدَدٍ عَلَى حِدَةٍ وَلَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ وَأَنْتِ طَالِقٌ وَهَذِهِ ثَلَاثًا طَلُقَتْ الْأُولَى وَاحِدَةً، وَالثَّانِيَةُ، وَالثَّالِثَةُ ثَلَاثًا ثَلَاثًا لِأَنَّ الْعَدَدَ صَارَ مُلْحَقًا بِالْإِيقَاعِ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ فَصْلِ الِاسْتِثْنَاءِ لَوْ قَالَ لِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا: أَنْت طَالِقٌ يَا زَانِيَةُ ثَلَاثًا قَالَ الْإِمَامُ لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَلَا لِعَانَ لِأَنَّ الثَّلَاثَ وَقَعْنَ عَلَيْهَا وَهِيَ زَوْجَتُهُ ثُمَّ بَانَتْ بَعْدَهُ وَأَنَّهُ كَلَامٌ وَاحِدٌ يَتْبَعُ أَوَّلُهُ آخِرَهُ، وَالْمَرْأَةُ طَالِقٌ ثَلَاثًا، وَقَالَ الثَّانِي يَقَعُ وَاحِدَةً وَعَلَيْهِ الْحَدُّ لِأَنَّ الْقَذْفَ فَصَلَ بَيْنَ الطَّلَاقِ، وَالثَّلَاثِ وَتَمَامُهُ فِيهَا وَحَاصِلُهُ: أَنَّ يَا زَانِيَةُ لَا يَفْصِلُ بَيْنَ الطَّلَاقِ، وَالْعَدَدِ وَلَا بَيْنَ الْجَزَاءِ، وَالشَّرْطِ فَإِذَا قَالَ: أَنْت طَالِقٌ يَا زَانِيَةُ إنْ دَخَلْت الدَّارَ تَعَلَّقَ بِالدُّخُولِ   [منحة الخالق] أَنْ لَا رَجْعَةَ لِي عَلَيْك فَبَائِنٌ. (قَوْلُهُ: وَقَدْ أَوْسَعْت الْكَلَامَ فِيهَا فِي رِسَالَةِ. . . إلَخْ) أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ الْمُؤَلَّفِ فِيهَا الرِّسَالَةُ هِيَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِزَوْجَتِهِ مَتَى ظَهَرَ لِي امْرَأَةٌ غَيْرُك أَوْ أَبْرَأْتِينِي مِنْ مَهْرِك فَأَنْت طَالِقٌ وَاحِدَةً تَمْلِكِينَ بِهَا نَفْسَك ثُمَّ ظَهَرَ لَهُ امْرَأَةٌ غَيْرُهَا وَأَبْرَأَتْهُ مِنْ مَهْرِهَا، وَقَدْ أَجَابَ الْمُؤَلِّفُ فِيهَا بِأَنَّهُ بَائِنٌ وَرَدَّ فِيهَا عَلَى مَنْ أَفْتَى بِأَنَّهُ رَجْعِيٌّ لَكِنْ قَالَ فِي الْمِنَحِ وَرُبَّمَا يَشْهَدُ بِصِحَّةِ مَا أَفْتَى بِهِ الْبَعْضُ مِنْ وُقُوعِ الرَّجْعِيِّ مَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْبَزَّازِيَّةِ مِنْ قَوْلِهِ إذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ إنْ طَلَّقْتُك تَطْلِيقَةً فَهِيَ بَائِنٌ ثُمَّ طَلَّقَهَا يَقَعُ رَجْعِيًّا، قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ لِأَنَّ الْوَصْفَ لَا يَسْبِقُ الْمَوْصُوفَ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ أَيْضًا قَالَ لَهَا: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَكَذَا ثُمَّ قَبْلَ دُخُولِهَا الدَّارَ قَالَ جَعَلْته بَائِنًا أَوْ ثَلَاثًا لَا يَصِحُّ لِعَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا اهـ. وَتَبِعَهُ الشَّيْخُ عَلَاءُ الدِّينِ الْحَصْكَفِيُّ وَقَالَ الرَّمْلِيُّ فِي حَوَاشِي الْمِنَحِ أَقُولُ: هَذَا بَحْثُ الشَّيْخِ هُنَا، وَفِي مُصَنَّفِهِ الْمُسَمَّى بِمَعِينِ الْمُفْتِي عَلَى جَوَابِ الْمُسْتَفْتِي وَسَيَذْكُرُهُ قَرِيبًا أَيْضًا مَعَ أَنَّ الْمُعَلَّقَ فِي مَسْأَلَةِ التَّعَالِيقُ الطَّلَاقُ الْمَوْصُوفُ بِالْبَيْنُونَةِ، وَفِي مَسْأَلَةِ الْخُلَاصَةِ، وَالْبَزَّازِيَّةِ الْمُعَلَّقُ وَصْفُ الْبَيْنُونَةِ فَقَطْ، وَالْمَوْصُوفُ لَمْ يُوجَدْ بَعْدُ فَهُوَ فِي مَسْأَلَةِ التَّعَالِيقِ كَأَنَّهُ قَالَ: إنْ تَزَوَّجْت عَلَيْك فَأَنْتِ طَالِقٌ بَائِنًا وَلَا قَائِلَ بِمَنْعِهِ تَأَمَّلْ اهـ. وَهُوَ ظَاهِرٌ. [فَصْلٌ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ] (قَوْلُهُ: قَالَ الْإِمَامُ لَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ لِأَنَّ الثَّلَاثَ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا حَدَّ هُنَا لِأَنَّ الْقَذْفَ وَقَعَ عَلَيْهَا وَهِيَ زَوْجَتُهُ وَقَذْفُ الزَّوْجَةِ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ وَلَا لِعَانَ لِأَنَّ اللِّعَانَ أَثَرُهُ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا وَهُوَ لَا يَتَأَتَّى بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ لِحُصُولِهِ بِالْإِبَانَةِ وَهُوَ لَا يَصِحُّ بِدُونِ حُكْمِهِ. (قَوْلُهُ: تَعَلَّقَ بِالدُّخُولِ) الضَّمِيرُ فِيهِ يَعُودُ إلَى كُلٍّ مِنْ قَوْلِهِ: يَا زَانِيَةُ وَقَوْلُهُ: أَنْتِ طَالِقٌ قَالَ الْفَارِسِيُّ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ فِي بَابِ الِاسْتِثْنَاءِ يَكُونُ عَلَى الْجَمِيعِ أَوْ الْبَعْضِ اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَ الرَّجُلِ لِامْرَأَتِهِ يَا زَانِيَةُ إنْ تَخَلَّلَ بَيْنَ الشَّرْطِ، وَالْجَزَاءِ بِأَنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 314 وَلَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ وَلَوْ قَالَ: أَنْت يَا زَانِيَةُ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ عَلَيْهِ اللِّعَانُ وَتَعَلَّقَ الطَّلَاقُ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ فَرَّقَ بَانَتْ بِوَاحِدَةٍ) أَيْ وَإِنْ فَرَّقَ الطَّلَاقَ بِغَيْرِ حَرْفِ الْعَطْفِ وَيُمْكِنُ جَمْعُهُ بِعِبَارَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنَّهَا تَبِينُ بِالْأُولَى لَا إلَى عِدَّةٍ فَلَا يَقَعُ مَا بَعْدَهُ إذْ لَيْسَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ مَا يُغَيِّرُ أَوَّلَهُ لِيَتَوَقَّفَ عَلَيْهِ نَحْوُ أَنْتِ طَالِقٌ طَالِقٌ طَالِقٌ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ قَيَّدْنَا بِكَوْنِهِ بِغَيْرِ حَرْفِ الْعَطْفِ لِأَنَّهُ لَوْ فَرَّقَهُ بِحَرْفِ الْعَطْفِ فَسَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ قَرِيبًا فَإِدْخَالُهُ هُنَا فِي كَلَامِهِ كَمَا فَعَلَ الشَّارِحُ مِمَّا لَا يَنْبَغِي وَقَيَّدْنَا بِكَوْنِهِ يُمْكِنُ جَمْعُهُ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ أَحَدَ عَشَرَ وَقَعَ الثَّلَاثُ إذْ لَا يُمْكِنُ جَمْعُ الْجُزْأَيْنِ بِعِبَارَةٍ وَاحِدَةٍ أَخْصَرُ مِنْهَا عِنْدَ قَصْدِهِ هَذَا الْعَدَدَ الْمَخْصُوصَ مِنْ حَيْثُ اللُّغَةُ، وَإِنْ كَانَ الشَّارِعُ لَا يَعْتَبِرُ مَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ وَقَيَّدَ بِغَيْرِ الْمَدْخُولِ لِأَنَّ الْمَدْخُولَةَ يَقَعُ عَلَيْهَا الْكُلُّ وَلَا يُصَدَّقُ قَضَاءً أَنَّهُ عَنَى الْأَوَّلَ فَإِنْ قَالَ لَهُ غَيْرُهُ مَاذَا فَعَلْت فَقَالَ: طَلَّقْتهَا أَوْ قَدْ قُلْت هِيَ طَالِقٌ يُصَدَّقُ أَنَّهُ عَنَى الْأَوَّلَ مِنْهُ لِأَنَّهُ صَارَ جَوَابًا لِلسُّؤَالِ، وَالسُّؤَالُ وَقَعَ عَنْ الْأَوَّلِ فَانْصَرَفَ الْجَوَابُ إلَيْهِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَدَخَلَ تَحْتَ قَوْلِهِ، وَإِنْ فَرَّقَ مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا مُتَفَرِّقَاتٍ فَوَاحِدَةً، وَمَا لَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ مَعَ طَلَاقِي إيَّاكِ فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً فَإِنَّهُ يَقَعُ وَاحِدَةً وَلَوْ قَالَتْ: طَلِّقْنِي طَلِّقْنِي طَلِّقْنِي فَقَالَ: طَلُقْت فَوَاحِدَةً إنْ لَمْ يَنْوِ الثَّلَاثَ وَلَوْ قَالَتْ بِحَرْفِ الْعَطْفِ طَلُقَتْ ثَلَاثًا اهـ. وَلَا يَدْخُلُ تَحْتَهُ مَا لَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ وَاحِدَةً تَقَدَّمَهَا ثِنْتَانِ فَإِنَّهُ يَقَعُ الثَّلَاثُ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ أَيْضًا، وَفِيهَا لَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ فَالْبَيَانُ إلَيْهِ لِأَنَّ الْإِبْهَامَ جَاءَ مِنْ جِهَتِهِ وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ لِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا وَقَعَتْ وَاحِدَةً وَلَا يُخَيَّرُ الزَّوْجُ اهـ. وَفِي الذَّخِيرَةِ رَجُلٌ لَهُ امْرَأَتَانِ لَمْ يَدْخُلْ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فَقَالَ: امْرَأَتِي طَالِقٌ امْرَأَتِي طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ: أَرَدْت وَاحِدَةً مِنْهُمَا لَا أُصَدِّقُهُ وَأُبِينُهُمَا مِنْهُ، وَلَوْ كَانَ دَخَلَ بِهِمَا فَلَهُ أَنْ يُوقِعَ الطَّلَاقَ عَلَى إحْدَاهُمَا اهـ. وَوَجْهُهُ أَنَّ تَفْرِيقَ الطَّلَاقِ عَلَى غَيْرِ الْمَدْخُولَةِ غَيْرُ صَحِيحٍ وَعَلَى الْمَدْخُولَةِ صَحِيحٌ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ مَاتَتْ بَعْدَ الْإِيقَاعِ قَبْلَ الْعَدَدِ لَغَا) أَيْ لَوْ مَاتَتْ الْمَرْأَةُ مَدْخُولَةً أَوْ غَيْرَ مَدْخُولَةٍ بَعْدَ الصِّيغَةِ قَبْلَ تَمَامِ الْعَدَدِ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّ الْوَاقِعَ عِنْدَ ذِكْرِهِ بِهِ وَعِنْدَ عَدَمِهِ الْوُقُوعُ بِالصِّيغَةِ فَلَا حَاجَةَ أَنْ يُجْعَلَ الْعَدَدُ ثَابِتًا بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاءِ عِنْدَ عَدَمِ ذِكْرِهِ وَقَدَّمْنَا الدَّلِيلَ عَلَى أَنَّ الْوُقُوعَ بِالْعَدَدِ عِنْدَ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً أَوْ لَا وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْوُقُوعَ بِالْمَصْدَرِ، وَالْوَصْفِ عِنْدَ ذِكْرِهِمَا أَيْضًا وَيَدْخُلُ فِي الْعَدَدِ أَصْلُهُ وَهُوَ الْوَاحِدُ وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ الْعَدَدِ مُتَّصِلًا بِالْإِيقَاعِ وَلَا يَضُرُّ الِانْقِطَاعُ لِانْقِطَاعِ النَّفَسِ فَإِنْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ وَسَكَتَ مِنْ غَيْرِ انْقِطَاعِ النَّفَسِ ثُمَّ قَالَ: ثَلَاثًا فَوَاحِدَةً وَلَوْ انْقَطَعَ النَّفَسُ أَوْ أَخَذَ إنْسَانٌ فَمَه ثُمَّ قَالَ: ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ أُطَلِّقُ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا قَالَ: عَلَى الْفَوْرِ عِنْدَ رَفْعِ الْيَدِ مِنْ فَمِهِ، وَلَوْ قَالَ لِغَيْرِ الْمَدْخُولَةِ أَنْت طَالِقٌ   [منحة الخالق] قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ يَا زَانِيَةُ إنْ دَخَلْت الدَّارَ وَبَيْنَ الْإِيجَابِ، وَالِاسْتِثْنَاءِ بِأَنْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ يَا زَانِيَةُ إنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ قَذْفًا فِي الْأَصَحِّ فَلَا يَجِبُ بِهِ حَدٌّ وَلَا لِعَانٌ، وَإِنْ تَقَدَّمَ قَوْلُهُ: يَا زَانِيَةُ عَلَى الشَّرْطِ، وَالْجَزَاءِ أَوْ عَلَى الْإِيجَابِ، وَالِاسْتِثْنَاءِ أَوْ تَأَخَّرَ عَنْهُمَا كَانَ قَذْفًا فِي الْحَالِ لِأَنَّ قَوْلَهُ يَا زَانِيَةُ لِلِاسْتِحْضَارِ عُرْفًا لِكَوْنِهِ نِدَاءً وَلِإِثْبَاتِ صِفَةِ الزِّنَا وَضْعًا فَكَانَ مُلَائِمًا لِلْخِطَابِ مِنْ حَيْثُ كَوْنِهِ لِلِاسْتِحْضَارِ غَيْرَ مُلَائِمٍ لَهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ إثْبَاتُ صِفَةٍ فِي الْمُنَادَى فَتَوَفَّرَ عَلَى الشَّبَهَيْنِ حَظُّهُمَا فَيَتَعَلَّقُ إذَا كَانَ مُوَسَّطًا وَيُنْجِزُ إذَا كَانَ طَرَفًا أَوْ مُتَأَخِّرًا عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ الْمُتَخَلِّلُ فَاصِلَا لِأَنَّهُ كَلَامٌ تَامٌّ لَا يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ الطَّلَاقُ فَكَانَ قَذْفًا فَيَقَعُ الطَّلَاقُ لِلْحَالِ وَيَجِبُ اللِّعَانُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ يَتَعَلَّقُ مَا يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ وَهُوَ الطَّلَاقُ لَا الْقَذْفُ وَيَجِبُ اللَّعَّانُ وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ يَا زَانِيَةَ، وَإِنْ كَانَ جَزَاءً إلَّا أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ هُنَا النَّفْيُ دُونَ التَّحْقِيقِ أَوْ لِأَنَّهُ نِدَاءٌ، وَالنِّدَاءُ لَا يَفْصِلُ لِأَنَّهُ لِإِعْلَامِ الْمُخَاطَبِ بِمَا يُرَادُ بِهِ فَكَانَ مِنْ نَفْسِ الْكَلَامِ وَلِهَذَا لَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ يَا عَمْرَةُ إنْ دَخَلْت الدَّارَ تَعَلَّقَ الطَّلَاقُ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فَاصِلَا تَعَلَّقَ الطَّلَاقُ بِالشَّرْطِ فَيَتَعَلَّقُ الْقَذْفُ أَيْضًا لِأَنَّهُ مِنْ نَفْيِ الْكَلَامِ وَلِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الشَّرْطِ وَإِذَا تَعَلَّقَ الْأَبْعَدُ كَانَ الْأَقْرَبُ أَوْلَى فَإِنْ قِيلَ لَمْ يُعَلِّقْ الْقَذْفَ بِالشَّرْطِ بَلْ نَادَاهَا فَيَكُونُ الْقَذْفُ مُرْسَلًا قُلْنَا لَمْ نُعَلِّقْهُ نَصًّا بَلْ حُكْمًا لِكَوْنِ الْكَلَامِ وَاحِدًا فَإِذَا ذُكِرَ الشَّرْطُ فِي الْأَخِيرِ انْصَرَفَ إلَى جَمِيعِ الْكَلَامِ وَإِذَا تَعَلَّقَ يَا زَانِيَةُ لَمْ يَكُنْ قَذْفًا فِي الْحَالِ وَكَذَا عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ لِأَنَّ الدُّخُولَ لَا يَجْعَلُ غَيْرَ الزَّانِي زَانِيًا اهـ. مُلَخَّصًا. (قَوْلُهُ: فَسَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ) أَجَابَ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ مَا سَيَذْكُرُهُ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ (قَوْلُهُ: وَمَا لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ. . . إلَخْ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَإِنَّمَا تَقَعُ وَاحِدَةً لِأَنَّ مَعَ هُنَا بِمَعْنَى بَعْدُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ مَعَ عِتْقِ مَوْلَاك إيَّاكَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 315 يَا فَاطِمَةُ أَوْ يَا زَيْنَبُ ثَلَاثًا تَقَعُ الثَّلَاثُ وَلَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ اشْهَدُوا ثَلَاثًا فَوَاحِدَةً وَلَوْ قَالَ: فَاشْهَدُوا فَثَلَاثٌ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهَا أَنْت طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَمَاتَتْ قَبْلَ قَوْلِهِ إنْ دَخَلْت لَمْ تَطْلُقْ لِأَنَّ صَدْرَ الْكَلَامِ يَتَوَقَّفُ عَلَى آخِرِهِ لِوُجُودِ مَا يُغَيِّرُهُ وَهُوَ ذِكْرُ الشَّرْطِ فِي آخِرِهِ فَخَرَجَ عَنْ أَنْ يَكُونَ إيقَاعًا وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَمَاتَتْ الْمَرْأَةُ قَبْلَ الِاسْتِثْنَاءِ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ، وَالْمَسْأَلَتَانِ فِي الْمُحِيطِ، وَالذَّخِيرَةِ، وَفِيهَا إذَا قَالَ لَهَا أَنْت طَالِقٌ وَأَنْتِ طَالِقٌ فَمَاتَتْ الْمَرْأَةُ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِالثَّانِي كَانَتْ طَالِقًا وَاحِدَةً لِأَنَّ كُلَّ كَلَامٍ عَامِلٌ فِي الْوُقُوعِ إنَّمَا يَعْمَلُ إذَا صَادَفَهَا وَهِيَ حَيَّةٌ. وَلَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ وَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَمَاتَتْ الْمَرْأَةُ عِنْدَ الْأَوَّلِ أَوْ الثَّانِي لَا يَقَعُ لِأَنَّ الْكَلَامَ الْمَعْطُوفَ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ إذَا اتَّصَلَ الشَّرْطُ بِآخِرِهِ يَخْرُجُ عَنْ أَنْ يَكُونَ إيقَاعًا، وَفِيهِ لَوْ قَالَ لَهَا: أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا يَا عَمْرَةُ فَمَاتَتْ قَبْلَ قَوْلِهِ يَا عَمْرَةُ طَلُقَتْ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُغَيَّرٍ اهـ. وَقَيَّدَ بِمَوْتِهَا احْتِرَازًا عَنْ مَوْتِهِ لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا فَلَمَّا قَالَ: أَنْت طَالِقٌ مَاتَ أَوْ أَخَذَ إنْسَانٌ فَمَه يَقَعُ وَاحِدَةً اهـ. وَفِي الْمِعْرَاجِ قَيَّدَ بِمَوْتِهَا لِأَنَّ بِمَوْتِ الزَّوْجِ قَبْلَ ذِكْرِ الْعَدَدِ تَقَعُ وَاحِدَةً لِأَنَّ الزَّوْجَ وَصَلَ لَفْظَ الطَّلَاقِ بِذِكْرِ الْعَدَدِ فِي مَوْتِهَا وَذِكْرُ الْعَدَدِ حَصَلَ بِمَوْتِهَا، وَفِي مَوْتِ الزَّوْجِ ذَكَرَ لَفْظَ الطَّلَاقِ وَلَمْ يَتَّصِلْ بِهِ ذِكْرُ الْعَدَدِ فَبَقِيَ قَوْلُهُ: أَنْتِ طَالِقٌ وَهُوَ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْت طَالِقٌ يُرِيدُ أَنْ يَقُولَ ثَلَاثًا فَأَخَذَ رَجُلٌ فَمَه فَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا بَعْدَ ذَلِكَ الطَّلَاقِ يَقَعُ وَاحِدَةً لِأَنَّ الْوُقُوعَ بِلَفْظٍ لَا يَقْصِدُهُ اهـ. وَذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ مَعْزِيًّا إلَيَّ الْأَصْلِ وَسَيَأْتِي صَرِيحًا الْفَرْقُ بَيْنَ مَوْتِهِ وَمَوْتِهَا فِي التَّعْلِيقِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى حَيْثُ يَقَعُ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي. (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً أَوْ قَبْلَ وَاحِدَةٍ أَوْ بَعْدَهَا وَاحِدَةً يَقَعُ وَاحِدَةً، وَفِي بَعْدَ وَاحِدَةٍ أَوْ قَبْلَهَا وَاحِدَةٌ أَوْ مَعَ وَاحِدَةٍ أَوْ مَعَهَا ثِنْتَانِ) بَيَانٌ لِأَرْبَعِ مَسَائِلَ الْأُولَى لَوْ فَرَّقَ بِالْعَطْفِ فَإِنَّهُ يَقَعُ وَاحِدَةً فَإِنْ كَانَ بِالْوَاوِ فَلِأَنَّهَا لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ أَيْ لِجَمْعِ التَّعَاطُفَاتِ فِي مَعْنَى الْعَامِلِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْمَعِيَّةِ أَوْ عَلَى تَقَدُّمِ بَعْضِ الْمُتَعَاطِفَاتِ أَوْ تَأَخُّرِهِ فَلَا يَتَوَقَّفُ الْأَوَّلُ عَلَى الْآخِرِ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِتَوَقُّفِهِ مُتَوَقِّفٌ عَلَى كَوْنِهَا لِلْمَعِيَّةِ بِخُصُوصِهِ وَهُوَ مُنْتَفٍ فَيَعْمَلُ كُلُّ لَفْظٍ عَمَلَهُ فَتَبَيَّنَ بِالْأُولَى فَلَا يَقَعُ مَا بَعْدَهَا فَانْدَفَعَ بِهَذَا مَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّهَا هُنَا لِلتَّرْتِيبِ، وَقَدْ حَكَى السَّرَخْسِيُّ خِلَافًا بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فَقَالَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ: تَبِينُ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ الْكَلَامِ الثَّانِي، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْهُ لِجَوَازِ أَنْ يُلْحِقَ بِكَلَامِهِ شَرْطًا أَوْ اسْتِثْنَاءً وَرَجَّحَ فِي أُصُولِهِ قَوْلَةَ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ مَا لَمْ يَقَعْ لَا يَفُوتُ الْمَحَلُّ فَلَوْ تَوَقَّفَ وُقُوعُ الْأَوَّلِ عَلَى التَّكَلُّمِ بِالثَّانِيَةِ لَوَقَعَا جَمِيعًا لِوُجُودِ الْمَحَلِّ الثَّلَاثِ حَالَ التَّكَلُّمِ بِهَا، وَفِي التَّحْرِيرِ: أَنَّ قَوْلَةَ مُحَمَّدٌ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ بَعْدَ الْفَرَاغِ يُعْلَمُ الْوُقُوعُ بِالْأَوَّلِ لِتَجْوِيزِ إلْحَاقِ الْمُغَيَّرِ وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ أَنَّ نَفْسَ الْوُقُوعِ مُتَأَخِّرٌ إلَى الْفَرَاغِ مِنْ الثَّانِي لَوَقَعَ الْكُلُّ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمَا فِي الْمَعْنَى لِأَنَّ الْوُقُوعَ بِالْأَوَّلِ وَظُهُورَهُ بِالْفَرَاغِ مِنْ الثَّانِي اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ أَنَّ فَائِدَةَ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي الْمَوْتِ اهـ. يَعْنِي: لَوْ مَاتَتْ قَبْلَ فَرَاغِهِ مِنْ الثَّانِي وَقَعَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَالْخِلَافُ مَعْنَوِيٌّ، وَفِي الْمِعْرَاجِ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَنْ مَاتَتْ قَبْلَ الْفَرَاغِ فَعِنْدَهُ يَقَعُ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ لِجَوَازِ أَنْ يُلْحِقَ بِآخِرِهِ شَرْطًا أَوْ اسْتِثْنَاءً وَهَذَا الْخِلَافُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ عِنْدَ الْعَطْفِ بِالْوَاوِ فَأَمَّا بِدُونِ الْوَاوِ لَا يَتَحَقَّقُ الْخِلَافُ لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُ بِهِ الشَّرْطُ، وَالِاسْتِثْنَاءُ اهـ. وَبِهَذَا ظَهَرَ قُصُورُ نَظَرِ ابْنِ الْهُمَامِ مِنْ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي الْمَعْنَى قَيَّدَ بِقَوْلِهِ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: وَاحِدَةً وَنِصْفًا أَوْ قَالَ وَاحِدَةً وَأُخْرَى فَإِنَّهُ يَقَعُ ثِنْتَانِ لَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ إحْدَى وَعِشْرِينَ وَقَعَ الثَّلَاثُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ فَاشْهَدُوا فَثَلَاثٌ) أَيْ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ فَاشْهَدُوا ثَلَاثًا فَالْوَاقِعُ ثَلَاثًا لِأَنَّ قَوْلَهُ فَاشْهَدُوا بِالْفَاءِ لَا يُعَدُّ فَاصِلًا لِأَنَّ الْفَاءَ تَعَلَّقَ مَا بَعْدَهَا بِمَا قَبْلَهَا فَصَارَ الْكُلُّ كَلَامًا وَاحِدًا بِخِلَافِ قَوْلِهِ اشْهَدُوا وَمِثْلُهُ مَا يَأْتِي قُبَيْلَ بَابِ الْكِنَايَاتِ عَنْ تَلْخِيصِ الْجَامِعِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 316 لَا بِسَبَبِ أَنَّ الْوَاوَ لِلْمَعِيَّةِ بَلْ لِأَنَّهُ أَخْصَرُ مَا يَلْفِظُ بِهِ إذَا أَرَادَ الْإِيقَاعَ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ وَهُوَ مُخْتَارٌ فِي التَّعْبِيرِ لُغَةً كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَقَيَّدْنَا بِتَأْخِيرِ النِّصْفِ عَنْ الْوَاحِدَةِ لِأَنَّهُ لَوْ قَدَّمَهُ عَلَيْهَا بِأَنْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ نِصْفًا وَوَاحِدَةً وَقَعَتْ وَاحِدَةً لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَعْمَلٍ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَلَمْ يُجْعَلْ كُلُّهُ كَلَامًا وَاحِدًا، وَعَزَاهُ فِي الْمُحِيطِ إلَى مُحَمَّدٍ، وَفِيهِ لَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ وَاحِدَةً وَعَشْرًا وَقَعَتْ وَاحِدَةً بِخِلَافِ أَحَدَ عَشَرَ فَإِنَّهُ يَقَعُ الثَّلَاثُ لِعَدَمِ الْعَطْفِ وَكَذَا لَوْ قَالَ: وَاحِدَةً وَمِائَةً أَوْ وَاحِدَةً وَأَلْفًا أَوْ وَاحِدَةً وَعِشْرِينَ فَإِنَّهُ يَقَعُ وَاحِدَةً لِأَنَّ هَذَا غَيْرُ مُسْتَعْمَلٍ فِي الْمُعْتَادِ فَإِنَّهُ يُقَالُ فِي الْعَادَةِ مِائَةٌ وَوَاحِدَةٌ وَأَلْفٌ وَوَاحِدَةٌ فَلَمْ يَجْعَلْ هَذِهِ الْجُمْلَةَ كَلَامًا وَاحِدًا بَلْ اُعْتُبِرَ عَطْفًا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ تَقَعُ الثَّلَاثُ لِأَنَّ قَوْلَهُ: مِائَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَمِائَةً سَوَاءٌ اهـ. وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِ مُخَاطِبًا لَهَا بِالْعَدَدِ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهَا: أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا إنْ شِئْت، فَقَالَتْ: شِئْت وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً طَلُقَتْ ثَلَاثًا كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ وَغَيْرِهِ لِأَنَّ تَمَامَ الشَّرْطِ بِآخِرِ كَلَامِهَا وَمَا لَمْ يَتِمَّ الشَّرْطُ لَا يَقَعُ الْجَزَاءُ اهـ. وَإِذَا عُلِمَ الْحُكْمُ فِي الْعَطْفِ بِالْوَاوِ عُلِمَ بِالْفَاءِ وَثُمَّ بِالْأَوْلَى لِاقْتِضَاءِ الْفَاءِ التَّعْقِيبَ وَثُمَّ التَّرْتِيبَ وَأَمَّا بَلْ فَإِذَا قَالَ لِلْمَدْخُولَةِ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً لَا بَلْ ثِنْتَيْنِ تَقَعُ الثَّلَاثُ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ أَنَّهُ غَلِطَ فِي إيقَاعِ الْوَاحِدَةِ وَرَجَعَ عَنْهَا وَقَصَدَ إيقَاعَ الثِّنْتَيْنِ قَائِمًا مَقَامَ الْوَاحِدَةِ فَصَحَّ إيقَاعُ الثِّنْتَيْنِ وَلَمْ يَصِحَّ الرُّجُوعُ عَنْ الْوَاحِدَةِ وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ لِغَيْرِ الْمَدْخُولَةِ تَقَعُ وَاحِدَةً لِأَنَّ بِالْأُولَى صَارَتْ مُبَانَةً وَلَوْ قَالَ لِلْمَدْخُولَةِ طَلَّقْتُك أَمْسِ وَاحِدَةً لَا بَلْ ثِنْتَيْنِ يَقَعُ ثِنْتَانِ لِأَنَّهُ خَبَرٌ يَقْبَلُ التَّدَارُكَ فِي الْغَلَطِ بِخِلَافِ الْإِنْشَاءِ وَتَمَامُهُ فِي الْمُحِيطِ مِنْ بَابِ عَطْفِ الطَّلَاقِ عَلَى الطَّلَاقِ بِكَلِمَةِ لَا بَلْ، وَالْمَسَائِلُ الثَّلَاثُ هِيَ قَبْلُ وَبَعْدُ وَمَعَ أَمَّا قَبْلُ فَاسْمٌ لِزَمَانٍ مُتَقَدِّمٍ عَلَى مَا أُضِيفَتْ إلَيْهِ وَأَمَّا بَعْدُ فَاسْمٌ لِزَمَانٍ مُتَأَخِّرٍ عَلَى مَا أُضِيفَتْ إلَيْهِ، وَالْأَصْلُ أَنَّ الظَّرْفَ مَتَى كَانَ بَيْنَ اسْمَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُقْرَنْ بِهَاءِ الْكِنَايَةِ كَانَ صِفَةً لِلْأَوَّلِ تَقُولُ جَاءَنِي زَيْدٌ قَبْلَ عَمْرٍو فَالْقَبْلِيَّةُ فِيهَا صِفَةٌ لِزَيْدٍ، وَإِنْ قَرَنَ بِهَاءِ الْكِنَايَةِ كَانَ صِفَةً لِلثَّانِي تَقُولُ جَاءَنِي زَيْدٌ قَبْلَهُ عَمْرٌو فَإِذَا قَالَ أَنْت طَالِقٌ وَاحِدَةً قَبْلَ وَاحِدَةٍ فَقَدْ أَوْقَعَ الْأُولَى قَبْلَ الثَّانِيَةِ فَبَانَتْ بِهَا فَلَا تَقَعُ الثَّانِيَةُ وَلَوْ قَالَ بَعْدَهَا وَاحِدَةٌ فَكَذَلِكَ لِأَنَّهُ وَصَفَ الثَّانِيَةَ بِالْبَعْدِيَّةِ وَلَوْ لَمْ يَصِفْهَا بِهِ لَمْ تَقَعْ فَهَذَا أَوْلَى. وَأَمَّا إذَا قَالَ: وَاحِدَةً قَبْلَهَا وَاحِدَةٌ يَقَعُ ثِنْتَانِ لِأَنَّ إيقَاعَ الطَّلَاقِ فِي الْمَاضِي إيقَاعٌ فِي الْحَالِ لِامْتِنَاعِ الِاسْتِنَادِ إلَى الْمَاضِي فَيَقْتَرِنَانِ فَتَقَعُ ثِنْتَانِ وَكَذَا فِي وَاحِدَةٍ بَعْدَ وَاحِدَةٍ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْبَعْدِيَّةَ صِفَةً لِلْأُولَى فَاقْتَضَى إيقَاعَ الثَّانِيَةِ قَبْلَهَا فَكَانَ إيقَاعًا فِي الْحَالِ فَيَقْتَرِنَانِ وَهَذَا كُلُّهُ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا، وَفِي الْمَدْخُولِ بِهَا تَقَعُ ثِنْتَانِ فِي الْكُلِّ وَاسْتَشْكَلَ فِي وَاحِدَةٍ قَبْلَ وَاحِدَةٍ لِأَنَّ كَوْنَ الشَّيْءِ قَبْلَ غَيْرِهِ لَا يَقْتَضِي وُجُودَ ذَلِكَ الْغَيْرِ عَلَى مَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الزِّيَادَاتِ نَحْوُ {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] {لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي} [الكهف: 109] وَأُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ أَشْعَرَ بِالْوُقُوعِ وَكَوْنُ الشَّيْءِ قَبْلَ غَيْرِهِ يَقْتَضِي وُجُودَ ذَلِكَ الْغَيْرِ ظَاهِرًا، وَإِنْ لَمْ يَسْتَدْعِهِ لَا مَحَالَةَ، وَالْعَمَلُ بِالظَّاهِرِ وَاجِبٌ مَا أَمْكَنَ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَأَمَّا مَعَ فَلِلْقِرَانِ فَلَا فَرْقَ فِيهَا بَيْنَ الْإِتْيَانِ بِالضَّمِيرِ أَوْ لَا فَاقْتَضَى وُقُوعَهُمَا مَعًا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: مَعَهَا وَاحِدَةٌ تَقَعُ وَاحِدَةً. وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ لِغَيْرِ الْمَدْخُولَةِ أَنْت طَالِقٌ الْيَوْمَ وَأَمْسِ تَطْلُقُ ثِنْتَيْنِ كَأَنَّهُ قَالَ: وَاحِدَةً قَبْلَهَا وَاحِدَةٌ. اهـ. وَفِي شَرْحِ النُّقَايَةِ لِلشُّمُنِّيِّ ثُمَّ مِنْ مَسَائِلِ قَبْلِ وَبَعْدِ مَا قِيلَ مَنْظُومًا مَا يَقُولُ الْفَقِيهُ أَيَّدَهُ اللَّهُ ... وَلَا زَالَ عِنْدَهُ الْإِحْسَانُ فِي فَتًى عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِشَهْرِ ... قَبْلَ مَا بَعْدَ قَبْلَهُ رَمَضَانُ وَهَذَا الْبَيْتُ يُمْكِنُ إنْشَادُهُ عَلَى ثَمَانِيَةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا قَبْلَ مَا قَبْلَ قَبْلُهُ ثَانِيهَا: قَبْلَ مَا بَعْدَ قَبْلِهِ ثَالِثُهَا: قَبْلَ مَا قَبْلَ بَعْدِهِ، رَابِعُهَا: بَعْدَ مَا قَبْلَ قَبْلِهِ، خَامِسُهَا: بَعْدَ مَا بَعْدَ بَعْدِهِ، سَادِسُهَا: بَعْدَ مَا قَبْلَ بَعْدِهِ، سَابِعُهَا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يَقْرِنْ بِهَاءِ الْكِنَايَةِ) أَيْ بِالْهَاءِ الَّتِي هِيَ ضَمِيرٌ مُكَنًّى بِهِ عَنْ الِاسْمِ الظَّاهِرِ (قَوْلُهُ: مَا يَقُولُ الْفَقِيهُ أَيَّدَهُ اللَّهُ وَلَا زَالَ عِنْدَهُ الْإِحْسَانُ) إلَى قَوْلِهِ وَهَذَا الْبَيْتُ يُمْكِنُ إنْشَادُهُ عَلَى ثَمَانِيَةِ أَوْجُهٍ أَيْ كَمَا تَرَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 317 بَعْدَ مَا بَعْدَ قَبْلِهِ، ثَامِنُهَا قَبْلَ مَا بَعْدَ بَعْدِهِ، وَالضَّابِطُ فِيمَا اجْتَمَعَ فِيهِ الْقَبْلُ، وَالْبَعْدُ أَنْ يُلْغَى قَبْلُ وَبَعْدُ لِأَنَّ كُلَّ شَهْرٍ بَعْدَ قَبْلِهِ وَقَبْلَ بَعْدِهِ فَيَبْقَى قَبْلَهُ رَمَضَانُ وَهُوَ شَوَّالُ أَوْ بَعْدَهُ رَمَضَانُ وَهُوَ شَعْبَانُ اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمَذْكُورَ إنْ كَانَ مَحْضَ قَبْلِ وَهُوَ الْأَوَّلُ وَقَعَ فِي ذِي الْحِجَّةِ، وَإِنْ كَانَ مَحْضَ بَعْدِ وَقَعَ فِي جُمَادَى الْآخِرَةِ وَهُوَ الْخَامِسُ وَيَقَعُ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي، وَالرَّابِعُ، وَالسَّابِعُ فِي شَوَّالٍ لِأَنَّ قَبْلَهُ رَمَضَانُ بِإِلْغَاءِ الطَّرَفَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ وَيَقَعُ فِي الثَّالِثِ، وَالسَّادِسِ، وَالثَّامِنِ فِي شَعْبَانَ لِأَنَّ بَعْدَهُ رَمَضَانُ بِإِلْغَاءِ الطَّرَفَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ وَوَجْهُ الْحَصْرِ فِي الثَّمَانِيَةِ أَنَّ الظُّرُوفَ الثَّلَاثَ إمَّا أَنْ تَكُونَ قَبْلَ أَوْ بَعْدَ أَوْ الْأَوَّلَيْنِ قَبْلُ أَوْ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَالضَّابِطُ فِيمَا اجْتَمَعَ فِيهِ الْقَبْلُ، وَالْبَعْدُ. . . إلَخْ) هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الْفَتْحِ أَيْضًا وَتَبِعَهُ فِي شَرْحِ نَظْمِ الْكَنْزِ، وَالنَّهْرِ، وَالدُّرِّ الْمُخْتَارِ وَحَاصِلُهُ إلْغَاءُ أَحَدِ الْمُتَكَرِّرَيْنِ بِغَيْرِ الْمُتَكَرِّرِ وَاعْتِبَارُ أَحَدِ الْمُتَكَرِّرَيْنِ الْآخَرَ أَيْنَمَا كَانَ أَوَّلًا أَوْ وَسَطًا أَوْ آخِرًا فَإِنْ كَانَ لَفْظُهُ قَبْلُ فَالْمُرَادُ شَوَّالٌ أَوْ بَعْدُ فَشَعْبَانُ وَعَنْ هَذَا قَالَ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِهِ نَظْمًا قَابِلِ الْقَبْلَ بِاَلَّذِي هُوَ بَعْدُ ... وَسِوَاهُ يُبْنَى عَلَيْهِ الْبَيَانُ وَتَأَمَّلْ بِفَطِنَةٍ وَذَكَاءٍ فَبِهِ يُدْرَكُ الْوُجُوهُ الثَّمَانِ اهـ. وَعَلَى هَذَا فَيَقَعُ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي، وَالثَّالِثِ، وَالرَّابِعِ فِي شَوَّالٍ، وَفِي السَّادِسِ، وَالسَّابِعِ، وَالثَّامِنِ فِي شَعْبَانَ إذَا ظَهَرَ لَك مَا قَرَّرْنَاهُ عَلِمْت عَدَمَ صِحَّةِ مَا يَذْكُرُهُ الْمُؤَلِّفُ مِنْ الْحَاصِلِ حَيْثُ جَعَلَ الْمَلْغِيَّ الطَّرَفَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ أَيًّا كَانَا قَبْلَيْنِ أَوْ بَعْدَيْنِ أَوْ مُخْتَلِفَيْنِ وَجَعَلَ الْمُعْتَبَرَ هُوَ الْأَخِيرُ الْمُضَافُ إلَى الضَّمِيرِ وَغَابَ عَنْهُ أَنَّهُ مُنَابِذٌ لِمَا نَقَلَهُ هُنَا، وَقَدْ رَأَيْت بَعْضَهُمْ اغْتَرَّ فَتَابَعَهُ وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ فَلِلَّهِ الْحَمْدُ، وَالْمِنَّةُ هَذَا وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ قَدِيمَانِ وَلِلْإِمَامَيْنِ الْجَلِيلَيْنِ الْعَلَّامَةِ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَالْعَلَّامَةِ السُّبْكِيّ فِيهِمَا كَلَامٌ لَخَّصَهُ الْحَافِظُ الْإِمَامُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ بَدْرُ الدِّينِ الْعَامِرِيُّ الشَّهِيرُ بِابْنِ الْغَزِّيِّ الشَّافِعِيُّ كَمَا رَأَيْته فِي مَجْمُوعُهُ بِخَطِّهِ الشَّرِيفِ، وَقَدْ ذَكَرَ الصُّوَرَ الثَّمَانِيَةَ مُتَشَعِّبَةً مِنْ الشَّطْرِ الْأَخِيرِ وَرَسَمَ عِنْدَ كُلِّ صُورَةٍ الشَّهْرَ الْمُرَادَ عَلَى طِبْقِ مَا قَرَّرْته أَوْ لَا خِلَافًا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ ثُمَّ قَالَ نَظْمًا: هَاكَ مِنِّي جَوَابُ مَا قِيلَ نَظْمًا ... مِنْ سُؤَالٍ يَحُفُّهُ الْإِتْقَانُ عَنْ فَتًى عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِشَهْرٍ ... قَبْلَ مَا قَبْلَ قَبْلِهِ رَمَضَانُ مُوَضِّحًا مَا أَجَابَ عَنْهُ بِهِ ابْنُ ... الْحَاجِبِ الْحَبْرُ ذُو التُّقَى عُثْمَانُ حُكْمُهُ إنْ تَمَحَّضَتْ بَعْدُ فِيهِ ... فِي جُمَادَى الْآخَرَ يُرَى الْفُرْقَانُ ثُمَّ ذُو الْحِجَّةِ الْحَرَامُ إذَا مَا ... مُحِّضَت قَبْلُ لِلطَّلَاقِ زَمَانُ وَإِذَا مَا جَمَعَتْ ذَيْنَه الْغَ قَبْلًا ... مَعَ بَعْدُ وَمَا بَقِيَ الْمِيزَانُ مَعَ قَبْلُ الْمُرَادُ شَوَّالٌ فَاعْلَمْ ... وَمِنْ الْبَعْدِ قَصْدُنَا شَعْبَانُ كُلٌّ ذَا حَيْثُ أَلْغَيْت مَا وَهَذَا ... بَسْطُ ذَاكَ الْجَوَابِ وَالتِّبْيَانِ وَإِذَا مَا وَصَلْتهَا فَجَمَادُ ... قَبْلَ مَا بَعْدَ بَعْدَهُ رَمَضَانُ ثُمَّ ضِدٌّ بِحَجَّةٍ مَحْضٌ قَبْلُ ... فِيهِ شَوَّالُ عِنْدَهُمْ أَبَانُ وَلِضِدِّ شَعْبَانَ ثُمَّ سِوَى ذَا ... عَكْسُ مَا مَرَّ فِي الزَّمَانِ بَيَانُ ثُمَّ مَا إنْ وَصَفْتهَا فَكَوَصْلِ ... خُذْ جَوَابًا قَدْ عَمَّهُ الْإِحْسَانُ اهـ. مَا وَجَدْته بِخَطِّهِ وَبَيَانِهِ أَنَّ مَا إمَّا أَنْ تَكُونَ زَائِدَةً أَوْ مَوْصُولَةً أَوْ مَوْصُوفَةً فَإِنْ كَانَتْ زَائِدَةً فَالْجَوَابُ مَا مَرَّ بَيَانُهُ، وَإِنْ كَانَتْ مَوْصُولَةً أَوْ مَوْصُوفَةً فَفِي قَبْلُ مَا بَعْدَ بَعْدِهِ رَمَضَانُ يَقَعُ فِي جُمَادَى الْأُخْرَى لِأَنَّ الَّذِي بَعْدَ بَعْدَهُ رَمَضَانُ هُوَ رَجَبُ فَاَلَّذِي قَبْلَهُ جُمَادَى، وَفِي عَكْسِ هَذِهِ نَحْوُ بَعْدَ مَا قَبْلَ قَبْلِهِ رَمَضَانُ يَقَعُ فِي ذِي الْحِجَّةِ لِأَنَّ الشَّهْرَ الَّذِي قَبْلَ قَبْلِهِ رَمَضَانُ هُوَ ذُو الْقَعْدَةِ فَاَلَّذِي بَعْدَهُ ذُو الْحُجَّةِ، وَفِي مَحْضِ قَبْلُ فِي شَوَّالٍ لِأَنَّ الَّذِي قَبْلَ قَبْلِهِ رَمَضَانُ ذُو الْقَعْدَةِ كَمَا مَرَّ فَاَلَّذِي قَبْلَهُ شَوَّالُ، وَفِي عَكْسِهِ فِي شَعْبَانَ لِأَنَّ الَّذِي بَعْدَ بَعْدِهِ رَمَضَانُ هُوَ رَجَبُ فَاَلَّذِي بَعْدَهُ شَعْبَانُ فَهَذِهِ أَرْبَعُ صُوَرٍ وَبَقِيَ أَرْبَعٌ سِوَاهَا الْأُولَى قَبْلَ مَا قَبْلَ بَعْدَهُ الثَّانِيَةُ بَعْدَمَا بَعْدَ قَبْلَهُ الثَّالِثَةُ قَبْلَ مَا بَعْدَ قَبْلَهُ الرَّابِعَةُ بَعْدَمَا قَبْلَ بَعْدَهُ وَحُكْمُهَا عَكْسُ مَا مَرَّ فِي إلْغَاءِ مَا فَفِي الصُّورَةِ الْأُولَى مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعِ إذَا كَانَتْ مَا مُلْغَاةً يَقَعُ فِي شَوَّالَ كَأَنَّهُ قَالَ قَبْلَ قَبْلٍ بَعْدَهُ رَمَضَانُ فَيُلْغَى قَبْلُ بِبَعْدِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ قَبْلَهُ رَمَضَانُ وَذَلِكَ شَوَّالُ وَإِذَا كَانَتْ مَوْصُولَةً أَوْ مَوْصُوفَةً يَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ قَبْلَ شَهْرٍ أَوْ قَبْلَ الشَّهْرِ الَّذِي قَبْلَ بَعْدِهِ رَمَضَانُ فَيُلْغِي قَبْلُ بِبَعْدِ كَمَا مَرَّ لِأَنَّ الَّذِي قَبْلَ بَعْدِهِ رَمَضَانُ هُوَ رَمَضَانُ نَفْسُهُ فَتَكُونُ مَا عِبَارَةٌ عَنْهُ وَبِإِضَافَةِ قَبْلِ إلَيْهَا يَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ بِشَهْرٍ قَبْلَ رَمَضَانَ وَذَلِكَ شَعْبَانُ وَقِسْ عَلَيْهِ الثَّلَاثَةَ الْبَاقِيَةَ فَمَا يَقَعُ فِي شَعْبَانَ أَوْ فِي شَوَّالٍ مَعَ إلْغَائِهَا يُعْكَسُ مَعَ عَدَمِهِ وَأَنَا لَمْ أَدْرِ لِمَ اقْتَصَرَ عُلَمَاؤُنَا عَلَى بَيَانِ أَوْجُهِ الْإِلْغَاءِ مَعَ أَنَّ هَذَا هُوَ التَّحْقِيقُ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْحُكْمَ عِنْدَنَا لَا يُخَالِفُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ أَمْرٌ مَبْنِيٌّ عَلَى لَفْظٍ لُغَوِيٍّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ كُلَّ شَهْرٍ بَعْدَ قَبْلِهِ. . . إلَخْ) كَرَمَضَانَ مَثَلًا فَإِنَّ قَبْلَهُ شَبْعَانُ وَبَعْدَهُ شَوَّالُ فَهُوَ أَيْ رَمَضَانُ بَعْدَ قَبْلِهِ أَيْ شَعْبَانَ وَقَبْلَ بَعْدِهِ أَيْ شَوَّالٍ، فَقَوْلُهُ: بِشَهْرٍ قَبْلَ مَا بَعْدَ قَبْلَهُ رَمَضَانُ الْجَارُّ، وَالْمَجْرُورُ مُتَعَلِّقٌ بِعَلَّقَ وَرَمَضَانُ مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ وَقَبْلُ خَبَرُهُ مُقَدَّمٌ مُضَافًا إلَى مَا بَعْدَهُ وَمَا مُلْغَاةٌ وَهُوَ مُضَافٌ إلَى الضَّمِيرِ الْعَائِدِ عَلَى شَهْرٍ، وَالْجُمْلَةُ مِنْ الْمُبْتَدَأِ، وَالْخَبَرِ فِي مَحَلِّ جَرِّ صِفَةٍ لِشَهْرٍ (قَوْلُهُ: وَقَعَ فِي ذِي الْحِجَّةِ) لِأَنَّ قَبْلَهُ ذَا الْقَعْدَةِ وَقَبْلَ هَذَا الْقَبْلِ شَوَّالٌ وَقَبْلَ قَبْلِ الْقَبْلِ رَمَضَانُ، وَفِي مَحْضِ بَعْدِ وَقَعَ فِي جُمَادَى الْآخِرَةِ لِأَنَّ بَعْدَهُ رَجَبُ وَبَعْدَ هَذَا الْبَعْدِ شَعْبَانُ وَبَعْدَ بَعْدِ الْبَعْدِ رَمَضَانُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 318 الْأَوَّلَيْنِ بَعْدُ أَوْ الْأَوَّلُ فَقَطْ قَبْلُ أَوْ الْأَوَّلُ فَقَطْ بَعْدُ أَوْ قَبْلُ بَيْنَ بَعْدَيْنِ أَوْ بَعْدُ بَيْنَ قَبْلَيْنِ وَهَذَا الْبَيَانُ مِنْ خَوَاصِّ هَذَا الْكِتَابِ وَمِنْ مَسَائِلِ الظُّرُوفِ الثَّلَاثَةِ مَا فِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ مِنْ كِتَابِ الطَّلَاقِ بَابُ الطَّلَاقِ فِي الْوَقْتِ طَالِقٌ كُلَّ تَطْلِيقَةٍ ثَلَاثٌ خِلَافُ الْمُعَرَّفِ إذْ عَمَّ أَجْزَاءَ وَأَفْرَادَ الْمُنَكَّرِ شَبَهَ كُلِّ دَارٍ وَكُلِّ الدَّارِ كَذَا طَالِقٌ تَطْلِيقَةً مَعَ كُلِّ تَطْلِيقَةٍ وَعَكْسُهَا الْقِرَانُ الْمُفْرَدُ الْكُلُّ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْمُفْرَدَ فَيُدَيَّنُ لِلتَّخْصِيصِ كَذَا بَعْدَ كُلِّ تَطْلِيقَةٍ، وَقَبْلَهَا كُلُّ تَطْلِيقَةٍ لِسَبْقِ الْكُلِّ الْفَرْدَ إذْ هُمَا بِالْهَاءِ وَصْفُ اللَّاحِقِ وَدُونَهُ وَصْفُ السَّابِقِ لِهَذَا كَانَ فَرْدًا قَبْلَ الدُّخُولِ فِي عَكْسِ الْهَاءِ لِلْعَكْسِ وَتَعَلَّقَ فِي طَالِقٍ بَعْدَ يَوْمِ الْأَضْحَى وَتَنْجُزُ فِي قَبْلُ وَقَبْلَهَا وَمَعَهَا إذْ إضَافَةُ الْوَقْتِ قَلَبَ الْمَشْرُوعَ الْمَقْدُورَ فَلَغَتْ وَبَقِيَ الذَّاتُ بِلَا قَيْدٍ كَطَالِقٍ طَلَاقًا لَا يَقَعُ إلَّا غَدًا أَوْ بِالدُّخُولِ بِخِلَافِ بَائِنًا إذْ غَيْرُ مُحَمَّدٍ يُلْحِقُ الْوَصْفَ وَلَوْ أَقَرَّ بِمَالٍ هَكَذَا لَزِمَ فَرْدٌ فِي الْأُولَى مُثَنَّى فِي الْبَاقِي لِجَهْلِ الزَّائِدِ وَاعْتُبِرَ بِآخِرِ كُلِّ شَهْرٍ إلَّا فِي قَبْلُ لِلصِّدْقِ بِالْفَرْدِ وَعِشْرُونَ فِي عَلَيَّ دِرْهَمٌ مَعَ كُلِّ دِرْهَمٍ مِنْ الدَّرَاهِمِ عِنْدَهُ وَسِتَّةٌ عِنْدَهُمَا وَأَصْلُهُ تَعْرِيفُ الْجَمْعِ وَأَحَدَ عَشَرَ فِي ضَمِّ الْمُشَارِ عِنْدَهُ وَأَرْبَعَةٌ عِنْدَهُمَا لِامْتِنَاعِ التَّعَدُّدِ فِي الْمُشَارِ حَتَّى لَمْ يَتَعَدَّدْ عَلَيْهَا فِي أَنْت طَالِقٌ مَعَ كُلِّ زَوْجَةٍ اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ فِي الْإِقْرَارِ يَلْزَمُهُ دِرْهَمَانِ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ أَعْنِي مَعَ وَقَبْلُ وَبَعْدُ إلَّا فِي قَوْلِهِ لَك عَلَيَّ دِرْهَمٌ قَبْلَ كُلِّ دِرْهَمٍ بِلَا ضَمِيرٍ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ فَمَا فِي التَّحْرِيرِ لِابْنِ الْهُمَامِ أَنَّهُ فِي الْإِقْرَارِ يَلْزَمُهُ الْمَالَانِ مُطْلَقًا لَيْسَ بِصَحِيحٍ فِي الْكُلِّ، وَصَرَّحَ فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ الْإِقْرَارِ بِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ وَاحِدٌ فِي قَوْلِهِ لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ قَبْلَ دِرْهَمٍ وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي مَسَائِلِ الظُّرُوفِ الثَّلَاثِ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الطَّلَاقُ مُنْجَزًا أَوْ مُعَلَّقًا وَلِذَا قَالَ فِي التَّتِمَّةِ: إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا أَنْت طَالِقٌ وَاحِدَةً بَعْدَهَا وَاحِدَةً إنْ دَخَلَتْ الدَّارَ بَانَتْ بِالْأُولَى وَلَمْ يَلْزَمْهَا الْيَمِينُ لِأَنَّ هَذَا مُنْقَطِعٌ، وَلَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ وَاحِدَةً قَبْلَ وَاحِدَةٍ إنْ دَخَلَتْ الدَّارَ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَدْخُلَ الدَّارَ فَإِذَا دَخَلَتْ طَلُقَتْ وَاحِدَةً، وَلَوْ قَالَ لَهَا أَنْت طَالِقٌ وَاحِدَةً قَبْلَهَا وَاحِدَةٌ أَوْ مَعَهَا وَاحِدَةٌ أَوْ مَعَ وَاحِدَةٍ إنْ دَخَلْت الدَّارَ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَدْخُلَ الدَّارَ فَإِذَا دَخَلَتْ الدَّارَ يَقَعُ عَلَيْهَا ثِنْتَانِ وَكَذَلِكَ الْجَوَابُ فِيمَا إذَا قَالَ: أَنْت طَالِقٌ وَاحِدَةً وَبَعْدَهَا أُخْرَى إنْ دَخَلْت الدَّارَ اهـ. (قَوْلُهُ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً فَدَخَلَتْ يَقَعُ وَاحِدَةً، وَإِنْ أَخَّرَ الشَّرْطَ فَثِنْتَانِ) بِأَنْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً إنْ دَخَلْت الدَّارَ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا يَقَعُ ثِنْتَانِ فِيهِمَا وَنُسِبَ لِأَبِي حَنِيفَةَ الْقَوْلُ بِأَنَّ الْوَاوَ لِلتَّرْتِيبِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ بِوُقُوعِ الْوَاحِدَةِ فِيمَا إذَا قَدَّمَ الشَّرْطَ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ لِلْجَمْعِ لَتَعَلَّقَ الْكُلُّ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلْ إنَّمَا قَالَ بِالْوَاحِدَةِ لِأَنَّ مُوجِبَ هَذَا الْكَلَامِ عِنْدَهُ تَعَلُّقَ الْمُتَأَخِّرِ بِوَاسِطَةِ الْمُتَقَدِّمِ فَيَنْزِلْنَ كَذَلِكَ فَيَسْبِقُ الْأَوَّلُ فَتَبْطُلُ مَحَلِّيَّتُهَا، وَتَوْضِيحُهُ أَنَّ الْأَوَّلَ تَعَلَّقَ قَبْلَ الثَّانِي لِعَدَمِ مَا يُوجِبُ تَوَقُّفَهُ وَتَعَلَّقَ الثَّانِي بِوَاسِطَتِهِ، وَالثَّالِثُ بِوَاسِطَتِهِمَا فَيَنْزِلُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ التَّعْلِيقُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَرَّرَ الشَّرْطَ لِأَنَّ تَعَلُّقَ الثَّانِي بِغَيْرِ شَرْطِ الْأَوَّلِ لَيْسَ بِوَاسِطَةِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ كُلًّا جُمْلَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ فَتَعَلَّقَ بِالشَّرْطِ الْوَاحِدِ طَلْقَاتٌ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْهَا بِوَاسِطَةِ شَيْءٍ فَيَنْزِلْنَ جَمِيعًا عِنْدَ الشَّرْطِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَخَّرَ الشَّرْطَ لِأَنَّ تَأَخُّرَهُ مُوجِبٌ لِتَوَقُّفِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ مُغَيَّرٌ فَتَعَلَّقَ الْكُلُّ بِهِ دُفْعَةً فَيَنْزِلُ دُفْعَةً وَنُسِبَ إلَيْهِمَا الْقَوْلُ بِأَنَّهَا لِلْمَعِيَّةِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمَا بِوُقُوعِ الثِّنْتَيْنِ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلْ قَالَا بَعْدَمَا اشْتَرَكَتْ فِي التَّعَلُّقِ بِوَاسِطَةِ أَنْ تَنْزِلَ دَفْعَةً لِأَنَّ نُزُولَ كُلٍّ حُكْمُ الشَّرْطِ فَتَقْتَرِنُ أَحْكَامُهُ كَمَا فِي تَعَدُّدِ الشَّرْطِ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: قَوْلُهُمَا أَرْجَحُ وَقَوْلُ الْإِمَامِ تَعَلَّقَ الثَّانِي بِوَاسِطَةِ تَعَلَّقَ الْأَوَّلُ إنْ أُرِيدَ أَنَّهُ عِلَّةُ تَعَلُّقِهِ فَمَمْنُوعٌ بَلْ عِلَّتُهُ جَمِيعُ الْوَاوِ إيَّاهُ أَيْ الشَّرْطُ، وَإِنْ أُرِيدَ كَوْنُهُ سَابِقُ التَّعَلُّقِ سَلَّمْنَاهُ وَلَا يُفِيدُ كَالْأَيْمَانِ الْمُتَعَاقِبَةِ وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّ تَعَلُّقَ الْأَوَّلِ عِلَّةٌ لِتَعَلُّقِ الثَّانِي لَمْ يَلْزَمْ كَوْنُ نُزُولِهِ عِلَّةً لِنُزُولِهِ إذَا لَا تَلَازُمَ فَجَازَ كَوْنُهُ عِلَّةً لِتَعَلُّقِهِ فَيَتَقَدَّمُ فِي التَّعَلُّقِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَمِنْ مَسَائِلِ الظُّرُوفِ الثَّلَاثَةِ مَا فِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ. . . إلَخْ) لَمْ أَجِدْهُ فِي الْجُزْءِ الَّذِي عِنْدِي مِنْ شَرْحِ الْفَارِسِيِّ. (قَوْلُهُ: كَالْأَيْمَانِ الْمُتَعَاقِبَةِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ تَفْسِيرُهُ لَوْ قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْت طَالِقٌ ثُمَّ بَعْدَ زَمَانٍ قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْت طَالِقٌ فَدَخَلَتْ يَقَعُ الْكُلُّ اتِّفَاقًا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 319 وَلَيْسَ نُزُولُهُ عِلَّةً لِنُزُولِهِ بَلْ إذَا تَعَلَّقَ الثَّانِي بِأَيِّ سَبَبٍ كَأَنْ صَارَ مَعَ الْأَوَّلِ مُتَعَلِّقَيْنِ بِشَرْطٍ وَعِنْدَ نُزُولِ الشَّرْطِ يَنْزِلُ الْمَشْرُوطُ اهـ. وَهَذَا كُلُّهُ تَقْرِيرُ الْأُصُولِ، وَأَمَّا تَقْرِيرُ الْفُرُوعِ فَوَجْهُ قَوْلِ الْإِمَامِ أَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ كَالْمُنَجَّزِ عِنْدَ وُجُودِهِ، وَلَوْ نَجَّزَهُ حَقِيقَةً لَمْ يَقَعْ الثَّانِيَةُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَخَّرَ الشَّرْطَ لِوُجُودِ الْمُغَيِّرِ كَذَا ذَكَرَ الشَّارِحُ وَحَاصِلُ مَا فِي الْهِدَايَةِ: أَنَّ الْوَاوَ لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ لَا تَصْدُقُ إلَّا فِي ضِمْنِ مَعِيَّةٍ أَوْ تَرْتِيبٍ فَعَلَى اعْتِبَارِ الْمَعِيَّةِ يَقَعُ الْكُلُّ وَعَلَى اعْتِبَارِ التَّرْتِيبِ لَا يَقَعُ إلَّا وَاحِدَةً فَلَا يَقَعُ الزَّائِدُ بِالشَّكِّ وَهُوَ أَقْرَبُ مَا وُجِّهَ بِهِ قَوْلُ الْإِمَامِ قَيَّدَ بِالْوَاوِ لِأَنَّهُ لَوْ عَطَفَ بِالْفَاءِ وَقَدَّمَ الشَّرْطَ وَقَعَتْ وَاحِدَةً اتِّفَاقًا عَلَى الْأَصَحِّ لِلتَّعْقِيبِ، وَلَوْ عَطَفَ بِثُمَّ وَأَخَّرَ الشَّرْطَ وَقَعَتْ وَاحِدَةً مُنْجَزَةً وَلَغَا مَا بَعْدَهَا، وَإِنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا تَعَلَّقَ الْأَخِيرُ وَتَنَجَّزَ مَا قَبْلُهُ، وَإِنْ تَقَدَّمَ الشَّرْطُ تَعَلَّقَ الْأَوَّلُ وَتَنَجَّزَ الثَّانِي فَيَقَعُ الْمُعَلَّقُ عِنْدَ الشَّرْطِ بَعْدَ التَّزْوِيجِ الثَّانِي وَلَغَا الثَّالِثُ، وَفِي الْمَدْخُولِ بِهَا تَعَلَّقَ الْأَوَّلُ وَنَجَزَ مَا بَعْدَهُ وَعِنْدَهُمَا تَعَلَّقَ الْكُلُّ بِالشَّرْطِ قَدَّمَهُ أَوْ أَخَّرَهُ إلَّا عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ تَطْلُقُ الْمَدْخُولُ بِهَا ثَلَاثًا وَغَيْرُهَا وَاحِدَةً بِنَاءً عَلَى أَنَّ أَثَرَ التَّرَاخِي يَظْهَرُ فِي التَّعْلِيقِ عِنْدَهُ فَكَأَنَّهُ سَكَتَ بَيْنَ كُلِّ كَلِمَتَيْنِ وَعِنْدَهُمَا يَظْهَرُ فِي الْوُقُوعِ عِنْدَ نُزُولِ الشَّرْطِ لَا فِي التَّعْلِيقِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْحُرُوفَ ثَلَاثَةٌ وَكُلٌّ عَلَى وَجْهَيْنِ تَقْدِيمُ الشَّرْطِ وَتَأْخِيرُهُ فَفِي الْفَاءِ، وَالْوَاوِ يَقَعُ وَاحِدَةً إنْ قَدَّمَهُ وَاثْنَتَانِ إنْ أَخَّرَهُ، وَفِي ثُمَّ إنْ قَدَّمَ الشَّرْطَ تَعَلَّقَ الْأَوَّلُ وَتَنَجَّزَ الثَّانِي وَلَغَا الثَّالِثُ. وَإِنْ أَخَّرَهُ تَنَجَّزَ الْأَوَّلُ وَلَغَا مَا بَعْدَهُ وَقَيَّدَ بِحَرْفِ الْعَطْفِ لِأَنَّهُ لَوْ ذَكَرَ بِغَيْرِ عَطْفٍ أَصْلًا نَحْوُ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَاحِدَةً وَاحِدَةً فَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ يَقَعُ وَاحِدَةً اتِّفَاقًا عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَيَلْغُو مَا بَعْدَهُ لِعَدَمِ مَا يُوجِبُ التَّشْرِيكَ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِغَيْرِ الْمَدْخُولَةِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْت طَالِقٌ وَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك فَدَخَلَتْ طَلُقَتْ وَسَقَطَ الظِّهَارُ، وَالْإِيلَاءُ عِنْدَهُ لِسَبْقِ الطَّلَاقِ فَتَبَيَّنَ فَلَا تَبْقَى مَحَلًّا لِمَا بَعْدَهُ وَعِنْدَهُمَا هُوَ مُطَلِّقٌ مُظَاهِرٌ مُوَلٍّ وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْت طَالِقٌ وَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي وَوَاللَّهِ لَا أَقْرَبُك وَتَزَوَّجَهَا فَعَلَى الْخِلَافِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَدَّمَ الظِّهَارَ، وَالْإِيلَاءَ وَقَعَ الْكُلُّ عِنْدَ الْكُلِّ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ وَأَمَّا عِنْدَهُ فَلِسَبْقِ الْإِيلَاءِ ثُمَّ هِيَ بَعْدَهُ مَحَلٌّ لِلظِّهَارِ ثُمَّ هِيَ بَعْدَهُمَا مَحَلٌّ لِلطَّلَاقِ فَتَطْلُقُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِامْرَأَةٍ: يَوْمُ أَتَزَوَّجُكِ فَأَنْت طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ فَتَزَوَّجَهَا وَقَعَتْ وَاحِدَةً وَبَطَلَتْ الثِّنْتَانِ، وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ يَوْمَ أَتَزَوَّجُك وَقَعَتْ الثَّلَاثُ كَذَا فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ وَكَذَا لَوْ قَالَ: إنْ تَزَوَّجْتُك كَمَا فِي الْمُحِيطِ. وَفِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ مِنْ أَوَّلِ كِتَابِ الْإِيمَانِ لَوْ قَالَ: ثَلَاثًا لِغَيْرِ الْمَدْخُولَةِ إنْ كَلَّمْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ انْحَلَّتْ الْأُولَى بِالثَّانِيَةِ لِاسْتِئْنَافِ الْكَلَامِ بِخِلَافِ فَاذْهَبِي يَا عَدُوَّةَ اللَّهِ لَكِنْ عِنْدَ زُفَرَ بِالشَّرْطِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَلَوْ عَطَفَ بِثُمَّ وَأَخَّرَ الشَّرْطَ اح) قَالَ الرَّمْلِيُّ: هَذَا غَلَطٌ بِلَا شُبْهَةٍ وَلَا صِحَّةَ لِهَذَا الْكَلَامِ إلَّا لَوْ كَانَ التَّعْلِيقُ بِقَوْلِهِ أَنْت طَالِقٌ ثُمَّ طَالِقٌ إنْ تَزَوَّجْتُك ثُمَّ طَالِقٌ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يُنْجِزُ الْأَوَّلَ وَيَتَعَلَّقُ الثَّانِي وَيَلْغُو الثَّالِثُ لِأَنَّ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَبِقَوْلِهِ ثُمَّ طَالِقٌ إنْ تَزَوَّجْتُك تَطْلُقُ بِالتَّزَوُّجِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ وَلَغَا الثَّالِثُ لِعَدَمِ الْإِضَافَةِ إلَى التَّزْوِيجِ فَتَأَمَّلْ وَانْظُرْ إلَى قَوْلِهِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْحُرُوفَ ثَلَاثَةٌ إلَى آخِرِهِ اهـ. وَهَذَا الِاعْتِرَاضُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا وَقَعَ لَهُ مِنْ نُسْخَةٍ سَقِيمَةٍ وَهِيَ وَلَوْ عَطَفَ بِثُمَّ وَأَخَّرَ الشَّرْطَ تَعَلَّقَ الثَّانِي وَتَنَجَّزَ الْأَوَّلُ فَيَقَعُ الْمُعَلَّقُ عِنْدَ الشَّرْطِ بَعْدَ النُّزُوحِ الثَّانِي وَلَغَا الثَّالِثُ، وَفِي الْمَدْخُولِ بِهَا تَعَلَّقَ الْأَوَّلُ وَتَنَجَّزَ مَا بَعْدَهُ وَعَلَى مَا فِي عَامَّةِ النُّسَخِ لَا اعْتِرَاضَ بَلْ هُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا فِي الْفَتْحِ، وَالتَّبْيِينِ، وَالنَّهْرِ وَغَيْرِهَا (قَوْلُهُ: وَقَيَّدَ بِحَرْفِ الْعَطْفِ. . . إلَخْ) فِي أَيْمَانِ الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ الثَّالِثِ فِي يَمِينِ الطَّلَاقِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ طَالِقٌ طَالِقٌ وَهِيَ غَيْرُ مَلْمُوسَةٍ فَالْأَوَّلُ مُعَلَّقٌ بِالشَّرْطِ، وَالثَّانِي يَنْزِلُ فِي الْحَالِ وَيَلْغُو الثَّالِثُ، وَإِنْ تَزَوَّجَهَا وَدَخَلَ الدَّارَ نَزَلَ الْمُعَلَّقُ وَلَوْ دَخَلَ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ قَبْلَ التَّزَوُّجِ انْحَلَّ الْيَمِينُ لَا إلَى جَزَاءٍ، وَلَوْ مَوْطُوءَةٍ تَعَلَّقَ الْأَوَّلُ وَنَزَلَ الثَّانِي، وَالثَّالِثُ فِي الْحَالِ اهـ. وَهَذَا كَمَا تَرَى مُخَالِفٌ لِمَا نَقَلَهُ هُنَا عَنْ الْفَتْحِ إلَّا أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ وَاحِدَةٍ وَاحِدَةٍ وَبَيْنَ طَالِقٍ طَالِقٍ وَهُوَ الظَّاهِرُ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ فَاذْهَبِي يَا عَدُوَّةَ اللَّهِ) لِأَنَّ ذِكْرَهُ بِفَاءِ الْعَطْفِ يَقْتَضِي تَعَلُّقَهُ بِمَا سَبَقَ فَصَارَ الْكُلُّ كَلَامًا وَاحِدًا بِخِلَافِ مَا لَوْ لَمْ يَذْكُرْهُ بِالْفَاءِ لَكِنَّ انْحِلَالَ الْيَمِينِ الْأُولَى فِي مَسْأَلَتِنَا عِنْدَ زُفَرَ بِشَرْطِ الثَّانِيَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ: إنْ كَلَّمْتُك لِأَنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ مُطْلَقُ الْكَلَامِ، وَقَدْ وُجِدَ فَصَارَ كَمَا لَوْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَتَلَفَّظْ بِالْجَزَاءِ فَيُصَادِفُهَا الْجَزَاءُ وَهِيَ مُبَانَةٌ لَا إلَى عِدَّةٍ فَلَا تَنْعَقِدُ عَلَيْهَا الْيَمِينُ الثَّانِيَةُ وَعِنْدَ الثَّلَاثَةِ بِالْجَزَاءِ فَانْعَقَدَتْ الثَّانِيَةُ لِأَنَّ الْجُمْلَةَ الشَّرْطِيَّةَ وَاحِدَةٌ، وَالْمُتَعَارَفُ الْكَلَامُ الْمُفِيدُ بِخِلَافِ مَا لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى الشَّرْطِ لِأَنَّ الْكَلَامَ يَكُونُ تَامًّا وَنَاقِصًا فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى النَّاقِصِ عُلِمَ أَنَّهُ الْمُرَادُ، وَإِنْ جَاوَزَهُ إلَى التَّامِّ عُلِمَ أَنَّهُ الْمُرَادُ وَعَلَى اخْتِيَارِ ابْنِ الْفَضْلِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 320 كَمَا لَوْ اقْتَصَرَ فَعَلْت الثَّانِيَةَ وَعِنْدَنَا بِالْجَزَاءِ فَانْعَقَدَتْ إذْ الْجُمْلَةُ وَاحِدَةٌ وَإِلَّا نَزَلَ اثْنَانِ عَلَى الْمَدْخُولَةِ بِتَكْرِيرِ كُلَّمَا كَلَّمَك فَأَنْتِ طَالِقٌ وَانْحَلَّتْ بِالثَّانِيَةِ لَا إلَى جَزَاءٍ وَلَغَتْ هِيَ بِعَدَمِ الْمِلْكِ، وَفِي إنْ حَلَفْت بِطَلَاقِك لَا تَنْحَلُّ الْيَمِينُ الثَّانِيَةُ إلَّا بِتَعْلِيقِ طَلَاقِهَا بِالْمِلْكِ أَوْ بَعْدَهُ إذْ الشَّرْطُ إدْخَالُهَا فِي الْجَزَاءِ كَذَا فِي تَعْلِيق طَلَاقهَا وَمَدْخُولَة بِالْحَلِفِ بِطَلَاقِهِمَا إنَّمَا تَنْحَلُّ الثَّانِيَةُ بِتَعْلِيقِ طَلَاقِهَا بِالْمِلْكِ أَوْ بَعْدَهُ إذْ الثَّالِثَةُ أَنْعَقَدَتْ عَلَى الْمَدْخُولَةِ حَسْبُ فَكَانَتْ الثَّالِثَةُ شَطْرَ الشَّرْطِ وَذَا فِي حَقِّ الثَّالِثَةِ شَطْرٌ أَيْضًا فَلَا تَنْحَلُّ مَا لَمْ يَحْلِفْ بِطَلَاقِ الْمَدْخُولَةِ وَهِيَ الْبَرْدَعِيَّةُ اهـ. يَعْنِي: أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ تُلَقَّبُ بِالْبَرْدَعِيَّةِ لِأَنَّ أَبَا سَعِيدٍ البرادعي بَعْدَمَا تَفَقَّهَ وَدَرَسَ سُئِلَ عَنْهَا فَلَمْ يَهْتَدِ إلَى جَوَابِهَا فَارْتَحَلَ إلَى بَغْدَادَ وَتَعَلَّمَ سَبْعَ سِنِينَ حَتَّى صَارَ مِنْ كِبَارِ أَصْحَابِنَا وَقُيِّدَ بِغَيْرِ الْمَدْخُولَةِ لِأَنَّ فِيهَا يَتَعَلَّقُ الْكُلُّ بِالشَّرْطِ قَدَّمَهُ أَوْ أَخَّرَهُ، وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ لِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا: أَنْت طَالِقٌ وَاحِدَةً لَا بَلْ ثَلَاثًا إنْ دَخَلْت الدَّارَ طَلُقَتْ وَاحِدَةً لِلْحَالِ وَثَلَاثًا إنْ دَخَلَتْ الدَّارَ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً لِلتَّنْجِيزِ وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ لَا بَلْ ثَلَاثًا إنْ دَخَلَتْ الدَّارَ تَعْلِيقُ الثَّلَاثِ، وَالرُّجُوعِ عَنْ إيقَاعِ الْوَاحِدَةِ فَلَا يَصِلُ الشَّرْطُ الْمَذْكُورُ آخِرًا بِإِيقَاعِ الْوَاحِدَةِ فَصَحَّ تَعْلِيقُهُ وَلَمْ يَصِحَّ رُجُوعُهُ عَنْ الْوَاحِدَةِ، وَلَوْ قَدَّمَ الشَّرْطَ فَقَالَ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْت طَالِقٌ وَاحِدَةً لَا بَلْ ثَلَاثًا لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَدْخُلَ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَا بَلْ ثَلَاثًا غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ تَامٌّ بِنَفْسِهِ فَتَعَذَّرَ أَنْ يُجْعَلَ تَنْجِيزًا فَصَارَ تَعْلِيقًا اهـ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ، وَالْمَآبُ. (بَابُ الْكِنَايَاتِ فِي الطَّلَاقِ) قَدَّمَ الصَّرِيحَ عَلَيْهَا لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فِي الْكَلَامِ إذْ هُوَ مَوْضُوعٌ لِلْأَفْهَامِ وَهِيَ فِي اللُّغَةِ مَأْخُوذَةٌ مِنْ كَنَى يَكْنُو إذَا سَتَرَ وَذَكَرَ الرَّضِيُّ أَنَّهَا فِي اللُّغَةِ، وَالِاصْطِلَاحِ أَنْ يُعَبَّرَ عَنْ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ لَفْظًا كَانَ أَوْ مَعْنًى بِلَفْظٍ غَيْرِ صَرِيحٍ فِي الدَّلَالَةِ عَلَيْهِ إمَّا لِلْإِبْهَامِ عَلَى بَعْضِ السَّامِعِينَ كَقَوْلِك جَاءَنِي فُلَانٌ وَأَنْتَ تُرِيدُ زَيْدًا وَقَالَ فُلَانٌ كَيْتَ وَكَيْتَ إبْهَامًا عَلَى بَعْضِ مَنْ يَسْمَعُ أَوْ لِشَنَاعَةِ الْمُعَبَّرِ عَنْهُ كَهُنَّ فِي الْفَرْجِ أَوْ لِلِاخْتِصَارِ كَالضَّمَائِرِ أَوْ لِنَوْعٍ مِنْ الْفَصَاحَةِ كَقَوْلِك فُلَانٌ كَثِيرُ الرَّمَادِ وَكَثِيرُ الْقِرَى أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ اهـ. وَفِي عِلْمِ   [منحة الخالق] لَا يَحْنَثُ لَوْ اقْتَصَرَ وَبِهِ يَنْدَفِعُ اسْتِشْهَادُ زُفَرَ وَلِأَنَّ الْجُمْلَةَ لَوْ لَمْ تَكُنْ وَاحِدَةً لَنَزَلَ طَلْقَتَانِ عَلَى الْمَدْخُولَةِ بِتَكْرِيرِ كُلَّمَا طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ ثَانِيًا كُلَّمَا طَلَّقْتُك مُخَاطَبَةٌ لَهَا وَكَذَلِكَ فَأَنْتِ طَالِقٌ خِطَابٌ ثَانٍ. فَإِذَا ثَبَتَ انْعِقَادُ الْيَمِينِ الثَّانِيَةِ انْحَلَّتْ بِوُجُودِ الثَّالِثَةِ لَا إلَى جَزَاءٍ لِأَنَّ الْجَزَاءَ يُصَادِفُهَا وَهِيَ مُبَانَةٌ فَتَلْغُوا الثَّالِثَةُ لِعَدَمِ الْمِلْكِ، وَقَالَ أَبُو مُطِيعٍ وَجَمَاعَةٌ مِنْ مَشَايِخِ بَلْخَ: لَا يَنْحَلُّ مِنْهَا شَيْءٌ إلَّا بِكَلَامٍ مُبْتَدَأٍ وَإِلَيْهِ سَبَقَ وَهْمُ أَبِي حَنِيفَةَ حِينَ سَأَلَهُ مُحَمَّدٌ فِي صِغَرِهِ عَمَّنْ قَالَ ثَلَاثًا وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُك وَقَالَ يَا شَيْخُ اُنْظُرْ حَسَنًا فَقَالَ حَنِثَ مَرَّتَيْنِ، فَقَالَ مُحَمَّدٌ أَحْسَنْت وَقَوْلُهُ: وَفِي إنْ حَلَفْت. . . إلَخْ أَيْ، وَفِيمَا لَوْ قَالَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لِغَيْرِ الْمَدْخُولَةِ إنْ حَلَفْت بِطَلَاقِك فَأَنْت طَالِقٌ لَا تَنْحَلُّ الْيَمِينُ الثَّانِيَةُ إلَّا بِتَعْلِيقِ طَلَاقِهَا بِالْمِلْكِ بِأَنْ يَقُولَ إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ يَتَعَلَّقُ بَعْدَ مِلْكِ النِّكَاحِ بِأَنْ يَتَزَوَّجَهَا، وَيَقُولَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْت طَالِقٌ لِأَنَّ شَرْطَ الِانْحِلَالِ هُنَا هُوَ الْحَلِفُ بِطَلَاقِهَا وَذَلِكَ بِإِدْخَالِهَا فِي جَزَاءِ الْيَمِينِ الثَّالِثَةِ وَهُوَ الطَّلَاقُ وَلَا يَصِحُّ إدْخَالُهَا فِيهِ لِعَدَمِ الْمِلْكِ عِنْدَ وُجُودِهَا بِخِلَافِ الْأُولَى لِأَنَّ الشَّرْطَ وَهُوَ الْكَلَامُ يُتَصَوَّرُ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ وَكَذَا الْحُكْمُ فِي تَعْلِيقِ الرَّجُلِ طَلَاقَ امْرَأَتَيْهِ الْمَدْخُولِ بِهَا غَيْرَ الْمَدْخُولِ بِهَا بِالْحَلِفِ بِطَلَاقَيْهِمَا بِأَنْ قَالَ لَهُمَا ثَلَاثًا: إنْ حَلَفْت بِطَلَاقَيْكُمَا فَأَنْتُمَا طَالِقَانِ إنَّمَا تَنْحَلُّ الثَّانِيَةُ فِي حَقِّهِمَا بِتَعْلِيقِ طَلَاقِ غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِالْمِلْكِ أَوْ بَعْدَهُ بِشَرْطٍ آخَرَ كَمَا مَرَّ لِأَنَّ الْيَمِينَ الثَّالِثَةَ الَّتِي هِيَ شَرْطُ انْحِلَالِ الثَّانِيَةِ إنَّمَا انْعَقَدَ عَلَى الْمَدْخُولَةِ خَاصَّةً لِأَنَّ الشَّرْطَ فِي انْحِلَالِ الثَّانِيَةِ الْحَلِفُ بِطَلَاقِهِمَا وَذَلِكَ بِإِدْخَالِهِمَا فِي جَزَاءِ الثَّالِثَةِ وَهُوَ الطَّلَاقُ وَلَمْ يُمْكِنْ إدْخَالُ غَيْرِ الْمَدْخُولَةِ فِيهِ لِعَدَمِ الْمِلْكِ كَمَا مَرَّ فَكَانَتْ الثَّالِثَةُ فِي حَقِّ انْحِلَالِ الثَّانِيَةِ شَطْرَ الشَّرْطِ لَا كُلَّهُ فَلَا يُؤَثِّرُ فِي انْحِلَالِ شَيْءٍ فَإِذَا عَلَّقَ بَعْدَهُ طَلَاقَ غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِالْمِلْكِ أَوْ بَعْدُ بِشَرْطٍ آخَرَ كَمُلَ الشَّرْطُ فَتَطْلُقُ كُلَّ طَلْقَةٍ أُخْرَى مَعَ الَّتِي وَقَعَتْ بِانْحِلَالِ الْيَمِينِ الْأُولَى. وَقَوْلُهُ: وَذَا إشَارَةٌ إلَى تَعْلِيقِ طَلَاقِ غَيْرِ الْمَدْخُولَةِ بِالْمِلْكِ أَوْ بَعْدَهُ فِي حَقِّ الْيَمِينِ الثَّالِثَةِ شَطْرٌ أَيْضًا مِنْ شُرُوطِ الِانْحِلَالِ فِي حَقِّ الْمَدْخُولَةِ لِأَنَّ الثَّالِثَةَ مُنْعَقِدَةٌ فِي حَقِّهَا خَاصَّةً إلَّا أَنَّ شَرْطَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا الْحَلِفُ بِطَلَاقَيْهِمَا وَقَدْ وُجِدَ الْحَلِفُ بِطَلَاقِ غَيْرِ الْمَدْخُولَةِ بَقِيَ لِتَمَامِ شَرْطِ انْحِلَالِ الثَّالِثَةِ فِي حَقِّ الْمَدْخُولَةِ الْحَلِفُ بِطَلَاقِهَا فَلَا تَنْحَلُّ مَا لَمْ يَحْلِفْ بِهِ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ بِأَنْ يَقُولَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَحِينَئِذٍ تَطْلُقُ ثَالِثَةً وَبِهَذَا أَعْنِي الْحَلِفَ بِطَلَاقِ غَيْرِ الْمَدْخُولَةِ وُجِدَ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ انْعِقَادُ الْيَمِينِ عَلَيْهِمَا وَتَمَامُ شَرْطِ انْحِلَالِ الْيَمِينِ الثَّانِيَةِ وَشَطْرُ شَرْطِ الْحِنْثِ فِي الْيَمِينِ الثَّالِثَةِ كَذَا فِي شَرْحِ الْفَارِسِيِّ مُلَخَّصًا. [بَابُ الْكِنَايَاتِ فِي الطَّلَاقِ] الجزء: 3 ¦ الصفحة: 321 الْبَيَانِ عَلَى الْقَوْلِ الْأَصَحِّ كَمَا فِي الْمُطَوَّلِ أَنْ لَا يُصَرِّحَ بِذِكْرِ الْمُسْتَعَارِ بَلْ بِذَكَرِ رَدِيفِهِ وَلَازِمِهِ الدَّالِّ عَلَيْهِ فَالْمَقْصُودُ بِقَوْلِنَا أَظْفَارُ الْمَنِيَّةِ اسْتِعَارَةُ السَّبُعِ لِلْمَنِيَّةِ كَاسْتِعَارَةِ الْأَسَدِ لِلرَّجُلِ الشُّجَاعِ فِي قَوْلِنَا رَأَيْت أَسَدًا لَكِنَّا لَمْ نُصَرِّحْ بِذِكْرِ الْمُسْتَعَارِ أَعْنِي السَّبُعَ بَلْ اقْتَصَرْنَا عَلَى ذِكْرِ لَازِمِهِ لِيَنْتَقِلَ مِنْهُ إلَى الْمَقْصُودِ كَمَا هُوَ شَأْنُ الْكِنَايَةِ فَالْمُسْتَعَارُ هُوَ لَفْظُ السَّبُعِ الْغَيْرِ الْمُصَرَّحِ بِهِ، وَالْمُسْتَعَارُ مِنْهُ هُوَ الْحَيَوَانُ الْمُفْتَرِسُ، وَالْمُسْتَعَارُ لَهُ هُوَ الْمَنِيَّةُ إلَى آخِرِهِ، وَفِي أُصُولِ الْفِقْهِ قَالَ فِي التَّنْقِيحِ ثُمَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْحَقِيقَةِ، وَالْمَجَازِ إذَا كَانَ فِي نَفْسِهِ بِحَيْثُ لَا يَسْتَتِرُ الْمُرَادُ فَصَرِيحٌ وَإِلَّا فَكِنَايَةٌ. فَالْحَقِيقَةُ الَّتِي لَمْ تُهْجَرْ صَرِيحٌ وَاَلَّتِي هُجِرَتْ وَغَلَبَ مَعْنَاهَا الْمَجَازِيُّ كِنَايَةٌ، وَالْمَجَازُ الْغَالِبُ الِاسْتِعْمَالِ صَرِيحٌ وَغَيْرُ الْغَالِبِ كِنَايَةٌ، وَعِنْدَ عُلَمَاءِ الْبَيَانِ الْكِنَايَةُ لَفْظٌ يُقْصَدُ بِمَعْنَاهُ مَعْنًى ثَانٍ مَلْزُومٍ لَهُ وَهِيَ لَا تُنَافِي إرَادَةَ الْمَوْضُوعِ لَهُ فَإِنَّهَا اُسْتُعْمِلَتْ فِيهِ لَكِنْ قَصَدَ بِمَعْنَاهُ مَعْنَى ثَانٍ كَمَا فِي طَوِيلِ النِّجَادِ بِخِلَافِ الْمَجَازِ فَإِنَّهُ اُسْتُعْمِلَ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ فَيُنَافِي إرَادَةَ الْمَوْضُوعِ لَهُ اهـ. وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ فِي نَفْسِهِ عَنْ انْكِشَافِ الْمُرَادِ فِيهَا بِوَاسِطَةِ التَّفْسِيرِ، وَالْبَيَانِ وَدَخَلَ فِيهَا الْمُشْكِلُ، وَالْمُجْمَلُ، وَفِي الْفِقْهِ هُنَا مَا احْتَمَلَ الطَّلَاقَ وَغَيْرَهُ (قَوْلُهُ: لَا تَطْلُقُ بِهَا إلَّا بِنِيَّةٍ أَوْ دَلَالَةِ الْحَالِ) أَيْ لَا تَطْلُقُ بِالْكِنَايَاتِ قَضَاءً إلَّا بِإِحْدَى هَذَيْنِ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَوْضُوعَةٍ لِلطَّلَاقِ بَلْ مَوْضُوعَةٌ لِمَا هُوَ أَعَمُّ مِنْهُ وَمِنْ حُكْمِهِ لِمَا سَيَأْتِي أَنْ مَا عَدَا الثَّلَاثَ مِنْهَا لَمْ يَرِدْ بِهَا الطَّلَاقُ أَصْلًا بَلْ مَا هُوَ حُكْمُهُ مِنْ الْبَيْنُونَةِ مِنْ النِّكَاحِ، وَالْمُرَادُ بِدَلَالَةِ الْحَالِ الْحَالَةُ الظَّاهِرَةُ الْمُفِيدَةُ لِمَقْصُودِهِ وَمِنْهَا تَقَدُّمُ ذِكْرِ الطَّلَاقِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ، وَلَوْ قَالَ لَهَا: أَنْت طَالِقٌ إنْ شِئْت وَاخْتَارِي فَقَالَتْ شِئْت وَاخْتَرْت يَقَعُ طَلَاقَانِ أَحَدُهُمَا بِالْمَشِيئَةِ، وَالْآخَرُ بِالِاخْتِيَارِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ لِتَقَدُّمِ الصَّرِيحِ عَلَيْهَا، وَالْحَالُ فِي اللُّغَةِ صِفَةُ الشَّيْءِ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ يُقَالُ حَالٌ حَسَنٌ وَحَسَنَةٌ كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ قَيَّدْنَا بِالْقَضَاءِ لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ دِيَانَةً إلَّا بِالنِّيَّةِ وَلَا عِبْرَةَ بِدَلَالَةِ الْحَالِ كَمَا إذَا قَالَ: أَنْت طَالِقٌ وَنَوَاهُ عَنْ الْوَثَاقِ لَا يَقَعُ دِيَانَةً، وَفِي الْمُجْتَبَى عَنْ صَدْرِ الْقُضَاةِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إذَا قَالَ: لَمْ أَنْوِ الطَّلَاقَ فَعَلَيْهِ الْيَمِينُ إنْ ادَّعَتْ الطَّلَاقَ، وَإِنْ لَمْ تَدَعْ يَحْلِفُ أَيْضًا حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى ن قَالَ أَبُو نَصْرٍ قُلْت لِمُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ يُحَلِّفُهُ الْحَاكِمُ أَمْ هِيَ تُحَلِّفُهُ قَالَ يُكْتَفَى بِتَحْلِيفِهَا إيَّاهُ فِي مَنْزِلِهِ فَإِذَا حَلَّفَتْهُ فَحَلَفَ فَهِيَ امْرَأَتُهُ وَإِلَّا رَافَعَتْهُ إلَى الْقَاضِي، وَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ عِنْدَهُ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ تُشْتَرَطُ النِّيَّةُ يَنْظُرُ الْمُفْتِي إلَى سُؤَالِ السَّائِلِ إنْ قَالَ: قُلْت كَذَا هَلْ يَقَعُ يَقُولُ نَعَمْ إنْ نَوَيْت، وَإِنْ قَالَ: كَمْ يَقَعُ يَقُولُ وَاحِدَةً وَلَا يَتَعَرَّضُ لِاشْتِرَاطِ النِّيَّةِ. (قَوْلُهُ: فَتَطْلُقُ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً فِي اعْتَدِّي وَاسْتَبْرِي رَحِمَك وَأَنْتِ وَاحِدَةً) لِأَنَّ الْأُولَى تَحْتَمِلُ الِاعْتِدَادَ مِنْ النِّكَاحِ وَمِنْ نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى فَتَعَيَّنَ الْأَوَّلُ بِالنِّيَّةِ وَيَقْتَضِي طَلَاقًا سَابِقًا وَهُوَ يَعْقُبُ الرَّجْعَةَ إنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ وَأَمَّا قَبْلَهُ فَهُوَ مَجَازٌ عَنْ كُونِي طَالِقًا مِنْ إطْلَاقِ الْحُكْمِ وَإِرَادَةِ الْعِلَّةِ وَلَا يُجْعَلُ مَجَازًا عَنْ طَلِّقِي لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ وَلَا عَنْ أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ طَلَّقْتُك لِأَنَّهُمْ يَشْتَرِطُونَ التَّوَافُقَ فِي الصِّيغَةِ كَذَا فِي التَّلْوِيحِ وَمَا فِي الشَّرْحِ مِنْ أَنَّهُ مِنْ إطْلَاقِ الْمُسَبَّبِ وَإِرَادَةِ السَّبَبِ فَمَمْنُوعٌ لِأَنَّهُ يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ شَرْطَهُ اخْتِصَاصُ الْمُسَبَّبِ بِالسَّبَبِ، وَالْعِدَّةُ لَا تَخْتَصُّ بِالطَّلَاقِ لِثُبُوتِهَا فِي أُمِّ الْوَلَدِ إذَا أُعْتِقَتْ وَمَا أُجِيبَ بِهِ مِنْ أَنَّ ثُبُوتَهَا فِيمَا ذُكِرَ لِوُجُودِ سَبَبِ ثُبُوتِهَا فِي الطَّلَاقِ وَهُوَ الِاسْتِبْرَاءُ إلَّا بِالْأَصَالَةِ فَغَيْرُ دَافِعٍ سُؤَالَ عَدَمِ الِاخْتِصَاصِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِي التَّلْوِيحِ، وَالِاعْتِدَادِ شَرْعًا بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ مُخْتَصٌّ بِالطَّلَاقِ لَا يُوجَدُ فِي غَيْرِهِ إلَّا بِطَرِيقِ التَّبَعِ، وَالشَّبَهِ كَالْمَوْتِ وَحُدُوثِ حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ وَارْتِدَادِ الزَّوْجِ وَغَيْرِهَا، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ اعْتَدِّي مِنْ بَابِ الْإِضْمَارِ أَيْ طَلَّقْتُك فَاعْتَدِّي أَوْ اعْتَدِّي لِأَنِّي طَلَّقْتُك فَفِي الْمَدْخُولِ يَثْبُتُ الطَّلَاقُ وَتَجِبُ الْعِدَّةُ، وَفِي غَيْرِهَا يَثْبُتُ الطَّلَاقُ عَمَلًا بِنِيَّتِهِ وَلَا تَجِبُ الْعِدَّةُ اهـ.   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: أَنْ لَا يُصَرِّحَ بِذِكْرِ الْمُسْتَعَارِ إلَخْ) لَيْسَ هَذَا هُوَ الْكِنَايَةُ الْمُصْطَلَحُ عَلَيْهَا عِنْدَ الْبَيَانِيِّينَ بَلْ هِيَ مَا يَأْتِي فِي كَلَامِ التَّنْقِيحِ أَمَّا هَذِهِ فَهِيَ الِاسْتِعَارَةُ الْمَكِنِيَّةُ الْمُقَابِلَةُ لِلْمُصَرَّحَةِ ثُمَّ رَأَيْته تَعَقَّبَهُ فِي النَّهْرِ بَعْدَ مَا ذَكَرَ مَعْنَى الْكِنَايَةِ عِنْدَهُمْ بِنَحْوِ مَا يَأْتِي قَالَ إنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ هُوَ الِاسْتِعَارَةُ بِالْكِنَايَةِ الَّتِي مِنْ الْمَجَازِ بِعَلَاقَةِ الْمُشَابَهَةِ وَلَا يَصِحُّ إرَادَتُهَا فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْآتِيَةِ بِخِلَافِ الْكِنَايَةِ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ إرَادَتُهَا فِي نَحْوِ اعْتَدِّي كَمَا سَيَأْتِي. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 322 وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّهُ مِنْ بَابِ الِاقْتِضَاءِ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولَةِ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَ أَمْرُهَا فِيهَا بِالْعِدَّةِ لَيْسَ بِمُوجِبٍ شَيْئًا فَلَا حَاجَةَ إلَى تَكَلُّفِ الْمَجَازِ، وَالْمُرَادُ بِالْمُسَبَّبِ هُنَا وُجُوبُ عَدِّ الْإِقْرَاءِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ الْأَمْرِ وَمَا فِي النَّوَادِرِ مِنْ أَنَّ وُقُوعَ الرَّجْعِيِّ بِهَا اسْتِحْسَانٌ «لِحَدِيثِ سَوْدَةَ يَعْنِي أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ لَهَا اعْتَدِّي ثُمَّ رَاجَعَهَا» ، وَالْقِيَاسُ أَنْ يَقَعَ الْبَائِنُ كَسَائِرِ الْكِنَايَاتِ بَعِيدٌ بَلْ ثُبُوتُ الرَّجْعِيِّ قِيَاسٌ وَاسْتِحْسَانٌ لِأَنَّ عِلَّةَ الْبَيْنُونَةِ فِي غَيْرِ الثَّلَاثَةِ مُنْتَفِيَةٌ فِيهَا فَلَا يَتَّجِهُ الْقِيَاسُ أَصْلًا كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَقَدْ سَلَكَ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ طَرِيقًا غَيْرَ طَرِيقِهِمْ فِي تَقْرِيرِ أَنَّ اعْتَدِّي مِنْ بَابِ الِاقْتِضَاءِ فَقَالَ إنَّ اعْتَدِّي يَقْتَضِي فُرْقَةً بَعْدَ الدُّخُولِ وَهِيَ أَعَمُّ مِنْ رَجْعِيٍّ وَبَائِنٍ لَكِنْ لَا يُوجِبُ ذَلِكَ تَعْيِينَ الْبَائِنِ بَلْ تَعْيِينَ الْأَخَفِّ لِعَدَمِ الدَّلَالَةِ عَلَى الزَّائِدِ اهـ. وَهُوَ مَسْلَكٌ حَسَنٌ لَكِنْ يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ نَوَى الْبَائِنَ فِي قَوْلِهِ اعْتَدِّي صَحَّتْ نِيَّتُهُ وَعَلَى مَا قَرَّرَهُ الْمَشَايِخُ مِنْ الطَّلَاقِ لَمْ تَصِحَّ نِيَّتُهُ وَأَمَّا اسْتَبْرِي رَحِمَك فَلِأَنَّهُ تَصْرِيحٌ بِمَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْعِدَّةِ وَهُوَ تَعَرُّفُ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ فَيَحْتَمِلُ اسْتَبْرِيهِ لِأَنِّي طَلَّقْتُك أَوْ لَأُطَلِّقكِ إذَا عَلِمْت خُلُوَّهُ عَنْ الْوَلَدِ وَعَلَى الْأَوَّلِ يَقَعُ وَعَلَى الثَّانِي لَا فَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ وَيَجِبُ كَوْنُهُ مَجَازًا عَنْ كُونِي طَالِقًا فِي الْمَدْخُولَةِ إذَا كَانَتْ آيِسَةً أَوْ صَغِيرَةً، وَفِي غَيْرِ الْمَدْخُولَةِ مُطْلَقًا وَأَمَّا أَنْتِ وَاحِدَةً فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ نَعْتًا لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ مَعْنَاهُ تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً فَإِذَا نَوَاهُ مَعَ هَذَا الْوَصْفِ فَكَأَنَّهُ قَالَهُ. وَالطَّلَاقُ يَعْقُبُهُ الرَّجْعَةُ وَيَحْتَمِلُ غَيْرَهُ نَحْوَ أَنْتِ وَاحِدَةً عِنْدِي أَوْ فِي قَوْمِك مَدْحًا وَذَمًّا فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ الطَّلَاقَ فِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ الثَّلَاثَةِ مُقْتَضًى، وَلَوْ كَانَ مُظْهِرًا لَا يَقَعُ بِهِ إلَّا وَاحِدَةً فَإِذَا كَانَ مُضْمَرًا وَإِنَّهُ أَضْعَفُ مِنْهُ أَوْلَى وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً إلَى أَنَّهُ لَوْ نَوَى الْبَيْنُونَةَ الْكُبْرَى أَوْ الصُّغْرَى لَا تُعْتَبَرُ نِيَّتُهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي الْأُولَيَيْنِ وَأَمَّا فِي أَنْتِ وَاحِدَةً فَالْمَصْدَرُ، وَإِنْ كَانَ مَذْكُورًا بِذِكْرِ صِفَتِهِ لَكِنَّ التَّنْصِيصَ عَلَى الْوَاحِدَةِ يَمْنَعُ إرَادَةَ الثَّلَاثِ لِأَنَّهَا صِفَةٌ لِلْمَصْدَرِ الْمَحْدُودِ بِالْهَاءِ فَلَا يَتَجَاوَزُ الْوَاحِدَةَ وَأَطْلَقَ فِي وَاحِدَةٍ فَأَفَادَ أَنَّهُ لَا مُعْتَبَرَ بِإِعْرَابِهَا وَهُوَ قَوْلُ الْعَامَّةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ الْعَوَامَّ لَا يُمَيِّزُونَ بَيْنَ وُجُوهِ الْإِعْرَابِ، وَالْخَوَاصُّ لَا تَلْتَزِمُهُ فِي كَلَامِهِمْ عُرْفًا بَلْ تِلْكَ صِنَاعَتُهُمْ، وَالْعُرْفُ لُغَتُهُمْ وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي شَرْحِنَا عَلَى الْمَنَارِ أَنَّهُمْ لَمْ يَعْتَبِرُوهُ هُنَا وَاعْتُبِرُوهُ فِي الْإِقْرَارِ فِيمَا لَوْ قَالَ لَهُ دِرْهَمٌ غَيْرُ دَانِقٍ رَفْعًا وَنَصْبًا فَيَحْتَاجُونَ إلَى الْفَرْقِ وَلَمَّا كَانَتْ الْعِلَّةُ فِي وُقُوعِ الرَّجْعِيِّ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ الثَّلَاثَةِ وُجُودَ الطَّلَاقِ مُقْتَضًى أَوْ مُضْمِرًا عُلِمَ أَنْ لَا حَصْرَ فِي كَلَامِهِ بَلْ كُلُّ كِنَايَةٍ كَانَ فِيهَا ذِكْرُ الطَّلَاقِ كَانَتْ دَاخِلَةً فِي كَلَامِهِ وَيَقَعُ بِهَا الرَّجْعِيُّ بِالْأَوْلَى كَقَوْلِهِ أَنَا بَرِيءٌ مِنْ طَلَاقِك الطَّلَاقُ عَلَيْك عَلَيْك الطَّلَاقُ لَك الطَّلَاقُ وَهَبْتُك طَلَاقَك إذَا قَالَتْ اشْتَرَيْت مِنْ غَيْرِ بَدَلٍ قَدْ شَاءَ اللَّهُ طَلَاقَك قَضَى اللَّهُ طَلَاقَك شِئْت طَلَاقَك تَرَكْت طَلَاقَك خَلَّيْت سَبِيلَ طَلَاقِك أَنْتِ مُطْلَقَةٌ بِتَسْكِينِ الطَّاءِ أَنْتِ أَطْلَقُ مِنْ امْرَأَةِ فُلَانٍ وَهِيَ مُطَلَّقَةٌ أَنْتِ طَالِ بِحَذْفِ الْآخِرِ خُذِي طَلَاقَك أَقْرَضْتُك طَلَاقَك أَعَرْتُك طَلَاقَك وَيَصِيرُ الْأَمْرُ بِيَدِهَا عَلَى مَا فِي الْمُحِيطِ لَسْت لِي بِامْرَأَةٍ وَمَا أَنَا لَك بِزَوْجٍ لَسْت لَك بِزَوْجٍ وَمَا أَنْتِ لِي بِامْرَأَةٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: أَنَا بَرِيءٌ مِنْ نِكَاحِك فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ قَالَهُ ابْنُ سَلَّامٍ، وَفِي الْخُلَاصَةِ اُخْتُلِفَ فِي بَرِئْت مِنْ طَلَاقِك إذَا نَوَى. ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَقَعُ، وَالْأَوْجَهُ عِنْدِي أَنْ يَقَعَ بَائِنًا كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِي الْمِعْرَاجِ، وَالْأَصْلُ الَّذِي عَلَيْهِ الْفَتْوَى فِي الطَّلَاقِ بِالْفَارِسِيَّةِ أَنَّهُ إنْ كَانَ فِيهِ لَفْظٌ لَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا فِي الطَّلَاقِ فَذَلِكَ اللَّفْظُ صَرِيحٌ يَقَعُ بِلَا نِيَّةٍ إذَا أُضِيفَ إلَى الْمَرْأَةِ مِثْلُ زن رها كردم فِي عُرْفِ أَهْلِ خُرَاسَانَ، وَالْعِرَاقِ بهيم لِأَنَّ الصَّرِيحَ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ اللُّغَاتِ وَمَا كَانَ بِالْفَارِسِيَّةِ يُسْتَعْمَلُ فِي الطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ فَهُوَ مِنْ كِنَايَاتِ الْفَارِسِيَّةِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ كِنَايَاتِ الْعَرَبِيَّةِ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَفِي غَيْرِهَا بَائِنَةٌ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّهُ مِنْ بَابِ الِاقْتِضَاءِ) قَالَ فِي النَّهْرِ فِيهِ نَظَرٌ كَيْفَ، وَقَدْ جَعَلَهُ مُقَابِلًا لَهُ فَتَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: فَلَا يَتَجَاوَزُ الْوَاحِدَةَ) أَيْ فَلَا تُعْتَبَرُ نِيَّةُ الْبَيْنُونَةِ الْكُبْرَى وَلَمْ يُصَرِّحْ بِعَدَمِ اعْتِبَارِ الصُّغْرَى مَعَ أَنَّ الْكَلَامَ مَسُوقٌ لِبَيَانِهِ أَيْضًا لِلْعِلْمِ بِهِ مِنْ كَوْنِ الْوُقُوعِ بِالْمَصْدَرِ وَهُوَ تَطْلِيقَةٌ (قَوْلُهُ: وَهُوَ قَوْلُ الْعَامَّةِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَمَّا قَالَ بَعْضُهُمْ إنْ رَفَعَ الْوَاحِدَةَ لَا يَقَعُ شَيْءٌ، وَإِنْ نَوَى، وَإِنْ نَصَبَهَا وَقَعَتْ وَاحِدَةً، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ نَعْتٌ لِلْمَصْدَرِ أَيْ أَنْت طَالِقٌ تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً فَقَدْ أَوْقَعَ بِالصَّرِيحِ، وَإِنْ سَكَّنَ اُحْتِيجَ إلَى النِّيَّةِ كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: فَيَحْتَاجُونَ إلَى الْفَرْقِ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَكَأَنَّهُ عَمَلًا بِالِاحْتِيَاطِ فِي الْبَابَيْنِ (قَوْلُهُ: بَلْ كُلُّ كِنَايَةٍ كَانَ فِيهَا ذِكْرُ الطَّلَاقِ. . . إلَخْ) فِيهِ قُصُورٌ عَمَّا يَذْكُرُهُ أَيْضًا مِنْ قَوْلِهِ لَسْت لِي بِامْرَأَةٍ. . . إلَخْ فَإِنَّهُ لَا ذِكْرَ لِلطَّلَاقِ فِيهِ تَأَمَّلْ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 323 وَإِنْ نَوَى ثِنْتَيْنِ وَتَصِحُّ نِيَّتُهُ الثَّلَاثَ) أَيْ فِي غَيْرِ الْأَلْفَاظِ الثَّلَاثَةِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا تَقَعُ وَاحِدَةً بَائِنَةً أَوْ ثَلَاثٌ بِالنِّيَّةِ وَلَا تَصِحُّ نِيَّةُ الثِّنْتَيْنِ فِي الْحُرِّ لِمَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّهُ عَدَدٌ مَحْضٌ بِخِلَافِ الثَّلَاثِ لِأَنَّهُ كُلُّ الْجِنْسِ وَلِأَنَّ الْبَيْنُونَةَ مُتَنَوِّعَةٌ إلَى غَلِيظَةٍ وَخَفِيفَةٍ فَأَيُّهُمَا نَوَى صَحَّتْ نِيَّتُهُ بِخِلَافِ أَنْتِ طَالِقٌ لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ شَرْعًا لِإِنْشَاءِ الْوَاحِدَةِ الرَّجْعِيَّةِ فَلَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ تَغْيِيرَهُ، وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ طَلَّقَ مَنْكُوحَتَهُ الْحُرَّةَ وَاحِدَةً ثُمَّ قَالَ لَهَا أَنْت بَائِنٌ وَنَوَى ثِنْتَيْنِ كَانَتْ وَاحِدَةً لِأَنَّ الْبَيْنُونَةَ الْغَلِيظَةَ لَا تَحْصُلُ بِمَا نَوَى فَلَا تَصِحُّ النِّيَّةُ حَتَّى لَوْ نَوَى الثَّلَاثَ تَقَعُ لِأَنَّ الْبَيْنُونَةَ فِي حَقِّهَا تَحْصُلُ بِالثِّنْتَيْنِ وَبِالْوَاحِدَةِ السَّابِقَةِ اهـ. وَالثِّنْتَانِ فِي الْأَمَةِ كَالثَّلَاثِ فِي الْحُرَّةِ فَلَا تُرَدُّ عَلَيْهِ كَمَا لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ اخْتَارِي، وَأَمْرُك بِيَدِك فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ بِهِمَا بَلْ إذَا نَوَى التَّفْوِيضَ كَانَ لَهَا التَّطْلِيقُ فَلَا يَقَعُ إلَّا بِقَوْلِهَا بَعْدَهُ اخْتَرْت نَفْسِي وَنَحْوَهُ وَكَمَا لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ اخْتَارِي فَإِنَّهُ كِنَايَةٌ وَلَا يَصِحُّ فِيهِ نِيَّةُ الثَّلَاثِ لِمَا سَنَذْكُرُهُ فِي بَابِ التَّفْوِيضِ وَبِهِ انْدَفَعَ اعْتِرَاضُ الشَّارِحِ عَلَيْهِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْكِنَايَاتِ كُلَّهَا تَصِحُّ فِيهَا نِيَّةُ الثَّلَاثِ إلَّا أَرْبَعَةً الثَّلَاثُ الرَّوَاجِعُ وَاخْتَارِي كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ. (قَوْلُهُ: وَهِيَ بَائِنٌ) مِنْ بَابِ بَانَ الشَّيْءُ إذَا انْفَصَلَ فَهُوَ بَائِنٌ وَأَبَنْته بِالْأَلِفِ فَصَلْته، وَبَانَتْ الْمَرْأَةُ بِالطَّلَاقِ فَهِيَ بَائِنٌ بِغَيْرِهَا، وَأَبَانَهَا زَوْجُهَا بِالْأَلِفِ فَهِيَ مُبَانَةٌ قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ فِي كِتَابِ التَّوْسِعَةِ تَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ، وَالْمَعْنَى مُبَانَةٌ قَالَ الصَّاغَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَاعِلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٌ كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ وَفِي مَنْظُومَةِ ابْنِ وَهْبَانَ مَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ لَوْ عَلَّقَ بِالشَّرْطِ إبَانَةً بِلَا نِيَّةِ طَلَاقٍ لَمْ يَقَعْ إذَا وُجِدَ شَرْطُهُ اهـ. فَأَنْتِ بَائِنٌ كِنَايَةٌ مُعَلَّقًا كَانَ أَوْ مُنْجَزًا (قَوْلُهُ: بَتَّةٌ) مِنْ بَتَّهُ بَتًّا مِنْ بَابِ ضَرَبَ وَقَتَلَ قَطَعَهُ، وَفِي الْمُطَاوِعِ فَانْبَتَّ كَمَا يُقَالُ فَانْقَطَعَ وَانْكَسَرَ وَبَتَّ الرَّجُلُ طَلَاقَ امْرَأَتِهِ فَهِيَ مَبْتُوتَةٌ، وَالْأَصْلُ مَبْتُوتٌ طَلَاقُهَا وَطَلَّقَهَا طَلْقَةً بَتَّةً وَثَلَاثًا بَتَّةً إذَا قَطَعَهَا مِنْ الرَّجْعَةِ وَأَبَتَّ طَلَاقَهَا بِالْأَلْفِ لُغَةً قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: وَيُسْتَعْمَلُ الثُّلَاثِيُّ، وَالرُّبَاعِيُّ لَازِمَيْنِ وَمُتَعَدِّيَيْنِ فَيُقَالُ بَتَّ طَلَاقُهَا، وَأَبَتَّهُ وَطَلَاقٌ بَاتٌّ وَبَتٌّ كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ (قَوْلُهُ بَتْلَةٌ) مِنْ بَتَلَهُ بَتْلًا مِنْ بَابِ قَتَلَ قَطَعَهُ وَأَبَانَهُ وَطَلَّقَهَا طَلْقَةً بَتَّةً بَتْلَةً كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ. (قَوْلُهُ: حَرَامٌ) مِنْ حَرُمَ الشَّيْءُ بِالضَّمِّ حِرْمًا وَحُرْمًا وَحَرَامًا امْتَنَعَ فِعْلُهُ، وَالْمَمْنُوعُ يُسَمَّى حَرَامًا تَسْمِيَةً بِالْمَصْدَرِ وَسَيَأْتِي فِي آخِرِ بَابِ الْإِيلَاءِ عَنْ الْفَتَاوَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهَا أَنْت عَلَيَّ حَرَامٌ، وَالْحَرَامُ عِنْدَهُ طَلَاقٌ وَقَعَ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ، وَذَكَرَ الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ لَا نَقُولُ لَا تُشْتَرَطُ النِّيَّةُ وَلَكِنْ نَجْعَلُهُ نَاوِيًا عُرْفًا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِهِ أَنْت عَلَيَّ حَرَامٌ أَوْ مُحَرَّمَةٌ عَلَيَّ أَوْ حَرَّمْتُك عَلَيَّ أَوْ لَمْ يَقُلْ عَلَيَّ أَوْ أَنْتِ حَرَامٌ بِدُونِ عَلَيَّ أَوْ أَنَا عَلَيْك حَرَامٌ أَوْ مُحَرَّمٌ أَوْ حَرُمَتْ نَفْسِي عَلَيْك وَيُشْتَرَطُ قَوْلُهُ: عَلَيْك فِي تَحْرِيمِ نَفْسِهِ لِأَنْفُسِهَا وَكَذَا قَوْلُهُ: حَلَالُ الْمُسْلِمِينَ عَلَيَّ حَرَامٌ وَكُلُّ حِلٍّ عَلَيَّ حَرَامٌ وَأَنْتِ مَعِي فِي الْحَرَامِ فَإِنْ قُلْت إذَا وَقَعَ الطَّلَاقُ بِلَا نِيَّةٍ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالصَّرِيحِ فَيَكُونُ الْوَاقِعُ رَجْعِيًّا قُلْت الْمُتَعَارَفُ بِهِ إيقَاعُ الْبَائِنِ لَا الرَّجْعِيِّ، وَإِنْ قَالَ لَمْ أَنْوِ لَمْ يُصَدَّقْ فِي مَوْضِعٍ صَارَ مُتَعَارَفًا كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ فِي الْإِيلَاءِ، وَفِي الْقُنْيَةِ لَوْ قَالَ: أَنْت امْرَأَةٌ حَرَامٌ وَلَمْ يُرِدْ الطَّلَاقُ يَقَعُ قَضَاءً وَدِيَانَةً، وَلَوْ قَالَ هِيَ حَرَامٌ كَالْمَاءِ تَحْرُمُ لِأَنَّهُ تَشْبِيهٌ بِالسُّرْعَةِ (قَوْلُهُ: خَلِيَّةٌ) مِنْ خَلَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ مَانِعِ النِّكَاحِ خُلُوًّا فَهِيَ خَلِيَّةٌ وَنِسَاءٌ خَلِيَّاتٌ وَنَاقَةٌ خَلِيَّةٌ مُطْلَقَةٌ مِنْ عِقَالِهَا فَهِيَ تَرْعَى حَيْثُ شَاءَتْ وَمِنْهُ يُقَالُ فِي كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ هِيَ خَلِيَّةٌ كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ (قَوْلُهُ: بَرِيئَةٌ) يَحْتَمِلُ النِّسْبَةَ إلَى الشَّرِّ أَيْ بَرِيئَةٌ مِنْ حُسْنِ الْخَلْقِ وَأَفْعَالِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَمَا فِي مَعْنَاهَا) أَيْ مِمَّا مَرَّ قَرِيبًا وَهُوَ جَوَابٌ عَمَّا أُورِدَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنَّ كَوْنَ مَا عَدَا الثَّلَاثِ يَقَعُ بِهِ بَائِنًا مَمْنُوعٌ بَلْ يَقَعُ الرَّجْعِيُّ بِبَعْضِ الْكِنَايَاتِ سِوَى الثَّلَاثِ، وَفِي حَاشِيَةِ مِسْكِينٍ أَنَّ مَبْنَى الْإِيرَادِ عَلَى أَنَّ مَا سَبَقَ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ مِنْهُ قِسْمُ الْكِنَايَةِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ خِلَافًا وَأَنَّهَا مِنْ الصَّرِيحِ، وَقَدْ كُنْت تَوَقَّفْت فِي ذَلِكَ بُرْهَةً حَتَّى رَأَيْت بِخَطِّ الْحَمَوِيِّ الْمُوَافَقَةَ عَلَيْهِ اهـ. وَفِيهِ نَظِيرٌ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مِنْ الصَّرِيحِ لَمَا احْتَاجَتْ إلَى نِيَّةٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ الصَّرِيحِ أَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى نِيَّةٍ بِإِجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ مِنْ كَوْنِ مَا سَبَقَ دَاخِلًا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ تَوَقُّفُهَا عَلَيْهَا (قَوْلُهُ: وَكَمَا لَا يَرُدُّ عَلَيْهِ اخْتَارِي) أَيْ بِدُونِ الْجَمْعِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَمْرِ بِالْيَدِ وَقَوْلُهُ: لِمَا سَنَذْكُرُهُ أَيْ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَمْ تَصِحَّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُفِيدُ الْخُلُوصَ، وَالصَّفَا فَهُوَ غَيْرُ مُتَنَوِّعٍ، وَالْبَيْنُونَةُ تَثْبُتُ فِيهِ مُقْتَضًى فَلَا تَعُمُّ بِخِلَافِ أَنْتِ بَائِنٌ وَنَحْوُهُ لِتَنَوُّعِ الْبَيْنُونَةِ إلَى غَلِيظَةٍ وَخَفِيفَةٍ اهـ. وَفِي هَذَا الْجَوَابِ نَظَرٌ وَكَلَامُ النَّهْرِ يَقْتَضِي أَنَّ النُّسْخَةَ لِمَا سَيُذْكَرُ بِالْيَاءِ أَيْ الْمُصَنِّفُ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ أَطْلَقَ هُنَا، وَالْمُرَادُ مَا عَدَا اخْتَارِي اعْتِمَادًا عَلَى مَا يَأْتِي مِنْ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ قَالَ فِي النَّهْرِ وَأَرَى أَنَّ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَهِيَ أَيْ غَيْرِ الثَّلَاثِ مِنْ الْكِنَايَاتِ الَّتِي يَقَعُ بِهَا الْبَائِنُ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ الْمَحْصُورَةُ فَكَأَنَّهُ قَالَ: وَفِي غَيْرِهَا الَّتِي هِيَ كَذَا لَا غَيْرِيَّةٌ مُطْلَقَةٌ دَفْعًا لِلْإِيرَادِ اهـ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّهُ لَمَّا بَيَّنَ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ، وَفِي غَيْرِهَا. . . إلَخْ بِقَوْلِهِ وَهِيَ بَائِنٌ. . إلَخْ لَمْ يُدْخِلْ فِيهِ اخْتَارِي. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 324 الْمُسْلِمِينَ وَإِلَى الْخَيْرِ أَيْ عَنْ الدُّنْيَا أَوْ عَنْ الْبُهْتَانِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ أَنْتِ بَرِيئَةٌ عَنْ النِّكَاحِ، وَفِي الْكَافِي بَرِيئَةٌ مِنْ الْبَرَاءَةِ وَلِهَذَا وَجَبَ هَمْزُهَا. (قَوْلُهُ: حَبْلُك عَلَى غَارِبِك) تَمْثِيلٌ لِأَنَّهُ تَشْبِيهٌ بِالصُّورَةِ الْمُنْتَزِعَةِ مِنْ أَشْيَاءَ وَهِيَ هَيْئَةُ النَّاقَةِ إذَا أُرِيدَ إطْلَاقُهَا تَرْعَى وَهِيَ ذَاتُ رَسَنٍ وَأُلْقِيَ الْحَبْلُ عَلَى غَارِبِهَا وَهُوَ مَا بَيْنَ السَّنَامِ، وَالْعُنُقِ كَيْ لَا تَتَعَقَّلَ بِهِ إذَا كَانَ مَطْرُوحًا فَشَبَّهَ بِهَذِهِ الْهَيْئَةِ الْإِطْلَاقِيَّةِ انْطِلَاقَ الْمَرْأَةِ مِنْ قَيْدِ النِّكَاحِ أَوْ الْعَمَلِ، وَالتَّصَرُّفِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِي الْمِصْبَاحِ أَنَّهُ اُسْتُعِيرَ لِلْمَرْأَةِ وَجُعِلَ كِنَايَةً عَنْ طَلَاقِهَا أَيْ اذْهَبِي حَيْثُ شِئْت كَمَا يَذْهَبُ الْبَعِيرُ، وَفِي النَّوَادِرِ الْغَارِبُ أَعْلَى كُلِّ شَيْءٍ، وَالْجَمْعُ الْغَوَارِبُ (قَوْلُهُ: الْحَقِي بِأَهْلِك) بِهَمْزَةِ وَصْلٍ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ يَعْنِي فَتُكْسَرُ الْهَمْزَةُ وَتُفْتَحُ الْحَاءُ مِنْ لَحِقَتْهُ وَلَحِقَتْ بِهِ مِنْ بَابِ تَعِبَ لَحَاقًا بِالْفَتْحِ أَدْرَكْته، وَفِي الْمِصْبَاحِ: وَأَلْحَقْته بِالْأَلِفِ مِثْلُهُ فَعَلَى هَذَا لَا تَتَعَيَّنُ الْهَمْزَةُ لِلْوَصْلِ فَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ لِلْقَطْعِ مَعَ كَسْرِ الْحَاءِ مِنْ بَابِ الْأَفْعَالِ، وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ: وَالْحَقِي مِنْ اللُّحُوقِ لَا مِنْ الْإِلْحَاقِ وَانْتَقِلِي وَانْطَلِقِي كَالْحَقِي. وَفِي الْقُنْيَةِ: قَالَتْ لِزَوْجِهَا تَغَيَّرَ لَوْنِي، فَقَالَ الزَّوْجُ: رَدَدْتُك بِهَذَا الْعَيْبِ وَنَوَى الطَّلَاقَ يَقَعُ قَالَ الْكَمَالُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ ثُمَّ فِي الْهِبَةِ إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ تَطْلُقُ فِي الْقَضَاءِ، وَلَوْ قَالَ: نَوَيْت أَنْ يَكُونَ فِي يَدِهَا لَا يُصَدَّقُ وَأَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ كَمَا نَوَى فَإِنْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ طَلُقَتْ وَإِلَّا فَهِيَ زَوْجَتُهُ هَذَا إذَا ابْتَدَأَ الزَّوْجُ فَلَوْ ابْتَدَأْت فَقَالَتْ هَبْ طَلَاقِي تُرِيدُ أَعْرِضْ عَنْهُ فَقَالَ: وَهَبْت لَا يَقَعُ، وَإِنْ نَوَى لِأَنَّهُ جَوَابُهَا فِيمَا طَلَبَتْ كَذَا قِيلَ، وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ يَجِبُ أَنْ يَقَعَ إذَا نَوَى لِأَنَّهُ لَوْ ابْتَدَأَ بِهِ وَنَوَى يَقَعُ فَإِذَا نَوَى الطَّلَاقَ فَقَدْ قَصَدَ عَدَمَ الْجَوَابِ وَأَخْرَجَ الْكَلَامَ ابْتِدَاءً وَلَهُ ذَلِكَ وَهُوَ أَدْرَى بِنَفْسِهِ وَنِيَّتِهِ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ الْحَقِي بِرُفْقَتِك يَقَعُ إذَا نَوَى. (قَوْلُهُ: وَهَبْتُك لِأَهْلِك) يَحْتَمِلُ الْبَيْنُونَةَ لِأَنَّ الْهِبَةَ تَقْتَضِي زَوَالَ الْمِلْكِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا لَمْ يَقْبَلُوهَا لِأَنَّ الْقَبُولَ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِإِزَالَةِ الْمِلْكِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ مَجَازٌ عَنْ رَدَدْتُك إلَيْهِمْ فَتَصِيرُ إلَى الْحَالَةِ الْأُولَى وَهِيَ الْبَيْنُونَةُ الْحَقِي بِأَهْلِك وَمِثْلُهُ وَهَبْتُك لِأَبِيك أَوْ لِابْنِك أَوْ لِلْأَزْوَاجِ لِأَنَّهَا تُرَدُّ إلَى هَؤُلَاءِ بِالطَّلَاقِ عَادَةً وَخَرَجَ عَنْهُ مَا لَوْ قَالَ: وَهَبْتُك لِلْأَجَانِبِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِكِنَايَةٍ، وَالْأَخُ، وَالْأُخْتُ، وَالْعَمَّةُ، وَالْخَالَةُ مِنْ الْأَجَانِبِ هُنَا فَلَا يَقَعُ، وَإِنْ نَوَى كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ لِأَنَّهَا لَا تُرَدُّ إلَيْهِمْ بِالطَّلَاقِ عَادَةً وَخَرَجَ عَنْهُ مَا لَوْ قَالَ: وَهَبْتُك بَعْضَ طَلَاقِك فَإِنَّهُ لَيْسَ بِكِنَايَةٍ وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ لَوْ قَالَ: وَهَبْت لَك طَلَاقَك فَإِنَّهُ يَقَعُ فِي الْقَضَاءِ بِلَا نِيَّةٍ وَلَا يُصَدَّقُ أَنَّهُ أَرَادَ كَوْنَهُ فِي يَدِهَا إلَّا إذَا وَقَعَ جَوَابًا لِقَوْلِهَا هَبْ لِي طَلَاقِي فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ، وَإِنْ نَوَى، وَفِي الْمِعْرَاجِ لَوْ قَالَ: أَبَحْتك طَلَاقَك لَا يَقَعُ، وَإِنْ نَوَى، وَفِي الذَّخِيرَةِ: وَهَبْت نَفْسَك مِنْك يَقَعُ إذَا نَوَى. (قَوْلُهُ: سَرَّحْتُك فَارَقْتُك) وَجَعَلَهُمَا الشَّافِعِيُّ مِنْ الصَّرِيحِ لِوُرُودِهِمَا فِي الْقُرْآنِ لِلطَّلَاقِ كَثِيرًا قُلْنَا الْمُعْتَبَرُ تَعَارُفُهُمَا فِي الْعُرْفِ الْعَامِّ فِي الطَّلَاقِ لِاسْتِعْمَالِهِمَا شَرْعًا مُرَادًا هُوَ بِهِمَا كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِي الْكَافِي وَلَنَا الصَّرِيحُ مَا لَا يُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِ النِّسَاءِ وَهُمْ يَقُولُونَ سَرَحَتْ إبِلِي وَفَارَقَتْ غَرِيمِي وَمَشَايِخُ خُوَارِزْمَ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَمِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ كَانُوا يُفْتُونَ بِأَنَّ لَفْظَ التَّسْرِيحِ بِمَنْزِلَةِ الصَّرِيحِ يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ رَجْعِيٌّ بِدُونِ النِّيَّةِ كَذَا فِي الْمُجْتَنَى، وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ قَالَ: أَنْت السَّرَاحُ فَهُوَ كَقَوْلِهِ أَنْتِ خَلِيَّةٌ اُعْزُبِي، وَفِي الْقُنْيَةِ، وَالْإِقْرَارُ بِالْفُرْقَةِ لَيْسَ بِإِقْرَارٍ بِالطَّلَاقِ لِاخْتِلَافِ أَسْبَابِهَا. قَوْلُهُ: أَمْرُك بِيَدِك اخْتَارِي) كِنَايَتَانِ لِلتَّفْوِيضِ فَإِذَا نَوَى تَفْوِيضَ الطَّلَاقِ إلَيْهَا كَانَ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ: أَنْت حُرَّةٌ) عَنْ حَقِيقَةِ الرِّقِّ أَوْ عَنْ رِقِّ النِّكَاحِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَأَعْتَقْتُك مِثْلُ أَنْتِ حُرَّةٌ، وَفِي الْبَدَائِعِ كُونِي حُرَّةً أَوْ اعْتِقِي مِثْلُ أَنْتِ حُرَّةٌ كَكُونِي طَالِقًا مِثْلُ أَنْتِ طَالِقٌ. (قَوْلُهُ: تَقَنَّعِي تَخَمَّرِي اسْتَتِرِي) لِأَنَّك بِنْتِ وَحَرُمْت عَلَيَّ بِالطَّلَاقِ أَوْ لِئَلَّا يَنْظُرَ إلَيْك أَجْنَبِيٌّ، وَفِي الْمِصْبَاحِ قِنَاعُ الْمَرْأَةِ جَمْعُهُ قُنُعٌ مِثْلُ كِتَابٍ وَكُتُبٍ وَتَقَنَّعَتْ لَبِسَتْ الْقِنَاعَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: قَالَ الْكَمَالُ فِي الْفَتْحِ ثُمَّ فِي الْهِبَةِ. . . إلَخْ) سَاقِطٌ مِنْ بَعْضِ النُّسَخِ وَهُوَ الْأَنْسَبُ فَإِنَّ مَحَلَّ ذِكْرِهِ فِي الْقَوْلَةِ الَّتِي بَعْدَهُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 325 ، وَالْخِمَارُ ثَوْبٌ تُغَطِّي بِهِ الْمَرْأَةُ رَأْسَهَا، وَالْجَمْعُ خُمُرٌ كَكِتَابٍ وَكُتُبٍ وَاخْتَمَرَتْ الْمَرْأَةُ وَتَخَمَّرَتْ لَبِسَتْ الْخِمَارَ اهـ. وَفِي الْمِعْرَاجِ تَقَنَّعِي مِنْ الْقَنَاعَةِ وَقِيلَ مِنْ الْقِنَاعِ وَهُوَ الْخِمَارُ وَاقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ اسْتَتِرِي فَأَفَادَ أَنَّهُ لَوْ قَالَ اسْتَتِرِي مِنِّي خَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ كِنَايَةً كَمَا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ (قَوْلِهِ اُعْزُبِي) مِنْ الْعُزْبَةِ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ أَوْ مِنْ الْغُرُوبِ بِالْمُعْجَمَةِ وَهُوَ الْبُعْدُ أَيْ اُبْعُدِي لِأَنِّي طَلَّقْتُك أَوْ لِزِيَارَةِ أَهْلِك (قَوْلُهُ: اُخْرُجِي اذْهَبِي قُومِي) لِحَاجَةٍ أَوْ لِأَنِّي طَلَّقْتُك قَيَّدَ بِاقْتِصَارِهِ عَلَى اذْهَبِي لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: اذْهَبِي فَبِيعِي ثَوْبَك لَا يَقَعُ، وَإِنْ نَوَى، وَلَوْ قَالَ: اذْهَبِي إلَى جَهَنَّمَ يَقَعُ إنْ نَوَى كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَلَوْ قَالَ: اذْهَبِي فَتَزَوَّجِي وَقَالَ: لَمْ أَنْوِ الطَّلَاقَ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ لِأَنَّ مَعْنَاهُ تَزَوَّجِي إنْ أَمْكَنَك وَحَلَّ لَك كَذَا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ، وَفِي الْقُنْيَةِ اذْهَبِي وَتَحَلَّلِي إقْرَارُ الثَّلَاثِ، وَفِي الْمِعْرَاجِ تَنَحِّي عَنِّي يَقَعُ إذَا نَوَى، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ اذْهَبِي وَتَزَوَّجِي تَقَعُ وَاحِدَةً وَلَا حَاجَةَ إلَى النِّيَّةِ لِأَنَّ تَزَوَّجِي قَرِينَةٌ فَإِنْ نَوَى الثَّلَاثَ فَثَلَاثٌ اهـ. وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ إلَّا أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ الْوَاوِ، وَالْفَاءِ وَهُوَ بَعِيدٌ هُنَا، وَفِي الْمُنْتَقَى عَنْ مُحَمَّدٍ اذْهَبِي أَلْفَ مَرَّةٍ يَنْوِي بِهِ طَلَاقًا فَثَلَاثًا، وَفِي الْبَدَائِعِ عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ لَهَا: افْلَحِي يُرِيدُ الطَّلَاقَ يَقَعُ لِأَنَّهُ بِمَعْنَى اذْهَبِي تَقُولُ الْعَرَبُ أَفْلَحَ بِخَيْرٍ أَيْ ذَهَبَ بِخَيْرٍ وَيَحْتَمِلُ اظْفَرِي بِمُرَادِك يُقَالُ أَفْلَحَ الرَّجُلُ إذَا ظَفِرَ بِمُرَادِهِ. (قَوْلُهُ: ابْتَغِي الْأَزْوَاجَ) إنْ أَمْكَنَك وَحَلَّ لَك أَوْ اُطْلُبِي النِّسَاءَ إذْ الزَّوَاجُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الرَّجُلِ، وَالْمَرْأَةِ أَوْ ابْتَغِي الْأَزْوَاجَ لِأَنِّي طَلَّقْتُك وَتَزَوَّجِي مِثْلِي، وَفِي الْقُنْيَةِ زَوَّجَ امْرَأَتَهُ مِنْ غَيْرِهِ لَا يَكُونُ طَلَاقًا ثُمَّ رَقَمَ لِآخَرَ إذَا نَوَى الطَّلَاقَ طَلُقَتْ، وَفِيهَا قَبْلَهُ أَنْتِ أَجْنَبِيَّةٌ وَنَوَى الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ لِأَنَّهُ رُدَّ، وَفِي حَالِ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ إقْرَارٌ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِإِطْلَاقٍ إلَى أَنَّ الْكِنَايَاتِ كُلَّهَا يَقَعُ بِهَا الطَّلَاقُ بِدَلَالَةِ الْحَالِ، وَقَدْ تَبِعَ فِي ذَلِكَ الْقُدُورِيُّ وَالسَّرَخْسِيُّ فِي الْمَبْسُوطِ وَخَالَفَهُمَا فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمَشَايِخِ فَقَالُوا بَعْضُهَا لَا يَقَعُ بِهَا إلَّا بِالنِّيَّةِ، وَالضَّابِطُ عَلَى وَجْهِ التَّحْرِيرِ أَنَّ فِي حَالَةِ الرِّضَا الْمُجَرَّدِ عَنْ سُؤَالِ الطَّلَاقِ يَصْدُقُ فِي الْكُلِّ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ الطَّلَاقَ، وَفِي حَالَةِ الرِّضَا الْمَسْئُولُ فِيهَا الطَّلَاقُ يَصْدُقُ فِيمَا يَصْلُحُ رَدٌّ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ مِثْلُ اُخْرُجِي اذْهَبِي اُعْزُبِي قُومِي تَقَنَّعِي اسْتَتِرِي تَخَمَّرِي، وَفِي حَالَةِ الْغَضَبِ الْمُجَرَّدِ عَنْ سُؤَالِ الطَّلَاقِ يَصْدُقُ فِيمَا يَصْلُحُ سَبًّا أَوْ رَدًّا أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ إلَّا السَّبَّ أَوْ الرَّدَّ كَخَلِيَّةٍ بَرِيئَةٍ بَتَّةٍ بَتْلَةٍ بَائِنٍ حَرَامٍ وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهُ وَلَا يُصَدَّقُ فِيمَا يَصْلُحُ جَوَابًا فَقَطْ كَاعْتَدِّي وَاسْتَبْرِي رَحِمَكِ وَأَنْتِ وَاحِدَةً وَاخْتَارِي وَأَمْرُك بِيَدِك فَمَا يَصْلُحُ لِلْجَوَابِ فَقَطْ خَمْسَةٌ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَفِي حَالَةِ الْغَضَبِ الْمَسْئُولُ فِيهَا الطَّلَاقُ يَجْتَمِعُ فِي عَدَمِ تَصْدِيقِهِ فِي الْمُتَمَحِّضِ جَوَابًا سَبَبَانِ الْمُذَاكَرَةُ، وَالْغَضَبُ وَكَذَا فِي قَبُولِ قَوْلِهِ فِيمَا يَصْلُحُ رَدًّا لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْمُذَاكَرَةِ، وَالْغَضَبِ يَسْتَقِلُّ بِإِثْبَاتِ قَبُولِ قَوْلِهِ فِي دَعْوَى عَدَمِ إرَادَةِ الطَّلَاقِ، وَفِيمَا يَصْلُحُ لِلسَّبَبِ يَنْفَرِدُ الْغَضَبُ بِإِثْبَاتِهِ فَلَا تَتَغَيَّرُ الْأَحْكَامُ وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ الْأَحْوَالَ ثَلَاثَةٌ حَالَةٌ مُطْلَقَةٌ، وَحَالَةُ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ وَحَالَةُ الْغَضَبِ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُطْلَقَةِ الْمُطْلَقَةُ عَنْ قَيْدَيْ الْغَضَبِ، وَالْمُذَاكَرَةِ فَقَوْلُ الشَّارِحِ وَهِيَ حَالَةُ الرِّضَا مِمَّا لَا يَنْبَغِي وَأَنَّ الْكِنَايَاتِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ قِسْمٌ يَصْلُحُ جَوَابًا وَلَا يَصْلُحُ رَدًّا وَلَا شَتْمًا وَقِسْمٌ يَصْلُحُ جَوَابًا وَرَدًّا وَلَا يَصْلُحُ شَتْمًا وَقِسْمٌ يَصْلُحُ جَوَابًا وَشَتْمًا وَلَا يَصْلُحُ رَدًّا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي قَوْلِهِ لَا مِلْكَ لِي عَلَيْك وَلَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك وَخَلَّيْت سَبِيلَك وَفَارَقْتُك أَنَّهُ يُصَدَّقُ فِي حَالَةِ الْغَضَبِ لِمَا فِيهَا مِنْ احْتِمَالِ مَعْنَى السَّبَبِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَجَعَلَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَصَاحِبُ الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ مُلْحَقَةً عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بِمَا يَصْلُحُ لِلْجَوَابِ فَقَطْ وَهِيَ اعْتَدِّي وَاخْتَارِي وَأَمْرُك بِيَدِك وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ هَذِهِ التَّفَاصِيلَ لِأَنَّ الْحَاكِمَ الشَّهِيدَ فِي الْكَافِي الَّذِي هُوَ جَمَعَ كَلَامَ مُحَمَّدٍ فِي كُتُبِهِ لَمْ يَذْكُرْهُ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ شَارِحُهُ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ. وَحَاصِلُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ أَنَّ مِنْ الْكِنَايَاتِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَهُوَ بَعِيدٌ هُنَا) أَقُولُ: يُؤَيِّدُهُ تَصْرِيحُ الذَّخِيرَةِ بِخِلَافِهِ حَيْثُ قَالَ: وَلَوْ قَالَ لَهَا اذْهَبِي وَتَزَوَّجِي لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ إلَّا بِالنِّيَّةِ، وَإِنْ نَوَى فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ، وَإِنْ نَوَى الثَّلَاثَ فَهِيَ ثَلَاثٌ اهـ. (قَوْلُهُ: وَفِي الْمُنْتَقَى. . . إلَخْ) يُخَالِفُهُ مَا مَرَّ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ: أَنْت طَالِقٌ بَائِنٌ أَوْ أَلْبَتَّةَ أَوْ أَفْحَشُ الطَّلَاقِ. . . إلَخْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنْت عَلَيَّ حَرَامٌ أَلْفَ مَرَّةٍ تَقَعُ وَاحِدَةً وَنَبَّهْنَا عَلَيْهِ هُنَاكَ. (قَوْلُهُ: كَخَلِيَّةٍ بَرِيَّةٍ. . . إلَخْ) تَمْثِيلٌ لِقَوْلِهِ سَبًّا لَا لَهُ وَلِقَوْلِهِ أَوْ رَدًّا لِأَنَّهَا لَا تَصْلُحُ لَهُ وَارْجِعْ إلَى النَّهْرِ تَزْدَدْ بَصِيرَةً (قَوْلُهُ: وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ الْأَحْوَالَ ثَلَاثَةٌ) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَعِنْدِي أَنَّ الْأُولَى هُوَ الِاقْتِصَارُ عَلَى حَالَةِ الْغَضَبِ، وَالْمُذَاكَرَةِ إذْ الْكَلَامُ فِي الْأَحْوَالِ الَّتِي تُؤَثِّرُ فِيهَا الدَّلَالَةُ لَا مُطْلَقًا ثُمَّ رَأَيْته فِي الْبَدَائِعِ بَعْدَ أَنْ قَسَّمَ الْأَحْوَالَ ثَلَاثَةً كَالشَّارِحِ قَالَ فَفِي حَالَةِ الرِّضَا يَدِينُ فِي الْقَضَاءِ، وَإِنْ كَانَ فِي حَالَةِ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ أَوْ الْغَضَبِ فَقَدْ قَالُوا إنَّ الْكِنَايَاتِ أَقْسَامٌ ثَلَاثَةٌ وَذَكَرَ مَا مَرَّ وَهَذَا هُوَ التَّحْقِيقُ (قَوْلُهُ: قِسْمٌ يَصْلُحُ جَوَابًا) أَيْ جَوَابًا لِطَلَبِهَا الطَّلَاقَ أَيْ التَّطْلِيقَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 326 ثَلَاثَةَ عَشَرَ لَا يُعْتَبَرُ فِيهَا دَلَالَةُ الْحَالِ وَلَا تَقَعُ إلَّا بِالنِّيَّةِ: حَبْلُك عَلَى غَارِبِك، تَقَنَّعِي، تَخَمَّرِي، اسْتَتِرِي، قُومِي، اُخْرُجِي، اذْهَبِي، انْتَقِلِي، انْطَلِقِي، تَزَوَّجِي، اُعْزُبِي، لَا نِكَاحَ لِي عَلَيْك، وَهَبْتُك لِأَهْلِك، وَفِيمَا عَدَاهَا تُعْتَبَرُ ` الدَّلَالَةُ. لَكِنْ ثَمَانِيَةٌ تَقَعُ بِهَا حَالُ الْمُذَاكَرَةِ، أَنْتِ خَلِيَّةٌ، بَرِيَّةٌ، بَتَّةٌ، بَائِنٌ، حَرَامٌ، اعْتَدِّي، أَمْرُك بِيَدِك، اخْتَارِي. وَثَلَاثَةٌ مِنْ هَذِهِ الثَّمَانِيَةِ يَقَعُ بِهَا حَالَ الْغَضَبِ، اعْتَدِّي، أَمْرُك بِيَدِك، اخْتَارِي، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ هَذِهِ لَوْ قَالَ فِي مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ فَارَقْتُك أَوْ بَايَنْتُك أَوْ بِنْتُ مِنْك أَوْ لَا سُلْطَانَ لِي عَلَيْك أَوْ سَرَّحْتُك أَوْ وَهَبْتُك لِنَفْسِك أَوْ تَرَكْت طَلَاقَك أَوْ خَلَّيْت سَبِيلَ طَلَاقِك أَوْ سَبِيلَك أَوْ أَنْتِ بَائِنَةٌ أَوْ أَنْتِ حُرَّةٌ أَوْ أَنْتِ أَعْلَمُ بِشَأْنِك، فَقَالَتْ: اخْتَرْت نَفْسِي يَقَعُ الطَّلَاقُ. وَإِنْ قَالَ: لَمْ أَنْوِ الطَّلَاقَ لَا يُصَدَّقُ اهـ. فَصَارَتْ الْأَلْفَاظُ الْوَاقِعُ بِهَا حَالَ الْمُذَاكَرَةِ عِشْرِينَ لَفْظًا وَإِنَّمَا وَقَعَ الْبَائِنُ بِمَا عَدَا الثَّلَاثِ وَمَا كَانَ بِمَعْنَاهَا مَعَ أَنَّ الْمُكَنَّى عَنْهُ الطَّلَاقُ وَهُوَ يَعْقُبُ الرَّجْعَةَ لِأَنَّا نَمْنَعُ أَنَّ الْمُكَنَّى عَنْهُ الطَّلَاقُ بَلْ إنَّمَا هُوَ الْبَيْنُونَةُ لِأَنَّهَا هِيَ مَعْنَى اللَّفْظِ الدَّائِرِ فِي الْأَفْرَادِ فَكَوْنُهَا كِنَايَةً لَا تَسْتَلْزِمُ كَوْنَهَا مَجَازًا عَنْ الطَّلَاقِ لِأَنَّهُ مُشْتَرَكٌ مَعْنَوِيٌّ مِنْ قَبِيلِ الْمُشَكِّكِ فَالْقَطْعُ الْمُتَعَلِّقُ بِالنِّكَاحِ فَرْدٌ مِنْ نَوْعِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ، وَالْمُتَعَلِّقُ بِالْخَيْرِ، وَالشَّرِّ كَذَلِكَ إذَا لَمْ يَذْكُرْ مُتَعَلِّقَهُ كَمَا يَحْتَمِلُ رَجُلٌ كُلًّا مِنْ زَيْدٍ وَعَمْرٍو وَغَيْرِهِمَا، وَالْبَيْنُونَةُ مُتَنَوِّعَةٌ إلَى غَلِيظَةٍ وَهِيَ الْمُتَرَتِّبَةُ عَلَى الثَّلَاثِ وَخَفِيفَةٍ كَالْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى الْخُلْعِ وَأَيُّهُمَا أَرَادَ صَحَّ وَثَبَتَ مَا يَثْبُتُ بِلَفْظِ طَالِقٌ عَلَى مَالٍ وَطَالِقٌ ثَلَاثًا وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَا يَثْبُتُ عِنْدَ طَالِقٍ شَرْعًا لَازِمٌ أَعَمُّ يَثْبُتُ عِنْدَهُ وَعِنْدَ هَذَا الْأَلْفَاظُ، وَالْخُلْعُ فَقَوْلُنَا يَقَعُ بِهَا الطَّلَاقُ مَعْنَاهُ يَقَعُ لَازِمُ لَفْظِ الطَّلَاقِ شَرْعًا وَانْتِقَاصُ عَدَدِهِ هُوَ بِتَعَدُّدِ وُقُوعِ ذَلِكَ اللَّازِمِ وَاسْتِكْمَالُهُ بِذَلِكَ وَبِإِرْسَالِ لَفْظِ الثَّلَاثِ بَلْ مَعْنَى وُقُوعِ الطَّلَاقِ وُقُوعُ اللَّازِمِ الشَّرْعِيِّ لِأَنَّهُ هُوَ مَعْنَى لَفْظِ الطَّلَاقِ فَالْوَاقِعُ بِالْكِنَايَةِ هُوَ الطَّلَاقُ بِلَا تَأْوِيلٌ وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ إطْلَاقَ اسْمِ الْكِنَايَةِ حَقِيقَةٌ، فَقَوْلُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ لَيْسَتْ كِنَايَاتٍ عَلَى التَّحْقِيقِ لِأَنَّهَا عَوَامِلُ فِي حَقَائِقِهَا قَالَ فِي التَّحْرِيرِ إنَّهُ غَلَطٌ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَقِيقَةَ تُنَافِي الْكِنَايَةَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْكِنَايَةَ قَدْ تَكُونُ حَقِيقَةً لِأَنَّهَا بِتَعَدُّدِ الْمَعْنَى، وَقَدْ لَا تَكُونُ حَقِيقَةً فِيهَا وَقَوْلُهُمْ إنَّ الْكِنَايَةَ الْحَقِيقِيَّةَ هِيَ الَّتِي تَكُونُ مُسْتَتِرَ الْمُرَادِ وَهَذِهِ مَعْلُومَةٌ، وَالتَّرَدُّدُ فِيمَا يُرَادُ بِهَا هِيَ أَبَائِنٌ مِنْ الْخَيْرِ أَوْ النِّكَاحِ قَالَ فِي التَّحْرِيرِ إنَّهُ مُنْتَفٍ بِأَنَّ الْكِنَايَةَ بِسَبَبِ التَّرَدُّدِ فِي الْمُرَادِ لَا بِسَبَبِ التَّرَدُّدِ فِي الْمَعْنَى الْمَوْضُوعِ كَالْمُشْتَرَكِ، وَالْخَاصِّ فِي فَرْدٍ مُعَيَّنٍ فَإِذَا كَانَتْ كِنَايَةً عَلَى الْحَقِيقَةِ تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْمَجَازُ فِي إضَافَتِهَا إلَى الطَّلَاقِ فَإِنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ الْإِضَافَةِ أَنَّهَا كِنَايَةٌ عَنْهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِلَّا وَقَعَ رَجْعِيًّا، وَفِي الْهِدَايَةِ، وَالشَّرْطُ تَعْيِينُ أَحَدِ نَوْعَيْ الْبَيْنُونَةِ دُونَ الطَّلَاقِ اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِنِيَّةِ الطَّلَاقِ فِي الْكِنَايَاتِ الْبَوَائِنِ وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ بَيْنُونَةِ النِّكَاحِ، وَفِي التَّنْقِيحِ قَالُوا وَكِنَايَاتُ الطَّلَاقِ تَطْلُقُ مَجَازًا لِأَنَّ مَعَانِيهَا غَيْرُ مُسْتَتِرَةٍ لَكِنَّ الْإِبْهَامَ فِيمَا يَتَّصِلُ بِهَا كَالْبَائِنِ مَثَلًا فَإِنَّهُ مُبْهَمٌ فِي أَنَّهَا بَائِنَةٌ عَنْ أَيِّ شَيْءٍ عَنْ النِّكَاحِ أَوْ غَيْرِهِ فَإِذَا نَوَى نَوْعًا مِنْهَا تَعَيَّنَ وَتَبَيَّنَ بِمُوجِبٍ الْكَلَامِ، وَلَوْ جُعِلَتْ كِنَايَةً حَقِيقَةً تَطْلُقُ رَجْعِيَّةً لِأَنَّهُمْ فَسَّرُوهَا بِمَا يَسْتَتِرُ الْمُرَادُ مِنْهُ، وَالْمُرَادُ الْمُسْتَتِرُ هُنَا الطَّلَاقُ فَيَصِيرُ كَقَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ وَبِتَفْسِيرِ عُلَمَاءِ الْبَيَانِ لَا يَحْتَاجُونَ إلَى هَذَا التَّكَلُّفِ لِأَنَّهَا عِنْدَهُمْ أَنْ يُذْكَرَ لَفْظٌ وَيُقْصَدَ بِمَعْنَاهُ مَعْنًى ثَانٍ مَلْزُومٌ لَهُ فَيُرَادُ بِالْبَائِنِ مَعْنَاهُ ثُمَّ يَنْتَقِلُ مِنْهُ بِنِيَّةٍ إلَى الطَّلَاقِ فَتَطْلُقُ عَلَى صِفَةِ الْبَيْنُونَةِ لَا أَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ الطَّلَاقُ وَتَمَامُهُ فِي التَّلْوِيحِ وَلَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّ قَوْلَهُ أَنْتِ وَاحِدَةً لَيْسَ مِنْ بَابِ الْكِنَايَةِ بِتَفْسِيرِ عُلَمَاءِ الْبَيَانِ وَلَكِنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْمَحْذُوفِ لَكِنَّهُ كِنَايَةٌ بِاعْتِبَارِ اسْتِتَارِ الْمُرَادِ كَذَا فِي التَّلْوِيحِ وَقَيَّدَ الْمُصَنِّفُ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا إذَا قَالَ: لَا حَاجَةَ لِي فِيك أَوْ لَا أُرِيدُ أَوْ لَا أُحِبُّك أَوْ لَا أَشْتَهِيك أَوْ لَا رَغْبَةَ لِي فِيك فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ، وَإِنْ نَوَى فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ.   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَفِي التَّنْقِيحِ قَالُوا. . . إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ إطْلَاقَ الْكِنَايَةِ عَلَى كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ مَجَازٌ بِنَاءً عَلَى تَفْسِيرِ الْأُصُولِيِّينَ لَهَا بِمَا اسْتَتَرَ الْمُرَادُ مِنْهَا وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُسْتَتِرَ الطَّلَاقُ وَهَذَا مُقَابِلٌ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهَا كِنَايَاتٌ حَقِيقَةً بِنَاءً عَلَى مَنْعِ كَوْنِ الْمَكْنِيِّ عَنْهُ الطَّلَاقُ وَإِنَّمَا هُوَ الْبَيْنُونَةُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 327 وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقَعُ فِي قَوْلِهِ لَا حَاجَةَ لِي فِيك إذَا نَوَى، وَفِي التَّفَارِيقِ عَنْ ابْنِ سَلَّامٍ يَكُونُ ثَلَاثًا إذَا نَوَى، وَلَوْ قَالَ: فَسَخْت النِّكَاحَ وَنَوَى الطَّلَاقَ يَقَعُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إنْ نَوَى ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ، وَالرِّوَايَةُ هَكَذَا عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ بَائِنٌ إنْ نَوَى الطَّلَاقَ، وَفِي جَمْعٍ بُرْهَانٌ قَالَ: لَمْ يَبْقَ بَيْنِي وَبَيْنَك عَمَلٌ وَنَوَى الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ، وَفِي فَتَاوَى الْفَضْلِيِّ خِلَافُهُ، وَفِي التَّفَارِيقِ قِيلَ فِي قَوْلِهِ لَمْ يَبْقَ بَيْنِي وَبَيْنَك شَيْءٌ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ، وَلَوْ قَالَ: أَرْبَعَةُ طُرُقٍ عَلَيْك مَفْتُوحَةٌ لَا يَقَعُ، وَإِنْ نَوَى مَا لَمْ يَقُلْ خُذِي إلَى أَيِّ طَرِيقٍ شِئْت، وَفِي اللَّآلِي وَهَكَذَا عَنْ مُحَمَّدٍ، وَفِي النَّظْمِ قَالَ أَسَدٌ قَالَ مُحَمَّدٌ يَقَعُ ثَلَاثًا، وَقَالَ ابْنُ سَلَّامٍ أَخَافُ أَنْ يَقَعَ ثَلَاثًا لِمَعَانِي كَلَامِ النَّاسِ، وَفِي الْمَبْسُوطِ قَالَ لَهَا: أَنْت عَلَيَّ كَالْمَيِّتَةِ أَوْ كَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ أَوْ الْخَمْرِ وَنَوَى الطَّلَاقَ يَقَعُ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ طَلَبَتْ مِنْهُ الطَّلَاقَ فَقَالَ: لَمْ يَبْقَ بَيْنِي وَبَيْنَك عَمَلٌ لَمْ تَطْلُقْ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِهِ النِّكَاحَ وَيَنْوِيَ بِهِ إيقَاعَ الطَّلَاقِ فَحِينَئِذٍ يَقَعُ وَذَكَرَ فِي الْبَدَائِعِ مِنْ الْكِنَايَاتِ خَالَعْتكِ لَا عَلَى سَبِيلِ الْعِوَضِ وَسَيَأْتِي، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: أَنَا بَرِيءٌ مِنْك لَا يَقَعُ، وَإِنْ نَوَى، وَلَوْ قَالَ: أَبْرَأْتُك عَنْ الزَّوْجِيَّةِ يَقَعُ بِلَا نِيَّةٍ اهـ. وَفِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ وَشَرْحِهِ لَوْ قَالَتْ أَبَنْت نَفْسِي أَوْ حَرَّمْت نَفْسِي عَلَيْك فَقَالَ: أَجَزْت وَقَعَ بَائِنًا بِشَرْطِ أَنْ يَنْوِيَ كُلٌّ مِنْهُمَا الطَّلَاقَ وَتَصِحُّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ، وَلَوْ قَالَتْ اخْتَرْتُ نَفْسِي فَقَالَ: أَجَزْت نَاوِيًا الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ وَسَنَذْكُرُهُ بِتَمَامِهِ فِي فَصْلِ الِاخْتِيَارِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ أَنَا بَرِيءٌ مِنْ طَلَاقِك لَا يَكُونُ طَلَاقًا، وَلَوْ قَالَ: بَرِئْت إلَيْك مِنْ طَلَاقِك يَقَعُ نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ. وَلَوْ قَالَ: أَنَا بَرِيءٌ مِنْ ثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ قَالَ بَعْضُهُمْ يَقَعُ الطَّلَاقُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَقَعُ، وَإِنْ نَوَى وَهُوَ الظَّاهِرُ. اهـ. . (قَوْلُهُ: وَإِنْ قَالَ لَهَا اعْتَدِّي ثَلَاثًا وَنَوَى بِالْأُولَى طَلَاقًا وَبِمَا بَقِيَ حَيْضًا صُدِّقَ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ بِمَا بَقِيَ شَيْئًا فَهِيَ ثَلَاثٌ) لِأَنَّهُ بِنِيَّةِ الْحَيْضِ بِالْبَاقِي نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ وَبِنِيَّةِ الْأُولَى طَلَاقًا صَارَ الْحَالُ حَالَ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ فَتَعَيَّنَ الْبَاقِيَتَانِ لِلطَّلَاقِ بِهَذِهِ الدَّلَالَةِ فَلَا يُصَدَّقُ فِي نَفْيِ النِّيَّةِ قَضَاءً وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ مُذَاكَرَةَ الطَّلَاقِ لَا تَنْحَصِرُ فِي سُؤَالِ الطَّلَاقِ بَلْ أَعَمُّ مِنْهُ وَمِنْ تَقَدُّمِ الْإِيقَاعِ وَدَخَلَ تَحْتَ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى مَا إذَا نَوَى بِكُلٍّ مِنْهُمَا حَيْضًا فَتَطْلُقُ وَاحِدَةً وَهِيَ الْأُولَى وَمَا إذَا نَوَى بِالثَّالِثَةِ طَلَاقًا لَا غَيْرُ، وَمَا إذَا نَوَى بِالثَّالِثَةِ حَيْضًا لَا غَيْرُ وَمَا إذَا نَوَى بِالثَّانِيَةِ طَلَاقًا وَبِالثَّالِثَةِ حَيْضًا لَا غَيْرُ وَمَا إذَا نَوَى بِالثَّانِيَةِ، وَالثَّالِثَةِ حَيْضًا فَفِي هَذِهِ السِّتِّ لَا تَقَعُ إلَّا وَاحِدَةً وَدَخَلَ تَحْتَ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ وَمَا إذَا نَوَى بِالْأُولَى حَيْضًا لَا غَيْرُ أَوْ الْأُولَيَيْنِ طَلَاقًا لَا غَيْرُ أَوْ الْأُولَى، وَالثَّالِثَةِ طَلَاقًا لَا غَيْرُ أَوْ الثَّانِيَةِ، وَالثَّالِثَةِ طَلَاقًا وَبِالْأُولَى حَيْضًا أَوْ كُلٍّ مِنْ الْأَلْفَاظِ طَلَاقًا فَهَذِهِ سِتٌّ تَقَعُ بِهَا الثَّلَاثُ وَخَرَجَ عَنْ هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ مَعَ مَا أُلْحِقَ بِهِمَا اثْنَا عَشَرَ مَسْأَلَةً الْأُولَى أَنْ لَا يَنْوِيَ بِكُلٍّ مِنْهَا شَيْئًا فَلَا يَقَعُ شَيْءٌ وَمَا بَقِيَ وَهُوَ إحْدَى عَشَرَ مَسْأَلَةً يَقَعُ بِهَا ثِنْتَانِ وَهُوَ أَنْ يَنْوِيَ بِالثَّانِيَةِ طَلَاقًا لَا غَيْرُ أَوْ بِالْأُولَى طَلَاقًا وَبِالثَّانِيَةِ حَيْضًا لَا غَيْرُ أَوْ بِالْأُولَى طَلَاقًا وَبِالثَّالِثَةِ حَيْضًا لَا غَيْرُ أَوْ بِالْأُخْرَيَيْنِ طَلَاقًا لَا غَيْرُ أَوْ بِالْأُولَيَيْنِ حَيْضًا لَا غَيْرُ أَوْ بِالْأُولَى، وَالثَّالِثَةِ حَيْضًا لَا غَيْرُ أَوْ بِالْأُولَى، وَالثَّانِيَةِ طَلَاقًا وَبِالثَّالِثَةِ حَيْضًا أَوْ بِالْأُولَى، وَالثَّالِثَةِ طَلَاقًا وَبِالثَّانِيَةِ حَيْضًا أَوْ بِالْأُولَى، وَالثَّانِيَةِ حَيْضًا وَبِالثَّالِثَةِ طَلَاقًا أَوْ بِالْأُولَى، وَالثَّالِثَةِ حَيْضًا، وَالثَّانِيَةِ طَلَاقًا أَوْ بِالثَّانِيَةِ حَيْضًا لَا غَيْرُ فَصَارَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُحْتَمِلَةً لِأَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ وَجْهًا. وَوَجْهُ ضَبْطِهَا أَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَنْوِيَ بِالْكُلِّ حَيْضًا أَوْ بِالْكُلِّ طَلَاقًا أَوْ لَمْ يَنْوِ بِالْكُلِّ شَيْئًا أَوْ بِالْأُولَى حَيْضًا وَبِالْبَاقِيَتَيْنِ طَلَاقًا أَوْ بِالْأُولَى حَيْضًا لَا غَيْرُ أَوْ بِالْأُولَى حَيْضًا وَبِالثَّانِي طَلَاقًا لَا غَيْرُ أَوْ بِالْأُولَى حَيْضًا وَبِالثَّالِثِ طَلَاقًا لَا غَيْرُ فَإِذَا نَوَى الْحَيْضَ بِالْأُولَى فَقَطْ فَلَهُ أَرْبَعُ صُوَرٍ وَإِذَا نَوَى بِالثَّانِي الْحَيْضَ فَقَطْ فَلَهُ أَرْبَعٌ أُخْرَى وَإِذَا نَوَى بِالثَّالِثِ الْحَيْضَ فَقَطْ. فَلَهُ أَرْبَعٌ أُخْرَى فَصَارَتْ اثْنَيْ عَشَرَ أَوْ يَنْوِي بِالْأَوَّلِ، وَالثَّانِي حَيْضًا وَبِالثَّالِثِ طَلَاقًا أَوْ لَمْ يَنْوِ بِالثَّالِثِ شَيْئًا أَوْ يَنْوِي بِالثَّانِي، وَالثَّالِثِ حَيْضًا وَبِالْأَوَّلِ طَلَاقًا أَوْ لَمْ يَنْوِ بِالْأَوَّلِ شَيْئًا صَارَتْ سِتَّةَ عَشَرَ أَوْ يَنْوِي بِالْأَوَّلِ، وَالثَّالِثِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: لِمَعَانِي كَلَامِ النَّاسِ) قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ كَأَنَّهُ يُرِيدُ أَنَّ مُرَادَ النَّاسِ بِمِثْلِهِ اُسْلُكِي الطُّرُقَ الْأَرْبَعَةَ وَإِلَّا فَاللَّفْظُ إنَّمَا يُعْطِي الْأَمْرَ بِسُلُوكِ أَحَدِهَا، وَالْأَوْجَهُ أَنْ تَقَعَ وَاحِدَةً بَائِنَةً اهـ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 328 حَيْضًا وَبِالثَّانِي طَلَاقًا أَوْ لَمْ يَنْوِ بِالثَّانِي شَيْئًا صَارَتْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَوْ يَنْوِي بِالْأَوَّلِ طَلَاقًا لَا غَيْرُ أَوْ بِالثَّانِي طَلَاقًا لَا غَيْرُ أَوْ بِالثَّالِثِ طَلَاقًا لَا غَيْرُ صَارَتْ إحْدَى وَعِشْرِينَ مَعَ الثَّلَاثِ الْأُوَلِ، وَالْأَصْلُ أَنَّهُ إذَا نَوَى الطَّلَاقَ بِوَاحِدَةٍ ثَبَتَ حَالُ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ فَلَا يُصَدَّقُ فِي عَدَمِ شَيْءٍ بِمَا بَعْدَهَا وَيُصَدَّقُ فِي نِيَّةِ الْحَيْضِ لِظُهُورِ الْأَمْرِ بِاعْتِدَادِ الْحَيْضِ عَقِبَ الطَّلَاقِ. وَإِذَا لَمْ يَنْوِ الطَّلَاقَ بِشَيْءٍ صَحَّ وَكَذَا كُلُّ مَا قَبْلَ الْمَنْوِيِّ بِهَا وَنِيَّةُ الْحَيْضِ بِوَاحِدَةٍ غَيْرُ مَسْبُوقَةٍ بِوَاحِدَةٍ مَنْوِيٍّ بِهَا الطَّلَاقُ يَقَعُ بِهَا الطَّلَاقُ وَيَثْبُتُ بِهَا حَالُ الْمُذَاكَرَةِ فَيَجْرِي فِيهَا الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ مَسْبُوقَةً بِوَاحِدَةٍ أُرِيدَ بِهَا الطَّلَاقُ حَيْثُ لَا يَقَعُ بِهَا الثَّانِيَةُ لِصِحَّةِ الِاعْتِدَادِ بَعْدَ الطَّلَاقِ وَلَا يَخْفَى تَخْرِيجُ الْمَسَائِلِ بَعْدَ هَذَا وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ بِمَا بَقِيَ حَيْضًا إلَى أَنَّ الْخِطَابَ مَعَ مَنْ هِيَ مِنْ ذَوَاتِ الْحَيْضِ فَلَوْ كَانَتْ آيِسَةً أَوْ صَغِيرَةً فَقَالَ أَرَدْت بِالْأُولَى طَلَاقًا وَبِالْبَاقِي تَرَبُّصًا بِالْأَشْهُرِ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ وَأَطْلَقَ فِي كَوْنِهِ يُصَدَّقُ فَأَفَادَ أَنَّهُ يُصَدَّقُ قَضَاءً وَدِيَانَةً، وَفِيمَا لَا يُصَدَّقُ فِيهِ إنَّمَا لَا يُصَدَّقُ قَضَاءً وَأَمَّا دِيَانَةً فَلَا يَقَعُ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْمَرْأَةَ كَالْقَاضِي، وَفِي الْهِدَايَةِ: وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ يُصَدَّقُ الزَّوْجُ عَلَى نَفْيِ النِّيَّةِ إنَّمَا يُصَدَّقُ مَعَ الْيَمِينِ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فِي الْإِخْبَارِ عَمَّا فِي ضَمِيرِهِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْأَمِينِ مَعَ الْيَمِينِ اهـ. وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الِاسْتِحْلَافِ أَنَّ الْقَوْلَ لَهُ مَعَ الْيَمِينِ إلَّا فِي عَشْرِ مَسَائِلَ لَا يَمِينَ عَلَى الْأَمِينِ وَهِيَ فِي الْقُنْيَةِ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ: نَوَيْت بِالْكُلِّ وَاحِدَةً كَانَ نَاوِيًا بِكُلِّ لَفْظٍ ثُلُثَ تَطْلِيقَةٍ وَهُوَ مِمَّا لَا يَتَجَزَّأُ فَيَتَكَامَلُ فَتَقَعُ الثَّلَاثُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ، وَفِيهِ لَوْ قَالَ لَهَا: اعْتَدِّي ثَلَاثًا وَقَالَ: عَنَيْت تَطْلِيقَةً تَعْتَدُّ بِهَا ثَلَاثَ حِيَضٍ يُصَدَّقُ لِأَنَّهُ مُحْتَمَلٌ، وَالظَّاهِرُ لَا يُكَذِّبُهُ، وَقَدْ مَنَعَ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ كَوْنَ ابْتِدَاءِ الْإِيقَاعِ يُثْبِتُ دَلَالَةَ الْحَالِ بِأَنَّ الْإِيقَاعَ مَرَّةً لَا يُوجِبُ ظُهُورَ الْإِيقَاعِ مَرَّةً ثَانِيَةً وَثَالِثَةً فَلَا يَكُونُ اللَّفْظُ الصَّالِحُ لَهُ ظَاهِرًا فِي الْإِيقَاعِ بِخِلَافِ سُؤَالِ الطَّلَاقِ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الْكِنَايَةَ الصَّالِحَةَ لِلْإِيقَاعِ دُونَ الرَّدِّ عَقِبَ سُؤَالِ الطَّلَاقِ ظَاهِرٌ فِي قَصْدِ الْإِيقَاعِ بِهِ وَهُوَ تَرْجِيحٌ لِقَوْلِ زُفَرَ الْمَنْقُولِ فِي الْمُحِيطِ وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِ كَرَّرَ اعْتَدَى مِنْ غَيْرِ لَفْظِ طَلَاقٍ مَعَهُ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ وَاعْتَدِّي أَوْ أَنْت طَالِقٌ اعْتَدِّي أَوْ أَنْت طَالِقٌ فَاعْتَدِّي فَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً فَوَاحِدَةً لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ، وَإِنْ نَوَى ثِنْتَيْنِ فَثِنْتَانِ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ إنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاعْتَدِّي تَقَعُ وَاحِدَةً لِأَنَّ الْفَاءَ لِلْوَصْلِ، وَإِنْ قَالَ: اعْتَدِّي أَوْ وَاعْتَدِّي تَقَعُ ثِنْتَانِ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ مَوْصُولًا بِالْأَوَّلِ فَيَكُونُ أَمْرًا مُسْتَأْنَفًا وَكَلَامًا مُبْتَدَأً وَهُوَ فِي حَالِ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ فَيُحْمَلُ عَلَى الطَّلَاقِ وَعِنْدَ زُفَرَ تَقَعُ وَاحِدَةً لِمَا عُرِفَ اهـ. كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ جَعَلَ هَذَا التَّفْصِيلَ رِوَايَةً عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَذَكَرَ قَبْلَهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْوِ شَيْئًا وَقَعَتْ ثِنْتَانِ فِي الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ، وَفِيهِ مِنْ بَابِ مَا يُحَرِّمُ امْرَأَتَهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتَيْنِ أَنْتُمَا عَلَيَّ حَرَامٌ يَنْوِي الطَّلَاقَ فِي إحْدَاهُمَا، وَالْإِيلَاءَ فِي الْأُخْرَى فَهُمَا طَالِقَانِ لِأَنَّ اللَّفْظَ الْوَاحِدَ لَا يَنْتَظِمُ الْمَعْنَيَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ فَيُحْمَلُ عَلَى الْأَغْلَظِ مِنْهُمَا وَهُوَ الطَّلَاقُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا نَوَى فِي إحْدَاهُمَا ثَلَاثًا، وَفِي الْأُخْرَى وَاحِدَةً فَهُمَا طَالِقَانِ ثَلَاثًا لِأَنَّ الْحُرْمَةَ نَوْعَانِ غَلِيظَةٌ وَخَفِيفَةٌ، وَاللَّفْظُ الْوَاحِدُ لَا يَنْتَظِمُ النَّوْعَيْنِ فَحُمِلَ عَلَى الْأَغْلَظِ، وَفِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ هُوَ كَمَا نَوَى وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ هَذَا قَوْلَ مُحَمَّدٍ أَيْضًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ لِلثَّلَاثِ حَقِيقَةً وَلِلْوَاحِدَةِ كَالْمَجَازِ لِأَنَّ الثَّلَاثَ يُثْبِتُ الْحُرْمَةَ مُطْلَقًا فَصَارَ مِثْلَ لَفْظَةِ النَّذْرِ إذَا نَوَى النَّذْرَ، وَالْيَمِينُ يَصِحُّ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ كَذَا هَذَا، وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا، وَلَوْ قَالَ: نَوَيْت الطَّلَاقَ لِإِحْدَاهُمَا، وَالْيَمِينَ لِلْأُخْرَى عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَقَعُ عَلَيْهِمَا الطَّلَاقُ وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِمَا هُوَ كَمَا نَوَى، وَلَوْ قَالَ لِثَلَاثِ نِسْوَةٍ أَنْتُنَّ عَلَيَّ حَرَامٌ وَنَوَى لِإِحْدَاهُنَّ طَلَاقًا وَلِلْأُخْرَى يَمِينًا وَلِلثَّالِثَةِ الْكَذِبَ طَلُقْنَ جَمِيعًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَهُمَا هُوَ كَمَا نَوَى، وَلَوْ   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 329 قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْت عَلَيَّ حَرَامٌ قَالَهُ مَرَّتَيْنِ وَنَوَى بِالْأُولَى الطَّلَاقَ وَبِالثَّانِيَةِ الْيَمِينَ فَهُوَ كَمَا نَوَى فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا لِأَنَّ اللَّفْظَ مُتَعَدِّدٌ اهـ. (قَوْلُهُ: وَتَطْلُقُ بِلَسْتِ لِي بِامْرَأَةٍ أَوْ لَسْت لَك بِزَوْجٍ إنْ نَوَى طَلَاقًا) يَعْنِي وَكَانَ النِّكَاحُ ظَاهِرًا وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهَا تَصْلُحُ لِإِنْشَاءِ الطَّلَاقِ كَمَا تَصْلُحُ لِإِنْكَارِهِ فَيَتَعَيَّنُ الْأَوَّلُ بِالنِّيَّةِ وَقَالَا لَا تَطْلُقُ، وَإِنْ نَوَى لِكَذِبِهِ وَدَخَلَ فِي كَلَامِهِ مَا أَنْتِ لِي بِامْرَأَةٍ وَمَا أَنَا لَك بِزَوْجٍ وَلَا نِكَاحَ بَيْنِي وَبَيْنَك وَقَوْلُهُ: صُدِّقَتْ فِي جَوَابِ قَوْلِهَا لَسْت لِي بِزَوْجٍ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَخَرَجَ عَنْهُ لَمْ أَتَزَوَّجْك أَوْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَنَا نِكَاحٌ وَوَاللَّهِ مَا أَنْتِ لِي بِامْرَأَةٍ وَقَوْلُهُ: لَا عِنْدَ سُؤَالِهِ بِقَوْلِهِ أَلَك امْرَأَةٌ وَقَوْلُهُ: لَا حَاجَةَ لِي فِيك كَمَا فِي الْبَدَائِعِ فَفِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ لَا يَقَعُ، وَإِنْ نَوَى عِنْدَ الْكُلِّ وَلَكِنْ فِي الْمُحِيطِ ذَكَرَ مِنْ الْوُقُوعِ قَوْلَهُ لَا عِنْدَ سُؤَالِهِ قَالَ: وَلَوْ قَالَ: لَا نِكَاحَ بَيْنَنَا يَقَعُ الطَّلَاقُ، وَالْأَصْلُ أَنَّ نَفْيَ النِّكَاحِ أَصْلًا لَا يَكُونُ طَلَاقًا بَلْ يَكُونُ جُحُودًا وَنَفْيُ النِّكَاحِ فِي الْحَالِ يَكُونُ طَلَاقًا إذَا نَوَى وَمَا عَدَاهُ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ قَيَّدَ بِالنِّيَّةِ لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ بِدُونِ النِّيَّةِ اتِّفَاقًا لِكَوْنِهِ مِنْ الْكِنَايَاتِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ دَلَالَةَ الْحَالِ تَقُومُ مَقَامَهَا حَيْثُ لَمْ يَصْلُحْ لِلرَّدِّ، وَالشَّتْمِ وَيَصْلُحُ لِلْجَوَابِ فَقَطْ وَقَدَّمْنَا أَنَّ الصَّالِحَ لِلْجَوَابِ فَقَطْ ثَلَاثَةُ أَلْفَاظٍ لَيْسَ هَذَا مِنْهَا فَلِذَا شَرَطَ النِّيَّةَ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّ دَلَالَةَ الْحَالِ هُنَا لَا تَكْفِي وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: تَطْلُقُ إلَى أَنَّ الْوَاقِعَ بِهَذِهِ الْكِنَايَةِ رَجْعِيٌّ وَقَيَّدْنَا بِظُهُورِ النِّكَاحِ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: مَا أَنْت لِي بِزَوْجَةٍ وَأَنْتِ طَالِقٌ لَا يَكُونُ إقْرَارًا بِالنِّكَاحِ لِقِيَامِ الْقَرِينَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَلَى أَنَّهُ مَا أَرَادَ بِالطَّلَاقِ حَقِيقَتَهُ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ أَوَّلَ كِتَابِ النِّكَاحِ فَالنَّفْيُ لَا يَقَعُ بِهِ بِالْأَوْلَى. (قَوْلُهُ: وَالصَّرِيحُ يَلْحَقُ الصَّرِيحَ، وَالْبَائِنَ) فَلَوْ قَالَ لَهَا: أَنْت طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ أَنْت طَالِقٌ أَوْ طَلَّقَهَا عَلَى مَالِ وَقَعَ الثَّانِي وَكَذَا لَوْ قَالَ لَهَا: أَنْت بَائِنٌ أَوْ خَالَعَهَا عَلَى مَالٍ ثُمَّ قَالَ لَهَا: أَنْت طَالِقٌ أَوْ هَذِهِ طَالِقٌ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ يَقَعُ عِنْدَنَا لِحَدِيثِ الْخُدْرِيِّ مُسْنَدًا «الْمُخْتَلِعَةُ يَلْحَقُهَا صَرِيحُ الطَّلَاقِ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ» وَلِمَا ذُكِرَ فِي الْأُصُولِ مِنْ بَحْثِ الْخَاصِّ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْمُنَجَّزَ، وَالْمُعَلَّقَ إذَا وُجِدَ شَرْطٌ فَكَمَا يَقَعُ فِي الْعِدَّةِ مُنْجَزًا يَقَعُ إذَا وُجِدَ شَرْطٌ فِيهَا. وَأَمَّا إذَا عَلَّقَهُ فِي الْعِدَّةِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ إلَّا إذَا كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا عَلَّقَ الْبَائِنَ فِي الْعِدَّةِ فَإِنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ اعْتِبَارًا بِتَنْجِيزِهِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ قَيَّدْنَا الصَّرِيحَ اللَّاحِقَ لِلْبَائِنِ بِكَوْنِهِ خَاطَبَهَا بِهِ أَوْ أَشَارَ إلَيْهَا لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا إذَا قَالَ: كُلُّ امْرَأَةٍ لَهُ طَالِقٌ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَى الْمُخْتَلِعَةِ وَكَذَا إذَا قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَامْرَأَتُهُ كَذَا لَا يَقَعُ عَلَى الْمُعْتَدَّةِ مِنْ بَائِنٍ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَالْمُرَادُ بِالصَّرِيحِ هُنَا مَا وَقَعَ بِهِ الرَّجْعِيُّ فَتَدْخُلُ الْكِنَايَاتُ الرَّوَاجِعُ مِنْ اعْتَدِّي وَاسْتَبْرِي رَحِمَكِ وَأَنْتِ وَاحِدَةً وَمَا أُلْحِقَ بِالثَّلَاثَةِ فَلَوْ أَبَانَهَا أَوْ خَالَعَهَا ثُمَّ قَالَ لَهَا فِي الْعِدَّةِ اعْتَدِّي نَاوِيًا وَقَعَ الثَّانِي فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ خِلَافًا لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ نَظَرًا إلَى أَنَّهَا كِنَايَةُ وَجْهٍ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْوَاقِعَ بِهَا رَجْعِيٌّ فَكَانَ فِي مَعْنَى الصَّرِيحِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ قَالَ لَهَا أَنْت بَائِنٌ نَاوِيًا الطَّلَاقَ ثُمَّ قَالَ لَهَا فِي الْعِدَّةِ اعْتَدَى أَوْ اسْتَبْرِئِي رَحِمِك أَوْ أَنْت وَاحِدَةً نَاوِيًا الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ، وَإِنْ كَانَ الرَّجْعِيُّ يَلْحَقُ الْبَائِنَ اهـ. مَحْمُولٌ عَلَى رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ لَكِنْ يَرُدُّ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ فَإِنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الصَّرِيحِ اللَّاحِقِ لِصَرِيحٍ وَبَائِنٍ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهِيَ حَادِثَةُ حَلَبَ وَكَذَا يُرَدُّ الطَّلَاقُ عَلَى مَالٍ بَعْدَ الْبَائِنِ فَإِنَّهُ وَاقِعٌ وَلَا يَلْزَمُ الْمَالُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ فَالْأَوْلَى إبْقَاءُ الصَّرِيحِ فِي كَلَامِهِ عَلَى حَقِيقَتِهِ فَيَدْخُلُ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ، وَالطَّلَاقُ عَلَى مَالٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الصَّرِيحَ شَامِلٌ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَقَيَّدْنَا بِظُهُورِ النِّكَاحِ) اعْتَرَضَهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَتَطْلُقُ مُسْتَغْنٍ عَنْ التَّقْيِيدِ بِهِ لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ لَوْ قَالَتْ أَنَا امْرَأَتُك فَقَالَ لَهَا أَنْت طَالِقٌ كَانَ إقْرَارًا بِالنِّكَاحِ وَتَطْلُقُ لِاقْتِضَاءِ الطَّلَاقِ النِّكَاحَ وَضْعًا. (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَى الْمُخْتَلِعَةِ) أَيْ إلَّا أَنْ يَعْنِيهَا فَإِنْ عَنَاهَا طَلُقَتْ، كَذَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ الشَّهِيدِ مِنْ بَابِ الْخُلْعِ اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ عَدَمَ الْوُقُوعِ لِكَوْنِهَا لَيْسَتْ امْرَأَةً لَهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بَلْ مِنْ بَعْضِ الْأَوْجُهِ وَلِذَا يَقَعُ عَلَيْهَا بِالنِّيَّةِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَنْوِ لِكَوْنِهَا كَالْأَجْنَبِيَّةِ وَلِذَا قَالَ فِي حَاوِي الزَّاهْدِيِّ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْت طَالِقٌ وَاحِدَةً ثُمَّ قَالَ إنْ كُنْت امْرَأَةً لِي فَأَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا إنْ كَانَ الطَّلَاقُ الْأَوَّلُ بَائِنًا لَا يَقَعُ، وَالثَّانِي، وَإِنْ كَانَ رَجْعِيًّا يَقَعُ الثَّانِي. (قَوْلُهُ: مَحْمُولٌ عَلَى رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ) أَقُولُ: صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي كَافِي الْحَاكِمِ بَعْدَ ذِكْرِهِ مَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ حَيْثُ قَالَ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لَهَا بَعْدَ الْخُلْعِ اعْتَدِّي يُرِيدُ بِهِ الطَّلَاقَ وَقَعَتْ عَلَيْهَا تَطْلِيقَةً أُخْرَى لِأَنَّ اعْتَدِّي لَا يَكُونُ بَائِنًا وَلَا يُرَادُ بِهِ الْفُرْقَةُ وَلَا فَسَادُ النِّكَاحِ قَالَ أَبُو الْفَضْلِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ لَا يَقَعُ بِاعْتَدِّي عَلَى الْبَائِنَةِ شَيْءٌ اهـ. (قَوْلُهُ: لَكِنْ يَرُدُّ عَلَيْهِ. . . إلَخْ) أَيْ عَلَى قَوْلِهِ، وَالْمُرَادُ بِالصَّرِيحِ هُنَا الْوَاقِعُ بِهِ الرَّجْعِيُّ (قَوْلُهُ: بِنَاءً عَلَى أَنَّ الصَّرِيحَ شَامِلٌ لِلْبَائِنِ، وَالرَّجْعِيِّ) وَلِذَا فَسَّرَهُ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّهُ مَا لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ بَائِنًا كَانَ الْوَاقِعُ بِهِ أَوْ رَجْعِيًّا وَيَرُدُّ عَلَيْهِ كَمَا فِي النَّهْرِ مَا مَرَّ عَنْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَبَانَهَا ثُمَّ قَالَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 330 لِلْبَائِنِ، وَالرَّجْعِيِّ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَتَلْحَقُ الْكِنَايَاتُ الرَّوَاجِعُ بِهِ فِي حَقِّ هَذَا الْحُكْمِ وَحِينَئِذٍ فَكَلَامُهُ شَامِلٌ لِمَا إذَا كَانَ الصَّرِيحُ مَوْصُوفًا بِمَا يَدُلُّ عَلَى الْبَيْنُونَةِ كَأَنْتِ طَالِقٌ بَائِنٌ بَعْدَ أَنْتِ بَائِنٌ فَإِنَّهُ يَلْحَقُ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ لَحِقَ بَائِنًا، وَإِنْ كَانَ بَائِنًا بِإِلْغَاءِ الْوَصْفِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ، وَالْبَزَّازِيَّةِ لَكِنْ يُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا فِي الْقُنْيَةِ مَعْزِيًّا إلَى نَظْمِ الزَّنْدَوَسْتِيِّ فِيمَنْ قَالَ لِمُخْتَلِعَتِهِ أَوْ مُبَانَتِهِ أَنْت طَالِقٌ بَائِنٌ أَوْ أَنْت طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ، وَنَوَى الثَّلَاثَ قَالَ أَبُو يُوسُفَ هِيَ ثَلَاثٌ خِلَافًا لِزُفَرَ فَإِنَّهُ وَاحِدَةٌ عِنْدَهُ اهـ. وَوَجْهُ إشْكَالِهِ أَنَّهُ إذَا لَغَا الْوَصْفُ بَقِيَ قَوْلُهُ: أَنْتِ طَالِقٌ وَهُوَ لَا تَصِحُّ فِيهِ نِيَّةُ الثَّلَاثِ، وَقَدْ حَكَمَ بِضَعْفِ مَا فِي الْقُنْيَةِ شَارِحُ مَنْظُومَةِ ابْنِ وَهْبَانَ وَأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الرِّوَايَةِ الضَّعِيفَةِ الْمُصَحِّحَةِ لِنِيَّةِ الثَّلَاثِ فِي أَنْتِ طَالِقٌ، وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُمْ أَلْغَوْا الْوَصْفَ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَأَلْغُوهُ لِيَقَعَ الثَّانِي وَلَمْ يُلْغُوهُ فِي نِيَّةِ الثَّلَاثِ احْتِيَاطًا فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَحِينَئِذٍ لَا يَحْتَاجُ إلَى حَمْلِهِ عَلَى الرِّوَايَةِ الضَّعِيفَةِ كَمَا لَا يَخْفَى وَإِذَا لَحِقَ الصَّرِيحُ الْبَائِنُ كَانَ بَائِنًا لِأَنَّ الْبَيْنُونَةَ السَّابِقَةَ عَلَيْهِ تَمْنَعُ الرَّجْعَةَ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ. (قَوْلُهُ: وَالْبَائِنُ يَلْحَقُ الصَّرِيحَ) كَمَا إذَا قَالَ لَهَا: أَنْت طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ لَهَا فِي الْعِدَّةِ أَنْت بَائِنٌ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا خَالَعَهَا أَوْ طَلَّقَهَا عَلَى مَالٍ بَعْدَ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ فَيَصِحُّ وَيَجِبُ الْمَالُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا فِي الْقُنْيَةِ رَقْمٌ لِشَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْأُوزْجَنْدِيِّ وَقَالَ طَلَّقَهَا عَلَى أَلْفٍ فَقَبِلَتْ ثُمَّ قَالَ فِي عِدَّتِهَا أَنْت بَائِنٌ لَا يَقَعُ عَلَيْهَا اهـ. فَإِنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْبَائِنِ اللَّاحِقِ لِلصَّرِيحِ، وَإِنْ كَانَ بَائِنًا فَإِنَّهُمْ جَعَلُوا الطَّلَاقَ عَلَى مَالٍ مِنْ قَبِيلِ الصَّرِيحِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ فَيَنْبَغِي الْوُقُوعُ وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ الشِّحْنَةِ   [منحة الخالق] لَهَا فِي الْعِدَّةِ اعْتَدِّي يَنْوِي الطَّلَاقَ أَنَّهُ يَقَعُ إلَّا أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِمَا مَرَّ عَنْ الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ: لَكِنْ يُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا فِي الْقُنْيَةِ. . . إلَخْ) أَيْ يُشْكِلُ عَلَى إلْغَاءِ الْوَصْفِ أَقُولُ: وَذَكَرَ صَاحِبُ الْقُنْيَةِ فِي كِتَابِهِ الْحَاوِي أَيْضًا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَعِبَارَتُهُ: قَالَ لِمُخْتَلِعَتِهِ أَوْ لِمُبَانَتِهِ أَنْت طَالِقٌ بَائِنٌ لَا يَقَعُ، وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ وَنَوَى الثَّلَاثَ لَا يَقَعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ هِيَ ثَلَاثٌ خِلَافًا لِزُفَرَ فَإِنَّهُ وَاحِدَةٌ عِنْدَهُ اهـ. وَمَا عَزَاهُ لِلْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ عَدَمِ الْوُقُوعِ مُوَافِقٌ لِمَا قَرَّرَهُ الْمُؤَلِّفُ عِنْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً أَوْ لَا. . . إلَخْ مِنْ أَنَّ الْوَصْفَ مَتَى قُرِنَ بِالْعَدَدِ كَانَ الْوُقُوعُ بِالْعَدَدِ وَكَذَا الْوُقُوعُ بِالْمَصْدَرِ عِنْدَ ذِكْرِهِ وَكَذَا الْوُقُوعُ بِالصِّفَةِ عِنْدَ ذِكْرِهَا كَمَا إذَا قَالَ أَنْت طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ كَانَ الْوُقُوعُ بِالْبَتَّةِ حَتَّى لَوْ قَالَ بَعْدَهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ مُتَّصِلًا لَا يَقَعُ، وَلَوْ كَانَ الْوُقُوعُ بِاسْمِ الْفَاعِلِ لَوَقَعَ اهـ. أَيْ لِأَنَّ الْوَصْفَ يَصِيرُ فَاصِلًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الِاسْتِثْنَاءِ وَعَلَى هَذَا فَإِذَا كَانَ الْوُقُوعُ بِالْوَصْفِ وَهُوَ هُنَا لَفْظُ بَائِنٍ كَانَ مِنْ الْبَائِنِ بَعْدَ الْبَائِنِ لَا مِنْ الصَّرِيحِ الْوَاقِعِ بِهِ الْبَائِنُ لَكِنْ يُشْكِلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ فِي أَنْتِ طَالِقٌ بَائِنٌ فَيَصْدُقُ عَلَيْهِ تَعْرِيفُ الصَّرِيحِ إلَّا أَنَّهُ يُجَابُ بِأَنَّ عَدَمَ احْتِيَاجِهِ إلَى النِّيَّةِ لِدَلَالَةِ الْحَالِ وَهِيَ ذِكْرُ الطَّلَاقِ الْمَوْصُوفِ بِلَفْظِ بَائِنٍ، وَالدَّلَالَةُ قَائِمَةٌ مَقَامَ النِّيَّةِ فَلَمْ يَدْخُلْ فِي تَعْرِيفِ الصَّرِيحِ لِأَنَّهُ مُتَوَقِّفٌ عَلَى الدَّلَالَةِ الْقَائِمَةِ مَقَامَ النِّيَّةِ فَكَأَنَّهُ تَوَقَّفَ عَلَى النِّيَّةِ وَعَلَى هَذَا فَلَا حَاجَةَ إلَى دَعْوَى إلْغَاءِ الْوَصْفِيَّةِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا خَالَعَهَا أَوْ طَلَّقَهَا عَلَى مَالٍ) قَالَ فِي النَّهْرِ: قَوْلُهُ: أَوْ طَلَّقَهَا عَلَى مَالٍ: سَهْوٌ لِمَا مَرَّ أَنَّ هَذَا مِنْ الصَّرِيحِ لَا مِنْ الْبَائِنِ الَّذِي يَلْحَقُ الصَّرِيحَ (قَوْلُهُ: وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا فِي الْقُنْيَةِ. . . إلَخْ) أَقُولُ: هَذَا الْفَرْعُ الْمَنْقُولُ فِي الْقُنْيَةِ وَكَذَا الْفَرْعُ الْآخَرُ الْمَنْقُولُ عَنْ الْخُلَاصَةِ مِنْ الْجِنْسِ السَّادِسِ الَّذِي اسْتَشْكَلَهُ الْمُؤَلِّفُ بَعْدُ يُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالصَّرِيحِ هُنَا فِي قَوْلِهِمْ، وَالْبَائِنُ يَلْحَقُ الصَّرِيحَ هُوَ الرَّجْعِيُّ فَقَطْ بِخِلَافِ الصَّرِيحِ فِي قَوْلِهِمْ الصَّرِيحُ يَلْحَقُ الصَّرِيحَ فَإِنَّهُ الْمُرَادُ بِهِ مَا يَشْمَلُ الصَّرِيحَ، وَالْبَائِنَ وَإِذَا حُمِلَ الصَّرِيحُ هُنَا عَلَى الرَّجْعِيِّ فَقَطْ يَنْدَفِعُ الْإِشْكَالَانِ تَأَمَّلْ وَرَاجِعْ وَعَلَى هَذَا فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالْبَائِنِ الثَّانِي مَا يَشْمَلُ الْبَائِنَ الصَّرِيحَ، وَالتَّعْلِيلُ بِصِدْقِ جَعْلِهِ خَبَرًا يَشْمَلُهُ وَيَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَاهُ عِبَارَةُ الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ الَّذِي هُوَ جَمْعُ كَلَامِ مُحَمَّدٍ فِي كُتُبِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَذَلِكَ حَيْثُ قَالَ وَإِذَا طَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً بَائِنَةً ثُمَّ قَالَ لَهَا فِي عِدَّتِهَا أَنْت عَلَيَّ حَرَامٌ أَوْ خَلِيَّةٌ أَوْ بَرِيَّةٌ أَوْ بَائِنٌ أَوْ بَتَّةٌ أَوْ شِبْهَ ذَلِكَ وَهُوَ يُرِيدُ بِهِ الطَّلَاقَ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا شَيْءٌ لِأَنَّهُ صَادِقٌ فِي قَوْلِهِ هِيَ عَلَيَّ حَرَامٌ وَهِيَ مِنِّي بَائِنٌ اهـ. فَقَوْلُهُ: وَلَوْ طَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً بَائِنَةً ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ طَلَّقَهَا بِالصَّرِيحِ الْبَائِنِ وَلَفْظُ طَلَّقَهَا يُفِيدُ ذَلِكَ حَيْثُ لَمْ يَقُلْ وَإِذَا أَبَانَهَا وَبِقَرِينَةِ الْمُقَابَلَةِ الْمُقَابَلَةُ أَيْضًا فَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْبَائِنَ لَا يَلْحَقُ الصَّرِيحَ الْبَائِنَ فَيَتَعَيَّنُ حَمْلَ الصَّرِيحِ هُنَا عَلَى الرَّجْعِيِّ كَمَا قُلْنَا، وَالْفَرْعَانِ الْمُشْكِلَانِ يَدُلَّانِ عَلَى ذَلِكَ وَبِمَا قُلْنَا يَنْدَفِعُ إشْكَالُهُمَا وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ أَمَّا كَوْنُ الْبَائِنِ يَلْحَقُ الصَّرِيحَ فَظَاهِرٌ لِأَنَّ الْقَيْدَ الْحُكْمِيَّ بَاقٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِبَقَاءِ الِاسْتِمْتَاعِ اهـ. إذْ لَا يَخْفَى أَنَّ بَقَاءَ الِاسْتِمْتَاعِ لَا يَكُونُ إلَّا بِالرَّجْعِيِّ فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِالصَّرِيحِ هُنَا مَا يَشْمَلُ الصَّرِيحَ الْبَائِنَ لَمْ يَصِحَّ التَّعْلِيلُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا مَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة قُبَيْلَ الْفَصْلِ السَّادِسِ، وَلَوْ طَلَّقَهَا عَلَى مَالٍ أَوْ خَلَعَهَا بَعْدَ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ يَصِحُّ وَلَوْ طَلَّقَهَا بِمَالٍ ثُمَّ خَلَعَهَا فِي الْعِدَّةِ لَا يَصِحُّ اهـ. وَانْظُرْ كَيْفَ فَرَّقَ بَيْنَ الرَّجْعِيِّ، وَالْبَائِنِ الصَّرِيحِ حَيْثُ جَعَلَ الْخُلْعَ وَاقِعًا بَعْدَ الرَّجْعِيِّ غَيْرَ وَاقِعٍ بَعْدَ الْبَائِنِ الصَّرِيحِ وَهُوَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 331 مَا فِي الْقُنْيَةِ وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ، وَيَدُلُّ عَلَى الْإِشْكَالِ عَكْسُهُ الْمُتَقَدِّمُ وَهُوَ مَا إذَا كَانَ الطَّلَاقُ عَلَى مَالٍ بَعْدَ الْبَائِنِ فَإِنَّهُ يَقَعُ. (قَوْلُهُ: لَا الْبَائِنُ) أَيْ الْبَائِنُ لَا يَلْحَقُ الْبَائِنَ إذَا أَمْكَنَ جَعْلُهُ خَبَرًا عَنْ الْأَوَّلِ لِصِدْقِهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى جَعْلِهِ إنْشَاءً وَلَا يُرَدُّ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ لِأَنَّهُ لَا احْتِمَالَ فِيهِ لِتَعَيُّنِهِ لِلْإِنْشَاءِ شَرْعًا حَتَّى لَوْ قَالَ: أَرَدْت بِهِ الْإِخْبَارَ لَا يُصَدَّقُ قَضَاءً، وَالْمُرَادُ بِالْبَائِنِ الَّذِي لَا يَلْحَقُ الْبَائِنَ الْكِنَايَةُ الْمُفِيدَةُ لِلْبَيْنُونَةِ بِكُلِّ لَفْظٍ كَانَ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي لَيْسَ ظَاهِرًا فِي الْإِنْشَاءِ فِي الطَّلَاقِ كَمَا أَوْضَحَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلِذَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: لَوْ قَالَ لَهَا بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ خَلَعْتُك، وَنَوَى بِهِ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ، وَفِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ: إذَا طَلَّقَ الْمُبَانَةَ فِي الْعِدَّةِ، وَإِنْ كَانَ بِصَرِيحِ الطَّلَاقِ وَقَعَ وَلَا يَقَعُ بِكِنَايَاتِ الطَّلَاقِ شَيْءٌ، وَإِنْ نَوَى اهـ. وَمُرَادُهُ مَا عَدَا الرَّوَاجِعَ وَلَكِنْ يُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا فِي الْخُلَاصَةِ مِنْ الْجِنْسِ السَّادِسِ مِنْ بَدَلِ الْخُلْعِ لَوْ طَلَّقَهَا بِمَالٍ ثُمَّ خَلَعَهَا فِي الْعِدَّةِ لَمْ يَصِحَّ فَإِنَّ هَذَا بَائِنٌ لَحِقَ صَرِيحًا، وَإِنْ كَانَ بَائِنًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَمُقْتَضَى مَا قَدَّمْنَاهُ صِحَّةُ الْخُلْعِ وَلَا مُخَلِّصَ إلَّا بِكَوْنِ الْمُرَادِ بِعَدَمِ صِحَّتِهِ عَدَمُ لُزُومِ الْمَالِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ صَاحِبَ الْخُلَاصَةِ صَرَّحَ فِي عَكْسِهِ، وَهُوَ مَا إذَا طَلَّقَهَا بِمَالٍ بَعْدَ الْخُلْعِ أَنَّهُ يَقَعُ وَلَا يَجِبُ الْمَالُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا كَمَا لَا يَخْفَى ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمَالَ، وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْ فَلَا بُدَّ فِي الْوُقُوعِ مِنْ قَبُولِهَا لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ قَالَ لَهَا بَعْدَ الْخُلْعِ: أَنْت طَالِقٌ عَلَى أَلْفٍ لَا يَقَعُ إلَّا بِقَبُولِهَا، وَإِنْ كَانَ الْمَالُ لَا يَلْزَمُهَا، وَهَذِهِ مَسْأَلَةُ الْجَامِعِ وَهِيَ رِوَايَةٌ فِي وَاقِعَةِ الْفَتَاوَى خَالَعَهَا مَرَّتَيْنِ ثُمَّ قَالَتْ فِي عِدَّةِ الثَّانِي بَقِيَ لِي طَلَاقٌ وَاحِدٌ اشْتَرَيْته مِنْك بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ حَتَّى تَكْمُلَ الثَّلَاثُ فَقَالَ الزَّوْجُ بِعْت الطَّلَاقَ الثَّالِثَ مِنْك بِعَشَرَةٍ وَقَالَتْ اشْتَرَيْته بِعَشَرَةٍ يَقَعُ الثَّالِثُ وَلَا يَجِبُ الْمَالُ لِأَنَّهُ إعْطَاءُ الْمَالِ لِتَحْصِيلِ الْخَلَاصِ الْمُنَجَّزِ وَأَنَّهُ حَاصِلٌ وَأَمَّا اشْتِرَاطُ قَبُولِهَا فِي أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ فَلِأَنَّ قَوْلَهُ أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَلْفٍ تَعْلِيقُ طَلَاقِهَا بِالْقَبُولِ فَلَا يَقَعُ بِلَا وُجُودِ الشَّرْطِ اهـ. وَشَمِلَ كَلَامُهُ مَا لَوْ قَالَ لِلْمُبَانَةِ أَبَنْتُك بِتَطْلِيقَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ بِخِلَافِ أَنْتِ طَالِقٌ بَائِنٌ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَفَرَّقَ فِي الذَّخِيرَةِ بَيْنَهُمَا بِأَنَّا إذَا أَلْغَيْنَا بَائِنًا يَبْقَى قَوْلُهُ: طَالِقٌ وَبِهِ يَقَعُ، وَلَوْ أَلْغَيْنَا أَبَنْتُكِ يَبْقَى قَوْلُهُ: بِتَطْلِيقَةٍ وَهُوَ غَيْرُ مُفِيدٍ وَقَيَّدْنَا بِإِمْكَانِ كَوْنِهِ خَبَرًا عَنْ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُمْكِنْ بِأَنْ نَوَى بِالْبَائِنِ الثَّانِي الْبَيْنُونَةَ الْغَلِيظَةَ قِيلَ يُصَدَّقُ فِيمَا نَوَى وَيَقَعُ الثَّلَاثُ لِأَنَّهَا مَحَلُّ الْبَيْنُونَةِ، وَالْحُرْمَةِ الْغَلِيظَةِ وَقِيلَ لَا يُصَدَّقُ لِأَنَّ التَّغْلِيظَ صِفَةٌ لِلْبَيْنُونَةِ فَإِذَا لَغَتْ النِّيَّةُ فِي أَصْلِ الْبَيْنُونَةِ لِكَوْنِهَا حَاصِلَهُ لَغَتْ فِي إثْبَاتِ وَصْفِ التَّغْلِيظِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَاقْتَصَرَ الشَّارِحُونَ عَلَى الْوُقُوعِ لَكِنْ بِصِيغَةِ يَنْبَغِي فَكَانَ الْوُقُوعُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: لَوْ قَالَ لِلْمُبَانَةِ أَبَنْتُكِ أُخْرَى يَقَعُ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ جَوَابًا اهـ. أَيْ لَا يَصْلُحُ كَوْنُهُ خَبَرًا عَنْ الْأَوَّلِ، وَفِي الْقُنْيَةِ: لَوْ قَالَ لَهَا أَنْت بَائِنٌ ثُمَّ قَالَ فِي عِدَّتِهَا أَنْت بَائِنٌ بِتَطْلِيقَةٍ أُخْرَى يَقَعُ اهـ. وَيَنْبَغِي أَنَّهُ إذَا أَبَانَهَا ثُمَّ قَالَ لَهَا: أَنْت بَائِنٌ نَاوِيًا طَلْقَةً ثَانِيَةً أَنْ تَقَعَ الثَّانِيَةُ بِنِيَّتِهِ لِأَنَّهُ بِنِيَّتِهِ لَا يَصْلُحُ خَيْرًا فَهُوَ كَمَا لَوْ قَالَ: أَبَنْتُكِ بِأُخْرَى   [منحة الخالق] الطَّلَاقُ بِمَالٍ. (قَوْلُهُ: وَلَا مُخَلِّصَ إلَّا بِكَوْنِ الْمُرَادِ. . . إلَخْ) هَذَا بَعِيدٌ كَمَا فِي النَّهْرِ وَأَقُولُ: قَدْ عَلِمْت الْمُخَلِّصَ بِحَمْلِ الصَّرِيحِ فِي قَوْلِهِمْ، وَالْبَائِنُ يَلْحَقُ الصَّرِيحَ لَا الْبَائِنَ عَلَى الصَّرِيحِ الرَّجْعِيِّ، وَالطَّلَاقُ بِمَالٍ صَرِيحٌ بَائِنٌ فَلَا يَلْحَقُهُ الْخُلْعُ وَقَوْلُهُ: وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ. . . إلَخْ غَيْرُ ظَاهِرٍ إذْ الْفَرْقُ أَوْضَحُ مِنْ أَنْ يَخْفَى فَإِنَّ عَدَمَ لُزُومِ الْمَالِ فِي الْعَكْسِ وَهُوَ مَا إذَا طَلَّقَهَا بِمَالٍ بَعْدَ الْخُلْعِ سَيَذْكُرُ وَجْهَهُ قَرِيبًا وَهُوَ أَنَّ إعْطَاءَ الْمَالِ لِتَحْصِيلِ الْخَلَاصِ الْمُنَجَّزِ وَأَنَّهُ حَاصِلٌ أَيْ لِأَنَّ الْخَلَاصَ الْمُنَجَّزَ الَّذِي لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مُضِيِّ عِدَّةٍ حَاصِلٌ بِالْخُلْعِ فَإِذَا طَلَّقَهَا بَعْدَهُ وَقَعَ بَائِنًا، وَإِنْ كَانَ رَجْعِيًّا لِحُصُولِ الْبَيْنُونَةِ قَبْلَهُ وَإِذَا كَانَ بِمَالٍ لَمْ يَلْزَمْ الْمَالُ أَيْضًا لِذَلِكَ أَمَّا فِي مَسْأَلَتِنَا إذَا طَلَّقَهَا أَوَّلًا بِمَالٍ يَلْزَمُ الْمَالُ بِلَا شُبْهَةٍ إذْ لَوْلَاهُ لَمْ يَحْصُلْ الْخَلَاصُ الْمُنَجَّزُ فَيَلْزَمُ الْمَالُ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ ثُمَّ إذَا خَلَعَهَا بَعْدَهُ لَمْ يَقَعْ لِئَلَّا يَلْزَمَ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ وَهُوَ الْخَلَاصُ الْمُنَجَّزُ فَكَيْفَ يَصِحُّ دَعْوَى عَدَمِ لُزُومِ الْمَالِ الَّذِي حَصَلَ بِهِ الْعِوَضُ الْمَقْصُودُ بِهِ بِشَيْءٍ طَارِئٍ عَلَيْهِ بَلْ يَلْغُو ذَلِكَ الطَّارِئُ إذْ هُوَ أَحَقُّ بِالْإِلْغَاءِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ قَبْلَهُ وَهَذَا الْوَجْهُ مُعَيِّنٌ أَيْضًا لِمَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالصَّرِيحِ هُنَا مَا يَشْمَلُ الصَّرِيحَ الْبَائِنَ إذْ لَا فَائِدَةَ فِي وُقُوعِ الْبَائِنِ بَعْدَهُ، وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ بِلَفْظِ الصَّرِيحِ فَاغْتَنِمْ تَحْرِيرَ هَذَا الْمَقَامِ فَإِنَّهُ مِنْ فَيْضِ الْفَتَّاحِ الْعَلِيمِ. (قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي أَنَّهُ إذَا أَبَانَهَا. . . إلَخْ) لَا يَخْفَى انْدِفَاعُهُ بِمَا مَرَّ عَنْ الْمُحِيطِ مِنْ إلْغَاءِ النِّيَّةِ فِي أَصْلِ الْبَيْنُونَةِ لِكَوْنِهَا حَاصِلَةً وَكَذَا مَا قَدَّمَهُ عَنْ الْحَاوِي مِنْ قَوْلِهِ وَلَا يَقَعُ بِكِنَايَاتِ الطَّلَاقِ شَيْءٌ، وَإِنْ نَوَى عَلَى أَنَّ تَعْبِيرَهُمْ بِإِمْكَانِ كَوْنِهِ خَبَرًا ظَاهِرًا فِي كَوْنِهِ احْتِرَازًا عَمَّا لَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ خَبَرًا لَا عَمَّا لَوْ نَوَى بِهِ طَلْقَةً ثَانِيَةً لِأَنَّ كُلَّ بَائِنٍ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ النِّيَّةِ فَإِذَا نَوَى بِالْبَائِنِ الثَّانِي الطَّلَاقَ وَأَمْكَنَ جَعْلُهُ خَبَرًا عَنْ الْأَوَّلِ لَا يَقَعُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنْ يَنْوِيَ الطَّلَاقَ الْأَوَّلَ بِخُصُوصِهِ وَإِلَّا كَانَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَقُولُوا إذَا نَوَى بِهِ الْأَوَّلَ فَعُدُولُهُمْ عَنْ التَّعْبِيرِ بِهَذَا إلَى التَّعْبِيرِ بِالْإِمْكَانِ الْمَذْكُورِ دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى أَنَّهُ مَتَى أَمْكَنَ جَعْلُ الثَّانِي خَبَرًا لَا يَقَعُ، وَإِنْ نَوَى بِهِ طَلْقَةً أُخْرَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 332 إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الْوُقُوعَ إنَّمَا هُوَ بِلَفْظٍ صَالِحٍ لَهُ وَهُوَ أُخْرَى بِخِلَافِ مُجَرَّدِ النِّيَّةِ وَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ بِعَدَمِ كَوْنِ الْمُبَانَةِ مَحَلًّا لِلْبَائِنِ إلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مَحَلًّا لِلظِّهَارِ، وَاللِّعَانِ أَمَّا الظِّهَارُ فَمُوجِبُهُ الْحُرْمَةُ، وَالْحُرْمَةُ حَاصِلَةٌ بِالْبَيْنُونَةِ وَأَمَّا اللِّعَانُ فَهُوَ حُكْمٌ مَشْرُوعٌ فِي قَذْفِ الزَّوْجَاتِ، وَالزَّوْجِيَّةُ مُنْقَطِعَةٌ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَلَوْ آلَى مِنْهَا لَمْ يَصِحَّ إيلَاؤُهُ فِي حُكْمِ الْبِرِّ لِأَنَّهُ فِي حَقِّ الْبِرِّ تَعْلِيقُ الْإِبَانَةِ شَرْعًا وَقِيَامُ الْمِلْكِ شَرْطُ صِحَّةِ الْإِبَانَةِ تَنْجِيزًا كَانَ أَوْ تَعْلِيقًا كَمَا فِي التَّعْلِيقِ الْحَقِيقِيِّ، وَلَوْ خَيَّرَهَا فِي الْعِدَّةِ لَا يَصِحُّ بِأَنْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا فِي الْعِدَّةِ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ، وَالتَّمْلِيكُ بِلَا مِلْكٍ لَا يُتَصَوَّرُ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَلَا يُقَالُ إنَّهُ مُعَلَّقٌ بِاخْتِيَارِهَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَلْحَقَ لِأَنَّ الْبَائِنَ إذَا كَانَ مُعَلَّقًا يَلْحَقُ لِأَنَّا نَقُولُ لَيْسَ بِمُعَلَّقٍ بَلْ هِيَ قَائِمَةٌ مَقَامَهُ فَإِيقَاعُهَا إيقَاعُ مُبْتَدَأٍ لَا أَثَرَ لِتَعْلِيقٍ سَابِقٍ. (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا كَانَ مُعَلَّقًا) يَعْنِي أَنَّ الْبَائِنَ يَلْحَقُ الْبَائِنَ إذَا كَانَ مُعَلَّقًا قَبْلَ الْمُنَجَّزِ الْبَائِنِ (بِأَنْ قَالَ لَهَا: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْت بَائِنٌ) نَاوِيًا الطَّلَاقَ ثُمَّ أَبَانَهَا مُنْجِزًا ثُمَّ وُجِدَ الشَّرْطُ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ وَأَنَّهُ يَقَعُ عَلَيْهَا طَلَاقٌ آخَرُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ أَنْتِ بَائِنٌ ثَانِيًا لِيُجْعَلَ خَبَرًا بَلْ الَّذِي وَقَعَ أَثَرُ التَّعْلِيقِ السَّابِقِ وَهُوَ زَوَالُ الْقَيْدِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَهِيَ مَحَلٌّ فَيَقَعُ وَعَلَى هَذَا قَالَ فِي الْحَقَائِقِ لَوْ قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَحَلَالُ اللَّهِ عَلَيَّ حَرَامٌ ثُمَّ قَالَ هَكَذَا الْأَمْرُ آخَرُ فَفَعَلَ أَحَدَهُمَا وَقَعَ طَلَاقٌ بَائِنٌ، وَلَوْ فَعَلَ الْآخَرَ يَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ آخَرُ وَهَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُحْفَظَ اهـ. وَفَرَّقَ فِي الذَّخِيرَةِ بَيْنَ أَنْتِ بَائِنٌ لِلْمُبَانَةِ وَبَيْنَ وُقُوعِ أَنْتِ بَائِنٌ الْمُعَلَّقُ بَعْدَ الْإِبَانَةِ أَنَّهُ لَمَّا صَحَّ التَّعْلِيقُ أَوْ لَا لِكَوْنِهَا مَحَلًّا لَهُ جَعَلْنَا الْمُعَلَّقَ الطَّلَاقَ الْبَائِنَ وَصَارَ بَائِنًا صِفَةً لِلطَّلَاقِ، وَالْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ كَالْمُنَجَّزِ عِنْدَ وُجُودِهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ فِي الْعِدَّة أَنْت طَالِقٌ بَائِنٌ وَلَوْ قَالَهُ وَقَعَ بِخِلَافِ أَنْتِ بَائِنٌ مُنْجَزًا فِي عِدَّةِ الْمُبَانَةِ لِأَنَّهُ صِفَةٌ لِلْمَرْأَةِ وَهِيَ لَمْ تَكُنْ مَحَلَّهُ لِأَنَّ مَحَلَّهُ مَنْ قَامَ بِهِ الِاتِّصَالُ، وَقَدْ انْقَطَعَتْ الْوَصْلَةُ بِالْإِبَانَةِ، وَالْمُضَافُ كَالْمُعَلَّقِ حَتَّى لَوْ قَالَ لَهَا أَنْت بَائِنٌ غَدًا نَاوِيًا الطَّلَاقَ ثُمَّ أَبَانَهَا ثُمَّ جَاءَ الْغَدُ وَقَعَتْ أُخْرَى وَلَوْ قَالَ لَهَا: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْت بَائِنٌ نَاوِيًا ثُمَّ قَالَ: إنْ كَلَّمْت زَيْدًا فَأَنْت بَائِنٌ نَاوِيًا ثُمَّ دَخَلَتْ الدَّارَ وَوَقَعَتْ الطَّلْقَةُ ثُمَّ كَلَّمَتْ زَيْدًا فَإِنَّهُ يَقَعُ أُخْرَى كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَهُوَ بَيَانٌ لِمَا إذَا كَانَا مُعَلَّقَيْنِ قَيَّدْنَا بِكَوْنِهِ مُعَلَّقًا قَبْلَ الْمُنَجَّزِ لِأَنَّهُ لَوْ عَلَّقَ الْبَائِنَ الْمُنَجَّزَ لَمْ يَصِحَّ التَّعْلِيقُ كَالتَّنْجِيزِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْبَدَائِعِ وَهِيَ وَارِدَةٌ عَلَى الْكِتَابِ وَشَمِلَ كَلَامُهُ مَا إذَا آلَى مِنْ زَوْجَتِهِ ثُمَّ أَبَانَهَا قَبْلَ مُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ثُمَّ مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ قَبْلَ أَنْ يَقْرَبَهَا وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ فَإِنَّهُ يَقَعُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ وَأَوْرَدَ عَلَيْنَا مَسْأَلَتَانِ إحْدَاهُمَا لَوْ قَالَ: إذَا جَاءَ غَدٌ فَاخْتَارِي ثُمَّ أَبَانَهَا فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا فِي الْعِدَّةِ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ شَيْءٌ إجْمَاعًا الثَّانِيَةُ لَوْ عَلَّقَ الظِّهَارَ بِشَرْطٍ فِي الْمِلْكِ بِأَنْ قَالَ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْت عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي ثُمَّ أَبَانَهَا فَدَخَلَتْ فِي الْعِدَّةِ لَا يَصِيرُ مُظَاهِرًا إجْمَاعًا وَهُمَا حُجَّةُ زُفَرَ عَلَيْنَا وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ فِي الْأُولَى مَلَّكَهَا الطَّلَاقَ غَدًا وَلَمَّا أَبَانَهَا أَزَالَ مِلْكَهُ لِلْحَالِ مِنْ وَجْهٍ وَبَقِيَ مِنْ وَجْهٍ، وَالْمِلْكُ مِنْ وَجْهٍ لَا يَكْفِي لِلتَّمْلِيكِ وَيَكْفِي لِلْإِزَالَةِ كَمَا فِي الِاسْتِيلَادِ، وَالتَّدْبِيرِ الْمُطْلَقِ حَتَّى لَا يَجُوزَ بَيْعُهُمَا وَيَجُوزُ إعْتَاقُهُمَا كَذَا هَذَا وَلِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي التَّخْيِيرِ اخْتِيَارُهَا لِأَجَانِبِ الزَّوْجِ، وَفِي التَّعْلِيقِ الْيَمِينُ لَا وُجُودُ الشَّرْطِ بِدَلِيلِ أَنَّهُمَا لَوْ شَهِدَا بِالتَّخْيِيرِ وَآخَرَانِ بِالِاخْتِيَارِ ثُمَّ رَجَعُوا فَالضَّمَانُ عَلَى شَاهِدَيْ الِاخْتِيَارِ لَا التَّخْيِيرِ، وَلَوْ شَهِدَا بِالتَّعْلِيقِ وَآخَرَانِ بِوُجُودِ الشَّرْطِ ثُمَّ رَجَعُوا فَالضَّمَانُ عَلَى شَاهِدَيْ التَّعْلِيقِ لَا الشَّرْطِ وَعَنْ الثَّانِيَةِ بِأَنَّ الظِّهَارَ يُوجِبُ حُرْمَةً مُوَقَّتَةً بِالْكَفَّارَةِ، وَقَدْ ثَبَتَتْ الْحُرْمَةُ بِالْإِبَانَةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَا تَحْتَمِلُ التَّحْرِيمَ بِالظِّهَارِ بِخِلَافِ الْكِنَايَةِ الْمُنَجَّزَةِ لِأَنَّهَا تُوجِبُ زَوَالَ الْمِلْكِ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَلَا تَمْنَعُ ثُبُوتَ حُكْمِ التَّعْلِيقِ وَتَمَامُهُ فِي الْبَدَائِعِ وَكَذَا لَوْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي نَاوِيًا ثُمَّ أَبَانَهَا بَطَلَ التَّخْيِيرُ حَتَّى لَوْ قَالَتْ بَعْدَهَا اخْتَرْت   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: لِأَنَّا نَقُولُ لَيْسَ بِمُعَلَّقٍ. . . إلَخْ) وَأَيْضًا قَدْ مَرَّ عَنْ الْبَدَائِعِ أَنَّ تَعْلِيقَ الْبَائِنِ فِي الْعِدَّةِ لَا يَصِحُّ كَالتَّنْجِيزِ وَسَيَأْتِي أَيْضًا. (قَوْلُهُ: بَعْدَ الْإِبَانَةِ) مُتَعَلِّقٌ بِوُقُوعِ لَا بِالْمُعَلَّقِ كَمَا لَا يَخْفَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 333 نَفْسِي لَمْ يَقَعْ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ، وَالظَّهِيرِيَّةِ ثُمَّ قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَفِي الْأَمَالِي قَالَ لَهَا: أَمْرُك بِيَدِك إذَا شِئْت ثُمَّ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً بَائِنَةً ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا طَلُقَتْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا تَطْلُقُ لِأَنَّ الزَّوْجَ فَعَلَ بِنَفْسِهِ مَا فَوَّضَ إلَيْهَا فَيَكُونُ إخْرَاجًا لِلْأَمْرِ مِنْ يَدِهَا وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ التَّفْوِيضَ قَدْ صَحَّ وَتَعَلَّقَ حَقُّهَا بِهِ فَلَا يَبْطُلُ بِزَوَالِ الْمِلْكِ وَمَا قَالَهُ أَبُو يُوسُفَ ضَعِيفٌ لِأَنَّ الطَّلَاقَ مُتَعَدِّدٌ فَلَا يَتَعَيَّنُ مَا أَوْقَعَهُ الزَّوْجُ لِمَا فَوَّضَ إلَيْهَا كَمَا لَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ بِعْ قَفِيزًا مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ ثُمَّ بَاعَ بِنَفْسِهِ قَفِيزًا لَا يَنْعَزِلُ الْوَكِيلُ اهـ. وَهَذَا لَا يُخَالِفُ مَا نَقَلْنَاهُ آنِفًا عَنْ الْبَدَائِعِ لِأَنَّ مَا فِي الْبَدَائِعِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَتَزَوَّجْهَا فَلَا يَقَعُ فِي الْعِدَّةِ وَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ الْأَمْرِ بِالْيَدِ جَعَلَ أَمْرَهَا بِيَدِهَا فِي طَلَاقٍ إنْ فَعَلَ كَذَا مَتَى شَاءَتْ ثُمَّ خَلَعَهَا عَلَى مَالٍ ثُمَّ وُجِدَ الشَّرْطُ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ تَمْلِكُ الْإِيقَاعَ، وَإِنْ مَضَتْ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا وَوُجِدَ الشَّرْطُ ذُكِرَ فِي الزِّيَادَاتِ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ جَوَابُهُ وَهُوَ عَدَمُ الْوُقُوعِ، وَفِي الْقُنْيَةِ لَا يَبْقَى الْأَمْرُ فِي يَدِهَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الطَّلَاقَ فِي الْعِدَّةِ اللَّاحِقِ، وَالسَّابِقِ أَرْبَعُ صُوَرٍ، وَقَدْ نَظَمَهَا الشَّيْخُ سَعْدُ الدِّينِ الدَّبَرِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَقَالَ: وَكُلُّ طَلَاقٍ بَعْدَ آخَرَ وَاقِعٌ ... سِوَى بَائِنٌ مَعَ مِثْلِهِ لَمْ يُعَلَّقْ وَتَعَقَّبَهُ وَالِدُ شَارِحِ الْمَنْظُومَةِ بِأَنَّ قَوْلَهُ لَمْ يُعَلَّقْ مُطْلَقٌ يَشْمَلُ الْبَائِنَ الْأَوَّلَ، وَالثَّانِيَ، وَالْمُرَادُ الْأَوَّلُ لَا الثَّانِي فَهُوَ إطْلَاقٌ فِي مَحَلِّ التَّقْيِيدِ فَقُلْت بَيْتًا مُفْرَدًا مِنْ الرَّجَزِ كُلًّا أَجِزْ لَا بَائِنًا مَعَ مِثْلِهِ ... إلَّا إذَا عَلَّقَهُ مِنْ قَبْلِهِ اهـ. قَالَ شَارِحُ الْمَنْظُومَةِ عَبْدُ الْبَرِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قُلْتُ: وَقَدْ فَاتَ الشَّيْخَيْنِ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ خَاصٌّ بِالْعِدَّةِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ الْمَعْلُومِ مِنْ خَارِجٍ لِأَنَّ تَمَامَ مَعْنَى الضَّابِطِ مُتَوَقِّفٌ عَلَيْهِ فَقُلْت مُنَبِّهًا عَلَى ذَلِكَ بَيْتًا مُفْرَدًا مِنْ الرَّجَزِ بِعِدَّةِ كُلِّ طَلَاقٍ لَحِقَا ... لَا بَائِنٍ لِمِثْلِهِ مَا عَلَقَا ثُمَّ قَوْلِي لَحِقَا مُشْعِرٌ بِكَوْنِ اللَّاحِقِ هُوَ الْمُعَلَّقُ وَوَصَفْنَا الْبَائِنَ بِأَنَّهُ مِثْلُ الْبَائِنِ مُشْعِرٌ بِإِخْرَاجِ الْبَيْنُونَةِ الْكُبْرَى لِمَا فِيهَا مِنْ الْخِلَافِ الَّذِي قَدَّمْته اهـ. وَقَيَّدَ الْمُؤَلِّفُ بِكَوْنِ السَّابِقِ طَلَاقًا لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فُرْقَةً بِغَيْرِ طَلَاقٍ كَالْفُرْقَةِ بِخِيَارِ الْبُلُوغِ أَوْ الْعَتَاقَةِ بَعْدَ الدُّخُولِ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي عِدَّتِهِ وَكُلُّ فِرْقَةٍ تُوجِبُ الْحُرْمَةَ الْمُؤَبَّدَةَ لَا يَلْحَقُهَا الطَّلَاقُ وَإِذَا أَسْلَمَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ لَا يَقَعُ عَلَى الْآخَرِ طَلَاقُهُ كَذَا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ الْأَوَّلُ لَا الثَّانِي) قَالَ فِي النَّهْرِ: لَا يَخْفَى أَنَّ الضَّمِيرَ فِي " يُعَلِّقُ " يَتَعَيَّنُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى الْبَائِنِ لَا إلَى الْمِثْلِ لِمَا اسْتَقَرَّ مِنْ أَنَّ مَا بَعْدَ مَعَ مَتْبُوعٌ لِمَا قَبْلَهَا نَحْوُ: جَاءَ زَيْدٌ مَعَ عَمْرٍو وَلَا شَكَّ أَنَّ الْبَائِنَ هُوَ التَّابِعُ لِلْمِثْلِ أَيْ اللَّاحِقُ لَهُ إنْ لَمْ يُعَلِّقْ لَمْ يَقَعْ وَإِلَّا، وَإِنْ سَبَقَ تَعْلِيقُهُ وَقَعَ اهـ. قُلْت لَا يَخْفَى أَنَّ كَوْنَ بَائِنٍ هُوَ التَّابِعُ لِلْمِثْلِ لَا يُعَيِّنُ رُجُوعًا لَمْ يُعَلَّقْ إلَيْهِ بَلْ الِاحْتِمَالُ بَاقٍ كَمَا لَا يَخْفَى ثُمَّ قَالَ فِي النَّهْرِ: نَعَمْ يَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ كَمَا مَرَّ أَنْ يُعَلِّقَهُ قَبْلَ الْمُنَجَّزِ وَلَيْسَ فِي بَيْتِهِ مَا يُفِيدُ هَذَا الْمَعْنَى وَهَذَا وَارِدٌ عَلَى بَيْتِ الشَّيْخِ عَبْدِ الْبَرِّ أَيْضًا فَبَيْتُ، وَالِدِهِ مِنْ الْحُسْنِ بِمَكَانٍ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَخْفَى مَا فِي قَوْلِهِ كُلًّا مِنْ الْإِيهَامِ وَيَرُدُّ عَلَى الْكُلِّ مَا قَدَّمْنَاهُ لَوْ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ لَهُ طَالِقٌ لَمْ يَقَعْ عَلَى الْمُخْتَلِفَةِ، وَلَوْ قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَامْرَأَتُهُ كَذَا لَمْ يَقَعْ عَلَى الْمُعْتَدَّةِ مِنْ بَائِنٍ فَقُلْت مُفْرَدًا مِنْ الزَّجْرِ مُبَيِّنًا لَهَا عَنْ الْكُلِّيَّةِ قَدْ خَرَجَ إلَّا بِكُلِّ امْرَأَةٍ، وَقَدْ خَلَعَ وَأَلْحَقَ الصَّرِيحَ بَعْدُ لَمْ يَقَعْ اهـ. وَالْوَاوُ فِي: وَقَدْ خَلَعَ لِلْحَالِ وَأَلْحَقَ بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ مَعْطُوفٌ عَلَى خَلَعَ أَيْ خَلَعَ وَأَلْحَقَ الصَّرِيحَ بَعْدَ الْخُلْعِ هَذَا وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ لِأَنَّ عَدَمَ الْوُقُوعِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ لِعَدَمِ تَنَاوُلِ لَفْظِ الْمَرْأَةِ مُعْتَدَّةَ الْبَائِنِ وَلِذَا لَوْ خَاطَبَهَا وَقَعَ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ سَابِقًا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَسْتَثْنِ فِي الْبَيْتِ الْمَسْأَلَةَ الْأُخْرَى وَلِبَعْضِهِمْ فِي نَظْمِ الْمَسْأَلَةِ أَيْضًا صَرِيحُ طَلَاقِ الْمَرْءِ يَلْحَقُ مِثْلُهُ وَيَلْحَقُ أَيْضًا بَائِنًا كَانَ قَبْلَهُ كَذَا عَكْسُهُ لَا بَائِنَ بَعْدَ بَائِنٍ سِوَى بَائِنٍ قَدْ كَانَ عَلَّقَ فِعْلَهُ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا أَسْلَمَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ. . . إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ هَذَا فِي طَلَاقِ أَهْلِ الْحَرْبِ، وَقَدْ أَتْبَعَهُ فِي الْخُلَاصَةِ بَعْدَ ذِكْرِ مَا ذَكَرَهُ الْبَزَّازِيُّ هُنَا بِقَوْلِهِ فِي بَابِ طَلَاقِ أَهْلِ الْحَرْبِ مِنْ أَصْلٍ وَلَا يَخْفَى مَا فِي ذِكْرِهِ هُنَا مُطْلَقًا مِنْ الْخَفَاءِ قَالَ الْعُقَيْلِيُّ فِي الْمِنْهَاجِ حَرْبِيَّةٌ خَرَجَتْ مُسْلِمَةً ثُمَّ خَرَجَ زَوْجُهَا بِأَمَانٍ فَطَلَّقَهَا لَا يَقَعُ فَإِنْ أَسْلَمَ الزَّوْجُ أَوْ صَارَ ذِمِّيًّا ثُمَّ طَلَّقَ يَقَعُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ، وَفِي قَوْلِهِ الْآخَرِ لَا يَقَعُ اهـ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة م، وَفِي الْمُنْتَقَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا عِدَّةَ عَلَى الْمُهَاجِرِ إذَا خَرَجَ الْحَرْبِيُّ مُسْلِمًا وَتَرَكَهَا فِي دَارِ الْحَرْبِ فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا اهـ. فَاعْلَمْ ذَلِكَ اهـ. قُلْتُ وَقَدَّمَ الْمُؤَلِّفُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الطَّلَاقِ عَنْ الْفَتْحِ أَنَّهُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي عِدَّةٍ عَنْ فَسْخٍ إلَّا فِي تَفْرِيقِ الْقَاضِي بِإِبَاءِ أَحَدِهِمَا عَنْ الْإِسْلَامِ، وَفِي ارْتِدَادِ أَحَدِهِمَا مُطْلَقًا اهـ. لَكِنْ فِيهِ أَنَّهُ إذَا كَانَتْ هِيَ الْآبِيَةُ فَإِنَّ هَذِهِ الْفَرْقَ فَسْخٌ أَمَّا لَوْ كَانَ الْآبِي هُوَ الزَّوْجُ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الطَّلَاقِ فَهِيَ طَلَاقٌ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 334 فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَإِذَا ارْتَدَّ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَطَلَّقَهَا فِي الْعِدَّةِ لَمْ يَقَعْ لِانْقِطَاعِ الْعِصْمَةِ. فَإِنْ عَادَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ وَقَعَ وَإِذَا ارْتَدَّتْ وَلَحِقَتْ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا طَلَاقُهُ فَإِنْ عَادَتْ قَبْلَ الْحَيْضِ لَمْ يَقَعْ كَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِبُطْلَانِ الْعِدَّةِ بِاللَّحَاقِ ثُمَّ لَا تَعُودُ بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ، وَفِي الذَّخِيرَةِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ فُرْقَةٍ هِيَ فَسْخٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي عِدَّتِهَا وَكُلُّ فِرْقَةٍ هِيَ طَلَاقٌ يَقَعُ الطَّلَاقُ فِيهَا فِي الْعِدَّةِ اهـ. وَقَدَّمْنَا شَيْئًا مِنْهُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الطَّلَاقِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ، وَالْمَآبُ. (بَابُ تَفْوِيضِ الطَّلَاقِ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ مَا يُوقِعُهُ الزَّوْجُ بِنَفْسِهِ صَرِيحًا وَكِنَايَةً شَرَعَ فِيمَا يُوقِعُهُ غَيْرُهُ بِإِذْنِهِ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ تَفْوِيضٌ وَتَوْكِيلٌ وَرِسَالَةٌ، وَالتَّفْوِيضُ إلَيْهَا يَكُونُ بِلَفْظِ التَّخْيِيرِ، وَالْأَمْرُ بِالْيَدِ، وَالْمَشِيئَةِ وَقَدَّمَ الْأَوَّلَ لِثُبُوتِهِ بِصَرِيحِ الدَّلِيلِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي يَنْوِي الطَّلَاقَ فَاخْتَارَتْ فِي مَجْلِسِهَا بَانَتْ بِوَاحِدَةٍ) لِأَنَّ الْمُخَيَّرَةَ لَهَا خِيَارُ الْمَجْلِسِ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - إجْمَاعًا سُكُوتِيًّا عِنْدَ تَصْرِيحِ بَعْضِهِمْ وَمَا نُقِلَ مِنْ خِلَافِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يَثْبُتْ وَتَمَسَّكَ ابْنِ الْمُنْذِرِ لِمَنْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «لَا تَعْجَلِي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْك» ضَعِيفٌ لِأَنَّ هَذَا التَّخْيِيرَ لَمْ يَكُنْ لِلتَّنَازُعِ فِيهِ وَهُوَ أَنْ تُوقِعَ بِنَفْسِهَا بَلْ عَلَى أَنَّهَا إنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا طَلَّقَهَا بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى {فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلا} [الأحزاب: 28] وَأَجَابَ فِي الْمِعْرَاجِ بِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - جَعَلَ لَهَا الْخِيَارَ إلَى غَايَةِ اسْتِشَارَةِ أَبَوَيْهَا لَا مُطْلَقًا وَكَلَامُنَا فِي الْمُطْلَقِ اهـ. وَلِأَنَّهُ تَمْلِيكُ الْفِعْلِ مِنْهَا لِكَوْنِهَا عَامِلَةً لِنَفْسِهَا وَهُوَ يَقْتَصِرُ عَلَيْهِ وَأُورِدَ عَلَى أَنَّهُ تَمْلِيكٌ مِنْهَا أَنَّهُ كَيْفَ يُعْتَبَرُ تَمْلِيكًا مَعَ بَقَاءِ مِلْكِهِ، وَالشَّيْءُ الْوَاحِدُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ كُلَّهُ مَمْلُوكًا لِشَخْصَيْنِ، وَأَجَابَ فِي الْكَافِي بِأَنَّهُ تَمْلِيكُ الْإِيقَاعِ لَا تَمْلِيكُ الْعَيْنِ فَقَبْلَ الْإِيقَاعِ بَقِيَ مِلْكُهُ اهـ. وَأُورِدَ عَلَى كَوْنِهَا عَامِلَةً لِنَفْسِهَا لَوْ وَكَّلَهُ بِإِبْرَاءِ نَفْسِهِ كَانَ وَكِيلًا بِدَلِيلِ صِحَّةِ رُجُوعِهِ قَبْلَ الْإِبْرَاءِ مَعَ أَنَّ الْمَدْيُونَ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ وَسَيَأْتِي جَوَابُهُ وَمَا فِيهِ فِي فَصْلِ الْمَشِيئَةِ وَقَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ فِي الْوَكَالَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَبَطَلَ تَوْكِيلُ الْكَفِيلِ بِمَالٍ أَنَّهُ مَالِكٌ وَلَيْسَ بِوَكِيلٍ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنْهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَقَدْ صَرَّحَ فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا أَنَّهُ لَا يَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ وَيَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنْهُ، وَفِي الْعِنَايَةِ أَنَّ التَّمْلِيكَ هُوَ الْإِقْدَارُ الشَّرْعِيُّ عَلَى مَحَلِّ التَّصَرُّفِ، وَالتَّوْكِيلُ الْإِقْدَارُ عَلَى التَّصَرُّفِ فَانْدَفَعَتْ هَذِهِ الشُّبْهَةُ اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ الْإِقْدَارُ الشَّرْعِيُّ عَلَى نَفْسِ التَّصَرُّفِ ابْتِدَاءً، وَالتَّوْكِيلَ الْإِقْدَارُ الشَّرْعِيُّ عَلَى نَفْسِ التَّصَرُّفِ لَا ابْتِدَاءً كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْبَيْعِ وَهُوَ الْحَقُّ لِأَنَّهُ لَا مَعْنًى لِلْإِقْرَارِ عَلَى الْمَحَلِّ إلَّا بِاعْتِبَارِ التَّصَرُّفِ فِيهِ، وَفِي الْمِعْرَاجِ لَا يَلْزَمُ مِنْ التَّمْلِيكِ عَدَمُ صِحَّةِ الرُّجُوعِ لِانْتِقَاضِهِ بِالْهِبَةِ فَإِنَّهَا تَمْلِيكٌ وَيَصِحُّ الرُّجُوعُ لَكِنَّهُ تَمْلِيكٌ يُخَالِفُ سَائِرَ التَّمْلِيكَاتِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَبْقَى إلَى مَا وَرَاءَ الْمَجْلِسِ إذَا كَانَتْ غَائِبَةً وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبُولِ لِكَوْنِهَا تُطَلِّقُ نَفْسَهَا بَعْدَ التَّفْوِيضِ وَهُوَ بَعْدَ تَمَامِ التَّمْلِيكِ قَيَّدَ بِالنِّيَّةِ لِأَنَّهُ مِنْ الْكِنَايَاتِ وَدَلَالَةُ الْحَالِ قَائِمَةٌ مَقَامَهَا قَضَاءً لَا دِيَانَةً، وَالدَّلَالَةُ مُذَاكَرَةُ الطَّلَاقِ أَوْ الْغَضَبِ وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ مِمَّا تَمَحَّضَ لِلْجَوَابِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ الْيَمِينِ فِي عَدَمِ النِّيَّةِ أَوْ الدَّلَالَةِ وَتُقْبَلُ بَيِّنَتُهَا عَلَى إثْبَاتِ الْغَضَبِ أَوْ الْمُذَاكَرَةِ لَا عَلَى النِّيَّةِ إلَّا إذَا قَامَتْ عَلَى إقْرَارِهِ بِهَا كَمَا ذَكَرَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ. وَإِذَا لَمْ يُصَدَّقْ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَفِي الذَّخِيرَةِ. . . إلَخْ) ذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ بَعْدَ ذَلِكَ بَيَانَ الْفُرْقَةِ الَّتِي هِيَ طَلَاقٌ وَاَلَّتِي لَيْسَتْ بِطَلَاقٍ فَقَالَ: الْفَرْقُ بِالْجَبِّ، وَالْعُنَّةِ طَلَاقٌ بِلَا خِلَافٍ إذَا كَانَ الزَّوْجُ مِنْ أَهْلِ الطَّلَاقِ وَإِلَّا بِأَنْ كَانَ صَبِيًّا فَقِيلَ فُرْقَةٌ بِغَيْرِ طَلَاقٍ وَقِيلَ بِطَلَاقٍ وَيَكُونُ بَائِنًا وَلَهَا الْمَهْرُ كَامِلًا وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَلَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ إلَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي، وَالْفُرْقَةُ بِخِيَارِ الْبُلُوغِ وَهِيَ فَسْخٌ وَلَا تَقَعُ إلَّا بِالْقَضَاءِ وَكَذَا الْفَرْقُ بِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ، وَالتَّقْصِيرِ فِي الْمَهْرِ هِيَ فَسْخٌ لَا طَلَاقٌ، وَالْفُرْقَةُ بِإِبَاءِ أَحَدِهِمَا عَنْ الْإِسْلَامِ بِتَفْرِيقِ الْقَاضِي تَكُونُ طَلَاقًا إنْ كَانَ الْآبِي هُوَ الزَّوْجُ وَكَانَ مِنْ أَهْلِ الطَّلَاقِ وَإِلَّا بِأَنْ كَانَ صَبِيًّا عَقَلَ الْإِسْلَامَ وَأَبَى فَقِيلَ طَلَاقٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقِيلَ هِيَ فُرْقَةٌ بِغَيْرِ طَلَاقٍ إجْمَاعًا، وَإِنْ كَانَتْ هِيَ الْآبِيَةُ بِأَنْ أَسْلَمَ هُوَ وَهِيَ مَجُوسِيَّةٌ أَبَتْ أَنْ تُسْلِمَ فَهِيَ فُرْقَةٌ بِغَيْرِ طَلَاقٍ إجْمَاعًا وَلَا تَقَعُ إلَّا بِالْقَضَاءِ أَيْضًا، وَالْفُرْقَةُ بِاللِّعَانِ طَلَاقٌ وَلَا تَقَعُ إلَّا بِالْقَضَاءِ. [بَابُ تَفْوِيضِ الطَّلَاقِ] (قَوْلُهُ: وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ مِمَّا تَمَحَّضَ لِلْجَوَابِ) الضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى قَوْلِهِ اخْتَارِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 335 قَضَاءً لَا يَسَعُهَا الْإِقَامَةُ مَعَهُ إلَّا بِنِكَاحٍ مُسْتَقْبَلٍ لِأَنَّهَا كَالْقَاضِي وَإِنَّمَا تَرَكَ ذِكْرَ الدَّلَالَةِ هُنَا لِلْعِلْمِ مِمَّا قَدَّمَهُ أَوَّلَ الْكِنَايَاتِ وَأَرَادَ بِنِيَّةِ الطَّلَاقِ نِيَّةَ تَفْوِيضِهِ وَقَيَّدَ بِالْمَجْلِسِ لِأَنَّهَا لَوْ قَامَتْ عَنْهُ أَوْ أَخَذَتْ فِي عَمَلٍ آخَرَ بَطَلَ خِيَارُهَا كَمَا سَنَذْكُرُهُ وَأَفَادَ بِذِكْرِ مَجْلِسِهَا أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِمَجْلِسِهِ فَلَوْ خَيَّرَهَا ثُمَّ قَامَ هُوَ لَمْ يَبْطُلْ بِخِلَافِ قِيَامِهَا كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَأَشَارَ بِاقْتِصَارِهِ عَلَى التَّخْيِيرِ إلَى أَنَّهُ لَوْ زَادَ مَتَى شِئْت فَإِنَّهُ لَا يَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ فَهُوَ لَهَا فِيهِ وَبَعْدَهُ وَبِخِطَابِهَا إلَى أَنَّهُ لَوْ خَيَّرَهَا وَهِيَ غَائِبَةٌ اُعْتُبِرَ مَجْلِسُ عِلْمِهَا، وَلَوْ قَالَ: جَعَلْت لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا الْيَوْمَ اُعْتُبِرَ مَجْلِسُ عِلْمِهَا فِي هَذَا الْيَوْمِ فَلَوْ مَضَى الْيَوْمُ ثُمَّ عَلِمَتْ خَرَجَ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا وَكَذَا كُلُّ وَقْتٍ قَيَّدَ التَّفْوِيضَ بِهِ وَهِيَ غَائِبَةٌ وَلَمْ تَعْلَمْ حَتَّى انْقَضَى بَطَلَ خِيَارُهَا، وَلَوْ قَالَ الزَّوْجُ عَلِمْت فِي مَجْلِسِ الْقَوْلِ وَأَنْكَرَتْ الْمَرْأَةُ فَالْقَوْلُ لَهَا لِأَنَّهَا مُنْكِرَةٌ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَلَوْ قَالَ لَهَا: اخْتَارِي رَأْسَ الشَّهْرِ فَلَهَا الْخِيَارُ فِي اللَّيْلَةِ الْأُولَى، وَالْيَوْمِ الْأَوَّلِ مِنْ الشَّهْرِ، وَلَوْ قَالَ: اخْتَارِي إذَا قَدِمَ فُلَانٌ وَإِذَا أَهَلَّ الْهِلَالُ فَلَهَا الْخِيَارُ سَاعَةَ يَقْدَمُ أَوْ أَهَلَّ الْهِلَالُ فِي الْمَجْلِسِ، وَلَوْ قَالَ: اخْتَارِي الْيَوْمَ وَاخْتَارِي غَدًا فَهُمَا خِيَارَانِ، وَلَوْ قَالَ فِي الْيَوْمِ وَغَدٍ فَهُوَ خِيَارٌ وَاحِدٌ كَذَا فِي الْمُحِيطِ أَيْضًا. وَأَشَارَ بِعَدَمِ ذِكْرِ قَبُولِهَا إلَى أَنَّهُ تَمْلِيكٌ يَتِمُّ بِالْمُمَلِّكِ وَحْدَهُ فَلَوْ رَجَعَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمَجْلِسِ لَمْ يَصِحَّ وَمَا عَلَّلَ بِهِ فِي الذَّخِيرَةِ مِنْ كَوْنِهِ بِمَعْنَى الْيَمِينِ إذْ هُوَ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ بِتَطْلِيقِهَا نَفْسِهَا فَخِلَافُ التَّحْقِيقِ لِأَنَّهُ اعْتِبَارُ مُمْكِنٍ فِي سَائِرِ الْوَكَالَاتِ لِتَضَمُّنِهِ مَعْنَى إذَا بِعْته فَقَدْ أَجْزَأْته فَكَانَ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَصِحَّ الرُّجُوعُ عَنْهَا مَعَ أَنَّهُ صَحِيحٌ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ هَذَا الِاعْتِبَارَ لَا يُمْكِنُ فِي الْوَكَالَةِ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ الْإِجَازَةِ بِالشَّرْطِ كَمَا فِي الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ فَكَانَ سَهْوًا، وَالْحَقُّ مَا فِي الذَّخِيرَةِ، وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَنَّهُ تَمْلِيكٌ فِيهِ مَعْنَى التَّعْلِيقِ فَلِكَوْنِهِ تَمْلِيكًا تَقَيَّدَ بِالْمَجْلِسِ وَلِكَوْنِهِ تَعْلِيقًا بَقِيَ إلَى مَا وَرَاءِ الْمَجْلِسِ وَلَمْ يَصِحَّ الرُّجُوعُ عَنْهُ عَمَلًا بِشَبَهَيْهِ، وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ تَفْوِيضُ الطَّلَاقِ إلَيْهَا قِيلَ هُوَ وَكَالَةٌ يَمْلِكُ عَزْلَهَا وَإِلَّا صَحَّ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ اهـ. وَإِنَّمَا وَقَعَ الْبَائِنُ بِهِ لِأَنَّهُ يُنْبِئُ عَنْ الِاسْتِخْلَاصِ، وَالصَّفَا مِنْ ذَلِكَ الْمِلْكِ وَهُوَ بِالْبَيْنُونَةِ وَإِلَّا لَمْ تَحْصُلْ فَائِدَةُ التَّخْيِيرِ إذْ كَانَ لَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا شَاءَتْ أَوْ أَبَتْ وَقَيَّدَ بِاقْتِصَارِهِ عَلَى التَّخْيِيرِ الْمُطْلَقِ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهَا: اخْتَارِي الطَّلَاقَ فَقَالَتْ اخْتَرْت الطَّلَاقَ فَهِيَ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ لِأَنَّهُ لَمَّا صَرَّحَ بِالطَّلَاقِ فَقَدْ خَيَّرَهَا بَيْنَ نَفْسِهَا بِتَطْلِيقَةٍ وَاحِدَةٍ رَجْعِيَّةٍ وَبَيْنَ تَرْكِ التَّطْلِيقَةِ وَكَذَا فِي قَوْلُهُ: أَمْرُك بِيَدِك كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَهُوَ مُسْتَفَادٌ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ آخِرَ الْبَابِ اخْتَارِي تَطْلِيقَةً أَوْ أَمْرُك بِيَدِك فِي تَطْلِيقَةٍ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فَاخْتَارَتْ اخْتِيَارَهَا نَفْسَهَا فَلَوْ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا لَمْ يَقَعْ وَخَرَجَ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا، وَلَوْ قَالَتْ اخْتَرْت نَفْسِي لَا بَلْ زَوْجِي يَقَعُ، وَلَوْ قَالَتْ زَوْجِي لَا بَلْ نَفْسِي لَا يَقَعُ وَخَرَجَ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا وَلَوْ عَطَفَتْ بِأَوْ فَقَالَتْ اخْتَرْت نَفْسِي أَوْ زَوْجِي لَا يَقَعُ، وَلَوْ كَانَ بِالْوَاوِ فَالِاعْتِبَارُ لِلْمُقَدَّمِ وَيَلْغُو مَا بَعْدَهُ. وَلَوْ خَيَّرَهَا ثُمَّ جَعَلَ لَهَا شَيْئًا لِتَخْتَارَهُ فَاخْتَارَتْهُ لَمْ يَقَعْ وَلَا يَجِبُ الْمَالُ لِأَنَّهُ رِشْوَةٌ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ مِنْ بَابِ إجَازَةِ الطَّلَاقِ لَوْ قَالَتْ طَلَّقْت نَفْسِي فَأَجَازَ طَلُقَتْ اعْتِبَارًا بِالْإِنْشَاءِ كَذَا أَبَنْت إذَا نَوَيَا، وَلَوْ ثَلَاثًا بِخِلَافِ الْأَوَّلِ كَذَا حَرُمَتْ وَبِدُونِ النِّيَّةِ إيلَاءٌ لِأَنَّهُ يَمِينٌ، وَفِي اخْتَرْت لَا يَقَعُ إذْ لَا وَضْعَ أَصْلًا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ الْإِجَازَةِ. . . إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَقُولُ: فَرْقٌ مَا بَيْنَ الضِّمْنِيِّ، وَالْقَصْدِيِّ، وَقَدْ أَجَازُوا الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ ضِمْنًا وَمَنَعُوهُ قَصْدًا (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَتْ اخْتَرْت نَفْسِي لَا بَلْ زَوْجِي يَقَعُ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَمَا فِي الِاخْتِيَارِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَقَعُ لِأَنَّهُ لِلْإِضْرَابِ عَنْ الْأَوَّلِ سَهْوٌ اهـ. وَسَيُنَبِّهُ عَلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ فِي آخِرِ هَذَا الْبَابِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْأَوَّلِ) أَيْ قَوْلُهَا طَلَّقْت لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فَلَمْ تُشْتَرَطْ فِيهِ النِّيَّةُ وَلَمْ تَصِحَّ فِيهِ نِيَّةُ الثَّلَاثِ وَكَذَا لَوْ قَالَتْ: حَرَّمْت عَلَيْك نَفْسِي فَقَالَ الزَّوْجُ أَجَزْت كَانَ كَمَا فِي أَبَّنْت لِكَوْنِهِ مِنْ الْكِنَايَاتِ لَكِنْ هُنَا بِدُونِ نِيَّةِ الزَّوْجِ يَكُونُ إيلَاءً، وَالْفَرْقُ أَنَّ أَجَزْت هُنَا بِمَنْزِلَةِ حَرَّمْت وَتَحْرِيمُ الْحَلَالِ يَمِينٌ بِالنَّصِّ، وَلَوْ قَالَتْ: اخْتَرْتُ نَفْسِي مِنْك فَقَالَ الزَّوْجُ أَجَزْت وَنَوَى الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ شَيْءٌ لِأَنَّ قَوْلَهَا اخْتَرْتُ لَمْ يُوضَعْ لِلطَّلَاقِ لَا صَرِيحًا وَلَا كِنَايَةً وَلَا عُرِفَ إيقَاعُ الطَّلَاقِ بِهِ إلَّا إذَا وَقَعَ جَوَابًا لِتَخْيِيرِ الزَّوْجِ وَكَذَا لَوْ قَالَتْ قَدْ جَعَلْت الْخِيَارَ إلَيَّ أَوْ قَدْ جَعَلْت أَمْرِي بِيَدِي فَطَلَّقْت نَفْسِي فَقَالَ الزَّوْجُ أَجَزْت مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يَقَعُ شَيْءٌ لَكِنْ يَصِيرُ الْخِيَارُ، وَالْأَمْرُ بِيَدِهَا إذَا نَوَى الزَّوْجُ الطَّلَاقَ وَإِنَّمَا لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ بِقَوْلِهَا فَطَلَّقْت نَفْسِي إذَا أَجَازَ الزَّوْجُ لِأَنَّ الْفَاءَ لِلتَّفْسِيرِ، وَالطَّلَاقُ يَصْلُحُ تَفْسِيرًا لِلتَّفْوِيضِ، وَالْعِبْرَةُ فِي التَّفْسِيرِ لِلْمُفَسَّرِ بِالْفَتْحِ وَهُوَ الْأَمْرُ فَكَانَتْ مُطَلَّقَةً قَبْلَ صَيْرُورَةِ الْأَمْرِ بِيَدِهَا فَيَلْغُوَا لِفَقْدِ التَّمْلِيكِ سَابِقًا عَلَى التَّطْلِيقِ بِخِلَافِ الْوَاوِ لِأَنَّهَا لِلِابْتِدَاءِ لَا لِلتَّفْسِيرِ فَكَانَتْ آتِيَةً بِأَمْرَيْنِ يَمْلِكُ الزَّوْجُ إنْشَاءَهُمَا وَهُمَا التَّفْوِيضُ، وَالطَّلَاقُ فَإِذَا قَالَ: أَجَزْت جَازَ الْأَمْرَانِ فَتَطْلُقُ رَجْعِيَّةً وَتَتَخَيَّرُ فِي إيقَاعِ أُخْرَى بِحُكْمِ التَّفْوِيضِ الَّذِي أَجَازَهُ بِخِلَافِ مَا مَرَّ مِنْ قَوْلِهَا اخْتَرْت إذَا أَجَازَهُ الزَّوْجُ حَيْثُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 336 وَلَا عُرْفَ إلَّا جَوَابًا كَذَا جَعَلْت الْخِيَارَ إلَيَّ أَوْ أَمْرِي بِيَدِي فَطَلَّقَتْ لِأَنَّ الْفَاءَ لِلتَّفْسِيرِ فَاعْتُبِرَ الْمُفَسِّرُ وَلَغَا لِفَقْدِ التَّمْلِيكِ سَابِقًا بِخِلَافِ الْوَاوِ لِأَنَّهُ لِلِابْتِدَاءِ فَتَقَعَ رَجْعِيَّةً وَتَتَخَيَّرُ إذْ يُوقِفُ مَالَهُ إنْشَاؤُهُ وَهُوَ التَّخْيِيرُ دُونَ الِاخْتِيَارِ وَلَمْ يَسْتَنِدْ لِأَنَّهُ سَبَبٌ عِنْدَ الْإِجَازَةِ لِلتَّعْلِيقِ بِهَا فَاعْتُبِرَ الْمَجْلِسُ بَعْدَهَا وَلَمْ يُقَيَّدْ بِوُجُودِ الشَّرْطِ قَبْلَهَا فِي تَعْلِيقِ الْفُضُولِيِّ بِخِلَافِ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ فَاعْتُبِرَ سَبَبًا حَالَ الْعَقْدِ كَذَا جَعَلْت أَمْسِ أَمْرِي بِيَدِي، وَفِي قُلْت أَمْسِ أَمْرِي بِيَدِي الْيَوْمَ لَا خِيَارَ لَهَا لِأَنَّ الْوَقْتَ ثَمَّ لِلْجَعْلِ، وَالْمَجْلِسَ بَعْدَ الْإِجَازَةِ وَهُنَاكَ لِلْأَمْرِ فَانْتَهَى بِمُضِيِّهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَمْ تَصِحَّ فِيهِ نِيَّةُ الثَّلَاثِ) لِأَنَّهُ إنَّمَا يُفِيدُ الْخُلُوصَ، وَالصَّفَا فَهُوَ غَيْرُ مُتَنَوِّعٍ، وَالْبَيْنُونَةُ ثَبَتَتْ فِيهِ مُقْتَضًى فَلَا يَعُمُّ بِخِلَافِ أَنْتِ بَائِنٌ وَنَحْوِهِ لِتَنَوُّعِ الْبَيْنُونَةِ إلَى غَلِيظَةٍ وَخَفِيفَةٍ قَيَّدَ بِالِاخْتِيَارِ لِأَنَّ نِيَّةَ الثَّلَاثِ صَحِيحَةٌ فِي الْأَمْرِ بِالْيَدِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ وَقَوْلُ الشَّارِحِينَ إنَّ الْإِجْمَاعَ مُنْعَقِدٌ عَلَى الْوَاحِدَةِ فَبَقِيَ مَا وَرَاءَهُ عَلَى الْأَصْلِ مُنْتَفٍ لِأَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ قَالَ بِوُقُوعِ الثَّلَاثِ قَوْلًا بِكَمَالِ الِاسْتِخْلَاصِ وَبِهِ أَخَذَ مَالِكٌ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا، وَفِي غَيْرِهَا يُقْبَلُ مِنْهُ دَعْوَى الْوَاحِدَةِ وَسَيَأْتِي مَا إذَا أَجْمَعَ بَيْنَ الْأَمْرِ بِالْيَدِ، وَالِاخْتِيَارِ وَقَيَّدَ بِكَوْنِ التَّخْيِيرِ غَيْرَ مَقْرُونٍ بِعَدَدٍ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي ثَلَاثًا فَقَالَتْ اخْتَرْت يَقَعُ الثَّلَاثُ لِأَنَّ التَّنْصِيصَ عَلَى الثَّلَاثِ دَلِيلُ إرَادَةِ اخْتِيَارِ الطَّلَاقِ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَتَعَدَّدُ وَقَوْلُهَا اخْتَرْت يَنْصَرِفُ إلَيْهِ فَيَقَعُ الثَّلَاثُ فَإِنْ كَرَّرَ التَّخْيِيرَ بِأَنْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي اخْتَارِي وَنَوَى بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا الطَّلَاقَ فَقَالَتْ اخْتَرْت يَقَعُ ثِنْتَانِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تَخْيِيرٌ تَامٌّ بِنَفْسِهِ وَقَوْلُهَا اخْتَرْت جَوَابًا لَهُمَا، وَالْوَاقِعُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا طَلَاقٌ بَائِنٌ وَكَذَا إذَا ذُكِرَ الثَّانِي بِحَرْفِ الْوَاوِ أَوْ الْفَاءِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ اخْتَرْت الْأُولَى إلَى آخِرِهِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ قَامَتْ أَوْ أَخَذَتْ فِي عَمَلٍ آخَرَ بَطَلَ خِيَارُهَا) لِكَوْنِهِ تَمْلِيكًا فَيَبْطُلُ بِتَبَدُّلِ الْمَجْلِسِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا أَطْلَقَ الْقِيَامَ فَشَمِلَ مَا إذَا أَقَامَهَا الزَّوْجُ قَهْرًا فَإِنَّهُ يَخْرُجُ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا لِأَنَّهُ يُمَكِّنُهَا مِمَّا نَعَتَهُ مِنْ الْقِيَامِ أَوْ الْمُبَادَرَةِ حِينَئِذٍ إلَى اخْتِيَارِهَا نَفْسَهَا فَعَدَمُ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى الْإِعْرَاضِ كَمَا إذَا جَامَعَهَا مُكْرَهَةً فِي مَجْلِسِهَا كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَأَرَادَ بِالْعَمَلِ الْآخَرِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ لَا مُطْلَقِ الْعَمَلِ لِأَنَّهُ لَوْ خَيَّرَهَا فَلَبِسَتْ ثَوْبًا أَوْ شَرِبَتْ لَا يَبْطُلُ خِيَارُهَا لِأَنَّ اللُّبْسَ قَدْ يَكُونُ لِتَدْعُوَ الشُّهُودَ، وَالْعَطَشَ قَدْ يَكُونُ شَدِيدًا يَمْنَعُ مِنْ التَّأَمُّلِ   [منحة الخالق] لَا يُفِيدُ شَيْئًا وَلَمْ يَتَوَقَّفْ عَلَى إجَازَةِ الزَّوْجِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا مَا يَكُونُ لَهُ إنْشَاؤُهُ وَهُوَ التَّخْيِيرُ كَمَا فِي مَسْأَلَتِنَا دُونَ مَا لَيْسَ لَهُ إنْشَاؤُهُ كَالِاخْتِيَارِ. وَقَوْلُهُ: وَلَمْ يَسْتَنِدْ. . . إلَخْ جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ لِمَا قَالَتْ فَطَلَّقْت بِالْفَاءِ، وَقَالَ الزَّوْجُ أَجَزْت صَارَ الْأَمْرُ بِيَدِهَا مُسْتَنِدٌ إلَى وَقْتِ الْجَعْلِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهَا طَلُقَتْ بَعْدَمَا صَارَ الْأَمْرُ بِيَدِهَا فَوَجَبَ أَنْ تَطْلُقَ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْجَعْلَ لَمْ يَسْتَنِدْ بِالْإِجَازَةِ لِعَدَمِ قَبُولِهِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ مَالِكِيَّةِ التَّصَرُّفِ، وَالتَّصَرُّفُ فِي الْمَاضِي مُحَالٌ فَكَذَا مَالِكِيَّتُهُ فَكَانَ قَوْلُهَا سَبَبًا لِمَالِكِيَّتِهَا أَمْرَهَا عِنْدَ الْإِجَازَةِ لَا قَبْلَهَا لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فُضُولِيٌّ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِجَازَةِ مُطْلَقًا وَيَنْفُذُ عِنْدَهَا لِتَعَلُّقِ النَّفَاذِ بِهَا وَلِهَذَا اُعْتُبِرَ تَبَدُّلُ الْمَجْلِسِ فِي حَقِّ خُرُوجِ الْأَمْرِ مِنْ يَدِهَا بَعْدَ وُجُودِ الْإِجَازَةِ لَا قَبْلَهَا حَتَّى لَوْ قَامَتْ بَعْدَ الْجَعْلِ قَبْلَ إجَازَةِ الزَّوْجِ لَا يَبْطُلُ وَكَذَا لَا يُعْتَدُّ بِوُجُودِ شَرْطِ الطَّلَاقِ قَبْلَ الْإِجَازَةِ فِي تَعْلِيقِ الْفُضُولِيِّ طَلَاقَ امْرَأَةٍ بِدُخُولِ الدَّارِ فَدَخَلَتْ ثُمَّ أَجَازَ لِأَنَّ الْيَمِينَ انْعَقَدَتْ عِنْدَ الْإِجَازَةِ لَا قَبْلَهَا وَلَا بُدَّ لِلطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ مِنْ وُجُودِ شَرْطٍ مُسْتَأْنَفٍ بَعْدَ الْإِجَازَةِ وَهَذَا بِخِلَافِ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَقْبَلْ التَّعْلِيقَ اُعْتُبِرَ سَبَبًا حَالَ صُدُورِ عَقْدِ الْفُضُولِيِّ حَتَّى لَوْ أَجَازَ الْمَالِكُ الْبَيْعَ يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ فَيَسْتَحِقُّ بِهِ الزَّوَائِدَ الْمُتَّصِلَةَ، وَالْمُنْفَصِلَةَ. وَقَوْلُهُ: كَذَا. . . إلَخْ أَيْ وَكَذَا لَوْ قَالَتْ الْمَرْأَةُ: جَعَلْت أَمْسِ أَمْرِي بِيَدِي فَقَالَ الزَّوْجُ أَجَزْت لَا يَقَعُ، وَإِنْ زَادَتْ وَاخْتَرْت نَفْسِي لَكِنْ يَكُونُ لَهَا الْخِيَارُ إذْ نَوَى الطَّلَاقَ، وَلَوْ قَالَتْ لَهُ قُلْت أَمْسِ أَمْرِي بِيَدِي الْيَوْمَ كُلَّهُ فَقَالَ أَجَزْت لَا يَقَعُ شَيْءٌ وَلَا خِيَارَ لَهَا، وَالْفَرْقُ أَنَّ ذِكْرَ الْوَقْتِ وَهُوَ أَمْسِ فِي الْأُولَى لِبَيَانِ وَقْتِ الْجَعْلِ لَا لِتَوْقِيتِ جَعْلِ الْأَمْرِ بِيَدِهَا فَبَقِيَ الْجَعْلُ مُطْلَقًا فَكَانَ مَوْقُوفًا عَلَى الْإِجَازَةِ فَكَانَ اعْتِبَارُ الْمَجْلِسِ بَعْدَ الْإِجَازَةِ فَلَا يَبْطُلُ بِقِيَامِهَا قَبْلَهُ أَمَّا هُنَا الْوَقْتُ لِتَوْقِيتِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ فَيَنْتَهِي بِمُضِيِّ وَقْتِهِ لِأَنَّ قَوْلَهَا قُلْت أَمْسِ. إلَخْ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ: أَمْرُك بِيَدِك الْيَوْمَ كُلَّهُ فَلَمْ يَكُنْ الْأَمْرُ بِالْيَدِ مَوْجُودًا وَقْتَ الْإِجَازَةِ بِصِفَةِ التَّوَقُّفِ فَلَغَتْ الْإِجَازَةُ لِفَقْدِهِ كَذَا فِي شَرْحِ الْفَارِسِيِّ مُلَخَّصًا. (قَوْلُهُ: فَلَبِسَتْ ثَوْبًا) كَذَا فِي الْفَتْحِ وَقَيَّدَهُ فِي النَّهْرِ بِكَوْنِهَا قَاعِدَةً وَهَكَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ قَالَ الرَّمْلِيُّ: فَظَاهِرُهُ أَنَّهَا إذَا لَبِسَتْهُ قَائِمَةً يَبْطُلُ، وَفِيهِ إشْكَالٌ وَهُوَ أَنَّ الْقِيَامَ بِانْفِرَادِهِ مُبْطِلٌ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِهِ حُكْمُ اللُّبْسِ فَقَطْ فَلَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ فِي الْجَوْهَرَةِ أَوَلَبِسَتْ ثِيَابًا مِنْ غَيْرِ أَنْ تَقُومَ اهـ. قُلْت الْإِشْكَالُ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ الْبَعْضِ، وَالْأَصَحُّ خِلَافُهُ كَمَا يَأْتِي قَرِيبًا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا فِي الْجَوْهَرَةِ الْمُرَادُ بِهِ مَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة حَيْثُ قَالَ وَكَذَلِكَ إذَا لَبِسَتْ ثِيَابَهَا مِنْ غَيْرِ قِيَامِهَا عَنْ الْمَجْلِسِ لَا يَبْطُلُ خِيَارُهَا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 337 وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي فَصْلِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ فَإِنَّ حُكْمَهُ فِيهِ كَحُكْمِهِ وَدَخَلَ فِي الْعَمَلِ الْكَلَامُ الْأَجْنَبِيُّ فَإِنَّهُ دَلِيلُ الْإِعْرَاضِ وَقَيَّدَ بِالِاخْتِيَارِ لِأَنَّ الصَّرْفَ، وَالسَّلَمَ لَا يَبْطُلَانِ بِالْإِعْرَاضِ بَلْ بِالِافْتِرَاقِ لَا عَنْ قَبْضٍ، وَالْإِيجَابُ فِي الْبَيْعِ يَبْطُلُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ مِنْ الْقَائِلِ وَأَفَادَ بِعِطْفِهِ الْأَخْذَ فِي الْعَمَلِ عَلَى الْقِيَامِ أَنَّهُ يَبْطُلُ بِالْقِيَامِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ عَمَلٌ آخَرُ لِأَنَّهُ دَلِيلُ الْإِعْرَاضِ وَهَكَذَا بِإِطْلَاقِهِ قَوْلَ الْبَعْضِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَبْطُلُ بِهِ إلَّا إذَا لَمْ يَشْتَمِلْ عَلَى الْإِعْرَاضِ وَفَائِدَةُ الِاخْتِلَافِ أَنَّهَا لَوْ قَامَتْ لِتَدْعُوَ شُهُودًا وَتَحَوَّلَتْ مِنْ مَكَانِهَا وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهَا أَحَدٌ بَطَلَ خِيَارُهَا عِنْدَ الْبَعْضِ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ لِعَدَمِ الْإِعْرَاضِ وَأَمَّا إذَا لَمْ تَتَحَوَّلْ لَا يَبْطُلُ اتِّفَاقًا وَقَيَّدَ بِكَوْنِ التَّخْيِيرِ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُوَقَّتًا كَمَا إذَا قَالَ: اخْتَارِي نَفْسَك الْيَوْمَ أَوْ هَذَا الشَّهْرَ أَوْ شَهْرًا أَوْ سَنَةً فَلَهَا أَنْ تَخْتَارَ مَا دَامَ الْوَقْتُ بَاقِيًا سَوَاءٌ أَعْرَضَتْ عَنْ ذَلِكَ الْمَجْلِسِ أَوْ لَا كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ فِي فَصْلِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ. (قَوْلُهُ: وَذِكْرُ النَّفْسِ أَوْ الِاخْتِيَارِ فِي أَحَدِ كَلَامَيْهِمَا شَرْطٌ) فَلَوْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي فَقَالَتْ اخْتَرْتُ نَفْسِي أَوْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي نَفْسَك فَقَالَتْ اخْتَرْتُ وَقَعَ فَإِذَا كَانَتْ النَّفْسُ فِي كَلَامَيْهِمَا فَبِالْأَوْلَى وَإِذَا خَلَتْ عَنْ كَلَامَيْهِمَا لَمْ يَقَعْ، وَالِاخْتِيَارَةُ كَالنَّفْسِ وَلَيْسَ مُرَادُهُ خُصُوصُ النَّفْسِ أَوْ الِاخْتِيَارَةِ بَلْ كُلُّ لَفْظٍ قَامَ مَقَامَهُمَا يَصْلُحُ تَفْسِيرًا لِلْمُبْهَمِ لِأَنَّ الِاخْتِيَارَ مُبْهَمٌ، وَإِنْ كَانَ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - إنَّمَا هُوَ بِالنَّفْسِ لِأَنَّهُ عُرِفَ مِنْ إجْمَاعِهِمْ اعْتِبَارُ مُفَسَّرٍ لَفْظًا مِنْ جَانِبٍ فَيَقْتَصِرُ عَلَيْهِ فَيَنْتَفِي غَيْرُ الْمُفَسَّرِ وَأَمَّا خُصُوصُ لَفْظِ الْمُفَسَّرِ فَمَعْلُومُ الْإِلْغَاءِ فَدَخَلَ فِيهِ ذِكْرُ التَّطْلِيقَةِ وَتَكْرَارُ قَوْلِهِ اخْتَارِي وَقَوْلُهَا أَخْتَارُ أَبِي أَوْ أُمِّي أَوْ أَهْلِي أَوْ الْأَزْوَاجَ بِخِلَافِ اخْتَرْت قَوْمِي أَوْ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا إذَا كَانَ لَهَا أَبٌ أَوْ أُمٌّ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَهَا أَخٌ فَقَالَتْ اخْتَرْت أَخِي يَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ لِأَنَّهَا تَكُونُ عِنْدَهُ عَادَةً عِنْدَ الْبَيْنُونَةِ إذَا عَدِمَتْ الْوَالِدَيْنِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ: اخْتَارِي أَهْلَك أَوْ الْأَزْوَاجَ فَاخْتَارَتْهُمْ وَقَعَ اسْتِحْسَانًا وَكَذَا أَبَاك وَأُمَّك أَوْ زَوْجَك وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ لَهَا زَوْجٌ قَبْلَهُ فَخَيَّرَهَا فِيهِ، وَلَوْ قَالَ: اخْتَارِي قَوْمَك أَوْ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْك لَا يَقَعُ، وَإِنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَقَدْ جَعَلَ مُحَمَّدٌ الْأَهْلَ اسْمًا لِلْأَبَوَيْنِ، وَالْقَوْمَ اسْمًا لِسَائِرِ الْأَقَارِبِ وَقَوْلُهُ: حُجَّةٌ فِي اللُّغَةِ لِأَنَّهُ مِنْ أَرْبَابِ اللُّغَةِ اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمُفَسَّرَ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ ثَمَانِيَةُ أَلْفَاظٍ كَمَا قَرَّرْنَاهُ وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْعَدَدَ فِي كَلَامِهِ مُفَسَّرٌ فَهِيَ تِسْعٌ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ فِي أَحَدِ كَلَامَيْهِمَا إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي نِيَّةِ الْمُفَسَّرِ مِنْ الِاتِّصَالِ فَلَوْ كَانَ مُنْفَصِلًا فَإِنْ كَانَ فِي الْمَجْلِسِ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا وَلِذَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ، وَالْخَانِيَّةِ لَوْ قَالَتْ فِي الْمَجْلِسِ عَنَيْت نَفْسِي يَقَعُ لِأَنَّهَا مَا دَامَتْ فِي الْمَجْلِسِ تَمْلِكُ الْإِنْشَاءَ، وَفِي الْفَوَائِدِ التَّاجِيَّةِ هَذَا إذَا لَمْ يُصَدِّقْهَا الزَّوْجُ أَنَّهَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَإِنْ صَدَّقَهَا وَقَعَ الطَّلَاقُ بِتَصَادُقِهِمَا، وَإِنْ خَلَا كَلَامُهُمَا عَنْ ذِكْرِ النَّفْسِ اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ التَّصَادُقَ بَعْدَ الْمَجْلِسِ مُعْتَبَرٌ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الْإِيقَاعُ بِالِاخْتِيَارِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَيَقْتَصِرُ عَلَى مَوْرِدِ النَّصِّ فِيهِ وَلَوْلَا هَذَا لَأَمْكَنَ الِاكْتِفَاءُ بِتَفْسِيرِ الْقَرِينَةِ الْحَالِيَّةِ دُونَ الْمَقَالِيَّةِ بَعْدَ أَنْ نَوَى الزَّوْجُ وُقُوعَ الطَّلَاقِ بِهِ وَتَصَادَقَا عَلَيْهِ لَكِنَّهُ بَاطِلٌ وَإِلَّا لَوَقَعَ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ مَعَ لَفْظٍ لَا يَصْلُحُ لَهُ أَصْلًا كاسقني وَبِهَذَا بَطَلَ اكْتِفَاءُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ بِالنِّيَّةِ مَعَ الْقَرِينَةِ عِنْدَ ذِكْرِ النَّفْسِ وَنَحْوِهِ اهـ. وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرْنَا عَنْ تَاجِ الشَّرِيعَةِ مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِالتَّصَادُقِ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي فَقَالَتْ أَنَا أَخْتَارُ نَفْسِي أَوْ اخْتَرْتُ نَفْسِي تَطْلُقُ) لِوُجُودِ الشَّرْطِ أَيْ تَبَيَّنَ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الثَّانِيَةَ وَهِيَ قَوْلُهَا اخْتَرْت نَفْسِي، وَإِنْ كَانَ قَدْ أَفَادَهَا بِقَوْلِهِ فِي أَحَدِ كَلَامَيْهِمَا لِيُفِيدَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْفِعْلِ الْمَاضِي، وَالْمُضَارِعِ فِي جَوَابِهَا الْمُقَيَّدِ بِالنَّفْسِ لِيُشِيرَ إلَى أَنَّ لَفْظَ أَنَا مَعَ الْمُضَارِعِ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَإِنَّمَا وَقَعَ بِالْمُضَارِعِ، وَإِنْ كَانَ لِلْوَعْدِ لِقِصَّةِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَتَكْرَارُ لَفْظِ اخْتَارِي) كَوْنُ التَّكْرَارِ مُفَسِّرًا لِإِرَادَةِ الطَّلَاقِ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ مَنْ لَمْ يَشْتَرِطْ النِّيَّةَ أَمَّا مَنْ اشْتَرَطَهَا لَا يَجْعَلُ التَّكْرَارَ مُفَسِّرًا لِلْمُرَادِ فَيَلْزَمُهُ أَنْ لَا يَكْتَفِيَ بِهِ عَنْ ذِكْرِ النَّفْسِ، وَالْإِلْزَامُ اسْتِعْمَالُ لَفْظِ الِاخْتِيَارِ مُبْهَمًا بِلَا مُفَسِّرٍ لَفْظِيٍّ وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ وَسَنَذْكُرُ تَمَامَ تَحْقِيقِهِ فَتَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ تَاجِ الشَّرِيعَةِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: قَالَ فِي النَّهْرِ وَذُكِرَ فِي الْعِنَايَةِ مَا ذَكَرَهُ فِي التَّاجِيَّةِ بِقِيلَ، وَفِيهِ إيمَاءٌ إلَى ضَعْفِهِ وَهُوَ الْحَقُّ اهـ. وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ مَا فِي شَرْحِ الْمَقْدِسِيَّ حَيْثُ قَالَ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّهُ إذَا صَدَّقَهَا بَعْدَ الْمَجْلِسِ عَلَى أَنَّهَا نَوَتْ نَفْسَهَا فِي الْمَجْلِسِ كَانَ اللَّفْظُ صَالِحًا لِلْإِيقَاعِ فَيُحْمَلُ كَلَامُ الْكَمَالِ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ بِأَنْ تَصَادَقَا عَلَى الطَّلَاقِ مَعَ الْإِطْلَاقِ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: يُشِيرُ إلَى أَنَّ لَفْظَ أَنَا. . . إلَخْ) اُنْظُرْ مَا الْمُعَلَّلُ بِهَذَا التَّعْلِيلِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 338 عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - حَيْثُ أَجَابَتْ بِقَوْلِهَا أَخْتَارُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاكْتَفَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهِ وَلِكَوْنِ الْمُضَارِعِ عِنْدَنَا مَوْضُوعًا لِلْحَالِ، وَالِاسْتِقْبَالُ فِيهِ احْتِمَالٌ كَمَا فِي كَلِمَةِ الشَّهَادَةِ وَأَدَاءِ الشَّهَادَةِ فَكَانَ لِلتَّحْقِيقِ دُونَ الْوَعْدِ وَعَلَى اعْتِبَارِ كَوْنِهِ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا فَقَدْ وُجِدَ هُنَا قَرِينَةٌ تُرَجِّحُ أَحَدَ مَفْهُومَيْهِ وَهُوَ إمْكَانُ كَوْنِهِ إخْبَارًا عَنْ أَمْرٍ قَائِمٍ فِي الْحَالِ لِكَوْنِ مَحَلِّهِ الْقَلْبَ فَيَصِحُّ الْإِخْبَارُ بِاللِّسَانِ عَمَّا هُوَ قَائِمٌ بِمَحَلٍّ آخَرَ حَالَ الْإِخْبَارِ قَيَّدَ بِالِاخْتِيَارِ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: طَلِّقِي نَفْسَك فَقَالَتْ أَنَا أُطَلِّقُ لَا يَقَعُ. وَكَذَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَعْتِقْ رَقَبَتَك فَقَالَ: أَنَا أَعْتِقُ لَا يَعْتِقُ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ إخْبَارًا عَنْ طَلَاقٍ قَائِمٍ أَمْ عِتْقٍ قَائِمٍ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَقُومُ بِاللِّسَانِ فَلَوْ جَازَ قَامَ بِهِ الْأَمْرَانِ فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ وَهُوَ مُحَالٌ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهَذَا بِنَاءٍ عَلَى أَنَّ الْإِيقَاعَ لَا يَكُونُ بِنَفْسِ أَطْلَقَ لِأَنَّهُ لَا تَعَارُفَ فِيهِ وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ لَوْ تُعُورِفَ جَازَ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ يَقَعُ بِهِ هُنَا لَوْ تُعُورِفَ لِأَنَّهُ إنْشَاءٌ لَا إخْبَارٌ اهـ. وَقَدْ أَخَذَهُ مِنْ الْكَافِي، وَالظَّهِيرِيَّةِ حَيْثُ قَالَا وَلِأَنَّ الْعَادَةَ لَمْ تَجْرِ فِي أَنَا طَالِقٌ بِإِرَادَةِ الْحَالِ اهـ. وَفِي الْمِعْرَاجِ إلَّا إذَا نَوَى إنْشَاءَ الطَّلَاقِ فَحِينَئِذٍ يَقَعُ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ لَوْ قَالَ: أَنَا أَحُجُّ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ: إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَأَنَا أَحُجُّ كَانَ نَذْرًا لِأَنَّ الْمَوَاعِيدَ بِاكْتِسَابِ التَّعَالِيقِ تَصِيرُ لَازِمَةً وَذُكِرَ فِي كِتَابِ الْكَفَالَةِ لَوْ قَالَ: الذَّهَبُ الَّذِي لَك عَلَى فُلَانٍ أَنَا أَدْفَعُهُ أَوْ أُسَلِّمُهُ أَوْ أَقْبِضُهُ مِنِّي لَا يَكُونُ كَفَالَةً مَا لَمْ يَقُلْ لَفْظًا يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ كَضَمِنْتُ أَوْ كَفَلْت أَوْ عَلَيَّ أَوْ إلَيَّ وَهَذَا إذَا ذَكَرَهُ مُنْجَزًا أَمَّا إذَا ذَكَرَهُ مُعَلَّقًا بِأَنْ قَالَ إنْ لَمْ يُؤَدِّهِ فُلَانٌ فَأَنَا أَدْفَعُهُ إلَيْك أَوْ نَحْوَهُ يَكُونُ كَفَالَةً لِمَا عُلِمَ أَنَّ الْمَوَاعِيدَ بِاكْتِسَابِ صُوَرِ التَّعَالِيقِ تَكُونُ لَازِمَةً فَإِنَّ قَوْلَهُ أَنَا أَحُجُّ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَلَوْ عَلَّقَ وَقَالَ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنَا أَحُجُّ يَلْزَمُهُ الْحَجُّ اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ لَوْ قَالَتْ لَهُ أَنَا أُطَلِّقُ نَفْسِي لَا يَكُونُ جَوَابًا، وَلَوْ قَالَتْ اخْتَرْتُ أَنْ أُطَلِّقَ نَفْسِي كَانَ جَائِزًا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي اخْتَارِي اخْتَارِي فَقَالَتْ اخْتَرْتُ الْأُولَى أَوْ الْوُسْطَى أَوْ الْأَخِيرَةَ وَقَعَ الثَّلَاثُ بِلَا نِيَّةٍ) لِأَنَّ فِي لَفْظِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى إرَادَةِ الطَّلَاقِ وَهُوَ التَّعَدُّدُ وَهُوَ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالطَّلَاقِ لَا بِاخْتِيَارِ الزَّوْجِ، وَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي الْوُقُوعِ بِهِ قَضَاءً بِدُونِ النِّيَّةِ مَعَ الِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَقَعُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ إلَّا بِالنِّيَّةِ فَذَهَبَ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِصَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَالصَّدْرِ الشَّهِيدِ وَالْعَتَّابِيِّ إلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِهَا لِمَا ذَكَرْنَا وَذَهَبَ قَاضِي خَانْ وَأَبُو الْمُعِينِ النَّسَفِيُّ إلَى اشْتِرَاطِهَا وَرَجَّحَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّ تَكْرَارَ أَمْرِهِ بِالِاخْتِيَارِ لَا يَصِيرُ ظَاهِرًا فِي الطَّلَاقِ لِجَوَازِ أَنْ يُرِيدَ اخْتَارِي فِي الْمَالِ وَاخْتَارِي فِي الْمَسْكَنِ وَنَحْوِهِ وَهُوَ كَاعْتَدِّي إذَا كَرَّرَهُ، وَقَدْ يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ الْمَحْصُورَ بِالثَّلَاثِ هُوَ الطَّلَاقُ لَا أَمْرٌ آخَرُ كَذَا ذَكَرَهُ الْفَارِسِيُّ وَيُرَدُّ عَلَيْهِ لَوْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي مَرَّتَيْنِ فَقَطْ فَإِنَّهُ يَقَعُ بِلَا نِيَّةٍ وَلَا حَصْرٍ، وَفِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ، وَالْعُدَدِ خَاصٌّ بِالطَّلَاقِ فَأَغْنَى عَنْ ذِكْرِ النَّفْسِ، وَالنِّيَّةِ اهـ. وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي أَصْلِهِ فَقَدْ نُقِلَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّ الْمُصَرَّحَ بِهِ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ اشْتِرَاطُ النِّيَّةِ قَالَ وَهُوَ الظَّاهِرُ اهـ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ رِوَايَةً وَدِرَايَةً اشْتِرَاطُهَا دُونَ اشْتِرَاطِ ذِكْرِ النَّفْسِ وَأَفَادَ بِإِطْلَاقِهِ عَدَمَ اشْتِرَاطِ ذِكْرِ النَّفْسِ فِي أَحَدِ كَلَامَيْهِمَا كَالنِّيَّةِ لِأَنَّ التَّكْرَارَ قَامَ مَقَامَهُ لِمَا قَدَّمْنَاهُ وَقِيلَ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ النَّفْسِ وَإِنَّمَا حُذِفَ لِشُهْرَتِهِ لِأَنَّ غَرَضَ مُحَمَّدٍ مُجَرَّدُ التَّفْرِيعِ دُونَ بَيَانِ صِحَّةِ الْجَوَابِ كَذَا فِي الْكَافِي ثُمَّ وُقُوعُ الثَّلَاثِ هُنَا قَوْلُ الْإِمَامِ وَقَالَا يَقَعُ وَاحِدَةً نَظَرًا إلَى أَنَّ هَذِهِ الْكَلِمَةَ تُفِيدُ التَّرْتِيبَ، وَالْإِفْرَادَ فَإِذَا بَطَلَ الْأَوَّلُ لِاسْتِحَالَةِ التَّرْتِيبِ فِي الْمُجْتَمَعِ فِي الْمِلْكِ لَمْ يَجُزْ إبْطَالُ الْآخَرِ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَلَا حَصْرَ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَا حَصْرَ لِلطَّلَاقِ فِي الْمَرَّتَيْنِ (قَوْلُهُ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ. . . إلَخْ) قَالَ مُحَشِّي مِسْكِينٍ وَمَالَ الشَّيْخُ قَاسِمٌ إلَى عَدَمِ الِاحْتِيَاجِ لِلنِّيَّةِ فِي الْقَضَاءِ وَأَمَّا فِي الْوُقُوعِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَتُشْتَرَطُ النِّيَّةُ اهـ. قُلْت وَقَدْ أَطَالَ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِهِ فِي هَذَا الْمَحَلِّ ثُمَّ قَالَ، فَالتَّعْوِيلُ عَلَى مَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مِنْ عَدَمِ اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ وَذِكْرِ النَّفْسِ قَضَاءً وَأَمَّا دِيَانَةً فَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ اهـ. قُلْت: وَيُشْكِلُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ مِنْ تَرْجِيحِ اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ دُونَ النَّفْسِ أَنَّ التَّكْرَارَ إذَا لَمْ يَكُنْ دَالًّا عَلَى إرَادَةِ الطَّلَاقِ حَتَّى اُشْتُرِطَتْ النِّيَّةُ يَنْبَغِي أَنْ يُشْتَرَطَ ذِكْرُ النَّفْسِ لِأَنَّ مَنْ قَالَ بِعَدَمِ اشْتِرَاطِهِ بَنَاهُ عَلَى أَنَّ التَّكْرَارَ قَائِمٌ مَقَامَ النَّفْسِ فِي تَعْيِينِ إرَادَةِ الطَّلَاقِ فَيَلْزَمُ كَوْنُ التَّكْرَارِ مُعَيَّنًا وَغَيْرَ مُعَيَّنٍ وَهُوَ تَنَاقُضٌ وَحِينَئِذٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنَّ مَنْ جَعَلَ التَّكْرَارَ قَائِمًا مَقَامَ ذِكْرِ النَّفْسِ فِي تَعْيِينِ إرَادَةِ الطَّلَاقِ يَقُولُ لَا تُشْتَرَطُ النِّيَّةُ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ عَنْ تَلْخِيصِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَمَنْ قَالَ أَنَّهُ غَيْرُ قَائِمٍ مَقَامَ النَّفْسِ يَقُولُ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهَا أَوْ ذِكْرِ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا فِي تَعْيِينِ إرَادَةِ الطَّلَاقِ كَالِاخْتِيَارَةِ وَنَحْوِهَا وَيَلْزَمُهُ الْقَوْلُ بِعَدَمِ اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ لِوُجُودِ الْمُعَيَّنِ فِي اللَّفْظِ إذْ لَا يَصْدُقُ فِي الْقَضَاءِ بِقَوْلِهِ لَمْ أَنْوِ. (قَوْلُهُ: نَظَرًا إلَى أَنَّ هَذِهِ الْكَلِمَةَ) أَيْ قَوْلُهَا اخْتَرْتُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 339 وَلَهُ أَنَّهَا تُفِيدُ التَّرْتِيبَ، وَالْإِفْرَادُ مِنْ ضَرُورَتِهِ فَإِذَا بَطَلَ فِي حَقِّ الْأَصْلِ بَطَلَ فِي حَقِّ التَّبَعِ، وَقَدْ مَنَعَ أَنَّ الْإِفْرَادَ مِنْ ضَرُورَتِهِ بَلْ كُلٌّ مِنْهُمَا مَدْلُولُهُ وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا تَبَعًا لِلْآخَرِ وَلِذَا اخْتَارَ الطَّحَاوِيُّ قَوْلَهُمَا وَأُجِيبَ عَنْهُ سَلَّمْنَا أَنَّ الْفَرْدِيَّةَ مَدْلُولَةٌ لَكِنْ لَا يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ مَقْصُودَةً لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ أَحَدَ جُزْأَيْ الْمَدْلُولِ الْمُطَابِقِ هُوَ الْمَقْصُودُ، وَالْآخَرُ تَبَعًا كَمَا هُوَ الْمُرَادُ هُنَا لِأَنَّ الْوَصْفَ وُضِعَ لِلذَّاتِ بِاعْتِبَارِ مَعْنًى هُوَ الْمَقْصُودُ فَلَمْ تُلَاحَظْ الْفَرْدِيَّةُ فِيهِ حَقِيقِيًّا أَوْ اعْتِبَارِيًّا كَالطَّائِفَةِ الْأُولَى، وَالْجَمَاعَةِ الْأُولَى إلَّا مِنْ حَيْثُ هُوَ مُتَّصِفٌ بِتِلْكَ النِّسْبَةِ فَإِذَا بَطَلَتْ بَطَلَ الْكَلَامُ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ اخْتَرْت الْأُولَى وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا لَوْ قَالَتْ اخْتَرْتُ التَّطْلِيقَةَ الْأُولَى وَقَعَتْ وَاحِدَةً اتِّفَاقًا كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ، وَلَوْ قَالَتْ: اخْتَرْت أَوْ اخْتَرْتُ اخْتِيَارَهُ أَوْ الِاخْتِيَارَةَ أَوْ مَرَّةً بِمَرَّةٍ أَوْ دَفْعَةً أَوْ بِدَفْعَةٍ أَوْ بِوَاحِدَةٍ أَوْ اخْتِيَارَةٍ وَاحِدَةٍ يَقَعُ الثَّلَاثُ فِي قَوْلِهِمْ، وَلَوْ قَالَ الزَّوْجُ نَوَيْت بِالْأُولَى طَلَاقًا وَبِالْأُخْرَيَيْنِ التَّأْكِيدَ لَا يُصَدَّقُ قَضَاءً كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَالْأَصْلُ أَنَّهَا إذَا ذُكِرَتْ الْأُولَى أَوْ مَا يَجْرِي مَجْرَاهَا فَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ فَإِنْ قَالَتْ اخْتَرْت التَّطْلِيقَةَ الْأُولَى وَقَعَتْ وَاحِدَةً اتِّفَاقًا، وَإِنْ قَالَتْ اخْتَرْت الِاخْتِيَارَةَ الْأُولَى فَثَلَاثٌ اتِّفَاقًا. وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا لَمْ تَذْكُرْ الْمَنْعُوتَ وَأَوْرَدَ الْمُصَنِّفُ تَكْرَارَ التَّخْيِيرِ ثَلَاثًا سَوَاءٌ كَانَ بِلَا عَطْفٍ كَمَا ذَكَرَهُ أَوْ بِهِ مِنْ وَاوٍ أَوْ فَاءٍ أَوْ ثُمَّ لِأَنَّهُ جَوَابُ الْكُلِّ حَتَّى لَوْ كَانَ بِمَالٍ لَزِمَ كُلُّهُ، وَفِي شَرْحِ تَلْخِيصِ الْجَامِعِ لِلْفَارِسِيِّ إلَّا أَنَّ فِي الْعَطْفِ بِثُمَّ لَوْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا بِالْأُولَى قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ الزَّوْجُ بِالثَّانِيَةِ، وَالثَّالِثَةِ وَهِيَ غَيْرُ مَدْخُولٍ بِهَا بَانَتْ بِالْأُولَى وَلَمْ يَقَعْ بِغَيْرِهَا شَيْءٌ اهـ. وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ لَوْ قَالَ لَهَا أَمْرُك بِيَدِك يَنْوِي ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ لَهَا أَمْرُك بِيَدِك عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ يَنْوِي ثَلَاثًا فَقَبِلَتْ ذَلِكَ ثُمَّ قَالَتْ قَدْ اخْتَرْتُ نَفْسِي بِالْخِيَارِ الْأَوَّلِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا، وَالْمَالُ لَازِمٌ عَلَيْهَا وَذِكْرُهَا الْأَوَّلَ لَغْوٌ وَقَالَا هِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَلَا يَلْزَمُهَا الْمَالُ وَذِكْرُهَا الْأَوَّلَ لَيْسَ بِلَغْوٍ اهـ. وَفِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ لَوْ قَالَ لَهَا: اخْتَارِي اخْتَارِي اخْتَارِي بِأَلْفٍ أَوْ عَطَفَ فَقَالَتْ اخْتَرْت طَلُقَتْ ثَلَاثًا بِأَلْفٍ وَفَاءً بِإِطْلَاقِ الْجَوَابِ فَقَبِلَتْ فَوْرَ أَنْوَاعِ تَمْلِيكٍ، وَالْعَدَدُ خَاصٌّ بِالطَّلَاقِ فَأَغْنَى عَنْ ذِكْرِ النَّفْسِ، وَالنِّيَّةِ كَذَا اخْتَرْتُ لِوَاحِدَةٍ أَوْ وَاحِدَةٍ حَذَارِ التَّخْيِيرَ بِالشَّكِّ إذْ يَنْعَتُ بِهَا الدَّفْعَةَ، وَالِاخْتِيَارَةَ، وَفِي اخْتَرْتُ تَطْلِيقَةً لَا يَقَعُ لِلْعَطْفِ لِأَنَّهَا لِلْفَرْدِ وَهُوَ بِبَعْضِ الْأَلْفِ ضَرَرٌ بِخِلَافِ جَانِبِهَا وَبِالْكَلِمَةِ إيجَابٌ لَا جَوَابٌ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ إذْ عَلَيْهِ الْوِفَاقُ لَا الْجَوَابُ، وَفِي غَيْرِهِ يَقَعُ فَرْدٌ وَلَا مَالَ مَا لَمْ تُعْنَ الثَّالِثَةُ لِخُصُوصِهِ بِهَا كَذَا اخْتَرْت الْأَوَّلَ عِنْدَهُمَا إذَا أَضْمَرَ الطَّلْقَةَ حِفْظًا لِلنَّعْتِ وَعِنْدَهُ يَقَعُ الثَّلَاثُ إذَا أَضْمَرَ الِاخْتَيَارَةَ حِفْظًا لِلْأَصْلِ بِتَطْلِيقِ الْجَوَابِ، وَالصَّدْرِ اهـ. وَأَفَادَ الْمُصَنِّفُ بِوُقُوعِ الثَّلَاثِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بِمَالٍ لَزِمَهَا الْمَالُ كُلُّهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا إنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا بِالْأَخِيرَةِ لَزِمَهَا الْمَالُ كُلُّهُ، وَإِنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا بِالْأُولَى أَوْ الْوُسْطَى لَمْ يَلْزَمْهَا شَيْءٌ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ التَّخْيِيرَاتِ تَخْيِيرٌ عَلَى حِدَةٍ فَإِنَّهُ كَلَامٌ تَامٌّ بِنَفْسِهِ وَلَمْ يُذْكَرْ مَعَهُ حَرْفُ الْجَمْعِ، وَالْبَدَلُ لَمْ يُذْكَرْ إلَّا فِي الْأَخِيرَةِ فَلَا يَجِبُ إلَّا بِاخْتِيَارِ الْأَخِيرَةِ، وَلَوْ ذُكِرَ بِالْوَاوِ أَوْ الْفَاءِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَخْتَلِفُ الْجَوَابُ فَيَقَعُ الثَّلَاثُ وَيَلْزَمُهَا الْأَلْفُ وَعِنْدَهُمَا لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ لِأَنَّ الْكُلَّ صَارَ كَلَامًا وَاحِدًا بِحَرْفِ الْجَمْعِ فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا بِأَلْفٍ فَطَلَّقَتْ وَاحِدَةً كَذَا فِي الْبَدَائِعِ، وَفِي الْكَافِي: إذَا كَرَّرَ بِلَا عَطْفٍ فَقَالَتْ اخْتَرْتُ نَفْسِي بِالْجَمِيعِ وَقَعَتْ الْأُولَيَانِ بِلَا شَيْءٍ، وَفِي الثَّالِثَةِ بِالْأَلْفِ لِأَنَّهُ قَرَنَ الْمَالَ بِالْأَخِيرَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ حَرْفَ الْعَطْفِ بَيْنَهُمَا لِيَصِيرَ الْمَقْرُونُ بِالْأَخِيرَةِ مَقْرُونًا بِالْأُولَى، وَالثَّانِيَةِ وَهَذَا كَالِاسْتِثْنَاءِ، وَالشَّرْطِ فَإِنَّهُ يَنْصَرِفُ إلَى الْأَخِيرَةِ اهـ. . (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَتْ طَلَّقْت نَفْسِي أَوْ اخْتَرْتُ نَفْسِي بِتَطْلِيقَةٍ بَانَتْ بِوَاحِدَةٍ) يَعْنِي فِي جَوَابِ قَوْلِهِ اخْتَارِي وَإِنَّمَا صَلُحَ جَوَابًا لَهُ لِأَنَّ التَّطْلِيقَ دَاخِلٌ فِي ضِمْنِ التَّخْيِيرِ فَقَدْ   [منحة الخالق] الْأُولَى. . . إلَخْ فَإِنَّ الْأُولَى، وَالْوُسْطَى، وَالْأَخِيرَةَ كُلٌّ مِنْهَا اسْمٌ لِمُفْرَدٍ مُرَتَّبٍ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 340 أَتَتْ بِبَعْضِ مَا فَوَّضَ إلَيْهَا كَمَا لَوْ قَالَ طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا فَطَلَّقَتْ وَاحِدَةً بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَتْ اخْتَرْتُ نَفْسِي فِي جَوَابِ طَلِّقِي نَفْسَك لِأَنَّ الِاخْتِيَارَ لَمْ يُفَوَّضْ إلَيْهَا لَا قَصْدًا وَلَا ضِمْنًا وَإِنَّمَا وَقَعَ بِهِ الْبَائِنُ دُونَ الرَّجْعِيِّ، وَإِنْ كَانَ صَرِيحًا لِأَنَّهُ لَا عِبْرَةَ لِإِيقَاعِهَا بَلْ لِتَفْوِيضِ الزَّوْجِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَمَرَهَا بِالْبَائِنِ أَوْ الرَّجْعِيِّ فَعَكَسَتْ وَقَعَ مَا أَمَرَ بِهِ الزَّوْجُ، وَقَدْ ذَكَرَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ فِي جَامِعِهِ أَنَّهُ يَقَعُ بِهِ الرَّجْعِيُّ نَظَرًا لِمَا أَوْقَعَتْهُ الْمَرْأَةُ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِعَامَّةِ الْكُتُبِ لَكِنْ فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَيْنِ فِي رِوَايَةٍ تَقَعُ رَجْعِيَّةً، وَفِي أُخْرَى بَائِنَةً وَهَذَا أَصَحُّ اهـ. وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ مَا فِي الْهِدَايَةِ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ فَقَوْلُ الشَّارِحِ أَنَّهُ غَلَطٌ وَابْنُ الْهُمَامِ أَنَّهُ سَهْوٌ مِمَّا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ فِي مِثْلِهِ وَلِذَا قَالَ فِي الْكَافِي أَنَّ مَا فِي الْهِدَايَةِ مَوْجُودٌ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ كَمَا فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ اهـ. قَيَّدْنَا بِكَوْنِهِ جَوَابًا لِقَوْلِهِ اخْتَارِي لِأَنَّهُ لَوْ كَرَّرَ اخْتَارِي ثَلَاثًا بِأَلْفٍ فَقَالَتْ اخْتَرْتُ نَفْسِي بِتَطْلِيقَةٍ أَوْ اخْتَرْتُ تَطْلِيقَةً لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ فِي صُورَةٍ لِلْعَطْفِ لِأَنَّ التَّطْلِيقَةَ تَصْلُحُ لِلْفَرْدِ دُونَ الثَّلَاثِ وَوُقُوعُ الْوَاحِدَةِ مُمْتَنِعٌ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ وَوَقَعَتْ وَاحِدَةً بَائِنَةً فِي غَيْرِ صُورَةِ الْعَطْفِ اتِّفَاقًا وَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا شَيْءٌ مِنْ الْمَالِ إنْ قَالَتْ عَنَيْت التَّطْلِيقَةَ الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةَ، وَإِنْ قَالَتْ عَنَيْت الثَّالِثَةَ لَزِمَهَا كُلُّ الْأَلْفِ بِخُصُوصِ الْمَالِ بِالثَّالِثَةِ كَذَا فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ وَهُوَ شَرْحٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ وَعَنْهُ فِي الْمُحِيطِ، وَلَوْ قَالَ: اخْتَارِي فَقَالَتْ فَعَلْت لَا يَقَعُ لِأَنَّ هَذَا كِنَايَةٌ عَنْ قَوْلِهَا اخْتَرْتُ وَبِهِ لَا يَقَعُ فَكَذَا هَذَا، وَلَوْ قَالَ اخْتَارِي نَفْسَك فَقَالَتْ فَعَلْت يَقَعُ لِمَا بَيَّنَّا اهـ. وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ لَوْ قَالَ: بِعْت أَمْرَك مِنْك بِأَلْفٍ فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا فِي الْمَجْلِسِ بَانَتْ وَلَزِمَهَا الْمَالُ. اهـ. (قَوْلُهُ: أَمْرُك بِيَدِك فِي تَطْلِيقَةٍ أَوْ اخْتَارِي تَطْلِيقَةً فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا طَلُقَتْ رَجْعِيَّةً) لِأَنَّهُ جَعَلَ لَهَا الِاخْتِيَارَ بِتَطْلِيقَةٍ وَهِيَ مُعَقَّبَةٌ لِلرَّجْعَةِ، وَالْمُقَيَّدُ لِلْبَيْنُونَةِ إذَا قُرِنَ بِالصَّرِيحِ صَارَ رَجْعِيًّا كَعَكْسِهِ نَحْوُ أَنْتِ طَالِقٌ بَائِنٌ يَصِيرُ بَائِنًا قُيِّدَ بِقَوْلِهِ فِي تَطْلِيقَةٍ لِأَنَّهُ لَوْ جَعَلَ أَمْرَهَا بِيَدِهَا لَوْ لَمْ تَصِلْ نَفَقَتِي إلَيْك تَطْلُقِي نَفْسَك مَتَى شِئْت فَلَمْ تَصِلْ فَطَلَّقَتْ قَالَ: يَكُونُ بَائِنًا وَهَكَذَا أَجَابَ الْقَاضِي بَدِيعُ الدِّينِ لِأَنَّ لَفْظَةَ الطَّلَاقِ لَمْ تَكُنْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: أَمْرُك بِيَدِك بِتَطْلِيقَةٍ وَاحِدَةٍ تُطَلِّقِي نَفْسَك مَتَى شِئْت حَيْثُ تَكُونُ رَجْعِيَّةً كَمَا فِي أَمْرُك بِيَدِك فِي تَطْلِيقَةٍ كَذَا فِي الصَّيْرَفِيَّةِ، وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَمْرُك بِيَدِك تُطَلِّقِي نَفْسَك غَدًا فَلَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا لِلْحَالِ وَقَوْلُهُ: تُطَلِّقِي إلَى آخِرِهِ مَشُورَةٌ اهـ. وَفِي أَمْرِك بِيَدِك لِكَيْ تُطَلِّقِي نَفْسَك أَوْ لِتُطَلِّقِي نَفْسَك أَوْ حَتَّى تُطَلِّقِي نَفْسَك فَطَلَّقَتْ فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ. اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ: اخْتَارِي تَطْلِيقَتَيْنِ فَاخْتَارَتْ وَاحِدَةً يَقَعُ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ طَلِّقِي نَفْسَك اثْنَتَيْنِ فَطَلَّقَتْ وَاحِدَةً، وَلَوْ قَالَ اخْتَارِي إنْ شِئْت فَقَالَتْ اخْتَرْتُ نَفْسِي يَقَعُ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ طَلِّقِي نَفْسَك إنْ شِئْت، وَقَدْ شَاءَتْهُ لِأَنَّ الِاخْتِيَارَ مَشِيئَةٌ لَا مَحَالَةَ، وَلَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ إنْ شِئْت وَاخْتَارِي فَقَالَتْ شِئْت وَاخْتَرْت يَقَعُ طَلَاقَانِ أَحَدُهُمَا بِالْمَشِيئَةِ، وَالْآخَرُ بِالِاخْتِيَارِ لِأَنَّهُ فَوَّضَ إلَيْهَا طَلَاقَيْنِ أَحَدُهُمَا صَرِيحٌ، وَالْآخَرُ كِنَايَةٌ، وَالْكِنَايَةُ حَالَ ذِكْرِ الصَّرِيحِ لَا تَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ، وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ خَيِّرْ امْرَأَتِي وَلَمْ يُخَيِّرْهَا لَمْ يَكُنْ الْخِيَارُ لَهَا لِأَنَّهُ آمِرٌ بِأَمْرٍ فَمَا لَمْ يَفْعَلْ لَمْ يَحْصُلْ الْمَأْمُورُ، وَلَوْ قَالَ: أَخْبِرْهَا بِالْخِيَارِ فَقَبْلَ أَنْ يُخْبِرَهَا سَمِعَتْ الْخَبَرَ فَاخْتَارَتْ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَقَدْ ذَكَرَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ. إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَمَا وَقَعَ فِي الْهِدَايَةِ مِنْ أَنَّهُ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ قَالَ الشَّارِحُونَ أَنَّهُ غَلَطٌ مِنْ الْكِتَابِ، وَالْأَصَحُّ مِنْ الرِّوَايَةِ فَهِيَ وَاحِدَةٌ وَلَا يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ لِأَنَّ رِوَايَاتِ الْمَبْسُوطِ، وَالْجَامِعِ الْكَبِيرِ، وَالزِّيَادَاتِ وَعَامَّةِ نُسَخِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ هَكَذَا سِوَى الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِصَدْرِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِيهِ مِثْلَ مَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَأَقُولُ: كَيْفَ يَكُونُ مَا فِي الْهِدَايَةِ غَلَطًا مِنْ الْكِتَابِ، وَقَدْ عَلَّلَ الْمَسْأَلَةَ بِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ يُوجِبُ الِانْطِلَاقَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَكَأَنَّهَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا بَعْدَ الْعِدَّةِ فَالصَّوَابُ كَمَا فِي الشَّرْحِ إطْلَاقُ كَوْنِهِ غَلَطًا نَعَمْ مَا وَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ خَالٍ عَنْ التَّعْلِيلِ فَكَوْنُهُ غَلَطًا مِنْ الْكِتَابِ صَحِيحٌ وَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ قَالَ إنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَيْنِ فِي رِوَايَةٍ تَقَعُ رَجْعِيَّةً، وَفِي أُخْرَى بَائِنَةً وَهَذَا أَصَحُّ وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ مَا فِي الْهِدَايَةِ هُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ فَقَوْلُ مَنْ قَالَ إنَّهُ غَلَطٌ أَوْ سَهْوٌ مِمَّا لَا يَنْبَغِي غَلَطٌ لِأَنَّ صَدْرَ الشَّرِيعَةِ لَا يَعْنِي أَنَّهُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ الْإِمَامِ وَإِنَّمَا أَرَادَ بِالْأُولَى رِوَايَةَ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِصَدْرِ الْإِسْلَامِ، وَفِي هَذَا قَالَ الشَّهِيدُ إنَّهَا غَلَطٌ مِنْ الْكَاتِبِ وَكَيْفَ يَقُولُ ذَلِكَ فِيمَا هُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ الْإِمَامِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَوْ كَرَّرَ اخْتَارِي. . . إلَخْ) أَيْ بِأَنْ قَالَ اخْتَارِي اخْتَارِي اخْتَارِي بِأَلِفٍ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ لَفْظَةَ الطَّلَاقِ لَمْ تَكُنْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ) الْمُرَادُ بِالْأَمْرِ الْأَمْرُ الَّذِي جَعَلَهُ فِي يَدِهَا أَيْ لَمْ تَكُنْ مَذْكُورَةً فِيهِ فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِنَفْسِ الْأَمْرِ الْوَاقِعِ كَمَا يُتَوَهَّمُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 341 نَفْسَهَا وَقَعَ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْخِيَارِ يَقْتَضِي تَقَدُّمَ الْخَبَرِ بِهِ فَكَانَ هَذَا إقْرَارًا مِنْ الزَّوْجِ بِثُبُوتِ الْخِيَارِ لَهَا اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ قَالَ لِغَيْرِهِ زَوِّجْنِي امْرَأَةً فَإِذَا فَعَلْت ذَلِكَ فَأَمْرُهَا بِيَدِهَا فَزَوَّجَهُ الْوَكِيلُ وَلَمْ يَشْتَرِطْ لَهَا الْأَمْرَ كَانَ الْأَمْرُ بِيَدِهَا بِحُكْمِ التَّعْلِيقِ مِنْ الزَّوْجِ لَوْ قَالَ: زَوِّجْنِي امْرَأَةً وَاشْتَرَطَ لَهَا عَلَى أَنِّي إنْ تَزَوَّجْتهَا فَأَمْرُهَا بِيَدِهَا لَمْ يَكُنْ الْأَمْرُ بِيَدِهَا بِلَا شَرْطِ الْوَكِيلِ لِأَنَّ فِي الْأَوَّلِ عَلَّقَ بِالتَّزَوُّجِ لَا بِشَرْطٍ اهـ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ الْبَابِ أَنَّهَا إذَا قَالَتْ اخْتَرْت نَفْسِي لَا بَلْ زَوْجِي يَقَعُ وَهُوَ مَنْقُولٌ فِي الْكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ، وَفِي الِاخْتِيَارِ مَا يُخَالِفُهُ فَإِنَّهُ قَالَ لَوْ قَالَتْ اخْتَرْتُ نَفْسِي لَا بَلْ زَوْجِي لَا يَقَعُ لِأَنَّهُ لِلْإِضْرَابِ عَنْ الْأَوَّلِ فَلَا يَقَعُ اهـ. وَلَعَلَّهُ سَهْوٌ، وَالصَّوَابُ مَا قَدَّمْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ فِي الْأَمْرِ بِالْيَدِ) أَخَّرَهُ عَنْ الِاخْتِيَارِ لِتَأَيُّدِ التَّخْيِيرِ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - بِخِلَافِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ فَإِنَّهُ، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ فِيهِ خِلَافٌ لَيْسَ فِيهِ إجْمَاعٌ وَقَدَّمَ كَثِيرَ الْأَمْرِ بِالْيَدِ نَظَرًا إلَى أَنَّ الْإِيقَاعَ بِلَفْظِ الِاخْتِيَارِ ثَابِتٌ اسْتِحْسَانًا فِي جَوَابِ اخْتَارِي لَا قِيَاسًا بِخِلَافِهِ جَوَابًا لِلْأَمْرِ بِالْيَدِ فَإِنَّهُ قِيَاسٌ وَاسْتِحْسَانٌ وَأَمَّا الْإِيقَاعُ بِلَفْظِ أَمْرِي بِيَدِي فَلَا يَصِحُّ قِيَاسًا وَلَا اسْتِحْسَانًا، وَالْحَقُّ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ اسْتِوَاءِ الْبَابَيْنِ فِي الْقِيَاسِ، وَالِاسْتِحْسَانِ فَإِنَّهُ جَوَابُ الْأَمْرِ بِالْيَدِ بِقَوْلِهَا اخْتَرْت نَفْسِي عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ أَيْضًا، وَالتَّفْوِيضُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ، وَالْأَمْرُ هُنَا بِمَعْنَى الْحَالِ، وَالْيَدُ بِمَعْنَى التَّصَرُّفِ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ (قَوْلُهُ: أَمْرُك بِيَدِك يَنْوِي ثَلَاثًا فَقَالَتْ اخْتَرْتُ نَفْسِي بِوَاحِدَةٍ وَقَعْنَ) أَيْ وَقَعَ الثَّلَاثُ لِأَنَّ الِاخْتِيَارَ يَصْلُحُ جَوَابًا لِلْأَمْرِ بِالْيَدِ عَلَى الْأَصَحِّ الْمُخْتَارِ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي التَّفْوِيضِ إلَيْهَا مِنْ الْأَمْرِ بِالْيَدِ وَقِيلَ لَا ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ، والولوالجية، وَفِيهَا: أَعَرْتُك طَلَاقَك كَأَمْرُك بِيَدِك، وَالْوَاحِدَةُ فِي كَلَامِهِمَا صِفَةُ الِاخْتِيَارَةِ فَصَارَ كَأَنَّهَا قَالَتْ اخْتَرْت نَفْسِي بِاخْتِيَارِهِ وَاحِدَةً وَأَرَادَ بِنِيَّةِ الثَّلَاثِ نِيَّةَ تَفْوِيضِهَا. وَأَشَارَ بِذِكْرِ الْفَاءِ فِي قَوْلِهِ فَقَالَتْ إلَى اشْتِرَاطِ الْمَجْلِسِ وَبِخِطَابِهَا إلَى أَنَّ عِلْمَهَا شَرْطٌ حَتَّى لَوْ جَعَلَ أَمْرَهَا بِيَدِهَا وَلَمْ تَعْلَمْ فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا لَمْ تَطْلُقْ كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ، وَالْخَانِيَّةِ وَبِذِكْرِ النَّفْسِ فِي جَوَابِهَا إلَى اشْتِرَاطِهِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ كَالتَّفْوِيضِ بِلَفْظِ التَّخْيِيرِ وَاسْتُفِيدَ مِنْهُ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْيَدِ كَالتَّخْيِيرِ فِي جَمِيعِ مَسَائِلِهِ سِوَى نِيَّةِ الثَّلَاثِ فَإِنَّهَا تَصِحُّ هُنَا لَا فِي التَّخْيِيرِ لِأَنَّهُ جِنْسٌ يَحْتَمِلُ الْعُمُومَ، وَالْخُصُوصَ فَأَيُّهُمَا نَوَى صَحَّتْ نِيَّتُهُ كَذَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُونَ وَصَاحِبُ الْمُحِيطِ، وَفِي الْبَدَائِعِ الْأَمْرُ بِالْيَدِ كَالتَّخْيِيرِ إلَّا فِي شَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا نِيَّتُهُ الثَّلَاثَ، وَالثَّانِي أَنَّ فِي اخْتَارِي لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ النَّفْسِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا لِلدَّلِيلِ الدَّالِّ عَلَى اشْتِرَاطِهِ فِي الِاخْتِيَارِ، وَفِي الْمُحِيطِ: لَوْ جَعَلَ أَمْرَهَا بِيَدِهَا فَقَالَتْ طَلَّقْت، وَلَمْ تَقُلْ نَفْسِي لَا يَقَعُ كَمَا فِي الْخِيَارِ لَوْ قَالَتْ اخْتَرْت لَا يَقَعُ، وَلَوْ قَالَتْ عَنَيْت نَفْسِي إنْ كَانَتْ فِي الْمَجْلِسِ تُصَدَّقُ لِأَنَّهَا تَمْلِكُ الْإِنْشَاءَ وَإِلَّا فَلَا اهـ. وَهُوَ صَرِيحٌ فِي مُخَالَفَةِ مَا فِي الْبَدَائِعِ الْأَمْرُ بِالْيَدِ كَالتَّخْيِيرِ إلَّا فِي شَيْئَيْنِ فَدَلَّ عَلَى ضَعْفِهِ وَقَيَّدَ نِيَّةَ الثَّلَاثِ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَنْوِ عَدَدًا أَوْ نَوَى وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ فِي الْحُرَّةِ وَقَعَتْ وَاحِدَةً بَائِنَةً وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ التَّفْوِيضِ إلَيْهَا دِيَانَةً أَوْ يَدُلُّ الْحَالُ عَلَيْهِ قَضَاءً، وَفِي الْخَانِيَّةِ: امْرَأَةٌ قَالَتْ لِزَوْجِهَا فِي الْخُصُومَةِ إنْ كَانَ مَا فِي يَدَك فِي يَدِي اسْتَنْقَذْت نَفْسِي فَقَالَ الزَّوْجُ الَّذِي فِي يَدِي فِي يَدِك فَقَالَتْ الْمَرْأَةُ طَلَّقْت نَفْسِي ثَلَاثًا فَقَالَ لَهَا الزَّوْجُ قُولِي مَرَّةً أُخْرَى فَقَالَتْ الْمَرْأَةُ طَلَّقْت نَفْسِي ثَلَاثًا فَقَالَ الزَّوْجُ لَمْ أَنْوِ الطَّلَاقَ بِقَوْلِي الَّذِي فِي يَدِي فِي يَدِك فَإِنَّهَا تَطْلُقُ ثَلَاثًا بِقَوْلِهَا ثَانِيًا طَلَّقْت نَفْسِي ثَلَاثًا حَتَّى لَوْ لَمْ يَقُلْ لَهَا قَوْلِي مَرَّةً   [منحة الخالق] [فَصْلٌ فِي الْأَمْرِ بِالْيَدِ] (قَوْلُهُ: حَتَّى لَوْ جَعَلَ أَمْرَهَا بِيَدِهَا وَلَمْ تَعْلَمْ. . إلَخْ) قَالَ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِهِ بَعْدَ نَقْلِهِ لِمَا هُنَا وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ عَنْ الْفَتَاوَى الصُّغْرَى الْأَمْرُ بِالْيَدِ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ بِيَدِهَا أَوْ يَدِ فُلَانٍ مُرْسَلًا أَوْ مُعَلَّقًا بِشَرْطٍ أَوْ مُوَقَّتًا فَإِنْ كَانَ مُرْسَلًا أَوْ كَانَ مُوَقَّتًا كَانَ الْأَمْرُ بِيَدِهَا أَوْ يَدِ فُلَانٍ مَا دَامَ الْوَقْتُ بَاقِيًا عَلِمَا بِذَلِكَ أَوْ لَمْ يَعْلَمَا أَقُولُ: يُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَذَا عَلِمَا وَقْتَ التَّفْوِيضِ أَوْ لَمْ يَعْلَمَا وَعَلِمَا بِمُضِيِّ الْوَقْتِ أَوْ لَمْ يَعْلَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ التَّجْرِيدِ سَوَاءٌ عَلِمَتْ أَوَّلَ الْوَقْتِ أَوْ لَمْ تَعْلَمْ (قَوْلُهُ: وَقَيَّدَ بِنِيَّةِ الثَّلَاثِ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَنْوِ. . . إلَخْ) يُخَالِفُهُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ قَالَتْ: اللَّهُمَّ نَجِّنِي مِنْك فَقَالَ الزَّوْجُ أَمْرُك بِيَدِك وَنَوَى بِهِ الطَّلَاقَ وَلَمْ يَنْوِ الْعَدَدَ فَقَالَتْ: طَلَّقْت نَفْسِي ثَلَاثًا فَقَالَ الزَّوْجُ نَجَوْت لَا يَقَعُ شَيْءٌ فِي قَوْلِ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْوِ الثَّلَاثَ كَانَ كَأَنَّهُ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك وَلَمْ يَنْوِ الْعَدَدَ وَقَوْلُهُ: نَجَوْت يَحْتَمِلُ الِاسْتِهْزَاءَ وَتَقَعُ وَاحِدَةً فِي قَوْلِ صَاحِبَيْهِ. اهـ. لَكِنْ سَيَذْكُرُ الْمُؤَلِّفُ فِي فَصْلِ الْمَشِيئَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ لَا فِي عَكْسِهِ بَعْدَ نَقْلِهِ الْفَرْعَ الْمَذْكُورَ أَنَّهُ مُشْكِلٌ عَلَى مَا فِي الْمَبْسُوطِ فِي مَسْأَلَةِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ نُقِلَ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهَا: أَمْرُك يَنْوِي وَاحِدَةً فَطَلَّقَتْ ثَلَاثًا وَقَعَتْ وَاحِدَةً عِنْدَهُ وَذَكَرَهُ فِي الْمِعْرَاجِ، وَالْعِنَايَةِ فَإِذَا قَالَ: بِيَدِك وَلَمْ يَنْوِ شَيْئًا مِنْ الْعَدَدِ فَطَلَّقَتْ ثَلَاثًا كَيْفَ لَا تَقَعُ الْوَاحِدَةُ عِنْدَهُ بَلْ الْوُقُوعُ بِالْأَوْلَى اهـ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 342 أُخْرَى كَانَ الْقَوْلُ قَوْلُهُ: قَضَاءً وَدِيَانَةً، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَإِذْ عَلِمَ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْيَدِ مِمَّا يُرَادُ بِهِ الثَّلَاثُ فَإِذَا قَالَ الزَّوْجُ نَوَيْت التَّفْوِيضَ فِي وَاحِدَةٍ بَعْدَ مَا طَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا فِي الْجَوَابِ يَحْلِفُ أَنَّهُ مَا أَرَادَ الثَّلَاثَ اهـ. وَقَيَّدَ بِقَوْلِهَا اخْتَرْت نَفْسِي لِأَنَّهَا لَوْ قَالَتْ فِي جَوَابِهِ أَمْرِي بِيَدِي لَا يَصِحُّ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَفِي الْخُلَاصَةِ لَوْ قَالَتْ فِي جَوَابِهِ مَلَّكْت نَفْسِي أَمْرِي كَانَ بَاطِلًا، وَلَوْ قَالَتْ اخْتَرْتُ أَمْرِي كَانَ جَائِزًا اهـ فَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ لَفْظٍ يَصْلُحُ لِلْإِيقَاعِ مِنْ الزَّوْجِ يَصْلُحُ جَوَابًا مِنْ الْمَرْأَةِ وَمَا لَا فَلَا إلَّا لَفْظَ الِاخْتِيَارِ خَاصَّةً فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ وَيَصْلُحُ جَوَابًا مِنْهَا كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَلِذَا قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ وَغَيْرِهِ لَوْ قَالَ لَهَا أَمْرُك بِيَدِك فَقَالَتْ أَنْت عَلَيَّ حَرَامٌ أَوْ أَنْت مِنِّي بَائِنٌ أَوْ أَنَا مِنْك بَائِنٌ فَهُوَ جَوَابٌ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ تُفِيدُ الطَّلَاقَ كَمَا إذَا قَالَتْ طَلَّقْت نَفْسِي، وَلَوْ قَالَتْ أَنْت مِنِّي طَالِقٌ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ، وَلَوْ قَالَتْ أَنَا مِنْك طَالِقٌ أَوْ أَنَا طَالِقٌ وَقَعَ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ تُوصَفُ بِالطَّلَاقِ دُونَ الرَّجُلِ اهـ. لَكِنْ يَرُدُّ عَلَى الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ مَا فِي الْخُلَاصَةِ لَوْ جَعَلَ أَمْرَهَا بِيَدِ أَبِيهَا فَقَالَ أَبُوهَا قَبِلْتهَا طَلُقَتْ وَكَذَا لَوْ جَعَلَ أَمْرَهَا بِيَدِهَا فَقَالَتْ قَبِلْت نَفْسِي طَلُقَتْ، وَلَوْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي فَقَالَتْ أَلْحَقْت نَفْسِي بِأَهْلِي لَمْ يَقَعْ كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَهُوَ مُشْكِلٌ لِأَنَّهُ مِنْ الْكِنَايَاتِ فَهُوَ كَقَوْلِهَا أَنَا بَائِنٌ، وَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ أَمْرُك بِيَدِك لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ حَرْفٌ فِي كَذَلِكَ، وَفِي الْمُحِيطِ عَنْ مُحَمَّدٍ لَوْ قَالَ ثَلَاثًا أَمْرُك بِيَدِك كَانَ ثَلَاثًا، وَلَوْ قَالَ فِي يَدِك فَهِيَ وَاحِدَةٌ اهـ. وَالْيَدُ أَيْضًا لَيْسَ بِقَيْدٍ فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ أَمْرُك فِي كَفَّيْك أَوْ يَمِينِك أَوْ شِمَالِك أَوْ فَمِك أَوْ لِسَانِك كَانَ كَذَلِكَ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْبَزَّازِيَّةِ، وَفِيهِمَا مِنْ فَصْلِ نِكَاحِ الْعَبْدِ، وَالْأَمَةِ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى أَنَّهَا طَالِقٌ أَوْ عَلَى أَنَّ أَمْرَهَا بِيَدِهَا تُطَلِّقُ نَفْسَهَا كُلَّمَا تُرِيدُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ وَلَا يَصِيرُ الْأَمْرُ بِيَدِهَا، وَلَوْ بَدَأَتْ الْمَرْأَةُ فَقَالَتْ زَوَّجْت نَفْسِي مِنْك عَلَى أَنِّي طَالِقٌ أَوْ عَلَى أَنَّ أَمْرِي بِ {دِي أُطَلِّقُ نَفْسِي كُلَّمَا أُرِيدُ فَقَالَ الزَّوْجُ قَبِلْت وَقَعَ الطَّلَاقُ وَصَارَ الْأَمْرُ بِيَدِهَا، وَلَوْ بَدَأَ الْعَبْدُ فَهُوَ كَمَا لَوْ بَدَأَ الزَّوْجُ، وَلَوْ بَدَأَ الْمَوْلَى فَهُوَ كَبُدَاءَةِ الْمَرْأَةِ اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَلَوْ قَالَ: أَمْرُك فِي عَيْنَيْك وَأَمْثَالُهُ يُسْأَلُ عَنْ النِّيَّةِ وَأَمْرِي بِيَدِك كَقَوْلِهِ أَمْرُك بِيَدِك وَدَعْوَاهَا عَلَى زَوْجِهَا أَنَّهُ جَعَلَ أَمْرَهَا بِيَدِهَا لَا يُقْبَلُ أَمَّا لَوْ أَوْقَعَتْ الطَّلَاقَ بِحُكْمِ التَّفْوِيضِ ثُمَّ ادَّعَتْ الْمَهْرَ، وَالطَّلَاقَ يُسْمَعُ وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَرْفَعَ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي حَتَّى يُجْبِرَ الزَّوْجُ عَلَى أَنْ يَجْعَلَ أَمْرَهَا بِيَدِهَا، وَفِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ لَوْ قَالَ فِي الْبَيْعِ، وَالطَّلَاقِ أَمْرُهَا بِيَدِ اللَّهِ وَبِيَدِك أَوْ بِعْ بِمَا شَاءَ اللَّهُ وَشِئْت يَنْفَرِدُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَفِي الْخُلَاصَةِ لَوْ قَالَتْ فِي جَوَابِهِ: مَلَكْت أَمْرِي) فِي بَعْضِ النُّسَخِ مَلَّكْت نَفْسِي أَمْرِي بِزِيَادَةِ لَفْظِ نَفْسِي وَلَمْ أَجِدْهُ فِي الْخُلَاصَةِ (قَوْلُهُ: لَكِنْ يَرُدُّ عَلَى الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ. . . إلَخْ) هَذَا وَارِدٌ عَلَى عَكْسِهِ وَهُوَ وَقَوْلُهُ: وَمَا لَا فَلَا وَيَرُدُّ عَلَى طَرْدِهِ نَحْوُ: أَنْت مِنِّي طَالِقٌ فَإِنَّهُ يَصْلُحُ لِلْإِيقَاعِ مِنْهُ مَعَ أَنَّهُ لَا يَقَعُ لَوْ أَجَابَتْ بِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ، وَقَدْ يُجَابُ عَنْ الثَّانِي بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَصْلُحُ لِلْإِيقَاعِ مِنْهُ لِأَنَّ قَوْلَهَا أَنْتِ مِنِّي طَالِقٌ كِنَايَةٌ عَنْ قَوْلِهَا زَوْجِي زَيْدٌ مِنِّي طَالِقٌ فَقَابِلُهُ يَكُونُ أَنَا مِنْك طَالِقٌ لَا أَنْتِ مِنِّي طَالِقٌ وَبِذَلِكَ لَا يَقَعُ لِأَنَّهُ كِنَايَةٌ عَنْ قَوْلِهِ زَوْجُك زَيْدٌ مِنْك طَالِقٌ وَهَكَذَا يُعْتَبَرُ فِي نَظَائِرِهِ فَفِي قَوْلِهَا أَنْت عَلَيَّ حَرَامٌ وَنَحْوُهُ يَقَعُ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ زَوْجُك زَيْدٌ عَلَيْك حَرَامٌ أَوْ أَنَا عَلَيْك حَرَامٌ يَقَعُ لِأَنَّ قَوْلَهَا أَنْتَ كِنَايَةٌ عَنْ الظَّاهِرِ وَكَذَا لَوْ قَالَتْ طَلَّقْت نَفْسِي يَقَعُ لِأَنَّ قَوْلَهَا نَفْسِي عِبَارَةٌ عَنْ زَيْنَبَ مَثَلًا، وَلَوْ قَالَ طَلَّقْت زَيْنَبَ يَقَعُ وَكَذَا قَوْلُهَا أَنَا مِنْك طَالِقٌ أَوْ أَنَا طَالِقٌ يَقَعُ لِأَنَّهُ لَوْ أَسْنَدَ الطَّلَاقَ إلَى مَا كَنَّتْ عَنْهُ بِقَوْلِهَا أَنَا يَقَعُ بِخِلَافِ أَنْتِ مِنِّي طَالِقٌ فَإِنَّهُ لَوْ أَسْنَدَهُ إلَى مَا كَنَّتْ بِهِ عَنْهُ لَا يَقَعُ كَمَا قُلْنَا فَلَيْسَ الْمُرَادُ التَّعْبِيرُ بِمَا عَبَّرَتْ بِهِ بَلْ إسْنَادُ الطَّلَاقِ إلَى مَا أَسْنَدَتْهُ إلَيْهِ وَإِلَّا لَمْ يَقَعْ فِي قَوْلِهَا أَنَا مِنْك طَالِقٌ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ مُشْكِلٌ لِأَنَّهُ مِنْ الْكِنَايَاتِ. . إلَخْ) أَقُولُ: فِي عِبَارَةِ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مَا يَدْفَعُ الْإِشْكَالَ وَنَصُّهَا " قَالَ لِامْرَأَتِهِ طَلِّقِي نَفْسَك فَقَالَتْ أَنَا حَرَامٌ أَوْ خَلِيَّةٌ أَوْ بَرِيَّةٌ أَوْ بَائِنٌ أَوْ بَتَّةٌ أَوْ نَحْوُهَا فَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ مِنْ الزَّوْجِ طَلَاقٌ إذَا سَأَلَتْهُ فَأَجَابَهَا بِهِ فَإِذَا أَوْقَعَتْ مِثْلَهُ عَلَى نَفْسِهَا بَعْدَ مَا صَارَ الطَّلَاقُ بِيَدِهَا تَطْلُقُ فَلَوْ قَالَتْ طَلِّقْنِي فَقَالَ: أَنْت حَرَامٌ أَوْ بَائِنٌ تَطْلُقُ فَلَوْ قَالَتْهُ بَعْدَ مَا صَارَ الطَّلَاقُ بِيَدِهَا تَطْلُقُ أَيْضًا وَقَالَتْ لَهُ طَلِّقْنِي فَقَالَ الْحَقِي بِأَهْلِك وَقَالَ لَمْ أَنْوِ طَلَاقًا صُدِّقَ وَلَا تَطْلُقُ فَلَوْ قَالَتْهُ بَعْدَ مَا صَارَ الطَّلَاقُ بِيَدِهَا بِأَنْ قَالَتْ أَلْحَقْت نَفْسِي بِأَهْلِي لَا تَطْلُقُ أَيْضًا اهـ. وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ أَلْحَقْت نَفْسِي بِأَهْلِي مِنْ الْكِنَايَاتِ الَّتِي تَصْلُحُ لِلرَّدِّ فَلَا يَقَعُ بِهَا الطَّلَاقُ إلَّا بِالنِّيَّةِ، وَلَوْ فِي حَالَةِ الْغَضَبِ أَوْ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ بِخِلَافِ حَرَامٌ بَائِنٌ. . . إلَخْ فَإِنَّهُ يَقَعُ حَالَ الْمُذَاكَرَةِ بِلَا نِيَّةٍ فَإِذَا سَأَلَتْهُ الطَّلَاقَ فَقَالَ أَنْتِ حَرَامٌ وَقَعَ بِلَا نِيَّةٍ فَلَوْ قَالَهُ وَقَعَ أَيْضًا بِخِلَافِ الْحَقِي بِأَهْلِك فَإِنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ لِلْإِيقَاعِ بَعْدَ سُؤَالِهَا إلَّا بِالنِّيَّةِ فَإِذَا قَالَتْهُ لَا يَقَعُ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَتَدَبَّرْهُ. (قَوْلُهُ: يُسْأَلُ عَنْ النِّيَّةِ) أَيْ إنْ لَمْ تَكُنْ دَلَالَةَ حَالٍ وَلِذَا قَالَ الْمَقْدِسِيَّ بَعْدَ ذِكْرِهِ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ دِيَانَةً أَوْ يَدُلُّ الْحَالُ عَلَيْهَا قَضَاءً، وَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ يُحْمَلُ عَلَى ذَلِكَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 343 الْمُخَاطَبُ لِأَنَّ ذِكْرَ اللَّهِ تَعَالَى لِلتَّبَرُّكِ وَلِلتَّيْسِيرِ عُرْفًا، وَالْبَاءُ لِلْعِوَضِ فَأُلْغِيَا فِيهِ دُونَ الْأَصْلِ مِثْلُ كَيْفَ شِئْت عِنْدَهُ بِخِلَافِ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ وَشِئْت إذَا بَطَلَ الْأَصْلُ أَوْ عُلِّقَ بِمَجْهُولٍ حَسَبَ التَّأْثِيرِ فِي إنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْتِ طَالِقٌ فَلَغَا الْعَطْفُ وَهُوَ أَخْبَرَ عَنْ وَاقِعٍ، وَلَوْ قَالَ: بِيَدِي وَبِيَدِك أَوْ شِئْت وَشِئْت لَمْ يَنْفَرِدْ حَمْلًا عَلَى التَّعْلِيقِ إذْ تَعَذَّرَ التَّمْلِيكُ اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْت طَالِقٌ أَوْ أَمْرُك بِيَدِك لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَخْتَارَ نَفْسَهَا فِي مَجْلِسِهَا فَحِينَئِذٍ يُخَيَّرُ الزَّوْجُ إنْ شَاءَ أَوْقَعَ تَطْلِيقَةً، وَإِنْ شَاءَ أَوْقَعَ بِاخْتِيَارِهَا اهـ. وَأَطْلَقَ فِي الْمَرْأَةِ الْمُخَاطَبَةِ فَشَمِلَ الصَّغِيرَةَ فَلَوْ قَالَ لِلصَّغِيرَةِ أَمْرُك بِيَدِك يَنْوِي الطَّلَاقَ فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا يَقَعُ كَأَنَّهُ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِإِيقَاعِهَا كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَأَطْلَقَ الْأَمْرَ بِالْيَدِ فَشَمِلَ الْمُنَجَّزَ، وَالْمُعَلَّقَ إذَا وُجِدَ شَرْطُهُ وَمِنْهُ مَا فِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَمْرُك بِيَدِك فَإِنْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا كَمَا وَضَعَتْ الْقَدَمَ فِيهَا طَلُقَتْ لِأَنَّ الْأَمْرَ فِي يَدِهَا، وَإِنْ طَلَّقَتْ بَعْدَ مَا مَشَتْ خُطْوَتَيْنِ لَمْ تَطْلُقْ لِأَنَّهَا طَلَّقَتْ بَعْدَ مَا خَرَجَ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا وَلَوْ قَالَ: أَمْرُك بِيَدِك فِي ثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ إنْ أَبْرَأْتنِي عَنْ مَهْرِك فَقَالَتْ وَكِّلْنِي حَتَّى أُطَلِّقَ نَفْسِي فَقَالَ: أَنْت وَكِيلَتِي لِتُطَلِّقِي نَفْسَك فَإِذَا أَبْرَأَتْهُ عَنْ الْمَهْرِ أَوَّلًا ثُمَّ طَلُقَتْ فِي الْمَجْلِسِ طَلُقَتْ وَإِذَا لَمْ تُبْرِئْهُ لَا يَقَعُ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ كَانَ بِشَرْطِ أَنْ تُبْرِئَهُ عَنْ الْمَهْرِ اهـ. وَمِنْهُ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ قَالَ لَهَا إنْ غِبْت عَنْك وَمَكَثْت فِي غَيْبَتِي يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ فَأَمْرُك بِيَدِك فَهَذَا عَلَى أَوَّلِ الْأَمْرَيْنِ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ لَوْ مَكَثَ يَوْمًا إنْ غَابَ عَنْهَا كَذَا فَأَمْرُهَا بِيَدِهَا فَجَاءَ فِي آخِرِ الْمُدَّةِ فَتَوَارَتْ حَتَّى مَضَتْ الْمُدَّةُ أَفْتَى الْبَعْضُ بِبَقَاءِ الْأَمْرِ فِي يَدِهَا وَالْإِمَامُ قَاضِي خَانْ عَلَى أَنَّهُ إنْ عَلِمَ بِمَكَانِهَا وَلَمْ يَذْهَبْ إلَيْهَا وَقَعَ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِمَكَانِهَا لَا، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَقَعُ قَالَ فِي الْخِزَانَةِ وَإِذَا كَانَتْ الْغَيْبَةُ مِنْهَا لَا يَصِيرُ أَمْرُهَا بِيَدِهَا وَاخْتِلَافُ الْأَجْوِبَةِ فِي الْمَدْخُولَةِ وَغَيْرِهَا لَا يَصِيرُ أَمْرُهَا بِيَدِهَا، وَفِي الْمَدْخُولَةِ لَوْ كَانَ فِي الْمِصْرِ وَلَمْ يَجِئْ إلَى مَنْزِلِهَا حَتَّى تَمَّتْ الْمُدَّةُ فَيَصِيرُ بِيَدِهَا جَعَلَ أَمْرَهَا بِيَدِهَا إنْ غَابَ عَنْهَا ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ وَلَمْ تَصِلْ إلَيْهَا النَّفَقَةُ فَبَعَثَ إلَيْهَا بِخَمْسِينَ إنْ لَمْ يَكُنْ قَدْرَ نَفَقَتِهَا صَارَ بِيَدِهَا، وَلَوْ كَانَتْ النَّفَقَةُ مُؤَجَّلَةً فَوَهَبَتْ لَهُ النَّفَقَةَ وَمَضَتْ الْمُدَّةُ لَا يَصِيرُ الْأَمْرُ بِيَدِهَا لَا ارْتِفَاعُ الْيَمِينِ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِلْإِمَامِ. الثَّانِي: وَإِنْ ادَّعَى وُصُولَ النَّفَقَةِ إلَيْهَا وَادَّعَتْ حُصُولَ الشَّرْطِ قِيلَ الْقَوْلُ قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ يُنْكِرُ الْوُقُوعَ لَكِنْ لَا يَثْبُتُ وُصُولُ النَّفَقَةِ إلَيْهَا. وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهَا فِي هَذَا، وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ يَدَّعِي إيفَاءَ حَقٍّ وَهِيَ تُنْكِرُ جَعْلَ أَمْرِهَا بِيَدِهَا إنْ لَمْ يُعْطِهَا كَذَا فِي يَوْمِ كَذَا ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي الْإِعْطَاءِ وَعَدَمِهِ بَعْدَ الْوَقْتِ فَالْقَوْلُ لَهُ فِي حَقِّ عَدَمِ الطَّلَاقِ وَلَهَا فِي حَقِّ عَدَمِ أَخْذِ ذَلِكَ الشَّيْءِ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ، وَفِي الْمُنْتَقَى: إنْ لَمْ آتِك إلَى عِشْرِينَ يَوْمًا فَأَمْرُهَا بِيَدِهَا يُعْتَبَرُ مِنْ وَقْتِ التَّكَلُّمِ فَإِذَا اخْتَلَفَا فِي الْإِتْيَانِ وَعَدَمِهِ فَالْقَوْلُ لَهُ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ كَوْنَ الْأَمْرِ بِيَدِهَا وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ لَهَا فِيمَنْ قَالَ: إنْ مَاتَ فُلَانٌ قَبْلَ أَنْ أُعْطِيك الْمِائَةَ الَّتِي لَك عَلَيْهِ فَأَنَا كَفِيلٌ بِهِ فَمَاتَ فُلَانٌ وَادَّعَى عَدَمَ الْإِيفَاءِ وَكَوْنُهُ كَفِيلًا وَادَّعَى الْمَطْلُوبُ الْإِيفَاءَ أَنَّ الْقَوْلَ لِلطَّالِبِ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ الِاسْتِيفَاءَ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ قَالَ لَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ: إنْ غِبْت عَنْك شَهْرًا فَأَمْرُك بِيَدِك فَوُجِدَ الشَّرْطُ لَا يَصِيرُ بِيَدِهَا لِأَنَّ الْغَيْبَةَ لَا تَتَحَقَّقُ قَبْلَ الْبِنَاءِ لِعَدَمِ الْحُضُورِ لِأَنَّ الْغَيْبَةَ قَبْلَ الْحُضُورِ لَا تُمْكِنُ قَالَ لَهَا إنْ لَمْ أُرْسِلْ نَفَقَتَك فِي هَذَا الشَّهْرِ أَوْ إنْ لَمْ أَبْعَثْ فَأَنْت كَذَا فَأَرْسَلَ إلَيْهَا بِيَدِ رَجُلٍ فَضَاعَتْ مِنْ يَدِ الرَّسُولِ لَا يَقَعُ لِأَنَّ الْبَعْثَ، وَالْإِرْسَالَ قَدْ تَحَقَّقَ وَإِذَا خَافَتْ الْمَرْأَةُ إذَا تَزَوَّجَهَا أَنْ لَا يَجْعَلَ الْأَمْرَ بِيَدِهَا بَعْدَ التَّزَوُّجِ تَقُولُ زَوَّجْت نَفْسِي مِنْك بِكَذَا عَلَى أَنَّ أَمْرِي بِيَدِي أَطْلِقْ نَفْسِي مِنْك مَتَى شِئْت كُلَّمَا ضَرَبْتنِي بِغَيْرِ جِنَايَةٍ أَوْ تَزَوَّجْت عَلَيَّ أُخْرَى أَوْ تَسَرَّيْت أَوْ غِبْت عَنِّي سَنَةً جَعَلَ أَمْرَهَا بِيَدِهَا وَهِيَ صَغِيرَةٌ عَلَى أَنَّهُ مَتَى غَابَ عَنْهَا سَنَةً تُطَلِّقُ نَفْسَهَا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَإِنْ طَلَّقَتْ بَعْدَ مَا مَشَتْ خُطْوَتَيْنِ لَمْ تَطْلُقْ) قَالَ الْمَقْدِسِيَّ: فِي شَرْحِهِ، وَفِي الْعَتَّابِيَّةِ، وَإِنْ مَشَتْ خُطْوَةً بَطَلَ أَقُولُ: تَوْفِيقُهُ أَنَّ مَا فِي الْعَتَّابِيَّةِ يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ رِجْلَهَا فَوْقَ الْعَتَبَةِ، وَالْأُخْرَى دَخَلَتْ بِهَا وَمَا سَبَقَ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ خَارِجَ الْعَتَبَةِ فَبِأَوَّلِ خُطْوَةٍ لَمْ تَتَعَدَّ أَوَّلَ الدُّخُولِ فَبِالثَّانِيَةِ تَتَعَدَّى وَيَخْرُجُ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا (قَوْلُهُ: وَغَيْرُهَا لَا يَصِيرُ أَمْرُهَا بِيَدِهَا) أَيْ غَيْرَ الْمَدْخُولِ وَسَيَأْتِي قَرِيبًا وَجْهُهُ (قَوْلُهُ:، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهَا. . . إلَخْ) سَيَأْتِي تَحْرِيرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي بَابِ التَّعْلِيقِ عِنْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ اخْتَلَفَا فِي وُجُودِ الشَّرْطِ فَالْقَوْلُ لَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 344 بِلَا خُسْرَانٍ يَلْحَقُ الزَّوْجَ فَوُجِدَ الشَّرْطُ فَأَبْرَأَتْهُ عَنْ الْمَهْرِ وَنَفَقَةِ الْعِدَّةِ وَأَوْقَعَتْ طَلَاقَهَا يَقَعُ الرَّجْعِيُّ وَلَا يَسْقُطُ الْمَهْرُ، وَالنَّفَقَةُ كَمَا لَوْ كَانَ الْإِيجَابُ مِنْ الزَّوْجِ مَوْجُودًا قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ. قَالَ لَهَا أَمْرُ ثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ بِيَدِك إنْ أَبْرَأْتنِي عَنْ مَهْرِك إنْ قَامَتْ عَنْ الْمَجْلِسِ خَرَجَ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا، وَإِنْ أَوْقَعَتْ الطَّلَاقَ فِي الْمَجْلِسِ إنْ قَدَّمَتْ الْإِبْرَاءَ وَقَعَ، وَإِنْ لَمْ تُبَرِّئْهُ عَنْ الْمَهْرِ لَا يَقَعُ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ كَانَ بِشَرْطِ الْإِبْرَاءِ قَالَ لَهَا: إنْ لَمْ أُعْطِك دِينَارَيْنِ إلَى شَهْرٍ فَأَمْرُك بِيَدِك فَاسْتَدَانَتْ وَأَحَالَتْ عَلَى زَوْجِهَا إنْ أَدَّى الزَّوْجُ الْمَالَ إلَى الْمُحْتَالِ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ لَيْسَ لَهَا إيقَاعُ الطَّلَاقِ، وَإِنْ لَمْ يُؤَدِّ مَلَكَتْ الْإِيقَاعَ إنْ لَمْ تَصِلْ إلَيْك نَفَقَةُ عَشَرَةِ أَيَّامٍ فَأَمْرُك بِيَدِك فَنَشَزَتْ بِأَنْ ذَهَبَتْ إلَى أَبِيهَا بِلَا إذْنِهِ فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ وَلَمْ تَصِلْ إلَيْهَا النَّفَقَةُ لَا يَقَعُ لِعَدَمِ وُجُوبِ النَّفَقَةِ فَصَارَ كَمَا إذَا طَلَّقَهَا حِينَ تَمَّتْ الْمُدَّةُ إنْ لَمْ أُوصِلْ إلَيْك خَمْسَةَ دَنَانِيرَ بَعْدَ عَشَرَةِ أَيَّامٍ فَأَمْرُك بِيَدِك فِي طَلَاقٍ مَتَى شِئْت فَمَضَى الْأَيَّامُ وَلَمْ يُرْسِلْ إلَيْهَا النَّفَقَةَ إنْ كَانَ الزَّوْجُ أَرَادَ بِهِ الْفَوْرَ لَهَا الْإِيقَاعُ، وَإِنْ لَمْ يُرِدْ بِهِ الْفَوْرَ لَا تَمْلِكُ الْإِيقَاعَ حَتَّى يَمُوتَ أَحَدُهُمَا جَعَلَ أَمْرَهَا بِيَدِهَا إنْ ضَرَبَهَا بِلَا جِنَايَةٍ فَطَلَبَتْ النَّفَقَةَ أَوْ الْكِسْوَةَ وَأَلَحَّتْ لَا يَكُونُ جِنَايَةً لِأَنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ يَدَ الْمُلَازَمَةِ وَلِسَانَ التَّقَاضِي، وَلَوْ شَتَمَتْهُ أَوْ مَزَّقَتْ ثِيَابَهُ أَوْ أَخَذَتْ لِحْيَتَهُ فَجِنَايَةٌ وَكَذَا لَوْ قَالَتْ لَهُ يَا حِمَارُ يَا أَبْلَهُ أَوْ لَعَنَتْهُ، وَلَوْ لَعَنَهَا فَلَعَنَتْهُ قِيلَ لَيْسَ بِجِنَايَةٍ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِبَادِئَةٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلا مَنْ ظُلِمَ} [النساء: 148] ، وَالْعَامَّةُ عَلَى أَنَّهُ جِنَايَةٌ لِأَنَّهُ لَا قِصَاصَ فِيهِ حَتَّى لَا يَكُونَ الثَّانِي جَانِيًا قَالَ لَهَا بَلِيدَةُ فَقَالَتْ لَهُ بَلِيدُ مِثْلُ ذَلِكَ فَهُوَ جِنَايَةٌ مِنْهَا إذَا صَرَّحَتْ بِهِ. وَلَوْ شَتَمَتْ أَجْنَبِيًّا كَانَ جِنَايَةً وَكَذَا لَوْ كَشَفَتْ وَجْهَهَا لِغَيْرِ مَحْرَمٍ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ النَّظَرُ، وَالْكَشْفُ بِلَا ضَرُورَةٍ، وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَكُونُ جِنَايَةً لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ، وَلَوْ كَلَّمَتْ أَجْنَبِيًّا أَوْ تَكَلَّمَتْ عَامِدًا مَعَ الزَّوْجِ أَوْ شَاغَبَتْ مَعَهُ فَسَمِعَ صَوْتَهَا أَجْنَبِيٌّ فَجِنَايَةٌ وَخُرُوجُهَا مِنْ الْبَيْتِ بَعْدَ إيفَاءِ الْمُعَجَّلِ جِنَايَةٌ فِي الْأَصَحِّ وَقِيلَ جِنَايَةٌ مُطْلَقًا وَإِعْطَاؤُهَا شَيْئًا مِنْ بَيْتِهِ بِلَا إذْنِهِ حَيْثُ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِالْمُسَامَحَةِ بِهِ جِنَايَةٌ وَكَذَا دُعَاؤُهَا عَلَيْهِ وَكَذَا قَوْلُهَا الْكَلْبَةُ أُمُّك وَأُخْتُك بَعْدَ قَوْلِهِ جَاءَتْ أُمُّك الْكَلْبَةُ وَكَذَا قَوْلُهَا أَزْوَاجُ النِّسَاءِ رِجَالٌ وَزَوْجِي لَا، وَلَوْ دَعَاهَا إلَى أَكْلِ الْخُبْزِ الْمُجَرَّدِ فَغَضِبَتْ لَا يَكُونُ جِنَايَةً اهـ. وَصَحَّحَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ مَا عَلَيْهِ الْعَامَّةُ مِنْ أَنَّ لَعْنَهَا بَعْدَ لَعْنِهِ جِنَايَةٌ، وَفِيهَا، وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا إنْ كَشَفَتْ وَجْهَهَا عِنْدَ مَنْ يُتَّهَمُ بِهَا فَهُوَ جِنَايَةٌ، وَلَوْ قَالَ لَهَا: لَا تَفْعَلِي كَذَا فَقَالَتْ أَفْعَلُ إنْ كَانَتْ قَالَتْ ذَلِكَ فِي فِعْلٍ هُوَ مَعْصِيَةٌ فَهُوَ جِنَايَةٌ وَإِلَّا فَلَا اهـ. وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ فَوَّضَ إلَيْهَا أَمْرَهَا إنْ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا ثُمَّ ادَّعَتْ عَلَى الزَّوْجِ أَنَّكَ تَزَوَّجْت عَلَيَّ فُلَانَةَ وَفُلَانَةُ حَاضِرَةٌ تَقُولُ زَوَّجْت نَفْسِي مِنْهُ وَشَهِدَ الشُّهُودُ بِالنِّكَاحِ يَصِيرُ الْأَمْرُ بِيَدِهَا، وَلَوْ كَانَتْ فُلَانَةُ غَائِبَةً عَنْ الْمَجْلِسِ وَبَرْهَنَتْ هَذِهِ أَنَّك تَزَوَّجْت فُلَانَةَ عَلَيَّ وَصَارَ الْأَمْرُ بِيَدِي هَلْ يُسْمَعُ فِيهِ رِوَايَتَانِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا لَا تُسْمَعُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِخَصْمٍ فِي إثْبَاتِ النِّكَاحِ عَلَيْهَا اهـ. وَفِي الْفُصُولِ وَاقِعَةُ جَعْلِ أَمْرِهَا بِيَدِهَا إنْ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا ثُمَّ وَهَبَتْ امْرَأَةٌ نَفْسَهَا مِنْهُ بِحَضْرَةِ شُهُودٍ وَقَبِلَ هُوَ فَصَارَتْ امْرَأَتَهُ وَقَالَ: عَنَيْت فِي التَّفْوِيضِ التَّلَفُّظَ بِلَفْظِ التَّزَوُّجِ هَلْ يُصَدَّقُ حَتَّى لَا يَصِيرَ الْأَمْرُ بِيَدِهَا قَالَ: مَا أَجَابَ بَعْضُ مَنْ تَصَدَّى لِلْإِفْتَاءِ بِلَا تَحْصِيلِ الدِّرَايَةِ، وَالرِّوَايَةِ أَنَّهُ يُصَدَّقُ وَهَذَا غَلَطٌ مَحْضٌ وَخَطَأٌ صِرْفٌ وَأَجَبْت أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ وَيَصِيرُ الْأَمْرُ بِيَدِهَا لِأَنَّ نِيَّةَ الْخُصُوصِ فِي الْفِعْلِ لَا تَصِحُّ إذْ الْفِعْلُ لَا عُمُومَ لَهُ اهـ. وَقَدْ بَحَثَ فِيهِ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ فَلْيُرَاجَعْ. وَفِي الصَّيْرَفِيَّةِ قَالَ لَهَا إنْ لَمْ تَصِلْ نَفَقَتِي إلَيْك عَشَرَةَ أَيَّامٍ فَأَمْرُك بِيَدِك فَغَابَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ وَأَنْفَقَتْ مِنْ مَالِهِ فَحَضَرَ قَالَ لَا يَبْقَى الْأَمْرُ بِيَدِهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: إنْ لَمْ أُوصِلْ إلَيْك نَفَقَتَك عَشَرَةَ أَيَّامٍ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا حَيْثُ يَبْقَى الْأَمْرُ بِيَدِهَا لِأَنَّ شَرْطَ جَعْلِ الْأَمْرِ بِيَدِهَا عَدَمُ الْإِيصَالِ دُونَ الْوُصُولِ وَلَمْ يُوجَدْ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: يَقَعُ الرَّجْعِيُّ وَلَا يَسْقُطُ) الْمَهْرُ، وَالنَّفَقَةُ أَيْ لِأَنَّهَا صَغِيرَةٌ فَلَمْ يَصِحَّ إبْرَاؤُهَا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 345 الْإِيصَالُ فَيَحْنَثُ، وَلَوْ جَعَلَ الْأَمْرَ بِيَدِهَا إنْ ضَرَبَهَا بِغَيْرِ جِنَايَةٍ شَرْعِيَّةٍ فَقَالَتْ لَهُ وَقْتَ الْخُصُومَةِ يَا ابْنَ الْأَجِيرِ يَا ابْنَ الْعَوَانِي فَضَرَبَهَا وَإِنَّهُ كَمَا قَالَتْ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا، وَلَوْ قَالَتْ لَهُ يَا ابْنَ النَّسَّاجِ إنْ كَانَ كَمَا قَالَتْ أَوْ لَا يُعَيَّرُ بِهَذَا لَا يَكُونُ جِنَايَةً، وَلَوْ صَعِدَتْ السَّطْحَ مِنْ غَيْرِ مُلَاءَةٍ هَلْ يَكُونُ جِنَايَةً قَالَ: نَعَمْ قِيلَ هَذَا إنْ صَعِدَتْ لِلنِّظَارَةِ وَإِلَّا فَلَا قَالَ: قُلْت إنْ لَمْ يَكُنْ لِلسَّطْحِ تَجْبِيرٌ فَجِنَايَةٌ وَإِلَّا فَلَا وَرَمْيُ الْبِطِّيخِ إلَيْهِ جِنَايَةٌ إنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِخْفَافِ وَإِلَّا فَلَا اهـ. وَفِي الْقُنْيَةِ إنْ شَرِبْت مُسْكِرًا بِغَيْرِ إذْنِك فَأَمْرُك بِيَدِك ثُمَّ شَرِبَ وَاخْتَلَفَا فِي الْإِذْنِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ، وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمَرْأَةِ اهـ. فَحَاصِلَةُ الْقَوْلِ لَهُ، وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَتُهَا، وَفِي الْقُنْيَةِ إنْ تَزَوَّجْت عَلَيْك امْرَأَةً فَأَمْرُهَا بِيَدِك فَدَخَلَتْ امْرَأَةٌ فِي نِكَاحِهِ بِنِكَاحِ الْفُضُولِيِّ وَأَجَازَ بِالْفِعْلِ لَيْسَ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَهَا، وَلَوْ قَالَ: إنْ دَخَلَتْ امْرَأَةٌ فِي نِكَاحِي فَلَهَا ذَلِكَ وَكَذَا فِي التَّوْكِيلِ بِذَلِكَ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَفِي طَلَّقْت نَفْسِي وَاحِدَةً أَوْ اخْتَرْت نَفْسِي بِتَطْلِيقَةٍ بَانَتْ بِوَاحِدَةٍ) يَعْنِي فِي جَوَابِ قَوْلِ الزَّوْجِ أَمْرُك بِيَدِك يَنْوِي ثَلَاثًا لِأَنَّ الْوَاحِدَةَ صِفَةٌ لِلطَّلْقَةِ بِاعْتِبَارِ خُصُوصِ الْعَامِلِ كَمَا أَنَّهَا صِفَةٌ لِلِاخْتِيَارَةِ فِي الَّتِي قَبْلَهَا فَإِنَّ خُصُوصَ الْعَامِلِ اللَّفْظِيِّ قَرِينَةُ خُصُوصِ الْمُقَدَّرِ فَتَقَعُ الْوَاحِدَةُ لِأَنَّهَا لَمَّا مَلَكَتْ الثَّلَاثَ بِالتَّفْوِيضِ مَلَكَتْ الْوَاحِدَةَ فَكَانَتْ بَائِنَةً لِأَنَّ التَّفْوِيضَ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْبَائِنِ لِأَنَّهَا بِهِ تَمْلِكُ أَمْرَهَا وَهُوَ بِالْبَائِنِ لَا بِارْجَعِي وَأَشَارَ بِذِكْرِ النَّفْسِ إلَى اشْتِرَاطِهِ مَعَ طَلَّقَتْ أَيْضًا، وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ قَالَ: أَمْرُك بِيَدِك كُلَّمَا شِئْت فَلَهَا أَنْ تَخْتَارَ نَفْسَهَا كُلَّمَا شَاءَتْ فِي الْمَجْلِسِ أَوْ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ إلَّا أَنَّهَا لَا تُطَلِّقُ نَفْسَهَا فِي الْمَجْلِسِ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ يَعْنِي دَفْعَةً وَاحِدَةً وَأَمَّا تَفْرِيقُهَا الثَّلَاثَ فِي الْمَجْلِسِ فَلَهَا ذَلِكَ بِخِلَافِ إذَا وَمَتَى فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهَا التَّكْرَارُ وَلَا يَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ كَكُلَّمَا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَدْخُلُ اللَّيْلُ فِي أَمْرُك بِيَدِك الْيَوْمَ وَبَعْدَ غَدٍ) يَعْنِي لَا يَكُونُ لَهَا الْخِيَارُ لَيْلًا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُمَا أَمْرَانِ لِأَنَّ عَطْفَ زَمَنٍ عَلَى زَمَنٍ مُمَاثِلٍ مَفْصُولٍ بَيْنَهُمَا بِزَمَنٍ مُمَاثِلٍ لَهُمَا ظَاهِرٌ فِي قَصْدِ تَقْيِيدِ الْأَمْرِ الْمَذْكُورِ بِالْأَوَّلِ وَتَقْيِيدُ أَمْرٍ آخَرَ بِالثَّانِي فَيَصِيرُ لَفْظُ يَوْمٍ مُفْرَدًا غَيْرَ مَجْمُوعٍ إلَى مَا بَعْدَهُ فِي الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ لِأَنَّهُ صَارَ عَطْفَ جُمْلَةٍ عَلَى جُمْلَةٍ أَيْ أَمْرُك بِيَدِك الْيَوْمَ وَأَمْرُك بِيَدِك بَعْدَ غَدٍ، وَلَوْ أَفْرَدَ الْيَوْمَ لَا يَدْخُلُ اللَّيْلُ فَكَذَا إذَا عَطَفَ جُمْلَةً أُخْرَى قَيَّدَ بِالْأَمْرِ بِالْيَدِ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: طَلِّقِي الْيَوْمَ وَبَعْدَ غَدٍ كَانَ أَمْرًا وَاحِدًا فَلَا يَقَعُ إلَّا طَلَاقٌ وَاحِدٌ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَحْتَمِلُ التَّأْقِيتَ وَإِذَا وَقَعَ تَصِيرُ بِهِ طَالِقًا فِي جَمِيعِ الْعُمُرِ فَذِكْرُ بَعْدَ غَدٍ وَعَدَمُهُ سَوَاءٌ لَا يَقْتَضِي أَمْرًا آخَرَ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ رَدَّتْ الْأَمْرَ فِي يَوْمِهَا بَطَلَ الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَكَانَ أَمْرُهَا بِيَدِهَا بَعْدَ غَدٍ) يَعْنِي إذَا قَالَتْ لِزَوْجِهَا اخْتَرْتُك أَوْ اخْتَرْتُ زَوْجِي فَقَدْ انْتَهَى مِلْكُهَا فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ فَالْمُرَادُ بِالرَّدِّ اخْتِيَارُ الزَّوْجِ، وَالْمُرَادُ بِالْبُطْلَانِ الِانْتِهَاءُ قَيَّدْنَا بِهِ لِأَنَّهَا لَوْ قَالَتْ رَدَدْته فَإِنَّهُ لَا يَبْطُلُ وَلِذَا قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ لَوْ جَعَلَ أَمْرَهَا بِيَدِهَا أَوْ بِيَدِ أَجْنَبِيٍّ يَقَعُ لَازِمًا فَلَا يَرْتَدُّ بِرَدِّهِمَا فَلَا مُنَاقَضَةَ بَيْنَ قَوْلِهِمْ لَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ وَقَوْلُهُمْ هُنَا وَإِذَا رَدَّتْ بَطَلَ، وَقَدْ سَلَكَ، وَالشَّارِحُونَ طَرِيقًا آخَرَ فِي دَفْعِ الْمُنَاقَضَةِ بِأَنَّهُ يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ عِنْدَ التَّفْوِيضِ وَأَمَّا بَعْدَهُ فَلَا يَرْتَدُّ كَمَا إذَا أَقَرَّ بِمَالٍ لِرَجُلٍ فَصَدَّقَهُ ثُمَّ رَدَّ إقْرَارَهُ لَا يَصِحُّ وَكَالْإِبْرَاءِ عَنْ الدَّيْنِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبُولِ وَيَرْتَدُّ بِالرَّدِّ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْإِسْقَاطِ، وَالتَّمْلِيكِ أَمَّا الْإِسْقَاطُ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا التَّمْلِيكُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 280] سُمِّيَ الْإِبْرَاءُ تَصَدُّقًا كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُمْ وَفَّقُوا بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ يُرِيدُ بِرَدِّهِ عِنْدَ التَّفْوِيضِ لَا بَعْدَ مَا قَبِلَهُ كَمَا فِي الْفُصُولِ وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّهُ بَعْدَ التَّفْوِيضِ فَمَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا قَبِلَهُ وَوَفَّقَ بَيْنَهُمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ بِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ رِوَايَتَانِ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ مِنْ وَجْهٍ وَتَعْلِيقٌ مِنْ وَجْهٍ فَيَصِحُّ رَدُّهُ قَبْلَ قَبُولِهِ نَظَرًا إلَى التَّمْلِيكِ وَلَا يَصِحُّ إلَى التَّعْلِيقِ لَا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ فَتَصِحُّ رِوَايَةُ صِحَّةِ الرَّدِّ نَظَرًا إلَى التَّمْلِيكِ وَتَصِحُّ رِوَايَةُ فَسَادِ الرَّدِّ نَظَرًا إلَى التَّعْلِيقِ اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 346 ابْنَ الْهُمَامِ حَمَلَ قَوْلَهُمْ بِصِحَّةِ الرَّدِّ عَلَى اخْتِيَارِهَا زَوْجَهَا وَقَوْلَهُمْ بِعَدَمِ صِحَّتِهِ عَلَى مَا لَوْ قَالَتْ رَدَدْت وَهُوَ حَمْلٌ قَاصِرٌ لِأَنَّهُ خَاصٌّ بِمَا إذَا جَعَلَ أَمْرَهَا بِيَدِهَا. وَقَوْلُهُمْ إنَّهُ يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ شَامِلٌ لِمَا إذَا جَعَلَ الْأَمْرَ بِيَدِهَا أَوْ بِيَدِ أَجْنَبِيٍّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَلَا يُمْكِنُ هَذَا الْحَمْلُ فِي أَمْرِ الْأَجْنَبِيِّ فَتَعَيَّنَ مَا وَفَّقَ بِهِ الْمَشَايِخُ مِنْ أَنَّهُ يَرْتَدُّ قَبْلَ الْقَبُولِ لَا بَعْدَهُ كَالْإِبْرَاءِ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ يَأْتِي مِنْ الْأَجْنَبِيِّ أَيْضًا بِأَنْ يَقُولَ لِلزَّوْجِ اخْتَرْتُك كَمَا لَا يَخْفَى، وَفِي كَلَامِ الشَّارِحِينَ نَظَرٌ لِأَنَّ قَوْلَهَا بَعْدَ الْقَبُولِ رَدَدْت إعْرَاضٌ مُبْطِلٌ لِخِيَارِهَا، وَقَدْ وَقَعَ فِي هَذَا الْفَصْلِ ثَلَاثُ مُنَاقِضَاتٍ إحْدَاهُمَا مَا قَدَّمْنَاهُ وَجَوَابُهَا الثَّانِيَةُ مَا وَقَعَ فِي الْفُصُولِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَمْرُك بِيَدِك ثُمَّ طَلَّقَهَا بَائِنًا خَرَجَ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ لَا يَخْرُجُ، وَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا وَوَفَّقَ بِأَنَّ الْخُرُوجَ فِيمَا إذَا كَانَ الْأَمْرُ مُنْجَزًا وَعَدَمُهُ إذَا كَانَ الْأَمْرُ مُعَلَّقًا بِأَنْ قَالَ: إنْ كَانَ كَذَا فَأَمْرُك بِيَدِك، وَالْحَقُّ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ اخْتِلَافَ الرِّوَايَةِ، وَالْأَقْوَالِ وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْيَدِ يَبْطُلُ بِتَنْجِيزِ الْإِبَانَةِ بِمَعْنَى أَنَّهَا لَوْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا فِي الْعِدَّةِ لَا يَقَعُ لَا بِمَعْنَى بُطْلَانِهِ بِالْكُلِّيَّةِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهَا لَوْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا بَعْدَ التَّزَوُّجِ وَقَعَ عِنْدَ الْإِمَامِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُمْ فِي بَابِ التَّعْلِيقِ وَزَوَالُ الْمِلْكِ بَعْدَ الْيَمِينِ لَا يُبْطِلُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّخْيِيرَ بِمَنْزِلَةِ تَعْلِيقِ طَلَاقِهَا بِاخْتِيَارِهَا نَفْسَهَا، وَإِنْ كَانَ تَمْلِيكًا، وَفِي الْقُنْيَةِ مُعَلَّمًا بِعَلَامَةٍ فِيهِ إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَمْرُك بِيَدِك ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ طَلَاقًا بَائِنًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا يَبْقَى الْأَمْرُ فِي يَدِهَا ثُمَّ رَقَّمَ بِمَ لَا يَبْقَى فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ثُمَّ رَقَّمَ بح إنْ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَالْأَمْرُ بَاقٍ، وَإِنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ انْقِضَائِهَا لَا يَبْقَى اهـ. فَقَدْ صَرَّحَ بِعَدَمِ بَقَائِهِ مَعَ الْأَمْرِ الْمُعَلَّقِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. فَلَا يَصِحُّ التَّوْفِيقُ بِأَنَّهُ يَبْقَى إذَا كَانَ مُعَلَّقًا فَالْحَقُّ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ اخْتِلَافَ الرِّوَايَةِ كَمَا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَفِي كَلَامِ الشَّارِحِينَ نَظَرٌ. . إلَخْ) عَنْ هَذَا قَالَ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِهِ وَهَذَا عَجِيبٌ حَيْثُ جَعَلُوهُ يَبْطُلُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الرَّدِّ، وَالْإِعْرَاضِ مِنْ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَنَوْمٍ وَصَرِيحُ الرَّدِّ لَمْ يَجْعَلُوهُ مُبْطِلًا اهـ. أَقُولُ: الَّذِي يَظْهَرُ أَنْ لَا نَظَرَ وَلَا عَجَبَ بَلْ النَّظَرُ، وَالْعَجَبُ فِي كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ وَمَنْ تَابَعَهُ لِأَنَّ بُطْلَانَهُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ، وَالرَّدِّ إنَّمَا هُوَ فِي الْمُقَيَّدِ بِالْمَجْلِسِ وَهُوَ الْمُطْلَقُ أَمَّا الْمُوَقَّتُ الَّذِي الْكَلَامُ فِيهِ فَلَا يَبْطُلُ بِالْقِيَامِ عَنْ الْمَجْلِسِ، وَالْأَكْلِ، وَالشُّرْبِ وَنَحْوِهِ مَا لَمْ يَمْضِ الْوَقْتُ كَمَا مَرَّ فِي التَّفْوِيضِ وَيَأْتِي قَرِيبًا وَكَأَنَّهُمَا أَخَذَا الْإِطْلَاقَ مِنْ ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ وَبِالْحَمْلِ عَلَى مَا قُلْنَا يَظْهَرُ الْأَمْرُ تَأَمَّلْ ثُمَّ رَأَيْت فِي الْبَدَائِعِ مَا هُوَ صَرِيحٌ فِيمَا قُلْتُ: وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ وَعِبَارَتُهُ، وَلَوْ قَالَتْ: اخْتَرْتُك أَوْ لَا أَخْتَارُ الطَّلَاقَ خَرَجَ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا لِأَنَّهَا صَرَّحَتْ بِرَدِّ التَّمْلِيكِ وَأَنَّهُ يَبْطُلُ بِدَلَالَةِ الرَّدِّ فَبِالصَّرِيحِ أَوْلَى هَذَا إذَا كَانَ التَّفْوِيضُ مُطْلَقًا عَنْ الْوَقْتِ فَأَمَّا إذَا كَانَ مُوَقَّتًا فَإِنْ أَطْلَقَ الْوَقْتَ بِأَنْ قَالَ أَمْرُك بِيَدِك إذَا شِئْت أَوْ مَتَى شِئْت فَلَهَا الْخِيَارُ فِي الْمَجْلِسِ وَغَيْرِهِ حَتَّى لَوْ رَدَّتْ الْأَمْرَ لَمْ يَكُنْ رَدًّا إلَّا أَنَّهَا لَا تَمْلِكُ أَنْ تُطَلِّقَ إلَّا وَاحِدَةً، وَإِنْ وَقَّتَهُ بِوَقْتٍ خَاصٍّ بِأَنْ قَالَ: أَمْرُك بِيَدِك يَوْمًا أَوْ شَهْرًا أَوْ الْيَوْمَ أَوْ الشَّهْرَ لَا يَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ وَلَهَا الْأَمْرُ فِي الْوَقْتِ كُلِّهِ، وَلَوْ قَامَتْ مِنْ مَجْلِسِهَا أَوْ تَشَاغَلَتْ لَا يَبْطُلُ مَا بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ الْوَقْتِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ لَوْ بَطَلَ بِإِعْرَاضِهَا لَمْ يَكُنْ لِلتَّوْقِيتِ فَائِدَةٌ وَكَانَ الْمُوَقَّتُ وَغَيْرُهُ سَوَاءٌ. غَيْرَ أَنَّهُ إنْ ذَكَرَ الْيَوْمَ أَوْ الشَّهْرَ مُنَكَّرًا فَلَهَا الْأَمْرُ مِنْ سَاعَةِ تَكَلَّمَ إلَى مِثْلِهَا، وَلَوْ مُعَرَّفًا فَلَهَا الْخِيَارُ فِي بَقِيَّتِهِ. وَلَوْ قَالَتْ: اخْتَرْتُ نَفْسِي أَوْ لَا أَخْتَارُ الطَّلَاقَ ذُكِرَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ يَخْرُجُ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا فِي جَمِيعِ الْوَقْتِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَبْطُلُ خِيَارُهَا فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ وَلَا يَبْطُلُ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ وَذَكَرَ فِي بَعْضِهَا الِاخْتِلَافَ عَلَى الْعَكْسِ (قَوْلُهُ: وَوَفَّقَ بِأَنَّ الْخُرُوجَ. . إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَأَصْلُهُ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْبَائِنَ لَا يَلْحَقُ الْبَائِنَ إلَّا إذَا كَانَ مُعَلَّقًا اهـ. وَفِي شَرْحِ الْمَقْدِسِيَّ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ قَالَ السَّرَخْسِيُّ قَالَ لِامْرَأَتِهِ اخْتَارِي ثُمَّ طَلَّقَهَا بَائِنًا بَطَلَ الْخِيَارُ وَكَذَا الْأَمْرُ بِالْيَدِ وَلَوْ رَجْعِيًّا لَا يَبْطُلُ أَصْلُهُ أَنَّ الْبَائِنَ لَا يَلْحَقُ الْبَائِنَ فَلَوْ تَزَوَّجَهَا فِي الْعِدَّةِ أَوْ بَعْدَهَا لَا يَعُودُ الْأَمْرُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْأَمْرُ مُعَلَّقًا بِشَرْطٍ ثُمَّ أَبَانَهَا ثُمَّ وُجِدَ الشَّرْطُ، وَفِي الْإِمْلَاءِ لَوْ قَالَ: اخْتَارِي إذَا شِئْتِ أَوْ أَمْرُك بِيَدِك إذَا شِئْت ثُمَّ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً بَائِنَةً ثُمَّ تَزَوَّجَهَا وَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تَطْلُقُ بَائِنًا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا قَالَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ قَوْلُهُ: ضَعِيفٌ اهـ. فَظَهَرَ بِذَلِكَ قُوَّةُ مَا وَفَّقَ بِهِ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ فَإِنْ قُلْت نَفْسُ الِاخْتِيَارِ فِيهِ مَعْنَى التَّعْلِيقِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ فَرْقٌ قُلْنَا الْفَرْقُ بَيْنَ التَّعْلِيقِ الصَّرِيحِ وَمَا فِيهِ مَعْنَى التَّعْلِيقِ ظَاهِرٌ لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ عِنْدَهُ نَوْعُ تَحْقِيقٍ وَلِبَعْضِهِمْ هُنَا كَلَامٌ يُغْنِي النَّظَرُ إلَيْهِ عَنْ التَّكَلُّمِ عَلَيْهِ اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُ بِهِ الْمُؤَلِّفُ (قَوْلُهُ: ثُمَّ رَقَّمَ بح إنْ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَالْأَمْرُ بَاقٍ) ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ لَا يَبْقَى فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ لَا يَبْقَى بَعْدَ مَا تَزَوَّجَهَا فَيُخَالِفُ مَا مَرَّ مِنْ تَقْيِيدِهِ قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ يَبْطُلُ لِقَوْلِهِ لَا بِمَعْنَى بُطْلَانِهِ بِالْكُلِّيَّةِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ. . . إلَخْ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: فَلَا يَصِحُّ التَّوْفِيقُ بِأَنَّهُ يَبْقَى إذَا كَانَ مُعَلَّقًا) قَالَ فِي النَّهْرِ: بَعْدَ مَا نَقَلَ التَّوْفِيقَ الْمَذْكُورَ عَنْ الْعِمَادِيَّةِ أَنَّ مَا فِي الْقُنْيَةِ مَشَى عَلَى إطْلَاقِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ مُقَيَّدٌ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 347 أَنَّ الظَّاهِرَ فِي مَسْأَلَةِ رَدِّ التَّفْوِيضِ أَنَّ فِيهَا رِوَايَتَيْنِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا فِي الْهِدَايَةِ فَإِنَّهُ نَقَلَ رِوَايَةً عَنْ أَبِي حَنِيفَة بِأَنَّهَا لَا تَمْلِكُ رَدَّ الْأَمْرِ كَمَا لَا تَمْلِكُ رَدَّ الْإِيقَاعِ ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَهَا وَجْهَ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى مَا تَكَلَّفَهُ ابْنُ الْهُمَامِ، وَالشَّارِحُونَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: لَهُ امْرَأَتَانِ جَعَلَ أَمْرَ إحْدَاهُمَا بِيَدِ الْأُخْرَى ثُمَّ طَلَّقَ الْمُفَوِّضُ إلَيْهَا بَائِنًا أَوْ خَالَعَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا يَصِيرُ أَمْرُهَا بِيَدِهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ جَعَلَ أَمْرَهَا بِيَدِ نَفْسِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا بَائِنًا عَلَى مَا مَرَّ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ اهـ. الثَّالِثَةُ: مَا وَقَعَ فِي هَذَا الْكِتَابِ، وَالْهِدَايَةِ وَعَامَّةِ الْكُتُبِ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْيَدِ تَصِحُّ إضَافَتُهُ وَتَعْلِيقُهُ نَحْوُ أَمْرُك بِيَدِك يَوْمَ يُقْدِمُ فُلَانٌ أَوْ إذَا جَاءَ غَدٌ وَبِهِ خَالَفَ أَيْضًا سَائِرَ التَّمْلِيكَاتِ وَذَكَرَ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الزِّيَادَاتِ مَا يُخَالِفُهُ فَإِنَّهُ قَالَ لَوْ قَالَ أَمْرُك بِيَدِك فَطَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ أَوْ ثَلَاثًا إذَا جَاءَ غَدٌ فَقَالَتْ فِي الْمَجْلِسِ اخْتَرْتُ نَفْسِي طَلُقَتْ لِلْحَالِ ثَلَاثًا، وَإِنْ قَامَتْ عَنْ مَجْلِسِهَا قَبْلَ أَنْ تَقُولَ شَيْئًا بَطَلَ اهـ. وَدَفَعَهَا أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي لَيْسَ فِيهِ تَعْلِيقُ الْأَمْرِ وَلَا إضَافَتُهُ لِأَنَّهُ مُنَجَّزٌ، وَقَوْلُهُ: فَطَلِّقِي نَفْسَك تَفْسِيرٌ لَهُ فَكَانَ التَّعْلِيقُ مُرَادًا بِلَا لَفْظٍ وَلَيْسَ الْمُنَجَّزُ مُحْتَمِلًا لِلتَّعْلِيقِ فَلَا يَكُونُ مُعَلَّقًا، وَإِنْ نَوَاهُ. (قَوْلُهُ: وَفِي أَمْرُكِ بِيَدِك الْيَوْمَ وَغَدًا يَدْخُلُ) أَيْ اللَّيْلُ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ وَاحِدٌ فَإِنَّهُ لَمْ يَفْصِلْ بَيْنَهُمَا بِيَوْمٍ آخَرَ فَكَانَ جَمْعًا بِحَرْفِ الْجَمِيعِ فِي التَّمْلِيكِ الْوَاحِدِ فَهُوَ كَقَوْلِهِ أَمْرُك بِيَدِك فِي يَوْمَيْنِ، وَفِي مِثْلِهِ تَدْخُلُ اللَّيْلَةُ الْمُتَوَسِّطَةُ اسْتِعْمَالًا لُغَوِيًّا وَعُرْفِيًّا فَقَوْلُ الشَّارِحِ تَبَعًا لِلْهِدَايَةِ، وَقَدْ يَهْجُمُ اللَّيْلُ وَمَجْلِسُ الْمَشُورَةِ لَمْ يَنْقَطِعْ مَرْدُودٌ لِأَنَّهُ يَنْقَطِعُ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي دُخُولَ اللَّيْلِ فِي الْيَوْمِ الْمُفْرَدِ لِذَلِكَ الْمَعْنَى. (قَوْلُهُ: وَإِنْ رَدَّتْ فِي يَوْمِهَا لَمْ يَبْقَ فِي الْغَدِ) يَعْنِي إذَا اخْتَارَتْ زَوْجَهَا فِي يَوْمِهَا انْتَهَى مِلْكُهَا فَلَا تَمْلِكُ اخْتِيَارَهَا نَفْسَهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَذَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ الْيَوْمَ وَغَدًا لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: أَمْرُك بِيَدِك الْيَوْمَ وَأَمْرُك بِيَدِك غَدًا فَهُمَا أَمْرَانِ ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافٍ فَعَزْوُهُ فِي الْهِدَايَةِ هَذَا الْفَرْعَ إلَى أَبِي يُوسُفَ لَيْسَ لِإِثْبَاتِ خِلَافٍ فِيهِ وَإِنَّمَا هُوَ لِكَوْنِهِ خَرَّجَهُ فَيَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ عَدَمُ اخْتِيَارِهَا نَفْسَهَا لَيْلًا، وَلَوْ قَالَ: أَمْرُك بِيَدِك الْيَوْمَ غَدًا بَعْدَ غَدٍ فَهُوَ أَمْرٌ وَاحِدٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّهَا أَوْقَاتٌ مُتَرَادِفَةٌ كَقَوْلِهِ أَمْرُك بِيَدِك أَبَدًا فَيَرْتَدُّ بِرَدِّهَا مَرَّةً وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ لَهَا ثَلَاثَةَ أُمُورٍ لِأَنَّهَا أَوْقَاتٌ حَقِيقَةٍ كَذَا فِي جَامِعِ التُّمُرْتَاشِيِّ وَقَدْ عُلِمَ مِنْ بَابِ إضَافَةِ الطَّلَاقِ إلَى الزَّمَانِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: أَمْرُك بِيَدِك الْيَوْمَ أَنَّهُ يَمْتَدُّ إلَى الْغُرُوبِ فَقَطْ بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَمْرُك بِيَدِك فِي الْيَوْمِ أَنَّهُ يَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِي الذَّخِيرَةِ: لَوْ قَالَ أَمْرُك بِيَدِك يَوْمًا أَوْ شَهْرًا أَوْ سَنَةً فَلَهَا الْأَمْرُ مِنْ تِلْكَ السَّاعَةِ إلَى اسْتِكْمَالِ الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ وَلَا يَبْطُلُ بِالْقِيَامِ عَنْ الْمَجْلِسِ وَلَا بِشَيْءٍ آخَرَ وَيَكُونُ الشَّهْرُ هُنَا بِالْأَيَّامِ إجْمَاعًا، وَلَوْ عَرَفَ فَقَالَ هَذَا الْيَوْمَ أَوْ هَذَا الشَّهْرَ أَوْ هَذِهِ السَّنَةَ كَانَ لَهَا الْخِيَارُ فِي بَقِيَّةِ الْيَوْمِ أَوْ الشَّهْرِ أَوْ السَّنَةِ وَيَكُونُ الشَّهْرُ هُنَا عَلَى الْهِلَالِ وَذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ إذَا قَالَ: أَمْرُك بِيَدِك إلَى رَأْسِ الشَّهْرِ فَلَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا مَرَّةً وَاحِدَةً فِي الشَّهْرِ لِأَنَّ الْأَمْرَ مُتَّحِدٌ، وَلَوْ قَالَتْ: اخْتَرْتُ زَوْجِي بَطَلَ خِيَارُهَا فِي الْيَوْمِ وَلَهَا أَنْ تَخْتَارَ نَفْسَهَا فِي الْغَدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ   [منحة الخالق] وَالتَّوْفِيقُ سَهْوٌ اهـ. وَقَدْ عَلِمْت أَيْضًا تَأْيِيدَهُ بِمَا مَرَّ عَنْ الْخُلَاصَةِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ الْمُفَوَّضُ إلَيْهَا بَائِنًا) أَيْ طَلَّقَ الْمَرْأَةَ الَّتِي جَعَلَ أَمْرَهَا فِي يَدِ الْأُخْرَى وَقَوْلُهُ: يَصِيرُ أَمْرُهَا بِيَدِهَا أَيْ بِيَدِ الْأُخْرَى أَيْ يَعُودُ كَمَا كَانَ تَأَمَّلْ. وَفِي الْخُلَاصَةِ: وَلَوْ جَعَلَ أَمْرَ امْرَأَتِهِ بِيَدِ امْرَأَةٍ أُخْرَى ثُمَّ طَلَّقَهَا بَائِنًا أَوْ خَلَعَهَا لَا يَبْطُلُ الْأَمْرُ، وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة مِثْلُ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ لَكِنْ عَبَّرَ بَدَلَ قَوْلِهِ يَصِيرُ أَمْرُهَا بِيَدِهَا بِقَوْلِهِ لَا يَخْرُجُ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا. (قَوْلُهُ: وَلَهَا أَنْ تَخْتَارَ نَفْسَهَا فِي الْغَدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) قَالَ فِي النَّهْرِ: أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الْفَرْعَ لَا يَخْلُو عَنْ احْتِيَاجٍ إلَى تَأَمُّلِ وَجْهِهِ إذْ مُقْتَضَى كَوْنِهِ أَمْرًا وَاحِدًا أَنْ يَبْطُلَ خِيَارُهَا فِي الْغَدِ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ ثُمَّ رَأَيْته فِي الدِّرَايَةِ وَجْهُ قَوْلِ الْإِمَامِ بِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْيَدِ تَمْلِيكٌ نَصًّا تَعْلِيقٌ مَعْنًى فَمَتَى لَمْ يَذْكُرْ الْوَقْتَ فَالْعِبْرَةُ لِلتَّمْلِيكِ وَمَتَى ذَكَرَهُ فَالْعِبْرَةُ لِلتَّعْلِيقِ انْتَهَى كَلَامُ النَّهْرِ قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ وَمِثَالُ مَا إذَا لَمْ يَذْكُرْ الْوَقْتَ أَمْرُك بِيَدِك وَمِثَالُ مَا إذَا ذَكَرَهُ أَمْرُك بِيَدِك الْيَوْمَ وَغَدًا أَوْ أَمْرُك بِيَدِك إلَى رَأْسِ الشَّهْرِ لَكِنَّ هَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَبْقَى الْأَمْرُ بِيَدِهَا فِي الْغَدِ إنْ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا الْيَوْمَ فِي أَمْرُك بِيَدِك الْيَوْمَ وَغَدًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَالتَّنَاقُضُ بِحَالِهِ فَتَأَمَّلْ اهـ. قُلْت: وَوَجْهُهُ فِي الْبَدَائِعِ بِأَنَّهُ جَعَلَ الْأَمْرَ بِيَدِهَا فِي جَمِيعِ الْوَقْتِ فَإِعْرَاضُهَا فِي بَعْضِهِ لَا يُبْطِلُ خِيَارَهَا فِي الْجَمِيعِ كَمَا إذَا قَامَتْ عَنْ مَجْلِسِهَا أَوْ اشْتَغَلَتْ بِأَمْرٍ يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَ هَذَا مَا نَصُّهُ: وَلَوْ قَالَ أَمْرُك بِيَدِك الْيَوْمَ وَغَدًا أَوْ قَالَ أَمْرُك بِيَدِك هَذَيْنِ الْيَوْمَيْنِ فَلَهَا الْأَمْرُ فِي الْوَقْتَيْنِ تَخْتَارُ نَفْسَهَا فِي أَيِّهِمَا شَاءَتْ وَلَا يَبْطُلُ بِالْقِيَامِ عَنْ الْمَجْلِسِ مَا بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ الْوَقْتَيْنِ وَهَلْ يُبْطِلُ خِيَارَهَا زَوْجُهَا فَهُوَ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ الِاخْتِلَافِ اهـ. فَقَدْ أَفَادَ أَنَّ الِاخْتِلَافَ جَارٍ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ فَلَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 348 وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: خَرَجَ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا فِي الشَّهْرِ كُلِّهِ، وَلَوْ قَالَ: أَمْرُك بِيَدِك هَذِهِ السَّنَةَ فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا لَمْ يَكُنْ لَهَا خِيَارٌ فِي بَاقِي السَّنَةِ، وَلَوْ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا وَاحِدَةً وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فِي تِلْكَ السَّنَةِ فَلَهَا الْخِيَارُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ طَلْقَاتِ هَذَا الْمِلْكِ مَا اُسْتُوْفِيَتْ بَعْدُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا خِيَارَ لَهَا لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْمِلْكِ، وَقَدْ بَطَلَ وَقَدَّمْنَا فِي بَابِ إضَافَةِ الطَّلَاقِ إلَى الزَّمَانِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: أَمْرُك بِيَدِك إلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ فَالْأَمْرُ بِيَدِهَا مِنْ هَذَا الْوَقْتِ إلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ تُحْفَظُ بِالسَّاعَاتِ، وَلَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ إلَى سَنَةٍ يَقَعُ بَعْدَ السَّنَةِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْوُقُوعَ لِلْحَالِ، وَالْعِتْقُ كَالطَّلَاقِ وَقَدَّمْنَا أَنْوَاعًا مِنْ هَذَا الْجِنْسِ وَهِيَ مَذْكُورَةٌ هُنَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْبَزَّازِيَّةِ، وَالْكُلُّ ظَاهِرٌ إلَّا مَا فِيهِمَا مِنْ أَنَّ الْإِبْرَاءَ إلَى الشَّهْرِ كَالطَّلَاقِ إلَّا إذَا قَالَ: عَنَيْت بِالْإِبْرَاءِ إلَى الشَّهْرِ التَّأْخِيرَ يَكُونُ تَأْخِيرًا إلَيْهِ اهـ. فَإِنَّهُ يَقْتَضِي صِحَّةَ إضَافَةِ الْإِبْرَاءِ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْكَنْزِ مِنْ آخِرِ الْإِجَارَةِ أَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ مَا لَا تَصِحُّ إضَافَتُهُ وَقَيَّدَ بِاتِّحَادِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ لِأَنَّهُ لَوْ كَرَّرَهُ بِأَنْ قَالَ: أَمْرُك بِيَدِك وَأَمْرُك بِيَدِك أَوْ جَعَلْت أَمْرَك بِيَدِك وَأَمْرَك بِيَدِك كَانَا تَفْوِيضَيْنِ لِأَنَّ الْوَاوَ لِلْعَطْفِ لَا لِلْجَزَاءِ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: أَمْرُك بِيَدِك فَأَمْرُك بِيَدِك لِأَنَّ الْفَاءَ هُنَا بِمَعْنَى الْوَاوِ وَلِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ تَفْسِيرًا، وَلَوْ قَالَ: جَعَلْت أَمْرَك بِيَدِك فَأَمْرُك بِيَدِك فَهُوَ أَمْرٌ وَاحِدٌ لِأَنَّ مَعْنَاهُ صَارَ الْأَمْرُ بِيَدِك بِجَعْلِ الْأَمْرِ بِيَدِك كَقَوْلِهِ جَعَلْتُك طَالِقًا فَأَنْت طَالِقٌ أَوْ قَالَ: قَدْ طَلَّقْتُك فَأَنْت طَالِقٌ طَلُقَتْ وَاحِدَةً. وَلَوْ جَمَعَ بَيْنَ تَفْوِيضَيْنِ بِالْوَاوِ، وَالْفَاءِ أَوْ بِغَيْرِهِمَا فَإِنْ كَانَ بِغَيْرِهِمَا بِأَنْ قَالَ: أَمْرُك بِيَدِك طَلِّقِي نَفْسَك فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَقَالَ: لَمْ أُرِدْ بِالْأَمْرِ الطَّلَاقَ يُصَدَّقُ قَضَاءً مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّهُ مَا وَصَلَ قَوْلُهُ: طَلِّقِي بِالْكَلَامِ الْمُبْهَمِ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ حَرْفَ الْوَصْلِ فَكَانَ كَلَامًا مُبْتَدَأً فَلَمْ يَصِرْ تَفْسِيرًا لِلْمُبْهَمِ، وَلَوْ كَانَ بِالْعَطْفِ كَقَوْلِهِ: أَمْرُك بِيَدِك وَاخْتَارِي فَطَلِّقِي فَاخْتَارَتْ لَا يَقَعُ شَيْءٌ لِأَنَّهُ عَطَفَ قَوْلَهُ فَطَلِّقِي عَلَى التَّفْوِيضَيْنِ الْمُبْهَمَيْنِ فَلَا يَكُونُ تَفْسِيرًا لَهُمَا فَبَقِيَ كَلَامًا مُبْتَدَأً وَقَوْلُهَا اخْتَرْت لَا يَصْلُحُ جَوَابًا لَهُ فَلَا يَقَعُ، وَإِنْ طَلَّقَتْ يَقَعُ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً لِأَنَّهُ يَصْلُحُ جَوَابًا لَهُ وَكَذَا لَوْ قَالَ: أَمْرُك بِيَدِك وَاخْتَارِي فَاخْتَارِي فَطَلِّقِي نَفْسَك فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا طَلُقَتْ ثِنْتَيْنِ مَعَ يَمِينِهِ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِالْأَمْرِ بِالْيَدِ الثَّلَاثَ لِأَنَّهُ أَتَى بِالتَّفْوِيضَيْنِ الْمُبْهَمَيْنِ بِالْعَطْفِ وَهُوَ لِلِاشْتِرَاكِ فَصَارَ طَلِّقِي تَفْسِيرًا لَهُمَا وَكَذَا لَوْ قَالَ: اخْتَارِي وَاخْتَارِي أَوْ قَالَ: أَمْرُك بِيَدِك وَأَمْرُك بِيَدِك فَطَلِّقِي نَفْسَك فَاخْتَارَتْ طَلُقَتْ ثِنْتَيْنِ، وَلَوْ قَالَ: أَمْرُك بِيَدِك اخْتَارِي اخْتَارِي فَطَلِّقِي نَفْسَك فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا وَقَالَ: لَمْ أُرِدْ بِهِ الطَّلَاقَ يَقَعُ تَطْلِيقَةً بَائِنَةً بِالْخِيَارِ الْأَخِيرِ لِأَنَّ قَوْلَهُ فَطَلِّقِي تَفْسِيرٌ لِلْأَخِيرِ فَقَطْ وَلَوْ قَالَ: أَمْرُك بِيَدِك فَاخْتَارِي أَوْ اخْتَارِي فَأَمْرُك بِيَدِك فَالْحُكْمُ لِلْأَمْرِ حَتَّى إذَا نَوَى بِالثَّلَاثِ يَصِحُّ وَإِذَا أَنْكَرَ الثَّلَاثَ وَأَقَرَّ بِالْوَاحِدَةِ يَحْلِفُ لِأَنَّ الْأَمْرَ يَصْلُحُ عِلَّةً، وَالِاخْتِيَارُ يَصْلُحُ حُكْمًا لَا عِلَّةً فَصَارَ الْحُكْمُ لِلْأَمْرِ تَقَدَّمَ أَوْ تَأَخَّرَ. وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: أَمْرُك بِيَدِك فَطَلِّقِي نَفْسَك أَوْ طَلِّقِي نَفْسَك فَأَمْرُك بِيَدِك، وَلَوْ قَالَ: أَمْرُك بِيَدِك فَاخْتَارِي فَطَلِّقِي فَاخْتَارَتْ بَانَتْ بِوَاحِدَةٍ بِالْأَمْرِ لِأَنَّ قَوْلَهُ فَاخْتَارِي تَفْسِيرٌ لِلْأَمْرِ، وَقَوْلُهُ: فَطَلِّقِي تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ فَاخْتَارِي، وَلَوْ قَالَ: أَمْرُك بِيَدِك فَاخْتَارِي طَلِّقِي نَفْسَك فَاخْتَارَتْ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ إذَا لَمْ يُرِدْ بِالْأَمْرِ، وَالتَّخْيِيرِ طَلَاقًا فَإِنْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا وَقَعَتْ رَجْعِيَّةً وَتَمَامُهُ فِي الْمُحِيطِ وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ الْجَمْعُ بَيْنَ التَّفْوِيضَيْنِ لِأَجْنَبِيٍّ، وَفِي الْجَامِعِ لَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ الْيَوْمَ وَرَأْسَ الشَّهْرِ يَقَعُ وَاحِدَةً قِيلَ تَأْوِيلُهُ أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الشَّهْرِ غَدًا أَمَّا إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ وَقَعَ طَلَاقَانِ فِي وَقْتَيْنِ وَقِيلَ مَا وَقَعَ فِي الْجَامِعِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَهُوَ يُعْتَبَرُ الْفَاصِلُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَطْلِيقَتَانِ، وَلَوْ قَالَ: أَمْرُك بِيَدِك الْيَوْمَ فَعَنْ مُحَمَّدٍ إلَى الْغُرُوبِ، وَلَوْ قَالَ فِي الْيَوْمِ تَقَيَّدَ بِالْمَجْلِسِ ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ، وَلَوْ قَالَ فِي هَذَا الشَّهْرِ فَرَدَّتْهُ بَطَلَ عِنْدَهُمَا لِأَنَّهُ تَمْلِيكُ وَاحِدَةٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بَطَلَ فِي ذِكْرِ الْمَجْلِسِ لَا فِي غَيْرِهِ كَمَا لَوْ قَامَتْ مِنْ مَجْلِسِهَا وَقِيلَ الْخِلَافُ بِالْقَلْبِ، وَلَوْ قَالَ الْيَوْمَ أَوْ شَهْرًا فَرَدَّتْهُ لَمْ يَبْطُلْ خِيَارُهَا فِيمَا بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ عِنْدَ   [منحة الخالق] تَنَاقُضَ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِالْخِلَافِ فِي مَسْأَلَةِ الْيَوْمِ، وَغَدًا الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوِيهِ فَذَكَرَ أَنَّهَا لَوْ رَدَّتْ الْأَمْرَ فِي الْيَوْمِ يَبْقَى فِي الْغَدِ، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَا يَبْقَى وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى (قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ خَرَجَ الْأَمْرُ) قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَفِي الْخَانِيَّةِ أَوْ رَدَّتْ الْأَمْرَ أَوْ قَالَتْ لَا أَخْتَارُ الطَّلَاقَ خَرَجَ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يَبْطُلُ الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ لَا فِي مَجْلِسٍ آخَرَ، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ ذَكَرَ الْخِلَافَ عَلَى عَكْسِ هَذَا، وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ اهـ. فَمَا هُنَا مِنْ حِكَايَةِ الْخِلَافِ عَلَى غَيْرِ الصَّحِيحِ وَذَكَرَ فِي الْبَدَائِعِ مِثْلَ مَا مَرَّ غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ التَّصْحِيحَ، وَقَدْ قَدَّمْنَا عِبَارَتَهُ (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَقْتَضِي صِحَّةَ إضَافَةِ الْإِبْرَاءِ) قَالَ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِهِ أَقُولُ: بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَنَّهُ تَأْجِيلٌ مَعْنًى وَلَيْسَ بِإِبْرَاءٍ مَحْضٍ لَا بِرَدِّ ذَلِكَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 349 أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا لِأَنَّ هَذَا تَفْوِيضٌ وَاحِدٌ فَيَرْتَدُّ بِالرَّدِّ وَقَالَ هُوَ تَمْلِيكٌ نَصًّا تَعْلِيقٌ مَعْنًى فَمَتَى لَمْ يَذْكُرْ الْوَقْتَ فَالْعِبْرَةُ لِلتَّمْلِيكِ وَمَتَى ذَكَرَهُ فَالْعِبْرَةُ لِلتَّعْلِيقِ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ مَكَثَتْ بَعْدَ التَّفْوِيضِ يَوْمًا وَلَمْ تَقُمْ أَوْ جَلَسَتْ عَنْهُ أَوْ اتَّكَأَتْ عَنْ قُعُودٍ أَوْ عَكَسَتْ أَوْ دَعَتْ أَبَاهَا لِلْمَشُورَةِ أَوْ شُهُودًا لِلْإِشْهَادِ أَوْ كَانَتْ عَلَى دَابَّةٍ فَوَقَفَتْ بَقِيَ خِيَارُهَا، وَإِنْ سَارَتْ لَا) أَيْ لَا يَبْقَى خِيَارُهَا لِمَا قَدَّمْنَا أَنَّ الْمُخَيَّرَةَ لَهَا الْخِيَارُ فِي مَجْلِسِهَا وَأَنَّهُ يَتَبَدَّلُ حَقِيقَةً بِالْقِيَامِ أَوْ حُكْمًا بِمَا يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ وَمَا ذَكَرَهُ لَمْ يَتَبَدَّلْ فِيهِ حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا فَلِهَذَا بَقِيَ خِيَارُهَا وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِتَبَدُّلِ الْمَجْلِسِ حَقِيقَةً عَلَى الصَّحِيحِ إلَّا إذَا كَانَ مَعَهُ دَلِيلُ الْإِعْرَاضِ، وَلِذَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ رَجُلٌ خَيَّرَ امْرَأَتَهُ فَقَبْلَ أَنْ تَخْتَارَ نَفْسَهَا أَخَذَ الزَّوْجُ بِيَدِهَا فَأَقَامَهَا أَوْ جَامَعَهَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا خَرَجَ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا، وَفِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ، وَفِي الْأَصْلِ مِنْ نُسْخَةِ الْإِمَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ الْمُخَيَّرَةُ إذَا قَامَتْ لِتَدْعُوَ الشُّهُودَ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهَا أَحَدٌ يَدْعُو الشُّهُودَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ تَتَحَوَّلَ عَنْ مَوْضِعِهَا أَوْ لَمْ تَتَحَوَّلْ فَإِنْ لَمْ تَتَحَوَّلْ لَمْ يَبْطُلْ الْخِيَارُ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ تَحَوَّلَتْ عَنْ مَوْضِعِهَا اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي بُطْلَانِ الْخِيَارِ إعْرَاضُهَا أَوْ تَبَدُّلُ الْمَجْلِسِ عِنْدَ الْبَعْضِ أَيُّهُمَا وُجِدَ وَعِنْدَ الْبَعْضِ الْإِعْرَاضُ وَهَذَا أَصَحُّ اهـ. وَأَرَادَ بِسَيْرِ الدَّابَّةِ الْمُبْطِلِ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ التَّفْوِيضِ بِمُهْلَةٍ فَلَوْ اخْتَارَتْ مَعَ سُكُوتِهِ، وَالدَّابَّةُ تَسِيرُ طَلُقَتْ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهَا الْجَوَابُ بِأَسْرَعَ مِنْ ذَلِكَ، وَالْمُرَادُ بِالْإِسْرَاعِ أَنْ يَسْبِقَ جَوَابُهَا خُطْوَتَهَا فَلَوْ سَبَقَ خُطْوَتُهَا جَوَابَهَا لَمْ تَبِنْ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي السَّيْرِ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الزَّوْجُ مَعَهَا عَلَى الدَّابَّةِ أَوْ الْمَحْمَلِ وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُمَا قَائِدٌ أَمَّا إذَا كَانَا فِي الْمَحْمَلِ يَقُودُهُمَا الْجَمَّالُ لَا يَبْطُلُ لِأَنَّهُ كَالسَّفِينَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَأَشَارَ بِالسَّيْرِ إلَى كُلِّ عَمَلٍ يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ فَدَخَلَ فِيهِ مَا لَوْ دَعَتْ بِطَعَامٍ فَأَكَلَتْ أَوْ اغْتَسَلَتْ أَوْ امْتَشَطَتْ أَوْ اخْتَضَبَتْ أَوْ اشْتَغَلَتْ بِالنَّوْمِ أَوْ جُومِعَتْ أَوْ ابْتَدَأَتْ الصَّلَاةَ أَوْ انْتَقَلَتْ إلَى شَفْعٍ آخَرَ فِي النَّقْلِ الْمُطْلَقِ أَوْ كَانَتْ رَاكِبَةً فَنَزَلَتْ أَوْ تَحَوَّلَتْ إلَى دَابَّةٍ أُخْرَى أَوْ كَانَتْ نَازِلَةً فَرَكِبَتْ وَمَا لَوْ بَدَأَتْ بِعِتْقِ عَبْدٍ فَوَّضَ سَيِّدَهُ إلَيْهَا عِتْقَهُ قَبْلَ أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا وَمَا لَوْ قَالَتْ أَعْطِنِي كَذَا إنْ طَلَّقْتنِي كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَاخْتُلِفَ فِي قَلِيلِ الْأَكْلِ فَفِي الْخُلَاصَةِ الْأَكْلُ يُبْطِلُ، وَإِنْ قَلَّ وَقَالَ الْقُدُورِيُّ إنْ قَلَّ لَا يُبْطِلُ، وَالشُّرْبُ لَا يُبْطِلُ أَصْلًا اهـ. وَقَيَّدَ بِسَيْرِ الدَّابَّةِ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ فِي السَّفِينَةِ فَسَارَتْ لَا يُبْطِلُ خِيَارَهَا كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَأَشَارَ بِهَذِهِ الْمَسَائِلِ إلَى كُلِّ عَمَلٍ لَا يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ فَدَخَلَ الْأَكْلُ الْيَسِيرُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، وَالشُّرْبُ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ أَنْ تَدْعُوَ بِطَعَامٍ وَلُبْسُ ثَوْبِهَا مِنْ غَيْرِ قِيَامٍ وَنَوْمُهَا مُضْطَجِعَةً وَقِرَاءَتُهَا وَتَسْبِيحُهَا قَلِيلًا، وَفِي الْخُلَاصَةِ: لَوْ قَالَ لَهَا أَمْرُك بِيَدِك وَأَمْرُ هَذِهِ أَيْضًا لِامْرَأَةٍ أُخْرَى بِيَدِك فَقَالَتْ طَلَّقْت فُلَانَةَ ثُمَّ قَالَتْ طَلَّقْت نَفْسِي جَازَ وَبِهَذَا لَا يَتَبَدَّلُ الْمَجْلِسُ وَكَذَا لَوْ قَالَتْ لِلَّهِ عَلَيَّ نَسَمَةٌ أَوْ هَدْيُ بَدَنَةٍ وَحَجَّةٌ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ شُكْرًا لِمَا فَعَلْت إلَيَّ، وَقَدْ طَلَّقْت نَفْسِي جَازَ وَبِمَا قَالَتْ لَا يَتَبَدَّلُ الْمَجْلِسُ. وَلَوْ لَمْ تَقُلْ هَكَذَا، وَلَكِنَّهَا قَالَتْ مَا تَصْنَعُ بِالْوَلَدِ ثُمَّ طَلَّقَتْ نَفْسهَا يَقَعُ اهـ. وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: لَوْ تَكَلَّمَتْ بِكَلَامٍ هُوَ تَرْكٌ لِلْجَوَابِ كَمَا لَوْ أَمَرَتْ وَكِيلَهَا بِبَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ أَجْنَبِيًّا بِهِ بَطَلَ خِيَارُهَا فَلَوْ قَالَتْ: لِمَ لَا تُطَلِّقُنِي بِلِسَانِك لَا يَبْطُلُ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ يَتَبَدَّلُ بِهِ الْمَجْلِسُ لِأَنَّهُ كَلَامٌ زَائِدٌ اهـ. أَجَابَ عَنْهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّ الْكُلَّ الْمُبَدِّلَ لِلْمَجْلِسِ مَا يَكُونُ قَطْعًا لِلْكَلَامِ الْأَوَّلِ وَإِفَاضَةً فِي غَيْرِهِ وَلَيْسَ هَذَا كَذَلِكَ بَلْ الْكُلُّ مُتَعَلِّقٌ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَهُوَ الطَّلَاقُ اهـ. وَدَخَلَ مَا لَوْ كَانَتْ تُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ فَأَتَمَّتْهَا أَوْ فِي نَفْلٍ مُطْلَقٍ فَأَتَمَّتْ شَفْعًا فَقَطْ، وَفِي الْخُلَاصَةِ، وَالْأَرْبَعُ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَالْوِتْرُ بِمَنْزِلَةِ الْفَرِيضَةِ وَصَحَّحَهُ فِي الْمُحِيطِ اهـ. وَفِي الْخَانِيَّةِ: إذَا كَانَ الطَّلَاقُ، وَالْعِتْقُ مِنْ الزَّوْجِ فَهُمَا أَمْرٌ وَاحِدٌ لَا يَخْرُجُ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا بِأَيِّهِمَا بَدَأَتْ وَمَا لَوْ جَعَلَ أَمْرَهَا وَأَمْرَ عَبْدِهِ بِيَدِهَا فَبَدَأَتْ بِعِتْقِ الْعَبْدِ ثُمَّ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا فَفَرَّقُوا بَيْنَ عَبْدِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَلُبْسُ ثَوْبِهَا مِنْ غَيْرِ قِيَامٍ) تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ عِنْدَ قَوْلِهِ فَإِنْ قَامَتْ أَوْ أَخَذَتْ فِي عَمَلٍ آخَرَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 350 الزَّوْجِ وَعَبْدِ غَيْرِهِ فِي بُدَاءَتِهَا بِعِتْقِهِ فَالْأَوَّلُ يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ دُونَ الثَّانِي وَقَيَّدَ بِالِاتِّكَاءِ لِأَنَّهَا لَوْ اضْطَجَعَتْ قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَبْطُلُ الْأَمْرُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنْ هَيَّأَتْ الْوِسَادَةَ كَمَا تَفْعَلُ لِنَوْمٍ يَبْطُلُ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مُحْتَبِيَةً فَتَرَبَّعَتْ أَوْ عَلَى الْعَكْسِ لَا يَبْطُلُ بِالْأُولَى كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَقَيَّدَ بِدَعْوَتِهَا الشُّهُودَ لِأَنَّهَا لَوْ ذَهَبَتْ إلَيْهِمْ وَلَيْسَ عِنْدَهُمْ أَحَدٌ يَدْعُوهُمْ فَفِيهِ اخْتِلَافٌ قَدَّمْنَاهُ قَرِيبًا، وَلَوْ قَالَ وَأَوْقَفْتهَا مَكَانَ وَقَفْت لَكَانَ أَوْلَى لِيُعْلَمَ الْحُكْمُ فِي وُقُوفِهَا بِدُونِ إيقَافِهَا بِالْأَوْلَى وَمَسْأَلَةُ الْإِيقَافِ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا كُلَّهُ إذَا كَانَ التَّفْوِيضُ مُنَجَّزًا أَمَّا إذَا كَانَ مُعَلَّقًا بِالشَّرْطِ فَلَا يَصِيرُ الْأَمْرُ بِيَدِهَا إلَّا إذَا جَاءَ الشَّرْطُ فَحِينَئِذٍ يُعْتَبَرُ مَجْلِسُ الْعِلْمِ إنْ كَانَ مُطْلَقًا، وَالْقَبُولُ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لَكِنْ يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ وَأَمَّا إذَا كَانَ مُوَقَّتًا بِوَقْتٍ مُنَجَّزًا أَوْ مُعَلَّقًا فَالْأَمْرُ بِيَدِهَا مَا دَامَ الْوَقْتُ بَاقِيًا عَلِمْت أَوْ لَا فَإِذَا مَضَى الْوَقْتُ انْتَهَى عَلِمَتْ أَوْ لَا كَذَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ يَعْنِي فَلَا يَبْطُلُ بِالْقِيَامِ وَلَا بِمَا يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ التَّقْدِيرَ بِمُكْثِ الْيَوْمِ لَيْسَ بِلَازِمٍ بَلْ الْمُرَادُ الْمُكْثُ الدَّائِمُ إذَا لَمْ يُوجَدْ دَلِيلُ الْإِعْرَاضِ يَوْمًا كَانَ أَوْ أَكْثَرَ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: وَلَوْ مَشَتْ فِي الْبَيْتِ مِنْ جَانِبٍ إلَى جَانِبٍ لَمْ يَبْطُلْ وَكَذَا فِي فُصُولِ الْعِمَادِيِّ وَمَعْنَاهُ أَنْ يُخَيِّرَهَا وَهِيَ قَائِمَةٌ فِي الْبَيْتِ فَمَشَتْ مِنْ جَانِبٍ إلَى جَانِبٍ أَمَّا لَوْ خَيَّرَهَا وَهِيَ قَاعِدَةٌ فِي الْبَيْتِ فَقَامَتْ بَطَلَ خِيَارُهَا بِمُجَرَّدِ قِيَامِهَا لِأَنَّهُ دَلِيلُ الْإِعْرَاضِ. (قَوْلُهُ: وَالْفُلْكُ كَالْبَيْتِ) أَيْ، وَالسَّفِينَةُ كَبَيْتٍ لَا كَدَابَّةٍ وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا حَقِيقَةً لِتَبَدُّلِ الْمَجْلِسِ حَقِيقَةً وَافْتَرَقَا بِأَنَّ سَيْرَ الدَّابَّةِ يُضَافُ إلَى رَاكِبِهَا، وَالسَّفِينَةَ إلَى الْمَاءِ، وَالرِّيحِ، وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: لَوْ قَالَ لَهَا: أَمْرُك بِيَدِك كُلَّمَا شِئْت فَلَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا كُلَّمَا شَاءَتْ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ أَوْ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ إلَّا أَنَّهَا لَا تُطَلِّقُ دَفْعَةً وَاحِدَةً أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ وَإِنَّمَا لَهَا فِي الْمَجْلِسِ تَفْرِيقُ الثَّلَاثِ فَلَوْ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: فَالْأَوَّلُ يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ عِتْقُ عَبْدِ الزَّوْجِ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالثَّانِي عِتْقُ عَبْدِ غَيْرِهِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمَهُ قَرِيبًا عَنْ الْخَانِيَّةِ وَلِقَوْلِهِ سَابِقًا وَمَا لَوْ بَدَأَتْ بِعِتْقِ عَبْدٍ. . . إلَخْ لَكِنْ فِي النَّهْرِ، وَلَوْ جَعَلَ أَمْرَهَا وَأَمْرَ عِتْقِ الْعَبْدِ بِيَدِهَا فَبَدَأَتْ بِالْعِتْقِ قِيلَ إنْ كَانَ عَبْدَ زَوْجِهَا كَانَ إعْرَاضًا وَإِلَّا لَا اهـ. وَعِبَارَةُ الْفَتْحِ قُبَيْلَ التَّعْلِيقِ، وَلَوْ قَالَ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَك وَقَالَ لَهَا آخَرُ: أَعْتِقِي عَبْدَك فَبَدَأَتْ بِعِتْقِ الْعَبْدِ خَرَجَ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا، وَلَوْ كَانَ الْآمِرُ بِالْعِتْقِ زَوْجُهَا فَبَدَأَتْ بِالْعِتْقِ لَا يَبْطُلُ خِيَارُهَا فِي الطَّلَاقِ (قَوْلُهُ: أَمَّا إذَا كَانَ مُعَلَّقًا بِشَرْطٍ. . . إلَخْ) نَصُّ عِبَارَةِ الْوَلْوَالِجيَّةِ الْجُمْلَةُ فِي الْأَمْرِ بِالْيَدِ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ بِيَدِهَا أَوْ يَدِ فُلَانٍ وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مُرْسَلًا أَوْ مُعَلَّقًا بِالشَّرْطِ، وَإِنْ كَانَ مُرْسَلًا إمَّا أَنْ يَكُونَ مُعَلَّقًا بِالْوَقْتِ أَوْ مُطْلَقًا فَإِنْ كَانَ مُوَقَّتًا بِوَقْتٍ فَالْأَمْرُ بِيَدِ فُلَانٍ وَبِيَدِهَا مَا دَامَ الْوَقْتُ قَائِمًا عَلِمَ فُلَانٌ أَوْ هِيَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ فَإِذَا مَضَى الْوَقْتُ يَنْتَهِي عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ، وَالْقَبُولُ الَّذِي يُذْكَرُ لَيْسَ بِشَرْطٍ لَكِنْ إذَا رَدَّ الْمُفَوَّضُ إلَيْهِ يَجِبُ أَنْ يَبْطُلَ، وَإِنْ كَانَ مُرْسَلًا لَكِنْ مُطْلَقًا فَإِنَّمَا يَصِيرُ الْأَمْرُ فِي يَدِ الْمُفَوَّضِ إلَيْهِ إذَا عَلِمَ بِذَلِكَ فَيَكُونُ الْأَمْرُ فِي يَدِهِ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ، وَالْقَبُولُ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لَكِنْ إذَا رَدَّهُ يَرْتَدُّ، وَإِنْ كَانَ مُعَلَّقًا بِالشَّرْطِ فَإِنَّمَا يَصِيرُ الْأَمْرُ بِيَدِهِ إذَا جَاءَ الشَّرْطُ فَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ الْمُعَلَّقُ مُطْلَقًا يَصِيرُ فِي يَدِهِ فِي مَجْلِسِ عِلْمِهِ، وَالْقَبُولُ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لَكِنْ يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ اهـ. فَتَأَمَّلْهُ، وَفِي الْبَدَائِعِ جَعْلُ الْأَمْرِ بِالْيَدِ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مُنَجَّزًا أَوْ مُعَلَّقًا بِشَرْطٍ أَوْ مُضَافًا إلَى وَقْتٍ، وَالْمُنَجَّزُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مُطْلَقًا أَوْ مُوَقَّتًا فَإِنْ كَانَ مُطْلَقًا بِأَنْ قَالَ أَمْرُك بِيَدِك فَشَرْطُ بَقَاءِ حُكْمِهِ بَقَاءُ مَجْلِسِ عِلْمِهَا بِالتَّفْوِيضِ فَمَا دَامَتْ فِيهِ فَهُوَ بِيَدِهَا سَوَاءٌ قَصُرَ أَوْ طَالَ فَإِنْ قَامَتْ عَنْهُ بَطَلَ وَكَذَا إنْ وُجِدَ مِنْهَا قَوْلٌ أَوْ فِعْلٌ يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ، وَإِنْ كَانَ مُوَقَّتًا فَإِنْ أَطْلَقَ الْوَقْتَ كَأَمْرُك بِيَدِك إذَا شِئْت أَوْ إذَا مَا أَوْ مَتَى شِئْت أَوْ مَتَى مَا فَلَهَا الْخِيَارُ فِي الْمَجْلِسِ وَغَيْرِهِ حَتَّى لَوْ رَدَّتْ الْأَمْرَ أَوْ قَامَتْ مِنْ مَجْلِسِهَا أَوْ أَخَذَتْ فِي عَمَلٍ آخَرَ تُطَلِّقُ نَفْسَهَا فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَتْ، وَإِنْ وَقَّتَهُ بِوَقْتٍ خَاصٍّ كَأَمْرُك بِيَدِك يَوْمًا أَوْ شَهْرًا أَوْ الْيَوْمَ أَوْ الشَّهْرَ لَا يَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ. وَلَوْ قَامَتْ أَوْ تَشَاغَلَتْ بِغَيْرِ الْجَوَابِ لَا يَبْطُلُ مَا بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ الْوَقْتِ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنْ كَانَ مُعَلَّقًا بِشَرْطٍ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مُطْلَقًا عَنْ الْوَقْتِ أَوْ مُوَقَّتًا فَإِنْ كَانَ مُطْلَقًا كَإِذَا قَدِمَ فُلَانٌ فَأَمْرُك بِيَدِك فَقَدِمَ فَهُوَ بِيَدِهَا إذَا عَلِمْت فِي مَجْلِسِهَا الَّذِي يُقْدِمُ فِيهِ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ كَالْمُنَجَّزِ عِنْدَ الشَّرْطِ، وَإِنْ كَانَ مُوَقَّتًا كَإِذَا قَدِمَ فُلَانٌ فَأَمْرُك بِيَدِك يَوْمًا أَوْ الْيَوْمَ الَّذِي يُقْدِمُ فِيهِ فَلَهَا الْخِيَارُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ كُلِّهِ إذَا عَلِمَتْ بِالْقُدُومِ وَلَا يَبْطُلُ بِالْقِيَامِ عَنْ الْمَجْلِسِ وَهَلْ يَبْطُلُ بِاخْتِيَارِهَا زَوْجَهَا فَهُوَ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الِاخْتِلَافِ، وَإِنْ كَانَ مُضَافًا إلَى الْوَقْتِ كَأَمْرُك بِيَدِك غَدًا أَوْ رَأْسَ الشَّهْرِ فَجَاءَ الْوَقْتُ صَارَ بِيَدِهَا وَكَانَ عَلَى مَجْلِسِهَا مِنْ أَوَّلِ الْغَدِ وَرَأْسِ الشَّهْرِ اهـ. مُلَخَّصًا. (قَوْلُهُ: أَمَّا لَوْ خَيَّرَهَا وَهِيَ قَاعِدَةٌ فِي الْبَيْتِ فَقَامَتْ بَطَلَ. . إلَخْ) قَدْ مَرَّ عِنْدَ قَوْلِهِ فَإِنْ قَامَتْ أَوْ أَخَذَتْ فِي عَمَلٍ آخَرَ أَنَّ بُطْلَانَهُ بِمُجَرَّدِ الْقِيَامِ قَوْلُ الْبَعْضِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ دَلِيلُ الْإِعْرَاضِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 351 شَاءَتْ فِي الْعِدَّةِ وَقَعَ لَا بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ خِلَافًا لِزُفَرَ وَإِذَا وَمَتَى كَكُلَّمَا فِي عَدَمِ التَّقْيِيدِ بِالْمَجْلِسِ لَكِنْ لَا يُفِيدُ أَنَّ التَّكْرَارَ وَكَيْفَ، وَإِنْ وَحَيْثُ وَكَمْ وَأَيْنَ وَأَيْنَمَا تَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ، وَالْعِتْقُ كَالطَّلَاقِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ حَتَّى لَوْ قَالَ فِيمَا لَا يُفِيدُ التَّكْرَارَ لَا أَشَاءُ ثُمَّ شَاءَ الْعِتْقَ عَتَقَ وَكَذَا الطَّلَاقُ وَاسْتَشْكَلَهُ مُؤَلِّفُهُ بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِمْ لَوْ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا بَطَلَ وَأُجِيبَ عَنْهُ فِيمَا كَتَبْته عَلَى جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ بِأَنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْن اخْتِيَارِهَا الزَّوْجَ وَبَيْنَ قَوْلِهَا لَا أَشَاءُ فِي مَشِيئَةٍ مُكَرَّرَةٍ بِأَنَّ الِاخْتِيَارَ لِلزَّوْجِ مُبْطِلٌ أَصْلَ التَّفْوِيضِ قَوْلُهَا لَا أَشَاءُ إنَّمَا يُبْطِلُ مَشِيئَةً مِنْ جُمْلَةِ الْمَشِيئَاتِ لَهَا الْمَشِيئَةَ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا يُبْطِلُ أَصْلَ التَّفْوِيضَ. وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَيْضًا قَالَ: أَمْرُهَا بِيَدِهَا إنْ قَامَرَ ثُمَّ قَامَرَ وَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا فَقَالَ: إنَّكِ عَلِمْت مُنْذُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَمْ تُطَلِّقِي فِي مَجْلِسِ عِلْمِك قَالَتْ لَا بَلْ عَلِمْت الْآنَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا قَالَ: أَمْرُك بِيَدِك فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا فَقَالَ إنَّمَا طَلَّقْت نَفْسَك بَعْدَ الِاشْتِغَالِ بِكَلَامٍ أَوْ عَمَلٍ وَقَالَتْ لَا بَلْ طَلَّقْت نَفْسِي فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ بِلَا تَبَدُّلِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا لِأَنَّهُ وَجَدَ سَبَبَهُ بِإِقْرَارِهِ وَهُوَ التَّخْيِيرُ فَالظَّاهِرُ عَدَمُ الِاشْتِغَالِ بِشَيْءٍ آخَرَ قَالَ: خَيَّرْتُك أَمْسِ فَلَمْ تَخْتَارِي وَقَالَتْ قَدْ اخْتَرْت فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ: قَالَ لِقِنِّهِ جَعَلْت أَمْرَك بِيَدِك فِي الْعِتْقِ أَمْسِ فَلَمْ تَعْتِقْ نَفْسَك وَقَالَ: الْقِنُّ فَعَلْته لَا يُصَدَّقُ إذَا الْمَوْلَى لَمْ يُقِرَّ بِعِتْقِهِ لِأَنَّ جَعْلَ الْأَمْرِ بِيَدِهِ لَا يُوجِبُ الْعِتْقَ مَا لَمْ يُعْتِقْ الْقِنُّ نَفْسَهُ، وَالْقِنُّ يَدَّعِي ذَلِكَ، وَالْمَوْلَى يُنْكِرُهُ وَلَا قَوْلَ لِلْقِنِّ فِي الْحَالِ لِأَنَّهُ يُخْبِرُ بِمَا لَا يَمْلِكُ إنْشَاءَهُ لِخُرُوجِ الْأَمْرِ مِنْ يَدِهِ بِتَبَدُّلِ مَجْلِسِهِ أَقُولُ: عَلَى هَذَا فِي مَسْأَلَةِ الِاشْتِغَالِ بِكَلَامٍ إلَى آخِرِهِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُقْبَلَ قَوْلُهَا اهـ. وَقَدْ أَجَبْت عَنْهُ فِي حَاشِيَتِهِ بِالْفَرْقِ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى اتَّفَقَا عَلَى صُدُورِ الْإِيقَاعِ مِنْهَا بَعْدَ التَّفْوِيضِ، وَالزَّوْجُ يَدَّعِي إبْطَالَ إيقَاعِهَا فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ، وَفِي الثَّانِيَةِ لَمْ يُقِرَّ الْمَوْلَى بِالْإِيقَاعِ مِنْ الْعَبْدِ بَعْدَ التَّفْوِيضِ فَإِنْ قُلْت هَلْ التَّفْوِيضُ يَصِحُّ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ كَالصَّحِيحِ قُلْت قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ فَصْلِ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ جَعَلَ أَمْرَهَا بِيَدِهَا فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ إنْ ضَرَبَهَا بِلَا جُرْمٍ فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا بِحُكْمِ التَّفْوِيضِ إنْ قِيلَ يَكُونُ مُتَارَكَةً كَالطَّلَاقِ وَهُوَ الظَّاهِرُ فَلَهُ وَجْهٌ، وَإِنْ قِيلَ: لَا فَلَهُ وَجْهٌ أَيْضًا لِأَنَّ الْمُتَارَكَةَ فَسْخٌ وَتَعْلِيقُ الْفَسْخِ بِالشَّرْطِ لَا يَصِحُّ، وَلَوْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا يَكُونُ مُتَارَكَةً لِأَنَّ لَا تَعْلِيقَ فِيهِ، وَفِي الْأَوَّلِ تَعَلَّقَ الْفَسْخُ بِالضَّرْبِ اهـ. قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ شَاوَرْته، وَاسْتَشَرْتُهُ رَاجَعْتُهُ لَأَرَى رَأْيَهُ فَأَشَارَ عَلَيَّ بِكَذَا أَرَانِي مَا عِنْدَهُ مِنْ الْمَصْلَحَةِ فَكَانَتْ إشَارَتُهُ حَسَنَةً، وَالِاسْمُ الْمَشُورَةُ، وَفِيهَا لُغَتَانِ سُكُونُ الشِّينِ وَفَتْحُ الْوَاوِ وَضَمُّ الشِّينِ وَسُكُونُ الْوَاوِ اهـ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ فِي الْمَشِيئَةِ) (وَلَوْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك وَلَمْ يَنْوِ أَوْ نَوَى وَاحِدَةً فَطَلَّقَتْ وَقَعَتْ رَجْعِيَّةً، وَإِنْ طَلَّقَتْ ثَلَاثًا وَنَوَاهُ وَقَعْنَ) أَيْ وَقَعَ الثَّلَاثُ لِأَنَّ قَوْلَهُ طَلِّقِي نَفْسَك مَعْنَاهُ افْعَلِي فِعْلَ التَّطْلِيقِ فَهُوَ مَذْكُورٌ لُغَةً لِأَنَّهُ جُزْءُ مَعْنَى اللَّفْظِ فَتَصِحُّ نِيَّةُ الْعُمُومِ وَهُوَ فِي حَقِّ الْأَمَةِ ثِنْتَانِ، وَفِي حَقِّ الْحُرَّةِ ثَلَاثٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ طَلَّقْتُك وَأَنْتِ طَالِقٌ وَأَشَارَ إلَى أَنَّ نِيَّةَ الثِّنْتَيْنِ لَا تَصِحُّ هُنَا أَيْضًا لِكَوْنِهِ عَدَدًا وَأَطْلَقَ تَطْلِيقَهَا الثَّلَاثَ فَشَمِلَ مَا إذَا قَالَتْ طَلَّقْت نَفْسِي ثَلَاثًا وَقَوْلَهَا قَدْ فَعَلْت مَعَ نِيَّةِ الثَّلَاثِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَشَمِلَ مَا إذَا أَوْقَعَتْ الثَّلَاثَ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ وَمُتَفَرِّقًا كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقَيَّدَ بِنِيَّةِ الثَّلَاثِ لِأَنَّهَا لَوْ طَلَّقَتْ ثَلَاثًا، وَقَدْ نَوَى وَاحِدَةً لَا يَقَعُ شَيْءٌ عِنْدَ الْإِمَامِ كَمَا سَيَأْتِي وَقَيَّدَ بِخِطَابِهَا لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: طَلِّقِي أَيْ نِسَائِي شِئْت فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا أَوْ قَالَ: أَمْرُ نِسَائِي بِيَدِك لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُخَاطَبَ هُنَا لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ عُمُومِ خِطَابِهِ وَدَخَلَ فِي قَوْلِهِ: نِسَائِي كُلُّهُنَّ طَوَالِقُ إذَا دَخَلَتْ الدَّارَ فَإِذَا دَخَلَتْ هِيَ طَلُقَتْ هِيَ وَغَيْرُهَا كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ أَيْضًا. (قَوْلُهُ: وَبِأَبَنْتُ نَفْسِي طَلُقَتْ لَا بِاخْتَرْتُ) يَعْنِي أَنَّ أَبَنْتُ نَفْسِي يَصْلُحُ جَوَابًا لِطَلِّقِي نَفْسَك وَلَا يَصْلُحُ اخْتَرْت نَفْسِي جَوَابًا لَهُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْإِبَانَةَ مِنْ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ لِأَنَّهُ كِنَايَةٌ، وَالْمُفَوَّضُ إلَيْهَا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: لَا بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ) أَيْ إذَا كَانَتْ اسْتَوْفَتْ الثَّلَاثَ لِمَا فِي الْبَدَائِعِ، وَإِنْ بَانَتْ بِوَاحِدَةٍ أَوْ ثِنْتَيْنِ فَتَزَوَّجَتْ بِزَوْجٍ آخَرَ ثُمَّ عَادَتْ إلَيْهِ فَلَهَا إنْ تَشَاءُ الطَّلَاقَ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى حَتَّى تَسْتَوْفِيَ ثَلَاثَ طَلْقَاتٍ فِي قَوْلِهِمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الزَّوْجَ الثَّانِيَ هَلْ يَهْدِمُ مَا دُونَ الثَّلَاثِ أَمْ لَا. [فَصْلٌ فِي الْمَشِيئَةِ] (فَصْلٌ فِي الْمَشِيئَةِ) (قَوْلُهُ: وَقَيَّدَ بِخِطَابِهَا لِأَنَّهُ. . . إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الْخِطَابَ مَوْجُودٌ فِي مَسْأَلَةِ الْخَانِيَّةِ أَيْضًا فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ نَفْسُك. (قَوْلُهُ: يَعْنِي إنْ أَبَنْت نَفْسِي يَصْلُحُ جَوَابًا لِطَلِّقِي) هَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الزَّوْجِ لِصُدُورِهِ جَوَابًا لِلْأَمْرِ بِالتَّطْلِيقِ وَأَمَّا مَا يَأْتِي عَنْ التَّلْخِيصِ فَهُوَ فِيمَا إذَا قَالَتْ أَبَنْت نَفْسِي ابْتِدَاءً لَا جَوَابًا لِلْأَمْرِ كَمَا هُنَا، وَإِنْ أَشْكَلَ عَلَيْك فَارْجِعْ إلَى مَا كَتَبْنَاهُ عَنْ شَرْحِ التَّلْخِيصِ فِي أَوَّلِ بَابِ التَّفْوِيضِ وَعِبَارَةُ الْهِدَايَةِ هَكَذَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 352 الطَّلَاقُ، وَالِاخْتِيَارُ لَيْسَ مِنْ أَلْفَاظِهِ لَا صَرِيحًا وَلَا كِنَايَةً بِدَلِيلِ الْوُقُوعِ بِأَبَنْتُك دُونَ اخْتَارِي، وَإِنْ نَوَى الطَّلَاقَ. وَتَوَقُّفُهُ عَلَى إجَازَتِهِ إذَا قَالَتْ أَبَنْتُ نَفْسِي بِشَرْطِ نِيَّتِهَا كَمَا فِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ وَعَدَمِ التَّوَقُّفِ إذَا قَالَتْ اخْتَرْت نَفْسِي مِنْهُ وَإِنَّمَا صَارَ كِنَايَةً بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِيمَا إذَا حَصَلَ جَوَابًا لِلتَّخْيِيرِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ وَصَلُحَ جَوَابًا لِلْأَمْرِ بِالْيَدِ أَيْضًا لِأَنَّهُ هُوَ التَّخْيِيرُ مَعْنًى فَثَبَتَ جَوَابًا لَهُ بِدَلَالَةِ نَصِّ إجْمَاعِهِمْ عَلَى التَّخْيِيرِ لِأَنَّ قَوْلَهُ: أَمْرُك بِيَدِك لَيْسَ مَعْنَاهُ إلَّا أَنَّك مُخَيَّرَةٌ فِي أَمْرِك الَّذِي هُوَ الطَّلَاقُ بَيْنَ إيقَاعِهِ وَعَدَمِهِ فَهُوَ مُرَادِفٌ لِلتَّخْيِيرِ بِلَفْظِ التَّخْيِيرِ لِلْعِلْمِ بِأَنَّ خُصُوصَ اللَّفْظِ مَلْغِيٌّ بِخِلَافِ طَلِّقِي فَإِنَّهُ وُضِعَ لِطَلَبِ الطَّلَاقِ لَا لِلتَّخْيِيرِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَدَمِهِ، وَفِي الْمُحِيطِ مِنْ الْعِتْقِ لَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ: أَعْتِقِي نَفْسَك فَقَالَتْ اخْتَرْتُ كَانَ بَاطِلًا اهـ. بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَتْ جَعَلْت الْخِيَارَ إلَيَّ أَوْ جَعَلْت أَمْرِي بِيَدِي فَإِنَّهُ يَتَوَقَّفُ فَإِذَا أَجَازَ صَارَ أَمْرُهَا بِيَدِهَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ طَلَّقْت إلَى أَنَّهُ رَجْعِيٌّ لِأَنَّ مُخَالَفَتَهَا فِي الْوَصْفِ فَقَطْ فَوَقَعَ أَصْلُ الطَّلَاقِ دُونَ مَا وَصَفَتْهُ بِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: طَلِّقِي نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ فَطَلَّقَتْ وَاحِدَةً أَوْ ثَلَاثًا فَطَلَّقَتْ أَلْفًا حَيْثُ لَا يَقَعُ شَيْءٌ لِأَنَّ الْمُخَالَفَةَ فِي الْأَصْلِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَسْأَلَتَيْنِ ذَكَرَهُمَا التُّمُرْتَاشِيُّ، وَالْخِلَافُ فِيهِمَا فِي الْأَصْلِ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ صُورَةِ اللَّفْظِ لَا غَيْرُ إذْ لَوْ أَوْقَعَتْ عَلَى الْمُوَافَقَةِ أَعْنِي الثَّلَاثَ، وَالنِّصْفَ كَانَ الْوَاقِعُ هُوَ الْوَاقِعُ بِالتَّطْلِيقَةِ، وَالْأَلْفُ، وَالْخِلَافُ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى فَإِنَّ الْوَاقِعَ بِمُجَرَّدِ الصَّرِيحِ لَيْسَ هُوَ الْوَاقِعُ بِالْبَائِنِ، وَقَدْ اُعْتُبِرَ الْخِلَافُ بِمُجَرَّدِ اللَّفْظِ بِلَا مُخَالَفَةٍ فِي الْمَعْنَى نَظَرًا إلَى أَنَّهُ الْأَصْلُ فِي الْإِيقَاعِ، وَالْخِلَافُ فِي الْمَعْنَى غَيْرُ خِلَافٍ، وَفِيهِ مَا لَا يَخْفَى اهـ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِهِ: طَلِّقِي نَفْسَك، وَقَوْلِهِ: طَلِّقِي نَفْسَك تَطْلِيقَةً رَجْعِيَّةً وَلَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِهَا أَبَنْت نَفْسِي وَبَيْنَ قَوْلِهَا طَلَّقْت نَفْسِي بَائِنَةً فِي وُقُوعِ الْأَصْلِ وَإِلْغَاءِ الْوَصْفِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ، وَفِيهَا مِنْ الْعِتْقِ لَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ: أَمْرُ عِتْقِك فِي يَدِك أَوْ جَعَلْت عِتْقَك فِي يَدِك أَوْ خَيَّرْتُك فِي عِتْقِك فَأَعْتَقَتْ نَفْسَهَا فِي الْمَجْلِسِ عَتَقَتْ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةِ السَّيِّدِ اهـ. فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي الطَّلَاقِ كَذَلِكَ فَتَصِيرُ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ بِمَنْزِلَةِ طَلِّقِي نَفْسَك لَا تَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ وَأَفَادَ بِعَدَمِ صَلَاحِيَّتِهِ لِلْجَوَابِ أَنَّ الْأَمْرَ يَخْرُجُ مِنْ يَدِهَا لِاشْتِغَالِهَا بِمَا لَا يَعْنِيهَا كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَدَلَّ اقْتِصَارُهُ عَلَى نَفْيِ الِاخْتِيَارِ أَنَّ كُلَّ لَفْظٍ يَصْلُحُ لِلْإِيقَاعِ مِنْ الزَّوْجِ يَصْلُحُ جَوَابًا لِطَلِّقِي نَفْسَك كَجَوَابِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ وَذَكَرَ فِي الْقُنْيَةِ قَالَ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَك فَقَالَتْ: حَلَالُ اللَّهِ عَلَيَّ حَرَامٌ يَقَعُ بِخُوَارِزْمَ وَبُخَارَى اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ اخْتَرْتُ يَصْلُحُ جَوَابًا لِأَمْرُكِ بِيَدِك وَلِاخْتَارِي لَا لِطَلِّقِي وَطَلَّقْت جَوَابًا لِلْكُلِّ، وَالْأَمْرُ لَا يَصْلُحُ تَفْسِيرًا لِلْأَمْرِ لِأَنَّ إقَامَةَ التَّعْزِيرِ فِي الْأَوَّلِ غَيْرُ مُفَوَّضٍ إلَيْهِ وَكَذَا الِاخْتِيَارُ لِلِاخْتِيَارِ وَطَلِّقِي نَفْسَك يَصْلُحُ تَفْسِيرًا لِقَوْلِهِ: أَمْرُك بِيَدِك وَلِقَوْلِهِ اخْتَارِي. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ) أَيْ وَلَا يَمْلِكُ الزَّوْجُ الرُّجُوعَ عَنْ التَّفْوِيضِ سَوَاءٌ كَانَ لَفْظَ التَّخْيِيرِ أَوْ بِالْأَمْرِ بِالْيَدِ أَوْ طَلِّقِي نَفْسَك لِمَا قَدَّمْنَا أَنَّهُ يَتِمُّ بِالْمِلْكِ وَحْدَهُ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى قَبُولٍ وَأَنَّهُ تَمْلِيكٌ فِيهِ مَعْنَى التَّعْلِيقِ فَبِاعْتِبَارِ التَّمْلِيكِ تَقْيِيدٌ بِالْمَجْلِسِ بِاعْتِبَارِ التَّعْلِيقِ لَمْ يَصِحَّ الرُّجُوعُ عَنْهُ وَلَا عَزْلُهَا وَلَا نَهْيُهَا، وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، وَالْخَانِيَّةِ لَوْ صَرَّحَ بِوَكَالَتِهَا فَقَالَ: وَكَّلْتُك فِي طَلَاقِك كَانَ تَمْلِيكًا كَقَوْلِهِ طَلِّقِي نَفْسَك اهـ. بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوَكِيلَ مَنْ يَعْمَلُ لِغَيْرِهِ وَهَذِهِ عَامِلَةٌ لِنَفْسِهَا حَتَّى لَوْ فَوَّضَ إلَيْهَا طَلَاقَ ضَرَّتِهَا أَوْ فَوَّضَ أَجْنَبِيٌّ لَهَا طَلَاقَ زَوْجَتِهِ كَانَ تَوْكِيلًا فَمَلَكَ الرُّجُوعَ مِنْهُ لِكَوْنِهَا عَامِلَةً لِغَيْرِهَا وَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ   [منحة الخالق] وَلَوْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك فَقَالَتْ أَبَنْت نَفْسِي طَلُقَتْ، وَلَوْ قَالَتْ قَدْ اخْتَرْتُ نَفْسِي لَمْ تَطْلُقْ لِأَنَّ الْإِبَانَةَ مِنْ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَبْنَتُك يَنْوِي الطَّلَاقَ أَوْ قَالَتْ أَبَنْت نَفْسِي فَقَالَ الزَّوْجُ قَدْ أَجَزْت ذَلِكَ بَانَتْ فَكَانَتْ مُوَافِقَةً لِلتَّفْوِيضِ فِي الْأَصْلِ إلَّا أَنَّهَا زَادَتْ فِيهِ وَصْفًا فَيَلْغُو وَيَثْبُتُ الْأَصْلُ بِخِلَافِ الِاخْتِيَارِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ خَيَّرْتُك أَوْ اخْتَارِي يَنْوِي الطَّلَاقَ لَمْ يَقَعْ، وَلَوْ قَالَتْ ابْتِدَاء اخْتَرْتُ نَفْسِي فَقَالَ الزَّوْجُ قَدْ أَجَزْت لَا يَقَعُ شَيْءٌ انْتَهَتْ فَمَا فِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ لَا يَخْفَى مَا فِيهِ فَتَنَبَّهْ (قَوْلُهُ: أَوْ ثَلَاثًا فَطَلَّقَتْ وَاحِدَةً) أَيْ وَبِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ طَلِّقِي ثَلَاثًا فَطَلَّقَتْ وَاحِدَةً (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمُخَالَفَةَ فِي الْأَصْلِ) قَالَ فِي الْفَتْحِ فِي الْأُولَى ظَاهِرٌ وَكَذَا فِي الثَّانِيَةِ لِأَنَّ الْإِيقَاعَ بِالْعَدَدِ عِنْدَ ذِكْرِهِ لَا بِالْوَصْفِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فَيَكُونُ خِلَافًا مُعْتَبَرًا بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ لِأَنَّهَا خَالَفَتْ فِي الْوَصْفِ بَعْدَ مُوَافَقَتِهَا فِي الْأَصْلِ فَلَا يُعَدُّ خِلَافًا إذْ الْوَصْفُ تَابِعٌ (قَوْلُهُ: وَالْأَمْرُ لَا يَصْلُحُ تَفْسِيرًا لِلْأَمْرِ) قَالَ الْبَزَّازِي بِأَنْ قَالَ أَمْرُك بِيَدِك فَقَالَتْ أَمْرِي بِيَدِي وَقَوْلُهُ: لِأَنَّ إقَامَةَ التَّعْزِيرِ فِي الْأَوَّلِ غَيْرُ مُفَوَّضٍ إلَيْهِ لَيْسَ هُنَا مَحَلُّهُ بَلْ ذَكَرَهُ قُبَيْلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي مَسَائِلِ الضَّرْبِ بِغَيْرِ جِنَايَةٍ وَكَأَنَّهَا وَقَعَتْ فِي نُسْخَتِهِ عَلَى الْهَامِشِ فَظَنَّ الْمُؤَلِّفُ أَنَّ مَوْضِعَهَا هُنَا أَوْ الْغَلَطَ مِنْ الْكَاتِبِ لِنُسْخَتِهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 353 وَكَذَا الْمَدْيُونُ فِي إبْرَاءِ ذِمَّتِهِ بِقَوْلِ الدَّائِنِ لَهُ أَبْرِئْ ذِمَّتَك عَامَلَ لِغَيْرِهِ بِالذَّاتِ وَلِنَفْسِهِ ضِمْنًا عَلَى مَا قَدَّمْنَا، وَالتَّوْكِيلُ اسْتِعَانَةٌ فَلَوْ لَزِمَ وَلَمْ يَمْلِكْ الرُّجُوعَ عَادَ عَلَى مَوْضُوعِهِ بِالنَّقْضِ وَقَدَّمْنَا عَدَمَ ظُهُورِ الْفَرْقِ بَيْنَ طَلِّقِي وَأَبْرِئْ ذِمَّتَك إذْ كُلُّ مَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُهُ فِي أَحَدِهِمَا يُمْكِنُ فِي الْآخَرِ، وَإِنْ عَدِمَ الرُّجُوعَ أَيْضًا يَتَفَرَّعُ عَلَى مَعْنَى الْمِلْكِ الثَّابِتِ بِالتَّمْلِيكِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يَثْبُتُ بِلَا تَوَقُّفٍ عَلَى الْقَبُولِ شَرْعًا عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ فِي الذَّخِيرَةِ وَأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى تَرَتُّبِهِ عَلَى مَعْنَى التَّعْلِيقِ الْمُسْتَخْرَجِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ مِثْلُهُ فِي الْوَكَالَاتِ، وَالْوِلَايَاتِ فَلَوْ صَحَّ لَزِمَ أَنْ يَصِحَّ الرُّجُوعُ عَنْ تَوْكِيلٍ وَوِلَايَةٍ وَأَمَّا الِاقْتِصَارُ عَلَى الْمَجْلِسِ فَبِالْإِجْمَاعِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ اهـ. وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي فَصْلِ الِاخْتِيَارِ أَنَّهُ سَهْوٌ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ مِثْلُهُ فِي الْوَكَالَاتِ، وَالْوِلَايَاتِ شَرْعًا لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ الْإِجَازَةِ بِالزَّايِ الْمُعْجَمَةِ بِالشَّرْطِ، وَالطَّلَاقُ يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ، وَقَدْ اسْتَمَرَّ عَلَى سَهْوِهِ هَذَا، وَلَوْ قَالَ إنَّهُ يُمْكِنُ مِثْلُهُ فِي التَّوْكِيلِ بِالطَّلَاقِ لَكَانَ صَحِيحًا لِأَنَّ التَّعْلِيقَ الْمُسْتَخْرَجَ يُمْكِنُ فِيهِ عَلَى مَعْنَى: إنْ طَلَّقْتهَا فَهِيَ طَالِقٌ مَعَ أَنَّهُ يَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنْهُ وَأَمَّا التَّوْكِيلُ بِالْبَيْعِ، وَالْوِلَايَاتُ فَلَا دَخْلَ لَهَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هُوَ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ، وَقَدْ ظَهَرَ لِي الْفَرْقُ بَيْنَ طَلِّقِي، وَأَبْرِئْ ذِمَّتَك وَهُوَ أَنَّهُمَا، وَإِنْ اشْتَرَكَا فِي الْعَمَلِ لِلنَّفْسِ بِتَمَلُّكِهَا نَفْسَهَا وَبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ وَلِلْغَيْرِ بِامْتِثَالِ أَمْرِ الزَّوْجِ، وَالدَّائِنِ وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ الطَّلَاقُ مَحْظُورًا فِي الْجُمْلَةِ وَهُوَ أَبْغَضُ الْمُبَاحَاتِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا فِي الْحَدِيثِ لَمْ يَكُنْ مَقْصُودُ الزَّوْجِ إلَّا أَنْ تَكُونَ عَامِلَةً لِنَفْسِهَا قَصْدًا وَلِهَذَا قَالُوا لَا يُكْرَهُ التَّفْوِيضُ وَهِيَ حَائِضٌ وَلَمَّا كَانَ الْإِبْرَاءُ عَنْ الدَّيْنِ مُسْتَحَبًّا سَبَبًا لِلثَّوَابِ لَمْ يَكُنْ مَقْصُودُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَدْيُونُ عَامِلًا لَهُ لَا لِنَفْسِهِ لِيَحْصُلَ الثَّوَابُ لَهُ عَلَى فِعْلِ الْمُسْتَحَبِّ قَصْدًا لَا ضِمْنًا وَمِنْ الْعَجَبِ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ الزَّيْلَعِيُّ فِي الْوَكَالَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَبَطَلَ تَوْكِيلُهُ الْكَفِيلَ بِمَالٍ أَنَّ قَوْلَ الدَّائِنِ أَبْرِئْ ذِمَّتَك تَمْلِيكٌ لَا تَوْكِيلٌ كَمَا لَوْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك فَإِنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ تَقْيِيدُهُ بِالْمَجْلِسِ وَعَدَمُ صِحَّةِ الرُّجُوعِ عَنْهُ، وَالْمَنْقُولُ خِلَافُهُ وَمِنْ الْعَجَبِ مَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ فِي فَصْلِ الِاخْتِيَارِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ تَمْلِيكًا أَنْ لَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنْهُ لِانْتِقَاضِهِ بِالْهِبَةِ فَإِنَّهُ تَمْلِيكٌ وَيَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنْهَا فَإِنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ التَّسْلِيمِ يَلْزَمُ عَلَيْهِ التَّقْيِيدُ بِالْمَجْلِسِ وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ لَوْ أَمَرَهُ بِإِبْرَاءِ نَفْسِهِ لَا يَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ. وَذَكَرَ الْفَارِسِيُّ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ أَنَّ الْفَرْقَ أَنَّ الطَّلَاقَ، وَالْعَتَاقَ مِمَّا يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ فَكَانَ التَّفْوِيضُ فِيهِمَا تَمْلِيكًا لَا تَوْكِيلًا مَحْضًا فَاقْتَصَرَ عَلَى الْمَجْلِسِ، وَالطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقِ مِمَّا يَحْلِفُ بِهِ فَكَانَ يَمِينًا فَلَمْ يُمْكِنْ الرُّجُوعُ عَنْهُ بِخِلَافِ التَّفْوِيضِ فِي الْإِبْرَاءِ وَأَخَوَاتِهِ فَإِنَّهَا لَا تَقْبَلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ فَكَانَ تَوْكِيلًا مَحْضًا فَلَمْ تَقْتَصِرْ عَلَى الْمَجْلِسِ وَأَمْكَنَ الرُّجُوعُ عَنْهُ اهـ. وَفِي الْخَانِيَّةِ مِنْ كِتَابِ الْوَكَالَةِ: امْرَأَةٌ قَالَتْ لِزَوْجِهَا إذَا جَاءَ غَدٌ فَاخْلَعْنِي عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ كَانَ ذَلِكَ تَوْكِيلًا حَتَّى لَوْ نَهَتْهُ عَنْ ذَلِكَ صَحَّ نَهْيُهَا وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ الْعَبْدُ لِمَوْلَاهُ إذَا جَاءَ غَدٌ فَاعْتِقْنِي عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ اهـ. وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ إذَا وَكَّلَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ بِخَلْعِ نَفْسِهَا فَخَلَعَتْ نَفْسَهَا مِنْهُ بِمَالٍ أَوْ عَرَضٍ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَرْضَى وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ فِي هَذَا الْوَجْهِ، وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: اشْتَرِ طَلَاقَك مِنِّي بِمَا شِئْت وَقَدْ وَكَّلْتُك بِذَلِكَ فَقَالَتْ قَدْ اشْتَرَيْته بِكَذَا كَذَا كَانَ بَاطِلًا، وَلَوْ قَالَ: اخْلَعِي نَفْسَك مِنِّي بِكَذَا كَذَا فَفَعَلَتْ ذَلِكَ كَانَ جَائِزًا وَلَا يُشْبِهُ الطَّلَاقَ بِمَالٍ الَّذِي يَخْلَعُ بِغَيْرِ مَالٍ اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ الْخُلْعِ اشْتَرِ نَفْسَك مِنِّي فَقَالَتْ اشْتَرَيْت لَا يَقَعُ مَا لَمْ يَقُلْ بِعْت، وَلَوْ قَالَ: اخْلَعِي نَفْسَك مِنِّي فَقَالَتْ خَلَعْت وَقَعَ بِلَا قَبُولِهِ. (قَوْلُهُ: وَتَقَيَّدَ بِمَجْلِسِهَا إلَّا إذَا أَرَادَ مَتَى شِئْت) لِمَا قَدَّمْنَا أَنَّهُ تَمْلِيكٌ وَهُوَ يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ وَإِذَا زَادَ مَتَى شِئْت كَانَ لَهَا التَّطْلِيقُ فِي الْمَجْلِسِ وَبَعْدَهُ لِأَنَّ كَلِمَةَ مَتَى عَامَّةٌ فِي الْأَوْقَاتِ فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ فِي أَيِّ وَقْتٍ شِئْت وَمُرَادُهُ مِنْ مَتَى مَا دَلَّ عَلَى عُمُومِ الْوَقْتِ فَدَخَلَ إذَا وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ إذَا عِنْدَ الْإِمَامِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ الْإِجَازَةِ) أَيْ الَّتِي تَضَمَّنَتْهَا الْوَكَالَةُ، وَقَدْ مَرَّ جَوَابُ النَّهْرِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ أَنَّهُ يُمْكِنُ. . . إلَخْ) أَيْ لَوْ قَالَ صَاحِبُ الْفَتْحِ فِي اسْتِدْلَالِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى تَرَتُّبِهِ عَلَى مَعْنَى التَّعْلِيقِ أَنَّهُ يُمْكِنُ مِثْلُهُ فِيمَا لَوْ وَكَّلَ أَجْنَبِيًّا بِالطَّلَاقِ فَإِنَّ التَّعْلِيقَ هُنَا مُمْكِنٌ مَعَ أَنَّهُ يَصِحُّ الرُّجُوعُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 354 كَانَ كَمَا تَقَدَّمَ إذَا لَمْ أُطَلِّقْك فَيَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ وَقَدَّمْنَا جَوَابَهُ بِإِمْكَانِ أَنْ تَعْمَلَ شَرْطًا فَيَتَقَيَّدُ وَأَنْ تَعْمَلَ ظَرْفًا فَلَا تَتَقَيَّدُ، وَالْأَمْرُ صَارَ فِي يَدِهَا فَلَا يَخْرُجُ بِالشَّكِّ وَدَخَلَ حِينَ قَالَ فِي الْمُحِيطِ. وَلَوْ قَالَ: حِينَ شِئْت فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ إذَا شِئْت لِأَنَّ الْحِينَ عِبَارَةٌ عَنْ الْوَقْتِ اهـ. وَقَيَّدَ بِمَا يَدُلُّ عَلَى عُمُومِ الْوَقْتِ احْتِرَازًا عَنْ أَنْ وَكَيْفَ وَحَيْثُ وَكَمْ وَأَيْنَ وَأَيْنَمَا فَإِنَّهُ يَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ وَكُلَّمَا كَمَتَى فِي عَدَمِ التَّقْيِيدِ بِالْمَجْلِسِ مَعَ اخْتِصَاصِهَا بِإِفَادَةِ التَّكْرَارِ إلَى الثَّلَاثِ عَلَى مَا أَسْلَفْنَاهُ فِي فَصْلِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ، وَالْإِرَادَةُ، وَالرِّضَا، وَالْمَحَبَّةُ كَالْمَشِيئَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا عَلَّقَهُ بِشَيْءٍ آخَرَ مِنْ أَفْعَالِهَا كَالْأَكْلِ فَإِنَّهُ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ فِي الْجَمِيعِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ التَّفْوِيضَ إلَيْهَا بِلَفْظِ التَّطْلِيقِ يَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ سَوَاءٌ أَطْلَقَهُ أَوْ عَلَّقَهُ بِمَشِيئَتِهَا إلَّا فِي مَتَى وَإِذَا وَحِينَ وَكُلَّمَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَلَكِنْ بَيْنَ إطْلَاقِهِ وَتَعْلِيقِهِ بِغَيْرِ الْأَرْبَعِ فَرْقٌ فَإِنَّهُ مَعَ الْإِطْلَاقِ تَنْجِيزٌ لِلتَّمْلِيكِ وَمَعَ التَّعْلِيقِ إضَافَةٌ لَهُ لَا تَنْجِيزٌ وَمِنْ فُرُوعِ ذَلِكَ أَنَّهَا لَوْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا بِلَا قَصْدٍ غَلَطًا لَا يَقَعُ إذَا ذَكَرَ الْمَشِيئَةَ وَيَقَعُ إذَا لَمْ يَذْكُرْهَا قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي أَوَّلِ بَابِ إيقَاعِ الطَّلَاقِ مَا يُوجِبُ حَمْلَ مَا أُطْلِقَ مِنْ كَلَامِهِمْ مِنْ الْوُقُوعِ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ غَلَطًا عَلَى الْوُقُوعِ فِي الْقَضَاءِ لَا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى اهـ. وَلَوْ جَمَعَ بَيْنَ إنْ وَإِذَا فَلَهَا مَشِيئَتَانِ مَشِيئَةٌ لِلْحَالِ نَظَرًا إلَى " أَنَّ " وَمَشِيئَةٌ فِي عُمُومِ الْأَوْقَاتِ نَظَرًا إلَى " إذَا " قَالَ فِي الْمُحِيطِ، وَلَوْ قَالَ: إنْ شِئْت فَأَنْت طَالِقٌ إذَا شِئْت فَلَهَا مَشِيئَتَانِ مَشِيئَةٌ فِي الْحَالِ وَمَشِيئَةٌ فِي عُمُومِ الْأَحْوَالِ لِأَنَّهُ عَلَّقَ بِمَشِيئَتِهَا فِي الْحَالِ طَلَاقًا مُعَلَّقًا بِمَشِيئَتَانِ فِي أَيِّ وَقْتٍ كَانَ، وَالْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ كَالْمُرْسَلِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ فَإِذَا شَاءَتْ فِي الْمَجْلِسِ صَارَ كَأَنَّهُ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ إذَا شِئْت اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ تَعْلِيقِ التَّطْلِيقِ أَوْ الطَّلَاقِ فِي حَقِّ هَذَا الْحُكْمِ لِمَا فِي الْمَحِيضِ أَيْضًا أَنَّهُ إذَا قَالَ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَك وَلَمْ يَذْكُرْ مَشِيئَةً فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَشِيئَةِ إلَّا فِي خَصْلَةٍ وَهِيَ أَنَّ نِيَّةَ الثَّلَاثِ صَحِيحَةٌ فِي طَلِّقِي دُونَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْت اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا إذَا لَمْ تَشَأْ فِي الْمَجْلِسِ خَرَجَ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا لِأَنَّ الْمَشِيئَةَ فِي الْمَجْلِسِ هِيَ الشَّرْطُ فِي الْمَشِيئَةِ فِي عُمُومِ الْأَوْقَاتِ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتَيْنِ لَهُ طَلِّقَا أَنْفُسَكُمَا ثَلَاثًا، وَقَدْ دَخَلَ بِهِمَا فَطَلَّقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا نَفْسَهَا وَصَاحِبَتَهَا عَلَى التَّعَاقُبِ ثَلَاثًا طَلُقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا ثَلَاثًا بِتَطْلِيقِ الْأُولَى لَا بِتَطْلِيقِ الْأُخْرَى لِأَنَّ تَطْلِيقَ الْأُخْرَى بَعْدَ ذَلِكَ نَفْسَهَا وَصَاحِبَتَهَا بَاطِلٌ، وَلَوْ بَدَأَتْ الْأُولَى فَطَلَّقَتْ صَاحِبَتَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا طَلَّقَتْ صَاحِبَتَهَا دُونَ نَفْسِهَا لِأَنَّهَا فِي حَقِّ نَفْسِهَا مَالِكَةٌ، وَالتَّمْلِيكُ يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ فَإِذَا بَدَأَتْ بِطَلَاقِ صَاحِبَتِهَا خَرَجَ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا وَبِتَطْلِيقِهَا نَفْسِهَا لَا يَبْطُلُ تَطْلِيقُهَا الْأُخْرَى بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّهَا فِي حَقِّ الْأُخْرَى وَكِيلَةٌ، وَالْوَكَالَةُ لَا تَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ، وَلَوْ قَالَ لَهُمَا: طَلِّقَا أَنْفُسَكُمَا إنْ شِئْتُمَا فَطَلَّقَتْ إحْدَاهُمَا نَفْسَهَا وَصَاحِبَتَهَا لَا تَطْلُقُ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا حَتَّى تُطَلِّقَ الْأُخْرَى نَفْسَهَا وَصَاحِبَتَهَا بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تَنْفَرِدُ بِالْإِيقَاعِ عَلَى نَفْسِهَا وَعَلَى ضَرَّتِهَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَفِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ الِاجْتِمَاعُ عَلَى الْإِيقَاعِ شَرْطُ الْوُقُوعِ، وَلَوْ قَالَ لَهُمَا: أَمْرُكُمَا بِأَيْدِيكُمَا يُرِيدُ بِهِ الطَّلَاقَ فَالْجَوَابُ فِيهِ كَالْجَوَابِ فِيمَا إذَا قَالَ طَلِّقَا أَنْفُسَكُمَا إنْ شِئْتُمَا فِي أَنَّهُ لَا تَنْفَرِدُ إحْدَاهُمَا بِالطَّلَاقِ غَيْرَ أَنَّهُمَا يَفْتَرِقَانِ فِي حُكْمٍ وَاحِدٍ وَهُوَ أَنَّهُمَا لَوْ اجْتَمَعَا عَلَى طَلَاقِ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا يَقَعُ. وَفِي قَوْلِهِ إنْ شِئْتُمَا لَا يَقَعُ لِأَنَّهُ ثَمَّةَ عَلَّقَ طَلَاقَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِمَشِيئَتِهِمَا طَلَاقَهُمَا جَمِيعًا وَهَهُنَا لَمْ يُعَلِّقْ بَلْ فَوَّضَ تَطْلِيقَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا إلَى رَأْيِهِمَا فَإِذَا اجْتَمَعَا عَلَى طَلَاقِ وَاحِدَةٍ يَقَعُ اهـ. وَفِي قَوْلِهِ فَإِذَا بَدَأَتْ بِطَلَاقِ صَاحِبَتِهَا خَرَجَ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا نَظَرًا لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْخُلَاصَةِ، وَالْخَانِيَّةِ مِنْ أَنَّ اشْتِغَالَهَا بِطَلَاقِ ضَرَّتِهَا لَا يَخْرُجُ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا وَجَوَابُهُ أَنَّ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُمَا فِي الْأَمْرِ بِالْيَدِ وَمَا هُنَا إنَّمَا هُوَ فِي الْأَمْرِ بِالتَّطْلِيقِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّهَا فِي الْأَمْرِ بِالْيَدِ مَالِكَةٌ لِطَلَاقِ ضَرَّتِهَا لَا وَكِيلَةٌ، وَفِي الْأَمْرِ بِالتَّطْلِيقِ وَكِيلَةٌ فَافْهَمْ، وَالْأَمْرُ بِالتَّطْلِيقِ الْمُعَلَّقِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ فِي الْجَمِيعِ) يَنْبَغِي تَحْرِيرُ هَذَا الْكَلَامِ فَرَاجِعْهُ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ جَمَعَ بَيْنَ إنْ وَإِذَا. . . إلَخْ) سَيُعِيدُ ذِكْرَ هَذَا الْكَلَامِ بِزِيَادَةٍ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ الْآتِي أَنْتِ طَالِقٌ مَتَى شِئْت أَوْ مَتَى مَا. . . إلَخْ (قَوْلُهُ: فِي حَقِّ هَذَا الْحُكْمِ) أَيْ فِي كَوْنِهِ يَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ فَهُوَ مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ التَّفْوِيضَ إلَيْهَا. . . إلَخْ (قَوْلُهُ: وَفِي الْأَمْرِ بِالتَّطْلِيقِ وَكِيلَةٌ) أَيْ فِي صُورَةِ مَا إذَا لَمْ يُقَيِّدْ بِالْمَشِيئَةِ كَمَا هُوَ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ وَإِلَّا كَانَ تَمْلِيكًا أَيْضًا كَمَا يَأْتِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 355 بِمَشِيئَتِهَا كَالْأَمْرِ بِالْيَدِ فِي حَقِّ هَذَا الْحُكْمِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَفِي الْمُحِيطِ طَلِّقَا أَنْفُسَكُمَا ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ: لَا تُطَلِّقَا أَنْفُسَكُمَا فَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا مَا دَامَتْ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ وَلَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ صَاحِبَتَهَا بَعْدَ النَّهْيِ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ فِي حَقِّ صَاحِبَتِهَا تَمْلِيكٌ فِي حَقِّهَا اهـ. وَبِمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ عُلِمَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْأَمْرِ بِالتَّطْلِيقِ الْمُطْلَقِ، وَالْمُعَلَّقِ بِمَشِيئَتِهَا فِي فَرْعٍ ثَانٍ غَيْرَ مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ ابْنِ الْهُمَامِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ قَالَ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا إنْ شِئْت فَقَالَتْ أَنَا طَالِقٌ لَا يَقَعُ شَيْءٌ، وَلَوْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك إنْ شِئْت فَقَالَتْ قَدْ شِئْت أَنْ أُطَلِّقَ نَفْسِي كَانَ بَاطِلًا، وَلَوْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك إذَا شِئْت ثُمَّ جُنَّ جُنُونًا مُطْبِقًا ثُمَّ طَلَّقَتْ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا قَالَ مُحَمَّدٌ كُلُّ شَيْءٍ يَمْلِكُ الزَّوْجُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ كَلَامِهِ يَبْطُلُ بِالْجُنُونِ وَكُلُّ شَيْءٍ لَمْ يَمْلِكْ الزَّوْجُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ كَلَامِهِ لَا يَبْطُلُ بِالْجُنُونِ اهـ. وَفِيهَا أَيْضًا لَوْ قَالَ: أَيُّ نِسَائِي شِئْت طَلَاقَهَا فَهِيَ طَالِقٌ فَشَاءَتْ طَلَاقَ الْكُلِّ طَلُقْنَ إلَّا وَاحِدَةً، وَلَوْ قَالَ: أَيُّ نِسَائِي شَاءَتْ الطَّلَاقَ فَهِيَ طَلَاقٌ فَشِئْنَ طَلُقْنَ اهـ. وَالْفَرْقُ أَنَّ أَيًّا فِي الْأَوَّلِ وُصِفَتْ بِصِفَةٍ خَاصَّةٍ، وَفِي الثَّانِي بِصِفَةٍ عَامَّةٍ فَلْيُتَأَمَّلْ، وَفِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ لِلصَّدْرِ مِنْ بَابِ الطَّلَاقِ فِي الْمَرَضِ أَحَدُ الْمَأْمُورِينَ يَنْفَرِدُ بِهِ وَبِبَدَلِ لَا وَهُوَ يَمِينٌ مِنْهُ بَيْعٌ مِنْهَا قَالَ لَهُمَا فِي مَرَضِهِ، وَقَدْ دَخَلَ بِهِمَا طَلِّقَا أَنْفُسَكُمَا ثَلَاثًا مَلَكَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ طَلَاقَهَا وَتَوَكَّلَتْ فِي طَلَاقِ الْأُخْرَى وَلَا يَنْقَسِمُ وَمَنْ طَلَّقَتْ بِتَطْلِيقِهَا لَا تَرِثُ لِرِضَاهَا وَكَذَا بِتَطْلِيقِهِمَا مَعًا لِإِضَافَتِهِ إلَيْهِمَا كَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ مَعَ الْمُوَكِّلِ وَبِتَطْلِيقِ الْأُخْرَى تَرِثُ، وَإِنْ طَلَّقَتْ بَعْدَهَا كَالتَّمْكِينِ بَعْدَهُ، وَلَوْ قَالَ: طَلِّقَا أَنْفُسَكُمَا ثَلَاثًا إنْ شِئْتُمَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ لِلتَّمْلِيكِ وَيَشْتَرِطُ اجْتِمَاعُهُمَا لِلتَّعْلِيقِ، وَإِنْ طَلَّقَتْ إحْدَاهُمَا كِلَيْهِمَا ثَلَاثًا، وَالْأُخْرَى مِثْلَهَا بَانَتَا وَوَرِثَتْ الْأُولَى لِعَدَمِ رِضَاهَا نَظِيرُهُ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا فِي مَرَضِهِ فَأَجَازَهُ بِخِلَافِ سُؤَالِهَا، وَالثَّانِيَةُ لَا تَرِثُ لِرِضَاهَا، وَلَوْ خَرَجَ كَلَامُهُمَا مَعًا وَرِثَتَا لِعَدَمِهِ، وَلَوْ قَالَ: أَمْرُكُمَا بِيَدِكُمَا فَكَمَا مَرَّ غَيْرَ أَنَّ هُنَا لَوْ اجْتَمَعَتَا عَلَى إحْدَاهُمَا يَقَعُ وَثَمَّةَ لَا لِلتَّعْلِيقِ نَظِيرُهُ وَكُلُّ رَجُلَيْنِ يَبِيعُ عَبْدَيْنِ أَوْ طَلَاقَ امْرَأَتَيْنِ بِمَالٍ مَعْلُومٍ قَالَ: طَلِّقَا أَنْفُسَكُمَا بِأَلْفٍ يَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ وَيُشْتَرَطُ اجْتِمَاعُهُمَا وَلَا يَرِثَانِ بِحَالٍ، وَلَوْ اجْتَمَعَا عَلَى إحْدَاهُمَا صَحَّ بِحِصَّتِهِ مِنْ مَهْرِهَا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ: طَلِّقْ امْرَأَتِي لَمْ يَتَقَيَّدْ بِالْمَجْلِسِ إلَّا إذَا زَادَ إنْ شِئْت) لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ وَأَنَّهُ اسْتِعَانَةٌ فَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَهُ الرُّجُوعُ عَنْهُ بِخِلَافِ قَوْلِهِ لِامْرَأَتِهِ طَلِّقِي نَفْسَك لِأَنَّهَا عَامِلَةٌ لِنَفْسِهَا فَكَانَ تَمْلِيكًا لَا تَوْكِيلًا وَإِذَا زَادَ إنْ شِئْت بِأَنْ قَالَ لِرَجُلٍ طَلِّقْهَا إنْ شِئْت فَإِنَّهُ يَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ، وَلَوْ صَرَّحَ بِأَنَّهُ وَكِيلٌ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ الْوَكَالَةِ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا رُجُوعَ لَهُ وَقَالَ زُفَرُ: هَذَا، وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ لِأَنَّ التَّصْرِيحَ بِالْمَشِيئَةِ كَعَدَمِهِ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ عَنْ مَشِيئَةٍ فَصَارَ كَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ إذَا قِيلَ لَهُ بِعْ إنْ شِئْت وَلَنَا أَنَّهُ تَمْلِيكٌ لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِالْمَشِيئَةِ، وَالْمَالِكُ هُوَ الَّذِي يَتَصَرَّفُ عَنْ مَشِيئَتِهِ، وَالطَّلَاقُ يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَمِلُهُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَتَعَقَّبَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الْبَيْعَ فِيهِ لَيْسَ بِمُعَلَّقٍ بِالْمَشِيئَةِ بَلْ الْمُعَلَّقُ فِيهِ الْوَكَالَةُ بِالْبَيْعِ وَهِيَ تَقْبَلُ التَّعْلِيقَ وَكَأَنَّهُ اعْتَبَرَ التَّوْكِيلَ بِالْبَيْعِ بِنَفْسِ الْبَيْعِ اهـ. وَرَدَّهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهُ غَلَطٌ يَظْهَرُ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ هُوَ قَوْلُهُ: بِعْ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ كَوْنُ نَفْسِ قَوْلِهِ مُعَلَّقًا بِمَشِيئَةٍ غَيْرِهِ بَلْ وَقَدْ تَحَقَّقَ وَفَرَغَ مِنْهُ قَبْلَ مَشِيئَةِ ذَلِكَ الْغَيْرِ لَمْ يَبْقَ لِذَلِكَ الْغَيْرِ سِوَى فِعْلِ مُتَعَلِّقِ التَّوْكِيلِ أَوْ عَدَمِ الْقَبُولِ، وَالرَّدِّ اهـ. وَهُوَ سَهْوٌ يَظْهَرُ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَنَّ التَّوْكِيلَ مُعَلَّقٌ حَتَّى يَرُدَّ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ وَإِنَّمَا ذَكَرَ أَنَّ الْوَكَالَةَ مُعَلَّقَةٌ بِالْمَشِيئَةِ، وَالْوَكَالَةُ أَثَرُ التَّوْكِيلِ فَجَازَ إطْلَاقُ التَّوْكِيلِ عَلَيْهَا فِي قَوْلِهِ وَكَأَنَّهُ اعْتَبَرَ التَّوْكِيلَ أَيْ الْوَكَالَةَ، وَالْحَقُّ أَنَّ الْبَيْعَ، وَالتَّوْكِيلَ بِهِ لَمْ يُعَلَّقَا بِالْمَشِيئَةِ. وَإِنَّمَا الْمُعَلَّقُ الْوَكَالَةُ وَتَعْلِيقُهَا صَحِيحٌ فَيَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ قَوْلِهِ طَلِّقْهَا إنْ شِئْت وَبِعْ إنْ شِئْت ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ، وَالْبَيْعُ لَا يَحْتَمِلُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالْمَشِيئَةِ وَإِذَا لَمْ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ رِضَاهَا) أَيْ وَقْتَ الْوُقُوعِ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ سَهْوٌ يَظْهَرُ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ. . . إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْوَكَالَةَ مُعَلَّقَةٌ بِمَشِيئَتِهِ لِاتِّصَافِهِ بِهَا قَبْلَ مَشِيئَةِ الْبَيْعِ وَلَا وُجُودَ لِلْمَشْرُوطِ دُونَ شَرْطِهِ وَإِنَّمَا الْمُعَلَّقُ فِعْلُ مُتَعَلِّقِهَا وَاعْتِبَارُ التَّوْكِيلِ بِالْبَيْعِ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ الْأَوَّلَ قَابِلٌ لِلتَّوْكِيلِ بِخِلَافِ الثَّانِي فَكَيْفَ يُعْتَبَرُ بِهِ اهـ. وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ فَإِنَّ الْمُعَلَّقَ بِالْمَشِيئَةِ عَلَى كَلَامِ الْمُتَعَقِّبِ إنَّمَا هُوَ الْوَكَالَةُ لَا الْبَيْعُ وَعَلَى هَذَا فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ لِاتِّصَافِهِ بِهَا قَبْلَ مَشِيئَةِ الْبَيْعِ. (قَوْلُهُ: فَاحْتَاجَ إلَى الْفَرْقِ) أَقُولُ: لَعَلَّ الْفَرْقَ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ تَمْلِيكٌ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 356 يَحْتَمِلْهُ فَهَلْ يَبْطُلُ أَوْ يَصِحُّ وَيَبْطُلُ التَّعْلِيقُ قَالَ فِي الْمُحِيطِ مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ مِنْ قِسْمِ التَّعْلِيقِ: لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ بِعْت عَبْدِي مِنْك بِكَذَا إنْ شِئْت فَقِبَلَ يَكُونُ بَيْعًا صَحِيحًا إذَا الْبَيْعُ لَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ اهـ. قَيَّدَ بِقَوْلِهِ طَلِّقْهَا لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ أَمْرُ امْرَأَتِي بِيَدِك يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ وَلَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ عَلَى الْأَصَحِّ، وَإِنْ قَالَ: بَعْضٌ هَذَا تَوْكِيلٌ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِالْأَمْرِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَكَذَا لَوْ قَالَ: جَعَلْت إلَيْك طَلَاقَهَا فَطَلِّقْهَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ وَيَكُونُ رَجْعِيًّا كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ قَالَ: قُلْ لِامْرَأَتِي أَمْرُك بِيَدِك لَا يَصِيرُ الْأَمْرُ بِيَدِهَا مَا لَمْ يَقُلْ الْمَأْمُورُ بِخِلَافِ قُلْ لَهَا إنَّ أَمْرَهَا بِيَدِهَا، وَلَوْ قَالَ: أَمْرُهَا بِيَدِ اللَّهِ وَبِيَدِك انْفَرَدَ الْمُخَاطَبُ وَذِكْرُ اللَّهِ هُنَا لِلتَّبَرُّكِ عُرْفًا وَكَذَا فِي الْعَتَاقِ، وَالْبَيْعِ، وَالْإِجَارَةِ، وَالْخُلْعِ، وَالطَّلَاقِ عَلَى مَالٍ، وَلَوْ قَالَ: أَمْرُهَا بِيَدِي وَيَدِك لَا يَنْفَرِدُ الْمُخَاطَبُ، وَلَوْ قَالَ: طَلِّقْهَا مَا شَاءَ اللَّهُ وَشِئْت فَطَلَّقَهَا الْمُخَاطَبُ لَا يَقَعُ لِاسْتِعْمَالِهِ لِلِاسْتِثْنَاءِ، وَلَوْ قَالَ: طَلِّقْهَا بِمَا شَاءَ اللَّهُ وَشِئْت مِنْ الْمَالِ فَطَلَّقَهَا الْمُخَاطَبُ جَازَ لِأَنَّ الْمَشِيئَةَ هُنَا تَنْصَرِفُ إلَى الْبَدَلِ لَا إلَى التَّفْوِيضِ اهـ. فَإِنْ قُلْت إذَا جُمِعَ لِأَجْنَبِيٍّ بَيْنَ الْأَمْرِ بِالْيَدِ، وَالْأَمْرِ بِالتَّطْلِيقِ فَمَا الْمُعْتَبَرُ مِنْهُمَا قُلْت قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: لَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ أَمْرُ امْرَأَتِي بِيَدِك فَطَلِّقْهَا فَقَالَ لَهَا الْمَأْمُورُ أَنْت طَالِقٌ أَوْ قَالَ طَلَّقْتُك يَقَعُ تَطْلِيقَةً بَائِنَةً إلَّا إذَا نَوَى الزَّوْجُ ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ وَكَذَا لَوْ قَالَ: طَلِّقْهَا فَأَمْرُهَا بِيَدِك بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: أَمْرُهَا بِيَدِك فِي تَطْلِيقَةٍ أَوْ بِتَطْلِيقَةٍ فَطَلَّقَهَا الْمَأْمُورُ فِي الْمَجْلِسِ وَقَعَتْ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً، وَلَوْ قَالَ: طَلِّقْهَا، وَقَدْ جَعَلْت أَمْرَ ذَلِكَ إلَيْك فَهُوَ تَفْوِيضٌ يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ وَيَقَعُ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً لَوْ قَالَ: طَلِّقْهَا، وَقَدْ جَعَلْت إلَيْك طَلَاقَهَا فَطَلَّقَهَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ وَيَكُونُ رَجْعِيًّا، وَلَوْ قَالَ: طَلِّقْهَا فَأَبِنْهَا أَوْ أَبِنْهَا فَطَلِّقْهَا فَهُوَ تَوْكِيلٌ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ وَلِلزَّوْجِ الرُّجُوعُ وَيَقَعُ بَائِنَةً وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُوقِعَ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ، وَلَوْ قَالَ: طَلِّقْهَا، وَقَدْ جَعَلْت أَمْرَهَا بِيَدِك أَوْ جَعَلْت أَمْرَهَا بِيَدِك وَطَلِّقْهَا كَانَ الثَّانِي غَيْرَ الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْوَاوَ لِلْعَطْفِ فَأَمَّا حَرْفُ الْفَاءِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ يَكُونُ لِبَيَانِ السَّبَبِ فَلَا يَمْلِكُ إلَّا وَاحِدَةً وَإِذَا ذَكَرَ بِحَرْفِ الْوَاوِ فَطَلَّقَهَا الْوَكِيلُ فِي الْمَجْلِسِ تَبَيَّنَ بِتَطْلِيقَتَيْنِ لِأَنَّ الْوَاقِعَ بِحُكْمِ الْأَمْرِ يَكُونُ بَائِنًا فَإِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا بَائِنًا كَانَ الْآخَرُ بَائِنًا فَإِنْ طَلَّقَهَا الْوَكِيلُ بَعْدَ الْقِيَامِ عَنْ الْمَجْلِسِ تَقَعُ رَجْعِيَّةً لِأَنَّ التَّفْوِيضَ يَبْطُلُ بِالْقِيَامِ عَنْ الْمَجْلِسِ وَبَقِيَ التَّوْكِيلُ بِصَرِيحِ الطَّلَاقِ وَكَذَا لَوْ قَالَ: أَمْرُهَا بِيَدِك وَطَلِّقْهَا. وَلَوْ قَالَ: طَلِّقْهَا وَأَبِنْهَا أَوْ قَالَ: أَبِنْهَا وَطَلِّقْهَا وَطَلَّقَهَا فِي الْمَجْلِسِ أَوْ غَيْرُهُ يَقَعُ تَطْلِيقَتَانِ لِأَنَّهُ وَكَّلَهُ بِالْإِبَانَةِ، وَالطَّلَاقِ، وَالتَّوْكِيلُ لَا يَبْطُلُ بِالْقِيَامِ عَنْ الْمَجْلِسِ فَيَقَعُ طَلَاقَانِ اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا جُمِعَ لِلْأَجْنَبِيِّ بَيْنَ الْأَمْرِ بِالْيَدِ، وَالْأَمْرِ بِالتَّطْلِيقِ بِالْفَاءِ فَهُوَ وَاحِدٌ وَلَا اعْتِبَارَ لِلْأَمْرِ بِالْيَدِ تَقَدَّمَ أَوْ تَأَخَّرَ فَيَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ وَلَا يَمْلِكُ عَزَاءً وَتَقَعُ بَائِنَةً، وَإِنْ كَانَ بِالْوَاوِ فَهُمَا تَفْوِيضَانِ فَالْأَمْرُ بِالْيَدِ تَمْلِيكٌ يُعْطَى أَحْكَامُهُ، وَالْأَمْرُ بِالتَّطْلِيقِ تَوْكِيلٌ فَيَأْخُذُ أَحْكَامَهُ، وَإِنْ أَمَرَهُ بِالْإِبَانَةِ، وَالتَّطْلِيقِ بِالْفَاءِ فَهُوَ تَوْكِيلٌ بِوَاحِدَةٍ، وَإِنْ كَانَ الْوَاوُ فَهُوَ تَوْكِيلٌ بِالْإِبَانَةِ، وَالتَّطْلِيقِ فَيَقَعُ طَلَاقًا، وَإِنْ جَمَعَ بَيْنَ الْجَعْلِ إلَيْهِ وَبَيْنَ الْأَمْرِ بِالتَّطْلِيقِ فَإِنْ قَدَّمَ الْجَعْلَ فَهُوَ تَمْلِيكٌ، وَإِنْ أَخَّرَهُ فَهُوَ تَوْكِيلٌ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْفَاءِ، وَالْوَاوِ وَإِلَى هُنَا ظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ التَّمْلِيكِ، وَالتَّوْكِيلِ فِي أَرْبَعَةِ أَحْكَامٍ فَالتَّمْلِيكُ يَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ وَلَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنْهُ وَلَا الْعَزْلُ وَلَا يَبْطُلُ بِجُنُونِ الزَّوْجِ وَانْعَكَسَتْ هَذِهِ الْأَحْكَامُ فِي التَّوْكِيلِ وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَلَوْ قَالَ لِغَيْرِهَا طَلِّقْهَا لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ مَا إذَا أَمَرَ زَوْجَتَهُ بِطَلَاقِ ضَرَّتِهَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَسَيَأْتِي عَنْ الْخَانِيَّةِ فِي بَابِ التَّعْلِيقِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَقَدْ بِعْت طَلَاقَهَا مِنْك بِدِرْهَمٍ ثُمَّ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَقَالَتْ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَهُ حِينَ عَلِمَتْ بِنِكَاحِ غَيْرِهَا قَبِلْت أَوْ قَالَتْ طَلَّقْتهَا أَوْ قَالَتْ: اشْتَرَيْت طَلَاقَهَا طَلُقَتْ الَّتِي تَزَوَّجَهَا، وَإِنْ قَالَتْ الَّتِي عِنْدَهُ قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْرَى قَبِلْت لَا يَصِحُّ   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 357 قَبُولُهَا لِأَنَّ ذَلِكَ قَبُولٌ قَبْلَ الْإِيجَابِ اهـ. وَأَطْلَقَ الرَّجُلُ فَشَمِلَ مَا إذَا فَوَّضَهُ لِصَبِيٍّ لَا يَعْقِلُ أَوْ مَجْنُونٍ فَلِذَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ لَوْ جَعَلَ أَمْرَهَا بِيَدِ صَبِيٍّ لَا يَعْقِلُ أَوْ مَجْنُونٍ فَذَلِكَ إلَيْهِ مَا دَامَ فِي الْمَجْلِسِ لِأَنَّ هَذَا تَمْلِيكٌ فِي ضِمْنِهِ تَعْلِيقٌ فَإِنْ لَمْ يَصِحَّ بِاعْتِبَارِ التَّمْلِيكِ يَصِحُّ بِاعْتِبَارِ مَعْنَى التَّعْلِيقِ فَصَحَّحْنَاهُ بِاعْتِبَارِ التَّعْلِيقِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: إنْ قَالَ لَك الْمَجْنُونُ أَنْت طَالِقٌ فَأَنْت طَالِقٌ وَبِاعْتِبَارِ مَعْنَى التَّمْلِيكِ يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ اهـ. لَكِنْ فِي الْخَانِيَّةِ قَالَ: رَجُلٌ فَوَّضَ طَلَاقَ امْرَأَتِهِ إلَى صَبِيٍّ قَالَ فِي الْأَصْلِ إنْ كَانَ مِمَّنْ يُعَبِّرُ يَجُوزُ اهـ. وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ لَا يُعَبِّرُ لَا يَجُوزُ وَلَا مُخَالَفَةَ بَيْنَ مَا فِي الْمُحِيطِ وَمَا فِيهَا لِأَنَّ الصَّبِيَّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يَتَكَلَّمُ لِيَصِحَّ أَنْ يُوقِعَ الطَّلَاقَ عَلَيْهَا وَلَا يَلْزَمُ مِنْ التَّعْبِيرِ الْعَقْلُ كَمَا لَا يَخْفَى، وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ جُنَّ الْمَجْعُولُ إلَيْهِ بَعْدَ التَّفْوِيضِ فَطَلَّقَ قَالَ مُحَمَّدٌ إنْ كَانَ لَا يَعْقِلُ مَا يَقُولُ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ اهـ. فَعَلَى هَذَا يُفَرَّقُ بَيْنَ التَّفْوِيضِ إلَى الْمَجْنُونِ ابْتِدَاءً وَبَيْنَ طَرَيَان الْجُنُونِ وَنَظِيرُهُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْخَانِيَّةِ بَعْدَهُ لَوْ وَكَّلَ رَجُلًا بِبَيْعِ عَبْدِهِ فَجُنَّ الْوَكِيلُ جُنُونًا يَعْقِلُ فِيهِ الْبَيْعَ، وَالشِّرَاءَ ثُمَّ بَاعَ الْوَكِيلُ لَا يَنْعَقِدُ بَيْعُهُ، وَلَوْ وَكَّلَ رَجُلًا مَجْنُونًا بِهَذِهِ الصِّفَةِ بِبَيْعِ عَبْدِهِ ثُمَّ بَاعَ الْوَكِيلُ نَفَذَ بَيْعُهُ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَجْنُونًا وَقْتَ التَّوْكِيلِ كَانَ التَّوْكِيلُ بِبَيْعٍ تَكُونُ الْعُهْدَةُ فِيهِ عَلَى الْوَكِيلِ وَبَعْدَ مَا جُنَّ الْوَكِيلُ لَوْ نَفَذَ بَيْعُهُ كَانَتْ الْعُهْدَةُ فِيهِ عَلَى الْمُوَكِّلِ فَلَا يَنْفُذُ أَمَّا إذَا كَانَ الْوَكِيلُ مَجْنُونًا وَقْتَ التَّوْكِيلِ فَإِنَّمَا وُكِّلَ بِبَيْعٍ تَكُونُ الْعُهْدَةُ فِيهِ عَلَى الْمُوَكِّلِ فَإِذَا أَتَى بِذَلِكَ نَفَذَ بَيْعُهُ عَلَى الْمُوَكِّلِ اهـ. وَفِي تَفْوِيضِ الطَّلَاقِ، وَإِنْ كَانَ لَا عُهْدَةَ أَصْلًا وَلَكِنَّ الزَّوْجَ حِينَ التَّفْوِيضِ لَمْ يُعَلِّقْ إلَّا عَلَى كَلَامِ عَاقِلٍ فَإِذَا طَلَّقَ وَهُوَ مَجْنُونٌ لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ بِخِلَافِ مَا إذَا فَوَّضَ إلَى مَجْنُونٍ ابْتِدَاءً وَبَيْنَ التَّفْوِيضِ إلَى مَجْنُونٍ وَتَوْكِيلِهِ بِالْبَيْعِ فَرْقٌ فَإِنَّهُ فِي التَّفْوِيضِ يَصِحُّ، وَإِنْ لَمْ يَعْقِلْ أَصْلًا بِاعْتِبَارِ مَعْنَى التَّعْلِيقِ، وَفِي التَّوْكِيلِ بِالْبَيْعِ لَا يَصِحُّ إلَّا إذَا كَانَ يَعْقِلُ الْبَيْعَ، وَالشِّرَاءَ كَمَا قَيَّدَهُ بِهِ فِي الْخَانِيَّةِ وَكَأَنَّهُ بِمَعْنَى الْمَعْتُوهِ وَمِنْ فَرْعَيْ التَّفْوِيضِ، وَالتَّوْكِيلِ بِالْبَيْعِ ظَهَرَ أَنَّهُ تُسُومِحَ فِي الِابْتِدَاءِ مَا لَمْ يُتَسَامَحْ فِي الْبَقَاءِ وَهُوَ خِلَافُ الْقَاعِدَةِ الْفِقْهِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ يُتَسَامَحُ فِي الْبَقَاءِ مَا لَا يُتَسَامَحُ فِي الِابْتِدَاءِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْمُحِيطِ، وَالْخَانِيَّةِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا جَعَلَ أَمْرَهَا بِيَدِ صَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ لَا فِيمَا إذَا وَكَّلَهُمَا وَلَا بُدَّ فِي صِحَّةِ التَّوْكِيلِ مُطْلَقًا مِنْ عَقْلِ الْوَكِيلِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ فَعَلَى هَذَا لَا بُدَّ مِنْ التَّقْيِيدِ بِالْعَقْلِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَحِينَئِذٍ فَهَذِهِ مِمَّا خَالَفَ فِيهَا التَّمْلِيكُ التَّوْكِيلَ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ جَوَابَ الْأَمْرِ بِالتَّطْلِيقِ الْمُعَلَّقِ بِالْمَشِيئَةِ، وَفِي الْمُحِيطِ: لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ طَلِّقْ امْرَأَتِي إنْ شِئْت فَقَالَ شِئْت لَا يَقَعْ لِأَنَّ الزَّوْجَ أَمَرَهُ بِتَطْلِيقِهَا إنْ شَاءَ وَلَمْ يُوجَدْ التَّطْلِيقُ بِقَوْلِهِ شِئْت فَلَوْ قَالَ هِيَ طَالِقٌ إنْ شِئْت فَقَالَ شِئْت وَقَعَ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَهُوَ مَشِيئَتُهُ، وَلَوْ قَالَ طَلِّقْهَا فَقَالَ فَعَلْت وَقَعَ لِأَنَّ قَوْلَهُ فَعَلْت كِنَايَةٌ عَنْ قَوْلِهِ طَلَّقْت، وَلَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ إنْ شَاءَ فُلَانٌ فَمَاتَ فُلَانٌ لَا يَقَعُ لِتَعَذُّرِ وُجُودِ الشَّرْطِ اهـ. وَفِي الْخُلَاصَةِ لَوْ جَعَلَ أَمْرَهَا بِيَدِ رَجُلَيْنِ لَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا، وَلَوْ قَالَ لَهُمَا طَلِّقَا امْرَأَتِي ثَلَاثًا فَطَلَّقَهَا أَحَدُهُمَا وَاحِدَةً، وَالْآخَرُ ثِنْتَيْنِ طَلُقَتْ ثَلَاثًا اهـ. وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ أَرْسَلَ التَّفْوِيضَ إلَيْهَا مَعَ رَجُلٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بِالْأُولَى وَقَدَّمْنَا قَرِيبًا عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ الْفَرْقَ بَيْنَ قَوْلِهِ قُلْ لَهَا أَمْرُك بِيَدِك حَيْثُ لَا يَكُونُ الْأَمْرُ بِيَدِهَا إلَّا إذَا قَالَ لَهَا وَقَوْلُهُ: قُلْ لَهَا إنَّ أَمْرَك بِيَدِك حَيْثُ يَكُونُ الْأَمْرُ بِيَدِهَا مِنْ غَيْرِ قَوْلِ الرَّسُولِ، وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ شَهِدَا أَنَّ فُلَانًا أَمَرَنَا أَنْ نُبَلِّغَ امْرَأَتَهُ أَنَّهُ فَوَّضَ إلَيْهَا فَبَلَّغْنَاهَا، وَقَدْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا بَعْدَهُ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا، وَلَوْ شَهِدَا أَنَّ فُلَانًا قَالَ لَنَا فُوِّضَا إلَيْهَا فَفَعَلْنَا لَمْ يَجُزْ نَظِيرُ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَنَّهُمَا لَوْ شَهِدَا أَنَّ فُلَانًا أَمَرَنَا أَنْ نُبَلِّغَ فُلَانًا أَنَّهُ وَكَّلَهُ بِبَيْعِ قِنِّهِ فَأَعْلَمْنَاهُ ثُمَّ بَاعَهُ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا اهـ. وَلَوْ قَالَ الْمُؤَلِّفُ إلَّا إذَا زَادَ إنْ شِئْت أَوْ شَاءَتْ لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّهُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: فَعَلَى هَذَا لَا بُدَّ مِنْ التَّقْيِيدِ بِالْعَقْلِ) تَأَمَّلْهُ مَعَ مَا يَأْتِي أَوَاخِرَ هَذِهِ السِّوَادَةِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ قَوْلِهِ التَّوْكِيلُ بِالطَّلَاقِ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ بِلَفْظِ الْوَكِيلِ وَلِذَا يَقَعُ مِنْهُ حَالَ سُكْرِهِ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ هَذَا لَا يُنَافِي اشْتِرَاطَ الْعَقْلِ لِصِحَّةِ التَّوْكِيلِ ابْتِدَاءً. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 358 يَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ إذَا وُجِدَ أَحَدُهُمَا فِي الْخَانِيَّةِ لَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ: أَنْت وَكِيلِي فِي طَلَاقِ امْرَأَتِي إنْ شَاءَتْ أَوْ هَوِيَتْ أَوْ أَرَادَتْ لَمْ يَكُنْ وَكِيلًا حَتَّى تَشَاءَ الْمَرْأَةُ فِي مَجْلِسِهَا لِأَنَّهُ عَلَّقَ التَّوْكِيلَ بِمَشِيئَتِهَا فَيَقْتَصِرُ عَلَى مَجْلِسِ الْعِلْمِ كَمَا لَوْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِمَشِيئَتِهَا فَإِذَا شَاءَتْ فِي الْمَجْلِسِ يَكُونُ وَكِيلًا فَإِنْ قَامَ الْوَكِيلُ عَنْ الْمَجْلِسِ قَبْلَ أَنْ يُطَلِّقَ بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ لَا تَبْطُلُ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ كَالْمُرْسَلِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ بَعْدَ مَشِيئَتِهَا أَنْتَ وَكِيلِي فِي طَلَاقِهَا فَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ. قَالُوا: وَالصَّحِيحُ جَوَابُ الْكِتَابِ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْوَكَالَةِ بِالطَّلَاقِ بِنَاءً عَلَى مَا فَوَّضَ إلَيْهَا مِنْ الْمَشِيئَةِ وَمَشِيئَتُهَا تَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ فَكَذَلِكَ الْوَكَالَةُ اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مَشِيئَتِهَا فِي مَجْلِسِهَا وَتَطْلِيقُهُ فِي مَجْلِسِهِ وَهَذَا مِمَّا يُلْغَزُ بِهِ فَيُقَالُ وَكَالَةٌ تَقَيَّدَتْ بِمَجْلِسِ الْوَكِيلِ وَإِيَّاكَ أَنْ تَفْهَمَ مِنْ التَّقْيِيدِ بِالْمَجْلِسِ أَنَّهُ تَمْلِيكٌ لِأَنَّ ذَلِكَ فِيمَا إذَا عَلَّقَهُ بِمَشِيئَتِهِ وَهُنَا عَلَّقَهُ بِمَشِيئَتِهَا فَكَانَ تَوْكِيلًا فَيَمْلِكُ عَزْلَهُ، وَفِي الْقُنْيَةِ كَتَبَ إلَى أَخِيهِ أَمَّا بَعْدُ فَإِنْ وَصَلَ إلَيْك كِتَابِي فَطَلِّقْ امْرَأَتِي إنْ سَأَلَتْ ذَلِكَ فَوَصَلَ وَعَرَضَ عَلَيْهَا فَلَمْ تَسْأَلْ الطَّلَاقَ إلَّا بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ أَوْ خَمْسَةٍ ثُمَّ سَأَلَتْهُ فَطَلَّقَهَا لَا يَقَعُ قَالَ لَهُ طَلِّقْ امْرَأَتِي إنْ شَاءَتْ لَا يَصِيرُ وَكِيلًا مَا لَمْ تَشَأْ وَلَهَا الْمَشِيئَةُ فِي مَجْلِسِ عِلْمِهَا فَإِذَا شَاءَتْ صَارَ وَكِيلًا فَلَوْ طَلَّقَهَا فِي الْمَجْلِسِ يَقَعُ، وَلَوْ قَامَ عَنْ مَجْلِسِهِ بَطَلَ التَّوْكِيلُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْفَظَ هَذَا فَإِنَّ الْبَلْوَى فِيهِ تَعُمُّ فَإِنَّ عَامَّةَ كُتُبِ الطَّلَاقِ عَلَى هَذِهِ الْمَثَابَةِ، وَالْوُكَلَاءُ يُؤَخِّرُونَ الْإِيقَاعَ عَنْ مَشِيئَتِهَا وَلَا يَدْرُونَ أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ اهـ. وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ طَلَّقَهَا لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهُ رَجُلٌ أُرِيدُ أَنْ أُطَلِّقَ امْرَأَتَك ثَلَاثًا فَقَالَ الزَّوْجُ نَعَمْ فَقَالَ الرَّجُلُ طَلَّقْت امْرَأَتَك ثَلَاثًا فَالصَّحِيحُ أَنَّ هَذَا كَقَوْلِ الرَّجُلِ لِامْرَأَتِهِ نَعَمْ بَعْدَ قَوْلِهَا لَهُ أُرِيدُ أَنْ أُطَلِّقَ نَفْسِي ثُمَّ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَقَعُ إلَّا إذَا نَوَى الزَّوْجُ التَّفْوِيضَ إلَيْهَا، وَإِنْ عَنَى بِذَلِكَ طَلِّقِي نَفْسَك إنْ اسْتَطَعْت أَوْ طَلِّقْهَا إنْ اسْتَطَعْت لَا تَطْلُقُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَلَوْ قَالَ لَا أَنْهَاك عَنْ طَلَاقِ امْرَأَتِي لَا يَكُونُ تَوْكِيلًا، وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ لَا أَنْهَاك عَنْ التِّجَارَةِ يَكُونُ إذْنًا فِي التِّجَارَةِ لِأَنَّ قَوْلَهُ لِلْعَبْدِ ذَلِكَ لَا يَكُونُ دُونَ مَا لَوْ رَآهُ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي وَلَمْ يَنْهَهُ وَثَمَّةَ يَصِيرُ مَأْذُونًا فِي التِّجَارَةِ فَهَهُنَا أَوْلَى، وَلَوْ رَأَى إنْسَانًا يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ وَلَمْ يَنْهَهُ لَا يَصِيرُ الْمُطَلِّقُ وَكِيلًا وَلَا يَقَعُ كَذَلِكَ هُنَا، وَلَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ وَكَّلْتُك فِي جَمِيعِ أُمُورِي فَطَلَّقَ الْوَكِيلُ امْرَأَتَهُ اخْتَلَفُوا فِيهِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَقَعُ، وَفِي فَتَاوَى الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ لَوْ قَالَ وَكَّلْتُك فِي جَمِيعِ أُمُورِي وَأَقَمْتُك مَقَامَ نَفْسِي لَمْ تَكُنْ الْوَكَالَةُ عَامَّةً، وَإِنْ كَانَ أَمْرُ الرَّجُلِ مُخْتَلِفًا لَيْسَ لَهُ صِنَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ فَالْوَكَالَةُ بَاطِلَةٌ، وَإِنْ كَانَ الْمُوَكِّلُ تَاجِرًا يَنْصَرِفُ التَّوْكِيلُ إلَى التِّجَارَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلَوْ قَالَ وَكَّلْتُك فِي جَمِيعِ أُمُورِي الَّتِي يَجُوزُ بِهَا التَّوْكِيلُ كَانَتْ الْوَكَالَةُ عَامَّةً فِي جَمِيعِ الْبِيَاعَاتِ، وَالْأَنْكِحَةِ وَكُلِّ شَيْءٍ وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَوْ قَالَ هُوَ وَكِيلِي فِي كُلِّ شَيْءٍ جَائِزٍ صَنَعَهُ كَانَ وَكِيلًا فِي الْبِيَاعَاتِ، وَالْهِبَاتِ، وَالْإِجَارَاتِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَكُونُ وَكِيلًا فِي الْمُعَاوَضَاتِ دُونَ الْهِبَاتِ، وَالْعَتَاقِ وَقَالَ مَوْلَانَا وَهَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي حَالِ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ فَإِنْ كَانَ فِي حَالِ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ يَكُونُ وَكِيلًا بِالطَّلَاقِ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَأَطْلَقَ فِي فِعْلِ الْوَكِيلِ فَشَمِلَ إذَا سَكِرَ فَطَلَّقَ فَإِنَّهُ يَقَعُ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَفِيهَا مِنْ فَصْلِ التَّوْكِيلِ بِالطَّلَاقِ مِنْهُ مَسَائِلُ مُهِمَّةٌ لَا بَأْسَ بِذِكْرِهَا تَكْثِيرًا لِلْفَوَائِدِ مِنْهَا الْوَكِيلُ بِالطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقِ أَوْ غَيْرِهِمَا إذَا قَبِلَ التَّوْكِيلَ وَغَابَ الْمُوَكِّلُ فَإِنَّ الْوَكِيلَ لَا يُجْبَرُ عَلَى فِعْلِ مَا وُكِّلَ فِيهِ إلَّا فِيمَا إذَا قَالَ لَهُ ادْفَعْ هَذِهِ الْعَيْنَ إلَى فُلَانٍ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى دَفْعِهِ لِأَنَّ الشَّيْءَ الْمُعَيَّنَ جَازَ أَنْ يَكُونَ أَمَانَةً عِنْدَ الْآمِرِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ تَسْلِيمُ الْأَمَانَةِ وَأَمَّا فِي غَيْرِهِ مِنْ الطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ إنَّمَا أَمَرَهُ بِالتَّصَرُّفِ فِي مِلْكِ الْآمِرِ وَلَيْسَ عَلَى الْآمِرِ إيقَاعُ الطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقِ فَلَا يَجِبُ عَلَى الْوَكِيلِ وَمِنْهَا لَوْ وَكَّلَهُ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ بِطَلَبِهَا عِنْدَ السَّفَرِ وَسَافَرَ ثُمَّ عَزَلَهُ بِغَيْرِ مَحْضَرِ الْمَرْأَةِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 359 يَمْلِكُ عَزْلَهُ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ بِطَلَبِهَا وَمِنْهَا لَوْ وَكَّلَهُ بِالطَّلَاقِ ثُمَّ قَالَ كُلَّمَا عَزَلْتُك فَأَنْت وَكِيلِي قِيلَ لَا يَصِحُّ التَّوْكِيلُ لِأَنَّ فِيهِ تَغْيِيرَ حُكْمِ الشَّرْعِ. ، وَالصَّحِيحُ صِحَّتُهُ ثُمَّ قِيلَ لَا يَمْلِكُ عَزْلَهُ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَمْلِكُهُ، وَفِي طَرِيقِ عَزْلِهِ أَقْوَالٌ قَالَ السَّرَخْسِيُّ يَقُولُ عَزَلْتُك عَنْ جَمِيعِ الْوَكَالَاتِ فَيَنْصَرِفُ إلَى الْمُعَلَّقِ، وَالْمُنَجَّزِ وَقِيلَ يَقُولُ عَزَلْتُك كُلَّمَا وَكَّلْتُك وَقِيلَ يَقُولُ رَجَعْت عَنْ الْوَكَالَاتِ الْمُعَلَّقَةِ وَعَزَلْتُك عَنْ الْوَكَالَاتِ الْمُطْلَقَةِ وَمِنْهَا لَوْ وَكَّلَهُ بِطَلَاقِ امْرَأَتَيْهِ فَطَلَّقَ إحْدَاهُمَا طَلُقَتْ وَمِنْهَا لَوْ وَكَّلَهُ لِيُطَلِّقَهَا لِلسَّنَةِ فَطَلَّقَهَا فِي غَيْرِ وَقْتِ السَّنَةِ لَا يَقَعُ لَا لِلْحَالِ وَلَا إذَا جَاءَ وَقْتُ السَّنَةِ وَلَا يَخْرُجُ عَنْ الْوَكَالَةِ حَتَّى لَوْ طَلَّقَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فِي وَقْتِ السَّنَةِ يَقَعُ وَمِنْهَا لَوْ طَلَّقَهَا الْمُوَكِّلُ، وَلَوْ بَائِنًا فَطَلَاقُ الْوَكِيلِ وَاقِعٌ مَا دَامَتْ الْعِدَّةُ وَلَا يَنْعَزِلُ بِإِبَانَةِ الْمُوَكِّلِ إذَا لَمْ يَكُنْ طَلَاقُ الْوَكِيلِ بِمَالٍ فَلَوْ لَمْ يُطَلِّقْهَا الْوَكِيلُ حَتَّى تَزَوَّجَهَا الْمُوَكِّلُ فِي الْعِدَّةِ وَقَعَ طَلَاقُ الْوَكِيلِ، وَإِنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ الْعِدَّةِ لَمْ يَقَعْ وَكَذَا لَوْ طَلَّقَهَا الْوَكِيلُ بَعْدَ رِدَّةِ أَحَدِهِمَا مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ إلَّا إذَا قَضَى بِلَحَاقِهِ فَحِينَئِذٍ تَبْطُلُ الْوَكَالَةُ وَارْتِدَادُ الْوَكِيلِ لَا يُبْطِلُهَا إلَّا بِالْقَضَاءِ بِلِحَاقَةِ وَمِنْهَا لَوْ قَالَ لَهُ إذَا تَزَوَّجْت فُلَانَةَ فَطَلِّقْهَا صَحَّ لِصِحَّةِ تَعْلِيقِ الْوَكَالَةِ وَمِنْهَا لَوْ وَكَّلَهُ بِالطَّلَاقِ فَطَلَّقَ قَبْلَ الْعِلْمِ لَمْ يَقَعْ وَمِنْهَا لَوْ وَكَّلَهُ فَرَدَّ ثُمَّ طَلَّقَ لَمْ يَقَعْ. وَلَوْ سَكَتَ بِلَا قَبُولٍ ثُمَّ طَلَّقَ وَقَعَ وَمِنْهَا لَوْ شَرَطَ الْخِيَارَ لِلْمُوَكِّلِ أَوْ غَيْرِهِ فِي الْوَكَالَةِ صَحَّتْ وَبَطَلَ الشَّرْطُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ وَكَالَةٍ وَوَكَالَةٍ وَمِنْهَا لَوْ وَكَّلَهُ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ وَلَهُ أَرْبَعٌ فَطَلَّقَ الْوَكِيلُ وَاحِدَةً بِغَيْرِ عَيْنِهَا أَوْ قَالَ طَلَّقْت امْرَأَتَك فَالْبَيَانُ إلَى الزَّوْجِ، وَلَوْ طَلَّقَ الْوَكِيلُ مُعَيَّنَةً جَازَ وَلَا يُقْبَلُ مِنْ الزَّوْجِ أَنَّهُ مَا أَرَادَهَا كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ بِبَيْعِ عَبْدٍ مِنْ عَبِيدِهِ فَبَاعَ عَبْدًا بِعَيْنِهِ وَمِنْهَا لَوْ قَالَ لَهُ طَلَّقَهَا غَدًا فَقَالَ الْوَكِيلُ أَنْت طَالِقٌ غَدًا كَانَ بَاطِلًا، وَلَوْ قَالَ طَلِّقْهَا فَقَالَ الْوَكِيلُ أَنْت طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَدَخَلَتْ لَمْ يَقَعْ، وَإِنْ قَالَ طَلِّقْهَا ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ فَقَالَ الْوَكِيلُ فِي طُهْرٍ لَمْ يُجَامِعْهَا فِيهِ أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ يَقَعُ لِلْحَالِ وَاحِدَةً وَيُبْطِلُ الْبَاقِي وَقِيلَ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَقَعَ شَيْءٌ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِإِيقَاعِ الْوَاحِدَةِ فِي كُلِّ طُهْرٍ وَعِنْدَهُ الْمَأْمُورُ بِالْوَاحِدَةِ إذَا أَوْقَعَ الثَّلَاثَ لَا يَقَعُ شَيْءٌ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَقَعُ هُنَا وَاحِدَةً بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تُعْتَبَرُ الْمُوَافَقَةُ مِنْ حَيْثُ اللَّفْظِ فَإِنَّ الرَّجُلَ إذَا قَالَ لِغَيْرِهِ طَلِّقْ امْرَأَتِي ثَلَاثًا فَطَلَّقَهَا أَلْفًا لَا يَصِحُّ وَكَذَا لَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ: طَلِّقْ امْرَأَتِي نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ فَطَلَّقَهَا الْوَكِيلُ تَطْلِيقَةً لَا يَقَعُ شَيْءٌ وَهُنَا وُجِدَتْ الْمُوَافَقَةُ مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ فَيَقَعُ وَاحِدَةً، وَلَوْ قَالَ طَلِّقْهَا ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ بِأَلْفٍ فَقَالَ لَهَا الْوَكِيلُ فِي وَقْتِ السُّنَّةِ أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا بِأَلْفٍ فَقَبِلَتْ يَقَعُ وَاحِدَةً بِثُلُثِ الْأَلْفِ فَإِنْ طَلَّقَهَا الْوَكِيلُ فِي الطُّهْرِ الثَّانِي تَطْلِيقَةً بِثُلُثِ الْأَلْفِ فَقَبِلَتْ يَقَعُ أُخْرَى بِغَيْرِ شَيْءٍ وَكَذَا لَوْ طَلَّقَهَا الثَّالِثَةَ فِي الطُّهْرِ الثَّالِثِ، وَلَوْ طَلَّقَهَا الْوَكِيلُ أَوَّلًا تَطْلِيقَةً بِثُلُثِ الْأَلْفِ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا الزَّوْجُ ثُمَّ طَلَّقَهَا الْوَكِيلُ تَطْلِيقَةً ثَانِيَةً بِثُلُثِ الْأَلْفِ تَقَعُ الثَّانِيَةُ بِثُلُثِ الْأَلْفِ وَكَذَا الثَّالِثَةُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ. وَمِنْهَا لَوْ وَكَّلَهُ بِطَلَاقِ الْمُبَانَةِ بِأَلْفٍ فَطَلَّقَهَا الْوَكِيلُ بِأَلْفٍ فِي الْعِدَّةِ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ مَا تَزَوَّجَهَا الْمُوَكِّلُ طَلُقَتْ بِالْأَلْفِ وَإِلَّا طَلُقَتْ بِغَيْرِ شَيْءٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ وَكَّلَهُ فِي طَلَاقِهَا بِالْأَلْفِ ثُمَّ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ بِأَلْفٍ ثُمَّ طَلَّقَهَا الْوَكِيلُ بِأَلْفٍ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ شَيْءٌ وَمِنْهَا الْوَكِيلُ بِالْإِعْتَاقِ إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ أَمْسِ وَكَذَّبَهُ الْمُوَكِّلُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْوَكِيلِ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِالْإِعْتَاقِ بَعْدَ خُرُوجِهِ عَنْ الْوَكَالَةِ وَكَذَا الْوَكِيلُ بِالطَّلَاقِ وَمِنْهَا لَوْ وَكَّلَ الْوَكِيلَ بِالطَّلَاقِ أَوْ الْعَتَاقِ غَيْرَهُ فَطَلَّقَ الثَّانِي بِحَضْرَةِ الْأَوَّلِ أَوْ غَيْبَتِهِ لَا يَجُوزُ وَكَذَا لَوْ طَلَّقَهَا أَجْنَبِيٌّ فَأَجَازَ الْوَكِيلُ فَفِي الْخُلْعِ، وَالنِّكَاحِ إذَا فَعَلَ الثَّانِي بِحَضْرَةِ الْأَوَّلِ أَوْ أَجَازَ الْوَكِيلُ فِعْلَ الْأَجْنَبِيِّ جَازَ اهـ. وَقَدْ ظَهَرَ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ التَّوْكِيلَ بِالطَّلَاقِ فِيهِ مَعْنَى التَّعْلِيقِ مِنْ وَجْهٍ حَتَّى اعْتَبَرُوا فِيهِ الْمُوَافَقَةَ مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ، وَإِنْ لَمْ يُوَافِقْ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى كَمَا نَقَلْنَاهُ آنِفًا وَلَمْ يُجَوِّزُوا إجَازَةَ الْوَكِيلِ وَلَا فِعْلَ وَكِيلِهِ بِحَضْرَتِهِ نَظَرًا إلَى أَنَّ الطَّلَاقَ مُعَلَّقٌ بِقَوْلِهِ فَلَا يَقَعُ بِقَوْلِ غَيْرِهِ   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 360 وَلَمْ يَعْتَبِرُوا مَعْنَى التَّعْلِيقِ فِيهِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُمْ جَوَّزُوا الرُّجُوعَ عَنْهُ وَلِذَا قَالَ فِي عُمْدَةِ الْفَتَاوَى لَوْ قَالَ الْمُوَكِّلُ كُلَّمَا أَخْرَجْتُك عَنْ الْوَكَالَةِ فَأَنْت وَكِيلِي فَلَهُ أَنْ يُخْرِجَهُ مِنْ الْوَكَالَةِ بِمَحْضَرٍ مِنْهُ مَا خَلَا الطَّلَاقَ، وَالْعَتَاقَ لِأَنَّهُمَا مِمَّا يَتَعَلَّقَانِ بِالشَّرْطِ، وَالْإِخْطَارُ بِمَنْزِلَةِ الْيَمِينِ وَلَا رُجُوعَ عَنْ الْيَمِينِ اهـ. وَفِي الْخُلَاصَةِ الْمُخْتَارُ أَنَّهُ يَمْلِكُ عَزْلَهُ بِحَضْرَتِهِ إلَّا فِي الطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقِ، وَالتَّوْكِيلِ بِسُؤَالِ الْخَصْمِ اهـ. فَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُمْ اعْتَبَرُوا فِيهِ مَعْنَى التَّعْلِيقِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ أَيْضًا. وَحَاصِلُ الْقَوْلِ الْمُخْتَارِ أَنَّ لِلْمُوَكِّلِ أَنْ يَعْزِلَ وَكِيلَ الطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقِ إلَّا أَنْ يَقُولَ: كُلَّمَا أَخْرَجْتُك عَنْ الْوَكَالَةِ فَأَنْتَ وَكِيلِي فَإِنَّهُ يَصِيرُ لَازِمًا لَا يَقْبَلُ الرُّجُوعَ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ كِتَابِ الْوَكَالَةِ التَّوْكِيلُ بِالطَّلَاقِ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ بِلَفْظِ الْوَكِيلِ وَلِذَا يَقَعُ مِنْهُ حَالَ سُكْرِهِ وَمِنْهَا التَّوْكِيلُ بِالْيَمِينِ بِالطَّلَاقِ جَائِزٌ بِدَلِيلِ أَنَّ مَنْ قَالَ لِامْرَأَةِ الْغَيْرِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْت طَالِقٌ فَأَجَازَ الزَّوْجُ جَازَ الْوَكِيلُ بِالطَّلَاقِ إذَا خَالَعَ عَلَى مَالٍ إنْ كَانَتْ مَدْخُولَةً فَخِلَافٌ إلَى شَرٍّ، وَإِنْ غَيْرَ مَدْخُولٍ فَإِلَى خَيْرٍ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ وَاخْتَارَ الصَّفَّارُ وَقَالَ ظَهِيرُ الدِّينِ: لَا يَصِحُّ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولَةِ أَيْضًا لِأَنَّهُ خِلَافٌ فِيهِمَا إلَى شَرٍّ اهـ. وَلَعَلَّ الشَّرَّ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ ارْتِكَابُ الْحُرْمَةِ بِأَخْذِ الْمَالِ إنْ كَانَ النُّشُوزُ مِنْهُ وَإِلَّا فَالطَّلَاقُ قَبْلَ الدُّخُولِ بَائِنٌ وَلَوْ بِلَا عِوَضٍ فَأَخْذُ الْمَالِ خَيْرٌ لِلْمُوَكِّلِ كَمَا لَا يَخْفَى إلَّا أَنْ يُقَالَ الشَّرُّ فِيهِ أَنَّهُ وَكَّلَهُ بِالتَّنْجِيزِ، وَقَدْ أَتَى بِالتَّعْلِيقِ لِأَنَّهُ مُعَلَّقٌ بِقَبُولِهَا، وَفِي الْخَانِيَّةِ مِنْ الْوَكَالَةِ: وَكَّلَهُ أَنْ يَخْلَعَ امْرَأَتَهُ فَخَلَعَهَا عَلَى دِرْهَمٍ جَازَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَا يَجُوزُ فِي قَوْلِهِمَا إلَّا فِيمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ وَلَوْ وَكَّلَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ أَنْ تَخْلَعَ نَفْسَهَا مِنْهُ بِمَالٍ أَوْ عِوَضٍ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَرْضَى الزَّوْجُ بِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا فَطَلَّقَتْ وَاحِدَةً وَقَعَتْ وَاحِدَةً) لِأَنَّهَا لَمَّا مَلَكَتْ إيقَاعَ الثَّلَاثِ كَانَ لَهَا أَنْ تُوقِعَ مِنْهَا مَا شَاءَتْ كَالزَّوْجِ نَفْسِهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْوَاحِدَةِ، وَالثِّنْتَيْنِ، وَلَوْ قَالَ فَطَلَّقَتْ أَقَلَّ وَقَعَ مَا أَوْقَعَتْهُ لَكَانَ أَوْلَى وَأَشَارَ إلَى أَنَّهَا لَوْ طَلَّقَتْ ثَلَاثًا فَإِنَّهُ يَقَعُ بِالْأُولَى وَسَوَاءٌ كَانَتْ مُتَفَرِّقَةً أَوْ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهَا: اخْتَارِي تَطْلِيقَتَيْنِ فَاخْتَارَتْ وَاحِدَةً تَقَعُ وَاحِدَةً كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَلَا فَرْقَ فِي حَقِّ هَذَا الْحُكْمِ بَيْنَ التَّمْلِيكِ، وَالتَّوْكِيلِ فَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً وَقَعَتْ وَاحِدَةً، وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً لَا يَقَعُ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يُطَلِّقَهَا وَاحِدَةً بِكُلِّ الْأَلْفِ كَذَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ طَلِّقِي لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهَا: أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا عَلَى أَلْفٍ فَطَلَّقَتْ وَاحِدَةً بِأَلْفٍ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ طَلِّقْهَا ثَلَاثًا بِأَلْفٍ فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً بِأَلْفٍ حَيْثُ يَقَعُ وَاحِدَةً لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْمُطَابَقَةِ بَيْنَ إيجَابِهِ وَقَبُولِهَا لَفْظًا وَمَعْنًى، وَفِي الْوَكَالَةِ الْمُخَالَفَةُ إلَى خَيْرٍ لَا تَضُرُّ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ. (قَوْلُهُ: لَا فِي عَكْسِهِ) أَيْ لَا يَقَعُ فِيمَا إذَا أَمَرَهَا بِالْوَاحِدَةِ فَطَلَّقَتْ ثَلَاثًا بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ عِنْدَ الْإِمَامِ وَقَالَا يَقَعُ وَاحِدَةً لِأَنَّهَا أَتَتْ بِمَا مَلَكَتْهُ وَزِيَادَةٍ وَحَقِيقَةُ الْفَرْقِ لِلْإِمَامِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ أَنَّهَا مَلَكَتْ الْوَاحِدَةَ وَهِيَ شَيْءٌ بِقَيْدِ الْوَحْدَةِ بِخِلَافِ الْوَاحِدَةِ الَّتِي فِي ضِمْنِ الثَّلَاثِ فَإِنَّهَا بِقَيْدِ ضِدٍّ وَقَيَّدَ الْأَمْرَ بِتَطْلِيقِ الْوَاحِدَةِ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ أَمْرُك بِيَدِك يَنْوِي وَاحِدَةً فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ وَقَعَتْ وَاحِدَةً اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْعَدَدِ لَفْظًا، وَاللَّفْظُ صَالِحٌ لِلْعُمُومِ، وَالْخُصُوصِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ كَلَامٌ فَقَالَتْ اللَّهُمَّ نَجِّنِي مِنْك فَقَالَ الزَّوْجُ: تُرِيدِينَ النَّجَاةَ مِنِّي فَأَمْرُك بِيَدِك وَنَوَى بِهِ الطَّلَاقَ وَلَمْ يَنْوِ الْعَدَدَ فَقَالَتْ طَلَّقْت نَفْسِي ثَلَاثًا فَقَالَ الزَّوْجُ نَجَوْت لَا يَقَعُ عَلَيْهَا شَيْءٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْوِ الثَّلَاثَ كَانَ كَأَنَّهُ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك وَلَمْ يَنْوِ الْعَدَدَ فَقَالَتْ طَلَّقْت نَفْسِي ثَلَاثًا لَا يَقَعُ شَيْءٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَيَقَعُ وَاحِدَةً فِي قَوْلِ صَاحِبَيْهِ. وَلَا يُقَالُ قَوْلُ الزَّوْجِ بَعْدَ قَوْلِهَا طَلَّقْت نَفْسِي ثَلَاثًا نَجَوْت لِمَ لَا يَكُونُ إجَازَةً لِأَنَّا نَقُولُ قَوْلُ الزَّوْجِ نَجَوْت يَحْتَمِلُ الِاسْتِهْزَاءَ فَلَا يُجْعَلُ إجَازَةً بِالشَّكِّ اهـ. وَعَلَى هَذَا لَا يَحْتَاجُ فِي تَصْوِيرِ الْمَسْأَلَةِ الْخِلَافِيَّةِ أَنْ يَقُولَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك وَاحِدَةً بَلْ طَلِّقِي نَفْسَك مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا لَمَّا مَلَكَتْ إيقَاعَ الثَّلَاثِ. . . إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: يَقْتَضِي أَنَّهُ فِي مَسْأَلَةِ مَا إذَا قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك وَنَوَى ثَلَاثًا فَطَلَّقَتْ ثِنْتَيْنِ تَقَعُ ثِنْتَانِ لِأَنَّهَا مَلَكَتْ أَيْضًا إيقَاعَ الثَّلَاثِ فَكَانَ لَهَا أَنْ تُوقِعَ مِنْهَا مَا شَاءَتْ وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَيْهِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُمْ فِيهَا أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا أَوْقَعَتْ الثَّلَاثَ بِلَفْظٍ وَاحِدَةٍ وَبَيْنَ مَا إذَا أَوْقَعَتْهَا مُتَفَرِّقَةً فَإِنَّا عِنْدَ التَّفْرِيقِ قَدْ حَكَمْنَا بِوُقُوعِ الثَّانِيَةِ قَبْلَ الثَّالِثَةِ فَلَوْ اقْتَصَرْنَا عَلَى الثَّانِيَةِ تَقَعُ الثِّنْتَانِ فَقَطْ فَلَوْ لَمْ تَمْلِكْ الثِّنْتَيْنِ لَمَا جَازَ التَّفْوِيضُ تَأَمَّلْ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 361 لِلْعَدَدِ عَلَى الْخِلَافِ أَيْضًا، وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ مِنْ كِتَابِ الْوَكَالَةِ لَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ فَطَلَّقَهَا الْوَكِيلُ ثَلَاثًا إنْ نَوَى الزَّوْجُ الثَّلَاثَ وَقَعَ الثَّلَاثُ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ الثَّلَاثَ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا يَقَعُ وَاحِدَةً اهـ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْخَانِيَّةِ مُشْكِلٌ عَلَى مَا فِي الْمَبْسُوطِ فِي مَسْأَلَةِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ فَإِنَّهُ نُقِلَ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهَا: أَمْرُك بِيَدِك يَنْوِي وَاحِدَةً فَطَلَّقَتْ ثَلَاثًا وَقَعَتْ وَاحِدَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَذَكَرَهُ فِي الْمِعْرَاجِ، وَالْعِنَايَةِ فَإِذَا قَالَ: أَمْرُك بِيَدِك وَلَمْ يَنْوِ شَيْئًا مِنْ الْعَدَدِ فَطَلَّقَتْ ثَلَاثًا كَيْفَ لَا تَقَعُ الْوَاحِدَةُ عِنْدَهُ بَلْ الْوُقُوعُ بِالْأَوْلَى فَمَا فِي الْخَانِيَّةِ مُشْكِلٌ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ، وَقَيَّدْنَا بِكَوْنِهِ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ لِأَنَّهَا لَوْ قَالَتْ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَقَعَتْ وَاحِدَةً اتِّفَاقًا لِامْتِثَالِهَا بِالْأَوَّلِ وَيَلْغُو مَا بَعْدَهُ وَأَوْرَدَ عَلَى مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا كَانَتْ لَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ فَقَالَ لِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ طَلِّقِي وَاحِدَةً مِنْ نِسَائِي فَطَلَّقَتْهُنَّ جَمِيعًا يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَقَعَ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ اعْتِبَارًا بِمَسْأَلَةِ الْكِتَابِ وَأَجَابَ عَنْهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ أَيْضًا بِالْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَهُوَ أَنَّ الثَّلَاثَ اسْمٌ لِعَدَدٍ خَاصٍّ لَا يَقَعُ عَلَى مَا دُونَهُ وَلَا عَلَى مَا عَدَاهُ وَلَيْسَ فِيهِ مَعْنَى الْعُمُومِ، وَالْوَاحِدُ خَاصٌّ وَإِرَادَةُ الْخُصُوصِ مِنْ الْخُصُوصِ مُمْتَنِعَةٌ وَاسْمُ النِّسَاءِ عَامٌّ لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَى مِقْدَارٍ بِعَيْنِهِ، وَالْعَامُّ مَا يَنْتَظِمُ جَمِيعًا مِنْ الْمُسَمَّيَاتِ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ وَلَا تَحْدِيدٍ وَإِرَادَةُ الْخُصُوصِ مِنْ الْعُمُومِ سَائِغَةٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ النِّسَاءَ فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً وَاحِدَةً يَحْنَثُ، وَالْمَسْأَلَةُ فِي وَكَالَةِ الْمَبْسُوطِ اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ وَكَّلَ أَجْنَبِيًّا أَنْ يُطَلِّقَ زَوْجَتَهُ وَاحِدَةً فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا إنْ نَوَى الزَّوْجُ وَقَعَ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ لَا يَقَعُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا اهـ. وَلَعَلَّهُ إنْ أَجَازَ الزَّوْجُ وَقَعَ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّهُ فُضُولِيٌّ بِتَطْلِيقِ الثَّلَاثِ فَتَوَقَّفَ عَلَى الْإِجَازَةِ وَقِيَاسُهُ أَنْ يَتَوَقَّفَ فِي الْمَرْأَةِ أَيْضًا، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَأَمَّا النِّيَّةُ فَلَا مَحَلَّ لَهَا لِأَنَّ نِيَّةَ الثَّلَاثِ بِلَفْظِ الْوَاحِدَةِ غَيْرُ صَحِيحَةٍ لِأَنَّهَا لَا تَحْتَمِلُهُ، وَفِي الْخَانِيَّةِ: لَوْ قَالَ طَلِّقْهَا ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ فَقَالَ الْوَكِيلُ فِي طُهْرٍ لَمْ يُجَامِعْهَا فِيهِ أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ يَقَعُ وَاحِدَةً لِلْحَالِ وَيَبْطُلُ الْبَاقِي بِلَا خِلَافٍ عَلَى الصَّحِيحِ لِوُجُودِ الْمُوَافَقَةِ فِي اللَّفْظِ وَقَدَّمْنَاهُ فِي أَمْرِ الْأَجْنَبِيِّ بِطَلَاقِهَا قَرِيبًا فَارْجِعْ إلَيْهِ وَقِيَاسُهُ فِي أَمْرِ الْمَرْأَةِ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ لِلصَّدْرِ فَقَالَ أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ بِأَلْفٍ وَهِيَ مَحَلٌّ يَقَعُ وَاحِدَةً بِثُلُثِهَا وَكَذَا فِي الطُّهْرِ الثَّانِي إنْ تَزَوَّجَهَا قَبْلَهُ، وَإِنْ تَجَدَّدَ مِلْكُهُ لِرِضَاهُ وَإِلَّا وَقَعَتْ بِغَيْرِ شَيْءٍ بِشَرْطِ الْعِدَّةِ وَكَذَا الثَّالِثُ قَالَ طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ بِأَلْفٍ فَطَلَّقْت ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ بِهَا فَعَلَى مَا مَرَّ لَا يَقَعُ فِي الْبَاقِي إلَّا بِإِيقَاعٍ جَدِيدٍ لِأَنَّهَا لَا تَمْلِكُ إضَافَتَهُ بِخِلَافِ جِنَايَةٍ وَقِيلَ عِنْدَهُ لَا يَقَعُ أَصْلُهُ طَلِّقِي وَاحِدَةً فَطَلَّقَتْ ثَلَاثًا، وَالْفَرْقُ وَاضِحٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَطَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا إنْ شِئْت فَطَلَّقَتْ وَاحِدَةً وَعَكْسُهُ لَا) أَيْ لَا يَقَعُ فِيهِمَا، وَالْمُرَاد بِالْعَكْسِ أَنْ يَقُولَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك وَاحِدَةً إنْ شِئْت فَطَلَّقَتْ ثَلَاثًا وَلَا خِلَافَ فِي الْأُولَى أَنَّهُ لَا يَقَعُ لِأَنَّ تَفْوِيضَ الثَّلَاثِ مُعَلَّقٌ بِشَرْطٍ هُوَ مَشِيئَتُهَا إيَّاهَا لِأَنَّ مَعْنَاهُ إنْ شِئْت الثَّلَاثَ فَلَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ لِأَنَّهَا لَمْ تَشَأْ إلَّا وَاحِدَةً بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُقَيَّدْ بِالْمَشِيئَةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَدَخَلَ فِي كَلَامِهِ مَا لَوْ قَالَتْ شِئْت وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً مُنْفَصِلًا بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ بِالسُّكُوتِ لِأَنَّ السُّكُوتَ فَاصِلٌ فَلَمْ يُوجَدْ مَشِيئَةُ الثَّلَاثِ وَخَرَجَ عَنْ هَذِهِ الصُّوَرِ إذَا كَانَ بَعْضُهَا مُتَّصِلًا بِالْبَعْضِ مِنْ غَيْرِ سُكُوتٍ لِأَنَّ مَشِيئَةَ الثَّلَاثِ قَدْ وُجِدَتْ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْكُلِّ وَهِيَ فِي نِكَاحِهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَدْخُولَةِ وَغَيْرِهَا كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَعَدَمُ الْوُقُوعِ فِي الثَّانِيَةِ أَيْضًا قَوْلُ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا يَقَعُ وَاحِدَةً لِمَا قَدَّمْنَاهُ فِيمَا إذَا لَمْ يَذْكُرْ الْمَشِيئَةَ، وَفِي الْخَانِيَّةِ مِنْ بَابِ التَّعْلِيقِ طَلِّقِي نَفْسَك عَشْرًا إنْ شِئْت فَقَالَتْ طَلَّقْت نَفْسِي ثَلَاثًا لَا يَقَعُ اهـ. وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ لَا تَكْفِي الْمُوَافَقَةُ فِي الْمَعْنَى بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْمُوَافَقَةِ فِي اللَّفْظِ، وَإِنْ خَالَفَ فِي الْمَعْنَى كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَلِذَا قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ بَعْدَهُ: لَوْ قَالَ لَهَا أَنْت طَالِقٌ وَاحِدَةً إنْ شِئْت فَقَالَتْ شِئْت نِصْفَ وَاحِدَةٍ لَا تَطْلُقُ اهـ. ثُمَّ اعْلَمْ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَلَعَلَّهُ إنْ أَجَازَ الزَّوْجُ يَقَعُ وَإِلَّا فَلَا) قَالَ الرَّمْلِيُّ: كَيْفَ يَصِحُّ ذَلِكَ مَعَ سَوْقِ الْخِلَافِ بَيْنَ الْإِمَامِ وَصَاحِبَيْهِ وَمَسْأَلَةُ الْفُضُولِيِّ مُجْمَعٌ عَلَيْهَا هَذَا لَا يَصِحُّ بَلْ لَفْظَةٌ وَاحِدَةٌ وَقَعَتْ سَهْوًا مِنْ الْكَاتِبِ، وَالْمَسْأَلَةُ مَذْكُورَةٌ فِي غَالِبِ الْكُتُبِ وَهِيَ الْمُتَقَدِّمَةُ قَرِيبًا عَنْ كَافِي الْحَاكِمِ تَأَمَّلْ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 362 أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْمُعَلَّقِ بِالْمَشِيئَةِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ بِالتَّطْلِيقِ أَوْ نَفْسَ الطَّلَاقِ حَتَّى لَوْ قَالَ لَهَا أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا إنْ شِئْت أَوْ وَاحِدَةً إنْ شِئْت فَخَالَفَتْ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ، وَفِي الْخَانِيَّةِ مِنْ بَابِ التَّعْلِيقِ أَنْت طَالِقٌ وَاحِدَةً إنْ شِئْت أَنْت طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ إنْ شِئْت فَقَالَتْ قَدْ شِئْت وَاحِدَةً وَقَدْ شِئْت ثِنْتَيْنِ إذَا وَصَلَتْ فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا اهـ. وَمَفْهُومُهُ أَنَّهَا إذَا فَصَلَتْ لَا يَقَعُ، وَفِي الْخَانِيَّةِ: لَوْ قَالَ لَهَا أَنْت طَالِقٌ إنْ شِئْت وَشِئْت وَشِئْت فَقَالَتْ شِئْت لَا يَقَعُ شَيْءٌ حَتَّى تَقُولَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ شِئْت اهـ. وَفِي الْخَانِيَّةِ: أَيْضًا أَنْت طَالِقٌ أَنْت طَالِقٌ أَنْت طَالِقٌ إنْ شَاءَ زَيْدٌ فَقَالَ زَيْدٌ شِئْت تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْبَلْخِيّ لَا يَقَعُ شَيْءٌ، وَلَوْ قَالَ شِئْت أَرْبَعًا فَكَذَلِكَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَلَى قَوْلِهِمَا يَقَعُ الثَّلَاثُ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ طَلَّقْت إلَى أَنَّ جَوَابَ الْأَمْرِ بِالتَّطْلِيقِ تَطْلِيقُهَا نَفْسَهَا فَلَوْ أَجَابَتْ بِقَوْلِهَا شِئْت أَنْ أُطَلِّقَ نَفْسِي كَانَ بَاطِلًا كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَمَرَهَا بِالْبَائِنِ أَوْ الرَّجْعِيِّ فَعَكَسَتْ وَقَعَ مَا أَمَرَ بِهِ) أَيْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك طَلْقَةً بَائِنَةً فَقَالَتْ طَلَّقْت نَفْسِي طَلْقَةً رَجْعِيَّةً أَوْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك طَلْقَةً رَجْعِيَّةً فَقَالَتْ طَلَّقْت نَفْسِي طَلْقَةً بَائِنَةً وَقَعَ فِي الْأُولَى الْبَائِنُ، وَفِي الثَّانِيَةِ الرَّجْعِيُّ لِأَنَّهَا أَتَتْ بِالْأَصْلِ وَزِيَادَةِ وَصْفٍ فَيَلْغُو الْوَصْفُ وَيَبْقَى الْأَصْلُ، وَالضَّابِطُ أَنَّ الْمُخَالَفَةَ إنْ كَانَتْ فِي الْوَصْفِ لَا يَبْطُلُ الْجَوَابُ بَلْ يَبْطُلُ الْوَصْفُ الَّذِي بِهِ الْمُخَالَفَةُ وَيَقَعُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي فَوَّضَ بِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ فِي الْأَصْلِ حَيْثُ يَبْطُلُ أَصْلًا كَمَا إذَا فَوَّضَ وَاحِدَةً فَطَلَّقَتْ ثَلَاثًا عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ أَوْ فَوَّضَ ثَلَاثًا فَطَلَّقَتْ أَلْفًا أَطْلَقَ فِي قَوْلٍ فَعَكَسَتْ فَشَمِلَ فِي مَسْأَلَةِ مَا إذَا أَمَرَهَا بِالرَّجْعِيِّ مَا إذَا قَالَتْ أَبَنْت نَفْسِي وَمَا إذَا قَالَتْ طَلَّقْت نَفْسِي بَائِنَةً، وَالثَّانِي ظَاهِرٌ بِإِلْغَاءِ الْوَصْفِ وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ رَاجِعٌ إلَى الثَّانِي وَقَدَّمْنَاهُ فِي أَوَّلِ فَصْلِ الْمَشِيئَةِ، وَقَدْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا قَاضِي خَانْ فِي حَقِّ الْوَكِيلِ فَقَالَ رَجُلٌ قَالَ لِغَيْرِهِ: طَلِّقْ امْرَأَتِي رَجْعِيَّةً فَقَالَ لَهَا الْوَكِيلُ طَلَّقْتُك بَائِنَةً يَقَعُ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً، وَلَوْ قَالَ الْوَكِيلُ أَبَنْتُهَا لَا يَقَعُ شَيْءٌ، وَلَوْ قَالَ لِلْوَكِيلِ: طَلِّقْهَا بَائِنَةً فَقَالَ لَهَا الْوَكِيلُ أَنْت طَالِقٌ تَطْلِيقَةً رَجْعِيَّةً تَقَعُ وَاحِدَةً بَائِنَةً اهـ. فَيَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ قَوْلِ الْوَكِيلِ بِالطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ أَبَنْتُهَا وَبَيْنَ الْمَأْمُورَةِ بِالرَّجْعِيِّ إذَا قَالَتْ أَبَنْتُ نَفْسِي وَلَعَلَّ الْفَرْقَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْوَكِيلَ بِالطَّلَاقِ لَا يَمْلِكُ الْإِيقَاعَ بِلَفْظِ الْكِنَايَةِ لِأَنَّهَا مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى نِيَّةٍ، وَقَدْ أَمَرَهُ بِطَلَاقٍ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى النِّيَّةِ فَكَانَ مُخَالِفًا فِي الْأَصْلِ بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ فَإِنَّهُ مَلَّكَهَا الطَّلَاقَ بِكُلِّ لَفْظٍ يَمْلِكُ الْإِيقَاعَ بِهِ صَرِيحًا كَانَ أَوْ كِنَايَةً وَهَذَا الْفَرْقُ صِحَّتُهُ مَوْقُوفَةٌ عَلَى وُجُودِ النَّقْلِ عَلَى أَنَّ الْوَكِيلَ لَا يَمْلِكُ الْإِيقَاعَ بِالْكِنَايَةِ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ - وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَفِي الْخَانِيَّةِ مِنْ الْوَكَالَةِ: قَالَ لِغَيْرِهِ طَلِّقْ امْرَأَتِي بَائِنًا لِلسُّنَّةِ وَقَالَ لِآخَرَ طَلِّقْهَا رَجْعِيًّا لِلسُّنَّةِ فَطَلَّقَاهَا فِي طُهْرٍ وَاحِدَةً طَلُقَتْ وَاحِدَةً وَلِلزَّوْجِ الْخِيَارُ فِي تَعْيِينِ الْوَاقِعِ اهـ. مَعَ أَنَّ الْوَكِيلَ بِالطَّلَاقِ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَ بَعْدَ طَلَاقِ الْمُوَكِّلِ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ وَلَكِنَّ الْمَانِعَ مِنْ وُقُوعِ طَلَاقَيْهِمَا التَّقْيِيدُ بِالسُّنَّةِ فَإِنَّ السُّنَّةَ وَاحِدَةً وَقَيَّدْنَا فِي التَّصْوِيرِ الْأَمْرَ مِنْ غَيْرِ تَعْلِيقٍ بِمَشِيئَتِهَا لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ بَابِ التَّعَالِيقِ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك وَاحِدَةً بَائِنَةً إنْ شِئْت فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً لَا يَقَعُ شَيْءٌ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَوْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك وَاحِدَةً أَمْلِك الرَّجْعَةَ إنْ شِئْت فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا وَاحِدَةً بَائِنَةً تَقَعُ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَلَا يَقَعُ شَيْءٌ فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهَا مَا أَتَتْ بِمَشِيئَةِ مَا فَوَّضَ إلَيْهَا اهـ. إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ مُسْتَفَادٌ مِمَّا قَبْلَهُ وَقَدَّمْنَا فِي مَسَائِلِ التَّوْكِيلِ قَبْلَهُ بِالطَّلَاقِ أَنَّهُ لَوْ وَكَّلَهُ بِالْمُنَجَّزِ فَعَلَّقَ أَوْ أَضَافَ لَا يَقَعُ وَكَذَا لَوْ قَالَ طَلِّقْهَا غَدًا فَقَالَ: أَنْت طَالِقٌ غَدًا لِأَنَّهُ وَكَّلَهُ بِالتَّنْجِيزِ فِي غَدٍ وَقَدْ أَضَافَهُ، وَلَوْ قَالَ لَهُ طَلِّقْهَا بَيْنَ يَدَيْ الشُّهُودِ أَوْ بَيْنَ يَدَيْ أَبِيهَا فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً وَقَعَ كَمَا فِي الْوَاقِعَاتِ وَغَيْرِهَا كَقَوْلِهِ بِعْهُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: فَيَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ قَوْلِ الْوَكِيلِ. . . إلَخْ) ذُكِرَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الشَّلَبِيِّ مَا يُفِيدُ التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمَا وَنَصُّهُ قَوْلُهُ: فَقَالَتْ طَلَّقْت نَفْسِي وَاحِدًا بَائِنًا قَيَّدَ بِهِ كَمَا قَالَ الشَّيْخُ الشَّلَبِيُّ مَحَلُّهُ مَا إذَا قَالَتْ طَلَّقْت نَفْسِي بَائِنَةً أَمَّا إذَا قَالَتْ أَبَنْت نَفْسِي لَا يَقَعُ شَيْءٌ فَاغْتَنِمْ هَذَا الْقَيْدَ فَإِنَّك لَا تَجِدُهُ فِي شَرْحٍ مِنْ الشُّرُوحِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ عَلَى مَا وَهَبَ اهـ. كَلَامُهُ. اهـ. مَا فِي الشرنبلالية، وَفِي حَاشِيَةِ مِسْكِينٍ مَا يُفِيدُ أَنَّ الشَّلَبِيَّ أَخَذَ التَّقْيِيدَ بِذَلِكَ مِنْ تَقْيِيدِ الْخَانِيَّةِ الْوَكِيلُ بِهِ ثُمَّ قَالَ وَتَعَقَّبَهُ شَيْخُنَا بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا سَبَقَ فِي الْمَتْنِ مِنْ قَوْلِهِ وَبِأَبَنْتُ نَفْسِي طَلَّقْت لَا بِاخْتَرْتُ يَعْنِي فِيمَا إذَا قَالَ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَك كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَذَكَرَ الشَّارِحُ عَقِبَهُ أَنَّ عَدَمَ الْوُقُوعِ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ فَيَكُونُ مَا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ مُخَرَّجًا عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ اهـ. قُلْت إنْ ثَبَتَ أَنَّهُ مُخَرَّجٌ عَلَى ذَلِكَ لَا يَحْتَاجُ إلَى مَا يَذْكُرُهُ الْمُؤَلِّفُ مِنْ وَجْهِ الْفَرْقِ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: مَوْقُوفَةٌ عَلَى وُجُودِ النَّقْلِ) قَالَ فِي النَّهْرِ: مَا فِي الْخَانِيَّةِ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْوَكِيلَ يَكُونُ مُخَالِفًا بِإِيقَاعِهِ بِالْكِنَايَةِ (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يُقَالَ أَنَّهُ مُسْتَفَادٌ مِمَّا قَبْلَهُ) اُنْظُرْ مَا مَحَلُّ هَذَا الِاسْتِدْرَاكِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 363 بِشُهُودٍ فَبَاعَهُ بِغَيْرِهِمْ وَحَاصِلُهُ أَنَّ التَّخْصِيصَ بِالذِّكْرِ لَا يَنْفِي الْحُكْمَ عَمَّا عَدَاهُ إلَّا فِي ثَلَاثِ مَسَائِلَ مَذْكُورَةٍ فِي وَكَالَةِ الصُّغْرَى بِعْهُ مِنْ فُلَانٍ بِعْهُ بِكَفِيلٍ بِعْهُ بِرَهْنٍ وَمَعَ النَّهْيِ لَا يَمْلِكُ الْمُخَالَفَةَ كَقَوْلِهِ لَا تَبِعْهُ إلَّا بِشُهُودٍ إلَّا فِي قَوْلِهِ لَا تُسَلِّمْهُ حَتَّى تَقْبِضَ الثَّمَنَ فَلَهُ الْمُخَالَفَةُ وَتَوْضِيحُهُ فِيهَا وَحَاصِلُهُ إنْ أَمَرَ بِالتَّطْلِيقِ بِوَصْفٍ مُقَيَّدٍ بِمَشِيئَتِهَا إذَا خَالَفَتْ فِي ذَلِكَ الْوَصْفِ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ وَهِيَ وَارِدَةٌ عَلَى الْكِتَابِ وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُعَلَّقًا بِمَشِيئَتِهَا وَيَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ. (قَوْلُهُ: أَنْت طَالِقٌ إنْ شِئْت فَقَالَتْ شِئْت إنْ شِئْت فَقَالَ شِئْت يَنْوِي الطَّلَاقَ أَوْ قَالَتْ شِئْت إنْ كَانَ كَذَا لِمَعْدُومٍ بَطَلَ) لِأَنَّهُ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِمَشِيئَتِهَا الْمُنَجَّزَةَ وَهِيَ أَتَتْ بِالْمُعَلَّقَةِ فَلَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ فَقَالَتْ شِئْت مُقْتَصِرَةً عَلَيْهِ لِأَنَّهَا لَوْ قَالَتْ شِئْت طَلَاقِي إنْ شِئْت فَقَالَ شِئْت نَاوِيًا الطَّلَاقَ وَقَعَ لِكَوْنِهِ شَائِيًا طَلَاقَهَا لَفْظًا بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ تَذْكُرْ الطَّلَاقَ لِأَنَّ الْمَشِيئَةَ لَيْسَ فِيهَا ذِكْرٌ لِلطَّلَاقِ وَلَا عِبْرَةَ بِالنِّيَّةِ بِلَا لَفْظٍ صَالِحٍ لِلْإِيقَاعِ كَاسْقِنِي نَاوِيًا الطَّلَاقَ وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: شِئْت طَلَاقَك يَقَعُ بِالنِّيَّةِ لِأَنَّ الْمَشِيئَةَ تُنْبِئُ عَنْ الْوُجُودِ لِأَنَّهَا مِنْ الشَّيْءِ وَهُوَ الْمَوْجُودُ بِخِلَافِ أَرَدْت طَلَاقَك لِأَنَّهُ لَا يُنْبِئُ عَنْ الْمَوْجُودِ بَلْ هُوَ طَلَبُ النَّفْسِ الْوُجُودَ عَنْ مَيْلٍ فَقَدْ أَثْبَتَ الْفُقَهَاءُ بَيْنَ الْمَشِيئَةِ، وَالْإِرَادَةِ فَرْقًا فِي صِفَاتِ الْعَبْدِ، وَإِنْ كَانَا مُتَرَادِفَيْنِ فِي صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا هُوَ اللُّغَةُ فِيهِمَا مُطْلَقًا فَلَا يَدْخُلُهُمَا وُجُودٌ أَيْ لَا يَكُونُ الْوُجُودُ جُزْءَ مَفْهُومِ أَحَدِهِمَا غَيْرَ أَنَّ مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ وَكَذَا مَا أَرَادَهُ لِأَنَّ تَخَلُّفَ الْمُرَادِ إنَّمَا يَكُونُ لِعَجْزِ الْمُرِيدِ لَا لِذَاتِ الْإِرَادَةِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ الْمُؤَثِّرَةَ لِلْوُجُودِ لِأَنَّ ذَلِكَ خَاصَّةُ الْقُدْرَةِ بَلْ بِمَعْنَى أَنَّهَا الْمُخَصَّصَةُ لِلْمَقْدُورِ الْمَعْلُومِ وُجُودُهُ بِالْوَقْتِ، وَالْكَيْفِيَّةِ ثُمَّ الْقُدْرَةُ تُؤَثِّرُ عَلَى وَفْقِ الْإِرَادَةِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَتَخَلَّفُ شَيْءٌ عَنْ مُرَادِهِ تَعَالَى لِمَا قُلْنَا فِي الْمَشِيئَةِ بِخِلَافِ الْعِبَادِ وَعَنْ هَذَا لَوْ قَالَ أَرَادَ اللَّهُ طَلَاقَك يَنْوِيهِ يَقَعُ كَمَا قَالَ شَاءَ اللَّهُ بِخِلَافِ أَحَبَّ اللَّهُ طَلَاقَك أَوْ رَضِيَهُ لَا يَقَعُ لِأَنَّهُمَا لَا يَسْتَلْزِمَانِ مِنْهُ تَعَالَى الْوُجُودَ وَأَحْبَبْت طَلَاقَك وَرَضِيته مِثْلُ أَرَدْته. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْمَشِيئَةِ، وَالْإِرَادَةِ فِي صِفَاتِ الْعِبَادِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْعُرْفِ الْعَامِّ فَإِنَّ فِيهِ الْوُجُودَ، وَالْمَشِيئَةُ مِنْهُ وَلَمَّا كَانَ مُحْتَمَلُ اللَّفْظِ تَوَقَّفَ عَلَى النِّيَّةِ فَلَزِمَ الْوُجُودُ فِيهَا فَإِذَا قَالَ شِئْت كَذَا فِي التَّخَاطُبِ الْعُرْفِيِّ فَمَعْنَاهُ أَوْجَدْته عَنْ اخْتِيَارٍ بِخِلَافِ أَرَدْت كَذَا مُجَرَّدًا يُفِيدُ عُرْفًا عَدَمَ الْوُجُودِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِي الْمِعْرَاجِ وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ النِّيَّةُ مَعَ ذِكْرِ الطَّلَاقِ صَرِيحًا لِأَنَّهُ قَدْ يَقْصِدُ وُجُودَهُ وُقُوعًا وَقَدْ يَقْصِدُ وُجُودَهُ مِلْكًا فَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ لِتَعْيِينِ جِهَةِ الْوُجُودِ وُقُوعًا. وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ شِئْت طَلَاقَك ذُكِرَ فِي شَرْحِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ بِلَا نِيَّةِ الْإِيقَاعِ اهـ. وَلَوْ قَالَ شَيْئِيّ طَلَاقَك نَاوِيًا الطَّلَاقَ فَقَالَتْ شِئْت وَقَعَ، وَلَوْ قَالَ أَرِيدِيهِ أَوْ أَحَبِّيهِ أَوْ اهْوِيهِ أَوْ اُرْضِيهِ نَاوِيًا فَأَجَابَتْهُ لَا يَقَعُ لِأَنَّهَا عِبَارَةٌ عَنْ الطَّلَبِ فَلَا يَسْتَلْزِمُ الْوُجُودَ بِخِلَافِ الْمُعَلَّقِ عَلَى إرَادَتِهَا وَنَحْوُهُ إذَا وُجِدَ الشَّرْطُ يَقَعُ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ وَتَمَامُهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهُوَ سَهْوٌ لِأَنَّ التَّوَقُّفَ عَلَى النِّيَّةِ فِي قَوْلِهِ شِيئِي الطَّلَاقَ لِأَنَّهُ لَمْ يُضِفْ الطَّلَاقَ إلَيْهَا فَيَحْتَمِلُ تَفْوِيضَ طَلَاقِ غَيْرِهَا وَأَمَّا شِيئِي طَلَاقَك فَإِنَّهُ يَقَعُ بِلَا نِيَّةٍ لِأَنَّهُ بِمَعْنَى أَوْجِدِي طَلَاقَك كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَذُكِرَ فِي الْمَوَاقِفِ إنَّ الْإِرَادَةَ عِنْدَ أَصْحَابِنَا صِفَةٌ ثَالِثَةٌ مُغَايِرَةٌ لِلْعِلْمِ، وَالْقُدْرَةِ تُوجِبُ تَخْصِيصَ أَحَدِ الْمَقْدُورَيْنِ بِالْوُقُوعِ اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ لَهَا أَنْت طَالِقٌ إنْ أَحْبَبْت فَقَالَتْ شِئْت وَقَعَ لِأَنَّ فِيهَا مَعْنَى الْمَحَبَّةِ وَزِيَادَةً. وَلَوْ قَالَ إنْ شِئْت فَقَالَتْ أَحْبَبْت لَا يَقَعُ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا مَعْنَى الْإِيجَادِ فَلَمْ تُوجَدْ الْمَشِيئَةُ، وَلَوْ قَالَ إنْ شِئْت فَأَنْت طَالِقٌ فَقَالَتْ نَعَمْ أَوْ قَبِلَتْ أَوْ رَضِيَتْ لَا يَقَعُ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِمَشِيئَتِهَا لَفْظًا وَذَلِكَ لَيْسَ بِمَشِيئَةٍ فَلَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَا لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ إنْ قَبِلْت فَقَالَتْ شِئْت حُكِيَ عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي بَكْرٍ الْبَلْخِيّ أَنَّهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ لِأَنَّهَا أَتَتْ بِالْقَبُولِ وَزِيَادَةٍ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ كَانَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَهِيَ وَارِدَةٌ عَلَى الْكِتَابِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَقَدْ يُقَالُ لَا تَرِدُ لِانْصِرَافِهِ إلَى الْمُنَجَّزِ دُونَ الْمُعَلَّقِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّ فِيهِ الْوُجُودَ) كَذَا فِي النُّسَخِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ فِيهِ تَحْرِيفًا، وَالْأَصْلُ فَإِنَّهُ فِيهِ الْمَوْجُودُ أَيْ فَإِنَّ الشَّيْءَ فِي الْعُرْفِ هُوَ الْمَوْجُودُ، وَالْمَشِيئَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْهُ فَتُنْبِئُ عَنْ الْوُجُودِ وَعِبَارَةُ الْفَتْحِ فَتَوْجِيهُهُ أَنْ يُعْتَبَرَ الْعُرْفُ فِيهِ يَعْنِي يَكُونُ الْعُرْفُ الْعَامُّ أَنَّ الشَّيْءَ الْمَوْجُودَ، وَالْمَشِيئَةُ مِنْهُ (قَوْلُهُ: وَهُوَ سَهْوٌ. . . إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ لَيْسَ بِسَهْوٍ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الْمَشِيئَةِ مِنْ النِّيَّةِ كَمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ لِأَنَّهُ الْمَشِيئَةُ، وَإِنْ كَانَتْ تُنْبِئُ عَنْ الْوُجُودِ إلَّا أَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ النِّيَّةِ لِأَنَّهُ قَدْ يَقْصِدُ وُجُودَهُ وُقُوعًا، وَقَدْ يَقْصِدُ وُجُودَهُ مِلْكًا إذْ لَا يَقَعُ بِالشَّكِّ، وَفِي قَوْلِهِ شِيئِي طَلَاقَك يَحْتَمِلُ أَوْجِدِيهِ مِلْكًا فَكَيْفَ يَحْكُمُ عَلَيْهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 364 مُعَلَّقًا بِالْمَحَبَّةِ فَقَالَتْ شِئْت وَذَكَرَ هِشَامٌ فِي نَوَادِرِهِ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ عَلَى أَلْفٍ إنْ شِئْت لَمْ يَقَعْ حَتَّى تَقْبَلَ بِخِلَافِ قَوْلِهِ قَبِلْت لِأَنَّ هَذِهِ مُعَاوَضَةٌ، وَالْمُعَاوَضَةُ لَا تَتِمُّ إلَّا بِالْقَبُولِ اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْقَبُولَ لَا يَكْفِي عَنْ الْمَشِيئَةِ إلَّا فِي الطَّلَاقِ عَلَى مَالٍ وَلَمْ أَرَ حُكْمَ مَا إذَا عَلَّقَهُ بِالْإِرَادَةِ فَأَجَابَتْ بِالْمَحَبَّةِ أَوْ عَكْسَهُ أَوْ بِالرِّضَا، وَفِي شَرْحِ الْمُسَابَرَةِ الرِّضَا تَرْكُ الِاعْتِرَاضِ عَلَى الشَّيْءِ لِإِرَادَةِ وُقُوعِهِ، وَالْمَحَبَّةُ إرَادَةٌ خَاصَّةٌ وَهِيَ مَا لَا يَتْبَعُهَا تَبِعَةٌ وَمُؤَاخَذَةٌ، وَالْإِرَادَةُ أَعَمُّ فَهِيَ مُنْفَكَّةٌ عَنْهَا فِيمَا إذَا تَعَلَّقَتْ بِمَا يَتْبَعُهُ تَبَعَةٌ اهـ. وَلَمْ يُصَرِّحْ الْمُصَنِّفُ بِالتَّقْيِيدِ بِالْمَجْلِسِ لِلْعِلْمِ بِهِ مِنْ حُكْمِ " مَتَى " وَأَخَوَاتِهَا فَإِنَّهُ لَمَّا لَمْ يَتَقَيَّدْ فِيهَا تَقَيَّدَ فِي " إنَّ " " وَلَا بُدَّ " مِنْ مَشِيئَتِهَا فِي مَجْلِسِهَا فِي التَّعْلِيقِ بِالْمَشِيئَةِ، وَالْمَحَبَّةِ، وَالرِّضَا، وَالْإِرَادَةِ وَكُلِّ مَا هُوَ مِنْ الْمَعَانِي الَّتِي لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهَا غَيْرُهَا كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الْمَشِيئَةَ الْمُضَافَةَ وَحَاصِلُ مَا فِي الْمُحِيطِ أَنَّ الْمَشِيئَةَ إنْ تَأَخَّرَتْ عَنْ الْوَقْتِ كَأَنْتِ طَالِقٌ غَدًا إنْ شِئْت فَإِنَّ الْمَشِيئَةَ لَهَا فِي الْغَدِ فَقَطْ، وَإِنْ قَدَّمَ الْمَشِيئَةَ كَإِنْ شِئْت فَأَنْتِ طَالِقٌ غَدًا ذُكِرَ فِي الزِّيَادَاتِ أَنَّ لَهَا الْمَشِيئَةَ فِي الْحَالِ وَعَنْ أَبِي يُوسُف أَنَّ لَهَا الْمَشِيئَةَ فِي الْغَدِ فَلَوْ قَالَ: إنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ فَهِيَ طَالِقٌ إنْ شَاءَتْ فَتَزَوَّجَهَا فَلَهَا الْمَشِيئَةُ فِي مَجْلِسِ الْعِلْمِ، وَلَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ أَمْسِ إنْ شِئْت فَلَهَا الْمَشِيئَةُ فِي الْحَالِ اهـ. وَفِي الْمِعْرَاجِ: لَوْ قَالَ لَهَا إنْ شِئْت فَأَنْت طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ لِأُخْرَى طَلَاقُك مَعَ طَلَاقِ هَذِهِ فَشَاءَتْ طَلُقَتْ وَيَنْوِي فِي الْأُخْرَى لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَرَادَ امْرَأَتَهُ مَعَهَا فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَمْلُوكٌ لَهُ لَا الْمَعِيَّةُ فِي الْوُقُوعِ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ، وَفِيهِ لَوْ قَالَ لَهَا: أَخْرِجِي إنْ شِئْت يَنْوِي الطَّلَاقَ فَشَاءَتْ طَلُقَتْ، وَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ شِئْت إنْ شِئْت إلَى كُلِّ مَشِيئَةٍ مُعَلَّقَةٍ بِمَشِيئَةِ غَيْرِهَا، وَلَوْ كَانَ الطَّلَاقُ مُعَلَّقًا عَلَى مَشِيئَةِ ذَلِكَ الْغَيْرِ أَيْضًا لِمَا فِي الْمُحِيطِ: لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ إنْ شِئْت وَشَاءَ فُلَانٌ فَقَالَتْ قَدْ شِئْت إنْ شَاءَ فُلَانٌ وَقَالَ فُلَانٌ شِئْت لَا يَقَعُ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِمَشِيئَةٍ مُرْسَلَةٍ مُنَجَّزَةٍ مِنْهَا وَهِيَ أَتَتْ بِمَشِيئَةٍ مُعَلَّقَةٍ فَبَطَلَتْ مَشِيئَتُهَا وَبِمَشِيئَةِ فُلَانٍ وُجِدَ بَعْضُ الشَّرْطِ فَلَا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ اهـ. وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا إذَا عَلَّقَهُ بِمَشِيئَتِهَا وَعَدَمِ مَشِيئَتِهَا أَوْ بِمَشِيئَتِهَا وَإِبَائِهَا أَوْ بِأَحَدِهِمَا وَحَاصِلُ مَا فِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ إنْ جَعَلَ الْمَشِيئَةَ، وَالْإِبَاءَ شَرْطًا وَاحِدًا وَكَذَا الْمَشِيئَةُ وَعَدَمُهَا فَإِنَّهَا لَا تَطْلُقُ أَبَدًا لِلتَّعَذُّرِ كَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْت وَأَبَيْت أَوْ إنْ شِئْت وَلَمْ تَشَائِي، وَإِنْ كَرَّرَ " إنْ " وَقَدَّمَ الْجَزَاءَ كَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْت، وَإِنْ لَمْ تَشَائِي فَشَاءَتْ فِي مَجْلِسِهَا طَلُقَتْ، وَإِنْ قَامَتْ مِنْ غَيْرِ مَشِيئَةٍ تَطْلُقُ أَيْضًا لِأَنَّهُ جَعَلَ كُلًّا مِنْهُمَا شَرْطًا عَلَى حِدَةٍ كَقَوْلِهِ أَنْت طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ، وَإِنْ لَمْ تَدْخُلِي فَأَيُّهُمَا وُجِدَ طَلُقَتْ، وَإِنْ أَخَّرَ الْجَزَاءَ كَإِنْ شِئْت، وَإِنْ لَمْ تَشَائِي فَأَنْت طَالِقٌ لَا تَطْلُقُ بِهَذَا أَبَدًا لِأَنَّهُ مَعَ التَّأْخِيرِ صَارَا كَشَرْطٍ وَاحِدٍ وَتَعَذَّرَ اجْتِمَاعُهُمَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَمْكَنَ اجْتِمَاعُهُمَا فَإِنَّهَا لَا تَطْلُقُ حَتَّى يُوجَدَا نَحْوُ: إنْ أَكَلْت، وَإِنْ شَرِبْت فَأَنْت طَالِقٌ، وَإِنْ كَرَّرَ إنْ وَأَحَدُهُمَا الْمَشِيئَةُ، وَالْآخَرُ الْإِبَاءُ كَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْت، وَإِنْ أَبَيْت فَإِنْ شَاءَتْ وَقَعَ، وَإِنْ أَبَتْ وَقَعَ، وَإِنْ سَكَتَتْ حَتَّى قَامَتْ عَنْ الْمَجْلِسِ لَا يَقَعُ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا شَرْطٌ عَلَى حِدَةٍ، وَالْإِبَاءُ فِعْلٌ كَالْمَشِيئَةِ فَأَيُّهُمَا وُجِدَ يَقَعُ، وَإِنْ انْعَدَمَا لَا يَقَعُ وَكَذَا لَوْ لَمْ يُكَرِّرْ إنْ وَعَطَفَ بِأَوْ كَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْت أَوْ أَبَيْت لِأَنَّهُ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِأَحَدِهِمَا، وَلَوْ قَالَ: إنْ شِئْت فَأَنْت طَالِقٌ، وَإِنْ لَمْ تَشَائِي فَأَنْت طَالِقٌ طَلُقَتْ لِلْحَالِ، وَلَوْ قَالَ: إنْ كُنْت تُحِبِّينَ الطَّلَاقَ فَأَنْت طَالِقٌ، وَإِنْ كُنْت تُبْغِضِينَ فَأَنْت طَالِقٌ لَا تَطْلُقُ، وَالْفَرْقُ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ لَا تُحِبَّ وَلَا تُبْغِضَ فَلَمْ يَتَيَقَّنْ بِشَرْطِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ فَإِمَّا لَا يَجُوزُ أَنْ تَشَاءَ أَوْ لَا تَشَاءُ فَيَكُونُ أَحَدُ الشَّرْطَيْنِ ثَابِتًا لَا مَحَالَةَ فَوَقَعَ، وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ إنْ أَبَيْت أَوْ كَرِهْت طَلَاقَك فَقَالَتْ أَبَيْت تَطْلُقُ. وَلَوْ قَالَ إنْ لَمْ تَشَائِي طَلَاقَك فَأَنْت طَالِقٌ ثُمَّ قَالَتْ لَا أَشَاءُ لَا تَطْلُقُ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَبَيْت صِيغَةٌ لِإِيجَادِ الْفِعْلِ وَهُوَ الْإِبَاءُ فَقَدْ عَلَّقَ بِالْإِبَاءِ مِنْهَا، وَقَدْ وُجِدَ فَوَقَعَ فَأَمَّا قَوْلُهُ: إنْ لَمْ تَشَائِي صِيغَةٌ لِلْعَدَمِ لَا لِلْإِيجَادِ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ إنْ لَمْ تَدْخُلِي الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ   [منحة الخالق] بِالسَّهْوِ بِمَا فِي الْمُحِيطِ وَهُوَ قَوْلٌ آخَرَ، وَقَدْ قَدَّمَ أَنَّهُ يُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ شِئْت طَلَاقَك يَقَعُ بِالنِّيَّةِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَيْنِ فَلَا يُحْكَمُ بِالسَّهْوِ عَلَى مَنْ تَكَلَّمَ مُفَرَّعًا عَلَى أَحَدِهِمَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يُصَرِّحْ الْمُصَنِّفُ بِالتَّقْيِيدِ بِالْمَجْلِسِ. . . إلَخْ) مَحَلُّ هَذَا بَعْدَ قَوْلِهِ: وَإِنْ كَانَ لِشَيْءٍ مَضَى طَلُقَتْ إذْ لَا يَقَعُ شَيْءٌ بِمَا قَدَّمَهُ مِنْ الْمَتْنِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا يَكُونُ فِي الْمَجْلِسِ أَوْ فِي غَيْرِهِ تَأَمَّلْ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 365 وَعَدَمُ الْمَشِيئَةِ لَا يَتَحَقَّقُ بِقَوْلِهَا لَا أَشَاءُ لِأَنَّ لَهَا أَنْ تَشَاءَ مِنْ بَعْدُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِالْمَوْتِ اهـ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْعِبَارَاتِ اخْتَلَفَتْ فِي قَوْلِهِ إنْ شِئْت وَأَبَيْت بِدُونِ تَكْرَارِ إنْ فَنُقِلَ فِي الْوَاقِعَاتِ عَنْ عَلَامَةِ النَّوَازِلِ كَمَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ أَبَدًا وَنُقِلَ قَبْلَهُ أَنَّ الصَّوَابَ أَنَّهُ لَا يَقَعُ حَتَّى يُوجَدَ الْمَشِيئَةُ، وَالْإِبَاءُ إلَّا أَنْ يَعْنِيَ الْوُقُوعَ فِي الْحَالِ وَذُكِرَ قَبْلَهُ أَنَّهَا إنْ شَاءَتْ يَقَعُ، وَإِنْ أَبَتْ يَقَعُ كَمَا لَوْ كَرَّرَ إنْ فَحَاصِلُهُ أَنَّ فِيهَا ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ، وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يَقَعُ حَتَّى يُوجَدَ أَوْ يُفَرَّقَ بَيْنَ إنْ شِئْت، وَإِنْ لَمْ تَشَائِي حَيْثُ لَا يَقَعُ وَبَيْنَ إنْ شِئْت وَأَبَيْت حَيْثُ يَقَعُ إذَا وُجِدَا وَأَشَارَ بِتَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِمَشِيئَتِهَا إلَى صِحَّةِ تَعْلِيقِ عَدَدِ الطَّلَاقِ بِمَشِيئَتِهَا أَيْضًا فَلِذَا قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ لَوْ قَالَ لَهَا أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا أَنْ تَشَائِي وَاحِدَةً، وَإِنْ شَاءَتْ وَاحِدَةً قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَجْلِسِهَا لَزِمَتْهَا وَاحِدَةٌ، وَكَذَا لَوْ قَالَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ فُلَانٌ وَاحِدَةً، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فُلَانٌ حَاضِرًا فَلَهُ ذَلِكَ فِي مَجْلِسِ عِلْمِهِ وَكَذَا لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا أَنْ يَرَى فُلَانٌ غَيْرَ ذَلِكَ تَقَيَّدَ بِالْمَجْلِسِ وَكَذَا لَوْ قَالَ إنْ لَمْ يَرَ فُلَانٌ غَيْرَ ذَلِكَ وَكَذَا لَوْ قَالَ إنْ رَأَى فُلَانٌ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ اهـ. وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ كَأَكْثَرِ الْمُؤَلَّفِينَ مَا لَوْ عَلَّقَهُ بِمَشِيئَةِ نَفْسِهِ وَذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ فَقَالَ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا أَنْ أَرَى غَيْرَ ذَلِكَ فَهَذَا لَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ حَتَّى لَوْ قَالَ بَعْدَمَا قَامَ عَنْ الْمَجْلِسِ رَأَيْت غَيْرَ ذَلِكَ لَا يَقَعُ الثَّلَاثَ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ إلَّا أَنْ أَشَاءَ أَنَا غَيْرَ ذَلِكَ فَهَذَا لَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ، وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْت طَالِقٌ إنْ شَاءَ فُلَانٌ أَوْ إنْ أَحَبَّ أَوْ إنْ رَضِيَ أَوْ إنْ هَوَى أَوْ إنْ أَرَادَ فَبَلَغَ فُلَانًا فَلَهُ مَجْلِسُ عِلْمِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ إنْ شِئْت أَنَا أَوْ إنْ أَحْبَبْت أَنَا لَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ قَضِيَّةَ الْقِيَاسِ فِي الْأَجْنَبِيِّ أَنْ لَا يَقْتَصِرَ عَلَى الْمَجْلِسِ كَسَائِرِ الشُّرُوطِ لَكِنْ تَرَكْنَا الْقِيَاسَ فِي الْأَجْنَبِيِّ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ مَعْنًى وَجَوَابُ التَّمْلِيكِ يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يَتَأَتَّى فِي حَقِّ الزَّوْجِ لِأَنَّ الزَّوْجَ كَانَ مَالِكًا لِلطَّلَاقِ قَبْلَ هَذَا فَلَا يَتَأَتَّى مِنْهُ التَّمْلِيكُ فَبَقِيَ هَذَا الشَّرْطُ فِي حَقِّ الزَّوْجِ مُلْحَقًا بِسَائِرِ الشُّرُوطِ فَلَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى الْمَجْلِسِ فِي حَقِّ الزَّوْجِ وَإِذَا قَالَ إنْ شِئْت أَنَا فَالزَّوْجُ كَيْفَ يَقُولُ حَتَّى يَقَعَ الطَّلَاقُ لَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْكُتُبِ. وَقَالَ مَشَايِخُنَا يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ شِئْت الَّذِي جَعَلَتْهُ إلَيَّ وَلَا يُشْتَرَطُ نِيَّةُ الطَّلَاقِ عِنْدَ قَوْلِهِ شِئْت وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَقُولَ شِئْت طَلَاقَك لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ بِقَوْلِهِ شِئْت وَإِنَّمَا يَقَعُ بِالْكَلَامِ السَّابِقِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ بِالْكَلَامِ السَّابِقِ مُعَلَّقٌ بِمَشِيئَةٍ اُعْتُبِرَتْ شَرْطًا مَحْضًا فَعِنْدَ قَوْلِهِ شِئْت يَقَعُ الطَّلَاقُ بِالْكَلَامِ السَّابِقِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ تَعْلِيقَ الزَّوْجِ طَلَاقَ الْمَرْأَةِ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ قَلْبِ نَفْسِهِ لَيْسَ بِتَفْوِيضٍ وَتَمْلِيكٍ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ، وَلَوْ قَالَ لَهَا أَنْت طَالِقٌ إنْ لَمْ يَشَأْ فُلَانٌ فَقَالَ فُلَانٌ لَا أَشَاءُ فِي الْمَجْلِسِ طَلُقَتْ، وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ ثُمَّ قَالَ لَا أَشَاءُ لَا تَطْلُقُ، وَالْفَرْقُ أَنَّ بِقَوْلِ الْأَجْنَبِيِّ لَا أَشَاءُ يَقَعُ الْيَأْسُ عَنْ شَرْطِ الْبِرِّ وَهُوَ مَشِيئَةُ طَلَاقِهَا فِي الْمَجْلِسِ، وَقَدْ تَبَدَّلَ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ، وَالِاعْتِبَارُ بِقَوْلِهِ لَا أَشَاءُ لَا اشْتِغَالُهُ بِمَا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْإِيقَاعِ فَإِنَّهُ يَكْفِيهِ فِي الْإِيقَاعِ السُّكُوتُ عَنْ الْمَشِيئَةِ حَتَّى يَقُومَ عَنْ الْمَجْلِسِ أَمَّا بِقَوْلِ الزَّوْجِ لَا أَشَاءُ لَا يَقَعُ الْيَأْسُ عَمَّا هُوَ شَرْطُ الْبِرِّ لِأَنَّ الْمَجْلِسَ، وَإِنْ تَبَدَّلَ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ إلَّا أَنَّ شَرْطَ الْبِرِّ فِي حَقِّ الزَّوْجِ عَدَمُ الْمَشِيئَةِ فِي الْعُمُرِ، وَالْعُمُرُ بَاقٍ فَلِهَذَا لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ اهـ. وَفِي الْجَامِعِ لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ قَالَ أَنْت طَالِقٌ إنْ شَاءَ فُلَانٌ أَوْ أَرَادَ أَوْ رَضِيَ أَوْ هَوَى فَيَقْتَصِرُ عَلَى مَجْلِسِ عِلْمِهِ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ بِخِلَافِ إضَافَتِهِ إلَى نَفْسِهِ، وَلَوْ قَالَ إنْ لَمْ يَشَأْ أَوْ إنْ لَمْ يُرِدْ فَقَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ أَوْ قَالَ فِيهِ لَا أَشَاءُ طَلُقَتْ بِخِلَافِ إنْ لَمْ يَشَأْ الْيَوْمَ، وَلَوْ قَالَ إنْ لَمْ أَشَأْ إنْ لَمْ أُرِدْ فَقَامَ أَوْ قَالَ لَا أَشَاءُ لَا تَطْلُقُ قَبْلَ مَوْتِهِ بِخِلَافِ إنْ أَبَيْت طَلَاقَك أَوْ كَرِهْت اهـ. وَفِي الْخَانِيَّةِ: أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا وَفُلَانَةُ وَاحِدَةً إنْ شِئْت فَشَاءَتْ وَاحِدَةً وَزَبَّبْتُ طَلُقَتْ فُلَانَةُ وَاحِدَةً وَيَبْطُلُ عَنْهَا الثَّلَاثُ اهـ. وَأَطْلَقَ الْبُطْلَانَ فَأَفَادَ عَدَمَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ وَأَنَّ الْأَمْرَ خَرَجَ مِنْ يَدِهَا لِاشْتِغَالِهَا بِمَا لَا يَعْنِيهَا. (قَوْلُهُ:   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 366 وَإِنْ كَانَ لِشَيْءٍ مَضَى طَلُقَتْ) يَعْنِي لَوْ قَالَتْ الْمَرْأَةُ شِئْت إنْ كَانَ فُلَانٌ قَدْ جَاءَ وَقَدْ جَاءَ طَلُقَتْ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِالْكَائِنِ تَنْجِيزًا وَلِذَا صَحَّ تَعْلِيقُ الْإِبْرَاءِ بِكَائِنٍ، وَالْمُرَادُ مِنْ الْمَاضِي الْمُحَقَّقِ وُجُودُهُ سَوَاءٌ كَانَ مَاضِيًا أَوْ حَاضِرًا كَقَوْلِهَا شِئْت إنْ كَانَ أَبِي فِي الدَّارِ وَهُوَ فِيهَا أَوْ إنْ كَانَ هَذَا لَيْلًا وَهِيَ فِي اللَّيْلِ أَوْ نَهَارًا هِيَ فِي النَّهَارِ أَوْ كَانَ هَذَا أَبِي أَوْ أُمِّي أَوْ زَوْجِي وَكَانَ هُوَ وَلَا يُرَدُّ أَنَّهُ لَوْ قَالَ هُوَ كَافِرٌ إنْ كُنْت فَعَلْت كَذَا وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ قَدْ فَعَلَهُ أَنَّهُ يَقْتَضِي عَلَى هَذَا الْكُفْرُ مَعَ أَنَّ الْمُخْتَارَ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ لِأَنَّ الْكُفْرَ يَبْتَنِي عَلَى تَبَدُّلِ الِاعْتِقَادِ وَتَبَدُّلُهُ غَيْرُ وَاقِعٍ مَعَ ذَلِكَ الْفِعْلِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَذُكِرَ أَنَّهُ الْأَوْجَهُ فَإِنْ قِيلَ لَوْ قَالَ هُوَ كَافِرٌ بِاَللَّهِ وَلَمْ يَتَبَدَّلْ اعْتِقَادُهُ يَجِبُ أَنْ يُكَفَّرَ فَلْيُكَفَّرْ هُنَا بِلَفْظِ هُوَ كَافِرٌ، وَإِنْ لَمْ يَتَبَدَّلْ اعْتِقَادُهُ قُلْنَا النَّازِلُ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ حُكْمُ اللَّفْظِ لَا عَيْنُهُ فَلَيْسَ هُوَ مُتَكَلِّمًا بَعْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ بِقَوْلِهِ هُوَ كَافِرٌ حَقِيقَةً اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ اللَّفْظَ الْمُوجِبَ لِلتَّكْفِيرِ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَبَدُّلِ الِاعْتِقَادِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مُعَلَّقًا بِالشَّرْطِ، وَلَوْ كَانَ كَائِنًا. (قَوْلُهُ: أَنْت طَالِقٌ مَتَى شِئْت أَوْ مَتَى مَا أَوْ إذَا أَوْ إذَا مَا فَرَدَّتْ الْأَمْرَ لَا يَرْتَدُّ وَلَا يَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ وَلَا تَطْلُقُ إلَّا وَاحِدَةً) أَمَّا فِي كَلِمَةِ مَتَى وَمَتَى مَا فَلِأَنَّهَا لِلْوَقْتِ وَهِيَ عَامَّةٌ فِي الْأَوْقَاتِ كُلِّهَا كَأَنَّهُ قَالَ فِي أَيِّ وَقْتٍ شِئْت فَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ، وَلَوْ رَدَّتْ الْأَمْرَ لَمْ يَكُنْ رَدًّا لِأَنَّهُ مَلَّكَهَا الطَّلَاقَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي شَاءَتْ فَلَمْ يَكُنْ تَمْلِيكًا قَبْلَ الْمَشِيئَةِ حَتَّى يَرْتَدَّ بِالرَّدِّ وَلَا تُطَلِّقُ نَفْسَهَا إلَّا وَاحِدَةً لِأَنَّهَا تَعُمُّ الْأَزْمَانَ دُونَ الْأَفْعَالِ فَتَمْلِكُ التَّطْلِيقَ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَلَا تَمْلِكُ تَطْلِيقًا بَعْدَ تَطْلِيقٍ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَتَعَقَّبَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّ هَذَا لَيْسَ تَمْلِيكًا فِي حَالٍ أَصْلًا لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِطَلَاقِهَا مُعَلَّقًا بِشَرْطِ مَشِيئَتِهَا فَإِذَا وُجِدَتْ مَشِيئَتُهَا وَقَعَ طَلَاقُهُ وَإِنَّمَا يَصِحُّ مَا ذَكَرَهُ فِي طَلِّقِي نَفْسَك مَتَى شِئْت لِأَنَّهَا تَتَصَرَّفُ بِحُكْمِ الْمِلْكِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَتْ طَلَّقْت نَفْسِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَإِنَّهُ، وَإِنْ وَقَعَ الطَّلَاقُ لَكِنَّ الْوَاقِعَ طَلَاقُهُ الْمُعَلَّقُ وَقَوْلُهَا طَلَّقْت إيجَادٌ لِلشَّرْطِ الَّذِي هُوَ مَشِيئَةُ الطَّلَاقِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ الْمَشِيئَةَ تُقَارِنُ الْإِيجَادَ اهـ. وَجَوَابُهُ أَنَّ هَذَا، وَإِنْ كَانَ تَعْلِيقًا لَكِنْ أَجْرَوْهُ مَجْرَى التَّمْلِيكِ فِي جَمِيعِ الْوُجُوهِ فَيَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ وَيَبْطُلُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ فَإِطْلَاقُ التَّمْلِيكِ عَلَيْهِ صَحِيحٌ وَلِذَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ يَتَضَمَّنُ مَعْنَيَيْنِ مَعْنَى التَّعْلِيقِ وَهُوَ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ بِتَطْلِيقِهَا، وَالتَّعْلِيقُ لَازِمٌ لَا يَقْبَلُ الْإِبْطَالَ وَيَتَضَمَّنُ مَعْنَى التَّمْلِيكِ لِأَنَّ تَعْلِيقَ الطَّلَاقِ بِمَشِيئَتِهَا تَمْلِيكٌ مِنْهَا لِأَنَّ الْمَالِكَ هُوَ الَّذِي يَتَصَرَّفُ عَنْ مَشِيئَتِهِ وَإِرَادَتِهِ وَهِيَ عَامِلَةٌ فِي التَّطْلِيقِ لِنَفْسِهَا، وَالْمَالِكُ هُوَ الَّذِي يَعْمَلُ لِنَفْسِهِ وَجَوَابُ التَّمْلِيكِ يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ اهـ. وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ مِنْ قِسْمِ التَّعْلِيقِ مَعْزِيًّا إلَى الْجَامِعِ لَوْ قَالَ لَهَا: أَنْت طَالِقٌ إنْ شِئْت أَوْ أَحْبَبْت أَوْ هَوَيْت فَلَيْسَ بِيَمِينٍ لِأَنَّ هَذَا تَمْلِيكٌ مَعْنًى تَعْلِيقٌ صُورَةً وَلِهَذَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ، وَالْعِبْرَةُ لِلْمَعْنَى دُونَ الصُّورَةِ اهـ. وَفَائِدَتُهُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ لَا يَحْلِفُ وَأَمَّا كَلِمَةُ إذَا وَإِذَا مَا فَهِيَ وَمَتَى سَوَاءٌ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَإِنْ كَانَ تُسْتَعْمَلُ لِلشَّرْطِ كَمَا تُسْتَعْمَلُ لِلْوَقْتِ لَكِنَّ الْأَمْرَ صَارَ بِيَدِهَا فَلَا يَخْرُجُ بِالشَّكِّ، وَقَدْ مَرَّ مِنْ قَبْلُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَتَعَقَّبَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّ الْوَجْهَ أَنْ يُقَالَ إنَّ قَوْلَهُ إذَا شِئْت يَحْتَمِلُ أَنَّهُ تَعْلِيقُ طَلَاقِهَا بِشَرْطٍ هُوَ مَشِيئَتُهَا وَأَنَّهُ إضَافَةٌ إلَى زَمَانِهِ وَعَلَى كُلٍّ مِنْ التَّقْدِيرَيْنِ لَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ حَتَّى إذَا تَحَقَّقَتْ مَشِيئَتُهَا بَعْدَ ذَلِكَ بِأَنْ قَالَتْ شِئْت ذَلِكَ الطَّلَاقَ أَوْ قَالَتْ طَلَّقْت نَفْسِي وَقَعَ مُعَلَّقًا كَانَ أَوْ مُضَافًا لَا مَا قَالَ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ الْأَمْرَ دَخَلَ فِي يَدِهَا فَلَا يَخْرُجُ بِالشَّكِّ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ ثَبَتَ مِلْكُهَا بِالتَّمْلِيكِ فَلَا يَخْرُجُ بِالشَّكِّ فَالْمُرَادُ بِإِذَا أَنَّهُ مَحْضُ الشَّرْطِ فَيَخْرُجُ مِنْ يَدِهَا بَعْدَ الْمَجْلِسِ أَوْ الزَّمَانِ فَلَا يَخْرُجُ كَمَتَى، وَقَدْ صَرَّحَ آنِفًا فِي مَتَى بِعَدَمِ ثُبُوتِ التَّمْلِيكِ قَبْلَ الْمَشِيئَةِ لِأَنَّهُ إنَّمَا مَلَّكَهَا فِي الْوَقْتِ الَّذِي شَاءَتْ فِيهِ فَلَمْ يَكُنْ تَمْلِيكًا قَبْلَهُ حَتَّى يَرْتَدَّ بِالرَّدِّ وَعَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فَاَلَّذِي دَخَلَ مِلْكَهَا تَحْقِيقُ الشَّرْطِ أَوْ الْمُضَافُ إلَيْهِ الزَّمَانُ وَهُوَ مَشِيئَتُهَا الطَّلَاقَ لِيَقَعَ طَلَاقُهُ وَعَلَى هَذَا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَجَوَابُهُ أَنَّ هَذَا، وَإِنْ كَانَ تَعْلِيقًا لَكِنْ أَجْرَوْهُ مَجْرَى التَّمْلِيكِ فِي جَمِيعِ الْوُجُوهِ فَيَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ وَيَبْطُلُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ) قَالَ الْمَقْدِسِيَّ: لَا يَخْفَى أَنَّ مُحَصَّلَ الْجَوَابِ أَنَّهُمْ تَسَامَحُوا وَجَعَلُوا تَعْلِيقَ الطَّلَاقِ بِمَشِيئَتِهَا، وَنَحْوُهَا فِي حُكْمِ التَّمْلِيكِ لِكَوْنِهَا إذَا شَاءَتْ وَقَعَ فَكَأَنَّهَا مَلَكَتْهُ وَهَذَا لَا يَنْفِي مَا حَقَّقَهُ فِي الْفَتْحِ، وَفِي النَّهْرِ وَهَذَا بَعْدَ أَنَّ الْكَلَامَ فِي مَتَى شِئْت سَهْوٌ ظَاهِرٌ يُرْشِدُ إلَيْهِ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلَا يَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ اهـ. وَأَجَابَ قَبْلَهُ عَنْ التَّعَقُّبِ بِأَنَّ هَذَا بِالنَّظَرِ إلَى صُورَتِهِ أَمَّا بِالنَّظَرِ إلَى مَعْنَاهُ فَتَمْلِيكٌ لِأَنَّ الْمَالِكَ هُوَ الَّذِي يَتَصَرَّفُ عَنْ مَشِيئَتِهِ وَإِرَادَتِهِ لِنَفْسِهِ وَهَذِهِ كَذَلِكَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 367 فَقَوْلُهُمْ فِي قَوْلِهِ أَنْت طَالِقٌ كُلَّمَا شِئْت لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا وَاحِدَةً بَعْدَ وَاحِدَةٍ مَعْنَاهُ تَطْلُقُ بِمُبَاشَرَةِ الشَّرْطِ تَجَوُّزًا بِالتَّطْلِيقِ عَنْهُ بِأَنْ تَقُولَ شِئْت طَلَاقِي أَوْ طَلَّقْت نَفْسِي فَيَقَعُ طَلَاقُهُ عِنْدَ تَحْقِيقِ الشَّرْطِ وَإِنَّمَا يَصِحُّ كَلَامُهُمْ فِي قَوْلِهِ طَلِّقِي نَفْسَك اهـ. وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الْحِينَ، وَفِي الْمُحِيطِ وَلَوْ قَالَ حِينَ شِئْت فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ إذَا شِئْت لِأَنَّ الْحِينَ عِبَارَةٌ عَنْ الْوَقْتِ اهـ. وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ مَا إذَا جَمَعَ بَيْنَ إنْ وَإِذَا وَذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ فَقَالَ: وَلَوْ قَالَ إنْ شِئْت فَأَنْت طَالِقٌ إذَا شِئْت فَلَهَا مَشِيئَتَانِ مَشِيئَةٌ فِي الْحَالِ وَمَشِيئَةٌ فِي عُمُومِ الْأَحْوَالِ لِأَنَّهُ عَلَّقَ مَشِيئَتَهَا فِي الْحَالِ طَلَاقًا مُعَلَّقًا بِمَشِيئَتِهَا فِي أَيِّ وَقْتٍ كَانَ، وَالْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ كَالْمُرْسَلِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ فَإِذَا شَاءَتْ فِي الْمَجْلِسِ صَارَ كَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إذَا شِئْت اهـ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ آخِرَ الْفَصْلِ، وَلَوْ قَالَ لَهَا: أَنْت طَالِقٌ إذَا شِئْت إنْ شِئْت أَوْ أَنْت طَالِقٌ إنْ شِئْت إذَا شِئْت فَهُمَا سَوَاءٌ تُطَلِّقُ نَفْسَهَا مَتَى شَاءَتْ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إنْ أَخَّرَ قَوْلَهُ إنْ شِئْت فَكَذَلِكَ، وَإِنْ قَدَّمَهُ تُعْتَبَرُ الْمَشِيئَةُ فِي الْحَالِ فَإِنْ شَاءَتْ فِي الْمَجْلِسِ تُطَلِّقُ نَفْسَهَا بَعْدَ ذَلِكَ إذَا شَاءَتْ وَلَوْ قَامَتْ عَنْ الْمَجْلِسِ قَبْلَ أَنْ تَقُولَ شَيْئًا بَطَلَ ثُمَّ ذَكَرَ مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْمُحِيطِ مَعْزِيًّا إلَى السَّرَخْسِيِّ وَإِنَّمَا ذَكَرَ مَا مَعَ مَتَى لِيُفِيدَ أَنَّهَا لَا تُفِيدُ التَّكْرَارَ مَعَهَا أَيْضًا رَدَّ الْقَوْلَ بَعْضُ النُّحَاةِ أَنَّهُ إذَا زِيدَ عَلَيْهَا مَا كَانَتْ لِلتَّكْرَارِ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ وَهُوَ ضَعِيفٌ لِأَنَّ الزَّائِدَ لَا يُفِيدُ غَيْرَ التَّأْكِيدِ وَهُوَ عِنْدَ بَعْضِ النُّحَاةِ لَا يُغَيِّرُ وَيَقُولُ قَوْلُهُمْ إنَّمَا زَيْدٌ قَائِمٌ بِمَنْزِلَةِ إنَّ زَيْدًا قَائِمٌ فَهُوَ يَحْتَمِلُ الْعُمُومَ كَمَا يَحْتَمِلُهُ إنَّ زَيْدًا قَائِمٌ وَعِنْدَ الْأَكْثَرِ يَنْقُلُ الْمَعْنَى مِنْ احْتِمَالِ الْعُمُومِ إلَى مَعْنَى الْحَصْرِ فَإِذَا قِيلَ إنَّمَا زَيْدٌ قَائِمٌ فَالْمَعْنَى لَا قَائِمَ إلَّا زَيْدٌ وَيَقْرُبُ مِنْهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ مَا يُمْكِنُ اسْتِيعَابُهُ مِنْ الزَّمَانِ يُسْتَعْمَلُ فِيهِ مَتَى وَمَا لَا يُمْكِنُ اسْتِيعَابُهُ يُسْتَعْمَلُ فِيهِ مَتَى مَا وَهُوَ الْقِيَاسُ، وَإِنْ وَقَعَتْ شَرْطًا كَانَتْ لِلْحَالِ فِي النَّفْيِ وَلِلْحَالِ، وَالِاسْتِقْبَالِ فِي الْإِثْبَاتِ اهـ. وَفِيهِ " إذَا " لَهَا مَعَانٍ أَحَدُهَا: أَنْ تَكُونَ ظَرْفًا لِمَا يُسْتَقْبَلُ مِنْ الزَّمَانِ، وَفِيهَا مَعْنَى الشَّرْطِ نَحْوُ: إذَا جِئْت أَكْرَمْتُك. وَالثَّانِي: أَنْ تَكُونَ لِلْوَقْتِ الْمُجَرَّدِ نَحْوُ قُمْ إذَا احْمَرَّ الْبُسْرُ أَيْ وَقْتَ احْمِرَارِهِ، وَالثَّالِثُ: أَنْ تَكُونَ مُرَادِفَةً لِلْفَاءِ فَيُجَازَى بِهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} [الروم: 36] اهـ. (قَوْلُهُ: وَفِي كُلَّمَا شِئْت لَهَا أَنْ تُفَرِّقَ الثَّلَاثَ وَلَا تَجْمَعَ) أَيْ لَوْ قَالَ لَهَا أَنْت طَالِقٌ كُلَّمَا شِئْت فَلَهَا أَنْ تُبَاشِرَ شَرْطَ الْوُقُوعِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى بِأَنْ تَقُولَ شِئْت طَلَاقِي أَوْ طَلَّقْت نَفْسِي فَيَقَعُ طَلَاقُهُ الْمُعَلَّقُ عِنْدَ تَحَقُّقِ الشَّرْطِ وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَقُولَ طَلَّقْت نَفْسِي ثَلَاثًا جُمْلَةً لِأَنَّ كُلَّمَا تَعُمُّ الْأَفْعَالَ، وَالْأَزْمَانَ عُمُومَ الِانْفِرَادِ لَا عُمُومَ الِاجْتِمَاعِ فَأَفَادَ أَنَّهَا لَا تَشَاءُ ثِنْتَيْنِ أَيْضًا، وَلَوْ شَاءَتْ ثِنْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا جُمْلَةً لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَعِنْدَهُمَا تَقَعُ وَاحِدَةً بِنَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْخِلَافِ، وَفِي الْمَبْسُوطِ: وَلَوْ قَالَتْ قَدْ شِئْت أَمْسِ تَطْلِيقَةً وَكَذَّبَهَا الزَّوْجُ فَالْقَوْلُ لِلزَّوْجِ لِأَنَّهَا أَخْبَرَتْ عَمَّا لَا تَمْلِكُ إنْشَاءَهُ فَإِنَّهَا أَخْبَرَتْ بِمَشِيئَةٍ كَانَتْ مِنْهَا أَمْسِ فَلَا يَبْقَى ذَلِكَ بَعْدَ مُضِيِّ أَمْسِ فَإِنْ قِيلَ أَلَيْسَ أَنَّهَا لَوْ شَاءَتْ فِي الْحَالِ يَصِحُّ مِنْهَا فَقَدْ أَخْبَرَتْ بِمَا تَمْلِكُ إنْشَاءَهُ قُلْنَا لَا كَذَلِكَ فَالْمَشِيئَةُ فِي الْحَالِ غَيْرُ الْمَشِيئَةِ فِي الْأَمْسِ وَكُلُّ مَشِيئَةٍ شَرْطُ تَطْلِيقَةٍ فَهِيَ لَا تَمْلِكُ إنْشَاءَ مَا أَخْبَرَتْ بِهِ إنَّمَا تَمْلِكُ إنْشَاءَ شَيْءٍ آخَرَ اهـ. وَاعْلَمْ أَنَّ كَلِمَةَ " كُلّ " إنَّمَا أَفَادَتْ التَّكْرَارَ بِدُخُولِ مَا عَلَيْهَا، وَلِذَا قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: " وَكُلُّ " كَلِمَةٌ تُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الِاسْتِغْرَاقِ بِحَسَبِ الْمَقَامِ، وَقَدْ تُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الْكَثِيرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} [الأحقاف: 25] أَيْ كَثِيرًا وَتُفِيدُ التَّكْرَارَ بِدُخُولِ مَا عَلَيْهِ نَحْوُ: كُلَّمَا أَتَاك زَيْدٌ فَأَكْرِمْهُ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ أَدَوَاتِ الشَّرْطِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَتْ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ لَا يَقَعُ) أَيْ لَوْ قَالَتْ طَلَّقْت نَفْسِي أَوْ شِئْت طَلَاقِي بَعْدَمَا طَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا مُتَفَرِّقَةً ثُمَّ عَادَتْ إلَيْهِ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ لَا يَقَعُ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ إنَّمَا يَنْصَرِفُ إلَى الْمِلْكِ الْقَائِمِ وَهُوَ الثَّلَاثُ فَبِاسْتِغْرَاقِهِ يَنْتَهِي التَّفْوِيضُ قَيَّدْنَا بِكَوْنِهِ بَعْدَ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ لِأَنَّهَا لَوْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ ثُمَّ عَادَتْ إلَيْهِ بَعْدَ   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 368 زَوْجٍ آخَرَ فَلَهَا أَنْ تُفَرِّقَ الثَّلَاثَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْهَدْمِ الْآتِيَةِ، وَفِي الْمَبْسُوطِ: لَوْ قَالَ لَهَا كُلَّمَا شِئْت فَأَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا فَقَالَتْ شِئْت وَاحِدَةً فَهَذَا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ مَعْنَى كَلَامِهِ كُلَّمَا شِئْت الثَّلَاثَ اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهَا لَا تَمْلِكُ تَكْرَارَ الْإِيقَاعِ إلَّا فِي كُلَّمَا وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا فِي الْخَانِيَّةِ لَوْ قَالَ لَهَا: أَمْرُك بِيَدِك فِي هَذِهِ السَّنَةِ فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا لَا يَكُونُ لَهَا الْخِيَارُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَفِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَهَا الْخِيَارُ اهـ. وَنَظِيرُ مَسْأَلَةِ الْمَبْسُوطِ مَا فِي الْمِعْرَاجِ لَوْ قَالَ لِرَجُلَيْنِ إنْ شِئْتُمَا فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَشَاءَ أَحَدُهُمَا وَاحِدَةً، وَالْآخَرُ ثِنْتَيْنِ لَا يَقَعُ شَيْءٌ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الْوُقُوعَ بِمَشِيئَتِهِمَا الثَّلَاثِ وَلَمْ تُوجَدْ. اهـ. . (قَوْلُهُ: وَفِي حَيْثُ شِئْت وَأَيْنَ شِئْت لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَشَاءَ فِي مَجْلِسِهَا) يَعْنِي إذَا قَالَ أَنْت طَالِقٌ حَيْثُ شِئْت إلَى آخِرِهِ فَلَوْ قَامَتْ مِنْهُ قَبْلَ مَشِيئَتِهَا فَلَا مَشِيئَةَ لَهَا لِأَنَّ حَيْثُ وَأَيْنَ اسْمَانِ لِلْمَكَانِ، وَالطَّلَاقُ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْمَكَانِ فَيُجْعَلُ مَجَازًا عَنْ الشَّرْطِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُفِيدُ ضَرْبًا مِنْ التَّأْخِيرِ وَحُمِلَ عَلَى إنْ دُونَ مَتَى وَمَا فِي مَعْنَاهَا لِأَنَّهَا أُمُّ الْبَابِ وَحَرْفُ الشَّرْطِ، وَفِيهِ يَبْطُلُ بِالْقِيَامِ وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ انْدَفَعَ سُؤَالَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ إذَا لَغَا ذِكْرُ الْمَكَانِ يَنْبَغِي أَنْ يُتَنَجَّزَ ثَانِيهِمَا أَنَّهُ إذَا كَانَ مَجَازًا عَنْ الشَّرْطِ فَلِمَ حُمِلَ عَلَى إنْ دُونَ مَتَى، وَفِي الْمِصْبَاحِ: حَيْثُ ظَرْفُ مَكَان وَتُضَافُ إلَى جُمْلَةٍ وَهِيَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الضَّمِّ وَتَجْمَعُ بِمَعْنَى ظَرْفَيْنِ لِأَنَّك تَقُولُ أَقُومُ حَيْثُ يَقُومُ زَيْدٌ فَيَكُونُ الْمَعْنَى أَقُومُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَقُومُ فِيهِ زَيْدٌ اهـ. وَفِيهِ وَأَيْنَ ظَرْفُ مَكَان يَكُونُ اسْتِفْهَامًا فَإِذَا قِيلَ أَيْنَ زَيْدٌ لَزِمَ الْجَوَابُ بِتَعْيِينِ مَكَانِهِ وَتَكُونُ شَرْطًا أَيْضًا وَتُزَادُ مَا فَيُقَالُ أَيْنَمَا تَقُمْ أَقُمْ. (قَوْلُهُ: وَفِي كَيْفَ شِئْت يَقَعُ رَجْعِيَّةً فَإِنْ شَاءَتْ بَائِنَةً أَوْ ثَلَاثًا وَنَوَاهُ وَقَعَ) يَعْنِي تَطْلُقُ فِي أَنْت طَالِقٌ كَيْفَ شِئْت وَتَبْقَى الْكَيْفِيَّةُ يَعْنِي كَوْنَهُ رَجْعِيًّا أَوْ بَائِنًا خَفِيفَةً أَوْ غَلِيظَةً مُفَوَّضَةً إلَيْهَا إنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا مِنْ الْكَيْفِيَّةِ، وَإِنْ نَوَى فَإِنْ اتَّفَقَ مَا نَوَاهُ وَمَا شَاءَتْهُ فَذَاكَ وَإِلَّا فَرَجْعِيَّةٌ وَعِنْدَهُمَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَصْلِ فَعِنْدَهُمَا مَا لَا يَقْبَلُ الْإِشَارَةَ فَحَالُهُ وَأَصْلُهُ سَوَاءٌ كَذَا فِي التَّوْضِيحِ وَيَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ أَنَّهَا لَوْ قَامَتْ عَنْ الْمَجْلِسِ قَبْلَ الْمَشِيئَةِ أَوْ رَدَّتْ لَا يَقَعُ شَيْءٌ عِنْدَهُمَا وَيَقَعُ رَجْعِيَّةً عِنْدَهُ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْمَدْخُولَةِ فَأَمَّا غَيْرُهَا فَبَائِنَةٌ وَلَغَتْ مَشِيئَتُهَا كَقَوْلِهِ لِعَبْدِهِ أَنْت حُرٌّ كَيْفَ شِئْت فَإِنَّهُ يَقَعُ الْعِتْقُ وَيَلْغُو ذِكْرُ الْمَشِيئَةِ وَعِنْدَهُمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَشِيئَةِ فِيهِمَا فِي الْمَجْلِسِ فَلَوْ شَاءَ عِنْدَهُمَا عَتَقَا عَلَى مَالٍ أَوْ إلَى أَجَلٍ أَوْ بِشَرْطٍ أَوْ التَّدْبِيرُ يَثْبُتُ مَا شَاءَهُ كَمَا فِي كَشْفِ الْأَسْرَارِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ كَيْفَ أَصْلُهَا لِلسُّؤَالِ عَنْ الْحَالِ ثُمَّ اُسْتُعْمِلَتْ لِلْحَالِ فِي: اُنْظُرْ إلَى كَيْفَ يَصْنَعُ، وَعَلَى الْحَالِيَّةِ: فَرْعُ الْكُلِّ غَيْرَ أَنَّهُمَا قَالَا لَا انْفِكَاكَ بَيْنَ الْأَصْلِ، وَالْحَالِ فَتَعَلَّقَ الْأَصْلُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: فَلَهَا أَنْ تُفَرِّقَ الثَّلَاثَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) أَقُولُ: مُقْتَضَى التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ أَوَّلًا أَنْ يُقَالَ خِلَافًا لَهُمَا لِأَنَّ مَا يَأْتِي فِي مَسْأَلَةِ الْهَدْمِ هُوَ أَنَّ الزَّوْجَ الثَّانِيَ يَهْدِمُ مَا دُونَ الثَّلَاثِ كَمَا يَهْدِمُ الثَّلَاثَ وَهَذَا عِنْدَهُمَا فَإِذَا طَلَّقَتْ وَاحِدَةً أَوْ أَكْثَرَ ثُمَّ عَادَتْ إلَيْهِ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ عَادَتْ إلَيْهِ بِمِلْكٍ جَدِيدٍ لِأَنَّ الزَّوْجَ الثَّانِيَ هَدَمَ مَا مَلَكَهُ الْأَوَّلُ فِي الْعَقْدِ السَّابِقِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَهْدِمُ الثَّلَاثَ فَقَطْ لَا مَا دُونَهَا فَلَوْ طَلَّقَتْ وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ ثُمَّ عَادَتْ إلَى الْأَوَّلِ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ عَادَتْ إلَيْهِ بِمَا بَقِيَ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ فَإِذَا كَانَ التَّعْلِيقُ يَنْصَرِفُ إلَى الْمِلْكِ الْقَائِمِ فَلَهَا أَنْ تُفَرِّقَ مَا بَقِيَ لِأَنَّهُ كَانَ قَائِمًا وَقْتَ الْعَقْدِ بِخِلَافِ مَا إذَا طَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا فَإِنَّهَا تَعُودُ إلَيْهِ بِثَلَاثٍ حَادِثَةٍ بَعْدَ التَّعْلِيقِ وَهَذَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَإِنَّهَا تَعُودُ بِثَلَاثٍ حَادِثَةٍ بِالْمِلْكِ الْجَدِيدِ سَوَاءٌ كَانَ الطَّلَاقُ ثَلَاثًا أَوْ أَقَلَّ فَلَا يُمْكِنُهَا أَنْ تُطَلِّقَ بِالتَّخْيِيرِ السَّابِقِ ثُمَّ رَأَيْت الْمُحَقِّقَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَوْرَدَ فِي بَابِ التَّعْلِيقِ مَا اسْتَشْكَلَهُ ثُمَّ أَجَابَ عَنْهُ حَيْثُ قَالَ عِنْدَ قَوْلِ الْهِدَايَةِ: وَإِنْ قَالَ لَهَا إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا وَطَلَّقَهَا ثِنْتَيْنِ. . . إلَخْ وَأَوْرَدَ بَعْضُ أَفَاضِلِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ لَا يَقَعَ إلَّا وَاحِدَةً لِقَوْلِهِمْ إنَّ الْمُعَلَّقَ طَلْقَاتُ هَذَا الْمِلْكِ، وَالْفَرْضُ أَنَّ الْبَاقِيَ مِنْ هَذَا الْمِلْكِ لَيْسَ إلَّا وَاحِدَةً فَكَانَ كَمَا لَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثِنْتَيْنِ ثُمَّ قَالَ لَهَا أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا فَإِنَّمَا يَقَعُ وَاحِدَةً لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ فِي مِلْكِهِ سِوَاهَا. وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذِهِ مَشْرُوطَةٌ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الْمُعَلَّقَ طَلْقَاتُ هَذَا الْمِلْكِ الثَّلَاثِ مَا دَامَ مِلْكُهُ لَهَا فَإِذَا زَالَ بَقِيَ الْمُعَلَّقُ ثَلَاثًا مُطَلَّقَةً كَمَا هُوَ اللَّفْظُ لَكِنْ بِشَرْطِ بَقَائِهَا مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ فَإِذَا نَجَّزَ ثِنْتَيْنِ زَالَ مِلْكُ الثَّلَاثِ فَبَقِيَ الْمُعَلَّقُ ثَلَاثًا مُطَلَّقَةً مَا بَقِيَتْ مَحَلِّيَّتُهَا وَأَمْكَنَ وُقُوعُهَا وَهَذَا ثَابِتٌ فِي تَنْجِيزِهِ الثِّنْتَيْنِ فَيَقَعُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ. قُلْت وَأَصْلُ هَذَا مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِ الزَّيْلَعِيِّ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَيَبْطُلُ تَنْجِيزُ الثَّلَاثِ تَعْلِيقُهُ لِأَنَّ الْجَزَاءَ طَلْقَاتُ هَذَا الْمِلْكِ فَقَالَ فَإِنْ قِيلَ يُشْكِلُ هَذَا بِمَا إذَا طَلَّقَهَا طَلْقَتَيْنِ ثُمَّ عَادَتْ إلَيْهِ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ فَدَخَلَتْ حَيْثُ تَطْلُقُ ثَلَاثًا وَأَجَابَ بِأَنَّ الْمَحَلَّ بَاقٍ بَعْدَ الثِّنْتَيْنِ إذَا الْمَحَلِّيَّةُ بِاعْتِبَارِ صِفَةِ الْحِلِّ وَهِيَ قَائِمَةٌ بَعْدَ الطَّلْقَتَيْنِ فَتَبْقَى الْيَمِينُ، وَقَدْ اسْتَفَادَ مِنْ جِنْسِ مَا انْعَقَدَ عَلَيْهِ الْيَمِينُ فَيَسْرِي إلَيْهِ حُكْمُ الْيَمِينِ تَبَعًا، وَإِنْ لَمْ يَنْعَقِدْ الْيَمِينُ عَلَيْهِ قَصْدًا اهـ. . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 369 لِتَعَلُّقِ الْحَالِ وَمَنَعَهُ الْإِمَامُ، وَالْحَقُّ قَوْلُهُ: لِانْتِقَاضِ قَاعِدَتِهِمَا كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي شَرْحِ الْمَنَارِ وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ انْدَفَعَ مَا قِيلَ إنَّهَا لِلشَّرْطِ عِنْدَهُمَا لِأَنَّ شَرْطَ شَرْطِيَّتِهَا اتِّفَاقُ فِعْلَيْ الشَّرْطِ، وَالْجَزَاءِ لَفْظًا وَمَعْنًى نَحْوُ كَيْفَ تَصْنَعُ أَصْنَعُ بِالرَّفْعِ وَتَمَامُهُ فِي الْمُغْنِي وَقَيَّدَ بِإِضَافَةِ الْمَشِيئَةِ إلَى الْعَبْدِ لِأَنَّهُ لَوْ أَضَافَهَا إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّ مَشِيئَةَ الْكَيْفِيَّةِ تَلْغُو وَتَقَعُ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً لِعَدَمِ الِاطِّلَاعِ عَلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَلَّلَهُ فِي الْمُحِيطِ بِأَنَّهُ تَحْقِيقٌ وَلَيْسَ بِتَعْلِيقٍ اهـ. وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَقَعَ شَيْءٌ عَلَى قَوْلِهِمَا لِأَنَّ الْحَالَ، وَالْأَصْلَ سَوَاءٌ عِنْدَهُمَا، وَفِي الْمِصْبَاحِ: كَلِمَةُ كَيْفَ يُسْتَفْهَمُ بِهَا عَنْ حَالِ الشَّيْءِ، وَعَنْ صِفَتِهِ يُقَالُ: كَيْفَ زَيْدٌ وَيُرَادُ السُّؤَالُ عَنْ صِحَّتِهِ وَسَقَمِهِ وَعُسْرِهِ وَيُسْرِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَتَأْتِي لِلتَّعَجُّبِ، وَالتَّوْبِيخِ، وَالْإِنْكَارِ وَلِلْحَالِ لَيْسَ مَعَهُ سُؤَالٌ، وَقَدْ تَتَضَمَّنَ مَعْنَى النَّفْيِ، وَكَيْفِيَّةُ الشَّيْءِ حَالُهُ وَصِفَتُهُ اهـ. . (قَوْلُهُ: وَفِي: كَمْ شِئْت أَوْ مَا شِئْت تَطْلُقُ مَا شَاءَتْ، وَإِنْ رَدَّتْ ارْتَدَّ) يَعْنِي فَيَتَعَلَّقُ أَصْلُ الطَّلَاقِ بِمَشِيئَتِهَا اتِّفَاقًا لِأَنَّ كَمْ اسْمٌ لِلْعَدَدِ فَكَانَ التَّفْوِيضُ فِي نَفْسِ الْعَدَدِ، وَالْوَاحِدُ عَدَدٌ فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ لِمَا تَكَرَّرَ مِنْ إطْلَاقِ الْعَدَدِ وَإِرَادَةِ الْوَاحِدَةِ وَقَوْلُهُ: مَا شِئْت تَعْمِيمٌ لِلْعَدَدِ فَأَفَادَ بِقَوْلِهِ مَا شَاءَتْ أَنَّ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ وَلَا يَكُونُ بِدْعِيًّا إلَّا مَا أَوْقَعَهُ الزَّوْجُ لِأَنَّهَا مُضْطَرَّةٌ إلَى ذَلِكَ لِأَنَّهَا لَوْ فَرَّقَتْ خَرَجَ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا، وَفِي الْقَامُوسِ: كَمْ اسْمٌ نَاقِصٌ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكُونِ أَوْ مُؤَلَّفَةٌ مِنْ كَافِ التَّشْبِيهِ وَمَا، ثُمَّ قَصُرَتْ وَأُسْكِنَتْ وَهِيَ لِلِاسْتِفْهَامِ وَيُخْفَضُ مَا بَعْدَهَا حِينَئِذٍ كَرُبَّ، وَقَدْ تُرْفَعُ تَقُولُ كَمْ رَجُلٌ كَرِيمٌ قَدْ أَتَانِي، وَقَدْ تُجْعَلُ اسْمًا تَامًّا فَيُصْرَفُ وَيُشَدَّدُ تَقُولُ أَكْثِرْ مِنْ الْكَمِّ، وَالْكَمِيَّةِ اهـ. وَفِي الْمُغْنِي: كَمْ خَبَرِيَّةٌ بِمَعْنَى: كَثِيرٍ، وَاسْتِفْهَامِيَّةٌ بِمَعْنَى: أَيُّ عَدَدٍ وَيَشْتَرِكَانِ فِي خَمْسَةِ أُمُورٍ الِاسْمِيَّةِ، وَالْإِبْهَامِ، وَالِافْتِقَارِ إلَى التَّمْيِيزِ، وَالْبِنَاءِ وَلُزُومِ التَّصْدِيرِ وَيَفْتَرِقَانِ فِي خَمْسَةٍ أَحَدُهَا أَنَّ الْكَلَامَ مَعَ الْخَبَرِيَّةِ يَحْتَمِلُ التَّصْدِيقَ، وَالتَّكْذِيبَ بِخِلَافِهِ مَعَ الِاسْتِفْهَامِيَّة الثَّانِي أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ بِالْخَبَرِيَّةِ لَا يَسْتَدْعِي مِنْ مُخَاطِبِهِ جَوَابًا لِأَنَّهُ مُخْبِرٌ، وَالْمُتَكَلِّمُ بِالِاسْتِفْهَامِيَّةِ يَسْتَدْعِيهِ لِأَنَّهُ مُسْتَخْبِرٌ الثَّالِثُ أَنَّ الِاسْمَ الْمُبْدَلَ مِنْ الْخَبَرِيَّةِ لَا يَقْتَرِنُ بِالْهَمْزَةِ بِخِلَافِ الْمُبْدَلِ مِنْ الِاسْتِفْهَامِيَّة الرَّابِعُ أَنَّ تَمْيِيزَ الْخَبَرِيَّةِ مُفْرَدٌ أَوْ مَجْمُوعٌ وَلَا يَكُونُ تَمْيِيزُ الِاسْتِفْهَامِيَّة إلَّا مُفْرَدًا، وَالْخَامِسُ أَنَّ تَمْيِيزَ الْخَبَرِيَّةِ وَاجِبُ الْخَفْضِ وَتَمْيِيزُ الِاسْتِفْهَامِيَّة مَنْصُوبٌ وَلَا يَجُوزُ جَرُّهُ مُطْلَقًا وَتَمَامُهُ فِيهِ. (قَوْلُهُ: وَفِي طَلِّقِي مِنْ ثَلَاثٍ مَا شِئْت تَطْلُقَ مَا دُونَ الثَّلَاثِ) يَعْنِي لَيْسَ لَهَا أَنْ تَطْلُقَ الثَّلَاثَ عِنْدَ الْإِمَامِ خِلَافًا لَهُمَا نَظَرًا إلَى أَنَّ مَا لِلْعُمُومِ وَمِنْ لِلْبَيَانِ وَلَهُ أَنَّ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ وَرَجَّحَهُ فِي التَّحْرِيرِ بِأَنَّ تَقْدِيرَهُ عَلَى الْبَيَانِ مَا شِئْت مِمَّا هُوَ الثَّلَاثُ وَطَلِّقِي مَا شِئْت وَافٍ بِهِ فَالتَّبْعِيضُ مَعَ زِيَادَةِ مِنْ الثَّلَاثِ أَظْهَرُ اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ قَالَ: اخْتَارِي مِنْ الثَّلَاثِ مَا شِئْت. اهـ. تَمَّ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَقَيَّدَ بِإِضَافَةِ الْمَشِيئَةِ إلَى الْعَبْدِ) أَيْ إلَى الْمَخْلُوقِ وَهُوَ الزَّوْجَةُ هُنَا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 370 [بَابُ التَّعْلِيقِ فِي الطَّلَاق] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (بَابُ التَّعْلِيقِ) لِمَا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الْمُنَجَّزِ شَرَعَ فِي الْمُعَلَّقِ، وَالتَّعْلِيقُ مِنْ عَلَّقَهُ تَعْلِيقًا جَعَلَهُ مُعَلَّقًا كَذَا فِي الْقَامُوسِ، وَفِي الْمِصْبَاحِ عَلَّقْت الشَّيْءَ بِغَيْرِهِ وَأَعْلَقْتهُ؛ بِالتَّشْدِيدِ وَالْأَلِفِ فَتَعَلَّقَ اهـ. وَفِي الِاصْطِلَاحِ رَبْطُ حُصُولِ مَضْمُونِ جُمْلَةٍ بِحُصُولِ مَضْمُونِ جُمْلَةٍ أُخْرَى، وَتَعْبِيرُهُ بِالتَّعْلِيقِ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ الْهِدَايَةِ بِالْيَمِينِ لِشُمُولِ التَّعْلِيقِ الصُّورِيِّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يَمِينًا كَالتَّعْلِيقِ بِحَيْضِهَا وَطُهْرِهَا أَوْ بِحَيْضِهَا حَيْضَةً أَوْ بِمَا لَا يُمْكِنُهُ الِامْتِنَاعُ عَنْهُ كَطُلُوعِ الشَّمْسِ وَمَجِيءِ الْغَدِ أَوْ بِفِعْلٍ مِنْ أَفْعَالِ قَلْبِهَا كَالْمَحَبَّةِ وَالْمَشِيئَةِ أَوْ بِفِعْلٍ مِنْ أَفْعَالِ قَلْبِهِ فَإِنَّهُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ لَيْسَ بِيَمِينٍ كَمَا فِي الْمُحِيطِ فَلَا يَحْنَثُ لَوْ كَانَ حَلَفَ أَنْ لَا يَحْلِفَ بِهَا مَعَ أَنَّ بَعْضَهَا مَذْكُورٌ فِي هَذَا الْبَابِ كَالْمَحَبَّةِ وَالْحَيْضِ حَيْضَةً بِخِلَافِ إنْ دَخَلْت أَوْ إنْ حِضْت، وَفِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ لَوْ حَلَفَ لَا يَحْلِفُ يَحْنَثُ بِالتَّعْلِيقِ لِوُجُودِ الرُّكْنِ دُونَ الْإِضَافَةِ لِعَدَمِهِ إلَّا أَنْ يُعَلِّقَ بِأَعْمَالِ الْقَلْبِ أَوْ بِمَجِيءِ الشَّهْرِ فِي ذَوَاتِ الْأَشْهُرِ لِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِي التَّمْلِيكِ أَوْ بَيَانِ وَقْتِ السُّنَّةِ فَلَا يَتَمَحَّضُ لِلتَّعْلِيقِ، وَلِهَذَا لَمْ يَحْنَثْ بِتَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِالتَّطْلِيقِ لِاحْتِمَالِ حِكَايَةِ الْوَاقِعِ، وَلَا بِأَنْ أَدَّيْت فَأَنْتَ حُرٌّ، وَإِنْ عَجَزْت فَأَنْتَ رَقِيقٌ لِأَنَّهُ تَفْسِيرُ الْكِتَابَةِ، وَلَا بِأَنْ حِضْت حَيْضَةً أَوْ عِشْرِينَ حَيْضَةً لِاحْتِمَالِ تَفْسِيرِ السُّنَّةِ اهـ. . وَشَرْطُ صِحَّةِ التَّعْلِيقِ كَوْنُ الشَّرْطِ مَعْدُومًا عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ فَخَرَجَ مَا كَانَ مُحَقَّقًا كَقَوْلِهِ أَنْت طَالِقٌ إنْ   [منحة الخالق] بَابُ التَّعْلِيقِ) . (قَوْلُهُ وَتَعْبِيرُهُ بِالتَّعْلِيقِ أَوْلَى إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ إنَّمَا لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ يَمِينًا عُرْفًا، وَهَذَا لَا يُنَافِي كَوْنَهَا يَمِينًا فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ: اسْمُ الْيَمِينِ يَقَعُ عَلَى الْحَلِفِ بِاَللَّهِ تَعَالَى، وَعَلَى التَّعْلِيقِ، وَوَجَّهَهُ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّ الْيَمِينَ فِي الْأَصْلِ الْقُوَّةُ، وَسُمِّيَ الْحَلِفُ يَمِينًا لِإِفَادَتِهِ الْقُوَّةَ عَلَى الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، وَلَا شَكَّ فِي إفَادَةِ تَعْلِيقِ الْمَكْرُوهِ لِلنَّفْسِ عَلَى أَمْرٍ بِحَيْثُ يَنْزِلُ شَرْعًا عِنْدَ نُزُولِهِ قُوَّةَ الِامْتِنَاعِ عَنْ ذَلِكَ الْأَمْرِ، وَتَعْلِيقُ الْمَحْبُوبِ لَهَا عَلَى ذَلِكَ الْحَمْلِ عَلَيْهِ فَكَانَ يَمِينًا، نَعَمْ التَّعْلِيقُ فِي الْحَقِيقَةِ إنَّمَا هُوَ شَرْطٌ وَجَزَاءٌ فَإِطْلَاقُ الْيَمِينِ عَلَيْهِ مَجَازٌ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى السَّبَبِيَّةِ فَكَانَ التَّعْبِيرُ بِالتَّعْلِيقِ أَوْلَى. اهـ. قُلْت لَكِنْ مُفَادُ هَذَا أَنَّ التَّعْلِيقَ يُسَمَّى يَمِينًا إذَا كَانَ عَلَى أَمْرٍ مَكْرُوهٍ أَوْ مَحْبُوبٍ فَقَطْ لِيُفِيدَ تَأْكِيدَ الِامْتِنَاعِ أَوْ الْحَمْلِ بِخِلَافِ التَّعْلِيقِ عَلَى الْحَيْضِ أَوْ مَجِيءِ الْغَدِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، تَأَمَّلْ. وَقَالَ الْمُؤَلِّفُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْأَيْمَانِ، وَظَاهِرُ مَا فِي الْبَدَائِعِ أَنَّ التَّعْلِيقَ يَمِينٌ فِي اللُّغَةِ أَيْضًا قَالَ لِأَنَّ مُحَمَّدًا أَطْلَقَ عَلَيْهِ يَمِينًا، وَقَوْلُهُ حُجَّةٌ فِي اللُّغَةِ، وَذَكَرَ فِي الْبَدَائِعِ أَنَّ فَائِدَةَ الِاخْتِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَحْلِفُ ثُمَّ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَوْ الْعَتَاقِ فَعِنْدَ الْعَامَّةِ يَحْنَثُ، وَعِنْدَ أَصْحَابِ الظَّوَاهِرِ لَا يَحْنَثُ. اهـ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ إنْ دَخَلْت أَوْ إنْ حِضْت) الْأَوَّلُ ظَاهِرٌ دُونَ الثَّانِي فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَفِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ لَوْ حَلَفَ إلَخْ) تَقَدَّمَ شَرْحُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 2 كَانَ السَّمَاءُ فَوْقَنَا فَهُوَ تَنْجِيزٌ، وَخَرَجَ مَا كَانَ مُسْتَحِيلًا كَقَوْلِهِ إنْ دَخَلَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ فَأَنْت طَالِقٌ فَلَا يَقَعُ أَصْلًا لِأَنَّ غَرَضَهُ مِنْهُ تَحْقِيقُ النَّفْيِ حَيْثُ عَلَّقَهُ بِأَمْرٍ مُحَالٍ، وَهَذَا يَرْجِعُ إلَى قَوْلِهِمَا إمْكَانُ الْبِرِّ شَرْطُ انْعِقَادِ الْيَمِينِ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، وَعَلَى هَذَا ظَهَرَ مَا فِي الْخَانِيَّةِ لَوْ قَالَ لَهَا إنْ لَمْ تَرُدِّي عَلَيَّ الدِّينَارَ الَّذِي أَخَذْتِيهِ مِنْ كِيسِي فَأَنْت طَالِقٌ فَإِذَا الدِّينَارُ فِي كِيسِهِ لَا تَطْلُقُ امْرَأَةٌ، وَلَوْ قَالَ إنْ حِضْت، وَهِيَ حَائِضٌ، أَوْ مَرِضْت، وَهِيَ مَرِيضَةٌ فَعَلَى حَيْضَةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ، وَلَوْ قَالَ لِلصَّحِيحَةِ إنْ صَحَحْت فَأَنْت طَالِقٌ طَلَقَتْ السَّاعَةَ، وَكَذَا لَوْ قَالَ إنْ أَبْصَرْتِ أَوْ سَمِعْتِ، وَهِيَ بَصِيرَةٌ أَوْ سَمِيعَةٌ لِأَنَّ الصِّحَّةَ وَالسَّمْعَ أَمْرٌ يَمْتَدُّ فَكَانَ لِبَقَائِهِ حُكْمُ الِابْتِدَاءِ بِخِلَافِ الْحَيْضِ وَالْمَرَضِ فَإِنَّهُمَا مِمَّا لَا يَمْتَدُّ، وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ مَلَكْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ عَتَقَ حِينَ سَكَتَ، وَتَمَامُهُ فِي الْمُحِيطِ مِنْ بَابِ الشَّرْطِ الَّذِي يَحْتَمِلُ الْحَالَ وَالِاسْتِقْبَالَ، وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ قَوْلَهُمْ إنَّ مَا كَانَ مُحَقَّقًا تَنْجِيزٌ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ فِيمَا لِبَقَائِهِ حُكْمُ ابْتِدَائِهِ وَمِنْ شَرَائِطِهِ وُجُودُ رَابِطٍ حَيْثُ كَانَ الْجَزَاءُ مُؤَخَّرًا، وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ، وَمِنْ شَرَائِطِهِ أَنْ لَا يَفْصِلَ بَيْنَ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ فَاصِلٌ أَجْنَبِيٌّ فَإِنْ كَانَ مُلَائِمًا، وَذَكَرَ لِإِعْلَامِ الْمُخَاطَبَةِ أَوْ لِتَأْكِيدِ مَا خَاطَبَهَا بِمَعْنًى قَائِمٍ فِي الْمُنَادِي فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ كَقَوْلِهِ لِامْرَأَتِهِ أَنْت طَالِقٌ يَا زَانِيَةُ إنْ دَخَلْت الدَّارَ تَعَلَّقَ الطَّلَاقُ بِالدُّخُولِ، وَلَا حَدَّ، وَلَا لِعَانَ لِأَنَّهُ لِتَأْكِيدِ مَا خَاطَبَهَا بِهِ كَقَوْلِهِ يَا زَيْنَبُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ يَا زَانِيَةُ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت فَإِنَّهُ قَاذِفٌ، وَتَمَامُهُ فِي الْمُحِيطِ مِنْ بَابِ مَا يَتَخَلَّلُ بَيْنَ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ يَا عَمْرَةُ فَأَنْت طَالِقٌ، وَيَا زَيْنَبُ فَدَخَلَتْ عَمْرَةُ الدَّارَ طَلَقَتْ، وَيُسْأَلُ عَنْ نِيَّتِهِ فِي زَيْنَبَ، وَإِنْ قَالَ نَوَيْت طَلَاقَهَا أَيْضًا طَلَقَتْ أَيْضًا، وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ بِغَيْرِ وَاوٍ فَقَالَ نَوَيْت طَلَاقَهَا مَعَ عَمْرَةَ طَلَقَتَا جَمِيعًا، وَلَوْ قَدَّمَ الطَّلَاقَ فَقَالَ يَا عَمْرَةُ أَنْت طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ، وَيَا زَيْنَبُ فَدَخَلَتْ عَمْرَةُ الدَّارَ طَلَقَتَا جَمِيعًا. وَلَوْ قَالَ لَمْ أَنْوِ طَلَاقَ زَيْنَبَ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَتَمَامُهُ فِيهَا، وَفِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ مِنْ بَابِ الِاسْتِثْنَاءِ يَكُونُ عَلَى الْجَمِيعِ وَالْبَعْضِ يَا زَانِيَةُ إنْ تَخَلَّلَ الشَّرْطُ وَالْجَزَاءُ أَوْ الْإِيجَابُ، وَالِاسْتِثْنَاءُ لَمْ يَكُنْ قَذْفًا فِي الْأَصَحِّ، وَإِنْ تَقَدَّمَ أَوْ تَأَخَّرَ كَانَ قَذْفًا لِأَنَّهُ لِلِاسْتِحْضَارِ عَنْهُ عُرْفًا، وَلِإِثْبَاتِ الصِّفَةِ وَضْعًا فَلَاءَمَ مِنْ وَجْهٍ دُونَ آخَرَ فَعَلَّقَ خَلَلًا وَنَجَّزَ طَرَفًا، عَمَلًا بِهِمَا كَيَا طَالِقُ، وَقَدْ يُعَلِّقُ الْخَبَرَ لِلنَّفْيِ كَالْإِقْرَارِ اهـ. وَمِنْ شَرْطِهِ أَنْ لَا يَكُونَ الظَّاهِرُ قَصْدَ الْمُجَازَاةِ فَلَوْ سَبَّتْهُ بِنَحْوِ: قَرْطَبَانُ وَسِفْلَةٌ، فَقَالَ إنْ كُنْت كَمَا قُلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ تَنَجَّزَ سَوَاءٌ كَانَ الزَّوْجُ كَمَا قَالَتْ أَوْ لَمْ يَكُنْ لِأَنَّ الزَّوْجَ فِي الْغَالِبِ لَا يُرِيدُ إلَّا إيذَاءَهَا بِالطَّلَاقِ فَإِنْ أَرَادَ التَّعْلِيقَ يُدَيَّنُ، وَفَتْوَى أَهْلِ بُخَارَى عَلَيْهِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَمِنْ شَرْطِهِ الِاتِّصَالُ فَلَوْ أَلْحَقَ شَرْطًا بَعْدَ سُكُوتِهِ لَمْ يَصِحَّ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ رَجُلٌ لَهُ فَأْفَأَةٌ أَوْ ثِقَلٌ فِي لِسَانِهِ لَا يُمْكِنُهُ إتْمَامُ الْكَلَامِ إلَّا بَعْدَ مُدَّةٍ فَحَلَفَ بِالطَّلَاقِ، وَذَكَرَ الشَّرْطَ وَالِاسْتِثْنَاءَ بَعْدَ تَرَدُّدٍ وَتَكَلُّفٍ إنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِذَلِكَ جَازَ اسْتِثْنَاؤُهُ وَتَعْلِيقُهُ اهـ. وَرُكْنُهُ أَدَاةُ شَرْطٍ وَفِعْلُهُ وَجَزَاءٌ صَالِحٌ فَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى أَدَاةِ الشَّرْطِ لَمْ يَكُنْ تَعْلِيقًا اتِّفَاقًا، وَاخْتَلَفُوا فِي تَنْجِيزِهِ فَلِذَا قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ إنْ، وَلَمْ يَزِدْ تَطْلُقُ لِلْحَالِ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَلَا تَطْلُقُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ مَا أَرْسَلَ الْكَلَامَ إرْسَالًا ذَكَرَهُ فِي الْجَامِعِ الْعَتَّابِيِّ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا لَوْلَا أَوْ قَالَ وَإِلَّا أَوْ قَالَ إنْ كَانَ أَوْ قَالَ إنْ لَمْ يَكُنْ لَا تَطْلُقُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَبِهِ أَخَذَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ اهـ.   [منحة الخالق] فَصْلِ إضَافَةِ الطَّلَاقِ إلَى الزَّمَانِ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْحَيْضِ وَالْمَرَضِ إلَخْ) وَجْهُهُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ أَنَّ الشَّرْعَ لَمَّا عَلَّقَ بِجُمْلَتِهِ أَحْكَامًا لَا تَتَعَلَّقُ بِكُلِّ جُزْءٍ مِنْهُ فَقَدْ جَعَلَ الْكُلَّ شَيْئًا وَاحِدًا (قَوْلُهُ وَفِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ مِنْ بَابِ الِاسْتِثْنَاءِ إلَخْ) قَدَّمْنَا حَاصِلَ شَرْحِ هَذِهِ الْمَقَالَةِ أَوَّلَ فَصْلِ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ (قَوْلُهُ وَفَتْوَى أَهْلِ بُخَارَى عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى أَنَّهُ عَلَى الْمُجَازَاةِ، وَعِبَارَتُهُ وَنَصَّ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّ فَتْوَى أَهْلِ بُخَارَى عَلَى الْمُجَازَاةِ دُونَ الشَّرْطِ انْتَهَتْ قُلْت، وَفِي الذَّخِيرَةِ نَقْلًا عَنْ بَعْضِ الْفَتَاوَى أَنَّ فَتَاوَى أَهْلِ بُخَارَى عَلَى أَنَّهُ عَلَى الْمُجَازَاةِ دُونَ الشَّرْطِ، وَالْمُخْتَارُ وَالْفَتْوَى أَنَّهُ إنْ كَانَ فِي حَالَةِ الْغَضَبِ فَهُوَ عَلَى الْمُجَازَاةِ، وَإِلَّا فَهُوَ عَلَى الشَّرْطِ. اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الْفَتَاوَى الْخَانِيَّةِ عَنْ الْمُحِيطِ، وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ إنْ أَرَادَ التَّعْلِيقَ دُونَ الْمُجَازَاةِ لَا يَقَعُ مَا لَمْ يَكُنْ سِفْلَةً، وَتَكَلَّمُوا فِي مَعْنَى السِّفْلَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَكُونُ سِفْلَةً إنَّمَا السِّفْلَةُ الْكَافِرُ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ الَّذِي لَا يُبَالِي مَا قَالَ: وَمَا قِيلَ لَهُ، وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ الَّذِي يَلْعَبُ بِالْحَمَامِ، وَيُقَامِرُ، وَقَالَ خَلَفٌ أَنَّهُ مَنْ إذَا دُعِيَ إلَى طَعَامٍ يَحْمِلُ مِنْ هُنَاكَ شَيْئًا، وَالْفَتْوَى عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ هُوَ السَّفِلَةُ مُطْلَقًا اهـ وَفِي الْمِصْبَاحِ الْقَرْطَبَانُ الَّذِي تَقُولُهُ الْعَامَّةُ لِلَّذِي لَا غَيْرَةَ لَهُ فَهُوَ مُغَيَّرٌ عَنْ وَجْهِهِ قَالَ الْأَصْمَعِيُّ أَصْلُهُ كَلْتَبَانُ مِنْ الْكَلَبِ، وَهُوَ الْقِيَادَةُ، وَالتَّاءُ وَالنُّونُ زَائِدَتَانِ قَالَ: وَهَذِهِ اللَّفْظَةُ هِيَ الْقَدِيمَةُ عَنْ الْعَرَبِ، وَغَيَّرَتْهَا الْعَامَّةُ الْأُولَى فَقَالَتْ لُطْبَانُ ثُمَّ جَاءَتْ عَامَّةٌ سُفْلَى فَغَيَّرَتْ عَلَى الْأُولَى، وَقَالَتْ قَرْطَبَانُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 3 (قَوْلُهُ إنَّمَا يَصِحُّ فِي الْمِلْكِ كَقَوْلِهِ لِمَنْكُوحَتِهِ إنْ زُرْت فَأَنْت طَالِقٌ أَوْ مُضَافًا إلَيْهِ كَأَنْ نَكَحْتُك فَأَنْت طَالِقٌ) أَيْ مُعَلَّقًا بِسَبَبِ الْمِلْكِ كَقَوْلِهِ لِأَجْنَبِيَّةٍ إنْ نَكَحْتُك أَيْ تَزَوَّجْتُك فَإِنَّ النِّكَاحَ سَبَبٌ لِلْمِلْكِ فَاسْتُعِيرَ السَّبَبُ لِلْمُسَبَّبِ أَيْ إنْ مَلَكْتُك بِالنِّكَاحِ كَقَوْلِهِ إنْ اشْتَرَيْت عَبْدًا فَهُوَ حُرٌّ أَيْ إنْ مَلَكْته بِسَبَبِ الشِّرَاءِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ الْوَارِثُ لِعَبْدِ مُوَرِّثِهِ إنْ مَاتَ سَيِّدُك فَأَنْت حُرٌّ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ التَّعْلِيقُ لِأَنَّ الْمَوْتَ لَيْسَ بِمَوْضُوعٍ لِلْمِلْكِ بَلْ مَوْضُوعٌ لِإِبْطَالِهِ بِخِلَافِ الشِّرَاءِ، وَفِي كَشْفِ الْأَسْرَارِ وَلَوْ قَالَ لِحُرَّةٍ إنْ ارْتَدَيْت فَسُبِيت فَمَلَكْتُك فَأَنْت حُرَّةٌ صَحَّ. اهـ. لِأَنَّ السَّبْيَ مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ الْمَوْضُوعَةِ، وَلَوْ مَثَّلَ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ يَوْمَ أَتَزَوَّجُك لَكَانَ أَوْلَى، وَفِي الْمِعْرَاجِ، وَتَمْثِيلُهُ غَيْرُ مُطَابِقٍ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ مَحْضٌ بِحَرْفِ الشَّرْطِ، وَلَوْ أَضَافَهُ إلَى النِّكَاحِ لَا يَقَعُ كَمَا لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ مَعَ نِكَاحِك أَوْ فِي نِكَاحِك ذَكَرَهُ فِي الْجَامِعِ بِخِلَافِ أَنْت طَالِقٌ مَعَ تَزَوُّجِي إيَّاكِ فَإِنَّهُ يَقَعُ، وَهُوَ مُشْكِلٌ، وَقِيلَ الْفَرْقُ أَنَّهُ لَمَّا أَضَافَ التَّزَوُّجَ إلَى فَاعِلِهِ، وَاسْتَوْفَى مَفْعُولَهُ جَعَلَ التَّزْوِيجَ مَجَازًا عَنْ الْمِلْكِ لِأَنَّهُ سَبَبُهُ، وَحُمِلَ مَعَ عَلَى بَعْدَ تَصْحِيحًا لَهُ، وَفِي نِكَاحِك لَمْ يَذْكُرْ الْفَاعِلَ فَالْكَلَامُ نَاقِصٌ فَلَا يُقَدَّرُ بَعْدَ النِّكَاحِ فَلَا يَقَعُ، وَيَصِحُّ النِّكَاحُ اهـ. أَطْلَقَ الْمِلْكَ فَأَفَادَ أَنَّهُ يَشْمَلُ الْحَقِيقِيَّ كَالْمِلْكِ حَالَ بَقَاءَ النِّكَاحِ، وَالْحُكْمِيَّ كَبَقَاءِ الْعِدَّةِ، وَالتَّعْلِيقُ يَصِحُّ فِيهِمَا، وَقَدَّمْنَا عِنْدَ شَرْحِ قَوْلِهِ آخِرَ الْكِنَايَاتِ، وَالصَّرِيحُ يَلْحَقُ الصَّرِيحَ أَنَّ تَعْلِيقَ طَلَاقِ الْمُعْتَدَّةِ فِيهِمَا صَحِيحٌ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ إلَّا إذَا كَانَتْ مُعْتَدَّةً عَنْ بَائِنٍ، وَعَلَّقَ بَائِنًا كَمَا فِي الْبَدَائِعِ اعْتِبَارًا لِلتَّعْلِيقِ بِالتَّنْجِيزِ، وَفِي الْمِصْبَاحِ زَارَهُ يَزُورُهُ زِيَارَةً، وَزَوْرًا قَصَدَهُ فَهُوَ زَائِرٌ وَزَوْرٌ وَزُوَّارٌ مِثْلُ سَافِرٌ وَسَفْرٌ وَسُفَّارٌ، وَنِسْوَةٌ زَوْرٌ أَيْضًا وَزُوَّارٌ وَزَائِرَاتٌ، وَالْمَزَارُ يَكُونُ مَصْدَرًا وَمَوْضِعَ الزِّيَارَةِ، وَالزِّيَارَةُ فِي الْعُرْفِ قَصْدُ الْمَزُورِ إكْرَامًا لَهُ، وَاسْتِئْنَاسًا بِهِ اهـ. وَقَدَّمْنَا فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْحَجِّ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَزُورُهُ فَلَقِيَهُ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ، وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهَا بِمَا قَالَهُ فِي الْمِصْبَاحِ مِنْ الْإِكْرَامِ وَالِاسْتِئْنَاسِ لِلْعُرْفِ فَلَا يَحْنَثُ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ إلَّا مَعَ الْقَصْدِ لِلْإِكْرَامِ فَلَوْ كَانَ الشَّرْطُ زِيَارَتَهَا فَذَهَبَتْ مِنْ غَيْرِ قَصْدِ الْإِكْرَامِ لَمْ يَحْنَثْ، وَفِي عُرْفِنَا: زِيَارَةُ الْمَرْأَةِ لَا يَكُونُ إلَّا بِطَعَامٍ مَعَهَا يُطْبَخُ عِنْدَ الْمَزُورِ، وَفِي الْمُحِيطِ حَلَفَ لَيَزُورَنَّ فُلَانًا غَدًا أَوْ لَيَعُودَنَّهُ فَأَتَى بَابَهُ، وَاسْتَأْذَنَهُ فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ لَا يَحْنَثُ فَإِنْ أَتَى بَابَهُ، وَلَمْ يَسْتَأْذِنْهُ يَحْنَثُ حَتَّى يَصْنَعَ فِي ذَلِكَ مَا يَصْنَعُ الزَّائِرُ، وَالْعَائِدُ مِنْ الِاسْتِئْذَانِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الْأَوَّلِ لَمْ يُتَصَوَّرْ الْبِرُّ فَلَمْ يَنْعَقِدْ الْيَمِينُ، وَفِي الثَّانِي يُتَصَوَّرُ، وَهَكَذَا ذَكَرَ فِي الْعُيُونِ، وَعَلَى قِيَاسِ مَنْ قَالَ إنْ لَمْ أَخْرُجْ مِنْ هَذَا الْمَنْزِلِ الْيَوْمَ فَمُنِعَ أَوْ قُيِّدَ حَنِثَ يَجِبُ أَنْ يَحْنَثَ هُنَا فِي الْوَجْهَيْنِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِمَشَايِخِنَا، وَفِي النَّوَازِلِ حَلَفَ لَا يَزُورُ فُلَانًا لَا حَيًّا وَلَا مَيِّتًا فَشَيَّعَ جِنَازَتَهُ لَا يَحْنَثُ، وَإِنْ زَارَ قَبْرَهُ يَحْنَثُ هُوَ الْمُخْتَارُ لِأَنَّ زِيَارَةَ الْمَيِّتِ زِيَارَةُ قَبْرِهِ عُرْفًا لَا تَشْيِيعُ جِنَازَتِهِ. اهـ. وَأَطْلَقَ الْمُضَافَ إلَى الْمِلْكِ فَشَمِلَ مَا إذَا خَصَّصَ أَوْ عَمَّمَ كَقَوْلِهِ كُلُّ امْرَأَةٍ خِلَافًا لِمَالِكٍ فِي الثَّانِي مُعَلَّلًا بِانْسِدَادِ بَابِ النِّكَاحِ عَلَيْهِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ انْسِدَادِهِ إمَّا لِدِينِهِ خَوْفًا مِنْ جَوْرِهِ أَوْ لِدُنْيَاهُ لِعَدَمِ يَسَارِهِ، وَيُمْنَعُ انْسِدَادُهُ لِإِمْكَانِ أَنْ يُزَوِّجَهُ فُضُولِيٌّ، وَيُجِيزُ بِالْفِعْلِ كَسَوْقِ الْوَاجِبِ إلَيْهَا، وَبِإِمْكَانِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بَعْدَمَا وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا لِأَنَّ كَلِمَةَ كُلٍّ لَا تَقْتَضِي التَّكْرَارَ إلَّا أَنَّ صِحَّتَهُ لَا فَرْقَ فِيهَا بَيْنَ أَنْ يُعَلِّقَ بِأَدَاةِ الشَّرْطِ أَوْ بِمَعْنَاهُ إنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ مُنَكَّرَةً فَإِنْ كَانَتْ مُعَيَّنَةً يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ بِصَرِيحِ الشَّرْطِ فَلَوْ قَالَ هَذِهِ الْمَرْأَةُ الَّتِي أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ فَتَزَوَّجَهَا لَمْ تَطْلُقْ لِأَنَّهُ عَرَّفَهَا بِالْإِشَارَةِ فَلَا تُؤَثِّرُ فِيهَا الصِّفَةُ، وَهِيَ أَتَزَوَّجُهَا بَلْ الصِّفَةُ فِيهَا لَغْوٌ فَكَأَنَّهُ قَالَ هَذِهِ طَالِقٌ كَقَوْلِهِ لِامْرَأَتِهِ هَذِهِ الْمَرْأَةُ الَّتِي تَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ طَالِقٌ فَإِنَّهَا تَطْلُقُ لِلْحَالِ دَخَلَتْ أَوْ لَا بِخِلَافِ قَوْلِهِ إنْ تَزَوَّجْت هَذِهِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ. وَفِي الذَّخِيرَةِ وَالتَّعْرِيفُ بِالِاسْمِ وَالنَّسَبِ كَالتَّعْرِيفِ بِالْإِشَارَةِ فَلَوْ قَالَ فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانٍ الَّتِي أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَلَوْ مَثَّلَ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إلَخْ) أَيْ لِيَكُونَ مُضَافًا لَا تَعْلِيقًا فَيُطَابِقُ قَوْلَهُ أَوْ مُضَافًا إلَيْهِ قَالَ فِي النَّهْرِ، وَأَجَابَ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّهُ اسْتَعْمَلَ الْإِضَافَةَ فِي الْمَفْهُومِ اللُّغَوِيِّ، وَفِي غَيْرِهِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْإِيرَادَ هُنَا سَاقِطٌ كَمَا قَالَ الرَّمْلِيُّ نَعَمْ هُوَ مُتَوَجِّهٌ عَلَى مَا فِي الْهِدَايَةِ حَيْثُ قَالَ بَابُ الْأَيْمَانِ فِي الطَّلَاقِ، وَإِذَا أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى النِّكَاحِ يَقَعُ عَقِيبَ النِّكَاحِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ لِامْرَأَةٍ إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْت طَالِقٌ بِخِلَافِ مَا هُنَا لِأَنَّ وَضْعَ الْبَابِ لِلتَّعْلِيقِ، وَضَمِيرُ يَصِحُّ عَائِدٌ عَلَيْهِ، وَقَوْلُهُ مُضَافًا حَالٌ مِنْهُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 4 فَتَزَوَّجَهَا لَمْ تَطْلُقْ، وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْجَامِعِ رَجُلٌ اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَلَهُ غُلَامٌ فَقَالَ إنْ كَلَّمَ غُلَامُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ هَذَا أَحَدٌ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ أَشَارَ الْحَالِفُ إلَى الْغُلَامِ لَا إلَى نَفْسِهِ ثُمَّ إنَّ الْحَالِفَ كَلَّمَ الْغُلَامَ بِنَفْسِهِ تَطْلُقُ، وَلَوْ كَانَ التَّعْرِيفُ بِالِاسْمِ كَالتَّعْرِيفِ بِالْإِشَارَةِ لَمْ تَطْلُقْ امْرَأَتُهُ كَمَا لَوْ أَشَارَ إلَى نَفْسِهِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ تَعْرِيفَ الْحَاضِرِ بِالْإِشَارَةِ وَالْغَائِبِ بِالِاسْمِ وَالنَّسَبِ، وَفِي مَسْأَلَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْحَالِفُ حَاضِرٌ فَتَعْرِيفُهُ بِالْإِشَارَةِ أَوْ الْإِضَافَةِ، وَلَمْ يُوجَدَا فَبَقِيَ مُنَكَّرًا فَدَخَلَ تَحْتَ اسْمِ النَّكِرَةِ، وَفِي مَسْأَلَةِ الطَّلَاقِ الِاسْمُ النَّسَبُ فِي الْغَائِبِ لَا فِي الْحَاضِرِ فَيَحْصُلُ بِهِمَا التَّعْرِيفُ، وَتَلْغُو الصِّفَةُ حَتَّى أَنَّ فِي مَسْأَلَةِ الطَّلَاقِ لَوْ كَانَتْ فُلَانَةُ حَاضِرَةً عِنْدَ الْحَلِفِ فَبِذِكْرِ اسْمِهَا وَنَسَبِهَا لَا يَحْصُلُ التَّعْرِيفُ، وَلَا تَلْغُو الصِّفَةُ، وَيَتَعَلَّقُ الطَّلَاقُ بِالتَّزَوُّجِ هَكَذَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي الْجَامِعِ، وَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ التَّعْرِيفَ بِالْإِضَافَةِ وَالْإِشَارَةِ لَا يَحْتَمِلُ التَّنْكِيرَ بِوَجْهٍ مَا، وَالتَّعْرِيفُ بِالِاسْمِ وَالنَّسَبِ يَحْتَمِلُ التَّنْكِيرَ. وَلَوْ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا مَا دَامَتْ عَمْرَةُ حَيَّةً أَوْ قَالَ حَتَّى تَمُوتَ عَمْرَةُ فَهِيَ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَ عَمْرَةَ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْكِتَابِ أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ، وَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّ تَأْوِيلَ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ عَمْرَةَ كَانَتْ مُشَارًا إلَيْهَا فَلَوْ كَانَتْ غَيْرَ مُشَارٍ إلَيْهَا تَطْلُقُ، وَتَدْخُلُ تَحْتَ اسْمِ النَّكِرَةِ، وَعَلَى قِيَاسِ مَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إذَا كَانَتْ عَمْرَةُ حَاضِرَةً تَطْلُقُ، وَإِذَا كَانَتْ غَائِبَةً لَا تَطْلُقُ، وَتَمَامُهُ فِي الذَّخِيرَةِ، وَقَدَّمَ التَّعْلِيقَ فِي الْمِلْكِ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ، وَأَخَّرَ الْمُعَلَّقَ بِهِ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ قَائِلٌ بِعَدَمِ صِحَّتِهِ خَصَّصَ أَوْ عَمَّمَ لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ، وَحَسَّنَهُ مَرْفُوعًا «لَا نَذْرَ لِابْنِ آدَمَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ، وَلَا عِتْقَ لَهُ فِيمَا لَا يَمْلِكُ، وَلَا طَلَاقَ لَهُ فِيمَا لَا يَمْلِكُ» ، وَلَنَا أَنَّ هَذَا تَعْلِيقٌ لِمَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ، وَهُوَ الطَّلَاقُ فَيَلْزَمُ كَالْعِتْقِ وَالْوَكَالَةِ، وَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إلَيْهِ لِأَنَّ نَفْسَهُ قَدْ تَدْعُوهُ إلَى تَزْوِيجِهَا مَعَ عِلْمِهِ بِفَسَادِ حَالِهَا، وَيُخْشَى غَلَبَتُهَا عَلَيْهِ فَيُؤَيِّسُهَا بِتَعْلِيقِ طَلَاقِهَا بِنِكَاحِهَا فِطَامًا لَهَا، وَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى نَفْيِ التَّنْجِيزِ، وَمَا هُوَ مَأْثُورٌ عَنْ السَّلَفِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كَالشَّعْبِيِّ وَالزُّهْرِيِّ وَجَمَاعَةٍ كَمَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ، وَهُوَ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا لَنَا لَكِنْ لَمَّا كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يُطْلِقُونَ قَبْلَ التَّزَوُّجِ تَنْجِيزًا، وَيَعُدُّونَهُ طَلَاقًا إذَا وُجِدَ النِّكَاحُ نَفَاهُ صَاحِبُ الشَّرْعِ، وَالْخِلَافُ هُنَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ هَلْ هُوَ سَبَبٌ لِلْحَالِ أَوْ لَا نَفَيْنَاهُ وَأَثْبَتَهُ، وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ اللَّفْظَ الَّذِي ثَبَتَتْ سَبَبِيَّتُهُ شَرْعًا لِحُكْمٍ إذَا جُعِلَ جَزَاءَ الشَّرْطِ هَلْ نَسْلُبُهُ سَبَبِيَّتَهُ لِذَلِكَ الْحُكْمِ قَبْلَ وُجُودِ مَعْنَى الشَّرْطِ كَأَنْتِ طَالِقٌ، وَحُرَّةٌ جُعِلَ شَرْعًا سَبَبًا لِزَوَالِ الْمِلْكِ فَإِذَا دَخَلَ الشَّرْطُ مَنَعَ الْحُكْمَ عِنْدَهُ، وَعِنْدَنَا مَنَعَ سَبَبِيَّتَهُ فَتَفَرَّعَتْ الْخِلَافِيَّةُ فَعِنْدَنَا لَيْسَ بِطَلَاقٍ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ فَلَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْحَدِيثُ، وَعِنْدَهُ طَلَاقٌ فَيَتَنَاوَلُهُ. وَالْأَوْجَهُ قَوْلُنَا لِأَنَّ الْحِنْثَ هُوَ السَّبَبُ عَقْلًا لَا الْيَمِينُ، وَلِأَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْمُفْضِي إلَى الْحُكْمِ، وَالتَّعْلِيقُ مَانِعٌ مِنْ الْإِفْضَاءِ لِمَنْعِهِ مِنْ الْوُصُولِ إلَى الْمَحَلِّ، وَالْأَسْبَابُ الشَّرْعِيَّةُ لَا تَصِيرُ أَسْبَابًا قَبْلَ الْوُصُولِ إلَى الْمَحَلِّ فَضَعُفَ قَوْلُهُ إنَّ السَّبَبَ هُوَ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ، وَالشَّرْطُ لَمْ يَعْدَمْهُ، وَإِنَّمَا أَخَّرَ الْحُكْمَ، وَأُورِدَ بِأَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَلْغُوَ كَالْأَجْنَبِيَّةِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَرْجُ لَغَا كَطَالِقٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَبِعَرْضِيَّةِ أَنْ يَصِيرَ سَبَبًا فَلَا يُلْغَى تَصْحِيحًا لِكَلَامِ الْعَاقِلِ، أَوْ نَقُولُ لَمَّا تُوَقَّفَ الْحُكْمُ عَلَى الشَّرْطِ صَارَ الشَّرْطُ كَجُزْءِ سَبَبِهِ، وَلَا يَرِدُ عَلَيْنَا الْبَيْعُ الْمُؤَجَّلُ فَإِنَّهُ سَبَبٌ قَبْلَ حُلُولِهِ لِأَنَّ الْأَجَلَ دَخَلَ عَلَى الثَّمَنِ فَقَطْ، وَكَذَا لَا يَرِدُ الْبَيْعُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِأَنَّ الشَّرْطَ بِعَلَى لِتَعْلِيقِ مَا بَعْدَهُ فَقَطْ لُغَةً فَآتِيك عَلَى أَنْ تَأْتِيَنِي: الْمُعَلَّقُ إتْيَانُ الْمُخَاطَبِ فَكَذَا قَوْلُهُ بِعْتُك عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ أَيْ فِي الْفَسْخِ فَالْمُعَلَّقُ الْفَسْخُ لَا الْبَيْعُ، وَهُوَ مُنَجَّزٌ فَتَعَلَّقَ الْحُكْمُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ لَا لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ يَنْعَقِدُ سَبَبًا لِلْحَالِ، وَكَذَا لَا يَرِدُ الْمُضَافُ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا فَإِنَّهُ عِنْدَنَا سَبَبٌ فِي الْحَالِ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ يَمِينٌ، وَهُوَ لِلْبِرِّ، وَهُوَ إعْدَامُ مُوجِبِ الْمُعَلَّقِ فَلَا يُفْضِي إلَى الْحُكْمِ أَمَّا الْإِضَافَةُ فَلِثُبُوتِ حُكْمِ السَّبَبِ فِي وَقْتِهِ لَا لِمَنْعِهِ فَيَتَحَقَّقُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا لَنَا إلَخْ) جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ، وَأَصْلُهُ فِي الْفَتْحِ حَيْثُ قَالَ فَإِنْ قِيلَ لَا مَعْنَى لِحَمْلِهِ عَلَى التَّنْجِيزِ لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ يَعْرِفُهُ كُلُّ أَحَدٍ فَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى التَّعْلِيقِ فَالْجَوَابُ صَارَ ظَاهِرًا بَعْدَ اشْتِهَارِ حُكْمِ الشَّرْعِ فِيهِ لَا قَبْلَهُ فَقَدْ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ إلَخْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 5 السَّبَبُ بِلَا مَانِعٍ إذْ الزَّمَانُ مِنْ لَوَازِمِ الْوُجُودِ، وَهُوَ مَعْنَى مَا فَرَّقَ بِهِ الزَّيْلَعِيُّ، وَهُوَ مَرْدُودٌ لِأَنَّهُ يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ الْيَمِينَ لَا تُوجِبُ الْإِعْدَامَ مُطْلَقًا بَلْ فِي الْمَنْعِ أَمَّا فِي الْحَمْلِ فَلَا نَحْوُ إنْ بَشَّرْتنِي بِقُدُومِ وَلَدِي فَأَنْتَ حُرٌّ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ إيجَادُ الشَّرْطِ لَا إعْدَامُهُ، وَفَرَّقُوا بَيْنَهُمَا أَيْضًا بِأَنَّ الشَّرْطَ عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ بِخِلَافِ الْمُضَافِ. وَهُوَ مَرْدُودٌ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي تَسْوِيَةَ الْمُضَافِ، وَالْمُعَلَّقُ فِي نَحْوِ يَوْمَ يَقْدَمُ زَيْدٌ، وَإِنْ قَدِمَ فِي يَوْمِ كَذَا لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ، وَإِذَا اسْتَوَيَا فِي عَدَمِ انْعِقَادِ السَّبَبِيَّةِ لِلْخَطَرِ اسْتَوَيَا فِي الْأَحْكَامِ فَيَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمُ جَوَازِ التَّعْجِيلِ فِيمَا لَوْ قَالَ عَلَيَّ صَدَقَةٌ يَوْمَ يَقْدَمُ فُلَانٌ لِعَدَمِ جَوَازِ التَّقْدِيمِ عَلَى السَّبَبِ، وَإِنْ كَانَ بِصُورَةِ الْإِضَافَةِ مَعَ أَنَّ الْحُكْمَ فِي الْمُضَافِ جَوَازُ التَّعْجِيلِ قَبْلَ الْوَقْتِ بِخِلَافِهِ فِي الْمُعَلَّقِ، وَيَقْتَضِي أَيْضًا كَوْنَ إذَا جَاءَ غَدٌ فَأَنْتَ حُرٌّ كَإِذَا مِتّ فَأَنْتَ حُرٌّ لِأَنَّهُ لَا خَطَرَ فِيهِمَا فَيَكُونُ الْأَوَّلُ مُضَافًا فَيَمْتَنِعُ بَيْعُهُ قَبْلَ الْغَدِ كَمَا قَبْلَ الْمَوْتِ لِانْعِقَادِهِ سَبَبًا فِي الْحَالِ كَمَا عُرِفَ فِي التَّدْبِيرِ لَكِنَّهُمْ يُجِيزُونَ بَيْعَهُ قَبْلَ الْغَدِ، وَيُفَرِّقُونَ بَيْنَ أَنْتَ حُرٌّ غَدًا فَلَا يُجِيزُونَ بَيْعَهُ قَبْلَ الْغَدِ، وَبَيْنَ إذَا جَاءَ غَدٌ فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَيُجِيزُونَهُ مَعَ أَنَّهُ لَا خَطَرَ فِيهِمَا، وَقَدْ يُقَالُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا إنَّ الْإِضَافَةَ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ حَقِيقَةً لِعَدَمِ كَلِمَةِ الشَّرْطِ لَكِنَّهُ فِي مَعْنَى الشَّرْطِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْحُكْمَ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ فَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ لَا يَتَأَخَّرُ عَنْهُ، وَلَا يَمْنَعُ السَّبَبِيَّةَ، وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ فِي مَعْنَى الشَّرْطِ لَا يَنْزِلُ فِي الْحَالِ فَقُلْنَا بِأَنَّهُ يَنْعَقِدُ سَبَبًا لِلْحَالِ، وَيَقَعُ مُقَارِنًا وَيَتَأَخَّرُ الْحُكْمُ عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ مِنْ أَوَّلِ كِتَابِ الْإِجَارَاتِ رَجُلٌ قَالَ لِغَيْرِهِ أَجَرْتُك دَارِي هَذِهِ رَأْسَ الشَّهْرِ كُلُّ شَهْرٍ بِكَذَا جَازَ فِي قَوْلِهِمْ، وَلَوْ قَالَ إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَقَدْ أُجِرَتْك هَذِهِ الدَّارَ كُلُّ شَهْرٍ بِكَذَا قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَأَبُو بَكْرٍ الْإِسْكَافُ يَجُوزُ، وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الصَّفَّارُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ تَعْلِيقُ التَّمْلِيكِ فَلَا يَصِحُّ كَمَا لَوْ عَلَّقَهَا بِشَرْطٍ آخَرَ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْجَامِعِ رَجُلٌ حَلَفَ أَنْ لَا يَحْلِفَ ثُمَّ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إذَا جَاءَ غَدٌ فَأَنْت طَالِقٌ كَانَ حَانِثًا فِي يَمِينِهِ. وَهَذَا يُؤَيِّدُ قَوْلَهُ، وَاَلَّذِي يُؤَيِّدُ قَوْلَ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ مَا ذُكِرَ فِي الْمُنْتَقَى رَجُلٌ لَهُ خِيَارُ الشَّرْطِ فِي الْبَيْعِ فَقَالَ أَبْطَلْت خِيَارِي غَدًا أَوْ قَالَ أَبْطَلْت خِيَارِي إذَا جَاءَ غَدٌ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا قَالَ وَلَيْسَ هَذَا كَقَوْلِهِ إنْ لَمْ أَفْعَلْ كَذَا فَقَدْ أَبْطَلْت خِيَارِي فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ هَذَا وَقْتٌ يَجِيءُ لَا مَحَالَةَ، وَلَوْ أَجَرَ دَارِهِ كُلَّ شَهْرٍ بِكَذَا ثُمَّ قَالَ إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَقَدْ أَبْطَلْت الْإِجَارَةَ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو بَكْرٍ كَمَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ الْإِجَارَةِ بِمَجِيءِ الشَّهْرِ يَصِحُّ تَعْلِيقُ فَسْخِهَا بِمَجِيءِ الشَّهْرِ، وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَوْقَاتِ، وَمَسْأَلَةُ الْمُنْتَقَى فِي تَعْلِيقِ إبْطَالِ الْخِيَارِ تُؤَيِّدُ قَوْلَهُ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إضَافَةُ الْفَسْخِ إلَى الْغَدِ، وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَوْقَاتِ صَحِيحٌ، وَتَعْلِيقُ الْفَسْخِ بِمَجِيءِ الشَّهْرِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ لَا يَصِحُّ، وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِ اهـ. فَقَدْ تَحَرَّرَ عِنْدَنَا أَنَّ الْمُعَلَّقَ بِشَرْطٍ عَلَى خَطَرٍ لَيْسَ كَالْمُضَافِ اتِّفَاقًا، وَبِمَا لَيْسَ فِيهِ خَطَرٌ فِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ فَسَوَّى بَيْنَهُمَا الْفَقِيهَانِ فِي الْإِجَارَةِ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا الصَّفَّارُ وَالْإِفْتَاءُ بِالْفَرْقِ بَيْنَهُمَا فِي فَسْخِ الْإِجَارَةِ إفْتَاءٌ بِقَوْلِ الصَّفَّارِ بِالْفَرْقِ فِي الْإِجَارَةِ فَالْفَتْوَى عَلَى الْفَرْقِ فِي الْإِجَارَةِ وَفَسْخِهَا، وَمَسْأَلَةُ الْجَامِعِ تُؤَيِّدُهُ، وَإِنَّمَا خَرَجَ عَنْ ذَلِكَ مَسْأَلَةُ الْمُنْتَقَى. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالصِّحَّةِ فِي قَوْلِهِ إنَّمَا يَصِحُّ اللُّزُومُ فَإِنَّ التَّعْلِيقَ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ، وَالْمُضَافُ إلَيْهِ صَحِيحٌ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ الزَّوْجِ حَتَّى لَوْ قَالَ أَجْنَبِيٌّ لِزَوْجَةِ إنْسَانٍ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْت طَالِقٌ تَوَقَّفَ عَلَى الْإِجَازَةِ فَإِنْ أَجَازَهُ لَزِمَ التَّعْلِيقُ فَتَطْلُقُ بِالدُّخُولِ بَعْدَ الْإِجَازَةِ لَا قَبْلَهَا، وَكَذَا الطَّلَاقُ الْمُنَجَّزُ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ الزَّوْجِ فَإِذَا أَجَازَهُ وَقَعَ مُقْتَصَرًا عَلَى وَقْتِ الْإِجَازَةِ، وَلَا يَسْتَنِدُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ الْمَوْقُوفِ فَإِنَّهُ بِالْإِجَازَةِ يَسْتَنِدُ إلَى وَقْتِ الْبَيْعِ حَتَّى مَلَكَ الْمُشْتَرِي الزَّوَائِدَ الْمُتَّصِلَةَ وَالْمُنْفَصِلَةَ، وَالضَّابِطُ فِيهِ أَنَّ مَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ فَإِنَّهُ يَقْتَصِرُ، وَمَا لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ فَإِنَّهُ يَسْتَنِدُ، وَتَمَامُهُ فِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ، وَدَخَلَ تَحْتَ الْمُضَافِ إلَى الْمِلْكِ مَا لَوْ قَالَ لِمُعْتَدَّتِهِ إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْت طَالِقٌ   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 6 ثَلَاثًا فَهَذَا، وَمَا لَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ سَوَاءٌ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَلِلْحَنَفِيِّ أَنْ يَرْفَعَ الْأَمْرَ إلَى شَافِعِيٍّ يَفْسَخُ الْيَمِينَ الْمُضَافَةَ. فَلَوْ قَالَ إنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَتَزَوَّجَهَا فَخَاصَمَتْهُ إلَى قَاضٍ شَافِعِيٍّ، وَادَّعَتْ الطَّلَاقَ فَحَكَمَ بِأَنَّهَا امْرَأَتُهُ، وَأَنَّ الطَّلَاقَ لَيْسَ بِشَيْءٍ حَلَّ لَهُ ذَلِكَ، وَلَوْ وَطِئَهَا الزَّوْجُ بَعْدَ النِّكَاحِ قَبْلَ الْفَسْخِ ثُمَّ فَسَخَ يَكُونُ الْوَطْءُ حَلَالًا إذَا فَسَخَ، وَإِذَا فَسَخَ بَعْدَ التَّزَوُّجِ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَجْدِيدِ الْعَقْدِ، وَلَوْ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً، وَفَسَخَ الْيَمِينَ ثُمَّ تَزَوَّجَ امْرَأَةً أُخْرَى لَا يَحْتَاجُ إلَى الْفَسْخِ فِي كُلِّ امْرَأَةٍ كَذَا ذَكَرَ فِي الْخُلَاصَةِ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّهُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ، وَبِقَوْلِهِ يُفْتَى، وَكَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ كُلُّ عَبْدٍ اشْتَرَيْته، وَإِذَا عَقَدَ أَيْمَانًا عَلَى امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِذَا قُضِيَ بِصِحَّةِ النِّكَاحِ بَعْدُ ارْتَفَعَتْ الْأَيْمَانُ كُلُّهَا، وَإِذَا عَقَدَ عَلَى كُلِّ امْرَأَةٍ يَمِينًا عَلَى حِدَةٍ لَا شَكَّ أَنَّهُ إذَا فَسَخَ عَلَى امْرَأَةٍ لَا يَنْفَسِخُ عَلَى الْأُخْرَى، وَإِذَا عَقَدَ يَمِينَهُ بِكَلِمَةِ كُلَّمَا فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى تَكْرَارِ الْفَسْخِ فِي كُلِّ يَمِينٍ اهـ. فَهِيَ أَرْبَعُ مَسَائِلُ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِلْمُصَنِّفِ فَإِنْ أَمْضَاهُ قَاضٍ حَنَفِيٍّ بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ أَحْوَطَ اهـ. وَفِي الْخَانِيَّةِ حُكْمُ الْحَاكِمِ كَالْقَضَاءِ عَلَى الصَّحِيحِ. اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَعَنْ الصَّدْرِ أَقُولُ: لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ، وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ يُعْلَمُ، وَلَا يُفْتَى بِهِ لِئَلَّا يَتَطَرَّقَ الْجُهَّالُ إلَى هَدْمِ الْمَذْهَبِ، وَعَنْ أَصْحَابِنَا مَا هُوَ أَوْسَعُ مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ اسْتَفْتَى فَقِيهًا عَدْلًا فَأَفْتَاهُ بِبُطْلَانِ الْيَمِينِ حَلَّ لَهُ الْعَمَلُ بِفَتْوَاهُ وَإِمْسَاكُهَا، وَرُوِيَ أَوْسَعُ مِنْ هَذَا، وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ أَفْتَاهُ مُفْتٍ بِالْحِلِّ ثُمَّ أَفْتَاهُ آخَرُ بِالْحُرْمَةِ بَعْدَمَا عَمِلَ بِالْفَتْوَى الْأُولَى فَإِنَّهُ يَعْمَلُ بِفَتْوَى الثَّانِي فِي حَقِّ امْرَأَةٍ أُخْرَى لَا فِي حَقِّ الْأُولَى، وَيَعْمَلُ بِكِلَا الْفَتْوَتَيْنِ فِي حَادِثَتَيْنِ لَكِنْ لَا يُفْتَى بِهِ اهـ. وَفِيهَا قُبَيْلَ الرَّجْعَةِ وَالتَّزَوُّجِ فِعْلًا أَوْلَى مِنْ فَسْخِ الْيَمِينِ فِي زَمَانِنَا، وَيَنْبَغِي أَنْ يَجِيءَ إلَى عَالِمٍ وَيَقُولَ لَهُ مَا حَلَفَ وَاحْتِيَاجَهُ إلَى نِكَاحِ الْفُضُولِيِّ فَيُزَوِّجَهُ الْعَالِمُ امْرَأَةً وَيُجِيزَ بِالْفِعْلِ فَلَا يَحْنَثُ، وَكَذَا إذَا قَالَ لِجَمَاعَةٍ لِي حَاجَةٌ إلَى نِكَاحِ الْفُضُولِيِّ فَزَوَّجَهُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ أَمَّا إذَا قَالَ لِرَجُلٍ اعْقِدْ لِي عَقْدَ فُضُولِيٍّ يَكُونُ تَوْكِيلًا. اهـ. . وَسَيَأْتِي فِي آخِرِ الْأَيْمَانَ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْفَسْخَ مِنْ الشَّافِعِيِّ إنَّمَا مَحَلُّهُ قَبْلَ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إذَا تَزَوَّجْتُك فَأَنْت طَالِقٌ فَتَزَوَّجَهَا، وَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ إنَّهَا رَفَعَتْ أَمْرَهَا إلَى الْقَاضِي لِيَفْسَخَ الْيَمِينَ فَإِنَّ الْقَاضِيَ لَا يَفْسَخُ لِأَنَّهُ لَوْ فَسَخَ تَطْلُقُ ثَلَاثًا بِالتَّنْجِيزِ بَعْدَ النِّكَاحِ فَلَا يُفِيدُ اهـ. فَإِنْ قُلْت لِمَ وَسَّعَ أَصْحَابُنَا فِي فَسْخِ الْيَمِينِ الْمُضَافَةِ مَا لَمْ يُوَسِّعُوا فِي غَيْرِهِ مَعَ أَنَّ دَلِيلَهُمْ ظَاهِرٌ قُلْت قَدْ اخْتَلَجَ هَذَا فِي خَاطِرِي كَثِيرًا، وَلَمْ أَرَ عَنْهُ جَوَابًا حَتَّى رَأَيْت الزَّاهِدَيَّ فِي الْمُجْتَبَى قَالَ وَقَدْ ظَفِرْت بِرِوَايَةٍ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يَقَعُ، وَبِهِ كَانَ يُفْتِي كَثِيرٌ مِنْ أَئِمَّةِ خُوَارِزْمَ. اهـ. وَشَرَطَ قَاضِي خَانْ لِجَوَازِ فَسْخِ الْيَمِينِ الْمُضَافَةِ أَنْ لَا يَكُونَ الْقَاضِي أَخَذَ عَلَى ذَلِكَ مَالًا فَإِنْ أَخَذَ لَا يَنْفُذُ فَسْخُهُ عِنْدَ الْكُلِّ، وَإِنْ أَخَذَ عَلَى الْكِتَابَةِ فَإِنْ كَانَ بِقَدْرِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ إنَّهُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ) عِبَارَةُ الظَّهِيرِيَّةِ إذَا عَقَدَ الْيَمِينَ عَلَى جَمِيعِ النِّسَاءِ فَوَقَعَ الْفَسْخُ فِي امْرَأَةٍ هَلْ يَحْتَاجُ إلَى الْفَسْخِ فِي امْرَأَةٍ أُخْرَى قَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَحْتَاجُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَحْتَاجُ، وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ قَالَ الصَّدْرُ الْإِمَامُ الْأَجَلُّ الشَّهِيدُ حُسَامُ الدِّينِ، وَبِقَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُفْتَى اهـ. وَإِنَّمَا نَقَلْنَا عِبَارَةَ الظَّهِيرِيَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا مُخَالَفَةٌ لِمَا هُنَا لِأَنَّ بَعْضَهُمْ تَوَهَّمَ أَنَّ قَوْلَ الْمُؤَلِّفِ أَنَّهُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ إلَخْ رَاجِعٌ إلَى بُطْلَانِ إضَافَةِ الْيَمِينِ، وَأَنَّ قَوْلَهُ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ رِوَايَةٌ عَنْهُ كَمَا يَأْتِي عَنْ الزَّاهِدِيِّ (قَوْلُهُ وَالتَّزَوُّجُ فِعْلًا أَوْلَى مِنْ فَسْخِ الْيَمِينِ) قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ ثُمَّ الْإِجَازَةُ بِالْفِعْلِ أَنْ يَبْعَثَ إلَيْهَا شَيْئًا مِنْ الْمَهْرِ، وَيَدْفَعَ إلَيْهَا فَإِنْ لَمْ يَدْفَعْ الْمَأْمُورَ إلَيْهَا هَلْ هُوَ إجَازَةٌ أَمْ لَا لَا رِوَايَةَ لِهَذَا فِي الْكِتَابِ، وَقِيلَ إنَّهُ يَكُونُ إجَازَةٌ، وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهَا، وَقَالَ هَذَا مَهْرُك يَكُونُ إجَازَةً بِالْقَوْلِ وَبِالْفِعْلِ، وَقَالَ الْمَرْغِينَانِيُّ إنَّهُ يَكُونُ إجَازَةٌ بِالْقَوْلِ، وَلَوْ قَبَّلَهَا أَوْ لَمَسَهَا بِشَهْوَةٍ يَكُونُ إجَازَةً بِالْفِعْلِ، وَلَكِنْ يُكْرَهُ ذَلِكَ كَالرَّجْعَةِ بِالْفِعْلِ، وَلَوْ خَلَا بِهَا هَلْ يَكُونُ إجَازَةً ذَكَرَ السَّرَخْسِيُّ أَنَّهُ يَكُونُ إجَازَةً. اهـ. وَفِيهَا قَبْلَ هَذَا، وَكَذَا الْحِيلَةُ فِي حَقِّ مَنْ حَلَفَ كُلُّ امْرَأَةٍ تَدْخُلُ فِي نِكَاحِي فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا إنَّ الْفُضُولِيَّ يُزَوِّجُهُ امْرَأَةً ثُمَّ هُوَ يُجِيزُ بِالْفِعْلِ فَلَا يَحْنَثُ، وَإِنْ دَخَلَتْ فِي نِكَاحِهِ لِأَنَّ دُخُولَهَا فِيهِ لَا يَكُونُ إلَّا بِالتَّزْوِيجِ فَيَكُونُ ذِكْرُ الْحُكْمِ ذِكْرَ سَبَبِهِ الْمُخْتَصِّ بِهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ إنْ تَزَوَّجْتهَا وَبِتَزْوِيجِ الْفُضُولِيِّ لَا يَصِيرُ هُوَ مُتَزَوِّجًا بِخِلَافِ كُلِّ عَبْدٍ دَخَلَ فِي مِلْكِي يَحْنَثُ بِعَقْدِ الْفُضُولِيِّ لِأَنَّ مِلْكَ الْيَمِينِ لَا يَخْتَصُّ بِالشِّرَاءِ بَلْ لَهُ أَسْبَابٌ سِوَاهُ، وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ وَالْبَزْدَوِيُّ يَحْنَثُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ (قَوْلُهُ قُلْت قَدْ اخْتَلَجَ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّهُمْ وَسَّعُوا فِيهِ لِأَنَّ لَهُ أَصْلًا فِي الْمَذْهَبِ، وَقَالَ الرَّمْلِيُّ يَعْنِي أَنَّ أَصْحَابَنَا يَضِنُّونَ بِتَرْكِ مَذْهَبِهِمْ وَتَقْلِيدِ غَيْرِهِمْ لَكِنْ حَيْثُ كَانَ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ الْمَذْهَبِ بِالْكُلِّيَّةِ. اهـ. وَكَأَنَّهُمْ لَمْ يَبْنُوا الْجَوَابَ عَلَيْهَا لِاعْتِقَادِهِمْ ضَعْفَهَا أَوْ ضَعْفَ ثُبُوتِهَا عَنْهُ أَوْ لِكَوْنِ الْقَاضِي لَا يَجُوزُ لَهُ الْحُكْمُ بِغَيْرِ الْمَشْهُورِ مِنْ الْمَذْهَبِ تَأَمَّلْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 7 أُجْرَةِ الْمِثْلِ نَفَذَ، وَإِنْ كَانَ أَزْيَدَ لَا يَنْفُذُ، وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَأْخُذَ مُطْلَقًا، وَتَمَامُهُ فِيهَا، وَفِي الْمُحِيطِ مِنْ بَابِ عَطْفِ الشُّرُوطِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ. لَوْ قَالَ إنْ تَزَوَّجْتُك، وَإِنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْت طَالِقٌ لَمْ يَقَعْ حَتَّى يَتَزَوَّجَهَا مَرَّتَيْنِ، وَلَوْ قَدَّمَ الْجَزَاءَ فَهُوَ عَلَى تَزْوِيجٍ وَاحِدٍ، وَكَذَا لَوْ وَسَّطَهُ، وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ إنْ تَزَوَّجْتُك فَإِنْ تَزَوَّجْتُك أَوْ وَسَّطَ الْجَزَاءَ لَمْ يَقَعْ حَتَّى يَتَزَوَّجَهَا مَرَّتَيْنِ فَقَدْ فَرَّقَ بَيْنَ الْفَاءِ وَالْوَاوِ بَعْدَهُ فَجَعَلَهُ بِالْوَاوِ إعَادَةً لِلشَّرْطِ الْأَوَّلِ وَبِالْفَاءِ جَعَلَهُ شَرْطًا مُبْتَدَأً، وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ إنْ تَزَوَّجْتُك ثُمَّ تَزَوَّجْتُك فَفِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى التَّزْوِيجِ الْأَوَّلِ، وَلَوْ قَالَ إنْ تَزَوَّجْتُك ثُمَّ تَزَوَّجْتُك فَأَنْت طَالِقٌ انْعَقَدَتْ فِي الْأَخِيرَةِ. اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ إنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ فَهِيَ طَالِقٌ إنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ فَتَزَوَّجَ لَا يَقَعُ فَإِنْ طَلَّقَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا وَقَعَ، وَفِي الْمُحِيطِ مِنْ بَابِ تَعْلِيقِ الْيَمِينِ بِالشَّرْطِ لَوْ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً قَبْلَ الْكَلَامِ، وَامْرَأَةً بَعْدَهُ طَلَقَتْ الَّتِي تَزَوَّجَهَا قَبْلَ الْكَلَامِ، وَلَوْ قَدَّمَ الشَّرْطَ بِأَنْ قَالَ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَكُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ طَلَقَتْ الَّتِي تَزَوَّجَهَا بَعْدَ الْكَلَامِ، وَكَذَا إذَا وَسَّطَهُ. اهـ. وَفِي بَابِ إضَافَةِ الطَّلَاقِ إلَى الْمِلْكِ لَوْ قَالَ إذَا تَزَوَّجْت امْرَأَةً فَهِيَ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَ امْرَأَتَيْنِ تَطْلُقُ إحْدَاهُمَا، وَالْبَيَانُ إلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ قَالَ وَحْدَهَا لَا يَقَعُ شَيْءٌ فَإِنْ تَزَوَّجَ أُخْرَى بَعْدَهُمَا وَقَعَ عَلَيْهَا، وَلَوْ قَالَ يَوْمَ أَتَزَوَّجُك فَأَنْت طَالِقٌ قَالَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَتَزَوَّجَهَا يَقَعُ الثَّلَاثُ لِأَنَّ هَذِهِ أَيْمَانٌ، وَلَوْ قَالَ إذَا تَزَوَّجْتُك فَأَنْت طَالِقٌ، وَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي وَوَاللَّهِ لَا أَقْرَبُك ثُمَّ تَزَوَّجَهَا وَقَعَ الطَّلَاقُ، وَيَلْغُو الظِّهَارُ وَالْإِيلَاءُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا لِمَا عُرِفَ أَنَّ عِنْدَهُ يَنْزِلُ الطَّلَاقُ أَوَّلًا فَتَصِيرُ مُبَانَةً عِنْدَهُمَا يَنْزِلْنَ جُمْلَةً. وَلَوْ قَالَ إنْ تَزَوَّجْتُك فَوَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك، وَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، وَأَنْتِ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَهَا وَقَعَ الطَّلَاقُ، وَصَحَّ الظِّهَارُ، وَالْإِيلَاءُ لِأَنَّهَا بِنُزُولِ الظِّهَارِ وَالْإِيلَاءِ لَا تَصِيرُ مُبَانَةً، وَكَذَا لَوْ قَالَ إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْت طَالِقٌ إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْت عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي ثُمَّ تَزَوَّجَهَا صَحَّا لِأَنَّهُمَا يَمِينَانِ ذَكَرَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ شَرْطًا عَلَى حِدَةٍ، وَهُوَ التَّزَوُّجُ فَنَزَلَا مَعًا. اهـ. وَفِي بَابِ الْحَلِفِ عَلَى التَّزْوِيجِ إنْ تَزَوَّجْت امْرَأَةً فَعَبْدِي حُرٌّ فَتَزَوَّجَ صَبِيَّةً حَنِثَ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي امْرَأَةً فَاشْتَرَى صَغِيرَةً لَمْ يَحْنَثْ، وَالْفَرْقُ أَنَّ اسْمَ الْمَرْأَةِ مُطْلَقًا لَا يَتَنَاوَلُ الصَّغِيرَةَ إلَّا أَنَّ فِي الشِّرَاءِ اُعْتُبِرَ ذِكْرُ الْمَرْأَةِ لِأَنَّ الشِّرَاءَ قَدْ يَكُونُ لِلرَّجُلِ، وَقَدْ يَكُونُ لِلْمَرْأَةِ، وَلَمْ يُعْتَبَرْ ذِكْرُ الْمَرْأَةِ فِي النِّكَاحِ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَكُونُ إلَّا لِلْمَرْأَةِ فَلَغَا ذِكْرُهَا، وَلَوْ قَالَ إنْ كَلَّمْت امْرَأَةً فَكَلَّمَ صَبِيَّةً لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الصَّبِيَّ مَانِعٌ عَنْ هِجْرَانِ الْكَلَامِ فَلَا تُرَادُ الصَّبِيَّةُ فِي الْيَمِينِ الْمَعْقُودَةِ عَلَى الْكَلَامِ عَادَةً، وَلَا كَذَلِكَ التَّزَوُّجُ. اهـ. وَفِي الذَّخِيرَةِ فِي نَوْعٍ آخَرَ فِي دُخُولِ شَخْصٍ وَاحِدٍ تَحْتَ الْيَمِينَيْنِ إذَا قَالَ إنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ فَهِيَ طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ ثُمَّ تَزَوَّجَ فُلَانَةَ طَلَقَتْ تَطْلِيقَتَيْنِ بِحُكْمِ الْيَمِينَيْنِ لِأَنَّهَا فُلَانَةُ وَامْرَأَةٌ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَأَنْت طَالِقٌ، وَإِنْ كَلَّمْت إنْسَانًا فَأَنْت طَالِقٌ فَكَلَّمَتْ فُلَانًا تَطْلُقُ تَطْلِيقَتَيْنِ بِحُكْمِ الْيَمِينَيْنِ اهـ. (قَوْلُهُ فَيَقَعُ بَعْدَهُ) أَيْ يَقَعُ الطَّلَاقُ بَعْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ سَوَاءٌ كَانَ التَّعْلِيقُ فِي الْمِلْكِ أَوْ مُضَافًا إلَيْهِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَقَوْلُهُ وَقَعَ عَقِيبَ النِّكَاحِ يُفِيدُ أَنَّ الْحُكْمَ يَتَأَخَّرُ عَنْهُ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِأَنَّ الطَّلَاقَ الْمُقَارِنَ لَا يَقَعُ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ نِكَاحِك إذْ لَا يَثْبُتُ الشَّيْءُ مُنْتَفِيًا ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا قَوْلُهُمْ إنَّهُ يُنَزَّلُ سَبَبًا عِنْدَ الشَّرْطِ كَأَنَّهُ عِنْدَ الشَّرْطِ أُوقِعَ تَنْجِيزًا فَالْمُرَادُ الْإِيقَاعُ حُكْمًا، وَلِهَذَا إذَا عَلَّقَ الْعَاقِلُ الطَّلَاقَ ثُمَّ جُنَّ عِنْدَ الشَّرْطِ تَطْلُقُ، وَلَوْ كَانَ كَالْمَلْفُوظِ حَقِيقَةً لَمْ يَقَعْ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ. اهـ. وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ بَعْدَهُ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْت طَالِقٌ قَبْلَهُ ثُمَّ نَكَحَهَا لَمْ يَقَعْ، وَهُوَ قَوْلُهُمَا لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ كَالْمَلْفُوظِ عِنْدَ الشَّرْطِ، وَلَوْ قَالَ وَقْتَ النِّكَاحِ أَنْت طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ أَنْكَحَك   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَفِي الْمُحِيطِ مِنْ بَابِ عَطْفِ الشُّرُوطِ) سَيَأْتِي مَسَائِلُ تَكْرَارُ الشَّرْطِ بِدُونِ عَطْفٍ تَحْتَ قَوْلِهِ، وَالْمِلْكُ يُشْتَرَطُ لِآخِرِ الشَّرْطَيْنِ (قَوْلُهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا وَقَعَ) قَالَ فِي الْفَتْحِ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ اعْتِرَاضُ الشَّرْطِ عَلَى الشَّرْطِ كَقَوْلِهِ إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْت طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ لَا تَطْلُقُ حَتَّى يَتَحَقَّقَ مَضْمُونُ الشَّرْطَيْنِ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ إذَا تَزَوَّجْتُك فَأَنْت طَالِقٌ، وَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي إلَخْ) . فَرْعٌ يَكْثُرُ وُقُوعُهُ قَالَ فِي السِّرَاجِ نَقْلًا عَنْ الْمُنْتَقَى قَالَ إنْ تَزَوَّجْت امْرَأَةً فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا، وَكُلَّمَا حَلَّتْ حُرِّمَتْ فَتَزَوَّجَهَا فَبَانَتْ بِثَلَاثٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ يَجُوزُ قَالَ فَإِنْ عَنَى بِقَوْلِهِ كُلَّمَا حَلَّتْ حُرِّمَتْ الطَّلَاقَ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَرَادَ بِهِ طَلَاقًا فَهُوَ يَمِينٌ. اهـ. شُرُنْبُلَالِيَّةٌ قُلْت، وَقَوْلُهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ لَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ قَوْلَهُ وَكُلَّمَا حَلَّتْ حُرِّمَتْ لَيْسَ بِتَعْلِيقٍ فِي الْمِلْكِ، وَلَا مُضَافًا إلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ حِلِّهَا أَنْ يَكُونَ بِعَقْدِ النِّكَاحِ لِجَوَازِ أَنْ تَرْتَدَّ ثُمَّ تُسْتَرَقَّ تَأَمَّلْ أَوْ يُقَالَ إنَّهُ لَمَّا تَزَوَّجَهَا طَلَقَتْ ثَلَاثًا، وَصَارَتْ أَجْنَبِيَّةً لِأَنَّهُ يَنْزِلُ الطَّلَاقَ أَوَ لَا فَيَنْزِلُ قَوْلُهُ وَكُلَّمَا حَلَّتْ حُرِّمَتْ بَعْدَ أَنْ صَارَتْ أَجْنَبِيَّةً، وَهُوَ لَغْوٌ لِمَا قُلْنَا تَأَمَّلْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 8 لَا تَطْلُقُ كَذَا هَذَا، وَأَوْقَعَهُ أَبُو يُوسُفَ بِإِلْغَاءِ الظَّرْفِ لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى الْإِيقَاعِ فِيهِ، وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فِي قَرْيَةِ كَذَا فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَتَزَوَّجَهَا فِي غَيْرِ تِلْكَ الْقَرْيَةِ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَزَوَّجْهَا فِي تِلْكَ الْقَرْيَةِ، وَلَوْ قَالَ مِنْ قَرْيَةِ كَذَا حَنِثَ حَيْثُمَا تَزَوَّجَهَا، وَلَوْ قَالَ إنْ تَزَوَّجْت امْرَأَةً مَا دُمْت بِالْكُوفَةِ فَهِيَ طَالِقٌ فَفَارَقَ الْكُوفَةَ ثُمَّ عَادَ إلَيْهَا فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً لَمْ تَطْلُقْ لِانْتِهَاءِ الْيَمِينِ بِالْمُفَارَقَةِ، وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ تَزَوَّجْت عَلَيْك مَا عِشْت فَحَلَالُ اللَّهِ عَلَيَّ حَرَامٌ ثُمَّ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ تَزَوَّجْت عَلَيْك فَالطَّلَاقُ وَاجِبٌ عَلَيَّ ثُمَّ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا يَقَعُ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تَطْلِيقَةٌ عَلَى الْقَدِيمَةِ وَالْحَدِيثَةِ، وَيَقَعُ تَطْلِيقَةٌ أُخْرَى يَصْرِفُهَا إلَى أَيَّتِهِمَا شَاءَ لِأَنَّ الْيَمِينَ الْأُولَى انْصَرَفَتْ إلَى الطَّلَاقِ عُرْفًا فَيَنْصَرِفُ إلَى طَلَاقِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا، وَالْيَمِينُ الثَّانِيَةُ يَمِينٌ بِطَلَاقٍ وَاحِدَةٍ فَإِذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً انْحَلَّتْ الْيَمِينَانِ جَمِيعًا اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ لَوْ قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَكُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَ ثُمَّ فَعَلَ لَا تَطْلُقُ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالْفِعْلِ طَلَاقُ الْمُتَزَوِّجَةِ بَعْدَهُ، وَلَمْ يُوجَدْ، وَإِذَا نَوَى تَقْدِيمَ النِّكَاحِ عَلَى الْفِعْلِ صَحَّتْ نِيَّتُهُ لِأَنَّهُ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ لَأَنْ يَحْتَمِلَ التَّقْدِيمَ وَالتَّأْخِيرَ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ إنْ فَعَلْت. (قَوْلُهُ فَلَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ إنْ زُرْت فَأَنْت طَالِقٌ فَنَكَحَهَا فَزَارَتْ لَمْ تَطْلُقْ) لِأَنَّهُ حِينَ صَدَرَ لَا يَصِحُّ جَعْلُهُ إيقَاعًا لِعَدَمِ الْمَحَلِّ، وَلَا يَمِينًا لِعَدَمِ مَعْنَى الْيَمِينِ، وَهُوَ مَا يَكُونُ حَامِلًا عَلَى الْبِرِّ لِإِخَافَتِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَصْدُرْ مُخِيفًا لِعَدَمِ ظُهُورِ الْجَزَاءِ عِنْدَ الْفِعْلِ، وَهُوَ الزِّيَارَةُ هُنَا لِعَدَمِ ثُبُوتِ الْمَحَلِّيَّةِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ، وَمَعْنَى الْإِخَافَةِ هُنَا لُزُومُ نِصْفِ الْمَهْرِ إنْ تَزَوَّجَهَا لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَقَعُ الطَّلَاقُ فَيَجِبُ الْمَالُ فَيَمْتَنِعُ عَنْ التَّزَوُّجِ خَوْفًا مِنْ ذَلِكَ، وَقَدْ أَوْرَدَ عَلَى هَذَا قَوْلَهُ إذَا حِضْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَإِنَّهُ يَمِينٌ مَعَ أَنَّهُ لَا حَمْلَ فِيهِ، وَلَا مَنْعَ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِيهِ لِلْغَالِبِ لَا لِلشَّاذِّ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى مَسَائِلَ: الْأُولَى لَوْ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَجْتَمِعُ مَعَهَا فِي فِرَاشٍ فَهِيَ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً لَا تَطْلُقُ، وَمِثْلُهُ كُلُّ جَارِيَةٍ أَطَؤُهَا حُرَّةً، وَاشْتَرَى جَارِيَةً فَوَطِئَهَا لَا تَعْتِقُ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَمْ يُضَفْ إلَى الْمِلْكِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ إذَا قَالَ الرَّجُلُ لِأَجْنَبِيَّةٍ إنْ طَلَّقْتُك فَعَبْدِي حُرٌّ يَصِحُّ، وَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ إنْ تَزَوَّجْتُك وَطَلَّقْتُك فَعَبْدِي حُرٌّ، وَلَوْ قَالَ لَهَا إنْ طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لَا يَصِحُّ لِأَنَّ ذِكْرَ الطَّلَاقِ ذِكْرُ النِّكَاحِ الَّذِي لَا يَسْتَغْنِي عَنْهُ الطَّلَاقُ لَا ذِكْرَ لِمَا لَا يَسْتَغْنِي عَنْهُ الْجَزَاءُ اهـ. الثَّانِيَةُ لَوْ قَالَ لِوَالِدَيْهِ إنْ زَوَّجْتُمَانِي امْرَأَةً فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَزَوَّجَاهُ امْرَأَةً بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَا تَطْلُقُ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُضَافٍ إلَى مِلْكِ النِّكَاحِ لِأَنَّ تَزْوِيجَ الْوَالِدَيْنِ لَهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُضَافٍ إلَى مِلْكِ النِّكَاحِ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُمَا بِالتَّزْوِيجِ عِنْدَ التَّعْلِيقِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَلَا فَرْقَ فِي حَقِّ هَذَا الْحُكْمِ بَيْنَ أَنْ يُزَوِّجَاهُ بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لِمَا فِي الْمِعْرَاجِ، وَلَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ إنْ زَوَّجْتنِي امْرَأَةً فَهِيَ طَالِقٌ فَزَوَّجَهُ بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَا تَطْلُقُ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ لَمْ يَصِحَّ اهـ. الثَّالِثَةُ: لَوْ قَالَ إنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ قَبْلَ فُلَانَةَ فَهُمَا طَالِقَانِ فَتَزَوَّجَ الْأُولَى طَلَقَتْ، وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا تَزَوَّجَ الثَّانِيَةَ فَقَالَ فِي الْمُحِيطِ تَطْلُقُ أَيْضًا، وَقِيلَ يَنْبَغِي أَنْ لَا تَطْلُقَ لِأَنَّ نِكَاحَ الثَّانِيَةِ غَيْرُ مَذْكُورٍ صَرِيحًا وَلَا ضَرُورَةً، وَلَوْ قَالَ إنْ تَزَوَّجْت زَيْنَبَ قَبْلَ عَمْرَةَ بِشَهْرٍ فَهُمَا طَالِقَتَانِ فَتَزَوَّجَ زَيْنَبَ ثُمَّ عَمْرَةَ بَعْدَهَا بِشَهْرٍ طَلَقَتْ زَيْنَبُ لِلْحَالِ لِوُجُودِ الشَّرْطِ، وَلَا يَسْتَنِدُ، وَلَا تَطْلُقُ عَمْرَةُ لِأَنَّهُ مَا أَضَافَ طَلَاقَهَا إلَى نِكَاحِهَا لِأَنَّ تَزَوُّجَهَا لَمْ يَصِرْ مَذْكُورًا، وَتَمَامُهُ فِي الْمُحِيطِ الرَّابِعَةُ لَوْ قَالَ إنْ تَزَوَّجْت امْرَأَةً أَوْ أَمَرْت إنْسَانًا بِالتَّزَوُّجِ لِي امْرَأَةً فَهِيَ طَالِقٌ ثُمَّ أَمَرَ غَيْرَهُ أَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً فَفَعَلَ الْمَأْمُورُ لَا تَطْلُقُ امْرَأَةُ الْحَالِفِ لِأَنَّهُ حَنِثَ بِالْأَمْرِ لَا إلَى جَزَاءٍ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَتَقَعُ تَطْلِيقَةٌ أُخْرَى يَصْرِفُهَا إلَى أَيَّتِهِمَا شَاءَ) فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الَّتِي تَزَوَّجَهَا عَلَى امْرَأَتِهِ بَانَتْ بِالتَّطْلِيقَةِ الْأُولَى لِأَنَّهَا غَيْرُ مَدْخُولٍ بِهَا فَكَيْفَ يُخَيَّرُ فِي صَرْفِ الْأُخْرَى إلَيْهَا، وَعِبَارَةُ الْوَلْوَالِجيَّةِ فَإِذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً انْحَلَّتْ الْيَمِينَانِ جَمِيعًا وَقَعَ بِالْيَمِينِ الْأُولَى عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تَطْلِيقَةٌ وَاحِدَةٌ، وَبِالثَّانِيَةِ تَطْلِيقَةٌ تُصْرَفُ إلَى أَيِّهِمَا شَاءَ. (قَوْلُهُ غَيْرُ صَحِيحٍ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مُضَافٍ إلَى مِلْكِ النِّكَاحِ هَذَا التَّعْلِيلُ غَيْرُ ظَاهِرٍ، وَكَأَنَّهُ تَكْرَارٌ مِنْ النَّاسِخِ بَلْ التَّعْلِيلُ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُمَا إلَخْ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لَا تَطْلُقُ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ لَمْ يَصِحَّ) قَالَ الْمَقْدِسِيَّ يُخَالِفُ ظَاهِرُ مَا فِي الْفَتْحِ، وَقَدْ كُنْت بَحَثْت فِيهِ بِأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ إذَا زَوَّجَهُ بِأَمْرِهِ لِأَنَّ التَّزْوِيجَ إذَا عَلَّقَ بِهِ الطَّلَاقَ يُرَادُ بِهِ الْمُسَبَّبُ عَنْهُ، وَهُوَ الْمِلْكُ فَكَأَنَّهُ قَالَ إنْ مَلَكْت امْرَأَةً بِتَزْوِيجِك فَهِيَ طَالِقٌ، وَهُوَ صَحِيحٌ فَإِذَا وَقَعَ يَقَعُ طَلَاقَ الْمُعَلَّقِ بِهِ، وَقَدْ وَجَدْت بَحْثِي مَنْقُولًا صَحِيحًا فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْخَانِيَّةِ بَعْدَ نَقْلِ الْمَسْأَلَةِ فَلْيُنْظَرْ. اهـ. قُلْت، وَعِبَارَةُ التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْخَانِيَّةِ، وَلَوْ قَالَ لِوَالِدَيْهِ إنْ زَوَّجْتُمَانِي امْرَأَةً فَهِيَ طَالِقٌ فَزَوْجَاهُ امْرَأَةً بِأَمْرِهِ قَالُوا لَا تَصِحُّ هَذِهِ الْيَمِينُ، وَلَا تَطْلُقُ، وَقَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْفَضْلِ يَصِحُّ، وَتَطْلُقُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 9 وَهُوَ نَظِيرُ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ. لَوْ قَالَ رَجُلٌ إنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ أَوْ خَطَبْتهَا فَهِيَ طَالِقٌ فَخَطَبَ امْرَأَةً، وَتَزَوَّجَهَا لَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ لِأَنَّهُ حَنِثَ بِالْخُطْبَةِ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ إذَا قَالَ إنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ فَهِيَ طَالِقٌ، وَإِنْ أَمَرْت مَنْ يُزَوِّجُنِيهَا فَهِيَ طَالِقٌ فَأَمَرَ إنْسَانًا فَزَوَّجَهَا مِنْهُ طَلَقَتْ لِأَنَّهُمَا يَمِينَانِ فَانْحِلَالُ أَحَدِهِمَا لَا يُوجِبُ انْحِلَالَ الْأُخْرَى، وَلَوْ قَالَ إنْ تَزَوَّجْت، وَإِنْ أَمَرْت مَنْ يُزَوِّجُنِيهَا فَهِيَ طَالِقٌ فَأَمَرَ رَجُلًا فَزَوَّجَهَا مِنْهُ لَمْ تَطْلُقْ لِأَنَّ الْيَمِينَ وَاحِدَةٌ، وَالشَّرْطُ شَيْئَانِ: الْأَمْرُ، وَالتَّزْوِيجُ فَبِمُجَرَّدِ الْأَمْرِ لَا تَنْحَلُّ الْيَمِينُ، وَلِذَا لَوْ تَزَوَّجَهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْمُرَ أَحَدًا بِذَلِكَ لَا تَطْلُقُ لِأَنَّهُ بَعْضُ الشَّرْطِ فَإِنْ أَمَرَ بَعْدَ ذَلِكَ رَجُلًا فَقَالَ زَوِّجْنِي فُلَانَةَ، وَهِيَ امْرَأَتُهُ عَلَى حَالِهَا طَلَقَتْ لِأَنَّهُ كُلُّ الشَّرْطِ، وَلَوْ قَالَ إنْ خَطَبْت فُلَانَةَ أَوْ تَزَوَّجْتهَا فَهِيَ طَالِقٌ فَخَطَبَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا لَا تَطْلُقُ لِأَنَّ شَرْطَ حِنْثِهِ أَحَدُ شَيْئَيْنِ فَإِذَا خَطَبَهَا فَقَدْ وَجَدَ شَرْطَ الْحِنْثِ، وَالْمَرْأَةُ لَيْسَتْ فِي نِكَاحِهِ فَانْحَلَّتْ الْيَمِينُ لَا إلَى حِنْثٍ فَإِذَا تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ، وَالْيَمِينُ مُنْحَلَّةٌ فَلَا تَطْلُقُ، وَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ حَنِثَ بِالْخِطْبَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا يَمِينٌ مُنْعَقِدَةٌ، وَفَائِدَتُهَا لَوْ زَوَّجَهُ فُضُولِيٌّ فَبَلَغَهُ فَأَجَازَ طَلَقَتْ، وَنَظِيرُهَا إنْ تَزَوَّجَتْ فُلَانَةُ أَوْ أَمَرَتْ مَنْ يُزَوِّجُنِيهَا فَأَمَرَ غَيْرَهُ فَزَوَّجَهَا مِنْهُ لَا تَطْلُقُ، وَتَمَامُهُ فِيهَا مِنْ فَصْلِ التَّعْلِيقَاتِ، وَفِي تَتِمَّةِ الْفَتَاوَى فِي مَسْأَلَتَيْ الْأَمْرِ، وَالْخِطْبَةِ بِأَوْ، وَهَذَا رَدَّ عَلَى مَنْ يَقُولُ الْيَمِينُ غَيْرُ مُنْعَقِدَةٍ لِأَنَّ الشَّرْطَ أَحَدُهُمَا، وَأَحَدُهُمَا بِعَيْنِهِ صَالِحٌ، وَالْآخَرُ لَا فَإِنَّهُ نَصَّ عَلَى الْحِنْثِ حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَ قَبْلَ الْأَمْرِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَقَبْلَ الْخِطْبَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ لَوْ تَصَوَّرَ فَإِنَّهَا تَطْلُقُ. اهـ. . وَفِي الْخَانِيَّةِ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ، وَنَوَى مِنْ بَلَدِ كَذَا أَوْ نَوَى امْرَأَةً حَبَشِيَّةً أَوْ غَيْرَهَا لَا يَكُونُ مُصَدَّقًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ قَضَاءً، وَلَوْ قَالَ أَيُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ كَانَتْ عَلَى امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ جَمِيعَ النِّسَاءِ، وَلَوْ قَالَ إنْ تَزَوَّجْت امْرَأَةً مِنْ بَنَاتِ فُلَانٍ فَهِيَ طَالِقٌ، وَلَيْسَ لِفُلَانٍ بِنْتٌ ثُمَّ وُلِدَ لَهُ بِنْتٌ فَتَزَوَّجَهَا الْحَالِفُ قَالُوا لَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ، وَيُشْتَرَطُ قِيَامُ الْبِنْتِ وَقْتَ الْيَمِينِ، وَلَا يَدْخُلُ فِي الْيَمِينِ مَا يَحْدُثُ بَعْدَ الْيَمِينِ كَمَا لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الدَّارِ، وَلَيْسَ لِتِلْكَ الدَّارِ أَهْلٌ ثُمَّ سَكَنَهَا قَوْمٌ فَتَزَوَّجَ الْحَالِفُ مِنْهُمْ امْرَأَةً لَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ، وَيُشْتَرَطُ وُجُودُ الْأَهْلِ عِنْدَ الْيَمِينِ إلَّا أَنَّ هَذَا الْجَوَابَ يُوَافِقُ قَوْلَ مُحَمَّدٍ، وَأَمَّا قِيَاسُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ يَدْخُلُ فِي هَذَا الْيَمِينِ مَنْ كَانَ مَوْجُودًا وَقْتَ الْيَمِينِ، وَمَنْ يَحْدُثُ بَعْدَهُ كَمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يُكَلِّمَ ابْنَ فُلَانٍ، وَلَيْسَ لِفُلَانٍ ابْنٌ ثُمَّ وُلِدَ لَهُ ابْنٌ فَكَلَّمَهُ الْحَالِفُ حَنِثَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَلَا يَحْنَثُ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَتَزَوَّجُ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ وُلِدَتْ بَعْدَ الْيَمِينِ حَنِثَ، فَرَّقَ مُحَمَّدٌ بَيْنَ هَذَا، وَبَيْنَ بِنْتِ فُلَانٍ. لِأَنَّ أَهْلَ الْكُوفَةِ قَوْمٌ لَا يُحْصَوْنَ فَلَمْ يَكُنْ الْحَامِلُ عَلَى الْيَمِينِ غَيْظٌ لَحِقَهُ مِنْ جِهَةِ الْأَهْلِ بَلْ الْحَامِلُ عَلَى الْيَمِينِ مَعْنَى فِي الْكُوفَةِ فَيَدْخُلُ الْمَوْجُودُ، وَالْحَادِثُ بِخِلَافِ بِنْتِ فُلَانٍ لِأَنَّ الْحَامِلَ عَلَى الْيَمِينِ غَيْظٌ لَحِقَهُ مِنْ جِهَةِ فُلَانٍ فَيَدْخُلُ فِيهِ الْمَوْجُودُ لَا الْحَادِثُ، وَلَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ فَتَزَوَّجَ جَارِيَةً وُلِدَتْ بِالْبَصْرَةِ وَنَشَأَتْ بِالْكُوفَةِ وَاسْتَوْطَنَتْ بِهَا حَنِثَ الْحَالِفُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ عِنْدَهُ فِي هَذِهِ الْوِلَادَةِ، وَلَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ فُلَانٍ فَتَزَوَّجَ بِنْتَ بِنْتِ فُلَانٍ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ هَذَا الِاسْمَ لَا يَتَنَاوَلُ أَوْلَادَ الْبَنَاتِ، وَلَوْ قَالَ إنْ تَزَوَّجْت امْرَأَةً إلَى خَمْسِ سِنِينَ فَهِيَ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَ فِي السَّنَةِ الْخَامِسَةِ طَلَقَتْ لِأَنَّهَا لَا تَنْتَهِي قَبْلَ مُضِيِّ السَّنَةِ الْخَامِسَةِ كَمَا لَوْ أَجَّرَ دَارِهِ إلَى خَمْسِ سِنِينَ، وَلَوْ قَالَ إنْ أَكَلْت مِنْ خُبْزِ وَالِدِي مَا لَمْ أَتَزَوَّجْ فَاطِمَةَ فَكُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ فَأَكَلَ ثُمَّ تَزَوَّجَ فَاطِمَةَ بَعْدَ الْأَكْلِ طَلَقَتْ، وَلَوْ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا مَا لَمْ أَتَزَوَّجْ فَاطِمَةَ فَهِيَ طَالِقٌ فَمَاتَتْ فَاطِمَةُ أَوْ غَابَتْ فَتَزَوَّجَ غَيْرَهَا طَلَقَتْ فِي الْغَيْبَةِ، وَلَا تَطْلُقُ فِي الْمَوْتِ أَمَّا فِي الْغَيْبَةِ فَلِأَنَّهُ مَا تَزَوَّجَ فَاطِمَةَ حَالَ بَقَاءِ الْيَمِينِ فَيَحْنَثُ، وَأَمَّا فِي الْمَوْتِ   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 10 فَلَا يَحْنَثُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لِأَنَّ عِنْدَهُمَا يَمِينُهُ تَبْطُلُ بِالْمَوْتِ فَلَا يَحْنَثُ بَعْدَهُ، وَلَوْ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَقَدْ بِعْت طَلَاقَهَا مِنْك بِدِرْهَمٍ ثُمَّ تَزَوَّجَ بِامْرَأَةٍ فَقَالَتْ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَهُ حِينَ عَلِمَتْ بِنِكَاحِ غَيْرِهَا قَبِلْت أَوْ قَالَتْ طَلَّقْتهَا أَوْ قَالَتْ اشْتَرَيْت طَلَاقَهَا طَلَقَتْ الَّتِي تَزَوَّجَهَا، وَإِنْ قَالَتْ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَهُ قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْرَى قَبِلْت لَا يَصِحُّ قَبُولُهَا لِأَنَّ ذَلِكَ قَبُولٌ قَبْلَ الْإِيجَابِ اهـ. وَفِي الْكَافِي لِلْحَاكِمِ لَوْ قَالَ يَوْمَ أَتَزَوَّجُك فَأَنْت طَالِقٌ، وَأَنْتِ طَالِقٌ، وَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا طَلَقَتْ وَاحِدَةً فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَثَلَاثًا عِنْدَهُمَا، وَلَوْ قَالَ يَوْمَ أَتَزَوَّجُك فَأَنْت طَالِقٌ يَوْمَ أَتَزَوَّجُك فَأَنْت طَالِقٌ يَوْمَ أَتَزَوَّجُك فَأَنْت طَالِقٌ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا طَلَقَتْ ثَلَاثًا، وَكَذَلِكَ إنْ، وَإِذَا، وَمَتَى، وَكُلَّمَا، وَإِنْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ، وَطَالِقٌ، وَطَالِقٌ يَوْمَ أَتَزَوَّجُك ثُمَّ تَزَوَّجَهَا طَلَقَتْ ثَلَاثًا بِخِلَافِ مَا إذَا أَخَّرَ الطَّلَاقَ فَإِنَّ الْأُولَى تَقَعُ فَقَطْ اهـ. ثُمَّ قَالَ لَوْ قَالَ إذَا تَزَوَّجْت امْرَأَةً فَهِيَ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَ امْرَأَتَيْنِ فِي عُقْدَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِحْدَاهُمَا طَالِقٌ، وَالْخِيَارُ لَهُ، وَإِنْ نَوَى امْرَأَةً، وَحْدَهَا لَمْ يُدَيَّنْ فِي انْقِضَاءٍ، وَلَوْ قَالَ إنْ تَزَوَّجْت امْرَأَةً وَحْدَهَا لَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا فَإِنْ تَزَوَّجَ أُخْرَى بَعْدَهَا طَلَقَتْ. اهـ. وَفِي الْقُنْيَةِ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْت طَالِقٌ مِنْ جِهَتِي أَوْ طَلَّقْتُك صَحَّ، وَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ إنْ دَخَلَتْ الدَّارَ، وَتَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَلَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ إنْ وَلَدْت فَأَنْت طَالِقٌ مِنِّي فَتَزَوَّجَهَا فَوَلَدَتْ طَلَقَتْ. اهـ. وَهُوَ مُشْكِلٌ، وَلَوْ زَادَ قَوْلُهُ مِنْ جِهَتِي كَمَا لَا يَخْفَى. (قَوْلُهُ وَأَلْفَاظُ الشَّرْطِ إنْ، وَإِذَا، وَإِذَا مَا، وَكُلُّ، وَكَلَّمَا، وَمَتَى، وَمَتَى مَا) وَهُوَ فِي اللُّغَةِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ إلْزَامُ الشَّيْءِ، وَالْتِزَامُهُ فِي الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ كَالشَّرِيطَةِ، وَالْجَمْعُ شُرُوطٌ، وَفِي الْمَثَلِ الشَّرْطُ أَمْلَكُ عَلَيْك أَمْ لَك، وَبَزَغَ الْحَجَّامُ بِشَرْطٍ، وَيَشْرُطُ فِيهِمَا، وَالدُّونُ اللَّئِيمُ السَّافِلُ، وَالْجَمْعُ أَشْرَاطٌ، وَبِالتَّحْرِيكِ الْعَلَامَةُ وَالْجَمْعُ، وَكُلُّ مَسِيلٍ صَغِيرٍ يَجِيءُ مِنْ قَدْرِ عَشَرَةِ أَذْرُعٍ، وَأَوَّلُ الشَّيْءِ، وَزَالَ الْمَالُ وَصِغَارُهَا، وَالْأَشْرَافُ أَشْرَاطٌ أَيْضًا ضِدٌّ اهـ. وَعِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ كَمَا فِي التَّلْوِيحِ تَعْلِيقُ حُصُولِ مَضْمُونِ جُمْلَةٍ بِحُصُولِ مَضْمُونِ جُمْلَةٍ، وَيُزَادُ فِي أَنَّ فَقَطْ أَيْ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ ظَرْفِيَّةٍ وَنَحْوِهَا كَمَا فِي إذَا، وَمَتَى. اهـ. وَفِي الْمِعْرَاجِ الشُّرُوطُ شَرْعِيَّةٌ وَعَقْلِيَّةٌ وَعُرْفِيَّةٌ وَلُغَوِيَّةٌ فَالشَّرْعِيَّةُ كَالْوُضُوءِ وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ وَاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَطَهَارَةِ الثَّوْبِ وَالْمَكَانِ وَالْيَدَيْنِ فَيَتَوَقَّفُ وُجُودُ الصَّلَاةِ عَلَيْهَا، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهَا وُجُودُ الصَّلَاةِ، وَالْعَقْلِيُّ كَالْحَيَاةِ مَعَ الْعِلْمِ فَيَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ الْعِلْمِ الْحَيَاةُ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ، وَالْعُرْفِيَّةُ، وَيُقَالُ لَهَا الشَّرْطِيَّةُ الْعَادِيَّةُ كَالسُّلَّمِ مَعَ صُعُودِ السَّطْحِ فَيَلْزَمُ مِنْ الصُّعُودِ وُجُودُهُ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ، وَاللُّغَوِيَّةُ مِثْلُ التَّعْلِيقَاتِ فَيَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ الشَّرْطِ وُجُودُ الْمَشْرُوطِ قَالُوا، وَهُوَ حَقِيقَةُ السَّبَبِ، وَبِهَذَا قَالَ النَّحْوِيُّونَ فِي الشَّرْطِ، وَالْجَزَاءِ مَعَ السَّبَبِيَّةِ لِلْأَوَّلِ، وَالْمُسَبَّبِيَّة لِلثَّانِي، وَالْمُعْتَبَرُ مِنْ الْمَانِعِ وُجُودُهُ، وَمِنْ الشَّرْطِ عَدَمُهُ، وَمِنْ السَّبَبِ وُجُودُهُ وَعَدَمُهُ اهـ. وَقَالَ قَبْلَهُ إنَّمَا قَالَ أَلْفَاظُ الشَّرْطِ دُونَ حُرُوفِهِ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ لِأَنَّ عَامَّتَهَا اسْمٌ كَمَتَى، وَإِذَا اهـ. وَلَيْسَ مَقْصُودُ الْمُؤَلِّفِ الْحَصْرُ فِي الْأَلْفَاظِ السِّتَّةِ، وَقَدْ ذَكَرَ فِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ لَوْ، وَلَوْلَا، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ لَوْ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ يُنَافِيه أَعْنِي التَّعْلِيقَ عَلَى مَا عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ لِأَنَّهَا أَفَادَتْ تَحَقُّقَ عَدَمِهِ فَلَا يَحْصُلُ مَعْنَى الْيَمِينِ، وَلِعَدَمِ حُصُولِهِ لَمْ تُذْكَرْ لِمَا، وَإِنْ كَانَ لَوْ دَخَلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ تَعْلِيقٌ لِلطَّلَاقِ كَمَا ذَكَرَهُ التُّمُرْتَاشِيُّ، وَيُرْوَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ لَكِنَّهُ لَيْسَ مَعْنَاهَا الْأَصْلِيُّ، وَلَا الْمَشْهُورُ، وَلِذَا قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَتَعَلَّقُ، وَفِي الْحَاوِي فِي فُرُوعِنَا قَالَ أَنْت طَالِقٌ لَوْ تَزَوَّجْتُك تَطْلُقُ إذَا تَزَوَّجَهَا، وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ لَوْلَا دُخُولُك أَوْ لَوْلَا أَبُوك أَوْ مَهْرُك لَا يَقَعُ، وَكَذَا فِي الْإِخْبَارِ بِأَنْ قَالَ طَلَّقْتُك أَمْسِ لَوْلَا كَذَا. اهـ. وَلَا مَحَلَّ لِلتَّرَدُّدِ لِأَنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّ لَوْ بِمَعْنَى الشَّرْطِ قَالَ فِي الْمُحِيطِ، وَكَلِمَةُ لَوْ بِمَعْنَى الشَّرْطِ فَإِنَّهَا تُسْتَعْمَلُ هَذِهِ الْكَلِمَةُ لِأَمْرٍ مُتَرَقَّبٍ مُنْتَظَرٍ فَصَارَ بِمَعْنَى الشَّرْطِ الَّذِي هُوَ مُتَرَقَّبُ الثُّبُوتِ، وَعَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ فَتَوَقَّفَ عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْت طَالِقٌ لَوْ دَخَلْت الدَّارَ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَدْخُلَ، وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ لَوْ حَسُنَ خُلُقُك سَوْفَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَيُزَادُ فِي إنَّ فَقَطْ) أَيْ يُزَادُ عَلَى التَّعْرِيفِ الْمَذْكُورِ لَفْظُ فَقَطْ فِي التَّعْلِيقِ بِأَنَّ إمَّا فِي غَيْرِهَا فَيُقْتَصَرُ عَلَى مَا مَرَّ. (قَوْلُهُ: وَالْمُعْتَبَرُ مِنْ الْمَانِعِ وُجُودُهُ) لِأَنَّهُ مَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ الْعَدَمُ فَالْمُعْتَبَرُ فِي الْمَنْعِ وُجُودُهُ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ وُجُودٌ، وَالشَّرْطُ بِالْعَكْسِ فَيَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ الْوُجُودُ فَالْمُعْتَبَرُ عَدَمُهُ، وَأَمَّا السَّبَبُ فَيَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ الْوُجُودُ، وَمِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ لَكِنْ هَذَا فِي الْمُسَاوِي، وَإِلَّا فَقَدْ يَكُونُ لَهُ أَسْبَابٌ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ أَحَدِهَا عَدَمٌ تَأَمَّلْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 11 أُرَاجِعُك طَلَقَتْ السَّاعَةَ لِأَنَّ لَوْ دَخَلَتْ عَلَى الْمُرَاجَعَةِ. وَكَذَا لَوْ قَدِمَ أَبُوك رَاجَعْتُك، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنْت طَالِقٌ لَوْ دَخَلْت الدَّارَ لَطَلَّقْتُك فَهَذَا رَجُلٌ حَلَفَ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ لِيُطَلِّقَهَا إنْ دَخَلَتْ الدَّارَ فَإِذَا دَخَلَتْ لَزِمَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا، وَلَا يَقَعُ إلَّا بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا كَقَوْلِهِ إنْ لَمْ آتِ الْبَصْرَةَ. اهـ. وَفِي الْمِعْرَاجِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ كَلِمَةَ لَوْ مَعَ أَنَّهَا لِلشَّرْطِ وَضْعًا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمُفَصَّلِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يَعْمَلُ عَمَلَ الشَّرْطِ مَعْنًى لَا لَفْظًا، وَغَيْرُهَا يَعْمَلُ مَعْنًى وَلَفْظًا حَتَّى تَجْزِمَ فِي مَوَاضِعِ الْجَزْمِ، وَفِي غَيْرِ مَوَاضِعِ الْجَزْمِ لَزِمَ دُخُولُ الْفَاءِ فِي جَزَائِهِنَّ بِخِلَافِ لَوْ انْتَهَى، وَلَمْ يَذْكُرْ مَنْ مَعَ أَنَّهَا مِنْ الْجَوَازِمِ لَفْظًا وَمَعْنًى، وَمِنْ مَسَائِلِهَا فَرْعٌ غَرِيبٌ فِي الْمِعْرَاجِ رَجُلٌ قَالَ لِنِسْوَةٍ لَهُ مَنْ دَخَلَتْ مِنْكُنَّ الدَّارَ فَهِيَ طَالِقٌ فَدَخَلَتْ وَاحِدَةٌ مِرَارًا طَلَقَتْ بِكُلِّ مَرَّةٍ لِأَنَّ الدُّخُولَ لَمَّا أُضِيفَ إلَى جَمَاعَةٍ فَيُرَادُ بِهِ تَعْمِيمُهُ عُرْفًا مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا} [المائدة: 95] فَإِنَّهُ أَفَادَ عُمُومَ الصَّيْدِ، وَلِهَذَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ لَوْ قَالَ لِأَمِيرٍ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ فَقَتَلَ وَاحِدٌ قَتِيلَيْنِ فَلَهُ سَلَبَهُمَا قِيلَ لَا حُجَّةَ لِمُحَمَّدٍ فِي الِاسْتِشْهَادَيْنِ لِأَنَّ الصَّيْدَ فِي قَوْلِهِ لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ عَامٌّ بِاعْتِبَارِ اللَّامِ الِاسْتِغْرَاقِيَّة، وَالْقَتِيلُ عَامٌّ لِوُقُوعِهِ فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ، وَلَوْ اسْتَشْهَدَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ} [الأنعام: 68] الْآيَةَ {وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا} [الأنعام: 54] الْآيَةَ فَإِنَّ إذَا فِي ذَلِكَ تُفِيدُ التَّكْرَارَ، وَعَنْ بَعْضِ الْحَنَابِلَةِ إنَّ مَتَى تَقْتَضِي التَّكْرَارَ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ غَيْرَ كُلَّمَا لَا يُوجِبُ التَّكْرَارَ اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ أَدَوَاتِ الشَّرْطِ إنْ، وَمَنْ، وَمَا، وَمَهْمَا، وَأَيُّ، وَأَيْنَ، وَأَنَّى، وَمَتَى، وَمَتَى مَا، وَحَيْثُ، وَحَيْثُمَا، وَإِذَا، وَإِذَا مَا، وَأَيَّانَ، وَكَيْفَمَا عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ، وَلَمْ يَذْكُرْ النُّحَاةُ كُلًّا وَكُلَّمَا فِيهَا لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ أَدَوَاتِ الشَّرْطِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُمَا الْفُقَهَاءُ لِثُبُوتِ مَعْنَى الشَّرْطِ مَعَهُمَا، وَهُوَ التَّعْلِيقُ بِأَمْرٍ عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ، وَهُوَ الْفِعْلُ الْوَاقِعُ صِفَةَ الِاسْمِ الَّذِي أُضِيفَ إلَيْهِ قَالُوا، وَكُلُّهَا جَازِمَةٌ إلَّا لَوْ وَإِذَا، وَالْمَشْهُورُ إنَّهُ إنَّمَا يُجْزَمُ بِإِذَا فِي الشِّعْرِ، وَكَذَا لَوْ، وَالْمُرَادُ بِإِنْ الْمَكْسُورَةُ فَلَوْ فَتَحَهَا تَنَجَّزَ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ لِأَنَّهَا لِلتَّعْلِيلِ، وَلَا يُشْتَرَطُ وُجُودُ الْعِلَّةِ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْبَصْرِيِّينَ، وَاخْتَارَهُ مُحَمَّدٌ، وَمَذْهَبُ الْكُوفِيِّينَ أَنَّهَا بِمَعْنَى إذَا، وَاخْتَارَهُ الْكِسَائَيُّ، وَهُوَ مِنْهُمْ، وَتَمَامُهُ فِي الْمِعْرَاجِ. وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: أَلْفَاظُ الشَّرْطِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ التَّعْلِيقُ إلَّا بِالْفَاءِ فِي الْجَوَابِ فِي مَوْضِعِ وُجُوبِهَا إلَّا أَنْ يَتَقَدَّمَ الْجَوَابُ فَيَتَعَلَّقَ بِدُونِهَا عَلَى خِلَافٍ فِي أَنَّهُ حِينَئِذٍ هُوَ الْجَوَابُ أَوْ يُضْمَرُ الْجَوَابُ بَعْدَهُ، وَالْمُقَدَّمُ دَلِيلُهُ، وَأَمَّا الْفَقِيهُ فَنَظَرُهُ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى فَلَا عَلَيْهِ مِنْ اعْتِبَارِ الْجَوَابِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَكَوْنُ الْأَوَّلِ هُوَ الْجَوَابُ مَذْهَبُ الْكُوفِيِّينَ، وَكَوْنُهُ دَلِيلًا عَلَيْهِ مَذْهَبُ الْبَصْرِيِّينَ. فَإِنْ قُلْت مَا فَائِدَةُ الِاخْتِلَافِ بَيْنَ أَهْلِ الْبَلَدَيْنِ قُلْت يَجُوزُ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ ضَرَبْت غُلَامَهُ إنْ ضَرَبْت زَيْدًا عَلَى أَنَّ ضَمِيرَ غُلَامَهُ لِزَيْدٍ لِرُتْبَةِ الْجَزَاءِ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ بَعْدَ الشَّرْطِ، وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ لِرُتْبَتِهِ قَبْلَ الْأَدَاةِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الرَّضِيُّ، وَفِي الْأَلْفِيَّةِ لِابْنِ مَالِكٍ وَاقْرُنْ بِفَا حَتْمًا جَوَابًا لَوْ جُعِلْ ... شَرْطًا لِإِنْ أَوْ غَيْرِهَا لَمْ يَنْجَعِلْ وَتَوْضِيحُهُ كَمَا فِي الْمُغْنِي إنَّهَا وَاجِبَةٌ فِي جَوَابٍ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ شَرْطًا قَالَ وَهُوَ مُنْحَصِرٌ فِي سِتِّ مَسَائِلَ إحْدَاهَا أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ جُمْلَةً اسْمِيَّةً نَحْوُ: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ} [المائدة: 118] الثَّانِيَةُ أَنْ يَكُونَ فِعْلُهَا جَامِدًا نَحْوُ {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ} [البقرة: 271] الثَّالِثَةُ أَنْ يَكُونَ فِعْلُهَا إنْشَائِيًّا نَحْوُ {إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي} [آل عمران: 31] الرَّابِعَةُ أَنْ يَكُونَ فِعْلُهَا مَاضِيًا لَفْظًا وَمَعْنًى نَحْوُ {إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ} [يوسف: 77] الْخَامِسَةُ أَنْ يَقْتَرِنَ بِحَرْفِ الِاسْتِقْبَالِ نَحْوُ {مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ} [المائدة: 54] وَنَحْوُ {وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ} [آل عمران: 115] السَّادِسَةُ أَنْ يَقْتَرِنَ بِحَرْفٍ لَهُ الصَّدْرُ كَرُبَّ، وَإِنَّمَا دَخَلَتْ فِي نَحْوِ {وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ} [المائدة: 95] لِتَقْدِيرِ الْفِعْلِ خَبَرَ الْمَحْذُوفِ فَالْجُمْلَةُ اسْمِيَّةٌ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّ إذَا الْفُجَائِيَّةُ تَنُوبُ عَنْ الْفَاءِ نَحْوُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَمِنْ مَسَائِلِهَا فَرْعٌ غَرِيبٌ فِي الْمِعْرَاجِ إلَخْ) سَيَذْكُرُ الْمُؤَلِّفُ فِي الْمَقُولَةِ الْآتِيَةِ نَقَلَ ذَلِكَ عَنْ الْغَايَةِ أَيْضًا، وَإِنَّ الْحَقَّ أَنَّهُ أَحَدُ قَوْلَيْنِ، وَقَوْلُهُ الْأَتْي قَرِيبًا، وَالصَّحِيحُ أَنَّ غَيْرَ كُلَّمَا لَا يُفِيدُ التَّكْرَارَ يُفِيدُ ضَعْفَ هَذَا الْقَوْلِ (قَوْلُهُ وَلَوْ اسْتَشْهَدَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى إلَخْ) جَوَابُ لَوْ مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ الْمَذْكُورُ تَقْدِيرُهُ لَكَانَ ظَاهِرًا، وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَقَوْلُهُ فَإِنَّ إذَا فِي ذَلِكَ إلَخْ تَفْرِيعٌ عَلَيْهِ، وَعِبَارَةُ الْفَتْحِ قِيلَ وَالْأَوْلَى الِاسْتِشْهَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا} [الأنعام: 68] الْآيَةَ حَيْثُ يَحْرُمُ الْقُعُودُ مَعَ الْوَاحِدِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ فَقَدْ أَفَادَتْ إذَا التَّكْرَارَ لِعُمُومِ الِاسْمِ الَّذِي نُسِبَ إلَيْهِ فِعْلُ الشَّرْطِ، وَالْأَوْجَهُ أَنَّ الْعُمُومَ بِالْعِلَّةِ لَا بِالصِّيغَةِ فِيهِمَا مِنْ تَرَتُّبِ الْحُكْمِ، وَهُوَ الْجَزَاءُ فِي الْأَوَّلِ، وَمَنْعُ الْقُعُودِ عَلَى الْمُشْتَقِّ مِنْهُ، وَهُوَ الْقَتْلُ وَالْخَوْضُ فَيَتَكَرَّرُ بِهِ انْتَهَتْ، وَسَيَأْتِي ذِكْرُ هَذَا الْفَرْعِ ثَانِيًا فِي الْقَوْلَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ، وَإِنَّ الْحَقَّ أَنَّ مَا هُنَا عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 12 {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} [الروم: 36] ، وَإِنَّ الْفَاءَ قَدْ تُحْذَفُ لِلضَّرُورَةِ كَقَوْلِهِ: مَنْ يَفْعَلْ الْحَسَنَاتِ اللَّهُ يَشْكُرُهَا ، وَعَنْ الْمُبَرَّدِ أَنَّهُ مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى فِي الشِّعْرِ، وَزَعَمَ أَنَّ الرِّوَايَةَ مَنْ يَفْعَلْ الْخَيْرَ فَالرَّحْمَنُ يَشْكُرُهُ، وَعَنْ الْأَخْفَشِ أَنَّ ذَلِكَ وَاقِعٌ فِي النَّثْرِ الْفَصِيحِ، وَإِنَّ مِنْهُ قَوْله تَعَالَى {إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ} [البقرة: 180] وَتَقَدَّمَ تَأْوِيلُهُ. وَقَالَ ابْنُ مَالِكٍ يَجُوزُ فِي النَّثْرِ نَادِرًا، وَمِنْهُ حَدِيثُ اللُّقَطَةِ، وَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا، وَإِلَّا اسْتَمْتِعْ بِهَا، وَكَمَا تَرْبِطُ الْفَاءُ الْجَوَابَ بِشَرْطِهِ كَذَلِكَ تَرْبِطُ شِبْهَ الْجَوَابِ بِشِبْهِ الشَّرْطِ، وَذَلِكَ فِي نَحْوِ الَّذِي يَأْتِينِي فَلَهُ دِرْهَمٌ اهـ. مَا فِي الْمُغْنِي، وَذَكَرَ الْمُرَادِيُّ فِي شَرْحِ الْأَلْفِيَّةِ أَحَدَ عَشَرَ مَوْضِعًا لِوُجُوبِ الِاقْتِرَانِ بِالْفَاءِ، وَهِيَ الْجُمْلَةُ الِاسْمِيَّةُ وَالْفِعْلِيَّةُ الطَّلَبِيَّةُ، وَالْفِعْلُ غَيْرُ الْمُتَصَرِّفِ وَالْمَقْرُونِ بِالسِّينِ أَوْ سَوْفَ أَوْ قَدْ أَوْ مَنْفِيًّا بِمَا أَوْ لَنْ وَإِنْ، وَالْمَقْرُونُ بِالْقَسَمِ، وَالْمَقْرُونُ بِرُبَّ قَالَ فَهَذِهِ الْأَجْوِبَةُ تَلْزَمُهَا الْفَاءُ لِأَنَّهَا لَا يَصْلُحُ جَعْلُهَا شَرْطًا، وَخَطْبُ التَّمْثِيلِ سَهْلٌ. اهـ. وَهَذَا لَا يُخَالِفُ قَوْلَ الْمُغْنِي إنَّهَا مُنْحَصِرَةٌ فِي سِتٍّ لِأَنَّ حَرْفَ الِاسْتِقْبَالِ شَامِلٌ لِلسِّينِ، وَسَوْفَ، وَلَنْ، وَمَا لَهُ الصَّدْرُ شَامِلٌ لِلْقَسَمِ، وَرُبَّ، وَالْأَضْبَطُ، وَالْأَخْصَرُ مَا ذَكَرَهُ الرَّضِيُّ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ أَحَدُهَا الْجُمْلَةُ الطَّلَبِيَّةُ كَالْأَمْرِ، وَالنَّهْيِ، وَالِاسْتِفْهَامِ، وَالتَّمَنِّي، وَالْعَرْضِ، وَالتَّحْضِيضِ، وَالدُّعَاءِ. الثَّانِي الْجُمْلَةُ الْإِنْشَائِيَّةُ كَنِعْمَ وَبِئْسَ، وَمَا تَضَمَّنَ مَعْنَى إنْشَاءِ الْمَدْحِ وَالذَّمِّ، وَكَذَا عَسَى، وَفِعْلُ التَّعَجُّبِ. وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ الْجُمْلَةُ الِاسْمِيَّةُ. الرَّابِعُ كُلُّ فِعْلِيَّةٍ مُصَدَّرَةٍ بِحَرْفٍ سِوَى لَا وَلَمْ فِي الْمُضَارِعِ سَوَاءٌ كَانَ الْفِعْلُ الْمُصَدَّرُ مَاضِيًا أَوْ مُضَارِعًا اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ الطَّلَبِيَّةَ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْإِنْشَائِيَّةِ، وَلِذَا صَرَّحَ بَعْدَهُ بِمَا يُفِيدُ التَّغَايُرَ فَقَالَ إنَّ الْجُمْلَةَ الْإِنْشَائِيَّةَ مُتَجَرِّدَةٌ عَنْ الزَّمَانِ، وَالطَّلَبِيَّةَ مُتَمَحِّضَةٌ لِلِاسْتِقْبَالِ، وَتَمَامُهُ فِيهِ. وَفِي شَرْحِ التَّوْضِيحِ مِنْ بَحْثِ الصِّلَةِ الْإِنْشَائِيَّةُ مَا قَارَنَ لَفْظُهَا مَعْنَاهَا، وَالطَّلَبِيَّةُ مَا تَأَخَّرَ وُجُودُ مَعْنَاهَا عَنْ وُجُودِ لَفْظِهَا. اهـ. وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَ النُّحَاةِ، وَأَمَّا فِي عِلْمِ الْمَعَانِي، وَالطَّلَبِيَّةُ مِنْ أَقْسَامِ الْإِنْشَائِيَّةِ لِأَنَّهَا مَا لَيْسَ لَهَا خَارِجٌ تُطَابِقُهُ أَوْ لَا تُطَابِقُهُ، وَالْخَبَرِيَّةُ مَا لَهَا خَارِجٌ تُطَابِقُهُ أَوْ لَا تُطَابِقُهُ، وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ ظَهَرَ أَنَّ قَوْلَ الزَّيْلَعِيِّ إنَّ مَوَاضِعَهَا سَبْعٌ وَنَظَمَهَا بَعْضُهُمْ فَقَالَ طَلَبِيَّةٌ وَاسْمِيَّةٌ وَبِجَامِدٍ ... وَبِمَا وَقَدْ وَلَنْ وَبِالتَّنْفِيسِ قَاصِرٌ عَنْ الِاسْتِيفَاءِ، وَزِيَادَةُ الْمُحَقِّقِ عَلَيْهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مَا ذَكَرَهُ الْمُرَادِيُّ لَيْسَ تَحْرِيرًا، وَالْحَقُّ مَا أَسْلَفْنَاهُ عَنْ الرَّضِيِّ فَإِذَا عُرِفَ ذَلِكَ تَفَرَّعَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَأْتِ بِالْفَاءِ فِي مَوْضِعِ وُجُوبِهَا فَإِنَّهُ يَتَنَجَّزُ كَإِنْ دَخَلْت الدَّارَ أَنْت طَالِقٌ فَإِنْ نَوَى تَعْلِيقَهُ دُيِّنَ، وَكَذَا إنْ نَوَى تَقْدِيمَهُ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَتَعَلَّقُ حَمْلًا لِكَلَامِهِ عَلَى الْفَائِدَةِ فَتُضْمَرُ الْفَاءُ. قُلْت الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى جَوَازِ حَذْفِهَا اخْتِيَارًا فَأَجَازَهُ أَهْلُ الْكُوفَةِ، وَعَلَيْهِ فَرَّعَ أَبُو يُوسُفَ، وَمَنَعَهُ أَهْلُ الْبَصْرَةِ، وَعَلَيْهِ تَفَرَّعَ الْمَذْهَبُ، وَقَدْ حَكَى الرَّضِيُّ خِلَافَ الْكُوفِيِّينَ كَمَا ذَكَرْنَاهُ فَإِنْ قُلْت يَرِدُ عَلَى الْبَصْرِيِّينَ قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} [الأنعام: 121] قُلْت قَدْ أَجَابَ عَنْهُ الرَّضِيُّ بِأَنَّهُ بِتَقْدِيرِ الْقَسَمِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْله تَعَالَى {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ} [الجاثية: 25] مِثْلُهُ أَيْ بِتَقْدِيرِ الْقَسَمِ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ إذْ الْمُجَرَّدُ الْوَقْتُ مِنْ دُونِ مُلَاحَظَةِ الشَّرْطِ كَمَا لَمْ يُلَاحَظْ فِي قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ} [الشورى: 39] وقَوْله تَعَالَى {وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ} [الشورى: 37] . اهـ. وَلَوْ أَجَابَ بِالْوَاوِ فِي مَوْضِعِ وُجُوبِ الْفَاءِ تَنَجَّزَ، وَإِنْ نَوَى تَعْلِيقَهُ يُدَيَّنُ، وَفِي الْمِعْرَاجِ، وَلَوْ نَوَى تَقْدِيمَهُ قِيلَ يَصِحُّ، وَتُحْمَلُ الْوَاوُ عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَفِيهِ ضَعْفٌ لِأَنَّ وَاوَ الِابْتِدَاءِ لَا تُسْتَعْمَلُ فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ. اهـ. وَظَاهِرُ مَا فِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ لَوْ نَوَى تَعْلِيقَهُ لَا يُدَيَّنُ فَإِنَّهُ قَالَ وَلَا تَصِحُّ نِيَّةُ التَّعْلِيقِ أَصْلًا لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى إسْقَاطِ حَرْفِ الْوَاوِ ثُمَّ إلَى إضْمَارِ حَرْفِ الْفَاءِ. ، وَلِأَنَّ الْإِضْمَارَ إنَّمَا يَصِحُّ مَتَى أَظْهَرَ مَا أَضْمَرَ لَا يَخْتَلُّ الْكَلَامُ، وَهُنَا لَوْ ظَهَرَ مَا أَضْمَرَ اخْتَلَّ الْكَلَامُ لِأَنَّهُ يَصِيرُ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَوَأَنْتَ طَالِقٌ، وَلَوْ لَمْ يَأْتِ بِحَرْفِ التَّعْلِيقِ كَأَنْتِ طَالِقٌ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَذَكَرَ الْمُرَادِيُّ فِي شَرْحِ الْأَلْفِيَّةِ أَحَدَ عَشَرَ مَوْضِعًا) نَظَمَهَا فِي الْفَتْحِ بِقَوْلِهِ: تَعَلَّمْ جَوَابُ الشَّرْطِ حَتْمٌ قِرَانُهُ ... بِفَاءٍ إذَا مَا فِعْلُهُ طَلَبًا أَتَى كَذَا جَامِدًا أَوْ مُقْسَمًا كَانَ أَوْ بِقَدْ ... وَرُبَّ وَسِينٍ أَوْ بِسَوْفَ ادْرِ يَا فَتَى أَوْ اسْمِيَّةً أَوْ كَانَ مَنْفِيَّ مَا وَإِنْ ... وَلَنْ مَنْ يَحِدْ عَمَّا حَدَّدْنَاهُ قَدْ عَتَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 13 دَخَلْت الدَّارَ تَنَجَّزَ لِعَدَمِ التَّعْلِيقِ، وَلَوْ قَدَّمَ الْجَوَابَ، وَأَخَّرَ الشَّرْطَ لَكِنْ ذَكَرَهُ بِالْوَاوِ، وَكَأَنْتِ طَالِقٌ، وَإِنْ دَخَلْت الدَّارَ تَنَجَّزَ لِأَنَّ الْوَاوَ فِي مِثْلِهِ عَاطِفَةٌ عَلَى شَرْطٍ هُوَ نَقْبِضُ الْمَذْكُورُ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ تَقْدِيرُهُ إنْ لَمْ تَدْخُلِي، وَإِنْ دَخَلْت، وَإِنْ هَذِهِ هِيَ الْوَصْلِيَّةُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَهُوَ اخْتِيَارٌ لِقَوْلِ الْجَرْمِيِّ، وَهُوَ لَيْسَ بِمَرْضِيٍّ عِنْدَ الرَّضِيِّ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ إنْ يَأْتِيَ بِالْفَاءِ فِي الِاخْتِيَارِ فَتَقُولُ زَيْدٌ، وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا فَبَخِيلٌ لِأَنَّ الشَّرْطَ لَا يُلْغَى بَيْنَ الْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرِ اخْتِيَارًا، وَأَمَّا عَلَى مَا اخْتَرْنَا مِنْ كَوْنِ الْوَاوِ اعْتِرَاضِيَّةً فَيَجُوزُ لِأَنَّ الِاعْتِرَاضِيَّةَ بَيْنَ أَيِّ جُزْأَيْنِ مِنْ الْكَلَامِ كَانَا بِلَا فَصْلٍ إذَا لَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا حَرْفًا. اهـ. وَقَالَ قَبْلَهُ، وَشَرْطُ دُخُولِهَا أَنْ يَكُونَ ضِدَّ الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ أَوْلَى بِذَلِكَ الْمُقَدَّمِ الَّذِي هُوَ كَالْعِوَضِ عَنْ الْجَزَاءِ مِنْ ذَلِكَ الشَّرْطِ كَقَوْلِهِ أُكْرِمُهُ، وَإِنْ شَتَمَنِي فَالشَّتْمُ بَعِيدٌ مِنْ إكْرَامِك الشَّاتِمَ، وَضِدُّهُ، وَهُوَ الْمَدْحُ أَوْلَى بِالْإِكْرَامِ، وَكَذَلِكَ اُطْلُبُوا الْعِلْمَ وَلَوْ بِالصِّينِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْوَاوَ الدَّاخِلَةَ عَلَى كَلِمَةِ الشَّرْطِ فِي مِثْلِهِ اعْتِرَاضِيَّةٌ، وَنَعْنِي بِالْجُمْلَةِ الِاعْتِرَاضِيَّةِ مَا تَتَوَسَّطُ بَيْنَ أَجْزَاءِ الْكَلَامِ وَمُتَعَلِّقَاتِهِ مَعْنًى مُسْتَأْنَفًا لَفْظًا عَلَى طَرِيقِ الِالْتِفَاتِ إلَى آخِرِهِ، وَفِي الْمُحِيطِ، وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّهُ لَوْ نَوَى بَيَانَ الْحَالِ عَلَى مَعْنَى أَنْتِ طَالِقٌ فِي حَالِ دُخُولِك تَصِحُّ نِيَّتُهُ دِيَانَةً لَا قَضَاءً لِأَنَّ الْوَاوَ فِي مِثْلِهِ تُذْكَرُ لِلْحَالِ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَأَنْتِ رَاكِبَةٌ. اهـ. وَقَالَ الرَّضِيُّ، وَعَنْ الزَّمَخْشَرِيّ فِي مِثْلِهِ الْحَالُ فَيَكُونُ الَّذِي هُوَ كَالْعِوَضِ عَنْ الْجَزَاءِ عَامِلًا فِي الشَّرْطِ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ حَالٌ كَمَا عَمِلَ جَوَابُ مَتَى عِنْدَ بَعْضِهِمْ فِي مَتَى النَّصْبَ عَلَى أَنَّهُ ظَرْفُهُ، وَمَعْنَى الظَّرْفِيَّةِ وَالْحَالِ مُتَقَارِبَانِ. وَلَا يَصِحُّ اعْتِرَاضُ الْجَرْمِيِّ عَلَيْهِ بِأَنَّ مَعْنَى الِاسْتِقْبَالِ الَّذِي فِي أَنْ يُنَاقِضُ مَعْنَى الْحَالِ الَّذِي فِي الْوَاوِ لِأَنَّ حَالِيَّةَ الْحَالِ بِاعْتِبَارِ عَامِلِهِ مُسْتَقْبَلًا كَانَ الْعَامِلُ أَوْ مَاضِيًا نَحْوُ اضْرِبْهُ غَدًا مُجَرَّدًا أَوْ ضَرَبْته أَمْسِ مُجَرَّدًا، وَاسْتِقْبَالِيَّةٌ شَرْطَانِ بِاعْتِبَارِ زَمَنِ التَّكَلُّمِ فَلَا تَنَاقُضَ بَيْنَهُمَا اهـ. كَلَامُ الرَّضِيِّ، وَهُوَ مُؤَيِّدٌ لِقَوْلِ الْكَرْخِيِّ، وَلَوْ ذَكَرَهُ بِالْفَاءِ كَأَنْتِ طَالِقٌ فَإِنْ دَخَلْت الدَّارَ قَالَ فِي الْمِعْرَاجِ لَا رِوَايَةَ فِيهِ، وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ تَطْلُقُ لِأَنَّ الْفَاءَ صَارَتْ فَاصِلَةً، وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَا تَطْلُقُ لِأَنَّ الْفَاءَ حَرْفُ التَّعْلِيقِ. اهـ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقِيَاسُ الْمَذْكُورِ فِي حَرْفِ الْفَاءِ فِي مَوْضِعِ وُجُوبِهَا، وَذِكْرُ الْوَاوِ مَعَ الْجَوَابِ أَنْ يَكُونَ التَّنْجِيزُ مُوجِبَ اللَّفْظِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ التَّعْلِيقَ لِاتِّحَادِ الْجَامِعِ، وَهُوَ عَدَمُ كَوْنِ التَّعْلِيقِ إذْ ذَاكَ مَدْلُولُ اللَّفْظِ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِالنِّيَّةِ، وَالْفَاءُ، وَإِنْ كَانَ حَرْفَ تَعْلِيقٍ لَكِنْ لَا يُوجِبُهُ إلَّا فِي مَحَلِّهِ فَلَا أَثَرَ لَهُ هُنَا. اهـ. وَثُمَّ كَالْوَاوِ قَالَ فِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ ثُمَّ إنْ دَخَلْت الدَّارَ طَلَقَتْ لِلْحَالِ، وَلَا تَصِحُّ نِيَّةُ التَّعْلِيقِ أَصْلًا لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُهُ لِأَنَّ ثُمَّ لِلتَّعْقِيبِ مَعَ الْفَصْلِ، وَالتَّعْلِيقُ لِلْوَصْلِ فَكَانَ بَيْنَهُمَا مُضَادَّةٌ اهـ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَا الْمَذْكُورَةَ بَعْدَ أَدَاةِ شَرْطٍ زَائِدَةٌ قَالَ الرَّضِيُّ وَأَمَّا مَا فَتُزَادُ مَعَ الْخَمْسِ كَلِمَاتِ الْمَذْكُورَةِ إذَا أَفَادَتْ مَعْنَى الشَّرْطِ نَحْوُ إذَا مَا تُكْرِمْنِي أُكْرِمُك بِغَيْرِ الْجَزْمِ، وَمَتَى مَا تُكْرِمْنِي أُكْرِمْك بِمَعْنَى مَتَى تُكْرِمْنِي، وَلَا تُفِيدُ مَا مَعْنَى التَّكْرِيرِ، وَلَوْ أَفَادَتْهَا لَمْ تَكُنْ زَائِدَةً فَمَنْ قَالَ إنَّ مَتَى لِلتَّكْرِيرِ فَمَتَى مَا مِثْلُهُ، وَمَنْ قَالَ لَيْسَ لِلتَّكْرِيرِ فَكَذَا مَتَى مَا، وَأَيَّامَا تَفْعَلْ أَفْعَلْ، وَأَيْنَمَا تَكُنْ أَكُنْ {فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ} [الزخرف: 41] ، وَقَدْ تَدْخُلُ بَعْدَ أَيَّانَ أَيْضًا قَلِيلًا، وَلَيْسَتْ فِي حَيْثُمَا، وَإِذْ مَا زَائِدَةٌ لِأَنَّهَا هِيَ الْمُصَحِّحَةُ لِكَوْنِهِمَا جَازِمَتَيْنِ فَهِيَ الْكَافَّةِ أَيْضًا عَنْ الْإِضَافَةِ اهـ. ذَكَرَهُ فِي بَحْثِ حُرُوفِ الزِّيَادَةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ هُنَا مَا فِي كُلَّمَا لِكَوْنِهَا لَيْسَتْ زَائِدَةً لِإِفَادَتِهَا التَّكْرَارَ، وَلِذَا قَالَ: وَتُفِيدُ كُلُّ التَّكْرَارَ بِدُخُولِ مَا عَلَيْهِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ أَدَوَاتِ الشَّرْطِ. اهـ. . وَفِي الْمُحِيطِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ لَدَخَلْت الدَّارَ فَهَذَا يُخْبِرُ أَنَّهُ دَخَلَ الدَّارَ، وَأَكَّدَهُ بِالْيَمِينِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ إنْ لَمْ أَكُنْ دَخَلْت الدَّارَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ الدَّارَ طَلَقَتْ، وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ لَا دَخَلْت الدَّارَ يَتَعَلَّقُ بِالدُّخُولِ لِأَنَّ لَا حَرْفُ نَفْيٍ، وَقَدْ أَكَّدَهُ بِالدُّخُولِ فَكَانَ الطَّلَاقُ مُعَلَّقًا بِالدُّخُولِ، وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ لِدُخُولِك الدَّارَ طَلَقَتْ السَّاعَةَ   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 14 لِأَنَّ اللَّامَ لِلتَّعْلِيلِ فَقَدْ جَعَلَ الدُّخُولَ عِلَّةً لِلْوُقُوعِ وُجِدَتْ الْعِلَّةُ أَوْ لَا، وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ بِدُخُولِك الدَّارَ أَوْ بِحَيْضِك لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَدْخُلَ أَوْ تَحِيضَ لِأَنَّ الْبَاءَ لِلْوَصْلِ وَالْإِلْصَاقِ، وَإِنَّمَا يَتَّصِلُ الطَّلَاقُ، وَيَلْتَصِقُ بِالدُّخُولِ إذَا تَعَلَّقَ بِهِ، وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ عَلَى دُخُولِك الدَّارَ إنْ قَبِلَتْ يَقَعْ، وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّهُ اسْتَعْمَلَ الدُّخُولَ اسْتِعْمَالَ الْأَعْوَاضِ فَكَانَ الشَّرْطُ قَبُولَ الْعِوَضِ لَا وُجُودَهُ كَمَا لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي أَلْفَ دِرْهَمٍ. اهـ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَيَقَعُ فِي الْحَالِ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت، وَبِقَوْلِهِ اُدْخُلِي الدَّارَ وَأَنْتِ طَالِقٌ فَيَتَعَلَّقُ بِالدُّخُولِ لِأَنَّ الْحَالَ شَرْطٌ مِثْلُ أَدِّي إلَيَّ أَلْفًا، وَأَنْتِ طَالِقٌ لَا تَطْلُقُ حَتَّى تُؤَدِّيَ. اهـ. ، وَسَيَأْتِي فِي الْعِتْقِ أَنَّهُ عَلَى الْقَلْبِ أَيْ كُونِي طَالِقًا فِي حَالِ الْأَدَاءِ، وَكُنْ حُرًّا فِي حَالِ الْأَدَاءِ، وَقَوْلُهُ لِأَنَّ الْحَالَ شَرْطٌ مَنْقُوضٌ بِأَنْتِ طَالِقٌ، وَأَنْتِ مَرِيضَةٌ فَإِنَّهُ يَقَعُ لِلْحَالِ فَالتَّعْلِيلُ الصَّحِيحُ أَنَّ جَوَابَ الْأَمْرِ بِالْوَاوِ كَجَوَابِ الشَّرْطِ بِالْفَاءِ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ، وَفِيهِ لَوْ قَالَ أَدِّي إلَيَّ أَلْفًا فَأَنْت طَالِقٌ بِالْفَاءِ يَتَنَجَّزُ لِأَنَّهَا لِلتَّعْلِيلِ كَقَوْلِهِ افْتَحُوا الْأَبْوَابَ، وَأَنْتُمْ آمِنُونَ يَتَعَلَّقُ، وَلَوْ قَالَ فَأَنْتُمْ آمِنُونَ لَا يَتَعَلَّقُ لِلتَّفْسِيرِ، وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ، وَ: وَاَللَّهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا فَهُوَ تَعْلِيقٌ، وَيَمِينٌ، وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ، وَاَللَّهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا طَلَقَتْ فِي الْحَالِ ذَكَرَهُمَا فِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ. (قَوْلُهُ فَفِيهَا إنْ وُجِدَ الشَّرْطُ انْتَهَتْ الْيَمِينُ) أَيْ فِي أَلْفَاظِ الشَّرْطِ إنْ وُجِدَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ انْحَلَّتْ الْيَمِينُ، وَحَنِثَ وَانْتَهَتْ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُقْتَضِيَةٍ لِلْعُمُومِ وَالتَّكْرَارِ لُغَةً فَبِوُجُودِ الْفِعْلِ مَرَّةً يَتِمُّ الشَّرْطُ، وَلَا يَتِمُّ بَقَاءُ الْيَمِينِ بِدُونِهِ، وَإِذَا تَمَّ وَقَعَ الْحِنْثُ فَلَا يُتَصَوَّرُ الْحِنْثُ مَرَّةً أُخْرَى إلَّا بِيَمِينٍ أُخْرَى أَوْ بِعُمُومِ تِلْكَ الْيَمِينِ، وَلَا عُمُومَ، وَفِي الْمُحِيطِ مَعْزِيًّا إلَى الْجَامِعِ الْأَصْلُ أَنَّ إضَافَةَ الْجَمْعِ إلَى الْوَاحِدِ يُعْتَبَرُ جَمْعًا فِي حَقِّ الْوَاحِدِ، وَالْجَمْعُ الْمُضَافُ إلَى الْجَمْعِ يُعْتَبَرُ آحَادًا فِي حَقِّ الْآحَادِ، وَلَا يُعْتَبَرُ جَمْعًا فِي حَقِّ الْآحَادِ فَلَوْ قَالَ إنْ دَخَلْتُمَا هَذِهِ الدَّارَ فَلَا بُدَّ مِنْ دُخُولِهِمَا، وَإِنْ قَالَ هَاتَيْنِ الدَّارَيْنِ فَدَخَلَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ دَارًا عَلَى حِدَةٍ طَلَقَتَا، وَلَوْ قَالَ إنْ وَلَدْتُمَا وَلَدًا أَوْ حِضْتُمَا حَيْضَةً فَوَلَدَتْ إحْدَاهُمَا أَوْ حَاضَتْ طَلَقَتَا لِعَدَمِ إمْكَانِ الِاجْتِمَاعِ بِخِلَافِ إنْ وَلَدْتُمَا أَوْ حِضْتُمَا أَوْ إنْ وَلَدْتُمَا وَلَدَيْنِ أَوْ حِضْتُمَا حَيْضَتَيْنِ لَا بُدَّ مِنْ وِلَادَةِ كُلِّ وَاحِدَةٍ وَحَيْضِهَا، وَكَذَا إنْ أَكَلْتُمَا هَذَا الرَّغِيفَ لَا بُدَّ مِنْ أَكْلِهِمَا لِلْإِمْكَانِ، وَإِنْ قَالَ إنْ لَبِسْتُمَا قَمِيصَيْنِ لَا بُدَّ مِنْ لُبْسِهِمَا مَعًا لِلْحِنْثِ فَلَا يَحْنَثُ بِلُبْسِهِمَا مُتَفَرِّقَيْنِ بِخِلَافِ هَذَيْنِ الْقَمِيصَيْنِ يَحْنَثُ بِلُبْسِهِمَا مُتَفَرِّقَيْنِ كَأَنْ تَغَدَّيْت رَغِيفَيْنِ يَحْنَثُ بِأَكْلِهِمَا مُتَفَرِّقَيْنِ بِخِلَافِ إنْ أَكَلْت رَغِيفَيْنِ لَا بُدَّ مِنْ أَكْلِهِمَا مَعًا، وَأَفَادَ بِإِطْلَاقِهِ أَنَّهُ لَوْ زَادَ عَلَى إنْ أَبَدًا فَإِنَّهَا لَا تُفِيدُ التَّكْرَارَ كَمَا لَوْ قَالَ إنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ أَبَدًا فَهِيَ طَلَاقٌ فَتَزَوَّجَهَا طَلَقَتْ ثُمَّ إذَا تَزَوَّجَهَا ثَانِيًا لَا تَطْلُقُ كَذَا أَجَابَ أَبُو نَصْرِ الدَّبُوسِيُّ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ ، وَعَلَّلَهُ الْبَزَّازِيُّ فِي فَتَاوِيهِ بِأَنَّ التَّأْبِيدَ يَنْفِي التَّوْقِيتَ لَا التَّوْحِيدَ فَيَتَأَبَّدُ عَدَمُ التَّزَوُّجِ، وَلَا يَتَكَرَّرُ، وَمِنْ مَسَائِلَ أَنَّ مَا فِي الْوَاقِعَاتِ الْحُسَامِيَّةِ وَالْمُحِيطِ لَوْ كَانَ لَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ فَقَالَ لِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ إنْ لَمْ أَبِتْ عِنْدَك اللَّيْلَةَ فَالثَّلَاثُ طَوَالِقُ ثُمَّ قَالَ لِلثَّانِيَةِ مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ لِلثَّالِثَةِ مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ لِلرَّابِعَةِ مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ بَاتَ عِنْدَ الْأُولَى وَقَعَ عَلَيْهَا الثَّلَاثُ لِأَنَّهُ انْحَلَّ عَلَيْهَا ثَلَاثَةُ أَيْمَانٍ، وَيَقَعُ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ مِمَّنْ لَمْ يَبِتْ عِنْدَهُنَّ تَطْلِيقَتَانِ لِأَنَّهُ انْحَلَّ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا ثِنْتَانِ، وَلَوْ بَاتَ مَعَ ثِنْتَيْنِ وَقَعَ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تَطْلِيقَتَانِ، وَعَلَى الْأُخْرَيَيْنِ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تَطْلِيقَةٌ يَخْرُجُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ أَنَّهُ لَوْ بَاتَ مَعَ الثَّلَاثِ وَقَعَ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ تَطْلِيقَةٌ لِأَنَّهُ انْحَلَّ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ الْيَمِينُ الَّتِي عُقِدَتْ عَلَى الَّتِي لَمْ يَبِتْ عِنْدَهَا، وَلَا يَقَعُ عَلَى هَذِهِ الَّتِي لَمْ يَبِتْ عِنْدَهَا شَيْءٌ لِأَنَّ الْأَيْمَانَ الَّتِي عُقِدَتْ عَلَى الثَّلَاثِ لَمْ يَنْحَلَّ شَيْءٌ مِنْهَا عَلَى الرَّابِعَةِ، وَهِيَ الَّتِي لَمْ يَبِتْ عِنْدَهَا. اهـ. وَمِنْهَا مَا فِي الْخَانِيَّةِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ إنْ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ طَلَقَتْ فِي الْحَالِ) لَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَعْطِفْ الْقَسَمَ عَلَى أَنْتِ طَالِقٌ تَمَحَّضَ مَا بَعْدَهُ لِجَوَابِ الْقَسَمِ، وَصَارَ الْقَسَمُ فَاصِلًا بَيْنَ أَنْتِ طَالِقٌ وَبَيْنَ جَزَائِهِ الْمَعْنَوِيِّ فَلَمْ يَصْلُحْ لِلتَّعْلِيقِ فَوَقَعَ فِي الْحَالِ بِخِلَافِ مَا إذَا عَطَفَ الْقَسَمَ لِأَنَّهُ يَصِيرُ قَوْلُهُ لَا أَفْعَلُ كَذَا جَوَابًا لَهُمَا، وَيَكُونُ أَنْتِ طَالِقٌ لِلتَّعْلِيقِ مَعْنًى نَظِيرُ مَا مَرَّ قَرِيبًا فِي أَنْتِ طَالِقٌ لَدَخَلْت أَوْ لَا دَخَلْت الجزء: 4 ¦ الصفحة: 15 دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَهَذِهِ عَلَى دَخْلَةٍ وَاحِدَةٍ. وَلَوْ قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْت طَالِقٌ إنْ دَخَلْت فَهَذَا عَلَى دَخْلَتَيْنِ، وَلَوْ قَالَ إنْ قُلْت لَك أَنْت طَالِقٌ فَأَنْت طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ قَدْ طَلَّقْتُك تَطْلُقُ ثِنْتَيْنِ وَاحِدَةً بِالتَّطْلِيقِ وَوَاحِدَةً بِالْيَمِينِ. اهـ. وَالْفَرْعُ الْأَخِيرُ يُفِيدُ أَنَّ قَوْلَهُمْ إنَّ التَّعْلِيقَ يُرَاعَى فِيهِ اللَّفْظُ، وَلَا يَقُومُ لَفْظٌ آخَرُ مَقَامَهُ يُسْتَثْنَى مِنْهُ الْمُرَادِفُ لَهُ فَإِنَّ قَوْلَهُ قَدْ طَلَّقْتُك مُرَادِفٌ لِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ جِهَةِ إفَادَةِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ، وَمِنْهَا مَا فِي الصَّيْرَفِيَّةِ إنْ لَمْ تَمُتْ فُلَانَةُ غَدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَمَضَى الْغَدُ، وَهِيَ حَيَّةٌ يَقَعُ لِإِمْكَانِهِ بِخِلَافِ إنْ تَكَلَّمَتْ الْمَوْتَى حَيْثُ لَا يَقَعُ لِعَدَمِهِ، وَمِنْهَا مَا فِيهَا أَيْضًا قَالَتْ لِزَوْجِهَا لَك مَعَ فُلَانَةَ شُغْلٌ، وَلَك مَعَهَا حَدِيثٌ فَقَالَ إنْ كُنْت أَعْرِفُ أَنَّهُ رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ فَأَنْت كَذَا قَالَ إنْ كَانَ لَهُ مَعَهَا حَدِيثٌ أَوْ شُغْلٌ وَقَعَ، وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ هُنَا لِلْمَعْنَى لَا لِلْحَقِيقَةِ، وَالْمَعْنَى تَرْكُ التَّعَرُّضِ، وَمِنْهَا مَا لَوْ قَالَ إنْ لَمْ أَكُنْ الْيَوْمَ فِي الْعَالَمِ أَوْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا فَحَلَالُ اللَّهِ عَلَيَّ حَرَامٌ يُحْبَسُ حَتَّى يَمْضِيَ الْيَوْمُ سَوَاءٌ حَبَسَهُ الْقَاضِي أَوْ الْوَالِي أَوْ فِي بَيْتٍ لِأَنَّ الْحَبْسَ يُسَمَّى نَفْيًا قَالَ تَعَالَى {أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ} [المائدة: 33] . اهـ. وَمِنْهَا مَا فِي الْخَانِيَّةِ أَيْضًا لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ ثَلَاثًا يَنْصَرِفُ الثَّلَاثُ إلَى الطَّلَاقِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الدُّخُولَ، وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ عَشْرًا فَهِيَ عَلَى الدُّخُولِ عَشْرُ مَرَّاتٍ لَا إلَى الطَّلَاقِ. اهـ. وَمِنْهَا مَا فِيهَا أَيْضًا قَالَ إنْ لَمْ أُجَامِعْهَا أَلْفَ مَرَّةٍ فَهِيَ طَالِقٌ قَالُوا هَذَا عَلَى الْمُبَالَغَةِ وَالْكَثْرَةِ دُونَ الْعَدَدِ، وَلَا تَقْدِيرَ فِي ذَلِكَ، وَالسَّبْعُونَ كَثِيرٌ اهـ. وَمِنْهَا مَا فِيهَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ تَكُونِي امْرَأَتِي فَأَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا فَإِنْ لَمْ يُطَلِّقْهَا وَاحِدَةً بَائِنَةً مُتَّصِلَةً بِيَمِينِهِ تَطْلُقُ ثَلَاثًا، وَلَوْ قَالَ إنْ أَنْت امْرَأَتِي فَأَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا طَلَقَتْ ثَلَاثًا اهـ. وَدَلَّ اقْتِصَارُهُ عَلَى اسْتِثْنَاءِ كُلَّمَا أَنَّ مَنْ لَا تُقِيدُ التَّكْرَارَ فَعَلَى هَذَا مَا فِي الْغَايَةِ لَوْ قَالَ لِنِسْوَةٍ لَهُ مَنْ دَخَلَتْ مِنْكُنَّ الدَّارَ فَهِيَ طَالِقٌ فَدَخَلَتْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ الدَّارَ مِرَارًا طَلَقَتْ بِكُلِّ مَرَّةٍ تَطْلِيقَةً لِأَنَّ الْفِعْلَ، وَهُوَ الدُّخُولُ أُضِيفَ إلَى جَمَاعَةٍ فَيُرَادُ بِهِ تَعْمِيمُ الْفِعْلِ عُرْفًا مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا} [المائدة: 95] أَفَادَ الْعُمُومَ، وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِمَا ذَكَرَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ إذَا قَالَ الْإِمَامُ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ فَقَتَلَ وَاحِدٌ قَتِيلَيْنِ فَلَهُ سَلَبُهُمَا. اهـ. وَهُوَ مُشْكِلٌ لِأَنَّ عُمُومَ الصَّيْدِ لِكَوْنِ الْوَاجِبِ فِيهِ مُقَدَّرًا بِقِيمَةِ الْمَقْتُولِ، وَفِي السَّلَبِ بِدَلَالَةِ الْحَالِ، وَهُوَ أَنَّ مُرَادَهُ التَّشْجِيعُ، وَكَثْرَةُ الْقَتْلِ كَذَا فِي التَّبْيِينِ، وَالْحَقُّ أَنَّ مَا فِي الْغَايَةِ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فَقَدْ نَقَلَ الْقَوْلَيْنِ فِي الْقُنْيَةِ فِي مَسْأَلَةِ صُعُودِ السَّطْحِ، وَدَلَّ أَيْضًا عَلَى أَنَّ إذَا لَا تُفِيدُ التَّكْرَارَ، وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ} [الأنعام: 68] فَإِنَّمَا حَرَّمَ الْقُعُودَ مَعَ الْوَاحِدِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ مِنْ الْعِلَّةِ لَا مِنْ الصِّيغَةِ كَمَنْ فِيمَا تَقَدَّمَ لِمَا فِيهِمَا مِنْ تَرْتِيبِ الْحُكْمِ، وَهُوَ الْجَزَاءُ فِي الْأَوَّلِ، وَمَنْعُ الْقُعُودِ عَلَى الْمُشْتَقِّ مِنْهُ، وَهُوَ الْقَتْلُ وَالْخَوْضُ فَيَتَكَرَّرُ بِهِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَدَلَّ أَيْضًا عَلَى أَنَّ أَيًّا لَا تُفِيدُ التَّكْرَارَ، وَفِي الْمُحِيطِ وَجَوَامِعِ الْفِقْهِ لَوْ قَالَ أَيُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهُوَ عَلَى امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ بِخِلَافِ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا حَيْثُ يَعُمُّ بِعُمُومِ الصِّفَةِ اهـ. واسْتَشْكَلَهُ فِي التَّبْيِينِ، وَفَتْحِ الْقَدِيرِ حَيْثُ لَمْ يَعُمَّ أَيَّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا بِعُمُومِ الصِّفَةِ، وَلَمْ يُجِيبَا عَنْهُ. وَقَدْ ظَهَرَ لِي أَنَّهُ لَا إشْكَالَ فِيهِ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ، وَهُوَ مَنْقُولٌ فِي الْخُلَاصَةِ والولوالجية أَيْضًا، وَزَادَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ جَمِيعَ النِّسَاءِ لِأَنَّ الصِّفَةَ هُنَا لَيْسَتْ عَامَّةً لِأَنَّ الْفِعْلَ، وَهُوَ أَتَزَوَّجُ مُسْنَدٌ إلَى خَاصٍّ، وَهُوَ الْمُتَكَلِّمُ فَهُوَ نَظِيرُ مَا صَرَّحَ بِهِ الْأُصُولِيُّونَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ أَيُّ عَبِيدِي ضَرَبْته لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا وَاحِدًا، وَبَيْنَ أَيُّ عَبِيدِي ضَرَبَك يَعْتِقُ الْكُلُّ إذَا ضَرَبُوا لِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ أُسْنِدَ إلَى خَاصٍّ، وَفِي الثَّانِي إلَى عَامٍّ بِخِلَافٍ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَمِنْهَا مَا لَوْ قَالَ إنْ لَمْ أَكُنْ الْيَوْمَ فِي الْعَالَمِ) الظَّاهِرُ أَنَّ لَمْ زَائِدَةٌ مِنْ النَّاسِخِ، وَالصَّوَابُ حَذْفُهَا فَلْيُرَاجَعْ ثُمَّ رَاجَعْت الْفَتَاوَى الصَّيْرَفِيَّةَ الْمَعْزُوَّ إلَيْهَا هَذَا الْفَرْعَ فَرَأَيْته إنْ أَكُنْ بِدُونِ لَمْ. اهـ. وَمِمَّا أَنْشَدَهُ الْوَزِيرُ ابْنُ مُقْلَةَ لَمَّا حَبَسَهُ الرَّاضِي بِاَللَّهِ سَنَةَ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ قَوْلُهُ خَرَجْنَا مِنْ الدُّنْيَا وَنَحْنُ مِنْ أَهْلِهَا ... فَلَسْنَا مِنْ الْمَوْتَى نُعَدُّ وَلَا الْأَحْيَا إذَا جَاءَنَا السَّجَّانُ يَوْمًا لِحَاجَةٍ ... فَرِحْنَا وَقُلْنَا جَاءَ هَذَا مِنْ الدُّنْيَا (قَوْلُهُ لِأَنَّ الصِّفَةَ هُنَا) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ فِي مَسْأَلَتَيْ كُلٍّ وَأَيٍّ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا) قَالَ الرَّمْلِيُّ كَمَا أَنَّ كَلِمَةَ كُلٍّ لِلْعُمُومِ فَكَذَا كَلِمَةُ أَيٍّ فَقَدْ صَرَّحُوا قَاطِبَةً بِأَنَّهَا مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ، وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ ابْنُ السَّرَّاجِ، وَصَاحِبُ جَمْعِ الْجَوَامِعِ، وَقَوْلُهُ فَإِنَّ الْعُمُومَ إنَّمَا هُوَ مِنْ كَلِمَةِ كُلٍّ إلَى قَوْلِهِ لِأَنَّهُ لَا عُمُومَ لَهُمَا فِيهِمَا مُخَالِفٌ لِصَرِيحِ كَلَامِ مُحَمَّدٍ حَيْثُ قَالَ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ الْبَزْدَوِيُّ فِي أُصُولِهِ لَكِنَّهَا مَتَى وُصِفَتْ بِصِفَةٍ عَامَّةٍ عَمَّتْ بِعُمُومِهَا كَسَائِرِ النَّكِرَاتِ فِي مَوْضِعِ الْإِثْبَاتِ، وَقَدْ ظَهَرَ لِي أَنَّ الْوَجْهَ فِي الْجَوَابِ الْعُرْفُ يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا نَقَلَهُ عَنْ كَافِي الْحَاكِمِ فَلْيُتَأَمَّلْ، وَاَللَّهُ تَعَالَى هُوَ الْمُوَفِّقُ اهـ. أَقُولُ: مَا ذَكَرَهُ لَا يُرَدُّ عَلَى الْمُؤَلِّفِ لِأَنَّهُ نَقَلَ تَصْرِيحَ الْأُصُولِيِّينَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ أَيِّ عَبِيدِي ضَرَبْته، وَأَيِّ عَبِيدِي ضَرَبَك فَيُعْلَمُ مِنْ كَلَامِهِمْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 16 فَإِنَّ الْعُمُومَ إنَّمَا هُوَ مِنْ كَلِمَةِ كُلٍّ لَا مِنْ الْوَصْفِ إذْ الْوَصْفُ خَاصٌّ كَمَا قُلْنَا، وَإِنَّمَا الْإِشْكَالُ فِي قَوْلِهِ حَيْثُ تَعُمُّ بِعُمُومِ الصِّفَةِ لِأَنَّهَا لَا عُمُومَ لَهَا فِيهِمَا لَا إنَّ الْإِشْكَالَ لِتَسْلِيمِ عُمُومِهَا، وَأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ فِي أَيٍّ كَمَا فَعَلَا فَإِنْ قُلْت هَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَيُّ امْرَأَةٍ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنِّي فَهِيَ طَالِقٌ أَنْ يَتَنَاوَلَ جَمِيعَ النِّسَاءِ لِأَنَّ الْوَصْفَ هُنَا عَامٌّ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَنِدْ إلَى مُعَيَّنٍ فَهُوَ كَقَوْلِهِ أَيُّ عَبِيدِي ضَرَبَك بَلْ أَوْلَى لِتَنْكِيرِ الْمُضَافِ إلَيْهِ قُلْت الْحُكْمُ كَذَلِكَ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ مِنْ الْفَصْلِ الرَّابِعِ فِي الْيَمِينِ فِي النِّكَاحِ، وَيَدُلُّ عَلَى مَا قَرَرْنَاهُ مَا ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ فِي الْكَافِي لَوْ قَالَ لِنِسْوَةٍ أَيَّتُكُنَّ أَكَلَتْ مِنْ هَذَا الطَّعَامِ شَيْئًا فَهِيَ طَالِقٌ فَأَكَلْنَ جَمِيعًا مِنْهُ طَلَقْنَ كُلُّهُنَّ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ أَيَّتُكُنَّ دَخَلَتْ هَذِهِ الدَّارَ فَدَخَلْنَهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ أَيَّتُكُنَّ شَاءَتْ فَهِيَ طَالِقٌ فَشِئْنَ جَمِيعًا. وَلَوْ قَالَ أَيَّتُكُنَّ بَشَّرَتْنِي بِكَذَا فَبَشَّرْنَهُ جَمِيعًا طَلَقْنَ، وَإِنْ بَشَّرَتْهُ وَاحِدَةٌ قَبْلَ الْأُخْرَى طَلَقَتْ وَحْدَهَا. اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ لِعَبِيدِهِ أَيُّكُمْ حَمَلَ هَذِهِ الْخَشَبَةَ فَهُوَ حُرٌّ فَحَمَلُوهَا جَمِيعًا إنْ كَانَتْ الْخَشَبَةُ بِحَيْثُ يُطِيقُ حَمْلَهَا وَاحِدٌ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ كَلِمَةَ أَيٍّ تَتَنَاوَلُ الْوَاحِدَ الْمُنَكَّرَ مِنْ الْجُمْلَةِ فَكَانَ شَرْطُ الْحِنْثِ حَمْلُ الْوَاحِدِ، وَلَمْ يُوجَدْ بِكَمَالِهِ، وَإِنْ كَانَتْ بِحَيْثُ لَا يَحْمِلُهَا الْوَاحِدُ عَتَقُوا لِأَنَّ فِي الْعُرْفِ يُرَادُ بِهِ حَمْلُهُمْ عَلَى الشَّرِكَةِ لَمَّا تَعَذَّرَ حَمْلُهَا عَلَى الْوَاحِدِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ أَيُّكُمْ حَمَلَهَا مَعَ أَصْحَابِهِ، وَنَظِيرُهُ لَوْ قَالَ أَيُّكُمْ شَرِبَ مَاءَ هَذَا الْوَادِي فَشَرِبُوا جَمِيعًا عَتَقُوا لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ شُرْبُ الْبَعْضِ عُرْفًا لِأَنَّ شُرْبَ الْكُلِّ مُتَعَذِّرٌ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ أَيُّكُمْ شَرِبَ بَعْضَ هَذَا الْمَاءِ فَهُوَ حُرٌّ، وَلَوْ قَالَ أَيُّكُمْ شَرِبَ مَاءَ هَذَا الْكُوزِ، وَكَانَ مَاؤُهُ يُمْكِنُ شُرْبُهُ لِلْوَاحِدِ بِدُفْعَةٍ أَوْ دُفْعَتَيْنِ فَشَرِبُوا جَمِيعًا لَمْ يَعْتِقْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، وَإِنْ حَمَلَهَا بَعْضُهُمْ يَعْتِقُ لِأَنَّ كَلِمَةَ أَيُّ تَتَنَاوَلُ وَاحِدًا مُنَكَّرًا مِنْ الْجُمْلَةِ لَكِنَّهَا صَارَتْ عَامَّةً بِعُمُومِ الْوَصْفِ، وَهُوَ الْحَمْلُ فَتَتَنَاوَلُ كُلَّ وَاحِدٍ عَلَى الِانْفِرَادِ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ لَا عَلَى الْعُمُومِ وَالشُّمُولِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ إنْ حَمَلْتُمْ هَذِهِ الْخَشَبَةَ فَأَنْتُمْ أَحْرَارٌ فَحَمَلَهَا بَعْضُهُمْ لَمْ يَعْتِقْ لِأَنَّ اللَّفْظَ عَامٌّ بِصِيغَتِهِ فَيَتَنَاوَلُ الْكُلَّ لِعُمُومِهِ فَمَا لَمْ يُوجَدْ الْحَمْلُ مِنْهُمْ لَا يَتَحَقَّقُ شَرْطُ الْحِنْثِ اهـ. وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ قَوْلَهُمْ إنَّهَا تَعُمُّ بِعُمُومِ الْوَصْفِ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ. (قَوْلُهُ إلَّا فِي كُلَّمَا لِاقْتِضَائِهَا عُمُومَ الْأَفْعَالِ كَاقْتِضَاءِ كُلٍّ عُمُومَ الْأَسْمَاءِ) لِأَنَّ كَلِمَةَ كُلٍّ مَوْضُوعَةٌ لِاسْتِغْرَاقِ مَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ كَانَ لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ غَيْرَ أَنَّ كُلَّمَا تَدْخُلُ عَلَى الْأَفْعَالِ، وَكُلٌّ تَدْخُلُ عَلَى الْأَسْمَاءِ فَيُفِيدُ كُلٌّ مِنْهُمَا عُمُومَ مَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ فَإِذَا وُجِدَ فِعْلٌ وَاحِدٌ أَوْ اسْمٌ وَاحِدٌ فَقَدْ وُجِدَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ فَانْحَلَّتْ الْيَمِينُ فِي حَقِّهِ، وَفِي حَقِّ غَيْرِهِ مِنْ الْأَفْعَالِ، وَالْأَسْمَاءُ بَاقِيَةٌ عَلَى حَالِهَا فَيَحْنَثُ كُلَّمَا وُجِدَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ غَيْرَ أَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ طَلْقَاتُ هَذَا الْمِلْكِ، وَهِيَ مُتَنَاهِيَةٌ فَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّمَا لِعُمُومِ الْأَفْعَالِ، وَعُمُومُ الْأَسْمَاءِ ضَرُورِيٌّ فَيَحْنَثُ بِكُلِّ فِعْلٍ حَتَّى يَنْتَهِيَ طَلْقَاتُ هَذَا الْمِلْكِ، وَكُلُّ لِعُمُومِ الْأَسْمَاءِ، وَعُمُومُ الْأَفْعَالِ ضَرُورِيٌّ، وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ إلَّا فِي كُلٍّ، وَكُلَّمَا لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّ الْيَمِينَ فِي كُلٍّ، وَإِنْ انْتَهَتْ فِي حَقِّ اسْمٍ بَقِيَتْ فِي حَقِّ غَيْرِهِ مِنْ الْأَسْمَاءِ كَمَا سَيَأْتِي، وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ مَتَى عُلِّقَ بِشَرْطٍ مُتَكَرِّرٍ يَتَكَرَّرُ، وَالْيَمِينُ مَتَى عُلِّقَ بِشَرْطٍ مُتَكَرِّر لَا يَتَكَرَّرُ حَتَّى لَوْ قَالَ كُلَّمَا دَخَلْت الدَّارَ فَوَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا فَدَخَلَتْ الدَّارَ مِرَارًا فَكَلَّمَهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَحْنَثُ إلَّا فِي يَمِينٍ وَاحِدَةٍ. وَلَوْ قَالَ كُلَّمَا دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْت طَالِقٌ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَدَخَلَ الدَّارَ مِرَارًا ثُمَّ كَلَّمَهُ مَرَّةً يَحْنَثُ فِي الْأَيْمَانِ كُلِّهَا، وَالْفَرْقُ أَنَّ انْعِقَادَ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ لَيْسَ إلَّا ذَكَرُ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى مَقْرُونًا بِخَبَرٍ، وَذِكْرُ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى مَقْرُونٌ بِخَبَرِ الدُّخُولِ   [منحة الخالق] أَنَّ أَيًّا لَا تَكُونُ لِلْعُمُومِ إلَّا إذَا وُصِفَتْ بِصِفَةٍ عَامَّةٍ بِخِلَافِ كُلٍّ فَإِنَّهَا لِلْعُمُومِ وَضْعًا، وَالْفَرْقُ أَنَّ أَيًّا بِحَسَبِ مَا تُضَافُ إلَيْهِ فَتَكُونُ لِلزَّمَانِ وَالْمَكَانِ، وَلِمَنْ يَعْقِلُ، وَمَا لَا يَعْقِلُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا لَا عُمُومَ لَهَا فِيهِمَا) أَيْ لَا عُمُومَ لِلصِّفَةِ، وَهِيَ أَتَزَوَّجُهَا فِيهِمَا أَيْ فِي الْمِثَالَيْنِ، وَهُمَا أَيُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا، وَكُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا (قَوْلُهُ وَإِنْ بَشَّرَتْهُ وَاحِدَةٌ قَبْلَ الْأُخْرَى طَلَقَتْ وَحْدَهَا) قَالَ الرَّمْلِيُّ إنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِعَدَمِ تَصَوُّرِ الْبِشَارَةِ مِنْ غَيْرِ السَّابِقَةِ لِأَنَّهَا اسْمٌ لِخَبَرٍ سَارٍّ صُدِّقَ، وَلَيْسَ لِلْمُبَشِّرِ بِهِ عِلْمٌ عُرْفًا (قَوْلُهُ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ قَوْلَهُمْ إنَّهَا تَعُمُّ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ يَعْنِي لِتَخَلُّفِهِ فِي صُورَةِ حَمْلِهِمْ الْخَشَبَةَ جَمِيعًا مَعَ إطَاقَةِ الْوَاحِدِ لَهَا، وَشُرْبِهِمْ لِمَاءِ الْكُوزِ جَمِيعًا مَعَ إمْكَانِ شُرْبِ الْوَاحِدِ لَهُ، وَسَبَبُهُ الْعُرْفُ (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ إلَّا فِي كُلٍّ، وَكُلَّمَا إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ، وَخَصَّ كُلَّمَا، وَإِنْ كَانَتْ كُلٌّ كَذَلِكَ بِاعْتِبَارِ بَقَاءِ الْيَمِينِ لَا تَنْتَهِي فِيهَا بِوُجُودِ الشَّرْطِ بِخِلَافِ كُلٍّ فَإِنَّهَا تَنْتَهِي فِي حَقِّ ذَلِكَ الِاسْمِ. وَبِهِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَوْ قَالَ إلَّا فِي كُلٍّ، وَكُلَّمَا لَا، وَهَمَ أَنَّ الْيَمِينَ لَا تَنْتَهِي بِمَرَّةٍ فِيهِمَا، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ هَذَا مُطْلَقًا فِي كُلٍّ غَيْرُ صَحِيحٍ لَكِنْ لَمَّا كَانَ فِي كُلٍّ عُمُومٌ لَا يَنْتَهِي بِمَرَّةٍ بِاعْتِبَارِ مَا مَرَّ بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ كَاقْتِضَاءِ كُلٍّ عُمُومَ الْأَسْمَاءِ، وَجَعَلَهَا مُشَبَّهًا بِهَا لِأَنَّهَا الْأَصْلُ، وَأَدْخَلَ عَلَيْهَا مَا، وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَى هَذَا، وَبِهِ عُرِفَ أَنَّ مَا فِي الْبَحْرِ مَدْفُوعٌ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 17 وَالْكَلَامِ فَكَمَا أَنَّ لِانْعِقَادِ الْيَمِينِ تَعَلُّقًا بِالدُّخُولِ كَانَ لَهَا تَعَلُّقٌ بِالْكَلَامِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ إنْ دَخَلْت وَاَللَّهِ، وَلَمْ يَقُلْ لَا أُكَلِّمُ لَا يَنْعَقِدُ فَلَمْ يَنْفَسِخْ لِيَكُنْ تَصْحِيحُ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى مُعَلَّقًا بِالدُّخُولِ وَحْدَهُ، وَإِنَّمَا تَصْحِيحُهَا بِالدُّخُولِ وَالْكَلَامِ جَمِيعًا، وَالدُّخُولُ مُتَكَرِّرٌ، وَالْكَلَامُ غَيْرُ مُتَكَرِّرٍ، وَالْمُعَلَّقُ بِشَرْطٍ مُتَكَرِّرٌ، وَغَيْرُ مُتَكَرِّرٍ لَا يَتَكَرَّرُ فَأَمَّا الْيَمِينُ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، وَغَيْرِهِمَا فَعُلِّقَ بِالدُّخُولِ وَحْدَهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ صَحَّ فَلَمْ يَكُنْ لِانْعِقَادِ الْيَمِينِ تَعَلُّقٌ بِالْكَلَامِ فَيَبْقَى الْيَمِينُ مُعَلَّقًا بِالدُّخُولِ وَحْدَهُ، وَالدُّخُولُ يَتَكَرَّرُ لِأَنَّهُ أَدَخَلَ فِيهِ كَلِمَةَ كُلَّمَا، وَالْمُعَلَّقُ بِشَرْطٍ مُتَكَرِّرٌ يَتَكَرَّرُ فَيَصِيرُ قَائِلًا عِنْدَ كُلِّ دَخْلَةٍ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ، وَلَوْ كَرَّرَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ ثُمَّ كَلَّمَهُ مَرَّةً يَحْنَثُ فِي الْأَيْمَانِ كُلِّهَا لِأَنَّ الشَّرْطَ الْوَاحِدَ يَصْلُحُ شَرْطًا لِلْأَيْمَانِ كُلِّهَا اهـ، وَزَادَ الْبَزَّازِيُّ عَلَى الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ الظِّهَارَ، وَفِي الْمُحِيطِ مَعْزِيًّا إلَى الْجَامِعِ أَصْلُهُ أَنَّ الْجَزَاءَ مَتَى عُلِّقَ بِشَرْطٍ مُكَرَّرٍ، وَغَيْرِ مُكَرَّرٍ فَإِنَّهُ لَا يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ الْمُكَرَّرِ، وَلِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِشَرْطَيْنِ لَا يَنْزِلُ إلَّا عِنْدَ وُجُودِهِمَا فَلَوْ قَالَ كُلَّمَا دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ فَعَلَيَّ حَجَّةٌ إنْ ضَرَبْتُك فَدَخَلَ مِرَارًا، وَلَمْ يَضْرِبْهُ إلَّا مَرَّةً فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْحَجُّ بِعَدَدِ الدَّخَلَاتِ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ كَالْمُرْسَلِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ فَكَأَنَّهُ قَالَ عِنْدَ كُلِّ دَخْلَةٍ عَلَيَّ حَجَّةٌ إنْ ضَرَبْتُك بِخِلَافِ مَا لَوْ ضَرَبَهُ، وَدَخَلَ ثُمَّ دَخَلَ مَرَّةً أُخْرَى فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ حَجَّةٌ أُخْرَى مَا لَمْ يَضْرِبْهُ ثَانِيًا، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ كُلَّمَا دَخَلْت الدَّارَ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ، وَعَبْدُهُ حُرٌّ إنْ ضَرَبْت فُلَانًا لِأَنَّهُ عَلَّقَ بِشَرْطٍ مُكَرَّرٍ، وَهُوَ الدُّخُولُ عِتْقًا أَوْ طَلَاقًا مُعَلَّقًا بِالضَّرْبِ اهـ. . (قَوْلُهُ فَلَوْ قَالَ كُلَّمَا تَزَوَّجْت امْرَأَةً يَحْنَثُ بِكُلِّ امْرَأَةٍ، وَلَوْ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ) بَيَانٌ لِبَعْضِ تَفَارِيعِ كُلٍّ، وَكُلَّمَا، وَهِيَ مَسَائِلُ مِنْهَا مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الشَّرْطَ مِلْكٌ يُوجَدُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَهُوَ غَيْرُ مَحْصُورٍ، وَكُلَّمَا أُوجَدَ هَذَا الشَّرْطَ تَبِعَهُ مِلْكُ الثَّلَاثِ فَيَتْبَعُهُ جَزَاؤُهُ، وَحَاصِلُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَبُو يُوسُفَ أَنَّ كُلَّمَا إنَّمَا تُوجِبُ التَّكْرَارَ فِي الْمُعَيَّنَةِ لَا فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنَةِ بِادِّعَاءِ اتِّحَادِ الْحَاصِلِ بَيْنَ كُلٍّ، وَكُلَّمَا إذَا نَسَبَ فِعْلَهَا إلَى مُنْكَرٍ مُتَكَرِّرٍ لِأَنَّ الْحَاصِلَ كُلُّ تَزَوُّجٍ لِكُلِّ امْرَأَةٍ، وَفِي مِثْلِهِ تَنْقَسِمُ الْآحَادُ فَلَزِمَ بِالضَّرُورَةِ أَنَّهَا إذَا انْحَلَّتْ فِي فِعْلٍ انْحَلَّتْ فِي اسْمِهِ فَلَا يَتَكَرَّرُ الْحِنْثُ فِي امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهُوَ مَرْدُودٌ لِانْقِسَامِ الْآحَادِ عَلَى الْآحَادِ عِنْدَ التَّسَاوِي، وَهُوَ مُنْتَفٍ لِأَنَّ دَائِرَةَ عُمُومِ الْأَفْعَالِ أَوْسَعُ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ أَفْرَادِهِ مَا يَتَحَقَّقُ بِالتَّكْرَارِ مِنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ، وَقَدْ فُرِضَ عُمُومُهُ بِكُلَّمَا فَلَا يُعْتَبَرُ كُلُّ اسْمٍ بِفِعْلٍ وَاحِدٍ فَقَطْ، وَمِنْهَا لَوْ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ فَكُلُّ امْرَأَةٍ تَزَوَّجَهَا تَطْلُقُ وَاحِدَةً فَإِنْ تَزَوَّجَهَا ثَانِيًا لَا تَطْلُقُ لِاقْتِضَائِهَا عُمُومَ الْأَسْمَاءِ لَا عُمُومَ الْأَفْعَالِ، وَلَوْ نَوَى بَعْضَ النِّسَاءِ صَحَّتْ نِيَّتُهُ دِيَانَةً لَا قَضَاءً لِأَنَّ نِيَّةَ تَخْصِيصِ الْعَامِّ خِلَافُ الظَّاهِرِ، وَقَالَ الْخَصَّافُ تَصِحُّ نِيَّتُهُ فِي الْقَضَاءِ أَيْضًا، وَهَذَا مُخَلِّصٌ لِمَنْ يُحَلِّفُهُ ظَالِمٌ فَأَخَذَ بِقَوْلِهِ لَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّ الْحَالَةَ دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَالْفَتْوَى عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ. وَإِنْ أُخِذَ بِقَوْلِ الْخَصَّافِ إذَا كَانَ الْحَالِفُ مَظْلُومًا فَلَا بَأْسَ بِهِ كَذَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ، وَمِنْهَا لَوْ كَانَ لَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ فَقَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ تَدْخُلُ الدَّارَ فَهِيَ طَالِقٌ فَدَخَلَتْ وَاحِدَةٌ طَلَقَتْ، وَلَوْ دَخَلْنَ طَلَقْنَ فَإِنْ دَخَلَتْ تِلْكَ الْمَرْأَةُ مَرَّةً أُخْرَى لَا تَطْلُقُ، وَلَوْ قَالَ كُلَّمَا دَخَلْت فَدَخَلَتْ امْرَأَةٌ طَلَقَتْ، وَلَوْ دَخَلَتْ ثَانِيًا تَطْلُقُ، وَكَذَا ثَالِثًا فَإِنْ تَزَوَّجَتْ بَعْدَ الثَّلَاثِ، وَعَادَتْ إلَى الْأَوَّلِ ثُمَّ دَخَلَتْ لَمْ تَطْلُقْ خِلَافًا لِزُفَرَ، وَمِنْهَا لَوْ قَالَ كُلَّمَا تَزَوَّجْت امْرَأَةً، وَدَخَلْت الدَّارَ فَهِيَ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً مَرَّتَيْنِ ثُمَّ دَخَلَتْ الدَّارَ لَمْ تَطْلُقْ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً لِأَنَّ قَوْلَهُ وَدَخَلْت عَطْفٌ عَلَى التَّزَوُّجِ، وَحُكْمُ الْمَعْطُوفِ حُكْمُ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ، وَكَلِمَةُ كُلَّمَا تُوجِبْ التَّكْرَارَ فَصَارَ الدُّخُولُ مُكَرَّرًا أَيْضًا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ كُلَّمَا تَزَوَّجْت امْرَأَةً فَهِيَ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَتَزَوَّجَهَا مِرَارًا، وَدَخَلَتْ مَرَّةً طَلَقَتْ ثَلَاثًا لِأَنَّهُ لَمْ يَعْطِفْهُ عَلَى الشَّرْطِ الْمُتَكَرِّرِ، وَإِنَّمَا جَعَلَهُ شَرْطًا بِإِنْ، وَهِيَ لَا تُفِيدُ التَّكْرَارَ فَصَارَ الدُّخُولُ شَرْطَ الْحِنْثِ فِي الْأَيْمَانِ كُلِّهَا كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَمِنْهَا لَوْ قَالَ كُلَّمَا تَزَوَّجْت امْرَأَةً فَهِيَ طَالِقٌ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَحَاصِلُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَبُو يُوسُفَ إلَخْ) كَانَ الْأَنْسَبُ ذِكْرَ قَوْلِهِ قَبْلَ التَّخْرِيجِ، وَذَكَرَهُ فِي الْفَتْحِ فَقَالَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الْمُنْتَقَى إذَا قَالَ كُلَّمَا تَزَوَّجْت امْرَأَةً فَهِيَ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً طَلَقَتْ فَإِنْ تَزَوَّجَهَا ثَانِيًا لَا تَطْلُقُ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً، وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ لِمُعَيَّنَةٍ كُلَّمَا تَزَوَّجْتُك أَوْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ تَكَرَّرَ دَائِمًا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 18 وَعَبْدٌ مِنْ عَبِيدِي حُرٌّ فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً طَلَقَتْ، وَعَتَقَ عَبْدٌ مِنْ عَبِيدِهِ، وَلَوْ تَزَوَّجَ أُخْرَى طَلَقَتْ، وَلَا يَعْتِقُ عَبْدٌ مِنْ عَبِيدِهِ كَذَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ، وَأَصْلُهُ أَنَّ الْكَلَامَ إذَا كَانَ تَامًّا مُسْتَقِلًّا بِنَفْسِهِ يُؤْخَذُ حُكْمُهُ مِنْ نَفْسِهِ لَا مِنْ غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ نَاقِصًا غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ، وَلَا مَفْهُومَ الْمَعْنَى بِذَاتِهِ يُؤْخَذُ حُكْمُهُ مِنْ غَيْرِهِ لِئَلَّا يَلْغُوَ بِنَفْسِهِ، وَالْكِنَايَةُ لَا تَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهَا فَأُخِذَ حُكْمُهَا مِنْ الْمُكَنَّى عَنْهُ، وَالصَّرِيحُ مُعْتَبَرٌ بِنَفْسِهِ فَلَوْ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ لِي تَدْخُلُ الدَّارَ فَهِيَ طَالِقٌ، وَعَبْدٌ مِنْ عَبِيدِي حُرٌّ فَدَخَلْنَ طَلَقْنَ، وَلَمْ يَعْتِقْ إلَّا عَبْدٌ وَاحِدٌ لِأَنَّ الْعَبْدَ صَرِيحٌ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ فَلَمْ يَنْعَطِفْ عَلَى الْأَوَّلِ، وَأَنَّهُ نَكِرَةٌ فِي الْإِثْبَاتِ فَيَخُصُّ. وَلَوْ قَالَ كُلَّمَا، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا عَتَقَ أَرْبَعَةُ عَبِيدٍ لِأَنَّ كُلَّمَا أَوْجَبَتْ تَعْمِيمَ الْفِعْلِ فَصَارَ كُلُّ دُخُولٍ شَرْطًا عَلَى حِدَةٍ، وَعِتْقُ الْعَبْدِ مُعَلَّقٌ بِالدُّخُولِ، وَمِنْ ضَرُورَةِ تَكْرَارِ الشَّرْطِ تَكَرُّرُ الْجَزَاءِ حَتَّى يُفِيدَ، وَمِنْ ضَرُورَةِ تَكْرَارِ الْجَزَاءِ تَعْمِيمُ الِاسْمِ، وَلَوْ قَالَ كُلُّ جَارِيَةٍ لِي تَدْخُلُ فَهِيَ حُرَّةٌ وَوَلَدُهَا، وَعَبْدٌ مِنْ عَبِيدِي حُرٌّ فَدَخَلْنَ جَمِيعًا عَتَقْنَ وَعَتَقَ الْأَوْلَادُ كُلُّهُمْ، وَلَمْ يَعْتِقْ إلَّا عَبْدٌ وَاحِدٌ، وَلَوْ قَالَ كُلُّ دَارٍ دَخَلْتهَا فَعَلَيَّ حَجَّةٌ فَدَخَلَ دُورًا لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا حَجَّةٌ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِالْحَجَّةِ، وَهِيَ نَكِرَةٌ فِي الْإِثْبَاتِ فَتَخُصُّ، وَلَمْ يَقْتَرِنْ بِهَا مَا يُوجِبُ تَعْمِيمَهَا، وَلَمْ يُعَلِّقْهَا بِشَرْطٍ مُكَرَّرٍ فَإِنَّ الدُّخُولَ غَيْرُ مُكَرَّرٍ لِأَنَّ كَلِمَةَ كُلٍّ تَجْمَعُ الْأَسْمَاءَ دُونَ الْأَفْعَالِ، وَلَوْ قَالَ فَعَلَيَّ بِهَا حَجَّةٌ لَزِمَهُ بِكُلِّ دَارٍ حَجَّةٌ، وَتَمَامُهُ فِي الْمُحِيطِ إلَّا أَنَّهُ يُشْكِلُ بِفَرْعِ الْإِسْبِيجَابِيِّ، وَلَعَلَّ الصَّوَابَ فِي عِبَارَةِ الْإِسْبِيجَابِيِّ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا دُونَ كُلَّمَا كَمَا لَا يَخْفَى، وَمِنْهَا مَا فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ لَوْ قَالَ كُلَّمَا نَكَحْتُك فَأَنْت طَالِقٌ فَنَكَحَهَا فِي يَوْمٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَوَطِئَهَا فِي كُلِّ مَرَّةٍ طَلَقَتْ طَلْقَتَيْنِ، وَعَلَيْهِ مَهْرَانِ وَنِصْفُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ بَانَتْ بِثَلَاثٍ، وَعَلَيْهِ أَرْبَعَةُ مُهُورٍ وَنِصْفٍ. وَلَوْ قَالَ كُلَّمَا نَكَحْتُك فَأَنْت طَالِقٌ بَائِنٌ فَنَكَحَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فِي يَوْمٍ، وَوَطِئَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ بَانَتْ بِثَلَاثٍ إجْمَاعًا، وَعَلَيْهِ خَمْسَةُ مُهُورٍ وَنِصْفٍ، وَتَوْضِيحُهُ فِيهِ، وَمِنْهَا مَا لَوْ قَالَ كُلَّمَا دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ، وَلَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ فَدَخَلَهَا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، وَلَمْ يُعَيِّنْ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ بِعَيْنِهَا يَقَعُ بِكُلِّ دَخْلَةٍ وَاحِدَةٌ إنْ شَاءَ فَرَّقَهَا عَلَيْهِنَّ، وَإِنْ شَاءَ جَمَعَهَا عَلَى وَاحِدَةٍ، وَلَوْ قَالَ كُلَّمَا دَخَلَتْ هَذِهِ الدَّارَ، وَكَلَّمَتْ فُلَانًا أَوْ فَكَلَّمَتْ فُلَانًا فَعَبْدٌ مِنْ عَبِيدِي حُرٌّ فَدَخَلَتْ مِرَارًا، وَكَلَّمَتْ مَرَّةً لَمْ يَعْتِقْ إلَّا عَبْدٌ وَاحِدٌ، وَلَوْ قَالَ كُلَّمَا دَخَلَتْ هَذِهِ الدَّارَ فَإِنْ كَلَّمَتْ فُلَانًا فَأَنْت طَالِقٌ فَدَخَلَتْ ثَلَاثًا ثُمَّ كَلَّمَتْ فُلَانًا طَلَقَتْ ثَلَاثًا، وَلَوْ قَالَ كُلَّمَا دَخَلَتْ هَذِهِ الدَّارَ فَكُلَّمَا كَلَّمَتْ فُلَانًا فَأَنْت طَالِقٌ فَالْيَمِينُ الثَّانِيَةُ تَصِيرُ مُعَلَّقَةً بِالدُّخُولِ، وَإِذَا دَخَلَتْ الدَّارَ انْعَقَدَتْ الْيَمِينُ الثَّانِيَةُ فَإِذَا كَلَّمَتْ فُلَانًا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ بَعْدَ ذَلِكَ طَلَقَتْ ثَلَاثًا كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَمِنْهَا مَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالْمُحِيطِ رَجُلٌ لَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ فَقَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ لَمْ أُجَامِعْهَا مِنْكُنَّ اللَّيْلَةَ فَالْأُخْرَيَاتُ طَوَالِقُ فَجَامَعَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ، وَطَلَعَ الْفَجْرُ طَلَقَتْ الْمُجَامَعَةُ ثَلَاثًا لِأَنَّهَا مُطَلَّقَةٌ بِتَرْكِ جِمَاعِهِ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ، وَسَائِرُهُنَّ طَلَقْنَ كُلُّ وَاحِدَةٍ ثِنْتَيْنِ لِأَنَّ فِي حَقِّ سَائِرِهِنَّ تَرَكَ جِمَاعَ امْرَأَتَيْنِ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدَةٍ سِوَاهَا، وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ فَافْهَمْ، وَمِنْهَا مَا فِي الْخَانِيَّةِ قَالَ كُلَّمَا قَعَدْت عِنْدَك فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ فَقَعَدَ عِنْدَهُ سَاعَةً طَلَقَتْ ثَلَاثًا لِأَنَّ الدَّوَامَ عَلَى الْقُعُودِ، وَعَلَى كُلٍّ مَا يُسْتَدَامُ بِمَنْزِلَةِ الْإِنْشَاءِ، وَلَوْ قَالَ كُلَّمَا ضَرَبْتُك فَأَنْت طَالِقٌ فَضَرَبَهَا بِيَدَيْهِ جَمِيعًا طَلَقَتْ ثِنْتَيْنِ، وَإِنْ ضَرَبَهَا بِكَفٍّ وَاحِدٍ لَا تَطْلُقُ إلَّا وَاحِدَةً. وَإِنْ وَقَعَتْ الْأَصَابِعُ مُتَفَرِّقَةً لِأَنَّ فِي الْيَدَيْنِ تَكْرَارُ الضَّرْبِ لِأَنَّ الضَّرْبَ بِكُلِّ يَدٍ ضَرْبَةٌ عَلَى حِدَةٍ فَكَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الضَّرْبِ بِضِغْثٍ وَاحِدٍ أَمَّا فِي الْوَجْهِ الثَّانِي لَمْ يَتَكَرَّرْ الضَّرْبُ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الضَّرْبِ هُوَ الْكَفُّ، وَالْأَصَابِعُ تَبَعٌ لَهَا فَلَمْ يَتَعَدَّدْ الضَّرْبُ فَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ كُلَّمَا طَلَّقْتُك فَأَنْت طَالِقٌ فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً يَقَعُ طَلَاقَانِ طَلَاقٌ بِالتَّطْلِيقِ، وَطَلَاقٌ بِقَوْلِهِ كُلَّمَا طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَلَوْ قَالَ كُلَّمَا وَقَعَ عَلَيْك طَلَاقِي فَأَنْت طَالِقٌ فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً طَلَقَتْ ثَلَاثًا. اهـ. وَمِنْهَا مَا فِي الْمُحِيطِ ثُمَّ الْمُنْعَقِدُ بِكَلِمَةِ كُلَّمَا يَمِينٌ وَاحِدَةٌ   [منحة الخالق] وَقَوْلُهُ طَلَقَتْ طَلْقَتَيْنِ، وَعَلَيْهِ مَهْرَانِ وَنِصْفٌ) قَالَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ لِأَنَّهُ لَمَّا تَزَوَّجَهَا أَوَّلًا يَقَعُ عَلَيْهِ تَطْلِيقَةٌ، وَوَجَبَ نِصْفُ مَهْرٍ فَإِذَا دَخَلَ بِهَا، وَجَبَ مَهْرٌ كَامِلٌ لِأَنَّهُ، وَطِئَ عَنْ شُبْهَةٍ فِي مَحَلٍّ، وَوَجَبَتْ الْعِدَّةُ فَإِذَا تَزَوَّجَهَا ثَانِيَةً وَقَعَتْ تَطْلِيقَةٌ أُخْرَى، وَهَذَا الطَّلَاقُ بَعْدَ الدُّخُولِ مَعْنًى فَإِنَّ مَنْ تَزَوَّجَ الْمُعْتَدَّةَ، وَطَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَكُونُ هَذَا الطَّلَاقُ بَعْدَ الدُّخُولِ مَعْنًى فَيَجِبُ مَهْرٌ كَامِلٌ فَصَارَ مَهْرَانِ وَنِصْفٌ فَإِذَا دَخَلَ بِهَا، وَهِيَ مُعْتَدَّةٌ عَنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ صَارَ مُرَاجِعًا، وَلَا يَجِبُ بِالْوَطْءِ شَيْءٌ فَإِذَا تَزَوَّجَهَا ثَالِثًا لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ لِأَنَّهُ تَزَوَّجَهَا، وَهِيَ مَنْكُوحَةٌ. وَلَوْ قَالَ كُلَّمَا تَزَوَّجْتُك فَأَنْت طَالِقٌ بَائِنٌ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا بَانَتْ بِثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ، وَعَلَيْهِ خَمْسُ مُهُورٍ وَنِصْفُ عَلَى قَوْلِهِمَا يَخْرُجْ مِنْ الْأَصْلِ الَّذِي قُلْنَا (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ كُلَّمَا وَقَعَ عَلَيْك طَلَاقِي إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ الْفَرْقُ أَنَّ الشَّرْطَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 19 لِلْحَالِ. وَيَتَجَدَّدُ انْعِقَادُهَا مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى كُلَّمَا حَنِثَ فِي يَمِينِهِ أَمَّا أَيْمَانٌ مُنْعَقِدَةٌ عَلَى رِوَايَةِ الْجَامِعِ أَيْمَانٌ مُنْعَقِدَةٌ لِلْحَالِ انْحَلَّتْ بَعْضُهَا، وَبَقِيَ بَعْضُهَا مُنْعَقِدَةً بَعْدَ الْحِنْثِ إلَى أَنْ يُوجَدَ شَرْطُهَا، وَعَلَى رِوَايَةِ الْمَبْسُوطِ الْمُنْعَقِدَةُ لِلْحَالِ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ، وَيَتَجَدَّدُ انْعِقَادُهَا مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى كُلَّمَا حَنِثَ لِأَنَّ الْجَزَاءَ لَمْ يُذْكَرْ إلَّا مَرَّةً، وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ. وَجْهُ رِوَايَةِ الْجَامِعِ أَنَّ كُلَّمَا بِمَنْزِلَةِ تَكْرَارِ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ وَالْفَتْوَى عَلَى رِوَايَةِ الْجَامِعِ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ اهـ. وَلَمْ يَذْكُرْ ثَمَرَةَ الِاخْتِلَافِ، وَيَنْبَغِي أَنْ تَظْهَرَ الثَّمَرَةُ فِيمَا إذَا حَلَفَ بِالطَّلَاقِ لَا يَحْلِفُ بِأَنْ قَالَ كُلَّمَا حَلَفْت فَأَنْت طَالِقٌ ثُمَّ عَلَّقَ بِكَلِمَةِ كُلَّمَا فَعَلَى رِوَايَةِ الْجَامِعِ يَقَعُ الْآنَ الثَّلَاثُ، وَعَلَى رِوَايَةِ الْمَبْسُوطِ يَقَعُ الْآنَ وَاحِدَةٌ، وَأَمَّا إذَا حَلَفَ بِاَللَّهِ أَنْ لَا يَحْلِفَ فَيَنْبَغِي أَنْ تَجِبَ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ لِلْحَالِ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ مَا زَادَ عَلَى الْيَمِينِ الْوَاحِدَةِ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ كِتَابِ الْقَضَاءِ لَوْ قَالَ لِامْرَأَةٍ كُلَّمَا تَزَوَّجْتُك فَأَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا، وَرَفَعَ الْحَالَ إلَى حَاكِمٍ يَرَى صِحَّةَ النِّكَاحِ فَقَضَى بِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ دُخُولِ زَوْجٍ آخَرَ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي أَنَّهُ هَلْ يَحْتَاجُ إلَى الْقَضَاءِ ثَانِيًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُنْعَقِدَةَ بِكَلِمَةِ كُلَّمَا لِلْحَالِ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ يَتَجَدَّدُ انْعِقَادُهَا كُلَّمَا وَقَعَ الْحِنْثُ، وَهُوَ رِوَايَةُ الْأَصْلِ أَمْ الْمُنْعَقِدَةُ بِهَا فِي الْحَالِ أَيْمَانٌ كَمَا هُوَ رِوَايَةِ الْجَامِعِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ فَيَحْنَثُ فِي الْبَعْضِ لِوُجُودِ الشَّرْطِ، وَتَبْقَى الْبَاقِيَةُ مُنْعَقِدَةً فَمَنْ قَالَ بِهَذَا شَرَطَ الْقَضَاءَ ثَانِيًا، وَمَنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ لَمْ يَشْتَرِطْ الْقَضَاءَ ثَانِيًا. اهـ. وَهَذَا بَيَانُ ثَمَرَةِ الِاخْتِلَافِ فِي الْمُعَلِّقِ بِالتَّزَوُّجِ لَا مُطْلَقًا. (قَوْلُهُ وَزَوَالُ الْمِلْكِ بَعْدَ الْيَمِينِ لَا يُبْطِلُهَا) لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ، وَالْجَزَاءُ بَاقٍ لِبَقَاءِ مَحَلِّهِ فَتَبْقَى الْيَمِينُ، وَسَيَأْتِي أَنَّ زَوَالَ الْمِلْكِ بِالثَّلَاثِ مُبْطِلٌ لِلتَّعْلِيقِ فَكَانَ مُرَادُهُ هُنَا الزَّوَالُ بِمَا دُونَ الثَّلَاثِ بِأَنْ طَلَّقَهَا بَعْدَ التَّعْلِيقِ وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ فَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ثُمَّ وُجِدَ الشَّرْطُ طَلَقَتْ، أَطْلَقَ الْمِلْكَ فَشَمِلَ مِلْكَ النِّكَاحِ، وَمِلْكَ الْيَمِينِ حَتَّى لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ إذَا دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْت حُرٌّ فَبَاعَهُ ثُمَّ اشْتَرَاهُ فَدَخَلَ عَتَقَ، وَقَيَّدَ بِزَوَالِ الْمِلْكِ لِأَنَّ زَوَالَ إمْكَانِ الْبِرِّ الْمُصَحِّحِ لِلتَّعْلِيقِ مُبْطِلٌ لَهُ أَيْضًا، وَتَفَرَّعَ عَلَى ذَلِكَ فُرُوعٌ مِنْهَا مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ قَالَ لَهَا إنْ لَمْ أَدْفَعْ إلَيْك الدِّينَارَ الَّذِي عَلَيَّ إلَى شَهْرٍ فَأَنْتِ كَذَا فَأَبْرَأَتْهُ قَبْلَ الشَّهْرِ بَطَلَ الْيَمِينُ. اهـ. وَمِنْهَا مَا فِي الْقُنْيَةِ إنْ لَمْ تَرُدِّي ثَوْبِي السَّاعَةَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَأَخَذَهُ هُوَ قَبْلَ أَنْ تَدْفَعَ إلَيْهِ لَا يَحْنَثُ، وَقِيلَ يَحْنَثُ، وَهَكَذَا إنْ لَمْ تَجِيئِي بِفُلَانٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَجَاءَ فُلَانٌ مِنْ جَانِبٍ آخَرَ بِنَفْسِهِ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ مَتَى عَجَزَ عَنْ الْفِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، وَالْيَمِينُ مُوَقَّتَةٌ بَطَلَتْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ دَعَا امْرَأَتَهُ إلَى الْوِقَاعِ فَأَبَتْ فَقَالَ مَتَى يَكُونُ فَقَالَتْ غَدًا فَقَالَ إنْ لَمْ تَفْعَلِي هَذَا الْمُرَادَ غَدًا فَأَنْت طَالِقٌ ثُمَّ نَسِيَاهُ حَتَّى مَضَى الْغَدُ لَا يَحْنَثُ. حَلَفَ لَيَخْرُجَنَّ سَاكِنُ دَارِهِ الْيَوْمَ، وَالسَّاكِنُ ظَالِمٌ غَالِبٌ يَتَكَلَّفُ فِي إخْرَاجِهِ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ فَالْيَمِينُ عَلَى التَّلَفُّظِ بِاللِّسَانِ. اهـ. وَذَكَرَ قَبْلَهُ فِيهَا فُرُوعًا تَحْتَاجُ إلَى التَّوْفِيقِ حَلَفَ إنْ لَمْ يُخَرِّبْ بَيْتَ فُلَانٍ غَدًا فَقُيِّدَ، وَمُنِعَ فَلَمْ يُخَرِّبْهُ حَتَّى مَضَى الْغَدُ اخْتَلَفَ فِيهِ، وَالْمُخْتَارُ   [منحة الخالق] فِي الثَّانِيَةِ اقْتَضَى تَكَرُّرَ الْجَزَاءِ بِتَكَرُّرِ الْوُقُوعِ فَيَتَكَرَّرُ غَيْرَ أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَزِيدُ عَلَى الثَّلَاثِ فَيُقْتَصَرُ عَلَيْهَا، وَفِي الْأُولَى اقْتَضَى تَكَرُّرُهُ بِتَكَرُّرِ طَلَاقِهِ، وَلَا يُقَالُ طَلَّقَهَا إذَا طَلَقَتْ بِوُجُودِ الشَّرْطِ فَيَقَعُ تَطْلِيقَتَانِ إحْدَاهُمَا بِحُكْمِ الْإِيقَاعِ، وَالْأُخْرَى بِحُكْمِ التَّعْلِيقِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ مَا زَادَ عَلَى الْيَمِينِ الْوَاحِدَةِ) أَيْ فَلَمْ يَتَحَقَّقْ إلَّا وُجُوبُ كَفَّارَةٍ وَاحِدَةٍ، وَيَنْبَغِي أَنَّهُ لَوْ كَانَ الَّذِي بَعْدَ الْحَلِفِ بِاَللَّهِ تَعَالَى طَلَاقًا مُعَلَّقًا بِكَلِمَةِ كُلَّمَا أَنْ يَجِبَ ثَلَاثُ كَفَّارَاتٍ لِلْحَالِ عَلَى رِوَايَةِ الْجَامِعِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ الْمُعَلَّقُ غَيْرَ طَلَاقٍ فَلَا تَجِبُ إلَّا وَاحِدَةٌ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ زَوَالَ إمْكَانِ الْبِرِّ الْمُصَحِّحِ لِلتَّعْلِيقِ مُبْطِلٌ لَهُ) أَقُولُ: الْمُصَحِّحُ بِالْجَرِّ نَعْتٌ لِإِمْكَانِ الْبِرِّ لِأَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ التَّعْلِيقِ إمْكَانُ الْبِرِّ فَلَوْ كَانَ غَيْرَ مُمْكِنٍ لَمْ يَصِحَّ التَّعْلِيقُ، وَلَوْ زَالَ الْإِمْكَانُ بَعْدَ وُجُودِهِ أَبْطَلَ التَّعْلِيقَ فَإِمْكَانُ الْبِرِّ شَرْطُ الِانْعِقَادِ، وَشَرْطٌ لِبَقَائِهِمَا أَيْضًا لَكِنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ شَرْطًا لِبَقَائِهَا إذَا كَانَتْ مُؤَقَّتَةً كَمَا يَأْتِي ثُمَّ الْمُرَادُ بِإِمْكَانِ الْبِرِّ إمْكَانُهُ عَقْلًا، وَإِنْ اسْتَحَالَ عَادَةً، وَلِذَا أَجْمَعُوا عَلَى انْعِقَادِهَا فِي حَلِفِهِ لَيَصْعَدَنَّ السَّمَاءَ أَوْ لَيَقْلِبَنَّ هَذَا الْحَجَرَ ذَهَبًا فَإِنَّهُ مُمْكِنٌ عَقْلًا، وَقَدْ وَقَعَ الصُّعُودُ لِنَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلِعِيسَى، وَإِدْرِيسَ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ -، وَإِنَّمَا لَمْ تَنْعَقِدْ فِي حَلِفِهِ لَيَشْرَبَنَّ مَاءَ هَذَا الْكُوزِ الْيَوْمَ، وَلَا مَاءَ فِيهِ لِعَدَمِ إمْكَانِهِ أَصْلًا فَلَمْ يُوجَدْ شَرْطُ انْعِقَادِهَا. وَلَوْ كَانَ فِيهِ مَاءٌ تَنْعَقِدُ فَإِذَا صَبَّ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ تَبْطُلُ لِأَنَّ مَا صُبَّ لَا يُمْكِنُ شُرْبُهُ عَقْلًا، وَلَا عَادَةً فَقَدْ عَرَضَ زَوَالُ الْإِمْكَانِ فَبَطَلَتْ فَلِذَا لَمْ يَحْنَثْ فِي الصُّورَتَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَحَنِثَ فِي مَسْأَلَةِ الصُّعُودِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَيْضًا كَمَا سَيَأْتِي فِي الْأَيْمَانِ (قَوْلُهُ ثُمَّ نَسِيَاهُ حَتَّى مَضَى الْغَدُ لَا يَحْنَثُ) أَيْ لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ عَلَى طَلَبِ الرَّجُلِ قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة فِي الْمُنْتَقَى عَنْ رَجُلٍ دَعَا امْرَأَتَهُ إلَخْ هَلْ يَقَعُ الطَّلَاقُ أَمْ يَتَعَلَّقُ بِطَلَبِ الرَّجُلِ فَقَالَ نَعَمْ، وَسُئِلَ عَنْهَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ فَقَالَ لَا يَقَعُ. اهـ.، وَسَيَأْتِي قَرِيبًا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 20 لِلْفَتْوَى الْحِنْثُ قَالَ لَهَا، وَهِيَ فِي بَيْتِ أُمِّهَا إنْ لَمْ أَذْهَبْ بِك إلَى دَارِي فَأَنْت طَالِقٌ ثُمَّ أَخْرَجَهَا مِنْ دَارِ أُمِّهَا فَهَرَبَتْ مِنْهُ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَخْذِهَا وَقَعَ. حَلَفَ لَا يَسْكُنُ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْخُرُوجِ إلَّا بِطَرْحِ نَفْسِهِ عَنْ الْحَائِطِ بَعْدَمَا أُوثِقَ لَمْ يَحْنَثْ، وَلَوْ وَجَدَ الْبَابَ مُغْلَقًا لَمْ يُمْكِنْهُ فَفِي حِنْثِهِ قَوْلَانِ وَلَوْ قَالَ: إنْ لَمْ أَخْرُجْ مِنْ هَذَا الْمَنْزِلِ الْيَوْمَ فَقَيَّدَ وَمَنَعَ حَنِثَ. وَكَذَا لَوْ قَالَ لَهَا فِي مَنْزِلِ وَالِدِهَا إنْ لَمْ تَحْضُرِي فِي مَنْزِلِي اللَّيْلَةَ فَأَنْت طَالِقٌ فَمَنَعَهَا الْوَالِدُ مِنْ الْحُضُورِ تَطْلُقُ هُوَ الْمُخْتَارُ، وَلَوْ قَالَ لِأَصْحَابِهِ إنْ لَمْ أَذْهَبْ بِكُمْ اللَّيْلَةَ إلَى مَنْزِلِي فَذَهَبَ بِهِمْ بَعْضَ الطَّرِيقِ فَأَخَذَهُمْ الْعَسَسُ فَحَبَسَهُمْ لَا يَحْنَثُ. إنْ لَمْ أَعْمَلْ هَذِهِ السَّنَةَ فِي الْمُزَارَعَةِ بِتَمَامِهَا فَمَرِضَ وَلَمْ يُتِمَّ حَنِثَ، وَلَوْ حَبَسَهُ السُّلْطَانُ لَا يَحْنَثُ اهـ. أَقُولُ: إنَّ قَوْلَهُ إنْ لَمْ أُخَرِّبْ، وَإِنْ لَمْ أَذْهَبْ بِك، وَإِنْ لَمْ أَخْرُجْ، وَإِنْ لَمْ تَحْضُرِي مَنْزِلِي سَوَاءٌ فِي أَنَّ الْقَيْدَ وَالْمَنْعَ لَا يَمْنَعُ الْحِنْثَ لِأَنَّهُ إكْرَاهٌ، وَلِلْإِكْرَاهِ تَأْثِيرٌ فِي الْفِعْلِ بِالْإِعْدَامِ كَالسُّكْنَى لَا فِي الْعَدَمِ، وَالْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ الْعَدَمُ فَلَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ الْإِكْرَاهُ، وَإِنَّمَا يُشْكِلُ مَسْأَلَةُ الْعَسَسِ فَإِنَّ الشَّرْطَ الْعَدَمُ، وَقَدْ أَثَّرَ فِيهِ الْحَبْسُ، وَكَذَا يُشْكِلُ مَسْأَلَةُ إنْ لَمْ أَعْمَلْ هَذِهِ السَّنَةَ فَإِنَّ الشَّرْطَ الْعَدَمُ، وَقَدْ أَثَّرَ فِيهِ حَبْسُ السُّلْطَانِ، وَمِنْهَا مَا فِي الْخَانِيَّةِ امْرَأَةٌ دَفَعَتْ مِنْ كِيسِ زَوْجِهَا دِرْهَمًا فَاشْتَرَتْ بِهِ لَحْمًا، وَخَلَطَ اللَّحَّامُ الدِّرْهَمَ بِدَرَاهِمِهِ، وَقَالَ لَهَا الزَّوْجُ إنْ لَمْ تَرُدِّي عَلَيَّ ذَلِكَ الدِّرْهَمَ الْيَوْمَ فَأَنْت طَالِقٌ فَمَضَى الْيَوْمُ وَقَعَ الطَّلَاقُ لِوُجُودِ شَرْطِهِ فَإِنْ أَرَادَ الْحِيلَةَ لِلْخُرُوجِ عَنْ الْيَمِينِ أَنْ تَأْخُذَ الْمَرْأَةُ كِيسَ اللَّحَّامِ وَتُسَلِّمَهُ إلَى الزَّوْجِ اهـ. وَذَكَرَ قَبْلَهُ رَجُلٌ دَفَعَ إلَى امْرَأَتِهِ دِرْهَمًا ثُمَّ قَالَ مَا فَعَلْت بِالدِّرْهَمِ فَقَالَتْ اشْتَرَيْت بِهِ اللَّحْمَ فَقَالَ الزَّوْجُ إنْ لَمْ تَرُدِّي عَلَيَّ ذَلِكَ الدِّرْهَمَ فَأَنْت طَالِقٌ، وَقَدْ ضَاعَ الدِّرْهَمُ مِنْ يَدِ الْقَصَّابِ قَالُوا مَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ أُذِيبَ ذَلِكَ الدِّرْهَمُ أَوْ سَقَطَ فِي الْبَحْرِ لَا يَحْنَثُ اهـ. وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُمْكِنْ رَدُّهُ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ فَعُلِمَ بِهِ أَنَّ قَوْلَهُمْ يُشْتَرَطُ لِبَقَاءِ الْيَمِينِ إمْكَانُ الْبِرِّ إنَّمَا هُوَ، وَفِي الْمُقَيَّدَةِ بِالْوَقْتِ فَعَدَمُهُ مُبْطِلٌ لَهَا أَمَّا الْمُطْلَقَةُ فَعَدَمُهُ مُوجِبٌ لِلْحِنْثِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ إمْكَانَ الْبِرِّ شَرْطٌ لِانْعِقَادِ الْيَمِينِ مُطْلَقًا مُطْلَقَةً كَانَتْ أَوْ مُقَيَّدَةً، وَأَمَّا فِي الْبَقَاءِ فَإِنْ كَانَتْ مُقَيَّدَةً فَيُشْتَرَطُ بَقَاءُ إمْكَانِ الْبِرِّ لِبَقَائِهَا، وَإِنْ كَانَتْ مُطْلَقَةً فَلَا، وَلِذَا قَالَ فِي الْكِتَابِ مِنْ بَابِ الْيَمِينِ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ إنْ لَمْ أَشْرَبْ مَاءَ هَذَا الْكُوزِ الْيَوْمَ فَكَذَا، وَلَا مَاءَ فِيهِ أَوْ كَانَ فَصُبَّتْ أَوْ أَطْلَقَ، وَلَا مَاءَ فِيهِ لَا يَحْنَثُ، وَإِنْ كَانَ فَصَبَّهُ حَنِثَ. اهـ. وَسَنُوَضِّحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَفِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ قَالَ لِأَصْحَابِهِ إنْ لَمْ أَذْهَبْ بِكُمْ اللَّيْلَةَ إلَى مَنْزِلِي فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ فَذَهَبَ بِهِمْ بَعْضَ الطَّرِيقِ فَأَخَذَهُمْ اللُّصُوصُ، وَحَبَسُوهُمْ قَالُوا لَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ، وَهَذَا الْجَوَابُ يُوَافِقُ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ أَصْلُهُ مَسْأَلَةُ الْكُوزِ اهـ. بَقِيَ هَهُنَا مَسْأَلَتَانِ كَثُرَ وُقُوعُهُمَا الْأُولَى حَلَفَ بِالطَّلَاقِ لَيُؤَدِّيَنَّ لَهُ الْيَوْمَ كَذَا فَعَجَزَ عَنْ الْأَدَاءِ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ شَيْءٌ، وَلَا وَجَدَ مَنْ يُقْرِضُهُ الثَّانِيَةُ مَا يُكْتَبُ فِي التَّعَالِيقِ أَنَّهُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ فَفِي حِنْثِهِ قَوْلَانِ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ فِي نَوْعِ السُّكْنَى لَوْ مُنِعَ مِنْ التَّحَوُّلِ، وَأَنْ يَخْرُجَ بِنَفْسِهِ، وَمَنَعُوا مَتَاعَهُ، وَأَوْثَقُوهُ، وَقَهَرُوهُ أَيَّامًا لَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ لِأَنَّهُ مُسَكَّنٌ لَا سَاكِنٌ، وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ فَوَجَدَ الْبَابَ مُغْلَقًا بِحَيْثُ لَمْ يُمْكِنْهُ الْخُرُوجُ فَلَمْ يَخْرُجْ فَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ بَعْضُهُمْ قَالُوا لَا يَحْنَثُ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ، وَبِهِ أَخَذَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ، وَهَذَا بِخِلَافِ قَوْلِهِ إنْ لَمْ أَخْرُجْ مِنْ هَذَا الْمَنْزِلِ الْيَوْمَ فَامْرَأَتُهُ كَذَا فَقُيِّدَ، وَمُنِعَ مِنْ الْخُرُوجِ حَيْثُ تَطْلُقُ امْرَأَتُهُ، وَكَذَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ، وَهِيَ فِي مَنْزِلِ وَالِدِهَا إنْ لَمْ تَحْضُرِي اللَّيْلَةَ مَنْزِلِي فَكَذَا فَمَنَعَهَا الْوَالِدُ عَنْ الْحُضُورِ فَإِنَّهَا تَطْلُقُ هُوَ الْمُخْتَارُ، وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي قَوْلِهِ لَا يَسْكُنُ هَذِهِ الدَّارَ شَرْطُ الْحِنْثِ هُوَ السُّكْنَى، وَإِنَّمَا تَكُونُ السُّكْنَى بِفِعْلِهِ إذَا كَانَ بِاخْتِيَارِهِ أَمَّا فِي قَوْلِهِ إنْ لَمْ أَخْرُجْ مِنْ هَذَا الْمَنْزِلِ، وَفِي قَوْلِهِ إنْ لَمْ تَحْضُرِي اللَّيْلَةَ مَنْزِلِي شَرْطُ الْحِنْثِ عَدَمُ الْفِعْلِ، وَالْعَدَمُ يَتَحَقَّقُ بِدُونِ الِاخْتِيَارِ اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا يُشْكِلُ مَسْأَلَةُ الْعَسَسِ) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ أَقُولُ: لَا إشْكَالَ لِأَنَّهُ صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ ذَهَبَ فَعَدَمُ الْحِنْثِ لِوُجُودِ الْبِرِّ، وَيَشْهَدُ لَهُ مَا يَأْتِي مَتْنًا فِي الْأَيْمَانِ لَا يَخْرُجُ أَوْ لَا يَذْهَبُ إلَى مَكَّةَ فَخَرَجَ يُرِيدُهَا ثُمَّ رَجَعَ يَحْنَثُ. اهـ. قُلْت، وَسَيَأْتِي أَيْضًا هُنَاكَ عَنْ الْقُنْيَةِ مَا نَصُّهُ انْتَقَلَ الزَّوْجَانِ مِنْ الرُّسْتَاقِ إلَى قَرْيَةٍ فَلَحِقَهُ رَبُّ الدُّيُونِ فَقَالَ لَهَا اُخْرُجِي مَعِي إلَى حَيْثُ كُنَّا فِيهِ فَأَبَتْ إلَى الْجُمُعَةِ فَقَالَ إنْ لَمْ تَخْرُجِي مَعِي فَكَذَا فَإِنْ كَانَ قَدْ تَأَهَّبَ لِلْخُرُوجِ فَهُوَ عَلَى الْفَوْرِ، وَإِلَّا فَلَا، وَإِنْ خَرَجَتْ مَعَهُ فِي الْحَالِ إلَى دَرْبِ الْقَرْيَةِ ثُمَّ رَجَعَتْ بَرَّ فِي يَمِينِهِ. وَإِنْ أَرَادَ زَوْجُهَا الْخُرُوجَ أَصْلًا. اهـ. وَسَيَأْتِي قَرِيبًا فِي كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ عَنْ الْخَانِيَّةِ تَوْجِيهٌ آخَرُ لِعَدَمِ الْحِنْثِ فِي مَسْأَلَةِ الْعَسَسِ (قَوْلُهُ وَكَذَا يُشْكِلُ مَسْأَلَةُ إنْ لَمْ أَعْمَلْ إلَخْ) أَقُولُ: يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ فِيمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَسْكُنُ إلَخْ أَنَّ الْمَنْعَ الْحِسِّيَّ لَا خِلَافَ فِي عَدَمِ الْحِنْثِ فِيهِ بِخِلَافِ الْمَنْعِ بِغَيْرِ حِسِّيٍّ كَإِغْلَاقِ الْبَابِ فَفِيهِ قَوْلَانِ، وَالْمُخْتَارُ عَدَمُ الْحِنْثِ أَيْضًا كَمَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الذَّخِيرَةِ فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْفَرْعُ مَبْنِيًّا عَلَى خِلَافِ الْمُخْتَارِ، وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْحِسِّيِّ، وَغَيْرِهِ فَلِذَا قَالَ لَوْ مَرِضَ حَنِثَ، وَلَوْ حَبَسَهُ السُّلْطَانُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الْحَبْسَ مَنْعٌ حِسِّيٌّ بِخِلَافِ الْمَرَضِ تَأَمَّلْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 21 مَتَى نَقَلَهَا أَوْ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا، وَأَبْرَأَتْهُ مِنْ كَذَا مِمَّا لَهَا عَلَيْهِ فَدَفَعَ لَهَا جَمِيعَ مَا عَلَيْهِ قَبْلَ الشَّرْطِ فَهَلْ تَبْطُلُ الْيَمِينُ فَالْجَوَابُ أَنَّ قَوْلَهُ فِي الْقُنْيَةِ أَنَّهُ مَتَى عَجَزَ عَنْ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، وَالْيَمِينُ مُوَقَّتَةٌ فَإِنَّهَا تَبْطُلُ يَقْتَضِي بُطْلَانَهَا فِي الْحَادِثَةِ الْأُولَى إلَّا أَنْ يُوجَدَ نَقْلٌ صَرِيحٌ بِخِلَافِهِ، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَقَدْ يُقَالُ إنَّ الْإِبْرَاءَ بَعْدَ الْأَدَاءِ مُمْكِنٌ فَإِنَّهُ لَوْ دَفَعَ الدَّيْنَ إلَى صَاحِبِهِ ثُمَّ قَالَ الدَّائِنُ لِلْمَدْيُونِ قَدْ أَبْرَأْتُك بَرَاءَةَ إسْقَاطٍ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ صَحَّ الْإِبْرَاءُ، وَيَرْجِعُ الْمَدْيُونُ بِمَا دَفَعَهُ ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ فِي مَسْأَلَةِ الْإِبْرَاءِ مِنْ الثَّمَنِ، وَالْحَطِّ مِنْهُ إلَّا أَنْ يُوجَدَ نَقْلٌ بِخِلَافِهِ فَيَتْبَعُ. وَفِي الْمُحِيطِ قُبَيْلَ الْقِسْمِ الْخَامِسِ فِي الطَّاعَاتِ، وَالْمُحَرَّمَاتِ مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ كُنْت زَوْجَتِي غَدًا فَأَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا فَجَلَعَهَا فِي الْغَدِ إنْ نَوَى بِذَلِكَ كَوْنَهَا امْرَأَةً لَهُ فِي بَعْضِ النَّهَارِ تَطْلُقُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ لَمْ تَطْلُقْ لِأَنَّ الْبِرَّ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي آخِرِ النَّهَارِ، وَلَوْ خَلَعَهَا قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ طَلُقَتْ لِأَنَّهَا امْرَأَتُهُ قَبْلَ الْغُرُوبِ، وَلَوْ خَلَعَهَا قَبْلَ الْغُرُوبِ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ الْغُرُوبِ كَانَتْ امْرَأَتَهُ، وَبَرَّ فِي يَمِينِهِ لِأَنَّهُ لَمْ تَكُنْ امْرَأَتَهُ قَبْلَ الْغُرُوبِ. اهـ. وَفِي الْقُنْيَةِ إنْ سَكَنْت فِي هَذِهِ الْبَلْدَةِ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ، وَخَرَجَ عَلَى الْفَوْرِ، وَخَلَعَ امْرَأَتَهُ ثُمَّ سَكَنَهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لَا تَطْلُقْ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِامْرَأَتِهِ وَقْتَ وُجُودِ الشَّرْطِ اهـ. فَقَدْ بَطَلَتْ الْيَمِينُ بِزَوَالِ الْمِلْكِ هُنَا فَعَلَى هَذَا يُفَرَّقُ بَيْنَ كَوْنِ الْجَزَاءِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَبَيْنَ كَوْنِهِ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ لِأَنَّهَا بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ لَمْ تَبْقَ امْرَأَتَهُ فَلْيُحْفَظْ هَذَا فَإِنَّهُ حَسَنٌ جِدًّا، وَفِي الْقُنْيَةِ أَيْضًا إنْ فَعَلْت كَذَا فَحَلَالُ اللَّهِ عَلَيَّ حَرَامٌ ثُمَّ قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَحَلَالُ اللَّهِ عَلَيَّ حَرَامٌ فَفَعَلَ أَحَدَ الْفِعْلَيْنِ حَتَّى بَانَتْ امْرَأَتُهُ ثُمَّ فَعَلَ الْآخَرَ فَقِيلَ لَا يَقَعُ الثَّانِي لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِامْرَأَتِهِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ، وَقِيلَ يَقَعُ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ اهـ. فَعَلَى الْأَظْهَرِ قَوْلُهُ حَلَالُ اللَّهِ عَلَيَّ حَرَامٌ مِثْلُ أَنْتِ طَالِقٌ، وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنَّهُ مِثْلُ امْرَأَتِي طَالِقٌ كَمَا لَا يَخْفَى. فَإِنْ قُلْت قَدْ جَعَلُوا زَوَالَ الْمِلْكِ مُبْطِلًا لِلْيَمِينِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ فَالْجَوَابُ أَنَّ قَوْلَهُ فِي الْقُنْيَةِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ نَقَلَ فِي عَقْدِ الْفَوَائِدِ عَنْ التَّجْنِيسِ مَا حَاصِلُهُ لَا أَسْكُنُ فِي هَذَا الْبَيْتِ فَأَغْلَقَ الْبَابَ أَوْ قُيِّدَ الْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ فِيهِمَا، وَلَوْ قَالَ إنْ لَمْ أَخْرُجْ مِنْ هَذَا الْمَنْزِلِ فَكَذَا فَقُيِّدَ، وَمُنِعَ أَوْ قَالَ لَهَا فِي مَنْزِلِ أَبِيهَا إنْ لَمْ تَحْضُرِي اللَّيْلَةَ إلَى مَنْزِلِي فَأَنْتِ كَذَا فَمَنَعَهَا أَبُوهَا حَنِثَ فِيهِمَا هُوَ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى، وَالْفَرْقُ أَنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ فِي الْأَوَّلِ الْفِعْلُ، وَهُوَ السُّكْنَى وَالْإِكْرَاهُ يُؤَثِّرُ فِيهِ، وَفِي الثَّانِي عَدَمُ الْفِعْلِ وَالْإِكْرَاهُ لَا يُؤَثِّرُ قَالَ فِي الْعَقْدِ قُلْتُ: وَهَذَا مَعْنَى مَا نَقَلَهُ بَعْضُ عُلَمَائِنَا الْأَصْلُ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ إنْ كَانَ عَدَمِيًّا، وَعَجَزَ عَنْ مُبَاشَرَتِهِ فَالْمُخْتَارُ الْحِنْثُ، وَإِنْ كَانَ وُجُودِيًّا، وَعَجَزَ فَالْمُخْتَارُ عَدَمُ الْحِنْثِ. اهـ. وَاعْتِبَارُ هَذَا الْأَصْلِ يُفِيدُ الْحِنْثَ فِي مَسْأَلَتِنَا إذْ شَرْطُ الْحِنْثِ فِيهَا عَدَمِيٌّ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ. وَهَذَا مِنْ الْمَوَاضِعِ الْمُهِمَّةِ فَكُنْ فِيهِ عَلَى بَصِيرَةٍ اهـ. كَلَامُ النَّهْرِ. وَنَقَلَ الرَّمْلِيُّ عَنْ الْفُصُولَيْنِ مَا يُؤَيِّدُهُ، وَيُخَالِفُ مَا نَقَلَهُ الْمُؤَلِّفُ عَنْ الْقُنْيَةِ حَيْثُ قَالَ قَالَ لَهُ مَدْيُونُهُ لَوْ لَمْ أَقْضِك مَالَك الْيَوْمَ فَكَذَا فَتَوَارَى الطَّالِبُ فَنَصَّبَ الْقَاضِي عَنْهُ، وَكِيلًا بِطَلَبِ الْمَدْيُونِ لِيَقْضِيَ مِنْهُ الْمَالَ كَيْ لَا يَحْنَثَ فَقَبَضَ، وَحَكَمَ بِهِ آخَرُ قَالَ لَمْ يَجُزْ فَهُوَ كَمَا تَرَى كَالصَّرِيحِ فِي عَدَمِ بُطْلَانِهَا فِي الْحَادِثَةِ الْمَذْكُورَةِ إذْ الْعَجْزُ كَمَا يَقَعُ بِعَدَمِ شَيْءٍ مَعَ الْمَدِينِ يَقَعُ بِتَوَارِي الدَّائِنِ، وَلَوْ بَطَلَتْ بِالْعَجْزِ لِمَا اُحْتِيجَ إلَى نَصْبِ وَكِيلٍ عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِهِ ثُمَّ نَقَلَ عَنْ فَتَاوَى الْمُؤَلِّفِ أَنَّهُ أَفْتَى بِالْحِنْثِ فِي مَسْأَلَتِنَا مُسْتَنِدًا إلَى إمْكَانِ الْبِرِّ حَقِيقَةً، وَعَادَةً مَعَ الْإِعَارَةِ بِهِبَةٍ أَوْ تَصَدُّقٍ أَوْ إرْثٍ. اهـ. قُلْت، وَمَا اسْتَشْهَدَ بِهِ الْمُؤَلِّفُ مِنْ كَلَامِ الْقُنْيَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى مَا قَالَهُ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْعَجْزُ الْحَقِيقِيُّ بِأَنْ كَانَ غَيْرَ مُتَصَوَّرٍ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْكُوزِ، وَإِذَا كَانَ يَحْنَثُ فِي قَوْلِهِ لَأَصْعَدَنَّ السَّمَاءَ الْيَوْمَ لِأَنَّهُ مُمْكِنٌ عَقْلًا، وَإِنْ اسْتَحَالَ عَادَةً فَحِنْثُهُ هُنَا بِالْأَوْلَى لِأَنَّهُ مُمْكِنٌ عَقْلًا، وَعَادَةً (قَوْلُهُ فَعَلَى هَذَا يُفَرَّقُ بَيْنَ كَوْنِ الْجَزَاءِ إلَخْ) يُنَافِي هَذَا مَا يَأْتِي قَرِيبًا عَنْ الْمُحِيطِ مِنْ إنَّهُ لَوْ قَالَ إنْ قَبَّلْت امْرَأَتِي فُلَانَةَ فَعَبْدِي حُرٌّ فَقَبَّلَهَا بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ يَحْنَثُ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ لِلتَّعْرِيفِ لَا لِلتَّقْيِيدِ إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ تَعْلِيقِ طَلَاقِهَا، وَغَيْرِهِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ فَعَلَى الْأَظْهَرِ قَوْلُهُ حَلَالُ اللَّهِ عَلَيَّ حَرَامٌ إلَخْ) أَيْ لِأَنَّ حَلَالَ اللَّهِ صَارَ عِبَارَةٌ عَنْ امْرَأَتِي لَا عَنْ أَنْتِ بِلَفْظِ الْخِطَابِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَوْ خَاطَبَهَا بِقَوْلِهِ حَلَالُ اللَّهِ عَلَيَّ حَرَامٌ صَارَ عِبَارَةً عَنْ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ، وَلَعَلَّ هَذَا وَجْهُ قَوْلِهِ فِي النَّهْرِ فِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنَّهُ مِثْلُ امْرَأَتِي طَالِقٌ) قَالَ فِي النَّهْرِ، وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ. اهـ. وَلَمْ يُبَيِّنْ وَجْهَهُ أَقُولُ: إنَّ قَوْلَ الْقُنْيَةِ، وَقِيلَ يَقَعُ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ يُفِيدَانِ الْمُرَجَّحَ اعْتِبَارُ حَالَةِ التَّعْلِيقِ لَا حَالَةِ وُجُودِ الشَّرْطِ، وَلَمَّا قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَحَلَالُ اللَّهِ عَلَيَّ حَرَامٌ كَانَتْ زَوْجَتُهُ حَلَالًا لَهُ، وَإِنْ بَانَتْ مِنْهُ بِفِعْلِ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ اعْتِبَارًا لِحَالَةِ التَّعْلِيقِ. وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّ كَلَامَ الْقُنْيَةِ السَّابِقِ مَبْنِيٌّ عَلَى خِلَافِ الْأَظْهَرِ، وَهُوَ اعْتِبَارُ حَالَةِ وُجُودِ الشَّرْطِ بِقَرِينَةِ التَّعْلِيلِ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ امْرَأَتَهُ، وَقْتَ وُجُودِ الشَّرْطِ أَمَّا عَلَى مَا هُوَ الْأَظْهَرُ مِنْ اعْتِبَارِ حَالَةِ التَّعْلِيقِ فَيَنْبَغِي أَنْ تَطْلُقَ لِأَنَّهَا كَانَتْ امْرَأَتُهُ، وَيَدُلُّ عَلَى تَرْجِيحِ اعْتِبَارِ حَالَةِ التَّعْلِيقِ مَا ذَكَرَهُ بَعْدَهُ عَنْ الْمُحِيطِ مِنْ الْفَرْعَيْنِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 22 فِيمَا لَوْ حَلَفَ لَا تَخْرُجُ امْرَأَتُهُ إلَّا بِإِذْنِهِ فَخَرَجَتْ بَعْدَ الطَّلَاقِ وَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لَمْ يَحْنَثْ، وَبَطَلَتْ الْيَمِينُ بِالْبَيْنُونَةِ حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَهَا ثَانِيًا ثُمَّ خَرَجَتْ بِلَا إذْنٍ لَمْ يَحْنَثْ لَا يُقَالُ إنَّ الْبُطْلَانَ لِتَقْيِيدِهِ بِامْرَأَتِهِ لِأَنَّهَا لَمْ تَبْقَ امْرَأَتُهُ لِأَنَّا نَقُولُ لَوْ كَانَ لِإِضَافَتِهَا إلَيْهِ لَمْ يَحْنَثْ فِيمَا لَوْ حَلَفَ لَا تَخْرُجُ امْرَأَتُهُ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ فَطَلَّقَهَا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَخَرَجَتْ، وَفِيمَا لَوْ قَالَ إنْ قَبَّلْتُ امْرَأَتِي فُلَانَةَ فَعَبْدِي حُرٌّ فَقَبَّلَهَا بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ مَعَ أَنَّهُ يَحْنَثُ فِيهِمَا كَمَا فِي الْمُحِيطِ مُعَلِّلًا بِأَنَّ الْإِضَافَةَ لِلتَّعْرِيفِ لَا لِلتَّقْيِيدِ قُلْت الْيَمِينُ مُقَيَّدَةٌ بِحَالِ وِلَايَةِ الْإِذْنِ، وَالْمَنْعُ بِدَلَالَةِ الْحَالِ، وَذَلِكَ حَالَ قِيَامِ الزَّوْجِيَّةِ فَسَقَطَ الْيَمِينُ بِزَوَالِ النِّكَاحِ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَخْرُجُ إلَّا بِإِذْنِ غَرِيمِهِ فَقَضَى دَيْنَهُ ثُمَّ خَرَجَ لَمْ يَحْنَثْ بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يَخْرُجُ إلَّا بِإِذْنِ فُلَانٍ، وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا مُعَامَلَةٌ لِأَنَّهَا مُطْلَقَةٌ كَمَا فِي الْمُحِيطِ مِنْ بَابِ الْيَمِينِ عَلَى الْفَوْرِ أَوْ التَّرَاخِي ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مِمَّا يُبْطِلُ التَّعْلِيقَ ارْتِدَادُ الزَّوْجِ، وَلَحَاقُهُ بِدَارِ الْحَرْبِ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا حَتَّى لَوْ دَخَلَتْ الدَّارَ بَعْدَ لَحَاقِهِ، وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ لَا تَطْلُقُ حَتَّى لَوْ جَاءَ ثَانِيًا مُسْلِمًا فَتَزَوَّجَهَا ثَانِيًا لَا يَنْقُصُ مِنْ عَدَدِ الطَّلَاقِ شَيْءٌ كَذَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِلْمُصَنِّفِ، وَالْبُطْلَانُ عِنْدَهُ لِخُرُوجِ الْمُعَلَّقِ عَنْ الْأَهْلِيَّةِ لَا لِزَوَالِ الْمِلْكِ. فَلَوْ قَالَ الْمُؤَلِّفُ، وَزَوَالُ الْمِلْكِ بِغَيْرِ ارْتِدَادٍ، وَثَلَاثٌ لَا يُبْطِلُهَا لَكَانَ أَوْلَى بِالْيَمِينِ لِأَنَّ زَوَالَ الْمِلْكِ بَعْدَ الْأَمْرِ بِالْيَدِ يُبْطِلُهُ لِمَا فِي الْقُنْيَةِ لَوْ قَالَ لَهَا أَمْرُك بِيَدِك ثُمَّ اخْتَلَعَتْ مِنْهُ وَتَفَرَّقَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَفِي بَقَاءِ الْأَمْرِ بِهَا رِوَايَتَانِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَبْقَى. قَالَ لَهَا إنْ غِبْت عَنْك أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَأَمْرُك بِيَدِك ثُمَّ طَلَّقَهَا، وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا، وَتَزَوَّجَتْ ثُمَّ عَادَتْ إلَى الْأَوَّلِ، وَغَابَ عَنْهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَلَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا. اهـ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْأَوَّلَ تَنْجِيزٌ لِلتَّخْيِيرِ فَيَبْطُلُ بِزَوَالِ الْمِلْكِ، وَالثَّانِي تَعْلِيقُ التَّخْيِيرِ فَكَانَ يَمِينًا فَلَا يَبْطُلُ. (قَوْلُهُ فَإِنْ وُجِدَ الشَّرْطُ فِي الْمِلْكِ طَلَقَتْ وَانْحَلَّتْ الْيَمِينُ) لِأَنَّهُ قَدْ وُجِدَ الشَّرْطُ، وَالْمَحَلُّ قَابِلٌ لِلْجَزَاءِ فَيُنَزَّلُ، وَلَمْ تَبْقَ الْيَمِينُ لِأَنَّ بَقَاءَهَا بِبَقَاءِ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ، وَلَمْ يَبْقَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، وَفِي الْقُنْيَةِ قَالَ لَهَا إنْ خَرَجْت مِنْ الدَّارِ إلَّا بِإِذْنِي فَأَنْت طَالِقٌ فَوَقَعَ فِيهَا غَرَقٌ أَوْ حَرْقٌ غَالِبٌ فَخَرَجَتْ لَا يَحْنَثُ اهـ. مَعَ كَوْنِ الشَّرْطِ قَدْ وُجِدَ، وَلَكِنَّ الشَّرْطَ الْخُرُوجُ بِغَيْرِ إذْنِهِ لِغَيْرِ الْغَرَقِ وَالْحَرَقِ، وَفِيهَا قُبَيْلَ النَّفَقَةِ قَالَ لِزَوْجَتِهِ الْأَمَةِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ أَعْتَقَهَا مَوْلَاهَا فَدَخَلَتْ وَقَعَ ثِنْتَانِ، وَفِي جَامِعِ الْكَرْخِيِّ طَلَقَتْ ثِنْتَيْنِ، وَمَلَكَ الزَّوْجُ الرَّجْعَةَ. لَهُ امْرَأَةٌ جُنُبٌ وَحَائِضٌ وَنُفَسَاءُ فَقَالَ أَخْبَثُكُنَّ طَالِقٌ طَلَقَتْ النُّفَسَاءُ، وَفِي أَفْحَشُكُنَّ عَلَى الْحَائِضِ لِأَنَّهُ نَصٌّ اهـ. أَطْلَقَ الْمِلْكَ فَشَمِلَ مَا إذَا وَجَدَ فِي الْعِدَّةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ قُبَيْلَ بَابِ التَّفْوِيضِ، وَلَيْسَ مُرَادُهُ أَنْ يُوجَدَ جَمِيعُ الشَّرْطِ فِي الْمِلْكِ بَلْ الشَّرْطُ تَمَامُهُ فِيهِ حَتَّى لَوْ قَالَ لَهَا إذَا حِضْت حَيْضَتَيْنِ فَأَنْت طَالِقٌ فَحَاضَتْ الْأُولَى فِي غَيْرِ مِلْكٍ، وَالثَّانِيَةَ فِي مِلْكٍ طَلَقَتْ، وَكَذَلِكَ إنْ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ أَنْ تَطْهُرَ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّانِيَةِ بِسَاعَةٍ أَوْ بَعْدَ مَا انْقَطَعَ عَنْهَا الدَّمُ قَبْلَ أَنْ تَغْتَسِلَ، وَأَيَّامُهَا دُونَ الْعَشَرَةِ فَإِذَا اغْتَسَلَتْ أَوْ مَضَى عَلَيْهَا وَقْتُ صَلَاةٍ طَلَقَتْ لِأَنَّ الشَّرْطَ قَدْ تَمَّ، وَهِيَ فِي نِكَاحِهِ. وَكَذَا لَوْ قَالَ إنْ أُكِلَتْ هَذَا الرَّغِيفَ فَأَنْت طَالِقٌ فَأَكَلَتْ عَامَّةَ الرَّغِيفِ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَأَكَلَتْ مَا بَقِيَ مِنْهُ طَلَقَتْ لِأَنَّ الشَّرْطَ تَمَّ فِي مِلْكِهِ، وَالْحِنْثُ بِهِ يَحْصُلُ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ، وَسَيُصَرِّحُ بِأَنَّ الْمِلْكَ يُشْتَرَطُ لِآخِرِ الشَّرْطَيْنِ، وَكَلَامُنَا هُنَا فِي الشَّرْطِ الْوَاحِدِ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ فَعَلْت كَذَا، وَكَذَا لَا تَطْلُقُ مَا لَمْ يُوجَدْ الْكُلُّ، وَإِنْ كَرَّرَ حَرْفَ الشَّرْطِ إنْ أَكَلْت أَوْ شَرِبْت إنْ قَدَّمَ الْجَزَاءَ فَأَيُّ شَيْءٍ وُجِدَ مِنْهَا يَقَعُ الطَّلَاقُ، وَتَرْتَفِعُ الْيَمِينُ، وَإِنْ أَخَّرَ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ مَا لَمْ تُوجَدْ الْأُمُورُ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ إذَا وُجِدَ وَاحِدٌ يَقَعُ الطَّلَاقُ، وَيَرْتَفِعُ الْيَمِينُ. اهـ. وَمِمَّا يُنَاسِبُ قَوْلَهُ فَإِنْ وُجِدَ الشَّرْطُ طَلَقَتْ مَا فِي الْمُحِيطِ مِنْ بَابِ الْأَيْمَانِ الَّتِي يُكَذِّبُ بَعْضُهَا بَعْضًا إذَا حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالطَّلَاقِ فَقَالَ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ إنْ كَانَ لَك عَلَيَّ أَلْفٌ، وَبَرْهَنَ الْمُدَّعِي، وَقَضَى بِهِ حَنِثَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَالْبُطْلَانُ عِنْدَهُ لِخُرُوجِ الْمُعَلَّقِ عَنْ الْأَهْلِيَّةِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ لِزَوَالِ مِلْكِهِ بِدَلِيلِ عِتْقِ مُدَبَّرِيهِ، وَأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ، وَيَلْزَمُ عَلَى مَا ادَّعَاهُ أَنَّهُ لَوْ عَادَ ثَانِيًا بَعْدَ الْحُكْمِ بِلَحَاقِهِ، وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ، وَوُجِدَ الشَّرْطُ أَنْ يَقَعَ، وَإِطْلَاقُهُمْ بُطْلَانَ التَّعْلِيقِ يَقْتَضِي عَدَمَهُ، وَأَيْضًا خُرُوجُ الْمُعَلَّقِ مِنْ الْأَهْلِيَّةِ لَا يُوجِبُ الْبُطْلَانَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ عَلَّقَ عَاقِلًا ثُمَّ جُنَّ فَوُجِدَ الشَّرْطُ حَالَ جُنُونِهِ وَقَعَ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ بِالْيَمِينِ لِأَنَّ زَوَالَ الْمِلْكِ) الظَّاهِرُ أَنَّ هُنَا كَلِمَةُ قَيَّدَ سَاقِطَةٌ مِنْ النَّاسِخِ، وَالْأَصْلُ قَيَّدَ بِالْيَمِينِ لِأَنَّ إلَخْ لَكِنْ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَمْرُك بِيَدِك لَيْسَ بِيَمِينٍ بِدُونِ تَعْلِيقٍ، وَإِذَا كَانَ مُعَلَّقًا لَا يَزُولُ الْأَمْرُ بِزَوَالِ الْمِلْكِ كَمَا هُوَ صَرِيحُ عِبَارَةِ الْفَتْحِ الْمَذْكُورَةِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 23 الْحَالِفُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ، وَعَنْهُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ، وَلَوْ بَرْهَنَ عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعِي بِأَلْفٍ ذَكَرَ فِي وَاقِعَاتِ النَّاطِفِيِّ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ، وَلَوْ حَلَفَ رَجُلَانِ فِي أَيْدِيهِمَا دَارٌ حَلَفَ كُلٌّ أَنَّ الدَّارَ دَارُهُ، وَبَرْهَنَا كَانَتْ بَيْنَهُمَا وَيَحْنَثَانِ، وَإِنْ كَانَتْ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا حَنِثَ صَاحِبُ الْيَدِ لِتَقْدِيمِ بَيِّنَةِ الْخَارِجِ عَلَيْهِ. حَلَفَ بِاَللَّهِ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ هَذِهِ الدَّارَ الْيَوْمَ ثُمَّ قَالَ عَبْدُهُ حُرٌّ إنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَهَا الْيَوْمَ لَا كَفَّارَةَ، وَلَا يَعْتِقُ عَبْدُهُ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ صَادِقًا فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى لَمْ يَحْنَثْ، وَلَا كَفَّارَةَ، وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا فَهُوَ يَمِينُ الْغَمُوسِ فَلَا تُوجِبُ الْكَفَّارَةَ، وَالْيَمِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى لَا مَدْخَلَ لَهَا فِي الْقَضَاءِ فَلَمْ يَصِرْ فِيهَا مُكَذَّبًا شَرْعًا فَلَمْ يَتَحَقَّقْ شَرْطُ الْحِنْثِ فِي الْيَمِينِ بِالْعِتْقِ، وَهُوَ عَدَمُ الدُّخُولِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ الْيَمِينُ الْأُولَى بِعِتْقٍ أَوْ طَلَاقٍ حَنِثَ فِي الْيَمِينَيْنِ لِأَنَّ لَهَا مَدْخَلًا فِي الْقَضَاءِ. وَلَوْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ دَيْنًا فَحَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالطَّلَاقِ مَا لَهُ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ، وَقُضِيَ بِهِ لَهُ يُنْظَرُ إنْ قَالَ كَانَ لَهُ عَلَيَّ دَيْنٌ، وَأَوْفَيْته لَمْ تَطْلُقْ امْرَأَتُهُ، وَإِنْ قَالَ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيَّ شَيْءٌ قَطُّ طَلَقَتْ امْرَأَتُهُ، وَتَمَامُهُ فِيهِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ هَهُنَا مَسَائِلَ فِي الْأَيْمَانِ تُحْمَلُ عَلَى الْمَعْنَى دُونَ ظَاهِرِ اللَّفْظِ مِنْهَا لَوْ قَالَ سَكْرَانُ لِآخَرَ إنْ لَمْ أَكُنْ عَبْدًا لَك فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ ثَلَاثًا لَا يَحْنَثُ إنْ كَانَ مُتَوَاضِعًا لَهُ، وَمِنْهَا إنْ وَضَعْت يَدَك عَلَى الْمِغْزَلِ فَكَذَا فَوَضَعَتْ يَدَهَا عَلَيْهِ، وَلَمْ تَغْزِلْ لَا يَحْنَثُ، وَمِنْهَا إنْ دَفَعْت لِأَخِيك شَيْئًا، وَدَفَعَ إلَيْهَا أَرُزًّا لِتَدْفَعَ لَا يَحْنَثُ، وَمِنْهَا خَرَجَ مِنْ دَارِهِ، وَحَلَفَ لَا يَرْجِعُ ثُمَّ رَجَعَ لِشَيْءٍ نَسِيَهُ فِي دَارِهِ لَا يَحْنَثُ كَذَا فِي الْقُنْيَةِ، وَفِيهَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتَيْنِ لَهُ أَطْوَلُكُمَا حَيَاةً طَالِقٌ لَا تَطْلُقُ فِي الْحَالِ فَلَوْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا بِنْتَ سِتِّينَ سَنَةً، وَالْأُخْرَى بِنْتَ عِشْرِينَ سَنَةً فَمَاتَتْ الْعَجُوزُ قَبْلَ الشَّابَّةِ طَلَقَتْ الشَّابَّةُ فِي الْحَالِ، وَلَا يَسْتَنِدُ خِلَافًا لِزُفَرَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَلَوْ مَاتَتَا مَعًا لَا تَطْلُقُ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا. إنْ لَمْ تَخْرُجْ الْفُسَّاقُ مِنْ النَّارِ فَأَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا لَا تَطْلُقُ لِتَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ. اهـ. وَفِيهَا دَعَا امْرَأَتَهُ إلَى الْوِقَاعِ فَأَبَتْ فَقَالَ مَتَى يَكُونُ قَالَتْ غَدًا فَقَالَ إنْ لَمْ تَفْعَلِي لِي هَذَا الْمُرَادَ غَدًا فَأَنْت طَالِقٌ ثُمَّ نَسِيَاهُ حَتَّى مَضَى الْغَدُ لَا يَحْنَثُ اهـ. وَهَذَا يُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِمْ إذَا فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ نَاسِيًا يَحْنَثُ، وَالْجَوَابُ إنَّ الْحِنْثَ شَرْطُهُ أَنْ يَطْلُبَ مِنْهَا غَدًا وَتَمْتَنِعَ، وَلَمْ يَطْلُبْ فَلَا اسْتِثْنَاءَ. (قَوْلُهُ وَإِلَّا لَا، وَانْحَلَّتْ) أَيْ إنْ لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ فِي الْمِلْكِ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ، وَتَنْحَلُّ الْيَمِينُ إنْ وُجِدَ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ، وَأَمَّا بِمُجَرَّدِ عَدَمِ الشَّرْطِ فِي الْمِلْكِ لَا تَنْحَلُّ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ تُعْتَبَرُ الْأَهْلِيَّةُ وَقْتَ التَّعْلِيقِ قَالَ فِي الْقُنْيَةِ، وَفِي الطَّرِيقَةِ الرَّضَوِيَّةِ أَجْمَعْنَا أَنَّ الْأَهْلِيَّةَ فِي تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ تُعْتَبَرُ وَقْتَ الْيَمِينِ لَا وَقْتَ الشَّرْطِ حَتَّى لَوْ كَانَ مُفِيقًا وَقْتَ الْيَمِينِ مَجْنُونًا وَقْتَ الشَّرْطِ يَصِحُّ وَيَقَعُ، وَعَلَى الْعَكْسِ لَا يَصِحُّ الْيَمِينُ. اهـ. . (قَوْلُهُ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي وُجُودِ الشَّرْطِ فَالْقَوْلُ لَهُ) أَيْ لِلزَّوْجِ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ وُقُوعَ الطَّلَاقِ، وَهِيَ تَدَّعِيهِ، وَهَذَا أَوْلَى مِنْ التَّعْلِيلِ بِأَنَّهُ مُتَمَسِّكٌ بِالْأَصْلِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الشَّرْطِ، وَالْقَوْلُ لِمَنْ يَتَمَسَّكُ بِالْأَصْلِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لَهُ. اهـ. لِأَنَّهُ لَا يَشْمَلُ مَا إذَا كَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لَهَا، وَالْحُكْمُ قَبُولُ قَوْلِهِ مُطْلَقًا فَلِذَا لَوْ قَالَ لَهُمَا إنْ لَمْ تَدْخُلِي هَذِهِ الدَّارَ الْيَوْمَ فَأَنْت طَالِقٌ فَقَالَتْ لَمْ أَدْخُلْهَا، وَقَالَ الزَّوْجُ بَلْ دَخَلْتِيهَا فَالْقَوْلُ لَهُ، وَإِنْ كَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لَهَا، وَهُوَ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الدُّخُولِ لِكَوْنِهِ مُنْكِرًا، وَأَقْوَى مِنْهُ لَوْ قَالَ لَهَا إنْ لَمْ أُجَامِعْك فِي حَيْضَتِك فَالْقَوْلُ لَهُ أَنَّهُ جَامَعَهَا مَعَ أَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لَهَا مِنْ وَجْهَيْنِ كَوْنُ الْأَصْلِ عَدَمَ الْعَارِضِ، وَكَوْنُ الْحُرْمَةِ مَانِعَةً لَهُ مِنْ الْجِمَاعِ قَيَّدَ بِالشَّرْطِ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ لَوْ كَانَ فِي وَقْتِ الْمُضَافِ كَانَ الْقَوْلُ لَهَا كَمَا إذَا قَالَ لَهَا أَنْت طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ ثُمَّ قَالَ جَامَعْتُك، وَهِيَ طَاهِرَةٌ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ حَائِضًا لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ إنْشَاءُ الْجِمَاعِ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَجُزْ شَرْعًا أَمَّا إذَا كَانَتْ طَاهِرَةً فَلِكَوْنِهِ اعْتَرَفَ بِالسَّبَبِ لِمَا قَدَّمْنَا أَنَّ الْمُضَافَ يَنْعَقِدُ سَبَبًا لِلْحَالِ بِخِلَافِ الْمُعَلَّقِ، وَفِي الْكَافِي مِنْ هَذَا الْبَابِ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ الْمَوْطُوءَةِ أَنْت طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ لَا يَقَعُ إلَّا فِي   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ طَلَقَتْ الشَّابَّةُ فِي الْحَالِ) حَاصِلُهُ أَنَّهُ مَا دَامَتَا حَيَّتَيْنِ لَا يَقَعُ شَيْءٌ، وَإِنْ مَاتَتْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا تَكُونُ الْبَاقِيَةُ أَطْوَلَهُمَا حَيَاةً، وَلَا يُنْظَرُ إلَى السِّنِّ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْيَتِيمَةِ قَالَ وَأَنْشَدَ لَنَا شِعْرًا وَإِنَّ حَيَاةَ الْمَرْءِ بَعْدَ عُدُوِّهِ ... وَلَوْ سَاعَةً مِنْ عُمْرِهِ لَكَثِيرٌ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 24 طُهْرٍ خَالٍ عَنْ الطَّلَاقِ وَالْوَطْءِ عَقِيبَ حَيْضٍ خَالٍ عَنْ الطَّلَاقِ وَالْوَطْءِ فَإِذَا حَاضَتْ وَطَهُرَتْ، وَادَّعَى الزَّوْجُ جِمَاعَهَا وَطَلَاقَهَا فِي الْحَيْضِ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي مَنْعِ الطَّلَاقِ السُّنِّيِّ لِانْعِقَادِ الْمُضَافِ سَبَبًا لِلْحَالِ، وَإِنَّمَا يَتَرَاخَى حُكْمُهُ فَقَطْ فَدَعْوَى الطَّلَاقِ أَوْ الْجِمَاعِ بَعْدَهُ دَعْوَى الْمَانِعِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي مَنْعِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ فِي الطُّهْرِ لَكِنْ يَقَعُ طَلَاقٌ آخَرُ بِإِقْرَارِهِ بِالطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ، وَإِنْ ادَّعَى الطَّلَاقَ أَوْ الْجِمَاعَ، وَهِيَ حَائِضٌ صُدِّقَ. وَلَوْ قَالَ إنْ لَمْ أُجَامِعْك فِي حَيْضَتِك فَأَنْت طَالِقٌ فَادَّعَى الْجِمَاعَ فِي الْحَيْضِ لَا تَطْلُقُ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِصَرِيحِ الشَّرْطِ، وَالْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ إنَّمَا يَنْعَقِدُ سَبَبًا عِنْدَ الشَّرْطِ لِمَا عُرِفَ فَإِذَا أَنْكَرَ الشَّرْطَ فَقَدْ أَنْكَرَ السَّبَبَ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَمَضَتْ الْمُدَّةُ ثُمَّ ادَّعَى قُرْبَانَهَا فِي الْمُدَّةِ لَا يُقْبَلُ لِأَنَّ الْإِيلَاءَ سَبَبٌ فِي الْحَالِ لَكِنْ تَرَاخَى وُقُوعُ الطَّلَاقِ إلَى مُضِيِّ الْمُدَّةِ، وَقَدْ مَضَتْ الْمُدَّةُ، وَوَقَعَ ظَاهِرًا فَدَعْوَى الْقُرْبَانِ فِي الْمُدَّةِ دَعْوَى الْمَانِعِ فَلَا يُقْبَلُ، وَلَوْ ادَّعَى الْقُرْبَانَ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ يُقْبَلُ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ بَعْدُ، وَقَدْ أَخْبَرَ عَمَّا يَمْلِكُ إنْشَاءَهُ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ إنْ لَمْ أَقْرَبْكِ فِي أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَأَنْت طَالِقٌ فَمَضَتْ الْمُدَّةُ ثُمَّ ادَّعَى الْقُرْبَانَ فِي الْمُدَّةِ لَا يَقَعُ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِصَرِيحِ الشَّرْطِ فَمَتَى أَنْكَرَ الشَّرْطَ فَقَدْ أَنْكَرَ السَّبَبَ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ: وَإِنْ قَالَ عَبْدُهُ حُرٌّ إنْ طَلَّقْتُك ثُمَّ خَيَّرَهَا فَقَالَتْ اخْتَرْت نَفْسِي فِي الْمَجْلِسِ، وَادَّعَى أَنَّك أَخَذْت فِي عَمَلٍ آخَرَ قَبْلَ الِاخْتِيَارِ، وَأَنْكَرَتْ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَالْعِتْقُ لِأَنَّ سَبَبَ الطَّلَاقِ وُجِدَ، وَالظَّاهِرُ وُقُوعُهُ فَدَعْوَاهُ الْإِعْرَاضَ دَعْوَى الْمُبْطِلِ فَلَا يُقْبَلُ، وَإِذَا ثَبَتَ الطَّلَاقُ ثَبَتَ الْعِتْقُ لِبِنَائِهِ عَلَيْهِ، وَلَوْ قَالَ عَبْدُهُ حُرٌّ إنْ لَمْ تَشْتَغِلِي بِعَمَلٍ آخَرَ فَادَّعَى الِاشْتِغَالَ بِعَمَلٍ آخَرَ قَبْلَ الِاخْتِيَارِ لَا يَعْتِقُ لِأَنَّهُ أَنْكَرَ شَرْطَ الْعِتْقِ، وَتَطْلُقُ لِمَا مَرَّ. وَلَوْ بَاعَ عَبْدَهُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لِلْبَائِعٍ ثُمَّ قَالَ إنْ تَمَّ الْبَيْعُ بَيْنَنَا فَعَبْدُهُ حُرٌّ فَمَضَتْ مُدَّةُ الْخِيَارِ ثُمَّ ادَّعَى النَّقْضَ فِي الْمُدَّةِ لَا يُقْبَلُ، وَيَثْبُتُ الْمِلْكُ وَالْعِتْقُ لِأَنَّ الْمُدَّةَ إذَا مَضَتْ فَالظَّاهِرُ ثُبُوتُ الْمِلْكِ نَظَرًا إلَى السَّبَبِ، وَإِذَا ثَبَتَ الْمِلْكُ ثَبَتَ الْعِتْقُ، وَلَوْ قَالَ إنْ لَمْ أَنْقُضْ الْبَيْعَ فِي الثَّلَاثِ فَعَبْدِي حُرٌّ فَادَّعَى النَّقْضَ بَعْدَهُ لَمْ يَعْتِقْ لِإِنْكَارِهِ شَرْطَ الْعِتْقِ، وَالْمِلْكُ ثَابِتٌ لِمَا مَرَّ. اهـ. وَفِيهِ مِنْ آخِرِ كِتَابِ الْأَيْمَانِ لَوْ قَالَ كُلُّ أَمَةٍ لِي حُرَّةٌ إلَّا أُمَّهَاتِ أَوْلَادِي ثُمَّ ادَّعَى أُمِّيَّةَ الْوَلَدِ فِيهِنَّ أَوْ بَعْضُهُنَّ لَا يُصَدَّقُ سَوَاءٌ كَانَ مَعَهُنَّ وَلَدٌ أَوْ لَا، وَالْأَصْلُ أَنَّ السَّيِّدَ إذَا أَوْجَبَ الْعِتْقَ بِلَفْظٍ عَامٍّ، وَاسْتَثْنَى بِوَصْفٍ خَاصٍّ ثُمَّ ادَّعَى وُجُودَ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ الْوَصْفُ عَارِضًا لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ أَصْلِيًّا قُبِلَ قَوْلُهُ لِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ مَنْ يَتَمَسَّكُ بِالْأَصْلِ. وَإِنْ أَوْجَبَ الْعِتْقَ بِلَفْظٍ خَاصٍّ ثُمَّ أَنْكَرَ وُجُودَ ذَلِكَ الْوَصْفِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ الْإِعْتَاقَ أَصْلًا، وَهُنَا أَوْجَبَ الْعِتْقَ بِلَفْظٍ عَامٍّ، وَاسْتَثْنَى بِوَصْفٍ خَاصٍّ عَارِضِيٍّ فَكَانَ مُدَّعِيًا إبْطَالَ الْعِتْقِ الثَّابِتِ أَصْلًا فَلَمْ يُصَدَّقْ، وَقِيَامُ الْوَلَدِ لَا يَدُلُّ عَلَى صِدْقِ دَعْوَاهُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مِنْ غَيْرِهِ، وَلَكِنْ يَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْهُ لِحُصُولِ الدَّعْوَةِ فِي مِلْكِهِ، وَعِتْقِ الْوَلَدِ، وَلَمْ تَصِرْ الْأَمَةُ أُمَّ وَلَدِهِ لِأَنَّهَا عَتَقَتْ بِالْإِيجَابِ الْعَامِّ، وَلَوْ عَرَفَ دَعْوَى النَّسَبِ مِنْ الْمَوْلَى قَبْلَ الْخُصُومَةِ، وَاخْتَلَفُوا فَقَالَ الْمَوْلَى كُنْت ادَّعَيْت قَبْلَ الْيَمِينِ، وَلَمْ تَعْتِقْ الْأَمَةُ، وَقَالَتْ الْأَمَةُ ادَّعَيْت بَعْدَ الْيَمِينِ، وَقَدْ عَتَقَتْ فَالْقَوْلُ لِلْمَوْلَى لِأَنَّ أُمِّيَّةَ الْوَلَدِ تَثْبُتُ فِي الْحَالِ، وَالْحَالُ يَدُلُّ عَلَى مَا قَبْلَهُ لِمَا عُرِفَ فَإِنْ قِيلَ لِلْأَمَةِ ظَاهِرٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ قُلْنَا هِيَ بِظَاهِرِهَا تُثْبِتُ الِاسْتِحْقَاقَ، وَهُوَ يَدْفَعُ، وَلَوْ قَالَ إلَّا أَمَةً خَبَّازَةً أَوْ اشْتَرَيْتهَا مِنْ زَيْدٍ أَوْ نَكَحْتهَا الْبَارِحَةَ أَوْ إلَّا ثَيِّبًا، وَادَّعَى ذَلِكَ لَا يُصَدَّقُ لِأَنَّ هَذِهِ صِفَةٌ عَارِضَةٌ لَكِنَّ الْقَاضِيَ يُرِيهَا النِّسَاءَ فَإِنْ قُلْنَ ثَيِّبٌ لَا تَعْتِقُ، وَيَحْلِفُ السَّيِّدُ لِأَنَّ شَهَادَتَهُنَّ ضَعِيفَةٌ فَلَا بُدَّ مِنْ مُؤَيِّدٍ، وَهُوَ حَلِفُ الْمَوْلَى، وَإِنْ قُلْنَ بِكْرٌ أَوْ أَشْكَلَ عَلَيْهِنَّ عَتَقَتْ بِالْإِيجَابِ الْعَامِّ لِعَدَمِ صِفَةِ ثُبُوتِ الْمُسْتَثْنَى، وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا وَخَاصَمَ وَاخْتَلَفُوا فَقَالَ أَصَبْتهَا قَبْلَ   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 25 الْحَلِفِ، وَقَالَتْ أَصَبْتنِي بَعْدَ الْحَلِفِ فَالْقَوْلُ لَهُ لِأَنَّ الْحَالَ يَدُلُّ عَلَى مَا قَبْلَهُ. وَكَذَا لَوْ قَالَ إلَّا أَمَةً بِكْرًا أَوْ لَمْ أَشْتَرِهَا مِنْ فُلَانٍ أَوْ لَمْ أَطَأْهَا الْبَارِحَةَ أَوْ إلَّا خُرَاسَانِيَّةً ثُمَّ ادَّعَى ذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ لِأَنَّ هَذِهِ صِفَةٌ أَصْلِيَّةٌ إذْ الْأَصْلُ هِيَ الْبَكَارَةُ، وَعَدَمُ الْوِلَادَةِ، وَعَدَمُ الشِّرَاءِ مِنْ فُلَانٍ، وَعَدَمُ الْوَطْءِ، وَكَذَا الْخُرَاسَانِيَّةُ لِأَنَّ الْخُرَاسَانِيَّةَ مَنْ يَكُونُ مَوْلِدُهَا بِخُرَاسَانَ فَكَانَتْ صِفَةً أَصْلِيَّةً مُقَارِنَةً لِحُدُوثِ الذَّاتِ، وَلَوْ قَالَ كُلُّ أَمَةٍ لِي بِكْرٌ أَوْ ثَيِّبٌ أَوْ اشْتَرَيْتهَا مِنْ فُلَانٍ أَوْ لَمْ اشْتَرِهَا مِنْهُ أَوْ نَكَحْتهَا الْبَارِحَةَ أَوْ وَلَدَتْ مِنِّي أَوْ لَمْ تَلِدْ مِنِّي أَوْ خَبَّازَةٌ أَوْ غَيْرُ خَبَّازَةٍ فَهِيَ حُرَّةٌ ثُمَّ أَنْكَرَ هَذِهِ الْأَوْصَافَ فَالْقَوْلُ لَهُ لِأَنَّهُ أَوْجَبَ الْعِتْقَ بِوَصْفٍ خَاصٍّ ثُمَّ أَنْكَرَ وُجُودَ ذَلِكَ الْوَصْفِ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ. اهـ. وَيَجْرِي هَذَا فِي الطَّلَاقِ أَيْضًا فَلَوْ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ لِي طَالِقٌ إلَّا امْرَأَةً خَبَّازَةً أَوْ وَطِئْتهَا الْبَارِحَةَ، وَنَحْوُهُ، وَادَّعَى ذَلِكَ لَا يُقْبَلُ إلَى آخَرِ الْمَسَائِلِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ ظَاهِرَ الْمُتُونِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِعَدَمِ وُصُولِ نَفَقَتِهَا شَهْرًا ثُمَّ ادَّعَى الْوُصُولَ، وَأَنْكَرَتْ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي عَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ، وَقَوْلُهَا فِي عَدَمِ وُصُولِ الْمَالِ، وَقَدْ جَزَمَ بِهِ فِي الْقُنْيَةِ فَقَالَ إنْ لَمْ تَصِلْ نَفَقَتِي إلَيْك عَشَرَةَ أَيَّامٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ اخْتَلَفَا بَعْدَ الْعَشَرَةِ فَادَّعَى الزَّوْجُ الْوُصُولَ، وَأَنْكَرَتْ هِيَ فَالْقَوْلُ لَهُ اهـ. لَكِنْ صَحَّحَ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي فَصْلِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ يَدَّعِي إيفَاءَ حَقٍّ، وَهِيَ تُنْكِرُ كَمَا قُبِلَ قَوْلُهَا فِي عَدَمِ وُصُولِ الْمَالِ، وَهُوَ يَقْتَضِي تَخْصِيصَ الْمُتُونِ، وَكَأَنَّهُ ثَبَتَ فِي ضِمْنِ قَبُولِ قَوْلِهَا فِي عَدَمِ وُصُولِ الْمَالِ. وَهَذَا التَّقْرِيرُ فِي هَذَا الْمَحَلِّ مِنْ خَوَاصِّ هَذَا الشَّرْحِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (قَوْلُهُ إلَّا إذَا بَرْهَنَتْ) أَيْ أَقَامَتْ الْبَيِّنَةَ عَلَى وُجُودِ الشَّرْطِ لِأَنَّهَا نَوَّرَتْ دَعْوَاهَا بِالْحُجَّةِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الشَّرْطُ عَدَمِيًّا فَإِنَّ بُرْهَانَهَا عَلَيْهِ مَقْبُولٌ لِمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ الشَّرْطُ يَجُوزُ إثْبَاتُهُ بِبَيِّنَةٍ، وَلَوْ كَانَ نَفْيًا كَمَا لَوْ قَالَ لِقِنِّهِ إنْ لَمْ أَدْخُلْ الدَّارَ فَأَنْت حُرٌّ فَبَرْهَنَ الْقِنُّ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْهَا يَعْتِقُ قِيلَ فَعَلَى هَذَا لَوْ جَعَلَ أَمْرَهَا بِيَدِهَا إنْ ضَرَبَهَا بِغَيْرِ جِنَايَةٍ ثُمَّ ضَرَبَهَا، وَقَالَ ضَرَبْتهَا بِجِنَايَةٍ وَبَرْهَنَتْ أَنَّهُ ضَرَبَهَا بِغَيْرِ جِنَايَةٍ يَنْبَغِي أَنْ تُقْبَلَ بَيِّنَتُهَا، وَإِنْ أَقَامَتْ عَلَى النَّفْيِ لِقِيَامِهَا عَلَى الشَّرْطِ حَلَفَ إنْ لَمْ تَجِئْ صِهْرَتِي هَذِهِ اللَّيْلَةَ فَامْرَأَتِي كَذَا فَشَهِدَ أَنَّهُ حَلَفَ كَذَا، وَلَمْ تَجِئْ صِهْرَتُهُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ، وَطَلَقَتْ امْرَأَتُهُ تُقْبَلُ لِأَنَّهَا عَلَى النَّفْيِ صُورَةً، وَعَلَى إثْبَاتِ الطَّلَاقِ حَقِيقَةً، وَالْعِبْرَةُ لِلْمَقَاصِدِ لَا لِلصُّورَةِ كَمَا لَوْ شَهِدَا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَقَدْ جَزَمَ بِهِ فِي الْقُنْيَةِ) ذَكَرَ فِيهَا مِنْ بَابِ التَّفْوِيضِ مَا نَصُّهُ ع إنْ غِبْت عَشَرَةَ أَيَّامٍ، وَلَمْ تَصِلْ إلَيْك النَّفَقَةُ فَالْأَمْرُ بِيَدِك ثُمَّ اخْتَلَفَا بَعْدَ مُضِيِّهَا فِي وُصُولِ النَّفَقَةِ فَالْقَوْلُ لِلْمَرْأَةِ ص مِثْلُهُ م عَلَى الْعَكْسِ. اهـ. وَالرَّمْزُ الْأَوَّلُ لِلْعُيُونِ وَالثَّانِي لِلْأَصْلِ وَالثَّالِثُ لِلْمُنْتَقَى (قَوْلُهُ لَكِنْ صَحَّحَ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ جَزَمَ هَذَا الشَّارِحُ فِي فَتَاوَاهُ بِمَا يَقْتَضِيه كَلَامُ أَصْحَابِ الْمُتُونِ، وَالشُّرُوحِ لِأَنَّهَا الْكُتُبُ الْمَوْضُوعَةُ لِنَقْلِ الْمَذْهَبِ كَمَا لَا يَخْفَى كَذَا ذَكَرَ فِي مِنَحِ الْغَفَّارِ، وَأَقُولُ: قَالَ فِي الْفَيْضِ لِلْكَرْكِيِّ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ. اهـ. وَأَنْتَ عَلَى عِلْمٍ بِأَنَّ الْمُطْلَقَ يُحْمَلُ عَلَى الْمُقَيَّدِ فَيُحْمَلُ إطْلَاقُ الْمُتُونِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَتَضَمَّنْ دَعْوَى إيصَالِ مَالٍ فَتَأَمَّلْ، وَفِي فُصُولِ الْأُسْرُوشَنِيِّ، وَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهَا، وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ ذَكَرَ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَجَعَلَ الثَّالِثَ رَامِزًا لِلذَّخِيرَةِ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهَا فِي عَدَمِ الْوُصُولِ إلَيْهَا، وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي حَقِّ الطَّلَاقِ، وَأَقُولُ: هَذَا الْقَوْلُ عِنْدِي، وَسَطٌ، وَالْحَاصِل أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ كَلَامًا كَثِيرًا، وَقَدْ كَتَبْنَا أَيْضًا شَيْئًا عَلَى جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ. وَمَا اخْتَارَهُ الْمُحَشِّي هُوَ مَا عَلَيْهِ الْمُتُونُ كَمَا لَا يَخْفَى لَكِنْ مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ الْأَقْوَالَ ثَلَاثَةٌ لَا وَجْهَ لَهُ لِأَنَّ صَاحِبَ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ ذَكَرَ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ أَنَّهُ يُصَدَّقُ الزَّوْجُ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ الْحُكْمَ ثُمَّ ذَكَرَ الْقَوْلَ الثَّانِيَ أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ الذَّخِيرَةِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ مَعْنَاهُ أَنَّ الْقَوْلَ لِلزَّوْجِ فِي حَقِّ الطَّلَاقِ لَا فِي حَقِّ وُصُولِ النَّفَقَةِ إلَيْهِ بِدَلِيلِ التَّعْلِيلِ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ الْحُكْمَ أَيْ حُكْمَ التَّعْلِيقِ، وَهُوَ الْحِنْثُ بِوُجُودِ الشَّرْطِ أَمَّا كَوْنُ الْقَوْلِ لَهُ فِي وُصُولِ النَّفَقَةِ إلَيْهَا أَيْضًا فَلَا وَجْهَ لَهُ أَصْلًا لِأَنَّهَا مُنْكِرَةٌ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ، وَلَا سِيَّمَا إذَا عَلَّقَ عَلَى عَدَمِ أَدَاءِ الدَّيْنِ لِدَائِنِهِ فِي، وَقْتِ كَذَا فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ الْقَوْلُ لِلْحَالِفِ فِي الْأَدَاءِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ لَهُ أَدْنَى إلْمَامٍ فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ مَا فِي الذَّخِيرَةِ تَفْصِيلٌ، وَبَيَانٌ لِهَذَا الْقَوْلِ لَا قَوْلٌ ثَالِثٌ، وَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ الَّذِي ذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ أَنَّهُ ظَاهِرُ الْمُتُونِ، وَأَفْتَى بِهِ فِي فَتَاوَاهُ لَكِنْ أَخَّرَ كَلَامًا هُنَا يُفِيدُ تَرْجِيحَ الْقَوْلِ الْآخَرِ بِنَاءً عَلَى مَا قَالَهُ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ مِنْ أَنَّ التَّصْحِيحَ الصَّرِيحَ أَقْوَى مِنْ الِالْتِزَامِيِّ، وَعَلَى مَا قَالَهُ الْبُرْهَانُ الْحَلَبِيُّ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ صَرَّحَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ بِقَيْدٍ لَمْ يَذْكُرْ غَيْرُهُ مَا يُخَالِفُهُ يَجِبُ الْأَخْذُ بِهِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي فَصْلِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ) عِبَارَتُهُ هُنَاكَ، وَإِنْ ادَّعَى وُصُولَ النَّفَقَةِ إلَيْهَا، وَادَّعَتْ حُصُولَ الشَّرْطِ قِيلَ الْقَوْلُ لَهُ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ الْوُقُوعَ لَكِنْ لَا يَثْبُتُ وُصُولُ النَّفَقَةِ إلَيْهَا، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهَا فِي هَذَا، وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ يَدَّعِي إيفَاءَ حَقٍّ، وَهِيَ تُنْكِرُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 26 أَنَّهُ أَسْلَمَ، وَاسْتَثْنَى وَشَهِدَ آخَرَانِ أَنَّهُ أَسْلَمَ، وَلَمْ يَسْتَثْنِ تُقْبَلُ بَيِّنَةُ إثْبَاتِ الْإِسْلَامِ، وَلَوْ كَانَ فِيهَا نَفْيٌ إذْ غَرَضُهُمَا إثْبَاتُ إسْلَامِهِ ثُمَّ رُقِمَ بِعَلَامَةِ مح قَالَ تُقْبَلُ عَلَى الشَّرْطِ، وَإِنْ كَانَ نَفْيًا اهـ. فَإِنْ قُلْت سَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ فِي هَذَا الْمُخْتَصَرِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ عَبْدُهُ حُرٌّ إنْ لَمْ يَحُجَّ الْعَامَ فَشَهِدَا بِنَحْرِهِ فِي الْكُوفَةِ لَمْ يَعْتِقْ يَعْنِي عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ. وَعَلَّلُوا لَهُمَا بِأَنَّهَا شَهَادَةُ نَفْيٍ مَعْنًى لِأَنَّهَا بِمَعْنًى لَمْ يَحُجَّ الْعَامَ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ شَهَادَةَ النَّفْيِ لَا تُقْبَلُ عَلَى الشَّرْطِ قُلْت قَدْ اخْتَلَفُوا فِي بِنَاءِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقِيلَ إنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى مَسْأَلَةِ اشْتِرَاطِ الدَّعْوَى فِي شَهَادَةِ عِتْقِ الْقِنِّ قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ فَعَلَى هَذَا لَوْ وُضِعَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي الْأَمَةِ يَنْبَغِي أَنْ تَعْتِقَ وِفَاقًا إذْ دَعْوَاهَا الْعِتْقَ لَا يُشْتَرَطُ اهـ. فَحِينَئِذٍ لَا إشْكَالَ، وَأَمَّا عَلَى مَا عَلَّلَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ مِنْ أَنَّهَا قَامَتْ عَلَى النَّفْيِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا نَفْيُ الْحَجِّ لَا إثْبَاتُ التَّضْحِيَةِ لِأَنَّهَا لَا مُطَالِبَ بِهَا فَصَارَ كَمَا إذَا شَهِدُوا أَنَّهُ لَمْ يَحُجَّ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ هَذَا النَّفْيَ مِمَّا يُحِيطُ بِهِ عِلْمُ الشَّاهِدِ، وَلَكِنَّهُ لَا يُمَيِّزُ بَيْنَ نَفْيٍ، وَنَفْيٍ تَيْسِيرًا اهـ. فَمُشْكِلٌ. وَلِذَا قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إنَّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ أَوْجَهُ ظَاهِرُهُ تَسْلِيمُ أَنَّهَا عَلَى الشَّرْطِ مَقْبُولَةٌ، وَلَوْ نَفْيًا، وَقَدْ نَقَلَهُ عَنْ الْمَبْسُوطِ أَيْضًا، وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَلَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّ الشَّرْطَ قَدْ وُجِدَ، وَأَنْكَرَ فَالْقَوْلُ لَهُ إلَّا إذَا شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ دَعْوَى الْمَرْأَةِ لِلطَّلَاقِ، وَلَا أَنْ تُبَرْهِنَ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى عِتْقِ الْأَمَةِ وَطَلَاقِ الْمَرْأَةِ تُقْبَلُ حِسْبَةً بِلَا دَعْوَى، وَلَا يُشْتَرَطُ حُضُورُ الْمَرْأَةِ وَالْأَمَةِ لَكِنْ يُشْتَرَطُ حُضُورُ الزَّوْجِ وَالْمَوْلَى صَحَّ تَحْضُرُ الْمَرْأَةُ لِيُشِيرَ إلَيْهَا الشُّهُودُ ط لَوْ شَهِدَا أَنَّهُ أَبَانَ امْرَأَتَهُ فُلَانَةَ فَقَالَتْ لَمْ يُطَلِّقْنِي، وَقَالَ الزَّوْجُ لَيْسَ اسْمُهَا فُلَانَةَ، وَشَهِدَا أَنَّ اسْمَهَا فُلَانَةُ فَالْقَاضِي يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا، وَيُمَاثِلُهُ عِتْقُ الْأَمَةِ فَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ حَرَّرَهَا، وَأَنَّ اسْمَهَا كَذَا، وَقَالَتْ لَمْ يُحَرِّرْنِي فَالْقَاضِي يَحْكُمُ بِعِتْقِهَا، وَالشَّهَادَةُ بِحُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ وَالْإِيلَاءِ وَالظِّهَارِ بِدُونِ الدَّعْوَى تُقْبَلُ، وَيُشْتَرَطُ حُضُورُ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، وَقِيلَ لَا تُقْبَلُ بِدُونِ الدَّعْوَى فِي الْإِيلَاءِ وَالظِّهَارِ، وَفِي عِتْقِ الْأَمَةِ وَالطَّلَاقِ بِدُونِ الدَّعْوَى قِيلَ يَحْلِفُ، وَقِيلَ لَا فَلْيُتَأَمَّلْ عِنْدَ الْفَتْوَى كَذَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، وَفِي الْقُنْيَةِ ادَّعَتْ أَنَّهُ طَلَّقَهَا مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ، وَالزَّوْجُ يَقُولُ طَلَّقْتهَا بِالشَّرْطِ، وَلَمْ يُوجَدْ فَالْبَيِّنَةُ فِيهِ بَيِّنَةُ الْمَرْأَةِ، وَلَوْ ادَّعَتْ عَلَيْهِ أَنَّهُ حَلَفَ لَا يَضُرُّ بِهَا، وَادَّعَى هُوَ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ بِهَا مِنْ غَيْرِ ذَنْبٍ، وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَيَثْبُتُ كِلَا الْأَمْرَيْنِ، وَتَطْلُقُ بِأَيِّهِمَا كَانَ. اهـ. وَفِي الْقُنْيَةِ مِنْ بَابِ الْبَيِّنَتَيْنِ الْمُتَضَادَّتَيْنِ، وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ شَرِبْت مُسْكِرًا بِغَيْرِ إذْنِك فَأَمْرُك بِيَدِك فَأَقَامَتْ بَيِّنَةً عَلَى وُجُودِ الشَّرْطِ، وَأَقَامَ الزَّوْجُ بَيِّنَةً أَنَّهُ كَانَ بِإِذْنِهَا فَبَيِّنَةُ الْمَرْأَةِ أَوْلَى. اهـ. . (قَوْلُهُ وَمَا لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْهَا فَالْقَوْلُ لَهَا فِي حَقِّهَا كَأَنْ حِضْت فَأَنْت طَالِقٌ، وَفُلَانَةُ أَوْ إنْ كُنْت تُحِبِّينِي فَأَنْت طَالِقٌ وَفُلَانَةُ فَقَالَتْ حِضْت أَوْ أُحِبُّك طَلَقَتْ هِيَ فَقَطْ) عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ لِأَنَّهَا أَمِينَةٌ مَأْمُورَةٌ بِإِظْهَارِ مَا فِي رَحِمِهَا، وَفَائِدَتُهُ تَرْتِيبُ أَحْكَامِ الطُّهْرِ، وَهُوَ فَرْعُ قَبُولِ قَوْلِهَا كَمَا قُبِلَ إخْبَارُهَا بِالْحَيْضِ فِي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَحُرْمَةِ جِمَاعِهَا وَبِالطُّهْرِ، وَبِقَوْلِهَا طَهُرَتْ فِي حِلِّهِ، وَهِيَ مُتَّهَمَةٌ فِي حَقِّ غَيْرِهَا إنْ كَذَّبَهَا الزَّوْجُ، وَإِنْ صَدَّقَهَا طَلَقَتْ فُلَانَةُ أَيْضًا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَنْظُورَ إلَيْهِ فِي حَقِّهَا شَرْعًا الْإِخْبَارُ بِهِ لِأَنَّهَا أَمِينَةٌ، وَفِي حَقِّ ضَرَّتِهَا مُتَّهَمَةٌ، وَشَهَادَتُهَا عَلَى ذَلِكَ شَهَادَةُ فَرْدٍ، وَلَا بُعْدَ فِي أَنْ يُقْبَلَ قَوْلُ الْإِنْسَانِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ لَا فِي حَقِّ غَيْرِهِ كَأَحَدِ الْوَرَثَةِ إذَا أَقَرَّ بِدَيْنٍ عَلَى الْمَيِّتِ اقْتَصَرَ عَلَى نَصِيبِهِ إذَا لَمْ يُصَدِّقْهُ الْبَاقُونَ، وَالْمُشْتَرِي إذَا أَقَرَّ بِالْمَبِيعِ لِمُسْتَحِقٍّ لَا يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَقَدْ يُقَالُ إنَّ الْمُقِرَّ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ لَمْ يَتَعَدَّ ضَرَرُ إقْرَارِهِ إلَى أَحَدٍ، وَهُنَا تَعَدَّى إلَى الزَّوْجِ بِقَطْعِ الْعِصْمَةِ مَعَ كَوْنِهَا مُتَّهَمَةً فِي حَقِّ نَفْسِهَا أَيْضًا، وَلَا بُدَّ مِنْ قِيَامِ الْحَيْضِ عِنْدَ الْإِخْبَارِ أَمَّا بَعْدَ الِانْقِطَاعِ فَلَا لِأَنَّهُ ضَرُورَةٌ فَيُشْتَرَطُ قِيَامُ الشَّرْطِ بِخِلَافِ إنْ حِضْت حَيْضَةً حَيْثُ يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي الطُّهْرِ الَّذِي يَلِي الْحَيْضَةَ لَا قَبْلَهُ، وَلَا بَعْدَهُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ فَيَثْبُتُ كِلَا الْأَمْرَيْنِ إلَخْ) أَقُولُ: رَأَيْت فِي نُسْخَتِي الْقُنْيَةِ مِنْ هَذَا الْمَحَلِّ مَكْتُوبًا عَلَى هَامِشِهَا مَا نَصُّهُ هَذَا خِلَافُ رِوَايَةِ الْفُصُولِ فَإِنَّهُ قَالَ لَا تُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ فِي هَذَا، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ مَعَ الْيَمِينِ تَأَمَّلْ جِدًّا اهـ. مَا رَأَيْته أَقُولُ: وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَظْهَرُ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى أَصْلِ الْحَلِفِ، وَاخْتَلَفَا فِي الْقَيْدِ، وَهُوَ مِنْ غَيْرِ ذَنْبٍ، وَالزَّوْجُ يَدَّعِي وُجُودَ الْقَيْدِ، وَهِيَ تُنْكِرُهُ فَكَأَنَّهُ يَدَّعِي بِذَلِكَ عَدَمَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ، وَهِيَ تَدَّعِي وُقُوعَهُ فَالْقَوْلُ لَهُ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا سَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَلَا فِي أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ حَيْثُ قَالَ وَيَشْمَلُ مَا إذَا ادَّعَى الِاسْتِثْنَاءَ، وَأَنْكَرَتْهُ فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ وَكَذَا فِي دَعْوَى الشَّرْطِ. (قَوْلُهُ وَبِالطُّهْرِ، وَبِقَوْلِهَا طَهُرْت فِي حِلِّهِ) كَذَا فِيمَا رَأَيْنَاهُ مِنْ النُّسَخِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْوَاوَ فِي قَوْلِهِ، وَبِقَوْلِهَا زَائِدَةٌ مِنْ قَلَمِ النَّاسِخِ لِأَنَّ الْمَعْنَى، وَكَمَا قُبِلَ إخْبَارُهَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 27 لِأَنَّهَا أَخْبَرَتْ عَنْ الشَّرْطِ حَالَ عَدَمِهِ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَهَا أَمِينَةً فِيمَا تُخْبِرُ بِهِ عَنْ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ ضَرُورَةَ إقَامَةِ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهِمَا فَمَا دَامَتْ الْأَحْكَامُ قَائِمَةً كَانَ الِاسْمَانِ قَائِمَيْنِ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ فَتُصَدَّقُ. وَإِذَا كَانَتْ الْأَحْكَامُ مُنْقَضِيَةً كَانَ الِاسْمَانِ غَيْرَ ثَابِتَيْنِ فَلَا تُصَدَّقُ بِخِلَافِ الْمُودَعِ لَوْ قَالَ رَدَدْتهَا أَوْ هَلَكَتْ يُصَدَّقُ، وَلَا يُشْتَرَطُ لِتَصْدِيقِهِ قِيَامُ الْأَمَانَةِ لِأَنَّهُ صَارَ أَمِينًا مِنْ جِهَةِ صَاحِبِ الْمَالِ صَرِيحًا، وَابْتِدَاءً لَا لِضَرُورَةٍ حَيْثُ ائْتَمَنَهُ صَاحِبُ الْمَالِ مُطْلَقًا كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ إنْ حِضْت لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ إنْ حِضْتُمَا فَأَنْتُمَا طَالِقَانِ فَقَالَتَا حِضْنَا لَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُمَا فَإِنْ صَدَّقَ إحْدَاهُمَا، وَكَذَّبَ الْأُخْرَى طَلَقَتْ الْمُكَذَّبَةُ، وَإِنْ كُنَّ ثَلَاثًا فَقَالَ ذَلِكَ فَقُلْنَ حِضْنَا لَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ إلَّا أَنْ يُصَدِّقْهُنَّ، وَكَذَا إنْ صَدَّقَ إحْدَاهُنَّ فَإِنْ صَدَّقَ ثِنْتَيْنِ فَقَطْ طَلَقَتْ الْمُكَذَّبَةُ دُونَ الْمُصَدَّقَاتِ، وَلَوْ كُنَّ أَرْبَعًا، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا لَمْ يُطَلَّقْنَ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُنَّ، وَكَذَا إنْ صَدَّقَ إحْدَاهُنَّ أَوْ ثِنْتَيْنِ، وَإِنْ صَدَّقَ ثَلَاثًا فَقَطْ طَلَقَتْ الْمُكَذَّبَةُ دُونَ الْمُصَدَّقَاتِ، وَالْوَجْهُ ظَاهِرٌ مِنْ الشَّرْحِ، وَفِي الْمُحِيطِ قَالَ لِنِسَائِهِ الْأَرْبَعِ إذَا حِضْتُنَّ حَيْضَةً فَأَنْتُنَّ طَوَالِقُ فَقَالَتْ وَاحِدَةٌ حِضْت حَيْضَةً، وَصَدَّقَهَا الزَّوْجُ طَلَقْنَ لِأَنَّ شَرْطَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَيْهِنَّ حَيْضَةٌ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ لِأَنَّ اجْتِمَاعَهُنَّ عَلَى حَيْضَةٍ وَاحِدَةٍ لَا يُتَصَوَّرُ فَيُجْعَلُ ذَلِكَ مَجَازًا عَنْ حَيْضَةِ إحْدَاهُنَّ كَمَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ إذَا حِضْتُمَا حَيْضَةً، وَأَنْتُمَا طَالِقَانِ فَحَاضَتْ إحْدَاهُمَا طَلَقَتَا، وَإِنْ كَذَّبَهَا طَلَقَتْ وَحْدَهَا تَطْلِيقَةً لِأَنَّهَا مُصَدَّقَةٌ فِي حَقِّهَا دُونَ ضِرَّاتِهَا. وَلَوْ قَالَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ حِضْت حَيْضَةً طَلَقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ تَطْلِيقَةً صَدَّقَهَا الزَّوْجُ أَوْ كَذَّبَهَا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مُصَدَّقَةٌ شَرْعًا فِيمَا بَيْنَهَا، وَبَيْنَ زَوْجِهَا، وَلَوْ قَالَ كُلَّمَا حِضْتُنَّ حَيْضَةً فَأَنْتُنَّ طَوَالِقُ فَقَالَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ حِضْت حَيْضَةً فَإِنْ كَذَّبَهُنَّ طَلَقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ تَطْلِيقَةً لِأَنَّهُ ثَبَتَ حَيْضَةُ كُلِّ وَاحِدَةٍ فِي حَقِّ نَفْسِهَا خَاصَّةً دُونَ صَوَاحِبِهَا فَلَمْ يُوجَدْ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدَةٍ إلَّا شَرْطُ طَلَاقِ وَاحِدَةٍ، وَإِنْ صَدَّقَ وَاحِدَةً دُونَ الثَّلَاثِ طَلَقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ الثَّلَاثِ ثِنْتَيْنِ، وَالْمُصَدَّقَةُ وَاحِدَةً لِأَنَّهُ ثَبَتَ فِي حَقِّ الْمُصَدَّقَةِ دُونَ حَقِّ صَوَاحِبِهَا، وَثَبَتَ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْمُكَذَّبَاتِ حَيْضَتَانِ حَيْضُهَا بِإِخْبَارِهَا، وَحَيْضَةُ الْمُصَدَّقَةِ بِالتَّصْدِيقِ، وَإِنْ صَدَّقَ مِنْهُنَّ اثْنَتَيْنِ طَلَقَتْ كُلُّ مُصَدِّقَةٍ ثِنْتَيْنِ لِوُجُودِ حَيْضَتَيْنِ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدَةٍ حَيْضَتُهَا، وَحَيْضَةُ صَاحِبَتِهَا الْمُصَدَّقَةِ، وَكُلُّ مُكَذَّبَةٍ ثَلَاثًا لِوُجُودِ ثَلَاثِ حِيَضٍ فِي حَقِّهَا حَيْضَتِهَا، وَحَيْضَتَيْ الْمُصَدَّقَتَيْنِ، وَإِنْ صَدَّقَ ثَلَاثًا طَلَقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ ثَلَاثًا لِثُبُوتِ ثَلَاثِ حِيَضٍ فِي حَقِّ الْمُصَدَّقَاتِ، وَأَرْبَعِ حِيَضٍ فِي حَقِّ الْمُكَذَّبَةِ اهـ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْوُقُوعَ عَلَى الضَّرَّةِ لَمْ يَنْحَصِرْ فِي تَصْدِيقِهِ، وَإِنَّمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى تَصْدِيقِهِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ وُجُودَ الْحَيْضِ مِنْهَا أَمَّا إذَا عَلِمَ طَلَقَتْ فُلَانَةُ أَيْضًا كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ، وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِ لَا يَعْلَمُ إلَّا مِنْهَا لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ يَعْلَمُ مِنْ غَيْرِهَا تَوَقَّفَ الْوُقُوعُ عَلَى تَصْدِيقِهِ أَوْ الْبَيِّنَةُ كَالدُّخُولِ وَالْكَلَامِ اتِّفَاقًا، وَاخْتَلَفُوا فِيمَا لَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِوِلَادَتِهَا فَقَالَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ. وَقَالَ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ لَا بُدَّ مِنْ شَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ، وَلَا يَشْمَلُ مَا لَوْ عَلَّقَهُ عَلَى فِعْلٍ بِغَيْرِ إذْنِهَا لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ إنْ شَرِبْت مُسْكِرًا بِغَيْرِ إذْنِك فَأَمْرُك بِيَدِك، وَشَرِبَ ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي الْإِذْنِ فَالْقَوْلُ لَهُ، وَالْبَيِّنَةُ لَهَا. اهـ. وَفِي الصَّيْرَفِيَّةِ إنْ ذَهَبْت إلَى بَيْتِ أَبِي بِغَيْرِ إذْنِك فَأَنْت طَالِقٌ فَادَّعَى إذْنَهَا، وَأَنْكَرَتْ فَالْقَوْلُ لَهُ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ وُقُوعَ الطَّلَاقِ اهـ. مَعَ أَنَّ الْإِذْنَ لَا يُسْتَفَادُ إلَّا مِنْهَا، وَلَكِنْ يَطَّلِعُ عَلَيْهِ بِالْقَوْلِ   [منحة الخالق] بِالطُّهْرِ بِقَوْلِهَا طَهُرْت فِي حِلِّ الْجِمَاعِ (قَوْلُهُ وَالْوَجْهُ ظَاهِرٌ مِنْ الشَّرْحِ) قَالَ فِيهِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ حَيْضَ جَمِيعِهِنَّ شَرْطٌ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَيْهِنَّ، وَلَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ حَتَّى تَرَى جَمِيعَهُنَّ الْحَيْضَ، وَإِنْ حَاضَتْ بَعْضُهُنَّ يَكُونُ ذَلِكَ بَعْضَ الْعِلَّةِ، وَهِيَ لَا يَثْبُتُ بِهَا الْحُكْمُ فَإِنْ قُلْنَ جَمِيعًا قَدْ حِضْنَا لَا يَثْبُتُ حَيْضُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ إلَّا فِي حَقِّهَا، وَلَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ غَيْرِهَا إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُنَّ فَيَثْبُتَ فِي حَقِّ الْجَمِيعِ، وَإِنْ صَدَّقَ الْبَعْضَ، وَكَذَّبَ الْبَعْضَ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَتْ الْمُكَذَّبَةُ وَاحِدَةً طَلَقَتْ هِيَ وَحْدَهَا لِتَمَامِ الشَّرْطِ فِي حَقِّهَا لِأَنَّ قَوْلَهَا مَقْبُولٌ فِي حَقِّ نَفْسِهَا، وَقَدْ صَدَّقَ غَيْرَهَا فَتَمَّ الشَّرْطُ فِيهَا، وَلَا يُطَلِّقُ غَيْرَهَا لِأَنَّ الْمُكَذَّبَةَ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي حَقِّ غَيْرِهَا فَلَمْ يَتِمَّ الشَّرْطُ فِي حَقِّ غَيْرِهَا، وَإِنْ كَذَّبَ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ لَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْمُكَذَّبَاتِ لَمْ يَثْبُتْ حَيْضُهَا إلَّا فِي حَقِّ نَفْسِهَا فَكَانَ الْمَوْجُودُ بَعْضَ الْعِلَّةِ، وَلَا تَطْلُقُ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ حَتَّى يُصَدِّقَ غَيْرَهَا جَمِيعًا (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ ثَبَتَ فِي حَقِّ الْمُصَدَّقَةِ) أَيْ لِأَنَّ الْحَيْضَ ثَبَتَ فِي حَقِّ الْمُصَدَّقَةِ دُونَ حَيْضِ صَوَاحِبِهَا فَإِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِي حَقِّهَا لِتَكْذِيبِهِنَّ بَلْ ثَبَتَ حَيْضُهُنَّ فِي حَقِّهِنَّ فَقَطْ (قَوْلُهُ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُوَقَّعَ عَلَى الضَّرَّةِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ لَا يُنَافِيه مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ. وَمَا لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْهَا إلَخْ إذْ ذَاكَ فِيمَا إذَا أَشْكَلَ أَمْرُهَا، وَذَا فِيمَا لَمْ يُشْكِلْ بِأَنْ أَخْبَرَتْ فِي، وَقْتِ عِدَّتِهَا الْمَعْرُوفَةِ لِزَوْجِهَا وَضِرَّتِهَا، وَشُوهِدَ الدَّمُ مِنْهَا بِحَيْثُ لَمْ يَبْقَ شَكٌّ تَأَمَّلْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 28 بِخِلَافِ الْحَيْضِ وَالْمَحَبَّةِ وَالْبُغْضِ، وَمِنْ قَبِيلِ الدُّخُولِ وَالْكَلَامِ مَا لَوْ عَلَّقَ بِقَوْلِهِ إنْ كُنْت جَائِعَةً فِي بَيْتِي قَالَ قَاضِي خَانْ إنْ لَمْ تَكُنْ جَائِعَةً فِي غَيْرِ الصَّوْمِ لَا يَكُونُ حَانِثًا، وَمِنْهُ مَا لَوْ عَلَّقَهُ بِقَوْلِهِ إنْ لَمْ أُشْبِعْك مِنْ الْجِمَاعِ قَالَ الْقَاضِي إنْ جَامَعَهَا حَتَّى أَنْزَلَتْ فَقَدْ أَشْبَعَهَا. اهـ. وَفِي الْقُنْيَةِ، وَالْمَسَرَّةُ كَالْمَحَبَّةِ، وَكَذَا الْغَيْرَةُ بِاللِّسَانِ لَا بِالْقَلْبِ. اهـ. وَقَدْ سَوَّى الْمُصَنِّفُ بَيْنَ الْمَحَبَّةِ وَالْحَيْضِ، وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ إلَّا مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ التَّعْلِيقَ بِالْمَحَبَّةِ يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ لِكَوْنِهِ تَخْيِيرًا حَتَّى لَوْ قَامَتْ، وَقَالَتْ أُحِبُّك لَا تَطْلُقُ، وَالتَّعْلِيقُ بِالْحَيْضِ لَا يَبْطُلُ بِالْقِيَامِ كَسَائِرِ التَّعْلِيقَاتِ، وَالثَّانِي أَنَّهَا إذَا كَانَتْ كَاذِبَةً فِي الْإِخْبَارِ تَطْلُقُ فِي التَّعْلِيقِ بِالْمَحَبَّةِ لِمَا قُلْنَا، وَفِي التَّعْلِيقِ بِالْحَيْضِ لَا تَطْلُقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى يَحِلَّ وَطْؤُهَا دِيَانَةً لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْمَحَبَّةِ وَالْبُغْضِ أَمْرٌ خَفِيٌّ لَا يُوقَفُ عَلَيْهَا مِنْ قِبَلِ أَحَدٍ لَا مِنْ قِبَلِهَا، وَلَا مِنْ قِبَلِ غَيْرِهَا لِأَنَّ الْقَلْبَ يَتَقَلَّبُ لَا يَسْتَقِرُّ عَلَى شَيْءٍ فَلَمَّا لَمْ يُوقَفْ عَلَيْهَا تَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِإِخْبَارِهَا لِأَنَّهُ دَلِيلٌ عَلَيْهَا لِأَنَّ أَحْكَامَ الشَّرْعِ لَا تُنَاطُ بِأَحْكَامٍ خَفِيَّةٍ. وَفِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ إنْ كُنْت أَنَا أُحِبُّ كَذَا ثُمَّ قَالَ لَسْت أُحِبُّهُ، وَهُوَ كَاذِبٌ فَهِيَ امْرَأَتُهُ يَسَعُهُ وَطْؤُهَا دِيَانَةً قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ، وَهَذَا مُشْكِلٌ لِأَنَّهُ يَعْرِفُ مَا فِي قَلْبِهِ حَقِيقَةً، وَإِنْ كَانَ لَا يَعْرِفُ مَا فِي قَلْبِهَا لَكِنَّ الطَّرِيقَ مَا قُلْنَا إنَّ الْحُكْمَ يُدَارُ عَلَى الظَّاهِرِ، وَهُوَ الْإِخْبَارُ وُجُودًا وَعَدَمًا، وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ قَالَ إنْ كُنْت تُبْغِضِينِي، وَلَوْ قَالَ إنْ كُنْت تُحِبِّينِي بِقَلْبِك فَقَالَتْ أُحِبُّك طَلَقَتْ دِيَانَةً وَقَضَاءً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ الْمَحَبَّةَ فِعْلُ الْقَلْبِ فَكَانَ إطْلَاقُهَا، وَتَقْيِيدُهَا بِالْقَلْبِ سَوَاءٌ، وَإِنَّمَا يُفِيدُ التَّأْكِيدَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا تَطْلُقُ دِيَانَةً لِأَنَّ الْمَحَبَّةَ عَمَلُ الْقَلْبِ، وَجُعِلَ اللِّسَانُ خَلَفًا عَنْهُ، وَعِنْدَ التَّقْيِيدِ بِالْقَلْبِ تَبْطُلُ الْخَلْفِيَّةُ فَيَبْقَى الْحُكْمُ مُتَعَلِّقًا بِالْأَصْلِ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ، وَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ مَشَايِخِنَا أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ التَّعْلِيقِ بِمَحَبَّتِهَا إيَّاهُ أَوْ بِمَحَبَّتِهَا فِرَاقَهُ، وَذَكَرَهُ فِي الْمِعْرَاجِ عَنْ غَيْرِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ فَقَالَ: وَفِي التَّبْصِرَةِ لِلَّخْمِيِّ قَالَ لَهَا إنْ كُنْت تُحِبِّينَ فِرَاقِي فَأَنْت طَالِقٌ فَقَالَتْ أُحِبُّ ثُمَّ قَالَتْ كُنْت لَاعِبَةً قَالَ أَرَى أَنْ يَقَعَ عَلَيْهَا ثُمَّ نَقَلَهُ عَنْ الْأَنْوَارِ لِلْمَالِكِيَّةِ، وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ مَسْأَلَةَ مَا إذَا قَالَ إنْ كُنْت تُحِبِّينَ الطَّلَاقَ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الطَّلَاقِ وَالْفِرَاقِ فَكَانَ مَنْقُولًا عَنْ أَصْحَابِنَا أَيْضًا، وَأَطْلَقَ فِي الْمَحَبَّةِ فَشَمِلَ مَا إذَا قَالَ إنْ كُنْت تُحِبِّينَ أَنْ يُعَذِّبَك اللَّهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَلَا يَتَيَقَّنُ بِكَذِبِهَا لِأَنَّهَا لِشِدَّةِ بُغْضِهَا إيَّاهُ قَدْ تُحِبُّ التَّخَلُّصَ مِنْهُ بِالْعَذَابِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ. وَذَكَرَ قَاضِي خَانْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ سَرَرْتُك فَأَنْت طَالِقٌ فَضَرَبَهَا فَقَالَتْ سَرَّنِي قَالُوا لَا تَطْلُقُ امْرَأَتُهُ لِأَنَّا نَتَيَقَّنُ بِكَذِبِهَا قَالَ مَوْلَانَا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَفِيهِ إشْكَالٌ وَهُوَ أَنَّ السُّرُورَ مِمَّا لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَعَلَّقَ الطَّلَاقُ بِخَبَرِهَا، وَيُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي ذَلِكَ، وَإِنْ كُنَّا نَتَيَقَّنُ بِكَذِبِهَا كَمَا لَوْ قَالَ إنْ كُنْت تُحِبِّينَ أَنْ يُعَذِّبَك اللَّهُ بِنَارِ جَهَنَّمَ فَأَنْت طَالِقٌ فَقَالَتْ أُحِبُّ يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا، وَلَوْ أُعْطِيَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَقَالَتْ لَمْ يَسُرَّنِي كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا، وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا طَلَبَتْ الْأَلْفَيْنِ فَلَا يَسُرُّهَا الْأَلْفُ. اهـ. قُلْت بَيْنَهُمَا فَرْقٌ، وَقَوْلُهُ: وَإِنْ كُنَّا نَتَيَقَّنُ بِكَذِبِهَا مَمْنُوعٌ لِمَا سَمِعْته عَنْ الْهِدَايَةِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَتَيَقَّنُ بِكَذِبِهَا، وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّهُ لَوْ عَلَّقَ بِفِعْلٍ قَلْبِيٍّ، وَأَخْبَرَتْ بِهِ فَإِنْ تَيَقَّنَّا بِكَذِبِهَا لَمْ يَقَعْ، وَإِلَّا وَقَعَ، وَفِي الْبَدَائِعِ إنْ كُنْت تَكْرَهِينَ الْجَنَّةَ تَعَلَّقَ بِإِخْبَارِهَا بِالْكَرَاهَةِ مَعَ أَنَّهَا لَا تَصِلُ إلَى حَالَةٍ تَكْرَهُ الْجَنَّةَ فَقَدْ تَيَقَّنَّا بِكَذِبِهَا، وَقَدْ يُقَالُ إنَّ لِشِدَّةِ مَحَبَّتِهَا لِلْحَيَاةِ الدُّنْيَا تَكْرَهُ الْجَنَّةَ لِأَنَّهَا لَا تَتَوَصَّلُ إلَيْهَا إلَّا بِالْمَوْتِ، وَهِيَ تَكْرَهُهُ فَلَمْ يَتَيَقَّنْ بِكَذِبِهَا، وَهَلْ تَكْفُرُ الْمَرْأَةُ بِقَوْلِهَا أَنَّا أُحِبُّ عَذَابَ جَهَنَّمَ، وَأَكْرَهُ الْجَنَّةَ قُلْت ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ هُنَا عَدَمُهُ. وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ أَشَدُّكُمَا حُبًّا لِلطَّلَاقِ، وَأَشَدُّكُمَا بُغْضًا لَهُ طَالِقٌ فَقَالَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ أَنَا أَشَدُّ حُبًّا فِي ذَلِكَ لَا يَقَعُ شَيْءٌ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مُخَيَّرَةٌ فِي حَقِّ نَفْسِهَا شَاهِدَةٌ عَلَى صَاحِبَتِهَا بِمَا فِي ضَمِيرِهَا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ قُلْت بَيْنَهُمَا فَرْقٌ) قَالَ فِي النَّهْرِ، وَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ إيلَامَ الضَّرْبِ الْقَائِمِ بِهَا دَلِيلٌ ظَاهِرٌ عَلَى كَذِبِهَا بِخِلَافِ مُجَرَّدِ مَحَبَّةِ الْعَذَابِ فَإِنَّهُ لَا دَلِيلَ فِيهِ عَلَى التَّيَقُّنِ بِكَذِبِهَا (قَوْلُهُ وَقَوْلُهُ: وَإِنْ كُنَّا نَتَيَقَّنُ بِكَذِبِهَا مَمْنُوعٌ) مُقْتَضَى كَلَامِهِ تَسْلِيمُ مَا فِي الْهِدَايَةِ فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ، وَقَوْلُهُ كَمَا لَوْ قَالَ إنْ كُنْت تُحِبِّينِي إلَخْ مَمْنُوعٌ تَأَمَّلْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 29 لِأَنَّهَا تَقُولُ أَنَا أَشَدُّ حُبًّا مِنْهَا، وَهِيَ أَقَلُّ حُبًّا مِنِّي، وَهِيَ غَيْرُ مُصَدَّقَةٍ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى صَاحِبَتِهَا فَلَمْ يَتِمَّ الشَّرْطُ. اهـ. وَقَيَّدَ بِمَحَبَّتِهَا لِأَنَّهُ لَوْ عَلَّقَهُ بِمَحَبَّةِ غَيْرِهَا فَظَاهِرُ مَا فِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَصْدِيقِ الزَّوْجِ فَإِنَّهُ قَالَ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ إنْ لَمْ تَكُنْ أُمُّك تَهْوَى ذَلِكَ فَقَالَتْ الْأُمُّ أَنَا لَا أَهْوَى، وَكَذَّبَهَا الزَّوْجُ لَا تَطْلُقُ فَإِنْ صَدَّقَهَا طَلَقَتْ لِمَا عُرِفَ، وَرَوَى ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَوْ قَالَ إنْ كَانَ فُلَانٌ مُؤْمِنًا فَأَنْت طَالِقٌ لَا تَطْلُقُ لِأَنَّ هَذَا لَا يَعْلَمُهُ إلَّا هُوَ، وَلَا يُصَدَّقُ هُوَ عَلَى غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ هُوَ بَيْنَ مُسْلِمِينَ يُصَلِّي، وَيَحُجُّ، وَلَوْ قَالَ لِآخَرَ لِي إلَيْك حَاجَةٌ فَاقْضِهَا لِي فَقَالَ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ إنْ لَمْ أَقْضِ حَاجَتُك فَقَالَ حَاجَتِي أَنْ تُطَلِّقَ زَوْجَتَك فَلَهُ أَنْ لَا يُصَدِّقَهُ فِيهِ، وَلَا تَطْلُقُ زَوْجَتُهُ لِأَنَّهُ مُحْتَمِلٌ لِلصِّدْقِ وَالْكَذِبِ فَلَا يَصْدُقُ عَلَى غَيْرِهِ اهـ. وَأَطْلَقَ فِي الْمَرْأَةِ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَتْ مُرَاهِقَةً لَمْ تَحِضْ بَعْدُ لِمَا فِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ الْمُرَاهِقَةِ إنْ حِضْت فَأَنْت طَالِقٌ فَقَالَتْ حِضْت أَوْ قَالَ لِغُلَامِهِ الْمُرَاهِقِ إنْ احْتَلَمْت فَأَنْت حُرٌّ فَقَالَ احْتَلَمْت تُصَدَّقُ الْمَرْأَةُ، وَلَا يُصَدَّقُ الْغُلَامُ فِي رِوَايَةِ هِشَامٍ لِأَنَّ الْغُلَامَ يُنْظَرُ إلَيْهِ كَيْفَ يَخْرُجُ مِنْهُ الْمَنِيُّ، وَلَا يُسْتَطَاعُ ذَلِكَ فِي الْحَيْضِ لِأَنَّهَا تُدْخِلُ الدَّمَ فِي الْفَرْجِ فَلَا يُعْلَمُ مِنْهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهَا، وَفِي رِوَايَةٍ يُصَدَّقُ الْغُلَامُ أَيْضًا، وَهِيَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ الِاحْتِلَامَ لَا يَعْرِفُهُ غَيْرُهُ كَالْحَيْضِ، وَلِذَلِكَ إذَا قَالَ احْتَلَمْت فِي حَالِ إشْكَالِ أَمْرِهِ يُصَدَّقُ فِيمَا لَهُ، وَفِيمَا عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ بِخَبَرٍ يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ فَيُصَدَّقُ كَالْجَارِيَةِ. اهـ. وَلَمْ أَرَ صَرِيحًا أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا قُبِلَ قَوْلُهَا فِي حَقِّهَا فِي الْحَيْضِ وَالْمَحَبَّةِ فَهَلْ يَكُونُ بِيَمِينِهَا أَوْ بِلَا يَمِينٍ، وَوَقَعَ فِي الْوِقَايَةِ أَنَّهُ قَالَ صُدِّقَتْ فِي حَقِّهَا خَاصَّةً، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَمِينَ عَلَيْهَا، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُمْ إنَّ الطَّلَاقَ مُعَلَّقٌ بِإِخْبَارِهَا، وَقَدْ وُجِدَ. وَلَا فَائِدَةَ فِي التَّحْلِيفِ لِأَنَّهُ وَقَعَ بِقَوْلِهَا، وَالتَّحْلِيفُ لِرَجَاءِ النُّكُولِ، وَهِيَ لَوْ أَخْبَرَتْ ثُمَّ قَالَتْ كُنْت كَاذِبَةً لَا يَرْتَفِعُ الطَّلَاقُ لِتَنَاقُضِهَا كَمَا سَيَأْتِي نَقْلُهُ عَنْ الْكَافِي قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (قَوْلُهُ وَبِرُؤْيَةِ الدَّمِ لَا يَقَعُ فَإِنْ اسْتَمَرَّ ثَلَاثًا وَقَعَ مِنْ حِينِ رَأَتْ) يَعْنِي لَا يَقَعُ بِرُؤْيَتِهِ فِيمَا إذَا عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِحَيْضِهَا سَوَاءٌ كَانَ بَانَ أَوْ بَقِيَ أَوْ مَعَ نَحْوِ أَنْتِ طَالِقٌ فِي حَيْضِك أَوْ مَعَ حَيْضِك أَوْ إنْ حِضْت لِأَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ كَوْنُهُ حَيْضًا حِينَئِذٍ فَإِذَا اسْتَمَرَّ حِينَئِذٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا وَقَعَ الطَّلَاقُ مِنْ حِينِ رَأَتْ الدَّمَ لِأَنَّهُ بِالِامْتِدَادِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ حَيْضٌ مِنْ الِابْتِدَاءِ فَيَجِبُ عَلَى الْمُفْتِي أَنْ يُعَيِّنَهُ فَيَقُولُ طَلَقَتْ مِنْ حِينِ رَأَتْ الدَّمَ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ الِاسْتِنَادِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ التَّبْيِينِ، وَلِذَا قَالَ مِنْ حِينِ رَأَتْ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ إنَّهُ تَبَيَّنَ بِالِانْتِهَاءِ أَنَّهُ حَيْضٌ مِنْ الِابْتِدَاءِ. وَأَظْهَرُ مِنْهُ مَا فِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ لَهَا عَبْدُهُ حُرٌّ إنْ حِضْت فَقَالَتْ رَأَيْت الدَّمَ، وَصَدَّقَهَا الزَّوْجُ لَا يَحْكُمُ بِعِتْقِهِ حَتَّى يَسْتَمِرَّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَيَحْكُمَ بِعِتْقِهِ مِنْ حِينِ رَأَتْ لِأَنَّ الدَّمَ لَا يَكُونُ حَيْضًا حَتَّى يَسْتَمِرَّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَالظَّاهِرُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ الِاسْتِمْرَارُ، وَلَكِنَّ الظَّاهِرَ يَكْفِي لِلدَّفْعِ فَيَدْفَعُ بِهِ الْعَبْدُ اسْتِخْدَامَ الْمَوْلَى عَنْ نَفْسِهِ، وَلَا يَكْفِي لِلِاسْتِحْقَاقِ فَإِذَا اسْتَمَرَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ حَيْضًا فَيَعْتِقُ مِنْ حِينِ رَأَتْ الدَّمَ حَتَّى لَوْ جَنَى أَوْ جُنِيَ عَلَيْهِ كَانَ أَرْشُهُ أَرْشَ الْأَحْرَارِ لِأَنَّهُ يَظْهَرُ عِتْقُهُ، وَلَا يَسْتَنِدُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ إنْ كَانَ فُلَانٌ فِي الدَّارِ فَأَنْت حُرٌّ فَظَهَرَ ذَلِكَ فِي آخِرِ النَّهَارِ يَظْهَرُ عِتْقُهُ بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَنْتَ حُرٌّ قَبْلَ مَوْتَى بِشَهْرٍ فَمَاتَ بَعْدَهُ بِشَهْرٍ، وَقَدْ جَنَى الْعَبْدُ كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْعَبِيدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ ثَمَّةَ الْعِتْقُ يَثْبُتُ مُسْتَنِدًا، وَالِاسْتِنَادُ لَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْفَائِتِ، وَالْمُتَلَاشِي فَإِنْ قَالَ الزَّوْجُ انْقَطَعَ الدَّمُ فِي الثَّلَاثَةِ، وَأَنْكَرَتْ الْمَرْأَةُ وَالْعَبْدُ فَالْقَوْلُ لَهُمَا لِأَنَّ الزَّوْجَ أَقَرَّ بِوُجُودِ شَرْطِ الْعِتْقِ ظَاهِرًا لِأَنَّ رُؤْيَةَ الدَّمِ فِي وَقْتِهِ يَكُونُ حَيْضًا، وَلِهَذَا تُؤْمَرُ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ ثُمَّ ادَّعَى عَارِضًا يَخْرُجُ الْمَرْئِيُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا فَلَا يُصَدَّقُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ تَكُنْ أُمُّك تَهْوَى ذَلِكَ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ فَقَدْ عُلِمَ مِنْ هَذِهِ الْفُرُوعِ أَنَّهُ إنْ عَلَّقَ بِفِعْلِ الْغَيْرِ لَا يُصَدَّقُ ذَلِكَ الْغَيْرُ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْهُ أَمْ لَا، وَلَا بُدَّ مِنْ تَصْدِيقِ الزَّوْجِ فَهُمَا أَوْ الْبَيِّنَةُ فِيمَا يَثْبُتُ بِهَا مِنْ الْأَمْرِ الَّذِي يُعْلَمُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَمِينَ عَلَيْهَا) أَقَرَّهُ عَلَيْهِ فِي النَّهْرِ، وَهَذَا فِي الْقَضَاءِ ظَاهِرٌ، وَأَمَّا فِي الدِّيَانَةِ فَيَنْبَغِي التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الْحَيْضِ وَالْمَحَبَّةِ لِأَنَّ تَعَلُّقَ الطَّلَاقِ بِإِخْبَارِهَا إنَّمَا هُوَ فِي الْمَحَبَّةِ أَمَّا فِي الْحَيْضِ فَلَا، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهَا إنْ كَانَتْ كَاذِبَةً فِي الْإِخْبَارِ تَطْلُقُ فِي التَّعْلِيقِ بِالْمَحَبَّةِ، وَفِي التَّعْلِيقُ بِالْحَيْضِ لَا تَطْلُقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى إلَى آخِرِ مَا مَرَّ فَتَدَبَّرْ، وَفِي حَوَاشِي مِسْكِينٍ نَقَلَ الْحَمَوِيُّ عَنْ رَمْزِ الْمَقْدِسِيَّ أَنَّ عَلَيْهَا الْيَمِينَ بِالْإِجْمَاعِ إذَا لَيْسَ هَذَا مِنْ الْمَوَاضِعِ الْمُسْتَثْنَاةِ مِنْ قَوْلِهِمْ كُلٌّ مِنْ قَبْلِ قَوْلِهِ فَعَلَيْهِ الْيَمِينُ. اهـ. قُلْت، وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ كَيْفَ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَهَا أَمِينَةً فِيمَا تُخْبِرُ بِهِ عَنْ الْحَيْضِ، وَالطُّهْرِ، وَإِنَّ الْمَنْظُورَ إلَيْهِ شَرْعًا فِي حَقِّهَا الْإِخْبَارُ بِهِ، وَكَذَا مَا يَأْتِي مِنْ أَنَّهَا لَوْ أَخْبَرَتْ ثُمَّ رَجَعَتْ لَا يَرْتَفِعُ الطَّلَاقُ فَإِنَّ هَذَا كَالصَّرِيحِ فِيمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ نَعَمْ يُقَيَّدُ فِي الْحَيْضِ بِالْقَضَاءِ لَا الدِّيَانَةِ لِمَا عَلِمْت تَأَمَّلْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 30 فَإِنْ صَدَّقَتْهُ الْمَرْأَةُ، وَكَذَّبَهُ الْعَبْدُ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ فَالْقَوْلُ لَهُمَا، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهَا فَالْقَوْلُ لِلْعَبْدِ. اهـ. وَفِي الْكَافِي فِي مَسْأَلَةِ إنْ حِضْت فَعَبْدِي حُرٌّ، وَضَرَّتُك طَالِقٌ إذَا رَأَتْ الدَّمَ فَقَالَتْ حِضْت وَصَدَّقَهَا أَنَّهُ قَبْلَ الِاسْتِمْرَارِ يُمْنَعُ الزَّوْجُ عَنْ وَطْءِ الْمَرْأَةِ وَاسْتِخْدَامِ الْعَبْدِ فِي الثَّلَاثَةِ لِاحْتِمَالِ الِاسْتِمْرَارِ فَلَوْ صَدَّقَهَا الزَّوْجُ ثُمَّ قَالَتْ كَانَ الطُّهْرُ قَبْلَ الدَّمِ عَشَرَةَ أَيَّامٍ لَمْ تُصَدَّقْ لِأَنَّهُ بَعْدَ إقْرَارِهَا بِالْحَيْضِ رُجُوعٌ بِخِلَافِهِ بَعْدَ إقْرَارِهَا بِرُؤْيَةِ الدَّمِ، وَلَوْ ادَّعَى الزَّوْجُ أَنَّ الدَّمَ كَانَ قَبْلَهُ الطُّهْرُ عَشَرَةَ أَيَّامٍ، وَقَالَتْ بَلْ عِشْرِينَ فَالْقَوْلُ لَهَا، وَلَوْ قَالَ: وَهِيَ حَائِضٌ إنْ طَهُرْت فَعَبْدِي حُرٌّ فَقَالَتْ طَهُرْت بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَكَذَّبَهَا الزَّوْجُ لَا يَعْتِقُ، وَإِنْ صَدَّقَهَا أَوْ مَضَتْ الْعَشَرَةُ عَتَقَ، وَإِنْ قَالَتْ بَعْدَ الْعَشَرَةِ عَاوَدَنِي الدَّمُ فِي الْعَشَرَةِ، وَصَدَّقَهَا الزَّوْجُ وَكَذَّبَهَا الْعَبْدُ عَتَقَ، وَكَذَا لَوْ قَالَتْ ذَلِكَ بَعْدَمَا أَقَرَّتْ بِالِانْقِطَاعِ، وَإِنْ كَانَ حَيْضُهَا خَمْسَةً فَقَالَ لَهَا إنْ حِضْت هَذِهِ الْمَرَّةَ سِتَّةً فَعَبْدِي حُرٌّ فَقَالَتْ رَأَيْت الدَّمَ فِي الْيَوْمِ السَّادِسِ إلَى آخِرِ الْيَوْمِ، وَكَذَّبَهَا الزَّوْجُ فَالْقَوْلُ لَهُ لِإِنْكَارِهِ شَرْطَ الْعِتْقِ بِخِلَافِ مَا إذَا عَلَّقَ عِتْقَهُ بِأَصْلِ الْحَيْضِ فَادَّعَى الزَّوْجُ الِانْقِطَاعَ فِي الثَّلَاثِ، وَادَّعَتْ الِامْتِدَادَ فَالْقَوْلُ لَهَا. وَإِنْ صَدَقَهَا الزَّوْجُ بِالدَّمِ فِي الْيَوْمِ السَّادِسِ تَوَقَّفَ الْعِتْقُ فَإِنْ جَاوَزَ الْعَشَرَةَ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ حَيْضًا، وَلَمْ يَعْتِقْ، وَإِنْ لَمْ يُجَاوِزْ عَتَقَ فَإِنْ مَضَتْ فَادَّعَتْ الِانْقِطَاعَ فِيهَا، وَادَّعَى الْمُجَاوَزَةَ فَالْقَوْلُ لَهُ، وَلَا عِتْقَ، وَلَوْ أَخْبَرَتْ فِي الْعَشَرَةِ بِالِانْقِطَاعِ ثُمَّ قَالَتْ عَاوَدَنِي الدَّمُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا، وَإِنْ صَدَّقَهَا الزَّوْجُ، وَلَوْ كَانَتْ عَادَتُهَا خَمْسَةً فَطَلَّقَهَا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ فَحَاضَتْ حَيْضَتَيْنِ ثُمَّ مَاتَ الزَّوْجُ فِي الثَّالِثَةِ بَعْدَ خَمْسَةٍ فَقَالَتْ الْوَرَثَةُ طَهُرْت عَلَى رَأْسِ الْخَمْسَةِ، وَلَا مِيرَاثَ لَك، وَقَالَتْ لَمْ يَنْقَطِعْ، وَأَرَى الدَّمَ فِي الْحَالِ فَالْقَوْلُ لَهَا لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي كُلِّ ثَابِتٍ دَوَامُهُ فَهِيَ تَتَمَسَّكُ بِهَذَا الظَّاهِرِ لِدَفْعِ الْحِرْمَانِ، وَهُوَ حُجَّةٌ لِلدَّفْعِ، وَتَمَامُهُ فِي الْكَافِي، وَمِنْ أَحْكَامِ الْوُقُوعِ مِنْ الِابْتِدَاءِ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولَةٍ، وَتَزَوَّجَتْ حِينَ رَأَتْ الدَّمَ فَإِنَّ النِّكَاحَ صَحِيحٌ، وَمِنْ أَحْكَامِهِ أَنَّهَا لَا تَحْسِبُ هَذِهِ الْحَيْضَةَ مِنْ الْعِدَّةِ لِأَنَّهَا بَعْضُ حَيْضَةٍ لِأَنَّهُ حِينَ كَانَ الشَّرْطُ رُؤْيَةَ الدَّمِ لَزِمَ أَنْ يَقَعَ الطَّلَاقُ بَعْدَ حَيْضِهَا، وَفِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ قَالَ لِامْرَأَتِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ إذَا حِضْت فَأَنْت طَالِقٌ فَقَالَتْ حِضْت وَتَزَوَّجَتْ مِنْ سَاعَتِهَا ثُمَّ مَاتَتْ قَالَ مُحَمَّدٌ مِيرَاثُهَا لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي، وَقَالَ لَا يَدْرِي أَكَانَ ذَلِكَ حَيْضًا أَوْ لَا اهـ. وَمِنْ أَحْكَامِهِ أَيْضًا أَنَّ الطَّلَاقَ بِدْعِيٌّ، وَمِنْهَا أَنَّهُ لَوْ خَالَعَهَا فِي الثَّلَاثِ بَطَلَ الْخُلْعُ لِكَوْنِهَا مُطَلَّقَةً ذَكَرَهُمَا فِي الْجَوْهَرَةِ، وَفِي الثَّانِي نَظَرٌ لِأَنَّ الْخُلْعَ يَلْحَقُ الطَّلَاقَ الصَّرِيحَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي آخِرِ بَابِ الْكِنَايَاتِ، وَذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ فِي الْمُسْتَصْفَى مِنْ بَابِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ الْأَحْكَامَ تَثْبُتُ بِطُرُقٍ أَرْبَعَةٍ الِاقْتِصَارُ كَمَا إذَا أَنْشَأَ الطَّلَاقَ أَوْ الْعَتَاقَ، وَلَهُ نَظَائِرُ جَمَّةٌ وَالِانْقِلَابُ، وَهُوَ انْقِلَابُ مَا لَيْسَ بِعِلَّةٍ عِلَّةً كَمَا إذَا عَلَّقَ الطَّلَاقَ أَوْ الْعَتَاقَ بِالشَّرْطِ فَعِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ يَنْقَلِبُ مَا لَيْسَ بِعِلَّةٍ عِلَّةً، وَالِاسْتِنَادُ، وَهُوَ أَنْ يَثْبُتَ فِي الْحَالِ ثُمَّ يَسْتَنِدَ، وَهُوَ دَائِرٌ بَيْنَ التَّبْيِينِ وَالِاقْتِصَارِ، وَذَلِكَ كَالْمَضْمُونَاتِ تُمْلَكُ عِنْدَ أَدَاءِ الضَّمَانِ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ وُجُودِ السَّبَبِ، وَكَالنِّصَابِ فَإِنَّهُ يَجِبُ الزَّكَاةُ عِنْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ وُجُودِهِ، وَكَالطَّهَارَةِ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ وَالتَّيَمُّمِ يُنْقَضُ عِنْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ وَرُؤْيَةِ الْمَاءِ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْحَدَثِ، وَلِذَا قُلْنَا لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ لَهُمَا وَالتَّبْيِينُ، وَهُوَ أَنْ يَظْهَرَ فِي الْحَالِ أَنَّ الْحُكْمَ كَانَ ثَابِتًا مِنْ قَبْلُ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ فِي الْيَوْمِ إنْ كَانَ زَيْدٌ فِي الدَّارِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَتَبَيَّنَ فِي الْغَدِ وُجُودُهُ فِيهَا فَيَقَعُ الطَّلَاقُ فِي الْيَوْمِ، وَيُعْتَبَرُ ابْتِدَاءُ الْعِدَّةِ مِنْهُ، وَكَمَا إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ إذَا حِضْت فَأَنْت طَالِقٌ فَرَأَتْ الدَّمَ لَا يَقْضِي بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ مَا لَمْ يَمْتَدَّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِذَا امْتَدَّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ حَكَمْنَا بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ مِنْ حِينِ حَاضَتْ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّبْيِينِ وَالِاسْتِنَادِ أَنَّ التَّبْيِينَ يُمْكِنُ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ الْعِبَادُ، وَفِي الِاسْتِنَادِ لَا يُمْكِنُ، وَفِي الْحَيْضِ يُمْكِنُ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ بِأَنْ يَشُقَّ بَطْنَهَا فَيَعْلَمَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ ثُمَّ قَالَتْ كَانَ الطُّهْرُ قَبْلَ الدَّمِ عَشَرَةَ أَيَّامٍ) أَيْ فَلَا يَكُونُ هَذَا الدَّمُ حَيْضًا لِأَنَّ أَقَلَّ الطُّهْرِ الْفَاصِلِ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَقَوْلُهُ بِخِلَافِهِ بَعْدَ إقْرَارِهَا بِرُؤْيَةِ الدَّمِ أَيْ إذَا قَالَتْ رَأَيْت الدَّمَ، وَلَمْ تَقُلْ حِضْت ثُمَّ قَالَتْ كَانَ الطُّهْرُ عَشَرَةَ أَيَّامٍ فَإِنَّهَا تُصَدَّقُ لِأَنَّ قَوْلَهَا رَأَيْت الدَّمَ لَيْسَ إقْرَارًا بِالْحَيْضِ فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ رُجُوعًا عَنْ إقْرَارِهَا (قَوْلُهُ وَفِي الثَّانِي نَظَرٌ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ تَكُنْ مَدْخُولًا بِهَا، وَعَلَيْهِ فَلَا إشْكَالَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 31 أَنَّهُ مِنْ الرَّحِمِ، وَكَذَا يُشْتَرَطُ الْمَحَلِّيَّةُ فِي الِاسْتِنَادِ دُونَ التَّبْيِينِ، وَكَذَا الِاسْتِنَادُ يَظْهَرُ أَثَرُهُ فِي الْقَائِمِ دُونَ الْمُتَلَاشِي، وَأَثَرُ التَّبْيِينِ يَظْهَرُ فِيهِمَا فَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ قَبْلَ مَوْتِ فُلَانٍ بِشَهْرٍ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى يَمُوتَ فُلَانٌ بَعْدَ الْيَمِينِ بِشَهْرٍ فَإِنْ مَاتَ لِتَمَامِ الشَّهْرِ طَلَقَتْ مُسْتَنِدًا إلَى أَوَّلِ الشَّهْرِ فَتُعْتَبَرُ الْعِدَّةُ مِنْ أَوَّلِهِ، وَلَوْ وَطِئَهَا فِي الشَّهْرِ صَارَ مُرَاجِعًا لَوْ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا، وَغَرِمَ الْعُقْرَ لَوْ كَانَ بَائِنًا، وَيَرُدُّ الزَّوْجُ بَدَلَ الْخُلْعِ إلَيْهَا لَوْ خَالَعَهَا فِي خِلَالِهِ ثُمَّ مَاتَ فُلَانٌ، وَلَوْ مَاتَ فُلَانٌ بَعْدَ الْعِدَّةِ بِأَنْ كَانَتْ بِالْوَضْعِ أَوْ لَمْ تَجِبْ الْعِدَّةُ لِكَوْنِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ لِعَدَمِ الْمَحَلِّ، وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ فِيهَا بِطَرِيقِ الِاسْتِنَادِ لَا بِطَرِيقِ التَّبْيِينِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ قَبْلَ قُدُومِ فُلَانٍ بِشَهْرٍ يَقَعُ مُقْتَصِرًا عَلَى الْقُدُومِ لَا مُسْتَنِدًا. اهـ. . (قَوْلُهُ وَفِي إنْ حِضْت حَيْضَةً يَقَعُ حِينَ تَطْهُرُ) يَعْنِي إمَّا بِمُضِيِّ الْعَشَرَةِ مُطْلَقًا أَوْ بِانْقِطَاعِ الدَّمِ مَعَ أَخْذِ شَيْءٍ مِنْ أَحْكَامِ الطَّاهِرَاتِ إذَا انْقَطَعَ لِأَقَلَّ مِنْهَا لِأَنَّ الْحَيْضَةَ اسْمٌ لِلْكَامِلَةِ، وَكَذَا إذَا قَالَ نِصْفُ حَيْضَةٍ أَوْ ثُلُثُهَا أَوْ سُدُسُهَا أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ حَيْضَتِك أَوْ فِي حَيْضَتِك بِالتَّاءِ كَقَوْلِهِ إنْ صُمْت يَوْمًا أَوْ صَلَّيْت صَلَاةً لَا يَحْنَثُ إلَّا بِصَوْمِ يَوْمٍ كَامِلٍ، وَبِشَفْعٍ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى جِنْسِ الْحَيْضِ فَهُوَ كَقَوْلِهِ إنْ صُمْت أَوْ صَلَّيْت. وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ حِينَ تَطْهُرُ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِبِدْعِيٍّ، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ حِينَ رَأَتْ الدَّمَ إلَى أَنَّهُ بِدْعِيٌّ، وَإِلَى أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ حَائِضًا لَا تَطْلُقُ مَا لَمْ تَطْهُرْ ثُمَّ تَحِيضُ كَقَوْلِهِ لِطَاهِرَةٍ إذَا طَهُرْت فَأَنْت طَالِقٌ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ لِمَا قَدَّمْنَا أَنَّ الْيَمِينَ تَقْتَضِي شَرْطًا مُسْتَقْبَلًا، وَفِي الصِّحَاحِ الْحَيْضَةُ بِالْفَتْحِ الْمَرَّةُ الْوَاحِدَةُ، وَالْحِيضَةُ بِالْكَسْرِ الِاسْمُ، وَالْجَمْعُ الْحِيَضُ. اهـ. وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ قَالَ لَهَا، وَهِيَ حَائِضٌ إذَا حِضْت فَأَنْت طَالِقٌ فَهُوَ عَلَى حَيْضٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَلَوْ قَالَ لَهَا إنْ حِضْت غَدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهَا حَائِضٌ فَهُوَ عَلَى دَوَامِ ذَلِكَ الْحَيْضِ إلَى الْغَدِ إنْ دَامَ إلَى أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ مِنْ الْغَدِ طَلَقَتْ لِأَنَّ الْحَيْضَةَ الثَّانِيَةَ لَا يُتَصَوَّرُ حُدُوثُهَا مِنْ الْغَدِ فَيُحْمَلُ عَلَى الدَّوَامِ إذَا عَلِمَ. اهـ. وَفِي الْكَافِي لَوْ قَالَتْ بَعْدَ عَشَرَةِ أَيَّامٍ حِضْت وَطَهُرْت، وَكَذَّبَهَا الزَّوْجُ تَطْلُقُ لِأَنَّهَا أَخْبَرَتْ عَنْ الْأَمَانَةِ فِي أَوَانِهَا. وَلَوْ قَالَتْ بَعْدَ مُضِيِّ شَهْرٍ إنِّي حِضْت، وَطَهُرْت ثُمَّ حِضْت حَيْضَةً أُخْرَى، وَأَنَا الْآنَ حَائِضٌ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا، وَلَكِنْ إذَا طَهُرَتْ يَقَعُ لِأَنَّهَا أَخَّرَتْ الْإِخْبَارَ عَنْ أَوَانِهِ فَصَارَتْ مُتَّهَمَةً، وَلَوْ قَالَ إذَا حِضْت فَأَنْت طَالِقٌ فَقَالَتْ بَعْدَ خَمْسَةِ أَيَّامٍ حِضْت، وَأَنَا حَائِضٌ السَّاعَةَ فَالْقَوْلُ لَهَا لِأَنَّ الْإِخْبَارَ فِي أَوَانِهِ، وَلَوْ قَالَتْ حِضْت وَطَهُرْت لَا تُصَدَّقُ حَتَّى تَحِيضَ لِأَنَّهَا أَخْبَرَتْ، وَالْحَالُ مُنَافِيَةٌ لِمَا أَخْبَرَتْ. اهـ. وَفِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ لِلصَّدْرِ مَنْ مَلَكَ الْإِنْشَاءَ مَلَكَ الْإِخْبَارَ كَالْوَصِيِّ وَالْمَوْلَى وَالْمُرَاجِعِ وَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ، وَمَنْ لَهُ الْخِيَارُ قَالَ إذَا حِضْت حَيْضَةً فَأَنْت طَالِقٌ فَقَالَتْ بَعْدَ مُدَّةٍ مُحْتَمَلَةٍ حِضْت وَطَهُرْت وَقَعَ، وَلَوْ قَالَتْ حِضْت وَطَهُرْت، وَأَنَا حَائِضٌ لَا حَتَّى تَطْهُرَ، وَلَوْ قَالَ إذَا حِضْت فَقَالَتْ حِضْت مُنْذُ خَمْسَةِ أَيَّامٍ وَقَعَ، وَلَا تُتَّهَمُ فِي التَّأْخِيرِ لِلْعُذْرِ، وَلَوْ قَالَتْ وَطَهُرْت لَا. اهـ. وَذَكَرَ فِي بَابِ الْحِنْثِ يَقَعُ بِالْحَيْضِ وَالْفِعْلِ قَالَ أَنْت طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ تَحِيضِي حَيْضَةً بِشَهْرٍ فَحَاضَتْ بَعْدَهُ طَلَقَتْ، وَلَا يُنْتَظَرُ الطُّهْرُ لِلْبَيْنُونَةِ، وَاخْتَلَفُوا، وَالْأَصَحُّ فِيهِ أَنَّهُ يُقْتَصَرُ، وَلَوْ قَالَ قَبْلَ قُدُومِ فُلَانٍ أَوْ مَوْتِ فُلَانٍ بِشَهْرٍ، وَتَقَدَّمَ الْقُدُومُ يَقَعُ، وَالْمَوْتُ لَا، بِخِلَافِ مَا إذَا قَدِمَ، وَمَاتَ لِلتَّعْلِيقِ اهـ. وَفِي الْجَوْهَرَةِ إذَا حِضْت نِصْفَ حَيْضَةٍ فَأَنْت طَالِقٌ، وَإِذَا حِضْت نِصْفَهَا الْآخَرَ فَأَنْت طَالِقٌ لَا يَقَعُ شَيْءٌ مَا لَمْ تَحِضْ، وَتَطْهُرْ فَإِذَا حَاضَتْ، وَطَهُرَتْ وَقَعَ تَطْلِيقَتَانِ، وَلَوْ قَالَ لَهَا، وَهِيَ حَائِضٌ إذَا حِضْت فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ قَالَ وَهِيَ مَرِيضَةٌ إذَا مَرِضْت فَهَذَا عَلَى حَيْضٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَمَرَضٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَإِنْ نَوَى مَا يَحْدُثُ مِنْ هَذَا الْحَيْضِ أَوْ مَا يَزِيدُ مِنْ هَذَا الْمَرَضِ فَهُوَ كَمَا نَوَى، وَكَذَا إذَا قَالَ لِصَاحِبَةِ الرُّعَافُ إنْ رَعَفْت، وَكَذَا إذَا قَالَ لِلْحُبْلَى إذَا حَبِلْت فَهُوَ عَلَى حَبَلٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَلَوْ نَوَى الْحَبَلَ الَّذِي هِيَ فِيهِ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَجْزَاءٌ مُتَعَدِّدَةٌ، وَإِنَّمَا هُوَ مَعْنًى وَاحِدٌ بِخِلَافِ الْحَيْضِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَلَكِنْ إذَا طَهُرَتْ يَقَعُ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْإِخْبَارِ ثَانِيًا حَالَةَ الطُّهْرِ لَكِنْ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الذَّخِيرَةِ عَنْ الْجَامِعِ، وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ إلَّا إذَا أَخْبَرَتْ عِنْدَ الطُّهْرِ بَعْدَ انْقِضَاءِ هَذِهِ الْحَيْضَةِ فَحِينَئِذٍ يَقَعُ الطَّلَاقُ لِإِخْبَارِهَا عَمَّا هُوَ شَرْطُ وُقُوعِ الطَّلَاقِ حَالَ قِيَامِهَا (قَوْلُهُ لَا تُصَدَّقُ حَتَّى تَحِيضَ) أَيْ، وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الطُّهْرِ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا إذَا قَالَ لَهَا إذَا حِضْت بِخِلَافِ مَا مَرَّ فَإِنَّهَا إذَا أَخْبَرَتْ بِحَيْضَتِهَا الثَّانِيَةِ لَا يُقْبَلُ حَتَّى تَطْهُرَ لِأَنَّهَا مُصَوَّرَةٌ فِيمَا إذَا قَالَ إذَا حِضْت حَيْضَةً، وَهِيَ اسْمٌ لِلْكَامِلَةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَدِمَ أَوْ مَاتَ) الظَّاهِرُ أَنَّ مَا زَائِدَةٌ أَوْ فِيهِ سَقْطٌ، وَالْأَصْلُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ إذَا قِدَمَ أَوْ مَاتَ فَلْيُرَاجَعْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 32 وَأَخَوَاتِهِ لِأَنَّ لَهُ أَجْزَاءً. اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ إذَا حِضْت حَيْضَةً فَأَنْت طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ إنْ حِضْت حَيْضَتَيْنِ فَأَنْت طَالِقٌ فَحَاضَتْ حَيْضَةً يَقَعُ وَاحِدَةٌ بِالْيَمِينِ الْأَوَّلِ فَإِذَا حَاضَتْ أُخْرَى يَقَعُ أُخْرَى بِالْيَمِينِ الثَّانِيَةِ لِأَنَّ الْحَيْضَةَ الْأُولَى كُلُّ الشَّرْطِ لِلْيَمِينِ الْأُولَى، وَشَطْرُ الشَّرْطِ لِلْيَمِينِ الثَّانِيَةِ فَإِذَا حَاضَتْ أُخْرَى فَقَدْ تَمَّ الشَّرْطُ لِلْيَمِينِ الثَّانِيَةِ فَإِنْ قَالَ ثُمَّ إذَا حَاضَتْ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا لَا يَقَعُ شَيْءٌ حَتَّى يُوجَدَ حَيْضَتَانِ بَعْدَ الْأُولَى لِأَنَّ كَلِمَةَ ثُمَّ لِلتَّعْقِيبِ مَعَ التَّرَاخِي فَيَقْتَضِي وُجُودَ الْحَيْضَتَيْنِ بَعْدَ الْأُولَى. اهـ. . (قَوْلُهُ وَفِي إنْ وَلَدْت ذَكَرًا فَأَنْت طَالِقٌ وَاحِدَةً، وَإِنْ وَلَدْت أُنْثَى فَثِنْتَيْنِ فَوَلَدَتْهُمَا، وَلَمْ يَدْرِ الْأَوَّلَ تَطْلُقُ وَاحِدَةً قَضَاءً وَثِنْتَيْنِ تَنَزُّهًا، وَمَضَتْ الْعِدَّةُ) لِأَنَّهَا لَوْ وَلَدَتْ الْغُلَامَ وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ، وَتَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِوَضْعِ الْجَارِيَةِ ثُمَّ لَا يَقَعُ أُخْرَى بِهِ لِأَنَّهُ حَالَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَلَوْ وَلَدَتْ الْجَارِيَةُ أَوَّلًا وَقَعَتْ تَطْلِيقَتَانِ، وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِوَضْعِ الْغُلَامِ ثُمَّ لَا يَقَعُ شَيْءٌ آخَرُ بِهِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ حَالَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَإِذَا فِي حَالٍ تَقَعُ وَاحِدَةً، وَفِي حَالٍ تَقَعُ ثِنْتَانِ فَلَا تَقَعُ الثَّانِيَةُ بِالشَّكِّ، وَالْأُولَى أَنْ يُؤْخَذَ بِالثِّنْتَيْنِ تَنَزُّهًا وَاحْتِيَاطًا، وَالْعِدَّةُ مُنْقَضِيَةٌ بِيَقِينٍ لِمَا بَيَّنَّا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ لَمْ يَدْرِ الْأَوَّلَ لِأَنَّهُ لَوْ عَلِمَ فَقَدْ بَيَّنَّاهُ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فَالْقَوْلُ لِلزَّوْجِ لِإِنْكَارِهِ. وَأَشَارَ بِمُضِيِّ الْعِدَّةِ إلَى أَنَّهُ لَا رَجْعَةَ، وَلَا إرْثَ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ إنْ وَلَدْت لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ إنْ كَانَ حَمْلُك غُلَامًا فَطَالِقٌ وَاحِدَةً أَوْ جَارِيَةً فَثِنْتَيْنِ فَوَلَدَتْهُمَا لَمْ تَطْلُقْ لِأَنَّ حَمْلُك اسْمُ جِنْسٍ مُضَافٌ فَيَعُمُّ كُلُّهُ فَمَا لَمْ يَكُنْ الْكُلُّ غُلَامًا أَوْ جَارِيَةً لَمْ يَقَعْ كَمَا فِي قَوْلِهِ إنْ كَانَ مَا فِي بَطْنِك غُلَامًا، وَالْبَاقِي بِحَالِهِ، وَقَوْلُهُ إنْ كَانَ مَا فِي هَذَا الْعِدْلِ حِنْطَةٌ فَهِيَ طَالِقٌ أَوْ دَقِيقًا فَطَالِقٌ فَإِذَا فِيهِ حِنْطَةٌ وَدَقِيقٌ لَا تَطْلُقُ بِخِلَافِ قَوْلِهِ إنْ كَانَ فِي بَطْنِك غُلَامٌ، وَالْبَاقِي بِحَالِهِ حَيْثُ تَقَعُ الثَّلَاثُ، وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ فَوَلَدَتْهُمَا أَيْ الْغُلَامَ وَالْجَارِيَةَ لِأَنَّهَا لَوْ وَلَدَتْ غُلَامًا وَجَارِيَتَيْنِ، وَلَمْ يَدْرِ الْأَوَّلَ وَقَعَ الثَّلَاثُ تَنَزُّهًا وَثِنْتَيْنِ قَضَاءً، وَلَوْ وَلَدَتْ غُلَامَيْنِ وَجَارِيَةً وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ قَضَاءً، وَثَلَاثٌ تَنَزُّهًا، وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْوِلَادَةَ لَا تَثْبُتُ بِقَوْلِهَا اتِّفَاقًا بَلْ لَا بُدَّ مِنْ نِصَابِ الشَّهَادَةِ عِنْدَهُ، وَامْرَأَةٌ عِنْدَهُمَا. وَلَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِوِلَادَتِهَا وَلَدًا فَوَلَدَتْ مَيِّتًا طَلَقَتْ، وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ فِي الْأَيْمَانِ، وَفِي الْمُحِيطِ قَالَ كُلَّمَا وَلَدْت وَلَدًا فَأَنْت طَالِقٌ فَوَلَدَتْ وَلَدَيْنِ فِي بَطْنٍ فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا أَقَلُّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ طَلَقَتْ بِالْأَوَّلِ، وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِالثَّانِي، وَلَا يَقَعُ طَلَاقٌ آخَرُ، وَلَوْ وَلَدَتْ ثَلَاثَةَ أَوْلَادٍ وَقَعَ ثِنْتَانِ، وَلَوْ وَلَدَتْ ثَلَاثًا بَيْنَ كُلِّ وَلَدَيْنِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَقَعَ ثَلَاثٌ، وَتَعْتَدُّ بِثَلَاثِ حِيَضٍ، وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ الْحَامِلِ كُلَّمَا وَلَدْت فَأَنْت طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ فَوَلَدَتْ ثَلَاثَةً فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ لَمْ يَقَعْ عِنْدَهُمَا حَتَّى تَطْهُرَ مِنْ نِفَاسِهَا فَيَقَعَ فِي كُلِّ طُهْرٍ تَطْلِيقَةٌ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ طَلَقَتْ وَاحِدَةً بِالْوَلَدِ الْأَوَّلِ، وَتَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِالْأَخِيرِ، وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ كُلَّمَا وَلَدْتُمَا وَلَدًا فَأَنْتُمَا طَالِقَانِ فَوَلَدَتْ إحْدَاهُمَا ثُمَّ الْأُخْرَى آخَرَ ثُمَّ الْأُولَى آخَرَ ثُمَّ الْأُخْرَى آخَرَ فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ حَتَّى وَلَدَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ وَلَدَيْنِ طَلَقَتْ الْأُولَى ثِنْتَيْنِ، وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِوَلَدِهَا الثَّانِي، وَالْأُخْرَى ثَلَاثًا، وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِوَلَدِهَا الثَّانِي، وَلَوْ كَانَ بَيْنَ وَلَدَيْ كُلِّ وَاحِدَةٍ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرُ إلَى سَنَتَيْنِ طَلَقَتْ الْأُولَى ثِنْتَيْنِ، وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِالْوَلَدِ الثَّانِي، وَثَبَتَ نَسَبُ الْوَلَدَيْنِ، وَطَلَقَتْ الْأُخْرَى وَاحِدَةً، وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِالْوَلَدِ الْأَوَّلِ، وَلَا يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا الثَّانِي، وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ الْحَامِلِ إذَا وَلَدْت وَلَدًا فَأَنْت طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ ثُمَّ قَالَ إنْ كَانَ الْوَلَدُ الَّذِي تَلِدِينَهُ غُلَامًا فَأَنْت طَالِقٌ فَوَلَدَتْ غُلَامًا طَلَقَتْ ثَلَاثًا. وَلَوْ قَالَ إنْ كَانَ الْوَلَدُ الَّذِي فِي بَطْنِك غُلَامًا، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا طَلَقَتْ، وَتَمَامُهُ فِي الْمُحِيطِ، وَقَيَّدَ بِالْوِلَادَةِ لِأَنَّهُ لَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِحَبَلِهَا فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَطَأَهَا إلَّا بِالِاسْتِبْرَاءِ لِتَصَوُّرِ حُدُوثِ الْحَبَلِ، وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ مَا لَمْ تَلِدْ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ يَوْمِ الْيَمِينِ لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِحُدُوثِ الْحَبَلِ بَعْدَ الْيَمِينِ، وَيُتَوَهَّمُ حُدُوثُ الْحَبَلِ قَبْلَ الْيَمِينِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَقَعَ الثَّلَاثُ تَنْزِيهًا وَثِنْتَيْنِ قَضَاءً) قَالَ فِي الْفَتْحِ لِأَنَّ الْغُلَامَ إنْ كَانَ أَوَّلًا أَوْ ثَانِيًا تَطْلُقُ ثَلَاثًا وَاحِدَةً بِهِ وَثِنْتَيْنِ بِالْجَارِيَةِ الْأُولَى لِأَنَّ الْعِدَّةَ لَا تَنْقَضِي مَا بَقِيَ فِي الْبَطْنِ وَلَدٌ، وَإِنْ كَانَ آخِرًا يَقَعُ ثِنْتَانِ بِالْجَارِيَةِ الْأُولَى، وَلَا يَقَعُ بِالثَّانِيَةِ شَيْءٌ لِأَنَّ الْيَمِينَ بِالْجَارِيَةِ انْحَلَّتْ بِالْأُولَى، وَلَا يَقَعُ بِالْغُلَامِ شَيْءٌ لِأَنَّهُ حَالَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَتَرَدَّدَ بَيْنَ ثَلَاثٍ وَثِنْتَيْنِ فَيَحْكُمُ بِالْأَقَلِّ قَضَاءً، وَبِالْأَكْثَرِ تَنَزُّهًا (قَوْلُهُ وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ قَضَاءً، وَثَلَاثٌ تَنَزُّهًا) قَالَ فِي الْفَتْحِ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْغُلَامَانِ أَوَّلًا وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ بِأَوَّلِهِمَا، وَلَا يَقَعُ بِالثَّانِي شَيْءٌ، وَلَا بِالْجَارِيَةِ الْأَخِيرَةِ لِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَإِنْ كَانَ الْجَارِيَةُ أَوَّلًا أَوْ وَسَطًا وَقَعَ ثِنْتَانِ بِهَا، وَوَاحِدَةٌ بِالْغُلَامِ بَعْدَهَا أَوْ قَبْلَهَا فَتَرَدَّدَ بَيْنَ ثَلَاثٍ، وَوَاحِدَةٍ (قَوْلُهُ: وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ مَا لَمْ تَلِدْ) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ ظَاهِرُهُ أَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ عَقِبَ الْوِلَادَةِ مَعَ أَنَّ الطَّلَاقَ مُعَلَّقٌ بِالْحَبَلِ لَا بِالْوِلَادَةِ، وَتَعْلِيقُهُ بِالْحَبَلِ يَقْتَضِي وُقُوعَهُ بِمُجَرَّدِ حُصُولِ الْحَبَلِ بَعْدَ الْيَمِينِ إلَّا إذَا وَلَدَتْ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْيَمِينِ فَشَرَطْنَاهُ بِهِ فَإِذَا وَلَدَتْ ظَهَرَ أَنَّ الطَّلَاقَ قَدْ وَقَعَ مِنْ أَوَّلِ الْحَبَلِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي مَسْأَلَةِ اسْتِمْرَارِ الدَّمِ، وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا قَوْلُهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 33 إلَى سَنَتَيْنِ فَوَقَعَ الشَّكُّ فِي الْمَوْقِعِ فَلَا يَقَعُ بِالشَّكِّ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَذَكَرَ قَاضِي خَانْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ إنْ لَمْ تَكُونِي حَامِلًا فَأَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ بِيَوْمٍ مِنْ وَقْتِ الْيَمِينِ لَا تَطْلُقُ فِي الْحُكْمِ، وَإِنْ جَاءَتْ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ بِيَوْمٍ طَلَقَتْ فَإِنْ حَاضَتْ بَعْدَ الْيَمِينِ لَا يَقْرَبُهَا لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا تَكُونَ حَامِلًا، وَكَذَا إذَا لَمْ تَحِضْ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَقْرَبَهَا حَتَّى تَضَعَ. اهـ. . (قَوْلُهُ وَالْمِلْكُ يُشْتَرَطُ لِآخِرِ الشَّرْطَيْنِ) لِأَنَّ صِحَّةَ الْكَلَامِ بِأَهْلِيَّةِ الْمُتَكَلِّمِ إلَّا أَنَّ الْمِلْكَ يُشْتَرَطُ حَالَةَ التَّعْلِيقِ لِيَصِيرَ الْجَزَاءُ غَالِبَ الْوُجُودِ لِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ فَتَصِحُّ الْيَمِينُ، وَعِنْدَ تَمَامِ الشَّرْطِ لِيَنْزِلَ الْجَزَاءُ لِأَنَّهُ لَا يَنْزِلُ إلَّا فِي الْمِلْكِ، وَفِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ الْحَالِ حَالُ بَقَاءِ الْيَمِينِ فَيُسْتَغْنَى عَنْ قِيَامِ الْمِلْكِ إذْ بَقَاؤُهُ بِمَحَلِّهِ، وَهُوَ الذِّمَّةُ فَالْمُرَادُ مِنْ اشْتِرَاطِهِ لِآخِرِهِمَا بَيَانُ عَدَمِ اشْتِرَاطِهِ لِأَوَّلِهِمَا فَلَا يُنَافِي اشْتِرَاطَهُ وَقْتَ التَّعْلِيقِ، وَأَيْضًا عُلِمَ الِاشْتِرَاطُ وَقْتَ التَّعْلِيقِ مِنْ قَوْلِهِ أَوَّلَ الْبَابِ فَلَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ إنْ زُرْت فَأَنْت طَالِقٌ لَمْ يَصِحَّ لَكِنْ فِي الْقُنْيَةِ قُبَيْلَ النَّفَقَاتِ مَعْزِيًّا إلَى الْمُلْتَقِطِ قَالَ حَلَالُ اللَّهِ عَلَيَّ حَرَامٌ إنْ فَعَلْت كَذَا، وَلَيْسَ لَهُ امْرَأَةٌ فَتَزَوَّجَ ثُمَّ فَعَلَ ذَلِكَ الْفِعْلَ لَا تَطْلُقُ، حَجّ طَلَقَتْ. اهـ. وَيَنْبَغِي الِاعْتِمَادُ عَلَى الْأَوَّلِ لِمَا ذَكَرْنَا، وَأَرَادَ مِنْ الشَّرْطَيْنِ أَمْرَيْنِ يَتَعَلَّقُ الطَّلَاقُ بِهِمَا، وَلَا يَقَعُ بِأَحَدِهِمَا سَوَاءٌ كَانَا شَرْطَيْنِ حَقِيقَةً بِتَعَدُّدِ أَدَاةِ الشَّرْطِ أَوْ لَا أَمَّا الْأَوَّلُ فَبِأَنْ عَطَفَ شَرْطًا عَلَى آخَرَ، وَأَخَّرَ الْجَزَاءَ نَحْو إذَا قَدَمَ فُلَانٌ، وَإِذَا قَدَمَ فُلَانٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ حَتَّى يَقْدَمَا لِأَنَّهُ عَطَفَ شَرْطًا مَحْضًا عَلَى شَرْطٍ لَا حُكْمَ لَهُ ثُمَّ ذَكَرَ الْجَزَاءَ فَيَتَعَلَّقُ بِهِمَا فَصَارَا شَرْطًا وَاحِدًا فَلَا يَقَعُ إلَّا بِوُجُودِهِمَا فَإِنْ نَوَى الْوُقُوعَ بِأَحَدِهِمَا صَحَّتْ نِيَّةُ تَقْدِيمِ الْجَزَاءِ عَلَى أَحَدِهِمَا، وَفِيهِ تَغْلِيظٌ أَوْ بِأَنْ كَرَّرَ أَدَاةَ الشَّرْطِ بِغَيْرِ عَطْفٍ كَقَوْلِهِ إنْ أَكَلْت أَوْ لَبِسْت فَأَنْت طَالِقٌ فَإِنَّهَا لَا تَطْلُقُ مَا لَمْ تَلْبَسْ ثُمَّ تَأْكُلْ فَيُقَدَّمُ الْمُؤَخَّرُ. وَكَذَا لَوْ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا إنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَهِيَ طَالِقٌ يُقَدَّمُ الْمُؤَخَّرُ فَيَصِيرُ التَّقْدِيرُ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَكُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ، وَاسْتَغْنَى عَنْ الْفَاءِ بِتَقْدِيرِ الْجَزَاءِ فَالْكَلَامُ شَرْطُ الِانْعِقَادِ، وَالتَّزَوُّجُ شَرْطُ الِانْحِلَالِ، وَأَصْلُهُ قَوْله تَعَالَى {وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ} [هود: 34] فَالْمَعْنَى إنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ فَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إنْ أَرَدْت أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ، وَوَجْهُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ الشَّرْطَانِ شَرْطًا وَاحِدًا لِنُزُولِ الْجَزَاءِ لِعَدَمِ الْعَطْفِ، وَإِنْ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ، وَأَقَرَّ كُلَّ شَرْطٍ فِي مَوْضِعِهِ، وَهُوَ رَأْيُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّقْدِيرِ إلَّا بِدَلِيلٍ، وَالْكَلَامُ فِي مُوجِبِ اللَّفْظِ، وَلَا الشَّرْطُ الثَّانِي مَعَ مَا بَعْدَهُ هُوَ الْجَزَاءُ لِلْأَوَّلِ لِعَدَمِ الْفَاءِ الرَّابِطَةِ، وَنِيَّةُ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ أَحَقُّ مِنْ إضْمَارِ الْحَرْفِ لِأَنَّهُ تَصْحِيحٌ لِلْمَنْطُوقِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةِ شَيْءٍ آخَرَ فَكَانَ قَوْلُهُ إنْ أَكَلْت مُقَدَّمًا مِنْ تَأْخِيرٍ لِأَنَّهُ فِي حَيِّزِ الْجَوَابِ الْمُتَأَخِّرِ، وَالتَّقْدِيرُ إنْ لَبِسْت فَإِنْ أَكَلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ لُزُومِ التَّنْجِيزِ فِي مِثْلِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ أَنْتِ طَالِقٌ، وَعَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ مِنْ لُزُومِ إضْمَارِ الْفَاءِ يَجِبُ أَنْ لَا يُعْكَسَ التَّرْتِيبَ. وَفِي التَّجْرِيدِ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْت طَالِقٌ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا لَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ الْمِلْكِ عِنْدَ الشَّرْطِ الْأَوَّلِ فَإِنْ طَلَّقَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ بِهَا ثُمَّ دَخَلَتْ الدَّارَ، وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ ثُمَّ كَلَّمَتْ فُلَانًا، وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ طَلَقَتْ. اهـ. وَهُوَ عَلَى الظَّاهِرِ مِنْ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ فَكَانَ الْمُتَقَدِّمُ شَرْطَ الِانْحِلَالِ فَيُعْتَبَرُ الْمِلْكُ عِنْدَهُ، وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ إنْ أَعْطَيْتُك إنْ وَعَدْتُك إنْ سَأَلْتِينِي فَأَنْت طَالِقٌ لَا تَطْلُقُ حَتَّى تَسْأَلَهُ أَوَّلًا ثُمَّ يَعِدَهَا ثُمَّ يُعْطِيَهَا لِأَنَّهُ شَرَطَ فِي الْعَطِيَّةِ الْوَعْدَ، وَفِي الْوَعْدِ السُّؤَالَ فَكَأَنَّهُ قَالَ إنْ سَأَلْتِينِي إنْ وَعَدْتُك إنْ أَعْطَيْتُك كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ الشَّرْطُ الثَّانِي مُتَرَتِّبًا عَلَى الْأَوَّلِ عَادَةً فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ كَانَ كُلُّ شَرْطٍ فِي مَوْضِعِهِ نَحْوُ إنْ أَكَلْت إنْ شَرِبْت فَأَنْتِ كَذَا كَانَ الْأَكْلُ مُقَدَّمًا وَالشُّرْبُ مُؤَخَّرًا حَتَّى إذَا شَرِبَ ثُمَّ أَكَلَ لَمْ يَعْتِقْ   [منحة الخالق] فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَطَأَهَا إلَّا بِاسْتِبْرَاءٍ لِتَصَوُّرِ حُدُوثِ الْحَبَلِ. (قَوْلُهُ فَلَا يُنَافِي اشْتِرَاطُهُ وَقْتَ التَّعْلِيقِ) أَيْ فِي صُورَةِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُضَافًا إلَى الْمِلْكِ (قَوْلُهُ وَلَا الشَّرْطُ الثَّانِي) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ الشَّرْطَانِ شَرْطًا وَاحِدًا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 34 وَإِنْ أَكَلَ ثُمَّ شَرِبَ عَتَقَ، وَلَوْ قَالَ إنْ شَرِبْت إنْ أَكَلْت يُؤَخَّرُ الشَّرْطُ الْأَوَّلُ، وَلَوْ قَالَ إنْ دَعَوْتنِي إنْ أَجَبْتُك يُقِرُّ كُلُّ شَرْطٍ فِي مَوْضِعِهِ، وَلَوْ قَالَ إنْ أَجَبْتُك إنْ دَعَوْتنِي تُؤَخَّرُ الْإِجَابَةُ، وَلَوْ قَالَ إنْ لَبِسْت طَيْلَسَانًا إنْ أَتَيْتنِي يَقِرُّ كُلٌّ فِي مَوْضِعِهِ، وَلَوْ قَالَ إنْ أَتَيْتنِي إنْ لَبِسْت طَيْلَسَانًا يُؤَخَّرُ الْإِتْيَانُ، وَلَوْ قَالَ إنْ رَكِبْت الدَّابَّةَ إنْ أَتَيْتنِي يَقِرُّ كُلٌّ فِي مَوْضِعِهِ بِخِلَافِ إنْ أَتَيْتنِي إنْ رَكِبْت الدَّابَّةَ لِأَنَّهُمَا مَتَى كَانَا مُرَتَّبَيْنِ عُرْفًا أُضْمِرَتْ كَلِمَةُ ثُمَّ، وَإِذَا لَمْ يَكُونَا مُرَتَّبَيْنِ عُرْفًا لَمْ يَثْبُتْ الْعَطْفُ بَيْنَهُمَا لَا عُرْفًا وَلَا ذِكْرًا فَمَتَى أَقَرَّ كُلَّ شَرْطٍ فِي مَوْضِعِهِ لَا يَتَّصِلُ الْجَزَاءُ بِأَحَدِ الشَّرْطَيْنِ اهـ. كَذَا فِي الْمُحِيطِ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَفِي الْفَارِسِيَّةِ الْمُقَدَّمُ مُقَدَّمٌ، وَالْمُؤَخَّرُ مُؤَخَّرٌ، وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي تَفْسِيرِهِ أَنَّ قَوْلَهُ {وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ} [هود: 34] شَرْطٌ وَدَلِيلُ جَوَابٍ، وَالْجُمْلَةُ دَلِيلُ جَوَابٍ قَوْله تَعَالَى {إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ} [هود: 34] تَقْدِيرُ الْكَلَامِ إنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ فَإِنْ أَرَدْت أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ لَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي. اهـ. وَجَعَلَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ قَوْله تَعَالَى {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا} [الأحزاب: 50] قَالَ فَالْمَعْنَى إنْ أَرَادَ أَنْ يَنْكِحَ مُؤْمِنَةً وَهَبَتْ نَفْسَهَا فَقَدْ أَحْلَلْنَاهَا اهـ. وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ قَوْله تَعَالَى {إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ} [الأحزاب: 50] شَرْطٌ لِلشَّرْطِ الْأَوَّلِ فِي اسْتِيجَابِ الْحِلِّ فَإِنَّ وَهَبْتَهَا نَفْسَهَا مِنْهُ لَا تُوجِبُ لَهُ حِلًّا إلَّا بِإِرَادَتِهِ نِكَاحَهَا فَإِنَّهَا جَارِيَةٌ مَجْرَى الْقَبُولِ اهـ فَلَمْ تَكُنْ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ، وَفِي الْمِعْرَاجِ أَنَّهَا مُحْتَمِلَةٌ لِلْأَمْرَيْنِ فَإِنَّ إرَادَةَ النَّبِيِّ مُتَأَخِّرَةٌ فَإِنَّهَا كَالْقَبُولِ، وَيَحْتَمِلُ تَقَدُّمُ إرَادَةِ النَّبِيِّ فَإِذَا فَهِمْت ذَلِكَ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لَهُ اهـ. وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ أَنَّهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا إذَا أَخَّرَ الْجَزَاءَ عَنْ الشَّرْطَيْنِ، وَالثَّانِي إذَا قَدَّمَهُ، وَالثَّالِثُ إذَا وَسَّطَهُ أَمَّا الْأَوَّلُ، وَالثَّانِي فَعَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ، وَأَمَّا الثَّالِثُ فَيُقِرُّ كُلَّ شَرْطٍ فِي مَوْضِعِهِ، وَلَا يَكُونُ مِنْ الْمَسَائِلِ الْمُعْتَرِضَةِ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ لِأَنَّهُ تَخَلَّلَ الْجَزَاءُ بَيْنَ الشَّرْطَيْنِ بِحَرْفِ الْوَصْلِ، وَهُوَ الْفَاءُ فَيَكُونُ الْأَوَّلُ شَرْطًا لِانْعِقَادِ الْيَمِينِ، وَالثَّانِي شَرْطُ الْحِنْثِ. اهـ. وَكَذَا فِي الْبَدَائِعِ فِي مَسْأَلَةِ تَوَسُّطِ الْجَزَاءِ فَقَالَ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إذَا دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْت طَالِقٌ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا يُشْتَرَطُ قِيَامُ الْمِلْكِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ الدُّخُولُ لِأَنَّهُ جَعَلَ الدُّخُولَ شَرْطَ انْعِقَادِ الْيَمِينِ كَأَنَّهُ قَالَ عِنْدَ الدُّخُولِ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَالْيَمِينُ لَا تَنْعَقِدُ إلَّا فِي الْمِلْكِ، وَمُضَافَةً إلَى الْمِلْكِ فَإِنْ كَانَتْ فِي مِلْكِهِ عِنْدَ دُخُولِ الدَّارِ صَحَّتْ الْيَمِينُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْكَلَامِ فَإِذَا كَلَّمْت يَقَعُ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِي مِلْكِهِ عِنْدَ الدُّخُولِ بِأَنْ طَلَّقَهَا، وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا ثُمَّ دَخَلَتْ لَمْ يَصِحَّ التَّعْلِيقُ، وَإِنْ كَلَّمَتْ، وَإِنْ طَلَّقَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ ثُمَّ دَخَلَتْ فِي الْعِدَّةِ ثُمَّ كَلَّمَتْ فِيهَا طَلَقَتْ اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْجَزَاءَ إذَا كَانَ مُتَوَسِّطًا فَلَا بُدَّ مِنْ الْمِلْكِ عِنْدَ الشَّرْطَيْنِ، وَأَنَّ كُلَّ شَرْطٍ يَقِرُّ فِي مَوْضِعِهِ فَلَمْ تَكُنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ دَاخِلَةً تَحْتَ قَوْلِهِ وَالْمِلْكُ يُشْتَرَطُ لِآخِرِ الشَّرْطَيْنِ إلَّا بِاعْتِبَارِ أَنَّ الشَّرْطَ الْأَوَّلَ هُوَ شَرْطُ الِانْعِقَادِ، وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْمِلْكَ لَا بُدَّ مِنْهُ وَقْتَ التَّعْلِيقِ فَحِينَئِذٍ لَيْسَ مُعَلَّقًا إلَّا بِشَرْطٍ وَاحِدٍ فَجَعَلَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ قِسْمِ تَقْدِيمِ الْمُؤَخَّرِ مِنْهُمَا مِنْ كَلَامِ التَّجْرِيدِ، وَهُمْ لِمَا عَلِمْت أَنَّ كُلَّ شَرْطٍ فِي مَوْضِعِهِ. وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الشَّرْطُ الثَّانِي غَيْرَ الْأَوَّلِ فَإِنْ كَانَ عَيْنَهُ فَقَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ إنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ إنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ فَعَبْدِي حُرٌّ، وَهُمَا وَاحِدٌ فَالْقِيَاسُ عَدَمُ الْحِنْثِ حَتَّى تَدْخُلَ دَخْلَتَيْنِ فِيهَا، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَحْنَثُ بِدُخُولِ وَاحِدٍ، وَيُجْعَلُ الْبَاقِي تَكْرَارًا، وَإِعَادَةً، وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَوْ جَعَلَ الثَّانِيَ تَكْرَارًا لَزِمَ ثُبُوتُ الْحُرِّيَّةِ حَالًا عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ، وَيَصِيرُ الثَّانِي فَاصِلًا كَمَا فِي أَنْتَ حُرٌّ، وَحُرٌّ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَيُجَابُ بِأَنْ يُجْعَلَ الثَّانِي تَكْرَارًا مَعْنًى لَا لَفْظًا لِأَنَّ الثَّانِيَ عَطْفٌ عَلَى الْأَوَّلِ، وَلَا يُعْطَفُ الشَّيْءُ عَلَى نَفْسِهِ، وَالْعِبْرَةُ فِي الْبَابِ لِلَّفْظِ فَإِذَا انْتَفَى التَّكْرَارُ لَفْظًا كَانَ الثَّانِي حَشْوًا فَصَارَ فَاصِلًا، وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ الثَّانِي غَيْرُ مَعْطُوفٍ عَلَى الْأَوَّلِ فَأَمْكَنَ جَعْلُ الثَّانِي تَكْرَارًا فَكَانَ وَاحِدًا مَعْنًى فَلَا يُفْصَلُ، وَنَظِيرُهُ حُرٌّ حُرٌّ إنْ شَاءَ   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 35 اللَّهُ تَعَالَى. اهـ. وَقَدَّمْنَا عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ إنْ تَزَوَّجْتُك، وَإِنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْت طَالِقٌ لَمْ يَقَعْ حَتَّى يَتَزَوَّجَهَا مَرَّتَيْنِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَدَّمَ الْجَزَاءَ أَوْ وَسَّطَهُ اهـ فَعَلَى هَذَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ بِالْوَاوِ، وَبِدُونِهِ فِيمَا إذَا أَخَّرَ الْجَزَاءَ، وَكَانَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ فَلْيُحْفَظْ، وَذَكَرَ فِي الْخَانِيَّةِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ ثُمَّ قَالَ وَلَوْ قَالَ إذَا دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْت طَالِقٌ إذَا دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ لَا تَطْلُقُ مَا لَمْ تَدْخُلْ مَرَّتَيْنِ، وَلَا تَطْلُقُ مَا لَمْ يَتَزَوَّجْ مَرَّتَيْنِ اهـ. فَعَلَى هَذَا إذَا كَانَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ بِلَا عَطْفٍ فَإِنْ تَأَخَّرَ الْجَزَاءُ عَنْهُمَا فَالشَّرْطُ أَحَدُهُمَا. وَإِنْ تَوَسَّطَ فَلَا بُدَّ مِنْ الْفِعْلِ مَرَّتَيْنِ، وَقَيَّدْنَا بِكَوْنِ الْأَمْرَيْنِ تَعَلَّقَ الطَّلَاقُ بِهِمَا لِأَنَّهُ لَوْ قَدَّمَ الْجَزَاءَ، وَأَخَّرَ الشَّرْطَ ثُمَّ ذَكَرَ شَرْطًا آخَرَ بِعِطْفٍ فَإِنَّ الطَّلَاقَ فِيهِ مُعَلَّقٌ بِأَحَدِهِمَا نَحْوُ أَنْت طَالِقٌ إذَا قَدَمَ فُلَانٌ، وَإِذَا قَدَمَ فُلَانٌ أَوْ ذُكِرَ بِكَلِمَةِ إنْ أَوْ مَتَى فَأَيُّهُمَا قَدَمَ أَوَّلًا يَقَعُ الطَّلَاقُ، وَلَا يَنْتَظِرُ قُدُومَ الْآخَرِ، وَلَوْ قَدَمَا مَعًا لَا يَقَعُ إلَّا وَاحِدَةٌ، وَلَا بُدَّ مِنْ الْمِلْكِ عِنْدَ أَيِّهِمَا وُجِدَ، وَكَذَا لَوْ وَسَّطَ الْجَزَاءَ مَعَ الْعَطْفِ نَحْوُ إنْ قَدَمَ فُلَانٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَإِذَا قَدَمَ فُلَانٌ فَأَيُّهُمَا سَبَقَ وَقَعَ ثُمَّ لَا يَقَعُ عِنْدَ الشَّرْطِ الثَّانِي شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ أَنْ يَقَعَ عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ تَطْلِيقَةٌ فَتَقَعُ أُخْرَى عِنْدَ الثَّانِي، وَأَمَّا الثَّانِي أَعْنِي مَا لَيْسَا شَرْطَيْنِ حَقِيقَةً، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ فِعْلًا مُتَعَلِّقًا بِشَيْئَيْنِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِهِمَا نَحْوُ إنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ، وَهَذِهِ أَوْ إنْ كَلَّمْت أَبَا عَمْرٍو، وَأَبَا يُوسُفَ فَكَذَا فَإِنَّهُمَا شَرْطٌ وَاحِدٌ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْوُقُوعَ بِأَحَدِهِمَا فَاشْتُرِطَ لِلْوُقُوعِ قِيَامُ الْمِلْكِ عِنْدَ آخِرِهِمَا، وَكَذَا إذَا كَانَ فِعْلًا قَائِمًا بِاثْنَيْنِ مِنْ حَيْثُ هُوَ قَائِمٌ بِهِمَا نَحْوُ إذَا جَاءَ زَيْدٌ وَعَمْرٌو فَكَذَا فَإِنَّ الشَّرْطَ مَجِيئُهُمَا فَإِذَا عُرِفَ هَذَا فَقَصْرُ الشَّارِح كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَى الْقِسْمِ الثَّانِي مِمَّا لَا يَنْبَغِي، وَاعْتِرَاضُ الْكَمَالِ عَلَى الشَّارِحِ فِي جَعْلِهِ مَسْأَلَةَ الْكَلَامِ مِنْ تَعَدُّدِ الشَّرْطِ سَهْوٌ لِأَنَّهُ إنَّمَا جَعَلَهُ مِنْ قَبِيلِ الشَّرْطِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى وَصْفَيْنِ، وَعَلَيْهِ حَمَلَ عِبَارَةَ الْمُصَنِّفِ لَا مِنْ قَبِيلِ تَعَدُّدِ الشَّرْطِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا كَرَّرَ أَدَاةَ الشَّرْطِ مِنْ غَيْرِ عَطْفٍ فَإِنَّ الْوُقُوعَ يَتَوَقَّفُ عَلَى وُجُودِهِمَا سَوَاءٌ قَدَّمَ الْجَزَاءَ عَلَيْهِمَا أَوْ أَخَّرَهُ عَنْهُمَا أَوْ وَسَّطَهُ لَكِنْ إنْ قَدَّمَهُ أَوْ أَخَّرَهُ فَالْمِلْكُ يُشْتَرَطُ عِنْدَ آخِرِهِمَا، وَهُوَ الْمَلْفُوظُ بِهِ أَوَّلًا عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ، وَإِنْ وَسَّطَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْمِلْكِ عِنْدَهُمَا، وَإِنْ كَانَ بِالْعَطْفِ فَإِنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى أَحَدِهِمَا إنْ قَدَّمَ الْجَزَاءَ أَوْ وَسَّطَهُ، وَأَمَّا إذَا أَخَّرَهُ فَإِنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِمَا، وَإِنْ لَمْ يُكَرِّرْ أَدَاةَ الشَّرْطِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ الشَّيْئَيْنِ قَدَّمَ الْجَزَاءَ عَلَيْهِمَا أَوْ أَخَّرَهُ عَنْهُمَا هَذَا مَا ظَهَرَ لِي مِنْ كَلَامِهِمْ، وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ إذَا قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْت طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَالطَّلَاقُ الْأَوَّلُ، وَالثَّانِي يَتَعَلَّقُ بِالشَّرْطِ الْأَوَّلِ، وَالثَّالِثُ بِالشَّرْطِ الثَّانِي حَتَّى لَوْ دَخَلَتْ طَلَقَتْ تَطْلِيقَتَيْنِ، وَلَوْ كَلَّمَهُ طَلَقَتْ وَاحِدَةً لَا أَنْ يَصِيرَ الشَّرْطُ الْأَوَّلُ شَرْطَ الِانْعِقَادِ فِي حَقِّ الْكُلِّ، وَالثَّانِي شَرْطَ الِانْحِلَالِ فِي حَقِّ الْكُلِّ لِأَنَّا لَوْ عَلَّقْنَا الْجَزَاءَ الثَّانِيَ بِالدُّخُولِ كَانَ الْجَزَاءُ مُؤَخَّرًا عَنْ الشَّرْطِ، وَلَوْ عَلَّقْنَاهُ بِالْكَلَامِ كَانَ الْجَزَاءُ مُقَدَّمًا عَلَى الشَّرْطِ، وَالْأَصْلُ فِي الشَّرْطِ هُوَ التَّقْدِيمُ فَمَهْمَا أَمْكَنَ حِفْظُهُ عَلَى الْأَصْلِ لَا يُغَيَّرُ. وَلَوْ قَالَ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ إنْ دَخَلَتْ الدَّارَ، وَعَبْدِي حُرٌّ، وَعَلَى الْمَشْيِ إلَى بَيْتِ اللَّهِ تَعَالَى إنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَالطَّلَاقُ عَلَى الدُّخُولِ وَالْعِتْقِ، وَالْمَشْيُ عَلَى الْكَلَامِ أَلْحَقَ الْجَزَاءَ الْمُتَوَسِّطَ بِالشَّرْطِ الْأَخِيرِ هُنَا بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ لِأَنَّ ثَمَّةَ الْكَلَامُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ عَطَفَ الِاسْمَ عَلَى الِاسْمِ فَصَارَ الْوَصْلُ أَصْلًا، وَإِنَّمَا يُقْطَعُ لِضَرُورَةٍ، وَلَا ضَرُورَةَ فِي حَقِّ الْمُتَخَلِّلِ أَمَّا هُنَا فَالْكَلَامُ مُنْقَطِعٌ لِأَنَّهُ عَطَفَ الِاسْمَ عَلَى الْفِعْلِ فَلَا يُلْحَقُ بِالْأَوَّلِ إلَّا لِضَرُورَةٍ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ إلْحَاقُهُ بِالثَّانِي انْتَهَى، وَتَمَامُ تَفْرِيعَاتِ الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ بِالتَّزَوُّجِ وَبِالْكَلَامِ مَذْكُورٌ فِي تَتِمَّةِ الْفَتَاوَى مِنْ فَصْلِ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِالْمِلْكِ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ الْأَيْمَانِ، وَالطَّلَاقُ الْمُضَافُ إلَى وَقْتَيْنِ يَنْزِلُ عِنْدَ أَوَّلِهِمَا، وَالْمُعَلَّقُ بِالْفِعْلَيْنِ عِنْدَ آخِرِهِمَا، وَالْمُضَافُ إلَى أَحَدِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَقَيَّدْنَا بِكَوْنِ الْأَمْرَيْنِ تَعَلَّقَ الطَّلَاقُ بِهِمَا) أَيْ حَيْثُ قَالَ فِي صَدْرِ الْمَقُولَةِ، وَأَرَادَ مِنْ الشَّرْطَيْنِ أَمْرَيْنِ يَتَعَلَّقُ إلَخْ (قَوْلُهُ وَاعْتِرَاضُ الْكَمَالِ عَلَى الشَّارِحِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ دَعْوَاهُ أَيْ الْمُؤَلِّفِ أَنَّ الشَّارِحَ لَمْ يَجْعَلْهُ مِنْ تَعَدُّدِ الشَّرْطِ كَمَا فَهِمَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ سَهْوٌ، وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ يَعْنِي إذَا كَانَ الشَّرْطُ ذَا وَصْفَيْنِ إلَخْ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ هَذَا مِنْ تَعَدُّدِ الشَّرْطَيْنِ، وَكَانَ الْعُذْرُ لِلشَّارِحِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ كُلُّ شَرْطَيْنِ لِمَا يَرِدُ عَلَيْهِ مَا إذَا، وَسَّطَ الْجَزَاءَ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يُشْتَرَطُ الْمِلْكُ لِأَوَّلِهِمَا بِخِلَافِ كُلِّ شَرْطٍ ذِي وَصْفَيْنِ فَإِنَّ اشْتِرَاطَ الْمِلْكِ لِآخِرِهِ صَحِيحٌ فَتَدَبَّرْ. اهـ. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْمُؤَلِّفَ ذَكَرَ أَوَّلًا أَنَّ الْمُرَادَ بِالشَّرْطَيْنِ أَمْرَانِ يَتَعَلَّقُ الطَّلَاقُ بِهِمَا، وَلَا يَقَعُ بِأَحَدِهِمَا سَوَاءٌ كَانَا شَرْطَيْنِ حَقِيقَةً أَوْ لَا فَقَدْ أَدْخَلَ بِهَذَا التَّعْمِيمِ مَسْأَلَةَ الْكَلَامِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فَمَا فِي الشَّرْحُ مَبْنِيٌّ عَلَيْهِ فَقَوْلُ الْمُؤَلِّفِ لَا مِنْ قَبِيلِ تَعَدُّدِ الشَّرْطِ فِيهِ نَظَرٌ لِمُخَالَفَتِهِ لِمَا مَهَّدَهُ نَفْسِهِ، وَأَمَّا اعْتِرَاضُ الْكَمَالِ عَلَى الشَّارِحِ فَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى اعْتِبَارِ حَقِيقَةِ الشَّرْطِ كَمَا يَظْهَرُ مِنْ مُرَاجَعَةِ كَلَامِهِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ عَطَفَ الِاسْمَ عَلَى الْفِعْلِ) فِيهِ نَظَرٌ فَتَأَمَّلْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 36 الْوَقْتَيْنِ كَقَوْلِهِ غَدًا أَوْ بَعْدَ غَدٍ يَنْزِلُ بَعْدَ غَدٍ، وَلَوْ عَلَّقَ بِأَحَدِ الْفِعْلَيْنِ يَنْزِلُ عِنْدَ أَوَّلِهِمَا، وَالْمُعَلَّقُ بِفِعْلٍ وَوَقْتٍ يَقَعُ بِأَيِّهِمَا سَبَقَ انْتَهَى، وَقَدَّمْنَاهُ فِي فَصْلِ إضَافَةِ الطَّلَاقِ إلَى الزَّمَانِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ قَالَ لَهَا إنْ دَخَلْت دَارَ فُلَانٍ، وَفُلَانٌ يَدْخُلُ فِي دَارِك فَأَنْت طَالِقٌ فَدَخَلَتْ الْمَرْأَةُ دَارَ فُلَانٍ، وَفُلَانٌ لَمْ يَدْخُلْ دَارَهَا حَنِثَ فِي يَمِينِهِ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِالْيَمِينِ أَحَدُهُمَا دُونَ الْجَمْعِ انْتَهَى. (قَوْلُهُ وَيَبْطُلُ تَنْجِيزُ الثَّلَاثِ تَعْلِيقُهُ) أَيْ تَعْلِيقُ الثَّلَاثِ عَلَى مَا يُشِيرُ إلَيْهِ أَكْثَرُ الْكُتُبِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَعُودَ إلَى الزَّوْجِ لِيَشْمَلَ مَا دُونَ الثَّلَاثِ كَذَا فِي شَرْحِ مِسْكِينٍ قُلْت الْأَوْلَى أَنْ يَعُودَ إلَى الطَّلَاقِ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيهِ حَتَّى لَوْ قَالَ لَهَا إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا أَوْ قَالَ وَاحِدَةً أَوْ قَالَ ثِنْتَيْنِ ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ عَادَتْ إلَيْهِ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ ثُمَّ دَخَلَتْ لَمْ تَطْلُقْ لِأَنَّ الْجَزَاءَ طَلْقَاتُ هَذَا الْمِلْكِ لِأَنَّهَا هِيَ الْمَانِعُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ مَا يَحْدُثُ، وَالْيَمِينُ تُعْقَدُ لِلْمَنْعِ أَوْ الْحَمْلِ وَإِذَا كَانَ الْجَزَاءُ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَقَدْ فَاتَ بِتَنْجِيزِ الثَّلَاثِ الْمُبْطِلِ لِلْمَحَلِّيَّةِ فَلَا تَبْقَى الْيَمِينُ. قَيَّدَ بِالثَّلَاثِ لِأَنَّهُ لَوْ نَجَّزَ أَقَلَّ مِنْهَا لَا يَبْطُلُ التَّعْلِيقُ لِأَنَّ الْجَزَاءَ بَاقٍ لِبَقَاءِ مَحَلِّهِ فَلَوْ طَلَّقَهَا ثِنْتَيْنِ ثُمَّ عَادَتْ إلَيْهِ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ، وَقَدْ كَانَ عَلَّقَ الثَّلَاثَ ثُمَّ وُجِدَ الْمُعَلَّقُ طَلَقَتْ ثَلَاثًا اتِّفَاقًا أَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِوُقُوعِ الْمُعَلَّقِ كُلِّهِ لِأَنَّ الزَّوْجَ الثَّانِيَ هَدَمَ الْوَاقِعَ، وَأَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَلِوُقُوعِ وَاحِدَةٍ مِنْ الْمُعَلَّقِ لِأَنَّ الثَّانِيَ لَا يُهْدَمُ عِنْدَهُ، وَلَوْ كَانَ الْمُعَلَّقُ طَلْقَةً، وَالْمُنَجَّزُ ثِنْتَيْنِ ثُمَّ عَادَتْ إلَيْهِ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ ثُمَّ وُجِدَ الشَّرْطُ فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تُحَرَّمُ حُرْمَةً غَلِيظَةً بِالْمُنَجَّزِ، وَالْمُعَلَّقِ، وَعِنْدَهُمَا لَا تُحَرَّمُ إذْ يَمْلِكُ بَعْدَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ ثِنْتَيْنِ لِهَدْمِ الثَّانِي مَا نَجَّزَهُ الْأَوَّلُ، وَقَيَّدَ بِالطَّلَاقِ لِأَنَّ الْمِلْكَ إذَا زَالَ بَعْدَ تَعْلِيقِ الْعِتْقِ لَا يَبْطُلُ التَّعْلِيقُ كَمَا إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْت حُرٌّ ثُمَّ بَاعَهُ ثُمَّ اشْتَرَاهُ ثُمَّ دَخَلَ عَتَقَ لِأَنَّ الْعَبْدَ بِصِفَةِ الرِّقِّ مَحَلٌّ لِلْعِتْقِ وَبِالْبَيْعِ لَمْ تُفْتِ تِلْكَ الصِّفَةُ حَتَّى لَوْ فَاتَتْ بِالْعِتْقِ بَطَلَتْ الْيَمِينُ حَتَّى لَوْ ارْتَدَّ، وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ سُبِيَ ثُمَّ مَلَكَهُ الْمَوْلَى، وَدَخَلَ الدَّارَ لَمْ يَعْتِقْ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ، وَصَوَابُهُ حَتَّى لَوْ ارْتَدَّتْ لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ لَا يُمْلَكُ بِالسَّبْيِ، وَإِنَّمَا هُوَ فِي الْأَمَةِ، وَقَيَّدَ بِتَعْلِيقِ الطَّلَاقِ لِأَنَّ تَنْجِيزَ الثَّلَاثِ لَا يُبْطِلُ الظِّهَارَ مُنَجَّزًا كَانَ أَوْ مُعَلَّقًا كَمَا إذَا قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْت عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ دَخَلَتْ بَعْدَمَا عَادَتْ إلَيْهِ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ كَانَ مُظَاهِرًا لِأَنَّ الظِّهَارَ تَحْرِيمُ الْفِعْلِ لَا تَحْرِيمُ الْحِلِّ الْأَصْلِيِّ لَكِنْ قِيَامُ النِّكَاحِ شَرْطٌ لَهُ فَلَا يُشْتَرَطُ بَقَاؤُهُ لِبَقَاءِ الْمَشْرُوطِ كَالشُّهُودِ فِي النِّكَاحِ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ لِأَنَّهُ تَحْرِيمٌ لِلْحِلِّ الْأَصْلِيِّ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَأَوْرَدَ بَعْضُ أَفَاضِلِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ لَا يَقَعَ إلَّا وَاحِدَةٌ كَقَوْلِ زُفَرَ لِقَوْلِهِمْ الْمُعَلَّقُ تَطْلِيقَاتٌ هَذَا الْمِلْكِ، وَالْفَرْضُ أَنَّ الْبَاقِيَ مِنْ هَذَا الْمِلْكِ لَيْسَ إلَّا وَاحِدَةٌ فَصَارَ كَمَا لَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثِنْتَيْنِ ثُمَّ قَالَ أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا فَإِنَّمَا يَقَعُ وَاحِدَةٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ فِي مِلْكِهِ سِوَاهَا. وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذِهِ مَشْرُوطَةٌ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الْمُعَلَّقَ طَلْقَاتُ هَذَا الْمِلْكِ الثَّلَاثُ مَا دَامَ مِلْكُهُ لَهَا فَإِذَا زَالَ بَقِيَ الْمُعَلَّقُ ثَلَاثًا مُطْلَقَةً كَمَا هُوَ اللَّفْظُ لَكِنْ بِشَرْطِ بَقَائِهَا مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ فَإِذَا نَجَّزَ ثِنْتَيْنِ زَالَ مِلْكُ الثَّلَاثِ فَبَقِيَ الْمُعَلَّقُ ثَلَاثًا مُطْلَقَةً مَا بَقِيَتْ مَحَلِّيَّتُهَا، وَأَمْكَنَ وُقُوعُهَا، وَهَذَا ثَابِتٌ فِي تَنْجِيزِهِ الثِّنْتَيْنِ فَيَقَعُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى، وَقَدَّمْنَا أَنَّ مِمَّا يُبْطِلُ التَّعْلِيقَ لَحَاقُهُ بِدَارِ الْحَرْبِ قَالَ فِي الْمَجْمَعِ فَلَحَاقُهُ مُرْتَدًّا مُبْطِلٌ لِتَعْلِيقِهِ أَيْ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَقَالَا لَا لِأَنَّ زَوَالَ الْمِلْكِ لَا يُبْطِلُهُ، وَلَهُ أَنَّ إبْقَاءَ تَعْلِيقِهِ بِاعْتِبَارِ قِيَامِ أَهْلِيَّتِهِ، وَبِالِارْتِدَادِ ارْتَفَعَتْ الْعِصْمَةُ فَلَمْ يَبْقَ تَعْلِيقُهُ لِفَوَاتِ الْأَهْلِيَّةِ فَإِذَا عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ لَمْ يَعُدْ بَعْدَ ذَلِكَ التَّعْلِيقِ الَّذِي حَكَمَ بِسُقُوطِهِ لِاسْتِحَالَةِ عَوْدِ السَّاقِطِ كَذَا فِي شَرْحِ الْمُصَنِّفِ، وَمِمَّا يُبْطِلُهُ فَوْتُ مَحَلِّ الشَّرْطِ كَفَوْتِ مَحَلِّ الْجَزَاءِ كَمَا إذَا قَالَ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَمَاتَ فُلَانٌ كَذَا فِي النِّهَايَةِ. وَمِنْهُ مَا إذَا قَالَ إنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَجُعِلَتْ الدَّارُ بُسْتَانًا كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ، وَقَدَّمْنَا أَنَّ مِمَّا يُبْطِلُهُ زَوَالُ إمْكَانِ الْبِرِّ، وَذَكَرْنَا فُرُوعًا عَلَيْهِ عِنْدَ شَرْحِ قَوْلِهِ، وَزَوَالُ الْمِلْكِ بَعْدَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ قُلْت الْأَوْلَى أَنْ يَعُودَ إلَى الطَّلَاقِ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَا يَخْفَى أَنَّ إضَافَةَ الْمَصْدَرِ إلَى فَاعِلِهِ هِيَ الْأَصْلُ (قَوْلُهُ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَأَوْرَدَ إلَخْ) هَذَا وَارِدٌ عَلَى قَوْلِهِ فَلَوْ طَلَّقَهَا ثِنْتَيْنِ ثُمَّ عَادَتْ إلَيْهِ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ إلَخْ فَكَانَ الْمُنَاسِبُ ذِكْرُهُ هُنَاكَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 37 الْيَمِينِ لَا يُبْطِلُهَا، وَفِي الْقُنْيَةِ حَلَفَ لَا يَخْرُجُ مِنْ بُخَارَى إلَّا بِإِذْنِ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ فَجُنَّ أَحَدُهُمْ لَا يَخْرُجُ لِأَنَّهُ إنْ أَفَاقَ الْمَجْنُونُ حَنِثَ، وَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمْ لَمْ يَحْنَثْ لِبُطْلَانِ الْيَمِينِ انْتَهَى. (قَوْلُهُ وَلَوْ عَلَّقَ الثَّلَاثَ أَوْ الْعِتْقَ بِالْوَطْءِ لَمْ يَجِبْ الْعُقْرُ بِاللُّبْثِ) أَيْ لَمْ يَجِبْ مَهْرُ الْمِثْلِ لِلْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا وَالْمُعْتَقَةِ بِالْمُكْثِ مِنْ غَيْرِ فِعْلٍ لِأَنَّ الْجِمَاعَ هُوَ إدْخَالُ الْفَرْجِ فِي الْفَرْجِ، وَلَيْسَ لَهُ دَوَامٌ حَتَّى يَكُونَ لِدَوَامِهِ حُكْمُ ابْتِدَائِهِ كَمَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ وَهُوَ فِيهَا لَا يَحْنَثُ بِاللُّبْثِ، وَكَذَا لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يُدْخِلَ دَابَّتَهُ الْإِصْطَبْلَ وَهِيَ فِيهِ فَأَمْسَكَهَا فِيهِ لَمْ يَحْنَثْ، وَفِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ الْجِمَاعُ عِبَارَةٌ عَنْ الْمُوَافَقَةِ وَالْمُسَاعَدَةِ فِي أَيِّ شَيْءٍ كَانَ فَإِنَّ مُحَمَّدًا كَثِيرًا مَا يَقُولُ فِي كِتَابِ الْحَجِّ عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَلَسْتُمْ جَامَعْتُمُونَا فِي كَذَا أَيْ وَافَقْتُمُونَا، وَحُكِيَ عَنْ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ كَانَ يُمْلِي عَلَى ابْنَتِهِ مَسَائِلَ يَقُولُ فِي إمْلَائِهِ أَلَسْنَا قَدْ جَامَعْنَاكُمْ عَلَى كَذَا أَوَلَسْتُمْ قَدْ جَامَعْتُمُونَا عَلَى كَذَا فَتَبَسَّمَتْ ابْنَتُهُ يَوْمًا مِنْ ذَلِكَ فَوَقَعَ بَصَرُهُ عَلَيْهَا فَقَالَ مَا شَأْنُك فَتَبَسَّمَتْ مَرَّةً أُخْرَى فَأَحَسَّ الطَّحَاوِيُّ أَنَّهَا ذَهَبَتْ إلَى الْجِمَاعِ الْمَعْرُوفِ بِهَذَا اللَّفْظِ فَقَالَ أَوَ يُفْهَمُ مِنْ هَذَا فَاحْتَرَقَ غَضَبًا، وَقَطَعَ الْإِمْلَاءَ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ إلَى السَّمَاءِ، وَقَالَ اللَّهُمَّ لَا أُرِيدُ حَيَاةً بَعْدَ هَذَا فَتَمَنَّى الْمَوْتَ فَمَاتَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ نَحْوِ خَمْسَةِ أَيَّامٍ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ أَشَارَ بِنَفْيِ الْعُقْرِ فَقَطْ إلَى ثُبُوتِ الْحُرْمَةِ بِاللُّبْثِ فَإِنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ النَّزْعُ لِلْحَالِ، وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ جَامَعَ فِي رَمَضَانَ نَاسِيًا فَتَذَكَّرَ وَدَامَ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى أَنْزَلَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَإِنْ نَزَعَ مِنْ سَاعَتِهِ لَا، وَقَيَّدْنَا الْمُكْثَ بِكَوْنِهِ مِنْ غَيْرِ فِعْلٍ لِأَنَّهُ لَوْ تَحَرَّكَ لَزِمَهُ مَهْرٌ بِهِ لِأَنَّهُ كَالْإِيلَاجِ، وَلِذَا قَالُوا أَوْلَجَ ثُمَّ قَالَ لَهَا إنْ جَامَعْتُك فَأَنْت طَالِقٌ أَوْ حُرَّةٌ إنْ نَزَعَ أَوْ لَمْ يَنْزِعْ، وَلَمْ يَتَحَرَّكْ حَتَّى أَنْزَلَ لَا تَطْلُقُ، وَلَا تَعْتِقُ، وَإِنْ حَرَّكَ نَفْسَهُ طَلَقَتْ وَعَتَقَتْ، وَيَصِيرُ مُرَاجِعًا بِالْحَرَكَةِ الثَّانِيَةِ، وَيَجِبُ لِلْأَمَةِ الْعُقْرُ، وَلَا حَدَّ عَلَيْهِمَا، وَلَوْ جَامَعَ عَامِدًا قَبْلَ الْفَجْرِ، وَطَلَعَ الْفَجْرُ وَجَبَ النَّزْعُ فِي الْحَالِ فَإِنْ حَرَّكَ نَفْسَهُ قَضَى، وَكَفَّرَ كَمَا لَوْ حَرَّكَ بَعْدَ التَّذَكُّرِ فِي الْأُولَى كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الصَّوْمِ، وَفِي الْمِعْرَاجِ، وَلَوْ قَالَ إنْ وَطِئْتُك فَيَمِينُهُ عَلَى الْجِمَاعِ، وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ الْحَنْبَلِيُّ. وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ يَمِينُهُ عَلَى الْوَطْءِ بِالْقَدَمِ، وَلَوْ قَالَ أَرَدْت بِهِ الْجِمَاعَ، وَلَمْ يُقْبَلْ، وَقَدْ غَلَّطَ ابْنُ قُدَامَةَ فِي النَّقْلِ عَنْ مُحَمَّدٍ فَإِنَّ مُحَمَّدًا ذَكَرَ فِي أَيْمَانِ الْجَامِعِ لَوْ قَالَ لَهَا إنْ وَطِئْتُك فَهُوَ عَلَى الْجِمَاعِ فِي فَرْجِهَا بِذَكَرِهِ، وَلَوْ نَوَى الدَّوْسَ بِالْقَدَمِ لَا يُصَدَّقُ فِي الصَّرْفِ عَنْ الْجِمَاعِ، وَيَحْنَثُ بِالدَّوْسِ بِالْقَدَمِ أَيْضًا لِاعْتِرَافِهِ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ، وَلَوْ قَالَ إنْ وَطِئْت مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ امْرَأَةٍ فَهُوَ عَلَى الدَّوْسِ بِالْقَدَمِ، وَهُوَ فِي اللُّغَةِ وَالْعُرْفِ بِاتِّفَاقِ أَصْحَابِنَا. اهـ. ، وَالْعُقْرُ بِالضَّمِّ مَهْرُ الْمَرْأَةِ إذَا وُطِئَتْ عَلَى شُبْهَةٍ، وَبِالْفَتْحِ الْجَرْحُ مِنْ عَقَرَهُ أَيْ جَرَحَهُ فَهُوَ عَقِيرٌ كَذَا فِي الصِّحَاحِ، وَفِي الْقَامُوسِ الْعُقْرُ بِالضَّمِّ دِيَةُ الْفَرْجِ الْمَغْصُوبِ، وَصَدَاقُ الْمَرْأَةِ. اهـ. وَفِي الْمِصْبَاحِ الْعُقْرُ بِالضَّمِّ دِيَةُ فَرْجِ الْمَرْأَةِ إذَا غُصِبَتْ عَلَى نَفْسِهَا ثُمَّ كَثُرَ ذَلِكَ حَتَّى اُسْتُعْمِلَ فِي الْمَهْرِ انْتَهَى، وَاللُّبْثُ مِنْ لَبِثَ بِالْمَكَانِ لَبَثًا مِنْ بَابِ تَعِبَ، وَجَاءَ فِي الْمَصْدَرِ السُّكُونُ لِلتَّخْفِيفِ، وَاللَّبْثَةُ بِالْفَتْحِ الْمَرَّةُ، وَبِالْكَسْرِ الْهَيْئَةُ وَالنَّوْعُ، وَالِاسْمُ اللُّبْثُ بِالضَّمِّ كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ، وَفِي الْقَامُوسِ اللَّبْثُ بِفَتْحِ اللَّامِ، وَسُكُونِ الْبَاءِ الْمُكْثُ مِنْ لَبِثَ كَسَمِعَ، وَهُوَ نَادِرٌ لِأَنَّ الْمَصْدَرَ مِنْ فَعِلَ بِالْكَسْرِ قِيَاسُهُ التَّحْرِيكُ إذَا لَمْ يَتَعَدَّ انْتَهَى، وَهُوَ أَوْلَى مِمَّا فِي الْمِصْبَاحِ لِإِيهَامِهِ أَنَّ الْمَصْدَرَ بِفَتْحِ الْبَاءِ، وَأَنَّ السُّكُونَ جَائِزٌ. (قَوْلُهُ وَلَمْ يَصِرْ بِهِ مُرَاجِعًا فِي الرَّجْعِيِّ إلَّا إذَا أَوْلَجَهُ ثَانِيًا) أَيْ لَمْ يَصِرْ بِاللُّبْثِ مُرَاجِعًا إذَا كَانَ الْمُعَلَّقُ بِالْجِمَاعِ طَلَاقًا رَجْعِيًّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِأَنَّ الدَّوَامَ لَيْسَ بِتَعَرُّضٍ لِلْبُضْعِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَصِيرُ مُرَاجِعًا لِوُجُودِ الْمِسَاسِ بِشَهْوَةٍ، وَهُوَ الْقِيَاسُ، وَجَزْمُ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ الْمُخْتَارُ لِأَنَّهُ فِعْلٌ وَاحِدٌ فَلَيْسَ لِآخِرِهِ حُكْمُ فِعْلٍ عَلَى حِدَةٍ، وَقِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَصِيرَ مُرَاجِعًا عِنْدَ الْكُلِّ لِوُجُودِ الْمِسَاسِ بِشَهْوَةٍ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ، وَيَنْبَغِي تَصْحِيحُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لِظُهُورِ دَلِيلِهِ، وَالِاسْتِثْنَاءُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ رَاجِعٌ   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 38 إلَى الْمَسْأَلَتَيْنِ فَإِذَا أَوْلَجَ ثَانِيًا وَجَبَ عَلَيْهِ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَصَارَ مُرَاجِعًا فَجَعْلُ الشَّارِحِ إيَّاهُ رَاجِعًا إلَى الثَّانِيَةِ قُصُورٌ، وَقَيَّدَ بِالْمَسْأَلَتَيْنِ لِأَنَّ الْحَدَّ لَا يَجِبُ بِالْإِيلَاجِ ثَانِيًا وَإِنْ كَانَ جِمَاعًا لِمَا فِيهِ مِنْ شُبْهَةِ أَنَّهُ جِمَاعٌ وَاحِدٌ بِالنَّظَرِ إلَى اتِّحَادِ الْمَقْصُودِ، وَهُوَ قَضَاءُ الشَّهْوَةِ فِي الْمَجْلِسِ الْوَاحِدِ، وَقَدْ كَانَ أَوَّلُهُ غَيْرَ مُوجِبٍ لِلْحَدِّ فَلَا يَكُونُ آخِرَهُ مُوجِبًا لَهُ، وَإِنْ قَالَ ظَنَنْت أَنَّهَا عَلَيَّ حَرَامٌ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ، وَوَجَبَ الْمَهْرُ لِأَنَّ الْبُضْعَ الْمُحْتَرَمَ لَا يَخْلُو عَنْ عُقْرٍ أَوْ عُقْرٍ، وَفِي الْمِعْرَاجِ، وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إذَا أَخْرَجَ ثَمَّ أَوْلَجَ فِي الْعِتْقِ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ الْحَدُّ لِأَنَّهُ وَطِئَ لَا فِي مِلْكٍ، وَلَا فِي شُبْهَةٍ، وَهِيَ الْعِدَّةُ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ لِوُجُودِ الْعِدَّةِ، وَجَوَابُهُ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِابْتِدَاءِ فِعْلٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِاتِّحَادِ الْمَجْلِسِ وَالْمَقْصُودِ. اهـ. وَقَيَّدَ بِالتَّعْلِيقِ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ لَوْ أَنَّ رَجُلًا زَنَى بِامْرَأَةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ فَإِنْ لَبِثَ عَلَى ذَلِكَ، وَلَمْ يَنْزِعْ وَجَبَ مَهْرَانِ مَهْرٌ بِالْوَطْءِ، وَمَهْرٌ بِالْعَقْدِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَأْنِفْ الْإِدْخَالَ لِأَنَّ دَوَامَهُ عَلَى ذَلِكَ فَوْقَ الْخَلْوَةِ بَعْدَ الْعَقْدِ كَذَا نَقَلُوا، وَتَخْصِيصُ الرِّوَايَةِ بِمُحَمَّدٍ لَا يَدُلُّ عَلَى خِلَافٍ بَلْ لِأَنَّهَا رُوِيَتْ عَنْهُ دُونَ غَيْرِهِ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ حَلَفَ لَا يَقْرَبُهَا فَاسْتَلْقَى وَجَاءَتْ وَقَضَتْ مِنْهُ حَاجَتَهَا يَحْنَثُ فِيمَا عَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَلَوْ نَائِمًا لَا يَحْنَثُ قَالَ لِأَمَتِهِ إنْ جَامَعْتُك فَأَنْت حُرَّةٌ فَالْحِيلَةُ أَنْ يَبِيعَهَا مِنْ غَيْرِهِ ثُمَّ يَتَزَوَّجَهَا وَيَطَأَهَا فَتَنْحَلُّ لَا إلَى جَزَاءٍ ثُمَّ يَشْتَرِيهَا مِنْهُ فَيَطَؤُهَا فَلَا تَعْتِقُ. حَلَفَ لَا يَغْشَاهَا، وَهُوَ عَلَيْهَا فَالْيَمِينُ عَلَى الْإِخْرَاجِ ثُمَّ الْإِدْخَالِ فَإِنْ دَامَ عَلَيْهَا لَا يَحْنَثُ، وَذَكَرَ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ الثَّالِثَ عَشَرَ فِي الْجِمَاعِ لَا يَحْنَثُ بِالْجِمَاعِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ، وَإِنْ أَنْزَلَ إلَّا إذَا نَوَى انْتَهَى. (قَوْلُهُ وَلَا تَطْلُقُ فِي إنْ نَكَحْتهَا عَلَيْك فَهِيَ طَالِقٌ فَنَكَحَ عَلَيْهَا فِي عِدَّةِ الْبَائِنِ) يَعْنِي لَا تَطْلُقُ امْرَأَتُهُ الْجَدِيدَةُ فِيمَا إذَا قَالَ لِلَّتِي تَحْتَهُ إنْ تَزَوَّجْت عَلَيْك امْرَأَةً فَهِيَ طَالِقٌ فَطَلَّقَ امْرَأَتَهُ بَائِنًا ثُمَّ تَزَوَّجَ أُخْرَى فِي عِدَّتِهَا لِأَنَّ الشَّرْطَ لَمْ يُوجَدْ لِأَنَّ التَّزَوُّجَ عَلَيْهَا أَنْ يُدْخِلَ عَلَيْهَا مَنْ يُنَازِعُهَا فِي الْفِرَاشِ، وَيُزَاحِمُهَا فِي الْقَسْمِ، وَلَمْ يُوجَدْ. قَيَّدَ بِالْبَائِنِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ رَجْعِيًّا طَلَقَتْ كَمَا فِي شَرْحِ مِسْكِينٍ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ فَصْلِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ جَعَلَ أَمْرَ الْمَرْأَةِ الَّتِي يَتَزَوَّجُهَا عَلَيْهَا بِأَنْ قَالَ إنْ تَزَوَّجْت عَلَيْك امْرَأَةً فَأَمْرُهَا بِيَدِك أَوْ قَالَ مَا دُمْت امْرَأَتِي ثُمَّ طَلَّقَهَا بَائِنًا أَوْ خَالَعَهَا وَتَزَوَّجَ أُخْرَى فِي عِدَّتِهَا ثُمَّ تَزَوَّجَ بِالْأُولَى لَا يَصِيرُ الْأَمْرُ بِيَدِهَا لِأَنَّ الْمُرَادَ حَالُ الْمُنَازَعَةِ فِي الْقَسْمِ، وَلَمْ يُوجَدْ وَقْتَ الْإِدْخَالِ، وَإِنْ قَالَ إنْ تَزَوَّجْت امْرَأَةً فَأَمْرُهَا بِيَدِك فَأَبَانَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَ بِأُخْرَى صَارَ الْأَمْرُ بِيَدِهَا. اهـ. وَفِي الْقُنْيَةِ مِنْ بَابِ تَفْوِيضِ الطَّلَاقِ إنْ تَزَوَّجْت عَلَيْك امْرَأَةً فَأَمْرُهَا بِيَدِك ثُمَّ دَخَلَتْ الْمَرْأَةُ فِي نِكَاحِهِ بِنِكَاحِ الْفُضُولِيِّ، وَأَجَازَ بِالْفِعْلِ لَيْسَ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَهَا، وَلَوْ قَالَ إنْ دَخَلَتْ امْرَأَةٌ فِي نِكَاحِي فَلَهَا ذَلِكَ، وَكَذَا فِي التَّوْكِيلِ بِذَلِكَ انْتَهَى، وَفِي آخِرِ الْأَيْمَانِ إنْ سَكَنْت فِي هَذِهِ الْبَلْدَةِ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ، وَخَرَجَ فِي الْفَوْرِ، وَخَلَعَ امْرَأَتَهُ ثُمَّ سَكَنَهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا لَا تَطْلُقُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِامْرَأَتِهِ وَقْتَ وُجُودِ الشَّرْطِ قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَحَلَالُ اللَّهِ عَلَيَّ حَرَامٌ ثُمَّ قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَحَلَالُ اللَّهِ عَلَيَّ حَرَامٌ لِفِعْلِ الْآخَرِ فَفَعَلَ أَحَدَ الْفِعْلَيْنِ حَتَّى بَانَتْ امْرَأَتُهُ ثُمَّ فَعَلَ الْآخَرَ فَقِيلَ لَا يَقَعُ الثَّانِي لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِامْرَأَتِهِ عِنْدَ الشَّرْطِ، وَقِيلَ يَقَعُ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ انْتَهَى، وَفِي الْقُنْيَةِ طَلَّقَهَا ثُمَّ قَالَ إنْ أَمْسَكْت امْرَأَتِي إلَى مَمَاتِي فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا يَتْرُكُهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا ثُمَّ يَتَزَوَّجَهَا بَعْدَ يَوْمٍ لَا يَقَعُ لِأَنَّهَا بِمُضِيِّ الْعِدَّةِ خَرَجَتْ عَنْ أَنْ تَكُونَ امْرَأَتُهُ فَبِالنِّكَاحِ لَمْ يُمْسِكْ امْرَأَتَهُ انْتَهَى. (قَوْلُهُ وَلَا فِي أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ مُتَّصِلًا، وَإِنْ مَاتَتْ قَبْلَ قَوْلِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ) أَيْ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ لِحَدِيثٍ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَحَسَّنَهُ مَرْفُوعًا «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ، وَقَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَحْنَثْ» ، وَقَدْ بَحَثَ فِيهِ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ قَيَّدَ بِالِاتِّصَالِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا سُكُوتٌ كَثِيرٌ بِلَا ضَرُورَةٍ ثَبَتَ حُكْمُ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ السُّكُوتُ بِالْجُشَاءِ أَوْ التَّنَفُّسِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ مِنْهُ بُدٌّ أَوْ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ لِأَنَّ دَوَامَهُ عَلَى ذَلِكَ فَوْقَ الْخَلْوَةِ بَعْدَ الْعَقْدِ) قَالَ فِي النَّهْرِ، وَهَذَا يُشْكِلُ عَلَى مَا مَرَّ إذْ قَدْ جَعَلَ لِآخِرِ هَذَا الْفِعْلِ الْوَاحِدِ حُكْمٌ عَلَى حِدَةٍ. اهـ. وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ مَا مَرَّ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا هُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَمَا هُنَا رِوَايَةٌ كَمَا يُفِيدُهُ التَّعْبِيرُ بِعَنْ. اهـ. وَالظَّاهِرُ سُقُوطُ الْإِشْكَالِ مِنْ أَصْلِهِ لِأَنَّ اعْتِبَارَ آخِرِ الْفِعْلِ هُنَا مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ خَلْوَةً فَأَوْجَبَتْ الْمَهْرَ، وَلَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ ذَلِكَ فِيمَا مَرَّ لِإِيجَابِ الْحَدِّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 39 بِإِمْسَاكِ غَيْرِهِ فَمَهُ أَوْ كَانَ بِلِسَانِهِ ثِقَلٌ فَطَالَ فِي تَرَدُّدِهِ، وَالْفَاصِلُ اللَّغْوُ يُبْطِلُ الْمَشِيئَةَ فَلِذَا طَلَقَتْ ثَلَاثًا فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا، وَثَلَاثًا إنْ شَاءَ اللَّهُ وَفِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَفِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَاحِدَةٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ كَقَوْلِهِ عَبْدُهُ حُرٌّ وَحُرٌّ إنْ شَاءَ اللَّهُ بِالْوَاوِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بِدُونِهَا لِلتَّأْكِيدِ، وَبِخِلَافِ حُرٍّ وَعَتِيقٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ لِكَوْنِهِ تَفْسِيرًا، وَهُوَ إنَّمَا يَكُونُ بِغَيْرِ لَفْظِ الْأَوَّلِ، وَبِخِلَافِ طَالِقٌ وَاحِدَةً، وَثَلَاثًا إنْ شَاءَ اللَّهُ لِكَوْنِهِ أَفَادَ التَّكْمِيلَ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَفِي الْمُجْتَبَى مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ رَجْعِيًّا إنْ شَاءَ اللَّهُ يَقَعُ، وَلَوْ قَالَ بَائِنًا لَا يَقَعُ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَغْوٌ دُونَ الثَّانِي، وَفِي الْقُنْيَةِ بَعْدَهُ، وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ رَجْعِيًّا أَوْ بَائِنًا إنْ شَاءَ اللَّهُ يُسْأَلُ عَنْ نِيَّتِهِ فَإِنْ عَنَى الرَّجْعِيَّ لَا يَقَعُ، وَإِنْ عَنَى الْبَائِنَ يَقَعُ، وَلَا يَعْمَلُ الِاسْتِثْنَاءُ انْتَهَى، وَصَوَابُهُ إنْ عَنَى الرَّجْعِيَّ يَقَعُ لِعَدَمِ صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ لِلْفَاصِلِ، وَإِنْ عَنَى الْبَائِنَ لَمْ يَقَعْ لِصِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا يَا زَانِيَةُ إنْ شَاءَ اللَّهُ يَقَعُ، وَصُرِفَ الِاسْتِثْنَاءُ إلَى الْوَصْفِ، وَكَذَا أَنْت طَالِقٌ يَا طَالِقُ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَكَذَا أَنْت طَالِقٌ يَا صَبِيَّةُ إنْ شَاءَ اللَّهُ يُصْرَفُ الِاسْتِثْنَاءُ إلَى الْكُلِّ، وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ كَأَنَّهُ قَالَ يَا فُلَانَةُ، وَالْأَصْلُ عِنْدَهُ أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي آخِرِ الْكَلَامِ إذَا كَانَ يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ أَوْ يَلْزَمُ بِهِ حَدٌّ كَقَوْلِهِ يَا طَالِقُ يَا زَانِيَةُ فَالِاسْتِثْنَاءُ عَلَى الْكُلِّ انْتَهَى، وَأَطْلَقَ فَشَمِلَ مَا إذَا أَتَى بِالْمَشِيئَةِ عَنْ قَصْدٍ أَوْ لَا فَلَا يَقَعُ فِيهِمَا، وَكَذَا إذَا كَانَ لَا يَعْلَمُ الْمَعْنَى فَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ اسْتَثْنَى مُتَّصِلًا، وَهُوَ لَا يَذْكُرُهُ قَالُوا إنْ كَانَ بِحَالٍ لَا يَدْرِي مَا يَجْرِي عَلَى لِسَانِهِ لِغَضَبٍ جَازَ لَهُ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِمَا، وَإِلَّا لَا، وَشَمِلَ مَا إذَا ادَّعَى الِاسْتِثْنَاءَ وَأَنْكَرَتْهُ، وَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ وَكَذَا فِي دَعْوَى الشَّرْطِ، وَلَوْ شَهِدُوا أَنَّهُ طَلَّقَ أَوْ خَالَعَ بِلَا اسْتِثْنَاءٍ أَوْ شَهِدُوا بِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَثْنِ تُقْبَلُ، وَهَذَا مِمَّا تُقْبَلُ فِيهِ الْبَيِّنَةُ عَلَى النَّفْيِ لِأَنَّهُ فِي الْمَعْنَى أَمْرٌ وُجُودِيٌّ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ ضَمِّ الشَّفَتَيْنِ عَقِيبَ التَّكَلُّمِ بِالْمُوجِبِ، وَإِنْ قَالُوا أَطْلَقَ، وَلَمْ نَسْمَعْ مِنْهُ غَيْرَ كَلِمَةِ الْخُلْعِ، وَالزَّوْجُ يَدَّعِي الِاسْتِثْنَاءَ فَالْقَوْلُ لَهُ لِجَوَازِ أَنَّهُ قَالَهُ، وَلَمْ يَسْمَعُوهُ، وَالشَّرْطُ سَمَاعُهُ لَا سَمَاعُهُمْ عَلَى مَا عُرِفَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَفِي الصُّغْرَى إذَا ذَكَرَ الْبَدَلَ فِي الْخُلْعِ لَا تُسْمَعُ دَعْوَى الِاسْتِثْنَاءِ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ قَالَ الزَّوْجُ طَلَّقْتُك أَمْسِ، وَقُلْت إنْ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَصَوَابُهُ إنْ عَنَى الرَّجْعِيَّ يَقَعُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَقُولُ: بَلْ الصَّوَابُ مَا فِي الْقُنْيَةِ وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى كَلَامِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَحَدُ هَذَيْنِ وَبِهَذَا لَا يَكُونُ الرَّجْعِيُّ لَغْوًا وَإِنْ نَوَاهُ بِخِلَافِ مَا إذَا نَوَى الْبَائِنَ وَأَمَّا الْبَائِنُ فَلَيْسَ لَغْوًا عَلَى كُلِّ حَالٍ اهـ. قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ، وَأَنَا أَقُولُ: الْحَقُّ مَا فِي الْبَحْرِ لِأَنَّهُ إذَا نَوَى الرَّجْعِيَّ فَجُمْلَةُ أَنْتِ طَالِقٌ تُفِيدُهُ فَكَأَنَّ قَوْلَهُ رَجْعِيًّا أَوْ بَائِنًا الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى أَحَدِ هَذَيْنِ لَغْوًا بِخِلَافِ مَا إذَا نَوَى الْبَائِنَ فَإِنَّ تِلْكَ الْجُمْلَةَ لَا تُفِيدُهُ فَلَمْ يَكُنْ قَوْلُهُ رَجْعِيًّا أَوْ بَائِنًا لَغْوًا فَإِنْ قُلْت لَمَّا نَوَى الْبَائِنَ كَانَ قَوْلُهُ رَجْعِيًّا لَغْوًا إذْ كَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يَقُولَ أَنْتِ طَالِقٌ بَائِنًا. قُلْت هُوَ تَرْكِيبٌ صَحِيحٌ لُغَةً وَشَرْعًا كَمَا فِي إحْدَى امْرَأَتَيَّ طَالِقٌ وَحَيْثُ كَانَ مَقْصُودُهُ الْبَائِنَ وَكَانَ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ غَيْرَ مُفِيدٍ لِلْبَائِنِ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ أَنْتِ طَالِقٌ رَجْعِيًّا أَوْ بَائِنًا وَيَنْوِيَ الْبَائِنَ وَبَيْنَ أَنْ يَقُولَ أَنْتِ طَالِقٌ بَائِنًا. قَوْلُهُ كَقَوْلِهِ يَا طَالِقُ يَا زَانِيَةُ فَالِاسْتِثْنَاءُ عَلَى الْكُلِّ قَالَ الرَّمْلِيُّ هُنَا غَلَطٌ وَلَعَلَّهُ بَعْدَ قَوْلِهِ فَالِاسْتِثْنَاءُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ لَا يَجِبُ بِهِ حَدٌّ وَلَا يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ فَالِاسْتِثْنَاءُ عَلَى الْكُلِّ إلَخْ وَلَمْ أَجِدْ هَذَا فِي نُسَخِ الْبَحْرِ الَّتِي عِنْدِي، وَلَا فِي نُسَخِ الْبَزَّازِيَّةِ وَلَا بُدَّ مِنْهُ اهـ. قُلْت وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ وَكَذَا أَنْتِ طَالِقٌ يَا صَبِيَّةُ صَوَابُهُ وَلَوْ قَالَ أَنْتِ إلَخْ وَيُوَضِّحُ الْأَمْرَ، عِبَارَةُ التَّتَارْخَانِيَّة وَنَصُّهَا وَفِي نَوَادِرِ بِشْرِ بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا قَالَ لَهَا أَنْت طَالِقٌ يَا زَانِيَةُ ثَلَاثًا إنْ شَاءَ اللَّهُ فَالِاسْتِثْنَاءُ عَلَى الْآخَرِ وَهُوَ الْقَذْفُ وَيَقَعُ الطَّلَاقُ وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ لَهَا أَنْت طَالِقٌ يَا طَالِقُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ يَا خَبِيثَةُ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَالِاسْتِثْنَاءُ عَلَى الْكُلِّ وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ كَأَنَّهُ قَالَ يَا فُلَانَةُ وَذَكَرَ ثَمَّةَ أَصْلًا فَقَالَ الْمَذْكُورُ فِي آخِرِ الْكَلَامِ إذَا كَانَ يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ أَوْ يَجِبُ بِهِ حَدٌّ فَالِاسْتِثْنَاءُ عَلَيْهِ نَحْوَ قَوْلِهِ يَا زَانِيَةُ وَيَا طَالِقُ وَإِنْ كَانَ لَا يَجِبُ بِهِ حَدٌّ وَلَا يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ فَالِاسْتِثْنَاءُ عَلَى الْكُلِّ وَذَلِكَ نَحْوَ قَوْلِهِ يَا خَبِيثَةُ انْتَهَتْ. وَاعْلَمْ أَنَّا كَتَبْنَا أَوَائِلَ فَصْلِ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ عَنْ شَرْحِ التَّلْخِيصِ مَا مُلَخَّصُهُ أَنَّ قَوْلَهُ يَا زَانِيَةُ إنْ تَخَلَّلَ بَيْنَ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ أَوْ بَيْنَ الْإِيجَابِ وَالِاسْتِثْنَاءِ لَمْ يَكُنْ قَذْفًا فِي الْأَصَحِّ وَإِنْ تَقَدَّمَ أَوْ تَأَخَّرَ كَانَ قَذْفًا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يُعَدُّ الْمُتَخَلِّلُ فَاصِلًا فَيَقَعُ الطَّلَاقُ لِلْحَالِ وَيَجِبُ اللِّعَانُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ يَتَعَلَّقُ الطَّلَاقُ وَيَجِبُ اللِّعَانُ وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ يَا زَانِيَةُ وَإِنْ كَانَ جَزَاءً إلَّا أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ النَّفْيُ دُونَ التَّحْقِيقِ وَلِأَنَّهُ نِدَاءٌ لِلْإِعْلَامِ فَلَا يُفْصَلُ فَيَتَعَلَّقُ الطَّلَاقُ فَكَذَا الْقَذْفُ بِالْأَوْلَى لِقُرْبِهِ فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَالتَّتَارْخَانِيَّةِ خِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَعِبَارَةُ مَتْنِ التَّلْخِيصِ قَدَّمَهَا الْمُؤَلِّفُ أَوَّلَ بَابِ التَّعْلِيقِ (قَوْلُهُ وَذَكَرَ فِي النَّوَادِرِ خِلَافًا إلَى قَوْلِهِ انْتَهَى) قَالَ الرَّمْلِيُّ هُوَ بِجُمْلَتِهِ مَنْقُولُ الْخَانِيَّةِ عَنْ النَّوَادِرِ فَقَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ مِنْ كَلَامِ النَّوَادِرِ لَا مِنْ كَلَامِ الْخَانِيَّةِ اهـ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 40 شَاءَ اللَّهُ فَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الزَّوْجِ، وَذَكَرَ فِي النَّوَادِرِ خِلَافًا بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فَقَالَ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يُقْبَلُ قَوْلُ الزَّوْجِ. وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَيَقَعُ الطَّلَاقُ، وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ وَالْفَتْوَى احْتِيَاطًا فِي أَمْرِ الْفُرُوجِ فِي زَمَنٍ غَلَبَ عَلَى النَّاسِ الْفَسَادُ انْتَهَى. وَأَشَارَ بِصِحَّةِ الْمَشِيئَةِ فِي الطَّلَاقِ إلَى صِحَّتِهَا فِي كُلِّ مَا كَانَ مِنْ صِيَغِ الْإِخْبَارِ، وَإِنْ كَانَتْ إنْشَاءَاتٍ شَرْعًا فَدَخَلَ الْبَيْعُ وَالِاعْتِكَافُ وَالْعِتْقُ وَالنَّذْرُ بِالصَّوْمِ، وَخَرَجَ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ فَلَوْ قَالَ اعْتِقُوا عَبْدِي مِنْ بَعْدِ مَوْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ، وَكَذَا بِعْ عَبْدِي مِنْ بَعْدِ مَوْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ، وَكَذَا بِعْ عَبْدِي هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَبِعْهُ، وَخَرَجَ مَا لَمْ يَخْتَصَّ بِاللِّسَانِ كَالنِّيَّةِ فَلَوْ قَالَ نَوَيْت أَنْ أَصُومَ إنْ شَاءَ اللَّهُ صَحَّ صَوْمُهُ. وَأَشَارَ بِإِسْنَادِ الْمَشِيئَةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى إلَى كُلِّ مَنْ لَمْ يُوقَفُ لَهُ عَلَى مَشِيئَةٍ كَإِنْ شَاءَ الْجِنُّ أَوْ الْإِنْسُ أَوْ الْمَلَائِكَةُ أَوْ الْحَائِطُ فَلَا يَقَعُ فِي الْكُلِّ فَخَرَجَ مَنْ يُوقَفُ لَهُ عَلَيْهَا كَإِنْ شَاءَ زَيْدٌ فَهُوَ تَمْلِيكٌ لَهُ مُعْتَبَرٌ فِيهِ مَجْلِسُ عِلْمِهِ فَإِنْ شَاءَ فِيهِ طَلَقَتْ، وَإِلَّا خَرَجَ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهِ، وَصُورَةُ مَشِيئَتِهِ أَنْ يَقُولَ شِئْت مَا جَعَلَهُ إلَيَّ فُلَانٌ، وَلَا تُشْتَرَطُ فِيهِ نِيَّةُ الطَّلَاقِ، وَلَا ذِكْرُهُ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ، وَدَخَلَ فِي كَلَامِهِ مَا إذَا عَلَّقَهُ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ وَمَشِيئَةِ مَنْ يُوقَفُ عَلَى مَشِيئَتِهِ كَمَا إذَا قَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَشَاءَ زَيْدٌ فَلَا وُقُوعَ، وَإِنْ شَاءَ زَيْدٌ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ. وَقَدَّمْنَا عَنْ تَلْخِيصِ الْجَامِعِ حُكْمُ مَا إذَا قَالَ أَمْرُهَا بِيَدِ اللَّهِ وَبِيَدِك، وَأَشَارَ بِكَلِمَةِ إنْ إلَى مَا كَانَ بِمَعْنَاهَا فَدَخَلَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَوْ إذَا شَاءَ اللَّهُ أَوْ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ وَبِالْمَشِيئَةِ إلَى مَا كَانَ بِمَعْنَاهَا كَالْإِرَادَةِ وَالْمَحَبَّةِ وَالرِّضَا بِجَمِيعِ الْأَدَوَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ لَا فَرْقَ بَيْنَ إنْ، وَالْبَاءِ فَخَرَجَ مَا لَمْ يَكُنْ بِمَعْنَاهَا كَأَمْرِهِ وَحُكْمِهِ وَإِرَادَتِهِ وَقَضَائِهِ وَإِذْنِهِ وَعِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ فَإِنَّهُ يَقَعُ لِلْحَالِ إنْ كَانَ بِالْبَاءِ، وَإِنْ أَضَافَهُ إلَى الْعَبْدِ، وَخَرَجَ أَيْضًا مَا إذَا كَانَ بِاللَّامِ فَإِنَّهُ يَقَعُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا، وَإِنْ أَضَافَهُ إلَى الْعَبْدِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ بَقِيَ، وَأَضَافَهُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا إلَّا فِي قَوْلِهِ طَالِقٌ فِي عِلْمِ اللَّهِ، وَإِلَّا فِي قَوْلِهِ فِي قُدْرَةِ اللَّهِ إنْ أَرَادَ بِالْقُدْرَةِ ضِدَّ الْعَجْزِ لِأَنَّ قُدْرَةَ اللَّهِ تَعَالَى مَوْجُودَةٌ قَطْعًا كَالْعِلْمِ سَوَاءٌ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَنْوِ لِأَنَّهَا بِمَعْنَى التَّقْدِيرِ، وَلَا يَعْلَمُ تَقْدِيرَهُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ أَتَى بِإِنْ لَمْ يَقَعْ فِي الْكُلِّ، وَإِنْ أَتَى بِالْبَاءِ لَمْ يَقَعْ فِي   [منحة الخالق] وَكَتَبَ قَبْلَهُ أَقُولُ: وَحَيْثُمَا وَقَعَ خِلَافٌ وَتَرْجِيحٌ لِكُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ فَالْوَاجِبُ الرُّجُوعُ إلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّ مَا عَدَاهَا لَيْسَ مَذْهَبًا لِأَصْحَابِنَا، وَأَيْضًا كَمَا غَلَبَ الْفَسَادُ فِي الرِّجَالِ غَلَبَ فِي النِّسَاءِ فَقَدْ تَكُونُ كَارِهَةً لَهُ فَتَطْلُبُ الْخَلَاصَ مِنْهُ فَتَفْتَرِي عَلَيْهِ فَيُفْتِي الْمُفْتِي بِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ الَّذِي هُوَ الْمَذْهَبُ، وَيُفَوِّضُ بَاطِنَ الْأَمْرِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَتَأَمَّلْ وَأَنْصِفْ مِنْ نَفْسِك (قَوْلُهُ أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ) قَالَ فِي النَّهْرِ اعْلَمْ أَنَّ عَدَمَ الْوُقُوعِ فِي مَا شَاءَ اللَّهُ مُسَلَّمٌ بِتَقْدِيرِ كَوْنِ مَا مَصْدَرِيَّةً ظَرْفِيَّةً لَا مَا إذَا قَدَّرْت مَوْصُولًا اسْمِيًّا أَيْ الَّذِي شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْوَاقِعِ وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً، وَلَا شَكَّ فِي أَنْتِ طَالِقٌ الْمَذْكُورِ هُنَا فَصَارَ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ كَيْفَ شِئْت كَذَا فِي الْفَتْحِ، وَلَكِنَّهُ إنَّمَا يَتِمُّ بِتَقْدِيرِ إرَادَةِ الْمِقْدَارِ الَّذِي شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَيْسَ بِمُتَعَيِّنٍ لِجَوَازِ أَنْ يُرَادَ الطَّلَاقُ الَّذِي شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَمَشِيئَتُهُ لَا تُعْلَمُ فَلَمْ يَقَعْ إذْ الْعِصْمَةُ ثَابِتَةٌ بِيَقِينٍ فَلَا تَزُولُ بِالشَّكِّ. (قَوْلُهُ إلَّا فِي قَوْلِهِ طَالِقٌ فِي عِلْمِ اللَّهِ) قَالَ فِي الْفَتْحِ لِأَنَّ فِي بِمَعْنَى الشَّرْطِ فَيَكُونُ تَعْلِيقًا بِمَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ فَلَا يَقَعُ إلَّا فِي الْعِلْمِ لِأَنَّهُ يَذْكُرُ لِلْمَعْلُومِ، وَهُوَ وَاقِعٌ، وَلِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ نَفْيُهُ عَنْهُ تَعَالَى بِحَالٍ فَكَانَ تَعْلِيقًا بِأَمْرٍ مَوْجُودٍ فَيَكُونُ تَنْجِيزًا، وَلَا يَلْزَمُهُ الْقُدْرَةُ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهَا هُنَا التَّقْدِيرُ، وَقَدْ يُقَدِّرُ شَيْئًا، وَقَدْ لَا يُقَدِّرُهُ حَتَّى إذَا أَرَادَ حَقِيقَةَ قُدْرَتِهِ تَعَالَى يَقَعُ فِي الْحَالِ كَذَا فِي الْكَافِي، وَالْأَوْجَهُ أَنْ يُرَادَ الْعِلْمُ عَلَى مَفْهُومِهِ، وَإِذَا كَانَ فِي عِلْمِهِ تَعَالَى أَنَّهَا طَالِقٌ فَهُوَ فَرْعُ تَحَقُّقِ طَلَاقِهَا، وَكَذَا نَقُولُ الْقُدْرَةُ عَلَى مَفْهُومِهَا، وَلَا يَقَعُ لِأَنَّ مَعْنَى أَنْتِ طَالِقٌ فِي قُدْرَةِ اللَّهِ إنَّ فِي قُدْرَتِهِ تَعَالَى وُقُوعُهُ، وَذَلِكَ لَا يَسْتَلْزِمُ سَبْقَ تَحَقُّقِهِ يُقَالُ لِلْفَاسِدِ الْحَالُ فِي قُدْرَةِ اللَّهِ صَلَاحُهُ مَعَ عَدَمِ تَحَقُّقِهِ فِي الْحَالِ، وَفِيهِ أَيْضًا أَيْ فِي الْكَافِي، وَإِنْ أَضَافَ إلَى الْعَبْدِ بِفِي كَانَ تَمْلِيكًا فِي الْأَرْبَعِ الْأُوَلِ، وَمَا بِمَعْنَاهُ مِنْ الْهَوَى، وَالرُّؤْيَةِ تَعْلِيقًا فِي السِّتَّةِ الْأَوَاخِرِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي التَّنْجِيزِ بِقَوْلِهِ فِي عِلْمِ اللَّهِ يَأْتِي فِي قَوْلِهِ فِي إرَادَتِهِ وَمَحَبَّتِهِ وَرِضَاهُ فَيَلْزَمُ الْوُقُوعُ بِخِلَافِ تَوْجِيهِنَا (قَوْلُهُ وَإِنْ أَتَى بِالْبَاءِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ الْحَاصِلُ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ أَعْنِي مَا إذَا لَمْ يُعَلِّقْ بِأَنَّ عَلَيَّ سِتِّينَ وَجْهًا، وَذَلِكَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ الْعَشَرَةِ إمَّا أَنْ يُضَافَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى أَوْ إلَى الْعَبْدِ، وَكُلُّ وَجْهٍ عَلَى ثَلَاثَةٍ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ بِالْبَاءِ أَوْ اللَّامِ أَوْ بِفِي اهـ. وَإِذَا ضُرِبَتْ هَذِهِ السِّتُّونَ فِي الْأَحْوَالِ الْأَرْبَعَةِ الْآتِيَةِ، وَهِيَ مَا إذَا تَلَفَّظَ بِالطَّلَاقِ وَالِاسْتِثْنَاءِ أَوْ كَتَبَهَا أَوْ كَتَبَ الْأَوَّلَ فَقَطْ أَوْ بِالْعَكْسِ بَلَغَتْ مِائَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ، وَبِضَمِّ إنْ إلَى الْحُرُوفِ الثَّلَاثَةِ تَبْلُغُ ثَلَاثَمِائَةٍ وَعِشْرِينَ، وَرُبَّمَا بَلَغَتْ أَضْعَافَ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 41 الْمَشِيئَةِ وَالْإِرَادَةِ وَالرِّضَا وَالْمَحَبَّةِ، وَوَقَعَ فِي الْبَاقِي، وَإِنْ أَتَى بِفِي لَمْ يَقَعْ إلَّا فِي عَلِمَ اللَّهُ، وَإِنْ أَتَى بِاللَّامِ وَقَعَ فِي الْكُلِّ، وَإِنْ أَضَافَهُ إلَى الْعَبْدِ كَانَ تَمْلِيكًا فِي الْأَرْبَعَةِ الْأُولَى، وَهِيَ الْمَشِيئَةُ وَأَخَوَاتِهَا، وَمَا بِمَعْنَاهَا كَالْهُوِيَّةِ وَالرُّؤْيَةِ تَعْلِيقًا فِي السِّتَّةِ، وَهِيَ الْأَمْرُ، وَأَخَوَاتُهُ، وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَتَبَ الطَّلَاقَ، وَالِاسْتِثْنَاءَ أَوْ كَتَبَ الطَّلَاقَ، وَاسْتَثْنَى بِلِسَانِهِ أَوْ طَلَّقَ بِلِسَانِهِ، وَاسْتَثْنَى بِالْكِتَابَةِ يَصِحُّ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ. وَأَشَارَ بِإِنْ بِدُونِ الْوَاوِ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ، وَإِنْ شَاءَ اللَّهُ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ. وَلَوْ قَدَّمَ الْمَشِيئَةَ، وَلَمْ يَأْتِ بِالْفَاءِ صَحَّتْ الْمَشِيئَةُ، وَلَا تَطْلُقُ لِكَوْنِهِ إبْطَالًا، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ مَعْزِيًّا كُلٌّ مِنْهُمَا إلَى أَبِي يُوسُفَ، وَقَدْ حَكَى صَاحِبُ الْمَجْمَعِ خِلَافًا فِيهِ فَقَالَ وَإِنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْتِ طَالِقٌ يَجْعَلُهُ تَعْلِيقًا، وَهُمَا تَطْلِيقًا فَأَفَادَ أَنَّهُ يَقَعُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِكَوْنِهِ تَعْلِيقًا عِنْدَهُ، وَالشَّرْطُ فِيهِ الْفَاءُ فِي الْجَوَابِ الْمُتَأَخِّرِ فَإِذَا لَمْ يَأْتِ بِهِ لَا يَتَعَلَّقُ فَيُنَجَّزُ، وَلَغَتْ الْمَشِيئَةُ، وَلَا يَقَعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَعْلِيقٍ هَذَا مَا يَقْتَضِيه مَا فِي الْمَتْنِ، وَقَرَّرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَابْنُ الْهُمَامِ، وَغَيْرُهُمَا، وَقَدْ خَالَفَ شَارِحُ الْمَجْمَعِ فَنَسَبَ إلَى أَبِي يُوسُفَ الْقَائِلِ بِالتَّعْلِيقِ عَدَمَ الْوُقُوعِ، وَإِلَيْهِمَا الْوُقُوعَ نَظَرًا إلَى مَا نَقَلَهُ قَاضِي خَانْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ أَنَّ عَدَمَ الْوُقُوعِ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ فَالْحَاصِلُ أَنَّ ثَمَرَةَ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا قَدَّمَ الْمَشِيئَةَ، وَلَمْ يَأْتِ بِالْفَاءِ فِي الْجَوَابِ، وَيُصَدَّقُ عَلَى الْقَوْلِ بِالْوُقُوعِ دِيَانَةً أَنَّهُ أَرَادَ الِاسْتِثْنَاءَ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ، وَلَوْ أَجَابَ بِالْوَاوِ فَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ إجْمَاعًا. وَفِي الْإِسْبِيجَابِيِّ لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ بِذِكْرِ الْوَاوِ بِالْإِجْمَاعِ قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ، وَتَظْهَرُ أَيْضًا فِيمَنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ إنْ حَلَفَ بِطَلَاقِهَا ثُمَّ قَالَ أَنْت طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ حَنِثَ عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّعْلِيقِ لَا الْإِبْطَالِ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانَ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ إلَّا أَنَّهُ عُزِيَ إلَيْهِ الْإِبْطَالُ فَتَحَصَّلَ عَلَى أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ إبْطَالٌ اهـ. فَظَاهِرُهُ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى عَدَمِ الْوُقُوعِ فِيمَا إذَا قَدَّمَ الْمَشِيئَةَ، وَلَمْ يَأْتِ بِالْفَاءِ، وَفِيمَا إذَا حَلَفَ بِالطَّلَاقِ إنْ حَلَفَ بِطَلَاقِهَا ثُمَّ حَلَفَ مُسْتَثْنِيًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا صَرَّحَ بِهِ قَاضِي خَانْ بِأَنَّ الْفَتْوَى عَلَى عَدَمِ الْوُقُوعِ فِي الْأُولَى، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَصَرَّحَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ بِأَنَّ الْفَتْوَى عَلَى الْوُقُوعِ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ. وَقَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُ أَيْ قَاضِي خَانْ عَزَا إلَيْهِ أَيْ إلَى أَبِي يُوسُفَ الْإِبْطَالَ سَهْوًا، وَإِنَّمَا عُزِيَ إلَيْهِ الْيَمِينُ، وَلَا   [منحة الخالق] تَقْدِيمِ الْمَشِيئَةِ أَوْ تَأْخِيرِهَا، وَغَيْرِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ لِكَوْنِهِ إبْطَالًا) قَالَ الرَّمْلِيُّ هُوَ عِلَّةٌ لِصِحَّةِ الْمَشِيئَةِ مَعَ تَقْدِيمِهَا، وَعَدَمِ الْإِيتَانِ بِالْفَاءِ، وَقَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى أَيْ عَلَى صِحَّةِ الْمَشِيئَةِ، وَعَدَمُ الطَّلَاقِ لَا عَلَى عَكْسِهِ الَّذِي هُوَ الْوُقُوعُ، وَعَدَمُ صِحَّتِهَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ) كَأَنَّهُ عَزَاهُ إلَى الْخَانِيَّةِ مُجَارَاةً لِصَاحِبِ الْفَتْحِ، وَإِلَّا فَسَيَذْكُرُ قَرِيبًا أَنَّ الْقَوْلَ بِعَدَمِ الْوُقُوعِ الَّذِي عَلَيْهِ الْفَتْوَى مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ تَعْلِيقٌ لَا إبْطَالٌ. (قَوْلُهُ هَذَا مَا يَقْتَضِيه مَا فِي الْمَتْنِ) أَيْ مَتْنِ الْمَجْمَعِ قَالَ فِي النَّهْرِ يَأْبَاهُ قَوْلُهُ وَهُمَا تَطْلِيقًا إذْ مُقَابَلَةُ التَّعْلِيقِ بِالتَّطْلِيقِ تَقْتَضِي عَدَمَ الْوُقُوعِ عَلَى الْأَوَّلِ، وَالْوُقُوعَ عَلَى الثَّانِي فَنِسْبَةُ صَاحِبِ الْفَتْحِ الْغَلَطَ إلَى شَرْحِ الْمَجْمَعِ بِقَوْلِهِ، وَهُوَ غَلَطٌ فَاجْتَنِبْهُ الظَّاهِرُ أَنَّهُ وَاقِعٌ فِي الْمَتْنِ أَيْضًا اهـ. مُلَخَّصًا. يَعْنِي: أَنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنْ عِبَارَةِ الْمَجْمَعِ هُوَ مَا ذَكَرَ شَارِحُهُ مِنْ أَنَّهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَعْلِيقٌ فَلَا يَقَعُ، وَعِنْدَهُمَا تَطْلِيقٌ فَيَقَعُ مُنَجَّزًا لِعَدَمِ صِحَّةِ التَّعْلِيقِ بِسَبَبِ إسْقَاطِ الْفَاءَ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ صَاحِبَ الْمَجْمَعِ حَيْثُ شَرَحَ مَتْنَهُ بِذَلِكَ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ مُرَادُهُ لِأَنَّ صَاحِبَ الدَّارِ أَدْرَى، وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ دُرَرِ الْبِحَارِ فَإِنَّهُ صَرَّحَ أَوَّلًا بِأَنَّ أَبَا يُوسُفَ يَجْعَلُهُ تَعْلِيقًا لِأَنَّ الْمُبْطِلَ لَمَّا اتَّصَلَ بِالْإِيجَابِ أَبْطَلَ حُكْمَهُ ثُمَّ قَالَ وَجَعَلَاهُ تَنْجِيزًا لِأَنَّهُ لَمَّا انْتَفَى رَابِطُ الْجُمْلَتَيْنِ، وَهُوَ الْفَاءُ هُنَا بَقِيَ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ مُنَجَّزًا إلَخْ، وَقَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة، وَإِنْ ذَكَرَ الطَّلَاقَ بِدُونِ حَرْفِ الْفَاءِ بِأَنْ قَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْتِ طَالِقٌ فَهَذَا اسْتِثْنَاءٌ صَحِيحٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ، وَبِهِ نَأْخُذُ، وَفِي الْمُحِيطِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ هَذَا اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ وَالطَّلَاقُ وَاقِعٌ فِي الْقَضَاءِ، وَيُدَيَّنُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى إنْ كَانَ أَرَادَ بِهِ الِاسْتِثْنَاءَ، وَذَكَرَ الْخِلَافَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فِي الْقُدُورِيِّ، وَفِي الْخَانِيَّةِ لَا تَطْلُقُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَتَطْلُقُ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ. اهـ. قُلْت: وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْخَانِيَّةِ قَبْلَ هَذَا فِي أَوَائِلِ بَابِ التَّعْلِيقِ عَكْسَ ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ وَثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ تَظْهَرُ فِي مَسَائِلَ مِنْهَا هَذِهِ، وَمِنْهَا لَوْ قَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْت طَالِقٌ وَقَعَ الطَّلَاقُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ الشَّرْطَ إذَا تَقَدَّمَ عَلَى الْجَزَاءِ لَا يَتَعَلَّقُ الطَّلَاقُ إلَّا بِحُرُوفِ الْجَزَاءِ فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ أَنْت طَالِقٌ يَكُونُ تَنْجِيزًا، وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ تَقَدَّمَ أَوْ تَأَخَّرَ لِأَنَّ عِنْدَهُ الِاسْتِثْنَاءُ إبْطَالٌ، وَلَيْسَ بِتَعْلِيقٍ فَيَصِحُّ عَلَى كُلِّ حَالٍ اهـ. (قَوْلُهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا صَرَّحَ بِهِ قَاضِي خَانْ إلَخْ) أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِ فَظَاهِرُهُ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى عَدَمِ الْوُقُوعِ إلَخْ فَلَا مَعْنَى لِلرَّدِّ هُنَا فَكَانَ الْأَصْوَبُ أَنْ يَقُولَ لَمَّا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَزَّازِيَّةِ إلَخْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 42 بَأْسَ بِسَوْقِ عِبَارَتِهِ بِتَمَامِهَا قَالَ وَلَوْ قَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْتِ طَالِقٌ لَا تَطْلُقُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَتَطْلُقُ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَكَذَا لَوْ قَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ اخْتَلَفَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ أَنَّ الطَّلَاقَ الْمَقْرُونَ بِالِاسْتِثْنَاءِ فِي مَوْضِعٍ يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ هَلْ يَكُونُ يَمِينًا قَالَ أَبُو يُوسُفَ يَكُونُ يَمِينًا حَتَّى لَوْ قَالَ إنْ حَلَفْت بِطَلَاقِك فَعَبْدِي حُرٌّ ثُمَّ قَالَ لَهَا أَنْت طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ حَتَّى يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ حَنِثَ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَكُونُ يَمِينًا، وَلَا يَحْنَثُ، وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْت طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ، وَعَبْدُهُ حُرٌّ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ يَنْصَرِفُ الِاسْتِثْنَاءُ إلَى الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ جَمِيعًا، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يَنْصَرِفُ الِاسْتِثْنَاءُ إلَى الْيَمِينِ الثَّانِيَةِ اهـ. فَقَدْ ظَهَرَ بِهَذَا أَنَّ أَبَا يُوسُفَ قَائِلٌ بِأَنَّهَا يَمِينٌ لَا إبْطَالٌ، وَإِنْ عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّعْلِيقِ لَا يَقَعُ الطَّلَاقَ فِيمَا إذَا قَدَّمَ الشَّرْطَ، وَلَمْ يَأْتِ بِالْفَاءِ فِي الْجَزَاءِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لَا أَنَّهُ يَقَعُ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ، وَإِنَّ شَارِحَ الْمَجْمَعِ قَدْ غَلِطَ كَمَا تَوَهَّمَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَأَنَّ أَبَا يُوسُفَ الْقَائِلَ بِعَدَمِ الْوُقُوعِ فِي الْأُولَى قَائِلٌ بِالْوُقُوعِ فِي الثَّانِيَةِ، وَأَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ تَعْلِيقٌ لَا إبْطَالٌ، وَلَكِنْ فِيهِ إشْكَالٌ، وَهُوَ أَنَّ مُقْتَضَى التَّعْلِيقِ الْوُقُوعُ عِنْدَ عَدَمِ الْفَاءِ لِعَدَمِ الرَّابِطِ، وَمِمَّا يَظْهَرُ فِيهِ ثَمَرَةُ الْخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ كُنْت طَلَّقْتُك أَمْسِ إنْ شَاءَ اللَّهُ عِنْدَهُمَا لَا يَقَعُ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَقَعُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ فَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي هَذِهِ، وَفِيمَا إذَا أَخَّرَ الْجَوَابَ، وَلَمْ يَأْتِ بِالْفَاءِ أَوْ أَتَى بِالْوَاوِ، وَحَلَفَ أَنْ لَا يَحْلِفَ أَوْ تَعَقَّبَ جُمَلًا، وَقَيَّدَ بِمَوْتِهَا لِأَنَّهُ إذَا مَاتَ الزَّوْجُ قَبْلَ الِاسْتِثْنَاءِ، وَهُوَ يُرِيدُهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ، وَتُعْلَمُ إرَادَتُهُ بِأَنْ ذَكَرَ لِآخَرَ قَصْدَهُ قَبْلَ التَّلَفُّظِ بِالطَّلَاقِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَوْتِهَا وَمَوْتِهِ أَنَّ بِالِاسْتِثْنَاءِ خَرَجَ الْكَلَامُ مِنْ أَنْ يَكُونَ إيجَابًا، وَالْمَوْتُ يُنَافِي الْمُوجِبَ دُونَ الْمُبْطِلِ بِخِلَافِ مَوْتِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ الِاسْتِثْنَاءُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْت طَالِقٌ فَالِاسْتِثْنَاءُ يَنْصَرِفُ إلَى الْأَوَّلِ، وَيَقَعُ الثَّانِي عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ فَإِنَّهُ يَنْصَرِفُ إلَيْهِمَا عِنْدَهُ، وَلَا يَقَعُ شَيْءٌ، وَكَذَا لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا إنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْت طَالِقٌ وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ فِي الْحَالِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُفْتَى بِهِ قَوْلُ زُفَرَ لِأَنَّ إنْ شَاءَ اللَّهُ صَالِحٌ لِتَعْلِيقِ الطَّلَاقِ الْأَوَّلِ اتِّفَاقًا، وَلِتَعْلِيقِ الْأَخِيرِ أَيْضًا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْفَاءُ فِيهِ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إذَا قَدَّمَ الشَّرْطَ، وَأَخَّرَ الْجَزَاءَ، وَلَمْ يَأْتِ بِالْفَاءِ لَا يَقَعُ شَيْءٌ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ إنْ لَمْ يَشَأْ اللَّهُ لَا يَقَعُ شَيْءٌ فَأَفَادَ أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ وَاحِدَةً إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَأَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ إنْ لَمْ يَشَأْ اللَّهُ لَا يَقَعُ شَيْءٌ أَمَّا فِي الْأَوَّلِ فَلِلِاسْتِثْنَاءِ، وَأَمَّا فِي الثَّانِي فَلِأَنَّا لَوْ أَوْقَعْنَاهُ عَلِمْنَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَاءَ لِأَنَّ الْوُقُوعَ دَلِيلُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ فَقَدْ ظَهَرَ بِهَذَا أَنَّ أَبَا يُوسُفَ قَائِلٌ بِأَنَّهَا يَمِينٌ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَقُولُ: أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ مُقْتَضَى الْإِبْطَالِ الْمُقَابِلِ لِلتَّعْلِيقِ عَدَمُ الْوُقُوعِ فِيمَا إذَا قَدَّمَ الْمَشِيئَةَ فَقَوْلُهُ فِي الْفَتْحِ إلَّا أَنَّهُ عَزَى إلَيْهِ الْإِبْطَالَ أَيْ الْمُومِي إلَيْهِ بِعَدَمِ الْوُقُوعِ لَا خُصُوصُ هَذَا اللَّفْظِ كَمَا تَوَهَّمَهُ فِي الْبَحْرِ فَجَزَمَ بِأَنَّهُ سَهْوٌ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَخْرُجَ هَذَا عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّعْلِيقِ إذْ لَا يُعْرَفُ ثُبُوتُهُ مَعَ عَدَمِ الرَّابِطِ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَخْرُجَ عَلَى الْإِبْطَالِ فَعَلَيْك أَبَدًا بِالتَّدَبُّرِ فِي كَلَامِ هَذَا الْإِمَامِ مَخَافَةَ أَنْ تَزِلَّ بِك الْأَقْدَامُ، وَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ الثَّانِي مِنْ الْحِنْثِ فِيمَا إذَا حَلَفَ لَا يَحْلِفُ مُخَرَّجٌ عَلَى التَّعْلِيقِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ بَعْضَ مَشَايِخِنَا نَسَبَهُ إلَيْهِ، وَمَا فِيهَا أَيْضًا أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْتِ طَالِقٌ فَالِاسْتِثْنَاءُ يَنْصَرِفُ إلَى الْأَوَّلِ، وَيَقَعُ الثَّانِي، وَقَالَ زُفَرُ لَا يَقَعُ شَيْءٌ، وَكَذَا أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا إنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْت طَالِقٌ وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ فِي الْحَالِ مَبْنِيٌّ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ أَعْنِي التَّعْلِيقَ وَالْإِبْطَالَ، وَهَذَا لِأَنَّ الْجُمْلَةَ الثَّانِيَةَ مُنْقَطِعَةٌ عَنْ الْأُولَى، وَتَوَهَّمَ فِي الْبَحْرِ بِنَاءً عَلَى مَا سَبَقَ لَهُ مِنْ أَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُوجَدَ التَّعْلِيقُ مَعَ عَدَمِ الرَّابِطِ، وَلَا يَقَعُ فَقَالَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِمَا مَرَّ مِنْ عَدَمِ الْوُقُوعِ فِي إنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْتِ طَالِقٌ، وَأَنْتَ قَدْ عَلِمْت مَا هُوَ الْوَاقِعُ. (قَوْلُهُ وَلَكِنْ فِيهِ إشْكَالٌ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ جَوَابُهُ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ إعْدَامُ الْحُكْمِ لَا التَّعْلِيقِ، وَفِي الْإِعْدَامِ لَا يَحْتَاجُ إلَى حَرْفِ الْجَزَاءِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ التَّعْلِيقُ فَلِذَلِكَ افْتَرَقَا، وَقَدْ فَرَّقَ بِذَلِكَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ فِي الْفَصْلِ الثَّلَاثِينَ فِي الِاسْتِثْنَاءِ فَرَاجِعْهُ إنْ شِئْت، وَمَا تَقَدَّمَ عَنْ قَاضِي خَانْ مِنْ قَوْلِهِ لِكَوْنِهِ إبْطَالًا صَرِيحٌ فِي الْفَرْقِ أَيْضًا. اهـ. وَعَلَى هَذَا فَالْإِبْطَالُ مُرَادِفٌ لِلتَّعْبِيرِ بِالتَّعْلِيقِ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّعْلِيقِ بِالْمَشِيئَةِ إبْطَالُ الْإِيجَابِ السَّابِقِ لِكَوْنِهِ تَعْلِيقًا عَلَى غَيْرِ مَعْلُومِ الثُّبُوتِ، وَبِهِ يَصِحُّ مَا قَالَهُ فِي الْفَتْحِ مِنْ نِسْبَةِ الْإِبْطَالِ إلَى مَا فِي الْخَانِيَّةِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُفْتَى بِهِ قَوْلُ زُفَرَ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ هَذَا مِنْ كَلَامِهِ لَا مِنْ كَلَامِ الْبَزَّازِيِّ، وَلَا دَلَالَةَ لَهُ فِيمَا اسْتَدَلَّ لِأَنَّهُ فِيمَا لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى جَزَاءٍ وَاحِدٍ كَقَوْلِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْتِ طَالِقٌ، وَلَا كَذَلِكَ هُنَا، وَيَظْهَرُ الْفَرْقُ لِلْمُتَأَمِّلِ ثُمَّ رَأَيْت صَاحِبَ النَّهْرِ أَتَى بِمِثْلِ مَا ذَكَرْته فَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 43 الْمَشِيئَةِ لِأَنَّ كُلَّ وَاقِعٍ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ عَلَّقَ فِي الثَّانِي بِعَدَمِ مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَا بِمَشِيئَتِهِ جَلَّ وَعَلَا فَيَبْطُلُ الْإِيقَاعُ ضَرُورَةً. وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ الْيَوْمَ وَاحِدَةً إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَإِنْ لَمْ يَشَأْ فَثِنْتَيْنِ فَمَضَى الْيَوْمُ، وَلَمْ يُطَلِّقْهَا طَلَقَتْ ثِنْتَيْنِ لِأَنَّ وُقُوعَ ثِنْتَيْنِ تَعَلَّقَ بِعَدَمِ مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى الْوَاحِدَةِ فِي الْيَوْمِ، وَبِمُضِيِّهِ بِلَا طَلَاقٍ وُجِدَ الشَّرْطُ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَذْهَبَنَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَدَمُ الْوُقُوعِ فِي الْمُعَلَّقِ بِالْمَشِيئَةِ نَوَاهُ، وَعَلِمَ مَعْنَاهُ أَوْ لَا، وَعِنْدَ مَالِكٍ يَقَعُ مُطْلَقًا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ إنْ نَوَاهُ، وَعَلِمَهُ لَا يَقَعُ، وَإِلَّا يَقَعُ، وَعِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ إنْ كَانَ يُمْسِكُهَا بِمَعْرُوفٍ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ، وَإِنْ كَانَ يُسِيءُ مُعَاشَرَتَهَا يَقَعُ لِأَنَّ الطَّلَاقَ فِي الْأَوَّلِ حَرَامٌ، وَالْقَبَائِحُ لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَفِي الثَّانِي وَاجِبٌ، وَبِهِ تَتَعَلَّقُ مَشِيئَتُهُ تَعَالَى، وَإِنْ كَانَ لَا يَحْسُنُ وَلَا يَضُرُّ فَالطَّلَاقُ مُبَاحٌ، وَهَلْ يَتَعَلَّقُ بِالْمُبَاحِ مَشِيئَةُ اللَّهِ تَعَالَى فَفِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ الْمُعْتَزِلَةِ. اهـ. وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ كَيْفَ شَاءَ اللَّهُ فَإِنَّهَا تَطْلُقُ رَجْعِيَّةً كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَقَدَّمْنَاهُ، وَفِي الْمُحِيطِ، وَلَوْ حَرَّكَ لِسَانَهُ بِالِاسْتِثْنَاءِ يَصِحُّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَسْمُوعًا عِنْدَ الْكَرْخِيِّ، وَعِنْدَ الْهِنْدُوَانِيُّ لَا يَصِحُّ مَا لَمْ يَكُنْ مَسْمُوعًا عَلَى مَا مَرَّ فِي الصَّلَاةِ اهـ. (قَوْلُهُ وَفِي أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً تَقَعُ ثِنْتَانِ، وَفِي الِاثْنَتَيْنِ وَاحِدَةٌ، وَفِي الْأَثْلَاثِ ثَلَاثٌ) شُرُوعٌ فِي بَيَانِ الِاسْتِثْنَاءِ، وَهُوَ فِي الْأَصْلِ نَوْعَانِ وَضْعِيٌّ وَعُرْفِيٌّ فَالْعُرْفِيُّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّعْلِيقِ بِالْمَشِيئَةِ وَالْوَضْعِيُّ هُوَ الْمُرَادُ هُنَا، وَهُوَ بَيَانٌ بِإِلَّا أَوْ إحْدَى أَخَوَاتِهَا أَنَّ مَا بَعْدَهَا لَمْ يُرَدْ بِحُكْمِ الصَّدْرِ. قَدْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ مَا بَعْدَ إلَّا لَمْ يُرَدْ بِحُكْمِ الصَّدْرِ فَالْمُقِرُّ بِهِ لَيْسَ إلَّا سَبْعَةٌ فِي عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا ثَلَاثَةً، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا هَلْ أُرِيدَ مَا بَعْدَ إلَّا بِالصَّدْرِ فَأَكْثَرُ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّهُ لَمْ يُرَدْ، وَكَلِمَةُ إلَّا قَرِينَةٌ عَلَيْهِ، وَجَمَاعَةٌ عَلَى أَنَّهُ أُرِيدَ مَا بَعْدَ الْإِثْمِ أُخْرِجَ ثُمَّ حُكِمَ عَلَى الْبَاقِي، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ أُرِيدَ عَشَرَةٌ فِي هَذَا الْمِثَالِ، وَحَكَمَ عَلَى سَبْعَةٍ فَأَرَادَ الْعَشَرَةَ بَاقٍ بَعْدَ الْحُكْمِ، وَمَا نُسِبَ إلَى الشَّافِعِيِّ مِنْ الْقَوْلِ بِالْمُعَارَضَةِ فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ أَسْنَدَ الْحُكْمَ إلَى الْعَشَرَةِ مَثَلًا ثُمَّ نَفَى الْحُكْمَ عَنْ ثَلَاثَةٍ فَتَعَارَضَا صُورَةً ثُمَّ تَرَجَّحَ الثَّانِي فَيُحْكَمُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَوَّلِ مَا سِوَاهُ، وَلَيْسَ مُرَادُهُ حَقِيقَةَ النِّسْبَةِ إلَيْهِمَا لِأَنَّ حَقِيقَةَ التَّنَاقُضِ لَمْ يَقُلْ بِهِ عَاقِلٌ فَانْدَفَعَ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ، وَغَيْرُهُ مِنْ الِاسْتِدْلَالِ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلا خَمْسِينَ عَامًا} [العنكبوت: 14] لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ مَحَلِّ النِّزَاعِ، وَتَمَامُهُ فِي التَّحْرِيرِ لِابْنِ الْهُمَامِ، وَلَمْ يُقَيِّدْ الْمُصَنِّفُ بِالِاتِّصَالِ هُنَا اكْتِفَاءً بِمَا ذَكَرَهُ فِيمَا قَبْلَهُ لِمَا قَدَّمْنَا أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا اسْتِثْنَاءٌ. وَيَبْطُلُ الِاسْتِثْنَاءُ بِأَرْبَعَةٍ بِالسَّكْتَةِ اخْتِيَارًا، وَبِالزِّيَادَةِ عَلَى الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ كَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا أَرْبَعًا وَبِالْمُسَاوَاةِ، وَبِاسْتِثْنَاءِ بَعْضِ الطَّلَاقِ كَأَنْتِ طَالِقٌ إلَّا نِصْفَهَا كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَزَادَ فِي الْخَانِيَّةِ خَامِسًا فَقَالَ وَالْخَامِسُ مَا يُؤَدِّي إلَى تَصْحِيحِ بَعْضِ الِاسْتِثْنَاءِ، وَإِبْطَالِ الْبَعْضِ كَمَا لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ وَثِنْتَيْنِ إلَّا ثَلَاثًا، وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا يَا فُلَانَةُ إلَّا وَاحِدَةً وَقَعَتْ ثِنْتَانِ، وَلَا يَصِيرُ النِّدَاءُ فَاصِلًا لِأَنَّهُ لِلتَّأْكِيدِ كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ. وَأَشَارَ بِاسْتِثْنَاءِ الثِّنْتَيْنِ إلَى جَوَازِ اسْتِثْنَاءِ الْأَكْثَرِ، وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ، وَفِي إلَّا ثَلَاثًا ثَلَاثٌ عَدَمُ جَوَازِ اسْتِثْنَاءِ الْكُلِّ مِنْ الْكُلِّ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ بِلَفْظِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ أَوْ بِمُسَاوٍ، وَلَمْ يَكُنْ بَعْدَهُ اسْتِثْنَاءٌ آخَرُ فَإِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ بَاطِلٌ فَالْأَوَّلُ كَمَسْأَلَةِ الْكِتَابِ، وَكَقَوْلِهِ نِسَائِي طَوَالِقُ إلَّا نِسَائِي، وَعَبِيدِي أَحْرَارٌ إلَّا عَبِيدِي، وَكَمَا إذَا أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ، وَمِنْ الْمُسَاوِي أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً أَوْ إلَّا ثِنْتَيْنِ وَوَاحِدَةً، وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ مِنْ آخِرِ الْعِتْقِ قَالَ لِعَبِيدِهِ الثَّلَاثِ أَنْتُمْ أَحْرَارٌ إلَّا فُلَانًا وَفُلَانًا وَفُلَانًا يَقَعُ الْعِتْقُ، وَلَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ لِأَنَّهُ اسْتِثْنَاءُ الْكُلِّ مِنْ الْكُلِّ اهـ. وَفِي قِيَاسِهِ أَنْتُنَّ طَوَالِقُ إلَّا فُلَانَةَ وَفُلَانَةَ وَفُلَانَةَ، وَلَيْسَ لَهُ أَرْبَعَةٌ، وَهُوَ مِنْ قَبِيلِ الْمُسَاوِي بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بِغَيْرِ الْمُسَاوِي كَقَوْلِهِ كُلُّ امْرَأَةٍ لِي طَالِقٌ إلَّا هَذِهِ، وَلَيْسَ لَهُ سِوَاهَا لَا تَطْلُقُ لِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ فِي الْوُجُودِ لَا تَمْنَعُ صِحَّتَهُ إنْ عَمَّ وَضْعًا لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ صِيَغِيٌّ كَقَوْلِهِ نِسَائِي طَوَالِقُ إلَّا زَيْنَبَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَفِي الْمُحِيطِ، وَلَوْ حَرَّكَ لِسَانَهُ بِالِاسْتِثْنَاءِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ، وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ، وَإِذَا حَرَّكَ لِسَانَهُ بِالِاسْتِثْنَاءِ صَحَّ إذَا تَكَلَّمَ بِالْحُرُوفِ سَوَاءٌ كَانَ مَسْمُوعًا أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَذَكَرَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ الِاسْتِثْنَاءُ مَا لَمْ يَكُنْ مَسْمُوعًا اهـ. فَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَرْجَحِيَّةِ الْأَوَّلِ تَأَمَّلْ اهـ. لَكِنْ صَحَّحَ فِي الْبَدَائِعِ مَا ذَكَرَهُ الْهِنْدُوَانِيُّ، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا ذَكَرُوهُ فِي الصَّلَاةِ. (قَوْلُهُ فَتَعَارَضَا صُورَةً) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ نَفْيًا وَإِثْبَانًا، وَقَوْلُهُ ثُمَّ تَرَجَّحَ الثَّانِي أَيْ النَّفْيُ، وَقَوْلُهُ فَيُحْكَمُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَوَّلِ أَيْ الَّذِي هُوَ الْعَشَرَةُ، وَقَوْلُهُ مَا سِوَاهُ أَيْ مَا سِوَى الْمُسْتَثْنَى الَّذِي هُوَ الثَّلَاثَةُ (قَوْلُهُ فَقَالَ: وَالْخَامِسُ مَا يُؤَدِّي إلَى تَصْحِيحِ بَعْضِ الِاسْتِثْنَاءِ) كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ بَعْضُ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، وَلَيْسَ مَا نَقَلَهُ عِبَارَةُ الْخَانِيَّةِ بَلْ هِيَ هَكَذَا، وَالْخَامِسُ إبْطَالُ الْبَعْضِ كَمَا لَوْ قَالَ إلَخْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 44 وَهِنْدًا وَعَمْرَةَ وَبَكْرَةَ، وَأَوْصَيْت بِثُلُثِ مَالِي إلَّا أَلْفًا، وَالثُّلُثُ أَلْفٌ فَإِنَّهُ يَصِحُّ، وَعَبِيدِي أَحْرَارٌ إلَّا فُلَانًا وَفُلَانًا، وَلَيْسَ لَهُ إلَّا هُمَا، وَفِي الْجَوْهَرَةِ، وَاخْتَلَفُوا فِي اسْتِثْنَاءِ الْكُلِّ قَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ رُجُوعٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ اسْتِثْنَاءٌ فَاسِدٌ، وَلَيْسَ بِرُجُوعٍ، وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُمْ قَالُوا فِي الْمُوصِي إذَا اسْتَثْنَى جَمِيعَ الْمُوصَى بِهِ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ الِاسْتِثْنَاءُ، وَالْوَصِيَّةُ صَحِيحَةٌ، وَلَوْ كَانَ رُجُوعًا لَبَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ لِأَنَّ الرُّجُوعَ فِيهَا جَائِزٌ. اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ وَثِنْتَيْنِ إلَّا ثِنْتَيْنِ إنْ نَوَى الِاسْتِثْنَاءَ عَنْ إحْدَى الثِّنْتَيْنِ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ اسْتِثْنَاءُ الْكُلِّ مِنْ الْكُلِّ. وَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً مِنْ الْأُولَى، وَوَاحِدَةً مِنْ الْأُخْرَى يَصِحُّ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ، وَيَقَعُ ثِنْتَانِ خِلَافًا لِزُفَرَ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ تَصْحِيحُ الِاسْتِثْنَاءِ بِأَنْ يَصْرِفَ إلَى كِلَا الْعَدَدَيْنِ فَيَصِيرَ مُسْتَثْنًى مِنْ كُلِّ جُمْلَةٍ وَاحِدَةٍ فَيَصْرِفَ إلَيْهِمَا تَصْحِيحًا لِكَلَامِهِ. وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ وَثِنْتَيْنِ إلَّا ثَلَاثًا أَوْ أَنْت طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ وَأَرْبَعًا إلَّا خَمْسًا وَقَعَ الثَّلَاثُ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ تَصْحِيحُ الِاسْتِثْنَاءِ لِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ الثَّلَاثِ مِنْ الثِّنْتَيْنِ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ يَزِيدُ عَلَيْهِ، وَلَا اسْتِثْنَاءُ نِصْفِ الثَّلَاثِ مِنْ كُلِّ ثِنْتَيْنِ لِأَنَّهُ اسْتِثْنَاءَ جَمِيعِ الثِّنْتَيْنِ لِأَنَّ ذِكْرَ نِصْفِ مَا لَا يَتَجَزَّأُ كَذِكْرِ كُلِّهِ، وَلَا اسْتِثْنَاءُ وَاحِدَةِ مِنْ إحْدَى الثِّنْتَيْنِ لِأَنَّهُ يَبْقَى ثِنْتَيْنِ اسْتِثْنَاءً مِنْ الْأُخْرَى، وَأَنَّهُ لَا يَصِحُّ، وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ، وَمَاتَ قَبْلَ الْبَيَانِ طَلَقَتْ وَاحِدَةً فِي رَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى يَقَعُ ثِنْتَانِ، وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ عَشْرًا إلَّا تِسْعًا يَقَعُ وَاحِدَةٌ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَرِدُ عَلَى اللَّفْظِ فَيَكُونُ الْعِبْرَةُ لِلَّفْظِ لَا لِلْحُكْمِ، وَبِاعْتِبَارِ هَذَا اللَّفْظِ اسْتِثْنَاءُ الْبَعْضِ مِنْ الْكُلِّ، وَلَوْ قَالَ إلَّا ثَمَانِيًا تَقَعُ ثِنْتَانِ، وَلَوْ قَالَ إلَّا سَبْعًا يَقَعُ الثَّلَاثُ، وَلَوْ قَالَ لِلْمَدْخُولَةِ أَنْت طَالِقٌ أَنْت طَالِقٌ أَنْت طَالِقٌ إلَّا وَاحِدَةً يَقَعُ الثَّلَاثُ، وَكَذَا لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ وَاحِدَةٌ وَوَاحِدَةٌ وَوَاحِدَةٌ إلَّا وَاحِدَةً لِأَنَّهُ ذَكَرَ كَلِمَاتٍ مُتَفَرِّقَةً فَيُعْتَبَرُ كُلُّ كَلَامٍ فِي حَقِّ صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ كَأَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ، وَكَذَا لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ بَائِنٌ، وَأَنْتِ طَالِقٌ غَيْرُ بَائِنٍ إلَّا تِلْكَ الْبَائِنَ لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ، وَكَذَا لَوْ قَالَ هَذِهِ طَالِقٌ، وَهَذِهِ، وَهَذِهِ إلَّا هَذِهِ وَلَوْ قَالَ أَنْتُنَّ طَوَالِقُ إلَّا هَذِهِ صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ. اهـ. وَقَيَّدْنَا بِكَوْنِهِ لَمْ يَكُنْ بَعْدَهُ اسْتِثْنَاءٌ آخَرُ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بَعْدَهُ مَا يَكُونُ جَبْرًا لِلصَّدْرِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً فَإِنَّهَا تَطْلُقُ وَاحِدَةً، وَالْأَصْلُ أَنَّهُ إذَا تَعَدَّدَ الِاسْتِثْنَاءُ بِلَا وَاوٍ كَانَ كُلٌّ إسْقَاطًا مِمَّا يَلِيه فَوَقَعَ ثِنْتَانِ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا ثِنْتَيْنِ إلَّا وَاحِدَةً، وَلَزِمَهُ خَمْسَةٌ فِي قَوْلِهِ لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا تِسْعَةً إلَّا ثَمَانِيَةً إلَّا سَبْعَةً إلَّا سِتَّةً إلَّا خَمْسَةً إلَّا أَرْبَعَةً إلَّا ثَلَاثًا إلَّا ثِنْتَيْنِ إلَّا وَاحِدَةً. وَفِي الْمُحِيطِ، وَطَرِيقَةٌ أُخْرَى لِمَعْرِفَتِهَا أَنْ تَأْخُذَ الثَّلَاثَ بِيَمِينِك وَالثِّنْتَيْنِ بِيَسَارِك، وَالْوَاحِدَةَ بِيَمِينِك ثُمَّ تُسْقِطَ مَا اجْتَمَعَ فِي يَسَارِك مِمَّا اجْتَمَعَ فِي يَمِينِك فَمَا بَقِيَ فَهُوَ الْوَاقِعُ. اهـ. وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ إلَّا وَاحِدَةً لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا نِصْفَ وَاحِدَةٍ لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ، وَوَقَعَ الثَّلَاثُ عَلَى الْمُخْتَارِ، وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْمُسْتَثْنَى وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ مِنْ غَيْرِ وَصْفٍ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا بَائِنَةً إلَّا وَاحِدَةً أَوْ ثَلَاثًا أَلْبَتَّةَ إلَّا وَاحِدَةً وَقَعَ ثِنْتَانِ رَجْعِيَّتَانِ، وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ إلَّا وَاحِدَةً بَائِنَةً أَوْ إلَّا وَاحِدًا بَائِنًا تَطْلُقُ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً، وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ أَلْبَتَّةَ إلَّا وَاحِدَةً تَقَعُ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ. وَكَذَا لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ إلَّا وَاحِدَةً أَلْبَتَّةَ تَقَعُ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً غَدًا أَوْ قَالَ إلَّا وَاحِدَةً إنْ كَلَّمْت فُلَانًا يَصِيرُ قَائِلًا أَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ غَدًا أَوْ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا، وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً لِلسُّنَّةِ كَانَتْ طَالِقًا اثْنَتَيْنِ لِلسُّنَّةِ عِنْدَ كُلِّ طُهْرٍ تَطْلِيقَةٌ وَاحِدَةٌ لِأَنَّهُ صَارَ كَأَنَّهُ قَالَ أَنْت طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ لِلسُّنَّةِ وَتَمَامُهُ فِي الْمُحِيطِ، وَلَوْ قَالَ أَنْت بَائِنٌ يَنْوِي ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً طَلَقَتْ ثِنْتَيْنِ بَائِنَتَيْنِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ طَلَقَتْ وَاحِدَةً، وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا نِصْفَهَا يَقَعُ ثِنْتَانِ، وَلَوْ قَالَ إلَّا أَنْصَافَهُنَّ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ تَمَامُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ) كَأَنَّهُ يُشِيرُ إلَى مَا قَدَّمَهُ الْمُؤَلِّفُ عَنْهَا قُبَيْلَ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ مِنْ الْأَصْلِ فِي الْوَصْفِ فَإِنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ وَصْفًا يَلِيقُ بِالْمُسْتَثْنَى أَوْ بِالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ أَوْ بِهِمَا، وَأَنَّهُ تَارَةً يَكُونُ وَصْفًا أَصْلِيًّا، وَتَارَةً يَكُونُ زَائِدًا، وَقَدْ ذَكَرَ مَا يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ هُنَاكَ فَرَاجِعْهُ، وَذَكَرَهُ صَاحِبُ النَّهْرِ هُنَا، وَهُوَ الْأَنْسَبُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 45 يَقَعُ الثَّلَاثُ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ، وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ. (بَابُ طَلَاقِ الْمَرِيضِ) لَمَّا كَانَ الْمَرَضُ مِنْ الْعَوَارِضِ أَخَّرَهُ، وَمَعْنَاهُ ضَرُورِيٌّ فَتَعْرِيفُهُ تَعْرِيفٌ بِالْأَخْفَى، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا مَنْ عَجَزَ عَنْ الْقِيَامِ بِحَوَائِجِهِ خَارِجَ الْبَيْتِ كَعَجْزِ الْفَقِيهِ عَنْ الْإِتْيَانِ إلَى الْمَسْجِدِ وَعَجْزِ السُّوقِيِّ عَنْ الْإِتْيَانِ إلَى دُكَّانِهِ فَأَمَّا مَنْ يَذْهَبُ وَيَجِيءُ وَيُحَمُّ فَلَا، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَهَذَا فِي حَقِّهِ أَمَّا فِي حَقِّهَا فَيُعْتَبَرُ عَجْزُهَا عَنْ الْقِيَامِ بِمَصَالِحِهَا دَاخِلَ الْبَيْتِ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَزَادَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنْ لَا تَقْدِرَ عَلَى الصُّعُودِ إلَى السَّطْحِ، وَفِي صَلَاةِ الْمَرِيضِ الَّذِي يُبَاحُ لَهُ تَرْكُ الْقِيَامِ أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ يَلْحَقُهُ بِالْقِيَامِ ضَرَرٌ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ، وَلَيْسَ الْحُكْمُ هُنَا مَقْصُورًا عَلَى الْمَرِيضِ بَلْ الْمُرَادُ مَنْ يُخَافُ عَلَيْهِ الْهَلَاكُ غَالِبًا، وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا كَمَا سَيَأْتِي، وَقَدْ عُلِمَ مِنْ كَلَامِهِمَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلزَّوْجِ الْمَرِيضِ التَّطْلِيقُ لِتَعَلُّقِ حَقِّهَا بِمَالِهِ إلَّا إذَا رَضِيَتْ بِهِ (قَوْلُهُ طَلَّقَهَا رَجْعِيًّا أَوْ بَائِنًا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ، وَمَاتَ فِي عِدَّتِهَا وَرِثَتْ وَبَعْدَهَا لَا) لِأَنَّ الزَّوْجِيَّةَ سَبَبُ إرْثِهَا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ، وَالزَّوْجُ قَصَدَ إبْطَالَهُ فَيُرَدُّ عَلَيْهِ قَصْدُهُ بِتَأْخِيرِ عَمَلِهِ إلَى زَمَنِ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهَا، وَقَدْ أَمْكَنَ لِأَنَّ النِّكَاحَ فِي الْعِدَّةِ يَبْقَى فِي حَقِّ بَعْضِ الْآثَارِ فَجَازَ أَنْ يَبْقَى فِي حَقِّ إرْثِهَا عَنْهُ بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الِانْقِضَاءِ لِأَنَّهُ لَا مَكَانَ، وَالزَّوْجِيَّةُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَيْسَتْ بِسَبَبٍ لِإِرْثِهِ عَنْهَا فَيَبْطُلُ فِي حَقِّهِ خُصُوصًا إذَا رَضِيَ بِهِ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَإِنْ كَانَتْ الْمُطَلَّقَةُ فِي الْمَرَضِ مُسْتَحَاضَةً، وَكَانَ حَيْضُهَا مُخْتَلِفًا فَفِي الْمِيرَاثِ يُؤْخَذُ بِالْأَقَلِّ لِأَنَّ الْمَالَ لَا يُسْتَوْجَبُ بِالشَّكِّ اهـ. أَطْلَقَ الرَّجْعِيَّ لِيُفِيدَ أَنَّهَا تَرِثُ، وَإِنْ طَلَّقَ فِي الصِّحَّةِ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ لِبَقَاءِ الزَّوْجِيَّةِ بَيْنَهُمَا حَقِيقَةً حَتَّى حِلِّ الْوَطْءِ، وَوَرِثَهَا إذَا مَاتَتْ فِيهَا. وَلَا يُشْتَرَطُ أَهْلِيَّتُهَا لِلْإِرْثِ وَقْتَ الطَّلَاقِ بَلْ وَقْتَ مَوْتِهِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ فِي الرَّجْعِيِّ مَمْلُوكَةً أَوْ كِتَابِيَّةً ثُمَّ أُعْتِقَتْ أَوْ أَسْلَمَتْ فِي الْعِدَّةِ وَرِثَتْهُ، وَأَطْلَقَ الْبَائِنَ فَشَمِلَ الْوَاحِدَةَ وَالثَّلَاثَ، وَتَرَكَ الْمُصَنِّفُ قَيْدَ الطَّوَاعِيَةِ، وَلَا بُدَّ مِنْهُ لِأَنَّهُ لَوْ أُكْرِهَ عَلَى طَلَاقِهَا الْبَائِنِ لَا تَرِثُ كَمَا لَوْ أُكْرِهَتْ عَلَى سُؤَالِهَا الطَّلَاقَ فَإِنَّهَا تَرِثُ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ، وَذَكَرَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ خِلَافًا فِيهِ، وَقَيَّدَ بِأَنْ يَكُونَ فِي مَرَضِهِ احْتِرَازًا عَمَّا إذَا طَلَّقَ فِي الصِّحَّةِ ثُمَّ مَرِضَ، وَمَاتَ، وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ لَا تَرِثُ مِنْهُ، وَلَوْ قَالَ صَحِيحٌ لِامْرَأَتَيْهِ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ ثُمَّ بَيَّنَ فِي مَرَضِهِ فِي إحْدَاهُمَا صَارَ فَارًّا بِالْبَيَانِ، وَتَرِثُ لِأَنَّهُ كَالْإِنْشَاءِ فِي حَقِّ الْإِرْثِ لِلتُّهْمَةِ، وَتَمَامُهُ فِي الْكَافِي، وَأَرَادَ بِهِ الْمَرَضَ الَّذِي اتَّصَلَ بِهِ الْمَوْتُ لِأَنَّ حَقَّهَا لَا يَتَعَلَّقُ بِمَالِهِ إلَّا بِهِ فَلَوْ طَلَّقَهَا فِي مَرَضِهِ ثُمَّ صَحَّ ثُمَّ مَاتَ، وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ لَا تَرِثُ مِنْهُ كَمَا سَيَأْتِي، وَلَوْ طَلَّقَهَا فِي مَرَضِهِ ثُمَّ قُتِلَ أَوْ مَاتَ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ الْمَرَضِ غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَبْرَأْ فَلَهَا الْمِيرَاثُ لِأَنَّهُ قَدْ اتَّصَلَ الْمَوْتُ بِمَرَضِهِ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَلَا بُدَّ فِي الْبَائِنِ أَنْ تَكُونَ أَهْلًا لِلْمِيرَاثِ وَقْتَ الطَّلَاقِ، وَالْمَوْتِ، وَمَا بَيْنَهُمَا، وَسَيَأْتِي، وَلَا يُشْتَرَطُ عِلْمُهُ بِأَهْلِيَّتِهَا لِلْمِيرَاثِ حَتَّى لَوْ طَلَّقَهَا بَائِنًا فِي مَرَضِهِ، وَقَدْ كَانَ سَيِّدُهَا أَعْتَقَهَا قَبْلُ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ الزَّوْجُ كَانَ فَارًّا. وَكَذَا لَوْ كَانَ تَحْتَهُ كِتَابِيَّةٌ فَأَسْلَمَتْ فَطَلَّقَهَا الزَّوْجُ ثَلَاثًا، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِإِسْلَامِهَا كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ الْمَوْلَى لِأَمَتِهِ أَنْت حُرَّةٌ غَدًا، وَقَالَ الزَّوْجُ أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا بَعْدَ غَدٍ إنْ عَلِمَ الزَّوْجُ بِكَلَامِ الْمَوْلَى كَانَ فَارًّا، وَإِلَّا فَلَا كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ لِأَنَّهُ   [منحة الخالق] [بَابُ طَلَاقِ الْمَرِيضِ] (قَوْلُهُ وَزَادَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنْ لَا تَقْدِرَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ، وَمُقْتَضَى الْأَوَّلِ أَنَّهَا لَوْ قَدَرَتْ عَلَى نَحْوِ الطَّبْخِ دُونَ صُعُودِ السَّطْحِ لَمْ تَكُنْ مَرِيضَةً، وَهُوَ الظَّاهِرُ (قَوْلُهُ وَقَدْ عُلِمَ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الشَّارِعَ حَيْثُ رَدَّ عَلَيْهِ قَصْدَهُ لَمْ يَكُنْ آتِيًا إلَّا بِصُورَةِ الْإِبْطَالِ لَا بِحَقِيقَتِهِ فَتَدَبَّرْ. اهـ. وَقَدْ يُقَالُ لَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْقَصْدُ مَحْظُورًا لَمْ يَرُدَّهُ عَلَيْهِ الشَّارِعُ كَمَنْ قَتَلَ مُوَرِّثَهُ (قَوْلُهُ أَطْلَقَ الرَّجْعِيَّ لِيُفِيدَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ، وَعِنْدِي أَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي حَذْفُ الرَّجْعِيِّ مِنْ هَذَا الْبَابِ لِأَنَّهَا فِيهِ تَرِثُ، وَلَوْ طَلَّقَهَا فِي الصِّحَّةِ مَا بَقِيَتْ الْعِدَّةُ بِخِلَافِ الْبَائِنِ فَإِنَّهَا لَا تَرِثُهُ إلَّا إذَا كَانَ فِي الْمَرَضِ، وَقَدْ أَحْسَنَ الْقُدُورِيُّ فِي اقْتِصَارِهِ عَلَى الْبَائِنِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَى هَذَا (قَوْلُهُ، وَذَكَرَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ خِلَافًا فِيهِ) ، وَذَلِكَ حَيْثُ قَالَ وَسُئِلَ عَمَّنْ أُكْرِهَ عَلَى التَّطْلِيقِ فِي مَرَضِهِ ثُمَّ مَاتَ قَالَ تَرِثُهُ إذْ الْإِكْرَاهُ لَا يُؤَثِّرُ فِي الطَّلَاقِ بِدَلِيلِ وُقُوعِ طَلَاقِ الْمُكْرَهِ، وَلَا رِوَايَةَ لِهَذَا فِي الْكُتُبِ قَالَ وَقَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ يَنْبَغِي أَنْ لَا تَرِثَهُ لِلْجَبْرِ إذْ ذَكَرَ أَنَّهُ لَوْ أُكْرِهَ عَلَى قَتْلِ مُوَرِّثِهِ فَقَتَلَهُ يَرِثُهُ لَا الْمُكْرِهُ لَوْ، وَارِثًا، وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْقَتْلُ قَالَ صط بَعْدَ ذَلِكَ لَا تَرِثُهُ فَإِنِّي وَجَدْت رِوَايَةً فِي الْفَرَائِضِ تَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْإِرْثِ. اهـ. (قَوْلُهُ صَارَ فَارًّا بِالْبَيَانِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ، وَعَلَى هَذَا فَيَنْبَغِي أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ، وَهُوَ صَحِيحٌ لَكِنَّهُ حَنِثَ، وَهُوَ مَرِيضٌ فَبَيَّنَهُ فِي وَاحِدَةٍ أَنَّهُ يَكُونُ فَارًّا أَيْضًا، وَلَمْ أَرَهُ (قَوْلُهُ إنْ عَلِمَ الزَّوْجُ بِكَلَامِ الْمَوْلَى كَانَ فَارًّا، وَإِلَّا فَلَا) ظَاهِرُ هَذَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 46 وَقْتَ التَّعْلِيقِ لَمْ يَقْصِدْ إبْطَالَ حَقِّهَا حَيْثُ لَمْ يَعْلَمْ، وَإِنْ صَارَتْ أَهْلًا قَبْلَ نُزُولِ الطَّلَاقِ، وَلَمْ تَكُنْ حُرَّةً وَقْتَ التَّعْلِيقِ لِأَنَّ عِتْقَهَا مُضَافٌ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ حُرَّةً وَقْتَهُ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ لِأَنَّهُ أَمْرٌ حُكْمِيٌّ فَلَا يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِهِ، وَلَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا الْبَائِنَ بِعِتْقِهَا كَانَ فَارًّا كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَلَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِمَرَضِهِ كَمَا إذَا قَالَ إنْ مَرِضْت فَأَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا يَكُونُ فَارًّا لِأَنَّهُ جَعَلَ شَرْطَ الْحِنْثِ الْمَرَضَ مُطْلَقًا كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ، وَصَحَّحَهُ فِي الْخَانِيَّةِ، وَشَمِلَ كَلَامُهُ مَا إذَا وَكَّلَ بِطَلَاقِهَا، وَهُوَ صَحِيحٌ ثُمَّ مَرِضَ فَطَلَّقَ الْوَكِيلُ بِشَرْطِ أَنْ يَقْدِرَ عَلَى عَزْلِهِ أَمَّا إذَا لَمْ يَسْتَطِعْ عَزْلَهُ حَتَّى طَلَّقَهَا فِي مَرَضِهِ لَا تَرِثُ مِنْهُ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ لَوْ قَالَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ طَلَّقَنِي فِي مَرَضِهِ ثَلَاثًا، وَكَذَّبَهَا الْوَرَثَةُ فِي الطَّلَاقِ فِي الْمَرَضِ وَرِثَتْهُ لِأَنَّهُمْ يَدَّعُونَ عَلَيْهَا الْحِرْمَانَ بِالطَّلَاقِ فِي الصِّحَّةِ، وَهِيَ تُنْكِرُ فَيَكُونُ الْقَوْلُ لَهَا كَمَا لَوْ قَالَتْ طَلَّقَنِي، وَهُوَ نَائِمٌ، وَقَالُوا فِي الْيَقَظَةِ كَانَ الْقَوْلُ لَهَا، وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ أَمَةً قَدْ عَتَقَتْ، وَمَاتَ الزَّوْجُ فَادَّعَتْ الْمَرْأَةُ الْعِتْقَ فِي حَيَاةِ الزَّوْجِ، وَادَّعَتْ الْوَرَثَةُ أَنَّهُ كَانَ بَعْدَ مَوْتِهِ فَالْقَوْلُ لِلْوَرَثَةِ، وَلَا يُعْتَبَرُ قَوْلُ مَوْلَاهَا كَمَا إذَا ادَّعَتْ أَنَّهَا أَسْلَمَتْ فِي حَيَاتِهِ، وَقَالَ الْوَرَثَةُ أَسْلَمَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ فَالْقَوْلُ لَهُمْ، وَالْقَوْلُ لَهَا فِي أَنَّهُ مَاتَ قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا مَعَ الْيَمِينِ فَإِنْ نَكَلَتْ لَا إرْثَ لَهَا، وَلَوْ تَزَوَّجَتْ قَبْلَ مَوْتِهِ ثُمَّ قَالَتْ لَمْ تُنْقَضْ عِدَّتِي لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا، وَلَوْ لَمْ تَتَزَوَّجْ لَكِنَّهَا قَالَتْ أَيِسْت ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ مُضِيِّ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ إقْرَارِهَا لَا مِيرَاثَ لَهَا اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ مِنْهَا كُفْرٌ فَقَالَتْ الْوَرَثَةُ كُنْت كِتَابِيَّةً، وَأَسْلَمْت بَعْدَ مَوْتِ الزَّوْجِ، وَهِيَ تَقُولُ مَا زِلْت مُسْلِمَةً فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا لِأَنَّ الْوَرَثَةَ يَدَّعُونَ بُطْلَانَ حَقِّهَا، وَهِيَ تُنْكِرُ، وَلَوْ مَاتَ الزَّوْجُ كَافِرًا فَقَالَتْ امْرَأَةٌ مُسْلِمَةٌ أَسْلَمْت بَعْدَ مَوْتِ زَوْجِي، وَقَالَتْ الْوَرَثَةُ بَلْ كُنْت مُسْلِمَةً قَبْلَ مَوْتِهِ فَالْقَوْلُ لَهُمْ لِأَنَّهُ ظَهَرَ بُطْلَانُ حَقِّهَا حَيْثُ كَانَتْ مُسْلِمَةً لِلْحَالِ فَهِيَ تَدَّعِي ثُبُوتَ حَقِّهَا فِي مَالِهِ، وَالْوَرَثَةُ يُنْكِرُونَهُ. اهـ. وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ فِي عِدَّتِهَا إلَى أَنَّهَا مَدْخُولَةٌ فَلَوْ أَبَانَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَلَا مِيرَاثَ لَهَا لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ إبْقَاءُ الزَّوْجِيَّةِ فِي غَيْرِ حَالَةِ الْعِدَّةِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ، وَقُيِّدَ بِمَوْتِهِ لِأَنَّهُ لَوْ مَاتَتْ الْمَرْأَةُ لَمْ يَرِثْهَا الزَّوْجُ بِحَالٍ لِأَنَّ الزَّوْجَ بِالطَّلَاقِ رَضِيَ بِبُطْلَانِ حَقِّهِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ طَلَّقَهَا فِي الْمَرَضِ فَمَاتَ بَعْدَ مُضِيِّ الْعِدَّةِ فَالْمُشْكِلُ مِنْ مَتَاعِ الْبَيْتِ لِوَارِثِ الزَّوْجِ إذَا صَارَتْ أَجْنَبِيَّةً بِمُضِيِّ الْعِدَّةِ، وَلَمْ يَبْقَ لَهَا يَدٌ، وَلَوْ مَاتَ قَبْلَ الْعِدَّةِ فَالْمُشْكِلُ مِنْ مَتَاعِ الْبَيْتِ لِلْمَرْأَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهَا تَرِثُ فَلَمْ تَكُنْ أَجْنَبِيَّةً فَكَأَنَّهُ مَاتَ قَبْلَ الطَّلَاقِ. اهـ. . (قَوْلُهُ وَلَوْ أَبَانَهَا بِأَمْرِهَا أَوْ اخْتَلَعَتْ مِنْهُ أَوْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا بِتَفْوِيضِهِ لَمْ تَرِثْ) لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِإِبْطَالِ حَقِّهَا لِلْأَمْرِ مِنْهَا بِالْعِلَّةِ فِي الْأُولَى، وَلِمُبَاشَرَتِهَا الْعِلَّةَ فِي الْأَخِيرَيْنِ أَمَّا فِي التَّخْيِيرِ فَظَاهِرٌ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ مِنْهَا، وَأَمَّا فِي الْخُلْعِ فَلِأَنَّ الْتِزَامَ الْمَالِ عِلَّةُ الْعِلَّةِ لِأَنَّهُ شَرَى الطَّلَاقَ قَيْدٌ بِالْبَائِنِ لِأَنَّهَا لَوْ سَأَلَتْهُ الرَّجْعِيَّ فَطَلَّقَهَا لَا يَمْتَنِعُ إرْثُهَا لِمَا قَدَّمْنَا أَنَّهَا زَوْجَةٌ حَقِيقَةً، وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِ طَلَّقَ بِأَمْرِهَا لِأَنَّهَا لَوْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا بَائِنًا فَأَجَازَ تَرِثُ لِأَنَّ الْمُبْطِلَ لِلْإِرْثِ أَجَازَتْهُ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ، وَأَرَادَ بِالْأَمْرِ الرِّضَا بِالطَّلَاقِ فَخَرَجَ مَا لَوْ أُكْرِهَتْ عَلَى سُؤَالِهَا الطَّلَاقَ فَإِنَّهَا تَرِثُ لِعَدَمِ الرِّضَا، وَشَمِلَ مَا لَوْ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بِتَمْكِينِ ابْنِ الزَّوْجِ فَلَا تَرِثُ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَبُوهُ أَمَرَهُ بِذَلِكَ فَقَرَّبَهَا مُكْرَهَةً لِأَنَّهُ بِذَلِكَ يَنْتَقِلُ إلَيْهِ فَيَصِيرُ كَالْمُبَاشِرِ، وَشَمِلَ مَا إذَا فَارَقَتْهُ بِسَبَبِ الْجَبِّ أَوْ الْعُنَّةِ أَوْ خِيَارِ الْبُلُوغِ وَالْعِتْقِ فَلَا تَرِثُ لِرِضَاهَا، وَكَذَا لَوْ ارْتَدَّتْ، وَهُوَ مَرِيضٌ، وَأَشَارَ بِاخْتِلَاعِهَا مِنْهُ إلَى مُبَاشَرَتِهَا لِعِلَّةِ الطَّلَاقِ فَدَخَلَ فِيهِ مَا لَوْ أَبَانَهَا فِي مَرَضِهِ ثُمَّ قَالَ لَهَا إذَا تَزَوَّجْتُك فَأَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فِي الْعِدَّةِ، وَمَاتَ مِنْ مَرَضِهِ حَيْثُ لَا تَرِثُ لِأَنَّهُ مَوْتٌ فِي عِدَّةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ فَأَبْطَلَ حُكْمَ الْفِرَارِ بِالطَّلَاقِ الْأَوَّلِ وَالطَّلَاقِ   [منحة الخالق] أَنَّ الْوَاقِعَ عَلَيْهَا ثَلَاثُ طَلْقَاتٍ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ إذْ لَا فِرَارَ فِي الرَّجْعِيِّ وَمُقْتَضَى مَا مَرَّ فِي التَّعْلِيقِ، وَيَأْتِي أَيْضًا أَوَّلَ بَابِ الرَّجْعَةِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ الْأَمَةِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ أَعْتَقَهَا مَوْلَاهَا فَدَخَلَتْ وَقَعَ ثِنْتَانِ، وَيَمْلِكُ الرَّجْعَةَ أَنْ يَكُونَ الْوَاقِعُ هُنَا أَيْضًا ثِنْتَيْنِ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمُبْطِلَ لِلْإِرْثِ إجَازَتُهُ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا لَا يُجْدِي نَفْعًا فِيمَا إذَا كَانَ الطَّلَاقُ فِي مَرَضِهِ إذْ دَلِيلُ الرِّضَا فِيهِ قَائِمٌ. اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهَا إنَّمَا رَضِيَتْ بِطَلَاقٍ غَيْرِ مُبْطِلٍ لِحَقِّهَا، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ رِضَاهَا بِمَا يُبْطِلُهُ، وَعِبَارَةُ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، وَلَيْسَ هَذَا كَطَلَاقِ سُؤَالِهَا إذْ لَمْ تَرْضَ بِعَمَلِ الْمُبْطِلِ إذْ قَوْلُهَا طَلَّقْت نَفْسِي لَمْ يَكُنْ مُبْطِلًا بَلْ يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهِ فَإِذَا أَجَازَ فِي مَرَضِهِ فَكَأَنَّهُ أَنْشَأَ الطَّلَاقَ فَفَرَّ. اهـ. (قَوْلُهُ فَخَرَجَ مَا لَوْ أُكْرِهَتْ عَلَى سُؤَالِهَا الطَّلَاقَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ، وَعُرِفَ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ جَامَعَهَا ابْنُهُ مُكْرَهَةً فَإِنَّهَا تَرِثُ. اهـ. وَرَدَّهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ بِمَا يَأْتِي آخِرَ الْبَابِ عَنْ الْبَدَائِعِ مِنْ أَنَّ الْفُرْقَةَ لَوْ وَقَعَتْ بِتَقْبِيلِ ابْنِ الزَّوْجِ لَا تَرِثُ مُطَاوِعَةً كَانَتْ أَوْ لَا اهـ. فَالْجِمَاعُ أَوْلَى ثُمَّ رَأَيْت الْمَسْأَلَةَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، وَنَصُّهُ جَامَعَهَا ابْنُ مَرِيضٍ مُكْرَهَةً لَمْ تَرِثْهُ إلَّا إنْ أَمَرَهُ الْأَبُ بِذَلِكَ فَيَنْتَقِلُ فِعْلُ الِابْنِ إلَى الْأَبِ فِي حَقِّ الْفُرْقَةِ فَيَكُونُ فَارًّا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 47 الثَّانِي. وَإِنْ وَقَعَ إلَّا أَنَّ شَرْطَهُ، وَهُوَ التَّزَوُّجُ حَصَلَ بِفِعْلِهَا فَلَا يَكُونُ إقْرَارًا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَقَيَّدَ بِاخْتِلَاعِهَا مِنْهُ لِأَنَّهُ لَوْ خَلَعَهَا أَجْنَبِيٌّ مِنْ زَوْجِهَا الْمَرِيضِ مَرَضَ الْمَوْتِ فَلَهَا الْإِرْثُ لَوْ مَاتَ الزَّوْجُ فِي مَرَضِهِ ذَلِكَ، وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ لِأَنَّهَا لَمْ تَرْضَ بِهَذَا الطَّلَاقِ فَيَصِيرُ الزَّوْجُ فَارًّا كَذَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ مَا إذَا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ مِنْ قِبَلِهَا فِي مَرَضِ مَوْتِهَا، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَمَّا تَعَلَّقَ حَقُّهَا بِمَا لَهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ تَعَلَّقَ حَقُّهَا بِمَا لَهَا فِي مَرَضِ مَوْتِهَا فَلَوْ بَاشَرَتْ سَبَبَ الْفُرْقَةِ، وَهِيَ مَرِيضَةٌ، وَمَاتَتْ قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا وَرِثَهَا كَمَا إذَا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بِاخْتِيَارِهَا نَفْسَهَا فِي خِيَارِ الْبُلُوغِ وَالْعِتْقِ أَوْ بِتَقْبِيلِهَا ابْنَ زَوْجِهَا، وَهِيَ مَرِيضَةٌ لِأَنَّهَا مِنْ قِبَلِهَا، وَلِذَا لَمْ يَكُنْ طَلَاقًا، وَهَذَا ظَاهِرٌ. وَأَمَّا إذَا وَقَعَتْ بِسَبَبِ الْجَبِّ أَوْ الْعُنَّةِ أَوْ اللِّعَانِ، وَهِيَ مَرِيضَةٌ فَمَشَى الشَّارِحُ عَلَى أَنَّهَا كَالْأَوَّلِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ، وَنَقَلَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ عَنْ الْجَامِعِ أَنَّهُ لَا يَرِثُهَا لِأَنَّهَا طَلَاقٌ فَكَانَتْ مُضَافَةً إلَيْهِ، وَعَزَاهُ فِي الْمُحِيطِ إلَى الْجَامِعِ أَيْضًا مُقْتَصَرًا عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي فَكَانَ هُوَ الْمَذْهَبُ، وَإِذَا ارْتَدَّتْ الْمَرْأَةُ ثُمَّ مَاتَتْ أَوْ لَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ إنْ كَانَتْ الرِّدَّةُ فِي الصِّحَّةِ لَا يَرِثُهَا زَوْجُهَا. وَإِنْ كَانَتْ فِي الْمَرَضِ وَرِثَهَا زَوْجُهَا اسْتِحْسَانًا بِخِلَافِ مَا إذَا ارْتَدَّ فَقُتِلَ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ أَوْ مَاتَ عَلَى الرِّدَّةِ فَإِنَّهَا تَرِثُهُ مُطْلَقًا، وَإِنْ ارْتَدَّا مَعًا ثُمَّ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا إنْ مَاتَ الْمُسْلِمُ لَا يَرِثُ الْمُرْتَدُّ، وَإِنْ كَانَ الَّذِي مَاتَ مُرْتَدًّا هُوَ الزَّوْجُ وَرِثَتْهُ الْمُسْلِمَةُ، وَإِنْ كَانَتْ الْمُرْتَدَّةُ قَدْ مَاتَتْ فَإِنْ كَانَتْ رِدَّتُهَا فِي الْمَرَضِ وَرِثَهَا الزَّوْجُ الْمُسْلِمُ، وَإِنْ كَانَتْ فِي الصِّحَّةِ لَمْ تَرِثْ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَفِي الْكَافِي الْأَصْلُ أَنَّ الْمَأْمُورِينَ بِالطَّلَاقِ بِغَيْرِ بَدَلٍ يَنْفَرِدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْإِيقَاعِ، وَالْمَأْمُورِينَ بِالطَّلَاقِ بِالْبَدَلِ لَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِالْإِيقَاعِ بَلْ يُشْتَرَطُ اجْتِمَاعُهُمَا، وَأَنَّ التَّمْلِيكَ يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ، وَالتَّوْكِيلَ لَا، وَمَنْ عَمِلَ لِنَفْسِهِ فَهُوَ مَالِكٌ، وَمَنْ عَمِلَ لِغَيْرِهِ فَهُوَ وَكِيلٌ، وَامْرَأَةُ الْفَارِّ لَمْ تَرِثْ إنْ بَاشَرَتْ عِلَّةَ الْفُرْقَةِ أَوْ شَرْطَهَا أَوْ أُخِّرَ وَصْفَيْ الْعِلَّةِ أَوْ إحْدَى الْعِلَّتَيْنِ، وَإِنْ بَاشَرَتْ بَعْضَ الْعِلَّةِ أَوْ بَعْضَ الشَّرْطِ لَمْ يَبْطُلْ حَقُّهَا مِنْ الْإِرْثِ قَالَ الْمَرِيضُ لِامْرَأَتَيْهِ بَعْدَ الدُّخُولِ طَلِّقَا أَنْفُسَكُمَا ثَلَاثًا فَطَلَّقَتْ كُلٌّ نَفْسَهَا وَصَاحِبَتَهَا عَلَى التَّعَاقُبِ طَلَقَتَا ثَلَاثًا بِتَطْلِيقِ الْأُولَى وَتَطْلِيقِ الْأُخْرَى نَفْسَهَا بَعْدَ ذَلِكَ، وَصَاحِبَتَهَا بَاطِلٌ فَإِذَا طَلَقَتْ الْأُولَى نَفْسَهَا وَصَاحِبَتَهَا طَلَقَتَا وَوَرِثَتْ الثَّانِيَةُ دُونَ الْأُولَى بِخِلَافِ مَا إذَا ابْتَدَأَتْ الْأُولَى فَطَلَقَتْ صَاحِبَتُهَا دُونَ نَفْسِهَا حَيْثُ يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَى صَاحِبَتِهَا، وَلَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا فِي حَقِّ نَفْسِهَا مَالِكَةً، وَالتَّمْلِيكُ يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ فَإِذَا بَدَأَتْ بِطَلَاقِ صَاحِبَتِهَا خَرَجَ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا، وَوَرِثَتْ، وَكَذَا لَوْ ابْتَدَأَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ بِتَطْلِيقِ صَاحِبَتِهَا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ طَلَقَتْ بِتَطْلِيقِ غَيْرِهَا، وَإِنْ طَلَقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ نَفْسَهَا، وَصَاحِبَتَهَا مَعًا طَلَقَتَا، وَلَمْ يَرِثَا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ طَلَقَتْ بِتَطْلِيقِ نَفْسِهَا. وَإِنْ طَلَقَتْ إحْدَاهُمَا بِأَنْ قَالَتْ إحْدَاهُمَا طَلَّقْت نَفْسِي، وَقَالَتْ الْأُخْرَى طَلَّقْت صَاحِبَتِي، وَخَرَجَ الْكَلَامَانِ مَعًا طَلَقَتْ تِلْكَ الْوَاحِدَةُ، وَلَا تَرِثُ، وَإِنْ طَلَّقَتْ إحْدَاهُمَا نَفْسَهَا ثُمَّ طَلَّقَتْهَا صَاحِبَتُهَا طَلَقَتْ، وَلَا تَرِثُ، وَعَلَى الْعَكْسِ تَرِثُ هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَتَا فِي مَجْلِسِهِمَا ذَلِكَ فَإِنْ قَامَتَا عَنْ مَجْلِسِهِمَا ذَلِكَ ثُمَّ طَلَّقَتْ كُلٌّ نَفْسَهَا وَصَاحِبَتَهَا مَعًا أَوْ عَلَى التَّعَاقُبِ أَوْ طَلَّقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ صَاحِبَتَهَا وَرِثَتَا، وَلَوْ طَلَّقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا نَفْسَهَا لَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا، وَلَوْ قَالَ طَلِّقَا أَنْفُسَكُمَا ثَلَاثًا إنْ شِئْتُمَا فَطَلَّقَتْ إحْدَاهُمَا نَفْسَهَا، وَصَاحِبَتَهَا لَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا حَتَّى تُطَلِّقَ الْأُخْرَى نَفْسَهَا وَصَاحِبَتَهَا فَلَوْ طَلَّقَتْ الْأُخْرَى بَعْدَ ذَلِكَ نَفْسَهَا وَصَاحِبَتَهَا ثَلَاثًا طَلَقَتَا، وَوَرِثَتْ الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ، وَلَوْ قَامَتَا عَنْ الْمَجْلِسِ ثُمَّ طَلَقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ كِلَيْهِمَا مُتَعَاقِبًا أَوْ مَعًا لَا يَقَعُ، وَلَوْ قَالَ أَمْرُكُمَا بِأَيْدِيكُمَا نَاوِيًا التَّفْوِيضَ صَارَ تَمْلِيكًا حَتَّى لَا تَنْفَرِدَ إحْدَاهُمَا بِالطَّلَاقِ، وَيَقْتَصِرَ عَلَى الْمَجْلِسِ، وَهُوَ كَالتَّعْلِيقِ بِالْمَشِيئَةِ إلَّا فِي حُكْمٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ أَنَّهُمَا إذَا اجْتَمَعَا عَلَى طَلَاقِ   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 48 وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا يَقَعُ، وَفِي قَوْلِهِ إنْ شِئْتُمَا لَا يَقَعُ، وَلَوْ قَالَ طَلِّقَا أَنْفُسَكُمَا بِأَلْفٍ فَقَالَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ طَلَّقْت نَفْسِي وَصَاحِبَتِي بِأَلْفٍ مَعًا أَوْ مُتَعَاقِبًا بَانَتَا بِأَلْفٍ، وَيَقْسِمُ عَلَى مَهْرَيْهِمَا، وَلَمْ يَرِثْ، وَلَوْ طَلَقَتْ إحْدَاهُمَا طَلَقَتْ بِحِصَّتِهَا مِنْ الْأَلْفِ، وَإِنْ قَامَتَا مِنْ الْمَجْلِسِ بَطَلَ الْأَمْرُ. اهـ. مُخْتَصَرٌ. (قَوْلُهُ وَفِي طَلِّقْنِي رَجْعِيَّةً فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَرِثَتْ) لِمَا قَدَّمْنَا أَنَّ الرَّجْعِيَّ لَا يُزِيلُ النِّكَاحَ فَلَمْ تَكُنْ بِسُؤَالِهَا رَاضِيَةً بِبُطْلَانِ حَقِّهَا، وَأَرَادَ مِنْ ذِكْرِ الرَّجْعِيَّةِ نَفْيَ سُؤَالِهَا الْبَائِنَ فَدَخَلَ مَا لَوْ قَالَتْ طَلِّقْنِي، وَلَمْ تَزِدْ عَلَيْهِ فَطَلَّقَهَا بَائِنًا فَإِنَّهَا تَرِثُ لِأَنَّهُ يَنْصَرِفُ إلَى الرَّجْعِيِّ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَكَذَا يَنْصَرِفُ إلَيْهِ فِي الْوَكَالَةِ وَالتَّفْوِيضِ وَالْإِنْشَاءِ فَلَمْ تَكُنْ بِسُؤَالِهَا رَاضِيَةً بِبُطْلَانِ حَقِّهَا، وَالْمُرَادُ بِالثَّلَاثِ الْبَائِنُ فَدَخَلَ مَا لَوْ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً بَائِنَةً أَيْضًا، وَلَمْ أَرَ حُكْمَ مَا إذَا سَأَلَتْهُ وَاحِدَةً بَائِنَةً فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا، وَظَاهِرُ الْمُحِيطِ أَنَّهَا تَرِثُ فَإِنَّهُ قَالَ لَوْ قَالَتْ لَهُ طَلِّقْنِي فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَرِثَتْ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّهَا سَأَلَتْهُ فِي الْوَاحِدَةِ، وَقَدْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا انْتَهَى، وَلَمْ يُعَلِّلْ بِالرَّجْعِيِّ، وَإِنَّمَا عَلَّلَ بِالْوَاحِدَةِ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا مِيرَاثَ لَهَا لِرِضَاهَا بِالْبَائِنِ. (قَوْلُهُ وَإِنْ أَبَانَهَا بِأَمْرِهَا فِي مَرَضِهِ أَوْ تَصَادَقَا عَلَيْهَا فِي الصِّحَّةِ، وَمَضَى الْعِدَّةُ فَأَقَرَّ أَوْ أَوْصَى لَهَا فَلَهَا الْأَقَلُّ مِنْهَا، وَمِنْ إرْثِهَا) أَيْ لَهَا الْأَقَلُّ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُقَرِّ بِهِ، وَالْمُوصَى بِهِ، وَمِنْ إرْثِهَا مِنْهُ لِأَنَّ الْعِدَّةَ بَاقِيَةٌ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَهِيَ سَبَبُ التُّهْمَةِ، وَالْحُكْمُ يُدَارُ عَلَى دَلِيلِ التُّهْمَةِ، وَفِي الثَّانِيَةِ قَالَ الْإِمَامُ بِبَقَاءِ التُّهْمَةِ أَيْضًا لِأَنَّ الْمَرْأَةَ قَدْ تَخْتَارُ الطَّلَاقَ لِيَنْفَتِحَ بَابُ الْإِقْرَارِ وَالْوَصِيَّةِ فَيَزِيدُ حَقُّهَا وَالزَّوْجَانِ قَدْ يَتَوَاضَعَانِ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالْفُرْقَةِ وَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَهَذِهِ التُّهْمَةُ فِي الزِّيَادَةِ فَرَدَدْنَاهَا، وَلَا تُهْمَةَ فِي قَدْرِ الْمِيرَاثِ فَصَحَّحْنَاهُ، وَهُمَا قَالَا فِي الثَّانِيَةِ بِنَفْيِ التُّهْمَةِ لِكَوْنِهَا أَجْنَبِيَّةً لِعَدَمِ الْعِدَّةِ بِدَلِيلِ قَبُولِ شَهَادَتِهِ لَهَا، وَجَوَازِ وَضْعِ الزَّكَاةِ فِيهَا وَتَزَوُّجِهَا بِزَوْجٍ آخَرَ، وَأَجَابَ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِأَنَّهُ لَا مُوَاضَعَةَ عَادَةً فِي حَقِّ الزَّكَاةِ وَالشَّهَادَةِ وَالتَّزَوُّجِ فَلَا تُهْمَةَ هَذَا حَاصِلُ مَا فِي الْهِدَايَةِ، وَقَرَّرَهُ الشَّارِحُونَ مِنْ غَيْرِ تَعَقُّبٍ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ إذَا أَقَرَّ بِالطَّلَاقِ مُنْذُ زَمَانٍ، وَصَدَّقَتْهُ أَنَّ الْعِدَّةَ تُعْتَبَرُ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ بِدَلِيلِ أَنَّهُمْ اتَّفَقُوا هُنَا أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَيْهَا وَشَهَادَتُهُ لَهَا وَتَزَوُّجُهَا وَهُوَ خِلَافُ مَا صَرَّحُوا بِهِ فِي الْعِدَّةِ مِنْ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّ الْعِدَّةَ تُعْتَبَرُ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهِمَا فَلَا يَثْبُتُ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَحْكَامِ، وَلَا تَزَوُّجُهُ بِأُخْتِهَا وَأَرْبَعٍ سِوَاهَا أَيْضًا فَحِينَئِذٍ ظَهَرَتْ التُّهْمَةُ فِي إقْرَارِهِ وَوَصِيَّتِهِ. وَانْدَفَعَ بِهِ مَا ذَكَرَهُ السُّرُوجِيُّ فِي غَايَتِهِ مِنْ أَنَّهُ يَنْبَغِي تَحْكِيمُ الْحَالِ فَإِنْ كَانَ جَرَى بَيْنَهُمَا خُصُومَةٌ، وَتَرَكَتْ خِدْمَتَهُ فِي مَرَضِهِ فَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْمُوَاضَعَةِ فَلَا تُهْمَةَ، وَإِلَّا فَلَا تَصِحُّ لِلتُّهْمَةِ، وَقَدْ رَدَّهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِوَجْهٍ آخَرَ بِأَنَّ حَقِيقَةَ الْخُصُومَةِ لَيْسَتْ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ فَدَخَلَ مَا لَوْ قَالَتْ طَلِّقْنِي، وَلَمْ تَزِدْ عَلَيْهِ إلَخْ) قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ قَالَتْ لَهُ فِي مَرَضِهِ طَلِّقْنِي فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَمَاتَ فِي الْعِدَّةِ تَرِثُهُ إذْ صَارَ مُبْتَدِئًا فَلَا يَبْطُلُ حَقُّهَا فِي الْإِرْثِ كَقَوْلِهَا طَلِّقْنِي رَجْعِيًّا فَأَبَانَهَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا مِيرَاثَ لَهَا لِرِضَاهَا بِالْبَائِنِ) هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَهُوَ مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ سَابِقًا، وَإِنْ أَبَانَهَا بِأَمْرِهَا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي النَّهْرِ لَكِنْ مَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ الْمَذْكُورُ آنِفًا يُفِيدُ أَنَّهَا تَرِثُ لِأَنَّهُ عَلَّلَ بِقَوْلِهِ إذْ صَارَ مُبْتَدِئًا أَيْ أَوْقَعَ شَيْئًا لَمْ تَطْلُبْهُ فَكَأَنَّهُ أَوْقَعَ الثَّلَاثَ ابْتِدَاءً بِدُونِ طَلَبٍ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَانْدَفَعَ بِهِ مَا ذَكَرَهُ السُّرُوجِيُّ إلَخْ) أَيْ آخِذًا مِنْ مَسْأَلَةِ الطَّلَاقِ الْآتِيَةِ قَرِيبًا عَنْ الذَّخِيرَةِ كَمَا فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ وَقَدْ رَدَّهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِوَجْهٍ آخَرَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ اعْتِزَالَهَا عَنْهُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي هُوَ زَمَانٌ لِلرَّحْمَةِ، وَالشَّفَقَةِ ظَاهِرٌ أَيْضًا فِي خُصُومَتِهِ، وَالْإِيصَاءُ لَهَا بِالْأَكْثَرِ قَدْ يَكُونُ طَمَعًا فِي إبْرَاءِ ذِمَّتِهِ، وَتَذْكِيرًا بِسَبْقِ مَوَدَّتِهِ، وَقَدْ قَرَّرَ فِي الْعِدَّةِ عِنْدَ قَوْلِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ، وَمَشَايِخِنَا يَعْنِي مَشَايِخَ بُخَارَى سَمَرْقَنْدَ يُفْتُونَ فِي الطَّلَاقِ أَنَّ ابْتِدَاءَهَا مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ نَفْيًا لِلتُّهْمَةِ وَالْمُوَاضَعَةِ اهـ. يَعْنِي: فَلَا يَصِحُّ إقْرَارُ الْمَرِيضِ لَهَا بِالدَّيْنِ أَوْ لِيَتَزَوَّجَ أُخْتَهَا أَوْ أَرْبَعًا سِوَاهَا، وَإِذَا كَانَ مُخَالَفَةُ هَذَا الْحُكْمِ بِهَذِهِ التُّهْمَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَحَرَّى بِهِ مَحَالَّ التُّهْمَةِ، وَالنَّاسَ الَّذِينَ هُمْ مَظَانُّهَا، وَلِذَا فَصَّلَ السُّغْدِيُّ حَيْثُ قَالَ مَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ مِنْ ابْتِدَائِهَا مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَا مُتَفَرِّقَيْنِ مِنْ الْوَقْتِ الَّذِي أُسْنِدَ الطَّلَاقُ إلَيْهِ أَمَّا إذَا كَانَا مُجْتَمِعَيْنِ فَالْكَذِبُ فِي كَلَامِهِ ظَاهِرٌ فَلَا يُصَدَّقَانِ فِي الْإِسْنَادِ. اهـ. وَهَذَا كَمَا تَرَى ظَاهِرٌ فِي تَحْكِيمِ الْحَالِ، وَإِذَا ثَبَتَ التُّهْمَةُ، وَكَانَ ابْتِدَاؤُهَا مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْفَتْوَى فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تُقْبَلَ الشَّهَادَةُ، وَلَا يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ لَهَا أَيْضًا قُلْت وَالْحَاصِلُ أَنَّ الَّذِينَ قَالُوا إنَّ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّ الْعِدَّةَ تُعْتَبَرُ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ إنَّمَا قَالُوا ذَلِكَ لِاتِّهَامِ الزَّوْجَيْنِ بِالْمُوَاضَعَةِ. أَمَّا الَّذِينَ اعْتَبَرُوهَا مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ فَإِنَّمَا قَالُوا ذَلِكَ حَيْثُ لَمْ تَظْهَرْ تُهْمَةٌ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا فِي تَصْحِيحِ الشَّيْخِ قَاسِمٍ حَيْثُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَمَشَايِخُنَا يُفْتُونَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 49 ظَاهِرَةً إذْ الْإِيصَاءُ لَهَا بِأَكْثَرَ مِنْ الْمِيرَاثِ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ تِلْكَ الْخُصُومَةَ لَيْسَتْ عَلَى حَقِيقَتِهَا كَمَا يَفْعَلُهُ أَهْلُ الْحِيَلِ لِلْأَغْرَاضِ انْتَهَى، وَظَهَرَ بِمَا ذَكَرْنَا سَهْوُ الشُّمُنِّيِّ فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ حَيْثُ قَالَ وَفِي الذَّخِيرَةِ لَا بُدَّ مِنْ تَحْكِيمِ الْحَالِ فَإِنْ كَانَ حَالَ خُصُومَةٍ وَغَضَبٍ يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا بِهَذَا الْإِقْرَارِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَا يَقَعُ انْتَهَى فَإِنَّ صَاحِبَ الذَّخِيرَةِ إنَّمَا ذَكَرَ تَحْكِيمَ الْحَالِ فِيمَا إذَا قَالَتْ لَك امْرَأَةٌ غَيْرِي أَوَتَزَوَّجْت عَلَيَّ فَقَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ لِي طَالِقٌ فَإِنَّهُ قَالَ قِيلَ الْأَوْلَى تَحْكِيمُ الْحَالِ إنْ كَانَ قَدْ جَرَى بَيْنَهُمَا مُشَاجَرَةٌ وَخُصُومَةٌ تَدُلُّ عَلَى غَضَبِهِ يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا أَيْضًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَا يَقَعُ انْتَهَى فَقَاسَ السُّرُوجِيُّ مَسْأَلَتَنَا هُنَا عَلَى مَا فِي الذَّخِيرَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَلَا يَخْفَى عَلَى عَاقِلٍ فَسَادُ قَوْلِ مَنْ قَالَ إنَّ الطَّلَاقَ الصَّرِيحَ لَا يَقَعُ إلَّا فِي الْخُصُومَةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ أَصْلًا فَكَيْفَ تُنْسَبُ إلَيْهِ، وَدَلَّتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَنَّ الْمَرِيضَةَ إذَا اخْتَلَعَتْ بِمَهْرِهَا الَّذِي عَلَى الزَّوْجِ، وَلَمْ يَكُنْ قَرِيبًا لَهَا فَإِنَّهُ يَنْظُرُ إلَى الْمُسَمَّى فِي بَدَلِ الْخُلْعِ، وَإِلَى ثُلُثِ مَالِهَا إنْ مَاتَتْ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَإِلَى الْمُسَمَّى فِي بَدَلِ الْخُلْعِ، وَإِلَى قَدْرِ مِيرَاثِهِ مِنْهَا إنْ مَاتَتْ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَيَكُونُ لَهُ الْأَقَلُّ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ الْخُلْعِ. وَأَشَارَ إلَى أَنَّ مَا تَأْخُذُهُ مِنْهُ لَهُ شَبَهٌ بِالدَّيْنِ، وَشَبَهٌ بِالْمِيرَاثِ فَلِلْأَوَّلِ لَوْ أَرَادَتْ أَنْ تَأْخُذَ مِنْ عَيْنِ التَّرِكَةِ لَيْسَ عَلَى الْوَرَثَةِ ذَلِكَ بَلْ لَهُمْ أَنْ يُعْطُوهَا مِنْ مَالٍ آخَرَ اعْتِبَارًا لِزَعْمِهَا أَنَّ مَا تَأْخُذُهُ دَيْنٌ، وَلِلثَّانِي لَوْ هَلَكَ شَيْءٌ مِنْ التَّرِكَةِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَهُوَ عَلَى الْكُلِّ، وَلَوْ طَلَبَتْ أَنْ تَأْخُذَهُ دَنَانِيرَ، وَالتَّرِكَةُ عُرُوضٌ لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ، وَفِي فُصُولِ الْعِمَادِيِّ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَتْ عِدَّتُهَا لَمْ تَنْقَضِ أَمَّا إذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ ثُمَّ مَاتَ فَلَهَا جَمِيعُ مَا أَقَرَّ لَهَا بِهِ أَوْ أَوْصَى انْتَهَى، وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ قَالَ لَهَا فِي مَرَضِهِ قَدْ كُنْت أَبَنْتُك فِي صِحَّتِي أَوْ جَامَعْت أُمَّ امْرَأَتِي أَوْ بِنْتَ امْرَأَتِي أَوْ تَزَوَّجْتهَا بِلَا شُهُودٍ أَوْ بَيْنَنَا رَضَاعٌ قَبْلَ النِّكَاحِ أَوْ تَزَوَّجْتُك فِي الْعِدَّةِ، وَأَنْكَرَتْ الْمَرْأَةُ ذَلِكَ بَانَتْ مِنْهُ، وَتَرِثُهُ لَا لَوْ صَدَّقَتْهُ انْتَهَى، وَفِيهِ ادَّعَتْ عَلَى زَوْجِهَا الْمَرِيضِ أَنَّهُ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَجَحَدَ، وَحَلَّفَهُ الْقَاضِي فَحَلَفَ ثُمَّ صَدَّقَتْهُ، وَمَاتَ تَرِثُهُ لَوْ صَدَّقَتْهُ قَبْلَ مَوْتِهِ لَا لَوْ بَعْدَهُ انْتَهَى، وَفِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ: وَاعْلَمْ أَنَّ حَرْفَ مِنْ فِي قَوْلِهِ فَلَهَا الْأَقَلُّ مِنْهُ، وَمِنْ الْإِرْثِ لَيْسَ صِلَةً لِأَفْعَلْ التَّفْضِيلِ إذْ لَوْ كَانَ لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْوَاجِبُ أَقَلَّ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ حَرْفُ مِنْ لِلْبَيَانِ، وَأَفْعَلُ التَّفْضِيلِ اُسْتُعْمِلَ بِاللَّامِ فَيَجِبُ أَنْ يُقَالَ أَوْ مِنْ الْإِرْثِ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ الْأَقَلُّ بَيَّنَهُ بِأَحَدِهِمَا، وَصِلَةُ الْأَقَلِّ مَحْذُوفَةٌ، وَهِيَ مِنْ الْآخَرِ أَيْ فَلَهَا أَحَدُهُمَا الَّذِي هُوَ أَقَلُّ مِنْ الْآخَرِ فَتَكُونُ الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ أَوْ تَكُونُ الْوَاوُ عَلَى مَعْنَاهَا لَكِنْ لَا يُرَادُ بِهَا الْمَجْمُوعُ بَلْ الْأَقَلُّ الَّذِي هُوَ الْإِرْثُ تَارَةً، وَالْمُوصَى بِهِ أُخْرَى فَتَكُونُ الْوَاوُ لِلْجَمْعِ، وَهُوَ أَنَّ الْأَقَلِّيَّةَ ثَابِتَةٌ لَكِنْ بِحَسَبِ زَمَانَيْنِ انْتَهَى. (قَوْلُهُ وَمَنْ بَارَزَ رَجُلًا أَوْ قَدَّمَ لِيُقْتَلَ بِقَوَدٍ أَوْ رَجْمٍ فَأَبَانَهَا وَرِثَتْ إنْ مَاتَ فِي ذَلِكَ الْوَجْهِ أَوْ قُتِلَ) بَيَانٌ لِحُكْمِ الصَّحِيحِ الْمُلْحَقِ بِالْمَرِيضِ هُنَا، وَهُوَ مَنْ كَانَ غَالِبُ حَالِهِ الْهَلَاكَ كَمَا فِي النُّقَايَةِ وَغَيْرِهَا، وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ مَنْ يُخَافُ عَلَيْهِ الْهَلَاكُ غَالِبًا عَلَى أَنَّ الْغَلَبَةَ تَتَعَلَّقُ بِالْخَوْفِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْوَاقِعُ غَلَبَةَ الْهَلَاكِ، وَأَنَّ فِي الْمُبَارَزَةِ لَا يَكُونُ الْهَلَاكُ غَالِبًا إلَّا أَنْ يَبْرُزَ لِمَنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَقْرَانِهِ بِخِلَافِ غَلَبَةِ خَوْفِ الْهَلَاكِ، وَدَخَلَ تَحْتَهُ مَنْ كَانَ رَاكِبَ السَّفِينَةِ إذَا   [منحة الخالق] فِي الطَّلَاقِ بِأَنَّ ابْتِدَاءَهَا مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ نَفْيًا لِتُهْمَةِ الْمُوَاضَعَةِ يَعْنِي أَنَّ مَشَايِخَ بُخَارَى وَسَمَرْقَنْدَ يُفْتُونَ بِأَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِطَلَاقٍ سَابِقٍ، وَصَدَّقَتْهُ الزَّوْجَةُ، وَهُمَا مِنْ مَظَانِّ التُّهْمَةِ لَا يُصَدَّقَانِ فِي الْإِسْنَادِ، وَيَكُونُ ابْتِدَاءُ الْعِدَّةِ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ، وَلَا نَفَقَةَ، وَلَا سُكْنَى لِلزَّوْجَةِ لِتَصْدِيقِهَا قَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ السُّغْدِيُّ مَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ مِنْ أَنَّ ابْتِدَاءَ الْعِدَّةِ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَا مُتَفَرِّقَيْنِ مِنْ الْوَقْتِ الَّذِي أُسْنِدَ الطَّلَاقُ إلَيْهِ أَمَّا إذَا كَانَا مُجْتَمِعَيْنِ فَالْكَذِبُ فِي كَلَامِهِمَا ظَاهِرٌ فَلَا يُصَدَّقَانِ فِي الْإِسْنَادِ اهـ. كَلَامُ الشَّيْخِ قَاسِمٍ، وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّهُ لَا يُفْتِي بِأَنَّ ابْتِدَاءَ الْعِدَّةِ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ أَوْ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ حَتَّى يَحْكُمَ الْحَالُ فَإِنْ رَأَى الْمُفْتِي التُّهْمَةَ ظَاهِرَةً أَفْتَى بِالثَّانِي، وَإِلَّا أَفْتَى بِالْأَوَّلِ، وَهَذَا مَا قَالَهُ السُّرُوجِيُّ مِنْ أَنَّهُ يَنْبَغِي تَحْكِيمُ الْحَالِ نَعَمْ مَا ذَكَرَهُ السُّرُوجِيُّ مِنْ شَهَادَةِ الْخُصُومَةِ بِقَصْدِ التُّهْمَةِ غَيْرُ ظَاهِرٍ، وَلِذَا بَحَثَ مَعَهُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ فِي ذَلِكَ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ الْإِفْتَاءَ بِكَوْنِ الْعِدَّةِ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ حَيْثُ ظَهَرَتْ التُّهْمَةُ، وَإِنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ الْوَصِيَّةِ لِكَيْ لَا تَأْخُذَ أَكْثَرَ مِنْ مِيرَاثِهَا، وَلَا يَلْزَمُ اعْتِبَارُهَا مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ فِي حَقِّ سَائِرِ الْأَحْكَامِ، وَلِذَا لَمْ تَجِبْ لَهَا نَفَقَةٌ، وَلَا سُكْنَى، وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا بِنَاءً عَلَى وُجُوبِ الْعِدَّةِ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ فَكَذَا يُعْتَبَرُ وُجُوبُهَا مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ فِيمَا لَا تُهْمَةَ فِيهِ كَالشَّهَادَةِ وَدَفْعِ الزَّكَاةِ لِمَا عَلِمْت مِنْ التَّصْرِيحِ سَابِقًا بِأَنَّهُ لَا عَادَةَ فِي الْمُوَاضَعَةِ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ غَلَبَةِ خَوْفِ الْهَلَاكِ) أَيْ فَإِنَّهَا تَكُونُ فِي الْمُبَارَزَةِ لِمَنْ هُوَ فَوْقَهُ أَوْ مِثْلُهُ فَلِذَا كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ مَنْ يُخَافُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 50 انْكَسَرَتْ، وَبَقِيَ عَلَى لَوْحٍ أَوْ افْتَرَسَهُ السَّبُعُ، وَبَقِيَ فِي فَمِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ، وَقَدْ يُوهِمُ أَنَّ الِانْكِسَارَ شُرِطَ لِكَوْنِهِ فَارًّا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَقَدْ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ فَإِنْ تَلَاطَمَتْ الْأَمْوَاجُ، وَخِيفَ الْغَرَقُ فَهُوَ كَالْمَرِيضِ، وَكَذَا فِي الْبَدَائِعِ، وَقَيَّدَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ بِأَنْ يَمُوتَ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْجِ أَمَّا لَوْ سَكَنَ ثُمَّ مَاتَ لَا تَرِثُ انْتَهَى، وَالْحَامِلُ لَا تَكُونُ فَارَّةً إلَّا فِي حَالِ الطَّلْقِ، وَفِي الْمُجْتَبَى وَاخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِ الطَّلْقِ فَقِيلَ الْوَجَعُ الَّذِي لَا يَسْكُنُ حَتَّى تَمُوتَ أَوْ تَلِدَ وَقِيلَ وَإِنْ سَكَنَ لِأَنَّ الْوَجَعَ يَسْكُنُ تَارَةً وَيَهِيجُ أُخْرَى، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ. اهـ. وَالْمَسْلُولُ وَالْمَفْلُوجُ، وَالْمُقْعَدُ مَا دَامَ يَزْدَادُ مَا بِهِ فَهُوَ غَالِبُ الْهَلَاكِ، وَإِلَّا فَكَالصَّحِيحِ، وَبِهِ كَانَ يُفْتِي بُرْهَانُ الْأَئِمَّةِ وَالصَّدْرُ الشَّهِيدُ، وَذَكَرَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ فِيهِ أَقْوَالًا فَنَقَلَ أَوَّلًا أَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ قَدِيمًا فَهُوَ كَمَرِيضٍ، وَلَوْ قَدِيمًا فَكَصَحِيحٍ. وَثَانِيًا لَوْ لَمْ يُرْجَ بُرْؤُهُ بِتَدَاوٍ فَكَصَحِيحٍ، وَإِلَّا فَكَمَرِيضٍ، وَثَالِثًا لَوْ طَالَ، وَصَارَ بِحَالٍ لَا يُخَافُ مِنْهُ الْمَوْتُ فَكَصَحِيحٍ، وَاخْتُلِفَ فِي حَدِّ التَّطَاوُلِ فَقِيلَ سَنَةٌ، وَبَعْضُهُمْ اعْتَبَرُوا الْعُرْفَ فَمَا يُعِدُّهُ تَطَاوُلًا فَتَطَاوُلٌ، وَإِلَّا فَلَا، وَرَابِعًا إنْ لَمْ يَصِرْ صَاحِبَ فِرَاشٍ فَصَحِيحٌ، وَإِلَّا فَمَرِيضٌ، وَخَامِسًا لَوْ يَزْدَادُ كُلَّ يَوْمٍ فَهُوَ مَرِيضٌ، وَلَوْ يَنْتَقِصُ مَرَّةً، وَيَزْدَادُ أُخْرَى فَلَوْ مَاتَ بَعْدَ سَنَةٍ فَكَصَحِيحٍ، وَلَوْ مَاتَ قَبْلَ سَنَةٍ فَكَمَرِيضٍ. اهـ. وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ إنْ مَاتَ فِي ذَلِكَ الْوَجْهِ أَوْ قُتِلَ إلَى أَنَّهُ لَوْ طَلَّقَ بَعْدَمَا قُدِّمَ لِلْقَتْلِ ثُمَّ خَلَّى سَبِيلَهُ أَوْ حُبِسَ ثُمَّ قُتِلَ أَوْ مَاتَ فَهُوَ كَالْمَرِيضِ تَرِثُهُ لِأَنَّهُ ظَهَرَ فِرَارُهُ بِذَلِكَ الطَّلَاقِ ثُمَّ تَرَتَّبَ مَوْتُهُ فَلَا يُبَالِي بِكَوْنِهِ بِغَيْرِهِ كَالْمَرِيضِ إذَا طَلَّقَ ثُمَّ قُتِلَ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَأَمَّا فِي حَالِ فُشُوِّ الطَّاعُونِ فَهَلْ يَكُونُ لِكُلٍّ مِنْ الْأَصِحَّاءِ حُكْمُ الْمَرَضِ فَقَالَ بِهِ الشَّافِعِيَّةُ، وَلَمْ أَرَهُ لِمَشَايِخِنَا. اهـ. وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ ثُمَّ مَنْ لَهُ حُكْمُ الْمَرِيضِ لَوْ طَلَّقَهَا، وَمَاتَ فِي الْعِدَّةِ تَرِثُهُ مَاتَ بِهَذِهِ الْجِهَةِ أَوْ بِجِهَةٍ أُخْرَى، وَلِذَا قَالَ الْأَصْلُ مَرِيضٌ صَاحِبُ الْفِرَاشِ لَوْ أَبَانَهَا ثُمَّ قَتَلَ تَرِثُهُ طَعَنَ فِيهِ عِيسَى بْنُ أَبَانَ فَقَالَ لَا تَرِثُهُ إذْ مَرَضُ الْمَوْتِ مَا هُوَ سَبَبٌ لِلْمَوْتِ، وَلَمْ يُوجَدْ، وَلَكِنَّا نَقُولُ قَدْ اتَّصَلَ الْمَوْتُ بِمَرَضِهِ حِينَ لَمْ يَصِحَّ حَتَّى مَاتَ، وَقَدْ يَكُونُ لِلْمَوْتِ سَبَبَانِ فَلَا يَتَبَيَّنُ بِهَذَا أَنَّ مَرَضَهُ لَمْ يَكُنْ مَرَضَ مَوْتِهِ، وَأَنَّ حَقَّهَا لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا فِي مَالِهِ. اهـ. وَفِي الْمِصْبَاحِ بَرَزَ الشَّيْءُ بُرُوزًا مِنْ بَابِ قَعَدَ ظَهَرَ، وَبَارَزَ فِي الْحَرْبِ مُبَارَزَةً وَبِرَازًا فَهُوَ مُبَارِزٌ اهـ، وَفِيهِ وَالسِّلُّ بِالْكَسْرِ مَرَضٌ مَعْرُوفٌ، وَأَسَلَّهُ اللَّهُ بِالْأَلِفِ أَمْرَضَهُ بِذَلِكَ فَسُلَّ هُوَ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ، وَهُوَ مَسْلُولٌ مِنْ النَّوَادِرِ، وَلَا يَكَادُ صَاحِبُهُ يَبْرَأُ مِنْهُ، وَفِي كُتُبِ الطِّبِّ إنَّهُ مِنْ أَمْرَاضِ الشَّبَابِ لِكَثْرَةِ الدَّمِ فِيهِمْ، وَهُوَ قُرُوحٌ تَحْدُثُ فِي الرِّئَةِ. اهـ. وَفِيهِ وَالْفَالِجُ مَرَضٌ يَحْدُثُ فِي أَحَدِ شِقَّيْ الْبَدَنِ طُولًا فَيُبْطِلُ إحْسَاسَهُ وَحَرَكَتَهُ، وَرُبَّمَا كَانَ فِي الشِّقَّيْنِ، وَيَحْدُثُ بَغْتَةً إلَى آخِرِهِ. (قَوْلُهُ وَلَوْ مَحْصُورًا أَوْ فِي صَفِّ الْقِتَالِ لَا) أَيْ لَا تَرِثُ لِأَنَّهُ لَا يَغْلِبُ خَوْفُ الْهَلَاكِ، وَكَذَا رَاكِبُ السَّفِينَةِ قَبْلَ خَوْفِ الْغَرَقِ، وَالْحَامِلُ قَبْلَ الطَّلْقِ، وَالْمَحْصُورُ الْمَمْنُوعُ سَوَاءٌ كَانَ فِي حِصْنٍ أَوْ حَبْسٍ لِقَتْلٍ أَوْ رَجْمٍ أَوْ قِصَاصٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَكَذَا مَنْ نَزَلَ بِمَسْبَعَةٍ أَوْ مُخِيفٍ مِنْ عَدُوٍّ، وَفِي الْمِصْبَاحِ حَصَرَهُ الْعَدُوُّ حَصْرًا مِنْ بَابِ قَتَلَ أَحَاطُوا بِهِ، وَمَنَعُوهُ مِنْ الْمُضِيِّ لِأَمْرِهِ. (قَوْلُهُ وَلَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِفِعْلِ أَجْنَبِيٍّ أَوْ بِمَجِيءِ الْوَقْتِ، وَالتَّعْلِيقُ وَالشَّرْطُ فِي مَرَضِهِ أَوْ بِفِعْلِ نَفْسِهِ، وَهُمَا فِي مَرَضِهِ أَوْ الشَّرْطُ فَقَطْ أَوْ بِفِعْلِهَا، وَلَا بُدَّ لَهَا مِنْهُ، وَهُمَا فِي الْمَرَضِ أَوْ الشَّرْطِ وَرِثَتْ، وَفِي غَيْرِهَا لَا) لِأَنَّ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي إذَا كَانَ التَّعْلِيقُ وَالشَّرْطُ فِي مَرَضِهِ وَجْهَ الْقَصْدِ إلَى الْفِرَارِ   [منحة الخالق] عَلَيْهِ الْهَلَاكُ غَالِبًا، وَكَذَا أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ قَوْلَهُ وَمَنْ بَارَزَ رَجُلًا إذْ لَوْ كَانَ الْمُعْتَبَرُ كَوْنَ الْهَلَاكِ غَالِبًا لَقَيَّدَهُ بِكَوْنِهِ أَقْوَى مِنْهُ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْفَتْحِ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ لَا يُقَيِّدَ الْمُبَارِزَ بِكَوْنِهِ أَقْوَى مِنْهُ كَمَا فَعَلَ الْمُصَنِّفُ خِلَافًا لِمَا مَشَى عَلَيْهِ فِي التَّنْوِيرِ نَعَمْ ذَكَرَ فِي النَّهْرِ أَنَّ بَعْضَهُمْ قَيَّدَ بِهِ بِنَاءً عَلَى اعْتِبَارِ غَلَبَةِ الْهَلَاكِ (قَوْلُهُ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ إنْ مَاتَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَفِي قَوْلِهِ إنْ مَاتَ فِي ذَلِكَ الْوَجْهِ أَوْ قُتِلَ عَلَيْهِ دُونَ أَنْ يَقُولَ بِذَلِكَ الْوَجْهِ دَلَالَةَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَمُوتَ بِهَذَا السَّبَبِ أَوْ سَبَبٍ آخَرَ، وَلِذَا قَالَ فِي الْأَصْلِ مَرِيضٌ صَاحِبُ فِرَاشٍ أَبَانَ امْرَأَتَهُ ثُمَّ قَتَلَ وَرَثَتَهُ، وَمَا فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ تَلَاطُمَ الْأَمْوَاجِ قَيَّدَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَنْ يَمُوتَ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْجِ أَمَّا لَوْ سَكَنَ ثُمَّ مَاتَ لَا تَرِثُ مِمَّا لَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِأَنَّهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَمْ يَمُتْ فِي ذَلِكَ الْوَجْهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قُدِّمَ لِلْقَتْلِ بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ الْمُتَقَدِّمَةِ ثُمَّ خُلِّيَ سَبِيلُهُ ثُمَّ قُتِلَ أَوْ مَاتَ فَإِنَّهُ مَاتَ فِي ذَلِكَ الْوَجْهِ اهـ. قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ لَوْ قُتِلَ بَعْدَمَا خُلِّيَ سَبِيلُهُ لَمْ يَمُتْ فِي ذَلِكَ الْوَجْهِ فَإِنَّ الْوَجْهَ الْمُشَارَ إلَيْهِ هُوَ كَوْنُهُ قُدِّمَ لِلْقَتْلِ، وَهُوَ حَالَةُ غَلَبَةِ الْهَلَاكِ، وَبَعْدَمَا خُلِّيَ سَبِيلُهُ زَالَتْ تِلْكَ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ مَا إذَا سَكَنَ الْمَوْجُ ثُمَّ مَاتَ، وَلَكِنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي النَّهْرِ وَالْبَحْرِ تَبِعَا فِيهِ فَتْحَ الْقَدِيرِ، وَيُخَالِفُهُ مَا فِي الْبَدَائِعِ حَيْثُ قَالَ وَلَوْ أُعِيدَ الْمُخْرَجُ لِلْقَتْلِ إلَى الْحَبْسِ أَوْ رَجَعَ الْمُبَارِزُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 51 عَنْ الْمِيرَاثِ فِي حَالِ تَعَلُّقِ حَقِّهَا بِمَالِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ التَّعْلِيقُ فِي الصِّحَّةِ، وَالشَّرْطُ فِي الْمَرَضِ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ السَّابِقَ يَصِيرُ تَطْلِيقًا عِنْدَ الشَّرْطِ حُكْمًا لَا قَصْدًا، وَلَا ظُلْمَ إلَّا عَنْ قَصْدٍ فَلَا يُرَدُّ تَصَرُّفُهُ، وَالْمُرَادُ مِنْ الطَّلَاقِ فِي قَوْلِهِ عَلَّقَ طَلَاقَهَا الْبَائِنَ لِأَنَّ حُكْمَ الْفِرَارِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِهِ، وَأَطْلَقَ فِي فِعْلِ الْأَجْنَبِيِّ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ لَهُ مِنْهُ بُدٌّ كَدُخُولِ الدَّارِ أَوَّلًا كَصَلَاةِ الظُّهْرِ، وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّالِثُ، وَهُوَ مَا إذَا عَلَّقَهُ بِفِعْلِ نَفْسِهِ فَلِوُجُودِ قَصْدِ الْإِبْطَالِ إمَّا بِالتَّعْلِيقِ أَوْ بِمُبَاشَرَةِ الشَّرْطِ فِي الْمَرَضِ، وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ لَهُ بُدٌّ مِنْهُ أَوْ لَا فَإِنَّهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بُدٌّ مِنْ فِعْلِ الشَّرْطِ فَلَهُ مِنْ التَّعْلِيقِ أَلْفُ بُدٍّ فَيُرَدُّ تَصَرُّفُهُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهَا، وَشَمِلَ مَا إذَا فَوَّضَ طَلَاقَهَا لِرَجُلٍ فِي صِحَّتِهِ فَطَلَّقَهَا الْأَجْنَبِيُّ فِي الْمَرَضِ، وَكَانَ يَقْدِرُ الزَّوْجُ عَلَى عَزْلِهِ لِأَنَّهُ لَمَّا أَمْكَنَهُ عَزَلَهُ فِي الْمَرَضِ، وَلَمْ يَفْعَلْ صَارَ كَأَنَّهُ أَنْشَأَ التَّوْكِيلَ فِي الْمَرَضِ، وَدَخَلَ فِي الْأَوَّلِ مَا إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ عَزْلُهُ، وَدَخَلَ فِي التَّعْلِيقِ بِفِعْلِهِ مَا إذَا قَالَ فِي صِحَّتِهِ إنْ لَمْ آتِ الْبَصْرَةَ فَأَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا فَلَمْ يَأْتِهَا حَتَّى مَاتَ وَرِثَتْهُ، وَإِنْ مَاتَتْ هِيَ، وَبَقِيَ الزَّوْجُ وَرِثَهَا لِأَنَّهَا مَاتَتْ، وَهِيَ زَوْجَتُهُ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى ثَمَانِيَةِ أَوْجُهٍ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يُعَلِّقَ بِمَجِيءِ الْوَقْتِ أَوْ بِفِعْلِ أَجْنَبِيٍّ أَوْ بِفِعْلِهَا أَوْ بِفِعْلِهِ، وَكُلٌّ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ التَّعْلِيقُ فِي الصِّحَّةِ وَالشَّرْطُ فِي الْمَرَضِ أَوْ كَانَا فِي الْمَرَضِ فَإِنْ كَانَ بِفِعْلِ أَجْنَبِيٍّ أَوْ بِمَجِيءِ الْوَقْتِ لَا يَكُونُ فَارًّا إلَّا إذَا كَانَ فِي الْمَرَضِ، وَإِنْ كَانَ بِفِعْلِهِ فَإِنَّهُ يَكُونُ فَارًّا حَيْثُ يَكُونُ الشَّرْطُ فِي الْمَرَضِ فَقَطْ، وَإِنْ كَانَ بِفِعْلِهَا فَقَطْ فَكَذَلِكَ إنْ كَانَ ذَلِكَ الْفِعْلُ لَا يُمْكِنُهَا تَرْكُهُ، وَإِنْ كَانَ يُمْكِنُهَا تَرْكُهُ لَا يَكُونُ فَارًّا، وَلَوْ قَالَ لَهَا إنْ لَمْ أُطَلِّقْك فَأَنْت طَالِقٌ فَلَمْ يُطَلِّقْهَا حَتَّى مَاتَ وَرِثَتْهُ، وَلَوْ مَاتَتْ هِيَ، وَبَقِيَ الزَّوْجُ لَمْ يَرِثْهَا، وَكَذَا لَوْ قَالَ إنْ لَمْ أَتَزَوَّجْ عَلَيْك فَأَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا فَلَمْ يَفْعَلْ حَتَّى مَاتَ وَرِثَتْهُ، وَلَوْ مَاتَتْ هِيَ، وَبَقِيَ الزَّوْجُ لَمْ يَرِثْهَا كَذَا فِي الْبَدَائِعِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ قَالَ لِامْرَأَتِهِ فِي صِحَّتِهِ إنْ شِئْت أَنَا وَفُلَانٌ فَأَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ مَرِضَ فَشَاءَ الزَّوْجُ وَالْأَجْنَبِيُّ الطَّلَاقَ مَعًا أَوْ شَاءَ الزَّوْجُ ثُمَّ الْأَجْنَبِيُّ ثُمَّ مَاتَ الزَّوْجُ لَا تَرِثُ، وَإِنْ شَاءَ الْأَجْنَبِيُّ أَوَّلًا ثُمَّ الزَّوْجُ وَرِثَتْ. اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الطَّلَاقَ مُعَلَّقٌ عَلَى مَشِيئَتِهِمَا فَإِذَا شَاءَا مَعًا لَمْ يَكُنْ الزَّوْجُ تَمَامَ الْعِلَّةِ فَلَا يَكُونُ فَارًّا بِخِلَافِ مَا إذَا تَأَخَّرَتْ مَشِيئَةُ الزَّوْجِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ تَمَّتْ الْعِلَّةُ، وَأَمَّا الْوَجْهُ الرَّابِعُ، وَهُوَ مَا إذَا عَلَّقَهُ بِفِعْلِهَا فَإِنْ كَانَ التَّعْلِيقُ وَالشَّرْطُ فِي الْمَرَضِ وَالْفِعْلِ مِمَّا لَهَا بُدٌّ مِنْهُ كَكَلَامِ زَيْدٍ لَمْ تَرِثْ لِرِضَاهَا، وَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ لَهَا مِنْهُ طَبْعًا كَالْأَكْلِ أَوْ شَرْعًا كَصَلَاةِ الظُّهْرِ فَلَهَا الْمِيرَاثُ لِاضْطِرَارِهَا، وَأَمَّا إذَا كَانَ التَّعْلِيقُ فِي الصِّحَّةِ فَلَا مِيرَاثَ لَهَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ مُطْلَقًا لِفَوَاتِ الصُّنْعِ مِنْهُ فِي مَرَضِهِ، وَعِنْدَهُمَا تَرِثُ إنْ كَانَ مِمَّا لَا بُدَّ لَهَا مِنْهُ، وَصَحَّحُوا قَوْلَ مُحَمَّدٍ. (قَوْلُهُ وَلَوْ أَبَانَهَا فِي مَرَضِهِ فَصَحَّ فَمَاتَ أَوْ أَبَانَهَا فَارْتَدَّتْ فَأَسْلَمَتْ فَمَاتَ لَمْ تَرِثْ) لِمَا قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمَرَضُ الَّذِي طَلَّقَهَا فِيهِ مَرَضَ الْمَوْتِ فَإِذَا صَحَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَرَضَ الْمَوْتِ، وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ قَبْلَ هَذَا إنْ كَانَ بِهِ حُمَّى رِبْعٍ فَزَالَتْ ثُمَّ صَارَ بِهِ حُمَّى غِبٍّ أَمَّا إذَا كَانَ بِهِ حُمَّى رِبْعٍ فَزَالَتْ ثُمَّ عَادَتْ إلَيْهِ فَإِنَّ الثَّانِيَةَ تُجْعَلُ عَيْنَ الْأُولَى، وَيَكُونُ لَهَا الْمِيرَاثُ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهَا لَمَّا زَالَتْ لَمْ يَبْقَ لَهَا تَعَلُّقٌ بِمَالِهِ. اهـ. وَفِي قَانُونْ شَاهْ فِي الطِّبِّ وَأَمَّا حُمَّى السَّوْدَاوِيَّةِ خَارِجَ الْعُرُوقِ، وَدَاخِلَهَا فَهِيَ حُمَّى الرِّبْعِ فَيَجِبُ أَنْ يُرَاعَى فِيهَا حِفْظُ الْقُوَّةِ، وَأَمَّا حُمَّى الْغِبِّ بِكَسْرِ الْغَيْنِ فَفِي الْمِصْبَاحِ هِيَ الَّتِي تَأْتِي يَوْمًا وَتَغِيبُ يَوْمًا. اهـ. وَإِنَّ فِي الْبَائِنِ لَا بُدَّ أَنْ تَسْتَمِرَّ أَهْلِيَّتُهَا لِلْإِرْثِ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ إلَى وَقْتِ الْمَوْتِ أَطْلَقَ الْبَائِنَ فَشَمِلَ الثَّلَاثَ وَالْوَاحِدَةَ. وَأَشَارَ بِارْتِدَادِهَا إلَى أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ كِتَابِيَّةً أَوْ مَمْلُوكَةً وَقْتَ الطَّلَاقِ ثُمَّ أَسْلَمَتْ أَوْ أُعْتِقَتْ لَا تَرِثُ، وَقَيَّدَ بِالْبَائِنِ لِأَنَّ الْمُطَلَّقَةَ رَجْعِيًّا إنَّمَا   [منحة الخالق] بَعْدَ الْمُبَارَزَةِ إلَى الصَّفِّ أَوْ سَكَنَ الْمَوْجُ صَارَ فِي حُكْمِ الصَّحِيحِ كَالْمَرِيضِ إذَا بَرِئَ مِنْ مَرَضِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهَا لَمَّا زَالَتْ لَمْ يَبْقَ لَهَا تَعْلِيقٌ بِمَالِهِ) أَقُولُ: إنْ كَانَتْ زَالَتْ بِالْكُلِّيَّةِ ثُمَّ عَادَتْ فَهَذَا ظَاهِرٌ. أَمَّا إذَا كَانَتْ ذَاتَ نَوْبَةٍ فَإِنَّهَا إذَا جَاءَتْ نَوْبَتُهَا يُعْلَمُ أَنَّهَا لَمْ تَزُلْ لَكِنْ قَدْ عَلِمْت مِمَّا مَرَّ أَنَّ الْمَرِيضَ هُوَ الَّذِي يَعْجِزُ عَنْ الْقِيَامِ بِمَصَالِحِهِ، وَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ إذَا صَارَ يَقْدِرُ عَلَيْهَا زَالَ مَرَضُهُ فَإِنْ كَانَ هَذَا الْمَحْمُومُ عَاجِزًا عَنْهَا فَهُوَ مَرِيضٌ، وَإِلَّا فَلَا نَعَمْ يَشْكُلُ مَا إذَا عَجَزَ فِي يَوْمِ النَّوْبَةِ، وَقَدَرَ فِي غَيْرِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا هُوَ مُرَادُ ذَلِكَ الْقَائِلِ، وَأَنَّهُ أَرَادَ بِأَنَّ الثَّانِيَةَ تُجْعَلُ عَيْنَ الْأُولَى أَنَّهُ بِالْمُعَاوَدَةِ عُلِمَ أَنَّهَا لَمْ تَزُلْ فَتُجْعَلُ حُمَّى وَاحِدَةً، وَلَعَلَّ مُرَادَ صَاحِبِ الْمِعْرَاجِ أَنَّهُ يُجْعَلُ فِي يَوْمِ النَّوْبَةِ مَرِيضًا، وَفِي غَيْرِ يَوْمِهَا غَيْرَ مَرِيضٍ فَكُلُّ نَوْبَةٍ عَجَزَ فِيهَا ثُمَّ قَدَرَ بَعْدَهَا زَالَ حُكْمُهَا فَإِذَا جَاءَتْ نَوْبَةٌ أُخْرَى عَادَ مَرِيضًا فَيُعْطَى حُكْمَهُ إنْ مَاتَ فِيهَا فَإِذَا قَدَرَ زَالَ حُكْمُهَا، وَهَكَذَا، وَنَظِيرُهُ الْحَامِلُ إذَا أَخَذَهَا الطَّلْقُ صَارَتْ مَرِيضَةً إنْ اتَّصَلَ بِهِ الْمَوْتُ فَإِذَا سَكَنَ ثُمَّ جَاءَ طَلْقٌ آخَرُ فَقَدْ زَالَ الْحُكْمُ الْأَوَّلُ، وَهَكَذَا إلَى أَنْ يَأْخُذَهَا طَلْقٌ يَتَّصِلُ بِهِ الْمَوْتُ كَمَا مَرَّ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَإِنَّ فِي الْبَائِنِ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ إنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمَرَضُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 52 يُشْتَرَطُ أَهْلِيَّتُهَا لِلْإِرْثِ وَقْتَ الْمَوْتِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَفِي الْمُحِيطِ وَلَوْ ارْتَدَّ الزَّوْجَانِ مَعًا ثُمَّ أَسْلَمَ الزَّوْجُ، وَمَاتَ لَا تَرِثُ مِنْهُ لِأَنَّهَا مُرْتَدَّةٌ، وَإِنْ أَسْلَمَتْ الْمَرْأَةُ ثُمَّ مَاتَ الزَّوْجُ مُرْتَدًّا وَرِثَتْهُ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ قَدْ وَقَعَتْ بِبَقَاءِ الزَّوْجِ عَنْ الرِّدَّةِ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ ارْتِدَادِهِ ابْتِدَاءً، وَلَوْ ارْتَدَّ الْمُسْلِمُ فَمَاتَ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ، وَلَهُ امْرَأَةٌ مُسْلِمَةٌ فِي الْعِدَّةِ وَرِثَتْ، وَلَوْ ارْتَدَّتْ الْمَرْأَةُ فَمَاتَتْ أَوْ لَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ مُعْتَدَّةً لَمْ يَرِثْ مِنْهَا، وَإِنْ كَانَتْ مَرِيضَةً فَارْتَدَّتْ ثُمَّ مَاتَتْ وَرِثَ الزَّوْجُ مِنْهَا اسْتِحْسَانًا لِأَنَّ الْفُرْقَةَ حَصَلَتْ بَعْدَمَا تَعَلَّقَ حَقُّهُ بِمَالِهَا، وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ الْحُرَّةِ الْكِتَابِيَّةِ أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا غَدًا ثُمَّ أَسْلَمَتْ قَبْلَ الْغَدِ أَوْ بَعْدَهُ فَلَا مِيرَاثَ لَهَا مِنْهُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الْمِيرَاثِ مِنْهُ فِي الْحَالِ، وَلَوْ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى حَالَةٍ يَثْبُتُ لَهَا الْإِرْثُ فِيهَا فَلَا يَصِيرُ فَارًّا، وَلَوْ قَالَ إنْ أَسْلَمْت فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَرِثَتْ لِأَنَّهُ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى مَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ، وَهُوَ حَالَةُ تَعَلُّقِ حَقِّهَا بِمَالِهِ، وَلَوْ أَسْلَمَتْ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِإِسْلَامِهَا تَرِثُ، وَلَوْ أَسْلَمَتْ امْرَأَةُ الْكَافِرِ ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فِي مَرَضِهِ ثُمَّ أَسْلَمَ، وَمَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ لَا تَرِثُ لِأَنَّ التَّطْلِيقَ حَصَلَ فِي حَالَةٍ لَا تَسْتَحِقُّ الْمَرْأَةُ الْإِرْثَ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ إذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فِي مَرَضِهِ ثُمَّ أُعْتِقَ لَا تَرِثُ. اهـ. . (قَوْلُهُ وَإِنْ طَاوَعَتْ ابْنَ الزَّوْجِ أَوْ لَاعَنَ أَوْ آلَى مَرِيضًا وَرِثَتْ) يَعْنِي لَوْ أَبَانَهَا فِي مَرَضِهِ ثُمَّ طَاوَعَتْ ابْنَ الزَّوْجِ تَرِثُ لِأَنَّ الْأَهْلِيَّةَ لِلْإِرْثِ لَمْ تَبْطُلْ بِالْمُطَاوَعَةِ لِأَنَّ الْمَحْرَمِيَّةَ لَا تُنَافِي الْإِرْثَ قَيَّدَ بِكَوْنِ الْمُطَاوَعَةِ بَعْدَ الْإِبَانَةِ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ لَوْ وَقَعَتْ بِتَقْبِيلِ ابْنِ زَوْجِهَا لَا تَرِثُ مُطَاوِعَةً كَانَتْ أَوْ مُكْرَهَةً أَمَّا إذَا كَانَتْ مُطَاوِعَةً فَلِرِضَاهَا بِإِبْطَالِ حَقِّهَا، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ مُكْرَهَةً فَلَمْ يُوجَدْ مِنْ الزَّوْجِ إبْطَالُ حَقِّهَا الْمُتَعَلِّقِ بِالْإِرْثِ لِوُقُوعِ الْفُرْقَةِ بِفِعْلِ غَيْرِهِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ، وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ اقْتِصَارِ الشَّارِحِينَ عَلَى الْمُطَاوَعَةِ لَا يَنْبَغِي، وَخَرَجَ مَا لَوْ طَاوَعَتْهُ بَعْدَ الرَّجْعِيِّ، وَأَنَّهَا لَا تَرِثُ كَمَا لَوْ طَاوَعَتْهُ حَالَ قِيَامِ النِّكَاحِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ طَاوَعَتْ ابْنَ زَوْجِهَا، وَهِيَ مَرِيضَةٌ ثُمَّ مَاتَتْ فِي الْعِدَّةِ وَرِثَهَا الزَّوْجُ اسْتِحْسَانًا. اهـ. وَقَيَّدَ بِالْمُطَاوَعَةِ لِأَنَّهَا لَوْ قَبَّلَتْهُ لَا تَرِثُ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ إنَّمَا وَرِثَتْ، وَإِنْ كَانَتْ الْفُرْقَةُ بِفِعْلِهَا، وَهُوَ آخِرُ اللَّعَّانِينَ لِأَنَّهُ يَلْحَقُ بِالتَّعْلِيقِ بِفِعْلٍ لَا بُدَّ لَهَا مِنْهُ إذْ هِيَ مُلْجَأَةٌ إلَى الْخُصُومَةِ لِدَفْعِ عَارِ الزِّنَا عَنْ نَفْسِهَا، وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الْقَذْفُ فِي الصِّحَّةِ أَوْ فِي الْمَرَضِ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِكَوْنِ اللِّعَانِ فِي الْمَرَضِ، وَفِيهِ خِلَافُ مُحَمَّدٍ، وَأَرَادَ بِالْإِيلَاءِ فِي الْمَرَضِ أَنْ يَكُونَ مَضَى الْمُدَّةُ فِي الْمَرَضِ أَيْضًا لِأَنَّ الْإِيلَاءَ فِي مَعْنَى تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِمُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ حَالِيَّةٍ عَنْ الْوِقَاعِ فَيَكُونُ مُلْحَقًا بِالتَّعْلِيقِ بِمَجِيءِ الْوَقْتِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ التَّعْلِيقُ، وَالشَّرْطُ فِي مَرَضِهِ. (قَوْلُهُ وَإِنْ آلَى فِي صِحَّتِهِ، وَبَانَتْ مِنْهُ فِي مَرَضِهِ لَا) أَيْ بَانَتْ بِالْإِيلَاءِ فِي مَرَضِهِ لَا تَرِثُ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ التَّعْلِيقُ، وَالشَّرْطُ فِي مَرَضِهِ، وَهُنَا، وَإِنْ تَمَكَّنَ مِنْ إبْطَالِهِ بِالْفَيْءِ لَكِنْ بِضَرَرٍ يَلْزَمُهُ، وَهُوَ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهِ فَلَمْ يَكُنْ مُتَمَكِّنًا مُطْلَقًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي مَسْأَلَةِ الْوَكِيلِ إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ عَزْلِهِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ طَلَّقَ الْمَرِيضُ امْرَأَتَهُ بَعْدَ الدُّخُولِ طَلَاقًا بَائِنًا ثُمَّ قَالَ لَهَا إذَا تَزَوَّجْتُك فَأَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فِي الْعِدَّةِ طَلَقَتْ ثَلَاثًا فَإِنْ مَاتَ، وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ فَهَذَا مَوْتٌ فِي عِدَّةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ فَيَبْطُلُ حُكْمُ ذَلِكَ الْفِرَارُ بِالتَّزَوُّجِ، وَإِنْ وَقَعَ الطَّلَاقُ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّ التَّزَوُّجَ حَصَلَ بِفِعْلِهِمَا فَلَا يَكُونُ فَارًّا، وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لِتَمَامِ الْعِدَّةِ الْأُولَى فَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ الْأَوَّلُ فِي الْمَرَضِ وَرِثَتْ، وَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ الْأَوَّلُ فِي الصِّحَّةِ لَمْ تَرِثْ. اهـ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [بَابُ الرَّجْعَةِ] بِكَسْرِ الرَّاءِ وَفَتْحِهَا، وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ، وَفِي الْمِصْبَاحِ، وَأَمَّا الرَّجْعَةُ بَعْدَ الطَّلَاقِ فَبِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ، وَبَعْضُهُمْ اقْتَصَرَ عَلَى الْفَتْحِ، وَهُوَ أَفْصَحُ قَالَ ابْنُ فَارِسٍ، وَالرَّجْعَةُ مُرَاجَعَةُ الرَّجُلِ أَهْلَهُ، وَقَدْ تُكْسَرُ، وَهُوَ يَمْلِكُ   [منحة الخالق] بَابُ الرَّجْعَةِ) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 53 الرَّجْعَةَ عَلَى زَوْجَتِهِ، وَطَلَاقٌ رَجْعِيٌّ بِالْوَجْهَيْنِ أَيْضًا. اهـ. وَقَدَّمْنَا أَنَّ الطَّلَاقَ الصَّرِيحَ، وَمَا فِي حُكْمِهِ يَعْقُبُ الرَّجْعَةَ، وَضَبَطَهُ فِي الْبَدَائِعِ بِأَنْ يَكُونَ الطَّلَاقُ صَرِيحًا بَعْدَ الدُّخُولِ حَقِيقَةً غَيْرُ مَقْرُونٍ بِعِوَضٍ، وَلَا بِعَدَدِ الثَّلَاثِ نَصًّا، وَلَا إشَارَةً، وَلَا مَوْصُوفٌ بِصِفَةٍ تُنْبِئُ عَنْ الْبَيْنُونَةِ أَوْ تَدُلُّ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ حَرْفِ الْعَطْفِ، وَلَا مُشَبِّهَ بَعْدُ أَوْ صِفَتُهُ تَدُلُّ عَلَيْهَا (قَوْلُهُ هِيَ اسْتِدَامَةُ الْمِلْكِ الْقَائِمِ فِي الْعِدَّةِ) أَيْ الرَّجْعَةُ إبْقَاءُ النِّكَاحِ عَلَى مَا كَانَ مَادَامَتْ فِي الْعِدَّةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة: 231] لِأَنَّ الْإِمْسَاكَ اسْتِدَامَةُ الْمِلْكِ الْقَائِمِ لَا إعَادَةُ الزَّائِلِ وقَوْله تَعَالَى {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} [البقرة: 228] يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ رِضَاهَا، وَعَلَى اشْتِرَاطِ الْعِدَّةِ إذْ لَا يَكُونُ بَعْدَهَا بَعْلًا، وَالرَّدُّ يَصْدُقُ حَقِيقَةً بَعْدَ انْعِقَادِ سَبَبِ زَوَالِ الْمِلْكِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ زَائِلًا بَعْدُ كَمَا بَعْدَ الزَّوَالِ. وَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي الرَّجْعَةِ مَهْرٌ وَلَا عِوَضٌ لِأَنَّهَا اسْتِبْقَاءُ مِلْكٍ، وَالْمَهْرُ يُقَابِلُهُ ثُبُوتًا لِإِبْقَاءٍ، وَلَوْ قَالَ رَاجَعْتُك بِأَلْفِ دِرْهَمٍ إنْ قَبِلَتْ الْمَرْأَةُ صَحَّ ذَلِكَ، وَإِلَّا لَا لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ فِي الْمَهْرِ، وَفِي الْمَرْغِينَانِيِّ، وَالْحَاوِي قَالَ رَاجَعْتُك عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ قَالَ أَبُو بَكْرٍ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْأَلْفُ، وَلَا تَصِيرُ زِيَادَةً فِي الْمَهْرِ كَمَا فِي الْإِقَالَةِ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ، وَلَوْ قَالَ لَهَا زِدْتُك فِي مَهْرِك لَا يَصِحُّ كَذَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ، وَأَفَادَ بِهِ أَنَّهُ لَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ الْأَمَةَ رَجْعِيًّا ثُمَّ تَزَوَّجَ حُرَّةً كَانَ لَهُ أَنْ يُرَاجِعَ الْأَمَةَ. وَلَوْ كَانَتْ الرَّجْعَةُ اسْتِحْدَاثَ مِلْكٍ لَمَا كَانَ لَهُ مُرَاجَعَتُهَا لِحُرْمَةِ إدْخَالِ الْأَمَةِ عَلَى الْحُرَّةِ، وَلِهَذَا كَانَ الْمِلْكُ بَاقِيًا فِي حَقِّ الْإِرْثِ، وَالْإِيلَاءِ، وَالظِّهَارِ، وَاللِّعَانِ، وَعِدَّةِ الْوَفَاةِ، وَيَتَنَاوَلُهَا قَوْلُهُ زَوْجَاتِي طَوَالِقُ، وَجَوَازِ الِاعْتِيَاضِ بِالْخُلْعِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ حَتَّى صَحَّ الْخُلْعُ وَالطَّلَاقُ بِمَالٍ بَعْدَ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ، وَمِنْ أَحْكَامِهَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إضَافَتُهَا إلَى وَقْتٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَلَا تَعْلِيقُهَا بِالشَّرْطِ كَمَا إذَا قَالَ إذَا جَاءَ غَدٌ فَقَدْ رَاجَعْتُك أَوْ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَقَدْ رَاجَعْت امْرَأَتِي، وَتَصِحُّ مَعَ الْإِكْرَاهِ وَالْهَزْلِ وَاللَّعِبِ وَالْخَطَأِ كَالنِّكَاحِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ، وَفِي الْخُلَاصَةِ، وَبِالطَّلَاقِ يَتَعَجَّلُ الْمُؤَجَّلُ، وَلَوْ رَاجَعَهَا لَا يَتَأَجَّلُ، وَصَحَّحَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَفِي الصَّيْرَفِيَّةِ لَا يَكُونُ حَالًّا حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ، وَقَيَّدَ بِقِيَامِ الْعِدَّةِ لِأَنَّهُ لَا رَجْعَةَ بَعْدَ انْقِضَائِهَا، وَالْقَوْلُ فِي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بِالْحَيْضِ قَوْلُ الْمَرْأَةِ، وَلَا تُصَدَّقُ فِي انْقِضَائِهَا فِي أَقَلَّ مِنْ شَهْرَيْنِ كَذَا فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَإِذَا أَسْقَطَتْ تَامَّ الْخَلْقِ أَوْ نَاقِصَ الْخَلْقِ بَطَلَ حَقُّ الرَّجْعَةِ لِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَلَوْ قَالَتْ وَلَدْت لَا تُقْبَلُ بِلَا بَيِّنَةٍ فَإِنْ طَلَبَ يَمِينَهَا بِاَللَّهِ تَعَالَى لَقَدْ أَسْقَطْت بِهَذِهِ الصِّفَةِ حَلَفَتْ اتِّفَاقًا. اهـ. وَفِيهَا لَوْ قَالَ بَعْدَ الْخَلْوَةِ بِهَا وَطِئْتُك، وَأَنْكَرَتْ فَلَهُ الرَّجْعَةُ، وَإِنْ أَنْكَرَ الزَّوْجُ الْوَطْءَ لَا رَجْعَةَ لَهُ. اهـ. وَأَشَارَ بِالِاسْتِدَامَةِ إلَى أَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا عَلَى مَالٍ بَعْدَ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ يَصِحُّ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ. (قَوْلُهُ وَتَصِحُّ فِي الْعِدَّةِ إنْ لَمْ يُطَلَّقْ ثَلَاثًا، وَلَوْ لَمْ تَرْضَ بِرَاجَعْتُكِ أَوْ رَاجَعْت امْرَأَتِي، وَبِمَا يُوجِبُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ) بَيَانٌ لِشَرْطِهَا وَرُكْنِهَا فَشَرْطُهَا أَنْ لَا يَكُونَ الطَّلَاقُ ثَلَاثًا كَمَا ذَكَرَهُ، وَمُرَادُهُ أَنْ لَا يَكُونَ بَائِنًا سَوَاءٌ كَانَ وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ، وَقَدَّمْنَا الرَّجْعِيَّ، وَالثِّنْتَانِ فِي الْأَمَةِ كَالثَّلَاثِ فِي الْحُرَّةِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ رِقُّهَا ثَابِتًا بِإِقْرَارِهَا، وَلِهَذَا لَوْ كَانَ اللَّقِيطُ امْرَأَةً مُتَزَوِّجَةً، وَقَدْ طَلَّقَهَا اثْنَتَيْنِ ثُمَّ أَقَرَّتْ بِالرِّقِّ فَلَهُ الرَّجْعَةُ لِأَنَّهَا مُتَّهَمَةٌ فِي إبْطَالِ حَقِّهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً ثُمَّ أَقَرَّتْ بِالرِّقِّ فَإِنَّهُ يَصِيرُ طَلَاقُهَا ثِنْتَيْنِ لَا يَمْلِكُ الزَّوْجُ عَلَيْهَا بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا طَلْقَةً وَاحِدَةً، وَتَمَامُهُ فِي الْخَانِيَّةِ فِي بَابِ اللَّقِيطِ، وَفِي الْقُنْيَةِ قُبَيْلَ النَّفَقَةِ قَالَ لِزَوْجَتِهِ الْأَمَةِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ أَعْتَقَهَا مَوْلَاهَا فَدَخَلَتْ وَقَعَ ثِنْتَانِ، وَفِي جَامِعِ الْكَرْخِيِّ طَلَقَتْ ثِنْتَيْنِ، وَمَلَكَ الزَّوْجُ الرَّجْعَةَ انْتَهَى، وَأَطْلَقَ فِي الْمَرْأَةِ فَشَمِلَ الْمُسْلِمَةَ وَالْكِتَابِيَّةَ وَالْحُرَّةَ وَالْمَمْلُوكَةَ لِإِطْلَاقِ الدَّلَائِلِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ، وَأَمَّا رُكْنُهَا فَقَوْلٌ أَوْ فِعْلٌ فَالْأَوَّلُ صَرِيحٌ، وَكِنَايَةٌ أَمَّا الْأَوَّلُ فَرَاجَعْتُك وَرَاجَعْت امْرَأَتِي، وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا لِيُفِيدَ مَا إذَا كَانَتْ حَاضِرَةً فَخَاطَبَهَا أَوْ غَائِبَةً، وَارْتَجَعْتُك وَرَجَعْتُك   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَمُرَادُهُ أَنْ لَا يَكُونَ بَائِنًا) قَالَ الرَّمْلِيُّ لَا حَاجَةَ إلَى هَذَا مَعَ قَوْلِهِ اسْتِدَامَةُ الْقَائِمِ لِأَنَّ الْبَائِنَ لَيْسَ فِيهِ مِلْكٌ قَائِمٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَالْكَلَامُ فِي الرَّجْعِيِّ لَا فِي الْبَائِنِ فَتَأَمَّلْ فَقَدْ غَفَلَ أَكْثَرُهُمْ فِي هَذَا الْمَحَلِّ (قَوْلُهُ وَالثِّنْتَانِ فِي الْأَمَةِ كَالثَّلَاثِ) مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ (قَوْلُهُ وَرَدَدْتُك) قَالَ فِي النَّهْرِ اشْتَرَطَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ ذِكْرَ الصِّلَةِ بِأَنْ يَقُولَ إلَى أَوْ إلَى نِكَاحِي أَوْ إلَى عِصْمَتِي قَالَ فِي الْفَتْحِ وَهُوَ حَسَنٌ إذْ مُطْلَقُهُ يُسْتَعْمَلُ فِي ضِدِّ الْقَبُولِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 54 وَرَدَدْتُك، وَأَمْسَكْتُك وَمَسَكْتُك فَيَصِيرُ مُرَاجِعًا بِلَا نِيَّةٍ، وَمِنْهُ النِّكَاحُ وَالتَّزَوُّجُ. فَلَوْ تَزَوَّجَهَا فِي الْعِدَّةِ كَانَ رَجْعَةً فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ كَذَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ فَقَوْلُ الشَّارِحِينَ إنَّهُ لَيْسَ بِرَجْعَةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ عَلَى غَيْرِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَمَا لَا يَخْفَى فَعُلِمَ أَنَّ لَفْظَ النِّكَاحِ يُسْتَعَارُ لِلرَّجْعَةِ، وَهَلْ يُسْتَعَارُ لَفْظُ الرَّجْعَةِ لِلنِّكَاحِ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ وَلَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثُمَّ قَالَ إنْ رَاجَعْتُك فَأَنْت طَالِقٌ فَإِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَتَزَوَّجَهَا لَمْ تَطْلُقْ، وَلَوْ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا تَطْلُقُ، وَعَلَّلَ لَهُ فِي الْمُحِيطِ بِأَنَّهَا لَمَّا لَمْ تَكُنْ مَحَلًّا انْصَرَفَ إلَى النِّكَاحِ مَجَازًا انْتَهَى، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا أَمْكَنَ انْصِرَافُ اللَّفْظِ إلَى حَقِيقَتِهِ وَقْتَ التَّعْلِيقِ، وَانْصَرَفَ إلَيْهِ لَا يَصِيرُ بَعْدَهُ مَجَازًا، وَإِلَّا صَارَ مَجَازًا، وَأَمَّا الْكِنَايَةُ فَنَحْوُ أَنْتِ عِنْدِي كَمَا كُنْت أَوْ أَنْتِ امْرَأَتِي فَيَتَوَقَّفُ عَلَى النِّيَّةِ، وَأَمَّا الثَّانِي أَعْنِي الْفِعْلَ فَأَفَادَ أَنَّ كُلَّ فِعْلٍ أَوْجَبَ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ فَإِنَّ الرَّجْعَةَ تَصِحُّ بِهِ، وَسَوَّى بَيْنَ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ فِي الصِّحَّةِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْكَرَاهَةِ فَإِنَّهَا مَكْرُوهَةٌ بِالْفِعْلِ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ فَدَخَلَ الْوَطْءُ وَالتَّقْبِيلُ بِشَهْوَةٍ عَلَى أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ فَمًا أَوْ خَدًّا أَوْ ذَقَنًا أَوْ جَبْهَةً أَوْ رَأْسًا أَوْ الْمَسُّ بِلَا حَائِلٍ أَوْ بِحَائِلٍ يَجِدُ الْحَرَارَةَ مَعَهُ بِشَهْوَةٍ، وَالنَّظَرُ إلَى دَاخِلِ الْفَرْجِ بِشَهْوَةٍ فَإِنْ كَانَتْ مُتَّكِئَةً وَالْوَطْءُ فِي الدُّبُرِ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ مَسٍّ بِشَهْوَةٍ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ التَّقْبِيلِ، وَالْمَسِّ، وَالنَّظَرِ بِشَهْوَةٍ مِنْهُ أَوْ مِنْهَا بِشَرْطِ أَنْ يُصَدِّقَهَا سَوَاءٌ كَانَ بِتَمْكِينِهِ أَوْ فَعَلَتْهُ اخْتِلَاسًا أَوْ كَانَ نَائِمًا أَوْ مُكْرَهًا أَوْ مَعْتُوهًا أَمَّا إذَا ادَّعَتْهُ وَأَنْكَرَهُ لَا تَثْبُتُ الرَّجْعَةُ، وَقَدَّمْنَا فِي بَابِ التَّعْلِيقِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهَا إنْ جَامَعْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَجَامَعَهَا وَمَكَثَ بَعْدَمَا جَامَعَهَا فَهُوَ رَجْعَةٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَكُونُ رَجْعَةً إلَّا أَنْ يَتَنَحَّى عَنْهَا، وَلَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَى فِعْلِهَا لِأَنَّ الشَّهْوَةَ لَا تُعْرَفُ إلَّا بِقَوْلِهَا، وَخَرَجَ مَا إذَا كَانَتْ هَذِهِ الْأَفْعَالُ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ أَوْ نَظَرٍ إلَى غَيْرِ دَاخِلِ الْفَرْجِ بِشَهْوَةٍ، وَلَوْ إلَى حَلْقَةِ الدُّبُرِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ مُرَاجِعًا لَكِنَّهُ مَكْرُوهٌ كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ، وَفِي الْجَوْهَرَةِ، وَلَوْ صَدَّقَهَا الْوَرَثَةُ بَعْدَ مَوْتِهِ أَنَّهَا لَمَسَتْهُ بِشَهْوَةٍ كَانَ ذَلِكَ رَجْعَةً انْتَهَى، وَفِي الْمِعْرَاجِ وَالْأَمَةُ لَوْ فَعَلَتْ بِالْبَائِعِ فِي الْخِيَارِ كَانَ فَسْخًا لِأَنَّ الْفَسْخَ قَدْ يَحْصُلُ بِفِعْلِهَا كَمَا لَوْ زَنَتْ أَوْ قَتَلَتْ نَفْسَهَا وَأَبُو يُوسُفَ سَوَّى بَيْنَ الْخِيَارِ وَالرَّجْعَةِ فِي أَنَّهُمَا لَا يَثْبُتَانِ بِفِعْلِهَا وَمُحَمَّدٌ أَثْبَتَ الرَّجْعَةَ دُونَ الْفَسْخِ، وَفِي الْبَدَائِعِ أَبُو حَنِيفَةَ سَوَّى بَيْنَهُمَا فِي الثُّبُوتِ، وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ لَوْ قَالَ أَبْطَلْت رَجْعَتِي أَوْ لَا رَجْعَةَ لِي عَلَيْك لَا تَبْطُلُ الرَّجْعَةُ انْتَهَى، وَفِي الْقُنْيَةِ أَجَازَ مُرَاجَعَةَ الْفُضُولِيِّ صَحَّ، وَيَصِيرُ مُرَاجِعًا بِوُقُوعِ بَصَرِهِ عَلَى فَرْجِهَا بِشَهْوَةٍ مِنْ غَيْرِ قَصْدِ الْمُرَاجَعَةِ انْتَهَى، وَاخْتُلِفَ فِيمَا إذَا طَلَّقَ رَجْعِيًّا ثُمَّ جُنَّ ثُمَّ رَاجَعَهَا بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ فَقِيلَ لَا يَصِحُّ بِهِمَا، وَقِيلَ يَصِحُّ بِهِمَا، وَقِيلَ تَصِحُّ بِالْفِعْلِ دُونَ الْقَوْلِ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ، وَاقْتَصَرَ الْبَزَّازِيُّ عَلَى الْأَخِيرِ، وَلَعَلَّهُ الرَّاجِحُ لَمَّا عُرِفَ أَنَّهُ مُؤَاخَذٌ بِأَفْعَالِهِ دُونَ أَقْوَالِهِ، وَعَلَّلَهُ فِي الصَّيْرَفِيَّةِ بِأَنَّهُ اسْتِدَامَةُ النِّكَاحِ وَالرِّضَا لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَلِهَذَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى الرَّجْعَةِ بِالْفِعْلِ يَصِحُّ انْتَهَى، وَفِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ، وَإِذَا رَاجَعَهَا بِقُبْلَةٍ أَوْ لَمْسٍ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُرَاجِعَهَا بِالْإِشْهَادِ ثَانِيًا اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَيُكْرَهُ التَّقْبِيلُ وَاللَّمْسُ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ إذَا لَمْ يُرِدْ الرَّجْعَةَ، وَيُكْرَهُ أَنْ يَرَاهَا مُتَجَرِّدَةً لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ مِنْ أَنْ يَشْتَهِيَ فَيَصِيرَ بِهِ مُرَاجِعًا ثُمَّ يَحْتَاجُ إلَى الطَّلَاقِ فَيُؤَدِّي إلَى تَطْوِيلِ الْعِدَّةِ انْتَهَى. (قَوْلُهُ) (وَالْإِشْهَادُ مَنْدُوبٌ عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى الرَّجْعَةِ وِفَاقًا لِمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ عَلَى الْأَظْهَرِ خُرُوجًا مِنْ خِلَافٍ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ، وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا، وَعَمَلًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لِلنَّدْبِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ أَمَرَ بِالْإِشْهَادِ بَعْدَ الْأَمْرِ بِشَيْئَيْنِ الْإِمْسَاكِ وَالْمُفَارَقَةِ فَلَوْ كَانَ الْإِشْهَادُ وَاجِبًا فِي الرَّجْعَةِ مَنْدُوبًا فِي الْمُفَارَقَةِ لَلَزِمَ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ الْوَاحِدِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ عِنْدَنَا، وَاحْتِرَازًا عَنْ التَّجَاحُدِ، وَعَنْ الْوُقُوفِ فِي مَوَاضِعِ التُّهَمِ. وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى أَنَّ الرَّجْعَةَ عَلَى ضَرْبَيْنِ سُنِّيٍّ وَبِدْعِيٍّ فَالسُّنِّيُّ أَنْ يُرَاجِعَهَا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَهَلْ يُسْتَعَارُ لَفْظُ الرَّجْعَةِ لِلنِّكَاحِ) أَقُولُ: قَدَّمَ الْمُؤَلِّفُ فِي النِّكَاحِ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ بِقَوْلِهِ لِمُبَانَتِهِ رَاجَعْتُك بِكَذَا (قَوْلُهُ فَإِنَّهَا مَكْرُوهَةٌ بِالْفِعْلِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ هُنَا تَنْزِيهِيَّةٌ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ كَلَامُ هَذَا الشَّارِحِ الْآتِي فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَالطَّلَاقُ الرَّجْعِيُّ لَا يُحَرِّمُ الْوَطْءَ. اهـ. قُلْت وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي الْفَتْحِ، وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُرَاجِعَهَا بِالْقَوْلِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 55 بِالْقَوْلِ، وَيُشْهِدَ عَلَى رَجْعَتِهَا، وَيُعْلَمَهَا، وَلَوْ رَاجَعَهَا بِالْقَوْلِ، وَلَمْ يُشْهِدْ أَوْ أَشْهَدَ، وَلَمْ يُعْلِمْهَا كَانَ مُخَالِفًا لِلسُّنَّةِ كَمَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ بَعْدَ الْعِدَّةِ رَاجَعْتُك فِيهَا فَصَدَّقَتْهُ تَصِحُّ، وَإِلَّا لَا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ تُصَدِّقْهُ لَا تَصِحُّ الرَّجْعَةُ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ شَيْءٍ لَا يَمْلِكُ إنْشَاءَهُ فِي الْحَالِ، وَهِيَ تُنْكِرُهُ فَكَانَ الْقَوْلُ لَهَا مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ لِمَا عُرِفَ فِي الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ، وَإِنْ صَدَّقَتْهُ صَحَّتْ لِأَنَّ النِّكَاحَ يَثْبُتُ بِتَصَادُقِهِمَا فَالرَّجْعَةُ أَوْلَى، وَنَظِيرُهُ الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ إذَا قَالَ قَبْلَ الْعَزْلِ كُنْت بِعْته مِنْ فُلَانٍ صُدِّقَ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَهُ بَعْدَ الْعَزْلِ كَذَا فِي الْكَافِي، وَفِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ لِلصَّدْرِ مَنْ مَلَكَ الْإِنْشَاءَ مَلَكَ الْإِخْبَارَ كَالْوَصِيِّ وَالْمَوْلَى وَالْمَرَاجِعِ وَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ، وَمَنْ لَهُ الْخِيَارُ انْتَهَى، وَلَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً بَعْدَ الْعِدَّةِ أَنَّهُ قَالَ فِي عِدَّتِهَا قَدْ رَاجَعْتهَا أَوْ أَنَّهُ قَالَ قَدْ جَامَعْتهَا كَانَ رَجْعَةً لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ بِالْمُعَايَنَةِ، وَهَذَا مِنْ أَعْجَبْ الْمَسَائِلِ فَإِنَّهُ يُثْبِتُ إقْرَارَ نَفْسِهِ بِالْبَيِّنَةِ بِمَا لَوْ أَقَرَّ بِهِ فِي الْحَالِ لَمْ يَكُنْ مَقْبُولًا كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ بَعْدَ الْعِدَّةِ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ فِي الْعِدَّةِ كُنْت رَاجَعْتُك أَمْسِ ثَبَتَتْ، وَإِنْ كَذَّبَتْهُ لِمِلْكِهِ الْإِنْشَاءَ فِي الْحَالِ. (قَوْلُهُ كَرَاجَعْتُكِ فَقَالَتْ مُجِيبَةً مَضَتْ عِدَّتِي) يَعْنِي لَوْ قَالَ لَهَا رَاجَعْتُك فَأَجَابَتْهُ بِقَوْلِهَا مَضَتْ عِدَّتِي لَا تَصِحُّ الرَّجْعَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهَا صَادَفَتْ حَالَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَلَا تَصِحُّ، وَقَالَا تَصِحُّ، وَالْقَوْلُ لَهُ لِأَنَّهَا صَادَفَتْ الْعِدَّةَ لِبَقَائِهَا ظَاهِرًا مَا لَمْ تُخْبِرْ بِالِانْقِضَاءِ، وَقَدْ سَبَقَتْ الرَّجْعَةُ خَبَرَهَا بِالِانْقِضَاءِ كَمَا لَوْ قَالَ طَلَّقْتُك فَقَالَتْ مُجِيبَةً انْقَضَتْ عِدَّتِي فَإِنَّهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ، وَكَالْمُوَكِّلِ إذَا قَالَ لِلْوَكِيلِ عَزَلْتُك فَقَالَ الْوَكِيلُ مُجِيبًا لَهُ بِعْت لَا يَصِحُّ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَلَهُ أَنَّ قَوْلَهُ رَاجَعْتُك إنْشَاءٌ، وَهُوَ إثْبَاتُ أَمْرٍ لَمْ يَكُنْ فَلَا يَسْتَدْعِي سَبْقَ الرَّجْعَةِ، وَقَوْلُهَا انْقَضَتْ عِدَّتِي إخْبَارٌ، وَهُوَ إظْهَارُ أَمْرٍ قَدْ كَانَ فَيَقْتَضِي سَبْقَ الِانْقِضَاءِ ضَرُورَةً، وَمَسْأَلَةُ الطَّلَاقِ قِيلَ عَلَى الْخِلَافِ فَلَا يَقَعُ عِنْدَهُ كَمَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ انْقِضَاءِ عِدَّتِك، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَقَعُ لِإِقْرَارِ الزَّوْجِ بِالْوُقُوعِ كَمَا لَوْ قَالَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ كُنْت طَلَّقْتهَا فِي الْعِدَّةِ كَانَ مُصَدَّقًا فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ الرَّجْعَةِ قَيَّدَ بِكَوْنِهَا إجَابَتَهُ مِنْ غَيْرِ سُكُوتٍ لِأَنَّهَا لَوْ سَكَتَتْ سَاعَةً تَصِحُّ الرَّجْعَةُ اتِّفَاقًا. وَأَشَارَ بِكَوْنِ الزَّوْجِ بَدَأَهَا إلَى أَنَّهَا لَوْ بَدَأَتْ فَقَالَتْ انْقَضَتْ عِدَّتِي فَقَالَ الزَّوْجُ مُجِيبًا لَهَا مَوْصُولًا بِكَلَامِهَا رَاجَعْتُك لَا يَصِحُّ بِالْأُولَى، وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِيهَا خِلَافًا، وَإِذَا لَمْ تَصِحَّ الرَّجْعَةُ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ لَا تُسْتَحْلَفُ عِنْدَهُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْأُولَى أَنَّ الْيَمِينَ فَائِدَتُهَا النُّكُولُ، وَهُوَ بَذْلٌ عِنْدَهُ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى تَحْلِيفُهَا عَلَى الرَّجْعَةِ، وَبَذْلُهَا لَا يَجُوزُ، وَفِي الثَّانِيَةِ تَحْلِيفُهَا عَلَى مُضِيِّ عِدَّتِهَا، وَهُوَ الِامْتِنَاعُ عَنْ التَّزَوُّجِ، وَالِاحْتِبَاسُ فِي مَنْزِلِ الزَّوْجِ، وَبَذْلُهُ جَائِزٌ، وَأَمَّا مَذْهَبُهُمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ فَقَدْ عَرَفْت أَنَّهُ صِحَّةُ الرَّجْعَةِ فَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يُقَالَ تُسْتَحْلَفُ الْمَرْأَةُ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ، وَقَلَّدَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَشَرْحِ الْمَجْمَعِ، وَقَدْ اقْتَصَرَ عَلَى أَنَّهَا تُسْتَحْلَفُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْبَدَائِعِ، وَغَايَةِ الْبَيَانِ وَالْأَقْطَعِ وَالْخُلَاصَةِ والولوالجية فَكَانَ نَقْلُ الْإِجْمَاعِ سَهْوًا. (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ زَوْجُ الْأَمَةِ بَعْدَ الْعِدَّةِ رَاجَعْت فِيهَا فَصَدَّقَ سَيِّدُهَا وَكَذَّبَتْهُ أَوْ قَالَتْ مَضَتْ عِدَّتِي، وَأَنْكَرَا فَالْقَوْلُ لَهَا) أَيْ أَنْكَرَ الزَّوْجُ، وَالْمَوْلَى، وَقَبُولُ قَوْلِهَا فِي الْأُولَى قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ الرَّجْعَةَ تُبْتَنَى عَلَى قِيَامِ الْعِدَّةِ، وَالْقَوْلُ فِيهَا قَوْلُهَا، وَقَالَا الْقَوْلُ لِلْمَوْلَى لِأَنَّ الْبُضْعَ حَقُّهُ كَإِقْرَارِهِ عَلَيْهَا بِالنِّكَاحِ قَيَّدَ بِتَصْدِيقِ السَّيِّدِ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَوْ كَذَّبَهُ، وَصَدَّقَتْهُ الْأَمَةُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْلَى عَلَى الصَّحِيحِ لِأَنَّ مِلْكَهُ قَدْ ظَهَرَ لِلْحَالِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ لِاعْتِرَافِهِ بِبَقَاءِ الْعِدَّةِ، وَلَا يَظْهَرُ مِلْكُهُ مَعَهَا فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْحُكْمِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَهُوَ عَدَمُ صِحَّةِ الرَّجْعَةِ، وَإِنْ اخْتَلَفَ التَّصْوِيرُ، وَقَيَّدَ بِكَوْنِهَا قَالَتْ مَضَتْ عِدَّتِي لِأَنَّهَا لَوْ قَالَتْ وَلَدْت يَعْنِي انْقَضَتْ عِدَّتِي بِالْوِلَادَةِ لَا يُقْبَلُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَكَذَا لَوْ قَالَتْ أَسْقَطْت سُقْطًا مُسْتَبِينَ الْخَلْقِ، وَلِلزَّوْجِ أَنْ يَطْلُبَ يَمِينَهَا عَلَى أَنَّهَا أَسْقَطَتْ بِهَذِهِ الصِّفَةِ بِالِاتِّفَاقِ، وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِي شَرْحِ النُّقَايَةِ لَوْ قَالَتْ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ لِمَا عُرِفَ فِي الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ) بَلْ التِّسْعَةُ، وَهِيَ الرَّجْعَةُ، وَالنِّكَاحُ، وَالْفَيْءُ، وَالِاسْتِيلَادُ، وَالرِّقُّ، وَالنَّسَبُ، وَالْوَلَاءُ، وَالْحَدُّ، وَاللِّعَانُ لَكِنَّ الْفَتْوَى عَلَى التَّحْلِيفِ فِي السَّبْعَةِ الْأُولَى، وَهُوَ قَوْلُهُمَا كَمَا سَيَأْتِي فِي كِتَابِ الدَّعْوَى. (قَوْلُهُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْأُولَى) الْمُرَادُ بِالْأُولَى الْمَذْكُورَةُ فِي الْمَتْنِ، وَهِيَ مَا إذَا قَالَ بَعْدَ الْعِدَّةِ رَاجَعْتُك فِيهَا، وَلَمْ تُصَدِّقْهُ فَإِنَّ الْقَوْلَ لَهَا مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 56 انْقَضَتْ عِدَّتِي ثُمَّ قَالَتْ لَمْ تَنْقَضِ كَانَ لَهُ الرَّجْعَةُ لِأَنَّهَا أَخْبَرَتْ بِكَذِبِهَا فِي حَقٍّ عَلَيْهَا انْتَهَى. (قَوْلُهُ وَتَنْقَطِعُ إنْ طَهُرَتْ مِنْ الْحَيْضِ الْأَخِيرِ لِعَشَرَةٍ، وَإِنْ لَمْ تَغْتَسِلْ، وَلِأَقَلَّ لَا حَتَّى تَغْتَسِلَ أَوْ يَمْضِيَ وَقْتُ صَلَاةٍ) أَيْ، وَتَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ إنْ حَكَمَ بِخُرُوجِهَا مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ إنْ كَانَتْ حُرَّةً أَوْ الثَّانِيَةِ إنْ كَانَتْ أَمَةً لِتَمَامِ عَشَرَةِ أَيَّامٍ مُطْلَقًا، وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ الطَّهَارَةِ هُنَا الِانْقِطَاعُ لِأَنَّهَا بِمُضِيِّ الْعَشَرَةِ خَرَجَتْ مِنْ الْحَيْضِ، وَإِنْ لَمْ يَنْقَطِعْ. وَأَشَارَ بِمُضِيِّ الْوَقْتِ إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ خُرُوجِهِ لِتَصِيرَ الصَّلَاةُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهَا فَإِنْ كَانَ الطُّهْرُ فِي آخِرِ الْوَقْتِ فَهُوَ ذَلِكَ الزَّمَنُ الْيَسِيرُ الَّذِي تَقْدِرُ فِيهِ عَلَى الِاغْتِسَالِ وَالتَّحْرِيمَةِ لَا مَا دُونَهُ، وَإِنْ كَانَ فِي أَوَّلِهِ لَمْ يَثْبُتْ هَذَا حَتَّى يَخْرُجَ جَمِيعُهُ لِأَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَصِيرُ دَيْنًا إلَّا بِذَلِكَ، وَعَلَى هَذَا لَوْ طَهُرَتْ فِي وَقْتٍ مُهْمَلٍ كَبُعْدِ الشُّرُوقِ لَا تَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ إلَى دُخُولِ وَقْتِ الْعَصْرِ، وَأَطْلَقَ الِاغْتِسَالَ فَشَمِلَ مَا إذَا اغْتَسَلَتْ بِسُؤْرِ الْحِمَارِ، وَلَوْ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ فَإِنَّهُ تَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ لِاحْتِمَالِ طَهَارَتِهِ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تُصَلِّي بِهِ لِاحْتِمَالِ النَّجَاسَةِ، وَلِذَا لَا يَقْرَبُهَا الزَّوْجُ، وَلَا تَتَزَوَّجُ بِآخَرَ احْتِيَاطًا كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة، وَإِنَّمَا شُرِطَ فِي الْأَقَلِّ أَحَدُ الشَّيْئَيْنِ لِأَنَّهُ لَمَّا احْتَمَلَ عَوْدَ الدَّمِ لِبَقَاءِ الْمُدَّةِ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَتَقَوَّى الِانْقِطَاعُ بِحَقِيقَةِ الِاغْتِسَالِ أَوْ يَلْزَمَ شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِ الطَّاهِرَاتِ فَخَرَجَتْ الْكِتَابِيَّةُ لِأَنَّهُ لَا يُتَوَقَّعُ فِي حَقِّهَا أَمَارَةٌ زَائِدَةٌ فَاكْتَفَى بِالِانْقِطَاعِ كَذَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُونَ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْقَاطِعَ لِلرَّجْعَةِ الِانْقِطَاعُ لَكِنْ بِمَا كَانَ غَيْرَ مُحَقَّقٍ اشْتَرَطَ مَعَهُ مَا يُحَقِّقُهُ فَأَفَادَ أَنَّهَا لَوْ اغْتَسَلَتْ ثُمَّ عَادَ الدَّمُ، وَلَوْ يُجَاوِرُ الْعَشَرَةَ كَانَ لَهُ الرَّجْعَةُ، وَتَبَيَّنَ أَنَّ الرَّجْعَةَ لَمْ تَنْقَطِعْ بِالْغُسْلِ. وَلَوْ تَزَوَّجَتْ بَعْدَ الِانْقِطَاعِ لِلْأَقَلِّ قَبْلَ الْغُسْلِ، وَمَضَى الْوَقْتُ تَبَيَّنَ صِحَّةُ النِّكَاحِ هَكَذَا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْقَاطِعَ لِلرَّجْعَةِ الِانْقِطَاعُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَدَلَّ كَلَامُهُ أَيْ الْمُصَنِّفِ أَنَّ هَذَا فِيمَنْ تُخَاطَبُ بِالْغُسْلِ، وَالصَّلَاةِ أَمَّا الْكِتَابِيَّةُ فَبِمُجَرَّدِ الِانْقِطَاعِ لِمَا دُونَ الْعَشَرَةِ تَنْقَطِعُ رَجْعَتُهَا لِعَدَمِ خِطَابِهَا، وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْمَجْنُونَةُ وَالْمَعْتُوهَةُ كَذَلِكَ، وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ اشْتِرَاطُ الْغُسْلِ بَعْدَ الِانْقِطَاعِ لِتَمَامِ الْعَادَةِ قَبْلَ الْعَشَرَةِ يَرُدُّهُ الدَّلِيلُ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] لِخُلُوِّهِ عَنْ اشْتِرَاطِهِ، وَإِنْ أُجِيبَ بِأَنَّ تَيَقُّنَ الِانْقِطَاعِ مُنْتَفٍ لِغَرَضِ أَنَّهُ لَيْسَ أَكْثَرَ الْحَيْضِ، وَاحْتِمَالُ عَوْدِ الدَّمِ دُفِعَ بِأَنَّ هَذَا الِاغْتِسَالَ الزَّائِدَ لَا يُجْدِي قَطْعَ هَذَا الِاحْتِمَالِ لَا فِي الْوَاقِعِ، وَلَا شَرْعًا لِأَنَّهَا لَوْ اغْتَسَلَتْ ثُمَّ عَادَ الدَّمُ، وَلَمْ يُجَاوِزْ الْعَشَرَةَ كَانَ لَهُ الرَّجْعَةُ بَعْدَ أَنْ قُلْنَا انْقَطَعَتْ الرَّجْعَةُ فَكَانَ الْحَالُ مَوْقُوفًا عَلَى عَدَمِ الْعَوْدِ بَعْدَ الْغُسْلِ كَمَا هُوَ كَذَلِكَ قَبْلَهُ، وَلَوْ رَاجَعَهَا بَعْدَ هَذَا الْغُسْلِ الَّذِي قُلْنَا إنَّ بِهِ تَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ ثُمَّ عَاوَدَهَا، وَلَمْ يُجَاوِزْ الْعَشَرَةَ صَحَّتْ رَجْعَتُهُ، وَكَذَا الْكَلَامُ فِي التَّيَمُّمِ فَلَيْسَ جَوَابُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْحَقِيقَةِ إلَّا مُقَيَّدًا هَكَذَا إذَا انْقَطَعَ لِأَقَلَّ مِنْ عَشَرَةٍ، وَلَمْ يُعَاوِدْهَا أَوْ عَاوَدَهَا، وَلَمْ يَتَجَاوَزْهَا ظَهَرَ انْقِطَاعُ الرَّجْعَةِ مِنْ وَقْتِ الِانْقِطَاعِ لِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ إذْ ذَاكَ حَتَّى لَوْ كَانَتْ تَزَوَّجَتْ قَبْلَ الْغُسْلِ ظَهَرَ صِحَّتُهُ، وَإِنْ عَاوَدَهَا الدَّمُ، وَلَمْ يُجَاوِزْ فَالْأَحْكَامُ الْمَذْكُورَةُ بِالْعَكْسِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ قَالَ فِي الْبَحْرِ وَهَذَا أَعْنِي صِحَّةَ الرَّجْعَةِ وَالنِّكَاحِ فِيمَا إذَا عَاوَدَهَا الدَّمُ فِيمَا دُونَ الْعَشَرَةِ كَذَا أَفَادَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بَحْثًا، وَهُوَ وَإِنْ خَالَفَهُ ظَاهِرُ الْمُتُونِ لَكِنَّ الْمَعْنَى يُسَاعِدُهُ. اهـ. وَأَنْتَ قَدْ عَلِمْت بِأَنَّ الْبَحْثَ لَيْسَ إلَّا فِي اشْتِرَاطِ الْغُسْلِ فَقَطْ، وَلَا نُسَلِّمُ الْمُخَالَفَةَ لِظَاهِرِ الْمُتُونِ لِأَنَّهُ لَوْ عَاوَدَهَا تَبَيَّنَ عَدَمُ انْقِطَاعِهِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ اهـ. وَلَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّ الْبَحْثَ فِي اشْتِرَاطِ الْغُسْلِ يُؤَدِّي إلَى صِحَّةِ النِّكَاحِ بَعْدَ الِانْقِطَاعِ لِلْأَقَلِّ قَبْلَ الْغُسْلِ، وَكَذَا يُؤَدِّي إلَى صِحَّةِ الرَّجْعَةِ، وَعَدَمِ صِحَّةِ النِّكَاحِ لَوْ اغْتَسَلَتْ ثُمَّ عَاوَدَهَا، وَلَمْ يُجَاوِزْ بَلْ كُلُّ ذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي كَلَامِ الْفَتْحِ فَمَا مَعْنَى الرَّدِّ عَلَى الْمُؤَلِّفِ فِي النَّقْلِ ثُمَّ إنَّ قَوْلَ الْمَتْنِ، وَلِأَقَلَّ لَا حَتَّى تَغْتَسِلَ يُفِيدُ أَنَّهَا لَوْ لَمْ تَغْتَسِلْ لَا تَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ، وَإِنْ لَمْ يُعَاوِدْهَا الدَّمُ، وَكَذَا يُفِيدُ عَدَمَ صِحَّةِ تَزَوُّجِهَا قَبْلَ الْغُسْلِ، وَبَحْثُ صَاحِبِ الْفَتْحِ بِخِلَافِ هَذَا كَمَا لَا يَخْفَى، وَقَوْلُهُ قَالَ فِي الْبَحْرِ وَهَذَا أَعْنِي صِحَّةَ الرَّجْعَةِ وَالنِّكَاحِ إلَخْ الظَّاهِرُ أَنَّ فِيهِ سَقْطًا، وَالْأَصْلُ وَعَدَمُ صِحَّةِ النِّكَاحِ تَأَمَّلْ بَقِيَ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْمَتْنِ هُنَا أَنَّ الِاغْتِسَالَ فِيمَا لَوْ انْقَطَعَ لِأَقَلَّ مِنْ الْعَشَرَةِ يَقْطَعُ الرَّجْعَةَ، وَلَوْ كَانَ لِدُونِ الْعَادَةِ، وَظَاهِرُ صَدْرِ عِبَارَةِ الْفَتْحِ السَّابِقَةِ تَخْصِيصُهُ بِالْعَادَةِ، وَذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ فِي بَابِ الْحَيْضِ مَا نَصُّهُ وَفِي الْخُلَاصَةِ إذَا انْقَطَعَ دَمُ الْمَرْأَةِ دُونَ عَادَتِهَا الْمَعْرُوفَةِ فِي حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ اغْتَسَلَتْ حَتَّى تَخَافَ فَوْتَ الصَّلَاةِ وَصَلَّتْ وَاجْتَنَبَ زَوْجُهَا قُرْبَانَهَا احْتِيَاطًا حَتَّى تَأْتِيَ عَلَى عَادَتِهَا لَكِنْ تَصُومُ رَمَضَانَ احْتِيَاطًا، وَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْحَيْضَةُ هِيَ الثَّالِثَةُ مِنْ الْعِدَّةِ انْقَطَعَتْ الرَّجْعَةُ احْتِيَاطًا، وَلَا تَتَزَوَّجُ بِزَوْجٍ آخَرَ احْتِيَاطًا فَإِنْ تَزَوَّجَهَا رَجُلٌ إنْ لَمْ يُعَاوِدْهَا الدَّمُ جَازَ، وَإِنْ عَاوَدَهَا إنْ كَانَ فِي الْعَشَرَةِ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى الْعَشَرَةِ فَسَدَ نِكَاحُ الثَّانِي، وَكَذَا صَاحِبُ الِاسْتِبْرَاءِ يَجْتَنِبُهَا احْتِيَاطًا اهـ. قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَمَفْهُومُ التَّقْيِيدِ أَنَّهُ إذَا زَادَ لَا يَفْسُدُ، وَمُرَادُهُ إذَا كَانَ الْعَوْدُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعَادَةِ أَمَّا قَبْلَهَا فَيَفْسُدُ، وَإِنْ زَادَ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ تُوجِبُ الرَّدَّ إلَى الْعَادَةِ، وَالْفَرْضُ أَنَّهُ عَاوَدَهَا فِيهَا فَظَهَرَ أَنَّ النِّكَاحَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 57 أَفَادَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بَحْثًا، وَهُوَ إنْ خَالَفَ ظَاهِرَ الْمُتُونِ لَكِنَّ الْمَعْنَى يُسَاعِدُهُ، وَالْقَوَاعِدُ لَا تَأْبَاهُ (قَوْلُهُ أَوْ تَتَيَمَّمُ وَتُصَلِّي) أَيْ لَا تَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ عِنْدَ فَقْدِ الْمَاءِ حَتَّى تَتَيَمَّمَ وَتُصَلِّيَ بِهِ فَرْضًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ، وَلَا يَكْفِي مُجَرَّدُ التَّيَمُّمِ عِنْدَهُمَا لِأَنَّهَا طَهَارَةٌ ضَرُورِيَّةٌ لَمْ تُشْرَعْ إلَّا عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْمَاءِ فَلَا بُدَّ لَهَا مِنْ مُؤَكِّدٍ فَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُهُمَا فِي بَابِ الْإِمَامَةِ إنَّهَا طَهَارَةٌ مُطْلَقَةٌ حَتَّى جَوَّزَ اقْتِدَاءَ الْمُتَوَضِّئِ بِالْمُتَيَمِّمِ لِأَنَّ مُرَادَهُمَا بِالْإِطْلَاقِ أَنَّهُ يَرْفَعُ الْحَدَثَ إلَى غَايَةِ وُجُودِ الْمَاءِ كَالطَّهَارَةِ بِالْمَاءِ فَهِيَ مُطْلَقَةٌ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ، وَإِنْ كَانَتْ ضَرُورِيَّةً مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى، وَكَذَا لَا يُنَافِيهِ قَوْلُ الْكُلِّ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ أَيْضًا إنَّهَا مُطْلَقَةٌ لَمَّا عُلِمَتْ، وَلَا تَنَافِيَ هُنَا أَيْضًا بَيْنَ قَوْلِ مُحَمَّدٍ هُنَا إنَّهَا مُطْلَقَةٌ حَتَّى اكْتَفَى بِمُجَرَّدِ التَّيَمُّمِ لِانْقِطَاعِهَا وَبَيْنَ قَوْلِهِ فِي بَابِ الْإِمَامَةِ إنَّهَا ضَرُورِيَّةٌ حَتَّى مَنَعَ اقْتِدَاءَ الْمُتَوَضِّئِ بِالْمُتَيَمِّمِ لَمَّا عَلِمْت أَنَّ الْإِطْلَاقَ مِنْ جِهَةٍ، وَالضَّرُورَةَ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى لَكِنَّ مُحَمَّدًا عَمِلَ بِالِاحْتِيَاطِ فِيهِمَا، وَقَدْ رَجَّحَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ قَوْلَهُمَا فِي الْإِمَامَةِ وَقَوْلَهُ فِي الرَّجْعَةِ. وَتَمَامُ تَحْقِيقِهِ فِيهِ قَيْدُ تَوَقُّفِ الِانْقِطَاعِ عَلَى الصَّلَاةِ لِأَنَّ حِلَّ قُرْبَانِ الزَّوْجِ لَهَا غَيْرُ مُتَوَقِّفٍ عَلَيْهَا بَلْ يَجُوزُ قَبْلَ الصَّلَاةِ، وَأَجْمَعُوا أَنَّ حِلَّهَا لِلْأَزْوَاجِ مُتَوَقِّفٌ عَلَى صَلَاتِهَا بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ كَمَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ. وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ حَتَّى تُصَلِّيَ إلَى أَنَّهَا لَا تَنْقَطِعُ حَتَّى تَفْرُغَ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى الصَّحِيحِ لِاحْتِمَالِ وُجُودِ الْمَاءِ فِي أَثْنَائِهَا فَتَبْطُلُ، وَقَيَّدَ بِالصَّلَاةِ لِأَنَّهَا لَوْ قَرَأَتْ الْقُرْآنَ بَعْدَ التَّيَمُّمِ أَوْ مَسَّتْ الْمُصْحَفَ أَوْ دَخَلَتْ الْمَسْجِدَ لَا تَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ لِأَنَّهَا اتِّبَاعُ الصَّلَاةِ فَلَا يُعْطَى لَهَا حُكْمُهَا، وَقَالَ الْكَرْخِيُّ تَنْقَطِعُ لِأَنَّهُ مِنْ أَحْكَامِ الطَّاهِرَاتِ (قَوْلُهُ وَلَوْ اغْتَسَلَتْ، وَنَسِيَتْ أَقَلَّ مِنْ عُضْوٍ تَنْقَطِعُ، وَلَوْ عُضْوًا لَا) لِأَنَّ مَا دُونَ الْعُضْوِ يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْجَفَافُ لِقِلَّتِهِ فَلَا يَتَيَقَّنُ بِعَدَمِ وُصُولِ الْمَاءِ إلَيْهِ قَيَّدَ بِالِانْقِطَاعِ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِزَوْجِهَا أَنْ يَقْرَبَهَا، وَلَا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بِزَوْجٍ آخَرَ مَا لَمْ تَغْسِلْ تِلْكَ اللُّمْعَةِ أَوْ يَمْضِي عَلَيْهَا أَدْنَى وَقْتِ صَلَاةٍ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الِاغْتِسَالِ كَمَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ، وَالْمُرَادُ بِالْعُضْوِ نَحْوُ الْيَدِ، وَالرِّجْلِ، وَبِمَا دُونَهُمَا نَحْوُ الْإِصْبَعِ، وَالْإِصْبَعَيْنِ، وَبَعْضِ الْعُضْوِ، وَالسَّاعِدِ، وَأَحَدِ الْمَنْخِرَيْنِ، وَتَرْكُ الْمَضْمَضَةِ أَوْ الِاسْتِنْشَاقِ كَتَرْكِ عُضْوٍ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَعَنْهُ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ كَتَرْكِ مَا دُونَ الْعُضْوِ، وَقَيَّدَ بِالنِّسْيَانِ لِأَنَّهَا لَوْ تَعَمَّدَتْ إخْلَاءَ مَا دُونَ الْعُضْوِ لَا تَنْقَطِعُ. (قَوْلُهُ وَلَوْ طَلَّقَ ذَا حَمْلٍ أَوْ وَلَدٍ، وَقَالَ لَمْ أَطَأْهَا رَاجَعَ) يَعْنِي لَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ، وَهِيَ حَامِلٌ أَوْ بَعْدَ مَا وَلَدَتْ فِي عِصْمَتِهِ، وَقَالَ لَمْ أُجَامِعْهَا فَلَهُ الرَّجْعَةُ لِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى الدُّخُولِ، وَقَدْ ثَبَتَ حُكْمًا لِثُبُوتِ النَّسَبِ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ بِظُهُورِ الْحَمْلِ بِأَنْ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَلَمْ يُلْتَفَتْ إلَى قَوْلِهِ لَمْ أَطَأْهَا لِأَنَّهُ صَارَ مُكَذَّبًا شَرْعًا، وَمَنْ صَارَ مُكَذَّبًا شَرْعًا بَطَلَ زَعْمُهُ مَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِإِقْرَارِهِ حَقُّ الْغَيْرِ فَلَا يُرَدُّ مَا أَوْرَدَهُ فِي الْكَافِي بِأَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِعَبْدٍ لِآخَرَ ثُمَّ اشْتَرَاهُ ثُمَّ اسْتَحَقَّ مِنْ يَدِهِ ثُمَّ وَصَلَ إلَيْهِ فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ بِالتَّسْلِيمِ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ، وَإِنْ صَارَ مُكَذَّبًا شَرْعًا لِكَوْنِهِ تَعَلَّقَ بِإِقْرَارِهِ حَقُّ الْغَيْرِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الرَّجْعَةِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مِنْ فُرُوعِ الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ مَا إذَا اخْتَلَفَ الْبَائِعُ، وَالْمُشْتَرِي فِي ثَمَنِ الْعَقَارِ فَقَالَ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْته بِأَلْفٍ، وَقَالَ الْبَائِعُ بِعْته بِأَلْفَيْنِ، وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ فَإِنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُهَا بِأَلْفَيْنِ لِأَنَّ الْقَاضِيَ كَذَّبَ الْمُشْتَرِيَ فِي إقْرَارِهِ، وَمِنْ فُرُوعِهِ أَيْضًا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا أَقَرَّ بِالْمِلْكِ لِلْبَائِعِ ثُمَّ اسْتَحَقَّ الْمَبِيعَ مِنْ يَدِهِ بِالْبَيِّنَةِ فَإِنَّ لَهُ الرُّجُوعَ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ لِكَوْنِهِ صَارَ مُكَذَّبًا فِي إقْرَارِهِ حِينَ قَضَى الْقَاضِي بِهِ لِلْمُسْتَحِقِّ، وَالْفَرْعَانِ فِي الْخُلَاصَةِ، وَمِنْهُ مَا فِي التَّلْخِيصِ لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ كَفَالَةً مُعَيَّنَةً فَأَنْكَرَهَا فَبَرْهَنَ الْمُدَّعِي، وَقُضِيَ عَلَى الْكَفِيلِ فَإِنَّ لَهُ الرُّجُوعَ عَلَى الْمَدْيُونِ إذَا كَانَتْ بِأَمْرِهِ عِنْدَنَا لِكَوْنِهِ صَارَ مُكَذَّبًا فِي إنْكَارِهَا حِينَ قَضَى الْقَاضِي بِهَا عَلَيْهِ، وَقَيَّدَ فِي الْخُلَاصَةِ الْأَصْلَ الْمَذْكُورَ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ مِنْ الْفَصْلِ الثَّالِثِ مِنْهُ بِأَنْ يَكُونَ الْقَضَاءُ بِالْبَيِّنَةِ أَمَّا إذَا قَضَى الْقَاضِي بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ فَإِنَّهُ لَا يَصِيرُ مُكَذَّبًا كَمَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا، وَأَقَرَّ أَنَّ الْبَائِعَ أَعْتَقَهُ قَبْلَ الْبَيْعِ   [منحة الخالق] قَبْلَ انْقِضَاءِ الْحَيْضَةِ اهـ. كَلَامُ الْمُؤَلِّفِ هُنَاكَ (قَوْلُهُ لِأَنَّ حِلَّ قُرْبَانِ الزَّوْجِ لَهَا غَيْرُ مُتَوَقِّفٍ عَلَيْهَا إلَخْ) مُخَالِفٌ لِمَا مَرَّ تَصْحِيحُهُ فِي الطَّهَارَةِ، وَعِبَارَةُ الْمُؤَلِّفِ هُنَاكَ فَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يُوجِبُ حِلَّ وَطْئِهَا، وَانْقِطَاعَ الرَّجْعَةِ، وَحِلَّهَا لِلْأَزْوَاجِ إلَّا بِالصَّلَاةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَنُقِلَ تَصْحِيحُهُ عَنْ الْمَبْسُوطِ وَأَنَّهُ عِنْدَ الْكُلِّ ثُمَّ قَالَ لَكِنْ قَالَ الْإِسْبِيجَابِيُّ، وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ يَقْرَبُهَا زَوْجُهَا، وَإِنْ لَمْ تُصَلِّ، وَلَا تَتَزَوَّجُ زَوْجًا آخَرَ مَا لَمْ تُصَلِّ، وَفِي انْقِطَاعِ الرَّجْعَةِ الْخِلَافُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 58 وَكَذَّبَهُ الْبَائِعُ فَقَضَى الْقَاضِي بِالثَّمَنِ عَلَى الْمُشْتَرِي لَمْ يَبْطُلْ إقْرَارُ الْمُشْتَرِي بِالْعِتْقِ حَتَّى يَعْتِقَ عَلَيْهِ. وَكَذَا الْمَدْيُونُ إذَا ادَّعَى الْإِيفَاءَ أَوْ الْإِبْرَاءَ عَلَى صَاحِبِ الدَّيْنِ، وَجَحَدَ الدَّائِنُ، وَحَلَفَ، وَقَضَى الْقَاضِي لَهُ بِالدَّيْنِ عَلَى الْغَرِيمِ لَا يَصِيرُ الْغَرِيمُ مُكَذَّبًا حَتَّى لَوْ وُجِدَتْ بَيِّنَةُ الْإِيفَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءِ تُقْبَلُ اهـ. فَكَانَ دَلَالَةً عَلَى الْوَطْءِ، وَدَلَالَةُ الشَّرْعِ أَقْوَى مِنْ صَرِيحِ الْعَبْدِ لِاحْتِمَالِ الْكَذِبِ مِنْ الْعَبْدِ دُونَ الشَّارِعِ فَعُلِمَ بِمَا قَرَّرْنَاهُ أَنَّ الْحَمْلَ يَثْبُتُ قَبْلَ الْوَضْعِ، وَيَثْبُتُ النَّسَبُ بِهِ قَبْلَهُ لِمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي بَابِ خِيَارِ الْعَيْبِ أَنَّ حَمْلَ الْجَارِيَةِ الْمَبِيعَةِ يَثْبُتُ بِظُهُورِهِ قَبْلَ الْوَضْعِ بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ حَتَّى كَانَ لِلْمُشْتَرِي رَدُّهَا بِعَيْبِ الْحَبَلِ قَبْلَ الْوَضْعِ، وَفِي بَابِ ثُبُوتِ النَّسَبِ أَنَّهُ يَثْبُتُ بِالْحَبَلِ الظَّاهِرِ فَانْدَفَعَ مَا اعْتَرَضَ بِهِ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ عَلَى الْمَشَايِخِ بِأَنَّ قَوْلَهُمْ لَهُ الرَّجْعَةُ تَسَاهُلٌ لِأَنَّ وُجُودَ الْحَمْلِ وَقْتَ الطَّلَاقِ إنَّمَا يُعْرَفُ إذَا وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ فَإِذَا وَلَدَتْ انْقَضَتْ الْعِدَّةُ فَلَا يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ فَيَكُونُ الْمُرَادُ أَنَّهُ رَاجَعَ قَبْلَ وَضْعِ الْحَمْلِ فَوَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ يُحْكَمُ بِصِحَّةِ الرَّجْعَةِ السَّابِقَةِ، وَلَا يُرَادُ أَنَّهُ يَحِلُّ لَهُ الرَّجْعَةُ قَبْلَ، وَضْعِ الْحَمْلِ لِأَنَّهُ لَمَّا أَنْكَرَ الْوَطْءَ، وَالشَّرْعُ لَا يَحْكُمُ بِوُجُودِ الْحَمْلِ وَقْتَ الطَّلَاقِ بَلْ إنَّمَا يَحْكُمُ بِهِ إذَا وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ فَلَمْ يُوجَدْ تَكْذِيبُ الشَّرْعِ قَبْلَ، وَضْعِ الْحَمْلِ فَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ وَمَنْ طَلَّقَ حَامِلًا مُنْكِرًا، وَطْأَهَا فَرَاجَعَهَا فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ صَحَّتْ الرَّجْعَةُ، وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْوِلَادَةِ فَصُورَتُهَا أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ الَّتِي وَلَدَتْ قَبْلَ الطَّلَاقِ مُنْكِرًا وَطْأَهَا فَلَهُ الرَّجْعَةُ. اهـ. وَقَدْ يَكُونُ الْوِلَادَةُ قَبْلَ الطَّلَاقِ لِأَنَّهَا لَوْ وَلَدَتْ بَعْدَهُ تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ فَتَسْتَحِيلُ الرَّجْعَةُ. (قَوْلُهُ وَإِنْ خَلَا بِهَا ثُمَّ قَالَ لَمْ أُجَامِعْهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا لَا) أَيْ لَا يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ لِأَنَّ الْمِلْكَ يَتَأَكَّدُ بِالْوَطْءِ، وَقَدْ أَقَرَّ بِعَدَمِهِ فَيُصَدَّقُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ، وَالرَّجْعَةُ حَقُّهُ، وَلَمْ يَصِرْ مُكَذَّبًا شَرْعًا لِأَنَّ تَأْكِيدَ الْمَهْرِ الْمُسَمَّى يُبْتَنَى عَلَى تَسْلِيمِ الْمُبْدَلِ لَا عَلَى الْقَبْضِ، وَالْعِدَّةُ تَجِبُ احْتِيَاطًا لِاحْتِمَالِ الْوَطْءِ فَلَمْ يَكُنْ الْقَضَاءُ بِهَا قَضَاءً بِالدُّخُولِ قَيَّدَ بِإِنْكَارِهِ الْجِمَاعَ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ جَامَعْتهَا، وَأَنْكَرَتْ الْمَرْأَةُ فَلَهُ الرَّجْعَةُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لَهُ فَإِنَّ الْخَلْوَةَ دَلَالَةُ الدُّخُولِ فَإِنْ لَمْ يَخْلُ بِهَا فَلَا رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لَهَا كَذَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ، وَفِي الْمَبْسُوطِ فَإِنْ قِيلَ الظَّاهِرُ حُجَّةٌ لِدَفْعِ الِاسْتِحْقَاقِ، وَالزَّوْجُ إنَّمَا يُرِيدُ اسْتِحْقَاقَ الرَّجْعَةِ بِقَوْلِهِ قُلْنَا لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الزَّوْجُ إنَّمَا يُسْتَبْقَى مِلْكُهُ بِمَا يَقُولُ، وَيَدْفَعُ اسْتِحْقَاقَهَا نَفْسَهَا، وَالظَّاهِرُ يَكْفِي لِذَلِكَ (قَوْلُهُ وَإِنْ رَاجَعَهَا ثُمَّ وَلَدَتْ بَعْدَهَا لِأَقَلَّ مِنْ عَامَيْنِ صَحَّتْ تِلْكَ الرَّجْعَةُ) يَعْنِي رَاجَعَهَا، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا، وَالْمُرَادُ بِالصِّحَّةِ ظُهُورُ صِحَّةِ الرَّجْعَةِ السَّابِقَةِ لِأَنَّ الْعِدَّةَ لَمَّا وَجَبَتْ ثَبَتَ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْهُ، وَظَهَرَ أَنَّ الْعُلُوقَ كَانَ سَابِقًا عَلَى الطَّلَاقِ فَنَزَلَ وَاطِئًا قَبْلَ الطَّلَاقِ دُونَ مَا بَعْدَهُ لِأَنَّ عَلَى الِاعْتِبَارِ الثَّانِي يَزُولُ الْمِلْكُ بِنَفْسِ الطَّلَاقِ لِعَدَمِ الْوَطْءِ قَبْلَهُ فَيَحْرُمُ الْوَطْءُ، وَالْمُسْلِمُ لَا يَفْعَلُ الْحَرَامَ، وَهُوَ إنْ كَانَ لَا يَكْذِبُ لَكِنْ لَمَّا لَزِمَ أَحَدُ الِاعْتِبَارَيْنِ مِنْ الزِّنَا أَوْ كَذِبِهِ فَجَعْلُهُ كَاذِبًا أَخَفُّ مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الزِّنَا. (قَوْلُهُ إنْ وَلَدْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَوَلَدَتْ ثُمَّ وَلَدَتْ فِي بَطْنٍ آخَرَ فَهِيَ رَجْعَةٌ) يَعْنِي ثُمَّ وَلَدَتْ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ إذَا لَمْ تُقِرَّ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا لِأَنَّهُ وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا بِالْوَلَدِ الْأَوَّلِ، وَوَجَبَتْ الْعِدَّةُ فَيَكُونُ الْوَلَدُ الثَّانِي مِنْ عُلُوقٍ حَادِثٍ مِنْهُ فِي الْعِدَّةِ لِأَنَّهَا لَمْ تُقِرَّ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَيَصِيرُ مُرَاجِعًا حَمْلًا لِأَمْرِهَا عَلَى الصَّلَاحِ كَمَا إذَا طَلَّقَهَا رَجْعِيًّا فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ قَيَّدَ بِكَوْنِهِ مِنْ بَطْنٍ آخَرَ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا أَقَلُّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَا يَكُونُ رَجْعَةً لِأَنَّ الثَّانِيَ لَيْسَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ فَانْدَفَعَ مَا اعْتَرَضَ بِهِ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ إلَخْ) رَدَّهُ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِهِ فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَمَا نَقَلَ كَلَامَ الصَّدْرِ وَهَذَا تَحْقِيقٌ بِالْقَبُولِ حَقِيقٌ، وَقَوْلُ مَنْ رَدَّهُ بِأَنَّ الْحَمْلَ يَثْبُتُ قَبْلَ الْوَضْعِ، وَيَثْبُتُ النَّسَبُ بِهِ قَبْلَهُ مَرْدُودٌ أَمَّا مَا اسْتَدَلَّ بِهِ فِي بَابِ الْعَيْبِ فَرِوَايَةٌ ضَعِيفَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُرَدُّ بِشَهَادَةِ الْمَرْأَةِ بِالْعَيْبِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ أَظْهَرُهُمَا أَنَّهُ إنَّمَا يُقْبَلُ قَوْلُهُمَا لِلْخُصُومَةِ لَا لِلرَّدِّ. وَأَمَّا فِي بَابِ ثُبُوتِ النَّسَبِ مِنْ قَوْلِهِمْ الْحَمْلُ الظَّاهِرُ فَإِنَّمَا يَثْبُتُ النَّسَبُ بِالْفِرَاشِ، وَالْوِلَادَةُ بِقَوْلِ الْمَرْأَةِ، وَالْخِلَافُ هُنَا مَعْرُوفٌ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ إذَا جَحَدَ الزَّوْجُ وِلَادَةَ الْمُعْتَدَّةِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَمْلُ ظَاهِرًا فَيَثْبُتُ مَعَهُ بِشَهَادَةِ الْمَرْأَةِ، وَهِيَ الْقَابِلَةُ فَلَيْسَ فِي هَذَا أَنَّ الْحَبَلَ يَثْبُتُ، وَإِنَّمَا ظُهُورُهُ يُؤَيِّدُ شَهَادَةَ الْمَرْأَةِ، وَأَمَّا ثُبُوتُهُ فَمُتَوَقِّفٌ عَلَى الْوِلَادَةِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمَبْسُوطِ فِيمَا لَوْ قَالَ إنْ حَبَلْت فَطَالِقٌ فَقَالَ لَوْ وَطِئَهَا مَرَّةً فَالْأَفْضَلُ أَنْ لَا يَقْرَبَهَا ثُمَّ قَالَ إنْ أَتَتْ بِوَلَدٍ بَعْدَ قَوْلِهِ الْمَذْكُورِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ يَقَعُ الطَّلَاقُ، وَتَنْقَضِي الْعِدَّةُ بِالْوَلَدِ فَلَمْ يُثْبِتْهُ إلَّا بِالْوِلَادَةِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَخْصُوصِ، وَظُهُورُهُ لَا يُسَمَّى ثُبُوتًا، وَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الثُّبُوتِ اهـ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 59 بِحَادِثٍ بَعْدَ الْوَلَدِ الْأَوَّلِ كَمَا إذَا طَلَّقَهَا رَجْعِيًّا فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ. (قَوْلُهُ كُلَّمَا وَلَدْت فَأَنْت طَالِقٌ فَوَلَدَتْ ثَلَاثًا فِي بُطُونٍ فَالْوَلَدُ الثَّانِي، وَالثَّالِثُ رَجْعَةٌ) لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ بِالْأَوَّلِ، وَثَبَتَتْ الرَّجْعَةُ بِالثَّانِي وَالثَّالِثِ، وَيَقَعُ بِكُلِّ طَلْقَةٍ أُخْرَى فَتَحْرُمُ حُرْمَةً غَلِيظَةً، وَيَثْبُتُ نَسَبُ الْأَوْلَادِ مِنْ الزَّوْجِ، وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ بِالْأَقْرَاءِ قَيَّدَ بِكَوْنِهِمْ فِي بُطُونٍ أَيْ بَيْنَ كُلِّ وَاحِدٍ مُدَّةُ الْحَمْلِ فَأَكْثَرَ لَوْ كَانَ بَيْنَ الْوِلَادَتَيْنِ أَقَلُّ مِنْهَا لَا يَكُونُ رَجْعَةً، وَيَقَعُ طَلْقَتَانِ بِالْأَوَّلِ، وَالثَّانِي، وَلَا يَقَعُ بِالثَّالِثِ شَيْءٌ لِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بِهِ، وَلَوْ كَانَ الْأَوَّلَانِ فِي بَطْنٍ، وَالثَّالِثُ فِي بَطْنٍ تَقَعُ تَطْلِيقَةٌ وَاحِدَةٌ بِالْأُولَى لَا غَيْرُ، وَتَنْقَضِي الْعِدَّةُ بِالثَّانِي، وَلَا يَقَعُ بِالثَّالِثِ شَيْءٌ، وَلَوْ كَانَ الْأَوَّلُ فِي بَطْنٍ، وَالثَّانِي، وَالثَّالِثُ فِي بَطْنٍ يَقَعُ ثِنْتَانِ بِالْأَوَّلِ، وَالثَّانِي، وَتَنْقَضِي الْعِدَّةُ بِالثَّالِثِ فَلَا يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِي الْمُحِيطِ، وَلَوْ وَلَدَتْ وَلَدَيْنِ فِي بَطْنٍ وَقَعَ بِالْأَوَّلِ، وَلَا يَقَعُ بِالثَّانِي لِمُصَادَفَتِهِ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ، وَالْمُرَادُ مِنْ كَوْنِ الْوَلَدِ الثَّانِي، وَالثَّالِثِ رَجْعَةً أَنَّهُ ظَهَرَ صِحَّةُ الرَّجْعَةِ السَّابِقَةِ بِهِمَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ بِوَطْءٍ حَادِثٍ. (قَوْلُهُ) (، وَالْمُطَلَّقَةُ الرَّجْعِيَّةُ تَتَزَيَّنُ) يَعْنِي لِزَوْجِهَا إذَا كَانَتْ الرَّجْعَةُ مَرْجُوَّةً لِأَنَّهَا حَلَالٌ لِلزَّوْجِ لِأَنَّ النِّكَاحَ قَائِمٌ بَيْنَهُمَا ثُمَّ الرَّجْعَةُ مُسْتَحَبَّةٌ، وَالتَّزَيُّنُ حَامِلٌ عَلَيْهَا فَيَكُونُ مَشْرُوعًا قَيَّدْنَا بِكَوْنِهِ لِزَوْجِهَا لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ غَائِبًا فَلَا تَتَزَيَّنُ لِفَقْدِ الْعِلَّةِ، وَقَيَّدْنَا بِالرَّجْعِيَّةِ لِأَنَّ الْمُعْتَدَّةَ مِنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ لَا يَجُوزُ لَهَا التَّزَيُّنُ مُطْلَقًا لِحُرْمَةِ النَّظَرِ إلَيْهَا، وَعَدَمِ مَشْرُوعِيَّةِ الرَّجْعَةِ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَخَرَجَتْ الْمُعْتَدَّةُ عَنْ، وَفَاةٍ فَإِنَّهَا تُحَدُّ، وَقَيَّدْنَا بِكَوْنِهَا مَرْجُوَّةً لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُرَاجِعُهَا لِشِدَّةِ بُغْضِهَا فَإِنَّهَا لَا تَفْعَلُ ذَلِكَ كَمَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ مِسْكِينٍ، وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ لِلزَّوْجِ أَنْ يَضْرِبَ امْرَأَتَهُ عَلَى تَرْكِهَا الزِّينَةَ إذَا طَلَبَهَا مِنْهَا لِأَنَّهَا حَقُّهُ، وَهُوَ شَامِلٌ لِلْمُطَلَّقَةِ رَجْعِيًّا. (قَوْلُهُ) (وَنُدِبَ أَنْ لَا يَدْخُلَ عَلَيْهَا حَتَّى يُؤْذِنَهَا) أَيْ يُعْلِمَهَا بِدُخُولِهِ إمَّا بِخَفْقِ النَّعْلِ أَوْ بِالتَّنَحْنُحِ أَوْ بِالنِّدَاءِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا قَصَدَ رَجْعَتَهَا أَوَّلًا فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ فَإِنَّهُ لَا يَأْمَنُ إنْ بَرِئَ الْفَرْجُ بِشَهْوَةٍ فَتَكُونُ رَجْعَةً بِالْفِعْلِ مِنْ غَيْرِ إشْهَادٍ، وَهُوَ مَكْرُوهٌ مِنْ جِهَتَيْنِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ فَلِأَنَّهُ رُبَّمَا يُؤَدِّي إلَى تَطْوِيلِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا بِأَنْ يَصِيرَ مُرَاجِعًا بِالنَّظَرِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ ثُمَّ يُطَلِّقُهَا، وَذَلِكَ إضْرَارٌ بِهَا فَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى حَمْلِ الْمُتُونِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَقْصِدْ رَجْعَتَهَا كَمَا فَعَلَ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا، وَإِنَّمَا هِيَ عَلَى إطْلَاقِهَا كَمَا لَا يَخْفَى، وَقَدْ صَرَّحَ بِالْإِطْلَاقِ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوَاهُ. (قَوْلُهُ وَلَا يُسَافِرُ بِهَا) يَعْنِي يَحْرُمُ عَلَيْهِ السَّفَرُ بِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ} [الطلاق: 1] وَلِحُرْمَتِهِ لَمْ يَكُنْ رَجْعَةً لِأَنَّ الرَّجْعَةَ مَنْدُوبَةٌ، وَالْمُسَافَرَةُ بِهَا حَرَامٌ، وَمُرَادَةٌ إذَا كَانَ يُصَرِّحُ بِعَدَمِ رَجْعَتِهَا أَمَّا إذَا سَكَتَ كَانَتْ رَجْعَةً دَلَالَةً كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَشَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلْقَاضِي، وَفَتَاوِيهِ، وَالْبَدَائِعِ، وَغَايَةِ الْبَيَانِ مُعَلِّلِينَ بِأَنَّ السَّفَرَ دَلَالَةُ الرَّجْعَةِ فَانْتَفَى بِهِ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ أَنَّ السَّفَرَ لَيْسَ دَلَالَةَ الرَّجْعَةِ، وَأَوْرَدَ أَنَّ التَّقْبِيلَ بِشَهْوَةٍ يَكُونُ رَجْعَةً، وَإِنْ نَادَى عَلَى نَفْسِهِ بِعَدَمِ الرَّجْعَةِ، وَجَوَابُهُ الْفِرَاقُ بِالْحِلِّ، وَالْحُرْمَةِ كَمَا نَقَلْنَا كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَأَجَابَ الشُّمُنِّيُّ بِأَنَّ التَّقْبِيلَ رَجْعَةٌ حَقِيقَةً لَا دَلَالَةً بِخِلَافِ السَّفَرِ فَإِنَّهُ رَجْعَةٌ دَلَالَةً لِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ شَيْئًا تَثْبُتُ بِهِ الرَّجْعَةُ قَيَّدَ بِالسَّفَرِ أَيْ بِإِنْشَائِهِ لِأَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا فِي السَّفَرِ لَهَا أَنْ تَمْشِيَ مَعَهُ ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ، وَمُرَادُهُ مِنْ الْمُسَافَرَةِ بِهَا إخْرَاجُهَا مِنْ بَيْتِهَا لَا السَّفَرُ الشَّرْعِيُّ الْمُقَدَّرُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ إخْرَاجُهَا إلَى مَا دُونَهُ أَيْضًا لِلنَّهْيِ الْمُطْلَقِ لَكِنْ لَا يَكُونُ رَجْعَةً دَلَالَةً، وَاعْلَمْ أَنَّ الْهِدَايَةَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ حُرْمَةَ الْمُسَافَرَةِ بِهَا مُقَيَّدَةٌ بِمَا إذَا لَمْ يُرَاجِعْهَا فِي عِدَّتِهَا لِأَنَّهُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَهُوَ مَكْرُوهٌ مِنْ جِهَتَيْنِ) أَيْ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهَا بِالْفِعْلِ، وَمِنْ جِهَةِ كَوْنِهَا بِدُونِ إشْهَادٍ، وَنَظَرَ فِي الْأُولَى فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْمُطَلَّقَةِ رَجْعِيًّا، وَلَا يَحْرُمُ وَطْؤُهَا فَالنَّظَرُ مِثْلُهُ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّهُ يَكُونُ مُقَدَّمًا عَلَيْهِ اهـ. نَعَمْ يَظْهَرُ ذَلِكَ فِيمَا إذَا لَمْ يَرُدَّ رَجْعَتَهَا، وَلَيْسَ كَلَامُ الْمُؤَلِّفِ فِيهِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا مَرَّ قُبَيْلَ قَوْلِهِ وَالْإِشْهَادُ مَنْدُوبٌ مِنْ قَوْلِهِ وَفِي الْمُحِيطِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَيُكْرَهُ التَّقْبِيلُ، وَاللَّمْسُ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ إذَا لَمْ يَرُدَّ الرَّجْعَةَ (قَوْلُهُ وَقَدْ صَرَّحَ بِالْإِطْلَاقِ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ) أَقُولُ: الَّذِي رَأَيْته فِيهَا مَا نَصُّهُ، وَيُكْرَهُ أَنْ يَرَاهَا مُتَجَرِّدَةً إنْ لَمْ يَرُدَّ الرَّجْعَةَ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَأْتِي بِشَيْءٍ يَصِيرُ بِهِ مُرَاجِعًا ثُمَّ يُطَلِّقُهَا فَتَطُولُ الْعِدَّةُ عَلَيْهَا فَإِنْ كَانَ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ لَا يُرَاجِعَهَا فَأَحْسَنُ ذَلِكَ أَنْ يُعْلِمَهَا بِدُخُولِهِ عَلَيْهَا بِالتَّنَحْنُحِ وَخَفْقِ النَّعْلِ كَيْ تَتَأَهَّبَ لِدُخُولِهِ كَيْ لَا يَقَعَ بَصَرُهُ عَلَى فَرْجِهَا فَيَصِيرَ مُرَاجِعًا لَهَا ثُمَّ يُطَلِّقَهَا، وَكَذَا إنْ كَانَ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُرَاجِعَهَا فَالْأَحْسَنُ أَنْ يُعْلِمَهَا كَيْ لَا يَصِيرَ مُرَاجِعًا بِغَيْرِ شُهُودٍ، وَكَذَا يُكْرَهُ التَّقْبِيلُ وَاللَّمْسُ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ اهـ. فَمَا نَسَبَهُ إلَيْهَا مِنْ التَّصْرِيحِ بِالْإِطْلَاقِ لَيْسَ مَوْجُودًا كَمَا رَأَيْت، وَأَمَّا قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ التَّقْبِيلُ وَاللَّمْسُ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ فَهُوَ فِيمَا إذَا لَمْ يُرِدْ مُرَاجَعَتَهَا أَيْضًا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 60 تَبَيَّنَ أَنَّ الْمُبْطِلَ لِلْعِصْمَةِ عَمَلٌ عَمِلَهُ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ حَتَّى احْتَسَبَتْ الْأَقْرَاءَ الْمَاضِيَةَ مِنْ الْعِدَّةِ فَكَانَتْ الْمُسَافَرَةُ بِأَجْنَبِيَّةٍ أَمَّا إذَا رَاجَعَهَا فِي عِدَّتِهَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ عَمَلَهُ فَزَالَتْ الْحُرْمَةُ. (قَوْلُهُ وَالطَّلَاقُ الرَّجْعِيُّ لَا يُحَرِّمُ الْوَطْءَ) لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الْآيَاتِ، وَالْمَعْنَى أَوَّلَ الْبَابِ فَلَا يَلْزَمُ بِهِ عُقْرٌ وَالشَّافِعِيُّ لَمَّا حَرَّمَهُ أَوْجَبَ لَهُ الْعُقْرَ، وَفِي الْمِعْرَاجِ مَعْزِيًّا إلَى الرَّوْضَةِ لِلشَّافِعِيَّةِ لَوْ وَطِئَهَا فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ، وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ لَا يَجِبُ التَّعْزِيرُ إنْ كَانَ جَاهِلًا أَوْ يَعْتَقِدُ إبَاحَتَهُ، وَإِلَّا فَيَجِبُ، وَلَوْ وَطِئَهَا، وَلَمْ يُرَاجِعْهَا يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَلَوْ رَاجَعَهَا فَالنَّصُّ وُجُوبُ مَهْرِ الْمِثْلِ، وَفِي الرَّوْضَةِ أَيْضًا قَالَ الشَّافِعِيُّ إنَّهَا زَوْجَتُهُ فِي خَمْسِ مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فِي آيَةِ الْمِيرَاثِ، وَالْإِيلَاءِ، وَالظِّهَارِ، وَاللِّعَانِ، وَالطَّلَاقِ، وَعِدَّةِ الْوَفَاةِ، وَكَذَا فِي عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْوَلِيِّ فِي الرَّجْعَةِ، وَعَدَمِ اشْتِرَاطِ لَفْظَةِ النِّكَاحِ، وَالتَّزْوِيجِ، وَرِضَاهَا عِنْدَ الْكُلِّ. اهـ. وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْخَلْوَةَ بِهَا لَا تَحْرُمُ لَكِنَّهَا مَكْرُوهَةٌ كَرَاهَةً تَنْزِيهِيَّةً إنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ قَصْدِهِ الْمُرَاجَعَةُ، وَإِلَّا فَلَا، وَكَذَا الْقَسْمُ لِأَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ لَهَا الْقَسْمُ فَخَلَا بِهَا فَرُبَّمَا أَدَّى إلَى الْمِسَاسِ بِشَهْوَةٍ فَيَصِيرُ مُرَاجِعًا، وَهُوَ لَا يُرِيدُهَا فَيُطَلِّقُهَا فَتَطُولُ الْعِدَّةُ عَلَيْهَا حَتَّى لَوْ كَانَ مِنْ قَصْدِهِ الْمُرَاجَعَةُ كَانَ لَهَا الْقَسْمُ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ [فَصْلٌ فِيمَا تَحِلُّ بِهِ الْمُطَلَّقَةُ] (قَوْلُهُ وَيَنْكِحُ مُبَانَتَهُ فِي الْعِدَّةِ، وَبَعْدَهَا) أَيْ الْمُبَانَةُ بِمَا دُونَ الثَّلَاثِ لِأَنَّ الْمَحَلِّيَّةَ بَاقِيَةٌ لِأَنَّ زَوَالَهَا مُعَلَّقٌ بِالطَّلْقَةِ الثَّالِثَةِ فَيَنْعَدِمُ قَبْلَهَا، وَمَنَعَ الْغَيْرُ فِي الْعِدَّةِ لِاشْتِبَاهِ النَّسَبِ، وَلَا اشْتِبَاهَ فِي الْإِطْلَاقِ لَهُ (قَوْلُهُ لَا الْمُبَانَةُ بِالثَّلَاثِ لَوْ حُرَّةً، وَبِالثِّنْتَيْنِ لَوْ أَمَةً حَتَّى يَطَأَهَا غَيْرُهُ، وَلَوْ مُرَاهِقًا بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ، وَتَمْضِي عِدَّتُهُ لَا بِمِلْكِ يَمِينٍ) أَيْ لَا يَنْكِحُ مُبَانَتَهُ بِالْبَيْنُونَةِ الْغَلِيظَةَ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْأَصْلِ، وَأَمَّا مَا عَنْ الْمُشْكِلَاتِ فِيمَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا ثَلَاثًا فَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِلَا تَحْلِيلٍ، وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] فَفِي الْمَدْخُولِ بِهَا اهـ. فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا مُتَفَرِّقَةً فَلَا يَقَعُ إلَّا بِالْأُولَى لَا الثَّلَاثِ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا ذَكَرَهُ الْعَلَّامَةُ الْبُخَارِيُّ شَارِحُ الدُّرَرِ فَحِينَئِذٍ لَا حَاجَةَ إلَى مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ أَنَّهَا زَلَّةٌ عَظِيمَةٌ إلَى أَنْ قَالَ لَا يَبْعُدُ إكْفَارُ مُخَالِفِهِ، وَفِي الْقُنْيَةِ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَجَعَ عَنْ مَذْهَبِهِ فِي أَنَّ الدُّخُولَ بِهَا لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي صَيْرُورَتِهَا حَلَالًا لِلْأَوَّلِ، وَلَوْ قَضَى بِهِ قَاضٍ لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ فَإِنَّ شَرْطَ الدُّخُولِ ثَبَتَ بِالْآثَارِ الْمَشْهُورَةِ م فع يَحْتَالُ فِي التَّطْلِيقَاتِ الثَّلَاثِ، وَيَأْخُذُ الرِّشَى بِذَلِكَ، وَيُزَوِّجُهَا لِلْأَوَّلِ بِدُونِ دُخُولِ الثَّانِي هَلْ يَصِحُّ النِّكَاحُ، وَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ قَالُوا أَنْ يُسَوَّدَ وَجْهُهُ، وَيُبْعَدَ فع فَقِيهٌ يُفْتِي بِمَذْهَبِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَيُزَوِّجُ لِلْأَوَّلِ قَالَ بَقِيَتْ مُطَلَّقَةً بِثَلَاثٍ، وَيُعَزَّرُ الْفَقِيهُ. اهـ. وَشَمِلَ مَا إذَا طَلَّقَهَا أَزْوَاجُ كُلِّ زَوْجٍ ثَلَاثًا قَبْلَ الدُّخُولِ فَتَزَوَّجَتْ بِآخَرَ فَدَخَلَ بِهَا تَحِلُّ لِلْكُلِّ. وَأَشَارَ بِالْوَطْءِ إلَى أَنَّ الشَّرْطَ الْإِيلَاجُ بِشَرْطِ كَوْنِهِ عَنْ قُوَّةِ نَفْسِهِ، وَإِنْ كَانَ مَلْفُوفًا بِخِرْقَةٍ إذَا كَانَ يَجِدُ لَذَّةَ حَرَارَةِ الْمَحَلِّ فَلَوْ أَوْلَجَ الشَّيْخُ الْكَبِيرُ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى الْجِمَاعِ لَا بِقُوَّتِهِ بَلْ بِمُسَاعَدَةِ الْيَدِ لَا يُحِلُّهَا لِلْأَوَّلِ إلَّا إنْ انْتَعَشَ، وَعَمِلَ بِخِلَافِ مَنْ فِي آلَتِهِ فُتُورٌ، وَأَوْلَجَهَا فِيهَا حَتَّى الْتَقَى الْخِتَانَانِ فَإِنَّهَا تَحِلُّ بِهِ، وَخَرَجَ الْمَجْبُوبُ الَّذِي لَمْ يَبْقَ لَهُ شَيْءٌ يُولِجُ فِي مَحَلِّ الْخِتَانِ فَلَا تَحِلُّ بِسَحْقِهِ حَتَّى تَحْبَلَ، وَدَخَلَ الْخَصِيُّ الَّذِي مِثْلُهُ يُجَامِعُ فَيُحِلُّهَا، وَأَرَادَ بِالْمُرَاهِقِ الَّذِي مِثْلُهُ يُجَامِعُ، وَتَتَحَرَّكُ آلَتُهُ، وَيَشْتَهِي الْجِمَاعَ، وَقَدَّرَهُ شَمْسُ الْإِسْلَامِ بِعَشْرِ سِنِينَ، وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ الصَّغِيرِ الَّذِي لَا يُجَامِعُ مِثْلُهُ فَلَا يُحِلُّهَا، وَأَطْلَقَ الْوَطْءَ فَشَمِلَ مَا إذَا وَطِئَهَا فِي حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ أَوْ إحْرَامٍ   [منحة الخالق] فَصْلٌ فِيمَا تَحِلُّ بِهِ الْمُطَلَّقَةُ) . (قَوْلُهُ وَشَمِلَ مَا إذَا طَلَّقَهَا أَزْوَاجٌ) يُوجَدُ قَبْلَ هَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ مَا نَصُّهُ وَفِي الْمِعْرَاجِ مَعْزِيًّا إلَى الرَّوْضَةِ لِلشَّافِعِيَّةِ لَوْ وَطِئَهَا فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ، وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ لَا يَجِبُ التَّعْزِيرُ إنْ كَانَ جَاهِلًا أَوْ يَعْتَقِدُ إبَاحَتَهُ، وَإِلَّا فَيَجِبُ، وَلَوْ وَطِئَهَا، وَلَمْ يُرَاجِعْهَا يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَلَوْ رَاجَعَهَا فَالنَّصُّ وُجُوبُ مَهْرِ الْمِثْلِ، وَفِي الرَّوْضَةِ أَيْضًا قَالَ الشَّافِعِيُّ إنَّهَا زَوْجَتُهُ فِي خَمْسِ مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فِي آيَةِ الْمِيرَاثِ وَالْإِيلَاءِ وَالظِّهَارِ وَاللِّعَانِ وَالطَّلَاقِ وَعِدَّةِ الْوَفَاةِ، وَكَذَا فِي عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْوَلِيِّ فِي الرَّجْعَةِ وَعَدَمِ اشْتِرَاطِ لَفْظَةِ النِّكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ وَرِضَاهَا عِنْدَ الطَّلَاقِ اهـ مَا يُوجَدُ، وَلَا مَحَلَّ لَهُ هُنَا (قَوْلُهُ إلَّا إنْ انْتَعَشَ، وَعَمِلَ) قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ، وَالصَّوَابُ أَنَّهُ يُحِلُّهَا كَذَا فِي شَرْحِ الزَّاهِدِيِّ (قَوْلُهُ وَأَرَادَ بِالْمُرَاهِقِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَفِي شَرْحِ النَّافِعِ لِلْمُصَنِّفِ إذَا جَامَعَهَا الْمُرَاهِقُ قَبْلَ الْبُلُوغِ فَلَا بُدَّ أَنْ يُطَلِّقَهَا بَعْدَ الْبُلُوغِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ مِنْهُ قَبْلَ الْبُلُوغِ غَيْرُ وَاقِعٍ ذَكَرَهُ فِي جَامِعِ الْفَتَاوَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 61 وَإِنْ كَانَ حَرَامًا، وَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الزَّوْجُ الثَّانِي مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا فَتَحِلُّ الذِّمِّيَّةُ بِوَطْءِ الذِّمِّيِّ لِزَوْجِهَا الْمُسْلِمِ، وَسَوَاءٌ كَانَ حُرًّا أَوْ عَبْدًا، وَلِهَذَا قَالُوا لَوْ خَافَتْ ظُهُورَ أَمْرِهَا فِي التَّحْلِيلِ تَهَبُ لِمَنْ تَثِقُ بِهِ ثَمَنَ عَبْدٍ فَيَشْتَرِي لَهَا مُرَاهِقًا فَيُزَوِّجُهَا مِنْهُ بِشَاهِدَيْنِ ثُمَّ يَهَبُ الْعَبْدَ لَهَا فَيَبْطُلُ النِّكَاحُ ثُمَّ تَبْعَثُ الْعَبْدَ إلَى بَلَدٍ آخَرَ فَلَا يَظْهَرُ أَمْرُهَا، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ مِنْ أَنَّ الْكَفَاءَةَ فِي النِّكَاحِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِي الِانْعِقَادِ، وَأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ الْمُفْتَى بِهَا فَلَا يُحِلُّهَا الْعَبْدُ لِفَقْدِ الْكَفَاءَةِ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ لَهَا وَلِيٌّ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلِيٌّ فَيُحِلُّهَا اتِّفَاقًا، وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ حُرًّا بَالِغًا فَإِنَّ مَالِكًا يَشْتَرِطُ الْإِنْزَالَ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ. وَأَشَارَ بِالْوَطْءِ إلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا بُدَّ أَنْ يُوطَأَ مِثْلُهَا أَمَّا إذَا كَانَتْ صَغِيرَةً لَا يُوطَأُ مِثْلُهَا لَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ بِهَذَا الْوَطْءِ، وَإِلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّيَقُّنِ بِكَوْنِهِ فِي الْمَحَلِّ حَتَّى لَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ مُفْضَاةً لَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ بَعْدَ دُخُولِ الثَّانِي إلَّا إذَا حَبِلَتْ لِيَعْلَمَ أَنَّ الْوَطْءَ كَانَ فِي قُبُلِهَا. وَفِي الْقُنْيَةِ الْمُحَلِّلُ إذَا أَوْلَجَ فِي مَكَان الْبَكَارَةِ تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ، وَالْمَوْتُ لَا يَقُومُ مَقَامَ الدُّخُولِ فِي حَقِّ التَّحْلِيلِ اهـ. مَعَ أَنَّهُ نَقَلَ فِي الْمُحِيطِ مِنْ كِتَابِ الطَّهَارَةِ أَنَّهُ لَوْ أَتَى امْرَأَةً، وَهِيَ عَذْرَاءُ لَا غُسْلَ عَلَيْهِ مَا لَمْ يُنْزِلْ لِأَنَّ الْعُذْرَةَ مَانِعَةٌ مِنْ مُوَارَاةِ الْحَشَفَةِ. اهـ. وَأَرَادَ بِالنِّكَاحِ الصَّحِيحُ النَّافِذُ فَخَرَجَ النِّكَاحُ الْفَاسِدُ، وَالْمَوْقُوفُ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَبْدٌ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ ثُمَّ وَطِئَهَا قَبْلَ الْإِجَازَةِ لَا يُحِلُّهَا إلَّا إذَا وَطِئَهَا بَعْدَ الْإِجَازَةِ. وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْإِنْزَالَ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِأَنَّهُ مُشْبِعٌ، وَدَخَلَ فِي قَوْلِهِ لَا بِمِلْكِ يَمِينٍ ثَلَاثُ صُوَرٍ الْأُولَى أَنَّ الْأَمَةَ لَوْ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا ثِنْتَيْنِ، وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَوَطِئَهَا الْمَوْلَى لَا تَحِلُّ لِزَوْجِهَا الثَّانِيَةُ لَوْ اشْتَرَاهَا الزَّوْجُ بَعْدَ الثِّنْتَيْنِ لَا تَحِلُّ لَهُ بِوَطْئِهِ حَتَّى تَتَزَوَّجَ بِغَيْرِهِ الثَّالِثَةُ لَوْ كَانَتْ تَحْتَهُ حُرَّةٌ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ ارْتَدَّتْ، وَلَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ اسْتَرَقَّهَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَتَزَوَّجَ بِزَوْجٍ آخَرَ، وَفِي مَنَاقِبِ الْبَزَّازِيِّ إذَا كَانَ الْعَقْدُ بِلَا وَلِيٍّ بَلْ بِعِبَارَةِ الْمَرْأَةِ أَوْ كَانَ بِلَفْظِ الْهِبَةِ أَوْ كَانَ بِحَضْرَةِ فَاسِقِينَ ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ أَرَادَ أَنْ تَحِلَّ لَهُ بِلَا زَوْجٍ فَإِنَّهُ يَرْفَعُ الْأَمْرَ إلَى شَافِعِيٍّ فَيُفْضِي بِبُطْلَانِ النِّكَاحِ، وَيُزَوِّجُهَا لَهُ بِعَقْدٍ جَدِيدٍ، وَلَا يُرَدَّانِ الْقَضَاءُ بِفَسَادِ النِّكَاحِ يَسْتَلْزِمُ حُرْمَةَ الْوَطْءِ الْمُتَقَدِّمِ، وَأَنَّ الْأَوْلَادَ مُتَوَلِّدَةٌ مِنْ وَطْءٍ حَرَامٍ لِأَنَّا نَقُولُ الْقَضَاءُ يَعْمَلُ فِي الْقَائِمِ، وَالْآتِي لَا فِي الْمَاضِي. اهـ. وَفِي فَتَاوِيه. وَإِنْ خَافَتْ أَنْ لَا يُطَلِّقَهَا الْمُحَلِّلُ تَقُولُ لَهُ حَتَّى يَقُولَ إنْ تَزَوَّجْتُك، وَجَامَعْتُك، وَأَنْتِ طَالِقٌ. اهـ. وَأَطْلَقَ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الزَّوْجُ الْأَوَّلُ مُعْتَرِفًا بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ أَوْ مُنْكِرًا بَعْدَ أَنْ كَانَ الْوَاقِعُ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ، وَلِذَا قَالُوا وَلَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا، وَأَنْكَرَ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بِآخَرَ، وَتُحَلِّلُ نَفْسَهَا سِرًّا مِنْهُ إذَا غَابَ فِي سَفَرٍ فَإِذَا رَجَعَ الْتَمَسَتْ مِنْهُ تَجْدِيدَ النِّكَاحِ لِشَكٍّ خَالَجَ قَلْبَهَا لَا لِإِنْكَارِ الزَّوْجِ النِّكَاحَ، وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْقُنْيَةِ خِلَافًا فَرَقَمَ لِلْأَصْلِ بِأَنَّهَا إنْ قَدَرَتْ عَلَى الْهُرُوبِ مِنْهُ لَمْ يَسَعْهَا أَنْ تَعْتَدَّ، وَتَتَزَوَّجَ بِآخَرَ لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ زَوْجِيَّةِ الْأَوَّلِ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِالْفُرْقَةِ ثُمَّ رَمَزَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْأُوزْجَنْدِيُّ، وَقَالَ قَالُوا هَذَا فِي الْقَضَاءِ، وَلَهَا ذَلِكَ دِيَانَةً، وَكَذَلِكَ إنْ سَمِعَتْهُ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ جَحَدَ، وَحَلَفَ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ، وَرَدَّهَا الْقَاضِي عَلَيْهِ لَمْ يَسَعْهَا الْمَقَامُ مَعَهُ، وَلَمْ يَسَعْهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بِغَيْرِهِ أَيْضًا قَالَ يَعْنِي الْبَدِيعَ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ جَوَابُ شَمْسِ الْإِسْلَامِ الْأُوزْجَنْدِيِّ وَنَجْمِ الدِّينِ النَّسَفِيِّ وَالسَّيِّدِ أَبِي شُجَاعٍ وَأَبِي حَامِدٍ وَالسَّرَخْسِيِّ يَحِلُّ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بِزَوْجٍ آخَرَ فِيمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَعَلَى جَوَابِ الْبَاقِينَ لَا يَحِلُّ انْتَهَى، وَفِي الْفَتَاوَى السِّرَاجِيَّةِ إذَا أَخْبَرَهَا ثِقَةٌ أَنَّ الزَّوْجَ طَلَّقَهَا، وَهُوَ غَائِبٌ وَسِعَهَا أَنْ تَعْتَدَّ وَتَتَزَوَّجَ، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالدِّيَانَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَدْ نُقِلَ فِي الْقُنْيَةِ قَبْلَ ذَلِكَ عَنْ شَرْحِ السَّرَخْسِيِّ مَا صُورَتُهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا، وَغَابَ عَنْهَا فَلَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بِزَوْجٍ آخَرَ بَعْدَ الْعِدَّةِ دِيَانَةً   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَفِي الْقُنْيَةِ الْمُحَلِّلُ إذَا أَوْلَجَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَكَأَنَّهُ ضَعِيفٌ لِمَا فِي الشَّرْحِ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْإِيلَاجُ مُوجِبًا لِلْغُسْلِ، وَهَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ فَفِي طَهَارَةِ الْمُحِيطِ، لَوْ أَتَى امْرَأَةً إلَخْ (قَوْلُهُ وَدَخَلَ فِي قَوْلِهِ لَا بِمِلْكِ يَمِينٍ ثَلَاثُ صُوَرٍ) ذَكَرَ فِي النَّهْرِ أَنَّ دُخُولَ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ فِيهِ أَبْعَدُ مِنْ الْبَعِيدِ اهـ. لِأَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ لَا الْمُبَانَةُ حَتَّى يَطَأَهَا غَيْرُهُ مَعْنَاهُ لَا يَنْكِحُ الْمُبَانَةَ حَتَّى يَطَأَهَا غَيْرُهُ فَالْمُغَيَّا عَدَمُ النِّكَاحِ، وَاَلَّذِي فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ عَدَمُ الْوَطْءِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ نَعَمْ لَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ لَا يَنْكِحُ الْمُبَانَةَ، وَلَا يَطَؤُهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ حَتَّى يَطَأَهَا غَيْرُهُ إلَخْ لَصَحَّ ذَلِكَ فَسَاوَى قَوْله تَعَالَى {فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] حَيْثُ جُعِلَ غَايَةً لِعَدَمِ الْحِلِّ الشَّامِلِ لَمَّا إذَا كَانَ بِنِكَاحٍ أَوْ مِلْكِ يَمِينٍ (قَوْلُهُ لَا تَحِلُّ لَهُ بِوَطْئِهِ حَتَّى تَتَزَوَّجَ بِغَيْرِهِ) لَعَلَّ الصَّوَابَ لَا تَحِلُّ لَهُ بِمِلْكِهِ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَكَذَا إنْ اشْتَرَاهَا الزَّوْجُ قَبْلَ أَنْ تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ لَمْ تَحِلَّ بِمِلْكِ الْيَمِينِ اهـ. وَعِبَارَةُ الْفَتْحِ لَوْ طَلَّقَهَا ثِنْتَيْنِ، وَهِيَ أَمَةٌ ثُمَّ مَلَكَهَا أَوْ ثَلَاثًا لِحُرَّةٍ فَارْتَدَّتْ، وَلَحِقَتْ ثُمَّ ظَهَرَ عَلَى الدَّارِ فَمَلَكَهَا لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ حَتَّى يُزَوِّجَهَا فَيَدْخُلَ بِهَا الزَّوْجُ ثُمَّ يُطَلِّقَهَا (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يَرْفَعُ الْأَمْرَ إلَى شَافِعِيٍّ إلَخْ) الَّذِي حَرَّرَهُ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْضِي بِبُطْلَانِ النِّكَاحِ بِالنِّسْبَةِ إلَى سُقُوطِ التَّحْلِيلِ لِأَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنَّمَا يَحِلُّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 62 وَنَقَلَ آخَرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ اهـ. قُلْت إنَّمَا رُقِمَ لِشَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْأُوزْجَنْدِيِّ، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا تَقَدَّمَ عَنْهُ، وَالْقَائِلُ بِأَنَّهُ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الْعَلَاءُ التَّرْجُمَانِيُّ ثُمَّ رُقِمَ بَعْدَهُ لِعُمَرَ النَّسَفِيِّ، وَقَالَ حَلَفَ بِثَلَاثَةٍ فَظَنَّ أَنَّهُ لَمْ يَحْنَثْ، وَعَلِمَتْ الْحِنْثَ، وَظَنَّتْ أَنَّهَا لَوْ أَخْبَرَتْهُ يُنْكِرُ الْيَمِينَ فَإِذَا غَابَ عَنْهَا بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ فَلَهَا التَّحَلُّلُ دِيَانَةً لَا قَضَاءً قَالَ عُمَرُ النَّسَفِيُّ سَأَلْت عَنْهَا السَّيِّدَ أَبَا شُجَاعٍ فَكَتَبَ أَنَّهُ يَجُوزُ ثُمَّ سَأَلْته بَعْدَ مُدَّةٍ فَقَالَ إنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنَّمَا أَجَابَ فِي امْرَأَةٍ لَا يَوْثُقُ بِهَا اهـ. كَذَا فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ شَهِدَ أَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا إنْ كَانَ غَائِبًا سَاغَ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بِآخَرَ، وَإِنْ كَانَ حَاضِرًا لَا لِأَنَّ الزَّوْجَ إنْ أَنْكَرَ اُحْتِيجَ إلَى الْقَضَاءِ بِالْفُرْقَةِ، وَلَا يَجُوزُ الْقَضَاءُ بِهَا إلَّا بِحَضْرَةِ الزَّوْجِ. اهـ. وَفِيهَا سَمِعَتْ بِطَلَاقِ زَوْجِهَا إيَّاهَا ثَلَاثًا، وَلَا تَقْدِرُ عَلَى مَنْعِهِ إلَّا بِقَتْلِهِ إنْ عَلِمَتْ أَنَّهُ يَقْرَبُهَا تَقْتُلْهُ بِالدَّوَاءِ، وَلَا تَقْتُلُ نَفْسَهَا، وَذَكَرَ الْأُوزْجَنْدِيُّ أَنَّهَا تَرْفَعُ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا بَيِّنَةٌ تُحَلِّفُهُ فَإِنْ حَلَفَ فَالْإِثْمُ عَلَيْهِ، وَإِنْ قَتَلَتْهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا، وَالْبَائِنُ كَالثَّلَاثِ. اهـ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة. وَسُئِلَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ عَنْ امْرَأَةٍ سَمِعَتْ مِنْ زَوْجِهَا أَنَّهُ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا، وَلَا تَقْدِرُ أَنْ تَمْنَعَهُ نَفْسَهَا هَلْ يَسَعُهَا أَنْ تَقْتُلَهُ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يُرِيدُ أَنْ يَقْرَبَهَا، وَلَا تَقْدِرُ عَلَى مَنْعِهِ إلَّا بِالْقَتْلِ فَقَالَ لَهَا أَنْ تَقْتُلَهُ، وَهَكَذَا كَانَ فَتْوَى الْإِمَامِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ عَطَاءِ بْنِ حَمْزَةَ أَبِي شُجَاعٍ، وَكَانَ الْقَاضِي الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ يَقُولُ لَيْسَ لَهَا أَنْ تَقْتُلَهُ، وَفِي الْمُلْتَقَطِ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى فِي فَتَاوَى الشَّيْخِ الْإِمَامِ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ السَّمَرْقَنْدِيِّ فِي مَنَاقِبِ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ لَهَا أَنْ تَقْتُلَهُ، وَفِي الْمُحِيطِ فِي مَسْأَلَةِ النَّظْمِ، وَيَنْبَغِي لَهَا أَنْ تَفْتَدِيَ بِمَالِهَا، وَتَهْرُبَ مِنْهُ فَإِنْ لَمْ تَقْدِرْ قَتَلَتْهُ مَتَى عَلِمَتْ أَنَّهُ يَقْرَبُهَا، وَلَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ تَقْتُلَهُ بِالدَّوَاءِ، وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَقْتُلَ نَفْسَهَا قُلْت قَالَ فِي الْمُنْتَقَى، وَإِنْ قَتَلَتْهُ بِالْآلَةِ يَجِبُ عَلَيْهَا الْقِصَاصُ. اهـ. وَفِي التَّتِمَّةِ سُئِلَ عَنْ امْرَأَةٍ حُرِّمَتْ عَلَى زَوْجِهَا، وَلَا يَقْدِرُ أَنْ تَتَخَلَّصَ، وَلَوْ غَابَ عَنْهَا سَحَرَتْهُ، وَرَدَّتْهُ إلَيْهَا هَلْ يَحْتَالُ فِي قَتْلِهَا بِالسُّمِّ وَغَيْرِهِ لِيَتَخَلَّصَ مِنْهَا قَالَ لَا يَحِلُّ، وَيُبْعَدُ عَنْهَا بِأَيِّ وَجْهٍ قُدِرَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. اهـ. . (قَوْلُهُ وَكُرِهَ بِشَرْطِ التَّحْلِيلِ لِلْأَوَّلِ) أَيْ كُرِهَ التَّزَوُّجُ لِلثَّانِي بِشَرْطِ أَنْ يُحِلَّهَا لِلْأَوَّلِ بِأَنْ قَالَ تَزَوَّجْتُك عَلَى أَنْ أُحْلِلْك لَهُ أَوْ قَالَتْ الْمَرْأَةُ ذَلِكَ أَمَّا لَوْ نَوَيَا كَانَ مَأْجُورًا لِأَنَّ مُجَرَّدَ النِّيَّةِ فِي الْمُعَامَلَاتِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ، وَقِيلَ الْمُحَلِّلُ مَأْجُورٌ، وَتَأْوِيلُ اللَّعْنِ إذَا شَرَطَ الْأَجْرَ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَالْمُرَادُ بِالْكَرَاهَةِ كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ فَيَنْتَهِضُ سَبَبًا لِلْعِقَابِ لِمَا رَوَى النَّسَائِيّ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ مَرْفُوعًا «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُحَلِّلَ، وَالْمُحَلَّلَ لَهُ» لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فَاسِدًا لَمَا سَمَّاهُ مُحَلِّلًا، وَلَوْ كَانَ غَيْرَ مَكْرُوهٍ لَمَا لَعَنَهُ، وَهَلْ هَذَا الشَّرْطُ لَازِمٌ قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ زَوَّجَتْ الْمُطَلَّقَةُ نَفْسَهَا مِنْ الثَّانِي بِشَرْطِ أَنْ يُجَامِعَهَا، وَيُطَلِّقَهَا لِتَحِلَّ لِلْأَوَّلِ قَالَ الْإِمَامُ النِّكَاحُ، وَالشَّرْطُ جَائِزَانِ حَتَّى إذَا أَبَى الثَّانِي طَلَاقَهَا أَجْبَرَهُ الْقَاضِي عَلَى ذَلِكَ، وَحَلَّتْ لِلْأَوَّلِ. اهـ. وَنَقَلَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ عَنْ رَوْضَةِ الزَّنْدُوسِيِّ، وَرَدَّهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّ هَذَا مِمَّا لَا يُعْرَفُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ، وَلَا يُحْكَمُ بِهِ لِأَنَّهُ بَعْدَ كَوْنِهِ ضَعِيفَ الثُّبُوتِ تَنْبُو عَنْهُ قَوَاعِدُ الْمَذْهَبِ لِأَنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّهُ شَرْطٌ فِي النِّكَاحِ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ، وَالْعُقُودُ فِي مِثْلِهِ عَلَى قِسْمَيْنِ مِنْهَا مَا يَفْسُدُ كَالْبَيْعِ، وَنَحْوِهِ، وَمِنْهَا مَا يَبْطُلُ فِيهِ، وَيَصِحُّ الْأَصْلُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ النِّكَاحَ مِمَّا لَا يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ بَلْ يَبْطُلُ الشَّرْطُ، وَيَصِحُّ هُوَ فَيَجِبُ بُطْلَانُ هَذَا، وَأَنْ لَا يُجْبَرَ عَلَى الطَّلَاقِ نَعَمْ يُكْرَهُ الشَّرْطُ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ مَحْمَلِ الْحَدِيثِ، وَيَبْقَى مَا، وَرَاءَهُ، وَهُوَ قَصْدُ التَّحْلِيلِ بِلَا كَرَاهَةٍ. اهـ. . (قَوْلُهُ وَيَهْدِمُ الزَّوْجُ الثَّانِي مَا دُونَ الثَّلَاثِ) حَتَّى لَوْ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً، وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا، وَتَزَوَّجَتْ بِآخَرَ وَطَلَّقَهَا، وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا مِنْهُ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا الْأَوَّلُ يَمْلِكُ عَلَيْهَا ثَلَاثًا إنْ كَانَتْ حُرَّةً، وَثِنْتَيْنِ إنْ كَانَتْ أَمَةً، وَلَا يَتَحَقَّقُ فِي الْأَمَةِ إلَّا هَدْمُ طَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَمْلِكُ عَلَيْهَا ثِنْتَيْنِ فِي الْحُرَّةِ، وَوَاحِدَةً فِي الْأَمَةِ   [منحة الخالق] لِلزَّوْجَيْنِ ذَلِكَ دِيَانَةً، وَإِذَا عَلِمَ بِهِمَا الْقَاضِي يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا فَحِينَئِذٍ لَا فَائِدَةَ فِي الرَّفْعِ إلَيْهِ (قَوْلُهُ أَيْ كُرِهَ التَّزَوُّجُ لِلثَّانِي) الْأَصْوَبُ مَا فِي حَاشِيَةِ مِسْكِينٍ عَنْ الْحَمَوِيِّ مَعْزِيًّا إلَى الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّ الْكَرَاهَةَ لِلْأَوَّلِ، وَالثَّانِي جَمِيعًا. اهـ. وَهُوَ مُقْتَضَى الْحَدِيثِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 63 وَمُرَادُهُ إنْ دَخَلَ بِهَا، وَلَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا لَا يَهْدِمُ اتِّفَاقًا كَمَا فِي الْقُنْيَةِ، وَقَدْ أَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ فِيهَا بِقَوْلِ شُبَّانِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ، وَأَخَذَ مُحَمَّدٌ بِقَوْلِ الْأَكَابِرِ كَعُمَرَ وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَحَاصِلُ مَا اسْتَدَلُّوا بِهِ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلُ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ» بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ مُحَلِّلًا فِي الْغَلِيظَةِ فَفِي الْخَفِيفَةِ أَوْلَى أَوْ بِالْقِيَاسِ بِجَامِعِ كَوْنِهِ زَوْجًا، وَرَدَّهُ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالتَّحْرِيرِ بِأَنَّ التَّحْلِيلَ إنَّمَا جُعِلَ فِي حُرْمَتِهَا بِالثَّلَاثِ فَلَا حُرْمَةَ قَبْلَهَا فَظَهَرَ أَنَّ الْقَوْلَ مَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ، وَبَاقِي الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثِ. (قَوْلُهُ وَلَوْ أَخْبَرَتْ مُطَلَّقَةُ الثَّلَاثِ بِمُضِيِّ عِدَّتِهِ وَعِدَّةِ الزَّوْجِ الثَّانِي، وَالْمُدَّةُ تَحْتَمِلُهُ لَهُ أَنْ يُصَدِّقَهَا إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ صِدْقُهَا) يَعْنِي لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا لِأَنَّهُ مُعَامَلَةٌ أَوْ أَمْرٌ دِينِيٌّ لِتَعَلُّقِ الْحِلِّ بِهِ، وَقَوْلُ الْوَاحِدِ فِيهِمَا مَقْبُولٌ، وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَنْكَرٍ إذَا كَانَتْ الْمُدَّةُ تَحْتَمِلُهُ، وَقَدْ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ فِي إخْبَارِهَا عَلَى مَا ذَكَرَ، وَذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ مَبْسُوطًا فَقَالَ قَالَتْ قَدْ انْقَضَتْ عِدَّتِي، وَتَزَوَّجْت، وَدَخَلَ بِي الزَّوْجُ وَطَلَّقَنِي، وَانْقَضَتْ عِدَّتِي وَفِي النِّهَايَةِ إنَّمَا ذَكَرَ إخْبَارَهَا هَكَذَا مَبْسُوطًا لِأَنَّهَا لَوْ قَالَتْ حَلَلْت لَك فَتَزَوَّجَهَا ثُمَّ قَالَتْ لَمْ يَكُنْ الثَّانِي دَخَلَ بِي إنْ كَانَتْ عَالِمَةً بِشَرَائِطِ الْحِلِّ لَمْ تُصَدَّقْ، وَإِلَّا تُصَدَّقُ، وَفِيمَا ذَكَرَتْهُ مَبْسُوطًا لَا تُصَدَّقُ فِي كُلِّ حَالٍ، وَعَنْ السَّرَخْسِيِّ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا حَتَّى يَسْتَفْسِرَهَا لِاخْتِلَافٍ بَيْنَ النَّاسِ فِي حِلِّهَا بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ، وَفِي التَّفَارِيقِ لَوْ تَزَوَّجَهَا، وَلَمْ يَسْأَلْهَا ثُمَّ قَالَتْ مَا تَزَوَّجْت أَوْ مَا دَخَلَ بِي صُدِّقَتْ إذْ لَا يُعْلَمُ ذَلِكَ إلَّا مِنْ جِهَتِهَا، وَاسْتَشْكَلَ بِأَنَّ إقْدَامَهَا عَلَى النِّكَاحِ دَلِيلٌ عَلَى اعْتِرَافٍ مِنْهَا بِصِحَّتِهِ فَكَانَتْ مُتَنَاقِضَةً فَيَنْبَغِي أَنَّ مَا يُقْبَلُ مِنْهَا كَمَا لَوْ قَالَتْ بَعْدَ التَّزَوُّجِ بِهَا كُنْت مَجُوسِيَّةً أَوْ مُرْتَدَّةً أَوْ مُعْتَدَّةً أَوْ مَنْكُوحَةَ الْغَيْرِ أَوْ كَانَ الْعَقْدُ بِغَيْرِ شُهُودٍ ذَكَرَهُ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ، وَغَيْرِهِ بِخِلَافِ قَوْلِهَا لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتِي، وَلَوْ قَالَ الزَّوْجُ لَهَا ذَلِكَ، وَكَذَّبَتْهُ تَقَعُ الْفُرْقَةُ كَأَنَّهُ طَلَّقَهَا، وَلِذَا يَجِبُ عَلَيْهِ نِصْفُ الْمَهْرِ الْمُسَمَّى أَوْ كُلُّهُ اهـ. مِنْ قَائِلِهِ. ثُمَّ رَأَيْت فِي الْخُلَاصَةِ مَا يُوَافِقُ الْإِشْكَالَ الْمَذْكُورَ، وَقَالَ فِي الْفَتَاوَى فِي بَابِ الْبَاءِ لَوْ قَالَتْ بَعْدَمَا تَزَوَّجَهَا الْأَوَّلُ مَا تَزَوَّجْت بِآخَرَ، وَقَالَ الزَّوْجُ الْأَوَّلُ تَزَوَّجْت بِآخَرَ، وَدَخَلَ بِك لَا تُصَدَّقُ الْمَرْأَةُ. اهـ. وَلَوْ قَالَ الزَّوْجُ الثَّانِي النِّكَاحُ وَقَعَ فَاسِدًا لِأَنِّي جَامَعْت أُمَّهَا إنْ صَدَّقَتْهُ الْمَرْأَةُ لَا تَحِلُّ لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ، وَإِنْ كَذَّبَتْهُ تَحِلُّ كَذَا أَجَابَ الْقَاضِي الْإِمَامُ، وَلَوْ قَالَتْ دَخَلَ بِي الثَّانِي، وَالثَّانِي مُنْكِرٌ فَالْمُعْتَبَرُ قَوْلُهَا، وَكَذَا عَلَى الْعَكْسِ، وَفِي النِّهَايَةِ، وَلَمْ يَمُرَّ بِي لَوْ قَالَ الْمُحَلِّلُ بَعْدَ الدُّخُولِ كُنْت حَلَفْت بِطَلَاقِهَا إنْ تَزَوَّجْتهَا هَلْ تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ قُلْت يُبْتَنَى الْأَمْرُ عَلَى غَالِبِ ظَنِّهَا إنْ كَانَ صَادِقًا عِنْدَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ، وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا تَحِلُّ، وَعَنْ الْفَضْلِيِّ لَوْ قَالَتْ تَزَوَّجَنِي فَإِنِّي تَزَوَّجْت غَيْرَك، وَانْقَضَتْ عِدَّتِي فَتَزَوَّجَهَا ثُمَّ قَالَتْ مَا تَزَوَّجْت صُدِّقَتْ إلَّا أَنْ تَكُونَ أَقَرَّتْ بِدُخُولِ الثَّانِي كَانَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. يُحْمَلُ قَوْلُهَا تَزَوَّجْت عَلَى الْعَقْدِ، وَقَوْلُهَا مَا تَزَوَّجْت عَلَى مَعْنَى مَا دَخَلَ بِي لَا عَلَى إنْكَارِ مَا اعْتَرَفَتْ بِهِ، وَلِذَا قَالَ إلَّا أَنْ تَكُونَ أَقَرَّتْ بِدُخُولِ الثَّانِي فَإِنَّهُ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهَا فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ تَكُونُ مُنَاقَضَةً صَرِيحَةً كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. وَأَشَارَ بِقَبُولِ قَوْلِهَا إلَى أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِقَوْلِ الزَّوْجِ الثَّانِي حَتَّى لَوْ قَالَ لَمْ أَدْخُلْ بِهَا أَوْ كَانَ النِّكَاحُ فَاسِدًا، وَكَذَّبَتْهُ فَالْمُعْتَبَرُ قَوْلُهَا، وَلَوْ قَالَ الزَّوْجُ الْأَوَّلُ لَهَا ذَلِكَ يُعْتَبَرُ قَوْلُهُ فِي حَقِّ الْفُرْقَةِ كَأَنَّهُ طَلَّقَهَا لَا فِي حَقِّهَا حَتَّى يَجِبَ لَهَا نِصْفُ الْمُسَمَّى أَوْ كَمَالُهُ إنْ دَخَلَ بِهَا. وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ صِدْقُهَا إلَى أَنَّ عَدَالَتَهَا لَيْسَتْ شَرْطًا، وَلِهَذَا قَالَ فِي الْبَدَائِعِ، وَكَافِي الْحَاكِمِ، وَغَيْرِهِمَا لَا بَأْسَ أَنْ يُصَدِّقَهَا إذَا كَانَتْ ثِقَةً عِنْدَهُ أَوْ وَقَعَ فِي قَلْبِهِ صِدْقُهَا، وَبِقَبُولِ قَوْلِ الْمُطَلَّقَةِ إلَى أَنَّ مَنْكُوحَةَ رَجُلٍ قَالَتْ لِآخَرَ طَلَّقَنِي زَوْجِي، وَانْقَضَتْ عِدَّتِي جَازَ تَصْدِيقُهَا إذَا وَقَعَ فِي الظَّنِّ صِدْقُهَا عَدْلَةٌ كَانَتْ أَمْ لَا، وَلَوْ قَالَتْ نِكَاحِي الْأَوَّلُ فَاسِدٌ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُصَدِّقَهَا، وَإِنْ كَانَتْ عَدْلَةٌ كَذَا فِي   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 64 الْبَزَّازِيَّةِ، وَفِيهَا سَمِعَ رَجُلٌ مِنْ امْرَأَةٍ أَنَّهَا مُطَلَّقَةُ الثَّلَاثِ، وَالزَّوْجُ يَقُولُ لَا بَلْ مُطَلَّقَةُ الثِّنْتَيْنِ لَا يَسَعُ لِمَنْ سَمِعَ مِنْهَا أَنْ يَحْضُرَ نِكَاحَهَا، وَيَمْنَعَهَا مَا اسْتَطَاعَ أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً فَشَهِدَ عِنْدَهُ أَوْ عِنْدَ الْقَاضِي أَنَّ لَهَا زَوْجًا فَتَزَوَّجَهَا لَا يُفَرِّقُ انْتَهَى، وَفِيهَا قَالَتْ طَلَّقَنِي ثَلَاثًا ثُمَّ أَرَادَتْ تَزْوِيجَ نَفْسِهَا مِنْهُ لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ أَصَرَّتْ عَلَيْهِ أَمْ كَذَّبَتْ نَفْسَهَا. اهـ. وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ، وَالْمُدَّةُ تَحْتَمِلُهُ لِأَنَّ الْمُدَّةَ لَوْ لَمْ تَحْتَمِلْهُ فَإِنَّهُ لَا يُصَدِّقُهَا، وَاحْتِمَالُهَا أَنْ يُذْكَرَ لِكُلِّ عِدَّةٍ مَا يُمْكِنُ، وَهُوَ شَهْرَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَتِسْعَةٌ، وَثَلَاثُونَ يَوْمًا عِنْدَهُمَا تَمَامُهُ فِي الشَّرْحِ، وَلَكِنْ فِي الْقُنْيَةِ بِرَقْمِ شب قَالَتْ الْمُعْتَدَّةُ أَسْقَطْت سُقْطًا اسْتَبَانَ خَلْقُهُ أَوْ بَعْضُ خَلْقِهِ تُصَدَّقُ، وَتَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ، وَإِنْ أَخْبَرَتْ بَعْدَ الطَّلَاقِ بِسَاعَةٍ أَوْ يَوْمٍ فَفِي بق إذَا قَالَتْ انْقَضَتْ عِدَّتِي فِي يَوْمٍ أَوْ أَقَلَّ تُصَدَّقُ أَيْضًا، وَإِنْ لَمْ تَقُلْ سَقَطَ لِاحْتِمَالِهِ بو خِلَافُهُ اهـ فَقَوْلُهُمْ الْإِمْكَانُ بِشَهْرَيْنِ عِنْدَ الْإِمَامِ مَحَلُّهُ مَا إذَا لَمْ تَقُلْ أَسْقَطْت سُقْطًا اسْتَبَانَ بَعْضُ خَلْقِهِ، وَجَزْمُهُمْ بِهَذِهِ الْمُدَّةِ دَلِيلٌ عَلَى ضَعْفِ قَوْلِ مَنْ قَالَ بِقَبُولِ قَوْلِهَا انْقَضَتْ عِدَّتِي بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ أَقَلَّ لِاحْتِمَالِ سُقُوطِ سُقْطٍ مِنْ غَيْرِ تَصْرِيحٍ مِنْهَا بِذَلِكَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ، وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ [بَابُ الْإِيلَاءِ] لَمَّا كَانَ الْإِيلَاءُ يُوجِبُ الْبَيْنُونَةَ فِي ثَانِي الْحَالِ كَالطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ أَوْلَاهُ بِهِ، وَهُوَ لُغَةً الْيَمِينُ، وَشَرْعًا قَوْلُهُ (هُوَ الْحَلِفُ عَلَى تَرْكِ قُرْبَانِهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ أَوْ أَكْثَرَ) أَيْ الزَّوْجَةِ وَهُوَ تَعْرِيفٌ لِأَحَدِ قِسْمَيْ الْإِيلَاءِ الْحَقِيقِيِّ، وَهُوَ مَا اشْتَمَلَ عَلَى الْقَسَمِ كَقَوْلِهِ آلَيْت أَنْ لَا أَقْرَبَك أَوْ حَلَفْت أَوْ، وَاَللَّهِ أَوْ مَا يَئُولُ إلَيْهِ كَقَوْلِهِ أَنَا مِنْك مُولٍ قَاصِدًا بِهِ الْإِيجَابَ أَوْ أَنْتِ مِثْلُ امْرَأَةِ فُلَانٍ، وَقَدْ كَانَ فُلَانٌ آلَى مِنْ امْرَأَتِهِ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَا مِنْك حَالِفٌ، وَكَذَا الثَّانِي يَئُولُ إلَيْهِ فَانْحَلَّ إلَى الْقَسَمِ، وَأَمَّا مَا كَانَ فِي مَعْنَى الْيَمِينِ، وَهُوَ الْيَمِينُ بِتَعْلِيقِ مَا يَسْتَشِقُّهُ عَلَى الْقُرْبَانِ فَسَنَتَكَلَّمُ عَلَيْهِ بَعْدَهُ، وَبِهَذَا سَقَطَ اعْتِرَاضُ ابْنُ الْهُمَامِ تَبَعًا لِلشَّارِحِ مِنْ أَنَّهُ يُرَدُّ عَلَيْهِ الْيَمِينُ بِتَعْلِيقِ مَا لَا يَسْتَشِقُّهُ كَقَوْلِهِ إنْ وَطِئْتُك فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ مُولِيًا مَعَ أَنَّ التَّعْرِيفَ شَامِلٌ لَهُ مَعَ أَنَّ فِي كَوْنِهِ مُولِيًا اخْتِلَافًا فَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ عَدَمِ كَوْنِهِ مُولِيًا هُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَكُونُ مُولِيًا كَمَا فِي الْمَجْمَعِ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ الْمُؤَلِّفُ قَصَدَ تَعْرِيفَ الْإِيلَاءِ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ الْمُعْتَمَدُ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ كَمَا سَيَأْتِي، وَالتَّعْرِيفُ الشَّامِلُ لِكُلٍّ مِنْ الْقِسْمَيْنِ السَّالِمِ مِنْ الْإِيرَادِ قَوْلُنَا الْيَمِينُ عَلَى تَرْكِ قُرْبَانِهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا بِالْقَسَمِ أَوْ بِتَعْلِيقِ مَا يَسْتَشِقُّهُ عَلَى الْقُرْبَانِ. وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُمْ الْمَوْلَى مَنْ لَا يَخْلُو عَنْ أَحَدِ الْمَكْرُوهَيْنِ مِنْ الطَّلَاقِ أَوْ الْكَفَّارَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَحَدِ قِسْمَيْ الْإِيلَاءِ الْحَقِيقِيِّ فَلَا يُعْتَرَضُ عَلَيْهِمْ بِالْمَعْنَوِيِّ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَالشَّامِلُ لَهُمَا الْمَوْلَى مَنْ لَا يَخْلُو عَنْ أَحَدِ الْمَكْرُوهَيْنِ مِنْ الطَّلَاقِ أَوْ لُزُومِ مَا يَشُقُّ عَلَيْهِ، وَأَوْرَدْت عَلَيْهِ إيلَاءَ الذِّمِّيِّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ إذَا أَقَرَّ بِهَا خَلَا عَنْهُمَا كَمَا سَيَأْتِي، وَلَكِنْ قَالَ فِي الْكَافِي إنَّهُ مَا خَلَا عَنْ حِنْثٍ لَزِمَهُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَحْلِفُ فِي الدَّعَاوَى بِاَللَّهِ الْعَظِيمِ، وَلَكِنْ مَنَعَ مِنْ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهِ مَانِعٌ، وَهُوَ كَوْنُهَا عِبَادَةً، وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا، وَمَا إذَا قَالَ لِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ، وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكُنَّ صَارَ مُولِيًا مِنْهُنَّ، وَيُمْكِنُهُ قُرْبَانُ ثَلَاثٍ مِنْ غَيْرِ   [منحة الخالق] بَابُ الْإِيلَاءِ) . (قَوْلُهُ مَعَ أَنَّ فِي كَوْنِهِ مُولِيًا اخْتِلَافًا إلَخْ) جَوَابٌ ثَانٍ قَالَ فِي النَّهْرِ وَفِي كُلٍّ مِنْ الْجَوَابَيْنِ نَظَرٌ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ أَرَادَ تَعْرِيفَ الْحَقِيقِيِّ فَقَطْ إذْ لَوْ أَرَادَهُ لَذَكَرَ لِلثَّانِي تَعْرِيفًا فَلَمَّا لَمْ يَذْكُرْهُ عَلِمْنَا أَنَّهُ أَدْرَجَ الْقِسْمَيْنِ تَحْتَ تَعْرِيفِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحَلِفَ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَوْ بِمَعْنَاهُ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ لَوْ أَرَادَ تَعْرِيفَ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ لِذِكْرِ مَا يَشُقُّ إذْ الْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِيمَا لَا يَشُقُّ كَمَا سَيَأْتِي اهـ. وَتَأَمَّلْ مَعْنَى قَوْلِهِ لِذِكْرِ مَا يَشُقُّ إلَخْ، وَفِي شَرْحِ الْمَقْدِسِيَّ وَمَنْ قَالَ إنَّ الْمَقْصُودَ تَعْرِيفُ الْحَقِيقِيِّ دُونَ الْمَعْنَوِيِّ فَقَدْ تَعَسَّفَ فَإِنَّ الْيَمِينَ حَقِيقَتُهُ الشَّرْعِيَّةُ تَشْمَلُ التَّعْلِيقَ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَشُرُوحِهِ فَتَخْصِيصُهُ بِالْقَسَمِ ثُمَّ إلْحَاقُ التَّعْلِيقِ بِهِ بَعْدَ دُخُولِهِ أَوْ لَا عُدُولٌ عَنْ سَوَاءِ الطَّرِيقِ (قَوْلُهُ وَمَا إذَا قَالَ لِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ) عَطْفٌ عَلَى إيلَاءِ الذِّمِّيِّ، وَأَجَابَ فِي النَّهْرِ عَنْ الْأَوَّلِ بِحَاصِلِ مَا نَقَلَهُ الْمُؤَلِّفُ عَنْ الْكَافِي وَكَأَنَّهُ سَقَطَ مِنْ نُسْخَتِهِ حَتَّى أَجَابَ عَنْهُ بِمَا هُنَا، وَأَجَابَ عَنْ الثَّانِي بِقَوْلِهِ وَأَمَّا الثَّانِي فَأَجَابَ عَنْهُ شُرَّاحُ الْهِدَايَةِ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ الْإِيلَاءَ مُتَعَلِّقٌ بِمَنْعِ الْحَقِّ مِنْ الْمُدَّةِ، وَقَدْ وُجِدَ فَيَكُونُ مُولِيًا مِنْهُنَّ، وَعَدَمُ وُجُوبِ شَيْءٍ لِعَدَمِ الْحِنْثِ لِأَنَّهُ بِفِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ بِقُرْبَانِ جَمِيعِهِنَّ، وَالْمَوْجُودُ قُرْبَانُ بَعْضِهِنَّ قَالَ فِي الْفَتْحِ وَحَاصِلُ هَذَا تَخْصِيصُ اطِّرَادِ الْأَصْلِ بِمَا إذَا حَلَفَ عَلَى وَاحِدَةٍ بِأَدْنَى تَأَمَّلْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 65 شَيْءٍ يَلْزَمُهُ لِأَنَّهُ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِقُرْبَانِ جَمِيعِهِنَّ، وَرُكْنُهُ الْحَلِفُ الْمَذْكُورُ وَشَرْطُهُ مَحَلِّيَّةُ الْمَرْأَةِ بِأَنْ تَكُونَ مَنْكُوحَةً وَقْتَ تَنْجِيزِ الْإِيلَاءِ فَلَا يَرِدُ مَا لَوْ قَالَ إنْ تَزَوَّجْتُك فَوَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك فَتَزَوَّجَهَا فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُولِيًا عِنْدَنَا كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ، وَأَهْلِيَّةُ الزَّوْجِ لِلطَّلَاقِ عِنْدَهُ، وَلِلْكَفَّارَةِ عِنْدَهُمَا فَيَصِحُّ إيلَاءُ الذِّمِّيِّ عِنْدَهُ بِمَا فِيهِ كَفَّارَةٌ نَحْوُ، وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك فَإِنْ قَرُبَهَا تَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ، وَفَائِدَةُ كَوْنِهِ مُولِيًا أَنَّ الْمُدَّةَ لَوْ مَضَتْ بِلَا قُرْبَانٍ بَانَتْ بِتَطْلِيقَةٍ، وَلَا يَصِحُّ عِنْدَهُمَا أَمَّا لَوْ آلَى بِمَا هُوَ قُرْبَةٌ كَالْحَجِّ لَا يَصِحُّ اتِّفَاقًا أَوْ بِمَا لَا يَلْزَمُ كَوْنُهُ قُرْبَةً كَالْعِتْقِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ اتِّفَاقًا فَإِيلَاءُ الذِّمِّيِّ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ، وَعَدَمُ النَّقْصِ عَنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فِي الْحُرَّةِ مِنْ الشَّرَائِطِ فَهِيَ ثَلَاثٌ، وَحُكْمُهُ لُزُومُ الْكَفَّارَةِ أَوْ الْجَزَاءُ الْمُعَلَّقُ بِتَقْدِيرِ الْحِنْثِ بِالْقُرْبَانِ، وَوُقُوعُ طَلْقَةٍ بَائِنَةٍ بِتَقْدِيرِ الْبِرِّ. (قَوْلُهُ كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ أَوْ، وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} [البقرة: 226] وَأَفَادَ بِالْمِثَالَيْنِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ تَعْيِينِ الْمُدَّةِ أَوْ الْإِطْلَاقِ لِأَنَّهُ كَالتَّأْبِيدِ، وَبِإِطْلَاقِهِ إلَى أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ صَرِيحٌ فِيهِ لِأَنَّهُ لَمْ يُشْتَرَطْ فِيهِ النِّيَّةُ، وَمِثْلُهُ لَا أُجَامِعُك لَا أَطَؤُك لَا أَبَاضِعُك لَا أَغْتَسِلُ مِنْك مِنْ جَنَابَةٍ فَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ لَمْ يَعْنِ الْجِمَاعَ لَا يُصَدَّقُ قَضَاءً، وَيُصَدَّقُ دِيَانَةً، وَالْكِنَايَةُ كُلُّ لَفْظٍ لَا يَسْبِقُ إلَى الْفَهْمِ مَعْنَى الْوِقَاعِ، وَيَحْتَمِلُ غَيْرَهُ مَا لَمْ يُنْوَ نَحْوُ لَا أَمَسُّك، وَلَا آتِيك، وَلَا أَغْشَاك لَا أَلْمِسُك لَأَغِيظَنَّك لَأَسُوءَنَّك لَا أَدْخُلُ عَلَيْك لَا أَجْمَعُ رَأْسِي، وَرَأْسَك لَا أُضَاجِعُك لَا أَدْنُو مِنْك لَا أَبِيتُ مَعَك فِي فِرَاشٍ لَا يَمَسُّ جِلْدِي جِلْدَك لَا أَقْرَبُ فِرَاشَك فَلَا يَكُونُ إيلَاءً بِلَا نِيَّةٍ، وَيُدَيَّنُ فِي الْقَضَاءِ، وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ مَعْزِيًّا إلَى الشَّامِلِ حَلَفَ لَا يَقْرَبُهَا، وَهِيَ حَائِضٌ لَا يَكُونُ مُولِيًا لِأَنَّ الزَّوْجَ مَمْنُوعٌ عَنْ الْوَطْءِ بِالْحَيْضِ فَلَا يَصِيرُ الْمَنْعُ مُضَافًا إلَى الْيَمِينِ اهـ. وَبِهَذَا اعْلَمْ أَنَّ الصَّرِيحَ وَإِنْ كَانَ لَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ لَا يَقَعُ بِهِ لِوُجُودِ صَارِفٍ، وَقَيَّدَ الْمُصَنِّفُ بِالْقَسَمِ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ لَا أَقْرَبُك، وَلَمْ يَقُلْ، وَاَللَّهِ لَا يَكُونُ مُولِيًا كَذَا ذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ، وَفِي الْبَدَائِعِ لَوْ آلَى مِنْ امْرَأَتِهِ ثُمَّ قَالَ لِامْرَأَتِهِ الْأُخْرَى أَشْرَكْتُك فِي إيلَائِهَا لَمْ يَصِحَّ فَإِنْ كَانَ فِي مَكَانِ الْإِيلَاءِ ظِهَارٌ صَحَّ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الشَّرِكَةَ فِي الْإِيلَاءِ لَوْ صَحَّتْ لَثَبَتَتْ الشَّرِكَةُ فِي الْمُدَّةِ فَيَصِيرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَهَذَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِيلَاءِ انْتَهَى، وَالطَّلَاقُ كَالظِّهَارِ، وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ آلَى مِنْهَا مُدَّةً لَوْ قُسِمَتْ خَصَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرُ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُولِيًا مِنْ الثَّانِيَةِ بِالتَّشْرِيكِ، وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ ثُمَّ قَالَ لِامْرَأَتِهِ الْأُخْرَى قَدْ أَشْرَكْتُك مَعَهَا كَانَ مُولِيًا مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا لِأَنَّ إثْبَاتَ الشَّرِكَةِ لَا يُغَيِّرُ مُوجِبَ الْيَمِينِ هُنَا فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ أَنْتُمَا عَلَيَّ حَرَامٌ كَانَ مُولِيًا مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَلَى حِدَةٍ، وَتَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ بِوَطْئِهِمَا بِخِلَافِ قَوْلِهِ، وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكُمَا لِأَنَّ هَذَا صَارَ إيلَاءً لِمَا يَلْزَمُهُ مِنْ هَتْكِ حُرْمَةِ الِاسْمِ، وَذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِقُرْبَانِهِمَا. وَأَمَّا قَوْلُهُ أَنْتُمَا عَلَيَّ حَرَامٌ صَارَ إيلَاءً بِاعْتِبَارِ مَعْنَاهُ، وَهُوَ إثْبَاتُ التَّحْرِيمِ، وَإِثْبَاتُ التَّحْرِيمِ قَدْ وُجِدَ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فَيَثْبُتُ الْإِيلَاءُ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَقْرَبُهَا فِي زَمَانٍ أَوْ مَكَان مُعَيَّنٍ لَا يَكُونُ مُولِيًا خِلَافًا لِابْنِ أَبِي لَيْلَى لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ قُرْبَانُهَا فِي مَكَان آخَرَ أَوْ زَمَانٍ آخَرَ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَقْرَبُ امْرَأَتَهُ، وَأَجْنَبِيَّةً لَا يَصِيرُ مُولِيًا مَا لَمْ يَقْرَبْ الْأَجْنَبِيَّةَ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ قُرْبَانُ امْرَأَتِهِ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ يَلْزَمُهُ لِأَنَّ الْإِيلَاءَ   [منحة الخالق] قَوْلِهِ لَأَغِيظَنَّك لَأَسُوءَنَّك) بِاللَّامِ فِي جَوَابِ الْقَسَمِ فِيهِمَا، وَلَيْسَتْ لَا النَّافِيَةُ كَمَا فِي نَظَائِرِهِمَا. (قَوْلُهُ حَلَفَ لَا يَقْرَبُهَا، وَهِيَ حَائِضٌ) أَيْ بِأَنْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك، وَلَمْ يُقَيِّدْ بِمُدَّةٍ أَمَّا لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ يَكُونُ مُولِيًا، وَإِنْ كَانَتْ حَائِضًا كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ قَالَ فِي النَّهْرِ لِأَنَّهُ إذَا قَيَّدَ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ يَكُونُ قَرِينَةً عَلَى إضَافَةِ الْمَنْعِ إلَى الْيَمِينِ، وَقَيَّدَ الْأَوَّلَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ بَحْثًا بِمَا إذَا كَانَ عَالِمًا بِحَيْضِهَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ النِّفَاسُ كَذَلِكَ هَذَا، وَقَدْ قَرَّرَ الْمَقْدِسِيَّ الْمَسْأَلَةَ فِي شَرْحِهِ عَلَى خِلَافِ مَا هُنَا حَيْثُ قَالَ بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ غَايَةِ الْبَيَانِ أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ الْجُمْلَةَ أَعْنِي، وَهِيَ حَائِضٌ حَالٌ مِنْ مَفْعُولِ يَقْرَبُهَا لَا مِنْ فَاعِلِ حَلَفَ، وَعَلَى هَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَقْرَبُهَا، وَهِيَ مُحْرِمَةٌ أَوْ صَائِمَةٌ فَرْضًا كَذَلِكَ لِأَنَّ مُدَّةَ الْحَيْضِ، وَنَحْوَهَا لَا تَدُومُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَلَمْ يُوجَدْ شَرْطُهُ، وَقَوْلُ مَنْ قَالَ: وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ الصَّرِيحَ، وَإِنْ كَانَ لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ لَا يَقَعُ بِهِ لِوُجُودِ صَارِفٍ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ حَائِضًا، وَحَلَفَ كَانَ حَيْضُهَا مَانِعًا مِنْ الْوَطْءِ لَا الْيَمِينُ فَإِنْ أَرَادَ أَنَّ الْأَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ الَّتِي يَمْنَعُ نَفْسَهُ فِيهَا تَكُونُ خَالِيَةً مِنْ الْحَيْضِ، وَنَحْوِهِ مِنْ الْمَوَانِعِ فَهَذَا لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ، وَلَمْ يُقَيَّدْ بِذَلِكَ فِي كَلَامِ أَحَدٍ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ مَا بَيَّنَّا اهـ. فَلْيُتَأَمَّلْ. ثُمَّ رَأَيْت فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ مَا يُشِيرُ إلَى تَأْيِيدِ بَحْثِهِ حَيْثُ قَالَ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَقْرَبُهَا، وَهِيَ حَائِضٌ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا لِأَنَّهُ مَنَعَ نَفْسَهُ عَنْ قُرْبَانِهَا فِي مُدَّةِ الْحَيْضِ، وَأَنَّهُ أَقَلُّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ اهـ. نَعَمْ قَوْلُهُ فَإِنْ أَرَادَ إلَخْ غَيْرُ وَارِدٍ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا لَمْ يُقَيَّدْ بِمُدَّةٍ كَمَا مَرَّ عَنْ سَعْدِيٍّ وَكَذَا هُوَ كَذَلِكَ فِي تَصْوِيرِ الْمَسْأَلَةِ الْمَنْقُولَةِ عَنْ غَايَةِ الْبَيَانِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 66 وَاحِدٌ، وَلَا يَصِحُّ فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيَّةِ فِي حَقِّ الطَّلَاقِ فَكَذَلِكَ فِي حَقِّ امْرَأَتِهِ فَإِذَا قَرِبَ الْأَجْنَبِيَّةَ لَا يُمْكِنُهُ قُرْبَانُهَا إلَّا بِكَفَّارَةٍ تَلْزَمُهُ، وَصَارَ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَقْرَبُ امْرَأَتَهُ وَأَمَتَهُ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَقْرَبُهَا إنْ شَاءَتْ يَتَوَقَّفُ عَلَى مَشِيئَتِهَا لِأَنَّهُ طَلَاقٌ مُؤَجَّلٌ فَيَجُوزُ تَعْلِيقُهُ بِمَشِيئَتِهَا كَالطَّلَاقِ الْمُنَجَّزِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَمِنْ الْكِنَايَاتِ أَنْتِ عَلَيَّ مِثْلُ امْرَأَةِ فُلَانٍ، وَقَدْ كَانَ فُلَانٌ آلَى مِنْ امْرَأَتِهِ فَإِنْ كَانَ نَوَى الْإِيلَاءَ كَانَ مُولِيًا، وَإِلَّا فَلَا، وَمِنْهَا مَا لَوْ قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ كَالْمَيْتَةِ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَسَيَأْتِي أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ، وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ، وَاَللَّهِ مَا يَنْعَقِدُ بِهِ الْيَمِينُ كَقَوْلِهِ تَاللَّهِ وَعَظَمَةِ اللَّهِ وَجَلَالِهِ وَكِبْرِيَائِهِ فَخَرَجَ مَا لَا يَنْعَقِدُ بِهِ الْيَمِينُ كَقَوْلِهِ، وَعِلْمِ اللَّهِ لَا أَقْرَبُك، وَعَلَيَّ غَضَبُ اللَّهِ وَسَخَطُهُ إنْ قَرِبْتُك، وَإِنْ جَعَلَ لِلْإِيلَاءِ غَايَةً إنْ كَانَ لَا يُرْجَى وُجُودُهَا فِي مُدَّةِ الْإِيلَاءِ كَانَ مُولِيًا كَمَا إذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك حَتَّى أَصُومَ الْمُحَرَّمَ، وَهُوَ فِي رَجَبٍ أَوْ لَا أَقْرَبُك إلَّا فِي مَكَانِ كَذَا وَبَيْنَهُ مَسِيرَةُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا فَإِنَّهُ يَكُونُ مُولِيًا، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا. وَكَذَا إذَا قَالَ حَتَّى تَفْطِمِي طِفْلَك وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ الْفِطَامِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا فَإِنَّهُ يَكُونُ مُولِيًا، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا، وَإِنْ قَالَ لَا أَقْرَبُك حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا أَوْ حَتَّى تَخْرُجَ الدَّابَّةُ أَوْ الدَّجَّالُ كَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَكُونَ مُولِيًا لِأَنَّهُ يُرْجَى وُجُودُ ذَلِكَ سَاعَةً فَسَاعَةً، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَكُونُ مُولِيًا لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ فِي الْعُرْفِ، وَالْعَادَةِ إنَّمَا يَكُونُ لِلتَّأْبِيدِ، وَكَذَا إذَا قَالَ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ أَوْ قَالَ {حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} [الأعراف: 40] فَإِنَّهُ يَكُونُ مُولِيًا فَإِنْ كَانَ يُرْجَى وُجُودُهُ فِي الْمُدَّةِ لَا مَعَ بَقَاءِ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُولِيًا أَيْضًا مِثْلُ أَنْ يَقُولَ، وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك حَتَّى تَمُوتِي أَوْ أُقْتَلَ أَوْ حَتَّى أُطَلِّقَك ثَلَاثًا فَإِنَّهُ يَكُونُ مُولِيًا إجْمَاعًا، وَكَذَا إذَا كَانَتْ أَمَةً فَقَالَ لَا أَقْرَبُك حَتَّى أَمْلِكَك أَوْ أَمْلِكَ شِقْصًا مِنْك يَكُونُ مُولِيًا، وَإِنْ قَالَ حَتَّى أَشْتَرِيكَ لَا يَكُونُ مُولِيًا لِأَنَّهُ قَدْ يَشْتَرِيهَا لِغَيْرِهِ، وَلَا يَفْسُدُ النِّكَاحُ، وَلَوْ قَالَ حَتَّى أَشْتَرِيكَ لِنَفْسِي لَا يَكُونُ مُولِيًا أَيْضًا لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَشْتَرِيهَا لِنَفْسِهِ شِرَاءً فَاسِدًا، وَلَوْ قَالَ اشْتَرَيْتُك لِنَفْسِي، وَأَقْبِضُك كَانَ مُولِيًا، وَإِنْ كَانَ يُرْجَى وُجُودُهُ مَعَ بَقَاءِ النِّكَاحِ كَانَ مُولِيًا مِثْلُ أَنْ يَقُولَ إنْ قَرِبْتُك فَعَبْدِي حُرٌّ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ، وَقَيَّدَ بِالْقُرْبَانِ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا يَمَسُّ جِلْدِي جِلْدَك لَا يَكُونُ مُولِيًا لِأَنَّهُ يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ بِالْمَسِّ بِدُونِ الْجِمَاعِ فِي الْفَرْجِ، وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا يَمَسُّ فَرْجِي فَرْجَك يَكُونُ مُولِيًا لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهَذَا الْكَلَامِ الْجِمَاعُ فِي الْفَرْجِ، وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ قَرِبْتُك أَوْ دَعَوْتُك إلَى فِرَاشِي فَأَنْت طَالِقٌ لَا يَكُونُ مُولِيًا لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ قُرْبَانُهَا مِنْ غَيْرِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ بِأَنْ يَدْعُوَهَا إلَى الْفِرَاشِ فَيَحْنَثُ ثُمَّ يَقْرَبُهَا بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَحْنَثَ بِالْقُرْبَانِ، وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ اغْتَسَلْت مِنْ جَنَابَتِي مَا دُمْت امْرَأَتِي فَأَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا وَأَعَادَ هَذَا الْقَوْلَ، وَكَانَتْ الْمَرْأَةُ حَامِلًا، وَلَمْ يَقْرَبْهَا بَعْدَ الْمَقَالَةِ حَتَّى وَضَعَتْ حَمْلَهَا بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا فَإِنَّهَا تَبِينُ بِوَاحِدَةٍ عِنْدَ انْقِضَاءِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ لِأَنَّهُ كَانَ مُولِيًا، وَتَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ فَإِنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَكُونُ مُولِيًا لَوْ قَرِبَهَا لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الْيَمِينَ كَانَتْ مُوَقَّتَةً إلَى بَقَاءِ النِّكَاحِ، وَبَعْدَمَا وَقَعَتْ تَطْلِيقَةٌ بِالْإِيلَاءِ لَا يَقَعُ عَلَيْهَا طَلَاقٌ آخَرُ، وَإِنْ مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ أُخْرَى قَبْلَ، وَضْعِ الْحَمْلِ لِأَنَّ الْمُبَانَةَ بِالْإِيلَاءِ لَا يَقَعُ عَلَيْهَا طَلَاقٌ آخَرُ بِحُكْمِ ذَلِكَ الْإِيلَاءِ، وَإِنْ كَانَتْ فِي الْعِدَّةِ مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ، وَتَمَامُهُ فِي الْخَانِيَّةِ. وَعُلِمَ أَنَّ الْقُرْبَانَ مَصْدَرُ قَرِبَ يَقْرَبُ مِنْ بَابِ فَعِلَ بِكَسْرِ الْعَيْنِ فِي الْمَاضِي وَفَتْحِهَا فِي الْمُضَارِعِ، وَلَهُ مَصْدَرَانِ الْقُرْبَانُ، وَالْقُرْبُ بِمَعْنَى الدُّنُوِّ كَذَا فِي ضِيَاءِ الْحُلُومِ. (قَوْلُهُ فَإِنْ وَطِئَ فِي الْمُدَّةِ كَفَّرَ) بِتَشْدِيدِ الْفَاءِ أَيْ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ إذَا كَانَتْ يَمِينُهُ بِاَللَّهِ تَعَالَى، وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ، وَوَعْدُ الْمَغْفِرَةِ بِسَبَبِ الْفَيْءِ الَّذِي هُوَ مِثْلُ التَّوْبَةِ لَا يُنَافِي إلْزَامَ الْكَفَّارَةِ لِأَنَّهُ حُكْمٌ دُنْيَوِيٌّ، وَذَاكَ أُخْرَوِيٌّ قَيَّدَ بِالْوَطْءِ لِأَنَّهُ لَوْ كَفَّرَ قَبْلَهُ لَا يَكُونُ كَفَّارَةً كَذَا ذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ، وَأَطْلَقَ فِي الْوَطْءِ فَشَمِلَ مَا إذَا جُنَّ بَعْدَ الْإِيلَاءِ ثُمَّ وَطِئَهَا انْحَلَّتْ، وَسَقَطَ الْإِيلَاءُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا يَمَسُّ جِلْدِي جِلْدَك لَا يَكُونُ مُولِيًا) يَعْنِي بِلَا نِيَّةٍ كَمَا مَرَّ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 67 (قَوْلُهُ وَسَقَطَ الْإِيلَاءُ) بِإِجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ حَتَّى لَوْ مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ لَا يَقَعُ طَلَاقٌ لِانْحِلَالِ الْيَمِينِ بِالْحِنْثِ، وَسَوَاءٌ حَلَفَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ أَوْ أَطْلَقَ أَوْ عَلَى الْأَبَدِ (قَوْلُهُ وَإِلَّا بَانَتْ) أَيْ إنْ لَمْ يَطَأْ فِي الْمُدَّةِ، وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَقَعَتْ عَلَيْهِ طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ لِأَنَّهُ قَدْ وَقَعَ التَّخَلُّصُ مِنْ الظُّلْمِ، وَلَا يَكُونُ بِالرَّجْعِيِّ لِأَنَّهُ بِسَبِيلٍ مِنْ أَنْ يَرُدَّهَا إلَى عِصْمَتِهِ، وَيُعِيدَ الْإِيلَاءَ فَتَعَيَّنَ الْبَائِنُ لِتَمْلِكَ نَفْسَهَا، وَتَزُولَ سَلْطَنَتُهُ عَنْهَا جَزَاءً لِظُلْمِهِ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَتَمَامُهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَنَّ الْعِدَّةَ مِنْ وَقْتِ الْبَيْنُونَةِ، وَبِهِ فَارَقَ الطَّلَاقُ الرَّجْعِيُّ فَإِنَّهُ وَإِنْ أَوْجَبَ بَيْنُونَةً فِي ثَانِي الْحَالِ كَالْإِيلَاءِ لَكِنَّ الْعِدَّةَ فِيهِ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ لَا الْبَيْنُونَةِ. وَفِي الْمَبْسُوطِ، وَإِذَا ادَّعَى أَنَّهُ قَدْ جَامَعَهَا فَإِنْ ادَّعَى فِي الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، وَإِنْ ادَّعَى ذَلِكَ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ بِنَاءً عَلَى الْأَصْلِ الْمَعْرُوفِ أَنَّهُ مَتَى أَقَرَّ بِمَا يَمْلِكُ إنْشَاءَهُ لَا يَكُونُ مُتَّهَمًا فَلَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى مَقَالَتِهِ فِي الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ أَنَّهُ قَدْ جَامَعَهَا فَهِيَ امْرَأَتُهُ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِإِقْرَارِهِ كَالثَّابِتِ بِالْمُعَايَنَةِ، وَهِيَ مِنْ أَعْجَبِ الْمَسَائِلِ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ، وَيَتَمَكَّنُ مِنْ إثْبَاتِهِ بِالْبَيِّنَةِ. اهـ. . (قَوْلُهُ وَسَقَطَ الْيَمِينُ لَوْ حَلَفَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) لِأَنَّهَا مُوَقَّتَةٌ بِوَقْتٍ فَلَا تَبْقَى بَعْدَ مُضِيِّهِ (قَوْلُهُ: وَبَقِيَتْ لَوْ عَلَى الْأَبَدِ) أَيْ بَقِيَتْ الْيَمِينُ لَوْ كَانَ حَلَفَ عَلَى الْأَبَدِ سَوَاءٌ صَرَّحَ بِهِ أَوْ أَطْلَقَ لِعَدَمِ مَا يُبْطِلُهَا مِنْ حِنْثٍ أَوْ مُضِيِّ وَقْتٍ (قَوْلُهُ فَلَوْ نَكَحَهَا ثَانِيًا، وَثَالِثًا، وَمَضَتْ الْمُدَّتَانِ بِلَا فَيْءٍ بَانَتْ بِأُخْرَيَيْنِ) يَعْنِي لَوْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَمَا بَانَتْ بِالْإِيلَاءِ ثُمَّ مَضَتْ الْمُدَّةُ بَعْدَ التَّزَوُّجِ الثَّانِي بَانَتْ بِتَطْلِيقَةٍ أُخْرَى، وَكَذَا لَوْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ ثَالِثًا، وَمَضَتْ الْمُدَّةُ بَانَتْ بِثَالِثَةٍ، وَتُعْتَبَرُ الْمُدَّةُ مِنْ وَقْتِ التَّزَوُّجِ لِأَنَّهُ بِهِ يَثْبُتُ حَقُّهَا فِي الْجِمَاعِ، وَبِامْتِنَاعِهِ صَارَ ظَالِمًا فَيُجَازَى بِإِزَالَةِ نِعْمَةِ النِّكَاحِ. وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا يَتَكَرَّرُ الطَّلَاقُ قَبْلَ التَّزَوُّجِ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهَا فِي الْجِمَاعِ قَبْلَهُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَبَانَهَا بِتَنْجِيزِ الطَّلَاقِ ثُمَّ مَضَتْ مُدَّةُ الْإِيلَاءِ، وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ حَيْثُ تَقَعُ أُخْرَى بِالْإِيلَاءِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ التَّعْلِيقِ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ، وَالْمُعَلَّقُ لَا يَبْطُلُ بِتَنْجِيزِ مَا دُونَ الثَّلَاثِ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك أَبَدًا فَمَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ، وَوَقَعَ الطَّلَاقُ ثُمَّ مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ أُخْرَى، وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ تَقَعُ أُخْرَى، وَكَذَلِكَ هَذَا فِي الْكَرَّةِ الثَّالِثَةِ، وَلَوْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ تُعْتَبَرُ مُدَّةُ الْإِيلَاءِ الثَّانِي مِنْ وَقْتِ التَّزَوُّجِ، وَلَوْ تَزَوَّجَهَا فِي الْعِدَّةِ تُعْتَبَرُ الْمُدَّةُ مِنْ وَقْتِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ الْأَوَّلِ اهـ. (قَوْلُهُ فَإِنْ نَكَحَهَا بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ لَمْ تَطْلُقْ) لِتَقْيِيدِهِ بِطَلَاقِ هَذَا الْمِلْكِ، وَقَدْ انْتَهَى بِالثَّلَاثِ سَوَاءٌ وَقَعَتْ مُتَفَرِّقَةً بِسَبَبِ الْإِيلَاءِ الْمُؤَبَّدِ أَوْ نَجَزَهَا بَعْدَ الْإِيلَاءِ قَبْلَ مُضِيِّ مُدَّتِهِ ثُمَّ عَادَتْ إلَيْهِ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ لِبُطْلَانِ الْإِيلَاءِ فَلَا يَعُودُ بِالتَّزَوُّجِ (قَوْلُهُ فَلَوْ وَطِئَهَا كَفَّرَ لِبَقَاءِ الْيَمِينِ) أَيْ لَوْ وَطِئَهَا بَعْدَمَا عَادَتْ إلَيْهِ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ لَزِمَهُ التَّكْفِيرُ عَنْ يَمِينِهِ لِبَقَائِهَا فِي حَقِّهِ، وَإِنْ لَمْ يَبْقَ فِي حَقِّ الطَّلَاقِ، وَفِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ الْإِيلَاءُ يَصِحُّ فِي الْمُنْكِرَةِ حَلَفَ لَا يَقْرَبُ إحْدَاهُمَا، وَمَضَتْ الْمُدَّةُ بَانَتْ وَاحِدَةً، وَيُخَيِّرُ فَإِنْ مَضَتْ مُدَّةٌ أُخْرَى قَبْلَهُ بَانَتْ الْأُخْرَى لِلتَّعْيِينِ، وَدَلَّتْ أَنَّ الْإِيلَاءَ يَبْطُلُ بِالْبَيْنُونَةِ، وَأَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ عَلَى الْمُبَانَةِ فِي الْعِدَّةِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ بِخِلَافِ الْإِبَانَةِ بِغَيْرِهِ، وَعَلَى هَذَا تَكْرَارُ مُدَّةِ الْوَاحِدَةِ بِخِلَافِ كُلَّمَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَأَنْتِ بَائِنٌ يَنْوِي الطَّلَاقَ. اهـ. وَمِنْ بَابِ الْيَمِينِ فِي الْإِيلَاءِ الْإِيلَاءُ يُوجِبُ طَلَاقًا، وَيَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْمُدَّةِ، وَكَفَّارَةٌ فِي الْحِنْثِ، وَتَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الِاسْمِ قَالَ كُلَّمَا دَخَلْت وَاحِدَةً مِنْ هَاتَيْنِ الدَّارَيْنِ فَوَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك، وَدَخَلَهَا أَوْ قَالَ كُلَّمَا دَخَلْت هَذِهِ، وَدَخَلَهَا مَرَّتَيْنِ يَتَعَدَّدُ فِي حَقِّ الطَّلَاقِ دُونَ الْكَفَّارَةِ، وَلَوْ قَالَ فَعَلَيَّ يَمِينٌ إنْ قَرِبْتُك تَعَدُّدًا قَالَ فِي مَجْلِسٍ مَرَّتَيْنِ إذَا جَاءَ غَدٌ فَوَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك تَعَدَّدَ الْكَفَّارَةُ بِالْوَطْءِ لِتَعَدُّدِ الِاسْمِ، وَالطَّلَاقُ بِالْبِرِّ لَا لِاتِّحَادِ الْمُدَّةِ، وَعِنْدَ زُفَرَ تَتَعَدَّدُ، وَلَوْ عَلَّقَهُ   [منحة الخالق] [وَطِئَ فِي مُدَّةِ الْإِيلَاء] (قَوْلُهُ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك أَبَدًا إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَشَارَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِنَقْلِهِ عَنْهَا إلَى أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ، وَمَا فِيهَا ضَعِيفٌ، وَالْمُخْتَارُ مَا فِي الْمَتْنِ (قَوْلُهُ وَالطَّلَاقُ بِالْبِرِّ لَا) أَيْ لَا يَتَعَدَّدُ، وَقَوْلُهُ لِاتِّحَادِ الْبِرِّ عِلَّةٌ لَهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 68 بِوَقْتَيْنِ تَعَدَّدَا لِتَعَدُّدِهِمَا قَالَ كُلَّمَا دَخَلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إنْ قَرِبْتُك أَوْ فَعَبْدِي هَذَا حُرٌّ يَتَعَدَّدُ الْإِيلَاءُ وَالْجَزَاءُ مُتَّحِدٌ لِتَعَذُّرِهِ قَالَ كُلَّمَا دَخَلْت فَإِنْ قَرِبْتُك فَعَلَيَّ يَمِينٌ أَوْ نَذْرٌ أَوْ حُجَّةٌ يَتَعَدَّدُ، وَيُشْتَرَطُ مَعَ كُلِّ دَخْلَةٍ قُرْبَانٌ لِلْعَطْفِ قَالَ كُلَّمَا دَخَلْت فَوَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك أَوْ قَدَّمَ الْقَسَمَ يَتَعَدَّدُ الطَّلَاقُ دُونَ الْكَفَّارَةِ، وَلَوْ قَالَ إنْ قَرِبْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ كُلَّمَا دَخَلْت لَا يَكُونُ مُولِيًا لِأَنَّ بِهِ يَنْعَقِدُ، وَيُمْكِنُهُ أَنْ لَا يَدْخُلَ آلَى مِرَارًا فِي مَجْلِسٍ، وَنَوَى التَّكْرَارَ يَتَّحِدُ الطَّلَاقُ، وَالْكَفَّارَةُ، وَإِنْ عَطَفَ يَتَعَدَّدُ الْكَفَّارَةُ، وَتَطْلُقُ ثَلَاثًا يُتَّبَعُ بَعْضُهَا قِيَاسًا، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ، وَوَاحِدَةً اسْتِحْسَانًا، وَهُوَ قَوْلُهُمَا. اهـ. . (قَوْلُهُ وَلَا إيلَاءَ فِيمَا دُونَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) يَعْنِي فِي الْحُرَّةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ سَيَذْكُرُ حُكْمَ الْأَمَةِ، وَبِهِ قَالَ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ، وَظَاهِرُ الْآيَةِ صِحَّةُ الْإِيلَاءِ فِيمَا دُونَهَا لِأَنَّهُ إنَّمَا خَصَّ بِالْأَرْبَعَةِ مُدَّةَ التَّرَبُّصِ، وَأَمَّا الْحَلِفُ فَمُطْلَقٌ، وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ، وَغَيْرُهُ مِنْ الْمَعْنَى فَمُصَادَرَةٌ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَلَكِنْ كَانَ مَشَايِخُنَا إنَّمَا تَمَسَّكُوا بِفَتْوَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَلَى أَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِلْآيَةِ، وَتَمَامُهُ فِي الْعِنَايَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك شَهْرَيْنِ وَشَهْرَيْنِ بَعْدَ هَذَيْنِ الشَّهْرَيْنِ إيلَاءٌ) لِأَنَّ الْجَمْعَ بِحَرْفِ الْجَمْعِ كَالْجَمْعِ بِلَفْظِهِ، وَقَوْلُهُ بَعْدَ هَذَيْنِ الشَّهْرَيْنِ قَيْدٌ اتِّفَاقِيٌّ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَذْكُرْهُ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ قَيَّدَ بِالْوَاوِ بِدُونِ تَكْرَارِ النَّفْيِ وَالْقَسَمِ لِأَنَّهُ لَوْ كَرَّرَ النَّفْيَ بِأَنْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك شَهْرَيْنِ، وَلَا شَهْرَيْنِ أَوْ كَرَّرَ الْقَسَمَ بِأَنْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك شَهْرَيْنِ، وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك شَهْرَيْنِ لَا يَكُونُ مُولِيًا لِأَنَّهُمَا يَمِينَانِ فَتَتَدَاخَلُ مُدَّتُهُمَا حَتَّى لَوْ قَرِبَهَا قَبْلَ مُضِيِّ شَهْرَيْنِ يَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ، وَلَوْ قَرِبَهَا بَعْدَ مُضِيِّهِمَا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ لِانْقِضَاءِ مُدَّتِهِمَا، وَحُكْمُ الْيَمِينِ كَحُكْمِ الْإِيلَاءِ فِي عَدَمِ التَّعَدُّدِ إذَا كَانَتْ بِالْوَاوِ فَقَطْ، وَالتَّعَدُّدُ إذَا تَكَرَّرَ حَرْفُ النَّفْيِ أَوْ الْقَسَمُ، وَلَا فَرْقَ فِي تَكْرَارِ الْقَسَمِ بَيْنَ تَكْرَارِ الْمُقْسَمِ عَلَيْهِ أَوْ لَا حَتَّى لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ وَاَللَّهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا فَهُوَ يَمِينَانِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا وَاَللَّهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا، وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا تَلَازُمَ بَيْنَ كَوْنِهِ إيلَاءً وَيَمِينًا فَلِذَلِكَ قَدْ يَتَعَدَّدُ الْبِرُّ، وَالْحِنْثُ، وَقَدْ يَتَّحِدَانِ، وَقَدْ يَتَعَدَّدُ الْبِرُّ، وَيَتَّحِدُ الْحِنْثُ، وَقَلْبُهُ مِثَالُ الْأَوَّلِ إذَا جَاءَ غَدٌ فَوَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك إذَا جَاءَ بَعْدَ غَدٍ فَوَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك فَتَعَدَّدَ الْإِيلَاءُ لِتَعَدُّدِ الْمُدَّةِ، وَتَعَدَّدَ الْيَمِينُ لِتَعَدُّدِ الذِّكْرِ فَإِنْ تَرَكَهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ مِنْ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ بَرَّ فِي الْأُولَى، وَبَانَتْ، وَإِذَا مَضَى يَوْمٌ آخَرُ بَرَّ فِي الثَّانِيَةِ وَطَلَقَتْ أَيْضًا، وَلَوْ قَرِبَهَا بَعْدَ الْغَدِ تَجِبُ كَفَّارَتَانِ، وَإِنْ قَرِبَهَا فِي الْغَدِ تَجِبُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَمِثَالُ الثَّانِي، وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، وَكَذَا مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ، وَمِثَالُ الثَّالِثِ كُلَّمَا دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ فَوَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك فَدَخَلَتْهَا فِي يَوْمٍ ثُمَّ فِي يَوْمٍ ثُمَّ فِي يَوْمٍ آخَرَ فَإِنْ قَرِبَهَا تَجِبُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ لِاتِّحَادِ الْحِنْثِ، وَإِنْ تَرَكَهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ مِنْ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ بَانَتْ بِطَلْقَةٍ فَإِذَا مَضَى يَوْمٌ آخَرُ بَانَتْ بِطَلْقَةٍ أُخْرَى، وَكَذَا إذَا مَضَى يَوْمٌ آخَرُ بَانَتْ بِثَالِثَةٍ لِتَعَدُّدِ الْبِرِّ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِي الْمِثَالِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْحَلِفَ بِاَللَّهِ وَقَعَ جَزَاءً لِشَرْطٍ مُتَكَرِّرٍ فَيَلْزَمُ تَكَرُّرُهُ. وَلَا يُشْكِلُ بِأَنَّهُ لَا حَلِفَ عِنْدَ الشَّرْطِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِيهِ ذِكْرُ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ لَا حَلِفَ عِنْدَ الشَّرْطِ الْأَوَّلِ أَيْضًا، وَمَعَ ذَلِكَ ثَبَتَ الْحَلِفُ عِنْدَهُ، وَلَعَلَّهُ اشْتَبَهَ بِوَاللَّهِ كُلَّمَا دَخَلْت الدَّارَ لَا أَقْرَبُك أَوْ بِكُلَّمَا دَخَلْت الدَّارَ فَوَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك. اهـ. وَالْجَوَابُ لَا اشْتِبَاهَ لِأَنَّ الْمَنْقُولَ فِي الْفَتَاوَى كالولوالجية، وَالْبَزَّازِيَّةِ أَنَّ الطَّلَاقَ، وَالْعَتَاقَ، وَالظِّهَارَ مَتَى عُلِّقَ بِشَرْطٍ مُتَكَرِّرٍ يَتَكَرَّرُ، وَالْيَمِينُ لَا، وَإِنْ عُلِّقَ بِمُتَكَرِّرٍ حَتَّى لَوْ قَالَ كُلَّمَا دَخَلْت الدَّارَ فَوَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ زَيْدًا فَدَخَلَ الدَّارَ مِرَارًا لَا يَتَكَرَّرُ الْيَمِينُ لِأَنَّهُ إنْشَاءُ عَقْدٍ، وَالْإِنْشَاءُ يَتَكَرَّرُ بِلَا تَكَرُّرِ صِيغَتِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَتَعَدَّدُ، وَإِنْ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ فَمُصَادَرَةٌ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ) ، وَنَصُّهُ، وَالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ هُوَ أَنَّ الْمَوْلَى مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْقُرْبَانِ فِي الْمُدَّةِ إلَّا بِشَيْءٍ لَزِمَهُ، وَهَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ فَرْعُ كَوْنِ أَقَلِّ الْمُدَّةِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، وَإِلَّا فَنَحْنُ لَا نَقُولُ بِهِ إذَا قُلْنَا بِعَدَمِ تَقْيِيدِ الْمُدَّةِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهَا بِهَا فَإِثْبَاتُ كَوْنِ الْأَقَلِّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ بِهِ مُصَادَرَةٌ (قَوْلُهُ وَتَمَامُهُ فِي الْعِنَايَةِ) قَالَ فِيهَا فَإِنْ قِيلَ فَتْوَى ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ النَّصِّ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} [البقرة: 226] أَطْلَقَ الْإِيلَاءَ، وَقَيَّدَ التَّرَبُّصَ بِمُدَّةٍ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ مَنْ آلَى مِنْ امْرَأَتِهِ، وَلَوْ مُدَّةً يَسِيرَةً كَيَوْمٍ أَوْ سَاعَةٍ يَلْزَمُهُ {تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} [البقرة: 226] فَالتَّقْيِيدُ بِمُدَّةٍ يَكُونُ زِيَادَةً عَلَى النَّصِّ، وَهِيَ لَا تَجُوزُ بِفَتْوَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَالْجَوَابُ أَنَّ فَتْوَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَعَ فِي الْمُقَدَّرَاتِ، وَالرَّأْيُ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الْمُقَدَّرَاتِ الشَّرْعِيَّةِ فَكَانَ مَسْمُوعًا، وَلَمْ يُرْوَ عَنْ أَحَدٍ خِلَافُهُ فَيُجْعَلُ تَفْسِيرًا لِلنَّصِّ لَا تَقْيِيدًا أَوْ تَقْدِيرُهُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ تُرِكَ الْأَوَّلُ بِدَلَالَةِ الثَّانِي فَكَانَ مِنْ بَابِ الِاكْتِفَاءِ. (قَوْلُهُ وَمِثَالُ الثَّالِثِ كُلَّمَا دَخَلْت إلَخْ) فِي كَثِيرٍ مِنْ النُّسَخِ، وَمِثَالُ الثَّانِي، وَهُوَ تَحْرِيفٌ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 69 سُمِّيَ التَّعَدُّدُ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ تَلْزَمُ بِلَا هَتْكِ حُرْمَةِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى. اهـ. وَقَوْلُهُ وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ لَا حَلِفَ عِنْدَ الشَّرْطِ الْأَوَّلِ مَمْنُوعٌ لِأَنَّهُ صَرِيحُ قَيْدٍ كَمَا لَا يَخْفَى، وَمِثَالُ الرَّابِعِ أَعْنِي اتِّحَادَ الْإِيلَاءِ، وَتَعَدُّدَ الْيَمِينِ إذَا جَاءَ غَدٌ فَوَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك ثُمَّ قَالَ فِي الْمَجْلِسِ إذَا جَاءَ غَدٌ فَوَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك فَهُوَ إيلَاءٌ وَاحِدٌ فِي حُكْمِ الْبِرِّ حَتَّى لَوْ مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ مِنْ الْغَدِ طَلَقَتْ، وَإِنْ قَرِبَهَا فَعَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ لِاتِّحَادِ الْمُدَّةِ، وَتَعَدُّدِ الِاسْمِ. (قَوْلُهُ وَلَوْ مَكَثَ يَوْمًا ثُمَّ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك شَهْرَيْنِ بَعْدَ الشَّهْرَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ أَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك سَنَةً إلَّا يَوْمًا أَوْ قَالَ بِالْبَصْرَةِ، وَاَللَّهِ لَا أَدْخُلُ مَكَّةَ، وَهِيَ بِهَا لَا) أَيْ لَا يَكُونُ مُولِيًا فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّ الثَّانِيَ إيجَابٌ مُبْتَدَأٌ وَقَدْ صَارَ مَمْنُوعًا بَعْدَ الْيَمِينِ الْأُولَى شَهْرَيْنِ، وَبَعْدَ الثَّانِيَةِ أَرْبَعَةً إلَّا يَوْمًا فَلَمْ تَتَكَامَلْ مُدَّةُ الْمَنْعِ أَرَادَ بِالْيَوْمِ مُطْلَقَ الزَّمَانِ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مُكْثِهِ يَوْمًا أَوْ سَاعَةً، وَتَقْيِيدُهُ بِقَوْلِهِ بَعْدَ الشَّهْرَيْنِ اتِّفَاقٌ أَيْضًا لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَذْكُرْهُ لَا يَكُونُ مُولِيًا أَيْضًا لَكِنْ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّهُ عِنْدَ ذِكْرِهِ تَتَعَيَّنُ مُدَّةُ الْيَمِينِ الثَّانِيَةُ، وَعِنْدَ عَدَمِهِ تَصِيرُ مُدَّتُهُمَا وَاحِدَةً، وَتَتَأَخَّرُ الثَّانِيَةُ عَنْ الْأُولَى بِيَوْمٍ، وَلَكِنْ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ تَتَدَاخَلُ الْمُدَّتَانِ فَلَوْ قَرِبَهَا فِي الشَّهْرَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ لَزِمَتْهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَكَذَا فِي الشَّهْرَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْتَمِعْ عَلَى شَهْرَيْنِ يَمِينَانِ بَلْ عَلَى كُلِّ شَهْرَيْنِ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ، وَقَدْ تَوَارَدَ شُرُوحُ الْهِدَايَةِ مِنْ النِّهَايَةِ، وَمُخْتَصَرَيْهَا، وَغَايَةِ الْبَيَانِ عَلَى الْخَطَأِ عِنْدَ كَلَامِهِمْ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَاحْذَرْهُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَأَقُولُ: وَقَيَّدَ بِالْوَقْتِ لِأَنَّهُ لَوْ أَطْلَقَ بِأَنْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك ثُمَّ قَالَ بَعْدَ سَاعَةٍ، وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك ثُمَّ بَعْدَ سَاعَةٍ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك فَقَرِبَهَا بَعْدَ الْيَمِينِ الثَّالِثَةِ لَزِمَهُ ثَلَاثُ كَفَّارَاتٍ لِتَدَاخُلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، وَلَوْ لَمْ يَقْرَبْهَا حَتَّى مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ بَانَتْ، وَعِنْدَ تَمَامِ الثَّانِيَةِ، وَهُوَ سَاعَةٌ بَعْدَهَا تَبِينُ بِأُخْرَى إذَا كَانَتْ فِي الْعِدَّةِ، وَعِنْدَ تَمَامِ الثَّالِثَةِ تَبِينُ بِثَالِثَةٍ بِلَا خِلَافٍ، وَفِي الْجَوْهَرَةِ، وَلَوْ كَرَّرَ، وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك ثَلَاثًا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ فَإِنْ أَرَادَ التَّكْرَارَ، وَالْإِيلَاءُ وَاحِدٌ، وَالْيَمِينُ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَالْإِيلَاءُ وَاحِدٌ، وَالْيَمِينُ ثَلَاثٌ، وَإِنْ أَرَادَ التَّغْلِيظَ، وَالتَّشْدِيدَ فَالْإِيلَاءُ وَاحِدٌ، وَالْيَمِينُ ثَلَاثٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَإِذَا تَعَدَّدَ الْمَجْلِسُ تَعَدَّدَ الْإِيلَاءُ، وَالْيَمِينُ، وَتَمَامُهُ فِيهَا، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ، وَهُوَ مَا إذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك سَنَةً إلَّا يَوْمًا، وَأَنَّ الْمُولِي مَنْ لَا يُمْكِنُهُ الْقُرْبَانُ فِي الْمُدَّةِ إلَّا بِشَيْءٍ يَلْزَمُهُ، وَيُمْكِنُهُ هَاهُنَا الْقُرْبَانُ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ يَلْزَمُهُ لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى يَوْمٌ مُنَكَّرٌ، وَلَوْ قَرِبَهَا فِي يَوْمٍ صَارَ مُولِيًا إذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَلَا يَكُونُ مُولِيًا بِمُجَرَّدِ الْقُرْبَانِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ سَنَةً إلَّا مَرَّةً فَإِنَّهُ إذَا قَرِبَهَا صَارَ مُولِيًا مِنْ سَاعَتِهِ، وَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ كَوْنِ الْبَاقِي مِنْ السَّنَةِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ، قُيِّدَ بِالْإِيلَاءِ لِأَنَّ فِي الْإِجَارَةِ يَنْصَرِفُ إلَى الْيَوْمِ الْأَخِيرِ مِنْ السَّنَةِ لِأَنَّ الصَّرْفَ إلَى الْأَخِيرِ لِتَصْحِيحِهَا فَإِنَّهَا لَا تَصِحُّ مَعَ التَّنْكِيرِ، وَلَا كَذَلِكَ الْيَمِينُ فِي الْإِيلَاءِ، وَأَمَّا الْيَمِينُ فِي غَيْرِهِ فَقَالُوا يَنْصَرِفُ إلَى الْأَخِيرِ كَقَوْلِهِ، وَاَللَّهِ أُكَلِّمُ فُلَانًا سَنَةً إلَّا يَوْمًا فَاحْتَاجُوا إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْيَمِينَيْنِ، وَفَرَّقَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ بِأَنَّ الْمَعْنَى الْحَامِلَ، وَهُوَ الْمُغَايَظَةُ الْمُقْتَضِيَةُ لِعَدَمِ كَلَامِهِ فِي الْحَالِ مَنْظُورٌ فِيهِ بِأَنَّهُ مُشْتَرَكُ الْإِلْزَامِ إذْ الْإِيلَاءُ أَيْضًا يَكُونُ عَنْ الْمُغَايَظَةِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ تَبَعًا لِلشَّارِحِ، وَقَدْ يُقَالُ لَا يَلْزَمُ فِي الْإِيلَاءِ أَنْ يَكُونَ عَنْ مُغَايَظَةٍ كَمَا إذَا كَانَ بِرِضَاهَا لِخَوْفِ غِيلٍ عَلَى وَلَدِهَا، وَعَدَمِ مُوَافَقَةِ مِزَاجِهِمَا، وَنَحْوِهِ فَيَتَّفِقَانِ عَلَيْهِ لِقَطْعِ لَجَاجِ النَّفْسِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَوَّلَ الْبَابِ، وَلَمْ يَتَنَبَّهْ لَهُ هُنَا، وَتَأْجِيلُ الدَّيْنِ كَالْإِجَارَةِ، وَقَيَّدَ بِالْيَوْمِ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ إلَّا نُقْصَانَ يَوْمٍ انْصَرَفَ إلَى الْأَخِيرِ لِأَنَّ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَقَوْلُهُ وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ لَا حَلِفَ عِنْدَ الشَّرْطِ الْأَوَّلِ مَمْنُوعٌ إلَخْ) قَالَ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِهِ قَدْ خَفِيَ عَلَيْهِ أَنَّ مُرَادَ الْمُحَقِّقِ بِالشَّرْطِ ذَاتُهُ أَيْ نَفْسُ الدُّخُولِ لَا التَّلَفُّظُ بِهِ (قَوْلُهُ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ تَتَدَاخَلُ الْمُدَّتَانِ) كَذَا فِي الْفَتْحِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الصَّوَابَ لَا تَتَدَاخَلُ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ مَا قَبْلَهُ، وَمَا بَعْدَهُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَلَوْ قَرِبَهَا فِي الشَّهْرَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَلَوْ قَرِبَهَا فِي الشَّهْرَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ لَزِمَهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَمَا تَوَارَدَ عَلَيْهِ شُرَّاحُ الْهِدَايَةِ مِنْ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ بِالْقُرْبَانِ كَفَّارَتَانِ قَالَ فِي الْفَتْحِ إنَّهُ خَطَأٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْتَمِعْ عَلَى شَهْرَيْنِ يَمِينَانِ بَلْ عَلَى كُلِّ شَهْرَيْنِ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ، وَإِذَا كَانَ لِكُلِّ يَمِينٍ مُدَّةٌ عَلَى حِدَةٍ فَلَا تَدَاخُلَ بَيْنَ الْمُدَّتَيْنِ حَتَّى تَلْزَمَهُ الْكَفَّارَتَانِ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِالْقُرْبَانِ فِي مُدَّتَيْهِمَا كَذَا فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ، وَعِنْدِي أَنَّ هَذَا الْحَمْلَ مِمَّا يَجِبُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ عُرِفَ ذَلِكَ مِنْ تَأَمُّلِ قَوْلِهِ فِي الْعِنَايَةِ، وَيَكُونُ كَلَامُهُ يَمِينَيْنِ مُسْتَقِلَّيْنِ يَلْزَمُهُ بِالْقُرْبَانِ كَفَّارَتَانِ، وَلَك أَنْ تَجْعَلَ أَلْ فِي الْقُرْبَانِ لِلْجِنْسِ (قَوْلُهُ: وَقَدْ يُقَالُ لَا يَلْزَمُ فِي الْإِيلَاءِ إلَخْ) قَالَ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِهِ النَّقْضُ عَلَيْهِ يَكْفِي فِي كَوْنِهِ يَكُونُ، وَلَوْ فِي بَعْضِ الْمَوَادِّ فَكَيْفَ، وَهُوَ أَكْثَرُهَا، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ خَوْفِ غِيلٍ، وَنَحْوِهِ أَقَلُّ قَلِيلٍ لَا يُبْنَى عَلَى مِثْلِهِ حُكْمٌ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 70 النُّقْصَانَ مِنْهَا لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ آخِرِهَا عُرْفًا، وَالتَّقْيِيدُ بِالسَّنَةِ اتِّفَاقِيٌّ لِأَنَّهُ لَوْ أَطْلَقَ فَقَالَ لَا أَقْرَبُك إلَّا يَوْمًا لَا يَكُونُ مُولِيًا أَيْضًا لَكِنْ إذَا قَرِبَهَا هُنَا صَارَ مُولِيًا مُطْلَقًا. وَكَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْيَوْمِ وَبَيْنَ وَصْفِهِ بِقَوْلِهِ إلَّا يَوْمًا أَقْرَبُك فِيهِ فِي كَوْنِهِ لَا يَكُونُ مُولِيًا لَكِنْ هُنَا لَا يَصِيرُ مُولِيًا أَبَدًا قَرِبَهَا أَوْ لَا بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ، وَقَيَّدَ بِالِاسْتِثْنَاءِ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ لَا أَقْرَبُك سَنَةً كَانَ مُولِيًا، وَوَقَعَ عَلَيْهِ طَلْقَتَانِ فَقَطْ إذَا تَرَكَهَا السَّنَةَ كُلَّهَا، وَلَا تَقَعُ الثَّالِثَةُ كَذَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ، وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ، وَهُوَ مَا إذَا كَانَ فِي بَلْدَةٍ، وَامْرَأَتُهُ فِي أُخْرَى فَحَلَفَ لَا يَدْخُلُ الْبَلْدَةَ الَّتِي هِيَ فِيهَا لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الْقُرْبَانُ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ يَلْزَمُهُ بِالْإِخْرَاجِ مِنْ الْبَلَدِ بِوَكِيلِهِ أَوْ نَائِبِهِ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ فَإِنْ كَانَ لَا يُمْكِنُهُ بِأَنْ كَانَ بَيْنَهُمَا ثَمَانِيَةُ أَشْهُرٍ صَارَ مُولِيًا عَلَى مَا فِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ، وَأَمَّا عَلَى مَا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ فَالْعِبْرَةُ لِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَاَلَّذِي يُظْهِرُ ضَعْفَهُ لِإِمْكَانِ خُرُوجِ كُلٍّ مِنْهُمَا إلَى الْآخَرَ فَيَلْتَقِيَانِ فِي أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ، وَقَدَّمْنَا بَعْضَ مَسَائِلِ الْإِيلَاءِ الْمُغَيَّا بِغَايَةٍ عَنْ الْجَوْهَرَةِ، وَفِي الْجَامِعِ لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ الْغَايَةُ كَالشَّرْطِ قَالَ لَا أَقْرَبُك حَتَّى أُقْتَلَ أَوْ تُقْتَلِي أَوْ أَقْتُلَك أَوْ تَقْتُلِينِي أَوْ أَمْلِكَك أَوْ تَمْلِكِينِي أَوْ مَا دَامَ النِّكَاحُ بَيْنَنَا فَهُوَ مُولٍ، وَحَتَّى أَشْتَرِيَك لَا خِلَافًا لِزُفَرَ دَلِيلُهُ التَّعْلِيقُ، وَلَوْ قَالَ حَتَّى أَعْتِقَ عَبْدِي أَوْ أُطَلِّقَ امْرَأَتِي صَارَ مُولِيًا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، وَلَوْ قَالَ حَتَّى أَقْتُلَهُ أَوْ أَضْرِبَهُ أَوْ يَأْذَنَ لِي لَا لِإِمْكَانِ الْغَايَةِ فَإِنْ وُحِّدَتْ الْغَايَةُ سَقَطَتْ الْيَمِينُ. وَكَذَا إنْ تَعَذَّرَتْ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ، وَلَوْ قَالَ حَتَّى أَقْتُلَك أَوْ فُلَانًا، وَقَتَلَهُ بَطَلَتْ، وَإِنْ مَاتَ صَارَ مُولِيًا بَعْدَهُ، وَلَوْ قَالَ حَتَّى تَمُوتَ أَوْ يَمُوتَ، وَمَاتَ بَطَلَتْ قَالَ فِي رَجَبٍ لَا أَقْرَبُك حَتَّى أَصُومَ شَعْبَانَ فَأَفْطَرَ أَوَّلَ يَوْمٍ مِنْهُ أَوْ عَمِلَ مَا لَا يَسْتَطِيعُ مَعَهُ الصَّوْمَ بَطَلَتْ يَمِينُهُ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَصِيرُ مُولِيًا مِنْ وَقْتِ التَّعَذُّرِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ مِنْ وَقْتِ الْيَمِينِ، وَخَالَفَ أَصْلَهُ، وَلَوْ قَالَ حَتَّى أَصُومَ الْمُحَرَّمَ فَهُوَ مُولٍ بِالِاتِّفَاقِ، وَكَذَا حَتَّى تَخْرُجَ الدَّابَّةُ أَوْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا. اهـ. . (قَوْلُهُ وَإِنْ حَلَفَ بِحَجٍّ أَوْ صَوْمٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ طَلَاقٍ أَوْ آلَى مِنْ الْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ فَهُوَ مُولٍ) هَذَا شُرُوعٌ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ الْإِيلَاءِ، وَهُوَ الْإِيلَاءُ الْمَعْنَوِيُّ، وَهُوَ الْيَمِينُ بِتَعْلِيقِ مَا يَسْتَشِقُّهُ عَلَى الْقُرْبَانِ كَإِنْ قَرِبْتُك فَلِلَّهِ عَلَيَّ حَجٌّ، وَخَرَجَ الْيَمِينُ بِمَا لَا يَسْتَشِقُّهُ كَإِنْ قَرِبْتُك فَلِلَّهِ عَلَيَّ صَلَاةُ رَكْعَتَيْنِ أَوْ فَلِلَّهِ عَلَيَّ صَلَاةُ رَكْعَتَيْنِ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ بِتَعْيِينِ الْمَكَانِ شَيْءٌ عِنْدَنَا فَلَهُ صَلَاتُهُمَا فِي غَيْرِهِ كَمَا خَرَجَ فَعَلَيَّ اتِّبَاعُ جِنَازَةٍ أَوْ سَجْدَةُ تِلَاوَةٍ أَوْ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ أَوْ تَسْبِيحَةٌ، وَدَخَلَ مَا لَوْ قَالَ فَلِلَّهِ عَلَيَّ مِائَةُ رَكْعَةٍ لِأَنَّهُ يَشُقُّ عَلَى النَّفْسِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بَحْثًا، وَإِطْلَاقُ أَنَّ الصَّلَاةَ مِمَّا لَا يَسْتَشِقُّهُ كَمَا فَعَلَ الشَّارِحُ مِمَّا لَا يَنْبَغِي هَذَا إنْ عَلَّلَ الصَّلَاةَ بِمَا لَا يَسْتَشِقُّ أَمَّا إذَا عَلَّلَ بِأَنَّ الصَّلَاةَ لَا يُحْلَفُ بِهَا عَادَةً كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِلْمُصَنِّفِ قَالَ فَالْتَحَقَ بِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ، وَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الرَّكْعَتَيْنِ وَمِائَةِ رَكْعَةٍ كَمَا لَا يَخْفَى، وَدَخَلَ الْهَدْيُ وَالِاعْتِكَافُ وَالْيَمِينُ، وَكَفَّارَةُ الْيَمِينِ، وَذَبْحُ الْوَلَدِ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ بِالنَّذْرِ بِهِ ذَبْحُ شَاةٍ عِنْدَنَا كَمَا فِي الْبَدَائِعِ، وَأَرَادَ بِالصَّوْمِ غَيْرَ الْمُعَيَّنِ كَقَوْلِهِ فَلِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ يَوْمٍ أَوْ شَهْرٍ، وَالْمُعَيَّنُ إنْ كَانَ بِمُدَّةِ الْإِيلَاءِ أَوْ أَكْثَرَ كَقَوْلِهِ فَلِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ أَوَّلُهَا هَذَا الشَّهْرُ مَثَلًا. وَأَمَّا إذَا كَانَ بِأَقَلَّ مِنْهَا كَقَوْلِهِ فَلِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ هَذَا الشَّهْرِ فَلَيْسَ بِمُولٍ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ تَرْكُ الْقُرْبَانِ إلَى أَنْ يَمْضِيَ ذَلِكَ ثُمَّ يَطَأَهَا بِلَا شَيْءٍ يَلْزَمُهُ، وَأَطْلَقَ الْعِتْقَ فَشَمِلَ عِتْقَ الْعَبْدِ الْمُعَيَّنِ كَقَوْلِهِ فَلِلَّهِ عَلَيَّ عِتْقُ هَذَا الْعَبْدِ، وَغَيْرِهِ كَقَوْلِهِ فَلِلَّهِ عَلَيَّ عِتْقُ عَبْدٍ سَوَاءٌ كَانَ مُنَجَّزًا أَوْ مُعَلَّقًا حَتَّى لَوْ قَالَ فَكُلُّ مَمْلُوكٍ اشْتَرَيْته فَهُوَ حُرٌّ صَارَ مُولِيًا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ كَمَا أَطْلَقَ الطَّلَاقَ فَشَمِلَ طَلَاقَهَا وَطَلَاقَ غَيْرِهَا مُنَجَّزًا أَوْ مُعَلَّقًا حَتَّى لَوْ قَالَ فَكُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ طَالِقٌ صَارَ مُولِيًا، وَفِي التَّلْخِيصِ مِنْ بَابِ الْإِيلَاءِ يَكُونُ فِي مَوْطِنَيْنِ، وَفِي إنْ قَرِبْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ كَلَّمَا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَبَيَّنَ وَصْفَهُ بِقَوْلِهِ إلَّا يَوْمًا أَقْرَبُك فِيهِ إلَخْ) إنَّمَا لَمْ يَكُنْ مُولِيًا لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى يَوْمًا مُنَكَّرًا فَيَصْدُقُ عَلَى كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ تِلْكَ السَّنَةِ حَقِيقَةً فَيُمْكِنُهُ قُرْبَانُهَا قَبْلَ مُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ يَلْزَمُهُ (قَوْلُهُ وَقَيَّدَ بِالِاسْتِثْنَاءِ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ إلَخْ) عِبَارَةُ الْوَلْوَالِجيَّةِ رَجُلٌ قَالَ لِامْرَأَتِهِ، وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك سَنَةً فَمَضَى الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرِ فَبَانَتْ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا، وَمَضَى أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ أُخْرَى بَانَتْ أَيْضًا فَإِنْ تَزَوَّجَهَا ثَالِثًا لَا يَقَعُ لِأَنَّهُ بَقِيَ مِنْ السَّنَةِ بَعْدَ التَّزَوُّجِ أَقَلُّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 71 دَخَلْت فَلَيْسَ بِمُولٍ لِأَنَّ لَهُ مَدْفَعًا بِالتَّرْكِ أَوْ بِحَمْلِ الْغَيْرِ بِخِلَافِ فَكُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُ حُرٌّ، أَوْ أَخَّرَ الْجَزَاءَ كَانَ مُولِيًا لِلْإِعْرَاضِ اهـ. وَمِنْ بَابِ الْفَيْءِ فِي الْيَمِينِ قَالَ إنْ قَرِبْتُك فَعَبْدَايَ حُرَّانِ فَبَاعَ أَحَدَهُمَا ثُمَّ اشْتَرَاهُ، وَبَاعَ الْآخَرَ أَوْ قَدَّمَ بَيْعَهُ فَهُوَ مُولٍ مِنْ وَقْتِ شِرَائِهِ، وَفِي فَأَحَدُهُمَا حُرٌّ مِنْ وَقْتِ الْيَمِينِ. اهـ. وَلَوْ بَاعَ الْعَبْدَ الْمُعَيَّنَ سَقَطَ الْإِيلَاءُ لِأَنَّهُ صَارَ بِحَالٍ يُمْكِنُهُ قُرْبَانُهَا بِغَيْرِ شَيْءٍ يَلْزَمُهُ، وَلَوْ مَلَكَهُ بِسَبَبِ شِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ عَادَ الْإِيلَاءُ مِنْ وَقْتِ الْمِلْكِ إنْ لَمْ يَكُنْ وَطِئَهَا قَبْلَهُ فَإِنْ كَانَ وَطِئَهَا قَبْلَ تَجَدُّدِ الْمِلْكِ لَمْ يَعُدْ لِسُقُوطِ الْإِيلَاءِ، وَلَوْ مَاتَ الْعَبْدُ الْمُعَيَّنُ قَبْلَ الْبَيْعِ سَقَطَ الْإِيلَاءُ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْوَطْءِ بِغَيْرِ شَيْءٍ، وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ مَوْتُ الْمَرْأَةِ الْمُعَلَّقِ طَلَاقُهَا أَوْ إبَانَتُهَا ثُمَّ تَزَوُّجُهَا، وَفِي الْجَامِعِ لِلصَّدْرِ قَالَ أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ أَقْرَبَك بِشَهْرٍ أَوْ قَبْلَ أَنْ أَقْرَبَك بِشَهْرٍ إذَا قَرِبْتُك لَا يَصِيرُ مُولِيًا قَبْلَ الشَّهْرِ، وَبَعْدَهُ يَصِيرُ إلَّا إذَا قَرِبَهَا فِيهِ، وَالثَّانِي تَأْكِيدٌ بِخِلَافِ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك إنْ قَرِبْتُك لِلتَّعْلِيقِ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ أَقْرَبَك يَتَنَجَّزُ، وَقِيلَ لَا، وَيَصِيرُ مُولِيًا. اهـ. وَفِي الْخَانِيَّةِ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ قَرِبْتُك فَعَبْدِي هَذَا حُرٌّ فَمَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ، وَخَاصَمَتْهُ إلَى الْقَاضِي، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ أَقَامَ الْعَبْدُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ حُرُّ الْأَصْلِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي بِحُرِّيَّتِهِ، وَيَبْطُلُ الْإِيلَاءُ، وَتُرَدُّ الْمَرْأَةُ إلَى زَوْجِهَا لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا اهـ. وَأَمَّا صِحَّةُ الْإِيلَاءِ مِنْ الْمُطَلَّقَةِ رَجْعِيًّا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا حَقٌّ فِي الْوَطْءِ فَبِاعْتِبَارِ أَنَّ وَطْأَهَا مُبَاحٌ فَإِنْ كَانَتْ تَعْتَدُّ بِالْإِقْرَاءِ فَلِاحْتِمَالِ امْتِدَادِ عِدَّتِهَا حَتَّى تَمْضِيَ مُدَّةُ الْإِيلَاءِ فَتَبِينُ، وَإِنْ كَانَتْ بِالْأَشْهُرِ فَلِاحْتِمَالِ أَنْ يُرَاجِعَهَا قَبْلَ مُضِيِّهَا فَإِنْ لَمْ يُرَاجِعْهَا حَتَّى مَضَتْ عِدَّتُهَا قَبْلَ مُضِيِّهَا سَقَطَ الْإِيلَاءُ لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ. (قَوْلُهُ وَمِنْ الْمُبَانَةِ وَالْأَجْنَبِيَّةِ لَا) أَيْ لَا يَصِحُّ الْإِيلَاءُ لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ، وَهُوَ الزَّوْجَةُ، وَلَوْ وَطِئَهَا كَفَّرَ لِانْعِقَادِهَا فِي حَقِّ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عِنْدَ الْحِنْثِ لِأَنَّ انْعِقَادَ الْيَمِينِ يَعْتَمِدُ التَّصَوُّرَ حِسًّا لَا شَرْعًا أَلَا تَرَى أَنَّهَا تَنْعَقِدُ عَلَى مَا هُوَ مَعْصِيَةٌ، وَفِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ آلَى مِنْ امْرَأَتِهِ ثُمَّ طَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً بَائِنَةً إنْ مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْإِيلَاءِ، وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ طَلَقَتْ أُخْرَى بِالْإِيلَاءِ، وَإِنْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا ثُمَّ تَمَّتْ مُدَّةُ الْإِيلَاءِ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِالْإِيلَاءِ رَجُلٌ آلَى مِنْ امْرَأَتِهِ ثُمَّ طَلَّقَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا إنْ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ كَانَ الْإِيلَاءُ عَلَى حَالِهِ حَتَّى لَوْ تَمَّتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْإِيلَاءِ يَقَعُ عَلَيْهَا تَطْلِيقَةٌ أُخْرَى بِحُكْمِ الْإِيلَاءِ، وَإِنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَمَا طَلَّقَهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ كَانَ مُولِيًا تُعْتَبَرُ مُدَّةُ الْإِيلَاءِ مِنْ وَقْتِ التَّزَوُّجِ اهـ. [وَمُدَّةُ إيلَاءِ الْأَمَةِ] (قَوْلُهُ وَمُدَّةُ إيلَاءِ الْأَمَةِ شَهْرَانِ) لِأَنَّ الرِّقَّ مُنَصِّفٌ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الزَّوْجُ حُرًّا أَوْ عَبْدًا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ، وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ الْإِيلَاءُ مِنْ أَمَتِهِ لِأَنَّ شَرْطَهُ الْمَحَلِّيَّةُ، وَهِيَ بِالزَّوْجِيَّةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَلَوْ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا بَعْدَ الْإِيلَاءِ رَجْعِيًّا أَوْ بَائِنًا ثُمَّ أُعْتِقَتْ فِي الْمُدَّةِ انْتَقَلَتْ الْمُدَّةُ إلَى مُدَّةِ إيلَاءِ الْحَرَائِرِ ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ، وَفِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ تَحْتَهُ حُرَّةٌ، وَأَمَةٌ حَلَفَ لَا يَقْرَبُ إحْدَاهُمَا، وَمَضَى شَهْرَانِ بَانَتْ الْأَمَةُ لِسَبْقِ مُدَّتِهَا فَلَوْ عَتَقَتْ قَبْلَهَا كَمُلَتْ مُدَّتُهَا، وَكَذَا لَوْ أَبَانَهَا ثُمَّ عَتَقَتْ بِخِلَافِ الْعِدَّةِ فَلَوْ مَضَتْ مُدَّةٌ أُخْرَى بَانَتْ الْحُرَّةُ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا، وَتَتَعَيَّنُ لَهُ الْأَمَةُ كَالْحِنْثِ فَإِنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ بِخِلَافِ فَكُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُ حُرٌّ) أَيْ حَيْثُ يَصِيرُ مُولِيًا عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْقُرْبَانُ إلَّا بِشَيْءٍ يَلْزَمُهُ، وَلَا يُمْكِنُهُ دَفْعُ ذَلِكَ بِالتَّرْكِ إذْ الْمِلْكُ قَدْ يَحْصُلُ مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ بِالْمِيرَاثِ، وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ رَدِّهِ، وَلَوْ أَخَّرَ الْجَزَاءَ بِأَنْ قَالَ إنْ قَرِبْتُك كُلَّمَا دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ كَانَ مُولِيًا بَعْدَ الدُّخُولِ لِاعْتِرَاضِ الشَّكِّ عَلَى الشَّرْطِ، وَفِي مِثْلِهِ تَقَدَّمَ الشَّرْطُ الْمُؤَخَّرُ مَعَ الْجَزَاءِ عَلَى الشَّرْطِ الْمُقَدَّمِ فِي الذِّكْرِ فَصَارَ تَقْدِيرُهُ كُلَّمَا دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ قَرِبْتُك فَيَكُونُ انْعِقَادُ الْإِيلَاءِ مُعَلَّقًا بِالدُّخُولِ فَيَكُونُ الدُّخُولُ قَابِلًا أَنْتِ طَالِقٌ إنْ قَرِبْتُك فَيَكُونُ مُولِيًا كَذَا فِي شَرْحِ الْفَارِسِيِّ (قَوْلُهُ ثُمَّ اشْتَرَاهُ، وَبَاعَ الْآخَرَ أَوْ قَدَّمَ بَيْعَهُ) لَمْ أَجِدْ قَوْلَهُ أَوْ قَدَّمَ بَيْعَهُ فِي تَلْخِيصِ الْخَلَّاطِيِّ وَلَا فِي شَرْحِهِ، وَلَعَلَّهَا عِبَارَةُ تَلْخِيصِ الشَّهِيدِ قَالَ الْفَارِسِيُّ رَجُلٌ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ قَرِبْتُك فَعَبْدَايَ حُرَّانِ صَارَ مُولِيًا فَلَوْ بَاعَ أَحَدَهُمَا بَطَلَ الْإِيلَاءُ فِي حَقِّهِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُنْفَرِدًا، وَبَاعَهُ بَطَلَ الْإِيلَاءُ كَذَلِكَ هُنَا، وَبَقِيَ الْإِيلَاءُ فِي حَقِّ الَّذِي لَمْ يَبِعْ لِبَقَائِهِ مَحَلًّا لِلْعِتْقِ فَلَوْ اشْتَرَى الَّذِي بَاعَهُ ثُمَّ بَاعَ الْآخَرَ بَطَلَتْ الْمُدَّةُ الْأُولَى، وَانْعَقَدَتْ الْمُدَّةُ مِنْ حِينِ الشِّرَاءِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَوْلَى مَنْ لَا يُمْكِنُهُ الْقُرْبَانُ إلَّا بِشَيْءٍ وَاحِدٍ يَلْزَمُهُ مِنْ أَوَّلِ الْمُدَّةِ إلَى آخِرِهَا، وَإِذَا كَانَ إيجَادُ الْمَانِعِ شَرْطًا لَا يَكُونُ مُولِيًا إلَّا مِنْ وَقْتِ الشِّرَاءِ لِفَقْدِ الشَّرْطِ قَبْلَهُ إذْ قَبْلَ الْبَيْعِ يَلْزَمُهُ بِالْقُرْبَانِ عِتْقُهُمَا، وَبَعْدَهُ عَتَقَ أَحَدَهُمَا، وَهُوَ الْبَاقِي، وَبَعْدَ الشِّرَاءِ عَتَقَ الْمُشْتَرِي، وَإِنَّمَا يَتَّحِدُ الْمَانِعُ فِي جَمِيعِ الْمُدَّةِ مِنْ حِينِ الشِّرَاءِ، وَفِيمَا إذَا قَالَ فَأَحَدُ هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ حُرٌّ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا صَارَ مُولِيًا مِنْ حِينِ حَلَفَ لِأَنَّ الْمَانِعَ، وَهُوَ عِتْقُ أَحَدِهِمَا لَمْ يَتَبَدَّلْ لِوُجُودِهِ مِنْ أَوَّلِ الْمُدَّةِ إلَى آخِرِهَا اهـ. مُلَخَّصًا [الْإِيلَاء مِنْ الْمُبَانَةِ وَالْأَجْنَبِيَّةِ] (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْعِدَّةِ) فَإِنَّهَا إذَا طَلَقَتْ طَلَاقًا بَائِنًا ثُمَّ أُعْتِقَتْ لَا تَنْقَلِبُ عِدَّتُهَا عِدَّةَ الْحَرَائِرِ، وَفِي الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ تَنْقَلِبُ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 72 الْبَيْنُونَةِ عَادَ إيلَاؤُهَا، وَكَذَا هُمَا لَكِنْ إنْ رَتَّبَ بَانَتْ الْأُولَى عِنْدَ تَمَامِ مُدَّتِهَا مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ، وَالثَّانِيَةُ بِمُدَّةٍ ثَانِيَةٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ بَانَتْ قَبْلَهَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ، وَأَمَتِهِ، وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُ إحْدَاكُمَا لَمْ يَكُنْ مُولِيًا، وَكَذَا لَوْ أَعْتَقَ الْأَمَةَ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا، وَمَنْ وَطِئَهَا كَفَّرَ، وَيُمْكِنُهُ تَرْكُهُ كَالْأَجْنَبِيَّةِ بِخِلَافِ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا لِعُمُومِهِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ لِزَوْجَتَيْهِ لَا أَقْرَبُ إحْدَاكُمَا، أَوْ وَاحِدَةً مِنْكُمَا لِعُمُومِهِ اسْتِحْسَانًا قَالَ إنْ قَرِبْت إحْدَاكُمَا فَالْأُخْرَى عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، وَبَانَتْ إحْدَاهُمَا بِالْإِيلَاءِ أَوْ بِغَيْرِهِ بَطَلَ إيلَاءُ الْأُخْرَى بِخِلَافِ فَالْأُخْرَى طَالِقٌ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ، وَلَوْ قَالَ فَإِحْدَاكُمَا أَوْ فَوَاحِدَةٌ أَوْ فَهِيَ لَا لِتَعَيُّنِهَا قَالَ إنْ اشْتَرَيْت جَارِيَةً فَهِيَ حُرَّةٌ صَحَّ فِيمَنْ فِي مِلْكِهِ دُونَ مَنْ يَمْلِكُهَا خِلَافًا لِزُفَرَ. (قَوْلُهُ وَإِنْ عَجَزَ الْمَوْلَى عَنْ وَطْئِهَا بِمَرَضِهِ أَوْ مَرَضِهَا أَوْ بِالرَّتَقِ أَوْ بِالصِّغَرِ أَوْ بُعْدِ مَسَافَةٍ فَفَيْؤُهُ أَنْ يَقُولَ فِئْت إلَيْهَا) لِأَنَّهُ أَذَاهَا بِذِكْرِ الْمَنْعِ فَيَكُونُ إرْضَاؤُهَا بِالْوَعْدِ بِاللِّسَانِ أَرَادَ بِبُعْدِ الْمَسَافَةِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا مَسَافَةٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى قَطْعِهَا فِي مُدَّةِ الْإِيلَاءِ فَإِنْ قَدَرَ لَا يَصِحُّ فَيْؤُهُ بِاللِّسَانِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ، وَقَيَّدَ بِالْقَوْلِ لِأَنَّ الْمَرِيضَ لَوْ فَاءَ بِقَلْبِهِ لَا بِلِسَانِهِ لَا يُعْتَبَرُ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَلَيْسَ مُرَادُهُ خُصُوصَ لَفْظِ فِئْت إلَيْهَا بَلْ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَقَوْلِهِ رَجَعْتُك أَوْ رَاجَعْتُك أَوْ ارْتَجَعْتُك أَوْ أَبْطَلْت الْإِيلَاءَ أَوْ رَجَعْت عَمَّا قُلْتُ: وَنَحْوُهُ، وَدَخَلَ تَحْتَ الْعَجْزِ أَنْ تَكُونَ مُمْتَنِعَةً مِنْهُ أَوْ كَانَتْ فِي مَكَان لَا يَعْرِفُهُ، وَهِيَ نَاشِزَةٌ أَوْ حَالَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا لِشَهَادَةِ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ لِلتَّزْكِيَةِ أَوْ كَانَتْ مَحْبُوسَةً أَوْ مَحْبُوسًا إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى مُجَامَعَتِهَا فِي السِّجْنِ فَإِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ فَفَيْؤُهُ الْجِمَاعُ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَقَيَّدَ بِمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنْوَاعِ الْعَجْزِ الْحَقِيقِيِّ احْتِرَازًا عَنْ الْعَجْزِ الْحُكْمِيِّ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ مُحْرِمًا وَقْتَ الْإِيلَاءِ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَجِّ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَعِنْدَنَا لَا يَكُونُ فَيْؤُهُ إلَّا بِالْجِمَاعِ لِأَنَّهُ الْمُتَسَبِّبُ بِاخْتِيَارِهِ بِطَرِيقٍ مَحْظُورٍ فِيمَا لَزِمَهُ فَلَا يَسْتَحِقُّ تَخْفِيفًا، وَأَرَادَ بِكَوْنِ الْفَيْءِ بِاللِّسَانِ مُعْتَبَرًا مُبْطِلًا لِلْإِيلَاءِ فِي حَقِّ الطَّلَاقِ أَمَّا فِي حَقِّ بَقَاءِ الْيَمِينِ بِاعْتِبَارِ الْحِنْثِ فَلَا حَتَّى لَوْ وَطِئَهَا بَعْدَ الْفَيْءِ بِاللِّسَانِ فِي مُدَّةِ الْإِيلَاءِ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ لِتَحَقُّقِ الْحِنْثِ، وَفِي الْبَدَائِعِ، وَمِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ الْفَيْءِ بِالْقَوْلِ قِيَامُ مِلْكِ النِّكَاحِ وَقْتَ الْفَيْءِ بِالْقَوْلِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ فِي حَالِ مَا يَفِيءُ إلَيْهَا زَوْجَتُهُ غَيْرُ بَائِنَةٍ مِنْهُ فَإِنْ كَانَتْ بَائِنَةً مِنْهُ فَفَاءَ بِلِسَانِهِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فَيْئًا، وَيَبْقَى الْإِيلَاءُ لِأَنَّ الْفَيْءَ بِالْقَوْلِ حَالَ قِيَامِ النِّكَاحِ، وَإِنَّمَا يُرْفَعُ الْإِيلَاءُ فِي حَقِّ حُكْمِ الطَّلَاقِ بِحُصُولِ إيفَاءِ حَقِّهَا بِهِ، وَلَا حَقَّ لَهَا حَالَةَ الْبَيْنُونَةِ بِخِلَافِ الْفَيْءِ بِالْجِمَاعِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ بَعْدَ ثُبُوتِ الْبَيْنُونَةِ حَتَّى لَا يَبْقَى الْإِيلَاءُ بَلْ يَبْطُلُ لِأَنَّهُ حَنِثَ بِالْوَطْءِ فَانْحَلَّتْ الْيَمِينُ، وَبَطَلَتْ، وَلَمْ يُوجَدْ الْحِنْثُ هَاهُنَا فَلَا تَنْحَلُّ الْيَمِينُ فَلَا يَرْتَفِعُ الْإِيلَاءُ اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ قَدَرَ فِي الْمُدَّةِ فَفَيْؤُهُ الْوَطْءُ) لِكَوْنِهِ خَلَفًا عَنْهُ، فَإِذَا قَدَرَ عَلَى الْأَصْلِ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْبَدَلِ بَطَلَ كَالْمُتَيَمِّمِ إذَا رَأَى الْمَاءَ فِي صَلَاتِهِ قَيَّدَ بِكَوْنِهِ فِي الْمُدَّةِ لِأَنَّهُ لَوْ قَدَرَ عَلَيْهِ بَعْدَهَا لَا يَبْطُلُ، وَشَمِلَ كَلَامُهُ مَا إذَا كَانَ قَادِرًا وَقْتَ الْإِيلَاءِ ثُمَّ عَجَزَ بِشَرْطِ أَنْ يَمْضِيَ زَمَانٌ يَقْدِرُ عَلَى وَطْئِهَا بَعْدَ الْإِيلَاءِ، وَمَا إذَا كَانَ عَاجِزًا وَقْتَهُ ثُمَّ قَدَرَ فِي الْمُدَّةِ، وَأَمَّا لَوْ آلَى إيلَاءً مُؤَبَّدًا، وَهُوَ مَرِيضٌ فَبَانَتْ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ ثُمَّ صَحَّ، وَتَزَوَّجَهَا، وَهُوَ مَرِيضٌ فَفَاءَ بِلِسَانِهِ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، وَصَحَّحُوا قَوْلَهُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ لِلصَّدْرِ الْجِمَاعُ أَصْلٌ، وَاللِّسَانُ خَلَفُهُ آلَى فِي مَرَضِهِ، وَفَاءً بِلِسَانِهِ بَطَلَ إيلَاؤُهُ فِي حَقِّ الطَّلَاقِ فَإِنْ صَحَّ قَبْلَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ قَالَ إنْ اشْتَرَيْت جَارِيَةً فَهِيَ حُرَّةٌ إلَخْ) كَذَا فِي النُّسَخِ، وَلَعَلَّهَا تَحْرِيفٌ، وَالْأَصْلُ إنْ تَسَرَّيْت (قَوْلُهُ أَوْ مَحْبُوسًا) هَذَا عَلَى مَا فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ لِلْقُدُورِيِّ قَالَ فِي الْفَتْحِ وَصَحَّحَهُ فِي الْبَدَائِعِ قُلْت، وَعِبَارَةُ الْبَدَائِعِ بَعْدَ نَقْلِ مَا فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ لَوْ آلَى مِنْ امْرَأَتِهِ، وَهِيَ مَحْبُوسَةٌ أَوْ هُوَ مَحْبُوسٌ أَوْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ أَقَلُّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ إلَّا أَنَّ الْعَدُوَّ أَوْ السُّلْطَانَ مَنَعَهُ عَنْ ذَلِكَ فَإِنَّ فَيْأَهُ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْفِعْلِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُوَفِّقَ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ فِي الْحَبْسِ بِأَنْ يَحْمِلَ مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي عَلَى أَنْ يَقْدِرَ أَحَدُهُمَا عَلَى أَنْ يَصِلَ إلَى صَاحِبِهِ فِي السِّجْنِ، وَالْوَجْهُ فِي الْمَنْعِ مِنْ الْعَدُوِّ أَوْ السُّلْطَانِ نَادِرٌ، وَعَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ فَكَانَ مُلْحَقًا بِالْعَدَمِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ انْتَهَتْ، فَقَوْلُهُ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى مُجَامَعَتِهَا هُوَ تَوْفِيقُ الْبَدَائِعِ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ، وَوَفَّقَ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِهِ بِوَجْهٍ آخَرَ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ فِي الْفَتْحِ وَالْحَبْسُ بِحَقٍّ لَا يُعْتَبَرُ فِي الْفَيْءِ بِاللِّسَانِ، وَبِظُلْمٍ يُعْتَبَرُ. (قَوْلُهُ وَشَمِلَ كَلَامُهُ مَا إذَا كَانَ قَادِرًا إلَخْ) أَيْ فِي أَنَّ فَيْأَهُ الْوَطْءُ، وَقَوْلُهُ وَمَا إذَا كَانَ عَاجِزًا وَقْتَهُ إلَخْ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ مَا إذَا كَانَ قَادِرًا فَفِي الصُّورَتَيْنِ لَا يَكُونُ فَيْؤُهُ بِاللِّسَانِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ شُرُوطَ صِحَّةِ الْفَيْءِ بِاللِّسَانِ ثَلَاثَةٌ الْعَجْزُ عِنْدَ الْوَطْءِ، وَدَوَامُهُ مِنْ وَقْتِ الْإِيلَاءِ إلَى مُضِيِّ الْمُدَّةِ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمُلْتَقَى وَقِيَامُ النِّكَاحِ وَقْتَ الْفَيْءِ بِاللِّسَانِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْبَدَائِعِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 73 تَمَامِ الْمُدَّةِ تَبْطُلُ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْأَصْلِ كَالْمُتَيَمِّمِ، وَلَوْ لَمْ يَفِئْ حَتَّى بَانَتْ فَصَحَّ ثُمَّ مَرِضَ فَتَزَوَّجَهَا فَفَيْؤُهُ بِالْجِمَاعِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَزُفَرَ لِأَنَّهُ حَرَامٌ كَالْخَلْوَةِ لَكِنَّهُ بِتَقْصِيرِهِ كَمَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ ثُمَّ آلَى أَوْ آلَى، وَهُوَ صَحِيحٌ ثُمَّ بَانَتْ ثُمَّ مَرِضَ، وَتَزَوَّجَهَا بِخِلَافِ إنْ تَزَوَّجْتُك فَوَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك آلَى فِي مَرَضِهِ ثُمَّ أَعَادَهُ بَعْدَ عَشَرَةِ أَيَّامٍ، وَصَحَّ فِي بَعْضِ الْمُدَّةِ فَكَمَا مَرَّ اهـ. (قَوْلُهُ أَنْت عَلَيَّ حَرَامٌ إيلَاءٌ إنْ نَوَى التَّحْرِيمَ أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا) لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي تَحْرِيمِ الْحَلَالِ إنَّمَا هُوَ الْيَمِينُ عِنْدَنَا عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ فِي الْأَيْمَانِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَا فَرْقَ فِي الْأَحْكَامِ كُلِّهَا بَيْنَ أَنْ يَذْكُرَ كَلِمَةَ عَلَيَّ أَوْ لَمْ يَذْكُرْ مَا ذَكَرَهُ فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ عَنْ الْعُيُونِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنْتِ حَرَامٌ أَوْ بَائِنٌ، وَلَمْ يَقُلْ مِنِّي فَهُوَ بَاطِلٌ سَهْوٌ مِنْهُ حَيْثُ نَقَلَهُ عَنْ الْعُيُونِ، وَفِي الْعُيُونِ ذَكَرَ ذَلِكَ مِنْ جَانِبِ الْمَرْأَةِ فَقَالَ لَوْ جَعَلَ أَمْرَ امْرَأَتِهِ بِيَدِهَا فَقَالَتْ لِلزَّوْجِ أَنْت عَلَيَّ حَرَامٌ أَوْ أَنْت مِنِّي بَائِنٌ أَوْ حَرَامٌ أَوْ أَنَا عَلَيْك حَرَامٌ أَوْ بَائِنٌ وَقَعَ، وَلَوْ قَالَتْ أَنْتَ بَائِنٌ أَوْ حَرَامٌ، وَلَمْ تَقُلْ مِنِّي فَهُوَ بَاطِلٌ، وَوَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْعُيُونِ، وَلَوْ قَالَ بِغَيْرِ تَاءِ التَّأْنِيثِ فَظَنَّ صَاحِبُ الْأَكْمَلِ أَنَّهَا مَسْأَلَةٌ مُبْتَدَأَةٌ، وَظَنَّ أَنَّهُ لَوْ قَالَ ذَلِكَ الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ فَهُوَ بَاطِلٌ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعِنْدَ هَذَا ازْدَادَ سَهْوُ شَيْخِنَا نَجْمِ الدِّينِ الْبُخَارِيِّ فَزَادَ فِيهَا لَفْظَةَ لَهَا فَقَالَ لَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ حَرَامٌ أَوْ بَائِنٌ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَالْمَسْأَلَةُ مَعَ تَاءِ التَّأْنِيثِ مَذْكُورَةٌ فِي الْوَاقِعَاتِ الْكُبْرَى الْمُرَتَّبَةِ، وَغَيْرِ الْمُرَتَّبَةِ فِي مَسَائِلِ الْعُيُونِ فَعُرِفَ بِهِ سَهْوُهُمَا كَذَا فِي الْقُنْيَةِ قَيَّدَ بِالزَّوْجِ لِأَنَّ الزَّوْجَةَ لَوْ قَالَتْ لِزَوْجِهَا أَنَا عَلَيْك حَرَامٌ أَوْ حَرَّمْتُك صَارَ يَمِينًا حَتَّى لَوْ جَامَعَهَا طَائِعَةً أَوْ مُكْرَهَةً تَحْنَثُ بِخِلَافِ مَا لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ فَأُدْخِلَ فِيهَا مُكْرَهًا لَا يَحْنَثُ، وَمَعْنَاهُ أَدْخُلُ مَحْمُولًا، وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى الدُّخُولِ فَدَخَلَ مُكْرَهًا حَنِثَ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَحَرَّمْتُك عَلَيَّ أَوْ لَمْ يَقُلْ عَلَيَّ أَوْ أَنْتِ مُحَرَّمَةٌ عَلَيَّ أَوْ حَرَامٌ عَلَيَّ أَوْ لَمْ يَقُلْ عَلَيَّ أَوْ أَنَا عَلَيْك حَرَامٌ أَوْ مُحَرَّمٌ أَوْ حَرَّمْت نَفْسِي عَلَيْك بِمَنْزِلَةِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ. وَقَوْلُهُ أَنْتِ عَلَيَّ كَالْحِمَارِ أَوْ الْخِنْزِيرِ أَوْ مَا كَانَ مُحَرَّمَ الْعَيْنِ فَهُوَ كَقَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ (قَوْلُهُ وَظِهَارٌ إنْ نَوَاهُ) أَيْ الظِّهَارَ، وَهَذَا عِنْدَهُمَا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَيْسَ بِظِهَارٍ لِانْعِدَامِ التَّشْبِيهِ بِالْمُحَرَّمَةِ، وَهُوَ رُكْنٌ فِيهِ، وَلَهُمَا أَنَّهُ أَطْلَقَ الْحُرْمَةَ، وَفِي الظِّهَارِ نَوْعُ حُرْمَةٍ، وَالْمُطْلَقُ يَحْتَمِلُ الْمُقَيَّدَ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ تَبَعًا لِلْقُدُورِيِّ وَشَمْسِ الْأَئِمَّةِ، وَلَيْسَ الْخِلَافُ مَذْكُورًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَلِذَا لَمْ يَذْكُرْهُ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَلَا الطَّحَاوِيِّ (قَوْلُهُ وَكَذَبَ إنْ نَوَى الْكَذِبَ) لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ إذْ حَقِيقَتُهُ وَصْفُهَا بِالْحُرْمَةِ، وَهِيَ مَوْصُوفَةٌ بِالْحِلِّ فَكَانَ كَذِبًا، وَأَوْرَدَ لَوْ كَانَ حَقِيقَةَ كَلَامِهِ لَانْصَرَفَ إلَيْهِ بِلَا نِيَّةٍ لَكِنَّكُمْ تَقُولُونَ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ يَنْصَرِفُ إلَى الْيَمِينِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذِهِ حَقِيقَةٌ أَوْلَى فَلَا تُنَالُ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَالْيَمِينِ الْحَقِيقَةُ الثَّانِيَةُ بِوَاسِطَةِ الِاشْتِهَارِ، وَقِيلَ لَا يُصَدَّقُ قَضَاءً، وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ بَلْ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِكَوْنِهِ يَمِينًا ظَاهِرًا لِأَنَّ تَحْرِيمَ الْحَلَالِ يَمِينٌ بِالنَّصِّ فَلَا يُصَدَّقُ قَضَاءً فِي نِيَّتِهِ خِلَافَ الظَّاهِرِ، وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْعَمَلُ، وَالْفَتْوَى كَمَا سَنَذْكُرُهُ، وَالْأَوَّلُ قَوْلُ الْحَلْوَانِيِّ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَلَكِنَّ الْفَتْوَى عَلَى الْعُرْفِ الْحَادِثِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْعَمَلَ وَالْفَتْوَى إنَّمَا هُوَ فِي انْصِرَافِهِ إلَى الطَّلَاقِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ لَا فِي كَوْنِهِ يَمِينًا، وَفِي الْمِصْبَاحِ الْكَذِبُ بِفَتْحِ الْكَافِ، وَكَسْرِ الذَّالِ، وَبِكَسْرِ الْكَافِ وَسُكُونِ الذَّالِ هُوَ الْإِخْبَارُ عَنْ الشَّيْءِ بِخِلَافِ مَا هُوَ سَوَاءٌ فِيهِ الْعَمْدُ، وَالْخَطَأُ، وَلَا، وَاسِطَةَ بَيْنَ الصِّدْقِ، وَالْكَذِبِ عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَالْإِثْمُ يَتْبَعُ الْعَمْدَ اهـ. (قَوْلُهُ: وَبَائِنَةٌ إنْ نَوَى الطَّلَاقَ) سَوَاءٌ نَوَى وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ (قَوْلُهُ وَثَلَاثٌ إنْ نَوَاهُ) أَيْ الثَّلَاثَ لِأَنَّ الْحَرَامَ مِنْ الْكِنَايَاتِ، وَهَذَا حُكْمُهَا، وَقَدَّمْنَا أَنَّ النِّيَّةَ شَرْطٌ فِي الْحَالَةِ الْمُطْلَقَةِ أَيْ الْخَالِيَةِ عَنْ الْغَضَبِ، وَالْمُذَاكَرَةِ، وَأَمَّا مَعَ أَحَدِهِمَا فَلَيْسَتْ شَرْطًا لِلْوُقُوعِ قَضَاءً، وَشَمِلَ قَوْلُهُ وَبَائِنَةٌ إنْ نَوَى الطَّلَاقَ مَا إذَا طَلَّقَهَا وَاحِدَةً   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَفِيهِ نَظَرٌ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ الطَّلَاقَ يَمِينٌ، وَلِذَا قَالُوا يُكْرَهُ حَلِفُهُ بِالطَّلَاقِ فَالْيَمِينُ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِ مُوجِبِهَا الْكَفَّارَةَ أَوْ الطَّلَاقَ، وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَلُ وَالْفَتْوَى نَوْعٌ خَاصٌّ مِنْ هَذِهِ الْيَمِينِ، وَهُوَ انْصِرَافُهُ إلَى الطَّلَاقِ، وَأَيْضًا فَإِنَّ كَوْنَهُ يَمِينًا هُوَ عُرْفٌ أَصْلِيٌّ، وَكَوْنُهُ طَلَاقًا عُرْفٌ حَادِثٌ، وَلَا شَكَّ أَنَّ كَلَامَ كُلِّ عَاقِدٍ وَحَالِفٍ وَنَحْوِهِ يُحْمَلُ عَلَى عُرْفِهِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْأَشْبَاهِ، وَحَيْثُ كَانَ فِيهِ عُرْفٌ تَكُونُ حَقِيقَتُهُ غَيْرَ مُرَادَةٍ فَإِرَادَةُ الْكَذِبِ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَلَا يُصَدَّقُ بِهَا قَضَاءً فَالصَّوَابُ حَمْلُهُ عَلَى الْعُرْفِ، وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ الْعُرْفُ الْحَادِثُ إرَادَةَ الطَّلَاقِ بِهِ، وَكَانَ هُوَ الْمُفْتَى بِهِ دُونَ الْعُرْفِ الْأَصْلِيِّ قَالَ فِي الْفَتْحِ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْعَمَلُ وَالْفَتْوَى أَيْ الْعُرْفُ الْحَادِثُ احْتِرَازًا عَنْ الْعُرْفِ الْأَصْلِيِّ وَهُوَ إرَادَةُ الْإِيلَاءِ فَافْهَمْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 74 ثُمَّ قَالَ لَهَا أَنْت عَلَيَّ حَرَامٌ نَاوِيًا ثِنْتَيْنِ فَإِنَّهُ، وَإِنْ تَمَّ بِهِ الثَّلَاثُ لَمْ يَقَعْ بِالْحَرَامِ إلَّا وَاحِدَةٌ، وَقَوْلُهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ سَبْقُ قَلَمٍ، وَعِبَارَةُ غَيْرِهِ لَمْ تَصِحَّ نِيَّتُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا نَوَى الثَّلَاثَ بِهِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ، وَيَقَعُ ثِنْتَانِ تَكْمِلَةٌ لِلثَّلَاثِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَقَدَّمْنَاهُ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ أَلْفَ مَرَّةٍ يَقَعُ وَاحِدَةٌ، وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ تُشْتَرَطُ النِّيَّةُ يَنْظُرُ الْمُفْتِي إلَى سُؤَالِ السَّائِلِ إنْ قَالَ قُلْت كَذَا هَلْ يَقَعُ يَقُولُ نَعَمْ إنْ نَوَيْت، وَإِنْ قَالَ كَمْ يَقَعُ يَقُولُ وَاحِدَةٌ، وَلَا يَتَعَرَّضُ لِاشْتِرَاطِ النِّيَّةِ لِأَنَّ كَمْ عِبَارَةٌ عَنْ عَدَدِ الْوَاقِعِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَصْلَ الْوَاقِعِ، وَهَذَا حَسَنٌ اهـ. ثُمَّ قَالَ فِيهَا قَالَ لَهَا مَرَّتَيْنِ أَنْت عَلَيَّ حَرَامٌ، وَنَوَى بِالْأَوَّلِ الطَّلَاقَ، وَبِالثَّانِي الْيَمِينَ فَعَلَى مَا نَوَى قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ أَنْتُمَا عَلَيَّ حَرَامٌ، وَنَوَى الثَّلَاثَ فِي إحْدَاهُمَا، وَالْوَاحِدَةَ فِي الْأُخْرَى صَحَّتْ نِيَّتُهُ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَلَوْ قَالَ نَوَيْت الطَّلَاقَ فِي إحْدَاهُمَا، وَالْيَمِينَ فِي الْأُخْرَى عِنْدَ الثَّانِي يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَيْهِمَا، وَعِنْدَهُمَا كَمَا نَوَى قَالَ لِثَلَاثٍ أَنْتُنَّ عَلَيَّ حَرَامٌ، وَنَوَى الثَّلَاثَ فِي الْوَاحِدَةِ، وَالْيَمِينَ فِي الثَّانِيَةِ، وَالْكَذِبَ فِي الثَّالِثَةِ طَلَقَتْ ثَلَاثًا، وَقِيلَ هَذَا عَلَى قَوْلِ الثَّانِي، وَعَلَى قَوْلِهِمَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَا نَوَى. اهـ. . (قَوْلُهُ وَفِي الْفَتَاوَى إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْت عَلَيَّ حَرَامٌ، وَالْحَرَامُ عِنْدَهُ طَلَاقٌ، وَلَكِنْ لَمْ يَنْوِ طَلَاقًا وَقَعَ الطَّلَاقُ) يَعْنِي قَضَاءً لِمَا ظَهَرَ مِنْ الْعُرْفِ فِي ذَلِكَ حَتَّى لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ تَزَوَّجْتُك فَحَلَالُ اللَّهِ عَلَيَّ حَرَامٌ فَتَزَوَّجَهَا تَطْلُقُ، وَلِهَذَا لَا يَحْلِفُ بِهِ إلَّا الرِّجَالُ قَيَّدْنَا بِالْقَضَاءِ لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ دِيَانَةً بِلَا نِيَّةٍ، وَذَكَرَ الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ لَا نَقُولُ لَا تُشْتَرَطُ النِّيَّةُ لَكِنْ يُجْعَلُ نَاوِيًا عُرْفًا فَإِنْ قُلْت إذَا وَقَعَ الطَّلَاقُ بِلَا نِيَّةٍ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالصَّرِيحِ فَيَكُونُ الْوَاقِعُ رَجْعِيًّا قُلْت الْمُتَعَارَفُ بِهِ إيقَاعُ الْبَائِنِ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَيَقَعُ الْبَائِنُ لَكَانَ أَوْلَى، وَقَوْلُهُ أَنْتِ مَعِي فِي الْحَرَامِ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ، وَكَذَا قَوْلُهُ حَلَالُ الْمُسْلِمِينَ عَلَيَّ حَرَامٌ، وَفِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي يَقَعُ الطَّلَاقُ بِلَفْظِ الْحَرَامِ إنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ امْرَأَةٌ إنْ حَنِثَ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ وَالنَّسَفِيُّ عَلَى أَنَّهُ لَا تَلْزَمُهُ، وَإِنْ كَانَ لَهُ أَكْثَرُ مِنْ زَوْجَةٍ وَاحِدَةٍ قَالَ فِي الْفَتَاوَى يَقَعُ عَلَى كُلِّ تَطْلِيقَةٍ وَاحِدَةٌ بِخِلَافِ الصَّرِيحِ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ إلَّا وَاحِدَةٌ فِيمَا إذَا قَالَ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ، وَلَهُ أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدَةٍ، وَأَجَابَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْأُوزْجَنْدِيُّ أَنَّهُ لَا يَقَعُ إلَّا عَلَى وَاحِدَةٍ، وَإِلَيْهِ الْبَيَانُ، وَهُوَ الْأَشْبَهُ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالذَّخِيرَةِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَعِنْدِي أَنَّ الْأَشْبَهَ مَا فِي الْفَتَاوَى لِأَنَّ قَوْلَهُ حَلَالُ اللَّهِ أَوْ حَلَالُ الْمُسْلِمِينَ يَعُمُّ كُلَّ زَوْجَةٍ فَإِذَا كَانَ فِيهِ عُرْفٌ فِي الطَّلَاقِ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ هُنَّ طَوَالِقُ لِأَنَّ حَلَالَ اللَّهِ يَشْمَلُهُنَّ عَلَى سَبِيلِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَقَوْلُهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ سَبْقُ قَلَمٍ) أَجَابَ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ قَوْلَهُ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ أَيْ بِنِيَّتِهِ، وَإِنْ وَقَعَ بِلَفْظِ أَنْت عَلَيَّ حَرَامٌ وَاحِدَةً بَائِنَةٌ فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِ غَيْرِهِ لَمْ تَصِحَّ نِيَّتُهُ. (قَوْلُهُ قَيَّدْنَا بِالْقَضَاءِ إلَخْ) أَقُولُ: حَيْثُ الْتَحَقَ فِي الْعُرْفِ بِالصَّرِيحِ لَمْ يَحْتَجْ إلَى نِيَّةٍ بَلْ يَحْتَاجُ إلَى عَدَمِ نِيَّةِ الطَّلَاقِ مِمَّا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ كَمَا لَوْ نَوَى بِأَنْتِ طَالِقٌ عَنْ وَثَاقٍ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ أَوَّلَ الطَّلَاقِ (قَوْلُهُ قُلْت الْمُتَعَارَفُ بِهِ إيقَاعُ الْبَائِنِ) أَقُولُ: كَانَ هَذَا مُتَعَارَفَ زَمَانِهِمْ أَمَّا فِي زَمَانِنَا فَعَامَّةُ مَنْ يَحْلِفُ بِهِ الْعَوَامُّ، وَهُمْ لَا يُمَيِّزُونَ بَيْنَ الْبَائِنِ وَالرَّجْعِيِّ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَقْصِدُوا بِهِ الْبَائِنَ فَحَيْثُ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الصَّرِيحِ بِسَبَبِ غَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ فِي الطَّلَاقِ، وَقُلْنَا بِوُقُوعِهِ بِلَا نِيَّةٍ لِلْعُرْفِ يَنْبَغِي وُقُوعُ الرَّجْعِيِّ بِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ، وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ، وَإِنْ صَارَ فِي الْعُرْفِ صَرِيحًا لَكِنَّ لَفْظَهُ لَا يَحْتَمِلُ وُقُوعَ الرَّجْعِيِّ لِأَنَّ كَوْنَهَا حَرَامًا عَلَيْهِ يَقْتَضِي عَدَمَ حِلِّ قُرْبَانِهَا، وَالرَّجْعِيُّ لَا يُحَرِّمُ الْوَطْءَ كَمَا مَرَّ، وَلَا يُجْعَلُ إيلَاءً لِأَنَّهُ تَحْرِيمٌ مَعَ قِيَامِ الْعَقْدِ، وَالْعُرْفُ إرَادَةُ الْحُرْمَةِ بِالطَّلَاقِ، وَلَا يُنَافِي وُقُوعَ الْبَائِنِ بِهِ مَعَ كَوْنِهِ صَرِيحًا لِأَنَّ الصَّرِيحَ قَدْ يَقَعُ بِهِ الْبَائِنُ كَتَطْلِيقَةٍ شَدِيدَةٍ كَمَا أَنَّ بَعْضَ الْكِنَايَاتِ يَقَعُ بِهَا الرَّجْعِيُّ كَاعْتَدِّي وَاسْتَبْرِئِي رَحِمَك، وَأَنْتِ وَاحِدَةٌ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَعِنْدِي أَنَّ الْأَشْبَهَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ. وَأَقُولُ: هَذَا لَا يَتِمُّ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ مُخَاطِبًا لِوَاحِدَةٍ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ وَقَوْلُ الشَّارِحِ وَلَوْ كَانَ لَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا يَقَعُ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ، وَقِيلَ تَطْلُقُ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ، وَإِلَيْهِ الْبَيَانُ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ، وَالْأَشْبَهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا يَعْنِي فِي التَّحْرِيمِ لَا بِقَيْدِ أَنْتِ كَمَا لَا يَخْفَى بَلْ فِي هَذَا يَجِبُ أَنْ لَا يَقَعَ إلَّا عَلَى الْمُخَاطَبَةِ. اهـ. وَمِثْلُهُ فِي مِنَحِ الْغَفَّارِ مِنْ بَحْثِ الصَّرِيحِ والشرنبلالية وَفِي الْعَزْمِيَّةِ عَلَى الدُّرَرِ وَالْغُرَرِ وَلَعَلَّ مُرَادَ الزَّيْلَعِيِّ بِكَوْنِ الْمَسْأَلَةِ بِحَالِهَا هُوَ أَنْ يَكُونَ الْحَرَامُ عِنْدَهُ طَلَاقًا، وَأَمَّا كَوْنُ الْمَسْأَلَةِ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ عَلَى أَنْ يُقَالَ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ فَلَيْسَ بِدَاخِلٍ فِي ذَلِكَ فَإِنَّ مَا يَقْتَضِيهِ صِحَّةُ الْمَسَاقِ هُوَ أَنْ تَكُونَ الْعِبَارَةُ هَاهُنَا امْرَأَتِي عَلَيَّ حَرَامٌ إذْ لَا مَسَاغَ لَأَنْ يُقَالَ لِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ، وَلَا تَتَأَتَّى صِحَّةُ الْقَوْلَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ إلَّا عَلَى مَا قَرَّرْنَا اهـ. لَكِنْ فِي قَوْلِهِ أَنْ تَكُونَ الْعِبَارَةُ هَاهُنَا امْرَأَتِي عَلَيَّ حَرَامٌ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 75 الِاسْتِغْرَاقِ لَا عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ كَمَا فِي قَوْلِهِ إحْدَاكُنَّ طَالِقٌ، وَحَيْثُ وَقَعَ الطَّلَاقُ بِهَذَا اللَّفْظِ وَقَعَ بَائِنًا اهـ. وَيُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَفِي الْفَتَاوَى، وَفِي بَعْضِهَا، وَفِي الْفَتْوَى، وَالْأُولَى لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ هُوَ الْمُفْتَى بِهِ مَعَ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ هُوَ الْمُفْتَى بِهِ عِنْدَ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَلِذَا قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَمَشَايِخُنَا أَفْتَوْا فِي أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ، وَالْحَلَالُ عَلَيْهِ حَرَامٌ أَوْ حَلَالُ اللَّهِ عَلَيْهِ حَرَامٌ أَوْ حَلَالُ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِ حَرَامٌ أَنَّ الْكُلَّ بَائِنٌ بِلَا نِيَّةٍ، وَإِذَا حَلَفَ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ عَلَى فِعْلٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَفَعَلَ، وَلَيْسَتْ لَهُ امْرَأَةٌ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، وَإِذَا كَانَ لَهُ امْرَأَةٌ وَقْتَ الْحَلِفِ، وَمَاتَتْ قَبْلَ الشَّرْطِ أَوْ بَانَتْ لَا إلَى عِدَّةٍ ثُمَّ بَاشَرَ الشَّرْطَ الصَّحِيحَ أَنَّهُ لَا تَطْلُقُ امْرَأَتُهُ الْمُتَزَوِّجَةُ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى لِأَنَّ حَلِفَهُ صَارَ حَلِفًا بِاَللَّهِ تَعَالَى وَقْتَ الْوُجُودِ فَلَا يَنْقَلِبُ طَلَاقًا خَالَعَهَا ثُمَّ قَالَ حَلَالُ اللَّهِ عَلَيَّ حَرَامٌ إنْ شَرِبَ إلَى سَنَةٍ، وَشَرِبَ لَا يَقَعُ لِعَدَمِ الْمِلْكِ، وَالْإِضَافَةِ إلَيْهِ، وَلَوْ قَالَ لَهَا إنْ تَزَوَّجْتُك فَحَلَالُ اللَّهِ عَلَيَّ حَرَامٌ فَتَزَوَّجَهَا تَطْلُقُ قَالَ بَعْضُهُمْ، وَالصَّحِيحُ خِلَافُهُ لِوُقُوعِهِ عَلَى الْقَائِمَةِ لَا عَلَى الْمُتَزَوِّجَةِ فَلَوْ لَمْ تَكُنْ فِي نِكَاحِهِ وَقْتَ وُجُودِ الشَّرْطِ امْرَأَةٌ لَا يَقَعُ عَلَى فُلَانَةَ أَيْضًا، وَتَمَامُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ. وَفِي قَوْلِهِ حَلَالُ اللَّهِ عَلَيْهِ حَرَامٌ، وَلَهُ امْرَأَتَانِ، وَلَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ طَلَقَتَا، وَإِنْ نَوَى إحْدَاهُمَا دُيِّنَ لَا فِي الْقَضَاءِ، وَفَتْوَى الْإِمَامِ الْأُوزْجَنْدِيِّ عَلَى أَنَّهُ يَقَعُ عَلَى وَاحِدَةٍ، وَعَلَيْهِ الْبَيَانُ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ حَلَفَ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ كَذَا، وَكَانَ فَعَلَهُ، وَلَهُ امْرَأَتَانِ، وَأَكْثَرُ بِنَّ، وَإِنْ لَيْسَتْ لَهُ امْرَأَةٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ إنْ حُمِلَ عَلَى الطَّلَاقِ فَلَا يُرَادُ بِهِ شَيْءٌ آخَرُ، وَإِنْ حُمِلَ عَلَى الْيَمِينِ فَهُوَ غَمُوسٌ، وَفِي فَوَائِدِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ قَالَ حَلَالُ اللَّهِ عَلَيْهِ حَرَامٌ إنْ فَعَلَ كَذَا، وَفَعَلَهُ، وَحَلَفَ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ إنْ فَعَلَ كَذَا، وَفَعَلَهُ، وَلَهُ امْرَأَتَانِ فَأَرَادَ أَنْ يَصْرِفَ هَذَيْنِ الطَّلَاقَيْنِ فِي وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أَشَارَ فِي الزِّيَادَاتِ إلَى أَنَّهُ يَمْلِكُ ذَلِكَ، وَفِي الذَّخِيرَةِ إنْ فَعَلَ كَذَا فَحَلَالُ اللَّهِ عَلَيْهِ حَرَامٌ ثُمَّ حَلَفَ كَذَلِكَ عَلَى فِعْلٍ آخَرَ، وَحَنِثَ فِي الْأَوَّلِ، وَوَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَى امْرَأَتِهِ ثُمَّ حَنِثَ فِي الْيَمِينِ الثَّانِيَةِ، وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ قِيلَ لَا يَقَعُ، وَالْأَشْبَهُ الْوُقُوعُ لِالْتِحَاقِ الْبَائِنِ بِالْبَائِنِ إذَا كَانَ مُعَلَّقًا قَالَتْ أَنَا عَلَيْك حَرَامٌ لَا أَدْرِي أَحَلَالٌ أَمْ حَرَامٌ لَا يَقَعُ شَيْءٌ قَالَ بَيْنَ يَدَيْ أَصْحَابِهِ مَنْ كَانَتْ امْرَأَتُهُ عَلَيْهِ حَرَامًا فَلْيَفْعَلْ هَذَا الْأَمْرَ فَفَعَلَهُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ قَالَ فِي الْمُحِيطِ هَذَا إقْرَارٌ مِنْهُ بِحُرْمَتِهَا عَلَيْهِ فِي الْحُكْمِ، وَقِيلَ لَا يَكُونُ إقْرَارًا بِالْحُرْمَةِ قَالَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ حَلَالُ اللَّهِ عَلَيْهِ حَرَامٌ إنْ فَعَلَ كَذَا وُجِدَ الشَّرْطُ وَقَعَ الثَّلَاثُ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ   [منحة الخالق] نَظَرٌ، وَالظَّاهِرُ إبْدَالُهُ بِحَلَالِ اللَّهِ أَوْ حَلَالِ الْمُسْلِمِينَ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ هُنَا عَنْ الْفَتَاوَى مِنْ أَنَّ قَوْلَهُ امْرَأَتِي طَالِقٌ، وَلَهُ أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدَةٍ لَا يَقَعُ إلَّا عَلَى وَاحِدَةٍ، وَلَمْ يَحْكُوا فِي هَذَا خِلَافًا بَلْ ظَاهِرُ قَوْلِهِ بِخِلَافِ الصَّرِيحِ أَنَّهَا اتِّفَاقِيَّةٌ كَمَا ذَكَرَهُ فِي مِنَحِ الْغَفَّارِ رَادًّا عَلَى الدُّرَرِ فِي ذِكْرِهِ التَّصْحِيحَ فِي الصَّرِيحِ أَيْضًا، وَحِينَئِذٍ فَلَا فَرْقَ فِيمَا يَظْهَرُ بَيْنَ امْرَأَتِي طَالِقٌ وَبَيْنَ امْرَأَتِي عَلَيَّ حَرَامٌ فِي كَوْنِهِ لَا يَشْمَلُ غَيْرَ وَاحِدَةٍ فِيمَا لَوْ كَانَتْ لَهُ أَكْثَرُ إلَّا أَنْ يُوجَدَ نَقْلٌ بِخِلَافِهِ فَيُتَّبَعُ فَجَعْلُ الْعَزْمِيَّةِ مَحَلَّ الْخِلَافِ امْرَأَتِي حَرَامٌ فِي كَوْنِهِ يَقَعُ عَلَى الْكُلِّ أَوْ عَلَى وَاحِدَةٍ غَيْرُ ظَاهِرٍ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَخْرَجَ مِنْ مَحَلِّ النِّزَاعِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ كَمَا مَرَّ وَامْرَأَتِي عَلَيَّ حَرَامٌ فَتَأَمَّلْ وَرَاجِعْ وَانْظُرْ فِي تَعْلِيلِ الْفَتْحِ يَتَقَوَّى عِنْدَك مَا قُلْنَا. (قَوْلُهُ وَيُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ) أَقُولُ: يُؤَيِّدُ النُّسْخَةَ الثَّانِيَةَ مَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ مَتْنًا فِي الْأَيْمَانِ كُلُّ حِلٍّ عَلَيْهِ حَرَامٌ فَهُوَ عَلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ تَبِينُ امْرَأَتُهُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ قَالَ الْمُؤَلِّفُ هُنَاكَ فِي شَرْحِهِ لِغَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ امْرَأَةٌ ذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى النَّوَازِلِ أَنَّهُ تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ اهـ. يَعْنِي: إنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ لِانْصِرَافِهِ عِنْدَ عَدَمِ الزَّوْجَةِ إلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ لَا كَمَا يُفْهَمُ مِنْ ظَاهِرِ الْعِبَارَةِ اهـ. كَلَامُ الْمُؤَلِّفِ هُنَاكَ. وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ هُنَا أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ إيلَاءٌ إنْ نَوَى التَّحْرِيمَ إلَى آخِرِهِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّفْصِيلِ خَاصٌّ بِمَا إذَا كَانَ بِلَفْظٍ غَيْرِ عَامٍّ أَمَّا اللَّفْظُ الْعَامُّ مِثْلُ كُلِّ حِلٍّ عَلَيْهِ حَرَامٌ فَهُوَ عَلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ أَوْ عَلَى الْبَيْنُونَةِ فَقَطْ (قَوْلُهُ وَإِذَا كَانَ لَهُ امْرَأَةٌ وَقْتَ الْحَلِفِ إلَى قَوْلِهِ فَلَا يَنْقَلِبُ طَلَاقًا) أَقُولُ: هَكَذَا عِبَارَةُ الْبَزَّازِيَّةِ كَمَا رَأَيْته فِي نُسْخَتِي، وَالظَّاهِرُ أَنَّ فِي عِبَارَةِ الْبَزَّازِيَّةِ سَقْطًا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا سَيَذْكُرُهُ الْمُؤَلِّفُ فِي الْأَيْمَانِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ وَنَصُّهُ وَإِنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَةٌ وَقْتَ الْيَمِينِ فَمَاتَتْ قَبْلَ الشَّرْطِ أَوْ بَانَتْ لَا إلَى عِدَّةٍ ثُمَّ بَاشَرَ الشَّرْطَ لَا تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّ يَمِينَهُ انْصَرَفَ إلَى الطَّلَاقِ وَقْتَ وُجُودِهَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ امْرَأَةٌ وَقْتَ الْيَمِينِ ثُمَّ تَزَوَّجَ امْرَأَةً ثُمَّ بَاشَرَ الشَّرْطَ اخْتَلَفُوا فِيهِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ تَبِينُ الْمُتَزَوِّجَةُ. وَقَالَ غَيْرُهُ لَا تَبِينُ، وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى لِأَنَّ يَمِينَهُ جُعِلَ يَمِينًا بِاَللَّهِ تَعَالَى وَقْتَ وُجُودِهَا فَلَا يَكُونُ طَلَاقًا بَعْدَ ذَلِكَ. اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الْخَانِيَّةِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 76 (بَابُ الْخُلْعِ) لَمَّا اشْتَرَكَ مَعَ الْإِيلَاءِ فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا قَدْ يَكُونُ مَعْصِيَةً، وَقَدْ يَكُونُ مُبَاحًا، وَزَادَ الْخُلْعَ عَلَيْهِ بِتَسْمِيَةِ الْمَالِ أُخِّرَ عَنْهُ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُرَكَّبِ مِنْ الْمُفْرَدِ، وَقُدِّمَا عَلَى الظِّهَارِ وَاللِّعَانِ لِأَنَّهُمَا لَا يَنْفَكَّانِ عَنْ الْمَعْصِيَةِ، وَهُوَ لُغَةً النَّزْعُ يُقَالُ خَلَعْت النَّعْلَ، وَغَيْرَهُ خَلْعًا نَزَعْته، وَخَالَعَتْ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا مُخَالَعَةً إذَا افْتَدَتْ مِنْهُ وَطَلَّقَهَا عَلَى الْفِدْيَةِ فَخَلَعَهَا هُوَ خُلْعًا، وَالِاسْمُ الْخُلْعُ بِالضَّمِّ، وَهُوَ اسْتِعَارَةٌ مِنْ خَلْعِ اللِّبَاسِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِبَاسٌ لِلْآخَرِ فَإِذَا فَعَلَا ذَلِكَ فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ نَزَعَ لِبَاسَهُ عَنْهُ كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ، وَشَرْعًا عَلَى مَا اخْتَرْنَاهُ إزَالَةُ مِلْكِ النِّكَاحِ الْمُتَوَقِّفَةُ عَلَى قَبُولِهَا بِلَفْظِ الْخُلْعِ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ وَقَوْلِي هَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ بَعْضِ الشَّارِحِينَ أَخْذُهُ الْمَالَ بِإِزَالَةِ مِلْكِ النِّكَاحِ لِمُغَايَرَتِهِ الْمَفْهُومَ اللُّغَوِيَّ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَالْأَصْلُ أَنْ يَتَّحِدَ جِنْسُ الْمَفْهُومَيْنِ، وَيُزَادُ فِي الشَّرْعِيِّ قَيْدٌ لِإِخْرَاجِ اللُّغَوِيِّ، وَلِأَنَّهُ يَرِدُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ عَلَى مَالٍ، وَلَيْسَ مُسَاوِيًا لَهُ فِي جَمِيعِ أَحْكَامِهِ لِاسْتِقْلَالِ حُكْمِ الْخُلْعِ بِإِسْقَاطِ الْحُقُوقِ، وَإِنْ اشْتَرَكَا فِي الْبَيْنُونَةِ، وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَيْضًا مَا إذَا عُرِّيَ عَنْ الْبَدَلِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ. وَقَوْلِي أَيْضًا أَوْلَى مِمَّا اخْتَارَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ أَنَّهُ إزَالَةُ مِلْكِ النِّكَاحِ بِبَدَلٍ بِلَفْظِ الْخُلْعِ لِأَنَّهُ يَرِدُ عَلَيْهِ مَا إذَا قَالَ خَالَعْتكِ، وَلَمْ يُسَمِّ شَيْئًا فَقَبِلَتْ فَإِنَّهُ خُلْعٌ مُسْقِطٌ لِلْحُقُوقِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ إلَّا أَنْ يُقَالَ مَهْرُهَا الَّذِي سَقَطَ بِهِ بَدَلٌ فَلَمْ يُعَرَّ عَنْ الْبَدَلِ فَإِنْ قُلْت لَوْ كَانَتْ قَبَضَتْ جَمِيعَ الْمَهْرِ مَا حُكْمُهُ قُلْت ذَكَرَ قَاضِي خَانْ أَنَّهَا تَرُدُّ عَلَيْهِ مَا سَاقَ إلَيْهَا مِنْ الصَّدَاقِ كَمَا ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْمُخْتَصَرِ وخواهر زاده، وَأَخَذَ بِهِ ابْنُ الْفَضْلِ قَالَ الْقَاضِي، وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْنَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْخُلْعَ لَا يَكُونُ إلَّا بِعِوَضٍ اهـ. وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ آخِرَ الْبَابِ. وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِالْمُفَاعَلَةِ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ خَلَعْتُك نَاوِيًا وَقَعَ بَائِنًا غَيْرُ مُسْقِطٍ كَمَا سَيَأْتِي، وَهُوَ خَارِجٌ عَنْ تَعْرِيفِنَا بِقَوْلِنَا الْمُتَوَقِّفَةُ عَلَى قَبُولِهَا لِعَدَمِ تَوَقُّفِهِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَيْضًا مَا إذَا كَانَ بِلَفْظِ الْمُبَارَاةِ فَإِنَّهُ يَقَعُ بِهِ الْبَائِنُ، وَتَسْقُطُ الْحُقُوقُ كَالْخُلْعِ بِلَفْظِهِ، وَمَا إذَا كَانَ بِلَفْظِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فَإِنَّهُ خُلْعٌ مُسْقِطٌ لِلْحُقُوقِ عَلَى مَا صَحَّحَهُ فِي الصُّغْرَى، وَإِنْ صَرَّحَ قَاضِي خَانْ بِخِلَافِهِ فَلِذَا زِدْنَا فِي تَعْرِيفِنَا أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ، وَاسْتُفِيدَ مِنْ قَوْلِنَا إزَالَةُ مِلْكِ النِّكَاحِ أَنَّهُ لَوْ خَالَعَ الْمُطَلَّقَةَ رَجْعِيًّا بِمَالٍ فَإِنَّهُ يَصِحُّ، وَيَجِبُ الْمَالُ، وَلَوْ خَالَعَهَا بِمَالٍ ثُمَّ خَالَعَهَا فِي الْعِدَّةِ لَمْ يَصِحَّ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ، وَلَكِنْ يَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ مَا إذَا خَالَعَهَا بَعْدَ الْخُلْعِ حَيْثُ لَمْ يَصِحَّ وَبَيْنَ مَا إذَا طَلَّقَهَا بِمَالٍ بَعْدَ الْخُلْعِ حَيْثُ يَقَعُ، وَلَا يَجِبُ الْمَالُ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي آخِرِ الْكِنَايَاتِ، وَخَرَجَ الْخُلْعُ بَعْدَ الطَّلَاقِ الْبَائِنِ، وَبَعْدَ الرِّدَّةِ فَإِنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ فِيهِمَا فَلَا يَسْقُطُ الْمَهْرُ، وَيَبْقَى لَهُ بَعْدَ الْخُلْعِ وِلَايَةُ الْجَبْرِ عَلَى النِّكَاحِ فِي الرِّدَّةِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ. (قَوْلُهُ الْوَاقِعُ بِهِ، وَبِالطَّلَاقِ عَلَى مَالِ طَلَاقٍ بَائِنٍ) أَيْ بِالْخُلْعِ الشَّرْعِيِّ أَمَّا الْخُلْعُ فَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْخُلْعُ تَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ، وَلِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الطَّلَاقَ حَتَّى صَارَ مِنْ الْكِنَايَاتِ، وَالْوَاقِعُ بِالْكِنَايَةِ بَائِنٌ، وَفِي الْخُلَاصَةِ، وَلَوْ قَضَى بِكَوْنِ الْخُلْعِ فَسْخًا قِيلَ يَنْفُذُ، وَقِيلَ لَا. اهـ. وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ قَضَى فِي فَصْلٍ مُجْتَهِدٍ فِيهِ، وَمَذْهَبُنَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ، وَمِنْ الْعُلَمَاءِ   [منحة الخالق] [بَابُ الْخُلْعِ] تَرَكَ الْمُؤَلِّفُ مِنْ عِبَارَةِ الْمَتْنِ قَوْلَهُ هُوَ الْفَصْلُ مِنْ النِّكَاحِ، وَلَعَلَّهُ سَاقِطٌ مِنْ نُسْخَتِهِ (قَوْلُهُ وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَيْضًا) أَيْ عَلَى مَا فِي الْفَتْحِ قَالَ فِي النَّهْرِ مَنْ تَأَمَّلَ قَوْلَهُ فِي الْفَتْحِ الطَّلَاقُ عَلَى مَا لَيْسَ هُوَ الْخُلْعُ بَلْ فِي حُكْمِهِ لَا مُطْلَقًا، وَإِلَّا لَجَرَى فِيهِ الْخِلَافُ فِي أَنَّهُ فَسْخٌ، وَفِي سُقُوطِ الْمَهْرِ عُلِمَ أَنَّ الْمُبَارَاةَ مِنْ أَلْفَاظِ الْخُلْعِ، وَأَمَّا الْخُلْعُ بِلَفْظِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فَلَا يَرِدُ لِأَنَّهُ يَرَى مَا فِي الْخَانِيَّةِ. اهـ. وَنَقَلَ فِي حَاشِيَةِ مِسْكِينٍ عَنْ شَيْخِهِ أَنَّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ غَيْرُ مَوْجُودَةٍ فِي خَطِّ صَاحِبِ النَّهْرِ وَالْمَوْجُودُ فِيهِ وَأَقُولُ: لَا حَاجَةَ إلَى مَا زِيدَ إذْ الْمُبَارَاةُ لَيْسَتْ خُلْعًا بَلْ كَالْخُلْعِ فِي حُكْمِهِ عَلَى مَا سَتَعْرِفُهُ. اهـ. (قَوْلُهُ لَكِنْ يَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ إلَخْ) أَقُولُ: الْفَرْقُ ظَاهِرٌ، وَهُوَ أَنَّ الْخُلْعَ بَعْدَ الْخُلْعِ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّ الْبَائِنَ لَا يَلْحَقُ الْبَائِنَ أَمَّا الطَّلَاقُ بِمَالٍ بَعْدَ الْخُلْعِ إنَّمَا صَحُّ لِأَنَّهَا بِالْخُلْعِ بَانَتْ مِنْهُ، وَالطَّلَاقُ بِمَالٍ لَا يُفِيدُ الْبَيْنُونَةَ لِحُصُولِهَا قَبْلَهُ، وَالْمَالُ إنَّمَا يَلْزَمُ بِمُقَابَلَةِ مِلْكِهَا نَفْسَهَا فَإِذَا كَانَتْ مَالِكَةً نَفْسَهَا بِالْخُلْعِ لَمْ يَلْزَمْ الْمَالُ لِعَدَمِ مَا يَقْتَضِي لُزُومَهُ فَيَقَعُ بِالطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ فَقَطْ لِعَدَمِ لُزُومِ الْمَالِ، وَالرَّجْعِيُّ يَلْحَقُ الْبَائِنَ بِخِلَافِ مَا إذَا طَلَّقَهَا بِمَالٍ ثُمَّ خَلَعَهَا فَإِنَّهُ يَلْزَمُ الْمَالُ، وَلَا يَصِحُّ الْخُلْعُ لِأَنَّهَا بَانَتْ مِنْهُ بِالطَّلَاقِ [الْخُلْعُ تَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ] (قَوْلُهُ قِيلَ يَنْفُذُ، وَقِيلَ لَا) قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ إنَّ قُضَاةَ هَذَا الزَّمَانِ لَيْسَ لَهُمْ إلَّا الْقَضَاءُ بِالصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ كَوْنُهُ بَائِنًا اهـ. قَالَ فِي حَاشِيَةِ مِسْكِينٍ وَذَكَرَ فِي دِيبَاجَةِ الدُّرِّ الْمُخْتَارِ نَقْلًا عَنْ الشَّيْخِ قَاسِمٍ فِي تَصْحِيحِهِ أَنَّ الْحُكْمَ وَالْإِفْتَاءَ بِالْقَوْلِ الْمَرْجُوحِ جَهْلٌ وَخَرْقٌ لِلْإِجْمَاعِ، وَأَنَّ الْخِلَافَ خَاصٌّ بِالْقَاضِي الْمُجْتَهِدِ، وَأَمَّا الْمُقَلِّدُ فَلَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ بِخِلَافِ مَذْهَبِهِ أَصْلًا كَمَا فِي الْقُنْيَةِ وَلَا سِيَّمَا فِي زَمَانِنَا فَإِنَّ السُّلْطَانَ يَنُصُّ فِي مَنْشُورِهِ عَلَى نَهْيِهِ عَنْ الْقَضَاءِ بِالْأَقْوَالِ الضَّعِيفَةِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 77 مَنْ قَالَ بِعَدَمِ مَشْرُوعِيَّتِهِ أَصْلًا، وَمِنْهُمْ مَنْ قَيَّدَهُ بِمَا إذَا كَرِهَتْهُ، وَخَافَ أَنْ لَا يُوَفِّيَهَا حَقَّهَا، وَأَنْ لَا تُوَفِّيَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا يَجُوزُ إلَّا بِإِذْنِ السُّلْطَانِ، وَقَالَتْ الْحَنَابِلَةُ لَا يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ بَلْ هُوَ فَسْخٌ بِشَرْطِ عَدَمِ نِيَّةِ الطَّلَاقِ فَلَا يَنْقُصُ الْعَدَدُ، وَقَالَ قَوْمٌ وَقَعَ بِهِ رَجْعِيٌّ فَإِنْ رَاجَعَهَا رَدَّ الْبَدَلَ الَّذِي أَخَذَهُ، وَتَمَامُهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ بِغَيْرِ عِوَضٍ أَيْضًا، وَمَا إذَا وَقَعَ بِلَفْظِ الْخُلْعِ أَوْ الْبَيْعِ أَوْ الْمُبَارَاةِ، وَمَا إذَا لَمْ يَنْوِ الطَّلَاقَ بِهِ، وَلَكِنْ بِشَرْطِ ذِكْرِ الْعِوَضِ حَتَّى لَوْ قَالَ لَمْ أَعْنِ الطَّلَاقَ مَعَ ذِكْرِهِ لَا يُصَدَّقُ قَضَاءً، وَيُصَدَّقُ دِيَانَةً لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَالِمٌ بِمَا فِي سِرِّهِ لَكِنْ لَا يَسَعُ الْمَرْأَةُ أَنْ تُقِيمَ مَعَهُ لِأَنَّهَا كَالْقَاضِي لَا تَعْرِفُ مِنْهُ إلَّا الظَّاهِرَ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ، وَحَالُ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ كَالنِّيَّةِ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ ادَّعَى الِاسْتِثْنَاءَ أَوْ الشَّرْطَ فِي الْخُلْعِ، وَكَذَّبَتْهُ فِيهِ فَالْقَوْلُ لَهُ إلَى أَنْ قَالَ، وَالْفَتْوَى عَلَى صِحَّةِ دَعْوَى الْمُغَيَّرِ وَالْمُبْطَلِ إلَّا إذَا ظَهَرَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْتِزَامِ الْبَدَلِ أَوْ قَبْضِهِ أَوْ نَحْوِهِ ادَّعَى الِاسْتِثْنَاءَ، وَقَالَ قَبَضْت مَا قَبَضْت مِنْك بِحَقٍّ لِي عَلَيْك، وَقَالَتْ بَلْ لِبَدَلِ الْخُلْعِ فَالْقَوْلُ لَهُ لِأَنَّهُ أَنْكَرَ وُجُوبَ الْبَدَلِ عَلَيْهَا، وَأَقَرَّ أَنَّ لَهُ عَلَيْهَا مَالًا وَاحِدًا لَا مَالَيْنِ، وَالْمَرْأَةُ مُقِرَّةٌ أَنَّ لَهُ عَلَيْهَا مَالًا آخَرَ فَيَكُونُ الْقَوْلُ لَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَدَّعِ الِاسْتِثْنَاءَ لِأَنَّهُ يَدَّعِي عَلَيْهَا بَدَلَ الْخُلْعِ، وَهِيَ تُنْكِرُ فَالْقَوْلُ لَهَا اهـ. وَأَمَّا إذَا لَمْ يَذْكُرْ الْعِوَضَ فَهُوَ مِنْ الْكِنَايَاتِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى النِّيَّةِ أَوْ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ إنْ كَانَ بِلَفْظِ الْخُلْعِ أَوْ الْمُبَارَاةِ، وَإِنْ كَانَ بِلَفْظِ الْبَيْعِ كَبِعْت نَفْسَك أَوْ طَلَاقَك فَلَا لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ، وَقَدْ أَفَادَ بِوُقُوعِ الْبَائِنِ حُكْمَهُ، وَسَيَأْتِي بَيَانُ صِفَتِهِ أَنَّهُ يَمِينٌ مِنْ جَانِبِهِ مُعَاوَضَةٌ مِنْ جَانِبِهَا فَلَا يَصِحُّ رُجُوعُهُ عَنْهُ، وَلَا يَبْطُلُ بِقِيَامِهِ عَنْ الْمَجْلِسِ، وَصَحَّ مُضَافًا مِنْهُ، وَانْعَكَسَتْ الْأَحْكَامُ فِي حَقِّهَا لَوْ بَدَأَتْ كَمَا سَيَأْتِي، وَلَمْ يَذْكُرْ شَرْطَهُ لِأَنَّ شَرْطَهُ شَرْطُ الطَّلَاقِ، وَلَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ الْقَبُولِ مِنْهَا حَيْثُ كَانَ عَلَى مَالٍ أَوْ كَانَ بِلَفْظِ خَالَعْتكِ أَوْ اخْتَلِعِي، وَلِذَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ لَهَا اخْتَلِعِي فَقَالَتْ اخْتَلَعْتُ تَطْلُقُ، وَيَسْقُطُ الْمَهْرُ لِأَنَّ قَوْلَ اخْتَلِعِي أَمْرٌ بِالطَّلَاقِ بِلَفْظِ الْخُلْعِ، وَالْمَرْأَةُ تَمْلِكُ الطَّلَاقَ بِأَمْرِ الزَّوْجِ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك طَلَاقًا بَائِنًا بِخِلَافِ قَوْلِهِ اشْتَرِي نَفْسَكِ مِنِّي فَقَالَتْ اشْتَرَيْت لَا تَطْلُقُ مَا لَمْ يَقُلْ الزَّوْجُ بِعْت لِأَنَّهُ أَمْرٌ بِالْخُلْعِ الَّذِي هُوَ مُعَاوَضَةٌ لِأَنَّ الشِّرَاءَ مُعَاوَضَةٌ فَلَا يَصِحُّ الْأَمْرُ إذَا لَمْ يَكُنْ الْبَدَلُ مَذْكُورًا مَعْلُومًا، وَأَمَّا إذَا ذَكَرَ مَالًا جَهُولًا بِأَنْ قَالَ اخْلَعِي نَفْسَك بِمَالٍ فَقَالَتْ اخْتَلَعْت نَفْسِي بِأَلْفِ دِرْهَمٍ لَا يَتِمُّ الْخُلْعُ، وَلَا تَطْلُقُ حَتَّى يَقُولَ الزَّوْجُ خَلَعْت لِأَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ تَفْوِيضُ الْخُلْعِ إلَيْهَا لِأَنَّهُ إذَا ذَكَرَ الْمَالَ كَانَ خُلْعًا حَقِيقَةً. وَالْخُلْعُ لَا يَصِحُّ إلَّا بِتَسْمِيَةِ الْبَدَلِ، وَالْبَدَلُ هَاهُنَا مَجْهُولٌ فَلَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ ذَكَرَ مَالًا مَعْلُومًا بِأَنْ قَالَ اخْلَعِي نَفْسَك بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَقَالَتْ اخْتَلَعْت بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، وَلَمْ يَقُلْ الزَّوْجُ خَلَعْت أَوْ قَالَتْ الْمَرْأَةُ خَالَعَنِي بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَقَالَ الزَّوْجُ خَالَعْت، وَلَمْ تَقُلْ   [منحة الخالق] فَكَيْفَ بِخِلَافِ مَذْهَبِهِ فَيَكُونُ مَعْزُولًا بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِ الْمُعْتَمَدِ مِنْ مَذْهَبِهِ فَلَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ فِيهِ وَيُنْقَضُ كَمَا بَسَطَ فِي قَضَاءِ الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ وَالنَّهْرِ فَكَانَ مَا فِي الْبَحْرِ هُنَا مِنْ قَوْلِهِ. وَالظَّاهِرُ النَّفَاذُ خِلَافُ الْمُعْتَمَدِ. اهـ. وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ فَإِنَّ مُرَادَ الْمُؤَلِّفِ أَنَّهُ لَوْ قَضَى بِهِ قَاضٍ يَرَى كَوْنَهُ فَسْخًا كَالْحَنْبَلِيِّ يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ لِكَوْنِهِ فِي فَصْلٍ مُجْتَهِدٍ فِيهِ لَيْسَ مِمَّا خَالَفَ كِتَابًا، وَلَا سُنَّةً مَشْهُورَةً، وَلَا إجْمَاعًا، وَإِذَا رُفِعَ لِحَنَفِيٍّ أَمْضَاهُ أَمَّا لَوْ كَانَ وَاحِدًا مِمَّا ذَكَرَ فَإِنَّهُ يَنْقُضُهُ لِعَدَمِ نَفَاذِ الْقَضَاءِ فِيهَا كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَحَلِّهِ (قَوْلُهُ ادَّعَى الِاسْتِثْنَاءَ إلَخْ) هَذَا كَالِاسْتِثْنَاءِ مِنْ قَوْلِهِ إلَّا إذَا ظَهَرَ مَا ذَكَرْنَا إلَخْ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ دَعْوَاهُ الِاسْتِثْنَاءَ مَقْبُولَةٌ إلَّا إذَا ذَكَرَ فِي عَقْدِ الْخُلْعِ الْبَدَلَ فَإِنَّ التَّصْرِيحَ بِذِكْرِ الْبَدَلِ قَرِينَةٌ عَلَى قَصْدِ الْخُلْعِ فَلَا يُصَدَّقُ فِي دَعْوَى إبْطَالِهِ بِالِاسْتِثْنَاءِ إلَّا إذَا ادَّعَى أَنَّ مَا قَبَضَهُ لَيْسَ بَدَلَ الْخُلْعِ بَلْ هُوَ حَقٌّ آخَرُ كَدَيْنٍ أَوْ وَدِيعَةٍ فَتُقْبَلُ حِينَئِذٍ دَعْوَاهُ الِاسْتِثْنَاءَ لِانْتِفَاءِ الْقَرِينَةِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِيمَا قَبَضَهُ لَمْ يَبْقَ الْخُلْعُ بِبَدَلٍ لَكِنْ فِيهِ أَنَّ الْقَرِينَةَ عَلَى قَصْدِ الْخُلْعِ هِيَ ذِكْرُ الْبَدَلِ فِي عَقْدِ الْخُلْعِ لَا قَبْضُهُ بَعْدَهُ فَإِذَا ذَكَرَ الْبَدَلَ ثُمَّ قَبَضَ مِنْهَا مَالًا ثُمَّ ادَّعَى الِاسْتِثْنَاءَ، وَادَّعَى أَنَّ مَا قَبَضَهُ حَقٌّ آخَرُ غَيْرُ الْبَدَلِ لَمْ تَنْتَفِ قَرِينَةُ قَصْدِ الْخُلْعِ فَلَا تَصِحُّ دَعْوَاهُ الِاسْتِثْنَاءَ، وَيَبْقَى عَقْدُ الْخُلْعِ بِبَدَلٍ فَلَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُ أَنَّ مَا قَبَضَهُ حَقٌّ آخَرُ لِأَنَّهُ حَيْثُ بَقِيَ الْبَدَلُ يَكُونُ الْقَوْلُ لِلْمَرْأَةِ فِي أَنَّ مَا دَفَعَتْهُ بَدَلُ الْخُلْعِ لَا غَيْرُهُ لِأَنَّ الْقَوْلَ لِلْمِلْكِ، وَحِينَئِذٍ فَلَمْ يَبْقَ فَرْقٌ بَيْنَ دَعْوَى الِاسْتِثْنَاءِ، وَعَدَمِهَا حَيْثُ يَكُونُ الْقَوْلُ لِلْمَرْأَةِ فِي الصُّورَتَيْنِ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ مَذْكُورٌ بِعَيْنِهِ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ لَكِنَّهُ قَالَ فِي آخِرِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ، وَلَمْ يُبَيِّنْ وَجْهَهُ، وَلَعَلَّ مَا ذَكَرْنَاهُ هُوَ مُرَادُ صَاحِبِ الْفُصُولَيْنِ بِالنَّظَرِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَدَّعِ الِاسْتِثْنَاءَ إلَخْ) ذَكَرَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ عَقِبَ قَوْلِهِ وَالْقَوْلُ لَهَا مَا نَصُّهُ دَفَعَتْ بَدَلَ الْخُلْعِ، وَزَعَمَ الزَّوْجُ أَنَّهُ قَبَضَهُ بِجِهَةٍ أُخْرَى أَفْتَى الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ أَنَّ الْقَوْلَ لَهُ، وَقِيلَ لَهَا لِأَنَّهَا الْمُمَلَّكَةُ. (قَوْلُهُ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى النِّيَّةِ أَوْ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ إلَخْ) سَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِهِ وَيَسْقُطُ الْخُلْعُ، وَالْمُبَارَاةُ إلَخْ أَنَّ الْمَشَايِخَ لَمْ يَشْتَرِطُوا النِّيَّةَ فِي الْخُلْعِ لِغَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ، وَلِأَنَّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 78 الْمَرْأَةُ قَبِلْت تَمَّ الْخُلْعُ فِي رِوَايَةٍ، وَلَمْ يَتِمَّ فِي أُخْرَى، وَالْكِتَابَةُ وَالصُّلْحُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ اشْتَرِي ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ بِكَذَا فَقَالَتْ اشْتَرَيْت بِخِلَافِ النِّكَاحِ وَفِي النَّوَادِرِ، وَلَوْ قَالَ لَهَا اشْتَرَيْت مِنِّي ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ بِكَذَا فَقَالَتْ اشْتَرَيْت لَا يَتِمُّ الْخُلْعُ مَا لَمْ يَقُلْ الزَّوْجُ بِعْت، وَهُوَ الصَّحِيحُ إلَّا إذَا أَرَادَ بِهِ التَّحْقِيقَ دُونَ الْمُسَاوَمَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الْأَمْرُ بِالْخُلْعِ، وَالْخُلْعُ مُعَاوَضَةٌ فَلَا يَتِمُّ بِرُكْنٍ وَاحِدٍ. اهـ. وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ كُلُّ طَلَاقٍ وَقَعَ بِشَرْطٍ لَيْسَ بِمَالٍ فَهُوَ رَجْعِيٌّ، وَفِيهِ أَنَّ الْقَبُولَ فِي الْمُعَلَّقِ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ، وَفِي الْكَافِي الْقَبُولُ فِي الْمُضَافِ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ وُجُودِ الْوَقْتِ، وَلَا يَصِحُّ الْقَبُولُ قَبْلَهُ لِأَنَّ الْإِيجَابَ مُعَلَّقٌ بِالشَّرْطِ، وَالْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ عَدَمٌ قَبْلَ الشَّرْطِ فَلَا يَصِحُّ الْقَبُولُ قَبْلَ الْإِيجَابِ. اهـ. وَفِي التَّجْنِيسِ مَا يُفِيدُ صِحَّةَ الْقَبُولِ فِي الْمُعَلَّقِ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ فَإِنَّهُ قَالَ لَوْ قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَقَدْ خَلَعْتُك عَلَى أَلْفٍ فَتَرَاضَيَا عَلَيْهِ فَفَعَلَتْ صَحَّ الْخُلْعُ، وَفِي الْوَجِيزِ كَمَا فِي الْكَافِي، وَأَقُولُ: لَوْ قِيلَ بِصِحَّةِ الْقَبُولِ فِي الْمُضَافِ قَبْلَ وُجُودِ الْوَقْتِ لِانْعِقَادِهِ سَبَبًا لِلْحَالِ عِنْدَنَا، وَبِعَدَمِ صِحَّتِهِ فِي الْمُعَلَّقِ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ لِعَدَمِ انْعِقَادِهِ سَبَبًا لِلْحَالِ لَكَانَ حَسَنًا لِتَخْرِيجِهِ عَلَى الْأُصُولِ، وَفِي الْمُجْتَبَى بَاعَ طَلَاقَهَا مِنْهَا بِمَهْرِهَا فَهُوَ بَرَاءَةٌ مِنْ الْمَهْرِ، وَالطَّلَاقُ رَجْعِيٌّ، وَيُشْتَرَطُ فِي قَبُولِهَا عِلْمُهَا بِمَعْنَاهُ. فَلَوْ قَالَ لَهَا اخْتَلِعِي نَفْسَك بِكَذَا ثُمَّ لَقَّنَهَا بِالْعَرَبِيَّةِ حَتَّى قَالَتْ اخْتَلَعْتُ، وَهِيَ لَا تَعْلَمُ بِذَلِكَ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْخُلْعُ مَا لَمْ تَعْلَمْ الْمَرْأَةُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ كَالْبَيْعِ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، وَالتَّدْبِيرِ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ مَحْضٌ، وَالْإِسْقَاطُ يَصِحُّ مَعَ الْجَهْلِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَقَوْلُهَا فَعَلْت فِي جَوَابِ قَوْلِهِ خَلَعْت نَفْسَك مِنِّي بِكَذَا لَيْسَ بِقَبُولٍ عَلَى الصَّحِيحِ الْمُخْتَارِ إلَّا إذَا أَرَادَ بِهِ التَّحْقِيقَ، وَلَوْ قَالَتْ لِزَوْجِهَا اخْلَعْنِي عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ فَقَالَ الزَّوْجُ مُجِيبًا لَهَا أَنْت طَالِقٌ صَارَ كَقَوْلِهِ خَلَعْتُك لِأَنَّ هَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ جَوَابًا فَيُجْعَلُ جَوَابًا لَهَا، وَهُوَ الْمُخْتَارُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَلَوْ قَالَ بِعْت مِنْك طَلَاقَك بِمَهْرِك فَقَالَتْ طَلَّقْت نَفْسِي بَانَتْ مِنْهُ بِمَهْرِهَا بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهَا اشْتَرَيْت لِأَنَّهُ يَصِحُّ جَوَابًا، وَيَصِحُّ ابْتِدَاءً فَيُجْعَلُ جَوَابًا لَهَا، وَقِيلَ يَقَعُ رَجْعِيًّا، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، وَلَوْ قَالَ لَهَا اخْلَعِي نَفْسَك فَقَالَتْ قَدْ طَلَّقْت لَزِمَهَا الْمَالُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِغَيْرِ مَالٍ، وَلَوْ قَالَ بِعْت مِنْك تَطْلِيقَةً فَقَالَتْ اشْتَرَيْت يَقَعُ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا مَجَّانًا لِأَنَّهُ صَرِيحٌ، وَلَوْ قَالَ لَهَا بِعْت نَفْسَك مِنْك فَقَالَتْ اشْتَرَيْت يَقَعُ الطَّلَاقُ بَائِنًا لِأَنَّ هَذَا كِنَايَةٌ، وَهِيَ بَائِنَةٌ، وَلَوْ قَالَ لَهَا بِعْت مِنْك أَمْرَك بِأَلْفِ دِرْهَمٍ إنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فِي الْمَجْلِسِ وَقَعَ الطَّلَاقُ، وَلَزِمَهَا الْمَالُ لِأَنَّهُ مَلَّكَهَا الطَّلَاقَ بِالْمَالِ فَإِذَا اخْتَارَتْ فَقَدْ تَمَلَّكَتْ، وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَقَدْ بِعْت طَلَاقَهَا مِنْك بِدِرْهَمٍ ثُمَّ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَالْقَبُولُ إلَيْهَا بَعْدَ التَّزَوُّجِ فَإِنْ قَبِلَتْ بَعْدَ التَّزَوُّجِ طَلَاقَهَا أَوْ طَلَّقَتْهَا يَقَعُ، وَإِنْ قَبِلَتْ قَبْلَهُ لَا يَقَعُ لِأَنَّ هَذَا الْكَلَامَ مِنْ الزَّوْجِ خُلْعٌ بَعْدَ التَّزَوُّجِ فَيُشْتَرَطُ الْقَبُولُ بَعْدَهُ. وَلَوْ قَالَتْ الْمَرْأَةُ بِعْت مِنْك مَهْرِي، وَنَفَقَةَ عِدَّتِي فَقَالَ اشْتَرَيْت فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ لِأَنَّ الزَّوْجَ مَا بَاعَ نَفْسَهَا، وَلَا طَلَاقَهَا مِنْهَا إنَّمَا اشْتَرَى مَهْرَهَا، وَهَذَا لَا يَكُونُ طَلَاقًا لَكِنَّ الْأَحْوَطَ أَنْ يُجَدِّدَ النِّكَاحَ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَفِي الْقُنْيَةِ فِي بَابِ الْمَعْقُودِ لِلْمَسَائِلِ الَّتِي لَمْ يُوجَدْ فِيهَا رِوَايَةٌ، وَلَا جَوَابٌ شَافٍ   [منحة الخالق] الْغَالِبَ كَوْنُهُ بَعْدَ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ إلَخْ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ كُلُّ طَلَاقٍ وَقَعَ بِشَرْطٍ إلَخْ) فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إذَا دَخَلْت الدَّارَ فَقَدْ خَلَعْتُك عَلَى أَلْفٍ فَدَخَلَتْ الدَّارَ يَقَعُ الطَّلَاقُ بِأَلْفٍ يُرِيدُ بِهِ إذَا قَبِلَتْ عِنْدَ الدُّخُولِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَفِي الْقُنْيَةِ فِي الْبَابِ الْمَعْقُودِ إلَى قَوْلِهِ آخِرَهَا) أَيْ آخِرَ الْقُنْيَةِ وَهُوَ مَذْكُورٌ آخِرَ الْأَبْوَابِ كُلِّهَا هَذَا، وَقَدْ نَقَلَ الرَّمْلِيُّ عَنْهَا زِيَادَةً عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ هُنَا بِرَمْزِ اسنع دبس أَنَّ الْوَاقِعَ فِيهَا رَجْعِيٌّ وَيَبْرَأُ الزَّوْجُ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى الرَّجْعِيِّ، وَمُقَابَلَتُهُ بِالْمَالِ لَا تُغَيِّرُهُ إلَى أَنْ قَالَ ثُمَّ أَجَابَ عَنْ مَسْأَلَةِ الزِّيَادَاتِ فَرَاجِعْهُ اهـ. قُلْت قَدْ رَاجَعْت النُّسْخَةَ الَّتِي عِنْدِي فَلَمْ أَرَ فِيهَا زِيَادَةً عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ هُنَا عَنْهَا، وَكَذَا رَاجَعْت غَيْرَ ذَلِكَ الْبَابِ مِنْ مَظَانِّ الْمَسْأَلَةِ فَلَمْ أَجِدْ ذَلِكَ فَلَعَلَّ نُسْخَتَهُ فِيهَا تِلْكَ الزِّيَادَةُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ثُمَّ رَأَيْت فِي ذَلِكَ آخِرَ الْحَاوِي لِصَاحِبِ الْقُنْيَةِ حَيْثُ قَالَ اسنع دبس، وَالْوَاقِعُ فِيهَا رَجْعِيٌّ، وَيَبْرَأُ الزَّوْجُ لِاتِّفَاقِهِمَا وَتَرَاضِيهِمَا عَلَى وُقُوعِ الطَّلَاقِ رَجْعِيًّا، وَمُقَابَلَتِهِ بِالْمَالِ بَعْدَمَا كَانَ مَوْصُوفًا بِالرَّجْعِيِّ لَا بِغَيْرِهِ. وَذَكَرَ الْمَصْدَرَ لِلتَّأْكِيدِ كَمَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ طَلَاقًا وَاحِدًا فَالْوَاقِعُ بِهِ رَجْعِيٌّ، وَإِنْ لَمْ يَصِفْهُ بِالرَّجْعِيَّةِ، وَلَمْ يَتَّفِقَا عَلَيْهَا، وَعِنْدَ اتِّفَاقِهِمَا وَرِضَاهُمَا بِالرَّجْعِيَّةِ وَتَوْصِيفِهِ بِهَا بِالطَّرِيقِ الْأُولَى أَنَّ الْوَاقِعَ فِيهِ رَجْعِيٌّ، وَلَمَّا كَانَ الْوَاقِعُ بِهِ رَجْعِيًّا فَمِنْ ضَرُورَتِهِ الْإِبْرَاءُ، وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الزِّيَادَاتِ فَهِيَ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ طَالِبَةً مِنْهُ طَلْقَتَيْنِ بَائِنَتَيْنِ بِأَلْفٍ فَتُغَيِّرُ مُقَابَلَةُ الْمَالِ مَا وَصَفَهُ الزَّوْجُ مِنْ الرَّجْعِيِّ إلَى مَا طَلَبَتْهُ مِنْ الْبَائِنِ لِأَنَّهَا لَمْ تَرْضَ بِلُزُومِ الْأَلْفِ مَعَ بَقَاءِ النِّكَاحِ فَيَلْغُو مَا وَصَفَهُ بِهِ بِمُقَابَلَتِهِ، وَلِأَنَّ الْبَاءَ تَصْحَبُ الْأَعْوَاضَ، وَالْعِوَضُ يَسْتَلْزِمُ الْمُعَوَّضَ، وَلَوْ وَقَعَ رَجْعِيًّا يَلْغُو مَعْنَى الْبَاءِ لِلَغْوِ الْمُعَوَّضِ، وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ لِاسْتِلْزَامِ وُجُودِ الْعِوَضِ، وَهُوَ لُزُومُ الْأَلْفِ وُجُودَ الْمُعَوَّضِ، وَهُوَ انْصِرَامُ النِّكَاحِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 79 لِلْمُتَأَخِّرِينَ آخِرَهَا قَالَتْ لِزَوْجِهَا أَبْرَأْتُك مِنْ الْمَهْرِ بِشَرْطِ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ فَقَالَ لَهَا أَنْت طَالِقٌ طَلَاقًا رَجْعِيًّا يَقَعُ بَائِنًا لِلْمُقَابَلَةِ فِي الْمَالِ كَمَسْأَلَةِ الزِّيَادَاتِ أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ رَجْعِيًّا، وَغَدًا أُخْرَى بِأَلْفٍ فَالْأَلْفُ مُقَابِلٌ بِهِمَا، وَهُمَا بَائِنَتَانِ أَمْ رَجْعِيًّا، وَهَلْ يَبْرَأُ الزَّوْجُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ صُورَةً أَوْ لَا يَبْرَأُ اهـ. وَفِي الذَّخِيرَةِ أَنْتِ طَالِقٌ السَّاعَةَ وَاحِدَةٌ، وَغَدًا أُخْرَى بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَقَبِلَتْ وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ فِي الْحَالِ بِنِصْفِ الْأَلْفِ، وَأُخْرَى غَدًا بِغَيْرِ شَيْءٍ، وَإِنْ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ مَجِيءِ الْغَدِ ثُمَّ جَاءَ الْغَدُ تَقَعُ أُخْرَى بِخَمْسِمِائَةٍ أَنْتِ طَالِقٌ السَّاعَةَ وَاحِدَةٌ أَمْلِكُ الرَّجْعَةَ، وَغَدًا أُخْرَى بِأَلْفٍ فَقَبِلَتْ وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ لِلْحَالِ بِغَيْرِ شَيْءٍ، وَفِي الْغَدِ أُخْرَى بِالْأَلْفِ، وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ الْيَوْمَ بَائِنَةٌ، وَغَدًا أُخْرَى بِأَلْفٍ وَقَعَ لِلْحَالِ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ بِغَيْرِ شَيْءٍ، وَغَدًا أُخْرَى بِالْأَلْفِ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً، وَأَنْتِ طَالِقٌ أُخْرَى بِأَلْفٍ فَقَبِلَتْ وَقَعَتَا بِأَلْفٍ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ السَّاعَةَ وَاحِدَةً أَمْلِكُ الرَّجْعَةَ، وَغَدًا أُخْرَى أَمْلِكُ الرَّجْعَةَ بِأَلْفٍ فَقَبِلَتْ انْصَرَفَ الْبَدَلُ إلَيْهِمَا، وَكَذَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ السَّاعَةَ ثَلَاثًا، وَغَدًا أُخْرَى بَائِنَةً بِأَلْفٍ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ السَّاعَةَ وَاحِدَةً بِغَيْرِ شَيْءٍ، وَغَدًا أُخْرَى بِغَيْرِ شَيْءٍ بِالْأَلْفِ فَالْبَدَلُ يَنْصَرِفُ إلَيْهِمَا اهـ. (قَوْلُهُ وَلَزِمَهَا الْمَالُ) أَيْ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ لِأَنَّهُ مَا رَضِيَ بِخُرُوجِ بُضْعِهَا عَنْ مِلْكِهِ إلَّا بِهِ فَلَزِمَهَا الْمَالُ بِالْقَبُولِ، وَلَوْ قَالَ وَكَانَ الْمُسَمَّى لَهُ لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ مَا إذَا قَبِلَهُ غَيْرُهَا، وَسَيَأْتِي آخِرُ الْبَابِ بَيَانُ خُلْعِ الْفُضُولِيِّ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَلِيَشْمَلَ الْإِبْرَاءَ حَتَّى لَوْ قَالَتْ لَهُ أَبْرَأْتُك عَمَّا لِي عَلَيْك عَلَى طَلَاقِي فَفَعَلَ جَازَتْ الْبَرَاءَةُ، وَكَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا، وَكَذَا لَوْ طَلَّقَهَا عَلَى أَنْ تُبْرِئَهُ مِنْ الْأَلْفِ الَّتِي كَفَّلَ بِهَا لِلْمَرْأَةِ مِنْ فُلَانٍ صَحَّ، وَالطَّلَاقُ بَائِنٌ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَقَيَّدَ بِهِ احْتِرَازًا عَنْ التَّأْخِيرِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ، وَإِنَّمَا تَتَأَخَّرُ فِيهِ الْمُطَالَبَةُ كَمَا لَوْ قَالَتْ لَهُ طَلِّقْنِي عَلَى أَنْ أُؤَخِّرَ مَالِي عَلَيْك فَطَلَّقَهَا فَإِنْ كَانَ لِلتَّأْخِيرِ غَايَةٌ مَعْلُومَةٌ صَحَّ التَّأْخِيرُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَايَةٌ مَعْلُومَةٌ لَا يَصِحُّ، وَالطَّلَاقُ رَجْعِيٌّ عَلَى كُلِّ حَالٍ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ أَيْضًا، وَلَوْ قَالَ قَدْ خَلَعْتُك عَلَى أَلْفٍ قَالَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَقَبِلَتْ طَلَقَتْ ثَلَاثًا بِثَلَاثَةِ آلَافٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ إلَّا بِقَبُولِهَا لِأَنَّ الطَّلَاقَ يَتَعَلَّقُ بِقَبُولِهَا فِي الْخُلْعِ فَوَقَعَ الثَّلَاثُ عِنْدَ قَبُولِهَا جُمْلَةً بِثَلَاثَةِ آلَافٍ، وَلَوْ قَالَ بِعْت مِنْك تَطْلِيقَةً بِأَلْفٍ فَقَالَتْ اشْتَرَيْت ثُمَّ قَالَهُ ثَانِيًا، وَثَالِثًا كَذَلِكَ، وَقَالَ إنْ أَرَدْت التَّكْرَارَ لَا يُصَدَّقُ، وَيَقَعُ الثَّلَاثُ، وَلَمْ يُلْزِمْهَا إلَّا بِأَلْفٍ لِأَنَّهَا مَلَكَتْ نَفْسَهَا بِالْأُولَى، وَقَدْ صَرَّحَ بِالطَّلَاقِ فِي اللَّفْظَةِ الثَّانِيَةِ، وَالثَّالِثَةِ، وَالصَّرِيحُ يَلْحَقُ الْبَائِنَ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَلَوْ اتَّفَقَا عَلَى الْخُلْعِ، وَقَالَتْ بِغَيْرِ جُعْلٍ فَالْقَوْلُ لَهَا لِأَنَّ صِحَّةَ الْخُلْعِ لَا تَسْتَدْعِي الْبَدَلَ فَتَكُونُ مُنْكِرَةً فَيَكُونُ الْقَوْلُ لَهَا، وَلَوْ ادَّعَتْ الْخُلْعَ، وَالزَّوْجُ يُنْكِرُهُ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ، وَالْآخَرُ بِأَلْفٍ، وَخَمْسِمِائَةٍ لَا يُقْبَلُ، وَلَا يَثْبُتُ الْخُلْعُ لِأَنَّهَا تَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِ أَنَّ الزَّوْجَ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِقَبُولِ الْمَالِ، وَالطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ بِقَبُولِ الْأَلْفِ غَيْرُ الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ بِقَبُولِ الْأَلْفَيْنِ إذْ هُمَا شَرْطَانِ مُخْتَلِفَانِ فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ يَشْهَدُ بِغَيْرِ   [منحة الخالق] مِنْ بَيْنِهِمَا فَيَلْغُو مَا وَصَفَهُ الزَّوْجُ بِمُقَابَلَةِ الْمَالِ فَتَقَعَانِ بِاثْنَيْنِ اهـ. (قَوْلُهُ فَالْأَلْفُ مُقَابَلٌ بِهِمَا) مُخَالِفٌ لِلْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ قَرِيبًا فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ السَّاعَةَ وَاحِدَةً أَمْلِكُ الرَّجْعَةَ إلَخْ فَإِنَّهُ جَعَلَ فِيهَا الْمَالَ فِي مُقَابِلِ الثَّانِيَةِ فَقَطْ، وَهَذَا هُوَ الْمُوَافِقُ لِلْقَاعِدَةِ الْآتِيَةِ عَنْ الْفَتْحِ عِنْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ أَنْتِ كَذَا بِأَلْفٍ مِنْ قَوْلِهِ الْأَصْلُ أَنَّهُ مَتَى ذَكَرَ طَلَاقَيْنِ، وَذَكَرَ عَقِيبَهُمَا مَا لَا يَكُونُ مُقَابَلًا بِهِمَا إلَّا إذَا وَصَفَ الْأَوَّلَ بِمَا يُنَافِي وُجُوبَ الْمَالِ فَيَكُونُ مُقَابَلًا بِالثَّانِي فَقَطْ، وَقَدَّمَ تَفَارِيعَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي بَابِ إضَافَةِ الطَّلَاقِ، وَأَنَّهَا عَلَى وُجُوهٍ عَشَرَةٍ (قَوْلُهُ وَغَدًا أُخْرَى بِالْأَلْفِ) أَيْ إنْ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ مَجِيءِ الْغَدِ، وَإِلَّا تَقَعُ غَدًا أُخْرَى بِغَيْرِ شَيْءٍ لِأَنَّهُ شَرَطَ وُجُوبَ الْمَالِ فِي الثَّانِيَةِ لَمْ يُوجَدْ، وَهُوَ زَوَالُ الْمِلْكِ عَنْهَا بِهَا لِزَوَالِ الْمِلْكِ بِالْأُولَى لِكَوْنِهَا بَائِنَةً ذَخِيرَةٌ (قَوْلُهُ فَقَبِلَتْ انْصَرَفَ الْبَدَلُ إلَيْهِمَا) قَالَ فِي النَّهْرِ وَفِي الزِّيَادَاتِ وَلَزِمَهَا الْمَالُ وَالذَّخِيرَةُ نَصَّ فِي أَنَّهُمَا بَائِنَتَانِ (قَوْلُهُ فَالْبَدَلُ يَنْصَرِفُ إلَيْهِمَا) فَيَكُونُ كُلُّ تَطْلِيقَةٍ بِخَمْسِمِائَةٍ فَيَكُونَانِ بَائِنَتَيْنِ فَتَقَعُ فِي الْحَالِ وَاحِدَةٌ بِنِصْفِ الْأَلْفِ، وَغَدًا أُخْرَى مَجَّانًا إلَّا أَنْ يَتَزَوَّجَهَا قَبْلَ مَجِيءِ الْغَدِ فَتَقَعَ الثَّانِيَةُ غَدًا بِنِصْفِ الْأَلْفِ، وَإِنَّمَا انْصَرَفَ الْبَدَلُ إلَيْهِمَا لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إلْغَاءِ الْوَصْفِ أَوْ الْبَدَلِ، وَإِلْغَاءُ الْمُنَافِي أَوْلَى لِأَنَّهُ ذُكِرَ أَوَّلًا، وَذُكِرَ الْبَدَلُ آخِرًا، وَالْآخِرُ يَكُونُ نَاسِخًا لِلْأَوَّلِ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ السَّاعَةَ وَاحِدَةً أَمْلِكُ الرَّجْعَةَ أَوْ بَائِنَةً بِغَيْرِ شَيْءٍ، وَغَدًا أُخْرَى بِأَلْفٍ يَنْصَرِفُ الْبَدَلُ إلَى الثَّانِيَةِ لِأَنَّهُ قَرَنَ بِالْأُولَى وَصْفًا مُنَافِيًا لِلْبَدَلِ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ السَّاعَةَ وَاحِدَةً، وَغَدًا أُخْرَى أَمْلِكُ الرَّجْعَةَ بِأَلْفٍ يَنْصَرِفُ إلَيْهِمَا لِأَنَّهُ قَرَنَ بِالثَّانِيَةِ وَصْفًا مُنَافِيًا لِلْبَدَلِ فَيَنْصَرِفُ الْبَدَلُ إلَى التَّطْلِيقَتَيْنِ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ مِنْ الْفَصْلِ السَّادِسِ فِي إضَافَةِ الطَّلَاقِ (قَوْلُهُ قَيَّدَ بِهِ احْتِرَازًا عَنْ التَّأْخِيرِ) أَيْ قَيَّدْنَا بِالْمَالِ، وَكَانَ الْأَنْسَبُ كَمَا فَعَلَ فِي النَّهْرِ أَنْ يَذْكُرَهُ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ سَابِقًا، وَالْوَاقِعُ بِهِ، وَبِالطَّلَاقِ عَلَى مَالِ بَائِنِ. (قَوْلُهُ وَالطَّلَاقُ رَجْعِيٌّ عَلَى كُلِّ حَالٍ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ لِلتَّأْخِيرِ غَايَةٌ مَعْلُومَةٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 80 مَا يَشْهَدُ بِهِ الْآخَرُ فَلَا يُقْبَلُ، وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ هُوَ الْمُدَّعِي، وَقَدْ ادَّعَى أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا تُقْبَلُ عَلَى الْأَلْفِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ وَقَعَ بِإِقْرَارِ الزَّوْجِ فَبَقِيَ دَعْوَى الزَّوْجِ دَيْنًا مُجَرَّدًا، وَاتَّفَقَ الشَّاهِدَانِ عَلَى الْأَلْفِ، وَانْفَرَدَ أَحَدُهُمَا بِزِيَادَةِ خَمْسِمِائَةٍ فَيُقْضَى بِمَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ يَدَّعِي أَلْفًا لَا يُقْبَلُ، وَقَدْ كَذَّبَ أَحَدَ شَاهِدَيْهِ لَمَّا عَرَفَ، وَيَقَعُ الطَّلَاقُ بِإِقْرَارِهِ، وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ طَلَّقَهَا قَبْلَ الْخُلْعِ ثَلَاثًا تَسْتَرِدُّ الْمَالَ لِأَنَّهَا بِمُبَاشَرَةِ الْخُلْعِ، وَإِنْ كَانَتْ مُقِرَّةً بِصِحَّةِ الْخُلْعِ ظَاهِرًا فَإِذَا ادَّعَتْ الْفَسَادَ بَعْدَ ذَلِكَ صَارَتْ مُتَنَاقِضَةً فِي الدَّعْوَى إلَّا أَنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الطَّلَاقِ تُقْبَلُ مِنْ غَيْرِ دَعْوَى فَيَثْبُتُ أَنَّهُ أَخَذَ الْمَالَ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ فَلَزِمَهُ الرَّدُّ كَذَا فِي الْمُحِيطِ أَطْلَقَ فِي لُزُومِهَا الْمَالَ فَشَمِلَ الْمُكَاتَبَةَ، وَلَكِنْ لَا يَلْزَمُهَا الْمَالُ إلَّا بَعْدَ الْعِتْقِ، وَلَوْ بِإِذْنِ الْمَوْلَى لِحَجْرِهَا عَنْ التَّبَرُّعِ، وَلَوْ بِإِذْنٍ كَهِبَتِهَا، وَشَمِلَ الْأَمَةَ، وَأُمَّ الْوَلَدِ، وَلَكِنْ بِشَرْطِ إذْنِ الْمَوْلَى فَيَلْزَمُهَا لِلْحَالِ لِانْفِكَاكِ الْحَجْرِ بِإِذْنِ الْمَوْلَى فَظَهَرَ فِي حَقِّهِ كَسَائِرِ الدُّيُونِ فِي الْجَامِعِ لَوْ خَلَعَ الْأَمَةَ مَوْلَاهَا عَلَى رَقَبَتِهَا، وَزَوْجُهَا حُرٌّ فَالْخُلْعُ وَاقِعٌ بِغَيْرِ شَيْءٍ، وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ مُكَاتَبًا أَوْ عَبْدًا أَوْ مُدَبَّرًا جَازَ الْخُلْعُ، وَصَارَتْ لِسَيِّدِ الْعَبْدِ، وَالْمُدَبَّرِ لِأَنَّهَا لَا تَصِيرُ مَمْلُوكَةً لِلزَّوْجِ بَلْ لِلْمَوْلَى فَلَا يَبْطُلُ النِّكَاحُ، وَفِي الْحُرِّ لَوْ مَلَكَ رَقَبَتَهَا بَعْدَ النِّكَاحِ لَبَطَلَ، وَلَوْ بَطَلَ بَطَلَ الْخُلْعُ فَكَانَ فِي تَصْحِيحِهِ إبْطَالُهُ، وَأَمَّا الْمُكَاتَبُ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ لَهُ فِيهَا حَقُّ الْمِلْكِ، وَحَقُّ الْمِلْكِ لَا يَمْنَعُ بَقَاءَ النِّكَاحِ فَلَا يَفْسُدُ النِّكَاحُ كَمَا لَوْ اشْتَرَى زَوْجَةً أَمَةً تَحْتَ عَبْدٍ خَلَعَهَا مَوْلَاهَا عَلَى عَبْدٍ فِي يَدَيْهِ ثُمَّ اسْتَحَقَّ الْعَبْدُ الْمَخْلُوعُ عَلَيْهِ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْمَوْلَى لِأَنَّهُ لَمْ يُضِفْ الْعَبْدَ الْمَخْلُوعَ عَلَيْهِ إلَى نَفْسِهِ، وَلَا ضَمِنَهُ فَكَانَ الْعَقْدُ مُضَافًا إلَى الْأَمَةِ، وَتُبَاعُ الْأَمَةُ فِي قِيمَةِ الْعَبْدِ الْمُسْتَحَقِّ لِأَنَّ الْمَوْلَى يَمْلِكُ إيجَابَ بَدَلِ الْخُلْعِ عَلَيْهَا فَظَهَرَ فِي حَقِّهِ فَتَعَلَّقَ بِرَقَبَتِهَا فَإِنْ كَانَ عَلَيْهَا دَيْنٌ آخَرُ قَبْلَهُ بَدَأَ بِهِ لِأَنَّهُ وَجَبَ بِاخْتِيَارِ الْمَوْلَى فَلَمْ يَظْهَرْ فِي حَقِّ الْغَرِيمِ كَمَا فِي الصُّلْحِ فَإِنْ بَقِيَ شَيْءٌ يُؤْخَذُ مِنْ الْأَمَةِ بَعْدَ الْعِتْقِ فَإِنْ كَانَ الْمَوْلَى ضَمِنَ بَدَلَ الْخُلْعِ أَخَذَ بِهِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ امْرَأَةٌ قَالَتْ لِزَوْجِهَا اخْتَلَعْتُ مِنْك بِكَذَا، وَهُوَ يَنْسِجُ كِرْبَاسًا فَجَعَلَ يَنْسِجُ، وَهُوَ يُخَاصِمُهَا ثُمَّ قَالَ خَلَعْت قَالُوا إنْ لَمْ يَطُلْ ذَلِكَ فَهُوَ جَوَابٌ. اهـ. وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ قَالَ خَالَعْتُكِ بِكَذَا دِرْهَمًا فَجَعَلَتْ الْمَرْأَةُ تَعُدُّ الدَّرَاهِمَ فَلَمَّا تَمَّ الْعَدُّ قَالَتْ قَبِلْت يَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ اهـ. وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ، وَإِذَا خَلَعَ الرَّجُلُ امْرَأَتَيْهِ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ فَإِنَّ الْأَلْفَ تَنْقَسِمُ عَلَيْهِمَا عَلَى قَدْرِ مَا تَزَوَّجَهُمَا عَلَيْهِ مِنْ الْمَهْرِ. اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ اخْتَلَعَا، وَهُمَا يَمْشِيَانِ إنْ كَانَ كَلَامُ كُلٍّ مِنْهُمَا مُتَّصِلًا بِالْآخَرِ صَحَّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَّصِلًا لَا يَصِحُّ، وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ أَيْضًا، وَلَوْ اخْتَلَعَا، وَزَعَمَتْ تَمَامَ الْخُلْعِ، وَادَّعَى الْقِيَامَ ثُمَّ الْقَبُولَ فَالْقَوْلُ لَهُ لِأَنَّهُ إنْكَارُ الْخُلْعِ. اهـ. وَدَخَلَ تَحْتَ الطَّلَاقِ عَلَى مَالٍ لَوْ طَلَّقَهَا عَلَى إعْطَاءِ الْمَالِ لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْت طَالِقٌ عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي أَلْفَ دِرْهَمٍ فَقَالَتْ قَبِلْت تَطْلُقُ لِلْحَالِ، وَإِنْ لَمْ تُعْطِ أَلْفًا كَمَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى دُخُولِك الدَّارَ فَقَبِلَتْ تَطْلُقُ لِلْحَالِ، وَإِنْ لَمْ تَدْخُلْ لِأَنَّ كَلِمَةَ عَلَى لِتَعْلِيقِ الْإِيجَابِ بِالْقَبُولِ لَا لِلتَّعْلِيقِ بِوُجُودِ الْقَبُولِ. اهـ. وَلَوْ قَالَ وَلَزِمَهَا الْمَالُ إنْ لَمْ تَكُنْ مَرِيضَةً مَرَضَ الْمَوْتِ، وَلَا سَفِيهَةً، وَلَا مُكْرَهَةً لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّ الْمَحْجُورَةَ بِالسَّفَهِ لَوْ قَبِلَتْ الْخُلْعَ وَقَعَ، وَلَا يَلْزَمُهَا الْمَالُ، وَيَكُونُ بَائِنًا إنْ كَانَ بِلَفْظِ الْخُلْعِ رَجْعِيًّا إنْ كَانَ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ، وَأَمَّا الْمَرِيضَةُ فَقَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مَرِيضَةٌ اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا بِمَهْرِهَا ثُمَّ مَاتَتْ يُنْظَرُ إلَى ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ إلَى مِيرَاثِهِ مِنْهَا، وَإِلَى بَدَلِ الْخُلْعِ، وَإِلَى ثُلُثِ مَالِهَا فَيَجِبُ أَقَلُّهَا لَا الزِّيَادَةُ كَذَا فِي شحي، وَفِي خل فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا سَقَطَ نِصْفُ الْمَهْرِ بِطَلَاقِهِ، وَالنِّصْفُ الْآخَرُ، وَصِيَّةٌ، وَهُوَ لِغَيْرِ الْوَارِثِ فَصَحَّ مِنْ الثُّلُثِ فَلَوْ دَخَلَ بِهَا، وَمَاتَتْ بَعْدَ مُضِيِّ الْعِدَّةِ فَكُلُّ الْمَهْرِ وَصِيَّةٌ، وَتَصِحُّ مِنْ الثُّلُثِ إذْ الِاخْتِلَاعُ تَبَرُّعٌ، وَلَوْ مَاتَتْ فِي الْعِدَّةِ هَكَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ إذْ الزَّوْجُ لَمْ يَبْقَ وَارِثًا لِرِضَاهُ بِالْفُرْقَةِ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُعْطِي الْأَقَلَّ مِنْ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ تَطْلُقُ لِلْحَالِ وَإِنْ لَمْ تُعْطِ أَلْفًا) أَيْ وَيَلْزَمُهَا الْأَلْفُ كَمَا يَأْتِي عِنْدَ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ بِأَلْفٍ أَوْ عَلَى أَلْفٍ (قَوْلُهُ وَكَذَا فِي شحي) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 81 مِيرَاثِهِ مِنْ بَدَلِ الْخُلْعِ، وَمِنْ الثُّلُثِ إذْ اتَّهَمَا فِي حَقِّ سَائِرِ الْوَرَثَةِ، وَلَمْ يَتَّهِمَا فِي الْأَقَلِّ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا قُلْنَا جَمِيعًا فِي طَلَاقِهَا بِسُؤَالِهَا فِي مَرَضِ الْمَوْتِ، وَحَاصِلُ التَّفَاوُتِ بَيْنَ مُضِيِّ الْعِدَّةِ، وَعَدَمِ مُضِيِّهَا أَنَّهُ بَعْدَ مُضِيِّهَا لَا يُنْظَرُ إلَى قَدْرِ حَقِّ الزَّوْجِ فِي الْمِيرَاثِ، وَإِنَّمَا يُنْظَرُ إلَى الثُّلُثِ فَيُسَلَّمُ لِلزَّوْجِ قَدْرُ الثُّلُثِ مِنْ بَدَلِ الْخُلْعِ، وَلَوْ أَكْثَرَ مِنْ مِيرَاثِهِ، وَقَبْلَ مُضِيِّهَا لَا يُنْظَرُ إلَى الثُّلُثِ، وَإِنَّمَا يُنْظَرُ إلَى مِيرَاثِهِ فَيُسَلَّمُ لِلزَّوْجِ قَدْرُ إرْثِهِ مِنْ بَدَلِ الْخُلْعِ دُونَ ثُلُثِ الْمَالِ لَوْ ثُلُثُهُ أَكْثَرُ كَذَا ط، وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ ابْنَ عَمِّهَا فَلَوْ لَمْ يَرِثْ مِنْهَا بِأَنْ كَانَ لَهَا عَصَبَاتٌ أُخَرُ أَقْرَبُ مِنْهُ فَهُوَ وَالْأَجْنَبِيُّ سَوَاءٌ، وَلَوْ يَرِثُهَا بِقَرَابَةٍ وَمَاتَتْ بَعْدَ مُضِيِّهَا يُنْظَرُ إلَى بَدَلِ الْخُلْعِ وَإِلَى إرْثِهِ بِالْقَرَابَةِ فَلَوْ كَانَ الْبَدَلُ قَدْرَ إرْثِهِ أَوْ أَقَلَّ سُلِّمَ لَهُ ذَلِكَ، وَلَوْ أَكْثَرَ فَالزِّيَادَةُ عَلَى قَدْرِ إرْثِهِ لَا تُسَلَّمُ لَهُ إلَّا بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ هَذَا لَوْ كَانَتْ مَدْخُولَةً، وَإِلَّا فَالنِّصْفُ يَعُودُ إلَى الزَّوْجِ بِطَلَاقٍ قَبْلَ دُخُولِهِ لَا بِحُكْمِ الْوَصِيَّةِ، وَفِي النِّصْفِ الْآخَرِ يُنْظَرُ، وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ أَجْنَبِيًّا فَهُوَ مُتَبَرِّعٌ فَيَصِحُّ مِنْ الثُّلُثِ، وَلَوْ كَانَ ابْنَ عَمِّهَا، وَيَرِثُهَا فَلَهُ الْأَقَلُّ مِنْ إرْثِهِ، وَمِنْ نِصْفِ الْمَهْرِ هَذَا لَوْ مَاتَتْ فِي ذَلِكَ الْمَرَضِ، وَلَوْ بَرِئَتْ مِنْهُ سُلِّمَ لِلزَّوْجِ كُلُّ الْبَدَلِ كَهِبَتِهَا مِنْهُ ثُمَّ يَرِثُهَا، وَلَا إرْثَ بَيْنَهُمَا بِالزَّوْجِيَّةِ مَاتَتْ فِي الْعِدَّةِ أَوْ بَعْدَهَا لِتَرَاضِيهِمَا بِبُطْلَانِ حَقِّهِ هَذَا لَوْ كَانَتْ مَرِيضَةً فَلَوْ اخْتَلَعَتْ صَحِيحَةً، وَالزَّوْجُ مَرِيضٌ فَالْخُلْعُ جَائِزٌ بِالْمُسَمَّى قَلَّ أَوْ كَثُرَ، وَلَا إرْثَ بَيْنَهُمَا مَاتَ فِي الْعِدَّةِ أَوْ بَعْدَهَا، وَلَوْ خَلَعَهَا أَجْنَبِيٌّ مِنْ الزَّوْجِ بِمَالٍ ضَمِنَهُ لِلزَّوْجِ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي مَرَضِ مَوْتِ الْأَجْنَبِيِّ جَازَ، وَيُعْتَبَرُ الْبَدَلُ مِنْ ثُلُثِ مَالِ الْأَجْنَبِيِّ فَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ مَرِيضًا حِينَ تَبَرَّعَ الْأَجْنَبِيُّ بِخُلْعِهَا فَلَهَا الْإِرْثُ لَوْ مَاتَ الزَّوْجُ مِنْ مَرَضِهِ ذَلِكَ، وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ لِأَنَّهَا لَمْ تَرْضَ بِهَذَا الطَّلَاقِ فَيُعْتَبَرُ الزَّوْجُ فَارًّا اهـ. وَلَوْ كَانَتْ مُكْرَهَةً عَلَى الْقَبُولِ لَمْ يَلْزَمْهَا الْبَدَلُ، وَفِي الْقُنْيَةِ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الْكُرْهِ بِالْخُلْعِ، وَالطَّوْعِ فَالْقَوْلُ لَهُ مَعَ الْيَمِينِ اهـ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ قَالَتْ طَلِّقْنِي ثَلَاثًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ طَلِّقْنِي ثَلَاثًا بِمِائَةِ دِينَارٍ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا طَلَقَتْ بِمِائَةِ دِينَارٍ، وَلَوْ كَانَ الْإِيجَابُ مِنْ الزَّوْجِ بِالْمَالَيْنِ لَزِمَهَا الْمَالَانِ. اهـ. وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ، وَلَزِمَهَا الْمَالُ إلَى أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَلْزَمَهُ مَالٌ فِي الْخُلْعِ، وَلِذَا قَالَ فِي الْمُجْتَبَى خَلَعْتُك عَلَى عَبْدِي وَقْفٌ عَلَى قَبُولِهَا، وَلَمْ يَجِبْ شَيْءٌ قُلْنَا الظَّاهِرُ أَنَّهُ عَنَى بِقَوْلِهِ، وَقْفٌ عَلَى قَبُولِهَا أَيْ وُقُوعِ الطَّلَاقِ، وَمَعْرِفَةُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ أَهَمِّ الْمُهِمَّاتِ فِي هَذَا الزَّمَانِ لِأَنَّ النَّاسَ يَعْتَادُونَ إضَافَةَ الْخُلْعِ إلَى مَالِ الزَّوْجِ بَعْدَ إبْرَائِهَا إيَّاهُ مِنْ الْمَهْرِ فَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّهَا إذَا قَبِلَتْ وَقَعَ الطَّلَاقُ، وَلَمْ يَجِبْ عَلَى الزَّوْجِ شَيْءٌ، وَفِي مُنْيَةِ الْفُقَهَاءِ خَلَعْتُك بِمَا لِي عَلَيْك مِنْ الدَّيْنِ فَقَبِلَتْ يَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ الطَّلَاقُ، وَلَا يَجِبُ شَيْءٌ، وَيَبْطُلُ الدَّيْنُ، وَلَوْ كَانَتْ اخْتَلَعَتْ عَلَى عَبْدٍ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ عَبْدُ الزَّوْجِ بِتَصَادُقِهِمَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَلْزَمَهَا شَيْءٌ لِسَلَامَةِ الْبَدَلِ لَهُ اهـ. وَظَاهِرُ اقْتِصَارِهِ عَلَى لُزُومِهَا الْمَالَ أَنَّهُ لَوْ تَخَالَعَا، وَلَمْ يَذْكُرَا مِنْ الْمَالِ شَيْئًا أَنْ لَا يَصِحَّ الْخُلْعُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْمَالِ، وَلَكِنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ يَصِحُّ كَذَا فِي الْمُجْتَبَى، وَفِي الْخَانِيَّةِ الزِّيَادَةُ فِي الْبَدَلِ بَعْدَ الْخُلْعِ غَيْرُ صَحِيحَةٍ. (قَوْلُهُ وَكُرِهَ لَهُ أَخْذُ شَيْءٍ إنْ نَشَزَ) أَيْ كَرِهَهَا وَالنُّشُوزُ يَكُونُ مِنْ الزَّوْجَيْنِ، وَهُوَ كَرَاهَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ كَمَا فِي الْمُغْرِبِ، وَفِي الْمِصْبَاحِ نَشَزَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ زَوْجِهَا نُشُوزًا مِنْ بَابَيْ قَعَدَ وَضَرَبَ عَصَتْ زَوْجَهَا وَامْتَنَعَتْ عَلَيْهِ، وَنَشَزَ الرَّجُلُ مِنْ امْرَأَتِهِ نُشُوزًا بِالْوَجْهَيْنِ تَرَكَهَا وَجَفَاهَا، وَفِي التَّنْزِيلِ {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} [النساء: 128] وَأَصْلُهُ الِارْتِفَاعُ يُقَالُ نَشَزَ مِنْ مَكَانِهِ نُشُوزًا بِالْوَجْهَيْنِ إذَا ارْتَفَعَ عَنْهُ، وَفِي السَّبْعَةِ {وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا} [المجادلة: 11] بِالضَّمِّ وَالْكَسْرِ، وَالنَّشَزُ بِفَتْحَتَيْنِ الْمَكَانُ الْمُرْتَفِعُ   [منحة الخالق] هَذَا رَمْزٌ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ إلَى شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَفِي خل بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ رَمْزٌ إلَى الْخَصَائِلِ (قَوْلُهُ كَذَا ط) هُوَ بِالطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ رَمْزٌ لِلْمُحِيطِ (قَوْلُهُ ثُمَّ يَرِثُهَا) أَيْ بِالْقَرَابَةِ (قَوْلُهُ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ وَلَزِمَهَا الْمَالُ إلَى أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَلْزَمَهُ مَالٌ إلَخْ) يُنَافِيهِ مَا يَأْتِي بَعْدَ نَحْوِ وَرَقَةٍ عَنْ الْقُنْيَةِ اخْتَلَعَتْ نَفْسَهَا بِالْمَهْرِ بِشَرْطِ أَنْ يُعْطِيَهَا كَذَا مَنًّا مِنْ الْأُرْزِ الْأَبْيَضِ، وَخَالَعَهَا بِهِ يَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ، وَلَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ مَكَانِ الْإِيفَاءِ عِنْدَهُ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ بِعَدَمِ تَصَوُّرِ ذَلِكَ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ مِنْ جِهَتِهَا مَالٌ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْقُنْيَةِ فَإِنَّ الْمَالَ مِنْ الطَّرَفَيْنِ، وَكَأَنَّهَا بَذَلَتْ الْمَهْرَ فِي مُقَابَلَةِ الطَّلَاقِ وَالْأُرْزِ، وَيُوَضِّحُهُ مَا يَأْتِي قُبَيْلَ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ لَوْ خَالَعَهَا عَلَى عَبْدٍ، وَمَهْرُهَا أَلْفٌ ثُمَّ زَادَهَا أَلْفًا فَتَأَمَّلْهُ وَانْظُرْ مَا يَأْتِي فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَيُسْقِطُ الْخُلْعُ، وَالْمُبَارَأَةُ كُلَّ حَقٍّ عِنْدَ قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ الثَّالِثُ أَنْ يَقَعَ بِبَدَلٍ عَلَى الزَّوْجِ، وَقَوْلُهُ بَعْدَهُ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ بَقِيَ هُنَا صُورَةٌ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمُخْتَارَ جَوَازُ كَوْنِ الْبَدَلِ عَلَيْهِ بِأَنْ يُحْمَلَ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ الْمَهْرِ كَأَنَّهُ قَالَ إلَّا قَدْرًا مِنْ الْمَهْرِ فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ عَنِّي فَيَجُوزُ إيجَابُ الْبَدَلِ عَلَيْهِ إذَا اخْتَلَعَتْ عَلَى عِوَضٍ، وَيَكُونُ مُقَابَلًا بِبَدَلِ الْخُلْعِ. (قَوْلُهُ وَلَكِنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ يَصِحُّ) قَالَ فِي النَّهْرِ يَعْنِي، وَيَسْقُطُ الْمَهْرُ عَلَى مَا مَرَّ قُلْت، وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَيُسْقِطُ الْخُلْعُ، وَالْمُبَارَاةُ كُلَّ حَقٍّ إلَخْ عَنْ الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا، وَسَنَذْكُرُ تَحْقِيقَ الْمَقَامِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 82 مِنْ الْأَرْضِ، وَالسُّكُونُ لُغَةٌ فِيهِ. اهـ. وَأَرَادَ بِالْكَرَاهَةِ كَرَاهَةَ التَّحْرِيمِ الْمُنْتَهِضَةَ سَبَبًا لِلْعِقَابِ، وَالْحَقُّ أَنَّ الْأَخْذَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ حَرَامٌ قَطْعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} [النساء: 20] وَلَا يُعَارِضُهُ الْآيَةُ الْأُخْرَى {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] لِأَنَّ تِلْكَ فِيمَا إذَا كَانَ النُّشُوزُ مِنْ قِبَلِهِ فَقَطْ، وَالْأُخْرَى فِيمَا إذَا خَافَا أَنْ لَا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَيْسَ مِنْ قِبَلِهِ فَقَطْ نُشُوزٌ عَلَى أَنَّهُمَا لَوْ تَعَارَضَا كَانَتْ حُرْمَةُ الْأَخْذِ ثَابِتَةً بِالْعُمُومَاتِ الْقَطْعِيَّةِ فَإِنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى حُرْمَةِ أَخْذِ مَالِ الْمُسْلِمِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَفِي إمْسَاكِهَا لَا لِرَغْبَةٍ بَلْ إضْرَارًا، وَتَضْيِيقًا لِيَقْتَطِعَ مَالَهَا فِي مُقَابَلَةِ خَلَاصِهَا مِنْ الشِّدَّةِ الَّتِي هِيَ مَعَهُ فِيهَا ذَلِكَ، وَقَالَ تَعَالَى {وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [البقرة: 231] فَهَذَا دَلِيلٌ قَطْعِيٌّ عَلَى حُرْمَةِ أَخْذِ مَالِهَا كَذَلِكَ فَيَكُونُ حَرَامًا إلَّا أَنَّهُ لَوْ أَخَذَ جَازَ فِي الْحُكْمِ أَيْ يُحْكَمُ بِصِحَّةِ التَّمْلِيكِ، وَإِنْ كَانَ بِسَبَبٍ خَبِيثٍ، وَتَمَامُهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِي الدُّرِّ الْمَنْثُورِ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي جَرِيرٍ عَنْ ابْنِ زَيْدٍ فِي الْآيَةِ قَالَ ثُمَّ رَخَّصَ بَعْدُ فَقَالَ {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ} [البقرة: 229] قَالَ فَنَسَخَتْ هَذِهِ تِلْكَ اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا فِي النِّسَاءِ مَنْسُوخٌ بِآيَةِ الْبَقَرَةِ، وَهُوَ يَقْتَضِي حِلَّ الْأَخْذِ مُطْلَقًا إذَا رَضِيَتْ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ، وَيَلْحَقُ بِهِ الْإِبْرَاءُ عَمَّا لَهَا عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَيْضًا إذَا كَانَ النُّشُوزُ مِنْهُ لِأَنَّهُ اعْتِدَاءٌ وَإِضْرَارٌ (قَوْلُهُ وَإِنْ نَشَزَتْ لَا) أَيْ لَا يُكْرَهُ لَهُ الْأَخْذُ إذَا كَانَتْ هِيَ الْكَارِهَةُ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا، وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَسَوَاءٌ كَانَ مِنْهُ نُشُوزٌ لَهَا أَيْضًا أَوْ لَا فَإِنْ كَانَتْ الْكَرَاهَةُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَالْإِبَاحَةُ ثَابِتَةٌ بِعِبَارَةِ قَوْله تَعَالَى {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] وَإِنْ كَانَتْ مِنْ جَانِبِهَا فَقَطْ فَبِدَلَالَتِهَا بِالْأُولَى، وَالْمَذْكُورُ فِي الْأَصْلِ كَرَاهَةُ الزِّيَادَةِ عَلَى مَا أَعْطَاهَا، وَيَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى خِلَافِ الْأُولَى كَمَا يَنْبَغِي حَمْلُ الْحَدِيثِ عَلَيْهِ أَيْضًا، وَهُوَ قَوْلُهُ أَمَّا الزِّيَادَةُ فَلَا لِأَنَّ النَّصَّ نَفَى الْجُنَاحَ مُطْلَقًا فَتَقْيِيدُهُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ لَا يَجُوزُ لِمَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ، وَلِذَا قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إنَّ رِوَايَةَ الْجَامِعِ أَوْجَهُ وَصَحَّحَ الشُّمُنِّيُّ رِوَايَةَ الْأَصْلِ لِأَحَادِيثَ ذَكَرَهَا. (قَوْلُهُ وَمَا صَلَحَ مَهْرًا صَلَحَ بَدَلَ الْخُلْعِ) لِأَنَّ مَا صَلَحَ عِوَضًا لِلْمُتَقَوِّمِ أَوْلَى أَنْ يَصْلُحَ عِوَضًا لِغَيْرِ الْمُتَقَوِّمِ فَإِنَّ الْبُضْعَ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ حَالَةَ الْخُرُوجِ، وَمُتَقَوِّمٌ حَالَةَ الدُّخُولِ فَمَنَعَ الْأَبُ مِنْ خُلْعِ صَغِيرَتِهِ عَلَى مَالِهَا، وَجَازَ لَهُ تَزَوُّجُ وَلَدِهِ بِمَالِهِ، وَنَفَذَ خُلْعُ الْمَرِيضَةِ مِنْ الثُّلُثِ، وَجَازَ تَزْوِيجُ الْمَرِيضِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ فَصَحَّ الْخُلْعُ عَلَى ثَوْبٍ مَوْصُوفٍ أَوْ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ كَالْمَهْرِ، وَكَذَا عَلَى زِرَاعَةِ أَرْضِهَا أَوْ رُكُوبِ دَابَّتِهَا وَخِدْمَتِهَا عَلَى وَجْهٍ لَا يَلْزَمُ خَلْوَةٌ بِهَا أَوْ خِدْمَةُ أَجْنَبِيٍّ لِأَنَّ هَذِهِ تَجُوزُ مَهْرًا، وَبَطَلَ الْبَدَلُ فِيهِ لَوْ كَانَ ثَوْبًا أَوْ دَارًا كَالْمَهْرِ وَوَجَبَ عَلَيْهَا رَدُّ الْمَهْرِ. وَأَشَارَ إلَى أَنَّ هَذَا الْأَصْلَ لَا يَنْعَكِسُ كُلِّيًّا فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ مَا لَا يَصْلُحُ مَهْرًا لَا يَصْلُحُ بَدَلًا فِي الْخُلْعِ لِأَنَّهُ لَوْ خَالَعَهَا عَلَى مَا فِي بَطْنِ جَارِيَتِهَا أَوْ غَنَمِهَا صَحَّ، وَلَهُ مَا فِي بُطُونِهَا، وَلَا يَجُوزُ مَهْرًا بَلْ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَكَذَا عَلَى أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةٍ، وَكَذَا عَلَى مَا فِي يَدِهَا كَذَا فِي التَّبْيِينِ، وَفَتْحِ الْقَدِيرِ، وَذَكَرَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّهُ مُطَّرِدٌ مُنْعَكِسٌ كُلِّيًّا لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ طَرْدِ الْكُلِّيِّ أَنْ يَكُونَ مَالًا مُتَقَوِّمًا لَيْسَ فِيهِ جَهَالَةٌ مُسْتَتِمَّةٌ، وَمَا دُونَ الْعَشَرَةِ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ، وَمِنْ عَكْسِ الْكُلِّيِّ أَنْ لَا يَكُونَ مَالًا مُتَقَوِّمًا أَوْ أَنْ يَكُونَ فِيهِ جَهَالَةٌ مُسْتَتِمَّةٌ، وَمَا دُونَ الْعَشَرَةِ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ لَيْسَ فِيهِ جَهَالَةٌ فَلَا يَرِدُ السُّؤَالُ لَا عَلَى الطَّرْدِ الْكُلِّيِّ، وَلَا عَلَى عَكْسِهِ اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ اخْتَلَعَتْ عَلَى ثَوْبٍ لَمْ يَتَبَيَّنْ جِنْسُهُ أَوْ عَلَى دَارٍ فَلَهُ الْمَهْرُ، وَفِي الْعَبْدِ يَلْزَمُهَا الْوَسَطُ، وَلَوْ اخْتَلَعَتْ عَلَى مَا تَكْتَسِبُهُ الْعَامَ أَوْ عَلَى مَا تَرِثُهُ مِنْ الْمَالِ أَوْ عَلَى أَنْ تُزَوِّجَهُ امْرَأَةً، وَتَمْهَرَهَا عَنْهُ فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ، وَتَرُدُّ الْمَهْرَ، وَلَوْ اخْتَلَعَتْ بِحُكْمِهِ أَوْ بِحُكْمِهَا صَحَّ فَإِنْ حَكَمَتْ، وَلَمْ يَرْضَ الزَّوْجُ رَجَعَ بِالْمَهْرِ، وَلَوْ خَلَعَهَا عَلَى أَلْفٍ إلَى الْحَصَادِ ثَبَتَ الْأَجَلُ، وَلَوْ قَالَتْ إلَى قُدُومِ فُلَانٍ أَوْ مَوْتِهِ وَجَبَ الْمَالُ حَالًّا، وَلَوْ خَالَعَهَا عَلَى   [منحة الخالق] هُنَاكَ. (قَوْلُهُ وَفِي إمْسَاكِهَا لَا لِرَغْبَةٍ) الْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ، وَقَوْلُهُ ذَلِكَ مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ، وَالْإِشَارَةُ إلَى قَوْلِهِ أَخْذِ مَالِ الْمُسْلِمِ بِغَيْرِ حَقٍّ (قَوْلُهُ وَهُوَ يَقْتَضِي حِلَّ الْأَخْذِ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ النُّشُوزُ مِنْهُ أَوْ مِنْهَا قُلْت لَكِنْ قَدْ عَلِمْت مِمَّا قَدَّمَهُ أَنَّ آيَةَ {فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} [النساء: 20] فِيمَا إذَا كَانَ النُّشُوزُ مِنْهُ، وَآيَةَ {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا} [البقرة: 229] فِيمَا إذَا كَانَ مِنْهَا فَلَا تَعَارُضَ بَيْنَهُمَا حَتَّى تُنْسَخَ إحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى (قَوْلُهُ، وَصَحَّحَ الشُّمُنِّيُّ رِوَايَةَ الْأَصْلِ) قَدْ عَلِمْت عَدَمَ الْمُنَافَاةِ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ بِمَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّوْفِيقِ، وَهُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الْفَتْحِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ أَوَّلًا أَنَّ الْمَسْأَلَةَ مُخْتَلِفَةٌ بَيْنَ الصَّحَابَةِ ثُمَّ سَاقَ النُّصُوصَ مِنْ الطَّرَفَيْنِ ثُمَّ حَقَّقَ ثُمَّ قَالَ وَعَلَى هَذَا يَظْهَرُ كَوْنُ رِوَايَةِ الْجَامِعِ أَوْجَهَ نَعَمْ يَكُونُ أَخْذُ الزِّيَادَةِ خِلَافَ الْأَوْلَى، وَالْمَنْعُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا هُوَ الْأَوْلَى وَطَرِيقُ الْقُرْبِ إلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ. (قَوْلُهُ وَذَكَرَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّهُ مُطَّرِدٌ مُنْعَكِسٌ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَا يَخْفَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 83 دَرَاهِمَ مُعَيَّنَةٍ فَوَجَدَهَا سَتُّوقَةً يَرْجِعُ بِالْجِيَادِ، وَكَذَلِكَ الثَّوْبُ عَلَى أَنَّهُ هَرَوِيٌّ فَإِذَا هُوَ مَرْوِيٌّ يَرْجِعُ بِهَرَوِيٍّ وَسَطٍ، وَلَا يَرُدُّ بَدَلَ الْخُلْعِ إلَّا بِعَيْبٍ فَاحِشٍ فَإِنْ كَانَ حَلَالَ الدَّمِ أَوْ الْيَدِ فَأَمْضَى عِنْدَهُ رَجَعَ عَلَيْهَا بِقِيمَتِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا بِنُقْصَانِ قِيمَتِهِ لِأَنَّ كَوْنَهُ حَلَالَ الدَّمِ بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِحْقَاقِ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا بِمَنْزِلَةِ النُّقْصَانِ، وَلَوْ اخْتَلَعَتْ عَلَى عَبْدٍ بِعَيْنِهِ فَمَاتَ فِي يَدِهَا أَوْ اسْتَحَقَّ فَعَلَيْهَا قِيمَتُهُ فَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ كَانَ مَيِّتًا وَقْتَ الِانْخِلَاعِ فَلَهُ مَهْرُهَا، وَلَوْ خَلَعَهَا عَلَى حَيَوَانٍ ثُمَّ صَالَحَتْهُ عَلَى دَرَاهِمَ أَوْ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ جَازَ يَدًا بِيَدٍ، وَلَوْ خَالَعَهَا عَلَى عَبْدٍ وَمَهَرَهَا أَلْفًا ثُمَّ زَادَهَا أَلْفًا ثُمَّ اسْتَحَقَّ الْعَبْدُ رَجَعَ عَلَيْهَا بِأَلْفٍ، وَبِنِصْفِ قِيمَةِ الْعَبْدِ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ بَذَلَتْ الْعَبْدَ بِإِزَاءِ الْبُضْعِ، وَأَلْفِ دِرْهَمٍ فَانْقَسَمَ الْعَبْدُ عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ نِصْفُهُ بَدَلُ الْخُلْعِ، وَنِصْفُهُ بَيْعًا بِالْأَلْفِ، وَالْمَبِيعُ مَتَى اسْتَحَقَّ ثَمَنُهُ رَجَعَ بِثَمَنِهِ، وَبَدَلُ الْخُلْعِ مَتَى اسْتَحَقَّ تَجِبُ قِيمَتُهُ فَيَرْجِعُ بِنِصْفِ قِيمَةِ الْعَبْدِ. وَلَوْ خَلَعَ امْرَأَتَيْهِ عَلَى عَبْدٍ قُسِّمَتْ قِيمَتُهُ عَلَى مُسَمَّيْهِمَا فِي الْعَقْدِ لِأَنَّهُ قِيمَةُ بُضْعَيْهِمَا لَا عَلَى مَهْرِ مِثْلَيْهِمَا لِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى الْمُسَمَّى مَكْرُوهَةٌ، وَفِي الْخُلْعِ، وَالزِّيَادَةُ فِي بَدَلِ الْخُلْعِ بَاطِلَةٌ لِأَنَّهَا زَادَتْ بَعْدَ هَلَاكِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ زَادَ فِي بَدَلِ الصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ فَإِنَّهَا لَا تَصِحُّ. اهـ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة إذَا قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، وَالْأُخْرَى بِمِائَةِ دِينَارٍ فَقَبِلَتَا طَلَقَتَا بِغَيْرِ شَيْءٍ، وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ إذَا قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ بِأَلْفٍ فَقَبِلَتَا، وَمَاتَ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا خَمْسُمِائَةٍ، وَلَا مِيرَاثَ. اهـ. وَفِي الْقُنْيَةِ اخْتَلَعَتْ نَفْسَهَا بِالْمَهْرِ بِشَرْطِ أَنَّ الزَّوْجَ يُعْطِيهَا كَذَا مَنًّا مِنْ الْأُرْزِ الْأَبْيَضِ، وَخَالَعَهَا بِهِ يَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ، وَلَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ مَكَانِ الْإِيفَاءِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ الْخُلْعَ أَوْسَعُ مِنْ الْبَيْعِ فَفِي بت خَالَعَهَا عَلَى ثَوْبٍ بِشَرْطِ أَنْ تُسَلِّمَ إلَيْهِ الثَّوْبَ فَقَبِلَتْ فَهَلَكَ الثَّوْبُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ لَمْ تَبِنْ لِأَنَّهُ يَجْعَلُ نَفْسَ التَّسْلِيمِ شَرْطًا مخ وَهَبَتْ مَهْرَهَا لِأَخِيهَا فَأَخَذَ أَخُوهَا مِنْهُ الْمَهْرَ قَبَالَةً ثُمَّ اخْتَلَعَتْ نَفْسَهَا مِنْهُ بِشَرْطِ أَنْ تُسَلِّمَ لَهُ الْقَبَالَةَ غَدًا فَقَبِلَ، وَلَمْ تُسَلِّمْ إلَيْهِ الْقَبَالَةَ غَدًا لَا تُحَرَّمُ، وَلَوْ اخْتَلَعَتْ بِشَرْطِ الصَّكِّ أَوْ قَالَتْ بِشَرْطِ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهَا أَقْمِشَتَهَا فَقَبِلَ لَا تُحَرَّمُ، وَيُشْتَرَطُ كِتَابَةُ الصَّكِّ، وَرَدُّ الْأَقْمِشَةِ فِي الْمَجْلِسِ خَلَعْتُك عَلَى عَبْدِي وَقَفَ عَلَى قَبُولِهَا، وَلَمْ يَجِبْ شَيْءٌ خَلَعْتُك بِمَالِي عَلَيْك مِنْ الدَّيْنِ، وَقَبِلْت يَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ الطَّلَاقُ، وَلَا يَجِبُ شَيْءٌ، وَيَبْطُلُ الدَّيْنُ ادَّعَتْ مَهْرَهَا عَلَى زَوْجِهَا فَأَنْكَرَهُ ثُمَّ اخْتَلَعَتْ نَفْسَهَا بِمَهْرِهَا، وَقَبِلَ ثُمَّ تَبَيَّنَ بِالشُّهُودِ أَنَّهَا كَانَتْ امْرَأَتَهُ قَبْلَ الْخُلْعِ فَلَيْسَ لَهُ شَيْءٌ. وَلَوْ اخْتَلَعَتْ عَلَى عَبْدٍ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ عَبْدُ الزَّوْجِ، وَلَا ذَلِكَ إلَّا بِالتَّصَادُقِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَلْزَمَهَا شَيْءٌ لِأَنَّ مَا هُوَ بَدَلُ الْخُلْعِ يُسَلَّمُ لَهُ كَمَا لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ عَبْدُهُ، وَسُئِلَ لَوْ كَانَ الْخُلْعُ عَلَى دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهَا لِلزَّوْجِ لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ. اهـ. وَفِي الْخَانِيَّةِ، وَيَجُوزُ الرَّهْنُ وَالْكَفَالَةُ بِبَدَلِ الْخُلْعِ وَفِي الْمُجْتَبَى فَوَّضَتْ الْخُلْعِ إلَى زَوْجِهَا أَوْ الْعَبْدِ إلَى الْمَوْلَى فَفَعَلَ بِغَيْرِ حَضْرَتِهِمَا جَازَ، وَالْوَاحِدُ يَتَوَلَّى الْخُلْعَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَفِي عَتَاقِ الْأَصْلِ الْوَاحِدِ يَكُونُ وَكِيلًا مِنْ الْجَانِبَيْنِ فِي الْعَتَاقِ وَالْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ إذَا كَانَ الْبَدَلُ مُسَمًّى، وَإِلَّا لَا يَكُونُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَكُونُ اهـ. (قَوْلُهُ فَإِنْ خَالَعَهَا أَوْ طَلَّقَهَا بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ أَوْ مَيْتَةٍ وَقَعَ بَائِنٌ فِي الْخُلْعِ رَجْعِيٌّ فِي غَيْرِهِ مَجَّانًا) لِأَنَّ الْخُلْعَ عَلَى مَا لَا يَحِلُّ صَحِيحٌ لِأَنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ، وَلَا يَجِبُ لَهُ شَيْءٌ لِأَنَّهَا لَمْ تَغُرَّهُ، وَالْبُضْعُ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ فِي الْأَصْلِ حَالَةَ الْخُرُوجِ، وَإِنَّمَا يَتَقَوَّمُ بِتَسْمِيَةِ الْمَالِ، وَفِي الْمُجْتَبَى، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ الْمَالُ بِالِالْتِزَامِ أَوْ بِاسْتِهْلَاكِ الْمَالِ أَوْ بِمِلْكِهِ، وَلَمْ يُوجَدْ، وَلَمَّا بَطَلَ الْعِوَضُ كَانَ الْعَامِلُ فِي الْخُلْعِ لَفْظَهُ، وَهُوَ يُوجِبُ الْبَيْنُونَةَ لِأَنَّهُ مِنْ الْكِنَايَاتِ الْمُوجِبَةِ لِقَطْعِ وَصْلَةِ النِّكَاحِ، وَفِي الثَّانِي الصَّرِيحُ، وَهُوَ رَجْعِيٌّ فَقَوْلُهُ مَجَّانًا عَائِدٌ إلَى الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَفِي الْمِصْبَاحِ فَعَلْته مَجَّانًا أَيْ بِغَيْرِ عِوَضٍ قَالَ ابْنُ فَارِسٍ الْمَجَّانُ عَطِيَّةُ الشَّيْءِ بِلَا ثَمَنٍ، وَقَالَ الْفَارَابِيُّ هَذَا الشَّيْءُ لَك مَجَّانًا أَيْ بِلَا بَدَلٍ. اهـ. ، وَأَوْجَبَ زُفَرُ عَلَيْهَا رَدَّ الْمَهْرِ كَمَا فِي   [منحة الخالق] أَنَّ الصَّلَاحِيَةَ الْمُطَلَّقَةَ هِيَ الْكَامِلَةُ، وَكَوْنَ مُطْلَقِ الْمَالِ الْمُتَقَوِّمِ خَالِيًا عَنْ الْكَمِّيَّةِ يَصْلُحُ مَهْرًا مَمْنُوعٌ فَلِذَا مَنَعَ الْمُحَقِّقُونَ انْعِكَاسَهَا كُلِّيَّةً (قَوْلُهُ وَلَا ذَلِكَ إلَّا بِالْتِصَاقٍ) كَذَا فِي النُّسَخِ، وَلَكِنْ سَيُعِيدُ الْعِبَارَةَ قَرِيبًا بِلَفْظِ، وَلَا يُعْلَمُ ذَلِكَ إلَّا بِالتَّصَادُقِ، وَتَقَدَّمَ قَبْلَ وَرَقَةٍ، وَنِصْفٍ بِلَفْظِ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ عَبْدُ الزَّوْجِ بِتَصَادُقِهِمَا (قَوْلُهُ وَالْوَاحِدُ يَتَوَلَّى الْخُلْعَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ) سَيَأْتِي آخِرُ الْبَابِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ وَكِيلًا مِنْهَا سَوَاءٌ كَانَ الْبَدَلُ مُسَمًّى أَوْ لَا، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَصِحُّ، وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْكُبْرَى الْوَاحِدُ يَتَوَلَّى الْخُلْعَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ إنْ كَانَ خُلْعًا، وَهُوَ مُعَاوَضَةٌ إذَا كَانَ الْبَدَلُ مَذْكُورًا فِي رِوَايَةٍ هُوَ الْمُخْتَارُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 84 الْمُحِيطِ قَيَّدَ بِكَوْنِهَا سَمَّتْ مُحَرَّمًا لِأَنَّهَا لَوْ سَمَّتْ لَهُ حَلَالًا كَخَالِعْنِي عَلَى هَذَا الْخَلِّ فَإِذَا هُوَ خَمْرٌ فَلَهَا أَنْ تَرُدَّ الْمَهْرَ الْمَأْخُوذَ إنْ لَمْ يَعْلَمْ الزَّوْجُ بِكَوْنِهِ خَمْرًا، وَإِنْ عَلِمَ بِهِ فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ خَلَعَهَا عَلَى عَبْدٍ فَإِذَا هُوَ حُرٌّ رَجَعَ بِالْمَهْرِ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بِقِيمَتِهِ لَوْ كَانَ عَبْدًا لِمَا عُرِفَ فِي النِّكَاحِ، وَقَيَّدَ بِالْخُلْعِ، وَالطَّلَاقِ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ فَاسِدَةٌ، وَعَلَى مَيْتَةٍ أَوْ دَمٍ بَاطِلَةٌ فَيَعْتِقُ إنْ أَدَّاهُ فِي الْأُولَى مَعَ وُجُوبِ قِيمَةِ نَفْسِهِ لِأَنَّ مِلْكَ الْمَوْلَى مُتَقَوِّمٌ، وَلَا يَعْتِقُ فِي الثَّانِيَةِ، وَالنِّكَاحُ بِالْكُلِّ صَحِيحٌ مَعَ وُجُوبِ مَهْرِ الْمِثْلِ لِتَقَوُّمِ الْبُضْعِ عِنْدَ الدُّخُولِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْبَدَلَ، وَإِنْ لَمْ يَجِبْ فِي الْخُلْعِ وَالطَّلَاقِ فَلَا يَقَعَانِ إلَّا بِقَبُولِهَا، وَلِذَا قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ لَوْ قَالَتْ لَهُ خَالِعْنِي بِمَالٍ أَوْ عَلَى مَالٍ، وَلَمْ تَذْكُرْ قَدْرَهُ لَا يَتِمُّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بِلَا قَبُولِهَا، وَإِذَا لَمْ يَجِبْ الْبَدَلُ هَلْ يَقَعُ الطَّلَاقُ قِيلَ يَقَعُ وَبِهِ يُفْتَى، وَقِيلَ لَا يَقَعُ، وَهُوَ الْأَشْبَهُ بِالدَّلِيلِ. اهـ. . (قَوْلُهُ كَخَالِعْنِي عَلَى مَا فِي يَدَيَّ، وَلَا شَيْءَ فِي يَدِهَا) أَيْ يَقَعُ الطَّلَاقُ الْبَائِنُ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ عَلَيْهَا لِعَدَمِ تَسْمِيَةِ شَيْءٍ تَصِيرُ بِهِ غَارَّةً لَهُ. وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهَا خَالَعْتُكِ عَلَى مَا فِي يَدَيَّ، وَلَا شَيْءَ فِي يَدِهِ أَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُ أَيْضًا إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فَلَوْ كَانَ فِي يَدِهِ جَوْهَرَةٌ لَهَا فَقَبِلَتْ فَهِيَ لَهُ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ عَلِمَتْ ذَلِكَ لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي أَضَرَّتْ بِنَفْسِهَا حِينَ قَبِلَتْ الْخُلْعَ قَبْلَ أَنْ تَعْلَمَ مَا فِي يَدِهِ، وَلَوْ اشْتَرَى مِنْهَا بِهَذِهِ الصِّفَةِ كَانَ جَائِزًا، وَلَا خِيَارَ لَهَا فَالْخُلْعُ أَوْلَى كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ. وَأَشَارَ إلَى أَنَّهَا لَوْ قَالَتْ خَالِعْنِي عَلَى مَا فِي بَيْتِي أَوْ مَا فِي بَيْتِي مِنْ شَيْءٍ، وَلَا شَيْءَ فِي بَيْتِهَا أَنَّهَا كَمَسْأَلَةِ الْكِتَابِ لِأَنَّ الشَّيْءَ يَصْدُقُ عَلَى غَيْرِ الْمَالِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَكَذَا لَوْ قَالَتْ عَلَى مَا فِي يَدَيَّ مِنْ شَيْءٍ أَوْ عَلَى مَا فِي بَطْنِ جَارِيَتِي، وَلَمْ تَلِدْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ كَذَا فِي الْمُجْتَبَى، وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ اخْتَلَعَتْ عَلَى مَا فِي بَطْنِ جَارِيَتِهَا أَوْ غَنَمِهَا أَوْ مَا فِي نَخْلِهَا صَحَّ، وَلَهُ مَا فِي بَطْنِهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَلَوْ حَدَثَ بَعْدَهُ فِي بُطُونِهَا فَلِلْمَرْأَةِ لِأَنَّ مَا فِي بَطْنِهَا اسْمٌ لِلْمَوْجُودِ لِلْحَالِ، وَلَوْ اخْتَلَعَتْ عَلَى حَمْلِ جَارِيَتِهَا، وَلَيْسَ فِي بَطْنِهَا حَمْلٌ تَرُدُّ الْمَهْرَ لِأَنَّهَا غَرَّتْهُ حَيْثُ أَطْمَعَتْهُ فِيمَا لَهُ قِيمَةٌ لِأَنَّ الْحَمْلَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ، وَلَكِنْ فِي وُجُودِهِ احْتِمَالٌ وَتَوَهُّمٌ، وَيَصِحُّ الْخُلْعُ بِعِوَضٍ مَوْهُومٍ بِخِلَافِ مَا فِي الْبَطْنِ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مَالًا، وَقَدْ لَا يَكُونُ كَرِيحٍ أَوْ مَا يَحْوِيهِ الْبَطْنُ. اهـ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة لَوْ طَلَّقَهَا عَلَى أَنْ تَبْرِيَهُ عَنْ كَفَالَةِ نَفْسِ فُلَانٍ فَالطَّلَاقُ رَجْعِيٌّ، وَلَوْ طَلَّقَهَا عَلَى أَنْ تَبْرِيَهُ عَنْ الْأَلْفِ الَّتِي كَفَلَهَا لَهَا عَنْ فُلَانٍ فَالطَّلَاقُ بَائِنٌ اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ زَادَتْ مِنْ مَالٍ أَوْ مِنْ دَرَاهِمَ رَدَّتْ مَهْرَهَا أَوْ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ) يَعْنِي رَدَّتْ مَهْرَهَا فِيمَا إذَا قَالَتْ خَالِعْنِي عَلَى مَا فِي يَدَيَّ مِنْ مَالٍ، وَلَمْ يَكُنْ فِي يَدِهَا شَيْءٌ وَرَدَّتْ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ فِيمَا إذَا قَالَتْ خَالِعْنِي عَلَى مَا فِي يَدَيَّ مِنْ دَرَاهِمَ، وَلَمْ يَكُنْ فِي يَدِهَا شَيْءٌ لِأَنَّهَا فِي الْأُولَى لَمَّا سَمَّتْ مَالًا لَمْ يَكُنْ الزَّوْجُ رَاضِيًا بِالزَّوَالِ إلَّا بِالْعِوَضِ، وَلَا وَجْهَ إلَى إيجَابِ الْمُسَمَّى وَقِيمَتِهِ لِلْجَهَالَةِ، وَلَا إلَى قِيمَةِ الْبُضْعِ أَعْنِي مَهْرَ الْمِثْلِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ حَالَةَ الْخُرُوجِ فَتَعَيَّنَ إيجَابُ مَا قَامَ بِهِ عَلَى الزَّوْجِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَقَيَّدَهُ فِي الْخُلَاصَةِ بِعَدَمِ الْعِلْمِ فَقَالَ لَوْ خَالَعَهَا عَلَى مَا فِي هَذَا الْبَيْتِ مِنْ الْمَتَاعِ، وَعَلِمَ أَنَّهُ لَا مَتَاعَ فِي هَذَا الْبَيْتِ وَقَعَ الطَّلَاقُ، وَلَا يَلْزَمُهَا شَيْءٌ، وَذِكْرُ الْيَدِ مِثَالٌ وَالْبَيْتُ وَالصُّنْدُوقُ وَبَطْنُ الْجَارِيَةِ وَالْغَنَمِ كَالْيَدِ، وَقَوْلُهُ مِنْ مَالٍ مِثَالٌ أَيْضًا، وَالْمَتَاعُ، وَالْحَمْلُ لِلْبَطْنِ كَالْمَالِ فَإِذَا قَالَتْ عَلَى مَا فِي بَطْنِ جَارِيَتِي أَوْ غَنَمِي مِنْ حَمْلٍ رَدَّتْ الْمَهْرَ، وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ خَالَعَهَا بِمَا لَهَا عَلَيْهِ مِنْ الْمَهْرِ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْمَهْرِ لَزِمَهَا رَدُّ الْمَهْرِ لِأَنَّهُ طَلَّقَهَا بِطَمَعِ مَا نَصَّ عَلَيْهِ فَلَا يَقَعُ مَجَّانًا فَإِنْ عَلِمَ الزَّوْجُ أَنَّهُ لَا مَهْرَ لَهَا عَلَيْهِ، وَأَنْ لَا مَتَاعَ فِي الْبَيْتِ فِي مَسْأَلَةِ عَلَى مَا فِي الْبَيْتِ مِنْ مَتَاعٍ لَا يَلْزَمُهَا شَيْءٌ لِأَنَّهَا لَمْ تُطْمِعْهُ فَلَمْ يَصِرْ مَغْرُورًا. اهـ. وَفِي الثَّانِيَةِ ذَكَرَتْ الْجَمْعَ، وَلَا غَايَةَ لِأَقْصَاهُ، وَأَدْنَاهُ ثَلَاثَةٌ فَوَجَبَ الْأَدْنَى كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِدَرَاهِمَ أَوْ أَوْصَى بِدَرَاهِمَ، وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ فَيَنْبَغِي وُجُوبُ دِرْهَمٍ أَوْ دِرْهَمَيْنِ. وَأُجِيبُ بِأَنَّهَا هُنَا لِلْبَيَانِ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ تَمَّ الْكَلَامُ بِنَفْسِهِ، وَلَكِنَّهُ اشْتَمَلَ   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 85 عَلَى ضَرْبِ إبْهَامٍ فَهِيَ لِلْبَيَانِ، وَإِلَّا فَلِلتَّبْعِيضِ، وَقَوْلُهَا خَالِعْنِي عَلَى مَا فِي يَدَيَّ كَلَامٌ تَامٌّ بِنَفْسِهِ حَتَّى جَازَ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ، وَلَا فَرْقَ فِي الْحُكْمِ بَيْنَ ذِكْرِ الْجَمْعِ مُنَكَّرًا أَوْ مُعَرَّفًا، وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ إذَا كَانَ مُعَرَّفًا أَنَّهُ يَنْبَغِي وُجُوبُ وَاحِدٍ فَقَطْ لِمَا عُرِفَ أَنَّ الْجَمْعَ الْمُحَلَّى كَالْمُفْرَدِ الْمُحَلَّى كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي الْعَبِيدَ أَوْ لَا يَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَنْصَرِفُ إلَى الْجِنْسِ إذَا عُرِّيَ عَنْ قَرِينَةِ الْعَهْدِ كَمَا فِي الْمِثَالَيْنِ، وَقَدْ وُجِدَتْ الْقَرِينَةُ هُنَا عَلَى الْعَهْدِ، وَهُوَ قَوْلُهَا عَلَى مَا فِي يَدَيَّ كَذَا فِي الْكَافِي، وَأَوْضَحَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فَقَالَ لِأَنَّ قَوْلَهَا عَلَى مَا فِي يَدَيَّ أَفَادَ كَوْنَ الْمُسَمَّى مَظْرُوفًا بِيَدِهَا، وَهُوَ عَامٌّ يَصْدُقُ عَلَى الدَّرَاهِمِ، وَغَيْرِهَا فَصَارَ بِالدَّرَاهِمِ عَهْدٌ فِي الْجُمْلَةِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَا صَدُقَاتِ لَفْظٍ مَا، وَهُوَ مُبْهَمٌ وَقَعَتْ مِنْ بَيَانًا لَهُ، وَمَدْخُولُهَا هُوَ الْمُبَيِّنُ لِخُصُوصِ الْمَظْرُوفِ، وَالدَّرَاهِمُ مِثَالٌ، وَالْمُرَادُ أَنَّهَا بَيَّنَتْ الْمُبْهَمَ بِجَمْعٍ كَالدَّنَانِيرِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ قَوْلُهَا عَلَى مَا فِي هَذَا الْبَيْتِ مِنْ الشِّيَاهِ أَوْ الْخَيْلِ أَوْ الْبِغَالِ أَوْ الْحَمِيرِ كَذَلِكَ يَلْزَمُهَا ثَلَاثَةٌ مِنْ الْمُسَمَّى ثُمَّ رَأَيْت فِي الْمِعْرَاجِ لَكِنْ زَادَ الثِّيَابَ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِلْجَهَالَةِ الْمُتَفَاحِشَةِ، وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ، وَلَا شَيْءَ فِي يَدِهَا لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي يَدِهَا مَالٌ مُتَقَوِّمٌ كَانَ لَهُ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا، وَلَا يَلْزَمُهَا رَدُّ الْمَهْرِ فِي الْأُولَى، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِي يَدِهَا جَمْعٌ مِمَّا سَمَّتْهُ فَلَوْ كَانَ فِي يَدِهَا دِرْهَمٌ أَوْ دِرْهَمَانِ لَزِمَهَا تَكْمِلَةُ الثَّلَاثَةِ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالْمَبْسُوطِ. وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مُسَامَحَةً لِأَنَّ عَدَمَ وُجُودِ شَيْءٍ فِي يَدِهَا شَرْطٌ لِرَدِّ الْمَهْرِ فِي الْأُولَى، وَعَدَمَ وُجُودِ الثَّلَاثَةِ شَرْطٌ فِي الثَّانِيَةِ، وَكَلَامُهُ لَا يُفِيدُهُ، وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ رَدَّتْ الْمَهْرَ أَنَّهُ مَقْبُوضٌ فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَقْبُوضًا بَرِئَ مِنْهُ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا كَمَا ذَكَرَهُ الْعِمَادِيُّ فِي فُصُولِهِ، وَفِي الْجَوْهَرَةِ ثُمَّ إذَا وَجَبَ الرُّجُوعُ بِالْمَهْرِ لَهُ، وَكَانَتْ قَدْ أَبْرَأَتْهُ مِنْهُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ لِأَنَّ عَيْنَ مَا يَسْتَحِقُّهُ قَدْ سُلِّمَ لَهُ بِالْبَرَاءَةِ فَلَوْ رَجَعَ عَلَيْهَا يَرْجِعُ لِأَجْلِ الْهِبَةِ، وَهِيَ لَا تُوجِبُ عَلَى الْوَاهِبِ ضَمَانًا. اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا سَمَّى مَا لَيْسَ بِمُتَقَوِّمٍ لَا يَجِبُ شَيْءٌ، وَإِنْ سَمَّى مَوْجُودًا مَعْلُومًا يَجِبُ الْمُسَمَّى إنْ سَمَّى مَجْهُولًا جَهَالَةً مُسْتَدْرَكَةً فَكَذَلِكَ، وَإِنْ فَحَشَتْ الْجَهَالَةُ، وَتَمَكَّنَ الْخَطَرُ بِأَنْ خَالَعَهَا عَلَى مَا يُثْمِرُ نَخْلُهَا الْعَامَ أَوْ عَلَى مَا فِي الْبَيْتِ مِنْ الْمَتَاعِ، وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ شَيْءٌ بَطَلَتْ التَّسْمِيَةُ، وَرَدَّتْ مَا قَبَضَتْ. اهـ. وَقَيَّدَ بِالْخُلْعِ لِأَنَّ السَّيِّدَ لَوْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَلَى مَا فِي يَدِهِ مِنْ الدَّرَاهِمِ، وَلَيْسَ فِي يَدِهِ شَيْءٌ يَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَةُ نَفْسِهِ لِأَنَّ مَنَافِعَ الْبُضْعِ غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ حَالَةَ الْخُرُوجِ فَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمُسَمَّى مَعْلُومًا بِخِلَافِ الْعَبْدِ فَإِنَّهُ مُتَقَوِّمٌ فِي نَفْسِهِ، وَبِخِلَافِ النِّكَاحِ حَيْثُ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ لِأَنَّهُ مُتَقَوِّمٌ حَالَةَ الدُّخُولِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ. وَدَلَّتْ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى عَلَى أَنَّهُ لَوْ خَالَعَهَا عَلَى عَبْدٍ بِعَيْنِهِ مَثَلًا، وَقَدْ كَانَ مَيِّتًا قَبْلَ الْخُلْعِ أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِالْمَهْرِ الَّذِي أَخَذَتْهُ مِنْهُ لِلْغَرُورِ بِخِلَافِ مَا لَوْ مَاتَ بَعْدَهُ حَيْثُ تَجِبُ قِيمَتُهُ كَمَا لَوْ اسْتَحَقَّ، وَظُهُورُ حُرِّيَّتِهِ كَمَوْتِهِ قَبْلَ الْخُلْعِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهَا بِالْمَهْرِ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بِقِيمَتِهِ لَوْ كَانَ عَبْدًا كَالْمَهْرِ، وَقَتَلَهُ عِنْدَهُ بِسَبَبٍ كَانَ عِنْدَهَا كَاسْتِحْقَاقِهِ فَيَرْجِعُ بِقِيمَتِهِ، وَكَذَا لَوْ قَطَعَ يَدَهُ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ. وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ رَدَّتْ الْمَهْرَ إلَى صِحَّةِ الْخُلْعِ عَلَى الْمَهْرِ، وَقَدْ قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ، وَإِنْ وَقَعَ الْخُلْعُ عَلَى الْمَهْرِ صَحَّ فَإِنْ لَمْ تَقْبِضْهُ الْمَرْأَةُ سَقَطَ عَنْهُ، وَإِنْ قَبَضَتْهُ اسْتَرَدَّهُ مِنْهَا. اهـ. وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ خَلَعَهَا بِمَا لَهَا عَلَيْهِ مِنْ الْمَهْرِ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّ لَهَا عَلَيْهِ بَقِيَّةَ الْمَهْرِ ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْمَهْرِ وَقَعَ الطَّلَاقُ بِمَهْرِهَا فَيَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تَرُدَّ الْمَهْرَ لِأَنَّهُ طَلَّقَهَا بِطَمَعِ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ فَلَا يَقَعُ مَجَّانًا أَمَّا إذَا عَلِمَ أَنْ لَا مَهْرَ لَهَا عَلَيْهِ فَلَا شَيْءَ لَهُ. اهـ. وَفِي الْقُنْيَةِ ادَّعَتْ مَهْرَهَا عَلَى زَوْجِهَا فَأَنْكَرَهُ ثُمَّ اخْتَلَعَتْ نَفْسَهَا بِمَهْرِهَا، وَقَبِلَ ثُمَّ تَبَيَّنَ بِالشُّهُودِ أَنَّهَا كَانَتْ أَبْرَأَتْهُ قَبْلَ الْخُلْعِ فَلَيْسَ لَهُ شَيْءٌ، وَلَوْ اخْتَلَعَتْ عَلَى عَبْدٍ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ عَبْدُ الزَّوْجِ، وَلَا يَعْلَمُ ذَلِكَ إلَّا بِالتَّصَادُقِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَلْزَمَهَا شَيْءٌ لِأَنَّ مَا هُوَ بَدَلُ الْخُلْعِ مُسَلَّمٌ لَهُ كَمَا لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ عَبْدُهُ (قَوْلُهُ فَإِنْ خَالَعَهَا عَلَى عَبْدٍ أَبَقَ لَهَا عَلَى أَنَّهَا بَرِيَّةٌ مِنْ ضَمَانِهِ لَمْ تَبْرَأْ) لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَيَقْتَضِي   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَفِيهِ نَظَرٌ لِلْجَهَالَةِ الْمُتَفَاحِشَةِ) قَالَ فِي النَّهْرِ يَنْبَغِي إيجَابُ الْوَسَطِ فِي الْكُلِّ، وَبِهِ يَنْدَفِعُ مَا قَالَ اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ إيجَابَ الْوَسَطِ فِي مَعْلُومِ الْجِنْسِ كَالْفَرَسِ، وَالثَّوْبِ الْهَرَوِيِّ بِخِلَافِ مَجْهُولِ الْجِنْسِ كَالدَّابَّةِ وَالثَّوْبِ، وَلِذَا لَوْ سَمَّى مَهْرًا وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ (قَوْلُهُ وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مُسَامَحَةً إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ نَفْيُ الشَّيْئِيَّةِ فِيمَا إذَا لَمْ تُسَمِّ لَهُ شَيْئًا مَعْنَاهُ نَفْيُ الْوُجُودِ، وَفِيهَا إذَا سَمَّتْ مَالًا أَوْ دَرَاهِمَ مَعْنَاهُ نَفْيُ وُجُودِ مَا سَمَّتْهُ، وَعَلَى هَذَا فَلَا مُسَامَحَةَ أَصْلًا إلَّا أَنَّ مُقْتَضَاهُ أَنَّهَا لَوْ سَمَّتْ دَرَاهِمَ فَإِذًا فِي يَدِهَا دَنَانِيرُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ لَهُ غَيْرُ الدَّرَاهِمِ، وَلَمْ أَرَهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 86 سَلَامَةَ الْعِوَضِ، وَاشْتِرَاطُ الْبَرَاءَةِ شَرْطٌ فَاسِدٌ فَبَطَلَ فَكَانَ عَلَيْهَا تَسْلِيمُ عَيْنِهِ إنْ قَدَرَتْ، وَتَسْلِيمُ قِيمَتِهِ إنْ عَجَزَتْ أَشَارَ إلَى أَنَّ الْخُلْعَ لَا يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ كَالنِّكَاحِ، وَلِذَا قَالَ فِي الْعِمَادِيَّةِ لَوْ خَالَعَهَا عَلَى أَنْ يُمْسِكَ الْوَلَدَ عِنْدَهُ صَحَّ الْخُلْعُ، وَبَطَلَ الشَّرْطُ. اهـ. وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا عَلَى أَنْ جَعَلَتْ صَدَاقَهَا لِوَلَدِهَا أَوْ عَلَى أَنْ تَجْعَلَ صَدَاقَهَا لِفُلَانٍ الْأَجْنَبِيِّ قَالَ مُحَمَّدٌ الْخُلْعُ جَائِزٌ، وَالْمَهْرُ لِلزَّوْجِ، وَلَا شَيْءَ لِلْوَلَدِ، وَلَا لِلْأَجْنَبِيِّ اهـ. وَمَعْنَى اشْتِرَاطِهَا الْبَرَاءَةَ أَنَّهَا إنْ وَجَدَتْهُ سَلَّمَتْهُ، وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا، وَقَيَّدَ بِاشْتِرَاطِ الْبَرَاءَةِ مِنْ ضَمَانِهِ لِأَنَّهَا لَوْ اشْتَرَطَتْ الْبَرَاءَةَ مِنْ عَيْبٍ فِي الْبَدَلِ صَحَّ الشَّرْطُ، وَإِنَّمَا صَحَّتْ تَسْمِيَةُ الْآبِقِ فِي الْخُلْعِ لِأَنَّ مَبْنَاهُ عَلَى الْمُسَامَحَةِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ لِأَنَّ مَبْنَاهُ عَلَى الْمُضَايَقَةِ فَالْعَجْزُ عَنْ التَّسْلِيمِ يُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ فِيهِ، وَلَا كَذَلِكَ هُنَا لِأَنَّ الْعَجْزَ عَنْ التَّسْلِيمِ هُنَا دُونَ الْعَجْزِ عَنْ التَّسْلِيمِ فِيمَا إذَا اخْتَلَعَتْ عَلَى عَبْدِ الْغَيْرِ أَوْ عَلَى مَا فِي بَطْنِ غَنَمِهَا، وَذَلِكَ جَائِزٌ فَكَذَا هُنَا، وَقَيَّدَ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ لِأَنَّ الشَّرْطَ لَوْ كَانَ مُلَائِمًا لَمْ يَبْطُلْ، وَلِذَا قَالَ فِي الْقُنْيَةِ خَالَعَهَا عَلَى ثَوْبٍ بِشَرْطِ أَنْ تُسَلِّمَ إلَيْهِ الثَّوْبَ فَقَبِلَتْ فَهَلَكَ الثَّوْبُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ لَمْ تَبِنْ لِأَنَّهُ يَجْعَلُ نَفْسَ التَّسْلِيمِ شَرْطًا، وَهَبَتْ مَهْرَهَا لِأَخِيهَا فَأَخَذَ أَخُوهَا مِنْهُ الْمَهْرَ قَبَالَةً ثُمَّ اخْتَلَعَتْ نَفْسَهَا مِنْهُ بِشَرْطِ أَنْ تُسَلِّمَ إلَيْهِ الْقَبَالَةَ غَدًا فَقَبِلَ، وَلَمْ تُسَلِّمْ إلَيْهِ الْقَبَالَةَ غَدًا لَمْ تُحَرَّمْ، وَلَوْ اخْتَلَعَتْ بِشَرْطِ الصَّكِّ أَوْ قَالَتْ بِشَرْطِ أَنْ يَرُدَّ إلَيْهَا أَقْمِشَتَهَا فَقَبِلَ لَا تُحَرَّمُ، وَيُشْتَرَطُ كَتْبُهُ الصَّكَّ، وَرَدُّ الْأَقْمِشَةِ فِي الْمَجْلِسِ. اهـ. وَفِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ قَالَ لِغَيْرِهِ طَلِّقْ امْرَأَتِي عَلَى شَرْطِ أَنْ لَا تُخْرِجَ مِنْ الْمَنْزِلِ شَيْئًا فَطَلَّقَهَا الْمَأْمُورُ ثُمَّ اخْتَلَفَا فَقَالَ الزَّوْجُ إنَّهَا قَدْ أَخْرَجَتْ مِنْ الْمَنْزِلِ شَيْئًا، وَقَالَتْ الْمَرْأَةُ لَمْ أُخْرِجْ ذَكَرَ فِي النَّوَادِرِ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الزَّوْجِ، وَلَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ. قَالُوا هَذَا الْجَوَابُ صَحِيحٌ إنْ كَانَ الزَّوْجُ قَالَ لِلْمَأْمُورِ قُلْ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ تُخْرِجِي مِنْ الدَّارِ شَيْئًا فَقَالَ لَهَا الْمَأْمُورُ ذَلِكَ ثُمَّ ادَّعَى الزَّوْجُ أَنَّهَا قَدْ أَخْرَجَتْ مِنْ الْمَنْزِلِ شَيْئًا فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ شَرْطَ الطَّلَاقِ أَمَّا إذَا كَانَ الزَّوْجُ قَالَ لِلْمَأْمُورِ قُلْ لِامْرَأَتِي أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَنْ لَا تُخْرِجِي مِنْ الْمَنْزِلِ شَيْئًا فَقَالَ لَهَا الْمَأْمُورُ ذَلِكَ فَقَبِلَتْ ثُمَّ قَالَ الزَّوْجُ إنَّهَا قَدْ أَخْرَجَتْ مِنْ الْمَنْزِلِ شَيْئًا لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ لِأَنَّ فِي هَذَا الْوَجْهِ الطَّلَاقَ يَتَعَلَّقُ بِقَبُولِ الْمَرْأَةِ فَإِذَا قَبِلَتْ يَقَعُ الطَّلَاقُ لِلْحَالِ أَخْرَجَتْ مِنْ الْمَنْزِلِ شَيْئًا أَوْ لَمْ تُخْرِجْ كَمَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْت طَالِقٌ عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي أَلْفَ دِرْهَمٍ فَقَالَتْ قَبِلْت تَطْلُقُ لِلْحَالِ، وَإِنْ لَمْ تُعْطِهِ أَلْفًا، وَكَذَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْت طَالِقٌ عَلَى دُخُولِك الدَّارَ فَقَبِلَتْ تَطْلُقُ لِلْحَالِ، وَإِنْ لَمْ تَدْخُلْ الدَّارَ لِأَنَّ كَلِمَةَ عَلَى لِتَعْلِيقِ الْإِيجَابِ بِالْقَبُولِ لَا لِلتَّعْلِيقِ بِوُجُودِ الْقَبُولِ. اهـ. وَاسْتُفِيدَ مِنْ قَوْلِهِ لَمْ تَبْرَأْ أَنَّ الْعَقْدَ يَقْتَضِي سَلَامَةَ الْعِوَضِ فَلِذَا قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة لَوْ قَالَ لَهَا أَنْت طَالِقٌ غَدًا عَلَى عَبْدِك هَذَا فَقَبِلَتْ، وَبَاعَتْ الْعَبْدَ ثُمَّ جَاءَ الْغَدُ يَقَعُ الطَّلَاقُ، وَعَلَيْهَا قِيمَةُ الْعَبْدِ. اهـ. . (قَوْلُهُ قَالَتْ طَلِّقْنِي ثَلَاثًا بِأَلْفٍ فَطَلَّقَ وَاحِدَةً لَهُ ثُلُثُ الْأَلْفِ، وَبَانَتْ) لِأَنَّ الْبَاءَ تَصْحَبُ الْأَعْوَاضَ، وَهُوَ يَنْقَسِمُ عَلَى الْمُعَوَّضِ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي الْمَجْلِسِ حَتَّى لَوْ قَامَ فَطَلَّقَهَا لَا يَجِبُ شَيْءٌ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِخِلَافِ مَا إذَا بَدَأَ هُوَ فَقَالَ خَالَعْتكِ عَلَى أَلْفٍ فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي الْقَبُولِ مَجْلِسُهَا لَا مَجْلِسُهُ حَتَّى لَوْ ذَهَبَ مِنْ الْمَجْلِسِ ثُمَّ قَبِلَتْ فِي مَجْلِسِهَا ذَلِكَ صَحَّ قَبُولُهَا كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ أَشَارَ بِطَلَبِهَا الثَّلَاثَ إلَى أَنَّهُ لَمْ يُطَلِّقْهَا قَبْلَهُ إذْ لَوْ كَانَ طَلَّقَهَا ثِنْتَيْنِ ثُمَّ قَالَتْ طَلِّقْنِي ثَلَاثًا عَلَى أَنَّ لَك أَلْفَ دِرْهَمٍ فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً كَانَ عَلَيْهَا كُلُّ الْأَلْفِ لِأَنَّهَا الْتَزَمَتْ الْمَالَ بِإِيقَاعِ الْبَيْنُونَةِ الْغَلِيظَةِ، وَقَدْ تَمَّ ذَلِكَ بِإِيقَاعِ الثَّلَاثِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَالْخَانِيَّةِ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا فَرْقَ فِيهَا بَيْنَ الْبَاءِ، وَعَلَى لِأَنَّ الْمَنْظُورَ إلَيْهِ حُصُولُ الْمَقْصُودِ لَا اللَّفْظُ، وَلِذَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ لَوْ قَالَتْ طَلِّقْنِي أَرْبَعًا بِأَلْفٍ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَهِيَ بِالْأَلْفِ، وَلَوْ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً فَبِثُلُثِ الْأَلْفِ اهـ. وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِ طَلَّقَ وَاحِدَةً إذْ لَوْ طَلَّقَ الثَّلَاثَ كَانَ لَهُ جَمِيعُ الْأَلْفِ سَوَاءٌ كَانَ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ أَوْ مُتَفَرِّقَةٍ بَعْدَ أَنْ تَكُونَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَلِذَا قَالَ فِي الْقُنْيَةِ) تَقَدَّمَتْ هَذِهِ الْعِبَارَةُ قَرِيبًا قُبَيْلَ قَوْلِهِ فَإِنْ خَالَعَهَا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 87 لَا يُقَالُ كَيْفَ وَقَعَ الثَّانِي مَعَ أَنَّ الْبَائِنَ لَا يَلْحَقُ الْبَائِنَ إلَّا إذَا كَانَ مُعَلَّقًا لِأَنَّا نَقُولُ قَدْ أَسْلَفْنَا أَنَّ مُرَادَهُمْ مِنْ الْبَائِنِ مَا كَانَ بِلَفْظِ الْكِنَايَةِ لَا مُطْلَقُ الْبَائِنِ حَتَّى صَرَّحُوا بِوُقُوعِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ، وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة ثُمَّ فِي قَوْلِهَا طَلِّقْنِي ثَلَاثًا بِأَلْفٍ إذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا مُتَفَرِّقَةً فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ الْقِيَاسُ أَنْ تَقَعَ تَطْلِيقَةٌ وَاحِدَةٌ بِثُلُثِ الْأَلْفِ، وَتَقَعُ الْأُخْرَيَانِ بِغَيْرِ شَيْءٍ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ تَقَعُ الثَّلَاثُ بِالْأَلْفِ، وَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ قَالَ مَا ذُكِرَ مِنْ جَوَابِ الِاسْتِحْسَانِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا وَصَلَ التَّطْلِيقَاتِ بَعْضَهَا بِبَعْضٍ أَمَّا إذَا فَصَلَ بَيْنَ كُلِّ تَطْلِيقَةٍ بِسُكُوتٍ لَا يَجِبُ جَمِيعُ الْأَلْفِ، وَإِنْ حَصَلَ الْإِيقَاعُ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ إذَا كَانَ الْمَجْلِسُ وَاحِدًا لَا يُشْتَرَطُ الْوَصْلُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ اهـ. قَيَّدَ بِقَوْلِهِ ثَلَاثًا لِأَنَّهَا لَوْ قَالَتْ طَلِّقْنِي وَاحِدَةً بِأَلْفٍ فَقَالَ أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا فَإِنْ اقْتَصَرَ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمَالَ طَلَقَتْ ثَلَاثًا بِغَيْرِ شَيْءٍ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ صَاحِبَاهُ تَقَعُ وَاحِدَةٌ بِالْأَلْفِ وَثِنْتَانِ بِغَيْرِ شَيْءٍ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا بِأَلْفٍ يَتَوَقَّفُ ذَلِكَ عَلَى قَبُولِ الْمَرْأَةِ إنْ قَبِلَتْ تَقَعُ الثَّلَاثُ بِالْأَلْفِ، وَإِنْ لَمْ تَقْبَلْ لَا يَقَعُ شَيْءٌ، وَلَوْ قَالَتْ طَلِّقْنِي وَاحِدَةً بِأَلْفٍ فَقَالَ لَهَا الزَّوْجُ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً تَقَعُ الثَّلَاثُ وَاحِدَةً بِأَلْفٍ وَثِنْتَانِ بِغَيْرِ شَيْءٍ عِنْدَ الْكُلِّ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ. (قَوْلُهُ وَفِي عَلَى وَقَعَ رَجْعِيٌّ مَجَّانًا) أَيْ فِي قَوْلِهَا طَلِّقْنِي ثَلَاثًا عَلَى أَلْفٍ أَوْ عَلَى أَنَّ لَك عَلَيَّ أَلْفًا فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً وَقَعَ رَجْعِيًّا بِغَيْرِ شَيْءٍ عَلَيْهَا عِنْدَ الْإِمَامِ خِلَافًا لَهُمَا فَهُمَا جَعَلَاهَا كَالْبَاءِ، وَهُوَ جَعَلَهَا لِلشَّرْطِ، وَالْمَشْرُوطُ لَا يَتَوَزَّعُ عَلَى أَجْزَاءِ الشَّرْطِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ ذَكَرَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ لَوْ أَمِنَ الْإِمَامُ ثَلَاثَ سِنِينَ بِأَلْفِ دِينَارٍ فَبَدَا لِلْإِمَامِ أَنْ يَنْبِذَ إلَيْهِمْ بَعْدَ سَنَةٍ رَدَّ عَلَيْهِمْ ثُلُثَا الْأَلْفِ، وَلَوْ أَمِنَ عَلَى أَلْفِ دِينَارٍ رَدَّ الْكُلَّ كَذَا فِي الْمُحِيطِ قَيَّدَ بِكَوْنِهِ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً لِأَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا اسْتَحَقَّ الْأَلْفَ، وَإِنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا مُتَفَرِّقَاتٍ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ لَزِمَهَا الْأَلْفُ لِأَنَّ الْأُولَى، وَالثَّانِيَةَ تَقَعُ عِنْدَهُ رَجْعِيَّةً فَإِيقَاعُ الثَّالِثَةِ وُجِدَ، وَهِيَ مَنْكُوحَتُهُ فَيَسْتَوْجِبُ عَلَيْهَا الْأَلْفَ دِرْهَمٍ، وَإِنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فِي ثَلَاثِ مَجَالِسَ عِنْدَهُمَا يَسْتَوْجِبُ ثُلُثَ الْأَلْفِ، وَعِنْدَهُ لَا يَسْتَوْجِبُ شَيْئًا كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَحَاصِلُ مَا حَقَّقَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ كَلِمَةَ عَلَى مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ الِاسْتِعْلَاءِ وَاللُّزُومِ فَإِذَا اتَّصَلَتْ بِالْأَجْسَامِ الْمَحْسُوسَةِ كَانَتْ لِلِاسْتِعْلَاءِ، وَفِي غَيْرِهِ لِلُّزُومِ، وَهُوَ صَادِقٌ عَلَى الشَّرْطِ الْمَحْضِ نَحْوُ أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَنْ تَدْخُلِي الدَّارَ، وَعَلَى الْمُعَاوَضَةِ كَبِعْنِي هَذَا عَلَى أَلْفٍ، وَاحْمِلْهُ عَلَى دِرْهَمٍ سَوَاءٌ كَانَتْ شَرْطًا مَحْضًا كَمَا مَثَّلْنَا أَوْ عُرْفًا نَحْوُ افْعَلْ كَذَا عَلَى أَنْ أَنْصُرَك، وَالْمَحَلُّ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ يَصِحُّ فِيهِ كُلٌّ مِنْ الشَّرْطِ وَالْمُعَاوَضَةِ، وَلَا مُرَجِّحَ، وَكَوْنُ مَدْخُولِهَا مَالًا لَا يَرْجِعُ مَعْنَى الِاعْتِيَاضِ فَإِنَّ الْمَالَ يَصِحُّ جَعْلُهُ شَرْطًا مَحْضًا كَإِنْ طَلَّقْتنِي ثَلَاثًا فَلَكَ الْأَلْفُ فَلَا يَجِبُ الْمَالُ بِالشَّكِّ، وَلَا يَحْتَاطُ فِي اللُّزُومِ إذْ الْأَصْلُ فَرَاغُ الذِّمَّةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهَا لِلِاسْتِعْلَاءِ حَقِيقَةً، وَلِلُّزُومِ مَجَازًا لِأَنَّ الْمَجَازَ خَيْرٌ مِنْ الِاشْتِرَاكِ، وَرَدَّ بِأَنَّ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيَّ لَيْسَ إلَّا لِتَبَادُرِ ذَلِكَ الْمَعْنَى عِنْدَ أَهْلِ اللِّسَانِ، وَهُوَ مُتَبَادِرٌ كَتَبَادُرِ الِاسْتِعْلَاءِ، وَكَوْنُ الْمَجَازِ خَيْرًا مِنْ الِاشْتِرَاكِ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ التَّرَدُّدِ أَمَّا عِنْدَ قِيَامِ دَلِيلِ الْحَقِيقَةِ، وَهِيَ التَّبَادُرُ بِمُجَرَّدِ الْإِطْلَاقِ فَلَا. وَذَكَرَ فِي التَّحْرِيرِ مَا يُرَجِّحُ قَوْلَهُمَا بِمَنْعِ قَوْلِهِ فِي دَلِيلِهِ، وَلَا مُرَجِّحَ بَلْ فِيهِ مُرَجِّحُ الْعِوَضِيَّةِ، وَهُوَ أَنَّ الْأَصْلَ فِيمَا عُلِمَتْ مُقَابَلَتُهُ الْعِوَضِيَّةُ، وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ لَوْ قَالَتْ طَلِّقْنِي، وَضَرَّتِي عَلَى أَلْفٍ فَطَلَّقَهَا وَحْدَهَا حَيْثُ وَافَقَهُمَا أَنَّهُ يَلْزَمُهَا حِصَّتُهَا مِنْ الْأَلْفِ لِأَنَّهُ لَا غَرَضَ لَهَا فِي طَلَاقِ ضَرَّتِهَا حَتَّى يُجْعَلَ كَالشَّرْطِ بِخِلَافِ اشْتِرَاطِ الثَّلَاثِ بِتَحْصِيلِ الْبَيْنُونَةِ الْغَلِيظَةِ كَذَا ذَكَرُوا، وَلَا يَخْلُو مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ لَهَا غَرَضًا فِي أَنَّهُ إذَا طَلَّقَهَا لَا تَبْقَى ضَرَّتُهَا مَعَهُ بَعْدَهَا فَالْأَوْلَى أَنْ تَكُونَ عَلَى الِاخْتِلَافِ أَيْضًا كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مَعْزِيًّا لِلْمُخْتَلِفِ ثُمَّ رَأَيْت فِي التَّتَارْخَانِيَّة أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهَا عَلَى الْخِلَافِ، وَفِيهَا مَا لَوْ قَالَتْ طَلِّقْنِي، وَضَرَّتِي عَلَى أَلْفٍ عَلَيَّ فَطَلَّقَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ رَدَّ عَلَيْهِمْ ثُلُثَا الْأَلْفِ) كَذَا فِي هَذِهِ النُّسْخَةِ ثُلُثَا بِالْأَلِفِ نَائِبُ فَاعِلِ رَدَّ، وَاَلَّذِي فِي غَيْرِهَا مِنْ النُّسَخِ ثُلُثٌ بِدُونِ أَلِفٍ، وَهُوَ غَيْرُ ظَاهِرٍ (قَوْلُهُ وَذَكَرَ فِي التَّحْرِيرِ مَا يُرَجِّحُ قَوْلَهُمَا إلَخْ) نَازَعَهُ فِيهِ شَارِحُهُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ بِأَنَّ كَوْنَ الْأَصْلِ فِيمَا عُلِمَتْ مُقَابَلَتُهُ الْعِوَضِيَّةُ إنَّمَا هُوَ فِيمَا وَجَبَتْ فِيهِ الْمُعَاوَضَةُ الشَّرْعِيَّةُ الْمَحْضَةُ أَمَّا مَا تَصِحُّ هِيَ أَوْ الشَّرْطُ الْمَحْضُ فِيهِ، وَالطَّلَاقُ مِنْ هَذَا فَلَيْسَ كَوْنُ مَدْخُولِهَا مَالًا مُرَجِّحًا لِمَعْنَى الِاعْتِيَاضِ فَإِنَّ الْمَالَ يَصِحُّ جَعْلُهُ شَرْطًا مَحْضًا (قَوْلُهُ فَإِنَّ لَهَا غَرَضًا فِي أَنَّهُ إنْ طَلَّقَهَا إلَخْ) قَالَ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِهِ كَوْنُهَا لَهَا غَرَضًا فِي طَلَاقِ ضَرَّتِهَا بَعِيدٌ، وَإِنَّمَا يَقْرَبُ لَوْ بَقِيَتْ هِيَ، وَلِأَنَّ طَلَبَ فِرَاقِهَا فِي الظَّاهِرِ بِدَفْعِهَا الْمَالَ لَهُ لِشِدَّةِ بُغْضِهَا إيَّاهُ فَلَا تَطْلُبُ خَلَاصَ ضَرَّتِهَا مَعَهَا لِمَا بَيْنَهُمَا غَالِبًا مِنْ الْعَدَاوَةِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّ ضَرَّتَهَا وَكَّلَتْهَا فِي طَلَبِ الْفِرَاقِ لِمَنْفَعَةٍ تَعُودُ إلَى الضَّرَّةِ لَا إلَيْهَا فَلَا يَلْزَمُهَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 88 إحْدَاهُمَا لَا رِوَايَةَ فِيهَا، وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ يَلْزَمُهَا حِصَّتُهَا مِنْ الْأَلْفِ، وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَا يَلْزَمُهَا شَيْءٌ حَتَّى يُطَلِّقَهُمَا جَمِيعًا، وَفِي الْمُحِيطِ قَالَتْ طَلِّقْنِي وَفُلَانَةَ وَفُلَانَةَ عَلَى أَلْفٍ فَطَلَّقَ وَاحِدَةً، وَمُهُورُهُنَّ سَوَاءٌ يَجِبُ ثُلُثُ الْأَلْفِ لِأَنَّهَا أَمَرَتْهُ بِعُقُودٍ لِأَنَّ طَلَاقَ كُلِّ وَاحِدَةٍ عَلَى مَالٍ خُلْعٌ عَلَى حِدَةٍ فَانْقَسَمَ الْأَلْفُ عَلَيْهِنَّ ضَرُورَةَ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ عَقْدٍ بَدَلٌ عَلَى حِدَةٍ لِتَصِحَّ الْمُعَاوَضَةُ. اهـ. وَهَذَا التَّعْلِيلُ لَا يَرِدُ عَلَيْهِ شَيْءٌ. (قَوْلُهُ طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا بِأَلْفٍ أَوْ عَلَى أَلْفٍ فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا وَاحِدَةً لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ) لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِالْبَيْنُونَةِ إلَّا بِسَلَامَةِ الْأَلْفِ كُلِّهَا لَهُ بِخِلَافِ قَوْلِهَا لَهُ طَلِّقْنِي ثَلَاثًا بِأَلْفٍ لِأَنَّهَا لَمَّا رَضِيَتْ بِالْبَيْنُونَةِ بِأَلْفٍ كَانَتْ بِبَعْضِهَا أَوْلَى أَنْ تَرْضَى فَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ ابْتِدَائِهِ، وَابْتِدَائِهَا، وَفِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ قَالَ لِغَيْرِهِ طَلِّقْ امْرَأَتِي ثَلَاثًا لِلسَّنَةِ بِأَلْفٍ فَقَالَ لَهَا الْوَكِيلُ فِي وَقْتِ السَّنَةِ أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسَّنَةِ بِأَلْفٍ فَقَبِلَتْ تَقَعُ وَاحِدَةٌ بِثُلُثِ الْأَلْفِ فَإِنْ طَلَّقَهَا الْوَكِيلُ فِي الطُّهْرِ الثَّانِي تَطْلِيقَةً بِثُلُثِ الْأَلْفِ فَقَبِلَتْ تَقَعُ أُخْرَى بِغَيْرِ شَيْءٍ، وَكَذَا لَوْ طَلَّقَهَا الثَّالِثَةَ فِي الطُّهْرِ الثَّالِثِ، وَلَوْ طَلَّقَهَا الْوَكِيلُ أَوَّلًا تَطْلِيقَةً بِثُلُثِ الْأَلْفِ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا الزَّوْجُ ثُمَّ طَلَّقَهَا الْوَكِيلُ تَطْلِيقَةً ثَانِيَةً بِثُلُثِ الْأَلْفِ تَقَعُ الثَّانِيَةُ بِثُلُثِ الْأَلْفِ، وَكَذَا الثَّالِثَةُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ. اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ قَالَ لِلْمَدْخُولَةِ طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا لِلسَّنَةِ بِأَلْفٍ فَقَالَتْ طَلَّقْت نَفْسِي ثَلَاثًا لِلسَّنَةِ بِأَلْفٍ فَإِنْ كَانَتْ طَاهِرَةً مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ طَلَقَتْ لِلْحَالِ وَاحِدَةً، وَلَا تَقَعُ الثَّانِيَةُ، وَالثَّالِثَةُ إلَّا بِتَجْدِيدِ الْإِيقَاعِ فِي مَجْلِسِ السَّنَةِ فَيَقَعَانِ بِغَيْرِ شَيْءٍ هَكَذَا ذَكَرَ الزَّعْفَرَانِيُّ لِأَنَّهُ فَوَّضَ إلَيْهَا إيقَاعَ كُلِّ تَطْلِيقَةٍ فِي كُلِّ طُهْرٍ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْمُضَافِ إلَى وَقْتِ كُلِّ طُهْرٍ لَمْ يُجَامِعْهَا فِيهِ فَلَا تَمْلِكُ إيقَاعَهَا حَتَّى يَجِيءَ الْوَقْتُ، وَقَدْ أَمَرَهَا بِالْإِيقَاعِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّجْدِيدِ. وَإِنَّمَا يَقَعَانِ مَجَّانًا لِأَنَّهَا بَانَتْ بِالْأُولَى فَلَا تَمْلِكُ نَفْسَهَا بِالثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَمَرَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا بِبَدَلٍ بَعْدَمَا أَبَانَهَا فَفَعَلَتْ وَقَعَ مَجَّانًا، وَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ لَا يَقَعُ بِهَذَا الْقَوْلِ أَبَدًا لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ إيقَاعُهُمَا بِعِوَضٍ لِمَا بَيَّنَّا، وَتَعَذَّرَ إيقَاعُهُمَا بِغَيْرِ عِوَضٍ لِأَنَّ الزَّوْجَ لَمْ يَرْضَ بِوُقُوعِهِمَا مَجَّانًا فَلَمْ يَقَعَا. اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ تَسْأَلَهُ الطَّلَاقَ أَوْ يَسْأَلَهَا عَلَى مَالٍ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَإِمَّا أَنْ يُجَنِّبَهَا بِالْمُوَافَقَةِ أَوْ لَا فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَظَاهِرٌ، وَاسْتَحَقَّ الْمُسَمَّى، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَإِمَّا أَنْ تَسْأَلَهُ بِالْبَاءِ أَوْ بِعَلَى فَإِنْ كَانَ بِالْبَاءِ وَقَعَ مَا تُلُفِّظَ بِهِ، وَانْقَسَمَ الْمَالُ عَلَى عَدَدِ الطَّلْقَاتِ فَكَانَ لَهُ بِحِسَابِهِ إنْ لَمْ يَحْصُلْ مَقْصُودُهَا فَإِنْ حَصَلَ فَإِنْ كَانَتْ الْوَاحِدَةُ مُكَمِّلَةً لِلثَّلَاثِ اسْتَحَقَّ الْكُلَّ، وَإِنْ كَانَ بِعَلَى فَأَمَّا إنْ كَانَتْ الْمُخَالَفَةُ بِنَقْصٍ أَوْ بِأَزْيَدَ فَإِنْ كَانَ بِأَنْقَصَ وَقَعَ بِغَيْرِ شَيْءٍ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي كَمَا لَوْ سَأَلَتْهُ وَاحِدَةً بِأَلْفٍ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَإِنْ ذَكَرَ الْمَالَ فِي جَوَابِهِ وَقَعَ الثَّلَاثُ بِالْمُسَمَّى إنْ قَبِلَتْ، وَإِلَّا فَلَا، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الْمَالَ وَقَعَ الثَّلَاثُ بِغَيْرِ شَيْءٍ، وَهَذَا كُلُّهُ إنْ ذَكَرَ الثَّلَاثَ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ، وَإِنْ ذَكَرَ مُتَفَرِّقَةً وَقَعَتْ الْأُولَى بِالْمَالِ، وَثِنْتَانِ بِغَيْرِ شَيْءٍ. (قَوْلُهُ أَنْت طَالِقٌ بِأَلْفٍ أَوْ عَلَى أَلْفٍ فَقَبِلَتْ لَزِمَ، وَبَانَتْ) يَعْنِي إنْ قَبِلَتْ فِي الْمَجْلِسِ لَزِمَ الْمَالُ، وَبَانَتْ الْمَرْأَةُ، وَهُوَ تَكْرَارٌ لِأَنَّهُ عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ أَوَّلَ الْبَابِ الْوَاقِعُ بِهِ، وَبِالطَّلَاقِ عَلَى مَالٍ طَلَاقٌ بَائِنٌ، وَلَزِمَهَا الْمَالُ إلَّا أَنَّهُ زَادَ الْقَبُولَ هُنَا فَقَطْ، وَلَوْ ذَكَرَهُ عِنْدَ قَوْلِهِ، وَلَزِمَهَا الْمَالُ لَاسْتَغْنَى عَنْ التَّطْوِيلِ، وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْت طَالِقٌ وَاحِدَةً بِأَلْفٍ فَقَالَتْ قَبِلْت نِصْفَ هَذِهِ التَّطْلِيقَةِ طَلَقَتْ وَاحِدَةً بِأَلْفٍ بِلَا خِلَافٍ، وَلَوْ قَالَتْ قَبِلْت نِصْفَهَا بِخَمْسِمِائَةٍ كَانَ بَاطِلًا، وَلَوْ قَالَتْ لِزَوْجِهَا طَلِّقْنِي وَاحِدَةً بِأَلْفٍ فَقَالَ الزَّوْجُ أَنْت طَالِقٌ نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ طَلَقَتْ تَطْلِيقَةً بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ بِخَمْسِمِائَةٍ طَلَقَتْ وَاحِدَةً بِخَمْسِمِائَةٍ. اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ مَعْزِيًّا إلَى الْمُنْتَقَى أَنْتِ طَالِقٌ أَرْبَعًا بِأَلْفٍ فَقَبِلَتْ طَلَقَتْ ثَلَاثًا بِأَلْفٍ، وَإِنْ قَبِلَتْ الثَّلَاثَ لَمْ تَطْلُقْ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِقَبُولِهَا الْأَلْفَ بِإِزَاءِ الْأَرْبَعِ اهـ.   [منحة الخالق] غَيْرُ حِصَّتِهَا بِمُجَرَّدِ احْتِمَالِ كَوْنِ غَرَضِهَا فِرَاقَ الضَّرَّةِ أَيْضًا (قَوْلُهُ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ يَلْزَمُهَا حِصَّتُهَا) قَالَ فِي النَّهْرِ وَعِنْدِي أَنَّ الثَّانِيَ أَوْجَهُ لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ شَرْطًا مَعَ عَدَمِ قَوْلِهَا عَلَى فَمَعَهُ أَوْلَى فَتَدَبَّرْهُ (قَوْلُهُ وَهَذَا التَّعْلِيل لَا يَرِدُ عَلَيْهِ شَيْءٌ) أَيْ بِخِلَافِ التَّعْلِيلِ السَّابِقِ فَلَوْ عَلَّلَ هُنَاكَ بِهَذَا لَمْ يَرِدْ عَلَيْهِ مَا مَرَّ. (قَوْلُهُ فَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ ابْتِدَائِهِ وَابْتِدَائِهَا) قَالَ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِهِ فِيهِ بَحْثٌ لِأَنَّهَا قَدْ يَكُونُ لَهَا غَرَضٌ فِي الْحُرْمَةِ الْغَلِيظَةِ حَسْمًا لِمَادَّةِ الرُّجُوعِ إلَيْهِ لِشِدَّةِ بُغْضِهِ فَتَخَافُ مِنْ حَمْلِ أَحَدٍ عَلَيْهَا فِي الْمُعَاوَدَةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَلَا يُقَدَّمُ عَلَيْهَا فِي الرَّدِّ غَالِبًا (قَوْلُهُ طَلَقَتْ لِلْحَالِ وَاحِدَةً) قَالَ فِي النَّهْرِ يَعْنِي بِثُلُثِ الْأَلْفِ (قَوْلُهُ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا يَخْلُو إلَخْ) هَكَذَا وُجِدَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ قَبْلَ قَوْلِ الْمَتْنِ أَنْتِ طَالِقٌ بِأَلْفٍ، وَفِي بَعْضِهَا بَعْدَهُ عَقِبَ قَوْلِهِ مَعَ أَنَّ أَنْ وَالْفِعْلَ بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 89 وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ لِغَيْرِ الْمَدْخُولَةِ أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسَّنَةِ بِأَلْفٍ أَوْ عَلَى أَلْفٍ، وَلَا نِيَّةَ لَهُ طَلَقَتْ وَاحِدَةً بِثُلُثِ الْأَلْفِ لِأَنَّ جَمِيعَ الْأَوْقَاتِ فِي حَقِّ غَيْرِ الْمَدْخُولَةِ وَقْتٌ لِطَلَاقِ السَّنَةِ، وَقَدْ قَابَلَ الْأَلْفَ بِالثَّلَاثِ فَيَتَوَزَّعُ عَلَيْهَا فَإِنْ تَزَوَّجَهَا ثَانِيًا طَلَقَتْ أُخْرَى بِثُلُثِ الْأَلْفِ، وَكَذَلِكَ ثَالِثًا لِأَنَّ الْإِيقَاعَ كَانَ صَحِيحًا فَلَا يَرْتَفِعُ بِزَوَالِ الْمِلْكِ فَإِذَا وُجِدَ الْمِلْكُ وُجِدَ الشَّرْطُ فَوَقَعَ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى قَبُولٍ جَدِيدٍ مِنْهَا لِأَنَّ الْقَبُولَ يُشْتَرَطُ فِي مَجْلِسِ الْخِطَابِ، وَقَدْ وُجِدَ إلَّا أَنَّ الْوُقُوعَ تَأَخَّرَ لِعَدَمِ الْمَحَلِّ كَمَا لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ غَدًا بِأَلْفٍ فَقَبِلَتْ فَجَاءَ غَدٌ طَلَقَتْ بِأَلْفٍ مِنْ غَيْرِ قَبُولٍ، وَإِنْ كَانَتْ مَدْخُولَةً وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ فِي طُهْرٍ لَمْ يُجَامِعْهَا فِيهِ بِثُلُثِ الْأَلْفِ ثُمَّ أُخْرَى فِي الطُّهْرِ الثَّانِي، وَأُخْرَى فِي الثَّالِثِ بِغَيْرِ شَيْءٍ لِأَنَّ الْبَدَلَ يَجِبُ مُقَابِلًا بِمِلْكِ النِّكَاحِ، وَقَدْ زَالَ بِالْأُولَى فَلَا تَمْلِكُ نَفْسَهَا بِالثَّانِيَةِ لِيَصِحَّ الِاعْتِيَاضُ عَنْهَا، وَإِنْ قَبِلَتْ، وَهِيَ مُجَامِعَةٌ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ حَتَّى تَحِيضَ، وَتَطْهُرَ فَيَقَعُ حِينَئِذٍ كَمَا ذَكَرْنَا اهـ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الطَّلَاقَ عَلَى مَالٍ يَمِينٌ مِنْ جِهَتِهِ فَتَصِحُّ إضَافَتُهُ وَتَعْلِيقُهُ، وَلَا يَصِحُّ رُجُوعُهُ، وَلَا يَبْطُلُ بِقِيَامِهِ عَنْ الْمَجْلِسِ، وَيَتَوَقَّفُ عَلَى الْبُلُوغِ إلَيْهَا إذَا كَانَتْ غَائِبَةً، وَمِنْ جِهَتِهَا مُبَادَلَةٌ فَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهَا، وَلَا إضَافَتُهَا، وَيَصِحُّ رُجُوعُهَا قَبْلَ قَبُولِ الزَّوْجِ لَوْ ابْتَدَأَتْ، وَيَبْطُلُ بِقِيَامِهَا، وَمِثْلُ قَوْلِهِ عَلَيَّ أَلْفٌ عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي أَلْفًا بِخِلَافِ إذَا أَعْطَيْتنِي أَوْ إذَا أَجَبْتنِي بِأَلْفٍ فَلَا تَطْلُقُ حَتَّى تُعْطِيَهُ لِلتَّصْرِيحِ بِجَعْلِ الْإِعْطَاءِ شَرْطًا بِخِلَافِهِ مَعَ عَلَى حَتَّى أَنَّهُ إذَا كَانَ عَلَى الزَّوْجِ دَيْنٌ لَهَا وَقَعَتْ الْمُقَاصَّةُ فِي مَسْأَلَةِ عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي دُونَ إنْ أَعْطَيْتنِي إلَّا أَنْ يَرْضَى الزَّوْجُ طَلَاقًا مُسْتَقْبَلًا بِأَلْفٍ لَهُ عَلَيْهَا، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يُقَالُ عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي كَذَا، وَيُرَادُ قَبُولُهُ فِي الْعُرْفِ قَالَ تَعَالَى {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] أَيْ حَتَّى يَقْبَلُوا لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنْ يَقْبَلُوهَا يَنْتَهِي الْحَرْبُ مِنْهُمْ، وَلَكِنْ بَيْنَ أَنْ وَبَيْنَ إذَا وَمَتَى فَرْقٌ فَإِنَّ فِي أَنْ يَتَوَقَّفَ الطَّلَاقُ عَلَى الْإِعْطَاءِ فِي الْمَجْلِسِ بِخِلَافِ إذَا، وَمَتَى، وَفِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ أَنْت طَالِقٌ عَلَى أَلْفٍ إنْ تَزَوَّجْتُك فَقَبِلَتْ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا لَا يُعْتَبَرُ الْقَبُولُ إلَّا بَعْدَ التَّزَوُّجِ لِأَنَّهُ خُلْعٌ بَعْدَ التَّزَوُّجِ فَيُشْتَرَطُ الْقَبُولُ بَعْدَهُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَلَوْ قَالَ لِأَنَّهُ طَلَاقٌ عَلَى مَالٍ بَعْدَ التَّزَوُّجِ لَكَانَ أَوْلَى، وَقَدْ طَلَبَ مِنِّي بِالْمَدْرَسَةِ الصرغتمشية الْفَرْقَ بَيْنَ عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي حَيْثُ تَوَقَّفَ عَلَى الْقَبُولِ وَبَيْنَ أَنْ تَدْخُلِي الدَّارَ حَيْثُ تَوَقَّفَ عَلَى الدُّخُولِ وَطَلَبَ أَيْضًا الْفَرْقَ بَيْنَ أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى دُخُولِك الدَّارَ حَيْثُ تَوَقَّفَ عَلَى قَبُولِهَا لَا عَلَى الدُّخُولِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَبَيْنَ عَلَى أَنْ تَدْخُلِي حَيْثُ لَا يَكْفِي الْقَبُولُ مَعَ أَنَّ أَنْ وَالْفِعْلَ بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ. وَهَاهُنَا قَاعِدَةٌ فِي الطَّلَاقِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ مَعَ أَنَّ أَنْ وَالْفِعْلَ بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَقُولُ: قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ فِي الْفَرْقِ لِأَنَّ كَلِمَةَ عَلَى لِتَعْلِيقِ الْإِيجَابِ بِالْقَبُولِ لَا لِلتَّعْلِيقِ بِوُجُودِ الْمَقْبُولِ اهـ. فَيَتَعَجَّبُ مِنْ كَلَامِهِ، وَقَدْ تَبِعَهُ أَخُوهُ فِي ذَلِكَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى هُوَ الْمُوَفِّقُ تَأَمَّلْ. اهـ. قُلْت لَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّهُ لَا عَجَبَ فِي كَلَامِهِمَا بَلْ فِي كَلَامِهِ لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ لَا يَصْلُحُ فَرْقًا بَيْنَ عَلَى دُخُولِك، وَعَلَى أَنْ تَدْخُلِي، وَالْفَرْقُ الْمَذْكُورُ قَدْ مَرَّ فِي كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَزِمَهَا الْمَالُ ثُمَّ أَعَادَهُ قُبَيْلَ قَوْلِهِ قَالَتْ طَلِّقْنِي ثَلَاثًا بِالْأَلْفِ، وَقَدْ رَأَيْت بِخَطِّ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ نَقْلًا عَنْ تَعْلِيقَاتِ السُّبْكِيّ مَا يَتَّضِحُ بِهِ الْفَرْقُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَنَصُّهُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَصْدَرِ الصَّرِيحِ، وَأَنْ وَالْفِعْلِ الْمُؤَوَّلَيْنِ بِهِ مَعَ اشْتِرَاكِهِمَا فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْحَدَثِ أَنَّ مَوْضُوعَ صَرِيحِ الْمَصْدَرِ الْحَدَثُ فَقَطْ، وَهُوَ أَمْرٌ تَصَوُّرِيٌّ، وَأَنَّ الْفِعْلَ يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ بِالْحُصُولِ إمَّا مَاضِيًا، وَإِمَّا حَالًا، وَإِمَّا مُسْتَقْبَلًا إنْ كَانَ إثْبَاتًا، وَبِعَدَمِ الْحُصُولِ فِي ذَلِكَ إنْ كَانَ مَنْفِيًّا، وَهُوَ أَمْرٌ تَصْدِيقِيٌّ، وَلِهَذَا يَسُدَّانِ وَالْفِعْلَ مَسَدَّ الْمَفْعُولَيْنِ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ النِّسْبَةِ اهـ. بِحُرُوفِهِ. وَمِثْلُهُ فِي الْأَشْبَاهِ النَّحْوِيَّةِ، وَقَدْ عَلِمْت مِمَّا مَرَّ أَنَّ كَلِمَةَ عَلَى شَرْطٌ، وَأَنَّ الطَّلَاقَ بِمُقَابَلَةِ مَالِ مُعَاوَضَةٌ مِنْ جَانِبِهَا فَيُشْتَرَطُ قَبُولُهَا إذَا ظَهَرَ ذَلِكَ فَنَقُولُ إذَا قَالَ لَهَا عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي قَدْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا عَلَى إعْطَائِهَا الْمَالَ لَهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَهُوَ مُعَاوَضَةٌ فَيُشْتَرَطُ قَبُولُهَا فَصَارَ كَأَنَّهُ عَلَّقَهُ عَلَى الْقَبُولِ إذْ بِهِ يَحْصُلُ غَرَضُهُ مِنْ التَّطْلِيقِ بِعِوَضٍ لِلُزُومِهِ لَهَا بِالْقَوْلِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ عَلَى أَنْ تَدْخُلِي فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مُعَاوَضَةٌ فَيَبْقَى عَلَى أَصْلِهِ مِنْ تَعَلُّقِهِ عَلَى الدُّخُولِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَلَا غَرَامَةَ تَلْحَقُهَا بِهِ فَلَا يُشْتَرَطُ قَبُولُهَا، وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ عَلَى دُخُولِك الدَّارَ فَقَدْ اسْتَعْمَلَ فِيهِ الدُّخُولَ اسْتِعْمَالَ الْأَعْوَاضِ فَكَانَ الشَّرْطُ قَبُولَ الْعِوَضِ لَا وُجُودُهُ كَمَا لَوْ قَالَ عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي أَلْفًا كَمَا مَرَّ فِي بَابِ التَّعْلِيقِ عَنْ الْمُحِيطِ قُبَيْلَ قَوْلِهِ فَفِيهَا إنْ وُجِدَ الشَّرْطُ انْتَهَتْ الْيَمِينُ، وَإِنَّمَا اُسْتُعْمِلَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَوْ تَعَلَّقَ عَلَى الدُّخُولِ كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ لَزِمَ تَغْيِيرُ مَوْضُوعِ الْمَصْدَرِ إذْ لَا بُدَّ أَنْ يُرَادَ الدُّخُولُ فِي الْمَاضِي أَوْ الْحَالِ أَوْ الِاسْتِقْبَالِ، وَالْمَصْدَرُ الصَّرِيحُ مَوْضُوعٌ لِنَفْسِ الْحَدَثِ عَلَى أَنَّ فِيهِ جَهَالَةَ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ بِاعْتِبَارِ الزَّمَانِ فَلِذَا اُسْتُعْمِلَ اسْتِعْمَالَ الْأَعْوَاضِ فَتَعَلَّقَ عَلَى الْقَبُولِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 90 عَلَى مَالٍ الْأَصْلُ أَنَّهُ مَتَى ذَكَرَ طَلَاقَيْنِ، وَذَكَرَ عَقِيبَهُمَا مَا لَا يَكُونُ مُقَابِلًا بِهِمَا إذْ لَيْسَ أَحَدُهُمَا يُصْرَفُ الْبَدَلُ إلَيْهِ بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ إلَّا إذَا وُصِفَ الْأَوَّلُ بِمَا يُنَافِي وُجُوبَ الْمَالِ فَيَكُونُ الْمَالُ حِينَئِذٍ مُقَابِلًا بِالثَّانِي، وَوَصْفُهُ بِالْمُنَافِي كَالتَّنْصِيصِ عَلَى أَنَّ الْمَالَ بِمُقَابَلَةِ الثَّانِي، وَأَنَّ شَرْطَ وُجُوبِ الْمَالِ عَلَى الْمَرْأَةِ حُصُولُ الْبَيْنُونَةِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُهَا لِتَمْلِكَ نَفْسَهَا فَلَوْ قَالَ لَهَا أَنْت طَالِقٌ السَّاعَةَ وَاحِدَةٌ، وَغَدًا أُخْرَى بِأَلْفٍ أَوْ قَالَ عَلَى أَنَّك طَالِقٌ غَدًا أُخْرَى بِأَلْفٍ أَوْ قَالَ الْيَوْمَ وَاحِدَةٌ، وَغَدًا أُخْرَى رَجْعِيَّةٌ بِأَلْفٍ فَقَبِلَتْ تَقَعُ وَاحِدَةٌ بِخَمْسِمِائَةٍ لِلْحَالِ، وَغَدًا أُخْرَى بِغَيْرِ شَيْءٍ إلَّا أَنْ يَعُودَ مِلْكُهُ قَبْلَهُ لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ تَطْلِيقَةٍ مُنَجَّزَةٍ وَتَطْلِيقَةٍ مُضَافَةٍ إلَى الْغَدِ، وَذَكَرَ عَقِيبَهُمَا مَالًا فَانْصَرَفَ إلَيْهِمَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ ذَكَرَ مَكَانَ الْبَدَلِ اسْتِثْنَاءً يَنْصَرِفُ إلَيْهِمَا فَيَقَعُ الْيَوْمَ وَاحِدَةٌ بِخَمْسِمِائَةٍ فَإِذَا جَاءَ غَدًا تَقَعُ أُخْرَى لِوُجُودِ الْوَقْتِ الْمُضَافِ إلَيْهِ، وَلَا يَجِبُ شَيْءٌ لِأَنَّ شَرْطَ وُجُوبِ الْمَالِ بِالطَّلَاقِ الثَّانِي حُصُولُ الْبَيْنُونَةِ، وَلَمْ تَحْصُلْ لِحُصُولِهَا بِالْأُولَى حَتَّى لَوْ نَكَحَهَا قَبْلَ مَجِيءِ الْغَدِ ثُمَّ جَاءَ الْغَدُ فَتَقَعُ أُخْرَى بِخَمْسِمِائَةٍ لِوُجُودِ شَرْطِ وُجُوبِ الْمَالِ، وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ السَّاعَةَ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ أَوْ بَائِنَةً أَوْ بِغَيْرِ شَيْءٍ عَلَى أَنَّك طَالِقٌ غَدًا أُخْرَى بِأَلْفٍ تَقَعُ فِي الْحَالِ وَاحِدَةٌ مَجَّانًا، وَغَدًا أُخْرَى بِأَلْفٍ لِتَعَذُّرِ الصَّرْفِ إلَيْهِمَا لِأَنَّهُ، وَصَفَ الْأُولَى بِمَا يُنَافِي وُجُوبَ الْمَالِ إلَّا أَنَّ فِي قَوْلِهِ بَائِنَةٌ فَيُشْتَرَطُ التَّزْوِيجُ لِوُجُوبِ الْمَالِ بِالثَّانِي، وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسِّتَّةِ بِأَلْفٍ فَقَبِلَتْ يَقَعُ فِي الطُّهْرِ الْأَوَّلِ وَاحِدَةٌ بِثُلُثِ الْأَلْفِ وَفِي الطُّهْرِ الثَّانِي بِأُخْرَى مَجَّانًا لِأَنَّهَا بَانَتْ بِالْأُولَى، وَلَا يَجِبُ بِالثَّانِيَةِ الْمَالُ إلَّا إذَا نَكَحَهَا قَبْلَ الطُّهْرِ الثَّانِي فَحِينَئِذٍ تَقَعُ أُخْرَى بِثُلُثِ الْأَلْفِ، وَفِي الطُّهْرِ الثَّالِثِ كَذَلِكَ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة. وَإِنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ عَلَى أَنْ تَفْعَلَ كَذَا، وَقَبِلَتْ لَزِمَهَا الطَّلَاقُ عَلَى الْفِعْلِ ثُمَّ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَ جُعْلًا فَهُوَ عَلَى مَا ذَكَرْت لَك، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ جُعْلٍ فَقَدْ مَضَى الطَّلَاقُ م عَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ عَلَى أَنْ تَهَبَ عَنْهُ لِفُلَانٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ أَجْبَرَهَا عَلَى هَذِهِ الْأَلْفِ، وَالزَّوْجُ هُوَ الْوَاهِبُ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ عَنْهُ لَمْ تُجْبَرْ عَلَى الْهِبَةِ، وَعَلَيْهَا أَنْ تَرُدَّ الْمَهْرَ، وَالطَّلَاقُ بَائِنٌ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا غَيْرُ الْهِبَةِ الَّتِي، وَهَبَتْ، وَلَا رُجُوعَ فِي هَذِهِ الْهِبَةِ لِأَحَدٍ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ فِي امْرَأَةٍ قَالَتْ لِزَوْجِهَا طَلِّقْنِي عَلَى أَنْ أَهَبَ مَهْرِي مِنْ وَلَدِك فَفَعَلَ فَأَبَتْ أَنْ تَهَبَهُ فَالطَّلَاقُ رَجْعِيٌّ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا. اهـ. . (قَوْلُهُ أَنْت طَالِقٌ، وَعَلَيْك أَلْفٌ أَوْ أَنْت حُرٌّ، وَعَلَيْك أَلْفٌ طَلَقَتْ، وَعَتَقَ مَجَّانًا) يَعْنِي قَبِلَا أَوْ لَا عِنْدَ الْإِمَامِ، وَعِنْدَهُمَا وَقَعَ إنْ قَبِلَا، وَلَزِمَهُمَا الْمَالُ، وَإِلَّا لَا عَمَلًا بِأَنَّ الْوَاوَ لِلْحَالِ مَجَازًا لِتَعَذُّرِ حَمْلِهَا عَلَى الْعَطْفِ لِلِانْقِطَاعِ لِأَنَّ الْأُولَى جُمْلَةٌ إنْشَائِيَّةٌ، وَالثَّانِيَةَ خَبَرِيَّةٌ، وَعِنْدَهُ الْوَاوُ لِلْعَطْفِ هُنَا عَمَلًا بِالْحَقِيقَةِ، وَلَا انْقِطَاعَ لِأَنَّ التَّحْقِيقَ أَنَّ الْجُمْلَةَ الْأُولَى خَبَرِيَّةٌ لَا إنْشَائِيَّةٌ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَذَكَرَ فِي تَحْرِيرِهِ أَنَّ الْأَوْجَهَ أَنَّ الْوَاوَ لِلِاسْتِئْنَافِ عِدَةً أَوْ غَيْرَهُ لَا لِلْعَطْفِ لِلِانْقِطَاعِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ مَجَازٌ لَكِنْ تَرَجَّحَ عَلَى مَجَازٍ أَنَّهَا لِلْحَالِ بِالْأَصْلِ، وَهُوَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ، وَعَدَمُ إلْزَامِ الْمَالِ بِلَا مُعَيَّنٍ، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهَا لِلْحَالِ فِي أَدِّ إلَيَّ أَلْفًا، وَأَنْتَ حُرٌّ، وَانْزِلْ، وَأَنْتَ آمِنٌ لِتَعَذُّرِ الْعَطْفِ لِكَمَالِ الِانْقِطَاعِ بَيْنَ الْجُمْلَتَيْنِ لَكِنَّهُ مِنْ بَابِ الْقَلْبِ لِأَنَّ الشَّرْطَ الْأَدَاءُ وَالنُّزُولُ، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهَا بِمَعْنَى الْبَاءِ، وَهُوَ الْمُعَاوَضَةُ، وَفِي قَوْلِهِ احْمِلْ هَذَا الطَّعَامَ، وَلَك دِرْهَمٌ لِأَنَّ الْمُعَاوَضَةَ فِي الْإِجَارَةِ أَصْلِيَّةٌ، وَاتَّفَقُوا عَلَى تَعَيُّنِ الْأَصْلِ، وَهُوَ الْعَطْفُ مِنْ غَيْرِ احْتِمَالِ غَيْرِهِ فِي خُذْهُ، وَاعْمَلْ بِهِ فِي الْبَزِّ لِلْإِنْشَائِيَّةِ فَلَا تُقَيِّدُ الْمُضَارَبَةُ بِهِ، وَلَوْ نَوَى، وَاتَّفَقُوا عَلَى احْتِمَالِ الْأَمْرَيْنِ فِي أَنْتِ طَالِقٌ، وَأَنْتِ مَرِيضَةٌ أَوْ مُصَلِّيَةٌ لِأَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَلَا مُعَيَّنَ فَيَتَنَجَّزُ الطَّلَاقُ قَضَاءً، وَيَتَعَلَّقُ دِيَانَةً إنْ أَرَادَهُ فَالضَّابِطُ الِاعْتِبَارُ بِالصَّلَاحِيَةِ، وَعَدَمِهَا فَإِنْ تَعَيَّنَ مَعْنَى الْحَالِ تَقَيَّدَ، وَإِلَّا فَإِنْ احْتَمَلَ فَالْمُعَيَّنُ النِّيَّةُ، وَإِلَّا كَانَتْ لِعَطْفِ الْجُمْلَةِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ إلَّا إذَا وُصِفَ الْأَوَّلُ بِمَا يُنَافِي الْوُجُوبَ إلَخْ) أَفَادَ هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ أَنَّ قَوْلَهُ أَوَّلًا يَكُونُ مُقَابَلًا بِهِمَا سَوَاءٌ لَمْ يَصِفْ شَيْئًا مِنْهُمَا بِالْمُنَافِي أَوْ وَصَفَهُمَا جَمِيعًا أَوْ وَصَفَ الثَّانِيَ فَقَطْ يُوَضِّحُهُ مَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُحِيطِ وَلَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ السَّاعَةَ وَاحِدَةً أَمْلِكُ الرَّجْعَةَ، وَغَدًا أُخْرَى أَمْلِكُ الرَّجْعَةَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ أَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ السَّاعَةَ وَاحِدَةً بَائِنَةً، وَغَدًا أُخْرَى بَائِنَةً بِأَلْفِ دِرْهَمٍ أَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ السَّاعَةَ وَاحِدَةً بِغَيْرِ شَيْءٍ، وَغَدًا أُخْرَى بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَالْبَدَلُ يَنْصَرِفُ إلَيْهِمَا، وَيَكُونُ كُلُّ تَطْلِيقَةٍ بِنِصْفِ الْأَلْفِ فَيَقَعُ وَاحِدَةٌ فِي الْحَالِ بِنِصْفِ الْأَلْفِ، وَغَدًا مَجَّانًا إلَّا أَنْ يَتَزَوَّجَهَا قَبْلَ مَجِيءِ الْغَدِ ثُمَّ جَاءَ الْغَدُ فَحِينَئِذٍ تَقَعُ أُخْرَى بِنِصْفِ الْأَلْفِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْأَوْجَهُ أَنَّ الْوَاوَ لِلِاسْتِئْنَافِ عِدَةً أَوْ غَيْرَهُ) أَيْ الْأَرْجَحُ فِي طَلِّقْنِي، وَلَك أَلْفٌ أَنْ يَكُونَ لِلِاسْتِئْنَافِ لِقَوْلِهَا، وَلَك أَلْفٌ عِدَةً مِنْهَا لَهُ، وَالْمَوَاعِيدُ لَا تَلْزَمُ أَوْ غَيْرَهُ أَيْ غَيْرَ وَعْدٍ بِأَنْ تَزِيدَ، وَلَك أَلْفٌ فِي بَيْتِك وَنَحْوِهِ لِلِانْقِطَاعِ بَيْنَهُمَا إلَخْ قَالَ شَارِحُهُ، وَفِي بَعْضِ هَذَا الْكَلَامِ مَا فِيهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 91 كَذَا فِي التَّحْرِيرِ وَالْبَدِيعِ. وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ قَالَتْ طَلِّقْنِي، وَلَك أَلْفٌ أَوْ اخْلَعْنِي، وَلَك أَلْفٌ فَفَعَلَ فَعِنْدَهُ وَقَعَ، وَلَمْ يَجِبْ الْمَالُ، وَقَالَا يَجِبُ الْمَالُ كَذَا فِي الْكَافِي، وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَتْ طَلِّقْنِي، وَلَك أَلْفٌ فَقَالَ طَلَّقْتُك عَلَى الْأَلْفِ الَّتِي سَمَّيْتهَا إنْ قَبِلْت يَقَعُ الطَّلَاقُ، وَيَجِبُ الْمَالُ، وَإِنْ لَمْ تَقْبَلْ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ، وَلَمْ يَجِبْ عِنْدَهُ لِأَنَّهَا الْتَمَسَتْ طَلَاقًا بِغَيْرِ عِوَضٍ لِأَنَّ قَوْلَهَا، وَلَك أَلْفٌ لَمْ يَكُنْ تَعْوِيضًا عَلَى الطَّلَاقِ فَقَدْ أَعْرَضَ الزَّوْجُ عَمَّا الْتَمَسَتْ حَيْثُ أَوْقَعَ طَلَاقًا بِعِوَضٍ فَإِنْ قَبِلَتْ وَقَعَ، وَإِلَّا بَطَلَ، وَعِنْدَهُمَا يَقَعُ، وَيَجِبُ الْمَالُ اهـ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْوُقُوعَ مَجَّانًا مَعَ ذِكْرِ الْمَالِ لَا يَخْتَصُّ بِمَسْأَلَةِ الْكِتَابِ بَلْ يَكُونُ فِي مَسَائِلَ أُخْرَى مِنْهَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى عَبْدِي هَذَا فَإِذَا هُوَ حُرٌّ فَقَبِلَتْ طَلَقَتْ مَجَّانًا لِعَدَمِ صِحَّةِ التَّسْمِيَةِ، وَأَوْجَبَ عَلَيْهَا زُفَرُ قِيمَتَهُ قِيَاسًا عَلَى تَسْمِيَةِ عَبْدِ الْغَيْرِ، وَفَرَّقْنَا بِإِمْكَانِ تَسْلِيمِهِ بِإِجَازَةِ مَالِكِهِ فِي الْمَقِيسِ عَلَيْهِ، وَفِي الْمَقِيسِ لَا يُتَصَوَّرُ تَسْلِيمُهُ، وَمِنْهَا لَوْ قَالَتْ طَلِّقْنِي وَاحِدَةً بِأَلْفٍ أَوْ عَلَى أَلْفٍ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا، وَلَمْ يَذْكُرْ الْأَلْفَ طَلَقَتْ ثَلَاثًا مَجَّانًا عِنْدَهُ لِلْمُخَالَفَةِ، وَعِنْدَهُمَا طَلَقَتْ ثَلَاثًا، وَعَلَيْهَا الْأَلْفُ بِإِزَاءِ الْوَاحِدَةِ لِأَنَّهُ مُجِيبٌ بِالْوَاحِدَةِ مُبْتَدِئًا بِالْبَاقِي، وَإِنْ ذَكَرَ الْأَلْفَ لَا يَقَعُ شَيْءٌ عِنْدَهُ مَا لَمْ تَقْبَلْ الْمَرْأَةُ، وَإِذَا قَبِلَتْ الْكُلَّ وَقَعَ الثَّلَاثُ بِالْأَلْفِ، وَعِنْدَهُمَا إنْ لَمْ تَقْبَلْ فَهِيَ طَالِقٌ وَاحِدَةً فَقَطْ، وَإِنْ قَبِلَتْ طَلَقَتْ ثَلَاثًا وَاحِدَةٌ بِأَلْفٍ، وَثِنْتَانِ بِغَيْرِ شَيْءٍ كَذَا فِي الْكَافِي. (قَوْلُهُ وَصَحَّ خِيَارُ الشَّرْطِ لَهَا لَا لَهُ) لِمَا قَدَّمْنَا أَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ مِنْ جِهَتِهَا، وَيَمِينٌ مِنْ جِهَتِهِ، وَلِذَا صَحَّ رُجُوعُهَا قَبْلَ الْقَبُولِ، وَلَا تَصِحُّ إضَافَتُهَا، وَتَعْلِيقُهَا بِالشَّرْطِ، وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مَا وَرَاءَ الْمَجْلِسِ، وَانْعَكَسَتْ الْأَحْكَامُ مِنْ جَانِبِهِ، وَهُمَا مَنَعَاهُ مِنْ جَانِبِهَا أَيْضًا نَظَرًا إلَى جَانِبِ الْيَمِينِ، وَالْحَقُّ مَا قَالَهُ الْإِمَامُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْخُلْعَ وَالطَّلَاقَ عَلَى مَالٍ، وَيَتَفَرَّعُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ مَسَائِلُ مِنْهَا مَا لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ عَلَى أَلْفٍ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَقَبِلَتْ بَطَلَ الْخِيَارُ، وَوَقَعَ الطَّلَاقُ، وَمِنْهَا مَا لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ عَلَى أَلْفٍ عَلَى أَنَّك بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَقَبِلَتْ إنْ رَدَّتْ الطَّلَاقَ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ بَطَلَ الطَّلَاقُ، وَإِنْ اخْتَارَتْ الطَّلَاقَ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ وَقَعَ، وَوَجَبَ الْأَلْفُ لَهُ، وَعِنْدَهُمَا الطَّلَاقُ وَاقِعٌ فِي الْوَجْهَيْنِ، وَالْمَالُ لَازِمٌ عَلَيْهَا، وَالْخِيَارُ بَاطِلٌ فِي الْوَجْهَيْنِ كَذَا فِي الْكَافِي، وَغَيْرِهِ، وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ مِنْ بَابِ الْإِكْرَاهِ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْت طَالِقٌ عَلَى أَلْفٍ عَلَى أَنَّك بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَقَبِلَتْ يَقَعُ الطَّلَاقُ، وَلَهَا الْخِيَارُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. اهـ. وَهُوَ مُشْكِلٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ سَبْقُ قَلَمٍ فَإِنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ قَبْلَ إسْقَاطِ الْخِيَارِ إمَّا بِالرِّضَا أَوْ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ لَا أَنَّهُ وَقَعَ ثُمَّ يَرْتَفِعُ بِالْفَسْخِ بِالْخِيَارِ، وَلِذَا قَالَ فِي الْبَدَائِعِ إنَّ أَبَا يُوسُفَ وَمُحَمَّدًا يَقُولَانِ فِي مَسْأَلَةِ الْخِيَارِ إنَّ الْخِيَارَ إنَّمَا شُرِعَ لِلْفَسْخِ، وَالْخُلْعُ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ، وَجَوَابُ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ هَذَا أَنَّ مَحَلَّ الْخِيَارِ فِي مَنْعِ انْعِقَادِ الْعَقْدِ فِي حَقِّ الْحُكْمِ عَلَى أَصْلِ أَصْحَابِنَا فَلَمْ يَكُنْ الْعَقْدُ مُنْعَقِدًا فِي حَقِّ الْحُكْمِ لِلْحَالِ بَلْ مَوْقُوفٌ إلَى وَقْتِ سُقُوطِ الْخِيَارِ فَحِينَئِذٍ يَعْمَلُ عَلَى مَا عُرِفَ فِي الْبُيُوعِ اهـ. فَإِنْ قُلْت هَلْ يَصِحُّ اشْتِرَاطُ الْخِيَارِ لَهَا بَعْدَ الْخُلْعِ قُلْت لَمْ أَرَهُ صَرِيحًا، وَمُقْتَضَى جَعْلِهِ كَالْبَيْعِ أَنْ يَصِحَّ لِأَنَّ شَرْطَ الْخِيَارِ اللَّاحِقِ بَعْدَ الْبَيْعِ كَالْمُقَارِنِ مَعَ أَنَّ فِيهِ إشْكَالًا لِأَنَّ الطَّلَاقَ وَقَعَ حَيْثُ كَانَ بِلَا شَرْطٍ فَكَيْفَ يَرْتَفِعُ بَعْدَ وُقُوعِهِ، وَأَطْلَقَ فِي الْمُدَّةِ فَشَمِلَ اشْتِرَاطُهُ لَهَا أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةٍ عِنْدَهُ، وَالْفَرْقُ لِلْإِمَامِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْعِ أَنَّ اشْتِرَاطَهُ فِي الْبَيْعِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ لِأَنَّهُ مِنْ التَّمْلِيكَاتِ فَيَقْتَصِرُ عَلَى مَوْرِدِ النَّصِّ، وَفِي الْخُلْعِ عَلَى وَفْقِهِ لِأَنَّهُ مِنْ الْإِسْقَاطَاتِ، وَالْمَالُ وَإِنْ كَانَ مَقْصُودًا فِيهِ بِالنَّظَرِ إلَى الْعَاقِدِ لَكِنَّهُ تَابِعٌ فِي الثُّبُوتِ فِي الطَّلَاقِ الَّذِي هُوَ مَقْصُودُ الْعَقْدِ كَمَا أَنَّ الثَّمَنَ تَابِعٌ فِي الْبَيْعِ، وَبِالنَّظَرِ إلَى الْمَقْصُودِ يَلْزَمُ أَنْ لَا يَتَقَدَّرَ بِالثَّلَاثِ كَذَا فِي الْكَشْفِ مِنْ آخِرِ بَحْثِ الْهَزْلِ فَعَلَى هَذَا إذَا قَدَّرَا وَقْتًا، وَمَضَى بَطَلَ الْخِيَارُ سَوَاءٌ كَانَ ثَلَاثَةً أَوْ أَكْثَرَ، وَوَقَعَ الطَّلَاقُ، وَلَزِمَ الْمَالُ، وَإِذَا أَطْلَقَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لَهَا الْخِيَارُ فِي مَجْلِسِهَا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَإِذَا أَطْلَقَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لَهَا الْخِيَارُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَعِنْدِي فِيهِ نَظَرٌ لِاقْتِضَائِهِ أَنْ يَقْبَلَ النَّقْضَ بَعْدَ التَّمَامِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَقْبَلُهُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَجْرِي التَّقَايُلُ فِيهِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ، وَهَذَا كَمَا سَيَأْتِي فِي الْبَيْعِ مِنْ أَنَّ ثُبُوتَهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا قَالَ لَهُ الْبَائِعُ ذَلِكَ بَعْدَ الْبَيْعِ أَمَّا عِنْدَ الْعَقْدِ فَيَفْسُدُ الْبَيْعُ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا سَيَأْتِي فِي الْبَيْعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 92 فَقَطْ فَإِنْ قَامَتْ مِنْهُ بَطَلَ اسْتِنْبَاطًا مِمَّا إذَا أَطْلَقَا فِي الْبَيْعِ لِمَا أَنَّ لَهُ شَبَهَ الْبَيْعِ، وَذَكَرَ الشَّارِحُ أَنَّ جَانِبَ الْعَبْدِ فِي الْعَتَاقِ مِثْلُ جَانِبِ الْمَرْأَةِ فِي الطَّلَاقِ حَتَّى صَحَّ اشْتِرَاطُ الْخِيَارِ لَهُ دُونَ الْمَوْلَى ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُمْ نَقَلُوا هُنَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهَا لِلْخُلْعِ لِكَوْنِهِ مُعَاوَضَةً مِنْ جِهَتِهَا، وَقَدْ ذَكَرَ الْحَاكِمُ فِي الْكَافِي أَنَّهَا لَوْ قَالَتْ إنْ طَلَّقْتنِي ثَلَاثًا فَلَكَ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَإِنْ قَبِلَ فِي الْمَجْلِسِ فَلَهُ الْأَلْفُ. وَإِنْ قَبِلَ بَعْدَهُ فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَعَزَاهُ إلَيْهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ مَعَ أَنَّهُ تَعْلِيقٌ مِنْهَا لَهُ بِصَرِيحِ الشَّرْطِ، وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُعَلِّقَ الْقَبُولَ أَوْ الْإِيجَابَ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ خَالَعَهَا، وَقَالَتْ إنْ لَمْ أُؤَدِّ الْبَدَلَ إلَى أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ فَالْخُلْعُ بَاطِلٌ فَمَضَتْ الْمُدَّةُ، وَلَمْ تُؤَدِّ فَهَذِهِ بِمَنْزِلَةِ شَرْطِ الْخِيَارِ فِي الْخُلْعِ، وَأَنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ إذَا كَانَ مِنْ جَانِبِهَا اهـ. يَعْنِي: إذَا مَضَتْ الْمُدَّةُ قَبْلَ الْأَدَاءِ بَطَلَ الْخُلْعُ، وَإِنْ أَدَّتْ فِي الْمُدَّةِ وَقَعَ كَمَسْأَلَةِ خِيَارِ الْعَقْدِ فِي الْبَيْعِ، وَاسْتُفِيدَ مِنْهُ أَنَّ الْخِيَارَ لَا يَتَقَيَّدُ بِالثَّلَاثِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ صَرِيحًا، وَقَيَّدَ بِخِيَارِ الشَّرْطِ لِأَنَّ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ لَا يَثْبُتُ فِي الْخُلْعِ، وَلَا فِي كُلِّ عَقْدٍ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ كَمَا ذَكَرَهُ الْعِمَادِيُّ فِي فُصُولِهِ، وَأَمَّا خِيَارُ الْعَيْبِ فِي بَدَلِ الْخُلْعِ فَثَابِتٌ فِي الْعَيْبِ الْفَاحِشِ دُونَ الْيَسِيرِ، وَالْفَاحِشُ مَا يُخْرِجُهُ مِنْ الْجَوْدَةِ إلَى الْوَسَاطَةِ، وَمِنْ الْوَسَاطَةِ إلَى الرَّدَاءَةِ. اهـ. وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ الْأَصْلُ أَنَّ مَنْ لَهُ الرُّجُوعُ عَنْ خِطَابِهِ قَوْلًا يَبْطُلُ خِطَابُهُ بِقِيَامِهِ، وَمَنْ لَا رُجُوعَ لَهُ لَا يَبْطُلُ بِقِيَامِهِ ثُمَّ قَالَ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْخُلْعَ مِنْ جَانِبِهِ يَبْطُلُ بِقِيَامِهَا لَا بِقِيَامِهِ، وَمِنْ جَانِبِهَا يَبْطُلُ بِقِيَامِ كُلٍّ مِنْهُمَا. اهـ. (قَوْلُهُ طَلَّقْتُك أَمْسِ بِأَلْفٍ فَلَمْ تَقْبَلِي، وَقَالَتْ قَبِلْت صَدَّقَ بِخِلَافِ الْبَيْعِ) . وَالْفَرْقُ أَنَّ الطَّلَاقَ عَلَى مَالٍ بِلَا قَبُولِ عَقْدٍ تَامٍّ، وَهُوَ عَقْدُ يَمِينٍ فَلَا يَكُونُ إقْرَارُهُ بِهِ إقْرَارًا بِقَبُولِ الْمَرْأَةِ أَمَّا الْبَيْعُ بِلَا قَبُولِ الْمُشْتَرِي فَلَيْسَ بِبَيْعٍ فَكَانَ إقْرَارُهُ بِهِ إقْرَارًا بِقَبُولِ الْمُشْتَرِي فَدَعْوَاهُ بَعْدَهُ عَدَمَ قَبُولِهِ تَنَاقُضٌ، وَمُرَادُهُ مِنْ تَصْدِيقِ الزَّوْجِ قَبُولُ قَوْلِهِ مَعَ يَمِينِهِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْعِمَادِيُّ فِي الْفُصُولِ، وَلَوْ قَيَّدَ الْمَسْأَلَةَ بِالْمَالِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ لَكَانَ أَوْلَى، وَلَوْلَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي شَرْحًا لِقَوْلِهِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ مِنْ أَنَّ صُورَتَهُ مَا لَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ بِعْت مِنْك هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ أَمْسِ فَلَمْ تُقْبَلْ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي قَبِلْت إلَى آخِرِهِ لَشَرَحْت قَوْلَهُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ بِمَا لَوْ قَالَ بِعْتُك طَلَاقَك أَمْسِ فَلَمْ تَقْبَلِي فَقَالَتْ بَلْ قَبِلْت فَقَدْ نَصَّ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ الْقَبُولَ لَهَا لِمُنَاسَبَتِهِ لِلطَّلَاقِ، وَفِيهِ لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَعْتَقْتُك أَمْسِ عَلَى أَلْفٍ فَلَمْ تَقْبَلْ، وَبِعْتُك أَمْسِ نَفْسَك مِنْك بِأَلْفٍ فَلَمْ تَقْبَلْ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ الزَّوْجِ لَهَا. اهـ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة لَوْ أَقَامَا بَيِّنَةً أُخِذَ بِبَيِّنَةِ الْمَرْأَةِ. اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ ادَّعَى الْخُلْعَ عَلَى مَالٍ، وَالْمَرْأَةُ تُنْكِرُ يَقَعُ الطَّلَاقُ بِإِقْرَارِهِ، وَالدَّعْوَى فِي الْمَالِ عَلَى حَالِهَا، وَعَكْسُهُ لَا يَقَعُ كَيْفَمَا كَانَ ادَّعَتْ الْمَهْرَ أَوْ نَفَقَةَ الْعِدَّةِ لِأَنَّهُ طَلَّقَهَا، وَادَّعَى الْخُلْعَ، وَلَيْسَ لَهَا بَيِّنَةٌ فَفِي حَقِّ الْمَهْرِ الْقَوْلُ لَهَا، وَفِي النَّفَقَةِ قَوْلُهُ اهـ. وَيَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا كَانَ مُدَّعِيًا أَنَّ نَفَقَةَ الْعِدَّةِ مِنْ جُمْلَةِ بَدَلِ الْخُلْعِ، وَعَلَى تَقْدِيرِهِ فَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَهْرَ كَانَ ثَابِتًا عَلَيْهِ قَبْلَهُ فَدَعْوَاهُ سُقُوطَهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ، وَأَمَّا نَفَقَةُ الْعِدَّةِ فَلَيْسَتْ وَاجِبَةً قَبْلَهُ، وَهِيَ تَدَّعِي اسْتِحْقَاقَهَا بِالطَّلَاقِ، وَهُوَ يُنْكِرُ فَكَانَ الْقَوْلُ لَهُ، وَهُوَ مُشْكِلٌ فَإِنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى سَبَبِ اسْتِحْقَاقِهَا لِأَنَّ الْخُلْعَ وَالطَّلَاقَ يُوجِبَانِ نَفَقَةَ الْعِدَّةِ فَكَيْفَ تَسْقُطُ، وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ اخْتَلَفَا فِي كَمِّيَّةِ الْخُلْعِ فَقَالَ مَرَّتَانِ، وَقَالَتْ ثَلَاثٌ قِيلَ الْقَوْلُ لَهُ، وَقِيلَ لَوْ اخْتَلَفَا بَعْدَ التَّزَوُّجِ فَقَالَتْ لَمْ يَجُزْ التَّزَوُّجُ لِأَنَّهُ وَقَعَ بَعْدَ الْخُلْعِ الثَّالِثِ، وَأَنْكَرَهُ فَالْقَوْلُ لَهُ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الْعِدَّةِ، وَبَعْدَ مُضِيِّهَا فَقَالَ هِيَ عِدَّةُ الْخُلْعِ الثَّانِي، وَقَالَتْ هِيَ عِدَّةُ الْخُلْعِ الثَّالِثِ فَالْقَوْلُ لَهَا فَلَا يَحِلُّ النِّكَاحُ. اهـ. وَفِي الْقُنْيَةِ لَوْ أَقَامَتْ بَيِّنَةً أَنَّ زَوْجَهَا الْمَجْنُونَ خَالَعَهَا فِي صِحَّتِهِ، وَأَقَامَ وَلِيُّهُ أَوْ هُوَ بَعْدَ الْإِفَاقَةِ بَيِّنَةً أَنَّهُ خَالَعَهَا فِي جُنُونِهِ فَبَيِّنَةُ الْمَرْأَةِ أَوْلَى اهـ. وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ قَالَ لَهَا قَدْ طَلَّقْتُك وَاحِدَةً بِأَلْفٍ فَقَبِلْت فَقَالَتْ إنَّمَا سَأَلْتُك ثَلَاثًا بِأَلْفٍ فَطَلَّقْتنِي وَاحِدَةً فَلَكَ ثُلُثُهَا فَالْقَوْلُ لِلْمَرْأَةِ مَعَ يَمِينِهَا فَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الزَّوْجِ، وَكَذَا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَلَوْ قَيَّدَ الْمَسْأَلَةَ بِالْمَالِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ النُّسْخَةُ الَّتِي شَرَحَ عَلَيْهَا الزَّيْلَعِيُّ وَالْعَيْنِيُّ وَمُنْلَا مِسْكِينٌ مُقَيَّدَةٌ بِالْمَالِ فَإِنَّ عِبَارَتَهُمْ طَلَّقْتُك أَمْسِ بِأَلْفٍ. اهـ. قُلْت، وَكَذَلِكَ عِبَارَةُ النَّهْرِ (قَوْلُهُ وَهُوَ مُشْكِلٌ إلَخْ) أَصْلُ لِاسْتِشْكَالِ لِصَاحِبِ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 93 لَوْ اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ الْجُعْلِ بَعْدَ الِاتِّفَاقِ عَلَى الْخُلْعِ أَوْ قَالَتْ اخْتَلَعْتُ بِغَيْرِ شَيْءٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا، وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الزَّوْجِ أَمَّا إذَا اتَّفَقَا أَنَّهَا سَأَلَتْهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا بِأَلْفٍ، وَقَالَتْ طَلَّقْتنِي وَاحِدَةً، وَقَالَ هُوَ ثَلَاثًا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ إنْ كَانَا فِي الْمَجْلِسِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ فِي مَجْلِسِ سُؤَالِهَا الثَّلَاثَ بِأَلْفٍ كَانَ لَهُ الْأَلْفُ فَغَايَةُ هَذَا أَنْ يَكُونَ مُوقِعًا الْبَاقِيَ فِي الْمَجْلِسِ فَيَكُونَ مِثْلَهُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ فِي الْمَجْلِسِ لَزِمَهَا الثَّلَاثُ. وَإِنْ كَانَتْ فِي الْعِدَّةِ فَمِنْ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ، وَلَا يَكُونُ لِلزَّوْجِ إلَّا ثُلُثُ الْأَلْفِ، وَإِنْ قَالَتْ سَأَلْتُك أَنْ تُطَلِّقَنِي ثَلَاثًا عَلَى أَلْفٍ فَطَلَّقْتنِي وَاحِدَةً فَلَا شَيْءَ لَك يَعْنِي عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ هُوَ بَلْ سَأَلْتنِي وَاحِدَةً عَلَى أَلْفٍ فَطَلَقْتُكهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَإِنْ قَالَتْ سَأَلْتُك ثَلَاثًا بِأَلْفٍ فَطَلَّقْتنِي فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ وَاحِدَةً، وَالْبَاقِي فِي غَيْرِهِ، وَقَالَ بَلْ الثَّلَاثُ فِيهِ فَالْقَوْلُ لَهَا، وَإِنْ قَالَتْ سَأَلْتُك أَنْ تُطَلِّقَنِي أَنَا وَضَرَّتِي عَلَى أَلْفٍ فَطَلَّقْتنِي وَحْدِي، وَقَالَ طَلَّقْتهَا مَعَك، وَقَدْ افْتَرَقَا مِنْ ذَلِكَ الْمَجْلِسِ فَالْقَوْلُ لَهَا، وَعَلَيْهَا حِصَّتُهَا مِنْ الْأَلْفِ، وَالْأُخْرَى طَالِقٌ بِإِقْرَارِهِ، وَكَذَا إذَا قَالَتْ فَلَمْ تُطَلِّقْنِي، وَلَا فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ، وَفِي مَسْأَلَةِ خُلْعِ الثِّنْتَيْنِ بِسُؤَالٍ وَاحِدٍ تَنْبِيهٌ، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا خَلَعَ امْرَأَتَيْهِ عَلَى أَلْفٍ كَانَتْ مُنْقَسِمَةً عَلَى قَدْرِ مَا تَزَوَّجَهُمَا عَلَيْهِ مِنْ الْمَهْرِ حَتَّى لَوْ سَأَلَتَاهُ طَلَاقَهُمَا عَلَى أَلْفٍ أَوْ بِأَلْفٍ فَطَلَّقَ إحْدَاهُمَا لَزِمَ الْمُطَلَّقَةَ حِصَّتُهَا مِنْ الْأَلْفِ عَلَى قَدْرِ مَا تَزَوَّجَهَا عَلَيْهِ فَإِنْ طَلَّقَ الْأُخْرَى فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ أَيْضًا لَزِمَهَا حِصَّتُهَا لِأَنَّ الْأَلْفَ تَنْقَسِمُ عَلَيْهِمَا بِالسَّوِيَّةِ، وَلَوْ طَلَّقَهَا بَعْدَمَا افْتَرَقُوا فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَإِذَا ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ الْخُلْعَ، وَالزَّوْجُ يُنْكِرُهُ فَأَقَامَتْ بَيِّنَةً فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالْأَلْفِ، وَالْآخَرُ بِأَلْفٍ، وَخَمْسِمِائَةٍ أَوْ اخْتَلَفَا فِي جِنْسِ الْجُعْلِ فَالشَّهَادَةُ بَاطِلَةٌ، وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ هُوَ الْمُدَّعِي لِلْخُلْعِ، وَالْمَرْأَةُ تُنْكِرُهُ فَشَهِدَ أَحَدُ شَاهِدَيْهِ بِأَلْفٍ، وَالْآخَرُ بِأَلْفٍ، وَخَمْسِمِائَةٍ، وَالزَّوْجُ يَدَّعِي أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا عَلَى الْأَلْفِ، وَإِنْ اُدُّعِيَ أَلْفٌ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُمَا، وَلَزِمَهُ الطَّلَاقُ بِإِقْرَارِهِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِيهِ لَوْ اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ الْعِوَضِ فَالْقَوْلُ لَهَا عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَتَحَالَفَانِ اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ دَفَعَتْ بَدَلَ الْخُلْعِ، وَزَعَمَ الزَّوْجُ أَنَّهُ قَبَضَهُ بِجِهَةٍ أُخْرَى أَفْتَى الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ أَنَّ الْقَوْلَ لَهُ، وَقِيلَ لَهَا لِأَنَّهَا الْمُمَلَّكَةُ. (قَوْلُهُ وَيُسْقِطُ الْخُلْعُ وَالْمُبَارَأَةُ كُلَّ حَقٍّ لِكُلِّ وَاحِدٍ عَلَى الْآخَرِ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالنِّكَاحِ حَتَّى لَوْ خَالَعَهَا أَوْ بَارَأَهَا بِمَالٍ مَعْلُومٍ كَانَ لِلزَّوْجِ مَا سَمَّتْ لَهُ، وَلَمْ يَبْقَ لِأَحَدِهِمَا قِبَلَ صَاحِبِهِ دَعْوَى فِي الْمَهْرِ مَقْبُوضًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَقْبُوضٍ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا أَوْ بَعْدَهُ) لِأَنَّ الْخُلْعَ كَالْبَرَاءَةِ يَقْتَضِي الْبَرَاءَةَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ لِأَنَّهُ يُنْبِئُ عَنْ الْخُلْعِ، وَهُوَ الْفَصْلُ، وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إلَّا لَمْ يَبْقَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قِبَلَ صَاحِبِهِ حَقٌّ، وَإِلَّا تَحَقَّقَتْ الْمُنَازَعَةُ بَعْدَهُ، وَالْمُبَارَأَةُ بِالْهَمْزَةِ، وَتَرْكُهَا خَطَأٌ، وَهِيَ أَنْ يَقُولَ الزَّوْجُ بَرِئْت مِنْ نِكَاحِك بِكَذَا كَذَا فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ، وَلَا يَخْفَى وُقُوعُ الطَّلَاقِ الْبَائِنِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، وَقَدْ صَوَّرَهَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنْ يَقُولَ بَارَأْتُك عَلَى أَلْفٍ، وَتَقْبَلُ، وَلَمْ يَذْكُرْ وُقُوعَ الطَّلَاقِ بِهِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ بِهَذَا اللَّفْظِ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْبَزَّازِيَّةِ لَكِنْ قَالَ فِيهَا نِيَّةُ الطَّلَاقِ فِي الْخُلْعِ، وَالْمُبَارَأَةُ شَرْطُ الصِّحَّةِ إلَّا أَنَّ الْمَشَايِخَ لَمْ يَشْتَرِطُوهُ فِي الْخُلْعِ لِغَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ، وَلِأَنَّ الْغَالِبَ كَوْنُ الْخُلْعِ بَعْدَ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ فَلَوْ كَانَتْ الْمُبَارَأَةُ أَيْضًا كَذَلِكَ لَا حَاجَةَ إلَى النِّيَّةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْكِنَايَاتِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَبَقِيَتْ مَشْرُوطَةً فِي الْمُبَارَأَةِ، وَسَائِرِ الْكِنَايَاتِ عَلَى الْأَصْلِ اهـ. وَشَمِلَ أَوَّلُ كَلَامِهِ سِتَّةَ عَشَرَ وَجْهًا لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ لَا يُسَمِّيَا شَيْئًا أَوْ سَمَّيَا الْمَهْرَ أَوْ مَالًا آخَرَ، وَكُلُّ وَجْهٍ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ الْمَهْرُ مَقْبُوضًا أَوْ لَا، وَكُلٌّ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ فَإِنْ لَمْ يُسَمِّيَا شَيْئًا بَرِئَ كُلٌّ مِنْهُمَا كَمَا صَحَّحَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْبَزَّازِيَّةِ، وَعِبَارَةُ الْخُلَاصَةِ لَوْ خَالَعَهَا، وَلَمْ يَذْكُرْ الْعِوَضَ عَلَيْهَا فَهُوَ عَلَى وُجُوهٍ الْأَوَّلُ أَنْ يَسْكُتَ عَنْهُ ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي نُسْخَتِهِ أَنَّهُ يَبْرَأُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ دَعْوَى صَاحِبِهِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْأَلْفَ تَنْقَسِمُ عَلَيْهَا بِالسَّوِيَّةِ) كَذَا فِي النُّسَخِ، وَاَلَّذِي فِي الْفَتْحِ لَا أَنَّ بِالْأَلْفِ بَعْدَ لَا، وَهِيَ الصَّوَابُ. (قَوْلُهُ وَقَدْ صَرَّحَ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ إلَخْ) أَقُولُ: صَرَّحَ بِهِ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ أَيْضًا، وَبِأَنَّهُ بَائِنٌ حَيْثُ قَالَ فِي الْكَافِي وَإِذَا اخْتَلَعَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ زَوْجِهَا فَالْخُلْعُ تَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الزَّوْجُ ثَلَاثًا فَتَكُونَ ثَلَاثًا، وَإِنْ نَوَى ثِنْتَيْنِ كَانَتْ وَاحِدَةً بَائِنَةً، وَكَذَلِكَ كُلُّ طَلَاقٍ يَجْعَلُ فَهُوَ بَائِنٌ فَإِنْ قَالَ الزَّوْجُ لَمْ أَعْنِ بِالْخُلْعِ طَلَاقًا، وَقَدْ أَخَذَ عَلَيْهِ جُعْلًا لَمْ يُصَدَّقْ فِي الْحُكْمِ، وَالْمُبَارَأَةُ بِمَنْزِلَةِ الْخُلْعِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 94 وَذَكَرَ الْإِمَامُ خواهر زاده أَنَّ هَذَا إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الزَّوْجِ مَهْرٌ فَعَلَيْهَا رَدُّ مَا سَاقَ إلَيْهَا مِنْ الْمَهْرِ لِأَنَّ الْمَالَ مَذْكُورٌ عُرْفًا بِذِكْرِ الْخُلْعِ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ قَوْلُهُمَا أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ أَحَدُهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ. اهـ. وَهَكَذَا ذَكَرَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَظَاهِرُ عِبَارَتِهِمَا أَوَّلًا أَنَّ الْمَهْرَ إذَا كَانَ مَقْبُوضًا فَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَيْهَا وَصَرِيحُ كَلَامِهِمَا ثَانِيًا الرُّجُوعُ وَقَدْ صَرَّحَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بِأَنَّهَا تَرُدُّ مَا سَاقَ إلَيْهَا مِنْ الْمَهْرِ فَحِينَئِذٍ يَبْرَأُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ وَقَدْ ظَهَرَ لِي أَنَّ مَحَلَّ الْبَرَاءَةِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا مَا إذَا خَالَعَهَا بَعْدَمَا دَفَعَ لَهَا مُعَجَّلَ الْمَهْرِ وَقَدْ بَقِيَ مُؤَجَّلُهُ فَإِنَّهُ يَبْرَأُ عَنْ مُؤَجَّلِهِ وَتَبْرَأُ هِيَ عَنْ مُعَجَّلِهِ وَلِذَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَهُوَ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَسْقُطُ مِنْ الْمَهْرِ مَا قَبَضَتْ الْمَرْأَةُ فَهُوَ لَهَا وَمَا كَانَ بَاقِيًا فِي ذِمَّةِ الزَّوْجِ يَسْقُطُ اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ قَالَ لَهَا خَالَعْتُكِ فَقَالَتْ قَبِلْتُ لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الْمَهْرِ وَيَقَعُ الطَّلَاقُ الْبَائِنُ بِقَوْلِهِ إذَا نَوَى وَلَا دَخْلَ لِقَبُولِهَا حَتَّى إذَا نَوَى الزَّوْجُ الطَّلَاقَ وَلَمْ تَقْبَلْ الْمَرْأَةُ يَقَعُ الْبَائِنُ وَإِنْ قَالَ لَمْ أُرِدْ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ وَيُصَدَّقُ قَضَاءً وَدِيَانَةً بِخِلَافِ قَوْلِهِ خَالَعْتكِ فَقَالَتْ قَبِلْت يَقَعُ الطَّلَاقُ وَالْبَرَاءَةُ اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ خَلَعْتُكِ وَخَالَعْتُك مِنْ وَجْهَيْنِ الْأَوَّلِ أَنَّ خَلَعْتُك لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبُولِ بِخِلَافِ خَالَعْتكِ. الثَّانِي لَا يَبْرَأُ فِي الْأَوَّلِ وَيَبْرَأُ فِي الثَّانِي فَلِذَا قَالَ فِي الْكِتَابِ حَتَّى لَوْ خَالَعَهَا بِصِيغَةِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَقَدْ صَرَّحَ قَاضِي خَانْ إلَخْ) ، وَذَلِكَ حَيْثُ قَالَ رَجُلٌ قَالَ لِزَوْجَتِهِ خَالَعْتكِ فَقَبِلَتْ يَقَعُ الطَّلَاقُ، وَيَبْرَأُ الزَّوْجُ عَنْ الْمَهْرِ الَّذِي لَهَا عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا عَلَيْهِ مَهْرٌ كَانَ عَلَيْهَا رَدُّ مَا سَاقَ إلَيْهَا مِنْ الصَّدَاقِ كَذَا ذَكَرَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْإِقْرَارِ مِنْ الْمُخْتَصَرِ وَالشَّيْخُ الْإِمَامُ الْمَعْرُوفُ بخواهر زاده وَبِهِ أَخَذَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْنَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْخُلْعَ لَا يَكُونُ إلَّا بِعِوَضٍ. اهـ. وَفِي كَلَامِهِ إشَارَةٌ إلَى الْخِلَافِ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَفِيهَا ثَلَاثَةُ رِوَايَاتٍ إحْدَاهَا لَا يَبْرَأُ عَنْ الْمَهْرِ فَتَأْخُذُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ مَقْبُوضًا قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَهَذَا ظَاهِرُ جَوَابِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ يَبْرَأُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَنْ الْمَهْرِ لَا غَيْرُ فَلَا يُطَالِبُ بِهِ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ مَقْبُوضًا أَوْ غَيْرَ مَقْبُوضٍ الثَّالِثَةُ بَرَاءَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا عَنْ الْمَهْرِ، وَعَنْ دَيْنٍ آخَرَ كَذَا فِي شَرْحِ مَنْظُومَةِ ابْنِ وَهْبَانَ لِابْنِ الشِّحْنَةِ كَذَا فِي شَرْحِ الشُّرُنْبُلَالِيَّة وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ فَإِنْ لَمْ يُسَمِّيَا شَيْئًا بَرِئَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ حَقِّ الْآخَرِ مِمَّا لَزِمَهُ بِالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ، وَكَانَ الْمَهْرُ مَقْبُوضًا أَوْ غَيْرَ مَقْبُوضٍ حَتَّى لَا يَجِبَ عَلَيْهَا رَدُّ مَا قَبَضَتْ لَوْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ عَنْهُ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ يَبْرَأُ عَنْ دَيْنٍ آخَرَ أَيْضًا اهـ. وَقَوْلُهُ لَوْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ أَيْ، وَبَعْدَهُ بِالْأَوْلَى لِأَنَّ الطَّلَاقَ قَبْلَ الدُّخُولِ مُوجِبٌ لِرَدِّ نِصْفِ الْمَهْرِ فَإِذَا لَمْ يَلْزَمْهَا رَدُّ شَيْءٍ مِنْهُ هُنَا فَفِيمَا بَعْدَ الدُّخُولِ بِالْأَوْلَى، وَقَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالثَّالِثَةُ يَبْرَأُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَنْ الْمَهْرِ لَا غَيْرُ فَلَا يُطَالِبُ بِهِ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ مَقْبُوضًا كَانَ أَوْ لَا حَتَّى لَا تَرْجِعَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ إنْ لَمْ يَكُنْ مَقْبُوضًا، وَلَا يَرْجِعُ الزَّوْجُ عَلَيْهَا إنْ كَانَ مَقْبُوضًا كُلَّهُ، وَالْخُلْعُ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَالَ مَذْكُورٌ عُرْفًا بِالْخُلْعِ فَحَيْثُ لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ لَزِمَ مَا هُوَ مِنْ حُقُوقِ النِّكَاحِ بِقَرِينَةِ أَنَّ الْمُرَادَ الِانْخِلَاعُ مِنْهُ. اهـ. وَفِي غُرَرِ الْأَذْكَارِ شَرْحِ دُرَرِ الْبِحَارِ إنْ لَمْ يُسَمِّيَا شَيْئًا بَرِئَ كُلٌّ مِنْهُمَا مِنْ الْآخَرِ قَبَضَتْ الْمَهْرَ أَمْ لَا دَخَلَ بِهَا أَمْ لَا. اهـ. وَفِي مَتْنِ الْمُخْتَارِ وَالْمُبَارَأَةُ كَالْخُلْعِ يُسْقِطَانِ كُلَّ حَقٍّ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ عَلَى الْآخَرِ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالنِّكَاحِ حَتَّى لَوْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَقَدْ قَبَضَتْ الْمَهْرَ، وَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ، وَلَوْ لَمْ تَقْبِضْ شَيْئًا لَا تَرْجِعُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ، وَلَوْ خَلَعَهَا عَلَى مَالٍ آخَرَ لَزِمَهَا، وَسَقَطَ الصَّدَاقُ ثُمَّ قَالَ فِي شَرْحِهِ الِاخْتِيَارَ وَلَوْ اخْتَلَعَا، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمَهْرَ، وَلَا بَدَلًا آخَرَ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَسْقُطُ مَا بَقِيَ مِنْ الْمَهْرِ، وَمَا قَبَضَتْهُ فَهُوَ لَهَا اهـ. وَفِي مُتْنَ الْمُلْتَقَى وَالْمُبَارَأَةُ كَالْخُلْعِ يُسْقِطُ كُلٌّ مِنْهُمَا كُلَّ حَقٍّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ عَلَى الْآخَرِ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالنِّكَاحِ فَلَا تُطَالِبُ بِمَهْرٍ، وَلَا نَفَقَةٍ مَاضِيَةٍ مَفْرُوضَةٍ، وَلَا يُطَالِبُ هُوَ بِنَفَقَةٍ عَجَّلَهَا، وَلَمْ تَمْضِ مُدَّتُهَا، وَلَا بِمَهْرٍ سَلَّمَهُ، وَخَلَعَ قَبْلَ الدُّخُولِ اهـ. أَقُولُ: وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْفَتَاوَى رِوَايَةٌ رَابِعَةٌ، وَالصَّحِيحُ مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ هَذِهِ الشُّرُوحِ وَالْمُتُونِ مِنْ بَرَاءَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا مُطْلَقًا بِلَا رُجُوعٍ لِأَحَدٍ عَلَى الْآخَرِ بِشَيْءٍ مِنْ الْمَهْرِ خِلَافًا لِمَا اسْتَظْهَرَهُ الْمُؤَلِّفُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ قَالَ لَهَا خَلَعْتُك إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ يَنْبَغِي أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهَا بَرِئْت مِنْ نِكَاحِك يَقَعُ الطَّلَاقُ، وَلَا يَسْقُطُ بِهِ شَيْءٌ. اهـ. وَمَا اعْتَرَضَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ مُخَالَفَتِهِ لِمَا مَرَّ عَنْ شَرْحِ الْوِقَايَةِ فَهُوَ سَاقِطٌ لِأَنَّ عِبَارَةَ الْوِقَايَةِ مُصَرِّحَةٌ بِالْعِوَضِ حَيْثُ قَالَ بِكَذَا بِخِلَافِ عِبَارَةِ النَّهْرِ (قَوْلُهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ وَالْبَرَاءَةُ اهـ) . قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ وَبَاقِي عِبَارَةِ الْبَزَّازِيَّةِ أَنَّ عَلَيْهِ مَهْرًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ مَهْرٌ يَجِبُ رَدُّ مَا سَاقَ إلَيْهَا مِنْ الْمَهْرِ لِأَنَّ الْمَالَ مَذْكُورٌ عُرْفًا. (قَوْلُهُ الْأَوَّلُ إنْ خَلَعْتُك لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبُولِ) أَيْ إذَا لَمْ يَكُنْ بِمُقَابَلَةِ مَالٍ، وَإِلَّا تَوَقَّفَ كَمَا قَدَّمَهُ عِنْدَ قَوْلِهِ وَالْوَاقِعُ بِهِ، وَبِالطَّلَاقِ عَلَى مَالٍ طَلَاقٌ بَائِنٌ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 95 الْمُفَاعَلَةِ. الثَّانِي أَنْ يُصَرِّحَ بِنَفْيِ الْعِوَضِ فِيهِ كَمَا لَوْ قَالَ لَهَا اخْلَعِي نَفْسَك مِنِّي بِغَيْرِ شَيْءٍ فَفَعَلَتْ وَقَبِلَ الزَّوْجُ صَحَّ بِغَيْرِ شَيْءٍ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي عَدَمِ الْمَالِ، وَوُقُوعِ الْبَائِنِ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ يَعْنِي فَلَا يَبْرَأُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَنْ حَقِّ صَاحِبِهِ كَمَا لَا يَخْفَى الثَّالِثُ أَنْ يَقَعَ بِبَدَلٍ عَلَى الزَّوْجِ قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ قَالَ الْإِمَامُ فِي الْأَسْرَارِ يَجُوزُ الْخُلْعُ، وَلَا يَجُوزُ بَدَلُ الْمَالِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَجُوزُ، وَالْمُخْتَارُ الْجَوَازُ وَطَرِيقُهُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ الْمَهْرِ لِأَنَّ الْخُلْعَ يُوجِبُ بَرَاءَتَهُ مِنْ الْمَهْرِ فَكَأَنَّهُ قَالَ إلَّا قَدْرًا مِنْ الْمَهْرِ فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ عَنِّي فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ مَهْرٌ يُجْعَلُ كَأَنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ اُسْتُثْنِيَ عَنْ نَفَقَةِ الْعِدَّةِ فَإِنْ زَادَ عَلَى نَفَقَةِ الْعِدَّةِ يُجْعَلُ كَأَنَّهُ رَادَّ عَلَى مَهْرِهَا ذَلِكَ الْقَدْرَ قَبْلَ الْخُلْعِ ثُمَّ خَالَعَ تَصْحِيحًا لِلْخُلْعِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ. اهـ. وَبِهِ عُلِمَ حُكْمُ مَا إذَا خَالَعَهَا، وَاشْتَرَطَتْ عَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَ لَهَا بَعْضَ الْمَهْرِ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ الرَّابِعُ أَنْ يَقَعَ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْمَهْرُ لِوَلَدِهَا أَوْ لِأَجْنَبِيٍّ قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ خَالَعَهَا عَلَى أَنْ يَجْعَلَ صَدَاقَهَا لِوَلَدِهَا أَوْ لِأَجْنَبِيٍّ جَازَ، وَالْمَهْرُ لِلزَّوْجِ لَا لِغَيْرِهِ اهـ. وَإِنْ سَمَّيَا الْمَهْرَ فَإِنْ كَانَ مَقْبُوضًا رَجَعَ بِجَمِيعِهِ، وَإِلَّا سَقَطَ عَنْهُ كُلُّهُ مُطْلَقًا فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ خَلَعَ زَوْجَتَهُ عَلَى أَنْ تَرُدَّ عَلَيْهِ جَمِيعَ مَا قَبَضَتْ مِنْهُ، وَكَانَتْ، وَهَبَتْهُ أَوْ بَاعَتْهُ مِنْ إنْسَانٍ، وَلَمْ تَرُدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ رَجَعَ عَلَيْهَا بِقِيمَةِ ذَلِكَ إنْ عُرُوضًا، وَبِالْمِثْلِ فِي الْمَكِيلَاتِ، وَالْمَوْزُونَاتِ كَأَنَّهُ اسْتَحَقَّ بَدَلَ الْخُلْعِ فَيَرْجِعُ بِالْقِيمَةِ. اهـ. وَفِيهَا خَالَعَهَا بِغَيْرِ خُسْرَانٍ يَلْحَقُ الزَّوْجَ فَإِذَا أَبْرَأَتْهُ عَنْ مَهْرِهَا يَقَعُ الطَّلَاقُ، وَإِلَّا لَا لِأَنَّ ارْتِفَاعَ الْخُسْرَانِ يَكُونُ بِسَلَامَةِ الْمَهْرِ لَهُ. اهـ. وَإِنْ سَمَّيَا بَعْضَ الْمَهْرِ كَالْعُشْرِ مَثَلًا فَإِنْ كَانَ مَقْبُوضًا رَجَعَ بِالْمُسَمَّى فَقَطْ إنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ، وَسَلَّمَ لَهَا الْبَاقِيَ، وَبِنِصْفِهِ فَقَطْ إنْ كَانَ قَبْلَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَقْبُوضًا سَقَطَ الْكُلُّ مُطْلَقًا الْمُسَمَّى بِحُكْمِ الشَّرْطِ، وَالْبَاقِي بِحُكْمِ لَفْظِ الْخُلْعِ، وَإِنْ سَمَّيَا مَالًا آخَرَ غَيْرَ الْمَهْرِ فَلَهُ الْمُسَمَّى، وَبَرِئَ كُلٌّ مِنْهُمَا مُطْلَقًا فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا، وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ ظَهَرَ أَنَّ قَوْلَهُمْ الْخُلْعُ يُسْقِطُ كُلَّ الْحُقُوقِ لَيْسَ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا إذَا خَالَعَهَا عَلَى مَهْرِهَا أَوْ بَعْضِهِ، وَكَانَ مَقْبُوضًا فَإِنَّهَا تَرُدُّهُ، وَلَا تَبْرَأُ، وَمُقْتَضَى إطْلَاقِهِمْ الْبَرَاءَةَ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ مُرَادَهُمْ الْبَرَاءَةُ عَنْ سَائِرِ الْحُقُوقِ مَا عَدَا بَدَلَ الْخُلْعِ، وَالْمَهْرُ بَدَلُ الْخُلْعِ فَلَا تَبْرَأُ عَنْهُ كَمَا لَوْ كَانَ مَالًا آخَرَ، وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ ظَهَرَ أَنَّ الْوُجُوهَ أَرْبَعَةٌ، وَعِشْرُونَ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَسْكُتَا عَنْ الْبَدَلِ أَوْ يُنْفَى أَوْ يُشْتَرَطَ عَلَى الزَّوْجِ أَوْ عَلَيْهَا أَوْ مَهْرِهَا أَوْ بَعْضِهِ. وَكُلٌّ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ مَقْبُوضًا أَوْ لَا، وَكُلٌّ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ هَذَا إنْ كَانَ الْمُسَمَّى مَعْلُومًا مَوْجُودًا مُتَقَوِّمًا أَوْ مَجْهُولًا جَهَالَةً مُسْتَدْرَكَةً كَثَوْبٍ هَرَوِيٌّ أَوْ مَرْوِيٍّ، وَإِنْ فَحَشَتْ الْجَهَالَةُ كَمُطْلَقِ ثَوْبٍ أَوْ تَمَكَّنَ الْخَطَرُ بِأَنْ خَلَعَهَا عَلَى مَا يُثْمِرُ نَخْلُهَا الْعَامَ أَوْ عَلَى مَا فِي الْبَيْتِ، وَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ بَطَلَتْ التَّسْمِيَةُ، وَرَدَّتْ مَا قَبَضَتْ مِنْ الْمَهْرِ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَقَدَّمْنَاهُ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ بَقِيَ هُنَا صُورَةٌ، وَهِيَ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ اخْتَلَعَتْ مَعَ زَوْجِهَا عَلَى مَهْرِهَا، وَنَفَقَةِ عِدَّتِهَا عَلَى أَنَّ الزَّوْجَ يَرُدُّ عَلَيْهَا عِشْرِينَ دِرْهَمًا صَحَّ، وَلَزِمَ الزَّوْجَ عِشْرُونَ دَلِيلُهُ مَا ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ خَالَعَتْ عَلَى دَارٍ عَلَى أَنَّ الزَّوْجَ يَرُدُّ عَلَيْهَا أَلْفًا لَا شُفْعَةَ فِيهِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ إيجَابَ بَدَلِ الْخُلْعِ عَلَيْهِ يَصِحُّ، وَفِي صُلْحِ الْقُدُورِيِّ ادَّعَتْ عَلَيْهِ نِكَاحًا، وَصَالَحَهَا عَلَى مَالٍ بَذَلَهُ لَهَا لَمْ يَجُزْ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ جَازَ، وَالرِّوَايَةُ الْأُولَى تُخَالِفُ الْمُتَقَدِّمَ، وَالتَّوْفِيقُ أَنَّهَا إذَا خَالَعَتْ عَلَى بَدَلٍ يَجُوزُ إيجَابُ الْبَدَلِ عَلَى الزَّوْجِ أَيْضًا، وَيَكُونُ مُقَابَلًا بِبَدَلِ الْخُلْعِ، وَكَذَا إذَا لَمْ يَذْكُرْ نَفَقَةَ الْعِدَّةِ فِي الْخُلْعِ، وَيَكُونُ تَقْدِيرًا لِنَفَقَةِ الْعِدَّةِ أَمَّا إذَا خَالَعَتْ عَلَى نَفَقَةِ الْعِدَّةِ، وَلَمْ تَذْكُرْ عِوَضًا آخَرَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ بَدَلُ الْخُلْعِ عَلَى الزَّوْجِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا مَا فِيهِ مِنْ الْوَجْهِ اهـ. قَيَّدَ بِالْخُلْعِ، وَالْمُبَارَأَةِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ عَلَى مَالٍ لَا يُسْقِطُ شَيْئًا مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالنِّكَاحِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَصَحَّحَهُ الشَّارِحُونَ وَقَاضِي خَانْ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ، والولوالجية، وَعَلَيْهِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ يُجْعَلُ كَأَنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ اُسْتُثْنِيَ مِنْ نَفَقَةِ الْعِدَّةِ) أَيْ إذَا كَانَ خَالَعَهَا عَلَى نَفَقَةِ الْعِدَّةِ يُجْعَلُ مَا شَرَطَهُ عَلَى نَفْسِهِ لَهَا اسْتِثْنَاءً مِنْ النَّفَقَةِ فَتَسْقُطُ النَّفَقَةُ عَنْهُ إلَّا هَذَا الْقَدْرَ مِنْهَا أَمَّا إذَا لَمْ يَنُصَّ فِي الْخُلْعِ عَلَى نَفَقَةِ الْعِدَّةِ فَإِنَّهَا لَا تَسْقُطُ عَنْهُ لَكِنْ يُجْعَلُ ذَلِكَ الْقَدْرُ تَقْدِيرًا لِنَفَقَةِ الْعِدَّةِ كَمَا سَيَأْتِي عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ أَيْضًا فِي آخِرِ الصَّفْحَةِ الثَّانِيَةِ (قَوْلُهُ وَصَحَّحَهُ الشَّارِحُونَ وَقَاضِي خَانْ) ذَكَرَ فِي النَّهْرِ عَنْ قَاضِي خَانْ خِلَافَ هَذَا فَإِنْ قَالَ وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهُ عِنْدَهُمَا كَالْخُلْعِ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ عِنْدَ الْإِمَامِ كَقَوْلِهِمَا. اهـ. قُلْت الَّذِي فِي قَاضِي خَانْ مُوَافِقٌ لِمَا فِي الْبَحْرِ فَإِنَّهُ قَالَ فَإِنْ طَلَّقَهَا بِمَالٍ أَوْ بِمَهْرِهَا فَعِنْدَهُمَا الْجَوَابُ فِيهِ كَالْجَوَابِ فِي الْخُلْعِ عِنْدَهُمَا، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِيهِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ الْجَوَابُ فِيهِ مَا ذَكَرْنَا فِي الْخُلْعِ عِنْدَهُ، وَفِي رِوَايَةٍ الْجَوَابُ فِيهِ مَا قُلْنَا لِأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ، وَهُوَ الصَّحِيحُ. اهـ. وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْخُلْعَ عِنْدَ الْإِمَامِ مُسْقِطٌ لِكُلِّ حَقٍّ، وَعِنْدَهُمَا مُسْقِطٌ لِمَا سُمِّيَ فَقَطْ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُلْتَقَى وَغَيْرِهِ، وَحِينَئِذٍ فَالطَّلَاقُ بِمَالٍ حُكْمُهُ عِنْدَهُمَا حُكْمُ الْخُلْعِ عِنْدَهُمَا أَيْ لَا يَسْقُطُ إلَّا الْمُسَمَّى دُونَ الْمَهْرِ، وَعِنْدَهُ حُكْمُهُ حُكْمُ الْخُلْعِ عِنْدَهُ فِي رِوَايَةٍ أَيْ أَنَّهُ مُسْقِطٌ لِكُلِّ حَقٍّ، وَفِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 96 الْفَتْوَى بَعْدَ أَنْ حُكِيَ أَنَّ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ عَنْ الْإِمَامِ، وَأَنَّ عِنْدَهُمَا هُوَ كَالْخُلْعِ، وَفِي مَوْضِعٍ مِنْهَا طَلَّقَهَا عَلَى أَلْفٍ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَلَهَا عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ آلَافٍ تَسْقُطُ أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَبَقِيَ عَلَيْهِ أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ، وَتَقَاصَّا بِأَلْفٍ، وَلَا تَرْجِعُ عَلَيْهِ بِخَمْسِمِائَةٍ عِنْدَ الْبَلْخِيّ، وَتَرْجِعُ عِنْدَ غَيْرِهِ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى بِنَاءً عَلَى أَنَّ صَرِيحَ الطَّلَاقِ بِقَدْرٍ مِنْ الْمَالِ هَلْ يُوجِبُ الْبَرَاءَةَ مِنْ الْمَهْرِ عِنْدَ الْإِمَامِ أَمْ لَا فَالْبَلْخِيُّ يُوجِبُهُ، وَغَيْرُهُ لَا اهـ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْأَوْلَى فِي التَّعْبِيرِ أَنْ يُقَالَ إنَّ الطَّلَاقَ عَلَى مَالٍ لَا يُسْقِطُ الْمَهْرَ فَقَدْ صَرَّحَ فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْبَزَّازِيَّةِ، وَالْجَوْهَرَةِ بِأَنَّ النَّفَقَةَ الْمُقْتَضَى بِهَا تَسْقُطُ بِالطَّلَاقِ، وَأَطْلَقُوهُ فَشَمِلَ الطَّلَاقَ بِمَالٍ، وَغَيْرِهِ، وَسَنَتَكَلَّمُ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِ النَّفَقَاتِ، وَأَمَّا الْخُلْعُ بِلَفْظِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فَقَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوَاهُ إنَّهُ لَا يُوجِبُ الْبَرَاءَةَ عَنْ الْمَهْرِ إلَّا بِذِكْرِهِ اتِّفَاقًا، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَصَحَّحَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى أَنَّهُ يُوجِبُ الْبَرَاءَةَ كَالْخُلْعِ، وَاخْتَارَهُ الْعِمَادِيُّ فِي الْفُصُولِ، وَأَطْلَقَ فِي الْحَقِّ فَشَمِلَ الْمَهْرَ وَالنَّفَقَةَ الْمَفْرُوضَةَ وَالْمَاضِيَةَ وَالْكُسْوَةَ كَذَلِكَ، وَأَمَّا الْمُتْعَةُ فَقِيلَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ خَالَعَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، وَكَانَ لَمْ يُسَمِّ مَهْرًا تَسْقُطُ الْمُتْعَةُ بِلَا ذِكْرٍ. اهـ. وَأَمَّا نَفَقَةُ الْعِدَّةِ فَلَمْ تَدْخُلْ تَحْتَ الْعُمُومِ لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً قَبْلَ الْخُلْعِ لِتَسْقُطَ بِهِ، وَإِنَّمَا تَسْقُطُ بِالتَّنْصِيصِ قَالَ الْبَزَّازِيُّ اخْتَلَعَتْ بِمَهْرِهَا، وَنَفَقَةِ عِدَّتِهَا تَصِحُّ، وَإِنْ لَمْ تَجِبْ النَّفَقَةُ بَعْدُ، وَهِيَ مَجْهُولَةٌ لِدُخُولِهَا تَبَعًا كَبَيْعِ الشِّرْبِ تَبَعًا لِلْأَرْضِ، وَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا، وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ خَالَعَهَا عَلَى نَفَقَةِ الْعِدَّةِ صَحَّ، وَلَا تَجِبُ النَّفَقَةُ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَبْرَأَتْ الزَّوْجَ عَنْ النَّفَقَةِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَا يَصِحُّ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ إنْ أَبْرَأَتْهُ عَنْ نَفَقَةِ الْعِدَّةِ بَعْدَ الْخُلْعِ لَا يَصِحُّ، وَكَذَا بَعْدَ الطَّلَاقِ، وَقِيلَ يَصِحُّ، وَهُوَ الْأَشْبَهُ اهـ. مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَفِيهَا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ اخْتَلَعَتْ بِتَطْلِيقَةٍ بَائِنَةٍ عَلَى كُلِّ حَقٍّ يَجِبُ لِلنِّسَاءِ عَلَى الرِّجَالِ قَبْلَ الْخُلْعِ وَبَعْدَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ الصَّدَاقَ وَنَفَقَةَ الْعِدَّةِ تَثْبُتُ الْبَرَاءَةُ عَنْهُمَا لِأَنَّ الْمَهْرَ ثَابِتٌ قَبْلَ الْخُلْعِ، وَبَعْدَهُ تَثْبُتُ نَفَقَتُهَا. اهـ. وَفِي الْخَانِيَّةِ مِنْ الْعِدَّةِ رَجُلٌ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثُمَّ صَالَحَتْهُ مِنْ نَفَقَةِ الْعِدَّةِ عَلَى شَيْءٍ إنْ كَانَتْ عِدَّتُهَا بِالْأَشْهُرِ جَازَ الصُّلْحُ لِأَنَّ زَمَانَ الْعِدَّةِ مَعْلُومٌ، وَإِنْ كَانَتْ عِدَّتُهَا بِالْحَيْضِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْمُدَّةَ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ. اهـ. وَأَمَّا السُّكْنَى فَلَمْ يَصِحَّ إسْقَاطُهَا بِحَالٍ لَمَّا أَنَّ سُكْنَاهَا فِي غَيْرِ بَيْتِ الطَّلَاقِ مَعْصِيَةٌ إلَّا إنْ أَبْرَأَتْهُ عَنْ مُؤْنَةِ السُّكْنَى بِأَنْ كَانَتْ سَاكِنَةً فِي بَيْتِ نَفْسِهَا أَوْ تُعْطِي الْأُجْرَةَ مِنْ مَالِهَا فَيَصِحُّ الْتِزَامُهَا ذَلِكَ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَأَمَّا إذَا شَرَطَا الْبَرَاءَةَ مِنْ نَفَقَةِ الْوَلَدِ، وَهِيَ مُؤْنَةُ الرَّضَاعِ إنْ وَقَّتَا لِذَلِكَ وَقْتًا كَسَنَةٍ مَثَلًا صَحَّ، وَلَزِمَ، وَإِلَّا لَا يَصِحُّ، وَفِي الْمُنْتَقَى إنْ كَانَ الْوَلَدُ رَضِيعًا صَحَّ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ الْمُدَّةَ، وَتُرْضِعُهُ حَوْلَيْنِ اهـ. بِخِلَافِ الْفَطِيمِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَاقْتَصَرَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ عَلَى مَا فِي الْمُنْتَقَى فَإِنْ تَرَكَتْهُ عَلَى الزَّوْجِ، وَهَرَبَتْ فَلِلزَّوْجِ أَنْ يَأْخُذَ قِيمَةَ النَّفَقَةِ مِنْهَا، وَلَهَا أَنْ تُطَالِبَهُ بِكُسْوَةِ الصَّبِيِّ إلَّا إذَا اخْتَلَعَتْ عَلَى نَفَقَتِهِ وَكُسْوَتِهِ فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُطَالِبَهُ، وَإِنْ كَانَتْ الْكُسْوَةُ مَجْهُولَةً سَوَاءٌ كَانَ الْوَلَدُ رَضِيعًا أَوْ فَطِيمًا، وَلَوْ خَالَعَتْهُ عَلَى نَفَقَةِ وَلَدِهِ شَهْرًا، وَهِيَ مُعْسِرَةٌ فَطَالَبَتْهُ بِنَفَقَتِهِ يُجْبَرُ عَلَيْهَا، وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ لَا عَلَى مَا أَفْتَى بِهِ بَعْضُهُمْ مِنْ سُقُوطِ النَّفَقَةِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْقُنْيَةِ. وَإِنْ مَاتَ الْوَلَدُ قَبْلَ تَمَامِ الْوَقْتِ كَانَ لِلزَّوْجِ الرُّجُوعُ عَلَيْهَا بِحِصَّةِ الْأَجْرِ إلَى تَمَامِ الْمُدَّةِ، وَالْحِيلَةُ فِي بَرَاءَتِهَا أَنْ يَقُولَ الزَّوْجُ خَالَعْتكِ عَلَى أَنِّي بَرِيءٌ مِنْ نَفَقَةِ الْوَلَدِ إلَى سَنَتَيْنِ فَإِنْ مَاتَ الْوَلَدُ قَبْلَهَا فَلَا رُجُوعَ لِي عَلَيْك كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ اسْتَأْجَرَ الظِّئْرَ لِلْإِرْضَاعِ سَنَةً بِكَذَا عَلَى أَنَّهُ إنْ مَاتَ قَبْلَهَا فَالْأَجْرُ كُلُّهُ لَهَا فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ كَذَا فِي إجَارَاتِ الْخُلَاصَةِ، وَمُقْتَضَى مَسْأَلَةِ مَوْتِ الْوَلَدِ قَبْلَ الْمُدَّةِ أَنَّ نَفَقَةَ الْعِدَّةِ لَوْ جُعِلَتْ بَدَلًا فِي الْخُلْعِ ثُمَّ لَمْ تَسْكُنْ فِي مَنْزِلِ الطَّلَاقِ حَتَّى صَارَتْ نَاشِزَةً، وَسَقَطَتْ نَفَقَتُهَا أَنْ يَرْجِعَ الزَّوْجُ عَلَيْهَا بِالنَّفَقَةِ، وَأَنَّهُ إذَا شُرِطَ أَنَّهَا إذَا لَمْ تَكُنْ فَلَا رُجُوعَ أَنْ يَصِحَّ الشَّرْطُ كَمَا لَا يَخْفَى.   [منحة الخالق] رِوَايَةٍ كَقَوْلِهَا أَيْ أَنَّهُ لَا يُسْقِطُ إلَّا الْمُسَمَّى، وَهُوَ الصَّحِيحُ. (قَوْلُهُ وَلَوْ خَالَعَتْهُ عَلَى نَفَقَةِ وَلَدِهِ إلَخْ) قَالَ فِي الْحَاوِي الزَّاهِدِيِّ وَلَوْ اخْتَلَعَتْ نَفْسَهَا مِنْ زَوْجِهَا بِمَهْرِهَا وَنَفَقَةِ وَلَدِهَا عَشْرَ سِنِينَ، وَهِيَ مُعْسِرَةٌ لَا تَقْدِرُ عَلَى نَفَقَةِ وَلَدِهَا فَلَهَا أَنْ تُطَالِبَ الزَّوْجَ بِنَفَقَةِ الْوَلَدِ لِأَنَّ بَدَلَ الْخُلْعِ دَيْنٌ عَلَيْهَا فَلَا تَسْقُطُ نَفَقَةُ الْوَلَدِ عَنْهُ بِدَيْنٍ عَلَيْهَا كَمَا إذَا كَانَ لَهُ عَلَيْهَا دَيْنٌ آخَرُ، وَهِيَ لَا تَقْدِرُ عَلَى قَضَائِهِ لَا تَسْقُطُ نَفَقَةُ الْوَلَدِ عَنْهُ قَالَ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ لَا عَلَى مَا أَجَابَ بِهِ سَائِرُ الْمُفْتِينَ أَنَّهُ تَسْقُطُ اهـ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 97 فَإِنْ قُلْت إذَا خَالَعَهَا عَلَى نَفَقَةِ الْعِدَّةِ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ خَمْسَةِ أَيَّامٍ مَثَلًا فَهَلْ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِبَقِيَّةِ النَّفَقَةِ قُلْت نَعَمْ لِمَا فِي الْقُنْيَةِ اخْتَلَعَتْ نَفْسَهَا بِالْمَهْرِ، وَنَفَقَةِ الْعِدَّةِ، وَنَفَقَةِ وَلَدِهِ سَنَةً ثُمَّ مَاتَ الْوَلَدُ بَعْدَ خَمْسَةِ أَيَّامٍ، وَتَزَوَّجَهَا يَرْجِعُ بِنَفَقَةِ بَقِيَّةِ الْعِدَّةِ وَبَقِيَّةِ نَفَقَةِ وَلَدِهِ سَنَةً. اهـ. وَهُوَ دَلِيلٌ لِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي مَسْأَلَةِ النُّشُوزِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَوْتَهَا، وَعَدَمَ وُجُودِ وَلَدٍ فِي بَطْنِهَا كَمَوْتِهِ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ مِنْ كَوْنِهَا تَرُدُّ قِيمَةَ الرَّضَاعِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ، وَلَوْ اخْتَلَعَتْ عَلَى أَنْ تُمْسِكَهُ إلَى وَقْتِ الْبُلُوغِ صَحَّ فِي الْأُنْثَى لَا الْغُلَامِ، وَإِذَا تَزَوَّجَتْ فَلِلزَّوْجِ أَنْ يَأْخُذَ الْوَلَدَ، وَلَا يَتْرُكَهُ عِنْدَهَا، وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّ هَذَا حَقُّ الْوَلَدِ، وَيُنْظَرُ إلَى مِثْلِ إمْسَاكِ الْوَلَدِ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ فَيَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهَا كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهَا لَوْ قَصَّرَتْ فِي الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهَا بِقِيمَةِ النَّفَقَةِ، وَيُنْفِقَ هُوَ عَلَيْهَا نَظَرًا لَهُ، وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ مِنْ كِتَابِ الصُّلْحِ صَالَحَهَا عَلَى أَنْ يُطَلِّقَهَا عَلَى أَنْ تُرْضِعَ وَلَدَهُ سَنَتَيْنِ عَلَى إنْ زَادَهَا ثَوْبًا بِعَيْنِهِ، وَقَبَضَهُ فَاسْتَهْلَكَتْهُ، وَأَرْضَعَتْ الصَّبِيَّ سَنَةً ثُمَّ مَاتَ فَإِنَّ الزَّوْجَ يَرْجِعُ عَلَيْهَا إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الثَّوْبِ وَالْمَهْرِ سَوَاءً بِنِصْفِ قِيمَةِ الثَّوْبِ، وَبِرُبْعِ قِيمَةِ الرَّضَاعِ. وَلَوْ زَادَتْ مَعَ ذَلِكَ شَاةً قِيمَتُهَا مِثْلُ قِيمَةِ الرَّضَاعِ رَجَعَ عَلَيْهَا بِرُبْعِ الثَّوْبِ، وَبِرُبْعِ قِيمَةِ الرَّضَاعِ، وَسَلَّمَتْ لَهُ الشَّاةَ، وَتَوْضِيحُهُ فِيهَا، وَقَدْ أَطَالَ فِي بَيَانِهِ فَلْيُرَاجَعْ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالنِّكَاحِ لِأَنَّهُمَا لَا يُوجِبَانِ الْبَرَاءَةَ مِنْ دَيْنٍ آخَرَ سِوَى النِّكَاحِ عَلَى الصَّحِيحِ لِأَنَّهُ، وَإِنْ كَانَ مُطْلَقًا فَقَدْ قَيَّدْنَاهُ بِحُقُوقِ النِّكَاحِ لِدَلَالَةِ الْغَرَضِ، وَادَّعَى فِي الْجَوْهَرَةِ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ الْبَرَاءَةَ عَنْ سَائِرِ الدُّيُونِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فَإِنْ قُلْت لَوْ اخْتَلَعَتْ عَلَى أَنْ لَا دَعْوَى لِكُلٍّ عَلَى صَاحِبِهِ هَلْ يَشْمَلُ مَا لَيْسَ مِنْ حُقُوقِ النِّكَاحِ قُلْت مُقْتَضَى الْإِبْرَاءِ الْعَامِّ ذَلِكَ لَكِنَّ الْمَنْقُولَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ اخْتَلَعَتْ عَلَى أَنْ لَا دَعْوَى لِكُلٍّ عَلَى صَاحِبِهِ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّ لَهُ عِنْدَهَا كَذَا مِنْ الْقُطْنِ يَصِحُّ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ تَخْتَصُّ بِحُقُوقِ النِّكَاحِ. اهـ. وَكَأَنَّهُ لَمَّا وَقَعَ فِي ضِمْنِ الْخُلْعِ تَخَصَّصَ بِمَا هُوَ مِنْ حُقُوقِ النِّكَاحِ، وَأَرَادَ بِالنِّكَاحِ مَا ارْتَفَعَ بِهَذَا الْخُلْعِ لِأَنَّهُ إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى مَهْرٍ مُسَمًّى ثُمَّ طَلَّقَهَا بَائِنَةً بَعْدَ الدُّخُولِ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ثَانِيًا بِمَهْرٍ آخَرَ ثُمَّ اخْتَلَعَتْ مِنْهُ عَلَى مَهْرِهَا بَرِئَ الزَّوْجُ عَنْ الْمَهْرِ الَّذِي يَكُونُ فِي النِّكَاحِ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَإِنَّمَا نَصَّ عَلَى الْمَهْرِ لِيُعْلَمَ سُقُوطُ بَاقِي الْحُقُوقِ بِالْأُولَى، وَأَطْلَقَ النِّكَاحَ فَانْصَرَفَ إلَى الصَّحِيحِ فَالْخُلْعُ فِي الْفَاسِدِ غَيْرُ مُسْقِطٍ لِمَهْرِ الْمِثْلِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ خَالَعَهَا الْمُفِيدُ لِكَوْنِهِ خَاطَبَهَا لِأَنَّهُ لَوْ خَالَعَهَا مَعَ أَجْنَبِيٍّ بِمَالٍ فَإِنَّهُ لَا يُسْقِطُ الْمَهْرَ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِلْأَجْنَبِيِّ فِي إسْقَاطِ حَقِّهَا، وَهُوَ خُلْعُ الْفُضُولِيِّ، وَسَنَتَكَلَّمُ عَلَيْهِ مَعَ خُلْعِ الْوَكِيلِ، وَالرَّسُولِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (قَوْلُهُ وَلَوْ خَلَعَ صَغِيرَةً بِمَالِهَا لَمْ يَجُزْ عَلَيْهَا) أَيْ لَا يَلْزَمُهَا الْمَالُ لِأَنَّهُ لَا نَظَرَ لَهَا فِيهِ لِعَدَمِ تَقَوُّمِ الْبُضْعِ حَالَةَ الْخُرُوجِ، وَإِنَّمَا فَسَّرْنَا عَدَمَ الْجَوَازِ فِي كَلَامِهِ بِعَدَمِ لُزُومِ الْمَالِ لِأَنَّ الصَّحِيحَ وُقُوعُ الطَّلَاقِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ بِشَرْطِ قَبُولِهِ فَيُعْتَبَرُ بِالتَّعْلِيقِ بِسَائِرِ الشُّرُوطِ هَذَا إذَا قَبِلَ الْأَبُ فَإِنْ قَبِلَتْ، وَهِيَ عَاقِلَةٌ تَعْقِلُ أَنَّ النِّكَاحَ جَالِبٌ، وَالْخُلْعَ سَالِبٌ وَقَعَ الطَّلَاقُ بِالِاتِّفَاقِ، وَلَا يَلْزَمُهَا الْمَالُ، وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمَنْظُومَةِ إنْ خَلَعَ الصَّغِيرَةَ بِمَالٍ مَعَ الزَّوْجِ إنْ كَانَ بِلَفْظِ الْخُلْعِ يَقَعُ الْبَائِنُ، وَإِنْ كَانَ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ يَقَعُ الرَّجْعِيُّ، وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ لَوْ طَلَّقَ الصَّبِيَّةَ بِمَالٍ يَقَعُ رَجْعِيًّا، وَفِي الْأَمَةِ يَصِيرُ بَائِنًا إذْ الطَّلَاقُ بِمَالٍ يَصِحُّ فِي الْأَمَةِ لَكِنَّهُ مُؤَجَّلٌ، وَفِي الصَّبِيَّةِ يَقَعُ بِلَا مَالٍ. اهـ. وَفِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ طَلَّقَهَا بِمَهْرِهَا، وَهِيَ صَغِيرَةٌ عَاقِلَةٌ فَقَبِلَتْ وَقَعَتْ طَلْقَةٌ، وَلَا يَبْرَأُ، وَإِنْ قَبِلَ أَبُوهَا أَوْ أَجْنَبِيٌّ رَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَقَعُ، وَرَوَى الْهِنْدُوَانِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يَقَعُ فَلَوْ بَلَغَتْ، وَأَجَازَتْ جَازَ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَذَكَرَ الشَّارِحُ لَوْ شَرَطَ الزَّوْجُ الْبَدَلَ عَلَيْهَا تَوَقَّفَ عَلَى قَبُولِهَا إنْ كَانَتْ أَهْلًا فَإِنْ قَبِلَتْ وَقَعَ اتِّفَاقًا، وَلَا يَلْزَمُ الْمَالُ. وَإِنْ قَبِلَ الْأَبُ عَنْهَا صَحَّ فِي رِوَايَةٍ لِأَنَّهُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَوْتَهَا أَوْ عَدَمَ وُجُودِ وَلَدٍ إلَخْ) أَيْ فِيمَا إذَا اخْتَلَعَتْ مِنْهُ بِمَا لَهَا عَلَيْهِ مِنْ الْمَهْرِ، وَبِرَضَاعِ وَلَدِهِ الَّذِي هِيَ حَامِلٌ بِهِ إذَا وَلَدَتْهُ إلَى سَنَتَيْنِ كَمَا فِي الْفَتْحِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 98 نَفْعٌ مَحْضٌ لِأَنَّهَا تَتَلَخَّصُ بِلَا مَالٍ، وَلَا يَصِحُّ فِي أُخْرَى لِأَنَّ قَبُولَهَا بِمَعْنَى شَرْطِ الْيَمِينِ، وَهُوَ لَا يَحْتَمِلُ النِّيَابَةَ، وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ اهـ. أَطْلَقَ فِي مَالِهَا فَشَمِلَ مَهْرَهَا الَّذِي عَلَى الزَّوْجِ، وَلِذَا قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَالْخُلْعُ عَلَى مَهْرِهَا وَمَالٍ آخَرَ سَوَاءٌ فِي الصَّحِيحِ. اهـ. وَقَيَّدَ بِالصَّغِيرِ لِيُفِيدَ أَنَّهُ لَوْ خَلَعَ كَبِيرَتَهُ بِلَا إذْنِهَا فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهَا الْمَالُ بِالْأَوْلَى لِأَنَّهُ كَالْأَجْنَبِيِّ فِي حَقِّهَا، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ الْكَبِيرَةُ إذَا خَلَعَهَا أَبُوهَا أَوْ أَجْنَبِيٌّ بِإِذْنِهَا جَازَ، وَالْمَالُ عَلَيْهَا، وَأَنَّ بِلَا إذْنِهَا لَمْ يَجُزْ، وَتَرْجِعُ بِالصَّدَاقِ عَلَى الزَّوْجِ وَالزَّوْجُ عَلَى الْأَبِ إنْ ضَمِنَ الْأَبُ، وَإِنْ لَمْ يَضْمَنْ فَالْخُلْعُ يَتَوَقَّفُ عَلَى قَبُولِهَا إنْ قَبِلَتْ ثُمَّ الْخُلْعُ فِي حَقِّ الْمَالِ، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ وَاقِعٌ، وَقِيلَ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ هَاهُنَا إلَّا بِإِجَازَتِهَا. اهـ. وَقَيَّدَ بِالْأَبِ لِأَنَّهُ لَوْ جَرَى الْخُلْعُ بَيْنَ زَوْجِ الصَّغِيرَةِ، وَأُمِّهَا فَإِنْ أَضَافَتْ الْأُمُّ الْبَدَلَ إلَى مَالِ نَفْسِهَا أَوْ ضَمِنَتْ تَمَّ الْخُلْعُ كَالْأَجْنَبِيِّ، وَإِنْ لَمْ تُضِفْ، وَلَمْ تَضْمَنْ لَا رِوَايَةَ فِيهِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِخِلَافِ الْأَبِ، وَإِنْ كَانَ الْعَاقِدُ أَجْنَبِيًّا، وَلَمْ يَضْمَنْ الْبَدَلَ إنْ كَانَتْ الصَّغِيرَةُ تَعْقِلُ الْعَقْدَ وَالزَّوْجَ وَالصَّدَاقَ أَنَّهُ مَا هُوَ يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهَا، وَقِيلَ لَا يَتَوَقَّفُ. وَمَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّ الْأَبَ إذَا عَلِمَ أَنَّ الْخُلْعَ خَيْرٌ لَهَا بِأَنْ كَانَ الزَّوْجُ لَا يُحْسِنُ عِشْرَتَهَا فَالْخُلْعُ عَلَى صَدَاقِهَا صَحِيحٌ فَإِنْ قَضَى بِهِ قَاضٍ نَفَذَ قَضَاؤُهُ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَفِيهَا، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَصِحَّ خُلْعُ الصَّغِيرَةِ عَلَى وَجْهٍ يُسْقِطُ الْمَهْرَ، وَالْمُتْعَةَ عَنْ زَوْجِهَا يُخَالِعُ أَجْنَبِيٌّ مَعَ زَوْجِهَا عَلَى مَالٍ قَدْرِ الْمَهْرِ، وَالْمُتْعَةِ فَيَجِبُ الْبَدَلُ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ لِلزَّوْجِ ثُمَّ يُحِيلُ الزَّوْجُ بِمَا عَلَيْهِ مِنْ الصَّدَاقِ وَالْمُتْعَةِ لِمَنْ لَهُ وِلَايَةُ قَبْضِ صَدَاقِهَا عَلَى ذَلِكَ الْأَجْنَبِيِّ فَيَبْرَأُ الزَّوْجُ عَنْ الْمَهْرِ، وَيَكُونُ فِي ذِمَّةِ ذَلِكَ الرَّجُلِ. اهـ. وَفِيهَا مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ وَحِيلَةٍ أُخْرَى أَنْ يُحِيلَ الزَّوْجَ بِالصَّدَاقِ عَلَى الْأَبِ فَيَبْرَأُ الزَّوْجُ مِنْهُ، وَيَنْتَقِلُ إلَى ذِمَّةِ الْأَبِ، وَالْأَبُ يَمْلِكُ قَبُولَ الْحَوَالَةِ إذَا كَانَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ أَمْلَأَ مِنْ الْمُحِيلِ، وَالْغَالِبُ كَوْنُ الْأَبِ أَمْلَأَ مِنْ الزَّوْجِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ مِثْلَ الْمُحِيلِ فِي الْمَلَاءَةِ ذَكَرَهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَذَكَرَ إِسْحَاقُ الْوَلْوَالِجِيُّ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ قَبُولَهَا لَوْ مِثْلَهُ فِي الْمَلَاءَةِ، وَلَوْ كَانَ الْمُخَالِعُ وَلِيًّا غَيْرَ الْأَبِ جَعَلَهُ الْقَاضِي وَصِيًّا حَتَّى يَمْلِكَ قَبُولَهَا، وَذَكَرَ الْحَاكِمُ حِيلَةً أُخْرَى، وَهُوَ أَنْ يُقِرَّ الْأَبُ بِقَبْضِ صَدَاقِهَا، وَنَفَقَةِ عِدَّتِهَا ثُمَّ يُطَلِّقُهَا الزَّوْجُ بَائِنًا، وَهَذَا خَاصٌّ بِالْأَبِ لِصِحَّةِ إقْرَارِهِ بِالْقَبْضِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَوْلِيَاءِ، وَيَبْرَأُ الزَّوْجُ فِي الظَّاهِرِ لِإِقْرَارِ الْأَبِ لَا فِي إقْرَارِ غَيْرِهِ، وَيَكْتُبُ إقْرَارَ الْأَبِ يَقْبِضُ حَقَّهَا وَطَلَاقُ الزَّوْجِ بَائِنًا. اهـ. وَتَعَقَّبَهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ بِأَنَّ الْأَبَ إذَا كَانَ كَاذِبًا فِي الْإِقْرَارِ لَمْ يَبْرَأْ الزَّوْجُ عِنْدَ اللَّهِ، وَيُحَرَّمُ عَلَيْهِ فَلَمْ تَكُنْ هَذِهِ الْحِيلَةُ شَرْعِيَّةً، وَلِذَا قَالَ فِي الظَّاهِرِ. اهـ. وَفِيهَا أَيْضًا وَكَّلَتْ الصَّغِيرَةُ بِالْخُلْعِ فَفَعَلَ الْوَكِيلُ فِي رِوَايَةٍ يَصِحُّ، وَيَتِمُّ الْخُلْعُ، وَلَهُ الْبَدَلُ، وَفِي رِوَايَة لَا إلَّا إذَا ضَمِنَ الْوَكِيلُ الْبَدَلَ، وَإِنْ لَمْ يَضْمَنْ الْوَكِيلُ الْبَدَلَ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ قَالَ لَهَا، وَهِيَ صَغِيرَةٌ إنْ غِبْت عَنْك فَأَمْرُك بِيَدِك فَطَلِّقِي نَفْسَك مِنِّي مَتَى شِئْت بَعْدَ أَنْ تُبْرِئِي ذِمَّتِي مِنْ الْمَهْرِ فَوُجِدَ الشَّرْطُ فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا بَعْدَمَا أَبْرَأَتْهُ لَا يَسْقُطُ الْمَهْرُ لِعَدَمِ صِحَّةِ إبْرَاءِ الصَّغِيرَةِ، وَيَقَعُ الرَّجْعِيُّ لِأَنَّهُ كَالْقَائِلِ لَهَا عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى كَذَا، وَحُكْمُهُ مَا ذَكَرْنَا. اهـ. وَقَيَّدَ بِالْأُنْثَى لِأَنَّهُ لَوْ خَلَعَ ابْنَهُ الصَّغِيرَ لَا يَصِحُّ، وَلَا يَتَوَقَّفُ خُلْعُ الصَّغِيرِ عَلَى إجَازَةِ الْوَلِيِّ اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ فِي الصَّغِيرَةِ لَا يَلْزَمُ الْمَالُ مَعَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ، وَفِي الصَّغِيرِ لَا وُقُوعَ أَصْلًا (قَوْلُهُ وَلَوْ بِأَلْفٍ عَلَى أَنَّهُ ضَامِنٌ طَلَقَتْ، وَالْأَلْفُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْأَبِ الْمُلْتَزِمِ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ بَدَلِ الْخُلْعِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ صَحِيحٌ فَعَلَى الْأَبِ أَوْلَى، وَلَا يَسْقُطُ مَهْرُهَا لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ وِلَايَةِ الْأَبِ فَإِذَا بَلَغَتْ تَأْخُذُ نِصْفَ الصَّدَاقِ إنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَكَّلَهُ إنْ كَانَ بَعْدَهُ مِنْ الزَّوْجِ، وَيَرْجِعُ هُوَ عَلَى الْأَبِ الضَّامِنِ أَوْ تَرْجِعُ عَلَى الْأَبِ، وَلَا يَرْجِعُ هُوَ عَلَى الزَّوْجِ، وَلَوْ كَانَ الْمَهْرُ عَيْنًا أَخَذَتْهُ مِنْ الزَّوْجِ كُلَّهُ إنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ، وَنِصْفَهُ إنْ كَانَ قَبْلَهُ، وَيَرْجِعُ الزَّوْجُ عَلَى الْأَبِ الضَّامِنِ بِقِيمَتِهِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ ثُمَّ يُحِيلُ الزَّوْجُ) بِرَفْعِ الزَّوْجِ فَاعِلُ يُحِيلُ، وَقَوْلُهُ لِمَنْ لَهُ مَفْعُولُ يُحِيلُ، وَاللَّامُ زَائِدَةٌ (قَوْلُهُ وَحِيلَةٌ أُخْرَى أَنْ يُحِيلَ الزَّوْجَ) بِنَصْبِ الزَّوْجِ مَفْعُولُ يُحِيلَ، وَفَاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ عَائِدٌ إلَى الْأَجْنَبِيِّ، وَقَوْلُهُ وَالْأَبُ يَمْلِكُ قَبُولَ الْحَوَالَةِ مُرْتَبِطٌ بِالْحِيلَةِ الْأُولَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 99 كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ هَذَا حُكْمُ مَا إذَا خَالَعَهَا عَلَى صَدَاقِهَا عَلَى أَنَّهُ ضَامِنٌ لَهُ فَحِينَئِذٍ إذَا رَجَعَتْ بِهِ عَلَى الزَّوْجِ رَجَعَ الزَّوْجُ بِهِ عَلَى الْأَبِ لِضَمَانِهِ، وَالْكَلَامُ هُنَا إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا خَالَعَهَا عَلَى الْأَلْفِ عَلَى أَنَّهُ ضَامِنٌ لَهَا، وَحُكْمُهُ لُزُومُ الْأَلْفِ عَلَيْهِ لِلزَّوْجِ، وَإِذَا رَجَعَتْ عَلَى الزَّوْجِ بِمَهْرِهَا فَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى أَبِيهَا لِأَنَّهُ لَمْ يَضْمَنْ لَهُ الصَّدَاقَ مَعَ أَنَّ جَامِعَ الْفُصُولَيْنِ فِي مَسْأَلَةِ مَا إذَا خَالَعَهَا أَبُوهَا عَلَى مَهْرِهَا، وَضَمِنَهُ أَنَّهَا تَرْجِعُ عَلَى الْأَبِ لَا عَلَى الزَّوْجِ هَذَا لَوْ ضَمِنَ مَهْرَهَا لِلزَّوْجِ، وَإِلَّا فَلَا شَكَّ أَنَّ الْمَهْرَ لَا يَسْقُطُ بِهَذَا الْخُلْعِ لِصِغَرِهَا. اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا مُخَيَّرَةٌ إنْ شَاءَتْ عَلَى زَوْجِهَا أَوْ أَبِيهَا، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ خَالَعَهَا أَبُوهَا أَوْ أَجْنَبِيٌّ عَلَى صَدَاقِهَا إنْ ضَمِنَ الْمُخَالِعُ تَمَّ، وَوَقَعَ كَائِنًا مَنْ كَانَ الْعَاقِدُ، وَبَعْدَ الْبُلُوغِ أَخَذَتْ الزَّوْجَ بِنِصْفِهِ لَوْ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَبِكُلِّهِ لَوْ بَعْدَهُ، وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ تَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْأَبِ لَا عَلَى الزَّوْجِ. وَإِذَا لَمْ يَضْمَنْ الْأَبُ لَا شَكَّ أَنَّ الصَّدَاقَ لَا يَسْقُطُ، وَهَلْ تَقَعُ الْبَيْنُونَةُ إنْ قَبِلَتْ الصَّغِيرَةُ، وَهِيَ أَهْلٌ لِلْقَبُولِ وَقَعَ اتِّفَاقًا، وَإِنْ لَمْ تَقْبَلْ إنْ كَانَ الْمُخَالِعُ أَجْنَبِيًّا، وَلَمْ يَضْمَنْ لَا يَقَعُ اتِّفَاقًا، وَتَكَلَّمُوا أَنَّهُ هَلْ يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهَا إذَا بَلَغَتْ قِيلَ لَا يَتَوَقَّفُ، وَإِنْ كَانَ الْعَاقِدُ أَبًا، وَلَمْ يَضْمَنْ لِلزَّوْجِ قَالَ بَكْرٌ اخْتَلَفَتْ الْمَشَايِخُ فِي الْوُقُوعِ، وَقَالَ الْإِمَامُ الْحَلْوَانِيُّ فِيهِ رِوَايَتَانِ، وَفِي حِيَلِ الْأَصْلِ أَنَّهُ لَا يَقَعُ مَا لَمْ يَضْمَنْ الْأَبُ الدَّرَكَ لَهُ، وَفِي كَشْفِ الْغَوَامِضِ أَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ بِقَبُولِ الْأَبِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ، وَإِنْ لَمْ يَضْمَنْ الْبَدَلَ أَيْ الصَّدَاقَ، وَلَا يَجِبُ الْبَدَلُ عَلَى الْأَبِ، وَلَا عَلَيْهَا، وَعَنْهُ أَنَّ الْخُلْعَ وَاقِعٌ بِقَبُولِ الْأَبِ، وَالْبَدَلُ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَضْمَنْ، وَفِي طَلَاقِ الْأَصْلِ فِي خُلْعِ الْأَبِ عَلَى صَدَاقِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا أَنَّ الْخُلْعَ جَائِزٌ، وَلَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ، وَيَضْمَنُ الْأَبُ لِلزَّوْجِ نِصْفَ الصَّدَاقِ قَالُوا كَيْفَ صَحَّ الْخُلْعُ عَلَى صَدَاقِهَا، وَهُوَ مِلْكُهَا، وَلَا وِلَايَةَ لَهُ فِي إبْطَالِ مِلْكِهَا، وَكَيْفَ يَصِحُّ ضَمَانُ الصَّدَاقِ لِلزَّوْجِ، وَهُوَ عَلَيْهِ، وَلِأَيِّ مَعْنًى يَضْمَنُ الْأَبُ نِصْفَ الصَّدَاقِ لِلزَّوْجَةِ، وَقَدْ ضَمِنَ الزَّوْجُ ذَلِكَ لَهَا أَجَابُوا عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ الْخُلْعَ لَمَّا أُضِيفَ إلَى مَهْرِهَا، وَذَلِكَ مِلْكُهَا كَانَ مُضَافًا إلَى مَالِهَا، وَالْإِضَافَةُ إلَى مَالِ الْغَيْرِ بِأَنْ خَالَعَ عَلَى عَبْدِ إنْسَانٍ يَصِحُّ كَإِضَافَةِ الشِّرَاءِ إلَى مَالِ غَيْرِهِ فَلَمَّا صَحَّ إضَافَةُ الشِّرَاءِ فَلَأَنْ يَصِحَّ الْخُلْعُ، وَهُوَ أَقْرَبُ إلَى الْجَوَازِ أَوْلَى لَكِنْ فِي بَابِ الشِّرَاءِ يَجِبُ تَسْلِيمُ الْبَدَلِ عَلَى الْعَاقِدِ. وَفِي الْخُلْعِ لَا يَجِبُ إلَّا بِضَمَانٍ لِرُجُوعِ الْحُقُوقِ إلَى مَنْ يَقَعُ لَهُ الْعَقْدُ غَيْرَ أَنَّهُ إذَا ضَمِنَ رَجَعَ إلَيْهِ الْحُقُوقُ بِالضَّمَانِ فَإِذَا خَلَعَ، وَضَمِنَ صَحَّ، وَضَمِنَ الْبَدَلَ، وَوَقَعَ الطَّلَاقُ بِقَبُولِهِ، وَوَجَبَ نِصْفُ الْمَهْرِ، وَسَقَطَ النِّصْفُ، وَيَجِبُ لِلزَّوْجِ عَلَى الْأَبِ نِصْفُهُ بِضَمَانِهِ تَسْلِيمَ كُلِّ الْمَهْرِ إلَى الزَّوْجِ، وَإِنْ كَانَتْ مَدْخُولَةً فَلَهَا جَمِيعُ الْمَهْرِ عَلَيْهِ، وَالْأَبُ يَضْمَنُ لِلزَّوْجِ كُلَّهُ لِأَنَّهُ ضَمِنَ تَسْلِيمَ الْكُلِّ فَلَمْ يَقْدِرْ فَيَضْمَنُ مِثْلَهُ. اهـ. وَلَا فَرْقَ فِي حُكْمِ ضَمَانِهِ بَيْنَ الصَّغِيرَةِ، وَالْكَبِيرَةِ الَّتِي لَمْ تَأْذَنْ لَهُ، وَلَكِنْ إذَا أَجَازَتْهُ وَقَعَ، وَبَرِئَ مِنْ الصَّدَاقِ، وَاعْتُبِرَ هَذَا الْخُلْعُ مُعَاوَضَةً بَيْنَ الزَّوْجِ، وَالْمُخَالِعِ وَطَلَاقًا بِلَا بَدَلٍ فِي حَقِّهَا فَإِذَا بَلَغَ الْخَبَرُ إلَيْهَا فَأَجَازَتْ نَفَذَ عَلَيْهَا، وَبَرِئَ الزَّوْجُ، وَإِنْ لَمْ تَجُزْ رَجَعَتْ عَلَيْهِ بِمَهْرِهَا، وَالزَّوْجُ يَرْجِعُ عَلَى الْأَبِ بِحُكْمِ الضَّمَانِ، وَتَقْدِيرِ هَذَا الْخُلْعِ كَأَنَّ الْمُخَالِعَ قَالَ لَهُ إذَا بَلَغَهَا الْخَبَرُ، وَأَجَازَتْ كَانَ الْبَدَلُ عَلَيْهَا، وَإِنْ لَمْ تُجِزْهُ فَالْبَدَلُ عَلَى مَا يَجِبُ عَلَى الْأَبِ مِنْ الضَّمَانِ إنَّمَا يَجِبُ بِالْعَقْدِ لَا بِحُكْمِ الْكَفَالَةِ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَلِذَا قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الْمُرَادُ بِالضَّمَانِ هُنَا الْتِزَامُ الْمَالِ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ بَدَلِ الْخُلْعِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ صَحِيحٌ بِخِلَافِ بَدَلِ الْعِتْقِ لَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُهُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ) قَالَ الرَّمْلِيُّ كَلَامُ الْكَمَالِ صَحِيحٌ لَكِنَّك نَقَصْته فَإِنَّهُ عَمَّمَ الْكَلَامَ أَوَّلًا، وَقَالَ فَالْخُلْعُ وَاقِعٌ سَوَاءٌ خَلَعَهَا الْأَبُ عَلَى مَهْرِهَا، وَضَمِنَهُ أَوْ أَلْفٍ مَثَلًا فَتَجِبُ الْأَلْفُ عَلَيْهِ ثُمَّ ذَكَرَ هَذَا الْحُكْمَ الَّذِي سَلَّمْت أَنَّهُ صَحِيحٌ مُطَابِقٌ لِمَا إذَا ضَمِنَ الْمَهْرَ، وَهُوَ رَاجِعٌ إلَيْهِ، وَأَنْتَ أَرْجَعْته إلَى الْأَخِيرِ مِنْ الْقِسْمَيْنِ، وَحَكَمْت عَلَيْهِ بِأَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ فَأَخْطَأْت مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا مَا ذَكَرْنَا، وَالثَّانِي أَنَّ اللَّائِقَ بِالْأَدَبِ مَعَ الشَّيْخِ أَنْ يُقَالَ وَهُوَ مُشْكِلٌ أَوْ لَعَلَّهُ سَبْقُ قَلَمٍ. اهـ. شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلِيٌّ الْمَقْدِسِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَفِي النَّهْرِ بَعْدَ سَوْقِ كَلَامِ الْبَحْرِ، وَأَنَّى يُفْهَمُ هَذَا مَعَ قَوْلِهِ فِي الْفَتْحِ سَوَاءٌ خَلَعَهَا الْأَبُ عَلَى مَهْرِهَا، وَضَمِنَهُ أَوْ أَلْفٍ مَثَلًا فَيَجِبُ الْأَلْفُ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ وَلَا يَسْقُطُ مَهْرُهَا يَعْنِي فِيمَا إذَا وَقَعَ الْخُلْعُ عَلَيْهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ بِالْجُمْلَةِ فَالْأَوْلَى بِالْإِنْسَانِ حِفْظُ اللِّسَانِ اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ تَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْأَبِ لَا عَلَى الزَّوْجِ) قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَقِبَ هَذَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ قَالَ تَأْوِيلُ الْمَسْأَلَةِ إذَا خَالَعَهَا عَلَى مَالٍ مِثْلِ صَدَاقِهَا أَمَّا إذَا خَالَعَهَا عَلَى الصَّدَاقِ لَا يَجُوزُ أَصْلًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْخُلْعَ عَلَى صَدَاقِهَا، وَعَلَى مِثْلِ صَدَاقِهَا سَوَاءٌ. (قَوْلُهُ وَقَالَ الْإِمَامُ الْحَلْوَانِيُّ إلَخْ) عِبَارَةُ التَّتَارْخَانِيَّة فِي هَذَا الْمَحَلِّ، وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ عَلَى رِوَايَةِ الشُّرُوطِ يَقَعُ الطَّلَاقُ، وَلَا يَسْقُطُ صَدَاقُهَا، وَعَلَى رِوَايَةِ الْحِيَلِ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ مَا ذَكَرَ فِي الشُّرُوطِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا ضَمِنَ الْأَبُ بَدَلَ الْخُلْعِ تَوْفِيقًا بَيْنَ رِوَايَةِ الشُّرُوطِ وَبَيْنَ رِوَايَةِ كِتَابِ الْحِيَلِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 100 عَلَى الْأَجْنَبِيِّ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِهِ لِلْعَبْدِ مَا لَمْ يَكُنْ حَاصِلًا لَهُ، وَهُوَ إثْبَاتُ الْأَهْلِيَّةِ، وَهُوَ الْقُوَّةُ عَنْ ذَلِكَ الْإِسْقَاطِ بِخِلَافِ إسْقَاطِ الْمِلْكِ فِي الْخُلْعِ لَا يَحْصُلُ عَنْهُ لِلْمَرْأَةِ مَا لَمْ يَكُنْ حَاصِلًا قَبْلَهُ فَصَارَ الْأَبُ وَالْأَجْنَبِيُّ مِثْلَهَا فَإِنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ شَيْءٌ بِخِلَافِ الْعَبْدِ فَإِنَّهُ حَصَلَ لَهُ مَا ذَكَرْنَا، وَالْعِوَضُ لَا يَجِبُ عَلَى غَيْرِ مَنْ يَحْصُلُ لَهُ الْمُعَوَّضُ فَصَارَ كَثَمَنِ الْمَبِيعِ إلَّا أَنَّ الْبَيْعَ يَفْسُدُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ، وَالْخُلْعَ لَا يَفْسُدُ بِهَا اهـ. وَبِهَذَا عُلِمَ الْفَرْقُ بَيْنَ مَا يَصِحُّ الْتِزَامُهُ، وَمَا لَا يَصِحُّ، وَمِنْ صُوَرِ الِالْتِزَامِ أَيْضًا مَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ لَوْ زَوَّجَ الْأَبُ بِنْتَه الْكَبِيرَةَ فَطَلَبُوا مِنْهُ وَقْتَ الدُّخُولِ أَنْ يَهَبَ لِلزَّوْجِ شَيْئًا مِنْ مَهْرِهَا يَنْبَغِي أَنْ يَهَبَ بِإِذْنِهَا، وَأَنْ يَضْمَنَ لِلزَّوْجِ عَنْهَا فَيَقُولُ إنْ أَنْكَرَتْ هِيَ الْإِذْنَ بِالْهِبَةِ، وَغَرِمَتْك مَا وَهَبْته، وَأَنَا ضَامِنٌ مَا وَهَبْته، وَيَصِحُّ هَذَا الضَّمَانُ لِإِضَافَتِهِ إلَى سَبَبِ الْوُجُوبِ لِأَنَّ مِنْ زَعْمِ الْأَبِ، وَالزَّوْجِ أَنَّهَا كَاذِبَةٌ فِي الْإِنْكَارِ، وَأَنَّ مَا أَخَذَتْهُ دَيْنٌ عَلَيْهَا لِلزَّوْجِ فَالْأَبُ ضَمِنَ بِدَيْنٍ وَاجِبٍ فَصَحَّ. اهـ. وَالظَّاهِرُ مِنْ آخِرِ كَلَامِهِ أَنَّ الضَّمَانَ هُنَا بِمَعْنَى الْكَفَالَةِ لَا الْتِزَامِ الْمَالِ ابْتِدَاءً كَمَا لَا يَخْفَى، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ لَمْ يَجُزْ عَلَيْهَا إلَى أَنَّ الْأَبَ فُضُولِيٌّ فِي خُلْعِ الصَّغِيرَةِ فَيُسْتَفَادُ مِنْهُ جَوَازُ خُلْعِ الْفُضُولِيِّ وَحَاصِلُهُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ أَنَّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ مَنْ يَدْخُلَانِ تَحْتَ حُكْمِ الْإِيجَابَيْنِ، وَإِنْ كَانَ الْمُخَاطَبُ فِي الْخُلْعِ الْمَرْأَةُ فَالْمُعْتَبَرُ قَبُولُهَا سَوَاءٌ كَانَ الْبَدَلُ مُبْهَمًا أَوْ مُعَيَّنًا أَضَافَ الْبَدَلَ إلَى نَفْسِهِ أَوْ لَمْ يُضِفْهُ لِأَنَّهَا هِيَ الْعَاقِدَةُ، وَإِنْ كَانَ الْمُخَاطَبُ هُوَ الْأَجْنَبِيُّ إنْ أَضَافَ الْبَدَلَ إلَى نَفْسِهِ فَالْمُعْتَبَرُ قَبُولُهُ لِأَنَّهُ الْتِزَامُ تَسْلِيمِ ذَلِكَ مِنْ مِلْكِهِ، وَإِنْ لَمْ يُضِفْهُ إلَى نَفْسِهِ، وَلَا إلَى أَحَدٍ فَالْمُعْتَبَرُ قَبُولُهَا لِأَنَّهَا الْأَصْلُ فِيهِ فَلَوْ قَالَ أَجْنَبِيٌّ لِلزَّوْجِ اخْلَعْ امْرَأَتَك عَلَى هَذِهِ الدَّارِ، وَهَذِهِ الْأَلْفِ فَالْقَبُولُ إلَى الْمَرْأَةِ، وَلَوْ قَالَ عَلَى عَبْدِي هَذَا، وَأَلْفِي هَذِهِ فَفَعَلَ وَقَعَ الْخُلْعُ لِأَنَّهُ هُوَ الْعَاقِدُ لَمَّا أَضَافَ الْمَالَ إلَى نَفْسِهِ. وَلَوْ قَالَ لَهَا الزَّوْجُ خَلَعْتُك عَلَى دَارِ فُلَانٍ فَالْقَبُولُ إلَيْهَا، وَلَوْ قَالَ لِصَاحِبِ الْعَبْدِ خَلَعْت امْرَأَتِي بِعَبْدِك، وَالْمَرْأَةُ حَاضِرَةٌ فَالْقَبُولُ لِصَاحِبِ الْعَبْدِ، وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ لِلزَّوْجِ اخْلَعْهَا عَلَى أَلْفِ فُلَانٍ هَذَا أَوْ عَلَى عَبْدِ فُلَانٍ أَوْ عَلَى أَلْفٍ عَلَى أَنَّ فُلَانًا ضَامِنٌ لَهَا فَالْقَبُولُ لِفُلَانٍ، وَلَوْ قَالَتْ اخْلَعْنِي عَلَى أَلْفٍ عَلَى أَنَّ فُلَانًا ضَامِنٌ لَهُ فَفَعَلَ وَقَعَ الْخُلْعُ، وَإِنْ ضَمِنَ فُلَانٌ أَخَذَ الزَّوْجُ مِنْ أَيِّهِمَا شَاءَ، وَإِلَّا فَمِنْهَا فَقَطْ. اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ الْخُلْعُ إذَا جَرَى بَيْنَ الزَّوْجِ وَالْمَرْأَةِ فَإِلَيْهَا الْقَبُولُ كَانَ الْبَدَلُ مُرْسَلًا أَوْ مُطْلَقًا أَوْ مُضَافًا إلَى الْمَرْأَةِ أَوْ الْأَجْنَبِيِّ إضَافَةَ مِلْكٍ أَوْ ضَمَانٍ، وَمَتَى جَرَى بَيْنَ الْأَجْنَبِيِّ وَالزَّوْجِ فَمَتَى كَانَ الْبَدَلُ مُرْسَلًا فَالْقَبُولُ إلَيْهَا، وَإِنْ أُضِيفَ إلَى الْأَجْنَبِيِّ إضَافَةَ مِلْكٍ أَوْ ضَمَانٍ فَإِلَى الْأَجْنَبِيِّ لَا إلَى الْمَرْأَةِ. اهـ. وَأَمَّا الْوَكِيلُ بِهِ فَقَالَ فِي الْخَانِيَّةِ وَكِيلُ الْمَرْأَةِ بِالْخُلْعِ إذَا قَبِلَ الْخُلْعَ يَتِمُّ الْخُلْعُ، وَهَلْ يُطَالِبُ الْوَكِيلُ بِبَدَلِ الْخُلْعِ، وَالْمَسْأَلَةُ عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ كَانَ الْوَكِيلُ أَرْسَلَ الْبَدَلَ إرْسَالًا بِأَنْ قَالَ لِلزَّوْجِ اخْلَعْ امْرَأَتَك بِأَلْفِ دِرْهَمٍ أَوْ عَلَى هَذِهِ الْأَلْفِ، وَأَشَارَ إلَى أَلْفٍ لِلْمَرْأَةِ كَانَ الْبَدَلُ عَلَى الْمَرْأَةِ، وَلَا يُطَالِبُ بِهِ الْوَكِيلُ، وَإِنْ أَضَافَ الْوَكِيلُ الْبَدَلَ إلَى نَفْسِهِ إضَافَةَ مِلْكٍ أَوْ ضَمَانٍ بِأَنْ قَالَ اخْلَعْ امْرَأَتَك عَلَى أَلْفِي هَذِهِ أَوْ عَلَى هَذِهِ الْأَلْفِ، وَأَشَارَ إلَى نَفْسِهِ أَوْ عَلَى أَلْفٍ عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ كَانَ الْبَدَلُ عَلَى الْوَكِيلِ، وَلَا تُطَالَبُ بِهِ الْمَرْأَةُ، وَلِلْوَكِيلِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمَرْأَةِ قَبْلَ الْأَدَاءِ، وَبَعْدَهُ. وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْمَرْأَةُ أَمَرَتْهُ بِالضَّمَانِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالنِّكَاحِ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ إذَا ضَمِنَ الْمَهْرَ لِلْمَرْأَةِ، وَلَمْ يَكُنْ الضَّمَانُ بِأَمْرِ الْمُوَكِّلِ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُوَكِّلِ. اهـ. وَلَا يَنْفَرِدُ أَحَدُ الْوَكِيلَيْنِ بِهِ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ، وَالْوَكِيلُ بِالطَّلَاقِ لَا يَمْلِكُ الْخُلْعَ، وَالطَّلَاقَ عَلَى مَالٍ إنْ كَانَتْ مَدْخُولَةً عَلَى الصَّحِيحِ لِأَنَّهُ خِلَافٌ إلَى شَرٍّ بِخِلَافِ غَيْرِهَا فَإِنَّهُ إلَى خَيْرٍ، وَلَوْ زَعَمَ رَجُلٌ أَنَّهُ وَكِيلُهَا بِالْخُلْعِ فَخَالَعَهَا مَعَهُ عَلَى أَلْفٍ ثُمَّ أَنْكَرَتْ الْمَرْأَةُ التَّوْكِيلَ فَإِنْ ضَمِنَ فِي الْفُضُولِيِّ الْمَالَ لِلزَّوْجِ وَقَعَ الطَّلَاقُ، وَعَلَيْهِ الْمَالُ، وَإِلَّا إنْ لَمْ يَدَّعِ الزَّوْجُ التَّوْكِيلَ لَمْ يَقَعْ، وَإِنْ ادَّعَاهُ وَقَعَ، وَلَا يَجِبُ الْمَالُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَلَوْ، وَكَّلَهُ بِأَنْ يُخَالِعَهَا بَعْدَ شَهْرٍ فَمَضَتْ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ الْمُخَاطَبُ هُوَ الْأَجْنَبِيُّ) الظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ هُوَ الزَّوْجُ (قَوْلُهُ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ الْخُلْعُ إذَا جَرَى إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ الْمُرْسَلُ كَقَوْلِهِ اخْلَعْنِي عَلَى هَذَا الْعَبْدِ أَوْ عَلَى هَذَا الْأَلْفِ أَوْ عَلَى هَذِهِ الدَّارِ فَإِنْ قَدَرْت عَلَى تَسْلِيمِهِ سَلَّمْته، وَإِلَّا فَالْمِثْلُ فِيمَا لَهُ مِثْلٌ، وَالْقِيمَةُ فِي الْقِيَمِيِّ، وَالْمُطْلَقُ كَقَوْلِهَا خَالِعْنِي عَلَى عَبْدٍ أَوْ أَلْفٍ أَوْ ثَوْبٍ، وَالْمُضَافُ عَلَى عَبْدِي هَذَا أَوْ عَبْدِك أَوْ عَبْدِ فُلَانٍ، وَمَا أَشْبَهَهُ تَأَمَّلْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 101 الْمُدَّةُ، وَلَمْ يُخَالِعْهَا الْوَكِيلُ لَا يُجْبَرُ الْوَكِيلُ عَلَى الْخُلْعِ، وَإِنْ طَلَبَتْ الْمَرْأَةُ، وَبِمُضِيِّ الْمُدَّةِ لَا يَنْعَزِلُ الْوَكِيلُ، وَذَكَرَ الْإِمَامُ مُحَمَّدٌ أَنَّ تَوْكِيلَ الصَّبِيِّ، وَالْمَعْتُوهِ عَنْ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ بِالْخُلْعِ صَحِيحٌ الْوَاحِدُ لَا يَصْلُحُ فِي الْخُلْعِ وَكِيلًا مِنْ الْجَانِبَيْنِ بِأَنْ، وَكَّلَتْ رَجُلًا بِالْخُلْعِ فَوَكَّلَهُ الزَّوْجُ أَيْضًا سَوَاءٌ كَانَ الْبَدَلُ مُسَمًّى أَوْ لَا، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَصِحُّ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ (بَابُ الظِّهَارِ) هُوَ فِي اللُّغَةِ مَصْدَرُ ظَاهَرَ امْرَأَتَهُ إذَا قَالَ لَهَا أَنْت عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي كَذَا فِي الصِّحَاحِ وَالْمُغْرِبِ، وَفِي الْمِصْبَاحِ قِيلَ إنَّمَا خُصَّ ذَلِكَ بِذِكْرِ الظَّهْرِ؛ لِأَنَّ الظَّهْرَ مَنْ الدَّابَّةِ مَوْضِعُ الرُّكُوبِ وَالْمَرْأَةُ مَرْكُوبَةٌ وَقْتَ الْغَشَيَانِ فَرُكُوبُ الْأُمِّ مُسْتَعَارٌ مِنْ رُكُوبِ الدَّابَّةِ ثُمَّ شَبَّهَ رُكُوبَ الزَّوْجَةِ بِرُكُوبِ الْأُمِّ الَّذِي هُوَ مُمْتَنِعٌ وَهُوَ اسْتِعَارَةٌ لَطِيفَةٌ فَكَأَنَّهُ قَالَ: رُكُوبُك لِلنِّكَاحِ حَرَامٌ عَلَيَّ وَكَانَ الظِّهَارُ طَلَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَنُهُوا عَنْ الطَّلَاقِ بِلَفْظِ الْجَاهِلِيَّةِ وَأَوْجَبَ عَلَيْهِمْ الْكَفَّارَةَ تَغْلِيظًا فِي النَّهْيِ اهـ. وَالْمَذْكُورُ فِي كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ كَانَ طَلَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يُوجِبُ حُرْمَةً مُؤَبَّدَةً لَا رَجْعَةَ فِيهِ، وَفِي الشَّرِيعَةِ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (هُوَ تَشْبِيهُ الْمَنْكُوحَةِ بِمُحَرَّمَةٍ عَلَيْهِ عَلَى التَّأْبِيدِ) أَرَادَ بِالْمَنْكُوحَةِ مَا يَصِحُّ إضَافَةُ الطَّلَاقِ إلَيْهِ مِنْ الزَّوْجَةِ وَهُوَ أَنْ يُشَبِّهَهَا أَوْ عُضْوًا مِنْهَا يُعَبِّرُ بِهِ عَنْهَا أَوْ جُزْءًا شَائِعًا مِنْهَا لِمَا سَيَأْتِي وَأَرَادَ بِالْمُشَبَّهِ بِهِ عُضْوًا يَحْرُمُ إلَيْهِ النَّظَرُ مِنْ عُضْوِ مُحَرَّمَةٍ عَلَيْهِ عَلَى التَّأْبِيدِ لِمَا سَنَذْكُرُهُ أَيْضًا، وَأَرَادَ بِالزَّوْجِ الْمُسْلِمَ؛ لِأَنَّهُ لَا ظِهَارَ لِلذِّمِّيِّ عِنْدَنَا وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ السَّكْرَانَ وَالْمُكْرَهَ وَالْأَخْرَسَ بِإِشَارَتِهِ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَقَيَّدَ بِالْمَنْكُوحَةِ احْتِرَازًا عَنْ الْأَمَةِ وَالْأَجْنَبِيَّةِ عَلَى مَا سَيُصَرِّحُ بِهِ وَلَمْ يُقَيِّدْهَا بِشَيْءٍ لِيَشْمَلَ الْمَدْخُولَةَ وَغَيْرَهَا الْكَبِيرَةَ وَالصَّغِيرَةَ الرَّتْقَاءَ وَغَيْرَهَا الْعَاقِلَةَ وَالْمَجْنُونَةَ الْمُسْلِمَةَ وَالْكِتَابِيَّةَ وَقَيَّدَ بِالتَّأْبِيدِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ شَبَّهَهَا بِأُخْتِ امْرَأَتِهِ لَا يَكُونُ مُظَاهِرًا؛ لِأَنَّ حُرْمَتَهَا مُؤَقَّتَةٌ بِكَوْنِ امْرَأَتِهِ فِي عِصْمَتِهِ. وَكَذَا الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا وَأَطْلَقَ الْحُرْمَةَ فَشَمِلَ الْحُرْمَةَ نَسَبًا وَصِهْرِيَّةً وَرَضَاعًا وَأَرَادَ بِالتَّأْبِيدِ تَأْبِيدَ الْحُرْمَةِ بِاعْتِبَارِ وَصْفٍ لَا يُمْكِنُ زَوَالُهُ بِاعْتِبَارِ وَصْفٍ يُمْكِنُ زَوَالُهُ فَإِنَّ الْمَجُوسِيَّةَ مُحَرَّمَةٌ عَلَى التَّأْبِيدِ، وَلَوْ قَالَ كَظَهْرِ مَجُوسِيَّةٍ لَا يَكُونُ ظِهَارًا ذَكَرَهُ فِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ؛ لِأَنَّ التَّأْبِيدَ بِاعْتِبَارِ دَوَامِ الْوَصْفِ وَهُوَ غَيْرُ لَازِمٍ لِجَوَازِ إسْلَامِهَا بِخِلَافِ الْأُمِّيَّةِ وَالْأُخْتِيَّةِ وَغَيْرِهِمَا كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ حُرْمَةَ الْمَجُوسِيَّةِ لَيْسَتْ بِمُؤَبَّدَةٍ بَلْ هِيَ مُؤَقَّتَةٌ بِإِسْلَامِهَا أَوْ بِصَيْرُورَتِهَا كِتَابِيَّةً فَلَا حَاجَةَ إلَى مَا ذَكَرَهُ كَمَا لَا يَخْفَى، وَلِذَا عَلَّلَ فِي الْمُحِيطِ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمُحَرَّمَةٍ عَلَى التَّأْبِيدِ وَضَمَّ إلَى الْمَجُوسِيَّةِ الْمُرْتَدَّةَ وَشَمِلَ كَلَامُهُ التَّشْبِيهَ الصَّرِيحَ وَالضِّمْنِيَّ فَدَخَلَ مَا لَوْ ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ ثُمَّ قَالَ لِلْأُخْرَى: أَنْت عَلَيَّ مِثْلُ هَذِهِ يَنْوِي الظِّهَارَ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُظَاهِرًا وَلَوْ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَعْدَ التَّكْفِيرِ بِاعْتِبَارِ تَضَمُّنِ قَوْلِهِ لَهَا أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَالتَّشْبِيهُ فِيهَا بِاعْتِبَارِ خُصُوصِ وَجْهِ الشَّبَهِ الْمُرَادِ لَا بِاعْتِبَارِ نَفْسِ التَّشْبِيهِ بِهَا. وَكَذَا لَوْ كَانَتْ امْرَأَةُ رَجُلٍ آخَرَ ظَاهَرَ زَوْجُهَا مِنْهَا فَقَالَ: أَنْت عَلَيَّ مِثْلُ فُلَانَةَ يَنْوِي ذَلِكَ صَحَّ وَلَوْ كَانَ بَعْدَ مَوْتِهَا، وَكَذَا لَوْ ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ ثُمَّ قَالَ لِأُخْرَى: أَشْرَكْتُك فِي ظِهَارِهَا فَالْحَاصِلُ أَنَّ حَقِيقَةَ الظِّهَارِ الشَّرْعِيِّ تَشْبِيهُ الزَّوْجَةِ أَوْ جُزْءٍ شَائِعٍ مِنْهَا أَوْ مَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْكُلِّ بِمَا لَا يَحِلُّ النَّظَرُ إلَيْهِ مِنْ الْمُحَرَّمَةِ عَلَى التَّأْبِيدِ كَذَا قَالُوا، وَلَوْ قَالُوا مِنْ مُحَرَّمٍ دُونَ مُحَرَّمَةٍ صِفَةٌ لِشَخْصٍ الْمُتَنَاوِلِ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ الْوَاحِدُ لَا يَصْلُحُ فِي الْخُلْعِ وَكِيلًا مِنْ الْجَانِبَيْنِ) تَقَدَّمَ قُبَيْلَ قَوْلِهِ فَإِنْ طَلَّقَهَا خِلَافُهُ. [بَابُ الظِّهَارِ] (قَوْلُهُ الْمُسْلِمَةَ وَالْكِتَابِيَّةَ) الْأَوْلَى الْمُسْلِمَةَ وَالْكَافِرَةَ لِمَا سَيَأْتِي عَنْ الْمُحِيطِ أَسْلَمَ زَوْجُ الْمَجُوسِيَّةِ فَظَاهَرَ مِنْهَا قَبْلَ عَرْضِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهَا صَحَّ لِكَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الْكَفَّارَةِ (قَوْلُهُ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ حُرْمَةَ الْمَجُوسِيَّةِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَعِنْدِي أَنَّ التَّحْقِيقَ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَلَا تَرَى قَوْلَهُمْ إنَّ اللِّعَانَ يُوجِبُ حُرْمَةً مُؤَبَّدَةً، وَلَوْ شَبَّهَهَا بِامْرَأَتِهِ الْمُلَاعَنَةِ لَا يَصِيرُ مُظَاهِرًا كَمَا فِي الْجَوَامِعِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ هَذَا الْوَصْفَ يُمْكِنُ زَوَالُهُ بِأَنْ يُكَذِّبَ نَفْسَهُ كَمَا سَيَأْتِي. (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالُوا مِنْ مَحْرَمٍ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ مِنْ شَرَائِطِ الظِّهَارِ الَّتِي تَرْجِعُ عَلَى الْمُظَاهَرِ بِهِ أَنْ يَكُونَ مِنْ جِنْسِ النِّسَاءِ حَتَّى لَوْ قَالَ لَهَا: أَنْت عَلَيَّ كَظَهْرِ أَبِي أَوْ ابْنِي لَا يَصِحُّ الظِّهَارُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا عُرِفَ بِالشَّرْعِ وَالشَّرْعُ إنَّمَا هُوَ وَرَدَ بِهَا فِيمَا إذَا كَانَ الْمُظَاهَرُ بِهِ امْرَأَةً اهـ. وَبِهِ عُرِفَ جَوَابُ مَا فِي الْمُحِيطِ لَوْ شَبَّهَهَا بِفَرْجِ أَبِيهِ وَقَرِيبِهِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُظَاهِرًا؛ إذْ فَرْجُهُمَا فِي الْحُرْمَةِ كَفَرْجِ أُمِّهِ وَانْدَفَعَ مَا فِي الْبَحْرِ حَيْثُ نُقِلَ مَا فِي الْمُحِيطِ وَجَزَمَ بِهِ وَلَمْ يَنْقُلْهُ بَحْثًا وَأَنْتَ قَدْ عَلِمْتَ مَا هُوَ الْوَاقِعُ نَعَمْ يُرَدُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ مَا فِي الْخَانِيَّةِ أَنْتِ عَلَيَّ كَالدَّمِ وَالْخِنْزِيرِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ إذَا نَوَى طَلَاقًا أَوْ ظِهَارًا فَكَمَا نَوَى وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا كَانَ إيلَاءً اهـ. قُلْت: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 102 لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: أَنْت عَلَيَّ كَفَرْجِ أَبِي أَوْ قَرِيبِي كَانَ مُظَاهِرًا؛ إذْ فَرْجُهُمَا فِي الْحُرْمَةِ كَفَرْجِ أُمِّهِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَيَنْبَغِي عَدَمُ التَّقْيِيدِ بِالْأَبِ وَالْقَرِيبِ؛ لِأَنَّ فَرْجَ الرَّجُلِ الْأَجْنَبِيِّ مُحَرَّمٌ عَلَى التَّأْبِيدِ أَيْضًا وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ بِمُحَرَّمَةٍ إلَى أَنَّ الْمُشَبِّهَ الرَّجُلُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ امْرَأَةً بِأَنْ قَالَتْ: أَنْت عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي أَوْ أَنَا عَلَيْك كَظَهْرِ أُمِّك فَالصَّحِيحُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ فَلَا حُرْمَةَ وَلَا كَفَّارَةَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَوْجَبَ عَلَيْهَا الْكَفَّارَةَ ثُمَّ اخْتَلَفُوا هَلْ هِيَ كَفَّارَةُ يَمِينٍ أَوْ ظِهَارٍ وَرَجَّحَ ابْنُ الشِّحْنَةِ أَنَّهَا كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَذَكَرَ ابْنُ وَهْبَانَ تَفْرِيعًا عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ أَنَّهَا تَجِبُ بِالْحِنْثِ إنْ كَانَتْ كَفَّارَةَ يَمِينٍ وَإِنْ كَانَتْ كَفَّارَةَ ظِهَارٍ فَإِنْ كَانَ تَعْلِيقًا يَجِبُ مَتَى تَزَوَّجَتْ بِهِ وَإِنْ كَانَتْ فِي نِكَاحِهِ تَجِبُ لِلْحَالِ مَا لَمْ يُطَلِّقْهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهَا الْعَزْمُ عَلَى مَنْعِهِ مِنْ الْجِمَاعِ. اهـ. . وَفِي الْخَانِيَّةِ، وَلَوْ شَبَّهَهَا بِمُزَنِّيَةٍ الْأَبِ أَوْ الِابْنِ قَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَكُونُ ظِهَارًا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَكُونُ ظِهَارًا وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَلَوْ شَبَّهَهَا بِأُمِّ امْرَأَةٍ أَوْ ابْنَةِ امْرَأَةٍ قَدْ زَنَى بِهَا يَكُونُ ظِهَارًا. اهـ. وَلَوْ قَبَّلَ أَجْنَبِيَّةً بِشَهْوَةٍ ثُمَّ شَبَّهَ زَوْجَتَهُ بِابْنَتِهَا لَمْ يَكُنْ مُظَاهِرًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ كَذَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ فَلِذَا زَادَ فِي النِّهَايَةِ لَفْظَةَ اتِّفَاقًا فِي التَّعْرِيفِ وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ وَمَا فِي الدِّرَايَةِ أَنَّهُ لَوْ شَبَّهَهَا بِأُمِّ امْرَأَةٍ زَنَى بِهَا أَبُوهُ أَوْ ابْنُهُ كَانَ مُظَاهِرًا مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ غَايَتَهُ أَنْ تَكُونَ كَأُمِّ زَوْجَةِ أَبِيهِ أَوْ ابْنِهِ وَهِيَ حَلَالٌ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ سَبْقُ قَلَمٍ، وَقَدْ ظَهَرَ لِي أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى قَيْدِ الِاتِّفَاقِ، أَمَّا فِي تَشْبِيهِهَا بِمَزْنِيَّةِ الْأَبِ أَوْ الِابْنِ فَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ يَكُونُ مُظَاهِرًا عَلَى الصَّحِيحِ مَعَ أَنَّهُ لَا اتِّفَاقَ عَلَى تَحْرِيمِهَا لِمُخَالَفَةِ الشَّافِعِيِّ، وَأَمَّا فِي مَسْأَلَةِ تَشْبِيهِهَا بِابْنَةِ الْمُقَبَّلَةِ بِشَهْوَةٍ فَلِأَنَّ حُرْمَةَ الْبِنْتِ عَلَيْهِ لَيْسَتْ مُؤَبَّدَةً لِارْتِفَاعِهَا بِقَضَاءِ الشَّافِعِيِّ بِحِلِّهَا كَمَا فِي الْمُحِيطِ فَارِقًا بَيْنَ التَّقْبِيلِ وَالْوَطْءِ بِأَنَّ حُرْمَةَ الْوَطْءِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا فَلَمْ يَنْفُذْ قَضَاءُ الشَّافِعِيِّ بِحِلِّ أُصُولِ الْمَزْنِيَّةِ وَفُرُوعِهَا بِخِلَافِ التَّقْبِيلِ وَعَلَى هَذَا لَوْ شَبَّهَهَا بِالْمُلَاعَنَةِ لَا يَكُونُ مُظَاهِرًا؛ لِأَنَّ حُرْمَتَهَا مُوَقَّتَةٌ بِتَكْذِيبِهِ نَفْسَهُ. وَلَوْ شَبَّهَهَا بِالْأُخْتِ مِنْ لَبَنِ الْفَحْلِ لَا يَكُونُ مُظَاهِرًا؛ لِأَنَّ حُرْمَتَهَا مُؤَقَّتَةٌ بِقَضَاءِ الشَّافِعِيِّ بِحِلِّهَا فَهِيَ كَالْمُقَبَّلَةِ وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى اسْتَغْنَى عَمَّا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَأَطْلَقَ فِي التَّشْبِيهِ فَشَمِلَ الْمُعَلَّقَ وَلَوْ بِمَشِيئَتِهَا كَالطَّلَاقِ وَالْمُوَقَّتَ كَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي يَوْمًا أَوْ شَهْرًا فَإِنْ أَرَادَ قُرْبَانَهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ بِغَيْرِ كَفَّارَةٍ وَيَرْتَفِعُ الظِّهَارُ بِمُضِيِّ الْوَقْتِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَلَوْ قَالَ لَهَا: أَنْت عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي كُلَّ يَوْمٍ فَهُوَ ظِهَارٌ وَاحِدٌ، وَلَوْ قَالَ: فِي كُلِّ يَوْمٍ، تَجَدَّدَ الظِّهَارُ كُلَّ يَوْمٍ، فَإِذَا مَضَى يَوْمٌ بَطَلَ ظِهَارُ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَكَانَ مُظَاهِرًا مِنْهَا فِي الْيَوْمِ الْآخَرِ وَلَهُ أَنْ يَقْرَبَهَا لَيْلًا، وَلَوْ قَالَ لَهَا: أَنْت عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي الْيَوْمَ وَكُلَّمَا جَاءَ يَوْمٌ كَانَ مُظَاهِرًا مِنْهَا الْيَوْمَ وَإِذَا مَضَى بَطَلَ هَذَا الظِّهَارُ وَلَهُ أَنْ يَقْرَبَهَا فِي اللَّيْلِ، فَإِذَا جَاءَ غَدٌ كَانَ مُظَاهِرًا ظِهَارًا آخَرَ دَائِمًا غَيْرَ مُوَقَّتٍ، وَكَذَا كُلَّمَا جَاءَ يَوْمٌ صَارَ مُظَاهِرًا ظِهَارًا آخَرَ مَعَ بَقَاءِ الْأَوَّلِ، وَإِذَا قَالَ: أَنْت عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي رَمَضَانَ كُلَّهُ وَرَجَبَ كُلَّهُ فَكَفَّرَ فِي رَجَبٍ سَقَطَ ظِهَارُ رَجَبٍ وَظِهَارُ رَمَضَانَ اسْتِحْسَانًا وَالظِّهَارُ وَاحِدٌ وَإِنْ كَفَّرَ فِي شَعْبَانَ لَمْ يَجُزْ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي إلَّا يَوْمَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ كَفَّرَ إنْ كَفَّرَ فِي يَوْمِ الِاسْتِثْنَاءِ لَمْ يَجُزْ وَإِلَّا يَجُوزُ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي إلَى شَهْرٍ لَا يَكُونُ مُظَاهِرًا قَبْلَهُ   [منحة الخالق] لَا يَخْفَى أَنَّهُ سَلِمَ مَا صَحَّحَهُ فِي الْخَانِيَّةِ أُشْكِلَ مَا فِي الْبَدَائِعِ وَكَانَ مُقَوِّيًا لِمَا فِي الْمُحِيطِ وَإِلَّا يَسْلَمْ لَمْ يَتَوَجَّهْ الْإِيرَادُ عَلَى الْمُصَنِّفِ لَكِنَّ الَّذِي رَأَيْته فِي نُسْخَةِ الْخَانِيَّةِ الَّتِي عِنْدِي مُخَالِفٌ لِمَا نَقَلَهُ فِي النَّهْرِ نَصُّهُ، وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْت عَلَيَّ كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ فِيهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا لَا يَكُونُ إيلَاءً وَإِنْ نَوَى الطَّلَاقَ يَكُونُ طَلَاقًا وَإِنْ نَوَى الظِّهَارَ لَا يَكُونُ ظِهَارًا اهـ. بِحُرُوفِهِ. وَهَكَذَا قَالَ فِي الشرنبلالية قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ وَإِنْ نَوَى ظِهَارًا لَا يَكُونُ ظِهَارًا وَكَذَلِكَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة نَقَلَ عِبَارَةَ الْخَانِيَّةِ كَمَا نَقَلْنَاهُ فَعُلِمَ أَنَّ النُّسْخَةَ الَّتِي نَقَلَ عَنْهَا فِي النَّهْرِ سَقَطَ مِنْهَا لَفْظَةُ لَا فَأَوْرَدَ مَا أَوْرَدَ لَكِنْ رَأَيْتُ فِي الْخَانِيَّةِ أَيْضًا مَا نَصُّهُ وَلَوْ شَبَّهَهَا بِظَهْرِ امْرَأَةٍ لَا تَحِلُّ لَهُ فِي الْجُمْلَةِ كَالْمَجُوسِيَّةِ وَالْمُرْتَدَّةِ وَمَنْكُوحَةِ الْغَيْرِ لَا يَكُونُ ظِهَارًا، وَكَذَا التَّشْبِيهُ بِالرَّجُلِ أَيِّ رَجُلٍ كَانَ اهـ. وَكَذَلِكَ صَرَّحَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ التَّهْذِيبِ بِأَنَّهُ لَوْ شَبَّهَهَا بِالرَّجُلِ لَمْ يَكُنْ مُظَاهِرًا وَبِهِ تَأَيَّدَ مَا فِي الْبَدَائِعِ وَبِمَا عَلِمْتَ مِنْ النَّقْلِ السَّابِقِ انْدَفَعَ الْإِشْكَالُ وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ. (قَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ سَبْقُ قَلَمٍ) الضَّمِيرُ يَعُودُ إلَى مَا فِي الدِّرَايَةِ قَالَ فِي النَّهْرِ وَكَأَنَّهُ؛ لِأَنَّ الْمُشْكِلَ يُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْهُ، وَهَذَا لَا يُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْهُ وَعِنْدِي أَنَّ الضَّمِيرَ يَرْجِعُ فِي شَبَهِهَا إلَى الزَّانِي الْمُسْتَفَادِ مِنْ الزِّنَا وَعَلَيْهِ فَلَا إشْكَالَ إذْ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا شَبَّهَهَا بِالزَّانِي وَإِكْمَالُ أَدَبِ الْكَمَالِ دَعَاهُ إلَى مَحْضِ الْإِشْكَالِ وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ شَبَّهَهَا بِالْأُخْتِ مِنْ لَبَنِ الْفَحْلِ) قَالَ فِي النَّهْرِ كَأَنْ رَضَعَ عَلَى امْرَأَةٍ لَهَا لَبَنٌ مِنْ زَوْجٍ لَهُ بِنْتٌ مِنْ غَيْرِ الْمُرْضِعَةِ فَإِنَّ الْمُرْضَعَ بَعْدَ بُلُوغِهِ لَوْ شَبَّهَ زَوْجَتَهُ بِهَذِهِ الْبِنْتِ لَا يَكُونُ مُظَاهِرًا قَالَ فِي الْفَتْحِ كَأَنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى تَسْوِيغِ الِاجْتِهَادِ فِيهَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 103 كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَغَيْرِهَا وَفِيهَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي إذَا جَاءَ غَدٌ كَانَ بَاطِلًا، وَلَوْ قَالَ: أَنْت عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي أَمْسِ كَانَ بَاطِلًا اهـ. وَالْفَرْعَانِ مُشْكِلَانِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ مِنْ قَبِيلِ إضَافَةِ الظِّهَارِ أَوْ تَعْلِيقِهِ اهـ. وَهُمَا صَحِيحَانِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِمَا فِي الْبَدَائِعِ وَالثَّانِي يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالطَّلَاقِ إنْ كَانَ نَكَحَهَا قَبْلَ أَمْسِ كَانَ مُظَاهِرًا الْآنَ وَإِنْ كَانَ نَكَحَهَا الْيَوْمَ كَانَ لَغْوًا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ هُنَا أَرْبَعَةُ أَرْكَانٍ: الْمُشَبِّهُ وَالْمُشَبَّهُ وَالْمُشَبَّهُ بِهِ وَأَدَاةُ التَّشْبِيهِ. أَمَّا الْأَوَّلُ: وَهُوَ الْمُشَبِّهُ وَهُوَ بِكَسْرِ الْبَاءِ فَهُوَ الزَّوْجُ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ الْمُسْلِمُ وَزَادَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة الْعَالِمُ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ. وَأَمَّا الثَّانِي: وَهُوَ الْمُشَبَّهُ بِفَتْحِ الْبَاءِ الْمَنْكُوحَةُ أَوْ عُضْوٌ مِنْهَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ كُلِّهَا أَوْ جُزْءٍ شَائِعٍ. وَأَمَّا الثَّالِثُ: وَهُوَ الْمُشَبَّهُ بِهِ عُضْوٌ وَلَا يَحِلُّ النَّظَرُ إلَيْهِ مِنْ مُحَرَّمَةٍ عَلَيْهِ تَأْبِيدًا، وَأَمَّا الرَّابِعُ وَهُوَ الدَّالُّ عَلَيْهِ وَهُوَ رُكْنُهُ وَهُوَ صَرِيحٌ وَكِنَايَةٌ فَالصَّرِيحُ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي وَمِنِّي وَعِنْدِي وَمَعِي كَعَلَيَّ وَلَمْ أَرَ حُكْمَ مَا إذَا قَالَ: أَنْت عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي بِدُونِ إضَافَةٍ لَهُ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ مُظَاهِرًا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ قَصَدَ أَنَّهَا كَظَهْرِ أُمِّهِ عَلَى غَيْرِهِ وَأَنَا مِنْكِ مُظَاهِرٌ وَظَاهَرْتُ مِنْكِ مِنْ الصَّرِيحِ، وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَوْ قَالَ: أَنْت مِنِّي مُظَاهَرَةٌ أَنَّهُ يَكُونُ بَاطِلًا وَشَرْطُهُ فِي الْمَرْأَةِ كَوْنُهَا زَوْجَةً، وَلَوْ أَمَةً فَلَا يَصِحُّ مِنْ أَمَتِهِ وَلَا مِنْ مُبَانَتِهِ وَلَا مِنْ أَجْنَبِيَّةٍ إلَّا إذَا أَضَافَهُ إلَى التَّزَوُّجِ كَمَا سَيَأْتِي، وَفِي الرَّجُلِ كَوْنُهُ مِنْ أَهْلِ الْكَفَّارَةِ فَلَا يَصِحُّ مِنْ ذِمِّيٍّ وَصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ؛ لِأَنَّ الْكَافِرَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْكَفَّارَةِ، وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة يَلْزَمُ الذِّمِّيَّ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ إذَا ظَاهَرَ، وَفِي صِحَّتِهِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ نَظَرٌ إنَّمَا نَقَلَهُ الْمَشَايِخُ عَنْ الشَّافِعِيِّ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ تَعَالَى قَيَّدَ بِقَوْلِهِ مِنْكُمْ فِي الْآيَةِ الْأُولَى وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلا اللائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ} [المجادلة: 2] . وَلَمَّا شَرَعَ فِي بَيَانِ الْكَفَّارَةِ لَمْ يُقَيِّدْهُ بِقَوْلِهِ مِنْكُمْ فَقَالَ {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] لَكِنْ لَمَّا لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِلْكَفَّارَةِ لَمْ يَصِحَّ ظِهَارُهُ قَالَ بَعْضُهُمْ: وَالْعَجَبُ مِنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَيَّدَ الرَّقَبَةَ بِالْإِيمَانِ وَلَمْ يُجَوِّزْ أَنْ يَمْلِكَ الْكَافِرُ الْمُؤْمِنَ وَصَحَّحَ ظِهَارَهُ فَكَانَ تَنَاقُضًا وَرَدَّهُ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ بِأَنَّا عَيَّنَّا لِكَفَّارَتِهِ الْإِطْعَامَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ صِحَّةِ الظِّهَارِ أَنْ يَكُونَ الْمُظَاهِرُ أَهْلًا لِكُلِّ الْأَنْوَاعِ بِدَلِيلِ أَنَّ ظِهَارَ الْعَبْدِ صَحِيحٌ عِنْدَنَا مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِغَيْرِ الصَّوْمِ، وَلَوْ ظَاهَرَ الْمُسْلِمُ ثُمَّ ارْتَدَّ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى بَقِيَ ظِهَارُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى لَوْ أَسْلَمَ لَا يَحِلُّ الْقُرْبَانُ إلَّا بِالْكَفَّارَةِ وَعِنْدَهُمَا لَا يَبْقَى؛ لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ لَيْسَ أَهْلًا لِحُكْمِهِ وَهُوَ الْكَفَّارَةُ وَلَهُ أَنَّ الْحَالَ حَالُ بَقَاءِ حُكْمِهِ وَهُوَ الْحُرْمَةُ لَا حَالُ الِانْعِقَادِ وَالْكُفْرُ لَيْسَ بِمُنَافٍ لِلْحُرْمَةِ وَحُكْمُهُ حُرْمَةُ الْوَطْءِ وَدَوَاعِيهِ إلَى غَايَةِ الْكَفَّارَةِ. (قَوْلُهُ حَرُمَ الْوَطْءُ وَدَوَاعِيهِ بِأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي حَتَّى يُكَفِّرَ) أَمَّا حُرْمَةُ الْوَطْءِ فَبِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَأَمَّا حُرْمَةُ الدَّوَاعِي فَلِدُخُولِهَا تَحْتَ النَّصِّ الْمُفِيدِ لِحُرْمَةِ الْوَطْءِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] ؛ لِأَنَّهُ لَا مُوجِبَ فِيهِ لِلْحَمْلِ عَلَى الْمَجَازِ وَهُوَ الْوَطْءُ لِإِمْكَانِ الْحَقِيقَةِ وَيَحْرُمُ الْجِمَاعُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَفْرَادِ التَّمَاسِّ فَيَحْرُمُ الْكُلُّ بِالنَّصِّ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَقَدْ يُقَالُ إنَّ الْمُوجِبَ لِلْحَمْلِ عَلَى الْمَجَازِ مَوْجُودٌ وَهُوَ صِدْقُ التَّمَاسِّ عَلَى الْمَسِّ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ وَلَيْسَ بِمُحَرَّمٍ اتِّفَاقًا فَالتَّحْقِيقُ خِلَافُ مَا زَعَمَ أَنَّهُ التَّحْقِيقُ وَهُوَ أَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الْوَطْءَ إذَا حَرُمَ حَرُمَ مَا كَانَ دَاعِيًا إلَيْهِ؛ لِأَنَّ طَرِيقَ الْمُحَرَّمِ مُحَرَّمٌ وَقَدْ اسْتَمَرَّ هَذَا فِي الِاسْتِبْرَاءِ وَالْإِحْرَامِ وَالِاعْتِكَافِ وَخَرَجَ فِي الصَّوْمِ وَالْحَيْضِ عَنْ هَذَا الْأَصْلِ لِنَصٍّ صَرِيحٍ وَهُوَ أَنَّهُ «- عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يُقَبِّلُ بَعْضَ نِسَائِهِ وَهُوَ صَائِمٌ وَكَانَ يُقَبِّلُهَا وَهِيَ حَائِضٌ» وَحِكْمَتُهُ لُزُومُ الْحَرَجِ لَوْ حَرُمَتْ الدَّوَاعِي فِي الصَّوْمِ وَالْحَيْضِ لِكَثْرَةِ وُقُوعِهِمَا بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا. وَعَنْ مُحَمَّدٍ لِلْمُظَاهِرِ تَقْبِيلُهَا إذْ قَدِمَ مِنْ سَفَرِهِ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ لِلشَّفَقَةِ وَالدَّوَاعِي الْمُبَاشِرَةِ وَالتَّقْبِيلُ وَاللَّمْسُ عَنْ شَهْوَةٍ وَالنَّظَرُ إلَى فَرْجِهَا بِشَهْوَةٍ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ   [منحة الخالق] أَمَّا إنْ أُرِيدَ مَنْ أَرْضَعَهُ نَفْسُ الْفَحْلِ فَلَا إشْكَالَ لَكِنَّهُ بَعِيدٌ اهـ. وَسَيَذْكُرُهُ الْمُؤَلِّفُ. (قَوْلُهُ وَالْفَرْعَانِ مُشْكِلَانِ إلَخْ) قَالَ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِهِ وَالْجَوَابُ أَمَّا الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا رِوَايَةٌ ضَعِيفَةٌ لِمُخَالَفَتِهَا الْمَشْهُورَ فِي الْكُتُبِ، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَالْفَرْقُ الَّذِي ذَكَرَهُ بَيْنَ الطَّلَاقِ وَالظِّهَارِ مِنْ أَنَّهُ يَصِحُّ تَوْقِيتُهُ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ يَدْفَعُ الْإِشْكَالَ فَلَا تَتَعَدَّى الْحُرْمَةُ مِنْ أَمْسِ إلَى الْيَوْمِ وَمَا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ مُظَاهِرًا) قَالَ فِي النَّهْرِ فِيهِ نَظَرٌ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُظَاهِرًا فَتَدَبَّرْهُ اهـ. وَقَالَ الرَّمْلِيُّ لَا يَكُونُ ظِهَارًا مَا لَمْ يَنْوِ الظِّهَارَ؛ لِأَنَّ حَذْفَ الظَّرْفِ عِنْدَ الْعِلْمِ بِهِ جَائِزٌ وَإِذَا نَوَاهُ صَحَّ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ فَالتَّحْقِيقُ خِلَافُ مَا زَعَمَ أَنَّهُ التَّحْقِيقُ) أَجَابَ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ الْمَسَّ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ خَارِجٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَكَذَا النَّظَرُ إلَيْهَا أَوْ إلَى نَحْوِ ظَهْرِهَا بِشَهْوَةٍ (قَوْلُهُ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ لِلشَّفَقَةِ) قَالَ فِي النَّهْرِ تَقْيِيدُهُ بِعَدَمِ الشَّهْوَةِ تَحْرِيفٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَخُصُّ الْمُسَافِرَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 104 وَلَا يَدْخُلُ فِيهَا النَّظَرُ إلَيْهَا بِشَهْوَةٍ، وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة وَلَا يَحْرُمُ النَّظَرُ إلَى ظَهْرِهَا وَبَطْنِهَا وَلَا إلَى الشَّعْرِ وَالصَّدْرِ، وَفِي الْهِدَايَةِ أَنَّ اللَّفْظَ الصَّرِيحَ أَعْنِي أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي لَا يَكُونُ إلَّا ظِهَارًا، وَلَوْ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْإِتْيَانِ بِهِ وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّ الظِّهَارَ كَانَ طَلَاقًا فِي الْإِسْلَامِ حَتَّى يُوصَفَ بِالنَّسْخِ مَعَ أَنَّهُ قَالَ أَوَّلًا إنَّهُ كَانَ طَلَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَهُوَ يَقْتَضِي إنْ جَعَلَهُ ظِهَارًا لَيْسَ نَاسِخًا وَلَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ شُرَّاحِهَا تَعَرَّضَ لِذَلِكَ، وَذَكَرَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيّ فِي التَّفْسِيرِ الْكَبِيرِ الْبَحْثَ الثَّانِي أَنَّ الظِّهَارَ كَانَ مِنْ أَشَدِّ طَلَاقِ الْجَاهِلِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ فِي التَّحْرِيمِ أَوْكَدُ مَا يُمْكِنُ فَإِنْ كَانْ ذَلِكَ الْحُكْمُ مُقَرَّرًا فِي الشَّرْعِ كَانَتْ الْآيَةُ نَاسِخَةً لَهُ وَإِلَّا لَمْ يُعَدَّ نَاسِخًا فِي الشَّرْعِ إلَّا فِي عَادَةِ الْجَاهِلِيَّةِ لَكِنَّ الَّذِي رُوِيَ أَنَّهُ «- عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ لَهَا: حَرُمْتِ أَوْ مَا أَرَاك إلَّا قَدْ حَرُمْتِ عَلَيْهِ» كَالدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّهُ كَانَ شَرْعًا فَأَمَّا مَا رُوِيَ أَنَّهُ تَوَقَّفَ فِي الْحُكْمِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ اهـ. وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ هَذِهِ الْحُرْمَةَ لَا تَرْتَفِعُ إلَّا بِالْكَفَّارَةِ فَلَا يَبْطُلُ الظِّهَارُ بِزَوَالِ مِلْكِ النِّكَاحِ وَلَا بِبُطْلَانِ حِلِّ الْمَحَلِّيَّةِ حَتَّى لَوْ ظَاهَرَ مِنْهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا بَائِنًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا حَتَّى يُكَفِّرَ، وَكَذَا إذَا كَانَتْ زَوْجَتُهُ أَمَةً وَظَاهَرَ مِنْهَا ثُمَّ اشْتَرَاهَا، وَكَذَا إذَا كَانَتْ حُرَّةً فَارْتَدَّتْ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى عَنْ الْإِسْلَامِ وَلَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ فَسُبِيَتْ ثُمَّ اشْتَرَاهَا، وَفِي الْمُحِيطِ أَسْلَمَ زَوْجُ الْمَجُوسِيَّةِ فَظَاهَرَ مِنْهَا قَبْلَ عَرْضِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهَا صَحَّ لِكَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الْكَفَّارَةِ اهـ. . قَالُوا وَلِلْمَرْأَةِ أَنْ تُطَالِبَهُ بِالْوَطْءِ وَعَلَيْهَا أَنْ تَمْنَعَهُ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا حَتَّى يُكَفِّرَ وَعَلَى الْقَاضِي أَنْ يُجْبِرَهُ عَلَى التَّكْفِيرِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهَا بِحَبْسٍ فَإِنْ أَبَى ضَرَبَهُ وَلَا يُضْرَبُ فِي الدَّيْنِ، وَلَوْ قَالَ قَدْ كَفَّرْتَ صُدِّقَ مَا لَمْ يُعْرَفْ بِالْكَذِبِ، وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة إذَا أَبَى عَنْ التَّكْفِيرِ عَزَّرَهُ بِالضَّرْبِ وَالْحَبْسِ إلَى أَنْ يُكَفِّرَ أَوْ يُطَلِّقَ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ تَعْلِيقَهُ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى تُبْطِلُهُ، وَلَوْ قَالَ إنْ شَاءَ فُلَانٌ فَالْمَشِيئَةُ إلَيْهِ. (قَوْلُهُ فَلَوْ وَطِئَ قَبْلَهُ اسْتَغْفَرَ رَبَّهُ فَقَطْ) أَيْ: لَوْ وَطِئَ قَبْلَ التَّكْفِيرِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ لِأَجْلِ الْوَطْءِ وَالْوَاجِبُ الْكَفَّارَةُ الْأُولَى لِمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي «الْمُظَاهِرِ يُوَاقِعُ قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ قَالَ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ» ، وَأَمَّا الِاسْتِغْفَارُ فَمَنْقُولٌ فِي الْمُوَطَّإِ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَالْمُرَادُ مِنْهُ التَّوْبَةُ مِنْ هَذِهِ الْمَعْصِيَةِ وَهِيَ حُرْمَةُ الْوَطْءِ قَبْلَ الْكَفَّارَةِ. (قَوْلُهُ وَعَوْدُهُ عَزْمُهُ عَلَى وَطْئِهَا) أَيْ: عَوْدُ الْمُظَاهِرِ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ عَزْمُهُ عَلَى وَطْءِ الْمُظَاهَرِ مِنْهَا وَهُوَ بَيَانٌ لِسَبَبِ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ وَقَدْ اخْتَلَفَ فِيهِ أَصْحَابُنَا عَلَى أَقْوَالٍ مَحْكِيَّةٍ فِي الْبَدَائِعِ فَالْعَامَّةُ عَلَى أَنَّ السَّبَبَ مَجْمُوعُ الظِّهَارِ وَالْعَوْدِ؛ لِأَنَّهُ الْمَذْكُورُ قَبْلَ فَاءِ السَّبَبِيَّةِ وَلِأَنَّ الْكَفَّارَةَ دَائِرَةٌ بَيْنَ الْعُقُوبَةِ وَالْعِبَادَةِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ سَبَبُهَا دَائِرًا بَيْنَ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ حَتَّى تَتَعَلَّقَ الْعُقُوبَةُ بِالْمَحْظُورِ وَهُوَ الظِّهَارُ وَالْعِبَادَةُ بِالْمُبَاحِ وَهُوَ الْعَزْمُ عَلَى وَطْئِهَا؛ لِأَنَّهُ نَقْضٌ لِلْمُنْكَرِ وَقِيلَ الظِّهَارُ سَبَبٌ لِلْإِضَافَةِ وَالْعَوْدُ شَرْطٌ وَقِيلَ عَكْسُهُ وَقِيلَ هُمَا شَرْطَانِ وَالسَّبَبُ أَمْرٌ ثَالِثٌ وَهُوَ كَوْنُ الْكَفَّارَةِ طَرِيقًا مُتَعَيِّنًا لِإِيفَاءِ حَقِّهَا وَكَوْنُهُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَهُوَ يَقْتَضِي إنْ جَعَلَهُ ظِهَارًا لَيْسَ نَاسِخًا) أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنَّهُ كَانَ طَلَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَامِ فَجَعَلَهُ ظِهَارًا ثَانِيًا يَكُونُ نَسْخًا وَبِهِ يَحْصُلُ التَّوْفِيقُ بَيْنَ كَلَامَيْ الْهِدَايَةِ وَلَعَلَّهُ إنَّمَا سَاقَ بَعْدَهُ عِبَارَةَ التَّفْسِيرِ الْكَبِيرِ لِلْإِشَارَةِ إلَى الْجَوَابِ بِمَا قُلْنَا فَإِنَّ ذَلِكَ التَّوْفِيقَ يُؤْخَذُ مِنْهَا. (قَوْلُهُ وَعَلَى الْقَاضِي أَنْ يُجْبِرَهُ عَلَى التَّكْفِيرِ إلَخْ) قَالَ فِي حَوَاشِي مِسْكِينٍ لَا فَائِدَةَ لِلْإِجْبَارِ عَلَى التَّكْفِيرِ إلَّا الْوَطْءَ وَالْوَطْءُ لَا يُقْضَى بِهِ عَلَيْهِ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً فِي الْعُمْرِ كَمَا مَرَّ فِي الْقَسَمِ وَلِهَذَا لَوْ صَارَ عِنِّينًا بَعْدَمَا وَطِئَهَا مَرَّةً لَا يُؤَجَّلُ وَاشْتِرَاطُ الْأَوَّلِ لِتَكْمِيلِ الصَّدَاقِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُرْفَعَ إلَى مَنْ لَا يَرَى التَّكْمِيلَ بِالْخَلْوَةِ حَمَوِيٌّ عَنْ الْغَايَةِ قَالَ وَفَرْضُ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا لَمْ يَطَأْهَا قَبْلَ الظِّهَارِ أَبَدًا بَعِيدٌ وَقَدْ يُقَالُ فَائِدَةُ الْإِجْبَارِ عَلَى التَّكْفِيرِ رَفْعُ الْمَعْصِيَةِ قَالَ الشَّلَبِيُّ وَلَا يُجْبَرُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْكَفَّارَاتِ إلَّا كَفَّارَةُ الظِّهَارِ وَوَجْهُ عَدَمِ الْجَبْرِ عَلَيْهَا أَنَّهَا عِبَادَةٌ اهـ. قُلْتُ وَقَدْ رَأَيْتُ فِي الْبَدَائِعِ مَا يُقَرِّبُ مَا اسْتَبْعَدَهُ وَذَلِكَ حَيْثُ قَالَ فِي بَيَانِ سَبَبِ الْكَفَّارَةِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَيْ: مِنْ الظِّهَارِ وَالْعَوْدِ شَرْطٌ وَسَبَبُ الْوُجُوبِ أَمْرٌ ثَالِثٌ وَهُوَ كَوْنُ الْكَفَّارَةِ طَرِيقًا مُتَعَيِّنًا لِإِيفَاءِ الْوَاجِبِ وَكَوْنُهُ قَادِرًا عَلَى الْإِيفَاءِ؛ لِأَنَّ إيفَاءَ حَقِّهَا فِي الْوَطْءِ وَاجِبٌ وَيَجِبُ عَلَيْهِ فِي الْحُكْمِ إنْ كَانَتْ بِكْرًا أَوْ ثَيِّبًا وَلَمْ يَطَأْهَا مَرَّةً وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا وَقَدْ وَطِئَهَا مَرَّةً لَا يَجِبُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى أَيْضًا لِإِيفَاءِ حَقِّهَا وَعِنْدَ بَعْضِ أَصْحَابِنَا يَجِبُ فِي الْحُكْمِ أَيْضًا حَتَّى يُجْبَرَ عَلَيْهِ وَلَا يُمْكِنُهُ إيفَاءُ الْوَاجِبِ إلَّا بِرَفْعِ الْحُرْمَةِ وَلَا تَرْتَفِعُ الْحُرْمَةُ إلَّا بِالْكَفَّارَةِ فَتَلْزَمُهُ ضَرُورَةُ إيفَاءِ الْوَاجِبِ اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ لَا يَجِبُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى صَوَابُهُ يَجِبُ وَأَنَّ لَا زَائِدَةٌ مِنْ قَلَمِ النَّاسِخِ لِمَا قَالُوا مِنْ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ دِيَانَةً أَنْ يَقْصِدَهَا بِالْوَطْءِ أَحْيَانًا. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الِاسْتِغْفَارُ فَمَنْقُولٌ فِي الْمُوَطَّإِ) قَالَ فِي الْفَتْحِ، وَأَمَّا ذِكْرُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 105 قَادِرًا عَلَى إيفَائِهِ قِيلَ كُلٌّ مِنْهُمَا شَرْطٌ وَسَبَبٌ وَمَنْ جَعَلَ السَّبَبَ الْعَزْمَ أَرَادَ بِهِ الْعَزْمَ الْمُؤَكَّدَ حَتَّى لَوْ عَزَمَ ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ لَا يَطَأَهَا لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ الْعَزْمِ الْمُؤَكَّدِ لَا أَنَّهَا وَجَبَتْ بِنَفْسِ الْعَزْمِ ثُمَّ سَقَطَتْ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ بَعْدَ سُقُوطِهَا لَا تَعُودُ إلَّا بِسَبَبٍ جَدِيدٍ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ لَكِنْ أَوْرَدَ عَلَى مَنْ جَعَلَ الْعَوْدَ وَحْدَهُ سَبَبًا أَنَّ الْحُكْمَ يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ سَبَبِهِ لَا شَرْطِهِ وَالْكَفَّارَةُ تَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ الظِّهَارِ لَا الْعَزْمِ وَأَنَّهُ لَوْ قَدَّمَهَا عَلَى الْعَزْمِ صَحَّ، وَلَوْ كَانَ سَبَبًا لَمْ يَصِحَّ وَلَكِنْ دَفَعَ الثَّانِي بِأَنَّهَا إنَّمَا وَجَبَتْ لِرَفْعِ الْحُرْمَةِ الثَّابِتَةِ فِي الذَّاتِ فَتَجُوزُ بَعْدَ ثُبُوتِهَا كَمَا قُلْنَا فِي الطَّهَارَةِ إنَّهَا جَائِزَةٌ قَبْلَ إرَادَةِ الصَّلَاةِ مَعَ أَنَّهَا سَبَبُهَا؛ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِرَفْعِ الْحَدَثِ فَتَجُوزُ بَعْدَ وُجُودِهِ وَأَوْرَدَ عَلَى مَنْ جَعَلَهُ الظِّهَارَ فَقَطْ أَنَّ السَّبَبَ مَا دَارَ بَيْنَ مَحْظُورٍ وَمُبَاحٍ وَهُوَ مَحْظُورٌ فَقَطْ فَلَا يَصْلُحُ لِلسَّبَبِيَّةِ وَسَنُجِيبُ عَنْهُ فِي الْكَفَّارَةِ وَلَمْ يَظْهَرْ لِي ثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ بَيْنَ الْأَقْوَالِ لِاتِّفَاقِهِمْ عَلَى جَوَازِ التَّكْفِيرِ بَعْدَ الظِّهَارِ قَبْلَ الْعَزْمِ وَعَلَى عَدَمِهِ قَبْلَ الظِّهَارِ وَعَلَى تَكَرُّرِهَا بِتَكَرُّرِ الظِّهَارِ وَإِنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ الْعَزْمُ وَعَلَى أَنَّهُ لَوْ عَزَمَ ثُمَّ تَرَكَ فَلَا إثْمَ وَعَلَى عَدَمِ الْكَفَّارَةِ لَوْ أَبَانَهَا بَعْدَهُ وَبَعْدَ الْعَزْمِ. وَمُرَادُ الْمَشَايِخِ مِنْ قَوْلِهِمْ الْعَزْمُ عَلَى وَطْئِهَا الْعَزْمُ عَلَى اسْتِبَاحَةِ وَطْئِهَا لَا الْعَزْمُ عَلَى نَفْسِ الْوَطْءِ؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا الْمُرَادُ فِي الْآيَةِ {ثُمَّ يَعُودُونَ} [المجادلة: 3] بِنَقْضِ مَا قَالُوا وَرَفْعِهِ وَهُوَ إنَّمَا يَكُونُ بِاسْتِبَاحَتِهَا بَعْدَ تَحْرِيمِهَا لِكَوْنِهِ ضِدًّا لِلْحُرْمَةِ لَا نَفْسُ وَطْئِهَا وَلَقَدْ أَبْعَدَ مَنْ قَالَ إنَّ الْمُرَادَ تَكْرَارُ الظِّهَارِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَقَالَ تَعَالَى ثُمَّ يُعِيدُونَ مَا قَالُوا مِنْ الْإِعَادَةِ لَا مِنْ الْعَوْدِ وَتَمَامُ تَحْقِيقِهِ فِي التَّفْسِيرِ الْكَبِيرِ لِلْإِمَامِ فَخْرِ الدِّينِ. (قَوْلُهُ وَبَطْنُهَا وَفَخِذُهَا وَفَرْجُهَا كَظَهْرِهَا) أَيْ: الْأُمُّ وَهِيَ الْمُشَبَّهُ بِهِ وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهِ عُضْوٌ لَا يَحِلُّ النَّظَرُ إلَيْهِ مِنْ مُحَرَّمَةٍ تَأْبِيدًا وَهَذِهِ الْأَعْضَاءُ كَذَلِكَ فَخَرَجَ عُضْوٌ يَحِلُّ النَّظَرُ إلَيْهِ كَالْيَدِ وَالرِّجْلِ وَالْجَنْبِ فَلَا يَكُونُ ظِهَارًا، وَفِي الْخَانِيَّةِ أَنْتِ عَلَيَّ كَرُكْبَةِ أُمِّي فِي الْقِيَاسِ يَكُونُ مُظَاهِرًا وَلَوْ قَالَ فَخِذُك كَفَخِذِ أُمِّي لَا يَكُونُ مُظَاهِرًا اهـ. لِفَقْدِ الشَّرْطِ فِي الثَّانِيَةِ مِنْ جِهَةِ الْمُشَبَّهِ. (قَوْلُهُ وَأُخْتُهُ وَعَمَّتُهُ وَأُمُّهُ رَضَاعًا كَأُمِّهِ) أَيْ: نَسَبًا لِمَا قَدَّمْنَا أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْمُشَبَّهِ بِهِ كَوْنُهَا مُحَرَّمَةً تَأْبِيدًا نَسَبًا أَوْ صِهْرًا أَوْ رَضَاعًا فَخَرَجَ مَنْ لَا تَحْرُمُ تَأْبِيدًا كَأُخْتِ امْرَأَتِهِ وَعَمَّتِهَا وَخَالَتِهَا وَالْمُرْتَدَّةِ وَالْمَجُوسِيَّةِ وَالْمُلَاعَنَةِ وَالْمُقَبَّلَةِ حَرَامًا وَالْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا وَالْأُخْتِ رَضَاعًا مِنْ لَبَنِ الْفَحْلِ خَاصَّةً كَأَنْ رَضَعَ عَلَى امْرَأَةٍ لَهَا لَبَنٌ مِنْ زَوْجٍ لَهُ بِنْتٌ مِنْ غَيْرِ الْمُرْضِعَةِ فَإِنَّ الرَّضِيعَ بَعْدَ بُلُوغِهِ إذَا شَبَّهَ امْرَأَتَهُ بِهَذِهِ الْبِنْتِ لَا يَكُونُ مُظَاهِرًا، وَقَدْ أَوْضَحْنَا ذَلِكَ فِيمَا تَقَدَّمَ وَمَا فِي الدِّرَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى شَرْحِ الْقُدُورِيِّ لَوْ شَبَّهَهَا بِأُمِّ امْرَأَةٍ زَنَى بِهَا أَبُوهُ أَوْ ابْنُهُ كَانَ مُظَاهِرًا غَلِطَ؛ لِأَنَّ غَايَتَهُ أَنْ تَكُونَ كَأُمِّ زَوْجَةِ أَبِيهِ أَوْ ابْنِهِ وَهِيَ حَلَالٌ وَالتَّعْبِيرُ بِالْغَلَطِ أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ إلَّا فِيمَا يُمْكِنُ تَأْوِيلُهُ، وَهَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ فَصْلِ الْخَلْوَةِ خَلَا بِامْرَأَةٍ ثُمَّ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْت عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّ تِلْكَ الْمَرْأَةِ لَا يَكُونُ مُظَاهِرًا وَالْمُرَادُ خَلَا بِامْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ لَا بِزَوْجَتِهِ؛ لِأَنَّ أُمَّهَا حَرَامٌ بِالْعَقْدِ تَأْبِيدًا (قَوْلُهُ وَرَأْسُكِ وَوَجْهُكِ وَفَرْجُكِ وَرَقَبَتُكِ وَنِصْفُكِ وَثُلُثُكِ كَانَتْ) يَعْنِي أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْمُشَبِّهَ أَنْ يَذْكُرَ   [منحة الخالق] الِاسْتِغْفَارِ فِي الْحَدِيثِ فَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِهِ وَهُوَ فِي الْمُوَطَّإِ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَلَفْظُهُ قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ يُظَاهِرُ ثُمَّ يَمَسُّهَا قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ يَكُفُّ عَنْهَا حَتَّى يَسْتَغْفِرَ اللَّهَ وَيُكَفِّرَ ثُمَّ قَالَ وَذَلِكَ أَحْسَنُ مَا سَمِعْت اهـ. وَفِي حَاشِيَةِ نُوحٍ أَفَنْدِي عَلَى الدُّرَرِ قَالَ الشَّيْخُ قَاسِمٌ فِي تَخْرِيجِ أَحَادِيثِ الِاخْتِيَارِ ذَكَرَ الِاسْتِغْفَارَ فِيهِ الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي الْأَصْلِ فَقَالَ: بَابُ الظِّهَارِ «بَلَغَنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ رَجُلًا ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ فَوَقَعَ عَلَيْهَا قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَرَهُ أَنْ يَسْتَغْفِرَ اللَّهَ تَعَالَى وَلَا يَعُودَ حَتَّى يُكَفِّرَ» وَبَلَاغَاتُ مُحَمَّدٍ مُسْنَدَةٌ لِمَنْ تَتَبَّعَهَا وَقَدْ أُسْنِدَ هَذَا فِي كِتَابِ الصَّوْمِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ سُلَيْمَانَ الْأَحْوَلِ عَنْ طَاوُسٍ قَالَ «ظَاهَرَ رَجُلٌ مِنْ امْرَأَتِهِ فَأَبْصَرَهَا فِي الْقَمَرِ وَعَلَيْهَا خَلْخَالُ فِضَّةٍ فَأَعْجَبَتْهُ فَوَقَعَ عَلَيْهَا قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ فَسَأَلَ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَرَهُ أَنْ يَسْتَغْفِرَ اللَّهَ وَلَا يَعُودَ حَتَّى يُكَفِّرَ» وَوَصَلَهُ الْحَاكِمُ بِذِكْرِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا فَقَدْ تَابَعَهُ عَلَى الْأَصْلِ مَنْ عَلِمْت فِي رِوَايَةِ الْأَرْبَعَةِ وَالْبَزَّارِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ اهـ. كَلَامُهُ. (قَوْلُهُ أَرَادَ بِهِ الْعَزْمَ الْمُؤَكَّدَ) كَأَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْمُتَّصِلَ بِهِ الْفِعْلُ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ. (قَوْلُهُ فِي الْقِيَاسِ يَكُونُ مُظَاهِرًا) أَيْ:؛ لِأَنَّ الرُّكْبَةَ عَوْرَةٌ عِنْدَنَا (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ فَخِذُك كَفَخِذِ أُمِّي) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَفِي عَامَّةِ النُّسَخِ فَخِذِي كَفَخِذِ أُمِّي وَهُوَ تَحْرِيفٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ التَّعْلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَا مَعْنَى لِتَشْبِيهِ فَخِذِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَأَيْضًا عِبَارَةُ الْخَانِيَّةِ بِالْكَافِ كَالْأُولَى (قَوْلُهُ كَأُخْتِ امْرَأَتِهِ وَعَمَّتِهِ) كَذَا فِي عَامَّةِ النُّسَخِ وَوُجِدَ فِي نُسْخَةٍ وَعَمَّتُهَا بِضَمِيرِ الْمُؤَنَّثِ وَهِيَ الصَّوَابُ (قَوْلُهُ وَمَا فِي الدِّرَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى شَرْحِ الْقُدُورِيِّ إلَخْ) تَقَدَّمَ رَدُّهُ قَرِيبًا فَلَا حَاجَةَ إلَى إعَادَتِهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 106 ذَاتَهَا أَوْ جُزْءًا شَائِعًا مِنْهَا أَوْ عُضْوًا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ كُلِّهَا وَضَابِطُهُ مَا صَحَّ إضَافَةُ الطَّلَاقِ إلَيْهِ كَانَ مُظَاهِرًا بِهِ فَخَرَجَ الْيَدُ وَالرِّجْلُ فَلَوْ قَالَ: بَطْنُكِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي لَا يَكُونُ مُظَاهِرًا لِانْتِفَاءِ الشَّرْطِ مِنْ جِهَةِ الْمُشَبِّهِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ رَأْسُك كَرَأْسِ أُمِّي لَا يَكُونُ مُظَاهِرًا اهـ. لِلِانْتِفَاءِ مِنْ جِهَةِ الْمُشَبَّهِ بِهِ. (قَوْلُهُ وَإِنْ) (نَوَى بِأَنْتِ عَلَيَّ مِثْلُ أُمِّي بِرًّا أَوْ ظِهَارًا أَوْ طَلَاقًا فَكَمَا نَوَى وَإِلَّا لَغَا) بَيَانٌ لِلْكِنَايَاتِ فَمِنْهَا أَنْتِ عَلَيَّ مِثْلُ أُمِّي أَوْ كَأُمِّي فَإِنْ نَوَى الْكَرَامَةَ قُبِلَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ فِيهِ فَالتَّقْدِيرُ أَنْتِ عِنْدِي فِي الْكَرَامَةِ كَأُمِّي وَإِنْ نَوَى الظِّهَارَ كَانَ ظِهَارًا بِكَوْنِهِ كِنَايَةً فِيهِ وَأَشَارَ إلَى أَنَّ صَرِيحَهُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ ذِكْرِ الْعُضْوِ فَحِينَئِذٍ لَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ وَلَا تَصِحُّ فِيهِ نِيَّةُ الطَّلَاقِ وَالْإِيلَاءِ؛ لِأَنَّهَا تَغْيِيرٌ لِلْمَشْرُوعِ وَإِذَا نَوَى الطَّلَاقَ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ كَانَ بَائِنًا كَلَفْظِ الْحَرَامِ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا كَانَ بَاطِلًا وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِنِيَّةِ الْإِيلَاءِ بِهِ لِلِاخْتِلَافِ فَأَبُو يُوسُفَ جَعَلَهُ إيلَاءً؛ لِأَنَّهُ أَدْنَى مِنْ الظِّهَارِ وَمُحَمَّدٌ جَعَلَهُ ظِهَارًا نَظَرًا إلَى أَدَاةِ التَّشْبِيهِ وَصُحِّحَ أَنَّهُ ظِهَارٌ عِنْدَ الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ تَحْرِيمٌ مُؤَكَّدٌ بِالتَّشْبِيهِ، وَذِكْرُ عَلَيَّ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ؛ إذْ أَنْتِ مِثْلُ أُمِّي كَذَلِكَ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَقُيِّدَ بِالتَّشْبِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ خَلَا عَنْهُ بِأَنْ قَالَ: أَنْت أُمِّي لَا يَكُونُ مُظَاهِرًا لَكِنَّهُ مَكْرُوهٌ لِقُرْبِهِ مِنْ التَّشْبِيهِ وَقِيَاسًا عَلَى قَوْلِهِ يَا أُخَيَّةُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ فِي حَدِيثِ أَبِي دَاوُد الْمُصَرِّحِ بِالْكَرَاهَةِ وَلَوْلَا التَّصْرِيحُ بِهَا لَأَمْكَنَ الْقَوْلُ بِالظِّهَارِ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي كَوْنِهِ ظِهَارًا مِنْ التَّصْرِيحِ بِأَدَاةِ التَّشْبِيهِ شَرْعًا وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ يَا بِنْتِي يَا أُخْتِي وَنَحْوُهُ. (قَوْلُهُ وَبِأَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ كَأُمِّي ظِهَارًا أَوْ طَلَاقًا فَكَمَا نَوَى) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا زَادَ عَلَى الْمِثَالِ الْأَوَّلِ لَفْظَةَ التَّحْرِيمِ امْتَنَعَ إرَادَةُ الْكَرَامَةِ وَصَحَّتْ نِيَّةُ الظِّهَارِ وَالطَّلَاقِ وَلَمْ يُبَيِّنْ مَا إذَا لَمْ يَنْوِ شَيْئًا لِلِاخْتِلَافِ فَمُحَمَّدٌ جَعَلَهُ ظِهَارًا وَأَبُو يُوسُفَ إيلَاءً وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ (قَوْلُهُ وَبِأَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ كَظَهْرِ أُمِّي طَلَاقًا أَوْ إيلَاءً فَظِهَارٌ) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا زَادَ عَلَى الْمِثَالِ الثَّانِي لَفْظَةَ الظِّهَارِ كَانَ صَرِيحًا فِيهِ فَكَانَ مُظَاهِرًا سَوَاءً نَوَاهُ أَوْ نَوَى الطَّلَاقَ أَوْ الْإِيلَاءَ أَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ. (قَوْلُهُ وَلَا ظِهَارَ إلَّا مِنْ زَوْجَتِهِ) أَيْ: ابْتِدَاءً أَطْلَقَهَا فَشَمِلَتْ الْحُرَّةَ وَالْأَمَةَ وَالْمُدَبَّرَةَ وَأُمَّ الْوَلَدِ أَوْ بِنْتَهَا أَوْ مُكَاتَبَةً أَوْ مُسْتَسْعَاةً فَلَا يَصِحُّ مِنْ أَمَتِهِ مَوْطُوءَةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَ مَوْطُوءَةٍ قِنَّةً أَوْ مُدَبَّرَةً أَوْ أُمَّ وَلَدٍ أَوْ ابْنَتَهَا أَوْ مُكَاتَبَةً أَوْ مُسْتَسْعَاةً؛ لِأَنَّ النَّصَّ لَمْ يَتَنَاوَلْهَا؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ إضَافَةِ النِّسَاءِ إلَى رَجُلٍ أَوْ رِجَالٍ إنَّمَا تَتَحَقَّقُ مَعَ الزَّوْجَاتِ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَبَادَرُ حَتَّى صَحَّ أَنْ يُقَالَ هَؤُلَاءِ جَوَارِيهِ لَا نِسَاؤُهُ وَلِهَذَا لَمْ تَدْخُلْ فِي نَصِّ الْإِيلَاءِ أَيْضًا وَلَا فِي قَوْلِهِ {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: 23] حَتَّى لَا تَحْرُمَ عَلَيْهِ أُمُّ أَمَتِهِ قَبْلَ وَطْءِ أَمَتِهِ وَاسْتَدَلَّ الْإِمَامُ الرَّازِيّ فِي تَفْسِيرِهِ عَلَى عَدَمِ دُخُولِ الْإِمَاءِ تَحْتَ نِسَائِنَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ نِسَائِهِنَّ} [النور: 31] وَالْمُرَادُ مِنْهُ الْحَرَائِرُ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمَا صَحَّ عَطْفُ قَوْله تَعَالَى {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} [النور: 31] ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يُعْطَفُ عَلَى نَفْسِهِ اهـ. . قَيَّدْنَا بِالِابْتِدَاءِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْبَقَاءِ لَا يَحْتَاجُ إلَى كَوْنِهَا زَوْجَةً كَمَا قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَوْ ظَاهَرَ مِنْ زَوْجَتِهِ الْأَمَةِ ثُمَّ مَلَكَهَا بَقِيَ الظِّهَارُ وَكَمَا خَرَجَتْ الْأَمَةُ خَرَجَتْ الْأَجْنَبِيَّةُ وَالْمُبَانَةُ حَتَّى لَوْ عَلَّقَ الظِّهَارَ بِشَرْطٍ ثُمَّ أَبَانَهَا ثُمَّ وُجِدَ الشَّرْطُ فِي الْعِدَّةِ لَا يَصِيرُ مُظَاهِرًا بِخِلَافِ الْإِبَانَةِ الْمُعَلَّقَةِ، وَالْفَرْقُ فِي الْبَدَائِعِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ وَقْتَ وُجُودِ الشَّرْطِ صَادِقٌ فِي التَّشْبِيهِ فَلَا ظِهَارَ، وَأَمَّا فِي الطَّلَاقِ فَفَائِدَةُ وُقُوعِ الْمُعَلَّقِ بَعْدَ تَقَدُّمِ الْإِبَانَةِ تَنْقِيصُ الْعَدَدِ وَتَصِحُّ إضَافَتُهُ إلَى الْمِلْكِ أَوْ سَبَبُهُ كَالطَّلَاقِ بِأَنْ قَالَ إنْ تَزَوَّجْتُكِ فَأَنْت عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَإِنْ نَكَحَهَا كَانَ مُظَاهِرًا، وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة لَوْ قَالَ: إذَا تَزَوَّجْتُكِ فَأَنْت طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ: إذَا تَزَوَّجْتُكِ فَأَنْت عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَتَزَوَّجَهَا يَكُونُ مُظَاهِرًا وَمُطَلِّقًا جَمِيعًا، وَلَوْ قَالَ: إذَا تَزَوَّجْتُكِ فَأَنْت طَالِقٌ وَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَتَزَوَّجَهَا يَقَعُ الطَّلَاقُ وَلَا يَلْزَمُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ فَإِنْ نَوَى الْكَرَامَةَ قُبِلَ مِنْهُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُصَدَّقَ قَضَاءً فِي إرَادَةِ الْبِرِّ إذَا كَانَ فِي حَالِ الْمُشَاجَرَةِ وَذِكْرِ الطَّلَاقِ وَأَقُولُ: يَنْبَغِي إذَا نَوَى الْحُرْمَةَ الْمُجَرَّدَةَ أَنْ يَكُونَ إيلَاءً؛ لِأَنَّهُ أَدْنَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ يَكُونُ ظِهَارًا كَمَا يُعْلَمُ مِنْ الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ وَعَلَى مَا صُحِّحَ فِي نِيَّةِ الْإِيلَاءِ هُنَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ظِهَارًا عِنْدَ الْكُلِّ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَلَمْ يُبَيِّنْ مَا إذَا لَمْ يَنْوِ شَيْئًا) قَالَ الرَّمْلِيُّ لَمْ يُبَيِّنْ هُوَ أَيْضًا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا إذَا نَوَى الْإِيلَاءَ أَوْ مُجَرَّدَ التَّحْرِيمِ كَغَالِبِ الْكُتُبِ وَقَدْ ذَكَرَهَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة نَقْلًا عَنْ الْخَانِيَّةِ وَالْمُحِيطِ وَأَقُولُ: إذَا نَوَى التَّحْرِيمَ لَا غَيْرُ وَقُلْنَا بِصِحَّةِ نِيَّتِهِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ يَكُونُ إيلَاءً عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَظِهَارًا عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعَلَى مَا صُحِّحَ فِيمَا تَقَدَّمَ يَكُونُ ظِهَارًا عَلَى قَوْلِ الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ تَحْرِيمٌ مُؤَكَّدٌ بِالتَّشْبِيهِ وَإِنَّمَا ذَكَرْنَا ذَلِكَ لِكَثْرَةِ وُقُوعِهِ فِي دِيَارِنَا (قَوْلُهُ أَوْ مُسْتَسْعَاةٌ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَفِي بَعْضِهَا أَوْ مُسْتَسْعَاةٌ وَهُوَ غَيْرُ ظَاهِرٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 107 الظِّهَارُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ صَاحِبَاهُ لَزِمَاهُ جَمِيعًا، وَلَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ: إنْ تَزَوَّجْتُكِ فَأَنْت عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي مِائَةَ مَرَّةٍ فَعَلَيْهِ لِكُلِّ مَرَّةٍ كَفَّارَةٌ اهـ. (قَوْلُهُ فَلَوْ نَكَحَ امْرَأَةً بِغَيْرِ أَمْرِهَا فَظَاهَرَ مِنْهَا فَأَجَازَتْهُ بَطَلَ) ؛ لِأَنَّهُ صَادِقٌ فِي التَّشْبِيهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِجَازَةِ كَالنِّكَاحِ؛ لِأَنَّ الظِّهَارَ لَيْسَ بِحَقٍّ مِنْ حُقُوقِهِ حَتَّى يَتَوَقَّفَ بِتَوَقُّفِهِ بِخِلَافِ إعْتَاقِ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ فَإِنَّهُ يَتَوَقَّفُ لِتَوَقُّفِ الْمِلْكِ وَيَنْفُذُ بِنَفَاذِهِ كَمَا أَفَادَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْبُيُوعِ بِقَوْلِهِ وَصَحَّ عِتْقُ مُشْتَرٍ مِنْ غَاصِبٍ بِإِجَازَةِ بَيْعِهِ؛ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِ الْمِلْكِ بِمَعْنَى أَنَّهُ إذَا مَلَكَ الْعَبْدُ ثَبَتَ لَهُ حَقُّ أَنْ يُعْتِقَهُ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَيَرِدُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ فَإِنَّهُ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ مِنْ حُقُوقِ النِّكَاحِ بِمَعْنَى أَنَّهُ إذَا نَكَحَهَا ثَبَتَ لَهُ حَقُّ أَنْ يُطَلِّقَهَا فَيَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا فِي النِّكَاحِ الْمَوْقُوفِ تَوَقَّفَ بِتَوَقُّفِهِ وَنَفَذَ بِنَفَاذِهِ مَعَ أَنَّ الْمُصَرَّحَ بِهِ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فِي النِّكَاحِ الْمَوْقُوفِ لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ وَلَا تُقْبَلُ الْإِجَازَةُ وَصَارَ مَرْدُودًا وَلِهَذَا فَسَّرَ كَوْنَ الْإِعْتَاقِ مِنْ حُقُوقِ الْمِلْكِ بِكَوْنِهِ مَنْهِيًّا لَهُ فِي الْعِنَايَةِ، وَهَذَا لَا يَرِدُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ. (قَوْلُهُ أَنْتُنَّ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي ظِهَارٌ مِنْهُنَّ) ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الظِّهَارَ إلَيْهِنَّ فَكَانَ كَإِضَافَةِ الطَّلَاقِ إلَيْهِنَّ (قَوْلُهُ وَكَفَّرَ لِكُلٍّ) أَيْ: لَزِمَهُ الْكَفَّارَةُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ إذَا عَزَمَ عَلَى وَطْئِهَا؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ لِرَفْعِ الْحُرْمَةِ وَهِيَ تَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِهِنَّ وَإِنَّمَا قَالَ وَكَفَّرَ لِكُلٍّ وَلَمْ يَكْتَفِ بِقَوْلِهِ كَانَ مُظَاهِرًا مِنْهُنَّ؛ لِأَنَّ مَالِكًا وَأَحْمَدَ قَالَا يَكُونُ مُظَاهِرًا مِنْ الْكُلِّ وَلَكِنْ اكْتَفَيَا بِكَفَّارَةٍ وَاحِدَةٍ قُيِّدَ بِالظِّهَارِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ آلَى مِنْهُنَّ كَانَ مُولِيًا مِنْهُنَّ وَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّهَا فِي الْإِيلَاءِ تَجِبُ لِهَتْكِ حُرْمَةِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ لَيْسَ بِمُتَعَدِّدٍ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَوْ ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ مِرَارًا فِي مَجْلِسٍ أَوْ مَجَالِسَ فَعَلَيْهِ لِكُلِّ ظِهَارٍ كَفَّارَةٌ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِهِ الْأَوَّلَ كَمَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَغَيْرُهُ، وَفِي بَعْضِ الْكُتُبِ فَرَّقَ بَيْنَ الْمَجْلِسِ وَالْمَجَالِسِ وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ وَقَدَّمْنَا فِي بَابِ التَّعْلِيقِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ أَنَّ الظِّهَارَ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ مَتَى عُلِّقَ بِشَرْطٍ مُتَكَرِّرٍ فَإِنَّهُ يَتَكَرَّرُ كَمَا لَوْ قَالَ: كُلَّمَا دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْت عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي يَتَكَرَّرُ الظِّهَارُ بِتَكَرُّرِ الدُّخُولِ بِخِلَافِ الْيَمِينِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ فِي الْكَفَّارَةِ) مِنْ كَفَّرَ اللَّهُ عَنْهُ الذَّنْبَ مَحَاهُ وَمِنْهُ الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّهَا تُكَفِّرُ الذُّنُوبَ وَكَفَّرَ عَنْ يَمِينِهِ إذَا فَعَلَ الْكَفَّارَةَ كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ، وَفِي الْقَامُوسِ الْكَفَّارَةُ مَا كَفَرَ بِهِ مِنْ صَدَقَةٍ وَصَوْمٍ وَنَحْوِهِمَا. اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ أَنَّهَا مُنْبِئَةٌ عَنْ السَّتْرِ لُغَةً؛ لِأَنَّهَا مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْكَفْرِ وَهُوَ التَّغْطِيَةُ وَالسَّتْرُ قَالَ الشَّاعِرُ فِي لَيْلَةٍ كَفَرَ النُّجُومَ غَمَامُهَا أَيْ: سَتَرَهَا اهـ. وَالْكَلَامُ فِيهَا يَقَعُ فِي مَوَاضِعَ فِي مَعْنَاهَا وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ، وَفِي سَبَبِهَا وَهُوَ قِسْمَانِ: سَبَبُ مَشْرُوعِيَّتِهَا، وَسَبَبُ وُجُوبِهَا فَالْأَوَّلُ: مَا هُوَ سَبَبٌ لِوُجُوبِ التَّوْبَةِ وَهُوَ إسْلَامُهُ وَعَهْدُهُ مَعَ اللَّهِ أَنْ لَا يَعْصِيَهُ وَإِذَا عَصَاهُ تَابَ؛ لِأَنَّهَا مِنْ تَمَامِ التَّوْبَةِ؛ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِلتَّكْفِيرِ، وَالثَّانِي: قَالَ فِي التَّنْقِيحِ سَبَبُهَا مَا نُسِبَتْ إلَيْهِ مِنْ أَمْرٍ دَائِرٍ بَيْنَ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ يَعْنِي بِأَنْ يَكُونَ مُبَاحًا مِنْ وَجْهٍ مَحْظُورًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ السَّبَبَ يَكُونُ عَلَى وَفْقِ الْحُكْمِ فَالْقَتْلُ خَطَأً مُبَاحٌ بِاعْتِبَارِ عَدَمِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَفِي بَعْضِ الْكُتُبِ فَرَّقَ بَيْنَ الْمَجْلِسِ وَالْمَجَالِسِ) أَيْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي صُورَةِ عَدَمِ نِيَّةِ التَّكْرَارِ كَذَا فِي حَاشِيَةِ الرَّمْلِيِّ عَلَى الْمِنَحِ وَالْمُتَبَادَرُ مِنْ عِبَارَةِ الْفَتْحِ خِلَافُهُ حَيْثُ قَالَ لَوْ كَرَّرَ الظِّهَارَ مِنْ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ مَرَّتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ فِي مَجْلِسٍ أَوْ مَجَالِسَ تَتَكَرَّرُ الْكَفَّارَةُ بِتَعَدُّدِهِ إلَّا إنْ نَوَى بِمَا بَعْدَ الْأَوَّلِ تَأْكِيدًا فَيُصَدَّقُ قَضَاءً فِيهِمَا لَا كَمَا قِيلَ فِي الْمَجْلِسِ لَا الْمَجَالِسِ وَأَصْرَحُ مِنْهَا عِبَارَةُ الشرنبلالية، وَلَوْ أَرَادَ التَّكْرَارَ صُدِّقَ فِي الْقَضَاءِ إذَا قَالَ ذَلِكَ فِي مَجْلِسٍ لَا مَجَالِسَ كَمَا فِي السِّرَاجِ اهـ. وَفِي الْجَوْهَرَةِ إذَا ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ مِرَارًا فِي مَجْلِسٍ أَوْ فِي مَجَالِسَ فَإِنَّهُ يَجِبُ لِكُلِّ ظِهَارٍ كَفَّارَةٌ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الظِّهَارَ الْأَوَّلَ فَيَكُونُ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ الظِّهَارَ الْأَوَّلَ إيقَاعٌ وَالثَّانِيَ إخْبَارٌ فَإِذَا نَوَى الْإِخْبَارَ حُمِلَ عَلَيْهِ قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ: إذَا قَالَ: أَرَدْتُ التَّكْرَارَ صُدِّقَ فِي الْقَضَاءِ إذَا قَالَ ذَلِكَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ وَلَا يُصَدَّقُ فِيمَا إذَا قَالَ ذَلِكَ فِي مَجَالِسَ مُخْتَلِفَةٍ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ فَإِنَّهُ لَا يُصَدَّقُ فِي الْوَجْهَيْنِ اهـ. فَقَدْ ظَهَرَ بِمَا سَمِعْتَهُ مِنْ النُّقُولِ أَنَّ النِّزَاعَ فِيمَا إذَا نَوَى التَّكْرَارَ أَمَّا إذَا لَمْ يَنْوِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَجْلِسِ وَالْمَجَالِسِ بِلَا نِزَاعٍ فَظَهَرَ عَدَمُ صِحَّةِ مَا مَرَّ عَنْ الرَّمْلِيِّ وَقَدْ وَقَعَ فِي هَذَا الْإِيهَامِ الْبَاقَانِيُّ فِي شَرْحِهِ الْمُلْتَقَى وَمَشَى فِي مَتْنِ التَّنْوِيرِ عَلَى مَا فِي الْيَنَابِيعِ فَقَالَ: فَإِنْ عَنَى التَّكْرَارَ بِمَجْلِسٍ صُدِّقَ وَإِلَّا لَأَزَادَ شَارِحُهُ الشَّيْخُ عَلَاءُ الدِّينِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الَّذِي اعْتَمَدَهُ الْمُؤَلِّفُ تَبَعًا لِلْفَتْحِ خِلَافُهُ وَجَزَمَ الْمَقْدِسِيَّ بِمَا فِي الْفَتْحِ وَلَمْ يُعَرِّجْ فِي النَّهْرِ عَلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْمَجْلِسِ وَالْمَجَالِسِ بَلْ أَطْلَقَ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْأَمْرَ اشْتَبَهَ عَلَى شَارِحِ التَّنْوِيرِ إلَّا أَنْ يَكُونَ اعْتَمَدَ مَا فِي الْيَنَابِيعِ تَأَمَّلْ [فَصْلٌ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَار] (فَصْلٌ فِي الْكَفَّارَةِ) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 108 التَّعَمُّدِ مَحْظُورٌ بِاعْتِبَارِ عَدَمِ التَّثَبُّتِ، وَالْإِفْطَارُ عَمْدًا مُبَاحٌ نَظَرًا إلَى أَنَّهُ يُلَاقِي فِعْلَ نَفْسِهِ الَّذِي هُوَ مَمْلُوكٌ لَهُ وَمَحْظُورٌ لِكَوْنِهِ جِنَايَةً عَلَى الْعِبَادَةِ، وَأَمَّا كَفَّارَةُ الْيَمِينِ فَسَبَبُهَا إمَّا الْيَمِينُ الْمَعْقُودَةُ لِلْإِضَافَةِ إلَيْهَا وَهِيَ دَائِرَةٌ بَيْنَ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ أَوْ الْحِنْثِ وَهُوَ دَائِرٌ أَيْضًا، وَأَمَّا كَفَّارَةُ الظِّهَارِ فَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمُضَافَ إلَيْهِ سَبَبٌ وَهُوَ الظِّهَارُ وَهُوَ قَوْلُ الْأُصُولِيِّينَ فَإِنَّمَا كَانَ دَائِرًا بَيْنَ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ مَعَ أَنَّهُ مُنْكَرٌ مِنْ الْقَوْلِ وَزُورٌ بِاعْتِبَارِ أَنَّ التَّشْبِيهَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِلْكَرَامَةِ فَلَمْ يَتَمَحَّضْ كَوْنُهُ جِنَايَةً، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ جَعَلَ السَّبَبَ مُرَكَّبًا مِنْ الظِّهَارِ وَالْعَوْدِ فَظَاهِرٌ لِكَوْنِ الظَّاهِرِ مَحْظُورًا وَالْعَوْدِ مُبَاحًا لِكَوْنِهِ إمْسَاكًا بِالْمَعْرُوفِ وَنَقْضًا لِلْقَوْلِ الزُّورِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ لَا ثَمَرَةَ لِلِاخْتِلَافِ فِي سَبَبِهَا؛ لِأَنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ عَجَّلَهَا بَعْدَ الظِّهَارِ قَبْلَ الْعَوْدِ جَازَ، وَلَوْ كَرَّرَ الظِّهَارَ تَكَرَّرَتْ الْكَفَّارَةُ وَإِنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ الْعَزْمُ، وَلَوْ عَزَمَ ثُمَّ تَرَكَ فَلَا وُجُوبَ، وَلَوْ عَزَمَ ثُمَّ أَبَانَهَا سَقَطَتْ، وَلَوْ عَجَّلَهَا قَبْلَ الظِّهَارِ لَمْ يَصِحَّ. وَفِي الطَّرِيقَةِ الْمُعَيَّنَةِ لَا اسْتِحَالَةَ فِي جَعْلِ الْمَعْصِيَةِ سَبَبًا لِلْعِبَادَةِ الَّتِي حُكْمُهَا أَنْ تُكَفِّرَ الْمَعْصِيَةَ وَتُذْهِبَ السَّيِّئَةَ خُصُوصًا إذَا صَارَ مَعْنَى الزَّجْرِ فِيهَا مَقْصُودًا وَإِنَّمَا الْمُحَالُ أَنْ تُجْعَلَ سَبَبًا لِلْعِبَادَةِ الْمُوصِلَةِ إلَى الْجَنَّةِ وَأَمَّا رُكْنُهَا فَالْفِعْلُ الْمَخْصُوصُ مِنْ إعْتَاقٍ وَصِيَامٍ وَإِطْعَامٍ عَلَى مَا سَيَأْتِي. وَأَمَّا شُرُوطُهَا فَكُلُّ مَا هُوَ شَرْطُ انْعِقَادِ سَبَبِ وُجُوبِهَا مِنْ الْيَمِينِ وَالظِّهَارِ وَالْإِفْطَارِ وَالْقَتْلِ، وَأَمَّا شَرَائِطُ وُجُوبِهَا الْقُدْرَةُ عَلَيْهَا، وَأَمَّا شَرَائِطُ الصِّحَّةِ فَنَوْعَانِ عَامَّةٌ وَخَاصَّةٌ فَمَا يَعُمُّهَا النِّيَّةُ وَشَرْطُهَا الْمُقَارَنَةُ لِفِعْلِ التَّكْفِيرِ وَإِنْ تَأَخَّرَتْ عَنْهُ لَمْ يَجُزْ وَسَيَأْتِي بَيَانُ مَا إذَا أَعْتَقَ رَقَبَةً عَنْ كَفَّارَتَيْنِ وَسَيَأْتِي بَيَانُ شَرْطِ صِحَّةِ كُلِّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِهَا وَمَصْرِفِهَا مَصْرِفُ الزَّكَاةِ فَلَا يَجُوزُ إطْعَامُ الْغَنِيِّ وَلَا مَمْلُوكِهِ وَلَا الْهَاشِمِيِّ إلَّا الذِّمِّيَّ فَإِنَّهُ مَصْرِفٌ لَهَا دُونَ الْحَرْبِيِّ، وَأَمَّا صِفَتُهَا فَهِيَ عُقُوبَةٌ وُجُوبًا لِكَوْنِهَا شُرِعَتْ أَجْزِيَةً لِأَفْعَالٍ فِيهَا مَعْنَى الْحَظْرِ عِبَادَةً أَدَاءً لِكَوْنِهَا تَتَأَدَّى بِالصَّوْمِ وَالْإِعْتَاقِ وَالصَّدَقَةِ وَهِيَ قُرَبٌ وَالْغَالِبُ فِيهَا مَعْنَى الْعِبَادَةِ إلَّا كَفَّارَةُ الْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ فَإِنَّ جِهَةَ الْعُقُوبَةِ فِيهَا غَالِبَةٌ بِدَلِيلِ أَنَّهَا تَسْقُطُ بِالشُّبُهَاتِ كَالْحُدُودِ وَلَا تَجِبُ مَعَ الْخَطَأِ بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ لِوُجُوبِهَا مَعَ الْخَطَأِ، وَكَذَا كَفَّارَةُ الْقَتْلِ الْخَطَأِ. وَأَمَّا كَفَّارَةُ الظِّهَارِ فَقَالُوا: إنَّ مَعْنَى الْعِبَادَةِ فِيهَا غَالِبٌ وَخَالَفَهُمْ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ فِي الْأُصُولِ فَجَعَلَهَا كَكَفَّارَةِ الْفِطْرِ مَعْنَى الْعُقُوبَةِ فِيهَا غَالِبٌ لِكَوْنِهِ {مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا} [المجادلة: 2] وَرَدَّهُ فِي التَّلْوِيحِ بِأَنَّهُ فَاسِدٌ نَقْلًا وَحُكْمًا وَاسْتِدْلَالًا أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِتَصْرِيحِهِمْ بِخِلَافِهِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ مِنْ حُكْمِ مَا تَكُونُ الْعُقُوبَةُ فِيهِ غَالِبَةً أَنْ تَسْقُطَ بِالشُّبْهَةِ وَتَتَدَاخَلَ كَكَفَّارَةِ الصَّوْمِ حَتَّى لَوْ أَفْطَرَ مِرَارًا لَمْ تَلْزَمْهُ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ وَلَا تَدَاخُلَ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ حَتَّى لَوْ ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ مِرَارًا لَزِمَهُ بِكُلِّ ظِهَارٍ كَفَّارَةٌ وَأَمَّا الثَّالِثُ فَلِأَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ كَوْنُهُ جِنَايَةً لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ التَّشْبِيهُ لِلْكَرَامَةِ وَتَمَامُهُ فِيهِ. وَأَمَّا حُكْمُهَا فَسُقُوطُ الْوَاجِبِ عَنْ ذِمَّتِهِ وَحُصُولُ الثَّوَابِ الْمُقْتَضِي لِتَكْفِيرِ الْخَطَايَا وَهِيَ وَاجِبَةٌ عَلَى التَّرَاخِي عَلَى الصَّحِيحِ لِكَوْنِ الْأَمْرِ مُطْلَقًا حَتَّى لَا يَأْثَمَ بِالتَّأْخِيرِ عَنْ أَوَّلِ أَوْقَاتِ الْإِمْكَانِ وَيَكُونُ مُؤَدِّيًا لَا قَاضِيًا وَيَتَضَيَّقُ فِي آخِرِ عُمْرِهِ وَيَأْثَمُ بِمَوْتِهِ قَبْلَ الْأَدَاءِ وَلَا تُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ إنْ لَمْ يُوصِ، وَلَوْ تَبَرَّعَ الْوَرَثَةُ جَازَ إلَّا فِي الْإِعْتَاقِ وَالصَّوْمِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ فَإِنْ أَوْصَى كَانَ مِنْ الثُّلُثِ اهـ. . وَأَمَّا أَنْوَاعُهَا فَخَمْسٌ: كَفَّارَةُ الظِّهَارِ، وَكَفَّارَةُ الْقَتْلِ، وَكَفَّارَةُ الْفِطْرِ وَهِيَ مُرَتَّبَةٌ الْإِعْتَاقُ ثُمَّ الصَّوْمُ ثُمَّ الْإِطْعَامُ إلَّا كَفَّارَةَ الْقَتْلِ فَإِنَّهُ لَا إطْعَامَ بَعْدَ الصَّوْمِ، وَكَفَّارَةُ الْيَمِينِ وَهِيَ مُخَيَّرٌ فِيهَا كَمَا سَيَأْتِي، وَكَفَّارَةُ جَزَاءِ الصَّيْدِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي جِنَايَاتِ الْإِحْرَامِ وَزَادَ فِي الْبَدَائِعِ كَفَّارَةَ الْحَلْقِ وَلَكِنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْآيَةِ الْفِدْيَةُ {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196] (قَوْلُهُ وَهُوَ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) أَيْ: التَّكْفِيرُ الْمُسْتَفَادُ مِنْ قَوْلِهِ حَتَّى يُكَفِّرَ وَالتَّحْرِيرُ مِنْ حَرَّرَ الْمَمْلُوكَ عَتَقَ حِرَارًا مِنْ بَابِ لَيْسَ وَحَرَّرَهُ صَاحِبُهُ وَمِنْهُ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ وَتَحْرِيرُ بِمَعْنَى حَرَّ قِيَاسٌ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ لَا ثَمَرَةَ إلَخْ) تَكْرَارٌ مَعَ مَا قَدَّمَهُ عِنْدَ قَوْلِهِ وَعَوْدُهُ عَزْمُهُ (قَوْلُهُ فَهِيَ عُقُوبَةٌ وُجُوبًا) وُجُوبًا تَمْيِيزٌ وَمِثْلُهُ أَدَاءً فِي قَوْلِهِ عِبَادَةً أَدَاءً، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فَهِيَ عُقُوبَةٌ وَوُجُوبُهَا وَهُوَ تَحْرِيفٌ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 109 فَالتَّحْرِيرُ بِمَعْنَى الْإِعْتَاقِ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الْهِدَايَةِ عِتْقُ رَقَبَةٍ فَإِنَّهُ لَوْ وَرِثَ مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ فَنَوَى بِهِ الْكَفَّارَةَ مُقَارِنًا لِمَوْتِ الْمُوَرِّثِ لَا يُجْزِيهِ عَنْهَا لِعَدَمِ الصُّنْعِ مِنْهُ بِخِلَافِ مَا إذَا نَوَى عِنْدَ الْعِلَّةِ الْمَوْضُوعَةِ لِلْمِلْكِ كَالشِّرَاءِ وَالْهِبَةِ كَمَا سَيَأْتِي وَالرَّقَبَةُ مِنْ الْحَيَوَانِ مَعْرُوفَةٌ وَهِيَ فِي مَعْنَى الْمَمْلُوكِ مِنْ تَسْمِيَةِ الْكُلِّ بِاسْمِ الْبَعْضِ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ، وَفِي الْهِدَايَةِ هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ الذَّاتِ أَيْ: الشَّيْءِ الْمَرْقُوقِ الْمَمْلُوكِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَشَمِلَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى الصَّغِيرَ وَالْكَبِيرَ، وَلَوْ رَضِيعًا، وَفِي الْبَدَائِعِ فَإِنْ قِيلَ الصَّغِيرُ لَا مَنَافِعَ لِأَعْضَائِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ إعْتَاقُهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ كَالزَّمِنِ؛ وَلِذَا لَا يَجُوزُ إطْعَامُهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ فَكَذَا إعْتَاقُهُ، فَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ أَعْضَاءَ الصَّغِيرِ سَلِيمَةٌ لَكِنَّهَا ضَعِيفَةٌ وَهِيَ بِعَرْضِ أَنْ تَصِيرَ قَوِيَّةً فَأَشْبَهَ الْمَرِيضَ، وَأَمَّا إطْعَامُهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ فَجَائِزٌ بِطَرِيقِ التَّمْلِيكِ لَا الْإِبَاحَةِ وَالْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ، وَلَوْ مَجُوسِيًّا أَوْ مُرْتَدًّا أَوْ مُرْتَدَّةً أَوْ مُسْتَأْمَنًا، وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة وَالْمُرْتَدُّ يَجُوزُ عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ لَا يَجُوزُ وَالْمُرْتَدَّةُ تَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ اهـ. . وَأَمَّا إعْتَاقُ الْعَبْدِ الْحَرْبِيِّ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَغَيْرُ جَائِزٍ عَنْهَا كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة لَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا حَرْبِيًّا فِي دَارِ الْحَرْبِ إنْ لَمْ يُخَلِّ سَبِيلَهُ لَا يَجُوزُ وَإِنْ خَلَّى سَبِيلَهُ فَفِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ بَعْضُهُمْ قَالُوا لَا يَجُوزُ اهـ. وَشَمِلَ الصَّحِيحَ وَالْمَرِيضَ وَاسْتَثْنَى فِي الْخَانِيَّةِ مَرِيضًا لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ مَيِّتٌ حُكْمًا اهـ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة وَأَمَّا إعْتَاقُ حَلَالِ الدَّمِ فَعَنْ مُحَمَّدٍ إذَا قُضِيَ بِدَمِهِ عَنْ ظِهَارِهِ ثُمَّ عُفِيَ عَنْهُ لَمْ يُجِزْ الْبَقَّالِيُّ إذَا أَعْتَقَ عَبْدًا حَلَالَ الدَّمِ قَدْ قُضِيَ بِدَمِهِ ثُمَّ عُفِيَ عَنْهُ أَوْ كَانَ أَبْيَضَ الْعَيْنَيْنِ فَزَالَ الْبَيَاضُ أَوْ كَانَ مُرْتَدًّا فَأَسْلَمَ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَفِي جَامِعِ الْجَوَامِعِ وَجَازَ الْمَدْيُونُ وَالْمَرْهُونُ وَمُبَاحُ الدَّمِ وَيَجُوزُ إعْتَاقُ الْآبِقِ إذَا عُلِمَ أَنَّهُ حَيٌّ اهـ. . ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الرَّقَبَةُ غَيْرَ الْمَرْأَةِ الْمُظَاهَرِ مِنْهَا لِمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالتَّتَارْخَانِيَّةِ أَمَةٌ تَحْتَ رَجُلٍ ظَاهَرَ مِنْهَا ثُمَّ اشْتَرَاهَا وَأَعْتَقَهَا عَنْ ظِهَارِهَا قِيلَ لَمْ تَجُزْ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ اهـ. وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمُعْتِقُ صَحِيحًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَرِيضًا أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ وَهُوَ لَا يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ لَا يَجُوزُ عَنْ كَفَّارَتِهِ وَإِنْ أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ، وَلَوْ أَنَّهُ بَرِئَ مِنْ مَرَضِهِ جَازَ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ الْجَنِينُ إذَا أَعْتَقَهُ عَنْهَا وَوَلَدَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ رَقَبَةٌ مِنْ وَجْهٍ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ الْأُمِّ مِنْ وَجْهٍ حَتَّى يُعْتَقَ بِإِعْتَاقِ الْأُمِّ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَقَوْلُهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَرْقُوقِ لَا بِالْمَمْلُوكِ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ، وَفِي الْمُحِيطِ وَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا قَدْ غَصَبَهُ أَحَدٌ جَازَ عَنْ الْكَفَّارَةِ إذَا وَصَلَ إلَيْهِ وَلَوْ ادَّعَى الْغَاصِبُ أَنَّهُ وَهَبَهُ مِنْهُ فَأَقَامَ بَيِّنَةَ زُورٍ حَكَمَ لَهُ الْحَاكِمُ بِالْعَبْدِ لَمْ يَجُزْ عِتْقُهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ؛ لِأَنَّهُ بِمَعْنَى الْهَالِكِ. وَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا مَدْيُونًا عَنْ الْكَفَّارَةِ وَاخْتَارَ الْغُرَمَاءُ اسْتِسْعَاءَ الْعَبْدِ جَازَ؛ لِأَنَّ اسْتِغْرَاقَ الدَّيْنِ بِرَقَبَتِهِ وَاسْتِسْعَاءَهُ لَا يُخِلّ بِالرِّقِّ وَالْمِلْكِ فَإِنَّ السِّعَايَةَ لَمْ تُوجِبْ الْإِخْرَاجَ عَنْ الْحُرِّيَّةِ فَوَقَعَ تَحْرِيرًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِغَيْرِ بَدَلٍ عَلَيْهِ اهـ. وَفِي الْبَدَائِعِ، وَكَذَا لَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا رَهْنًا فَسَعَى الْعَبْدُ فِي الدَّيْنِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَيَرْجِعُ عَلَى الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ السِّعَايَةَ لَيْسَتْ بِبَدَلٍ عَنْ الرِّقِّ. (قَوْلُهُ وَلَمْ يَجُزْ الْأَعْمَى وَمَقْطُوعُ الْيَدَيْنِ أَوْ إبْهَامَيْهِمَا أَوْ الرِّجْلَيْنِ وَالْمَجْنُونُ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ فَوَاتَ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ يَمْنَعُ الْجَوَازَ وَالِاخْتِلَالَ وَالْعَيْبُ لَا يَمْنَعُ؛ لِأَنَّ بِفَوَاتِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ تَصِيرُ الرَّقَبَةُ فَائِتَةً مِنْ وَجْهٍ بِخِلَافِ نُقْصَانِهَا فَيَدْخُلُ تَحْتَ عَدَمِ الْجَوَازِ سَاقِطُ الْأَسْنَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْمَضْغِ كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَدَخَلَ أَشَلُّ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ وَالْمَفْلُوجُ الْيَابِسُ الشِّقِّ وَالْمُقْعَدُ وَالْأَصَمُّ الَّذِي لَا يَسْمَعُ شَيْئًا عَلَى الْمُخْتَارِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْعَمَى كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَشَمِلَ مَقْطُوعَ الْيَدِ وَالرِّجْلِ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْمَشْيِ فَائِتَةٌ، وَكَذَا مِنْ كُلِّ يَدٍ ثَلَاثَةُ أَصَابِعَ مَقْطُوعَةٍ لِفَوَاتِ مَنْفَعَةِ الْبَطْشِ كَمَقْطُوعِ الْإِبْهَامَيْنِ وَجَازَ الْعِنِّينُ وَالْخَصِيُّ وَالْمَجْبُوبُ خِلَافًا لِزُفَرَ وَمَقْطُوعُ الْأُذُنَيْنِ وَالْمَذَاكِيرِ وَالرَّتْقَاءُ وَالْقَرْنَاءُ وَالْعَوْرَاءُ وَالْعَمْشَاءُ وَالْبَرْصَاءُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَالْمُسْلِمَ وَالْكَافِرَ) بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى. (قَوْلُهُ فَعَنْ مُحَمَّدٍ إذَا قَضَى بِدَمِهِ إلَخْ) عِبَارَةُ التَّتَارْخَانِيَّة وَرَوَى ابْنُ إبْرَاهِيمَ عَنْ مُحَمَّدٍ إذَا أَعْتَقَ عَبْدًا حَلَالَ الدَّمِ قَدْ قَضَى بِدَمِهِ عَنْ ظِهَارِهِ ثُمَّ عَفَا عَنْهُ لَمْ يَجُزْ فَقَوْلُهُ عَنْ ظِهَارِهِ مُتَعَلِّقٌ بِعَتَقَ (قَوْلُهُ الْبَقَّالِيُّ إذَا أَعْتَقَ إلَخْ) عِبَارَةُ التَّتَارْخَانِيَّة، وَفِي الْبَقَّالِيِّ رِوَايَةٌ مَجْهُولَةٌ إذَا أُعْتِقَ إلَخْ. (قَوْلُهُ وَقَوْلُهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ) أَيْ: قَوْلُ الْهِدَايَةِ الْمُتَقَدِّمُ أَيْ: الشَّيْءُ الْمَرْقُوقُ الْمَمْلُوكُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَرْقُوقِ لَا بِالْمَمْلُوكِ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ؛ لِأَنَّ الْكَمَالَ فِي الرِّقِّ شَرْطٌ دُونَ الْمِلْكِ وَلِهَذَا لَوْ أُعْتِقَ الْمُكَاتَبُ الَّذِي لَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا صَحَّ عَنْ الْكَفَّارَةِ، وَلَوْ أُعْتِقَ الْمُدَبَّرُ عَنْهَا لَمْ يَصِحَّ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 110 وَالرَّمْدَاءُ وَالْخُنْثَى وَذَاهِبُ الْحَاجِبَيْنِ وَشَعْرِ اللِّحْيَةِ وَالرَّأْسِ وَمَقْطُوعُ الْأَنْفِ وَالشَّفَتَيْنِ إذَا كَانَ يَقْدِرُ عَلَى الْأَكْلِ وَالْأَصَمُّ الَّذِي يَسْمَعُ إذَا صِيحَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْعَوَرِ وَأَرَادَ بِالْجُنُونِ الْمُطْبِقَ، وَكَذَا الْمَعْتُوهُ الْمَغْلُوبُ كَمَا فِي الْكَافِي؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْعَقْلِ أَصْلِيَّةٌ، وَأَمَّا الَّذِي يُجَنُّ وَيُفِيقُ فَإِنَّهُ يُجْزِئُ عِتْقُهُ كَذَا فِي الْكِفَايَةِ وَأَطْلَقَهُ وَمُرَادُهُ إذَا أَعْتَقَهُ فِي حَالِ إفَاقَتِهِ وَاعْلَمْ أَنَّهُمْ اعْتَبَرُوا هُنَا فَوَاتَ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ وَلَمْ يَعْتَبِرُوا كَمَالَ الزِّينَةِ وَاعْتَبَرُوهُ فِي الدِّيَاتِ فَأَلْزَمُوا بِقَطْعِ الْأُذُنَيْنِ الشَّاخِصَتَيْنِ تَمَامَ الدِّيَةِ وَجَوَّزُوا هُنَا عِتْقَ مَقْطُوعِهِمَا إذَا كَانَ السَّمْعُ بَاقِيًا وَمِثْلُهُ فِيمَنْ حُلِقَتْ لِحْيَتُهُ فَلَمْ تَنْبُتْ لِفَسَادِ الْمَنْبَتِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْبَابَيْنِ أَنَّ كَمَالَ الزِّينَةِ مَقْصُودٌ فِي الْحُرِّ فَبِاعْتِبَارِ فَوَاتِهِ يَصِيرُ الْحُرُّ هَالِكًا مِنْ وَجْهٍ وَزَائِدٌ عَلَى مَا يُطْلَبُ مِنْ الْمَمَالِيكِ فَبِاعْتِبَارِ فَوَاتِهِ لَا يَصِيرُ الْمَرْقُوقُ هَالِكًا مِنْ وَجْهٍ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. فَإِنْ قُلْت إنَّ جِنْسَ الْمَنْفَعَةِ فَاتَ فِي الْخَصِيِّ وَالْمَجْبُوبِ؛ لِأَنَّهُ لَا مَنِيَّ فَلَا نَسْلَ لَهُمَا قُلْت قَالَ فِي الْمُحِيطِ إنَّهُ لَمْ يَفُتْ خُرُوجُ الْبَوْلِ وَلِأَنَّ مَنْفَعَةَ النَّسْلِ عَائِدَةٌ إلَى الْعَبْدِ لَا مَنْفَعَةَ لِلْمَوْلَى فِي كَوْنِ عَبْدِهِ فَحْلًا بَلْ ازْدَادَتْ قِيمَتُهُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى بِالْخَصْيِ وَالْجَبِّ فَلَمْ تَصِرْ الرَّقَبَةُ هَالِكَةً مِنْ وَجْهٍ، وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ أَنَّ مَنْفَعَةَ النَّسْلِ زَائِدَةٌ عَلَى مَا يُطْلَبُ مِنْ الْمَمَالِيكِ وَهَاهُنَا فَرْعٌ حَسَنٌ مِنْ الْخَانِيَّةِ مِنْ كِتَابِ الْوَكَالَةِ رَجُلٌ وَكَّلَ رَجُلًا وَقَالَ اشْتَرِ لِي جَارِيَةً بِكَذَا أَعْتِقْهَا عَنْ ظِهَارِي وَاشْتَرَى عَمْيَاءَ أَوْ مَقْطُوعَةَ الْيَدَيْنِ أَوْ الرِّجْلَيْنِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ لَزِمَ الْآخَرُ وَكَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ، وَلَوْ عَلِمَ الْوَكِيلُ بِذَلِكَ لَا يَلْزَمُ الْآمِرُ اهـ. (قَوْلُهُ وَالْمُدَبَّرُ وَأُمُّ الْوَلَدِ) أَيْ لَا يَجُوزُ تَحْرِيرُهُمَا عَنْ الْكَفَّارَةِ لِاسْتِحْقَاقِهِمَا الْحُرِّيَّةَ بِجِهَةٍ فَكَانَ الرِّقُّ فِيهِمَا نَاقِصًا وَالْإِعْتَاقُ عَنْ الْكَفَّارَةِ يَعْتَمِدُ كَمَالَ الرِّقِّ كَالْبَيْعِ فَلِذَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُمَا وَالْمُكَاتَبُ لَمَّا كَانَ الرِّقُّ فِيهِ كَامِلًا جَازَ إعْتَاقُهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ حَيْثُ لَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا وَلَا عِبْرَةَ هُنَا بِكَمَالِ الْمِلْكِ وَنُقْصَانِهِ وَإِنَّمَا لَمْ يَسْتَلْزِمْ نُقْصَانُ الْمِلْكِ نُقْصَانَ الرِّقِّ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ الْمِلْكِ أَعَمُّ مِنْ مَحَلِّ الرِّقِّ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ فِي الْأَمْتِعَةِ وَغَيْرُ الْآدَمِيِّ دُونَ الرِّقِّ وَبِالْبَيْعِ يَزُولُ الْمِلْكُ دُونَ الرِّقِّ وَالْإِعْتَاقُ يُزِيلُهُمَا وَإِنَّمَا عَتَقَ الْمُدَبَّرُ وَأُمُّ الْوَلَدِ بِقَوْلِهِ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ فَهُوَ حُرٌّ دُونَ الْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْيَمِينَ تَقْتَضِي مِلْكًا كَامِلًا لَا رِقًّا كَامِلًا وَالْمِلْكُ فِيهِمَا كَامِلٌ حَتَّى مَلَكَ أَكْسَابَهُمَا وَاسْتِخْدَامَهُمَا وَوَطِئَ الْمُدَبَّرَةَ وَأُمَّ الْوَلَدِ، وَالْمِلْكُ فِي الْمُكَاتَبِ نَاقِصٌ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ نَفْسَهُ يَدًا وَلِذَا لَا يَمْلِكُ الْمَوْلَى كَسْبَهُ وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ وَطْءُ مُكَاتَبَتِهِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ جَوَازَ الْبَيْعِ وَالْإِعْتَاقِ عَنْ الْكَفَّارَةِ يَعْتَمِدُ كَمَالَ الرِّقِّ فَجَازَ بَيْعُ الْمُكَاتَبِ بِرِضَاهُ وَإِعْتَاقِهِ عَنْهَا وَانْعَكَسَ فِيهِمَا وَحِلُّ الْوَطْءِ يَعْتَمِدُ كَمَالَ الْمِلْكِ فَحَرُمَ فِي الْمُكَاتَبِ وَانْعَكَسَ فِيهِمَا. (قَوْلُهُ وَالْمُكَاتَبُ الَّذِي أَدَّى شَيْئًا) أَيْ: لَا يَجُوزُ تَحْرِيرُهُ عَنْهَا؛ لِأَنَّهُ تَحْرِيرٌ بِعِوَضٍ وَذَكَرَ فِي الِاخْتِيَارِ أَنَّ السَّيِّدَ لَوْ أَبْرَأَهُ بَدَلَ الْكِتَابَةِ أَوْ وَهَبَهُ عَتَقَ فَلَوْ قَالَ: لَا أَقْبَلُ صَحَّ عِتْقُهُ وَلَمْ يَبْرَأْ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُجْزِئَ عَنْ الْكَفَّارَةِ؛ لِأَنَّهُ عِتْقٌ بِبَدَلٍ كَمَا لَا يَخْفَى وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إذَا أَعْتَقَ الْمُكَاتَبَ عَنْهَا بَعْدَ أَدَاءِ الْبَعْضِ صَحَّ؛ لِأَنَّ عِتْقَهُ مُعَلَّقٌ بِأَدَاءِ كُلِّ الْبَدَلِ فَلَا يَثْبُتُ شَيْءٌ مِنْ الْعِتْقِ بِأَدَاءِ الْبَعْضِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَمَا فِي الْكِتَابِ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة لَوْ عَجَزَ عَنْ أَدَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ ثُمَّ أَعْتَقَهُ يَجُوزُ سَوَاءٌ كَانَ أَدَّى شَيْئًا أَوْ لَمْ يُؤَدِّ وَهِيَ الْحِيلَةُ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُعْتِقَ مُكَاتَبَهُ بَعْدَ أَدَاءِ الْبَعْضِ كَمَا فِي الْيَنَابِيعِ، وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ، وَلَوْ أَعْتَقَ عَنْهَا عَلَى جُعْلٍ لَمْ يُجْزِهِ عَنْهَا فَإِنْ وُهِبَ لَهُ الْجُعْلُ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ أَيْضًا اهـ. (قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا أَوْ اشْتَرَى قَرِيبَهُ نَاوِيًا بِالشِّرَاءِ الْكَفَّارَةَ أَوْ حَرَّرَ نِصْفَ عَبْدِهِ عَنْ كَفَّارَتِهِ ثُمَّ حَرَّرَ بَاقِيَهُ عَنْهَا صَحَّ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِمَا قَدَّمْنَا أَنَّ الرِّقَّ فِيهِ كَامِلٌ وَإِنْ كَانَ الْمِلْكُ فِيهِ نَاقِصًا وَجَوَازُ الْإِعْتَاقِ عَنْهَا يَعْتَمِدُ كَمَالَ الرِّقِّ لَا كَمَالَ الْمِلْكِ أَشَارَ إلَى أَنَّ عِتْقَ الْمَرْهُونِ وَالْمُسْتَأْجَرِ وَالْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ عَنْهَا جَائِزٌ بِالْأَوْلَى لِوُجُودِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ وَإِنْ فَاتَتْ الْيَدُ وَدَلَّ كَلَامُهُ عَلَى أَنَّ الْكِتَابَةَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَغَيْرِ الْآدَمِيِّ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ الْأَمْتِعَةِ عَطْفُ عَامٍّ عَلَى خَاصٍّ (قَوْلُهُ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُجْزِئَ عَنْ الْكَفَّارَةِ) قَالَ فِي النَّهْرِ يَعْنِي لَوْ أَبْرَأَهُ نَاوِيًا بِذَلِكَ الْعِتْقَ عَنْ الْكَفَّارَةِ فَإِنْ لَمْ يُرِدْ الْإِبْرَاءَ أَجْزَأَهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ، وَلَوْ رَدَّ لَا يُجْزِئُهُ إلَّا أَنَّ صِحَّةَ نِيَّتِهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ مَعَ الْإِبْرَاءِ يَحْتَاجُ إلَى نَقْلٍ وَعِنْدِي أَنَّهَا لَا تَصِحُّ؛ لِأَنَّ نِيَّتَهُ إنَّمَا اقْتَرَنَتْ بِالشَّرْطِ وَهُوَ الْإِبْرَاءُ الْمُتَضَمِّنُ لِلِاسْتِيفَاءِ فَلَا يُعْتَبَرُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِعَبْدِ الْغَيْرِ إنْ اشْتَرَيْتُكَ فَأَنْت حُرٌّ فَاشْتَرَاهُ يَنْوِي بِهِ الْكَفَّارَةَ لَا يَجُوزُ لِمَا قُلْنَا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ فَأَنْتَ حُرٌّ عَنْ كَفَّارَةِ ظِهَارِي لِاقْتِرَانِ النِّيَّةِ بِالْعِلَّةِ وَهِيَ الْيَمِينُ فَإِنْ قُلْتَ لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ إذَا أَدَّيْتَ إلَيَّ فَأَنْت حُرٌّ عَنْ كَفَّارَةِ ظِهَارِي فَأَبْرَأَهُ يُجْزِئُهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ قُلْتَ لَمْ أَرَ الْمَسْأَلَةَ فِي كَلَامِهِمْ وَاَلَّذِي يَنْبَغِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 111 تَنْفَسِخُ بِإِعْتَاقِهِ لِرِضَاهُ بِذَلِكَ لَكِنْ قَالُوا إنَّ الِانْفِسَاخَ ضَرُورِيٌّ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ وَهُوَ جَوَازُ التَّكْفِيرِ فَتَنْفَسِخُ الْكِتَابَةُ بِالنَّظَرِ إلَى جَوَازِهِ لَا مُطْلَقًا بِدَلِيلِ أَنَّ الْأَوْلَادَ وَالْأَكْسَابَ سَالِمَةٌ لَهُ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ السَّيِّدَ لَوْ مَاتَ وَلَهُ مُكَاتَبٌ فَأَعْتَقَهُ وَارِثُهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ لَمْ يَجُزْ إجْمَاعًا كَمَا نَقَلَهُ الْفَخْرُ الرَّازِيّ فِي التَّفْسِيرِ الْكَبِيرِ قَالَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ كَانَ فِيهِ ضَعِيفًا اهـ. وَالْفَرْقُ عَلَى مَذْهَبِنَا أَنَّ الْمُكَاتَبَ لَا يَنْتَقِلُ إلَى مِلْكِ الْوَارِثِ بَعْدَ مَوْتِ سَيِّدِهِ لِبَقَاءِ الْكِتَابَةِ بَعْدَ مَوْتِهِ فَلَا مِلْكَ لِلْوَارِثِ فِيهِ بِخِلَافِ سَيِّدِهِ حَالَ الْكِتَابَةِ وَإِنَّمَا جَازَ إعْتَاقُ الْوَارِثِ لَهُ لِتَضَمُّنِهِ الْإِبْرَاءَ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ الْمُقْتَضِي لِلْإِعْتَاقِ، وَأَمَّا الثَّانِي أَعْنِي مَا إذَا اشْتَرَى قَرِيبَهُ أَيْ: مَحْرَمَهُ نَاوِيًا بِالشِّرَاءِ الْكَفَّارَةَ وَمُرَادُهُ مَا إذَا دَخَلَ مَحْرَمُهُ فِي مِلْكِهِ بِصُنْعٍ مِنْهُ فَنَوَى وَقْتَ الْمِلْكِ عِتْقَهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ أَجْزَأَهُ شِرَاءً كَانَ أَوْ هِبَةً أَوْ قَبُولَ صَدَقَةٍ أَوْ وَصِيَّةً فَخَرَجَ الْإِرْثُ فَلَوْ نَوَى وَقْتَ مَوْتِ مُوَرِّثِهِ إعْتَاقَهُ عَنْهَا لَمْ يَجُزْ عَنْهَا لِعَدَمِ الصُّنْعِ وَقُيِّدَ بِكَوْنِ النِّيَّةِ عِنْدَ الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ تَأَخَّرَتْ عَنْ الصُّنْعِ لَمْ يَجُزْ عَنْهَا وَمَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ بَابِ عِتْقِ الْقَرِيبِ لَوْ وَكَّلَ رَجُلًا بِأَنْ يَشْتَرِيَ أَبَاهُ فَيُعْتِقَهُ بَعْدَ شَهْرٍ عَنْ ظِهَارِهِ فَاشْتَرَاهُ الْوَكِيلُ يُعْتَقُ كَمَا اشْتَرَاهُ وَيُجْزِيهِ عَنْ ظِهَارِ الْآمِرِ اهـ. فَمَبْنِيٌّ عَلَى إلْغَاءِ قَوْلِهِ بَعْدَ شَهْرٍ لِمُخَالَفَتِهِ الْمَشْرُوعَ وَهُوَ عِتْقُ الْمَحْرَمِ عِنْدَ الشِّرَاءِ. وَأَشَارَ بِاشْتِرَاطِ النِّيَّةِ عِنْدَ الشِّرَاءِ إلَى اشْتِرَاطِ قِرَانِهَا بِعِلَّةِ الْعِتْقِ لِكَوْنِ الشِّرَاءِ عِلَّةً لِعِتْقِ الْقَرِيبِ فَأَفَادَ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ دَخَلْتَ الدَّارَ فَأَنْت حُرٌّ نَاوِيًا كَوْنَهُ عَنْ الظِّهَارِ وَقْتَ التَّعْلِيقِ أَجْزَأَهُ وَإِنْ تَأَخَّرَتْ النِّيَّةُ عَنْهُ لَمْ يُجْزِهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُصَرِّحَ بِقَوْلِهِ عَنْ ظِهَارِي أَوْ يَنْوِيَ فَلَوْ نَوَى وَقْتَ التَّعْلِيقِ أَنْ يَكُونَ حُرًّا عَنْ ظِهَارِهِ ثُمَّ نَوَى أَنْ يَكُونَ عَنْ كَفَّارَةِ قَتْلِهِ كَانَ عَنْ الظِّهَارِ، وَكَذَا لَوْ نَوَى وَقْتَهُ أَنْ يَكُونَ تَطَوُّعًا ثُمَّ نَوَى عَنْهَا لَمْ يَصِحَّ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ مُعَلَّلًا بِأَنَّ الْيَمِينَ لَا تَحْتَمِلُ الْفَسْخَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَنْوِيَّ كَالْمَلْفُوظِ بِهِ، وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ إنْ اشْتَرَيْتُ هَذَا الْعَبْدَ فَهُوَ حُرٌّ عَنْ ظِهَارِي ثُمَّ قَالَ إنْ اشْتَرَيْتُهُ فَهُوَ حُرٌّ عَنْ ظِهَارِ فُلَانَةَ ثُمَّ قَالَ لِامْرَأَةٍ أُخْرَى كَذَلِكَ ثُمَّ اشْتَرَاهُ فَهُوَ حُرٌّ عَنْ ظِهَارِ الْأُولَى اهـ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ لَوْ وَكَّلَ فِي إعْتَاقِهِ عَبْدَهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ ثُمَّ نَوَى قَبْلَ إعْتَاقِ الْمَأْمُورِ أَنْ يَكُونَ عَنْ جِهَةٍ أُخْرَى فَإِنَّهُ يَجُوزُ فَهُمَا مِنْ كَلَامِ الْمُحِيطِ مِنْ بَابِ الْإِحْصَارِ لَوْ بَعَثَ الْمُحْصَرُ بِهَدْيِ الْإِحْصَارِ ثُمَّ زَالَ وَحَدَثَ آخَرُ فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ يُدْرِكُ الْهَدْيَ وَنَوَى أَنْ يَكُونَ لِإِحْصَارِهِ الثَّانِي جَازَ، وَكَذَا لَوْ دَفَعَ خَمْسَةَ أَصْوُعِ طَعَامٍ لِرَجُلٍ وَأَمَرَهُ بِالتَّصَدُّقِ عَلَى عَشْرَةِ مَسَاكِينَ عَنْ كَفَّارَةِ يَمِينِهِ فَلَمْ يَتَصَدَّقْ حَتَّى كَفَّرَ الْآمِرُ وَحَنِثَ فِي أُخْرَى ثُمَّ تَصَدَّقَ الْمَأْمُورُ جَازَ عَنْ الثَّانِيَةِ إذَا نَوَاهَا الْآمِرُ، وَكَذَا لَوْ بَعَثَ هَدْيًا لِجَزَاءِ صَيْدٍ ثُمَّ أُحْصِرَ فَنَوَى أَنْ يَكُونَ لِلْإِحْصَارِ، وَلَوْ قَلَّدَ بَدَنَةً وَأَوْجَبَهَا تَطَوُّعًا ثُمَّ أُحْصِرَ فَنَوَى أَنْ تَكُونَ لِإِحْصَارِهِ جَازَ اهـ. . ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُمْ جَعَلُوا الْمُعَلَّقَ هُنَا عِلَّةً لِلْعِتْقِ مَعَ قَوْلِهِمْ إنَّ الْمُعَلَّقَ لَا يَنْعَقِدُ سَبَبًا لِلْحَالِ وَإِنَّمَا يَنْعَقِدُ سَبَبًا عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ فَيَنْبَغِي عَلَى هَذَا الْأَصْلِ أَنْ لَا تَصِحَّ النِّيَّةُ وَقْتَ التَّعْلِيقِ وَإِنَّمَا تَصِحُّ وَقْتَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَالْحُكْمُ فِيهَا بِالْعَكْسِ وَجَوَابُهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ مِنْ بَابِ الْيَمِينِ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَقَدْ ذَكَرُوا فِيهِ أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى أُمَّ وَلَدِهِ أَيْ: مَنْ اسْتَوْلَدَهَا بِنِكَاحٍ نَاوِيًا عَنْ كَفَّارَتِهِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ الِاسْتِيلَادُ وَلَمْ تُقَارِنْهُ النِّيَّةُ وَأَمَّا الثَّالِثُ أَعْنِي مَا إذَا حَرَّرَ نِصْفَ عَبْدِهِ ثُمَّ حَرَّرَ بَاقِيَهُ قَبْلَ الْمَسِيسِ فَلِكَوْنِهِ أَعْتَقَ رَقَبَةً كَامِلَةً بِكَلَامَيْنِ وَالنُّقْصَانُ مُتَمَكِّنٌ عَلَى مِلْكِهِ بِسَبَبِ التَّحْرِيرِ عَنْهَا وَمِثْلُهُ غَيْرُ مَانِعٍ كَمَنْ أَضْجَعَ شَاةً لِلْأُضْحِيَّةِ فَأَصَابَتْ السِّكِّينُ عَيْنَهَا قُيِّدَ بِقَوْلِهِ حَرَّرَ بَاقِيَهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ حَرَّرَ نِصْفًا آخَرَ مِنْ رَقَبَةٍ أُخْرَى لَا يَجُوزُ فَلَا يَجُوزُ تَكْمِيلُ الْعِتْقِ بِالْعِتْقِ مِنْ شَخْصٍ آخَرَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَأَمَّا تَكْمِيلُهُ بِالْإِطْعَامِ كَمَا لَوْ حَرَّرَ عَنْهَا نِصْفَ عَبْدٍ وَأَطْعَمَ عَنْ الْبَاقِي لَمْ يَجُزْ أَيْضًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَتَأَدَّى بِإِعْتَاقِ رَقَبَةٍ أَوْ بِإِطْعَامِ مَسَاكِينَ مُقَدَّرَةٍ وَلَمْ   [منحة الخالق] أَنْ يُقَالَ إنْ لَمْ يَقْبَلْ الْإِبْرَاءَ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ عِتْقٌ بِبَدَلٍ وَإِنْ قَبِلَهُ صَحَّ وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ. (قَوْلُهُ ثُمَّ قَالَ إنْ اشْتَرَيْتُهُ فَهُوَ حُرٌّ عَنْ ظِهَارِ فُلَانَةَ) سَاقِطٌ مِنْ بَعْضِ النُّسَخِ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي التَّتَارْخَانِيَّة. (قَوْلُهُ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ لَوْ وَكَّلَ فِي إعْتَاقِهِ إلَخْ) نَقَلَهُ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِهِ جَازِمًا بِهِ (قَوْلُهُ وَجَوَابُهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إلَخْ) نَقَلَهُ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِهِ وَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ قَبْلَ الشَّرْطِ بِعَرْضِيَّتِهِ أَنْ يَصِيرَ عِلَّةً اُعْتُبِرَ لَهُ حُكْمُ الْعِلَّةِ حَتَّى اُعْتُبِرَتْ الْأَهْلِيَّةُ عِنْدَهُ اتِّفَاقًا فَلَوْ كَانَ مَجْنُونًا عِنْدَ وُقُوعِ الشَّرْطِ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ، وَلَوْ كَانَ مَجْنُونًا عِنْدَ التَّعْلِيقِ لَمْ يُعْتَبَرْ أَصْلًا فَلِذَا يَجِبُ أَنْ تُعْتَبَرَ النِّيَّةُ عِنْدَهُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 112 يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَتَكْمِيلُ الْعِتْقِ بِالْعِتْقِ مِنْ شَخْصٍ آخَرَ لَا يَجُوزُ فَلَأَنْ لَا يَجُوزَ تَكْمِيلُهُ بِالتَّمْلِيكِ مِنْ جِنْسٍ آخَرَ أَوْلَى وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ عِنْدَهُمَا لَا يَتَجَزَّأُ فَصَارَ مُعْتِقًا لِلْكُلِّ وَكَانَ مُتَبَرِّعًا بِالْإِطْعَامِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَلَوْ حَرَّرَ عَبْدَيْنِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ لَمْ يُجْزِهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ وَاحِدَةٍ وَتَخْلِيصُهَا عَنْ الرِّقِّ وَهُوَ مَا حَرَّرَ رَقَبَةً وَاحِدَةً وَلَمْ يَصْرِفْ الْعِتْقَ إلَى شَخْصٍ بَلْ حَرَّرَ نِصْفًا مِنْ كُلِّ رَقَبَةٍ كَمَا لَوْ فَرَّقَ طَعَامَ مِسْكِينٍ عَلَى اثْنَيْنِ، وَلَوْ كَانَ شَاتَانِ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَذَبَحَاهُمَا عَنْ نُسُكِهِمَا أَجْزَأَهُمَا؛ لِأَنَّ الِاشْتِرَاكَ فِي النُّسُكِ جَائِزٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُجْزِئُ الْبَدَنَةُ عَنْ سَبْعَةٍ فَكَانَ الْمُعْتَبَرُ فِي بَابِ النُّسُكِ مِقْدَارُ الشَّاةِ وَقَدْ وُجِدَ كَذَا فِي الْمُحِيطِ أَيْضًا وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ حَرَّرَ بَاقِيَهُ مَا إذَا لَمْ يُحَرِّرْ بَاقِيَهُ أَصْلًا فَإِعْتَاقُ النِّصْفِ لَا يَكْفِي عَنْهَا عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا لَمَّا أَعْتَقَ النِّصْفَ عَتَقَ الْكُلُّ بِلَا سِعَايَةٍ فَأَجْزَأَ عَنْ الْكَفَّارَةِ كَذَا فِي الْكَافِي. (قَوْلُهُ وَإِنْ حَرَّرَ نِصْفَ عَبْدٍ مُشْتَرَكٍ وَضَمِنَ بَاقِيَهُ أَوْ حَرَّرَ نِصْفَ عَبْدِهِ ثُمَّ وَطِئَ الَّتِي ظَاهَرَ مِنْهَا ثُمَّ حَرَّرَ بَاقِيَهُ لَا) أَيْ: لَا يُجْزِيهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ نَصِيبَ صَاحِبِهِ قَدْ انْتَقَصَ عَلَى مِلْكِهِ لِتَعَذُّرِ بَاقِيهِ لِاسْتِدَامَةِ الرِّقِّ فِيهِ ثُمَّ يَتَحَوَّلُ إلَيْهِ بِالضَّمَانِ وَمِثْلُهُ يَمْنَعُ الْكَفَّارَةَ كَالتَّدْبِيرِ وَالْمُرَادُ بِضَمَانِ الْقِيمَةِ إعْتَاقُ النِّصْفِ الْآخَرِ بَعْدَ التَّضْمِينِ وَإِلَّا فَمُجَرَّدُ الضَّمَانِ لَا يَكْفِي لِوَضْعِ الْمَسْأَلَةِ وَدَلَّ كَلَامُهُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُعْسِرًا وَسَعَى الْعَبْدُ فِي بَقِيَّةِ قِيمَتِهِ حَتَّى عَتَقَ كُلُّهُ لَا يُجْزِيهِ عَنْهَا بِالْأَوْلَى، وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا إنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُوسِرًا ضَمِنَ قِيمَةَ نَصِيبِ شَرِيكِهِ أَجْزَأَهُ عَنْهَا؛ لِأَنَّهُ عَتَقَ كُلُّهُ بِإِعْتَاقِ الْبَعْضِ وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا لَا يُجْزِئُهُ وَالْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى تَجَزُّؤِ الْإِعْتَاقِ وَعَدَمِهِ وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ عَلَى أَنَّ الْمُعْتِقَ إذَا كَانَ مُعْسِرًا لَمْ يَجُزْ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ عَتَقَ بِعِوَضٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْبَدَلُ حَاصِلًا لِلْمُعْتِقِ بَلْ لِشَرِيكِهِ؛ لِأَنَّهُ الْمَانِعُ أَنْ يَلْزَمَ الْعَبْدَ بَدَلٌ فِي مُقَابَلَةِ تَحْرِيرِ رَقَبَتِهِ، وَفِي الْكَافِي فَإِنْ قِيلَ الْمَضْمُونَاتُ تُمْلَكُ عِنْدَ أَدَاءِ الضَّمَانِ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ وُجُودِ السَّبَبِ فَصَارَ نَصِيبُ السَّاكِتِ مِلْكًا لِلْمُعْتِقِ زَمَانَ الْإِعْتَاقِ فَكَانَ النُّقْصَانُ فِي مِلْكِهِ لَا فِي مِلْكِ شَرِيكِهِ قُلْنَا الْمِلْكُ فِي الْمَضْمُونِ يَثْبُتُ بِصِفَةِ الِاسْتِنَادِ فِي حَقِّ الضَّامِنِ وَالْمَضْمُونِ لَهُ لَا فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا فَتَمَكَّنَ النُّقْصَانُ فِي نَصِيبِ السَّاكِتِ فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا وَالْكَفَّارَةُ غَيْرُهُمَا فَلَمْ تَجُزْ اهـ. . وَالْحَاصِلُ أَنَّ النُّقْصَانَ إنْ كَانَ عَلَى مِلْكِ الْمُعْتِقِ أَجْزَأَهُ وَإِنْ كَانَ عَلَى مِلْكِ غَيْرِهِ لَا يُجْزِئُهُ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ التَّعْيِيبَ ضَرُورَةُ إقَامَةِ الْمَأْمُورِ بِهِ لَيْسَ كَالتَّعْيِيبِ بِصُنْعِهِ مُخْتَارًا حَتَّى أَنَّهُ لَوْ فَقَأَ عَيْنَ الشَّاةِ مُخْتَارًا عِنْدَ الذَّبْحِ نَقُولُ لَا يُجْزِئُهُ فَكَانَ الْمُشْتَرَكُ أَوْلَى بِالْإِجْزَاءِ مِنْ الْعَبْدِ الْمُخْتَصِّ؛ لِأَنَّ مَالِكَ النِّصْفِ لَا يَقْدِرُ عَلَى عِتْقِهِ إلَّا بِطَرِيقِ عِتْقِ نِصْفِهِ فَحَالُهُ أَشْبَهُ بِذَابِحِ الشَّاةِ مِنْ مَالِكِهِ عَلَى الْكَمَالِ، وَجَوَابُهُ أَنَّ الْمَعْنَى أَنَّهُ حَصَلَ بِسَبَبِ إقَامَةِ الْوَاجِبِ، وَهَذَا الْقَدْرُ كَافٍ فِي عَدَمِ مَانِعِيَّتِهِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى كَوْنِهِ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ إقَامَةُ الْوَاجِبِ إلَّا كَذَلِكَ فَإِنَّ الشَّارِعَ لَمَّا أَطْلَقَ لَهُ الْعِتْقَ بِمَرَّةٍ وَمَرَّةٍ كَانَ لَازِمُهُ أَنَّهُ إذَا حَصَلَ النَّقْصُ بِسَبَبِهِ مُطْلَقًا لَا يَمْنَعُ وَتَمَامُهُ فِيهِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَعَدَمُ الْإِجْزَاءِ قَوْلُ الْإِمَامِ لِكَوْنِهِ مُتَجَزِّئًا عَنْهُ وَشَرْطُ الْإِعْتَاقِ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْمَسِيسِ بِالنَّصِّ وَإِعْتَاقُ النِّصْفِ حَصَلَ بَعْدَهُ وَعِنْدَهُمَا إعْتَاقُ النِّصْفِ إعْتَاقٌ لِلْكُلِّ فَحَصَلَ الْكُلُّ قَبْلَ الْمَسِيسِ وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ هَذَا يَقْتَضِي أَنْ لَا يَجُوزَ إعْتَاقُ رَقَبَةٍ كَامِلَةٍ بَعْدَ الْمَسِيسِ مَعَ أَنَّهُ جَائِزٌ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ قَبْلَ الْمَسِيسِ الثَّانِي وَبَطَلَ إعْتَاقُ ذَلِكَ النِّصْفِ عَنْهَا كَمَا فِي النِّهَايَةِ. (قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَا يُعْتِقُ صَامَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ لَيْسَ فِيهِمَا رَمَضَانُ وَأَيَّامٌ مَنْهِيَّةٌ) أَيْ: إنْ لَمْ يَمْلِكْ رَقَبَةً وَلَا ثَمَنَهَا فَاضِلًا عَنْ قَدْرِ كِفَايَتِهِ؛ لِأَنَّ قَدْرَهَا مُسْتَحَقُّ الصَّرْفِ فَصَارَ كَالْعَدَمِ فَمَنْ لَهُ خَادِمٌ يَحْتَاجُ إلَى خِدْمَتِهِ لَا يُجْزِئُهُ الصَّوْمُ بِخِلَافِ مَنْ لَهُ مَسْكَنٌ؛ لِأَنَّهُ كَلِبَاسِهِ وَلِبَاسِ أَهْلِهِ صَرَّحَ بِهِ فِي الْخِزَانَةِ، وَفِي الْجَوْهَرَةِ لَوْ كَانَ لَهُ عَبْدٌ لِلْخِدْمَةِ لَا يَجُوزُ لَهُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ قَبْلَ الْمَسِيسِ الثَّانِي وَبَطَلَ إلَخْ) كَذَا فِي النُّسَخِ بِزِيَادَةِ الْوَاوِ قَبْلَ قَوْلِهِ بَطَلَ وَعِبَارَةُ الْغَايَةِ لِلْأَكْمَلِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ إعْتَاقُ رَقَبَةٍ كَامِلَةٍ قَبْلَ الْمَسِيسِ الثَّانِي فَصَارَ إعْتَاقُ نِصْفِ الْعَبْدِ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ وَكَأَنَّهُ قَدْ جَامَعَ قَبْلَ الْكَفَّارَةِ فَيَجِبُ أَنْ لَا يُعَاوِدَ حَتَّى يُكَفِّرَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 113 الصَّوْمُ إلَّا أَنْ يَكُونَ زَمِنًا فَيَجُوزُ اهـ. وَالضَّمِيرُ فِي يَكُنْ يَعُودُ ظَاهِرًا إلَى الْمَوْلَى، وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة وَمَنْ مَلَكَ رَقَبَةً لَزِمَهُ الْعِتْقُ وَإِنْ كَانَ مُحْتَاجًا إلَيْهَا اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُعْتِقُهَا، وَلَوْ كَانَ السَّيِّدُ زَمِنًا فَحِينَئِذٍ يَرْجِعُ الضَّمِيرُ فِي كَلَامِ الْجَوْهَرَةِ لِلْعَبْدِ وَالْمَعْنَى إلَّا أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ بِحَالٍ لَا يُجْزِئُ عَنْهَا وَمِنْ الْكِفَايَةِ قَدْرُ كِفَايَتِهِ لِلْقُوتِ، فَإِنْ كَانَ مُحْتَرِفًا فَقُوتُ يَوْمِهِ وَاَلَّذِي لَا يَعْمَلُ قُوتُ شَهْرٍ، وَفِي الْمُحِيطِ مُعْسِرٌ لَهُ دَيْنٌ عَلَى النَّاسِ أَوْ عَبْدٌ غَائِبٌ يُجْزِئُهُ الصَّوْمُ يُرِيدُ بِالْغَائِبِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَمْلُوكًا لَهُ فَأَمَّا إذَا كَانَ فِي مِلْكِهِ لَا يُجْزِئُهُ الصَّوْمُ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى إعْتَاقِهِ فَأَمَّا الدَّيْنُ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَخْذِهِ مِنْ مَدْيُونِهِ فَقَدْ عَجَزَ عَنْ التَّكْفِيرِ بِالْمَالِ فَيُجْزِئُهُ الصَّوْمُ، أَمَّا إذَا قَدَرَ عَلَى أَخْذِهِ مِنْهُ لَمْ يُجْزِهِ الصَّوْمُ. وَكَذَلِكَ امْرَأَةٌ تَزَوَّجَتْ عَلَى عَبْدٍ وَزَوْجُهَا قَادِرٌ عَلَى أَدَائِهِ إذَا طَالَبَتْهُ بِذَلِكَ وَوَجَبَ عَلَيْهَا كَفَّارَةٌ لَمْ يُجْزِهَا الصَّوْمُ وَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَوَجَبَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مِثْلُهُ يُجْزِئُهُ الصَّوْمُ بَعْدَ مَا قَضَى دَيْنَهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ وَاجِدٍ لِلْمَالِ فَأَمَّا قَبْلَ قَضَاءِ الدَّيْنِ فَقِيلَ يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا عَلَّلَ وَقَالَ بِأَنَّهُ تَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ، وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّ مَالَهُ مُلْحَقٌ بِالْعَدَمِ حُكْمًا لِكَوْنِهِ مُسْتَحَقَّ الصَّرْفِ إلَى الدَّيْنِ كَالْمَاءِ الْمُسْتَحَقِّ لِلْعَطَشِ وَقِيلَ لَا يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا ذَكَرَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ خَصَّ الصَّوْمَ بِمَا بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْمَدْيُونِ فِي مَالِهِ كَامِلٌ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَمْلِكُ جَمِيعَ التَّصَرُّفِ فِيهِ اهـ. وَفِي الْبَدَائِعِ لَوْ كَانَ فِي مِلْكِهِ رَقَبَةٌ صَالِحَةٌ لِلتَّكْفِيرِ يَجِبُ عَلَيْهِ تَحْرِيرُهَا سَوَاءٌ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّهُ وَاجِدٌ حَقِيقَةً اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الدَّيْنَ لَا يَمْنَعُ تَحْرِيرَ الرَّقَبَةِ الْمَوْجُودَةِ وَيَمْنَعُ وُجُوبَ شَرَائِطِهَا بِمَالٍ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، فَإِنْ قُلْت: إذَا كَانَ عَلَيْهِ كَفَّارَتَا ظِهَارٍ لِامْرَأَتَيْنِ وَفِي مِلْكِهِ رَقَبَةٌ فَقَطْ فَصَامَ عَنْ إحْدَاهُمَا ثُمَّ أَعْتَقَ عَنْ ظِهَارِ الْأُخْرَى هَلْ يُجْزِئُهُ الصَّوْمُ عَنْ الْأُولَى قُلْت لَمْ أَرَهُ صَرِيحًا وَلَكِنْ فِي الْمُحِيطِ فِي نَظِيرِهِ مَا يَقْتَضِي عَدَمَ الْإِجْزَاءِ قَالَ عَلَيْهِ كَفَّارَتَا يَمِينٍ وَعِنْدَهُ طَعَامٌ يَكْفِي لِإِحْدَاهُمَا فَصَامَ عَنْ إحْدَاهُمَا ثُمَّ أَطْعَمَ عَنْ الْأُخْرَى لَا يَجُوزُ صَوْمُهُ؛ لِأَنَّهُ صَامَ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى التَّكْفِيرِ بِالْمَالِ فَلَا يُجْزِئُهُ اهـ. وَبِمَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْمُحِيطِ مِنْ أَنَّ مَنْ لَهُ عَبْدٌ غَائِبٌ فِي مِلْكِهِ لَا يُجْزِئُهُ الصَّوْمُ ظَهَرَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيّ عَنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ اسْتِنْبَاطًا مِنْ تَعْبِيرِهِ تَعَالَى بِعَدَمِ الْوُجُودِ عِنْدَ الِانْتِقَالِ إلَى الصَّوْمِ وَبِعَدَمِ الِاسْتِطَاعَةِ عِنْدَ الِانْتِقَالِ إلَى الْإِطْعَامِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ غَائِبٌ فَإِنَّهُ يَنْتَظِرُهُ وَلَا يَصُومُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا مَرَضًا يُرْجَى بُرْؤُهُ فَإِنَّهُ يُطْعِمُ وَلَا يَنْتَظِرُ الصِّحَّةَ لِيَصُومَ مُوَافِقٌ لِمَذْهَبِنَا أَيْضًا فِي الصَّوْمِ لَا فِي الْإِطْعَامِ لِمَا سَيَأْتِي وَإِنْ كَانَ الْمَالُ أَعَمَّ مِنْ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ قَدْرِ مَا يَشْتَرِي بِهِ وَأَرَادَ بِالْأَيَّامِ الْمَنْهِيَّةِ الْخَمْسَةِ الْمَعْرُوفَةِ وَهِيَ يَوْمَا الْعِيدِ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ بِسَبَبِ النَّهْيِ فِيهَا نَاقِصٌ فَلَا يَتَأَدَّى بِهِ الْكَامِلُ وَشَهْرُ رَمَضَانَ فِي حَقِّ الصَّحِيحِ الْمُقِيمِ لَا يَسَعُ غَيْرَ فَرْضِ الْوَقْتِ قَيَّدْنَا بِالْمُقِيمِ الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ الْمُسَافِرَ لَهُ أَنْ يَصُومَ عَنْ وَاجِبٍ آخَرَ، وَفِي الْمَرِيضِ رِوَايَتَانِ كَمَا عُلِمَ فِي الْأُصُولِ فِي بَحْثِ الْأَمْرِ، وَفِي اقْتِصَارِهِ عَلَى نَفْيِ الْأَيَّامِ الْمَنْهِيَّةِ وَشَهْرُ رَمَضَانَ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِمَا وَقْتٌ نَذَرَ صَوْمَهُ؛ لِأَنَّ الْمَنْذُورَ الْمُعَيَّنَ إذَا نَوَى فِيهِ وَاجِبًا آخَرَ وَقَعَ عَمَّا نَوَى بِخِلَافِ رَمَضَانَ كَمَا عُلِمَ فِي الصَّوْمِ. وَفِي كَلَامِهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ هَذِهِ الْأَيَّامَ لَوْ دَخَلَتْ عَلَى الصَّوْمِ انْقَطَعَ التَّتَابُعُ صَامَهَا أَوْ لَا لِإِمْكَانِ وُجُودِ شَهْرَيْنِ يَصُومُهُمَا خَالِيَيْنِ عَنْهَا فَلِذَا قَطَعَ النِّفَاسُ وَالْمَرَضُ التَّتَابُعَ وَكَانَ حَيْضُهَا غَيْرَ قَاطِعٍ لِصَوْمِ كَفَّارَتِهَا لِعَدَمِ الْإِمْكَانِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَخْصُوصًا بِكَفَّارَةِ قَتْلِهَا وَفِطْرِهَا فِي الْحَيْضِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَجِدُ شَهْرَيْنِ خَالِيَيْنِ عَنْ حَيْضِهَا بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ فَإِنَّهَا تَجِدُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ خَالِيَةً عَنْهُ ثُمَّ رَأَيْت الْفَرْقَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي الْمُحِيطِ، وَفِي الْبَدَائِعِ عَلَيْهَا أَنْ تَصِلَ أَيَّامَ الْقَضَاءِ بَعْدَ الْحَيْضِ بِمَا قَبْلَهُ حَتَّى لَوْ لَمْ تَصِلْ وَأَفْطَرَتْ يَوْمًا بَعْدَ الْحَيْضِ اسْتَقْبَلَتْ لِتَرْكِهَا التَّتَابُعَ بِلَا ضَرُورَةٍ بِخِلَافِ نِفَاسِهَا، وَهَذَا مِمَّا خَالَفَ فِيهِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ يُرِيدُ بِالْغَائِبِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَمْلُوكًا لَهُ إلَخْ) هَذَا تَأْوِيلٌ بَعِيدٌ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ إنَّهُ لَا يُعْلَمُ حَيَاتُهُ وَمَوْتُهُ كَمَا قَالُوا فِي الْآبِقِ ثُمَّ رَأَيْت فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ عَنْ غَايَةِ السُّرُوجِيِّ وَلَا يَجُوزُ الْهَرَمُ الْعَاجِزُ وَالْغَائِبُ الْمُنْقَطِعُ الْخَبَرِ. (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَخْصُوصًا بِكَفَّارَةِ قَتْلِهَا) وَمِثْلُهَا كَفَّارَةُ فِطْرِهَا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 114 النِّفَاسُ الْحَيْضَ فَإِنَّ النِّفَاسَ قَاطِعٌ لِلتَّتَابُعِ فِي صَوْمِ كُلِّ كَفَّارَةٍ لَهَا بِخِلَافِ الْحَيْضِ فَإِنَّهُ غَيْرُ قَاطِعٍ فِي كَفَّارَةِ الْفِطْرِ وَالْقَتْلِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ فِي الْمُنْتَقَى لَوْ صَامَتْ شَهْرًا ثُمَّ حَاضَتْ ثُمَّ أَيِسَتْ اسْتَقْبَلَتْ؛ لِأَنَّهَا قَدَرَتْ عَلَى مُرَاعَاةِ التَّتَابُعِ فَلَزِمَهَا التَّتَابُعُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا إذَا حَبِلَتْ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي بَنَتْ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ قَوْلُهُمْ حَيْضُهَا غَيْرُ قَاطِعٍ فِي كَفَّارَةِ الشَّهْرَيْنِ إلَّا إذَا أَيِسَتْ بَعْدَهُ فَحِينَئِذٍ يَقْطَعُ وَأَمَّا صَوْمُ الْمُضَلَّلَةِ عَنْ الْكَفَّارَةِ فَقَدْ اسْتَوْفَاهُ فِي الْمُحِيطِ مِنْ الْحَيْضِ وَقَدْ أَفَادَ كَلَامُهُ أَنَّ كُلَّ صَوْمٍ شُرِطَ فِيهِ التَّتَابُعُ نَصًّا فَحُكْمُهُ كَالْكَفَّارَةِ فَإِذَا أَفْطَرَ فِيهِ يَوْمًا بَطَلَ مَا قَبْلَهُ وَلَزِمَهُ الِاسْتِقْبَالُ كَالْمَنْذُورِ الْمَشْرُوطِ فِيهِ التَّتَابُعُ مُعَيَّنًا أَوْ مُطْلَقًا بِخِلَافِ الْمُعَيَّنِ الْخَالِي عَنْ اشْتِرَاطِهِ فَإِنَّ التَّتَابُعَ فِيهِ وَإِنْ لَزِمَ لَكِنْ لَا يُسْتَقْبَلُ إذَا أَفْطَرَ فِيهِ يَوْمًا كَرَجَبٍ مَثَلًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى رَمَضَانَ وَحُكْمُهُ مَا ذَكَرْنَا كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ الْأَيْمَانِ. وَأَرَادَ بِعَدَمِ الْوُجُودِ عَدَمًا مُسْتَمِرًّا إلَى فَرَاغِ صَوْمِ الشَّهْرَيْنِ حَتَّى لَوْ قَدَرَ عَلَى الْإِعْتَاقِ فِي الْيَوْمِ الْأَخِيرِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِعْتَاقُ وَكَانَ صَوْمُهُ تَطَوُّعًا وَالْأَفْضَلُ إتْمَامُهُ وَإِنْ أَفْطَرَ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ شَرَعَ فِيهِ مُسْقِطًا لَا مُلْتَزِمًا خِلَافًا لِزُفَرَ وَقُيِّدَ الصَّوْمُ بِعَدَمِ الْوُجُودِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ مِنْ الْقَادِرِ عَلَى التَّحْرِيرِ لِتَرْكِ الْوَاجِبِ فِي قَوْله تَعَالَى {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: 92] ؛ إذْ الْمَعْنَى فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ لَا عَمَلًا بِمَفْهُومِ الشَّرْطِ كَمَا لَا يَخْفَى وَالْيَسَارُ وَالْإِعْسَارُ مُعْتَبَرَانِ وَقْتَ التَّكْفِيرِ أَيْ الْأَدَاءِ لَا وَقْتَ الْوُجُوبِ كَمَذْهَبِ أَحْمَدَ وَلَا أَغْلَظُ الْحَالَيْنِ كَمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الْقُدْرَةَ إنَّمَا يُحْتَاجُ إلَيْهَا لِلْأَدَاءِ فَيُشْتَرَطُ وُجُودُهَا وَعَدَمُهَا عِنْدَ الْأَدَاءِ، وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ صَامَ بِالْأَهِلَّةِ فَاتَّفَقَ تِسْعَةً وَخَمْسِينَ يَوْمًا جَازَ، وَلَوْ صَامَ بِغَيْرِ الْأَهِلَّةِ تِسْعَةً وَخَمْسِينَ يَوْمًا يَصُومُ ثَانِيًا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ اعْتِبَارُ الشَّهْرِ بِالْأَهِلَّةِ فَإِنْ غَمَّ الْهِلَالُ اُعْتُبِرَ كُلُّ شَهْرٍ ثَلَاثِينَ يَوْمًا اهـ. وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ فَاتَّفَقَ ثَمَانِيَةً وَخَمْسِينَ جَازَ لِجَوَازِ كَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا وَقَدْ أَفَادَهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة. (قَوْلُهُ فَإِنْ وَطِئَ فِيهِمَا لَيْلًا أَوْ يَوْمًا نَاسِيًا أَوْ أَفْطَرَ اسْتَأْنَفَ الصَّوْمَ) أَيْ: وَطْءُ الْمُظَاهِرِ مِنْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ الشَّرْطُ عَدَمُ فَسَادِ الصَّوْمِ فَلَوْ جَامَعَهَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا نَاسِيًا لَا يَسْتَأْنِفُ وَالصَّحِيحُ قَوْلُهُمَا؛ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ صِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ لَا مَسِيسَ فِيهِمَا فَإِذَا جَامَعَهَا فِي خِلَالِهِمَا لَمْ يَأْتِ بِالْمَأْمُورِ بِهِ وَإِذَا أَفْطَرَ فِي خِلَالِهِمَا انْقَطَعَ التَّتَابُعُ أَطْلَقَ فِي اللَّيْلِ فَشَمِلَ الْعَمْدَ وَالنِّسْيَانَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ وَالتَّقْيِيدُ بِالْعَمْدِ فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ اتِّفَاقِيٌّ لَا لِلِاحْتِرَازِ عَنْهُ كَمَا فِي بَعْضِ شُرُوحِ الْمَجْمَعِ فَاحْتُرِزَ مِنْهُ فَإِنَّهُ غَلَطٌ وَقَدْ صَرَّحَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَالْعِنَايَةِ بِأَنَّهُ قَيْدٌ اتِّفَاقِيٌّ وَقَيَّدَ بِالنِّسْيَانِ فِي الْيَوْمِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَامَعَهَا نَهَارًا عَمْدًا اسْتَأْنَفَ اتِّفَاقًا لِوُجُودِ الْمَسِيسِ عِنْدَهُمَا وَلِفَسَادِ الصَّوْمِ عِنْدَهُ وَإِنَّمَا لَمْ يَعْفُ عَنْ النِّسْيَانِ فِي وَطْءِ الْمُظَاهِرِ مِنْهَا كَمَا عُفِيَ عَنْهُ فِي الصَّوْمِ؛ لِأَنَّهُ فِي الصَّوْمِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ لِلْحَدِيثِ فَلَا يُلْحَقُ بِهِ غَيْرُهُ. وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَلَوْ جَامَعَهَا فِيهِمَا مُطْلَقًا أَوْ أَفْطَرَ اسْتَأْنَفَ لَكَانَ أَوْلَى وَمِنْ التَّطْوِيلِ أَعْرَى قَيَّدْنَا بِوَطْءِ الْمُظَاهَرِ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَطِئَ غَيْرَهَا فِيهِمَا فَإِنْ بَطَلَ صَوْمُهُ كَأَنْ كَانَ نَهَارًا عَامِدًا دَخَلَ تَحْتَ قَوْلِهِ أَوْ أَفْطَرَ فَيَسْتَأْنِفُ وَإِلَّا لَا وَهَذَا بِالِاتِّفَاقِ وَقُيِّدَ بِكَفَّارَةِ الظِّهَارِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَطِئَ وَطْئًا لَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ لَمْ يَسْتَأْنِفْ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَأَطْلَقَ فِي الْإِفْطَارِ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ لِعُذْرٍ كَسَفَرٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ لَا كَمَا فِي الْعِنَايَةِ. (قَوْلُهُ وَلَمْ يَجُزْ لِلْعَبْدِ إلَّا الصَّوْمُ) أَيْ: إلَّا صَوْمُ الشَّهْرَيْنِ الْمُتَتَابِعَيْنِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ وَإِنْ مَلَكَ وَالْإِعْتَاقُ وَالْإِطْعَامُ شَرْطُهُمَا الْمِلْكُ فَإِنْ أَعْتَقَ الْمَوْلَى عَنْهُ أَوْ أَطْعَمَ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ كَانَ بِأَمْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْمِلْكِ فَلَا يَصِيرُ مَالِكًا بِتَمْلِيكِهِ لِلْحَدِيثِ «لَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ شَيْئًا» وَلَا يَمْلِكُهُ مَوْلَاهُ وَلَا يَثْبُتُ عِتْقُهُ فِي ضِمْنِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِحُّ إنْ لَوْ كَانَ تَبَعًا، وَالْإِعْتَاقُ أَصْلُ الْأَهْلِيَّةِ فَلَا يَثْبُتُ اقْتِضَاءً كَذَا فِي الْكَافِي وَإِذَا تَعَيَّنَ الصَّوْمُ لِلْكَفَّارَةِ وَقَدْ تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ الْمَرْأَةِ لَمْ يَكُنْ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَمْنَعَهُ بِخِلَافِ صَوْمِ بَقِيَّةِ الْكَفَّارَاتِ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ عَنْ صَوْمِهَا لِعَدَمِ تَعَلُّقِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ) وَعَزَاهُ فِي الشرنبلالية أَيْضًا إلَى التُّحْفَةِ وَالِاخْتِيَارِ (قَوْلُهُ كَمَا فِي بَعْضِ شُرُوحِ الْمَجْمَعِ) هُوَ شَرْحُ ابْنِ مَلَكٍ، وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ مَا يُؤَيِّدُهُ فَإِنَّهُ قَالَ: وَكَذَا اسْتَأْنَفَ الصَّوْمَ إنْ وَطِئَهَا أَيْ: الْمُظَاهَرَ مِنْهَا لَيْلًا عَمْدًا كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ وَالنَّظْمِ وَالْهِدَايَةِ وَالْكَافِي وَالْقُدُورِيِّ وَالْمُضْمَرَاتِ وَالزَّاهِدِيِّ وَالنُّتَفِ وَغَيْرِهَا وَبِمُجَرَّدِ قَوْلِ الْإِسْبِيجَابِيِّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ فِي اللَّيْلِ عَمْدًا أَوْ نِسْيَانًا لَا يَلِيقُ أَنْ يُحْمَلَ الْعَمْدُ فِي كَلَامِ الْهِدَايَةِ وَالْمُصَنِّفِ عَلَى أَنَّهُ قَيْدٌ اتِّفَاقِيٌّ كَمَا فَعَلَهُ صَاحِبُ الْكِفَايَةِ وَمَنْ تَابَعَهُ وَمِنْ تَأْيِيدِهِ عَدَمُ الْتِفَاتِ صَاحِبِ النِّهَايَةِ لِذَلِكَ اهـ. قُلْتُ وَقَدْ يُقَالُ إنَّ مَا فِي الْإِسْبِيجَابِيِّ صَرِيحٌ فَيُقَدَّمُ عَلَى الْمَفْهُومِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي مَحَلِّهِ وَقَدْ قَالَ فِي الْحَوَاشِي الْيَعْقُوبِيَّةِ الظَّاهِرُ مَا فِي الْعِنَايَةِ؛ لِأَنَّهُ مُقْتَضَى دَلِيلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَلَوْ جَامَعَهَا إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 115 حَقِّ عَبْدٍ بِهَا، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ بَابِ جِنَايَاتِ الْإِحْرَامِ وَلَا يَجُوزُ إطْعَامُ الْمَوْلَى عَنْهُ إلَّا فِي الْإِحْصَارِ فَإِنَّ الْمَوْلَى يَبْعَثُ عَنْهُ لِيَحِلَّ هُوَ فَإِذَا عَتَقَ فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ اهـ. وَلَمْ يُعَلِّلْ لِاسْتِثْنَاءِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَإِنْ قُلْت: لِمَ لَمْ يَكُنْ الرِّقُّ مُنَصَّفًا لِصَوْمِ الْكَفَّارَاتِ مَعَ أَنَّهُ مُنَصَّفٌ نِعْمَةً وَعُقُوبَةً قُلْت لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْعِبَادَةِ وَهِيَ لَمْ تَتَنَصَّفْ بِالرِّقِّ كَالصَّلَاةِ وَصَوْمِ رَمَضَانَ وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ فِي بَعْضِهَا مَعْنَى الْعُقُوبَةِ احْتِيَاطًا ثُمَّ رَأَيْت تَعْلِيلَ مَسْأَلَةِ دَمِ الْإِحْصَارِ فَقَالَ فِي الْبَدَائِعِ لَوْ أُحْصِرَ الْعَبْدُ بَعْدَ مَا أَحْرَمَ بِإِذْنِ الْمَوْلَى ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْمَوْلَى إنْفَاذُ هَدْيٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَزِمَهُ يَلْزَمُهُ لِحَقِّ الْعَبْدِ وَلَا يَجِبُ لِلْعَبْدِ عَلَى مَوْلَاهُ حَقٌّ فَإِذَا أَعْتَقَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّ عَلَى الْمَوْلَى أَنْ يَذْبَحَ عَنْهُ هَدْيًا فِي الْحَرَمِ فَيَحِلُّ؛ لِأَنَّ هَذَا الدَّمَ وَجَبَ لِبَلِيَّةٍ اُبْتُلِيَ بِهَا الْعَبْدُ بِإِذْنِ الْمَوْلَى فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ النَّفَقَةِ وَالنَّفَقَةُ عَلَى الْمَوْلَى فَكَذَا دَمُ الْإِحْصَارِ اهـ. . وَأَمَّا كَفَّارَةُ الْمَيِّتِ إذَا مَاتَ وَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَأَوْصَى بِإِخْرَاجِهَا مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ فَإِنْ كَانَتْ كَفَّارَةَ يَمِينٍ خُيِّرَ الْوَصِيُّ بَيْنَ الْإِطْعَامِ وَبَيْنَ الْكِسْوَةِ وَبَيْنَ التَّحْرِيرِ، وَفِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ وَالظِّهَارِ وَالْإِفْطَارِ يَتَعَيَّنُ التَّحْرِيرُ إنْ بَلَغَتْ قِيمَتُهُ الثُّلُثَ وَإِلَّا تَعَيَّنَ الْإِطْعَامُ وَلَا دَخْلَ لِلصَّوْمِ فِي الْكُلِّ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ فَإِنْ قُلْت: هَلْ لَنَا حُرٌّ لَيْسَ لَهُ كَفَّارَةٌ إلَّا بِالصَّوْمِ قُلْت الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِالسَّفَهِ عَلَى قَوْلِهِمَا الْمُفْتَى بِهِ لَا يُكَفِّرُ إلَّا بِالصَّوْمِ حَتَّى لَوْ أُعْتِقَ عَنْهَا صَحَّ الْعِتْقُ وَلَا يُجْزِئُ عَنْهَا وَيَلْزَمُهُ الصَّوْمُ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ مِنْ الْحَجْرِ. (قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ الصَّوْمَ أَطْعَمَ سِتِّينَ فَقِيرًا كَالْفِطْرَةِ أَوْ قِيمَتِهِ) أَيْ: إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الصَّوْمِ لِمَرَضٍ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ أَوْ كِبَرٍ أَرَادَ بِالْإِطْعَامِ الْإِعْطَاءَ تَمْلِيكًا؛ لِأَنَّهُ سَيُصَرِّحُ بِالْإِبَاحَةِ؛ وَلِذَا قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: إذَا أَرَادَ التَّمْلِيكَ أَطْعَمَ كَالْفِطْرَةِ وَإِذَا أَرَادَ الْإِبَاحَةَ أَطْعَمَهُمْ غَدَاءً وَعَشَاءً وَقُيِّدَ بِالْفَقِيرِ؛ لِأَنَّ الْغَنِيَّ لَا يَجُوزُ إطْعَامُهُ فِي الْكَفَّارَاتِ تَمْلِيكًا وَإِبَاحَةً وَمَنْ لَهُ مَالٌ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لِعَبْدٍ فَقِيرٍ فِي هَذَا كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَأَشَارَ بِذِكْرِ الْفَقِيرِ إلَى أَنَّهُ الْمُرَادُ فِي الْآيَةِ فَالْمِسْكِينُ وَالْفَقِيرُ سَوَاءٌ فِيهَا وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ كَالْفِطْرَةِ أَيْ كَصَدَقَةِ الْفِطْرِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إطْعَامُ أَصْلِهِ وَفَرْعِهِ وَأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ وَمَمْلُوكِهِ وَالْهَاشِمِيِّ وَأَنَّهُ يَجُوزُ إطْعَامُ الذِّمِّيِّ؛ لِأَنَّ مَصْرِفَهَا مَصْرِفُهَا وَهُوَ مَصْرِفُ الزَّكَاةِ إلَّا الذِّمِّيَّ فَإِنَّهُ مَصْرِفٌ فِيمَا عَدَا الزَّكَاةَ بِخِلَافِ الْحَرْبِيِّ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمَصْرِفٍ لِشَيْءٍ، وَلَوْ كَانَ مُسْتَأْمَنًا. وَلَوْ دَفَعَ بِتَحَرٍّ فَبَانَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَصْرِفٍ أَجْزَأَهُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ كَمَا عُرِفَ فِي الزَّكَاةِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَأَنَّهُ يَمْلِكُ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ أَوْ دَقِيقٍ كُلٌّ كَأَصْلِهِ وَكَذَا السَّوِيقُ، وَاخْتَلَفُوا هَلْ يُعْتَبَرُ الْكَيْلُ أَوْ الْقِيمَةُ فِيهِمَا كَمَا فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ وَأَنَّهُ لَوْ دَفَعَ الْبَعْضَ مِنْ الْحِنْطَةِ وَالْبَعْضَ مِنْ الشَّعِيرِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ إذَا كَانَ قَدْرَ الْوَاجِبِ كَأَنْ يَدْفَعَ رُبْعَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ وَنِصْفًا مِنْ شَعِيرٍ وَإِنَّمَا جَازَ التَّكْمِيلُ بِالْآخَرِ لِاتِّحَادِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ الْإِطْعَامُ وَلَا يَجُوزُ التَّكْمِيلُ بِالْقِيمَةِ كَمَا لَوْ أَدَّى نِصْفًا مِنْ تَمْرٍ جَيِّدٍ يُسَاوِي صَاعًا مِنْ الْوَسَطِ وَأَفَادَ بِعَطْفِ الْقِيمَةِ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ   [منحة الخالق] لَوْ قَالَ ذَلِكَ لَفَاتَهُ مَا الْتَزَمَهُ مِنْ أَوَّلِ الْكِتَابِ إلَى هُنَا مِنْ بَيَانِ الْمَسَائِلِ الْخِلَافِيَّةِ وَمَسْأَلَةُ الْوَطْءِ لَيْلًا خِلَافِيَّةُ أَبِي يُوسُفَ اهـ. ذَكَرَهُ الْمَقْدِسِيَّ اهـ. (قَوْلُهُ وَإِلَّا تَعَيَّنَ الْإِطْعَامُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ فِي بَيَانِ أَنْوَاعِ الْكَفَّارَةِ أَنَّهُ لَا إطْعَامَ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ لَكِنْ يَتَعَيَّنُ تَقْيِيدُهُ بِمَا دَامَ الْقَاتِلُ حَيًّا أَوْ يُحْمَلُ قَوْلُهُ وَإِلَّا تَعَيَّنَ الْإِطْعَامُ أَيْ: فِي الظِّهَارِ وَالْإِفْطَارِ لَا فِي الْقَتْلِ؛ لِأَنَّهُ لَا إطْعَامَ فِيهِ وَهُوَ الظَّاهِرُ؛ إذْ قَوْلُهُمْ لَا إطْعَامَ فِيهِ كَمَا نَصُّوا عَلَيْهِ شَامِلٌ لِلْحَالَتَيْنِ مَا لَمْ يُوجَدْ صَرِيحُ النَّقْلِ الْفَارِقِ بَيْنَ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ فِيهِ تَأَمُّلْ اهـ. وَانْظُرْ مَا كَتَبْنَاهُ فِي فَصْلِ الْعَوَارِضِ مِنْ كِتَابِ الصَّوْمِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ تَبَعًا لِلزَّيْلَعِيِّ وَالدُّرَرِ، وَكَذَا كَفَّارَةُ الْيَمِينِ وَالْقَتْلِ إذَا تَبَرَّعَ الْوَارِثُ بِالْإِطْعَامِ وَالْكِسْوَةِ يَجُوزُ (قَوْلُهُ وَمَنْ لَهُ دَيْنٌ) الْمَوْصُولُ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ فَقِيرٌ وَقَوْلُهُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لِعَبْدٍ أَخْرَجَ بِهِ دَيْنَ الْحَقِّ تَعَالَى فَلَا يَمْنَعُ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ مَصْرِفَهَا مَصْرِفُهَا) أَيْ: مَصْرِفُ الْكَفَّارَةِ مَصْرِفُ الْفِطْرَةِ وَهُوَ أَيْ مَصْرِفُ الْفِطْرَةِ مَصْرِفُ الزَّكَاةِ. (قَوْلُهُ إلَّا الذِّمِّيَّ فَإِنَّهُ مَصْرِفٌ فِيمَا عَدَا الزَّكَاةَ) قَالَ الرَّمْلِيُّ، وَفِي الْحَاوِي وَإِنْ أَطْعَمَ فُقَرَاءَ أَهْلِ الذِّمَّةِ جَازَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَجُوزُ وَبِهِ نَأْخُذُ اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنَّهُ يَمْلِكُ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ إنَّهُ لَا يَجُوزُ وَهُوَ مُضَارِعٌ الْمُضَاعَفُ مَبْنِيٌّ لِلْفَاعِلِ أَيْ: وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ كَالْفِطْرَةِ أَنَّ الْمُكَفِّرَ يُمَلِّكُ الْفَقِيرَ نِصْفَ صَاعٍ إلَخْ (قَوْلُهُ وَاخْتَلَفُوا هَلْ يُعْتَبَرُ الْكَيْلُ أَوْ الْقِيمَةُ فِيهِمَا) قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة، وَلَوْ أَدَّى الدَّقِيقَ أَوْ السَّوِيقَ أَجْزَأَهُ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي طَرِيقِ الْجَوَازِ قَالَ بَعْضُهُمْ: يُعْتَبَرُ فِيهِ تَمَامُ الْكَيْلِ وَذَلِكَ نِصْفُ صَاعٍ فِي دَقِيقِ الْحِنْطَةِ وَصَاعٌ فِي دَقِيقِ الشَّعِيرِ مِنْ شَعِيرِهَا وَإِلَيْهِ مَالَ الْكَرْخِيُّ وَالْقُدُورِيُّ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَجُوزُ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ تَمَامُ الْكَيْلِ اهـ. وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ قَوْلَ الْمُؤَلِّفِ وَدَقِيقُ كُلٍّ كَأَصْلِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ وَالْقُدُورِيِّ ثُمَّ بَعْدَ مَا جَزَمَ بِذَلِكَ بَيَّنَ أَنَّ فِيهِ خِلَافًا بِقَوْلِهِ وَاخْتَلَفُوا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَأَفَادَ بِعَطْفِ الْقِيمَةِ أَنَّهُ لَا بُدَّ إلَخْ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 116 مِنْ غَيْرِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فَلَوْ دُفِعَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ عَنْ مَنْصُوصٍ آخَرَ بِطَرِيقِ الْقِيمَةِ لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ الْمَدْفُوعُ الْكَمِّيَّةَ الْمُقَدَّرَةَ شَرْعًا فَلَوْ دَفَعَ نِصْفَ صَاعِ تَمْرٍ يَبْلُغُ قِيمَةَ نِصْفِ صَاعِ بُرٍّ لَا يَجُوزُ فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُتِمَّ لِلَّذِينَ أَعْطَاهُمْ الْقَدْرَ الْمُقَدَّرَ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ الَّذِي دَفَعَهُ لَهُمْ فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُمْ بِأَعْيَانِهِمْ اسْتَأْنَفَ فِي غَيْرِهِمْ وَلَا يُقَالُ. لَوْ أَطْعَمَ خَمْسَةً وَكَسَا خَمْسَةً فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ حَيْثُ تَجُوزُ الْكِسْوَةُ عَنْ الْإِطْعَامِ مَعَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: لَوْ أَطْعَمَ خَمْسَةً عَلَى وَجْهِ الْإِبَاحَةِ وَكَسَا خَمْسَةً فَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ وَإِنْ أَخْرَجَهُ عَلَى وَجْهِ الْقِيمَةِ فَإِنْ كَانَ الطَّعَامُ أَرْخَصَ مِنْ الْكِسْوَةِ أَجْزَأَهُ وَإِنْ كَانَتْ الْكِسْوَةُ أَرْخَصَ مِنْ الطَّعَامِ لَمْ يُجْزِهِ؛ لِأَنَّ الْكِسْوَةَ تَمْلِيكٌ فَجَازَ أَنْ تَكُونَ بَدَلًا عَنْ الْإِطْعَامِ ثُمَّ إنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْكِسْوَةِ مِثْلَ قِيمَةِ الطَّعَامِ فَقَدْ أَخْرَجَ قِيمَةَ الطَّعَامِ وَإِنْ كَانَتْ أَغْلَى فَقَدْ أَخْرَجَ قِيمَةَ الطَّعَامِ وَزِيَادَةً وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْكِسْوَةِ أَرْخَصَ لَا يَكُونُ الطَّعَامُ بَدَلًا عَنْهُ؛ لِأَنَّ طَعَامَ الْإِبَاحَةِ لَيْسَ بِتَمْلِيكٍ فَلَا يَقُومُ مَقَامَ التَّمْلِيكِ وَهُوَ الْكِسْوَةُ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَقُومُ مَقَامَ مَا هُوَ فَوْقَهُ، وَلَوْ أَطْعَمَ خَمْسَةً وَكَسَا خَمْسَةً جَازَ وَجَعَلَ أَغْلَاهُمَا ثَمَنًا بَدَلًا عَنْ أَرْخَصِهِمَا ثَمَنًا أَيُّهُمَا كَانَ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَمْلِيكٌ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا بَدَلًا عَنْ الْآخَرِ اهـ. وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ كَالْفِطْرَةِ إلَى أَنَّهُ لَوْ أَعْطَى مِسْكِينًا أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ صَاعٍ لَا يُجْزِيهِ كَمَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ، وَنُقِلَ أَنَّ الْجَوَازَ قَوْلُ الْكَرْخِيِّ فَمَا نَقَلَهُ هُنَا مِنْ الْجَوَازِ إمَّا غَفْلَةً عَمَّا قَدَّمَهُ وَإِمَّا عَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْكَفَّارَاتِ كُلَّهَا لَا يَجُوزُ إعْطَاءُ فَقِيرٍ فِيهَا أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ صَاعٍ حَتَّى فِدْيَةَ الصَّلَاةِ حَتَّى لَوْ أَعْطَى عَنْ صَلَاةٍ أَقَلَّ مِنْ الْمِسْكِينِ لَمْ يَجُزْ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَقَدْ فَرَّقَ فِي الْعِنَايَةِ بَيْنَ الْكَفَّارَةِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى الضَّعِيفِ، وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة لَوْ أَعْطَى سِتِّينَ مِسْكِينًا كُلَّ مِسْكِينٍ مُدًّا مِنْ الْحِنْطَةِ لَمْ يَجُزْ وَعَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ مُدًّا آخَرَ عَلَى كُلِّ مِسْكِينٍ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْأَوَّلَيْنِ فَأَعْطَى سِتِّينَ آخَرِينَ كُلَّ مِسْكِينٍ مُدًّا لَمْ يَجُزْ اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ أَعْطَى عَشْرَةَ مَسَاكِينَ كُلَّ مِسْكِينٍ مُدًّا مُدًّا ثُمَّ اسْتَغْنَى الْمَسَاكِينُ ثُمَّ افْتَقَرُوا فَأَعَادَ عَلَيْهِمْ مُدًّا مُدًّا لَا يَجُوزُ، وَكَذَا لَوْ أَدَّى إلَى الْمُكَاتَبِينَ مُدًّا مُدًّا ثَمَّ رُدُّوا إلَى الرِّقِّ وَمَوَالِيهِمْ أَغْنِيَاءُ ثُمَّ كُوتِبُوا ثَانِيًا ثُمَّ أَعَادَ عَلَيْهِمْ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُمْ صَارُوا بِحَالٍ لَا يَجُوزُ الْأَدَاءُ إلَيْهِمْ فَصَارُوا كَجِنْسٍ آخَرَ اهـ. . (قَوْلُهُ لَوْ أَمَرَ غَيْرَهُ أَنْ يُطْعِمَ عَنْهُ عَنْ ظِهَارِهِ فَفَعَلَ أَجْزَأَهُ) ؛ لِأَنَّهُ طَلَبَ مِنْهُ التَّمْلِيكَ مَعْنًى وَالْفَقِيرُ قَابِضٌ لَهُ أَوَّلًا ثُمَّ لِنَفْسِهِ فَيَتَحَقَّقُ تَمَلُّكُهُ ثُمَّ تَمْلِيكُهُ كَهِبَةِ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ إذَا سَلَّطَهُ عَلَى الْقَبْضِ وَلَمَّا كَانَ طَلَبُ التَّمْلِيكِ مُتَنَوِّعًا إلَى هِبَةٍ وَقَرْضٍ وَالْأَصْلُ الْبَرَاءَةُ لَا رُجُوعَ عَلَى الْآمِرِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة إنْ قَالَ الْآمِرُ عَلَى أَنْ لَا رُجُوعَ لِلْمَأْمُورِ فَلَا رُجُوعَ وَإِنْ قَالَ عَلَى أَنْ تَرْجِعَ عَلَيَّ رَجَعَ عَلَيْهِ وَإِنْ سَكَتَ الْآمِرُ فَفِي الدَّيْنِ يَرْجِعُ اتِّفَاقًا، وَفِي الْكَفَّارَةِ وَالزَّكَاةِ لَا يَرْجِعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَرْجِعُ اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمْ فَرَّقُوا بَيْنَ الْأَمْرِ بِقَضَاءِ   [منحة الخالق] نَظَرَ فِي النَّهْرِ فِي هَذِهِ الْإِفَادَةِ بِأَنَّ الْقِيمَةَ أَعَمُّ مِنْ قِيمَةِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ أَوْ غَيْرِهِ اهـ. قُلْتُ وَكَانَ حَقُّ التَّعْبِيرِ أَنْ يُقَالَ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهَا مِنْ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ أَوْ غَيْرِهِ؛ إذْ لَا مَدْخَلَ هُنَا لِقِيمَةِ غَيْرِ الْمَنْصُوصِ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْإِضَافَةُ فِي قَوْلِهِ مِنْ قِيمَةِ الْمَنْصُوصِ بَيَانِيَّةٌ وَحَاصِلُ التَّنْظِيرِ أَنَّ قَوْلَ أَوْ قِيمَتُهُ أَيْ: قِيمَةُ الْمَنْصُوصِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ كَالْفِطْرَةِ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهَا مِنْ الْمَنْصُوصِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ فَعَطْفُهَا عَلَى الْمَنْصُوصِ لَا يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ مِنْ غَيْرِهِ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَمَّا قَالَ كَالْفِطْرَةِ أَفَادَ أَنَّهُ لَوْ دَفَعَ مِنْ الْمَنْصُوصِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمِقْدَارُ الشَّرْعِيُّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ بِقَوْلِهِ وَأَفَادَ أَنَّهُ يَمْلِكُ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ إلَخْ فَقَوْلُهُ بَعْدَهُ أَوْ قِيمَتُهُ يَجِبُ كَوْنُ الْمُرَادِ بِهَا مِنْ غَيْرِ الْمَنْصُوصِ؛ إذْ لَوْ كَانَتْ مِنْهُ يَكُونُ قَدْ دَفَعَ الْمَنْصُوصَ وَهُوَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْقَدْرِ الْمُقَدَّرِ شَرْعًا فَإِذَا دَفَعَ ذَلِكَ الْقَدْرَ لَا يُعْتَبَرُ كَوْنُهُ بِطَرِيقِ الْقِيمَةِ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهَا كَوْنَهَا مِنْ غَيْرِهِ وَلَا سِيَّمَا وَالْأَصْلُ فِي الْعَطْفِ الْمُغَايَرَةُ فَتَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَطْعَمَ خَمْسَةً وَكَسَا خَمْسَةً جَازَ) أَيْ: أَطْعَمَ عَلَى وَجْهِ التَّمْلِيكِ كَمَا يَظْهَرُ مِنْ تَقْيِيدِهِ السَّابِقِ بِقَوْلِهِ عَلَى وَجْهِ الْإِبَاحَةِ (قَوْلُهُ وَقَدْ فَرَّقَ فِي الْعِنَايَةِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَلَا يَجُوزُ فِي سَائِرِ الْكَفَّارَاتِ أَنْ يُعْطِيَ الْوَاحِدَ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ صَاعٍ، وَفِي الْفِطْرَةِ خِلَافٌ وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْجَوَازَ جَزَمَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ وَأَنَّهُ صَحِيحٌ وَعَلَيْهِ فَالْفَرْقُ أَنَّ الْعَدَدَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الْكَفَّارَةِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ، وَقَوْلُهُ فِي الْبَحْرِ إنَّ هَذَا الْفَرْقَ مُفَرَّعٌ عَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ مَمْنُوعٌ اهـ. وَقَالَ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِهِ وَقَدَّمْنَا فِي بَابِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ أَنَّ الْأَصَحَّ جَوَازُ دَفْعِ فَرْدٍ لِجَمْعٍ وَجَمْعٍ لِفَرْدٍ وَنَقَلْنَاهُ عَنْ الْخَانِيَّةِ وَالْمُحِيطِ وَغَيْرِهِمَا اهـ. قُلْت وَالْعَجَبُ مِنْ الْمُؤَلِّفِ حَيْثُ يَقُولُ إنَّهُ ضَعِيف وَقَدْ قَالَ فِي بَابِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ بَعْدَهُ نَقَلَهُ عَنْ عِدَّةِ كُتُبٍ فَكَانَ هُوَ الْمَذْهَبُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 117 الدَّيْنِ وَبَيْنَ الْأَمْرِ بِأَدَاءِ الزَّكَاةِ وَالتَّكْفِيرِ مَعَ أَنَّ الْكُلَّ وَاجِبٌ عَلَى الْآمِرِ وَقَدْ رَأَيْت الْفَرْقَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ مِنْ كِتَابِ الْوَكَالَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْإِمَامِ الْكَرْخِيِّ بِأَنَّهُ لَوْ رَجَعَ بِلَا شَرْطٍ رَجَعَ بِأَكْثَرَ مِمَّا أُسْقِطَ عَنْ ذِمَّةِ الْآمِر، أَلَا تَرَى أَنَّ الْوُجُوبَ كَانَ مِنْ أَحْكَامِ الْآخِرَةِ دُونَ الدُّنْيَا، وَلَوْ ثَبَتَ الرُّجُوعُ بِمُطْلَقِ الْآمِرِ لَرَجَعَ بِحَقٍّ مَضْمُونٍ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَرْجِعَ بِأَكْثَرَ مِمَّا أَسْقَطَ عَنْ ذِمَّتِهِ اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ كِتَابِ الْوَكَالَةِ ذَكَرَ ضَابِطًا حَسَنًا لِمَا يَرْجِعُ بِلَا شَرْطٍ وَمَا يَرْجِعُ بِشَرْطِ الرُّجُوعِ فَانْظُرْهُ ثَمَّةَ قَيَّدَ بِالْإِطْعَامِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَمَرَ أَجْنَبِيًّا أَنْ يُعْتِقَ عَنْهُ فَأَعْتَقَ لَا يُجْزِئُهُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَالْفَرْقُ عَلَى قَوْلِهِمَا أَنَّ التَّمْلِيكَ بِغَيْرِ بَدَلٍ هِبَةٌ وَلَا جَوَازَ لَهَا بِدُونِ الْقَبْضِ وَلَمْ يُوجَدْ الْقَبْضُ فِي الْإِعْتَاقِ وَوُجِدَ فِي الْإِطْعَامِ وَالْكِسْوَةِ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ كَالْإِطْعَامِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَإِنْ كَانَ بِجُعْلٍ سَمَّاهُ أَجْزَأَهُ اتِّفَاقًا وَإِنْ أَعْتَقَ عَنْهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَمْ يَجُزْ اتِّفَاقًا لِوُقُوعِهِ عَنْ الْمُعْتِقِ كَذَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَخَرَجَ الصَّوْمُ أَيْضًا فَلَوْ أَمَرَهُ أَنْ يَصُومَ عَنْهُ فَصَامَ لَا يُجْزِئُهُ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَقَيَّدَ الْإِطْعَامَ بِالْأَمْرِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَطْعَمَ عَنْهُ بِلَا أَمْرِهِ لَا يُجْزِئُهُ لِعَدَمِ مِلْكِهِ وَلِعَدَمِ النِّيَّةِ، وَأَمَّا تَكْفِيرُ الْوَارِثِ عَنْ الْمَيِّتِ فَفِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ يَجُوزُ الْإِطْعَامُ أَوْ الْكِسْوَةُ، وَفِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ بِالْإِطْعَامِ وَلَا يَجُوزُ التَّبَرُّعُ عَنْهُ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ؛ لِأَنَّ التَّبَرُّعَ بِالْإِعْتَاقِ غَيْرُ جَائِزٍ كَذَا فِي الْمُحِيطِ. (قَوْلُهُ وَتَصِحُّ الْإِبَاحَةُ فِي الْكَفَّارَاتِ) أَيْ: فِي إطْعَامِ الْكَفَّارَاتِ (وَالْفِدْيَةُ دُونَ الصَّدَقَاتِ وَالْعُشْرِ) لِوُرُودِ الْإِطْعَامِ فِي الْكَفَّارَاتِ وَالْفِدْيَةِ هُوَ حَقِيقَةٌ فِي التَّمْكِينِ مِنْ الطَّعْمِ وَإِنَّمَا جَازَ التَّمْلِيكُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ تَمْكِينٌ أَمَّا الْوَاجِبُ فِي الزَّكَاةِ الْإِيتَاءُ، وَفِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ الْأَدَاءُ وَهُمَا لِلتَّمْلِيكِ حَقِيقَةً، فَإِنْ قُلْت: هَلْ يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْإِبَاحَةِ وَالتَّمْلِيكِ لِرَجُلٍ وَاحِدٍ أَوْ لِبَعْضِ الْمَسَاكِينِ دُونَ الْبَعْضِ أَوْ أَنْ يُعْطِيَ نَوْعًا لِلْبَعْضِ وَنَوْعًا لِلْبَعْضِ قُلْت: أَمَّا الْأَوَّلُ فَفِي التَّتَارْخَانِيَّة إذَا غَدَّاهُ وَأَعْطَاهُ مُدًّا فَفِيهِ رِوَايَتَانِ وَاقْتَصَرَ فِي الْبَدَائِعِ عَلَى الْجَوَازِ؛ لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ شَيْئَيْنِ جَائِزَيْنِ عَلَى الِانْفِرَادِ وَإِنْ غَدَّاهُمْ وَأَعْطَاهُمْ قِيمَةَ الْعَشَاءِ أَوْ عَشَّاهُمْ وَأَعْطَاهُمْ قِيمَةَ الْغَدَاءِ يَجُوزُ، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ: كَمَا إذَا مَلَكَ ثَلَاثِينَ وَأَطْعَمَ ثَلَاثِينَ غَدَاءً وَعَشَاءً فَهُوَ جَائِزٌ، وَأَمَّا الثَّالِثَةُ: فَقَالَ فِي الْكَافِي وَيَجُوزُ تَكْمِيلُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ. فَإِنْ قُلْت: هَلْ الْمُبَاحُ لَهُ الطَّعَامُ يَسْتَهْلِكُهُ عَلَى مِلْكِ الْمُبِيحِ أَوْ عَلَى مِلْكِ نَفْسِهِ؟ قُلْت: إذَا صَارَ مَأْكُولًا زَالَ مِلْكُ الْمُبِيحِ عَنْهُ وَلَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِ أَحَدٍ ذَكَرَهُ فِي الْبَدَائِعِ قَيَّدْنَا بِالْإِطْعَامِ؛ لِأَنَّ الْإِبَاحَةَ فِي الْكِسْوَةِ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ لَا تَجُوزُ كَمَا لَوْ أَعَارَ عَشْرَةَ مَسَاكِينَ كُلَّ مِسْكِينٍ ثَوْبًا كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَجَعْلُ الْفِدْيَةِ كَالْكَفَّارَةِ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّمْلِيكِ؛ لِأَنَّهَا تُنْبِئُ عَنْهُ كَفِدْيَةِ الْعَبْدِ الْجَانِي لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ تَمْلِيكِ الْأَرْشِ (قَوْلُهُ وَالشَّرْطُ غَدَاءَانِ وَعَشَاءَانِ مُشْبِعَانِ أَوْ غَدَاءٌ وَعَشَاءٌ) أَيْ: الشَّرْطُ فِي طَعَامِ الْإِبَاحَةِ أَكْلَتَانِ مُشْبِعَتَانِ لِكُلِّ مِسْكِينٍ وَالسَّحُورُ كَالْغَدَاءِ. فَلَوْ غَدَّاهُمْ يَوْمَيْنِ أَوْ عَشَّاهُمْ كَذَلِكَ أَوْ غَدَّاهُمْ وَسَحَّرَهُمْ أَوْ سَحَّرَهُمْ يَوْمَيْنِ أَجْزَأَهُ، وَلَوْ غَدَّى سِتِّينَ مِسْكِينًا وَعَشَّى سِتِّينَ غَيْرَهُمْ لَمْ يُجْزِهِ إلَّا أَنْ يُعِيدَ عَلَى أَحَدِ النَّوْعَيْنِ مِنْهُمْ غَدَاءً أَوْ عَشَاءً، وَلَوْ غَدَّى وَاحِدًا وَعَشَّى آخَرَ لَمْ يَجُزْ وَقُيِّدَ بِالشِّبَعِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِيهِمْ مَنْ هُوَ شَبْعَانُ قَبْلَ الْأَكْلِ أَوْ صَبِيٌّ لَيْسَ بِمُرَاهِقٍ لَا يُجْزِئُهُ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ وَمَالَ الْحَلْوَانِيُّ إلَى عَدَمِ الْجَوَازِ، وَفِي الْمِصْبَاحِ الْأَكْلُ مَعْرُوفٌ وَالْأُكُلُ بِضَمَّتَيْنِ وَإِسْكَانِ الثَّانِي لِلتَّخْفِيفِ الْمَأْكُولُ وَالْأَكْلَةُ بِالْفَتْحِ الْمَرَّةُ وَبِالضَّمِّ اللُّقْمَةُ وَالْغَدَاءُ بِالْمَدِّ طَعَامُ الْغَدَاةِ وَالْعَشَاءُ بِالْفَتْحِ وَبِالْمَدِّ طَعَامُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَقَدْ رَأَيْت الْفَرْقَ فِي السِّرَاجِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ مُقْتَضَاهُ إنَّهُ لَا يَرْجِعُ، وَلَوْ شَرَطَهُ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ يَرْجِعُ اهـ. وَأَجَابَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ بِأَنَّهُ لَمَّا قَبِلَ الشَّرْطَ فَقَدْ الْتَزَمَهُ بِاخْتِيَارِهِ (قَوْلُهُ: وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ كِتَابِ الْوَكَالَةِ إلَخْ) عِبَارَتُهَا أَمَرَ غَيْرَهُ بِأَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ أَوْ يَقْضِيَ دَيْنَهُ فَفَعَلَ يَرْجِعُ بِلَا شَرْطِ الرُّجُوعِ وَلَوْ قَالَ عِوَضٌ عَنْ هِبَتِي أَوْ أَعْطِهِ عَنْ كَفَّارَتِي أَوْ أَدِّ زَكَاةَ مَالِي أَوْ هَبْ لِفُلَانٍ عَنِّي أَلْفًا لَا يَرْجِعُ بِلَا شَرْطِ الرُّجُوعِ فَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ مَلَكَ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ الْمَالَ الْمَدْفُوعَ مُقَابَلًا بِمِلْكِ الْمَالِ فَمَأْمُورٌ يَرْجِعُ بِلَا شَرْطِ الرُّجُوعِ، وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ مِلْكُ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ غَيْرُ مُقَابَلٍ بِمِلْكِ الْمَالِ لَا يَرْجِعُ بِلَا شَرْطٍ؛ لِأَنَّ الدَّافِعَ يَمْلِكُ الْمَدْفُوعَ عَنْ الْأَمْرِ وَلَا فِي ضِمْنِ التَّمْلِيكِ مِنْ الْمَدْفُوعِ حَتَّى تُقْضَى الزَّكَاةُ وَالتَّعْوِيضُ وَالْكَفَّارَةُ فَإِذَا مَلَكَهُ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ مُقَابَلًا بِالْمِلْكِ كَانَ الْمِلْكُ ثَابِتًا لِلْآمِرِ أَيْضًا مُقَابِلًا لِلْمِلْكِ فَرَجَعَ عَلَيْهِ الْمَأْمُورُ؛ لِأَنَّ بِذَلِكَ الْمِلْكَ يَجِبُ عَلَى مَنْ يَجِبُ لَهُ الْمِلْكُ أَمَّا إذَا مَلَكَ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ الْمَدْفُوعَ لَا مُقَابَلًا بِالْمِلْكِ فَالْآمِرُ يَمْلِكُهُ أَيْضًا لَا مُقَابَلًا بِالْمِلْكِ فَيَكُونُ مُتَبَرِّعًا فَلَا يَرْجِعُ بِلَا شَرْطِ الضَّمَانِ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الثَّالِثَةُ إلَخْ) أَقُولُ: ذَكَرَ فِي كَافِي الْحَاكِمِ الشَّهِيدِ وَإِنْ أَعْطَى كُلَّ مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ وَمُدًّا مِنْ حِنْطَةٍ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَفِي الْمِصْبَاحِ الْأَكْلُ مَعْرُوفٌ إلَخْ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 118 الْعِشَاءِ بِالْكَسْرِ وَالسَّحُورُ بِفَتْحِ السِّينِ مَا يُؤْكَلُ فِي السَّحَرِ مَا قَبْلَ الصُّبْحِ وَبِالضَّمِّ الْأَكْلُ وَقْتَهُ وَأَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَا مُعْتَبَرَ بَعْدَ الشِّبَعِ إلَى مِقْدَارِ الطَّعَامِ حَتَّى رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ لَوْ قَدَّمَ أَرْبَعَةَ أَرْغِفَةٍ إلَى عَشْرَةِ مَسَاكِينَ وَشَبِعُوا أَجْزَأَهُ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ صَاعًا أَوْ نِصْفَ صَاعٍ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَإِلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْإِدَامِ فِي خُبْزِ الشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ لِيُمْكِنَهُمْ الِاسْتِيفَاءُ إلَى الشِّبَعِ بِخِلَافِ خُبْزِ الْبُرِّ وَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي جَوَازِ إطْعَامِ خُبْزِ الشَّعِيرِ بِالْإِدَامِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مُحَمَّدًا نَصَّ عَلَى خُبْزِ الْبُرِّ فِي الزِّيَادَاتِ فَقَالَ الْبَعْضُ: لَا يَجُوزُ بِخُبْزِ الشَّعِيرِ وَبَعْضُهُمْ جَوَّزَهُ مَعَ الْإِدَامِ وَإِلَيْهِ مَالَ الْكَرْخِيُّ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة، وَفِي الْيَنَابِيعِ لَوْ أَطْعَمَ مِائَةً وَعِشْرِينَ مِسْكِينًا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ أَكْلَةً وَاحِدَةً مُشْبِعَةً لَمْ يُجْزِ إلَّا عَنْ نِصْفِ الْإِطْعَامِ فَإِنْ أَعَادَهُ عَلَى سِتِّينَ مِسْكِينًا أَجْزَأَهُ اهـ. وَفِي الْبَدَائِعِ أَوْصَى بِأَنْ يُكَفِّرَ عَنْهُ فَأَطْعَمَ الْوَصِيُّ الْغَدَاءَ لِلْعَدَدِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ ثُمَّ مَاتُوا قَبْلَ الْعَشَاءِ يَسْتَأْنِفُ فَيُغَدِّي وَيُعَشِّي غَيْرَهُمْ؛ لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى التَّفْرِيقِ وَلَا يَضْمَنُ الْوَصِيُّ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ؛ إذْ لَا صُنْعَ لَهُ فِي الْمَوْتِ اهـ. وَيَنْبَغِي أَنَّ الْمُكَفِّرَ إذَا غَدَّى الْعَدَدَ ثُمَّ غَابُوا أَنْ يَنْتَظِرَ حُضُورَهُمْ أَوْ يُعِيدَ الْغَدَاءَ مَعَ الْعَشَاءِ عَلَى عَدَدٍ غَيْرِهِمْ وَيَنْبَغِي فِي الْوَصِيِّ أَنْ يَنْتَظِرَ لِرَجَاءِ حُضُورِهِمْ. (قَوْلُهُ وَإِنْ أَعْطَى فَقِيرًا شَهْرَيْنِ صَحَّ) ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ سَدُّ خُلَّةِ الْمُحْتَاجِ وَالْحَاجَةُ تَتَجَدَّدُ بِتَجَدُّدِ الْأَيَّامِ فَتَكَرُّرُ الْمِسْكِينِ بِتَكَرُّرِ الْحَاجَةِ حُكْمًا فَكَانَ تَعْدَادًا حُكْمًا قُيِّدَ بِالتَّمْلِيكِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَطْعَمَ مِسْكِينًا غَدَّاهُ وَعَشَّاهُ سِتِّينَ يَوْمًا لَا يُجْزِئُهُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْأَخِيرِ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة فَيَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْإِبَاحَةِ وَالتَّمْلِيكِ فِي حَقِّ الْوَاحِدِ وَالْحَقُّ أَنْ لَا فَرْقَ عَلَى الْمَذْهَبِ لِمَا فِي الْبَدَائِعِ لَوْ أَعْطَى طَعَامَ عَشْرَةِ مَسَاكِينَ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ فِي عَشْرَةِ أَيَّامٍ لِمِسْكِينٍ وَاحِدٍ وَغَدَّاهُ وَعَشَّاهُ عَشْرَةَ أَيَّامٍ أَجْزَأَهُ عِنْدَنَا، وَفِي الْمِصْبَاحِ الْخَلَّةُ بِالْفَتْحِ الْفَقْرُ وَالْحَاجَةُ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ فِي يَوْمٍ لَا إلَّا عَنْ يَوْمِهِ) أَيْ: لَوْ أَعْطَى فَقِيرًا ثَلَاثِينَ صَاعًا فِي يَوْمٍ لَا يُجْزِئُهُ إلَّا عَنْ وَاحِدٍ لِفَقْدِ التَّعَدُّدِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا لِعَدَمِ تَجَدُّدِ الْحَاجَةِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا أَعْطَاهُ بِدَفْعَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ مُتَفَرِّقًا عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ، وَفِي طَعَامِ الْإِبَاحَةِ لَا يَجُوزُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ وَإِنْ فَرَّقَ بِلَا خِلَافٍ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَالْكِسْوَةُ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ كَالْإِطْعَامِ حَتَّى لَوْ أَعْطَى مِسْكِينًا وَاحِدًا عَشْرَةَ أَثْوَابٍ فِي عَشْرَةِ أَيَّامٍ يَجُوزُ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ لِتَجَدُّدِ الْحَاجَةِ حُكْمًا بِاعْتِبَارِ تَجَدُّدِ الزَّمَانِ، وَفِي الْبَدَائِعِ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ لَوْ غَدَّى رَجُلًا وَاحِدًا عِشْرِينَ يَوْمًا أَوْ عَشَّى وَاحِدًا عِشْرِينَ يَوْمًا أَجْزَأَهُ عِنْدَنَا، وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ أَعْطَى مِسْكِينًا عَنْ فِدْيَةِ صَوْمٍ يَوْمَيْنِ عَلَيْهِ فَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ يُجْزِئُهُ عَنْهُمَا، وَفِي رِوَايَةٍ لَا يُجْزِئُهُ قِيلَ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ. (قَوْلُهُ وَلَا يَسْتَأْنِفُ بِوَطْئِهَا فِي خِلَالِ الْإِطْعَامِ) ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا شَرَطَ فِي التَّحْرِيرِ وَالصَّوْمِ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ التَّمَاسِّ وَلَمْ يَشْتَرِطْهُ فِي الْإِطْعَامِ وَلَا يُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَإِنْ وَرَدَا فِي حَادِثَةٍ وَاحِدَةٍ بَعْدَ أَنْ يَكُونَا حُكْمَيْنِ كَذَا فِي الْكَافِي إلَّا أَنَّهُ مَنَعَ مِنْ الْوَطْءِ قَبْلَهُ لِجَوَازِ أَنْ يَقْدِرَ عَلَى الصَّوْمِ وَالْإِعْتَاقِ فَتَنْتَقِلُ الْكَفَّارَةُ إلَيْهِمَا فَيَتَبَيَّنُ أَنَّ الْوَطْءَ كَانَ حَرَامًا. (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَطْعَمَ عَنْ ظِهَارَيْنِ سِتِّينَ فَقِيرًا كُلَّ فَقِيرٍ صَاعًا صَحَّ عَنْ وَاحِدٍ وَعَنْ إفْطَارٍ وَظِهَارٍ وَصَحَّ عَنْهُمَا) ؛ لِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ زَادَ فِي قَدْرِ الْوَاجِبِ وَنَقَصَ عَنْ الْمَحَلِّ فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِقَدْرِ الْمَحَلِّ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ لَغْوٌ وَفِي الْجِنْسَيْنِ مُعْتَبَرَةٌ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَطْعَمَ عَشْرَةَ مَسَاكِينَ عَنْ يَمِينَيْنِ لِكُلِّ مِسْكِينٍ صَاعًا فَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الظِّهَارَانِ لِامْرَأَتَيْنِ أَوْ لِوَاحِدَةٍ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ النُّقْصَانَ عَنْ الْعَدَدِ لَا يَجُوزُ فَالْوَاجِبُ فِي الظِّهَارَيْنِ إطْعَامُ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ فَلَا يَجُوزُ صَرْفُ الْوَاجِبِ إلَى الْأَقَلِّ كَمَا لَوْ أَطْعَمَ ثَلَاثِينَ مِسْكِينًا لِكُلِّ وَاحِدٍ صَاعًا فَإِنَّهُ لَا يَكْفِي عَنْ ظِهَارٍ وَاحِدٍ وَالْمُرَادُ بِالْمَدْفُوعِ الْبُرُّ؛ إذْ لَوْ كَانَ تَمْرًا أَوْ شَعِيرًا فَمَوْضُوعُ الْمَسْأَلَةِ أَعْطَى لِكُلِّ فَقِيرٍ صَاعَيْنِ وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِ الْمَسْأَلَةِ بِأَنْ يَكُونَ   [منحة الخالق] يُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ (قَوْلُهُ فَإِنْ أَعَادَهُ عَلَى سِتِّينَ مِسْكِينًا جَازَ) أَيْ: سِتِّينَ مِنْ الْمِائَةِ وَالْعِشْرِينَ. (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي فِي الْوَصِيِّ أَنْ يُنْتَظَرَ) قَالَ فِي النَّهْرِ يَنْبَغِي الْقَوْلُ بِالْوُجُوبِ فِي حَقِّهِ دُونَ غَيْرِهِ إلَى أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ عَدَمُ وُجُودِهِمْ فَيَسْتَأْنِفَ. (قَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُ مُنِعَ مِنْ الْوَطْءِ قَبْلَهُ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الْقُدْرَةَ حَالَ قِيَامِ الْعَجْزِ بِالْفَقْرِ وَالْكِبَرِ وَالْمَرَضِ الَّذِي لَا يُرْجَى زَوَالُهُ أَمْرٌ مَوْهُومٌ وَبِاعْتِبَارِ الْأُمُورِ الْمَوْهُوبَةِ لَا تَثْبُتُ الْأَحْكَامُ ابْتِدَاءً بَلْ يَثْبُتُ الِاسْتِحْبَابُ وَرَعًا فَالْأَوْلَى الِاسْتِدْلَال بِمَا ذَكَرْنَا أَوَّلَ الْفَصْلِ مِنْ النَّصِّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 119 دَفَعَهَا دَفْعَةً وَاحِدَةً أَمَّا لَوْ كَانَ بِدَفَعَاتٍ جَازَ اتِّفَاقًا كَمَا فِي الْكَافِي مُعَلَّلًا بِأَنَّهُ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ كَمِسْكِينٍ آخَرَ وَرَجَّحَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ قَوْلَ مُحَمَّدٍ بِأَنَّهُ كَمَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةِ التَّعْيِينِ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ يَحْتَاجُ إلَيْهَا لِتَمْيِيزِ بَعْضِ أَشْخَاصِ ذَلِكَ الْجِنْسِ وَقَدْ اعْتَبَرُوا ذَلِكَ فِي الْعِتْقِ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ كَفَّارَتَا ظِهَارٍ لِامْرَأَتَيْنِ فَأَعْتَقَ عَبْدًا نَاوِيًا عَنْ إحْدَاهُمَا صَحَّ تَعْيِينُهُ وَلَمْ يَلْغُ وَحَلَّ لَهُ وَطْؤُهَا مَعَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ فَلْيَصِحَّ فِي الْإِطْعَامِ لِثُبُوتِ غَرَضِهِ وَهُوَ حِلُّهُمَا مَعًا. (قَوْلُهُ: وَلَوْ حَرَّرَ عَبْدَيْنِ عَنْ ظِهَارَيْنِ وَلَمْ يُعَيِّنْ صَحَّ عَنْهُمَا وَمِثْلُهُ الصِّيَامُ وَالْإِطْعَامُ) حَتَّى لَوْ صَامَ عَنْهُمَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ أَوْ أَطْعَمَ عَنْهُمَا مِائَةً وَعِشْرِينَ مِسْكِينًا صَحَّ عَنْهُمَا مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ؛ لِأَنَّ الْجِنْسَ مُتَّحِدٌ فَلَا حَاجَةَ إلَى نِيَّةِ التَّعْيِينِ قُيِّدَ بِقَوْلِهِ عَنْ ظِهَارَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَكَفَّارَةُ ظِهَارٍ وَكَفَّارَةُ قَتْلٍ فَأَعْتَقَ عَبِيدًا عَنْ الْكَفَّارَاتِ لَا يُجْزِئُهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَلَوْ أَعْتَقَ كُلَّ رَقَبَةٍ نَاوِيًا عَنْ وَاحِدٍ مِنْهَا لَا بِعَيْنِهَا جَازَ بِالْإِجْمَاعِ وَلَا يَضُرُّ جَهَالَةُ الْمُكَفَّرِ عَنْهُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ. (قَوْلُهُ وَإِنْ حَرَّرَ عَنْهُمَا رَقَبَةً أَوْ صَامَ شَهْرَيْنِ صَحَّ عَنْ وَاحِدٍ وَعَنْ ظِهَارٍ وَقَتْلٍ لَا) ؛ لِأَنَّ نِيَّةَ التَّعْيِينِ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ لَغْوٌ، وَفِي الْمُخْتَلِفِ مُفِيدٌ فَإِذَا لَغَا لَهُ أَنْ يُعَيِّنَ أَيَّهمَا شَاءَ وَيُجَامِعُ مَعَ تِلْكَ الْمَرْأَةِ الَّتِي عَيَّنَهَا وَأَرَادَ بِالرَّقَبَةِ الْمُؤْمِنَةَ، أَمَّا لَوْ أَعْتَقَ كَافِرَةً عَنْ ظِهَارٍ وَقَتْلٍ كَانَ عَنْ الظِّهَارِ وَإِنْ اخْتَلَفَ الْجِنْسُ؛ لِأَنَّ الْكَافِرَةَ لَا تَصْلُحُ لِكَفَّارَةِ الْقَتْلِ وَجَعَلَ لَهُ فِي الْبَدَائِعِ نَظِيرًا حَسَنًا هُوَ مَا إذَا جَمَعَ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَبِنْتِهَا أَوْ أُخْتِهَا وَنَكَحَهُمَا مَعًا فَإِنْ كَانَتَا فَارِغَتَيْنِ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا وَإِنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا مُتَزَوِّجَةً صَحَّ فِي الْفَارِغَةِ، وَالْأَصْلُ أَنَّ مَا اخْتَلَفَ سَبَبُهُ فَهُوَ الْمُخْتَلِفُ وَمَا اتَّحَدَ سَبَبُهُ فَهُوَ الْمُتَّحِدُ فَالصَّلَوَاتُ كُلُّهَا مِنْ قَبِيلِ الْمُخْتَلِفِ حَتَّى الظُّهْرَيْنِ مِنْ يَوْمَيْنِ وَصَوْمُ أَيَّامِ رَمَضَانَ مِنْ قَبِيلِ الْمُتَّحِدِ إنْ كَانَ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ سَنَتَيْنِ فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ الْمُخْتَلِفِ. وَلَوْ نَوَى ظُهْرًا أَوْ عَصْرًا أَوْ صَلَاةَ جِنَازَةٍ لَمْ يَكُنْ شَارِعًا فِي وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا لِلتَّنَافِي وَعَدَمِ الرُّجْحَانِ، وَلَوْ نَوَى ظُهْرًا وَنَفْلًا لَمْ يَكُنْ شَارِعًا أَصْلًا عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِلتَّنَافِي وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَقَعُ عَنْ الْفَرْضِ؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى، وَلَوْ نَوَى صَوْمَ الْقَضَاءِ وَالنَّفَلِ أَوْ الزَّكَاةَ وَالتَّطَوُّعَ أَوْ الْحَجَّ الْمَنْذُورَ، وَالتَّطَوُّعُ يَكُونُ تَطَوُّعًا عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِبُطْلَانِهِمَا بِالتَّعَارُضِ فَانْصَرَفَ إلَى النَّفْلِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَقَعُ عَنْ الْأَقْوَى تَرْجِيحًا لَهُ عِنْدَ التَّعَارُضِ، وَلَوْ نَوَى حَجَّةَ الْإِسْلَامِ وَالتَّطَوُّعَ فَهُوَ عَنْ الْحَجَّةِ اتِّفَاقًا لِلْقُوَّةِ عِنْدَ الثَّانِي وَلِبُطْلَانِ الْجِهَةِ بِالتَّعَارُضِ وَهِيَ تَتَأَدَّى بِالْمُطْلَقِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَنْ عَلَيْهِ كَفَّارَاتُ أَيْمَانٍ أَعْتَقَ عَنْ إحْدَاهُنَّ وَأَطْعَمَ عَنْ أُخْرَى وَكَسَا عَنْ أُخْرَى أَوْ أَعْتَقَ عَنْهَا عَبْدًا وَلَا يَنْوِي كُلَّ وَاحِدَةٍ بِعَيْنِهَا جَازَ اسْتِحْسَانًا خِلَافًا لِزُفَرَ نَظَرًا إلَى أَنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ وَنَحْنُ نَقُولُ الْجِنْسُ مُتَّحِدٌ فَهُوَ كَالصَّوْمِ بِخِلَافِ صَلَاةِ الظُّهْرِ؛ لِأَنَّهُ نِيَّةُ التَّعْيِينِ ثَمَّةَ لَمْ تُشْتَرَطْ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْوَاجِبَ مُخْتَلِفٌ مُتَعَدِّدٌ بَلْ بِاعْتِبَارِ أَنَّ مُرَاعَاةَ التَّرْتِيبِ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ وَلَا يُمْكِنُهُ مُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ إلَّا بِنِيَّةِ التَّعْيِينِ حَتَّى لَوْ سَقَطَ التَّرْتِيبُ بِكَثْرَةِ الْفَوَائِتِ تَكْفِيهِ نِيَّةُ الظُّهْرِ لَا غَيْرُ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَهُوَ تَفْصِيلٌ حَسَنٌ فِي الصَّلَوَاتِ يَنْبَغِي حِفْظُهُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا نَوَى   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَقَدْ اعْتَبَرُوا ذَلِكَ فِي الْعِتْقِ إلَخْ) ذَكَرَ فِي الْعِنَايَةِ الْفَرْقَ بَيْنَ مَسْأَلَتَيْ الْعِتْقِ وَالْإِطْعَامِ بِأَنَّ إعْتَاقَ الرَّقَبَةِ يَصْلُحُ كَفَّارَةً عَنْ أَحَدِ الظِّهَارَيْنِ قَدْرًا وَمَحَلًّا فَصَحَّتْ نِيَّتُهُ فَأَمَّا إطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا كُلَّ مِسْكِينٍ صَاعًا فَإِنْ صَلُحَ عَنْ الظِّهَارَيْنِ قَدْرًا لَمْ يَصْلُحْ لَهُمَا مَحَلًّا؛ لِأَنَّ مَحَلَّهُمَا مِائَةٌ وَعِشْرُونَ مِسْكِينًا عِنْدَ عَدَمِ التَّفْرِيقِ فَإِذَا زَادَ فِي الْوَظِيفَةِ وَنَقَصَ عَنْ الْمَحَلِّ وَجَبَ أَنْ يُعْتَبَرَ قَدْرُ الْمَحَلِّ احْتِيَاطًا كَمَا لَوْ أَعْطَى ثَلَاثِينَ مِسْكِينًا كُلَّ وَاحِدٍ صَاعًا اهـ. قَالَ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ فِيهِ بَحْثٌ فَإِنَّهُ لِمَ لَا يَكْفِي التَّفَرُّقُ الْحُكْمِيُّ بِنِيَّةِ التَّوْزِيعِ كَمَا كَفَى التَّعَدُّدُ الْحُكْمِيُّ فِيمَا إذَا أَطْعَمَ مِسْكِينًا وَاحِدًا سِتِّينَ يَوْمًا اهـ. وَأَصْلُ الْبَحْثِ لِلْمُحَقِّقِ ابْنِ الْهُمَامِ ذَكَرَهُ فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ نِيَّةَ التَّعْيِينِ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ لَغْوٌ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ قِيلَ مَعْنَاهُ نَوَى التَّوْزِيعَ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ فَكَانَتْ لَغْوًا وَإِذَا لَغَتْ صَارَ كَأَنَّهُ أَعْتَقَ رَقَبَةً عَنْ الظِّهَارَيْنِ وَلَمْ يَنْوِ عَنْهُمَا وَذَلِكَ جَائِزٌ وَلَهُ أَنْ يَصْرِفَهَا إلَى أَيِّهِمَا شَاءَ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْكَفَّارَتَانِ مِنْ جِنْسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ؛ لِأَنَّهُ نَوَى التَّوْزِيعَ فِي الْجِنْسِ الْمُخْتَلِفِ فَكَانَتْ مُعْتَبَرَةً فَلَا يَكُونُ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا (قَوْلُهُ وَهُوَ تَفْصِيلٌ حَسَنٌ إلَخْ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي مَسَائِلَ شَتَّى آخِرَ الْكِتَابِ بَعْدَ نَقْلِهِ كَلَامَ الْمُحِيطِ، وَهَذَا مُشْكِلٌ وَمَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا قَاضِي خَانْ وَغَيْرُهُ خِلَافُ ذَلِكَ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَعْنَى أَيْ: مِنْ أَنَّ التَّعْيِينَ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ لَغْوٌ إلَخْ. قَالَ: وَلِأَنَّ الْأَمْرَ لَوْ كَانَ كَمَا قَالَهُ فِي الْمُحِيطِ لَجَازَ مَعَ وُجُوبِ التَّرْتِيبِ أَيْضًا لِإِمْكَانِ صَرْفِهِ إلَى الْأَوَّلِ؛ إذْ لَا يَجِبُ التَّعْيِينُ عِنْدَ التَّرْتِيبِ وَلَا يُفِيدُ اهـ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 120 شَيْئَيْنِ فَإِنْ كَانَا فَرْضَيْنِ لَمْ يَصِحَّ اتِّفَاقًا وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا فَرْضًا وَالْآخَرُ نَفْلًا فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَقَعُ عَنْ الْأَقْوَى سَوَاءٌ كَانَ الْأَقْوَى يَتَأَدَّى بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ كَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ أَوْ لَا كَالصَّلَاةِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ فِي الْأَوَّلِ يَقَعُ عَنْ الْفَرْضِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا بَطَلَتْ النِّيَّتَانِ لِلتَّعَارُضِ بَقِيَ مُطْلَقُ النِّيَّةِ وَفِي الثَّانِي لَمْ يَصِحَّ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَمِمَّا يُعَكِّرُ عَلَى الْأَصْلِ الْمُمَهَّدِ مَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الْمُنْتَقَى لَوْ تَصَدَّقَ عَنْ يَمِينٍ وَظِهَارٍ فَلَهُ أَنْ يَجْعَلَهُ عَنْ أَحَدِهِمَا اسْتِحْسَانًا، وَقَدَّمْنَا فِي بَابِ شُرُوطِ الصَّلَاةِ مَسَائِلَ مِنْ هَذَا النَّوْعِ فَارْجِعْ إلَيْهِ. وَقَوْلُهُمْ هُنَا لَوْ نَوَى ظُهْرًا أَوْ عَصْرًا أَوْ صَلَاةَ جِنَازَةٍ بِوَاوِ الْعَطْفِ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ بِأَوْ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا لَوْ نَوَى ظُهْرًا أَوْ صَلَاةَ جِنَازَةٍ كَانَ عَنْ الظُّهْرِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُمْ أَنَّ نِيَّةَ التَّعْيِينِ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ لَغْوٌ يَرُدُّ عَلَيْهِ مَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ كَفَّارَتَا ظِهَارٍ لِامْرَأَتَيْنِ فَأَعْتَقَ عَبْدًا عَنْ إحْدَاهُمَا صَحَّ التَّعْيِينُ وَلَهُ أَنْ يَطَأَ الَّتِي كَفَّرَ عَنْهَا دُونَ الْأُخْرَى وَلَمْ يُجِبْ عَنْهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهُوَ بِنَاءً عَلَى مَا فَهِمَهُ مِنْ ظَاهِرِ الْعِبَارَةِ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ نِيَّةَ تَعْيِينِ بَعْضِ الْأَفْرَادِ فِي الْجِنْسِ الْمُتَّحِدِ لَغْوٌ وَقَدْ قَرَّرَ الْمُرَادَ فِي النِّهَايَةِ بِمَا يَدْفَعُ الْإِيرَادَ فَقَالَ أَرَادَ بِهِ تَعْمِيمَ الْجِنْسِ بِالنِّيَّةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا عَيَّنَ ظِهَارَ إحْدَاهُمَا لِلتَّكْفِيرِ صَحَّ وَحَلَّ لَهُ قُرْبَانُهَا كَذَا فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (بَابُ اللِّعَانِ) مَصْدَرُ لَاعَنَ مُلَاعَنَةً وَلِعَانًا يُقَالُ لَاعَنَ امْرَأَتَهُ مُلَاعَنَةً وَلِعَانًا، وَتَلَاعَنَا وَالْتَعَنَا لَعَنَ بَعْضٌ بَعْضًا، وَلَاعَنَ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا لِعَانًا حَكَمَ، وَالتَّلْعِينُ التَّعْذِيبُ وَلَعَنَهُ كَجَعَلَهُ طَرَدَهُ وَأَبْعَدَهُ فَهُوَ لَعِينٌ وَمَلْعُونٌ وَالْجَمْعُ مَلَاعِينُ وَالِاسْمُ اللِّعَانُ وَاللِّعَانِيَةُ وَاللَّعْنُ بِالضَّمِّ مَنْ يَلْعَنُهُ النَّاسُ وَاللُّعَنَةُ كَهُمَزَةٍ الْكَثِيرُ اللَّعْنِ لَهُمْ وَاللَّعِينُ مَنْ يَلْعَنُهُ كُلُّ وَاحِدٍ كَالْمُلَعَّنِ وَالشَّيْطَانُ وَالْمَمْسُوخُ وَالْمَشْئُومُ وَالْمُسَيَّبُ وَمَا يُتَّخَذُ فِي الْمَزَارِعِ كَهَيْئَةِ الرَّجُلِ وَالْمُخْزَى الْمُهْلَكُ كَذَا فِي الْقَامُوسِ. وَالْأَصْلُ فِيهِ الْآيَاتُ الَّتِي فِي سُورَةِ النُّورِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} [النور: 6] {وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} [النور: 7] {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ} [النور: 8] {وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [النور: 9] {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ} [النور: 10] وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا فَرَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ قَذَفَ امْرَأَتَهُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِشَرِيكِ بْنِ سَحْمَاءَ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْبَيِّنَةُ وَإِلَّا حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إذَا رَأَى أَحَدُنَا عَلَى امْرَأَتِهِ رَجُلًا يَنْطَلِقُ يَلْتَمِسُ الْبَيِّنَةَ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ الْبَيِّنَةُ وَإِلَّا حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ فَقَالَ هِلَالٌ وَاَلَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ إنِّي لَصَادِقٌ وَلَيُنْزِلَنَّ اللَّهُ تَعَالَى مَا يُبَرِّئُ ظَهْرِي مِنْ الْحَدِّ فَنَزَلَ جِبْرِيلُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: 6] حَتَّى بَلَغَ {إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [النور: 9] . فَانْصَرَفَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَرْسَلَ إلَيْهِمَا فَجَاءَ هِلَالٌ فَشَهِدَ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ اللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ ثُمَّ قَامَتْ فَشَهِدَتْ فَلَمَّا كَانَتْ عِنْدَ الْخَامِسَةِ وَعَظَهَا وَقَالَ إنَّهَا مُوجِبَةٌ فَتَلَكَّأَتْ وَنَكَصَتْ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهَا تَرْجِعُ ثُمَّ قَالَتْ لَا أَفْضَحُ قَوْمِي سَائِرَ الْيَوْمِ فَمَضَتْ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبْصِرُوهَا فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَكْحَلَ الْعَيْنَيْنِ شَائِعَ الْأَلْيَتَيْنِ خَدَلَّجَ السَّاقَيْنِ فَهُوَ لِشَرِيكِ بْنِ سَحْمَاءَ فَجَاءَتْ بِهِ كَذَلِكَ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَوْلَا مَا مَضَى مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ» . فِي الْمِصْبَاحِ خَدَلَّجَ أَيْ: ضَخْمَ وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ «جَاءَ عُوَيْمِرٌ إلَى عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَقَدْ قَرَّرَ الْمُرَادَ فِي النِّهَايَةِ إلَخْ) وَمِثْلُهُ فِي الْكِفَايَة وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّعْيِينِ اللَّغْوُ تَعْيِينُ جَمِيعِ أَفْرَادِ الْجِنْسِ لَا فَرْدٍ خَاصٍّ، وَهَذَا مَعْنَى مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْعِنَايَةِ مِنْ تَفْسِيرِهِ بِالتَّوْزِيعِ وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَنْدَفِعُ مَا رُجِّحَ بِهِ فِي الْفَتْحِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَارَّةِ [بَابُ اللِّعَانِ] الجزء: 4 ¦ الصفحة: 121 فَقَالَ سَلْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرَأَيْتَ رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا فَقَتَلَهُ أَيُقْتَلُ بِهِ أَمْ كَيْفَ يَصْنَعُ؟ فَسَأَلَ عَاصِمٌ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَابَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَقِيَهُ عُوَيْمِرٌ فَقَالَ: مَا صَنَعْتَ إنَّكَ لَمْ تَأْتِنِي بِخَيْرٍ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَابَ السَّائِلَ فَقَالَ عُوَيْمِرٌ وَاَللَّهِ لَآتِيَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَأَسْأَلَنَّهُ فَأَتَاهُ فَوَجَدَهُ قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ فَدَعَا بِهَا فَلَاعَنَ بَيْنَهُمَا فَقَالَ عُوَيْمِرٌ إنْ انْطَلَقْتُ بِهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَدْ كَذَبْتُ عَلَيْهَا فَفَارَقَهَا قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَارَتْ سُنَّةً لِلْمُتَلَاعِنَيْنِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبْصِرُوهَا فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَسْحَمَ الْعَيْنَيْنِ عَظِيمَ الْأَلْيَتَيْنِ فَلَا أُرَاهُ إلَّا قَدْ صَدَقَ وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أُحَيْمِرَ كَأَنَّهُ وَحَرَةٌ فَلَا أُرَاهُ إلَّا كَاذِبًا فَجَاءَتْ بِهِ مِثْلَ النَّعْتِ الْمَكْرُوهِ» وَذَكَرَ الْبِقَاعِيُّ أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ لِلْآيَةِ الْوَاحِدَةِ عِدَّةُ أَسْبَابٍ مَعًا أَوْ مُتَفَرِّقًا اهـ. وَتَمَامُ الرِّوَايَاتِ بِاخْتِلَافِ طُرُقِهَا فِي الدُّرِّ الْمَنْثُورِ لِلْجَلَالِ الْأَسْيُوطِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. (قَوْلُهُ هِيَ شَهَادَاتٌ مُؤَكَّدَاتٌ بِالْأَيْمَانِ مَقْرُونَةٌ بِاللَّعْنِ قَائِمَةٌ مَقَامَ حَدِّ الْقَذْفِ فِي حَقِّهِ وَمَقَامَ حَدِّ الزِّنَا فِي حَقِّهَا) ، وَهَذَا بَيَانٌ لِلرُّكْنِ فَدَلَّ عَلَى اشْتِرَاطِ أَهْلِيَّتِهِمَا لِلشَّهَادَةِ فِي حَقِّ كُلٍّ مِنْهُمَا كَمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ لَا أَهْلِيَّةَ الْيَمِينِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمَا لَوْ الْتَعَنَا عِنْدَ قَاضٍ فَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا حَتَّى مَاتَ أَوْ عُزِلَ فَإِنَّ الثَّانِيَ يُعِيدُ اللِّعَانَ كَمَا لَوْ شَهِدَا عِنْدَهُ فَمَاتَ أَوْ عُزِلَ قَبْلَ الْقَضَاءِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَالْمُرَادُ بِكَوْنِهِ قَائِمًا مَقَامَ حَدِّ الْقَذْفِ فِي حَقِّهِ أَنْ يَكُونَ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا لَا مُطْلَقًا؛ إذْ لَوْ كَانَ مُطْلَقًا لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ أَبَدًا مَعَ أَنَّهَا مَقْبُولَةٌ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي حَدِّ الْقَذْفِ وَفِي الِاخْتِيَارِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ بَعْدَ اللِّعَانِ أَبَدًا. وَلَوْ قَذَفَ بِكَلِمَةٍ أَوْ بِكَلِمَاتٍ أَرْبَعَ زَوْجَاتٍ لَهُ بِالزِّنَا لَا يَكْفِيهِ لِعَانٌ وَاحِدٌ لَهُنَّ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُلَاعِنَ كُلًّا مِنْهُنَّ عَلَى حِدَةٍ بِخِلَافِ مَا إذَا قَذَفَهَا مِرَارًا حَيْثُ يَجِبُ لِعَانٌ وَاحِدٌ كَمَا لَوْ قَذَفَ أَجْنَبِيَّةً مِرَارًا أَوْ أَجْنَبِيَّاتٍ بِكَلِمَةٍ أَوْ كَلِمَاتٍ يَجِبُ حَدٌّ وَاحِدٌ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ دَفْعُ الْعَارِ عَنْهُنَّ وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ فِي اللِّعَانِ إلَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ، وَلَوْ قَذَفَهُنَّ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ اللِّعَانِ اُكْتُفِيَ بِحَدٍّ وَاحِدٍ لِلْكُلِّ لِلتَّدَاخُلِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَالْمُرَادُ بِكَوْنِهِ قَائِمًا مَقَامَ حَدِّ الزِّنَا فِي حَقِّهَا أَنْ يَكُونَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الزَّوْجِ حَتَّى لَا يَثْبُتَ اللِّعَانُ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ وَلَا بِكِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي وَلَا بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ وَإِذَا قَذَفَهَا إنْسَانٌ بَعْدَ اللِّعَانِ إنْ رَمَاهَا زَوْجُهَا بِالزِّنَا ثُمَّ قَذَفَهَا هُوَ أَوْ غَيْرُهُ حُدَّ؛ لِأَنَّ لِعَانَهُ كَحَدِّهِ مُؤَكِّدٌ لِعِفَّتِهَا. وَإِنْ قَذَفَهَا بِنَفْيِ الْوَلَدِ ثُمَّ قَذَفَهَا هُوَ أَوْ غَيْرُهُ لَا يُحَدُّ لِوُجُودِ أَمَارَةِ الزِّنَا وَإِنْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ بَعْدَ اللِّعَانِ ثُمَّ قَذَفَهَا هُوَ أَوْ غَيْرُهُ حُدَّ الْقَاذِفُ سَوَاءٌ كَانَ اللِّعَانُ بِالزِّنَا أَوْ بِنَفْيِ الْوَلَدِ وَسَبَبُهُ قَذْفُهُ لِزَوْجَتِهِ يُوجِبُ الْحَدَّ فِي الْأَجْنَبِيَّةِ وَأَهْلُهُ أَهْلُ الْأَدَاءِ لِلشَّهَادَةِ. وَحُكْمُهُ حُرْمَةُ الْوَطْءِ بَعْدَ التَّلَاعُنِ وَلَوْ قَبْلَ التَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا، وَوُجُوبُ التَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا وَوُقُوعُ الْبَائِنِ بِالتَّفْرِيقِ وَاسْتُفِيدَ مِنْ كَوْنِهِ قَائِمًا مَقَامَ الْحَدِّ سَوَاءٌ كَانَ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ أَوْ إلَيْهَا أَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الْعَفْوَ وَالْإِبْرَاءَ وَالصُّلْحَ عَلَى مَالٍ حَتَّى لَوْ صَالَحَهَا عَلَى التَّرْكِ بِمَالٍ رَدَّتْ الْمَالَ وَلَهَا الْمُطَالَبَةُ بَعْدَ الْعَفْوِ وَأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ التَّوْكِيلَ إلَّا فِي إثْبَاتِهِ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ كَالْحُدُودِ، كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ اللِّعَانَ قَائِمٌ مَقَامَ الْحَدَّيْنِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ حَدِّ الْقَذْفِ فِي حَقِّهِ إنْ كَانَ كَاذِبًا وَهِيَ صَادِقَةٌ وَقَائِمٌ مَقَامَ حَدِّ الزِّنَا فِي حَقِّهَا إنْ كَانَتْ كَاذِبَةً وَهُوَ صَادِقٌ فَافْهَمْ. [شَرَائِطُ وُجُوبِ اللِّعَانِ] وَفِي الْبَدَائِعِ، وَأَمَّا شَرَائِطُ وُجُوبِ اللِّعَانِ فَبَعْضُهَا يَرْجِعُ إلَى الْقَاذِفِ خَاصَّةً وَبَعْضُهَا إلَى الْمَقْذُوفِ خَاصَّةً وَبَعْضُهَا إلَيْهِمَا جَمِيعًا وَبَعْضُهَا إلَى الْمَقْذُوفِ بِهِ وَبَعْضُهَا إلَى الْمَقْذُوفِ فِيهِ وَبَعْضُهَا إلَى نَفْسِ الْقَذْفِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَوَاحِدٌ وَهُوَ عَدَمُ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى صِدْقِهِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَإِنْكَارُهَا وُجُودَ الزِّنَا مِنْهَا وَعِفَّتُهَا عَنْهُ، وَأَمَّا الثَّالِثُ فَالزَّوْجِيَّةُ بَيْنَهُمَا وَالْحُرِّيَّةُ وَالْعَقْلُ وَالْإِسْلَامُ وَالْبُلُوغُ وَالنُّطْقُ وَعَدَمُ الْحَدِّ فِي قَذْفٍ فَلَا لِعَانَ فِي قَذْفِ الْمَنْكُوحَةِ فَاسِدًا وَلَا   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 122 يَقْذِفُ الْمُبَانَةَ، وَلَوْ وَاحِدَةً بِخِلَافِ قَذْفِ الْمُطَلَّقَةِ رَجْعِيًّا، وَلَوْ قَذَفَ زَوْجَتَهُ بِزِنًا كَانَ قَبْلَ الزَّوْجِيَّةِ وَجَبَ اللِّعَانُ وَلَا لِعَانَ بِقَذْفِ زَوْجَتِهِ الْمَيِّتَةِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُلَاعِنُ عَلَى قَبْرِهَا، وَأَمَّا مَا يَرْجِعُ إلَى الْمَقْذُوفِ بِهِ فَهُوَ الزِّنَا، وَأَمَّا الْمَقْذُوفُ فِيهِ فَدَارُ الْإِسْلَامِ، وَأَمَّا نَفْسُ الْقَذْفِ فَالرَّمْيُ بِصَرِيحِ الزِّنَا وَسَيَأْتِي فِي الْحُدُودِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَذَفَ زَوْجَتَهُ بِالزِّنَا وَصَلُحَا شَاهِدَيْنِ وَهِيَ مِمَّنْ يُحَدُّ قَاذِفُهَا أَوْ نَفَى نَسَبَ الْوَلَدِ وَطَالَبَتْهُ بِمُوجِبِ الْقَذْفِ وَجَبَ اللِّعَانُ) أَيْ: بِصَرِيحِ الزِّنَا الْمُوجِبِ لِلْحَدِّ فِي الْأَجْنَبِيَّةِ فَلَوْ قَذَفَهَا بِعَمَلِ قَوْمِ لُوطٍ فَلَا لِعَانَ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ اللِّعَانُ بِنَاءً عَلَى الْحَدِّ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ، وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة رَجُلٌ قَذَفَ امْرَأَةَ رَجُلٍ فَقَالَ الزَّوْجُ صَدَقْتَ هِيَ كَمَا قُلْت كَانَ قَاذِفًا حَتَّى يُلَاعِنَ، وَلَوْ قَالَ صَدَقْتَ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ لَمْ يَكُنْ قَاذِفًا اهـ. وَضَمِيرُ صَلُحَا لِلزَّوْجَيْنِ وَأَطْلَقَهَا فَشَمِلَ غَيْرَ الْمَدْخُولَةِ وَالْمُرَادُ صَلَاحِيَّتُهُمَا لِأَدَائِهَا عَلَى الْمُسْلِمِ لَا لِلتَّحَمُّلِ فَلَا لِعَانَ بَيْنَ كَافِرَيْنِ وَإِنْ قُبِلَتْ شَهَادَةُ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ اللِّعَانَ شَهَادَاتٌ مُؤَكَّدَاتٌ بِالْأَيْمَانِ فَلَا يُكْتَفَى بِأَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ بَلْ لَا بُدَّ مَعَهَا مِنْ أَهْلِيَّةِ الْيَمِينِ وَالْكَافِرُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْكَفَّارَةِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَلَا بَيْنَ كَافِرَةٍ وَمُسْلِمٍ وَلَا بَيْنَ مَمْلُوكَيْنِ وَلَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مَمْلُوكًا أَوْ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ لِعَانُ الْأَعْمَى وَالْفَاسِقِ فَإِنَّهُ يَجْرِي بَيْنَ الْأَعْمَيَيْنِ وَالْفَاسِقَيْنِ مَعَ أَنَّهُمَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ أَهْلِ الْأَدَاءِ إلَّا أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ لِلْفِسْقِ فِي الْفَاسِقِ وَلِعَدَمِ التَّمْيِيزِ فِي الْأَعْمَى حَتَّى لَوْ قَضَى قَاضٍ بِشَهَادَةِ الْفَاسِقِ وَالْأَعْمَى صَحَّ قَضَاؤُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَضَى بِشَهَادَةِ الْمَمْلُوكِ أَوْ الصَّبِيِّ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى التَّمْيِيزِ؛ لِأَنَّ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ الزَّوْجِيَّةُ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَفْصُلَ بَيْنَ نَفْسِهِ وَامْرَأَتِهِ وَرَوَى ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّ الْأَعْمَى لَا يُلَاعِنُ وَقُيِّدَ بِكَوْنِهَا مِمَّنْ يُحَدُّ قَاذِفُهَا احْتِرَازًا عَمَّا لَوْ كَانَتْ وُطِئَتْ بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ أَوْ كَانَ لَهَا وَلَدٌ وَلَيْسَ لَهُ أَبٌ مَعْرُوفٌ أَوْ زَنَتْ فِي عُمْرِهَا، وَلَوْ مَرَّةً أَوْ وُطِئَتْ وَطْئًا حَرَامًا، وَلَوْ مَرَّةً بِشُبْهَةٍ لَا يَجْرِي اللِّعَانُ. وَتَفَرَّعَ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ لَوْ قَذَفَهَا فَتَزَوَّجَتْ غَيْرَهُ فَادَّعَى الْأَوَّلُ الْوَلَدَ لَزِمَهُ وَحُدَّ لِلْقَذْفِ وَإِنْ وَلَدَتْ مِنْ الثَّانِي لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ قَبْلَ إكْذَابِ الْأَوَّلِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْإِكْذَابِ لَاعَنَ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَلَمَّا كَانَتْ الْمَرْأَةُ هِيَ الْمَقْذُوفَةُ دُونَهُ اخْتَصَّتْ بِاشْتِرَاطِ كَوْنِهَا مِمَّنْ يُحَدَّ قَاذِفُهَا بَعْدَ اشْتِرَاطِ أَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ وَلَمَّا كَانَ الزَّوْجُ لَيْسَ مَقْذُوفًا وَإِنَّمَا هُوَ شَاهِدٌ اُشْتُرِطَ فِي حَقِّهِ كَمَا اُشْتُرِطَ فِي حَقِّهَا أَهْلِيَّةُ الشَّهَادَةِ وَلَمْ تُشْتَرَطْ عِفَّتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فَاسِقًا بِالزِّنَا جَرَى اللِّعَانُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا وَإِنْ كَانَ لَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ جَرَيَانِهِ بَيْنَ الْفَاسِقَيْنِ فَهَذَا وَجْهُ تَخْصِيصِهَا بِهَذَا الشَّرْطِ كَمَا حَقَّقَهُ الشَّارِحُ رَدًّا عَلَى صَاحِبِ النِّهَايَةِ وَأَرَادَ بِكَوْنِهَا مِمَّنْ يُحَدُّ قَاذِفُهَا أَنْ تَكُونَ عَفِيفَةً عَنْ الزِّنَا فَقَطْ؛ لِأَنَّ كَوْنَهَا مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ يَدُلُّ عَلَى اشْتِرَاطِ الْحُرِّيَّةِ وَالتَّكْلِيفِ وَالْإِسْلَامِ فَلَمْ يَبْقَ مِنْ شَرَائِطِ الْإِحْصَانِ إلَّا الْعِفَّةُ كَمَا أَفَادَهُ فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ. وَأَرَادَ بِنَفْيِ نَسَبِ الْوَلَدِ نَفْيَ نَسَبِ وَلَدِهَا وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ وَلَدَهَا مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ بِأَنْ يَقُولَ هَذَا الْوَلَدُ مِنْ الزِّنَا أَوْ هَذَا الْوَلَدُ لَيْسَ مِنِّي وَمَا إذَا صَرَّحَ مَعَهُ بِالزِّنَا أَوْ لَمْ يُصَرِّحْ عَلَى مُخْتَارِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَالشَّارِحِ خِلَافًا لِمَا فِي الْمُحِيطِ وَالْمُبْتَغَى وَالْحَقُّ الْإِطْلَاقُ؛ لِأَنَّ قَطْعَ النَّسَبِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ يَسْتَلْزِمُ الزِّنَا فَلَا عِبْرَةَ بِاحْتِمَالِ كَوْنِ الْوَلَدِ مِنْ غَيْرِهِ بِوَطْءٍ بِشُبْهَةٍ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْبَدَائِعِ هَذَا الِاحْتِمَالُ سَاقِطٌ بِالْإِجْمَاعِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ إنْ نَفَاهُ عَنْ الْأَبِ الْمَشْهُورِ بِأَنْ قَالَ لَهُ لَسْتَ لِأَبِيكَ يَكُونُ قَاذِفًا لِأُمِّهِ حَتَّى يَلْزَمَهُ حَدُّ الْقَذْفِ مَعَ وُجُودِ هَذَا الِاحْتِمَالِ وَقَدْ ظَهَرَ لِي أَنَّ قَوْلَ مَنْ قَالَ لَا يَجِبُ حَدٌّ وَلَا لِعَانٌ بِنَفْيِ الْوَلَدِ عَنْ أَبِيهِ إذَا لَمْ يُصَرِّحْ بِالزِّنَا مَحْمُولٌ عَلَى حَالَةِ الرِّضَا وَقَوْلُ مَنْ أَوْجَبَهُ وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ مَحْمُولٌ عَلَى حَالَةِ الْغَضَبِ وَبِهِ يَنْدَفِعُ إلْزَامُ التَّنَاقُضِ عَلَى صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَالدِّرَايَةِ وَإِنَّمَا حَمَلْنَاهُ عَلَى ذَلِكَ لِتَصْرِيحِهِمْ بِالتَّفْصِيلِ فِي بَابِ حَدِّ الْقَذْفِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. بِخِلَافِ قَوْلِهِ وَجَدْت مَعَهَا رَجُلًا يُجَامِعُهَا فَإِنَّهُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَتَفَرَّعَ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ) أَيْ كَوْنُهَا مِمَّنْ يُحَدُّ قَاذِفُهَا وَقَوْلُهُ لَوْ قَذَفَهَا أَيْ بِنَفْيِ الْوَلَدِ كَمَا هُوَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَقَوْلُهُ فَادَّعَى الْوَلَدَ الْأَوَّلَ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ الْأَوَّلُ الْوَلَدُ بِتَقْدِيمِ الْأَوَّلِ وَهُوَ فَاعِلُ ادَّعَى وَقَوْلُهُ لَزِمَهُ أَيْ: لَزِمَ الْوَلَدُ الزَّوْجَ الْأَوَّلَ وَقَوْلُهُ وَإِنْ وَلَدَتْ مِنْ الثَّانِي أَيْ: وَقَذَفَهَا بِنَفْيِ الْوَلَدِ وَقَوْلُهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ أَيْ: عَلَى الثَّانِي بِذَلِكَ الْقَذْفِ إنْ كَانَ قَبْلَ إكْذَابِ الْأَوَّلِ أَيْ: إكْذَابِ الزَّوْجِ الْأَوَّلِ نَفْسَهُ بِدَعْوَى الْوَلَدِ وَإِنَّمَا كَانَ لَا شَيْءَ عَلَى الثَّانِي؛ لِأَنَّ لَهَا وَلَدًا لَيْسَ لَهُ أَبٌ مَعْرُوفٌ فَكَانَ شُبْهَةُ الزِّنَا أَمَّا لَوْ كَانَ بَعْدَ مَا أَكْذَبَ نَفْسَهُ فَالشُّبْهَةُ مُنْتَفِيَةٌ فَيُلَاعِنُ الزَّوْجُ الثَّانِي تَأَمَّلْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 123 لَيْسَ بِقَذْفٍ؛ لِأَنَّ الْجِمَاعَ لَا يَسْتَلْزِمُ الزِّنَا وَقُيِّدَ بِطَلَبِهَا؛ لِأَنَّهَا لَوْ لَمْ تُطَالِبْهُ فَلَا لِعَانَ؛ لِأَنَّهُ حَقُّهَا لِدَفْعِ الْعَارِ عَنْهَا فَيُشْتَرَطُ طَلَبُهَا وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهِ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَمُرَادُهُ طَلَبُهَا إذَا كَانَ الْقَذْفُ بِصَرِيحِ الزِّنَا إمَّا بِنَفْيِ الْوَلَدِ فَالطَّلَبُ حَقُّهُ أَيْضًا لِاحْتِيَاجِهِ إلَى نَفْيِ مَنْ لَيْسَ وَلَدُهُ عَنْهُ وَأَشَارَ بِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الْفَوْرِ فِي الطَّلَبِ إلَى أَنَّ سُكُوتَهَا لَا يُبْطِلُ حَقَّهَا وَإِنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ؛ لِأَنَّ تَقَادُمَ الزَّمَانِ لَا يُوجِبُ بُطْلَانَ الْحَقِّ فِي الْقَذْفِ وَالْقِصَاصِ كَمَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَزَادَ فِي الْجَوْهَرَةِ وَحُقُوقِ الْعِبَادِ، وَفِي خِزَانَةِ الْفِقْهِ، وَلَوْ سَكَتَتْ وَلَمْ تَرْفَعْ إلَى الْحَاكِمِ كَانَ أَفْضَلَ وَيَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ يَقُولَ لَهَا اُتْرُكِي وَأَعْرِضِي عَنْ هَذَا؛ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ إلَى السَّتْرِ فَإِنْ تَرَكَتْ مُدَّةً ثُمَّ خَاصَمَتْ فَلَهَا ذَلِكَ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ وُجُوبَ اللِّعَانِ مُقَيَّدٌ بِعَجْزِهِ عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى زِنَاهَا وَعَدَمِ إكْذَابِ نَفْسِهِ بَعْدَهُ وَعَدَمِ تَصْدِيقِهَا لَهُ. فَإِنْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى زِنَاهَا فَإِنْ كَانُوا أَرْبَعَةَ رِجَالٍ رُجِمَتْ لَوْ مُحْصَنَةً وَجُلِدَتْ لَوْ غَيْرَ مُحْصَنَةٍ وَإِنْ كَانَا رَجُلَيْنِ فَقَطْ عَلَى إقْرَارِهَا بِالزِّنَا يَنْدَرِئُ اللِّعَانُ وَلَا تُحَدُّ الْمَرْأَةُ، وَكَذَا لَوْ كَانَا رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ شَهِدُوا عَلَى تَصْدِيقِهَا فَلَا حَدَّ عَلَيْهِمَا وَلَا لِعَانَ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا أَقَرَّ بِالْقَذْفِ فَإِنْ أَنْكَرَهُ فَأَقَامَتْ رَجُلَيْنِ وَجَبَ اللِّعَانُ لَا رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا بَيِّنَةٌ لَا يُسْتَحْلَفُ الزَّوْجُ ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الزَّوْجِ عَلَى زِنَاهَا مَعَ ثَلَاثَةٍ إنْ لَمْ يَكُنْ قَذَفَهَا وَإِلَّا فَلَا تُقْبَلُ وَتُحَدُّ الثَّلَاثَةُ حَدَّ الْقَذْفِ وَيُلَاعِنُ الزَّوْجُ، وَلَوْ لَمْ يَقْذِفْهَا وَشَهِدَ مَعَ ثَلَاثَةٍ غَيْرِ عُدُولٍ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى الثَّلَاثَةِ وَلَا لِعَانَ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَفِيهِ أَيْضًا، وَلَوْ شَهِدَا عَلَى أَبِيهِمَا أَنَّهُ قَذَفَ ضَرَّةَ أُمِّهِمَا لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُمَا بِشَهَادَتِهِمَا يَشْهَدَانِ لِأُمِّهِمَا بِخُلُوصِ الْفِرَاشِ لَهَا؛ لِأَنَّ اللِّعَانَ سَبَبُ الْفُرْقَةِ حَتَّى لَوْ كَانَ أَبُوهُمَا مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ تُقْبَلُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَذْفَ مُوجِبٌ لِلْحَدِّ دُونَ اللِّعَانِ. قَالَ وَلَا بُدَّ فِي وُجُوبِ اللِّعَانِ مِنْ أَنْ لَا يَقْذِفَ أُمَّهَا فَلَوْ قَالَ لَهَا يَا زَانِيَةُ بِنْتُ الزَّانِيَةِ وَجَبَ الْحَدُّ لِقَذْفِ أُمِّهَا وَاللِّعَانُ لِقَذْفِهَا فَإِنْ اجْتَمَعَا عَلَى الْمُطَالَبَةِ بَدَأَ بِحَدِّهِ لِيَسْقُطَ اللِّعَانُ بِخُرُوجِهِ عَنْ أَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ وَإِنْ لَمْ تُطَالِبْ الْأُمُّ وَطَالَبَتْهُ الْمَرْأَةُ وَجَبَ اللِّعَانُ وَيُحَدُّ لِلْأُمِّ بِطَلَبِهَا بَعْدَهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ لَا يُحَدُّ بَعْدَ اللِّعَانِ، وَهَذَا غَيْرُ سَدِيدٍ لِعَدَمِ الْمَانِعِ مِنْ إقَامَتِهِ وَإِنْ كَانَتْ أُمُّهَا مَيِّتَةً فَلَهَا الْمُطَالَبَةُ بِهِمَا فَإِنْ خَاصَمَتْهُ فِيهِمَا بَدَأَ بِالْحَدِّ لِيَسْقُطَ اللِّعَانُ وَإِنْ بَدَأَتْ بِالْخُصُومَةِ لِنَفْسِهَا وَجَبَ اللِّعَانُ ثُمَّ لَهَا الْمُطَالَبَةُ بِقَذْفِ أُمِّهَا فَيُحَدُّ لَهُ وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ لَوْ قَذَفَ أَجْنَبِيَّةً بِالزِّنَا ثُمَّ نَكَحَهَا ثُمَّ قَذَفَهَا فَلَهَا الْمُطَالَبَةُ بِاللِّعَانِ وَالْحَدِّ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا اجْتَمَعَ قَذْفَانِ، وَفِي تَقْدِيمِ مُوجِبِ أَحَدِهِمَا إسْقَاطُ الْآخَرِ بَدَأَ بِالْمُسْقِطِ كَمَا إذَا قَذَفَهَا وَقَذَفَتْهُ فَإِنَّهُ يَبْدَأُ بِحَدِّهَا لِيَسْقُطَ اللِّعَانُ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ حَدِّ الْقَذْفِ. وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ لَهَا أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا يَا زَانِيَةُ وَجَبَ الْحَدُّ وَلَا لِعَانَ، وَلَوْ قَالَ يَا زَانِيَةُ أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا فَلَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ اهـ. . وَلَوْ قَالَ قَذَفْتُكِ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَكِ أَوْ قَدْ زَنَيْتِ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَكِ فَهُوَ قَذْفٌ فِي الْحَالِ فَيُلَاعِنُ وَمَا فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ مِنْ أَنَّهُ يُلَاعِنُ فِي قَوْلِهِ زَنَيْت وَيُحَدُّ فِي قَوْلِهِ قَذَفْتُك قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك أَوْجَهُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ فَإِنْ أَبَى حُبِسَ حَتَّى يُلَاعِنَ أَوْ يُكَذِّبَ نَفْسَهُ فَيُحَدُّ) ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى إيفَائِهِ فَيُحْبَسُ حَتَّى يَأْتِيَ بِمَا هُوَ عَلَيْهِ أَوْ يُكَذِّبَ نَفْسَهُ لِيَرْتَفِعَ السَّبَبُ فِي اللِّعَانِ وَهُوَ التَّكَاذُبُ هَكَذَا قَالُوا وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْقَذْفَ هُوَ السَّبَبُ فَإِنَّ التَّكَاذُبَ شَرْطُ قَيْدِ وُجُوبِ الْحَدِّ بِالْإِكْذَابِ لِعَدَمِ وُجُوبِهِ بِمُجَرَّدِ الِامْتِنَاعِ مِنْ اللِّعَانِ، وَهَذَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ فِي الْكَافِي وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ مِنْ وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ امْتِنَاعِهِ سَهْوٌ لَيْسَ مَذْهَبًا لِأَصْحَابِنَا وَحَمْلُهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ عَلَى أَنَّهُ قَوْلُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ بَعِيدٌ لِتَوَقُّفِهِ عَلَى النَّقْلِ وَلِأَنَّ الْوَلْوَالِجِيَّ ذَكَرَ أَنَّهَا لَوْ امْتَنَعَتْ بَعْدَ لِعَانِهِ تُحَدُّ حَدَّ الزِّنَا وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِنَا كَمَا سَنُوَضِّحُهُ (قَوْلُهُ فَإِنْ لَاعَنَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ فَالطَّلَبُ حَقُّهُ أَيْضًا) أَيْ: حَقُّ الْقَاذِفِ لَا حَقُّ الْوَلَدِ كَمَا فَهِمَهُ شَارِحُ التَّنْوِيرِ. (قَوْلُهُ لَا رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ) ؛ لِأَنَّهُ حَدٌّ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي الْحُدُودِ كَمَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ وَغَيْرِهِ فَقَوْلُهُ فِي النَّهْرِ أَوْ رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ سَبْقُ قَلَمٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 124 وَجَبَ عَلَيْهَا اللِّعَانُ) لِمَا قَدَّمْنَاهُ أَفَادَ أَنَّ لِعَانَهَا مُؤَخَّرٌ عَنْ لِعَانِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الشَّاهِدِ عَلَيْهَا بِقَذْفِهِ وَهِيَ مُسْقِطَةٌ بِشَهَادَتِهَا مَا حَقَّقَهُ عَلَيْهَا مِنْ الزِّنَا فَلَا يَصِحُّ أَنْ تَبْتَدِئَ الْمَرْأَةُ كَمَا لَا يَصِحُّ أَنْ يَبْتَدِئَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِمَا يُسْقِطُ الدَّعْوَى عَنْ نَفْسِهِ كَذَا فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ، وَفِي الِاخْتِيَارِ فَإِنْ الْتَعَنَتْ الْمَرْأَةُ أَوَّلًا ثُمَّ الزَّوْجُ أَعَادَتْ لِيَكُونَ عَلَى التَّرْتِيبِ الْمَشْرُوعِ فَإِنْ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا قَبْلَ الْإِعَادَةِ جَازَ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَلَاعُنُهُمَا وَقَدْ وُجِدَ. (قَوْلُهُ فَإِنْ أَبَتْ حُبِسَتْ حَتَّى تُلَاعِنَ أَوْ تُصَدِّقَهُ) لِمَا قَدَّمْنَاهُ وَلَمْ يَقُلْ أَوْ تُصَدِّقُهُ فَتُحَدُّ لِلزِّنَا كَمَا وَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْقُدُورِيِّ لِكَوْنِهِ غَلَطًا؛ لِأَنَّ الْحَدَّ لَا يَجِبُ بِالْإِقْرَارِ مَرَّةً فَكَيْفَ يَجِبُ بِالتَّصْدِيقِ مَرَّةً وَهُوَ لَا يَجِبُ بِالتَّصْدِيقِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ؛ لِأَنَّ التَّصْدِيقَ لَيْسَ بِإِقْرَارٍ قَصْدًا فَلَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّ وُجُوبِ الْحَدِّ وَيُعْتَبَرُ فِي دَرْئِهِ لِيَنْدَفِعَ بِهِ اللِّعَانُ وَلَا يَجِبُ بِهِ الْحَدُّ، وَلَوْ صَدَّقَتْهُ فِي نَفْيِ الْوَلَدِ فَلَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ وَهُوَ وَلَدُهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَمْلِكَانِ إبْطَالَ حَقِّهِ قَصْدًا وَالنَّسَبُ إنَّمَا يَنْتَفِي بِاللِّعَانِ وَلَمْ يُوجَدْ وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ مَا قَالَهُ فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ وَتَبِعَهُ شَارِحُ النُّقَايَةِ مِنْ أَنَّهَا إذَا صَدَّقَتْهُ يَنْتَفِي نَسَبُ وَلَدِهَا مِنْهُ غَيْرُ صَحِيحٍ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي شَرْحِ الدُّرَرِ وَالْغُرَرِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُؤَلِّفُ حُكْمَ مَا إذَا امْتَنَعَا مِنْ اللِّعَانِ بَعْدَ مَا تَرَافَعَا. وَصَرَّحَ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُمَا يُحْبَسَانِ إذَا امْتَنَعَا مِنْ اللِّعَانِ بَعْدَ الثُّبُوتِ وَيَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا لَمْ تَعْفُ الْمَرْأَةُ أَمَّا إذَا عَفَتْ فَإِنَّهُ لَا يَحْبِسُهُمَا كَمَا لَوْ عَفَا الْمَقْذُوفُ فَإِنَّا، وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَصِحُّ الْعَفْوُ فِي حَدِّ الْقَذْفِ وَاللِّعَانِ إلَّا أَنَّهُمَا لَا يُقَامَانِ إلَّا بِطَلَبٍ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ فِي بَابِ حَدِّ الْقَذْفِ فَإِنْ قُلْت ظَاهِرُ الْآيَةِ يَشْهَدُ لِلشَّافِعِيِّ الْقَائِلِ بِأَنَّهَا إذَا امْتَنَعَتْ مِنْ اللِّعَانِ تُحَدُّ حَدَّ الزِّنَا وَهِيَ قَوْله تَعَالَى {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ} [النور: 8] أَيْ: الْحَدَّ؛ لِأَنَّ اللَّامَ لِلْعَهْدِ الذِّكْرِيِّ أَيْ: الْعَذَابِ الْمَذْكُورِ السَّابِقِ وَهُوَ الْحَدُّ قُلْنَا: الْمُرَادُ مِنْهُ الْحَبْسُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي آيَةِ الْهُدْهُدِ {لأُعَذِّبَنَّهُ} [النمل: 21] وَرَدَ فِي التَّفْسِيرِ لَأَحْبِسَنَّهُ وَالِاخْتِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي قَذْفِ الزَّوْجَاتِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ الْحَدُّ عَمَلًا بِالْآيَةِ الْأُولَى وَهِيَ قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ} [النور: 4] الْآيَةَ وَبَيَّنَ بِآيَةِ اللِّعَانِ أَنَّ الْقَاذِفَ إذَا كَانَ زَوْجًا لَهُ أَنْ يَدْفَعَ الْحَدَّ عَنْهُ بِاللِّعَانِ وَإِذَا كَانَ الْمَقْذُوفُ زَوْجَةَ الْقَاذِفِ لَهَا أَنْ تَدْفَعَ حَدَّ الزِّنَا عَنْهَا بِلِعَانِهَا فَأَيُّهُمَا امْتَنَعَ عَنْ اللِّعَانِ وَجَبَ الْأَصْلُ وَهُوَ الْحَدُّ. وَعِنْدَنَا آيَةُ اللِّعَانِ نَاسِخَةٌ لِلْأُولَى فِي حَقِّ الزَّوْجَاتِ؛ لِأَنَّ الْخَاصَّ الْمُتَأَخِّرَ عَنْ الْعَامِّ يَنْسَخُ الْعَامَّ بِقَدْرِهِ فَلَمْ تَبْقَ الْآيَةُ الْأُولَى مُتَنَاوِلَةً لِلزَّوْجَاتِ فَصَارَ الْوَاجِبُ بِقَذْفِ الزَّوْجَةِ اللِّعَانَ فَأَيُّهُمَا امْتَنَعَ عَنْهُ حُبِسَ حَتَّى يَأْتِيَ بِهِ كَالْمَدْيُونِ إذَا امْتَنَعَ عَنْ إيفَاءِ حَقٍّ عَلَيْهِ وَلِذَا «لَمَّا قَذَفَ هِلَالٌ زَوْجَتَهُ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْبَيِّنَةُ وَإِلَّا حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ» فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ فِي الِابْتِدَاءِ يُوجِبُ الْحَدَّ كَقَذْفِ الْأَجْنَبِيَّاتِ ثُمَّ لَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ اللِّعَانِ انْتَسَخَ فِي حَقِّ الزَّوْجَاتِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَالْعِنَايَةِ. (قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ شَاهِدًا حُدَّ) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ اللِّعَانُ لِمَعْنًى مِنْ جِهَتِهِ لَا مِنْ جِهَتِهَا صُيِّرَ إلَى الْمُوجِبِ الْأَصْلِيِّ وَهُوَ حَدُّ الْقَذْفِ وَعَدَمُ صَلَاحِيَّتِهِ لِلشَّهَادَةِ بِكَوْنِهِ عَبْدًا أَوْ مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ أَوْ كَافِرًا بِأَنْ أَسْلَمَتْ ثُمَّ قَذَفَهَا قَبْلَ عَرْضِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ قَيَّدْنَا بِهِ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ لَوْ كَانَ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا فَلَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ وَالْأَصْلُ أَنَّ اللِّعَانَ إذَا سَقَطَ لِمَعْنًى مِنْ جِهَتِهِ فَإِنْ كَانَ الْقَذْفُ صَحِيحًا وَجَبَ الْحَدُّ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْقَذْفُ صَحِيحًا فَلَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ فَلَوْ قَالَ فَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ شَاهِدًا وَكَانَ أَهْلًا لِلْقَذْفِ حُدَّ لَكَانَ أَوْلَى وَفِي الْيَنَابِيعِ زَوْجَانِ كَافِرَانِ أَسْلَمَتْ الْمَرْأَةُ وَلَمْ يُسْلِمْ الزَّوْجُ وَلَمْ يَعْرِضْ الْقَاضِي الْإِسْلَامَ عَلَيْهِ حَتَّى قَذَفَهَا بِالزِّنَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ فَإِنْ أُقِيمَ بَعْضُ الْحَدِّ ثُمَّ أَسْلَمَ فَقَذَفَهَا ثَانِيًا. قَالَ أَبُو يُوسُفَ: أُقِيمَ عَلَيْهِ بَقِيَّةُ الْحَدِّ ثُمَّ يُلَاعِنَا وَقَالَ زُفَرُ: لَا لِعَانَ بَيْنَهُمَا، وَفِي النَّافِعِ وَإِنْ كَانَا ذِمِّيَّيْنِ فَأَسْلَمَتْ الْمَرْأَةُ وَقَذَفَهَا قَبْلَ أَنْ يَعْرِضَ الْإِسْلَامَ عَلَيْهِ فَلَا لِعَانَ وَيُحَدُّ الزَّوْجُ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة. (قَوْلُهُ وَإِنْ صَلُحَ وَهِيَ مِمَّنْ لَا يُحَدُّ قَاذِفُهَا فَلَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ) ؛ لِأَنَّهَا إنْ لَمْ تَكُنْ عَفِيفَةً فَهُوَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ إنَّهُمَا يُحْبَسَانِ إذَا امْتَنَعَا إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَعِنْدِي فِي حَبْسِهَا بَعْدَ امْتِنَاعِهِ نَوْعُ إشْكَالٍ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا إلَّا بَعْدَهُ فَقَبْلَهُ لَيْسَ امْتِنَاعًا لِحَقٍّ وَجَبَ وَكَأَنَّ هَذَا هُوَ السِّرُّ فِي إغْفَالِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ لِهَذَا فَتَدَبَّرْهُ اهـ. قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِي دَفْعِ الْإِشْكَالِ إنَّهُ بَعْدَ التَّرَافُعِ مِنْهُمَا صَارَ إمْضَاءُ اللِّعَانِ مِنْ حَقِّ الشَّارِعِ وَهِيَ لَمْ تَعْفُ فَالْقَاضِي يُطَالِبُ كُلًّا فَبِإِظْهَارِهَا الِامْتِنَاعَ صَارَتْ غَيْرَ مُمْتَثِلَةٍ لِلْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ فَتُحْبَسُ لِامْتِثَالِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَبَى هُوَ فَقَطْ فَلَا تُحْبَسُ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الِامْتِثَالِ لَمْ يَتَحَقَّقْ إلَّا مِنْهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 125 صَادِقٌ فِي قَوْلِهِ وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً أَوْ مَجْنُونَةً أَوْ مَحْدُودَةً فِي قَذْفٍ فَلِفَقْدِ أَهْلِيَّتِهَا لِلشَّهَادَةِ، أَمَّا فِي الصَّغِيرَةِ وَالْمَجْنُونَةِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا فِي الْمَحْدُودَةِ الْعَفِيفَةِ فَلِأَنَّ قَذْفَهُ مَعَ أَهْلِيَّةِ اللِّعَانِ إنَّمَا يُوجِبُ اللِّعَانَ، فَإِذَا امْتَنَعَ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهَا لَهُ امْتَنَعَ الْحَدُّ أَيْضًا وَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ يُحَدُّ قَاذِفُهَا فَلَوْ قَالَ وَإِنْ صَلُحَ وَهِيَ لَيْسَتْ أَهْلًا لِلشَّهَادَةِ لَكَانَ أَوْلَى لِيُدْخِلَ الْمَحْدُودَةَ فِي قَذْفٍ وَلَمْ تَدْخُلْ فِي عِبَارَتِهِ؛ لِأَنَّهَا مِمَّنْ يُحَدُّ قَاذِفُهَا كَمَا لَا يَخْفَى وَلَمْ يَتَعَرَّضْ صَرِيحًا لِمَا إذَا لَمْ يَصْلُحَا لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَقَدْ فُهِمَ مِنْ اشْتِرَاطِهِ أَوَّلًا أَنَّهُ لَا لِعَانَ، وَأَمَّا الْحَدُّ فَإِنْ كَانَا صَغِيرَيْنِ أَوْ مَجْنُونَيْنِ أَوْ كَافِرَيْنِ أَوْ مَمْلُوكَيْنِ فَلَا يَجِبُ، وَأَمَّا إذَا كَانَا مَحْدُودَيْنِ فِي قَذْفٍ فَإِنَّهُ يَجِبُ الْحَدُّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَ اللِّعَانِ لِمَعْنًى مِنْ جِهَتِهِ، وَكَذَا إذَا كَانَ هُوَ عَبْدٌ أَوْ هِيَ مَحْدُودَةٌ فِي قَذْفٍ يُحَدُّ؛ لِأَنَّ قَذْفَ الْعَفِيفَةِ، وَلَوْ كَانَتْ مَحْدُودَةً مُوجِبٌ لِلْحَدِّ مُطْلَقًا قُيِّدَ بِنَفْيِ الْحَدِّ وَاللِّعَانِ؛ لِأَنَّ التَّعْزِيرَ وَاجِبٌ؛ لِأَنَّهُ آذَاهَا وَأَلْحَقَ الشَّيْنَ بِهَا فَيَجِبُ حَسْمًا لِهَذَا الْبَابِ كَذَا فِي الِاخْتِيَارِ. وَفِي الْكَافِي وَإِنْ كَانَا مَحْدُودَيْنِ فِي قَذْفٍ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ؛ لِأَنَّ قَذْفَهُ بِاعْتِبَارِ حَالِهِ غَيْرُ مُوجِبٍ لِلِّعَانِ فَيَكُونُ مُوجِبًا لِلْحَدِّ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ امْتِنَاعُ جَرَيَانِ اللِّعَانِ لِكَوْنِهَا مَحْدُودَةً؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْقَذْفِ مِنْ الرَّجُلِ وَإِنَّمَا يَظْهَرُ حُكْمُ الْمَانِعِ فِي حَقِّهَا بَعْدَ قِيَامِ الْأَهْلِيَّةِ فِي جَانِبِهِ فَأَمَّا بِدُونِ الْأَهْلِيَّةِ فِي جَانِبِهِ مُعْتَبَرٌ بِحَالِهَا اهـ. وَتَحْقِيقُهُ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ أَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الشَّيْءِ إنَّمَا يُعْتَبَرُ مَانِعًا إذَا وُجِدَ الْمُقْتَضِي؛ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَمَّا يُنْفَى بِهِ الْحُكْمُ مَعَ وُجُودِ الْمُقْتَضِي وَإِذَا لَمْ يَكُنْ الزَّوْجُ أَهْلًا لِلشَّهَادَةِ لَمْ يَنْعَقِدْ قَذْفُهُ مُقْتَضِيًا لِلِّعَانِ فَلَا يُعْتَبَرُ الْمَانِعُ وَالْقَذْفُ فِي نَفْسِهِ مُوجِبٌ لِلْحَدِّ فَيُحَدُّ بِخِلَافِ مَا إذَا وُجِدَتْ الْأَهْلِيَّةُ مِنْ جَانِبِهِ فَإِنَّهُ يَنْعَقِدُ قَذْفُهُ مُقْتَضِيًا لَهُ فَإِذَا ظَهَرَ عَدَمُ أَهْلِيَّتِهَا بَطَلَ الْمُقْتَضِي فَلَا يَجِبُ الْحَدُّ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا انْعَقَدَ اللِّعَانُ وَقَدْ أَبْطَلَهُ الْمَانِعُ اهـ. ثُمَّ الْإِحْصَانُ يُعْتَبَرُ عِنْدَ الْقَذْفِ حَتَّى لَوْ قَذَفَهَا وَهِيَ أَمَةٌ أَوْ كَافِرَةٌ ثُمَّ أَسْلَمَتْ أَوْ أُعْتِقَتْ لَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ كَذَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ اللِّعَانَ بَعْدَ وُجُوبِهِ يَسْقُطُ بِالطَّلَاقِ وَلَا يَجِبُ الْحَدُّ وَلَا يَعُودُ اللِّعَانُ بِتَزَوُّجِهَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ السَّاقِطَ لَا يَعُودُ وَيَسْقُطُ بِزِنَاهَا وَوَطْئِهَا بِشُبْهَةٍ وَبِرِدَّتِهَا، وَإِنْ أَسْلَمَتْ بَعْدَهُ لَا يَعُودُ بِإِكْذَابِهِ نَفْسَهُ وَلَا يُحَدُّ بِخِلَافِ مَا إذَا أَكْذَبَ نَفْسَهُ بَعْدَ اللِّعَانِ وَبِمَوْتِ شَاهِدِ الْقَذْفِ وَغَيْبَتِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ عَمِيَا أَوْ فَسَقَا أَوْ ارْتَدَّا كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَلَوْ أَسْنَدَ الزِّنَا بِأَنْ قَالَ زَنَيْتِ وَأَنْتِ صَبِيَّةٌ أَوْ مَجْنُونَةٌ وَهُوَ مَعْهُودٌ وَهِيَ الْآنَ أَهْلٌ فَلَا لِعَانَ بِخِلَافِ وَأَنْتِ ذِمِّيَّةٌ أَوْ أَمَةٌ أَوْ مُنْذُ أَرْبَعِينَ سَنَةً وَعُمْرُهَا أَقَلُّ تَلَاعَنَا لِاقْتِصَارِهِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَيْضًا. (قَوْلُهُ وَصِفَتُهُ مَا نَطَقَ بِهِ النَّصُّ) أَيْ: صِفَةُ اللِّعَانِ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ آيَةُ اللِّعَانِ مِنْ الِابْتِدَاءِ بِالزَّوْجِ ثُمَّ بِالزَّوْجَةِ بِالْأَلْفَاظِ الْمَخْصُوصَةِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ مُتَعَيِّنٌ وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْمَرْأَةَ لَوْ بَدَأَتْ ثُمَّ الزَّوْجُ أَعَادَتْ، وَلَوْ فَرَّقَ الْقَاضِي قَبْلَ إعَادَتِهَا صَحَّ، وَفِي الْغَايَةِ تَجِبُ الْإِعَادَةُ وَقَدْ أَخْطَأَ السُّنَّةَ وَرَجَّحَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهُ الْوَجْهُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ؛ لِأَنَّ النَّصَّ أَعْقَبَ الرَّمْيَ بِشَهَادَةِ أَحَدِهِمْ وَشَهَادَتُهَا الدَّارِئَةُ لِلْحَدِّ عَنْهَا بِقَوْلِهِ وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ وَلِأَنَّ الْفَاءَ دَخَلَتْ عَلَى شَهَادَتِهِ عَلَى وِزَانِ مَا قُلْنَا فِي سُقُوطِ التَّرْتِيبِ فِي الْوُضُوءِ مِنْ أَنَّهُ أَعْقَبَ جُمْلَةَ الْأَفْعَالِ لِلْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ وَإِنْ كَانَ دُخُولُ الْفَاءِ عَلَى غَسْلِ الْوَجْهِ فَانْظُرْهُ ثَمَّةَ اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالصِّفَةِ الرُّكْنَ كَقَوْلِهِمْ بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ أَيْ: مَاهِيَّتِهَا فَيَكُونُ بَيَانًا لِلشَّهَادَاتِ الْأَرْبَعِ وَإِنَّمَا أَوَّلْنَاهُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ صِفَتَهُ عَلَى وَجْهِ السُّنَّةِ لَمْ يَنْطِقْ بِهِ النَّصُّ وَإِنَّمَا وَرَدَ فِي السُّنَّةِ فَاَلَّذِي نَقَلَهُ الْمَشَايِخُ أَنَّ الْقَاضِيَ يُقِيمُهُمَا مُتَقَابِلَيْنِ وَيَقُولُ لَهُ الْتَعِنْ فَيَقُولُ الزَّوْجُ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ إنِّي لَمِنْ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَيْتهَا بِهِ مِنْ الزِّنَا، وَيَقُولُ فِي الْخَامِسَةِ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَاهَا بِهِ مِنْ الزِّنَا يُشِيرُ إلَيْهَا فِي كُلِّ مَرَّةٍ ثُمَّ تَقُولُ الْمَرْأَةُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ إنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَانِي بِهِ مِنْ الزِّنَا وَتَقُولُ فِي الْخَامِسَةِ غَضَبُ اللَّهِ عَلَيْهَا إنْ كَانَ مِنْ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَانِي بِهِ مِنْ الزِّنَا وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْغَضَبَ فِي جَانِبِهَا فِي الْخَامِسَةِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ فَلَوْ قَالَ وَإِنْ صَلُحَ وَهِيَ لَيْسَتْ أَهْلًا لِلشَّهَادَةِ لَكَانَ أَوْلَى) فِيهِ إنَّهُ لَوْ قَالَ كَذَلِكَ لَا يَشْمَلُ مَا إذَا كَانَتْ غَيْرَ عَفِيفَةٍ فَإِنَّهَا مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ لَكِنَّهَا مِمَّنْ لَا يُحَدُّ قَاذِفُهَا وَعَنْ هَذَا قَالَ فِي النَّهْرِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ مَطْوِيَّةٌ أَيْ: وَإِنْ صَلُحَ شَاهِدًا وَلَمْ تَصْلُحْ اهـ. تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَفِي الْغَايَةِ تَجِبُ الْإِعَادَةُ) الَّذِي فِي الْفَتْحِ عَنْ الْغَايَةِ لَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ سِيَاقُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا أَوَّلْنَاهُ بِذَلِكَ إلَخْ) فَسَّرَ النَّصَّ فِي النَّهْرِ بِقَوْلِهِ أَيْ: نَصَّ الشَّارِعِ فَعَمَّ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ ثُمَّ قَالَ وَبِهِ اسْتَغْنَى عَمَّا فِي الْبَحْرِ الظَّاهِرُ إنْ أَرَادَ إلَخْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 126 لِأَنَّهُنَّ يَسْتَعْمِلْنَ اللَّعْنَ كَثِيرًا كَمَا فِي الْحَدِيثِ يُكْثِرْنَ اللَّعْنَ فَكَانَ الْغَضَبُ أَرْدَعَ لَهَا هَكَذَا ذَكَرَ الْمَشَايِخُ وَذَكَرَ الْبِقَاعِيُّ فِي الْمُنَاسَبَاتِ أَنَّ الْغَضَبَ أَبْلَغُ مِنْ اللَّعْنِ الَّذِي هُوَ الطَّرْدُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ بِسَبَبٍ غَيْرِ الْغَضَبِ وَسَبَبُ التَّغْلِيظِ عَلَيْهَا الْحَثُّ عَلَى اعْتِرَافِهَا بِالْحَقِّ لِمَا يُعَضِّدُ الزَّوْجَ مِنْ الْقَرِينَةِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَتَجَشَّمُ فَضِيحَةَ أَهْلِهِ الْمُسْتَلْزِمِ لِفَضِيحَتِهِ أَلَا وَهُوَ صَادِقٌ وَلِأَنَّهَا مَادَّةُ الْفَسَادِ وَهَاتِكَةُ الْحِجَابِ وَخَالِطَةُ الْأَنْسَابِ اهـ. وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ إنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ إنِّي لَمِنْ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَيْتُكِ بِهِ مِنْ الزِّنَا وَهِيَ تَقُولُ إنَّكَ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَيْتَنِي بِهِ مِنْ الزِّنَا بِالْخِطَابِ؛ لِأَنَّ فِي الْغَيْبَةِ شُبْهَةً وَاحْتِمَالًا، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَمْ يُعْتَبَرْ هَذَا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُشِيرُ إلَى صَاحِبِهِ وَالْإِشَارَةُ أَبْلَغُ أَسْبَابِ التَّعْرِيفِ كَذَا فِي الْكَافِي. هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْقَذْفُ بِالزِّنَا وَإِنْ كَانَ بِنَفْيِ الْوَلَدِ ذَكَرَاهُ وَإِنْ كَانَ بِهِمَا ذَكَرَاهُمَا وَزَادَ بَعْضُهُمْ بَعْدَ الْقَسَمِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ وَالْقِيَامُ لَيْسَ بِشَرْطٍ؛ لِأَنَّهُ إمَّا شَهَادَةٌ وَإِمَّا يَمِينٌ وَالْقِيَامُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِيهِمَا إلَّا أَنَّهُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَا عَاصِمُ قُمْ فَاشْهَدْ وَلِلْمَرْأَةِ قُومِي فَاشْهَدِي» وَلِأَنَّ الْحُدُودَ مَبْنَاهَا عَلَى الشَّهْرِ فَإِنْ قُلْت هَلْ يُشْرَعُ الدُّعَاءُ بِاللَّعْنِ عَلَى الْكَاذِبِ الْمُعَيَّنِ قُلْت قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مِنْ الْعِدَّةِ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ مَنْ شَاءَ بَاهَلْتُهُ أَنَّ سُورَةَ النِّسَاءِ الْقُصْرَى نَزَلَتْ بَعْدَ الَّتِي فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ أَيْ: مَنْ شَاءَ الْمُبَاهَلَةَ أَيْ: الْمُلَاعَنَةَ بَاهَلْتُهُ وَكَانُوا يَقُولُونَ إذَا اخْتَلَفُوا فِي شَيْءٍ بَهْلَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِ مِنَّا قَالُوا هِيَ مَشْرُوعَةٌ فِي زَمَانِنَا أَيْضًا اهـ. وَقَدْ سُئِلْت فِي دَرْسِ الصرغتمشية حِينَ قَرَأْت بَابَ اللِّعَانِ مِنْ الْهِدَايَةِ أَنَّهُمَا لَوْ تَلَاعَنَا ثُمَّ وَجَدَ الزَّوْجُ بَيِّنَةً عَلَى صِدْقِهِ هَلْ تُقْبَلُ فَأَجَبْتُ بِأَنِّي لَمْ أَرَ فِيهَا نَقْلًا وَيَنْبَغِي أَنْ لَا تُقْبَلَ؛ لِأَنَّ الْقَذْفَ أَخَذَ مُوجِبَهُ مِنْ اللِّعَانِ وَكَأَنَّهَا حُدَّتْ لِلزِّنَا فَلَا تُحَدُّ ثَانِيًا إلَّا أَنْ يُوجَدَ نَقْلٌ فَيَجِبُ اتِّبَاعُهُ. (قَوْلُهُ فَإِنْ الْتَعَنَا بَانَتْ بِتَفْرِيقِ الْحَاكِمِ وَلَا تَبِينُ قَبْلَهُ) أَيْ: الْحَاكِمُ الَّذِي وَقَعَ اللِّعَانُ عِنْدَهُ حَتَّى لَوْ لَمْ يُفَرِّقْ الْحَاكِمُ حَتَّى عُزِلَ أَوْ مَاتَ فَالْحَاكِمُ الثَّانِي يَسْتَقْبِلُ اللِّعَانَ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ كَذَا فِي الِاخْتِيَارِ وَأَفَادَ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ التَّفْرِيقِ وَرِثَهُ الْآخَرُ، وَأَنَّهُ لَوْ زَالَتْ أَهْلِيَّةُ اللِّعَانِ فِي الْحَالِ بِمَا لَا يُرْجَى زَوَالُهُ بِأَنْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ أَوْ قَذَفَ أَحَدُهُمَا إنْسَانًا فَحُدَّ لِلْقَذْفِ أَوْ وُطِئَتْ وَطْئًا حَرَامًا أَوْ خَرِسَ أَحَدُهُمَا لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا بِخِلَافِ مَا إذَا جُنَّ قَبْلَ التَّفْرِيقِ حَيْثُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ يُرْجَى عَوْدُ الْإِحْصَانِ وَأَنَّهُ لَوْ ظَاهَرَ مِنْهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَوْ طَلَّقَهَا أَوْ آلَى مِنْهَا صَحَّ لِبَقَاءِ النِّكَاحِ وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْقَاضِيَ يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا، وَلَوْ لَمْ يَرْضَيَا بِالْفُرْقَةِ كَمَا فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ، وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة. وَلَوْ تَلَاعَنَا فَجُنَّ أَحَدُهُمَا يُفَرَّقُ، وَلَوْ تَلَاعَنَا فَوُكِّلَ أَحَدُهُمَا بِالتَّفْرِيقِ وَغَابَ يُفَرَّقُ، وَلَوْ زَنَتْ لَا يُفَرَّقُ لِزَوَالِ الْإِحْصَانِ وَإِنَّمَا تَوَقَّفَتْ الْبَيْنُونَةُ عَلَى التَّفْرِيقِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا حَرُمَ الِاسْتِمْتَاعُ بَيْنَهُمَا بِاللِّعَانِ فَاتَ الْإِمْسَاكُ بِالْمَعْرُوفِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ التَّسْرِيحُ وَإِذَا لَمْ يُسَرِّحْ نَابَ الْقَاضِي مَنَابَهُ؛ لِأَنَّهُ نُصِبَ لِدَفْعِ الظُّلْمِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَاعَنَ بَيْنَ عُوَيْمِرٍ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ فَقَالَ عُوَيْمِرٌ كَذَبْتُ عَلَيْهَا إنْ أَمْسَكْتُهَا هِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَأَوْقَعَ الثَّلَاثَ بَعْدَ التَّلَاعُنِ وَلَمْ يُنْكَرْ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» ، وَكَذَا فِي وَاقِعَةِ هِلَالٍ قَالَ الرَّاوِي فَلَمَّا فَرَغَ فَرَّقَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَهُمَا فَدَلَّ عَلَى قِيَامِ النِّكَاحِ قَبْلَ التَّفْرِيقِ وَهِيَ تَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ وَهُوَ خَاطِبٌ إذَا أَكْذَبَ نَفْسَهُ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ هِيَ حُرْمَةٌ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ هَلْ يُشْرَعُ الدُّعَاءُ بِاللَّعْنِ عَلَى الْكَاذِبِ إلَخْ) أَقُولُ: مُقْتَضَى مَشْرُوعِيَّةِ اللِّعَانِ جَوَازُهُ فَإِنَّ قَوْلَ الْقَاذِفِ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ فِيهِ الدُّعَاءُ بِاللَّعْنِ عَلَى نَفْسِهِ وَكَوْنُهُ مُعَلَّقًا عَلَى تَقْدِيرِ الْكَذِبِ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ مُعَيَّنًا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا تُقْبَلَ؛ لِأَنَّ الْقَذْفَ أَخَذَ مُوجِبَهُ إلَخْ) قَالَ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِهِ هَذَا مَنْقُوضٌ بِمَا إذَا أَكْذَبَ نَفْسَهُ بَعْدَ اللِّعَانِ فَإِنَّهُ أَخَذَ مُوجِبَهُ مِنْ اللِّعَانِ وَكَأَنَّهُ حَدٌّ فَلَا يُحَدُّ مَعَ أَنَّ الْحُكْمَ أَنَّهُ يُحَدُّ فَإِنْ قِيلَ: قَدْ وَقَعَ نِسْبَتُهُ إيَّاهَا إلَى الزِّنَا فِي شَهَادَتِهِ عِنْدَ الْحَاكِمِ فَإِذَا أَكْذَبَ نَفْسَهُ يُحَدُّ لِذَلِكَ قُلْتُ هَذَا ضِمْنِيٌّ لَا قَصْدِيٌّ وَمِثْلُهُ لَا يُوجِبُ وَكَيْفَ نَقُولُ بِإِيجَابِهِ الْحَدَّ مَعَ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ مِنْ الشَّارِعِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ «قُمْ فَاشْهَدْ» . وَذَكَرُوا أَنَّ مَنْ قَالَ فُلَانٌ قَالَ عَنْكَ إنَّكَ زَنَيْتَ لَمْ يُحَدَّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْسُبْهُ إلَى الزِّنَا قَصْدًا قُلْتُ فَيَنْبَغِي أَنْ تُقْبَلَ وَيَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ فَائِدَةُ حِلِّ نِكَاحِهَا قَالَ فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ إذَا رَجَعَ الْمُتَلَاعِنَانِ إلَى حَالٍ لَا يَتَلَاعَنَانِ فِيهِ جَازَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ اهـ. وَمِثْلُهُ فِي النَّهْرِ حَيْثُ قَالَ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقْبَلَ لِيَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ حِلُّ نِكَاحِهَا لَهُ وَقَدْ عُلِّلَ فِي الْهِدَايَةِ حِلُّ نِكَاحِهَا فِيمَا إذَا كَذَّبَ نَفْسَهُ فَحُدَّ بِأَنَّهُ لَمَّا حُدَّ لَمْ يَبْقَ أَهْلًا لِلِّعَانِ فَارْتَفَعَ بِحُكْمِهِ الْمَنُوطُ بِهِ وَهُوَ التَّحْرِيمُ، وَهَذَا يَتَأَتَّى هُنَا فَإِنَّهُ إذَا ثَبَتَ أَنَّهَا غَيْرُ عَفِيفَةٍ لَمْ يَبْقَ أَهْلًا لِلِّعَانِ فَارْتَفَعَ حُكْمُهُ فَتَدَبَّرْهُ (قَوْلُهُ وَهُوَ خَاطِبٌ إذَا أَكْذَبَ نَفْسَهُ عِنْدَهُمَا) هَذِهِ عِبَارَةُ الْهِدَايَةِ قَالَ فِي الْفَتْحِ يَعْنِي إذَا أَكْذَبَ نَفْسَهُ بَعْدَ اللِّعَانِ وَالتَّفْرِيقِ وَحُدَّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 127 مُؤَبَّدَةٌ كَمَا سَيَأْتِي، وَفِي شَرْحِ النُّقَايَةِ، وَأَمَّا قَوْلُ الْبَيْهَقِيّ فِي الْمَعْرِفَةِ أَنَّ عُوَيْمِرًا حِينَ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا كَانَ جَاهِلًا بِأَنَّ اللِّعَانَ فُرْقَةٌ فَصَارَ كَمَنْ شَرَطَ الضَّمَانَ فِي السَّلَفِ وَهُوَ يَلْزَمُهُ شَرَطَ أَوْ لَمْ يَشْرِطْ بِخِلَافِ الْمُظَاهِرِ اهـ. وَالْجَوَابُ: أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ إنَّمَا هُوَ بِعَدَمِ إنْكَارِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَيْهِ لَا بِمُجَرَّدِ فِعْلِهِ كَمَا لَا يَخْفَى وَيَقَعُ فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ زِيَادَةُ الْفَاءِ فِي قَوْلِهِ هِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَهِيَ مِنْ النُّسَّاخِ؛ لِأَنَّ الْوَاقِعَ أَنَّ عُوَيْمِرًا نَجَّزَ طَلَاقَهَا لَا أَنَّهُ عَلَّقَهُ بِالْإِمْسَاكِ، وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة وَإِنْ أَخْطَأَ الْقَاضِي فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بَعْدَ وُجُودِ أَكْثَرِ اللِّعَانِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ، وَلَوْ الْتَعَنَ كُلُّ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ فَفَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا لَمْ تَقَعْ الْفُرْقَةُ، وَلَوْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا بَعْدَ لِعَانِ الزَّوْجِ قَبْلَ لِعَانِ الْمَرْأَةِ نَفَذَ حُكْمُهُ لِكَوْنِهِ مُجْتَهَدًا فِيهِ اهـ. وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ بِغَيْرِ الْقَاضِي الْحَنَفِيِّ أَمَّا هُوَ فَلَا يَنْفُذُ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَطْؤُهَا حَرَامٌ بَعْدَهُ قَبْلَ التَّفْرِيقِ وَإِنْ كَانَ النِّكَاحُ قَائِمًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْمُتَلَاعِنَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا» ، وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة وَلَهَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ. (قَوْلُهُ وَإِنْ قَذَفَ بِوَلَدٍ نَفَى نَسَبَهُ وَأَلْحَقَهُ بِأُمِّهِ) ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذَا اللِّعَانِ نَفْيُ الْوَلَدِ فَيُوَفِّرُ عَلَيْهِ مَقْصُودَهُ وَيَتَضَمَّنُهُ الْقَضَاءُ بِالتَّفْرِيقِ، وَفِي الْبَدَائِعِ، وَلِوُجُوبِ قَطْعِ النَّسَبِ شَرَائِطُ: الْأَوَّلِ: التَّفْرِيقُ، الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ بِحَضْرَةِ الْوِلَادَةِ أَوْ بَعْدَهَا بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ، الثَّالِثُ: أَنْ لَا يَتَقَدَّمَ مِنْهُ إقْرَارٌ بِهِ صَرِيحًا أَوْ دَلَالَةً كَسُكُوتِهِ عِنْدَ التَّهْنِئَةِ مَعَ عَدَمِ رَدِّهِ، الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ حَيًّا وَقْتَ قَطْعِ النَّسَبِ وَهُوَ وَقْتُ التَّفْرِيقِ فَلَوْ نَفَاهُ بَعْدَ مَوْتِهِ لَاعَنَ وَلَمْ يَنْقَطِعْ نَسَبُهُ، وَكَذَا لَوْ جَاءَتْ بِوَلَدَيْنِ أَحَدُهُمَا مَيِّتٌ فَنَفَاهُمَا يُلَاعِنُ وَلَزِمَاهُ، وَكَذَا لَوْ نَفَاهُمَا ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ قُتِلَ قَبْلَ اللِّعَانِ لَزِمَاهُ. وَأَمَّا اللِّعَانُ فَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّهُ يُلَاعِنُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْخِلَافَ وَذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ الْخِلَافَ فَقَالَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَبْطُلُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَبْطُلُ، الْخَامِسُ: أَنْ لَا تَلِدَ بَعْدَ التَّفْرِيقِ وَلَدًا آخَرَ مِنْ بَطْنٍ وَاحِدٍ فَلَوْ وَلَدَتْ فَنَفَاهُ وَلَاعَنَ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَأَلْزَمَ الْوَلَدَ أُمَّهُ ثُمَّ وَلَدَتْ آخَرَ مِنْ الْغَدِ لَزِمَاهُ وَبَطَلَ قَطْعُ نَسَبِ الْأَوَّلِ وَلَا يَصِحُّ نَفْيُهُ الْآنَ؛ لِأَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ وَاللِّعَانُ مَاضٍ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ الثَّانِي ثَبَتَ الْأَوَّلُ ضَرُورَةً وَإِنْ قَالَ الزَّوْجُ هُمَا ابْنَايَ لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَلَا يَكُونُ مُكَذِّبًا نَفْسَهُ لِاحْتِمَالِ الْإِخْبَارِ بِمَا لَزِمَهُ شَرْعًا. السَّادِسُ: أَنْ لَا يَكُونَ مَحْكُومًا بِثُبُوتِهِ شَرْعًا فَإِنْ كَانَ لَا يَقْطَعُ نَسَبَهُ وَقَدْ ذَكَرَ الْإِمَامُ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ خَمْسَ مَسَائِلَ مَسْأَلَتَانِ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ مِنْ التَّلْخِيصِ إحْدَاهُمَا فِي كِتَابِ الْمَعَاقِلِ امْرَأَةٌ وَلَدَتْ وَلَدًا فَانْقَلَبَ هَذَا الْوَلَدُ عَلَى رَضِيعٍ فَمَاتَ الرَّضِيعُ وَقُضِيَ بِدِيَتِهِ عَلَى عَاقِلَةِ الْأَبِ ثُمَّ نَفَى الْأَبُ نَسَبَهُ يُلَاعِنُ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا وَلَا يُقْطَعُ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَةِ الْأَبِ قَضَاءً بِكَوْنِ الْوَلَدِ مِنْهُ فَلَا يَنْقَطِعُ النَّسَبُ بَعْدَهُ الثَّانِيَةُ فِي الزِّيَادَاتِ إذَا قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ وَقَدْ دَخَلَ بِهِمَا إحْدَاكُمَا طَالِقٌ ثَلَاثًا وَلَمْ يُبَيِّنْ حَتَّى وَلَدَتْ إحْدَاهُمَا لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ كَانَتْ الْوِلَادَةُ بَيَانًا لِوُقُوعِهِ عَلَى الْأُخْرَى؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ حَصَلَ مِنْ عُلُوقٍ حَادِثٍ بَعْدَ الطَّلَاقِ وَتَعَيَّنَتْ الَّتِي وَلَدَتْ لِلنِّكَاحِ فَإِنْ نَفَى الْوَلَدَ لَاعَنَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا وَلَا يُقْطَعُ النَّسَبُ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الشَّرْعِ بِكَوْنِ الْوَلَدِ بَيَانًا حُكْمٌ بِكَوْنِهِ مِنْهُ وَبَعْدَ الْحُكْمِ بِهِ لَا يَنْقَطِعُ بِاللِّعَانِ وَثَلَاثُ مَسَائِلَ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى الْأُولَى امْرَأَةٌ وَلَدَتْ وَزَوْجُهَا غَائِبٌ فَفَطَمَتْ وَلَدَهَا وَطَلَبَتْ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَفْرِضَ لَهَا النَّفَقَةَ وَلِلْوَلَدِ وَبَرْهَنَتْ ثُمَّ حَضَرَ   [منحة الخالق] أَوْ لَمْ يُحَدَّ صَارَ خَاطِبًا مِنْ الْخُطَّابِ يَحِلُّ لَهُ تَزَوُّجُهَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، وَلَوْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ بَعْدَ اللِّعَانِ قَبْلَ التَّفْرِيقِ حَلَّتْ لَهُ مِنْ غَيْرِ تَجْدِيدِ عَقْدِ النِّكَاحِ كَذَا فِي الْغَايَةِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا) بَعْدَ لِعَانِ الزَّوْجِ إلَخْ اسْتَشْكَلَهُ فِي النَّهْرِ ثُمَّ أَجَابَ بِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ أَنَّهُ قَضَى فِي الثَّانِي فِي فَصْلٍ مُجْتَهَدٍ فِيهِ فَيَنْفُذُ؛ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَائِلٌ بِوُقُوعِ الْفُرْقَةِ بِلِعَانِ الزَّوْجِ فَقَطْ بِخِلَافِهِ فِي الْأَوَّلِ وَعَلَى هَذَا فَيَجِبُ أَنْ يُقَيَّدَ الْقَاضِي بِالْمُجْتَهِدِ اهـ. وَالْمُجْتَهِدُ غَيْرُ قَيْدٍ؛ لِأَنَّ مُقَلِّدَ الشَّافِعِيِّ مِثْلُهُ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ أَوْ بَعْدَهَا بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ مِنْ مُدَّةٍ يَأْخُذُ فِيهَا التَّهْنِئَةَ وَابْتِيَاعَ آلَاتِ الْوِلَادَةِ عَادَةً فَإِنْ نَفَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَنْتَفِي اهـ. وَسَيَذْكُرُ الْمُؤَلِّفُ عَنْ الْكَافِي تَقْدِيرَ مُدَّةِ التَّهْنِئَةِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي رِوَايَةٍ وَبِسَبْعَةٍ فِي أُخْرَى وَسَنَذْكُرُهُ عَنْ الْفَتْحِ أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ عَدَمُ التَّقْدِيرِ بِمُدَّةٍ فَلِذَا قَالَ هُنَا أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ وَأَحَالَهُ إلَى الْعَادَةِ فَكَانَ عَلَى الْمُؤَلِّفِ عَدَمُ الِاقْتِصَارِ عَلَى مَا نَقَلَهُ (قَوْلُهُ وَقَدْ ذَكَرَ الْإِمَامُ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّ هَذَا مِنْ كَلَامِ الْبَدَائِعِ وَلَمْ أَجِدْهُ فِيهَا وَاَلَّذِي رَأَيْته بَعْدَ ذِكْرِهِ هَذَا الشَّرْطَ السَّادِسَ مَا نَصُّهُ وَصُورَتُهُ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ جَاءَتْ امْرَأَتُهُ بِوَلَدٍ فَنَفَاهُ وَلَمْ يُلَاعِنْ حَتَّى قَذَفَهَا أَجْنَبِيٌّ بِالْوَلَدِ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ فَضَرَبَ الْقَاضِي الْأَجْنَبِيَّ الْحَدَّ فَإِنَّ نَسَبَ الْوَلَدِ يَثْبُتُ مِنْ الزَّوْجِ فَيَسْقُطُ اللِّعَانُ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَمَّا حَدَّ قَاذِفَهَا بِالْوَلَدِ فَقَدْ حَكَمَ بِكَذِبِهِ وَالْحُكْمُ بِكَذِبِهِ حُكْمٌ بِثُبُوتِ نَسَبِ الْوَلَدِ وَالنَّسَبُ الْمَحْكُومُ بِثُبُوتِهِ لَا يَحْتَمِلُ النَّفْيَ بِاللِّعَانِ كَالنَّسَبِ الْمُقَرِّ بِهِ وَإِنَّمَا سَقَطَ اللِّعَانُ؛ لِأَنَّ الْحَاكِمَ لَمَّا حَدَّ قَاذِفَهَا فَقَدْ حَكَمَ بِإِحْصَانِهَا فِي عَيْنِ مَا قُذِفَتْ بِهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 128 الزَّوْجُ وَنَفَى الْوَلَدَ لَاعَنَ وَقُطِعَ النَّسَبُ مَعَ أَنَّهُ مَحْكُومٌ بِهِ حَيْثُ فَرَضَ الْقَاضِي نَفَقَتَهُ الثَّانِيَةَ لَوْ أَنْكَرَ الدُّخُولَ بَعْدَ مَا وَلَدَتْ ثَبَتَ النَّسَبُ وَوَجَبَ لَهَا كَمَالُ الْمَهْرِ فَلَوْ نَفَاهُ يُلَاعِنُ وَيُقْطَعُ النَّسَبُ مَعَ أَنَّهُ مَحْكُومٌ بِهِ حِينَ قَضَى لَهَا بِكَمَالِ الْمَهْرِ، الثَّالِثَةُ الْمُطَلَّقَةُ رَجْعِيًّا إذَا وَلَدَتْ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ تَكُونُ رَجْعَةً، وَلَوْ نَفَاهُ لَاعَنَ وَقُطِعَ نَسَبُهُ مَعَ أَنَّهُ مَحْكُومٌ بِهِ وَقَدْ حُكِيَ أَنَّ عِيسَى بْنَ أَبَانَ كَتَبَ إلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ حِينَ كَانَ بِالرَّقَّةِ يَسْتَفْرِقُهُ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ الْأُولَتَيْنِ وَبَيْنَ الثَّلَاثِ فَكَتَبَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ مَتَى حَصَلَ الْقَضَاءُ بِالنَّسَبِ ضَرُورَةُ الْقَضَاءِ بِأَمْرٍ لَيْسَ مِنْ حُقُوقِ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ يَمْنَعُ قَطْعَ النَّسَبِ بِاللِّعَانِ وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ تَلْخِيصِ الْجَامِعِ مِنْ بَابِ شَهَادَةِ الْمُلَاعَنَةِ بِالْوَلَدِ وَمِنْ الْمَوَاضِعِ الْمَانِعَةِ مِنْ قَطْعِ النَّسَبِ أَنْ يَقْذِفَهَا أَجْنَبِيٌّ بِنَفْيِ الْوَلَدِ وَيَحُدَّهُ الْقَاضِي لَهَا فَإِنَّهُ حُكْمٌ مِنْهُ بِثُبُوتِ نَسَبِهِ فَإِذَا نَفَاهُ بَعْدَهُ أَبُوهُ لَا يَنْتَفِي كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَسَيَأْتِي عَنْ الذَّخِيرَةِ. ثُمَّ إذَا قُطِعَ النَّسَبُ عَنْ الْأَبِ وَأُلْحِقَ الْوَلَدُ بِالْأُمِّ يَبْقَى النَّسَبُ فِي حَقِّ سَائِرِ الْأَحْكَامِ مِنْ الشَّهَادَةِ وَالزَّكَاةِ وَعَدَمِ الْقِصَاصِ عَلَى الْأَبِ بِقَتْلِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَجْرِي التَّوَارُثُ بَيْنَهُمَا وَلَا نَفَقَةَ عَلَى الْأَبِ؛ لِأَنَّ النَّفْيَ بِاللِّعَانِ ثَبَتَ شَرْعًا بِخِلَافِ الْأَصْلِ بِنَاءً عَلَى زَعْمِهِ وَظَنِّهِ مَعَ كَوْنِهِ مَوْلُودًا عَلَى فِرَاشِهِ وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ» فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ سَائِرِ الْأَحْكَامِ اهـ. وَيُزَادُ السَّابِعُ أَنْ يَكُونَ النِّكَاحُ صَحِيحًا فَلَا لِعَانَ بِالْقَذْفِ بِنَفْيِ الْوَلَدِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَالْوَطْءِ بِشُبْهَةٍ وَلَا يَنْتَفِي النَّسَبُ وَقُيِّدَ بِالزَّوْجِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ نَفَى نَسَبَ وَلَدِ أُمِّ الْوَلَدِ فَإِنَّهُ يَنْتَفِي بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ بِلَا لِعَانٍ وَيُزَادُ الثَّامِنُ أَنْ يَكُونَ الْعُلُوقُ فِي حَالٍ يَجْرِي فِيهِ اللِّعَانُ حَتَّى لَوْ عَلِقَ وَهِيَ كَافِرَةٌ لَا يَنْتَفِي. وَفِي شَهَادَاتِ الْجَامِعِ وَلَدَتْ تَوْأَمَيْنِ فَنَفَاهُمَا وَمَاتَ أَحَدُهُمَا عَنْ أُمِّهِ وَأَخِيهِ وَأَخٍ مِنْهَا فَالسُّدُسُ لَهَا وَالثُّلُثُ لَهُمَا وَالْبَاقِي يُرَدُّ كَأَوْلَادِ الْعَاهِرَةِ لِانْقِطَاعِ النَّسَبِ وَفِيهَا اخْتِلَافٌ يُعْرَفُ فِي مَوْضِعِهِ اهـ. وَفِي تَتِمَّةِ الْفَتَاوَى مِنْ الْفَرَائِضِ وَلَدُ الْمُلَاعَنَةِ وَوَلَدُ الزِّنَا فِي حُكْمِ الْمِيرَاثِ بِمَنْزِلَةِ وَلَدِ رَشِيدَةٍ لَيْسَ لَهُ أَبٌ وَلَا قَرَابَةُ أَبٍ فَلَا يَرِثُ هَذَا الْوَلَدُ مِنْ الْأَبِ وَقَرَابَتِهِ وَلَا يَرِثُ الْأَبُ وَلَا قَرَابَتُهُ مِنْ هَذَا الْوَلَدِ؛ لِأَنَّ قَوْمَ الْأَبِ تَبَعٌ لَهُ فِي قَطْعِ النَّسَبِ وَهُوَ وَلَدُ الْأُمِّ فَيَرِثُ مِنْهَا وَمِنْ قَرَابَتِهَا وَتَرِثُ الْأُمُّ وَقَرَابَتُهَا. وَأَمَّا ابْنُ ابْنِ الْمُلَاعَنَةِ فَلَهُ أَبٌ وَقَوْمُ الْأَبِ وَهُمْ الْإِخْوَةُ وَلَيْسَ لَهُ جَدٌّ صَحِيحٌ وَلَا قَوْمُهُ وَهُمْ الْأَعْمَامُ وَالْعَمَّاتُ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ فَإِذَا ثَبَتَ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ ثُمَّ حَدَثَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ اخْتَلَفُوا فِي مِيرَاثِ هَذَا الْوَلَدِ مِنْهُ لِلِاخْتِلَافِ فِي هَذِهِ الْحُرْمَةِ فَلَمْ يَكُنْ كَوَلَدِ الزِّنَا كَمَا لَوْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ بَعْدَ النِّكَاحِ الْمُعَلَّقِ طَلَاقُهَا الثَّلَاثُ بِهِ فَإِنَّ النَّسَبَ فِيهِ ثَابِتٌ لِلِاخْتِلَافِ اهـ. بِاخْتِصَارٍ. وَفِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ لَوْ مَلَكَ النَّافِي الْأُمَّ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا، وَفِي شَرْحِهِ وَصُورَتُهُ رَجُلٌ نَفَى نَسَبَ وَلَدِ امْرَأَتِهِ الْحُرَّةِ وَلَاعَنَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا وَقَطَعَ نَسَبَ الْوَلَدِ ثُمَّ ارْتَدَّتْ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى عَنْ الْإِسْلَامِ ثُمَّ سُبِيَتْ وَمَلَكَهَا الزَّوْجُ النَّافِي فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهَا؛ لِأَنَّ نَسَبَ الْوَلَدِ ثَابِتٌ حُكْمًا لِقِيَامِ فِرَاشِهَا وَلَا تَصِحُّ دَعْوَةُ غَيْرِ النَّافِي لِهَذَا الْوَلَدِ وَإِنْ صَدَّقَهُ الثَّانِي وَتَصِحُّ دَعْوَةُ النَّافِي مُطْلَقًا، وَلَوْ كَانَ الْمَنْفِيُّ كَبِيرًا جَاحِدًا لِلنَّسَبِ مِنْ النَّافِي. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة وَلَا يَنْتَفِي مِنْ أَحْكَامِ النَّسَبِ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ سِوَى التَّوَارُثِ وَإِيجَابِ النَّفَقَةِ وَمَا عَدَاهُمَا مِنْ أَحْكَامِ النَّسَبِ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ قَائِمَةٌ، وَفِي الذَّخِيرَةِ وَكُلُّ نَسَبٍ ثَبَتَ بِإِقْرَارِهِ أَوْ بِطَرِيقِ الْحُكْمِ لَهُ يَنْتَفِي بَعْدَ ذَلِكَ وَبَيَانُهُ فِيمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي رَجُلٍ جَاءَتْ امْرَأَتُهُ بِوَلَدٍ فَنَفَاهُ فَلَمْ يُلَاعِنْهَا حَتَّى قَذَفَهَا أَجْنَبِيٌّ بِالْوَلَدِ فَحُدَّ فَقَدْ ثَبَتَ نَسَبُ الْوَلَدِ وَلَا يَنْتَفِي بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَوْ نَفَى وَلَدُ زَوْجَتِهِ اللِّعَانَ وَهُمَا مِمَّا لَا لِعَانَ بَيْنَهُمَا لَا يَنْتَفِي سَوَاءٌ وَجَبَ الْحَدُّ أَوْ لَمْ يَجِبْ، وَكَذَا إذَا كَانَا مِنْ أَهْلِ اللِّعَانِ وَلَمْ يَتَلَاعَنَا فَإِنَّهُ لَا يَنْتَفِي، وَكَذَا إذَا كَانَ الْعُلُوقُ فِي حَالٍ لَا لِعَانَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ صَارَا بِحَالٍ يَتَلَاعَنَانِ نَحْوُ إنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ أَمَةً أَوْ كِتَابِيَّةً حَالَةَ الْعُلُوقِ فَأُعْتِقَتْ أَوْ أَسْلَمَتْ فَإِنَّهُمَا لَا يَتَلَاعَنَانِ وَلَا يَنْتَفِي نَسَبُ الْوَلَدِ. وَفِي السِّغْنَاقِيِّ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَيُزَادُ السَّابِعُ إلَخْ) قَالَ الْحَمَوِيُّ التَّحْقِيقُ أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ وَاَلَّذِي بَعْدَهُ مِنْ شَرَائِطِ اللِّعَانِ لَا مِنْ شَرَائِطِ النَّفْيِ فَلِذَا حَذَفَهُمَا فِي الْبَدَائِعِ اهـ. وَأَصْلُهُ لِصَاحِبِ النَّهْرِ وَأَقُولُ: عَلَى أَنَّ الثَّامِنَ يُغْنِي عَنْ هَذَا السَّابِعِ كَمَا لَا يَخْفَى وَيَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ قَوْلُ الْقَاضِي بَعْدَ التَّفْرِيقِ قَطَعْتُ نَسَبَ هَذَا الْوَلَدِ عَنْهُ عَلَى مَا هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا يَأْتِي. (قَوْلُهُ: وَفِي شَهَادَاتِ الْجَامِعِ وَلَدَتْ تَوْأَمَيْنِ إلَخْ) ذَكَرَ فِي شَرْحِ فَرَائِضِ الْمُلْتَقَى الْمُسَمَّى بِسَكْبِ الْأَنْهُرِ مَعْزِيًّا إلَى الِاخْتِيَارِ إنَّ وَلَدَيْ الزِّنَا وَاللِّعَانِ يَفْتَرِقَانِ فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ أَنَّ وَلَدَ الزِّنَا يَرِثُ مِنْ تَوْأَمِهِ مِيرَاثَ أَخٍ لِأُمٍّ وَوَلَدَ الْمُلَاعَنَةِ يَرِثُ مِنْ تَوْأَمِهِ مِيرَاثَ أَخٍ لِأَبَوَيْنِ اهـ. ثُمَّ رَأَيْتُ فِي مَبْسُوطِ السَّرَخْسِيِّ نَسَبَ مَا ذَكَرَهُ فِي سَكْبِ الْأَنْهُرِ إلَى الْإِمَامِ مَالِكٍ وَذَكَرَ أَنَّ قَوْلَ عَلِيٍّ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ وَلَدَ الْمُلَاعَنَةِ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَا قَرَابَةَ لَهُ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ وَلَهُ قَرَابَةٌ مِنْ قِبَلِ أُمِّهِ قَالَ وَبِهِ أَخَذَ عُلَمَاؤُنَا وَالشَّافِعِيُّ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 129 وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ يَا زَانِيَةُ وَلَهَا وَلَدٌ مِنْهُ ثَبَتَ اللِّعَانُ وَلَا يَلْزَمُ نَفْيُ الْوَلَدِ فَإِنْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ حَدَّهُ الْقَاضِي اهـ. وَلِذَا قُيِّدَ النَّفْيُ بِقَذْفِ الْوَلَدِ احْتِرَازًا عَمَّا إذَا قَذَفَهَا بِالزِّنَا وَلَهَا مِنْهُ وَلَدٌ فَإِنَّهُ لَا يَنْتَفِي نَسَبُهُ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْوَلَدَ وَإِنْ قَطَعَ الْقَاضِي نَسَبَهُ عَنْ أَبِيهِ لَمْ تَصِحَّ دَعْوَى أَحَدٍ لِنَسَبِهِ وَإِنْ صَدَّقَهُ الْوَلَدُ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَهُوَ مُسْتَفَادٌ مِنْ قَوْلِهِمْ إنَّ قَطْعَ النَّسَبِ لَا يَظْهَرُ إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ، وَفِي قَوْلِهِ نَفَى نَسَبَهُ أَيْ: الْقَاضِي وَأَلْحَقَهُ بِأُمِّهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ التَّفْرِيقَ بَيْنَهُمَا لَا يَكْفِي لِنَفْيِ نَسَبِ الْوَلَدِ فَلِذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ قَطَعْتُ نَسَبَ هَذَا الْوَلَدِ عَنْهُ بَعْدَ مَا قَالَ فَرَّقْتُ بَيْنَكُمَا وَفِي الْمَبْسُوطِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ التَّفْرِيقِ نَفْيُ النَّسَبِ كَمَا بَعْدَ الْمَوْتِ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِاللِّعَانِ وَلَا يَنْتَفِي نَسَبُهُ عَنْهُ كَذَا فِي النِّهَايَةِ، وَفِي الْمَجْمَعِ، وَلَوْ مَاتَتْ بِنْتُهُ الْمَنْفِيَّةُ عَنْ وَلَدٍ فَادَّعَاهُ فَنَسَبُهُ غَيْرُ ثَابِتٍ مِنْهُ أَيْ: عِنْدَ الْإِمَامِ وَقَالَا يَثْبُتُ قُيِّدَ بِمَوْتِهَا؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ حَيَّةً ثَبَتَ نَسَبُهَا بِدَعْوَةِ وَلَدِهَا اتِّفَاقًا وَقُيِّدَ بِالْبِنْتِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ الْمَنْفِيَّ لَوْ كَانَ ذَكَرًا فَمَاتَ وَتَرَكَ وَلَدًا ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْ الْمُدَّعِي وَوَرِثَ الْأَبُ مِنْهُ اتِّفَاقًا لِحَاجَةِ الْوَلَدِ الثَّانِي إلَى ثُبُوتِ النَّسَبِ فَبَقَاؤُهُ كَبَقَاءِ الْأَوَّلِ وَقُيِّدَ بِدَعْوَةِ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ادَّعَى الْبِنْتَ الْمَنْفِيَّةَ حَيَّةً ثَبَتَ نَسَبُهَا اتِّفَاقًا وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِهِ. [اللِّعَانُ بِنَفْيِ الْوَلَدِ فِي الْمَجْبُوبِ وَالْخَصِيِّ وَمَنْ لَا يُولَدُ لَهُ وَلَدٌ] وَفِي الذَّخِيرَةِ لَا يُشْرَعُ اللِّعَانُ بِنَفْيِ الْوَلَدِ فِي الْمَجْبُوبِ وَالْخَصِيِّ وَمَنْ لَا يُولَدُ لَهُ وَلَدٌ (قَوْلُهُ فَإِنْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ حُدَّ) لِإِقْرَارِهِ بِوُجُوبِ الْحَدِّ عَلَيْهِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا اعْتَرَفَ بِهِ وَمَا إذَا أُقِيمَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ أَكْذَبَ نَفْسَهُ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ كَالثَّابِتِ بِإِقْرَارِهِ كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَشَمِلَ الْإِكْذَابَ صَرِيحًا وَضِمْنًا وَلِهَذَا لَوْ مَاتَ الْوَلَدُ الْمَنْفِيُّ عَنْ مَالٍ فَادَّعَى الْمُلَاعِنُ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ وَيُحَدُّ فَإِنْ كَانَ قَدْ تَرَكَ وَلَدًا ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْ الْأَبِ وَوَرِثَهُ الْأَبُ لِاحْتِيَاجِ الْحَيِّ إلَى النَّسَبِ، وَلَوْ تَرَكَ بِنْتًا وَلَهَا ابْنٌ فَأَكْذَبَ الْمُلَاعِنُ نَفْسَهُ يَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْهُ عِنْدَ الْإِمَامِ خِلَافًا لَهُمَا كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. وَظَاهِرُ مَا فِي الْكِتَابِ أَنَّ الْإِكْذَابَ بَعْدَ اللِّعَانِ وَوُجُوبَ الْحَدِّ عَلَيْهِ لَيْسَ بِاعْتِبَارِ قَذْفِهِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ بِمُوجِبِهِ وَهُوَ اللِّعَانُ بَلْ بِاعْتِبَارِ الْقَذْفِ الثَّانِي الَّذِي تَضَمَّنَهُ كَلِمَاتُ اللِّعَانِ كَشُهُودِ الزِّنَا إذَا رَجَعُوا فَإِنَّهُمْ يُحَدُّونَ بِاعْتِبَارِ مَا تَضَمَّنَتْهُ شَهَادَتُهُمْ مِنْ الْقَذْفِ أَمَّا إذَا أَكْذَبَ نَفْسَهُ قَبْلَ اللِّعَانِ يُنْظَرُ فَإِنْ لَمْ يُطَلِّقْهَا قَبْلَ الْإِكْذَابِ حُدَّ أَيْضًا وَإِنْ أَبَانَهَا ثُمَّ أَكْذَبَ نَفْسَهُ فَلَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ؛ لِأَنَّ اللِّعَانَ أَثَرُهُ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا وَهُوَ لَا يَتَأَتَّى بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ لِحُصُولِهِ بِالْإِبَانَةِ وَهُوَ لَا يَصِحُّ بِدُونِ حُكْمِهِ وَلَا يَجِبُ الْحَدُّ؛ لِأَنَّ قَذْفَهُ وَقَعَ مُوجِبًا لِلِّعَانِ فَلَا يَنْقَلِبُ مُوجِبًا لِلْحَدِّ وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ يَا زَانِيَةُ أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا لَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ، وَلَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا يَا زَانِيَةُ حُدَّ أَطْلَقَ فِي الْإِكْذَابِ فَشَمِلَ مَا إذَا أَنْكَرَ الْوَلَدَ بَعْدَ مَا ادَّعَاهُ؛ وَلِذَا قَالَ أَيْضًا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ لَوْ أَقَامَتْ الْبَيِّنَةَ عَلَى الزَّوْجِ أَنَّهُ ادَّعَاهُ وَهُوَ يُنْكِرُ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ وَيُحَدُّ اهـ. وَفِي جَامِعِ الصَّدْرِ الشَّهِيدِ قَذَفَهَا بِنَفْيِ الْوَلَدِ وَلَاعَنَ فَتَزَوَّجَتْ غَيْرَهُ فَادَّعَاهُ صَحَّ وَيُحَدُّ فَإِنْ وَلَدَتْ مِنْ الثَّانِي فَنَفَاهُ لَاعَنَ وَيَنْتَفِي إنْ عَلَّقَ بَعْدَ إكْذَابِهِ وَقَبْلَهُ لَا وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُلَاعِنَ لِاسْتِنَادِهِ نَظِيرُهُ زَنَيْتِ وَأَنْتِ صَبِيَّةٌ بِخِلَافِ وَأَنْتِ ذِمِّيَّةٌ أَوْ رَقِيقٌ أَوْ مُنْذُ أَرْبَعِينَ سَنَةً وَعُمْرُهَا عِشْرُونَ سَنَةً وَإِنْ تَرَدَّدَ يُقْطَعُ اسْتِحْسَانًا وَقِيَاسًا لَا نَظِيرُهُ أَسْلَمَتْ زَوْجَتُهُ أَوْ أُعْتِقَتْ ثُمَّ وَلَدَتْ فَنَفَاهُ اهـ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ وَلَدَ أُمِّ الْوَلَدِ إذَا نَفَاهُ الْمَوْلَى وَقُلْنَا بِصِحَّتِهِ فَإِنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ وَلَدِ الْمَنْكُوحَةِ إذَا نُفِيَ فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ بَعْدَ إعْتَاقِ الْوَلَدِ وَلَا يَضَعُ أَحَدُهُمَا زَكَاتَهُ فِيهِ وَتَحْرُمُ الْمُنَاكَحَةُ بَيْنَهُمَا وَلَا يَرِثُ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ بِالْقَرَابَةِ لَكِنَّ الْمَوْلَى يَرِثُ مِنْهُ بِالْوَلَاءِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَصَبَةٌ أَقْرَبُ مِنْهُ وَتَجِبُ نَفَقَةٌ عَلَى الْمَوْلَى بَعْدَ إعْتَاقِهِ بِحُكْمِ الْمِلْكِ كَذَا فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ مِنْ الشَّهَادَاتِ. (قَوْلُهُ وَلَهُ أَنْ يَنْكِحَهَا) أَيْ: الْمُلَاعِنُ بَعْدَ التَّفْرِيقِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا إذَا أَكْذَبَ نَفْسَهُ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا حُدَّ أَوْ لَمْ يُحَدَّ فَتَقْيِيدُ الشَّارِحِ الْحِلَّ بِالْحَدِّ اتِّفَاقِيٌّ، وَكَذَا إذَا أَكْذَبَتْ نَفْسَهَا فَصَدَّقَتْهُ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْفُرْقَةَ بِاللِّعَانِ   [منحة الخالق] [قَالَ لِامْرَأَتِهِ يَا زَانِيَةُ وَلَهَا وَلَدٌ مِنْهُ] (قَوْلُهُ: وَفِي الذَّخِيرَةِ لَا يُشْرَعُ اللِّعَانُ بِنَفْيِ الْوَلَدِ فِي الْخَصِيِّ وَالْمَجْبُوبِ إلَخْ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ كَذَا فِي الْفَتْحِ عَنْ الذَّخِيرَةِ ثُمَّ قَالَ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْمَجْبُوبَ يَنْزِلُ بِالسَّحْقِ وَيَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهِ عَلَى مَا هُوَ الْمُخْتَارُ اهـ. أَيْ: فَمَا هُنَا عَلَى خِلَافِ الْمُخْتَارِ أَوْ هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا إذَا كَانَ لَا يَنْزِلُ وَسَيَذْكُرُ الْمُؤَلِّفُ فِي الْعِدَّةِ عَنْ كَافِي الْحَاكِمِ وَالْخَصِيِّ كَالصَّحِيحِ فِي الْوَلَدِ وَالْعِدَّةِ، وَكَذَا الْمَجْبُوبُ إذَا كَانَ يُنْزِلُ وَإِلَّا لَمْ يَلْزَمْهُ الْوَلَدُ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الصَّبِيِّ فِي الْوَلَدِ وَالْعِدَّةِ اهـ. وَيَأْتِي قَرِيبًا فِي أَوَّلِ بَابِ الْعِنِّينِ مَا يُؤَيِّدُهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 130 يَزُولُ بِهَا مِلْكُ النِّكَاحِ وَتُوجِبُ حُرْمَةَ الِاجْتِمَاعِ وَالتَّزَوُّجِ مَا دَامَا عَلَى حَالِ اللِّعَانِ فَإِنْ أَكْذَبَ أَحَدُهُمَا نَفْسَهُ جَازَ التَّنَاكُحُ وَالِاجْتِمَاعُ عِنْدَ الْإِمَامِ وَالثَّالِثُ وَقَالَ الثَّانِي إنَّهَا تُوجِبُ حُرْمَةً مُؤَبَّدَةً كَحُرْمَةِ الرَّضَاعِ وَالْمُصَاهَرَةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْمُتَلَاعِنَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا» وَيَقْتَضِي قَوْلُهُ أَنَّ الْفُرْقَةَ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَضَاءِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَهُمَا أَنَّ عُوَيْمِرًا طَلَّقَ الْمُلَاعَنَةَ ثَلَاثًا فَصَارَ سُنَّةَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُطَلِّقَهَا فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ نَابَ الْقَاضِي مَنَابَهُ كَمَا فِي الْعِنِّينِ فَكَانَتْ الْفُرْقَةُ طَلَاقًا، وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَلَا يُمْكِنُ الْعَمَلُ بِحَقِيقَتِهِ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْمُتَفَاعِلِ الْمُتَشَاغِلُ بِالْفِعْلِ وَلَمَّا فَرَغَا مِنْهُ زَالَتْ الْحَقِيقَةُ فَانْصَرَفَ الْمُرَادُ إلَى الْحُكْمِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ بَاقِيًا وَبَعْدَ الْإِكْذَابِ لَمْ يَبْقَ حُكْمُهُ لِبُطْلَانِهِ فَلَمْ يَبْقَ حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا فَجَازَ اجْتِمَاعُهُمَا. وَنَظِيرُهُ قَوْله تَعَالَى فِي قِصَّةِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ {إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا} [الكهف: 20] أَيْ: مَا دَامُوا فِي مِلَّتِهِمْ أَلَا تَرَى إذَا لَمْ يَفْعَلُوا أَفْلَحُوا كَذَا هَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَقَدْ بَحَثَ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ تُمْكِنْ الْحَقِيقَةُ وَصِيرَ إلَى الْمَجَازِ كَانَ لَهُ مَجَازَانِ: أَحَدُهُمَا: مَا ذَكَرْتُمْ مِنْ إرَادَةِ مَنْ بَيْنَهُمَا تَلَاعُنٌ قَائِمٌ حُكْمًا، وَالثَّانِي: مَنْ وُجِدَ بَيْنَهُمَا تَلَاعُنٌ فِي الْخَارِجِ وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لَا يَجْتَمِعَانِ بَعْدَ الْإِكْذَابِ بَيْنَهُمَا؛ إذْ ارْتِفَاعُ حُكْمِهِ لَا يُوجِبُ ارْتِفَاعَ كَوْنِهِ قَدْ تَحَقَّقَ لَهُ وُجُودٌ فِي الْخَارِجِ وَلَكِنْ بَقِيَ النَّظَرُ فِي أَيِّ الِاحْتِمَالَيْنِ أَرْجَحُ وَأَظُنُّ أَنَّ الثَّانِيَ أَسْرَعُ إلَى الْفَهْمِ اهـ. . (قَوْلُهُ: وَكَذَا إذَا قَذَفَ غَيْرَهَا فَحُدَّ أَوْ زَنَتْ فَحُدَّتْ) يَعْنِي لَهُ أَنْ يَنْكِحَهَا أَيْضًا إذَا خَرَجَا أَوْ أَحَدُهُمَا عَنْ أَهْلِيَّةِ اللِّعَانِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا خَرِسَا أَوْ أَحَدُهُمَا وَأَرَادَ بِالزِّنَا الْوَطْءَ الْحَرَامَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ زِنًا شَرْعِيًّا كَمَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ لِزَوَالِ عِفَّتِهَا، وَلَوْ قَالَ: وَكَذَا إنْ قَذَفَ أَحَدُهُمَا فَحُدَّ لَكَانَ أَوْلَى لِشُمُولِهِ الْمُتَلَاعِنَيْنِ، وَلَوْ أَسْقَطَ فَحُدَّ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ بِمُجَرَّدِ زِنَاهَا حَلَّتْ لَهُ سَوَاءٌ حُدَّتْ بِأَنْ وَقَعَ اللِّعَانُ قَبْلَ الدُّخُولِ ثُمَّ زَنَتْ فَجُلِدَتْ أَوْ لَمْ تُحَدَّ لِزَوَالِ الْعِفَّةِ وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِهَذِهِ الصُّورَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ كَانَ حَدُّهَا الرَّجْمَ وَهُوَ إهْلَاكٌ فَلَا يُتَصَوَّرُ الْقَوْلُ بِحِلِّهَا بَعْدَهُ وَاسْتَغْنَى بِهَا عَنْ تَغْيِيرِ الرِّوَايَةِ بِأَنَّهَا زَنَّتْ بِالتَّشْدِيدِ أَيْ: نَسَبَتْ غَيْرَهَا لِلزِّنَا لِمُخَالَفَتِهِ لِلرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهَا بِتَخْفِيفِ النُّونِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَاسْتُشْكِلَ بِأَنَّ زَوَالَ أَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ بِطُرُوِّ الْفِسْقِ مَثَلًا لَا يُوجِبُ بُطْلَانَ مَا حَكَمَ بِهِ الْقَاضِي عَنْهَا فِي حَالِ قِيَامِ الْعَدَالَةِ فَلَا يُوجِبُ بُطْلَانَ ذَلِكَ اللِّعَانَ السَّابِقَ الْوَاقِعَ فِي حَالِ الْأَهْلِيَّةِ لِيَبْطُلَ أَثَرُهُ مِنْ الْحُرْمَةِ اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا لِعَانَ بِقَذْفِ الْأَخْرَسِ) لِفَقْدِ الرُّكْنِ مِنْهُ وَهُوَ التَّلَفُّظُ بِالشَّهَادَاتِ وَلِهَذَا لَوْ قَالَ أَحْلِفُ مَكَانَ أَشْهَدُ لَا يَجُوزُ، وَلَوْ قَالَ وَلَا لِعَانَ إذَا كَانَا أَخْرَسَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا لَكَانَ أَوْلَى لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ إذَا كَانَتْ خَرْسَاءَ وَلِاحْتِمَالِ تَصْدِيقِهَا لَوْ كَانَتْ نَاطِقَةً وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِالْكِتَابَةِ كَمَا لَا يَثْبُتُ بِإِشَارَةِ الْأَخْرَسِ لِلشُّبْهَةِ وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ خَرِسَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ اللِّعَانِ وَقَبْلَ التَّفْرِيقِ فَلَا تَفْرِيقَ وَلَا حَدَّ كَمَا لَوْ ارْتَدَّ أَوْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ. (قَوْلُهُ وَلَا يَنْفِي الْحَمْلَ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَيَقَّنُ بِقِيَامِهِ عِنْدَ الْقَذْفِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ انْتِفَاخٌ، وَلَوْ تَيَقَّنَّا بِقِيَامِهِ وَقْتَهُ بِأَنْ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ صَارَ كَأَنَّهُ قَالَ إنْ كُنْتِ حَامِلًا فَحَمْلُكِ لَيْسَ مِنِّي وَالْقَذْفُ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ، وَهَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا يَجْرِي اللِّعَانُ إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لِلتَّيَقُّنِ بِقِيَامِهِ وَجَوَابُهُ مَا مَرَّ وَأَمَّا الْإِرْثُ وَالْوَصِيَّةُ فَيَتَوَقَّفَانِ عَلَى الْوِلَادَةِ فَيَثْبُتَانِ لِلْوَلَدِ لَا لِلْحَمْلِ، وَأَمَّا عِتْقُهُ فَكَذَلِكَ لِقَبُولِهِ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ، وَأَمَّا رَدُّ الْمَبِيعَةِ بِعَيْبِ الْحَمْلِ فَلِأَنَّ الْحَمْلَ ظَاهِرٌ وَاحْتِمَالُ الرِّيحِ شُبْهَةٌ وَالرَّدُّ بِالْعَيْبِ لَا يَمْتَنِعُ بِالشُّبْهَةِ، وَكَذَا النَّسَبُ يَثْبُتُ مَعَ الشُّبْهَةِ، وَأَمَّا وُجُوبُ النَّفَقَةِ لِلْمُطَلَّقَةِ إذَا ادَّعَتْ حَمْلًا فَلِقَبُولِ قَوْلِهَا فِي أَمْرِ عِدَّتِهَا وَالْحَقُّ أَنَّ قَوْلَ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ أَنَّ الْأَحْكَامَ لَا تَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ قَبْلَهَا لَا يُرَادُ بِهِ كُلُّ الْأَحْكَامِ وَإِنَّمَا يُرَادُ بِهِ بَعْضُهَا كَمَا فِي الْعِنَايَةِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ فَلَا يُتَصَوَّرُ الْقَوْلُ بِحِلِّهَا بَعْدَهُ) قَالَ الْعَلَّامَةُ الْغُنَيْمِيَّ ظَاهِرُهُ أَنَّ مَنْ وَجَبَ رَجْمُهَا لَا يَصِحُّ نِكَاحُهَا لِعَدَمِ تَصَوُّرِهِ مَعَ أَنَّهُ مُتَصَوَّرٌ بِأَنْ يَعْقِدَ عَلَيْهَا قَبْلَ الْمَوْتِ بِالرَّجْمِ وَيَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ الْإِرْثُ وَنَحْوُهُ فَلْيُحَرَّرْ بِالنَّقْلِ اهـ. 1 - كَذَا فِي حَوَاشِي مِسْكِينٍ لِأَبِي السُّعُودِ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ أَوْ زَنَتْ فَحُدَّتْ مَعْنَاهُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا إذَا زَنَتْ فَحُدَّتْ أَيْ: بَعْدَ الْحَدِّ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْحَدَّ لَوْ كَانَ الرَّجْمُ لَا يَتِمُّ إلَّا بِمَوْتِهَا كَمَا أَفَادَهُ الْمُؤَلِّفُ بِقَوْلِهِ وَهُوَ إهْلَاكٌ فَلَا يُتَصَوَّرُ الْقَوْلُ بِحِلِّهَا بَعْدَهُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 131 وَقَدْ كَتَبْنَا فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ مَسَائِلَ أُخْرَى تَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ قَبْلَهَا (قَوْلُهُ وَتَلَاعَنَا بِزَنَيْت، وَهَذَا الْحَمْلُ مِنْهُ وَلَمْ يَنْفِ الْحَمْلَ) لِوُجُودِ الْقَذْفِ بِصَرِيحِ الزِّنَا وَنَفْيُ الْحَمْلِ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ قَطْعَ النَّسَبِ حُكْمٌ عَلَيْهِ وَلَا تَتَرَتَّبُ الْأَحْكَامُ عَلَيْهِ وَلَا لَهُ قَبْلَ الِانْفِصَالِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ نَفَى الْوَلَدَ عِنْدَ التَّهْنِئَةِ وَابْتِيَاعِ آلَةِ الْوِلَادَةِ صَحَّ وَبَعْدَهُ لَا وَلَاعَنَ فِيهِمَا) أَيْ: فِيمَا إذَا صَحَّ نَفْيُهُ أَوْ لَمْ يَصِحَّ لِوُجُودِ الْقَذْفِ فِيهِمَا وَالتَّهْنِئَةِ بِالْهَمْزِ مِنْ هَنَّأْته بِالْوَلَدِ بِالتَّثْقِيلِ وَالْهَمْزِ كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ فَالتَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ بَيْنَ أَنْ تَقُومَ دَلَالَةٌ عَلَى إقْرَارِهِ بِالْوَلَدِ أَوْ لَا إنَّمَا هُوَ فِي صِحَّةِ النَّفْيِ وَعَدَمِهِ لَا فِي اللِّعَانِ كَمَا فِي الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ مِنْ أَنَّ اللِّعَانَ إنَّمَا يَجْرِي إذَا نَفَى بَعْدَ الْوِلَادَةِ فِي مُدَّةٍ قَصِيرَةٍ أَمَّا بَعْدَ مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ فَلَا يَصِحُّ سَهْوٌ وَدَلَّ كَلَامُهُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ صَرِيحًا بِالْوَلَدِ ثُمَّ نَفَاهُ لَا يَصِحُّ بِالْأَوْلَى كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَلَمْ يُقَدِّرْ مُدَّةَ الْوِلَادَةِ بِوَقْتٍ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ. وَقَدْ قَالُوا إنَّ الْإِقْرَارَ بِالْوَلَدِ الَّذِي لَيْسَ مِنْهُ حَرَامٌ كَالسُّكُوتِ لِاسْتِلْحَاقِ نَسَبِ مَنْ لَيْسَ مِنْهُ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِلْهِدَايَةِ شَيْئَيْنِ قَبُولَ التَّهْنِئَةِ وَشِرَاءَ آلَةِ الْوِلَادَةِ وَزَادَ فِي الِاخْتِيَارِ ثَالِثًا أَنْ يَقْبَلَ هَدِيَّةَ الْأَهْلِ فَهِيَ ثَلَاثٌ لَا يَصِحُّ نَفْيُهُ بَعْدَ وَاحِدَةٍ مِنْهَا وَالْحَقُّ أَنَّهَا أَرْبَعُ وَالرَّابِعُ سُكُوتُهُ حَتَّى مَضَى وَقْتُ التَّهْنِئَةِ وَشِرَاءِ الْآلَةِ وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فِي رِوَايَةٍ وَسَبْعَةٌ فِي أُخْرَى كَمَا فِي الْكَافِي وَقَبُولُ التَّهْنِئَةِ ذِكْرُ مَا يَدُلُّ عَلَى الْقَبُولِ مِثْلُ أَحْسَنَ اللَّهُ بَارَكَ اللَّهُ جَزَاكَ اللَّهُ رَزَقَكَ اللَّهُ مِثْلَهُ أَوْ أَمَّنَ عَلَى دُعَاءِ الْمُهَنِّئِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَلَوْ كَانَ غَائِبًا لَمْ يَعْلَمْ بِالْوِلَادَةِ تُعْتَبَرُ الْمُدَّةُ بَعْدَ قُدُومِهِ. (قَوْلُهُ وَإِنْ نَفَى أَوَّلَ التَّوْأَمَيْنِ وَأَقَرَّ بِالثَّانِي حُدَّ) ؛ لِأَنَّهُ أَكْذَبَ نَفْسَهُ بِدَعْوَى الثَّانِي، التَّوْأَمُ فَوْعَلٌ وَالْأُنْثَى تَوْأَمَةٌ وَالِاثْنَانِ تَوْأَمَانِ وَالْجَمْعُ تَوَائِمُ وَتُؤَامٌ كَدُخَانٍ كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ (قَوْلُهُ وَإِنْ عَكَسَ لَاعَنَ) بِأَنْ أَقَرَّ بِالْأَوَّلِ وَنَفَى الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ قَاذِفٌ بِنَفْيِ الثَّانِي وَلَمْ يَرْجِعْ عَنْهُ (قَوْلُهُ وَثَبَتَ نَسَبُهُمَا فِيهِمَا) أَيْ: فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا خُلِقَا مِنْ مَاءٍ وَاحِدٍ وَالتَّوْأَمَانِ وَلَدَانِ بَيْنَ وِلَادَتِهِمَا أَقَلُّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ نَفَاهُمَا ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ اللِّعَانِ لَزِمَاهُ وَقَدَّمْنَا تَفَارِيعَهُ، وَلَوْ جَاءَتْ بِثَلَاثَةٍ فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ فَنَفَى الثَّانِي وَأَقَرَّ بِالْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ يُلَاعِنُ وَهُمْ بَنُوهُ، وَلَوْ نَفَى الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ وَأَقَرَّ بِالثَّانِي يُحَدُّوهُمْ بَنُوهُ كَذَا فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ اعْلَمْ أَنَّهُ فِي صُورَةِ مَا إذَا أَقَرَّ بِالْأَوَّلِ وَنَفَى الثَّانِيَ إذَا قَالَ بَعْدَهُ هُمَا ابْنَايَ أَوْ لَيْسَا بِابْنَيْ فَلَا حَدَّ فِيهِمَا كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. وَفِي شَهَادَاتِ الْجَامِعِ لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ مِنْ بَابِ شَهَادَةِ وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ بَاعَ أَحَدَ التَّوْأَمَيْنِ وَقَدْ وُلِدَا فِي مِلْكِهِ وَأَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي فَشَهِدَ لِبَائِعِهِ تُقْبَلُ فَإِنْ ادَّعَى الْبَاقِي ثَبَتَ نَسَبُهُمَا وَانْتَقَضَ الْبَيْعُ وَالْعِتْقُ وَالْقَضَاءُ وَيُرَدُّ مَا قُبِضَ أَوْ مِثْلُهُ إنْ هَلَكَ لِلِاسْتِنَادِ كَتَحْوِيلِ الْعَقْدِ وَإِنْ كَانَ الْقَضَاءُ قِصَاصًا فِي طَرَفٍ أَوْ نَفْسِ فَأَرْشُهُ عَلَيْهِ دُونَ الْعَاقِلَةِ؛ لِأَنَّهُ بِدَعْوَاهُ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا نَفَى نَسَبَ التَّوْأَمَيْنِ ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا عَنْ تَوْأَمِهِ وَأُمِّهِ وَأَخٍ لِأُمِّهِ فَالْإِرْثُ أَثْلَاثٌ فَرْضًا وَرَدًّا لِلْأُمِّ السُّدُسُ وَالْأَخَوَيْنِ الثُّلُثُ وَالنِّصْفُ يُرَدُّ عَلَيْهِمْ، وَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ قَطْعَ النَّسَبِ يَجْرِي فِي التَّوْأَمِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُقْطَعْ نَسَبُهُ عَنْ أُخْتِهِ التَّوْأَمِ لَكَانَ عَصَبَةً يَأْخُذُ الثُّلُثَيْنِ وَقَطْعُ النَّسَبِ عَنْ الْأَخِ التَّوْأَمِ بِالتَّبَعِيَّةِ لِأَبِيهِمَا وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْجَامِعِ وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ مِنْ بَابِ شَهَادَةِ وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (بَابُ الْعِنِّينِ وَغَيْرِهِ) . يُقَالُ رَجُلٌ عِنِّينٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى إتْيَانِ النِّسَاءِ أَوْ لَا يَشْتَهِي النِّسَاءَ وَامْرَأَةٌ عِنِّينَةٌ لَا تَشْتَهِي الرِّجَالَ وَالْفُقَهَاءُ يَقُولُونَ بِهِ عُنَّةٌ، وَفِي كَلَامِ الْجَوْهَرِيِّ مَا يُشْبِهُهُ وَلَمْ أَجِدْهُ لِغَيْرِهِ وَلَفْظُهُ عُنَّ عَنْ امْرَأَتِهِ تَعْنِينًا بِالْبِنَاءِ   [منحة الخالق] [قَذْفِ الْأَخْرَسِ] (قَوْلُهُ وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فِي رِوَايَةٍ إلَخْ) ذُكِرَ فِي الْفَتْحِ أَنَّهُ لَمْ يُقَدَّرْ لَهَا مِقْدَارٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَأَنَّ مَا هُنَا ضَعَّفَهُ السَّرَخْسِيُّ بِأَنَّ نَصْبَ الْمَقَادِيرِ بِالرَّأْيِ مُتَعَذِّرٌ. [بَابُ الْعِنِّينِ] (بَابُ الْعِنِّينِ وَغَيْرِهِ) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 132 لِلْمَفْعُولِ إذَا حَكَمَ عَلَيْهِ الْقَاضِي بِذَلِكَ أَوْ مُنِعَ عَنْهَا بِالسِّحْرِ وَالِاسْمُ مِنْهُ الْعُنَّةُ وَصَرَّحَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ لَا يُقَالُ عِنِّينٌ بِهِ عُنَّةٌ كَمَا يَقُولُهُ الْفُقَهَاءُ فَإِنَّهُ كَلَامٌ سَاقِطٌ قَالَ وَالْمَشْهُورُ فِي هَذَا الْمَعْنَى كَمَا قَالَ ثَعْلَبٌ وَغَيْرُهُ رَجُلٌ عِنِّينٌ بَيِّنُ التَّعْنِينِ وَالْعِنِّيَّةِ وَقَالَ فِي الْبَارِعِ بَيِّنُ الْعَنَانَةِ بِالْفَتْحِ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَسُمِّيَ عِنِّينًا؛ لِأَنَّ ذَكَرَهُ يَعِنُّ بِقُبُلِ الْمَرْأَةِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ يَعْتَرِضُ إذَا أَرَادَ إيلَاجَهُ كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ وَجَمْعُهُ عُنُنٌ وَأَمَّا عِنْدَ الْفُقَهَاءِ فَهُوَ مَنْ لَا يَصِلُ إلَى النِّسَاءِ مَعَ قِيَامِ الْآلَةِ لِمَرَضٍ بِهِ وَإِنْ كَانَ يَصِلُ إلَى الثَّيِّبِ دُونَ الْبِكْرِ أَوْ إلَى بَعْضِ النِّسَاءِ دُونَ بَعْضٍ سَوَاءٌ كَانَتْ آلَتُهُ تَقُومُ أَوْ لَا كَمَا فِي الْعِنَايَةِ. وَلِذَا قَالَ فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ الشَّكَّازُ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَكَافٍ مُشَدَّدَةٍ وَبَعْدَ الْأَلْفِ زَايٌ هُوَ الَّذِي إذَا جَذَبَ الْمَرْأَةَ أَنْزَلَ قَبْلَ أَنْ يُخَالِطَهَا ثُمَّ لَا تَنْتَشِرُ آلَتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ لِجِمَاعِهَا وَهُوَ مِنْ قَبِيلِ الْعِنِّينِ لَهَا الْمُطَالَبَةُ بِالتَّفْرِيقِ وَإِنْ كَانَ يَصِلُ إلَى الثَّيِّبِ دُونَ الْبِكْرِ أَوْ إلَى بَعْضِ النِّسَاءِ دُونَ بَعْضٍ لِضَعْفِ طَبِيعَتِهِ أَوْ لِكِبَرِ سِنِّهِ أَوْ سِحْرٍ فَهُوَ عِنِّينٌ فِي حَقِّ مَنْ لَا يَصِلُ إلَيْهَا لِفَوَاتِ الْمَقْصُودِ فِي حَقِّهَا فَإِنَّ السِّحْرَ عِنْدَنَا حَقٌّ وُجُودُهُ وَتَصَوُّرُهُ وَيَكُونُ أَثَرُهُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَلَا يَخْرُجُ عَنْ الْعُنَّةِ بِإِدْخَالِهِ فِي دُبُرِهَا خِلَافًا لِابْنِ عَقِيلٍ فَإِنَّهُ يَقُولُ الدُّبُرُ أَشَدُّ مِنْ الْقُبُلِ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ وَفِيهِ إذَا أَوْلَجَ الْحَشَفَةَ فَقَطْ فَلَيْسَ بِعِنِّينٍ وَإِنْ كَانَ مَقْطُوعَهَا فَلَا بُدَّ مِنْ إيلَاجِ بَقِيَّةِ الذَّكَرِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ يَكْفِي الْإِيلَاجُ بِقَدْرِ الْحَشَفَةِ مِنْ مَقْطُوعِهَا وَلَمْ أَرَ حُكْمَ مَا إذَا قُطِعَتْ ذَكَرُهُ وَإِطْلَاقُ الْمَجْبُوبِ يَشْمَلُهُ وَهُوَ فِي تَحْرِيرِ الشَّافِعِيَّةِ لَكِنْ قَوْلُهُمْ لَوْ رَضِيَتْ بِهِ فَلَا خِيَارَ لَهَا يُنَافِيهِ وَلَهُ نَظِيرَانِ أَحَدُهُمَا لَوْ خَرِبَ الْمُسْتَأْجِرُ الدَّارَ الثَّانِي لَوْ أَتْلَفَ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ قَبْلَ الْقَبْضِ. (قَوْلُهُ وَجَدَتْ زَوْجَهَا مَجْبُوبًا فَرَّقَ فِي الْحَالِ) وَهُوَ مَنْ اُسْتُؤْصِلَ ذَكَرُهُ وَخُصْيَتَاهُ يُقَالُ جَبَبْته جَبًّا مِنْ بَابِ قَتَلَ قَطَعْته وَهُوَ مَجْبُوبٌ بَيْنَ الْجِبَابِ بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ وَإِنَّمَا لَمْ يُؤَجَّلْ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ وَلَمَّا كَانَ التَّفْرِيقُ لِفَوَاتِ حَقِّهَا تَوَقَّفَ عَلَى طَلَبِهَا وَلَمْ يَذْكُرْهُ هُنَا اكْتِفَاءً بِمَا ذَكَرَهُ فِي الْعِنِّينِ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَوْ جُبَّ بَعْدَ الْوُصُولِ إلَيْهَا مَرَّةً لَا خِيَارَ لَهَا كَمَا إذَا صَارَ عِنِّينًا بَعْدَهُ وَيُلْحَقُ بِالْمَجْبُوبِ مَنْ كَانَ ذَكَرُهُ صَغِيرًا جِدًّا كَالزِّرِّ لَا مَنْ كَانَتْ آلَتُهُ قَصِيرَةً لَا يُمْكِنُ إدْخَالُهَا دَاخِلَ الْفَرْجِ فَإِنَّهَا لَا حَقَّ لَهَا فِي الْمُطَالَبَةِ بِالتَّفْرِيقِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ لَا يُمْكِنُ إدْخَالُهَا أَصْلًا فَإِنَّهُ كَالْمَجْبُوبِ لِتَقْيِيدِهِ بِالدَّاخِلِ وَأَطْلَقَ الزَّوْجَ الْمَجْبُوبَ فَشَمِلَ الصَّغِيرَ وَالْمَرِيضَ بِخِلَافِ الْعِنِّينِ حَيْثُ يُنْتَظَرُ بُلُوغُهُ أَوْ بُرْؤُهُ لِاحْتِمَالِ الزَّوَالِ وَأَرَادَ بِالْمَرْأَةِ مَنْ لَهَا حَقُّ الْمُطَالَبَةِ بِالْجِمَاعِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ صَغِيرَةً انْتَظَرَ بُلُوغَهَا فِي الْمَجْبُوبِ وَالْعِنِّينِ لِاحْتِمَالِ رِضَاهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مَجْنُونًا فَإِنَّهُ لَا يُؤَخَّرُ إلَى عَقْلِهِ فِي الْجَبِّ وَالْعُنَّةِ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ. وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا لِلْحَالِ فِي الْجَبِّ وَبَعْدَ التَّأْجِيلِ فِي الْعِنِّينِ؛ لِأَنَّ الْجُنُونَ لَا يَعْدَمُ الشَّهْوَةَ، بِخُصُومَةِ وَلِيٍّ إنْ كَانَ وَإِلَّا فَمَنْ يُنَصِّبُهُ الْقَاضِي، وَلَوْ جَاءَ الْوَلِيُّ بِبَيِّنَةٍ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ عَلَى رِضَاهَا بِعُنَّتِهِ أَوْ جَبِّهِ أَوْ عَلَى عِلْمِهَا بِحَالِهِ عِنْدَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ لَكِنَّ قَوْلَهُمْ لَوْ رَضِيَتْ بِهِ فَلَا خِيَارَ لَهَا يُنَافِيهِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ هَذَا غَيْرُ مُسَلَّمٍ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ رِضَاهَا اهـ. وَفِيهِ تَأَمُّلٌ فَإِنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْ عَقْلًا لَكِنَّهُ لَازِمٌ عَادَةً كَمَا لَوْ تَزَوَّجَتْهُ عَالِمَةً بِحَالِهِ وَالْوَطْءُ حَقُّهَا وَقَدْ فَوَّتَتْهُ بِصُنْعِهَا (قَوْلُهُ أَحَدُهُمَا لَوْ خَرَّبَ الْمُسْتَأْجِرُ الدَّارَ) قَالَ الرَّمْلِيُّ يَعْنِي لَيْسَ لَهُ فَسْخُ الْإِجَارَةِ بِهَذَا الْعَيْبِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَحْدَثَهُ وَقَوْلُهُ لَوْ أَتْلَفَ الْبَائِعُ إلَخْ يَعْنِي لَيْسَ لَهُ طَلَبُ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَبْطَلَ حَقَّهُ فِيهِ بِإِتْلَافِ الْمَبِيعِ. [وَجَدَتْ زَوْجَهَا مَجْبُوبًا] (قَوْلُهُ مَنْ كَانَ ذَكَرُهُ صَغِيرًا كَالزِّرِّ) بِكَسْرِ الزَّايِ وَاحِدُ الْأَزْرَارِ (قَوْلُهُ لَا مَنْ كَانَتْ آلَتُهُ قَصِيرَةً إلَخْ) بَحَثَ فِيهِ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْوَهْبَانِيَّةِ فَقَالَ أَقُولُ: إنَّ هَذَا دُونَ حَالِ الْعِنِّينِ لِإِمْكَانِ زَوَالِ عُنَّتِهِ فَيَصِلُ إلَيْهَا وَهُوَ مُسْتَحِيلٌ هُنَا فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمَجْبُوبِ بِجَامِعِ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ إدْخَالُ آلَتِهِ الْقَصِيرَةِ دَاخِلَ الْفَرْجِ فَالضَّرَرُ الْحَاصِلُ لِلْمَرْأَةِ بِهِ مُسَاوٍ لِضَرَرِ الْمَجْبُوبِ فَلَهَا طَلَبُ التَّفْرِيقِ وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ انْتِفَاءَ التَّفْرِيقِ لَا وَجْهَ لَهُ وَهُوَ مِنْ الْقُنْيَةِ فَلَا يُسَلَّمُ اهـ. وَقَدْ عَلِمْتَ نَقْلَهُ هُنَا عَنْ الْمُحِيطِ أَيْضًا فَعَدَمُ تَسْلِيمِهِ مَمْنُوعٌ. (قَوْلُهُ وَبَعْدَ التَّأْجِيلِ فِي الْعِنِّينِ؛ لِأَنَّ الْجُنُونَ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ كَبِيرًا مَجْنُونًا فَوَجَدَتْهُ عِنِّينًا قَالُوا إنَّهُ لَا يُؤَجَّلُ كَذَا ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ؛ لِأَنَّ التَّأْجِيلَ لِلتَّفْرِيقِ عِنْدَ عَدَمِ الدُّخُولِ وَفُرْقَةُ الْعِنِّينِ طَلَاقٌ وَالْمَجْنُونُ لَا يَمْلِكُ الطَّلَاقَ وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ يَنْتَظِرُ حَوْلًا وَلَا يَنْتَظِرُ إلَى إفَاقَتِهِ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ؛ لِأَنَّ الصِّغَرَ مَانِعٌ مِنْ الْوُصُولِ فَيَتَأَتَّى إلَى أَنْ يَزُولَ الصِّغَرُ ثُمَّ يُؤَجَّلُ سَنَةً فَأَمَّا الْجُنُونُ فَلَا يَمْنَعُ الْوُصُولَ؛ لِأَنَّ الْمَجْنُونَ يُجَامِعُ فَيُولِجُ لِلْحَالِ وَالصَّحِيحُ مَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ إنَّهُ لَا يُؤَجَّلُ أَصْلًا لِمَا ذَكَرْنَا اهـ. وَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّهُ لَا يُؤَجَّلُ وَلَا يُفَرَّقُ إذَا كَانَ الْمَجْنُونُ مَجْبُوبًا؛ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَجْبُوبِ وَالْعِنِّينِ فِي الْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ عِنْدَ الْكَرْخِيِّ، وَكَذَا الصَّغِيرُ الْمَجْبُوبُ لَكِنْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ نِكَاحِ الْكَافِرِ مَا قَدْ يُنَافِي ذَلِكَ فِي التَّفْرِيقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ زَوْجَتِهِ بِإِبَائِهِ عَنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 133 الْعَقْدِ لَمْ يُفَرَّقْ وَلَوْ طَلَبَ يَمِينَهَا عَلَى ذَلِكَ تَحْلِفُ وَإِنْ نَكَلَتْ لَمْ يُفَرَّقْ وَإِنْ حَلَفَتْ فُرِّقَ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقَالُوا لَوْ جَاءَتْ امْرَأَةُ الْمَجْبُوبِ بِوَلَدٍ بَعْدَ التَّفْرِيقِ إلَى سَنَتَيْنِ يَثْبُتُ نَسَبُهُ وَلَا يَبْطُلُ التَّفْرِيقُ بِخِلَافِ الْعِنِّينِ حَيْثُ يَبْطُلُ التَّفْرِيقُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ نَسَبُهُ لَمْ يَبْقَ عِنِّينًا وَنَظَرَ فِيهِ الشَّارِحُ بِأَنَّ الطَّلَاقَ وَقَعَ بِتَفْرِيقِهِ وَهُوَ بَائِنٌ فَكَيْفَ يَبْطُلُ أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ أَقَرَّتْ بَعْدَ التَّفْرِيقِ أَنَّهُ كَانَ قَدْ وَصَلَ إلَيْهَا لَا يَبْطُلُ التَّفْرِيقُ وَجَوَابُهُ أَنَّ ثُبُوتَ النَّسَبِ مِنْ الْمَجْبُوبِ بِاعْتِبَارِ الْإِنْزَالِ بِالسَّحْقِ وَالتَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا بِاعْتِبَارِ الْجَبِّ وَهُوَ مَوْجُودٌ بِخِلَافِ ثُبُوتِهِ مِنْ الْعِنِّينِ فَإِنَّهُ يَظْهَرُ بِهِ أَنَّهُ لَيْسَ بِعِنِّينٍ وَالتَّفْرِيقُ بِاعْتِبَارِهِ بِخِلَافِ مَا اسْتَشْهَدَ بِهِ مِنْ إقْرَارِهَا فَإِنَّهَا مُتَّهَمَةٌ فِي إبْطَالِ الْقَضَاءِ لِاحْتِمَالِ كَذِبِهَا فَظَهَرَ أَنَّ الْبَحْثَ بَعِيدٌ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ مِنْ فَصْلِ الْعِنِّينِ إذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ بَعْدَ تَفْرِيقِ الْقَاضِي عَلَى إقْرَارِ الْمَرْأَةِ قَبْلَ التَّفْرِيقِ أَنَّهُ وَصَلَ إلَيْهَا يَبْطُلُ تَفْرِيقُ الْقَاضِي، وَلَوْ أَقَرَّتْ بَعْدَ التَّفْرِيقِ أَنَّهُ قَدْ وَصَلَ إلَيْهَا لَمْ تُصَدَّقْ عَلَى إبْطَالِ تَفْرِيقِ الْقَاضِي اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ تَفْرِيقَ الْقَاضِي فِي الْعِنِّينِ يَبْطُلُ بِمَجِيءِ الْوَلَدِ وَإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى إقْرَارِهَا بِالْوُصُولِ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة كَانَ الزَّوْجُ مَجْبُوبًا وَلَمْ تَعْلَمْ بِحَالِهِ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ وَأَثْبَتَ الْقَاضِي نَسَبَهُ ثُمَّ عَلِمَتْ بِحَالِهِ وَطَلَبَتْ الْفُرْقَةَ فَلَهَا ذَلِكَ اهـ. وَأَطْلَقَ فِي الْمَرْأَةِ وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِهَا بِأَنْ لَا تَكُونَ رَتْقَاءَ فَإِنَّ الرَّتْقَاءَ إذَا وَجَدَتْهُ مَجْبُوبًا لَا خِيَارَ لَهَا كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَأَنْ تَكُونَ حُرَّةً؛ لِأَنَّ زَوْجَ الْأَمَةِ إذَا كَانَ مَجْبُوبًا أَوْ عِنِّينًا فَالْخِيَارُ إلَى الْمَوْلَى فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنْ رَضِيَ الْمَوْلَى لَا حَقَّ لِلْأَمَةِ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ كَانَتْ الْخُصُومَةُ لَهُ كَمَا فِي الْعَزْلِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ الْخِيَارُ إلَى الْأَمَةِ كَقَوْلِهِ فِي الْعَزْلِ وَاخْتَلَفُوا فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ فَقِيلَ مَعَ أَبِي يُوسُفَ مَا فِي الْعَزْلِ وَقِيلَ مَعَ الْإِمَامِ هُنَا كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَلَمْ يُقَيِّدْ التَّفْرِيقَ بِالطَّلَبِ لِلْحَالِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ وَجَدَتْهُ مَجْبُوبًا فَأَقَامَتْ مَعَهُ زَمَانًا وَهُوَ يُضَاجِعُهَا كَانَتْ عَلَى خِيَارِهَا وَلَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ مَا إذَا اخْتَلَفَا فِي كَوْنِهِ مَجْبُوبًا. وَحُكْمُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ يُعْرَفُ حَقِيقَةُ حَالِهِ بِالْمَسِّ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ يَمَسُّ مِنْ وَرَاءِ الثِّيَابِ وَلَا تُكْشَفُ عَوْرَتُهُ وَإِنْ كَانَ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِالنَّظَرِ أَمَرَ الْقَاضِي أَمِينًا لِيَنْظُرَ إلَى عَوْرَتِهِ فَيُخْبِرَ بِحَالِهِ؛ لِأَنَّ النَّظَرَ إلَى الْعَوْرَةِ يُبَاحُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ صِفَةَ الْفُرْقَةِ هُنَا اكْتِفَاءً بِمَا ذَكَرَهُ فِي الْعِنِّينِ وَهُوَ طَلَاقٌ بَائِنٌ كَفُرْقَةِ الْعِنِّينِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَجْبُوبَ كَالْعِنِّينِ إلَّا فِي خَصْلَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ أَنَّ الْعِنِّينَ يُؤَجَّلُ وَالْمَجْبُوبُ لَا كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَيُزَادُ مَسْأَلَةُ بُطْلَانِ التَّفْرِيقِ بِمَجِيءِ الْوَلَدِ كَمَا قَدْ عَلِمْت وَالثَّالِثَةُ لَا يُنْتَظَرُ بُلُوغُهُ وَالرَّابِعَةُ لَا تُشْتَرَطُ صِحَّتُهُ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَمَا نُقِلَ عَنْ الْهِنْدُوَانِيُّ أَنَّهُ يُؤْتَى بِطَسْتٍ فِيهِ مَاءٌ بَارِدٌ فَيَجْلِسُ فِيهِ الْعِنِّينُ فَإِنْ تَقَلَّصَ ذَكَرُهُ وَانْزَوَى عُلِمَ أَنَّهُ لَا عُنَّةَ بِهِ وَإِلَّا عُلِمَ أَنَّهُ عِنِّينٌ لَوْ اُعْتُبِرَ هَذَا لَزِمَ أَنْ لَا يُؤَجَّلَ سَنَةً؛ لِأَنَّ التَّأْجِيلَ لَيْسَ إلَّا لِيُعْرَفَ أَنَّهُ عِنِّينٌ عَلَى مَا قَالُوا؛ إذْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ إنْ أُجِّلَ مَعَ ذَلِكَ لَكِنَّ التَّأْجِيلَ لَا بُدَّ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ حُكْمُهُ اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ طَلَبَهَا التَّفْرِيقَ فِي الْعِنِّينِ لَهُ شَرَائِطُ مُخْتَصَّةٌ بِهِمَا فَالْمُخْتَصُّ بِهِ أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ بَالِغًا صَحِيحًا لَمْ يَصِلْ إلَيْهَا مَرَّةً فَالصَّبِيُّ لَا يُؤَجَّلُ إلَّا بَعْدَ بُلُوغِهِ وَالْمَرِيضُ بَعْدَ صِحَّتِهِ وَالْمُخْتَصُّ بِهَا أَنْ تَكُونَ حُرَّةً بَالِغَةً غَيْرَ رَتْقَاءَ وَقَرْنَاءَ غَيْرَ عَالِمَةٍ بِحَالِهِ قَبْلَ النِّكَاحِ وَغَيْرَ رَاضِيَةٍ بِهِ بَعْدَهُ. (قَوْلُهُ وَأُجِّلَ سَنَةً لَوْ عِنِّينًا أَوْ خَصِيًّا) وَهُوَ مَنْ نُزِعَ خُصْيَتَاهُ وَبَقِيَ ذَكَرُهُ وَهُوَ بِفَتْحِ الْخَاءِ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ مِثْلُ جَرِيحٍ وَقَتِيلٍ وَالْجَمْعُ خُصْيَانٌ وَالْخُصْيَتَانِ بِالتَّاءِ الْبَيْضَتَانِ الْوَاحِدَةُ خُصْيَةٌ وَبِدُونِ التَّاءِ الْخُصْيَانِ الْجِلْدَتَانِ وَجَمْعُ الْخُصْيَةِ خُصًى كَمُدْيَةٍ وَمُدًى وَخَصَيْت الْعَبْدَ أَخْصِيهِ خِصَاءً بِالْكَسْرِ وَالْمَدِّ سَلَلْت خُصْيَتَهُ وَخَصَيْت الْفَرَسَ قَطَعْت ذَكَرَهُ فَهُوَ مَخْصِيٌّ وَيَجُوزُ اسْتِعْمَالُ فَعِيلٍ وَمَفْعُولٍ فِيهِمَا كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ وَلَا فَرْقَ هُنَا بَيْنَ سَلِّهِمَا وَقَطْعِهِمَا إذَا كَانَ ذَكَرُهُ لَا يَنْتَشِرُ قَيَّدْنَا بِهِ؛ لِأَنَّ آلَتَهُ لَوْ كَانَتْ تَنْتَشِرُ لَا خِيَارَ لَهَا كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَعَلَى هَذَا لَا حَاجَةَ إلَى عَطْفِهِ عَلَى   [منحة الخالق] الْإِسْلَامِ لَوْ عَاقِلًا أَوْ إبَاءِ وَلِيِّهِ وَهَذَا التَّفْرِيقُ طَلَاقٌ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 134 الْعِنِّينِ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ عِنِّينًا فَلَا تَأْجِيلَ وَإِلَّا فَهُوَ دَاخِلٌ فِيهِ وَلِذَا لَمْ يُصَرِّحْ بِالْخُنْثَى الَّذِي يَبُولُ مِنْ مَبَالِ الرِّجَالِ وَالصَّبِيُّ الَّذِي بَلَغَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً وَالشَّيْخُ الْكَبِيرُ وَحُكْمُ الثَّلَاثَةِ التَّأْجِيلُ كَالْعِنِّينِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ لِدُخُولِ الْكُلِّ تَحْتَ اسْمِ الْعِنِّينِ قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ يُؤَجَّلُ الشَّيْخُ الْكَبِيرُ إنْ كَانَ لَا يَصِلُ إلَيْهَا اهـ. وَالْمُرَادُ مِنْ الْمُؤَجَّلِ الْحَاكِمُ وَلَا عِبْرَةَ بِتَأْجِيلِ غَيْرِهِ قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ أَيْضًا وَتَأْجِيلُ الْعِنِّينِ لَا يَكُونُ إلَّا عِنْدَ قَاضِي مِصْرٍ أَوْ مَدِينَةٍ فَلَا يُعْتَبَرُ تَأْجِيلُ الْمَرْأَةِ وَلَا تَأْجِيلُ غَيْرِهَا اهـ. وَأَمَّا رِضَاهَا بِهِ عِنْدَ غَيْرِ الْحَاكِمِ فَمُسْقِطٌ لِحَقِّهَا كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَلَوْ عُزِلَ الْقَاضِي بَعْدَ مَا أَجَّلَهُ بَنَى الْمُتَوَلِّي عَلَى تَأْجِيلِ الْأَوَّلِ وَابْتَدَأَ السَّنَةَ مِنْ وَقْتِ الْخُصُومَةِ وَاسْتُفِيدَ مِنْ وَضْعِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ نِكَاحَ الْعِنِّينِ صَحِيحٌ فَإِنْ عَلِمَتْ بِعُنَّتِهِ وَقْتَ النِّكَاحِ فَلَا خِيَارَ لَهَا كَمَا لَوْ عَلِمَ الْمُشْتَرِي بِعَيْبِ الْمَبِيعِ وَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ بِهِ وَقْتَهُ وَعَلِمَتْ بَعْدَهُ كَانَ لَهَا الْخُصُومَةُ وَإِنْ طَالَ الزَّمَانُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَفِي الْمُحِيطِ وَالْإِمَامُ الْمُتَّبَعُ فِي أَحْكَامِ الْعِنِّينِ عُمَرَ وَعَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَقْرَانِهِمْ خِلَافُهُ فَحَلَّ مَحَلَّ الْإِجْمَاعِ وَلِأَنَّ عَدَمَ الْوُصُولِ قَدْ يَكُونُ لِعِلَّةٍ مُعْتَرِضَةٍ وَقَدْ يَكُونُ لِآفَةٍ أَصْلِيَّةٍ فَلَا بُدَّ مِنْ ضَرْبِ مُدَّةٍ لِاسْتِبَانَةِ الْعِلَّةِ مِنْ الْعُنَّةِ فَقُدِّرَ بِسَنَةٍ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الْفُصُولِ الْأَرْبَعِ اهـ. وَقَدْ كَتَبْنَا فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ فِي مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ قَاضِيًا لَوْ قَضَى بِعَدَمِ تَأْجِيلِ الْعِنِّينِ لَمْ يَنْفَدْ قَضَاؤُهُ وَلَمْ يُقَيِّدْ الْمَرْأَةَ بِشَيْءٍ وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهَا حُرَّةً وَغَيْرَ رَتْقَاءَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي زَوْجَةِ الْمَجْبُوبِ وَعَلَّلَهُ فِي الِاخْتِيَارِ بِأَنَّ الرَّتْقَاءَ لَا حَقَّ لَهَا فِي الْوَطْءِ فَلَا تَمْلِكُ الطَّلَبَ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي كَوْنِهَا رَتْقَاءَ يُرِيهَا النِّسَاءَ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَأَطْلَقَ الزَّوْجَ فَشَمِلَ الْمَعْتُوهَ لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالْمَعْتُوهُ إذَا زَوَّجَهُ وَلِيُّهُ امْرَأَةً فَلَمْ يَصِلْ إلَيْهَا أَجَّلَهُ الْقَاضِي سَنَةً بِحَضْرَةِ الْخَصْمِ عَنْهُ وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِ الزَّوْجِ بِكَوْنِهِ صَحِيحًا كَمَا سَيَأْتِي أَنَّ الْمَرِيضَ لَا يُؤَجَّلُ حَتَّى يَصِحَّ وَلَمْ يَذْكُرْهُ مُحَمَّدٌ وَاخْتَلَفُوا فِي تِلْكَ السَّنَةِ فَقِيلَ شَمْسِيَّةٌ وَهِيَ تَزِيدُ عَلَى الْقَمَرِيَّةِ بِأَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَقِيلَ قَمَرِيَّةٌ وَهِيَ ثَلَثُمِائَةٍ وَأَرْبَعَةٌ وَخَمْسُونَ يَوْمًا وَصَحَّحَهُ فِي الْوَاقِعَاتِ والولوالجية وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ فَكَانَ هُوَ الْمُعْتَمَدُ؛ لِأَنَّهُ الثَّابِتُ عَنْ صَاحِبِ الْمُذْهَبِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ إذَا ثَبَتَ عَدَمُ الْوُصُولِ أَجَّلَهُ الْقَاضِي طَلَبَ أَوْ لَمْ يَطْلُبْ وَيَكْتُبُ التَّأْجِيلَ وَيُشْهِدُ عَلَى التَّارِيخِ وَفِي الْمُجْتَبَى إذَا كَانَ التَّأْجِيلُ فِي أَثْنَاءِ الشَّهْرِ يُعْتَبَرُ بِالْأَيَّامِ إجْمَاعًا كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْعِدَّةِ. (قَوْلُهُ فَإِنْ وَطِئَ وَإِلَّا بَانَتْ بِالتَّفْرِيقِ إنْ طَلَبَتْ) أَيْ: طَلَبًا ثَانِيًا فَالْأَوَّلُ لِلتَّأْجِيلِ وَالثَّانِي لِلتَّفْرِيقِ وَذَكَرَ خجا مسكين أَنَّ قَوْلَهُ إنْ طَلَبَتْ مُتَعَلِّقٌ بِالْجَمِيعِ وَهُوَ حَسَنٌ وَطَلَبُ وَكِيلُهَا بِالتَّفْرِيقِ عِنْدَ غَيْبَتِهَا كَطَلَبِهَا عَلَى خِلَافٍ فِيهِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ مُحَمَّدٌ وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا طَلَبَتْ عَلَى التَّرَاخِي أَوَّلًا وَثَانِيًا؛ وَلِذَا لَوْ خَاصَمَتْهُ ثُمَّ تَرَكَتْ مُدَّةً فَلَهَا الْمُطَالَبَةُ، وَلَوْ طَاوَعَتْهُ فِي الْمُضَاجَعَةِ تِلْكَ الْأَيَّامَ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ فُرْقَةٌ قَبْلَ الدُّخُولِ حَقِيقَةً كَانَتْ بَائِنَةً وَلَهَا كَمَالُ الْمَهْرِ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ لِوُجُودِ الْخَلْوَةِ الصَّحِيحَةِ. وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَوْ وَطِئَهَا مَرَّةً لَا حَقَّ لَهَا فِي الْمُطَالَبَةِ لِسُقُوطِ حَقِّهَا بِالْمَرَّةِ قَضَاءً وَمَا زَادَ عَلَيْهَا فَهُوَ مُسْتَحَقٌّ دِيَانَةً لَا قَضَاءً كَمَا فِي جَامِعِ قَاضِي خَانْ، وَفِي فَتَاوَاهُ لَوْ كَانَ يَأْتِيهَا فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ حَتَّى يُنْزِلَ وَتُنْزِلَ وَلَا يَصِلُ إلَيْهَا فِي فَرْجِهَا وَقَامَتْ مَعَهُ عَلَى ذَلِكَ زَمَانًا وَهِيَ بِكْرٌ أَوْ ثَيِّبٌ ثُمَّ خَاصَمَتْهُ إلَى الْقَاضِي أَجَّلَهُ الْقَاضِي سَنَةً، وَلَوْ وَطِئَهَا بَعْدَ التَّأْجِيل سَقَطَ حَقُّهَا وَلَوْ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ أَوْ صَائِمَةً أَوْ مُحْرِمَةً كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ وَإِلَى أَنَّ الزَّوْجَ لَوْ طَلَبَ أَنْ يُؤَجِّلَ بَعْدَ السَّنَةِ، وَلَوْ يَوْمًا لَا يُجِيبُهُ الْقَاضِي إلَّا بِرِضَاهَا وَلَهَا الرُّجُوعُ وَاخْتِيَارُ الْفُرْقَةِ كَذَا فِي الِاخْتِيَارِ وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالزَّوْجَةِ الْحُرَّةُ أَمَّا الْأَمَةُ فَالْخِيَارُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ لَا يَكُونُ إلَّا عِنْدَ قَاضِي مِصْرٍ أَوْ مَدِينَةٍ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَمَنْ فِي مَعْنَاهُ كَالْمُحَكَّمِ فَسَيَأْتِي فِي بَابِهِ أَنَّهُ يَصِحُّ حُكْمُهُ فِي غَيْرِ حَدٍّ وَقَوْدٍ فَيَشْمَلُ التَّأْجِيلَ الْمَذْكُورَ وَغَيْرَهُ، وَلَوْ مَعَ وُجُودِ الْقَاضِي لِإِطْلَاقِهِمْ تَأَمَّلْ اهـ. وَيُخَالِفُهُ مَا فِي الْفَتْحِ حَيْثُ قَالَ وَلَا يُعْتَبَرُ تَأْجِيلُ غَيْرِ الْحَاكِمِ كَائِنًا مَنْ كَانَ اهـ. وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَلَا يَكُونُ إلَّا عِنْدَ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ هَذَا مُقَدِّمَةُ أَمْرٍ لَا يَكُونُ إلَّا عِنْدَ الْقَاضِي وَهُوَ الْفُرْقَةُ فَكَذَا مُقَدِّمَتُهُ (قَوْلُهُ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى) قَالَ فِي الْفَتْحِ اخْتَارَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَقَاضِي خَانْ وَظَهِيرُ الدِّينِ وَهِيَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ (قَوْلُهُ وَقِيلَ قَمَرِيَّةٌ) قَالَ فِي الْفَتْحِ وَجْهُهُ أَنَّ الثَّابِتَ عَنْ الصَّحَابَةِ كَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَمَنْ ذَكَرْنَا مَعَهُ اسْمَ السَّنَةِ قَوْلًا وَأَهْلُ الشَّرْعِ إنَّمَا يَتَعَارَفُونَ الْأَشْهُرَ وَالسِّنِينَ بِالْأَهِلَّةِ فَإِذَا أَطْلَقُوا السَّنَةَ انْصَرَفَ إلَى ذَلِكَ مَا لَمْ يُصَرِّحُوا بِخِلَافِهِ. (قَوْلُهُ عَلَى التَّرَاخِي أَوَّلًا وَثَانِيًا) أَيْ: قَبْلَ التَّأْجِيلِ وَبَعْدَهُ لَكِنْ سَيَأْتِي فِي طَلَبِ التَّفْرِيقِ خِلَافٌ فِي التَّقْيِيدِ بِالْمَجْلِسِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ عَلَى التَّرَاخِي أَوَّلًا بِأَوْ الْعَاطِفَةِ وَلَا النَّافِيَةِ وَهِيَ أَظْهَرُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 135 لِمَوْلَاهَا لَا لَهَا كَالْإِذْنِ فِي الْعَزْلِ، وَفِي الْمُحِيطِ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ثَانِيًا لَا خِيَارَ لَهَا لِرِضَاهَا بِالْمَقَامِ مَعَهُ، وَلَوْ تَزَوَّجَ أُخْرَى عَالِمَةً بِحَالِهِ لَا خِيَارَ لَهَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَلَوْ كَانَ لَهُ امْرَأَةٌ يَصِلُ إلَيْهَا وَوَلَدَتْ مِنْهُ أَوْلَادًا ثُمَّ أَبَانَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا وَلَمْ يَصِلْ فِي النِّكَاحِ الثَّانِي فَهُوَ عِنِّينٌ؛ لِأَنَّهَا بِاعْتِبَارِ كُلِّ عَقْدٍ يَتَجَدَّدُ لَهَا حَقُّ الْمُطَالَبَةِ اهـ. وَفِي الْمِعْرَاجِ وَيُؤَهَّلُ الصَّبِيُّ هُنَا لِلطَّلَاقِ فِي مَسْأَلَةِ الْجَبِّ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ كَمَا يُؤَهَّلُ بِعِتْقِ الْقَرِيبِ وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ فُرْقَةً بِغَيْرِ طَلَاقٍ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ اهـ. (قَوْلُهُ فَلَوْ قَالَ وَطِئْت وَأَنْكَرَتْ وَقُلْنَ بِكْرٌ خُيِّرَتْ وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا صُدِّقَ بِحَلِفِهِ) أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي الِابْتِدَاءِ بِأَنْ ادَّعَى الْوُصُولَ إلَيْهَا وَأَنْكَرَتْ أَوْ فِي الِانْتِهَاءِ فَإِنَّ قَوْلَهُ خُيِّرَتْ شَامِلٌ لِتَخْيِيرِ تَأْجِيلِهِ سَنَةً فِي الِابْتِدَاءِ أَوْ لِاخْتِيَارِ الْفُرْقَةِ بَعْدَ التَّأْجِيلِ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إنْ كَانَتْ ثَيِّبًا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي الْوَطْءِ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً مَعَ يَمِينِهِ فَإِنْ نَكَلَ فِي الِابْتِدَاءِ يُؤَجَّلُ سَنَةً وَلَا يُؤَجِّلُهُ إلَّا إذَا ثَبَتَ عَدَمُ الْوُصُولِ إلَيْهَا وَإِنْ نَكَلَ فِي الِانْتِهَاءِ تَخَيَّرَ لِلْفُرْقَةِ وَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا ثَبَتَ عَدَمُ الْوُصُولِ إلَيْهَا بِقَوْلِهِنَّ فَيُؤَجَّلُ فِي الِابْتِدَاءِ وَيُفَرَّقُ فِي الِانْتِهَاءِ وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَذْكُرْ كَيْفِيَّةَ ثُبُوتِ الْعُنَّةِ فِي الِابْتِدَاءِ وَذَكَرَهُ فِي الِانْتِهَاءِ غَفْلَةٌ عَمَّا فَهِمْته مِنْ كَلَامِهِ لِمَا قَرَّرْنَا أَنَّ التَّخْيِيرَ شَامِلٌ لَهُمَا وَالتَّقْيِيدُ بِقَوْلِهِ وَقُلْنَ الْمُفِيدُ لِلْجَمَاعَةِ اتِّفَاقِيٌّ أَوْ لِبَيَانِ الْأَوْلَى لِلِاكْتِفَاءِ بِقَوْلِ الْوَاحِدَةِ وَالِاثْنَتَانِ أَحْوَطُ، وَفِي الْبَدَائِعِ أَوْثَقُ وَفِي الْإِسْبِيجَابِيِّ أَفْضَلُ وَشَرَطَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي عَدَالَتَهَا وَطَرِيقُ مَعْرِفَةِ أَنَّهَا بِكْرٌ أَنْ تَبُولَ عَلَى جِدَارٍ فَإِنْ وَصَلَ إلَيْهِ فَبِكْرٌ وَإِلَّا فَلَا أَوْ يُرْسِلُ فِي فَرْجِهَا مَا فِي بَيْضَةٍ فَإِنْ دَخَلَ فَثَيِّبٌ وَإِلَّا فَبِكْرٌ أَوْ يُرْسِلُ فِي فَرْجِهَا أَصْغَرَ بَيْضَةٍ لِلدَّجَاجَةِ فَإِنْ دَخَلَتْ مِنْ غَيْرِ عُنْفٍ فَهِيَ ثَيِّبٌ وَإِلَّا فَبِكْرٌ، وَفِي الْخَانِيَّةِ وَإِنْ شَهِدَ الْبَعْضُ بِالْبَكَارَةِ وَالْبَعْضُ بِالثِّيَابَةِ يُرِيهَا غَيْرَهُنَّ اهـ. . وَفِي الْمِعْرَاجِ لَوْ وُجِدَتْ ثَيِّبًا وَزَعَمَتْ أَنَّ عُذْرَتَهَا زَالَتْ بِسَبَبٍ آخَرَ مِنْ غَيْرِ وَطْئِهِ كَأُصْبُعِهِ وَغَيْرِهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ الظَّاهِرُ وَالْأَصْلُ عَدَمُ أَسْبَابٍ أُخَرَ، وَفِي الْمُحِيطِ عِنِّينٌ أَجَّلَهُ الْقَاضِي سَنَةً وَامْرَأَتُهُ ثَيِّبٌ فَوَطِئَهَا وَادَّعَتْ بَعْدَ الْحَوْلِ أَنَّهُ لَمْ يَطَأْهَا وَقَالَتْ حَلِّفْهُ فَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ فَفَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا لَمْ يَسَعْهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بِآخَرَ وَلَمْ يَسَعْهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأُخْتِهَا اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ اخْتَارَتْهُ بَطَلَ حَقُّهَا) أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الِاخْتِيَارَ حَقِيقَةً وَحُكْمًا كَمَا إذَا قَامَتْ مِنْ مَجْلِسِهَا أَوْ أَقَامَهَا أَعْوَانُ الْقَاضِي قَبْلَ أَنْ تَخْتَارَ شَيْئًا أَوْ قَامَ الْقَاضِي قَبْلَ أَنْ تَخْتَارَ لِإِمْكَانِ أَنْ تَخْتَارَ مَعَ الْقِيَامِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَالْوَاقِعَاتِ، وَفِي الْبَدَائِعِ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْمَجْلِسِ وَقُيِّدَ بِقَوْلِهِ بَانَتْ بِالتَّفْرِيقِ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ لَا تَقَعُ بِاخْتِيَارِهَا نَفْسَهَا بَلْ لَا بُدَّ مِنْ تَطْلِيقِ الزَّوْجِ بَائِنَةً أَوْ تَفْرِيقِ الْقَاضِي إنْ امْتَنَعَ وَقِيلَ تَقَعُ بِاخْتِيَارِهَا وَجَعَلَهُ فِي الْخُلَاصَةِ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ وَالْأَوَّلُ رِوَايَةُ الْحَسَنِ وَأَشَارَ بِبُطْلَانِهِ بِاخْتِيَارِهَا إلَى أَنَّهُ لَوْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ثَانِيًا لَمْ يَكُنْ لَهَا خِيَارٌ لِرِضَاهَا بِحَالِهِ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَتْهُ عَالِمَةً بِحَالِهِ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ فَرَّقَ بَيْنَ الْعِنِّينِ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ ثُمَّ تَزَوَّجَ أُخْرَى تَعْلَمُ بِحَالِهِ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ وَالصَّحِيحُ أَنَّ لِلثَّانِيَةِ حَقَّ الْخُصُومَةِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ لَا خِيَارَ لَهَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى) سَيَأْتِي قَرِيبًا عَنْ الْخَانِيَّةِ تَصْحِيحُ خِلَافِهِ وَيَأْتِي مَا فِيهِ. (قَوْلُهُ لِمَا قَرَّرْنَا أَنَّ التَّخْيِيرَ شَامِلٌ لَهُمَا إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الْإِتْيَانَ بِالْفَاءِ بَعْدَ قَوْلِهِ وَأُجِّلَ سَنَةً يَنْبُو عَنْهُ كَأَنَّ الْمُصَنِّفَ اسْتَغْنَى بِذِكْرِ الِانْتِهَاءِ عَنْ الِابْتِدَاءِ لِاتِّحَادِ الْحَالِ فِيهِمَا (قَوْلُهُ أَصْغَرَ بَيْضَةِ الدَّجَاجَةِ) فِي الْبَدَائِعِ بَيْضَةِ الدِّيكِ، وَفِي بَعْضِ الْكُتُبِ بَيْضَةِ الْحَمَامَةِ. (قَوْلُهُ لَمْ يَسَعْهَا أَنْ تُزَوَّجَ بِآخَرَ إلَخْ) وَجْهُهُ بُطْلَانِ التَّفْرِيقِ لِكَوْنِهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَطِئَهَا كَذَا فِي حَوَاشِي مِسْكِينٍ فَالْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَسَعُهَا دِيَانَةً لِعِلْمِهَا بِعَدَمِ صِحَّةِ التَّفْرِيقِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ (قَوْلُهُ كَمَا إذَا قَامَتْ مِنْ مَجْلِسِهَا إلَخْ) أَقُولُ: لَا يُقَالُ إنَّ هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمَهُ مِنْ أَنَّ طَلَبَ التَّفْرِيقِ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِالْحَالِ حَتَّى لَوْ أَقَامَتْ زَمَانًا وَهُوَ يُضَاجِعُهَا فَهِيَ عَلَى خِيَارِهَا؛ لِأَنَّا نَقُولُ ذَاكَ فِيمَا إذَا لَمْ يُخَيِّرْهَا الْقَاضِي أَمَّا إذَا خَيَّرَهَا فَهُوَ عَلَى الْفَوْرِ، وَلِذَا قَالَ فِي الْبَدَائِعِ مَا يَبْطُلُ بِهِ الْخِيَارُ نَوْعَانِ نَصٌّ وَدَلَالَةٌ فَالنَّصُّ هُوَ التَّصْرِيحُ بِإِسْقَاطِ الْخِيَارِ أَوْ مَا يَجْرِي مَجْرَاهُ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ تَخْيِيرِ الْقَاضِي أَوْ قَبْلَهُ وَالدَّلَالَةُ أَنْ تَفْعَلَ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا بِالْمَقَامِ مَعَهُ فَإِنْ خَيَّرَهَا الْقَاضِي فَأَقَامَتْ مَعَهُ مُطَاوَعَةً فِي الْمُضَاجَعَةِ وَغَيْرُ ذَلِكَ كَانَ دَلِيلَ الرِّضَا بِهِ، وَلَوْ فَعَلَتْ ذَلِكَ بَعْدَ مُضِيِّ الْأَجَلِ قَبْلَ تَخْيِيرِ الْقَاضِي لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ رِضًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لِاخْتِيَارِهِ وَقَدْ يَكُونُ لِاخْتِبَارِ حَالِهِ فَلَا يَكُونُ رِضًا مَعَ الِاحْتِمَالِ. وَهَلْ يَبْطُلُ خِيَارُهَا بِالْقِيَامِ عَنْ الْمَجْلِسِ فَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا خَيَّرَهَا الْحَاكِمُ فَأَقَامَتْ مَعَهُ أَوْ قَامَتْ عَنْ مَجْلِسِهَا قَبْلَ أَنْ تَخْتَارَ أَوْ قَامَ الْحَاكِمُ أَوْ أَقَامَهَا عَنْ مَجْلِسِهَا أَعْوَانُهُ وَلَمْ تَقُلْ شَيْئًا فَلَا خِيَارَ لَهَا وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي شَرْحِهِ مُخْتَصَرَ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ (قَوْلُهُ وَالصَّحِيحُ أَنَّ لِلثَّانِيَةِ حَقَّ الْخُصُومَةِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَقُولُ: مَعَ كَوْنِهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 136 قَدْ يَعْجِزُ عَنْ امْرَأَةٍ وَلَا يَعْجِزُ عَنْ غَيْرِهَا وَيَحْتَسِبُ مِنْ السَّنَةِ أَيَّامَ حَيْضِهَا وَرَمَضَانَ وَحَجَّهُ وَغَيْبَتَهُ لَا بِمَرَضِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْمُفْتَى بِهِ مُطْلَقًا كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَصَحَّحَ فِي الْخَانِيَّةِ أَنَّ الشَّهْرَ لَا يُحْتَسَبُ وَمَا دُونَهُ يُحْتَسَبُ، وَفِي الْمُحِيطِ أَصَحُّ الرِّوَايَاتِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ نِصْفَ الشَّهْرِ وَمَا دُونَهُ يُحْتَسَبُ وَمَا زَادَ عَلَى النِّصْفِ لَا يُحْتَسَبُ وَلَا بِحَجِّهَا وَغَيْبَتِهَا وَحَبْسِهَا وَامْتِنَاعِهَا مِنْ الْمَجِيءِ إلَى السِّجْنِ بَعْدَ حَبْسِهِ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ مَوْضِعُ خَلْوَةٍ، وَلَوْ عَلَى مَهْرِهَا، وَفِي الْخُلَاصَةِ لَوْ كَانَ مُحْرِمًا وَقْتَ الْخُصُومَةِ أَجَّلَهُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ وَجَدَ زَوْجَهَا مَرِيضًا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْجِمَاعِ لَا يُؤَجِّلُ مَا لَمْ يَصِحَّ وَإِنْ طَالَ الْمَرَضُ اهـ. وَفِيهَا وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ مُظَاهِرًا مِنْهَا إنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْإِعْتَاقِ أَجَّلَهُ الْقَاضِي وَإِنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْهُ أَمْهَلَهُ الْقَاضِي شَهْرَيْنِ لِلْكَفَّارَةِ ثُمَّ يُؤَجِّلُ وَإِنْ ظَاهَرَ بَعْدَ التَّأْجِيلِ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ وَيُحْتَسَبُ ذَلِكَ عَلَيْهِ. اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ الْجَامِعِ أَصْلُهُ أَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ تَجْرِي الْوَكَالَةُ فِيهِ يَنْتَصِبُ الْوَلِيُّ فِيهِ خَصْمًا فَالتَّفْرِيقُ بِسَبَبِ الْجَبِّ وَخِيَارُ الْبُلُوغِ وَعَدَمُ الْكَفَاءَةِ تَجْرِي الْوَكَالَةُ فِيهِ فَانْتَصَبَ الْوَلِيُّ فِيهِ خَصْمًا وَكُلُّ مَوْضِعٍ لَا تَجْرِي الْوَكَالَةُ فِيهِ لَا يَنْتَصِبُ الْوَلِيُّ خَصْمًا فِيهِ كَالْفُرْقَةِ بِالْإِبَاءِ عَنْ الْإِسْلَامِ وَاللِّعَانِ اهـ. . (قَوْلُهُ لَمْ يُخَيَّرْ أَحَدُهُمَا بِعَيْبٍ) أَيْ: لَا خِيَارَ لِأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ بِعَيْبٍ فِي الْآخَرِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ بِالْعَقْدِ هُوَ الْوَطْءُ وَالْعَيْبُ لَا يُفَوِّتُهُ بَلْ يُوجِبُ فِيهِ خَلَلًا فَفَوَاتُهُ بِالْمَوْتِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ لَا يُوجِبُ الْخِيَارَ فَاخْتِلَالُهُ أَوْلَى، وَفِي الْهِدَايَةِ أَنَّ اخْتِلَالَهُ بِالْمَوْتِ لَا يُوجِبُ الْفَسْخَ فَبِالْعَيْبِ أَوْلَى وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ جَمِيعُ الشَّارِحِينَ بِأَنَّ النِّكَاحَ مُؤَقَّتٌ بِحَيَاتِهِمَا وَلَمْ يُجِيبُوا وَأَجَبْت عَنْهُ بِجَوَابَيْنِ الْأَوَّلُ أَنَّ النِّكَاحَ يَنْتَهِي بِالْمَوْتِ لَا أَنَّهُ يَنْفَسِخُ قَالُوا وَالشَّيْءُ بِانْتِهَائِهِ يَتَقَرَّرُ وَلَا يَنْفَسِخُ. وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَحْسَنُ أَنَّهُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ تَقْدِيرُهُ لَا يُوجِبُ خِيَارَ الْفَسْخِ حَتَّى لَا يَسْقُطَ بِالْمَوْتِ شَيْءٌ مِنْ مَهْرِهَا أَطْلَقَ الْعَيْبَ فَشَمِلَ الْجُذَامَ وَالْبَرَصَ وَالْجُنُونَ وَالرَّتَقَ وَالْقَرَنَ وَخَالَفَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ فِي هَذِهِ الْخَمْسَةِ وَخَالَفَ مُحَمَّدٌ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ إذَا كَانَتْ بِالزَّوْجِ فَتُخَيَّرُ الْمَرْأَةُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ بِهَا فَلَا يُخَيَّرُ لِقُدْرَتِهِ عَلَى دَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ بِالطَّلَاقِ دُونَهَا وَيَرِدُ عَلَيْهِ تَخْيِيرُ الْغُلَامِ إذَا بَلَغَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَإِنَّهُ قَادِرٌ بِالطَّلَاقِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ خِيَارَ الْبُلُوغِ لِدَفْعِ ضَرَرِ فِعْلِ الْغَيْرِ بِخِلَافِهِ هُنَا؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ فَعَلَهُ كَمَا لَا يَخْفَى، الْجُذَامُ مِنْ الْجَذْمِ بِفَتْحِ الْجِيمِ الْقَطْعُ وَهُوَ مَصْدَرٌ مِنْ بَابِ ضَرَبَ وَمِنْهُ يُقَالُ جُذِمَ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ إذَا أَصَابَهُ الْجُذَامُ؛ لِأَنَّهُ يَقْطَعُ اللَّحْمَ وَيُسْقِطُهُ وَهُوَ مَجْذُومٌ قَالُوا وَلَا يُقَالُ فِيهِ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى أَجْذَمُ وِزَانُ أَحْمَرَ كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ. وَفِي الْقَامُوسِ وَالْجُذَامُ كَالْغُرَابِ عِلَّةٌ تَحْدُثُ مِنْ انْتِشَارِ السَّوْدَاءِ فِي الْجَسَدِ كُلِّهِ فَيَفْسُدُ مِزَاجُ الْأَعْضَاءِ وَهَيْئَاتُهَا وَرُبَّمَا انْتَهَى إلَى تَآكُلِ الْأَعْضَاءِ وَسُقُوطِهَا عَنْ تَقَرُّحِ جَذْمٍ فَهُوَ مَجْذُومٌ وَمُجْذَمٌ وَأَجْذَمُ وَوَهَمَ الْجَوْهَرِيُّ فِي مَنْعِهِ اهـ. وَالْبَرَصُ مُحَرَّكَةٌ بَيَاضٌ يَظْهَرُ فِي ظَاهِرِ الْبَدَنِ لِفَسَادِ مِزَاجٍ بَرِصَ كَفَرِحَ فَهُوَ أَبْرَصُ وَأَبْرَصَهُ اللَّهُ ثُمَّ قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَجُنَّ بِالضَّمِّ جِنًّا وَجُنُونًا وَاسْتُجِنَّ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ وَتَجَنَّنَ وَتَجَانَّ وَأَجَنَّهُ اللَّهُ فَهُوَ مَجْنُونٌ، وَأَمَّا الرَّتَقُ ضِدُّ الْفَتْقِ وَمُحَرَّكُهُ جَمْعُ رَتْقَةٍ وَمَصْدَرُ قَوْلِك امْرَأَةٌ رَتْقَاءُ بَيِّنَةُ الرَّتَقِ لَا يُسْتَطَاعُ جِمَاعُهَا أَوْ لَا خَرْقَ لَهَا إلَّا الْمَبَالُ خَاصَّةً، وَفِي الْمِصْبَاحِ رُتِقَتْ الْمَرْأَةُ رَتْقًا مِنْ بَابِ تَعِبَ فَهِيَ رَتْقَاءُ إذَا اسْتَدَّ مَدْخَلُ الذَّكَرِ مِنْ فَرْجِهَا فَلَا يُسْتَطَاعُ جِمَاعُهَا وَالْقَرْنُ مِثْلُ فَلْسٍ الْعَفَلَةُ وَهُوَ لَحْمٌ يَنْبُتُ فِي الْفَرْجِ فِي   [منحة الخالق] الصَّحِيحُ لَا يُقَاوِمُ الْمُفْتَى بِهِ وَقَدْ قَدَّمَ عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الْخِيَارُ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ (قَوْلُهُ وَصُحِّحَ فِي الْخَانِيَّةِ أَنَّ الشَّهْرَ لَا يُحْتَسَبُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَإِذَا لَمْ يُحْتَسَبْ عَلَيْهِ يُعَوَّضُ لِذَلِكَ عَوَّضَهُ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَأَطْلَقَ التَّعْوِيضَ فَأَفَادَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مِنْ ذَلِكَ الْفَصْلِ لِاسْتِلْزَامِهِ اسْتِئْنَافَ سَنَةٍ كَامِلَةٍ وَلَمْ أَرَهُ لِعُلَمَائِنَا صَرِيحًا وَالْوَجْهُ يَقْتَضِيهِ فَتَأَمَّلْ، وَفِي الْخَانِيَّةِ، وَلَوْ هَرَبَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ زَوْجِهَا لَا تُحْتَسَبُ تِلْكَ الْأَيَّامُ عَلَى الزَّوْجِ (قَوْلُهُ أَجَّلَهُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ) هَكَذَا رَأَيْتُهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَكَذَا فِي الْفَتْحِ وَالْأَوْلَى إبْدَالُ الْإِحْرَامِ بِالْإِحْلَالِ كَمَا فَعَلَ فِي الْبَدَائِعِ. (قَوْلُهُ وَأَجَبْت عَنْهُ بِجَوَابَيْنِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ كُلٌّ مِنْ الْجَوَابَيْنِ غَيْرُ مَانِعٍ فِي دَفْعِ هَذَا الْإِيرَادِ لِمَنْ تَأَمَّلْ وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنَّ فَوْتَ الِاسْتِيفَاء أَصْلًا بِالْمَوْتِ يَعْنِي قَبْلَ التَّسْلِيمِ لَا يُوجِبُ فَسْخَ النِّكَاحِ قَبْلَ الْمَوْتِ مَعَ أَنَّا عَهِدْنَا ذَلِكَ شَرْعًا فِي الْبَيْعِ فَعَلِمْنَا أَنَّ اخْتِلَالَهُ بِهَذِهِ الْعُيُوبِ أَوْلَى أَنْ لَا يُوجِبَهُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ هُوَ الَّذِي يَفُوتُ بِهِ الِاسْتِيفَاءُ أَصْلًا لَا بَعْدَهُ وَبِهَذَا يَظْهَرُ الْمُرَادُ وَيَنْدَفِعُ الْإِيرَادُ وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ (قَوْلُهُ وَالْقَرْنُ مِثْلُ فَلْسٍ الْعَفَلَةُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ الْقَرَنُ بِفَتْحِ رَائِهِ أَرْجَحُ مِنْ إسْكَانِهَا قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: الْقَرَنُ بِفَتْحِ الرَّاءِ هُوَ الْعَفَلَةُ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالْفَاءِ الْمَفْتُوحَتَيْنِ قَالُوا وَالْقَرَنُ بِفَتْحِ الرَّاءِ مَصْدَرٌ فَالْفَتْحُ عَلَى إرَادَةِ الْمَصْدَرِ وَالْإِسْكَانُ عَلَى إرَادَةِ الِاسْمِ وَنَفْسُ الْعَفَلَةِ إلَّا أَنَّ الْفَتْحَ أَرْجَحُ لِكَوْنِهِ مُوَافِقًا لِبَاقِي الْعُيُوبِ فَإِنَّهَا كُلُّهَا مَصَادِرُ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 137 مَدْخَلِ الذَّكَرِ كَالْغُدَّةِ الْغَلِيظَةِ وَقَدْ يَكُونُ عَظْمًا وَيُحْكَى أَنَّهُ اخْتَصَمَ إلَى الْقَاضِي شُرَيْحٍ فِي جَارِيَةٍ بِهَا قَرْنٌ فَقَالَ أَقْعِدُوهَا فَإِنْ أَصَابَ الْأَرْضَ فَهُوَ عَيْبٌ وَإِلَّا فَلَا وَقَالَ الْقَلَعِيُّ الْقَرَنُ بِفَتْحِ الرَّاءِ بِمَنْزِلَةِ الْعَفَلَةِ فَأَوْقَعَ الْمَصْدَرَ مَوْقِعَ الِاسْمِ وَهُوَ سَائِغٌ كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ وَالرَّتَقُ بِفَتْحِ التَّاءِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ وَقَدْ كَتَبْنَا فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ فِي مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الْقَاضِيَ لَوْ قَضَى بِرَدِّ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ بِعَيْبٍ نَفَذَ قَضَاؤُهُ، وَفِي الْقُنْيَةِ مِنْ الْكَرَاهِيَة جِرَاحٌ اشْتَرَى جَارِيَةً رَتْقَاءَ فَلَهُ شَقُّ الرَّتَقِ وَإِنْ تَأَلَّمَتْ اهـ. وَلَمْ أَرَ حُكْمَ شَقِّ الرَّتْقَاءِ الْمَنْكُوحَةِ وَقَالُوا فِي تَعْلِيلِ عَدَمِ رَدِّهَا لِإِمْكَانِ شَقِّهِ وَلَكِنْ مَا رَأَيْت هَلْ يُشَقُّ جَبْرًا أَمْ لَا، وَفِي الْمِعْرَاجِ لَوْ تَرَاضَى الْعِنِّينُ وَزَوْجَتُهُ عَلَى النِّكَاحِ بَعْدَ التَّفْرِيقِ فَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا إلَّا رِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ حَيْثُ قَالَ لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا كَفُرْقَةِ اللِّعَانِ، وَهَذَا بَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (بَابُ الْعِدَّةِ) . لَمَّا تَرَتَّبَتْ فِي الْوُجُودِ عَلَى الْفُرْقَةِ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِهَا أَوْرَدَهَا عَقِيبَ الْكُلِّ وَهِيَ لُغَةً الْإِحْصَاءُ عَدَدْت الشَّيْءَ أَحْصَيْته إحْصَاءً، وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِلْمُصَنِّفِ الْعِدَّةُ مَصْدَرُ عَدَّ الشَّيْءَ يَعُدُّهُ «وَسُئِلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَتَى تَكُونُ الْقِيَامَةُ قَالَ إذَا تَكَامَلَتْ الْعِدَّتَانِ» أَيْ: عِدَّةُ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَعِدَّةُ أَهْلِ النَّارِ أَيْ: عَدَدُهُمْ وَسُمِّيَ زَمَانُ التَّرَبُّصِ عِدَّةً؛ لِأَنَّهَا تَعُدُّهُ وَيُقَالُ عَلَى الْمَعْدُودِ، وَفِي الدُّرِّ النَّثِيرِ أَيْ: إذَا تَكَامَلَتْ عِنْدَ اللَّهِ بِرُجُوعِهِمْ إلَيْهِ، وَفِي الْمِصْبَاحِ وَعِدَّةُ الْمَرْأَةِ قِيلَ أَيَّامُ أَقْرَائِهَا مَأْخُوذٌ مِنْ الْعَدِّ وَالْحِسَابِ وَقِيلَ تَرَبُّصُهَا الْمُدَّةَ الْوَاجِبَةَ عَلَيْهَا وَالْجَمْعُ عِدَدٌ مِثْلُ سِدْرَةٍ وَسِدَرٍ وقَوْله تَعَالَى {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] قَالَ النُّحَاةُ اللَّامُ بِمَعْنَى فِي أَيْ: فِي عِدَّتِهِنَّ اهـ. وَفِي الشَّرِيعَةِ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (هِيَ تَرَبُّصٌ يَلْزَمُ الْمَرْأَةَ عِنْدَ زَوَالِ النِّكَاحِ أَوْ شُبْهَتِهِ) أَيْ: لُزُومُ انْتِظَارِ انْقِضَاءِ مُدَّةٍ وَالتَّرَبُّصُ التَّثَبُّتُ وَالِانْتِظَارُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ} [المؤمنون: 25] وَقَالَ تَعَالَى {وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ} [التوبة: 98] وَقَالَ تَعَالَى {فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ} [التوبة: 52] كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَإِنَّمَا قَدَّرْنَا اللُّزُومَ؛ لِأَنَّ التَّرَبُّصَ فِعْلُهَا وَقَدْ قَالُوا إنَّ رَكْنَهَا حُرُمَاتٌ أَيْ: لُزُومَاتٌ كَحُرْمَةِ تَزَوُّجِهَا عَلَى الْغَيْرِ وَنَقَلُوا عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّ رُكْنَهَا التَّرَبُّصُ عِنْدَهُ وَفَرَّعُوا عَلَى الِاخْتِلَافِ تَدَاخُلَ الْعِدَّتَيْنِ فَعِنْدَنَا يَتَدَاخَلَانِ خِلَافًا لَهُ وَانْقِضَاؤُهُ بِدُونِ عِلْمِهَا عِنْدَنَا خِلَافًا لَهُ، وَهَذَا أَوْلَى مِمَّا فِي الْبَدَائِعِ مِنْ جَعْلِهَا فِي الشَّرْعِ عِنْدَنَا اسْمًا لِأَجَلٍ ضُرِبَ لِانْقِضَاءِ مَا بَقِيَ مِنْ آثَارِ النِّكَاحِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ اسْمًا لِفِعْلِ التَّرَبُّصِ؛ لِأَنَّهُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَكُونُ رُكْنُهَا نَفْسَ الْأَجَلِ وَقَدْ صَرَّحُوا بِخِلَافِهِ إلَّا أَنَّهُ لَوْ صَحَّ انْدَفَعَ الْإِشْكَالُ الْوَارِدُ عَلَى عِدَّةِ الصَّغِيرَةِ؛ إذْ لَيْسَ فِي الْعِدَّةِ وُجُوبُ شَيْءٍ بَلْ هِيَ مُجَرَّدُ انْقِضَاءِ الْأَجَلِ. وَالثَّابِتُ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ عَدَمُ صِحَّةِ التَّزَوُّجِ لَا خِطَابُ أَحَدٍ بَلْ وَضَعَ الشَّارِعُ عَدَمَ الصِّحَّةِ لَوْ فُعِلَ وَيَرِدُ عَلَى مَا فِي الْكِتَابِ عِدَّةُ الصَّغِيرَةِ؛ إذْ لَا لُزُومَ فِي حَقِّهَا وَلَا تَرَبُّصَ وَاجِبٌ وَأُجِيبَ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ هِيَ الْمُخَاطَبَةَ بَلْ الْوَلِيُّ هُوَ الْمُخَاطَبُ بِأَنْ لَا يُزَوِّجَهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ مُدَّةُ الْعِدَّةِ وَلِهَذَا لَمْ يُطْلِقْ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ لَفْظَ الْوُجُوبِ عَلَى عِدَّةِ الصَّغِيرَةِ لِعَدَمِ خِطَابِهَا وَإِنَّمَا يَقُولُونَ تَعْتَدُّ وَقُيِّدَ بِقَوْلِهِ يَلْزَمُ الْمَرْأَةَ؛ لِأَنَّ مَا يَلْزَمُ الرَّجُلَ مِنْ التَّرَبُّصِ عَنْ التَّزَوُّجِ إلَى مُضِيِّ عِدَّةِ امْرَأَتِهِ فِي نِكَاحِ أُخْتِهَا وَنَحْوِهِ لَا يُسَمَّى عِدَّةً اصْطِلَاحًا لِاخْتِصَاصِهِ بِتَرَبُّصِهَا وَإِنْ وُجِدَ مَعْنَى الْعِدَّةِ فِيهِ وَيَجُوزُ إطْلَاقُ الْعِدَّةِ عَلَيْهِ شَرْعًا كَمَا أَفْهَمَهُ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فَعَلَى هَذَا مَا فِي الْكِتَابِ مَعْنَاهَا الِاصْطِلَاحِيُّ، وَأَمَّا فِي الشَّرِيعَةِ فَهِيَ تَرَبُّصٌ يَلْزَمُ الْمَرْأَةَ أَوْ الرَّجُلَ عِنْدَ وُجُودِ سَبَبِهِ وَقَدْ ضَبَطَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي خِزَانَةِ الْفِقْهِ الْمَوَاضِعَ الَّتِي يَمْتَنِعُ الْإِنْسَانُ مِنْ الْوَطْءِ فِيهَا حَتَّى تَمْضِيَ مُدَّةٌ فِي عِشْرِينَ مَوْضِعًا نِكَاحُ أُخْتِ امْرَأَتِهِ وَعَمَّتِهَا وَخَالَتِهَا وَبِنْتِ أُخْتِهَا وَبِنْتِ أَخِيهَا   [منحة الخالق] وَأَمَّا إنْكَارُ بَعْضِهِمْ عَلَى الْفُقَهَاءِ فَتْحَهُ وَتَلْحِينَهُ إيَّاهُمْ فَلَيْسَ كَمَا ذُكِرَ اهـ. مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ إنَّ الْقَاضِيَ لَوْ قَضَى بِرَدِّ إلَخْ) أَيْ: الْقَاضِي الْمُجْتَهِدُ أَوْ الْمُقَلِّدُ لِمَنْ يَقُولُ بِذَلِكَ كَمَا لَا يَخْفَى قَالَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ (قَوْلُهُ وَلَكِنْ مَا رَأَيْتُ هَلْ يُشَقُّ جَبْرًا أَمْ لَا) قَالَ فِي النَّهْرِ يَنْبَغِي أَنْ تُجْبَرَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ الْوَاجِبَ عَلَيْهَا لَا يُمْكِنُ بِدُونِهِ. [بَابُ الْعِدَّةِ] (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا قَدَّرْنَا اللُّزُومَ إلَخْ) هَذَا التَّقْدِيرُ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَعَ قَوْلِهِ يَلْزَمُ الْمَرْأَةَ نَعَمْ قَالَ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ إذَا كَانَ رَكْنُهَا الْحُرُمَاتِ أَيْ: حُرْمَةَ التَّزَوُّجِ وَالْخُرُوجِ فَيَكُونُ التَّعْرِيفُ بِالتَّرَبُّصِ عَلَى هَذَا تَعْرِيفًا بِاللَّازِمِ (قَوْلُهُ وَيَرِدُ عَلَى مَا فِي الْكِتَابِ إلَخْ) تَكْرَارٌ مَعَ قَوْلِهِ إلَّا أَنَّهُ لَوْ صَحَّ انْدَفَعَ الْإِشْكَالُ إلَخْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 138 وَالْخَامِسَةِ وَإِدْخَالُ الْأَمَةِ عَلَى الْحُرَّةِ وَنِكَاحُ أُخْتِ الْمَوْطُوءَةِ فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ أَوْ فِي شُبْهَةِ عَقْدٍ وَنِكَاحُ الرَّابِعَةِ كَذَلِكَ وَنِكَاحُ الْمُعْتَدَّةِ لِلْأَجْنَبِيِّ وَنِكَاحُ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا وَوَطْءُ الْأَمَةِ الْمُشْتَرَاةِ وَالْحَامِلِ مِنْ الزِّنَا إذَا تَزَوَّجَهَا وَالْحَرْبِيَّةِ إذَا أَسْلَمَتْ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَهَاجَرَتْ إلَيْنَا وَكَانَتْ حَامِلًا فَتَزَوَّجَهَا رَجُلٌ وَالْمَسْبِيَّةُ لَا تُوطَأُ حَتَّى تَحِيضَ أَوْ يَمْضِيَ شَهْرَانِ كَانَتْ لَا تَحِيضُ لِصِغَرٍ أَوْ كِبَرٍ وَنِكَاحُ الْمُكَاتَبَةِ وَوَطْؤُهَا لِمَوْلَاهَا حَتَّى تَعْتِقَ أَوْ تُعَجِّزَ نَفْسُهَا وَنِكَاحُ الْوَثَنِيَّةِ وَالْمُرْتَدَّةِ وَالْمَجُوسِيَّةِ لَا يَجُوزُ حَتَّى تُسْلِمَ وَدَخَلَ تَحْتَ شُبْهَةِ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَمَنْ زُفَّتْ إلَيْهِ غَيْرُ امْرَأَتِهِ فَوَطِئَهَا وَلَكِنْ خَرَجَ عَنْ التَّعْرِيفِ عِدَّةُ أُمِّ الْوَلَدِ إذَا مَاتَ مَوْلَاهَا أَوْ أَعْتَقَهَا فَإِنَّهَا وَاجِبَةٌ عِنْدَنَا مَعَ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ عِنْدَ زَوَالِ النِّكَاحِ أَوْ شُبْهَتِهِ هَذَا مَا أَوْرَدْتُهُ قَبْلَ الِاطِّلَاعِ عَلَى الِاصْطِلَاحِ ثُمَّ رَأَيْته عَرَّفَهَا فِيهِ بِمَا يُدْخِلُ عِدَّةَ أُمِّ الْوَلَدِ فَقَالَ هِيَ اسْمٌ لِأَجَلٍ ضُرِبَ لِانْقِضَاءِ مَا بَقِيَ مِنْ آثَارِ النِّكَاحِ أَوْ الْفِرَاشِ وَقَالَ فِي إيضَاحِ الْإِصْلَاحِ لَا بُدَّ مِنْهُ لِتَنْتَظِمَ عِدَّةَ أُمِّ الْوَلَدِ اهـ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ أَوْ شَبَهِهِ بِإِضَافَةِ الشَّبَهِ إلَى ضَمِيرِ النِّكَاحِ وَعَلَى النُّسْخَةِ الْأُولَى بِإِضَافَةِ الشُّبْهَةِ إلَيْهِ فَعَلَى النُّسْخَةِ الثَّانِيَةِ تَدْخُلُ عِدَّةُ أُمِّ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهَا تَرَبُّصٌ يَلْزَمُهَا عِنْدَ زَوَالِ شَبَهِ النِّكَاحِ لِمَا أَنَّ لَهَا فِرَاشًا كَالْحُرَّةِ وَإِنْ كَانَ أَضْعَفَ مِنْ فِرَاشِهَا وَقَدْ زَالَ بِالْعِتْقِ وَلَكِنْ لَا يَدْخُلُ مَنْ زُفَّتْ إلَيْهِ غَيْرُ امْرَأَتِهِ وَقُلْنَ امْرَأَتُك إلَّا عَلَى النُّسْخَةِ الْأُولَى وَعَلَيْهَا فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ قَوْلُهُ أَوْ شُبْهَتِهِ مَعْطُوفٌ عَلَى الزَّوَالِ لَا عَلَى النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ عُطِفَ عَلَيْهِ لَاقْتَضَى أَنَّهَا لَا تَجِبُ إلَّا عِنْدَ زَوَالِ الشُّبْهَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَأَمَّا سَبَبُ وُجُوبِهَا فَلِكُلِّ نَوْعٍ مِنْهَا سَبَبٌ فَعِدَّةُ الْأَقْرَاءِ لِوُجُوبِهَا أَسْبَابٌ مِنْهَا الْفُرْقَةُ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ سَوَاءٌ كَانَتْ بِطَلَاقٍ أَوْ بِغَيْرِ طَلَاقٍ بَعْدَ وَطْءٍ أَوْ خَلْوَةٍ وَمِنْهَا عِدَّةُ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ سَبَبُهَا تَفْرِيقُ الْقَاضِي أَوْ الْمُشَارَكَةُ وَشَرْطُهَا أَنْ تَكُونَ بَعْدَ الْوَطْءِ حَقِيقَةً وَمِنْهَا عِدَّةُ الْوَطْءِ عَنْ شُبْهَةٍ فَسَبَبُهَا الْوَطْءُ وَمِنْهَا عِدَّةُ أُمِّ الْوَلَدِ وَسَبَبُهَا عِتْقُ الْمَوْلَى بِإِعْتَاقِهِ أَوْ مَوْتِهِ. وَأَمَّا عِدَّةُ مَنْ لَمْ تَحِضْ لِصِغَرٍ أَوْ كِبَرٍ سَبَبُهَا الطَّلَاقُ وَشَرْطُ وُجُوبِهَا إمَّا الصِّغَرُ أَوْ الْكِبَرُ أَوْ عَدَمُ الْحَيْضِ رَأْسًا وَالثَّانِي الدُّخُولُ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا، وَأَمَّا عِدَّةُ الْحَمْلِ فَسَبَبُهَا الْفُرْقَةُ أَوْ الْوَفَاةُ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ مُخْتَصَرًا وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ أَنَّ سَبَبَ وُجُوبِهَا عَقْدُ النِّكَاحِ الْمُتَأَكِّدُ بِالتَّسْلِيمِ أَوْ مَا يَجْرِي مَجْرَاهُ مِنْ الْخَلْوَةِ وَالْمَوْتِ، وَلَوْ فَاسِدًا، وَأَمَّا الْفُرْقَةُ فَشَرْطُهَا، فَالْإِضَافَةُ فِي قَوْلِهِمْ عِدَّةُ الطَّلَاقِ إلَى الشَّرْطِ اهـ. وَالظَّاهِرُ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ لِعَدَمِ صَلَاحِيَةِ الطَّلَاقِ وَالْمَوْتِ لِلسَّبَبِيَّةِ لِمَا فِي الْمُصَفَّى كَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا تَجِبَ الْعِدَّةُ بِالطَّلَاقِ وَالْمَوْتِ؛ لِأَنَّهُمَا مُزِيلَانِ لِلنِّكَاحِ وَالشَّيْءُ إذَا زَالَ يَزُولُ بِجَمِيعِ آثَارِهِ وَإِنَّمَا وَجَبَتْ بِالنَّصِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ اهـ. وَحُكْمُهَا حُرْمَةُ نِكَاحِهَا عَلَى غَيْرِهِ وَحُرْمَةُ نِكَاحِ أُخْتِهَا وَأَرْبَعٍ سِوَاهَا كَذَا قَالُوا: وَيَنْبَغِي الِاقْتِصَارُ عَلَى الثَّانِي؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ نِكَاحِهَا عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ الَّتِي قَدَّمْنَا أَنَّهَا الرَّكْنُ وَمَحْظُورَاتُهَا حُرْمَةُ التَّزَيُّنِ وَالتَّطَيُّبِ خُصُوصًا فِي الْمُبَانَةِ وَالْخُرُوجِ مِنْ الْمَنْزِلِ عُمُومًا كَمَا سَيَأْتِي فِي الْحِدَادِ وَأَنْوَاعُهَا حَيْضٌ وَأَشْهُرٌ وَوَضْعُ حَمْلٍ لَتُعْرَفَ بَرَاءَةُ رَحِمٍ وَلِلتَّعَبُّدِ وَلِإِظْهَارِ حُزْنٍ عَلَى زَوْجٍ وَإِلَى هُنَا ظَهَرَ أَنَّ الْكَلَامَ فِيهَا فِي عَشَرَةِ مَوَاضِعَ مَعْنَاهَا لُغَةً وَشَرْعًا وَاصْطِلَاحًا وَرُكْنُهَا وَشَرْطُهَا وَسَبَبُهَا وَحُكْمُهَا وَمَحْظُورَاتُهَا وَأَنْوَاعُهَا وَدَلِيلُهَا. (قَوْلُهُ عِدَّةُ الْحُرَّةِ لِلطَّلَاقِ أَوْ الْفَسْخِ ثَلَاثَةُ أَقْرَاءٍ) أَيْ: حَيْضٍ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْعِدَّةَ اسْمٌ لِلْأَجَلِ الْمَضْرُوبِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ عَلَى إرَادَةِ مُدَّةِ ثَلَاثَةِ أَقْرَاءٍ؛ لِأَنَّهُ أَوْقَعَ ثَلَاثَةً خَبَرًا لِلْعِدَّةِ عَلَى تَقْدِيرِ الرَّفْعِ فَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ التَّحْقِيقِ، وَأَمَّا عَلَى تَقْدِيرِ نَصْبِ ثَلَاثَةٍ فَالْمُرَادُ كَوْنُ عِدَّتِهَا فِي مُدَّةِ ثَلَاثَةِ أَقْرَاءٍ؛ لِأَنَّ الْحُرُمَاتِ تَتَعَلَّقُ فِي مُدَّةِ الْأَقْرَاءِ فَكَانَ ظَرْفَ زَمَانٍ مُعْرَبًا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَالْخَامِسَةِ) أَيْ: وَنِكَاحُ الْمَرْأَةِ الْخَامِسَةِ لِمَنْ مَعَهُ أَرْبَعٌ وَالْمُرَادُ مَا زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِ (قَوْلُهُ وَنِكَاحُ الرَّابِعَةِ كَذَلِكَ) لَمْ أَرَ لَفْظَةً كَذَلِكَ فِي نُسْخَتَيْ الْخِزَانَةِ وَاَلَّذِي فِيهَا وَلَا نِكَاحَ الرَّابِعَةِ إلَّا بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّةِ الْمَوْطُوءَةِ اهـ. يَعْنِي لَوْ طَلَّقَ إحْدَى نِسَائِهِ الْأَرْبَعِ لَا يَنْكِحُ رَابِعَةً سِوَاهَا مَا لَمْ تَنْقَضِ عِدَّةُ الْمَوْطُوءَةِ. (قَوْلُهُ وَدَخَلَتْ تَحْتَ شُبْهَةِ النِّكَاحِ) كَذَا فِي النُّسَخِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تَحْرِيفٌ مِنْ النُّسَّاخِ وَالْأَصْلُ شُبْهَتُهُ بِالْإِضَافَةِ إلَى الضَّمِيرِ وَالنِّكَاحُ فَاعِلُ دَخَلَ وَالْفَاسِدُ صِفَتُهُ وَمَنْ مَعْطُوفٌ عَلَى الْفَاعِلِ (قَوْلُهُ هَذَا مَا رَأَيْته قَبْلَ الِاطِّلَاعِ عَلَى الِاصْطِلَاحِ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ تَحْرِيفٌ وَالْأَصْلُ الْإِصْلَاحُ بِدُونِ طَاءٍ بَعْدَ الصَّادِ وَالْمُرَادُ إصْلَاحُ الْوِقَايَةِ لِابْنِ كَمَالٍ بَاشَا وَالْإِيضَاحِ هُوَ شَرْحُهُ لَهُ أَيْضًا. (قَوْلُهُ: وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ أَوْ شَبَهُهُ) أَيْ: بِكَسْرِ الشِّينِ وَسُكُونِ الْبَاءِ أَوْ بِفَتْحِهِمَا (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ عُطِفَ عَلَيْهِ لَاقْتَضَى إلَخْ) قِيلَ: النِّكَاحُ الْفَاسِدُ لَا تَجِبُ فِيهِ الْعِدَّةُ إلَّا بِزَوَالِ الشُّبْهَةِ وَهِيَ الْمُتَارَكَةُ بِالْقَوْلِ بَعْدَ الدُّخُولِ وَبِهِ أَوْ بِالْفِعْلِ قَبْلَهُ وَالْمُرَادُ بِمُتَارَكَةِ الْفِعْلِ مُفَارَقَةُ الْأَبْدَانِ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُعْتَبَرَ مُفَارَقَةُ الْأَبْدَانِ فِي الْمَزْفُوفَةِ لِغَيْرِ زَوْجِهَا زَوَالًا فَلْيُتَأَمَّلْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 139 وَاقِعًا خَبَرًا عَنْ اسْمِ مَعْنًى نَحْوَ السَّفَرُ غَدًا لَكِنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ الرَّفْعِ اُعْتُبِرَ فِيهِ الْإِطْلَاقُ الْمَجَازِيُّ أَعْنِي إطْلَاقَ الْعِدَّةِ عَلَى نَفْسِ الْمُدَّةِ أُطْلِقَ الطَّلَاقُ فَشَمِلَ الْبَائِنَ وَالرَّجْعِيَّ وَلَمْ يُقَيَّدْ بِالدُّخُولِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي النِّكَاحِ الدُّخُولُ وَلَا بُدَّ مِنْهُ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا حَتَّى تَجِبَ عَلَى مُطَلَّقَةٍ بَعْدَ الْخَلْوَةِ وَلَوْ فَاسِدَةً كَمَا بَيَّنَّاهُ فِيهَا وَلَمْ أَرَ حُكْمَ مَا إذَا وَطِئَهَا فِي دُبُرِهَا أَوْ أَدْخَلَتْ مَنِيَّهُ فِي فَرْجِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا مِنْ غَيْرِ إيلَاجٍ فِي قُبُلِهَا وَفِي تَحْرِيرِ الشَّافِعِيَّةِ وُجُوبُهَا فِيهِمَا وَلَا بُعْدَ أَنْ يُحْكَمَ عَلَى الْمَذْهَبِ بِالثَّانِي؛ لِأَنَّ إدْخَالَ الْمَنِيِّ مُحْتَاجٌ إلَى تَعَرُّفِ الْبَرَاءَةِ أَكْثَرَ مِنْ مُجَرَّدِ الْإِيلَاجِ وَالْأَصْلُ فِي هَذَا النَّوْعِ قَوْله تَعَالَى {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] وَالْمُرَادُ بِهِنَّ الْمَدْخُولَاتُ اللَّاتِي يَحِضْنَ وَهُوَ خَبَرٌ بِمَعْنَى الْأَمْرِ. وَأَصْلُ الْكَلَامِ لِيَتَرَبَّصْنَ وَلَامُ الْأَمْرِ مَحْذُوفَةٌ فَاسْتُغْنِيَ عَنْ ذِكْرِهِ وَإِخْرَاجُ الْأَمْرِ فِي صُورَةِ الْخَبَرِ تَأْكِيدٌ لَهُ وَلِلْإِشْعَارِ بِأَنَّهُ مِمَّا يُتَلَقَّى بِالْمُسَارَعَةِ إلَى امْتِثَالِهِ نَحْوَ قَوْلِهِمْ فِي الدُّعَاءِ رَحِمَك اللَّهُ أُخْرِجَ فِي صُورَةِ الْخَبَرِ ثِقَةً بِالِاسْتِجَابَةِ كَأَنَّ الرَّحْمَةَ وُجِدَتْ فَهُوَ يُخْبِرُ عَنْهَا وَبِنَاؤُهُ عَلَى الْمُبْتَدَأِ يَدُلُّ عَلَى زِيَادَةِ التَّأْكِيدِ، وَلَوْ قِيلَ يَتَرَبَّصُ الْمُطَلَّقَاتُ لَمْ يَكُنْ بِتِلْكَ الْوَكَادَةِ؛ لِأَنَّ الْجُمْلَةَ الِاسْمِيَّةَ تَدُلُّ عَلَى الدَّوَامِ وَالثَّبَاتِ بِخِلَافِ الْفِعْلِيَّةِ، وَفِي ذِكْرِ الْأَنْفُسِ تَهْيِيجٌ لَهُنَّ عَلَى التَّرَبُّصِ وَزِيَادَةُ تَعَبٍ؛ إذْ نُفُوسُهُنَّ طَوَامِحُ إلَى الرِّجَالِ فَأُمِرْنَ أَنْ يَقْمَعْنَ أَنْفُسَهُنَّ وَيَغْلِبْنَهَا عَلَى الطُّمُوحِ وَيَجْبُرْنَهَا عَلَى التَّرَبُّصِ وَانْتَصَبَ ثَلَاثَةٌ عَلَى الظَّرْفِ أَيْ: مُدَّةَ ثَلَاثَةِ قُرُوءٍ وَجَاءَ الْمُمَيِّزُ عَلَى جَمْعِ الْكَثْرَةِ دُونَ الْقِلَّةِ الَّتِي هِيَ الْإِقْرَاءُ لِجَوَازِ اسْتِعْمَالِ أَحَدِ الْجَمْعَيْنِ مَكَانَ الْآخَرِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْجَمْعِيَّةِ وَلَعَلَّ الْقُرُوءَ أَكْثَرُ فِي جَمْعِ الْقُرْءِ مِنْ الْأَقْرَاءِ فَأُوثِرَ عَلَيْهِ تَنْزِيلًا لِقَلِيلِ الِاسْتِعْمَالِ مَنْزِلَةَ الْمُهْمَلِ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ. وَالْقُرْءُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ وَأَوَّلَهُ أَصْحَابُنَا فِي الْآيَةِ بِالْحَيْضِ وَالشَّافِعِيُّ بِالطُّهْرِ وَمَوْضِعُهُ الْأُصُولُ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا طَلَّقَهَا فِي الطُّهْرِ فَإِنَّهُ تَنْقَضِي الْعِدَّةُ بِرُؤْيَةِ قَطْرَةٍ مِنْ الدَّمِ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ عِنْدَهُ وَعِنْدَنَا لَا تَنْقَضِي الْعِدَّةُ مَا لَمْ تَطْهُرْ مِنْهَا كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَفِي الْمَبْسُوطِ الْحَيْضَةُ الْأُولَى لِتَعَرُّفِ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ وَالثَّانِيَةُ لِحُرْمَةِ النِّكَاحِ وَالثَّالِثَةُ لِفَضِيلَةِ الْحُرِّيَّةِ وَشَمِلَ جَمِيعَ أَسْبَابِهِ مِنْ الْفَسْخِ بِخِيَارِ الْبُلُوغِ وَالْعِتْقِ وَمِلْكِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ صَاحِبَهُ وَرِدَّةِ أَحَدِهِمَا، وَقَدَّمْنَا فِي نِكَاحِ الْأَوْلِيَاءِ جُمْلَةَ الْفَرْقِ وَالْإِيرَادِ عَلَى قَوْلِهِمْ إنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ بَعْدَ التَّمَامِ، ثُمَّ رَأَيْت فِي إيضَاحِ الْإِصْلَاحِ هُنَا أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الطَّلَاقِ أَوْ الْفَسْخِ أَوْ الرَّفْعِ، ثُمَّ قَالَ: اعْلَمْ أَنَّ النِّكَاحَ بَعْدَ التَّمَامِ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ فَكُلُّ فُرْقَةٍ بِغَيْرِ طَلَاقٍ قَبْلَ تَمَامِ النِّكَاحِ كَالْفُرْقَةِ بِخِيَارِ الْبُلُوغِ وَالْفُرْقَةِ بِخِيَارِ الْعِتْقِ وَالْفُرْقَةِ بِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ فَسْخٌ وَكُلُّ فُرْقَةٍ بِغَيْرِ طَلَاقٍ بَعْدَ تَمَامِ النِّكَاحِ كَالْفُرْقَةِ بِمِلْكِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ الْآخَرَ وَالْفُرْقَةِ بِتَقْبِيلِ ابْنِ الزَّوْجِ وَنَحْوِهِ رَفْعٌ وَهَذَا وَاضِحٌ عِنْدَ مَنْ لَهُ خِبْرَةٌ فِي هَذَا الْفَنِّ اهـ. وَعَدَمُ الْكَفَاءَةِ وَمِنْ هَذَا النَّوْعِ مَا إذَا تَزَوَّجَ الْمُكَاتَبُ بِنْتَ مَوْلَاهُ بِإِذْنِهِ ثُمَّ مَاتَ الْمُكَاتَبُ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى لَا عَنْ وَفَاءٍ فَإِنَّ النِّكَاحَ يَفْسُدُ وَتَعْتَدُّ بِثَلَاثِ حِيَضٍ إنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا وَسَقَطَ مَهْرُهَا بِقَدْرِ مَا مَلَكَتْ مِنْهُ وَإِلَّا فَلَا عِدَّةَ وَإِنْ مَاتَ عَنْ وَفَاءٍ تَعْتَدُّ عِدَّةَ الْوَفَاةِ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ وَلَهَا الصَّدَاقُ وَالْإِرْثُ؛ لِأَنَّا حَكَمْنَا بِعِتْقِهِ فِي آخَرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ وَقَدَّمْنَا فِي فَصْلِ التَّحْلِيلِ أَنَّ الْعِدَّةَ لَا تَظْهَرُ فِي حَقِّ الْمُطَلِّقِ حَيْثُ كَانَ دُونَ الثَّلَاثِ وَهَكَذَا فِي الْفَسْخِ فَلَوْ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ بَعْدَ الدُّخُولِ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا لَهُ وَتَعْتَدُّ لِغَيْرِهِ حَتَّى لَا يُزَوِّجَهَا مِنْ الْغَيْرِ مَا لَمْ تَحِضْ   [منحة الخالق] [عِدَّةُ الْحُرَّةِ] (قَوْلُهُ وَلَا بُعْدَ أَنْ يُحْكَمَ عَلَى الْمَذْهَبِ بِالثَّانِي إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَأَقُولُ: يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنْ ظَهَرَ حَمْلُهَا كَانَ عِدَّتُهَا وَضْعَ الْحَمْلِ وَإِلَّا فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا اهـ. وَاعْتَرَضَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ بِأَنَّ الِانْتِظَارَ إلَى ظُهُورِ الْحَمْلِ وَعَدَمِهِ هُوَ الْعِدَّةُ الَّتِي فَرَرْتَ مِنْهَا وَإِنْ جَوَّزْتَ تَزَوُّجَهَا بَعْدَ إدْخَالِ الْمَنِيِّ احْتَجْت إلَى نَقْلٍ اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الِانْتِظَارَ الْمَذْكُورَ هُوَ الْعِدَّةُ فَإِنَّهُ بِنَاءً عَلَى مَا بَحَثَهُ فِي النَّهْرِ لَوْ انْتَظَرَتْ ظُهُورَ الْحَمْلِ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ وَكَانَتْ تَزَوَّجَتْ فِي أَثْنَائِهَا ثُمَّ ظَهَرَ عَدَمُ الْحَمْلِ صَحَّ النِّكَاحُ وَقَوْلُ ذَلِكَ الْقَائِلِ وَإِنْ جَوَّزْتَ تَزَوُّجَهَا إلَخْ يُقَالُ عَلَيْهِ هَذَا طَلَاقٌ قَبْلَ دُخُولِ فَلَا عِدَّةَ لَهُ فَالنِّكَاحُ بَعْدَهُ صَحِيحٌ وَعَدَمُ تَصْحِيحِهِ هُوَ الْمُحْتَاجُ إلَى الدَّلِيلِ بِإِثْبَاتِ أَنَّ إدْخَالَ الْمَنِيِّ مُوجِبٌ لِلْعِدَّةِ وَالنِّزَاعُ إنَّمَا هُوَ فِي ذَلِكَ هَذَا، وَفِي قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ وَلَا بُعْدَ أَنْ يُحْكَمَ بِالثَّانِي مُشْعِرٌ بِأَنَّ الْأَوَّلَ لَيْسَ كَذَلِكَ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ إنْ لَمْ تَجِبْ بِاعْتِبَارِ الْوَطْءِ فِي الدُّبُرِ تَجِبُ بِاعْتِبَارِ الْخَلْوَةِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ وَطِئَهَا بِحَضْرَةِ أَجْنَبِيٍّ وَلَا يَخْفَى بُعْدُهُ. (قَوْلُهُ وَأَصْلُ الْكَلَامِ لِيَتَرَبَّصْنَ) كَانَ الظَّاهِرُ الْإِتْيَانَ بِأَوْ بَدَلَ الْوَاوِ فَإِنَّ عَلَى تَقْدِيرِ اللَّامِ يَكُونُ أَمْرًا مِثْلَ مُحَمَّدٌ تَفْدِ نَفْسَك كُلُّ نَفْسٍ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ ثُمَّ قَالَ: اعْلَمْ أَنَّ النِّكَاحَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ هَذَا التَّقْسِيمُ لَمْ نَرَ مَنْ عَرَّجَ عَلَيْهِ وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ أَهْلُ الدَّارِ أَنَّ الْقِسْمَةَ ثُنَائِيَّةٌ وَأَنَّ الْفُرْقَةَ بِالتَّقْبِيلِ مِنْ الْفَسْخِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ اهـ. وَفِي حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ عَلَيَّ مِسْكِينٍ قَالَ السَّيِّدُ الْحَمَوِيُّ وَأَيْضًا مُقْتَضَى كَوْنِهِ رَفْعًا أَنْ يَكُونَ مُنْقِصًا لِلْعَدَدِ إذْ الطَّلَاقُ يَرْفَعُ الْقَيْدَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 140 حَيْضَتَيْنِ وَلِهَذَا لَوْ طَلَّقَهَا السَّيِّدُ فِي هَذِهِ الْعِدَّةِ لَمْ يَقَعْ طَلَاقُهُ؛ لِأَنَّهَا مُعْتَدَّةٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِ وَلِهَذَا تَحِلُّ لَهُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَتْ الْحُرَّةُ زَوْجَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ وَقَدْ كَانَ قَالَ لَهَا: أَنْت طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ وَهِيَ حَائِضٌ ثُمَّ طَهُرَتْ مِنْ حَيْضِهَا وَقَعَ الطَّلَاقُ لِعَدَمِ ارْتِفَاعِ عِدَّةِ الطَّلَاقِ بِدَلِيلِ حُرْمَةِ وَطْئِهَا وَلَا بُدَّ فِي انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا مِنْ الْإِقْرَارِ بِالطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا وَأَقَامَ مَعَهَا زَمَانًا مُنْكِرًا طَلَاقَهَا لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا هَكَذَا اخْتَارَهُ الْمَشَايِخُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَسَيَأْتِي زِيَادَةُ بَيَانٍ لَهُ، وَلَوْ اشْتَرَى الْمُكَاتَبُ زَوْجَتَهُ ثُمَّ مَاتَ فَإِنْ تَرَكَ وَفَاءً فَهُوَ حُرٌّ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ وَفَسَدَ نِكَاحُهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا فَلَا عِدَّةَ لِوُقُوعِ الْفُرْقَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَهِيَ أَمَةٌ فَإِنْ كَانَتْ وَلَدَتْ مِنْهُ تَعْتَدُّ بِثَلَاثِ حِيَضٍ حَيْضَتَانِ بِالْفُرْقَةِ وَثَلَاثٌ بِالْوَفَاةِ إلَّا أَنَّهَا تَتَدَاخَلُ وَتَحِدُّ فِي الْأَوَّلِيَّيْنِ دُونَ الثَّالِثَةِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَأَطْلَقَ الْحُرَّةَ فَشَمِلَ الْمُسْلِمَةَ وَالْكِتَابِيَّةَ تَحْتَ مُسْلِمٍ فَالْكِتَابِيَّةُ تَحْتَ الْمُسْلِمِ كَالْمُسْلِمَةِ حُرَّتُهَا كَحُرَّتِهَا وَأَمَتُهَا كَأَمَتِهَا. وَأَمَّا إذَا كَانَتْ تَحْتَ ذِمِّيٍّ فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا إذَا كَانُوا لَا يَدِينُونَ ذَلِكَ إلَّا إذَا كَانَتْ حَامِلًا عِنْدَ الْإِمَامِ خِلَافًا لَهُمَا وَقَدْ مَرَّتْ وَذَكَرَهَا فِي الْبَدَائِعِ هُنَا، وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ قَالَ: إلَّا أَنْ تَكُونَ حَامِلًا فَتُمْنَعَ مِنْ التَّزَوُّجِ إنْ كَانَ ذَلِكَ فِي دِينِهِمْ اهـ. فَقَيَّدَ الْحَامِلِ بِأَنْ تَكُونَ فِي دِينِهِمْ الْعِدَّةُ لَهَا، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ شَهِدَا أَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا إنْ كَانَ غَائِبًا سَاغَ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بِآخَرَ وَإِنْ كَانَ حَاضِرًا لَا؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ إذَا أَنْكَرَ اُحْتِيجَ إلَى الْقَضَاءِ بِالْفُرْقَةِ وَلَا يَجُوزُ الْقَضَاءُ بِهَا إلَّا بِحَضْرَةِ الزَّوْجِ وَفِيهَا لَوْ شَهِدَ عِنْدَهَا رَجُلَانِ أَنَّهُ طَلَّقَهَا لَيْسَ لَهَا أَنْ تُمَكِّنَ مِنْ نَفْسِهَا وَإِنْ أَخْبَرَهَا وَاحِدٌ لَيْسَ لَهَا الِامْتِنَاعُ اهـ. فَقَدْ قَبِلَ خَبَرَ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ بِمَوْتِهِ عِنْدَهَا وَلَمْ يُقْبَلْ بِطَلَاقِهِ وَذُكِرَ فِي الِاسْتِحْسَانِ لَوْ أَخْبَرَ الِابْنَ رَجُلَانِ أَنَّ فُلَانًا قَتَلَ أَبَاهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْتُلَهُ حَتَّى يَحْكُمَ الْقَاضِي بِشَهَادَتِهِمَا بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ إذَا أَخْبَرَهَا عَدْلَانِ بِالطَّلَاقِ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهَا التَّمْكِينُ مِنْ غَيْرِ حُكْمٍ بِشَهَادَتِهِمَا، وَلَوْ بَرْهَنَ الْقَاتِلُ عِنْدَ ابْنِ الْمَقْتُولِ أَنَّهُ قَتَلَهُ لِلرِّدَّةِ أَوْ لِلْقِصَاصِ إنْ كَانَ الشَّاهِدَانِ مِمَّنْ لَوْ شَهِدَا عِنْدَ الْحَاكِمِ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا لَيْسَ لِلِابْنِ قَتْلُهُ وَإِلَّا فَلَهُ اهـ. . (قَوْلُهُ وَثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ إنْ لَمْ تَحِضْ) أَيْ: عِدَّةُ الْحُرَّةِ إنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ ذَوَاتِ الْحَيْضِ لِصِغَرٍ أَوْ كِبَرٍ مُدَّةُ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ} [الطلاق: 4] فِي حَقِّ الْآيِسَةِ وقَوْله تَعَالَى {وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: 4] فِي حَقِّ الصَّغِيرَةِ وَمَنْ بَلَغَتْ بِالسِّنِّ وَلَمْ تَحِضْ وَشَمِلَ قَوْلُهُ إنْ لَمْ تَحِضْ أَيْضًا الْبَالِغَةَ إذَا لَمْ تَرَ دَمًا أَوْ رَأَتْ وَانْقَطَعَ قَبْلَ التَّمَامِ وَمَنْ بَلَغَتْ مُسْتَحَاضَةً وَالْمُسْتَحَاضَةُ الَّتِي نَسِيَتْ عَادَتَهَا وَهُوَ مِمَّا يُلْغَزُ بِهِ فَيُقَالُ شَابَّةٌ تَرَى مَا يَصْلُحُ حَيْضًا فِي كُلِّ شَهْرٍ وَعِدَّتُهَا بِالْأَشْهُرِ لَكِنْ فِي التَّحْقِيقِ لَمَّا نَسِيَتْ عَادَتَهَا جَازَ كَوْنُهَا أَوَّلَ كُلِّ شَهْرٍ وَآخِرَهُ فَإِذَا قُدِّرَتْ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ عُلِمَ أَنَّهَا حَاضَتْ ثَلَاثَ حِيَضٍ بِيَقِينٍ بِخِلَافِ مَا لَمْ تَنْسَ فَإِنَّهَا تُرَدُّ إلَى أَيَّامِ عَادَتِهَا فَجَازَ كَوْنُ عِدَّتِهَا أَوَّلَ الشَّهْرِ فَتَخْرُجُ مِنْ الْعِدَّةِ بِخَمْسَةٍ أَوْ سِتَّةٍ مِنْ الثَّالِثِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَخْذًا مِنْ الزَّيْلَعِيِّ فِي الْحَيْضِ وَاعْلَمْ أَنَّ إطْلَاقَهُمْ الِانْقِضَاءَ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ النَّاسِيَةِ لِعَادَتِهَا لَا يَصِحُّ إلَّا فِيمَا إذَا طَلَّقَهَا أَوَّلَ الشَّهْرِ أَمَّا إذَا طَلَّقَهَا بَعْدَمَا مَضَى مِنْ الشَّهْرِ قَدْرَ مَا يَصْلُحُ حَيْضَةً فَيَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ غَيْرَ بَاقِي هَذَا الشَّهْرِ اهـ. اعْلَمْ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ تَقْدِيرَ عِدَّتِهَا بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ قَوْلُ الْمَرْغِينَانِيِّ وَذَكَرَ هُوَ فِي الْحَيْضِ اخْتِلَافًا قَالَ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ الْحَاكِمِ مِنْ أَنَّ طُهْرَهَا مُقَدَّرٌ بِشَهْرَيْنِ فَعَلَى هَذَا لَا بُدَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لِلْأَطْهَارِ وَثَلَاثِ حِيَضٍ بِشَهْرٍ احْتِيَاطًا وَالْمُرَادُ بِالصَّغِيرَةِ مَنْ لَمْ تَبْلُغْ سِنَّ الْحَيْضِ وَالْمُخْتَارُ الْمُصَحَّحُ أَنَّهُ تِسْعٌ وَعَنْ الْإِمَامِ الْفَضْلِيِّ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ مُرَاهِقَةً لَا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِالْأَشْهُرِ بَلْ يُوقَفُ حَالُهَا حَتَّى يَظْهَرَ هَلْ حَبِلَتْ مِنْ ذَلِكَ الْوَطْءِ أَمْ لَا فَإِنْ ظَهَرَ حَبَلُهَا اعْتَدَّتْ بِالْوَضْعِ وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ فَبِالْأَشْهُرِ اهـ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَيُعْتَدُّ بِزَمَنِ التَّوَقُّفِ مِنْ عِدَّتِهَا؛ لِأَنَّهُ كَانَ لِيَظْهَرَ حَبَلُهَا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ فَقَدْ قَبِلَ خَبَرَ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ بِمَوْتِهِ) أَيْ: كَمَا سَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِهِ وَلِلْمَوْتِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ مُوَضَّحًا. (قَوْلُهُ لَكِنْ فِي التَّحْقِيقِ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ عِدَّتَهَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَيْسَتْ بِالْأَشْهُرِ وَإِنَّمَا هِيَ بِالْحَيْضِ لَكِنْ لَمَّا لَمْ يُتَيَقَّنْ بِالْحِيَضِ الثَّلَاثِ إلَّا فِي ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ قِيلَ: تَتَرَبَّصُ تِلْكَ الْمُدَّةَ (قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ بِالصَّغِيرَةِ مَنْ لَمْ تَبْلُغْ سِنَّ الْحَيْضِ) كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ مَنْ لَمْ تَرَ الدَّمَ وَلَمْ تَبْلُغْ بِالسِّنِّ لِيُعْلَمَ حُكْمُ مَنْ زَادَتْ عَلَى تِسْعٍ وَلَمْ تَرَ الدَّمَ وَلَمْ تَبْلُغْ بِالسِّنِّ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ كَلَامَهُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا ذَكَرَهُ عَنْ الْإِمَامِ الْفَضْلِيِّ مِنْ أَنَّهَا إذَا رَاهَقَتْ أَيْ: بِأَنْ بَلَغَتْ تِسْعًا لَا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِالْأَشْهُرِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ فَبِالْأَشْهُرِ) لَمْ يُبَيِّنْ كَمْ يُوقَفُ، وَفِي فَتَاوَى الْعَلَّامَةِ حَامِدٍ أَفَنْدِي الْعِمَادِيِّ مُقْتَضَى مَا ذَكَرُوهُ فِي تَعْلِيلِ عِدَّةِ الْمَوْتِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشَرَةِ أَيَّامٍ؛ لِأَنَّهُ يَظْهَرُ فِيهَا الْحَبَلُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 141 فَإِذَا لَمْ يَظْهَرْ كَانَ مِنْ عِدَّتِهَا اهـ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة امْرَأَةٌ رَأَتْ الدَّمَ وَهِيَ بِنْتُ ثَلَاثِينَ سَنَةً مَثَلًا رَأَتْ يَوْمًا دَمًا لَا غَيْرَ ثُمَّ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا قَالَ لَيْسَتْ هِيَ آيِسَةً وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ تَعْتَدُّ بِالشُّهُورِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ اللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَبِهِ نَأْخُذُ اهـ. وَفِي الصُّغْرَى وَاعْتِبَارُ الشُّهُورِ فِي الْعِدَّةِ بِالْأَيَّامِ دُونَ الْأَهِلَّةِ بِالْإِجْمَاعِ إنَّمَا الْخِلَافُ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ فِي الْإِجَارَةِ اهـ. وَفِي الْمُجْتَبَى جَعَلَهُ عَلَى الْخِلَافِ كَالْإِجَارَةِ وَالدَّيْنِ وَإِنَّمَا تُعْتَبَرُ بِالْأَيَّامِ إجْمَاعًا مُدَّةُ الْعِنِّينِ، وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة امْرَأَةٌ بَلَغَتْ فَرَأَتْ يَوْمًا دَمًا ثُمَّ انْقَطَعَ عَنْهَا الدَّمُ حَتَّى مَضَتْ سَنَةٌ ثُمَّ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا فَعِدَّتُهَا بِالْأَشْهُرِ اهـ. وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ إنْ لَمْ تَحِضْ الشَّابَّةُ الْمُمْتَدُّ طُهْرُهَا فَلَا تَعْتَدُّ بِالْأَشْهُرِ وَصُورَتُهَا إذَا رَأَتْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَانْقَطَعَ وَمَضَى سَنَةٌ أَوْ أَكْثَرُ ثُمَّ طَلُقَتْ فَعِدَّتُهَا بِالْحَيْضِ إلَى أَنْ تَبْلُغَ إلَى حَدِّ الْإِيَاسِ وَهُوَ خَمْسٌ وَخَمْسُونَ سَنَةً فِي الْمُخْتَارِ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَمِنْ الْغَرِيبِ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ قَالَ الْعَلَّامَةُ وَالْفَتْوَى فِي زَمَانِنَا عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ فِي عِدَّةِ الْآيِسَةِ اهـ. وَلَوْ قَضَى قَاضٍ بِانْقِضَاءِ عِدَّةِ الْمُمْتَدِّ طُهْرُهَا بَعْدَ مُضِيِّ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ نَفَذَ كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَنُقِلَ فِي الْمَجْمَعِ أَنَّ مَالِكًا يَقُولُ إنَّ عِدَّتَهَا تَنْقَضِي بِمُضِيِّ حَوْلٍ وَفِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ أَنَّ عِدَّةَ الْمُمْتَدِّ طُهْرُهَا تَنْقَضِي بِتِسْعَةِ أَشْهُرٍ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ مَعْزِيًّا إلَى حَيْضِ مِنْهَاجِ الشَّرِيعَةِ، وَنُقِلَ مِثْلُهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ يَجِبُ حِفْظُهَا؛ لِأَنَّهَا كَثِيرَةُ الْوُقُوعِ وَذَكَرَ الزَّاهِدِيُّ وَقَدْ كَانَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يُفْتُونَ بِقَوْلِ مَالِكٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِلضَّرُورَةِ خُصُوصًا الْإِمَامُ وَالِدِي اهـ. قُلْت: لَكِنَّهُ مُخَالِفٌ لِجَمِيعِ الرِّوَايَاتِ فَلَا يُفْتَى بِهِ نَعَمْ لَوْ قَضَى مَالِكِيٌّ بِهِ نَفَذَ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ ثُمَّ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ لَا يُطْلِقُونَ لَفْظَ الْوُجُوبِ عَلَى هَذِهِ الصَّغِيرَةِ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُخَاطَبَةٍ بَلْ يَقُولُونَ تَعْتَدُّ، وَفِي الْمَبْسُوطِ قَالَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا: هِيَ لَا تُخَاطَبُ بِالِاعْتِدَادِ لَكِنَّ الْوَلِيَّ يُخَاطَبُ بِأَنْ لَا يُزَوِّجَهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ مُدَّةُ الْعِدَّةِ مَعَ أَنَّ الْعِدَّةَ مُجَرَّدُ مُضِيِّ الْمُدَّةِ فَثُبُوتُهَا فِي حَقِّهَا لَا يُؤَدِّي إلَى تَوْجِيهِ خِطَابِ الشَّرْعِ عَلَيْهَا وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْقَائِلَ الْأَوَّلَ قَوْلُهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ يَرَاهَا الْحُرُمَاتِ أَوْ التَّرَبُّصَ الْوَاجِبَ فَإِنْ قُلْت عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهَا مُضِيَّ الْمُدَّةِ أَلَيْسَ أَنَّ فِيهَا يَجِبُ أَنْ لَا تَتَزَوَّجَ فَلَا بُدَّ أَنْ يَتَعَلَّقَ خِطَابُ نَهْيِ التَّزَوُّجِ بِالْوَلِيِّ فَجَعْلُهَا الْمُدَّةَ كَمَا قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ لَا يَسْتَلْزِمُ انْتِفَاءَ قَوْلِ الْأَوَّلِ وَيُخَاطَبُ الْوَلِيُّ بِأَنْ لَا يُزَوِّجَهَا فَالْجَوَابُ لَا يَلْزَمُ فَإِنَّا إذَا قُلْنَا: إنَّهَا الْمُدَّةُ فَالثَّابِتُ فِيهَا عَدَمُ صِحَّةِ التَّزَوُّجِ لَا خِطَابُ أَحَدٍ بَلْ وَضَعَ الشَّارِعُ عَدَمَ الصِّحَّةِ لَوْ فُعِلَ اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الصَّغِيرَةَ أَهْلٌ لِخِطَابِ الْوَضْعِ، وَهَذَا مِنْهُ كَمَا خُوطِبَ الصَّغِيرُ وَالصَّغِيرَةُ بِضَمَانِ الْمُتْلَفَاتِ، وَلَوْ حَاضَتْ الصَّغِيرَةُ فِي الْأَشْهُرِ الثَّلَاثَةِ تَسْتَأْنِفُ الْعِدَّةَ بِالْحَيْضِ، وَلَوْ حَاضَتْ الْكَبِيرَةُ حَيْضَةً ثُمَّ أَيِسَتْ اسْتَأْنَفَتْ بِالشُّهُورِ تَحَرُّزًا عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْخَلَفِ وَقَدْ فَسَّرَ الْقَاضِي قَوْله تَعَالَى {إِنِ ارْتَبْتُمْ} [الطلاق: 4] شَكَكْتُمْ وَجَهِلْتُمْ اهـ. وَإِذَا كَانَ هَذَا مَعَ الِارْتِيَابِ فَفِي غَيْرِهِ بِالْأَوْلَى كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَفِي الْفَخْرِ الرَّازِيّ إنْ ارْتَبْتُمْ فِي دَمِ الْبَالِغَاتِ مَبْلَغَ الْإِيَاسِ أَهُوَ دَمُ حَيْضٍ أَوْ اسْتِحَاضَةٍ وَرُوِيَ أَنَّ «مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ عَرَفْنَا عِدَّةَ الَّتِي تَحِيضُ فَمَا عِدَّةُ الَّتِي لَمْ تَحِضْ فَنَزَلَتْ {وَاللائِي يَئِسْنَ} [الطلاق: 4] فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ مَا عِدَّةُ الصَّغِيرَةِ فَنَزَلَ {وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: 4] أَيْ: هِيَ بِمَنْزِلَةِ الْكَبِيرَةِ فَقَامَ آخَرُ فَقَالَ مَا عِدَّةُ الْحَوَامِلِ فَنَزَلَ {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] » اهـ. وَذُكِرَ فِي الدُّرِّ الْمَنْثُورِ لِلْأَسْيُوطِيِّ أَنَّ   [منحة الخالق] أَلْبَتَّةَ لَكِنْ فِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ الْبَيْعِ مَا نَصُّهُ، وَفِي دَعْوَى الْحَبَلِ إنَّمَا يُصَدَّقُ فِي رِوَايَةٍ إذَا كَانَ مِنْ حِينِ شِرَاهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ وَإِنْ أَقَلُّ لَا، وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ يُسْمَعُ دَعْوَى الْحَبَلِ بَعْدَ شَهْرَيْنِ وَخَمْسَةِ أَيَّامٍ وَعَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ اهـ. (قَوْلُهُ وَفِي الصُّغْرَى وَاعْتِبَارُ الشُّهُورِ فِي الْعِدَّةِ بِالْأَيَّامِ إلَخْ) هَذَا إذَا أَوْقَعَ الطَّلَاقَ فِي أَثْنَاءِ الشَّهْرِ أَمَّا فِي أَوَّلِهِ فَبِالْأَهِلَّةِ اتِّفَاقًا كَمَا فِي الْفَتْحِ ثُمَّ مَا فِي الصُّغْرَى مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْفَتْحِ مِنْ أَنَّهُ إذَا أَوْقَعَ فِي أَثْنَاءِ الشَّهْرِ اُعْتُبِرَ كُلُّهَا بِالْأَيَّامِ فَلَا تَنْقَضِي إلَّا بِتِسْعِينَ يَوْمًا عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَكْمُلُ الْأَوَّلُ ثَلَاثِينَ مِنْ الشَّهْرِ الْأَخِيرِ وَالشَّهْرَانِ الْمُتَوَسِّطَانِ بِالْأَهِلَّةِ اهـ. وَسَيَذْكُرُهُ الْمُؤَلِّفُ عَنْ الْمُحِيطِ. (قَوْلُهُ وَمِنْ الْغَرِيبِ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ إلَخْ) عِبَارَتُهَا وَعِنْدَ مَالِكٍ مُدَّةُ الْآيِسَةِ تِسْعَةُ أَشْهُرٍ سِتَّةُ أَشْهُرٍ لِاسْتِبْرَاءِ الرَّحِمِ وَثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ لِلْعِدَّةِ قَالَ الْعَلَّامَةُ إلَخْ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ وَرَقَةٍ وَعَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا وَمَضَى عَلَيْهَا نِصْفُ عَامٍ وَلَمْ تُرَدَّ مَا يَحْكُمُ بِإِيَاسِهَا حَتَّى تَمْضِيَ عِدَّتُهَا بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِثْلُهُ فَعَلَى هَذَا فِي مُمْتَدَّةِ الطُّهْرِ قَبْلَ بُلُوغِهَا إلَى الْإِيَاسِ فَاعْتَدَّتْ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ بَعْدَ مُضِيِّ نِصْفِ سَنَةٍ وَقَضَى الْقَاضِي جَازَ؛ لِأَنَّهُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ وَيُحْفَظُ هَذَا لِكَثْرَةِ وُقُوعِهِ اهـ. وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ قَوْلَهُ سَابِقًا مُدَّةُ الْآيِسَةِ الْمُرَادُ بِهَا مُمْتَدَّةُ الطُّهْرِ لَا مَنْ بَلَغَتْ سِنَّ الْإِيَاسِ وَإِلَّا فَهِيَ تَعْتَدُّ بِالْأَشْهُرِ بِالنَّصِّ. (قَوْلُهُ نَعَمْ لَوْ قَضَى بِهِ مَالِكِيٌّ نَفَذَ) الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْ عِبَارَةِ الْبَزَّازِيَّةِ الَّتِي نَقَلْنَاهَا لِتَعْلِيلِهِ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ ثُمَّ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ بَعْدَ هَذِهِ الْعِبَارَةِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ لَا يُفْهَمُ مَعَهُ الْمَقْصُودُ وَبَعْضُهَا عَلَى التَّرْتِيبِ فَلْتُصَحَّحْ النُّسَخُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 142 السَّائِلَ عَنْ الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ أَعْنِي عَنْ الْكُبْرَى وَالصُّغْرَى وَالْحَامِلِ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَأُخْرِجَ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْله تَعَالَى {إِنِ ارْتَبْتُمْ} [الطلاق: 4] إنْ لَمْ تَعْلَمُوا الْحَيْضَ أَمْ لَا فَإِنْ قُلْت لِمَ لَمْ يُكْتَفَ بِقَوْلِهِ {وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: 4] عَمَّا قَبْلَهَا قُلْت الْآيِسَةُ يَصْدُقُ عَلَيْهَا أَنَّهَا حَاضَتْ فَلَمْ تَدْخُلْ تَحْتَ قَوْلِهِ {وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: 4] ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى لَا حَيْضَ لَهُنَّ أَصْلًا إمَّا لِلصِّغَرِ أَوْ بَلَغَتْ وَلَمْ تَحِضْ فَلِذَا أَفْرَدَهَا. (قَوْلُهُ وَلِلْمَوْتِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ) أَيْ: عِدَّةُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا بَعْدَ نِكَاحٍ صَحِيحٍ إذَا كَانَتْ حُرَّةً أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرَةُ أَيَّامٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234] أَيْ عَشْرَةَ أَيَّامٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ إذَا ذَكَرَ عَدَدَ الْأَيَّامِ أَوْ اللَّيَالِيِ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ مَا بِإِزَائِهِ مِنْ الْآخَرِ وَبِهِ انْدَفَعَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ إنَّ الْعِدَّةَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرُ لَيَالٍ أَخْذًا مِنْ تَذْكِيرِ الْعَدَدِ أَعْنِي الْعَشْرَ فِي الْكِتَابِ كَمَا سَمِعْت، وَفِي السُّنَّةِ فِي حَدِيثِ «لَا حِدَادَ إلَّا عَلَى زَوْجِهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا» . وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَوْزَاعِيَّ يَقُولُ بِتِسْعَةِ أَيَّامٍ وَعَشْرِ لَيَالٍ حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَتْ فِي الْيَوْمِ الْعَاشِرِ جَازَ هَكَذَا فَرَّعَهُ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ عَلَى قَوْلِ الْأَوْزَاعِيِّ وَتَبِعَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ لَكِنْ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ حُكِيَ عَنْ الْفَضْلِيِّ كَقَوْلِ الْأَوْزَاعِيِّ فَقَالَ وَحُكِيَ عَنْ الشَّيْخِ الْإِمَامِ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ أَنَّهُ قَالَ تَعْتَدُّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرَ لَيَالٍ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ الْعَشْرَ مُذَكَّرًا وَجَمَعَ اللَّيَالِيَ بِذِكْرِ لَفْظِ التَّذْكِيرِ وَجَمَعَ الْأَيَّامَ بِلَفْظِ التَّأْنِيثِ فَعَلَى قَوْلِهِ تَزِيدُ الْعِدَّةُ بِلَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهَذَا أَقْرَبُ إلَى الِاحْتِيَاطِ اهـ. فَظَاهِرُهُ أَنَّ مَنْ اعْتَبَرَ اللَّيَالِيَ إنَّمَا زَادَ لَا أَنَّهُ نَقَصَ فَإِذَا تَزَوَّجَتْ فِي الْيَوْمِ الْعَاشِرِ لَمْ يَجُزْ اتِّفَاقًا وَإِنَّمَا يَظْهَرُ الِاخْتِلَافُ فِيمَا إذَا مَاتَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَتَرَبَّصَتْ الْأَهِلَّةَ الْأَرْبَعَةَ فَإِنَّ عِدَّتَهَا لَا تَنْقَضِي بِمُضِيِّ الْيَوْمِ الْعَاشِرِ مِنْ الْخَامِسِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ مُضِيِّ اللَّيْلَةِ الَّتِي بَعْدَ الْعَاشِرِ عَلَى قَوْلِ الْفَضْلِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَعَلَى قَوْلِ الْعَامَّةِ تَنْقَضِي بِغُرُوبِ الشَّمْسِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْأَوَّلَ أَحْوَطُ، وَفِي الْمُجْتَبَى أَنَّ الْعَشْرَ عَشَرَةُ أَيَّامٍ وَعَشْرُ لَيَالٍ مِنْ الشَّهْرِ الْخَامِسِ عِنْدَنَا وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ عَشْرُ لَيَالٍ وَتِسْعَةُ أَيَّامٍ اهـ. وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ أَنَّ الْعَدَدَ إنَّمَا يَكُونُ عَكْسَ الْمَعْدُودِ تَذْكِيرًا وَتَأْنِيثًا حَيْثُ كَانَ الْمَعْدُودُ مَذْكُورًا، وَأَمَّا إذَا كَانَ مَحْذُوفًا فَإِنَّهُ يَجُوزُ تَرْكُ التَّاءِ فِي الْعَدَدِ الَّذِي مَعْدُودُهُ مُذَكَّرٌ كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَأَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ» كَذَا فِي بَعْضِ شُرُوحِ الْأَلْفِيَّةِ وَذَكَرَهُ الْكَرْمَانِيُّ فِي شَرْحِ حَدِيثِ «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ» وَالنُّكْتَةُ فِي عَدَمِ الْإِتْيَانِ بِالتَّاءِ مَا ذَكَرَهُ الرَّازِيّ أَنَّ هَذِهِ أَيَّامُ الْحُزْنِ   [منحة الخالق] [عِدَّةُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا] (قَوْلُهُ أَيْ عَشْرَةَ أَيَّامٍ) يَعْنِي أَنَّ تَمْيِيزَ عَشْرًا هُوَ الْأَيَّامُ لَا اللَّيَالِي لَكِنَّ بِنَاءَ ذَلِكَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ الْمُقَدَّرَ فِي الْآيَةِ اللَّيَالِي لَا الْأَيَّامُ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْفَتْحِ فِي الْجَوَابِ عَنْ كَلَامِ الْأَوْزَاعِيِّ قُلْنَا: الِاسْتِعْمَالُ فِي مِثْلِهِ أَنَّ بِذِكْرِ عِدَّةِ اللَّيَالِيِ يَدْخُلُ مَا بِإِزَائِهَا مِنْ الْأَيَّامِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي التَّارِيخِ حَيْثُ يُكْتَبُ بِاللَّيَالِيِ فَيُقَالُ لِسَبْعٍ خَلَوْنَ مَثَلًا وَيُرَادُ كَوْنُ عِدَّةِ الْأَيَّامِ كَذَلِكَ اهـ. فَهَذَا كَمَا تَرَى مَبْنِيٌّ عَلَى تَسْلِيمِ كَوْنِ الْمُقَدَّرِ اللَّيَالِيَ لَا الْأَيَّامَ وَمَا فِي النَّهْرِ مِنْ قَوْلِهِ وَتَأْنِيثُ الْعَشَرَةِ بِاعْتِبَارِ اللَّيَالِي لَعَلَّ صَوَابَهُ وَتَذْكِيرُ الْعَشْرِ تَأَمَّلْ، ثُمَّ هَذَا إنَّمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ بِنَاءً عَلَى مَا هُوَ الْقِيَاسُ وَإِلَّا فَلَا يَجِبُ عَدَمُ الْمُطَابَقَةِ حَيْثُ كَانَ الْمَعْدُودُ مَحْذُوفًا كَمَا سَيَأْتِي. (قَوْلُهُ فَظَاهِرُهُ أَنَّ مَنْ اعْتَبَرَ اللَّيَالِيَ إلَخْ) أَيْ: ظَاهِرُ قَوْلِ الْخَانِيَّةِ فَعَلَى قَوْلِهِ تَزِيدُ الْعِدَّةُ بِلَيْلَةٍ وَجَعْلُهُ إيَّاهُ الِاحْتِيَاطَ لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا إنَّمَا يَظْهَرُ فِيمَا صَوَّرَهُ الْمُؤَلِّفُ بِمَا إذَا مَاتَ قُبَيْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَمَّا لَوْ فَرَضْنَا مَوْتَهُ بَعْدَ الْغُرُوبِ وَتَرَبَّصَتْ الْأَهِلَّةَ الْأَرْبَعَةَ فَإِنَّ عِدَّتَهَا تَنْقَضِي بِمُضِيِّ اللَّيْلَةِ الْعَاشِرَةِ مِنْ الشَّهْرِ الْخَامِسِ بِنَاءً عَلَى اعْتِبَارِ اللَّيَالِيِ أَمَّا عَلَى اعْتِبَارِ الْأَيَّامِ فَلَا بُدَّ مِنْ مُضِيِّ الْيَوْمِ الْعَاشِرِ فَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْقَوْلَ بِاعْتِبَارِ اللَّيَالِي تَارَةً تَزِيدُ فِيهِ الْعِدَّةُ بِلَيْلَةٍ وَتَارَةً تَنْقُصُ بِيَوْمٍ وَكَانَ مُرَادُ الْخَانِيَّةِ بِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الِاحْتِيَاطِ فِي صُورَةِ الزِّيَادَةِ فَقَطْ وَأَنَّ الِاحْتِيَاطَ فِي الْمَشْهُورِ فِي غَيْرِهَا ثُمَّ رَأَيْت فِي الْقُهُسْتَانِيِّ مَا نَصُّهُ وَالْأَوَّلُ أَحْوَطُ لِزِيَادَةِ لَيْلَةٍ كَمَا فِي النَّظْمِ وَغَيْرِهِ لَكِنَّ زِيَادَتَهَا مَحَلُّ تَأَمُّلٍ اهـ. وَكَانَ مُرَادُهُ بِالتَّأَمُّلِ مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ الزِّيَادَةَ غَيْرُ مُطَّرِدَةٍ. (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ تَرْكُ التَّاءِ فِي الْعَدَدِ إلَخْ) اُقْتُصِرَ عَلَى تَرْكِ التَّاءِ لِكَوْنِ مَا نَحْنُ فِيهِ كَذَلِكَ وَإِلَّا فَكَذَلِكَ يَجُوزُ إثْبَاتُهَا فِي الْعَدَدِ الَّذِي مَعْدُودُهُ مُؤَنَّثٌ قَالَ الشَّمْسُ مُحَمَّدٌ الدَّاوُدِيُّ فِي حَوَاشِي ابْنِ عَقِيلٍ وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُسْتَاذَ الصَّفَوِيَّ نَقَلَ فِي شَرْحِ كَافِيَةِ ابْنِ الْحَاجِبِ عَنْ الْإِمَامِ النَّوَوِيِّ أَنَّهُ نَقَلَ عَنْ الْعُلَمَاءِ أَيْضًا أَنَّ زِيَادَةَ التَّاءِ لِلْمُذَكَّرِ وَتَرْكَهَا لِلْمُؤَنَّثِ إنَّمَا يَجِبُ إذَا كَانَ الْمُمَيِّزُ مَذْكُورًا بَعْدَ اسْمِ الْعَدَدِ، وَأَمَّا إذَا حُذِفَ أَوْ قُدِّمَ وَجُعِلَ اسْمُ الْعَدَدِ صِفَةً فَيَجُوزُ حِينَئِذٍ فِي اسْمِ الْعَدَدِ إلْحَاقُ التَّاءِ وَحَذْفُهَا مَعَ كُلٍّ مِنْ الْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ وَقَالَ الصَّفَوِيَّ: فَاحْفَظْهَا فَإِنَّهَا عَزِيزَةٌ وَخَرَّجَ عَلَيْهَا الشَّنَوَانِيُّ فِي حَوَاشِي الْآجُرُّومِيَّةِ قَوْلَ مُؤَلِّفِهَا وَالْمُضَارِعُ مَا كَانَ فِي أَوَّلِهِ إحْدَى الزَّوَائِدِ الْأَرْبَعِ وَالزَّوَائِدُ جَمْعُ زَائِدَةٍ فَكَانَ الْقِيَاسُ أَحَدَ الزَّوَائِدِ وَالْعَلَّامَةُ الْغُنَيْمِيُّ قَوْلَ الْهِدَايَةِ فَرَائِضُ الصَّلَاةِ سِتَّةٌ وَإِلَّا فَلَا مَحَلَّ لِقَوْلِ الْأَكْمَلِ الْقِيَاسُ أَنْ يَقُولَ سِتٌّ؛ لِأَنَّ الْفَرَائِضَ جَمْعُ فَرِيضَةٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 143 وَالْمَكْرُوهِ وَمِثْلُ هَذِهِ الْأَيَّامِ تُسَمَّى بِاللَّيَالِيِ اسْتِعَارَةً كَقَوْلِهِمْ خَرَجْنَا لَيَالِيَ الْفِتْنَةِ وَتَمَامُهُ فِيهِ، وَفِي الْمُحِيطِ إذَا اتَّفَقَ عِدَّةُ الطَّلَاقِ وَالْمَوْتِ فِي غُرَّةِ الشَّهْرِ اُعْتُبِرَتْ الشُّهُورُ بِالْأَهِلَّةِ وَإِنْ أُنْقِصَتْ عَنْ الْعَدَدِ وَإِنْ اتَّفَقَ فِي وَسَطِ الشَّهْرِ فَعِنْدَ الْإِمَامِ تُعْتَبَرُ بِالْأَيَّامِ فَتَعْتَدُّ فِي الطَّلَاقِ بِتِسْعِينَ يَوْمًا، وَفِي الْوَفَاةِ بِمِائَةٍ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا وَعِنْدَهُمَا يَكْمُلُ الْأَوَّلُ مِنْ الْأَخِيرِ وَمَا بَيْنَهُمَا بِالْأَهِلَّةِ وَمُدَّةُ الْإِيلَاءِ وَالْيَمِينِ أَنْ لَا يُكَلِّمَ فُلَانًا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَالْإِجَارَةُ سَنَةٌ فِي وَسْطِ الشَّهْرِ وَسِنُّ الرَّجُلِ مَتَى وُلِدَ فِي أَثْنَائِهِ وَصَوْمُ الْكَفَّارَةِ إذَا شُرِعَ فِيهِ مِنْ وَسْطِ الشَّهْرِ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ اهـ. وَقَدَّمْنَا عَنْ الْمُجْتَبَى تَأْجِيلَ الْعِنِّينِ إذَا كَانَ فِي أَثْنَاءِ الشَّهْرِ فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ بِالْأَيَّامِ إجْمَاعًا وَيُسْتَثْنَى أَيْضًا مِنْ الْخِلَافِ لَوْ طَلَّقَ الْحَامِلَ فِي وَسْطِ الشَّهْرِ فَإِنَّهُ يَفْصِلُ بَيْنَ كُلِّ طَلَاقَيْنِ بِثَلَاثِينَ يَوْمًا فَإِذَا طَلَّقَهَا الثَّالِثَةَ فَقَدْ بَانَتْ مِنْهُ بِثَلَاثٍ وَبَقِيَ مِنْ عِدَّتِهَا ثَلَاثُونَ يَوْمًا وَهُوَ قَوْلُ الْكُلِّ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُمَا تَعَذَّرَ اعْتِبَارُ الْأَهِلَّةِ فِي جَمِيعِ الْعِدَّةِ لِأَنَّا لَوْ اعْتَبَرْنَا الشَّهْرَ الثَّانِيَ وَالثَّالِثَ بِالْهِلَالِ فِي حَقِّ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَرُبَّمَا يَنْقُصَانِ يَوْمَيْنِ فَمَتَى اعْتَبَرْنَا الْفَاصِلَ بَيْنَ الطَّلَاقَيْنِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا يَبْقَى بَعْدَ الطَّلْقَةِ الثَّالِثَةِ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا وَذَلِكَ أَقَلُّ مِنْ شَهْرٍ وَلَا يَجُوزُ انْقِضَاءُ الْعِدَّةِ بِهِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَفِي الصُّغْرَى وَاعْتِبَارُ الْعِدَّةِ بِالْأَيَّامِ إجْمَاعًا إنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْإِجَارَةِ اهـ. وَنَقَلَهُ عَنْهَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة، وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة امْرَأَةُ الْغَائِبِ إذَا أَخْبَرَهَا رَجُلٌ بِمَوْتِ زَوْجِهَا وَأَخْبَرَهَا رَجُلَانِ بِحَيَاتِهِ فَإِنْ كَانَ الَّذِي أَخْبَرَ بِمَوْتِهِ شَهِدَ أَنَّهُ عَايَنَ مَوْتَهُ أَوْ جِنَازَتَهُ وَكَانَ عَدْلًا وَسِعَهَا أَنْ تَعْتَدَّ وَتَتَزَوَّجَ هَذَا إذَا لَمْ يُؤَرِّخَا فَإِنْ أَرَّخَا وَتَارِيخُ شُهُودِ الْحَيَاةِ مُتَأَخِّرٌ فَشَهَادَتُهُمَا أَوْلَى، وَفِي النَّسَفِيَّةِ سُئِلَ عَنْ امْرَأَةٍ لَهَا زَوْجٌ غَائِبٌ أَخْبَرَهَا رَجُلٌ بِمَوْتِهِ فَاعْتَدَّتْ وَتَزَوَّجَتْ وَدَخَلَ بِهَا فَجَاءَ آخَرُ وَأَخْبَرَهَا أَنَّهُ حَيٌّ فِي بَلَدِ كَذَا وَأَنَا رَأَيْتُهُ فَهَلْ يَحِلُّ لَهَا الْمَقَامُ مَعَ الثَّانِي؟ فَقَالَ: إنْ كَانَتْ صَدَّقَتْ الْمُخْبِرَ الْأَوَّلَ لَا يُمْكِنُهَا أَنْ تُصَدِّقَ الْمُخْبِرَ الثَّانِيَ وَلَا يَبْطُلُ النِّكَاحُ الثَّانِي وَلَهُمَا أَنْ يَقِرَّا عَلَى ذَلِكَ النِّكَاحِ، وَفِي شَهَادَاتِ الْبَزَّازِيَّةِ قَالَ رَجُلٌ لِامْرَأَةٍ سَمِعْت أَنَّ زَوْجَك مَاتَ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ إنْ كَانَ الْمُخْبِرُ عَدْلًا فَإِنْ تَزَوَّجَتْ آخَرَ وَأَخْبَرَهَا جَمَاعَةٌ بِأَنَّهُ حَيٌّ إنْ صَدَّقَتْ الْأَوَّلَ صَحَّ النِّكَاحُ كَذَا فِي فَتَاوَى النَّسَفِيِّ، وَفِي الْمُنْتَقَى شُرِطَ عَدَالَةُ الْمُخْبِرِ وَلَا يُشْتَرَطُ تَصْدِيقُهَا، وَفِي النَّوَازِلِ لَوْ عَدْلًا لَكِنْ أَعْمَى أَوْ مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ جَازَ. وَلَوْ شَهِدَ عِنْدَهَا عَدْلٌ أَنَّ زَوْجَهَا ارْتَدَّ هَلْ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ لِلسِّيَرِ لَا يَجُوزُ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَجُوزُ وَأُطْلِقَ فِي عِدَّةِ الْحُرَّةِ لِلْمَوْتِ فَشَمِلَ الْمُسْلِمَةَ وَالْكِتَابِيَّةَ تَحْتَ الْمُسْلِمِ صَغِيرَةً كَانَتْ أَوْ كَبِيرَةً أَوْ آيِسَةً سَوَاءٌ كَانَ زَوْجُهَا حُرًّا أَوْ عَبْدًا قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ وَلَمْ يَخْرُجْ عَنْهَا إلَّا الْحَامِلُ فَإِنَّهَا تَعْتَدُّ بِالْوَضْعِ فِي الْوَفَاةِ أَيْضًا وَلِذَا أَخَّرَ عِدَّةَ الْحَامِلِ عَنْ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّهَا بَاقِيَةٌ عَلَى عُمُومِهَا كَمَا سَتَرَى، وَفِي الْبَدَائِعِ أَنَّ سَبَبَهَا الْمَوْتُ وَشَرْطُ وُجُوبِهَا النِّكَاحُ الصَّحِيحُ فَلَا تَجِبُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ اهـ. وَسَيَأْتِي أَنَّ مَبْدَأَهَا مِنْ وَقْتِ الْوَفَاةِ لَا مِنْ وَقْتِ الْعِلْمِ بِهَا وَلَا بُدَّ مِنْ بَقَاءِ النِّكَاحِ صَحِيحًا إلَى الْمَوْتِ فَلَوْ فَسَدَ قَبْلَهُ لَمْ تَجِبْ عِدَّةُ الْوَفَاةِ وَلِهَذَا قَدَّمْنَا أَنَّ الْمُكَاتَبَ لَوْ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ ثُمَّ مَاتَ عَنْ وَفَاءٍ لَمْ تَجِبْ عِدَّةُ الْوَفَاةِ فَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَلَا عِدَّةَ أَصْلًا وَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَوَلَدَتْ مِنْهُ صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ فَعِدَّتُهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ وَلَدَتْ مِنْهُ فَعَلَيْهَا أَنْ تَعْتَدَّ بِحَيْضَتَيْنِ لِفَسَادِ النِّكَاحِ قَبْلَ الْمَوْتِ وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً تَعْتَدُّ بِشَهْرَيْنِ وَخَمْسَةِ أَيَّامٍ عِدَّةَ الْوَفَاةِ؛ لِأَنَّهُمَا مَمْلُوكَانِ لِلْمَوْلَى كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَلَكِنْ ذُكِرَ فِي الْمُحِيطِ أَنَّهَا إذَا وَلَدَتْ مِنْهُ وَقُلْنَا عِدَّتُهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ تَحِدُّ فِي الْأُولَيَيْنِ دُونَ الثَّالِثَةِ، وَلَوْ تَزَوَّجَ الْمُكَاتَبُ بِنْتَ مَوْلَاهُ فَإِنْ مَاتَ عَنْ وَفَاءٍ فَعِدَّتُهَا عِدَّةُ الْحُرَّةِ عَنْ وَفَاةٍ دَخَلَ بِهَا أَمْ لَا وَإِلَّا لَمْ تَعْتَدَّ لِلْوَفَاةِ فَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ فَلَا عِدَّةَ وَإِنْ دَخَلَ بِهَا تَعْتَدُّ بِثَلَاثِ حِيَضٍ. (قَوْلُهُ وَلِلْأَمَةِ قُرْآنِ وَنِصْفُ الْمُقَدَّرِ) أَيْ: وَعِدَّةُ الْأَمَةِ حَيْضَتَانِ فِي الطَّلَاقِ بَعْدَ الدُّخُولِ إنْ كَانَتْ مِمَّنْ تَحِيضُ وَإِلَّا فَشَهْرٌ وَنِصْفٌ فِي الطَّلَاقِ وَشَهْرَانِ وَخَمْسَةُ أَيَّامٍ فِي   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ لَوْ طَلَّقَ الْحَامِلَ فِي وَسَطِ الشَّهْرِ) كَذَا فِي النُّسَخِ وَلَعَلَّهُ الْحَائِلَ بِالْهَمْزِ وَالْمُرَادُ بِهَا الْآيِسَةُ؛ لِأَنَّ ذَاتَ الْحَمْلِ عِدَّتُهَا وَضْعُهُ فِي الطَّلَاقِ وَالْمَوْتِ كَمَا سَيَأْتِي تَأَمَّلْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 144 الْوَفَاةِ أَطْلَقَهَا فَشَمِلَ الْقِنَّةَ وَأُمَّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرَةَ وَالْمُكَاتَبَةَ وَالْمُسْتَسْعَاةَ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ سَوَاءٌ كَانَتْ مُعْتَقَةَ الْبَعْضِ أَوْ لَا كَالْمُعْتَقَةِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ إذَا كَانَتْ لَا تَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ وَالْمُدَبَّرَةِ بَعْدَ مَوْتِ مَوْلَاهَا فِي زَمَنِ السِّعَايَةِ فَإِنَّ الْمُسْتَسْعَى كَالْمُكَاتَبِ عِنْدَهُ وَحُرٍّ مَدْيُونٍ عِنْدَهُمَا وَلَا بُدَّ مِنْ قَيْدِ الدُّخُولِ فِي الْأَمَةِ إلَّا فِي الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الرِّقَّ مُنَصِّفٌ نِعْمَةً وَعُقُوبَةً لَكِنْ فِي الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالطَّهَارَةِ هُمَا سَوَاءٌ، وَفِي صَوْمِ الْكَفَّارَاتِ هُمَا سَوَاءٌ، وَفِي أَجَلِ الْعِنِّينِ هُمَا سَوَاءٌ بِخِلَافِ إيلَاءِ الْأَمَةِ فَإِنَّهَا عَلَى النِّصْفِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَفِي الْحُدُودِ عَلَى النِّصْفِ، وَفِي النِّكَاحِ عَلَى النِّصْفِ، وَفِي الطَّلَاقِ عَلَى النِّصْفِ وَاعْتِبَارُهُ بِالْمَرْأَةِ، وَفِي الْقِصَاصِ هُمَا سَوَاءٌ بِخِلَافِ الْأَطْرَافِ فَهُوَ مُنَصِّفٌ إلَّا فِي الْعِبَادَاتِ وَمَا فِيهِ مَعْنَى الْعِبَادَةِ وَالْإِيلَاءِ وَالْقِصَاصِ. وَدَلِيلُ التَّنْصِيفِ فِي عِدَّةِ الْأَمَةِ الْحَدِيثُ «وَعِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ» وَأُورِدَ عَلَيْهِ فِي الْكَافِي أَنَّهُ مُعَارَضٌ بِعُمُومِ الْقَطْعِيِّ وَتَخْصِيصُ الْعَامِّ ابْتِدَاءً لَا يَجُوزُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسِ وَلِهَذَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْأَصَمُّ بِأَنَّ عِدَّتَهَا ثَلَاثَةُ أَقْرَاءٍ وَأَجَابَ عَنْهُ بِأَنَّهُ مِنْ الْمَشَاهِيرِ تَلَقَّتْهُ الْأُمَّةُ بِالْقَبُولِ أَوْ لِأَنَّ الْآيَةَ إنَّمَا هِيَ فِي الْحَرَائِرِ بِدَلِيلِ السِّيَاقِ {مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ} [البقرة: 229] {حَتَّى تَنْكِحَ} [البقرة: 230] {فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] ، وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ تُوُفِّيَ عَنْ امْرَأَةٍ وَهِيَ مَمْلُوكَةٌ وَاعْتَدَّتْ بِشَهْرَيْنِ وَخَمْسَةِ أَيَّامٍ وَأَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا ثُمَّ وَلَدَتْ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ الْإِقْرَارِ لَمْ يَلْزَمْ الزَّوْجَ وَإِنْ لَمْ تُقِرَّ لَزِمَهُ الْوَلَدُ إلَى سَنَتَيْنِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ امْرَأَةٌ قَالَتْ فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ: لَسْت بِحَامِلٍ، ثُمَّ قَالَتْ مِنْ الْغَدِ: أَنَا حَامِلٌ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا، وَإِنْ قَالَتْ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشَرَةِ أَيَّامٍ: لَسْتُ بِحَامِلٍ، ثُمَّ قَالَتْ: أَنَا حَامِلٌ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا وَسَيَأْتِي فِي آخِرِ الْبَابِ. (قَوْلُهُ وَلِلْحَامِلِ وَضْعُهُ) أَيْ: وَعِدَّةُ الْحَامِلِ وَضْعُ الْحَمْلِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] أَطْلَقَهَا فَشَمِلَ الْحُرَّةَ وَالْأَمَةَ الْمُسْلِمَةَ وَالْكِتَابِيَّةَ مُطَلَّقَةً أَوْ مُتَارَكَةً فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ أَوْ وَطْءٍ بِشُبْهَةٍ وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا لِإِطْلَاقِ الْآيَةِ وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَنْ شَاءَ بَاهَلْتُهُ أَنَّ سُورَةَ النِّسَاءِ الْقُصْرَى نَزَلَتْ بَعْدَ الَّتِي فِي الْبَقَرَةِ يُرِيدُ بِالْقُصْرَى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} [الطلاق: 1] وَبِالطُّولَى {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ} [البقرة: 234] الْآيَةَ وَالْمُبَاهَلَةُ الْمُلَاعَنَةُ، وَفِي رِوَايَةِ مَنْ شَاءَ لَاعَنَتْهُ، وَفِي رِوَايَةٍ حَالَفَتْهُ وَكَانُوا إذَا اخْتَلَفُوا فِي أَمْرٍ يَقُولُونَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِ مِنَّا قَالُوا وَهِيَ مَشْرُوعَةٌ فِي زَمَانِنَا كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَفَتْحِ الْقَدِيرِ. وَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَوْ وَضَعَتْ وَزَوْجُهَا عَلَى سَرِيرِهِ لَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَيَحِلُّ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ وَعَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - تَعْتَدُّ الْحَامِلُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا بِأَبْعَدِ الْأَجَلَيْنِ يَعْنِي لَا بُدَّ مِنْ وَضْعِ الْحَمْلِ وَمُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ هَذَا مَعْنَى أَبْعَدِ الْأَجَلَيْنِ وَفِي التَّفْسِيرِ الْكَبِيرِ لِلْإِمَامِ الرَّازِيّ أَنَّ الشَّافِعِيَّ لَمْ يَقُلْ إنَّ آيَةَ الْقُصْرَى مُخَصِّصَةٌ لِآيَةِ الطُّولَى لِوَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ أَعَمُّ مِنْ الْأُخْرَى مِنْ وَجْهٍ وَأَخَصُّ مِنْهَا مِنْ وَجْهٍ فَإِنَّ الْحَامِلَ قَدْ يُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا وَقَدْ لَا يُتَوَفَّى وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا قَدْ تَكُونُ حَامِلًا وَقَدْ لَا تَكُونُ فَامْتَنَعَ أَنْ تَكُونَ إحْدَاهُمَا مُخَصِّصَةً لِلْأُخْرَى الثَّانِي أَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ} [الطلاق: 4] إنَّمَا وَرَدَ بَعْدَ ذِكْرِ الْمُطَلَّقَاتِ فَرُبَّمَا كَانَتْ فِي الْمُطَلَّقَةِ فَلِهَذَيْنِ السَّبَبَيْنِ لَمْ يُعَوِّلْ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى الْقُرْآنِ وَإِنَّمَا عَوَّلَ عَلَى السُّنَّةِ وَهُوَ حَدِيثُ سُبَيْعَةَ الْأَسْلَمِيَّةِ اهـ. وَحَاصِلُ مَا فِي التَّلْوِيحِ أَنَّهُمَا مُتَعَارِضَانِ فِي حَقِّ الْحَامِلِ وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا فَعَلَى رَأْيِ عَلِيٍّ مِنْ عَدَمِ مَعْرِفَةِ التَّارِيخِ يَثْبُتُ حُكْمُ التَّعَارُضِ بِقَدْرِ مَا تَعَارَضَا فِيهِ فَرَجَعْنَا إلَى السُّنَّةِ وَعَلَى رَأْيِ ابْنِ مَسْعُودٍ الْقَائِلِ بِتَأَخُّرِ الْقُصْرَى كَانَتْ الْقُصْرَى نَاسِخَةً لِلطُّولَى فِيمَا تَعَارَضَا فِيهِ وَهِيَ الْحَامِلُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا فَقَطْ اهـ. مَا فِي التَّلْوِيحِ هُنَا وَلَيْسَ مَعْنَاهُ كَمَا قُلْنَاهُ فِي زَوْجَةِ الْفَارِّ وَقَدْ سَهَا صَاحِبُ الْمِعْرَاجِ فَفَسَّرَ أَبْعَدَ الْأَجَلَيْنِ الْمَرْوِيَّ عَنْ   [منحة الخالق] [عِدَّةُ الْأَمَةِ] (قَوْلُهُ إلَّا فِي الْعِبَادَاتِ) أَيْ: فَهُوَ غَيْرُ مُنْصِفٍ بَلْ هُمَا فِيهَا سَوَاءٌ، وَكَذَا مَا فِيهِ مَعْنَى الْعِبَادَةِ كَالْكَفَّارَاتِ، وَقَوْلُهُ وَالْإِيلَاءِ وَالْقِصَاصِ مَعْطُوفٌ عَلَى الْعِبَادَاتِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذِكْرَ الْإِيلَاءِ سَبْقُ قَلَمٍ لِعَدَمِ اسْتِوَائِهِمَا فِيهِ كَمَا ذَكَرَهُ آنِفًا فَالصَّوَابُ إبْدَالُهُ بِأَجَلِ الْعِنِّينِ تَأَمَّلْ. [عِدَّةُ الْحَامِلِ] (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلِلْحَامِلِ وَضْعُهُ) قَالَ فِي النَّهْرِ فَرْعٌ لَوْ مَاتَ الْحَمْلُ فِي بَطْنِهَا وَمَكَثَ مُدَّةً بِمَاذَا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا لَمْ أَرَ الْمَسْأَلَةَ وَيَنْبَغِي أَنْ تَبْقَى مُعْتَدَّةً إلَى أَنْ يَنْزِلَ أَوْ تَبْلُغَ مُدَّةَ الْإِيَاسِ اهـ. قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ قَوْلُهُ أَوْ تَبْلُغَ مُدَّةَ الْإِيَاسِ فِيهِ أَنَّهُ مُنَافٍ لِلْآيَةِ فَتَأَمَّلْ اهـ. وَفِي حَاشِيَةِ الرَّمْلِيِّ نَقْلًا عَنْ كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ لَا تَنْقَضِي مَعَ وُجُودِهِ لِعُمُومِ الْآيَةِ قَالَ وَلَا مُبَالَاةَ بِتَضَرُّرِهَا بِذَلِكَ كَمَا فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ لِلرَّمْلِيِّ، وَفِي حَاشِيَةِ الْمَنْهَجِ لِابْنِ قَاسِمٍ قَالَ شَيْخُنَا الطَّبَلَاوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَفْتَى جَمَاعَةُ عَصْرِنَا بِتَوَقُّفِ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا عَلَى خُرُوجِهِ وَاَلَّذِي أَقُولُهُ عَدَمُ التَّوَقُّفِ إذَا أُيِسَ مِنْ خُرُوجِهِ لِتَضَرُّرِهَا بِمَنْعِهَا مِنْ التَّزَوُّجِ اهـ. وَلَا شَيْءَ مِنْ قَوَاعِدِ مَذْهَبِنَا يَدْفَعُ مَا قَالُوهُ فَاعْلَمْ ذَلِكَ اهـ. مُلَخَّصًا. (قَوْلُهُ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ كَمَا قُلْنَاهُ إلَخْ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ سَابِقًا هَذَا مَعْنَى أَبْعَدِ الْأَجَلَيْنِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 145 عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ فِيهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ وَنَقَلَهُ عَنْ فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَإِنَّمَا هَذَا فِي عِدَّةِ امْرَأَةِ الْفَارِّ وَإِنَّهُ لَا دَخْلَ لِلْحَيْضِ فِي عِدَّةِ الْحَامِلِ أَصْلًا وَلِهَذَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ عَنْ عَلِيٍّ تَعْتَدُّ بِأَبْعَدِ الْأَجَلَيْنِ وَهُمَا الْأَشْهُرُ وَوَضْعُ الْحَمْلِ وَهَكَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَإِنَّمَا قَالَا بِذَلِكَ لِعَدَمِ عِلْمِهِمَا بِالتَّارِيخِ فَكَانَ ذَلِكَ أَحْوَطَ وَعَامَّةُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَمَّا عَلِمُوا التَّارِيخَ قَالُوا بِوَضْعِ الْحَمْلِ لِتَأَخُّرِ آيَتِهِ قَالَ الْقَاضِي فِي تَفْسِيرِهِ وَهُوَ حُكْمٌ يَعُمُّ الْمُطَلَّقَاتِ وَالْمُتَوَفَّى عَنْهُنَّ أَزْوَاجُهُنَّ وَالْمُحَافَظَةُ عَلَى عُمُومِهِ أَوْلَى مِنْ الْمُحَافَظَةِ عَلَى عُمُومِ قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} [البقرة: 234] ؛ لِأَنَّ عُمُومَ {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ} [الطلاق: 4] بِالذَّاتِ وَعُمُومَ أَزْوَاجًا بِالْعَرَضِ وَالْحُكْمُ يَتَعَلَّلُ هَاهُنَا بِخِلَافِهِ ثَمَّ وَلِأَنَّهُ صَحَّ أَنَّ «سُبَيْعَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ وَضَعَتْ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِلَيَالٍ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ قَدْ حَلَلْتِ فَتَزَوَّجِي» وَلِأَنَّهُ مُتَأَخِّرُ النُّزُولِ فَتَقْدِيمُهُ تَخْصِيصٌ وَتَقْدِيمُ الْآخَرِ بِنَاءُ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ وَالْأَوَّلُ أَرْجَحُ لِلْوِفَاقِ عَلَيْهِ اهـ. وَفِي الدُّرِّ الْمَنْثُورِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَرْفُوعًا «نَسَخَتْ سُورَةُ النِّسَاءِ الْقُصْرَى كُلَّ عِدَّةٍ {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ} [الطلاق: 4] أَجَلُ كُلِّ حَامِلٍ مُطَلَّقَةٍ أَوْ مُتَوَفًّى عَنْهَا زَوْجُهَا أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا» وَأُخْرِجَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهَا نَزَلَتْ بَعْدَ سَبْعِ سِنِينَ وَنُقِلَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعُمَرَ وَابْنِهِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ وَالْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كَقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَمَعْنَى قَوْلِ الْقَاضِي إنَّ عُمُومَ أُولَاتُ بِالذَّاتِ أَنَّ الْمَوْصُولَ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ إنَّ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا قَالَا بِذَلِكَ) أَيْ: عَلِيٌّ وَابْنُ عَبَّاسٍ كَمَا تَقَدَّمَ نَقْلُهُ عَنْهُمَا. (قَوْلُهُ فَتَقْدِيمُهُ فِي الْعَمَلِ تَخْصِيصٌ) أَيْ: تَقْدِيمُ قَوْلِهِ {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ} [الطلاق: 4] عَلَى قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ} [البقرة: 234] وَتَرْجِيحُ الْعَمَلِ بِهِ لِلْمُحَافَظَةِ عَلَى عُمُومِهِ، وَتَرْكُ الْعَمَلِ بِهَذِهِ فِي حَقِّ مَا تَنَاوَلَاهُ يَكُونُ بِنَاءً لِلْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ، وَلَوْ قَدَّمْنَا هَذِهِ الْآيَةَ فِي الْعَمَلِ وَالْمُحَافَظَةِ عَلَى عُمُومِهَا فَهُوَ تَخْصِيصٌ لِعُمُومِ الْآيَةِ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ خَاصَّةٌ مِنْ وَجْهٍ كَمَا أَنَّ تِلْكَ خَاصَّةٌ مِنْ آخَرَ فَالْعَمَلُ بِهَذِهِ الْمُتَأَخِّرَةِ فِي مِقْدَارِ مَا تَنَاوَلَاهُ أَعْنِي الْحَامِلَ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا يَكُونُ تَخْصِيصًا لَهَا بِمَا وَرَاءَ الْحَامِلِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا وَالْخَاصُّ الْمُتَأَخِّرُ يُخَصِّصُ الْعَامَّ الْمُتَقَدِّمَ، وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِ الْمُصَنِّفِ فِي جَوَازِ تَرَاخِي الْمُخَصِّصِ وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ هُوَ يَكُونُ نَسْخًا لَا تَخْصِيصًا وَلَا مِنْ حَمْلِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ الْغَيْرِ الْمُتَّصِلِ وَتَفْصِيلُ الْمَسْأَلَةِ فِي مُفَصِّلَاتِ الْأُصُولِ فَقَوْلُهُ لِلْوِفَاقِ عَلَيْهِ فِيهِ نَظَرٌ يَنْدَفِعُ بِالتَّأَمُّلِ فِيهِ؛ لِأَنَّ مُرَادَهُ الِاتِّفَاقُ عَلَى الْعَمَلِ بِالْمُتَأَخِّرِ سَوَاءٌ قُلْنَا هُوَ مُخَصِّصٌ أَوْ نَاسِخٌ وَلَا حَاجَةَ إلَى التَّجَوُّزِ فِي التَّخْصِيصِ كَمَا قِيلَ، وَيُؤَيِّدُهُ كَمَا فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ مَا فِي الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ قَالَ لِعُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ} [البقرة: 234] إلَخْ نَسَخَتْهَا الْآيَةُ الْأُخْرَى أَفَنَكْتُبُهَا أَوْ نَدَعُهَا قَالَ يَا ابْنَ أَخِي لَا أُغَيِّرُ شَيْئًا مِنْهُ عَنْ مَكَانِهِ وَفِيهِ تَسْلِيمُ عُثْمَانَ لِلنَّسْخِ، وَتَقَدُّمِ النَّاسِخِ عَلَى الْمَنْسُوخِ فِي تَرْتِيبِ الْآيِ مِنْ النَّوَادِرِ فَتَدَبَّرْ. وَقَوْلُهُ بِنَاءُ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ يَعْنِي لَوْ قُدِّمَتْ هَذِهِ بِأَنْ عُمِلَ بِهَا كَانَ فِيهَا تَخْصِيصٌ لِقَوْلِهِ {أَزْوَاجًا} [البقرة: 234] فِي تِلْكَ بِغَيْرِ الْحَامِلَاتِ وَتَقْدِيمُ تِلْكَ فِي الْعَمَلِ بِهَا يَلْزَمُهُ بِنَاءُ الْعَامِّ وَهُوَ قَوْلُهُ {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ} [الطلاق: 4] الشَّامِلُ لِلْمُطَلَّقَاتِ وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا عَلَى الْخَاصِّ وَهُوَ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا وَالْمُرَادُ بِالْبِنَاءِ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ هُنَا أَنْ يُرَادَ بِالْعَامِّ الْخَاصُّ مِنْ غَيْرِ مُخَصِّصٍ لَهُ إذْ الْمُتَقَدِّمُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مُخَصِّصًا لِلْمُتَأَخِّرِ وَالْبِنَاءُ بِهَذَا الْمَعْنَى لَمْ نَرَهُ لِغَيْرِهِ فَهُوَ يَحْتَاجُ لِلتَّحْرِيرِ كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْخَفَاجِيِّ عَلَى الْبَيْضَاوِيِّ. (قَوْلُهُ وَمَعْنَى قَوْلِ الْقَاضِي إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ قَالَ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ وَكَانَ عُمُومُ الْأَوَّلِ ذَاتِيًّا؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ الْمُعَرَّفَ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ وَالثَّانِي عَرَضًا لِكَوْنِهِ وَاقِعًا فِي حَيِّزِ صِلَةِ الْعَامِّ وَإِلَّا فَالْجَمْعُ الْمُنْكَرُ لَا عُمُومَ لَهُ فِي الْمُخْتَارِ وَأَقُولُ: صَدَّرَ الْقَاضِي بِأَنَّ الْمُبْتَدَأَ مَحْذُوفٌ وَالتَّقْدِيرُ وَأَزْوَاجُ الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ، وَلَا خَفَاءَ أَنَّ الْجَمْعَ الْمُعَرَّفَ بِالْإِضَافَةِ عَامٌّ إلَّا أَنْ يُدَّعَى أَنَّ عُمُومَهُ عَرَضِيٌّ أَيْضًا بِالْإِضَافَةِ لَكِنْ بَقِيَ أَنْ يُقَالَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ ذَوَاتٌ وَدَعْوَى أَنَّ الْعُمُومَ إنَّمَا هُوَ مِنْ الْجَمْعِ الْمُعَرَّفِ مَمْنُوعَةٌ بَلْ مِنْ إضَافَةِ أُولَاتِ إلَيْهِ وَعَلَيْهِ فَيَسْتَوِي مَعَ آيَةِ الْوَفَاةِ بِالتَّقْدِيرِ الْمُتَقَدِّمِ. وَهَذَا الْإِشْكَالُ لَمْ أَرَ مَنْ عَرَجَ عَلَيْهِ وَهُوَ قَوِيٌّ يَحْتَاجُ إلَى الْجَوَابِ وَالْحَقُّ أَنَّ مَشْيَ كَلَامِ الْقَاضِي هُنَا عَنْ أَنَّ الَّذِينَ مُبْتَدَأٌ وَالْخَبَرُ إمَّا يَتَرَبَّصْنَ أَوْ مَحْذُوفٌ أَيْ: فِيمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ حُكْمُ الَّذِينَ فَتَدَبَّرْهُ وَالْحُكْمُ مُعَلَّلٌ بِكَوْنِ الْمُعْتَدَّةِ ذَاتَ حَمْلٍ فَبَرَاءَةُ الرَّحِمِ مِنْ حَقِّ الْغَيْرِ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُبِيحًا لِلتَّزَوُّجِ بِآخَرَ وَيُتَعَقَّلُ ذَلِكَ بِخِلَافِ الْآيَةِ الْأُخْرَى حَيْثُ لَا يُعْقَلُ تَأْثِيرُ كَوْنِ الْمَرْأَةِ مُتَوَفًّى عَنْهَا زَوْجُهَا فِي تَرَبُّصِهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا وَإِنَّمَا هُوَ تَعَبُّدِيٌّ وَلِلْمُعَلَّلِ قُوَّةٌ عَلَى غَيْرِهِ لَكِنْ قَدَّمْنَا عَلَى الْقَاضِي مَا يُفِيدُ أَنَّهُ غَيْرُ مَعْقُولِ الْمَعْنَى أَيْضًا إلَّا أَنْ يُدَّعَى أَنَّهُ حِكْمَةٌ لَا عِلَّةٌ، وَإِذَا عُرِفَ هَذَا فَمَا فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ مَعْنَى كَوْنِ عُمُومِ أُولَاتِ بِالذَّوَاتِ وَأَزْوَاجِ بِالْعَرَضِ؛ لِأَنَّ الْمَوْصُولَ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ وَعُمُومُ أَزْوَاجًا بَدَلِيٌّ سَهْوٌ لِمَا اُشْتُهِرَ مِنْ أَنَّ أُولَاتَ لَيْسَ مَوْصُولًا بَلْ اسْمُ جَمْعٍ مُلْحَقٌ بِجَمْعِ الْمُؤَنَّثِ السَّالِمِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 146 عُمُومَ أَزْوَاجًا بِالْعَرَضِ أَنَّ عُمُومَهُ بَدَلِيٌّ لَا يَصْلُحُ لِتَنَاوُلِ جَمِيعِ الْأَزْوَاجِ فِي حَالٍ وَاحِدٍ وَمَعْنَى قَوْلِهِ إنَّ الْحُكْمَ يَتَعَلَّلُ هُنَا أَنَّ الْحُكْمَ هُنَا مُعَلَّلٌ بِوَصْفِ الْحَمْلِيَّةِ بِخِلَافِ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ وَالْأَوَّلُ أَرْجَحُ أَيْ التَّخْصِيصُ أَوْلَى مِنْ النَّسْخِ؛ لِأَنَّا إذَا أَخَّرْنَا آيَةَ الْحَمْلِ عَنْ آيَةِ الْوَفَاةِ كَانَتْ مُخَصِّصَةً لِآيَةِ الْوَفَاةِ وَإِذَا قَدَّمْنَا آيَةَ الْحَمْلِ عَلَى آيَةِ الْوَفَاةِ كَانَتْ رَافِعَةً لِمَا فِي الْخَاصِّ مِنْ الْحُكْمِ وَهُوَ نَسْخٌ، وَفِي الْمِعْرَاجِ حَمَلَ أَهْلُ الْعِلْمِ آيَةَ الْبَقَرَةِ عَلَى الْحَوَامِلِ تَخْصِيصًا بِآيَةِ الْقُصْرَى وَالتَّخْصِيصُ أَوْلَى مِنْ دَعْوَى النَّسْخِ اهـ. وَفِي الْبَدَائِعِ إنْ كَانَ بَيْنَ نُزُولِ الْآيَتَيْنِ زَمَانٌ يَصْلُحُ لِلنَّسْخِ فَيُنْسَخُ الْخَاصُّ الْمُتَقَدِّمُ بِالْعَامِّ الْمُتَأَخِّرِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ مَشَايِخِنَا بِالْعِرَاقِ وَلَا يُبْنَى الْعَامُّ عَلَى الْخَاصِّ أَوْ يُعْمَلُ بِالنَّصِّ الْعَامِّ عَلَى عُمُومِهِ وَيُتَوَقَّفُ فِي حَقِّ الِاعْتِقَادِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ مَشَايِخِ سَمَرْقَنْدَ وَلَا يُبْنَى الْعَامُّ عَلَى الْخَاصِّ اهـ. وَذَكَرَ الْبِقَاعِيُّ فِي الْمُنَاسَبَاتِ لَمَّا كَانَ تَوْحِيدُ الْحَمْلِ لَا يَنْشَأُ عَنْهُ لَبْسٌ وَكَانَ الْجَمْعُ رُبَّمَا أَوْهَمَ أَنَّهَا لَا تَحِلُّ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا حَتَّى تَضَعَ جَمْعًا قَالَ {حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] اهـ. وَذَكَرَ الْفَخْرُ الرَّازِيّ أَنَّهُ قُرِئَ أَحْمَالَهُنَّ ثُمَّ قَالَ: إنَّمَا قَالَ {أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] وَلَمْ يَقُلْ أَنْ يَلِدْنَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَهُ لَانْقَضَتْ بِوِلَادَةِ أَحَدِ الْوَلَدَيْنِ اهـ. يَعْنِي وَهُوَ بَعْضُ الْحَمْلِ فَلَا تَنْقَضِي حَتَّى تَضَعَ جَمِيعَ مَا فِي الْبَطْنِ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ اسْمٌ لِجَمِيعِ مَا فِي الْبَطْنِ وَلِهَذَا قَالَ الْأُصُولِيُّونَ لَوْ قَالَ إنْ كَانَ حَمْلُكِ ذَكَرًا فَأَنْت حُرَّةٌ فَوَلَدَتْ ذَكَرًا وَأُنْثَى لَا تَعْتِقُ؛ لِأَنَّهُ اسْمٌ لِجَمِيعِ مَا فِي الْبَطْنِ كَقَوْلِهِ إنْ كَانَ مَا فِي بَطْنِك ذَكَرًا، وَفِي الْبَدَائِعِ وَشَرْطُ وُجُوبِهَا أَنْ يَكُونَ الْحَمْلُ مِنْ نِكَاحٍ صَحِيحًا كَانَ أَوْ فَاسِدًا وَلَا تَجِبُ عَلَى الْحَامِلِ مِنْ الزِّنَا؛ لِأَنَّ الزِّنَا لَا يُوجِبُ الْعِدَّةَ إلَّا أَنَّهُ إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَهِيَ حَامِلٌ مِنْ الزِّنَا جَازَ النِّكَاحُ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ لَوْ تَزَوَّجَتْ بَعْدَ الْأَشْهُرِ ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ الْمُدَّةِ ظَهَرَ فَسَادُ النِّكَاحِ وَأُلْحِقَ بِالْمَيِّتِ اهـ. فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا مَا لَمْ تَضَعْ كَيْ لَا يَكُونَ سَاقِيًا مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ فَظَهَرَ أَنَّ الْحَامِلَ مِنْ الزِّنَا لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا أَصْلًا، وَأَمَّا الْمَوْطُوءَةُ بِشُبْهَةٍ فَعِدَّتُهَا بِالْأَقْرَاءِ كَمَا سَيَأْتِي إلَّا إذَا كَانَتْ حَامِلًا فَعِدَّتُهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ كَمَا فِي تَزَوُّجِ الْحَامِلِ الَّتِي مِنْ الزِّنَا ثُمَّ طَلَّقَهَا فَوَلَدَتْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا عِنْدَهُمَا بِالْوَضْعِ، وَفِي الْبَدَائِعِ وَقَدْ تَنْقَضِي الْعِدَّةُ بِوَضْعِ الْحَمْلِ مِنْ الزِّنَا بِأَنْ تَزَوَّجَتْ الْحَامِلُ مِنْ الزِّنَا ثُمَّ طَلَّقَهَا فَوَلَدَتْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا عِنْدَهُمَا بِالْوَضْعِ، وَلَدَتْ، وَفِي بَطْنِهَا آخَرُ تَنْقَضِي الْعِدَّةُ بِوَضْعِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ اسْمٌ لِجَمِيعِ مَا فِي الْبَطْنِ وَإِذَا أَسْقَطَتْ سِقْطًا اسْتَبَانَ بَعْضُ خَلْقِهِ انْقَضَتْ بِهِ الْعِدَّةُ؛ لِأَنَّهُ وُلِدَ وَإِنْ لَمْ يَسْتَبِنْ بَعْضُ خَلْقِهِ لَمْ تَنْقَضِ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ اسْمٌ لِنُطْفَةٍ مُتَغَيِّرَةٍ بِدَلِيلِ أَنَّ السَّاقِطَ إذَا كَانَ عَلَقَةً أَوْ مُضْغَةً لَمْ تَنْقَضِ بِهِ الْعِدَّةُ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَتَغَيَّرْ فَلَا يُعْرَفُ كَوْنُهَا مُتَغَيِّرَةً بِيَقِينٍ إلَّا بِاسْتِبَانَةِ بَعْضِ الْخَلْقِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة قَالَ: إذَا وَلَدْتِ وَلَدًا فَأَنْت طَالِقٌ فَوَلَدَتْ وَلَدًا ثُمَّ وَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ ثَبَتَ نَسَبُ الثَّانِي أَيْضًا وَانْقَضَتْ بِهِ الْعِدَّةُ وَلَا يَجِبُ بِهِ الْعُقْرُ، وَفِي الْكَافِي لِلْحَاكِمِ قَالَ لَهَا: كُلَّمَا وَلَدْت وَلَدًا فَأَنْت طَالِقٌ فَوَلَدَتْ وَلَدَيْنِ فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ طَلُقَتْ بِالْأَوَّلِ وَانْقَضَتْ الْعِدَّةُ بِالْآخَرِ وَلَا يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ وَلَوْ وَلَدَتْ ثَلَاثَةً فِي بَطْنٍ وَقَعَتْ طَلْقَتَانِ وَانْقَضَتْ الْعِدَّةُ بِالثَّالِثِ، وَلَوْ كَانَ بَيْنَ الْوَلَدَيْنِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَلَمْ تُقِرَّبَا بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ طَلُقَتْ ثَلَاثًا وَتَعْتَدُّ بِالْأَقْرَاءِ بَعْدَ الثَّالِثِ اهـ. وَفِي الْخَانِيَّةِ طَلَّقَهَا رَجْعِيًّا فَتَزَوَّجَتْ فِي الْعِدَّةِ ثُمَّ طَلَّقَهَا الثَّانِي فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ طَلَاقِ الْأَوَّلِ وَلِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ طَلَاقِ الثَّانِي فَإِنَّ الْوَلَدَ لِلثَّانِي، وَلَوْ تَزَوَّجَتْ الْمَنْعِيُّ إلَيْهَا زَوْجُهَا ثُمَّ وَلَدَتْ أَوْلَادًا ثُمَّ جَاءَ الزَّوْجُ الْأَوَّلُ حَيًّا كَانَ الْإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ الْأَوْلَادُ لِلْأَوَّلِ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ وَقَالَ لِلثَّانِي وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ. مُنْتَقَى قَالَ مُحَمَّدٌ فِي نَوَادِرِ ابْنِ رُسْتُمَ لَوْ خَرَجَ مِنْ قِبَلِ الرَّأْسِ نِصْفُ الْبَدَنِ غَيْرَ الرَّأْسِ أَوْ خَرَجَ مِنْ قِبَلِ الرِّجْلَيْنِ نِصْفُ الْبَدَنِ غَيْرَ الرِّجْلَيْنِ انْقَضَتْ بِهِ الْعِدَّةُ وَفَسَّرَ فَقَالَ: النِّصْفُ مِنْ الْبَدَنِ هُوَ مِنْ أَلْيَتَيْهِ إلَى مَنْكِبَيْهِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَفِي الْمِعْرَاجِ حَمَلَ أَهْلُ الْعِلْمِ آيَةَ الْبَقَرَةِ عَلَى الْحَوَامِلِ) كَذَا فِي النُّسَخِ الْحَوَامِلُ بِالْمِيمِ وَالصَّوَابُ الْحَوَائِلُ بِالْهَمْزِ كَمَا هُوَ عِبَارَةُ الْمِعْرَاجِ وَنَصُّهَا حَمَلَ أَهْلُ الْعِلْمِ آيَةَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ عَلَى الْحَوَائِلِ وَآيَةَ النِّسَاءِ الْقُصْرَى عَلَى الْحَوَامِلِ وَالتَّخْصِيصُ أَوْلَى مِنْ دَعْوَى النَّسْخِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 147 وَلَا يُعْتَدُّ بِالرَّأْسِ وَلَا بِالرِّجْلَيْنِ وَقَالَ فِي الْهَارُونِيَّاتِ لَوْ خَرَجَ أَكْثَرُ الْوَلَدِ لَمْ تَصِحَّ الرَّجْعَةُ وَحَلَّتْ لِلْأَزْوَاجِ وَقَالَ مَشَايِخُنَا لَا تَحِلُّ لِلْأَزْوَاجِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ قَامَ مَقَامَ الْكُلِّ فِي حَقِّ انْقِطَاعِ الرَّجْعَةِ احْتِيَاطًا وَلَا يَقُومُ مَقَامَهُ فِي حَقِّ حِلِّهَا لِلْأَزْوَاجِ احْتِيَاطًا، وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ لَوْ جَاءَتْ الْمُبَانَةُ الْمَدْخُولَةُ بِوَلَدٍ فَخَرَجَ رَأْسُهُ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ وَخَرَجَ الْبَاقِي لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ لَمْ يَلْزَمْهُ حَتَّى يَخْرُجَ الرَّأْسُ وَنِصْفُ الْبَدَنِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ وَيَخْرُجَ الْبَاقِي لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ أَوْ يَخْرُجَ مِنْ قِبَلِ الرِّجْلَيْنِ الْأَكْثَرُ مِنْ الْبَدَنِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ وَيَخْرُجَ مَا بَقِيَ لِأَكْثَرِهِ، وَلَوْ خَرَجَ الرَّأْسُ فَقَتَلَهُ إنْسَانٌ وَجَبَتْ الدِّيَةُ وَلَا يَجِبُ الْقِصَاصُ وَكَذَلِكَ فِي أُذُنَيْهِ، وَلَوْ قَطَعَ الرِّجْلَيْنِ قَبْلَ الرَّأْسِ وَجَبَتْ الدِّيَةُ، وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ هِشَامٍ قَالَ لِجَارِيَتِهِ أَنْت حُرَّةٌ وَقَدْ خَرَجَ رَأْسُ الْوَلَدِ مَعَ نِصْفِ الْبَدَنِ لَا تَعْتِقُ حَتَّى يَخْرُجَ النِّصْفُ سِوَى الرَّأْسِ اهـ. مَا فِي الْمُحِيطِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ خُرُوجَ الْأَكْثَرِ كَالْكُلِّ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ إلَّا فِي حِلِّهَا لِلْأَزْوَاجِ عَلَى قَوْلِ الْمَشَايِخِ وَخُرُوجُ الرَّأْسِ فَقَطْ أَوْ مَعَ الْأَقَلِّ لَا اعْتِبَارَ بِهِ فَلَا تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ وَلَا يَثْبُتُ نَسَبٌ مِنْ الْمُبَانَةِ إذَا كَانَ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ وَالْبَاقِي لِلْأَكْثَرِ وَلَا قِصَاصَ بِقَطْعِهِمَا وَدَلِيلُ مَسْأَلَةِ الْعِتْقِ فِي الْمُحِيطِ مُحَرَّفَةٌ مِنْ الْكَاتِبِ وَحَاصِلُهَا أَنَّ الْحَمْلَ يَتْبَعُ الْأُمَّ فِي الْعِتْقِ فَإِذَا أُعْتِقَتْ بَعْدَ خُرُوجِ بَعْضِهِ فَإِنْ خَرَجَ الْأَكْثَرُ أَوْ النِّصْفُ لَا يَتْبَعُهَا وَإِنْ خَرَجَ الْأَقَلُّ يَتْبَعُهَا، وَفِي الْمُحِيطِ أَيْضًا تَزَوَّجَ بِامْرَأَةٍ فَجَاءَ بِسِقْطٍ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ إلَّا يَوْمًا لَمْ يَجُزْ النِّكَاحُ إنْ كَانَ قَدْ اسْتَبَانَ خَلْقُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَبِينُ خَلْقُهُ إلَّا فِي مِائَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا أَرْبَعِينَ يَوْمًا نُطْفَةً وَأَرْبَعِينَ عَلَقَةً وَأَرْبَعِينَ مُضْغَةً ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ وَإِنْ سَقَطَ لِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ تَامَّةٍ فَهُوَ مِنْ الزَّوْجِ وَالْعَمَلُ عَلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا وَإِنْ تَزَوَّجَهَا فِي عَشَرٍ مِنْ الشَّهْرِ فَخَمْسَةُ أَشْهُرٍ بِالْأَهِلَّةِ وَعِشْرِينَ يَوْمًا مِنْ السَّادِسِ فِي لُزُومِ الْوَلَدِ اهـ. وَفِي الْخَانِيَّةِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا إذَا وَلَدَتْ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْمَوْتِ يُحْكَمُ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا قَبْلَ الْوِلَادَةِ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ وَزِيَادَةٍ فَتُجْعَلُ كَأَنَّهَا تَزَوَّجَتْ بِزَوْجٍ آخَرَ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا وَحَبِلَتْ مِنْ الثَّانِي اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ السِّقْطَ الَّذِي اسْتَبَانَ بَعْضُ خَلْقِهِ يُعْتَبَرُ فِيهِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَتَامَّ الْخَلْقِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ كَذَا فِي الْمُجْتَبَى، وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة الْمُعْتَدَّةُ عَنْ وَطْءٍ بِشُبْهَةٍ إذَا حَبِلَتْ فِي الْعِدَّةِ ثُمَّ وَضَعَتْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ لَوْ قَالَتْ الْمُعْتَدَّةُ: وَلَدْتُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا بِلَا بَيِّنَةٍ فَإِنْ طَلَبَ يَمِينَهَا بِاَللَّهِ لَقَدْ أَسْقَطْتُ سِقْطًا مُسْتَبِينَ الْخَلْقِ حَلَفَتْ اتِّفَاقًا اهـ. (قَوْلُهُ وَزَوْجَةِ الْفَارِّ أَبْعَدُ الْأَجَلَيْنِ) أَيْ: وَعِدَّةُ الْمُطَلَّقَةِ بَائِنًا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ بِغَيْرِ رِضَاهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ وَعِدَّةُ الطَّلَاقِ فَالْمُرَادُ بِأَبْعَد الْأَجَلَيْنِ مُضِيُّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ فِيهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ حَتَّى لَوْ مَضَتْ هَذِهِ الْمُدَّةُ وَلَمْ تَحِضْ ثَلَاثًا كَانَتْ فِي الْعِدَّةِ حَتَّى تَحِيضَ ثَلَاثًا، وَلَوْ حَاضَتْ ثَلَاثًا قَبْلَ تَمَامِ هَذِهِ الْمُدَّةِ لَمْ تَنْقَضِ حَتَّى تَتِمَّ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْخَانِيَّةِ وَالْعِنَايَةِ وَاعْتَرَضَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهُ مُقَصِّرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ إلَّا إذَا كَانَتْ الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرُ وَعَشْرٌ أَبْعَدَ مِنْ الثَّلَاثِ حِيَضٍ وَحَقِيقَةُ الْحَالِ أَنَّهَا لَا بُدَّ أَنْ تَتَرَبَّصَ الْأَجَلَيْنِ اهـ. وَجَوَابُهُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بَعْدَ التَّصْرِيحِ بِالْمُرَادِ فَلَا تَقْصِيرَ، وَفِي الْمُجْتَبَى يَعْنِي بِأَبْعَدِ الْأَجَلَيْنِ عِدَّةَ الْوَفَاةِ إنْ كَانَتْ أَطْوَلَ وَعِدَّةَ الطَّلَاقِ إنْ كَانَتْ أَطْوَلَ قُلْت وَيُعْتَبَرُ الْحَيْضُ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ لَا الْوَفَاةِ اهـ. فَعَلَى هَذَا قَوْلُ مَنْ فَسَّرَهُ بِالْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ وَالْعَشْرِ فِيهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الْحِيَضُ كُلُّهَا فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ وَعَلَى مَا فِي الْمُجْتَبَى لَوْ حَاضَتْ حَيْضَتَيْنِ قَبْلَ وَفَاتِهِ وَلَمْ تَحِضْ بَعْدَ وَفَاتِهِ إلَّا وَاحِدَةً وَمَضَتْ عِدَّةُ الْوَفَاةِ كَفَى بِخِلَافِ مَا فِي الْخَانِيَّةِ قَيَّدْنَا بِكَوْنِهِ بَائِنًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا رَجْعِيًّا ` فَعِدَّتُهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ سَوَاءٌ طَلَّقَهَا فِي   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ إلَّا إذَا كَانَتْ إلَخْ) أَيْ، وَأَمَّا إذَا امْتَدَّ طُهْرُهَا حَتَّى مَضَتْ مُدَّةُ الْوَفَاةِ فَإِنَّهُ لَا يُصَدَّقُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْحَيْضَ يَكُونُ خَارِجًا عَنْهَا لَا وَاقِعًا فِيهَا (قَوْلُهُ قُلْت وَيُعْتَبَرُ الْحَيْضُ إلَخْ) مِنْ كَلَامِ الْمُجْتَبَى وَقُيِّدَ بِالْحَيْضِ؛ لِأَنَّ الْأَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرَةَ أَيَّامٍ عِدَّةَ الْوَفَاةِ وَلَا تَكُونُ إلَّا بَعْدَ الْوَفَاةِ. (قَوْلُهُ قَيَّدْنَا بِكَوْنِهِ بَائِنًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا رَجْعِيًّا) أَيْ وَمَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ عَلَى حَسْبِ حَالِهَا أَيْ: بِأَنْ مَاتَ قَبْلَ مُضِيِّ ثَلَاثِ حِيَضٍ إنْ كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْحَيْضِ أَوْ قَبْلَ مُضِيِّ الْأَشْهُرِ إنْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا تَحِيضُ أَوْ قَبْلَ وَضْعِ الْحَمْلِ إنْ كَانَتْ حَامِلًا قَالَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي بَعْضِ رَسَائِلِهِ فَتَفْرِيعُهُ عَلَى مُقَدَّرٍ عَلَى حَدٍّ قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى} [الأعلى: 4] {فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى} [الأعلى: 5] ؛ إذْ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ فَعِدَّتُهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ فَرْعًا لِقَوْلِهِ طَلَّقَهَا؛ لِأَنَّ الْمُطَلَّقَةَ عِدَّتُهَا بِالْحَيْضِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا بِنَصِّ الْكِتَابِ وَالْإِجْمَاعِ وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُفَرَّعًا عَلَى قَوْلِهِ طَلَّقَهَا لَمْ يَصِحَّ قَوْلُهُ بِطَرِيقِ انْتِقَالِ عِدَّةِ الطَّلَاقِ إلَى عِدَّةِ الْوَفَاةِ؛ لِأَنَّ الْمُنْتَقِلَ عَنْهُ غَيْرُ الْمُنْتَقِلِ إلَيْهِ اهـ. ثُمَّ إنَّ التَّقْيِيدَ الْمَذْكُورَ غَيْرُ لَازِمٍ كَمَا فِي الشرنبلالية؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَنْ يَمُوتُ زَوْجُهَا الْفَارُّ فِي عِدَّتِهَا وَالْمُطَلَّقَةُ رَجْعِيًّا لَيْسَ زَوْجُهَا فَارًّا هَذَا وَقَدْ أَقَامَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ النَّكِيرَ عَلَى صَاحِبِ الدُّرَرِ وَغَيْرِهِ حَيْثُ قَالَ عِدَّةُ امْرَأَةِ الْفَارِّ لِلْبَائِنِ أَبْعَدُ الْأَجَلَيْنِ وَلِلرَّجْعِيِّ مَا لِلْمَوْتِ بِأَنَّهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 148 الصِّحَّةِ أَوْ فِي الْمَرَضِ بِطَرِيقِ انْتِقَالِ عِدَّةِ الطَّلَاقِ إلَى عِدَّةِ الْوَفَاةِ وَتَرِثُ مِنْهُ وَقَيَّدْنَا بِكَوْنِهِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا بَائِنًا فِي صِحَّتِهِ لَمْ تَنْتَقِلْ وَلَا تَرِثُ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَوْلُهُمَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: عِدَّتُهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ قَدْ انْقَطَعَ قَبْلَ الْمَوْتِ بِالطَّلَاقِ وَلَزِمَهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ وَإِنَّمَا تَجِبُ عِدَّةُ الْوَفَاةِ إذَا زَالَ النِّكَاحُ بِالْوَفَاةِ إلَّا أَنَّهُ بَقِيَ فِي حَقِّ الْإِرْثِ لَا فِي حَقِّ تَغْيِيرِ الْعِدَّةِ بِخِلَافِ الرَّجْعِيِّ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ بَاقٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَلَهُمَا أَنَّهُ لَمَّا بَقِيَ فِي حَقِّ الْإِرْثِ يُجْعَلُ بَاقِيًا فِي حَقِّ الْعِدَّةِ احْتِيَاطًا فَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَأُورِدَ عَلَى قَوْلِهِمَا لَوْ ارْتَدَّ زَوْجُ الْمُسْلِمَةِ فَمَاتَ أَوْ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ تَرِثُهُ زَوْجَتُهُ الْمُسْلِمَةُ وَعِدَّتُهَا بِالْحَيْضِ فَقَدْ بَقِيَ فِي حَقِّ الْإِرْثِ وَلَمْ يَبْقَ فِي حَقِّ الْعِدَّةِ فَكَذَا فِي زَوْجَةِ الْفَارِّ وَالْجَوَابُ مَنْعُ حُكْمِ الْمُسْلِمَةِ بَلْ يَلْزَمُهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ عَلَى مَا أَشَارَ إلَيْهِ الْكَرْخِيُّ فَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ. وَقِيلَ عِدَّتُهَا بِالْحَيْضِ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ مَا اُعْتُبِرَ بَاقِيًا إلَى وَقْتِ الْمَوْتِ فِي حَقِّ الْإِرْثِ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَةَ لَا تَرِثُ الْكَافِرَ فَيَسْتَنِدُ اسْتِحْقَاقُهُ إلَى وَقْتِ الرِّدَّةِ وَقَدْ اُسْتُفِيدَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ أَنَّ وَضْعَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا لَمْ تَحِضْ ثَلَاثًا قَبْلَ مَوْتِهِ أَمَّا إذَا حَاضَتْ ثَلَاثًا قَبْلَ مَوْتِهِ فَقَدْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَلَمْ تَدْخُلْ تَحْتَ الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا مِيرَاثَ لَهَا إلَّا إذَا مَاتَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَقَدْ أَشْكَلَ ذَلِكَ عَلَى بَعْضِ حَنَفِيَّةِ الْعَصْرِ لِعَدَمِ التَّأَمُّلِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَهَذَا الْحُكْمُ ثَابِتٌ فِي صُوَرٍ: إحْدَاهَا: هَذِهِ. وَالثَّانِيَةُ: إذَا قَالَ لِزَوْجَتَيْهِ أَوْ زَوْجَاتِهِ: إحْدَاكُنَّ طَالِقٌ بَائِنٌ وَمَاتَ قَبْلَ الْبَيَانِ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ الِاعْتِدَادُ بِأَبْعَدِ الْأَجَلَيْنِ، وَلَوْ بَيَّنَ فِي إحْدَاهُمَا كَانَ ابْتِدَاءُ الْعِدَّةِ مِنْ وَقْتِ الْبَيَانِ. وَالثَّالِثَةُ: إذَا مَاتَ زَوْجُهَا وَسَيِّدُهَا وَلَمْ يُدْرَ أَيُّهُمَا مَاتَ أَوَّلًا وَعُلِمَ أَنَّ بَيْنَهُمَا شَهْرَيْنِ وَخَمْسَةَ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا اهـ. وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى بِأَنْ يَكُونَ قَدْ دَخَلَ بِهِمَا فَلَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهِمَا اعْتَدَّتَا بِعِدَّةِ الْوَفَاةِ فَقَطْ، وَلَوْ دَخَلَ بِإِحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى يَنْبَغِي أَنْ تَعْتَدَّ الْمَدْخُولَةُ بِأَبْعَدِ الْأَجَلَيْنِ وَغَيْرُهَا بِعِدَّةِ الْوَفَاةِ وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهِمَا مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ؛ لِأَنَّهُمَا لَوْ كَانَتَا لَا تَحِيضُ فَعِدَّةُ الْوَفَاةِ وَإِنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا تَحِيضُ وَالْأُخْرَى لَا فَعَلَى الَّتِي تَحِيضُ أَبْعَدُ الْأَجَلَيْنِ وَالْأُخْرَى عِدَّةُ الْوَفَاةِ هَذَا مَا فَهِمْتُهُ وَلَمْ أَرَهُ صَرِيحًا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَعْتَدُّ بِأَبْعَدِ الْأَجَلَيْنِ إلَّا فِي ثَلَاثِ مَسَائِلَ وَيَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ رَابِعَةٌ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ ذِمِّيٌّ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ أُخْتَانِ أَوْ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعَ أَوْ أُمٌّ وَبِنْتُهَا وَمَاتَ بِلَا بَيَانٍ فَإِنَّ مُحَمَّدًا يُخَيِّرُهُ وَهُمَا أَبْطَلَا نِكَاحَ الْكُلِّ حَيْثُ لَمْ يُعْلَمْ الْآخِرُ كَمَا فِي الْمَجْمَعِ وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ وَمَنْ عَتَقَتْ فِي عِدَّةِ الرَّجْعِيِّ لَا الْبَائِنِ وَالْمَوْتِ كَالْحُرَّةِ) أَيْ: وَعِدَّةُ الْأَمَةِ إذَا أُعْتِقَتْ وَهِيَ مُعْتَدَّةٌ عَنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ كَعِدَّةِ الْحُرَّةِ فِي الِابْتِدَاءِ فَتَتَغَيَّرُ عِدَّتُهَا إلَى عِدَّةِ الْوَفَاةِ فَإِنْ كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ صَارَتْ عِدَّتُهَا ثَلَاثَ حِيَضٍ وَإِلَّا فَثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ مُعْتَدَّةً عَنْ بَائِنٍ أَوْ وَفَاةٍ فَإِنَّ عِدَّتَهَا لَا تَتَغَيَّرُ لِبَقَاءِ النِّكَاحِ فِي الرَّجْعِيِّ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَزَوَالِهِ فِي الْبَائِنِ، وَالْمَوْتِ قَيْدٌ بِالْعِدَّةِ؛ لِأَنَّ الْأَمَةَ لَوْ آلَى مِنْهَا ثُمَّ أُعْتِقَتْ انْتَقَلَ مُدَّةُ إيلَائِهَا إلَى مُدَّةِ الْحَرَائِرِ؛ لِأَنَّ الْبَيْنُونَةَ لَيْسَتْ مِنْ أَحْكَامِ الْإِيلَاءِ فِي الِابْتِدَاءِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَثْبُتُ إلَّا بَعْدَ الْمُدَّةِ فَكَانَتْ الزَّوْجِيَّةُ قَائِمَةً لِلْحَالِ فَأَشْبَهَ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقَدْ صَوَّرَ الِانْتِقَالَ إلَى جَمِيعِ كَمِّيَّاتِ الْعِدَّةِ الْبَسِيطَةِ وَهِيَ أَرْبَعَةٌ صُورَتُهَا أَمَةٌ صَغِيرَةٌ مَنْكُوحَةٌ طَلُقَتْ رَجْعِيًّا فَعِدَّتُهَا شَهْرٌ وَنِصْفٌ فَلَوْ حَاضَتْ فِي أَثْنَائِهَا انْتَقَلَتْ إلَى حَيْضَتَيْنِ فَلَوْ أُعْتِقَتْ قَبْلَ مُضِيِّهِمَا صَارَتْ ثَلَاثَ حِيَضٍ فَلَوْ مَاتَ زَوْجُهَا انْتَقَلَتْ إلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ لَمْ يَجْتَمِعْ فِيهَا جَمِيعُ كَمِّيَّاتِ الْعِدَّةِ أَيْ: عَدَدِهَا الْبَسِيطَةِ؛ لِأَنَّ عِدَّةَ الْآيِسَةِ   [منحة الخالق] خَطَأٌ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا أَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهَا إذَا طَلُقَتْ رَجْعِيًّا وَزَوْجُهَا مَرِيضٌ فَانْقَضَى لَهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ وَهُوَ حَيٌّ لَا تَرِثُهُ مَعَ بَقَاءِ شَيْءٍ مِنْ حَيْضِهَا وَأَنَّهَا إذَا حَاضَتْ ثَلَاثَ حِيَضٍ وَهُوَ حَيٌّ وَلَمْ تَمْضِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ تَرِثُ مِنْهُ وَأَنَّهَا لَوْ تَزَوَّجَتْ بَعْدَ مُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَلَمْ تَحِضْ فِيهَا يَصِحُّ نِكَاحُهَا وَأَنَّهَا لَوْ حَاضَتْ ثَلَاثَ حِيَضٍ وَتَزَوَّجَتْ لَمْ يَصِحَّ وَكُلُّ ذَلِكَ بَاطِلٌ فَبَطَلَتْ تِلْكَ الْعِبَارَاتُ الْمُخَالِفَةُ وَأَنَّهَا لَمْ تَصْدُرْ عَنْ صَاحِبِ الْمَذْهَبِ وَلَا أَصْحَابِهِ وَاَلَّذِي صَدَرَتْ عَنْهُ ابْتِدَاءً أَرَادَ غَيْرَ ظَاهِرِهَا وَهُوَ أَنَّهُ أَرَادَ الِانْتِقَالَ عَنْ عِدَّةِ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ لِعِدَّةِ الْوَفَاةِ حَالَ حَيَاتِهِ لِتَرِثَ بِمَوْتِهِ فِيهَا وَلَا يُفِيدُ مَا أَرَادَهُ مِنْ الِانْتِقَالِ تِلْكَ الْعِبَارَاتِ وَقَدْ أَرَدْت بِهَذَا إيضَاحَ بُطْلَانِهَا لِتُجْتَنَبَ فَإِنَّهَا وَقَعَتْ فِي أَجْلِ كُتُبِ الْمَذْهَبِ هَذَا حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ فِي رِسَالَتِهِ وَحَاشِيَتِهِ عَلَى الدُّرَرِ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُمْ تَسَامَحُوا فِي تَسْمِيَةِ الْمُطَلِّقِ رَجْعِيًّا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ فَارًّا اعْتِمَادًا عَلَى مَا قَرَّرُوهُ فِي مَوْضِعِهِ وَرَوْمًا لِلِاخْتِصَارِ وَحِينَئِذٍ فَلَيْسَ الْمُرَادُ إلَّا مَا إذَا مَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ وَكَوْنُ الْمُرَادِ حِينَئِذٍ الِانْتِقَالُ إلَى عِدَّةِ الْوَفَاةِ ظَاهِرٌ فَدَعْوَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي تِلْكَ الْعِبَارَاتِ مَا يُفِيدُهُ مَمْنُوعَةٌ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَوْجُهِ الْبُطْلَانِ فِيمَا إذَا كَانَ حَيًّا وَعَلَى مَا قُلْنَا مِنْ التَّسَامُحِ لَا يَرِدُ مِنْهُ شَيْءٌ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ عِدَّةَ الْآيِسَةِ مِنْ جُمْلَةِ كَمِّيَّاتِ الْعِدَدِ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُزَادَ فِي التَّصْوِيرِ فَلَوْ اسْتَمَرَّتْ طَاهِرَةً بَعْدَمَا حَاضَتْ الثَّانِيَةَ بَعْدَ الْعِتْقِ فَهِيَ فِي الْعِدَّةِ إلَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 149 مِنْ جُمْلَةِ كَمِّيَّاتِ الْعِدَّةِ الْبَسِيطَةِ وَلَمْ يَذْكُرْهَا وَلِذَا قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ وَقَدْ يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ أَرْبَعُ عِدَدٍ، وَلَوْ ذُكِرَ كَذَلِكَ لَسَلِمَ وَحَاصِلُ مَسَائِلِ انْتِقَالِ الْعِدَّةِ مَسَائِلُ: الْأُولَى: صَغِيرَةٌ اعْتَدَّتْ فَبَلَغَتْ فِي خِلَالِهَا تَسْتَقْبِلُ بِالْحَيْضِ مَبْتُوتَةً كَانَتْ أَوْ رَجْعِيَّةً. الثَّانِيَةُ: آيِسَةٌ حَاضَتْ فِي أَثْنَاءِ الشُّهُورِ أَوْ حَبِلَتْ تَسْتَقْبِلُ بِالْحَيْضِ أَوْ بِالْوَضْعِ. الثَّالِثَةُ: اعْتَدَّتْ بِحَيْضَةٍ أَوْ حَيْضَتَيْنِ ثُمَّ ارْتَفَعَ حَيْضُهَا لَا تَخْرُجُ مِنْ الْعِدَّةِ مَا لَمْ تَيْأَسْ فَإِذَا أَيِسَتْ اسْتَقْبَلَتْهَا بِالْأَشْهُرِ. الرَّابِعَةُ: آيِسَةٌ اعْتَدَّتْ بِالْأَشْهُرِ ثُمَّ حَاضَتْ وَسَتَأْتِي. الْخَامِسَةُ: أُعْتِقَتْ الْأَمَةُ بَعْدَ الطَّلَاقِ أَوْ الْمَوْتِ وَقَدْ قَدَّمْنَاهَا. السَّادِسَةُ: مَاتَ زَوْجُ الْحُرَّةِ الْمُطَلَّقَةِ فِي عِدَّتِهَا وَقَدْ قَدَّمْنَاهَا فِي زَوْجَةِ الْفَارِّ. (قَوْلُهُ وَمَنْ عَادَ دَمُهَا بَعْدَ الْأَشْهُرِ الْحَيْضُ) أَيْ: وَعِدَّةُ مَنْ اعْتَدَّتْ بِالْأَشْهُرِ لِإِيَاسِهَا ثُمَّ رَأَتْ دَمًا الْحَيْضُ فَيُنْتَقَضُ مَا مَضَى مِنْ عِدَّتِهَا وَعَلَيْهَا أَنْ تَسْتَأْنِفَ الْعِدَّةَ بِالْحَيْضِ وَمَعْنَاهُ إذَا رَأَتْ الدَّمَ عَلَى الْعَادَةِ؛ لِأَنَّ عَوْدَهُ يُبْطِلُ إيَاسَهَا وَهُوَ الصَّحِيحُ فَظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ خَلْفًا، وَهَذَا؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْخَلْفِيَّةِ تَحَقُّقُ الْيَأْسِ وَذَلِكَ بِاسْتِدَامَةِ الْعَجْزِ إلَى الْمَمَاتِ كَالْفِدْيَةِ فِي حَقِّ الشَّيْخِ الْفَانِي كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَظَاهِرُهُ فَسَادُ الْأَنْكِحَةِ الْمُبَاشَرَةِ قَبْلَ رُؤْيَةِ الدَّمِ وَبَعْدَهُ وَهُوَ لَازِمُ الِانْتِقَاضِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ إذَا رَأَتْ الدَّمَ عَلَى الْعَادَةِ فَقِيلَ مَعْنَاهُ إذَا كَانَ سَائِلًا كَثِيرًا احْتِرَازًا عَمَّا إذَا رَأَتْ بِلَّةً يَسِيرَةً وَقِيلَ مَعْنَاهُ مَا ذُكِرَ وَأَنْ يَكُونَ أَحْمَرَ أَوْ أَسْوَدَ فَلَوْ كَانَ أَصْفَرَ أَوْ أَخْضَرَ أَوْ تُرْبِيَّةً لَا يَكُونُ حَيْضًا وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْعَادَةِ الْجَارِيَةِ حَتَّى لَوْ كَانَ عَادَتُهَا قَبْلَ الْإِيَاسِ أَصْفَرَ فَرَأَتْهُ كَذَلِكَ انْتَقَضَ. هَكَذَا حَكَى الْأَقْوَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ وَصَرَّحَ فِي الْمِعْرَاجِ بِأَنَّ الْفَتْوَى عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ، وَشَمِلَ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ كَالْهِدَايَةِ مَا إذَا رَأَتْ قَبْلَ الْحُكْمِ بِإِيَاسِهَا أَوْ بَعْدَهُ وَهَذَا الْإِطْلَاقُ بِجُمْلَتِهِ مُخْتَارُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَهُوَ أَحَدُ الْأَقْوَالِ وَحَاصِلُهُ يُنْتَقَضُ مُطْلَقًا وَسَوَاءٌ كَانَ بَعْدَ الشُّهُورِ أَوْ فِي أَثْنَائِهَا وَلَكِنَّ عِبَارَةَ الْمُصَنِّفِ فِيمَا إذَا كَانَ بَعْدَ الْأَشْهُرِ، الثَّانِي: لَا يُنْتَقَضُ مُطْلَقًا وَاخْتَارَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ، الثَّالِثُ: تُنْتَقَضُ إنْ رَأَتْهُ قَبْلَ تَمَامِ الْأَشْهُرِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَهَا فَلَا وَبِهِ أَفْتَى الصَّدْرُ الشَّهِيدُ، وَفِي الْمُجْتَبَى وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى، الرَّابِعُ: تُنْتَقَضُ عَلَى رِوَايَةِ عَدَمِ التَّقْدِيرِ لِلْإِيَاسِ الَّتِي هِيَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ فَإِنَّمَا ثَبَتَ الْأَمْرُ عَلَى ظَنِّهَا فَلَمَّا حَاضَتْ تَبَيَّنَ خَطَؤُهَا وَلَا يُنْتَقَضُ عَلَى رِوَايَةِ التَّقْدِيرِ لَهُ وَاخْتَارَهُ فِي الْإِيضَاحِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْخَانِيَّةِ وَجَزَمَ بِهِ الْقُدُورِيُّ وَالْجَصَّاصُ وَنَصَرَهُ فِي الْبَدَائِعِ. الْخَامِسُ: تُنْتَقَضُ إنْ لَمْ يَكُنْ حُكِمَ بِإِيَاسِهَا وَإِنْ حُكِمَ بِهِ فَلَا كَأَنْ يَدَّعِيَ أَحَدُهُمَا فَسَادَ النِّكَاحِ فَيُقْضَى بِصِحَّتِهِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ مُقَاتِلٍ وَصَحَّحَهُ فِي الِاخْتِيَارِ، السَّادِسُ: تُنْتَقَضُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَلَا تَعْتَدُّ إلَّا بِالْحَيْضِ لِلطَّلَاقِ بَعْدَهُ لَا لِلْمَاضِي فَلَا تَفْسُدُ الْأَنْكِحَةُ الْمُبَاشَرَةُ بَعْدَ الِاعْتِدَادِ بِالْأَشْهُرِ وَصَحَّحَهُ فِي النَّوَازِلِ فَقَدْ تَحَرَّرَ أَنَّ فِيهَا سِتَّةَ أَقْوَالٍ مُصَحَّحَةٍ فَيَجِبُ النَّظَرُ فِيمَا ثَبَتَ عَنْ صَاحِبِ الْمَذْهَبِ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَدْ صَرَّحَ الْأَقْطَعُ وَتَبِعَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِأَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ الْقَوْلُ بِالِانْتِقَاضِ مُطْلَقًا وَهُوَ مُخْتَارُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ فَتَعَيَّنَ الْمَصِيرُ إلَيْهِ وَلَكِنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى اشْتِرَاطِ تَحَقُّقِ الْيَأْسِ فِي خَلْفِيَّةِ الْأَشْهُرِ بِالنَّصِّ وَأَنَّ تَحَقُّقَ الْيَأْسِ لَا يَكُونُ إلَّا بِاسْتِدَامَةِ الِانْقِطَاعِ إلَى الْمَمَاتِ وَضَعَّفَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِمَنْعِ قَوْلِهِ وَذَلِكَ بِاسْتِدَامَةِ الْعَجْزِ إلَى الْمَمَاتِ إلَى آخِرِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْيَأْسَ حَقِيقَةً اعْتِقَادُ عَدَمِ الْوُقُوعِ أَبَدًا لَا الْعِلْمُ بِعَدَمِ وُجُودِهِ، وَفِي الْقَامُوسِ الْيَأْسُ الْقُنُوطُ وَهُوَ ضِدُّ الرَّجَاءِ وَقَطْعُ الْأَمَلِ اهـ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَمَانِيَةَ أَقْوَالٍ الْخَمْسَةُ الْأَخِيرَةُ وَالثَّلَاثَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ إنْ رَأَتْ الدَّمَ عَلَى الْعَادَةِ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ لَا تَقْدِيرَ لِسِنِّ الْإِيَاسِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَإِيَاسُهَا عَلَى هَذَا أَنْ تَبْلُغَ مِنْ السِّنِّ مَا لَا يَحِيضُ فِيهِ مِثْلُهَا وَذَلِكَ يُعْرَفُ بِالِاجْتِهَادِ وَالْمُمَاثَلَةِ فِي تَرْكِيبِ الْبَدَنِ وَالسِّمَنِ وَالْهُزَالِ، وَفِي رِوَايَةٍ فِيهِ تَقْدِيرٌ قَالَ   [منحة الخالق] أَنْ تَدْخُلَ فِي حَدِّ الْإِيَاسِ فَتَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ. [عِدَّةُ مَنْ اعْتَدَّتْ بِالْأَشْهُرِ لِإِيَاسِهَا ثُمَّ رَأَتْ دَمًا] (قَوْلُهُ حَتَّى تَنْقَضِيَ مُدَّةُ الْحَبَلِ) يَعْنِي أَدْنَى مُدَّةِ الْوَضْعِ لِمَا ذَكَرَهُ فِي الْحَقَائِقِ شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ النَّسَفِيَّةِ فِي بَابِ الْإِمَامِ مَالِكٍ وَنَصُّهُ وَعِنْدَنَا مَا لَمْ تَبْلُغْ حَدَّ الْإِيَاسِ لَا تَعْتَدُّ بِالْأَشْهُرِ وَحَدُّهُ خَمْسٌ وَخَمْسُونَ سَنَةً هُوَ الْمُخْتَارُ لَكِنَّهُ يُشْتَرَطُ لِلْحُكْمِ بِالْإِيَاسِ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ أَنْ يَنْقَطِعَ الدَّمُ عَنْهَا مُدَّةً طَوِيلَةً وَهِيَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فِي الْأَصَحِّ، ثُمَّ هَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ انْقِطَاعُ سِتَّةِ أَشْهُرٍ بَعْدَ مُدَّةِ الْإِيَاسِ؟ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ حَتَّى لَوْ كَانَ مُنْقَطِعًا قَبْلَ مُدَّةِ الْيَأْسِ ثُمَّ تَمَّتْ مُدَّةُ الْإِيَاسِ وَطَلَّقَهَا زَوْجُهَا يُحْكَمُ بِإِيَاسِهَا وَتَعْتَدُّ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ هَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الشِّفَاءِ فِي الْحَيْضِ وَهَذِهِ دَقِيقَةٌ تُحْفَظُ اهـ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 150 الصَّدْرُ الشَّهِيدُ الْمُخْتَارُ خَمْسٌ وَخَمْسُونَ سَنَةً وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ، وَفِي الْمَنَافِعِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ: قَالَ ابْنُ مُقَاتِلٍ: حَدُّهُ خَمْسُونَ سَنَةً وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَقِيلَ سِتُّونَ وَقِيلَ لَا تَلِدُ لِسِتِّينَ إلَّا قُرَشِيَّةٌ وَقَالَ الصَّفَّارُ سَبْعُونَ سَنَةً وَقَدَّرَ مُحَمَّدٌ فِي الرُّومِيَّاتِ خَمْسًا وَخَمْسِينَ سَنَةً، وَفِي غَيْرِهِنَّ سِتِّينَ وَعَنْهُ سَبْعِينَ، وَفِي الْخَانِيَّةِ لَا فَرْقَ بَيْنَ الرُّومِيَّةِ وَغَيْرِهَا وَهُوَ خَمْسٌ وَخَمْسُونَ سَنَةً وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَفِي الِاخْتِيَارِ الْمَرْأَةُ إذَا لَمْ تَحِضْ أَبَدًا حَتَّى بَلَغَتْ مَبْلَغًا لَا يَحِيضُ فِيهِ أَمْثَالُهَا غَالِبًا حُكِمَ بِإِيَاسِهَا وَذُكِرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إذَا بَلَغَتْ ثَلَاثِينَ سَنَةً وَلَمْ تَحِضْ حُكِمَ بِإِيَاسِهَا، وَفِي الْقُنْيَةِ طَلَّقَ الْمَدْخُولَ بِهَا وَعُمْرُهَا خَمْسٌ وَخَمْسُونَ سَنَةً ثُمَّ مَضَى عَلَيْهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ لَا تَحِيضُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِنْتَ أَخِيهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ مُدَّةُ الْحَبَلِ ثُمَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ لِلِاحْتِيَاطِ اهـ (قَوْلُهُ وَالْمَنْكُوحَةِ نِكَاحًا فَاسِدًا وَالْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ وَأُمِّ الْوَلَدِ الْحَيْضُ لِلْمَوْتِ وَغَيْرِهِ) أَيْ: عِدَّةُ هَؤُلَاءِ ثَلَاثُ حِيَضٍ فِي الْحُرَّةِ الَّتِي تَحِيضُ وَحَيْضَتَانِ فِي الْأَمَةِ وَوَضْعُ الْحَمْلِ إنْ كَانَتْ حَامِلًا وَالْأَشْهُرُ إنْ كَانَتْ آيِسَةً وَتَرَكَهُ لِظُهُورِهِ وَفَهْمِهِ مِمَّا قَدَّمَهُ، وَلَوْ صَرَّحَ بِهِ لَكَانَ أَوْلَى وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ لِتَعَرُّفِ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ لَا لِقَضَاءِ حَقِّ النِّكَاحِ؛ إذْ لَا نِكَاحَ صَحِيحٌ وَالْحَيْضُ هُوَ الْمُعَرِّفُ وَإِنَّمَا لَمْ يُكْتَفَ بِحَيْضَةِ كَالِاسْتِبْرَاءِ؛ لِأَنَّ الْفَاسِدَ مُلْحَقٌ بِالصَّحِيحِ وَعِدَّةُ الْوَفَاةِ إنَّمَا وَجَبَتْ لِإِظْهَارِ الْحُزْنِ عَلَى فَوَاتِ زَوْجٍ عَاشَرَهَا إلَى الْمَوْتِ وَلَا زَوْجِيَّةَ وَشَمِلَ قَوْلُهُ: " وَغَيْرِهِ " الْفُرْقَةَ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَهِيَ إمَّا بِتَفْرِيقِ الْقَاضِي أَوْ بِالْمُتَارَكَةِ وَابْتِدَاؤُهَا مِنْ وَقْتِ الْفُرْقَةِ، وَفِي الْمَوْتِ مِنْ وَقْتِ الْمَوْتِ وَدَخَلَ تَحْتَ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ النِّكَاحُ بِغَيْرِ شُهُودٍ وَنِكَاحُ الْمَحَارِمِ مَعَ الْعِلْمِ بِعَدَمِ الْحِلِّ عِنْدَ الْإِمَامِ خِلَافًا لَهُمَا وَقَدْ مَرَّتْ الْمَسْأَلَةُ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ وَمِثَالُ الْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ أَنْ تُزَفَّ إلَيْهِ غَيْرُ امْرَأَتِهِ وَالْمَوْجُودَةُ لَيْلًا عَلَى فِرَاشِهِ إذَا دَعَاهَا فَأَجَابَتْهُ. وَفِي كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ إذَا أَدْخَلَتْ مَنِيًّا فَرْجَهَا ظَنَّتْهُ مَنِيَّ زَوْجٍ أَوْ سَيِّدٍ وَجَبَتْ الْعِدَّةُ عَلَيْهَا كَالْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ وَلَمْ أَرَهُ لِأَصْحَابِنَا وَالْقَوَاعِدُ لَا تَأْبَاهُ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهَا لِتَعَرُّفِ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْحُدُودِ وَوُجُوبُهَا بِسَبَبِ أَنَّ الشُّبْهَةَ تُقَامُ مَقَامَ الْحَقِيقَةِ فِي مَوْضِعِ الِاحْتِيَاطِ وَإِيجَابُ الْعِدَّةِ مِنْ بَابِ الِاحْتِيَاطِ وَلَا حِدَادَ عَلَيْهَا فِي هَذِهِ الْعِدَّةِ لِمَا سَيَأْتِي، وَلِلْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ أَنْ تُقِيمَ مَعَ زَوْجِهَا الْأَوَّلِ وَنَفَقَتُهَا وَسُكْنَاهَا عَلَى زَوْجِهَا الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ بَيْنَهُمَا قَائِمٌ إنَّمَا حُرِّمَ الْوَطْءُ وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ إلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا الْأَوَّلِ فَإِنْ أَذِنَ لَهَا فَلَهَا أَنْ تَخْرُجَ وَإِنْ لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي الْإِسْبِيجَابِيُّ وَمُرَادُهُ إذَا لَمْ تَكُنْ رَاضِيَةً بِالْوَطْءِ أَمَّا إذَا كَانَتْ رَاضِيَةً عَالِمَةً فَلَا نَفَقَةَ لَهَا وَلِهَذَا قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ الْمَنْكُوحَةُ إذَا تَزَوَّجَتْ رَجُلًا وَدَخَلَ بِهَا الثَّانِي ثُمَّ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا لَا يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ الْأَوَّلِ نَفَقَتُهَا مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا وَجَبَتْ الْعِدَّةُ عَلَيْهَا صَارَتْ نَاشِزَةً اهـ. وَقُيِّدَ الْوَطْءُ بِشُبْهَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةَ الْغَيْرِ عَالِمًا بِذَلِكَ وَدَخَلَ بِهَا لَا تَجِبُ الْعِدَّةُ عَلَيْهَا حَتَّى لَا يَحْرُمَ عَلَى الزَّوْجِ وَطْؤُهَا وَبِهِ يُفْتَى؛ لِأَنَّهُ زِنًا وَالْمَزْنِيُّ بِهَا لَا تَحْرُمُ عَلَى زَوْجِهَا، وَفِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ إذَا زَنَتْ الْمَرْأَةُ لَا يَقْرَبُهَا زَوْجُهَا حَتَّى تَحِيضَ لِاحْتِمَالِ عُلُوقِهَا مِنْ الزِّنَا فَلَا يَسْقِي مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ اهـ. وَيَجِبُ حِفْظُهُ لِغَرَابَتِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ وَالْخَانِيَّةِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَوَّلَ الْبَابِ فَرْعٌ تَنْقَضِي عِدَّةُ الطَّلَاقِ الْبَائِنِ وَالثَّلَاثِ بِالْوَطْءِ الْمُحَرَّمِ بِأَنْ وَطِئَهَا وَهِيَ مُعْتَدَّةٌ عَالِمًا بِحُرْمَتِهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ ادَّعَى الشُّبْهَةَ أَوْ كَانَ مُنْكِرًا طَلَاقَهَا فَإِنَّهَا تَسْتَقْبِلُ الْعِدَّةَ اهـ. وَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ بِالْوَطْءِ الْمُحَرَّمِ بِمَعْنَى مَعَ أَيْ: مَعَ الْوَطْءِ الْمُحَرَّمِ كَقَوْلِك اشْتَرَيْت الْفَرَسَ بِسَرْجِهِ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ وَلَيْسَ الْوَطْءُ الْمُحَرَّمُ سَبَبًا لِانْقِضَاءٍ وَلَا آلَةً لَهُ وَقُيِّدَ بِالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ؛ لِأَنَّ الْمَنْكُوحَةَ نِكَاحًا مَوْقُوفًا كَنِكَاحِ الْفُضُولِيِّ لَا تَجِبُ فِيهِ الْعِدَّةُ قَبْلَ الْإِجَازَةِ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ لَا يَثْبُتُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مَوْقُوفٌ فَلَمْ يَنْعَقِدْ فِي حَقِّ حُكْمِهِ فَلَا يُؤَثِّرُ شُبْهَةُ الْمِلْكِ وَالْحِلِّ وَالْعِدَّةُ وَجَبَتْ صِيَانَةً   [منحة الخالق] [عدة الْمَنْكُوحَةِ نِكَاحًا فَاسِدًا وَالْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ وَأُمِّ الْوَلَدِ] (قَوْلُهُ أَوْ كَانَ مُنْكِرًا طَلَاقَهَا إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ بَعْدَهُ وَإِذَا كَانَ مُنْكِرًا حَتَّى لَمْ تَنْقَضِ الْعِدَّةُ لَيْسَ لَهَا أَنْ تُطَالِبَهُ بِنَفَقَةِ هَذِهِ الْعِدَّةِ وَلَوْ طَلَّقَهَا فِي هَذِهِ الْعِدَّةِ لَا يَقَعُ وَيَحِلُّ نِكَاحُ أُخْتِهَا اهـ. أَيْ:؛ لِأَنَّهَا عِدَّةُ وَطْءٍ لَا طَلَاقٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 151 لِلْمَاءِ الْمُحْتَرَمِ عَنْ الْخَلْطِ وَاحْتِرَازًا عَنْ اشْتِبَاهِ الْأَنْسَابِ كَذَا فِي الِاخْتِيَارِ وَالْمُحِيطِ وَهُوَ مُشْكِلٌ مُخَالِفٌ لِلرِّوَايَةِ فَقَدْ نَقَلَ الزَّيْلَعِيُّ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ مَا نَصُّهُ وَذُكِرَ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى مِنْ الْأَصْلِ إذَا تَزَوَّجَتْ الْأَمَةُ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهَا وَدَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ وَوَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ تَزَوُّجِهَا فَادَّعَاهُ الْمَوْلَى وَالزَّوْجُ فَهُوَ ابْنُ الزَّوْجِ فَقَدْ اعْتَبَرَهُ مِنْ وَقْتِ النِّكَاحِ لَا مِنْ وَقْتِ الدُّخُولِ وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا قَالَ الْحَلْوَانِيُّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْفِرَاشَ يَنْعَقِدُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ خِلَافًا لِمَا يَقُولُهُ الْبَعْضُ أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِالدُّخُولِ اهـ. فَهُوَ صَرِيحٌ فِي ثُبُوتِ النَّسَبِ فِيهِ وَيَتْبَعُهُ وُجُوبُ الْعِدَّةِ فَكَانَ مَا فِي الْمُحِيطِ وَالِاخْتِيَارِ سَهْوًا، وَفِي الْخَانِيَّةِ أُمُّ وَلَدٍ تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى فَوَلَدَتْ لِسِتَّةٍ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا مِنْ وَقْتِ النِّكَاحِ فَادَّعَاهُ الْمَوْلَى وَالزَّوْجُ فَإِنَّ الْوَلَدَ يَكُونُ لِلزَّوْجِ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا اهـ. وَأَمَّا عِدَّةُ أُمِّ الْوَلَدِ فَلِأَنَّهَا وَجَبَتْ بِزَوَالِ الْفِرَاشِ فَأَشْبَهَ عِدَّةَ النِّكَاحِ وَفِرَاشُ أُمِّ الْوَلَدِ وَإِنْ كَانَ أَضْعَفَ مِنْ فِرَاشِ الْمَنْكُوحَةِ إلَّا أَنَّهُمَا يَشْتَرِكَانِ فِي أَصْلِ الْفِرَاشِ وَالْمَحَلُّ مَحَلُّ الِاحْتِيَاطِ فَأُلْحِقَ الْقَاصِرُ بِالْكَامِلِ احْتِيَاطًا، وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ لَوْ أَعْتَقَ أُمَّ وَلَدِهِ لَا نَفَقَةَ لَهَا فِي عِدَّتِهِ وَإِمَامُنَا فِيهِ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّهُ قَالَ عِدَّةُ أُمِّ الْوَلَدِ ثَلَاثُ حِيَضٍ وَدَخَلَ تَحْتَ قَوْلِهِ وَغَيْرِهِ عِتْقُهَا وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِأَنْ تَكُونَ مِنْ ذَوَاتِ الْحَيْضِ فَإِنْ كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَشْهُرِ وَمَاتَ مَوْلَاهَا أَوْ أَعْتَقَهَا فَعِدَّتُهَا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ كَمَا ذَكَرْنَاهُ وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا فَوَضْعُ الْحَمْلِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَبِأَنْ لَا تَكُونَ مَنْكُوحَةً وَلَا مُعْتَدَّةً لِزَوْجٍ فَإِنْ كَانَتْ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا مِنْ الْمَوْلَى إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ لَا فِرَاشَ لَهَا مِنْ الْمَوْلَى وَوُجُوبُ الْعِدَّةِ بِزَوَالِهِ وَالتَّحْقِيقُ أَنْ يُقَالَ الشَّرْطُ فِي وُجُوبِ عِدَّةِ الْمَوْلَى أَنْ لَا تَحْرُمَ عَلَيْهِ بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ، وَأَسْبَابُ الْحُرْمَةِ عَلَيْهِ ثَلَاثَةٌ نِكَاحُ الْغَيْرِ وَعِدَّتُهُ، وَالثَّالِثُ: تَقْبِيلُ ابْنِ الْمَوْلَى فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا بِمَوْتِ الْمَوْلَى أَوْ إعْتَاقِهِ بَعْدَ تَقْبِيلِ ابْنِهِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ قَالَ وَلِذَا لَوْ أَتَتْ بِوَلَدٍ بَعْدَ حُرْمَتِهَا لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مَا لَمْ يَدَّعِهِ اهـ. فَلَوْ طَلَّقَهَا بَعْدَ الْإِعْتَاقِ عَلَيْهَا عِدَّةُ الْحَرَائِرِ وَبِانْقِضَاءِ عِدَّةِ النِّكَاحِ تَعُودُ عِدَّةُ الْمَوْلَى ثَلَاثَ حِيَضٍ، وَلَوْ مَاتَ الْمَوْلَى وَالزَّوْجُ وَلَا يُدْرَى الْأَوَّلُ فَهِيَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ: أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ بَيْنَ مَوْتِهِمَا أَقَلَّ مِنْ شَهْرَيْنِ وَخَمْسَةِ أَيَّامٍ فَعَلَيْهَا أَنْ تَعْتَدَّ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى إنْ كَانَ مَاتَ أَوَّلًا ثُمَّ مَاتَ الزَّوْجُ وَهِيَ حُرَّةٌ فَلَا يَجِبُ بِمَوْتِ الْمَوْلَى شَيْءٌ وَتَعْتَدُّ لِلْوَفَاةِ عِدَّةَ الْحُرَّةِ وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ مَاتَ أَوَّلًا وَهِيَ أَمَةٌ لَزِمَهَا شَهْرَانِ وَخَمْسَةُ أَيَّامٍ وَلَا يَلْزَمُهَا بِمَوْتِ الْمَوْلَى شَيْءٌ؛ لِأَنَّهَا مُعْتَدَّةُ الزَّوْجِ فَفِي حَالٍ يَلْزَمُهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ، وَفِي حَالٍ نِصْفُهَا فَلَزِمَهَا الْأَكْثَرُ احْتِيَاطًا وَلَا تَنْتَقِلُ عِدَّتُهَا عَلَى الِاحْتِمَالِ الثَّانِي لِمَا قَدَّمْنَا أَنَّهَا لَا تَنْتَقِلُ فِي الْمَوْتِ. الثَّانِي: أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ بَيْنَ مَوْتَيْهِمَا شَهْرَيْنِ وَخَمْسَةَ أَيَّامٍ فَعَلَيْهَا أَنْ تَعْتَدَّ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ فِيهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ احْتِيَاطًا؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى إنْ كَانَ مَاتَ أَوَّلًا لَمْ تَلْزَمْهَا عِدَّتُهُ؛ لِأَنَّهَا مَنْكُوحَةٌ وَبَعْدَ مَوْتِ الزَّوْجِ يَلْزَمُهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ؛ لِأَنَّهَا حُرَّةٌ وَإِنْ مَاتَ الزَّوْجُ أَوَّلًا لَزِمَهَا شَهْرَانِ وَخَمْسَةُ أَيَّامٍ وَقَدْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا مِنْهُ؛ لِأَنَّهَا مُصَوِّرَةٌ أَنَّ بَيْنَهُمَا هَذِهِ أَوْ أَكْثَرَ فَمَوْتُ الْمَوْلَى بَعْدَهُ يُوجِبُ عَلَيْهَا ثَلَاثَ حِيَضٍ فَتَجْمَعُ بَيْنَهُمَا احْتِيَاطًا. الثَّالِثُ: أَنْ لَا يُعْلَمَ كَمْ بَيْنَ مَوْتَيْهِمَا وَلَا الْأَوَّلُ مِنْهُمَا فَكَالْأَوَّلِ عِنْدَهُ وَكَالثَّانِي عِنْدَهُمَا كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ وَغَيْرِهِ وَقَيَّدَ بِأُمِّ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّ الْمُدَبَّرَةَ وَالْأَمَةَ إذَا أُعْتِقَتْ أَوْ مَاتَ سَيِّدُهَا لَا عِدَّةَ عَلَيْهِمَا بِالْإِجْمَاعِ كَمَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ، وَفِي فُرُوقِ الْكَرَابِيسِيِّ الْمُعْتَدَّةُ فِي عِدَّةِ الزَّوْجِ تُغَسِّلُ زَوْجَهَا وَلَا تُغَسِّلُ مَوْلَاهَا فِي عِدَّتِهِ إذَا كَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ عِدَّةَ النِّكَاحِ بَلْ هِيَ اسْتِبْرَاءٌ اهـ. وَمِمَّا يَتَعَلَّقُ بِأُمِّ الْوَلَدِ حِكَايَةٌ لَطِيفَةٌ ذَكَرَهَا فِي الْمِعْرَاجِ لَمَّا أُخْرِجَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ مِنْ السِّجْنِ زَوَّجَ السُّلْطَانُ أُمَّهَاتَ الْأَوْلَادِ مِنْ خُدَّامِهِ الْأَحْرَارِ فَسَأَلَ الْعُلَمَاءَ عَنْ هَذِهِ فَقَالُوا نِعْمَ مَا فَعَلْت فَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ لَهُ أَخْطَأْت؛ لِأَنَّ تَحْتَ كُلِّ خَادِمٍ حُرَّةً وَهَذَا تَزَوُّجُ الْأَمَةِ عَلَى   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 152 الْحُرَّةِ فَقَالَ السُّلْطَانُ أُعْتِقُهُنَّ وَأُجَدِّدُ الْعَقْدَ فَسَأَلَ الْعُلَمَاءَ فَقَالُوا: نِعْمَ مَا فَعَلْت فَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ لَهُ: أَخْطَأْت؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ تَجِبُ عَلَيْهِنَّ بَعْدَ الْإِعْتَاقِ فَكَانَ تَزْوِيجُ الْمُعْتَدَّةِ مِنْ الْغَيْرِ فَأَنْسَى اللَّهُ تَعَالَى الْعُلَمَاءَ الْجَوَابَ فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ لِيَظْهَرَ فَضْلُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ اهـ. وَلَكِنْ حَكَاهَا مُحِبُّ الدِّينِ بْنُ الشِّحْنَةِ فِيمَا كَتَبَهُ عَلَى الْهِدَايَةِ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ وَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا خَطَّأَهُ فِي الثَّانِيَةِ أَغْرَاهُ عَلَيْهِ الْقَاضِي فَحَبَسَهُ وَأَنَّ هَذَا كَانَ سَبَبَ حَبْسِهِ وَأَنَّ الْقَاضِيَ حِينَئِذٍ كَانَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ وَإِنَّ طَلَبَتَهُ وَعُلَمَاءَ عَصْرِهِ لَا يَنْقَطِعُونَ عَنْهُ وَلَا يَتْرُكُونَ الِاشْتِغَالَ عَلَيْهِ فَمَنَعُوا عَنْهُ كُتُبَهُ فَأَمْلَى الْمَبْسُوطَ مِنْ حِفْظِهِ. وَقِيلَ: كَانَ سَبَبُ حَبْسِهِ أَنَّ السُّلْطَانَ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الرَّعِيَّةِ مَظْلِمَةً كَبِيرَةً ثُمَّ تَرَكَ بَعْضَهَا فَمَدَحَهُ الْقَاضِي فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فَقَالَ لَا يُمْدَحُ إذَا تَرَكَ جَمِيعَهُ فَكَيْفَ بِتَرْكِ بَعْضِهِ فَحَبَسَهُ وَحَكَى شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي الْمَبْسُوطِ وَاقِعَةً مُنَاسِبَةً لِلْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ دَالَّةٍ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ الْإِمَامِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَلَى عُلَمَاءِ زَمَانِهِ هِيَ رَجُلٌ زَوَّجَ ابْنَيْهِ بِنْتَيْنِ وَعَمِلَ الْوَلِيمَةَ وَجَمَعَ الْعُلَمَاءَ وَفِيهِمْ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ حِينَئِذٍ مِنْ الْمَشْهُورِينَ فَفِي أَثْنَاءِ اللَّيْلِ سَمِعُوا وَلْوَلَةَ النِّسَاءِ فَسَأَلُوا فَأُخْبِرُوا أَنَّهُنَّ غَلِطْنَ فَأُدْخِلَتْ زَوْجَةُ كُلِّ أَخٍ عَلَى أَخِيهِ فَسَأَلُوا الْعُلَمَاءَ فَأَجَابُوا بِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَجْتَنِبُهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا فَتَعُودَ إلَى زَوْجِهَا فَعَسِرَ ذَلِكَ الْجَوَابُ فَقَالَ الْإِمَامُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: يُطَلِّقُ كُلٌّ زَوْجَتَهُ وَيَعْقِدُ عَلَى مَوْطُوءَتِهِ وَيَدْخُلُ عَلَيْهَا لِلْحَالِ؛ لِأَنَّهُ صَاحِبُ الْعِدَّةِ بَعْدَ مَا سَأَلَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَخَوَيْنِ عَنْ مُرَادِهِ فَقَالَ كُلُّ مُرَادِي مَوْطُوءَتِي لَا الْمَعْقُودُ عَلَيْهَا فَرَجَعَ الْعُلَمَاءُ إلَى جَوَابِهِ. ثُمَّ رَأَيْت بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ أَعُودَ إلَى شَرْحِ الْمَسْأَلَةِ الْخِلَافِيَّةِ فِي أُمِّ الْوَلَدِ إذَا لَمْ تَعْلَمْ كَمْ بَيْنَ مَوْتِهِمَا تَوْضِيحًا لِلطُّلَّابِ فَقَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَقَالَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْعِدَّتَيْنِ احْتِيَاطًا وَجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْمَوْلَى مَاتَ أَوَّلًا فَعَتَقَتْ ثُمَّ مَاتَ الزَّوْجُ فَوَجَبَ عَلَيْهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ مَاتَ أَوَّلًا وَانْقَضَتْ شَهْرَانِ وَخَمْسَةُ أَيَّامٍ ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى فَيَجِبُ ثَلَاثُ حِيَضٍ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ مَوْتَ الْمَوْلَى سَبَبٌ لِلِاعْتِدَادِ بِثَلَاثِ حِيَضٍ وَقِيَامُ حَقِّ الزَّوْجِ مَانِعٌ وَقَدْ وَقَعَ الشَّكُّ فِي بَقَاءِ الْمَانِعِ فَوَجَبَ حُكْمُ السَّبَبِ احْتِيَاطًا لَهَا كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ بِنْتَيْنِ فِي عَقْدَةٍ وَثَلَاثًا فِي عَقْدَةٍ وَأَرْبَعًا فِي عَقْدَةٍ وَمَاتَ مُجْهِلًا فَإِنَّ الْعِدَّةَ تَجِبُ عَلَى الْجَمِيعِ لِوُجُودِ السَّبَبِ وَوُقُوعِ الشَّكِّ فِي الْمَانِعِ فِي حَقِّ التَّفْرِيقِ وَهُوَ تَقْدِيمُ نِكَاحِ فَرِيقٍ آخَرَ بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَعَ الشَّكُّ فِي السَّبَبِ فَإِنَّهُ لَا يُحْتَاطُ لِإِثْبَاتِ الْحُكْمِ لِتَعَذُّرِ ثُبُوتِ الْحُكْمِ بِدُونِ السَّبَبِ كَمَا إذَا قَالَ إنْ لَمْ أَفْعَلْ كَذَا فَأَنْت طَالِقٌ ثُمَّ مَاتَ وَلَا يُعْلَمُ وُجِدَ الشَّرْطُ أَمْ لَا فَإِنَّهَا لَا تَعْتَدُّ عِدَّةَ الطَّلَاقِ لِوُقُوعِ الشَّكِّ فِي السَّبَبِ؛ لِأَنَّهُ يَنْعَقِدُ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَوُجُودُهُ مَشْكُوكٌ فِيهِ وَلَهُ أَنَّ الْوَاقِعَ لَيْسَ إلَّا لِلِاحْتِمَالِ إلَّا أَنَّ أَحَدَ الِاحْتِمَالَيْنِ ثَابِتٌ وَالِاحْتِمَالَ الْآخَرَ مُحْتَمَلٌ. بَيَانُ هَذَا أَنَّ مَوْتَ الزَّوْجِ بَعْدَ الْمَوْلَى يُوجِبُ الِاعْتِدَادَ بِعِدَّةِ الْوَفَاةِ قَطْعًا، وَهَذَا الِاحْتِمَالُ ثَابِتٌ وَاحْتِمَالُ مَوْتِ الزَّوْجِ قَبْلَ مَوْتِ الْمَوْلَى لَيْسَ بِمُوجِبٍ لِلِاعْتِدَادِ بِثَلَاثِ حِيَضٍ قَطْعًا لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مَوْتُ الْمَوْلَى بَعْدَ الزَّوْجِ قَبْلَ انْقِضَاءِ شَهْرَيْنِ وَخَمْسَةِ أَيَّامٍ فَلَا يَجِبُ وَجَوَازِ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ انْقِضَاءِ هَذِهِ الْمُدَّةِ فَتَجِبُ فِيهَا فَالِاحْتِمَالُ ثَابِتٌ عَلَى أَحَدِ التَّقْدِيرَيْنِ دُونَ الْآخَرِ فَكَانَ الِاحْتِمَالُ الثَّابِتُ قَطْعًا قَائِمًا مَقَامَ الْحَقِيقَةِ عَمَلًا بِالِاحْتِيَاطِ وَلَا يُقَامُ احْتِمَالُ وُجُوبِ الْعِدَّةِ عَنْ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ شُبْهَةَ الشُّبْهَةِ سَاقِطَةُ الِاعْتِبَارِ بِالْإِجْمَاعِ بِخِلَافِ وُجُوبِ الْعِدَّةِ عَلَى أُولَئِكَ النِّسَاءِ لِثُبُوتِ احْتِمَالِ وُجُوبِ الْعِدَّةِ عَلَيْهِنَّ؛ لِأَنَّ نِكَاحَ كُلِّ فَرِيقٍ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُتَقَدِّمًا أَوْ لَمْ يَكُنْ فَإِنْ تَقَدَّمَ وَجَبَتْ الْعِدَّةُ قَطْعًا وَإِلَّا لَا تَجِبُ قَطْعًا فَيَكُونُ الِاحْتِمَالُ ثَابِتًا فَيَلْحَقُ بِالْحَقِيقَةِ اهـ. وَقَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بَعْدَ الدَّلِيلَيْنِ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ مُشْتَرَكُ الْإِلْزَامِ، وَفِي الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ قَوْلُهُمَا احْتِيَاطٌ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ الِاحْتِيَاطَ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ ظُهُورِ السَّبَبِ؛ لِأَنَّهُ الْعَمَلُ بِأَقْوَى الدَّلِيلَيْنِ ثُمَّ قَالَ فِي الْكَافِي وَلَا   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 153 مِيرَاثَ لَهَا مِنْ زَوْجِهَا؛ لِأَنِّي لَمْ أَعْلَمْ أَنَّهَا كَانَتْ حُرَّةً يَوْمَ مَوْتِهِ اهـ وَفِيهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ طَلَاقِهَا رَجْعِيًّا أَوْ بَائِنًا فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا وَفِيهِ أَيْضًا لَوْ مَاتَ عَنْ أُمِّ وَلَدِهِ أَوْ أَعْتَقَهَا فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ سَنَتَيْنِ لَزِمَهُ وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَهُ فَإِنْ ادَّعَاهُ لَزِمَهُ اهـ. وَفِي الْخَانِيَّةِ أُمُّ وَلَدٍ أَعْتَقَهَا مَوْلَاهَا أَوْ مَاتَ وَلَزِمَتْهَا الْعِدَّةُ ثُمَّ تَزَوَّجَتْ فِي الْعِدَّةِ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِسَنَتَيْنِ مِنْ حِينِ مَاتَ الْمَوْلَى أَوْ أَعْتَقَ وَلِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ تَزَوَّجَتْ وَادَّعَيَاهُ مَعًا كَانَ لِلْمَوْلَى فِي قَوْلِهِمْ لِمَكَانِ الْعِدَّةِ الَّتِي كَانَتْ. (قَوْلُهُ وَزَوْجَةِ الصَّغِيرِ الْحَامِلِ عِنْدَ مَوْتِهِ وَضْعُهُ وَالْحَامِلِ بَعْدَهُ الشُّهُورُ) أَيْ: عِدَّتُهَا وَضْعُ الْحَمْلِ إذَا أَتَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ مَوْتِهِ وَعِدَّتُهَا الشُّهُورُ إذَا أَتَتْ بِهِ لِسِتَّةٍ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ أَيْ: عِدَّةُ الْوَفَاةِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ وَالْحَامِلُ صِفَةُ زَوْجَةٍ وَهُوَ نَعْتٌ مَخْصُوصٌ بِالْإِنَاثِ كَحَائِضٍ وَلِهَذَا لَمْ يُؤَنَّثْ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَأَوْجَبَ أَبُو يُوسُفَ عِدَّةَ الْوَفَاةِ فِي الْحَالَيْنِ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ لَيْسَ ثَابِتَ النَّسَبِ مِنْهُ فَاسْتَوَى الْمَوْجُودُ عِنْدَ الْمَوْتِ وَالْحَادِثُ بَعْدَهُ وَلَهُمَا إطْلَاقُ قَوْله تَعَالَى {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] وَلِأَنَّهَا مُقَدَّرَةٌ بِمُدَّةِ وَضْعِ الْحَمْلِ فِي أُولَاتِ الْأَحْمَالِ قَصُرَتْ الْمُدَّةُ أَوْ طَالَتْ لَا لِلتَّعَرُّفِ عَنْ فَرَاغِ الرَّحِمِ لِشَرْعِهَا بِالْأَشْهُرِ مَعَ وُجُودِ الْأَقْرَاءِ لَكِنْ لِقَضَاءِ حَقِّ النِّكَاحِ. وَهَذَا الْمَعْنَى يَتَحَقَّقُ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْحَمْلُ مِنْهُ بِخِلَافِ الْحَمْلِ الْحَادِثِ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَتْ الْعِدَّةُ بِالشُّهُورِ فَلَا يَتَغَيَّرُ بِحُدُوثِ الْحَمْلِ الْحَادِثِ بَعْدَهُ وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ كَمَا وَجَبَتْ وَجَبَتْ مُقَدَّرَةً بِمُدَّةِ الْحَمْلِ فَافْتَرَقَا كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْمَوْجُودِ وَالْحَادِثِ فَالصَّحِيحُ فِي تَفْسِيرِهِمَا مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْحَادِثَ أَنْ تَأْتِيَ بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ الْمَوْتِ وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ أَنْ تَضَعَهُ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى النِّهَايَةِ وَأَمَّا تَفْسِيرُ قِيَامِهِ عِنْدَ الْمَوْتِ أَنْ تَلِدَهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْمَوْتِ كَذَا فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ. وَلَمْ أَرَ صَرِيحًا حُكْمَ دُخُولِ الصَّبِيِّ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ وَالْفَاسِدِ فِي وُجُوبِ الْعِدَّةِ وَقَدْ صَرَّحُوا بِفَسَادِ خَلْوَتِهِ وَبِوُجُوبِ الْعِدَّةِ بِالْخَلْوَةِ الْفَاسِدَةِ الشَّامِلَةِ لِخَلْوَةِ الصَّبِيِّ وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِيمَا إذَا أَوْلَجَ فِيهَا فِي مَكَان لَيْسَ بِخَلْوَةٍ هَلْ تَجِبُ بِهِ الْعِدَّةُ لَوْ بَلَغَ وَطَلَّقَهَا ثُمَّ رَأَيْت فِي شَرْحِ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ أَنِّي نَقَلْت وُجُوبَ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا إذَا وَطِئَهَا الصَّبِيُّ بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ، وَفِي وُجُوبِ الْمَهْرِ عَلَيْهِ بِالْوَطْءِ تَفْصِيلٌ فَلْيُرْجَعْ إلَيْهِ فَعُلِمَ بِهِ أَنَّ دُخُولَهُ فِي الصَّحِيحِ مُوجِبٌ لِلْعِدَّةِ عَلَيْهَا بِالْأَوْلَى وَخَلْوَتُهُ كَدُخُولِهِ فِيهَا فَحَاصِلُهُ أَنَّ الزَّوْجَ الصَّبِيَّ كَالْبَالِغِ فِي الصَّحِيحِ وَالْفَاسِدِ وَفِي الْوَطْءِ بِشُبْهَةٍ فِي الْوَفَاةِ وَالطَّلَاقِ وَالتَّفْرِيقِ وَوَضْعِ الْحَمْلِ كَمَا لَا يَخْفَى فَلْيُحْفَظْ. ثُمَّ رَأَيْت فِي الْقُنْيَةِ مَا نَصُّهُ " تَجِبُ الْعِدَّةُ بِدُخُولِ زَوْجِهَا الصَّبِيِّ الْمُرَاهِقِ " وَفِي آحَادِ الْجُرْجَانِيِّ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ إنَّ الْمَهْرَ وَالْعِدَّةَ وَاجِبَانِ بِوَطْءِ الصَّبِيِّ، وَفِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ تَجِبُ الْعِدَّةُ دُونَ الْمَهْرِ ثُمَّ قَالَ وَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ؛ لِأَنَّهُمَا أَجَابَا فِي مُرَاهِقٍ يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْإِعْلَاقُ وَمُحَمَّدٌ أَجَابَ فِيمَنْ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْإِعْلَاقُ؛ لِأَنَّ ذَكَرَهُ فِي حُكْمِ إصْبَعِهِ، وَفِي نَظْمِ الزَّنْدَوَسْتِيِّ زَنَتْ الْعَاقِلَةُ الْبَالِغَةُ بِصَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ لَا حَدَّ عَلَيْهِمَا وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَلَا مَهْرَ لَهَا اهـ. وَلِهَذَا صَوَّرَ الْمَسْأَلَةَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي فِيمَا إذَا كَانَ رَضِيعًا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَلَا يَلْزَمُ امْرَأَةَ الْكَبِيرِ إذَا حَدَثَ لَهَا الْحَمْلُ بَعْدَ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ مِنْهُ فَكَانَ كَالْقَائِمِ عِنْدَ الْمَوْتِ حُكْمًا اهـ. وَمُرَادُهُ بِقَوْلِهِ إذَا حَدَثَ ظُهُورُهُ بَعْدَ الْمَوْتِ فَهُوَ كَالظَّاهِرِ عِنْدَهُ تَبَعًا لِثُبُوتِ النَّسَبِ مِنْهُ وَلِذَا قَيَّدْنَاهُ بِأَنْ تَلِدَهُ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ أَمَّا إذَا وَلَدَتْهُ لِسَنَتَيْنِ فَأَكْثَرَ مِنْ مَوْتِهِ كَانَتْ عِدَّتُهَا بِالشُّهُورِ لِلتَّيَقُّنِ بِحُدُوثِهِ عِنْدَ الْمَوْتِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ ثَابِتِ النَّسَبِ وَعِنْدَ التَّأَمُّلِ لَا مَعْنَى لِلْإِيرَادِ الْمُجَابِ عَنْهُ بِمَا ذُكِرَ أَصْلًا كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِي الْمُجْتَبَى حَبِلَتْ الْمُطَلَّقَةُ فَعِدَّتُهَا بِالْوَضْعِ، وَكَذَا لَوْ تَزَوَّجَتْ فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ وَحَبِلَتْ وَعَنْهُ خِلَافُهُ بِخِلَافِ عِدَّةِ الطَّلَاقِ، وَفِي الْإِيضَاحِ حَبِلَتْ فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ فَعِدَّتُهَا بِالشُّهُورِ وَإِنْ حَبِلَتْ   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 154 مُعْتَدَّةً عَنْ ثَلَاثٍ فَعِدَّتُهَا بِالْوَضْعِ اهـ. وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ إنْ مَاتَ الْمَجْنُونُ عَنْ امْرَأَتِهِ كَانَ حُكْمُهُ فِي الْعِدَّةِ وَالْوَلَدِ حُكْمَ الرَّجُلِ الصَّحِيحِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ قُبَيْلَ الْمَهْرِ زَوَّجَ أَمَتَهُ مِنْ رَضِيعٍ ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ الْمَوْلَى ثَبَتَ نَسَبُهُ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِنَسَبِ مَنْ يَمْلِكُهُ وَلَيْسَ لَهُ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ، وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ مَجْبُوبًا لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ مِنْ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ ثَابِتُ النَّسَبِ مِنْ الزَّوْجِ وَعَلَى الزَّوْجِ كُلُّ الْمَهْرِ لِمَكَانِ الدُّخُولِ حُكْمًا اهـ. وَالْحَقُّ أَنَّ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِمَا وَإِنَّمَا هِيَ رِوَايَةٌ شَاذَّةٌ عَنْهُ مُوَافِقَةٌ لِلشَّافِعِيِّ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَيْضًا كَمَا حَقَّقَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِيهِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا طَلَّقَ الْكَبِيرُ امْرَأَتَهُ فَأَتَتْ بِوَلَدٍ غَيْرِ سِقْطٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ بِأَنْ تَزَوَّجَهَا حَامِلًا مِنْ الزِّنَا وَلَا يَعْلَمُ الْحَالَ وَإِنَّمَا وَضَعَتْ كَذَلِكَ بَعْدَ الطَّلَاقِ تَعْتَدُّ بِالْوَضْعِ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لَهُ وَإِنَّمَا قُلْنَا وَلَا يَعْلَمُ لِيَصِحَّ كَوْنُهُ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ عَلِمَ لَا يَصِحُّ الْعَقْدُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الْعَقْدَ عَلَى الْحُبْلَى مِنْ الزِّنَا بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ فَإِنَّهُ وَإِنْ لَمْ يُصَحِّحْهُ لَكِنْ يُوجِبُ مِنْ الْوَطْءِ فِيهِ الْعِدَّةَ؛ لِأَنَّهُ شُبْهَةٌ فَيَقَعُ الْخِلَافُ فِي أَنَّهَا بِالْوَضْعِ أَوْ بِالْأَشْهُرِ اهـ. وَفِي الْبَدَائِعِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ فِي زَوْجَةِ الْكَبِيرِ تَأْتِي بِوَلَدٍ بَعْدَ مَوْتِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ وَقَدْ تَزَوَّجَتْ بَعْدَ مُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ إنَّ النِّكَاحَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ إقْدَامَهَا عَلَى النِّكَاحِ إقْرَارٌ مِنْهَا بِالِانْقِضَاءِ وَلَمْ يَرِدْ مَا يُبْطِلُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَالنَّسَبُ مُنْتَفٍ فِيهِمَا) أَيْ: فِي الْمَوْجُودِ وَقْتَ الْمَوْتِ وَالْحَادِثِ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ لَا مَاءَ لَهُ فَلَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْعُلُوقُ وَلَا يَرِدُ ثُبُوتُ نَسَبِ وَلَدِ امْرَأَةِ الْمَشْرِقِيِّ مِنْ الْمَغْرِبِيَّةِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ إنَّمَا أَقَمْنَاهُ مَقَامَ الْعُلُوقِ لِتَصَوُّرِهِ حَقِيقَةً وَهُوَ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ هُنَا حَقِيقَةً فَافْتَرَقَا وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ دُخُولُ الْمُرَاهِقِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَثْبُتَ النَّسَبُ احْتِيَاطًا إلَّا أَنْ لَا يُمْكِنَ بِأَنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلِهَذَا صَوَّرَ الْمَسْأَلَةَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي بِمَا إذَا كَانَ رَضِيعًا. وَدَلَّ كَلَامُهُمْ فِي زَوْجَةِ الصَّغِيرِ أَنَّ الْحَامِلَ مِنْ الزِّنَا إذَا تَزَوَّجَتْ ثُمَّ مَاتَ عَنْهَا زَوْجُهَا فَعِدَّتُهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمِعْرَاجِ مَعْزِيًّا إلَى قَاضِي خَانْ وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْحَامِلَ مِنْ الزِّنَا لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا عِنْدَهُمَا وَلِذَا صَحَّحَا نِكَاحَهَا لِغَيْرِ الزَّانِي وَإِنْ حَرَّمَا الْوَطْءَ وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِيمَا إذَا تَزَوَّجَتْ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَهِيَ حَامِلٌ مِنْ الزِّنَا ثُمَّ طَلَّقَهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا فَإِنَّهَا تَعْتَدُّ بِوَضْعِ الْحَمْلِ، وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ الشَّهِيدِ فِي عِدَّةِ امْرَأَةِ الصَّغِيرِ إذَا مَاتَ وَهِيَ حَامِلٌ فَإِنَّ عِدَّتَهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ قَالَ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ وَهِيَ حَامِلٌ وَإِنْ كَانَ مِنْ فُجُورٍ وَالْخَصِيُّ كَالصَّحِيحِ فِي الْوَلَدِ وَالْعِدَّةِ وَكَذَلِكَ الْمَجْبُوبُ إذَا كَانَ يُنْزِلُ وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ لَمْ يَلْزَمْهُ الْوَلَدُ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الصَّبِيِّ فِي الْوَلَدِ وَالْعِدَّةِ. (قَوْلُهُ وَلَمْ تَعْتَدَّ بِحَيْضٍ طَلُقَتْ فِيهِ) لِلُزُومِ النَّقْصِ عَنْ الْمُقَدَّرِ شَرْعًا لَوْ اُعْتُدَّ بِهَا، وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ بِخِلَافِ الطُّهْرِ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الطَّلَاقُ فَإِنَّهُ مَحْسُوبٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَقَدْ أُورِدَ عَلَيْهِمَا لُزُومُ النُّقْصَانِ عَنْ الثَّلَاثَةِ فَأُورِدَ عَلَيْنَا لُزُومُ الزِّيَادَةِ عَلَيْهَا وَالْخَاصُّ كَمَا لَا يَحْتَمِلُ النُّقْصَانَ لَا يَحْتَمِلُ الزِّيَادَةَ وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّا لَمْ نَعْتَبِرْ ذَلِكَ الزَّائِدَ أَصْلًا فَلَا زِيَادَةَ عَلَى الْخَاصِّ وَالْحَاصِلُ لَا اعْتِبَارَ بِالنَّاقِصِ لَا ابْتِدَاءً وَلَا انْتِهَاءً. (قَوْلُهُ وَتَجِبُ عِدَّةٌ أُخْرَى بِوَطْءِ الْمُعْتَدَّةِ بِشُبْهَةٍ وَتَدَاخَلَتَا وَالْمَرْئِيُّ مِنْهُمَا وَتَتِمُّ الثَّانِيَةُ إنْ تَمَّتْ الْأُولَى) ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ التَّعَرُّفُ عَنْ فَرَاغِ الرَّحِمِ وَقَدْ حَصَلَ بِالْوَاحِدَةِ فَيَتَدَاخَلَانِ وَمَعْنَى الْعِبَادَةِ فِيهَا تَابِعٌ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا تَنْقَضِي بِدُونِ عِلْمِهَا وَمِنْ غَيْرِ تَرْكِهَا الْكَفَّ أُطْلِقَ الْوَطْءُ بِشُبْهَةٍ فَشَمِلَ الْمُطَلِّقَ وَغَيْرَهُ حَتَّى لَوْ حَاضَتْ الْمُطَلَّقَةُ حَيْضَةً ثُمَّ تَزَوَّجَتْ بِآخَرَ وَوَطِئَهَا وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ حَاضَتْ حَيْضَتَيْنِ بَعْدَ التَّفْرِيقِ فَقَدْ انْقَضَتْ عِدَّةُ الْأَوَّلِ وَحَلَّ لِلثَّانِي أَنْ يَتَزَوَّجَهَا وَلَيْسَ لِغَيْرِهِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا حَتَّى تَحِيضَ ثَلَاثًا مِنْ وَقْتِ التَّفْرِيقِ وَإِنْ كَانَ طَلَاقُ الْأَوَّلِ رَجْعِيًّا كَانَ لَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا قَبْلَ أَنْ تَحِيضَ حَيْضَتَيْنِ لِبَقَاءِ عِدَّتِهَا وَلَا يَطَؤُهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّةُ الثَّانِي فَإِنْ حَاضَتْ ثَلَاثًا مِنْ وَقْتِ التَّفْرِيقِ فَقَدْ انْقَضَتْ الْعِدَّتَانِ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالْوَطْءُ بِشُبْهَةٍ يَتَحَقَّقُ فِي صُوَرٍ   [منحة الخالق] [عدة زَوْجَةِ الصَّغِيرِ الْحَامِلِ] (قَوْلُهُ وَالْحَقُّ أَنَّ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ إلَخْ) رَاجِعٌ لِمَسْأَلَةِ الْمَتْنِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 155 مِنْهَا: مَنْ زُفَّتْ إلَى غَيْرِ زَوْجِهَا، وَمِنْهَا الْمَوْطُوءَةُ لِلزَّوْجِ بَعْدَ الثَّلَاثِ فِي الْعِدَّةِ بِنِكَاحٍ قَبْلَ زَوْجٍ آخَرَ وَفِي الْعِدَّةِ إذَا قَالَ: ظَنَنْت أَنَّهَا تَحِلُّ لِي، وَمِنْهَا الْمُبَانَةُ فِي الْكِنَايَةِ إذَا وَطِئَهَا فِي الْعِدَّةِ وَمِنْهَا الْمُعْتَدَّةُ إذَا وَطِئَهَا آخَرُ فِي الْعِدَّةِ بِشُبْهَةٍ أَوْ فِي عِصْمَةٍ فَوَطِئَهَا آخَرُ بِشُبْهَةٍ ثُمَّ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ فَفِي هَذِهِ تَجِبُ عِدَّتَانِ فَيَتَدَاخَلَانِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَخْذًا مِنْ الْمِعْرَاجِ أَخْذًا مِنْ الْيَنَابِيعِ وَلَكِنَّهُ نَظَرَ فِي مَسْأَلَةِ الْمِعْرَاجِ وَهِيَ الْمَوْطُوءَةُ لِلزَّوْجِ بَعْدَ الثَّلَاثِ إذَا ادَّعَى ظَنَّ الْحِلِّ بِأَنَّهُ مِنْ قُبَيْلِ شُبْهَةِ الْفِعْلِ وَالنَّسَبُ لَا يَثْبُتُ فِيهَا بِالْوَطْءِ وَإِنْ قَالَ: ظَنَنْت أَنَّهَا تَحِلُّ لِي وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ لَمْ تَجِبْ الْعِدَّةُ لَكِنَّ الْأَخِيرَةَ لَمْ تَدْخُلْ تَحْتَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ فِي وَطْءِ الْمُعْتَدَّةِ وَتِلْكَ وَطْءُ الْمَنْكُوحَةِ وَإِنْ اشْتَرَكَتَا فِي وُجُوبِ عِدَّتَيْنِ. قَوْلُهُ: " وَالْمَرْئِيُّ مِنْهُمَا " بَيَانٌ لِمَعْنَى التَّدَاخُلِ وَلَكِنَّهُ قَاصِرٌ عَلَى مَنْ تَحِيضُ بَعْدَ أَنْ كَانَ قَوْلُهُ وَتَدَاخَلَتَا شَامِلًا لِمَا إذَا كَانَتَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ كَوَطْءِ الْمُعْتَدَّةِ عَنْ طَلَاقٍ أَوْ جِنْسَيْنِ كَوَطْءِ الْمُعْتَدَّةِ عَنْ وَفَاةٍ، وَأَمَّا مَنْ لَمْ تَحِضْ إذَا وَجَبَتْ عَلَيْهَا عِدَّتَانِ فَالْأَشْهُرُ لَهُمَا يَتَأَدَّيَانِ بِمُدَّةٍ وَاحِدَةٍ حَيَاةً وَوَفَاةً، وَكَذَا الْمُعْتَدَّةُ عَنْ وَفَاةٍ إذَا وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ تَعْتَدُّ بِالشُّهُورِ وَتُحْتَسَبُ بِمَا تَرَاهُ مِنْ الْحَيْضِ فَلَوْ لَمْ تَرَ فِيهَا دَمًا يَجِبُ أَنْ تَعْتَدَّ بَعْدَ الْأَشْهُرِ بِثَلَاثِ حِيَضٍ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. بَقِيَ صُورَتَانِ: لَوْ كَانَتْ حَائِلًا فِي عِدَّةِ الطَّلَاقِ أَوْ الْمَوْتِ فَوُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ فَحَبِلَتْ فَظَاهِرُ مَا فِي الْمِعْرَاجِ التَّدَاخُلُ فَتَنْقَضِي بِوَضْعِ الْحَمْلِ؛ لِأَنَّ الْحَامِلَ لَا تَحِيضُ عِنْدَنَا فَيَنْبَغِي أَنْ يُكْتَفَى بِوَضْعِ الْحَمْلِ وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي بَيَانِ عِدَّةِ امْرَأَةِ الصَّغِيرِ مَعْزِيًّا إلَى الْمُجْتَبَى فَارْجِعْ إلَيْهِ، وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ لَوْ تَزَوَّجَتْ الْمُعْتَدَّةُ بِرَجُلٍ وَدَخَلَ بِهَا وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا فَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا فَوَضَعَتْ انْقَضَتْ الْعِدَّتَانِ مِنْهُمَا جَمِيعًا وَفِيهِ أَيْضًا لَوْ تَزَوَّجَتْ فِي عِدَّتِهَا مِنْ طَلَاقٍ بَائِنٌ وَدَخَلَ بِهَا فَوَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مُنْذُ طَلَّقَ الْأَوَّلُ وَلِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ دَخَلَ الثَّانِي لَزِمَ الْأَوَّلَ وَإِنْ كَانَ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ مُنْذُ طَلَّقَهَا الْأَوَّلُ وَلِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ دَخَلَ الثَّانِي لَمْ يَلْزَمْ الْأَوَّلَ وَلَا الثَّانِيَ اهـ. بَقِيَ مَا لَوْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ طَلَاقِ الْأَوَّلِ وَلِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ دُخُولِ الثَّانِي وَيَنْبَغِي إلْحَاقُهُ بِالْأَوَّلِ وَبَقِيَ مَا لَوْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ طَلَاقِ الْأَوَّلِ وَلِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ دُخُولِ الثَّانِي وَلَا شَكَّ بِإِلْحَاقِهِ بِالثَّانِي فَهِيَ رُبَاعِيَّةٌ، وَفِي نُسْخَتَيْ الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ سَقْطٌ وَتَغْيِيرٌ فِي هَذَا الْمَحَلِّ، وَفِي الْجَوْهَرَةِ ثُمَّ إذَا تَدَاخَلَتَا عِنْدَنَا وَكَانَتْ الْعِدَّةُ مِنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ فَلَا نَفَقَةَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَهَا وَإِنْ كَانَتْ مِنْ بَائِنٍ فَنَفَقَتُهَا عَلَى الْأَوَّلِ وَالزَّوْجَةُ إذَا تَزَوَّجَتْ بِآخَرَ وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا بَعْدَ الدُّخُولِ وَوَجَبَتْ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا فِي هَذِهِ الْعِدَّةِ عَلَى زَوْجِهَا؛ لِأَنَّهَا مَنَعَتْ نَفْسَهَا فِي الْعِدَّةِ اهـ. فَعَلَى هَذَا فَالْمَنْعُ الشَّرْعِيُّ أَقْوَى مِنْ الْمَنْعِ الْحِسِّيِّ؛ لِأَنَّهَا لَوْ مَنَعَتْهُ عَنْ جِمَاعِهَا لَهَا النَّفَقَةُ، وَفِي الْمُجْتَبَى كُلُّ نِكَاحٍ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي جَوَازِهِ كَالنِّكَاحِ بِلَا شُهُودٍ فَالدُّخُولُ فِيهِ يُوجِبُ الْعِدَّةَ أَمَّا نِكَاحُ مَنْكُوحَةِ الْغَيْرِ وَمُعْتَدَّتُهُ فَالدُّخُولُ فِيهِ لَا يُوجِبُ الْعِدَّةَ إنْ عَلِمَ أَنَّهَا لِلْغَيْرِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِجَوَازِهِ فَلَمْ يَنْعَقِدْ أَصْلًا فَعَلَى هَذَا يُفَرَّقُ بَيْنَ فَاسِدِهِ وَبَاطِلِهِ فِي الْعِدَّةِ وَلِهَذَا يَجِبُ الْحَدُّ مَعَ الْعِلْمِ بِالْحُرْمَةِ لِكَوْنِهِ زِنًا كَمَا فِي الْقُنْيَةِ وَغَيْرِهَا، وَلَوْ كَانَ الْوَاطِئُ فِي الْعِدَّةِ وَالْمُطَلِّقُ هُوَ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا بَعْدَ عِدَّةِ الطَّلَاقِ كَذَا فِي الْمُجْتَبَى. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمَرْئِيَّ إنَّمَا يَكُونُ مِنْهُمَا إذَا كَانَ بَعْدَ التَّفْرِيقِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْوَاطِئِ الثَّانِي أَمَّا إذَا حَاضَتْ حَيْضَةً بَعْدَ وَطْءِ الثَّانِي قَبْلَ التَّفْرِيقِ فَإِنَّهَا مِنْ عِدَّةِ الْأَوَّلِ خَاصَّةً وَبَقِيَ عَلَيْهَا مِنْ تَمَامِ عِدَّةِ الْأَوَّلِ حَيْضَتَانِ، وَلِلثَّانِي ثَلَاثُ حِيَضٍ، فَإِذَا حَاضَتْ حَيْضَتَيْنِ كَانَتْ مِنْهُمَا جَمِيعًا وَبَقِيَتْ مِنْ عِدَّةِ الثَّانِي حَيْضَةٌ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ، فَإِنْ قِيلَ: إذَا كَانَ الْوَاطِئُ الْمُطَلِّقَ فَهَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ التَّفْرِيقِ أَيْضًا قُلْت لَمْ أَرَهُ صَرِيحًا، وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ رَجُلٌ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فَلَمَّا اعْتَدَّتْ بِحَيْضَتَيْنِ أَكْرَهَهَا عَلَى الْجِمَاعِ، فَإِنْ جَامَعَهَا مُنْكِرًا طَلَاقَهَا تَسْتَقْبِلُ الْعِدَّةَ وَإِنْ كَانَ مُقِرًّا بِطَلَاقِهَا لَكِنْ جَامَعَهَا عَلَى وَجْهِ الزِّنَا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي إلْحَاقُهُ بِالْأَوَّلِ) سَيَأْتِي فِي أَوَائِلِ ثُبُوتِ النَّسَبِ عَنْ الْبَدَائِعِ أَنَّهُ لِلثَّانِي فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَأَنَّ نِكَاحَ الثَّانِي جَائِزٌ؛ لِأَنَّ إقْدَامَهَا عَلَى التَّزَوُّجِ دَلِيلُ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا مِنْ الْأَوَّلِ اهـ. لَكِنْ رَاجَعْت كَافِيَ الْحَاكِمِ فَرَأَيْته ذَكَرَ مَا يُوَافِقُ بَحْثَ الْمُؤَلِّفِ وَعِبَارَتَهُ هَكَذَا وَإِنْ تَزَوَّجَتْ الْمَرْأَةُ فِي عِدَّتِهَا مِنْ طَلَاقٍ بَائِنٌ وَدَخَلَ بِهَا زَوْجُهَا فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ يَوْمِ طَلَّقَهَا الْأَوَّلُ وَلِسِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ أَكْثَرَ مُنْذُ تَزَوَّجَهَا الْآخَرُ فَالْوَلَدُ لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ نِكَاحَ الْآخَرِ كَانَ فَاسِدًا وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ مُنْذُ طَلَّقَ الْأَوَّلُ وَلِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ تَزَوَّجَهَا الْآخَرُ لَمْ يَلْزَمْ الْأَوَّلَ وَلَا الْآخَرَ؛ لِأَنَّ النِّسَاءَ لَا يَلِدْنَ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ وَلَا يَلِدْنَ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ مُنْذُ طَلَّقَهَا الْأَوَّلُ وَلِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ تَزَوَّجَهَا الْآخَرُ وَدَخَلَ بِهَا فَهُوَ لِلْآخَرِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 156 لَا تَسْتَقْبِلُ وَكَذَلِكَ مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثُمَّ أَقَامَ مَعَهَا زَمَانًا فَعَلَى التَّفْصِيلِ اهـ. وَشَمِلَ قَوْلُهُ الْمُعْتَدَّةِ عَنْ وَطْءٍ بِشُبْهَةٍ لَوْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ ثَانِيًا وَالْمُعْتَدَّةَ عَنْ فَاسِدٍ لَوْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ لِلْأَوَّلِ لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْقُنْيَةِ خِلَافًا فِي الثَّانِيَةِ. (قَوْلُهُ وَمَبْدَأُ الْعِدَّةِ بَعْدَ الطَّلَاقِ وَالْمَوْتِ) يَعْنِي ابْتِدَاءُ عِدَّةِ الطَّلَاقِ مِنْ وَقْتِهِ وَابْتِدَاءُ عِدَّةِ الْوَفَاةِ مِنْ وَقْتِهَا سَوَاءٌ عَلِمَتْ بِالطَّلَاقِ وَالْمَوْتِ أَوْ لَمْ تَعْلَمْ حَتَّى لَوْ لَمْ تَعْلَمْ وَمَضَتْ مُدَّةُ الْعِدَّةِ فَقَدْ انْقَضَتْ؛ لِأَنَّ سَبَبَ وُجُوبِهَا الطَّلَاقُ أَوْ الْوَفَاةُ فَيُعْتَبَرُ ابْتِدَاؤُهَا مِنْ وَقْتِ وُجُودِ السَّبَبِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَشُرِحَ عَلَيْهِ فِي الْعِنَايَةِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ وَالْمِعْرَاجِ مِنْ غَيْرِ تَعْقِيبٍ، وَهَذَا صَرِيحٌ فِيمَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْبَدَائِعِ مِنْ بَيَانِ سَبَبِهَا مُخَالِفٌ لِمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ أَنَّ الْفُرْقَةَ شَرْطُهَا وَالنِّكَاحَ سَبَبُهَا وَقَوْلُهُ هُنَا أَنَّ فِي عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ تَسَاهُلًا فَقَدْ قَدَّمُوا أَنَّ سَبَبَهَا النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ شَرْطٌ وَأَنَّ الْإِضَافَةَ فِي قَوْلِنَا عِدَّةُ الطَّلَاقِ إلَى الشَّرْطِ فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ؛ لِأَنَّ عِنْدَ الطَّلَاقِ وَالْمَوْتِ يَتِمُّ السَّبَبُ فَيَسْتَعْقِبُهُمَا مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ فَيَكُونُ مَبْدَأُ الْعِدَّةِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بِالضَّرُورَةِ، وَذَكَرَ الشَّارِحُ الزَّيْلَعِيُّ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فَقَالَ وَجَعَلَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ السَّبَبَ إنَّمَا هُوَ الطَّلَاقُ أَوْ الْمَوْتُ وَهُوَ تَجَوُّزٌ لِكَوْنِهِ مُعْمِلًا لِلْعِلَّةِ اهـ. وَفِي الْكَافِي شَرْحِ الْوَافِي وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ سَبَبُ وُجُوبِهَا الطَّلَاقُ أَوْ الْمَوْتُ وَقَدْ نُصَّ فِي الْأَسْرَارِ أَنَّ سَبَبَ وُجُوبِهَا نِكَاحٌ مُتَأَكِّدٌ بِالدُّخُولِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ مِمَّا يُكْمِلُ الْمَهْرَ عِنْدَ ثُبُوتِ مَا يُوجِبُ الْفُرْقَةَ لَا الْفُرْقَةُ فَإِنَّهَا شَرْطٌ اهـ. . وَقَدَّمْنَا أَنَّ ابْتِدَاءَ الْعِدَّةِ فِي الطَّلَاقِ الْمُبْهَمِ مِنْ وَقْتِ الْبَيَانِ يَعْنِي لِكَوْنِهِ إنْشَاءً مِنْ وَجْهٍ، وَفِي الْكَافِي لِلْحَاكِمِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ إذَا أَتَاهَا خَبَرُ مَوْتِ زَوْجِهَا وَشَكَّتْ فِي وَقْتِ الْمَوْتِ تَعْتَدُّ مِنْ الْوَقْتِ الَّذِي تَسْتَيْقِنُ فِيهِ بِمَوْتِهِ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ يُؤْخَذُ فِيهَا بِالِاحْتِيَاطِ وَذَلِكَ فِي الْعَمَلِ بِيَقِينٍ اهـ. وَظَاهِرُ كَلَامِ مُحَمَّدٍ فِي الْمَبْسُوطِ كَالْمُخْتَصَرِ أَنَّ الْعِدَّةَ تُعْتَبَرُ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ فِي إقْرَارِهِ بِالطَّلَاقِ مِنْ زَمَانٍ مَضَى إلَّا أَنَّ الْمُتَأَخِّرِينَ اخْتَارُوا وُجُوبَ الْعِدَّةِ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ حَتَّى لَا يَحِلَّ لَهُ التَّزَوُّجُ بِأُخْتِهَا وَأَرْبَعٍ سِوَاهَا زَجْرًا لَهُ حَيْثُ كَتَمَ طَلَاقَهَا وَلَكِنْ لَا نَفَقَةَ لَهَا وَلَا كِسْوَةَ إنْ صَدَّقَتْهُ فِي الْإِسْنَادِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهَا مَقْبُولٌ عَلَى نَفْسِهَا، وَفِي الْهِدَايَةِ وَمَشَايِخُنَا يُفْتُونَ فِي الطَّلَاقِ أَنَّ ابْتِدَاءَهَا مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ نَفْيًا لِتُهْمَةِ الْمُوَاضَعَةِ اهـ. وَهُوَ الْمُخْتَارُ كَمَا فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى، وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَرَادَ بِالْمَشَايِخِ عُلَمَاءَ بُخَارَى وَسَمَرْقَنْدَ لَا جَمَاعَةَ التَّصَوُّفِ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُ الْبِدْعَةِ اهـ. وَهُوَ عَجِيبٌ مِنْهُ وَالْحَاصِلُ أَنَّهَا إنْ كَذَّبَتْهُ فِي الْإِسْنَادِ أَوْ قَالَتْ لَا أَدْرِي فَمِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ وَإِنْ صَدَّقَتْهُ فَفِي حَقِّهَا مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ، وَفِي حَقِّ اللَّهِ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ، وَأَمَّا حُكْمُ وَطْئِهَا فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ فَقَالَ فِي الِاخْتِيَارِ لَهَا أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُ مَهْرًا ثَانِيًا؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِهِ وَقَدْ صَدَّقَتْهُ اهـ. وَفِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَدَخَلَ بِهَا ثُمَّ قَالَ كُنْت حَلَفْت إنْ تَزَوَّجْت ثَيِّبًا قَطُّ فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَلَمْ أَعْلَمْ أَنَّهَا ثَيِّبٌ يَقَعُ الطَّلَاقُ بِإِقْرَارِهِ ثُمَّ إنْ صَدَّقَتْهُ الْمَرْأَةُ كَانَ لَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَمَهْرُ الْمِثْلِ بِالدُّخُولِ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ لِهَذَا الْوَطْءِ وَلَا نَفَقَةَ لَهَا؛ لِأَنَّهَا صَدَّقَتْهُ فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَإِنْ كَذَّبَتْهُ الْمَرْأَةُ فِي الْيَمِينِ فَلَهَا مَهْرٌ وَاحِدٌ وَلَهَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى؛ لِأَنَّهَا تَزْعُمُ أَنَّ الطَّلَاقَ وَقَعَ عَلَيْهَا بِإِقْرَارِهِ بَعْدَ الدُّخُولِ اهـ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ يَوْمَ الْمَوْتِ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْقَضَاءِ وَيَوْمَ الْقَتْلِ يَدْخُلُ وَقَدْ وَقَعَتْ حَادِثَةٌ فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ اسْتَخْرَجْنَا حُكْمَهَا مِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ وَأَوْضَحْنَاهَا فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ، وَفِي الْقُنْيَةِ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ كَانَ قَبْلَهَا طَلْقَةٌ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَلَمْ تَقَعْ الثَّلَاثُ وَصَدَّقَتْهُ فِي ذَلِكَ فَقَدْ ذُكِرَ فِي الْجَامِعِ أَنَّهُمَا يُصَدَّقَانِ وَذَكَرَ عَلِيٌّ الْبَزْدَوِيِّ أَنَّهُمَا لَا يُصَدَّقَانِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَإِنْ لَمْ تُصَدِّقْهُ هِيَ لَا يُصَدَّقُ اهـ. وَفِيهَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَيَقُولُ كُنْت طَلَّقْتهَا قَبْلَ ذَلِكَ وَاحِدَةً وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا، فَإِنْ كَانَ انْقِضَاءُ الْعِدَّةِ مَعْلُومًا عِنْدَ النَّاسِ لَا يَقَعُ الثَّلَاثُ وَإِلَّا يَقَعُ، وَلَوْ حُكِمَ عَلَيْهِ بِوُقُوعِ الثَّلَاثِ بِالْبَيِّنَةِ   [منحة الخالق] [مَبْدَأُ الْعِدَّةِ] (قَوْلُهُ وَقَدَّمْنَا أَنَّ ابْتِدَاءَ الْعِدَّةِ فِي الطَّلَاقِ الْمُبْهَمِ) أَيْ: فِيمَا إذَا قَالَ لِزَوْجَتَيْهِ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ وَقَدَّمَهَا تَحْتَ قَوْلِهِ وَلِزَوْجَةِ الْفَارِّ. (قَوْلُهُ وَأَمَّا حُكْمُ وَطْئِهَا فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ إلَخْ) لِيُنْظَرَ هَلْ يَتَكَرَّرُ الْمَهْرُ بِتَكَرُّرِ الْوَطْءِ وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ الْمَهْرِ أَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الْوَطْءَ مَتَى حَصَلَ عَقِبَ شُبْهَةِ الْمِلْكِ مِرَارًا لَمْ يَجِبْ إلَّا مَهْرٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ صَادَفَ مِلْكَهُ كَالْوَطْءِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَكَمَا لَوْ وَطِئَ جَارِيَةَ ابْنِهِ أَوْ جَارِيَةَ مُكَاتَبِهِ أَوْ وَطِئَ مَنْكُوحَتَهُ ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ حَلَفَ بِطَلَاقِهَا وَمَتَى حَصَلَ الْوَطْءُ عَقِيبَ شُبْهَةِ الِاشْتِبَاهِ مِرَارًا فَإِنَّهُ يَجِبُ بِكُلِّ وَطْءٍ مَهْرٌ عَلَى حِدَةٍ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَطْءٍ صَادَفَ مِلْكَ الْغَيْرِ كَوَطْءِ الِابْنِ جَارِيَةَ أَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ أَوْ جَارِيَةَ امْرَأَتِهِ مِرَارًا وَقَدْ ادَّعَى الشُّبْهَةَ فَعَلَيْهِ لِكُلِّ وَطْءٍ مَهْرٌ ثُمَّ، قَالَ: وَفِي الْخُلَاصَةِ لَوْ وَطِئَ الْمُعْتَدَّةَ عَنْ طَلَاقٍ ثَلَاثٍ وَادَّعَى الشُّبْهَةَ يَلْزَمُهُ مَهْرٌ وَاحِدٌ أَمْ بِكُلِّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 157 بَعْدَ إنْكَارِهِ فَلَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً إنِّي كُنْت طَلَّقْتهَا قَبْلَ ذَلِكَ طَلْقَةً بِمُدَّةٍ مَدِيدَةٍ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ اهـ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَعُرِفَ أَنَّ تَقْيِيدَهُ بِالْإِقْرَارِ يُفِيدُ أَنَّ الطَّلَاقَ الْمُتَقَدِّمَ إذَا ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ يَنْبَغِي أَنْ تُعْتَبَرَ الْعِدَّةُ مِنْ وَقْتِ قَامَتْ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَهُ بِالْبَيِّنَةِ لَا بِالْإِقْرَارِ اهـ. وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ تَأْخِيرُ الشَّهَادَةِ لِعُذْرٍ أَمَّا إذَا كَانَ لِغَيْرِ عُذْرٍ لَمْ تُقْبَلْ الشَّهَادَةُ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّ الْعِدَّةَ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ صَدَّقَتْهُ أَوْ كَذَّبَتْهُ وَلَا يَظْهَرُ أَثَرُ تَصْدِيقِهَا إلَّا فِي إسْقَاطِ النَّفَقَةِ وَوَفَّقَ السُّغْدِيُّ فَحَمَلَ كَلَامَ مُحَمَّدٍ عَلَى مَا إذَا كَانَا مُتَفَرِّقَيْنِ وَكَلَامَ الْمَشَايِخِ عَلَى مَا إذَا كَانَا مُجْتَمِعَيْنِ؛ لِأَنَّ الْكَذِبَ فِي كَلَامِهِمَا ظَاهِرٌ، وَهَذَا هُوَ التَّوْفِيقُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إنَّ فَتْوَى الْمُتَأَخِّرِينَ مُخَالِفَةٌ لِلْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَجُمْهُورِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ بِمَحَلِّ التُّهْمَةِ وَلِذَا قَيَّدَهُ السُّغْدِيُّ بِأَنْ يَكُونَا مُجْتَمِعَيْنِ. وَفِي الْجَوْهَرَةِ، وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً أَخْبَرَهَا ثِقَةٌ أَنَّ زَوْجَهَا الْغَائِبَ مَاتَ أَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا أَوْ أَتَاهَا كِتَابٌ مِنْ زَوْجِهَا عَلَى يَدِ ثِقَةٍ بِالطَّلَاقِ وَلَا تَدْرِي أَنَّهُ كِتَابُهُ أَمْ لَا إلَّا أَنَّ أَكْبَرَ رَأْيِهَا أَنَّهُ حَقٌّ فَلَا بَأْسَ أَنْ تَعْتَدَّ وَتَتَزَوَّجَ، وَكَذَا لَوْ قَالَتْ امْرَأَةٌ لِرَجُلٍ طَلَّقَنِي زَوْجِي وَانْقَضَتْ عِدَّتِي لَا بَأْسَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا اهـ. وَفِي الذَّخِيرَةِ وَإِنْ شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا بَعْدَمَا دَخَلَ بِهَا فَلَمْ يُعَدَّلَا حَتَّى مَضَى أَيَّامٌ ثُمَّ عُدِّلَا وَقَضَى الْقَاضِي بِالْفُرْقَةِ بَيْنَهُمَا تُعْتَبَرُ الْعِدَّةُ مِنْ يَوْمِ الشَّهَادَةِ لَا مِنْ يَوْمِ الْقَضَاءِ اهـ. وَهَلْ يُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا بَعْدَ الشَّهَادَةِ قَبْلَ التَّزْكِيَةِ كَتَبْنَاهَا فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ فِي السَّابِعَ عَشَرَ بَعْدَ الثَّلَثِمِائَةِ وَكَتَبْنَا فِيهَا مَا تُسْمَعُ فِيهَا الشَّهَادَةُ بِدُونِ الدَّعْوَى وَهِيَ اثْنَتَا عَشْرَةَ مَسْأَلَةً، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَلَوْ جَعَلَ أَمْرَ امْرَأَتِهِ بِيَدِهَا إنْ ضَرَبَهَا فَضَرَبَهَا فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا فَأَنْكَرَ الزَّوْجُ الضَّرْبَ فَأَقَامَتْ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ وَقَضَى الْقَاضِي بِالْفُرْقَةِ فَالْعِدَّةُ مِنْ وَقْتِ الْقَضَاءِ أَوْ مِنْ وَقْتِ الضَّرْبِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِنْ وَقْتِ الضَّرْبِ، وَلَوْ طَلَّقَهَا فَأَنْكَرَ فَأُقِيمَتْ الْبَيِّنَةُ فَقُضِيَ بِالطَّلَاقِ فَالْعِدَّةُ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ لَا الْقَضَاءِ اهـ. وَفِي الْمُجْتَبَى قَالَ: إنْ فَعَلْتِ كَذَا فَأَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ فَعَلَتْ ذَلِكَ وَلَمْ يَعْلَمْ الزَّوْجُ بِهِ وَمَضَى عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَقْرَاءٍ وَتَزَوَّجَتْ بِآخَرَ وَدَخَلَ بِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا وَاعْتَدَّتْ ثُمَّ أَخْبَرَتْ زَوْجَهَا بِمَا صَنَعَتْ وَصَدَّقَهَا لَمْ تَحِلَّ لَهُ؛ لِأَنَّ عِدَّةَ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا مِنْ وَقْتِ الْفِرَاقِ عِنْدَنَا لَا مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ وَعِنْدَ زُفَرَ تَحِلُّ؛ لِأَنَّهَا مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ عِنْدَهُ وَلَا مَحَلَّ لِقَوْلِ الْمُحَقِّقِ ابْنِ الْهُمَامِ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْعِدَّةُ مِنْ وَقْتِ الضَّرْبِ بَلْ يَتَعَيَّنُ الْجَزْمُ بِكَوْنِهَا مِنْ وَقْتِ طَلَاقِهَا نَفْسِهَا لَا مِنْ وَقْتِ الْقَضَاءِ وَلَا مِنْ وَقْتِ الضَّرْبِ كَمَا جُزِمَ بِهِ فِي الْبَزَّازِيَّةِ كَمَا لَوْ ادَّعَتْ الطَّلَاقَ فِي شَوَّالٍ وَقُضِيَ بِالْفُرْقَةِ فِي الْمُحَرَّمِ فَالْعِدَّةُ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ لَا مِنْ وَقْتِ الْقَضَاءِ اهـ. وَفِي الْخَانِيَّةِ طَلَّقَهَا بَائِنًا أَوْ ثَلَاثًا ثُمَّ أَقَامَ مَعَهَا زَمَانًا إنْ أَقَامَ وَهُوَ يُنْكِرُ طَلَاقَهَا لَا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا وَإِنْ أَقَامَ وَهُوَ يُقِرُّ بِالطَّلَاقِ تَنْقَضِي عِدَّتُهَا اهـ. فَعَلَى هَذَا مَبْدَأُ الْعِدَّةِ مِنْ وَقْتِ ثُبُوتِ الطَّلَاقِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَفِيهَا أَيْضًا قَالَ لِامْرَأَتِهِ الْمَدْخُولَةِ: كُلَّمَا حِضْتِ وَطَهُرْتِ فَأَنْت طَالِقٌ فَحَاضَتْ ثَلَاثًا كَانَتْ الْعِدَّةُ عَلَيْهَا مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ الْأَوَّلِ اهـ. فَعَلَى هَذَا إذَا حَاضَتْ ثَلَاثًا بَانَتْ بِثَلَاثٍ وَبَقِيَ عَلَيْهَا حَيْضَةٌ مِنْ عِدَّتِهَا لَكِنَّ الثَّالِثَةَ لَا تَقَعُ إلَّا بِالطُّهْرِ، وَفِي الْقُنْيَةِ تَزَوَّجَهَا نِكَاحًا فَاسِدًا وَأَنْكَرَ الدُّخُولَ وَهِيَ تَزْعُمُ أَنَّهَا غَيْرُ بَالِغَةٍ وَأَنَّهُ دَخَلَ بِهَا لَزِمَتْهَا الْعِدَّةُ حَتَّى يَحْرُمَ نِكَاحُهَا عَلَى غَيْرِهِ اهـ. فَعَلَى هَذَا الْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي الدُّخُولِ وَعَدَمِهِ فِي حَقِّ الْمَهْرِ وَقَوْلُهَا فِي وُجُوبِ الْعِدَّةِ. (قَوْلُهُ: وَفِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ بَعْدَ التَّفْرِيقِ أَوْ الْعَزْمِ عَلَى تَرْكِ وَطْئِهَا)   [منحة الخالق] وَطْءٍ مَهْرٌ قِيلَ: إنْ كَانَتْ الطَّلْقَاتُ الثَّلَاثُ جُمْلَةً فَظَنَّ أَنَّهَا لَمْ تَقَعْ فَهُوَ ظَنٌّ فِي مَوْضِعِهِ فَيَلْزَمُهُ مَهْرٌ وَاحِدٌ وَإِنْ ظَنَّ أَنَّهَا تَقَعُ لَكِنْ ظَنَّ أَنَّ وَطْأَهَا حَلَالٌ فَهُوَ ظَنٌّ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ فَيَلْزَمُهُ بِكُلِّ وَطْءٍ مَهْرٌ. (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ تُعْتَبَرَ الْعِدَّةُ مِنْ وَقْتِ قَامَتْ) قَالَ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِهِ أَقُولُ: مُرَادُهُ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ الَّذِي أُقِيمَ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ لَا مِنْ وَقْتِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عِنْدَ الْقَاضِي اهـ. فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَوَفَّقَ السُّغْدِيُّ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ قَوْلِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ بِمَحَلِّ التُّهْمَةِ وَالنَّاسِ الَّذِينَ هُمْ مَظَانُّهَا وَلِذَا فَصَلَ السُّغْدِيُّ حَيْثُ قَالَ مَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ يَعْنِي مِنْ أَنَّ ابْتِدَاءَ الْعِدَّةِ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَا مُتَفَرِّقَيْنِ مِنْ الْوَقْتِ الَّذِي أُسْنِدَ الطَّلَاقُ إلَيْهِ أَمَّا إذَا كَانَا مُجْتَمِعَيْنِ فَالْكَذِبُ فِي كَلَامِهِمَا ظَاهِرٌ فَلَا يُصَدَّقَانِ فِي الْإِسْنَادِ قَالَ مُحَمَّدٌ وَعَلَى هَذَا إذَا فَارَقَهَا زَمَانًا ثُمَّ قَالَ لَهَا: كُنْت طَلَّقْتُكِ مُنْذُ كَذَا وَهِيَ لَا تَعْلَمُ بِذَلِكَ يُصَدَّقُ وَتُعْتَبَرُ عِدَّتُهَا مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ ثُمَّ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةٌ وَلَا سُكْنَى لِاعْتِرَافِهَا بِالسُّقُوطِ، وَعَلَى قَوْلِ هَؤُلَاءِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحِلَّ لَهُ التَّزَوُّجُ بِأُخْتِهَا وَأَرْبَعٍ سِوَاهَا. (قَوْلُهُ تُعْتَبَرُ الْعِدَّةُ مِنْ يَوْمِ الشَّهَادَةِ لَا مِنْ يَوْمِ الْقَضَاءِ) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ هَذَا عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ: مِنْ يَوْمِ تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ لَا مِنْ يَوْمِ أَدَائِهَا فَإِنَّهُمَا لَوْ شَهِدَا فِي الْمُحَرَّمِ أَنَّهُ طَلَّقَهَا فِي شَوَّالٍ كَانَ ابْتِدَاءُ الْعِدَّةِ مِنْ شَوَّالٍ كَمَا يَأْتِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 158 أَيْ: مَبْدَأُ الْعِدَّةِ وَقَالَ زُفَرُ مِنْ آخِرِ الْوَطَآتِ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ هُوَ السَّبَبُ الْمُوجِبُ وَلَنَا أَنَّ كُلَّ وَطْءٍ وُجِدَ فِي الْعَقْدِ الْفَاسِدِ يَجْرِي مَجْرَى الْوَطْأَةِ الْوَاحِدَةِ لِاسْتِنَادِ الْكُلِّ إلَى حُكْمِ عَقْدٍ وَاحِدٍ وَلِهَذَا يُكْتَفَى فِي الْكُلِّ بِمَهْرٍ وَاحِدٍ فَقَبْلَ الْمُتَارَكَةِ أَوْ الْعَزْمِ لَا تَثْبُتُ الْعِدَّةُ مَعَ جَوَازِ وُجُودِ غَيْرِهِ وَلِأَنَّ التَّمَكُّنَ عَلَى وَجْهِ الشُّبْهَةِ أُقِيمَ مَقَامَ حَقِيقَةِ الْوَطْءِ لِخَفَائِهِ وَمِسَاسِ الْحَاجَةِ إلَى مَعْرِفَةِ الْحُكْمِ فِي حَقِّ غَيْرِهِ، وَفِي الْخُلَاصَةِ الْمُتَارَكَةُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ بَعْدَ الدُّخُولِ لَا تَكُونُ إلَّا بِالْقَوْلِ كَقَوْلِهِ تَرَكْتُكِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ كَتَرَكْتُهَا أَوْ خَلَّيْتُ سَبِيلَهَا أَمَّا عَدَمُ الْمَجِيءِ فَلَا؛ لِأَنَّ الْغَيْبَةَ لَا تَكُونُ مُتَارَكَةً؛ لِأَنَّهُ لَوْ عَادَ تَعُودُ، وَلَوْ أَنْكَرَ نِكَاحَهَا لَا تَكُونُ مُتَارَكَةٌ اهـ. وَقَدَّمْنَا فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ أَنَّهُمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي الدُّخُولِ فَالْقَوْلُ لَهُ فِي الْمَهْرِ فَلَا يَجِبُ الْمَهْرُ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِهَذِهِ الْعِدَّةِ عِدَّةُ الْمُتَارَكَةِ فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا بِمَوْتِهِ إلَّا الْحَيْضُ بَعْدَ الدُّخُولِ وَأَنَّهُ لَا حِدَادَ وَلَا نَفَقَةَ فِيهَا وَإِنْ تَزَوَّجَ أُخْتَ امْرَأَتِهِ فَاسِدًا تَحْرُمُ عَلَيْهِ إلَى انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا وَأَنَّ وُجُوبَهَا فِيهِ إنَّمَا هُوَ فِي الْقَضَاءِ أَمَّا فِي الدِّيَانَةِ لَوْ عَلِمَتْ أَنَّهَا حَاضَتْ بَعْدَ آخِرِ وَطْءٍ ثَلَاثًا حَلَّ لَهَا التَّزَوُّجُ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيقٍ وَنَحْوِهِ وَأَنَّ الطَّلَاقَ فِيهِ مُتَارَكَةٌ وَأَنَّ إنْكَارَ النِّكَاحِ إنْ كَانَ بِحَضْرَتِهَا فَمُتَارَكَةٌ وَإِلَّا فَلَا وَإِنَّ عِلْمَ غَيْرِ الْمُتَارَكَةِ بِالْمُتَارَكَةِ شُرِطَ عَلَى قَوْلٍ وَصُحِّحَ وَقِيلَ لَا وَصُحِّحَ وَرَجَّحْنَا الثَّانِيَ وَأَنَّ الْمُتَارَكَةَ لَا تَخْتَصُّ بِالزَّوْجِ بَلْ تَكُونُ مِنْ الْمَرْأَةِ أَيْضًا وَلِذَا ذَكَرَ مِسْكِينٌ فِي شَرْحِهِ مِنْ صُوَرِهَا أَنْ تَقُولَ لَهُ تَرَكْتُكَ وَقَدَّمْنَا كَثِيرًا مِنْ أَحْكَامِهِ هُنَاكَ فَارْجِعْ إلَيْهِ. وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ عُلِمَ أَنَّ مُجَرَّدَ الْعَزْمِ لَا يَكْفِي بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْإِخْبَارِ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَلِذَا قَالَ فِي الْعِنَايَةِ الْعَزْمُ أَمْرٌ بَاطِنٌ لَا يُطَّلَعُ عَلَيْهِ وَلَهُ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ وَهُوَ الْإِخْبَارُ بِهِ فَلَوْ قَالَ كَمَا فِي الْإِصْلَاحِ أَوْ إظْهَارِ عَزْمِهِ لَكَانَ أَوْلَى وَالْمُرَادُ بِالتَّفْرِيقِ أَنْ يَحْكُمَ الْقَاضِي بِالتَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا كَمَا فِي الْعِنَايَةِ، وَفِي الْجَوْهَرَةِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ لَوْ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ وَطِئَهَا وَجَبَ الْحَدُّ عَلَيْهِ اهـ. وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيِّدَهُ بِمَا إذَا وَطِئَهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَإِلَّا فَوَطْءُ الْمُعْتَدَّةِ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ وَجَعَلَ فِي التَّتِمَّةِ قَوْلَ زُفَرَ قَوْلَ أَبِي الْقَاسِمِ الصَّفَّارِ الْبَلْخِيّ وَأَنَّ الْإِمَامَ أَبَا بَكْرٍ الْبَلْخِيّ يَقُولُ مِنْ وَقْتِ الْفُرْقَةِ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ لَا تَعْتَدُّ فِي بَيْتِ الزَّوْجِ اهـ. وَفِي الْقُنْيَةِ تَزَوَّجَهَا فَاسِدًا فَأَحْبَلَهَا فَوَلَدَتْ لَا تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ إنْ كَانَ قَبْلَ الْمُتَارَكَةِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَهَا انْقَضَتْ اهـ. . (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَتْ مَضَتْ عِدَّتِي وَكَذَّبَهَا الزَّوْجُ فَالْقَوْلُ لَهَا مَعَ الْحَلِفِ) ؛ لِأَنَّهَا أَمِينَةٌ فِي ذَلِكَ وَقَدْ اُتُّهِمَتْ بِالْكَذِبِ فَتَحْلِفُ كَالْمُودَعِ إذَا ادَّعَى الرَّدَّ وَالْهَلَاكَ وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ عَشْرَ مَسَائِلَ لَا يَحْلِفُ فِيهَا الْأَمِينُ وَقَدْ ذَكَرْنَا فِيهَا مَسْأَلَةً لَا يُقْبَلُ فِيهَا قَوْلُ الْأَمِينِ فِي الدَّفْعِ وَتَرَكَ الْمُصَنِّفُ قَيْدًا لَا بُدَّ مِنْهُ وَهُوَ كَوْنُ الْمُدَّةِ تَحْتَمِلُ الِانْقِضَاءَ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ وَهُوَ شَهْرَانِ عِنْدَهُ وَتِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ يَوْمًا عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ تَحْتَمِلْهُ الْمُدَّةُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا أَصْلًا؛ لِأَنَّ الْأَمِينَ إنَّمَا يُصَدَّقُ فِيمَا لَا يُخَالِفُهُ الظَّاهِرُ أَمَّا إذَا خَالَفَهُ فَلَا كَالْوَصِيِّ إذَا قَالَ: أَنْفَقْتُ عَلَى الْيَتِيمِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ أَلْفَ دِينَارٍ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَالْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي الْحُرَّةِ أَمَّا الْأَمَةُ فَأَقَلُّ مُدَّةٍ تُصَدَّقُ فِيهَا أَرْبَعُونَ يَوْمًا عَلَى رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ وَثَلَاثُونَ يَوْمًا عَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ مَعَ اتِّفَاقِهِمَا فِي الْحُرَّةِ عَلَى السِّتِّينَ عَنْ الْإِمَامِ. وَمَحَلُّ الْخِلَافِ أَيْضًا فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ طَلَاقُهَا مُعَلَّقًا بِوِلَادَتِهَا أَمَّا إذَا طَلَّقَهَا عَقِيبَ الْوِلَادَةِ فَلَا تُصَدَّقُ الْحُرَّةُ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةٍ وَثَمَانِينَ يَوْمًا وَيُجْعَلُ النِّفَاسُ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا وَعَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ أَقَلُّهَا مِائَةُ يَوْمٍ بِزِيَادَةِ أَكْثَرِ النِّفَاسِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا تُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةٍ وَسِتِّينَ يَوْمًا وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا تُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَخَمْسِينَ يَوْمًا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَلِذَا ذَكَرَ مِسْكِينٌ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ قَدَّمْنَا مَا يَدْفَعُهُ أَيْ: فِي بَابِ الْمَهْرِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ هُنَاكَ. (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ إلَخْ) هَذَا خِلَافُ الظَّاهِرِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْحَدِّ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ حُكْمُ النِّكَاحِ الصَّحِيحِ فَالْفَاسِدُ أَوْلَى فَلَوْ كَانَ مُرَادُهُمْ التَّنْبِيهَ عَلَى حُكْمِ الْفَاسِدِ بَعْدَ الْعِدَّةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ فَائِدَةٌ عَلَى أَنَّهُمْ ذَكَرُوا فِي الرَّدِّ عَلَى زُفَرَ أَنَّ السَّبَبَ الْمُوجِبَ لِلْعِدَّةِ شُبْهَةُ النِّكَاحِ وَرَفْعُ هَذِهِ الشُّبْهَةِ بِالتَّفْرِيقِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ وَطِئَهَا قَبْلَ التَّفْرِيقِ لَا يَجِبُ الْحَدُّ وَبَعْدَهُ يَجِبُ فَلَا تَصِيرُ شَارِعَةً فِي الْعِدَّةِ مَا لَمْ تَرْتَفِعْ الشُّبْهَةُ بِالتَّفْرِيقِ كَمَا فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ نَقَلَهُ عَنْ بَعْضِ الْفُضَلَاءِ فَحَيْثُ ارْتَفَعَتْ الشُّبْهَةُ بِمُجَرَّدِ التَّفْرِيقِ لَمْ يَبْقَ مَا يَمْنَعُ الْحَدَّ وَأَيْضًا فَإِنَّ دَرْءَ الْحَدِّ فِي حَالِ قِيَامِ النِّكَاحِ لِشُبْهَةِ الْعَقْدِ، وَأَمَّا بَعْدَ رَفْعِهِ فَالْعِدَّةُ تَكُونُ شُبْهَةَ الشُّبْهَةِ وَهِيَ غَيْرُ دَارِئَةٍ لِلْحَدِّ بِخِلَافِ الْوَطْءِ فِي عِدَّةِ الثَّلَاثِ مِنْ نِكَاحٍ صَحِيحٍ إذَا ظُنَّ الْحِلُّ فَإِنَّهَا شُبْهَةُ الْفِعْلِ؛ لِأَنَّهَا مَحْبُوسَةٌ فِي بَيْتِهِ وَنَفَقَتُهُ دَارَّةٌ عَلَيْهَا وَهُنَا لَا نَفَقَةَ وَلَا احْتِبَاسَ. (قَوْلُهُ لَا تَعْتَدُّ فِي بَيْتِ الزَّوْجِ) فِيهِ كَلَامٌ سَيَذْكُرُهُ فِي الْفَصْلِ الْآتِي. (قَوْلُهُ وَثَلَاثُونَ يَوْمًا عَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَفِي بَعْضِهَا وَخَمْسَةٌ وَثَلَاثُونَ وَهِيَ الْمُوَافِقَةُ لِمَا يَأْتِي وَلِمَا فِي الْبَدَائِعِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 159 وَسَاعَةً وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً فَعَلَى رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ عَنْ الْإِمَامِ لَا تُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةٍ وَسِتِّينَ يَوْمًا بِزِيَادَةِ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ عَلَى الْأَرْبَعِينَ وَعَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ لَا تُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةٍ وَسَبْعِينَ يَوْمًا بِزِيَادَةِ أَرْبَعِينَ عَلَى خَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا تُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ سَبْعَةٍ وَأَرْبَعِينَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا تُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ وَسَاعَةٍ، وَتَوْجِيهُ الرِّوَايَاتِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْبَدَائِعِ وَأُطْلِقَ فِي قَوْلِهَا مَضَتْ عِدَّتِي فَشَمِلَ ذَاتَ الْأَقْرَاءِ وَالشُّهُورِ، وَالْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي ذَاتِ الْأَقْرَاءِ وَأَمَّا الْمُعْتَدَّةُ بِالشُّهُورِ فَلَا بُدَّ مِنْ مُضِيِّ الْمُقَدَّرِ شَرْعًا، وَفِي الْخُلَاصَةِ الْمُطَلَّقَةُ بِالثَّلَاثِ إذَا جَاءَتْ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَقَالَتْ طَلَّقَنِي الثَّانِي وَانْقَضَتْ عِدَّتِي أَفْتَى النَّسَفِيُّ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مُدَّةٍ أُخْرَى لِلنِّكَاحِ وَالْوَطْءِ وَأَفْتَى الْإِسْبِيجَابِيُّ وَأَبُو نَصْرٍ أَنَّهَا تُصَدَّقُ اهـ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا كَذَّبَهَا الظَّاهِرُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُدَّةِ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا عِنْدَ عَدَمِ التَّفْسِيرِ أَمَّا لَوْ فَسَّرَتْ بِأَنْ قَالَتْ أَسْقَطْتُ سِقْطًا مُسْتَبِينَ الْخَلْقِ أَوْ بَعْضِهِ قُبِلَ قَوْلُهَا؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ لَا يُكَذِّبُهَا كَذَا فِي الْبَدَائِعِ فَعُلِمَ أَنَّ انْقِضَاءَهَا لَا يَنْحَصِرُ فِي إخْبَارِهَا بَلْ يَكُونُ بِهِ وَبِالْفِعْلِ بِأَنْ تَزَوَّجَتْ بِزَوْجٍ آخَرَ بَعْدَمَا مَضَتْ مُدَّةٌ تَنْقَضِي فِي مِثْلِهَا الْعِدَّةُ حَتَّى لَوْ قَالَتْ بَعْدَهُ لَمْ تَنْقَضِ لَمْ تُصَدَّقْ لَا فِي حَقِّ الزَّوْجِ الْأَوَّلِ وَلَا فِي حَقِّ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الْإِقْدَامَ عَلَيْهِ دَلِيلُ الْإِقْرَارِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَعَكْسُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إذَا قَالَ الزَّوْجُ أَخْبَرَتْنِي بِأَنَّ عِدَّتَهَا قَدْ انْقَضَتْ، فَإِنْ كَانَتْ فِي مُدَّةٍ لَا تَنْقَضِي فِي مِثْلِهَا لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَلَا قَوْلُهَا إلَّا أَنْ تُبَيِّنَ مَا هُوَ مُحْتَمَلٌ مِنْ إسْقَاطِ سِقْطٍ مُسْتَبِينِ الْخَلْقِ فَحِينَئِذٍ يُقْبَلُ قَوْلُهَا، وَلَوْ كَانَ فِي مُدَّةٍ تَحْتَمِلُهُ فَكَذَّبَتْهُ لَمْ تَسْقُطْ نَفَقَتُهَا وَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأُخْتِهَا؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ دِينِيٌّ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيهِ اهـ. فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُعْمَلُ بِخَبَرَيْهِمَا بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ بِخَبَرِهِ فِيمَا هُوَ حَقُّهُ وَحَقُّ الشَّرْعِ وَبِخَبَرِهَا فِي حَقِّهَا مِنْ وُجُوبِ النَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى، وَلَوْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ فِي النَّسَبِ حَقُّهَا أَصْلِيٌّ كَحَقِّ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهَا تُعَيَّرُ بِوَلَدٍ لَيْسَ لَهُ أَبٌ مَعْرُوفٌ فَلَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ وَلَا يَنْفُذُ نِكَاحُ أُخْتِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ اسْتِحْقَاقُ النَّسَبِ إلَّا بِبَقَاءِ الْفِرَاشِ فَصَارَ الزَّوْجُ مُكَذَّبًا فِي خَبَرِهِ شَرْعًا بِخِلَافِ الْقَضَاءِ بِالنَّفَقَةِ؛ لِأَنَّهُ يُتَصَوَّرُ اسْتِحْقَاقُ النَّفَقَةِ لِغَيْرِ الْعِدَّةِ فَكَأَنَّهُ وَجَبَتْ فِي حَقِّهَا بِسَبَبِ الْعِدَّةِ، وَفِي حَقِّهِ بِسَبَبٍ آخَرَ، فَإِنْ تَزَوَّجَ أُخْتَهَا وَمَاتَ فَالْمِيرَاثُ لِلْأُخْرَى هَكَذَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي النِّكَاحِ وَقِيلَ إنْ قَالَ هَذَا فِي الصِّحَّةِ ثُمَّ مَاتَ فَالْمِيرَاثُ لِلْأُخْرَى لَا لِلْمُعْتَدَّةِ وَإِنْ قَالَ فِي الْمَرَضِ فَالْمِيرَاثُ لِلْمُعْتَدَّةِ، فَإِذَا قُضِيَ بِالْمِيرَاثِ لِلْمُعْتَدَّةِ قِيلَ يَفْسُدُ نِكَاحُ أُخْتِهَا وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ؛ لِأَنَّهُ يُتَصَوَّرُ اسْتِحْقَاقُ الْمِيرَاثِ بِغَيْرِ الزَّوْجِيَّةِ فَنَزَلَ مَنْزِلَةَ اسْتِحْقَاقِ النَّفَقَةِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ امْرَأَةٌ قَالَتْ فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ: لَسْتُ بِحَامِلٍ، ثُمَّ قَالَتْ مِنْ الْغَدِ: أَنَا حَامِلٌ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا وَإِنْ قَالَتْ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشَرَةِ أَيَّامٍ: لَسْتُ بِحَامِلٍ، ثُمَّ قَالَتْ: أَنَا حَامِلٌ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا إلَّا أَنْ تَأْتِيَ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ مَوْتِ زَوْجِهَا فَيُقْبَلُ قَوْلُهَا وَيَبْطُلُ إقْرَارُهَا بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ. رَجُلٌ خَلَعَ امْرَأَتَهُ فَأَقَرَّتْ وَقْتَهُ وَقَالَتْ: أَنَا حَائِضٌ غَيْرُ حَامِلٍ مِنْ زَوْجِي ثُمَّ أَقَرَّتْ فِي الشَّهْرَيْنِ قَبْلَ أَنْ تُقِرَّ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَقَالَتْ: أَنَا حَامِلٌ مِنْ زَوْجِي فَأَنْكَرَ الزَّوْجُ الْحَمْلَ لَا تَصِحُّ دَعْوَاهَا اهـ. وَفِي الْقُنْيَةِ إذَا قَالَتْ الْمُعْتَدَّةُ: انْقَضَتْ عِدَّتِي فِي يَوْمٍ أَوْ أَقَلَّ تُصَدَّقُ أَيْضًا وَإِنْ لَمْ تُقِرَّ بِسِقْطٍ لِاحْتِمَالِهِ ثُمَّ نُقِلَ خِلَافُهُ عَنْ بَعْضِ الْكُتُبِ اهـ. فَعَلَى الْأَوَّلِ مَعْنَى قَوْلِهِمْ لَا تُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ سِتِّينَ يَوْمًا فِيمَا إذَا قَالَتْ انْقَضَتْ بِالْحَيْضِ لَا مُطْلَقًا وَفِيهَا أَيْضًا وَلَدَتْ ثُمَّ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا وَمَضَى سَبْعَةُ أَشْهُرٍ وَتَزَوَّجَتْ بِآخَرَ لَا تَصِحُّ إذَا لَمْ تَحِضْ فِيهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ قِيلَ لَهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَاضَتْ قَبْلَ الْوِلَادَةِ قَالَ الْجَوَابُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ وِلَادَتَهَا كَالْحَيْضِ؛ لِأَنَّ مَنْ لَا تَحِيضُ لَا تَحْبَلُ اهـ. فَرْعٌ فِي الْخُلَاصَةِ قَالَ جَاءَتْ امْرَأَةٌ إلَى رَجُلٍ وَقَالَتْ طَلَّقَنِي زَوْجِي وَانْقَضَتْ عِدَّتِي وَوَقَعَ فِي قَلْبِهِ أَنَّهَا صَادِقَةٌ وَهِيَ عَدْلَةٌ أَوَّلًا حَلَّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا وَإِنْ قَالَتْ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ تُقِرَّ بِسِقْطٍ لِاحْتِمَالِهِ) قَالَ فِي النَّهْرِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهَا صَرِيحًا كَمَا مَرَّ، وَقَالَ الرَّمْلِيُّ قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ تُقِرَّ إلَخْ تَقَدَّمَ تَضْعِيفُهُ فِي بَابِ الرَّجْعَةِ فَرَاجِعْهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 160 وَقَعَ نِكَاحُ الْأَوَّلِ فَاسِدًا لَمْ تَحِلَّ لَهُ وَإِنْ كَانَتْ عَدْلَةٌ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ قَالَتْ وَلَدْت لَمْ تُقْبَلْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَلَوْ قَالَتْ أَسْقَطْت سِقْطًا وَقَعَ مُسْتَبِينَ الْخَلْقِ قُبِلَ قَوْلُهَا وَلَهُ أَنْ يُحَلِّفَهَا اهـ. وَفِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى نَظَرٌ فَقَدْ صَرَّحُوا فِي بَابِ ثُبُوتِ النَّسَبِ أَنَّ عِدَّتَهَا تَنْقَضِي بِإِقْرَارِهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ وَأَنَّ تَوَقُّفَ الْوِلَادَةِ عَلَى الْبَيِّنَةِ إنَّمَا هُوَ لِأَجْلِ ثُبُوتِ النَّسَبِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ نَكَحَ مُعْتَدَّتَهُ وَطَلَّقَهَا قَبْلَ الْوَطْءِ وَجَبَ مَهْرٌ تَامٌّ وَعِدَّةٌ مُبْتَدَأَةٌ) ، وَهَذَا عِنْدَهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ نِصْفُ الْمَهْرِ وَعَلَيْهَا إتْمَامُ الْعِدَّةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ طَلَاقٌ قَبْلَ الْمَسِيسِ فَلَا يُوجِبُ كَمَالَ الْمَهْرِ وَلَا اسْتِئْنَافَ الْعِدَّةِ وَإِكْمَالُ الْعِدَّةِ الْأُولَى إنَّمَا وَجَبَتْ بِالطَّلَاقِ الثَّانِي فَظَهَرَ حُكْمُهُ كَمَا لَوْ اشْتَرَى أُمَّ وَلَدِهِ ثُمَّ أَعْتَقَهَا وَلَهُمَا أَنَّهَا مَقْبُوضَةٌ فِي يَدِهِ حَقِيقَةً بِالْوَطْأَةِ الْأُولَى وَبَقِيَ أَثَرُهُ وَهُوَ الْعِدَّةُ، فَإِذَا جُدِّدَ النِّكَاحُ وَهِيَ مَقْبُوضَةٌ نَابَ ذَلِكَ عَنْ الْقَبْضِ الْمُسْتَحَقِّ فِي هَذَا النِّكَاحِ كَالْغَاصِبِ يَشْتَرِي الْمَغْصُوبَ الَّذِي فِي يَدِهِ يَصِيرُ قَابِضًا بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ فَوَضَحَ بِهَذَا أَنَّهُ طَلَاقٌ بَعْدَ الدُّخُولِ، وَقَالَ زُفَرُ: لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا أَصْلًا؛ لِأَنَّ الْأُولَى قَدْ سَقَطَتْ بِالتَّزَوُّجِ فَلَا تَعُودُ وَالثَّانِيَةَ لَمْ تَجِبْ وَجَوَابُهُ مَا قُلْنَاهُ وَمَا قَالَهُ زُفَرُ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ إبْطَالَ الْمَقْصُودِ مِنْ شَرْعِهَا وَهُوَ عَدَمُ اشْتِبَاهِ الْأَنْسَابِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. وَمَعَ ذَلِكَ هُوَ مُجْتَهَدٌ فِيهِ صُرِّحَ بِهِ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ لَوْ قَضَى بِهِ قَاضٍ نَفَذَ قَضَاؤُهُ؛ لِأَنَّ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ مَسَاغًا وَهُوَ مُوَافِقٌ لِصَرِيحِ الْقُرْآنِ {ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب: 49] اهـ. وَهَذِهِ إحْدَى الْمَسَائِلِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ وَهُوَ أَنَّ الدُّخُولَ فِي النِّكَاحِ الْأَوَّلِ دُخُولٌ فِي الثَّانِي أَوَّلًا وَيَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ لَوْ قَالَ كُلَّمَا تَزَوَّجْتُكِ فَأَنْت طَالِقٌ فَتَزَوَّجَهَا فِي يَوْمٍ ثَلَاثًا وَدَخَلَ بِهَا فِي كُلِّ مَرَّةٍ أَلْزَمَهُ أَرْبَعَةَ مُهُورٍ وَنِصْفٍ وَأَبَانَهَا بِثَلَاثٍ وَحَكَمَا بِتَطْلِيقَتَيْنِ وَمَهْرَيْنِ وَنِصْفٍ أَوْ بَائِنًا أَلْزَمَهُ بِتِلْكَ الْمُهُورِ وَهُمَا بِخَمْسَةٍ وَنِصْفٍ نِصْفُ مَهْرٍ بِالطَّلَاقِ الْأَوَّلِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَمَهْرَانِ بِالتَّطْلِيقَتَيْنِ لِكَوْنِهِمَا بَعْدَ الدُّخُولِ حُكْمًا وَثَلَاثُ مُهُورٍ بِالدُّخُولِ ثَلَاثًا وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الْمُجْمَعِ مِنْ التَّعْلِيقِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الدُّخُولَ فِي الْأَوَّلِ دُخُولٌ فِي الثَّانِي فِي حَقِّ الْمَهْرِ وَوُجُوبِ الْعِدَّةِ، وَأَمَّا فِي حَقِّ الرَّجْعَةِ لَوْ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا لَا يَمْلِكُهَا كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ ثَانِيهَا لَوْ تَزَوَّجَهَا نِكَاحًا فَاسِدًا وَدَخَلَ بِهَا فَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا صَحِيحًا وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ عَنْ ذَلِكَ الْفَاسِدِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ يَجِبُ عَلَيْهِ مَهْرٌ كَامِلٌ وَعَلَيْهَا عِدَّةٌ مُسْتَقْبَلَةٌ عِنْدَهُمَا، وَلَوْ كَانَ عَلَى الْقَلْبِ بِأَنْ تَزَوَّجَهَا أَوَّلًا صَحِيحًا ثُمَّ طَلَّقَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فِي الْعِدَّةِ فَاسِدًا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ مَهْرٌ وَلَا عَلَيْهَا عِدَّةٌ مُسْتَقْبَلَةٌ وَيَجِبُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ إنَّمَا وَجَبَتْ بِالطَّلَاقِ الثَّانِي فَظَهَرَ حُكْمُهُ) كَذَا فِي أَغْلَبِ النُّسَخِ وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ فَالصَّوَابُ مَا فِي بَعْضِهَا إنَّمَا وَجَبَتْ بِالطَّلَاقِ الْأَوَّلِ وَبِالثَّانِي ظَهَرَ حُكْمُهُ قَالَ فِي الْفَتْحِ غَيْرَ أَنَّ إكْمَالَ الْعِدَّةِ الْأُولَى وَجَبَ بِالطَّلَاقِ الْأَوَّلِ لَكِنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ حُكْمُهُ حَالَ التَّزَوُّجِ الثَّانِي، فَإِذَا ارْتَفَعَ بِالطَّلَاقِ ظَهَرَ حُكْمُهُ. (قَوْلُهُ كَمَا لَوْ اشْتَرَى أُمَّ وَلَدِهِ) قَالَ فِي الْفَتْحِ أَيْ: زَوْجَتَهُ الَّتِي هِيَ أُمُّ وَلَدِهِ إذَا كَانَتْ أَمَةً فَإِنَّهُ يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ بِالشِّرَاءِ وَلَمْ تَظْهَرْ الْعِدَّةُ حَتَّى حَلَّ وَطْؤُهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ ثُمَّ بِالْعِتْقِ تَظْهَرُ غَيْرَ أَنَّ هُنَا تَجِبُ عَلَيْهَا عِدَّةٌ أُخْرَى؛ لِأَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ أُعْتِقَتْ وَتَدَاخَلَتْ الْعِدَّتَانِ فَيَجِبُ عَلَيْهَا الْإِحْدَادُ إلَى أَنْ تَذْهَبَ عِدَّةُ النِّكَاحِ وَهِيَ حَيْضَتَانِ مِنْ وَقْتِ الشِّرَاءِ. (قَوْلُهُ أَلْزَمَهُ أَرْبَعَةَ مُهُورٍ) أَيْ: أَلْزَمَ مُحَمَّدٌ الزَّوْجَ، وَقَوْلُهُ وَأَبَانَهَا أَيْ: قَالَ مُحَمَّدٌ بَانَتْ مِنْهُ بِثَلَاثِ طَلْقَاتٍ قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ هَذَا الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْمُبَانَةَ إذَا نَكَحَهَا الزَّوْجُ فِي عِدَّتِهَا وَطَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَعَلَيْهَا إتْمَامُ الْعِدَّةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّ الدُّخُولَ فِي النِّكَاحِ الْأَوَّلِ لَيْسَ بِدُخُولٍ فِي الثَّانِي عِنْدَهُ وَعَلَيْهَا عِدَّةٌ مُسْتَقْبَلَةٌ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ الدُّخُولَ فِي الْأَوَّلِ دُخُولٌ فِي الثَّانِي فَمُحَمَّدٌ يَقُولُ بِالتَّزَوُّجِ الْأَوَّلِ طَلُقَتْ وَلَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ وَبِالدُّخُولِ بَعْدَهُ مَهْرٌ آخَرُ وَبِالتَّزَوُّجِ الثَّانِي طَلُقَتْ أَيْضًا وَلَهَا نِصْفُ مَهْرٍ وَبِالدُّخُولِ الثَّانِي مَهْرٌ أَيْضًا وَبِالتَّزَوُّجِ الثَّالِثِ وَالدُّخُولِ الثَّالِثِ لَهَا مَهْرٌ وَنِصْفٌ فَصَارَ أَرْبَعَةَ مُهُورٍ وَنِصْفِ مَهْرٍ. وَهُمَا يَقُولَانِ بِالتَّزَوُّجِ الْأَوَّلِ وَالدُّخُولِ بَعْدَهُ لَهَا مَهْرٌ وَنِصْفُ مَهْرٍ وَبِالتَّزَوُّجِ الثَّانِي مَهْرٌ تَامٌّ؛ لِأَنَّ هَذَا طَلَاقٌ بَعْدَ الدُّخُولِ لِكَوْنِ الدُّخُولِ الْأَوَّلِ دُخُولًا فِي الثَّانِي وَبِالدُّخُولِ الثَّانِي صَارَ مُرَاجِعًا وَلَا يَجِبُ شَيْءٌ وَلَا اعْتِبَارَ بِالتَّزَوُّجِ الثَّالِثِ؛ لِأَنَّ نِكَاحَ الْمَنْكُوحَةِ غَيْرُ صَحِيحٍ وَقَوْلُهُ أَوْ بَائِنًا يَعْنِي لَوْ قَالَ كُلَّمَا تَزَوَّجْتُهَا فَبَائِنُ فَتَزَوَّجَهَا فِي يَوْمٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَدَخَلَ بِهَا فِي كُلِّ مَرَّةٍ أُلْزِمُهُ بِتِلْكَ الْمُهُورِ أَيْ: قَالَ مُحَمَّدٌ لَهَا أَرْبَعَةُ مُهُورٍ وَنِصْفٍ اعْتِبَارًا بِالْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ وَهُمَا بِخَمْسَةٍ وَنِصْفٍ وَبَانَتْ بِثَلَاثٍ اتِّفَاقًا هُمَا قَالَا وَجَبَ لَهَا بِالنِّكَاحِ الْأَوَّلِ وَبِالدُّخُولِ بَعْدَهُ مَهْرٌ وَنِصْفُ مَهْرٍ وَبِالنِّكَاحِ الثَّانِي طَلُقَتْ ثَانِيًا وَلَهَا مَهْرٌ كَامِلٌ؛ لِأَنَّهُ طَلَاقٌ بَعْدَ الدُّخُولِ عَلَى أَصْلِهِمَا وَمَهْرٌ آخَرُ بِالدُّخُولِ بَعْدَهُ لِلشُّبْهَةِ وَلَمْ يَصِرْ بِهِ مُرَاجِعًا؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ بَائِنٌ وَبِالنِّكَاحِ ثَالِثًا طَلُقَتْ ثَالِثًا وَلَهَا مَهْرٌ وَبِالدُّخُولِ بَعْدَهُ مَهْرٌ آخَرُ فَصَارَ خَمْسَةَ مُهُورٍ وَنِصْفَ مَهْرٍ ثَلَاثَةُ مُهُورٍ وَجَبَتْ بِثَلَاثَةِ دُخُولٍ وَنِصْفُ مَهْرٍ بِالنِّكَاحِ الْأَوَّلِ وَمَهْرَانِ بِالنِّكَاحَيْنِ الْآخَرَيْنِ اهـ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 161 عَلَيْهِ إتْمَامُ الْعِدَّةِ الْأُولَى بِالِاتِّفَاقِ وَالْفَرْقُ لَهُمَا أَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْوَطْءِ الْفَاسِدِ فَلَا يُجْعَلُ وَاطِئًا حُكْمًا لِعَدَمِ الْإِمْكَانِ حَقِيقَةً وَلِهَذَا لَا يُجْعَلُ وَاطِئًا بِالْخَلْوَةِ فِي الْفَاسِدِ حَتَّى لَا تَجِبُ الْعِدَّةُ بِهَا وَلَا عَلَيْهِ الْمَهْرُ، وَثَالِثُهَا أَنَّهُ لَوْ دَخَلَ بِهَا فِي الصِّحَّةِ وَطَلَّقَهَا بَائِنًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فِي الْمَرَضِ فِي عِدَّتِهَا وَطَلَّقَهَا بَائِنًا قَبْلَ الدُّخُولِ هَلْ يَكُونُ فَارًّا أَمْ لَا وَرَابِعُهَا لَوْ تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِ كُفْءٍ وَدَخَلَ بِهَا فَفَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا بِطَلَبِ الْوَلِيِّ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا هَذَا الرَّجُلُ فِي الْعِدَّةِ بِمَهْرٍ وَفَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا كَانَ عَلَيْهِ الْمَهْرُ الثَّانِي كَامِلًا وَعِدَّةٌ مُسْتَقْبَلَةٌ عِنْدَهُمَا اسْتِحْسَانًا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ نِصْفُ الْمَهْرِ الثَّانِي وَعَلَيْهَا تَمَامُ الْعِدَّةِ الْأُولَى وَخَامِسُهَا تَزَوَّجَهَا صَغِيرَةً وَدَخَلَ بِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا بَائِنًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فِي الْعِدَّةِ ثُمَّ ارْتَدَّتْ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ أَسْلَمَتْ فَتَزَوَّجَهَا فِي الْعِدَّةِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ هَكَذَا ذُكِرَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِتَكْرَارِ التَّزَوُّجِ ثَلَاثًا وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ فِي التَّصْوِيرِ وَيَكْفِي فِيهِ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَنَّ الرِّدَّةَ حَصَلَتْ مَرَّةً وَاحِدَةً فَلْيُتَأَمَّلْ. وَسَابِعُهَا: تَزَوَّجَهَا وَدَخَلَ بِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا بَائِنًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فِي الْعِدَّةِ ثُمَّ ارْتَدَّتْ ثُمَّ أَسْلَمَتْ فَتَزَوَّجَهَا فِي الْعِدَّةِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، وَثَامِنُهَا: تَزَوَّجَهَا وَدَخَلَ بِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا بَائِنًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فِي الْعِدَّةِ ثُمَّ ارْتَدَّتْ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَتَاسِعُهَا: تَزَوَّجَ أَمَةً وَدَخَلَ بِهَا ثُمَّ أُعْتِقَتْ فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فِي الْعِدَّةِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَعَاشِرُهَا تَزَوَّجَ أَمَةً وَدَخَلَ بِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا بَائِنًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فِي الْعِدَّةِ فَأُعْتِقَتْ فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْمِعْرَاجِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ طَلَّقَ ذِمِّيٌّ ذِمِّيَّةً لَمْ تَعْتَدَّ) عِنْدَ الْإِمَامِ وَقَالَا عَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا كَانُوا لَا يَعْتَقِدُونَهَا أَمَّا إذَا اعْتَقَدُوهَا فَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ اتِّفَاقًا وَفِيمَا إذَا كَانَتْ حَائِلًا أَمَّا الْحَامِلُ فَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ اتِّفَاقًا وَقَيَّدَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ وَغَيْرُهُ بِمَا إذَا كَانُوا يَدِينُونَهَا وَأَطْلَقَهُ فِي الْهِدَايَةِ مُعَلِّلًا بِأَنَّ فِي بَطْنِهَا وَلَدًا ثَابِتَ النَّسَبِ وَعَنْ الْإِمَامِ يَصِحُّ الْعَقْدُ عَلَيْهَا وَلَا يَطَؤُهَا كَالْحَامِلِ مِنْ الزِّنَا وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ اهـ. وَفِي الْمِعْرَاجِ وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ التَّقْيِيدُ، وَفِي بَعْضِهَا يُمْنَعُ مِنْ التَّزَوُّجِ وَلَمْ يَذْكُرْ الزِّيَادَةَ اهـ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الطَّلَاقِ وَالْمَوْتِ فَلَوْ تَزَوَّجَهَا مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ فِي فَوْرِ طَلَاقِهَا جَازَ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقُيِّدَ بِالذِّمِّيِّ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ إذَا طَلَّقَ الذِّمِّيَّةَ أَوْ مَاتَ عَنْهَا فَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهَا حَقُّهُ وَمُعْتَقَدُهُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْمُهَاجِرَةُ إذَا خَرَجَتْ إلَيْنَا مُسْلِمَةً أَوْ ذِمِّيَّةً أَوْ مُسْتَأْمَنَةً ثُمَّ أَسْلَمَتْ أَوْ صَارَتْ ذِمِّيَّةً فَعِنْدَهُ إنْ تَزَوَّجَتْ جَازَ إلَّا أَنْ تَكُونَ حَامِلًا وَعَنْهُ لَا يَطَؤُهَا الزَّوْجُ حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا بِحَيْضَةٍ وَعَنْهُ لَا يَتَزَوَّجُهَا إلَّا بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ وَقَالَا عَلَيْهَا الْعِدَّةُ، وَأَمَّا إذَا هَاجَرَ الزَّوْجُ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا أَوْ مُسْتَأْمَنًا ثُمَّ صَارَ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا فَإِنَّهُ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا حَتَّى جَازَ لَهُ التَّزَوُّجُ بِأُخْتِهَا وَأَرْبَعٍ سِوَاهَا كَمَا دَخَلَ دَارَنَا لِعَدَمِ تَبْلِيغِ أَحْكَامِنَا إلَيْهَا لَا؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُخَاطَبَةٍ بِالْعِدَّةِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. [فَصْلٌ فِي الْإِحْدَادِ] (فَصْلٌ) فِي الْإِحْدَادِ فِيهِ لُغَتَانِ: أَحَدَّتْ إحْدَادًا فَهِيَ مُحِدٌّ وَمُحِدَّةٌ إذَا تَرَكَتْ الزِّينَةَ لِمَوْتِهِ، وَحَّدَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى زَوْجِهَا تَحُدُّ وَتَحِدُّ حِدَادًا بِالْكَسْرِ فَهِيَ حَادٌّ بِغَيْرِهَا وَأَنْكَرَ الْأَصْمَعِيُّ الثُّلَاثِيَّ وَاقْتَصَرَ عَلَى الرُّبَاعِيِّ كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ، وَفِي الْقَامُوسِ وَالْحَادُّ وَالْمُحِدُّ تَارِكَةُ الزِّينَةِ لِلْعِدَّةِ حَدَّتْ تَحُدُّ وَتَحِدُّ حِدَادًا وَأَحَدَّتْ اهـ. وَفِي الشَّرِيعَةِ تَرْكُ الزِّينَةِ وَنَحْوِهَا مِنْ مُعْتَدَّةٍ بِطَلَاقٍ بَائِنٍ أَوْ مَوْتٍ (قَوْلُهُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَخَامِسُهَا تَزَوَّجَهَا صَغِيرَةً وَدَخَلَ بِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا بَائِنًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فِي الْعِدَّةِ) يُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ بَعْدَ هَذَا مَا نَصُّهُ فَبَلَغَتْ فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ سَادِسُهَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَدَخَلَ بِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا بَائِنًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فِي الْعِدَّةِ وَفِي بَعْضِهَا لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ بَلْ وُجِدَ ثُمَّ ارْتَدَّتْ ثُمَّ أَسْلَمَتْ إلَخْ وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ إسْقَاطٌ مِنْ النُّسَّاخِ لِقَوْلِهِ بَعْدَهُ وَسَابِعُهَا فَلَا بُدَّ لَهَا مِنْ سَادِسَةٍ لَكِنْ فِي السَّادِسَةِ هِيَ الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ بِعَيْنِهَا فَهِيَ مُكَرَّرَةٌ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مَوْجُودَةً فِي عِبَارَةِ الْفَتْحِ بَلْ الْمَوْجُودُ فِيهَا غَيْرُهَا وَنَصُّهَا وَسَادِسُهَا تَزَوَّجَهَا صَغِيرَةً فَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَبَلَغَتْ فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فِي الْعِدَّةِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ انْتَهَتْ وَفِيهِ أَنَّهَا إذَا اخْتَارَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ مِنْ أَيْنَ تَجِبُ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ. وَلَعَلَّ الْمُؤَلِّفَ لِذَلِكَ لَمْ يَذْكُرْهَا ثُمَّ رَأَيْت فِي التَّتَارْخَانِيَّة مَا يُعَيِّنُ أَنَّ مَا فِي الْفَتْحِ تَحْرِيفٌ حَيْثُ قَالَ الثَّالِثَةُ تَزَوَّجَ صَغِيرَةً وَدَخَلَ بِهَا فَبَلَغَتْ إلَخْ فَقَوْلُ الْفَتْحِ فَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا صَوَابُهُ وَدَخَلَ بِهَا. (قَوْلُهُ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ فِي التَّصْوِيرِ إلَخْ) إذَا اقْتَصَرَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ تَصِيرُ عَيْنَ الْمَسْأَلَةِ الثَّامِنَةِ فَتُكَرَّرُ وَحِينَئِذٍ فَالسَّادِسَةُ وَالسَّابِعَةُ وَالثَّامِنَةُ صُورَةٌ وَاحِدَةٌ فَالصُّوَرُ ثَمَانِيَةٌ كَمَا ذَكَرَهَا فِي النَّهْرِ ثُمَّ إنَّ الَّذِي فِي الْفَتْحِ فِي آخِرِ السَّابِعَةِ ثُمَّ ارْتَدَّتْ قَبْلَ الدُّخُولِ بَدَلَ قَوْلِهِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَقَدْ اقْتَصَرَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَلَى تِسْعِ مَسَائِلَ وَذَكَرَ مِنْهَا الثَّامِنَةَ الْمَذْكُورَةَ هُنَا وَذَكَرَ بَدَلَ السَّادِسَةِ وَالسَّابِعَةِ الْمَذْكُورَتَيْنِ هُنَا مَا عَبَّرَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ الْخَامِسَةُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَدَخَلَ بِهَا ثُمَّ ارْتَدَّتْ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَوَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا ثُمَّ أَسْلَمَتْ فَتَزَوَّجَهَا فِي الْعِدَّةِ ثُمَّ ارْتَدَّتْ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا (فَصْلٌ فِي الْإِحْدَادِ) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 162 تُحِدُّ مُعْتَدَّةُ الْبَتِّ وَالْمَوْتِ بِتَرْكِ الزِّينَةِ وَالطِّيبِ وَالْكُحْلِ وَالدُّهْنِ إلَّا بِعُذْرٍ وَالْحِنَّاءِ وَلُبْسِ الْمُزَعْفَرِ وَالْمُعَصْفَرِ إنْ كَانَتْ مُسْلِمَةً بَالِغَةً) أَيْ: تُحِدُّ الْمُبَانَةُ وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا بِتَرْكِ مَا ذُكِرَ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الطَّلَاقَ وَاحِدَةً أَوْ أَكْثَرَ وَالْفُرْقَةَ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَعَبَّرَ بِالْإِخْبَارِ عَنْ فِعْلِهَا لِإِفَادَةِ أَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهَا لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُحِدَّ فَوْقَ ثَلَاثٍ إلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا» وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَا دَلِيلَ فِيهِ عَلَى الْإِيجَابِ؛ لِأَنَّ حَاصِلَهُ اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْ نَفْيِ الْحِلِّ فَيُفِيدُ ثُبُوتَ الْحِلِّ وَلَا كَلَامَ فِيهِ فَالْأَوْلَى الِاسْتِدْلَال بِالرِّوَايَةِ الْأُخْرَى «إلَّا عَلَى زَوْجِهَا فَإِنَّهَا تُحِدُّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا وَلَا تَلْبَسُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا إلَّا ثَوْبَ عَصْبٍ وَلَا تَكْتَحِلُ وَلَا تَمَسُّ طِيبًا» فَصُرِّحَ بِالنَّهْيِ فِي تَفْصِيلِ مَعْنَى تَرْكِ الْإِحْدَادِ وَلَا خِلَافَ فِي عَدَمِ وُجُوبِهِ عَلَى الْمَرْأَةِ بِسَبَبِ غَيْرِ الزَّوْجِ مِنْ الْأَقَارِبِ وَهَلْ يُبَاحُ. قَالَ مُحَمَّدٌ فِي النَّوَادِرِ لَا يَحِلُّ الْإِحْدَادُ لِمَنْ مَاتَ أَبُوهَا أَوْ ابْنُهَا أَوْ أَخُوهَا أَوْ أُمُّهَا وَإِنَّمَا هُوَ فِي الزَّوْجِ خَاصَّةً قِيلَ: أَرَادَ بِذَلِكَ فِيمَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ لِمَا فِي الْحَدِيثِ مِنْ إبَاحَتِهِ لِلْمُسْلِمَاتِ عَلَى غَيْرِ أَزْوَاجِهِنَّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة سُئِلَ أَبُو الْفَضْلِ عَنْ الْمَرْأَةِ يَمُوتُ زَوْجُهَا أَوْ أَبُوهَا أَوْ غَيْرُهُمَا مِنْ الْأَقَارِبِ فَتَصْبُغُ ثَوْبَهَا أَسْوَدَ فَتَلْبَسُهُ شَهْرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً أَوْ أَرْبَعَةً تَأَسُّفًا عَلَى الْمَيِّتِ أَتُعْذَرُ فِي ذَلِكَ؟ فَقَالَ: لَا وَسُئِلَ عَنْهَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ فَقَالَ لَا تُعْذَرُ وَهِيَ آثِمَةٌ إلَّا الزَّوْجَةَ فِي حَقِّ زَوْجِهَا فَإِنَّهَا تُعْذَرُ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ اهـ. وَظَاهِرُهُ مَنْعُهَا مِنْ لُبْسِ السَّوَادِ تَأَسُّفًا عَلَى مَوْتِ زَوْجِهَا أَكْثَرَ مِنْ الثَّلَاثِ وَقُيِّدَ بِالْبَتِّ؛ لِأَنَّ الْمُطَلَّقَةَ رَجْعِيًّا لَا حِدَادَ عَلَيْهَا وَيَنْبَغِي أَنَّهَا لَوْ أَرَادَتْ أَنْ تَحِدَّ عَلَى قَرَابَةٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَهَا زَوْجٌ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا؛ لِأَنَّ الزِّينَةَ حَقُّهُ حَتَّى كَانَ لَهُ أَنْ يَضْرِبَهَا عَلَى تَرْكِهَا إذَا امْتَنَعَتْ وَهُوَ يُرِيدُهَا، وَهَذَا الْإِحْدَادُ مُبَاحٌ لَهَا لَا وَاجِبٌ وَبِهِ يَفُوتُ حَقُّهُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة وَيُسْتَحَبُّ لَهَا تَرْكُهُ وَلَمَّا وَجَبَ فِي الْمَوْتِ إظْهَارًا لِلتَّأَسُّفِ عَلَى فَوَاتِ نِعْمَةِ النِّكَاحِ فَوَجَبَ عَلَى الْمَبْتُوتَةِ إلْحَاقًا لَهَا بِالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ أَقْطَعُ مِنْ الْإِبَانَةِ وَلِهَذَا تُغَسِّلُهُ مَيِّتًا قَبْلَ الْإِبَانَةِ لَا بَعْدَهَا وَأُطْلِقَ فِي تَرْكِ الطِّيبِ فَلَا تَحْضُرُ عَمَلَهُ وَلَا تَتَّجِرُ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا كَسْبٌ إلَّا فِيهِ وَدَخَلَ فِي الزِّينَةِ الِامْتِشَاطُ بِمِشْطٍ أَسْنَانُهُ ضَيِّقَةٌ لَا الْوَاسِعَةُ كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ وَشَمِلَ لُبْسَ الْحَرِيرِ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِهِ وَأَلْوَانِهِ، وَلَوْ أَسْوَدَ وَجَمِيعَ أَنْوَاعِ الْحُلِيِّ مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَجَوَاهِرَ زَادَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة الْقَصَبَ. وَقَوْلُهُ: " إلَّا بِعُذْرٍ " مُتَعَلِّقٌ بِالْجَمِيعِ لَا بِالدُّهْنِ وَحْدَهُ فَلَهَا لُبْسُ الْحَرِيرِ لِلْحَكَّةِ وَالْقَمْلِ وَلَهَا الِاكْتِحَالُ لِلضَّرُورَةِ، وَلَوْ أُخِّرَ الِاسْتِثْنَاءُ عَنْ الْجَمِيعِ لَكَانَ أَوْلَى لِجَوَازِ لُبْسِ الْمُعَصْفَرِ وَالْمُزَعْفَرِ إذَا لَمْ تَجِدْ غَيْرَهُ لِوُجُوبِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ وَذَكَرَ الدُّهْنَ بَعْدَ الطِّيبِ لِيُفِيدَ حُرْمَتَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُطَيَّبًا كَالزَّيْتِ الْخَالِصِ مِنْهُ وَالشَّيْرَجِ وَالسَّمْنِ، وَفِي الْمُجْتَبَى، وَلَوْ اعْتَادَتْ الدُّهْنَ فَخَافَتْ وَجَعًا، فَإِنْ كَانَ أَمْرًا ظَاهِرًا يُبَاحُ لَهَا اهـ. وَيُسْتَثْنَى مِنْ الْمُعَصْفَرِ وَالْمُزَعْفَرِ الْخَلَقُ الَّذِي لَا رَائِحَةَ لَهُ فَإِنَّهُ جَائِزٌ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَقُيِّدَ بِإِسْلَامِهَا مَعَ بُلُوغِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا حِدَادَ عَلَى كَافِرَةٍ وَلَا صَغِيرَةٍ وَقَدَّمْنَا مَعْنَى وُجُوبِ الْعِدَّةِ عَلَيْهِمَا وَلَمْ يُقَيَّدْ بِالْعَقْلِ مَعَ أَنَّهُ لَا حِدَادَ عَلَى مَجْنُونَةٍ لِلِاكْتِفَاءِ بِمَا يُخْرِجُ الصَّغِيرَةَ؛ لِأَنَّ عَدَمَهُ عَلَيْهَا لَيْسَ إلَّا لِعَدَمِ تَكْلِيفِهَا وَالْمَجْنُونَةُ مِثْلُهَا فِي ذَلِكَ وَلِهَذَا قَالَ الْإِسْبِيجَابِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ مُعْتَدَّةٍ مُخَاطَبَةٍ فَارَقَتْ فِرَاشَ زَوْجٍ حَلَالٍ يَجِبُ عَلَيْهَا الْإِحْدَادُ وَإِلَّا فَلَا اهـ. وَلَمْ يُقَيِّدْ بِالْحُرِّيَّةِ لِوُجُوبِهِ عَلَى الْأَمَةِ الْمَنْكُوحَةِ لِكَوْنِهَا مُكَلَّفَةً بِحُقُوقِ الشَّرْعِ مَا لَمْ يَفُتْ بِهِ حَقُّ الْعَبْدِ وَلِهَذَا لَا يَحْرُمُ عَلَيْهَا الْخُرُوجُ إلَّا إذَا كَانَتْ فِي بَيْتِ الزَّوْجِ وَقْتَ الطَّلَاقِ وَلَمْ يُخْرِجْهَا الْمَوْلَى وَيَحِلُّ إنْ أَخْرَجَهَا وَالْمُدَبَّرَةُ وَالْمُكَاتَبَةُ وَالْمُسْتَسْعَاةُ كَالْقِنَّةِ، وَلَوْ أَسْلَمَتْ الْكَافِرَةُ فِي الْعِدَّةِ لَزِمَهَا الْإِحْدَادُ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الْعِدَّةِ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ قِيلَ: أَرَادَ بِذَلِكَ فِيمَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَأَقُولُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ عَدَمُ حِلِّ مَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ بِمَا إذَا لَمْ يَرْضَ الزَّوْجُ بِذَلِكَ، فَإِنْ رَضِيَ فَقَدْ أَسْقَطَ حَقَّهُ مِنْهَا أَمَّا غَيْرُ ذَاتِ الزَّوْجِ إذَا لَمْ تَكُنْ مُعْتَدَّةً فَيَنْبَغِي أَنْ يَحِلَّ لَهَا ذَلِكَ بَقِيَ هَلْ لَهُ مَنْعُهَا فِي الثَّلَاثِ مُقْتَضَى الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَالْمَذْكُورُ فِي كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ وَقَوَاعِدُنَا لَا تَأْبَاهُ وَحِينَئِذٍ فَيُحْمَلُ الْحِلُّ فِي الْحَدِيثِ عَلَى عَدَمِ مَنْعِهِ اهـ. وَهَذَا الْأَخِيرُ يَأْتِي قَرِيبًا عَنْ فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهَا وَإِنْ حَلَّ لَهَا ذَلِكَ لَكِنَّ فِيهِ فَوَاتَ حَقِّهِ مِنْ الزِّينَةِ فَلَهُ مَنْعُهَا كَمَا أَنَّ لَهُ مَنْعَهَا مِنْ أَكْلِ ذِي رَائِحَةٍ كَرِيهَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ بَقِيَ أَنْ قَوْلَهُ أَوَّلًا وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ إلَخْ، فِيهِ مُخَالَفَةٌ لِنَصِّ الْحَدِيثِ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَلَوْ أُخِّرَ الِاسْتِثْنَاءُ عَنْ الْجَمِيعِ لَكَانَ أَوْلَى) قَالَ فِي النَّهْرِ مَدْفُوعٌ بِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ قَوْلَهُ بِتَرْكِ الزِّينَةِ شَامِلٌ لِلْكُلِّ وَالْمَذْكُورُ بَعْدَهُ تَفْصِيلٌ لِذَلِكَ الْإِجْمَالِ. (قَوْلُهُ لِوُجُوبِ سُتْرَةِ الْعَوْرَةِ) يَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ بِقَدْرِ مَا تَسْتَحْدِثُ ثَوْبًا غَيْرَهُ إمَّا بِبَيْعِهِ وَالِاسْتِخْلَافِ بِثَمَنِهِ أَوْ مِنْ مَالِهَا إنْ كَانَ لَهَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 163 وَيَنْبَغِي كَذَلِكَ لَوْ بَلَغَتْ الصَّغِيرَةُ أَوْ أَفَاقَتْ الْمَجْنُونَةُ؛ إذْ لَا فَرْقَ وَاقْتِصَارُهُ عَلَى تَرْكِ مَا ذُكِرَ يُفِيدُ جَوَازَ دُخُولِ الْحَمَّامِ لَهَا وَنُقِلَ فِي الْمِعْرَاجِ أَنَّ عِنْدَهُمْ لَهَا أَنْ تَدْخُلَ الْحَمَّامَ وَتَغْسِلَ رَأْسَهَا بِالْخِطْمِيِّ وَالسِّدْرِ وَفِيهِ أَنَّ الْحِدَادَ حَقُّ الشَّرْعِ حَتَّى لَوْ أَمَرَهَا الزَّوْجُ بِتَرْكِهِ لَمْ يَحِلَّ لَهَا. (قَوْلُهُ لَا مُعْتَدَّةُ الْعِتْقِ وَالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ) أَيْ: لَا حِدَادَ عَلَى أُمِّ الْوَلَدِ إذَا أُعْتِقَتْ بِإِعْتَاقِ سَيِّدِهَا أَوْ مَوْتِهِ وَلَا عَلَى الْمُعْتَدَّةِ مِنْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ وَهُوَ مَفْهُومٌ مِنْ اقْتِصَارِهِ عَلَى الْبَتِّ وَالْمَوْتِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ تَزَوَّجَ أَمَةً وَمَلَكَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ وَقَدْ وَلَدَتْ مِنْهُ فَسَدَ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا وَلَا حِدَادَ عَلَيْهَا وَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَتَيْنِ، فَإِنْ أَعْتَقَهَا كَانَ عَلَيْهَا عِدَّتَانِ عِدَّةُ فَسَادِ النِّكَاحِ وَفِيهَا الْحِدَادُ وَعِدَّةُ الْعِتْقِ وَلَا حِدَادَ فِيهَا فَتُحِدُّ فِي حَيْضَتَيْنِ دُونَ الثَّالِثَةِ، وَلَوْ أَعْتَقَهَا بَعْدَ حَيْضَتَيْنِ كَانَ عَلَيْهَا أَنْ تَعْتَدَّ بِثَلَاثٍ اهـ. وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ النِّكَاحَ إذَا فَسَدَ بَعْدَ صِحَّتِهِ يُوجِبُ الْحِدَادَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فَاسِدًا مِنْ أَصْلِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا وَجَبَ إظْهَارًا لِلتَّأَسُّفِ عَلَى فَوَاتِ نِعْمَةِ النِّكَاحِ وَسَبَبُهُ النِّكَاحُ الصَّحِيحُ فَلَا يُتَأَسَّفُ عَلَى الْفَاسِدِ وَاسْتُفِيدَ عَدَمُ وُجُوبِهِ عَلَى الْمُعْتَدَّةِ مِنْ وَطْءٍ بِشُبْهَةٍ بِالْأَوْلَى كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ فَالْحَاصِلُ لَا إحْدَادَ عَلَى كَافِرَةٍ وَلَا صَغِيرَةٍ وَلَا مَجْنُونَةٍ وَلَا مُعْتَدَّةٍ عَنْ عِتْقٍ وَلَا مُعْتَدَّةٍ عَنْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ وَلَا عَلَى مُعْتَدَّةٍ عَنْ وَطْءٍ بِشُبْهَةٍ وَلَا مُعْتَدَّةٍ عَنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ فَهُنَّ سَبْعٌ لَا حِدَادَ عَلَيْهِنَّ، فَإِنْ قُلْت إنَّ الْعِلَّةَ لِوُجُوبِهِ أَعْنِي إظْهَارَ التَّأَسُّفِ عَلَى فَوَاتِ نِعْمَةِ النِّكَاحِ وَإِنْ فَاتَتْ فِي مَسْأَلَتَيْ الْكِتَابِ بَقِيَتْ أُخْرَى أَعْنِي عَدَمَ إظْهَارِ الرَّغْبَةِ فِيمَا هُوَ مَمْنُوعٌ فِيهَا وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ لِلرَّغْبَةِ أُجِيبَ بِأَنَّ هَذِهِ حِكْمَةٌ فَلَا تَطَّرِدُ وَتِلْكَ عِلَّةٌ يَزُولُ الْحُكْمُ بِزَوَالِهَا كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ. (قَوْلُهُ وَلَا تُخْطَبُ مُعْتَدَّةٌ) أَيْ: تَحْرُمُ خِطْبَتُهَا وَهِيَ بِكَسْرِ الْخَاءِ مَصْدَرٌ بِمَنْزِلَةِ الْخَطْبِ مِثْلَ قَوْلِك إنَّهُ لَحَسَنُ الْقِعْدَةِ وَالْجِلْسَةِ تُرِيدُ الْقُعُودَ وَالْجُلُوسَ وَفِي اشْتِقَاقِهِ وَجْهَانِ الْأَوَّلُ أَنَّ الْخَطْبَ هُوَ الْأَمْرُ وَالشَّأْنُ يُقَالُ مَا خَطْبُك أَيْ: مَا شَأْنُك فَقَوْلُهُمْ خَطَبَ فُلَانٌ فُلَانَةَ أَيْ: سَأَلَهَا أَمْرًا وَشَأْنًا فِي نَفْسِهَا وَالثَّانِي أَنَّ أَصْلَ الْخِطْبَةِ مِنْ الْخِطَابِ الَّذِي هُوَ الْكَلَامُ يُقَالُ خَطَبَ الْمَرْأَةَ خِطْبَةً؛ لِأَنَّهُ خَاطِبٌ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ وَخَطَبَ خُطْبَةً أَيْ: خَاطَبَ بِالزَّجْرِ وَالْوَعْظِ وَالْخَطْبُ الْأَمْرُ الْعَظِيمُ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى خِطَابٍ كَثِيرٍ كَذَا ذَكَرَ الْإِمَامُ الرَّازِيّ أَطْلَقَهَا فَشَمِلَ الْمُعْتَدَّةَ عَنْ طَلَاقٍ بِنَوْعَيْهِ وَعَنْ وَفَاةٍ وَعَنْ عِتْقٍ وَعَنْ غَيْرِ ذَلِكَ وَلَمْ أَرَهُ صَرِيحًا وَعُلِمَ مِنْهُ حُرْمَةُ خِطْبَةِ الْمَنْكُوحَةِ بِالْأَوْلَى وَتَحْرُمُ تَصْرِيحًا وَتَعْرِيضًا كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَقُيِّدَ بِالْمُعْتَدَّةِ؛ لِأَنَّ الْخَالِيَةَ عَنْ نِكَاحٍ وَعِدَّةٍ تَحِلُّ خِطْبَتُهَا تَصْرِيحًا وَتَعْرِيضًا لِجَوَازِ نِكَاحِهَا لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَخْطُبَهَا غَيْرُهُ قَبْلَهُ، فَإِنْ خَطَبَهَا فَعَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: إمَّا أَنْ تُصَرِّحَ بِالرِّضَا فَتَحْرُمَ أَوْ بِالرَّدِّ فَتَحِلَّ أَوْ تَسْكُتَ فَقَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ وَلَمْ أَرَ هَذَا التَّفْصِيلَ لِأَصْحَابِنَا وَأَصْلُهُ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ «لَا يَخْطُبُ أَحَدُكُمْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ» وَقَيَّدُوهُ بِأَنْ لَا يَأْذَنَ لَهُ وَاسْتُفِيدَ مِنْ حُرْمَةِ خِطْبَةِ الْمُعْتَدَّةِ حُرْمَةُ نِكَاحِهَا عَلَى غَيْرِ الْمُطَلِّقِ بِالْأَوْلَى وَهُوَ ظَاهِرٌ وَلَكِنْ جَعَلُوا دَلِيلَهُ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} [البقرة: 235] وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمُرَادَ لَا تَعْقِدُوا وَعُبِّرَ عَنْهُ بِالْعَزْمِ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُهُ مُبَالَغَةٌ فِي الْمَنْعِ عَنْهُ، وَقِيلَ هُوَ بَاقٍ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَالْمُرَادُ بِهِ الْإِيجَابُ يُقَالُ عَزَمْت عَلَيْك أَيْ أَوْجَبْت عَلَيْك وَالْإِيجَابُ سَبَبٌ لِلْوُجُودِ ظَاهِرًا فَكَانَ مَجَازًا عَنْهُ أَيْ: لَا تُوجِدُوا عَقْدَ النِّكَاحِ، وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ اخْتِيَارُ أَكْثَرِ الْمُحَقِّقِينَ، وَفِي الْكِتَابِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا الْمَكْتُوبُ وَالْمَعْنَى حَتَّى تَبْلُغَ الْعِدَّةُ الْمَفْرُوضَةُ آخِرَهَا. الثَّانِي: أَنَّ الْكِتَابَ بِمَعْنَى الْفَرْضِ أَيْ: حَتَّى يَبْلُغَ هَذَا الْكِتَابُ آخِرَهُ وَنِهَايَتَهُ وَتَمَامُهُ فِي التَّفْسِيرِ الْكَبِيرِ. (قَوْلُهُ وَصَحَّ التَّعْرِيضُ) وَهُوَ لُغَةً خِلَافُ التَّصْرِيحِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكِنَايَةِ أَنَّ التَّعْرِيضَ تَضْمِينُ الْكَلَامِ دَلَالَةً لَيْسَ فِيهَا ذِكْرٌ كَقَوْلِك مَا أَقْبَحَ الْبُخْلَ تَعْرِيضٌ بِأَنَّهُ بَخِيلٌ وَالْكِنَايَةُ ذِكْرُ الرَّدِيفِ وَإِرَادَةُ الْمَرْدُوفِ كَقَوْلِك فُلَانٌ طَوِيلُ النِّجَادِ وَكَثِيرُ رَمَادِ الْقِدْرِ يَعْنِي أَنَّهُ طَوِيلُ الْقَامَةِ وَمِضْيَافٌ كَذَا فِي   [منحة الخالق] مَالٌ كَذَا فِي النَّهْرِ عَنْ الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَنُقِلَ فِي الْمِعْرَاجِ أَنَّ عِنْدَهُمْ إلَخْ) عِبَارَةُ الْمِعْرَاجِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ يَجُوزُ الِامْتِشَاطُ مُطْلَقًا ثُمَّ قَالَ وَعِنْدَهُمْ لَهَا أَنْ تَدْخُلَ الْحَمَّامَ وَتَغْسِلَ رَأْسَهَا بِالْخِطْمِيِّ وَالسِّدْرِ اهـ. وَمَفْهُومُهُ أَنَّ عِنْدَنَا لَيْسَ كَذَلِكَ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ سَكَتَ عَنْ حُكْمِهِ عِنْدَنَا لِعَدَمِ نَصٍّ فِيهِ (قَوْلُهُ وَفِيهِ) أَيْ: فِي الْمِعْرَاجِ. (قَوْلُهُ فَقَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ مُقْتَضَى قَوْلِهِمْ لَا يُنْسَبُ إلَى سَاكِتٍ قَوْلٌ تَرْجِيحُ الْجَوَازِ (قَوْلُهُ وَأَصْلُهُ الْحَدِيثُ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَفِي الذَّخِيرَةِ كَمَا «نَهَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الِاسْتِيَامِ عَلَى سَوْمِ الْغَيْرِ نَهَى عَنْ الْخِطْبَةِ عَلَى خِطْبَةِ الْغَيْرِ» وَالْمُرَادُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَرْكَنَ قَلْبُ الْمَرْأَةِ إلَى خَاطِبِهَا الْأَوَّلِ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة فِي بَابِ الْكَرَاهِيَةِ (قَوْلُهُ وَقَيَّدُوهُ بِأَنْ لَا يَأْذَنَ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ: الْخَاطِبُ الْأَوَّلُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 164 الْمُغْرِبِ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا أَنْ يَذْكُرَ شَيْئًا يَدُلُّ عَلَى شَيْءٍ لَمْ يَذْكُرْهُ نَحْوَ أَنْ يَقُولَ إنِّي أُرِيدُ أَنْ أَتَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ أَمْرِهَا كَذَا أَوْ مِنْ أَمْرِهَا كَذَا كَمَا فَسَّرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَمَا قِيلَ: إنَّ مِنْهُ أَنْ يَقُولَ لَهَا إنَّك لَجَمِيلَةٌ وَإِنِّي فِيك لَرَاغِبٌ وَإِنَّك لَتُعْجِبِينِي أَوْ إنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَجْتَمِعَ أَنَا وَإِيَّاكَ وَإِنَّك لَدَيِّنَةٌ فَهُوَ غَيْرُ سَدِيدٍ وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يُشَافِهَ امْرَأَةً أَجْنَبِيَّةً لَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا لِلْحَالِ بِمِثْلِ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ؛ لِأَنَّ بَعْضَهَا صَرِيحٌ فِي الْخِطْبَةِ وَبَعْضَهَا صَرِيحٌ فِي إظْهَارِ الرَّغْبَةِ فَلَا يَجُوزُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ التَّعْرِيضَ جَائِزٌ لِكُلِّ مُعْتَدَّةٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ لَا يَجُوزُ إلَّا لِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا بِالْإِجْمَاعِ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ. وَأَمَّا الْمُطَلَّقَةُ فَغَيْرُ جَائِزٍ لِمَا فِيهِ مِنْ إيرَاثِ الْعَدَاوَةِ بَيْنَ الْمُطَلِّقِ وَالْخَاطِبِ بِخِلَافِ الْمَيِّتِ فَإِنَّ النِّكَاحَ قَدْ انْقَطَعَ فَلَا عَدَاوَةَ مِنْ الْمَيِّتِ وَلَا وَرَثَتِهِ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلا أَنْ تَقُولُوا قَوْلا مَعْرُوفًا} [البقرة: 235] قَالَ الرَّازِيّ فِي تَفْسِيرِهِ أَرَادَ بِهِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا بِدَلِيلِ سِيَاقِ الْآيَةِ وَالْمَعْنَى لَا إثْمَ عَلَيْكُمْ فِيمَا ذَكَرْتُمْ لَهُنَّ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمُوهِمَةِ لِإِرَادَةِ نِكَاحِهِنَّ أَوْ أَضْمَرْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ فَلَمْ تَنْطِقُوا بِهِ تَعْرِيضًا وَلَا تَصْرِيحًا عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ فَاذْكُرُوهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ نِكَاحًا وَالِاسْتِثْنَاءُ مِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ وَهُوَ مُنْقَطِعٌ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ الْمَعْرُوفَ لَيْسَ دَاخِلًا فِي السِّرِّ وَالِاسْتِدْرَاكُ مِمَّا قَدَّرْنَاهُ وَتَمَامُهُ فِي التَّفْسِيرِ الْكَبِيرِ. (قَوْلُهُ وَلَا تَخْرُجُ مُعْتَدَّةُ الطَّلَاقِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [الطلاق: 1] أَيْ: لَا تُخْرِجُوا الْمُعْتَدَّاتِ مِنْ الْمَسَاكِنِ الَّتِي كُنْتُمْ تَسْكُنُونَ فِيهَا قَبْلَ الطَّلَاقِ، فَإِنْ كَانَتْ الْمَسَاكِنُ عَارِيَّةً فَارْتُجِعَتْ مِنْ السَّاكِنِ كَانَ عَلَى الْأَزْوَاجِ أَنْ يُعَيِّنُوا مَسَاكِنَ أُخْرَى بِطَرِيقِ الشِّرَاءِ أَوْ الْكِرَاءِ وَعَلَى الزَّوْجَاتِ أَيْضًا أَنْ لَا يَخْرُجْنَ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى إلَّا لِضَرُورَةٍ ظَاهِرَةٍ، فَإِنْ خَرَجْنَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا كَانَ حَرَامًا وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - الْفَاحِشَةُ الزِّنَا فَيَخْرُجْنَ لِإِقَامَةِ الْحَدِّ وَبِهِ قَالَ الْأَكْثَرُونَ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - خُرُوجُهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْعِصْيَانُ الظَّاهِرُ وَهُوَ النُّشُوزُ عَنْ الْمُجَاوَرَةِ وَجَمَعَ بَيْنَ النَّهْيِ عَنْ الْإِخْرَاجِ وَالْخُرُوجِ؛ لِأَنَّ الْإِخْرَاجَ إخْرَاجُ الزَّوْجِ لَهَا غَصْبًا وَكَرَاهَةً أَوْ حَاجَةً إلَى الْمَسْكَنِ وَأَنْ لَا يَأْذَنَ لَهَا فِي الْخُرُوجِ إذَا طَلَبَتْ وَالْخُرُوجَ خُرُوجُهُنَّ بِأَنْفُسِهِنَّ إذَا أَرَدْنَ ذَلِكَ وَقُرِئَ {مُبَيِّنَةٍ} [الطلاق: 1] بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ وَتَمَامُهُ فِي التَّفْسِيرِ الْكَبِيرِ وَأَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ بِتَفْسِيرِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - كَذَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَذُكِرَ فِي الْجَوْهَرَةِ أَنَّ أَصْحَابَنَا قَالُوا: الصَّحِيحُ تَفْسِيرُهَا بِالزِّنَا كَمَا فَسَّرَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الرَّجْعِيَّ وَالْبَائِنَ بِنَوْعَيْهِ وَالْمُرَادُ مُعْتَدَّةُ الْفُرْقَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ بِطَلَاقٍ أَوْ بِغَيْرِهِ وَلَوْ كَانَتْ بِمَعْصِيَةٍ كَتَقْبِيلِهَا ابْنَ الزَّوْجِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَمَا إذَا خَرَجَتْ بِإِذْنِ الْمُطَلِّقِ وَبِغَيْرِ إذْنِهِ حَتَّى إنَّ الْمُطَلَّقَةَ رَجْعِيًّا وَإِنْ كَانَتْ مَنْكُوحَةً حُكْمًا لَا تَخْرُجُ مِنْ بَيْتِ الْعِدَّةِ، وَلَوْ أَذِنَ الزَّوْجُ بِخِلَافِ مَا قَبْلَ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ بَعْدَهُ لِلْعِدَّةِ وَهِيَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَمْلِكَانِ إبْطَالَهُ بِخِلَافِ مَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ لِحَقِّ الزَّوْجِ فَيَمْلِكُ إبْطَالَهُ بِالْإِذْنِ. وَسَيَأْتِي أَنَّهَا تَخْرُجُ حَالَةَ الضَّرُورَةِ كَمَا إذَا أُخْرِجَتْ أَوْ انْهَدَمَ الْبَيْتُ فَهُوَ مُقَيَّدٌ بِحَالَةِ الِاخْتِيَارِ وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِهَا بِالْحُرِّيَّةِ وَالتَّكْلِيفِ؛ لِأَنَّ الْأَمَةَ وَالْمُدَبَّرَةَ وَأُمَّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبَةَ وَالْمُسْتَسْعَاةَ يَجُوزُ لَهَا الْخُرُوجُ فِي عِدَّةِ الطَّلَاقِ وَالْوَفَاةِ؛ لِأَنَّ حَالَةَ الْعِدَّةِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى حَالِ النِّكَاحِ وَلَا يَلْزَمُهَا الْمُقَامُ فِي مَنْزِلِ زَوْجِهَا حَالَ النِّكَاحِ فَكَذَا بَعْدَهُ وَلِأَنَّ الْخِدْمَةَ حَقُّ الْمَوْلَى فَلَا يَجُوزُ إبْطَالُهُ إلَّا إذَا بَوَّأَهَا مَنْزِلًا فَحِينَئِذٍ لَا تَخْرُجُ وَلَهُ الرُّجُوعُ، وَلَوْ بَوَّأَهَا فِي النِّكَاحِ ثُمَّ طَلُقَتْ فَلِلزَّوْجِ مَنْعُهَا مِنْ الْخُرُوجِ حَتَّى يَطْلُبَهَا الْمَوْلَى، وَأَمَّا الصَّغِيرَةُ وَالْمَجْنُونَةُ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِ التَّكْلِيفِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْحِدَادِ وَلَكِنَّ لِلزَّوْجِ أَنْ يَمْنَعَ الْمَجْنُونَةَ تَحْصِينًا لِمَائِهِ مِنْ الْخُرُوجِ وَيَمْنَعَ الصَّغِيرَةَ إذَا كَانَتْ مُطَلَّقَةً رَجْعِيًّا كَمَا فِي الْبَدَائِعِ، وَفِي   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَمَا قِيلَ: إنَّ مِنْهُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ فِيهِ نَظَرٌ فَقَدْ أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ جُبَيْرٍ فِي قَوْله تَعَالَى {إِلا أَنْ تَقُولُوا قَوْلا مَعْرُوفًا} [البقرة: 235] يَقُولُ إنِّي فِيك لَرَاغِبٌ وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ نَجْتَمِعَ قَالَ فِي الْفَتْحِ وَنَحْوِهِ إنَّك لَجَمِيلَةٌ أَوْ صَالِحَةٌ فَلَا يُصَرِّحُ بِنِكَاحِهَا وَلَمْ يُعَوَّلْ عَلَى مَا فِي الْبَدَائِعِ. (قَوْلُهُ وَأَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ بِتَفْسِيرِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -) عَزَاهُ فِي الْفَتْحِ إلَى النَّخَعِيّ ثُمَّ قَالَ وَقَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ أَيْ: مِنْ تَفْسِيرِهَا بِالزِّنَا أَظْهَرُ مِنْ جِهَةِ وَضْعِ اللَّفْظِ؛ لِأَنَّ {إِلا أَنْ} [الطلاق: 1] غَايَةٌ وَالشَّيْءُ لَا يَكُونُ غَايَةً لِنَفْسِهِ وَمَا قَالَهُ النَّخَعِيّ أَبْدَعُ وَأَعْذَبُ فِي الْكَلَامِ كَمَا يُقَالُ فِي الْخَطَابِيَّاتِ لَا تَزْنِ إلَّا أَنْ تَكُونَ فَاسِقًا وَلَا تَشْتُمْ أُمَّك إلَّا أَنْ تَكُونَ قَاطِعَ رَحِمٍ وَنَحْوَهُ وَهُوَ بَدِيعٌ بَلِيغٌ جِدًّا. (قَوْلُهُ كَمَا فَسَّرَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ) تَقَدَّمَ أَنَّهُ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا قَالَ فِي الْفَتْحِ وَبِهِ أَخَذَ أَبُو يُوسُفَ لَكِنْ قَالَ بَعْدَهُ وَقَالَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 165 الْمِعْرَاجِ وَشَرْحِ النُّقَايَةِ الْمُرَاهِقَةُ كَالْبَالِغَةِ فِي الْمَنْعِ مِنْ الْخُرُوجِ وَكَالْكِتَابِيَّةِ فِي عَدَمِ وُجُوبِ الْإِحْدَادِ، وَأَمَّا الْكِتَابِيَّةُ فَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهَا الْخُرُوجُ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُخَاطَبَةٍ بِحَقِّ الشَّرْعِ إلَّا إنْ مَنَعَهَا الزَّوْجُ صِيَانَةً لِمَائِهِ، وَكَذَا إذَا أَسْلَمَ زَوْجُ الْمَجْنُونَةِ وَأَبَتْ الْإِسْلَامَ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ الْكِتَابِيَّةُ لَا تَخْرُجُ إلَّا بِإِذْنِ الزَّوْجِ بِخِلَافِ الْمُسْلِمَةِ فَإِنَّهَا لَا تَخْرُجُ لَا بِإِذْنِ الزَّوْجِ وَلَا بِعَدَمِ الْإِذْنِ اهـ. وَبَيْنَ الْعِبَارَتَيْنِ فَرْقٌ لِلْمُتَأَمِّلِ وَقُيِّدَ بِمُعْتَدَّةِ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ مُعْتَدَّةَ الْوَطْءِ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهَا الْخُرُوجُ كَالْمُعْتَدَّةِ عَنْ عِتْقٍ كَأُمِّ الْوَلَدِ إذَا أَعْتَقَهَا سَيِّدُهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا وَالْمُعْتَدَّةِ عَنْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ أَوْ وَطْءٍ بِشُبْهَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ الْمَنْعَ عَنْ الْخُرُوجِ قَبْلَ التَّفْرِيقِ فَكَذَا فِي عِدَّتِهِ إلَّا إنْ مَنَعَهَا الزَّوْجُ لِتَحْصِينِ مَائِهِ فَلَهُ ذَلِكَ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُلْحَقَ بِهِ أُمُّ الْوَلَدِ إذَا أَعْتَقَهَا سَيِّدُهَا فَلَهُ مَنْعُهَا لِتَحْصِينِ مَائِهِ، فَإِنْ أُعْتِقَتْ الْأَمَةُ فِي الْعِدَّةِ أَوْ أَسْلَمَتْ الْكِتَابِيَّةُ حَرُمَ الْخُرُوجُ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ فِي الصَّغِيرَةِ إذَا بَلَغَتْ وَالْمَجْنُونَةِ إذَا أَفَاقَتْ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَسَائِرُ وُجُوهِ الْفَرْقِ الَّتِي تُوجِبُ الْعِدَّةَ مِنْ النِّكَاحِ الصَّحِيحِ وَالْفَاسِدِ سَوَاءٌ يَعْنِي فِي حَقِّ حُرْمَةِ الْخُرُوجِ مِنْ بَيْتِهَا فِي الْعِدَّةِ فَهَذَا تَنْصِيصٌ عَلَى أَنَّ الْمَنْكُوحَةَ نِكَاحًا فَاسِدًا تَعْتَدُّ فِي بَيْتِ الزَّوْجِ وَحُكِيَ فَتْوَى شَمْسِ الْإِسْلَامِ الْأُوزْجَنْدِيِّ أَنَّهَا لَا تَعْتَدُّ فِي مَنْزِلِ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ عَلَيْهَا اهـ. وَفِي الْمُجْتَبَى لَا تُمْنَعُ الْمُعْتَدَّةُ عَنْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ مِنْ الْخُرُوجِ، وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة إذَا قَبَّلَتْ ابْنَ زَوْجِهَا فَلَا نَفَقَةَ لَهَا وَلَهَا السُّكْنَى، وَالنَّصْرَانِيُّ إذَا طَلَّقَ النَّصْرَانِيَّةَ فَلَهَا النَّفَقَةُ لَا السُّكْنَى وَشَمِلَ أَيْضًا الْمَنْزِلَ الْمَمْلُوكَ لِلزَّوْجِ وَغَيْرِهِ حَتَّى لَوْ كَانَ غَائِبًا وَهِيَ فِي دَارٍ بِأُجْرَةٍ قَادِرَةٌ عَلَى دَفْعِهَا فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ بَلْ تَدْفَعُ وَتَرْجِعُ إنْ كَانَ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ وَشَمِلَ خُرُوجَهَا إلَى صَحْنِ دَارٍ فِيهَا مَنَازِلُ لِغَيْرِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْمَنَازِلُ لَهُ وَشَمِلَ أَيْضًا الْمُخْتَلِعَةَ عَلَى نَفَقَةِ عِدَّتِهَا فَالصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يُبَاحُ لَهَا الْخُرُوجُ وَبِهِ أَفْتَى الصَّدْرُ الشَّهِيدُ كَمَا لَوْ اخْتَلَعَتْ عَلَى أَنْ لَا سُكْنَى لَهَا وَيَلْزَمُهَا أَنْ تَكْتَرِيَ بَيْتَ الزَّوْجِ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ، وَلَوْ زَارَتْ أَهْلَهَا وَالزَّوْجُ مَعَهَا أَوْ لَا فَطَلَّقَهَا كَانَ عَلَيْهَا أَنْ تَعُودَ إلَى مَنْزِلِهَا ذَلِكَ فَتَعْتَدَّ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِي الْمُجْتَبَى لَوْ طَلُقَتْ فِي غَيْرِ مَسْكَنِهَا تَعُودُ إلَى مَسْكَنِهَا بِغَيْرِ تَأْخِيرٍ. (قَوْلُهُ وَمُعْتَدَّةُ الْمَوْتِ تَخْرُجُ يَوْمًا وَبَعْضَ اللَّيْلِ) لِتَكْتَسِبَ لِأَجْلِ قِيَامِ الْمَعِيشَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا حَتَّى لَوْ كَانَ عِنْدَهَا كِفَايَتُهَا صَارَتْ كَالْمُطَلَّقَةِ فَلَا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ لِزِيَارَةٍ وَلَا لِغَيْرِهَا لَيْلًا وَلَا نَهَارًا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَدَارَ الْحِلِّ كَوْنُ خُرُوجِهَا بِسَبَبِ قِيَامِ شُغْلِ الْمَعِيشَةِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهِ فَمَتَى انْقَضَتْ حَاجَتُهَا لَا يَحِلُّ لَهَا بَعْدَ ذَلِكَ صَرْفُ الزَّمَانِ خَارِجَ بَيْتِهَا كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَأَقُولُ: لَوْ صَحَّ هَذَا عَمَّمَ أَصْحَابُنَا الْحُكْمَ فَقَالُوا لَا تَخْرُجُ الْمُعْتَدَّةُ عَنْ طَلَاقٍ أَوْ مَوْتٍ إلَّا لِضَرُورَةٍ؛ لِأَنَّ الْمُطَلَّقَةَ تَخْرُجُ لِلضَّرُورَةِ بِحَسْبِهَا لَيْلًا كَانَ أَوْ نَهَارًا وَالْمُعْتَدَّةُ عَنْ مَوْتٍ كَذَلِكَ فَأَيْنَ الْفَرْقُ؟ فَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِهِمْ جَوَازُ خُرُوجِ الْمُعْتَدَّةِ عَنْ وَفَاةٍ نَهَارًا، وَلَوْ كَانَتْ قَادِرَةً عَلَى النَّفَقَةِ وَلِهَذَا اسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ «فُرَيْعَةَ بِنْتِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ زَوْجَهَا لَمَّا قُتِلَ أَتَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاسْتَأْذَنَتْهُ فِي الِانْتِقَالِ إلَى بَنِي خُدْرَةَ   [منحة الخالق] ابْنُ عَبَّاسٍ الْفَاحِشَةُ نُشُوزُهَا وَأَنْ تَكُونَ بَذِيَّةَ اللِّسَانِ عَلَى أَحْمَائِهَا وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا مَرَّ (قَوْلُهُ: وَكَذَا إذَا أَسْلَمَ زَوْجُ الْمَجْنُونَةِ) كَذَا فِي عَامَّةِ النُّسَخِ وَفِي نُسْخَةٍ زَوْجُ الْمَجُوسِيَّةِ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا فِي الْبَدَائِعِ. (قَوْلُهُ كَمَا لَوْ اخْتَلَعَتْ عَلَى أَنْ لَا سُكْنَى لَهَا) لِمَا مَرَّ فِي الْخُلْعِ أَنَّهُ لَا يُسْقِطُ السُّكْنَى وَإِنْ نُصَّ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا حَقُّ الشَّرْعِ نَعَمْ إذَا أَبْرَأَتْهُ عَنْ مُؤْنَةِ السُّكْنَى يَصِحُّ كَمَا فِي الْفَتْحِ ثُمَّ رَأَيْت فِي الْفَتْحِ هُنَا مَا نَصُّهُ كَمَا لَوْ اخْتَلَعَتْ عَلَى أَنْ لَا سُكْنَى لَهَا فَإِنَّ مُؤْنَةَ السُّكْنَى تَبْطُلُ عَنْ الزَّوْجِ وَيَلْزَمُهَا أَنْ تَكْتَرِيَ بَيْتَ الزَّوْجِ. (قَوْلُهُ وَأَقُولُ: لَوْ صَحَّ هَذَا إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ فِيهِ نَظَرٌ؛ إذْ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا إنَّمَا أُبِيحَ لَهَا الْخُرُوجُ لِضَرُورَةِ اكْتِسَابِ النَّفَقَةِ، فَإِذَا قَدَرَتْ عَلَيْهَا فَلَا ضَرُورَةَ تَلْحَقُهَا بِخِلَافِ الْمُطَلَّقَةِ فَإِنَّ نَفَقَتَهَا عَلَيْهِ وَبِهَذَا اتَّضَحَ الْفَرْقُ وَقَدْ رَجَعَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي آخِرِ كَلَامِهِ إلَى هَذَا اهـ. قُلْت وَعِبَارَةُ الْمُجْتَبَى شَاهِدَةٌ بِذَلِكَ وَنَصُّهَا وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا تَخْرُجُ نَهَارًا وَبَعْضَ اللَّيْلِ؛ لِأَنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا فَتَحْتَاجُ إلَى الْخُرُوجِ نَهَارًا لِطَلَبِ الْمَعَاشِ وَقَدْ يَهْجُمُ عَلَيْهَا اللَّيْلُ وَلَا كَذَلِكَ الْمُطَلَّقَةُ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ دَارَّةٌ عَلَيْهَا مِنْ مَالِ الزَّوْجِ اهـ. وَهَكَذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا قَوْلُ الْحَاكِمِ الشَّهِيدِ فِي الْكَافِي وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا تَخْرُجُ بِالنَّهَارِ لِحَاجَتِهَا وَلَا تَبِيتُ بِغَيْرِ مَنْزِلِهَا مَا دَامَتْ فِي عِدَّتِهَا فَقَوْلُهُ لِحَاجَتِهَا أَوْضَحَ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهَا حَاجَةُ النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّهَا لَا نَفَقَةَ لَهَا بِخِلَافِ الْمُطَلَّقَةِ، وَأَمَّا الْحَاجَةُ لِغَيْرِهَا فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِيهَا كَمَا إذَا أُخْرِجَتْ مِنْ الْمَنْزِلِ أَوْ انْهَدَمَ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا مَا فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ لَا يَجُوزُ التَّعْرِيضُ لَهَا بِالْخِطْبَةِ؛ لِأَنَّهَا لَا يَجُوزُ لَهَا الْخُرُوجُ مِنْ مَنْزِلِهَا أَصْلًا فَلَا يُتَمَكَّنُ مِنْ التَّعْرِيضِ، وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْمُضْمَرَاتِ أَنَّ بِنَاءَ التَّعْرِيضِ عَلَى الْخُرُوجِ اهـ. (قَوْلُهُ بِنْتِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ) الَّذِي فِي الْفَتْحِ وَالْمِعْرَاجِ أُخْتُهُ لَا بِنْتُهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 166 فَقَالَ لَهَا: اُمْكُثِي فِي بَيْتِك حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ» فَدَلَّ عَلَى حُكْمَيْنِ إبَاحَةِ الْخُرُوجِ بِالنَّهَارِ وَحُرْمَةِ الِانْتِقَالِ حَيْثُ لَمْ يُنْكِرْ خُرُوجَهَا وَمَنَعَهَا مِنْ الِانْتِقَالِ وَرَوَى عَلْقَمَةُ أَنَّ نِسْوَةً مِنْ هَمْدَانَ نُعِيَ إلَيْهِنَّ أَزْوَاجُهُنَّ فَسَأَلْنَ ابْنَ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقُلْنَ إنَّا نَسْتَوْحِشُ فَأَمَرَهُنَّ أَنْ يَجْتَمِعْنَ بِالنَّهَارِ، فَإِذَا كَانَ بِاللَّيْلِ فَلْتَرْجِعْ كُلُّ امْرَأَةٍ إلَى بَيْتِهَا كَذَا فِي الْبَدَائِعِ، وَفِي الْمُحِيطِ عَزَاءُ الثَّانِي إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي الْجَوْهَرَةِ يَعْنِي بِبَعْضِ اللَّيْلِ مِقْدَارَ مَا تَسْتَكْمِلُ بِهِ حَوَائِجَهَا، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا لَا بَأْسَ بِأَنْ تَتَغَيَّبَ عَنْ بَيْتِهَا أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ اللَّيْلِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ صَحِيحَةٌ اهـ. وَلَكِنْ فِي الْخَانِيَّةِ وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا تَخْرُجُ بِالنَّهَارِ لِحَاجَتِهَا إلَى نَفَقَتِهَا وَلَا تَبِيتُ إلَّا فِي بَيْتِ زَوْجِهَا اهـ. فَظَاهِرُهُ أَنَّهَا لَوْ لَمْ تَكُنْ مُحْتَاجَةً إلَى النَّفَقَةِ لَا يُبَاحُ لَهَا الْخُرُوجُ نَهَارًا كَمَا فَهِمَهُ الْمُحَقِّقُ. (قَوْلُهُ وَتَعْتَدَّانِ فِي بَيْتٍ وَجَبَتْ فِيهِ إلَّا أَنْ تُخْرَجَ أَوْ يَنْهَدِمَ) أَيْ مُعْتَدَّةُ الطَّلَاقِ وَالْمَوْتِ يَعْتَدَّانِ فِي الْمَنْزِلِ الْمُضَافِ إلَيْهِمَا بِالسُّكْنَى وَقْتَ الطَّلَاقِ وَالْمَوْتِ وَلَا يُخْرَجَانِ مِنْهُ إلَّا لِضَرُورَةٍ لِمَا تَلَوْنَاهُ مِنْ الْآيَةِ وَالْبَيْتُ الْمُضَافُ إلَيْهَا فِي الْآيَةِ مَا تَسْكُنُهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ سَوَاءٌ كَانَ الزَّوْجُ سَاكِنًا مَعَهَا أَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَلِهَذَا قَدَّمْنَا أَنَّهَا لَوْ زَارَتْ أَهْلَهَا فَطَلَّقَهَا زَوْجُهَا كَانَ عَلَيْهَا أَنْ تَعُودَ إلَى مَنْزِلِهَا فَتَعْتَدَّ فِيهِ وَاسْتُفِيدَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ أَجْرَ الْمَنْزِلِ بَعْدَ وَفَاةِ الزَّوْجِ مِنْ مَالِهَا إنْ كَانَ لَهَا مَالٌ وَبَعْدَ الطَّلَاقِ عَلَى الزَّوْجِ، فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ غَائِبًا فَطُولِبَتْ بِالْكِرَاءِ فَعَلَيْهَا إعْطَاؤُهُ مِنْ مَالِهَا حَيْثُ كَانَتْ قَادِرَةً وَتَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ إنْ دَفَعَتْ بِإِذْنِ الْقَاضِي هَكَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهَا هَكَذَا أَطْلَقَهُ الشَّيْخَانِ خواهر زاده وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا لَا تَخْرُجُ مِنْهَا قَبْلَ الْعِدَّةِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُسْتَأْجِرَةً وَلَا زَوْجُهَا مُسْتَأْجِرًا. وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ أَنَّ الْمَنْزِلَ إذَا كَانَ بِإِجَارَةٍ يُنْظَرُ إنْ كَانَتْ مُشَاهَرَةً فَلَهَا التَّحَوُّلُ وَإِنْ كَانَتْ إجَارَةٌ إلَى مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ فَلَيْسَ لَهَا التَّحَوُّلُ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَاسْتُفِيدَ أَيْضًا أَنْ الْمُطَلِّقَ لَوْ طَلَبَ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يُسَكِّنَهَا بِجِوَارِهِ لَا يُجِيبُهُ إلَى ذَلِكَ وَإِنَّمَا تَعْتَدُّ فِي مَسْكَنٍ كَانَتْ تَسْكُنُهُ قَبْلَ الْمُفَارَقَةِ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَأُطْلِقَ فِي الْإِخْرَاجِ فَشَمِلَ مَا إذَا أَخْرَجَهَا الْمُطَلِّقُ ظُلْمًا وَتَعَدِّيًا وَمَا إذَا أَخْرَجَهَا صَاحِبُ الدَّارِ لِعَدَمِ قُدْرَتِهِمَا عَلَى الْكِرَاءِ وَوَجَدَتْ مَنْزِلًا بِغَيْرِ كِرَاءٍ وَمَا إذَا أَخْرَجَهَا الْوَارِثُ وَكَانَ نَصِيبُهَا مِنْ الْبَيْتِ لَا يَكْفِيهَا وَفِي الْمُجْتَبَى كَانَ نَصِيبُهَا مِنْ دَارِ الْمَيِّتِ لَا يَكْفِيهَا اشْتَرَتْ مِنْ الْأَجَانِبِ وَأَوْلَادِهِ الْكِبَارِ، وَكَذَا فِي الطَّلَاق الْبَائِنِ اهـ. وَظَاهِرُهُ وُجُوبُ الشِّرَاءِ عَلَيْهَا إنْ كَانَتْ قَادِرَةً وَيُقَالُ يَجِبُ الْكِرَاءُ وَالشِّرَاءُ إنْ أَمْكَنَ وَحُكْمُ مَا انْتَقَلَتْ إلَيْهِ حُكْمُ الْمَسْكَنِ الْأَصْلِيِّ فَلَا تَخْرُجُ مِنْهُ عَلَى مَا أَسْلَفْنَاهُ وَتَعْيِينُ الْمَنْزِلِ الثَّانِي لِلزَّوْجِ فِي مُعْتَدَّةِ الطَّلَاقِ وَلَهَا فِي الْوَفَاةِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَكَذَا إذَا كَانَ زَوْجُهَا غَائِبًا وَطَلَّقَهَا فَالتَّعْيِينُ لَهَا كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ وَفِي الْمِعْرَاجِ أَيْضًا عُيِّنَ انْتِقَالُهَا إلَى أَقْرَبِ الْمَوَاضِعِ مِمَّا انْهَدَمَ فِي الْوَفَاةِ وَإِلَى حَيْثُ شَاءَتْ فِي الطَّلَاقِ وَالْمُرَادُ بِالِانْهِدَامِ خَوْفُهُ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ فَلَهَا الْخُرُوجُ إذَا خَافَتْ الِانْهِدَامَ عَلَيْهَا وَالْمُرَادُ إذَا خَافَتْ عَلَى نَفْسِهَا أَوْ مَتَاعِهَا مِنْ اللُّصُوصِ فَلَهَا التَّحَوُّلُ لِلضَّرُورَةِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ حَصْرَ الْأَعْذَارِ فِيمَا ذُكِرَ فَمِنْهَا مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا أَحَدٌ فِي الْبَيْتِ وَهِيَ تَخَافُ بِاللَّيْلِ بِالْقَلْبِ مِنْ أَمْرِ الْمَيِّتِ وَالْمَوْتِ إنْ كَانَ الْخَوْفُ شَدِيدًا كَانَ لَهَا التَّحَوُّلُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَدِيدًا فَلَيْسَ لَهَا التَّحَوُّلُ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَفِي الْقُنْيَةِ خَرَجَتْ الْمُعْتَدَّةُ لِإِصْلَاحِ مَا لَا بُدَّ لَهَا كَالزِّرَاعَةِ وَطَلَبِ النَّفَقَةِ وَإِخْرَاجِ الْكَرْمِ وَلَا وَكِيلَ لَهَا فَلَهَا ذَلِكَ اهـ. وَمِنْهَا طَلَّقَهَا بِالْبَادِيَةِ وَهِيَ مَعَهُ فِي مِحَفَّةٍ أَوْ خَيْمَةٍ وَالزَّوْجُ يَنْتَقِلُ مِنْ مَوْضِعٍ إلَى آخَرَ لِلْكَلَأِ وَالْمَاءِ، فَإِنْ كَانَ يَدْخُلُ عَلَيْهَا ضَرَرٌ بَيِّنٌ فِي نَفْسِهَا وَمَالِهَا بِتَرْكِهَا فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَلَهُ أَنْ يَتَحَوَّلَ بِهَا وَإِلَّا فَلَا كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ أَيْضًا وَلَيْسَ مِنْهَا سَفَرُهَا لِلْحَجِّ أَوْ لِلْعُمْرَةِ فَلَا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ حَيْثُ لَمْ يُنْكِرْ خُرُوجَهَا) أَيْ: خُرُوجَهَا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا سَأَلَتْهُ وَفِيهِ أَنَّ هَذَا سُؤَالٌ عَنْ أَمْرٍ دِينِيٍّ فَهُوَ خُرُوجٌ لِحَاجَةٍ ثُمَّ رَأَيْت فِي الْعِنَايَةِ قَالَ: وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى حُكْمَيْنِ عَلَى أَنَّهَا يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تَعْتَدَّ فِي مَنْزِلِ الزَّوْجِ وَعَلَى أَنَّ الْخُرُوجَ بِبَعْضِ النَّهَارِ لِقَضَاءِ حَوَائِجِهَا جَائِزٌ فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهَا خُرُوجَهَا لِلِاسْتِفْتَاءِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا الطَّلَاقُ الْبَائِنُ) قَالَ فِي النَّهْرِ يَعْنِي فِيمَا إذَا اخْتَلَعَتْ عَلَى السُّكْنَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 167 تَخْرُجُ الْمُعْتَدَّةُ لِسَفَرِ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ الْمُسَافَرَةُ بِالْمُعْتَدَّةِ، وَلَوْ عَنْ رَجْعِيٍّ وَقَدَّمْنَاهُ فِي بَابِهَا وَلَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ إقَامَتِهِ مَعَهَا فِي مَنْزِلِ الطَّلَاقِ قَالَ فِي الْمُجْتَبَى وَإِذَا وَجَبَ الِاعْتِدَادُ فِي مَنْزِلِ الزَّوْجِ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَسْكُنَا فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ إذَا كَانَ عَدْلًا سَوَاءٌ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا أَوْ بَائِنًا أَوْ ثَلَاثًا وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُحَالَ بَيْنَهُمَا فِي الْبَيْتُوتَةِ بِسِتْرٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ فَاسِقًا فَيُحَالَ بِامْرَأَةٍ ثِقَةٍ تَقْدِرُ عَلَى الْحَيْلُولَةِ بَيْنَهُمَا وَإِنْ تَعَذَّرَ فَلْتَخْرُجْ هِيَ وَتَعْتَدَّ فِي مَنْزِلٍ آخَرَ، وَكَذَا لَوْ ضَاقَ الْبَيْتُ وَإِنْ خَرَجَ هُوَ كَانَ أَوْلَى وَلَهُمَا أَنْ يَسْكُنَا بَعْدَ الثَّلَاثِ فِي بَيْتٍ إذَا لَمْ يَلْتَقِيَا الْتِقَاءَ الْأَزْوَاجِ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ خَوْفُ فِتْنَةٍ اهـ. وَهَكَذَا صُرِّحَ فِي الْهِدَايَةِ بِأَنَّ خُرُوجَهُ أَوْلَى مِنْ خُرُوجِهَا عِنْدَ الْعُذْرِ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ أَرْجَحُ فَيَجِبُ الْحُكْمُ بِهِ كَمَا يُقَالُ إذَا تَعَارَضَ مُحَرِّمٌ وَمُبِيحٌ تَرَجَّحَ الْمُحَرِّمُ أَوْ فَالْمُحَرِّمُ أَوْلَى وَيُرَادُ مَا قُلْنَا فِي هَذَا؛ لِأَنَّهُمْ عَلَّلُوا أَوْلَوِيَّةَ خُرُوجِهِ بِأَنَّ مُكْثَهَا وَاجِبٌ لَا مُكْثَهُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقَدْ اُسْتُفِيدَ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْحَائِلَ يَمْنَعُ الْخَلْوَةَ الْمُحَرَّمَةَ قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ: يُجْعَلُ بَيْنَهُمَا حِجَابٌ حَتَّى لَا يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ خَلْوَةٌ وَإِنَّمَا اُكْتُفِيَ بِالْحَائِلِ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ مُعْتَرِفٌ بِالْحُرْمَةِ اهـ. فَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِي الْأَجْنَبِيَّةِ كَذَلِكَ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُعْتَدَّتَهُ إلَّا أَنْ يُوجَدَ نَقْلٌ بِخِلَافِهِ، وَكَذَا حُكْمُ السُّتْرَةِ إذَا مَاتَ زَوْجُهَا وَلَهُ أَوْلَادٌ كِبَارٌ أَجَانِبُ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ، وَأَمَّا نَفَقَةُ هَذِهِ الْمَرْأَةِ الْحَائِلَةِ بَيْنَهُمَا فَقَالَ فِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ مِنْ بَابِ مَا يُوضَعُ عِنْدَ الْعَدْلِ شَهِدَا أَوْ وَاحِدٌ عَدْلٌ أَنَّهُ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَقَدْ دَخَلَ يُمْنَعُ مِنْ الْخَلْوَةِ بِهَا مُدَّةَ الْمَسْأَلَةِ بِأَمِينَةٍ نَفَقَتُهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ يُعْتَقَدُ الْحِلُّ وَالْعَدْلُ كَغَيْرِهِ وَبِخِلَافِ الْمُعْتَدَّةِ، فَإِنْ طَلَبَتْ النَّفَقَةَ تُفْرَضُ نَفَقَةُ الْعِدَّةِ مُدَّتَهَا؛ لِأَنَّهَا زَوْجَةٌ أَوْ مُعْتَدَّةٌ بِخِلَافِ مَا قَبْلَ الدُّخُولِ اهـ. وَتَمَامُ مَسَائِلِ الْحَيْلُولَةِ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ مِنْ الْبَزَّازِيَّةِ وَغَيْرِهَا. (قَوْلُهُ بَانَتْ أَوْ مَاتَ عَنْهَا فِي سَفَرٍ وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ مِصْرِهَا أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ رَجَعَتْ إلَيْهِ) أَيْ إلَى مِصْرِهَا مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَتْ فِي الْمِصْرِ أَوْ غَيْرِهِ هَذَا إذَا كَانَ الْمَقْصِدُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَمَّا إذَا كَانَ الْمَقْصِدُ أَقَلَّ فَهِيَ مُخَيَّرَةٌ (قَوْلُهُ: وَلَوْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ رَجَعَتْ أَوْ مَضَتْ) أَيْ: لَوْ كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مِصْرِهَا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ خُيِّرَتْ إذَا كَانَ الْمَقْصِدُ كَذَلِكَ وَهِيَ فِي الْمَفَازَةِ وَلَكِنَّ الرُّجُوعَ أَوْلَى أَمَّا إذَا كَانَ الْمَقْصِدُ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ تَخْتَارُ الْأَدْنَى. (قَوْلُهُ مَعَهَا وَلِيٌّ أَوْ لَا) مُتَعَلِّقٌ بِالصُّورَتَيْنِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَتْ فِي مِصْرَ تَعْتَدُّ ثَمَّةَ فَتَخْرُجُ بِمَحْرَمٍ) فَلَا تَخْرُجُ قَبْلَ انْقِضَائِهَا مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ لَهَا مَحْرَمٌ أَوْ لَا قُيِّدَ بِالْبَائِنِ؛ لِأَنَّ الْمُطَلَّقَةَ رَجْعِيًّا تَابِعَةٌ لِلزَّوْجِ وَلَا تُفَارِقُهُ وَحَاصِلُ الْوُجُوهِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إمَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مِصْرِهَا وَمَقْصِدِهَا أَقَلُّ مِنْ السَّفَرِ فَتَتَخَيَّرُ وَالْأَوْلَى الرُّجُوعُ عَلَى مَا فِي الْكَافِي وَعَلَى مَا فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا يَتَعَيَّنُ الرُّجُوعُ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا سَفَرًا وَالْآخَرُ دُونَهُ فَتَخْتَارُ مَا دُونَهُ، فَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا سَفَرًا فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي مَفَازَةٍ أَوْ مِصْرٍ، فَإِنْ كَانَتْ فِي مَفَازَةٍ تَخَيَّرَتْ وَالْأَوْلَى الرُّجُوعُ وَإِنْ كَانَتْ فِي مِصْرٍ لَمْ تَخْرُجْ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ، وَفِي الْبَدَائِعِ لَوْ كَانَتْ الْجِهَتَانِ مُدَّةَ سَفَرٍ فَمَضَتْ أَوْ رَجَعَتْ وَبَلَغَتْ أَدْنَى الْمَوَاضِعِ الَّتِي تَصْلُحُ لِلْإِقَامَةِ أَقَامَتْ فِيهِ وَاعْتَدَّتْ إنْ لَمْ تَجِدْ مَحْرَمًا بِلَا خِلَافٍ، وَكَذَا إنْ وَجَدَتْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمِثْلُهُ فِي الْمُحِيطِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ (بَابُ ثُبُوتِ النَّسَبِ)   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَلَا وَكِيلَ لَهَا فَلَهَا ذَلِكَ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَلَا بُدَّ أَنْ يُقَيَّدَ ذَلِكَ بِأَنْ تَبِيتَ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا (قَوْلُهُ وَلَهُ أَوْلَادٌ كِبَارٌ أَجَانِبُ) عِبَارَةُ الْمِعْرَاجِ، وَكَذَا فِي الْوَفَاةِ إنْ كَانَ لَهُ أَوْلَادٌ كِبَارٌ مِنْ غَيْرِهَا غَيْرُ مَحْرَمٍ لَهَا وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ أَوْلَادَهُ الْكِبَارَ أَجَانِبُ لَهَا وَهُوَ مُشْكِلٌ فَإِنَّ امْرَأَةَ الْأَبِ تَحْرُمُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا وَقَدْ مَرَّ فِي الْمُحَرَّمَاتِ أَنَّ النِّكَاحَ فِي الْآيَةِ لِلْعَقْدِ إجْمَاعًا وَعِبَارَةُ الْفَتْحِ سَالِمَةٌ مِنْ ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ إذَا كَانَ مِنْ وَرَثَتِهِ مَنْ لَيْسَ بِمَحْرَمٍ لَهَا وَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّهَا لَا تَسْتَتِرُ مِنْ أَوْلَادِهِ الْكِبَارِ لَكِنْ رَأَيْت فِي كَافِي الْحَاكِمِ مَا نَصُّهُ وَإِذَا طَلَّقَهَا زَوْجُهَا وَلَيْسَ لَهَا إلَّا بَيْتٌ وَاحِدٌ فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا حِجَابًا وَكَذَلِكَ فِي الْوَفَاةِ إذَا كَانَ لَهُ أَوْلَادٌ رِجَالٌ مِنْ غَيْرِهَا فَجَعَلُوا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهَا سِتْرًا أَقَامَتْ وَإِلَّا انْتَقَلَتْ اهـ. وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ شَابَّةً يُخْشَى عَلَيْهَا الْفِتْنَةُ مِنْ الْخَلْوَةِ مَعَهُمْ فَإِنَّهُمْ وَإِنْ كَانُوا مَحَارِمَ لَهَا لَكِنْ قَدْ يُمْنَعُ الْمَحْرَمُ كَمَا قَالُوا بِكَرَاهَةِ الْخَلْوَةِ بِالصِّهْرَةِ الشَّابَّةِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَعَلَى مَا فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا يَتَعَيَّنُ الرُّجُوعُ) ذُكِرَ فِي الْفَتْحِ أَنَّهُ مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَأَنَّهُ الْأَوْجَهُ؛ لِأَنَّهَا كَمَا رَجَعَتْ تَصِيرُ مُقِيمَةً وَإِذَا مَضَتْ تَكُونُ مُسَافِرَةً مَا لَمْ تَصِلْ إلَى الْمَقْصِدِ، فَإِذَا قَدَرَتْ عَلَى الِامْتِنَاعِ عَنْ اسْتِدَامَةِ السَّفَرِ فِي الْعِدَّةِ تَعَيَّنَ عَلَيْهَا ذَلِكَ. [بَابُ ثُبُوتِ النَّسَبِ] الجزء: 4 ¦ الصفحة: 168 لَمَّا كَانَ مِنْ آثَارِ الْحَمْلِ ذَكَرَهُ عَقِيبَ الْعِدَّةِ (قَوْلُهُ وَمَنْ قَالَ إنْ نَكَحْتُهَا فَهِيَ طَالِقٌ فَوَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ نَكَحَهَا لَزِمَهُ نَسَبُهُ وَمَهْرُهَا) أَمَّا النَّسَبُ فَلِأَنَّهَا فِرَاشُهُ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا جَاءَتْ بِالْوَلَدِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ النِّكَاحِ فَقَدْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْهَا مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ فَكَانَ الْعُلُوقُ قَبْلَهُ فِي حَالَةِ النِّكَاحِ وَالتَّصَوُّرُ ثَابِتٌ بِأَنْ تَزَوَّجَهَا وَهُوَ مُخَالِطُهَا فَوَافَقَ الْإِنْزَالُ النِّكَاحَ وَالنَّسَبُ مِمَّا يُحْتَاطُ فِي إثْبَاتِهِ وَالتَّزَوُّجُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ إمَّا بِتَكَلُّمِهِمَا وَسَمَاعِ الشُّهُودِ أَوْ بِأَنَّهُمَا وَكَّلَا فِي التَّزْوِيجِ فَزَوَّجَهُمَا الْوَكِيلُ وَهُمَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَالثَّانِي أَحْسَنُ كَمَا لَا يَخْفَى وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إنَّ الْحَمْلَ عَلَى مَا إذَا تَزَوَّجَهَا وَهُوَ مُخَالِطٌ لَهَا حَمْلُ الْمُسْلِمِ عَلَى الْحَرَامِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ وَلِذَا فَرَّ بَعْضُ الْمَشَايِخِ عَنْ إثْبَاتِ هَذَا التَّصَوُّرِ، وَقَالَ لَا حَاجَةَ إلَى هَذَا التَّكَلُّفِ بَلْ قِيَامُ الْفِرَاشِ كَافٍ وَلَا يُعْتَبَرُ إمْكَانُ الدُّخُولِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ قَائِمٌ مَقَامَهُ كَمَا فِي تَزَوُّجِ الْمَشْرِقِيِّ بِمَغْرِبِيَّةٍ بَيْنَهُمَا مَسِيرَةُ سَنَةٍ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ تَزَوُّجِهَا لَكِنْ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْحَقُّ أَنَّ التَّصَوُّرَ شَرْطٌ وَلِذَا لَوْ جَاءَتْ امْرَأَةُ الصَّبِيِّ بِوَلَدٍ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ وَالتَّصْوِيرُ ثَابِتٌ فِي الْمَغْرِبِيَّةِ لِثُبُوتِ كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ وَالِاسْتِخْدَامَات فَيَكُونُ صَاحِبَ خُطْوَةٍ أَوْ جِنِّيٍّ اهـ. وَلَمْ يُجِبْ عَمَّا ذَكَرْنَاهُ قُيِّدَ بِأَنْ تَلِدَهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ؛ لِأَنَّهَا لَوْ وَلَدَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْهَا لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ؛ لِأَنَّ الْعُلُوقَ حِينَئِذٍ مِنْ زَوْجٍ قَبْلَ النِّكَاحِ، وَلَوْ وَلَدَتْهُ لِأَكْثَرَ مِنْهَا لَمْ يَثْبُتْ أَيْضًا لِاحْتِمَالِ حُدُوثِهِ بَعْدَ الطَّلَاقِ وَقَدْ حَكَمْنَا بِهِ حَيْثُ حَكَمْنَا بِعَدَمِ وُجُوبِ الْعِدَّةِ لِكَوْنِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَالْخَلْوَةِ وَلَمْ يَتَبَيَّنْ بُطْلَانُ هَذَا الْحُكْمِ وَتَعَقَّبَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّ نَفْيَهُمْ النَّسَبَ هُنَا فِي مُدَّةٍ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ وَهُوَ سَنَتَانِ يُنَافِي الِاحْتِيَاطَ فِي إثْبَاتِهِ وَالِاحْتِمَالُ الْمَذْكُورُ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ فَإِنَّ الْعَادَةَ الْمُسْتَمِرَّةَ كَوْنُ الْحَمْلِ أَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَرُبَّمَا يَمْضِي دُهُورٌ لَمْ تُسْمَعْ فِيهَا الْوِلَادَةُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَكَانَ الظَّاهِرُ عَدَمَ حُدُوثِهِ وَحُدُوثُهُ احْتِمَالٌ فَأَيُّ احْتِيَاطٍ فِي إثْبَاتِ النَّسَبِ إذَا نَفَيْنَاهُ لِاحْتِمَالٍ ضَعِيفٍ يَقْتَضِي نَفْيَهُ وَتَرَكْنَا ظَاهِرًا يَقْتَضِي ثُبُوتَهُ وَلَيْتَ شِعْرِي أَيُّ الِاحْتِمَالَيْنِ أَبْعَدُ الِاحْتِمَالُ الَّذِي فَرَضُوهُ لِتَصَوُّرِ الْعُلُوقِ مِنْهُ لِيُثْبِتُوا النَّسَبَ وَهُوَ كَوْنُهُ تَزَوَّجَهَا وَهُوَ يَطَؤُهَا وَسَمِعَ كَلَامَهُمَا النَّاسُ وَهُمَا عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ ثُمَّ وَافَقَ الْإِنْزَالُ الْعَقْدَ أَوْ احْتِمَالُ كَوْنِ الْحَمْلِ إذَا زَادَ عَلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ بِيَوْمٍ يَكُونُ مِنْ غَيْرِهِ اهـ. وَأَمَّا الْمَهْرُ فَلِأَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ النَّسَبُ مِنْهُ جُعِلَ وَاطِئًا حُكْمًا فَتَأَكَّدَ الْمَهْرُ بِهِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي الْإِمْلَاءِ الْقِيَاسُ أَنَّهُ يَجِبُ مَهْرٌ وَنِصْفٌ بِالْوَطْءِ بَعْدَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ وَقَبْلَهُ وَالْجَوَابُ أَنَّا إذَا قَدَّرْنَا أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا حَالَةَ الْمُوَاقَعَةِ لَمْ تَكُنْ الْمُوَاقَعَةُ بَعْدَ الطَّلَاقِ فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا مَهْرٌ وَاحِدٌ ذَكَرَهُ ابْنُ بُنْدَارٍ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَبِهِ انْدَفَعَ مَا قِيلَ لَا يَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِ النَّسَبِ مِنْهُ وَطْؤُهُ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ قَدْ يَكُونُ بِإِدْخَالِ الْمَاءِ الْفَرْجَ بِدُونِ جِمَاعٍ مَعَ أَنَّهُ نَادِرٌ وَالْوَجْهُ الظَّاهِرُ هُوَ الْمُعْتَادُ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْأَصَحُّ فِي ثُبُوتِ هَذَا النَّسَبِ إمْكَانَ الدُّخُولِ وَتَصَوُّرُهُ لَيْسَ إلَّا بِمَا ذُكِرَ مِنْ تَزْوِيجِهَا حَالَ وَطْئِهَا الْمُبْتَدَأِ بِهِ قَبْلَ التَّزَوُّجِ وَقَدْ حُكِمَ فِيهِ بِمَهْرٍ وَاحِدٍ فِي صَرِيحِ الرِّوَايَةِ يَلْزَمُ كَوْنُ مَا ذُكِرَ مُطْلَقًا وَمَنْسُوبًا وَقَدَّمْنَاهُ فِي بَابِ الْمَهْرِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَهَا فِي حَالِ مَا يَطَؤُهَا كَانَ عَلَيْهِ مَهْرَانِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي الْإِمْلَاءِ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ وَعِبَارَةُ أَبِي يُوسُفَ فِي الْأَمَالِي عَلَى مَا نَقَلَهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ يَنْبَغِي فِي الْقِيَاسِ أَنْ يَجِبَ عَلَى الزَّوْجِ مَهْرٌ وَنِصْفٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا فَوَجَبَ نِصْفُ الْمَهْرِ وَمَهْرٌ آخَرُ بِالدُّخُولِ، قَالَ: إلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ اسْتَحْسَنَ وَقَالَ لَا يَجِبُ إلَّا مَهْرٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّا جَعَلْنَاهُ بِمَنْزِلَةِ الدُّخُولِ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ فَتَأَكَّدَ ذَلِكَ الصَّدَاقُ وَاشْتُبِهَ وُجُوبُ الزِّيَادَةِ اهـ. وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ لِلْمُتَأَمِّلِ لَا تُوجِبُ قَوْلَهُ بِلُزُومِ مَهْرٍ وَنِصْفٍ بَلْ ظَاهِرَةٌ فِي نَفْيِهِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْسَانَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْقِيَاسِ فَلَا يُسَوِّغُ الرِّوَايَةَ عَنْهُ بِذَلِكَ اهـ. (قَوْلُهُ مَعَ أَنَّهُ نَادِرٌ وَالْوَجْهُ الظَّاهِرُ هُوَ الْمُعْتَادُ) قَالَ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِهِ: أَقُولُ: لَيْسَ هُوَ بِأَنْدَرَ مِنْ تَزَوُّجِ الْمَغْرِبِيِّ الْمَشْرِقِيَّةَ وَإِلْحَاقِ نَسَبِهَا بِهِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ وَيَنْجُو بِهِ مِنْ حَمْلِ الْمُسْلِمِ عَلَى الْفَسَادِ وَهُوَ الْمُوَاقَعَةُ وَالْعَقْدُ مَعَهَا. (قَوْلُهُ وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْأَصَحُّ) رَدٌّ عَلَى الزَّيْلَعِيِّ حَيْثُ قَالَ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ مَهْرَانِ مَهْرٌ بِالْوَطْءِ وَمَهْرٌ بِالنِّكَاحِ كَمَا إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً فِي حَالِ مَا يَطَؤُهَا كَانَ عَلَيْهِ مَهْرَانِ إلَخْ. (قَوْلُهُ يَلْزَمُ كَوْنُ مَا ذُكِرَ مُطْلَقًا وَمَنْسُوبًا) كَوْنُ بِالرَّفْعِ فَاعِلُ يَلْزَمُ مُضَافٌ إلَى اسْمِهِ وَهُوَ مَا الْمَوْصُولَةُ، وَقَوْلُهُ مُطْلَقًا وَمَنْسُوبًا حَالَانِ مِنْ مَا وَالْمُرَادُ ذُكِرَ تَارَةً غَيْرَ مَعْزُوٍّ لِأَحَدٍ وَتَارَةً ذُكِرَ مَعْزُوًّا وَقَوْلُهُ وَقَدَّمْنَاهُ الضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى مَا وَالْوَاوُ لِلْحَالِ وَالْجُمْلَةُ حَالِيَّةٌ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ اسْمِ الْكَوْنِ وَبَيْنَ خَبَرِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ مُشْكِلًا وَقَوْلُهُ لِمُخَالَفَتِهِ تَعْلِيلٌ لِلُزُومِ إشْكَالِ الْمَذْكُورِ هَذَا وَأَجَابَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَنْ الْإِشْكَالِ فَقَالَ الصَّوَابُ فِي تَصْوِيرِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يُقَالَ أَنَّهُ قَالَ أَوَّلًا: تَزَوَّجْتُك ثُمَّ أَوْلَجَ وَأَمْنَى، وَقَالَتْ: قَبِلْتُ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ فَكَانَ الْوَطْءُ حَاصِلًا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 169 مَهْرٌ بِالزِّنَا لِسُقُوطِ الْحَدِّ بِالتَّزَوُّجِ قَبْلَ تَمَامِهِ وَمَهْرٌ بِالنِّكَاحِ؛ لِأَنَّ هَذَا أَكْثَرُ مِنْ الْخَلْوَةِ مُشْكِلًا لِمُخَالَفَتِهِ لِصَرِيحِ الْمَذْهَبِ وَأَيْضًا الْفِعْلُ وَاحِدٌ وَقَدْ اتَّصَفَ بِشُبْهَةِ الْحِلِّ فَيَجِبُ مَهْرٌ وَاحِدٌ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ إنْ تَزَوَّجْتُهَا فَهِيَ طَالِقٌ وَنَسِيَ فَتَزَوَّجَهَا وَوَطِئَهَا حَيْثُ يَجِبُ مَهْرٌ وَنِصْفٌ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ قَبْلَ الْوَطْءِ أَمَّا هُنَا الطَّلَاقُ مَعَ الْوَطْءِ الْحَلَالِ فِي فِعْلٍ مُتَّحِدٍ فَصَارَ الْفِعْلُ كُلُّهُ لَهُ شُبْهَةُ الْحِلِّ وَقَدْ وَجَبَ الْمَهْرُ فَلَا يَجِبُ مَهْرٌ آخَرُ اهـ. وَقَدْ دَلَّ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَلَى مَسْأَلَتَيْنِ إحْدَاهُمَا أَنَّ مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ طَلَّقَهَا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ لِتَيَقُّنِنَا بِالْعُلُوقِ حَالَ قِيَامِ النِّكَاحِ وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ أَكْثَرَ لَا يَلْزَمُهُ لِعَدَمِ التَّيَقُّنِ بِذَلِكَ وَيَسْتَوِي فِي هَذَا الْحُكْمِ ذَوَاتُ الْأَقْرَاءِ وَذَوَاتُ الْأَشْهُرِ ثَانِيهِمَا أَنَّ مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَوَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ النِّكَاحِ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ وَسَتَأْتِي صَرِيحَةً وَذُكِرَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُحْصَنًا بِالْوَطْءِ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ. (قَوْلُهُ وَيَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِ مُعْتَدَّةِ الرَّجْعِيِّ وَإِنْ وَلَدَتْهُ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ مَا لَمْ تُقِرَّ بِمُضِيِّ الْعِدَّةِ وَكَانَتْ رَجْعَةٌ فِي الْأَكْثَرِ مِنْهُمَا لَا فِي الْأَقَلِّ مِنْهُمَا) أَيْ: مِنْ السَّنَتَيْنِ لِاحْتِمَالِ الْعُلُوقِ فِي حَالَةِ الْعِدَّةِ لِجَوَازِ أَنَّهَا تَكُونُ مُمْتَدَّةَ الطُّهْرِ، فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ بَانَتْ مِنْ زَوْجِهَا لِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَثَبَتَ نَسَبُهُ لِوُجُودِ الْعُلُوقِ فِي النِّكَاحِ أَوْ فِي الْعِدَّةِ وَلَا يَصِيرُ مُرَاجِعًا؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ الْعُلُوقُ قَبْلَ الطَّلَاقِ وَيُحْتَمَلُ بَعْدَهُ فَلَا يَصِيرُ مُرَاجِعًا بِالشَّكِّ وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ كَانَتْ رَجْعَةٌ؛ لِأَنَّ الْعُلُوقَ بَعْدَ الطَّلَاقِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْهُ لِانْتِفَاءِ الزِّنَا مِنْهَا فَيَصِيرُ بِالْوَطْءِ مُرَاجِعًا وَالْأَصْلُ أَنَّ أَقَلَّ مُدَّةِ الْحَمْلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَأَكْثَرَهَا سَنَتَانِ فَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ يُبَاحُ الْوَطْءُ فِيهِ فَهِيَ مُقَدَّرَةٌ بِالْأَقَلِّ وَهُوَ أَقْرَبُ الْأَوْقَاتِ إلَّا أَنْ يَلْزَمَ إثْبَاتُ رَجْعَةٍ بِالشَّكِّ أَوْ إيقَاعُ طَلَاقٍ بِالشَّكِّ أَوْ اسْتِحْقَاقُ مَالٍ بِالشَّكِّ فَحِينَئِذٍ يَسْتَنِدُ الْعُلُوقُ إلَى أَبْعَدِ الْأَوْقَاتِ وَهُوَ مَا قَبْلَ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَا تَثْبُتُ بِالشَّكِّ. وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَا يُبَاحُ الْوَطْءُ فِيهِ فَمُدَّةُ الْحَمْلِ سَنَتَانِ وَيَكُونُ الْعُلُوقُ مُسْتَنِدًا إلَى أَبْعَدِ الْأَوْقَاتِ لِلْحَاجَةِ إلَى إثْبَاتِ النَّسَبِ وَأَمْرُهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الِاحْتِيَاطِ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ أُطْلِقَ فِي الْأَكْثَرِ مِنْهُمَا فَشَمِلَ عِشْرِينَ سَنَةً أَوْ أَكْثَرَ وَقَيَّدَ بِعَدَمِ إقْرَارِهَا؛ لِأَنَّهَا لَوْ أَقَرَّتْ بِانْقِضَائِهَا وَالْمُدَّةُ مُحْتَمَلَةٌ بِأَنْ يَكُونَ سِتِّينَ يَوْمًا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَتِسْعَةً وَثَلَاثِينَ يَوْمًا عَلَى قَوْلِهِمَا ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ إلَّا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ نَسَبُهُ لِلتَّيَقُّنِ بِقِيَامِ الْحَمْلِ وَقْتَ الْإِقْرَارِ فَيَظْهَرُ كَذِبُهَا وَإِنَّمَا نَفَى الْأَقَلَّ بِقَوْلِهِ لَا فِي الْأَقَلِّ مِنْهُمَا مَعَ فَهْمِهِ مِنْ التَّقْيِيدِ بِالْأَكْثَرِ لِبَيَانِ أَنَّ حُكْمَ السَّنَتَيْنِ حُكْمُ الْأَكْثَرِ وَلِذَا قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ وَإِذَا جَاءَتْ بِهِ لِسَنَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ كَانَ رَجْعَةً اهـ. وَأُطْلِقَ فِي الْمُعْتَدَّةِ فَشَمِلَ الْمُعْتَدَّةَ بِالْحَيْضِ أَوْ بِالْأَشْهُرِ لِيَأْسِهَا وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا كَمَا فِي الْبَدَائِعِ إلَّا إذَا أَقَرَّتْ بِانْقِضَائِهَا بِالْأَشْهُرِ لِإِيَاسِهَا مُفَسَّرًا بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ بَائِنًا كَانَ أَوْ رَجْعِيًّا؛ لِأَنَّهَا لَمَّا وَلَدَتْ تَبَيَّنَ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ آيِسَةً فَتَبَيَّنَ أَنَّ عِدَّتَهَا لَمْ تَكُنْ بِالْأَشْهُرِ فَلَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهَا بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بِالْأَشْهُرِ فَصَارَ كَأَنَّهَا لَمْ تُقِرَّ أَصْلًا (قَوْلُهُ وَالْبَتُّ لِأَقَلَّ مِنْهُمَا) أَيْ: وَيَثْبُتُ   [منحة الخالق] فِي صُلْبِ الْعَقْدِ غَيْرَ مُتَقَدِّمٍ عَلَيْهِ وَلَا مُتَأَخِّرٍ عَنْ وُقُوعِ الطَّلَاقِ اهـ. أَيْ: بِخِلَافِ مَا إذَا وَطِئَ أَوَّلًا حَرَامًا ثُمَّ أَجْرَى الْعَقْدَ قَبْلَ النَّزْعِ فَإِنَّهُ لَمَّا سَقَطَ الْحَدُّ بِالْعَقْدِ وَجَبَ مَهْرُ الْوَطْءِ الْأَوَّلِ وَالْمَهْرُ الثَّانِي وَجَبَ بِالْعَقْدِ الْجَارِي حَالَ وَطْئِهِ وَلَيْسَ فِي تِلْكَ إلَّا الْمَهْرُ الَّذِي حَصَلَ بِالْعَقْدِ فَلَا وَجْهَ لِكَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ وَلَا يُقَاسُ أَحَدُ الْفَرْعَيْنِ عَلَى الْآخَرِ. (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَلْزَمَ إثْبَاتُ رَجْعَةٍ بِالشَّكِّ إلَخْ) سَنَذْكُرُ عَنْ الْفَتْحِ تَوْضِيحَ هَذَا عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فَلَوْ نَكَحَ أَمَةً فَطَلَّقَهَا. (قَوْلُهُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا كَمَا فِي الْبَدَائِعِ إلَّا إذَا أَقَرَّتْ إلَخْ) أَقُولُ: عِبَارَةُ الْبَدَائِعِ هَكَذَا، فَإِنْ كَانَتْ آيِسَةً فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ، فَإِنْ كَانَتْ لَمْ تُقِرَّ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَحُكْمُهَا حُكْمُ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ سَوَاءٌ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا أَوْ بَائِنًا وَإِذَا جَاءَتْ بِوَلَدٍ إلَى سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا وَلَدَتْ عُلِمَ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِآيِسَةٍ بَلْ هِيَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ وَإِنْ كَانَتْ أَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا، فَإِنْ كَانَتْ أَقَرَّتْ بِهِ مُفَسَّرًا بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَبَيَّنَ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِآيِسَةٍ تَبَيَّنَ أَنَّ عِدَّتَهَا لَمْ تَكُنْ بِالْأَشْهُرِ فَلَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهَا بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بِالْأَشْهُرِ فَالْتَحَقَ إقْرَارُهَا بِالْعَدَمِ وَجُعِلَ كَأَنَّهَا لَمْ تُقِرَّ أَصْلًا، وَإِنْ كَانَتْ أَقَرَّتْ بِهِ مُطْلَقًا فِي مُدَّةٍ تَصْلُحُ لِثَلَاثَةِ أَقْرَاءٍ، فَإِنْ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ أَقَرَّتْ ثَبَتَ النَّسَبُ وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا بَطَلَ الْيَأْسُ تَعَذَّرَ حَمْلُ إقْرَارِهَا عَلَى الْإِقْرَارِ بِالِانْقِضَاءِ بِالْأَشْهُرِ لِبُطْلَانِ الِاعْتِدَادِ بِالْأَشْهُرِ فَيُحْمَلُ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالِانْقِضَاءِ بِالْأَقْرَاءِ حَمْلًا لِكَلَامِ الْعَاقِلَةِ الْمُسْلِمَةِ عَلَى الصِّحَّةِ عِنْدَ الْإِمْكَانِ اهـ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 170 نَسَبُ وَلَدِ مُعْتَدَّةِ الطَّلَاقِ الْبَائِنِ إذَا وَلَدَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ قَائِمًا وَقْتَ الطَّلَاقِ فَلَا يُتَيَقَّنُ بِزَوَالِ الْفِرَاشِ فَيَثْبُتُ النَّسَبُ احْتِيَاطًا (قَوْلُهُ وَإِلَّا لَا) صَادِقٌ بِصُورَتَيْنِ بِمَا إذَا أَتَتْ بِهِ لِسَنَتَيْنِ فَقَطْ وَبِمَا إذَا أَتَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْهُمَا وَاقْتَصَرَ الشَّارِحُ عَلَى الثَّانِي وَصَرَّحَ فِي الْمُجْتَبَى وَالنُّقَايَةِ بِأَنَّ حُكْمَ السَّنَتَيْنِ كَالْأَكْثَرِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُخْتَصَرِ أَمَّا إذَا أَتَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْهُمَا فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ حَادِثٌ بَعْدَ الطَّلَاقِ فَلَا يَكُونُ مِنْهُ لِحُرْمَةِ وَطْئِهَا فِي الْعِدَّةِ بِخِلَافِ الرَّجْعِيِّ. وَأَمَّا إذَا أَتَتْ بِهِ لِتَمَامِ السَّنَتَيْنِ فَمُشْكِلٌ فَإِنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ أَكْثَرَ مُدَّةِ الْحَمْلِ سَنَتَانِ وَأَلْحَقُوا السَّنَتَيْنِ بِالْأَقَلِّ مِنْهُمَا حَتَّى أَنَّهُمْ أَثْبَتُوا النَّسَبَ إذَا جَاءَتْ بِهِ لِتَمَامِ سَنَتَيْنِ وَجَوَابُهُ بِالْفَرْقِ فَإِنَّ فِي مَسْأَلَةِ الْبَيْتُوتَةِ إذَا جَاءَتْ بِهِ لِسَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ لَوْ أَثْبَتْنَا النَّسَبَ مِنْهُ لَلَزِمَ أَنْ يَكُونَ الْعُلُوقُ سَابِقًا عَلَى الطَّلَاقِ حَتَّى يَحِلَّ الْوَطْءُ فَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ كَوْنُ الْوَلَدِ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ، وَفِي الْحَدِيثِ لَا يَمْكُثُ الْوَلَدُ أَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ فِي بَطْنِ أُمِّهِ بِخِلَافِ غَيْرِ الْمَبْتُوتَةِ لِحِلِّ الْوَطْءِ بَعْدَ الطَّلَاقِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ فِي مَسْأَلَةِ الْمَبْتُوتَةِ الْقَيْدَ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الرَّجْعِيَّةِ وَهُوَ عَدَمُ الْإِقْرَارِ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا مَعَ أَنَّهُ قَيْدٌ فِيهِمَا كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ وَقَوْلُهُ وَإِلَّا لَا مُقَيِّدَ بِمَا إذَا لَمْ تَلِدْ وَلَدًا قَبْلَهُ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ وَبَيْنَهُمَا أَقَلُّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ حَتَّى لَوْ وَلَدَتْ تَوْأَمَيْنِ أَحَدُهُمَا لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ وَالْآخَرُ لِأَكْثَرَ مِنْهُمَا ثَبَتَ نَسَبُهُمَا مِنْهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ كَالْجَارِيَةِ إذَا وَلَدَتْ وَلَدَيْنِ بَعْدَ بَيْعِهَا ثُمَّ ادَّعَى الْبَائِعُ الْأَوَّلَ ثَبَتَ نَسَبُهُمَا مِنْهُ؛ لِأَنَّهُمَا خُلِقَا مِنْ مَاءٍ وَاحِدٍ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُمَا؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ مِنْ عُلُوقٍ حَادِثٍ فَمِنْ ضَرُورَتِهِ أَنْ يَكُونَ الْأَوَّلُ كَذَلِكَ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْجَارِيَةِ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْأَوَّلُ عَلِقَ بِهِ وَهُوَ فِي مِلْكِهِ لِعَدَمِ الِاسْتِحَالَةِ حَتَّى لَوْ وَلَدَتْ أَحَدَهُمَا لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ وَالْآخَرَ لِأَكْثَرَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ أَوْ نَقُولُ يُمْكِنُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْبَائِعَ الْتَزَمَهُ قَصْدًا بِالدَّعْوَةِ وَالزَّوْجَ لَمْ يَدَّعِ حَتَّى لَوْ ادَّعَى الزَّوْجُ الْأَوَّلَ كَانَ مِثْلَهُ، وَلَوْ خَرَجَ بَعْضُهُ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ وَبَاقِيهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ لَا يَلْزَمُهُ حَتَّى يَكُونَ الْخَارِجُ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ نِصْفَ بَدَنِهِ أَوْ يَخْرُجُ مِنْ قِبَلِ الرِّجْلَيْنِ أَكْثَرُ الْبَدَنِ لِأَقَلَّ وَالْبَاقِي لِأَكْثَرَ ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ عِدَّتَهَا انْقَضَتْ بِوَضْعِ الْحَمْلِ أَوْ قَبْلَهُ قَالُوا فِيمَا إذَا وَلَدَتْهُ لِأَكْثَرَ يُحْكَمُ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا قَبْلَ وِلَادَتِهَا بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ فَيَجِبُ أَنْ تَرُدَّ نَفَقَةَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ حَمْلًا عَلَى أَنَّهُ مِنْ غَيْرِهِ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ وَأَقَلُّ مُدَّةِ الْحَمْلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَقَدْ أَخَذَتْ مَالًا لَا تَسْتَحِقُّهُ فِي هَذِهِ السِّتَّةِ أَشْهُرٍ فَتَرُدُّهُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا تَنْقَضِي إلَّا بِوَضْعِ الْحَمْلِ بِدَلِيلِ جَوَازِ عَدَمِ تَزَوُّجِهَا بِالْغَيْرِ قَبْلَ وَضْعِهِ فَيُحْمَلُ عَلَى الْوَطْءِ بِشُبْهَةٍ وَذَكَرَ الْقَاضِي الْإِسْبِيجَابِيُّ وَكَذَلِكَ إذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فِي حَالِ الْمَرَضِ فَامْتَدَّ مَرَضُهُ إلَى سَنَتَيْنِ وَامْتَدَّتْ عِدَّتُهَا إلَى سَنَتَيْنِ ثُمَّ مَاتَ ثُمَّ وَلَدَتْ الْمَرْأَةُ بَعْدَ الْمَوْتِ بِشَهْرٍ وَقَدْ كَانَ أَعْطَاهَا النَّفَقَةَ إلَى وَقْتِ الْوَفَاةِ فَإِنَّهَا لَا تَرِثُهُ وَيَسْتَرِدُّ مِنْهَا نَفَقَةَ خَمْسَةِ أَشْهُرٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ قَالَهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ تَرِثُ وَلَا يَسْتَرِدُّ مِنْهَا شَيْئًا اهـ. وَأُطْلِقَ فِي الْبَتِّ فَشَمِلَ الْوَاحِدَةَ وَالثَّلَاثَ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَشَمِلَ الْحُرَّةَ وَالْأَمَةَ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَمْلِكَهَا بَعْدَ الطَّلَاقِ فَلَوْ تَزَوَّجَ أَمَةً ثُمَّ دَخَلَ بِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً ثُمَّ مَلَكَهَا يَلْزَمُهُ وَلَدُهَا إنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ الْمِلْكِ وَلَا يَلْزَمُهُ إذَا جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا كَمَا سَيَأْتِي فِي آخِرِ الْبَابِ مُفَصَّلًا، وَاعْلَمْ أَنَّ ثُبُوتَ النَّسَبِ فِيمَا ذُكِرَ مِنْ وَلَدِ الْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ وَالْبَائِنَةِ مُقَيَّدٌ بِمَا سَيَأْتِي مِنْ الشَّهَادَةِ بِالْوِلَادَةِ أَوْ اعْتِرَافٍ مِنْ الزَّوْجِ بِالْحَبَلِ أَوْ حَبَلٍ ظَاهِرٍ، وَفِي الْخَانِيَّةِ الْمُعْتَدَّةُ عَنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ إذَا تَزَوَّجَتْ بِزَوْجٍ آخَرَ فِي الْعِدَّةِ وَوَلَدَتْ بَعْدَ ذَلِكَ إنْ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ طَلَاقِ الْأَوَّلِ وَلِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ نِكَاحِ الثَّانِي كَانَ الْوَلَدُ لِلْأَوَّلِ وَإِنْ وَلَدَتْ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ طَلَاقِ الْأَوَّلِ لَا يَلْزَمُ الْأَوَّلَ ثُمَّ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَأَمَّا إذَا أَتَتْ بِهِ لِتَمَامِ السَّنَتَيْنِ فَمُشْكِلٌ) قَالَ فِي النَّهْرِ، وَأَمَّا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِتَمَامِ سَنَتَيْنِ فَعَدَمُ ثُبُوتِهِ مِنْهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ مُخَالِفٌ لِمَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّ أَكْثَرَ مُدَّةِ الْحَمْلِ سَنَتَانِ وَلِرِوَايَةِ الْإِيضَاحِ والإسبيجابي وَالْأَقْطَعِ مِنْ أَنَّهُ يَثْبُتُ إذَا جَاءَتْ بِهِ لِسَنَتَيْنِ وَمِنْ ثَمَّ جَزَمَ الشَّارِحُ بِحَمْلِ كَلَامِهِ عَلَى الْأَوَّلِ. (قَوْلُهُ فَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ كَوْنُ الْوَلَدِ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ) قَالَ فِي النَّهْرِ مَمْنُوعٌ بِالْحَمْلِ عَلَى جَعْلِ الْعُلُوقِ فِي حَالِ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ قَبْلَ زَوَالِ الْفِرَاشِ كَمَا قَرَّرَهُ قَاضِي خَانْ وَهُوَ حَسَنٌ، وَفِي الْجَوْهَرَةِ أَنَّ قَوْلَ الْقُدُورِيِّ بِعَدَمِ ثُبُوتِ النَّسَبِ فِيمَا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِسَنَتَيْنِ سَهْوٌ وَالْمَذْكُورُ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْكُتُبِ أَنَّهُ يَثْبُتُ وَالْحَقُّ حَمْلُهُ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ لِتَوَارُدِ الْمُتُونِ عَلَى عَدَمِ ثُبُوتِهِ كَمَا قَالَ الْقُدُورِيُّ؛ إذْ قَدْ جَرَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا، وَفِي الْوَافِي وَهَكَذَا صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَصَاحِبُ الْمَجْمَعِ وَهُمْ بِالرِّوَايَةِ أَدْرَى (قَوْلُهُ بِدَلِيلِ جَوَازِ عَدَمِ تَزَوُّجِهَا) الْعِبَارَةُ مَقْلُوبَةٌ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 171 يُنْظَرُ إنْ وَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ نِكَاحِ الثَّانِي فَالْوَلَدُ لِلثَّانِي وَإِلَّا فَلَا اهـ. وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ مَا فِي الْمُخْتَصَرِ شَامِلٌ لِمَا إذَا تَزَوَّجَتْ الْمَبْتُوتَةُ فِي الْعِدَّةِ أَوْ لَمْ تَتَزَوَّجْ وَلَمْ يُبَيِّنْ فِي الْخَانِيَّةِ فِيمَا إذَا أَتَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ وَقْتِ طَلَاقِ الْأَوَّلِ وَلِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ نِكَاحِ الثَّانِي، وَفِي الْبَدَائِعِ أَنَّهُ لِلثَّانِي وَالنِّكَاحُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ إقْدَامَهَا عَلَى التَّزَوُّجِ دَلِيلُ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا مِنْ الْأَوَّلِ وَكَذَلِكَ إذَا أَتَتْ بِهِ لِلْأَكْثَرِ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ وَلِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ النِّكَاحِ وَلَمْ يَثْبُتْ مِنْ الْأَوَّلِ وَلَا مِنْ الثَّانِي فَإِنَّ النِّكَاحَ صَحِيحٌ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ بِنَاءً عَلَى تَزَوُّجِ الْحَامِلِ مِنْ الزِّنَا هَذَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا كَانَتْ مُعْتَدَّةً وَقْتَ النِّكَاحِ، فَإِنْ عَلِمَ وَقَعَ الثَّانِي فَاسِدًا، فَإِنْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ فَإِنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ مِنْ الْأَوَّلِ إنْ أَمْكَنَ إثْبَاتُهُ مِنْهُ بِأَنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مُنْذُ طَلَّقَهَا الْأَوَّلُ أَوْ مَاتَ وَلِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ مُنْذُ تَزَوَّجَهَا الثَّانِي، فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ وَلِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ التَّزَوُّجِ فَهُوَ لِلثَّانِي كَذَا فِي الْبَدَائِعِ. (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَهُ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ النَّفْيِ يَعْنِي إذَا جَاءَتْ بِهِ الْمَبْتُوتَةُ لِأَكْثَرَ وَادِّعَاءُ الزَّوْجِ يُثْبِتُ نَسَبَهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ وَلَهُ وَجْهٌ بِأَنْ وَطِئَهَا بِشُبْهَةٍ فِي الْعِدَّةِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا وَتَعَقَّبَهُ فِي التَّبْيِينِ بِأَنَّ الْمَبْتُوتَةَ بِالثَّلَاثِ إذَا وَطِئَهَا الزَّوْجُ بِشُبْهَةٍ كَانَتْ شُبْهَةً فِي الْفِعْلِ وَفِيهَا لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ وَإِنْ ادَّعَاهُ نُصَّ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ فَكَيْفَ أَثْبَتَ بِهِ النَّسَبَ هُنَا اهـ. وَجَوَابُهُ تَسْلِيمُ أَنَّ شُبْهَةَ الْفِعْلِ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ فِيهَا وَإِنْ ادَّعَاهُ إذَا كَانَتْ مُتَمَحِّضَةً وَإِلَّا فَلَا كَمَا فِي الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا أَوْ عَلَى مَالٍ فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ فِيهِمَا بِالدَّعْوَةِ؛ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ فِيهِمَا لَمْ تَتَمَحَّضْ لِلْفِعْلِ بَلْ هِيَ شُبْهَةُ عَقْدٍ أَيْضًا فَلَا يَكُونُ بَيْنَ النَّصَّيْنِ تَنَاقُضٌ، وَهَذَا أَوْلَى مِنْ حَمْلِ بَعْضِهِمْ الْمَذْكُورَ هُنَا عَلَى الْمُبَانَةِ بِالْكِنَايَاتِ فَإِنَّ الشُّبْهَةَ فِيهَا شُبْهَةُ الْمَحَلِّ، وَأَمَّا الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا أَوْ عَلَى مَالٍ فَلَا يَثْبُتُ فِيهَا النَّسَبُ بِالدَّعْوَةِ؛ لِأَنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ هُنَا أَعَمُّ مِنْ الْمَبْتُوتَةِ بِالْكِنَايَاتِ أَوْ بِالثَّلَاثِ أَوْ عَلَى مَالٍ وَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ الْمَلَكِ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ أَنَّ مَنْ وَطِئَ امْرَأَةً أَجْنَبِيَّةً زُفَّتْ إلَيْهِ وَقِيلَ لَهُ إنَّهَا امْرَأَتُك فَهِيَ شُبْهَةٌ فِي الْفِعْلِ وَأَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ إذَا ادَّعَاهُ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ شُبْهَةٍ فِي الْفِعْلِ تَمْنَعُ دَعْوَى النَّسَبِ وَأَطْلَقَ فِي الْمُخْتَصَرِ فَأَفَادَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَصْدِيقُ الْمَرْأَةِ وَفِيهِ رِوَايَتَانِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ؛ لِأَنَّهُ مُمْكِنٌ مِنْهُ وَقَدْ ادَّعَاهُ وَلَا مُعَارِضَ وَلِذَا لَمْ يَشْتَرِطْهُ السَّرَخْسِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ فَدَلَّ عَلَى ضَعْفِ رِوَايَةِ الِاشْتِرَاطِ وَغَرَابَتِهَا كَغَرَابَةِ مَا نَقَلَهُ فِي الْمُجْتَبَى أَنَّ تَوَقُّفَ ثُبُوتِ النَّسَبِ فِيمَا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِلْأَكْثَرِ عَلَى الدَّعْوَى إنَّمَا هُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَيَثْبُتُ النَّسَبُ بِلَا دَعْوَةٍ لِاحْتِمَالِ الْوَطْءِ بِشُبْهَةٍ فِي الْعِدَّةِ اهـ. وَفِي الْبَدَائِعِ وَكُلُّ جَوَابٍ عَرَفْته فِي الْمُعْتَدَّةِ عَنْ طَلَاقٍ فَهُوَ الْجَوَابُ فِي الْمُعْتَدَّةِ مِنْ غَيْرِ طَلَاقٍ مِنْ أَسْبَابِ الْفُرْقَةِ اهـ. (قَوْلُهُ وَالْمُرَاهِقَةِ لِأَقَلَّ مِنْ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ وَإِلَّا لَا) أَيْ: وَيَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِ الْمُطَلَّقَةِ الْمُرَاهِقَةِ إذَا أَتَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ وَقَدْ كَانَ دَخَلَ بِهَا وَلَمْ تُقِرَّ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا وَلَمْ تَدَّعِ حَبَلًا وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِتِسْعَةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ لَا يَثْبُتُ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ سَوَاءٌ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا أَوْ بَائِنًا كَمَا أَطْلَقَهُ الْمُصَنِّفُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَثْبُتُ النَّسَبُ إلَى سَنَتَيْنِ فِي الطَّلَاقِ الْبَائِنِ كَالْكَبِيرَةِ وَإِلَى سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ شَهْرًا فِي الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ؛ لِأَنَّهُ يُجْعَلُ وَاطِئًا فِي آخِرِ الْعِدَّةِ وَهِيَ الثَّلَاثَةُ الْأَشْهُرِ ثُمَّ تَأْتِي بِهِ لِأَكْثَرِ مُدَّةِ الْحَمْلِ وَهِيَ سَنَتَانِ وَلَهُمَا أَنَّ لِانْقِضَاءِ عِدَّةِ الصَّغِيرَةِ جِهَةً مُتَعَيِّنَةً وَهِيَ الْأَشْهُرُ فَبِمُضِيِّهَا يَحْكُمُ الشَّرْعُ بِالِانْقِضَاءِ وَهُوَ فِي الدَّلَالَةِ فَوْقَ إقْرَارِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الْخِلَافَ وَالْإِقْرَارُ يَحْتَمِلُهُ، فَإِذَا وَلَدَتْ قَبْلَ مُضِيِّ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ تَبَيَّنَ أَنَّ الْحَمْلَ كَانَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَإِنْ وَلَدَتْهُ لِتِسْعَةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ فَهُوَ حَمْلٌ حَادِثٌ بَعْدَ انْقِضَاءِ   [منحة الخالق] وَحَقُّهَا بِدَلِيلِ عَدَمِ جَوَازِ تَزَوُّجِهَا. (قَوْلُهُ وَجَوَابُهُ تَسْلِيمُ أَنَّ شُبْهَةَ الْفِعْلِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ بَعْدَ ذِكْرِهِ هَذَا الْجَوَابَ وَاَلَّذِي فِي الْفَتْحِ أَنَّ الْمَذْكُورَ هُنَاكَ إذَا لَمْ يَدَّعِ شُبْهَةً، وَالْمَذْكُورُ هُنَا مَحْمُولٌ عَلَى كَوْنِهِ وَطْئًا بِشُبْهَةٍ وَالْأَجْنَبِيَّةُ يَثْبُتُ النَّسَبُ بِوَطْئِهَا بِشُبْهَةٍ فَكَيْفَ بِالْمُعْتَدَّةِ فَيَجِبُ الْجَمْعُ مَثَلًا بِأَنْ يُقَالَ يَنْبَغِي أَنْ يُصَرِّحَ بِدَعْوَى الشُّبْهَةِ الْمَقْبُولَةِ غَيْرَ مُجَرَّدِ شُبْهَةِ الْفِعْلِ ثُمَّ قَالَ وَالْوَجْهُ أَنْ لَا يُشْتَرَطَ غَيْرُ دَعْوَاهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُشْتَرَطْ فِي الْكِتَابِ سِوَاهُ ثُمَّ يُحْمَلُ عَلَى مُجَرَّدِ الشُّبْهَةِ الَّتِي هِيَ مُجَرَّدُ ظَنِّ الْحِلِّ. (قَوْلُهُ كَغَرَابَةِ مَا نَقَلَهُ فِي الْمُجْتَبَى إلَخْ) ؛ لِأَنَّهُ قَدْ مَرَّ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ إذَا جَاءَتْ بِهِ لِتَمَامِ السَّنَتَيْنِ لِلُزُومِ أَنْ يَكُونَ الْعُلُوقُ سَابِقًا عَلَى الطَّلَاقِ فَيَلْزَمَ أَنْ يَكُونَ مُكْثُ الْوَلَدِ أَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ فَكَيْفَ يَثْبُتُ عِنْدَهُمَا بِلَا دَعْوَةٍ إذَا جَاءَتْ بِهِ لِلْأَكْثَرِ قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ حُكْمَهُ بِالْغَرَابَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ فُهِمَ مِنْ الْأَكْثَرِ أَكْثَرُ مِنْ السَّنَتَيْنِ وَهُوَ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ بَلْ الْمُرَادُ بِهِ أَكْثَرُ مُدَّةِ الْحَمْلِ وَهِيَ السَّنَتَانِ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ اخْتِلَافُ عِبَارَاتِهِمْ مَبْنِيًّا عَلَى اخْتِلَافِ أَبِي يُوسُفَ مَعَ صَاحِبَيْهِ وَيَرْتَفِعُ التَّنَاقُضُ فَتَأَمَّلْ اهـ. وَيُؤَيِّدُهُ مَا مَرَّ عَنْ النَّهْرِ مِنْ أَنَّ الْحَقَّ حَمْلُهُ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 172 عِدَّتِهَا بِالْأَشْهُرِ وَقَدْ وَقَعَ فِي الْبَدَائِعِ هَذَا غَلَطٌ فَاجْتَنِبْهُ فَإِنَّهُ قَالَ: إذَا لَمْ تُقِرَّ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا، فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ يَثْبُتُ النَّسَبُ وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ لِأَكْثَرَ لَا يَثْبُتُ وَصَوَابُهُ إبْدَالُ السِّتَّةِ بِالتِّسْعَةِ كَمَا فِي الْمُخْتَصَرِ أَوْ إبْدَالُ قَوْلِهِ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ بِقَوْلِهِ مِنْ وَقْتِ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بِالْأَشْهُرِ الثَّلَاثَةِ وَالْعِبَارَتَانِ سَوَاءٌ قَيَّدَ الْمُصَنِّفِ بِكَوْنِهَا مُطَلَّقَةً؛ لِأَنَّهَا لَوْ مَاتَ عَنْهَا زَوْجُهَا وَلَمْ تُقِرَّ بِالْحَبَلِ وَلَا بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَعِنْدَهُمَا إنْ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ عَشْرَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرَةِ أَيَّامٍ يَثْبُتُ النَّسَبُ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا قَبْلَ مُضِيِّ عِدَّةِ الْوَفَاةِ وَإِلَّا لَمْ يَثْبُتْ؛ لِأَنَّهُ حَادِثٌ بَعْدَ مُضِيِّهَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَثْبُتُ إلَى سَنَتَيْنِ كَالْكَبِيرَةِ. وَإِنْ أَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ ثُمَّ وَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ مِنْهُ، وَقَيَّدْنَا بِكَوْنِهِ دَخَلَ بِهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَجَاءَتْ بِوَلَدٍ، فَإِنْ كَانَ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ يَثْبُتُ نَسَبُهُ وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْهَا لَا يَثْبُتُ لِحُصُولِ الْعُلُوقِ وَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَقَيَّدْنَا بِكَوْنِهَا لَمْ تُقِرَّ بِانْقِضَائِهَا؛ لِأَنَّهَا لَوْ أَقَرَّتْ بِهِ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ وَلَمْ تَدَّعِ حَبَلًا ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ، فَإِنْ كَانَ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ يَثْبُتُ النَّسَبُ وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ أَكْثَرَ لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ لِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَمَجِيءِ الْوَلَدِ لِمُدَّةِ حَبَلٍ تَامٍّ بَعْدَهُ وَقَيَّدْنَا بِكَوْنِهَا لَمْ تَدَّعِ حَبَلًا؛ لِأَنَّهَا لَوْ أَقَرَّتْ بِالْحَبَلِ فَهُوَ إقْرَارٌ مِنْهَا بِالْبُلُوغِ فَيُقْبَلُ قَوْلُهَا فَصَارَتْ كَالْكَبِيرَةِ فِي حَقِّ ثُبُوتِ نَسَبِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا لَا يَقْتَصِرُ انْقِضَاءُ عِدَّتِهَا عَلَى أَقَلَّ مِنْ تِسْعَةٍ، فَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ وَإِنْ كَانَ رَجْعِيًّا يَثْبُتُ نَسَبُهُ إذَا أَتَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ شَهْرًا كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ لَا مُطْلَقًا فَإِنَّ الْكَبِيرَةَ يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا فِي الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ وَإِنْ طَالَ إلَى سِنِّ الْإِيَاسِ لِجَوَازِ امْتِدَادِ طُهْرِهَا وَوَطْئِهِ إيَّاهَا فِي آخِرِ الطُّهْرِ وَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِالْمُرَاهَقَةِ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ كَثِيرٍ بِالصَّغِيرَةِ؛ لِأَنَّ الْمُرَاهِقَةَ هِيَ الَّتِي تَلِدُ لَا مَا دُونَهَا وَمِنْ تَعْبِيرِ الْهِدَايَةِ بِالصَّغِيرَةِ الَّتِي يُجَامَعُ مِثْلُهَا كَمَا لَا يَخْفَى. (قَوْلُهُ وَالْمَوْتِ لِأَقَلَّ مِنْهُمَا) مَعْطُوفٌ عَلَى الرَّجْعِيِّ أَيْ: وَيَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِ مُعْتَدَّةِ الْمَوْتِ إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْمَوْتِ وَقَالَ زُفَرُ إذَا جَاءَتْ بِهِ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّةِ الْوَفَاةِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ حَكَمَ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بِالشُّهُورِ لِتَعَيُّنِ الْجِهَةِ فَصَارَ كَمَا إذَا أَقَرَّتْ بِالِانْقِضَاءِ كَمَا بَيَّنَّا فِي الصَّغِيرَةِ إلَّا أَنَّا نَقُولُ لِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا جِهَةٌ أُخْرَى وَهُوَ وَضْعُ الْحَمْلِ بِخِلَافِ الصَّغِيرَةِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهَا عَدَمُ الْحَمْلِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَحَلٍّ لَهُ قَبْلَ الْبُلُوغِ وَفِيهِ شَكٌّ أُطْلِقَ فِي مُعْتَدَّةِ الْمَوْتِ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِالْكَبِيرَةِ، وَأَمَّا الصَّغِيرَةُ فَقَدَّمْنَا حُكْمَهَا وَمُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ تُقِرَّ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا وَأَمَّا إذَا أَقَرَّتْ فَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي عُمُومِ الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ عَقِيبَ هَذِهِ وَشَمِلَ كَلَامُهُ الْمَدْخُولَ بِهَا وَغَيْرَهَا كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَشَمِلَ مَا إذَا كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ أَوْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَشْهُرِ لَكِنْ قَيَّدَهُ فِي الْبَدَائِعِ بِأَنْ تَكُونَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ. قَالَ: وَأَمَّا إذَا كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَشْهُرِ، فَإِنْ كَانَتْ آيِسَةً أَوْ صَغِيرَةً فَحُكْمُهَا فِي الْوَفَاةِ مَا هُوَ حُكْمُهَا فِي الطَّلَاقِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ اهـ. وَقُيِّدَ بِالْأَقَلِّ؛ لِأَنَّهَا لَوْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْمَوْتِ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِالسَّنَتَيْنِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالْأَكْثَرِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي نَظِيرِهِ. (قَوْلُهُ وَالْمُقِرَّةِ بِمُضِيِّهَا لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ وَإِلَّا لَا) أَيْ: وَيَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِ الْمُعْتَدَّةِ الْمُقِرَّةِ بِمُضِيِّهَا إذَا جَاءَتْ بِالْوَلَدِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ لَكِنْ قَيَّدَهُ فِي الْبَدَائِعِ بِأَنْ تَكُونَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ هَذَا لَمْ أَجِدْهُ فِي الْبَدَائِعِ أَقُولُ: كَأَنَّهُ سَاقِطٌ مِنْ نُسْخَتِهِ فَقَدْ وَجَدْته فِي النُّسْخَةِ الَّتِي عِنْدِي أَيْضًا. (قَوْلُهُ فَحُكْمُهَا فِي الْوَفَاةِ مَا هُوَ حُكْمُهَا فِي الطَّلَاقِ) وَهُوَ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ آيِسَةً وَلَمْ تُقِرَّ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَحُكْمُهَا حُكْمُ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ إذَا جَاءَتْ بِوَلَدٍ إلَى سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ ثَبَتَ نَسَبُهُ وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً فَإِمَّا أَنْ تُقِرَّ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ أَوْ لَا تُقِرُّ، فَإِنْ لَمْ تُقِرَّ فَإِمَّا أَنْ تَسْكُتَ أَوْ تُقِرَّ بِالْحَبَلِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ آنِفًا وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْبَدَائِعِ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهَا إذَا لَمْ تَدَّعِ الِانْقِضَاءَ وَلَا الْحَبَلَ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ هُنَا إلَّا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ كَمَا فِي الطَّلَاقِ. وَيُخَالِفُهُ مَا قَدَّمَهُ الْمُؤَلِّفُ بِقَوْلِهِ قَيَّدَ الْمُصَنِّفُ بِكَوْنِهَا مُطَلَّقَةً إلَخْ، وَكَذَا قَالَ الشَّارِحُ الزَّيْلَعِيُّ الصَّغِيرَةُ إذَا تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا، فَإِنْ أَقَرَّتْ بِالْحَبَلِ فَهِيَ كَالْكَبِيرَةِ يَثْبُتُ نَسَبُهُ إلَى سَنَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهَا فِي ذَلِكَ وَإِنْ أَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ ثُمَّ وَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ تَدَّعِ حَبَلًا وَلَمْ تُقِرَّ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَعِنْدَهُمَا إنْ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ عَشْرَةِ أَشْهُرٍ وَعَشَرَةِ أَيَّامٍ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ وَإِلَّا فَلَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَثْبُتُ إلَى سَنَتَيْنِ ثُمَّ ذُكِرَ بَعْدَهُ حُكْمُ الْآيِسَةِ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ مُعْتَدَّةً عَنْ وَفَاةٍ فَهِيَ وَاَلَّتِي مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ عِدَّةَ الْوَفَاةِ تَكُونُ بِالْأَشْهُرِ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إذَا لَمْ تَكُنْ حَامِلًا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 173 الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ كَذِبُهَا بِيَقِينٍ فَيَبْطُلُ الْإِقْرَارُ، وَلَوْ جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ لَمْ يَثْبُتْ؛ لِأَنَّا لَمْ نَعْلَمْ بُطْلَانَ الْإِقْرَارِ لِاحْتِمَالِ الْحُدُوثِ بَعْدَهُ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَإِلَّا لَا وَذُكِرَ فِي التَّبْيِينِ أَنَّ هَذَا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْفِرَاقِ بِالْمَوْتِ أَوْ بِالطَّلَاقِ وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْهُمَا لَا يَثْبُتُ وَإِنْ كَانَ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ كَمَا إذَا أَقَرَّتْ بَعْدَمَا مَضَى مِنْ عِدَّتِهَا سَنَتَانِ إلَّا شَهْرَيْنِ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ شَرْطَ ثُبُوتِهِ أَنْ يَكُونَ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْفِرَاقِ بِالْمَوْتِ أَوْ بِالطَّلَاقِ وَبَعْدَهُ لَا يَثْبُتُ وَإِنْ لَمْ تُقِرَّ بِالِانْقِضَاءِ فَمَعَ الْإِقْرَارِ أَوْلَى إلَّا إذَا كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا فَحِينَئِذٍ يَثْبُتُ وَيَكُونُ مُرَاجِعًا عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ. بَقِيَ فِيهِ إشْكَالٌ وَهُوَ مَا إذَا أَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ وَلِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْفِرَاقِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَثْبُتَ نَسَبُهُ إذَا كَانَتْ الْمُدَّةُ تَحْتَمِلُ ذَلِكَ بِأَنْ أَقَرَّتْ بَعْدَ مَا مَضَى سَنَةٌ مَثَلًا ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ عِدَّتَهَا انْقَضَتْ فِي شَهْرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ ثُمَّ أَقَرَّتْ بَعْدَ ذَلِكَ بِزَمَانٍ طَوِيلٍ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ إقْرَارِهَا بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ أَنْ تَنْقَضِيَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَلَمْ يَظْهَرْ كَذِبُهَا بِيَقِينٍ إلَّا إذَا قَالَتْ انْقَضَتْ عِدَّتِي السَّاعَةَ ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ اهـ. وَهَذَا الْإِشْكَالُ ظَاهِرٌ وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ كَلَامُهُمْ مَحْمُولًا عَلَى مَا إذَا أَقَرَّتْ بِالِانْقِضَاءِ السَّاعَةَ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ غَايَةِ الْبَيَانِ أَطْلَقَ الْمُعْتَدَّةَ فَشَمِلَ الْمُعْتَدَّةَ عَنْ طَلَاقٍ بِنَوْعَيْهِ وَعَنْ وَفَاةٍ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ لَكِنْ فِي الْخَانِيَّةِ وَالْآيِسَةُ تَعْتَدُّ بِالْأَشْهُرِ، فَإِذَا وَلَدَتْ ثَبَتَ نَسَبُ وَلَدِهَا فِي الطَّلَاقِ إلَى سَنَتَيْنِ أَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ أَوْ لَمْ تُقِرَّ اهـ. وَقَدَّمْنَاهُ عَنْ الْبَدَائِعِ فَارْجِعْ إلَيْهِ. (قَوْلُهُ وَالْمُعْتَدَّةُ إنْ جُحِدَتْ وِلَادَتُهَا بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ أَوْ حَبَلٍ ظَاهِرٍ أَوْ إقْرَارٍ بِهِ أَوْ تَصْدِيقِ الْوَرَثَةِ) أَيْ: وَيَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِ الْمُعْتَدَّةِ إنْ جُحِدَتْ وِلَادَتُهَا بِأَحَدِ أُمُورٍ أَرْبَعَةٍ فَلَا يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا؛ لِأَنَّ الْفِرَاشَ قَائِمٌ بِقِيَامِ الْعِدَّةِ وَهُوَ مُلْزِمٌ لِلنَّسَبِ وَالْحَاجَةِ إلَى تَعْيِينِ الْوَلَدِ فِيهِ فَيَتَعَيَّنُ بِشَهَادَتِهَا وَلَهُ أَنَّ الْعِدَّةَ تَنْقَضِي بِإِقْرَارِهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ وَالْمُنْقَضِي لَيْسَ بِحُجَّةٍ فَمَسَّتْ الْحَاجَةُ إلَى إثْبَاتِ النَّسَبِ ابْتِدَاءً فَيُشْتَرَطُ كَمَالُ الْحُجَّةِ وَإِنَّمَا اُكْتُفِيَ بِظُهُورِ الْحَبَلِ أَوْ الِاعْتِرَافِ بِهِ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ ثَابِتٌ قَبْلَ الْوِلَادَةِ وَالتَّعْيِينُ يَثْبُتُ بِشَهَادَتِهَا وَإِنَّمَا اُكْتُفِيَ بِتَصْدِيقِ الْوَرَثَةِ إذَا كَانَتْ مُعْتَدَّةً عَنْ وَفَاةٍ فَصَدَّقَهَا الْوَرَثَةُ فِي الْوِلَادَةِ وَلَمْ يَشْهَدْ أَحَدٌ عَلَيْهَا فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الْإِرْثَ خَالِصُ حَقِّهِمْ فَيُقْبَلُ فِيهِ تَصْدِيقُهُمْ. وَأَمَّا فِي النَّسَبِ فَظَاهِرُ الْمُخْتَصَرِ أَنَّهُ يَثْبُتُ فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الثُّبُوتَ فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ تَبَعٌ لِلثُّبُوتِ فِي حَقِّهِمْ وَلِذَا كَانَ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي تَصْدِيقِهِمْ لَفْظُ الشَّهَادَةِ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ وَلِذَا عُبِّرَ فِي الْمُخْتَصَرِ بِلَفْظِ التَّصْدِيقِ دُونَ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّ مَا ثَبَتَ تَبَعًا لَا تُرَاعَى فِيهِ الشَّرَائِطُ وَقِيلَ يُشْتَرَطُ لِيَتَعَدَّى إلَى غَيْرِ الْمُصَدِّقِ وَقُيِّدَ بِأَنْ يَكُونَ الْمُصَدِّقُ جَمْعًا مِنْ الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّ الْمُصَدِّقَ لَوْ كَانَ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً لَمْ يُشَارِكْ جَمِيعَ الْوَرَثَةِ وَلَوْ صَدَّقَهَا رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِنْهُمْ شَارَكَ الْمُصَدِّقِينَ وَالْمُكَذِّبِينَ فَكَانَ ذَلِكَ كَشَهَادَةِ غَيْرِهِمْ إلَّا أَنَّهُمْ لَمْ يَعْتَبِرُوا لَفْظَ الشَّهَادَةِ وَالْخُصُومَةِ بَيْنَ يَدَيْ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْإِقْرَارَ؛ لِأَنَّهُ يُشَارِكُهُمْ بِإِقْرَارِهِمْ فَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُشْبِهُ الشَّهَادَةَ اُعْتُبِرَ الْعَدَدُ وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُشْبِهُ الْإِقْرَارَ مَا اعْتَبَرْنَا الْخُصُومَةَ وَإِتْيَانَ لَفْظِ الشَّهَادَةِ تَوْفِيرًا عَلَى الشَّبَهَيْنِ حَظَّهُمَا كَذَا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِابْنِ بُنْدَارٍ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَحَدُ شَرْطَيْ الشَّهَادَةِ فِي تَصْدِيقِهِمْ وَهُوَ الْعَدَدُ نَظَرًا إلَى أَنَّهُ شَهَادَةٌ وَلَمْ يُشْتَرَطْ لَفْظُ الشَّهَادَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا تُشْتَرَطَ الْعَدَالَةُ أَيْضًا وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَتَصْدِيقِ وَرَثَةٍ بِالتَّنْكِيرِ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ أَبْطَلَتْ مَعْنَى الْجَمْعِيَّةِ كَمَا فِي قَوْلِهِ لَا أَشْتَرِي الْعَبِيدَ وَلَا أَتَزَوَّجُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا تُشْتَرَطَ الْعَدَالَةُ أَيْضًا) قَالَ الشَّيْخُ عَلَاءُ الدِّينِ فِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ وَنَقَلَ الْمُصَنِّفُ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ مَا يُفِيدُ اشْتِرَاطَ الْعَدَالَةِ ثُمَّ قَالَ فَقَوْلُ شَيْخِنَا يَعْنِي صَاحِبَ الْبَحْرِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا تُشْتَرَطَ الْعَدَالَةُ مِمَّا لَا يَنْبَغِي. قُلْت وَفِيهِ أَنَّهُ كَيْفَ يُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ فِي الْمُقِرِّ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ لِأَجْلِ السِّرَايَةِ فَتَأَمَّلْ وَرَاجِعْ. اهـ. كَلَامُ الدُّرِّ أَيْ: لِأَجْلِ سِرَايَةِ ثُبُوتِ النَّسَبِ إلَى غَيْرِ الْمُقِرِّ، وَهَذَا الْجَوَابُ ظَاهِرٌ لَا يَحْتَاجُ إلَى التَّأَمُّلِ وَالْمُرَاجَعَةِ قَالَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 174 النِّسَاءَ لَكِنْ ذُكِرَ فِي الْبَدَائِعِ أَنَّ الْعَدَدَ إنَّمَا اشْتَرَطَهُ مَنْ جَعَلَهَا شَهَادَةً كَمَا اشْتَرَطَ لَفْظَهَا وَمَنْ جَعَلَ التَّصْدِيقَ إقْرَارًا فَلَمْ يَشْتَرِطْ لَفْظَهَا وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْعَدَدَ أَيْضًا وَعِبَارَةُ فَتَاوَى قَاضِي خَانْ امْرَأَةٌ وَلَدَتْ بَعْدَ مَوْتِ زَوْجِهَا مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ سَنَتَيْنِ إنْ صَدَّقَهَا الْوَرَثَةُ فِي الْوِلَادَةِ يَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْ الْمَيِّتِ فِي حَقِّ مَنْ صَدَّقَهَا وَهَلْ يَثْبُتُ النَّسَبُ فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ إنْ كَانَ يَتِمُّ نِصَابُ الشَّهَادَةِ بِهِمْ يَثْبُتُ وَاخْتَلَفُوا فِي اشْتِرَاطِ لَفْظِ الشَّهَادَةِ اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْعَدَدَ لَا بُدَّ مِنْهُ لِيَتَعَدَّى فِي حَقِّ الْكُلِّ عِنْدَ الْكُلِّ وَأُطْلِقَ فِي الْمُعْتَدَّةِ فَشَمِلَ الْمُعْتَدَّةَ عَنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ أَوْ بَائِنٍ وَالْمُعْتَدَّةَ عَنْ وَفَاةٍ كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مَعْزِيًّا إلَى فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَقَيَّدَهَا الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ بِالطَّلَاقِ الْبَائِنِ وَالْحَقُّ التَّفْصِيلُ فِي الْمُعْتَدَّةِ عَنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ إنْ أَتَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ فَكَالْمُعْتَدَّةِ عَنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ لِانْقِضَاءِ فِرَاشِهَا بِالْوِلَادَةِ وَإِنْ أَتَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةِ شَيْءٍ اتِّفَاقًا كَمَا فِي الْمَنْكُوحَةِ؛ لِأَنَّ الْفِرَاشَ لَيْسَ بِمُنْتَقَضٍ فِي حَقِّهَا؛ لِأَنَّهَا تَكُونُ رَجْعَةً كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَصُرِّحَ فِي الْبَدَائِعِ بِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الرَّجْعِيِّ وَالْبَائِنِ إلَّا أَنَّهُ عَلَّلَ بِمَا يَخُصُّ الْأَوَّلَ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ أَجْنَبِيَّةٌ فِي الْفَصْلَيْنِ جَمِيعًا. وَقَيَّدَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ إنْ جُحِدَتْ وِلَادَتُهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ اعْتَرَفَ بِوِلَادَتِهَا وَأَنْكَرَ تَعْيِينَ الْوَلَدِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ تَعْيِينُهُ بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ إجْمَاعًا وَلَا يَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ إلَّا بِشَهَادَتِهَا إجْمَاعًا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ هُوَ غَيْرَ هَذَا الْمُعَيَّنِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ إلَى شَهَادَةِ الْقَابِلَةِ مَعَ ظُهُورِ الْحَبَلِ أَوْ اعْتِرَافِ الزَّوْجِ بِالْحَبَلِ وَقَدْ صُرِّحَ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ فَقَالَ: وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ قَدْ أَقَرَّ بِالْحَبَلِ أَوْ كَانَ الْحَبَلُ ظَاهِرًا فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا فِي الْوِلَادَةِ وَإِنْ لَمْ تَشْهَدْ لَهَا قَابِلَةٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا تَثْبُتُ الْوِلَادَةُ بِدُونِ شَهَادَةِ الْقَابِلَةِ. وَهَكَذَا صَرَّحَ فِي الْغَايَةِ وَأَنْكَرَ عَلَى صَاحِبِ مُلْتَقَى الْبِحَارِ فِي اشْتِرَاطِهِ شَهَادَةَ الْقَابِلَةِ لِتَعْيِينِ الْوَلَدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَرَدَّهُ فِي التَّبْيِينِ بِأَنَّهُ سَهْوٌ فَإِنَّ شَهَادَةَ الْقَابِلَةِ لَا بُدَّ مِنْهَا لِتَعْيِينِ الْوَلَدِ إجْمَاعًا فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي ثُبُوتِ نَفْسِ الْوِلَادَةِ، وَأَمَّا نَسَبُ الْوَلَدِ فَلَا يَثْبُتُ بِالْإِجْمَاعِ إلَّا بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ هُوَ غَيْرَ هَذَا الْمُعَيَّنِ وَثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ لَا تَظْهَرُ إلَّا فِي حَقِّ حُكْمٍ آخَرَ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ بِأَنْ عَلَّقَهُمَا بِوِلَادَتِهَا حَتَّى يَقَعَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِقَوْلِهَا وَلَدْتُ؛ لِأَنَّهَا أَمِينَةٌ لِاعْتِرَافِهِ بِالْحَبَلِ أَوْ لِظُهُورِهِ فَيُقْبَلُ قَوْلُهَا وَعِنْدَهُمَا لَا يَقَعُ حَتَّى تَشْهَدَ قَابِلَةٌ اهـ. وَذَكَرَ ابْنُ بُنْدَارٍ أَنَّهُ بَعْدَ الثُّبُوتِ بَقِيَتْ مُؤْتَمَنَةً فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا إلَّا أَنَّ الْقَابِلَةَ جُعِلَتْ شَرْطًا لِلْعَادَةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَلِدُ إلَّا بِالْقَابِلَةِ وَإِنِّي أَقُولُ: إنَّ الْقَابِلَةَ شَرْطُ زَوَالِ التُّهْمَةِ كَالْيَمِينِ فِي رَدِّ الْوَدِيعَةِ وَالْيَمِينِ فِي دَعْوَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، فَإِذَا لَمْ تَشْهَدْ قَابِلَةٌ بَقِيَتْ مُتَّهَمَةً فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِيهِ اهـ. كَلَامُهُ وَهُوَ يَصْلُحُ تَوْفِيقًا لِكَلَامِهِمْ فَمَنْ نَفَى اشْتِرَاطَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ فَكَالْمُعْتَدَّةِ عَنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ) أَيْ: فَلَا يَثْبُتُ النَّسَبُ إلَّا بِأَحَدِ الْأُمُورِ الْأَرْبَعَةِ الْمَارَّةِ وَلَا تَكْفِي شَهَادَةُ الْقَابِلَةِ. (قَوْلُهُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ هُوَ غَيْرَ هَذَا الْمُعَيَّنِ) قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ إذَا كَانَ هُنَاكَ حَبَلٌ ظَاهِرٌ وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ الْوِلَادَةَ فَلَا بُدَّ أَنْ يَشْهَدَ بِوِلَادَتِهَا الْقَابِلَةُ لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ وَلَدَتْ وَلَدًا مَيِّتًا وَأَرَادَتْ إلْزَامَهُ وَلَدَ غَيْرِهِ اهـ. (قَوْلُهُ وَهُوَ يَصْلُحُ تَوْفِيقًا لِكَلَامِهِمْ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ لِلْبَحْثِ فِيهِ مَجَالٌ فَتَدَبَّرْهُ اهـ. وَقَالَ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِهِ وَأَقُولُ: هَذَا التَّوْفِيقُ بَعِيدٌ عَنْ التَّحْقِيقِ؛ لِأَنَّ الِاشْتِرَاطَ إنَّمَا يَكُونُ لِتَرْتِيبِ الْأَحْكَامِ الظَّاهِرَةِ أَمَّا مُجَرَّدُ زَوَالِ التُّهْمَةِ فَلَا ثَمَرَةَ لَهُ اهـ. أَقُولُ: وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُمَا قَوْلَانِ مُتَغَايِرَانِ وَاَلَّذِي قَالَهُ فِي التَّبْيِينِ هُوَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْهِدَايَةِ آخِرًا، وَكَذَا كَلَامُ الِاخْتِيَارِ وَصُرِّحَ بِهِ فِي الْجَوْهَرَةِ وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي عِنْدَ تَقْرِيرِ دَلِيلِ الْإِمَامِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَقَرَّ الزَّوْجُ بِالْحَبَلِ أَوْ كَانَ الْحَبَلُ ظَاهِرًا فَإِنَّ النَّسَبَ ثَابِتٌ قَبْلَ الْوِلَادَةِ وَالْحَاجَةِ إلَى تَعْيِينِهِ؛ لِأَنَّ الْخَصْمَ يَقُولُ لَعَلَّهُ هَلَكَ فَخَرَجَ مَيِّتًا أَوْ مَاتَ بَعْدَ الْخُرُوجِ فَلَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ تَعْيِينِهِ وَالتَّعْيِينُ يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ اهـ. فَقَوْلُهُ وَالتَّعْيِينُ يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ صَرِيحٌ فِي أَنَّ ظُهُورَهُ أَوْ الْإِقْرَارَ بِهِ لَا يُفِيدُ تَعْيِينَهُ بِدُونِ شَهَادَةِ الْقَابِلَةِ وَعَلَى هَذَا مَشَى الْمُحَقِّقُ ابْنُ كَمَالٍ وَالْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ، وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ الشَّهِيدِ وَإِنْ جَحَدَتْ الْوَرَثَةُ أَنْ تَكُونَ هِيَ وَلَدَتْهُ لَمْ يُقْبَلْ عَلَى الْوِلَادَةِ شَهَادَةُ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ إذَا لَمْ يَكُنْ حَبَلًا ظَاهِرًا أَوْ لَمْ يَكُنْ الزَّوْجُ أَقَرَّ بِهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ إذَا كَانَتْ حُرَّةً مُسْلِمَةً وَيَثْبُتُ النَّسَبُ وَلَهُ الْمِيرَاثُ، وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ أَقَرَّ بِالْحَبَلِ ثُمَّ جَاءَتْ بِهِ لِسَنَتَيْنِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَشَهِدَتْ عَلَى وِلَادَتِهَا امْرَأَةٌ مُسْلِمَةٌ حُرَّةٌ جَازَتْ شَهَادَتُهَا وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ حَبَلًا ظَاهِرًا قَالَ أَبُو الْفَضْلِ مَعْنَى قَوْلِهِ ثُمَّ جَاءَتْ بِهِ لِسَنَتَيْنِ بَعْدَ مَوْتِهِ أَنَّهَا جَاءَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ لِسَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ إخْبَارِهِ رَجُلٌ طَلَّقَ ثَلَاثًا أَوْ طَلَاقًا بَائِنًا فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ بَعْدَ الطَّلَاقِ لِسَنَتَيْنِ أَوْ أَقَلَّ وَجَاءَتْ بِامْرَأَةٍ تَشْهَدُ عَلَى الْوِلَادَةِ وَالزَّوْجُ مُنْكِرٌ لِلْوَلَدِ وَالْحَبَلِ لَمْ يَلْزَمْهُ النَّسَبُ حَتَّى يَشْهَدَ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَيَلْزَمُهُ النَّسَبُ فِي قَوْلِهِمَا بِشَهَادَةِ الْمَرْأَةِ وَسَوَاءٌ كَانَتْ هَذِهِ الْمُعْتَدَّةُ حُرَّةً مُسْلِمَةً أَوْ كِتَابِيَّةً أَوْ أَمَةً فِي هَذَا الْحُكْمِ اهـ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 175 شَهَادَةِ الْقَابِلَةِ أَفَادَ أَنَّهَا لَيْسَتْ شَرْطًا حَقِيقَةً لِثُبُوتِ النَّسَبِ وَمَنْ أَثْبَتَهُ أَرَادَ بِهِ أَنَّهَا شَرْطٌ لِزَوَالِ التُّهْمَةِ عَنْ نَفْسِهَا وَهُوَ كَلَامٌ حَسَنٌ يَجِبُ قَبُولُهُ وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ شَهَادَةِ رَجُلَيْنِ قَبُولَ شَهَادَةِ الرِّجَالِ عَلَى الْوِلَادَةِ مِنْ الْأَجْنَبِيَّةِ وَأَنَّهُمْ لَا يَفْسُقُونَ بِالنَّظَرِ إلَى عَوْرَتِهَا إمَّا لِكَوْنِهِ قَدْ يَتَّفِقُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ قَصْدِ نَظَرٍ وَلَا تَعَمُّدٍ أَوْ لِضَرُورَةٍ كَمَا فِي شُهُودِ الزِّنَا وَلَا يَخْفَى أَنَّهَا إذَا وَلَدَتْ وَجَحَدَ الزَّوْجُ وِلَادَتَهَا وَادَّعَتْ أَنَّ حَبَلَهَا كَانَ ظَاهِرًا وَأَنْكَرَ ظُهُورَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ إمَّا رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ فَظُهُورُ الْحَبَلِ عِنْدَ الْإِنْكَارِ إنَّمَا يَكُونُ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ؛ لِأَنَّ الْحَبَلَ وَقْتَ الْمُنَازَعَةِ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا حَتَّى يَكْفِيَ ظُهُورُهُ؛ لِأَنَّهَا بَعْدَ الْوِلَادَةِ وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ. (قَوْلُهُ وَالْمَنْكُوحَةِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا إنْ سَكَتَ وَإِنْ جَحَدَ بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ عَلَى الْوِلَادَةِ) أَيْ: يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِ الْمَنْكُوحَةِ حَقِيقَةً إذَا جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ وَقْتِ التَّزَوُّجِ بِأَحَدِ الشَّيْئَيْنِ إمَّا بِالسُّكُوتِ مِنْ غَيْرِ اعْتِرَافٍ وَلَا نَفْيٍ لَهُ وَإِمَّا بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ عِنْدَ إنْكَارِ الْوِلَادَةِ؛ لِأَنَّ الْفِرَاشَ قَائِمٌ وَالْمُدَّةُ تَامَّةٌ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِثُبُوتِهِ اعْتَرَفَ بِهِ أَوْ سَكَتَ أَوْ أَنْكَرَ حَتَّى لَوْ نَفَاهُ لَا يَنْتَفِي إلَّا بِاللَّعَّانِ، وَفِي التَّحْقِيقِ شَهَادَةُ الْقَابِلَةِ لَمْ يَثْبُتْ بِهَا النَّسَبُ؛ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ بِقِيَامِ الْفِرَاشِ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ بِهَا تَعْيِينُ الْوَلَدِ، قُيِّدَ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ؛ لِأَنَّهَا لَوْ وَلَدَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْهَا لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ؛ لِأَنَّ الْعُلُوقَ سَابِقٌ عَلَى النِّكَاحِ فَلَا يَكُونُ مِنْهُ وَيَفْسُدُ النِّكَاحُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ مِنْ زَوْجٍ آخَرَ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ أَوْ بِشُبْهَةٍ وَأَفَادَ أَنَّهَا لَوْ جَاءَتْ بِهِ لِتَمَامِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ بِلَا زِيَادَةٍ أَنَّهَا كَالْأَكْثَرِ قَالُوا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا وَاطِئًا لَهَا فَوَافَقَ الْإِنْزَالُ النِّكَاحَ. وَالنَّسَبُ يُحْتَاطُ فِي إثْبَاتِهِ وَيَرِدُ عَلَيْهِ مَا تَقَدَّمَ فِي الْمَبْتُوتَةِ حَيْثُ نَفَى نَسَبَ مَا أَتَتْ بِهِ لِتَمَامِ سَنَتَيْنِ مَعَ تَصْحِيحِهِ بِأَنَّهُ طَلَّقَهَا حَالَ جِمَاعِهَا، وَصَادَفَ الْإِنْزَالُ الطَّلَاقَ وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ ثُبُوتَ النَّسَبِ هُنَا لِحَمْلِ أَمْرِهَا عَلَى الصَّلَاحِ؛ إذْ لَوْ لَمْ يَثْبُتْ هُنَا لَزِمَ كَوْنُهُ مِنْ زِنًا أَوْ مِنْ زَوْجٍ فَتَزَوَّجَتْ بِهِ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ، وَأَمَّا عَدَمُ الثُّبُوتِ هُنَاكَ لِلشَّكِّ فَلَا يَسْتَلْزِمُ نِسْبَةَ فَسَادٍ إلَيْهَا لِجَوَازِ كَوْنِ عِدَّتِهَا قَدْ انْقَضَتْ وَتَزَوَّجَتْ بِزَوْجٍ آخَرَ فَعَلِقَتْ مِنْهُ أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمَرْأَةِ هُنَا وَقَيَّدَهَا فِي الشَّهَادَاتِ بِالْعَدَالَةِ وَقَيَّدَهَا فِي الْمَبْسُوطِ بِالْحُرِّيَّةِ وَالْإِسْلَامِ وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْعَدَالَةَ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ،. وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ رَجُلٌ تَزَوَّجَ بِامْرَأَةٍ فَجَاءَتْ بِسِقْطٍ قَدْ اسْتَبَانَ خَلْقُهُ، فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ جَازَ النِّكَاحُ وَيَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْ الزَّوْجِ الثَّانِي وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ إلَّا يَوْمًا لَمْ يَجُزْ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ الْوَلَدُ لِلزَّوْجِ الثَّانِي، وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي مِنْ الزَّوْجِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ خَلْقَهُ لَا يَسْتَبِينُ إلَّا فِي مِائَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا فَيَكُونُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا نُطْفَةً وَأَرْبَعِينَ عَلَقَةً وَأَرْبَعِينَ مُضْغَةً اهـ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ وَلَدَتْ ثُمَّ اخْتَلَفَا فَقَالَتْ نَكَحْتَنِي مُنْذُ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَادَّعَى الْأَقَلَّ فَالْقَوْلُ لَهَا وَهُوَ ابْنُهُ) ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لَهَا فَإِنَّهَا تَلِدُ ظَاهِرًا مِنْ نِكَاحٍ لَا مِنْ سِفَاحٍ وَلَا مِنْ زَوْجٍ تَزَوَّجَتْ بِهَذَا الزَّوْجِ فِي عِدَّتِهِ وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الظَّاهِرِ الَّذِي يَشْهَدُ لَهُ وَهُوَ إضَافَةُ الْحَادِثِ وَهُوَ النِّكَاحُ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ؛ لِأَنَّهُ إذَا تَعَارَضَ ظَاهِرَانِ فِي ثُبُوتِ نَسَبٍ قُدِّمَ الْمُثْبِتُ لَهُ لِوُجُوبِ الِاحْتِيَاطِ فِيهِ حَتَّى إنَّهُ يَثْبُتُ بِالْإِيمَاءِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى النُّطْقِ بِخِلَافِ سَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ مَعَ أَنَّ ظَاهِرَهَا مُتَأَيِّدٌ بِظَاهِرِهِ وَهُوَ عَدَمُ مُبَاشَرَتِهِ النِّكَاحَ الْفَاسِدَ إنْ كَانَ الْوَلَدُ مِنْ زَوْجٍ أَوْ حَبَلٌ مِنْ الزِّنَا عَلَى الْخِلَافِ فِيهِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ حُرْمَتَهَا عَلَيْهِ بِهَذَا النَّفْيِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مَنْ تَزَوَّجَهَا حَامِلًا إثْبَاتُ النَّسَبِ فَيَكُونُ إقْرَارًا بِالْفَسَادِ كَمَا إذَا تَزَوَّجَهَا بِلَا شُهُودٍ لِجَوَازِهِ وَهِيَ حَامِلٌ مِنْ زِنًا فَإِنَّهُ صَحِيحٌ عَلَى الصَّحِيحِ وَلِأَنَّ الشَّرْعَ كَذَّبَهُ حَيْثُ أَثْبَتَ النَّسَبَ وَالشَّرْعُ إذَا كَذَّبَ الْإِقْرَارَ يَبْطُلُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَذُكِرَ فِي الْخُلَاصَةِ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ مِنْ الْفَصْلِ الثَّالِثِ فِيمَنْ يَكُونُ خَصْمًا وَمَنْ لَا يَكُونُ أَنَّ الْإِقْرَارَ إنَّمَا يَبْطُلُ بِتَكْذِيبِ الشَّرْعِ إذَا كَانَ التَّكْذِيبُ بِالْبَيِّنَةِ، وَأَمَّا إذَا قُضِيَ بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ فَلَا يَبْطُلُ كَمَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا وَأَقَرَّ أَنَّ الْبَائِعَ   [منحة الخالق] وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ، وَكَذَا الْمَبْتُوتَةُ وَالْمُطَلَّقَةُ طَلَاقًا رَجْعِيًّا إذَا ادَّعَتْ الْوِلَادَةَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا تَثْبُتُ الْوِلَادَةُ بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ إلَّا إذَا كَانَ الْحَبَلُ ظَاهِرًا أَوْ كَانَ الزَّوْجُ أَقَرَّ بِالْحَبَلِ. (قَوْلُهُ وَادَّعَتْ أَنَّ حَبَلَهَا كَانَ ظَاهِرًا) لَمْ يُبَيِّنْ مَا يَكُونُ بِهِ الْحَبَلُ ظَاهِرًا، وَفِي الشرنبلالية وَظُهُورُ الْحَبَلِ أَنْ تَأْتِيَ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ كَمَا فِي السِّرَاجِ، وَقَالَ الشَّيْخُ قَاسِمٌ الْمُرَادُ بِظُهُورِ الْحَبَلِ أَنْ تَكُونَ أَمَارَاتُ حَمْلِهَا بَالِغَةً مَبْلَغًا يُوجِبُ غَلَبَةَ الظَّنِّ بِكَوْنِهَا حَامِلًا لِكُلِّ مَنْ شَاهَدَهَا اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مَنْ تَزَوَّجَهَا حَامِلًا إثْبَاتُ النَّسَبِ إلَخْ) عِبَارَةُ الْفَتْحِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ تَزَوُّجُهَا حَامِلًا بِثَابِتِ النَّسَبِ لِيَكُونَ إقْرَارًا بِالْفَسَادِ إلَخْ. (قَوْلُهُ وَذُكِرَ فِي الْخُلَاصَةِ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ بَعْدَ نَقْلِهِ لِخُلَاصَةِ مَا فِي الْخُلَاصَةِ فَالتَّوْجِيهُ الْأَوَّلُ أَسْلَمُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 176 أَعْتَقَهُ قَبْلَ الْبَيْعِ وَكَذَّبَهُ الْبَائِعُ فَقَضَى الْقَاضِي بِالثَّمَنِ عَلَى الْمُشْتَرِي لَمْ يَبْطُلْ إقْرَارُ الْمُشْتَرِي بِالْعِتْقِ حَتَّى يَعْتِقَ عَلَيْهِ إلَى آخِرِ مَا فِيهَا وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ يَمِينَهَا؛ لِأَنَّهُ لَا تَحْلِيفَ عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ رَاجِعٌ إلَى الِاخْتِلَافِ فِي النَّسَبِ وَالنِّكَاحِ وَعِنْدَهُمَا يُسْتَحْلَفُ وَسَيَأْتِي أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا فِي الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِوِلَادَتِهَا وَشَهِدَتْ امْرَأَةٌ عَلَى الْوِلَادَةِ لَمْ تَطْلُقْ) يَعْنِي لَمْ يَقَعْ إلَّا بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا تَطْلُقُ؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهَا حُجَّةٌ فِي ذَلِكَ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «شَهَادَةُ النِّسَاءِ جَائِزَةٌ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ» وَلِأَنَّهَا لَمَّا قُبِلَتْ عَلَى الْوِلَادَةِ تَقْبَلُ فِيمَا يُبْتَنَى عَلَيْهَا وَهُوَ الطَّلَاقُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا ادَّعَتْ الْحِنْثَ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِحُجَّةٍ تَامَّةٍ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهُنَّ ضَرُورِيَّةٌ فِي الْوِلَادَةِ فَلَا تَظْهَرُ فِي حَقِّ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهُ يَنْفَكُّ عَنْهَا وَشُرِطَ فِي الْبَدَائِعِ عَلَى قَوْلِهِمَا أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ عَدْلَةٌ، قُيِّدَ بِالطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ بِشَهَادَتِهَا، وَكَذَا مَا هُوَ مِنْ لَوَازِمِهِ مِنْ أُمُومِيَّةِ الْوَلَدِ لَوْ كَانَتْ أَمَةً وَثُبُوتِ اللِّعَانِ فِيمَا إذَا نَفَاهُ وَوُجُوبِ الْحَدِّ بِنَفْيِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِلِّعَانِ وَلَيْسَ مُرَادُهُ خُصُوصَ الطَّلَاقِ بَلْ كُلُّ مَا لَمْ يَكُنْ مِنْ لَوَازِمِ الْوِلَادَةِ فَالْعَتَاقُ كَذَلِكَ. (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ أَقَرَّ بِالْحَبَلِ طَلُقَتْ بِلَا شَهَادَةٍ) أَيْ: بِلَا شَهَادَةِ أَحَدٍ أَصْلًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا تُشْتَرَطُ شَهَادَةُ الْقَابِلَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ حُجَّةٍ لِدَعْوَاهَا الْحِنْثَ وَشَهَادَتُهَا حُجَّةٌ فِيهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلَهُ أَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْحَبَلِ إقْرَارٌ بِمَا يُفْضِي إلَيْهِ وَهُوَ الْوِلَادَةُ وَلِأَنَّهُ أَقَرَّ بِكَوْنِهَا مُؤْتَمَنَةً فَيُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي رَدِّ الْأَمَانَةِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ كَانَ الْحَبَلُ ظَاهِرًا أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهَا مُدَّعِيَةٌ فَلَا بُدَّ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ، وَأَمَّا عِنْدَهُ فَإِنَّ الطَّلَاقَ تَعَلَّقَ بِأَمْرٍ كَائِنٍ لَا مَحَالَةَ فَيُقْبَلُ قَوْلُهَا فِيهِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّعْلِيقَ إنْ كَانَ بِمَا هُوَ مَعْلُومُ الْوُقُوعِ بَعْدَهُ وَعِلْمُهُ مِنْ جِهَتِهَا كَمَا بِحَيْضِهَا وَوِلَادَتِهَا بَعْدَ الْإِقْرَارِ بِحَبَلِهَا أَوْ ظُهُورِ حَمْلِهَا كَانَ الْتِزَامًا لِتَصْدِيقِهَا عِنْدَ إخْبَارِهَا بِهِ وَاعْتِرَافًا بِأَنَّهَا مُؤْتَمَنَةٌ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ وَهُوَ التَّعْلِيقُ بِوِلَادَتِهَا قَبْلَ الِاعْتِرَافِ بِحَبَلٍ سَابِقٍ وَلَا ظُهُورِ حَبَلٍ حَالَ التَّعْلِيقِ لَمْ يَلْتَزِمْ ذَلِكَ فَيَحْتَاجُ عِنْدَ إنْكَارِهِ إلَى الْحُجَّةِ وَلَا خِلَافَ أَنَّ النَّسَبَ لَا يَثْبُتُ بِدُونِ شَهَادَةِ الْقَابِلَةِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ. [أَكْثَرُ مُدَّةِ الْحَمْلِ] (قَوْلُهُ وَأَكْثَرُ مُدَّةِ الْحَمْلِ سَنَتَانِ) لِقَوْلِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - الْوَلَدُ لَا يَبْقَى فِي الْبَطْنِ أَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ، وَلَوْ بِظِلِّ مِغْزَلٍ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَهُوَ لَا يُعْرَفُ إلَّا سَمَاعًا وَظِلُّ الْمِغْزَلِ مَثَلٌ لِقِلَّتِهِ؛ لِأَنَّ ظِلَّهُ حَالَةَ الدَّوَرَانِ أَسْرَعُ زَوَالًا مِنْ سَائِرِ الظِّلَالِ وَهُوَ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ تَقْدِيرُهُ، وَلَوْ بِقَدْرِ ظِلِّ مِغْزَلٍ وَيُرْوَى وَلَوْ بِفَلْكَةِ مِغْزَلٍ أَيْ، وَلَوْ بِقَدْرِ دَوَرَانِ فَلْكَةِ مِغْزَلٍ. (قَوْلُهُ وَأَقَلُّهَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15] ثُمَّ قَالَ {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} [لقمان: 14] فَيَبْقَى لِلْحَمْلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَقَدْ نُقِلَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّهُ لَا خِلَافَ لِلْعُلَمَاءِ فِيهِ وَأُورِدَ عَلَى مَا فِي الْهِدَايَةِ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا قَرَّرَهُ لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي الرَّضَاعِ مِنْ أَنَّ هَذِهِ الْمُدَّةَ مَضْرُوبَةٌ بِتَمَامِهَا لِكُلٍّ مِنْ الْحَمْلِ وَالْفِصَالِ غَيْرَ أَنَّ الْمُنْقِصَ قَامَ فِي أَحَدِهِمَا وَهُوَ الْحَمْلُ وَهُوَ حَدِيثُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قُلْنَا قَدَّمْنَا هُنَاكَ أَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ لِمَا يَلْزَمُ مِنْ أَنَّهُ يُرَادُ بِلَفْظِ الثَّلَاثِينَ فِي إطْلَاقِ وَاحِدٍ حَقِيقَةُ ثَلَاثِينَ وَأَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ بِاعْتِبَارِ إضَافَتَيْنِ فَلَعَلَّهُ رَجَعَ إلَى الصَّحِيحِ. (قَوْلُهُ فَلَوْ نَكَحَ أَمَةً فَطَلَّقَهَا فَاشْتَرَاهَا فَوَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْهُ) أَيْ: مِنْ وَقْتِ الشِّرَاءِ (لَزِمَهُ وَإِلَّا لَا) أَيْ: وَإِنْ وَلَدَتْ لِتَمَامِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ لِأَكْثَرَ مِنْهَا لَا يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَلَدُ الْمُعْتَدَّةِ فَإِنَّ الْعُلُوقَ سَابِقٌ عَلَى الشِّرَاءِ وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي وَلَدُ الْمَمْلُوكَةِ؛ لِأَنَّهُ يُضَافُ الْحَادِثُ إلَى أَقْرَبِ وَقْتِهِ حَيْثُ لَمْ يَتَضَمَّنْ إبْطَالَ مَا كَانَ ثَابِتًا بِالدَّلِيلِ أَوْ تَرْكَ الْعَمَلِ بِالْمُقْتَضِي وَبِهِ انْدَفَعَ مَا أُورِدَ عَلَيْهِ كَمَا عُلِمَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فَلَا بُدَّ مِنْ دَعْوَتِهِ وَاقْتِصَارُ الشَّارِحِ عَلَى الْأَكْثَرِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَبِهِ انْدَفَعَ مَا أُورِدَ عَلَيْهِ) ، فَإِنْ قِيلَ: مَا ذَكَرْتُمْ يُنْتَقَضُ بِمَسَائِلَ: أَحَدُهَا: مَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ ثَلَاثًا وَلَمْ يُبَيِّنْ حَتَّى وَلَدَتْ إحْدَاهُمَا لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْإِيجَابِ وَلِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْهُ فَالْإِيجَابُ عَلَى إبْهَامِهِ وَلَا تَتَعَيَّنُ ضَرَّتُهَا لِلطَّلَاقِ ذَكَرَهُ فِي الزِّيَادَاتِ. وَثَانِيهَا: مَا لَوْ قَالَ لَهَا: إذَا حَبِلْتِ فَأَنْت طَالِقٌ فَوَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ التَّعْلِيقِ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ، وَكَذَا لَوْ كَانَ هَذَا فِي تَعْلِيقِ الْعَتَاقِ بِالْحَبَلِ. وَثَالِثُهَا: الْمُطَلَّقَةُ الرَّجْعِيَّةُ إذَا جَاءَتْ بِهِ لَأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ لَا يَصِيرُ مُرَاجِعًا، وَلَوْ كَانَتْ الْحَوَادِثُ تُضَافُ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ لَثَبَتَتْ هَذِهِ الْأَحْكَامُ أَعْنِي الْبَيَانَ وَالطَّلَاقَ وَالرَّجْعَةَ قُلْنَا الْحَوَادِثُ إنَّمَا تُضَافُ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ إذَا لَمْ تَتَضَمَّنْ إبْطَالَ مَا كَانَ ثَابِتًا بِالدَّلِيلِ أَوْ تَرْكَ الْعَمَلِ بِالْمُقْتَضَى، أَمَّا إذَا تَضَمَّنَ فَلَا فَمَتَى عَوَّلْتَ عَلَى مَا قُلْنَا، ثُمَّ اسْتَقْرَيْت الْمَسَائِلَ وَجَدْتَ الْأَمْرَ عَلَيْهِ فَفِي ثُبُوتِ الطَّلَاقِ فِي الصُّورَتَيْنِ الْأَوَّلِيَّيْنِ إبْطَالُ مَا كَانَ ثَابِتًا بِيَقِينٍ فَلَا يُعَيَّنُ، وَفِي الرَّجْعَةِ كَذَلِكَ مَعَ الْعَمَلِ بِخِلَافِ الدَّلِيلِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 177 فِي قَوْلِهِ وَإِلَّا لَا لَا يَنْبَغِي وَقَدْ صُرِّحَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِمَا ذَكَرْنَاهُ أُطْلِقَ فِي الْأَمَةِ فَشَمِلَ الْمَدْخُولَ بِهَا وَغَيْرَهَا كَمَا أُطْلِقَ فِي الطَّلَاقِ فَشَمِلَ الرَّجْعِيَّ وَالْبَائِنَ الْوَاحِدَةَ وَالثِّنْتَيْنِ وَكُلٌّ مِنْ الْإِطْلَاقَيْنِ غَيْرُ صَحِيحٍ، فَإِنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الرَّجْعِيِّ وَالْبَائِنِ إذَا كَانَ وَاحِدَةً وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْوَلَدُ إلَّا أَنْ تَجِيءَ بِالْوَلَدِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ إذَا وَلَدَتْ لِتَمَامِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ وَقْتِ التَّزَوُّجِ، وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَلَنَا فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ قَبْلَ الدُّخُولِ بَائِنٌ وَالْحُكْمُ فِي الْمُبَانَةِ أَنَّ نَسَبَ وَلَدِهَا يَثْبُتُ إلَى سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ نَعَمْ إنَّ مُحَمَّدًا وَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا اهـ. وَجَوَابُهُ أَنَّ هَذَا حُكْمُ الْمُبَانَةِ إذَا كَانَتْ مُعْتَدَّةً وَغَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا، وَأَمَّا إذَا كَانَ الطَّلَاقُ ثِنْتَيْنِ فَإِنَّهُ يَمْتَدُّ نَسَبُ الْوَلَدِ إلَى سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ وَإِنْ لَمْ يُدَّعَ، فَإِنْ وَلَدَتْ لِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لَا يَثْبُتُ إلَّا إذَا ادَّعَاهُ لِحُرْمَتِهَا حُرْمَةً غَلِيظَةً فَيُضَافُ الْعُلُوقُ إلَى أَبْعَدِ الْأَوْقَاتِ وَهُوَ مَا قَبْلَ الطَّلَاقِ حَمْلًا لِأَمْرِهِمَا عَلَى الصَّلَاحِ وَذُكِرَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّ فِي التَّقْيِيدِ بِالثِّنْتَيْنِ لِهَذَا الْحُكْمِ إيهَامًا؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَظُنُّ ظَانٌّ أَنَّ الطَّلَاقَ إذَا كَانَ وَاحِدًا بَائِنًا لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ فِيهِ إلَى سَنَتَيْنِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ فِي الْبَائِنِ يَثْبُتُ إلَى سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ وَإِنْ لَمْ يُدَّعَ اهـ. وَجَوَابُهُ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْبَيْنُونَةِ الْخَفِيفَةِ وَبَيْنَ الْغَلِيظَةِ فَإِنَّ فِي الْخَفِيفَةِ يُعْتَبَرُ وَقْتُ الشِّرَاءِ أَيْضًا وَهُوَ أَنْ تَلِدَهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الشِّرَاءِ وَإِذَا كَانَ لِسَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ، وَفِي الْغَلِيظَةِ لَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ حَتَّى لَوْ وَلَدَتْ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الشِّرَاءِ وَلِسَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ ثَبَتَ نَسَبُهُ بِلَا دَعْوَةٍ فَظَهَرَ الْفَرْقُ وَالْإِيهَامُ فِي فَهْمِهِ لَا فِي كَلَامِ الْمَشَايِخِ، فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُسْتَثْنَى مِنْ حُكْمِ الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْمُخْتَصَرِ الْمُطَلَّقَةُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَالْمُبَانَةُ بِالثِّنْتَيْنِ فَإِنَّ فِيهِمَا لَا اعْتِبَارَ لِوَقْتِ الشِّرَاءِ وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ وَقْتُ الطَّلَاقِ فَفِي الْأُولَى يُشْتَرَطُ لِثُبُوتِ نَسَبِهِ وِلَادَتُهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَفِي الثَّانِيَةِ لِسَنَتَيْنِ فَأَقَلَّ. وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ أَنَّ هَذِهِ الْأَمَةَ لَوْ كَانَ طَلَاقُهَا رَجْعِيًّا فَإِنَّهُ يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِعَشْرِ سِنِينَ بَعْدَ الطَّلَاقِ أَوْ أَكْثَرَ وَإِنْ كَانَ بَائِنًا فَلَا بُدَّ أَنْ تَأْتِيَ بِهِ لِتَمَامِ سَنَتَيْنِ أَوْ أَقَلَّ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الشِّرَاءِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ فَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ مَا إذَا أَتَتْ بِهِ الْمَبْتُوتَةُ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ وَلِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الشِّرَاءِ وَإِنْ كَانَ دَاخِلًا فِي عِبَارَتِهِ هُنَا لِمَا قَدَّمَهُ سَابِقًا وَالتَّقْيِيدُ بِالطَّلَاقِ اتِّفَاقِيٌّ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ فِيمَا إذَا لَمْ يُطَلِّقْهَا وَاشْتَرَاهَا كَذَلِكَ أَيْ: كَحُكْمِ الْمُطَلَّقَةِ، فَإِنْ وَلَدَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ وَقْتِ الشِّرَاءِ لَا يَلْزَمُهُ وَإِلَّا لَزِمَهُ وَتَقْيِيدُهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِالرَّجْعِيِّ لَا يُفِيدُ؛ لِأَنَّ الْبَائِنَ هُنَا كَالرَّجْعِيِّ إلَّا إذَا كَانَ غَلِيظًا. وَالْمُرَادُ مِنْ الشِّرَاءِ الْمِلْكُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ بِشِرَاءٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ إرْثٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُفْسِدَ لِلنِّكَاحِ الْمِلْكُ لَا خُصُوصُ سَبَبٍ لَهُ وَأَشَارَ بِاقْتِصَارِهِ عَلَى الشِّرَاءِ إلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي هَذَا الْحُكْمِ بَيْنَ أَنْ يُعْتِقَهَا بَعْدَ الشِّرَاءِ أَوْ لَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَثْبُتُ النَّسَبُ إلَى سَنَتَيْنِ بِلَا دَعْوَةٍ مِنْ يَوْمِ الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّهُ بِالشِّرَاءِ بَطَلَ النِّكَاحُ وَوَجَبَتْ الْعِدَّةُ لَكِنَّهَا لَا تَظْهَرُ فِي حَقِّهِ لِلْمِلْكِ وَبِالْعِتْقِ ظَهَرَتْ وَحُكْمُ مُعْتَدَّةٍ لَمْ تُقِرَّ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا كَذَلِكَ، وَلَوْ لَمْ يُعْتِقْهَا وَلَكِنْ بَاعَهَا فَوَلَدَتْ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ بَاعَهَا فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ وَإِنْ ادَّعَاهُ إلَّا بِتَصْدِيقِ الْمُشْتَرِي لِمَا مَرَّ أَنَّ النِّكَاحَ بَطَلَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَثْبُتُ بِلَا تَصْدِيقٍ كَمَا قَالَ فِي الْعِتْقِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِلَا دَعْوَةٍ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ ظَهَرَتْ ثَمَّ وَلَمْ تَظْهَرْ هُنَا وَقُيِّدَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْمُخْتَصَرِ بِمَا إذَا اشْتَرَاهَا قَبْلَ أَنْ تُقِرَّ   [منحة الخالق] الدَّالِّ عَلَى اسْتِكْرَاهِ الرَّجْعَةِ بِغَيْرِ الْقَوْلِ (قَوْلُهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ بِلَا دَعْوَةٍ) ؛ لِأَنَّهُ وَلَدُ مُعْتَدَّتِهِ لَا مَمْلُوكَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّهَا عَلِقَتْ بِهِ بَعْدَ الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ لَهَا لَا يُحِلُّهَا لَهُ بَعْدَ الْحُرْمَةِ الْغَلِيظَةِ حَتَّى تَنْكِحَ غَيْرَهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَتْ حُرْمَةٌ خَفِيفَةٌ بِأَنْ طَلَّقَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ وَاحِدَةً بَائِنَةً، فَإِذَا شَرَاهَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا؛ لِأَنَّهَا مُعْتَدَّةٌ مِنْهُ وَعِدَّتُهَا مِنْهُ لَا تُحَرِّمُهَا عَلَيْهِ، فَإِذَا وَلَدَتْ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ اُحْتُمِلَ كَوْنُهُ بَعْدَ الشِّرَاءِ فَيُضَافُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ وَالْحَادِثُ يُضَافُ إلَى أَقْرَبِ أَوْقَاتِهِ فَيَكُونُ وَلَدَ مَمْلُوكَتِهِ فَلَا يَثْبُتُ بِلَا دَعْوَةٍ. (قَوْلُهُ: وَفِي الثَّانِيَةِ لِسَنَتَيْنِ فَأَقَلَّ) مُخَالِفٌ لِمَا مُشِيَ عَلَيْهِ فِيمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ وَلَدَ مُعْتَدَّةِ الْبَتِّ لَا يَثْبُتُ إلَّا إذَا أَتَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هُنَا كَذَلِكَ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ وَقَدْ قَدَّمْنَا عَنْ النَّهْرِ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ وَأَنَّهُ مَحْمُولُ اخْتِلَافِ الرِّوَايَةِ فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَا هُنَا مَحْمُولًا عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ بَائِنًا فَلَا بُدَّ إلَخْ) أَيْ: بَيْنُونَةً خَفِيفَةً لِمَا قَدَّمَهُ أَنَّ الْغَلِيظَةَ لَا يُعْتَبَرُ فِيهَا وَقْتُ الشِّرَاءِ. (قَوْلُهُ لِمَا قَدَّمَهُ سَابِقًا) أَيْ: مِنْ قَوْلِهِ وَالْبَتُّ لِأَقَلَّ مِنْهُمَا وَإِلَّا لَا، فَإِنَّهُ مُصَرِّحٌ بِأَنَّهَا لَوْ جَاءَتْ الْمَبْتُوتَةُ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ فَأَطْلَقَهُ هُنَا اعْتِمَادًا عَلَى مَا قَدَّمَهُ. (قَوْلُهُ وَحُكْمُ مُعْتَدَّةٍ لَمْ تُقِرَّ إلَخْ) عِبَارَةُ الْفَتْحِ وَحُكْمُ مُعْتَدَّةٍ عَنْ بَائِنٍ لَمْ تُقِرَّ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا ذَلِكَ اهـ. أَيْ: ثُبُوتُ النَّسَبِ إلَى سَنَتَيْنِ بِلَا دَعْوَةٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 178 بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا وَلَمْ يُبَيِّنْ مَفْهُومَهُ. (قَوْلُهُ وَمَنْ قَالَ لِأَمَتِهِ إنْ كَانَ فِي بَطْنِكِ وَلَدٌ فَهُوَ مِنِّي فَشَهِدَتْ امْرَأَةٌ بِالْوِلَادَةِ فَهِيَ أُمُّ وَلَدِهِ) ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى تَعْيِينِ الْوَلَدِ وَيَثْبُتُ ذَلِكَ بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ بِالْإِجْمَاعِ وَقَدْ ذُكِرَ فِي الْمُخْتَصَرِ الْمَرْأَةُ دُونَ الْقَابِلَةِ وَكَثِيرًا مَا يَذْكُرُونَ الْقَابِلَةَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ كَوْنَهَا الْقَابِلَةَ لَيْسَ بِشَرْطٍ أَطْلَقَهُ وَقَيَّدُوهُ بِأَنْ تَلِدَهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ وَإِنْ وَلَدَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ أَكْثَرَ لَا يَلْزَمُهُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا حَبِلَتْ بَعْدَ مَقَالَةِ الْمَوْلَى فَلَمْ يَكُنْ الْمَوْلَى مُدَّعِيًا هَذَا الْوَلَدَ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ لِتَيَقُّنِنَا بِقِيَامِهِ فِي الْبَطْنِ وَقْتَ الْقَوْلِ فَتَيَقَّنَاهُ بِالدَّعْوَى وَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مِنْ أَنَّ هَذَا إذَا وَلَدَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ سَبْقُ قَلَمٍ؛ إذْ لَا طَلَاقَ هُنَا؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْأَمَةِ الْمَمْلُوكَةِ لَهُ وَإِنَّمَا الِاعْتِبَارُ لِوَقْتِ الْإِقْرَارِ. وَمِثْلُهُ لَوْ قَالَ: إنْ كَانَ فِي بَطْنِك وَلَدٌ فَهُوَ حُرٌّ فَوَلَدَتْ بَعْدَ ذَلِكَ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ لَمْ يَعْتِقْ وَإِنْ وَلَدَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْهَا عَتَقَ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ فِي مَسْأَلَةِ الْمُخْتَصَرِ إنْ كَانَ فِي بَطْنِك وَلَدٌ أَوْ إنْ كَانَ بِهَا حَبَلٌ فَهُوَ مِنِّي وَقُيِّدَ بِالتَّعْلِيقِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ هَذِهِ حَامِلٌ مِنِّي يَلْزَمُهُ الْوَلَدُ وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ إلَى سَنَتَيْنِ حَتَّى يَنْفِيَهُ كَمَا فِي الْغَايَةِ. (قَوْلُهُ وَمَنْ قَالَ لِغُلَامٍ هُوَ ابْنِي وَمَاتَ فَقَالَتْ أُمُّهُ أَنَا امْرَأَتُهُ وَهُوَ ابْنُهُ يَرِثَانِهِ) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا مِيرَاثَ لَهَا؛ لِأَنَّ النَّسَبَ كَمَا يَثْبُتُ بِالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ يَثْبُتُ بِالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَبِالْوَطْءِ عَنْ شُبْهَتِهِ وَبِمِلْكِ الْيَمِينِ فَلَمْ يَكُنْ قَوْلُهُ إقْرَارًا بِالنِّكَاحِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ فِيمَا إذَا كَانَتْ مَعْرُوفَةً بِالْحُرِّيَّةِ وَبِكَوْنِهَا أُمَّ الْغُلَامِ وَالنِّكَاحُ الصَّحِيحُ هُوَ الْمُتَعَيَّنُ لِذَلِكَ وَضْعًا وَعَادَةً؛ لِأَنَّهُ الْمَوْضُوعُ لِحُصُولِ الْأَوْلَادِ دُونَ غَيْرِهِ فَهُمَا احْتِمَالَانِ لَا يُعْتَبَرَانِ فِي مُقَابَلَةِ الظَّاهِرِ الْقَوِيِّ، وَكَذَا احْتِمَالُ كَوْنِهِ طَلَّقَهَا فِي صِحَّتِهِ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ النِّكَاحُ وَجَبَ الْحُكْمُ بِقِيَامِهِ مَا لَمْ يَتَحَقَّقْ زَوَالُهُ. فَإِنْ قِيلَ: إنَّ النِّكَاحَ يَثْبُتُ بِمُقْتَضَى ثُبُوتِ النَّسَبِ وَهُوَ لَا عُمُومَ لَهُ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ قُلْنَا النِّكَاحُ غَيْرُ مُتَنَوِّعٍ إلَى نِكَاحٍ مُوجِبٍ لِلْإِرْثِ وَالنَّسَبِ وَإِلَى غَيْرِ مُوجِبٍ لَهُمَا، فَإِذَا تَعَيَّنَ النِّكَاحُ الصَّحِيحُ لَزِمَ بِلَوَازِمِهِ وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الِاقْتِضَاءِ فِي شَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْمُقْتَضَى وَهُوَ النَّسَبُ يَصِحُّ بِلَا ثُبُوتِ الْمُقْتَضِي وَهُوَ النِّكَاحُ بِأَنْ يَكُونَ الْوَطْءُ عَنْ شُبْهَةٍ أَوْ تَكُونَ أُمَّ وَلَدِهِ فَلَمْ يَفْتَقِرْ ثُبُوتُ النَّسَبِ إلَى النِّكَاحِ لَا مَحَالَةَ. (قَوْلُهُ وَإِنْ جُهِلَتْ حُرِّيَّتُهَا فَقَالَ وَارِثُهُ أَنْت أُمُّ وَلَدِ أَبِي فَلَا مِيرَاثَ لَهَا) ؛ لِأَنَّ ظُهُورَ الْحُرِّيَّةِ بِاعْتِبَارِ الدَّارِ حُجَّةٌ فِي دَفْعِ الرِّقِّ لَا فِي اسْتِحْقَاقِ الْإِرْثِ وَتَقْيِيدُهُ بِقَوْلِ الْوَارِثِ اتِّفَاقِيٌّ؛ لِأَنَّ الْجَهْلَ بِحُرِّيَّتِهَا كَافٍ لِعَدَمِ مِيرَاثِهَا قَالَ الْوَارِثُ أَنْتِ أُمُّ وَلَدِ أَبِي أَوْ لَمْ يَقُلْ كَمَا أَطْلَقَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مُعَلِّلًا أَنَّ لِلْوَارِثِ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ وَلَعَلَّ فَائِدَتَهُ أَنَّ الْوَارِثَ لَوْ كَانَ صَغِيرًا فَإِنَّهُ لَا مِيرَاثَ لَهَا أَيْضًا وَإِنْ لَمْ يَقُلْ شَيْئًا وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ لَهَا مَهْرًا عِنْدَ إقْرَارِ الْوَارِثِ أَنَّهَا أُمُّ وَلَدِ أَبِيهِ وَذَكَرَ التُّمُرْتَاشِيُّ أَنَّ لَهَا مَهْرَ مِثْلِهَا؛ لِأَنَّهُمْ أَقَرُّوا بِالدُّخُولِ وَلَمْ يَثْبُتْ كَوْنُهَا أُمَّ وَلَدٍ بِقَوْلِهِمْ وَرَدَّهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِأَنَّ الدُّخُولَ إنَّمَا يُوجِبُ مَهْرَ الْمِثْلِ فِي غَيْرِ صُورَةِ النِّكَاحِ إذَا كَانَ الْوَطْءُ عَنْ شُبْهَةٍ وَلَمْ يَثْبُتْ النِّكَاحُ هُنَا وَالْأَصْلُ عَدَمُ الشُّبْهَةِ فَبِأَيِّ دَلِيلٍ يُحْمَلُ عَلَى ذَلِكَ فَلَا يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ وَأَيْضًا إنَّمَا لَمْ نُوجِبْ الْإِرْثَ؛ لِأَنَّ الِاسْتِصْحَابَ لَا يَصْلُحُ لِلْإِثْبَاتِ فَلَوْ وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ لَكَانَ صَالِحًا لِلْإِثْبَاتِ فَلَا يَجُوزُ اهـ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. [بَابُ الْحَضَانَةِ] بَيَانٌ لِمَنْ يَحْضُنُ الْوَلَدَ الَّذِي ثَبَتَ نَسَبُهُ وَهِيَ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَفَتْحِهَا تَرْبِيَةُ الْوَلَدِ، وَالْحَاضِنَةُ الْمَرْأَةُ تُوَكَّلُ بِالصَّبِيِّ فَتَرْفَعُهُ وَتُرَبِّيهِ وَقَدْ حَضَنَتْ وَلَدَهَا حَضَانَةً مِنْ بَابِ طَلَبَ وَحَضَنَ الطَّائِرُ بَيْضَهُ حَضْنًا إذَا جَثَمَ عَلَيْهِ بِكَنَفِهِ يَحْضُنُهُ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَفِي ضِيَاءِ الْحُلُومِ حَضَنَتْ الْمَرْأَةُ وَلَدَهَا حَضَانَةً وَحَضَنَتْ الْحَمَامَةُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَلَمْ يُبَيِّنْ مَفْهُومَهُ) قَالَ فِي النَّهْرِ إنَّمَا لَمْ يُبَيِّنْهُ اسْتِغْنَاءً بِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ مَعَ الْإِقْرَارِ يُشْتَرَطُ أَنْ تَأْتِيَ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ لَا مِنْ وَقْتِ الشِّرَاءِ كَمَا قَالَ هُنَا (بَابُ الْحَضَانَةِ) . (قَوْلُهُ وَالْحَاضِنَةُ الْمَرْأَةُ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَلَهَا شُرُوطٌ أَنْ تَكُونَ حُرَّةً بَالِغَةً عَاقِلَةً أَمِينَةً قَادِرَةً وَأَنْ تَخْلُوَ مِنْ زَوْجٍ أَجْنَبِيٍّ وَإِنْ كَانَ الْحَاضِنُ ذَكَرًا فَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ مَا عَدَا الْأَخِيرَ، وَهَذَا قُلْته مُنْفَرِدًا بِهِ أَخْذًا مِنْ كَلَامِهِمْ وَلَمْ أَرَ أَحَدًا ذَكَرَ هَذِهِ الشُّرُوطَ عَلَى هَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ عَلَى عِلْمِي الْآنَ وَاَللَّهُ تَعَالَى هُوَ الْمُوَفِّقُ اهـ. قُلْت وَيَنْبَغِي أَنْ يَزِيدَ بَعْدَ قَوْلِهِ حُرَّةً أَوْ مُكَاتَبَةً لَوْ وَلَدُهَا مِثْلَهَا؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَةَ إذَا وَلَدَتْ فِي الْكِتَابَةِ فَحَضَانَتُهُ لَهَا كَمَا سَيَأْتِي وَأَنْ يَزِيدَ بَعْدَ قَوْلِهِ وَأَنْ تَخْلُوَ مِنْ زَوْجٍ أَجْنَبِيٍّ أَوْ مُبْغِضٍ لِلْوَلَدِ كَمَا سَيَأْتِي عَنْ الْقُنْيَةِ تَأَمَّلْ وَيَنْبَغِي أَنْ يَزِيدَ فِي الشُّرُوطِ وَعَدَمَ رِدَّتِهَا إلَّا أَنْ يُقَالَ يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُهُ قَادِرَةً؛ لِأَنَّهَا تُحْبَسُ وَتُضْرَبُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 179 بَيْضَهَا حُضُونًا أَيْ: جَعَلَتْهُ فِي حِضْنِهَا وَحَضَنَهُ عَنْ حَاجَتِهِ أَيْ: حَبَسَهُ وَحَضَنَهُ عَنْ الْأَمْرِ إذَا نَحَّاهُ عَنْهُ وَالْحِضْنُ مَا دُونَ الْإِبْطِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْحَضَانَةَ حَقُّ الصَّغِيرِ لِاحْتِيَاجِهِ إلَى مَنْ يُمْسِكُهُ فَتَارَةً يَحْتَاجُ إلَى مَنْ يَقُومُ بِمَنْفَعَةِ بَدَنِهِ فِي حَضَانَتِهِ وَتَارَةً إلَى مَنْ يَقُومُ بِمَالِهِ حَتَّى لَا يَلْحَقَهُ الضَّرَرُ وَجُعِلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى مَنْ أَقْوَمُ بِهِ وَأَبْصَرُ فَالْوِلَايَةُ فِي الْمَالِ جُعِلَتْ إلَى الْأَبِ وَالْجَدِّ؛ لِأَنَّهُمْ أَبْصَرُ وَأَقْوَمُ فِي التِّجَارَةِ مِنْ النِّسَاءِ وَحَقُّ الْحَضَانَةِ جُعِلَ إلَى النِّسَاءِ؛ لِأَنَّهُنَّ أَبْصَرُ وَأَقْوَمُ عَلَى حِفْظِ الصَّبِيَّانِ مِنْ الرِّجَالِ لِزِيَادَةِ شَفَقَتِهِنَّ وَمُلَازَمَتِهِنَّ لِلْبُيُوتِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْأَبَ يُجْبَرُ عَلَى نَفَقَتِهِ مُطْلَقًا وَيَجِبُ عَلَيْهِ إمْسَاكُهُ وَحِفْظُهُ وَصِيَانَتُهُ إذَا اسْتَغْنَى عَنْ النِّسَاءِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حَقٌّ لِلصَّغِيرِ عَلَيْهِ وَاخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ حَضَانَتِهِ عَلَى الْأُمِّ وَنَحْوِهَا مِنْ النِّسَاءِ، وَفِي جَبْرِهَا إذَا امْتَنَعَتْ فَصُرِّحَ فِي الْهِدَايَةِ بِأَنَّهَا لَا تُجْبَرُ؛ لِأَنَّهَا عَسَتْ أَنْ تَعْجِزَ عَنْ الْحَضَانَةِ وَصَحَّحَهُ فِي التَّبْيِينِ، وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَفِي الْوَاقِعَاتِ، وَالْفَتْوَى عَلَى عَدَمِ الْجَبْرِ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا رُبَّمَا لَا تَقْدِرُ عَلَى الْحَضَانَةِ، وَالثَّانِي: أَنَّ الْحَضَانَةَ حَقُّ الْأُمِّ وَالْمَوْلَى وَلَا يُجْبَرُ عَلَى اسْتِيفَاءِ حَقِّهِ اهـ. وَفِي الْخُلَاصَةِ وَقَالَ مَشَايِخنَا وَلَا تُجْبَرُ الْأُمُّ عَلَيْهَا وَكَذَلِكَ الْخَالَةُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا زَوْجٌ؛ لِأَنَّهَا رُبَّمَا تَعْجِزُ عَنْ ذَلِكَ اهـ. فَأَفَادَ أَنَّ غَيْرَ الْأُمِّ كَالْأُمِّ فِي عَدَمِ الْجَبْرِ بَلْ هُوَ بِالْأَوْلَى كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَذَكَرَ الْفُقَهَاءُ الثَّلَاثَةُ أَبُو اللَّيْثِ وَالْهِنْدُوَانِي وَخُوَاهَرْ زَادَهْ أَنَّهَا تُجْبَرُ عَلَى الْحَضَانَةِ وَتَمَسَّكَ لَهُمْ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِمَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ الشَّهِيدِ الَّذِي هُوَ جَمْعُ كَلَامِ مُحَمَّدٍ لَوْ اخْتَلَعَتْ عَلَى أَنْ تَتْرُكَ وَلَدَهَا عِنْدَ الزَّوْجِ فَالْخُلْعُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ هَذَا حَقُّ الْوَلَدِ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ أُمِّهِ مَا كَانَ إلَيْهَا مُحْتَاجًا زَادَ فِي الْمَبْسُوطِ فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُبْطِلَهُ بِالشَّرْطِ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَوْلَ الْفُقَهَاءِ الثَّلَاثَةِ هُوَ جَوَابُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} [الطلاق: 6] فَلَيْسَ الْكَلَامُ فِي الْإِرْضَاعِ بَلْ فِي الْحَضَانَةِ قَالَ فِي التُّحْفَةِ ثُمَّ الْأُمُّ وَإِنْ كَانَتْ أَحَقَّ بِالْحَضَانَةِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا الرَّضَاعَةُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ النَّفَقَةِ وَنَفَقَةُ الْوَلَدِ عَلَى الْوَالِدِ إلَّا أَنْ لَا يُوجَدَ مَنْ تُرْضِعُهُ فَتُجْبَرُ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّرْجِيحَ قَدْ اُخْتُلِفَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَالْأَوْلَى الْإِفْتَاءُ بِقَوْلِ الْفُقَهَاءِ الثَّلَاثَةِ لَكِنْ قَيَّدَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ بِأَنْ لَا يَكُونَ لِلصَّغِيرِ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ فَحِينَئِذٍ تُجْبَرُ الْأُمُّ كَيْ لَا يَضِيعَ الْوَلَدُ أَمَّا إذَا كَانَ لَهُ جَدَّةٌ مَثَلًا وَامْتَنَعَتْ الْأُمُّ مِنْ إمْسَاكِهِ وَرَضِيَتْ الْجَدَّةُ بِإِمْسَاكِهِ فَإِنَّهُ يُدْفَعُ إلَى الْجَدَّةِ؛ لِأَنَّ الْحَضَانَةَ كَانَتْ حَقًّا لَهَا، فَإِذَا أَسْقَطَتْ حَقَّهَا صَحَّ الْإِسْقَاطُ مِنْهَا وَعَزَا هَذَا التَّفْصِيلَ إلَى الْفُقَهَاءِ الثَّلَاثَةِ وَعَلَّلَهُ فِي الْمُحِيطِ بِأَنَّ الْأُمَّ لَمَّا أَسْقَطَتْ حَقَّهَا بَقِيَ حَقُّ الْوَلَدِ فَصَارَتْ الْأُمُّ بِمَنْزِلَةِ الْمَيِّتَةِ أَوْ الْمُتَزَوِّجَةِ فَتَكُونُ الْجَدَّةُ أَوْلَى وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْأُمَّ إذَا امْتَنَعَتْ وَعُرِضَ عَلَى مَنْ دُونَهَا مِنْ الْحَاضِنَاتِ فَامْتَنَعَتْ أُجْبِرَتْ الْأُمُّ لَا مَنْ دُونَهَا وَلِذَا قَيَّدُوا جَوَابَ الْمَسْأَلَةِ بِأَنْ رَضِيَتْ الْجَدَّةُ بِإِمْسَاكِهِ وَذُكِرَ فِي السِّرَاجِيَّةِ أَنَّ الْأُمَّ تَسْتَحِقُّ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْحَضَانَةَ حَقُّ الصَّغِيرِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَهَلْ هِيَ حَقُّ مَنْ تَثْبُتُ لَهَا الْحَضَانَةُ أَوْ حَقُّ الْوَلَدِ؟ خِلَافٌ، قِيلَ بِالْأَوَّلِ فَلَا تُجْبَرُ إنْ هِيَ امْتَنَعَتْ وَرَجَّحَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَفِي الْوَاقِعَاتِ وَغَيْرِهَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَفِي الْخُلَاصَةِ. قَالَ مَشَايِخُنَا: لَا تُجْبَرُ الْأُمُّ عَلَيْهَا وَكَذَلِكَ الْخَالَةُ إذَا لَمْ يَكُنْ زَوْجٌ؛ لِأَنَّهَا رُبَّمَا تَعْجِزُ عَنْ ذَلِكَ وَقِيلَ بِالثَّانِي فَتُجْبَرُ وَاخْتَارَهُ أَبُو اللَّيْثِ وَخُوَاهَرْ زَادَهْ وَالْهِنْدُوَانِي وَأَيَّدَهُ فِي الْفَتْحِ بِمَا فِي الْحَاكِمِ لَوْ اخْتَلَعَتْ عَلَى أَنْ تَتْرُكَ وَلَدَهَا عِنْدَ الزَّوْجِ فَالْخُلْعُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ الْوَلَدِ فَأَفَادَ أَنَّ قَوْلَ الْفُقَهَاءِ جَوَابُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، ثُمَّ قَالَ فِي الْفَتْحِ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهَا أُجْبِرَتْ بِلَا خِلَافٍ اهـ. وَعَلَى هَذَا فَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ قَالَتْ الْأُمُّ لَا حَاجَةَ لِي بِهِ وَقَالَتْ الْجَدَّةُ أَنَا آخُذُهُ دُفِعَ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْحَضَانَةَ حَقُّهَا، فَإِذَا أَسْقَطَتْ حَقَّهَا صَحَّ الْإِسْقَاطُ مِنْهَا لَكِنْ إنَّمَا يَكُونُ لَهَا ذَلِكَ إذَا كَانَ لِلْوَلَدِ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ كَمَا هُنَا أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ أُجْبِرَتْ عَلَى الْحَضَانَةِ كَيْ لَا يَضِيعُ الْوَلَدُ كَذَا اخْتَارَهُ الْفُقَهَاءُ الثَّلَاثَةُ اهـ. لَيْسَ بِظَاهِرٍ وَقَدْ اُغْتُرَّ بِهِ فِي الْبَحْرِ فَقَالَ مَا قَالَهُ الْفُقَهَاءُ الثَّلَاثَةُ قَيَّدَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلصَّغِيرِ رَحِمٌ فَحِينَئِذٍ تُجْبَرُ الْأُمُّ كَيْ لَا يَضِيعَ الْوَلَدُ وَأَنْتَ قَدْ عَلِمْت أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَحَدٌ فَلَيْسَ مِنْ مَحَلِّ الْخِلَافِ فِي شَيْءٍ اهـ. (قَوْلُهُ لَكِنْ قَيَّدَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ بِأَنْ لَا يَكُونَ إلَخْ) اعْتَرَضَهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَاغْتُرَّ بِهِ غَيْرُ ظَاهِرٍ لِمَا فِي الْفَتْحِ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهَا أُجْبِرَتْ بِلَا خِلَافٍ. (قَوْلُهُ وَذُكِرَ فِي السِّرَاجِيَّةِ) قَالَ فِي الْمِنَحِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهَا فَتَاوَى سِرَاجِ الدِّينِ قَارِئِ الْهِدَايَةِ وَنَصُّهَا سُئِلَ: هَلْ تَسْتَحِقُّ الْمُطَلَّقَةُ أُجْرَةً بِسَبَبِ حَضَانَةِ وَلَدِهَا خَاصَّةً مِنْ غَيْرِ رَضَاعٍ لَهُ فَأَجَابَ نَعَمْ تَسْتَحِقُّ أُجْرَةً عَلَى الْحَضَانَةِ، وَكَذَا إذَا احْتَاجَ إلَى خَادِمٍ يُلْزَمُ بِهِ اهـ. وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهَا الْفَتَاوَى السِّرَاجِيَّةَ الْمَشْهُورَةَ لَكِنِّي لَمْ أَقِفْ عَلَى ذَلِكَ فِي بَابِهِ بِنُسْخَتِي وَالْعِلْمُ أَمَانَةٌ فِي أَعْنَاقِ الْعُلَمَاءِ اهـ. وَأَقُولُ: بَلْ مُرَادُهُ فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ فَإِنَّهُ فِي النَّفَقَاتِ عَزَاهُ إلَيْهَا صَرِيحًا، وَفِي الشرنبلالية فَعَلَى هَذَا يَجِبُ عَلَى الْأَبِ ثَلَاثَةٌ: أُجْرَةُ الرَّضَاعِ وَأُجْرَةُ الْحَضَانَةِ وَنَفَقَةُ الْوَلَدِ اهـ. وَقَالَ الرَّمْلِيُّ وَلَمْ يَذْكُرْ هَلْ أُجْرَةُ الْحَضَانَةِ عَلَى الْأَبِ أَمْ فِي مَالِ الصَّغِيرِ إذَا كَانَ لَهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 180 أُجْرَةً عَلَى الْحَضَانَةِ إذَا لَمْ تَكُنْ مَنْكُوحَةً وَلَا مُعْتَدَّةً لِأَبِيهِ وَتِلْكَ الْأُجْرَةُ غَيْرُ أُجْرَةِ إرْضَاعِهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي النَّفَقَاتِ. (قَوْلُهُ أَحَقُّ بِالْوَلَدِ أُمُّهُ قَبْلَ الْفُرْقَةِ وَبَعْدَهَا) أَيْ: فِي التَّرْبِيَةِ وَالْإِمْسَاكِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ وَلِمَا رُوِيَ «أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ ابْنِي هَذَا كَانَ بَطْنِي لَهُ وِعَاءً وَحِجْرِي لَهُ حِوَاءً وَثَدْيِي لَهُ سِقَاءً وَزَعَمَ أَبُوهُ أَنَّهُ يَنْزِعُهُ مِنِّي فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ» وَلِأَنَّ الْأُمَّ أَشْفَقُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِقَوْلِهِ رِيقُهَا خَيْرٌ لَهُ مِنْ شَهْدٍ وَعَسَلٍ عِنْدَك يَا عُمَرُ قَالَهُ حِينَ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ وَالصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - حَاضِرُونَ مُتَوَافِرُونَ أُطْلِقَ فِي الْأُمِّ وَقَيَّدُوهُ بِأَنْ تَكُونَ أَهْلًا لِلْحَضَانَةِ فَلَا حَضَانَةَ لِمُرْتَدَّةٍ سَوَاءٌ لَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهَا تُحْبَسُ وَتُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ، فَإِنْ تَابَتْ فَهِيَ أَحَقُّ بِهِ وَلَا لِلْفَاسِقَةِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَغَيْرِهِ، وَفِي الْقُنْيَةِ الْأُمُّ أَحَقُّ بِالصَّغِيرَةِ وَإِنْ كَانَتْ سَيِّئَةَ السِّيرَةِ مَعْرُوفَةً بِالْفُجُورِ مَا لَمْ تَعْقِلْ ذَلِكَ اهـ. وَيَنْبَغِي أَنْ يُرَادَ بِالْفِسْقِ فِي كَلَامِهِمْ هُنَا الزِّنَا الْمُقْتَضِي لِاشْتِغَالِ الْأُمِّ عَنْ   [منحة الخالق] مَالٌ وَلَمْ يَذْكُرْ بَعْدَ مَوْتِ الْأَبِ إذَا طَلَبَتْ أُجْرَةَ الْحَضَانَةِ مِنْ مَالِ الْوَلَدِ إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ أَوْ مِمَّنْ تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ هَلْ تُجَابُ إلَى ذَلِكَ أَمْ لَا وَلَمْ أَرَهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ صَرِيحًا لَكِنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْأُمَّ لَا تَسْتَحِقُّ أُجْرَةَ الْحَضَانَةِ فِي مَالِ الصَّغِيرِ عِنْدَ عَدَمِ الْأَبِ لِوُجُوبِ التَّرْبِيَةِ عَلَيْهَا حَتَّى تُجْبَرَ إذَا امْتَنَعَتْ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْفُقَهَاءُ الثَّلَاثَةُ بِخِلَافِ الرَّضَاعِ حَيْثُ لَا تُجْبَرُ وَهُوَ الْفَارِقُ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ حَتَّى جَازَ أَنْ يُفْرَضَ أُجْرَةُ الرَّضَاعِ فِي مَالِ الصَّبِيِّ لِأُمِّهِ عَلَى قَوْلٍ كَمَا سَيَأْتِي فِي النَّفَقَاتِ. وَلِذَا قَالَ فِي جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى سُئِلَ قَاضِي الْقُضَاةِ فَخْرُ الدِّينِ خَانْ عَنْ الْمَبْتُوتَةِ هَلْ لَهَا أُجْرَةُ الْحَضَانَةِ بَعْدَ الْفِطَامِ قَالَ: لَا لَكِنْ صَرَّحَ قَارِئُ الْهِدَايَةِ فِي فَتَاوَاهُ بِاسْتِحْقَاقِهَا ذَلِكَ إذَا لَمْ تَكُنْ مَنْكُوحَةً أَوْ مُعْتَدَّةً عَلَى الْأَبِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ عِلَّةَ الْأَوَّلِ الْوُجُوبُ عَلَيْهَا دِيَانَةً وَعِلَّةَ الثَّانِي أَنَّهَا إذَا حَضَنَتْهُ فَقَدْ حَبَسَتْ نَفْسَهَا فِي تَرْبِيَتِهِ فَيَجِبُ لَهَا عَلَى الْأَبِ مَا يَقُومُ مَقَامَ الِاتِّفَاقِ عَلَيْهَا وَهُوَ أُجْرَةُ الْحَضَانَةِ وَإِنْ وَجَبَتْ عَلَيْهَا دِيَانَةٌ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ فَهِيَ الْأَحَقُّ بِتَرْبِيَتِهِ فَلَا تَطْلُبُ أُجْرَةً مِنْ مَالِهِ وَلَا مِمَّنْ هُوَ دُونَهَا فِي ذَلِكَ فَتَأَمَّلْ وَرَاجِعْ وَإِذَا كَانَ لِلصَّغِيرِ مَالٌ لَهَا أَنْ تَمْتَنِعَ مِنْ حَضَانَتِهِ فَيَسْتَأْجِرَ لَهُ حَاضِنَةً بِمَالِهِ غَيْرَهَا، وَكَذَا لَوْ كَانَ الْأَبُ مَوْجُودًا وَلِلصَّغِيرِ مَالٌ فَلِلْأَبِ أَنْ يَجْعَلَ أُجْرَةَ الْحَضَانَةِ مِنْ مَالِهِ فَيَرْجِعَ الْأَمْرُ إلَى أَنَّ الصَّغِيرَ إذَا حَضَنَتْهُ أُمُّهُ فِي حَالِ النِّكَاحِ أَوْ فِي عِدَّةِ الرَّجْعِيِّ أَوْ الْبَائِنِ فِي قَوْلٍ لَا تَسْتَحِقُّ أُجْرَةً لَا مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ وَلَا عَلَى الْأَبِ، وَالثَّانِي مُصَرَّحٌ بِهِ وَالْأَوَّلُ تَفَقُّهٌ. وَيُفَرَّقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الرَّضَاعِ بِأَنَّهُ مِنْ بَابِ النَّفَقَةِ وَهِيَ عَلَى الْأَبِ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلصَّغِيرِ مَالٌ وَإِلَّا فَفِي مَالِهِ بِخِلَافِهَا فَإِنَّ الْحَضَانَةَ حَقُّهَا وَلَا تَسْتَوْجِبُ عَلَى إقَامَةِ حَقِّهَا أُجْرَةً وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ وَلَهُ مَالٌ فَحَضَنَتْهُ وَطَلَبَتْ الْأُجْرَةَ مِنْ مَالِهِ وَلَمْ أَرَهُ أَيْضًا كَمَا ذَكَرْته أَوَّلًا وَاَلَّذِي يَظْهَرُ وُجُوبُهَا فِي مَالِهِ وَإِنْ أَلْحَقْنَا الْحَضَانَةَ بِالرَّضَاعِ قُلْنَا بِاسْتِحْقَاقِ ذَلِكَ وَبِجَوَازِهِ فِي مَالِ الصَّغِيرِ وَإِنْ كَانَ لَهُ أَبٌ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ وَلَا أَبٌ فَلَا كَلَامَ فِي جَبْرِهَا حَيْثُ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْ يَحْضُنُهُ غَيْرَهَا. هَذَا وَقَدْ رَأَيْت فِي كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ مُؤْنَةُ الْحَضَانَةِ فِي مَالِ الْمَحْضُونِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَإِلَّا فَعَلَى مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ وَعَلَى مَا أَجَابَ بِهِ قَارِئُ الْهِدَايَةِ مِنْ اسْتِحْقَاقِهَا الْأُجْرَةَ إذَا لَمْ تَكُنْ مَنْكُوحَةً وَلَا مُعْتَدَّةً لَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ مَذْهَبُنَا كَمَذْهَبِ الشَّافِعِيَّةِ وَتَكُونُ كَالرَّضَاعِ هَذَا هُوَ السَّابِقُ لِلْأَفْهَامِ وَيَتَعَيَّنُ الْقَطْعُ بِهِ اهـ. مُلَخَّصًا. (قَوْلُهُ مَا لَمْ تَفْعَلْ ذَلِكَ) أَيْ: مَا لَمْ يَثْبُتْ فِعْلُهُ عَنْهَا كَذَا فِي النَّهْرِ وَلَكِنْ الَّذِي فِي النُّسَخِ مَا لَمْ تَعْقِلْ بِالْعَيْنِ وَالْقَافِ، وَقَالَ الرَّمْلِيُّ قَدْ تَصَحَّفَ عَلَى صَاحِبِ النَّهْرِ قَوْلُهُ: تَعْقِلْ بِالْعَيْنِ وَالْقَافِ بِيَفْعِلْ بِالْفَاءِ وَالْعَيْنِ وَهُوَ مِمَّا يُفْسِدُ الْمَعْنَى فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُرَادَ بِالْفِسْقِ فِي كَلَامِهِمْ هُنَا الزِّنَا) قَالَ فِي النَّهْرِ فِي قَصْرِهِ عَلَى الزِّنَا قُصُورٌ؛ إذْ لَوْ كَانَتْ سَارِقَةً أَوْ مُغَنِّيَةً أَوْ نَائِحَةً فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ وَعَلَى هَذَا فَالْمُرَادُ فِسْقٌ يَضِيعُ الْوَلَدُ بِهِ اهـ. وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ قَوْلَ الْمُؤَلِّفِ وَنَحْوِهِ بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى الْخُرُوجِ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَرْفُوعًا عَطْفًا عَلَى الزِّنَا فَيَئُولُ إلَى مَا فِي النَّهْرِ فَتَأَمَّلْ. ثُمَّ رَأَيْتَهُ فِي حَاشِيَةِ الرَّمْلِيِّ قَالَ كَيْفَ الْقَصْرُ وَقَدْ قَالَ وَنَحْوِهِ بَعْدَ قَوْلِهِ الْمُقْتَضِي لِاشْتِغَالِ الْأُمِّ عَنْ الْوَلَدِ اهـ. وَفِي مِنَحِ الْغَفَّارِ وَاعْلَمْ أَنَّ الَّذِي وَقَعَ فِي كَلَامِ الْمُحَقِّقِ الْكَمَالِ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِ قَوْلُهُ وَلَا لِلْفَاسِقَةِ وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ يَنْتَظِمُ جَمِيعَ أَنْوَاعِ الْفِسْقِ الصَّادِقِ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ لَكِنْ حَمَلَهُ شَيْخُنَا فِي بَحْرِهِ عَلَى الْفِسْقِ بِالزِّنَا لِاشْتِغَالِ الْأُمِّ عَنْ الْوَلَدِ بِالْخُرُوجِ مِنْ الْمَنْزِلِ مُسْتَظْهِرًا عَلَيْهِ بِأَنَّ الذِّمِّيَّةَ أَحَقُّ بِوَلَدِهَا الْمُسْلِمِ مَا لَمْ يَعْقِلْ الْأَدْيَانَ فَالْفَاسِقَةُ الْمُسْلِمَةُ بِالْأَوْلَى اهـ. فَتَبِعْته لَكِنْ عِنْدِي فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَيْهِ بِمَا ذُكِرَ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الذِّمِّيَّةَ إنَّمَا تَفْعَلُ مَا تَفْعَلُ مِمَّا يُوجِبُ الْفِسْقَ عِنْدَنَا عَلَى جِهَةِ اعْتِقَادِهِ دِينًا لَهَا فَكَيْفَ يُلْحَقُ بِهَا الْفَاسِقَةُ الْمُسْلِمَةُ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ إجْرَاءُ كَلَامِ الْكَمَالِ عَلَى إطْلَاقِهِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مِنْ أَنَّ الْفَاسِقَةَ، وَلَوْ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ لَا حَضَانَةَ لَهَا اهـ. كَلَامُ الْمِنَحِ قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: وَبَعْدَمَا عَلِمْت أَنَّ الْمَنَاطَ هُوَ الضَّيَاعُ حَقَّقْت أَنَّ بَحْثَ صَاحِبِ الْمِنَحِ لَا حَاصِلَ لَهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 181 الْوَلَدِ بِهِ بِالْخُرُوجِ مِنْ الْمَنْزِلِ وَنَحْوِهِ لَا مُطْلَقُهُ الصَّادِقُ بِتَرْكِ الصَّلَوَاتِ لِمَا يَأْتِي أَنَّ الذِّمِّيَّةَ أَحَقُّ بِوَلَدِهَا الْمُسْلِمِ مَا لَمْ يَعْقِلْ الْأَدْيَانَ فَالْفَاسِقَةُ الْمُسْلِمَةُ بِالْأَوْلَى وَلَا لِمَنْ تَخْرُجُ كُلَّ وَقْتٍ وَتَتْرُكُ الْبِنْتَ ضَائِعَةً وَلَا لِلْأَمَةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرَةِ وَالْمُكَاتَبَةِ إذَا وَلَدَتْ قَبْلَ الْكِتَابَةِ وَلَا لِلْمُتَزَوِّجَةِ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْأَبُ مُعْسِرًا وَأَبَتْ الْأُمُّ أَنْ تُرَبِّيَ إلَّا بِأَجْرٍ وَقَالَتْ الْعَمَّةُ أَنَا أُرَبِّي بِغَيْرِ أَجْرِ فَإِنَّهُ لَا حَضَانَةَ لِلْأُمِّ وَتَكُونُ الْعَمَّةُ أَوْلَى فِي الصَّحِيحِ كَمَا سَيَأْتِي وَسَنَذْكُرُ أَنَّ الْكِتَابِيَّةَ أَحَقُّ بِوَلَدِهَا الْمُسْلِمِ مَا لَمْ يَعْقِلْ الْأَدْيَانَ. (قَوْلُهُ ثُمَّ أُمُّ الْأُمِّ) يَعْنِي بَعْدَ الْأُمِّ الْأَحَقُّ أُمُّهَا وَهُوَ شَامِلٌ لِمَا إذَا كَانَتْ الْأُمُّ مَيِّتَةً أَوْ لَيْسَتْ أَهْلًا لِلْحَضَانَةِ فَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا يَنْتَقِلُ الْحَقُّ إلَى أُمِّ الْأُمِّ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْوِلَايَةَ مُسْتَفَادَةٌ مِنْ قِبَلِ الْأُمَّهَاتِ فَكَانَتْ الَّتِي هِيَ مِنْ قِبَلِهَا أَوْلَى وَإِنْ عَلَتْ فَالْجَدَّةُ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ أَوْلَى مِنْ أُمِّ الْأَبِ وَمِنْ الْخَالَةِ وَصَحَّحَهُ الْوَلْوَالِجِيِّ وَذَكَرَ الْخَصَّافُ فِي النَّفَقَاتِ، فَإِنْ كَانَ لِلصَّغِيرِ جَدَّةُ الْأُمِّ مِنْ قِبَلِ أَبِيهَا وَهِيَ أُمُّ أَبِي أُمِّهِ فَهَذِهِ لَيْسَتْ بِمَنْزِلَةِ مَنْ كَانَتْ مِنْ قَرَابَةِ الْأُمِّ مِنْ قِبَلِ أُمِّهَا، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ كَانَ مِنْ قِبَلِ أَبِي الْأُمِّ فَلَيْسَ بِمَنْزِلَةِ قَرَابَةِ الْأُمِّ مِنْ قِبَلِ أُمِّهَا اهـ. وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ جَدَّةُ الْأُمِّ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ وَهِيَ أُمُّ أَبِي الْأُمِّ لَا تَكُونُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ كَانَتْ مِنْ قَرَابَةِ الْأُمِّ؛ لِأَنَّ هَذَا الْحَقَّ لِقَرَابَةِ الْأُمِّ اهـ. وَظَاهِرُهُ تَأْخِيرُ أُمِّ أَبِي الْأُمِّ عَنْ أُمِّ الْأَبِ بَلْ عَنْ الْخَالَةِ أَيْضًا وَقَدْ صَارَتْ حَادِثَةٌ لِلْفَتْوَى فِي زَمَانِنَا. (قَوْلُهُ ثُمَّ أُمُّ الْأَبِ وَإِنْ عَلَتْ) فَهِيَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْأَخَوَاتِ وَالْخَالَاتِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْأُمَّهَاتِ وَلِهَذَا تُحْرِزُ مِنْ مِيرَاثِهِنَّ السُّدُسَ وَلِأَنَّهَا أَوْفَرُ شَفَقَةً لِلْأَوْلَادِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حَدِيثِ أَبِي دَاوُد «إنَّمَا الْخَالَةُ أُمٌّ» فَيُحْتَمَلُ كَوْنُهُ فِي ثُبُوتِ الْحَضَانَةِ أَوْ غَيْرِهِ إلَّا أَنَّ السِّيَاقَ أَفَادَ إرَادَةَ الْأَوَّلِ فَيَبْقَى أَعَمَّ مِنْ كَوْنِهِ فِي ثُبُوتِ أَصْلِ الْحَضَانَةِ أَوْ كَوْنِهَا أَحَقَّ بِالْوَلَدِ مِنْ كُلِّ مَنْ سِوَاهَا وَلَا دَلَالَةَ عَلَى الثَّانِي وَالْأَوَّلُ مُتَيَقَّنٌ فَيَثْبُتُ فَلَا يُفِيدُ الْحُكْمَ بِكَوْنِهَا أَحَقَّ مِنْ أَحَدٍ بِخُصُوصِهِ أَصْلًا مِمَّنْ لَهُ حَقٌّ فِي الْحَضَانَةِ فَيَبْقَى الْمَعْنَى الَّذِي عَيَّنَّاهُ بِلَا مُعَارِضٍ مِنْ أَنَّ الْجَدَّةَ أُمٌّ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِي الْقُنْيَةِ صَغِيرَةٌ عِنْدَ جَدَّةٍ تَخُونُ حَقَّهَا فَلِعَمِّهَا أَنْ يَأْخُذَهَا مِنْهَا إذَا ظَهَرَتْ خِيَانَتُهَا. (قَوْلُهُ ثُمَّ الْأُخْتُ لِأَبٍ وَأُمٍّ ثُمَّ لِأُمٍّ ثُمَّ لِأَبٍ) يَعْنِي فَهُنَّ أَوْلَى مِنْ الْعَمَّاتِ وَالْخَالَاتِ؛ لِأَنَّهُنَّ بَنَاتُ الْأَبَوَيْنِ وَلِهَذَا قُدِّمْنَ فِي الْمِيرَاثِ وَتُقَدَّمُ الْأُخْتُ الشَّقِيقَةُ؛ لِأَنَّهَا أَشْفَقُ ثُمَّ يَلِيهَا الْأُخْتُ مِنْ الْأُمِّ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُنَّ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ، وَأَمَّا الْأُخْتُ لِأَبٍ فَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهَا مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْخَالَةِ اعْتِبَارًا لِقُرْبِ الْقَرَابَةِ وَتَقْدِيمُ الْمُدْلِي بِالْأُمِّ عَلَى الْمُدْلِي بِالْأَبِ عِنْدَ اتِّحَادِ مَرْتَبَتِهِمَا قُرْبًا وَهَذِهِ رِوَايَةُ كِتَابِ النِّكَاحِ، وَفِي رِوَايَةِ كِتَابِ الطَّلَاقِ الْخَالَةُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا تُدْلِي بِالْأُمِّ وَتِلْكَ بِالْأَبِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ أَوْلَادَ الْأَخَوَاتِ؛ لِأَنَّ فِيهِمْ تَفْصِيلًا فَأَوْلَادُ الْأَخَوَاتِ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأُمٍّ أَحَقُّ مِنْ الْخَالَاتِ وَالْعَمَّاتِ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ، وَأَمَّا أَوْلَادُ الْأَخَوَاتِ لِأَبٍ فَفِي أَحَدِ الرِّوَايَتَيْنِ أَحَقُّ مِنْ الْخَالَاتِ اعْتِبَارًا بِالْأَصْلِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْخَالَاتِ أَوْلَى مِنْ أَوْلَادِ الْأَخَوَاتِ لِأَبٍ وَالْأُخْتَ لِأُمٍّ أَوْلَى مِنْ وَلَدِ الْأُخْتِ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَبَنَاتَ الْأُخْتِ أَوْلَى مِنْ بَنَاتِ الْأَخِ؛ لِأَنَّ الْأُخْتَ لَهَا حَقٌّ فِي الْحَضَانَةِ دُونَ الْأَخِ فَكَانَ الْمُدْلِي بِهَا أَوْلَى وَإِذَا اجْتَمَعَ مَنْ لَهُ حَقُّ الْحَضَانَةِ فِي دَرَجَةٍ فَأَوْرَعُهُمْ أَوْلَى ثُمَّ أَكْبَرُهُمْ. (قَوْلُهُ ثُمَّ الْخَالَاتُ كَذَلِكَ) أَيْ: فَهُنَّ أَوْلَى مِنْ الْعَمَّاتِ تَرْجِيحًا لِقَرَابَةِ الْأُمِّ وَيَنْزِلْنَ كَمَا نَزَلَتْ الْأَخَوَاتُ فَتُرَجَّحُ الْخَالَاتُ لِأَبٍ وَأُمٍّ ثُمَّ لِأُمٍّ ثُمَّ لِأَبٍ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ كَذَلِكَ وَالْخَالَةُ هِيَ أُخْتُ أُمِّ الصَّغِيرِ لَا مُطْلَقُ الْخَالَةِ؛ لِأَنَّ خَالَةَ الْأُمِّ مُؤَخَّرَةٌ عَنْ عَمَّةِ الصَّغِيرِ وَكَذَلِكَ خَالَةُ الْأَبِ كَمَا سَنُبَيِّنُهُ وَأَفَادَ كَلَامُهُ أَنَّ الْخَالَةَ أَوْلَى مِنْ بِنْتِ الْأَخِ؛ لِأَنَّهَا تُدْلَى بِالْأُمِّ وَتِلْكَ بِالْأَخِ. (قَوْلُهُ ثُمَّ الْعَمَّاتُ كَذَلِكَ) أَيْ تُقَدَّمُ الْعَمَّةُ لِأَبٍ وَأُمٍّ ثُمَّ لِأُمٍّ ثُمَّ لِأَبٍ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ الْعَمَّاتِ أَحَدًا مِنْ النِّسَاءِ وَالْمَذْكُورُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَفَتْحِ الْقَدِيرِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ بَعْدَ الْعَمَّاتِ خَالَةَ الْأُمِّ لِأَبٍ وَأُمٍّ ثُمَّ لِأُمٍّ ثُمَّ لِأَبٍ ثُمَّ بَعْدَهُنَّ خَالَةُ الْأَبِ لِأَبٍ وَأُمٍّ ثُمَّ لِأُمٍّ ثُمَّ لِأَبٍ ثُمَّ بَعْدَهُنَّ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ كَمَا سَيَأْتِي) أَيْ فِي الْبَابِ الْآتِي فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَهِيَ أَحَقُّ بَعْدَهَا مَا لَمْ تَطْلُبْ زِيَادَةً الجزء: 4 ¦ الصفحة: 182 عَمَّاتُ الْأُمَّهَاتِ وَالْآبَاءِ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ وَالتَّرْتِيبِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا بَنَاتَ الْأَخِ، وَفِي التَّبْيِينِ أَنَّ بَنَاتَ الْأَخِ أَوْلَى مِنْ الْعَمَّاتِ وَلَمْ يَذْكُرْ أَيْضًا أَوْلَادَ الْخَالَةِ وَالْعَمَّةِ فِي الْحَضَانَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِبَنَاتِ الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ فِي الْحَضَانَةِ؛ لِأَنَّهُنَّ غَيْرُ مَحْرَمٍ وَكَذَلِكَ بَنَاتُ الْأَعْمَامِ وَالْأَخْوَالِ بِالْأَوْلَى كَذَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ، وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَالْعَمَّةُ أَحَقُّ مِنْ وَلَدِ الْخَالَةِ وَهُوَ تَسَامُحٌ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِوَلَدِ الْخَالَةِ أَصْلًا كَمَا نَقَلْنَاهُ. (قَوْلُهُ وَمَنْ نَكَحَتْ غَيْرَ مَحْرَمٍ سَقَطَ حَقُّهَا) أَيْ: غَيْرَ مَحْرَمٍ مِنْ الصَّغِيرِ كَالْأُمِّ إذَا تَزَوَّجَتْ بِأَجْنَبِيٍّ مِنْهُ لِقَوْلِهِ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَتَزَوَّجِي» وَلِأَنَّ زَوْجَ الْأُمِّ إذَا كَانَ أَجْنَبِيًّا يُعْطِيهِ نَزْرًا وَيَنْظُرُ إلَيْهِ شَزْرًا فَلَا نَظَرَ لَهُ وَالنَّزْرُ الشَّيْءُ الْقَلِيلُ وَالشَّزْرُ نَظَرُ الْبُغْضِ وَلِذَا قَالَ فِي الْقُنْيَةِ الْأُمُّ إذَا تَزَوَّجَتْ بِزَوْجٍ آخَرَ وَتُمْسِكُ الصَّغِيرَ مَعَهَا أُمُّ الْأُمِّ فِي بَيْتِ الرَّابِّ فَلِلْأَبِ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْهَا اهـ. فَعَلَى هَذَا تَسْقُطُ الْحَضَانَةُ إمَّا بِتَزَوُّجِ غَيْرِ الْمَحْرَمِ أَوْ بِسُكْنَاهَا عِنْدَ الْمُبْغِضِ لَهُ لَكِنْ وَقَعَ لِي تَرَدُّدٌ فِي أَنَّ الْخَالَةَ وَنَحْوَهَا إذَا سَكَنَتْ عِنْدَ أَجْنَبِيٍّ مِنْ الصَّغِيرِ وَلَمْ تَكُنْ مُتَزَوِّجَةً هَلْ تَسْقُطُ حَضَانَتُهَا قِيَاسًا عَلَى الْجَدَّةِ إذَا سَكَنَتْ فِي بَيْتِ بِنْتِهَا الْمُتَزَوِّجَةِ أَوْ هَذَا خَاصٌّ بِبَيْتِ زَوْجِ الْأُمِّ بِاعْتِبَارِ بُغْضِهِ لَهُ كَمَا هُوَ الْعَادَةُ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ يَتَضَرَّرُ بِالسُّكْنَى فِي بَيْتِ أَجْنَبِيٍّ عَنْهُ، وَكَذَا اُخْتُلِفَ فِي أُجْرَةِ الْمَسْكَنِ الَّذِي يُحْضَنُ فِيهِ الصَّبِيُّ فَقِيلَ يَجِبُ فِي مَالِهِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَإِلَّا فَعَلَى مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ وَفِي التَّفَارِيقِ لَا تَجِبُ كَذَا فِي خِزَانَةِ الْفَتَاوَى قُيِّدَ بِغَيْرِ الْمَحْرَمِ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ لَوْ كَانَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ لِلصَّغِيرِ كَالْجَدَّةِ إذَا كَانَ زَوْجُهَا الْجَدَّ أَوْ الْأُمِّ إذَا كَانَ زَوْجُهَا عَمَّ الصَّغِيرِ أَوْ الْخَالَةِ إذَا كَانَ زَوْجُهَا عَمَّهُ لَا يَسْقُطُ حَقُّهَا لِانْتِفَاءِ الضَّرَرِ عَنْ الصَّغِيرِ وَدَخَلَ تَحْتَ غَيْرِ الْمُحْرِمِ الرَّحِمُ الَّذِي لَيْسَ بِمَحْرَمٍ كَابْنِ الْعَمِّ فَهُوَ كَالْأَجْنَبِيِّ هُنَا وَلَوْ ادَّعَى أَنَّ الْأُمَّ تَزَوَّجَتْ وَأَنْكَرَتْ فَالْقَوْلُ لَهَا وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَعَ الْيَمِينِ. (قَوْلُهُ ثُمَّ تَعُودُ بِالْفُرْقَةِ) أَيْ: تَعُودُ الْحَضَانَةُ لِزَوَالِ الْمَانِعِ فَقَوْلُهُمْ سَقَطَ حَقُّهَا مَعْنَاهُ مَنَعَ مَانِعٌ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ زَوَالِ الْمَانِعِ لَا مِنْ عَوْدِ السَّاقِطِ كَالنَّاشِزَةِ لَا نَفَقَةَ لَهَا ثُمَّ تَعُودُ بِالْعَوْدِ إلَى مَنْزِلِ الزَّوْجِ وَأَرَادَ بِالْفُرْقَةِ الطَّلَاقَ الْبَائِنَ وَأَمَّا الطَّلَاقُ الرَّجْعِيُّ فَإِنَّهُ لَا يَعُودُ حَقُّهَا بِهِ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا لِقِيَامِ الزَّوْجِيَّةِ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَغَيْرِهَا لَوْ أَقَرَّتْ بِالتَّزَوُّجِ وَادَّعَتْ أَنَّهُ طَلَّقَهَا وَعَادَ حَقُّهَا فِيهَا، فَإِنْ أَبْهَمَتْ الزَّوْجَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا وَإِنْ عَيَّنَتْ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي دَعْوَى الطَّلَاقِ. (قَوْلُهُ ثُمَّ الْعَصَبَاتُ بِتَرْتِيبِهِمْ) يَعْنِي إنْ لَمْ يَكُنْ لِلصَّغِيرِ أَحَدٌ مِنْ مَحَارِمِهِ مِنْ النِّسَاءِ وَاخْتَصَمَ فِيهِ الرِّجَالُ فَأَوْلَاهُمْ بِهِ أَقْرَبُهُمْ تَعْصِيبًا؛ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ لِلْأَقْرَبِ فَيُقَدَّمُ الْأَبُ ثُمَّ الْجَدُّ أَبُ الْأَبِ وَإِنْ عَلَا ثُمَّ الْأَخُ الشَّقِيقُ ثُمَّ الْأَخُ لِأَبٍ ثُمَّ ابْنُ الْأَخِ الشَّقِيقِ ثُمَّ ابْنُ الْأَخِ لِأَبٍ، وَكَذَا كُلُّ مَنْ سَفُلَ مِنْ أَوْلَادِهِمْ ثُمَّ الْعَمُّ شَقِيقُ الْأَبِ ثُمَّ لِأَبٍ، وَأَمَّا أَوْلَادُ الْأَعْمَامِ فَإِنَّهُ يُدْفَعُ إلَيْهِمْ الْغُلَامُ فَيُبْدَأُ بِابْنِ الْعَمِّ لِأَبٍ وَأُمٍّ ثُمَّ ابْنُ الْعَمِّ لِأَبٍ وَلَا تُدْفَعُ إلَيْهِمْ الصَّغِيرَةُ؛ لِأَنَّهُمْ غَيْرُ مَحَارِمَ، وَكَذَا لَا تُدْفَعُ إلَى الْأُمِّ الَّتِي لَيْسَتْ بِمَأْمُونَةٍ وَلِلْعَصَبَةِ الْفَاسِقِ وَلَا إلَى مَوْلَى الْعَتَاقَةِ تَحَرُّزًا عَنْ الْفِتْنَةِ وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ إطْلَاقَ الْمُصَنِّفِ فِي مَحَلِّ التَّقْيِيدِ لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ عَدَمِ الدَّفْعِ إلَى ابْنِ الْعَمِّ مَا إذَا كَانَتْ   [منحة الخالق] قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَمَنْ نَكَحَتْ غَيْرَ مَحْرَمٍ سَقَطَ حَقُّهَا) قَالَ الرَّمْلِيُّ يَعْنِي مَحْرَمَهُ النَّسَبِيَّ لَا الرَّضَاعِيَّ فَإِنَّهُ كَالْأَجْنَبِيِّ فِي سُقُوطِ حَضَانَتِهَا بِهِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ غَيْرَ مَحْرَمِهِ الرَّحِمِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ كَالْأُمِّ إذَا تَزَوَّجَتْ بِأَجْنَبِيٍّ عَنْهُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ سَوَاءٌ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ؛ لِأَنَّ التَّزَوُّجَ اسْمٌ لِلْعَقْدِ وَلَا يَتَوَقَّفُ السُّقُوطُ عَلَى الدُّخُولِ. (قَوْلُهُ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ الْأَوَّلُ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ بَلْ الَّذِي يَظْهَرُ الثَّانِي لِقَوْلِهِمْ يُطْعِمُهُ نَزْرًا وَيَنْظُرُ إلَيْهِ شَزْرًا، وَهَذَا مَفْقُودٌ فِي الْأَجْنَبِيِّ عَنْ الْحَاضِنَةِ وَالْحَدِيثُ قَدْ غَيَّاهُ بِغَايَةٍ وَهِيَ التَّزَوُّجُ فَيَسْتَمِرُّ الْحَقُّ إلَى وُجُودِهِ وَلَمْ يُوجَدْ تَأَمَّلْ. ثُمَّ رَأَيْت صَاحِبَ النَّهْرِ قَالَ بَعْدَ نَقْلِهِ لِمَا فِي الْبَحْرِ أَقُولُ: الظَّاهِرُ عَدَمُ سُقُوطِهَا لِلْفَرْقِ الْبَيِّنِ بَيْنَ زَوْجِ الْأُمِّ وَالْأَجْنَبِيِّ اهـ. (قَوْلُهُ يَعْنِي إنْ لَمْ يَكُنْ لِلصَّغِيرِ أَحَدٌ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَوْ كَانَ لَهُ أَحَدٌ مِنْ مَحَارِمِهِ مِنْ النِّسَاءِ إلَّا أَنَّهُ سَاقِطُ الْحَضَانَةِ فَإِنَّهُ كَالْمَعْدُومِ. (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يُدْفَعُ إلَيْهِمْ الْغُلَامُ) ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْمَحْرَمِيَّةِ مَعَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ لَا يُخَافُ مِنْهُ الْفِتْنَةُ وَمُقْتَضَى هَذَا أَنْ تُدْفَعَ الْأُنْثَى إلَى بِنْتِ الْعَمِّ لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ لَكِنَّهُ خِلَافُ إطْلَاقِهِ السَّابِقِ فِي ذَوَاتِ الْأَرْحَامِ فَتَأَمَّلْ. بَقِيَ هُنَا فَائِدَةٌ وَهِيَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِلْغُلَامِ ابْنَا عَمٍّ أَحَدُهُمَا زَوْجُ أُمِّهِ وَلَيْسَ لَهُ غَيْرُهُمْ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ حَقُّ الْأُمِّ وَإِنْ كَانَ زَوْجُهَا أَجْنَبِيًّا عَنْ الْغُلَامِ؛ لِأَنَّ ابْنَ الْعَمِّ الْآخَرَ كَذَلِكَ. (قَوْلُهُ لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ هَذَا الْبَحْثُ مَرْدُودٌ لِتَعْلِيلِهِمْ بِأَنَّ أَوْلَادَ الْأَعْمَامِ غَيْرُ مَحَارِمَ لِلصَّغِيرِ وَأَنَّهُ لَا حَقَّ لِغَيْرِ الْمَحْرَمِ فِي حَضَانَتِهَا وَلَعَلَّ الْوَجْهَ فِيهِ أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ لَهُ ذَلِكَ كَانَتْ عِنْدَهُ إلَى أَنْ تُشْتَهَى فَتَقَعَ الْفِتْنَةُ فَحُسِمَ مِنْ أَصْلِهِ تَأَمَّلْ. هَذَا وَلَا شَاهِدَ لَهُ بِمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ؛ لِأَنَّ جَوَازَ ضَمِّهَا لِابْنِ الْعَمِّ لَا لِكَوْنِهِ مُسْتَحِقًّا لِلْحَضَانَةِ بَلْ لِأَصْلَحِيَّتِهِ لِضَمِّهَا وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ الِاخْتِيَارُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 183 الصَّغِيرَةُ تُشْتَهَى وَهُوَ غَيْرُ مَأْمُونٍ أَمَّا إذَا كَانَتْ لَا تُشْتَهَى كَبِنْتِ سَنَةٍ مَثَلًا فَلَا مَنْعَ؛ لِأَنَّهُ لَا فِتْنَةَ، وَكَذَا إذَا كَانَتْ تُشْتَهَى وَكَانَ مَأْمُونًا قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مَعْزِيًّا إلَى تُحْفَةِ الْفُقَهَاءِ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْجَارِيَةِ مِنْ عَصَبَاتِهَا غَيْرُ ابْنِ الْعَمِّ فَالِاخْتِيَارُ إلَى الْقَاضِي إنْ رَآهُ أَصْلَحَ تُضَمُّ إلَيْهِ وَإِلَّا تُوضَعُ عَلَى يَدٍ أَمِينَةٍ اهـ. وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الدَّفْعَ إلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ قَالُوا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلصَّغِيرِ عَصَبَةٌ يُدْفَعُ إلَى الْأَخِ لِأُمٍّ ثُمَّ إلَى وَلَدِهِ ثُمَّ إلَى الْعَمِّ لِأُمٍّ ثُمَّ إلَى الْخَالِ لِأَبٍ وَأُمٍّ ثُمَّ لِأَبٍ ثُمَّ لِأُمٍّ؛ لِأَنَّ لِهَؤُلَاءِ وِلَايَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي النِّكَاحِ وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ مُرَادَهُمْ بِذَوِي الْأَرْحَامِ هُنَا، وَفِي بَابِ وِلَايَةِ الْإِنْكَاحِ قَرَابَةٌ لَيْسَتْ بِعَصَبَةٍ لَا الْمَذْكُورُ فِي الْفَرَائِضِ أَنَّهُ قَرِيبٌ لَيْسَ بِذِي سَهْمٍ وَلَا عَصَبَةٍ؛ لِأَنَّ بَعْضَ أَقَارِبِ الْفُرُوضِ دَاخِلٌ فِي ذَوِي الْأَرْحَامِ هُنَا كَالْأَخِ لِأُمٍّ وَإِذَا اجْتَمَعَ مُسْتَحِقُّو الْحَضَانَةِ فِي دَرَجَةٍ كَالْإِخْوَةِ وَالْأَعْمَامِ فَأَصْلَحُهُمْ أَوْلَى، فَإِنْ تَسَاوَوْا فَأَوْرَعُهُمْ، فَإِنْ تَسَاوَوْا فَأَسَنُّهُمْ، وَفِي الْبَدَائِعِ لَا حَقَّ لِلرِّجَالِ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ مَنْ هُوَ مَوْجُودٌ. (قَوْلُهُ وَالْأُمُّ وَالْجَدَّةُ أَحَقُّ بِالْغُلَامِ حَتَّى يَسْتَغْنِيَ وَقُدِّرَ بِسَبْعٍ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا اسْتَغْنَى يَحْتَاجُ إلَى تَأْدِيبٍ وَالتَّخَلُّقِ بِآدَابِ الرِّجَالِ وَأَخْلَاقِهِمْ وَالْأَبُ أَقْدَرُ عَلَى التَّأْدِيبِ وَالتَّعْنِيفِ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ التَّقْدِيرِ بِسَبْعٍ قَوْلُ الْخَصَّافِ اعْتِبَارًا لِلْغَالِبِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الصَّغِيرَ إذَا بَلَغَ السَّبْعَ يَهْتَدِي بِنَفْسِهِ إلَى الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَاللُّبْسِ وَالِاسْتِنْجَاءِ وَحْدَهُ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْحَضَانَةِ فَلَا مُخَالَفَةَ بَيْنَ تَقْدِيرِ الِاسْتِغْنَاءِ بِالسِّنِّ وَبَيْنَ أَنْ يُقَدِّرَهُ عَلَى الْأَشْيَاءِ الْأَرْبَعَةِ وَحْدَهُ كَمَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْأَصْلِ وَلَمْ يَذْكُرْ الِاسْتِنْجَاءَ فِي الْمَبْسُوطِ وَذَكَرَهُ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ وَزَادَ فِي نَوَادِرِ ابْنِ رَشِيدٍ وَيَتَوَضَّأُ وَحْدَهُ ثُمَّ مِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ الْمُرَادُ مِنْ الِاسْتِنْجَاءِ تَمَامُ الطَّهَارَةِ بِأَنْ يُطَهِّرَ وَجْهَهُ وَحْدَهُ بِلَا مُعِينٍ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بَلْ مِنْ النَّجَاسَةِ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى تَمَامِ الطَّهَارَةِ وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ ظَاهِرِ كَلَامِ الْخَصَّافِ. وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَالتَّبْيِينِ وَالْكَافِي أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ الْخَصَّافِ مِنْ التَّقْدِيرِ بِالسَّبْعِ؛ لِأَنَّ الْأَبَ مَأْمُورٌ بِأَنْ يَأْمُرَهُ بِالصَّلَاةِ إذَا بَلَغَهَا وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ إذَا كَانَ الْوَلَدُ عِنْدَهُ وَلَوْ اخْتَلَفَا فَقَالَ ابْنُ سَبْعٍ وَقَالَتْ ابْنُ سِتٍّ لَا يُحَلِّفُ الْقَاضِي أَحَدَهُمَا وَلَكِنْ يَنْظُرُ إنْ كَانَ يَأْكُلُ وَحْدَهُ وَيَلْبَسُ وَحْدَهُ وَيَسْتَنْجِي وَحْدَهُ دُفِعَ وَإِلَّا فَلَا كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَاسْتَغْنَى بِذِكْرِ الْأَكْلِ عَنْ الشُّرْبِ وَلِذَا ذَكَرَ الشُّرْبَ فِي الْخُلَاصَةِ وَجَمَعَ بَيْنَ الْأَرْبَعَةِ فِي التَّبْيِينِ، وَأَمَّا مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْخُلَاصَةِ مِنْ عَدَمِ ذِكْرِ الِاسْتِنْجَاءِ فَسَهْوٌ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِذِكْرِ الْأُمِّ وَالْجَدَّةِ إلَى أَنَّ غَيْرَهُمَا أَوْلَى فَلَوْ قَالَ وَالْحَاضِنَةُ أَحَقُّ بِهِ حَتَّى يَسْتَغْنِيَ لَكَانَ أَصْرَحَ. (قَوْلُهُ وَبِهَا حَتَّى تَحِيضَ) أَيْ: الْأُمُّ وَالْجَدَّةُ أَحَقُّ بِالصَّغِيرَةِ حَتَّى تَحِيضَ؛ لِأَنَّ بَعْدَ الِاسْتِغْنَاءِ تَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ آدَابِ النِّسَاءِ وَالْمَرْأَةُ عَلَى ذَلِكَ أَقْدَرُ وَبَعْدَ الْبُلُوغِ تَحْتَاجُ إلَى التَّحْصِينِ وَالْحِفْظِ وَالْأَبُ فِيهِ أَقْوَى وَأَهْدَى وَبِهِ عُلِمَ أَنَّهُ لَوْ قَالَ حَتَّى تَبْلُغَ لَكَانَ أَوْلَى وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهَا تُدْفَعُ إلَى الْأَبِ إذَا بَلَغَتْ حَدَّ الشَّهْوَةِ لِتَحَقُّقِ الْحَاجَةِ إلَى الصِّيَانَةِ قَالَ فِي النُّقَايَةِ وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ لِفَسَادِ الزَّمَانِ، وَفِي نَفَقَاتِ الْخَصَّافِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ مِثْلُهُ، وَفِي التَّبْيِينِ وَبِهِ يُفْتَى فِي زَمَانِنَا لِكَثْرَةِ الْفَسَادِ، وَفِي الْخُلَاصَةِ وَغِيَاثِ الْمُفْتِي وَالِاعْتِمَادُ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَاتِ لِفَسَادِ الزَّمَانِ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى خِلَافِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَقَدْ صُرِّحَ فِي التَّجْنِيسِ بِأَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ أَنَّهَا أَحَقُّ بِهَا حَتَّى تَحِيضَ وَاخْتُلِفَ فِي حَدِّ الشَّهْوَةِ، وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَلَيْسَ لَهَا حَدٌّ مُقَدَّرٌ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ حَالِ الْمَرْأَةِ، وَفِي التَّبْيِينِ وَغَيْرِهِ وَبِنْتُ إحْدَى عَشْرَةَ سَنَةً مُشْتَهَاةٌ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا وَقَدَّرَهُ أَبُو اللَّيْثِ بِتِسْعِ سِنِينَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ. وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهَا لَوْ زُوِّجَتْ قَبْلَ أَنْ تَبْلُغَ لَا تَسْقُطُ حَضَانَتُهَا وَقَالَ فِي الْقُنْيَةِ الصَّغِيرَةُ إذَا لَمْ تَكُنْ مُشْتَهَاةً وَلَهَا زَوْجٌ لَا يَسْقُطُ حَقُّ الْأُمِّ فِي حَضَانَتِهَا مَا دَامَتْ لَا تَصْلُحُ لِلرِّجَالِ إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا كَانَتْ يُسْتَأْنَسُ بِهَا اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا إذَا صَلَحَتْ لِلرِّجَالِ قَبْلَ الْبُلُوغِ وَقَدْ   [منحة الخالق] لِلْقَاضِي وَالْكَلَامُ فِي اسْتِحْقَاقِهَا لَا فِي جَوَازِ الدَّفْعِ لَهُ عِنْدَ عَدَمِ مَنْ يَسْتَحِقُّهَا هَذَا وَيَجِبُ أَنْ يُقَيَّدَ كَلَامُ التُّحْفَةِ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ بِالْمَعْنَى الْمُرَادِ مَنْ يَسْتَحِقُّ الْحَضَانَةَ، أَمَّا إذَا كَانَ كَالْأَخِ لِأُمٍّ تُدْفَعُ إلَيْهِ لَا إلَى ابْنِ الْعَمِّ، وَلَوْ رَآهُ أَصْلَحَ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ الْأَخُ لِأُمٍّ فَاسِقًا وَهِيَ حَادِثَةُ الْفَتْوَى وَيُشْتَرَطُ الْبُلُوغُ فِيمَنْ يَحْضُنُ الْوَلَدَ؛ لِأَنَّ الْحَضَانَةَ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ مَلَكٍ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَغَيْرُهُ وَالصَّغِيرُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ اهـ. قُلْت: وَفِي الْبَدَائِعِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ إنْ كَانَ لِلْجَارِيَةِ ابْنُ عَمٍّ وَخَالٍ وَكِلَاهُمَا لَا بَأْسَ بِهِ فِي دِينِهِ جَعَلَهَا الْقَاضِي عِنْدَ الْخَالِ؛ لِأَنَّهُ مَحْرَمٌ فَكَانَ أَوْلَى وَالْأَخُ لِأَبٍ أَحَقُّ مِنْ الْخَالِ؛ لِأَنَّهُ عَصَبَةٌ وَأَقْرَبُ. (قَوْلُهُ يُدْفَعُ إلَى الْأَخِ لِأُمٍّ إلَخْ) ذُكِرَ فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ أَنَّ أَبَا الْأُمِّ أَوْلَى مِنْ الْأَخِ لِأُمٍّ وَالْخَالِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 184 زَوَّجَهَا أَبُوهَا فَإِنَّهُ لَا حَضَانَةَ لِأُمِّهَا اتِّفَاقًا فَيَحْتَاجُ إطْلَاقُ الْمُخْتَصَرِ إلَى تَقْيِيدٍ نَعَمْ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ فَهُوَ ظَاهِرٌ وَلَمْ أَرَ حُكْمَ مَا إذَا اخْتَلَفَ الْأَبُ وَالْأُمُّ فِي حَيْضِهَا فَقَالَتْ الْأُمُّ لَمْ تَحِضْ وَقَالَ الْأَبُ حَاضَتْ أَوْ فِي الْبُلُوغِ بِالسِّنِّ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْأُمِّ كَمَا لَوْ ادَّعَى تَزَوُّجَهَا وَأَنْكَرَتْ بِجَامِعِ أَنَّهُ يَدَّعِي سُقُوطَ حَقِّهَا وَهِيَ تُنْكِرُ. (قَوْلُهُ وَغَيْرُهُمَا أَحَقُّ بِهَا حَتَّى تُشْتَهَى) أَيْ: غَيْرُ الْأُمِّ وَالْجَدَّةِ أَحَقُّ بِالصَّغِيرَةِ حَتَّى تُشْتَهَى فَيَأْخُذَهَا الْأَبُ، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ حَتَّى تَسْتَغْنِيَ؛ لِأَنَّهَا لَا تَقْدِرُ عَلَى اسْتِخْدَامِهَا وَلِهَذَا لَا تُؤَجِّرُهَا لِلْخِدْمَةِ فَلَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ بِخِلَافِ الْأُمِّ وَالْجَدَّةِ لِقُدْرَتِهِمَا عَلَيْهِ شَرْعًا وَأُطْلِقَ فِي الْجَدَّةِ فَشَمِلَ جَدَّتَهُ مِنْ أُمِّهِ وَمِنْ أَبِيهِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ بِالصَّبِيِّ تَطْلُبُ النَّفَقَةَ مِنْ أَبِيهِ فَقَالَتْ هَذَا ابْنُ ابْنَتِي مِنْك وَقَدْ مَاتَتْ أُمُّهُ فَأَعْطِنِي نَفَقَتَهُ فَقَالَ الْأَبُ صَدَقْت هَذَا ابْنِي مِنْ ابْنَتِك فَأَمَّا أُمُّهُ فَلَمْ تَمُتْ وَهِيَ فِي مَنْزِلِي وَأَرَادَ أَخْذَ الصَّبِيِّ مِنْهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ حَتَّى يَعْلَمَ الْقَاضِي أُمَّهُ وَتَحْضُرَ هِيَ فَتَأْخُذَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَرَّ أَنَّهَا جَدَّةُ الصَّبِيِّ فَقَدْ أَقَرَّ أَنَّ لَهَا حَقَّ الْحَضَانَةِ ثُمَّ يَدَّعِي قِيَامَ مَنْ هُوَ أَوْلَى مِنْهَا وَذَا مُحْتَمَلٌ، فَإِنْ أَحْضَرَ الْأَبُ امْرَأَةً فَقَالَ هَذِهِ ابْنَتُك، وَهَذَا ابْنِي مِنْهَا وَقَالَتْ الْجَدَّةُ مَا هَذِهِ ابْنَتِي وَقَدْ مَاتَتْ ابْنَتِي أُمُّ هَذَا الصَّبِيِّ فَالْقَوْلُ فِي هَذَا قَوْلُ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ الَّتِي مَعَهُ وَيُدْفَعُ الصَّبِيُّ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْفِرَاشَ لَهُمَا فَيَكُونُ الْوَلَدُ لَهُمَا. وَصَارَ هَذَا كَالزَّوْجَيْنِ إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ فَقَالَتْ الْمَرْأَةُ: هُوَ ابْنِي مِنْ زَوْجٍ آخَرَ وَقَالَ الرَّجُلُ: هُوَ ابْنِي مِنْ امْرَأَةٍ أُخْرَى فَإِنَّهُ يُحْكَمُ بِكَوْنِهِ ابْنًا لَهُمَا؛ لِأَنَّ الْفِرَاشَ لَهُمَا فَيَكُونُ الْوَلَدُ لَهُمَا وَكَذَلِكَ الْجَدَّةُ لَوْ حَضَرَتْ وَقَالَتْ: هَذَا ابْنُ ابْنَتِي مِنْ هَذَا الرَّجُلِ وَقَدْ مَاتَتْ أُمُّهُ فَقَالَ الرَّجُلُ هَذَا ابْنِي مِنْ غَيْرِ ابْنَتِك مِنْ امْرَأَةٍ لِي فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَيَأْخُذُ الصَّبِيَّ مِنْهَا، وَلَوْ أَحْضَرَ الرَّجُلُ امْرَأَةً وَقَالَ هَذَا ابْنِي مِنْ هَذِهِ لَا مِنْ ابْنَتِك وَقَالَتْ الْجَدَّةُ مَا هَذِهِ أُمُّهُ بَلْ أُمُّهُ ابْنَتِي وَقَالَتْ الَّتِي أَحْضَرَهَا الرَّجُلُ صَدَقْتِ مَا أَنَا بِأُمِّهِ وَقَدْ كَذَبَ هَذَا الرَّجُلُ وَلَكِنِّي امْرَأَتُهُ فَإِنَّ الْأَبَ أَوْلَى بِهِ فَيَأْخُذُهُ، وَعَلَّلَ الْخَصَّافُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْكِتَابِ فَقَالَ: لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ هَذَا ابْنِي مِنْ هَذِهِ الْمَرْأَةِ فَقَدْ أَنْكَرَ كَوْنَهَا جَدَّةً لَهُ فَيَكُونُ مُنْكِرًا الْحَقَّ لَهَا فِي الْحَضَانَةِ أَصْلًا وَهِيَ أَقَرَّتْ لَهُ بِالْحَقِّ اهـ. . (قَوْلُهُ وَلَا حَقَّ لِلْأَمَةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ مَا لَمْ يُعْتَقَا) لِعَجْزِهِمَا عَنْ الْحَضَانَةِ بِالِاشْتِغَالِ بِخِدْمَةِ الْمَوْلَى وَإِذَا أُعْتِقَتَا صَارَتَا حُرَّتَيْنِ أَوَانَ ثُبُوتُ الْحَقِّ وَدَخَلَ تَحْتَ الْأَمَةِ الْمُدَبَّرَةُ لِوُجُودِ الرِّقِّ فِيهَا، وَكَذَا الْمُكَاتَبَةُ دَاخِلَةٌ تَحْتَ الْأَمَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْوَلَدِ الْمَوْلُودِ قَبْلَ الْكِتَابَةِ، وَأَمَّا إذَا وَلَدَتْهُ بَعْدَ الْكِتَابَةِ فَهِيَ أَوْلَى بِحَضَانَتِهِ مِنْ غَيْرِهَا؛ لِأَنَّهُ صَارَ دَاخِلًا فِي كِتَابَتِهَا وَأَرَادَ بِالْحَقِّ الْمَنْفِيِّ حَقَّ الْحَضَانَةِ قَالُوا وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أُمِّهِ لِلنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الْحَقَّ فِي حَضَانَةِ وَلَدِ الْأَمَةِ لِلْمَوْلَى أَوْ لِغَيْرِهِ وَالْحَقُّ التَّفْصِيلُ، فَإِنْ كَانَ الصَّغِيرُ رَقِيقًا فَمَوْلَاهُ أَحَقُّ بِهِ حُرًّا كَانَ أَبُوهُ أَوْ عَبْدًا، وَكَذَا لَوْ عَتَقَتْ أُمُّهُ بَعْدَ وَضْعِهِ فَلَا حَقَّ لَهَا فِي حَضَانَتِهِ إنَّمَا الْحَقُّ لِلْمَوْلَى سَوَاءٌ كَانَتْ مَنْكُوحَةَ أَبِيهِ أَوْ فَارَقَهَا؛ لِأَنَّهُ مَمْلُوكُهُ، وَأَمَّا إذَا كَانَ حُرًّا فَالْحَضَانَةُ لِأَقْرِبَائِهِ الْأَحْرَارِ إنْ كَانَتْ أُمُّهُ أَمَةً لَا لِمَوْلَاهَا وَلَا لِمَوْلَاهُ الَّذِي أَعْتَقَهُ وَإِنْ أُعْتِقَتْ كَانَتْ الْحَضَانَةُ لَهَا. (قَوْلُهُ وَالذِّمِّيَّةُ أَحَقُّ بِوَلَدِهَا الْمُسْلِمِ مَا لَمْ يَعْقِلْ الْأَدْيَانَ) ؛ لِأَنَّ الْحَضَانَةَ تُبْتَنَى عَلَى الشَّفَقَةِ وَهِيَ أَشْفَقُ عَلَيْهِ فَيَكُونُ الدَّفْعُ إلَيْهَا أَنْظَرَ لَهُ، فَإِذَا عَقَلَ الْأَدْيَانَ يُنْزَعُ مِنْهَا لِاحْتِمَالِ الضَّرَرِ وَأَطْلَقَ الذِّمِّيَّةَ فَشَمِلَ الْكِتَابِيَّةَ وَالْمَجُوسِيَّةَ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَغَيْرِهِ وَقُيِّدَ بِهَا لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْمُرْتَدَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهَا فِيهَا؛ لِأَنَّهَا تُحْبَسُ وَتُضْرَبُ فَلَا تَتَفَرَّغُ لَهُ وَلَا فِي دَفْعِهِ إلَيْهَا نَظَرٌ، فَإِذَا أَسْلَمَتْ وَتَابَتْ يُسَلَّمُ الْوَلَدُ إلَيْهَا وَقَدْ جَمَعَ فِي الْهِدَايَةِ بَيْنَ شَيْئَيْنِ فَقَالَ: مَا لَمْ يَعْقِلْ الْأَدْيَانَ أَوْ يُخَفْ أَنْ يَأْلَفَ الْكُفْرَ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إذَا خِيفَ أَنْ يَأْلَفَ الْكُفْرَ نُزِعَ مِنْهَا وَإِنْ لَمْ يَعْقِلْ دِينًا وَهِيَ وَارِدَةٌ عَلَى الْمُصَنِّفِ الْمُقْتَصِرِ عَلَى الْأَوَّلِ، وَفِي شَرْحِ النُّقَايَةِ لَوْ خِيفَ أَنْ تُغَذِّيَهُ بِلَحْمِ خِنْزِيرٍ أَوْ خَمْرٍ لَمْ يُنْزَعْ مِنْهَا بَلْ يُضَمُّ إلَى نَاسٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَالتَّقْيِيدُ بِالْأُمِّ اتِّفَاقِيٌّ؛ إذْ كُلُّ حَاضِنَةٍ ذِمِّيَّةٍ كَذَلِكَ كَمَا صُرِّحَ فِي   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ لَمْ يُنْزَعْ مِنْهَا بَلْ يُضَمَّ إلَى نَاسٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ) لَيْسَ فِي الْفَتْحِ وَالنَّهْرِ قَوْلُهُ لَمْ يُنْزَعْ مِنْهَا وَأَيْضًا فَظَاهِرُ أَنَّهُ يُضَمُّ إلَى نَاسٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُنْزَعَ مِنْهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى يُضَمُّ إلَيْهِمْ عِنْدَهَا تَأَمَّلْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 185 خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ وَأُمُّ الْأُمِّ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ مُسْلِمَةً كَانَتْ أَوْ كِتَابِيَّةً أَوْ مَجُوسِيَّةً، وَكَذَا كُلُّ كَافِرَةٍ مِنْ نِسَاءِ الْقَرَابَةِ فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ اهـ. . (قَوْلُهُ وَلَا خِيَارَ لِلْوَلَدِ عِنْدَنَا ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَهُمَا الْخِيَارُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيَّرَ وَلَنَا أَنَّهُ لِقُصُورِ عَقْلِهِ يَخْتَارُ مَنْ عِنْدَهُ الدَّعَةُ وَالرَّاحَةُ لِتَخْلِيَتِهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّعِبِ فَلَا يَتَحَقَّقُ النَّظَرُ وَقَدْ صَحَّ أَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَمْ يُخَيِّرُوا، وَأَمَّا الْحَدِيثُ قُلْنَا قَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اللَّهُمَّ اهْدِهِ فَوُفِّقَ لِاخْتِيَارِ الْأَنْظَرِ بِدُعَائِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَوْ يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا كَانَ بَالِغًا وَالْمُرَادُ بِعَدَمِ تَخْيِيرِهِ عِنْدَنَا أَنَّهُ إذَا بَلَغَ السِّنَّ الَّذِي يُنْزَعُ مِنْ الْأُمِّ يَأْخُذُهُ الْأَبُ وَلَا خِيَارَ لِلصَّغِيرِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْمَعْتُوهُ لَا يُخَيَّرُ وَيَكُونُ عِنْدَ الْأُمِّ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِتَخْيِيرِ الْوَلَدِ، وَأَمَّا عِنْدَنَا وَالْمَعْتُوهُ إذَا بَلَغَ السِّنَّ الْمَذْكُورَ يَكُونُ عِنْدَ الْأَبِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حُكْمَ الْوَلَدِ إذَا بَلَغَ هَلْ يَنْفَرِدُ بِالسُّكْنَى أَوْ يَسْتَمِرُّ عِنْدَ الْأَبِ؟ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ فَإِذَا بَلَغَتْ الْجَارِيَةُ مَبْلَغَ النِّسَاءِ، فَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا كَانَ لِلْأَبِ أَنْ يَضُمَّهَا إلَى نَفْسِهِ وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا إذَا لَمْ تَكُنْ مَأْمُونَةً عَلَى نَفْسِهَا وَالْغُلَامُ إذَا عَقَلَ وَاجْتَمَعَ رَأْيُهُ وَاسْتَغْنَى عَنْ الْأَبِ لَيْسَ لِلْأَبِ أَنْ يَضُمَّهُ إلَى نَفْسِهِ إلَّا إذَا لَمْ يَكُنْ مَأْمُونًا عَلَى نَفْسِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَضُمَّهُ إلَى نَفْسِهِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ إلَّا أَنْ يَتَبَرَّعَ، وَمَتَى كَانَتْ الْجَارِيَةُ بِكْرًا يَضُمُّهَا إلَى نَفْسِهِ وَإِنْ كَانَ لَا يَخَافُ عَلَيْهَا الْفَسَادَ إذَا كَانَتْ حَدِيثَةَ السِّنِّ أَمَّا إذَا دَخَلَتْ فِي السِّنِّ وَاجْتَمَعَ لَهَا رَأْيٌ وَعَقَلَتْ فَلَيْسَ لِلْأَوْلِيَاءِ حَقُّ الضَّمِّ وَلَهَا أَنْ تَنْزِلَ حَيْثُ أَحَبَّتْ حَيْثُ لَا يُتَخَوَّفُ عَلَيْهَا، وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا مَخُوفًا عَلَيْهَا وَلَيْسَ لَهَا أَبٌ وَلَا جَدُّ وَلَكِنْ لَهَا أَخٌ أَوْ عَمٌّ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ الضَّمِّ إلَى نَفْسِهِ بِخِلَافِ الْأَبِ وَالْجَدِّ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْأَبَ وَالْجَدَّ كَانَ لَهُمَا وِلَايَةُ الضَّمِّ فِي الِابْتِدَاءِ فَجَازَ أَنْ يُعِيدَاهَا إلَى حِجْرِهِمَا إذَا لَمْ تَكُنْ مَأْمُونَةً أَمَّا غَيْرُ الْأَبِ وَالْجَدِّ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ وِلَايَةُ الضَّمِّ فِي الِابْتِدَاءِ فَلَا يَكُونُ لَهُ وِلَايَةُ الْإِعَادَةِ أَيْضًا اهـ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَبٌ وَلَا جَدٌّ وَلَا عَصَبَةٌ أَوْ كَانَ لَهَا عَصَبَةٌ مُفْسِدٌ فَلِلْقَاضِي أَنْ يَنْظُرَ فِي حَالِهَا، فَإِنْ كَانَتْ مَأْمُونَةً خَلَّاهَا تَنْفَرِدُ بِالسُّكْنَى سَوَاءٌ كَانَتْ بِكْرًا أَوْ ثَيِّبًا وَإِلَّا وَضَعَهَا عِنْدَ امْرَأَةٍ أَمِينَةٍ ثِقَةٍ تَقْدِرُ عَلَى الْحِفْظِ؛ لِأَنَّهُ جُعِلَ نَاظِرًا لِلْمُسْلِمِينَ كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَنَّ لِلْأَبِ أَنْ يُؤَدِّبَ وَلَدَهُ الْبَالِغَ إذَا وَقَعَ مِنْهُ شَيْءٌ، وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ الِابْنُ إذَا بَلَغَ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْأَبَوَيْنِ، فَإِنْ كَانَ فَاسِقًا يُخْشَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فَالْأَبُ أَوْلَى مِنْ الْأُمِّ، وَفِي الْخُلَاصَةِ امْرَأَةٌ خَرَجَتْ مِنْ مَنْزِلِهَا وَتَرَكَتْ صَبِيًّا لَهَا فِي الْمَهْدِ فَسَقَطَ الْمَهْدُ وَمَاتَ الصَّغِيرُ لَا شَيْءَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُضَيِّعْ فَلَا تَضْمَنُ كَمَا لَوْ خَرَجَتْ مِنْ مَنْزِلِهَا فَجَاءَ طَرَّارٌ فَطَرَّ فِي الْبَيْتِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهَا. (قَوْلُهُ وَلَا تُسَافِرُ مُطَلَّقَةٌ بِوَلَدِهَا إلَّا إلَى وَطَنِهَا وَقَدْ نَكَحَهَا ثُمَّ) ؛ لِأَنَّ فِي السَّفَرِ بِهِ إضْرَارًا بِأَبِيهِ، فَإِذَا خَرَجَتْ بِهِ إلَى وَطَنِهَا وَقَدْ كَانَ تَزَوَّجَهَا الزَّوْجُ فِيهِ فَلَهَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ الْمَقَامَ فِيهِ عُرْفًا وَشَرْعًا قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ تَأَهَّلَ بِبَلْدَةٍ فَهُوَ مِنْهُمْ» وَلِهَذَا يَصِيرُ الْحَرْبِيُّ بِهِ ذِمِّيًّا كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَدَفَعَهُ فِي الْكَافِي بِأَنَّ الْمُصَرَّحَ بِهِ أَنَّ الْحَرْبِيَّ لَا يَصِيرُ بِتَأَهُّلِهِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ذِمِّيًّا لِإِمْكَانِ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثُمَّ يَعُودَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي الْحَرْبِيَّةِ إذَا تَزَوَّجَتْ فَإِنَّهَا تَصِيرُ ذِمِّيَّةً وَمَا فِي التَّبْيِينِ مِنْ إبْدَالِ الْحَرْبِيِّ بِالْحَرْبِيَّةِ لَا يُنَاسِبُ الْمَقَامَ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الرَّجُلِ. وَشَرَطَ الْمُصَنِّفُ لِجَوَازِ سَفَرِهَا بِهِ أَمْرَيْنِ وَاتَّفَقُوا أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا السَّفَرُ بِهِ إلَى مِصْرٍ لَمْ يَتَزَوَّجْهَا فِيهِ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا أَرَادَتْ الْخُرُوجَ إلَى مِصْرٍ غَيْرِ وَطَنِهَا وَقَدْ كَانَ التَّزَوُّجُ فِيهِ أَشَارَ فِي الْكِتَابِ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ، وَهَذَا رِوَايَةُ كِتَابِ الطَّلَاقِ وَذُكِرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ لَهَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ مَتَى وُجِدَ فِي مَكَان يُوجِبُ أَحْكَامَهُ فِيهِ كَمَا يُوجِبُ الْبَيْعُ التَّسْلِيمَ فِي مَكَانِهِ، وَمِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ حَقُّ إمْسَاكِ الْأَوْلَادِ وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ التَّزَوُّجَ فِي دَارِ الْغُرْبَةِ لَيْسَ الْتِزَامًا لِلْمُكْثِ فِيهِ عُرْفًا وَهَذَا أَصَحُّ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَفِي شَرْحِ النُّقَايَةِ وَإِنَّمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ تُسَافِرُ دُونَ أَنْ تَخْرُجَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بَيْنَ الْمَوْضِعَيْنِ تَقَارُبٌ بِحَيْثُ يَتَمَكَّنُ الْأَبُ مِنْ مُطَالَعَةِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا مَخُوفًا عَلَيْهَا إلَخْ) عِبَارَةُ التَّنْوِيرِ وَشَرْحِهِ الدُّرُّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَبٌ وَلَا جَدٌّ وَلَكِنْ لَهَا أَخٌ أَوْ عَمٌّ فَلَهُ ضَمُّهَا إنْ لَمْ يَكُنْ مُفْسِدًا وَإِنْ كَانَ مُفْسِدًا لَا يُمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ، وَكَذَا الْحُكْمُ فِي كُلِّ عَصَبَةٍ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَبٌ وَلَا جَدٌّ وَلَا غَيْرُهُمَا مِنْ الْعَصَبَاتِ أَوْ كَانَ لَهَا عَصَبَةٌ مُفْسِدٌ فَالنَّظَرُ فِيهَا إلَى الْحَاكِمِ، فَإِنْ كَانَتْ مَأْمُونَةً خَلَّاهَا تَنْفَرِدُ بِالسُّكْنَى وَإِلَّا وَضَعَهَا عِنْدَ امْرَأَةٍ أَمِينَةٍ قَادِرَةٍ عَلَى الْحِفْظِ بِلَا فَرْقٍ فِي ذَلِكَ بَيْنَ بِكْرٍ وَثَيِّبٍ؛ لِأَنَّهُ جُعِلَ نَاظِرًا لِلْمُسْلِمِينَ ذَكَرَهُ الْعَيْنِيُّ وَغَيْرُهُ انْتَهَتْ قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الشَّارِحِ الزَّيْلَعِيِّ قَالَ الشَّلَبِيُّ وَيَنْبَغِي الْعَمَلُ بِهِ لَا سِيَّمَا فِي هَذَا الزَّمَنِ وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 186 وَلَدِهِ وَالرُّجُوعِ إلَيْهِ فِي نَهَارِهِ جَازَ لَهَا أَنْ تَنْتَقِلَ إلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ وَطَنًا لَهَا أَوْ لَمْ يَكُنْ وَقَعَ الْعَقْدُ فِيهِ أَوْ لَمْ يَقَعْ؛ لِأَنَّ الِانْتِقَالَ إلَى قَرِيبٍ بِمَنْزِلَةِ الِانْتِقَالِ مِنْ مَحَلَّةٍ إلَى مَحَلَّةٍ فِي بَلْدَةٍ وَاحِدَةٍ اهـ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ عَدَمُ صِحَّةِ التَّعْبِيرِ بِالسَّفَرِ أَوْ بِالْخُرُوجِ عَلَى الْإِطْلَاقِ؛ لِأَنَّ السَّفَرَ إنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ الشَّرْعِيَّ لَمْ يَصِحَّ؛ إذْ لَا يُشْتَرَطُ فِي مَنْعِهَا عَنْ الْخُرُوجِ بِهِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْوَطَنَيْنِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ السَّفَرَ اللُّغَوِيَّ لَمْ يَصِحَّ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ بَيْنَ الْمَكَانَيْنِ تَقَارُبٌ لَا تُمْنَعُ مُطْلَقًا فَهُوَ كَالِانْتِقَالِ مِنْ مَحَلَّةٍ إلَى أُخْرَى، وَكَذَا التَّعْبِيرُ بِمُطْلَقِ الْخُرُوجِ لَا يَصِحُّ وَالْعِبَارَةُ الصَّحِيحَةُ لَيْسَ لَهَا الْخُرُوجُ بِالْوَلَدِ مِنْ بَلْدَةٍ إلَى أُخْرَى بَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ كَمَا ذَكَرْنَاهُ إلَّا إذَا انْتَقَلَتْ مِنْ الْقَرْيَةِ إلَى الْمِصْرِ فَإِنَّ لَهَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ فِيهِ نَظَرًا لِلصَّغِيرِ حَيْثُ يَتَخَلَّقُ بِأَخْلَاقِ أَهْلِ الْمِصْرِ وَلَيْسَ فِيهِ ضَرَرٌ بِالْأَبِ وَهِيَ وَارِدَةٌ عَلَى الْمُصَنِّفِ، وَفِي عَكْسِهِ ضَرَرٌ بِالصَّغِيرِ لِتَخَلُّقِهِ بِأَخْلَاقِ أَهْلِ السَّوَادِ فَلَيْسَ لَهَا ذَلِكَ مُطْلَقًا. وَيُسْتَثْنَى مِنْ جَوَازِ نَقْلِهِ إذَا وُجِدَ الْأَمْرَانِ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَنْقُلَهُ إلَيْهَا إذَا كَانَ وَطِئَهَا وَنَكَحَهَا فِيهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِالْوَلَدِ وَالْوَالِدِ الْمُسْلِمِ أَوْ الذِّمِّيِّ حَتَّى لَوْ كَانَ الْوَالِدُ وَالْوَالِدَةُ حَرْبِيَّيْنِ لَهَا ذَلِكَ وَقُيِّدَ بِالْمُطَلَّقَةِ؛ لِأَنَّ الْمَنْكُوحَةَ لَيْسَ لَهَا الْخُرُوجُ بِهِ مِنْ بَلَدٍ إلَى آخَرَ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ حَقَّ السُّكْنَى لِلزَّوْجِ بَعْدَ إيفَاءِ الْمُعَجَّلِ خُصُوصًا بَعْدَمَا خَرَجَتْ مَعَهُ وَأَرَادَ بِالْمُطَلَّقَةِ الْمُبَانَةَ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا؛ لِأَنَّ الْمُطَلَّقَةَ رَجْعِيًّا حُكْمُهَا حُكْمُ الْمَنْكُوحَةِ، وَمُعْتَدَّةُ الْبَائِنِ لَيْسَ لَهَا الْخُرُوجُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ مُطْلَقًا وَقُيِّدَ بِالْأُمِّ؛ لِأَنَّ الْأُمَّ لَوْ مَاتَتْ وَصَارَتْ الْحَضَانَةُ لِلْجَدَّةِ فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَنْتَقِلَ إلَى مِصْرِهَا بِالْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا عَقْدٌ، وَكَذَا أُمُّ الْوَلَدِ إذَا أُعْتِقَتْ لَا تُخْرِجُ الْوَلَدَ مِنْ الْمِصْرِ الَّذِي فِيهِ الْغُلَامُ؛ لِأَنَّهُ لَا عَقْدَ بَيْنَ الْأَبِ وَأُمِّ الْوَلَدِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَغَيْرُ الْجَدَّةِ كَالْجَدَّةِ بِالْأَوْلَى وَأُطْلِقَ فِي الْوَطَنِ فَشَمِلَ الْقَرْيَةَ فَلَهَا أَنْ تَنْقُلَهُ مِنْ مِصْرٍ إلَى قَرْيَةٍ وَقَعَ الْعَقْدُ بِهَا وَهِيَ قَرْيَتُهَا كَمَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ فِي الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ فَمَا فِي شَرْحِ الْبَقَّالِيِّ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ ضَعِيفٌ وَقُيِّدَ بِالْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ الْأَبَ لَيْسَ لَهُ إخْرَاجُ الْوَلَدِ مِنْ بَلَدِ أُمِّهِ حَيْثُ كَانَ لَهَا حَقٌّ فِي الْحَضَانَةِ قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ. وَفِي الْمُنْتَقَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَجُلٌ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِالْبَصْرَةِ فَوَلَدَتْ لَهُ وَلَدًا ثُمَّ إنَّ هَذَا الرَّجُلَ أَخْرَجَ وَلَدَهُ الصَّغِيرَ إلَى الْكُوفَةِ وَطَلَّقَهَا وَخَاصَمَتْهُ فِي وَلَدِهَا وَأَرَادَتْ رَدَّهُ عَلَيْهَا قَالَ إنْ كَانَ الزَّوْجُ أَخْرَجَهُ إلَيْهَا بِأَمْرِهَا فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُ وَيُقَالَ لَهَا اذْهَبِي إلَيْهِ وَخُذِيهِ قَالَ وَإِنْ كَانَ إخْرَاجُهُ بِغَيْرِ أَمْرِهَا فَعَلَيْهِ أَنْ يَجِيءَ بِهِ إلَيْهَا ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي رَجُلٍ خَرَجَ مَعَ الْمَرْأَةِ وَوَلَدِهَا مِنْ الْبَصْرَةِ إلَى الْكُوفَةِ ثُمَّ رَدَّ الْمَرْأَةَ إلَى الْبَصْرَةِ ثُمَّ طَلَّقَهَا فَعَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ وَلَدَهَا فَيُؤْخَذَ بِذَلِكَ لَهَا اهـ. وَفِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ وَإِذَا تَزَوَّجَهَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ رُسْتَاقٍ لَهَا قُرَى قَرِيبَةٌ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ فَأَرَادَتْ أَنْ تَخْرُجَ بِوَلَدِهَا مِنْ قَرْيَةٍ إلَى قَرْيَةٍ لَهَا ذَلِكَ مَا لَمْ تَقْطَعْهُ مِنْ أَبِيهِ إذَا أَرَادَ أَنْ يُبْصِرَ وَلَدَهُ كُلَّ يَوْمٍ، وَكَذَا الْأَبُ إذَا أَرَادَ أَنْ يُخْرِجَهُ إلَى مِثْلِ ذَلِكَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُخْرِجَهُ مِنْ الْمِصْرِ إلَى الْقُرَى بِغَيْرِ رِضَا أُمِّهِ إذَا كَانَ صَغِيرًا اهـ. وَفِي الْمَجْمَعِ وَلَا يَخْرُجُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ عَدَمُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّفَرِ هُنَا اللُّغَوِيُّ الَّذِي هُوَ قَطْعُ الْمَسَافَةِ لَا الشَّرْعِيُّ؛ إذْ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَقْصِدَ مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ غَيْرَ أَنَّهَا لَوْ قَرُبَتْ بِحَيْثُ يَتَمَكَّنُ مِنْ مُطَالَعَةِ وَلَدِهِ وَيَرْجِعُ إلَى وَطَنِهِ فِي يَوْمِهِ جَازَ لَهَا النَّقْلُ. (قَوْلُهُ وَالْعِبَارَةُ الصَّحِيحَةُ إلَى قَوْلِهِ وَهِيَ وَارِدَةٌ عَلَى الْمُصَنِّفِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَوْلُهُ إلَّا إذَا انْتَقَلَتْ إلَخْ مُخَالِفٌ لِإِطْلَاقِ الْمُتُونِ قَاطِبَةً وَفِيهِ إضْرَارٌ بِالْأَبِ فَيُمْنَعُ عَنْهُ وَلَمْ نَرَ هَذَا لِغَيْرِهِ بَلْ كَلَامُهُمْ مُصَرَّحٌ بِخِلَافِهِ اهـ. قُلْت يُجَابُ بِأَنَّ مُرَادَ الْمُؤَلِّفِ بِالْقَرْيَةِ الْقَرِيبَةِ مِنْ الْمِصْرِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ وَلَيْسَ فِيهِ ضَرَرٌ بِالْأَبِ نَعَمْ يَبْقَى الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ فِي تَرْكِهِ الْأَمْرَيْنِ اللَّذَيْنِ شَرَطَهُمَا الْمُصَنِّفُ فِي الْمَتْنِ فَالْعِبَارَةُ الصَّحِيحَةُ لَهَا الْخُرُوجُ بِالْوَلَدِ مِنْ بَلَدِهِ إلَى بَلْدَةٍ هِيَ وَطَنُهَا وَقَدْ نَكَحَهَا فِيهَا وَمِنْ قَرْيَةٍ إلَى مِصْرٍ قَرِيبَةٍ مُطْلَقًا وَإِلَّا فَلَا كَإِخْرَاجِهِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ إلَّا إذَا كَانَا حَرْبِيَّيْنِ. (قَوْلُهُ وَقُيِّدَ بِالْمُطَلَّقَةِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا كَالْمُطَلَّقَةِ فِي ذَلِكَ فَلَا تَمْلِكُ ذَلِكَ بِلَا إذْنِ الْأَوْلِيَاءِ لِقِيَامِهِمْ مَقَامَ الْأَبِ وَمَا فِيهِ إضْرَارٌ بِالْوَلَدِ ظَاهِرُ الْمَنْعِ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا الْأَبُ إذَا أَرَادَ أَنْ يُخْرِجَهُ إلَى مِثْلِ ذَلِكَ) أَيْ: إذَا أَرَادَ أَنْ يُخْرِجَهُ مِنْ قَرْيَةٍ إلَى قَرْيَةٍ لَهُ ذَلِكَ مَا لَمْ يَقْطَعْهُ مِنْ أُمِّهِ إذَا أَرَادَتْ أَنْ تُبْصِرَهُ كُلَّ يَوْمٍ وَقَوْلُهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُخْرِجَهُ مِنْ الْمِصْرِ إلَى الْقُرَى إلَخْ أَيْ: لِتَضَرُّرِهِ بِتَخَلُّقِهِ بِأَخْلَاقِ أَهْلِ الْقُرَى نَظِيرُ مَا مَرَّ فِيمَا لَوْ أَرَادَتْ إخْرَاجَهُ إلَيْهَا بِدُونِ إذْنِ أَبِيهِ، وَفِي النَّهْرِ قُيِّدَ بِالْأُمِّ؛ لِأَنَّ الْأَبَ لَيْسَ لَهُ إخْرَاجُ الْوَلَدِ مِنْ بَلَدِ أُمِّهِ مَا بَقِيَ حَقُّ الْحَضَانَةِ لَهَا وَقَيَّدَهُ فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ بِغَيْرِ الْقَرِيبِ أَمَّا الْمَكَانُ الْقَرِيبُ الَّذِي لَا يَقْطَعُهُ عَنْهَا إذَا أَرَادَتْ أَنْ تَنْظُرَ وَلَدَهَا كُلَّ يَوْمٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ كَمَا فِي جَانِبِهَا وَهُوَ حَسَنٌ اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ مَا فِي الْحَاوِي لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ فِيمَا إذَا كَانَ حَقُّ الْحَضَانَةِ لَهَا وَإِذَا كَانَ حَقُّ الْحَضَانَةِ لَهَا لَيْسَ لَهُ أَخْذُهُ مِنْهَا وَهُوَ فِي بَلَدِهَا فَكَيْفَ إذَا أَرَادَ إخْرَاجَهُ فَإِنَّ فِي ذَلِكَ إبْطَالَ حَقِّهَا فِيهَا كَمَا لَا يَخْفَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 187 الْأَبُ بِوَلَدِهِ قَبْلَ الِاسْتِغْنَاءِ اهـ. وَعَلَّلَهُ فِي الشَّرْحِ بِأَنَّهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِالْأُمِّ بِإِبْطَالِ حَقِّهَا فِي الْحَضَانَةِ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ حَضَانَتَهَا إذَا سَقَطَتْ جَازَ لَهُ السَّفَرُ بِهِ، وَفِي الْفَتَاوَى السِّرَاجِيَّةِ سُئِلَ إذَا أَخَذَ الْمُطَلِّقُ وَلَدَهُ مِنْ حَاضِنَتِهِ لِزَوَاجِهَا هَلْ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِهِ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِهِ إلَى أَنْ يَعُودَ حَقُّ أُمِّهِ اهـ. وَهُوَ صَرِيحٌ فِيمَا قُلْنَا وَهِيَ حَادِثَةُ الْفَتْوَى فِي زَمَانِنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (بَابُ النَّفَقَةِ) هِيَ فِي اللُّغَةِ مَا يُنْفِقُ الْإِنْسَانُ عَلَى عِيَالِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ قَالَ تَعَالَى {وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ} [التوبة: 54] ، وَيُقَالُ أَنْفَقَ الرَّجُلُ مِنْ النَّفَقَةِ قَالَ تَعَالَى {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} [الطلاق: 7] وَأَنْفَقَ الْقَوْمُ إذَا أَنْفَقَتْ سُوقُهُمْ وَأَنْفَقَ الرَّجُلُ إذَا ذَهَبَ مَالُهُ، وَيُقَالُ مِنْهُ قَوْله تَعَالَى {إِذًا لأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِنْفَاقِ} [الإسراء: 100] أَيْ خَشْيَةَ الْفَقْرِ، وَيُقَالُ نَفَقَتْ السِّلْعَةُ نِفَاقًا نَقِيضُ كَسَدَتْ وَنَفَقَتْ الدَّابَّةُ نُفُوقًا إذَا مَاتَتْ كَذَا فِي ضِيَاءِ الْحُلُومِ، وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ النَّفَقَةَ الْمُرَادَةَ هُنَا لَيْسَتْ مُشْتَقَّةً مِنْ النُّفُوقِ بِمَعْنَى الْهَلَاكِ وَلَا مِنْ النَّفَقِ وَلَا مِنْ النِّفَاقِ، بَلْ هِيَ اسْمٌ لِلشَّيْءِ الَّذِي يُنْفِقُهُ الرَّجُلُ عَلَى عِيَالِهِ، وَأَمَّا فِي الشَّرِيعَةِ فَذَكَرَ فِي الْخُلَاصَةِ، قَالَ هِشَامٌ سَأَلْت مُحَمَّدًا عَنْ النَّفَقَةِ، قَالَ النَّفَقَةُ هِيَ الطَّعَامُ وَالْكِسْوَةُ وَالسُّكْنَى اهـ. قَالُوا وَنَفَقَةُ الْغَيْرِ تَجِبُ عَلَى الْغَيْرِ بِأَسْبَابٍ ثَلَاثَةٍ بِالزَّوْجِيَّةِ وَالْقَرَابَةِ وَالْمِلْكِ فَبَدَأَ بِالْأَوَّلِ لِمُنَاسَبَةِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالْعِدَّةِ. (قَوْلُهُ تَجِبُ النَّفَقَةُ لِلزَّوْجَةِ عَلَى زَوْجِهَا وَالْكِسْوَةُ بِقَدْرِ حَالِهِمَا) أَيْ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ بِقَرِينَةِ عَطْفِ الْكِسْوَةِ وَالسُّكْنَى عَلَيْهَا وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} [الطلاق: 7] وقَوْله تَعَالَى {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233] ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ «وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ» وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ؛ وَلِأَنَّ النَّفَقَةَ جَزَاءُ الِاحْتِبَاسِ فَكُلُّ مَنْ كَانَ مَحْبُوسًا بِحَقٍّ مَقْصُودٍ لِغَيْرِهِ كَانَتْ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ أَصْلُهُ الْقَاضِي وَالْعَامِلُ فِي الصَّدَقَاتِ وَالْمُفْتِي وَالْوَالِي وَالْمُضَارِبُ إذَا سَافَرَ بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ، وَالْمُقَاتَلَةُ إذَا أَقَامُوا لِدَفْعِ عَدُوِّ الْمُسْلِمِينَ وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الرَّهْنَ مَحْبُوسٌ لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ وَهُوَ الِاسْتِيفَاءُ؛ وَلِذَا كَانَ أَحَقَّ بِهِ مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ مَعَ أَنَّ نَفَقَتَهُ عَلَى الرَّاهِنِ وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ مَحْبُوسٌ بِحَقِّ الرَّاهِنِ أَيْضًا وَهُوَ وَفَاءُ دَيْنِهِ عَنْهُ عِنْدَ الْهَلَاكِ مَعَ كَوْنِهِ مِلْكًا لَهُ أَطْلَقَ فِي الزَّوْجَةِ فَشَمِلَ الْمُسْلِمَةَ وَالْكَافِرَةَ الْغَنِيَّةَ وَالْفَقِيرَةَ وَأَطْلَقَ فِي الزَّوْجِ فَشَمِلَ الْغَنِيَّ وَالْفَقِيرَ وَالصَّغِيرَ وَالْكَبِيرَ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ لِلصَّغِيرِ مَالٌ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَى أَبِيهِ لَهَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي مَهْرِهَا، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ طَرِيقَ إيصَالِ النَّفَقَةِ إلَيْهَا وَهُوَ نَوْعَانِ: تَمْكِينٌ، وَتَمْلِيكٌ فَالتَّمْكِينُ مُتَعَيَّنٌ فِيمَا إذَا كَانَ لَهُ طَعَامٌ كَثِيرٌ وَهُوَ صَاحِبُ مَائِدَةٍ فَتَمْكِينُ الْمَرْأَةِ مِنْ تَنَاوُلِ مِقْدَارِ كِفَايَتِهَا، فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُطَالِبَهُ بِفَرْضِ النَّفَقَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَإِنْ رَضِيَتْ أَنْ تَأْكُلَ مَعَهُ فَبِهَا وَنِعْمَتْ وَإِنْ   [منحة الخالق] فَيَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا حَقُّ الْحَضَانَةِ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الْمُؤَلِّفِ. (قَوْلُهُ: وَفِي الْفَتَاوَى السِّرَاجِيَّةِ) أَيْ: الْمَنْسُوبَةِ إلَى الشَّيْخِ سِرَاجِ الدِّينِ قَارِئِ الْهِدَايَةِ شَيْخِ الْكَمَالِ ابْنُ الْهُمَامِ وَهَذِهِ غَيْرُ الْفَتَاوَى السِّرَاجِيَّةِ الَّتِي يُنْقَلُ عَنْهَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة. [بَابُ النَّفَقَةِ] [أَسْبَابٍ وُجُوب النَّفَقَة] [الزَّوْجِيَّةِ] (بَابُ النَّفَقَةِ) (قَوْلُهُ بِالزَّوْجِيَّةِ وَالْقَرَابَةِ وَالْمِلْكِ) مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْبَدَائِعِ حَيْثُ قَالَ: وَأَمَّا أَسْبَابُ وُجُوبِ هَذِهِ النَّفَقَةِ أَيْ نَفَقَةِ الزَّوْجِيَّةِ، فَقَالَ أَصْحَابُنَا بِسَبَبِ وُجُوبِهَا اسْتِحْقَاقَ الْحَبْسِ الثَّابِتِ بِالنِّكَاحِ لِلزَّوْجِ عَلَيْهَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ السَّبَبُ الزَّوْجِيَّةُ وَهِيَ كَوْنُهَا زَوْجَةً لَهُ وَيُبْتَنَى عَلَى هَذَا الْأَصْلِ أَنَّهُ لَا نَفَقَةَ عَلَى مُسْلِمٍ فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ لِانْعِدَامِ سَبَبِ الْوُجُوبِ وَهُوَ حَقُّ الْحَبْسِ الثَّابِتِ لِلزَّوْجِ عَلَيْهَا بِسَبَبِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْحَبْسِ لَا يَثْبُتُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ، وَكَذَا النِّكَاحُ الْفَاسِدُ لَيْسَ بِنِكَاحٍ حَقِيقَةً، وَكَذَا فِي عِدَّةٍ مِنْهُ وَإِنْ ثَبَتَ حَقُّ الْحَبْسِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ بِسَبَبِ النِّكَاحِ لِانْعِدَامِ حَقِيقَتِهِ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لِتَحْصِينِ الْمَاءِ؛ وَلِأَنَّ حَالَ الْعِدَّةِ لَا يَكُونُ أَقْوَى مِنْ حَالِ النِّكَاحِ اهـ. مُلَخَّصًا وَسَيَأْتِي مِنْ الْمُؤَلِّفِ الْكَلَامُ عَلَى النِّكَاحِ الْفَاسِدِ فِي آخِرِ هَذِهِ الْمَقُولَةِ. (قَوْلُهُ: أَطْلَقَ فِي الزَّوْجَةِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ سَيَأْتِي أَنَّ الصَّغِيرَةَ الَّتِي لَا تُوطَأُ لَا نَفَقَةَ لَهَا فَاسْتَغْنَى عَنْ اسْتِثْنَائِهَا بِهِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ لِلصَّغِيرِ مَالٌ إلَخْ) قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ قَالَ قَاضِي خَانْ وَإِنْ كَانَتْ كَبِيرَةً وَلَيْسَ لِلصَّغِيرِ مَالًا تَجِبُ عَلَى الْأَبِ نَفَقَتُهَا وَيَسْتَدِينُ الْأَبُ عَلَيْهِ، ثُمَّ يَرْجِعُ عَلَى الِابْنِ إذَا أَيْسَرَ أَقُولُ: هَذَا إذَا كَانَ فِي تَزْوِيجِ الصَّغِيرِ مَصْلَحَةٌ وَلَا مَصْلَحَةَ فِي تَزْوِيجِ قَاصِرٍ وَمُرْضِعٍ بَالِغَةٍ حَدَّ الشَّهْوَةِ وَطَاقَةَ الْوَطْءِ بِمَهْرٍ كَثِيرٍ وَلُزُومِ نَفَقَةٍ يُقَرِّرُهَا الْقَاضِي تَسْتَغْرِقُ مَالَهُ إنْ كَانَ أَوْ يَصِيرُ ذَا دَيْنٍ كَثِيرٍ، وَنَصُّ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ إذَا عُرِفَ الْأَبُ بِسُوءِ الِاخْتِيَارِ مَجَانَةً أَوْ فِسْقًا فَالْعَقْدُ بَاطِلٌ اتِّفَاقًا، صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْوَلِيِّ اهـ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 188 خَاصَمَتْهُ فِي فَرْضِ النَّفَقَةِ يُفْرَضُ لَهَا بِالْمَعْرُوفِ وَهُوَ التَّمْلِيكُ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَظَاهِرُ مَا فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّ الْمُرَادَ بِصَاحِبِ الطَّعَامِ الْكَثِيرِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى مَنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ فَحِينَئِذٍ هِيَ مُتَعَنِّتَةٌ فِي طَلَبِ الْفَرْضِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ يُنْفِقُ عَلَى مَنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ فَلَا يَمْتَنِعُ مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ إلَّا إذَا ظَهَرَ لِلْقَاضِي أَنَّهُ يَضْرِبُهَا وَلَا يُنْفِقُ عَلَيْهَا فَحِينَئِذٍ يَفْرِضُ لَهَا النَّفَقَةَ اهـ. وَظَاهِرُ مَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّ النَّفَقَةَ الْمَفْرُوضَةَ تَصِيرُ مِلْكًا لِلْمَرْأَةِ إذَا دَفَعَهَا إلَيْهَا فَلَهَا التَّصَرُّفُ فِيهَا مِنْ بَيْعٍ وَهِبَةٍ وَصَدَقَةٍ وَادِّخَارٍ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا فِي الْخُلَاصَةِ لَوْ سُرِقَتْ الْكِسْوَةُ أَوْ هَلَكَتْ النَّفَقَةُ لَا يُفْرَضُ لَهَا أُخْرَى بِخِلَافِ الْمَحَارِمِ، وَلَوْ فَرَضَ لَهَا دَرَاهِمَ وَبَقِيَ مِنْهَا شَيْءٌ يُفْرَضُ بِخِلَافِ الْمَحَارِمِ اهـ. وَفِي الذَّخِيرَةِ لَوْ فَرَضَ لَهَا الْقَاضِي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ نَفَقَةَ شَهْرٍ فَمَضَى الشَّهْرُ، وَقَدْ بَقِيَ مِنْ الْعَشَرَةِ شَيْءٌ يَفْرِضُ لَهَا الْقَاضِي عَشَرَةً أُخْرَى وَفَرَّقَ بَيْنَ النَّفَقَةِ وَبَيْنَ الْكِسْوَةِ كَمَا سَنُبَيِّنُهُ فِي الْكِسْوَةِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا مَا فِيهَا أَنَّهُمَا لَوْ اصْطَلَحَا بَعْدَ فَرْضِ النَّفَقَةِ عَلَى شَيْءٍ لَا يَصْلُحُ تَقْدِيرًا لِلنَّفَقَةِ كَانَ مُعَاوَضَةً كَالْعَبْدِ فَلَوْلَا أَنَّهَا مَلَكَتْ النَّفَقَةَ الْمَفْرُوضَةَ لَمَا كَانَ مُعَاوَضَةً، وَفِي الْقُنْيَةِ قَالَ لَهَا خُذِي هَذِهِ الدَّنَانِيرَ الْخَمْسَةَ لِنَفَقَتِكِ وَلَمْ يُعَيِّنْ الْوَقْتَ فَهُوَ تَمْلِيكٌ لَا إبَاحَةٌ اهـ. فَيُفِيدُ أَنَّهَا تَمْلِكُ النَّفَقَةَ بِفَرْضِ الْقَاضِي أَوْ بِدَفْعِ شَيْءٍ بِالرِّضَا لَكِنْ فِي الْخُلَاصَةِ وَالذَّخِيرَةِ إذَا فَرَضَ الْقَاضِي النَّفَقَةَ فَالزَّوْجُ هُوَ الَّذِي يَلِي الْإِنْفَاقَ إلَّا إذَا ظَهَرَ عِنْدَ الْقَاضِي مَطْلُهُ فَحِينَئِذٍ يَفْرِضُ النَّفَقَةَ وَيَأْمُرُهُ لِيُعْطِيَهَا لِتُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهَا نَظَرًا لَهَا فَإِنْ لَمْ يُعْطِ حَبَسَهُ وَلَا تَسْقُطُ عَنْهُ النَّفَقَةُ اهـ. فَهِيَ وَإِنْ مَلَكَتْهَا بِالْفَرْضِ لَمْ تَتَصَرَّفْ فِيهَا بِالْإِنْفَاقِ وَتَفَرَّعَ عَلَى هَذَا مَا لَوْ قَرَّرَ لَهَا كُلَّ يَوْمٍ مَثَلًا قَدْرًا مُعَيَّنًا مِنْ النَّفَقَةِ فَأَمَرَتْهُ بِإِنْفَاقِ الْبَعْضِ وَأَرَادَتْ أَنْ تُمْسِكَ الْبَاقِيَ فَمُقْتَضَى التَّمْلِيكِ أَنَّ لَهَا ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ التَّصْرِيحُ بِهِ عَنْ الْخُلَاصَةِ وَالذَّخِيرَةِ فِي نَفَقَةِ الشَّهْرِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ نَفَقَةِ شَهْرٍ أَوْ يَوْمٍ، فَلَيْسَ فَائِدَةً أَنَّهُ يَلِي الْإِنْفَاقَ مَعَ فَرْضِ الْقَاضِي إلَّا لِكَوْنِهِ قَوَّامًا عَلَيْهَا لَا لِأَنَّهُ يَأْخُذُ مَا فَضَلَ وَعَلَى هَذَا لَوْ أَمَرَتْهُ امْرَأَتُهُ بِشِرَاءِ طَعَامٍ وَاشْتَرَى لَهَا فَأَكَلَتْ وَفَضَلَ شَيْءٌ وَاسْتَغْنَتْ عَنْهُ فِي يَوْمِهَا، فَلَيْسَ لَهُ أَكْلُهُ وَالتَّصَرُّفُ فِيهِ إلَيْهَا كَمَا هُوَ مُقْتَضَى التَّمْلِيكِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا أَنَّهَا لَوْ أَسْرَفَتْ فِي نَفَقَةِ الشَّهْرِ فَأَكَلَتْهَا قَبْلَ مُضِيِّهِ وَاحْتَاجَتْ لَا يَفْرِضُ لَهَا أُخْرَى كَمَا لَوْ هَلَكَتْ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ، فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَفْرُوضَةَ أَوْ الْمَدْفُوعَةَ إلَيْهَا مِلْكٌ لَهَا فَلَهَا الْإِطْعَامُ مِنْهَا وَالتَّصَدُّقُ وَفِي الْخَانِيَّةِ الْمَرْأَةُ إذَا فُرِضَتْ لَهَا النَّفَقَةُ فَأَكَلَتْ مِنْ مَالِ نَفْسِهَا أَوْ مِنْ مَسْأَلَةِ النَّاسِ كَانَ لَهَا أَنْ تَرْجِعَ بِالْمَفْرُوضِ عَلَى زَوْجِهَا اهـ. وَفِي الْبَدَائِعِ وَإِذَا طَلَبَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ الْقَاضِي فَرْضَ النَّفَقَةِ قَبْلَ النُّقْلَةِ وَهِيَ بِحَيْثُ لَا تَمْتَنِعُ مِنْ التَّسْلِيمِ لَوْ طَالَبَهَا بِالتَّسْلِيمِ أَوْ كَانَ امْتِنَاعُهَا لِحَقِّ فَرْضِ الْقَاضِي لَهَا إعَانَةً لَهَا عَلَى الْوُصُولِ إلَى حَقِّهَا الْوَاجِبِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَمَا حَوَّلَهَا إلَى مَنْزِلِهِ فَزَعَمَتْ عَدَمَ الْإِنْفَاقِ أَوْ التَّضْيِيقَ فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُعَجِّلَ بِالْفَرْضِ، وَلَكِنْ يَأْمُرُهُ بِالنَّفَقَةِ وَالتَّوْسِيعِ إلَى أَنْ يَظْهَرَ ظُلْمُهُ فَحِينَئِذٍ يَفْرِضُ عَلَيْهِ النَّفَقَةَ وَيَأْمُرُهُ أَنْ يَدْفَعَهَا إلَيْهَا لِتُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهَا، وَلَوْ طَلَبَتْ كَفِيلًا بِهَا خَوْفًا مِنْ غَيْبَتِهِ لَا يُجْبِرُهُ الْقَاضِي عَلَى إعْطَاءِ الْكَفِيلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَاسْتَحْسَنَ أَبُو يُوسُفَ أَخْذَ كَفِيلٍ بِنَفَقَةِ شَهْرٍ وَيُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الْفَرْضِ عَلَى الْقَاضِي وَجَوَازِهِ مِنْهُ شَرْطَانِ، أَحَدُهُمَا طَلَبُ الْمَرْأَةِ، وَالثَّانِي حَضْرَةُ الزَّوْجِ حَتَّى لَوْ كَانَ الزَّوْجُ غَائِبًا فَطَلَبَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ الْقَاضِي فَرْضَ نَفَقَةٍ عَلَيْهِ لَمْ يَفْرِضْ وَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِالزَّوْجِيَّةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ الْأَخِيرِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ مِنْ الْقَاضِي قَضَاءٌ، وَقَدْ صَحَّ مِنْ أَصْلِنَا أَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ لَا يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ خَصْمٍ. ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِامْرَأَةِ أَبِي سُفْيَانَ إنَّمَا كَانَ عَلَى سَبِيلِ الْفَتْوَى   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ مَا فِي الذَّخِيرَةِ إلَخْ) أَقُولُ: عِبَارَةُ الذَّخِيرَةِ الْبُرْهَانِيَّةِ وَإِنْ كَانَ يَعْنِي الزَّوْجَ حَاضِرًا أَوْ كَانَ صَاحِبَ مَائِدَةٍ فَالْقَاضِي لَا يَفْرِضُ لَهَا النَّفَقَةَ وَإِنْ طَلَبَتْ؛ لِأَنَّهَا مُتَعَنِّتَةٌ فِي طَلَبِ النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ إذَا كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ يُنْفِقُ عَلَى مَنْ لَيْسَ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ فَلَا يَمْتَنِعُ مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ فَلَا يَفْرِضُ لَهَا الْقَاضِي إلَّا إذَا ظَهَرَ لِلْقَاضِي أَنَّهُ يَضُرُّ بِهَا وَلَا يُنْفِقُ عَلَيْهَا فَحِينَئِذٍ يَفْرِضُ لَهَا النَّفَقَةَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الزَّوْجُ صَاحِبَ مَائِدَةٍ فَالْقَاضِي يَفْرِضُ لَهَا النَّفَقَةَ كُلَّ شَهْرٍ. اهـ. وَهُوَ كَمَا تَرَى لَا يَدُلُّ عَلَى مَا ادَّعَى وَاَلَّذِي يَدُلُّ كَلَامُهُ عَلَيْهِ أَنَّهُ إذَا ظَهَرَ لِلْقَاضِي تَعَنُّتُهَا بِأَيِّ طَرِيقٍ مِنْ الطُّرُقِ لَا يَفْرِضُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ إنْفَاقُهُ عَلَى مَنْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إنْفَاقُهُ شَرْطًا وَذَلِكَ لَا يَتَوَهَّمُهُ ذُو فَهْمٍ مَعَ قَوْلِهِ إلَّا إذَا ظَهَرَ لِلْقَاضِي أَنَّهُ يَضُرُّ بِهَا تَأَمَّلْ رَمْلِيٌّ. (قَوْلُهُ: فَهِيَ وَإِنْ مَلَكَتْهَا بِالْفَرْضِ لَمْ تَتَصَرَّفْ) أَيْ لَيْسَ لَهَا التَّصَرُّفُ فِيهَا بِالْإِنْفَاقِ وَإِنَّمَا الْإِنْفَاقُ لَهُ. (قَوْلُهُ: وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِامْرَأَةِ أَبِي سُفْيَانَ) لَمْ يَذْكُرْ لَفْظَ الْحَدِيثِ هُنَا وَذَكَرَهُ فِي الْبَدَائِعِ أَوَّلَ الْبَابِ وَهُوَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَالَ لِهِنْدَ امْرَأَةِ أَبِي سُفْيَانَ: خُذِي مِنْ مَالِ أَبِي سُفْيَانَ مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ» . وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مَعْزِيًّا إلَى الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ هِنْدَ بِنْتَ عُتْبَةَ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ لَا يُعْطِينِي مِنْ النَّفَقَةِ مَا يَكْفِينِي وَيَكْفِي بَنِيَّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 189 لَا عَلَى طَرِيقِ الْقَضَاءِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَمْ يُقَدِّرْ لَهَا مَا تَأْخُذُهُ وَفَرْضُ النَّفَقَةِ مِنْ الْقَاضِي تَقْدِيرُهَا فَإِذَا لَمْ تُقَدَّرْ لَمْ تَكُنْ فَرْضًا فَلَمْ تَكُنْ قَضَاءً وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ فِيمَا إذَا غَابَ وَلَهُ مَالٌ عِنْدَ مُودَعِهِ، وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِي أَخْذِ الْكَفِيلِ بِنَفَقَةِ شَهْرٍ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ تَقْدِيرًا لِلنَّفَقَةِ لِمَا فِي الذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ فِي النَّفَقَةِ عِنْدَنَا تَقْدِيرٌ لَازِمٌ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ النَّفَقَةِ الْكِفَايَةُ وَذَلِكَ مِمَّا يَخْتَلِفُ فِيهِ طِبَاعُ النَّاسِ وَأَحْوَالُهُمْ وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ أَيْضًا فَفِي التَّقْدِيرِ بِمِقْدَارٍ إضْرَارٌ بِأَحَدِهِمَا وَاَلَّذِي قَالَ فِي الْكِتَابِ إنْ كَانَ الزَّوْجُ مُعْسِرًا فَرَضَ الْقَاضِي لَهَا النَّفَقَةَ أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ فَهَذَا لَيْسَ بِتَقْدِيرٍ لَازِمٍ، بَلْ إنَّمَا قَدَّرَهُ مُحَمَّدٌ لِمَا شَاهَدَ فِي زَمَانِهِ فَاَلَّذِي يَحِقُّ عَلَى الْقَاضِي فِي زَمَانِنَا اعْتِبَارُ الْكِفَايَةِ بِالْمَعْرُوفِ وَأَصْلُهُ حَدِيثُ هِنْدَ حَيْثُ اعْتَبَرَ الْكِفَايَةَ وَفِي الْبَدَائِعِ، وَإِذَا كَانَ وُجُوبُهَا عَلَى الْكِفَايَةِ فَيَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ مَا يَكْفِيهَا مِنْ الطَّعَامِ وَالْإِدَامِ وَالدُّهْنِ؛ لِأَنَّ الْخُبْزَ لَا يُؤْكَلُ عَادَةً إلَّا مَأْدُومًا، وَأَمَّا الدُّهْنُ فَلَا بُدَّ مِنْهُ لِلنِّسَاءِ وَفِي الذَّخِيرَةِ قَالُوا وَاللَّحْمُ لَيْسَ مِنْ الْإِدَامِ خُصُوصًا عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْيَمِينِ، فَيُنْظَرُ إنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ مُفْرِطَةَ الْيَسَارِ تَأْكُلُ الْحَلْوَاءَ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَالزَّوْجُ كَذَلِكَ يَفْرِضُ عَلَيْهِ مِثْلَ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَوْسَاطِ النَّاسِ فَعَلَى مَا يَأْتَدِمُونَ بِهِ فِي عَادَاتِهِمْ يَفْرِضُ عَلَى الزَّوْجِ اهـ. وَفِي الْأَقْضِيَةِ يُفْرَضُ الْإِدَامُ أَيْضًا أَعْلَاهُ اللَّحْمُ وَأَدْنَاهُ الزَّيْتُ وَأَوْسَطُهُ اللَّبَنُ، وَقِيلَ فِي الْفَقِيرَةِ لَا يُفْرَضُ الْإِدَامُ إلَّا إذَا كَانَ خُبْزَ شَعِيرٍ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْحَقُّ الرُّجُوعُ فِي ذَلِكَ إلَى عُرْفِهِمْ اهـ. وَفِي الْمُجْتَبَى وَالنَّفَقَةُ هِيَ الْخُبْزُ وَاللَّحْمُ وَدُهْنُ الرَّأْسِ وَدُهْنُ السِّرَاجِ وَثَمَنُ الْمَاءِ، وَلَوْنٌ مِنْ الْفَاكِهَةِ وَعَلَى الْمُعْسِرِ مِنْ الطَّعَامِ خُبْزُ الشَّعِيرِ إذَا كَانَ ذَلِكَ طَعَامَ فُقَرَائِهِمْ وَعَشَرَةُ أَسَاتِيرَ مِنْ اللَّحْمِ وَخَمْسَةُ أَسَاتِيرَ مِنْ الشَّحْمِ وَالْأَلْيَةِ وَلَا شَيْءَ لَهَا مِنْ الْفَاكِهَةِ اهـ. فَصَارَ الْحَاصِلُ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْقَاضِي إذَا أَرَادَ فَرْضَ النَّفَقَةِ أَنْ يَنْظُرَ فِي سِعْرِ الْبَلَدِ وَيَنْظُرَ مَا يَكْفِيهَا بِحَسَبِ عُرْفِ تِلْكَ الْبَلْدَةِ وَيُقَوِّمُ الْأَصْنَافَ بِالدَّرَاهِمِ، ثُمَّ يُقَدِّرُ بِالدِّرْهَمِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ إمَّا بِاعْتِبَارِ حَالِهِ أَوْ بِاعْتِبَارِ حَالِهِمَا، وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ الثَّانِيَ وَهُوَ قَوْلُ الْخَصَّافِ وَفِي الْهِدَايَةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ اعْتِبَارُ حَالِهِ فَقَطْ وَهُوَ قَوْلُ الْكَرْخِيِّ وَبِهِ قَالَ جَمْعٌ كَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ وَنَصَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ، وَقَالَ فِي التُّحْفَةِ وَالْبَدَائِعِ إنَّهُ الصَّحِيحُ نَظَرًا إلَى قَوْله تَعَالَى {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا مَا آتَاهَا} [الطلاق: 7] ، وَاسْتَدَلَّ فِي الْهِدَايَةِ لِاعْتِبَارِ حَالِهِمَا بِحَدِيثِ هِنْدَ فَإِنَّهُ اعْتَبَرَ حَالَهُمَا، وَأَمَّا النَّصُّ فَنَقُولُ بِمُوجِبِهِ أَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِقَدْرِ وُسْعِهِ وَالْبَاقِي دَيْنٌ فِي ذِمَّتِهِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ عَمِلَ بِالْآيَةِ وَالْحَدِيثِ وَاتَّفَقُوا عَلَى وُجُوبِ نَفَقَةِ الْمُوسِرَيْنِ إذَا كَانَا مُوسِرَيْنِ وَعَلَى نَفَقَةِ الْمُعْسِرَيْنِ إذَا كَانَا مُعْسِرَيْنِ، وَإِنَّمَا الِاخْتِلَافُ فِيمَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مُوسِرًا وَالْآخَرُ مُعْسِرًا فَعَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ الِاعْتِبَارُ لِحَالِ الرَّجُلِ فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا وَهِيَ مُعْسِرَةٌ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْمُوسِرِينَ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُطْعِمَهَا مِمَّا يَأْكُلُ، لَكِنْ قَالَ مَشَايِخُنَا يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُؤَاكِلَهَا؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِحُسْنِ الْعِشْرَةِ مَعَهَا وَذَا فِي أَنْ يُؤَاكِلَهَا لِتَكُونَ نَفَقَتُهَا وَنَفَقَتُهُ سَوَاءً وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا وَهِيَ مُوسِرَةٌ وَجَبَ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْمُعْسِرِينَ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا تَزَوَّجَتْ مُعْسِرًا فَقَدْ رَضِيَتْ بِنَفَقَةِ الْمُعْسِرِينَ، وَأَمَّا عَلَى الْمُفْتَى بِهِ فَتَجِبُ نَفَقَةُ الْوَسَطِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَهِيَ فَوْقَ نَفَقَةِ الْمُعْسِرَةِ وَدُونَ نَفَقَةِ الْمُوسِرَةِ فَإِذَا كَانَ الزَّوْجُ مُفْرِطًا فِي الْيَسَارِ يَأْكُلُ الْحَلْوَاءَ وَاللَّحْمَ الْمَشْوِيَّ وَالْبَاجَّاتِ، وَالْمَرْأَةُ فَقِيرَةٌ تَأْكُلُ فِي بَيْتِهَا خُبْزَ الشَّعِيرِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُطْعِمَهَا مِمَّا يَأْكُلُ فِي بَيْتِهِ بِنَفْسِهِ وَلَا مَا كَانَتْ تَأْكُلُ فِي بَيْتِ أَهْلِهَا، وَلَكِنْ يُطْعِمُهَا الْوَسَطَ وَهُوَ خُبْزُ الْبُرِّ وَبَاجَّةً أَوْ بَاجَّتَيْنِ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ. وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّهُ إذَا كَانَ مُعْسِرًا وَهِيَ مُوسِرَةٌ وَأَوْجَبْنَا الْوَسَطَ فَقَدْ كَلَّفْنَاهُ بِمَا لَيْسَ فِي وُسْعِهِ فَلَا يَجُوزُ وَهُوَ غَفْلَةٌ عَمَّا فِي الْهِدَايَةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ مُخَاطَبٌ   [منحة الخالق] إلَّا مَا أَخَذْتُ مِنْ مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمِهِ، فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - خُذِي مِنْ مَالِهِ مَا يَكْفِيكِ وَيَكْفِي بَنِيكِ» (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا وَهِيَ مُوسِرَةٌ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ فَلَوْ اخْتَلَفَا فَادَّعَى الْإِعْسَارَ وَهِيَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 190 بِقَدْرِ وُسْعِهِ وَالْبَاقِي دَيْنٌ إلَى الْمَيْسَرَةِ، فَلَيْسَ تَكْلِيفًا بِمَا لَيْسَ فِي وُسْعِهِ وَفِي الْمُجْتَبَى إنْ شَاءَ فَرَضَ لَهَا أَصْنَافًا وَإِنْ شَاءَ قَوَّمَهَا وَفَرَضَ لَهَا بِالْقِيمَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ فِي أَيِّ وَقْتٍ يَدْفَعُ لَهَا النَّفَقَةَ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ قَالُوا يُعْتَبَرُ فِي الْفَرْضِ الْأَصْلَحُ وَالْأَيْسَرُ فَفِي الْمُحْتَرِفِ يَوْمًا بِيَوْمٍ أَيْ عَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَ نَفَقَةَ يَوْمٍ بِيَوْمٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَحْصِيلِ نَفَقَةِ شَهْرٍ مَثَلًا دُفْعَةً، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنْ يُعْطِيَهَا مُعَجَّلًا وَيُعْطِيَهَا كُلَّ يَوْمٍ عِنْدَ الْمَسَاءِ عَنْ الْيَوْمِ الَّذِي يَلِي ذَلِكَ الْمَسَاءَ لِتَتَمَكَّنَ مِنْ الصَّرْفِ فِي حَاجَتِهَا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَإِنْ كَانَ تَاجِرًا يُفْرَضُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ شَهْرٍ بِشَهْرٍ أَوْ مِنْ الدَّهَاقِينَ فَنَفَقَةُ سَنَةٍ بِسَنَةٍ أَوْ مِنْ الصُّنَّاعِ الَّذِينَ لَا يَنْقَضِي عَمَلُهُمْ إلَّا بِانْقِضَاءِ الْأُسْبُوعِ كَذَلِكَ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَغَيْرِهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّهُ مَا إذَا رَضِيَ الزَّوْجُ وَإِلَّا لَوْ قَالَ التَّاجِرُ وَالدِّهْقَانُ أَوْ الصُّنَّاعُ أَنَا أَدْفَعُ نَفَقَةَ كُلِّ يَوْمٍ مُعَجَّلًا لَا يُجْبَرُ عَلَى غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا اعْتَبَرَ مَا ذَكَرَ تَخْفِيفًا عَلَيْهِ فَإِذَا كَانَ يَضُرُّهُ لَا يَفْعَلُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ كُلَّ مُدَّةٍ نَاسَبَتْ حَالَ الزَّوْجِ فَإِنَّهُ يُعَجِّلُ نَفَقَتَهَا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ الْيَوْمَ وَصَرَّحَ بِهِ فِي التَّجْنِيسِ فِي نَفَقَةِ الشَّهْرِ أَنَّهَا تُفْرَضُ عَلَيْهِ وَتُدْفَعُ لَهَا، ثُمَّ قَالَ لَوْ فُرِضَ لَهَا نَفَقَةٌ كُلَّ شَهْرٍ فَطَلَبَتْهَا كُلَّ يَوْمٍ كَانَ لَهَا أَنْ تَطْلُبَ عِنْدَ الْمَسَاءِ؛ لِأَنَّ حِصَّةَ كُلِّ يَوْمٍ مَعْلُومٌ فَيُمْكِنُهُمْ الْمُطَالَبَةُ وَلَا كَذَلِكَ مَا دُونَ الْيَوْمِ اهـ. فَإِنْ قُلْتَ إذَا شَرَطَ عَلَيْهَا وَقْتَ الْعَقْدِ أَنَّ النَّفَقَةَ تَمْوِينٌ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ وَالْكِسْوَةَ كِسْوَةُ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ فَهَلْ لَهَا بَعْدَ ذَلِكَ طَلَبُ التَّقْدِيرِ فِيهِمَا؟ قُلْتُ لَمْ أَرَهُ صَرِيحًا وَالْقَوَاعِدُ تَقْتَضِي أَنَّ لَهَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذَا الشَّرْطَ لَيْسَ بِلَازِمٍ إذْ هُوَ شَرْطٌ فِيمَا لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا   [منحة الخالق] الْإِيسَارَ قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ فِي بَابِ النَّفَقَةِ فَإِنْ قَالَ الرَّجُلُ أَنَا مُعْسِرٌ وَعَلَيَّ نَفَقَةُ الْمُعْسِرِينَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ إلَّا أَنْ تُقِيمَ الْمَرْأَةُ الْبَيِّنَةَ. (قَوْلُهُ: قَالُوا يُعْتَبَرُ فِي الْفَرْضِ الْأَصْلَحُ وَالْأَيْسَرُ إلَخْ) أَقُولُ: الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ فِي الِاخْتِيَارِ وَالْمُلْتَقَى وَغَيْرِهِمَا التَّقْدِيرُ بِشَهْرٍ بِلَا تَفْصِيلٍ وَذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ، ثُمَّ قَالَ: وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي شَرْحِهِ مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ إنَّ مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ مِنْ أَنَّ النَّفَقَةَ تُفْرَضُ لَهَا شَهْرًا فَشَهْرًا لَيْسَ بِتَقْدِيرٍ لَازِمٍ وَإِنَّمَا ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى عَادَتِهِمْ وَبَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ مَشَايِخِنَا قَالُوا يُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ حَالُ الزَّوْجِ فَإِنْ كَانَ مُحْتَرِفًا إلَخْ؛ لِأَنَّ الْأَدَاءَ كَانَ عَلَى الدَّهَاقِينِ إنَّمَا يَتَيَسَّرُ عِنْدَ إدْرَاكِ الْغَلَّةِ فِي كُلِّ سَنَةٍ وَعَلَى التَّاجِرِ عِنْدَ اتِّخَاذِ غَلَّةِ الْحَوَانِيتِ وَغَيْرِهَا فِي كُلِّ شَهْرٍ وَعَلَى الْمُحْتَرِفِ بِالِاكْتِسَابِ كُلَّ يَوْمٍ اهـ. (قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ إلَخْ) هَذَا خِلَافُ ظَاهِرِ مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الذَّخِيرَةِ مِنْ أَنَّ الْمُتَيَسِّرَ عَلَى الدَّهَاقِينِ عِنْدَ إدْرَاكِ الْغَلَّةِ فِي كُلِّ سَنَةٍ إلَخْ فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ يُمْهَلُ إلَى وَقْتِ إدْرَاكِ الْغَلَّةِ فِي آخِرِ السَّنَةِ، ثُمَّ يَدْفَعُ كُلَّ سَنَةٍ فِي آخِرِهَا كَمَا لَا يَخْفَى، وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ التَّعْجِيلَ لَمْ يَكُنْ فِيهِ تَخْفِيفٌ عَلَى الدَّهَاقِينِ، بَلْ الْأَخَفُّ عَلَيْهِ كُلَّ شَهْرٍ أَوْ كُلَّ أُسْبُوعٍ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَصَرَّحَ بِهِ فِي التَّجْنِيسِ فِي نَفَقَةِ الشَّهْرِ إلَخْ) أَقُولُ: الْمُدَّعِي كَوْنَ الْخِيَارِ لِلزَّوْجِ وَمَا اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَيْهِ مِنْ كَلَامِ التَّجْنِيسِ مُفِيدٌ أَنَّ الْخِيَارَ لَهَا لَا لَهُ وَكَوْنُ الْخِيَارِ لَهَا يُنَافِي كَوْنَهُ لِلزَّوْجِ فَتَأَمَّلْ لَكِنَّ كَلَامَ التَّجْنِيسِ لَا يُنَافِي مَا مَرَّ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَنَّهُ لَوْ اخْتَارَ نَفَقَةَ كُلِّ شَهْرٍ بِشَهْرِهِ لَا أَكْثَرَ فَالْخِيَارُ لَهُ حَيْثُ كَانَ فِيهِ تَخْفِيفٌ عَلَيْهِ فَإِذَا رَضِيَتْ مِنْهُ بِأَخْذِ كُلِّ يَوْمٍ بِيَوْمِهِ فَلَهَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ أَخَفُّ عَلَيْهِ مِنْ الشَّهْرِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: فَإِنْ قُلْت إذَا شَرَطَ عَلَيْهَا إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَوْ شَرَطَ فِي الْعَقْدِ أَنَّ النَّفَقَةَ تَمْوِينٌ كَانَ الشَّرْطُ غَيْرَ لَازِمٍ، وَلَوْ حَكَمَ بِمُوجِبِ الْعَقْدِ حَاكِمٌ يَرَى ذَلِكَ عَرَفَ ذَلِكَ مَنْ مَارَسَ كُتُبَهُمْ بَقِيَ أَنَّهُ لَوْ حَكَمَ الْحَنَفِيُّ بِفَرْضِهَا دَرَاهِمَ وَاسْتَوْفَى مَا لَا بُدَّ مِنْهُ هَلْ لِلشَّافِعِيِّ أَنْ يَحْكُمَ بِالتَّمْوِينِ بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ الشَّيْخُ قَاسِمٌ فِي مُوجِبَاتِ الْأَحْكَامِ بَعْدَ مَا ذَكَرَ صُورَةَ سِجِلِّ النَّفَقَةِ قُلْت هَذَا دَلِيلٌ لِمَا أَقُولُ: مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ لِلشَّافِعِيِّ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الزَّوْجِيَّةَ وَالْقَرَابَةَ سَبَبٌ لِوُجُوبِهَا بِشَرْطِهَا وَإِنْ كَانَ يَوْمٌ سَبَبًا لِنَفَقَتِهِ أَيْضًا وَأَنَّ الْقَضَاءَ يَعْتَمِدُ السَّبَبَ الْأَوَّلَ وَتَبَدَّلَ الْحَالُ وَالسِّعْرُ وَنَحْوُ ذَلِكَ يَعْتَمِدُ السَّبَبَ الثَّانِيَ اهـ. وَعَلَى هَذَا لَوْ حَكَمَ الشَّافِعِيُّ بِالتَّمْوِينِ لَيْسَ لِلْحَنَفِيِّ أَنْ يَحْكُمَ بِخِلَافِهِ، وَهَذَا مِنْ الْحَوَادِثِ الْمُهِمَّةِ فَلْيُحْفَظْ وَفِي الْبَحْرِ مِنْ الْقَضَاءِ فَإِنْ قُلْت هَلْ تَقْدِيرُ الْقَاضِي النَّفَقَةَ حُكْمٌ مِنْهُ قُلْت هُوَ حُكْمٌ وَطَلَبُ التَّقْدِيرِ بِشَرْطِهِ دَعْوَى فَقَدْ وُجِدَ بَعْدَ الدَّعْوَى وَالْحَادِثَةِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي نَفَقَاتِ خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ، وَإِذَا أَرَادَ الْقَاضِي أَنْ يَفْرِضَ النَّفَقَةَ يَقُولُ فَرَضْتُ عَلَيْكَ نَفَقَةَ امْرَأَتِكَ كَذَا وَكَذَا أَوْ يَقُولُ فَرَضْتُ عَلَيْكَ النَّفَقَةَ مُدَّةَ كَذَا يَصِحُّ وَتَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ حَتَّى لَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّ نَفَقَةَ الزَّمَانِ الْمُسْتَقْبَلِ تَصِيرُ وَاجِبَةً بِقَضَاءِ الْقَاضِي حَتَّى لَوْ أَبْرَأَتْ بَعْدَ الْفَرْضِ صَحَّ فَإِنْ قُلْت إذَا فَرَضَ لَهَا كُلَّ يَوْمٍ أَوْ كُلَّ شَهْرٍ هَلْ يَكُونُ قَضَاءً بِالْجَمِيعِ مَا دَامَتْ فِي الْعِصْمَةِ قُلْتُ نَعَمْ مَا لَمْ يَمْنَعْ مَانِعٌ بِدَلِيلِ مَا فِي الْخِزَانَةِ فَرَضَ كُلَّ شَهْرٍ عَشَرَةً فَأَبْرَأَتْهُ مِنْ نَفَقَتِهَا بَرِئَ مِنْ نَفَقَةِ الشَّهْرِ الْأَوَّلِ فَإِذَا مَضَى شَهْرٌ فَأَبْرَأَتْهُ مِنْ نَفَقَةِ مَا مَضَى وَمَا يَسْتَقْبِلُ بَرِئَ مِمَّا مَضَى وَمِنْ شَهْرٍ مِمَّا يَسْتَقْبِلُ وَتَمَامُهُ فِيهَا اهـ. قُلْتُ سَيَأْتِي هَذَا عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَا تَجِبُ نَفَقَةٌ مَضَتْ إلَّا بِالْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 191 بَعْدُ وَلِهَذَا قَالُوا الْإِبْرَاءُ عَنْ النَّفَقَةِ لَا يَصِحُّ إلَّا إذَا وَجَبَتْ بِالْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا وَمَضَتْ مُدَّةٌ فَحِينَئِذٍ يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ، كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ أَنْتَ بَرِيءٌ مِنْ نَفَقَتِي مَا دُمْتُ امْرَأَتَكَ فَإِنْ لَمْ يَفْرِضْ الْقَاضِي النَّفَقَةَ فَالْإِبْرَاءُ بَاطِلٌ وَإِنْ فَرَضَ لَهَا الْقَاضِي النَّفَقَةَ كُلَّ شَهْرٍ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ صَحَّ الْإِبْرَاءُ مِنْ نَفَقَةِ الشَّهْرِ الْأَوَّلِ دُونَ مَا سِوَاهَا اهـ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّقْدِيرَ فِي مِثْلِ هَذَا يَقَعُ عَلَى الشَّهْرِ الْأَوَّلِ دُونَ مَا عَدَاهُ فَإِنْ قُلْتَ إذَا حَكَمَ مَالِكِيٌّ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ وَفِي شُرُوطِهِ وَكَتَبَ وَحَكَمَ بِمُوجَبِهِ كَمَا يُفْعَلُ الْآنَ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ شَكَتْ الْمَرْأَةُ وَطَلَبَتْ التَّقْرِيرَ عِنْدَ قَاضٍ حَنَفِيٍّ فَهَلْ لَهُ تَقْرِيرُهَا قُلْتُ لَمْ أَرَهُ صَرِيحًا أَيْضًا وَمَا نَقَلُوهُ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ كَمَا فِي فُصُولِ الْعِمَادِيِّ وَالْبَزَّازِيَّةِ مِنْ أَنَّ الْحُكْمَ لَا يَرْفَعُ الْخِلَافَ إلَّا إذَا كَانَ بَعْدَ دَعْوَى صَحِيحَةٍ فِي حَادِثَةٍ مِنْ خَصْمٍ عَلَى خَصْمٍ وَمَا نَقَلَ الْكُلُّ مِنْ أَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ الْحُكْمِ تَقَدُّمُ الدَّعْوَى وَالْحَادِثَةِ يَقْتَضِي أَنَّ لِلْحَنَفِيِّ ذَلِكَ، وَقَدْ كَثُرَ وُقُوعُهَا فِي زَمَانِنَا خُصُوصًا أَنَّ النَّفَقَةَ تَتَجَدَّدُ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَمَا يَتَجَدَّدُ لَمْ يَقَعْ فِيهِ حُكْمٌ، وَفِي الْقُنْيَةِ قَوْلُ الْقَاضِي اسْتَدِينِي عَلَيْهِ كُلَّ شَهْرٍ كَذَا فَرْضٌ مِنْهُ كَحَبْسِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَضَاءً بِهِ. وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِوُجُوبِ النَّفَقَةِ عَلَيْهِ إلَى أَنَّهُ إذَا لَمْ يُعْطِ الزَّوْجُ لَهَا نَفَقَةً وَلَا كِسْوَةً فَلَهَا أَنْ تُنْفِقَ مِنْ طَعَامِهِ وَتَتَّخِذَ ثَوْبًا مِنْ كِرْبَاسِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ وَالْقُنْيَةِ وَمِنْ النَّفَقَةِ الَّتِي عَلَى الزَّوْجِ الْحَطَبُ وَالصَّابُونُ وَالْأُشْنَانُ وَالدُّهْنُ لِلِاسْتِصْبَاحِ وَغَيْرِهِ وَثَمَنُ مَاءِ الِاغْتِسَالِ؛ لِأَنَّهُ مُؤْنَةُ الْجِمَاعِ وَفِي كِتَابِ رَزِينٍ جَعَلَهُ عَلَيْهَا وَفَصَلَ فِي مَاءِ الطُّهْرِ مِنْ الْحَيْضِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ حَيْضُهَا عَشَرَةَ أَيَّامٍ فَعَلَيْهَا أَوْ أَقَلَّ فَعَلَيْهِ، وَأُجْرَةُ الْقَابِلَةِ عَلَى مَنْ اسْتَأْجَرَهَا مِنْ الزَّوْجَةِ وَالزَّوْجِ فَإِنْ جَاءَتْ بِغَيْرِ اسْتِئْجَارٍ فَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُؤْنَةُ الْجِمَاعِ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ عَلَيْهَا كَأُجْرَةِ الطَّبِيبِ، وَأَمَّا ثَمَنُ مَاءِ الْوُضُوءِ فَعَلَيْهَا فَإِنْ كَانَتْ غَنِيَّةً تَسْتَأْجِرُ مَنْ يَنْقُلُهُ وَلَا تَنْقُلُهُ بِنَفْسِهَا وَإِنْ كَانَتْ فَقِيرَةً فَإِمَّا أَنْ يَنْقُلَهُ الزَّوْجُ لَهَا أَوْ يَدَعَهَا تَنْقُلُهُ بِنَفْسِهَا، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ أُجْرَةَ الْحَمَّامِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ ثَمَنُ مَاءِ الِاغْتِسَالِ لَكِنْ لَهُ مَنْعُهَا مِنْ الْحَمَّامِ حَيْثُ لَمْ تَكُنْ نُفَسَاءَ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ وَسَوَّى فِي الظَّهِيرِيَّةِ بَيْنَ ثَمَنِ مَاءِ الِاغْتِسَالِ وَمَاءِ الْوُضُوءِ فِي الْوُجُوبِ عَلَيْهِ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَفِي الْوَاقِعَاتِ مَاءُ وُضُوئِهَا عَلَيْهِ غَنِيَّةً كَانَتْ أَوْ فَقِيرَةً؛ لِأَنَّهَا لَا بُدَّ لَهَا مِنْهُ فَصَارَ كَالشُّرْبِ اهـ. فَظَهَرَ ضَعْفُ مَا فِي الْخُلَاصَةِ وَفِي الذَّخِيرَةِ لَوْ طَلَبَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ الْقَاضِي فَرْضَ النَّفَقَةِ وَكَانَ لِلزَّوْجِ عَلَيْهَا دَيْنٌ فَقَالَ اُحْسُبُوا لَهَا نَفَقَتَهَا مِنْهُ كَانَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَيْنِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَتَقَعُ الْمُقَاصَّةُ كَمَا فِي سَائِرِ الدُّيُونِ إلَّا أَنَّ فِي سَائِرِ الدُّيُونِ تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ تَقَاصَّا أَوْ لَمْ يَتَقَاصَّا وَهُنَا يَحْتَاجُ إلَى رِضَا الزَّوْجِ لِوُقُوعِ الْمُقَاصَّةِ؛ لِأَنَّ دَيْنَ النَّفَقَةِ أَنْقَصُ مِنْ سَائِرِ الدُّيُونِ لِسُقُوطِهِ بِالْمَوْتِ بِخِلَافِ سَائِرِ الدُّيُونِ فَكَانَ دَيْنُ الزَّوْجِ أَقْوَى فَيُشْتَرَطُ رِضَاهُ بِالْمُقَاصَّةِ كَمَا لَوْ كَانَ أَحَدُ الدَّيْنَيْنِ جَيِّدًا وَالْآخَرُ رَدِيئًا اهـ. وَفِي نَفَقَاتِ الْخَصَّافِ لَوْ كَفَلَ رَجُلٌ لَهَا بِالنَّفَقَةِ كُلَّ شَهْرٍ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ لَزِمَ شَهْرٌ وَاحِدٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَقَعُ عَلَى الْأَبَدِ وَهُوَ أَرْفَقُ بِالنَّاسِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ قَالَ: كَفَلْتُ لَكِ بِنَفَقَتِكِ كُلَّ شَهْرٍ كَذَا أَبَدًا أَوْ مَا دُمْتُمَا زَوْجَيْنِ فَإِنَّهُ يَقَعُ عَلَى الْأَبَدِ مَا دَامَا زَوْجَيْنِ، وَأَمَّا الْكِسْوَةُ فَقَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ قَدَّرَ مُحَمَّدٌ الْكِسْوَةَ بِدِرْعَيْنِ وَخِمَارَيْنِ وَمِلْحَفَةٍ فِي كُلِّ سَنَةٍ وَاخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِ الْمِلْحَفَةِ قَالَ بَعْضُهُمْ الْمُلَاءَةُ الَّتِي تَلْبَسُهَا الْمَرْأَةُ عِنْدَ الْخُرُوجِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ هِيَ غِطَاءُ اللَّيْلِ تَلْبَسُهُ فِي اللَّيْلِ وَذَكَرَ دِرْعَيْنِ وَخِمَارَيْنِ أَرَادَ بِهِمَا صَيْفِيًّا وَشَتْوِيًّا وَلَمْ يَذْكُرْ السَّرَاوِيلَ فِي الصَّيْفِ وَلَا بُدَّ مِنْهُ فِي الشِّتَاءِ، وَهَذَا فِي عُرْفِهِمْ أَمَّا فِي عُرْفِنَا فَتَجِبُ السَّرَاوِيلُ وَثِيَابٌ أُخَرُ كَالْجُبَّةِ وَالْفِرَاشِ الَّتِي تَنَامُ عَلَيْهِ وَاللِّحَافِ وَمَا تَدْفَعُ بِهِ أَذَى الْحَرِّ وَالْبَرْدِ فِي الشِّتَاءِ دِرْعُ خَزٍّ وَجُبَّةِ قَزٍّ وَخِمَارِ إبْرَيْسَمَ وَلَمْ يَذْكُرْ الْخُفَّ وَالْمُكَعَّبَ فِي النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِلْخُرُوجِ وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ تَهْيِئَةُ أَسْبَابِ الْخُرُوجِ اهـ. وَفِي الْمُجْتَبَى أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمَاكِنِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَفِي نَفَقَاتِ الْخَصَّافِ لَوْ كَفَلَ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ سَيَأْتِي بَحْثُ الْكَفَالَةِ بِالنَّفَقَةِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَلَا تَجِبُ نَفَقَةٌ مَضَتْ إلَّا بِالْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا. (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَذْكُرْ الْخُفَّ وَالْمُكَعَّبَ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَعَلَيْهِ خُفٌّ لِجَارِيَتِهَا أَوْ الْمُكَعَّبُ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الذَّخِيرَةِ وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَهُنَا مَسْأَلَةٌ عَجِيبَةٌ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ خُفُّهَا وَيَجِبُ خُفُّ أَمَتِهَا؛ لِأَنَّهَا مَنْهِيَّةٌ عَنْ الْخُرُوجِ لَا أَمَتُهَا اهـ. وَمِثْلُهُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ وَسَيُصَرِّحُ هَذَا الشَّارِحُ بِهَا فِي قَوْلِهِ وَلِخَادِمِ اهـ. مُلَخَّصًا. وَذَكَرَ فِي النَّهْرِ أَنَّ التَّعْلِيلَ الْمَذْكُورَ يُعَيِّنُ كَوْنَ الْمُرَادِ بِالْمِلْحَفَةِ غِطَاءَ اللَّيْلِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 192 وَالْعَادَاتِ فَيَجِبُ عَلَى الْقَاضِي اعْتِبَارُ الْكِفَايَةِ بِالْمَعْرُوفِ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَمَكَانٍ فَإِنْ شَاءَ الْقَاضِي فَرَضَهَا أَصْنَافًا وَإِنْ شَاءَ قَوَّمَهَا وَقَضَى بِالْقِيمَةِ، وَفِي الْخُلَاصَةِ وَتُفْرَضُ الْكِسْوَةُ كُلَّ سِتَّةِ أَشْهُرٍ إلَّا إذَا تَزَوَّجَ وَبَنَى بِهَا وَلَمْ يَبْعَثْ إلَيْهَا الْكِسْوَةَ لَهَا أَنْ تُطَالِبَهُ بِالْكِسْوَةِ قَبْلَ مُضِيِّ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَالْكِسْوَةُ كَالنَّفَقَةِ فِي أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ مُضِيُّ الْمُدَّةِ وَلِلزَّوْجِ أَنْ يَرْفَعَهَا إلَى الْقَاضِي حَتَّى يَأْمُرَهَا بِلُبْسِ الثَّوْبِ؛ لِأَنَّ الزِّينَةَ حَقُّهُ اهـ. وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ لَوْ أَمْسَكَتْ النَّفَقَةَ وَأَكَلَتْ قَلِيلًا وَقَتَّرَتْ عَلَى نَفْسِهَا فَلَهُ أَنْ يَرْفَعَهَا إلَى الْقَاضِي لِتَأْكُلَ بِمَا فُرِضَ لَهَا خَوْفًا عَلَيْهَا مِنْ الْهُزَالِ فَإِنَّهُ يَضُرُّهُ وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ مَعْزِيًّا إلَى الْخَصَّافِ وَيَجْعَلُ لَهَا أَنْ تَنَامَ عَلَيْهِ مِثْلَ الْفِرَاشِ وَمُضَرَّبَةً وَمُرَقَّعَةً فِي الشِّتَاءِ وَلِحَافًا تَتَغَطَّى بِهِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي شَرْحِ النَّفَقَاتِ ذَكَرَ لَهَا فِرَاشًا عَلَى حِدَةٍ وَلَمْ يَكْتَفِ بِفِرَاشٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهَا رُبَّمَا تَعْتَزِلُ عَنْهُ فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ أَوْ فِي زَمَانِ مَرَضِهَا اهـ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ الدِّرْعَ مِنْ الْكِسْوَةِ وَالْخَصَّافُ ذَكَرَ الْقَمِيصَ وَهُمَا سَوَاءٌ إلَّا أَنَّ الْقَمِيصَ يَكُونُ مُجَيَّبًا مِنْ قِبَلِ الْكَتِفِ وَالدِّرْعُ مِنْ قِبَلِ الصَّدْرِ، وَفِي الْبَدَائِعِ الْكِسْوَةُ عَلَى الِاخْتِلَافِ كَالنَّفَقَةِ مِنْ اعْتِبَارِ حَالِهِ فَقَطْ أَوْ حَالِهِمَا عَلَى قَوْلِ الْخَصَّافِ وَفِي الذَّخِيرَةِ إذَا فَرَضَ لَهَا الْقَاضِي الْكِسْوَةَ فَهَلَكَتْ أَوْ سُرِقَتْ مِنْهَا أَوْ خَرَقَتْهَا قَبْلَ الْوَقْتِ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَكْسُوَهَا حَتَّى يَمْضِيَ الْوَقْتُ الَّذِي لَا تَبْقَى إلَيْهِ الْكِسْوَةُ وَالْأَصْلُ أَنَّ الْقَاضِيَ مَتَى ظَهَرَ لَهُ الْخَطَأُ فِي التَّقْدِيرِ يَرُدُّهُ فَإِذَا لَمْ يَظْهَرْ لَهُ ذَلِكَ لَا يَرُدُّهُ فَإِنْ تَخَرَّقَتْ الْكِسْوَةُ بِالِاسْتِعْمَالِ قَبْلَ مُضِيِّ الْوَقْتِ يَنْظُرُ فَإِنْ تَخَرَّقَتْ بِخَرْقِ اسْتِعْمَالِهَا لَمْ يَتَبَيَّنْ الْخَطَأُ فِي التَّقْدِيرِ فَلَا يَقْضِي بِكِسْوَةٍ أُخْرَى مَا لَمْ يَمْضِي ذَلِكَ الْوَقْتُ وَإِنْ تَخَرَّقَتْ بِالِاسْتِعْمَالِ الْمُعْتَادِ تَبَيَّنَ الْخَطَأُ فِي التَّقْدِيرِ فَيَقْضِي بِكِسْوَةٍ أُخْرَى، وَكَذَا الْجَوَابُ فِي النَّفَقَةِ إذَا ضَاعَتْ أَوْ سُرِقَتْ أَوْ أُكِلَتْ أَوْ أَسْرَفَتْ أَوْ لَمْ تُسْرِفْ وَكَانَ ذَلِكَ قَبْلَ مُضِيِّ الْوَقْتِ فَهُوَ كَمَا قُلْنَا فِي الْكِسْوَةِ. وَلَوْ مَضَتْ الْمُدَّةُ وَالْكِسْوَةُ بَاقِيَةٌ فَإِنْ لَمْ تَسْتَعْمِلْ تِلْكَ الْكِسْوَةَ أَصْلًا حَتَّى مَضَى الْوَقْتُ يَفْرِضُ الْقَاضِي لَهَا كِسْوَةً أُخْرَى؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ خَطَأُ الْقَاضِي فِي التَّقْدِيرِ وَإِنْ اسْتَعْمَلَتْ تِلْكَ الْكِسْوَةَ فَإِنْ اسْتَعْمَلَتْ مَعَهَا كِسْوَةً أُخْرَى فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ يَفْرِضُ لَهَا الْقَاضِي كِسْوَةً أُخْرَى فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ وَإِنْ لَمْ تَسْتَعْمِلْ مَعَ هَذِهِ الْكِسْوَةِ كِسْوَةً أُخْرَى لَا يَفْرِضُ لَهَا أُخْرَى؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ خَطَؤُهُ فِي التَّقْدِيرِ حَيْثُ وَقَّتَ وَقْتًا تَبْقَى الْكِسْوَةُ وَرَاءَ ذَلِكَ الْوَقْتِ فَرْقٌ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا إذَا فَرَضَ لَهَا الْقَاضِي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ نَفَقَةَ شَهْرٍ فَمَضَى الشَّهْرُ، وَقَدْ بَقِيَ مِنْ الْعَشَرَةِ شَيْءٌ حَيْثُ يَفْرِضُ لَهَا الْقَاضِي فِي النَّفَقَةِ عَشَرَةً أُخْرَى، وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي بَابِ النَّفَقَةِ لَمْ يَظْهَرْ خَطَأُ الْقَاضِي فِي التَّقْدِيرِ بِيَقِينٍ لِجَوَازِ أَنَّهُ إنَّمَا بَقِيَ مِنْ الْعَشَرَةِ شَيْءٌ لِتَقْتِيرٍ وُجِدَ مِنْهَا فِي الْإِنْفَاقِ عَلَى نَفْسِهَا فَبَقِيَ التَّقْدِيرُ مُعْتَبَرًا فَيَقْضِي الْقَاضِي لَهَا بِعَشَرَةٍ أُخْرَى أَمَّا فِي بَابِ الْكِسْوَةِ إذَا لُبِسَتْ جَمِيعَ الْمُدَّةِ وَلَمْ تَتَخَرَّقْ فَقَدْ ظَهَرَ خَطَأُ الْقَاضِي فِي التَّقْدِيرِ بِيَقِينٍ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهَا التَّقْتِيرُ فِي اللُّبْسِ فَرْقٌ بَيْنَ نَفَقَةِ الزَّوْجَاتِ وَكِسْوَتِهِنَّ وَبَيْنَ نَفَقَةِ الْمَحَارِمِ وَكِسْوَتِهِمْ فَإِنَّ فِي الْأَقَارِبِ إذَا مَضَى الْوَقْتُ وَبَقِيَ شَيْءٌ مِنْ الدَّرَاهِمِ أَوْ الْكِسْوَةِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْضِي بِأُخْرَى فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا؛ لِأَنَّهَا بِاعْتِبَارِ الْحَاجَةِ فِي حَقِّهِمْ وَفِي حَقِّ الْمَرْأَةِ مُعَاوَضَةٌ عَنْ الِاحْتِبَاسِ وَلِهَذَا إذَا ضَاعَتْ النَّفَقَةُ أَوْ الْكِسْوَةُ مِنْ أَيْدِيهِمْ يَفْرِضُ لَهُمْ أُخْرَى لِمَا ذَكَرْنَا اهـ. وَقَدْ اُسْتُفِيدَ مِنْ هَذِهِ الْمَنْقُولَاتِ أَشْيَاءُ مِنْهَا أَنَّ جَمِيعَ مَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ الْمَرْأَةُ مِنْ لِبَاسِ بَدَنِهَا وَفُرُشِ بَيْتِهَا مِمَّا تَنَامُ عَلَيْهِ وَتَتَغَطَّى بِهِ فَإِنَّهُ لَازِمٌ عَلَى الرَّجُلِ إمَّا أَنْ يَأْتِيَ بِهِ وَإِمَّا أَنْ يَفْرِضَهُ الْقَاضِي عَلَيْهِ أَصْنَافًا أَوْ دَرَاهِمَ كُلَّ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَيُعَجِّلَهَا لَهَا وَيَنْبَغِي أَنْ يَلِيَ الزَّوْجُ شِرَاءَ الْأَمْتِعَةِ لَهَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْإِنْفَاقِ إلَّا إذَا ظَهَرَ مَطْلُهُ أَوْ خِيَانَتُهُ فِي الشِّرَاءِ لَهَا فَحِينَئِذٍ هِيَ الَّتِي تَلِي ذَلِكَ بِنَفْسِهَا أَوْ بِوَكِيلِهَا وَمِنْهَا أَنَّهَا لَوْ كَانَ لَهَا أَمْتِعَةٌ مِنْ فُرُشٍ وَنَحْوِهَا لَا يَسْقُطُ عَنْ الزَّوْجِ   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 193 ذَلِكَ، بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرْنَاهُ وَإِنْ كَانَ لَهَا أَمْتِعَةٌ فَلَا يَلْزَمُهَا أَنْ تَلْبَسَ مَتَاعَهَا وَلَا أَنْ تَنَامَ عَلَى فِرَاشِهَا فَبِالْأَوْلَى أَنْ لَا يَلْزَمَهَا أَنْ تَفْرِشَ مَتَاعَهَا لِيَنَامَ عَلَيْهِ أَوْ يَجْلِسَ عَلَيْهِ وَمِنْهَا أَنَّهُ إذَا دَفَعَ لَهَا نَفَقَتَهَا وَأَنْفَقَتْ مِنْهَا قَلِيلًا وَأَمْسَكَتْ الْبَاقِيَ فَإِنَّ لَهَا ذَلِكَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَمِنْهَا أَنَّ أَدَوَاتِ الْبَيْتِ كَالْأَوَانِي وَنَحْوِهَا عَلَى الرَّجُلِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَيْسَ عَلَيْهَا إلَّا تَسْلِيمُ نَفْسِهَا فِي بَيْتِهِ وَعَلَيْهِ جَمِيعُ مَا يَكْفِيهَا بِحَسَبِ حَالِهِمَا مِنْ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَلُبْسٍ وَفُرُشٍ وَلَا يَلْزَمُهَا أَنْ تَسْتَمْتِعَ بِمَا هُوَ مِلْكُهَا وَلَا أَنْ تَفْرِشَ لَهُ شَيْئًا مِنْ فِرَاشِهَا وَإِنَّمَا أَكْثَرْنَا مِنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ تَنْبِيهًا لِلْأَزْوَاجِ لِمَا نَرَاهُ فِي زَمَانِنَا مِنْ تَقْصِيرِهِمْ فِي حُقُوقِهِنَّ حَتَّى أَنَّهُ يَأْمُرَهَا بِفَرْشِ أَمْتِعَتِهَا جَبْرًا عَلَيْهَا، وَكَذَلِكَ لِأَضْيَافِهِ وَبَعْضُهُمْ لَا يُعْطِي لَهَا كِسْوَةً حَتَّى كَانَتْ عِنْدَ الدُّخُولِ غَنِيَّةً صَارَتْ فَقِيرَةً، وَهَذَا كُلُّهُ حَرَامٌ لَا يَجُوزُ، نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا وَأَرَادَ بِالزَّوْجَةِ فِي قَوْلِهِ تَجِبُ لِلزَّوْجَةِ الزَّوْجَةَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ لَا نَفَقَةَ لِلزَّوْجَةِ بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ لَا قَبْلَ التَّفْرِيقِ وَلَا بَعْدَهُ وَلَا نَفَقَةَ لِلزَّوْجَةِ ظَاهِرًا إلَّا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَلِهَذَا قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ: لَوْ أَنَّ امْرَأَةً أَخَذَتْ نَفَقَتَهَا مِنْ زَوْجِهَا أَشْهُرًا، ثُمَّ شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهَا أُخْتُهُ مِنْ الرَّضَاعِ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَيَرْجِعُ عَلَيْهَا الزَّوْجُ بِمَا أَخَذَتْ وَذَكَرَ قَبْلَهُ أُخْتَانِ ادَّعَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أَنَّ هَذَا زَوْجُهَا وَهُوَ يَجْحَدُ فَأَقَامَتَا الْبَيِّنَةَ عَلَى النِّكَاحِ وَالدُّخُولِ فَلَهُمَا نَفَقَةُ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ فِي مُدَّةِ الْمَسْأَلَةِ عَنْ الشُّهُودِ نَصَّ عَلَيْهِ الْخَصَّافُ (قَوْلُهُ: وَلَوْ مَانِعَةً نَفْسَهَا لِلْمَهْرِ) أَيْ يَجِبُ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ، وَلَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ مَانِعَةً نَفْسَهَا بِحَقٍّ كَالْمَنْعِ لِقَبْضِ مَهْرِهَا وَالْمُرَادُ مِنْهُ الْمُعَجَّلُ إمَّا نَصًّا أَوْ عُرْفًا كَمَا أَسْلَفْنَاهُ؛ لِأَنَّهُ مَنْعٌ بِحَقٍّ فَكَانَ فَوْتُ الِاحْتِبَاسِ لِمَعْنًى مِنْ قِبَلِهِ فَيُجْعَلُ كَلَا فَائِتٍ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْمَنْعَ بَعْدَ الدُّخُولِ وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ، وَقَالَا لَا نَفَقَةَ لَهَا إلَّا إذَا كَانَتْ دُونَ الْبُلُوغِ لِعَدَمِ صِحَّةِ تَسْلِيمِ الْأَبِ، وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ قَيَّدْنَا الْمَهْرَ بِالْمُعَجَّلِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كُلُّهُ مُؤَجَّلًا فَامْتَنَعَتْ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا؛ لِأَنَّهُ نُشُوزٌ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ مِنْ أَنَّ لَهَا الْمَنْعَ فَعَلَى هَذَا لَا تَسْقُطُ نَفَقَتُهَا؛ لِأَنَّهُ بِحَقٍّ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ شَرْطَ وُجُوبِ النَّفَقَةِ تَسْلِيمُ الْمَرْأَةِ نَفْسَهَا إلَى الزَّوْجِ وَقْتَ وُجُوبِ التَّسْلِيمِ وَنَعْنِي بِالتَّسْلِيمِ التَّخْلِيَةَ وَهِيَ أَنْ تُخَلِّيَ بَيْنَ نَفْسِهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا بِرَفْعِ الْمَانِعِ مِنْ وَطْئِهَا أَوْ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا إذَا كَانَ الْمَانِعُ مِنْ قِبَلِهَا أَوْ مِنْ قِبَلِ غَيْرِ الزَّوْجِ فَلَوْ تَزَوَّجَ بَالِغَةً حُرَّةً صَحِيحَةً سَلِيمَةً وَنَقَلَهَا إلَى بَيْتِهِ فَلَهَا النَّفَقَةُ كَذَلِكَ إذَا لَمْ يَنْقُلْهَا وَهِيَ بِحَيْثُ لَا تَمْنَعُ نَفْسَهَا وَطَلَبَتْ هِيَ النَّفَقَةَ وَلَمْ يُطَالِبْهَا هُوَ بِالنُّقْلَةِ فَلَهَا النَّفَقَةُ فَإِنْ طَالَبَهَا بِالنُّقْلَةِ وَامْتَنَعَتْ فَإِنْ كَانَ امْتِنَاعُهَا بِحَقٍّ بِأَنْ امْتَنَعَتْ لِاسْتِيفَاءِ مَهْرِهَا الْمُعَجَّلِ فَلَهَا النَّفَقَةُ، وَكَذَا لَوْ طَالَبَهَا بِالنُّقْلَةِ بَعْدَمَا أَوْفَاهَا الْمَهْرَ إلَى دَارٍ مَغْصُوبَةٍ فَامْتَنَعَتْ فَلَهَا النَّفَقَةُ؛ لِأَنَّهُ بِحَقٍّ، وَلَوْ كَانَتْ سَاكِنَةً فِي مَنْزِلِهَا فَمَنَعَتْهُ مِنْ الدُّخُولِ عَلَيْهَا لَا عَلَى سَبِيلِ النُّشُوزِ، بَلْ قَالَتْ لَهُ حَوِّلْنِي إلَى مَنْزِلِكَ أَوْ اكْتَرِ لِي مَنْزِلًا أَنْزِلُهُ فَإِنِّي مُحْتَاجَةٌ إلَى مَنْزِلِي هَذَا آخُذُ كَرَاهُ فَلَهَا النَّفَقَةُ. كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَفِي الذَّخِيرَةِ، وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَئِمَّةِ بَلْخٍ لَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ إذَا لَمْ تُزَفَّ إلَى بَيْتِ الزَّوْجِ وَالْفَتْوَى عَلَى جَوَابِ الْكِتَابِ وَهُوَ وُجُوبُ النَّفَقَةِ إذَا لَمْ يُطَالِبْهَا بِالنُّقْلَةِ. (قَوْلُهُ لَا نَاشِزَةٍ) بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى الزَّوْجَةِ أَيْ لَا تَجِبُ النَّفَقَةُ لِلنَّاشِزَةِ وَهِيَ فِي اللُّغَةِ الْعِصَابَةُ عَلَى الزَّوْجِ الْمُبْغِضَةُ لَهُ، يُقَالُ نَشَزَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى زَوْجِهَا فَهِيَ نَاشِزَةٌ، وَعَنْ الزَّجَّاجِ النُّشُوزُ يَكُونُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَهِيَ كَرَاهَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ فَبِالْأَوْلَى أَنْ لَا يَلْزَمَهَا أَنْ تَفْرِشَ مَتَاعَهَا إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَكِنْ قَدَّمْنَا عَنْهُ فِي بَابِ الْمَهْرِ مَعْزِيًّا إلَى الْمُبْتَغَى أَنَّهَا لَوْ زُفَّتْ إلَيْهِ بِلَا جِهَازٍ يَلِيقُ بِهِ فَلَهُ مُطَالَبَةُ الْأَبِ بِمَا دَفَعَهُ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ إلَّا إذَا سَكَتَ اهـ. وَعَلَى هَذَا فَإِذَا زُفَّتْ إلَيْهِ بِهِ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ الِانْتِفَاعُ بِهِ وَفِي عُرْفِنَا يَلْتَزِمُونَ كَثْرَةَ الْمَهْرِ لِكَثْرَةِ الْجِهَازِ وَقِلَّتَهُ لِقِلَّتِهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمَعْرُوفَ كَالْمَشْرُوطِ فَيَنْبَغِي الْعَمَلُ بِمَا مَرَّ. اهـ. وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ قَالَ الْحَمَوِيُّ بَعْدَ نَقْلِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ مَا فِي الْمُبْتَغَى ضَعِيفٌ كَمَا اعْتَرَفَ بِهِ هُوَ فِي بَابِ الْمَهْرِ وَالْعُرْفُ إنَّمَا يُعْمَلُ بِهِ إذَا كَانَ عَامًّا فَالْحَقُّ مَا فِي الْبَحْرِ اهـ. (قَوْلُهُ وَأَرَادَ بِالزَّوْجَةِ إلَخْ) فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ وَلَا نَفَقَةَ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَلَا فِي الْعِدَّةِ مِنْهُ، وَلَوْ كَانَ النِّكَاحُ صَحِيحًا مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ فَرَضَ الْقَاضِي لَهَا النَّفَقَةَ وَأَخَذَتْ ذَلِكَ شَهْرًا، ثُمَّ ظَهَرَ فَسَادُ النِّكَاحِ بِأَنْ شَهِدَ الشُّهُودُ أَنَّهَا أُخْتُهُ مِنْ الرَّضَاعِ وَفَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا رَجَعَ الزَّوْجُ عَلَى الْمَرْأَةِ بِمَا أَخَذَتْ، وَأَمَّا إذَا أَنْفَقَ بِلَا فَرْضِ الْقَاضِي النَّفَقَةَ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ كَذَا ذَكَرَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَاضِي كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَأَجْمَعُوا أَنَّ فِي النِّكَاحِ بِغَيْرِ شُهُودٍ تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ اهـ. قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الصَّوَابَ لَا تَسْتَحِقُّ إذْ لَا شَكَّ أَنَّ النِّكَاحَ بِلَا شُهُودٍ فَاسِدٌ وَالنَّفَقَةُ إنَّمَا تُسْتَحَقُّ بِالِاحْتِبَاسِ وَلَا احْتِبَاسَ فِي الْفَاسِدِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ هَذَا الْبَابِ عَنْ الْبَدَائِعِ. (قَوْلُهُ: وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ شَرْطَ وُجُوبِ النَّفَقَةِ تَسْلِيمُ الْمَرْأَةِ إلَخْ) أَمَّا إذَا لَمْ تُسَلِّمْ نَفْسَهَا إلَيْهِ وَقْتَ وُجُوبِ التَّسْلِيمِ فَلَا تَجِبُ النَّفَقَةُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 194 صَاحِبَهُ، كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَفِي الشَّرْعِ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ الْخَصَّافُ الْخَارِجَةُ عَنْ مَنْزِلِ زَوْجِهَا الْمَانِعَةُ نَفْسَهَا مِنْهُ وَالْمُرَادُ بِالْخُرُوجِ كَوْنُهَا فِي غَيْرِ مَنْزِلِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ لِيَشْمَلَ مَا إذَا امْتَنَعَتْ عَنْ الْمَجِيءِ إلَى مَنْزِلِهِ ابْتِدَاءً بِغَيْرِ إيفَاءِ مُعَجَّلِ مَهْرِهَا وَمَا إذَا خَرَجَتْ مِنْ مَنْزِلِهِ بَعْدَ الِانْتِقَالِ إلَيْهِ وَأَطْلَقَ الْخُرُوجَ فَشَمِلَ الْحَقِيقِيَّ وَالْحُكْمِيَّ وَهُوَ عَدَمُ تَمْكِينِهَا لَهُ مِنْ الدُّخُولِ فِي مَنْزِلِهَا الَّذِي يَسْكُنَانِ فِيهِ قَبْلَ أَنْ تَسْأَلَهُ النُّقْلَةَ؛ لِأَنَّهَا كَالْخَارِجَةِ، وَعَلَّلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ بِأَنَّهَا صَارَتْ كَأَنَّهَا نَشَزَتْ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ فَدَلَّ أَنَّهُ خُرُوجٌ مِنْ مَنْزِلِهِ حُكْمًا بِخِلَافِ مَا إذَا مَنَعَتْهُ بَعْدَ مَا سَأَلَتْهُ النُّقْلَةَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَخَرَجَ مَا إذَا خَرَجَتْ مِنْ بَيْتِ الْغَصْبِ أَوْ امْتَنَعَتْ مِنْ الِانْتِقَالِ إلَيْهِ فَإِنَّهَا تَكُونُ نَاشِزَةً كَمَا قَدَّمْنَاهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَنْزِلًا لَهُ أَصْلًا بِخِلَافِ الْبَيْتِ الَّذِي فِيهِ شُبْهَةٌ كَبَيْتِ السُّلْطَانِ لَيْسَ لَهَا أَنْ تَمْتَنِعَ وَتَصِيرَ نَاشِزَةً كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ لِعَدَمِ اعْتِبَارِ الشُّبْهَةِ فِي زَمَانِنَا كَمَا فِي التَّجْنِيسِ. وَقَيَّدَ بِالْخُرُوجِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مُقِيمَةً مَعَهُ فِي مَنْزِلِهِ وَلَمْ تُمَكِّنْهُ مِنْ الْوَطْءِ فَإِنَّهَا لَا تَكُونُ نَاشِزَةً؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الزَّوْجَ يَقْدِرُ عَلَى تَحْصِيلِ الْمَقْصُودِ مِنْهَا بِدَلِيلِ أَنَّ الْبِكْرَ لَا تُوطَأُ إلَّا كُرْهًا، وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِمَنْعِهَا نَفْسَهَا مِنْهُ بِغَيْرِ حَقٍّ فَلِذَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ لَوْ كَانَ الزَّوْجُ بِسَمَرْقَنْدَ وَكَانَتْ زَوْجَتُهُ بِنَسْفِ فَبَعَثَ إلَيْهَا أَجْنَبِيًّا لِيَحْمِلَهَا إلَى سَمَرْقَنْدَ وَلَمْ تَذْهَبْ مَعَهُ لِعَدَمِ الْمَحْرَمِ فَإِنَّ لَهَا النَّفَقَةَ وَشَمِلَ الْخُرُوجُ الْحُكْمِيُّ مَا إذَا طَلَبَ أَنْ يُسَافِرَ بِهَا مِنْ بَلَدِهَا وَامْتَنَعَتْ فَإِنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مِنْ أَنَّ لَهُ السَّفَرَ بِهَا، وَأَمَّا عَلَى الْمُفْتَى بِهِ فَإِنَّهَا لَا تَكُونُ نَاشِزَةً كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَأَشَارَ إلَيْهِ فِي الذَّخِيرَةِ هُنَا وَأَطْلَقَ فِي عَدَمِ وُجُوبِ النَّفَقَةِ لِلنَّاشِزَةِ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَتْ النَّفَقَةُ مَفْرُوضَةً فَإِنَّ النُّشُوزَ يُسْقِطُهَا أَيْضًا إلَّا إذَا اسْتَدَانَتْ فَإِنَّ الْمُسْتَدَانَةَ لَا يُسْقِطُهَا النُّشُوزُ عَلَى أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ كَالْمَوْتِ لَا يُسْقِطُهَا أَيْضًا كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ وَهُوَ مِمَّا يَنْبَغِي حِفْظُهُ وَلَمْ يَذْكُرْ مَا إذَا تَرَكَتْ النُّشُوزَ وَهُوَ بِعَوْدِهَا إلَى مَنْزِلِهِ لِظُهُورِ أَنَّ النَّفَقَةَ تَعُودُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ زَوَالِ الْمَانِعِ وَفِي الْخُلَاصَةِ النَّاشِزَةُ إذَا عَادَتْ إلَى بَيْتِ الزَّوْجِ بَعْدَمَا سَافَرَ زَوْجُهَا أَجَابُوا أَنَّهَا خَرَجَتْ عَلَى أَنْ تَكُونَ نَاشِزَةً اهـ. وَشَمِلَ تَعْرِيفُ النَّاشِزَةِ الْمُنْكِرَةَ لِلنِّكَاحِ فَإِذَا ادَّعَى عَلَيْهَا النِّكَاحَ فَجَحَدَتْ، ثُمَّ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا زَادَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَكَذَا إذَا كَانَ الزَّوْجُ هُوَ الْمُنْكِرُ، ثُمَّ قَالَ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ وَيَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ مُكَذِّبَةً شَرْعًا، وَكَذَا الزَّوْجُ وَإِلَّا فَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ وَفَتْحِ بَابِ الْفَسَادِ خُصُوصًا عِنْدَ اضْطِرَارِهَا لِلنَّفَقَةِ مَعَ حَبْسِهَا اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّهُمْ إنَّمَا نَفَوْا وُجُوبَ النَّفَقَةِ مَا دَامَتْ جَاحِدَةً أَمَّا إذَا عَادَتْ إلَى التَّصْدِيقِ وَطَلَبَتْ النَّفَقَةَ فَإِنَّ لَهَا النَّفَقَةَ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الزَّوْجُ هُوَ الْمُنْكِرُ فَإِنَّمَا نَفَوْا وُجُوبَ النَّفَقَةِ عَنْهُ فِي مُدَّةِ الْمَسْأَلَةِ عَنْ الشُّهُودِ لَا مُطْلَقًا كَمَا سَنُبَيِّنُهُ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ وَخَرَجَ عَنْهُ مَا إذَا أَجَّرَتْ نَفْسَهَا لِإِرْضَاعِ صَبِيٍّ وَزَوْجُهَا شَرِيفٌ وَلَمْ تَخْرُجْ مِنْ مَنْزِلِهِ، وَذَكَرَ فِي الْفَوَائِدِ التَّاجِيَّةِ نَقْلَيْنِ فِيهَا الثَّانِي مِنْهُمَا كَمَا ذَكَرْنَا وَالْأَوَّلُ هُوَ نُشُوزٌ وَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ وَلَا يَخْفَى ضَعْفُهُ، وَفِي الْخُلَاصَةِ إنْ قَالَ الزَّوْجُ هِيَ نَاشِزَةٌ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا عَلَيَّ فَإِنْ شَهِدُوا أَنَّهُ أَوْفَاهَا الْمُعَجَّلَ وَهِيَ لَمْ تَكُنْ فِي بَيْتِ الزَّوْجِ سَقَطَتْ النَّفَقَةُ، وَلَوْ شَهِدُوا أَنَّهَا لَيْسَتْ فِي طَاعَةِ الزَّوْجِ لِلْجِمَاعِ لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهَا تَكُونُ فِي بَيْتِهِ وَلَا تَكُونُ فِي طَاعَتِهِ وَبِهِ لَا تَسْقُطُ النَّفَقَةُ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ يَغْلِبُ عَلَيْهَا اهـ. وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الزَّوْجَ إذَا ادَّعَى نُشُوزَهَا فِي مُدَّةٍ وَأَنْكَرَتْ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا مَعَ يَمِينِهَا فَإِنْ حَلَفَتْ أَخَذَتْ النَّفَقَةَ وَإِنْ نَكَلَتْ سَقَطَتْ وَالْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ وَسَيَأْتِي أَنَّ لَهَا الْخُرُوجَ مِنْ مَنْزِلِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فِي مَوَاضِعَ حِينَئِذٍ لَا تَكُونُ نَاشِزَةً فَعَلَى هَذَا الْمُرَادُ بِالْخُرُوجِ خُرُوجُهَا بِغَيْرِ حَقٍّ لَا بِغَيْرِ إذْنِهِ فَقَطْ لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْمُجْتَبَى، وَإِذَا سَلَّمَتْ نَفْسَهَا بِالنَّهَارِ دُونَ اللَّيْلِ أَوْ عَلَى عَكْسِهِ لَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ نَاقِصٌ قُلْت وَبِهَذَا عُرِفَ جَوَابُ وَاقِعَةٍ فِي زَمَانِنَا بِأَنَّهُ إذَا تَزَوَّجَ مِنْ الْمُحْتَرِفَاتِ الَّتِي تَكُونُ عَامَّةَ النَّهَارِ فِي الْكَرْخَانَةِ وَاللَّيْلِ مَعَ الزَّوْجِ لَا نَفَقَةَ لَهَا اهـ. مَعَ أَنَّهُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا اسْتَدَانَتْ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ الْكَلَامُ فِي الْوُجُوبِ لَا فِي إسْقَاطِ مَا وَجَبَ وَلَا شُبْهَةَ فِي أَنَّ النَّاشِزَةَ لَا تَجِبُ نَفَقَتُهَا مُطْلَقًا فَكَلَامُ الْمُخْتَصَرِ عَلَى إطْلَاقِهِ وَكَلَامُ هَذَا الشَّارِحِ فِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: قُلْت وَبِهَذَا عُرِفَ جَوَابُ وَاقِعَةٍ إلَخْ) هُوَ مِنْ كَلَامِ الْمُجْتَبَى قَالَ فِي النَّهْرِ وَفِيهِ نَظَرٌ سَيَأْتِي إيضَاحُهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 195 سَيَأْتِي أَنَّ الْقَابِلَةَ لَهَا الْخُرُوجُ. (قَوْلُهُ وَصَغِيرَةٍ لَا تُوطَأُ) أَيْ لَا نَفَقَةَ لِلصَّغِيرَةِ إذَا كَانَتْ لَا تُطِيقُ الْجِمَاعَ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَ الِاسْتِمْتَاعِ لِمَعْنًى فِيهَا وَالِاحْتِبَاسُ الْمُوجِبُ هُوَ الَّذِي يَكُونُ وَسِيلَةً إلَى الْمَقْصُودِ الْمُسْتَحَقِّ بِالنِّكَاحِ وَلَمْ يُوجَدْ بِخِلَافِ الْمَرِيضَةِ كَمَا سَيَأْتِي، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَهَا النَّفَقَةُ؛ لِأَنَّهَا عِوَضٌ عَنْ الْمِلْكِ عِنْدَهُ كَمَا فِي الْمَمْلُوكَةِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَلَنَا أَنَّ الْمَهْرَ عِوَضٌ عَنْ الْمِلْكِ وَلَا يَجْتَمِعُ الْعِوَضَانِ عَنْ مُعَوَّضٍ وَاحِدٍ فَلَهَا الْمَهْرُ دُونَ النَّفَقَةِ أَطْلَقَ فِي عَدَمِ وُجُوبِهَا لَهَا فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَتْ فِي بَيْتِ الزَّوْجِ أَوْ فِي بَيْتِ أَبِيهَا وَقَيَّدَ بِالنَّفَقَةِ؛ لِأَنَّ لِلْأَبِ مُطَالَبَةَ الزَّوْجِ بِمَهْرِ الصَّغِيرَةِ الَّتِي لَا تُوطَأُ وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً جِدًّا وَيُجْبَرُ الزَّوْجُ عَلَى دَفْعِ الْمَهْرِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ كُلُّهُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ وَحَقُّ الْقَبْضِ لِلْأَبِ، كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَقَيَّدَ بِالصَّغِيرَةِ؛ لِأَنَّهَا تَجِبُ كَالْمَهْرِ لِلْكَبِيرَةِ وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ صَغِيرًا جِدًّا فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّ الْعَجْزَ مِنْ قِبَلِهِ كَالْمَجْبُوبِ وَالْعِنِّينِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ لَا تَجِبُ عَلَى الْأَبِ نَفَقَةُ امْرَأَةِ وَلَدِهِ وَيَسْتَدِينُ الْأَبُ عَلَيْهِ، ثُمَّ يَرْجِعُ بِذَلِكَ عَلَى الِابْنِ إذَا أَيْسَرَ، كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَفِي الْخُلَاصَةِ لَا يَجِبُ عَلَى أَبِيهِ إلَّا إذَا ضَمِنَهَا كَمَا فِي الْمَهْرِ اهـ. فَلَوْ أَنْفَقَ عَلَيْهَا أَبُوهُ، ثُمَّ وَلَدَتْ وَاعْتَرَفَتْ أَنَّهَا حَبِلَتْ مِنْ الزِّنَا فَإِنَّهَا لَا تَرُدُّ شَيْئًا مِنْ النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّ الْحَبَلَ مِنْ الزِّنَا وَإِنْ مَنَعَ مِنْ الْوَطْءِ لَا يَمْنَعُ مِنْ دَوَاعِيهِ وَمَنْ وَطِئَ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ، وَهَذَا كَافٍ لِوُجُوبِ النَّفَقَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّتْ أَنَّهَا حِينَ تَزَوَّجَتْ كَانَتْ حُبْلَى فَإِنَّهَا تَرُدُّ نَفَقَةَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ؛ لِأَنَّهُ لَا نَفَقَةَ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ حَمْلًا لِأَمْرِهَا عَلَى أَنَّ الْحَبَلَ مِنْ زَوْجٍ آخَرَ سَابِقٌ فَتُصَدَّقُ فِي حَقِّ نَفْسِهَا إلَّا فِي حَقِّ الزَّوْجِ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الصَّغِيرَةَ الَّتِي لَا تُوطَأُ لَا يَجِبُ لَهَا نَفَقَةٌ صَغِيرًا كَانَ الزَّوْجُ أَوْ كَبِيرًا وَالْمُطِيقَةُ لِلْوَطْءِ تَجِبُ نَفَقَتُهَا صَغِيرًا كَانَ الزَّوْجُ أَوْ كَبِيرًا وَاخْتُلِفَ فِي حَدِّ الْمُطِيقَةِ لَهُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ غَيْرُ مُقَدَّرٍ بِالسِّنِّ وَإِنَّمَا الْعِبْرَةُ لِلِاحْتِمَالِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى الْجِمَاعِ، فَإِنَّ السَّمِينَةَ الضَّخْمَةَ تَحْتَمِلُ الْجِمَاعَ وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةَ السِّنِّ، كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَذَكَرَ الْعَتَّابِيُّ أَنَّهَا بِنْتُ تِسْعٍ وَاخْتَارَهُ مَشَايِخُنَا اهـ. وَأَطْلَقَ فِي الَّتِي لَا تُطِيقُ الْجِمَاعَ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَتْ تَصْلُحُ لِلْخِدْمَةِ أَوْ الِاسْتِئْنَاسِ فَإِنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ فِيمَا إذَا أَسْكَنَهَا فِي بَيْتِهِ فَإِنَّ لَهَا النَّفَقَةَ وَاخْتَارَ صَاحِبُ الْإِيضَاحِ وَالتُّحْفَةِ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَلَهُ أَنْ يَرُدَّهَا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَقَيَّدَ بِالصَّغِيرَةِ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ وَاجِبَةٌ لِلْقَرْنَاءِ وَالرَّتْقَاءِ وَاَلَّتِي أَصَابَهَا مَرَضٌ يَمْنَعُ الْجِمَاعَ وَالْكَبِيرَةُ الَّتِي لَا يُمْكِنُ وَطْؤُهَا لِكِبَرِهَا سَوَاءٌ أَصَابَتْهَا هَذِهِ الْعَوَارِضُ بَعْدَمَا انْتَقَلَتْ إلَى بَيْتِ الزَّوْجِ أَوْ قَبْلَ ذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ لَا احْتِبَاسَ لِلْوَطْءِ فِيهِنَّ كَالصَّغِيرَةِ الَّتِي لَا تُوطَأُ فَأَجَبْت بِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي إيجَابِ النَّفَقَةِ احْتِبَاسٌ يَنْتَفِعُ بِهِ الزَّوْجُ انْتِفَاعًا مَقْصُودًا بِالنِّكَاحِ وَهُوَ الْجِمَاعُ أَوْ الدَّوَاعِي وَالِانْتِفَاعُ مِنْ حَيْثُ الدَّوَاعِي مَوْجُودٌ فِي هَؤُلَاءِ بِأَنْ يُجَامِعَ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ بِخِلَافِ الصَّغِيرَةِ فَإِنَّهَا لَا تَكُونُ مُشْتَهَاةً أَصْلًا قَالُوا فَعَلَى هَذَا التَّعْلِيلِ إذَا كَانَتْ الصَّغِيرَةُ مُشْتَهَاةً يُمْكِنُ جِمَاعُهَا فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ تَجِبُ النَّفَقَةُ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَنْ كَانَتْ بِحَيْثُ تُشْتَهَى لِلْجِمَاعِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ فَهِيَ مُطِيقَةٌ لِلْجِمَاعِ فِي الْجُمْلَةِ إلَى آخِرِ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي الْخُلَاصَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْأَقْضِيَةِ أَبُو الصَّغِيرَةِ الَّتِي لَا نَفَقَةَ لَهَا إذَا طَلَبَ مِنْ الْقَاضِي فَرْضَ النَّفَقَةِ لَهَا عَلَى الزَّوْجِ وَظَنَّ الزَّوْجُ أَنَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَفَرَضَ لَهَا النَّفَقَةَ لَا يَجِبُ شَيْءٌ وَالْفَرْضُ بَاطِلٌ اهـ. وَنَظِيرُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ فَرَضَ لَهَا الْقَاضِي النَّفَقَةَ فَأَخَذَتْهَا أَشْهُرًا، ثُمَّ شَهِدَ الشُّهُودُ أَنَّهَا أُخْتُهُ مِنْ الرَّضَاعِ وَفَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا رَجَعَ الزَّوْجُ عَلَيْهَا بِمَا أَخَذَتْهُ مِنْ النَّفَقَةِ. (قَوْلُهُ وَمَحْبُوسَةٍ بِدَيْنٍ وَمَغْصُوبَةٍ وَحَاجَّةٍ مَعَ غَيْرِ الزَّوْجِ وَمَرِيضَةٍ لَمْ تُزَفَّ) أَيْ لَا تَجِبُ النَّفَقَةُ لِهَؤُلَاءِ؛ لِأَنَّ فَوَاتَ الِاحْتِبَاسِ لَيْسَ مِنْهُ أَمَّا فِي الْمَحْبُوسَةِ بِدَيْنٍ فَلِأَنَّ فَوَاتَ الِاحْتِبَاسِ مِنْهَا بِالْمُمَاطَلَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهَا بِأَنْ كَانَتْ عَاجِزَةً، فَلَيْسَ مِنْهُ؛ وَلِذَا أَطْلَقَهُ الْمُصَنِّفُ لِيَشْمَلَ مَا إذَا كَانَتْ قَادِرَةً عَلَى أَدَائِهِ أَوْ لَا وَمَا إذَا حُبِسَتْ قَبْلَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: مَعَ أَنَّهُ سَيَأْتِي أَنَّ الْقَابِلَةَ لَهَا الْخُرُوجُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَيَّدَهُ فِي الْخَانِيَّةِ بِإِذْنِ الزَّوْجِ، وَأَمَّا بِدُونِ إذْنِهِ فَلَا فَانْظُرْهُ فِي هَذَا الشَّرْحِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَلَهُمْ النَّظَرُ وَالْكَلَامُ مَعَهَا. (قَوْلُهُ: وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَهَا النَّفَقَةُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ قَالَهُ فِي الْقَدِيمِ أَمَّا فِي الْجَدِيدِ فَمَذْهَبُهُ كَمَذْهَبِنَا فَاعْلَمْ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَقُولُ: وَالزَّيْلَعِيُّ وَكَثِيرٌ مِنْ الْكُتُبِ اهـ. وَانْظُرْ مَا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ الْبَابِ عَنْ الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ، وَكَذَا مَا سَيَذْكُرُهُ الْمُؤَلِّفُ عَنْ الْخُلَاصَةِ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلِأَبَوَيْهِ وَأَجْدَادِهِ وَجَدَّاتِهِ. (قَوْلُهُ: فَتُصَدَّقُ فِي حَقِّ نَفْسِهَا) أَيْ تُصَدَّقُ أَنَّهَا حُبْلَى فِي حَقِّ نَفْسِهَا مَعَ حَمْلِ أَمْرِهَا عَلَى الْأَصْلَحِ وَهُوَ كَوْنُهَا حُبْلَى مِنْ زَوْجٍ سَابِقٍ فَتَرُدُّ نَفَقَةَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَلَا تُصَدَّقُ فِي حَقِّ الزَّوْجِ فَلَا يَفْسُدُ النِّكَاحُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 196 النُّقْلَةِ أَوْ بَعْدَهَا وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَاسْتَشْهَدَ لَهُ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِغَصْبِ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ مِنْ يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ حَيْثُ تَسْقُطُ الْأُجْرَةُ لِفَوَاتِ الِانْتِفَاعِ لَا مِنْ جِهَتِهِ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ، كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّ مُحَمَّدًا وَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِي النَّفَقَةِ الْمَفْرُوضَةِ؛ لِأَنَّهُ بِدُونِهِ لَا تُتَصَوَّرُ الْمَسْأَلَةُ لِسُقُوطِهَا، وَلَوْ حَذَفَ الْمُصَنِّفُ قَوْلَهُ بِدَيْنٍ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمَحْبُوسَةَ ظُلْمًا بِغَيْرِ حَقٍّ لَا نَفَقَةَ لَهَا؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي سُقُوطِ نَفَقَتِهَا فَوَاتُ الِاحْتِبَاسِ لَا مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ، وَقَدْ فَاتَ الِاحْتِبَاسُ هُنَا لَا مِنْ جِهَتِهِ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْفَوَاتُ مِنْ جِهَتِهِ أَمْكَنَ الْقَوْلُ بِبَقَائِهِ تَقْدِيرًا، وَأَمَّا إذَا كَانَ لَا مِنْ جِهَتِهِ فَلَمْ يَكُنْ الِاحْتِبَاسُ بَاقِيًا تَقْدِيرًا وَبِدُونِهِ لَا يُمْكِنُ إيجَابُ النَّفَقَةِ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَقَيَّدَ بِحَبْسِهَا؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ لَوْ حُبِسَ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى الْأَدَاءِ أَوْ لَا يَقْدِرُ أَوْ حُبِسَ ظُلْمًا أَوْ هَرَبَ أَوْ نَشَزَ كَانَتْ لَهَا النَّفَقَةُ؛ لِأَنَّ الِاحْتِبَاسَ هُنَا فَاتَ لِمَعْنًى مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَحْبِسَهُ هِيَ لِدَيْنٍ لَهَا عَلَيْهِ أَوْ يَحْبِسَهُ أَجْنَبِيٌّ. وَفِي الْخُلَاصَةِ أَنَّهَا إذَا حَبَسَتْهُ وَطَلَبَ أَنْ تُحْبَسَ مَعَهُ فَإِنَّهَا لَا تُحْبَسُ، وَذَكَرَ فِي مَآلِ الْفَتَاوَى أَنَّهُ إذَا خِيفَ عَلَيْهَا الْفَسَادُ تُحْبَسُ مَعَهُ عِنْدَ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَأَمَّا إذَا غَصَبَهَا رَجُلٌ كُرْهًا وَذَهَبَ بِهَا فَمَا فِي الْمُخْتَصَرِ هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ لَهَا النَّفَقَةَ وَالْفَتْوَى عَلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ فَوْتَ الِاحْتِبَاسِ لَيْسَ مِنْهُ لِيُجْعَلَ بَاقِيًا تَقْدِيرًا، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ. وَأَمَّا إذَا حَجَّتْ مَعَ غَيْرِ الزَّوْجِ فَلِأَنَّ فَوَاتَ الِاحْتِبَاسِ مِنْهَا، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ لَهَا النَّفَقَةَ؛ لِأَنَّ إقَامَةَ الْفَرْضِ عُذْرٌ فَيَكُونُ لَهَا نَفَقَةُ الْحَضَرِ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ يُؤْمَرُ الزَّوْجُ بِالْخُرُوجِ مَعَهَا وَالْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا إذَا أَرَادَتْ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ أَطْلَقَ الْحَجَّ فَشَمِلَ الْفَرْضَ وَالنَّفَلَ وَمَا إذَا حَجَّتْ قَبْلَ أَنْ تُسَلِّمَ نَفْسَهَا أَوْ بَعْدَهُ، وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ مِنْ جِهَتِهَا فَأَوْجَبَ سُقُوطَهَا، سَوَاءٌ كَانَتْ عَاصِيَةً فِي الْخُرُوجِ أَوْ طَائِعَةً بِخِلَافِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ لِوُجُودِ الِاحْتِبَاسِ فَلَا يَمْنَعُ اشْتِغَالُهَا بِهِمَا مِنْ وُجُوبِ النَّفَقَةِ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَقَيَّدَ بِكَوْنِ الْحَجِّ مَعَ غَيْرِ الزَّوْجِ الشَّامِلِ لِحَجِّهَا وَحْدَهَا أَوْ مَعَ مَحْرَمٍ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا إذَا حَجَّ مَعَهَا فَإِنَّ لَهَا النَّفَقَةَ اتِّفَاقًا وَهِيَ نَفَقَةُ الْحَضَرِ لَا السَّفَرِ فَيَنْظُرُ إلَى قِيمَةِ الطَّعَامِ فِي الْحَضَرِ وَلَا يَنْظُرُ إلَى قِيمَتِهِ فِي السَّفَرِ وَلَا يَلْزَمُهُ الْكِرَاءُ وَمُؤْنَةُ السَّفَرِ، وَأَمَّا الْمَرِيضَةُ الَّتِي لَمْ تُزَفَّ فَالْمُرَادُ بِهَا الْمَرِيضَةُ الَّتِي لَمْ تَنْتَقِلْ إلَى بَيْتِ الزَّوْجِ، وَقَدْ اخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُ الْكُتُبِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَظَاهِرُ الْمُخْتَصَرِ أَنَّهَا إذَا مَرِضَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ وَهِيَ فِي غَيْرِ بَيْتِ الزَّوْجِ فَإِنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا وَمَفْهُومُهُ أَنَّهَا إنْ كَانَتْ فِي بَيْتِهِ فَلَهَا النَّفَقَةُ وَعَلَى هَذَا فَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الصَّحِيحَةِ إنَّمَا هُوَ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الصَّحِيحَةَ إذَا لَمْ تَمْنَعْ نَفْسَهَا مِنْ الِانْتِقَالِ مَعَ الزَّوْجِ فَلَهَا النَّفَقَةُ طَلَبَهَا الزَّوْجُ أَوْ لَا بِخِلَافِ الْمَرِيضَةِ فَإِنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا وَهِيَ فِي بَيْتِهَا مُطْلَقًا وَفِي الْبَدَائِعِ مَا يُخَالِفُهُ فَإِنَّهُ قَالَ: لَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ مَرِيضَةً قَبْلَ النُّقْلَةِ مَرَضًا يَمْنَعُ مِنْ الْجِمَاعِ فَنُقِلَتْ وَهِيَ مَرِيضَةٌ فَلَهَا النَّفَقَةُ بَعْدَ النُّقْلَةِ وَقَبْلَهَا أَيْضًا إذَا طَلَبَتْ النَّفَقَةَ فَلَمْ يَنْقُلْهَا الزَّوْجُ وَهِيَ لَا تَمْتَنِعُ مِنْ النُّقْلَةِ لَوْ طَالَبَهَا الزَّوْجُ وَإِنْ كَانَتْ تَمْتَنِعُ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا كَالصَّحِيحَةِ كَذَا ذَكَرَهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا قَبْلَ النُّقْلَةِ فَإِذَا نُقِلَتْ وَهِيَ مَرِيضَةٌ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهَا، وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ التَّسْلِيمَ فِي حَقِّ التَّمْكِينِ مِنْ الْوَطْءِ إنْ لَمْ يُوجَدْ فَقَدْ وُجِدَ فِي حَقِّ التَّمْكِينِ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ، وَهَذَا يَكْفِي لِوُجُوبِ النَّفَقَةِ كَمَا فِي الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَالصَّائِمَةِ صَوْمَ رَمَضَانَ، وَإِذَا امْتَنَعَتْ لَمْ يُوجَدْ التَّسْلِيمُ شَرْعًا اهـ. فَحَاصِلُهُ أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْمَرِيضَةَ كَالصَّحِيحَةِ فَلَا يَنْبَغِي إدْخَالُهَا فِي النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا نَفَقَةَ لَهُنَّ وَفِي التَّجْنِيسِ الْمَرْأَةُ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا إذَا مَرِضَتْ وَطَلَبَتْ النَّفَقَةَ يَفْرِضُ لَهَا النَّفَقَةَ إنْ لَمْ يَكُنْ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَضُمَّهَا إلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا مَا امْتَنَعَتْ مِنْ تَسْلِيمِ النَّفْسِ وَإِنْ امْتَنَعَتْ مِنْ ذَاكَ فَلَا نَفَقَةَ عَلَيْهِ اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ مَرَضُهَا مَانِعًا مِنْ النُّقْلَةِ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا وَإِنْ لَمْ تَمْنَعْ نَفْسَهَا وَعَلَيْهِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَذَكَرَ فِي مَآلِ الْفَتَاوَى أَنَّهُ إذَا خِيفَ إلَخْ) وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة فَإِنْ مَاطَلَهَا بِالنَّفَقَةِ وَسَأَلَتْ الْقَاضِيَ أَنْ يَفْرِضَ لَهَا نَفَقَةً فَعَلَ ذَلِكَ وَيَكُونُ مَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ مِنْ النَّفَقَةِ بَعْدَ الْفَرْضِ دَيْنًا مَعَ الصَّدَاقِ فَيَسْتَدِيمُ الْحَبْسَ إلَى أَنْ يُوَفِّيَ الْكُلَّ فَإِنْ قَالَ الزَّوْجُ لِلْقَاضِي احْبِسْهَا مَعِي فَإِنَّ لِي مَوْضِعًا فِي الْحَبْسِ خَالِيًا فَالْقَاضِي لَا يَحْبِسُهَا مَعَهُ، وَلَكِنَّهَا تَصِيرُ فِي مَنْزِلِ الزَّوْجِ وَيُحْبَسُ الزَّوْجُ هَكَذَا ذَكَرَ هُنَا وَذَكَرَ فِي الدَّعَاوَى وَالْبَيِّنَاتِ فِي قِسْمِ الْفَتَاوَى مِنْ أَدَبِ الْقَاضِي أَنْ يَحْبِسَهَا؛ لِأَنَّهَا إذَا حُبِسَ زَوْجُهَا وَلَمْ تُحْبَسْ تَذْهَبُ حَيْثُ تُرِيدُ، وَقِيلَ لِلْقَاضِي أَنْ يَقُولَ لَهَا إذَا أَرَادَتْ حَبْسَ الزَّوْجِ لَوْ حَبَسْتُ زَوْجَك حَبَسْتُكِ مَعَهُ وَإِلَّا فَلَا وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ جَمِيعًا يَقَعُ الْأَمْنُ مِنْ ذَهَابِهَا أَيْنَمَا تُرِيدُ. اهـ. وَانْظُرْ هَلْ ذَلِكَ خَاصٌّ فِيمَا إذَا حَبَسَتْهُ هِيَ أَوْ مِثْلُهُ مَا إذَا حَبَسَهُ غَيْرُهُ. (قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 197 يُحْمَلُ مَا فِي الْمُخْتَصَرِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمَنْقُولَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وُجُوبُ النَّفَقَةِ لِلْمَرِيضَةِ، سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ النُّقْلَةِ أَوْ بَعْدَهَا وَسَوَاءٌ كَانَ يُمْكِنُهُ جِمَاعُهَا أَوْ لَا كَانَ مَعَهَا زَوْجُهَا أَوْ لَا حَيْثُ لَمْ تَمْنَعْ نَفْسَهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ وَالْخُلَاصَةِ وَالذَّخِيرَةِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ مَعْزِيًّا إلَى كَافِي الْحَاكِمِ وَالْمَبْسُوطِ وَالشَّامِلِ وَشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ فَكَانَ هُوَ الْمَذْهَبُ وَصَحَّحَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَقَالَ إنَّ الْفَتْوَى عَلَيْهِ وَذَكَرَ أَنَّ الْقَائِلِينَ بِعَدَمِهِ فَرَّعُوهُ عَلَى اشْتِرَاطِ التَّسْلِيمِ حَقِيقَةً وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَلَيْسَ هُوَ الْمُخْتَارُ وَاَلَّذِي ظَهَرَ لِي أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمَشَايِخُ إنَّمَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ إلَّا أَنَّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ فَإِنَّ النَّفَقَةَ وَإِنْ كَانَتْ وَاجِبَةً لِلْمَرِيضَةِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ قَبْلَ الِانْتِقَالِ حَيْثُ لَمْ تَمْنَعْ نَفْسَهَا لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يُمْكِنَهَا الِانْتِقَالُ فَلَوْ كَانَتْ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهَا الِانْتِقَالُ أَصْلًا فَلَا نَفَقَةَ لَهَا لِعَدَمِ التَّسْلِيمِ تَقْدِيرًا بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ فِي تَوْجِيهِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ إنَّ التَّسْلِيمَ حَاصِلٌ فِي حَقِّ التَّمْكِينِ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ انْتِقَالُهَا فَاتَ التَّسْلِيمُ بِالْكُلِّيَّةِ فَهَذَا هُوَ مُرَادُ الْفَارِقِينَ بَيْنَ الْمَرِيضَةِ وَالصَّحِيحَةِ فَالْمَرِيضَةُ الَّتِي لَمْ تُزَفَّ لَا نَفَقَةَ لَهَا إنْ كَانَتْ بِحَيْثُ لَا تَقْدِرُ عَلَى الِانْتِقَالِ مَعَهُ سَوَاءٌ مَنَعَتْ نَفْسَهَا بِالْقَوْلِ أَوْ لَا وَقَيَّدَ بِكَوْنِهَا لَمْ تُزَفَّ؛ لِأَنَّهَا لَوْ مَرِضَتْ فِي بَيْتِ الزَّوْجِ مَرَضًا لَا تَسْتَطِيعُ مَعَهُ الْجِمَاعُ لَمْ تَبْطُلْ نَفَقَتُهَا بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ الْمُطْلَقَ هُوَ التَّسْلِيمُ الْمُمَكِّنُ مِنْ الْوَطْءِ وَالِاسْتِمْتَاعِ، وَقَدْ حَصَلَ بِالِانْتِقَالِ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ صَحِيحَةً، كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَبِهِ يَظْهَرُ أَنَّ مَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ التَّفْصِيلِ لَا أَصْلَ لَهُ وَعِبَارَتُهَا إذَا زُفَّتْ الْمَرْأَةُ إلَى زَوْجِهَا وَهِيَ صَحِيحَةٌ فَمَرِضَتْ فِي بَيْتِ الزَّوْجِ مَرَضًا لَا تَحْتَمِلُ الْجِمَاعَ إنْ كَانَ بَنَى بِهَا كَانَ لَهَا النَّفَقَةُ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَسْلَمُ عَنْ الْمَرَضِ فِي عُمُرِهَا وَإِنْ كَانَ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَمَرِضَتْ مَرَضًا لَا تَحْتَمِلُ الْجِمَاعَ لَا نَفَقَةَ لَهَا وَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْهَا إغْمَاءٌ كَثِيرٌ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَرَضِ اهـ. وَفِيهَا أَيْضًا لَوْ مَرِضَتْ فِي بَيْتِ الزَّوْجِ بَعْدَ الدُّخُولِ فَانْتَقَلَتْ إلَى دَارِ أَبِيهَا قَالُوا إنْ كَانَتْ بِحَالٍ يُمْكِنُ النَّقْلُ إلَى مَنْزِلِ الزَّوْجِ بِمِحَفَّةٍ أَوْ نَحْوِهَا فَلَمْ تَنْتَقِلْ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا وَإِنْ كَانَ لَا يُمْكِنُ نَقْلُهَا فَلَهَا النَّفَقَةُ اهـ. وَقَيَّدَ بِالنَّفَقَةِ؛ لِأَنَّ الْمُدَاوَاةَ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ أَصْلًا، كَذَا فِي التَّبْيِينِ مِنْ بَابِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ، وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ سِتًّا مِنْ النِّسَاءِ لَا نَفَقَةَ لَهُنَّ وَفِي خِزَانَةِ الْفِقْهِ لِأَبِي اللَّيْثِ عَشْرٌ مِنْ النِّسَاءِ لَا نَفَقَةَ لَهُنَّ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمَرِيضَةَ وَذَكَرَ خَمْسَةً وَالْأَمَةَ إذَا لَمْ يُبَوِّئْهَا مَوْلَاهَا وَالْمَنْكُوحَةَ نِكَاحًا فَاسِدًا وَالْمُرْتَدَّةَ وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا وَالْمَرْأَةَ إذَا قَبَّلَتْ ابْنَ زَوْجِهَا بِشَهْوَةٍ وَسَيَأْتِي حُكْمُ نَفَقَةِ الْأَمَةِ وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا وَالْمُقَبِّلَةُ وَالْمُرْتَدَّةُ فَلَمْ يَفُتْ الْمُصَنِّفَ إلَّا الْمَنْكُوحَةُ نِكَاحًا فَاسِدًا وَلَا حَاجَةَ إلَى بَيَانِهِ. (قَوْلُهُ وَلِخَادِمٍ لَوْ مُوسِرًا) أَيْ تَجِبُ النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ لِخَادِمِ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ كِفَايَتَهَا وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ، وَهَذَا مِنْ تَمَامِهِ إذْ لَا بُدَّ مِنْهُ فَيَلْزَمُهُ لِلْخَادِمِ أَدْنَى الْكِفَايَةِ لَا تَبْلُغُ نَفَقَةَ الْمَرْأَةِ، وَكَذَا كِسْوَتُهُ بِأَرْخَصِ مَا يَكُونُ وَيُفْرَضُ لِلْخَادِمِ خُفٌّ؛ لِأَنَّهَا تَحْتَاجُ إلَى الْخُرُوجِ بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ، كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَفَسَّرَ فِي الْهِدَايَةِ نَفَقَةَ الْخَادِمِ بِمَا يَلْزَمُ الْمُعْسِرَ مِنْ نَفَقَةِ امْرَأَتِهِ وَشَرَطَ فِي الْبَدَائِعِ وَشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ فِي وُجُوبِ نَفَقَةِ خَادِمِهَا أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ شُغُلٌ غَيْرُ خِدْمَتِهَا بِأَنْ يَكُونَ مُتَفَرِّغًا لَهَا وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي الْخَادِمِ وَلَمْ يُضِفْهُ إلَيْهَا لِلِاخْتِلَافِ فِي تَفْسِيرِهِ فَقِيلَ هُوَ كُلُّ مَنْ يَخْدُمُهَا حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا مِلْكًا لَهَا أَوْ لَهُ أَوْ لَهُمَا أَوْ لِغَيْرِهِمَا وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ مَمْلُوكُهَا فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهَا خَادِمٌ لَا يُفْرَضُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ خَادِمٍ؛ لِأَنَّهَا بِسَبَبِ مِلْكِهَا لَهُ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهَا لَا يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ كَالْقَاضِي إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ خَادِمٌ لَا يَسْتَحِقُّ نَفَقَةَ الْخَادِمِ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ خَادِمَهَا هُوَ الْمَمْلُوكُ لَهَا سَوَاءٌ كَانَ عَبْدًا أَوْ جَارِيَةً وَلِهَذَا ذَكَرَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّ الْخَادِمَ وَاحِدُ الْخُدَّامِ غُلَامًا كَانَ أَوْ جَارِيَةً وَبِهِ تَبَيَّنَ أَنَّ تَفْسِيرَ الزَّيْلَعِيِّ خَادِمَهَا بِالْجَارِيَةِ الْمَمْلُوكَةِ لَهَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فِيهِ نَظَرٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يَدْخُلَ   [منحة الخالق] يُحْمَلُ مَا فِي الْمُخْتَصَرِ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ مَا فِي الْكِتَابِ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْمَرِيضَةَ لَا نَفَقَةَ لَهَا حَيْثُ لَمْ تُزَفَّ إلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ يُمْكِنُهَا الِانْتِقَالُ إلَيْهِ أَوْ لَا، وَهَذَا بِرِوَايَةِ الثَّانِي أَلْيَقُ. (قَوْلُهُ: إذْ لَا بُدَّ لَهَا مِنْهُ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ يُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّهَا إذَا مَرِضَتْ وَجَبَ عَلَيْهِ إخْدَامُهَا وَلَمْ أَرَهُ صَرِيحًا وَإِنْ عُلِمَ مِنْ كَلَامِهِمْ، ثُمَّ نَقَلَهُ عَنْ كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً، وَقَالَ وَهُوَ مُقْتَضَى قَوَاعِدِ مَذْهَبِنَا اهـ. قُلْت هَذَا ظَاهِرٌ عَلَى خِلَافِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ الْآتِي أَمَّا عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مِنْ اشْتِرَاطِ كَوْنِ الْخَادِمِ مَمْلُوكًا لَهَا فَلَا فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَمْلُوكًا لَهَا لَا نَفَقَةَ لَهُ عَلَى الزَّوْجِ وَإِنْ كَانَتْ مُحْتَاجَةً إلَيْهِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي الْخَادِمِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ إلَخْ) عِبَارَةُ الذَّخِيرَةِ هَكَذَا قَالَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَرْأَةِ خَادِمٌ لَا يُفْرَضُ نَفَقَةُ الْخَادِمِ عَلَى الزَّوْجِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهَا نَفَقَةَ الْخَادِمِ بِاعْتِبَارِ مِلْكِ الْخَادِمِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا خَادِمٌ كَيْفَ تَسْتَوْجِبُ نَفَقَةَ الْخَادِمِ وَهُوَ نَظِيرُ الْقَاضِي إلَخْ أَقُولُ: وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ لَيْسَتْ نَصًّا فِي اشْتِرَاطِ كَوْنِ الْخَادِمِ مِلْكًا لَهَا. (قَوْلُهُ: فِيهِ نَظَرٌ) قَالَ الرَّمْلِيُّ لَوْ قَالَ فِيهِ قُصُورٌ لَكَانَ أَوْلَى عَلَى أَنَّهُ يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ جَرَى عَلَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 198 الْمُدَبَّرُ وَالْمُدَبَّرَةُ تَحْتَهُ وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا خَادِمٌ مَمْلُوكٌ لَا يَلْزَمُ الزَّوْجَ كِرَاءُ غُلَامٍ يَخْدُمُهَا لَكِنْ يَلْزَمُهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهَا مَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ السُّوقِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْفَتَاوَى السِّرَاجِيَّةِ وَقَيَّدَ بِالْخَادِمِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ نَفَقَةُ أَكْثَرَ مِنْ خَادِمٍ وَاحِدٍ لَهَا وَهَذَا عِنْدَهُمَا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَفْرِضُ لِخَادِمَيْنِ؛ لِأَنَّهَا تَحْتَاجُ إلَى أَحَدِهِمَا لِمَصَالِحِ الدَّاخِلِ وَإِلَى الْآخَرِ لِمَصَالِحِ الْخَارِجِ وَلَهُمَا أَنَّ الْوَاحِدَ يَقُومُ بِالْأَمْرَيْنِ فَلَا ضَرُورَةَ إلَى اثْنَيْنِ قَالَ الطَّحَاوِيُّ وَرَوَى صَاحِبُ الْإِمْلَاءِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا كَانَتْ مِمَّنْ يَجِلُّ مِقْدَارُهَا عَنْ خِدْمَةِ خَادِمٍ وَاحِدٍ أَنْفَقَ عَلَى مَنْ لَا بُدَّ لَهَا مِنْهُ مِنْ الْخُدَّامِ مِمَّنْ هُوَ أَكْثَرُ مِنْ الْخَادِمِ الْوَاحِدِ أَوْ الِاثْنَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ وَبِهِ نَأْخُذُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ والولوالجية الْمَرْأَةُ إذَا كَانَتْ مِنْ بَنَاتِ الْأَشْرَافِ وَلَهَا خَدَمٌ يُجْبَرُ الزَّوْجُ عَلَى أُجْرَةِ خَادِمَيْنِ اهـ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَذْهَبَ الِاقْتِصَارُ عَلَى وَاحِدٍ مُطْلَقًا وَالْمَأْخُوذُ بِهِ عِنْدَ الْمَشَايِخِ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالذَّخِيرَةِ لَوْ كَانَ لَهُ أَوْلَادٌ لَا يَكْفِيهِمْ خَادِمٌ وَاحِدٌ فُرِضَ عَلَيْهِ لِخَادِمَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ مِقْدَارُ مَا يَكْفِيهِمْ اتِّفَاقًا وَفِي التَّجْنِيسِ امْرَأَةٌ لَهَا مَمَالِيكُ قَالَتْ لِزَوْجِهَا أَنْفِقْ عَلَيْهِ مِنْ مَهْرِي فَأَنْفَقَ فَقَالَتْ لَا أَجْعَلُهَا مِنْ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّك اسْتَخْدَمْتَهُمْ فَمَا أَنْفَقَ بِالْمَعْرُوفِ فَهُوَ مَحْسُوبٌ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ بِأَمْرِهَا اهـ. وَأَطْلَقَ فِي وُجُوبِ نَفَقَةِ الْخَادِمِ فَشَمِلَ مَا إذَا أَرَادَ الزَّوْجُ أَنْ يَخْدُمَهَا أَوْ يَخْدُمَهَا خَادِمُهُ وَلَا يُنْفِقُ عَلَى خَادِمِهَا قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ وَإِنْ قَالَ الزَّوْجُ أَنَا أَخْدُمُكِ أَوْ تَخْدُمُكِ جَارِيَةٌ مِنْ جَوَارِيَّ، الصَّحِيحُ أَنَّ الزَّوْجَ لَا يَمْلِكُ إخْرَاجَ خَادِمِ الْمَرْأَةِ مِنْ بَيْتِهِ وَعَلَّلَهُ الولوالجي بِأَنَّ الْمَرْأَةَ عَسَى لَا تَتَهَيَّأُ لَهَا الْخِدْمَةُ بِخَدَمِ الزَّوْجِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَمْلِكُ إخْرَاجَ مَا عَدَا خَادِمٍ وَاحِدٍ مِنْ بَيْتِهِ؛ لِأَنَّهُ زَائِدٌ عَلَى قَوْلِهِمَا وَأَطْلَقَ فِي الْمَرْأَةِ فَشَمِلَ الْأَمَةَ وَالْحُرَّةَ الشَّرِيفَةَ وَالْوَضِيعَةَ لَكِنْ فِي الْخُلَاصَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْفَتَاوَى الصُّغْرَى الْمَنْكُوحَةُ إذَا كَانَتْ أَمَةً لَا تَسْتَحِقُّ نَفَقَةَ الْخَادِمِ وَنَفَقَةُ الْخَادِمِ لِبَنَاتِ الْأَشْرَافِ اهـ. وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ لِلْأَمَةِ خَادِمٌ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهُ الْمَمْلُوكُ لِلْمَرْأَةِ وَلَا مَالِكَ لِلْأَمَةِ وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى قَوْلِ مَنْ فَسَّرَ الْخَادِمَ بِكُلِّ خَادِمٍ مَمْلُوكًا لَهَا أَوْ لَا، وَقَدْ أَخَذَ بَعْضُهُمْ بِمَا فِي الْخُلَاصَةِ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ مِنْ الْأَرْذَالِ لَا تَسْتَحِقُّ نَفَقَةَ الْخَادِمِ وَإِنْ كَانَتْ حُرَّةً؛ لِأَنَّهُ قَيَّدَهَا بِبَنَاتِ الْأَشْرَافِ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَيُوَافِقُهُ مَا قَيَّدَ بِهِ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ كَلَامَ الْخَصَّافِ حَيْثُ قَالَ فِي أَدَبِ الْقَاضِي: لَوْ فُرِضَ مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ الدَّقِيقِ وَالدُّهْنِ وَاللَّحْمِ وَالْإِدَامِ فَقَالَتْ لَا أَعْجِنُ وَلَا أَخْبِزُ وَلَا أُعَالِجُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لَا تُجْبَرُ عَلَيْهِ وَعَلَى الزَّوْجِ أَنْ يَأْتِيَهَا بِمَنْ يَكْفِيَهَا عَمَلَ ذَلِكَ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ هَذَا إذَا كَانَ بِهَا عِلَّةٌ لَا تَقْدِرُ عَلَى الطَّبْخِ وَالْخَبْزِ أَوْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا تُبَاشِرُ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ تَخْدُمُ نَفْسَهَا وَتَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَهَا بِمَنْ يَفْعَلُهُ وَفِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ تُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ قَالَ السَّرَخْسِيُّ لَا تُجْبَرُ، وَلَكِنْ إذَا لَمْ تَطْبُخْ لَا يُعْطِيهَا الْإِدَامَ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقَالُوا إنَّ هَذِهِ الْأَعْمَالَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهَا دِيَانَةً وَإِنْ كَانَ لَا يُجْبِرُهَا الْقَاضِي اهـ. وَلِذَا قَالَ فِي الْبَدَائِعِ لَوْ اسْتَأْجَرَهَا لِلطَّبْخِ وَالْخَبْزِ لَمْ يَجُزْ وَلَا يَجُوزُ لَهَا أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا لَوْ أَخَذَتْ لَأَخَذَتْ عَلَى عَمَلٍ وَاجِبٍ عَلَيْهَا فِي الْفَتْوَى فَكَانَ فِي مَعْنَى الرِّشْوَةِ فَلَا يَحِلُّ لَهَا الْأَخْذُ اهـ. وَهُوَ شَامِلٌ لِبَنَاتِ الْأَشْرَافِ أَيْضًا؛ وَلِذَا اسْتَدَلَّ فِي الْبَدَائِعِ لِوُجُوبِهِ دِيَانَةً بِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «قَسَّمَ الْأَعْمَالَ بَيْنَ عَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ فَجَعَلَ أَعْمَالَ الْخَارِجِ عَلَى عَلِيٍّ وَأَعْمَالَ الدَّاخِلِ عَلَى فَاطِمَةَ» اهـ. مَعَ أَنَّهَا سَيِّدَةُ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - وَأَبُوهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْضَلُ الْخَلْقِ أَجْمَعِينَ وَقَيَّدَ بِيَسَارِ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْخَادِمِ عِنْدَ إعْسَارِهِ وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الْأَصَحُّ خِلَافًا لِمَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْمُعْسِرِ أَدْنَى الْكِفَايَةِ وَهِيَ قَدْ تَكْتَفِي بِخِدْمَةِ نَفْسِهَا، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَتَعَقَّبَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ أَوَّلًا مِنْ لُزُومِ اعْتِبَارِ حَالِهِمَا وَأَنَّهُ عِنْدَ إعْسَارِهِ دُونَهَا يُنْفِقُ بِقَدْرِ حَالِهِ وَالْبَاقِي دَيْنٌ عَلَيْهِ وَقِيَاسُهُ أَنْ تَجِبَ النَّفَقَةُ   [منحة الخالق] الْغَالِبِ فِي اتِّخَاذِ النِّسَاءِ الْخَادِمَ مِنْ جِنْسِ الْجَوَارِي لَا أَنَّهُ قَيْدٌ، تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَفْرِضُ لِخَادِمَيْنِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَقُولُ: م، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى يَعْنِي غَيْرَ رِوَايَةِ الْخَادِمَيْنِ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا كَانَتْ فَائِقَةً بِنْتَ فَائِقٍ زُفَّتْ إلَى بَيْتِ زَوْجِهَا مَعَ خَدَمٍ كَثِيرَةٍ اسْتَحَقَّتْ نَفَقَةَ الْخَدَمِ كُلِّهَا عَلَى الزَّوْجِ فَإِنْ قَالَ الزَّوْجُ لِامْرَأَتِهِ لَا أُنْفِقُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ خَدَمِكِ، وَلَكِنْ أُعْطِي خَادِمًا مِنْ خَدَمِي لِيَخْدُمكِ فَأَبَتْ الْمَرْأَةُ لَمْ يَكُنْ لِلزَّوْجِ ذَلِكَ وَيُجْبَرُ عَلَى نَفَقَةِ خَادِمٍ وَاحِدٍ مِنْ خُدَّامِ الْمَرْأَةِ اهـ. مِنْ التَّتَارْخَانِيَّة. أَقُولُ: فَأَشَارَ بِقَوْلِهِ بِنْتَ فَائِقٍ إلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ حَالُهَا فِي بَيْتِ أَبِيهَا لَا حَالُهَا الطَّارِئُ عَلَيْهَا فِي بَيْتِ الزَّوْجِ تَأَمَّلْ اهـ. (قَوْلُهُ: قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ إلَخْ) فِي الْبَدَائِعِ وَذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ بِهَا عِلَّةٌ لَا تَقْدِرُ عَلَى الطَّبْخِ وَالْخَبْزِ أَوْ كَانَتْ مِنْ بَنَاتِ الْأَشْرَافِ لَا تُجْبَرُ فَأَمَّا إذَا كَانَتْ تَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ وَهِيَ مِمَّنْ تَخْدُمُ نَفْسَهَا تُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 199 لِلْخَادِمِ دَيْنًا عَلَيْهِ اهـ. وَقَدْ يُقَالُ إنَّمَا قِيلَ فِي نَفَقَتِهَا ذَلِكَ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ الْآيَةِ وَحَدِيثِ هِنْدَ وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي الْخَادِمِ فَبَقِيَ عَلَى الْأَصْلِ مِنْ اعْتِبَارِ حَالِهِ وَفِي الذَّخِيرَةِ وَلَا تُقَدَّرُ نَفَقَةُ الْخَادِمِ بِالدَّرَاهِمِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي نَفَقَةِ الْمَرْأَةِ، بَلْ يُفْرَضُ لَهَا مَا يَكْفِيهَا بِالْمَعْرُوفِ، وَلَكِنْ لَا تَبْلُغُ نَفَقَةُ خَادِمِهَا نَفَقَتَهَا؛ لِأَنَّ الْخَادِمَ تَبَعٌ لِلْمَرْأَةِ فَتَنْقُصُ نَفَقَةُ الْخَادِمِ عَنْ نَفَقَتِهَا وَلَمْ يُرِدْ بِالنُّقْصَانِ النُّقْصَانَ فِي الْخُبْزِ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ بِقَدْرِ الْكِفَايَةِ وَعَسَى أَنْ تَسْتَوْفِيَ الْخَادِمَ مِنْ الْخُبْزِ فِي الْأَكْلِ أَكْثَرَ مِمَّا تَسْتَوْفِي الْمَرْأَةُ وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ النُّقْصَانَ فِي الْإِدَامِ اهـ. وَفِيهِ أَيْضًا وَالْكِسْوَةُ لِلْخَادِمِ عَلَى الْمُعْسِرِ قَمِيصُ كِرْبَاسٍ فِي الشِّتَاءِ وَإِزَارٌ وَرِدَاءٌ كَأَرْخَصِ مَا يَكُونُ وَفِي الصَّيْفِ قَمِيصٌ مِثْلُ ذَلِكَ وَإِزَارٌ وَعَلَى الْمُوسِرِ فِي الشِّتَاءِ قَمِيصٌ وَطِيءٌ وَإِزَارُ كِرْبَاسٍ وَكِسَاءٌ رَخِيصٌ وَفِي الصَّيْفِ قَمِيصٌ مِثْلُ ذَلِكَ وَإِزَارٌ، ثُمَّ لَمْ يَفْرِضْ لِلْخَادِمَةِ الْخِمَارَ وَفَرَضَهَا لِلْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ الْخِمَارَ لِسَتْرِ الرَّأْسِ، وَرَأْسُ الْمَرْأَةِ عَوْرَةٌ وَرَأْسُ الْخَادِمِ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ وَفَرَضَ لَهَا الْإِزَارَ؛ لِأَنَّ الْخَادِمَ تَحْتَاجُ إلَى الْخُرُوجِ قَالَ مَشَايِخُنَا مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي الْكِتَابِ مِنْ ثِيَابِ الْخَادِمِ فَهُوَ بِنَاءً عَلَى عَادَاتِهِمْ وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمْكِنَةِ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ بِاخْتِلَافِ الْعَادَاتِ فِي كُلِّ وَقْتٍ فَعَلَى الْقَاضِي اعْتِبَارُ الْكِفَايَةِ فِي نَفَقَةِ الْخَادِمِ فِيمَا يُفْرَضُ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَمَكَانٍ اهـ. وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ كِسْوَةِ الْخَادِمِ عَلَى الْمُعْسِرِ إنَّمَا هُوَ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ كَمَا لَا يَخْفَى وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَالْيَسَارُ مُقَدَّرٌ بِنِصَابِ حِرْمَانِ الصَّدَقَةِ لَا بِنِصَابِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ اهـ. وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ إلَّا أَنْ تُقِيمَ الْمَرْأَةُ الْبَيِّنَةَ وَيُشْتَرَطُ الْعَدَدُ وَالْعَدَالَةُ فِي هَذَا الْخَبَرِ وَلَا يُشْتَرَطُ لَفْظَةُ الشَّهَادَةِ وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَبَيِّنَتُهَا أَوْلَى، كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ نَفَقَةَ الْخَادِمِ إنَّمَا تَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ بِإِزَاءِ الْخِدْمَةِ فَإِنْ امْتَنَعَتْ مِنْ الطَّبْخِ وَالْخَبْزِ وَأَعْمَالِ الْبَيْتِ لَمْ تَسْتَحِقَّ النَّفَقَةَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ بِمُقَابَلَتِهَا بِخِلَافِ نَفَقَةِ الْمَرْأَةِ فَإِنَّهَا فِي مُقَابَلَةِ الِاحْتِبَاسِ فَإِذَا لَمْ تَعْمَلْ تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ، وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ. (قَوْلُهُ وَلَا يُفَرَّقُ بِعَجْزِهِ عَنْ النَّفَقَةِ وَتُؤْمَرُ بِالِاسْتِدَانَةِ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَوْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا لَبَطَلَ حَقُّهُ، وَلَوْ لَمْ يُفَرِّقْ لَتَأَخَّرَ حَقُّهَا وَالْأَوَّلُ أَقْوَى فِي الضَّرَرِ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ تَصِيرُ دَيْنًا بِفَرْضِ الْقَاضِي فَيَسْتَوْفِي فِي الثَّانِي وَفَوْتُ الْمَالِ وَهُوَ تَابِعٌ فِي النِّكَاحِ فَلَا يُلْحَقُ بِمَا هُوَ الْمَقْصُودُ وَهُوَ التَّوَالُدُ فَلَا يُقَاسُ الْعَجْزُ عَنْ الْإِنْفَاقِ عَلَى الْعَجْزِ عَنْ الْجِمَاعِ فِي الْمَجْبُوبِ وَالْعِنِّينِ وَأَطْلَقَ فِي النَّفَقَةِ فَشَمِلَ الْأَنْوَاعَ الثَّلَاثَةَ فَلَا يُفَرِّقُ بِعَجْزِهِ عَنْ كُلِّهَا أَوْ بَعْضِهَا وَقَيَّدَ بِالنَّفَقَةِ لِيَعْلَمَ حُكْمَ الْمَهْرِ بِالْأُولَى وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ مَعْزِيًّا إلَى الْفُصُولِ إذَا ثَبَتَ الْعَجْزُ بِشَهَادَةِ الشُّهُودِ فَإِنْ كَانَ الْقَاضِي شَافِعِيَّ الْمَذْهَبِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا نَفَذَ قَضَاؤُهُ بِالتَّفْرِيقِ وَإِنْ كَانَ حَنَفِيًّا لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَقْضِيَ بِالتَّفْرِيقِ بِخِلَافِ مَذْهَبِهِ إلَّا إذَا كَانَ مُجْتَهِدًا وَوَقَعَ اجْتِهَادُهُ عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ قَضَى مُخَالِفًا لِرَأْيِهِ مِنْ غَيْرِ اجْتِهَادٍ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ، وَلَوْ لَمْ يَقْضِ وَلَكِنْ أَمَرَ شَافِعِيَّ الْمَذْهَبِ لِيَقْضِيَ بَيْنَهُمَا فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ فَقَضَى بِالتَّفْرِيقِ نَفَذَ إذَا لَمْ يَرْتَشِ الْآمِرُ وَالْمَأْمُورُ فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ غَائِبًا فَرَفَعَتْ الْمَرْأَةُ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي وَأَقَامَتْ الْمَرْأَةُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ زَوْجَهَا الْغَائِبَ عَاجِزٌ عَنْ النَّفَقَةِ وَطَلَبَتْ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا فَإِنْ كَانَ الْقَاضِي حَنَفِيًّا فَقَدْ ذَكَرْنَا وَإِنْ كَانَ شَافِعِيًّا فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا قَالَ مَشَايِخُ سَمَرْقَنْدَ جَازَ تَفْرِيعُهُ؛ لِأَنَّهُ قَضَى فِي فَصْلَيْنِ مُخْتَلَفٍ فِيهِمَا التَّفْرِيقُ بِسَبَبِ الْعَجْزِ عَنْ النَّفَقَةِ وَالْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُجْتَهَدٌ فِيهِ، وَقَالَ ظَهِيرُ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيُّ لَا يَصِحُّ التَّفْرِيقُ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ إنَّمَا يَصِحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَيَنْفُذُ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا ثَبَتَ الْمَشْهُودُ بِهِ وَهُنَا لَمْ يَثْبُتْ الْمَشْهُودُ بِهِ عِنْدَ الْقَاضِي وَهُوَ الْعَجْزُ؛ لِأَنَّ الْمَالَ غَادٍ وَرَائِحٌ وَمِنْ الْجَائِزِ أَنَّ الْغَائِبَ صَارَ غَنِيًّا وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ الشَّاهِدُ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْمَسَافَةِ فَكَانَ الشَّاهِدُ مُجَازِفًا فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ، وَقَالَ صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ قَضَاؤُهُ؛ لِأَنَّ الْعَجْزَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: فَبَقِيَ عَلَى الْأَصْلِ مِنْ اعْتِبَارِ حَالِهِ) قَالَ فِي النَّهْرِ فِيهِ نَظَرٌ إذْ لَوْ اعْتَبَرَ فِيهِ لَوَجَبَ عَلَيْهِ نَفَقَةٌ لَهَا إذَا كَانَ مُوسِرًا وَهِيَ فَقِيرَةٌ، وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّهَا لَا تَجِبُ. (قَوْلُهُ: فَشَمِلَ الْأَنْوَاعَ الثَّلَاثَةَ) أَيْ الْمَأْكُولَ وَالْكِسْوَةَ وَالسُّكْنَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 200 لَا يُعْرَفُ حَالَةَ الْغَيْبَةِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ قَادِرًا فَيَكُونَ هَذَا تَرْكَ الْإِنْفَاقِ لَا لِلْعَجْزِ عَنْ الْإِنْفَاقِ فَإِنْ رُفِعَ هَذَا الْقَضَاءُ إلَى قَاضٍ آخَرَ وَأَجَازَ قَضَاءَهُ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَضَاءَ لَيْسَ بِمُجْتَهَدٍ فِيهِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْعَجْزَ لَمْ يَثْبُتْ اهـ. وَتَعَقَّبَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِقَوْلِهِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْفَسْخَ إذَا غَابَ وَلَمْ يَتْرُكْ لَهَا نَفَقَةً يُمْكِنُ بِغَيْرِ طَرِيقِ إثْبَاتِ عَجْزِهِ بِمَعْنَى فَقْرِهِ وَهُوَ أَنْ تَتَعَذَّرَ النَّفَقَةُ عَلَيْهَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ إذَا تَعَذَّرَتْ النَّفَقَةُ عَلَيْهَا بِغَيْبَتِهِ ثَبَتَ لَهَا الْفَسْخُ قَالَ فِي الْحِلْيَةِ وَلَهُ وَجْهٌ وَجِيهٌ فَلَا يَلْزَمُ مَجِيءُ مَا قَالَ ظَهِيرُ الدِّينِ اهـ. وَهَذَا لَا يَرُدُّ مَا قَالَهُ ظَهِيرُ الدِّينِ لِوَجْهَيْنِ، الْأَوَّلُ أَنَّهُ لَيْسَ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ وَالثَّانِي أَنَّ كَلَامَهُ فِي التَّفْرِيقِ بِسَبَبِ الْعَجْزِ لَا فِي غَيْرِهِ وَفِي الذَّخِيرَةِ فَرَّقَ بَيْنَ النَّفَقَةِ وَبَيْنَ سَائِرِ الدُّيُونِ فِي الْأَمْرِ بِالِاسْتِدَانَةِ فَإِنَّ فِي سَائِرِ الدُّيُونِ عَلَيْهِ الدَّيْنُ إذَا عَجَزَ عَنْ قَضَاءِ الدَّيْنِ لَا يُؤْمَرُ صَاحِبُ الدَّيْنِ بِالِاسْتِدَانَةِ عَلَيْهِ وَهُنَا بَعْدَمَا فَرَضَ الْقَاضِي لَهَا تُؤْمَرُ بِالِاسْتِدَانَةِ عَلَى الزَّوْجِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمَرْأَةَ لَوْ لَمْ تُؤْمَرْ بِالِاسْتِدَانَةِ عَسَى تَمُوتُ جُوعًا أَوْ يَمُوتُ الزَّوْجُ فَتَسْقُطُ نَفَقَتُهَا فَكَانَ الْأَمْرُ بِهَا لِتَأْكِيدِ حَقِّهَا، وَهَذَا الْمَعْنَى مَعْدُومٌ فِي سَائِرِ الدُّيُونِ قَالَ مَشَايِخُنَا لَيْسَ فَائِدَةُ الْأَمْرِ بِالِاسْتِدَانَةِ بَعْدَ فَرْضِ الْقَاضِي النَّفَقَةَ إثْبَاتَ حَقٍّ لِلْمَرْأَةِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ حَقَّ رُجُوعِهَا ثَابِتٌ بِالْفَرْضِ سَوَاءٌ أَكَلَتْ مِنْ مَالِ نَفْسِهَا أَوْ اسْتَدَانَتْ بِأَمْرِ الْقَاضِي أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ، وَلَكِنَّ فَائِدَتَهُ أَنْ يَرْجِعَ الْغَرِيمُ عَلَى الزَّوْجِ وَبِدُونِ الْأَمْرِ لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يَرْجِعُ رَبُّ الدَّيْنِ عَلَى الْمَرْأَةِ وَهِيَ تَرْجِعُ بِالْمَفْرُوضِ عَلَى الزَّوْجِ وَفِي تَجْرِيدِ الْقُدُورِيِّ أَنَّ فَائِدَتَهُ أَنْ تُحِيلَ الْمَرْأَةُ الْغَرِيمَ عَلَى الزَّوْجِ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ الزَّوْجُ وَبِدُونِهِ لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ وَذَكَرَ الْحَاكِمُ فِي الْمُخْتَصَرِ أَنَّ فَائِدَتَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الزَّوْجِ بَعْدَ مَوْتِ أَحَدِهِمَا وَبِدُونِهِ لَا رُجُوعَ اهـ. أَمَّا فِي الذَّخِيرَةِ فَقَدْ ذَكَرُوا لِلْأَمْرِ بِالِاسْتِدَانَةِ ثَلَاثَةَ فَوَائِدَ لَكِنْ مَنْ جَعَلَ فَائِدَتَهَا إمْكَانَ الْإِحَالَةِ عَلَيْهِ بِدُونِ رِضَاهُ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَيْسَ لِرَبِّ الدَّيْنِ الْأَخْذُ مِنْ الزَّوْجِ بِدُونِ الْحَوَالَةِ وَعَلَى الْأَوَّلِ لَهُ ذَلِكَ كَمَا لَا يَخْفَى وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ الْوَجْهَ فِي أَمْرِهَا بِالِاسْتِدَانَةِ دُونَ أَمْرِهِ بِذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ الْمَدْيُونُ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَأْمُرَهُ الْقَاضِي بِالِاسْتِدَانَةِ، وَقَدْ ظَهَرَ لِي وَجْهُهُ بِأَنَّهُ لَوْ أَمَرَ رُبَّمَا تَرَاخَى فِي ذَلِكَ فَيَحْصُلُ لَهَا الضَّرَرُ فَأُمِرَتْ هِيَ بِالِاسْتِدَانَةِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ؛ وَلِأَنَّ الْغَرِيمَ يَطْمَئِنُّ لِاسْتِدَانَتِهَا أَكْثَرَ مِنْ اسْتِدَانَتِهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يَصِيرُ لَهُ الْمُطَالَبَةُ عَلَى شَخْصَيْنِ الزَّوْجِ وَالْمَرْأَةِ بِخِلَافِ اسْتِدَانَةِ الزَّوْجِ فَإِنَّهُ لَا يُطَالَبُ إلَّا الزَّوْجُ فَلَوْ أَمَرَهُ الْقَاضِي بِالِاسْتِدَانَةِ لِنَفَقَتِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا وَلَمْ أَرَهُ مَنْقُولًا وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَى الِاسْتِدَانَةِ فَذَكَرَ الْخَصَّافُ وَتَبِعَهُ الشَّارِحُونَ أَنَّهَا الشِّرَاءُ بِالنَّسِيئَةِ لِتَقْضِيَ الثَّمَنَ مِنْ مَالِ الزَّوْجِ وَفِي الْمُجْتَبَى مَعْزِيًّا إلَى رُكْنِ الْأَئِمَّةِ الصَّبَّاغِيِّ أَنَّهَا الِاسْتِقْرَاضُ فَإِذَا اسْتَدَانَتْ هَلْ تُصَرِّحُ بِأَنِّي أَسْتَدِينُ عَلَى زَوْجِي أَوْ تَنْوِي أَمَّا إذَا صَرَّحَتْ فَظَاهِرٌ، وَكَذَا إذَا نَوَتْ، وَإِذَا لَمْ تُصَرِّحْ وَلَمْ تَنْوِ لَا يَكُونُ اسْتِدَانَةً عَلَيْهِ، وَلَوْ ادَّعَتْ أَنَّهَا نَوَتْ الِاسْتِدَانَةَ عَلَيْهِ وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ فَالْقَوْلُ لَهُ اهـ. وَأَطْلَقَ فِي الِاسْتِدَانَةِ فَشَمِلَ قَرِيبَ الْمَرْأَةِ وَالْأَجْنَبِيَّ، وَلَكِنْ ذَكَرَ فِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ أَنَّ الْمَرْأَةَ الْمُعْسِرَةَ إذَا كَانَ زَوْجُهَا مُعْسِرًا وَلَهَا ابْنٌ مِنْ غَيْرِهِ مُوسِرٌ أَوْ أَخٌ مُوسِرٌ فَنَفَقَتُهَا عَلَى زَوْجِهَا وَيُؤْمَرُ الِابْنُ أَوْ الْأَخُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الزَّوْجِ إذَا أَيْسَرَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: بِمَعْنَى فَقْرِهِ) الَّذِي فِي الْفَتْحِ فَقْدُهُ بِالدَّالِ لَا بِالرَّاءِ وَهُوَ الظَّاهِرُ. (قَوْلُهُ: الْأَوَّلُ أَنَّهُ لَيْسَ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ) قَالَ السَّيِّدُ أَبُو السُّعُودِ فِي حَاشِيَةِ مِسْكِينٍ نَقَلَ شَيْخُنَا عَنْ الرَّمْلِيِّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ أَنَّ وَالِدَهُ أَفْتَى بِعَدَمِ الْفَسْخِ فِيمَا إذَا تَعَذَّرَ تَحْصِيلُ النَّفَقَةِ لِغَيْبَتِهِ وَإِنْ طَالَتْ وَانْقَطَعَ خَبَرُهُ قَالَ فَقَدْ صَرَّحَ فِي الْأُمِّ بِأَنَّهُ لَا فَسْخَ مَا دَامَ مُوسِرًا وَإِنْ انْقَطَعَ خَبَرُهُ وَتَعَذَّرَ اسْتِيفَاؤُهَا مِنْ مَالِهِ إلَخْ فَقَوْلُهُ مُوسِرًا ظَاهِرٌ فِي الْفَسْخِ عِنْدَ عَجْزِهِ وَحِينَئِذٍ يُتَّجَهُ مَا ذَكَرَهُ شُرَّاحُ الْهِدَايَةِ فِي الرَّدِّ عَلَى الشَّافِعِيِّ، ثُمَّ قَالَ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ اُسْتُفِيدَ مِنْ شَرْحِ الْغَايَةِ الْقُصْوَى أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي الْفَسْخِ أَيْ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَأَنَّ الْأَظْهَرَ عَدَمُهُ بِالنِّسْبَةِ لِمَا إذَا لَمْ يُنْفِقْ عَلَيْهَا حَالَ غَيْبَتِهِ وَالْحَالُ أَنَّ لَهُ قُدْرَةً عَلَى أَدَاءِ النَّفَقَةِ فَإِنْ عَجَزَ فَلَا اخْتِلَافَ فِي الْفَسْخِ حِينَئِذٍ وَعَلَى هَذَا فَلَا فَرْقَ فِي الْفَسْخِ بِالْعَجْزِ بَيْنَ حُضُورِهِ وَغَيْبَتِهِ خِلَافًا لِمَا فَهِمَهُ فِي الدُّرَرِ مِنْ أَنَّ الْفَسْخَ حَالَ غَيْبَتِهِ غَيْرُ مَنُوطٍ بِالْعَجْزِ، بَلْ بِتَرْكِ الْإِنْفَاقِ مَعَ الْقُدْرَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ اهـ. مَا فِي حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّفْرِيقَ حَالَ حَضْرَتِهِ وَحَالَ غَيْبَتِهِ جَائِزٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذَا ثَبَتَ عَجْزُهُ وَالْأَوَّلُ اعْتَبَرَهُ مَشَايِخُنَا مُجْتَهَدًا فِيهِ دُونَ الثَّانِي وَيَصِحُّ الْقَضَاءُ بِالْأَوَّلِ وَتَنْفِيذُهُ دُونَ الثَّانِي. (قَوْلُهُ: بَعْدَ فَرْضِ الْقَاضِي) هَذَا الْقَيْدُ يَظْهَرُ فِي غَيْرِ مَسْأَلَةِ الْمُعْسِرِ الْغَائِبِ؛ لِأَنَّ الْغَائِبَ لَا يَفْرِضُ الْقَاضِي عَلَيْهِ نَفَقَةً مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ حَاضِرٌ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ. (قَوْلُهُ: قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ) كَذَا فِي النُّسَخِ وَصَوَابُ التَّعْبِيرِ يَأْمُرُهَا بِضَمِيرِ الْمُؤَنَّثِ. (قَوْلُهُ: لَكِنْ ذَكَرَ فِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَكَذَا إذَا كَانَ الزَّوْجُ غَائِبًا وَلَا مَالَ لَهُ عِنْدَ مَنْ يُقِرُّ بِهِ وَتَعَذَّرَتْ النَّفَقَةُ عَلَيْهَا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ تَأَمَّلْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 201 وَيُحْبَسُ الِابْنُ أَوْ الْأَخُ إذَا امْتَنَعَ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ الْمَعْرُوفِ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ الْإِدَانَةَ لِنَفَقَتِهَا إذَا كَانَ الزَّوْجُ مُعْسِرًا وَهِيَ مُعْسِرَةٌ تَجِبُ عَلَى مَنْ كَانَتْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهَا لَوْلَا الزَّوْجُ وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ لِلْمُعْسِرِ أَوْلَادٌ صِغَارٌ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى إنْفَاقِهِمْ تَجِبُ نَفَقَتُهُمْ عَلَى مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ لَوْلَا الْأَبُ كَالْأُمِّ وَالْأَخِ وَالْعَمِّ، ثُمَّ تَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْأَبِ إذَا أَيْسَرَ بِخِلَافِ نَفَقَةِ أَوْلَادِ الْكِبَار حَيْثُ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بَعْدَ الْيَسَارِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَجِبُ مَعَ الْإِعْسَارِ فَكَانَ كَالْمَيِّتِ اهـ. وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّهُ إذَا لَمْ تَجِدْ أَجْنَبِيًّا يَبِيعُهَا بِالنَّسِيئَةِ أَوْ يُقْرِضُهَا فَحِينَئِذٍ يَتَعَيَّنُ عَلَى وَلَدِهَا وَنَحْوِهَا، وَأَمَّا إذَا وَجَدَتْ فَلَا وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَلَوْ امْتَنَعَ مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا مَعَ الْيُسْرِ لَمْ يُفَرَّقْ وَيَبِيعُ الْحَاكِمُ مَالَهُ عَلَيْهِ وَيَصْرِفُهُ فِي نَفَقَتِهَا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَالَهُ يَحْبِسُهُ حَتَّى يُنْفِقَ عَلَيْهَا وَلَا يُفْسَخُ اهـ. وَفِي الْمُجْتَبَى وَالذَّخِيرَةِ قَالَ الزَّوْجُ فِي مَجْلِسِ أَبِي يُوسُفَ لَيْسَ عِنْدِي نَفَقَةٌ فَقَالَ خُذِي عِمَامَتَهُ وَأَنْفِقِيهَا عَلَى نَفْسِكِ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ عَلِمَ أَبُو يُوسُفَ أَنَّ لَهُ عِمَامَةً أُخْرَى وَإِلَّا لَا تُبَاعُ الْعِمَامَةُ فِي النَّفَقَةِ وَسَائِرِ الدُّيُونِ قَالَ الْخَصَّافُ وَلَا يَبِيعُ مَسْكَنَهُ وَخَادِمَهُ وَيَبِيعُ مَا سِوَى ذَلِكَ، وَقِيلَ يَبِيعُ مَا سِوَى الْإِزَارِ، وَقِيلَ يَتْرُكُ لِنَفْسِهِ دُسَتًا مِنْ الثِّيَابِ وَيَبِيعُ مَا سِوَى ذَلِكَ، وَقِيلَ دَسْتَيْنِ وَبِهِ قَالَ السَّرَخْسِيُّ، وَلَوْ كَانَ لَهُ ثِيَابٌ يُمْكِنُهُ الِاكْتِفَاءُ بِمَا دُونَهَا يَبِيعُهَا وَيَشْتَرِي ذَلِكَ بِبَعْضِهَا وَيَصْرِفُ الْبَاقِيَ إلَى الدُّيُونِ وَالنَّفَقَةِ اهـ. وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ فِي الْحَبْسِ وَفِي بَابِ الْحَجْرِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (قَوْلُهُ وَتَمَّمَ نَفَقَةَ الْيَسَارِ بِطُرُوِّهِ وَإِنْ قَضَى بِنَفَقَةِ الْإِعْسَارِ) ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ تَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ وَمَا قَضَى بِهِ تَقْدِيرٌ لِنَفَقَةٍ لَمْ تَجِبْ فَإِذَا تَبَدَّلَ حَالُهُ فَلَهَا الْمُطَالَبَةُ بِتَمَامِ حَقِّهَا وَزَعَمَ الشَّارِحُ الزَّيْلَعِيُّ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ تَسْتَقِيمُ عَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ حَيْثُ اعْتَبَرَ حَالَ الرَّجُلِ فَقَطْ وَلَمْ يَعْتَبِرْ حَالَ الْمَرْأَةِ أَصْلًا وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَلَا يَسْتَقِيمُ عَلَى مَا ذَكَرَ الْخَصَّافُ مِنْ اعْتِبَارِ حَالِهِمَا عَلَى مَا عَلِمَهُ الِاعْتِمَادُ فَيَكُونُ فِيهِ نَوْعُ تَنَاقُضٍ مِنْ الشَّيْخِ؛ لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ أَوَّلَ الْبَابِ هُوَ قَوْلُ الْخَصَّافِ، ثُمَّ ثَنَّى الْحُكْمَ عَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ اهـ. وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهُوَ مَرْدُودٌ، بَلْ هُوَ مُسْتَقِيمٌ عَلَى قَوْلِ الْكُلِّ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا يَظْهَرُ فِيمَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مُوسِرًا وَالْآخَرُ مُعْسِرًا وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ فَلَوْ كَانَا مُعْسِرَيْنِ وَقُضِيَ بِنَفَقَةِ الْإِعْسَارِ، ثُمَّ أَيْسَرَا فَإِنَّهُ يُتِمُّ نَفَقَةَ الْيَسَارِ اتِّفَاقًا، وَإِذَا أَيْسَرَ الرَّجُلُ وَحْدَهُ فَإِنَّهُ يَقْضِي بِنَفَقَةِ يَسَارِهِ، وَنَفَقَةُ يَسَارِهِ فِي حَالِ إعْسَارِهَا عِنْدَ الْخَصَّافِ هِيَ الْوَسَطُ، وَكَذَا إذَا أَيْسَرَتْ الْمَرْأَةُ وَحْدَهَا قُضِيَ بِنَفَقَةِ يَسَارِهَا وَهِيَ الْوَسَطُ عِنْدَهُ فَصَارَ كَلَامُهُ شَامِلًا لِلصُّوَرِ الثَّلَاثِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقَيِّدْ بِيَسَارِ الزَّوْجِ وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ الْمُرَادُ كَمَا وَقَعَ التَّصْرِيحُ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى يَسَارِهَا أَيْضًا وَمَتَى أَمْكَنَ الْحَمْلُ فَلَا تَنَاقُضَ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا فَرَضَ النَّفَقَةَ لِلْمَرْأَةِ فَغَلَا الطَّعَامُ أَوْ رَخُصَ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُغَيِّرُ ذَلِكَ الْحُكْمَ هَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَفِي الذَّخِيرَةِ، وَإِذَا فَرَضَ الْقَاضِي لَهَا مَا لَا يَكْفِيهَا فَلَهَا أَنْ تَرْجِعَ عَنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ خَطَأُ الْقَاضِي حَيْثُ قَضَى بِمَا لَا يَكْفِيهَا فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَدَارَكَ الْخَطَأَ بِالْقَضَاءِ لَهَا بِمَا يَكْفِيهَا، وَكَذَلِكَ إذَا فَرَضَ عَلَى الزَّوْجِ زِيَادَةً عَلَى مَا يَكْفِيهَا فَلَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْ الزِّيَادَةِ اهـ. وَفِي الْخُلَاصَةِ لَوْ صَالَحَتْهُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ حُقُوقِهَا فِي النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ إنْ كَانَ قَدْرَ مَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ جَازَ وَإِنْ كَانَ قَدْرَ مَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فَالزِّيَادَةُ مَرْدُودَةٌ وَيَلْزَمُهُ نَفَقَةُ مِثْلِهَا وَلَا يَبْطُلُ الْقَضَاءُ فَلَوْ أَنَّ الْقَاضِيَ فَرَضَ لَهَا النَّفَقَةَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَيُحْبَسُ الِابْنُ أَوْ الْأَخُ إذَا امْتَنَعَ) سَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ وَلِأَبَوَيْهِ وَأَجْدَادِهِ عَنْ الذَّخِيرَةِ وَإِنْ أَبَى الِابْنُ أَنْ يُقْرِضَهَا النَّفَقَةَ فُرِضَ لَهَا عَلَيْهِ النَّفَقَةُ وَتُؤْخَذُ مِنْهُ وَتُدْفَعُ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ الْمُعْسِرَ بِمَنْزِلَةِ الْمَيِّتِ اهـ فَتَأَمَّلْ وَسَيَأْتِي هُنَاكَ جَوَابُهُ. (قَوْلُهُ: وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ لِلْمُعْسِرِ أَوْلَادٌ صِغَارٌ إلَخْ) سَيَأْتِي مَا يُقَوِّيهِ وَيُوَضِّحُهُ عِنْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ وَلَا يُشَارِكُ الْأَبَ وَالْوَلَدَ فِي نَفَقَةِ أَبَوَيْهِ وَوَلَدِهِ أَحَدٌ. (قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّهُ) أَيْ مَا فِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ قَالَ فِي النَّهْرِ مَدْفُوعٌ بِالتَّعْلِيلِ بِالْمَعْرُوفِ إذْ لَيْسَ مِنْهُ أَنْ تَقْتَرِضَ مِنْ أَجْنَبِيٍّ نَفَقَتَهَا مَعَ وُجُودِ مَنْ هُوَ قَادِرٌ عَلَيْهَا مِنْ أَقَارِبِهَا. (قَوْلُهُ: بَلْ مُسْتَقِيمٌ عَلَى قَوْلِ الْكُلِّ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ مَا ذُكِرَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ نَفَقَةَ الْوَسَطِ تُسَمَّى نَفَقَةَ يَسَارٍ وَهُوَ مَمْنُوعٌ، وَقَالَ الْعَيْنِيُّ، بَلْ هُوَ مُسْتَقِيمٌ عَلَى قَوْلِ الْخَصَّافِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ عَلَى قَوْلِهِ عِنْدَ إعْسَارِ أَحَدِهِمَا النَّفَقَةُ الْمُتَوَسِّطَةُ فَبَعْدَ يَسَارِهِ يُتِمُّ نَفَقَةَ الْمُوسِرَيْنِ. اهـ. لَكِنْ يَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْعِبَارَةَ صَادِقَةٌ بِمَا إذَا كَانَا مُعْسِرَيْنِ فَأَيْسَرَتْ وَعَكْسُهُ فَإِنَّهُ لَا يُتِمُّ لَهَا نَفَقَةَ الْمُوسِرَيْنِ عَلَى قَوْلِ الْخَصَّافِ فِيهِمَا وَيُتِمُّ عَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ فِيمَا إذَا أَيْسَرَ هُوَ حِينَئِذٍ فَأَلْ فِي الْيَسَارِ بَدَلٌ مِنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ أَيْ يَسَارُ الزَّوْجِ كَمَا فَهِمَهُ الشَّارِحُ وَجَرَى عَلَيْهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ كَمَا قَدْ عَلِمْت، وَهَذَا لِأَنَّ الْكَلَامَ السَّابِقَ فِيهِ أَعْنِي قَوْلَهُ وَلَا يُفَرَّقُ بِعَجْزِهِ عَنْ النَّفَقَةِ، وَكَذَا قَوْلُهُ وَإِنْ قَضَى عَلَيْهِ بِنَفَقَةِ الْإِعْسَارِ وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 202 وَالسِّعْرُ غَالٍ، ثُمَّ رَخُصَ تَسْقُطُ الزِّيَادَةُ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ الْقَضَاءُ وَتَبْطُلُ الزِّيَادَةُ اهـ. يَعْنِي لَا يَبْطُلُ أَصْلُ التَّقْدِيرِ بِزِيَادَةِ السِّعْرِ أَوْ نُقْصَانِهِ حَتَّى لَوْ مَضَتْ مُدَّةٌ لَا تَسْقُطُ النَّفَقَةُ إذْ لَوْ بَطَلَ أَصْلُهُ لَسَقَطَتْ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ وَسَيَأْتِي فِي مَسَائِلِ الصُّلْحِ عَنْ النَّفَقَةِ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (قَوْلُهُ وَلَا تَجِبُ نَفَقَةٌ مَضَتْ إلَّا بِالْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا) ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ صِلَةٌ وَلَيْسَتْ بِعِوَضٍ عِنْدَنَا فَلَمْ يُسْتَحْكَمْ الْوُجُوبُ فِيهَا إلَّا بِالْقَضَاءِ كَالْهِبَةِ لَا تُوجِبُ الْمِلْكَ فِيهَا إلَّا بِمُؤَكِّدٍ وَهُوَ الْقَبْضُ وَالصُّلْحُ بِمَنْزِلَةِ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ عَلَى نَفْسِهِ أَقْوَى مِنْ وِلَايَةِ الْقَاضِي بِخِلَافِ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّهُ عِوَضُ الْبُضْعِ وَالْمُرَادُ بِعَدَمِ وُجُوبِهَا عَدَمُ كَوْنِهَا دَيْنًا عَلَيْهِ فَلَا تَكُونُ دَيْنًا عَلَيْهِ يُطَالَبُ بِهِ وَيُحْبَسُ عَلَيْهِ إلَّا بِإِحْدَى هَذَيْنِ الشَّيْئَيْنِ فَحِينَئِذٍ تَصِيرُ دَيْنًا عَلَيْهِ فَتَأْخُذُهُ مِنْهُ جَبْرًا سَوَاءٌ كَانَ غَائِبًا أَوْ حَاضِرًا سَوَاءٌ أَكَلَتْ مِنْ مَالِ نَفْسِهَا أَوْ اسْتَدَانَتْ وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فَشَمِلَ الْمُدَّةَ الْقَلِيلَةَ لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْغَايَةِ أَنَّ نَفَقَةَ مَا دُونَ الشَّهْرِ لَا تَسْقُطُ وَعَزَاهُ إلَى الذَّخِيرَةِ فَكَأَنَّهُ جَعَلَ الْقَلِيلَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ إذْ لَوْ سَقَطَتْ بِمُضِيِّ الْيَسِيرِ مِنْ الْمُدَّةِ لَمَا تَمَكَّنَتْ مِنْ الْأَخْذِ أَصْلًا اهـ. وَالْمُرَادُ بِالرِّضَا اصْطِلَاحُهُمَا عَلَى قَدْرٍ مُعَيَّنٍ لِلنَّفَقَةِ إمَّا أَصْنَافًا أَوْ دَرَاهِمَ؛ وَلِذَا عَبَّرَ الْحَدَّادِيُّ بِالْفَرْضِ وَالتَّقْدِيرِ فَإِذَا فَرَضَ لَهَا الزَّوْجُ شَيْئًا مُعَيَّنًا كُلَّ يَوْمٍ، ثُمَّ مَضَتْ مُدَّةٌ فَإِنَّهَا لَا تَسْقُطُ فَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِمْ أَوْ الرِّضَا، وَأَمَّا مَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُ حَنَفِيَّةِ الْعَصْرِ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالرِّضَا أَنَّهُ إذَا مَضَتْ مُدَّةٌ بِغَيْرِ فَرْضٍ وَلَا رِضًا، ثُمَّ رَضِيَ الزَّوْجُ بِشَيْءٍ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ فَخَطَأٌ ظَاهِرٌ لَا يَفْهَمُهُ مَنْ لَهُ أَدْنَى تَأَمُّلٍ، وَأَمَّا مَا سَيَأْتِي مِنْ مَسَائِلِ الصُّلْحِ بِلَا قَضَاءٍ وَلَا رِضًا فَالْمُرَادُ أَنَّهُمَا اصْطَلَحَا عَلَى شَيْءٍ، ثُمَّ مَضَتْ مُدَّةٌ بَعْدَهُ كَمَا لَا يَخْفَى وَظَاهِرُ الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَرْجِعُ بِالنَّفَقَةِ الْمَقْبُوضَةِ سَوَاءٌ شَرَطَ الرُّجُوعَ لَهَا أَوْ لَا وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ الْقَاضِي إذَا فَرَضَ لِلْمَرْأَةِ النَّفَقَةَ فَقَالَ الزَّوْجُ اسْتَقْرِضِي كُلَّ شَهْرٍ كَذَا وَأَنْفِقِي عَلَى نَفْسِكِ فَفَعَلَتْ لَيْسَ لَهَا أَنْ تَرْجِعَ عَلَى الزَّوْجِ إلَّا أَنْ يَقُولَ وَتَرْجِعِينَ بِذَلِكَ عَلَيَّ اهـ. وَلَمْ أَرَ جَوَابًا عَنْهَا وَلَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّهَا لَا تَرْجِعُ بِمَا اسْتَقْرَضَتْ وَإِنَّمَا تَرْجِعُ بِمَا فُرِضَ لَهَا؛ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِاسْتِقْرَاضِهِ قَدْ يَكُونُ أَزْيَدَ أَوْ مِنْ خِلَافِ الْجِنْسِ وَإِنْ لَمْ يُؤَوَّلْ بِذَلِكَ فَهُوَ غَلَطٌ مَحْضٌ كَمَا لَا يَخْفَى وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ إذَا قَالَ الرَّجُلُ لِآخَرَ اسْتَدِنْ عَلَيَّ لِامْرَأَتِي وَأَنْفِقْ عَلَيْهَا كُلَّ شَهْرٍ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، وَقَالَ أَنْفَقْتُ، وَقَالَتْ الْمَرْأَةُ صَدَقَ لَمْ يُصَدَّقْ عَلَى ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي فَرَضَ لَهَا النَّفَقَةَ فَحِينَئِذٍ يُصَدَّقُ؛ لِأَنَّهَا أَخَذَتْ بِإِذْنِ الْقَاضِي كَذَا هَذَا فِي الْأَوْلَادِ الصِّغَارِ اهـ. وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ الْإِبْرَاءَ عَنْ النَّفَقَةِ قَبْلَ الْقَضَاءِ وَالصُّلْحِ بَاطِلٌ لِمَا فِي الْوَاقِعَاتِ وَغَيْرِهَا الْمَرْأَةُ إذَا أَبْرَأَتْ الزَّوْجَ عَنْ النَّفَقَةِ بِأَنْ قَالَتْ أَنْت بَرِيءٌ مِنْ نَفَقَتِي أَبَدًا مَا كُنْتُ امْرَأَتَكَ فَإِنْ لَمْ يَفْرِضْ الْقَاضِي لَهَا النَّفَقَةَ فَالْبَرَاءَةُ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّهَا أَبْرَأَتْهُ قَبْلَ الْوُجُوبِ وَإِنْ كَانَ فَرَضَ لَهَا الْقَاضِي النَّفَقَةَ كُلَّ شَهْرٍ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ صَحَّ الْإِبْرَاءُ عَنْ نَفَقَةِ الشَّهْرِ الْأَوَّلِ وَلَمْ يَصِحَّ عَنْ نَفَقَةِ مَا سِوَى ذَلِكَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: فَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِمْ أَوْ الرِّضَا) أَيَّدَهُ فِي النَّهْرِ بِمَا يَأْتِي عَنْ الذَّخِيرَةِ اخْتَلَفَا فِيمَا مَضَى مِنْ الْمُدَّةِ مِنْ وَقْتِ الْقَضَاءِ أَوْ مِنْ وَقْتِ الصُّلْحِ فَالْقَوْلُ لِلزَّوْجِ وَالْبَيِّنَةُ لَهَا قَالَ وَمُقْتَضَى مَا فِي الْبَحْرِ الصُّلْحُ بِنَاءً عَلَى مَا ادَّعَاهُ مِنْ خَطَأِ ذَلِكَ الْفَهْمِ غَيْرُ صَحِيحٍ وَكَانَ وَجْهُهُ أَنَّهُ صُلْحٌ عَمَّا لَمْ يَجِبْ فِي الذِّمَّةِ وَاعْلَمْ أَنَّهُ يُبْنَى عَلَى كَوْنِهَا لَا تَثْبُتُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ إلَّا بِمَا ذُكِرَ أَنَّ الْإِبْرَاءَ عَنْهَا قَبْلَ ذَلِكَ غَيْرُ صَحِيحٍ لِمَا أَنَّهُ إبْرَاءٌ قَبْلَ الْوُجُوبِ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ مَضَتْ مُدَّةٌ بَعْدَهُ) أَيْ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ الصُّلْحَ وَقَعَ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ. (قَوْلُهُ: وَلَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّهَا لَا تَرْجِعُ بِمَا اسْتَقْرَضَتْ إلَخْ) قَالَ الْمَقْدِسِيَّ أَقُولُ: الْأَحْسَنُ أَنْ يُوَجَّهَ بِأَنَّ التَّوْكِيلَ فِي الْقَرْضِ غَيْرُ صَحِيحٍ فَاسْتَقْرَضَتْ عَلَى نَفْسِهَا فَلَزِمَهَا وَإِنْ قَالَ عَلَى أَنْ تَرْجِعِي عَلَيَّ كَانَ هَذَا مِنْهُ كَاصْطِلَاحٍ عَلَى هَذَا الْمِقْدَارِ فَتَرْجِعُ عَلَيْهِ بِهِ اهـ. قُلْت وَفِيهِ غَفْلَةٌ عَنْ كَوْنِ مَوْضِعِ الْمَسْأَلَةِ بَعْدَ فَرْضِ الْقَاضِي، وَقَدْ مَرَّ أَنَّهَا تَرْجِعُ بَعْدَهُ سَوَاءٌ أَكَلَتْ مِنْ مَالِ نَفْسِهَا أَوْ اسْتَدَانَتْ فَإِذَا لَمْ يَصِحَّ الِاسْتِقْرَاضُ مَا الدَّاعِي إلَى عَدَمِ الرُّجُوعِ بِالْمَفْرُوضِ فَالْإِشْكَالُ بِحَالِهِ وَأَجَابَ الرَّمْلِيُّ عَنْ الْإِشْكَالِ بِأَنَّ الزَّوْجَ لَمَّا قَالَ لَهَا اسْتَقْرِضِي وَأَنْفِقِي عَلَى نَفْسِكِ كَانَتْ مُسْتَقْرِضَةً عَلَى نَفْسِهَا لِعَدَمِ صِحَّةِ التَّوْكِيلِ بِالِاسْتِقْرَاضِ وَقَصْدُهَا امْتِثَالُ كَلَامِهِ وَكَلَامُهُ مُوجِبٌ لِلُزُومِ الدَّيْنِ عَلَيْهَا لَا عَلَيْهِ وَأَمَرَهَا بِأَنْ تُنْفِقَ مَا اسْتَدَانَتْهُ عَلَى نَفْسِهَا لَا عَلَيْهِ فَيَحْتَمِلُ التَّبَرُّعَ وَغَيْرَهُ، وَالتَّبَرُّعُ أَدْنَى الْحَالَتَيْنِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ فَكَأَنَّهُ أَمَرَهَا بِالْإِنْفَاقِ عَلَى نَفْسِهَا مِنْ مَالِهَا مُتَبَرِّعَةً فَامْتَثَلَتْ أَمْرَهُ فَكَانَ إسْقَاطًا لِلْفَرْضِ فِي مُدَّةِ الِاسْتِدَانَةِ، وَالنَّفَقَةُ مِمَّا اسْتَدَانَتْهُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَقُلْ لَهَا ذَلِكَ لِعَدَمِ الْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ فَبَقِيَ فَرْضُ الْقَاضِي وَهُوَ مُوجِبٌ لِلرُّجُوعِ عَلَيْهِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ قَوْلَهُ اسْتَقْرِضِي وَأَنْفِقِي وَإِجَابَتَهَا لَهُ إضْرَابٌ عَنْ الْفَرْضِ مِنْهَا وَانْظُرْ إلَى قَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَقُولَ وَتَرْجِعِينَ بِذَلِكَ عَلَيَّ؛ لِأَنَّهُ يَنْفِي التَّبَرُّعَ الْمُسْتَفَادَ مِنْ ذَلِكَ، وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ بَقِيَ الْفَرْضُ لِعَدَمِ مَا يُسْتَفَادُ مِنْهُ التَّبَرُّعُ فَتَأَمَّلْهُ اهـ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 203 مِنْ الشُّهُورِ، وَكَذَا لَوْ قَالَتْ أَبْرَأْتُكَ عَنْ نَفَقَةِ سَنَةٍ لَمْ يَبْرَأْ إلَّا مِنْ نَفَقَةِ شَهْرٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَمَّا فَرَضَ نَفَقَةَ كُلِّ شَهْرٍ فَإِنَّمَا فَرَضَ لِمَعْنًى يَتَجَدَّدُ بِتَجَدُّدِ الشَّهْرِ فَمَا لَمْ يَتَجَدَّدْ الشَّهْرُ لَا يَتَجَدَّدُ الْفَرْضُ وَمَا لَمْ يَتَجَدَّدْ الْفَرْضُ لَا تَصِيرُ نَفَقَةُ الشَّهْرِ الثَّانِي وَاجِبًا، وَلَوْ قَالَتْ بَعْدَمَا مَكَثَتْ أَشْهُرًا أَبْرَأْتُكَ مِنْ نَفَقَةِ مَا مَضَى وَمَا يَسْتَقْبِلُ يَبْرَأُ مِنْ نَفَقَةِ مَا مَضَى وَيَبْرَأُ مِنْ نَفَقَةِ مَا يَسْتَقْبِلُ بِقَدْرِ نَفَقَةِ شَهْرٍ وَلَا يَبْرَأُ زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ نَظِيرُ مَنْ أَجَّرَ عَبْدَهُ مِنْ رَجُلٍ كُلَّ شَهْرٍ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ، ثُمَّ أَبْرَأَهُ مِنْ أُجْرَةِ الْغُلَامِ أَبَدًا لَا يَبْرَأُ إلَّا مِنْ أُجْرَةِ شَهْرٍ اهـ. وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ الْكَفَالَةَ بِالنَّفَقَةِ قَبْلَ الْفَرْضِ أَوْ التَّرَاضِي عَلَى مُعَيَّنٍ لَا تَصِحُّ وَبَعْدَ أَحَدِهِمَا تَصِحُّ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ، وَلَوْ أَنَّ الْمَرْأَةَ قَالَتْ لِلْقَاضِي إنَّ زَوْجِي يُرِيدُ أَنْ يَغِيبَ وَأَرَادَتْ أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُ كَفِيلًا بِالنَّفَقَةِ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ لَمْ تَجِبْ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ أَسْتَحْسِنُ ذَلِكَ وَآخُذُ مِنْهُ كَفِيلًا بِالنَّفَقَةِ شَهْرًا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ إنْ لَمْ تَجِبْ لِلْحَالِ تَجِبُ بَعْدَهُ فَتَصِيرُ كَأَنَّهُ كَفَلَ بِمَا ذَابَ لَهَا عَلَى الزَّوْجِ فَيُجْبَرُ اسْتِحْسَانًا رِفْقًا بِالنَّاسِ، كَذَا فِي الْوَاقِعَاتِ زَادَ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي هَذَا الْحُكْمِ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ النَّفَقَةُ مَفْرُوضَةً أَوْ لَا وَفِي الذَّخِيرَةِ أَيْضًا، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِيمَا مَضَى مِنْ الْمُدَّةِ مِنْ وَقْتِ الْقَضَاءِ أَوْ مِنْ وَقْتِ الصُّلْحِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّهَا تَدَّعِي زِيَادَةَ دَيْنٍ وَالزَّوْجُ يُنْكِرُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، وَإِذَا ادَّعَى الزَّوْجُ الْإِنْفَاقَ وَأَنْكَرَتْ الْمَرْأَةُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا مَعَ الْيَمِينِ كَمَا فِي سَائِرِ الدُّيُونِ اهـ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ امْرَأَةٌ أَقَامَتْ عَلَى رَجُلٍ بَيِّنَةً بِالنِّكَاحِ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا فِي مُدَّةِ الْمَسْأَلَةِ عَنْ الشُّهُودِ، وَلَوْ أَرَادَ الْقَاضِي أَنْ يَفْرِضَ لَهَا النَّفَقَةَ لِمَا رَأَى مِنْ الْمَصْلَحَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ لَهَا إنْ كُنْتِ امْرَأَتَهُ فَقَدْ فَرَضْتُ ذَلِكَ عَلَيْهِ فِي كُلِّ شَهْرٍ كَذَا، وَكَذَا وَيَشْهَدُ عَلَى ذَلِكَ فَإِذَا مَضَى شَهْرٌ، وَقَدْ اسْتَدَانَتْ وَعَدَلَتْ الْبَيِّنَةُ أَخَذَتْهُ بِنَفَقَتِهَا مُنْذُ فَرَضَ لَهَا اهـ. وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ الْفَرْضَ مِنْ الْقَاضِي يُصَيِّرُهَا دَيْنًا فَلَا تَسْقُطُ بِالْمُضِيِّ وَإِنْ فَرَضَ الْقَاضِي النَّفَقَةَ قَضَاءً لَا يُقَالُ إنَّهُ لَيْسَ بِقَضَاءٍ لِعَدَمِ الدَّعْوَى؛ لِأَنَّا نَقُولُ طَلَبُهَا التَّقْدِيرَ دَعْوَى وَمَسْأَلَةُ الْإِبْرَاءِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْفَرْضَ فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ تَنَجَّزَ وَفِيمَا بَعْدَهُ مُضَافٌ فَتَنَجَّزَ بِدُخُولِ الشَّهْرِ وَهَكَذَا فَلَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنْهُ لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ الصُّلْحِ، وَلَوْ صَالَحَتْ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا عَنْ نَفَقَةِ كُلِّ شَهْرٍ عَلَى دَرَاهِمَ، ثُمَّ قَالَ الزَّوْجُ لَا أُطِيقُ ذَلِكَ فَهُوَ لَازِمٌ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ إلَّا إذَا تَغَيَّرَ سِعْرُ الطَّعَامِ وَيَعْلَمُ أَنَّ مَا دُونَ ذَلِكَ يَكْفِيهَا اهـ. فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي الصُّلْحِ فَفِي فَرْضِ الْقَاضِي أَوْلَى؛ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةً عَامَّةً فَإِذَا قَرَّرَ الْقَاضِي لَهَا نَفَقَةَ كُلِّ يَوْمٍ أَوْ كُلِّ شَهْرٍ أَوْ كُلِّ سَنَةٍ لَزِمَ التَّقْرِيرُ مَا دَامَتْ فِي عِصْمَتِهِ حَيْثُ لَمْ يُوجَدْ مُسْقِطٌ وَكَانَ بِقَدْرِ حَالِهِمَا وَفِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ، وَإِذَا أَرَادَ الْقَاضِي أَنْ يَفْرِضَ النَّفَقَةَ يَقُولُ فَرَضْتُ عَلَيْكَ نَفَقَةَ امْرَأَتِكَ كَذَا وَكَذَا فِي مُدَّةِ كَذَا وَكَذَا أَوْ يَقُولُ قَضَيْتُ عَلَيْكَ بِالنَّفَقَةِ لِمُدَّةِ كَذَا يَصِحُّ وَتَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ حَتَّى لَا تَسْقُطَ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّ نَفَقَةَ زَمَانٍ مُسْتَقْبَلٍ تَصِيرُ وَاجِبَةً بِقَضَاءِ الْقَاضِي حَتَّى لَوْ أَبْرَأَتْ بَعْدَ الْفَرْضِ صَحَّ اهـ. وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ فَرْضَهَا قَضَاءٌ وَأَنَّهُ إذَا فَرَضَهَا، ثُمَّ مَضَتْ مُدَّةٌ لَمْ تَسْقُطْ، وَقَدْ نَقَلَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا فِيمَا إذَا ادَّعَى الزَّوْجُ النِّكَاحَ وَهِيَ تَجْحَدُ أَوْ عَكْسَهُ وَاسْتَشْكَلَهُ بِأَنَّ فِيهِ إضْرَارًا بِهَا وَهُوَ سَهْوٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مُنْكِرًا إنَّمَا نَفَوْا النَّفَقَةَ فِي مُدَّةِ الْمَسْأَلَةِ عَنْ الشُّهُودِ لَا مُطْلَقًا مَعَ أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا فَرَضَ لَهَا جَازَ، وَأَمَّا بَعْدَ قَضَاءِ الْقَاضِي بِالنِّكَاحِ بِالْبَيِّنَةِ فَلَا شَكَّ فِي وُجُوبِهَا، وَقَدْ عُلِمَ مِنْ عَطْفِ الْمُصَنِّفِ الرِّضَا عَلَى الْقَضَاءِ أَنَّ فَرْضَ الْقَاضِي بِطَرِيقِ الْجَبْرِ وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ إذَا فَرَضَ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِنْ حَالِهِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْ الزِّيَادَةِ، وَكَذَا إذَا اصْطَلَحَا عَلَى أَزْيَدَ مِنْ نَفَقَةِ الْمِثْلِ لِمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَإِذَا صَالَحَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ عَنْ نَفَقَةِ كُلِّ شَهْرٍ عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ وَالزَّوْجُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: زَادَ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ نُقِلَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الذَّخِيرَةِ فِي النَّفَقَاتِ بِقَوْلِهِ وَفِي الذَّخِيرَةِ فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ فِي رَجُلٍ ضَمِنَ لِامْرَأَتِهِ النَّفَقَةَ وَالْمَهْرَ فَإِنَّ ضَمَانَ النَّفَقَةِ بَاطِلٌ إلَّا أَنْ يُسَمِّيَ لِكُلِّ شَهْرٍ شَيْئًا وَمَعْنَاهُ أَنَّ الزَّوْجَ مَعَ الْمَرْأَةِ يَصْطَلِحَانِ عَلَى شَيْءٍ مُقَدَّرٍ لِنَفَقَةِ كُلِّ شَهْرٍ، ثُمَّ يَضْمَنُهُ رَجُلٌ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ الضَّمَانُ، وَلَكِنْ لَا يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ أَكْثَرَ مِنْ شَهْرٍ اهـ. فَجَوَازُهَا مَعَ عَدَمِ الْفَرْضِ فِي مَسْأَلَةِ مُرِيدِ الْغَيْبَةِ اسْتِحْسَانٌ تَأَمَّلْ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَوْ كَفَلَ بِالنَّفَقَةِ كُلَّ شَهْرٍ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ لَزِمَهُ شَهْرٌ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَقَعُ عَلَى الْأَبَدِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَذُكِرَ فِي الْخُلَاصَةِ أَنَّ الْأَبَ لَا يُطَالَبُ بِمَهْرِ زَوْجَةِ ابْنِهِ وَنَفَقَتِهَا إلَّا أَنْ يَضْمَنَ وَأَطْلَقَ فَظَاهِرُهُ جَوَازُ الضَّمَانِ مُطْلَقًا إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَحَمْلُهُ عَلَيْهِ مُتَعَيِّنٌ تَوْفِيقًا بَيْنَ كَلَامِهِمْ. اهـ. أَقُولُ: قَدْ يُقَالُ يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ مُرِيدِ السَّفَرِ أَيْضًا وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ قَوْلَ الذَّخِيرَةِ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ النَّفَقَةُ مَفْرُوضَةً أَوْ لَا إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ اشْتِرَاطِ فَرْضِهَا مِنْ الْقَاضِي عَدَمُ اشْتِرَاطِ التَّرَاخِي، وَالِاصْطِلَاحُ عَلَى شَيْءٍ مُعَيَّنٍ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ فَفِي اشْتِرَاطِ التَّرَاخِي تَوْفِيقٌ بَيْنَ كَلَامِهِمْ أَيْضًا فَلْيُتَأَمَّلْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 204 مُحْتَاجٌ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا نَفَقَةُ مِثْلِهَا، وَإِذَا صَالَحَهَا عَلَى دَانِقٍ كُلَّ شَهْرٍ جَازَ وَلَهَا أَنْ تَنْقُضَ إنْ لَمْ يَكْفِهَا اهـ. وَفِي الذَّخِيرَةِ، وَإِذَا صَالَحَتْ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا مِنْ نَفَقَتِهَا عَلَى ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ كُلَّ شَهْرٍ فَهُوَ جَائِزٌ وَكَانَ ذَلِكَ تَقْدِيرًا لِنَفَقَتِهَا وَالْأَصْلُ أَنَّ الصُّلْحَ بَيْنَهُمَا مَتَى حَصَلَ بِشَيْءٍ يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَفْرِضَهُ فِي نَفَقَتِهَا بِحَالٍ فَالصُّلْحُ بَيْنَهُمَا تَقْدِيرٌ لِلنَّفَقَةِ وَلَا تُعْتَبَرُ مُعَاوَضَةً سَوَاءٌ كَانَ هَذَا الصُّلْحُ قَبْلَ فَرْضِ الْقَاضِي أَوْ التَّرَاضِي عَلَى شَيْءٍ أَوْ كَانَ بَعْدَ أَحَدِهِمَا، وَإِذَا وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى شَيْءٍ لَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَفْرِضَهُ عَلَى الزَّوْجِ فِي نَفَقَتِهَا بِحَالٍ كَالثَّوْبِ وَالْعَبْدِ يَنْظُرُ إنْ كَانَ الصُّلْحُ بَيْنَهُمَا قَبْلَ قَضَاءِ الْقَاضِي لَهَا بِالنَّفَقَةِ وَقَبْلَ تَرَاضِيهِمَا عَلَى شَيْءٍ لِكُلِّ شَهْرٍ يُعْتَبَرُ الصُّلْحُ مِنْهُمَا تَقْدِيرًا وَبَعْدَ أَحَدِهِمَا يُعْتَبَرُ مُعَاوَضَةً، وَفَائِدَةُ اعْتِبَارِ التَّقْدِيرِ أَنْ تَجُوزَ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ وَالنُّقْصَانُ عَنْهُ وَفَائِدَةُ اعْتِبَارِ الْمُعَاوَضَةِ أَنْ لَا تَجُوزَ الزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ وَلَا النُّقْصَانُ، وَإِذَا صَالَحَهَا عَلَى دَرَاهِمَ كُلَّ شَهْرٍ، ثُمَّ قَالَتْ لَا تَكْفِينِي زِيدَتْ، وَلَوْ قَالَ الرَّجُلُ لَا أُطِيقُهُ فَإِنَّهُ لَا يُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ الْتَزَمَهُ بِاخْتِيَارِهِ وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى كَوْنِهِ قَادِرًا عَلَى أَدَاءِ مَا الْتَزَمَ فَيَلْزَمُهُ جَمِيعُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَتَعَرَّفَ الْقَاضِي عَلَى حَالِهِ بِالسُّؤَالِ مِنْ النَّاسِ فَإِذَا أَخْبَرُوهُ أَنَّهُ لَا يُطِيقُ ذَلِكَ نَقَصَ عَنْهُ وَأَوْجَبَ عَلَى قَدْرِ طَاقَتِهِ فَإِنْ لَمْ يَمْضِ شَيْءٌ مِنْ الشَّهْرِ حَتَّى صَالَحَهَا مِنْ هَذِهِ الدَّرَاهِمِ عَنْ شَيْءٍ إنْ كَانَ شَيْئًا يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَفْرِضَهُ كَمَا إذَا صَالَحَ عَنْ الدَّرَاهِمِ عَلَى ثَلَاثِ مَخَاتِيمَ دَقِيقٍ بِعَيْنِهِ أَوْ بِغَيْرِ عَيْنِهِ فَهُوَ تَقْدِيرٌ لِلنَّفَقَةِ وَإِنْ كَانَ ثَوْبًا أَوْ نَحْوَهُ فَهُوَ مُعَاوَضَةٌ وَلَا يُشْبِهُ هَذَا الدُّيُونَ كَمَا إذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى آخَرَ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ فَصَالَحَهُ مِنْ الدَّرَاهِمِ عَلَى ثَلَاثَةِ مَخَاتِيمَ دَقِيقٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ فَإِنَّ الصُّلْحَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ فِيهِ مُعَاوَضَةٌ لِوُجُوبِ الدَّيْنِ قَبْلَ الصُّلْحِ فَكَانَ بَيْعَ دَيْنٍ بِدَيْنٍ فَلَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَدْفَعَ الدَّقِيقَ فِي الْمَجْلِسِ، وَأَمَّا هُنَا فَقَبْلَ مُضِيِّ الشَّهْرِ فَالنَّفَقَةُ لَا تَصِيرُ دَيْنًا فَلَمْ يَكُنْ مُعَاوَضَةً وَإِنَّمَا هُوَ تَقْدِيرٌ لِلنَّفَقَةِ حَتَّى لَوْ مَضَى الشَّهْرُ وَصَارَتْ الدَّرَاهِمُ دَيْنًا، ثُمَّ صَالَحَهَا عَلَى دَقِيقٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ لَا يَجُوزُ أَيْضًا لِمَا قُلْنَا اهـ. وَقَدْ عُلِمَ مِنْهُ أَنَّ رِضَاهُمَا وَصُلْحَهُمَا عَلَى شَيْءٍ صَالِحٍ لِلنَّفَقَةِ بَعْدَ فَرْضِ الْقَاضِي النَّفَقَةَ مُبْطِلٌ لِتَقْدِيرِ الْقَاضِي حَتَّى لَا يَلْزَمَهُ إلَّا مَا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ بَعْدَ فَرْضِ الْقَاضِي فَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّهُمَا لَوْ اتَّفَقَا عَلَى أَنْ تَأْكُلَ مَعَهُ تَمْوِينًا بَعْدَ فَرْضِ النَّفَقَةِ أَوْ الِاتِّفَاقِ عَلَى قَدْرٍ مُعَيَّنٍ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ التَّقْدِيرُ السَّابِقُ لِرِضَاهَا بِذَلِكَ وَهِيَ كَثِيرَةُ الْوُقُوعِ فِي زَمَانِنَا وَفِي الذَّخِيرَةِ أَيْضًا، وَلَوْ صَالَحَهَا مِنْ نَفَقَةِ سَنَةٍ عَلَى ثَوْبٍ جَازَ فَإِنْ اسْتَحَقَّ الثَّوْبَ فَإِنْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَيْهِ بَعْدَ الْفَرْضِ أَوْ الرِّضَا فَإِنَّهَا تَرْجِعُ بِمَا فَرَضَ لَهَا أَوْ تَرَاضَيَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ أَخْذَهَا الثَّوْبَ شِرَاءٌ، وَقَدْ انْفَسَخَ بِالِاسْتِحْقَاقِ فَعَادَ دَيْنُهَا وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْفَرْضِ وَالتَّرَاضِي رَجَعَتْ بِقِيمَةِ الثَّوْبِ، وَلَوْ صَالَحَهَا عَلَى وَصْفٍ وَسَطٍ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ أَجَلًا أَوْ أَجَّلَهُ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْفَرْضِ أَوْ التَّرَاضِي جَازَ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ أَحَدِهِمَا لَا يَجُوزُ وَصُلْحُ الْمُكَاتَبَةِ عَلَى نَفَقَتِهَا جَائِزٌ كَالصُّلْحِ عَنْ مَهْرِهَا؛ لِأَنَّهُ حَقُّهَا، وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ الْمَحْجُورُ إذَا صَالَحَ عَنْ نَفَقَةِ امْرَأَتِهِ، وَقَدْ تَزَوَّجَ بِإِذْنِ الْمَوْلَى، وَكَذَا صُلْحُ الْمُكَاتَبِ عَنْ نَفَقَةِ امْرَأَتِهِ كُلَّ شَهْرٍ جَائِزٌ بِالْأَوْلَى اهـ. (قَوْلُهُ وَبِمَوْتِ أَحَدِهِمَا تَسْقُطُ الْمَقْضِيَّةُ) أَيْ بِمَوْتِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ تَسْقُطُ النَّفَقَةُ الْمَقْضِيُّ بِهَا؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ صِلَةٌ وَالصِّلَاتُ تَسْقُطُ بِالْمَوْتِ كَالْهِبَةِ وَالدِّيَةِ وَالْجِزْيَةِ وَضَمَانِ الْعِتْقِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا اسْتَدَانَتْ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَتْ اسْتِدَانَةً بِغَيْرِ إذْنِ الْقَاضِي فَإِنَّهَا تَسْقُطُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا كَمَا لَوْ أَنْفَقَتْ مِنْ مَالِ نَفْسِهَا وَإِنْ كَانَتْ الِاسْتِدَانَةُ بِأَمْرِ الْقَاضِي جَزَمَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ بِعَدَمِ السُّقُوطِ وَصَحَّحَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَنَسَبَهُ إلَى الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ؛ لِأَنَّ لِلْقَاضِي وِلَايَةً عَامَّةً بِمَنْزِلَةِ اسْتِدَانَةِ الزَّوْجِ بِنَفْسِهِ، وَلَوْ اسْتَدَانَ الزَّوْجُ بِنَفْسِهِ لَا يَسْقُطُ ذَلِكَ الدَّيْنُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا كَذَا هَذَا اهـ. قَيَّدَ بِالْمَوْتِ؛ لِأَنَّ سُقُوطَ النَّفَقَةِ الْمَقْضِيِّ بِهَا بِالطَّلَاقِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَجَزَمَ فِي النُّقَايَةِ بِسُقُوطِهَا بِهِ كَالْمَوْتِ مُسَوِّيًا بَيْنَهُمَا، وَكَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَذَكَرَ فِي الْخَانِيَّةِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: قَيَّدَ بِالْمَوْتِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَيَّدَ السُّقُوطَ بِالطَّلَاقِ شَيْخُنَا الشَّيْخُ مُحَمَّدُ بْنُ سِرَاجِ الدِّينِ الْحَانُوتِيُّ بِمَا إذَا مَضَى شَهْرٌ يَعْنِي فَأَزْيَدَ وَهُوَ قَيْدٌ لَا بُدَّ مِنْهُ تَأَمَّلْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 205 وَالظَّهِيرِيَّةِ وَكَمَا تَسْقُطُ الْمَفْرُوضَةُ بِمَوْتِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ هَلْ تَسْقُطُ بِالطَّلَاقِ اخْتَلَفُوا فِيهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا تَسْقُطُ، وَقَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ النَّسَفِيُّ وَجَدْت رِوَايَةً فِي السُّقُوطِ وَذَكَرَ الْبَقَّالِيُّ أَنَّ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ تَسْقُطُ وَلَا رِوَايَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ زَادَ فِي الْخَصَّافِ لِسُقُوطِ النَّفَقَةِ الْمَفْرُوضَةِ سَبَبًا آخَرَ فَقَالَ تَسْقُطُ بِمَوْتِهِ وَمَوْتِهَا وَتَسْقُطُ إذَا طَلَّقَهَا أَوْ أَبَانَهَا اهـ. هَذِهِ عِبَارَتُهَا بِاللَّفْظِ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ وَهَلْ تَسْقُطُ النَّفَقَةُ الْمَفْرُوضَةُ بِالطَّلَاقِ حُكِيَ عَنْ الْقَاضِي الْإِمَامِ أَبِي عَلِيٍّ النَّسَفِيِّ أَنَّهَا تَسْقُطُ وَفِي فَتَاوَى الْبَقَّالِيِّ ذَكَرَ الِاخْتِلَافَ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ اهـ. وَفِي الذَّخِيرَةِ لَوْ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ فِي هَذَا الْوَجْهِ يَسْقُطُ مَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ مِنْ النَّفَقَاتِ بَعْدَ فَرْضِ الْقَاضِي كَذَا حُكِيَ عَنْ الْقَاضِي الْإِمَامِ أَبِي عَلِيٍّ النَّسَفِيِّ وَكَانَ يَقُولُ وَجَدْنَا رِوَايَةَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي كِتَابِ الْقَاضِي وَبِهِ كَانَ يُفْتِي الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَالشَّيْخُ الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيُّ وَشَبَّهَهُ بِالذِّمِّيِّ إذَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ خَرَاجُ رَأْسِهِ، ثُمَّ أَسْلَمَ يَسْقُطُ عَنْهُ مَا كَانَ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ وَوَجْهُ التَّشْبِيهِ بِهِ أَنَّ الذِّمِّيَّ إنَّمَا كَانَ يُؤْخَذُ مِنْهُ خَرَاجُ النَّفْسِ لِإِصْرَارِهِ عَلَى الدَّيْنِ الْبَاطِلِ، وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ الْمَعْنَى بِالْإِسْلَامِ فَتَسْقُطُ الْجِزْيَةُ كَذَا هَا هُنَا الْمَرْأَةُ إنَّمَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ بِالْوَصْلَةِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَهُمَا وَتِلْكَ الْوَصْلَةُ قَدْ انْقَطَعَتْ بِالطَّلَاقِ فَأَمَّا إذَا كَانَتْ النَّفَقَةُ مُسْتَدَانَةً بِأَمْرِ الْقَاضِي فَإِنَّهَا لَا تَسْقُطُ بِالطَّلَاقِ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ كَاسْتِدَانَةِ الزَّوْجِ بِنَفْسِهِ اهـ. مَا فِي الذَّخِيرَةِ وَفِي الْمُجْتَبَى، وَلَوْ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ مَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ مِنْ النَّفَقَاتِ بَعْدَ فَرْضِ الْقَاضِي اهـ. فَقَدْ ظَهَرَ مِنْ هَذَا أَنَّ الرَّاجِحَ عِنْدَهُمْ سُقُوطُهَا بِالطَّلَاقِ كَالْمَوْتِ خُصُوصًا قَدْ أَفْتَى بِهِ الشَّيْخَانِ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ وَالْبَائِنِ؛ لِأَنَّهُ فِي عِبَارَةِ الْخَانِيَّةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ قَدْ عَطَفَ الْبَائِنَ عَلَى الطَّلَاقِ فَعُلِمَ أَنَّ الطَّلَاقَ رَجْعِيٌّ قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ يَنْبَغِي ضَعْفُ الْقَوْلِ بِسُقُوطِهَا بِالطَّلَاقِ، وَلَوْ بَائِنًا لِأُمُورٍ، الْأَوَّلُ أَنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ يُحْبَسُ فِي النَّفَقَةِ الْمَفْرُوضَةِ إذَا امْتَنَعَ مِنْ دَفْعِهَا، وَلَوْ كَانَتْ تَسْقُطُ بِالطَّلَاقِ لَأَمْكَنَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فَتَسْقُطُ ثُمَّ يُرَاجِعَهَا، الثَّانِي أَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِجَوَازِ أَخْذِ الْكَفِيلِ بِالنَّفَقَةِ الْمَفْرُوضَةِ بِقَدْرِ الْمُدَّةِ الَّتِي فَرَضَهَا الْقَاضِي مَعَ أَنَّ الْكَفَالَةَ لَا تَصِحُّ إلَّا بِدَيْنٍ صَحِيحٍ قَالُوا وَهُوَ الَّذِي لَا يَسْقُطُ إلَّا بِالْأَدَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءِ فَلَوْ كَانَ دَيْنُ النَّفَقَةِ يَسْقُطُ بِالطَّلَاقِ لَمْ يَكُنْ صَحِيحًا فَلَمْ تَصِحَّ الْكَفَالَةُ بِهِ وَلَا يَضُرُّنَا سُقُوطُهُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّهُ لِعَارِضٍ أَنَّ أَصْلَهُ صِلَةٌ وَالصِّلَاتُ تَسْقُطُ بِالْمَوْتِ قَبْلَ الْقَبْضِ، الثَّالِثِ وَهُوَ أَقْوَاهَا مَا ذَكَرُوهُ فِي بَابِ الْخُلْعِ فَإِنَّ الْكُلَّ قَدْ ذَكَرُوا أَنَّ الطَّلَاقَ عَلَى مَالٍ لَا يُسْقِطُ شَيْئًا مِنْ حُقُوقِ النِّكَاحِ بِخِلَافِ الْخُلْعِ عَلَى مَالٍ وَلَا بَأْسَ بِذِكْرِ عِبَارَاتِهِمْ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي الطَّلَاقِ عَلَى مَالٍ أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ بِهِ مِنْ سَائِرِ الْحُقُوقِ الَّتِي وَجَبَتْ لَهَا بِسَبَبِ النِّكَاحِ اهـ. فَقَدْ أَفَادَ عَدَمَ سُقُوطِ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ الْمَفْرُوضَتَيْنِ بِالطَّلَاقِ عَلَى مَالٍ؛ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِسَائِرِ الْحُقُوقِ وَهِيَ ثَلَاثَةٌ الْمَهْرُ وَالنَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ وَلَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى الْمَهْرِ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ يَبْطُلُ بِهِ قَوْلُهُ سَائِرُ الْحُقُوقِ، وَقَالَ قَبْلَهُ، وَأَمَّا حُكْمُ الْخُلْعِ فَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ بَدَلٍ بِأَنْ قَالَ خَالَعْتكِ وَنَوَى بِهِ الطَّلَاقَ فَحُكْمُهُ أَنْ يَقَعَ الطَّلَاقُ وَلَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ الْمَاضِيَةِ وَإِنْ كَانَ بِبَدَلٍ إلَى آخِرِهِ فَهَذَا صَرِيحٌ فِي الْمَسْأَلَةِ أَيْضًا وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَمَّا إذَا كَانَ الْعَقْدُ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ عَلَى مَالِ فَهَلْ تَقَعُ الْبَرَاءَةُ عَنْ الْحُقُوقِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالنِّكَاحِ فَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ تَقَعُ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الطَّلَاقِ لَا يَدُلُّ عَلَى إسْقَاطِ الْحَقِّ الْوَاجِبِ بِالنِّكَاحِ وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ تَقَعُ الْبَرَاءَةُ عَنْهَا لِإِتْمَامِ الْمَقْصُودِ اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ الطَّلَاقَ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى مَالٍ لَا يُسْقِطُ شَيْئًا مِنْ الْحُقُوقِ الْوَاجِبَةِ اتِّفَاقًا فَهَذَا كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى ضَعْفِ الرِّوَايَةِ السَّابِقَةِ خُصُوصًا أَنَّ مَفْهُومَ الْكُتُبِ حُجَّةٌ، وَقَدْ قَيَّدُوا سُقُوطَهَا بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا، وَظَاهِرُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ أَنَّ الْخَصَّافَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: هَذِهِ عِبَارَتُهُمَا بِاللَّفْظِ) أَيْ عِبَارَةُ الْخَانِيَّةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ بِلَفْظِهَا مِنْ غَيْرِ تَغْيِيرٍ. (قَوْلُهُ: قَدْ أَفْتَى بِهِ الشَّيْخَانِ) أَيْ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَظَهِيرُ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيُّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 206 زَادَ الطَّلَاقَ مِنْ عِنْدِهِ وَلَيْسَ لَهُ أَصْلٌ فِي الْمَذْهَبِ فَاَلَّذِي يَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ عَلَى كُلِّ مُفْتٍ وَقَاضٍ اعْتِمَادُ عَدَمِ السُّقُوطِ خُصُوصًا مَا تَضَمَّنَهُ الْقَوْلُ بِالسُّقُوطِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِالنِّسَاءِ حَتَّى اُسْتُفْتِيتُ وَقْتَ تَأْلِيفِ هَذَا الْمَحَلِّ عَنْ امْرَأَةٍ لَهَا كِسْوَةٌ مَفْرُوضَةٌ تَجَمَّدَ لَهَا عَشْرُ سِنِينَ وَلَمْ يَدْفَعْ لَهَا الزَّوْجُ، ثُمَّ إنَّهَا رَفَعَتْهُ إلَى قَاضٍ وَحَكَمَ عَلَيْهِ بِالدَّفْعِ فَاسْتَمْهَلَهَا يَوْمًا، ثُمَّ ذَهَبَ إلَى قَاضٍ رُومِيٍّ وَخَلَعَهَا عِنْدَهُ بِغَيْرِ عِلْمِهَا فَحَكَمَ لَهُ الْقَاضِي الْحَنَفِيُّ بِسُقُوطِ الْكِسْوَةِ الْمَاضِيَةِ وَلَا يَخْفَى مَا فِي ذَلِكَ مِنْ الضَّرَرِ فَإِنْ قُلْت لِمَ لَمْ تَعْتَمِدْ عَلَى تَصْحِيحِ الزَّيْلَعِيِّ بِقَوْلِهِ: وَكَذَا لَا تَسْقُطُ بِالطَّلَاقِ فِي الصَّحِيحِ لِمَا ذَكَرْنَا قُلْت: لِأَنَّ كَلَامَهُ فِي النَّفَقَةِ الْمُسْتَدَانَةِ بِأَمْرِ الْقَاضِي وَكَلَامُنَا فِي الْمَفْرُوضَةِ فَقَطْ (قَوْلُهُ وَلَا تُرَدُّ الْمُعَجَّلَةُ) أَيْ لَا تُرَدُّ النَّفَقَةُ الْمُعَجَّلَةُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا وَنَحْوِهِ بِأَنْ عَجَّلَ لَهَا نَفَقَةَ شَهْرٍ بَعْدَ فَرْضِ الْقَاضِي أَوْ التَّرَاضِي، ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَتْ قَائِمَةً أَوْ هَالِكَةً فَإِنْ كَانَتْ هَالِكَةً فَلَا تَرُدُّ شَيْئًا اتِّفَاقًا وَإِنْ كَانَتْ قَائِمَةً أَوْ مُسْتَهْلَكَةً فَكَذَلِكَ عِنْدَهُمَا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَحْتَسِبُ لَهَا نَفَقَةَ مَا مَضَى وَمَا بَقِيَ فَهُوَ لِلزَّوْجِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْكِسْوَةُ؛ لِأَنَّهَا اسْتَعْجَلَتْ عِوَضًا عَمَّا تَسْتَحِقُّهُ بِالِاحْتِبَاسِ، وَقَدْ بَطَلَ الِاسْتِحْقَاقُ بِالْمَوْتِ فَبَطَلَ الْعِوَضُ بِقَدْرِهِ كَرِزْقِ الْقَاضِي وَرِزْقِ الْمُقَاتَلَةِ وَلَهُمَا أَنَّهَا صِلَةٌ، وَقَدْ اتَّصَلَ بِهَا الْقَبْضُ وَلَا رُجُوعَ فِي الصِّلَاتِ بَعْدَ الْمَوْتِ لِانْتِهَاءِ حُكْمِهَا كَمَا فِي الْهِبَةِ وَفَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا وَجَعَلَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ وَأَصْحَابُ الْفَتَاوَى قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ قَالُوا وَالْفَتْوَى عَلَيْهِ وَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الْمُعَجِّلُ الزَّوْجَ أَوْ أَبَاهُ لِمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَغَيْرِهَا أَبُو الزَّوْجِ إذَا دَفَعَ نَفَقَةَ امْرَأَةِ ابْنِهِ مِائَةً، ثُمَّ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ لَيْسَ لِلْأَبِ أَنْ يَسْتَرِدَّ مَا دَفَعَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَعْطَاهَا الزَّوْجُ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى فَكَذَا إذَا أَعْطَاهَا أَبُو الزَّوْجِ اهـ. وَشَمِلَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: فَاَلَّذِي يَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ إلَخْ) سَيُرَجِّحُ خِلَافَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ وَلِمُعْتَدَّةِ الطَّلَاقِ وَأَيْضًا نَازَعَهُ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِهِ فَبَحَثَ فِيمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْأَمْرِ الْأَوَّلِ بِأَنَّ مَا كُلُّ أَحَدٍ يَعْلَمُ هَذَا فَيَتَوَقَّفُ عَلَى أَنْ يَعْلَمَهُ مُفْتٍ مَاجِنٌ وَأَيْضًا يَتَوَقَّفُ عَلَى أَنْ يَحْكُمَ بِهِ حَنَفِيٌّ عَالِمٌ بِالشُّرُوطِ فَقَدْ يَدَّعِي عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَنَحْوِهِ فَيَحْكُمُ لَهَا بِاللُّزُومِ فَيَضِيعُ طَلَاقُهُ وَفِي الْأَمْرِ الثَّانِي بِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّهُ يَسْقُطُ بِالْمَوْتِ اتِّفَاقًا يَكْفِينَا مُؤْنَةُ رَدِّهِ فَيُقَالُ لَهُ لَوْ كَانَ يَسْقُطُ بِالْمَوْتِ لَمَا صَحَّ التَّكْفِيلُ بِهِ فَنَقُولُ كَانَ الْقِيَاسُ ذَلِكَ لَكِنْ اسْتَحْسَنَ صِحَّةَ التَّكْفِيلِ شَفَقَةً عَلَيْهِنَّ وَامْتِثَالًا لِوَصِيَّةِ الشَّارِعِ بِهِنَّ فَذَا مِمَّا خَرَجَ عَنْ الْأَصْلِ ضَرُورَةً، وَجَعْلُهُ الْمَوْتَ مِنْ الْعَوَارِضِ دُونَ الطَّلَاقِ تَحَكُّمٌ بِلَا رَيْبٍ وَفِي الثَّالِثِ بِأَنَّ قَوْلَهُ إنَّهُ صَرَّحَ فِي الْبَدَائِعِ بِأَنَّهُ يُبْطِلُ سَائِرَ الْحُقُوقِ مَرْدُودٌ؛ لِأَنَّ سَائِرَ يَجِيءُ بِمَعْنَى جَمِيعِ فَتَكُونُ الْقَضِيَّةُ جُزْئِيَّةً قَصَدَ بِهَا سَلْبَ الْعُمُومِ لَا عُمُومَ السَّلْبِ وَيَكْفِي فِيهِ تَعَلُّقُهُ بِالْمَهْرِ فَقَطْ وَأَيْضًا يُمْكِنُ حَمْلُ الْحُقُوقِ الَّتِي لَا تَسْقُطُ بِالطَّلَاقِ عَلَى الْمَهْرِ وَنَفَقَةِ مَا دُونَ الشَّهْرِ وَنَفَقَةٍ اُسْتُدِينَ عَلَيْهَا بِأَمْرٍ فَلَا يَبْعُدُ إطْلَاقُ جَمِيعِ الْحُقُوقِ عَلَيْهَا ثُمَّ قَالَ: ثُمَّ إنَّ نِسْبَتَهُ الْخَصَّافَ إلَى أَنَّهُ زَادَ الطَّلَاقَ مِنْ عِنْدِهِ إنْ أَرَادَ أَنَّهُ لَمْ يَسْتَنْبِطْهُ مِنْ كَلَامِ الْمَشَايِخِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَأُصُولِهِمْ الْمُعْتَمَدَةِ فَهُوَ جَرَاءَةٌ عَظِيمَةٌ عَلَى هَذَا الْإِمَامِ الَّذِي قَالَ عَنْهُ الْإِمَامُ الْحَلْوَانِيُّ إنَّهُ كَبِيرٌ فِي الْعِلْمِ يَلِيقُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ وَاَلَّذِي يَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ أَنْ يُقَالَ يُتَأَمَّلُ عِنْدَ الْفَتْوَى كَمَا يَقَعُ. وَجَرَتْ بِهِ عَادَةُ الْمَشَايِخِ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذَا الْمَقَامِ فَإِنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ لَمْ يَظْهَرْ ضَعْفُهَا كَيْفَ وَقَدْ أَفْتَى الشَّيْخَانِ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ والمرغيناني وَذُكِرَتْ فِي الْمُتُونِ كَالْوِقَايَةِ وَالنُّقَايَةِ وَالْإِصْلَاحِ وَالْغُرَرِ وَغَيْرِهَا وَظَهَرَ ضَعْفُ الْوُجُوهِ الَّتِي قَوَّى بِهَا خِلَافَ تِلْكَ الرِّوَايَةِ وَلِهَذَا تَوَقَّفْت كَثِيرًا فِي الْفَتْوَى بِالسُّقُوطِ مَعَ مَا ظَهَرَ لِي مِنْ الْأَبْحَاثِ الْمَذْكُورَةِ وَظَفِرْت بِنَقْلٍ صَرِيحٍ فِي تَصْحِيحِ عَدَمِ السُّقُوطِ فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ فَلْيُتَأَمَّلْ عِنْدَ الْفَتْوَى وَفِي الْجَوَاهِرِ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُفْتَى بِسُقُوطِهَا بِالطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ لِئَلَّا يَتَّخِذَهَا النَّاسُ وَسِيلَةً لِقَطْعِ حَقِّ النِّسَاءِ اهـ. كَلَامُ الْمَقْدِسِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، فَقَدْ رَجَعَ إلَى مَا قَالَهُ الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِنْ قَالَ أَخُوهُ فِي النَّهْرِ فِيهِ نَظَرٌ وَبَيَّنَ وَجْهَهُ الرَّمْلِيُّ بِبَعْضِ مَا مَرَّ، وَقَالَ إنَّ الْمُؤَلِّفَ قَدْ أَفْتَى فِي فَتَاوِيهِ بِالسُّقُوطِ اهـ. وَاَلَّذِي اعْتَمَدَهُ فِي مِنَحِ الْغَفَّارِ مَا فِي جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى مِنْ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى عَدَمِ السُّقُوطِ بِالرَّجْعِيِّ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْقُهُسْتَانِيُّ، وَقَالَ الشَّيْخُ عَلَاءُ الدِّينِ وَاسْتَحْسَنَهُ مُحَشِّي الْأَشْبَاهِ وَبِالسُّقُوطِ مُطْلَقًا أَفْتَى شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ لَكِنْ صَحَّحَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي شَرْحِهِ لِلْوَهْبَانِيَّةِ مَا بَحَثَهُ فِي الْبَحْرِ قَالَ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَرَدَّ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الشِّحْنَةِ فَتَأَمَّلْ عِنْدَ الْفَتْوَى اهـ. وَهُوَ يُشْعِرُ بِمَيْلِهِ إلَى مَا بَحَثَهُ الْمُؤَلِّفُ، وَقَدْ عَلِمْت تَصْحِيحَهُ وَعِبَارَةُ الزَّيْلَعِيِّ مُحْتَمِلَةٌ لَأَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِمَا صَحَّحَهُ هُوَ هَذَا كَمَا فَهِمَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فَاسْتَدَلَّ بِهَا وَلَيْسَتْ صَرِيحَةً فِيمَا حَمَلَهُ عَلَيْهَا الْمُؤَلِّفُ، بَلْ الْمُتَبَادَرُ مِنْهَا الْأَوَّلُ لِمَا يُعْلَمُ مِنْ مُرَاجَعَتِهَا. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ قَدْ اخْتَلَفَ الْإِفْتَاءُ وَالتَّصْحِيحُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ أَنْ يَتَأَمَّلَ الْمُفْتِي عِنْدَ الْفَتْوَى بِأَنْ يَنْظُرَ فِي حَالِ الرَّجُلِ هَلْ فَعَلَ ذَلِكَ تَخَلُّصًا مِنْ النَّفَقَةِ أَوْ لِسُوءِ أَخْلَاقِهَا مَثَلًا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 207 الْمَوْتَ وَالطَّلَاقَ لِمَا ذَكَرْنَا، وَكَذَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَلَوْ عَجَّلَ لَهَا، ثُمَّ طَلَّقَهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْمَوْتُ وَالطَّلَاقُ قَبْلَ الدُّخُولِ سَوَاءٌ وَفِي نَفَقَةِ الْمُطَلَّقَةِ إذَا مَاتَ زَوْجُهَا اخْتَلَفُوا قِيلَ تُرَدُّ، وَقِيلَ لَا تُسْتَرَدُّ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ قَائِمَةٌ فِي مَوْتِهِ، كَذَا فِي الْأَقْضِيَةِ فَعَلَى هَذَا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا كَمَا فَعَلَهُ الزَّيْلَعِيُّ، بَلْ تُجْعَلُ مُسْتَقِلَّةً وَوَجْهُهُ أَنَّهَا صِلَةٌ لِزَوْجَتِهِ وَلَا رُجُوعَ فِيمَا يَهَبُهُ لِزَوْجَتِهِ وَالْعِبْرَةُ لِوَقْتِ الْهِبَةِ لَا لِوَقْتِ الرُّجُوعِ فَالزَّوْجِيَّةُ مِنْ الْمَوَانِعِ مِنْ الرُّجُوعِ كَالْمَوْتِ وَدَفْعُ الْأَبِ كَدَفْعِ ابْنِهِ فَلَا إشْكَالَ (قَوْلُهُ وَيُبَاعُ الْقِنُّ فِي نَفَقَةِ زَوْجَتِهِ) يَعْنِي إذَا كَانَ تَزَوُّجُهُ بِإِذْنِ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ وَجَبَ فِي ذِمَّتِهِ لِوُجُودِ سَبَبِهِ، وَقَدْ ظَهَرَ وُجُوبُهُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى فَيَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ كَدَيْنِ التِّجَارَةِ فِي الْعَبْدِ التَّاجِرِ وَمُرَادُهُ عِنْدَ عَدَمِ الْفِدَاءِ فَإِنَّ لِلْمَوْلَى أَنْ يَفْدِيَهُ؛ لِأَنَّ حَقَّهَا فِي النَّفَقَةِ لَا فِي عَيْنِ الرَّقَبَةِ فَلَوْ مَاتَ الْعَبْدُ سَقَطَتْ، وَكَذَا إذَا قُتِلَ فِي الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُ صِلَةٌ، وَكَذَا الْمَهْرُ وَلَمْ أَرَهُمْ صَرَّحُوا هُنَا بِأَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا اخْتَارَتْ اسْتِسْعَاءَهُ فِي النَّفَقَةِ دُونَ بَيْعِهِ أَنَّ لَهَا ذَلِكَ أَمْ لَا لَكِنْ صَرَّحُوا فِي الْمَأْذُونِ لَهُ لِلتِّجَارَةِ إذَا لَحِقَهُ دَيْنٌ وَاخْتَارَ الْغُرَمَاءُ اسْتِسْعَاءَهُ دُونَ بَيْعِهِ أَنَّ لَهُمْ ذَلِكَ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ فِي الْمَأْذُونِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هُنَا كَذَلِكَ وَيَنْبَغِي أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا اخْتَارَتْ اسْتِسْعَاءَهُ لِنَفَقَتِهَا كُلَّ يَوْمٍ أَنْ يَكُونَ لَهَا ذَلِكَ أَيْضًا قَيَّدْنَا بِإِذْنِ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى لَا يُبَاعُ فِي النَّفَقَةِ لِعَدَمِ وُجُوبِهَا لِعَدَمِ صِحَّةِ النِّكَاحِ؛ وَلِذَا لَمْ يُقَيِّدْ الْمُصَنِّفُ بِالْإِذْنِ؛ لِأَنَّ عِنْدَ عَدَمِهِ لَمْ تَكُنْ زَوْجَةً لِتَجِبَ لَهَا النَّفَقَةُ. وَكَذَا الْمَهْرُ لَا يُبَاعُ فِيهِ، وَلَوْ دَخَلَ بِهَا لِعَدَمِ ظُهُورِهِ فِي حَقِّ الْمَوْلَى وَإِنَّمَا يُطَالَبُ بِهِ بَعْدَ عِتْقِهِ وَقَيَّدَ بِالْقِنِّ وَهُوَ الْعَبْدُ الَّذِي لَا حُرِّيَّةَ فِيهِ بِوَجْهٍ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ وَفِي اللُّغَةِ الْعَبْدُ إذَا مُلِكَ هُوَ وَأَبَوَاهُ يَسْتَوِي فِيهِ الِاثْنَانِ وَالْجَمْعُ الْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ كَمَا فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ وَالْمُدَبَّرَ وَأُمَّ الْوَلَدِ لَا يُبَاعُونَ فِيهَا لِعَدَمِ جَوَازِ الْبَيْعِ وَإِنَّمَا عَلَيْهِمْ السِّعَايَةُ إلَّا إذَا عَجَزَ الْمُكَاتَبُ فَإِنَّهُ يُبَاعُ لِزَوَالِ الْمَانِعِ وَقَيَّدَ نَفَقَةَ زَوْجَتِهِ؛ لِأَنَّ نَفَقَةَ أَوْلَادِهِ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَتْ الزَّوْجَةُ حُرَّةً أَوْ أَمَةً أَمَّا إذَا كَانَتْ حُرَّةً فَلِأَنَّ الْأَوْلَادَ أَحْرَارٌ تَبَعًا لَهَا وَالْحُرُّ لَا يَسْتَوْجِبُ النَّفَقَةَ عَلَى الْعَبْدِ إلَّا الزَّوْجَةُ وَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ أَمَةً فَنَفَقَةُ الْأَوْلَادِ عَلَى مَوْلَى الْأَمَةِ وَإِنْ كَانَتْ نَفَقَةُ الْأُمِّ عَلَى الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الْأَوْلَادَ تَبَعٌ لِلْأُمِّ فِي الْمِلْكِ فَتَكُونُ نَفَقَةُ الْأَوْلَادِ عَلَى الْمَالِكِ لَا عَلَى الزَّوْجِ، كَذَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ زَادَ فِي الْكَافِي لِلْحَاكِمِ وَشَرْحِهِ لِلسَّرَخْسِيِّ وَشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَالشَّامِلِ، وَكَذَلِكَ الْمُكَاتَبُ لَا تَجِبُ نَفَقَةُ وَلَدِهِ سَوَاءٌ كَانَتْ امْرَأَتُهُ حُرَّةً أَوْ قِنَّةً لِهَذَا الْمَعْنَى، وَإِذَا كَانَتْ امْرَأَةُ الْمُكَاتَبِ مُكَاتَبَةً وَهُمَا لِمَوْلًى وَاحِدٍ فَنَفَقَةُ الْوَلَدِ عَلَى الْأُمِّ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ تَابِعٌ لِلْأُمِّ فِي كِتَابَتِهَا وَلِهَذَا كَانَ كَسْبُ الْوَلَدِ لَهَا وَأَرْشُ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ لَهَا وَمِيرَاثُهُ لَهَا فَكَذَلِكَ النَّفَقَةُ تَكُونُ عَلَيْهَا بِخِلَافِ مَا إذَا وَطِئَ الْمُكَاتَبُ أَمَتَهُ فَوَلَدَتْ حَيْثُ تَجِبُ نَفَقَةُ الْوَلَدِ عَلَى الْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي كِتَابَتِهِ وَلِهَذَا يَكُونُ كَسْبُهُ لَهُ، وَكَذَا أَرْشُ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ لَهُ؛ وَلِأَنَّهُ جُزْؤُهُ فَإِذَا اتَّبَعَهُ فِي الْعَقْدِ كَانَتْ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ كَنَفَقَةِ نَفْسِهِ اهـ. وَلَمْ أَرَ مَتَى يُبَاعُ الْقِنُّ فِي النَّفَقَةِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ إذَا قَرَّرَ لَهَا نَفَقَةً كُلَّ شَهْرٍ كَذَا وَطَالَبَتْ بِالنَّفَقَةِ هَلْ يُبَاعُ لِأَجْلٍ النَّفَقَةِ الْيَسِيرَةِ أَوْ تَصِيرُ الْمَرْأَةُ حَتَّى يَجْتَمِعَ لَهَا مِنْ النَّفَقَةِ قَدْرُ قِيمَتِهِ إنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ فَفِيهِ إضْرَارٌ بِالْمَوْلَى وَيَقْتَضِي أَنْ يُبَاعَ فِي نَفَقَةِ يَوْمٍ إذَا طَلَبَتْهَا وَلَمْ يَفْدِهِ السَّيِّدُ وَإِنْ قُلْنَا بِالثَّانِي فَفِيهِ إضْرَارٌ بِهَا خُصُوصًا إذَا كَانَتْ فَقِيرَةً وَذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْمُرَادِ وَلَفْظُهَا فَإِذَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ مِنْ النَّفَقَةِ مَا يَعْجِزُ عَنْ الْأَدَاءِ يُبَاعُ فِيهِ إلَّا أَنْ يَفْدِيَهُ الْمَوْلَى اهـ. وَإِذَا فَرَضَ الْقَاضِي لَهَا نَفَقَةَ شَهْرٍ مَثَلًا فَطَالَبَتْهُ وَعَجَزَ عَنْ أَدَائِهِ بَاعَهُ الْقَاضِي إنْ لَمْ يَفْدِهِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ وَأَطْلَقَ فِي بَيْعِهِ لَهَا فَشَمِلَ سَيِّدَهُ الْمُزَوِّجَ لَهُ وَغَيْرَهُ فَإِذَا بِيعَ فِيهَا فَاشْتَرَاهُ مَنْ عَلِمَ بِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ، ثُمَّ عَلِمَ فَرَضِيَ ظَهَرَ السَّبَبُ فِي حَقِّهِ أَيْضًا فَإِذَا اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ مَرَّةً أُخْرَى يُبَاعُ ثَانِيًا، وَكَذَا حَالُهُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي الثَّالِثِ وَهَلُمَّ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَفِي نَفَقَةِ الْمُطَلَّقَةِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ اُسْتُفِيدَ مِنْهُ وَمِمَّا فِي الذَّخِيرَةِ مِنْ قَوْلِهِ لَوْ عَجَّلَ الزَّوْجُ لَهَا نَفَقَةَ مُدَّةٍ، ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهَا وَلَا فِي تَرِكَتِهَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَرْفَعُ عَنْهَا بِحِصَّتِهِ مَا مَضَى وَيَجِبُ رَدُّ الْبَاقِي إنْ كَانَ قَائِمًا وَقِيمَتِهِ إنْ كَانَ مُسْتَهْلَكًا إلَخْ جَوَابُ حَادِثَةِ الْفَتْوَى طَلَّقَهَا بَائِنًا وَعَجَّلَ لَهَا نَفَقَةَ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ فَأَسْقَطَتْ سِقْطًا بَعْدَ عَشَرَةِ أَيَّامٍ فَانْقَضَتْ بِذَلِكَ عِدَّتُهَا هَلْ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِمَا زَادَ عَلَى حِصَّةِ الْعَشَرَةِ أَمْ لَا الْجَوَابُ لَا عِنْدَهُمَا لَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْقِيَاسُ اهـ. مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ: فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هُنَا كَذَلِكَ) أَقَرَّهُ عَلَيْهِ الْمَقْدِسِيَّ وَصَاحِبُ النَّهْرِ. (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ صِحَّةِ النِّكَاحِ) أَرَادَ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ عَدَمَ النَّفَاذِ وَإِلَّا فَهُوَ صَحِيحٌ يَتَوَقَّفُ نَفَاذُهُ عَلَى إذْنِ الْمَوْلَى. (قَوْلُهُ: وَأُمُّ الْوَلَدِ) مِثْلُهُ فِي النَّهْرِ وَالصَّوَابُ وَوَلَدُ أُمِّ الْوَلَدِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 208 جَرَّا وَلَا يُبَاعُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى إلَّا فِي دَيْنِ النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّهَا تَتَجَدَّدُ شَيْئًا فَشَيْئًا عَلَى حَسَبِ تَجَدُّدِ الزَّمَانِ عَلَى وَجْهٍ يَظْهَرُ فِي حَقِّ السَّيِّدِ فَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ دَيْنٌ حَادِثٌ عِنْدَ الْمُشْتَرِي، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي بِحَالِهِ أَوْ عَلِمَ بَعْدَ الشِّرَاءِ وَلَمْ يَرْضَ فَلَهُ رَدُّهُ؛ لِأَنَّهُ عَيْبٌ اطَّلَعَ عَلَيْهِ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَقَدْ فَرَّقَ الْوَلْوَالِجِيُّ وَغَيْرُهُ أَيْضًا بَيْنَ دَيْنِ النَّفَقَةِ وَبَيْنَ دَيْنِ الْمَهْرِ بِأَنَّ الْعَبْدَ إنَّمَا بِيعَ فِي جَمِيعِ الْمَهْرِ وَأَنَّ الْمَهْرَ جَمِيعَهُ وَاجِبٌ فَإِذَا بِيعَ فِي جَمِيعِ الْمَهْرِ مَرَّةً لَا يُبَاعُ مَرَّةً أُخْرَى وَإِنْ بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ الْمَهْرِ فَأَمَّا النَّفَقَةُ فَإِنَّمَا تَجِبُ شَيْئًا فَشَيْئًا فَإِذَا بِيعَ فِيهَا فَإِنَّمَا بِيعَ فِيمَا اجْتَمَعَ مِنْ النَّفَقَةِ وَصَارَتْ وَاجِبَةً، وَأَمَّا فِيمَا لَمْ يَجْتَمِعْ وَلَمْ يَصِرْ وَاجِبًا لَا يُتَصَوَّرُ الْبَيْعُ فِيهِ فَإِذَا وَجَبَتْ نَفَقَةٌ أُخْرَى فَهَذَا دَيْنٌ حَادِثٌ لَمْ يُبَعْ الْعَبْدُ فِيهِ مَرَّةً أُخْرَى فَجَازَ بَيْعُهُ اهـ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ بِيعَ فِي النَّفَقَةِ الْمُجْتَمِعَةِ فَلَمْ يَفِ بِكُلِّهَا فَاشْتَرَاهُ مَنْ هُوَ عَالِمٌ بِهِ فَإِنَّهُ لَا يُبَاعُ لِبَقِيَّةِ النَّفَقَةِ الْمَاضِيَةِ؛ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ كَالْمَهْرِ وَإِنَّمَا يُبَاعُ لِمَا يَجْتَمِعُ مِنْ النَّفَقَةِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ مِنْ قَوْلِهِ صُورَتُهُ عَبْدٌ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِإِذْنِ الْمَوْلَى فَفَرَضَ الْقَاضِي النَّفَقَةَ عَلَيْهِ فَاجْتَمَعَ عَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَبِيعَ بِخَمْسِمِائَةٍ وَهِيَ قِيمَتُهُ وَالْمُشْتَرِي عَالِمٌ أَنَّ عَلَيْهِ دَيْنَ النَّفَقَةِ يُبَاعُ مَرَّةً أُخْرَى بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْأَلْفُ عَلَيْهِ بِسَبَبٍ آخَرَ فَبِيعَ بِخَمْسِمِائَةٍ لَا يُبَاعُ مَرَّةً أُخْرَى اهـ. سَهْوٌ فَاحِشٌ ظَاهِرٌ لِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّ دَيْنَ النَّفَقَةِ فِي الْحَقِيقَةِ دَيْنٌ حَادِثٌ عِنْدَ الْمُشْتَرِي؛ وَلِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ دَيْنُ النَّفَقَةِ أَقْوَى مِنْ سَائِرِ الدُّيُونِ وَالْأَمْرُ بِالْعَكْسِ وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي الزَّوْجَةِ فَشَمِلَ الْحُرَّةَ وَالْأَمَةَ وَيَسْتَثْنِي مِنْ الْأَمَةِ أَمَةَ سَيِّدِ الْعَبْدِ فَإِنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا عَلَى الْعَبْدِ بَوَّأَهَا الْعَبْدُ بَيْتًا أَوْ لَا وَإِنَّمَا هِيَ عَلَى الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُمَا جَمِيعًا مِلْكُ الْمَوْلَى وَنَفَقَةُ الْمَمْلُوكِ عَلَى الْمَالِكِ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَشَمِلَ بِنْتَ الْمَوْلَى فَإِنَّ لَهَا النَّفَقَةَ عَلَى عَبْدِ أَبِيهَا؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ فِي مَعْنَى سَائِرِ الدُّيُونِ مِنْ وَجْهٍ وَالْبِنْتُ تَسْتَحِقُّ الدَّيْنَ عَلَى الْأَبِ، وَكَذَلِكَ عَلَى عَبْدِ الْأَبِ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ أَيْضًا، وَقَدْ سُئِلْت عَنْ كَفَنِ امْرَأَةِ الْعَبْدِ وَتَجْهِيزِهَا عَلَى الْقَوْلِ الْمُفْتَى بِهِ مِنْ أَنَّهُ عَلَى الزَّوْجِ وَإِنْ تَرَكَتْ مَالًا فَأَجَبْت بِأَنِّي إلَى الْآنَ لَمْ أَرَهَا صَرِيحَةً لَكِنَّ تَعْلِيلَهُمْ لِأَبِي يُوسُفَ بِأَنَّ الْكَفَنَ كَالْكِسْوَةِ حَالَ الْحَيَاةِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ عَلَى الْعَبْدِ وَمُقْتَضَاهُ أَنْ يُبَاعَ فِيهِ كَمَا يُبَاعَ فِي كِسْوَتِهَا (قَوْلُهُ وَنَفَقَةُ الْأَمَةِ الْمَنْكُوحَةِ إنَّمَا تَجِبُ بِالتَّبْوِئَةِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا احْتِبَاسَ إلَّا بِهَا فَإِنْ بَوَّأَهَا الْمَوْلَى مَعَهُ مَنْزِلًا فَعَلَيْهِ النَّفَقَةُ لِتَحَقُّقِ الِاحْتِبَاسِ وَإِلَّا فَلَا لِعَدَمِهِ أَطْلَقَ فِي الزَّوْجِ فَشَمِلَ الْحُرَّ وَالْقِنَّ وَالْمُدَبَّرَ وَالْمُكَاتَبَ وَأَطْلَقَ فِي الْأَمَةِ فَشَمِلَ الْقِنَّةَ وَالْمُدَبَّرَةَ وَأُمَّ الْوَلَدِ، وَأَمَّا الْمُكَاتَبَةُ فَهِيَ كَالْحُرَّةِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى التَّبْوِئَةِ لِاسْتِحْقَاقِ النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهَا عَلَى حُكْمِ مِلْكِهَا بِصَيْرُورَتِهَا أَحَقَّ بِنَفْسِهَا وَمَنَافِعِهَا بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ وَلِهَذَا لَمْ يَبْقَ لِلْمَوْلَى وِلَايَةُ الِاسْتِخْدَامِ فَكَانَتْ كَالْحُرَّةِ وَالتَّبْوِئَةُ أَنْ يُخَلِّيَ الْمَوْلَى بَيْنَ الْأَمَةِ وَزَوْجِهَا فِي مَنْزِلِ الزَّوْجِ وَلَا يَسْتَخْدِمَهَا، كَذَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ الشَّهِيدِ وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ جَاءَتْ الْأَمَةُ مِنْ مَنْزِلِ زَوْجِهَا بَعْدَ التَّبْوِئَةِ وَخَدَمَتْ الْمَوْلَى فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَخْدِمَهَا لَمْ يَسْقُطْ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الذَّخِيرَةِ وَفِيهَا لَوْ جَاءَتْ إلَى بَيْتِ الْمَوْلَى فِي وَقْتٍ وَالْمَوْلَى لَيْسَ فِي الْبَيْتِ فَاسْتَخْدَمَهَا أَهْلُهُ وَمَنَعُوهَا مِنْ الرُّجُوعِ إلَى بَيْتِهِ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا؛ لِأَنَّ اسْتِخْدَامَ أَهْلِ الْمَوْلَى إيَّاهَا بِمَنْزِلَةِ اسْتِخْدَامِ الْمَوْلَى وَفِيهِ تَفْوِيتُ التَّبْوِئَةِ اهـ. وَظَاهِرُ قَوْلِهِ وَلَا يَسْتَخْدِمَهَا أَنَّهُ لَوْ اسْتَخْدَمَهَا وَهِيَ فِي مَنْزِلِ الزَّوْجِ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا؛ لِأَنَّ لِلتَّبْوِئَةِ شَرْطَيْنِ فَإِذَا فُقِدَ أَحَدُهُمَا فُقِدَتْ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُمْ، وَلَوْ اسْتَخْدَمَهَا بَعْدَ التَّبْوِئَةِ سَقَطَتْ النَّفَقَةُ لَكِنْ عَلَّلَهُ فِي الْهِدَايَةِ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ فَاتَ الِاحْتِبَاسُ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا خَدَمَتْهُ فِي بَيْتِ الْمَوْلَى وَتَعْلِيلُ الزَّيْلَعِيِّ بِقَوْلِهِ لِزَوَالِ الْمُوجِبِ أَوْلَى وَقَيَّدَ بِالْأَمَةِ؛ لِأَنَّ نَفَقَةَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ إلَخْ) تَابِعُهُ عَلَى ذَلِكَ فِي الدُّرَرِ وَأُجِيبُ عَنْهُمَا بِأَنَّ عِبَارَتَهُمَا وَإِنْ احْتَمَلَتْ غَيْرَ الْمَذْهَبِ تَحْتَمِلُ الْمَذْهَبَ فَإِنْ قَالَهُ يُبَاعُ مَرَّةً أُخْرَى يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ يُبَاعُ فِيمَا تَجَدَّدَ لَا فِي الْخَمْسِمِائَةِ الْبَاقِيَةِ. (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا هِيَ عَلَى الْمَوْلَى) قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ وَيَنْظُرُ مَا لَوْ كَانَ مُكَاتَبًا لِلْمَوْلَى وَلَعَلَّهَا عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ عَلَى الْعَبْدِ) أَقَرَّهُ عَلَيْهِ الْمَقْدِسِيَّ وَصَاحِبُ النَّهْرِ، وَقَالَ الرَّمْلِيُّ فَقَدْ وَقَعَ لِي مِثْلُ مَا وَقَعَ لَهُ مِنْ السُّؤَالِ وَأَجَبْت بِمَا أَجَابَ بِهِ مُسْتَدِلًّا بِمَا اسْتَدَلَّ بِهِ مِنْ التَّعْلِيلِ لِأَبِي يُوسُفَ قَبْلَ وُقُوفِي عَلَى جَوَابِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ [وَنَفَقَةُ الْأَمَةِ الْمَنْكُوحَةِ] (قَوْلُهُ: فَلَا نَفَقَةَ لَهَا) أَيْ فِي مُدَّةِ اسْتِخْدَامِهِمْ إيَّاهَا قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَفِي التَّتِمَّةِ سُئِلَ وَالِدِي عَنْ أَمَةٍ زَوَّجَهَا مَوْلَاهَا مِنْ إنْسَانٍ وَهِيَ مَشْغُولَةٌ بِخِدْمَةِ السَّيِّدِ طَوَالَ الْيَوْمِ وَتَشْتَغِلُ بِخِدْمَةِ الزَّوْجِ مِنْ اللَّيْلِ فَقَالَ نَفَقَةُ الْيَوْمِ عَلَى الْمَوْلَى وَنَفَقَةُ اللَّيْلِ عَلَى الزَّوْجِ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَوْ خَدَمَتْهُ فِي بَيْتِ الْمَوْلَى) الظَّاهِرُ أَنَّ فِي الْعِبَارَةِ سَقْطًا وَهُوَ لَا تَسْقُطُ النَّفَقَةُ لِيَكُونَ جَوَابُ لَوْ الشَّرْطِيَّةِ أَيْ أَنَّ التَّعْلِيلَ بِفَوَاتِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 209 الْحُرَّةِ وَاجِبَةٌ مُطْلَقًا، وَلَوْ كَانَ زَوْجُهَا عَبْدًا وَمَا فِي الْكِتَابِ مِنْ تَقْيِيدِ زَوْجَةِ الْعَبْدِ إذَا كَانَتْ حُرَّةً بِالتَّبْوِئَةِ فَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ إنَّهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْحُرَّةَ لَا تَحْتَاجُ إلَيْهَا مُطْلَقًا وَقَيَّدَ بِالْمَنْكُوحَةِ؛ لِأَنَّ نَفَقَةَ الْمَمْلُوكَةِ عَلَى سَيِّدِهَا مُطْلَقًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ التَّبْوِئَةَ مِنْ السَّيِّدِ لَيْسَتْ بِلَازِمَةٍ تَقْدِيمًا لِحَقِّهِ عَلَى الزَّوْجِ، وَلَوْ بَوَّأَ الْأَمَةَ بَعْدَ الطَّلَاقِ وَلَمْ يَكُنْ بَوَّأَهَا قَبْلَهُ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَسْتَحِقَّ بِهَذَا الطَّلَاقِ فَلَا تَسْتَحِقُّ بَعْدَهُ وَإِنْ فَاتَتْ التَّبْوِئَةُ بَعْدَ الطَّلَاقِ، ثُمَّ عَادَتْ تَعُودُ النَّفَقَةُ كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَلَا يُشْكِلُ عَلَى التَّعْلِيلِ الْحُرَّةُ إذَا كَانَتْ نَاشِزَةً فَطَلَّقَهَا زَوْجُهَا فَلَهَا أَنْ تَعُودَ إلَى بَيْتِ الزَّوْجِ وَتَأْخُذَ النَّفَقَةَ وَالسُّكْنَى كَمَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ لِلْفَرْقِ الْمَذْكُورِ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ مِنْ أَنَّ فِي الْأَمَةِ النِّكَاحَ حَالَةَ الطَّلَاقِ لَمْ يَكُنْ سَبَبًا لِوُجُوبِ النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ سَبَبًا لِوُجُوبِ الِاحْتِبَاسِ إذْ لَا يَجِبُ التَّبْوِئَةُ وَفِي الْحُرَّةِ النِّكَاحُ حَالَةَ الطَّلَاقِ سَبَبٌ لِوُجُوبِ النَّفَقَةِ إلَّا أَنَّهَا فُوِّتَتْ بِالنُّشُوزِ فَإِذَا عَادَتْ وَجَبَتْ اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ تَقْدِيرَ النَّفَقَةِ مِنْ الْقَاضِي قَبْلَ التَّبْوِئَةِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ السَّبَبِ وَلَمْ أَرَهُ صَرِيحًا وَفِي الذَّخِيرَةِ والولوالجية وَإِنْ كَانَ لِلرَّجُلِ نِسْوَةٌ بَعْضُهُنَّ حَرَائِرُ مُسْلِمَاتٌ وَبَعْضُهُنَّ إمَاءٌ ذِمِّيَّاتٌ فَهُنَّ فِي النَّفَقَةِ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ مَشْرُوعَةٌ لِلْكِفَايَةِ وَذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الدِّينِ وَالرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ إلَّا أَنَّ الْأَمَةَ لَا تَسْتَحِقُّ نَفَقَةَ الْخَادِمِ اهـ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا مُفَرَّعًا عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مِنْ اعْتِبَارِ حَالِهِ، وَأَمَّا عَلَى الْمُفْتَى بِهِ فَلَسْنَ فِي النَّفَقَةِ سَوَاءٌ لِاخْتِلَافِ حَالِهِنَّ يَسَارًا وَعُسْرًا، فَلَيْسَتْ نَفَقَةُ الْمُوسِرَةِ كَنَفَقَةِ الْمُعْسِرَةِ وَلَيْسَتْ نَفَقَةُ الْحُرَّةِ كَالْأَمَةِ كَمَا لَا يَخْفَى وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ وَالسُّكْنَى فِي بَيْتٍ خَالٍ عَنْ أَهْلِهِ وَأَهْلِهَا) مَعْطُوفٌ عَلَى النَّفَقَةِ أَيْ تَجِبُ السُّكْنَى فِي بَيْتٍ أَيْ الْإِسْكَانُ لِلزَّوْجَةِ عَلَى زَوْجِهَا؛ لِأَنَّ السُّكْنَى مِنْ كِفَايَتِهَا فَتَجِبُ لَهَا كَالنَّفَقَةِ، وَقَدْ أَوْجَبَهَا اللَّهُ تَعَالَى كَمَا أَوْجَبَ النَّفَقَةَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق: 6] أَيْ مِنْ طَاقَتِكُمْ أَيْ مِمَّا تُطِيقُونَهُ مِلْكًا أَوْ إجَارَةً أَوْ عَارِيَّةً إجْمَاعًا، وَإِذَا وَجَبَتْ حَقًّا لَهَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُشْرِكَ غَيْرَهَا فِيهِ؛ لِأَنَّهَا تَتَضَرَّرُ بِهِ فَإِنَّهَا لَا تَأْمَنُ عَلَى مَتَاعِهَا وَيَمْنَعُهَا ذَلِكَ مِنْ الْمُعَاشَرَةِ مَعَ زَوْجِهَا وَمِنْ الِاسْتِمْتَاعِ إلَّا أَنْ تَخْتَارَ؛ لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِانْتِقَاصِ حَقِّهَا وَدَخَلَ فِي الْأَهْلِ الْوَلَدُ مِنْ غَيْرِهَا لِمَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ إلَّا أَنْ يَكُونَ صَغِيرًا لَا يَفْهَمُ الْجِمَاعَ فَلَهُ إسْكَانُهُ مَعَهَا كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَخَرَجَ عَنْهُ أَمَتُهُ وَأُمُّ وَلَدِهِ، فَلَيْسَ لِلْمَرْأَةِ الِامْتِنَاعُ مِنْ إسْكَانِهِمَا مَعَهَا عَلَى الْمُخْتَارِ كَمَا سَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ آخِرَ الْكِتَابِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الِاسْتِخْدَامِ فَلَا يَسْتَغْنِي عَنْهَا وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْبَيْتَ دُونَ الدَّارِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَسْكَنَهَا فِي بَيْتٍ مِنْ الدَّارِ مُفْرَدًا وَلَهُ غَلْقٌ كَفَاهَا   [منحة الخالق] الِاحْتِبَاسِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالِاسْتِخْدَامِ الَّذِي تَنْتَفِي بِهِ التَّبْوِئَةُ هُوَ الِاسْتِخْدَامُ فِي غَيْرِ بَيْتِ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَفُوتُ بِهِ الِاحْتِبَاسُ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُهُمْ لَوْ اسْتَخْدَمَهَا بَعْدَ التَّبْوِئَةِ سَقَطَتْ النَّفَقَةُ وَيَدُلُّ لِذَلِكَ عِبَارَةُ الزَّيْلَعِيِّ حَيْثُ قَالَ وَنَفَقَةُ الْأَمَةِ الْمَنْكُوحَةِ إنَّمَا تَجِبُ بِالتَّبْوِئَةِ؛ لِأَنَّ الِاحْتِبَاسَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِهَا وَتَبْوِئَتُهَا أَنْ يُخَلِّيَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا وَلَا يَسْتَخْدِمَهَا؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي اسْتِحْقَاقِ النَّفَقَةِ تَفْرِيغُهَا لِمَصَالِحِ الزَّوْجِ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِالتَّبْوِئَةِ وَإِنْ اسْتَخْدَمَهَا بَعْدَ التَّبْوِئَةِ سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا لِزَوَالِ الْمُوجِبِ. اهـ. فَقَوْلُهُ لِزَوَالِ الْمُوجِبِ أَيْ لِلنَّفَقَةِ الْمُشَارِ إلَيْهِ فِي قَوْلِهِ إنَّمَا تَجِبُ بِالتَّبْوِئَةِ فَالْمُرَادُ بِالْمُوجِبِ لِلنَّفَقَةِ هُوَ التَّبْوِئَةُ الَّتِي لَا يَتَحَقَّقُ الِاحْتِبَاسُ إلَّا بِهَا فَصَارَتْ التَّبْوِئَةُ عِبَارَةً عَنْ الِاحْتِبَاسِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ فِي الْهِدَايَةِ؛ لِأَنَّهُ فَاتَ الِاحْتِبَاسُ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَوْلَ الْحَاكِمِ الشَّهِيدِ فِي الْكَافِي وَلَا يَسْتَخْدِمُهَا لَيْسَ شَرْطًا آخَرَ مُغَايِرًا لِمَا قَبْلَهُ، بَلْ هُوَ عَيْنُ مَا قَبْلَهُ فَالْمُرَادُ بِهِ إبْقَاءُ التَّخْلِيَةِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الزَّوْجِ بِأَنْ لَا يُخْرِجَهَا مِنْ بَيْتِ الزَّوْجِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ الْكَافِي عَقِبَ كَلَامِهِ السَّابِقِ فَإِنْ اسْتَخْدَمَهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَلَمْ يُخَلِّ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا فَلَا نَفَقَةَ لَهَا فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ اسْتَخْدَمَهَا فِي بَيْتِ الزَّوْجِ لَهَا النَّفَقَةُ؛ لِأَنَّ التَّخْلِيَةَ مَوْجُودَةٌ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَكُنْ بَوَّأَهَا قَبْلَهُ إلَخْ) يُوهِمُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بَوَّأَهَا قَبْلَ الطَّلَاقِ لَهَا النَّفَقَةُ وَلَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ بَوَّأَهَا وَأَخْرَجَهَا مِنْ بَيْتِ الزَّوْجِ قَبْلَ الطَّلَاقِ، ثُمَّ طَلَّقَهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُعِيدَهَا إلَيْهِ لِتُطَالِبَ بِالنَّفَقَةِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي كَافِي الْحَاكِمِ الشَّهِيدِ، ثُمَّ قَالَ: وَكَذَا كُلُّ امْرَأَةٍ لَا نَفَقَةَ لَهَا يَوْمَ طَلَّقَ، فَلَيْسَ لَهَا نَفَقَةٌ أَبَدًا إلَّا الْمَرْأَةَ إذَا كَانَتْ هَارِبَةً مِنْ زَوْجِهَا فَلَهَا أَنْ تَرْجِعَ وَتَأْخُذَ النَّفَقَةَ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ مَانِعَةً نَفْسَهَا مِنْ حَقٍّ وَاجِبٍ عَلَيْهَا اهـ فَعُلِمَ أَنَّ الشَّرْطَ اسْتِحْقَاقُهَا النَّفَقَةَ وَقْتَ الطَّلَاقِ. (قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا مُفَرَّعًا عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ إلَخْ) قَالَ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِهِ لَا مَعْنَى لِهَذَا بَعْدَ قَوْلِهِ فِي الذَّخِيرَةِ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ مَشْرُوعَةٌ لِلْكِتَابِيَّةِ وَذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الدِّينِ وَالرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ إلَخْ اهـ أَيْ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ. (قَوْلُهُ وَخَرَجَ عَنْهُ أَمَتُهُ وَأُمُّ وَلَدِهِ إلَخْ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ إنَّهُ مُشْكِلٌ عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ جَمِيعًا أَمَّا عَلَى الْأَوَّلِ فَظَاهِرٌ أَيْ أَنَّهَا لَا تَأْمَنُ عَلَى مَتَاعِهَا، وَأَمَّا عَلَى الْمَعْنَى الثَّانِي فَلِأَنَّهُ تُكْرَهُ الْمُجَامَعَةُ بَيْنَ يَدَيْ أَمَةِ الرَّجُلِ هَذَا هُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ آخِرًا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 210 لِأَنَّ الْمَقْصُودَ حَصَلَ. كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَقَدْ اقْتَصَرَ عَلَى الْغَلْقِ فَأَفَادَ أَنَّهُ، وَلَوْ كَانَ الْخَلَاءُ مُشْتَرَكًا بَعْدَ أَنْ يَكُونَ لَهُ غَلْقٌ يَخُصُّهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ تُطَالِبَهُ بِمَسْكَنٍ آخَرَ وَبِهِ قَالَ الْإِمَامُ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ بِالْخَوْفِ عَلَى الْمَتَاعِ وَعَدَمُ التَّمَكُّنِ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ قَدْ زَالَ وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ الْمُرَادِ كَوْنَ الْخَلَاءِ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ غَيْرِ الْأَجَانِبِ وَاَلَّذِي فِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ، وَلَوْ كَانَ فِي الدَّارِ بُيُوتٌ وَأَبَتْ أَنْ تَسْكُنَ مَعَ ضَرَّتِهَا أَوْ مَعَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِهِ إنْ أَخْلَى لَهَا بَيْتًا وَجَعَلَ لَهُ مَرَافِقَ وَغَلْقًا عَلَى حِدَةٍ لَيْسَ لَهَا أَنْ تَطْلُبَ بَيْتًا، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّهُ لَا بُدَّ لِلْبَيْتِ مِنْ بَيْتِ الْخَلَاءِ وَمِنْ مَطْبَخٍ بِخِلَافِ مَا فِي الْهِدَايَةِ وَيَنْبَغِي الْإِفْتَاءُ بِمَا فِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَكُونَ فِي الدَّارِ أَحَدٌ مِنْ أَحْمَاءِ الزَّوْجِ يُؤْذِيهَا كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ، قَالُوا لِلزَّوْجِ أَنْ يُسْكِنَهَا حَيْثُ أَحَبَّ، وَلَكِنْ بَيْنَ جِيرَانٍ صَالِحِينَ، وَلَوْ قَالَتْ إنَّهُ يَضْرِبُنِي وَيُؤْذِينِي فَمُرْهُ أَنْ يُسْكِنَنِي بَيْنَ قَوْمٍ صَالِحِينَ فَإِنْ عَلِمَ الْقَاضِي ذَلِكَ زَجَرَهُ عَنْ التَّعَدِّي فِي حَقِّهَا وَإِلَّا يَسْأَلُ الْجِيرَانَ عَنْ صَنِيعِهِ فَإِنْ صَدَّقُوهَا مَنَعَهُ عَنْ التَّعَدِّي فِي حَقِّهَا وَلَا يَتْرُكُهَا ثَمَّةَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي جِوَارِهَا مَنْ يُوثَقُ بِهِ أَوْ كَانُوا يَمِيلُونَ إلَى الزَّوْجِ أَمَرَهُ بِإِسْكَانِهَا بَيْنَ قَوْمٍ صَالِحِينَ اهـ. وَلَمْ يُصَرِّحُوا بِأَنَّهُ يُضْرَبُ وَإِنَّمَا قَالُوا زَجَرَهُ وَلَعَلَّهُ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَطْلُبْ تَعْزِيرَهُ وَإِنَّمَا طَلَبَتْ الْإِسْكَانَ بَيْنَ قَوْمٍ صَالِحِينَ، وَقَدْ عُلِمَ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْبَيْتَ الَّذِي لَيْسَ لَهُ جِيرَانٌ، فَلَيْسَ بِمَسْكَنٍ شَرْعِيٍّ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمَسْكَنَ أَيْضًا لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ بِقَدْرِ حَالِهِمَا كَمَا تَقَدَّمَ فِي الطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ، فَلَيْسَ مَسْكَنُ الْأَغْنِيَاءِ كَمَسْكَنِ الْفُقَرَاءِ فَلَوْ أَخَّرَ قَوْلَهُ بِقَدْرِ حَالِهِمَا عَنْ الْمَسْكَنِ لَكَانَ أَوْلَى وَقَدَّمْنَا أَنَّ النَّفَقَةَ إذَا أُطْلِقَتْ فَإِنَّهَا تَنْصَرِفُ إلَى الطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ وَالسُّكْنَى كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ فَقَوْلُهُمْ يُعْتَبَرُ فِي النَّفَقَةِ حَالُهُمَا يَشْمَلُ الثَّلَاثَةَ كَمَا لَا يَخْفَى وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ الْإِجَارَاتِ تَزَوَّجَ بِهَا وَبَنَى بِهَا فِي مَنْزِلٍ كَانَتْ فِيهِ بِأَجْرٍ وَمَضَى عَلَيْهِ سَنَةٌ فَطَالَبَ الْمُؤَجِّرُ الْمَرْأَةَ بِالْأُجْرَةِ فَقَالَتْ لَهُ أَخْبَرْتُكَ أَنَّ الْمَنْزِلَ بِالْكِرَاءِ فَعَلَيْكَ الْأَجْرُ لَا يَلْتَفِتُ إلَى مَقَالَتِهَا وَالْأُجْرَةُ عَلَيْهَا لَا عَلَى الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهَا الْعَاقِدَةُ اهـ. وَمَفْهُومُهُ أَنَّهَا لَوْ سَكَنَتْ بِغَيْرِ إجَارَةٍ فِي وَقْفٍ أَوْ مَالِ يَتِيمٍ أَوْ مَا كَانَ مُعَدًّا لِلِاسْتِغْلَالِ فَالْأُجْرَةُ عَلَيْهِ فِي الْبَزَّازِيَّةِ أَجَّرَتْ دَارَهَا مِنْ زَوْجِهَا وَهُمَا يَسْكُنَانِ فِيهِ لَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ اهـ. وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الْمُؤْنِسَةَ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْفَتَاوَى السِّرَاجِيَّةِ يَعْنِي لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ لَهَا بِامْرَأَةٍ تُؤْنِسُهَا فِي الْبَيْتِ إذَا خَرَجَ إذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهَا أَحَدٌ.   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: فَأَفَادَ أَنَّهُ وَلَوْ كَانَ الْخَلَاءُ مُشْتَرَكًا إلَخْ) قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ مَا فَهِمَهُ عَنْ الْهِدَايَةِ فِيهِ نَظَرٌ لِقَوْلِهِمْ إنَّ الْبَيْتَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ كَامِلَ الْمَرَافِقِ؛ وَلِأَنَّ الِاشْتِرَاكَ فِي الْخَلَاءِ، وَلَوْ مَعَ غَيْرِ الْأَجَانِبِ ضَرَرُهُ ظَاهِرٌ. (قَوْلُهُ: وَبِهِ قَالَ الْإِمَامُ) عِبَارَةُ الْفَتْحِ وَبِهِ قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ. (قَوْلُهُ: وَاَلَّذِي فِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ إلَخْ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ إذَا كَانَ لِلرَّجُلِ وَالِدَةٌ أَوْ أُخْتٌ أَوْ وَلَدٌ مِنْ غَيْرِهَا أَوْ مِنْ ذُو رَحِمٍ مِنْ الزَّوْجِ، فَقَالَتْ أَنَا لَا أَنْزِلُ مَعَ أَحَدٍ مِنْهُمْ فَإِنْ كَانَ فِي الدَّارِ بُيُوتٌ فَأَعْطَاهَا بَيْتًا يُغْلَقُ عَلَيْهِ وَيُفْتَحُ لَمْ يَكُنْ لَهَا الْمُطَالَبَةُ بِمَنْزِلٍ آخَرَ وَإِلَّا فَلَهَا لِوَجْهَيْنِ أَحَدِهِمَا أَنَّهَا تَخَافُ عَلَى أَمْتِعَتِهَا وَالثَّانِي أَنَّهُ تُكْرَهُ الْمُجَامَعَةُ وَمَعَهَا فِي الْبَيْتِ غَيْرُهُمَا وَذَكَرَ الْخَصَّافُ الْمَسْأَلَةَ فِي أَدَبِ الْقَاضِي فِي بَابِ نَفَقَةِ الْمَرْأَةِ إذَا كَانَ لَهُ امْرَأَتَانِ فَأَسْكَنَهُمَا فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ فَطَلَبَتْ إحْدَاهُمَا بَيْتًا عَلَى حِدَةٍ فَلَهَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ فِي اجْتِمَاعِهِمَا فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ ضَرَرًا بِهِمَا وَالزَّوْجُ مَأْمُورٌ بِإِزَالَةِ الضَّرَرِ عَنْ الْمَرْأَةِ هَكَذَا حُكِيَ عَنْ الشَّيْخِ الْإِمَامِ الْجَلِيلِ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ، وَهَذَا التَّعْلِيلُ يُشِيرُ إلَى أَنَّ الدَّارَ إنْ كَانَتْ مُشْتَمِلَةً عَلَى بُيُوتٍ وَيُسْكِنَ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْمَرْأَتَيْنِ فِي بَيْتٍ عَلَى حِدَةٍ يُغْلَقُ عَلَيْهِمَا وَيُفْتَحُ كَانَ لَهَا أَنْ تُطَالِبَ بِمَسْكَنٍ آخَرَ اهـ. (قَوْلُهُ: مِنْ إحْمَاءِ الزَّوْجِ) كَذَا رَأَيْته فِي نُسْخَتَيْ الْخَانِيَّةِ أَيْضًا وَلَعَلَّ الصَّوَابَ إبْدَالُ الْأَحْمَاءِ بِالْأَقَارِبِ أَوْ يَقُولُ مِنْ أَحْمَاءِ الزَّوْجَةِ وَرَأَيْت فِي التَّتَارْخَانِيَّة مَعْزِيًّا إلَى الْخَانِيَّةِ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ وَهُوَ وَاضِحٌ. (قَوْلُهُ: لَا أَجْرَ عَلَيْهِ) أَقُولُ: هَذَا خِلَافُ الْمُفْتَى بِهِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي إجَارَاتِ الدَّارِ الْمُخْتَارِ عَنْ الْخَانِيَّةِ. (قَوْلُهُ: كَمَا فِي الْفَتَاوَى السِّرَاجِيَّةِ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا فَتَاوَى سِرَاجِ الدِّينِ قَارِئِ الْهِدَايَةِ لِمَا فِي النَّهْرِ وَلَمْ نَجِدْ فِي كَلَامِهِمْ ذِكْرَ الْمُؤْنِسَةِ إلَّا أَنَّهُ فِي فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ قَالَ إنَّهَا لَا تَجِبُ وَيُسْكِنُهَا بَيْنَ قَوْمٍ صَالِحِينَ بِحَيْثُ لَا تَسْتَوْحِشُ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا كَانَ الْبَيْتُ خَالِيًا مِنْ الْجِيرَانِ وَلَا سِيَّمَا إذَا كَانَتْ تَخْشَى عَلَى عَقْلِهَا مِنْ سِعَتِهِ اهـ. وَنَظَرَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ بِمَا ذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ مِنْ قَوْلِهِ قَدْ عُلِمَ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْبَيْتَ الَّذِي لَيْسَ لَهُ جِيرَانٌ غَيْرُ مَسْكَنٍ شَرْعِيٍّ، وَقَالَ السَّيِّدُ أَبُو السُّعُودِ أَقُولُ: مَا ذَكَرَهُ قَارِئُ الْهِدَايَةِ مِنْ عَدَمِ اللُّزُومِ وَيُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْمَسْكَنُ صَغِيرًا كَالْمَسَاكِنِ الَّتِي فِي الرُّبُوعِ وَالْحَيْشَانِ يُشِيرُ إلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ بِحَيْثُ لَا تَسْتَوْحِشُ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْمَسْكَنِ بَيْنَ جِيرَانٍ عَدَمُ لُزُومِ الْإِتْيَانِ بِالْمُؤْنِسَةِ إذَا اسْتَوْحَشَتْ بِأَنْ كَانَ الْمَسْكَنُ مُتَّسِعًا كَالدَّارِ وَإِنْ كَانَ لَهَا جِيرَانٌ فَعَدَمُ الْإِتْيَانِ بِالْمُؤْنِسَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا شَكَّ أَنَّهُ مِنْ الْمُضَارَّةِ لَا سِيَّمَا إذَا خَشِيَتْ عَلَى عَقْلِهَا وَمَا فِي النَّهْرِ مِنْ قَوْلِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي وُجُوبِهَا فِيمَا إذَا كَانَ الْمَسْكَنُ خَالِيًا عَنْ الْجِيرَانِ يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا رَضِيَتْ بِإِسْكَانِهَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 211 (قَوْلُهُ وَلَهُمْ النَّظَرُ وَالْكَلَامُ مَعَهَا) يَعْنِي فِي أَيِّ وَقْتٍ اخْتَارَ أَهْلُهَا ذَلِكَ فَلَهُمْ ذَلِكَ لِمَا فِي عَدَمِهِ مِنْ قَطِيعَةِ الرَّحِمِ وَلَيْسَ لَهُ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ، وَقَدْ أَفَادَ كَلَامُهُ أَنَّ لَهُ أَنْ يَمْنَعَ أَهْلَهَا مِنْ الدُّخُولِ فِي بَيْتِهِ وَلَوْ وَالِدَةً أَوْ وَلَدًا؛ لِأَنَّ الْمَنْزِلَ مِلْكُهُ وَلَهُ حَقُّ الْمَنْعِ مِنْ الدُّخُولِ فِي مِلْكِهِ، وَأَمَّا الْقِيَامُ عَلَى بَابِ الدَّارِ، فَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهُمْ مِنْهُ كَالْكَلَامِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَاخْتَارَهُ الْقُدُورِيُّ، وَقِيلَ لَا يَمْنَعُهُمْ مِنْ الدُّخُولِ وَإِنَّمَا يَمْنَعُهُمْ مِنْ الْقَرَارِ؛ لِأَنَّ الْفِتْنَةَ فِي الْمُكْثِ وَطُولِ الْكَلَامِ، وَالصَّحِيحُ خِلَافُ كُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ قَالُوا الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُهَا مِنْ الْخُرُوجِ إلَى الْوَالِدَيْنِ وَلَا يَمْنَعُهُمَا مِنْ الدُّخُولِ عَلَيْهَا فِي كُلِّ جُمُعَةٍ وَفِي غَيْرِهِمَا مِنْ الْمَحَارِمِ فِي كُلِّ سَنَةٍ وَإِنَّمَا يَمْنَعُهُمْ مِنْ الْكَيْنُونَةِ عِنْدَهَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي النَّوَادِرِ تَقْيِيدُ خُرُوجِهَا بِأَنْ لَا يَقْدِرَ عَلَى إتْيَانِهَا فَإِنْ كَانَا يَقْدِرَانِ عَلَى إتْيَانِهَا لَا تَذْهَبُ وَهُوَ حَسَنٌ فَإِنَّ بَعْضَ النِّسَاءِ لَا يَشُقُّ عَلَيْهَا مَعَ الْأَبِ الْخُرُوجُ، وَقَدْ يَشُقُّ عَلَى الزَّوْجِ فَتَمْتَنِعُ، وَقَدْ اخْتَارَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ مَنْعَهَا مِنْ الْخُرُوجِ إلَيْهِمَا، وَقَدْ أَشَارَ إلَى نَقْلِهِ فِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ وَالْحَقُّ الْأَخْذُ بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ إذَا كَانَ الْأَبَوَانِ بِالصِّفَةِ الَّتِي ذُكِرَتْ وَإِنْ لَمْ يَكُونَا كَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يُؤْذِنَ لَهَا فِي زِيَارَتِهِمَا الْحِينَ بَعْدَ الْحِينِ عَلَى قَدْرٍ مُتَعَارَفٍ أَمَّا فِي كُلِّ جُمُعَةٍ فَبَعِيدٌ فَإِنَّ فِي كَثْرَةِ الْخُرُوجِ فَتْحَ بَابِ الْفِتْنَةِ خُصُوصًا إذَا كَانَتْ شَابَّةً وَالزَّوْجُ مِنْ ذَوِي الْهَيْئَاتِ بِخِلَافِ خُرُوجِ الْأَبَوَيْنِ فَإِنَّهُ أَيْسَرُ، وَلَوْ كَانَ أَبُوهَا زَمِنًا مَثَلًا وَهُوَ يَحْتَاجُ إلَى خِدْمَتِهَا وَالزَّوْجُ يَمْنَعُهَا مِنْ تَعَاهُدِهِ فَعَلَيْهَا أَنْ تَعْصِيَهُ مُسْلِمًا كَانَ الْأَبُ أَوْ كَافِرًا، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. وَقَدْ اُسْتُفِيدَ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ أَنَّ لَهَا الْخُرُوجَ إلَى زِيَارَةِ الْأَبَوَيْنِ وَالْمَحَارِمِ فَعَلَى الصَّحِيحِ الْمُفْتَى بِهِ تَخْرُجُ لِلْوَالِدَيْنِ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ بِإِذْنِهِ وَبِغَيْرِ إذْنِهِ وَلِزِيَارَةِ الْمَحَارِمِ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً بِإِذْنِهِ وَبِغَيْرِ إذْنِهِ، وَأَمَّا الْخُرُوجُ لِلْأَهْلِ زَائِدًا عَلَى ذَلِكَ فَلَهَا ذَلِكَ بِإِذْنِهِ قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَيَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَأْذَنَ لَهَا فِي الْخُرُوجِ إلَى زِيَارَةِ الْوَالِدَيْنِ وَتَعْزِيَتِهِمَا وَعِيَادَتِهِمَا وَزِيَارَةِ الْمَحَارِمِ وَفِي الْخُلَاصَةِ مَعْزِيًّا إلَى مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَأْذَنَ لَهَا بِالْخُرُوجِ إلَى سَبْعَةِ مَوَاضِعَ زِيَارَةِ الْأَبَوَيْنِ وَعِيَادَتِهِمَا أَوْ أَحَدِهِمَا وَزِيَارَةِ الْمَحَارِمِ فَإِنْ كَانَتْ قَابِلَةً أَوْ غَسَّالَةً أَوْ كَانَ لَهَا عَلَى آخَرَ حَقٌّ تَخْرُجُ بِالْإِذْنِ وَبِغَيْرِ الْإِذْنِ وَالْحَجُّ عَلَى هَذَا وَفِيمَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ زِيَارَةِ الْأَجَانِبِ وَعِيَادَتِهِمْ وَالْوَلِيمَةِ لَا يَأْذَنُ لَهَا وَلَا تَخْرُجُ. وَلَوْ أَذِنَ وَخَرَجَتْ كَانَا عَاصِيَيْنِ وَتُمْنَعُ مِنْ الْحَمَّامِ فَإِنْ أَرَادَتْ أَنْ تَخْرُجَ إلَى مَجْلِسِ الْعِلْمِ بِغَيْرِ رِضَا الزَّوْجِ لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ فَإِنْ وَقَعَتْ لَهَا نَازِلَةٌ إنْ سَأَلَ الزَّوْجُ مِنْ الْعَالِمِ أَوْ أَخْبَرَهَا بِذَلِكَ لَا يَسَعُهَا الْخُرُوجُ وَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ السُّؤَالِ يَسَعُهَا مِنْ غَيْرِ رِضَا الزَّوْجِ وَإِنْ لَمْ تَقَعْ لَهَا نَازِلَةٌ لَكِنْ أَرَادَتْ أَنْ تَخْرُجَ إلَى مَجْلِسِ الْعِلْمِ لِتَتَعَلَّمَ مَسْأَلَةً مِنْ مَسَائِلِ الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ يَحْفَظُ الْمَسَائِلَ وَيَذْكُرُ عِنْدَهَا فَلَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا وَإِنْ كَانَ لَا يَحْفَظُ فَالْأَوْلَى أَنْ يَأْذَنَ لَهَا أَحْيَانًا وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَا يَسَعُهَا الْخُرُوجُ مَا لَمْ يَقَعْ لَهَا نَازِلَةٌ وَفِي الْفَتَاوَى فِي بَابِ الْمَهْرِ، وَالْمَرْأَةُ قَبْلَ أَنْ تَقْبِضَ مَهْرَهَا لَهَا الْخُرُوجُ فِي حَوَائِجهَا وَتَزُورُ الْأَقَارِبَ بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ فَإِنْ أَعْطَاهَا الْمَهْرَ لَيْسَ لَهَا الْخُرُوجُ إلَّا بِإِذْنِ الزَّوْجِ اهـ. وَهَكَذَا فِي الْخَانِيَّةِ إلَّا أَنَّهُ زَادَ أَنَّهَا تَخْرُجُ بِغَيْرِ الْإِذْنِ أَيْضًا إذَا كَانَتْ فِي مَنْزِلٍ يُخَافُ السُّقُوطُ عَلَيْهَا وَقَيَّدَ الْحَجَّ بِالْفَرْضِ مَعَ وُجُودِ الْمَحْرَمِ وَقَيَّدَ خُرُوجَ الْقَابِلَةِ وَالْغَاسِلَةِ بِإِذْنِ الزَّوْجِ وَفَسَّرَ الْغَاسِلَةَ بِمَنْ تُغَسِّلُ الْمَوْتَى وَيَنْبَغِي أَنَّ لِلزَّوْجِ أَنْ يَمْنَعَ الْقَابِلَةَ وَالْغَاسِلَةَ مِنْ الْخُرُوجِ؛ لِأَنَّ فِي الْخُرُوجِ إضْرَارًا بِهِ وَهِيَ مَحْبُوسَةٌ لِحَقِّهِ، وَحَقُّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى فَرْضِ الْكِفَايَةِ بِخِلَافِ الْحَجِّ الْفَرْضِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ لَا يُقَدَّمُ عَلَى فَرْضِ الْعَيْنِ   [منحة الخالق] فِيهِ وَلَمْ تُطَالِبْهُ بِالْمَسْكَنِ الشَّرْعِيِّ وَهُوَ مَالَهُ جِيرَانٌ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَسْتَقِمْ الرَّدُّ عَلَيْهِ بِمَا فِي الْبَحْرِ. فَتَحَصَّلَ أَنَّ الْإِتْيَانَ بِالْمُؤْنِسَةِ وَعَدَمَهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَسَاكِنِ، وَلَوْ مَعَ وُجُودِ الْجِيرَانِ فَإِنْ كَانَ الْمَسْكَنُ بِحَالٍ لَوْ اسْتَغَاثَتْ بِجِيرَانِهَا أَغَاثُوهَا سَرِيعًا لِمَا بَيْنَهُمْ مِنْ الْقُرْبِ لَا تَلْزَمُهُ الْمُؤْنِسَةُ وَإِلَّا لَزِمَتْهُ اهـ. وَهُوَ كَلَامٌ حَسَنٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ أَيْضًا مُخْتَلِفًا بِاخْتِلَافِ النَّاسِ فَإِنَّ بَعْضَ النِّسَاءِ تَسْتَوْحِشُ فِي الْبَيْتُوتَةِ فِي الْبَيْتِ، وَلَوْ صَغِيرًا بَيْنَ جِيرَانٍ إذَا كَانَ زَوْجُهَا لَهُ زَوْجَةٌ أُخْرَى أَوْ أَكْثَرُ فَإِذَا كَانَ يَخْشَى عَلَى عَقْلِهَا إذَا كَانَتْ لَيْلَةَ ضَرَّتِهَا يَنْبَغِي أَنْ يُؤْمَرَ بِالْمُؤْنِسَةِ وَلَا سِيَّمَا إذَا كَانَتْ صَغِيرَةً فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ الرِّجَالِ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَبِيتَ وَحْدَهُ فَكَيْفَ النِّسَاءُ وَلَا ضِرَارَ فِي الشَّرْعِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ وَالِدَةً أَوْ وَلَدًا) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَقُولُ: لَوْ كَانَ لَهَا وَلَدٌ مِنْ غَيْرِهِ وَأَرَادَتْ أَنْ تُرْضِعَهُ وَتُرَبِّيَهُ هَلْ لَهُ مَنْعُهَا وَاَلَّذِي يَجِبُ أَنْ يُقَالَ إنَّ لَهُ مَنْعَهَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْكَافِي فِي إجَازَةِ الظِّئْرِ وَلِلزَّوْجِ أَنْ يَمْنَعَ امْرَأَتَهُ عَمَّا يُوجِبُ خَلَلًا فِي حَقِّهِ وَمَا فِيهِ أَيْضًا نَقْلًا عَنْ السِّغْنَاقِيِّ؛ وَلِأَنَّهَا فِي الْإِرْضَاعِ وَالسَّهَرِ تَتْعَبُ وَذَلِكَ يُنْقِصُ جَمَالَهَا وَجَمَالُهَا حَقُّ الزَّوْجِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا تَأَمَّلْ اهـ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا يَمْنَعُهُمْ مِنْ الدُّخُولِ إلَى قَوْلِهِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ كَيْفَ يَكُونُ كَذَلِكَ وَالدَّارُ مِلْكٌ مِنْ جُمْلَةِ أَمْلَاكِهِ وَيَحِلُّ لَهُمْ مَعَ مَنْعِهِ الدُّخُولُ بِهَا تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: أَمَّا فِي جُمُعَةٍ فَبَعِيدٌ) أَيْ الْقَوْلُ بِهِ بَعِيدٌ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 212 وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُهُمْ هُنَا عَلَى الْمَرْأَةِ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مُخَدَّرَةً فِي مَسْأَلَةِ خُرُوجِهَا لِلْخُصُومَةِ عِنْدَ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَقْبَلُ مِنْهَا التَّوْكِيلَ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ مُخَدَّرَةً، فَلَيْسَ لَهَا الْخُرُوجُ بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ لِقَبُولِ التَّوْكِيلِ مِنْهَا بِغَيْرِ رِضَا الْخَصْمِ أَمَّا الزَّوْجُ أَوْ غَيْرُهُ وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَى هَذَا وَسَيَأْتِي فِي بَابِ التَّعْزِير الْمَوَاضِعُ الَّتِي يَجُوزُ لِلزَّوْجِ أَنْ يَضْرِبَ امْرَأَتَهُ فِيهَا وَقَالُوا هُنَا لَهُ أَنْ يَمْنَعَ امْرَأَتَهُ مِنْ الْغَزْلِ وَلَا تَتَطَوَّعُ لِلصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ، كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَيَنْبَغِي عَدَمُ تَخْصِيصِ الْغَزْلِ، بَلْ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ الْأَعْمَالِ كُلِّهَا الْمُقْتَضِيَةِ لِلْكَسْبِ؛ لِأَنَّهَا مُسْتَغْنِيَةٌ عَنْهُ لِوُجُوبِ كِفَايَتِهَا عَلَيْهِ، وَكَذَا مِنْ الْعَمَلِ تَبَرُّعًا لِأَجْنَبِيٍّ بِالْأَوْلَى وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ حَيْثُ أَبَحْنَا لَهَا الْخُرُوجَ فَإِنَّمَا يُبَاحُ بِشَرْطِ عَدَمِ الزِّينَةِ وَتَغْيِيرِ الْهَيْئَةِ إلَى مَا لَا يَكُونُ دَاعِيَةً لِنَظَرِ الرِّجَالِ وَالِاسْتِمَالَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى} [الأحزاب: 33] وَقَوْلُ الْفَقِيهِ وَتُمْنَعُ مِنْ الْحَمَّامِ خَالَفَهُ قَاضِي خَانْ قَالَ فِي فَصْلِ الْحَمَّامِ فِي فَتَاوِيهِ حَيْثُ قَالَ دُخُولُ الْحَمَّامِ مَشْرُوعٌ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ جَمِيعًا خِلَافًا لِمَا قَالَهُ بَعْضُ النَّاسِ إلَى آخِرِهِ. (قَوْلُهُ وَفَرَضَ لِزَوْجَةِ الْغَائِبِ وَطِفْلِهِ وَأَبَوَيْهِ فِي مَالٍ لَهُ عِنْدَ مَنْ يَقْرَبُهُ وَبِالزَّوْجِيَّةِ وَيُؤْخَذُ مِنْهَا كَفِيلٌ) بَيَانُ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ إذَا كَانَ زَوْجُهَا غَائِبًا وَلَمْ يُعْطِهَا نَفَقَتَهَا وَاسْتَتْبَعَ نَفَقَةَ الْفُرُوعِ وَالْأُصُولِ عِنْدَ غَيْبَتِهِ وَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ مَالٌ حَاضِرٌ عِنْدَ غَيْرِهِ أَوْ لَا فَصَرَّحَ بِالْأَوَّلِ وَأَشَارَ إلَى الثَّانِي أَمَّا الْأَوَّلُ فَشَرْطٌ لِفَرْضِ الْقَاضِي شَيْئَيْنِ أَنْ يَكُونَ مَنْ عِنْدَهُ الْمَالُ مُقِرًّا بِهِ وَأَنْ يَكُونَ مُقِرًّا بِالزَّوْجِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَرَّ بِهِمَا فَقَدْ أَقَرَّ بِأَنَّ حَقَّ الْأَخْذِ لَهَا؛ لِأَنَّ لَهَا أَنْ تَأْخُذَ مِنْ مَالِ الزَّوْجِ حَقَّهَا مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ، وَإِقْرَارُ صَاحِبِ الْيَدِ مَقْبُولٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ لَا سِيَّمَا هُنَا، وَكَذَا الْوَلَدُ الصَّغِيرُ وَالْأَبَوَانِ؛ لِأَنَّ لَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا نَفَقَتَهُمْ مِنْ مَالِهِ بِغَيْرِ قَضَاءٍ وَلَا رِضَا وَكَانَ الْقَضَاءُ فِي حَقِّهِمْ إعَانَةً وَفَتْوَى مِنْ الْقَاضِي وَحُكْمُ الْوَلَدِ الْكَبِيرِ الزَّمِنِ أَوْ الْأُنْثَى مُطْلَقًا كَالصَّغِيرِ لِمَا سَيَأْتِي وَقَيَّدَ بِالطِّفْلِ وَالْأَبَوَيْنِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ غَيْرِهِمْ مِنْ الْأَقْرِبَاءِ كَالْأَخِ وَالْعَمِّ فَإِنَّ نَفَقَتَهُمْ إنَّمَا تَجِبُ بِالْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ وَالْقَضَاءُ عَلَى الْغَائِبِ لَا يَجُوزُ وَلِلِاحْتِرَازِ عَنْ نَفَقَةِ مَمْلُوكَةٍ وَأَطْلَقَ فِيمَنْ عِنْدَهُ الْمَالُ فَشَمِلَ مُودَعَهُ وَمُضَارِبَهُ قَالُوا وَكَذَا مَدْيُونُهُ فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ عِنْدَهُ أَوْ عَلَيْهِ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ لِلْأَمَانَةِ فَلَوْ اُسْتُعْمِلَتْ هُنَا لِلْأَمَانَةِ وَالدَّيْنِ لَكَانَ جَمْعًا بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ وَهُوَ لَا يَجُوزُ. وَقَوْلُهُ بِالزَّوْجِيَّةِ اكْتِفَاءٌ وَإِلَّا فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ وَبِالزَّوْجِيَّةِ وَالنَّسَبِ؛ لِأَنَّهُ لَا تُفْرَضُ النَّفَقَةُ لِطِفْلِهِ وَأَبَوَيْهِ حَتَّى يَكُونَ مُقِرًّا بِالنَّسَبِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ قَالُوا وَعِلْمُ الْقَاضِي بِهِمَا كَإِقْرَارِهِ وَإِنْ عَلِمَ الْقَاضِي أَحَدَهُمَا يَحْتَاجُ إلَى الْإِقْرَارِ بِالْآخَرِ عَلَى الصَّحِيحِ وَأَطْلَقَ فِي الْمَالِ وَهُوَ فِي مَحَلِّ التَّقْيِيدِ قَالُوا هَذَا إذَا كَانَ الْمَالُ مِنْ جِنْسِ حَقِّهَا دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ أَوْ تِبْرًا أَوْ طَعَامًا أَوْ كِسْوَةً مِنْ جِنْسِ حَقِّهَا أَمَّا إذَا كَانَ مِنْ خِلَافِ جِنْسِ حَقِّهَا لَا تُفْرَضُ النَّفَقَةُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الْبَيْعِ وَلَا يُبَاعُ مَالُ الْغَائِبِ بِالِاتِّفَاقِ، أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَلِأَنَّهُ لَا يُبَاعُ عَلَى الْحَاضِرِ فَكَذَا عَلَى الْغَائِبِ، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِأَنَّهُ إنْ كَانَ يَقْضِي عَلَى الْحَاضِرِ؛ لِأَنَّهُ يَعْرِفُ امْتِنَاعَهُ لَا يَقْضِي عَلَى الْغَائِبِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ امْتِنَاعَهُ وَقَيَّدَ بِإِقْرَارِهِ بِهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَحَدَ كَوْنَ الْمَالِ لِلْغَائِبِ أَوْ جَحَدَ النِّكَاحَ أَوْ جَحَدَهُمَا لَمْ تُقْبَلْ بَيِّنَتُهُمَا عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ أَمَّا عَلَى الْمَالِ فَلِأَنَّهَا بِهَذِهِ الْبَيِّنَةِ تُثْبِتُ الْمِلْكَ لِلْغَائِبِ وَهِيَ لَيْسَتْ بِخَصْمٍ فِي إثْبَاتِ الْمِلْكِ لِلْغَائِبِ، وَأَمَّا عَلَى الزَّوْجِيَّةِ فَلِأَنَّهَا بِهَذِهِ الْبَيِّنَةِ تُثْبِتُ النِّكَاحَ عَلَى الْغَائِبِ وَالْمُودَعُ وَالْمَدْيُونُ لَيْسَا بِخَصْمٍ فِي إثْبَاتِ النِّكَاحِ عَلَى الْغَائِبِ وَلَا يَمِينَ لِلْمَرْأَةِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسْتَحْلَفُ إلَّا مَنْ كَانَ خَصْمًا، كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: خَالَفَهُ قَاضِي خَانْ إلَخْ) قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ لَا مُخَالَفَةَ؛ لِأَنَّ الْمَشْرُوعِيَّةَ لَا تُنَافِي الْمَنْعَ أَلَا يُرَى أَنَّهُ يَمْنَعُهَا مِنْ صَوْمِ النَّفْلِ وَإِنْ كَانَ مَشْرُوعًا اهـ. (قَوْلُهُ: إلَى آخِرِهِ) تَمَامُهُ كَمَا فِي الْفَتْحِ رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «دَخَلَ الْحَمَّامَ وَتَنَوَّرَ» وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ دَخَلَ حَمَّامَ حِمْصَ لَكِنْ إنَّمَا يُبَاحُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ إنْسَانٌ مَكْشُوفُ الْعَوْرَةِ اهـ. قَالَ فِي الْفَتْحِ وَعَلَى ذَلِكَ فَلَا خِلَافَ فِي مَنْعِهِنَّ مِنْ دُخُولِهِ لِلْعِلْمِ بِأَنَّ كَثِيرًا مِنْهُنَّ مَكْشُوفُ الْعَوْرَةِ، وَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تُؤَيِّدُ قَوْلَ الْفَقِيهِ بِمَنْعِهِنَّ مِنْ دُخُولِهِ وَسَاقَهَا قَالَ وَوَرَدَ اسْتِثْنَاءُ النُّفَسَاءِ وَالْمَرِيضَةِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -. (قَوْلُهُ: وَلَا يَمِينَ لِلْمَرْأَةِ عَلَيْهِ إلَخْ) فَلَوْ قَالَ وَفَّيْتُهُ هَلْ لَهَا عَلَيْهِ يَمِينٌ الظَّاهِرُ لَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ خَصْمًا فِي ذَلِكَ تَأَمَّلْ رَمْلِيٌّ وَفِي الْمَقْدِسِيَّ فَلَوْ ادَّعَى طَلَاقَهَا وَمُضِيَّ عِدَّتِهَا وَلَهُ بَيِّنَةٌ يَنْبَغِي أَنْ لَا تُقْبَلَ فِي حَقِّ الطَّلَاقِ، بَلْ فِي مَنْعِ مَا تَحْتَ يَدِهِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ الْمُودَعُ وَنَحْوُهُ لَنَا بَيِّنَةٌ أَنَّ زَوْجَهَا دَفَعَ لَهَا نَفَقَةً تَكْفِيهَا قَبْلَ غَيْبَتِهِ يَنْبَغِي قَبُولُهَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 213 كِتَابِ الْوَدِيعَةِ وَهِيَ مِمَّا يُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِمْ كُلُّ مَنْ أَقَرَّ بِشَيْءٍ لَزِمَهُ فَإِذَا أَنْكَرَهُ يَحْلِفُ عَلَيْهِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ اسْتِحْلَافَ الْمَرْأَةِ قَبْلَ الْفَرْضِ. وَفِي الذَّخِيرَةِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَسْأَلُ الْمَرْأَةَ هَلْ عَجَّلَ لَهَا النَّفَقَةَ فَإِنْ قَالَتْ لَا يَسْتَحْلِفُهَا فَإِذَا حَلَفَتْ أَمَرَهُمَا الْقَاضِي بِإِعْطَاءِ النَّفَقَةِ مِنْ ذَلِكَ وَفِي الْخَانِيَّةِ أَنَّهُ يُحَلِّفُهَا أَنَّهُ مَا أَعْطَاهَا نَفَقَةً وَلَا كَانَتْ نَاشِزَةً وَقَيَّدَ بِنَفَقَةِ مَنْ ذَكَرَ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ دَيْنٍ عَلَى الْغَائِبِ فَإِنَّ صَاحِبَ الدَّيْنِ لَوْ أَحْضَرَ غَرِيمًا أَوْ مُودَعًا لِلْغَائِبِ لَمْ يَأْمُرْهُ الْقَاضِي بِقَضَاءِ الدَّيْنِ وَإِنْ كَانَ مُقِرًّا بِالْمَالِ وَبِدَيْنِهِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ إنَّمَا يَأْمُرُ فِي حَقِّ الْغَائِبِ بِمَا يَكُونُ نَظَرًا لَهُ وَحِفْظًا لِمِلْكِهِ وَفِي الْإِنْفَاقِ عَلَى زَوْجَتِهِ مِنْ مَالِهِ حِفْظُ مِلْكِهِ وَفِي وَفَاءِ دَيْنِهِ قَضَاءٌ عَلَيْهِ بِقَوْلِ الْغَيْرِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَأَطْلَقَ فَرْضَ النَّفَقَةِ فَشَمِلَ مَا إذَا قَالَ الْمُودِعُ إنَّ الزَّوْجَ أَمَرَنِي أَنْ لَا أَدْفَعَ إلَيْهَا شَيْئًا فَإِنَّ الْقَاضِيَ لَا يَلْتَفِتُ إلَيْهِ وَيَأْمُرُهُ بِالْإِنْفَاقِ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فَرَضَ يَعُودُ إلَى مَا ذُكِرَ أَوَّلًا وَهُوَ الثَّلَاثَةُ أَيْ فَرْضُ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ وَالسُّكْنَى كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ وَإِنَّمَا يَأْخُذُ مِنْهَا كَفِيلًا لِجَوَازِ أَنَّهُ قَدْ عَجَّلَ لَهَا النَّفَقَةَ أَوْ كَانَتْ نَاشِزَةً أَوْ مُطَلَّقَةً قَدْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَكَانَ النَّظَرُ لَهُ فِي التَّكْفِيلِ بِخِلَافِ أَخْذِ الْكَفِيلِ عِنْدَ قِسْمَةِ التَّرِكَةِ بَيْنَ الْوَرَثَةِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِحَسَنٍ لِجَهَالَةِ الْمَكْفُولِ لَهُ كَمَا سَيَأْتِي وَاخْتَلَفَ أَخْذُ الْكَفِيلِ هَلْ هُوَ وَاجِبٌ عَلَى الْقَاضِي أَوْ حَسَنٌ ذَهَبَ السَّرَخْسِيُّ إلَى الْأَوَّلِ وَالْخَصَّافُ إلَى الثَّانِي وَصَحَّحَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ الْأَوَّلَ؛ لِأَنَّهُ نُصِبَ نَاظِرًا لِلْعَاجِزِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ النَّظَرُ إلَيْهِ وَهُوَ فِي أَخْذِ الْكَفِيلِ وَفِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ أَنَّ الْقَاضِيَ لَوْ لَمْ يَأْخُذْ مِنْهَا كَفِيلًا دَفَعَ إلَيْهَا النَّفَقَةَ فَهَذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّ أَخْذَ الْكَفِيلِ نَوْعُ احْتِيَاطٍ لَا أَنْ يَكُونَ لَازِمًا كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَذَكَرَ فِي الْمُسْتَصْفَى قَوْلَهُ وَيُؤْخَذُ مِنْهَا أَيْ مِنْ الْمَرْأَةِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَيْ مِنْ آخِذِ النَّفَقَةِ أَوْ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَصْنَافِ الْمَذْكُورِينَ اهـ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُؤْخَذُ الْكَفِيلُ مِنْ الْوَالِدَيْنِ أَيْضًا وَهُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّهُ أَنْظَرُ لِلْغَائِبِ، وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ إنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْهَا لِمَا تَقَدَّمَ، وَأَمَّا مِنْ الْوَالِدَيْنِ فَإِنَّمَا هُوَ لِاحْتِمَالِ التَّعْجِيلِ وَقَدَّمْنَا أَنَّ النَّفَقَةَ الْمُعَجَّلَةَ لِلْقَرِيبِ إذَا هَلَكَتْ أَوْ سُرِقَتْ فَإِنَّهُ يَقْضِي لَهُ بِأُخْرَى بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ، فَلَيْسَ فِي أَخْذِ الْكَفِيلِ احْتِيَاطٌ لِلْغَائِبِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَجَّلَ ثُمَّ ادَّعَى الْوَالِدُ هَلَاكَهَا قُبِلَ مِنْهُ وَقُيِّدَ بِكَوْنِ الْمَالِ عِنْدَ شَخْصٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ فِي بَيْتِهِ فَطَلَبَتْ مِنْ الْقَاضِي فَرْضَ النَّفَقَةِ فَإِنْ عَلِمَ بِالنِّكَاحِ بَيْنَهُمَا فَرَضَ لَهَا فِي ذَلِكَ الْمَالَ؛ لِأَنَّهُ إيفَاءٌ لِحَقِّ الْمَرْأَةِ وَلَيْسَ بِقَضَاءٍ عَلَى الزَّوْجِ بِالنَّفَقَةِ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ، ثُمَّ غَابَ وَلَهُ مَالٌ حَاضِرٌ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ وَطَلَبَ صَاحِبُ الدَّيْنِ مِنْ ذَلِكَ قَضَى لَهُ بِهِ أَصْلُهُ حَدِيثُ هِنْدَ كَمَا عُرِفَ وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يُحَلِّفَهَا أَنَّهُ لَمْ يُعْطِهَا النَّفَقَةَ وَيَأْخُذَ مِنْهَا كَفِيلًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ أَصْلًا فَطَلَبَتْ مِنْ الْقَاضِي فَرْضَ النَّفَقَةِ فَعِنْدَنَا لَا يَسْمَعُ الْبَيِّنَةَ؛ لِأَنَّهُ قَضَاءٌ عَلَى الْغَائِبِ، وَعِنْدَ زُفَرَ يَسْمَعُ الْقَاضِي الْبَيِّنَةَ وَلَا يَقْضِي بِالنِّكَاحِ وَيُعْطِيهَا النَّفَقَةَ مِنْ مَالِ الزَّوْجِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ أَمَرَهَا الْقَاضِي بِالِاسْتِدَانَةِ فَإِنْ حَضَرَ الزَّوْجُ وَأَقَرَّ بِالنِّكَاحِ أَمَرَهُ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ وَإِنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ كَلَّفَهَا الْقَاضِي إعَادَةَ الْبَيِّنَةِ فَإِنْ لَمْ تُعِدْهَا أَمَرَهَا الْقَاضِي بِرَدِّ مَا أَخَذَتْ وَمَا يَفْعَلُهُ الْقَضَاءُ فِي زَمَانِنَا مِنْ قَبُولِ الْبَيِّنَةِ مِنْ الْمَرْأَةِ وَفَرْضِ النَّفَقَةِ عَلَى الْغَائِبِ إنَّمَا يَنْفُذُ لَا لِأَنَّهُ قَوْلُ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَإِنَّمَا يَنْفُذُ لِكَوْنِهِ مُخْتَلَفًا فِيهِ إمَّا مَعَ زُفَرَ أَوْ مَعَ أَبِي يُوسُفَ كَمَا ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ وَهُوَ أَرْفَقُ بِالنَّاسِ، ثُمَّ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ تُفْرَضُ النَّفَقَةُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَا تَحْتَاجُ الْمَرْأَةُ إلَى إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَخْلُفْ نَفَقَةً، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَالْخَانِيَّةِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا لَمْ يَعْلَمْ النِّكَاحَ، فَلَيْسَ لَهُ فَرْضُ النَّفَقَةِ عَلَى الْغَائِبِ، وَلَوْ أَقَامَتْ الْمَرْأَةُ الْبَيِّنَةَ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَكِنْ لَوْ سَمِعَ الْبَيِّنَةَ وَفَرَضَهَا وَأَمَرَهَا بِالِاسْتِدَانَةِ جَازَ وَنَفَذَ كَمَا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ) يُؤَيِّدُ هَذِهِ النُّسْخَةَ مَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة لِلْقَاضِي أَنْ يُعْطِيَ النَّفَقَةَ لِهَؤُلَاءِ مِنْ مَالِ الْغَائِبِ إذَا اسْتَوْثَقَ بِكَفِيلٍ مِنْ أَحَدٍ فَحَسَنٌ. (قَوْلُهُ: فَلَيْسَ فِي أَخْذِ الْكَفِيلِ احْتِيَاطٌ لِلْغَائِبِ إلَخْ) أَقُولُ: قَدْ يَدَّعِي الْقَرِيبُ عَدَمَ الدَّفْعِ إلَيْهِ دُونَ الْهَلَاكِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَيُعْطِيهَا النَّفَقَةَ مِنْ مَالِ الزَّوْجِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ لَا يُلَائِمُ قَوْلَهُ الْمُتَقَدِّمَ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ أَصْلًا وَحَقُّ الْعِبَارَةِ أَنْ يَقُولَ دَلَّ قَوْلُهُ وَيُعْطِيهَا النَّفَقَةَ يَأْمُرُهَا الْقَاضِي بِالِاسْتِدَانَةِ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ أَرْفَقُ بِالنَّاسِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَفِي مُلْتَقَى الْأَبْحُرِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَفِي غَيْرِهِ وَبِهِ يُفْتَى ذَكَرَهُ فِي النَّهْرِ وَفِي مِنَحِ الْغَفَّارِ وَعَمَلُ الْقَضَاءِ الْيَوْمَ عَلَى هَذَا لِلْحَاجَةِ فَيُفْتَى بِهِ قَالَ فِي الشَّرْحِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِابْنِ مَلَكٍ وَنَصُّ عِبَارَتِهِ وَالْقُضَاةُ فِي زَمَانِنَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 214 هُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَأَبِي يُوسُفَ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ وَهِيَ مِنْ إحْدَى الْمَسَائِلِ السِّتِّ الَّتِي يُفْتَى فِيهَا بِقَوْلِ زُفَرَ لِحَاجَةِ النَّاسِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَنُقِلَ مِثْلُ قَوْلِ زُفَرَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فَقَوِيَ عَمَلُ الْقُضَاةِ لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَى ذَلِكَ ، وَإِذَا كَانَ لِلْمَرْأَةِ أَوْلَادٌ صِغَارٌ وَغَابَ الْأَبُ وَلَمْ يَتْرُكْ لَهُمْ نَفَقَةً تُجْبَرُ الْأُمُّ عَلَى الْإِنْفَاقِ إنْ كَانَ لَهَا مَالٌ، ثُمَّ تَرْجِعُ بِذَلِكَ عَلَى الْأَبِ، كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا غَابَ وَلَهُ زَوْجَةٌ وَأَوْلَادٌ صِغَارٌ وَلَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَسْمَعُ الْبَيِّنَةَ مِنْهَا عَلَى النِّكَاحِ إنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِهِ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْعَمَلُ، ثُمَّ يَفْرِضُ لَهَا وَلِأَوْلَادِهَا نَفَقَةً، ثُمَّ يَأْمُرُهَا بِالِاسْتِدَانَةِ فَإِذَا جَاءَ رَجَعَتْ عَلَيْهِ بِالْمَفْرُوضِ لَهَا وَلِأَوْلَادِهَا وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ فَرَضَ إلَى أَنَّ الْمُودَعَ وَالْمَدْيُونَ لَوْ أَنْفَقَا بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي فَإِنَّ الْمُودَعَ ضَامِنٌ وَلَا يَبْرَأُ الْمَدْيُونُ وَلَا رُجُوعَ لِلْمُنْفِقِ عَلَى مَنْ أَنْفَقَ عَلَيْهِ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ وَجَعَلَهُ فِي الْخَانِيَّةِ نَظِيرَ الْمُودَعِ لَوْ قَضَى الْوَدِيعَةِ دَيْنَ الْمُودِعِ بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي فَإِنَّهُ يَكُونُ ضَامِنًا اهـ. مَعَ أَنَّهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَمْرِ الْقَاضِي وَعَدَمِهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ دَيْنَ الْغَائِبِ مِنْ وَدِيعَتِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الْحُكْمَ بَعْدَ حُضُورِ الزَّوْجِ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ فَإِنْ حَضَرَ الزَّوْجُ، وَقَالَ كُنْت أَوْفَيْت النَّفَقَةَ أَوْ أَرْسَلْت إلَيْهَا النَّفَقَةَ فَالْقَاضِي يَقُولُ لَهُ أَقِمْ الْبَيِّنَةَ فَإِنْ أَقَامَهَا أَمَرَهَا الْقَاضِي بِرَدِّ مَا أَخَذَتْ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ عِنْدَ الْقَاضِي أَنَّهَا أَخَذَتْ بِغَيْرِ حَقٍّ وَلِلزَّوْجِ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ أَخَذَهَا بِذَلِكَ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْكَفِيلَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلزَّوْجِ بَيِّنَةٌ وَحَلَفَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى ذَلِكَ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْكَفِيلِ وَإِنْ نَكَلَتْ عَنْ الْيَمِينِ وَنَكَلَ الْكَفِيلُ لَزِمَهُمَا الْمَالُ وَلِلزَّوْجِ الْخِيَارُ فَقَدْ ذَكَرَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نُكُولَهُمَا وَنُكُولُ الْمَرْأَةِ أَمْرٌ لَازِمٌ، وَأَمَّا نُكُولُ الْكَفِيلِ، فَلَيْسَ بِلَازِمٍ، بَلْ إذَا نَكَلَتْ الْمَرْأَةُ فَذَلِكَ يَكْفِي لِثُبُوتِ الْخِيَارِ لِلزَّوْجِ وَإِنْ لَمْ يَنْكُلْ الْكَفِيلُ؛ لِأَنَّ النُّكُولَ إقْرَارٌ وَالْأَصِيلُ إذَا أَقَرَّ بِالْمَالِ لَزِمَ الْكَفِيلَ وَإِنْ جَحَدَ الْكَفِيلُ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُودَعِ؛ لِأَنَّ أَمْرَ الْقَاضِي بِالدَّفْعِ إلَيْهَا قَدْ صَحَّ فَصَارَ كَأَمْرِهِ بِنَفْسِهِ اهـ. وَيُخَالِفُهُ مَا فِي الْمَبْسُوطِ وَشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ مِنْ أَنَّهَا لَوْ أَقَرَّتْ أَنَّهَا تَعَجَّلَتْ نَفَقَتَهَا فَالزَّوْجُ يَأْخُذُ مِنْ الْمَرْأَةِ وَلَا يَأْخُذُ مِنْ الْكَفِيلِ اهـ. وَسَيَأْتِي فِي بَابِ الْكَفَالَةِ الْفَرْقُ بَيْنَ الْكَفَالَةِ بِدَيْنٍ قَائِمٍ فِي الْحَالِ كَقَوْلِهِ كَفَلْتُ بِمَا لَكَ عَلَيْهِ فَلَا يَلْزَمُ الْكَفِيلَ مَا أَقَرَّ بِهِ الْأَصِيلُ وَبَيْنَ الْكَفَالَةِ بِدَيْنٍ يَجِبُ كَقَوْلِهِ مَا ثَبَتَ لَكَ عَلَيْهِ أَوْ ذَابَ فَيَلْزَمُ الْكَفِيلَ مَا أَقَرَّ بِهِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْكَفِيلَ إنَّمَا ضَمِنَ الدَّيْنَ الْقَائِمَ لِلْحَالِ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا أَخَذَتْ ثَانِيًا ضَمِنَهَا فَكَانَ وَقْتَ الضَّمَانِ الدَّيْنُ قَائِمٌ فِي ذِمَّتِهَا لِلْحَالِ وَهُوَ مَا أَخَذَتْهُ ثَانِيًا فَظَهَرَ بِهَذَا أَنَّهُ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ فَالْحَقُّ مَا فِي الْمَبْسُوطِ كَمَا فِي الْمُجْتَبَى وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ يَأْخُذُ مِنْهَا كَفِيلًا بِنَفْسِهَا أَوْ بِمَا أَعْطَاهَا، وَذَكَرَ فِي شس فَإِذَا حَلَفَتْ فَأَعْطَاهَا النَّفَقَةَ أَخَذَ مِنْهَا كَفِيلًا بِذَلِكَ بط وَهُوَ الصَّحِيحُ اهـ. فَقَدْ صَرَّحَ بِأَنَّ الْكَفَالَةَ إنَّمَا هُوَ بِمَا أَخَذَتْهُ قَبْلَ الْكَفَالَةِ فَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِهِ كَفَلْتُ بِمَا لَكَ عَلَيْهِ وَفِي الْخَانِيَّةِ وَبَعْدَمَا أَمَرَ الْقَاضِي الْمُودَعَ أَوْ الْمَدْيُونَ إذَا قَالَ الْمُودَعُ دَفَعْتُ الْمَالَ إلَيْهَا لِأَجْلِ النَّفَقَةِ قَبْلَ قَبُولِهِ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْمَدْيُونِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ اهـ. وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَهَا وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالْبَيِّنَةِ؛ لِأَنَّهَا مُقِرَّةٌ عَلَى نَفْسِهَا وَفِي الْخَانِيَّةِ الْوَدِيعَةُ أَوْلَى مِنْ الدَّيْنِ فِي الْبُدَاءَةِ بِالْإِنْفَاقِ مِنْهَا عَلَيْهَا وَفِي الذَّخِيرَةِ وَيُنْفِقُ الْقَاضِي عَلَيْهَا مِنْ غَلَّةِ الدَّارِ وَالْعَبْدُ الَّذِي هُوَ لِلْغَائِبِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ حَقِّهَا وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي الْغَائِبِ فَشَمِلَ الْمَفْقُودَ وَغَيْرَهُ كَمَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ   [منحة الخالق] يَعْمَلُونَ عَلَى قَوْلِهِ لِاحْتِيَاجِ النَّاسِ إلَيْهِ وَاسْتَحْسَنَهُ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ فَيُفْتَى بِهِ اهـ. وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ حُضُورُهُ غَيْرَ مُتَيَسِّرٍ بِأَنْ كَانَتْ غَيْبَتُهُ مُدَّةَ سَفَرٍ وَإِلَّا لَا يَصِحُّ ذَلِكَ تَأَمَّلْ وَتَقَدَّمَ فِي الْأَوَّلِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الْفَرْضِ عَلَى الْقَاضِي وَجَوَازِهِ مِنْهُ شَرْطَانِ أَحَدُهُمَا طَلَبُ الْمَرْأَةِ وَالثَّانِي حَضْرَةُ الزَّوْجِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَهِيَ إحْدَى الْمَسَائِلِ السِّتِّ إلَخْ) سَيَذْكُرُهَا الْمُؤَلِّفُ فِي كِتَابِ الْكَفَالَةِ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَسْمَعُ الْبَيِّنَةَ عَلَى النِّكَاحِ) أَيْ لَا لِيَقْضِيَ بِالنِّكَاحِ، بَلْ يَقْضِي بِالنَّفَقَةِ، وَإِذَا سَمِعَ بَيِّنَتَهَا عَلَيْهِ لِذَلِكَ تَضْمَنُ كَوْنَ الْأَوْلَادِ لَهُ لِقِيَامِ الْفِرَاشِ فَيَقْضِي بِالنَّفَقَةِ لَهُمْ أَيْضًا وَإِنْ لَمْ يَحْكُمْ بِالنَّسَبِ (فَرْعٌ) امْرَأَةٌ لَهَا ابْنٌ صَغِيرٌ لَا مَالَ لَهُ وَلَا لِلْمَرْأَةِ فَاسْتَدَانَتْ وَأَنْفَقَتْ عَلَى الصَّغِيرِ بِأَمْرِ الْقَاضِي فَبَلَغَ لَا تَرْجِعُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ تَتَارْخَانِيَّةٌ. (قَوْلُهُ: فَلَا شَيْءَ عَلَى الْكَفِيلِ) مَفْهُومُهُ أَنَّ لِلزَّوْجِ الرُّجُوعَ عَلَيْهَا وَلَا وَجْهَ لَهُ وَإِلَّا كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهَا بِدُونِ تَحْلِيفٍ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَحْتَجْ لِلْأَمْرِ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ لِلرُّجُوعِ عَلَيْهَا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ نَصَّ عَلَى أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَى الْكَفِيلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْلِفْ فَرُبَّمَا يَتَوَهَّمُ أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ فَنَصَّ عَلَى عَدَمِهِ لِدَفْعِ ذَلِكَ التَّوَهُّمِ أَوْ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا تَحْلِيفَ عَلَى الْكَفِيلِ، بَلْ يَبْرَأُ بِحَلِفِهَا بِدُونِ تَحْلِيفِهِ وَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا فَهِمَهُ الْعَلَائِيُّ فِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ حَيْثُ قَالَ: وَلَوْ حَلَفَتْ طُولِبَتْ فَقَطْ وَلَمْ يَعْزُهُ لِأَحَدٍ وَلَعَلَّهُ سَبْقُ قَلَمٍ وَمُرَادُهُ أَنْ يَقُولَ: وَلَوْ أَقَرَّتْ طُولِبَتْ فَقَطْ فَإِنَّهُ مُوَافِقٌ لِمَا يَأْتِي عَنْ الْمَبْسُوطِ وَشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: الْوَدِيعَةُ أَوْلَى مِنْ الدَّيْنِ فِي الْبُدَاءَةِ) ؛ لِأَنَّهَا تَحْتَمِلُ الْهَلَاكَ بِخِلَافِ الدَّيْنِ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 215 وَلَمْ يُقَيِّدْ فِيمَا عِنْدِي مِنْ الْكُتُبِ الْغَيْبَةَ بِشَيْءٍ إلَّا فِي الْفَتَاوَى الصَّيْرَفِيَّةِ فَإِنَّهُ قَالَ إيجَابُ النَّفَقَةِ فِي مَالِ الْغَائِبِ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مُدَّةَ سَفَرٍ اهـ. وَهُوَ قَيْدٌ حَسَنٌ يَجِبُ حِفْظُهُ فَإِنَّهُ فِيمَا دُونَهُ يَسْهُلُ إحْصَارُهُ وَمُرَاجَعَتُهُ. (قَوْلُهُ وَلِمُعْتَدَّةِ الطَّلَاقِ) أَيْ تَجِبُ النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ وَالسُّكْنَى لِمُعْتَدَّةِ الطَّلَاقِ هَذَا هُوَ ظَاهِرُ الْمُخْتَصَرِ وَذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ النَّفَقَةَ وَالسُّكْنَى وَلَمْ يَذْكُرْ الْكِسْوَةَ، وَالْمَنْقُولُ فِي الذَّخِيرَةِ وَالْخَانِيَّةِ وَالْعِنَايَةِ وَالْمُجْتَبَى أَنَّ الْمُعْتَدَّةَ تَسْتَحِقُّ الْكِسْوَةَ قَالُوا وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهَا مُحَمَّدٌ فِي الْكِتَابِ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ لَا تَطُولُ غَالِبًا فَتَسْتَغْنِي عَنْهَا حَتَّى لَوْ احْتَاجَتْ إلَيْهَا يُفْرَضُ لَهَا ذَلِكَ اهـ. فَظَهَرَ بِهَذَا أَنَّ كِسْوَةَ الْمُعْتَدَّةِ عَلَى التَّفْصِيلِ إذَا اسْتَغْنَتْ عَنْهَا لِقِصَرِ الْمُدَّةِ كَمَا إذَا كَانَتْ عِدَّتُهَا بِالْحَيْضِ وَحَاضَتْ أَوْ بِالْأَشْهُرِ فَإِنَّهُ لَا كِسْوَةَ لَهَا وَإِنْ احْتَاجَتْ إلَيْهَا لِطُولِ الْمُدَّةِ كَمَا إذَا كَانَتْ مُمْتَدَّةَ الطُّهْرِ وَلَمْ تَحِضْ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَفْرِضُ لَهَا، وَهَذَا هُوَ الَّذِي حَرَّرَهُ الطَّرَسُوسِيُّ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ وَهُوَ تَحْرِيرٌ حَسَنٌ مَفْهُومُهُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَطْلَقَ الطَّلَاقَ فَشَمِلَ الْبَائِنَ وَالرَّجْعِيَّ؛ لِأَنَّهَا جَزَاءُ الِاحْتِبَاسِ وَهِيَ مَحْبُوسَةٌ فِيهِمَا فِي حَقِّ حُكْمٍ مَقْصُودٍ وَهُوَ الْوَلَدُ إذْ الْعِدَّةُ وَاجِبَةٌ لِصِيَانَةِ الْوَلَدِ فَتَجِبُ النَّفَقَةُ وَفِي الْمُجْتَبَى وَنَفَقَةُ الْعِدَّةِ كَنَفَقَةِ النِّكَاحِ وَتَسْقُطُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ إلَّا بِفَرْضٍ أَوْ صُلْحٍ وَإِنْ اسْتَدَانَتْ عَلَيْهِ وَهُوَ غَائِبٌ فَإِنْ كَانَ بِقَضَاءٍ تَرْجِعُ عَلَيْهِ وَبِغَيْرِ قَضَاءٍ اخْتِلَافُ الرِّوَايَاتِ وَالْمَشَايِخِ اهـ. وَفِي الذَّخِيرَةِ وَالنَّفَقَةُ وَاجِبَةٌ لِلْمُعْتَدَّةِ طَالَتْ الْمُدَّةُ أَوْ قَصُرَتْ وَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهَا فِي عَدَمِ انْقِضَائِهَا مَعَ يَمِينِهَا فَإِنْ أَقَامَ الزَّوْجُ بَيِّنَةً عَلَى إقْرَارِهَا بِانْقِضَائِهَا بَرِئَ مِنْهَا وَإِنْ ادَّعَتْ حَبَلًا أَنْفَقَ عَلَيْهَا مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ سَنَتَيْنِ مُنْذُ يَوْمِ طَلَّقَهَا فَإِنْ قَالَتْ كُنْتُ أَظُنُّ أَنِّي حَامِلٌ وَلَمْ أَحِضْ وَأَنَا مُمْتَدَّةُ الطُّهْرِ إلَى هَذِهِ الْغَايَةِ وَأَظُنُّ أَنَّ هَذَا الَّذِي بِي رِيحٌ وَأَنَا أُرِيدُ النَّفَقَةَ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتِي، وَقَالَ الزَّوْجُ قَدْ ادَّعَيْتِ الْحَبَلَ وَأَكْثَرُهُ سَنَتَانِ فَالْقَاضِي لَا يَلْتَفِتُ إلَى قَوْلِهِ وَتَلْزَمُهُ النَّفَقَةُ مَا لَمْ تَنْقَضِ الْعِدَّةُ إمَّا بِثَلَاثِ حِيَضٍ أَوْ بِدُخُولِهَا فِي حَدِّ الْإِيَاسِ وَمُضِيِّ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ بَعْدَهُ فَإِنْ حَاضَتْ فِي هَذِهِ الْأَشْهُرِ الثَّلَاثَةِ اسْتَقْبَلَتْ الْعِدَّةَ بِالْحَيْضِ وَالنَّفَقَةُ وَاجِبَةٌ لَهَا فِي جَمِيعِ ذَلِكَ مَا لَمْ يَحْكُمْ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَهَكَذَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَقَدْ وَقَعَتْ حَادِثَةٌ فِي زَمَانِنَا هِيَ أَنَّهَا ادَّعَتْ الْحَبَلَ وَلَمْ يُصَدِّقْهَا فَقَرَّرَ لَهَا نَفَقَةً عَلَى أَنَّهَا إنْ لَمْ تَكُنْ حَامِلًا رَدَّتْ مَا أَخَذَتْهُ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ شَرْطٌ بَاطِلٌ وَفِي الْخُلَاصَةِ الْمُعْتَدَّةُ إذَا لَمْ تَأْخُذْ النَّفَقَةَ حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُهَا سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا هَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ مَفْرُوضَةً أَمَّا إذَا كَانَتْ مَفْرُوضَةً ذَكَرَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى عَنْ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِي الْمُخْتَارِ عِنْدِي أَنَّهَا لَا تَسْقُطُ اهـ. وَذَكَرَ الْخِلَافَ فِي الْخَانِيَّةِ أَيْضًا وَفِي الذَّخِيرَةِ إنْ كَانَ الْقَاضِي أَمَرَهَا بِالِاسْتِدَانَةِ وَاسْتَدَانَتْ فَلَهَا الرُّجُوعُ عَلَى الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُ كَاسْتِدَانَتِهِ بِنَفْسِهِ وَإِنْ لَمْ يَأْمُرْهَا الْقَاضِي بِالِاسْتِدَانَةِ فَفِيهِ خِلَافٌ وَأَشَارَ السَّرَخْسِيُّ إلَى أَنَّهَا تَسْقُطُ حَيْثُ عَلَّلَ فَقَالَ سَبَبُ اسْتِحْقَاقِ هَذِهِ النَّفَقَةِ الْعِدَّةُ وَالْمُسْتَحَقُّ بِهَذَا السَّبَبِ فِي حُكْمِ الْعِلَّةِ فَلَا بُدَّ مِنْ قِيَامِ السَّبَبِ لِاسْتِحْقَاقِ الْمُطَالَبَةِ أَلَا تَرَى الذِّمِّيَّ إذَا أَسْلَمَ وَعَلَيْهِ خَرَاجُ رَأْسِهِ لَمْ يُطَالَبْ بِشَيْءٍ مِنْهُ فَكَذَا هُنَا وَهُوَ الصَّحِيحُ اهـ. فَعَلَى هَذَا لَا بُدَّ مِنْ إصْلَاحِ الْمُتُونِ فَإِنَّهُمْ صَرَّحُوا أَنَّهَا تَجِبُ بِالْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا وَتَصِيرُ دَيْنًا وَهُنَا لَا تَصِيرُ دَيْنًا بِالْقَضَاءِ إلَّا إذَا لَمْ تَنْقَضِ الْعِدَّةُ وَهُوَ يُرَجِّحُ أَنَّ الْمَقْضِيَّ بِهَا تَسْقُطُ بِالطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِلْمُطَالَبَةِ بِهَا قِيَامُ السَّبَبِ وَفِي الذَّخِيرَةِ عَلَى الزَّوْجِ مُؤْنَةُ سُكْنَى الْمُعْتَدَّةِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْزِلٌ مَمْلُوكٌ يَكْتَرِي مَنْزِلًا لَهَا وَيَكُونُ الْكِرَاءُ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا تُؤْمَرُ الْمَرْأَةُ أَنْ تَسْتَدِينَ الْكِرَاءَ، ثُمَّ تَرْجِعَ عَلَى الزَّوْجِ إذَا أَيْسَرَ كَمَا هُوَ الْحُكْمُ فِي النَّفَقَةِ حَالَ قِيَامِ النِّكَاحِ وَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا فَإِنْ كَانَ الْمَنْزِلُ مِلْكًا لِلزَّوْجِ يَنْبَغِي أَنْ يَخْرُجَ الزَّوْجُ مِنْ الْمَنْزِلِ وَيَعْتَزِلَ عَنْهَا وَيَتْرُكَهَا فِي ذَلِكَ الْمَنْزِلِ إلَى انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْمَنْزِلُ بِالْكِرَاءِ وَإِنْ اسْتَكْرَى لَهَا مَنْزِلًا آخَرَ يَجُوزُ لَكِنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَتْرُكَهَا فِي الْمَنْزِلِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: إلَّا فِي فَتَاوَى الصَّيْرَفِيَّةِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَقَدْ صَرَّحَ بِهَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة نَقْلًا عَنْ فَتَاوَى آهو وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ تَرَكُوهُ لِظُهُورِهِ مِنْ التَّعْلِيلِ تَأَمَّلْ. اهـ. قُلْت لَكِنْ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَيَفْرِضُ الْقَاضِي نَفَقَةَ عُرْسِ الْغَائِبِ عَنْ الْبَلَدِ سَوَاءٌ كَانَ بَيْنَهُمَا مُدَّةُ سَفَرٍ أَوْ لَا كَمَا فِي الْمُنْيَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ تُفْرَضَ نَفَقَةُ عُرْسِ الْمُتَوَارَى فِي الْبَلَدِ وَيَدْخُلُ فِيهِ الْمَفْقُودُ. اهـ. قُلْت وَفَتَاوَى آهو وَهِيَ فَتَاوَى الصَّيْرَفِيَّةِ فَإِنَّ الصَّيْرَفِيَّ اشْتَهَرَ بِهُوَ كَمَا تَرْجَمَهُ بَعْضُهُمْ. [النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ وَالسُّكْنَى لِمُعْتَدَّةِ الطَّلَاقِ] (قَوْلُهُ: وَأَشَارَ السَّرَخْسِيُّ إلَى أَنَّهَا لَا تَسْقُطُ) كَذَا فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا تَسْقُطُ بِدُونِ لَا وَهِيَ الصَّوَابُ. (قَوْلُهُ: فَعَلَى هَذَا لَا بُدَّ مِنْ إصْلَاحِ الْمُتُونِ) قَالَ فِي النَّهْرِ إطْلَاقُ الْمُتُونِ يَشْهَدُ لِمَا اخْتَارَهُ الْحَلْوَانِيُّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 216 الَّذِي كَانَا يَسْكُنَانِ فِيهِ قَبْلَ الطَّلَاقِ وَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا فَقَدْ ذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّهُ يُسْكِنُهَا فِي الْمَنْزِلِ الَّذِي كَانَا يَسْكُنَانِ فِيهِ قَبْلَ الطَّلَاقِ لَكِنَّ الزَّوْجَ يَخْرُجُ أَوْ يَعْتَزِلُ عَنْهَا فِي نَاحِيَةٍ مِنْهُ اهـ. وَفِيهَا أَيْضًا الْمُعْتَدَّةُ إذَا خَرَجَتْ مِنْ بَيْتِ الْعِدَّةِ تَسْقُطُ نَفَقَتُهَا مَا دَامَتْ عَلَى النُّشُوزِ فَإِنْ عَادَتْ إلَى بَيْتِ الزَّوْجِ كَانَ لَهَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى، ثُمَّ الْخُرُوجُ عَنْ بَيْتِ الْعِدَّةِ عَلَى سَبِيلِ الدَّوَامِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِسُقُوطِ نَفَقَتِهَا فَإِنَّهَا إذَا خَرَجَتْ زَمَانًا وَسَكَنَتْ زَمَانًا لَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ وَفِي فَتَاوَى النَّسَفِيِّ الْمُعْتَدَّةُ عَنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ إذَا تَزَوَّجَتْ فِي الْعِدَّةِ وَوُجِدَ الدُّخُولُ وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا وَوَجَبَتْ الْعِدَّةُ مِنْهُمَا لَا نَفَقَةَ عَلَى الزَّوْجِ الثَّانِي لِفَسَادِ نِكَاحِهِ وَهِيَ عَلَى الْأَوَّلِ إذَا لَمْ تَخْرُجْ مِنْ بَيْتِ الْعِدَّةِ فَإِنْ خَرَجَتْ فَلَا وَلَا تُوصَفُ بِالنُّشُوزِ بِمَنْعِهَا نَفْسَهَا مِنْهُ هُنَا؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ بَائِنٌ وَالْحِلَّ زَائِلٌ اهـ. وَفِي الذَّخِيرَةِ أَيْضًا، وَإِذَا صَالَحَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ عَنْ نَفَقَتِهَا مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ عَلَى دَرَاهِمَ مُسَمَّاةٍ لَا يَزِيدُهَا عَلَيْهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ يَنْظُرُ إنْ كَانَ عِدَّتُهَا بِالْحَيْضِ لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ لِلْجَهَالَةِ وَإِنْ كَانَتْ بِالْأَشْهُرِ جَازَ لِعَدَمِهَا، وَإِذَا خَلَعَهَا أَوْ أَبَانَهَا، ثُمَّ صَالَحَهَا عَنْ السُّكْنَى عَلَى دَرَاهِمَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى إبْطَالِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فِي السُّكْنَى وَفِي الْمُحِيطِ خَالَعَهَا عَلَى أَنْ لَا نَفَقَةَ لَهَا وَلَا سُكْنَى فَلَهَا السُّكْنَى دُونَ النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ حَقُّهَا فَيَصِحُّ الْإِبْرَاءُ عَنْهَا دُونَ السُّكْنَى وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ الْمُخْتَلِعَةُ بِنَفَقَةِ عِدَّتِهَا هَلْ تَخْرُجُ فِي حَوَائِجِهَا بِالنَّهَارِ تَكَلَّمُوا فِيهِ، وَالْمُخْتَارُ أَنَّهَا لَا تَخْرُجُ؛ لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي أَبْطَلَتْ حَقَّهَا فِي النَّفَقَةِ فَلَمْ يَصِحَّ الْإِبْطَالُ فِيمَا يُؤَدِّي إلَى إبْطَالِ حَقِّ الشَّرْعِ. اهـ. (قَوْلُهُ لَا الْمَوْتِ وَالْمَعْصِيَةِ) أَيْ لَا تَجِبُ النَّفَقَةُ لِمُعْتَدَّةِ الْمَوْتِ وَلَا لِمُعْتَدَّةٍ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا بِمَعْصِيَةٍ مِنْ جِهَتِهَا كَالرِّدَّةِ وَتَقْبِيلِ ابْنِ الزَّوْجِ أَمَّا الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا فَلِأَنَّ احْتِبَاسَهَا لَيْسَ لِحَقِّ الزَّوْجِ، بَلْ لِحَقِّ الشَّرْعِ فَإِنَّ التَّرَبُّصَ عِبَادَةٌ مِنْهَا أَلَا تَرَى أَنَّ مَعْنَى التَّعْرِيفِ عَنْ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ لَيْسَ بِمُرَاعًى فِيهِ حَتَّى لَا يُشْتَرَطَ فِيهِ الْحَيْضُ فَلَا تَجِبُ نَفَقَتُهَا عَلَيْهِ؛ وَلِأَنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ شَيْئًا فَشَيْئًا وَلَا مِلْكَ لَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ فَلَا يُمْكِنُ إيجَابُهَا فِي مِلْكِ الْوَرَثَةِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَتْ حَامِلًا لَكِنْ قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَإِذَا أَنْفَقَ الْوَصِيُّ عَلَى الْحَامِلِ لِلْحَمْلِ فَضَمَّنُوهُ يَرْجِعُ عَلَى الْمَرْأَةِ بِمَا أَنْفَقَ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِإِذْنِ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ عَلِيًّا وَشُرَيْحًا كَانَا يَرَيَانِ ذَلِكَ لِلْحَمْلِ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ اهـ. وَشَمِلَ السُّكْنَى وَالنَّفَقَةَ فَلَا سُكْنَى لَهَا أَيْضًا، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ، وَأَمَّا الْفُرْقَةُ بِمَعْصِيَةٍ مِنْ جِهَتِهَا فَلِأَنَّهَا صَارَتْ حَابِسَةً نَفْسَهَا بِغَيْرِ حَقٍّ فَصَارَتْ كَمَا إذَا كَانَتْ نَاشِزَةً بِخِلَافِ الْمَهْرِ بَعْدَ الدُّخُولِ؛ لِأَنَّهُ وُجِدَ التَّسْلِيمُ فِي حَقِّ الْمَهْرِ بِالْوَطْءِ قُيِّدَ بِالْمَعْصِيَةِ أَيْ بِمَعْصِيَتِهَا؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ مِنْ قِبَلِهَا بِغَيْرِ مَعْصِيَةٍ كَخِيَارِ الْعِتْقِ وَخِيَارِ الْبُلُوغِ وَالتَّفْرِيقِ لِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ لَا تُسْقِطُ نَفَقَتَهَا؛ لِأَنَّهَا حَبَسَتْ نَفْسَهَا بِحَقٍّ كَمَا إذَا حَبَسَتْ نَفْسَهَا لِاسْتِيفَاءِ الْمَهْرِ، فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْفُرْقَةَ إمَّا مِنْ قِبَلِهِ أَوْ مِنْ قِبَلِهَا فَإِنْ كَانَتْ مِنْ قِبَلِهِ فَلَهَا النَّفَقَةُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَتْ بِمَعْصِيَةٍ أَوْ بِغَيْرِ مَعْصِيَةٍ طَلَاقًا كَانَتْ أَوْ فَسْخًا كَطَلَاقِهِ وَلِعَانِهِ وَعُنَّتِهِ أَوْ تَقْبِيلِهِ بِنْتَ زَوْجَتِهِ أَوْ إيلَائِهِ مَعَ عَدَمِ فَيْئِهِ حَتَّى مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ أَوْ إبَائِهِ عَنْ الْإِسْلَامِ إذَا أَسْلَمَتْ هِيَ أَوْ ارْتَدَّ هُوَ فَعُرِضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ فَلَمْ يُسْلِمْ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ قِبَلِهَا فَإِنْ كَانَتْ بِمَعْصِيَةٍ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا، وَأَمَّا السُّكْنَى فَقَالُوا بِوُجُوبِهَا كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ لَهَا السُّكْنَى فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ؛ لِأَنَّ الْقَرَارَ فِي مَنْزِلِ الزَّوْجِ حَقٌّ عَلَيْهَا وَلَا تَسْقُطُ بِمَعْصِيَتِهَا، أَمَّا النَّفَقَةُ فَحَقٌّ لَهَا فَتُجَازَى بِسُقُوطِهَا لِمَعْصِيَتِهَا وَبِمَا قَرَرْنَاهُ عُلِمَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَوْ قَالَ وَلِمُعْتَدَّةِ الطَّلَاقِ أَوْ الْفَسْخِ إلَّا إذَا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ فِي مَعْصِيَتِهَا فَلَا نَفَقَةَ لَهَا إلَّا السُّكْنَى لَكَانَ أَوْلَى فَإِنَّ كَلَامَهُ خَالٍ عَنْ مُعْتَدَّةِ الْفَسْخِ، وَالْمَعْصِيَةُ شَامِلَةٌ لِمَعْصِيَتِهَا وَفِي الذَّخِيرَةِ وَفَرَّقَ بَيْنَ النَّفَقَةِ وَبَيْنَ الْمَهْرِ فَإِنَّ الْفُرْقَةَ إذَا جَاءَتْ مِنْ قِبَلِ الْمَرْأَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ يَسْقُطُ الْمَهْرُ سَوَاءٌ كَانَتْ عَاصِيَةً أَوْ مُحِقَّةً؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ عِوَضٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَلِهَذَا لَا يَسْقُطُ بِمَوْتِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ لِلْجَهَالَةِ) فِيهِ أَنَّ جَهَالَةَ الْمُصَالَحِ عَنْهُ لَا تَضُرُّ تَأَمَّلْ. [النَّفَقَةُ لِمُعْتَدَّةِ الْمَوْتِ] (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِإِذْنِ الْقَاضِي) قَالَ فِي النَّهْرِ أَيِّ قَاضٍ يَرَى ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: وَشَمِلَ السُّكْنَى وَالنَّفَقَةَ) قَالَ الرَّمْلِيُّ لَعَلَّهُ وَشَمِلَ الْكِسْوَةَ وَالسُّكْنَى إذْ لَا كِسْوَةَ وَلَا سُكْنَى لَهَا أَوْ لَفْظَةُ وَالنَّفَقَةَ زَائِدَةٌ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: إذَا جَاءَتْ مِنْ قِبَلِ الْمَرْأَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَيَّدَ بِمَا قَبْلَ الدُّخُولِ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ الدُّخُولِ لَا تَسْقُطُ بِحَالٍ لِسَلَامَةِ الْعِوَضِ بِالدُّخُولِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 217 أَحَدِهِمَا فَإِذَا فَاتَ الْعِوَضُ بِمَعْنَى مِنْ جِهَةِ مَنْ لَهُ الْعِوَضُ سَقَطَ فَأَمَّا النَّفَقَةُ فَعِوَضٌ مِنْ وَجْهٍ صِلَةٌ مِنْ وَجْهٍ فَإِذَا كَانَ بَيْنَهُمَا اُعْتُبِرَ عِوَضًا مَتَى جَاءَ بِسَبَبٍ هُوَ مَعْصِيَةٌ وَصِلَةٌ مَتَى جَاءَتْ بِحَقٍّ. (قَوْلُهُ وَرِدَّتُهَا بَعْدَ الْبَتِّ تُسْقِطُ نَفَقَتَهَا لَا تَمْكِينُ ابْنِهِ) يَعْنِي لَوْ طَلَّقَهَا بَائِنًا، ثُمَّ ارْتَدَّتْ سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا، وَلَوْ مَكَّنَتْ ابْنَ زَوْجِهَا بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ لَا تَسْقُطُ مَعَ أَنَّ الْفُرْقَةَ فِيهِمَا بِالطَّلَاقِ لَا مِنْ جِهَتِهَا بِمَعْصِيَةٍ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَدَّةَ تُحْبَسُ حَتَّى تَتُوبَ وَلَا نَفَقَةَ لِلْمَحْبُوسَةِ وَالْمُمَكِّنَةُ لَا تُحْبَسُ فَلِهَذَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ وَفِي الْحَقِيقَةِ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَدَّةَ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ لَوْ لَمْ تُحْبَسْ تَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَالْمُحِيطِ كَالْمُمَكِّنَةِ، وَالْمُمَكِّنَةُ إذَا لَمْ تَلْزَمْ بَيْتَ الْعِدَّةِ لَا نَفَقَةَ لَهَا، فَلَيْسَ لِلرِّدَّةِ أَوْ التَّمْكِينِ دَخْلٌ فِي الْإِسْقَاطِ وَعَدَمِهِ، بَلْ إنْ وُجِدَ الِاحْتِبَاسُ فِي بَيْتِ الْعِدَّةِ وَجَبَتْ وَإِلَّا فَلَا، وَلَوْ حُبِسَتْ الْمُعْتَدَّةُ لِلرِّدَّةِ، ثُمَّ تَابَتْ وَرَجَعَتْ تَجِبُ النَّفَقَةُ لِعَوْدِ الِاحْتِبَاسِ كَالنَّاشِزَةِ إذَا عَادَتْ لِزَوَالِ الْمَانِعِ بِخِلَافِ الْمُبَانَةِ بِالرِّدَّةِ إذَا أَسْلَمَتْ لَا تَعُودُ نَفَقَتُهَا لِسُقُوطِ نَفَقَتِهَا أَصْلًا بِمَعْصِيَتِهَا وَالسَّاقِطُ لَا يَعُودُ، وَلَوْ لَحِقَتْ بِدَارُ الْحَرْبِ، ثُمَّ عَادَتْ وَتَابَتْ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا لِسُقُوطِ الْعِدَّةِ بِالِالْتِحَاقِ حُكْمًا لِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَوْتِ فَانْعَدَمَ السَّبَبُ الْمُوجِبُ، قُيِّدَ بِالطَّلَاقِ الْبَائِنِ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَدَّةَ عَنْ رَجْعِيٍّ إذَا طَاوَعَتْ ابْنَ زَوْجِهَا أَوْ قَبَّلَهَا بِشَهْوَةٍ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ لَمْ تَقَعْ بِالطَّلَاقِ وَإِنَّمَا وَقَعَتْ بِسَبَبٍ وُجِدَ مِنْهَا وَهُوَ مَعْصِيَتُهَا وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْبَائِنَ بِالْوَاحِدَةِ أَوْ بِالثَّلَاثِ وَمَا فِي الْهِدَايَةِ مِنْ تَقْيِيدِهِ بِالثَّلَاثِ اتِّفَاقِيٌّ، وَفِي الْمُحِيطِ الْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ امْرَأَةٍ لَا نَفَقَةَ لَهَا يَوْمَ الطَّلَاقِ، فَلَيْسَ لَهَا النَّفَقَةُ أَبَدًا إلَّا النَّاشِزَةَ كَالْمُعْتَدَّةِ عَنْ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَالْأَمَةَ الْمُزَوَّجَةَ إذَا لَمْ يُبَوِّئْهَا الْمَوْلَى بَيْتًا اهـ. ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ: وَلَوْ طَلَّقَهَا وَهِيَ مُبَوَّأَةٌ فَلَهَا النَّفَقَةُ فَإِنْ أَخْرَجَهَا الْمَوْلَى بَطَلَتْ فَإِنْ أَعَادَهَا عَادَتْ النَّفَقَةُ فَلَوْ بَوَّأَهَا بَعْدَ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ وَجَبَتْ النَّفَقَةُ؛ لِأَنَّهَا مَنْكُوحَةٌ بِخِلَافِ الْمُبَانَةِ [النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى وَالْكِسْوَةُ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ الْفَقِيرِ] (قَوْلُهُ وَلِطِفْلِهِ الْفَقِيرِ) أَيْ تَجِبُ النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى وَالْكِسْوَةُ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ الْفَقِيرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233] فَهِيَ عِبَارَةٌ فِي إيجَابِ نَفَقَةِ الْمَنْكُوحَاتِ إشَارَةً إلَى أَنَّ نَفَقَةَ الْأَوْلَادِ عَلَى الْأَبِ وَأَنَّ النَّسَبَ لَهُ وَأَنَّهُ لَا يُعَاقَبُ بِسَبَبِهِ فَلَا يُقْتَلُ قِصَاصًا بِقَتْلِهِ وَلَا يُحَدُّ بِوَطْءِ جَارِيَتِهِ وَإِنْ عَلِمَ بِحُرْمَتِهَا وَأَنَّ الْأَبَ يَنْفَرِدُ بِتَحَمُّلِ نَفَقَةِ الْوَلَدِ وَلَا يُشَارِكُهُ فِيهَا أَحَدٌ وَأَنَّ الْوَلَدَ إذَا كَانَ غَنِيًّا وَالْأَبُ مُحْتَاجًا لَمْ يُشَارِكْ الْوَلَدَ أَحَدٌ فِي نَفَقَةِ الْوَالِدِ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْمَنَارِ قَيَّدَ بِالطِّفْلِ وَهُوَ الصَّبِيُّ حِينَ يَسْقُطُ مِنْ الْبَطْنِ إلَى أَنْ يَحْتَلِمَ، وَيُقَالُ جَارِيَةٌ طِفْلٌ وَطِفْلَةٌ، كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الطِّفْلَ يَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى؛ وَلِذَا عَبَّرَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْبَالِغَ لَا تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَى أَبِيهِ إلَّا بِشُرُوطٍ نَذْكُرُهَا وَقَيَّدَ بِالْفَقِيرِ؛ لِأَنَّ الصَّغِيرَ إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ فَنَفَقَتُهُ فِي مَالِهِ وَلَا بُدَّ مِنْ التَّقْيِيدِ بِالْحُرِّيَّةِ لِمَا أَسْلَفْنَاهُ أَنَّ الْوَلَدَ الْمَمْلُوكَ نَفَقَتُهُ عَلَى مَالِكِهِ لَا عَلَى أَبِيهِ حُرًّا كَانَ الْأَبُ أَوْ عَبْدًا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَبَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا وَالصَّغِيرُ كَذَلِكَ فَإِنْ كَانَ الْأَبُ وَالصَّغِيرُ غَنِيَّيْنِ فَإِنَّ الْأَبَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ إنْ كَانَ حَاضِرًا وَإِنْ كَانَ مَالُ الصَّغِيرِ غَائِبًا وَجَبَتْ عَلَى الْأَبِ فَإِذَا أَرَادَ الرُّجُوعَ أَنْفَقَ عَلَيْهِ بِإِذْنِ الْقَاضِي فَلَوْ أَنْفَقَ بِلَا أَمْرِهِ لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ فِي الْحُكْمِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَشْهَدَ أَنَّهُ أَنْفَقَ لِيَرْجِعَ، وَلَوْ لَمْ يُشْهِدْ لَكِنَّهُ أَنْفَقَ بِنِيَّةِ الرُّجُوعِ لَمْ يَكُنْ لَهُ رُجُوعٌ فِي الْحُكْمِ وَفِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى يَحِلُّ لَهُ الرُّجُوعُ وَإِنْ كَانَ لِلصَّغِيرِ عَقَارٌ أَوْ أَرْدِيَةٌ أَوْ ثِيَابٌ وَاحْتِيجَ إلَى النَّفَقَةِ كَانَ لِلْأَبِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَقَيَّدَ بِالطِّفْلِ إلَى قَوْلِهِ لِأَنَّ الْبَالِغَ) قَالَ الرَّمْلِيُّ فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ نَظَرٌ وَحَقُّ الْعِبَارَةِ أَنْ يُقَالَ أَرَادَ بِالطِّفْلِ الْعَاجِزَ عَنْ الْكَسْبِ؛ لِأَنَّهُ إذَا بَلَغَ حَدَّ التَّكَسُّبِ وَلَمْ يَبْلُغْ فِي نَفْسِهِ لَا تَجِبُ عَلَى أَبِيهِ، بَلْ يُؤَجَّرُ وَيُنْفَقُ عَلَيْهِ مِنْ أُجْرَتِهِ وَسَيُصَرِّحُ بِهِ قَرِيبًا هَذَا، وَقَدْ قَالَ الْعَلْقَمِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَالَ بَعْضُهُمْ يَبْقَى هَذَا الِاسْمُ لِلْوَلَدِ حَتَّى يُمَيِّزَ، ثُمَّ لَا يُقَالُ لَهُ بَعْدُ طِفْلٌ، بَلْ صَبِيٌّ وَخَرُورٌ وَيَافِعٌ وَمُرَاهِقٌ وَبَالِغٌ وَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ هُوَ الْمَعْرُوفُ الْآنَ فِي بِلَادِنَا وَالْمَشْهُورُ فِيمَا بَيْنَهُمْ فَعَلَيْهِ تَحْصُلُ غَايَةُ الْمُنَاسَبَةِ فِي الشَّرْحِ أَنْ يُقَالَ أَرَادَ بِالطِّفْلِ الْعَاجِزَ عَنْ الْكَسْبِ إلَخْ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ مَالُ الصَّغِيرِ غَائِبًا إلَخْ) أَقُولُ: وَقَدْ سُئِلْتُ عَنْ صَبِيٍّ لَا مَالَ لَهُ غَيْرَ أَنَّ لَهُ اسْتِحْقَاقًا فِي غَلَّةِ وَقْفٍ هَلْ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ مَالِهِ الْغَائِبِ أَوْ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَا مَالَ لَهُ أَصْلًا وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِالْمَسْأَلَةِ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ حَتَّى إذَا أَنْفَقَ بِإِذْنِ الْقَاضِي لَهُ الرُّجُوعُ فَلْيُتَأَمَّلْ رَمْلِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ لِلصَّغِيرِ عَقَارٌ إلَخْ) أَقُولُ: وَمِثْلُ الْأَبِ فِي ذَلِكَ الْأُمُّ وَهِيَ وَاقِعَةُ الْفَتْوَى إذَا أَمَرَ الْقَاضِي أُمَّهُمْ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِمْ وَلَيْسَ لَهُمْ سِوَى حِصَّةٍ مِنْ دَارٍ يَسْكُنُونَهَا هَلْ تُبَاعُ فِي نَفَقَتِهِمْ أَمْ لَا وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهَا تُبَاعُ فِي ذَلِكَ وَتُنْفِقُ عَلَيْهِمْ مِنْ ثَمَنِهَا وَالسُّكْنَى مِنْ النَّفَقَةِ، وَإِذَا فَرَغَ وَجَبَتْ عَلَيْهَا رَمْلِيٌّ أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَ الْمُؤَلِّفِ بِقَوْلِهِ وَإِنْ كَانَ لَهُ عَقَارٌ إلَخْ إذْ كَانَ الصَّغِيرُ لَا يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ أَمَّا إذَا كَانَ مُحْتَاجًا لِسُكْنَى عَقَارِهِ وَلُبْسِ ثِيَابِهِ وَأَرْدِيَتِهِ لَا فَائِدَةَ فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 218 أَنْ يَبِيعَ ذَلِكَ كُلَّهُ وَيُنْفِقَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ غَنِيٌّ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَإِنْ كَانَا فَقِيرَيْنِ فَعِنْدَ الْخَصَّافِ أَنَّ الْأَبَ يَتَكَفَّفُ النَّاسَ وَيُنْفِقُ عَلَى أَوْلَادِهِ الصِّغَارِ. وَقِيلَ نَفَقَتُهُمْ فِي بَيْتِ الْمَالِ هَذَا إذَا كَانَ عَاجِزًا عَنْ الْكَسْبِ وَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْكَسْبِ اكْتَسَبَ وَأَنْفَقَ فَإِنْ امْتَنَعَ عَنْ الْكَسْبِ حُبِسَ بِخِلَافِ سَائِرِ الدُّيُونِ وَلَا يُحْبَسُ وَالِدٌ وَإِنْ عَلَا فِي دَيْنِ وَلَدِهِ وَإِنْ سَفَلَ إلَّا فِي النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّ فِي الِامْتِنَاعِ عَنْ الْإِنْفَاقِ إتْلَافَ النَّفْسِ، وَإِذَا لَمْ يَفِ كَسْبُهُ بِحَاجَتِهِ أَوْ لَمْ يَكْتَسِبْ لِعَدَمِ تَيَسُّرِهِ أَنْفَقَ عَلَيْهِمْ الْقَرِيبُ وَرَجَعَ عَلَى الْأَبِ إذَا أَيْسَرَ وَإِنْ كَانَ الْأَبُ غَنِيًّا وَالْوَلَدُ الصَّغِيرُ فَقِيرًا فَالنَّفَقَةُ عَلَى الْأَبِ إلَى أَنْ يَبْلُغَ الذَّكَرُ حَدَّ الْكَسْبِ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ الْحُلُمَ فَإِذَا كَانَ هَذَا كَانَ لِلْأَبِ أَنْ يُؤَاجِرَهُ وَيُنْفِقَ عَلَيْهِ مِنْ أُجْرَتِهِ وَلَيْسَ لَهُ فِي الْأُنْثَى ذَلِكَ فَلَوْ كَانَ الْأَبُ مُبَذِّرًا يُدْفَعُ كَسْبُ الِابْنِ إلَى أَمِينٍ كَمَا فِي سَائِرِ أَمْلَاكِهِ وَإِنْ كَانَ الْأَبُ فَقِيرًا وَالصَّغِيرُ غَنِيًّا لَا تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَى أَبِيهِ، بَلْ نَفَقَةُ أَبِيهِ عَلَيْهِ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ أَنَّ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ أَوْجَبْنَا نَفَقَةَ الْوَلَدِ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ أَوْلَادُهُ وَأَوْلَادُ الْبَنَاتِ وَالْبَنِينَ وَفِي الذَّخِيرَةِ أَنَّ الْأُمَّ إذَا خَاصَمَتْ فِي نَفَقَةِ الْأَوْلَادِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَفْرِضُ عَلَى الْأَبِ نَفَقَةَ الصِّغَارِ الْفُقَرَاءِ وَيَدْفَعُ النَّفَقَةَ إلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا أَرْفَقُ بِالْأَوْلَادِ فَإِنْ قَالَ الْأَبُ إنَّهَا لَا تُنْفِقُ وَتُضَيِّقُ عَلَيْهِمْ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهَا أَمِينَةٌ وَدَعْوَى الْخِيَانَةِ عَلَى الْأَمِينِ لَا تُسْمَعُ مِنْ غَيْرِ حُجَّةٍ فَإِنْ قَالَ لِلْقَاضِي سَلْ جِيرَانَهَا فَالْقَاضِي يَسْأَلُ جِيرَانَهَا احْتِيَاطًا. وَإِنَّمَا يَسْأَلُ مَنْ كَانَ يُدَاخِلُهَا فَإِنْ أَخْبَرَ جِيرَانُهَا بِمَا قَالَ الْأَبُ زَجَرَهَا الْقَاضِي وَمَنَعَهَا عَنْ ذَلِكَ نَظَرًا لَهُمْ وَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ قَالَ إذَا وَقَعَتْ الْمُنَازَعَةُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ كَذَلِكَ وَظَهَرَ قَدْرُ النَّفَقَةِ فَالْقَاضِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ دَفَعَهَا إلَى ثِقَةٍ يَدْفَعُهَا إلَيْهَا صَبَاحًا وَمَسَاءً وَلَا يَدْفَعُ إلَيْهَا جُمْلَةً وَإِنْ شَاءَ أَمَرَ غَيْرَهَا أَنْ يُنْفِقَ عَلَى الْأَوْلَادِ، وَإِذَا صَالَحَتْ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا عَلَى نَفَقَةِ الْأَوْلَادِ الصِّغَارِ مُوسِرًا كَانَ الزَّوْجُ أَوْ مُعْسِرًا جَازَ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي طَرِيقِ جَوَازِ هَذَا الصُّلْحِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لِأَنَّ الْأَبَ هُوَ الْعَاقِدُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ كَبَيْعِهِ مَالَ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ مِنْ نَفْسِهِ وَشِرَائِهِ كَذَلِكَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لِأَنَّ الْعَاقِدَ الْأَبُ مِنْ جَانِبِ نَفْسِهِ وَالْأُمُّ مِنْ جَانِبِ الصِّغَارِ؛ لِأَنَّ نَفَقَتَهُمْ مِنْ أَسْبَابِ التَّرْبِيَةِ وَالْحَضَانَةِ وَهِيَ لِلْأُمِّ، ثُمَّ يَنْظُرُ إنْ كَانَ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الصُّلْحُ أَكْثَرَ مِنْ نَفَقَتِهِمْ بِزِيَادَةٍ يَسِيرَةٍ فَهُوَ عَفْوٌ وَهِيَ مَا تَدْخُلُ تَحْتَ تَقْدِيرِ الْقَدِيرِ وَإِنْ كَانَ لَا تَدْخُلُ طُرِحَتْ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ الْمُصَالَحُ عَلَيْهِ أَقَلَّ بِأَنْ كَانَ لَا يَكْفِيهِمْ يُزَادُ إلَى مِقْدَارِ كِفَايَتِهِمْ (قَوْلُهُ وَلَا تُجْبَرُ أُمُّهُ لِتُرْضِعَ) ؛ لِأَنَّهُ كَالنَّفَقَةِ وَهِيَ عَلَى الْأَبِ وَعَسَى لَا تُقَدَّرُ فَلَا تُجْبَرُ عَلَيْهِ قَضَاءً وَتُؤْمَرُ بِهِ دِيَانَةً؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الِاسْتِخْدَامِ وَهُوَ وَاجِبٌ عَلَيْهَا دِيَانَةً كَمَا قَدَّمْنَاهُ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الْأَبُ لَا يَجِدُ مَنْ يُرْضِعُهُ أَوْ كَانَ الْوَلَدُ لَا يَأْخُذُ ثَدْيَ غَيْرِهَا وَنَقَلَ الزَّيْلَعِيُّ وَالْأَتْقَانِيُّ أَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهُ يَتَغَذَّى بِالدُّهْنِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمَائِعَاتِ فَلَا يُؤَدِّي إلَى ضَيَاعِهِ وَنَقَلَ عَدَمَ الْإِجْبَارِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فِي الْمُجْتَبَى عَنْ الْبَعْضِ، ثُمَّ قَالَ وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا تُجْبَرُ عِنْدَ الْكُلِّ اهـ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَفِي الْخَانِيَّةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَذَكَرَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّهُ الْأَصْوَبُ؛ لِأَنَّ قَصْرَ الرَّضِيعِ الَّذِي لَمْ يَأْنَسْ الطَّعَامَ عَلَى الدُّهْنِ وَالشَّرَابِ سَبَبُ تَمْرِيضِهِ وَمَوْتِهِ اهـ. وَفِي الْخَانِيَّةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْأَبِ وَلَا لِلْوَلَدِ الصَّغِيرِ مَالٌ تُجْبَرُ الْأُمُّ عَلَى الْإِرْضَاعِ عِنْدَ الْكُلِّ اهـ. فَمَحَلُّ الْخِلَافِ عِنْدَ قُدْرَةِ الْأَبِ بِالْمَالِ وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ   [منحة الخالق] بَيْعِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ بَاعَهَا يَحْتَاجُ إلَى شِرَاءِ غَيْرِهَا وَانْظُرْ مَا سَيَذْكُرُهُ الْمُؤَلِّفُ عَنْ الْبَدَائِعِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَلِفَقِيرٍ مَحْرَمٍ مِنْ أَنَّ الْفَقِيرَ مَنْ تَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ عَقَارٌ وَخَادِمٌ يَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ وَانْظُرْ مَا كَتَبْنَاهُ هُنَاكَ أَيْضًا يَظْهَرُ لَك الْأَمْرُ. (قَوْلُهُ: فَإِذَا كَانَ هَذَا) أَيْ بَلَغَ حَدَّ الْكَسْبِ قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَلَوْ أَرَادَ الْأَبُ أَنْ يُؤَاجِرَهُمْ أَيْ الذُّكُورَ فِي عَمَلٍ أَوْ خِدْمَةٍ فَلَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ فِيهِ مَنْفَعَةً لِلصَّغِيرِ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَلَّمُ الْكَسْبَ إمَّا قَبْلَ أَنْ يَتَعَلَّمَ أَوْ بَعْدَهُ، وَلَكِنْ لَا يُحْسِنُ الْعَمَلَ فَنَفَقَتُهُ عَلَى الْأَبِ اهـ قَالَ الرَّمْلِيُّ وَصَرَّحَ بِهِ أَيْضًا كَثِيرٌ مِنْ عُلَمَائِنَا قَالَ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ غَيْرَ الْأَبِ مِنْ الْمَحَارِمِ لَا تَجِبُ نَفَقَةُ الْقَادِرِ عَلَى الْكَسْبِ عَلَيْهِ مِنْ بَابِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا لِدَفْعِ الْحَاجَةِ، وَقَدْ انْدَفَعَتْ وَصَارَ غَنِيًّا بِكَسْبِهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى إيجَابِهَا عَلَى الْفَقِيرِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَهِيَ وَاقِعَةُ الْفَتْوَى، وَقَدْ أَفْتَيْت فِيهَا بِعَدَمِ الْوُجُوبِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ لَهُ فِي الْأُنْثَى ذَلِكَ) قَالَ الرَّمْلِيُّ لَوْ اسْتَغْنَتْ بِنَحْوِ خِيَاطَةٍ وَغَزْلٍ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ نَفَقَتُهَا فِي كَسْبِهَا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَلَا نَقُولُ يَجِبُ عَلَى الْأَبِ مَعَ ذَلِكَ إلَّا إذَا كَانَ لَا يَكْفِيهَا فَتَجِبُ عَلَى الْأَبِ كِفَايَتُهَا بِدَفْعِ الْقَدْرِ الْمَعْجُوزِ عَنْهُ وَلَمْ أَرَهُ لِأَصْحَابِنَا وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ قَوْلَهُمْ إذَا بَلَغَ حَدَّ الْكَسْبِ لِلْأَبِ أَنْ يُؤَجِّرَ بِخِلَافِ الْأُنْثَى؛ لِأَنَّ الْمَمْنُوعَ إيجَارُهَا وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمُ إلْزَامِهَا بِحِرْفَةٍ تَعْلَمُهَا اهـ قُلْت وَهُوَ تَفَقُّهٌ حَسَنٌ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ فِي الْخَانِيَّةِ قَيَّدَ عَدَمَ دَفْعِ الْأُنْثَى بِغَيْرِ الْمَحْرَمِ حَيْثُ قَالَ وَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ بِنْتًا لَا يَمْلِكُ الْأَبُ دَفْعَهَا إلَى غَيْرِ الْمَحْرَمِ؛ لِأَنَّ الْخَلْوَةَ مَعَ الْأَجْنَبِيَّةِ حَرَامٌ اهـ فَيُفِيدُ أَنَّهُ يُؤَجِّرُهَا لِلْمَحْرَمِ وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُسْتَأْجِرُ يَدْفَعُ لَهَا الْعَمَلَ لِتَعْمَلَ فِي بَيْتِهَا كَالْخِيَاطَةِ وَنَحْوِهَا لَا تَلْزَمُ نَفَقَتُهَا عَلَى غَيْرِهَا لِعَدَمِ الْمَحْظُورِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ: تُجْبَرُ الْأُمُّ عَلَى الْإِرْضَاعِ عِنْدَ الْكُلِّ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 219 مَعْزِيًّا إلَى التَّتِمَّةِ عَنْ إجَارَةِ الْعُيُونِ عَنْ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ اسْتَأْجَرَ ظِئْرًا لِصَبِيٍّ شَهْرًا فَلَمَّا انْقَضَى الشَّهْرُ أَبَتْ أَنْ تُرْضِعَهُ وَالصَّبِيُّ لَا يَقْبَلُ ثَدْيَ غَيْرِهَا قَالَ أَجْبَرَهَا أَنْ تُرْضِعَ. (قَوْلُهُ وَيَسْتَأْجِرُ مَنْ يُرْضِعُهُ عِنْدَهَا) أَيْ وَيَسْتَأْجِرُ الْأَبُ مَنْ يُرْضِعُ الطِّفْلَ عِنْدَ الْأُمِّ؛ لِأَنَّ الْحَضَانَةَ لَهَا وَالنَّفَقَةَ عَلَيْهِ أَطْلَقَهُ هُنَا وَقَيَّدَهُ فِي الْهِدَايَةِ بِإِرَادَةِ الْأُمِّ لِلْحَضَانَةِ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا صَحَّحَهُ مِنْ أَنَّ الْأُمَّ لَا تُجْبَرُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا حَقُّهَا وَعَلَى مَا اخْتَارَهُ الْفُقَهَاءُ الثَّلَاثَةُ مِنْ الْجَبْرِ، فَلَيْسَ مُعَلَّقًا بِإِرَادَتِهَا؛ لِأَنَّهَا حَقُّ الصَّبِيِّ عَلَيْهَا وَفِي الذَّخِيرَةِ لَا يَجِبُ عَلَى الظِّئْرِ أَنْ تَمْكُثَ فِي بَيْتِ الْأُمِّ إذَا لَمْ يُشْتَرَطْ عَلَيْهَا ذَلِكَ وَقْتَ الْعَقْدِ وَكَانَ الْوَلَدُ يَسْتَغْنِي عَنْ الظِّئْرِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ، بَلْ لَهَا أَنْ تُرْضِعَ وَتَعُودَ إلَى مَنْزِلِهَا كَمَا لَهَا أَنْ تَحْمِلَ الصَّبِيَّ إلَى مَنْزِلِهَا أَوْ تَقُولَ أَخْرِجُوهُ فَتُرْضِعُهُ عِنْدَ فِنَاءِ الدَّارِ، ثُمَّ نُدْخِلُ الْوَلَدَ عَلَى الْوَالِدَةِ إلَّا أَنْ يُشْتَرَطَ عِنْدَ الْعَقْدِ أَنَّ الظِّئْرَ تَكُونُ عِنْدَ الْأُمِّ فَحِينَئِذٍ يَلْزَمُهَا الْوَفَاءُ بِذَلِكَ الشَّرْطِ اهـ. وَفِي الْخِزَانَةِ عَنْ التَّفَارِيقِ لَا تَجِبُ فِي الْحَضَانَةِ أُجْرَةُ الْمَسْكَنِ الَّذِي يُحْضَنُ فِيهِ الصَّبِيُّ، وَقَالَ آخَرُونَ تَجِبُ إنْ كَانَ لِلصَّبِيِّ مَالٌ وَإِلَّا فَعَلَى مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ. اهـ. . (قَوْلُهُ لَا أُمَّهُ لَوْ مَنْكُوحَةً أَوْ مُعْتَدَّةً) أَيْ لَا يَسْتَأْجِرُ أُمَّهُ لَوْ مَنْكُوحَتَهُ أَوْ مُعْتَدَّتَهُ؛ لِأَنَّ الْإِرْضَاعَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهَا دِيَانَةً قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} [البقرة: 233] إلَّا أَنَّهَا عُذِرَتْ لِاحْتِمَالِ عَجْزِهَا فَإِذَا أَقْدَمَتْ عَلَيْهِ بِالْأَجْرِ ظَهَرَتْ قُدْرَتُهَا فَكَانَ الْفِعْلُ وَاجِبًا عَلَيْهَا فَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ أَطْلَقَ فِي الْمُعْتَدَّةِ فَشَمِلَ الْمُعْتَدَّةَ عَنْ رَجْعِيٍّ أَوْ بَائِنٍ وَهُوَ فِي الرَّجْعِيِّ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ وَفِي الْبَائِنِ فِي رِوَايَةٍ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى جَازَ اسْتِئْجَارُهَا؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ قَدْ زَالَ وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّهُ بَاقٍ فِي حَقِّ بَعْضِ الْأَحْكَامِ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ صَرِيحٍ وَإِنْ كَانَ تَأْخِيرُ وَجْهِ الْمَنْعِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ الْمُخْتَارُ عِنْدَهُ كَمَا هُوَ عَادَتُهُ وَصَحَّحَ فِي الْجَوْهَرَةِ الْجَوَازَ فَكَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يُقَيِّدَ الْمُعْتَدَّةَ بِالرَّجْعِيِّ وَذَكَرَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ الْجَوَازُ وَقَيَّدَ بِالْأُمِّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اسْتَأْجَرَ مَنْكُوحَتَهُ لِتُرْضِعَ وَلَدَهُ مِنْ غَيْرِهَا جَازَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا إرْضَاعُهُ بِخِلَافِ الْأُمِّ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهَا إرْضَاعُهُ دِيَانَةً كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْهِدَايَةِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهَا أَخْذُ الْأَجْرِ مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ لَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ، لَكِنْ فِي الذَّخِيرَةِ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلصَّغِيرِ مَالٌ أَمَّا إذَا كَانَ لَهُ هَلْ يَجُوزُ أَنْ يَفْرِضَ أُجْرَةَ الرَّضَاعِ فِي مَالِهِ ذَكَرَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُفْرَضُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ وَهَكَذَا ذَكَرَ فِي إجَارَاتِ الْقُدُورِيِّ وَلَيْسَ فِيهِ اخْتِلَافُ الرِّوَايَتَيْنِ، وَلَكِنْ مَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُفْرَضُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ تَأْوِيلُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْأَبِ مَالٌ وَمَا ذُكِرَ أَنَّ الزَّوْجَ إذَا اسْتَأْجَرَهَا لَا يَجُوزُ تَأْوِيلُهُ إذَا فَرَضَ أُجْرَةَ الرَّضَاعِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ فَلَا تَسْتَحِقُّ ذَلِكَ كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى اجْتِمَاعِ أُجْرَةِ الرَّضَاعِ مَعَ نَفَقَةِ النِّكَاحِ فِي مَالٍ وَاحِدٍ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يَتَحَقَّقُ إذَا فَرَضَ لَهَا فِي مَالِ الصَّغِيرِ فَقُلْنَا إنَّهَا تَسْتَحِقُّ ذَلِكَ اهـ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ عَلَى تَعْلِيلِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ   [منحة الخالق] قَالَ الرَّمْلِيُّ نَقَلَ الزَّيْلَعِيُّ ذَلِكَ عَنْ الْخَصَّافِ وَزَادَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ وَتُجْعَلُ الْأُجْرَةُ دَيْنًا عَلَيْهِ. اهـ. قُلْت وَمِثْلُهُ فِي الْمَجْمَعِ (قَوْلُهُ: قَالَ أُجْبِرُهَا أَنْ تُرْضِعَ) عِبَارَةُ الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ عَنْ الْوَجِيزِ تُجْبَرُ عَلَى إبْقَاءِ الْإِجَارَةِ بِالْإِرْضَاعِ. (قَوْلُهُ: وَفِي الْخِزَانَةِ عَنْ التَّفَارِيقِ لَا تَجِبُ فِي الْحَضَانَةِ أُجْرَةُ الْمَسْكَنِ) قَالَ الْغَزِّيِّ، وَأَمَّا لُزُومُ مَسْكَنِ الْحَاضِنَةِ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَالْأَظْهَرُ لُزُومُ ذَلِكَ كَمَا فِي بَعْضِ الْمُعْتَبَرَاتِ اهـ أَقُولُ: وَهَذَا يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِهِ إذَا احْتَاجَ الصَّغِيرُ إلَى خَادِمٍ يَلْزَمُ الْأَبَ بِهِ فَإِنَّ احْتِيَاجَهُ إلَى الْمَسْكَنِ مُقَرَّرٌ كَذَا فِي حَاشِيَةِ الرَّمْلِيِّ. (قَوْلُهُ: وَصَحَّحَ فِي الْجَوْهَرَةِ الْجَوَازَ) وَفِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ الْمُعْتَدَّةُ عَنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ أَوْ طَلَقَاتٍ ثَلَاثٍ فِي رِوَايَةِ ابْنِ زِيَادٍ تَسْتَحِقُّ أَجْرَ الرَّضَاعَةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى هَكَذَا فِي جَوَاهِرِ الْأَخْلَاطِيِّ اهـ. (قَوْلُهُ: تَأْوِيلُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْأَبِ مَالٌ) لَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْأَبِ مَالٌ دَفَعَهُ إلَيْهَا، بَلْ دَفَعَ مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ لِمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الذَّخِيرَةِ أَيْضًا وَسَيَأْتِي نَحْوُهُ عَنْ الْمُجْتَبَى أَنَّ إرْضَاعَ الصَّغِيرِ إذَا كَانَ يُوجَدُ مَنْ يُرْضِعُهُ إنَّمَا تَجِبُ عَلَى الْأَبِ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلصَّغِيرِ مَالٌ أَمَّا إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ بِأَنْ مَاتَتْ أُمُّهُ فَوَرِثَ مَالًا أَوْ اسْتَفَادَ بِسَبَبٍ آخَرَ يَكُونُ مُؤْنَةُ الرَّضَاعِ فِي مَالِ الصَّغِيرِ، وَكَذَلِكَ نَفَقَةُ الصَّبِيِّ بَعْدَ الْفِطَامِ إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ فِي مَالِهِ اهـ فَلَيْسَ فَرْضُهُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ مُتَوَقِّفًا عَلَى أَنْ لَا يَكُونَ لِلْأَبِ مَالٌ وَلَعَلَّ الْأَظْهَرَ أَنْ يُقَالَ تَأْوِيلُهُ إذَا كَانَ لِلِابْنِ مَالٌ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: فَالْحَاصِلُ أَنَّ عَلَى تَعْلِيلِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ لَا تَأْخُذُ شَيْئًا إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَالْأَوْجَهُ عِنْدِي عَدَمُ الْجَوَازِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا قَالُوهُ مِنْ أَنَّهُ لَوْ اسْتَأْجَرَ مَنْكُوحَتَهُ لِإِرْضَاعِ وَلَدِهِ مِنْ غَيْرِهَا جَازَ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافٍ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَيْهَا مَعَ أَنَّ فِيهِ اجْتِمَاعَ أُجْرَةِ الرَّضَاعِ وَالنَّفَقَةِ فِي مَالٍ وَاحِدٍ، وَلَوْ صَلُحَ مَانِعًا لَمَا جَازَ هُنَا فَتَدَبَّرْهُ. اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ التَّعْلِيلَ بِاجْتِمَاعِ وَاجِبَيْنِ لَا مَفْهُومَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ فِي الْمَنْعِ بِدَلِيلِ الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ فَلَا يُقَالُ إذَا لَمْ يَجْتَمِعْ الْوَاجِبَانِ يَجُوزُ فَيَتَعَيَّنُ تَعْلِيلُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ الْمُفِيدُ عَدَمُ الْجَوَازِ فَمَبْنَى الِاسْتِدْلَالِ عَلَى عَدَمِ الْجَوَازِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 220 لَا تَأْخُذُ شَيْئًا فِي مُقَابَلَةِ الْإِرْضَاعِ لَا مِنْ الزَّوْجِ وَلَا مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ لِوُجُوبِهِ عَلَيْهَا وَعَلَى مَا عَلَّلَ بِهِ فِي الذَّخِيرَةِ مِنْ أَنَّ الْمَنْعَ إنَّمَا هُوَ لِاجْتِمَاعِ وَاجِبَيْنِ فِي مَالٍ وَفِي الْمُجْتَبَى لَوْ اسْتَأْجَرَ زَوْجَتَهُ مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ لِإِرْضَاعِهِ جَازَ وَفِي مَالِهِ لَا يَجُوزُ حَتَّى لَا يَجْتَمِعَ عَلَيْهِ نَفَقَةُ النِّكَاحِ وَالْإِرْضَاعِ اهـ. (قَوْلُهُ وَهِيَ أَحَقُّ بَعْدَهَا مَا لَمْ تَطْلُبْ زِيَادَةً) أَيْ الْأُمُّ أَحَقُّ بِإِرْضَاعِ وَلَدِهَا مِنْ الْأَجْنَبِيَّةِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ مَا لَمْ تَطْلُبْ أُجْرَةً زَائِدَةً عَلَى أُجْرَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ لِلْإِرْضَاعِ، فَحِينَئِذٍ لَا تَكُونُ أَحَقَّ وَإِنَّمَا جَازَ لَهَا أَخْذُ الْأُجْرَةِ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ قَدْ زَالَ بِالْكُلِّيَّةِ وَصَارَتْ كَالْأَجْنَبِيَّةِ فَإِنْ قُلْت إنَّ وُجُوبَ الْإِرْضَاعِ عَلَيْهَا هُوَ الْمَانِعُ مِنْ أَخْذِ الْأُجْرَةِ وَهُوَ بِعَيْنِهِ مَوْجُودٌ بَعْدَ انْقِضَائِهَا، فَلَيْسَتْ كَالْأَجْنَبِيَّةِ قُلْت إنَّ الْوُجُوبَ عَلَيْهَا مُقَيَّدٌ بِإِيجَابِ رِزْقِهَا عَلَى الْأَبِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ} [البقرة: 233] . فَفِي حَالِ الزَّوْجِيَّةِ وَالْعِدَّةِ هُوَ قَائِمٌ بِرِزْقِهَا وَفِيمَا بَعْدَ الْعِدَّةِ لَا يَقُومُ بِشَيْءٍ فَتَقُومُ الْأُجْرَةُ مَقَامَهُ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَإِنَّمَا كَانَتْ أَحَقَّ؛ لِأَنَّهَا أَشْفَقُ فَكَانَ نَظَرًا لِلصَّبِيِّ فِي الدَّفْعِ إلَيْهَا وَإِنْ الْتَمَسَتْ زِيَادَةً لَمْ يُجْبَرْ الزَّوْجُ عَلَيْهَا دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ} [البقرة: 233] . أَيْ بِإِلْزَامِهِ لَهَا أَكْثَرَ مِنْ أُجْرَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ وَفِي الذَّخِيرَةِ لَوْ صَالَحَتْ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا عَنْ أَجْرِ الرَّضَاعِ عَلَى شَيْءٍ إنْ كَانَ الصُّلْحُ حَالَ قِيَامِ النِّكَاحِ أَوْ فِي الْعِدَّةِ عَنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ لَا يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ عَنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ وَاحِدَةً أَوْ ثَلَاثًا جَازَ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهَا شَيْئًا لِتُرْضِعَ وَلَدَهَا اسْتِئْجَارٌ لَهَا، وَإِذَا جَازَ الصُّلْحُ فَهُوَ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَهَا عَلَى عَمَلٍ آخَرَ مِنْ الْأَعْمَالِ عَلَى دَرَاهِمَ وَصَالَحَهَا عَنْ تِلْكَ الدَّرَاهِمِ عَلَى شَيْءٍ بِعَيْنِهِ جَازَ وَإِنْ صَالَحَ عَنْهَا عَلَى شَيْءٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَدْفَعَ ذَلِكَ فِي الْمَجْلِسِ حَتَّى لَا يَكُونَ بَيْعَ دَيْنٍ بِدَيْنٍ وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ جَازَ الِاسْتِئْجَارُ وَوَجَبَتْ النَّفَقَةُ لَا تَسْقُطُ بِمَوْتِ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهَا أُجْرَةٌ وَلَيْسَتْ بِنَفَقَةٍ اهـ. وَكَذَا ذَكَرَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ لَا تَسْقُطُ هَذِهِ الْأُجْرَةُ بِمَوْتِهِ، بَلْ تَكُونُ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ اهـ. فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ أُجْرَةٌ فَلِذَا لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَضَاءِ وَظَاهِرُ الْمُتُونِ أَنَّ الْأُمَّ لَوْ طَلَبَتْ الْأُجْرَةَ أَيْ أُجْرَةَ الْمِثْلِ، وَالْأَجْنَبِيَّةُ مُتَبَرِّعَةٌ بِالْإِرْضَاعِ فَالْأُمُّ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُمْ جَعَلُوا الْأُمَّ أَحَقَّ فِي سَائِرِ الْأَحْوَالِ إلَّا فِي حَالَةِ طَلَبِ الزِّيَادَةِ عَلَى أُجْرَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ وَالْمُصَرَّحُ بِهِ بِخِلَافِهِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْأَجْنَبِيَّةَ أَوْلَى لَكِنْ هِيَ أَوْلَى فِي الْإِرْضَاعِ أَمَّا فِي الْحَضَانَةِ فَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَغَيْرِهَا رَجُلٌ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَبَيْنَهُمَا صَبِيٌّ وَلِلصَّبِيِّ عَمَّةٌ أَرَادَتْ أَنْ تُرَبِّيَهُ وَتُمْسِكَهُ مِنْ غَيْرِ أَجْرٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَمْنَعَ الْأُمَّ عَنْهُ، وَالْأُمُّ تَأْبَى ذَلِكَ وَتُطَالِبُ الْأَبَ بِالْأَجْرِ وَنَفَقَةِ الْوَلَدِ فَالْأُمُّ أَحَقُّ بِالْوَلَدِ وَإِنَّمَا يَبْطُلُ حَقُّ الْأُمِّ إذَا   [منحة الخالق] بُطْلَانُ تَعْلِيلِ الذَّخِيرَةِ وَبِهِ انْدَفَعَ مَا تَوَهَّمَ مِنْ أَنَّ لَفْظَةَ عَدَمِ فِي كَلَامِ النَّهْرِ لَعَلَّهَا زَائِدَةٌ مِنْ النُّسَّاخِ. (قَوْلُهُ: قُلْت إنَّ الْوُجُوبَ إلَخْ) مُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ وَجَبَ عَلَيْهَا إرْضَاعُهُ بَعْدَ الْعِدَّةِ لِعَدَمِ أَخْذِهِ ثَدْيَ غَيْرِهَا أَنَّهُ لَا تَسْتَحِقُّ أُجْرَةً وَهِيَ خِلَافُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ مِنْ أَنَّهَا أَحَقُّ إلَّا فِي حَالِ طَلَبِ الزِّيَادَةِ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا أَحَقُّ فِي كُلِّ حَالَةٍ إلَّا فِي حَالِ طَلَبِ الزِّيَادَةِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا مَرَّ مِنْ غَايَةِ الْبَيَانِ مِنْ إجْبَارِ الظِّئْرِ عَلَى الْإِرْضَاعِ فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْإِجْبَارَ بِالْأُجْرَةِ وَقَدَّمْنَا التَّصْرِيحَ بِهِ عَنْ الْهِنْدِيَّةِ. (قَوْلُهُ: وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ جَازَ الِاسْتِئْجَارُ) أَيْ كَمَا إذَا كَانَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ أَوْ كَانَ فِي عِدَّةِ الْبَائِنِ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَقَوْلُهُ وَوَجَبَتْ النَّفَقَةُ الظَّاهِرُ أَنَّهُ عَطْفٌ مُرَادِفٌ وَالْمُرَادُ بِهِ نَفَقَةُ الْمُرْضِعَةِ بِالْأُجْرَةِ الَّتِي تَأْخُذُهَا بِقَرِينَةِ التَّعْلِيلِ أَيْ أَنَّ مَا تَأْخُذُهُ مِنْ وَالِدِ الرَّضِيعِ لِتُنْفِقَهُ عَلَى نَفْسِهَا بِمُقَابَلَةِ الْإِرْضَاعِ هُوَ أُجْرَةٌ لَا نَفَقَةٌ فَإِذَا مَاتَ لَا تَسْقُطُ هَذِهِ الْأُجْرَةُ بِمَوْتِهِ، وَلَوْ كَانَ نَفَقَةً لَسَقَطَ كَمَا تَسْقُطُ بِالْمَوْتِ نَفَقَةُ الزَّوْجَةِ وَالْقَرِيبِ، وَلَوْ بَعْدَ الْقَضَاءِ مَا لَمْ تَكُنْ مُسْتَدَانَةً بِأَمْرِ الْقَاضِي. (قَوْلُهُ: وَالْمُصَرَّحُ بِهِ بِخِلَافِهِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَغَيْرِهِ) أَيْ بِخِلَافِ مَا هُوَ ظَاهِرُ الْمُتُونِ قَالَ فِي التَّبْيِينِ وَإِنْ رَضِيَتْ الْأَجْنَبِيَّةُ أَنْ تُرْضِعَهُ بِغَيْرِ أَجْرٍ أَوْ بِدُونِ أَجْرِ الْمِثْلِ وَالْأُمُّ بِأَجْرِ الْمِثْلِ فَالْأَجْنَبِيَّةُ أَوْلَى. اهـ. وَقَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَأَمَّا إذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَالْتَمَسَتْ أُجْرَةَ الرَّضَاعِ، وَقَالَ الْأَبُ أَجِدُ مَنْ تُرْضِعُ مِنْ غَيْرِ أَجْرٍ أَوْ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَذَلِكَ لَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} [الطلاق: 6] ؛ وَلِأَنَّ فِي إلْزَامِ الْأَبِ مَا تَلَمَّسَهُ ضَرَرًا بِالْأَبِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ} [البقرة: 233] أَيْ لَا يُضَارُّ الْأَبُ بِإِلْزَامِ الزِّيَادَةِ عَلَى مَا تَلْتَمِسُهُ الْأَجْنَبِيَّةُ كَذَا ذُكِرَ فِي بَعْضِ التَّأْوِيلَاتِ، وَلَكِنْ تُوضَعُ عِنْدَ الْأُمِّ وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا لِمَا فِيهِ مِنْ إلْحَاقِ الضَّرَرِ بِالْأُمِّ اهـ. (قَوْلُهُ: وَتُطَالِبُ الْأَبَ بِالْأَجْرِ وَنَفَقَةِ الْوَلَدِ) أَرَادَ بِالْأَجْرِ أُجْرَةَ الرَّضَاعِ سَوَاءٌ أَرْضَعَتْهُ بِنَفْسِهَا أَوْ أَرْضَعَتْهُ غَيْرُهَا وَأَرَادَ بِالنَّفَقَةِ مَا يَكُونُ بَعْدَ الْفِطَامِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ وَضْعَ الْمَسْأَلَةِ فِي مُطَلَّقَةٍ مَضَتْ عِدَّتُهَا فَإِنَّ طَلَبَ الْأُجْرَةِ مِنْ الْأَبِ مِنْ جِهَةِ أُمِّ الصَّبِيِّ إنَّمَا هُوَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ كَمَا سَبَقَ آنِفًا وَإِنَّمَا قُلْنَا أَرَادَ بِالْأُجْرَةِ أُجْرَةَ الرَّضَاعِ إذْ لَا يَجِبُ عَلَى الْأَبِ أُجْرَةٌ عَلَى الْحَضَانَةِ زَائِدَةٌ عَلَى هَذِهِ الْأُجْرَةِ حَتَّى تُطَالِبَهُ الْمَرْأَةُ بِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى نَقْلًا عَنْ قَاضِي خَانْ وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ أُجْرَةَ الرَّضَاعِ بِمَنْزِلَةِ الرَّضَاعِ وَالرَّضَاعُ مِنْ النَّفَقَةِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَالنَّفَقَةُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 221 تَحَكَّمَتْ الْأُمُّ فِي أُجْرَةِ الْإِرْضَاعِ بِأَكْثَرَ مِنْ أُجْرَةِ مِثْلِهَا وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُقَالُ لِلْوَالِدَةِ إمَّا أَنْ تُمْسِكِي الْوَلَدَ بِغَيْرِ أَجْرٍ وَإِمَّا أَنْ تَدْفَعِيهِ إلَى الْعَمَّةِ اهـ. وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِأَنَّ الْأَجْنَبِيَّةَ كَالْعَمَّةِ فِي أَنَّ الصَّغِيرَ يُدْفَعُ إلَيْهَا إذَا كَانَتْ مُتَبَرِّعَةً وَالْأُمُّ تُرِيدُ الْأُجْرَةَ عَلَى الْحَضَانَةِ وَلَا تُقَاسُ عَلَى الْعَمَّةِ؛ لِأَنَّهَا حَاضِنَةٌ فِي الْجُمْلَةِ، وَقَدْ كَثُرَ السُّؤَالُ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي زَمَانِنَا وَهُوَ أَنَّ الْأَبَ يَأْتِي بِأَجْنَبِيَّةٍ مُتَبَرِّعَةٍ بِالْحَضَانَةِ فَهَلْ يُقَالُ لِلْأُمِّ كَمَا يُقَالُ لَوْ تَبَرَّعَتْ الْعَمَّةُ وَظَاهِرُ الْمُتُونِ أَنَّ الْأُمَّ تَأْخُذُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ وَلَا تَكُونُ الْأَجْنَبِيَّةُ أَوْلَى بِخِلَافِ الْعَمَّةِ عَلَى الصَّحِيحِ إلَّا أَنْ يُوجَدَ نَقْلٌ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْأَجْنَبِيَّةَ كَالْعَمَّةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْعَمَّةَ لَيْسَتْ قَيْدًا، بَلْ كُلُّ حَاضِنَةٍ كَذَلِكَ، بَلْ الْخَالَةُ كَذَلِكَ بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّهَا مِنْ قَرَابَةِ الْأُمِّ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ ظَاهِرَ الْوَلْوَالِجيَّةِ أَنَّ أُجْرَةَ الرَّضَاعِ غَيْرُ نَفَقَةِ الْوَلَدِ وَهُوَ لِلْمُغَايَرَةِ فَإِذَا اسْتَأْجَرَ الْأُمَّ لِلْإِرْضَاعِ لَا يَكْفِي عَنْ نَفَقَةِ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ لَا يَكْفِيهِ اللَّبَنُ، بَلْ يَحْتَاجُ مَعَهُ إلَى شَيْءٍ آخَرَ كَمَا هُوَ الْمُشَاهَدُ خُصُوصًا الْكِسْوَةُ فَيُقَرِّرُ الْقَاضِي لَهُ نَفَقَةً غَيْرَ أُجْرَةِ الْإِرْضَاعِ وَغَيْرَ أُجْرَةِ الْحَضَانَةِ فَعَلَى هَذَا تَجِبُ عَلَى الْأَبِ ثَلَاثَةٌ أُجْرَةُ الرَّضَاعِ وَأُجْرَةُ الْحَضَانَةِ وَنَفَقَةُ الْوَلَدِ أَمَّا أُجْرَةُ الرَّضَاعِ فَقَدْ صَرَّحُوا بِهَا هُنَا، وَأَمَّا أُجْرَةُ الْحَضَانَةِ فَصَرَّحَ بِهِ قَارِئُ الْهِدَايَةِ فِي فَتَاوَاهُ، وَأَمَّا نَفَقَةُ الْوَلَدِ فَقَدْ صَرَّحُوا بِهَا فِي الْإِجَارَاتِ فِي إجَارَةِ الظِّئْرِ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِيهَا وَالطَّعَامُ وَالثِّيَابُ عَلَى الْوَالِدِ وَمَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي الدُّهْنِ وَالرِّيحَانِ عَلَى الظِّئْرِ فَهُوَ عَلَى عَادَةِ أَهْلِ الْكُوفَةِ اهـ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأُمَّ لَيْسَ عَلَيْهَا إلَّا الْإِرْضَاعُ وَإِصْلَاحُ طَعَامِهِ وَغَسْلُ ثِيَابِهِ لَكِنْ فِي الْخَانِيَّةِ وَبَعْدَ الْفِطَامِ يَفْرِضُ الْقَاضِي نَفَقَةَ الصَّغِيرِ عَلَى طَاقَةِ الْأَبِ وَيَدْفَعُ إلَى الْأُمِّ حَتَّى تُنْفِقَ عَلَى الْأَوْلَادِ اهـ. إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ مُرَادَهُ النَّفَقَةُ الْكَامِلَةُ بِخِلَافِهَا فِي زَمَنِ الرَّضَاعِ فَإِنَّهَا قَلِيلَةٌ وَفِي الْمُجْتَبَى، وَإِذَا كَانَ لِلصَّبِيِّ مَالٌ فَمُؤْنَةُ الرَّضَاعِ وَنَفَقَتُهُ بَعْدَ الْفِطَامِ فِي مَالِ الصَّغِيرِ وَمُدَّةُ الرَّضَاعِ ثَلَاثَةُ أَوْقَاتٍ أَدْنَى وَهُوَ حَوْلٌ وَنِصْفٌ وَأَوْسَطُ وَهُوَ حَوْلَانِ وَنِصْفٌ حَتَّى لَوْ نَقَصَ عَنْ الْحَوْلَيْنِ لَا يَكُونُ شَطَطًا، وَلَوْ زَادَ لَا يَكُونُ تَعَدِّيًا فَلَوْ اسْتَغْنَى الْوَلَدُ دُونَ الْحَوْلَيْنِ فَفَطَمَتْهُ فِي حَوْلٍ وَنِصْفٍ بِالْإِجْمَاعِ وَلَا تَأْثَمُ، وَلَوْ لَمْ يَسْتَغْنِ بِحَوْلَيْنِ حَلَّ لَهَا أَنْ تُرْضِعَهُ بَعْدَهُمَا عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ إلَّا عِنْدَ خَلَفِ بْنِ أَيُّوبَ، وَأَمَّا الْكَلَامُ فِي اسْتِحْقَاقِ الْأُجْرَةِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ حَتَّى أَنَّ الْمُبَانَةَ تَسْتَحِقُّ إلَى الْحَوْلَيْنِ وَنِصْفٍ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا إلَى حَوْلَيْنِ فَقَطْ وَأَكْثَرُ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّ   [منحة الخالق] إنَّمَا تَجِبُ عَلَى الْأَبِ بِخِلَافِ الْحَضَانَةِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ عَلَيْهِ عَلَى مَا قَرَّرَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ كَذَا فِي حَاشِيَةِ عَزْمِيٍّ زَادَهْ عَلَى الدُّرَرِ وَالْغُرَرِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ أُجْرَةُ الْحَضَانَةِ كَمَا فَهِمَهُ الْمُؤَلِّفُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَإِمَّا أَنْ تَدْفَعِيهِ إلَى الْعَمَّةِ إذْ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ أُجْرَةَ الرَّضَاعِ لَمْ تُؤْمَرْ بِالدَّفْعِ إلَى الْعَمَّةِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا عَنْ الْبَدَائِعِ أَنَّهَا تُرْضِعُ عِنْدَ الْأُمِّ فَعُلِمَ أَنَّهُ عِنْدَ عَدَمِ اسْتِحْقَاقِهَا لِأُجْرَةِ الرَّضَاعِ لَا يُنْزَعُ الْوَلَدُ مِنْهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ لَمْ تَسْتَحِقَّ أُجْرَةَ الْحَضَانَةِ لِوُجُودِ الْمُتَبَرِّعِ فَإِنَّهُ يُنْزَعُ مِنْهَا. (قَوْلُهُ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُقَالُ لِلْأُمِّ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَيَّدَهُ فِي الْخَانِيَّةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ وَكَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ بِكَوْنِ الْأَبِ مُعْسِرًا فَظَاهِرُهُ تَخَلُّفُ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ مَعَ يَسَارِهِ فَلْيُحَرِّرْهُ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الْمَفْهُومَ فِي التَّصَانِيفِ حُجَّةٌ يُعْمَلُ بِهِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَلَا تُقَاسُ عَلَى الْعَمَّةِ إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا قَدْ يُقَالُ إنَّهَا مِثْلُ الْعَمَّةِ بِجَامِعِ التَّبَرُّعِ مِنْ كُلٍّ فَتُلْحَقُ بِهَا فَأَجَابَ بِالْفَرْقِ وَهُوَ أَنَّ الْعَمَّةَ حَاضِنَةٌ فِي الْجُمْلَةِ فَلَهَا اسْتِحْقَاقٌ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيَّةِ وَأَيْضًا فَإِنَّ الْعَمَّةَ أَشْفَقُ عَلَيْهِ مِنْ الْأَجْنَبِيَّةِ فَلَا تُقَاسُ عَلَيْهَا. (قَوْلُهُ: وَقَدْ كَثُرَ السُّؤَالُ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَقَدْ سُئِلْت عَنْ صَغِيرَةٍ لَهَا أُمٌّ وَبِنْتُ ابْنِ عَمٍّ تَطْلُبُ الْأُمُّ زِيَادَةً عَنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ وَبِنْتُ ابْنِ الْعَمِّ تُرِيدُ حَضَانَتَهَا مَجَّانًا فَأَجَبْت بِأَنَّهَا تُدْفَعُ إلَى الْأُمِّ لَكِنْ بِأَجْرِ الْمِثْلِ لَا بِالزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّ بِنْتَ ابْنِ الْعَمِّ كَالْأَجْنَبِيَّةِ لَا حَقَّ لَهَا فِي الْحَضَانَةِ أَصْلًا فَلَا يُعْتَبَرُ تَبَرُّعُهَا عَلَى مَا ظَهَرَ لِهَذَا الشَّارِحِ وَهُوَ تَفَقُّهٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ فِي دَفْعِ الصَّغِيرِ لِلْمُتَبَرِّعَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ ضَرَرًا بِهِ لِقُصُورِ شَفَقَتِهَا عَلَيْهِ فَلَا يُعْتَبَرُ مَعَهُ الضَّرَرُ فِي الْمَالِ؛ لِأَنَّ حُرْمَتَهُ دُونَ حُرْمَتِهِ وَلِذَلِكَ اخْتَلَفَ الْحُكْمُ فِي نَحْوِ الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ مَعَ الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ، فَإِذَا كَانَ مُوسِرًا لَا يَدْفَعُ إلَيْهَا كَمَا يُفِيدُهُ تَقْيِيدُ أَكْثَرِ الْكُتُبِ إذْ لَا ضَرَرَ عَلَى الْمُوسِرِ فِي دَفْعِ الْأُجْرَةِ وَبِهِ تَتَحَرَّرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فَافْهَمْ هَذَا التَّحْرِيرَ وَاغْتَنِمْهُ فَقَدْ قَلَّ مَنْ تَفَطَّنَ لَهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ، هَذَا وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْحَضَانَةِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ، ثُمَّ الْعَمَّاتُ أَنَّهُ لَا حَقَّ لِبَنَاتِ الْأَعْمَامِ وَالْأَخْوَالِ؛ لِأَنَّهُنَّ غَيْرُ مَحْرَمٍ. (قَوْلُهُ: فَصَرَّحَ بِهِ قَارِئُ الْهِدَايَةِ فِي فَتَاوَاهُ) حَيْثُ قَالَ سُئِلَ هَلْ تَسْتَحِقُّ الْمُطَلَّقَةُ أُجْرَةً بِسَبَبِ حَضَانَةِ وَلَدِهَا خَاصَّةً مِنْ غَيْرِ إرْضَاعٍ لَهُ أَمْ لَا أَجَابَ نَعَمْ تَسْتَحِقُّ أُجْرَةً عَلَى الْحَضَانَةِ، وَكَذَا إنْ احْتَاجَ الصَّغِيرُ إلَى خَادِمٍ يُلْزَمُ الْأَبُ بِهِ. اهـ. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِإِعْسَارِ الْأَبِ يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُوسِرًا لَا يُدْفَعُ إلَى الْعَمَّةِ أَيْ بَلْ يُؤْمَرُ الْأَبُ بِدَفْعِ الْأُجْرَةِ لِلْأُمِّ. (قَوْلُهُ: وَأَوْسَطَ وَهُوَ حَوْلَانِ وَنِصْفٌ) كَذَا فِي عَامَّةِ النُّسَخِ وَفِيهِ سَقْطٌ وَعِبَارَةُ الْمُجْتَبَى وَأَوْسَطُ وَهُوَ حَوْلَانِ وَأَقْصَى وَهُوَ حَوْلَانِ وَنِصْفٌ، وَقَدْ وُجِدَ كَذَلِكَ فِي نُسْخَةٍ مُصَلَّحًا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 222 مُدَّةَ الرَّضَاعِ فِي حَقِّ الْأُجْرَةِ حَوْلَانِ عِنْدَ الْكُلِّ حَتَّى لَا تَسْتَحِقَّ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ إجْمَاعًا وَتَسْتَحِقُّ فِي الْحَوْلَيْنِ إجْمَاعًا، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ وُجُوبَ أُجْرَةِ الرَّضَاعِ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى عَقْدِ إجَارَةٍ مَعَ الْأُمِّ، بَلْ تَسْتَحِقُّهُ بِالْإِرْضَاعِ مُطْلَقًا فِي الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَيْسَ بِفِقْهٍ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَإِذَا أَقَرَّتْ الْمُعْتَدَّةُ أَنَّهَا قَبَضَتْ نَفَقَةَ أَوْلَادِهَا الصِّغَارِ لِخَمْسَةِ أَشْهُرٍ، ثُمَّ قَالَتْ إنَّهَا قَبَضَتْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا، وَنَفَقَةُ خَمْسَةِ أَشْهُرٍ مِائَةُ دِرْهَمٍ لَمْ تُصَدَّقْ عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ قَالَتْ ضَاعَتْ النَّفَقَةُ فَإِنَّهَا تَرْجِعُ عَلَى أَبِيهِمْ بِنَفَقَتِهِمْ دُونَ حِصَّتِهَا اهـ. (قَوْلُهُ وَلِأَبَوَيْهِ وَأَجْدَادِهِ وَجَدَّاتِهِ لَوْ فُقَرَاءَ) أَيْ تَجِبُ النَّفَقَةُ لِهَؤُلَاءِ أَمَّا الْأَبَوَانِ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15] ، أُنْزِلَتْ فِي الْأَبَوَيْنِ الْكَافِرَيْنِ وَلَيْسَ مِنْ الْمَعْرُوفِ أَنَّ الِابْنَ يَعِيشُ فِي نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى وَيَتْرُكُهُمَا يَمُوتَانِ جُوعًا، وَأَمَّا الْأَجْدَادُ وَالْجَدَّاتُ فَلِأَنَّهُمَا مِنْ الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ وَلِهَذَا يَقُومُ الْجَدُّ مَقَامَ الْأَبِ عِنْدَ عَدَمِهِ؛ وَلِأَنَّهُمْ تَسَبَّبُوا لِإِحْيَائِهِ فَاسْتَوْجَبُوا عَلَيْهِ الْإِحْيَاءَ بِمَنْزِلَةِ الْأَبَوَيْنِ وَشَرَطَ الْفَقْرَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ ذَا مَالٍ فَإِيجَابُ النَّفَقَةِ فِي مَالِهِ أَوْلَى مِنْ إيجَابِهَا فِي مَالِ غَيْرِهِ بِخِلَافِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ حَيْثُ تَجِبُ مَعَ الْغِنَى؛ لِأَنَّهَا تَجِبُ لِأَجْلِ الْحَبْسِ الدَّائِمِ كَرِزْقِ الْقَاضِي، وَلَوْ ادَّعَى الْوَلَدُ غِنَى الْأَبِ وَأَنْكَرَ الْأَبُ فَالْقَوْلُ لِلْأَبِ وَالْبَيِّنَةُ لِلِابْنِ وَفِي الْمُبْتَغَى بِالْمُعْجَمَةِ إذَا كَانَ الْأَبُ مُحْتَاجًا وَأَبَى الِابْنُ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ وَلَيْسَ ثَمَّةَ قَاضٍ يُرْفَعُ الْأَمْرُ إلَيْهِ لَهُ أَنْ يَسْرِقَ مِنْ مَالِ ابْنِهِ وَبِوُجُودِ قَاضٍ ثَمَّةَ يَأْثَمُ بِسَرِقَةِ مَالِهِ وَبِإِعْطَاءِ الِابْنِ مَا لَا يَكْفِيهِ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ إلَى أَنْ تَقَعَ الْكِفَايَةُ وَبِسَرِقَتِهِ مَا فَوْقَ الْكِفَايَةِ يَأْثَمُ، وَكَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُحْتَاجًا وَلَمْ تَكُنْ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْرِقَ مَالَ ابْنِهِ اهـ. وَأَطْلَقَ فِي الِابْنِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْغِنَى مَعَ أَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِهِ لِمَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَا يُجْبَرُ الِابْنُ عَلَى نَفَقَةِ أَبَوَيْهِ الْمُعْسِرَيْنِ إذَا كَانَ مُعْسِرًا إلَّا إذَا كَانَ بِهِمَا زَمَانَةٌ أَوْ بِهِمَا فَقْرٌ فَقَطْ فَإِنَّهُمَا يَدْخُلَانِ مَعَ الِابْنِ وَيَأْكُلَانِ مَعَهُ وَلَا يَفْرِضُ لَهُمَا نَفَقَةً عَلَى حِدَةٍ اهـ. وَفِي الْخَانِيَّةِ وَلَا يَجِبُ عَلَى الِابْنِ الْفَقِيرِ نَفَقَةُ وَالِدِهِ الْفَقِيرِ حُكْمًا إذَا كَانَ الْوَالِدُ يَقْدِرُ عَلَى الْعَمَلِ وَإِنْ كَانَ الْوَالِدُ لَا يَقْدِرُ عَلَى عَمَلٍ أَوْ كَانَ زَمَنًا وَلِلِابْنِ عِيَالٌ كَانَ عَلَى الِابْنِ أَنْ يَضُمَّ الْأَبَ إلَى عِيَالِهِ وَيُنْفِقَ عَلَى الْكُلِّ وَالْمُوسِرُ فِي هَذَا الْبَابِ مَنْ يَمْلِكُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَيْسَ بِنَفَقَةٍ) الظَّاهِرُ أَنَّ النُّسْخَةَ لَيْسَ بِنَفَقَةٍ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي قَدَّمَهُ عَنْ الذَّخِيرَةِ فِي هَذِهِ الْقَوْلَةِ حَيْثُ قَالَ لَا تَسْقُطُ بِمَوْتِ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهَا أُجْرَةٌ وَلَيْسَتْ بِنَفَقَةٍ. [نَفَقَةُ الْأَبَوَيْنِ وَالْأَجْدَادِ وَالْجَدَّاتِ] (قَوْلُهُ: أَوْ بِهِمَا فَقْرٌ فَقَطْ) أَيْ بِدُونِ زَمَانَةٍ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ أَنْ لَا يَقْدِرَا عَلَى الْعَمَلِ كَمَا يَأْتِي فِي عِبَارَةِ الْخَانِيَّةِ وَإِلَّا فَالْكَلَامُ فِي الْمُعْسِرَيْنِ فَمَا مَعْنَى اسْتِثْنَاءِ مَا إذَا كَانَ بِهِمَا فَقْرٌ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَجِبُ عَلَى الِابْنِ الْفَقِيرِ نَفَقَةُ وَالِدِهِ الْفَقِيرِ إلَخْ) يُوَافِقُ هَذَا قَوْلَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَعَلَى الرَّجُلِ أَيْ الْمُوسِرِ حَيْثُ فَسَّرَهُ بِالْمُوسِرِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْفَقِيرِ، وَكَذَا قَالَ فِي مَتْنِ الدُّرَرِ وَعَلَى الْمُوسِرِ يَسَارَ الْفِطْرَةِ لِأُصُولِهِ الْفُقَرَاءِ إلَخْ وَمِثْلُهُ فِي مَتْنِ الْمُلْتَقَى وَالنُّقَايَةِ وَالْمَوَاهِبِ وَغَيْرِهَا فَكُلُّهُمْ قَيَّدُوا بِالْيَسَارِ وَفِي الِاخْتِيَارِ وَكَافِي الْحَاكِمِ وَلَا تَجِبُ النَّفَقَةُ عَلَى فَقِيرٍ إلَّا لِلزَّوْجَةِ وَلِلْوَلَدِ الصَّغِيرِ. اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الْهِدَايَةِ وَمُقْتَضَاهُ عَدَمُ وُجُوبِهَا عَلَى الِابْنِ الْفَقِيرِ لِأَبِيهِ وَفِي الْجَوَاهِرِ وَإِنْ كَانَ الِابْنُ فَقِيرًا وَالْأَبُ فَقِيرًا صَحِيحَ الْبَدَنِ لَمْ يُجْبَرْ الِابْنُ عَلَى نَفَقَتِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْأَبُ زَمِنًا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْكَسْبِ فَيُشَارِكُ الِابْنَ فِي نَفَقَتِهِ وَالْأُمُّ الْفَقِيرَةُ كَالْأَبِ الزَّمِنِ وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ وَيُجْبَرُ الرَّجُلُ الْمُوسِرُ عَلَى نَفَقَةِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ إذَا كَانَا مُحْتَاجَيْنِ قُلْت لَكِنْ يُخَالِفُ هَذَا مَا سَيَأْتِي قَرِيبًا عَنْ الْفَتْحِ لَوْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا أَيْ الْأَبُ وَالِابْنُ كَسُوبًا يَجِبُ أَنْ يَكْتَسِبَ الِابْنُ وَيُنْفِقَ عَلَى الْأَبِ. اهـ. وَفِي الْمُجْتَبَى شَرَطَا فِي الْكِتَابِ لِنَفَقَةِ الْوَالِدَيْنِ كَوْنَ الِابْنِ مُوسِرًا وَيَمْلِكُ نِصَابَ الزَّكَاةِ وَاعْتَبَرَ الْخَصَّافُ الْقُدْرَةَ عَلَى الْإِنْفَاقِ وَلَمْ يَعْتَبِرْ الْيَسَارَ، ثُمَّ حَكَى فِي مَسْأَلَةِ الْفَتْحِ قَوْلَيْنِ فَعُلِمَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ لِمُوَافَقَتِهِ لِمَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ وَالْمُتُونِ، وَأَمَّا اعْتِبَارُ الْقُدْرَةِ عَلَى الْكَسْبِ فَهُوَ رِوَايَةُ الْخَصَّافِ وَعَلَيْهَا مَشَى فِي الْبَدَائِعِ. (قَوْلُهُ: وَلِلِابْنِ عِيَالٌ) قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عِيَالٌ لَا يَضُمُّ الْأَبَ إلَى نَفْسِهِ إذَا لَمْ يَكْفِهِمَا كَسْبُهُ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ، وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ يُجْبَرُ الِابْنُ عَلَى أَنْ يُدْخِلَ الْأَبَ فِي قُوتِهِ إذَا كَانَ مَا يُصِيبُ الِابْنُ مِنْ ذَلِكَ الْقُوتِ يُقِيمُ بَدَنَهُ وَلَا يَضُرُّهُ إضْرَارًا يَمْنَعُهُ مِنْ الْكَسْبِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَفْعَلْ ضَاعَ الْأَبُ إلَّا أَنَّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْ أَصْحَابِنَا لَا يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ابْدَأْ بِنَفْسِكَ، ثُمَّ بِمَنْ تَعُولُ» هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا إذَا كَانَ الِابْنُ وَحْدَهُ فَلَوْ لَهُ زَوْجَةٌ وَأَوْلَادٌ صِغَارٌ وَبَاقِي الْمَسْأَلَةِ بِحَالِهَا فَالْقَاضِي يُجْبِرُهُ عَلَى أَنْ يُدْخِلَ الْأَبَ فِي كَسْبِهِ وَيَجْعَلَهُ كَأَحَدِ عِيَالِهِ وَلَا يُجْبِرَهُ أَنْ يُعْطِيَ لَهُ شَيْئًا عَلَى حِدَةٍ وَالْفَرْقُ أَنَّهُ إذَا أَدْخَلَهُ فِي طَعَامِ عِيَالِهِ يَقِلُّ الضَّرَرُ؛ لِأَنَّ طَعَامَ الْأَرْبَعَةِ إذَا فُرِّقَ عَلَى الْخَمْسَةِ لَا يَتَضَرَّرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ضَرَرًا فَاحِشًا أَمَّا إذَا أُدْخِلَ الْوَاحِدُ فِي طَعَامِ الْوَاحِدِ يَتَفَاحَشُ الضَّرَرُ، ثُمَّ قَالَ هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْأَبُ عَاجِزًا عَنْ الْكَسْبِ. (قَوْلُهُ: كَانَ عَلَى الِابْنِ أَنْ يَضُمَّ الْأَبَ إلَى عِيَالِهِ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُطْعِمُهُ مَعَ عِيَالِهِ وَكَثِيرًا مَا يُسْأَلُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 223 مَالًا فَاضِلًا عَنْ نَفَقَةِ عِيَالِهِ وَيَبْلُغُ الْفَاضِلُ مِقْدَارًا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ اهـ. وَفِي الْخُلَاصَةِ الْمُخْتَارُ فِي الْفَقِيرِ الْكَسُوبِ أَنْ يُدْخِلَ الْأَبَوَيْنِ فِي النَّفَقَةِ وَقَيَّدَ بِفَقْرِهِمْ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فَقِيرًا وَلَهُ قُدْرَةٌ عَلَى الْكَسْبِ فَإِنَّ الِابْنَ يُجْبَرُ عَلَى نَفَقَتِهِ وَهُوَ قَوْلُ السَّرَخْسِيِّ، وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ لَا يُجْبَرُ إذَا كَانَ الْأَبُ كَسُوبًا؛ لِأَنَّهُ غَنِيٌّ بِاعْتِبَارِ الْكَسْبِ فَلَا ضَرُورَةَ فِي إيجَابِ النَّفَقَةِ عَلَى الْغَيْرِ، وَإِذَا كَانَ الِابْنُ قَادِرًا عَلَى الْكَسْبِ لَا تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَى الْأَبِ فَلَوْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا كَسُوبًا يَجِبُ أَنْ يَكْتَسِبَ الِابْنُ وَيُنْفِقَ عَلَى الْأَبِ فَالْمُعْتَبَرُ فِي إيجَابِ نَفَقَةِ الْوَالِدَيْنِ مُجَرَّدُ الْفَقْرِ قِيلَ هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْأَذَى فِي إيكَالِهِ إلَى الْكَدِّ وَالتَّعَبِ أَكْثَرُ مِنْهُ فِي التَّأْفِيفِ الْمُحَرَّمِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا} [الإسراء: 23] ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْقَائِلُ بِأَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ وَلِأَبَوَيْهِ يَعُودُ إلَى الْإِنْسَانِ الْمَفْهُومِ فَأَفَادَ بِإِطْلَاقِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَفِي الْهِدَايَةِ وَهِيَ عَلَى الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ بِالسَّوِيَّةِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى يَشْمَلُهُمَا اهـ. وَفِي الْخُلَاصَةِ وَبِهِ يُفْتَى وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهُوَ الْحَقُّ لِتَعَلُّقِ الْوُجُوبِ بِالْوِلَادِ وَهُوَ يَشْمَلُهُمَا بِالسَّوِيَّةِ بِخِلَافِ غَيْرِ الْوِلَادِ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ عُلِّقَ فِيهِ بِالْإِرْثِ اهـ. وَفِي الْخَانِيَّةِ فَإِنْ كَانَ لِلْفَقِيرِ ابْنَانِ أَحَدُهُمَا فَائِقٌ فِي الْغِنَى وَالْآخَرُ يَمْلِكُ نِصَابًا كَانَتْ النَّفَقَةُ عَلَيْهِمَا عَلَى السَّوَاءِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُسْلِمًا وَالْآخَرُ ذِمِّيًّا فَهِيَ عَلَيْهِمَا عَلَى السَّوَاءِ اهـ. وَذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ فِيهِ اخْتِلَافًا وَعَزَا مَا فِي الْخَانِيَّةِ إلَى مَبْسُوطِ مُحَمَّدٍ وَنُقِلَ عَنْ الْحَلْوَانِيِّ أَنَّهُ قَالَ قَالَ مَشَايِخُنَا هَذَا إذَا تَفَاوَتَا فِي الْيَسَارِ تَفَاوُتًا يَسِيرًا أَمَّا إذَا تَفَاوَتَا فِيهِ تَفَاوُتًا فَاحِشًا يَجِبُ أَنْ يَتَفَاوَتَا فِي قَدْرِ النَّفَقَةِ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ وَلِأَبَوَيْهِ إلَى أَنَّ جَمِيعَ مَا وَجَبَ لِلْمَرْأَةِ يَجِبُ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ عَلَى الْوَلَدِ مِنْ طَعَامٍ وَشَرَابٍ وَكِسْوَةٍ وَسُكْنَى حَتَّى الْخَادِمِ قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ وَكَمَا يَجِبُ عَلَى الِابْنِ الْمُوسِرِ نَفَقَةُ وَالِدِهِ الْفَقِيرِ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ خَادِمِ الْأَبِ امْرَأَةً كَانَتْ الْخَادِمُ أَوْ جَارِيَةً إذَا كَانَ الْأَبُ مُحْتَاجًا إلَى مَنْ يَخْدُمُهُ اهـ. وَفِي الْخُلَاصَةِ يُجْبَرُ الِابْنُ عَلَى نَفَقَةِ زَوْجَةِ أَبِيهِ وَلَا يُجْبَرُ الْأَبُ عَلَى نَفَقَةِ زَوْجَةِ ابْنِهِ وَفِي نَفَقَاتِ الْحَلْوَانِيِّ قَالَ فِيهِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ كَمَا قُلْنَاهُ، وَفِي رِوَايَةٍ إنَّمَا تَجِبُ نَفَقَةُ زَوْجَةِ الْأَبِ إذَا كَانَ الْأَبُ مَرِيضًا أَوْ بِهِ زَمَانَةٌ يَحْتَاجُ إلَى الْخِدْمَةِ أَمَّا إذَا كَانَ صَحِيحًا فَلَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ فَعَلَى هَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَبِ وَالِابْنِ فَإِنَّ الِابْنَ إذَا كَانَ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ يُجْبَرُ الْأَبُ عَلَى نَفَقَةِ خَادِمِهِ اهـ. وَظَاهِرُ مَا فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّ الْمَذْهَبَ عَدَمُ وُجُوبِ نَفَقَةِ امْرَأَةِ الْأَبِ أَوْ جَارِيَتِهِ أَوْ أُمِّ وَلَدِهِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ بِالْأَبِ عِلَّةٌ وَأَنَّ الْقَوْلَ بِالْوُجُوبِ مُطْلَقًا إنَّمَا هُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَفِي الذَّخِيرَةِ أَيْضًا، ثُمَّ إذَا قَضَى الْقَاضِي بِالنَّفَقَةِ عَلَى الْوَلَدَيْنِ لِلْأَبِ فَأَبَى أَحَدُهُمَا أَنْ يُعْطِيَ لِلْأَبِ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ فَالْقَاضِي يَأْمُرُ الْآخَرَ بِأَنْ يُعْطِيَ كُلَّ النَّفَقَةِ، ثُمَّ يَرْجِعَ عَلَى الْأَخِ بِحِصَّتِهِ اهـ. وَمُرَادُ الْمُصَنِّفِ مِنْ إيجَابِ نَفَقَةِ الْأُمِّ عَلَى الْوَلَدِ إذْ لَمْ تَكُنْ مُتَزَوِّجَةً؛ لِأَنَّهَا عَلَى الزَّوْجِ كَبِنْتِهِ الْمُرَاهِقَةِ إذَا زَوَّجَهَا صَارَتْ نَفَقَتُهَا عَلَى زَوْجِهَا وَقَدَّمْنَا أَنَّ الزَّوْجَ لَوْ كَانَ مُعْسِرًا فَإِنَّ الِابْنَ يُؤْمَرُ بِأَنْ يُقْرِضَهَا، ثُمَّ يَرْجِعَ عَلَيْهِ إذَا أَيْسَرَ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي الذَّخِيرَةِ   [منحة الخالق] عَنْهُ وَهُوَ أَنَّ الْأُمَّ تُرِيدُ أَنْ تَأْخُذَ مِنْ ابْنِهَا النَّفَقَةَ وَتُنْفِقَ هِيَ عَلَى نَفْسِهَا؛ لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ فِي بَيْتِهِ تُؤْذِيهَا زَوْجَتُهُ وَتَشْتُمُهَا فَهَلْ تُجَابُ إلَى ذَلِكَ ظَاهِرُهُ لَا لَكِنْ هَذَا إذَا كَانَ الِابْنُ فَقِيرًا أَمَّا الْمُوسِرُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الدَّفْعُ إلَى أَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حَقَّهُمَا فَلَهُمَا قَبْضُهُ مِنْهُ وَسَيَذْكُرُ الْمُؤَلِّفُ مَا يُؤَيِّدُهُ قُبَيْلَ قَوْلِهِ وَصَحَّ بَيْعُ عَرْضِ ابْنِهِ. (قَوْلُهُ: وَقَيَّدَ بِفَقْرِهِمْ فَقَطْ) أَيْ وَلَمْ يُقَيِّدْ بِكَوْنِهِمْ عَاجِزَيْنِ عَنْ الْكَسْبِ. (قَوْلُهُ: قِيلَ هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ) أَيَّدَهُ فِي الْفَتْحِ فِي مَحَلٍّ آخَرَ بِمَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ وَلَا يُجْبَرُ الْمُوسِرُ عَلَى نَفَقَةِ أَحَدٍ مِنْ قَرَابَتِهِ إذَا كَانَ رَجُلًا صَحِيحًا وَإِنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْكَسْبِ إلَّا فِي الْوَلَدِ خَاصَّةً، وَفِي الْجَدِّ أَبِ الْأَبِ إذَا مَاتَ الْوَلَدُ فَإِنِّي أُجْبِرُ الْوَلَدَ عَلَى نَفَقَتِهِ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا اهـ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَهَذَا جَوَابُ الرِّوَايَةِ وَهُوَ يُشَيِّدُ قَوْلَ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ بِخِلَافِ الْحَلْوَانِيِّ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ اهـ. (قَوْلُهُ: يُجْبَرُ الِابْنُ عَلَى نَفَقَةِ أَبِيهِ إلَخْ) أَيْ الَّتِي لَيْسَتْ أُمَّ الِابْنِ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ قَالَ الرَّمْلِيُّ: الَّذِي تَحَرَّرَ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَبِ وَالِابْنِ فِي نَفَقَةِ الْخَادِمِ وَأَنَّ الْأَبَ أَوْ الِابْنَ إذَا احْتَاجَ إلَى خَادِمٍ وَجَبَتْ نَفَقَتُهُ كَمَا وَجَبَتْ نَفَقَةُ الْمَخْدُومِ لِاحْتِيَاجِهِ إلَيْهِ فَكَانَ مِنْ جُمْلَةِ نَفَقَتِهِ، وَإِذَا لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِ فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ فَاعْلَمْ ذَلِكَ وَاغْتَنِمْهُ فَإِنَّهُ كَثِيرُ الْوُقُوعِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ: يُجْبَرُ الْأَبُ عَلَى نَفَقَةِ خَادِمِهِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ امْرَأَةً كَانَتْ الْخَادِمُ أَوْ جَارِيَةً كَمَا قَدَّمَهُ. (قَوْلُهُ: وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي الذَّخِيرَةِ هُنَا أَيْضًا إلَخْ) أَقُولُ: قَدَّمْنَا عِنْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ وَلَا يُفَرَّقُ بِعَجْزِهِ أَنَّ قَوْلَ الذَّخِيرَةِ هُنَا فَرَضَ لَهَا عَلَيْهِ النَّفَقَةَ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ هُنَاكَ عَنْ شَرْحِ الْمُخْتَارِ مِنْ أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا وَيَرْجِعُ عَلَى الزَّوْجِ إذَا أَيْسَرَ، ثُمَّ رَاجَعْت الذَّخِيرَةَ فَرَأَيْته ذَكَرَ تَأْوِيلَ مَا هُنَا، فَقَالَ قَالُوا وَالْمُرَادُ مِنْ الْفَرْضِ الْمَذْكُورِ فِي هَذَا هُوَ الْإِجْبَارُ عَلَى الْإِقْرَاضِ لَا الْفَرْضِ بِطَرِيقِ الْإِيجَابِ. اهـ. وَبِهِ انْدَفَعَتْ الْمُخَالَفَةُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 224 هُنَا أَيْضًا قَالَ فَإِنْ أَبَى الِابْنُ أَنْ يُقْرِضَهَا النَّفَقَةَ فُرِضَ لَهَا عَلَيْهِ النَّفَقَةُ وَتُؤْخَذُ مِنْهُ وَتُدْفَعُ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ الْمُعْسِرَ بِمَنْزِلَةِ الْمَيِّتِ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَلِأَبَوَيْهِ إلَى أَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي وُجُوبِ نَفَقَةِ الْوَالِدَيْنِ وَالْمُوَلَّدِينَ إنَّمَا هُوَ الْقُرْبُ وَالْجُزْئِيَّةُ وَلَا يُعْتَبَرُ الْمِيرَاثُ، قَالُوا وَإِذَا اسْتَوَيَا فِي الْقُرْبِ تَجِبُ عَلَى مَنْ لَهُ نَوْعُ رُجْحَانٍ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا رُجْحَانٌ فَحِينَئِذٍ تَجِبُ النَّفَقَةُ بِقَدْرِ الْمِيرَاثِ فَإِنْ كَانَ لِلْفَقِيرِ وَلَدٌ وَابْنُ ابْنٍ مُوسِرَيْنِ فَالنَّفَقَةُ عَلَى الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ. وَإِذَا كَانَتْ لَهُ بِنْتٌ وَابْنُ ابْنٍ فَالنَّفَقَةُ عَلَى الْبِنْتِ خَاصَّةً وَإِنْ كَانَ الْمِيرَاثُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْبِنْتَ أَقْرَبُ، وَإِذَا كَانَتْ لَهُ بِنْتٌ أَوْ ابْنُ بِنْتٍ وَأَخٌ لِأَبٍ وَأُمٍّ فَالنَّفَقَةُ عَلَى وَلَدِ الْبِنْتِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى وَإِنْ كَانَ الْمِيرَاثُ لِلْأَخِ لَا لِوَلَدِ الْبِنْتِ، وَلَوْ كَانَ لَهُ وَالِدٌ وَوَلَدٌ مُوسِرَانِ فَالنَّفَقَةُ عَلَى وَلَدِهِ وَإِنْ اسْتَوَيَا فِي الْقُرْبِ لَتَرَجَّحَ الْوَلَدُ بِتَأْوِيلِ «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ» ، وَلَوْ كَانَ لَهُ جَدٌّ وَابْنُ ابْنٍ فَالنَّفَقَةُ عَلَيْهِمَا عَلَى قَدْرِ مِيرَاثِهِمَا عَلَى الْجَدِّ السُّدُسُ وَالْبَاقِي عَلَى ابْنِ الِابْنِ وَالدَّلِيلُ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِ الْمِيرَاثِ فِي هَذِهِ النَّفَقَةِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا ذِمِّيًّا فَالنَّفَقَةُ عَلَيْهِمَا وَإِنْ كَانَ الْمِيرَاثُ لِلْمُسْلِمِ مِنْهُمَا، وَلَوْ كَانَ لِلْمُسْلِمِ الْفَقِيرِ ابْنٌ نَصْرَانِيٌّ وَأَخٌ مُسْلِمٌ فَالنَّفَقَةُ - عَلَى الِابْنِ وَالْمِيرَاثُ لِلْأَخِ، وَلَوْ كَانَ لِلْفَقِيرِ بِنْتٌ وَمَوْلَى عَتَاقَةٍ مُوسِرَانِ فَالنَّفَقَةُ عَلَى الْبِنْتِ وَإِنْ اسْتَوَيَا فِي الْمِيرَاثِ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي الْجَدِّ فَشَمِلَ أَبَ الْأَبِ وَأَبَ الْأُمِّ جَزَمَ بِهِ فِي الذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهَا، نَقَلَ الِاخْتِلَافَ فِي أَبِ الْأُمِّ وَأَطْلَقَ فِي الْجَدَّةِ فَشَمِلَ الْجَدَّةَ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ وَالْجَدَّةَ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ الْأَبُ إذَا أَخَذَ النَّفَقَةَ وَالْكِسْوَةَ الْمَفْرُوضَتَيْنِ مُعَجَّلَةً فَضَاعَ ذَلِكَ يُفْرَضُ لَهُ أُخْرَى فَلَوْ مَضَتْ الْمُدَّةُ وَهِيَ بَاقِيَةٌ لَا يُفْرَضُ لَهُ أُخْرَى بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ فِيهِمَا، وَقَدْ ذَكَرْنَا الْفَرْقَ فِيهَا فِي أَوَّلِ بَابِ النَّفَقَاتِ. (قَوْلُهُ وَلَا تَجِبُ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ إلَّا بِالزَّوْجِيَّةِ وَالْوِلَادِ) أَمَّا الزَّوْجِيَّةُ فَلِمَا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: إنَّمَا هُوَ الْقُرْبُ وَالْجُزْئِيَّةُ) وَعَلَيْهِ فَلَوْ كَانَ لَهُ ابْنُ بِنْتٍ أَوْ بِنْتُ بِنْتٍ وَابْنُ ابْنِ ابْنٍ فَالنَّفَقَةُ عَلَى وَلَدِ الْبِنْتِ وَإِنْ كَانَ الْمِيرَاثُ لِلِابْنِ الثَّانِي وَبِهِ صَرَّحَ، وَقَوْلُهُ تَجِبُ عَلَى مَنْ لَهُ نَوْعُ رُجْحَانٍ أَيْ كَابْنِ ابْنٍ وَبِنْتِ بِنْتٍ فَهِيَ عَلَى ابْنِ الِابْنِ لِرُجْحَانِهِ رَمْلِيٌّ أَيْ لِرُجْحَانِهِ بِكَوْنِهِ هُوَ الْوَارِثُ لَكِنَّ هَذَا الْفَرْعَ يَحْتَاجُ إلَى نَصٍّ عَلَيْهِ مِنْ كَلَامِهِمْ وَإِلَّا فَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا يَأْتِي قَرِيبًا مِنْ الْفُرُوعِ الدَّالَّةِ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِ الْإِرْثِ أَصْلًا فِي نَفَقَةِ الْأُصُولِ عَلَى الْفُرُوعِ، قَالَ فِي أَحْكَامِ الصِّغَارِ إذَا كَانَ لَهُ بِنْتُ بِنْتٍ وَابْنُ بِنْتٍ مُوسِرَانِ وَأَخٌ مُوسِرٌ فَالنَّفَقَةُ عَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ؛ لِأَنَّ فِي بَابِ النَّفَقَةِ يُعْتَبَرُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ وَلَا يُعْتَبَرُ الْإِرْثُ فِي الْأَوْلَادِ. اهـ. وَقَالَ بَعْدَهُ أَيْضًا نَفَقَتُهُ عَلَى أَوْلَادِ الْبَنَاتِ يَسْتَوِي فِيهَا الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى وَلَا عِبْرَةَ لِلْإِرْثِ فِي الْأَوْلَادِ وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ الْقُرْبُ حَتَّى لَوْ كَانَ لَهُ بِنْتٌ وَابْنُ ابْنٍ فَالنَّفَقَةُ عَلَى الْبِنْتِ اهـ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَلَا يُعْتَبَرُ الْمِيرَاثُ) يُخَالِفُهُ مَا سَيَأْتِي قُبَيْلَ قَوْلِهِ وَصَحَّ بَيْعُ عَرْضِ ابْنِهِ لَهُ أُمٌّ وَعَمٌّ مُوسِرَانِ النَّفَقَةُ عَلَيْهِمَا أَثْلَاثًا لَهُ أُمٌّ وَأَبَوَانِ فَكَذَلِكَ مَعَ أَنَّ الْأُمَّ أَقْرَبُ مِنْ الْجَدِّ، وَكَذَا يُخَالِفُهُ قَوْلُهُ الْآتِي قَرِيبًا، وَلَوْ كَانَ لَهُ جَدٌّ وَابْنُ ابْنٍ فَالنَّفَقَةُ عَلَيْهِمَا عَلَى قَدْرِ مِيرَاثِهِمَا، وَكَذَا مَا نَذْكُرُهُ قَرِيبًا. (قَوْلُهُ: بِقَدْرِ الْمِيرَاثِ) يَرِدُ عَلَيْهِ الِابْنُ وَالْبِنْتُ فَإِنَّهُ لَا رُجْحَانَ فِيهِمَا مَعَ أَنَّ النَّفَقَةَ عَلَيْهِمَا سَوِيَّةٌ (قَوْلُهُ فَالنَّفَقَةُ عَلَى وَلَدِ الْبِنْتِ إلَخْ) أَيْ لِكَوْنِهِ جُزْءًا وَإِنْ اسْتَوَيَا فِي الْقُرْبِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ، وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ الرُّجْحَانَ فِي قَوْلِهِ وَإِنْ اسْتَوَيَا فِي الْقُرْبِ يَشْمَلُ الْجُزْئِيَّةَ. (قَوْلُهُ: فَالنَّفَقَةُ عَلَيْهِمَا إلَخْ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ؛ لِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي الْقَرَابَةِ وَالْوِرَاثَةِ وَلَا تَرْجِيحَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فَكَانَتْ عَلَيْهِمَا عَلَى قَدْرِ الْمِيرَاثِ. اهـ. ثُمَّ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ أَيْضًا، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ لَهُ أُمٌّ وَأَخٌ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ أَوْ ابْنُ أَخٍ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ أَوْ عَمٌّ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ كَانَتْ النَّفَقَةُ عَلَيْهِمَا أَثْلَاثًا ثُلُثُهَا عَلَى الْأُمِّ وَالثُّلُثَانِ عَلَى الْأَخِ وَابْنِ الْأَخِ وَالْعَمِّ. اهـ. أَقُولُ: وَهَذِهِ الْفُرُوعُ كُلُّهَا تُشْكِلُ عَلَى اعْتِبَارِهِمْ الْقُرْبَ وَالْجُزْئِيَّةَ دُونَ الْمِيرَاثِ فَإِنَّهُمْ قَدْ اعْتَبَرُوا فِيهَا الْمِيرَاثَ دُونَ الْقُرْبِ وَالْجُزْئِيَّةِ إذْ مُقْتَضَى أَصْلِهِمْ الْمَذْكُورِ وُجُوبُهَا عَلَى الْأُمِّ فَقَطْ إلَّا أَنْ يَكُونَ هَذَا عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى الَّتِي تَعْتَبِرُ الْإِرْثَ كَمَا عَزَاهَا الْقُهُسْتَانِيُّ إلَى الْإِمَامِ حَيْثُ قَالَ وَيُعْتَبَرُ الْقُرْبُ وَالْجُزْئِيَّةُ لَا يُعْتَبَرُ الْإِرْثُ كَمَا هُوَ رِوَايَةٌ عَنْهُ. اهـ. لَكِنَّ رِوَايَةَ اعْتِبَارِ الْقُرْبِ وَالْجُزْئِيَّةِ عَلَيْهَا الْمُتُونُ كَالْوِقَايَةِ وَالْمُلْتَقَى وَالتَّنْوِيرِ، ثُمَّ ظَهَرَ لِي الْجَوَابُ عَنْ هَذِهِ الْإِشْكَالَاتِ بِتَمَامِهَا وَحَرَّرْت الْمَسْأَلَةَ بِتَحْرِيرٍ لَمْ أُسْبَقْ إلَيْهِ فِي رِسَالَةٍ سَمَّيْتُهَا تَحْرِيرَ النُّقُولِ فِي نَفَقَةِ الْفُرُوعِ وَالْأُصُولِ يَلْزَمُ عَلَى كُلِّ فَقِيهٍ طَلَبُهَا فَإِنَّهَا أَزَاحَتْ اللَّبْسَ وَأَزَالَتْ كُلَّ حَدْسٍ. (قَوْلُهُ: وَالدَّلِيلُ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِ الْمِيرَاثِ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَلَوْ كَانَ لَهُ بِنْتٌ وَأُخْتٌ فَالنَّفَقَةُ عَلَى الْبِنْتِ؛ لِأَنَّ الْوِلَادَ لَهَا، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّفَقَةَ لَا تُعْتَبَرُ بِالْمِيرَاثِ؛ لِأَنَّ الْأُخْتَ تَرِثُ مَعَ الْبِنْتِ وَلَا نَفَقَةَ عَلَيْهَا مَعَ الْبِنْتِ. اهـ. وَقَدْ ذَكَرَ هَذَا الْفَرْعَ فِي الذَّخِيرَةِ أَيْضًا، وَلَكِنَّ الْمُؤَلِّفَ حَذَفَهُ اخْتِصَارًا. (قَوْلُهُ وَأَطْلَقَ الْجَدَّ إلَخْ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَيُعْتَبَرُ فِي حَقِّ الْجَدِّ لِاسْتِحْقَاقِهِ النَّفَقَةَ الْفَقْرُ لَا غَيْرُ عَلَى مَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي حَقِّ الْأَبِ وَالْجَدُّ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ كَالْجَدِّ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ وَيُعْتَبَرُ فِي حَقِّ الْجَدَّاتِ مَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّ الْأَجْدَادِ أَيْضًا. اهـ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 225 ذَكَرْنَا أَنَّهَا وَاجِبَةٌ لَهَا بِالْعَقْدِ لِاحْتِبَاسِهَا بِحَقٍّ مَقْصُودٍ لَهُ، وَهَذَا لَا يَتَعَلَّقُ بِاتِّحَادِ الْمِلَّةِ، وَأَمَّا غَيْرُهَا فَلِأَنَّ الْجُزْئِيَّةَ ثَابِتَةٌ وَجُزْءُ الْمَرْءِ فِي مَعْنَى نَفْسِهِ فَكَمَا لَا تَمْتَنِعُ نَفَقَةُ نَفْسِهِ بِكُفْرِهِ لَا تَمْتَنِعُ نَفَقَةُ جُزْئِهِ إلَّا أَنَّهُمْ إذَا كَانُوا حَرْبِيَّيْنِ لَا تَجِبُ نَفَقَتُهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِ وَإِنْ كَانُوا مُتَسَاوِيَيْنِ؛ لِأَنَّا نُهِينَا عَنْ الْبِرِّ فِي حَقِّ مَنْ يُقَاتِلُنَا فِي الدِّينِ أَطْلَقَ فِي الْوِلَادِ فَشَمِلَ الْأَبَوَيْنِ وَالْأَجْدَادَ وَالْجَدَّاتِ وَالْوَلَدَ وَوَلَدَ الْوَلَدِ وَفِي الْمُسْتَصْفَى صُورَتُهُ تَزَوَّجَ ذِمِّيٌّ ذِمِّيَّةً وَحَصَلَ لَهُمَا وَلَدٌ، ثُمَّ أَسْلَمَتْ الذِّمِّيَّةُ حُكِمَ بِإِسْلَامِ الْوَلَدِ تَبَعًا لَهَا وَالنَّفَقَةُ عَلَى الْأَبِ، وَهَذَا قَبْلَ عُرُوضِ الْإِسْلَامِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَعْتَقِدَ الْكُفْرَ فِي صِغَرِهِ، وَكُفْرُهُ صَحِيحٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ اهـ. وَقَيَّدَ بِالزَّوْجِيَّةِ وَالْوِلَادِ؛ لِأَنَّ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ لَا تَجِبُ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ فَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ نَفَقَةُ أَخِيهِ النَّصْرَانِيِّ وَعَكْسُهُ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْإِرْثِ بِالنَّصِّ بِخِلَافِ الْعِتْقِ عِنْدَ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِالْقَرَابَةِ وَالْمَحْرَمِيَّةِ بِالْحَدِيثِ؛ وَلِأَنَّ الْقَرَابَةَ مُوجِبَةٌ لِلصِّلَةِ وَمَعَ الِاتِّفَاقِ فِي الدِّينِ آكَدُ وَدَوَامُ مِلْكِ الْيَمِينِ أَعْلَى فِي الْقَطِّيَّةِ مِنْ حِرْمَانِ النَّفَقَةِ فَاعْتَبَرْنَا فِي الْأَصْلِ أَصْلَ الْعِلَّةِ وَفِي الْأَدْنَى الْعِلَّةَ الْمُؤَكَّدَةَ فَلِهَذَا افْتَرَقَا. (قَوْلُهُ وَلَا يُشَارِكُ الْأَبَ وَالْوَلَدَ فِي نَفَقَةِ وَلَدِهِ وَأَبَوَيْهِ أَحَدٌ) أَمَّا نَفَقَةُ الْوَلَدِ فَقَدَّمْنَاهَا، وَأَمَّا نَفَقَةُ الْوَالِدَيْنِ فَلِأَنَّ لَهُمَا تَأْوِيلًا فِي مَالِ الْوَلَدِ بِالنَّصِّ وَلَا تَأْوِيلَ لَهُمَا فِي مَالِ غَيْرِهِ؛ وَلِأَنَّهُ أَقْرَبُ النَّاسِ إلَيْهِمَا فَكَانَ الْأَوْلَى بِاسْتِحْقَاقِ نَفَقَتِهِمَا عَلَيْهِ أَطْلَقَ فِي الْأَبِ فَشَمِلَ الْمُوسِرَ وَالْمُعْسِرَ لَكِنْ فِي الذَّخِيرَةِ إنْ كَانَ الْأَبُ مُعْسِرًا وَالْأُمُّ مُوسِرَةً أُمِرَتْ أَنْ تُنْفِقَ مِنْ مَالِهَا عَلَى الْوَلَدِ فَيَكُونُ دَيْنًا تَرْجِعُ عَلَيْهِ إذَا أَيْسَرَ؛ لِأَنَّ نَفَقَةَ الصَّغِيرِ عَلَى الْأَبِ وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا كَنَفَقَةِ نَفْسِهِ فَكَانَتْ الْأُمُّ قَاضِيَةً حَقًّا وَاجِبًا عَلَيْهِ بِأَمْرِ الْقَاضِي فَتَرْجِعُ عَلَيْهِ إذَا أَيْسَرَ، ثُمَّ جَعَلَ الْأُمَّ أَوْلَى بِالتَّحَمُّلِ مِنْ سَائِرِ الْأَقَارِبِ حَتَّى لَوْ كَانَ الْأَبُ مُعْسِرًا وَالْأُمُّ مُوسِرَةً وَلِلصَّغِيرِ جَدٌّ مُوسِرٌ تُؤْمَرُ الْأُمُّ بِالْإِنْفَاقِ مِنْ مَالِ نَفْسِهَا، ثُمَّ تَرْجِعُ عَلَى الْأَبِ وَلَا يُؤْمَرُ الْجَدُّ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ إلَى الْغَيْرِ، وَلَوْ كَانَ الْأَبُ وَاجِدًا لِلنَّفَقَةِ لَكِنْ امْتَنَعَ مِنْ النَّفَقَةِ عَلَى الصَّغِيرِ فَفَرَضَ الْقَاضِي النَّفَقَةَ عَلَى الْأَبِ فَامْتَنَعَ عَنْ الْأَدَاءِ فَالْقَاضِي يَأْمُرُهَا أَنْ تَسْتَدِينَ عَلَيْهِ وَتُنْفِقَ عَلَى الْغَيْرِ لِتَرْجِعَ بِذَلِكَ عَلَى الْأَبِ، وَكَذَلِكَ لَوْ غَابَ الْأَبُ بَعْدَ فَرْضِ نَفَقَةِ الْأَوْلَادِ وَتَرَكَهُمْ بِلَا نَفَقَةٍ فَاسْتَدَانَتْ بِأَمْرِ الْقَاضِي وَأَنْفَقَتْ عَلَيْهِمْ رَجَعَتْ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ هَذَا الْحُكْمُ فِي مُؤْنَةِ الرَّضَاعِ إذَا كَانَ الْأَبُ مُعْسِرًا فَالْقَاضِي يَأْمُرُ الْأُمَّ بِالِاسْتِدَانَةِ فَإِذَا أَيْسَرَ رَجَعَتْ عَلَيْهِ بِالْقَدْرِ الَّذِي أَمَرَهَا الْقَاضِي بِالِاسْتِدَانَةِ وَإِنْ لَمْ تَسْتَدِنْ بَعْدَ الْفَرْضِ لَكِنْ كَانُوا يَأْكُلُونَ مِنْ مَسْأَلَةِ النَّاسِ فَلَا رُجُوعَ لَهَا لِوُقُوعِ الِاسْتِغْنَاءِ فَإِنْ كَانُوا أُعْطُوا مِقْدَارَ نِصْفِ الْكِفَايَةِ سَقَطَ نِصْفُ النَّفَقَةِ عَنْ الْأَبِ وَتَصِحُّ الِاسْتِدَانَةُ فِي النِّصْفِ الْبَاقِي وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسُ، وَكَذَا فِي نَفَقَةِ الْمَحَارِمِ وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ. وَلَوْ كَانَ لِلْفَقِيرِ أَوْلَادٌ صِغَارٌ وَجَدٌّ مُوسِرٌ لَمْ تُفْرَضْ النَّفَقَةُ عَلَى الْجَدِّ، وَلَكِنْ يُؤْمَرُ الْجَدُّ بِالْإِنْفَاقِ صِيَانَةً لِوَلَدِ الْوَلَدِ وَيَكُونُ ذَلِكَ دَيْنًا عَلَى وَالِدِ الصِّغَارِ وَهَكَذَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فَلَمْ يَجْعَلْ النَّفَقَةَ   [منحة الخالق] [النَّفَقَة مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ] (قَوْلُهُ: وَفِي الْمُسْتَصْفَى إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ لَا يَنْحَصِرُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ؛ لِأَنَّهُ فِي قَرَابَةِ الْوِلَادِ إذَا كَانَ الْأَبُ أَوْ الِابْنُ مُقْعَدًا أَوْ أَعْمَى أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِمَّنْ يَقْدِرُ عَلَى الْكَسْبِ بِوَجْهٍ يُلْحَقُ بِالطِّفْلِ فَلَوْ أَسْلَمَ الْكَبِيرُ فِي قَرَابَةِ الْوِلَادِ وَكَانَ بِوَصْفٍ مِنْ هَذِهِ الْأَوْصَافِ يَجِبُ نَفَقَتُهُ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ، وَإِطْلَاقُ الْمَتْنِ يَشْمَلُهُ كَغَيْرِهِ وَفِي الذَّخِيرَةِ الْبُرْهَانِيَّةِ وَلَا يُجْبَرُ الْمُسْلِمُ عَلَى نَفَقَةِ الْكَافِرِ مِنْ قَرَابَتِهِ وَلَا الْكَافِرُ عَلَى الْمُسْلِمِ مِنْ قَرَابَتِهِ إلَّا الزَّوْجَةَ وَالْوَالِدَيْنِ وَالْوَلَدَ. اهـ. أَطْلَقَ فِي الْوَلَدِ فَشَمِلَ الصَّغِيرَ وَمَنْ تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ بِوَصْفٍ مِنْ هَذِهِ الْأَوْصَافِ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَلَا يُشَارِكُ الْأَبَ وَالْوَلَدَ فِي نَفَقَةِ وَلَدِهِ وَأَبَوَيْهِ أَحَدٌ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْوَلَدَ الْبَالِغَ وَهُوَ جَوَابُ الْمَبْسُوطِ وَهُوَ الظَّاهِرُ كَمَا سَيَذْكُرُهُ فِي آخِرِ الْمَقُولَةِ أَمَّا عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ تَجِبُ عَلَى الْأَبِ وَالْأُمِّ فِي الْبَالِغِينَ أَثْلَاثًا اهـ. أَقُولُ: وَمُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِالْأَبِ مَا يَشْمَلُ الْجَدَّ وَبِالْوَلَدِ مَا يَشْمَلُ وَلَدَ الْوَلَدِ فَفِي الْبَدَائِعِ وَلَا يُشَارِكُ الْوَلَدَ فِي نَفَقَةِ وَالِدَيْهِ أَحَدٌ، وَكَذَا فِي نَفَقَةِ جَدِّهِ وَجَدَّتِهِ عِنْدَ عَدَمِ الْأَبَوَيْنِ وَلَا يُشَارِكُ الْأَبَ فِي نَفَقَةِ وَلَدِهِ أَحَدٌ، وَكَذَا لَا يُشَارِكُ الْجَدَّ أَحَدٌ فِي نَفَقَةِ وَلَدِ وَلَدِهِ عِنْدَ عَدَمِ وَلِيِّهِ لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ عِنْدَ عَدَمِهِ اهـ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ جَعَلَ الْأُمَّ أَوْلَى بِالتَّحَمُّلِ مِنْ سَائِرِ الْأَقَارِبِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ سَيَأْتِي أَنَّ الْأَبَ الْمُعْسِرَ كَالْمَيِّتِ وَأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْوَلَدِ أَبٌ وَلَهُ أُمٌّ وَجَدٌّ أَبُو أَبٍ كَانَتْ النَّفَقَةُ عَلَيْهِمَا فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَبَ إذَا كَانَ مُعْسِرًا فَفِي ذَلِكَ خِلَافٌ فَالْمُتُونُ أَنَّهَا عَلَى الْأَبِ وَتَسْتَدِينُ الْأُمُّ وَعَلَى مَا صَحَّحَهُ صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ عَلَى الْجَدِّ وَهَلْ يَسْتَدِينُ عَلَى الْأَبِ وَيَرْجِعُ فِيهِ خِلَافٌ أَيْضًا، وَأَمَّا الْأُمُّ فَتَسْتَدِينُ وَتَرْجِعُ فَتَأَمَّلْ وَفِي الصُّغْرَى امْرَأَةٌ لَهَا ابْنٌ صَغِيرٌ لَا مَالَ لَهُ وَلِلْمَرْأَةِ فَاسْتَدَانَتْ وَأَنْفَقَتْ عَلَى الصَّغِيرِ بِأَمْرِ الْقَاضِي فَبَلَغَ لَا تَرْجِعُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَالْمَسْأَلَةُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ كَالْبَزَّازِيَّةِ وَغَيْرِهَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 226 عَلَى الْجَدِّ حَالَ عُسْرَةِ الْأَبِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي أَوَّلِ هَذَا الْفَصْلِ أَنَّ الْأَبَ الْفَقِيرَ يُلْحَقُ بِالْمَيِّتِ فِي اسْتِحْقَاقِ النَّفَقَةِ عَلَى الْجَدِّ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَمَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ قَوْلُ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ هَكَذَا ذَكَرَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي أَدَبِ الْقَاضِي لِلْخَصَّافِ وَإِنْ كَانَ الْأَبُ زَمِنًا قُضِيَ بِنَفَقَةِ الصِّغَارِ عَلَى الْجَدِّ وَلَمْ يَرْجِعْ عَلَى أَحَدٍ بِالْإِنْفَاقِ؛ لِأَنَّ نَفَقَةَ الْأَبِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ عَلَى الْجَدِّ فَكَذَا نَفَقَةُ الصِّغَارِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي صَغِيرٍ لَهُ وَالِدٌ مُحْتَاجٌ وَهُوَ زَمِنٌ فُرِضَتْ نَفَقَتُهُ عَلَى قَرَابَتِهِ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ دُونَ أُمِّهِ وَكُلُّ مَنْ يُجْبَرُ عَلَى نَفَقَةِ الْأَبِ يُجْبَرُ عَلَى نَفَقَةِ الْغُلَامِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَرَابَةٌ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ قَضَيْت بِالنَّفَقَةِ عَلَى أَبِيهِ وَأَمَرْت قَرَابَةَ الْأُمِّ بِالْإِنْفَاقِ فَيَكُونُ دَيْنًا عَلَى الْأَبِ، وَهَذَا الْجَوَابُ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي قَرَابَةِ الْأُمِّ مَنْ يَكُونُ مَحْرَمًا لِلصَّغِيرِ وَيَكُونُ أَهْلًا لِلْإِرْثِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ وُجُوبِ النَّفَقَةِ فِي غَيْرِ قَرَابَةِ الْوِلَادِ الْمَحْرَمِيَّةُ وَأَهْلِيَّةُ الْإِرْثِ فَأَمَّا إذَا كَانَ فِي قَرَابَةِ الْأُمِّ مَنْ كَانَ مَحْرَمًا لِلصَّغِيرِ وَهُوَ أَهْلٌ لِلْإِرْثِ تَجِبُ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ وَيُلْحَقُ الْأَبُ الْمُعْسِرُ بِالْمَيِّتِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْوُجُوبَ عَلَى الْأَبِ الْمُعْسِرِ إنَّمَا هُوَ إذَا أَنْفَقَتْ الْأُمُّ الْمُوسِرَةُ وَإِلَّا فَالْأَبُ كَالْمَيِّتِ وَالْوُجُوبُ عَلَى غَيْرِهِ لَوْ كَانَ مَيِّتًا وَلَا رُجُوعَ عَلَيْهِ فِي الصَّحِيحِ وَعَلَى هَذَا فَلَا بُدَّ مِنْ إصْلَاحِ الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ كَمَا لَا يَخْفَى وَأَطْلَقَ فِي قَوْلِهِ فِي نَفَقَةِ وَلَدِهِ فَشَمِلَ الصَّغِيرَ وَالْكَبِيرَ الزَّمِنَ وَفِي   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَقَدْ ذَكَرْنَا أَوَّلَ هَذَا الْفَصْلِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ هُوَ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الذَّخِيرَةِ، وَقَوْلُهُ أَنَّ الْأَبَ إلَخْ لَا خَفَاءَ أَنَّ الْأُمَّ الْمُعْسِرَةَ كَذَلِكَ وَاعْلَمْ أَنَّهُ إنَّمَا يُلْحَقُ بِالْمَيِّتِ عِنْدَ الْقَائِلِ بِهِ فِي حَقِّ الْجَدِّ حَتَّى لَا يَرْجِعَ، وَأَمَّا فِي حَقِّ الزَّوْجَةِ فَلَا وَبِهِ يُفْهَمُ كَلَامُهُمْ فِي هَذَا الْمَحَلِّ فَتَأَمَّلْ اهـ. يَعْنِي: أَنَّهُ فِي حَقِّ الزَّوْجَةِ لَا يُلْحَقُ الْأَبُ الْمُعْسِرُ بِالْمَيِّتِ إذْ لَوْ أُلْحِقَ بِالْمَيِّتِ فِي حَقِّهَا لَزِمَ أَنْ لَا تَرْجِعَ؛ لِأَنَّهَا تَجِبُ عَلَيْهَا وَعَلَى الْجَدِّ أَثْلَاثًا عَلَى قَدْرِ الْإِرْثِ أَصَالَةً لَا نِيَابَةً عَنْ الْأَبِ. (قَوْلُهُ: اهـ) أَيْ كَلَامُ الذَّخِيرَةِ. (قَوْلُهُ: وَالْوُجُوبُ عَلَى غَيْرِهِ) الْمُرَادُ بِالْغَيْرِ الْجَدُّ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلصِّغَارِ أُمٌّ وَالْجَدُّ أَوْ غَيْرُهُ إذَا كَانَ الْأَبُ زَمِنًا أَيْ وَفَقِيرًا فَقَدْ شَارَكَ الْأَبَ فِي الْإِنْفَاقِ عَلَى وَلَدِهِ غَيْرُهُ فَيَرِدُ عَلَى إطْلَاقِ الْمُتُونِ وَأَجَابَ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِهِ بِأَنَّ كَلَامَ الْمُتُونِ مُقَيَّدٌ بِالْيَسَارِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ أَنْ يَكُونَ مُوسِرًا تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَعَلَى هَذَا فَلَا بُدَّ مِنْ إصْلَاحِ الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ لَا حَاجَةَ لِإِصْلَاحِهَا؛ لِأَنَّهَا وَارِدَةٌ عَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ، وَقَدْ اخْتَارَهَا أَهْلُ الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ فَأَثْبَتُوهَا فِي كُتُبِهِمْ مُقْتَصِرِينَ عَلَيْهَا. اهـ. أَقُولُ: قَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمُخَالَفَةَ لِمَا فِي الْمُتُونِ مِنْ وَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ مَا إذَا كَانَ لِلْفَقِيرِ أَوْلَادٌ صِغَارٌ وَجَدٌّ مُوسِرٌ فَالنَّفَقَةُ عَلَى الْجَدِّ بِلَا رُجُوعٍ فِي الصَّحِيحِ عَلَى مَا فِي الذَّخِيرَةِ، وَالثَّانِي مَا إذَا كَانَ الْأَبُ الْفَقِيرُ زَمِنًا فَهِيَ عَلَى الْجَدِّ أَيْضًا بِالِاتِّفَاقِ وَعَلَى مَا قَالَهُ أَبُو يُوسُفَ فَعَلَى كُلِّ مَنْ يُجْبَرُ عَلَى نَفَقَةِ الْأَبِ إنْ كَانَ وَإِلَّا فَعَلَى مَحَارِمِ الصَّغِيرِ مِنْ قَرَابَةِ الْأُمِّ الْمُسْتَحِقِّينَ لِلْمِيرَاثِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ فَهِيَ عَلَى أَبِي الصَّغِيرِ لَكِنْ يُؤْمَرُ قَرَابَةُ الْأُمِّ بِالِاتِّفَاقِ دَيْنًا عَلَى الْأَبِ فَصَارَ الْحَاصِلُ أَنَّ نَفَقَةَ الصَّغِيرِ إذَا كَانَ أَبُوهُ مُعْسِرًا تَجِبُ عَلَى الْجَدِّ الْمُوسِرِ تَارَةً، وَتَارَةً عَلَى غَيْرِهِ مِنْ أَقَارِبِ الْأَبِ وَتَارَةً عَلَى مَحَارِمِهِ مِنْ قَرَابَةِ الْأُمِّ فَهَذَا كُلُّهُ يُخَالِفُ الْمُتُونَ فِي قَوْلِهِمْ لَا يُشَارِكُ الْأَبَ فِي نَفَقَةِ وَلَدِهِ أَحَدٌ لَكِنْ ذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ مِنْ تَتِمَّةِ كَلَامِ أَبِي يُوسُفَ مَا يُفِيدُ أَنَّ قَرَابَةَ الْأَبِ كَالْأَبِ أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ جِهَتُهُ وَذَلِكَ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ السَّابِقِ قَضَيْتُ بِالنَّفَقَةِ عَلَى أَبِيهِ وَأَمَرْتُ قَرَابَةَ الْأُمِّ بِالْإِنْفَاقِ فَيَكُونُ دَيْنًا عَلَى الْأَبِ مَا نَصُّهُ: وَهَذَا لِأَنَّ قَرَابَةَ الْأُمِّ لَا يَجُوزُ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِمْ نَفَقَةُ الْوَلَدِ لِمَا عُرِفَ أَنَّ الْأَبَ لَا يُشَارِكُ غَيْرَهُ فِي نَفَقَةِ الصَّغِيرِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْأَبِ قَرَابَةٌ لَمْ يَبْقَ هُنَا وَجْهٌ سِوَى أَنْ يَقْضِيَ بِالنَّفَقَةِ عَلَى قَرَابَةِ الْأُمِّ وَيَكُونُ ذَلِكَ دَيْنًا عَلَى الْأَبِ لِئَلَّا يُشَارِكَ الْأَبَ غَيْرُهُ فِي نَفَقَةِ الْوَلَدِ فَأَمَّا قَرَابَةُ الْأَبِ مِمَّا يَلْزَمُهُمْ نَفَقَةُ الْأَبِ فَجَازَ أَنْ يَلْزَمَهُمْ نَفَقَةُ الْغُلَامِ لِيَكُونَ نَفَقَةُ وَلَدِهِ جَارِيَةً مَجْرَى نَفَقَتِهِ هَكَذَا ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ. وَهَذَا الْجَوَابُ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ فَقَدْ ظَهَرَ لَك مِنْ هَذَا أَنَّ مَا وَجَبَ عَلَى الْجَدِّ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ قَرَابَةِ الْأَبِ غَيْرُ خَارِجٍ عَنْ قَوْلِهِمْ لَا يُشَارِكُ الْأَبَ فِي نَفَقَةِ وَلَدِهِ بِنَاءً عَلَى مَا قُلْنَا كَمَا هُوَ كَالصَّرِيحِ مِنْ هَذَا التَّعْلِيلِ نَعَمْ يَرِدُ مَا أَوْرَدَهُ صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ مِنْ وُجُوبِهَا عَلَى مَحَارِمِهِ مِنْ قَرَابَةِ الْأُمِّ، وَلَكِنْ بِنَاءً عَلَى مَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ مَا فِي الْمُتُونِ جَارِيًا عَلَى خِلَافِهِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي وَالْأَظْهَرُ مَا أَجَابَ بِهِ الرَّمْلِيُّ مِنْ حَمْلِ مَا فِي الْمُتُونِ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى يَعْنِي مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْقُدُورِيِّ مِنْ أَنَّهَا لَا تُفْرَضُ عَلَى الْجَدِّ وَحَاصِلُهَا أَنَّ الْأَبَ لَا يُجْعَلُ كَالْمَيِّتِ مُطْلَقًا إلَّا إذَا كَانَ زَمِنًا لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ إذَا كَانَ زَمِنًا تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَى الْجَدِّ. وَكَذَا نَفَقَةُ أَوْلَادِهِ بِالِاتِّفَاقِ فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ فَرَّقَ بَيْنَ الْأُمِّ الْمُوسِرَةِ وَغَيْرِهَا كَالْجَدِّ وَنَحْوِهِ فِي أَنَّ الْأَبَ لَا يُجْعَلُ كَالْمَيِّتِ، بَلْ تَجِبُ النَّفَقَةُ عَلَيْهِ وَتُؤْمَرُ الْأُمُّ أَوْ الْجَدُّ أَوْ غَيْرُهُمَا بِأَدَائِهَا لِتَكُونَ دَيْنًا عَلَى الْأَبِ فَيَكُونُ مَشْيُ أَصْحَابِ الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ اخْتِيَارًا مِنْهُمْ لَهَا عَلَى خِلَافِ مَا صَحَّحَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَيُؤَيِّدُ هَذَا مَا قَدَّمَهُ الْمُؤَلِّفُ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ وَالْفَتْحِ قُبَيْلَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَتَمَّمَ نَفَقَةَ الْيَسَارِ بِطُرُوِّهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 227 رِوَايَةٍ أَنَّ نَفَقَةَ الْكَبِيرِ تَجِبُ عَلَى الْأَبَوَيْنِ أَثْلَاثًا بِاعْتِبَارِ الْإِرْثِ بِخِلَافِ الصَّغِيرِ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ. (قَوْلُهُ وَلِقَرِيبٍ مَحْرَمٍ فَقِيرٍ عَاجِزٍ عَنْ الْكَسْبِ بِقَدْرِ الْإِرْثِ لَوْ مُوسِرًا) أَيْ تَجِبُ النَّفَقَةُ لِلْقَرِيبِ إلَى آخِرِهِ؛ لِأَنَّ الصِّلَةَ فِي الْقَرَابَةِ الْقَرِيبَةِ وَاجِبَةٌ دُونَ الْبَعِيدَةِ وَالْفَاصِلُ أَنْ يَكُونَ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233] ، وَفِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَعَلَى الْوَارِثِ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ مِثْلُ ذَلِكَ قَيَّدَ بِالْقَرِيبِ؛ لِأَنَّ الْمَحْرَمَ الَّذِي لَيْسَ بِقَرِيبٍ كَالْأَخِ مِنْ الرَّضَاعِ تَجِبُ نَفَقَتُهُ وَقَيَّدَ بِالْمَحْرَمِ؛ لِأَنَّ الرَّحِمَ غَيْرَ الْمَحْرَمِ لَا تَجِبُ نَفَقَتُهُ كَابْنِ الْعَمِّ وَإِنْ كَانَ وَارِثًا وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الْمَحْرَمِيَّةُ بِجِهَةِ الْقَرَابَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ قَرِيبًا مَحْرَمًا لَا مِنْ جِهَتِهَا كَابْنِ الْعَمِّ إذَا كَانَ أَخًا مِنْ الرَّضَاعِ فَإِنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهُ، كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. فَلَوْ كَانَ لَهُ خَالٌ وَابْنُ عَمٍّ فَالنَّفَقَةُ عَلَى الْخَالِ لِمَحْرَمِيَّتِهِ لَا عَلَى ابْنِ الْعَمِّ وَإِنْ كَانَ وَارِثًا؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْوَارِثِ فِي الْآيَةِ مَنْ هُوَ أَهْلٌ لِلْمِيرَاثِ لَا كَوْنُهُ وَارِثًا حَقِيقَةً إذْ لَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْخَالُ فِي الْجُمْلَةِ سَوَاءٌ كَانَ وَارِثًا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَعِنْدَ الِاسْتِوَاءِ فِي الْمَحْرَمِيَّةِ وَأَهْلِيَّةِ الْإِرْثِ يُرَجَّحُ مَنْ كَانَ وَارِثًا حَقِيقَةً فِي هَذِهِ الْحَالَةِ حَتَّى إذَا كَانَ لَهُ عَمٌّ وَخَالٌ فَالنَّفَقَةُ عَلَى الْعَمِّ؛ لِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي الْمَحْرَمِيَّةِ وَيَتَرَجَّحُ الْعَمُّ عَلَى الْخَالِ لِكَوْنِهِ وَارِثًا حَقِيقَةً، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ لَهُ عَمٌّ وَعَمَّةٌ وَخَالَةٌ فَالنَّفَقَةُ عَلَى الْعَمِّ لَا غَيْرُ إنْ كَانَ مُوسِرًا وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فَالنَّفَقَةُ عَلَى الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ أَثْلَاثًا عَلَى قَدْرِ مِيرَاثِهِمَا وَيُجْعَلُ الْعَمُّ كَالْمَيِّتِ وَفِي الْقُنْيَةِ يُجْبَرُ الْأَبْعَدُ إذَا غَابَ الْأَقْرَبُ وَقَيَّدَ بِالْفَقْرِ؛ لِأَنَّ الْغَنِيَّ نَفَقَتُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَقَيَّدْنَا بِالْعَجْزِ عَنْ الْكَسْبِ وَهُوَ بِالْأُنُوثَةِ مُطْلَقًا وَبِالزَّمَانَةِ وَالْعَمَى وَنَحْوِهَا فِي الذَّكَرِ فَنَفَقَةُ الْمَرْأَةِ الصَّحِيحَةِ الْفَقِيرَةِ عَلَى مَحْرَمِهَا فَلَا يُعْتَبَرُ فِي الْأُنْثَى إلَّا الْفَقْرُ، وَأَمَّا الْبَالِغُ الْفَقِيرُ فَلَا بُدَّ مِنْ عَجْزِهِ بِزَمَانَةٍ أَوْ عَمًى أَوْ فَقْءِ الْعَيْنَيْنِ أَوْ شَلَلِ الْيَدَيْنِ أَوْ مَقْطُوعِ الرِّجْلَيْنِ أَوْ مَعْتُوهٍ أَوْ مَفْلُوجٍ زَادَ فِي التَّبْيِينِ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَعْيَانِ النَّاسِ يَلْحَقُهُ الْعَارُ مِنْ التَّكَسُّبِ أَوْ طَالِبَ عِلْمٍ لَا يَتَفَرَّغُ لِذَلِكَ وَفِي الْمُجْتَبَى الْبَالِغُ إذَا كَانَ عَاجِزًا عَنْ الْكَسْبِ وَهُوَ صَحِيحٌ فَنَفَقَتُهُ عَلَى الْأَبِ وَهَكَذَا قَالُوا فِي طَالِبِ الْعِلْمِ إذَا كَانَ لَا يَهْتَدِي إلَى الْكَسْبِ لَا تَسْقُطُ نَفَقَتُهُ عَنْ الْأَبِ بِمَنْزِلَةِ الزَّمِنِ وَالْأُنْثَى اهـ. وَفِي الْقُنْيَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَخْفَ عَلَى أَبِي حَامِدٍ قَوْلُ السَّلَفِ بِوُجُوبِ نَفَقَةِ طَالِبِ الْعِلْمِ عَلَى الْأَبِ لَكِنْ أَفْتَى بِعَدَمِ وُجُوبِهَا لِفَسَادِ أَحْوَالِ أَكْثَرِ طَلَبَةِ الْعِلْمِ فَإِنَّ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ حَسَنَ السَّيْرِ مُشْتَغِلًا بِالْعُلُومِ النَّافِعَةِ يُجْبَرُ الْآبَاءُ عَلَى الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِمْ وَإِنَّمَا يُطَالِبُهُمْ فُسَّاقُ الْمُبْتَدِعَةِ الَّذِينَ شَرُّهُمْ أَكْثَرُ مِنْ خَيْرِهِمْ يَحْضُرُونَ الدَّرْسَ سَاعَةً بِخِلَافِيَّاتٍ رَكِيكَةٍ ضَرَرُهَا فِي الدِّينِ أَكْثَرُ مِنْ نَفْعِهَا، ثُمَّ يَشْتَغِلُونَ طُولَ النَّهَارِ بِالسُّخْرِيَةِ وَالْغِيبَةِ وَالْوُقُوعِ فِي النَّاسِ مِمَّا يَسْتَحِقُّونَ بِهِ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ فَيَقْذِفُ اللَّهُ الْبُغْضَ فِي قُلُوبِ آبَائِهِمْ وَيَنْزِغُ عَنْهُمْ الشَّفَقَةَ فَلَا يُعْطُونَ مُنَاهُمْ فِي الْمَلَابِسِ وَالْمَطَاعِمِ فَيُطَالِبُونَهُمْ بِالنَّفَقَةِ وَيُؤْذُونَهُمْ مَعَ حُرْمَةِ التَّأْفِيفِ، وَلَوْ عَلِمُوا بِسِيرَتِهِمْ السَّلَفُ لَحَرَّمُوا الْإِنْفَاقَ عَلَيْهِمْ وَمَنْ كَانَ بِخِلَافِهِمْ نَادِرٌ فِي هَذَا الزَّمَانِ فَلَا يُفْرَدُ بِالْحُكْمِ دَفْعًا لِحَرَجِ التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْمُصْلِحِ وَالْمُفْسِدِ قُلْتُ: لَكِنْ نَرَى طَلَبَةَ الْعِلْمِ بَعْدَ الْفِتْنَةِ الْعَامَّةِ الْمُشْتَغِلِينَ بِالْفِقْهِ وَالْأَدَبِ اللَّذَيْنِ هُمَا قَوَاعِدُ الدِّينِ وَأُصُولُ كَلَامِ الْعَرَبِ وَالِاشْتِغَالُ بِالْكَسْبِ يَمْنَعُهُمْ عَنْ التَّحْصِيلِ وَيُؤَدِّي إلَى ضَيَاعِ الْعِلْمِ وَالتَّعْطِيلِ فَكَانَ الْمُخْتَارُ الْآنَ قَوْلَ السَّلَفِ وَهَفَوَاتُ الْبَعْضِ لَا تَمْنَعُ وُجُوبَ النَّفَقَةِ كَالْأَوْلَادِ وَالْأَقَارِبِ اهـ. وَاخْتَلَفُوا فِي حَدِّ الْمُعْسِرِ الَّذِي يَسْتَحِقُّ هَذِهِ النَّفَقَةَ فَقِيلَ هُوَ الَّذِي تَحِلُّ لَهُ هَذِهِ الصَّدَقَةُ، وَقِيلَ هُوَ الْمُحْتَاجُ وَاَلَّذِي لَهُ مَنْزِلٌ وَخَادِمٌ هَلْ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ) أَيْ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا نَقَلَهُ الرَّمْلِيُّ عَنْ الشَّيْخِ قَاسِمٍ قَالَ: وَقَالَ الْمَحْبُوبِيُّ وَبِهِ يُفْتَى وَمَشَى عَلَيْهِ النَّسَفِيُّ وَصَدْرُ الشَّرِيعَةِ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ بِالْأُنُوثَةِ مُطْلَقًا) أَيْ بِلَا قَيْدِ زَمَانَةٍ أَوْ عَمًى وَمِثْلُ الْأُنُوثَةِ الصِّغَرُ، وَقَدْ مَرَّ عِنْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ وَلِطِفْلِهِ الْفَقِيرِ أَنَّ الْأَبَ الْغَنِيَّ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ ابْنِهِ الصَّغِيرِ الْفَقِيرِ إلَى أَنْ يَبْلُغَ حَدَّ الْكَسْبِ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ الْحُلُمَ فَهُنَا بِالْأَوْلَى حَتَّى لَوْ كَانَ لَهُ كَسْبٌ يَكْفِيهِ لَا تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَى الْقَرِيبِ، وَكَذَا الْأُنْثَى عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ حَاشِيَةِ الرَّمْلِيُّ. [النَّفَقَةُ لِلْقَرِيبِ] (قَوْلُهُ: وَاَلَّذِي لَهُ مَنْزِلٌ وَخَادِمٌ إلَخْ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ لَوْ كَانَ لِلْأَبِ مَسْكَنٌ أَوْ دَابَّةٌ فَالْمَذْهَبُ عِنْدَنَا أَنْ تُفْرَضَ النَّفَقَةُ عَلَى الِابْنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْكَنِ فَضْلٌ نَحْوُ أَنْ يَكْفِيَهُ أَنْ يَسْكُنَ نَاحِيَةً مِنْهُ فَيُؤْمَرُ الْأَبُ بِبَيْعِ الْفَضْلِ وَالْإِنْفَاقِ عَلَى نَفْسِهِ، ثُمَّ تُفْرَضُ نَفَقَتُهُ عَلَى ابْنِهِ، وَكَذَا إذَا كَانَ لَهُ دَابَّةٌ نَفِيسَةٌ يُؤْمَرُ أَنْ يَبِيعَهَا وَيَشْتَرِيَ الْأَوْكَسَ وَيُنْفِقَ، ثُمَّ تُفْرَضُ عَلَى الِابْنِ وَيَسْتَوِي فِي هَذَا الْوَالِدَانِ وَالْمَوْلُودُونَ وَسَائِرُ الْمَحَارِمِ وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ اهـ. لَكِنْ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ بَعْدَمَا نَقَلَهُ الْمُؤَلِّفُ عَنْهَا وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ النَّفَقَةَ لَا تَجِبُ لِغَيْرِ الْمُحْتَاجِ وَهَؤُلَاءِ غَيْرُ مُحْتَاجِينَ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ الِاكْتِفَاءُ بِالْأَدْنَى بِأَنْ يَبِيعَ الْمَنْزِلَ كُلَّهُ أَوْ بَعْضَهُ وَيَكْتَرِيَ مَنْزِلًا أَوْ يَبِيعَ الْخَادِمَ وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ بَيْعَ الْمَنْزِلِ لَا يَقَعُ إلَّا نَادِرًا، وَكَذَا لَا يُمْكِنُ كُلَّ أَحَدٍ السُّكْنَى بِالْكِرَاءِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 228 يَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ عَلَى قَرِيبِهِ الْمُوسِرِ فِيهِ اخْتِلَافُ الرِّوَايَةِ فِي رِوَايَةٍ لَا يَسْتَحِقُّ حَتَّى لَوْ كَانَتْ أُخْتًا لَا يُؤْمَرُ الْأَخُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ بِنْتًا أَوْ أُمًّا فِي رِوَايَةٍ تَسْتَحِقُّ وَهُوَ الصَّوَابُ، كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِيمَا تَجِبُ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ فَشَمِلَ الصَّغِيرَ الْغَنِيَّ وَالصَّغِيرَةَ الْغَنِيَّةَ فَيُؤْمَرُ الْوَصِيُّ بِدَفْعِ نَفَقَةِ قَرِيبِهِمَا الْمَحْرَمِ بِشَرْطِهِ، كَذَا فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ أَيْضًا وَقَدَّمْنَاهُ وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ بِقَدْرِ الْمِيرَاثِ أَنَّهُ لَوْ تَعَدَّدَ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ فَإِنَّهَا تُقْسَمُ عَلَيْهِمْ بِقَدْرِ مِيرَاثِهِمْ؛ لِأَنَّ اللَّهَ أَوْجَبَ النَّفَقَةَ بِاسْمِ الْوَارِثِ فَوَجَبَ التَّقْدِيرُ بِهِ فَإِذَا كَانَ لِلصَّغِيرِ أُمٌّ وَعَمٌّ أَوْ أُمٌّ وَأَخٌ لِأَبٍ وَأُمٍّ فَالنَّفَقَةُ عَلَيْهِمَا عَلَى قَدْرِ الْمِيرَاثِ، وَكَذَلِكَ الرَّضَاعُ عَلَيْهِمَا أَثْلَاثًا؛ لِأَنَّ الرَّضَاعَ نَفَقَةُ الْوَلَدِ فَتَكُونُ عَلَيْهِمَا كَنَفَقَتِهِ بَعْدَ الْفِطَامِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ فِي النَّفَقَةِ بَعْدَ الْفِطَامِ الْجَوَابَ هَكَذَا، وَأَمَّا مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ النَّفَقَةِ قَبْلَ الْفِطَامِ الرَّضَاعُ كُلُّهُ عَلَى الْأُمِّ؛ لِأَنَّهَا مُوسِرَةٌ بِاللَّبَنِ وَالْعَمُّ مُعْسِرٌ فِي ذَلِكَ، وَلَكِنْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ قُدْرَةُ الْعَمِّ عَلَى تَحْصِيلِ ذَلِكَ بِمَا لَهُ يَجْعَلُهُ مُوسِرًا فِيهِ فَلِهَذَا كَانَ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا فَإِنْ كَانَ الْعَمُّ فَقِيرًا وَالْأُمُّ غَنِيَّةٌ فَالْكُلُّ عَلَى الْأُمِّ وَإِنْ كَانَ لَهُ أُمٌّ وَأَخٌ لِأُمٍّ وَأَبٍ أَوْ أَخٌ لِأَبٍ وَعَمٍّ أَغْنِيَاءَ فَالرَّضَاعُ عَلَى الْأُمِّ وَالْأَخِ أَثْلَاثًا بِحَسَبِ الْمِيرَاثِ؛ لِأَنَّ الْعَمَّ لَيْسَ بِوَارِثٍ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَيَتَرَجَّحُ الْأَخُ عَلَى الْعَمِّ. وَإِذَا كَانَ لِلْفَقِيرِ الزَّمِنِ ابْنٌ صَغِيرٌ مُعْسِرٌ وَلَيْسَ بِزَمِنٍ وَلِهَذَا الْمُعْسِرِ ثَلَاثَةُ إخْوَةٍ مُتَفَرِّقِينَ أَهْلَ يَسَارٍ فَنَفَقَةُ الرَّجُلِ عَلَى الْأَخِ مِنْ الْأَبِ وَالْأُمِّ وَالْأَخِ مِنْ الْأُمِّ أَسْدَاسًا؛ لِأَنَّ الِابْنَ الصَّغِيرَ الْمُعْسِرَ يُجْعَلُ كَالْمَعْدُومِ فِي حَقِّ إيجَابِ النَّفَقَةِ عَلَى الْغَيْرِ وَمَا لَمْ يُجْعَلْ الِابْنُ كَالْمَعْدُومِ لَا تَصِيرُ الْإِخْوَةُ وَرَثَةً فَيَتَعَذَّرُ إيجَابُ النَّفَقَةِ عَلَيْهِمْ حَالَ قِيَامِ الِابْنِ فَيُجْعَلُ الِابْنُ كَالْمَعْدُومِ وَيُجْعَلُ الْمِيرَاثُ بَيْنَ الْأَخِ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَبَيْنَ الْأَخِ لِأُمٍّ أَسْدَاسًا، وَلَوْ كَانَ مَكَانَ الِابْنِ بِنْتٌ فَنَفَقَةُ الْأَبِ عَلَى الْأَخِ لِأَبٍ وَأُمٍّ خَاصَّةً؛ لِأَنَّا لَا نَحْتَاجُ أَنْ نَجْعَلَهَا كَالْمَعْدُومِ؛ لِأَنَّهُ يَرِثُ مَعَ الْبِنْتِ، وَقَدْ تَعَذَّرَ إيجَابُ النَّفَقَةِ عَلَى الْبِنْتِ فَيَجِبُ عَلَى الْأَخِ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَنَفَقَةُ الصَّغِيرِ عَلَى الْعَمِّ وَالْأُمِّ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ الْأَبَ الْمُعْسِرَ كَالْمَعْدُومِ، وَبَعْدَ الْأَبِ مِيرَاثُ الْوَلَدِ لِلْعَمِّ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ خَاصَّةً فَكَذَا نَفَقَةُ الْوَلَدِ عَلَيْهِمَا فَإِنْ كَانَ مَكَانَ الْإِخْوَةِ أَخَوَاتٌ مُتَفَرِّقَاتٌ فَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ ذَكَرًا فَنَفَقَةُ الْأَبِ عَلَى الْأَخَوَاتِ أَخْمَاسًا؛ لِأَنَّ أَحَدًا مِنْ الْأَخَوَاتِ لَا يَرِثُ مَعَ الِابْنِ فَلَا بُدَّ أَنْ يُجْعَلَ الِابْنُ كَالْمَعْدُومِ لِيُمْكِنَ إيجَابُ النَّفَقَةِ عَلَى الْأَخَوَاتِ وَبَعْدَ الِابْنِ مِيرَاثُ الْأَبِ بَيْنَ الْأَخَوَاتِ أَخْمَاسًا ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِهِ لِلْأُخْتِ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَخُمُسُهُ لِلْأُخْتِ لِأَبٍ وَخُمُسُهُ لِلْأُخْتِ لِأُمٍّ فَرْضًا وَرَدًّا فَالنَّفَقَةُ عَلَيْهِمْ بِحِسَابِ ذَلِكَ وَنَفَقَةُ الْوَلَدِ عَلَى الْأُخْتِ لِأَبٍ وَأُمٍّ خَاصَّةً عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ الْوَالِدَ الْمُعْسِرَ نَجْعَلُهُ كَالْمَعْدُومِ، وَعِنْدَ عَدَمِ الْوَالِدِ مِيرَاثُ الْوَلَدِ لِلْعَمَّةِ لِأَبٍ وَأُمٍّ خَاصَّةً عِنْدَنَا فَالنَّفَقَةُ تَكُونُ عَلَيْهَا أَيْضًا. وَإِذَا كَانَ الْوَلَدُ بِنْتًا فَنَفَقَةُ الْأَبِ عَلَى الْأُخْتِ لِأَبٍ وَأُمٍّ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهَا وَارِثَةٌ مَعَ الْبِنْتِ فَإِنَّ الْأَخَوَاتِ مَعَ الْبَنَاتِ عَصَبَةٌ فَلَا تُجْعَلُ الْبِنْتُ كَالْمَعْدُومِ، وَلَكِنْ لَوْ مَاتَ الْأَبُ كَانَ نِصْفُ مِيرَاثِهِ لِلْبِنْتِ وَالْبَاقِي لِلْأُخْتِ لِأَبٍ وَأُمٍّ، فَكَذَا النَّفَقَةُ عَلَى الْأُخْتِ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَنَفَقَةُ الْبِنْتِ عَلَى الْعَمَّةِ لِأَبٍ وَأُمٍّ خَاصَّةً عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ الْأَبَ الْمُحْتَاجَ جُعِلَ كَالْمَعْدُومِ، وَعِنْدَ انْعِدَامِ الْوَلَدِ فَمِيرَاثُ الْبِنْتِ يَكُونُ لِلْعَمَّةِ لِأَبٍ وَأُمٍّ خَاصَّةً عِنْدَنَا   [منحة الخالق] وَبِالْمَنْزِلِ الْمُشْتَرَكِ، وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ. اهـ. (قَوْلُهُ: فِيهِ اخْتِلَافُ الرِّوَايَةِ) أَقُولُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَتَاعَ بِمَنْزِلَةِ الْمَنْزِلِ وَالْخَادِمِ فِي جَرَيَانِ الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ فِيهِ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْعُيُونِ، وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً لَهَا مَنْزِلٌ وَخَادِمٌ وَمَتَاعٌ وَلَا فَضْلَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَلَهَا أَخٌ مُوسِرٌ أَوْ عَمٌّ مُوسِرٌ وَطَلَبَتْ النَّفَقَةَ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُجْبِرُهُ عَلَيْهَا هَكَذَا قَالَ الْخَصَّافُ، وَقَالَ غَيْرُهُ لَا يُجْبَرُ وَيُقَالُ لَهَا بِيعِي دَارَك وَخَادِمَك، وَقَالَ يَحْيَى بْنُ آدَمَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى نَفَقَتِهَا إذَا كَانَ لَهَا خَادِمٌ وَمَتَاعٌ اهـ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ النَّفَقَةِ قَبْلَ الْفِطَامِ وَالرَّضَاعِ كُلُّهُ عَلَى الْأُمِّ) قَالَ الرَّمْلِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّ الْجَوَابَ فِي الْحَضَانَةِ كَذَلِكَ فَيَجْرِي فِيهَا مَا يَجْرِي فِي الرَّضَاعِ فَيَكُونُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أُجْرَةَ الْحَضَانَةِ أَيْضًا عَلَى الْأُمِّ وَالْأَخِ أَثْلَاثًا بِحَسَبِ الْمِيرَاثِ لِاحْتِيَاجِهِ إلَيْهَا كَاحْتِيَاجِهِ إلَى النَّفَقَةِ، وَقَدْ كَتَبْنَاهُ فِي بَابِ الْحَضَانَةِ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا كَانَ لِلْفَقِيرِ الزَّمِنِ إلَخْ) قَيَّدَ بِالزَّمِنِ؛ لِأَنَّ الْأَبَ إذَا كَانَ فَقِيرًا غَيْرَ زَمِنٍ لَا يُجْعَلُ كَالْمَيِّتِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْأُمَّ الْمُوسِرَةَ تُنْفِقُ عَلَى الصِّغَارِ لِتَرْجِعَ عَلَى الْأَبِ، وَكَذَا الْجَدُّ بِنَاءً عَلَى مَا مَرَّ عَنْ الْقُدُورِيِّ وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ مِنْ أَنَّ النَّفَقَةَ لَا تَجِبُ عَلَى الْجَدِّ وَإِنَّمَا يُؤْمَرُ بِهَا دَيْنًا عَلَى الْأَبِ، وَقَدْ عَلِمْت مِمَّا مَرَّ أَنَّ أَصْحَابَ الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ اخْتَارُوا هَذِهِ الرِّوَايَةَ عَلَى خِلَافِ مَا صَحَّحَهُ فِي الذَّخِيرَةِ (قَوْلُهُ وَلَيْسَ بِزَمِنٍ) الَّذِي رَأَيْته فِي الذَّخِيرَةِ وَكَبِيرٌ زَمِنٌ وَهُوَ الصَّوَابُ؛ لِأَنَّ الصَّغِيرَ الْمُعْسِرَ تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَى الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ بِلَا قَيْدِ زَمَانَةٍ أَمَّا الْكَبِيرُ فَلَا بُدَّ مِنْهَا كَمَا مَرَّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْوَاوَ فِي عِبَارَةِ الذَّخِيرَةِ بِمَعْنَى أَوْ. (قَوْلُهُ: وَلِهَذَا الْمُعْسِرِ) أَيْ الَّذِي هُوَ أَبُو الصَّغِيرِ. (قَوْلُهُ: عَلَى الْعَمِّ وَالْأُمِّ خَاصَّةً) كَذَا رَأَيْته فِي نُسْخَتَيْ الذَّخِيرَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ فِيهِ سَقْطًا وَالْأَصْلُ عَلَى الْعَمِّ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ بِقَرِينَةِ مَا بَعْدَهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 229 فَكَذَا النَّفَقَةُ عَلَيْهَا وَتَمَامُهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَعُلِمَ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ أَنَّ الْوَلَدَ الْكَبِيرَ دَاخِلٌ تَحْتَ الْقَرِيبِ الْمَحْرَمِ فَتَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَى الْأَبِ بِشَرْطِ الْعَجْزِ عَلَى رِوَايَةِ الْمَبْسُوطِ وَعَلَى مَا ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ فِي نَفَقَاتِهِ فَهِيَ عَلَى الْأَبِ وَالْأُمِّ أَثْلَاثًا ثُلُثَاهَا عَلَى الْأَبِ وَالثُّلُثُ عَلَى الْأُمِّ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ، وَإِذَا طَلَبَ الِابْنُ الْكَبِيرُ الْعَاجِزُ أَوْ الْأُنْثَى أَنْ يَفْرِضَ لَهُ الْقَاضِي النَّفَقَةَ عَلَى الْأَبِ أَجَابَهُ الْقَاضِي وَيَدْفَعُ مَا فَرَضَ لَهُمْ إلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حَقَّهُمْ وَلَهُمْ وِلَايَةُ الِاسْتِيفَاءِ اهـ. فَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ الْأَبُ لِلْوَلَدِ الْكَبِيرِ أَنَا أُطْعِمُك وَلَا أَدْفَعُ إلَيْك شَيْئًا لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ، وَكَذَا الْحُكْمُ فِي نَفَقَةِ كُلِّ مَحْرَمٍ لَكِنْ لَا يُشْتَرَطُ يَسَارُ الْأَبِ لِنَفَقَةِ الْوَلَدِ الْكَبِيرِ الْعَاجِزِ؛ لِأَنَّهُ كَالصَّغِيرِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَشَرَطَ الْمُصَنِّفُ الْيَسَارَ؛ لِأَنَّ الْفَقِيرَ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ غَيْرِ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ وَالزَّوْجَةِ وَاخْتُلِفَ فِي حَدِّ الْيَسَارِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ مَرْوِيَّةٍ الْأَصَحُّ مِنْهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِنِصَابِ الزَّكَاةِ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ حَتَّى لَوْ اُنْتُقِصَ مِنْهُ دِرْهَمٌ لَا تَجِبُ وَبِهِ يُفْتَى وَاخْتَارَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ مُعَلِّلًا بِأَنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ عَلَى الْمُوسِرِ وَنِهَايَةُ الْيَسَارِ لَا حَدَّ لَهَا وَبِدَايَتُهُ النِّصَابُ فَيُقَدَّرُ بِهِ اهـ. وَثَانِيهِمَا أَنَّهُ نِصَابُ حِرْمَانِ الصَّدَقَةِ وَهُوَ النِّصَابُ الَّذِي لَيْسَ بِنَامٍ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَصَحَّحَهُ فِي الذَّخِيرَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُشْتَرَطْ لِوُجُوبِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ غِنَى مُوجِبِ الزَّكَاةِ وَإِنَّمَا شُرِطَ غِنَى مَحْرَمٍ لِلصَّدَقَةِ فَكَذَا فِي حَقِّ إيجَابِ النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ بِصَدَقَةِ الْفِطْرِ أَشْبَهُ مِنْهَا بِالزَّكَاةِ؛ لِأَنَّ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ مَعْنَى الْمُؤْنَةِ وَمَعْنَى الصَّدَقَةِ فَإِذَا لَمْ يُشْتَرَطْ لِوُجُوبِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ غِنَى مُوجِبٍ لِلزَّكَاةِ وَهِيَ صَدَقَةٌ مِنْ وَجْهٍ مُؤْنَةٌ مِنْ وَجْهٍ فَلَأَنْ لَا يُشْتَرَطَ لِوُجُوبِ النَّفَقَةِ مُوجِبٌ لِلزَّكَاةِ وَأَنَّهَا مُؤْنَةٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَانَ أَوْلَى اهـ. وَرَجَّحَ الزَّيْلَعِيُّ رِوَايَةَ مُحَمَّدٍ الَّتِي قَدَّرَتْ الْيَسَارَ بِمَا يَفْضُلُ عَنْ نَفَقَةِ نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ شَهْرًا إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْغَلَّةِ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْحِرَفِ فَهُوَ مُقَدَّرٌ بِمَا يَفْضُلُ عَنْ نَفَقَتِهِ وَنَفَقَةِ عِيَالِهِ كُلَّ يَوْمٍ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ الْقُدْرَةُ دُونَ النِّصَابِ وَهُوَ مُسْتَغْنٍ عَمَّا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَيَصْرِفُهُ إلَى أَقَارِبِهِ إذْ الْمُعْتَبَرُ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ الْقُدْرَةُ دُونَ النِّصَابِ، وَهَذَا أَوْجَهُ اهـ. وَفِي التُّحْفَةِ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ أَرْفَقُ وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَمَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ إلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ اهـ. وَلَمْ أَرَ مَنْ أَفْتَى بِهِ مِنْ مَشَايِخِنَا فَالِاعْتِمَادُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ، وَالْأَرْجَحُ الثَّانِي كَمَا لَا يَخْفَى وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْقَوْلَ لِمُنْكِرِ الْيَسَارِ وَالْبَيِّنَةَ لِمُدَّعِيهِ وَفِي الْقُنْيَةِ لَهُ عَمٌّ وَجَدٌّ أَبُو الْأُمِّ فَنَفَقَتُهُ عَلَى أَبِي الْأُمِّ وَإِنْ كَانَ الْمِيرَاثُ لِلْعَمِّ، وَلَوْ كَانَ لَهُ أُمٌّ وَأَبٌ لِأُمٍّ مُوسِرَانِ فَعَلَى الْأُمِّ وَفِيهِ إشْكَالٌ قَوِيٌّ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ إذَا كَانَ لَهُ أُمٌّ وَعَمٌّ مُوسِرَانِ فَالنَّفَقَةُ عَلَيْهِمَا أَثْلَاثًا فَلَمْ يَجْعَلْ الْأُمَّ أَقْرَبَ مِنْ الْعَمِّ وَجَعَلَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ أَبَ الْأُمِّ أَقْرَبَ مِنْ الْعَمِّ وَلَزِمَ مِنْهُ أَنْ تَكُونَ النَّفَقَةُ عَلَى أَبِ الْأُمِّ مَعَ الْأُمِّ وَمَعَ هَذَا أَوْجَبَهَا عَلَى   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَعَلَى مَا ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ فِي نَفَقَاتِهِ إلَخْ) قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ الْأَوَّلُ. (قَوْلُهُ: وَاخْتَارَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ إلَخْ) كَذَا قَالَ فِي الْفَتْحِ قَالَ الرَّمْلِيُّ عِبَارَةُ الْوَلْوَالِجِيِّ وَلَا يُجْبَرُ الرَّجُلُ عَلَى نَفَقَةِ ذَوِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ وَكَانَ لَهُ كَفَافٌ وَفَضْلٌ عَنْ قُوتِهِ حَتَّى يَكُونَ لَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ فَصَاعِدًا؛ لِأَنَّ نَفَقَةَ ذَوِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ تَجِبُ عَلَى الْمُوسِرِ وَنِهَايَةُ الْيَسَارِ لَا حَدَّ لَهَا وَبِدَايَةُ الْيَسَارِ لَهَا حَدٌّ وَهُوَ النِّصَابُ فَيُقَدَّرُ الْيَسَارُ بِالنِّصَابِ اهـ. كَلَامُهُ. وَأَقُولُ: النِّصَابُ فِي كَلَامِهِ مُطْلَقٌ مُحْتَمِلٌ لِهَذَا وَلِهَذَا وَلَا يُعَيِّنُهُ لِلزَّكَاةِ قَوْلُهُ وَفَضَلَ مِنْ قُوتِهِ لِاشْتِرَاطِ النَّمَاءِ فِيهِ فَالنِّصَابُ مُطْلَقٌ فِي كَلَامِهِ فَكَيْفَ يَصِحُّ قَوْلُهُ وَاخْتَارَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ تَأَمَّلْ. اهـ. قُلْتُ: لَكِنَّ قَوْلَهُ حَتَّى يَكُونَ لَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ فَصَاعِدًا يُعَيِّنُ نِصَابَ الزَّكَاةِ إذْ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ نِصَابَ الصَّدَقَةِ لَقَالَ حَتَّى يَكُونَ لَهُ مَا يُسَاوِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، وَلَوْ غَيْرَ نَامٍ إذْ لَا شَكَّ أَنَّ الْمِائَتَيْنِ مِنْ الدَّرَاهِمِ نِصَابٌ نَامٍ فَهُوَ نِصَابُ الزَّكَاةِ لَا نِصَابُ حِرْمَانِهَا. (قَوْلُهُ: وَرَجَّحَ الزَّيْلَعِيُّ رِوَايَةَ مُحَمَّدٍ الَّتِي قَدَّرَتْ إلَخْ) وَكَذَا رَجَّحَهَا فِي الْفَتْحِ حَيْثُ قَالَ: وَإِذَا كَانَ كَسُوبًا يُعْتَبَرُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ، وَهَذَا يَجِبُ أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ فِي الْفَتْوَى اهـ. وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ الَّتِي إلَخْ إلَى أَنَّ عَنْ مُحَمَّدٍ رِوَايَتَيْنِ قَالَ فِي الْفَتْحِ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ رِوَايَتَانِ أَحَدُهُمَا بِمَا يَفْضُلُ عَنْ نَفَقَةِ شَهْرٍ وَالْأُخْرَى بِمَا يَفْضُلُ عَنْ كَسْبِهِ كُلَّ يَوْمٍ حَتَّى لَوْ كَانَ كَسْبُهُ دِرْهَمًا وَيَكْفِيهِ أَرْبَعَةُ دَوَانِقَ وَجَبَ عَلَيْهِ الدَّانَقَانِ لِلْقَرِيبِ وَمُجْمَلُ الرِّوَايَتَيْنِ عَلَى حَاجَةِ الْإِنْسَانِ إنْ كَانَ مُكْتَسِبًا لَا مَالَ لَهُ حَاصِلٌ اعْتَبَرَ فَضْلَ كَسْبِهِ الْيَوْمِيِّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ، بَلْ لَهُ مَالٌ اعْتَبَرَ نَفَقَةَ شَهْرٍ فَيُنْفِقُ ذَلِكَ الشَّهْرَ فَإِنْ صَارَ فَقِيرًا ارْتَفَعَتْ نَفَقَتُهُ عَنْهُ. اهـ. فَمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ هُوَ مَحْمَلُ الرِّوَايَتَيْنِ لَا أَحَدِهِمَا كَمَا يُوهِمُهُ ظَاهِرُ كَلَامِهِ وَبِمَا ذُكِرَ عَنْ الْفَتْحِ تَتِمُّ الْأَقْوَالُ الْأَرْبَعَةُ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَفِيهِ إشْكَالٌ قَوِيٌّ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ الْأُمُّ مَعَ الْجَدِّ أَبِي الْأُمِّ مَعَ كَوْنِهَا أَقْرَبَ مِنْهُ هِيَ وَارِثَةٌ فَاجْتَمَعَ فِيهَا الْإِرْثُ وَالْأَقْرَبِيَّةُ مَعَهُ بِخِلَافِهَا مَعَ الْعَمِّ لِوُجُودِ الْإِرْثِ فِيهِمَا فَاعْتُبِرَ أَيْ الْإِرْثُ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: إذَا كَانَ لَهُ أُمٌّ وَعَمٌّ مُوسِرَانِ فَالنَّفَقَةُ عَلَيْهِمَا) قَالَ الرَّمْلِيُّ: فَلَوْ كَانَا مُعْسِرَيْنِ فَهِيَ عَلَى الْأُمِّ لَا عَلَى الْعَمِّ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ الْفَقِيرُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ غَيْرِ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ وَالْأُمُّ مِنْ قِسْمِ الْأُصُولِ لَا الْعَمُّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 230 الْأُمِّ وَيَتَفَرَّعُ مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ فَرْعٌ أُشْكِلَ الْجَوَابُ فِيهِ وَهُوَ مَا إذَا كَانَتْ لَهُ أُمٌّ وَعَمٌّ وَأَبٌ لِأُمٍّ مُوسِرُونَ فَيُحْتَمَلُ أَنْ تَجِبَ عَلَى الْأُمِّ لَا غَيْرُ؛ لِأَنَّ أَبَا الْأُمِّ لَمَّا كَانَ أَوْلَى مِنْ الْعَمِّ وَالْأُمُّ أَوْلَى مِنْ أَبِي الْأُمِّ كَانَتْ الْأُمُّ أَوْلَى مِنْ الْعَمِّ لَكِنْ بِتَرْكِ جَوَابِ الْكِتَابِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْأُمِّ وَالْعَمِّ أَثْلَاثًا اهـ. وَفِي الْخَانِيَّةِ صَغِيرٌ مَاتَ أَبُوهُ وَلَهُ أُمٌّ وَجَدٌّ أَبِ الْأَبِ كَانَتْ النَّفَقَةُ عَلَيْهِمَا أَثْلَاثًا الثُّلُثُ عَلَى الْأُمِّ وَالثُّلُثَانِ عَلَى جَدِّ الْأَبِ اهـ. وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الْجَدَّ لَيْسَ كَالْأَبِ فِيهَا. (قَوْلُهُ وَصَحَّ بَيْعُ عَرْضِ ابْنِهِ لَا عَقَارِهِ لِلنَّفَقَةِ) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ لَهُ بَيْعُ شَيْءٍ وَهُوَ قَوْلُهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ لِانْقِطَاعِهَا بِالْبُلُوغِ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ حَالَ حَضْرَتِهِ وَلَا يَمْلِكُ الْبَيْعَ فِي دَيْنٍ لَهُ سِوَى النَّفَقَةِ، وَالْمَذْكُورُ فِي الْمُخْتَصَرِ هُوَ الِاسْتِحْسَانُ وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ لِلْأَبِ وِلَايَةَ الْحِفْظِ فِي مَالِ الْغَائِبِ أَلَا تَرَى أَنَّ لِلْوَصِيِّ ذَلِكَ فَلِلْأَبِ أَوْلَى لِوُفُورِ شَفَقَتِهِ وَبَيْعُ الْمَنْقُولِ مِنْ بَابِ الْحِفْظِ وَلَا كَذَلِكَ الْعَقَارُ؛ لِأَنَّهَا مُخْتَصَّةٌ بِنَفْسِهَا قَيَّدَ بِالْأَبِ؛ لِأَنَّ الْأُمَّ وَسَائِرَ الْأَقَارِبِ لَيْسَ لَهُمْ بَيْعُ شَيْءٍ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُمْ لَا وِلَايَةَ لَهُمْ أَصْلًا فِي التَّصَرُّفِ حَالَةَ الصِّغَرِ وَلَا فِي الْحِفْظِ بَعْدَ الْكِبَرِ، وَإِذَا جَازَ بَيْعُ الْأَبِ فَالثَّمَنُ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ وَهُوَ النَّفَقَةُ فَلَهُ الِاسْتِيفَاءُ مِنْهُ كَمَا لَوْ بَاعَ الْعَقَارَ وَالْمَنْقُولَ عَلَى الصَّغِيرِ جَازَ لِكَمَالِ الْوِلَايَةِ، ثُمَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ نَفَقَتَهُ؛ لِأَنَّهُ جِنْسُ حَقِّهِ وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الِابْنِ الْكَبِيرِ أَمَّا الصَّغِيرُ فَلِلْأَبِ بَيْعُ عَرْضِهِ لِلنَّفَقَةِ إجْمَاعًا كَمَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَهُ بَيْعُ عَقَارِهِ، وَكَذَا الْمَجْنُونُ بِخِلَافِ غَيْرِ الْأَبِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَيَتَفَرَّعُ مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَقُولُ: وَإِذَا اجْتَمَعَ أَجْدَادٌ وَجَدَّاتٌ لَزِمَتْ الْأَقْرَبَ، وَلَوْ لَمْ يُدْلِ بِهِ الْآخَرُ لِقُرْبِهِ وَفِي الْفَيْضِ الْكُرْكِيِّ، وَعِنْدَ الِاسْتِوَاءِ فِي الْمَحْرَمِيَّةِ يُرَجَّحُ مَنْ كَانَ وَارِثًا حَقِيقَةً فِي هَذِهِ الْحَالَةِ حَتَّى لَوْ كَانَ لَهُ عَمٌّ وَخَالٌ فَالنَّفَقَةُ عَلَى الْعَمِّ فَكَذَا لَوْ كَانَ لَهُ عَمٌّ وَعَمَّةٌ وَخَالَةٌ فَالنَّفَقَةُ عَلَى الْعَمِّ، وَلَوْ كَانَ الْعَمُّ مُعْسِرًا فَالنَّفَقَةُ عَلَى الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ أَثْلَاثًا عَلَى قَدْرِ مِيرَاثِهِمَا وَيُجْعَلُ الْعَمُّ كَالْمَيِّتِ اهـ. وَيَظْهَرُ مِنْ فُرُوعِهِمْ أَنَّ الْأَقْرَبِيَّةَ إنَّمَا تُقَدَّمُ إذَا لَمْ يَكُونُوا وَارِثِينَ كُلُّهُمْ فَأَمَّا إذَا كَانُوا كَذَلِكَ فَلَا كَالْأُمِّ وَالْعَمِّ أَوْ الْجَدِّ لِقَوْلِهِمْ بِقَدْرِ الْمِيرَاثِ وَاَلَّذِي يَنْبَغِي التَّعْوِيلُ عَلَيْهِ فِي الْفَرْعِ الْمُشْكِلِ أَنْ تَكُونَ عَلَى الْأُمِّ وَالْعَمِّ أَثْلَاثًا؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا وَارِثٌ، وَقَدْ سَقَطَ أَبُو الْأُمِّ بِالْأُمِّ فَكَانَ كَالْمَيِّتِ فَتَأَمَّلْ يَظْهَرُ لَك الْأَمْرُ أَقُولُ: وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمَهُ الْمُؤَلِّفُ مِنْ قَوْلِهِ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَلِأَبَوَيْهِ إلَى أَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي وُجُوبِ نَفَقَةِ الْوَالِدَيْنِ وَالْمَوْلُودِينَ إنَّمَا هُوَ الْقُرْبُ وَالْجُزْئِيَّةُ وَلَا يُعْتَبَرُ الْمِيرَاثُ إلَى آخِرِ مَا ذُكِرَ هُنَاكَ فَرَاجِعْهُ وَتَأَمَّلْ. ثُمَّ قَالَ الرَّمْلِيُّ، وَقَدْ سُئِلْتُ عَنْ يَتِيمَةٍ لَهَا أُمٌّ وَخَالٌ وَأَوْلَادُ عَمٍّ فَأَجَبْت بِأَنَّ نَفَقَتَهَا عَلَى الْأُمِّ خَاصَّةً لَا عَلَى الْخَالِ وَلَا عَلَى أَوْلَادِ الْعَمِّ أَمَّا الْخَالُ فَإِنَّهُ لَا إرْثَ لَهُ مَعَ الْأُمِّ مَعَ كَوْنِهَا أَقْرَبَ مِنْهُ فَلَا وَجْهَ لِاشْتِرَاكِهَا مَعَهَا فِي النَّفَقَةِ بِخِلَافِ الْعَمِّ فَإِنَّهُ يَرِثُ مَعَهَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي كُتُبِهِمْ عَامَّةً مِنْ عَدَمِ مُشَارَكَةِ أَبِ الْأُمِّ مَعَهَا فَكَيْفَ الْخَالُ مَعَ أَنَّ أَبَ الْأُمِّ لَوْ اجْتَمَعَ مَعَ الْخَالِ قُدِّمَ أَبُو الْأُمِّ بِلَا شُبْهَةٍ فَعَلِمْنَا قَطْعًا بِأَنَّ الْخَالَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ النَّفَقَةِ مَعَ الْأُمِّ بِالْأَوْلَى وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي الْمِنْهَاجِ الْحَنَفِيِّ مِنْ قَوْلِهِ فَإِنْ كَانَ لِلصَّغِيرِ أُمٌّ مُوسِرَةٌ وَجَدٌّ مُوسِرٌ وَلَا أَبَ لَهُ فَنَفَقَتُهُ عَلَى الْأُمِّ وَالْجَدِّ عَلَى قَدْرِ مَوَارِيثِهِمَا، وَكَذَلِكَ الْعَمُّ مَعَ الْأُمِّ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْعَصَبَةِ سِوَاهُمَا مَعَهَا وَإِنْ كَانَ لِلصَّغِيرِ ابْنُ عَمٍّ مُوسِرٌ وَخَالٌ مُوسِرٌ فَنَفَقَتُهُ عَلَى خَالِهِ اهـ. فَمَفْهُومُهُ أَنَّ غَيْرَ الْعَصَبَةِ مَعَهَا لَا يُشَارِكُهَا وَالْخَالُ لَيْسَ عَصَبَةً فَلَا يُشَارِكُهَا وَمَنْ تَوَهَّمَ ذَلِكَ فَقَدْ أُبْعِدَ عَنْ الْفَهْمِ جِدًّا وَإِنَّمَا ذَكَرْتُ لِمَا وَجَدْتُ مِنْ إفْتَاءِ بَعْضِ الْمُفْتِينَ بِهَذَا الْعَصْرِ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَوْ اجْتَمَعَ الْعَمُّ وَالْخَالُ فَهِيَ عَلَى الْعَمِّ فَبِالْأَوْلَى إذَا اجْتَمَعَ مَعَ الْأُمِّ الْخَالُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِمَا تَقَدَّمَ فِي وَجْهِ الْإِشْكَالِ، وَأَمَّا ابْنُ الْعَمِّ فَلِأَنَّهُ لَا نَفَقَةَ عَلَيْهِ، وَلَوْ انْفَرَدَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَحْرَمٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ: عَلَى جَدِّ الْأَبِ) صَوَابُهُ عَلَى الْجَدِّ أَبِي الْأَبِ؛ لِأَنَّ الضَّمِيرَ فِي لَهُ لِلصَّغِيرِ. (قَوْلُهُ: وَبِهِ عُلِمَ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة نَقْلًا عَنْ الْمُحِيطِ تَجِبُ عَلَيْهِمَا أَثْلَاثًا بِخِلَافِ الْأَبِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ النَّفَقَةَ عَلَى الْجَدِّ كُلَّهَا وَهُوَ أَلْيَقُ بِمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمِيرَاثِ فَإِنَّهُ يُلْحِقُ الْجَدَّ بِالْأَبِ مُطْلَقًا حَتَّى قَالَ الْجَدُّ أَوْلَى مِنْ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ. اهـ. فَعَلَى مَا رَوَى الْحَسَنُ الْجَدُّ كَالْأَبِ فِيهَا اهـ. أَقُولُ: وَعَلَّلَ فِي الذَّخِيرَةِ لِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بِأَنَّ اتِّصَالَ النَّافِلَةِ بِالْجَدِّ كَاتِّصَالِهِ بِالْأَخِ بِوَاسِطَةِ الْأَبِ وَفِي الْأَخِ وَالْأُمِّ النَّفَقَةُ عَلَيْهِمَا كَإِرْثِهِمَا فَكَذَا فِي الْجَدِّ وَالْأُمِّ. (قَوْلُهُ: كَالْأَبِ فِيهَا) أَيْ فِي النَّفَقَةِ قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ اعْتِبَارًا بِالْمِيرَاثِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْأُمَّ وَسَائِرَ الْأَقَارِبِ لَيْسَ لَهُمْ بَيْعُ شَيْءٍ اتِّفَاقًا) قَالَ فِي النَّهْرِ لَكِنْ فِي الْأَقْضِيَةِ جَوَازُ بَيْعِ الْأَبَوَيْنِ وَهَكَذَا الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ وَبِتَقْدِيرِ الِاتِّفَاقِ فَتَأْوِيلُ مَا ذُكِرَ فِيهَا أَنَّ الْأَبَ هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّى الْبَيْعَ لَكِنْ لِنَفَقَتِهِمَا فَأُضِيفَ الْبَيْعُ إلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ بَيْعِ الْأَبِ يُصْرَفُ الثَّمَنُ إلَيْهِمَا، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ فَإِنَّ جَوَازَ بَيْعِ الْأُمِّ بَعِيدٌ كَذَا فِي الدِّرَايَةِ. اهـ. قُلْتُ: وَمِثْلُهُ فِي الذَّخِيرَةِ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ غَيْرِ الْأَبِ لَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُ الْعَقَارِ مُطْلَقًا) قَالَ فِي النَّهْرِ يَعْنِي لِلنَّفَقَةِ وَإِلَّا فَسَيَأْتِي أَنَّ لِلْوَصِيِّ ذَلِكَ عِنْدَ اسْتِيفَاءِ الشُّرُوطِ الْآتِيَةِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 231 لَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُ الْعَقَارِ مُطْلَقًا كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقَيَّدَ بِالنَّفَقَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْأَبِ بَيْعُ عَرْضِ ابْنِهِ لِدَيْنٍ لَهُ عَلَيْهِ سِوَى النَّفَقَةِ اتِّفَاقًا وَاسْتَشْكَلَهُ الزَّيْلَعِيُّ بِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْبَيْعُ مِنْ بَابِ الْحِفْظِ وَلَهُ ذَلِكَ فَمَا الْمَانِعُ مِنْهُ لِأَجْلِ دَيْنٍ آخَرَ وَأَجَابَ عَنْهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِأَنَّ النَّفَقَةَ لَا تُشْبِهُ سَائِرَ الدُّيُونِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَلْزَمُ الْقَضَاءُ عَلَى الْغَائِبِ فَلَا يَجُوزُ بِخِلَافِ النَّفَقَةِ فَإِنَّهَا وَاجِبَةٌ قَبْلَ الْقَضَاءِ وَإِنَّمَا قَضَى الْقَاضِي إعَانَةً فَجَازَ بَيْعُ الْأَبِ لِعَدَمِ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ اهـ. وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ لِلنَّفَقَةِ إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ إلَّا بِقَدْرِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ النَّفَقَةِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبِيعَ الزِّيَادَةَ عَلَى ذَلِكَ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي بَيْعِ الْعَرْضِ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِغَيْبَتِهِ؛ لِأَنَّ الِابْنَ لَوْ كَانَ حَاضِرًا لَيْسَ لِلْأَبِ الْبَيْعُ إجْمَاعًا كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ وَإِنَّمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ لِلنَّفَقَةِ وَلَمْ يَقُلْ لِنَفَقَتِهِ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّهُ يَبِيعُ لِنَفَقَتِهِ وَنَفَقَةِ أُمِّ الْغَائِبِ وَإِنْ كَانَتْ الْأُمُّ لَا تَمْلِكُ الْبَيْعَ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ الظَّاهِرُ أَنَّ الْأَبَ يَمْلِكُ الْبَيْعَ وَالْأُمَّ لَا تَمْلِكُ، وَلَكِنْ بَعْدَ مَا بَاعَ فَالثَّمَنُ يُصْرَفُ إلَيْهِمَا فِي نَفَقَتِهِمَا اهـ. وَاحْتَرَزَ بِالْأَبِ أَيْضًا عَنْ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الْبَيْعُ عِنْدَ الْكُلِّ لَا فِي الْعُرُوضِ وَلَا فِي الْعَقَارِ وَلَا فِي النَّفَقَةِ وَلَا فِي سَائِرِ الدُّيُونِ، يُرِيدُ بِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ السَّبَبُ مَعْلُومًا لِلْحَاكِمِ وَإِنْ كَانَ مَعْلُومًا، وَلَكِنْ حَاجَةُ الْأَبِ لَمْ تَكُنْ مَعْلُومَةً أَوْ إنْ كَانَتْ مَعْلُومَةً إلَّا أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ الِابْنَ أَعْطَاهَا النَّفَقَةَ وَفِي هَذِهِ الْوُجُوهِ كُلِّهَا لَا يَبِيعُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ بَاعَ الْقَاضِي وَصَرَفَ الثَّمَنَ إلَيْهِ لَا يَكُونُ ذَلِكَ الثَّمَنُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَ بِأَمْرِ الْقَاضِي فَيَتَضَرَّرُ بِهِ الْغَائِبُ فَلِذَا لَا يَبِيعُهُ الْقَاضِي، وَلَكِنْ يُفَوِّضُ الْأَمْرَ إلَى الْأَبِ وَيَقُولُ لَهُ إنْ كُنْتَ صَادِقًا فِيمَا تَدَّعِي وَإِلَّا فَلَا آمُرُك بِشَيْءٍ وَهُوَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَا يَتَضَرَّرُ الْغَائِبُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَنْفَقَ مُودَعُهُ عَلَى أَبَوَيْهِ بِلَا أَمْرٍ ضَمِنَ) أَيْ الْمُودَعُ مَا أَنْفَقَهُ؛ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي مَالِ الْغَيْرِ بِلَا وِلَايَةٍ وَلَا نِيَابَةٍ؛ لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْهُ فِي الْحِفْظِ لَا غَيْرُ وَالْمُودَعُ لَيْسَ بِقَيْدٍ؛ لِأَنَّ مَدْيُونَ الْغَائِبِ كَذَلِكَ كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَالْأَبَوَانِ لَيْسَا بِقَيْدٍ، بَلْ الْإِنْفَاقُ عَلَى الزَّوْجَةِ بِلَا أَمْرٍ كَذَلِكَ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ كِتَابِ الْوَدِيعَةِ، وَكَذَا عَلَى الْأَوْلَادِ وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِ بِلَا أَمْرٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بِأَمْرِ الْغَائِبِ فَلَا إشْكَالَ، وَكَذَا إذَا كَانَ بِأَمْرِ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ أَمْرَهُ مُلْزِمٌ لِعُمُومِ وِلَايَتِهِ وَلَا يُقَالُ إنَّهُ قَضَاءٌ عَلَى الْغَائِبِ وَلَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ نَفَقَةُ هَؤُلَاءِ وَاجِبَةٌ قَبْلَ الْقَضَاءِ وَقَضَاؤُهُ إعَانَةٌ لَهُمْ فَحَسْبُ، كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَعِنْدَ أَمْرِ الْقَاضِي لَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَبَوَيْنِ وَالْأَوْلَادِ الصِّغَارِ وَالزَّوْجَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ وَفَرَضَ لِزَوْجَةِ الْغَائِبِ إلَى آخِرِهِ. وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ الْمُودَعَ لَوْ قَضَى دَيْنَ الْمُودَعِ الْوَدِيعَةِ فَإِنَّهُ يَكُونُ ضَامِنًا وَلَمْ يُضَمِّنْهُ الْحَاكِمُ أَبُو إِسْحَاقَ، وَالصَّحِيحُ الضَّمَانُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الْوَدِيعَةِ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَأَطْلَقَهُ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ وَلَوْ كَانَ بِأَمْرِ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ هُنَا بِقَضَاءِ الدَّيْنِ قَضَاءٌ عَلَى الْغَائِبِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ بِخِلَافِ الْأَمْرِ بِالْإِنْفَاقِ كَمَا قَدَّمْنَا الْفَرْقَ وَإِنَّمَا عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِالضَّمَانِ دُونَ الْحُرْمَةِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَضْمَنُ فِي الْقَضَاءِ، وَأَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَلَوْ مَاتَ الْغَائِبُ حَلَّ لَهُ أَنْ يَحْلِفَ لِوَرَثَتِهِ أَنَّهُمْ لَيْسَ لَهُمْ عَلَيْهِ حَقٌّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ غَيْرَ الْإِصْلَاحِ، وَكَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي الضَّمَانِ فَشَمِلَ مَا إذَا أَمْكَنَ اسْتِطْلَاعُ رَأْيِ الْقَاضِي أَوْ لَا لَكِنْ نَقَلُوا عَنْ النَّوَادِرِ أَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا أَمْكَنَ أَمَّا إذَا لَمْ يُمْكِنْ فَلَا ضَمَانَ اسْتِحْسَانًا قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ، وَكَذَلِكَ قَالَ مَشَايِخُنَا فِي رَجُلَيْنِ كَانَا فِي سَفَرٍ فَأُغْمِيَ عَلَى أَحَدِهِمَا فَأَنْفَقَ الْآخَرُ عَلَى الْمُغْمَى عَلَيْهِ مِنْ مَالِ الْمُغْمَى عَلَيْهِ لَمْ يَضْمَنْ اسْتِحْسَانًا، وَكَذَا إذَا مَاتَ فَجَهَّزَهُ صَاحِبُهُ مِنْ مَالِهِ لَمْ يَضْمَنْ اسْتِحْسَانًا، وَكَذَا الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ فِي التِّجَارَةِ إذَا مَاتَ مَوْلَاهُ فَأَنْفَقَ فِي الطَّرِيقِ لَمْ يَضْمَنْ، وَكَذَا رُوِيَ عَنْ مَشَايِخِ بَلْخٍ إذَا كَانَ لِلْمَسْجِدِ أَوْقَافٌ وَلَمْ يَكُنْ لَهَا مُتَوَلٍّ فَقَامَ وَاحِدٌ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ وَأَنْفَقَ عَلَى الْمَسْجِدِ فِيمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ الْحُصُرِ وَالْحَشِيشِ لَا يَضْمَنُ اسْتِحْسَانًا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 232 وَحُكِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ مَاتَ وَاحِدٌ مِنْ تَلَامِذَتِهِ فَبَاعَ مُحَمَّدٌ كُتُبَهُ وَأَنْفَقَ فِي تَجْهِيزِهِ فَقِيلَ لَهُ إنَّهُ لَمْ يُوصِ بِذَلِكَ إلَى أَحَدٍ فَتَلَا مُحَمَّدٌ قَوْله تَعَالَى {وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ} [البقرة: 220] فَمَا كَانَ عَلَى قِيَاسِ هَذَا الْأَصْلِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى اسْتِحْسَانًا أَمَّا فِي الْحُكْمِ فَهُوَ ضَامِنٌ، وَكَذَا الْوَرَثَةُ الْكِبَارُ إذَا أَنْفَقُوا عَلَى الصِّغَارِ وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ وَصِيٌّ فَإِنَّهُمْ مُتَطَوِّعُونَ حُكْمًا، وَأَمَّا دِيَانَةً فَإِنَّهُمْ مُحْسِنُونَ وَيَسَعُهُمْ أَنْ يُقِرُّوا بِمَا فَضَلَ مِنْ نَصِيبِ الصِّغَارِ فَقَطْ، وَلَوْ حَلَفُوا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ وَنَظِيرُهُ إذَا عَرَفَ الْوَصِيُّ الدَّيْنَ عَلَى الْمَيِّتِ فَقَضَاهُ وَلَمْ يُقِرَّ بِذَلِكَ وَلَمْ يَعْرِفْهُ الْقَاضِي وَلَا الْوَرَثَةُ وَلَا يَأْثَمُ. وَكَذَا إذَا كَانَ لِرَجُلٍ عِنْدَ رَجُلٍ وَدِيعَةٌ وَعَلَى صَاحِبِ الْوَدِيعَةِ مِثْلُهَا دَيْنٌ وَالْمُودَعُ يَعْلَمُ أَنَّهُ مَاتَ وَلَمْ يَقْبِضْ دَيْنَهُ وَسِعَ الْمُودَعَ أَنْ يَقْضِيَ ذَلِكَ الدَّيْنَ بِمَالِهِ وَلَا يَقْرَبَهُ، وَكَذَا إذَا كَانَ لِعَمْرٍو عَلَى زَيْدٍ دَيْنٌ وَعَلَى عَمْرٍو مِثْلُ ذَلِكَ الدَّيْنِ لِرَجُلٍ آخَرَ فَمَاتَ عَمْرٌو وَزَيْدٌ يَعْرِفُ أَنَّ عَمْرًا لَمْ يَقْضِ دَيْنَهُ يَسَعُ لِزَيْدٍ أَنْ يَقْضِيَ دَيْنَ عَمْرٍو بِمَا لِعَمْرٍو عَلَى زَيْدٍ وَلَا يُخْبِرَ وَرَثَتَهُ بِذَلِكَ اهـ. وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ أَنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ أَخَذَ الرَّايَةَ وَتَأَمَّرَ مِنْ غَيْرِ تَأْمِيرٍ لِأَجْلِ الْإِصْلَاحِ ذَكَرَهُ الْكَرْمَانِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ الْجَنَائِزِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ هَلْ يَرْجِعُ بِمَا أَنْفَقَهُ عَلَى مَنْ أَنْفَقَ عَلَيْهِ عِنْدَ ضَمَانِهِ وَقَالُوا لَا رُجُوعَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْمُودَعَ مَلَكَ الْمَدْفُوعَ بِالضَّمَانِ فَكَانَ مُتَبَرِّعًا بِمِلْكِ نَفْسِهِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِمْ وَبَيْنَ أَنْ يَدْفَعَ الْوَدِيعَةَ إلَيْهِمْ فِي وُجُوبِ الضَّمَانِ وَعَدَمِ الرُّجُوعِ عَلَيْهِمْ لِوُجُودِ الْعِلَّةِ فِيهِمَا وَلَمْ أَرَ أَنَّهُ إذَا أَنْفَقَ عَلَيْهِمْ بِلَا أَمْرٍ، ثُمَّ أَجَازَ الْمَالِكُ لِظُهُورِ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ؛ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ إبْرَاءٌ لَهُ مِنْ الضَّمَانِ، وَلِقَوْلِهِمْ إنَّ الْإِجَازَةَ اللَّاحِقَةَ كَالْوَكَالَةِ السَّابِقَةِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَنْفَقَا مَا عِنْدَهُمَا لَا) أَيْ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا اسْتَوْفَيَا حَقَّهُمَا؛ لِأَنَّ نَفَقَتَهُمَا وَاجِبَةٌ قَبْلَ الْقَضَاءِ عَلَى مَا مَرَّ، وَقَدْ أَخَذَا جِنْسَ الْحَقِّ وَفِي الْخُلَاصَةِ، وَلَوْ أَنْفَقَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ مَالِ الِابْنِ، ثُمَّ خَاصَمَهُ الِابْنُ فَقَالَ أَنْفَقْتَهُ وَأَنْتَ مُوسِرٌ، وَقَالَ الْأَبُ أَنْفَقْتُهُ وَأَنَا مُعْسِرٌ قَالَ اُنْظُرْ إلَى حَالِ الْأَبِ يَوْمَ الْخُصُومَةِ إنْ كَانَ مُعْسِرًا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ اسْتِحْسَانًا فِي نَفَقَةِ مِثْلِهِ وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الِابْنِ، وَلَوْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الِابْنِ اهـ. وَحُكْمُ الزَّوْجَةِ وَالْوَلَدِ كَالْأَبَوَيْنِ إذَا أَنْفَقَا مَا عِنْدَهُمَا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ مِنْ الْقَرِيبِ الْمَحْرَمِ الْعَاجِزِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ بِالْإِنْفَاقِ بِغَيْرِ قَضَاءٍ وَلَا رِضًا قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ إنَّ نَفَقَةَ الْوَالِدَيْنِ وَالْمَوْلُودِينَ وَالزَّوْجَةِ وَاجِبَةٌ قَبْلَ الْقَضَاءِ حَتَّى إذَا ظَفِرَ أَحَدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ بِجِنْسِ حَقِّهِمْ كَانَ لَهُ الْأَخْذُ بِغَيْرِ قَضَاءٍ وَلَا رِضًا فَأَمَّا نَفَقَةُ سَائِرِ الْأَقَارِبِ لَا تَجِبُ إلَّا بِالْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا حَتَّى لَوْ ظَفِرَ وَاحِدٌ مِنْ الْأَقَارِبِ بِجِنْسِ حَقِّهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْأَخْذُ إلَّا بِقَضَاءٍ أَوْ رِضًا؛ وَلِذَا يَفْرِضُ الْقَاضِي فِي مَالِ الْغَائِبِ نَفَقَةَ الْأَوَّلَيْنِ فَقَطْ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَضَى بِنَفَقَةِ الْوِلَادِ وَالْقَرِيبِ وَمَضَتْ مُدَّةٌ سَقَطَتْ) لِأَنَّ نَفَقَةَ هَؤُلَاءِ تَجِبُ كِفَايَةً لِلْحَاجَةِ حَتَّى تَجِبَ مَعَ الْيَسَارِ، وَقَدْ حَصَلَتْ الْكِفَايَةُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ بِخِلَافِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ إذَا قَضَى بِهَا الْقَاضِي؛ لِأَنَّهَا تَجِبُ مَعَ يَسَارِهَا فَلَا تَسْقُطُ بِحُصُولِ الِاسْتِغْنَاءِ فِيمَا مَضَى وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِأَنَّهُ يَأْثَمُ وَمُقْتَضَى وُجُوبِهَا أَنَّهُ يَأْثَمُ بِتَرْكِهَا إذَا طَلَبَهَا صَاحِبُهَا وَامْتَنَعَ مَعَ أَنَّهُمْ قَالُوا إنَّهَا لَا تَجِبُ إلَّا بِالْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الذَّخِيرَةِ؛ وَلِذَا لَيْسَ لِمَنْ هِيَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا بِغَيْرِ قَضَاءٍ وَلَا رِضًا وَصَرَّحَ الْخَصَّافُ فِي أَدَبِ الْقَاضِي بِأَنَّهَا لَا تَجِبُ إلَّا بِالْقَضَاءِ لِلِاخْتِلَافِ فِيهَا وَاسْتَشْكَلَهُ السُّرُوجِيُّ فِي الْغَايَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُمْ جَعَلُوا الْقَاضِيَ نَفْسَهُ هُوَ الَّذِي أَوْجَبَ هَذِهِ النَّفَقَةَ وَالْقَاضِي لَيْسَ بِمُشَرِّعٍ وَمَا ذَاكَ إلَّا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَانْقَطَعَ مِنْ بَعْدِهِ فَهُوَ مُشْكِلٌ جِدًّا وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ الطَّرَسُوسِيُّ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ، وَقَالَ لِمَ قِيلَ إنَّ الْوُجُوبَ يَثْبُتُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233] فَقَضَاءُ الْقَاضِي إعَانَةٌ لَهُ كَمَا فِي نَفَقَةِ الْأَوْلَادِ كَيْفَ وَأَنَّهُمْ قَدْ اسْتَدَلُّوا فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى وُجُوبِ نَفَقَةِ الْقَرِيبِ وَكَلِمَةُ عَلَى لِلْإِيجَابِ وَلَا يُعَكَّرُ عَلَى هَذَا اخْتِلَافُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَكَذَا الْوَرَثَةُ الْكِبَارُ إلَخْ) ذَكَرَ فِي نَفَقَاتِ الْخَصَّافِ الْأَخَ الْكَبِيرَ مَعَ الْأَخِ الصَّغِيرِ إذَا وَرِثَا مَالًا وَفِي الْبَلَدِ قَاضٍ أَوْ لَمْ يَكُنْ فَأَنْفَقَ الْأَخُ مِنْ نَصِيبِ الْأَخِ الصَّغِيرِ عَلَيْهِ يَضْمَنُ فِي الْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ وَكَتَبْت فِي آخِرِهَا كَرَاهِيَةَ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَمْلِكُ الْإِنْفَاقَ فَيُحْتَمَلُ أَنَّ تَأْوِيلَ مَا ذُكِرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ الْإِنْفَاقُ مِنْ جِنْسِ النَّفَقَةِ مِنْ طَعَامٍ وَغَيْرِهِ وَفِي هَذَا لَا يَحْتَاجُ إلَى بَيْعِ نَصِيبِ الْأَخِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْأَخَ فِي حِجْرِهِ وَالْمَالُ دَرَاهِمُ وَيَحْتَاجُ إلَى شِرَاءِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ وَهُوَ النَّفَقَةُ وَالْأَخُ الْكَبِيرُ يَمْلِكُ ذَلِكَ إذَا كَانَ الصَّغِيرُ فِي حِجْرِهِ وَإِلَّا فَلَا فَيَصِيرُ حَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّهُ إذَا كَانَ طَعَامًا يُنْفِقُ سَوَاءٌ كَانَ فِي حِجْرِهِ أَوْ لَا وَإِنْ كَانَ دَرَاهِمَ إنْ كَانَ فِي حِجْرِهِ يَمْلِكُ شِرَاءَ الطَّعَامِ وَالنَّفَقَةِ وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَحْتَاجُ إلَى بَيْعِهِ لَا يَمْلِكُ إلَّا أَنْ يَجْعَلَهُ الْقَاضِي وَصِيًّا كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 233 الْعُلَمَاءِ؛ لِأَنَّ الْمَسَائِلَ الِاخْتِلَافِيَّةَ يُعْمَلُ فِيهَا عَلَى الِاخْتِلَافِ وَلَا يَكُونُ الِاخْتِلَافُ مُؤَثِّرًا فِي عَدَمِ الْقَبُولِ فَإِنَّ ذَلِكَ كَانَ وَاجِبًا قَبْلَ الْقَضَاءِ كَمَا قُلْنَا فِي نَفَقَةِ الْمَبْتُوتَةِ إنَّهُ يَقْضِي بِهَا بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا ثَابِتَةٌ قَبْلَ الْقَضَاءِ وَالْقَضَاءُ إعَانَةٌ لَا أَنَّ تَعْيِينَ الْقَاضِي مُثْبِتٌ لَهَا، وَكَذَا بَقِيَّةُ الْمَسَائِلِ الْخِلَافِيَّةِ وَلَمْ يَظْهَرْ لِي الْمُوجِبُ لِفِرَارِهِمْ مِنْ هَذَا اهـ. وَفِي الْبَدَائِعِ أَنَّ شَرْطَ وُجُوبِ نَفَقَةِ الْقَرِيبِ الطَّلَبُ وَالْخُصُومَةُ بَيْنَ يَدَيْ الْقَاضِي فِي نَفَقَةِ غَيْرِ الْوِلَادِ فَلَا تَجِبُ بِدُونِهِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَجِبُ بِدُونِ قَضَاءِ الْقَاضِي وَالْقَضَاءُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ الطَّلَبِ وَالْخُصُومَةِ اهـ. وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الطَّلَبَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ يَدَيْ الْقَاضِي لَا يَكُونُ مُوجِبًا وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُدَّةِ وَهِيَ مُقَيَّدَةٌ بِالْكَثِيرَةِ أَمَّا الْقَلِيلَةُ فَلَا تَسْقُطُ وَهِيَ مَا دُونَ الشَّهْرِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَتَبِعَهَا الشَّارِحُونَ؛ لِأَنَّهَا لَوْ سَقَطَتْ بِالْمُدَّةِ الْيَسِيرَةِ لَمَا أَمْكَنَهُمْ اسْتِيفَاؤُهَا وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَكَيْفَ لَا تَصِيرُ الْقَصِيرَةُ دَيْنًا وَالْقَاضِي مَأْمُورٌ بِالْقَضَاءِ، وَلَوْ لَمْ تَصِرْ دَيْنًا لَمْ يَكُنْ بِالْأَمْرِ بِالْقَضَاءِ فَائِدَةٌ، وَلَوْ كَانَ كُلَّمَا مَضَى سَقَطَ لَمْ يُمْكِنْ اسْتِيفَاءُ شَيْءٍ وَمِثْلُ هَذَا قَدَّمْنَاهُ فِي غَيْرِ الْمَفْرُوضَةِ مِنْ نَفَقَاتِ الزَّوْجَاتِ اهـ. وَأَطْلَقَ فِي نَفَقَةِ الْوِلَادِ فَشَمِلَ الْأُصُولَ وَالْفُرُوعَ الصِّغَارَ وَالْكِبَارَ وَاسْتَثْنَى فِي الذَّخِيرَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْحَاوِي وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ الزَّيْلَعِيُّ نَفَقَةَ الصَّغِيرِ فَإِنَّهَا تَصِيرُ دَيْنًا عَلَى الْأَبِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي بِخِلَافِ نَفَقَةِ سَائِرِ الْأَقَارِبِ وَفِي الْوَاقِعَاتِ، وَإِذَا فَرَضَ نَفَقَةَ الْأَبِ أَوْ الِابْنِ فَلَمْ يَقْبِضْ سِنِينَ، ثُمَّ أَيْسَرَ أَوْ مَاتَ تَبْطُلُ؛ لِأَنَّ هَذَا صِلَةٌ مِنْ وَجْهٍ فَلَا يَصِيرُ دَيْنًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ تَعْلِيقَ الْبُطْلَانِ عَلَى الْيَسَارِ أَوْ الْمَوْتِ لَيْسَ بِقَيْدٍ لِمَا ذَكَرْنَاهُ. (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ الْقَاضِي بِالِاسْتِدَانَةِ) يَعْنِي فَلَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَهُ وِلَايَةٌ عَامَّةٌ فَصَارَ إذْنُهُ كَأَمْرِ الْغَائِبِ فَتَصِيرُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ، وَقَدْ أَخَلَّ الْمُصَنِّفُ بِقَيْدٍ لَا بُدَّ مِنْهُ وَهُوَ الِاسْتِدَانَةُ وَالْإِنْفَاقُ مِمَّا اسْتَدَانَهُ كَمَا قَيَّدَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَالنِّهَايَةِ وَغَيْرِهِمَا حَتَّى قَالَ الطَّرَسُوسِيُّ وَلَقَدْ غَلِطَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ هُنَا فِي مَفْهُومِ كَلَامِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ، وَقَالَ إذَا أَذِنَ الْقَاضِي فِي الِاسْتِدَانَةِ وَلَمْ يَسْتَدِنْ فَإِنَّهَا لَا تَسْقُطُ، وَهَذَا غَلَطٌ، بَلْ مَعْنَى الْكَلَامِ أَذِنَ الْقَاضِي فِي الِاسْتِدَانَةِ وَاسْتَدَانَ اهـ. قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ فَلَوْ أَنْفَقَ بَعْدَ الْإِذْنِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَظْهَرْ لِي الْمُوجِبُ لِفِرَارِهِمْ مِنْ هَذَا) قَالَ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِهِ أَقُولُ: لَعَلَّ الْمُوجِبَ لِفِرَارِهِمْ قُوَّةُ الِاخْتِلَافِ فَإِذَا قَوِيَ قَوْلُ الْمُخَالِفِ رَاعَوْا خِلَافَهُ وَاسْتَعَانُوا بِالْحُكْمِ كَمَا فِي الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ وَخِيَارِ الْبُلُوغِ وَغَيْرِهِمَا اهـ. وَفِي النَّهْرِ وَأَجَابَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ بِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِمْ لَا تَجِبُ أَيْ لَا يَجِبُ أَدَاؤُهَا أَمَّا نَفْسُ الْوُجُوبِ فَثَابِتٌ عِنْدَنَا وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ يَكُونُ إيجَابًا مُبْتَدَأٌ أَيْ لِلْأَدَاءِ إلَّا أَنَّ مُقْتَضَاهُ جَوَازُ أَخْذِ شَيْءٍ ظَفِرُوا بِهِ مِنْ جِنْسِ النَّفَقَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَتَدَبَّرْ. اهـ. وَقَالَ الرَّمْلِيُّ يَجُوزُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِمْ لَا تَجِبُ أَيْ لَا تَلْزَمُ إلَّا بِالْقَضَاءِ وَإِنْ كَانَتْ وَاجِبَةً قَبْلَهُ، وَقَدْ يَلْزَمُ الشَّيْءُ وَلَا يَجِبُ كَالدَّيْنِ اللَّازِمِ ذِمَّةَ الْمُعْسِرِ لَا يَلْزَمُ مِنْ لُزُومِهِ ذِمَّتَهُ وُجُوبُ أَدَائِهِ عَلَيْهِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ اللُّزُومِ وَالْوُجُوبِ ظَاهِرٌ وَذَلِكَ لِلِاخْتِلَافِ، وَقَدْ فَرَّقُوا بَيْنَ الْقَضَاءِ بِالْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ وَبَيْنَ الْقَضَاءِ بِالْمُخْتَلَفِ فِيهِ فَالْأَوَّلُ يَعْمَلُ فِيمَا سَبَقَ وَفِيمَا لَحِقَ كَالْقَضَاءِ بِأَنَّ فُلَانًا مِنْ ذُرِّيَّةِ الْوَاقِفِ؛ لِأَنَّهُ كَاشِفٌ وَالثَّانِي لَا يَعْمَلُ فِيمَا مَضَى وَيَعْمَلُ فِيمَا يَسْتَقْبِلُ كَالْقَضَاءِ بِدُخُولِ أَوْلَادِ الْبَنَاتِ فِي الْوَقْفِ عَلَى أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ بَعْدَ مُضِيِّ سِنِينَ، وَكَذَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْفُرُوعِ، وَلَوْ تَسَاوَى الْمُخْتَلَفُ فِيهِ وَالْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ لَمَا صَحَّ لَهُمْ فَرْضٌ بَيْنَهُمَا فَالْقَضَاءُ فِي الْمُخْتَلَفِ يُصَيِّرُهُ عَلَى الْوِفَاقِ، وَالْآيَةُ الشَّرِيفَةُ مُحْتَمِلَةٌ لَأَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْهَا وَارِثَ الصَّبِيِّ مِمَّنْ كَانَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ أَوْ عِصَابَةٍ أَوْ وَارِثَ الْأَبِ وَهُوَ الصَّبِيُّ أَيْ تُمَأَّنُ الْمُرْضِعَةُ مِنْ مَالِهِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَلَمْ تَكُنْ الْآيَةُ نَصًّا فِي الْمُدَّعِي؛ وَلِذَلِكَ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُوبِهَا عَلَيْهِ حِلُّ التَّنَاوُلِ لِوُقُوعِ الشُّبْهَةِ بِالِاخْتِلَافِ وَهِيَ فِي بَابِ الْحُرْمَةِ فَنُزِّلَتْ مَنْزِلَةَ الْيَقِينِ خُصُوصًا فِي الْأَمْوَالِ وَبِقَضَاءِ الْقَاضِي تَرْتَفِعُ الشُّبْهَةُ وَنَظَائِرُ هَذَا كَثِيرٌ يَعْرِفُهَا مَنْ لَهُ مُمَارَسَةٌ بِالْفِقْهِ تَأَمَّلْ. اهـ. وَهُوَ نَظِيرُ جَوَابِ الْمَقْدِسِيَّ. (قَوْلُهُ: وَاسْتَثْنَى فِي الذَّخِيرَةِ بِالِاسْتِدَانَةِ إلَخْ) أَقُولُ: مَا يَذْكُرُ الْمُؤَلِّفُ بَعْدَ أَسْطُرٍ عَنْ الذَّخِيرَةِ يُخَالِفُ هَذَا الِاسْتِثْنَاءَ تَأَمَّلْ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ أَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِهَذَا الِاسْتِثْنَاءِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: بَلْ مَعْنَى الْكَلَامِ أَذِنَ الْقَاضِي فِي الِاسْتِدَانَةِ وَاسْتَدَانَ) هَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْقَيْدَ الْمَتْرُوكَ هُوَ الِاسْتِدَانَةُ بَعْدَ الْأَمْرِ بِهَا لَا الْإِنْفَاقُ مِمَّا اسْتَدَانَ وَفِي النَّهْرِ، وَهَذَا الْإِطْلَاقُ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا وَقَعَتْ الِاسْتِدَانَةُ بِالْفِعْلِ حَتَّى لَوْ أَنْفَقَ مِنْ مَالِهِ أَوْ مِنْ صَدَقَةٍ تُصُدِّقَ بِهَا عَلَيْهِ فَلَا رُجُوعَ لَهُ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَمَا فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّهُ مُقَيَّدٌ أَيْضًا بِالْإِنْفَاقِ وَعَزَاهُ إلَى النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا فَفِيهِ نَظَرٌ إذْ لَا أَثَرَ لِإِنْفَاقِهِ مِمَّا اسْتَدَانَهُ حَتَّى لَوْ أَنْفَقَ بَعْدَمَا اسْتَدَانَ مِنْ مَالٍ آخَرَ وَوَفَّى مِمَّا اسْتَدَانَهُ لَمْ تَسْقُطْ أَيْضًا وَالْمَذْكُورُ فِي الدِّرَايَةِ عَنْ الْجَامِعِ أَنَّ نَفَقَةَ الْمَحَارِمِ تَصِيرُ دَيْنًا بِالْقَضَاءِ وَلَا تَسْقُطُ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قَبْلَ مَا ذُكِرَ فِي الْجَامِعِ إذَا اسْتَدَانَ لِنَقْضِيَ لَهُ بِالنَّفَقَةِ وَأَنْفَقَ فَكَانَتْ الْحَاجَةُ قَائِمَةً لِقِيَامِ الدَّيْنِ وَمَا ذَكَرَهُ فِي غَيْرِهِ إذَا أَنْفَقَ مِنْ غَيْرِ الِاسْتِدَانَةِ، بَلْ أَكَلَ مِنْ الصَّدَقَةِ أَوْ بِالْمَسْأَلَةِ وَإِلَيْهِ مَالَ السَّرَخْسِيُّ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 234 بِالِاسْتِدَانَةِ مِنْ مَالِهِ أَوْ مِنْ صَدَقَةٍ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَيْهِ فَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَيْهِ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ اهـ. وَصَرَّحَ فِي الذَّخِيرَةِ فِي نَفَقَةِ الْأَوْلَادِ الصِّغَارِ أَنَّهُمْ إذَا أَكَلُوا مِنْ مَسْأَلَةِ النَّاسِ فَلَا رُجُوعَ لِأُمِّهِمْ عَلَى الْأَبِ بِشَيْءٍ فَلَوْ أُعْطُوا نِصْفَ الْكِفَايَةِ وَاسْتَدَانَتْ الْأُمُّ لَهُمْ النِّصْفَ رَجَعَتْ بِمَا اسْتَدَانَتْ، وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ وَأَفَادَ الْمُصَنِّفُ بِعَدَمِ سُقُوطِهَا بَعْدَ الِاسْتِدَانَةِ الْمَأْذُونِ فِيهَا أَنَّهُ لَوْ مَاتَ مَنْ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا تَسْقُطُ عَلَى الصَّحِيحِ، بَلْ تُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ وَأَنَّ دَيْنَهَا حِينَئِذٍ مَانِعٌ مِنْ وُجُوبِ الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ لَهُ مُطَالَبٌ مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ وَفِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ غَابَ وَلَمْ يَتْرُكْ لِأَوْلَادِهِ الصِّغَارِ نَفَقَةً وَلِأُمِّهِمْ مَالٌ تُجْبَرُ الْأُمُّ عَلَى الْإِنْفَاقِ، ثُمَّ تَرْجِعُ بِذَلِكَ عَلَى الزَّوْجِ اهـ. وَلَمْ يَشْتَرِطْ الِاسْتِدَانَةَ وَلَا الْإِذْنَ بِهَا فَيُفَرِّقُ بَيْنَ مَا إذَا أَنْفَقَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ مَالِهَا وَبَيْنَ مَا إذَا أَكَلُوا مِنْ الْمَسْأَلَةِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ قَالَتْ الْأُمُّ لِلْقَاضِي افْرِضْ نَفَقَةَ هَذَا الصَّغِيرِ عَلَى أَبِيهِ وَمُرْنِي حَتَّى أَسْتَدِينَ عَلَيْهِ فَفَعَلَهُ الْقَاضِي فَإِذَا اسْتَدَانَتْ عَلَيْهِ وَأَيْسَرَ رَجَعَتْ عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ تَرْجِعْ عَلَيْهِ حَتَّى مَاتَ لَا تَأْخُذُهُ مِنْ تَرِكَتِهِ فِي الصَّحِيحِ وَإِنْ أَنْفَقَتْ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهَا أَوْ مِنْ الْمَسْأَلَةِ مِنْ النَّاسِ لَا تَرْجِعُ عَلَى الْأَبِ، وَكَذَا فِي نَفَقَةِ الْمَحَارِمِ اهـ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُمْتَنِعَ مِنْ نَفَقَةِ الْقَرِيبِ الْمَحْرَمِ بِشُرُوطِهِ يُضْرَبُ وَلَا يُحْبَسُ بِخِلَافِ الْمُمْتَنِعِ   [منحة الخالق] وَقِيلَ مَا فِي سَائِرِ الْكُتُبِ إذَا طَالَتْ الْمُدَّةُ وَمَا فِي الْجَامِعِ إذَا قَصُرَتْ. (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَشْتَرِطْ الِاسْتِدَانَةَ وَلَا الْإِذْنَ بِهَا إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ هَذَا لَا يُقَالُ إذَا وَضَعَ الْمَسْأَلَةَ أَنَّهُ أَمَرَهَا أَنْ تُنْفِقَ مِنْ مَالِهَا فَكَيْفَ يُنَاسِبُ ذِكْرَ الِاسْتِدَانَةِ تَأَمَّلْ. اهـ. يَعْنِي: قَوْلَهُ تُجْبَرُ مَعْنَاهُ أَنَّ الْقَاضِيَ يُلْزِمُهَا بِأَنْ تُنْفِقَ مِنْ مَالِهَا لِتَرْجِعَ عَلَى زَوْجِهَا قَالَ الْمَقْدِسِيَّ قُلْتُ: إذَا أُجْبِرَتْ عَلَى الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِمْ كَانَ ذَلِكَ مُتَضَمِّنًا لِلْإِذْنِ فَتَرْجِعُ بِهِ وَلَيْسَ فِي أَكْلِهِمْ مِنْ الْمَسْأَلَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى الرُّجُوعِ، بَلْ عَلَى ضِدِّهِ. (قَوْلُهُ: وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ قَالَتْ الْأُمُّ لِلْقَاضِي إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ ظَاهِرُ سِيَاقِهِ أَنَّهُ فَهِمَ مُخَالَفَتَهُ لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ مَا فِي الْخَانِيَّةِ فِيمَا إذَا أَمَرَهَا الْقَاضِي أَنْ تُنْفِقَ مِنْ مَالِهَا وَتَرْجِعَ وَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ أَمَرَهَا بِالِاسْتِدَانَةِ لَا بِالْإِنْفَاقِ مِنْ مَالِهَا وَأَمْرُ الْقَاضِي يَلْزَمُ لِعُمُومِ وِلَايَتِهِ فَإِذَا فَعَلَتْ مَا أَمَرَهَا الْقَاضِي تَرْجِعُ وَإِنْ خَالَفَتْ لَا تَرْجِعُ تَأَمَّلْ أَقُولُ: وَإِذَا أَمَرَهَا الْأَبُ بِأَنْ تُنْفِقَ عَلَيْهِ وَتَرْجِعَ بِمَا أَنْفَقَتْ عَلَيْهِ جَازَ فَإِذَا أَنْفَقَتْ مِنْ مَالِهَا أَوْ اسْتَدَانَتْ وَأَنْفَقَتْ عَلَيْهِ تَرْجِعُ فِي تَرِكَتِهِ؛ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْلَى مِنْ وِلَايَةِ الْقَاضِي، وَهَذَا ظَاهِرٌ قُلْتُهُ تَفَقُّهًا وَيُعْلَمُ مِنْ مَسْأَلَةِ الْأَمْرِ بِالْإِنْفَاقِ عَلَى أَوْلَادِهِ وَزَوْجَتِهِ، وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الصَّحِيحَ الرُّجُوعُ وَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ الرُّجُوعُ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ شَرَطَ الرُّجُوعَ رَجَعَ تَأَمَّلْ، ثُمَّ رَأَيْت بِخَطِّ بَعْضِ الْمُعَاصِرِينَ نَقْلًا عَنْ الْمُضْمَرَاتِ قَالَ وَفِي الْمُضْمَرَاتِ فِي الذَّخِيرَةِ، وَإِذَا كَانَ الْأَبُ عَاجِزًا عَنْ الْكَسْبِ وَلَا مَالَ لَهُ وَلَا لِلصَّغِيرِ ذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّهُ يَفْرِضُ الْقَاضِي النَّفَقَةَ عَلَى الْأَبِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ وَاجِدًا لِلنَّفَقَةِ فَامْتَنَعَ عَنْ النَّفَقَةِ عَلَى الْأَوْلَادِ فَإِنَّهُ يَفْرِضُ نَفَقَةَ الْأَوْلَادِ عَلَى الْأَبِ، ثُمَّ يَأْمُرُ الْمَرْأَةَ بِالِاسْتِدَانَةِ حَتَّى يَثْبُتَ لَهَا حَقُّ الرُّجُوعِ عَلَى الْأَبِ. وَلَوْ مَاتَ الْأَبُ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ إلَيْهَا هَذِهِ النَّفَقَةَ هَلْ لَهَا أَنْ تَأْخُذَ مِنْ مَالِهِ إنْ تَرَكَ مَالًا ذَكَرَ الْخَصَّافُ فِي نَفَقَاتِهِ أَنَّهَا لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ وَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّ لَهَا ذَلِكَ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ اسْتِدَانَةَ الْمَرْأَةِ بِأَمْرِ الْقَاضِي وَلِلْقَاضِي وِلَايَةٌ كَامِلَةٌ بِمَنْزِلَةِ اسْتِدَانَةِ الزَّوْجِ بِنَفْسِهِ، وَلَوْ اسْتَدَانَ الزَّوْجُ بِنَفْسِهِ، ثُمَّ مَاتَ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّيْنُ كَذَا هُنَا. اهـ. وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا صَحَّحَهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ، وَقَدْ عَزَاهَا صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ لِلْحَاوِي، وَكَذَلِكَ عَزَاهَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة لِلْحَاوِي وَأَنْتَ عَلَى عِلْمٍ أَنَّ تَصْحِيحَ الْخَصَّافِ لَا يُصَادِمُ تَصْحِيحَ الْأَصْلِ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِالنِّسَاءِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ اهـ أَيْ: تَصْحِيحُ الْأَصْلِ أَقْوَى؛ لِأَنَّهُ مِنْ كُتُبِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَالْمُعْتَمَدُ الرُّجُوعُ فِي تَرِكَتِهِ وَفِي شَرْحِ الْمَقْدِسِيَّ، وَلَوْ مَاتَ مَنْ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ الْمُسْتَدَانَةُ بِإِذْنٍ لَمْ تَسْقُطْ فِي الصَّحِيحِ فَتُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ وَإِنْ صَحَّحَ فِي الْخُلَاصَةِ خِلَافَهُ اهـ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُمْتَنِعَ مِنْ نَفَقَةِ الْقَرِيبِ إلَى قَوْلِهِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ) أَقُولُ: هَذَا سَهْوٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَنْشَأَهُ سَقَطُ بَعْضِ الْكَلَامِ مِنْ نُسْخَتِهِ الْبَدَائِعِ فَإِنَّ الَّذِي فِيهَا وَيُحْبَسُ فِي نَفَقَةِ الْأَقَارِبِ كَمَا يُحْبَسُ فِي نَفَقَةِ الزَّوْجَاتِ أَمَّا غَيْرُ الْأَبِ فَلَا شَكَّ فِيهِ، وَأَمَّا الْأَبُ فَيُحْبَسُ فِي نَفَقَةِ الْوَلَدِ وَلَا يُحْبَسُ فِي سَائِرِ دُيُونِهِ؛ لِأَنَّ إيذَاءَ الْأَبِ حَرَامٌ فِي الْأَصْلِ وَفِي الْحَبْسِ إيذَاؤُهُ إلَّا أَنَّ فِي النَّفَقَةِ ضَرُورَةً وَهِيَ دَفْعُ الْهَلَاكِ عَنْ الْوَلَدِ إذْ لَوْ لَمْ يُنْفِقْ عَلَيْهِ لَهَلَكَ فَكَانَ بِالِامْتِنَاعِ عَنْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ كَالْقَاصِدِ إهْلَاكَهُ فَدُفِعَ قَصْدُهُ بِالْحَبْسِ وَيَتَحَمَّلُ هَذَا الْقَدْرَ مِنْ الْإِيذَاءِ لِهَذِهِ الضَّرُورَةِ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَمْ يُوجَدْ فِي سَائِرِ الدُّيُونِ ؛ وَلِأَنَّ هَا هُنَا ضَرُورَةً أُخْرَى وَهِيَ اسْتِدْرَاكُ هَذَا الْحَقِّ أَعْنِي النَّفَقَةَ؛ لِأَنَّهَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ فَتَقَعُ الْحَاجَةُ إلَى الِاسْتِدْرَاكِ بِالْحَبْسِ ؛ لِأَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى الْأَدَاءِ، وَلَوْ لَمْ يُحْبَسْ يَفُوتُ حَقُّهُمْ رَأْسًا فَشُرِعَ الْحَبْسُ فِي حَقِّهِ لِضَرُورَةِ اسْتِدْرَاكِ الْحَقِّ صِيَانَةً لَهُ عَنْ الْفَوَاتِ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَمْ يُوجَدْ فِي سَائِرِ الدُّيُونِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَفُوتُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ فَلَا ضَرُورَةَ إلَى التَّدَارُكِ بِالْحَبْسِ وَلِهَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا إنَّ الْمُمْتَنِعَ مِنْ الْقَسَمِ يُضْرَبُ وَلَا يُحْبَسُ بِخِلَافِ سَائِرِ الْحُقُوقِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اسْتِدْرَاكُ هَذَا الْحَقِّ بِالْحَبْسِ؛ لِأَنَّهُ يَفُوتُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ فَيُسْتَدْرَكُ بِالضَّرْبِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْحُقُوقِ اهـ. كَلَامُ الْبَدَائِعِ وَسَيَأْتِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 235 مِنْ سَائِرِ الْحُقُوقِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اسْتِدْرَاكُ هَذَا الْحَقِّ بِالْحَبْسِ؛ لِأَنَّهُ يَفُوتُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ فَيُسْتَدْرَكُ بِالضَّرْبِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْحُقُوقِ، كَذَا فِي الْبَدَائِعِ. (قَوْلُهُ وَلِمَمْلُوكِهِ) أَيْ تَجِبُ النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ وَالسُّكْنَى لِمَمْلُوكِهِ عَلَى سَيِّدِهِ لِلْأَمْرِ فِي قَوْلِهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَطْعِمُوهُمْ مَا تَأْكُلُونَ وَأَلْبِسُوهُمْ مِمَّا تَلْبَسُونَ» وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الْعُلَمَاءِ قَالَ الطَّحَاوِيُّ ذَهَبَ قَوْمٌ إلَى أَنَّ الرَّجُلَ عَلَيْهِ أَنْ يُسَوِّيَ بَيْنَ مَمْلُوكِهِ وَبَيْنَ نَفْسِهِ فِي الطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ احْتِجَاجًا بِمَا رَوَيْنَا وَخَالَفَهُمْ آخَرُونَ احْتِجَاجًا بِمَا حَدَّثَ الطَّحَاوِيُّ بِإِسْنَادِهِ إلَى أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لِلْمَمْلُوكِ طَعَامُهُ وَكِسْوَتُهُ وَلَا يُكَلَّفُ مِنْ الْعَمَلِ مَا لَا يُطِيقُ» فَدَلَّ عَلَى أَنَّ لِلْمَوَالِي أَنْ يُفَضِّلُوا أَنْفُسَهُمْ عَلَى عَبِيدِهِمْ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا حَدِيثُ الْبُخَارِيِّ مَرْفُوعًا «إذَا أَتَى أَحَدَكُمْ خَادِمُهُ بِطَعَامِهِ فَإِنْ لَمْ يُجْلِسْهُ مَعَهُ فَلْيُنَاوِلْهُ لُقْمَةً أَوْ لُقْمَتَيْنِ أَوْ أَكْلَةً أَوْ أَكْلَتَيْنِ فَإِنَّهُ وَلِيَ عِلَاجَهُ» وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّهُ ذُكِرَ بِلَفْظِ مِنْ وَهِيَ لِلتَّبْعِيضِ فَإِذَا أَطْعَمَهُمْ الْمَوَالِي مِنْ بَعْضِ مَا يَأْكُلُونَ أَوْ كَسَوْهُمْ مِنْ بَعْض مَا يَلْبَسُونَ يَحْصُلُ الْغَرَضُ فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ التَّسْوِيَةَ فِي الْأَكْلِ وَالْكِسْوَةِ لَقَالَ مِثْلَ مَا تَأْكُلُونَ وَمِثْلَ مَا تَلْبَسُونَ، كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَأَجَابَ عَنْهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ جِنْسِ مَا تَأْكُلُونَ وَتَلْبَسُونَ لَا مِثْلَهُ فَإِذَا أَلْبَسَهُ مِنْ الْكَتَّانِ وَالْقُطْنِ وَهُوَ يَلْبَسُ مِنْهُمَا الْفَائِقَ كَفَى بِخِلَافِ إلْبَاسِهِ نَحْوَ الْجُوَالِقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَلَمْ يَتَوَارَثْ عَنْ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَلْبَسُونَ مِثْلَهُمْ إلَّا الْأَفْرَادَ اهـ. وَالْمُرَادُ بِالْمَمْلُوكِ مَنْ كَانَتْ مَنَافِعُهُ مَمْلُوكَةً لِشَخْصٍ سَوَاءٌ كَانَتْ رَقَبَتُهُ مَمْلُوكَةً لَهُ أَوْ لَا فَدَخَلَ الْمُدَبَّرُ وَأُمُّ الْوَلَدِ وَخَرَجَ الْمُكَاتَبُ؛ لِأَنَّهُ مَالِكٌ لِمَنَافِعِهِ، وَلَوْ أَوْصَى بِعَبْدٍ لِرَجُلٍ وَبِخِدْمَتِهِ لِآخَرَ فَالنَّفَقَةُ عَلَى مَنْ لَهُ الْخِدْمَةُ فَإِنْ مَرِضَ فِي يَدِ صَاحِبِ الْخِدْمَةِ إنْ كَانَ مَرَضًا لَا يَمْنَعُهُ مِنْ الْخِدْمَةِ كَانَتْ نَفَقَتُهُ عَلَى صَاحِبِ الْخِدْمَةِ وَإِنْ كَانَ مَرَضًا يَمْنَعُهُ مِنْ الْخِدْمَةِ كَانَتْ نَفَقَتُهُ عَلَى صَاحِبِ الرَّقَبَةِ وَإِنْ تَطَاوَلَ الْمَرَضُ وَرَأَى الْقَاضِي أَنْ يَبِيعَهُ فَبَاعَهُ يَشْتَرِي بِثَمَنِهِ عَبْدًا يَقُومُ مَقَامَ الْأَوَّلِ فِي الْخِدْمَةِ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَزَادَ فِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ إنْ كَانَ صَغِيرًا لَمْ يَبْلُغْ الْخِدْمَةَ فَنَفَقَتُهُ عَلَى صَاحِبِ الرَّقَبَةِ حَتَّى يَبْلُغَ الْخِدْمَةَ، ثُمَّ عَلَى الْمَخْدُومِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ الْمَنَافِعَ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَصَارَ كَالْمُسْتَعِيرِ، وَكَذَا النَّفَقَةُ عَلَى الرَّاهِنِ وَالْمُودِعِ، وَأَمَّا عَبْدُ الْعَارِيَّةِ فَعَلَى الْمُسْتَعِيرِ، وَأَمَّا كِسْوَتُهُ فَعَلَى الْمُعِيرِ، كَذَا فِي الْوَاقِعَاتِ، وَلَوْ أَوْصَى بِجَارِيَةٍ لِإِنْسَانٍ وَبِمَا فِي بَطْنِهَا لِآخَرَ فَالنَّفَقَةُ عَلَى مَنْ لَهُ الْجَارِيَةُ وَمِثْلُهُ أَوْصَى بِدَارٍ لِرَجُلٍ وَسُكْنَاهَا لِآخَرَ فَالنَّفَقَةُ عَلَى صَاحِبِ السُّكْنَى؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَهُ فَإِنْ انْهَدَمَتْ فَقَالَ صَاحِبُ السُّكْنَى أَنَا أَبْنِيهَا وَأَسْكُنُهَا كَانَ لَهُ ذَلِكَ وَلَا يَكُونُ كَتَبَرُّعٍ؛ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِلُ إلَى حَقِّهِ إلَّا بِهِ فَصَارَ كَصَاحِبِ الْعُلُوِّ مَعَ صَاحِبِ السُّفْلِ إذَا انْهَدَمَ السُّفْلُ وَامْتَنَعَ صَاحِبُهُ مِنْ الْبِنَاءِ لِصَاحِبِ الْعُلُوِّ أَنْ يَبْنِيَهُ وَيَمْنَعَ صَاحِبَهُ عَنْهُ حَتَّى يُعْطِيَ مَا غَرِمَ فِيهِ وَلَا يَكُونَ مُتَبَرِّعًا وَأَطْلَقَ فِي الْمَمْلُوكِ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ لَهُ أَبٌ مَوْجُودٌ حَاضِرٌ أَوْ لَا وَشَمِلَ الْأَمَةَ الْمُتَزَوِّجَةَ حَيْثُ لَمْ يُبَوِّئْهَا مَنْزِلًا لِلزَّوْجِ وَشَمِلَ الصَّغِيرَ وَالْكَبِيرَ وَالذَّكَرَ وَالْأُنْثَى الصَّحِيحَ وَالْمَرِيضَ وَالزَّمِنَ وَالْأَعْمَى. وَأَمَّا الْعَبْدُ الْآبِقُ إذَا أَخَذَهُ رَجُلٌ لِيَرُدَّهُ عَلَى مَوْلَاهُ وَأَنْفَقَ عَلَيْهِ إنْ أَنْفَقَ بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي كَانَ كَتَطَوُّعٍ لَا يَرْجِعُ وَإِنْ رَفَعَ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي فَسَأَلَ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَأْمُرَهُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ نَظَرَ الْقَاضِي فِي ذَلِكَ فَإِنْ رَأَى الْإِنْفَاقَ أَصْلَحَ أَمَرَهُ بِالْإِنْفَاقِ وَإِنْ خَافَ أَنْ تَأْكُلَهُ النَّفَقَةُ أَمَرَهُ الْقَاضِي بِالْبَيْعِ وَإِمْسَاكِ الثَّمَنِ، وَكَذَا إذَا وَجَدَ بِهِ ضَالَّةً فِي الْمِصْرِ أَوْ فِي غَيْرِ الْمِصْرِ، وَأَمَّا الْعَبْدُ الْمَغْصُوبُ فَإِنَّ نَفَقَتَهُ عَلَى الْغَاصِبِ إلَى أَنْ يَرُدَّهُ إلَى الْمَوْلَى فَإِنْ طَلَبَ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَأْمُرَهُ بِالنَّفَقَةِ أَوْ بِالْبَيْعِ لَا يُجِيبُهُ؛ لِأَنَّ الْمَغْصُوبَ مَضْمُونٌ عَلَى الْغَاصِبِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْغَاصِبُ مَخُوفًا مِنْهُ عَلَى الْعَبْدِ فَحِينَئِذٍ يَأْخُذُ الْقَاضِي وَيَبِيعُهُ وَيُمْسِكُ الثَّمَنَ، وَأَمَّا الْعَبْدُ الْوَدِيعَةُ إذَا غَابَ صَاحِبُهُ فَجَاءَ الْمُودَعُ إلَى الْقَاضِي وَطَلَبَ مِنْهُ أَنْ يَأْمُرَهُ بِالنَّفَقَةِ أَوْ بِالْبَيْعِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَأْمُرُهُ بِأَنْ يُؤَاجِرَ الْعَبْدَ   [منحة الخالق] فِي بَابِ الْحَبْسِ عَنْ الْخَانِيَّةِ أَنَّهُ يُحْبَسُ أَيْضًا. (قَوْلُهُ: كَذَا فِي الْبَدَائِعِ) قَالَ الْمَقْدِسِيَّ: قُلْتُ: يُخَالِفُهُ قَوْلُ الْكَنْزِ لَا يُحْبَسُ فِي دَيْنِ وَلَدِهِ إلَّا إذَا أَبَى عَنْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُؤَوَّلَ بِأَنَّ مَعْنَاهُ لَا يُجْبَرُ بِضَرْبٍ إلَّا إذَا أَبَى فَيُضْرَبُ. [النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ وَالسُّكْنَى لِمَمْلُوكِهِ] (قَوْلُهُ: وَكَذَا النَّفَقَةُ عَلَى الرَّاهِنِ وَالْمُودِعِ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُودِعَ بِكَسْرِ الدَّالِ وَهُوَ رَبُّ الْوَدِيعَةِ بِقَرِينَةِ مَا سَيَذْكُرُهُ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْعَبْدُ الْوَدِيعَةُ إذَا غَابَ صَاحِبُهُ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَفِي النَّهْرِ وَنَقَلُوا فِي أَخْذِ الْآبِقِ إذَا طَلَبَ مِنْ الْقَاضِي ذَلِكَ فَإِنْ رَأَى الْإِنْفَاقَ أَصْلَحَ أَمْرَهُ وَإِنْ خَافَ أَنْ تَأْكُلَهُ النَّفَقَةُ أَمَرَهُ بِالْبَيْعِ فَيُقَالُ إنَّ أَمْرَهُ بِالْإِجَارَةِ أَصْلَحُ كَالْمُودِعِ فَلِمَ لَمْ يَذْكُرُوهُ؟ اهـ. أَقُولُ: الْحُكْمُ فِيهِ كَذَلِكَ حَيْثُ تَحَقَّقَتْ الْأَصْلَحِيَّةُ لَكِنَّ الْآبِقَ يُخْشَى عَلَيْهِ الْإِبَاقُ ثَانِيًا فَالْغَالِبُ انْتِفَاءُ أَصْلَحِيَّةِ إجَارَتِهِ لِلْغَيْرِ بِخِلَافِ الْمُودِعِ فَلِذَا سَكَتُوا عَنْ ذِكْرِهِ وَإِلَّا لَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 236 وَيُنْفِقَ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرِهِ وَإِنْ رَأَى أَنْ يَبِيعَهُ فَعَلَ، وَأَمَّا الْعَبْدُ إذَا كَانَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَغَابَ أَحَدُهُمَا وَتَرَكَهُ عِنْدَ الشَّرِيكِ فَرَفَعَ الشَّرِيكُ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ كَانَ الْقَاضِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَبِلَ هَذِهِ الْبَيِّنَةَ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَقْبَلْ وَإِنْ قَبِلَ يَأْمُرُهُ بِالنَّفَقَةِ وَيَكُونُ الْحُكْمُ مَا هُوَ الْحُكْمُ فِي الْوَدِيعَةِ وَالْكُلُّ مِنْ الْخَانِيَّةِ. وَفِي الْخُلَاصَةِ الشَّرِيكُ إذَا أَنْفَقَ عَلَى الْعَبْدِ فِي غَيْبَةِ شَرِيكِهِ بِغَيْرِ إذْنِ الْقَاضِي وَبِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ، وَكَذَا النَّخْلُ وَالزَّرْعُ، وَكَذَا الْمُودَعُ وَالْمُلْتَقِطُ إذَا أَنْفَقَ عَلَى الْوَدِيعَةِ وَاللُّقَطَةِ، وَكَذَا فِي الدَّارِ الْمُشْتَرَكَةِ إذَا اُشْتُرِيَتْ فَأَنْفَقَ أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ وَبِغَيْرِ إذْنِ أَمْرِ الْقَاضِي فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ وَفِي الْقُنْيَةِ وَنَفَقَةُ الْمَبِيعِ عَلَى الْبَائِعِ مَا دَامَ فِي يَدِهِ هُوَ الصَّحِيحُ، ثُمَّ رُقِمَ بِرَقْمٍ آخَرَ أَنَّهُ يَرْفَعُ الْبَائِعُ الْأَمْرَ إلَى الْحَاكِمِ فَيَأْذَنُ لَهُ فِي بَيْعِهِ أَوْ إجَارَتِهِ، ثُمَّ رُقِمَ بِأَنَّ نَفَقَةَ الْعَبْدِ الْمَبِيعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ عَلَى مَنْ لَهُ الْمِلْكُ فِي الْعَبْدِ وَقْتَ الْوُجُوبِ، وَقِيلَ عَلَى الْبَائِعِ، وَقِيلَ يُسْتَدَانُ فَيَرْجِعُ عَلَى مَنْ يَصِيرُ لَهُ الْمِلْكُ كَصَدَقَةِ الْفِطْرِ اهـ. وَفِي وُجُوبِ نَفَقَةِ الْبَيْعِ عَلَى الْبَائِعِ قَبْلَ تَسْلِيمِهِ إشْكَالٌ؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ لَا رَقَبَةَ وَلَا مَنْفَعَةَ فَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ عَلَى الْمُشْتَرِي وَتَكُونُ تَابِعَةً لِلْمِلْكِ كَالْمَرْهُونِ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُهُمْ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ وَشَمِلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا الْمَمْلُوكَ ظَاهِرًا فَلَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ بِحُرِّيَّةِ أَمَتِهِ فَوَضَعَهَا الْقَاضِي عَلَى يَدِ عَدْلٍ لِأَجْلِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى الشُّهُودِ فَالنَّفَقَةُ عَلَى مَنْ هِيَ فِي يَدِهِ سَوَاءٌ ادَّعَتْ الْأَمَةُ الْحُرِّيَّةَ أَوْ جَحَدَتْ لِوُجُوبِ نَفَقَةِ الْمَمْلُوكِ عَلَى مَوْلَاهُ وَإِنْ كَانَ مَمْنُوعًا مِنْهُ وَلَا رُجُوعَ لِلْمَوْلَى بِمَا أَنْفَقَهُ سَوَاءٌ زُكِّيَتْ الشُّهُودُ أَوْ لَا إلَّا إذَا أَجْبَرَهُ الْقَاضِي عَلَى الْإِنْفَاقِ أَوْ أَكَلَتْ فِي بَيْتِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَيَرْجِعُ بِمَا أَنْفَقَهُ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنْ لَا مِلْكَ لَهُ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا أَمَرَهُ أَنْ يَكْتَسِبَ وَيُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهِ إنْ كَانَ قَادِرًا عَلَيْهِ وَإِلَّا فَعَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَتَمَامُهُ فِي الذَّخِيرَةِ. (قَوْلُهُ فَإِنْ أَبَى فَفِي كَسْبِهِ وَإِلَّا أَمَرَهُ بِبَيْعِهِ) أَيْ إنْ امْتَنَعَ الْمَوْلَى عَنْ الْإِنْفَاقِ فَإِنَّ نَفَقَتَهُ فِي كَسْبِهِ إنْ كَانَ لَهُ كَسْبٌ؛ لِأَنَّ فِيهِ نَظَرًا لَهُمَا حَتَّى يَبْقَى الْمَمْلُوكُ فِيهِ حَيًّا وَيَبْقَى فِيهِ مِلْكُ الْمَالِكِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا كَسْبٌ بِأَنْ كَانَ عَبْدًا زَمِنًا أَوْ جَارِيَةً لَا يُؤْجَرُ مِثْلُهَا أُجْبِرَ الْمَوْلَى عَلَى بَيْعِهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ أَهْلِ الِاسْتِحْقَاقِ وَفِي الْبَيْعِ إيفَاءُ حَقِّهِمَا وَإِيفَاءُ حَقِّ الْمَوْلَى بِالْخَلَفِ بِخِلَافِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ؛ لِأَنَّهَا تَصِيرُ دَيْنًا فَكَانَ إبْطَالًا وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّ كُلَّ مَا لَا يَصْلُحُ لِلْإِجَارَةِ يُجْبَرُ الْمَوْلَى عَلَى الْإِنْفَاقِ أَوْ يَبِيعُ الْقَاضِي إذَا رَأَى ذَلِكَ إلَّا الْمُدَبَّرَ وَأُمَّ الْوَلَدِ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى الْإِنْفَاقِ لَا غَيْرُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ بَيْعُهُمَا اهـ. فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ كَذَلِكَ لَكَانَ أَوْلَى وَعُلِمَ مِمَّا فِي الْغَايَةِ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْبَيْعِ مَعْنَاهُ بَيْعُ الْقَاضِي عَلَيْهِ وَفِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ مَا ذُكِرَ مِنْ الْبَيْعِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُمَا يَرَيَانِ الْبَيْعَ عَلَى الْحُرِّ لِأَجْلِ حَقِّ الْغَيْرِ فَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ لَا يَرَى جَوَازَ الْبَيْعِ عَلَى الْحُرِّ، وَلَكِنَّهُ يَحْبِسُهُ حَتَّى يَبِيعَهُ إذَا اُسْتُحِقَّ عَلَيْهِ الْبَيْعُ اهـ. وَلِذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ أَمَرَ بِبَيْعِهِ وَلَمْ يَقُلْ بَاعَهُ الْقَاضِي قَيَّدَ بِالْمَمْلُوكِ أَيْ الرَّقِيقِ؛ لِأَنَّ مَا عَدَاهُ مِنْ أَمْلَاكِهِ إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْإِنْفَاقِ فَإِنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ حَيَوَانًا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الِاسْتِحْقَاقِ إلَّا أَنَّهُ يُفْتَى فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْإِنْفَاقِ عَلَى الْحَيَوَانَاتِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَهَى عَنْ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ وَفِيهِ ذَلِكَ وَنَهَى عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ وَفِيهِ إضَاعَتُهُ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُجْبَرُ وَالْأَصَحُّ مَا قُلْنَا، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَرَجَّحَ الطَّحَاوِيُّ رِوَايَةَ أَبِي يُوسُفَ قَالَ وَبِهِ نَأْخُذُ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ وَغَايَةُ مَا فِيهِ أَنْ يُتَصَوَّرَ فِيهِ دَعْوَى حِسْبَةٍ فَيُجْبِرُهُ الْقَاضِي عَلَى تَرْكِ الْوَاجِبِ وَلَا بِدْعَ فِيهِ وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ الْأَوَّلُ وَالْحَقُّ مَا عَلَيْهِ الْجَمَاعَةُ اهـ. وَأَمَّا فِي غَيْرِ الْحَيَوَانَاتِ كَالدُّورِ وَالْعَقَارِ لَا يُفْتِي بِهِ أَيْضًا إلَّا إذَا كَانَ فِيهِ تَضْيِيعُ الْمَالِ فَيَكُونُ مَكْرُوهًا، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فَإِنْ كَانَتْ دَابَّةٌ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ فَامْتَنَعَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْإِنْفَاقِ أَجْبَرَهُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُجْبِرْهُ لَتَضَرَّرَ الشَّرِيكُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّ الْقَاضِيَ يَقُولُ لِلْآبِي إمَّا أَنْ تَبِيعَ نَصِيبَك مِنْ الدَّابَّةِ أَوْ   [منحة الخالق] فَرَّقَ بَيْنَهُمَا حَيْثُ تَعَيَّنَتْ الْأَصْلَحِيَّةُ حَتَّى فِي الْمُودَعِ لَوْ كَانَ الْأَصْلَحُ الْإِنْفَاقَ عَلَيْهِ أُمِرَ بِهِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْحُكْمَ دَائِرٌ مَعَ الْأَصْلَحِيَّةِ تَأَمَّلْ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 237 تُنْفِقَ عَلَيْهَا رِعَايَةً لِجَانِبِ الشَّرِيكِ وَفِي الذَّخِيرَةِ لَوْ أَوْصَى بِنَخْلٍ لِوَاحِدٍ وَبِثَمَرَةٍ لِآخَرَ فَالنَّفَقَةُ عَلَى صَاحِبِ الثَّمَرَةِ وَفِي التِّبْنِ وَالْحِنْطَةِ أَنَّ مَا بَقِيَ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ شَيْءٌ فَالنَّفَقَةُ فِي ذَلِكَ الْمَالِ وَإِنْ لَمْ يَبْقَ فَالتَّخْلِيصُ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَهُمَا اهـ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَأَقُولُ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى قَدْرِ قِيمَةِ مَا يَحْصُلُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا وَإِلَّا يَلْزَمُ ضَرَرُ صَاحِبِ الْقَلِيلِ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِمْ فِي السِّمْسِمِ إذَا أَوْصَى بِدُهْنِهِ لِوَاحِدٍ وَبِثَجِيرِهِ لِآخَرَ أَنَّ النَّفَقَةَ عَلَى مَنْ لَهُ الدُّهْنُ لِعَدِّهِ عَدَمًا وَإِنْ كَانَ قَدْ يُبَاعُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُجْعَلَ كَالْحِنْطَةِ وَالتِّبْنِ فِي دِيَارِنَا؛ لِأَنَّ الثَّجِيرَ يُبَاعُ لِعَلْفِ الْبَقَرِ وَغَيْرِهِ، وَكَذَا أَقُولُ: فِيمَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ ذَبَحَ شَاةً فَأَوْصَى بِلَحْمِهَا لِوَاحِدٍ وَبِجِلْدِهَا لِآخَرَ فَالتَّخْلِيصُ عَلَيْهِمَا كَالْحِنْطَةِ وَالتِّبْنِ أَنَّهُ يَكُونُ عَلَى قَدْرِ الْحَاصِلِ لَهُمَا وَقَبْلَ الذَّبْحِ أُجْرَةُ الذَّبْحِ عَلَى صَاحِبِ اللَّحْمِ لَا الْجِلْدِ اهـ. وَفِي الْمُجْتَبَى الْعَبْدُ إذَا أَقْتَرَ عَلَيْهِ مَوْلَاهُ فِي نَفَقَتِهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ مَالِ مَوْلَاهُ لَكِنْ يَكْتَسِبُ وَيَأْكُلُ إلَّا إذَا كَانَ صَغِيرًا أَوْ جَارِيَةً أَوْ عَاجِزًا عَنْ الْكَسْبِ فَلَهُ أَنْ يَأْكُلَ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي الْكَسْبِ فَلَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ مَالِ مَوْلَاهُ وَلِلْعَبْدِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِ سَيِّدِهِ قَدْرَ كِفَايَتِهِ، وَلَوْ تَنَازَعَا فِي عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ فِي أَيْدِيهِمَا يُجْبَرَانِ عَلَى نَفَقَتِهِ وَنَفَقَةُ الدَّابَّةِ الْمُسْتَأْجَرَةِ عَلَى الْآجِرِ، وَإِذَا شَرَطَ الْعَلْفَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ لَمْ يَضْمَنْ إنْ لَمْ يَعْلِفْهَا حَتَّى مَاتَتْ؛ لِأَنَّ بَدَلَ الْمَنَافِعِ تَعُودُ إلَى مَالِكِ الرَّقَبَةِ وَمَنْ رَكِبَ فَرَسًا حَبِيسًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى فَنَفَقَتُهُ عَلَيْهِ حَتَّى يَرُدَّهُ عَلَيْهِ وَالْأَصْلُ أَنَّ مَنْ كَانَتْ لَهُ الْمَنْفَعَةُ أَوْ بَدَلُهَا فَالنَّفَقَةُ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ مَالِكًا أَوْ لَا اهـ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَيَجُوزُ وَضْعُ الضَّرِيبَةِ عَلَى الْعَبْدِ وَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهَا، بَلْ إنْ اتَّفَقَا عَلَى ذَلِكَ اهـ. وَقَيَّدْنَا الَّذِي لَا كَسْبَ لَهُ بِأَنْ يَكُونَ زَمِنًا إلَى آخِرِهِ تَبَعًا لِمَا فِي الْهِدَايَةِ لِلِاحْتِرَازِ عَمَلًا إذَا كَانَ صَحِيحًا غَيْرَ عَارِفٍ بِصِنَاعَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ عَاجِزًا عَنْ الْكَسْبِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُؤَاجِرَ نَفْسَهُ فِي بَعْضِ الْأَعْمَالِ كَحَمْلِ شَيْءٍ وَتَحْوِيلِ شَيْءٍ كَمُعِينِ الْبَنَّاءِ وَمَا قَدَّمْنَاهُ نَقْلًا عَنْ الْكَافِي فِي نَفَقَةِ ذَوِي الْأَرْحَامِ ثُبُوتُهُ هُنَا أَوْلَى، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي الْخُلَاصَةِ، وَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا زَمِنًا أَوْ مُقْعَدًا سَقَطَتْ نَفَقَتُهُ عَنْ الْمَوْلَى وَيُنْفَقُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ اهـ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (كِتَابُ الْعِتْقِ) ذَكَرَهُ عَقِيبَ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا إسْقَاطُ الْحَقِّ وَقَدَّمَ الطَّلَاقَ لِمُنَاسَبَةِ النِّكَاحِ، ثُمَّ الْإِسْقَاطَاتُ أَنْوَاعٌ تَخْتَلِفُ أَسْمَاؤُهَا بِاخْتِلَافِ أَنْوَاعِهَا فَإِسْقَاطُ الْحَقِّ عَنْ الرِّقِّ عِتْقٌ وَإِسْقَاطُ الْحَقِّ عَنْ الْبُضْعِ طَلَاقٌ وَإِسْقَاطُ مَا فِي الذِّمَّةِ بَرَاءَةٌ وَإِسْقَاطُ الْحَقِّ عَنْ الْقِصَاصِ وَالْجِرَاحَاتِ عَفْوٌ، وَالْإِعْتَاقُ فِي اللُّغَةِ الْإِخْرَاجُ عَنْ الْمِلْكِ يُقَالُ أَعْتَقَهُ فَعَتَقَ وَالْعِتْقُ الْخُرُوجُ عَنْ الْمِلْكِ يُقَالُ مِنْ بَابِ فَعَلَ بِالْفَتْحِ يُفْعِلُ بِالْكَسْرِ عَتَقَ الْعَبْدُ عَتَاقًا إذَا خَرَجَ عَنْ الْمِلْكِ وَعَتَقَتْ الْفَرَسُ إذَا سَبَقَتْ وَنَجَتْ وَعَتَقَ فَرْخُ الْقَطَاةِ إذَا طَارَ وَيُقَالُ عَتَقَ فُلَانٌ بَعْدَ اسْتِعْلَاجٍ إذَا رَقَّتْ بَشَرَتُهُ بَعْدَ غِلَظٍ، وَمَصْدَرُهُ الْعِتْقُ وَالْعَتَاقُ وَلَيْسَ مِنْهُ الْعَتَاقَةُ بِمَعْنَى الْقِدَمِ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ فَعَلَ بِالْفَتْحِ يَفْعُلُ بِالضَّمِّ وَلَيْسَ مِنْهُ الْعِتْقُ بِمَعْنَى الْجَمَالِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ هَذَا الْبَابِ أَيْضًا وَهُوَ مَضْمُومُ الْعَيْنِ أَيْضًا كَذَا فِي ضِيَاءِ الْحُلُومِ، فَالْعِتْقُ اللُّغَوِيُّ حِينَئِذٍ هُوَ الْعِتْقُ الشَّرْعِيُّ وَهُوَ الْخُرُوجُ عَنْ الْمَمْلُوكِيَّةِ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِمْ إنَّ الْعِتْقَ فِي اللُّغَةِ الْقُوَّةُ وَفِي الشَّرْعِ الْقُوَّةُ الشَّرْعِيَّةُ؛ لِأَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ لَمْ يَقُولُوا عَتَقَ الْعَبْدُ إذَا قَوِيَ وَإِنَّمَا قَالُوا عَتَقَ الْعَبْدُ إذَا خَرَجَ عَنْ الْمَمْلُوكِيَّةِ وَإِنَّمَا ذَكَرُوا الْقُوَّةَ فِي عِتْقِ الطَّيْرِ وَنَحْوِهِ وَرُكْنُهُ فِي الْإِعْتَاقِ اللَّفْظِيِّ الْإِنْشَائِيِّ اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَيْهِ وَفِي الْبَدَائِعِ رُكْنُهُ اللَّفْظُ الَّذِي جُعِلَ دَلَالَةً عَلَى الْعِتْقِ فِي الْجُمْلَةِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَ اللَّفْظِ. اهـ. وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِبَيَانِ سَبَبِهِ قَالُوا سَبَبُهُ   [منحة الخالق] [امْتَنَعَ الْمَوْلَى عَنْ الْإِنْفَاقِ] (قَوْلُهُ: وَلِلْعَبْدِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِ سَيِّدِهِ قَدْرَ كِفَايَتِهِ) الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا قَوْلٌ آخَرُ مُخَالِفٌ لِلْأَوَّلِ يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ فِي الْمُجْتَبَى ذَكَرَهُ بِرَمْزِ حب بَعْدَ رَمْزِهِ لِلْأَوَّلِ إنَّ، تَأَمَّلْ. [كِتَابُ الْعِتْقِ] (قَوْلُهُ: لِأَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ لَمْ يَقُولُوا إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَفِي الْمَبْسُوطِ وَعَلَيْهِ جَرَى كَثِيرٌ أَنَّهُ لُغَةً الْقُوَّةُ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ مَا ادَّعَاهُ فِي الْبَحْرِ يَعُدُّ أَنَّ النَّاقِلَ ثِقَةٌ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ عَلَى أَنَّ فِي كَلَامِهِمْ مَا يُفِيدُهُ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ قَالُوا الرِّقُّ فِي اللُّغَةِ الضَّعْفُ وَمِنْهُ ثَوْبٌ رَقِيقٌ وَصَوْتٌ رَقِيقٌ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْعِتْقَ إزَالَةُ الضَّعْفِ وَإِزَالَتُهُ تَسْتَلْزِمُ الْقُوَّةَ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 238 الْمُثْبِتُ لَهُ قَدْ يَكُونُ دَعْوَى النَّسَبِ، وَقَدْ يَكُونُ نَفْسَ الْمِلْكِ فِي الْقَرِيبِ، وَقَدْ يَكُونُ الْإِقْرَارُ بِحُرِّيَّةِ عَبْدِ إنْسَانٍ حَتَّى لَوْ مَلَكَهُ عَتَقَ، وَقَدْ يَكُونُ بِالدُّخُولِ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَإِنَّ الْحَرْبِيَّ إذَا اشْتَرَى عَبْدًا مُسْلِمًا فَدَخَلَ بِهِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ وَلَمْ يَشْعُرْ عَتَقَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَكَذَا زَوَالُ يَدِهِ عَنْهُ بِأَنْ هَرَبَ عَنْ مَوْلَاهُ الْحَرْبِيِّ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ، وَقَدْ يَكُونُ اللَّفْظُ الْمَذْكُورُ. أَمَّا سَبَبُهُ الْبَاعِثُ فَفِي الْوَاجِبِ تَفْرِيغُ ذِمَّتِهِ وَفِي غَيْرِهِ قَصْدُ التَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى عَزَّ وَجَلَّ، وَأَنْوَاعُهُ أَرْبَعَةٌ وَاجِبٌ وَمَنْدُوبٌ وَمُبَاحٌ وَمَحْظُورٌ، فَالْوَاجِبُ الْإِعْتَاقِ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ وَالظِّهَارِ وَالْيَمِينِ وَالْإِفْطَارِ إلَّا أَنَّهُ فِي بَابِ الْقَتْلِ وَالظِّهَارِ وَالْإِفْطَارِ وَاجِبٌ عَلَى التَّعْيِينِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ وَفِي بَابِ الْيَمِينِ وَاجِبٌ عَلَى التَّخْيِيرِ. وَالْمَنْدُوبُ الْإِعْتَاقُ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ غَيْرِ إيجَابٍ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ نَدَبَ إلَى ذَلِكَ لِلْحَدِيثِ «أَيُّمَا مُؤْمِنٍ أَعْتَقَ مُؤْمِنًا فِي الدُّنْيَا أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنْهُ مِنْ النَّارِ» ؛ وَلِهَذَا اسْتَحَبُّوا أَنْ يُعْتِقَ الرَّجُلُ الْعَبْدَ وَالْمَرْأَةُ الْأَمَةَ لِيَتَحَقَّقَ مُقَابَلَةُ الْأَعْضَاءِ بِالْأَعْضَاءِ لَكِنَّهُ لَيْسَ بِعِبَادَةٍ حَتَّى يَصِحُّ مِنْ الْكَافِرِ، أَمَّا الْمُبَاحُ فَهُوَ الْإِعْتَاقُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ، أَمَّا الْمَحْظُورُ فَهُوَ الْإِعْتَاقُ لِوَجْهِ الشَّيْطَانِ وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ وَسَيَأْتِي بَيَانُ شَرَائِطِهِ، وَحُكْمُهُ زَوَالُ الْمِلْكِ أَوْ ثُبُوتُ الْعِتْقِ عَلَى الِاخْتِلَافِ. (قَوْلُهُ: هُوَ إثْبَاتُ الْقُوَّةِ الشَّرْعِيَّةِ لِلْمَمْلُوكِ) أَيْ الْإِعْتَاقُ شَرْعًا وَالْقُوَّةُ الشَّرْعِيَّةُ هِيَ قُدْرَتُهُ عَلَى التَّصَرُّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ وَأَهْلِيَّتُهُ لِلْوِلَايَاتِ وَالشَّهَادَاتِ وَدَفْعِ تَصَرُّفِ الْغَيْرِ عَلَيْهِ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إزَالَةُ الضَّعْفِ الْحُكْمِيِّ الَّذِي هُوَ الرِّقُّ الَّذِي هُوَ أَثَرُ الْكُفْرِ وَفِي الْمُحِيطِ وَيُسْتَحَبُّ لِلْعَبْدِ أَنْ يَكْتُبَ لِلْعِتْقِ كِتَابًا وَيُشْهِدَ عَلَيْهِ شُهُودًا تَوْثِيقًا وَصِيَانَةً عَنْ التَّجَاحُدِ وَالتَّنَازُعِ فِيهِ كَمَا فِي الْمُدَايَنَةِ بِخِلَافِ سَائِرِ التِّجَارَاتِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَكْثُرُ وُقُوعُهَا فَالْكِتَابَةُ فِيهَا تُؤَدِّي إلَى الْحَرَجِ وَلَا كَذَلِكَ الْعِتْقُ (قَوْلُهُ: وَيَصِحُّ مِنْ حُرٍّ مُكَلَّفٍ لِمَمْلُوكِهِ بِأَنْتَ حُرٌّ أَوْ بِمَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْبَدَنِ وَعَتِيقٌ وَمُعْتَقٌ وَمُحَرَّرٌ وَحَرَّرْتُك وَأَعْتَقْتُك نَوَاهُ أَوْ لَا) بَيَانٌ لِشَرَائِطِهِ وَصَرِيحِهِ وَحُكْمِ الصَّرِيحِ، أَمَّا شَرَائِطُهُ فَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهَا ثَلَاثَةٌ: الْأَوَّلُ مِنْهَا لَا حَاجَةَ إلَيْهِ مَعَ ذِكْرِ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ إعْتَاقِ غَيْرِ الْحُرِّ وَهُوَ لَيْسَ بِمَالِكٍ كَمَا سَنُبَيِّنُهُ وَاحْتُرِزَ بِالْمُكَلَّفِ عَنْ عِتْقِ الصَّبِيِّ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ وَإِنْ كَانَ عَاقِلًا كَمَا لَا يَصِحُّ طَلَاقُهُ، وَعَنْ عِتْقِ الْمَجْنُونِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ، أَمَّا الَّذِي يُجَنُّ وَيُفِيقُ فَهُوَ فِي حَالَةِ إفَاقَتِهِ عَاقِلٌ وَفِي حَالَةِ جُنُونِهِ مَجْنُونٌ وَخَرَجَ الْمَعْتُوهُ أَيْضًا وَالْمَدْهُوشُ وَالْمُبَرْسَمُ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالنَّائِمُ فَلَا يَصِحُّ إعْتَاقُهُمْ كَمَا لَا يَصِحُّ طَلَاقُهُمْ، وَلَوْ قَالَ أَعْتَقْت وَأَنَا صَبِيٌّ أَوْ وَأَنَا نَائِمٌ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ، وَكَذَا لَوْ قَالَ أَعْتَقْته وَأَنَا مَجْنُونٌ بِشَرْطِ أَنْ يُعْلَمَ جُنُونُهُ أَوْ قَالَ وَأَنَا حَرْبِيٌّ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَقَدْ عُلِمَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَضَافَهُ إلَى زَمَانٍ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْإِعْتَاقُ عُلِمَ أَنَّهُ أَرَادَ صِيغَةَ الْإِعْتَاقِ لَا حَقِيقَتَهُ فَلَمْ يَصِرْ مُعْتَرِفًا بِالْإِعْتَاقِ كَمَا لَوْ قَالَ أَعْتَقْته قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ أَوْ يُخْلَقَ وَخَرَجَ بِاشْتِرَاطِ أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا لَهُ إعْتَاقُ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ أَوْ الْمُكَاتَبِ لِانْعِدَامِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ مَحْرَمًا مِنْهُ أَوْ الْمُكَاتَبُ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَعْتِقُ عَلَيْهِمَا لِعَدَمِ مِلْكِهِمَا وَيَرِدُ عَلَى الْمُصَنِّفِ إعْتَاقُ عَبْدِ الْغَيْرِ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ سَيِّدِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ وَكِيلَهُ نَعَمْ هُوَ شَرْطٌ لِلنَّفَادِ وَلَيْسَ الْكَلَامُ هُنَا إلَّا فِي الصِّحَّةِ، وَلَوْ أَبْدَلَهُ بِقَوْلِهِ لِلْمَمْلُوكِ لَكَانَ أَوْلَى. لِأَنَّ شَرْطَهُ كَمَا فِي الْمُسْتَصْفَى أَنْ يَكُونَ الْمَحَلُّ مَمْلُوكًا وَالْمُرَادُ بِالْمَمْلُوكِ الْمَمْلُوكُ رَقَبَتُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ فَصَحَّ إعْتَاقُ الْمَوْلَى الْمَكَاتِبَ وَالْعَبْدَ الْمَأْذُونَ وَالْمُشْتَرَى قَبْلَ الْقَبْضِ وَالْمَرْهُونَ وَالْمُسْتَأْجَرَ وَالْعَبْدَ الْمُوصَى بِرَقَبَتِهِ لِإِنْسَانٍ وَبِخِدْمَتِهِ لِآخَرَ إذَا أَعْتَقَهُ الْمُوصَى لَهُ بِالرَّقَبَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِأَنَّهُ مَمْلُوكُهُ حَتَّى لَوْ قَالَ الْغَاصِبُ لِلْمَالِكِ أَعْتِقْ رَقَبَةَ هَذَا الْعَبْدِ فَأَعْتَقَهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ عَبْدُهُ عَتَقَ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْغَاصِبِ بِشَيْءٍ، وَكَذَا لَوْ قَالَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي: أَعْتِقْ عَبْدِي هَذَا وَأَشَارَ إلَى الْمَبِيعِ فَأَعْتَقَهُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَيَرِدُ عَلَى الْمُصَنِّفِ إعْتَاقُ عَبْدِ الْغَيْرِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَا يَرِدُ؛ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ اللَّاحِقَةَ كَالْوَكَالَةِ السَّابِقَةِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْوَكِيلَ فِيهِ سَفِيرٌ مَحْضٌ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 239 الْمُشْتَرِي وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ عَبْدُهُ صَحَّ إعْتَاقُهُ وَيُجْعَلُ قَبْضًا وَيَلْزَمُهُ الثَّمَنُ كَمَا فِي الْكَشْفِ الْكَبِيرِ فِي بَحْثِ الْقَضَاءِ. وَأُخْرِجَ بِاشْتِرَاطِ الْمَمْلُوكِيَّةِ عِتْقُ الْحَمْلِ إذَا وَلَدَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ لِعَدَمِ التَّيَقُّنِ بِوُجُودِهِ وَقْتَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا وَلَدَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْهَا فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَيُشْتَرَطُ وُجُودُ الْمِلْكِ لِلْمُعْتِقِ وَقْتَ وُجُودِ الْإِعْتَاقِ لِيَنْفُذَ إنْ كَانَ مُنْجَزًا وَإِنْ كَانَ مُعَلَّقًا بِمَا سِوَى الْمِلْكِ وَسَبَبِهِ فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ وُجُودُ الْمِلْكِ وَقْتَ التَّعْلِيقِ كَالتَّعْلِيقِ بِدُخُولِ الدَّارِ وَنَحْوِهِ، وَكَذَا يُشْتَرَطُ وَقْتَ نُزُولِ الْجَزَاءِ وَلَا يُشْتَرَطُ بَقَاءُ الْمِلْكِ فِيمَا بَيْنَهُمَا، أَمَّا إذَا كَانَ مُعَلَّقًا بِالْمِلْكِ كَأَنْ مَلَّكْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ فَلَا يُشْتَرَطُ لَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْمُصَنِّفُ أَنْ يَكُونَ صَاحِيًا وَلَا طَائِعًا لِصِحَّةِ عِتْقِ السَّكْرَانِ وَالْمُكْرَهِ عِنْدَنَا كَطَلَاقِهِمَا، وَكَذَا لَمْ يَشْتَرِطْ الْعَمْدَ لِصِحَّةِ عِتْقِ الْمُخْطِئِ وَلَمْ يَشْتَرِطْ قَبُولَ الْعَبْدِ لِلْإِعْتَاقِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ إلَّا فِي الْعِتْقِ عَلَى مَالٍ فَإِنَّ قَبُولَهُ شَرْطٌ كَمَا سَنَذْكُرُهُ فِي بَابِهِ، وَكَذَا لَمْ يُشْتَرَطْ خُلُوُّهُ عَنْ الْخِيَارِ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْخِيَارِ فِيهِ مِنْ جَانِبِ الْمَوْلَى فَيَقَعُ الْعِتْقُ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ، أَمَّا مِنْ جَانِبِ الْعَبْدِ فِي الْعِتْقِ عَلَى مَالٍ فَلَا بُدَّ مِنْ خُلُوِّهِ عَنْ خِيَارِهِ حَتَّى لَوْ رَدَّ الْعَبْدُ الْعِتْقَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ وَلَا يَعْتِقُ كَمَا فِي الطَّلَاقِ عَلَى مَالٍ، وَكَذَا الصُّلْحُ مِنْ دَمِ الْعَمْدِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ فَإِنْ كَانَ مِنْ جَانِبِ الْمَوْلَى فَهُوَ بَاطِلٌ وَالصُّلْحُ صَحِيحٌ وَإِنْ كَانَ لِلْقَاتِلِ فَهُوَ صَحِيحٌ فَإِنْ فُسِخَ الْعَقْدُ فَفِي الْقِيَاسِ يَبْطُلُ الْعَفْوُ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا يَبْطُلُ وَيَلْزَمُ الْقَاتِلَ الدِّيَةُ وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا إسْلَامَ الْمُعْتِقِ وَهُوَ الْمَالِكُ؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ مِنْ الْكَافِرِ وَلَوْ مُرْتَدَّةً، أَمَّا إعْتَاقُ الْمُرْتَدِّ فَمَوْقُوفٌ عِنْدَ الْإِمَامِ نَافِذٌ عِنْدَهُمَا وَلَمْ يَشْتَرِطْ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ الْمَالِكُ صَحِيحًا؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ الْإِعْتَاقُ مِنْ الْمَرِيضِ مَرَضَ الْمَوْتِ وَإِنْ كَانَ مُعْتَبَرًا مِنْ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ وَشَرَطَ فِي الْبَدَائِعِ عَدَمَ الشَّكِّ فِي ثُبُوتِ الْإِعْتَاقِ فَإِنْ كَانَ شَاكًّا فِيهِ لَا يَحْكُمُ بِثُبُوتِهِ. أَمَّا الثَّانِي وَهُوَ صَرِيحُهُ فَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هُنَا أَنَّهُ الْحُرِّيَّةُ وَالْعِتْقُ بِأَيِّ صِيغَةٍ كَانَتْ فِعْلًا أَوْ وَصْفًا فَالْفِعْلُ نَحْوُ أَعْتَقْتُك وَحَرَّرْتُك أَوْ أَعْتَقَك اللَّهُ عَلَى الْأَصَحِّ وَهُوَ الْمُخْتَارُ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَالْوَصْفُ نَحْوُ أَنْتَ حُرٌّ وَمُحَرَّرٌ وَعَتِيقٌ وَمُعْتَقٌ وَسَيَأْتِي حُكْمُ النِّدَاءِ بِهَا وَمِنْهُ الْمَوْلَى أَيْضًا كَمَا سَنُبَيِّنُهُ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا لِمُبْتَدَأٍ فَلَوْ ذَكَرَ الْخَبَرَ فَقَطْ تَوَقَّفَ عَلَى النِّيَّةِ وَلِذَا قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ لَوْ قَالَ حُرٌّ فَقِيلَ لَهُ لِمَنْ عَنَيْت فَقَالَ عَبْدِي عَتَقَ عَبْدُهُ، أَمَّا الْمَصْدَرُ فَلَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ لِلتَّفْصِيلِ فِيهِ فَإِنْ قَالَ الْعَتَاقُ عَلَيْك أَوْ عِتْقُك عَلَيَّ كَانَ صَرِيحًا إلَّا إذَا زَادَ قَوْلَهُ عِتْقُك عَلَيَّ وَاجِبٌ فَإِنَّهُ لَا يَعْتِقُ لِجَوَازِ وُجُوبِهِ عَلَيْهِ بِكَفَّارَةٍ أَوْ نَذْرٍ بِخِلَافِ طَلَاقُك عَلَيَّ وَاجِبٌ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الطَّلَاقِ غَيْرُ وَاجِبٍ وَإِنَّمَا يَجِبُ حُكْمُهُ وَحُكْمُهُ وُقُوعُهُ وَاقْتَضَى هَذَا وُقُوعَهُ، أَمَّا الْعِتْقُ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ، أَمَّا إذَا قَالَ أَنْت عِتْقٌ أَوْ عَتَاقٌ أَوْ حُرِّيَّةٌ فَإِنَّهُ لَا يَعْتِقُ إلَّا بِالْبَيِّنَةِ، كَذَا فِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ. قَالَ الْكَمَالُ: فَعَلَى هَذَا لَا بُدَّ مِنْ ضَابِطِ الصَّرِيحِ قُلْتُ: إنَّ مَا فِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ ضَعِيفٌ لِمَا فِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ أَنْتَ عِتْقٌ يَعْتِقُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ كَقَوْلِهِ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَلَاقٌ. اهـ. فَلَا يَحْتَاجُ إلَى إصْلَاحِ الضَّابِطِ، أَمَّا إذَا كَانَ تَلَفَّظَ بِالْعِتْقِ مُهَجًّى كَقَوْلِهِ أَنْت ح ر فَإِنَّهُ كِنَايَةٌ يَعْتِقُ بِالنِّيَّةِ كَالطَّلَاقِ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ. أَمَّا التَّلَفُّظُ بِالْعِتْقِ الْعَامِّ فَقَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ قَالَ كُلُّ مَالِي حُرٌّ لَا يَعْتِقُ عَبِيدُهُ؛ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ الصَّفَا وَالْخُلُوُّ عَنْ شَرِكَةِ الْغَيْرِ، وَلَوْ قَالَ عَبِيدُ أَهْلِ بَلْخٍ أَحْرَارٌ وَلَمْ يَنْوِ عَبْدَهُ أَوْ قَالَ كُلُّ عَبْدٍ فِي الْأَرْضِ حُرٌّ أَوْ قَالَ كُلُّ عَبِيدِ أَهْلِ الدُّنْيَا أَحْرَارٌ أَوْ كَانَ مَكَانَ الْعِتْقِ طَلَاقٌ اخْتَلَفَ الْمُتَقَدِّمُونَ وَالْمُتَأَخِّرُونَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَمَّا الْمُتَقَدِّمُونَ فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي نَوَادِرِهِ لَا يَعْتِقُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ يَعْتِقُ، أَمَّا الْمُتَأَخِّرُونَ فَقَالَ عِصَامُ بْنُ يُوسُفَ لَا يَعْتِقُ، وَقَالَ شَدَّادٌ يَعْتِقُ قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى قَوْلُ عِصَامٍ، وَلَوْ قَالَ كُلُّ عَبِيدٍ فِي هَذِهِ الدَّارِ أَحْرَارٌ وَعَبْدُهُ فِيهِمْ عَتَقَ بِالِاتِّفَاقِ، وَلَوْ قَالَ وَلَدُ آدَمَ كُلُّهُمْ أَحْرَارٌ لَا يَعْتِقُ عَبْدُهُ بِالِاتِّفَاقِ اهـ.   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ طَلَاقُك عَلَى وَاجِبٌ إلَى قَوْلِهِ وُقُوعُهُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ فِيهِ نَظَرٌ أَوَّلًا بِالْمَنْعِ إذْ هُوَ وَاجِبٌ عِنْدَ عَدَمِ الْإِمْسَاكِ بِالْمَعْرُوفِ، وَثَانِيًا بِالتَّسْلِيمِ، وَلَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُوبِهِ وُجُودُهُ فِي الْخَارِجِ، وَقَدْ قَدَّمَ صَاحِبُ الظَّهِيرِيَّةِ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي مِنْ كِتَابِ الطَّلَاقِ قَوْلَهُ لَوْ قَالَ طَلَاقُك عَلَيَّ لَا يَقَعُ، وَلَوْ قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَطَلَاقُك عَلَيَّ وَاجِبٌ أَوْ لَازِمٌ أَوْ ثَابِتٌ أَوْ فَرْضٌ فَفَعَلَ، تَكَلَّمُوا فِيهِ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ تَقَعُ تَطْلِيقَةٌ رَجْعِيَّةٌ نَوَى أَوْ أَوْ لَمْ يَنْوِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا يَقَعُ وَإِنْ نَوَى، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يَقَعُ وَفِي قَوْلِهِمَا يَقَعُ فِي قَوْلِهِ لَازِمٌ وَفِي قَوْلِهِ وَاجِبٌ لَا يَقَعُ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يَقَعُ نَصَّ عَلَيْهِ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 240 أَمَّا التَّلَفُّظُ بِأَفْعَلِ التَّفْضِيلِ فَفِي الْخَانِيَّةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ لَوْ قَالَ أَنْت أَعْتَقَ مِنْ هَذَا فِي مِلْكِي أَوْ قَالَ فِي السِّنِّ لَا يَعْتِقُ فِي الْقَضَاءِ وَيُدَيَّنُ وَفِي الْمُجْتَبَى قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْت أَعْتَقَ مِنْ فُلَانٍ أَوْ لِامْرَأَتِهِ أَنْت أَطْلَقُ مِنْ فُلَانَةَ وَهِيَ مُطَلَّقَةٌ إنْ نَوَى عَتَقَ وَطَلُقَتْ، وَقِيلَ يَعْتِقُ بِدُونِ النِّيَّةِ، وَلَوْ قَالَ أَنْت عَتِيقُ فُلَانٍ يَعْتِقُ بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَعْتَقَك فُلَانٌ. اهـ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ نَسَبُك حُرٌّ أَوْ أَصْلُك حُرٌّ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ سُبِيَ لَا يَعْتِقُ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ سُبِيَ فَهُوَ حُرٌّ، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَهْلَ الْحَرْبِ أَحْرَارٌ، وَلَوْ قَالَ أَبَوَاك حُرَّانِ لَا يَعْتِقُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُمَا عَتَقَا بَعْدَمَا وُلِدَ، وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ تُصْبِحُ غَدًا حُرًّا كَانَ الْعِتْقُ مُضَافًا إلَى الْغَدِ، وَلَوْ قَالَ تَقُومُ حُرًّا وَتَقْعُدُ حُرًّا يَعْتِقُ لِلْحَالِ، وَلَوْ قَالَ صَحِيحٌ لِعَبْدِهِ أَنْت حُرٌّ مِنْ ثُلُثِي يَعْتِقُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ، وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ افْعَلْ مَا شِئْت فِي نَفْسِك فَإِنْ أَعْتَقَ نَفْسَهُ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ مِنْ مَجْلِسِهِ عَتَقَ، وَلَوْ قَامَ قَبْلَ أَنْ يُعْتِقَ نَفْسَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُعْتِقَ نَفْسَهُ وَلَهُ أَنْ يَهَبَ نَفْسَهُ وَأَنْ يَبِيعَ نَفْسَهُ وَأَنْ يَتَصَدَّقَ بِنَفْسِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ، وَلَوْ قَالَ لِعَبْدَيْنِ لَهُ يَا سَالِمُ أَنْت حُرٌّ يَا مُبَارَكُ فَهُوَ عَلَى الْأَوَّلِ، وَلَوْ قَالَ يَا سَالِمُ أَنْت حُرٌّ يَا مُبَارَكُ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ كَانَ عَلَى الْأَخِيرِ وَسُئِلَ أَبُو الْقَاسِمِ عَمَّنْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَإِلَّا فَعَبْدِي حُرٌّ، ثُمَّ أَنْكَرَ الْمَالَ يَكُونُ إنْكَارُهُ لِلْمَالِ إقْرَارًا بِالْعِتْقِ، قَالَ إنْ قَالَ لَيْسَ عَلَيَّ شَيْءٌ لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا بِالْعِتْقِ وَإِنْ قَالَ لَمْ يَكُنْ عَلَيَّ شَيْءٌ كَانَ إقْرَارًا بِالْعِتْقِ. اهـ. أَمَّا الْعِتْقُ بِالْجَمْعِ فَقَالَ فِي الْخَانِيَّةِ لَوْ قَالَ عَبِيدِي أَحْرَارٌ وَهُمْ عَشَرَةٌ عَتَقَ عَبِيدُهُ وَإِنْ كَانُوا مِائَةً وَإِنْ كَانَ لَهُ خَمْسَةُ أَعْبُدَ فَقَالَ عَشَرَةٌ مِنْ مَمَالِيكِي إلَّا وَاحِدًا أَحْرَارٌ عَتَقُوا جَمِيعًا؛ لِأَنَّ تَقْدِيرَهُ تِسْعَةٌ مِنْ مَمَالِيكِي أَحْرَارٌ، وَلَوْ قَالَ مَمَالِيكِي الْعَشَرَةُ أَحْرَارٌ إلَّا وَاحِدٌ عَتَقَ أَرْبَعَةٌ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الْعَشَرَةِ عَلَى سَبِيلِ التَّفْسِيرِ وَذَلِكَ غَلَطٌ مِنْهُ فَلَغَا فَكَانَ الِاسْتِثْنَاءُ مُنْصَرِفًا إلَى مَمَالِيكَ فَعَتَقَ أَرْبَعَةٌ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ عَنْ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ قَالَ مَمَالِيكِي الْخَبَّازُونَ أَحْرَارٌ وَلَهُ خَبَّازُونَ وَخَبَّازَاتٌ عَتَقُوا كُلُّهُمْ؛ لِأَنَّ جَمْعَ الْمُذَكَّرِ يَنْتَظِمُ الْإِنَاثَ بِطَرِيقِ الِاسْتِتْبَاعِ اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ رَجُلٌ لَهُ عَبْدٌ وَاحِدٌ فَقَالَ أَعْتَقْت عَبْدًا يَعْتِقُ، وَلَوْ قَالَ بِعْتُك عَبْدًا لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ تَمْنَعُ صِحَّةَ الْبَيْعِ دُونَ الْعِتْقِ اهـ. أَمَّا الثَّالِثُ وَهُوَ حُكْمُ الصَّرِيحِ فَإِنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى النِّيَّةِ لِاسْتِعْمَالِهِ فِيهِ شَرْعًا وَعُرْفًا، وَلَوْ قَالَ عَنَيْت بِهِ الْخَبَرَ كَذِبًا لَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ لِعُدُولِهِ عَنْ الظَّاهِرِ وَيُصَدَّقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ قَالَ أَرَدْت بِهِ اللَّعِبَ يَعْتِقُ قَضَاءً وَدِيَانَةً. وَفِي الْبَدَائِعِ لَوْ قَالَ عَنَيْت بِهِ أَنَّهُ كَانَ حُرًّا فَإِنْ كَانَ مَوْلُودًا لَا يُصَدَّقُ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ كَذِبٌ مَحْضٌ وَإِنْ كَانَ مَسْبِيًّا لَا يُصَدَّقُ قَضَاءً وَيُصَدَّقُ دِيَانَةً، وَلَوْ قَالَ أَنْت حُرٌّ مِنْ عَمَلِ كَذَا أَوْ أَنْت حُرٌّ الْيَوْمَ مِنْ هَذَا الْعَمَلِ عَتَقَ فِي الْقَضَاءِ، وَلَوْ دَعَا لِعَبْدِهِ سَالِمٍ يَا سَالِمُ فَأَجَابَهُ مَرْزُوقٌ فَقَالَ أَنْت حُرٌّ وَلَا نِيَّةَ لَهُ عَتَقَ الَّذِي أَجَابَهُ، وَلَوْ قَالَ عَنَيْت سَالِمًا عَتَقَا فِي الْقَضَاءِ، أَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّمَا يَعْتِقُ الَّذِي عَنَاهُ خَاصَّةً، وَلَوْ قَالَ يَا سَالِمُ أَنْت حُرٌّ فَإِذَا هُوَ عَبْدٌ آخَرُ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ عَتَقَ سَالِمٌ؛ لِأَنَّهُ لَا مُخَاطَبَةَ هَا هُنَا إلَّا لِسَالِمٍ فَيَنْصَرِفُ إلَيْهِ اهـ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالْخَانِيَّةِ أَمَةٌ قَائِمَةٌ بَيْنَ يَدَيْ مَوْلَاهَا فَسَأَلَهَا رَجُلٌ: أَمَةٌ أَنْت أَمْ حُرَّةٌ فَأَرَادَ الْمَوْلَى أَنْ يَقُولَ مَا سُؤَالُك عَنْهَا أَمَةٌ أَمْ حُرَّةٌ فَعَجَّلَ فِي الْقَوْلِ فَقَالَ هِيَ حُرَّةٌ أَمَةٌ عَتَقَتْ فِي الْقَضَاءِ اهـ. وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ الَّذِي حَلَّ لَهُ دَمُهُ بِقِصَاصٍ أَعْتَقْتُك، وَقَالَ عَنَيْت بِهِ عَنْ الْقَتْلِ عَتَقَ فِي الْقَضَاءِ وَسَقَطَ عَنْهُ الدَّمُ بِإِقْرَارِهِ. اهـ. وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الْعُضْوَ الَّذِي يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْكُلِّ كَالْكُلِّ كَمَا إذَا قَالَ رَقَبَتُك حُرٌّ أَوْ رَأْسُك أَوْ وَجْهُك أَوْ بَدَنُك أَوْ فَرْجُك لِلْأَمَةِ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي الطَّلَاقِ بِخِلَافِ الْعُضْوِ الَّذِي لَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْكُلِّ كَالْيَدِ وَالرِّجْلِ وَفِي الْمُجْتَبَى لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ فَرْجُك حُرٌّ عَتَقَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ رِوَايَتَانِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ كَبِدُك حُرٌّ يَعْتِقُ، وَلَوْ قَالَ بَدَنُك بَدَنُ حُرٍّ عَتَقَ، وَكَذَا الْفَرْجُ وَالرَّأْسُ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَأْسُك رَأْسُ حُرٍّ أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ، وَلَوْ قَالَ لَهَا فَرْجُك حُرٌّ عَنْ الْجِمَاعِ تَعْتِقُ قَضَاءً اهـ. وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ قَالَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَفِي الْمُجْتَبَى قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْت أَعْتَقَ مِنِّي) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَهُوَ كَذَلِكَ فِي الْمُجْتَبَى فِيمَا رَأَيْته وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ مِنْ فُلَانٍ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ أَنْت عَتِيقُ فُلَانٍ يَعْتِقُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ كَانَ وَجْهُهُ أَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ اعْتِرَافٌ بِالْقِنَّةِ الْحَاصِلَةِ بِالْعِتْقِ فِيهِ وَفِي الثَّانِي إنَّمَا أَخْبَرَ بِأَنَّ فُلَانًا أَوْجَدَ الصِّيغَةَ. (قَوْلُهُ: يَكُونُ إنْكَارُهُ الْمَالَ إقْرَارًا بِالْعِتْقِ) عَلَى حَذْفِ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ مَنْ يَكُونُ أَيْ أَيَكُونُ وَقَوْلُهُ: قَالَ إنْ قَالَ إلَخْ جَوَابُهُ وَفِي شَرْحِ الْمَقْدِسِيَّ وَجْهُهُ أَنَّ لَمْ لِنَفْيِ الْمَاضِي فَشَمِلَ وَقْتَ كَلَامِهِ وَلَيْسَ لِنَفْيِ الْحَالِ وَإِنْكَارُ الْمَالِ فِي الْحَالِ لَا يَلْزَمُ إنْكَارُهُ فِي الْمَاضِي لِجَوَازِ أَنَّهُ أَوْفَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ الْوَقْتِ. . (قَوْلُهُ: وَكَذَا الْفَرْجُ وَالرَّأْسُ) ذَكَرَهُ فِي الْمُجْتَبَى بِرَمْزٍ آخَرَ غَيْرِ رَمْزِ مَا قَبْلَهُ.. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 241 فَرْجُك حُرٌّ قَالَ لِلْعَبْدِ أَوْ لِلْأَمَةِ عَتَقَ بِخِلَافِ الذَّكَرِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْت حُرَّةٌ أَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ أَنْت حُرٌّ يَعْتِقُ فِي الْوَجْهَيْنِ كَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ اهـ. وَفِي الْخُلَاصَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لِرَجُلٍ يَا زَانِيَةُ يَعْنِي فَلَا يَكُونُ قَذْفًا وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الْجُزْءَ الشَّائِعَ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الطَّلَاقِ لِلْفَرْقِ بَيْنَ الْعَتَاقِ وَالطَّلَاقِ فَإِنَّ الطَّلَاقَ لَا يَتَجَزَّأُ اتِّفَاقًا فَذِكْرُ بَعْضِهِ كَذِكْرِ كُلِّهِ، أَمَّا الْعِتْقُ فَيَتَجَزَّأُ عِنْدَ الْإِمَامِ فَإِذَا قَالَ نِصْفُك حُرٌّ أَوْ ثُلُثُك حُرٌّ يَعْتِقُ ذَلِكَ الْقَدْرُ خَاصَّةً عِنْدَهُ كَمَا سَيَأْتِي فَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مِنْ تَسْوِيَةِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فِي الْإِضَافَةِ إلَى الْجُزْءِ الشَّائِعِ سَهْوٌ كَمَا لَا يَخْفَى وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ قَالَ سَهْمٌ مِنْك حُرٌّ عَتَقَ السُّدُسُ، وَلَوْ قَالَ جُزْءٌ مِنْك حُرٌّ أَوْ شَيْءٌ مِنْك حُرٌّ يُعْتِقُ مِنْهُ الْمَوْلَى مَا شَاءَ فِي قَوْلِهِ اهـ. وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الْأَلْفَاظَ الْجَارِيَةَ مَجْرَى الصَّرِيحِ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ، أَمَّا الَّذِي هُوَ مُلْحَقٌ بِالصَّرِيحِ فَهُوَ أَنْ يَقُولَ وَهَبْت لَك نَفْسَك أَوْ وَهَبْت نَفْسَك مِنْك أَوْ بِعْت نَفْسَك مِنْك وَيَعْتِقُ سَوَاءٌ قَبِلَ أَوْ لَمْ يَقْبَلْ نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ؛ لِأَنَّ الْإِيجَارَ مِنْ الْوَاهِبِ وَالْبَائِعِ إزَالَةُ الْمِلْكِ مِنْ الْمَوْهُوبِ وَالْمَبِيعِ وَإِنَّمَا الْحَاجَةُ إلَى الْقَبُولِ مِنْ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَالْمُشْتَرِي لِثُبُوتِ الْمِلْكِ لَهُمَا، وَهَا هُنَا لَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِلْعَبْدِ فِي نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ مَمْلُوكًا لِنَفْسِهِ فَبَقِيَ الْهِبَةُ وَالْبَيْعُ إزَالَةُ الْمِلْكِ عَنْ الرَّقِيقِ لَا إلَى أَوْحَدَ هَذَا مَعْنَى الْإِعْتَاقِ، وَقَدْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ وَهَبْت لَك نَفْسَك، وَقَالَ أَرَدْت وَهَبْت لَهُ عِتْقَهُ أَيْ لَا أُعْتِقُهُ لَمْ يَعْتِقْ فِي الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ عُدُولٌ عَنْ الظَّاهِرِ وَيُصَدَّقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ كَلَامُهُ اهـ. وَزَادَ فِي الْخَانِيَّةِ تَصَدَّقْت بِنَفْسِك عَلَيْك وَفِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ فَقِيلَ إنَّهَا مُلْحَقَةٌ بِالصَّرِيحِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ. وَقِيلَ إنَّهَا كِنَايَةٌ لَا تَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الصَّرِيحَ يَخُصُّ الْوَضْعِيَّ وَالْحَقُّ الْقَوْلُ الثَّالِثُ إنَّهَا صَرَائِحُ حَقِيقَةً كَمَا قَالَ بِهِ جَمَاعَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخُصُّ الْوَضْعَ وَاخْتَارَهُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ (قَوْلُهُ وَبِلَا مِلْكَ وَلَا رِقَّ وَلَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك إنْ نَوَى) بَيَانٌ لِلْكِنَايَاتِ؛ لِأَنَّ نَفْيَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ يُحْتَمَلُ بِالْبَيْعِ وَالْكِتَابَةِ وَالْعِتْقِ وَانْتِفَاءُ السَّبِيلِ يُحْتَمَلُ بِالْعِتْقِ وَبِالْإِرْضَاءِ حَتَّى لَا يَكُونَ لَهُ سَبِيلٌ فِي اللَّوْمِ وَالْعُقُوبَةِ فَصَارَ مُجْمَلًا وَالْمُجْمَلُ لَا يَتَعَيَّنُ بَعْضُ وَجْهِهِ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مِنْ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ الْعِتْقُ بِلَا نِيَّةٍ إذَا لَمْ يَكُنْ الْبَيْعُ وَنَحْوُهُ مِنْ الْأَشْيَاءِ الْمُزِيلَةِ مَوْجُودًا؛ لِأَنَّ نَفْيَ الْمِلْكِ لَمَّا كَانَ دَائِرًا بَيْنَ الْإِعْتَاقِ وَغَيْرِهِ وَغَيْرُ الْإِعْتَاقِ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا فِي الْوَاقِعِ تَعَيَّنَ الْإِعْتَاقُ لَا مَحَالَةَ كَمَا هُوَ الْحُكْمُ فِي التَّرَدُّدِ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ وَإِلَّا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ كَلَامُ الْعَاقِلِ لَغْوًا فَلَا يَجُوزُ. اهـ. وَقَوْلُهُ فِي الْمُخْتَصَرِ لِي عَلَيْك مُتَعَلِّقٌ بِالثَّلَاثَةِ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ لَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ لَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك إلَّا سَبِيلُ الْوَلَاءِ عَتَقَ فِي الْقَضَاءِ وَلَا يُصَدَّقُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ غَيْرَ الْعِتْقِ، وَلَوْ قَالَ لَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك إلَّا سَبِيلُ الْمُوَالَاةِ دُيِّنَ فِي الْقَضَاءِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ، وَإِذَا لَمْ يَقَعْ الْعِتْقُ فِي لَا مِلْكَ لِي أَوْ خَرَجْت عَنْ مِلْكِي فَهَلْ لَهُ أَنْ يَدَّعِيَهُ قَالَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْت غَيْرُ مَمْلُوكٍ لَا يَعْتِقُ لَكِنْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَدَّعِيَهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَا أَنْ يَسْتَخْدِمَهُ فَإِنْ مَاتَ لَا يَرِثُ بِالْوَلَاءِ فَإِنْ قَالَ الْمَمْلُوكُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَا مَمْلُوكٌ لَهُ فَصَدَّقَهُ كَانَ مَمْلُوكًا لَهُ. وَكَذَا لَوْ قَالَ لَهُ لَيْسَ هَذَا بِعَبْدِي لَا يَعْتِقُ. اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَكُونُ حُرًّا ظَاهِرًا لَا مُعْتَقًا فَتَكُونُ أَحْكَامُهُ أَحْكَامَ الْأَحْرَارِ حَتَّى يَأْتِيَ مَنْ يَدَّعِيَهُ وَيُثْبِتَ فَيَكُونُ مِلْكًا لَهُ وَمِنْ الْكِنَايَاتِ أَيْضًا خَلَّيْت سَبِيلَك لَا حَقَّ لِي عَلَيْك، وَقَوْلُهُ لِأَمَتِهِ أَطْلَقْتُك فَتَعْتِقُ بِالنِّيَّةِ وَمِنْ الْكِنَايَاتِ أَيْضًا كَمَا فِي الْبَدَائِعِ أَمْرُك بِيَدِك اخْتَارِي فَيَتَوَقَّفُ عَلَى النِّيَّةِ وَسَيَأْتِي تَمَامُ ذَلِكَ وَاخْتُلِفَ فِي أَنْت لِلَّهِ فَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَا يَعْتِقُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِنْ نَوَى، وَقَالَ مُحَمَّدٌ إنْ أَرَادَ بِهِ الْعِتْقَ فَهُوَ حُرٌّ وَإِنْ أَرَادَ بِهِ الصَّدَقَةَ فَهُوَ صَدَقَةٌ وَإِنْ أَرَادَ بِهِ أَنَّ كُلَّنَا لِلَّهِ تَعَالَى لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ فِي مَرَضِهِ أَنْت لِوَجْهِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَكَذَا أَنْتَ عَبْدُ اللَّهِ، وَلَوْ قَالَ جَعَلْتُك لِلَّهِ فِي صِحَّتِهِ أَوْ فِي مَرَضِهِ، وَقَالَ لَمْ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: لَمْ يَعْتِقْ فِي الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ عُدُولٌ) كَذَا فِي النُّسَخِ وَهُوَ تَحْرِيفٌ بِزِيَادَةِ لَمْ أَوْ الْأَصْلُ لَمْ يُصَدَّقَا. (قَوْلُهُ: لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ) الظَّاهِرُ أَنْ لَا زَائِدَةٌ وَالصَّوَابُ تَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ. (قَوْلُهُ: وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَكُونُ حُرًّا ظَاهِرًا إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَقُولُ: عَلَّلَ فِي الْمُحِيطِ أَنْتَ غَيْرُ مَمْلُوكٍ بِأَنَّ نَفْيَ الْمِلْكِ لَيْسَ صَرِيحًا فِي الْعِتْقِ بَلْ يَحْتَمِلُهُ اهـ. وَإِذَا لَمْ يَنْوِهِ لَا يَعْتِقُ وَبَقِيَ إقْرَارُهُ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مَمْلُوكٍ أَصْلًا فَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ مَا ذُكِرَ وَعِنْدِي أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مُغَايِرَةٌ لِمَسْأَلَةِ الْكِتَابِ وَذَلِكَ أَنَّهُ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ إنَّمَا أَقَرَّ بِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ فِيهِ وَهَذَا لَا يُنَافِي مِلْكَهُ لِغَيْرِهِ، وَمَسْأَلَةُ الْخُلَاصَةِ مَوْضُوعُهَا إقْرَارُهُ بِأَنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ أَصْلًا إمَّا لِعِتْقِهِ لَهُ أَوْ لِحُرِّيَّتِهِ الْأَصْلِيَّةِ فَتَنَبَّهْ لِهَذَا وَإِنَّهُ مُهِمٌّ اهـ. وَتَعَقَّبَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ فَقَالَ الَّذِي يَظْهَرُ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ أَنَّ الْحَقَّ مَعَ صَاحِبِ الْبَحْرِ فَإِنَّ الْفَرْقَ الَّذِي أَبْدَاهُ فِي النَّهْرِ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ فَإِنَّهُ إذَا نَفَى مِلْكَهُ عَنْهُ وَلَيْسَ هُنَاكَ مَنْ يَدَّعِيهِ سَاوَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 242 أَنْوِ بِهِ الْعِتْقَ أَوْ لَمْ يَقُلْ شَيْئًا حَتَّى مَاتَ فَإِنَّهُ يُبَاعُ وَإِنْ نَوَى الْعِتْقَ فَهُوَ حُرٌّ اهـ. (قَوْلُهُ: وَهَذَا ابْنِي أَوْ أَبِي أَوْ أُمِّي، وَهَذَا مَوْلَايَ أَوْ يَا مَوْلَايَ أَوْ يَا حُرُّ أَوْ يَا عَتِيقُ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ أَنْتَ حُرٌّ أَيْ يُصْبِحُ بِهَذَا ابْنِي وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا أَخَّرَهَا مَعَ أَنَّهَا صَرَائِحُ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى النِّيَّةِ لِمَا فِيهَا مِنْ التَّفْصِيلِ أَمَّا الْأَوَّلُ وَهُوَ الْأَلْفَاظُ الَّتِي ثَبَتَ بِهَا النَّسَبُ فَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مِنْهَا ثَلَاثَةً الِابْنَ وَالْأَبَ وَالْأُمَّ، فَكُلٌّ مِنْهَا إمَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى وَجْهِ الصِّفَةِ أَوْ عَلَى وَجْهِ النِّدَاءِ فَإِنْ كَانَ عَلَى طَرِيقِ الصِّفَةِ بِأَنْ قَالَ لِمَمْلُوكِهِ هَذَا ابْنِي فَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنَّ كَانَ يَصْلُحُ ابْنًا لَهُ بِأَنْ كَانَ مِثْلُهُ يُولَدُ لِمِثْلِهِ أَوْ لَا وَكُلٌّ مِنْهُمَا إمَّا أَنْ يَكُونَ مَجْهُولَ النَّسَبِ أَوْ مَعْرُوفَهُ فَإِنْ كَانَ يَصْلُحُ ابْنًا لَهُ وَهُوَ مَجْهُولُ النَّسَبِ ثَبَتَ النَّسَبُ وَالْعِتْقُ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ كَانَ مَعْرُوفَ النَّسَبِ مِنْ الْغَيْرِ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ بِلَا شَكٍّ وَلَكِنْ يَثْبُتُ الْعِتْقُ عِنْدَنَا، وَإِنْ كَانَ لَا يَصْلُحُ ابْنًا لَهُ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ بِلَا شَكٍّ وَهَلْ يَعْتِقُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَعْتِقُ سَوَاءٌ كَانَ مَجْهُولَ النَّسَبِ أَوْ مَعْرُوفَهُ، وَقَالَا لَا يَعْتِقُ وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ لِمَمْلُوكَتِهِ هَذِهِ بِنْتِي خِلَافًا وَوِفَاقًا لَهُمَا إنَّهُ كَلَامٌ مُحَالٌ فَيُرَدُّ وَيَلْغُو كَقَوْلِهِ أَعْتَقْتُك قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ وَلَهُ أَنَّهُ مُحَالٌ بِحَقِيقَتِهِ لَكِنَّهُ صَحِيحٌ لِمَجَازِهِ؛ لِأَنَّهُ إخْبَارٌ عَنْ حُرِّيَّتِهِ مِنْ حِينِ مِلْكِهِ. وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْبُنُوَّةَ فِي الْمَمْلُوكِ سَبَبٌ لِحُرِّيَّتِهِ إمَّا إجْمَاعًا أَوْ صِلَةً لِلْقَرَابَةِ وَإِطْلَاقُ السَّبَبِ وَإِرَادَةُ الْمُسَبِّبِ مُسْتَجَازٌ فِي اللُّغَةِ تَجُوزُ أَوْ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ مُلَازِمَةٌ لِلْبُنُوَّةِ فِي الْمَمْلُوكِ وَالْمُشَابَهَةُ فِي وَصْفٍ مُلَازِمٍ مِنْ طُرُقِ الْمَجَازِ عَلَى مَا عُرِفَ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ تَحَرُّزًا عَنْ الْإِلْغَاءِ بِخِلَافِ مَا اسْتَشْهَدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لَهُ فِي الْمَجَازِ فَتَعَيَّنَ الْإِلْغَاءُ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لِغَيْرِهِ قَطَعْت يَدَك خَطَأً فَأَخْرَجَهُمَا صَحِيحَتَيْنِ حَيْثُ لَمْ يُجْعَلْ مَجَازًا عَنْ الْإِقْرَارِ بِالْمَالِ وَالْتِزَامِهِ وَإِنْ كَانَ الْقَطْعُ سَبَبًا لِوُجُوبِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ خَطَأً سَبَبٌ لِوُجُوبِ مَالٍ مَخْصُوصٍ وَهُوَ الْأَرْشُ وَأَنَّهُ يُخَالِفُ مُطْلَقَ الْمَالِ فِي الْوَصْفِ حَتَّى وَجَبَ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي سَنَتَيْنِ، وَلَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ بِدُونِ الْقَطْعِ وَمَا لَمْ يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ فَالْقَطْعُ لَيْسَ بِسَبَبٍ لَهُ، أَمَّا الْحُرِّيَّةُ لَا تَخْتَلِفُ ذَاتًا وَحُكْمًا فَأَمْكَنَ جَعْلُهُ مَجَازًا عَنْهُ وَالْكَلَامُ فِي الْمَسْأَلَةِ طَوِيلٌ فِي الْأُصُولِ فِي بَحْثِ الْحَقِيقَةِ هَلْ الْمَجَازُ خَلَفٌ عَنْهَا فِي التَّكَلُّمِ أَوْ فِي الْحُكْمِ، وَصَرَّحَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهُ يَعْتِقُ نَوَى أَمْ لَمْ يَنْوِ إذْ لَا تَزَاحُمَ كَيْ لَا يُلْغَى كَلَامُ الْعَاقِلِ، ثُمَّ إنْ كَانَ هَذَا دَخَلَ فِي الْوُجُودِ عَتَقَ قَضَاءً وَدِيَانَةً وَإِلَّا فَقَضَاءً وَلَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ اهـ. وَكَذَا صَرَّحَ فِي الْكَشْفِ الْكَبِيرِ بِأَنَّهُ يَعْتِقُ فَقَضَاءً فِيمَا إذَا كَانَ لَا يُولَدُ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ وَالْمُعْتَبَرُ الْمُمَاثَلَةُ فِي السِّنِّ لَا الْمُشَاكَلَةُ حَتَّى لَوْ كَانَ الْمُدَّعِي أَبْيَضَ نَاصِعًا وَالْمَقُولُ لَهُ أَسْوَدَ أَوْ عَلَى الْقَلْبِ يَثْبُتُ النَّسَبُ وَقَيَّدَ بِالْمَمْلُوكِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ وَهِيَ مَعْرُوفَةُ النَّسَبِ مِنْ الْغَيْرِ هَذِهِ ابْنَتِي لَمْ تَقَعْ الْفُرْقَةُ اتِّفَاقًا كَمَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ، أَمَّا الثَّانِي وَهُوَ قَوْلُهُ هَذَا أَبِي فَإِنْ كَانَ يَصْلُحُ أَبًا لَهُ وَلَيْسَ لِلْقَائِلِ أَبٌ مَعْرُوفٌ يَثْبُتُ النَّسَبُ وَالْعِتْقُ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنْ كَانَ يَصْلُحُ أَبًا لَهُ وَلَكِنْ لِلْقَائِلِ أَبٌ مَعْرُوفٌ يَثْبُتُ النَّسَبُ وَيَعْتِقُ عِنْدَنَا وَإِنْ كَانَ لَا يَصْلُحُ أَبًا لَهُ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ بِلَا شَكٍّ، وَلَكِنْ يَعْتِقُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَعْتِقُ. أَمَّا الثَّالِثُ فَهُوَ قَوْلُهُ هَذِهِ أُمِّي وَالْكَلَامُ فِيهِ كَالْكَلَامِ فِي الْأَبِ، وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ هَذِهِ بِنْتِي أَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ هَذَا ابْنِي اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ يَعْتِقُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَعْتِقُ وَرَجَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَفَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي الْمُجْتَبَى وَهُوَ الْأَظْهَرُ، وَلَوْ قَالَ لِمَمْلُوكِهِ هَذَا عَمِّي أَوْ خَالِي يَعْتِقُ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى - هَذَا أَخِي - آخِرَ الْبَابِ، وَلَوْ قَالَ هَذَا ابْنِي مِنْ الزِّنَا يَعْتِقُ وَلَا يَثْبُتُ النَّسَبُ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَصْدِيقُ الْعَبْدِ الْمُقَرِّ لَهُ بِالنَّسَبِ وَفِيهِ اخْتِلَافٌ فَقِيلَ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَصْدِيقِهِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَ الْمَالِكِ عَلَى مَمْلُوكِهِ يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ تَصْدِيقِهِ، وَقِيلَ يُشْتَرَطُ تَصْدِيقُهُ فِيمَا سِوَى دَعْوَى الْبُنُوَّةِ؛ لِأَنَّ فِيهِ حَمْلَ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ فَيَكُونُ فِيهِ إلْزَامُ الْعَبْدِ الْحُرِّيَّةَ فَيُشْتَرَطُ تَصْدِيقُهُ، وَلَوْ قَالَ لِصَغِيرٍ هَذَا جَدِّي فَقِيلَ هُوَ عَلَى   [منحة الخالق] مَنْ قِيلَ لَهُ أَنْت غَيْرُ مَمْلُوكٍ وَيَدُلُّ لِمَا قُلْنَا تَسْوِيَةُ صَاحِبِ الْخُلَاصَةِ بَيْنَ قَوْلِهِ أَنْتَ غَيْرُ مَمْلُوكٍ وَبَيْنَ قَوْلِهِ لَيْسَ هَذَا بِعَبْدِي فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ إنْ كَانَ هَذَا دَخَلَ فِي الْوُجُودِ إلَخْ) أَيْ بِأَنْ كَانَ أَمْرًا مَوْجُودًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَهَذَا عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ أَمَّا إذَا نَوَى بِهَذَا الْكَلَامِ الْعِتْقَ وَهُوَ صَالِحٌ لَهُ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ قَضَاءً وَدِيَانَةً كَمَا لَا يَخْفَى. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 243 الْخِلَافِ وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ وَصَفَهُ بِصِفَةِ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ بِمِلْكِهِ وَالْأَصْلُ أَنَّهُ إذَا وُصِفَ الْعَبْدُ بِصِفَةِ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ إذَا مَلَكَهُ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ إلَّا فِي قَوْلِهِ هَذَا أَخِي وَهَذِهِ أُخْتِي. أَمَّا الرَّابِعُ أَعْنِي لَفْظَ الْمَوْلَى فَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْخَبَرِ وَالنِّدَاءِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ اسْمَ الْمَوْلَى وَإِنْ كَانَ يَنْتَظِمُ النَّاصِرَ وَابْنَ الْعَمِّ وَالْمُوَالَاةَ فِي الدَّيْنِ وَالْأَعْلَى وَالْأَسْفَلَ فِي الْعَتَاقَةِ إلَّا أَنَّهُ تَعَيَّنَ الْأَسْفَلُ مُرَادًا فَصَارَ كَاسْمٍ خَاصٍّ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَسْتَنْصِرُ بِمَمْلُوكِهِ عَادَةً وَالْعَبْدُ نَسَبُهُ مَعْرُوفٌ فَانْتَفَى الْأَوَّلُ وَالثَّانِي وَالثَّالِثُ نَوْعُ مَجَازٍ وَالْكَلَامُ بِحَقِيقَتِهِ وَالْإِضَافَةُ إلَى الْعَبْدِ تُنَافِي كَوْنَهُ مُعْتَقًا فَتَعَيَّنَ الْمَوْلَى الْأَسْفَلُ فَالْتَحَقَ بِالصَّرِيحِ، وَكَذَا إذَا قَالَ لِأَمَتِهِ هَذِهِ مَوْلَاتِي لِمَا بَيَّنَّا، وَلَوْ قَالَ عَنَيْت بِهِ الْمَوْلَى فِي الدَّيْنِ أَوْ الْكَذِبِ يُصَدَّقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ لِمُخَالَفَتِهِ الظَّاهِرَ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَصَرَّحَ فِي التُّحْفَةِ بِأَنَّ لَفْظَ الْمَوْلَى صَرِيحٌ لَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ. وَذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ اخْتِلَافَ الْمَشَايِخِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا يَعْتِقُ بِغَيْرِ النِّيَّةِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ صَرِيحٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ اهـ. وَتَعَقَّبَهُمْ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمَوْلَى صَرِيحٌ فِي إيقَاعِ الْعِتْقِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الصَّرِيحَ مَكْشُوفُ الْمُرَادِ وَلَفْظُ الْمَوْلَى مُشْتَرِكٌ وَمَعَ اسْتِعْمَالِهِ فِي الْمَعَانِي عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ لَا يَكُونُ مَكْشُوفَ الْمُرَادِ فَلَا يَكُونُ صَرِيحًا وَقَوْلُهُمْ إنَّ الْمَوْلَى لَا يَسْتَنْصِرُ بِمَمْلُوكِهِ عَادَةً لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ، بَلْ تَحْصُلُ لَهُ النُّصْرَةُ بِمَمَالِيكِهِ وَخَدَمِهِ وَاَلَّذِي لَا يَحْتَاجُ إلَى النَّصِيرِ وَالظَّهِيرِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى وَحْدَهُ عَلَى أَنَّا نَقُولُ الصَّرِيحُ يَفُوقُ الدَّلَالَةَ وَالْمُتَكَلِّمُ يُصَرِّحُ وَيُنَادِي بِأَعْلَى صَوْتِهِ إنِّي عَنَيْت النَّاصِرَ بِلَفْظِ الْمَوْلَى وَلَهُ دَلَالَةٌ عَلَى ذَلِكَ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّهُ مُشْتَرِكٌ وَهُمْ يَقُولُونَ دَلَالَةُ الْحَالِ مِنْ كَلَامِك تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْمَوْلَى هُوَ الْمُعْتِقُ الْأَسْفَلُ وَلَا تُعْتَبَرُ إرَادَةُ النَّاصِرِ وَنَحْوِهِ، وَهَذَا فِي غَايَةِ الْمُكَابَرَةِ اهـ. وَأَجَابَ عَنْهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّ قَوْلَهُ اُسْتُعْمِلَ فِي مَعَانٍ فَلَا يَكُونُ مَكْشُوفَ الْمُرَادِ إنْ أَرَادَ دَائِمًا مَنَعْنَاهُ لِجَوَازِ أَنْ يَنْكَشِفَ الْمُرَادُ مِنْ الْمُشْتَرِكِ فِي بَعْضِ الْمَوَارِدِ الِاسْتِعْمَالِيَّة لِاقْتِرَانِهِ بِمَا يَنْفِي غَيْرَهُ اقْتِرَانًا ظَاهِرًا كَمَا هُوَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ وَمَنْعُهُ أَنَّ الْمَوْلَى لَا يَسْتَنْصِرُ بِعَبْدِهِ لَا يُلَائِمُ مَا أَسْنَدَ بِهِ مِنْ قَوْلِهِ تَحْصُلُ النُّصْرَةُ بِهِمْ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ إذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ لَا يَسْتَدْعِي لِلنُّصْرَةِ عَبْدَهُ، بَلْ بَنِي عَمِّهِ وَإِنْ كَانَ الْعَبِيدُ وَالْخَدَمُ يَنْصُرُونَهُ، أَمَّا قَوْلُهُ الصَّرِيحُ يَفُوقُ الدَّلَالَةَ فَكَأَنَّهُ أَرَادَ الْكِنَايَةَ فَطَغَى قَلَمُهُ فَنَقُولُ هَذَا الصَّرِيحُ وَهُوَ قَوْلُهُ أَرَدْت النَّاصِرَ بِلَفْظِ الْمَوْلَى إنَّمَا قَالَهُ بَعْدَ قَوْلِهِ بِمَا هُوَ مُلْحَقٌ بِالصَّرِيحِ فِي إرَادَةِ الْعِتْقِ فَأَثْبَتَ حُكْمَهُ ذَلِكَ ظَاهِرًا، وَهَذَا الصَّرِيحُ بَعْدَهُ رُجُوعٌ عَنْهُ فَلَا يَقْبَلُهُ الْقَاضِي وَالْكَلَامُ فِيهِ، وَنَحْنُ نَقُولُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لَوْ أَرَادَ النَّاصِرَ لَمْ يَعْتِقْ فَأَيْنَ الْمُكَابَرَةُ اهـ. أَمَّا الثَّانِي أَعْنِي فِي النِّدَاءِ فَلِأَنَّهُ لَمَّا تَعَيَّنَ الْأَسْفَلُ مُرَادًا الْتَحَقَ بِالصَّرِيحِ وَبِالنِّدَاءِ بِهِ يَعْتِقُ بِأَنْ قَالَ يَا حُرُّ يَا عَتِيقُ فَكَذَا النِّدَاءُ بِهَذَا اللَّفْظِ وَقَيَّدَ بِالْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْتِقُ فِي السَّيِّدِ وَالْمَالِكِ إلَّا بِالنِّيَّةِ كَقَوْلِهِ يَا سَيِّدِي أَوْ يَا سَيِّدُ أَوْ يَا مَالِكِي؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُذْكَرُ عَلَى وَجْهِ التَّعْظِيمِ وَالْإِكْرَامِ فَلَا يَثْبُتُ بِهِ الْعِتْقُ بِغَيْرِ نِيَّةٍ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَغَيْرِهَا لَوْ قَالَ أَنْت مَوْلَى فُلَانٍ عَتَقَ فِي الْقَضَاءِ كَقَوْلِهِ أَنْتَ عَتِيقُ فُلَانٍ بِخِلَافِ أَعْتَقَك فُلَانٌ، وَعَنْ أَبِي الْقَاسِمِ الصَّفَّارِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ جَاءَتْ جَارِيَتُهُ بِسِرَاجٍ فَوَقَفَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ لَهَا الْمَوْلَى مَا أَصْنَعُ بِالسِّرَاجِ وَوَجْهُك أَضْوَأُ مِنْ السِّرَاجِ يَا مَنْ أَنَا عَبْدُك قَالَ هَذِهِ كَلِمَةُ لُطْفٍ لَا تَعْتِقُ بِهَا الْجَارِيَةُ وَفِي التَّنْقِيحِ لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنَا عَبْدُك الْمُخْتَارُ عَدَمُ الْعِتْقِ اهـ. أَمَّا الثَّالِثُ وَهُوَ النِّدَاءُ بِحُرٍّ وَنَحْوِهِ كَيَا حُرُّ يَا عَتِيقُ يَا مُعْتَقُ فَلِأَنَّهُ نَادَاهُ بِمَا هُوَ صَرِيحٌ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْعِتْقِ لِكَوْنِ اللَّفْظِ مَوْضُوعًا لَهُ وَلَا يُعْتَبَرُ الْمَعْنَى فِي الْمَوْضُوعَاتِ فَيَثْبُتُ الْعِتْقُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ وَاسْتَثْنَى فِي الْهِدَايَةِ مَا إذَا سَمَّاهُ حُرًّا، ثُمَّ نَادَاهُ يَا حُرُّ؛ لِأَنَّ مُرَادَهُ الْإِعْلَامُ بِاسْمِ عَلَمِهِ وَهُوَ مَا لَقَّبَهُ بِهِ، وَلَوْ نَادَاهُ بِالْفَارِسِيَّةِ يَا أَزَادُ، وَقَدْ لَقَّبَهُ   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 244 بِالْحُرِّ قَالُوا يَعْتِقُ، وَكَذَا عَكْسُهُ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِنِدَاءٍ بِاسْمِ عَلَمِهِ فَيُعْتَبَرُ إخْبَارًا عَنْ الْوَصْفِ اهـ. وَشَرَطَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالْخَانِيَّةِ الْإِشْهَادَ وَقْتَ تَسْمِيَتِهِ بِحُرٍّ وَفِي الْمَبْسُوطِ إذَا لَمْ يَكُنْ هَذَا الِاسْمُ مَعْرُوفًا لَهُ يَعْتِقُ فِي الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ نَادَاهُ بِوَصْفٍ يَمْلِكُ إيجَابَهُ بِهِ وَفَرَّقَ فِي التَّنْقِيحِ بَيْنَ تَسْمِيَتِهِ بِحُرٍّ حَيْثُ لَا يَقَعُ إذَا نَادَاهُ وَبَيْنَ تَسْمِيَةِ الْمَرْأَةِ بِطَالِقٍ حَيْثُ يَقَعُ إذَا نَادَاهَا؛ لِأَنَّهُ عُهِدَ التَّسْمِيَةُ بِحُرٍّ كَالْحُرِّ بْنِ قَيْسٍ بِخِلَافِ طَالِقٍ لَمْ تُعْهَدْ التَّسْمِيَةُ بِهِ وَفِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ مَعْهُودًا وَالْكَلَامُ فِيمَا إذَا أَشْهَدَ وَقْتَ التَّسْمِيَةِ فِيهِمَا فَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْفَرْقِ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ بَعَثَ غُلَامَهُ إلَى بَلَدٍ، وَقَالَ لَهُ إذَا اسْتَقْبَلَك أَحَدٌ فَقُلْ إنِّي حُرٌّ فَذَهَبَ الْغُلَامُ فَاسْتَقْبَلَهُ رَجُلٌ فَسَأَلَهُ فَأَجَابَهُ بِمَا قَالَ الْمَوْلَى فَإِنْ قَالَ لَهُ سَمَّيْتُك حُرًّا فَقُلْ إنِّي حُرٌّ لَمْ يَعْتِقْ أَصْلًا وَإِنْ لَمْ يَقُلْ لَهُ الْمَوْلَى ذَلِكَ يَعْتِقُ قَضَاءً لَا دِيَانَةً اهـ. وَفِي الْمُجْتَبَى بَعَثَ غُلَامَهُ إلَى بَلَدٍ فَقَالَ لَهُ إذَا اسْتَقْبَلَك أَحَدٌ فَقُلْ إنِّي حُرٌّ فَفَعَلَ عَتَقَ أَوْ بَعَثَهُ مَعَ جَمَاعَةٍ فَقَالَ لَهُمْ مَنْ سَأَلَ عَنْهُ عَاشِرٌ أَوْ غَيْرُهُ فَقُولُوا لَهُ إنَّهُ حُرٌّ فَفَعَلُوا عَتَقَ وَلَا يَعْتِقُ قَبْلَهُ قَضَاءً وَلَا دِيَانَةً، وَلَوْ كَانَ الْمَوْلَى قَالَ لَهُمْ سَمَّيْته حُرًّا فَقُولُوا لَهُ إنَّهُ حُرٌّ فَقَالُوا لَا يَعْتِقُ اهـ. وَبِهِ عُلِمَ أَنَّهُ إذَا سَمَّاهُ حُرًّا لَا يَعْتِقُ بِالْإِخْبَارِ أَيْضًا فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقُولُوا لَهُ يَا حُرُّ أَوْ هَذَا حُرٌّ (قَوْلُهُ لَا بِيَا ابْنِي وَيَا أَخِي وَلَا سُلْطَانَ لِي عَلَيْك وَأَلْفَاظِ الطَّلَاقِ وَأَنْتَ مِثْلُ الْحُرِّ) أَيْ لَا يَقَعُ الْعِتْقُ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ أَمَّا فِي النِّدَاءِ بِيَا ابْنِي وَيَا أَخِي؛ لِأَنَّ النِّدَاءَ إعْلَامُ الْمُنَادَى إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَ بِوَصْفٍ يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ مِنْ جِهَتِهِ كَانَ لِتَحْقِيقِ ذَلِكَ الْوَصْفِ فِي الْمُنَادَى اسْتِحْضَارًا لَهُ بِالْوَصْفِ الْمَخْصُوصِ كَمَا فِي قَوْلِهِ يَا حُرُّ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، وَإِنْ كَانَ النِّدَاءُ بِوَصْفٍ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ مِنْ جِهَتِهِ كَانَ لِلْإِعْلَامِ الْمُجَرَّدِ دُونَ تَحْقِيقِ الْوَصْفِ لِتَعَذُّرِهِ وَالْبُنُوَّةُ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهَا حَالَةَ النِّدَاءِ مِنْ جِهَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ انْخَلَقَ مِنْ مَاءِ غَيْرِهِ لَا يَكُونُ ابْنًا لَهُ بِهَذَا النِّدَاءِ فَكَانَ لِمُجَرَّدِ الْإِعْلَامِ، وَيُرْوَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ شَاذًّا أَنَّهُ يَعْتِقُ فِيهِمَا وَالِاعْتِمَادُ عَلَى الظَّاهِرِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَلَا خُصُوصِيَّةَ لِلِابْنِ وَالْأَخِ، بَلْ كَذَلِكَ لَوْ قَالَ يَا أَبِي يَا جَدِّي يَا خَالِي يَا عَمِّي أَوْ لِجَارِيَتِهِ يَا عَمَّتِي يَا خَالَتِي يَا أُخْتِي كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَفِيهِمَا عَنْ تُحْفَةِ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ فِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ إلَّا بِالنِّيَّةِ فَحِينَئِذٍ لَا يَنْبَغِي الْجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ فِي حُكْمٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ فِي مَسْأَلَةِ النِّدَاءِ يَتَوَقَّفُ عَلَى النِّيَّةِ وَفِي لَا سُلْطَانَ وَفِي أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ لَا يَقَعُ وَإِنْ نَوَى كَمَا سَنُبَيِّنُهُ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ يَا ابْنُ بِغَيْرِ إضَافَةٍ لَا يَعْتِقُ بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ كَمَا أَخْبَرَ فَإِنَّهُ ابْنُ أَبِيهِ، وَكَذَا إذَا قَالَ يَا بُنَيَّ أَوْ يَا بُنَيَّةَ؛ لِأَنَّهُ تَصْغِيرُ الِابْنِ وَالْبِنْتِ مِنْ غَيْرِ إضَافَةٍ وَالْأَمْرُ كَمَا أَخْبَرَ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مِنْ الَّذِينَ يَثْبُتُ بِهِمْ النَّسَبُ عَلَى وَجْهِ الْخَبَرِ ثَلَاثَةً الِابْنَ وَالْأَبَ وَالْأُمَّ وَلَمْ يَذْكُرْ الْأَخَ وَنَحْوَهُ. فَلَوْ قَالَ هَذَا أَخِي لَا يَعْتِقُ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَعْتِقُ وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْأُخُوَّةُ اسْمٌ مُشْتَرَكٌ يُرَادُ بِهَا الْأُخُوَّةُ فِي الدِّينِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10] ، وَقَدْ يُرَادُ بِهَا الِاتِّحَادُ فِي الْقَبِيلَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا} [الأعراف: 65] ، وَقَدْ يُرَادُ بِهَا الْأُخُوَّةُ فِي النَّسَبِ وَالْمُشْتَرَكُ لَا يَكُونُ حُجَّةً فَإِنْ قِيلَ الْأُبُوَّةُ وَالْبُنُوَّةُ قَدْ تَكُونُ بِالرَّضَاعِ فَلِمَ أَثْبَتُّمْ الْعِتْقَ بِهَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ؟ قِيلَ لَهُ الْبُنُوَّةُ عَنْ الرَّضَاعِ مَجَازٌ وَالْمَجَازُ لَا يُعَارِضُ الْحَقِيقَةَ بِخِلَافِ الْأُخُوَّةِ فَإِنَّهَا مُشْتَرَكَةٌ فِي الِاسْتِعْمَالِ، وَلَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ هَذِهِ عَمَّتِي أَوْ هَذِهِ خَالَتِي أَوْ قَالَ لِغُلَامِهِ هَذَا خَالِي أَوْ عَمِّي فَإِنَّهُ يَعْتِقُ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي الْبَدَائِعِ بِأَنَّ الْأُخُوَّةَ تَحْتَمِلُ الْإِكْرَامَ وَالنَّسَبَ بِخِلَافِ الْعَمِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ لِلْإِكْرَامِ عَادَةً، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا اقْتَصَرَ عَلَى هَذَا أَخِي مِنْ أَبِي أَوْ مِنْ أُمِّي أَوْ مِنْ النَّسَبِ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَغَيْرِهِ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ إذَا اقْتَصَرَ يَكُونُ مِنْ الْكِنَايَاتِ فَيَعْتِقُ بِالنِّيَّةِ، أَمَّا عَدَمُ الْعِتْقِ بِقَوْلِهِ لَا سُلْطَانَ لِي عَلَيْك، وَلَوْ نَوَى بِهِ الْعِتْقَ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ؛ لِأَنَّ السُّلْطَانَ عِبَارَةٌ عَنْ السَّيِّدِ وَسُمِّيَ السُّلْطَانُ بِهِ لِقِيَامِ يَدِهِ، وَقَدْ يَبْقَى الْمِلْكُ دُونَ الْيَدِ كَمَا فِي الْمُكَاتَبِ   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 245 بِخِلَافِ قَوْلِهِ لَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك؛ لِأَنَّ نَفْيَهُ مُطْلَقًا بِانْتِفَاءِ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّ لِلْمَوْلَى عَلَى الْمُكَاتَبِ سَبِيلًا فَلِهَذَا يُحْتَمَلُ الْعِتْقُ اهـ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَاعْلَمْ أَنَّ بَعْضَ الْمَشَايِخِ مَالَ إلَى أَنَّهُ يَعْتِقُ بِالنِّيَّةِ فِي لَا سُلْطَانَ لِي عَلَيْك وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ، وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ إنَّهُ لَيْسَ بِبَعِيدٍ، وَعَنْ الْكَرْخِيِّ فَنِيَ عُمْرِي وَلَمْ يَتَّضِحْ لِي الْفَرْقُ بَيْنَ نَفْيِ السُّلْطَانِ وَالسَّبِيلِ وَمِثْلُ هَذَا الْإِمَامَ لَا يَقَعُ لَهُ مِثْلُ هَذَا إلَّا وَالْمَحَلُّ مُشْكِلٌ وَهُوَ بِهِ جَدِيرٌ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ الْيَدَ الْمُفَسَّرَ بِهَا السُّلْطَانُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهَا الْجَارِحَةَ الْمَحْسُوسَةَ، بَلْ الْقُدْرَةَ فَإِذَا قِيلَ لَهُ سُلْطَانٌ أَيْ يَدٌ يَعْنِي الِاسْتِيلَاءَ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْكَافِي بِأَنَّ السُّلْطَانَ يُرَادُ بِهِ الِاسْتِيلَاءُ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ نَفْيُهُ نَفْيَ الِاسْتِيلَادِ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا فَصَحَّ أَنْ يُرَادَ مِنْهُ مَا يُرَادُ بِنَفْيِ السَّبِيلِ، بَلْ أَوْلَى بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ، أَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ الْمَانِعَ الَّذِي عَيَّنَهُ مِنْ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْعِتْقُ وَهُوَ لُزُومُ أَنْ يَثْبُتَ بِاللَّفْظِ أَكْثَرُ مِمَّا وُضِعَ لَهُ غَيْرَ مَانِعٍ، إذْ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى الْمَجَازِيُّ أَوْسَعَ مِنْ الْحَقِيقِيِّ فَلَا بِدْعَ فِي ذَلِكَ، بَلْ هُوَ ثَابِتٌ فِي الْمُحَازَاتِ الْعَامَّةِ فَإِنَّ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيَّ فِيهَا يَصِيرُ فَرْدًا مِنْ الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ كَذَا هَذَا يَصِيرُ زَوَالُ الْيَدِ مِنْ أَفْرَادِ الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ أَعْنِي الْعِتْقَ أَوْ زَوَالَ الْمِلْكِ وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ كَوْنُ نَفْيِ السُّلْطَانِ مِنْ الْكِنَايَاتِ اهـ. أَمَّا عَدَمُ الْوُقُوعِ بِأَلْفَاظِ الطَّلَاقِ وَلَوْ نَوَى الْعِتْقَ فَهَذَا مَذْهَبُنَا إلَّا رِوَايَةً عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَقَعُ بِقَوْلِهِ لِأَمَتِهِ طَلَّقْتُك نَاوِيًا الْعِتْقَ كَمَا فِي الْمُجْتَبَى وَجْهُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ نَوَى مَا لَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ؛ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ لُغَةً إثْبَاتُ الْقُوَّةِ وَالطَّلَاقَ رَفْعُ الْقَيْدِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْعَبْدَ أُلْحِق بِالْجَمَادَاتِ وَبِالْإِعْتَاقِ يَحْيَى فَيَقْدِرُ وَلَا كَذَلِكَ الْمَنْكُوحَةُ فَإِنَّهَا قَادِرَةٌ إلَّا أَنَّ قَيْدَ النِّكَاحِ مَانِعٌ وَبِالطَّلَاقِ يَرْتَفِعُ الْمَانِعُ فَتَظْهَرُ الْقُوَّةُ، وَلَا خَفَاءَ أَنَّ الْأَوَّلَ أَقْوَى؛ وَلِأَنَّ مِلْكَ الْيَمِينِ فَوْقَ مِلْكِ النِّكَاحِ فَكَانَ إسْقَاطُهُ أَقْوَى، وَاللَّفْظُ يَصْلُحُ مَجَازًا عَمَّا هُوَ دُونَ حَقِيقَتِهِ لَا عَنْ مَا هُوَ فَوْقَهُ فَلِهَذَا امْتَنَعَ فِي الْمُتَنَازَعِ فِيهِ وَانْسَاغَ فِي عَكْسِهِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يُسْتَعَارُ أَلْفَاظُ الْعِتْقِ لِلطَّلَاقِ دُونَ عَكْسِهِ بِنَاءً عَلَى مَا فِي الْأُصُولِ مِنْ جَوَازِ اسْتِعَارَةِ السَّبَبِ لِلْمُسَبَّبِ دُونَ عَكْسِهِ إلَّا أَنْ يَخْتَصَّ الْمُسَبَّبُ بِالسَّبَبِ فَكَالْمَعْلُولِ فَيَصِحُّ اسْتِعَارَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ صَرِيحَ الطَّلَاقِ وَكِنَايَاتِهِ فَلَا يَقَعُ بِهَا الْعِتْقُ أَصْلًا فَلَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ فَرْجُك عَلَيَّ حَرَامٌ أَوْ أَنْت عَلَيَّ حَرَامٌ فَإِنَّهَا لَا تَعْتِقُ وَإِنْ نَوَاهُ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ غَيْرُ صَالِحٍ لَهُ فَهُوَ كَمَا لَوْ قَالَ لَهَا قُومِي وَاقْعُدِي نَاوِيًا لِلْعِتْقِ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ لَمَّا لَمْ يَصْلُحْ لَهُ لَغَا فَبَقِيَ مُجَرَّدُ النِّيَّةِ وَهِيَ لَا يَقَعُ بِهَا شَيْءٌ وَسَيَأْتِي فِي الْإِيمَانِ أَنَّهُ إنْ وَطِئَهَا لَزِمَهُ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ فَلْيُحْفَظْ هَذَا وَيُسْتَثْنَى مِنْ كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ أَمْرُك بِيَدِك أَوْ اخْتَارِي فَإِنَّهُ يَقَعُ الْعِتْقُ بِهِ بِالنِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا احْتَمَلَ الْعِتْقَ وَغَيْرَهُ كَانَ كِنَايَةً فَهُوَ مِنْ كِنَايَاتِ الْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ وَلَا بِدْعَ فِيهِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ، وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُمَا مِنْ كِنَايَاتِ تَفْوِيضِ الطَّلَاقِ فَلَا اسْتِثْنَاءَ كَمَا لَا يَخْفَى وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ أَمْرُك بِيَدِك وَأَرَادَ الْعِتْقَ فَأَعْتَقَتْ نَفْسَهَا فِي الْمَجْلِسِ عَتَقَتْ وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّهُ مَلَّكَهَا إيقَاعَ الْعِتْقِ وَالْإِعْتَاقُ إسْقَاطُ الْمِلْكِ كَالطَّلَاقِ فَيَقْتَصِرُ حُكْمُهُ عَلَى الْمَجْلِسِ كَمَا فِي الطَّلَاقِ، وَلَوْ قَالَ لَهَا أَعْتِقِي نَفْسَك فَقَالَتْ اخْتَرْت كَانَ بَاطِلًا كَمَا فِي الطَّلَاقِ اهـ. وَفِي الْبَدَائِعِ وَلَوْ قَالَ لَهَا أَمْرُ عِتْقِك بِيَدِك أَوْ جَعَلْت عِتْقَك فِي يَدِك أَوْ قَالَ لَهُ اخْتَرْ الْعِتْقَ أَوْ خَيَّرْتُك فِي عِتْقِك أَوْ فِي الْعِتْقِ لَا يَحْتَاجُ فِيهِ لِلنِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ اخْتِيَارِ الْعَبْدِ الْعِتْقَ وَيَتَوَقَّفُ عَلَى الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ اهـ. وَقَيَّدَ بِأَلْفَاظِ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ أَطْلَقْتُك أَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ ذَلِكَ يَقَعُ الْعِتْقُ إذَا نَوَى كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ؛ لِأَنَّهُ كَقَوْلِهِ خَلَّيْت سَبِيلَك بِخِلَافِ طَلَّقْتُك كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَكَذَا إذَا قَالَ لَهُ اذْهَبْ حَيْثُ شِئْت تَوَجَّهْ أَيْنَمَا شِئْت مِنْ بِلَادِ اللَّهِ لَا يَدَ لِي عَلَيْك لَا يَقَعُ وَإِنْ نَوَى كَمَا فِي الْمُجْتَبَى مَعَ أَنَّ أَطْلَقْتُك مِنْ كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ يَقَعُ بِهِ بِالنِّيَّةِ فَكَيْفَ وَقَعَ بِهِ الْعِتْقُ؟ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ كِنَايَةٌ فِيهِمَا وَالْمَمْنُوعُ اسْتِعَارَةُ مَا كَانَ مِنْ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ خَاصَّةً صَرِيحًا أَوْ كِنَايَةً، أَمَّا عَدَمُ الْعِتْقِ فَيَقُولُهُ أَنْتَ مِثْلُ الْحُرِّ فَلِأَنَّهُ أَثْبَتَ الْمُمَاثَلَةَ بَيْنَهُمَا وَهِيَ قَدْ تَكُونُ عَامَّةً، وَقَدْ تَكُونُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَيُسْتَثْنَى مِنْ كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ أَمْرُك بِيَدِك أَوْ اخْتَارِي إلَخْ) أَقُولُ: هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا فِي الذَّخِيرَةِ حَيْثُ قَالَ الْفَصْلُ التَّاسِعُ فِي الْمُتَفَرِّقَاتِ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ إذَا قَالَ الرَّجُلُ لِأَمَتِهِ أَمْرُك بِيَدِك يَنْوِي بِهِ الْعِتْقَ يَصِيرُ الْعِتْقُ فِي يَدِهَا حَتَّى لَوْ أَعْتَقَتْ نَفْسَهَا فِي الْمَجْلِسِ جَازَ، وَلَوْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي يَنْوِي الْعِتْقَ لَا يَصِيرُ الْعِتْقُ فِي يَدِهَا فَقَدْ فَرَّقَ بَيْنَ الْأَمْرِ بِالْيَدِ وَبَيْنَ قَوْلِهِ اخْتَارِي فِي بَابِ الْعِتْقِ وَسَوَّى بَيْنَهُمَا فِي الطَّلَاقِ اهـ. وَمِثْلُهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَكَذَا صَرَّحَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا لَا يَثْبُتُ الْعِتْقُ وَإِنْ نَوَاهُ وَكَذَا صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي كَافِي الْحَاكِمِ فَمَا فِي الْأَصْلِ وَالْكَافِي هُوَ نَصُّ الْمَذْهَبِ فَيُقَدَّمُ عَلَى مَا هُنَا فَافْهَمْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 246 خَاصَّةً فَلَا يَقَعُ بِلَا نِيَّةٍ لِلشَّكِّ كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّهُ مِنْ الْكِنَايَاتِ يَقَعُ بِهِ الْعِتْقُ بِالنِّيَّةِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مَعْزِيًّا إلَى التُّحْفَةِ حَيْثُ قَالَ: وَقَدْ قَالُوا إذَا نَوَى يَعْتِقُ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْت مِثْلُ امْرَأَةِ فُلَانٍ وَفُلَانٌ قَدْ آلَى مِنْ امْرَأَتِهِ وَنَوَى الْإِيلَاءَ يُصَدَّقُ وَيَصِيرُ مُولِيًا وَإِنَّمَا لَمْ يَقَعْ بِدُونِ النِّيَّةِ؛ لِأَنَّ الْمِثْلَ لِلتَّشْبِيهِ وَالتَّشْبِيهُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ لَا يَقْتَضِي اشْتِرَاكَهُمَا مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَعْتِقْ لَا فِي الْقَضَاءِ وَلَا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَمَعْنَى الْمِثْلِ فِي اللُّغَةِ النَّظِيرُ كَذَا فِي الْجَمْهَرَةِ اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ مَا أَنْتَ إلَّا مِثْلُ الْحُرِّ لَا يَعْتِقُ، وَلَوْ قَالَ لِحُرَّةٍ أَنْت حُرَّةٌ مِثْلُ هَذِهِ يَعْنِي أَمَته فَأَمَتُهُ حُرَّةٌ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ حُرَّةٌ مِثْلُ هَذِهِ الْأَمَةِ لَمْ تَعْتِقْ أَمَتُهُ اهـ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ أَخَذَ قَمِيصًا خَاطَهُ غُلَامُهُ، وَقَالَ هَذِهِ خِيَاطَةُ حُرٍّ لَا يَعْتِقُ الْعَبْدُ؛ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ التَّشْبِيهُ. اهـ. فَقَدْ عَلِمْت أَنَّ بَعْضَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ يَعْتِقُ فِيهَا بِالنِّيَّةِ وَبَعْضَهَا لَا فَلَا يَنْبَغِي إدْخَالُهَا فِي سِلْكٍ وَاحِدٍ وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ يَعْنِي فِي النَّفْسِ لَمْ يُدَيَّنْ فِي الْقَضَاءِ، وَلَوْ قَالَ أَنْتَ عَتِيقٌ، وَقَالَ عَنَيْت بِهِ فِي الْمِلْكِ لَا يُدَيَّنْ فِي الْقَضَاءِ، وَلَوْ قَالَ أَنْتَ عَتِيقٌ فِي السِّنِّ لَا يَعْتِقُ، وَلَوْ قَالَ أَنْتَ حُرُّ النَّفْسِ يَعْنِي فِي الْأَخْلَاقِ عَتَقَ فِي الْقَضَاءِ اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ بَدَنُك بَدَنُ حُرٍّ وَرَأْسُك رَأْسُ حُرٍّ لَمْ يَعْتِقْ؛ لِأَنَّهُ تَشْبِيهٌ وَلَيْسَ بِتَحْقِيقٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَرَادَ التَّحْقِيقَ لَقَالَ بَدَنُك حُرٌّ، وَلَوْ نَوَّنَ فَقَالَ رَأْسُك رَأْسُ حُرٍّ أَوْ بَدَنُك بَدَنُ حُرٍّ أَوْ وَجْهُك وَجْهُ حُرٍّ عَتَقَ؛ لِأَنَّ هَذَا وَصْفٌ لَهُ بِالْحُرِّيَّةِ وَلَيْسَ بِتَشْبِيهٍ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ رَأْسُك حُرٌّ (قَوْلُهُ: وَعَتَقَ بِمَا أَنْت إلَّا حُرٌّ) ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ عَلَى وَجْهِ التَّأْكِيدِ كَمَا فِي كَلِمَةِ الشَّهَادَةِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ هَذَا هُوَ الْحَقُّ الْمَفْهُومُ مِنْ تَرْكِيبِ الِاسْتِثْنَاءِ لُغَةً وَهُوَ بِخِلَافِ قَوْلِ الْمَشَايِخِ فِي الْأُصُولِ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الْأُصُولِ وَأَنَّهُ لَا يُنَافِي قَوْلَهُمْ الِاسْتِثْنَاءُ تَكَلُّمٌ بِالْبَاقِي بَعْدَ الثَّنِيَّا أَمَّا كَوْنُهُ إثْبَاتًا مُؤَكَّدًا فَلِوُرُودِهِ بَعْدَ النَّفْيِ بِخِلَافِ الْإِثْبَاتِ الْمُجَرَّدِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَبِمِلْكٍ قَرِيبٍ مَحْرَمٍ، وَلَوْ كَانَ الْمَالِكُ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا) مَعْطُوفًا عَلَى قَوْلِهِ أَوَّلَ الْبَابِ بِأَنْتَ وَأَيْ يَصِحُّ الْعِتْقُ بِمِلْكٍ قَرِيبٍ مُحَرَّمٍ لِلْحَدِيثِ مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ فَهُوَ حُرٌّ أَوْ عَتَقَ عَلَيْهِ وَاللَّفْظُ بِعُمُومِهِ يَنْتَظِمُ كُلَّ قَرَابَةٍ مُؤَبَّدَةٍ بِالْمَحْرَمِيَّةِ وِلَادًا أَوْ غَيْرَهُ؛ وَلِأَنَّهُ مَلَكَ قَرِيبَهُ قَرَابَةً مُؤَثِّرَةً فِي الْمَحْرَمِيَّةَ فَيَعْتِقُ عَلَيْهِ، وَهَذَا هُوَ الْمُؤَثِّرُ فِي قَرَابَةِ الْوِلَادِ وَذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ فِي بَحْثِ الْعِلَلِ أَنَّ الْعِلَّةَ فِي عِتْقِ الْقَرِيبِ بِالْمِلْكِ شَيْئَانِ الْقَرَابَةُ وَالْمِلْكُ لَكِنْ الْعِتْقُ يُضَافُ إلَى آخِرِهِمَا فَإِنْ تَأَخَّرَ الْمِلْكُ أُضِيفَ إلَيْهِ الْعِتْقُ كَمَا إذَا مَلَكَ قَرِيبَهُ، وَإِنْ تَأَخَّرَتْ الْقَرَابَةُ وَتَقَدَّمَ الْمِلْكُ أُضِيفَ الْعِتْقُ إلَى الْقَرَابَةِ كَمَا إذَا كَانَ بَيْنَ اثْنَيْنِ عَبْدٌ ثُمَّ ادَّعَى أَحَدُهُمَا أَنَّهُ ابْنُهُ غَرِمَ لِشَرِيكِهِ وَأُضِيفَ الْعِتْقُ إلَى الْقَرَابَةِ اهـ. قَيَّدَ بِالْقَرِيبِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ مَلَكَ مَحْرَمًا بِلَا رَحِمٍ كَزَوْجَةِ أَبِيهِ أَوْ ابْنِهِ لَا يَعْتِقُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُمَا قَرَابَةٌ مُوجِبَةٌ لِلصِّلَةِ مُحَرِّمَةٌ لِلْقَطِيعَةِ فَلَا يَسْتَحِقُّ الْعِتْقَ وَقَيَّدَ بِالْمَحْرَمِ احْتِرَازًا عَنْ الرَّحِمِ بِلَا مَحْرَمٍ كَبَنِي الْأَعْمَامِ وَالْأَخْوَالِ وَالْخَالَاتِ إذَا مَلَكَهُ لَمْ يَعْتِقْ وَخُصَّ عَنْ النَّصِّ الْمُحْرِمُ لِلْقَطِيعَةِ بِالْإِجْمَاعِ لِمَا أَنَّهُمْ كَثِيرٌ لَا يُحْصَوْنَ فَلَوْ عَتَقُوا رُبَّمَا حَرَجُوا الْمُلَّاكَ فِيهِ لِتَعَذُّرِ مَعْرِفَتِهِمْ بِالْكُلِّيَّةِ فَلَوْ خَصَّتْ الْقَرَابَةُ الْمَحْرَمِيَّةَ عَنْ النَّصِّ أَيْضًا لَأَدَّى إلَى تَعْطِيلِهِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ، وَكَذَا لَوْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مُحْرَمٍ مِنْ الرَّضَاعِ فَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الْمَحْرَمِيَّةُ مِنْ جِهَةِ الْقَرَابَةِ، وَذُو الرَّحِمِ الْمُحْرَمِ شَخْصَانِ يُدْلِيَانِ إلَى أَصْلٍ وَاحِدٍ لَيْسَ بَيْنَهُمَا وَاسِطَةٌ كَالْأَخَوَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا بِوَاسِطَةٍ وَالْآخَرُ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ كَابْنِ الْأَخِ مَعَ الْعَمِّ فِي النِّسْبَةِ إلَى الْجَدِّ كَذَا فِي الْمُحِيطِ. وَأُطْلِقَ فِي الْمَالِكِ فَشَمِلَ الْمُسْلِمَ وَالْكَافِرَ؛ لِأَنَّهُمَا يَسْتَوِيَانِ فِي الْمِلْكِ وَفِيمَا يَلْزَمُهُمْ مِنْ الصِّلَةِ وَحُرْمَةِ الْقَطِيعَةِ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُ لَا حُكْمَ لَنَا فِي دَارِ الْحَرْبِ فَلَوْ مَلَكَ قَرِيبَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ أَعْتَقَ الْمُسْلِمُ عَبْدَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَا يَعْتِقُ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا أَعْتَقَ الْحَرْبِيُّ عَبْدَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَذَكَرَ الْخِلَافَ فِي   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 247 الْإِيضَاحِ وَفِي الْكَافِي لِلْحَاكِمِ عِتْقُ الْحَرْبِيِّ فِي دَارِ الْحَرْبِ قَرِيبَهُ بَاطِلٌ وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافًا. أَمَّا إذَا أَعْتَقَهُ وَخَلَّاهُ فَفِي الْمُخْتَلَفِ قَالَ يَعْتِقُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَوَلَاؤُهُ لَهُ، وَقَالَا لَا وَلَاءَ لَهُ؛ لِأَنَّ عِتْقَهُ بِالتَّخْلِيَةِ لَا بِالْإِعْتَاقِ، ثُمَّ قَالَ الْمُسْلِمُ إذَا دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ فَاشْتَرَى عَبْدًا حَرْبِيًّا فَأَعْتَقَهُ ثَمَّةَ فَالْقِيَاسُ أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ بِدُونِ التَّخْلِيَةِ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَعْتِقُ بِدُونِهَا وَلَا وَلَاءَ لَهُ عِنْدَهُمَا قِيَاسًا وَلَهُ الْوَلَاءُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ اسْتِحْسَانًا وَفِي الْمُحِيطِ وَإِنْ كَانَ عَبْدُهُ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا عَتَقَ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلِاسْتِرْقَاقِ بِالِاسْتِيلَاءِ اهـ. وَالصَّبِيُّ جُعِلَ أَهْلًا لِهَذَا الْعِتْقِ، وَكَذَا الْمَجْنُونُ حَتَّى عَتَقَ الْقَرِيبُ عَلَيْهِمَا عِنْدَ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْعَبْدِ فَشَابَهُ النَّفَقَةَ وَفِي الْبَدَائِعِ، وَلَوْ اشْتَرَى أَمَةً وَهِيَ حُبْلَى مِنْ أَبِيهِ وَالْأَمَةُ لِغَيْرِ أَبِيهِ جَازَ الشِّرَاءُ وَعَتَقَ مَا فِي بَطْنِهَا وَلَا تَعْتِقُ الْأَمَةُ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا قَبْلَ أَنْ تَضَعَ وَلَهُ أَنْ يَبِيعَهَا إذَا وَضَعَتْ وَإِنَّمَا عَتَقَ الْحَمْلُ؛ لِأَنَّهُ أُخْوَةُ، وَقَدْ مَلَكَهُ فَيَعْتِقُ عَلَيْهِ اهـ. فَأَفَادَ أَنَّ الْحَمْلَ دَاخِلٌ تَحْتَ قَوْلِهِمْ وَبِمِلْكِ قَرِيبٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مَمْلُوكٌ قَبْلَ الْوَضْعِ مَعَ أَنَّهُمْ قَالُوا الْحَمْلُ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ اسْمِ الْمَمْلُوكِ حَتَّى لَوْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ لَا يَعْتِقُ الْحَمْلُ فَيَحْتَاجُ إلَى الْجَوَابِ وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمِلْكِ فَشَمِلَ مَا إذَا بَاشَرَ سَبَبَهُ بِنَفْسِهِ أَوْ بِنَائِبِهِ فَدَخَلَ مَا إذَا اشْتَرَى الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ مَوْلَاهُ وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ بِخِلَافِ الْمَدْيُونِ لَا يَعْتِقُ مَا اشْتَرَاهُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا وَخَرَجَ الْمُكَاتَبُ إذَا اشْتَرَى ابْنَ مَوْلَاهُ فَإِنَّهُ لَا يَعْتِقُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَشَمِلَ الْكُلَّ وَالْبَعْضَ فَإِذَا مَلَكَ بَعْضَ قَرِيبِهِ عَتَقَ عَلَيْهِ بِقَدْرِهِ كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ: وَبِتَحْرِيرٍ لِوَجْهِ اللَّهِ وَلِلشَّيْطَانِ وَلِلصَّنَمِ) أَيْ يَصِحُّ الْعِتْقُ بِتَحْرِيرٍ هُوَ عِبَادَةٌ أَوْ مَعْصِيَةٌ؛ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ هُوَ الرُّكْنُ الْمُؤَثِّرُ فِي إزَالَةِ الرِّقِّ، وَصِفَةُ الْقُرْبَةِ لَا تَأْثِيرَ لَهَا فِي ذَلِكَ أَلَا تَرَى أَنَّ الْعِتْقَ وَالْكِتَابَةَ بِالْمَالِ مَشْرُوعَانِ وَإِنْ عَرِيَا عَنْ صِفَةِ الْقُرْبَةِ فَلَا يَنْعَدِمُ بِعَدَمِهَا أَصْلُ الْعِتْقِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْإِعْتَاقَ لِلصَّنَمِ إنَّمَا هُوَ صَادِرٌ مِنْ كَافِرٍ، أَمَّا إذَا صَدَرَ مِنْ مُسْلِمٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يُكَفِّرَ بِهِ إذَا قَصَدَ تَعْظِيمَهُ وَقَدَّمْنَا أَنَّ أَنْوَاعَهُ أَرْبَعَةٌ فَرْضٌ وَمَنْدُوبٌ وَمُبَاحٌ وَمَعْصِيَةٌ، وَفِي الْمُحِيطِ أَنَّ الْإِعْتَاقَ قَدْ يَقَعُ مُبَاحًا لَا قُرْبَةً بِأَنْ أَعْتَقَ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ أَوْ أَعْتَقَ لِوَجْهِ فُلَانٍ، وَقَدْ يَقَعُ مَعْصِيَةً بِأَنْ أَعْتَقَهُ لِوَجْهِ الشَّيْطَانِ اهـ. فَفَرَّقَ بَيْنَ الْإِعْتَاقِ لِآدَمِيٍّ وَبَيْنَ الْإِعْتَاقِ لِلشَّيْطَانِ وَعَلَّلَ حُرْمَةَ الْإِعْتَاقِ لِلشَّيْطَانِ بِأَنَّهُ قَصَدَ تَعْظِيمَهُ، وَكَذَا الْعِتْقُ بِلَا نِيَّةٍ مُبَاحٌ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَذَكَرَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ مِنْ الْإِعْتَاقِ الْمُحَرَّمِ إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ إنْ أَعْتَقَهُ يَذْهَبُ إلَى دَارِ الْحَرْبِ أَوْ يَرْتَدُّ أَوْ يَخَافُ مِنْهُ السَّرِقَةَ وَقَطْعَ الطَّرِيقِ وَيَنْفُذُ عِتْقُهُ مَعَ تَحْرِيمِهِ خِلَافًا لِلظَّاهِرِيَّةِ هَذَا وَفِي عِتْقِ الْعَبْدِ الذِّمِّيِّ مَا لَمْ يَخَفْ مَا ذَكَرْنَا أَجْرٌ لِتَمْكِينِهِ مِنْ النَّظَرِ فِي الْآيَاتِ وَالِاشْتِغَالِ بِمَا يُزِيلُ الشُّبْهَةَ عَنْهُ. أَمَّا مَا عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ إذَا كَانَ أَغْلَى ثَمَنًا مِنْ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ يَكُونُ عِتْقُهُ أَفْضَلَ مِنْ عِتْقِ الْمُسْلِمِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَفْضَلُهَا أَغْلَاهَا» بِالْمُهْمَلَةِ وَالْمُعْجَمَةِ فَبَعِيدٌ عَنْ الصَّوَابِ، وَيَجِبُ تَقْيِيدُهُ بِالْأَعْلَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُ تَمْكِينُ الْمُسْلِمِ مِنْ مَقَاصِدِهِ وَتَفْرِيغُهُ، أَمَّا مَا يُقَالُ فِي عِتْقِ الْكَافِرِ مِمَّا ذَكَرْنَا فَهُوَ احْتِمَالٌ يُقَابِلُهُ ظَاهِرٌ فَإِنَّ الظَّاهِرَ رُسُوخُ الِاعْتِقَادَاتِ وَإِلْفُهَا فَلَا يُرْجَعُ عَنْهَا، وَكَذَا نُشَاهِدُ الْأَحْرَارَ بِالْأَصَالَةِ مِنْهُمْ لَا يَزْدَادُونَ إلَّا ارْتِبَاطَ بَقَاءِ يَدِهِمْ فَضْلًا عَمَّنْ عَرَضَتْ حُرِّيَّتُهُ نَعَمْ الْوَجْهُ الظَّاهِرُ فِي اسْتِحْبَابِ عِتْقِهِ تَحْصِيلُ الْجِزْيَةِ مِنْهُ لِلْمُسْلِمِينَ، أَمَّا تَفْرِيغُهُ لِلتَّأَمُّلِ فَيُسَلَّمُ فَهُوَ احْتِمَالٌ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ اهـ. وَأَرَادَ بِوَجْهِ اللَّهِ رِضَاهُ مَجَازًا وَالْوَجْهُ فِي اللُّغَةِ يَجِيءُ عَلَى مَعَانٍ يُقَالُ وَجْهُ الْإِنْسَانِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ مَعْرُوفٌ وَوَجْهُ النَّهَارِ أَوَّلُهُ وَوَجْهُ الْكَلَامِ السَّبِيلُ الَّتِي تَقْصِدُهَا بِهِ وَوُجُوهُ الْقَوْمِ سَادَاتُهُمْ وَصَرَفْت الشَّيْءَ عَلَى وَجْهِهِ أَيْ عَلَى سُنَنِهِ وَالشَّيْطَانُ وَاحِدُ شَيَاطِينِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ بِمَعْنَى مَرَدَتِهِمْ وَالنُّونُ أَصْلِيَّةٌ إنْ كَانَ مِنْ شَطَنَ أَيْ بَعُدَ عَنْ الْخَيْرِ وَزَائِدَةٌ إنْ كَانَ مِنْ شَاطَ يَشِيطُ أَيْ هَلَكَ، أَمَّا الصَّنَمُ فَهُوَ صُورَةُ الْإِنْسَانِ مِنْ خَشَبٍ أَوْ ذَهَبٍ أَوْ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: ثُمَّ قَالَ الْمُسْلِمُ إذَا دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ إلَخْ) مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ فِي الِاسْتِحْسَانِ يَعْتِقُ عِنْدَ الْكُلِّ، وَقَدْ مَرَّ قَرِيبًا أَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَ الْمُسْلِمُ عَبْدَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَا يَعْتِقُ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي الْفَتْحِ بِأَنْ يُرَادَ بِالْمُسْلِمِ ثَمَّةَ الَّذِي نَشَأَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَهُنَا نَصَّ عَلَى أَنَّهُ دَاخِلٌ هُنَاكَ بَعْدَ أَنْ كَانَ هُنَا فَلِذَا لَمْ يَنْقَطِعْ عَنْهُ أَحْكَامُ الْإِسْلَامِ. (قَوْلُهُ: فَيَحْتَاجُ إلَى جَوَابٍ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَقُولُ: لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الشَّيْءِ مِلْكًا كَوْنُهُ مَمْلُوكًا مُطْلَقًا قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَهَلْ يَدْخُلُ تَحْتَ اسْمِ الْمَمْلُوكِ إنْ كَانَتْ أَمَةٌ فِي مِلْكِهِ دَخَلَ وَإِنْ كَانَ فِي مِلْكِهِ الْحَمْلُ فَقَطْ بِأَنْ كَانَ مُوصًى لَهُ بِهِ لَا يَعْتِقُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى مَمْلُوكًا عَلَى الْإِطْلَاقِ؛ لِأَنَّ فِي وُجُودِهِ خَطَرًا وَلِهَذَا لَا يَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى صَدَقَةُ فِطْرِهِ اهـ. وَفِي شَرْحِ الْمَقْدِسِيَّ أَقُولُ: الْجَوَابُ أَنَّ الْمِلْكَ الثَّابِتَ هُنَا إنَّمَا هُوَ فِي ضِمْنِ ثُبُوتِ الْعِتْقِ الْمَحْكُومِ بِثُبُوتِهِ شَرْعًا لِضَرُورَةِ دَفْعِ الذُّلِّ عَنْ الْقَرِيبِ قَرَابَةً قَوِيَّةً وَيُغْتَفَرُ فِي الضِّمْنِيَّاتِ مَا لَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 248 فِضَّةٍ فَإِنْ كَانَ مِنْ حَجَرٍ فَهُوَ وَثَنٌ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ. (قَوْلُهُ: وَبِكُرْهٍ وَسُكْرٍ) أَيْ يَصِحُّ الْعِتْقُ مَعَ الْإِكْرَاهِ وَالسُّكْرِ لِصُدُورِ الرُّكْنِ مِنْ الْأَهْلِ فِي الْمَحَلِّ وَالْإِكْرَاهُ حَمْلُ الْغَيْرَ عَلَى مَا لَا يَرْضَاهُ وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْمُلْجِئَ وَهُوَ مَا يُفَوِّتُ النَّفْسَ أَوْ الْعُضْوَ وَغَيْرَ الْمُلْجِئِ، أَمَّا السُّكْرُ فَأَطْلَقَهُ أَيْضًا وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا كَانَ مِنْ مُحَرَّمٍ أَوْ مُثَلَّثٍ بِقَصْدِ السُّكْرِ، أَمَّا مَا كَانَ طَرِيقُهُ مُبَاحًا كَسُكْرِ الْمُضْطَرِّ إلَى شُرْبِ الْخَمْرِ. وَالْحَاصِلُ مِنْ الْأَدْوِيَةِ وَالْأَغْذِيَةِ الْمُتَّخَذَةِ مِنْ غَيْرِ الْعِنَبِ وَالْمُثَلَّثِ لَا بِقَصْدِ السُّكْرِ، بَلْ بِقَصْدِ الِاسْتِمْرَاءِ وَالتَّقَوِّي وَنَقِيعِ الزَّبِيبِ بِلَا طَبْخٍ فَإِنَّهُ كَالْإِغْمَاءِ لَا يَصِحُّ مَعَهُ تَصَرُّفٌ وَلَا طَلَاقٌ وَلَا عَتَاقٌ، كَذَا فِي التَّحْرِيرِ وَقَدَّمْنَاهُ فِي الطَّلَاقِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ أَضَافَهُ إلَى مِلْكٍ أَوْ شَرْطٍ صَحَّ) أَيْ إنْ أَضَافَ الْعِتْقَ إلَى مِلْكٍ بِأَنْ قَالَ إنْ مَلَكَتُك فَأَنْت حُرٌّ أَوْ إلَى شَرْطٍ كَقَوْلِهِ لِعَبْدِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْت حُرٌّ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَيَقَعُ الْعِتْقُ إذَا وُجِدَ الشَّرْطُ أَمَّا الْإِضَافَةُ إلَى الْمِلْكِ فَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ، أَمَّا التَّعْلِيقُ بِالشَّرْطِ فَلِأَنَّهُ إسْقَاطٌ فَيَجْرِي فِيهِ التَّعْلِيقُ بِخِلَافِ التَّمْلِيكَاتِ عَلَى مَا عُرِفَ، وَالْإِضَافَةُ إلَى سَبَبِ الْمِلْكِ كَالْإِضَافَةِ إلَى الْمِلْكِ كَإِنْ اشْتَرَيْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ بِخِلَافِ إنْ مَاتَ مُوَرِّثِي فَأَنْت حُرٌّ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ لَمْ يُوضَعْ سَبَبًا لِلْمِلْكِ فَالْإِضَافَةُ إلَى وَقْتٍ كَالْعِتْقِ بِالشَّرْطِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْحُكْمَ لَا يُوجَدُ فِيهِمَا إلَّا بَعْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَالْوَقْتُ وَالْمَحَلُّ قَبْلَ ذَلِكَ عَلَى حُكْمِ مِلْكِ الْمَالِكِ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ إلَّا فِي التَّعْلِيقِ بِشَرْطِ الْمَوْتِ الْمُطْلَقِ وَهُوَ التَّدْبِيرُ، وَكَذَا الِاسْتِيلَادُ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَالتَّعْلِيقُ بِأَمْرٍ كَائِنٍ تَنْجِيزٌ. قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ: لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ مَلَكَتُك فَأَنْت حُرٌّ عَتَقَ لِلْحَالِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ لِمُكَاتَبِهِ إنْ أَنْت عَبْدِي فَأَنْت حُرٌّ لَا يَعْتِقُ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَبِهِ نَأْخُذُ؛ لِأَنَّ فِي الْإِضَافَةِ قُصُورًا اهـ. وَفِيهَا أَيْضًا رَجُلٌ قَالَ لِعَبْدِ رَجُلٍ إنْ وَهَبَك مَوْلَاك لِي فَأَنْت حُرٌّ فَوَهَبَهُ لَهُ وَالْعَبْدُ فِي يَدِ الْوَاهِبِ لَا يَعْتِقُ قَبِلَ أَوْ لَمْ يَقْبَلْ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الْعَبْدُ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَقَدْ ابْتَدَأَ الْوَاهِبُ بِالْهِبَةِ قَبِلَ الْمَوْهُوبُ لَهُ أَوْ لَمْ يَقْبَلْ، وَإِنْ ابْتَدَأَ الْمَوْهُوبُ لَهُ فَقَالَ هَبْ لِي هَذَا الْعَبْدَ وَالْعَبْدُ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ فَقَالَ صَاحِبُ الْعَبْدِ وَهَبْت لَك عَتَقَ اهـ. وَمِنْ مَسَائِلِ التَّعْلِيقِ اللَّطِيفَةِ مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ رَجُلٌ قَالَ لِأَمَتِهِ إذَا مَاتَ وَالِدِي فَأَنْت حُرَّةٌ، ثُمَّ بَاعَهَا مِنْ وَالِدِهِ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا، ثُمَّ قَالَ لَهَا إنْ مَاتَ وَالِدِي فَأَنْت طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ فَمَاتَ الْوَالِدُ كَانَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ أَوَّلًا تَعْتِقُ وَلَا تَطْلُقُ، ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ لَا يَقَعُ طَلَاقٌ وَلَا عَتَاقٌ وَالْمَسْأَلَةُ عَلَى الِاسْتِقْصَاءِ فِي الْمَبْسُوطِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ حَرَّرَ حَامِلًا عَتَقَا) أَيْ الْأُمُّ وَالْحَمْلُ تَبَعًا لَهَا إذْ هُوَ مُتَّصِلٌ بِهَا فَهُوَ كَسَائِرِ أَجْزَائِهَا، وَلَوْ اسْتَثْنَاهُ لَا يَصِحُّ كَاسْتِثْنَاءِ جُزْءٍ مِنْهَا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إذَا خَرَجَ أَكْثَرُ الْوَلَدِ فَأَعْتَقَ الْأُمَّ لَا يَعْتِقُ الْوَلَدُ؛ لِأَنَّهُ كَالْمُنْفَصِلِ فِي حَقِّ الْأَحْكَامِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ، وَلَوْ مَاتَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَرِثُ بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ قَبْلَ خُرُوجِ الْأَكْثَرِ هَكَذَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُونَ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ نِسْبَةَ هَذَا التَّفْصِيلِ لِأَبِي يُوسُفَ لِكَوْنِهِ نُقِلَ عَنْهُ وَحْدَهُ، لَا لِأَنَّ الصَّاحِبَيْنِ يُخَالِفَانِهِ فَإِنَّهُ مُوَافِقٌ لِلْقَاعِدَةِ وَفِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ أَعْتَقَ جَارِيَةَ إنْسَانٍ فَأَجَازَ الْمَوْلَى إعْتَاقَهُ بَعْدَمَا وَلَدَتْ يَعْتِقُ الْوَلَدُ اهـ. وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي عِتْقِ الْحَمْلِ فَشَمِلَ مَا إذَا وَلَدَتْهُ بَعْدَ عِتْقِهَا لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ لَكِنْ إنْ وَلَدَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ بَعْدَ عِتْقِهَا فَإِنَّهُ يَعْتِقُ مَقْصُودًا لَا بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ حَتَّى لَا يَنْجَرَّ الْوَلَاءُ إلَى مَوَالِي الْأَبِ، وَإِنْ وَلَدَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ فَحِينَئِذٍ يَنْجَرُّ الْوَلَاءُ إلَى مَوْلَى الْأَبِ كَمَا فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ وَعَلَى هَذَا فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُ هُنَا عَلَى مَا إذَا وَلَدَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لِيَكُونَ عِتْقُهُ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ لِئَلَّا يَلْزَمَ التَّكْرَارُ؛ وَلِأَنَّهُ سَيَذْكُرُ أَنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُ الْأُمَّ فِي الْحُرِّيَّةِ، وَالتَّبَعِيَّةُ إنَّمَا تَكُونُ إذَا وَلَدَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِالْحُرِّيَّةِ الْحُرِّيَّةَ الْأَصْلِيَّةَ فَلَا إشْكَالَ وَلَا تَكْرَارَ. (قَوْلُهُ وَإِنْ حَرَّرَهُ عَتَقَ فَقَطْ) أَيْ إنْ حَرَّرَ الْحَمْلَ وَحْدَهُ عَتَقَ   [منحة الخالق] يُغْتَفَرُ فِي الْقَصْدِيَّاتِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ فَإِنَّهُ قَصْدِي مُطْلَقٌ فَيَقْتَضِي صِفَةَ الْكَمَالِ فَاحْتَاجَ إلَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ مُطْلَقُ الْمِلْكِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِيهِ الْبَعْضُ الْمَمْلُوكُ وَيَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْقَرِيبِ فَيَعْتِقُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 249 هُوَ دُونَ أُمِّهِ؛ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ إلَى إعْتَاقِهَا مَقْصُودًا لِعَدَمِ الْإِضَافَةِ إلَيْهَا وَلَا إلَيْهِ تَبَعًا لِمَا فِيهِ مِنْ قَلْبِ الْمَوْضُوعِ، ثُمَّ إعْتَاقُ الْحَمْلِ صَحِيحٌ وَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَلَا هِبَتُهُ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ نَفْسَهُ شَرْطٌ فِي الْهِبَةِ وَالْقُدْرَةَ عَلَيْهِ فِي الْبَيْعِ وَلَمْ يُوجَدْ بِالْإِضَافَةِ إلَى الْجَنِينِ وَشَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَيْسَ شَرْطًا فِي الْإِعْتَاقِ فَافْتَرَقَا وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ حَرَّرَهُ أَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا وَقْتَ التَّحْرِيرِ وَلَنْ يَتَحَقَّقَ وُجُودُهُ إلَّا إذَا وَلَدَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَإِنْ وَلَدَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ فَإِنَّهُ لَا يَعْتِقُ وَلَا يَكُونُ قَوْلُهُ مَا فِي بَطْنِك حُرٌّ إقْرَارًا بِوُجُودِهِ لِعَدَمِ التَّيَقُّنِ بِوُجُودِهِ وَقْتَهُ لِجَوَازِ حُدُوثِهِ إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ، أَحَدُهُمَا مَا إذَا كَانَتْ الْأَمَةُ مُعْتَدَّةً عَنْ طَلَاقٍ أَوْ وَفَاةٍ فَتَلِدُهُ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْفِرَاقِ وَإِنْ كَانَ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْإِعْتَاقِ فَحِينَئِذٍ يَعْتِقُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا حِينَ أَعْتَقَهُ بِدَلِيلِ ثُبُوتِ نَسَبِهِ. ثَانِيهُمَا إذَا كَانَ حَمْلُهَا تَوْأَمَيْنِ فَجَاءَتْ بِأَوَّلِهِمَا لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، ثُمَّ جَاءَتْ بِالثَّانِي لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ أَكْثَرَ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مَحْكُومًا بِوُجُودِهِ حِينَ أَعْتَقَهُ حَتَّى ثَبَتَ نَسَبُهُ وَتَفَرَّعَ عَلَى التَّفْصِيلِ السَّابِقِ مَسْأَلَتَانِ إحْدَاهُمَا لَوْ قَالَ الْمَوْلَى مَا فِي بَطْنِك حُرٌّ، ثُمَّ قَالَ إنْ حَمَلْت فَسَالِمٌ حُرٌّ فَوَلَدَتْ بَعْدَهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَالْقَوْلُ لَهُ إنْ أَقَرَّ أَنَّهَا كَانَتْ حَامِلًا يَوْمَئِذٍ عَتَقَ الْوَلَدُ وَإِنْ أَقَرَّ أَنَّهُ حَمْلٌ مُسْتَقْبَلٌ عَتَقَ سَالِمٌ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا بِعِتْقِ أَحَدِهِمَا وَشَكَكْنَا فِي الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ الْعُلُوقُ وَالْحَمْلُ كَانَ مَوْجُودًا وَقْتَ الْإِعْتَاقِ أَوْ كَانَ حَادِثًا بَعْدَهُ فَرَجَعَ فِي الْبَيَانِ إلَيْهِ وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ يَعْتِقُ سَالِمٌ دُونَ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا وَقْتَ الْإِعْتَاقِ وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ يَعْتِقُ الْوَلَدُ دُونَ سَالِمٍ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا أَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا وَقْتَ الْإِعْتَاقِ. ثَانِيهمَا لَوْ قَالَ مَا فِي بَطْنِك حُرٌّ، ثُمَّ ضَرَبَ بَطْنَهَا فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا إنْ ضَرَبَهَا بَعْدَ الْعِتْقِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ تَجِبُ دِيَةُ الْجَنِينِ الْحُرِّ لِأَبِيهِ إنْ كَانَ لَهُ أَبٌ أَيْ حُرٌّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يَكُونُ لِعُصْبَةِ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى قَاتِلٌ فَلَا يَسْتَحِقُّ الْمِيرَاثَ وَإِنْ ضَرَبَ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْتِقْ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنْ وَلَدَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ بَعْدَ الْعِتْقِ أَوْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ وَلَا يُذْكَرُ الضَّرْبُ إذْ لَا دَخْلَ لَهُ وَفِي الْبَدَائِعِ، وَكَذَا إذَا قَالَ إذَا وَلَدْت مَا فِي بَطْنِك فَهُوَ حُرٌّ لَا يَعْتِقُ حَتَّى تَلِدَهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ حَلَفَ لِلتَّيَقُّنِ بِوُجُودِهِ قَبْلَ الْحَلِفِ إلَّا أَنَّ هَا هُنَا يَعْتِقُ مِنْ حِينِ حَلَفَ وَفِي إذَا وَلَدْت مَا فِي بَطْنِك مِنْ يَوْمِ تَلِدُ لِاشْتِرَاطِهِ الْوِلَادَةَ اهـ. وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي عِتْقِ الْحَمْلِ فَشَمِلَ مَا إذَا أَعْتَقَهُ عَلَى مَالٍ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَلَا يَجِبُ الْمَالُ إذْ لَا وَجْهَ إلَى إلْزَامِ الْمَالِ عَلَى الْجَنِينِ لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ عَلَيْهِ وَلَا إلَى إلْزَامِهِ الْأُمَّ؛ لِأَنَّهُ فِي حَقِّ الْعِتْقِ نَفْسٌ عَلَى حِدَةٍ وَاشْتِرَاطُ بَدَلِ الْعِتْقِ عَلَى غَيْرِ الْمُعْتِقِ لَا يَجُوزُ عَلَى مَا مَرَّ فِي الْخُلْعِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ لَكِنْ لَوْ أَعْتَقَهُ عَلَى مَالٍ عَلَى أُمَّةِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ قَبُولِهَا الْعِتْقَ وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْهَا شَيْءٌ لِمَا فِي الْمُحِيطِ، وَلَوْ قَالَ أَعْتَقْت مَا فِي بَطْنِك عَلَى أَلْفٍ عَلَيْك فَقَبِلَتْ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ يَعْتِقُ بِلَا شَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ مُعَلَّقٌ بِقَبُولِ الْأَمَةِ الْأَلْفَ، وَقَدْ قَبِلَتْ الْأَلْفَ فَعَتَقَ الْوَلَدُ وَبَطَلَ الْمَالُ. اهـ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ مَا فِي بَطْنِك حُرٌّ مَتَى أَدَّى إلَيَّ أَلْفًا أَوْ إذَا أَدَّى إلَيَّ أَلْفًا فَوَضَعْت لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَهُوَ حُرٌّ مَتَى أَدَّى إلَيْهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَأَطْلَقَ فِي تَحْرِيرِ الْحَمْلِ فَشَمِلَ مَا إذَا قَالَ حَمْلُك حُرٌّ أَوْ مَا فِي بَطْنِك حُرٌّ أَوْ قَالَ الْعَلَقَةُ أَوْ الْمُضْغَةُ الَّتِي فِي بَطْنِك حُرٌّ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ مَا فِي بَطْنِهَا كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ. وَلَوْ قَالَ أَكْبَرُ وَلَدٍ فِي بَطْنِك فَهُوَ حُرٌّ فَوَلَدَتْ وَلَدَيْنِ فِي بَطْنٍ فَأَوَّلُهُمَا خُرُوجًا أَكْبَرُهُمَا وَهُوَ حُرٌّ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ إنْ حَمَلْت بِوَلَدٍ فَهُوَ حُرٌّ وَلَيْسَ مِنْهُ إنْ وَلَدْت وَلَدًا فَهُوَ حُرٌّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْتِقُ إلَّا بَعْدَ الْوِلَادَةِ حَتَّى لَوْ بَاعَ الْأُمَّ أَوْ مَاتَ الْمَوْلَى قَبْلَ الْوِلَادَةِ بَطَلَتْ الْيَمِينُ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْمُصَنِّفُ وِلَادَتَهُ حَيًّا بَعْدَ عِتْقِهِ، وَظَاهِرُ مَا فِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ شَرْطٌ قَالَ: وَلَوْ أَعْتَقَ أَحَدُ شَرِيكَيْ الْأَمَةِ مَا فِي بَطْنِهَا فَوَلَدَتْ تَوْأَمًا مَيِّتًا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ لَمْ يَثْبُتْ يَقِينًا لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْجَنِينَ لَمْ يَكُنْ حَيًّا وَلَمْ تُنْفَخْ فِيهِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنْ وَلَدَتْهُ إلَخْ) لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ الضَّرْبُ بَعْدَ الْعِتْقِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَيَتَأَخَّرُ إلْقَاءُ الْجَنِينِ إلَى تَمَامِهَا أَوْ أَكْثَرَ بِحَيْثُ يُعْلَمُ أَنَّ ذَلِكَ الْإِلْقَاءَ مِنْ الضَّرْبِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ مَا فِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ شَرْطٌ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ لِلْبَحْثِ فِيهِ مَجَالٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 250 الرُّوحُ أَصْلًا فَلَا يَجِبُ الضَّمَانُ بِالشَّكِّ، وَلَوْ وَلَدَتْ تَوْأَمًا حَيًّا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْحَيَاةَ كَانَتْ مَوْجُودَةً فِيهِ وَقْتَ الْإِعْتَاقِ، وَلَوْ أَعْتَقَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ الْجَنِينَ فَضَرَبَ أَجْنَبِيٌّ بَطْنَهَا وَأَلْقَتْ مَيِّتًا فَعَلَى الضَّارِبِ نِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهِ إنْ كَانَ غُلَامًا وَعُشْرُ قِيمَتِهَا إنْ كَانَتْ جَارِيَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ مُعْتِقَ الْبَعْضِ كَالْمُكَاتَبِ عِنْدَهُ فَالضَّرْبُ صَادَفَهُ وَهُوَ رَقِيقٌ فَيَجِبُ فِيهِ مَا يَجِبُ فِي جَنِينِ الْأَمَةِ، وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ فِيهِ مَا فِي جَنِينِ الْحُرَّةِ وَيَضْمَنُ الْمُعْتِقُ نِصْفَهُ لِشَرِيكِهِ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمَّا أَوْجَبَ ضَمَانَهُ عَلَى الضَّارِبِ فَقَدْ حَكَمَ بِكَوْنِهِ حَيًّا قَبْلَ الضَّرْبِ فَيَكُونُ الْمُعْتِقُ بِالْإِعْتَاقِ مُتْلِفًا نَصِيبَ شَرِيكِهِ فَيَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهِ وَيَرْجِعُ بِذَلِكَ فِيمَا أَدَّى الضَّارِبُ؛ لِأَنَّ الْمُعْتِقَ مَلَكَ نَصِيبَ صَاحِبِهِ بِالضَّمَانِ فَإِنَّ الْجَنِينَ مِمَّا يَقْبَلُ النَّقْلَ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ فَإِنَّهُ يُمْلَكُ بِالْوَصِيَّةِ فَصَارَ نَصِيبَ صَاحِبِهِ مُكَاتَبًا لَهُ فَهَذَا مُكَاتَبٌ مَاتَ عَنْ وَفَاءٍ فَيُقْضَى مِنْهُ سِعَايَتُهُ وَمَا بَقِيَ فَمِيرَاثٌ لِوَرَثَتِهِ أَوْ لِمُعْتَقِهِ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ حُرًّا اهـ. وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ تَدْبِيرَ الْحَمْلِ وَحْدَهُ صَحِيحٌ بِالْأَوْلَى قَالُوا وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْأُمِّ إذَا أَعْتَقَ مَا فِي بَطْنِهَا وَيَجُوزُ هِبَتُهَا وَالْفَرْقُ أَنَّ اسْتِثْنَاءَ مَا فِي بَطْنِهَا عِنْدَ بَيْعِهَا لَا يَجُوزُ قَصْدًا فَكَذَا حُكْمًا بِخِلَافِ الْهِبَةِ لَكِنْ لَا يُحْكَمُ بِبُطْلَانِ الْبَيْعِ إلَّا بَعْدَ الْوِلَادَةِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَفِي الْمَبْسُوطِ وَبَعْدَمَا دَبَّرَ مَا فِي الْبَطْنِ لَوْ وَهَبَ الْأُمَّ لَا يَجُوزُ وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَالْفَرْقُ أَنَّ بِالتَّدْبِيرِ لَا يَزُولُ مِلْكُهُ عَمَّا فِي الْبَطْنِ فَإِذَا وَهَبَ الْأُمَّ بَعْدَ التَّدْبِيرِ فَالْمَوْهُوبُ مُتَّصِلٌ بِمَا لَيْسَ بِمَوْهُوبٍ فَيَكُونُ فِي مَعْنَى هِبَةِ الْمَشَاعِ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ، أَمَّا بَعْدَ الْعِتْقِ مَا فِي الْبَطْنِ غَيْرُ مَمْلُوكٍ اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ أَنْتِ حُرَّةٌ أَوْ مَا فِي بَطْنِك عَتَقَتْ إذَا لَمْ تَكُنْ حَامِلًا؛ لِأَنَّ التَّخْيِيرَ لَمْ يَصِحَّ، وَلَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ الْحَامِلِ أَنْتِ حُرَّةٌ أَوْ مَا فِي بَطْنِك حُرٌّ فَضَرَبَ إنْسَانٌ بَطْنَهَا فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا قَدْ اسْتَبَانَ خَلْقُهُ قَالَ يُخَيَّرُ الْمَوْلَى فَإِنْ أَوْقَعَ الْعِتْقَ عَلَى الْأُمِّ عَتَقَ الْجَنِينُ بِعِتْقِهَا وَعَلَى الضَّارِبِ غُرَّةٌ لِلْمَوْلَى وَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى قَبْلَ الْبَيَانِ فَضَرَبَ إنْسَانٌ بَطْنَهَا فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا قَدْ اسْتَبَانَ خَلْقُهُ قَالَ فِي الْجَنِينِ غُرَّةُ حُرٍّ وَيَعْتِقُ نِصْفُ الْأَمَةِ وَتَسْعَى فِي نِصْفِ قِيمَتِهَا وَلَا سِعَايَةَ عَلَى الْجَنِينِ اهـ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ رَجُلٌ أَوْصَى بِمَا فِي بَطْنِ جَارِيَتِهِ لِإِنْسَانٍ فَمَاتَ الْمُوصَى فَأَعْتَقَ الْوَرَثَةُ مَا فِي بَطْنِ الْجَارِيَةِ جَازَ إعْتَاقُهُمْ وَيَضْمَنُونَ قِيمَةَ الْوَلَدِ يَوْمَ الْوِلَادَةِ. (قَوْلُهُ: وَالْوَلَدُ يَتْبَعُ الْأُمَّ فِي الْمِلْكِ وَالْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ وَالتَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ وَالْكِتَابَةِ) لِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ؛ وَلِأَنَّ مَاءَهُ يَكُونُ مُسْتَهْلَكًا بِمَائِهَا فَيُرَجَّحُ جَانِبُهَا؛ وَلِأَنَّهُ مُتَيَقَّنٌ بِهِ مِنْ جِهَتِهَا وَلِهَذَا يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِ الزِّنَا وَوَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ مِنْهَا حَتَّى تَرِثَهُ وَيَرِثَهَا؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ الِانْفِصَالِ هُوَ كَعُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهَا حِسًّا وَحُكْمًا حَتَّى يَتَغَذَّى بِغِذَائِهَا وَيَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ وَالْعِتْقِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ التَّصَرُّفَاتِ تَبَعًا لَهَا فَكَانَ جَانِبُهَا أَرْجَحَ، وَكَذَا يُعْتَبَرُ جَانِبُ الْأُمِّ فِي الْبَهَائِمِ أَيْضًا حَتَّى إذَا تَوَلَّدَ بَيْنَ الْوَحْشِيِّ وَالْأَهْلِيِّ أَوْ بَيْنَ الْمَأْكُولِ وَغَيْرِ الْمَأْكُولِ يُؤْكَلُ إذَا كَانَتْ أُمُّهُ مَأْكُولَةً وَتَجُوزُ الْأُضْحِيَّةُ بِهِ إذَا كَانَتْ أُمُّهُ يَجُوزُ التَّضْحِيَةُ بِهَا وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ قَالَ الْقَائِلُ هَلْ يَصِيرُ الْوَلَدُ حُرًّا مِنْ زَوْجَيْنِ رَقِيقَيْنِ مِنْ غَيْرِ إعْتَاقٍ وَلَا وَصِيَّةٍ قِيلَ نَعَمْ وَصُورَتُهُ إذَا كَانَ لِلْحُرِّ وَلَدٌ هُوَ عَبْدٌ لِأَجْنَبِيٍّ فَزَوَّجَ الْأَبُ جَارِيَتَهُ مِنْ وَلَدِهِ بِرِضَا مَوْلَاهُ فَوَلَدَتْ الْجَارِيَةُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: فَأَعْتَقَ الْوَرَثَةُ مَا فِي بَطْنِ الْجَارِيَةِ) كَذَا رَأَيْته فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ فَأَعْتَقَ الْوَارِثُ الْأَمَةَ فَهُوَ جَائِزٌ وَوَلَاؤُهَا وَوَلَاءُ مَا فِي بَطْنِهَا لَهُ وَهُوَ ضَامِنٌ لِقِيمَةِ مَا فِي بَطْنِهَا يَوْمَ تَلِدُ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا يُعْتَبَرُ جَانِبُ الْأُمِّ فِي الْبَهَائِمِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ هَذَا مَنْقُوضٌ بِالشَّاةِ إذَا نَزَا عَلَيْهَا كَلْبٌ فَوَلَدَتْ فَإِنَّهُ لَا تَجُوزُ التَّضْحِيَةُ بِهِ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَغَيْرِهَا اهـ. قُلْتُ: لَكِنْ فِي الْوَهْبَانِيَّةِ وَإِنْ يَنْزُ كَلْبٌ فَوْقَ عَنْزٍ فَجَاءَهَا ... نِتَاجٌ لَهُ رَأْسُ الْكِلَابِ فَيُنْظَرُ فَإِنْ أَكَلَتْ لَحْمًا فَكَلْبٌ جَمِيعُهَا ... وَإِنْ أَكَلَتْ تِبْنًا فَذَا الرَّأْسُ يُبْتَرُ وَيُؤْكَلُ بَاقِيهَا وَإِنْ أَكَلَتْ لِذَا ... وَذَا فَاضْرِبَنْهَا فَالصِّيَاحُ يُخْبِرُ وَإِنْ أَشْكَلَتْ فَاذْبَحْ فَإِنْ كِرْشَهَا بَدَا ... فَعَنْزٌ وَإِلَّا فَهْيَ كَلْبٌ فَيُطْمَرُ قَالَ شَارِحُهَا الشُّرُنْبُلَالِيُّ: الْمَسْأَلَةُ مِنْ الظَّهِيرِيَّةِ كَلْبٌ نَزَا عَلَى عَنْزٍ فَوَلَدَتْ وَلَدًا رَأْسُهُ رَأْسُ كَلْبٍ وَبَاقِيهِ يُشْبِهُ الْعَنْزَ قَالُوا يُقَدَّمُ إلَيْهِ الْعَلَفُ وَاللَّحْمُ فَإِنْ تَنَاوَلَ الْعَلَفَ دُونَ اللَّحْمِ تُرْمَى رَأْسُهُ بَعْدَ الذَّبْحِ وَيُؤْكَلُ مَا سِوَاهَا وَإِنْ تَنَاوَلَهُمَا جَمِيعًا يُضْرَبُ فَإِنْ نَبَحَ لَا يُؤْكَلُ وَإِنْ ثَغَى تُرْمَى رَأْسُهُ وَيُؤْكَلُ غَيْرُهَا فَإِنْ ثَغَى وَنَبَحَ ذُبِحَ فَإِنْ وُجِدَ لَهُ كِرْشٌ أُكِلَ مَا سِوَى الرَّأْسِ وَإِنْ وُجِدَ لَهُ أَمْعَاءُ لَا يُؤْكَلُ؛ لِأَنَّهُ كَلْبٌ وَعَنْ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَوْ نَزَا حِمَارٌ عَلَى حِمَارَةٍ وَحْشِيَّةٍ فَوَلَدَتْ تَبِعَ أُمَّهُ فَيُؤْكَلُ؛ لِأَنَّ لِلْوَلَدِ حُكْمَ أُمِّهِ فِي الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ وَفِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ وَالْوَلْوالِجِيَّة الِاعْتِبَارُ فِي الْمُتَوَلِّدِ لِلْأُمِّ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَالْحِلِّ، وَقِيلَ يُعْتَبَرُ بِنَفْسِهِ فِيهِمَا حَتَّى إذَا نَزَا ظَبْيٌ عَلَى شَاةٍ أَهْلِيَّةٍ فَإِنْ وَلَدَتْ شَاةً تَجُوزُ التَّضْحِيَةُ بِهَا وَإِنْ وَلَدَتْ ظَبْيًا لَمْ تَجُزْ، وَلَوْ وَلَدَتْ الرَّمَكَةُ حِمَارًا لَمْ يَجُزْ وَلَمْ يُؤْكَلْ وَفِي الْخُلَاصَةِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 251 وَلَدًا فَهُوَ حُرٌّ؛ لِأَنَّهُ وَلَدُ وَلَدِ الْمَوْلَى، وَلَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِالْحَمْلِ أَوْ بِالْجَنِينِ بَدَلَ الْوَلَدِ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَا يَتْبَعُ الْأُمَّ فِي أَوْصَافِهَا إلَّا الْحَمْلُ، أَمَّا الْوَلَدُ بَعْدَ الْوَضْعِ فَلَا يَتْبَعُهَا فِي شَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ حَتَّى لَوْ أَعْتَقَ الْأُمَّ بَعْدَ الْوِلَادَةِ لَا يَعْتِقُ الْوَلَدُ. وَقَدْ عَلِمْت مِمَّا قَدَّمْنَاهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحُرِّيَّةِ هُنَا الْحُرِّيَّةُ الْأَصْلِيَّةُ، أَمَّا الطَّارِئَةُ فَقَدْ أَفَادَهَا أَوَّلًا بِقَوْلِهِ، وَلَوْ أَعْتَقَ حَامِلًا عَتَقَا وَفِي الْبَدَائِعِ لَوْ اخْتَلَفَ الْمَوْلَى وَالْمُدَبَّرَةُ فِي وَلَدِهَا فَقَالَ الْمَوْلَى وَلَدْتِيهِ قَبْلَ التَّدْبِيرِ فَهُوَ رَقِيقٌ، وَقَالَتْ هِيَ وَلَدْته بَعْدَهُ فَهُوَ مُدَبَّرٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْلَى مَعَ يَمِينِهِ عَلَى عِلْمِهِ وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمُدَبَّرَةِ، وَلَوْ كَانَ مَكَانَ التَّدْبِيرِ عِتْقٌ فَقَالَ الْمَوْلَى لِلْمُعْتَقَةِ وَلَدْتِيهِ قَبْلَ الْعِتْقِ وَهُوَ رَقِيقٌ، وَقَالَتْ وَلَدْته بَعْدَ الْعِتْقِ وَهُوَ حُرٌّ يُحَكَّمُ فِيهِ الْحَالُ إنْ كَانَ الْوَلَدُ فِي يَدِهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا وَإِنْ كَانَ فِي يَدِ الْمَوْلَى فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ يَشْهَدُ لِمَنْ هُوَ فِي يَدِهِ بِخِلَافِ الْمُدَبَّرَةِ فَإِنَّهَا فِي يَدِ الْمَوْلَى فَكَذَا وَلَدَهَا. اهـ. وَفِي الْخَانِيَّةِ مِنْ الدَّعْوَى فِي مَسْأَلَةِ إعْتَاقِهَا لَوْ كَانَ الْوَلَدُ فِي أَيْدِيهِمَا فَكَذَلِكَ يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهَا؛ لِأَنَّهَا تَدَّعِي الْوِلَادَةَ فِي أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ وَفِيهِ حُرِّيَّةُ الْوَلَدِ، وَلَوْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَبَيِّنَتُهَا أَوْلَى؛ لِأَنَّ بَيِّنَةَ الْمَوْلَى قَامَتْ عَلَى نَفْيِ الْعِتْقِ وَبَيِّنَتَهَا قَامَتْ عَلَى إثْبَاتِ الْحُرِّيَّةِ، وَكَذَلِكَ فِي الْكِتَابَةِ، أَمَّا فِي التَّدْبِيرِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُمَا تَصَادَقَا عَلَى رَقِّ الْوَلَدِ، وَذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى عَنْ مُحَمَّدٍ إنْ كَانَ الْوَلَدُ يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ يُرْجَعُ إلَيْهِ وَيَكُونُ الْقَوْلُ لِلْوَلَدِ وَإِلَّا فَالْقَوْلُ لِمَنْ هُوَ فِي يَدِهِ مِنْهُمَا اهـ. وَقَدْ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِعَطْفِ الرِّقِّ عَلَى الْمِلْكِ إلَى الْمُغَايَرَةِ بَيْنَهُمَا وَهُوَ كَذَلِكَ فَإِنَّ الْمِلْكَ هُوَ الْقُدْرَةُ عَلَى التَّصَرُّفِ ابْتِدَاءً فَخَرَجَ الْوَلِيُّ وَالْوَصِيُّ وَالْوَكِيلُ، أَمَّا الرِّقُّ فَعَجْزٌ حُكْمِيٌّ عَنْ الْوِلَايَةِ وَالشَّهَادَةِ وَالْقَضَاءِ وَمَالِكِيَّةِ الْمَالِ كَائِنٌ عَنْ جَعْلِهِ شَرْعًا عُرْضَةً لِلتَّمَلُّكِ وَالِابْتِذَالِ وَاخْتَلَفُوا هَلْ هُوَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ حَقُّ الْعَامَّةِ فَقِيلَ بِالْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْكُفَّارَ لَمَّا اسْتَنْكَفُوا عَنْ عِبَادَتِهِ جَعَلَهُمْ اللَّهُ أَرِقَّاءَ لِعِبَادِهِ فَكَانَ سَبَبَ رِقِّهِمْ كُفْرَهُمْ أَوْ كُفْرُ أُصُولِهِمْ، وَقِيلَ بِالثَّانِي لِكَوْنِهِ وَسِيلَةً إلَى نَفْعِهِمْ وَإِقَامَةِ مَصَالِحِهِمْ وَدَفْعِ الشَّرِّ عَنْهُمْ قَالُوا أَوَّلُ مَا يُؤْخَذُ الْمَأْسُورُ يُوصَفُ بِالرِّقِّ وَلَا يُوصَفُ بِالْمِلْكِ إلَّا بَعْدَ الْإِخْرَاجِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ، وَالْمِلْكُ يُوجَدُ فِي الْجَمَادِ وَالْحَيَوَانِ غَيْرِ الْآدَمِيِّ دُونَ الرِّقِّ وَبِالْبَيْعِ يَزُولُ مِلْكُهُ دُونَ الرِّقِّ وَبِالْعِتْقِ يَزُولُ مِلْكُهُ قَصْدًا؛ لِأَنَّهُ حَقُّهُ وَيَزُولُ الرِّقُّ ضِمْنًا ضَرُورَةَ فَرَاغِهِ عَنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ وَيَتَبَيَّنُ لَك الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا فِي الْقِنِّ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبِ فَإِنَّ الْمِلْكَ وَالرِّقَّ كَامِلَانِ فِي الْقِنِّ، وَرِقُّ أُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرِ نَاقِصٌ حَتَّى لَا يَجُوزُ عِتْقُهَا عَنْ الْكَفَّارَةِ وَالْمِلْكُ فِيهَا كَامِلٌ حَتَّى جَازَ وَطْءُ أُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرَةِ، وَالْمُكَاتَبُ رِقُّهُ كَامِلٌ حَتَّى جَازَ عِتْقُهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَمِلْكُهُ نَاقِصٌ حَتَّى خَرَجَ مِنْ يَدِ الْمَوْلَى وَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ قَوْلِهِ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ فَهُوَ حُرٌّ فَحَاصِلُهُ أَنَّ جَوَازَ الْبَيْعِ يَعْتَمِدُ كَمَالَهُمَا وَحِلَّ الْوَطْءِ يَعْتَمِدُ كَمَالَ الْمِلْكِ فَقَطْ وَجَوَازَ الْعِتْقِ عَنْ الْكَفَّارَةِ يَعْتَمِدُ كَمَالَ الرِّقِّ فَقَطْ وَقَيَّدَ بِالتَّبَعِيَّةِ فِيمَا ذَكِرَ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ النَّسَبِ فَإِنَّهُ لِلْأَبِ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ لِلتَّعْرِيفِ وَحَالُ الرِّجَالِ مَكْشُوفَةٌ دُونَ النِّسَاءِ حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَ هَاشِمِيٌّ أَمَةَ إنْسَانٍ فَأَتَى بِوَلَدٍ فَهُوَ هَاشِمِيٌّ تَبَعًا لِأَبِيهِ رَقِيقٌ تَبَعًا لِأُمِّهِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ قَدْ رَضِيَ بِرِقِّ الْوَلَدِ حَيْثُ أَقْدَمَ عَلَى تَزَوُّجِهَا مَعَ الْعِلْمِ بِرِقِّهَا بِخِلَافِ الْمَغْرُورِ فَإِنَّ وَلَدَهُ مِنْ الْأَمَةِ حُرٌّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِهِ لِعَدَمِ عِلْمِهِ فَانْعَلَقَ حُرًّا وَوَجَبَتْ الْقِيمَةُ وَهُوَ مِمَّا يُسْتَثْنَى مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فَإِنَّهُ لَمْ يَتْبَعْ أُمَّهُ فِي الرِّقِّ وَالْمِلْكِ وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهُ هُنَا؛ لِأَنَّهُ سَيُصَرِّحُ بِهِ فِي بَابِ دَعْوَةِ النَّسَبِ وَلِلِاحْتِرَازِ عَنْ الدِّينِ فَإِنَّهُ يَتْبَعُ خَيْرَ الْأَبَوَيْنِ دِينًا؛ لِأَنَّهُ أَنْظَرُ لَهُ. (قَوْلُهُ: وَوَلَدُ الْأَمَةِ مِنْ سَيِّدِهَا حُرٌّ) ؛ لِأَنَّهُ انْعَلَقَ حُرًّا لِلْقَطْعِ بِأَنَّ إبْرَاهِيمَ ابْنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَكُنْ قَطُّ إلَّا حُرٌّ إلَّا أَنَّهُ يَعْلَقُ مَمْلُوكًا، ثُمَّ يَعْتِقُ عَلَيْهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا وَفِي الْمَبْسُوطِ الْوَلَدُ يَعْلَقُ حُرًّا مِنْ الْمَاءَيْنِ؛ لِأَنَّ مَاءَهُ حُرٌّ وَمَاءُ جَارِيَتِهِ مَمْلُوكٌ لِسَيِّدِهَا فَلَا تَتَحَقَّقُ الْمُعَارَضَةُ بِخِلَافِ ابْنِهِ مِنْ جَارِيَةِ الْغَيْرِ فَإِنَّ مَاءَهَا مَمْلُوكٌ لِغَيْرِهِ فَتَتَحَقَّقُ الْمُعَارَضَةُ فَيَتَرَجَّحُ جَانِبُهَا بِأَنَّهُ مَخْلُوقٌ مِنْ مَائِهَا بِيَقِينٍ كَمَا قَدَّمْنَاهُ   [منحة الخالق] فِي الْأُضْحِيَّةِ الْمُتَوَلِّدَةِ بَيْنَ الْكَلْبِ وَالشَّاةِ قَالَ عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ لَا يَجُوزُ وَقَالَ الْإِمَامُ الْجُرْجَانِيِّ إنْ كَانَ يُشْبِهُ الْأُمَّ يَجُوزُ اهـ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 252 وَسَيَأْتِي أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَعْتَرِفَ بِهِ وَفِي آخِرِ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ قَدْ يَكُونُ الْوَلَدُ حُرًّا مِنْ زَوْجَيْنِ رَقِيقَيْنِ بِلَا تَحْرِيرٍ وَوَصِيَّةٍ وَصُورَتُهُ أَنْ يَكُونَ لِلْحُرِّ وَلَدٌ وَهُوَ قِنٌّ لِأَجْنَبِيٍّ فَزَوَّجَ الْأَبُ أَمَتَهُ مِنْ وَلَدِهِ بِرِضَا مَوْلَاهُ فَوَلَدَتْ الْأَمَةُ وَلَدًا فَهُوَ حُرٌّ؛ لِأَنَّهُ وَلَدُ وَلَدِ الْمَوْلَى اهـ. فَعَلَى هَذَا وَلَدُ الْأَمَةِ مِنْ سَيِّدِهَا أَوْ ابْنِ سَيِّدِهَا أَوْ أَبَى سَيِّدِهَا حُرٌّ، وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ أَيْضًا عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (بَابُ الْعَبْدِ يَعْتِقُ بَعْضُهُ) لَا شَكَّ فِي كَثْرَةِ وُقُوعِ عِتْقِ الْكُلِّ وَنُدْرَةِ عِتْقِ الْبَعْضِ وَفِي أَنَّ مَا كَثُرَ وُجُودُهُ فَالْحَاجَةُ إلَى بَيَانِ أَحْكَامِهِ أَمَسُّ مِنْهَا إلَى مَا يَنْدُرُ وُجُودُهُ وَأَنَّ دَفْعَ الْحَاجَةِ الْمَاسَّةِ تُقَدَّمُ عَلَى النَّادِرَةِ فَلِذَا أُخِّرَ هَذَا عَمَّا قَبْلَهُ. (قَوْلُهُ: مَنْ أَعْتَقَ بَعْضَ عَبْدِهِ لَمْ يَعْتِقْ كُلُّهُ وَسَعَى فِيمَا بَقِيَ وَهُوَ كَالْمُكَاتَبِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا يَعْتِقُ كُلُّهُ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي تَحْرِيرِ مَحَلِّ النِّزَاعِ فَذَهَبَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَكَثِيرٌ إلَى أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْإِعْتَاقَ يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ فَيَقْتَصِرُ عَلَى مَا أَعْتَقَ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَتَجَزَّأُ وَأَقَامَ الدَّلِيلَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَالْمُرَادُ مِنْ تَجَزُّؤِ الْإِعْتَاقِ وَالْمِلْكِ أَنْ يَتَجَزَّأَ الْمَحَلُّ فِي قَبُولِ حُكْمِ الْإِعْتَاقِ وَهُوَ زَوَالُ الْمِلْكِ بِأَنْ يَزُولَ فِي الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ وَأَنْ يَتَجَزَّأَ الْمَحَلُّ فِي قَبُولِ حُكْمِ الْمِلْكِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْبَعْضُ مَمْلُوكًا لِوَاحِدٍ وَالْبَعْضُ الْآخَرُ لِآخَرَ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ ذَاتَ الْإِعْتَاقِ أَوْ ذَاتَ الْمِلْكِ تَتَجَزَّأُ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ وَاحِدٌ لَا يَقْبَلُ التَّجَزُّؤ اهـ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ أَنَّ هَذَا غَلَطٌ فِي تَحْرِيرِ مَحَلِّ النِّزَاعِ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَتَوَارَدُوا عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ فِي التَّجَزُّؤ وَعَدَمِهِ فَإِنَّ الْقَائِلَ الْعِتْقُ أَوْ الْإِعْتَاقُ يَتَجَزَّأُ لَمْ يُرِدْهُ بِالْمَعْنَى الَّذِي يُرِيدُ بِهِ قَائِلُ إنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ وَهُوَ زَوَالُ الرِّقِّ أَوْ إزَالَتُهُ إذْ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي عَدَمِ تَجَزُّئِهِ، بَلْ زَوَالَ الْمِلْكِ وَإِزَالَتِهِ وَلَا خِلَافَ فِي تَجَزُّئِهِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ اُخْتُلِفَ فِي تَجَزُّؤِ الْعِتْقِ وَعَدَمِهِ وَلَا الْإِعْتَاقِ، بَلْ الْخِلَافُ فِي التَّحْقِيقِ لَيْسَ إلَّا فِيمَا يُوجِبُهُ الْإِعْتَاقُ أَوَّلًا وَبِالذَّاتِ فَعِنْدَهُ زَوَالُ الْمِلْكِ وَيَتْبَعُهُ زَوَالُ الرِّقِّ فَلَزِمَ تَجَزُّؤُ مُوجِبِهِ غَيْرَ أَنَّ زَوَالَ الرِّقِّ لَا يَثْبُتُ إلَّا عِنْدَ زَوَالِ الْمِلْكِ عَنْ الْكُلِّ شَرْعًا كَحُكْمِ الْحَدَثِ لَا يَزُولُ إلَّا عِنْدَ غَسْلِ كُلِّ الْأَعْضَاءِ وَغَسْلُهَا مُتَجَزِّئٌ. وَهَذَا لِضَرُورَةِ أَنَّ الْعِتْقَ قُوَّةٌ شَرْعِيَّةٌ هِيَ قُدْرَةٌ عَلَى تَصَرُّفَاتٍ شَرْعِيَّةٍ وَلَا يُتَصَوَّرُ ثُبُوتُ هَذِهِ فِي بَعْضِهِ شَائِعًا فَقَطَعَ بِعَدَمِ تَجَزُّئِهِ وَالْمِلْكُ مُتَجَزِّئٌ قَطْعًا فَلَزِمَ مَا قُلْنَا مِنْ زَوَالِ الْمِلْكِ عَنْ الْبَعْضِ وَتَوَقُّفِ زَوَالِ الرِّقِّ عَلَى زَوَالِ الْمِلْكِ عَنْ الْبَاقِي وَحِينَئِذٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَامَ الدَّلِيلُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ عَلَى أَنَّ الثَّابِتَ بِهِ أَوَّلًا زَوَالُ الْمِلْكِ أَوْ الرِّقِّ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ النِّزَاعِ وَالْوَجْهُ مُنْتَهَضٌ لِأَبِي حَنِيفَةَ، أَمَّا الْمَعْنَى فَلِأَنَّ تَصَرُّفَ الْإِنْسَانِ يَقْتَصِرُ عَلَى حَقِّهِ، وَحَقُّهُ الْمِلْكُ، أَمَّا الرِّقُّ فَحَقُّ اللَّهِ أَوْ حَقُّ الْعَامَّةِ، أَمَّا السَّمْعُ فَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مَرْفُوعًا «مِنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ فَكَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَ الْعَبْدِ قُوِّمَ عَلَيْهِ قِيمَةَ عِدْلٍ» فَأَعْطَى شُرَكَاءَهُ حِصَصَهُمْ وَعَتَقَ الْعَبْدُ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ إلَى آخِرِهِ، وَقَدْ أَطَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إطَالَةً حَسَنَةً هُنَا كَمَا هُوَ دَأْبُهُ وَلَسْنَا بِصَدَدِ الدَّلَائِلِ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْبَدَائِعِ بِأَنَّ الْعِتْقَ يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ سَوَاءٌ كَانَ بِمَعْنَى زَوَالِ الْمِلْكِ أَوْ زَوَالِ الرِّقِّ وَأَنَّ الرِّقَّ يَتَجَزَّأُ ثُبُوتًا وَزَوَالًا؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ إذَا ظَهَرَ عَلَى جَمَاعَةٍ مِنْ الْكَفَرَةِ وَضَرَبَ الرِّقَّ عَلَى أَنْصَافِهِمْ وَمَنَّ عَلَى الْأَنْصَافِ جَازَ وَيَكُونُ حُكْمُهُمْ وَحُكْمُ مُعْتَقِ الْبَعْضِ فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ سَوَاءً اهـ. وَهُوَ بَعِيدٌ كَمَا قَرَّرَهُ الْمُحَقِّقُ وَوَفَّقَ فِي الْمُجْتَبَى بَيْنَ عِبَارَاتِ الْمَشَايِخِ فَمَنْ قَالَ إنَّ الْعِتْقَ يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ لَا يُرِيدُ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ يَسْقُطُ مِلْكُ الْمُعْتَقِ عَنْ الشِّقْصِ الَّذِي أَضَافَ إلَيْهِ الْعِتْقَ وَيَبْقَى الْمِلْكُ فِي الْبَاقِي فَإِنْ قُلْتُ: إذَا سَقَطَ مِلْكُهُ عَنْ الشِّقْصِ الْمُعْتَقِ يَصِيرُ حُرًّا كَسَائِرِ الْأَحْرَارِ قُلْتُ: هَذَا يُشْكِلُ بِالْمُكَاتَبِ إذَا مَاتَ مَوْلَاهُ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ الْمِلْكُ وَلَا يَصِيرُ حُرًّا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَقَدَّمْنَاهُ أَيْضًا عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ) أَيْ قَدَّمَ مَا نَقَلَهُ عَنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَقَدَّمَ ذَلِكَ قَبْلَ وَرَقَةٍ. [بَابُ الْعَبْدِ يَعْتِقُ بَعْضُهُ] الجزء: 4 ¦ الصفحة: 253 كَسَائِرِ الْأَحْرَارِ وَمَنْ قَالَ بِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَنَا أَرَادَ أَنَّ خُرُوجَهُ عَنْ كَوْنِهِ مَحَلًّا لِلتَّمْلِيكِ وَالتَّمَلُّكُ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالْإِرْثِ لَا يَتَجَزَّأُ وَأَنَّهُ عِبَارَةٌ صَحِيحَةٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ لَوَازِمِ حَقِيقَةِ الْعِتْقِ وَذِكْرُ الْمَلْزُومِ وَإِرَادَةُ اللَّازِمِ جَائِزٌ وَخُرُوجُهُ عَنْ مَحَلِّيَّةِ التَّمْلِيكِ وَالْمِلْكِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ أَصْحَابِنَا لَكِنْ عِنْدَهُمَا بِزَوَالِ الرِّقِّ أَصْلًا، وَعِنْدَهُ بِسُقُوطِ الْمِلْكِ عَنْ الشِّقْصِ الْمُعْتَقِ وَفَسَادِهِ فِي الْبَاقِي هَذَا مَا تَضَمَّنَهُ شُرُوحُ الْأَسْلَافِ وَالْأَخْلَافِ فِي هَذَا الْبَابِ اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَنْ أَعْتَقَ بَعْضَ عَبْدِهِ عَتَقَ مِنْهُ ذَلِكَ الْقَدْرُ أَيْ زَالَ مِلْكُهُ عَنْ ذَلِكَ الْقَدْرِ وَبَقِيَ الرِّقُّ فِيهِ بِتَمَامِهِ. وَإِذَا لَزِمَ شَرْعًا أَنْ لَا يَبْقَى فِي الرِّقِّ لَزِمَ أَنْ يَسْعَى الْعَبْدُ فِي بَاقِي قِيمَتِهِ لِاحْتِبَاسِ مَالِيَّةِ الْبَاقِي عِنْدَهُ وَمَا لَمْ يُؤَدِّ السِّعَايَةَ فَهُوَ كَالْمُكَاتَبِ حَيْثُ يَتَوَقَّفُ عِتْقُ كُلِّهِ عَلَى أَدَاءِ الْبَدَلِ وَكَوْنُهُ أَحَقَّ بِمَكَاسِبِهِ وَلَا يَدَ لِلسَّيِّدِ عَلَيْهِ وَلَا اسْتِخْدَامَ وَكَوْنُهُ رَقِيقًا كُلَّهُ إلَّا أَنَّهُ يُخَالِفُهُ فِي أَنَّهُ لَوْ عَجَزَ لَا يُرَدُّ إلَى الِاسْتِخْدَامِ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ بِسَبَبِ أَنَّ الْمُسْتَسْعَى زَوَالُ الْمِلْكِ عَنْ بَعْضِهِ لَا إلَى مَالِكٍ صَدَقَةٌ عَلَيْهِ بِهِ وَإِنَّمَا يَلْزَمُ الْمَالُ ضَرُورَةَ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ وَهُوَ تَضْمِينُهُ قَهْرًا بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ فَإِنَّ عِتْقَهُ فِي مُقَابَلَةِ الْتِزَامِهِ بِعَقْدٍ بِاخْتِيَارِهِ يُقَالُ وَيُفْسَخُ بِتَعْجِيزِهِ نَفْسِهِ، وَقَدْ ذَكَرُوا مَسْأَلَةً فِي الْجِنَايَاتِ يُخَالِفُ مُعْتَقُ الْبَعْضِ فِيهَا الْمُكَاتَبَ أَيْضًا هِيَ أَنَّ الْمُكَاتَبَ إذَا قُتِلَ عَمْدًا وَلَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً وَلَهُ وَارِثٌ غَيْرُ الْمَوْلَى يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى الْقَاتِلِ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ رَقِيقًا لِانْفِسَاخِ الْمُكَاتَبَةِ بِمَوْتِهِ عَاجِزًا بِخِلَافِ مُعْتَقِ الْبَعْضِ إذَا قُتِلَ وَلَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً حَيْثُ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ فِي الْبَعْضِ لَا يَنْفَسِخُ بِمَوْتِهِ عَاجِزًا وَذَكَرُوا فِي الْبُيُوعِ كَمَا فِي الْحَقَائِقِ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْعَبْدِ وَمُعْتَقِ الْبَعْضِ فِي بَيْعِهِمَا صَفْقَةً وَاحِدَةً كَالْجَمْعِ بَيْنَ الْعَبْدِ وَالْحُرِّ فَيَبْطُلُ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ كِتَابَةَ مُعْتَقِ الْبَعْضِ لَا تَقْبَلُ الْفَسْخَ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ فَهِيَ ثَلَاثُ مَسَائِلَ يُخَالِفُ فِيهَا مُعْتَقُ الْبَعْضِ الْمُكَاتَبَ وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرُوهَا نَصًّا؛ لِأَنَّهُمَا أَثَرَانِ لِعَدَمِ قَبُولِ الْفَسْخِ كَمَا لَا يَخْفَى وَأُطْلِقَ فِي الْبَعْضِ فَشَمِلَ الْمُعَيَّنَ وَالْمُبْهَمَ وَلَزِمَهُ بَيَانُهُ وَفِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ الِاسْتِسْعَاءُ أَنْ يُؤَاجِرَهُ وَيَأْخُذَ قِيمَةَ مَا بَقِيَ مِنْ أَجْرِهِ قَالُوا وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ التَّدْبِيرُ وَالِاسْتِيلَادُ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ فَلِشَرِيكِهِ أَنْ يُحَرِّرَ أَوْ يَسْتَسْعِيَ، وَالْوَلَاءُ لَهُمَا أَوْ يَضْمَنُ لَوْ مُوسِرًا وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْعَبْدِ وَالْوَلَاءُ لَهُ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا لَيْسَ لَهُ إلَّا الضَّمَانُ مَعَ الْيَسَارِ وَالسِّعَايَةُ مَعَ الْإِعْسَارِ وَلَا يَرْجِعُ الْمُعْتِقُ عَلَى الْعَبْدِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَنْبَنِي عَلَى أَصْلَيْنِ أَحَدُهُمَا تَجَزُّؤُ الْإِعْتَاقِ وَعَدَمُهُ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ وَالثَّانِي أَنَّ يَسَارَ الْمُعْتِقِ لَا يَمْنَعُ اسْتِسْعَاءَ الْعَبْدِ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا يَمْنَعُ لَهُمَا فِي الثَّانِي قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الرَّجُلِ يُعْتِقُ نَصِيبَهُ إنْ كَانَ غَنِيًّا ضَمِنَ وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا سَعَى فِي حِصَّةِ الْآخَرِ قَسْمٌ وَالْقِسْمَةُ تُنَافِي الشَّرِكَةَ وَلَهُ أَنَّهُ إنْ اُحْتُبِسَتْ مَالِيَّةُ نَصِيبِهِ عِنْدَ الْعَبْدِ فَلَهُ أَنْ يَضْمَنَهُ كَمَا إذَا هَبَّتْ الرِّيحُ بِثَوْبِ إنْسَانٍ وَأَلْقَتْهُ فِي صِبْغِ غَيْرِهِ حَتَّى انْصَبَغَ بِهِ فَعَلَى صَاحِبِ الثَّوْبِ قِيمَةُ صِبْغِ الْآخَرِ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا لِمَا قُلْنَا فَكَذَا هُنَا إلَّا أَنَّ الْعَبْدَ فَقِيرٌ فَيَسْتَسْعِيهِ وَإِنَّمَا ثَبَتَ الْخِيَارُ لِلشَّرِيكِ السَّاكِتِ لِقِيَامِ مِلْكِهِ فِي الْبَاقِي إذْ الْإِعْتَاقُ يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ، وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ لَهُ الْإِعْتَاقَ وَالِاسْتِسْعَاءَ وَالتَّضْمِينَ وَزَادَ عَلَيْهِ فِي التُّحْفَةِ خِيَارَيْنِ آخَرَيْنِ التَّدْبِيرَ وَالْكِتَابَةَ وَإِنَّمَا تَرَكَهُمَا الْمُصَنِّفُ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ تَرْجِعُ إلَى مَعْنَى الِاسْتِسْعَاءِ، وَلَوْ عَجَزَ اسْتَسْعَى، وَلَوْ امْتَنَعَ الْعَبْدُ مِنْ السِّعَايَةِ يُؤَاجِرُهُ جَبْرًا وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكِتَابَةَ فِي مَعْنَى الِاسْتِسْعَاءِ أَنَّهُ لَوْ كَاتَبَهُ عَلَى أَكْثَرِ مِنْ قِيمَتِهِ إنْ كَانَ مِنْ النَّقْدَيْنِ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْرًا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَوْجَبَ السِّعَايَةَ عَلَى قِيمَتِهِ فَلَا يَجُوزُ الْأَكْثَرُ، وَكَذَا لَوْ كَانَ صَالَحَهُ عَلَى عَرْضٍ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ جَازَ. وَإِنْ كَاتَبَهُ عَلَى حَيَوَانٍ جَازَتْ، أَمَّا التَّدْبِيرُ فَفِي الْبَدَائِعِ وَالْمُحِيطِ فَإِنْ اخْتَارَ التَّدْبِيرَ فَدَبَّرَ نَصِيبَهُ صَارَ نَصِيبُهُ مُدَبَّرًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ نَصِيبَهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ فَيَحْتَمِلُ التَّخْرِيجَ إلَى الْعِتْقِ، وَالتَّدْبِيرُ تَخْرِيجٌ لَهُ إلَى الْعِتْقِ   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 254 إلَّا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتْرُكَهُ عَلَى حَالِهِ لِيَعْتِقَ بَعْدَ الْمَوْتِ، بَلْ تَجِبُ عَلَيْهِ السِّعَايَةُ لِلْحَالِ فَيُؤَدِّي فَيَعْتِقُ؛ لِأَنَّ تَدْبِيرَهُ اخْتِيَارٌ مِنْهُ لِلسِّعَايَةِ. اهـ. فَلَمَّا كَانَ التَّدْبِيرُ وَالْكِتَابَةُ رَاجِعَيْنِ إلَى السِّعَايَةِ لَمْ يَذْكُرْهُمَا الْمُصَنِّفُ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْكَمَالِ أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ لَهُمَا حَيْثُ يَرْجِعَانِ إلَيْهَا قُلْتُ: بَلْ لَهُمَا فَائِدَةٌ أَمَّا فِي التَّدْبِيرِ فَلِأَنَّ الشَّرِيكَ الْمُدَبَّرَ إذَا مَاتَ عَتَقَ الْعَبْدُ كُلُّهُ بِسَبَبِ التَّدْبِيرِ وَسَقَطَتْ عَنْهُ السِّعَايَةُ إذَا كَانَ يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ، وَلَوْلَا التَّدْبِيرُ لَسَعَى لِلْوَرَثَةِ كَالْمُكَاتَبِ، أَمَّا فِي الْكِتَابَةِ فَلِأَنَّ فَائِدَتَهَا تَعْيِينُ الْبَدَلِ؛ لِأَنَّهُ لَوْلَا الْكِتَابَةُ لَاحْتِيجَ إلَى تَقْوِيمِهِ وَإِيجَابِ نِصْفِ الْقِيمَةِ، وَقَدْ يَحْتَاجُ فِيهَا إلَى الْقَضَاءِ عِنْدَ التَّنَازُعِ فِي الْمِقْدَارِ وَلَا يَدُلُّ عَدَمُ جَوَازِ الْكِتَابَةِ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ الْقِيمَةِ زِيَادَةً فَاحِشَةً عَلَى أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ لَهَا؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ فِي صُلْحِ السَّاكِتِ مَعَ الشَّرِيكِ الْمُعْتِقِ. قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَلَوْ صَالَحَ الَّذِي لَمْ يُعْتِقْ الْعَبْدَ الْمُعْتَقَ عَلَى مَالٍ فَإِنَّ هَذَا لَا يَخْلُو مِنْ الْأَقْسَامِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي الْمُكَاتَبَةِ فَإِنْ كَانَ الصُّلْحُ عَلَى الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ عَلَى نِصْفِ قِيمَتِهِ فَهُوَ جَائِزٌ، وَكَذَا إذَا كَانَ عَلَى أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ قِيمَتِهِ، وَكَذَا إذَا صَالَحَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الْقِيمَةِ مِمَّا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ فَأَمَّا إذَا كَانَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ مِمَّا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ فَالْفَضْلُ بَاطِلٌ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ رِبًا. اهـ. فَالْحَقُّ أَنَّ الْخِيَارَاتِ خَمْسَةٌ كَمَا هُوَ فِي الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهَا وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي تَحْرِيرِ الشَّرِيكِ فَشَمِلَ الْعِتْقَ مُنَجَّزًا وَمُضَافًا قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَيَنْبَغِي إذَا أَضَافَهُ أَنْ لَا تُقْبَلَ مِنْهُ إضَافَتُهُ إلَى زَمَانٍ طَوِيلٍ؛ لِأَنَّهُ كَالتَّدْبِيرِ مَعْنًى، وَلَوْ دَبَّرَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ السِّعَايَةُ فِي الْحَالِ فَيَعْتِقُ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُضَافَ إلَى مُدَّةٍ تُشَاكِلُ مُدَّةَ الِاسْتِسْعَاءِ. اهـ. وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِذِكْرِ هَذِهِ الْخِيَارَاتِ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ خِيَارُ التَّرْكِ عَلَى حَالِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى الِانْتِفَاعِ بِهِ مَعَ ثُبُوتِ الْحُرِّيَّةِ فِي جُزْءٍ مِنْهُ فَلَا بُدَّ مِنْ تَخْرِيجِهِ إلَى الْعِتْقِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ اخْتَارَ وَاحِدًا مِمَّا ذُكِرَ تَعَيَّنَ فَإِنْ اخْتَارَ الِاسْتِسْعَاءَ، فَلَيْسَ لَهُ التَّضْمِينُ وَعَكْسُهُ نَعَمْ إذَا اخْتَارَ الِاسْتِسْعَاءَ فَلَهُ الْإِعْتَاقُ وَإِلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلسَّاكِتِ أَنْ يَخْتَارَ التَّضْمِينَ فِي الْبَعْضِ وَالسِّعَايَةَ فِي الْبَعْضِ كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ وَأَطْلَقَ فِي تَضْمِينِ الْمُوسِرِ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِأَنْ يَكُونَ الْإِعْتَاقُ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَلَوْ أَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ بِإِذْنِ صَاحِبِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا الِاسْتِسْعَاءُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَهُ ضَمَانُ تَمَلُّكٍ لَا إتْلَافٍ وَلِذَا كَانَ كُلُّ الْوَلَاءِ لَهُ وَضَمَانُ التَّمَلُّكِ لَا يَسْقُطُ بِالرِّضَا وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ ضَمَانَ الْإِعْتَاقِ ضَمَانُ إتْلَافٍ. وَلِذَا يَخْتَلِفُ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ وَإِنَّمَا مَلَكَ نَصِيبَ صَاحِبِهِ بِمُقْتَضَى الْإِعْتَاقِ تَصْحِيحًا لَهُ لَا قَصْدًا؛ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ وُضِعَ لِإِبْطَالِ الْمِلْكِ فَثُبُوتُ الْمِلْكِ بِمَا وُضِعَ لِإِبْطَالِهِ يَكُونُ تَنَاقُضًا وَالْمُقْتَضِي تَبَعٌ لِلْمُقْتَضَى فَكَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْمُقْتَضِي وَالْمُقْتَضَى وَهُوَ الْإِعْتَاقُ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ مَعَ الرِّضَا فَلِذَا تَبِعَهُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَلَوْ كَانَ السَّاكِتُ جَمَاعَةً فَاخْتَارَ بَعْضُهُمْ السِّعَايَةَ وَبَعْضُهُمْ الضَّمَانَ فَلِكُلٍّ مِنْهُمْ مَا اخْتَارَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَاخْتُلِفَ فِي حَدِّ الْيَسَارِ هُنَا فَفِي الْهِدَايَةِ ثَمَّ الْمُعْتَبَرُ يَسَارُ التَّيْسِيرِ وَهُوَ أَنْ يَمْلِكَ مِنْ الْمَالِ قَدْرَ نَصِيبِ الْآخَرِ لَا يَسَارَ الْغَنِيِّ؛ لِأَنَّ بِهِ يُقَيَّدُ لَهُ النَّظَرُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ بِتَحْقِيقِ مَا قَصَدَهُ الْمُعْتِقُ مِنْ الْقُرْبَةِ وَإِيصَالِ بَدَلِ حَقِّ السَّاكِتِ إلَيْهِ وَجَعَلَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ قَالَ وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ اسْتَثْنَى الْكَفَافَ وَهُوَ الْمَنْزِلُ وَالْخَادِمُ وَثِيَابُ الْبَدَنِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْكَفَافِ لَا بُدَّ مِنْهُ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَلِذَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْمُحِيطِ فَقَالَ: ثُمَّ حَدُّ الْيَسَارِ أَنْ يَكُونَ الْمُعْتِقُ مَالِكًا لِمِقْدَارِ قِيمَةِ مَا بَقِيَ مِنْ الْعَبْدِ سِوَى مَلْبُوسِهِ وَقُوتِ يَوْمِهِ لَا مَا يُعْتَبَرُ فِي حُرْمَةِ الصَّدَقَةِ وَصَحَّحَهُ فِي الْمُجْتَبَى وَتُعْتَبَرُ قِيمَةُ الْعَبْدِ فِي الضَّمَانِ وَالسِّعَايَةِ يَوْمَ الْإِعْتَاقِ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُ الضَّمَانِ كَالْغَصْبِ، وَكَذَلِكَ يُعْتَبَرُ يَسَارُ الْمُعْتِقِ وَإِعْسَارُهُ يَوْمَ الْإِعْتَاقِ حَتَّى لَوْ أَعْتَقَ وَهُوَ مُوسِرٌ، ثُمَّ أَعْسَرَ لَا يَبْطُلُ حَقُّ التَّضْمِينِ، وَلَوْ أَعْتَقَ وَهُوَ مُعْسِرٌ، ثُمَّ أَيْسَرَ لَا يَثْبُتُ لِشَرِيكِهِ حَقُّ التَّضْمِينِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ فَالْحَقُّ أَنَّ الْخِيَارَاتِ خَمْسَةٌ) بَلْ سِتَّةٌ بِزِيَادَةِ الصُّلْحِ الْمَذْكُورِ عَنْ الْبَدَائِعِ آنِفًا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 255 لِأَنَّ الضَّمَانَ مَتَى تَعَيَّنَ عَلَى الْمُعْتِقِ أَوْ السِّعَايَةَ عَلَى الْعَبْدِ شَرْعًا بَرِئَ الْآخَرُ عَنْ الضَّمَانِ وَلَا يَعُودُ إلَيْهِ أَبَدًا كَالْغَاصِبِ مَعَ غَاصِبِ الْغَاصِبِ إذَا تَعَيَّنَ الضَّمَانُ عَلَى أَحَدِهِمَا بِاخْتِيَارِ الْمَالِكِ بَرِئَ الْآخَرُ عَنْهُ فَكَذَا هَذَا، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي قِيمَةِ الْعَبْدِ يَوْمَ الْعِتْقِ فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ قَائِمًا يُقَوَّمُ الْعَبْدُ لِلْحَالِ. ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ مَعْرِفَةُ قِيمَتِهِ لِلْحَالِ بِالْعِيَانِ وَرَفْعُ اخْتِلَافِهِمَا بِالْبَيَانِ وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ هَالِكًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُعْتِقِ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ مَعْرِفَةُ قِيمَتِهِ بِالْعِيَانِ؛ لِأَنَّ أَوْصَافَهُ تَتَغَيَّرُ بِالْمَوْتِ فَيَجِبُ اعْتِبَارُ قَوْلِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَالسَّاكِتُ يَدَّعِي الزِّيَادَةَ وَالْمُعْتِقُ يُنْكِرُ فَيَكُونُ الْقَوْلُ لَهُ، وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ الْإِعْتَاقَ سَابِقٌ عَلَى الِاخْتِلَافِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُعْتِقِ كَانَ الْعَبْدُ قَائِمًا أَوْ هَالِكًا؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ الْعَجْزُ عَنْ مَعْرِفَةِ قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّ قِيمَةَ الشَّيْءِ قَدْ تَزْدَادُ وَقَدْ تَنْقُصُ بِمُضِيِّ الْوَقْتِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُعْتِقِ لِإِنْكَارِ الزِّيَادَةِ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْوَقْتِ وَالْقِيمَةِ فَقَالَ الْمُعْتِقُ أَعْتَقْته يَوْمَ كَذَا وَقِيمَتُهُ مِائَةٌ، وَقَالَ السَّاكِتُ أَعْتَقْته لِلْحَالِ وَقِيمَتُهُ مِائَتَانِ يُحْكَمُ بِالْعِتْقِ لِلْحَالِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ أَمْرٌ حَادِثٌ وَالْأَصْلُ فِي الْحَوَادِثِ أَنْ يُحْكَمَ بِحُدُوثِهَا حَالَ ظُهُورِهَا فَمَنْ ادَّعَى الْحُدُوثَ حَالَةَ الظُّهُورِ فَهُوَ مُتَمَسِّكٌ بِالْأَصْلِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ لَهُ فَكَانَ الْعِتْقُ ثَبَتَ بِتَصَادُقِهِمَا لِلْحَالِ فَيُقَوَّمُ الْعَبْدُ إنْ كَانَ قَائِمًا وَيَكُونُ الْقَوْلُ لِلْمُعْتِقِ فِي قِيمَتِهِ إنْ كَانَ هَالِكًا، وَكَذَلِكَ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ لَوْ اخْتَلَفَ السَّاكِتُ وَالْعَبْدُ فِي قِيمَتِهِ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي يَسَارِ الْمُعْتِقِ وَإِعْسَارِهِ وَالْعِتْقُ مُتَقَدِّمٌ عَلَى الْخُصُومَةِ إنْ كَانَتْ مُدَّةٌ يَخْتَلِفُ فِيهَا الْيَسَارُ وَالْإِعْسَارُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُعْتِقِ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ الْيَسَارَ وَشَغْلَ ذِمَّتِهِ بِالضَّمَانِ وَإِنْ كَانَ لَا يَخْتَلِفُ يُعْتَبَرُ لِلْحَالِ فَإِنْ عُلِمَ يَسَارُ الْمُعْتِقِ لِلْحَالِ فَلَا مَعْنَى لِلِاخْتِلَافِ وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ فَالْقَوْلُ لِلْمُعْتِقِ، وَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمْ قَبْلَ أَنْ يَخْتَارَ الشَّرِيكُ شَيْئًا فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ مَاتَ الْعَبْدُ أَوْ الْمُعْتِقُ أَوْ السَّاكِتُ. فَإِنْ مَاتَ الْعَبْدُ ضَمِنَ الْمُعْتِقُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ إتْلَافٍ شُرِعَ لِجَبْرِ الْفَائِتِ فَلَا يَسْقُطُ بِهَلَاكِ مَحَلِّ التَّلَفِ كَمَا لَوْ هَلَكَ الْمَغْصُوبُ وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَضْمَنُ الْمُعْتِقُ وَإِنْ كَانَ لِلْعَبْدِ كَسْبٌ رَجَعَ بِمَا ضَمِنَ الْمُعْتِقُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ نَصِيبَ السَّاكِتِ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ مِنْ وَقْتِ الْعِتْقِ فَصَارَ مُكَاتَبًا لَهُ وَهَلْ لِلسَّاكِتِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ تَرِكَةِ الْعَبْدِ قِيمَةَ نَصِيبِهِ إذَا لَمْ يَضْمَنْ الْمُعْتِقُ قِيلَ لَهُ ذَلِكَ كَالْمُكَاتَبِ، وَقَالَ عَامَّةُ مَشَايِخِنَا لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَظَاهِرُ إطْلَاقِ مُحَمَّدٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ، أَمَّا إذَا مَاتَ الْمُعْتِقُ وَالْعِتْقُ فِي صِحَّتِهِ يُؤْخَذُ الضَّمَانُ مِنْ مَالِهِ وَإِنْ كَانَ فِي مَرَضِهِ فَعِنْدَهُمَا لَا يَجِبُ شَيْءٌ عَلَى وَرَثَتِهِ فِي مَالِهِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُسْتَوْفَى مِنْ مَالِهِ، أَمَّا إذَا مَاتَ السَّاكِتُ فَلِوَرَثَتِهِ أَنْ يَخْتَارُوا الْإِعْتَاقَ أَوْ الضَّمَانَ أَوْ السِّعَايَةَ؛ لِأَنَّهُمْ قَائِمُونَ مَقَامَ مُوَرِّثِهِمْ فَإِذَا اخْتَارَ بَعْضُهُمْ الْعِتْقَ وَبَعْضُهُمْ الضَّمَانَ فَلَهُمْ ذَلِكَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ وَصَحَّحَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَفِي الْمُجْتَبَى وَمَعْنَى قَوْلِهِ لِوَرَثَتِهِ الْإِعْتَاقُ الْإِبْرَاءُ لَا حَقِيقَةُ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَسْعَى بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ عِنْدَهُ وَلَا تُورَثُ رَقَبَةُ الْمُكَاتَبِ بِمَوْتِ مَوْلَاهُ وَإِنَّمَا يُورَثُ بَدَلُ الْكِتَابَةِ لَكِنْ لَهُمْ الْإِبْرَاءُ عَنْ السِّعَايَةِ كَذَا هَذَا اهـ. وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِذِكْرِ هَذِهِ الْخِيَارَاتِ إلَى أَنَّ السَّاكِتَ لَوْ مَلَكَ نَصِيبَهُ مِنْ الْمُعْتِقِ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مَحَلًّا لِلتَّمْلِيكِ؛ لِأَنَّهُ مُكَاتَبٌ عِنْدَهُ حُرٌّ مَدْيُونٌ عِنْدَهُمَا بِخِلَافِ مَا إذَا ضَمِنَ الْمُعْتِقُ نَصِيبَ السَّاكِتِ فَإِنَّهُ يَمْلِكُهُ بِالضَّمَانِ ضَرُورَةً. قَالَ قَاضِي خَانْ فِي جَامِعِهِ، وَإِذَا ضَمِنَ الْمُعْتِقُ وَأَدَّى الضَّمَانَ مَلَكَ نَصِيبَ السَّاكِتِ فَيُخَيَّرُ فِي نَصِيبِ السَّاكِتِ إنْ شَاءَ أَعْتَقَ وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ كَانَ الْكُلُّ لَهُ فَأَعْتَقَ بَعْضَهُ. اهـ. وَلِذَا كَانَ الْوَلَاءُ كُلُّهُ لَهُ وَإِنَّمَا رَجَعَ الْمُعْتِقُ عَلَى الْعَبْدِ بِمَا ضَمِنَ لِقِيَامِهِ مَقَامَ السَّاكِتِ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ، وَقَدْ كَانَ لِلسَّاكِتِ الِاسْتِسْعَاءُ فَكَذَا لِمَنْ قَامَ مَقَامَهُ بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمُسْتَسْعَى لَا رُجُوعَ لَهُ بِمَا أَدَّى عَلَى الْمُعْتِقِ بِإِجْمَاعِ أَصْحَابِنَا؛ لِأَنَّهُ أَدَّى لِفِكَاكِ رَقَبَتِهِ بِخِلَافِ الْمَرْهُونِ إذَا أَعْتَقَهُ الرَّاهِنُ الْمُعْسِرُ حَيْثُ يَرْجِعُ عَلَى الْمُعْتِقِ إذَا قَدَرَ عَلَى دَفْعِ   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 256 الْقِيمَةِ لِلْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّهُ يَسْعَى فِي فَكِّ رَقَبَةٍ قَدْ فُكَّتْ أَوْ يَقْضِي دَيْنًا عَلَى الرَّاهِنِ وَفِي الْمُجْتَبَى لَوْ كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ ثَلَاثَةٍ لِأَحَدِهِمْ نِصْفُهُ وَلِلثَّانِي ثُلُثُهُ وَلِلثَّالِثِ سُدُسُهُ فَأَعْتَقَهُ صَاحِبُ النِّصْفِ وَالثُّلُثِ يَضْمَنَانِ السُّدُسَ نِصْفَيْنِ وَالْوَلَاءُ لِلْأَوَّلِ فِي النِّصْفِ وَفِيمَا ضَمِنَ مِنْ نِصْفِ السُّدُسِ وَلِلثَّانِي فِي ثُلُثِهِ وَفِيمَا ضَمِنَ مِنْ نِصْفِ السُّدُسِ وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي الشَّرِيكِ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَنْ يَصِحُّ مِنْهُ الْإِعْتَاقُ فَلَوْ كَانَ الشَّرِيكُ صَبِيًّا يُنْتَظَرُ بُلُوغُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ أَوْ وَصِيٌّ فَإِنْ كَانَ لَهُ أَحَدُهُمَا فَلَهُ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ ضَمِنَ وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى أَوْ كَاتَبَ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ نَقْلِ الْمِلْكِ فَصَارَ كَالْبَيْعِ وَاخْتِيَارُ السِّعَايَةِ كَالْكِتَابَةِ وَلِلْوَلِيِّ وِلَايَةُ بَيْعِ مَالِ الصَّبِيِّ وَكِتَابَةُ عَبْدِهِ وَلِلْقَاضِي أَنْ يُنَصِّبَ وَصِيًّا لِيَخْتَارَ أَحَدَهُمَا وَلَيْسَ لَهُمَا اخْتِيَارُ الْإِعْتَاقِ وَالتَّدْبِيرِ، وَالْجُنُونُ كَالصِّبَى كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَإِنْ كَانَ الشَّرِيكُ عَبْدًا مَأْذُونًا فَإِنْ كَانَ مَدْيُونًا فَلَهُ اخْتِيَارُ التَّضْمِينِ وَالِاسْتِسْعَاءِ، وَإِذَا اسْتَسْعَى فَالْوَلَاءُ لِمَوْلَاهُ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ النَّاسِ إلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَالْخِيَارَاتُ الْخَمْسَةُ ثَابِتَةٌ لِلْمَوْلَى إنْ كَانَ مُوسِرًا وَإِلَّا فَالْأَرْبَعُ وَالْمُكَاتَبُ كَالْمَأْذُونِ وَالْمَدْيُونِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ شَهِدَ كُلٌّ بِعِتْقِ نَصِيبِ صَاحِبِهِ سَعَى لَهُمَا) أَيْ لَوْ شَهِدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ أَنَّ شَرِيكَهُ أَعْتَقَ نَصِيبَ نَفْسِهِ سَعَى الْعَبْدُ لَهُمَا فِي قِيمَتِهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي نَصِيبِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مُوسِرَيْنِ كَانَا أَوْ مُعْسِرَيْنِ أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُوسِرًا وَالْآخَرُ مُعْسِرًا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَزْعُمُ أَنَّ صَاحِبَهُ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ فَصَارَ مُكَاتَبًا فِي زَعْمِهِ عِنْدَهُ وَحَرُمَ عَلَيْهِ الِاسْتِرْقَاقُ فَيُصَدَّقُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَيُمْنَعُ مِنْ اسْتِرْقَاقِهِ وَيَسْتَسْعِيهِ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا بِحَقِّ الِاسْتِسْعَاءِ كَاذِبًا كَانَ أَوْ صَادِقًا؛ لِأَنَّهُ مُكَاتَبُهُ أَوْ مَمْلُوكُهُ فَلِهَذَا يَسْتَسْعِيَانِهِ وَلَا يَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الْحَالَيْنِ فِي أَحَدِ الشَّيْئَيْنِ؛ لِأَنَّ يَسَارَ الْمُعْتِقِ لَا يَمْنَعُ السِّعَايَةَ عِنْدَهُ، وَقَدْ تَعَذَّرَ التَّضْمِينُ لِإِنْكَارِ الشَّرِيكِ فَتَعَيَّنَ الْآخَرُ وَهُوَ السِّعَايَةُ وَالْوَلَاءُ لَهُمَا؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَقُولُ عَتَقَ نَصِيبُ صَاحِبِي عَلَيْهِ بِإِعْتَاقِهِ وَوَلَاؤُهُ لَهُ وَعَتَقَ نَصِيبِي بِالسِّعَايَةِ وَوَلَاؤُهُ لِي وَهُوَ عَبْدٌ مَا دَامَ يَسْعَى لَهُمَا بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ، وَقَالَا إنْ كَانَا مُوسِرَيْنِ فَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَتَبَرَّأُ عَنْ سِعَايَتِهِ بِدَعْوَى الضَّمَانِ عَلَى صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّ يَسَارَ الْمُعْتِقِ يَمْنَعُ السِّعَايَةَ عِنْدَهُمَا إلَّا أَنَّ الدَّعْوَى لَمْ تَثْبُتْ لِإِنْكَارِ الْآخَرِ وَالْبَرَاءَةُ قَدْ ثَبَتَتْ لِإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَإِنْ كَانَا مُعْسِرَيْنِ سَعَى لَهُمَا. لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَّعِي السِّعَايَةَ عَلَيْهِ صَادِقًا كَانَ أَوْ كَاذِبًا عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ إذْ الْمُعْتِقُ مُعْسِرٌ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُوسِرًا وَالْآخَرُ مُعْسِرًا سَعَى لِلْمُوسِرِ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَدَّعِي الضَّمَانَ عَلَى صَاحِبِهِ لِإِعْسَارِهِ وَإِنَّمَا يَدَّعِي عَلَيْهِ السِّعَايَةَ فَلَا يَبْرَأُ عَنْهُ وَلَا يَسْعَى لِلْمُعْسِرِ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الضَّمَانَ عَلَى صَاحِبِهِ لِيَسَارِهِ فَيَكُونُ مُبَرِّئًا لِلْعَبْدِ عَنْ السِّعَايَةِ وَالْوَلَاءُ مَوْقُوفٌ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُحِيلُهُ عَلَى صَاحِبِهِ وَيَتَبَرَّأُ عَنْهُ فَيَبْقَى مَوْقُوفًا إلَى أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى إعْتَاقِ أَحَدِهِمَا كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، فَلَوْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَتَّفِقَا وَجَبَ أَنْ يَأْخُذَهُ بَيْتُ الْمَالِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ تَحْلِيفَ كُلٍّ مِنْهُمَا هُنَا وَذَكَرَهُ فِي الْمُسْتَصْفَى فَقَالَ وَالسِّعَايَةُ لَهُمَا بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى دَعْوَى صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُدَّعٍ وَمُنْكِرٌ وَصَرَّحَ فِي الْبَدَائِعِ وَالْمُحِيطِ بِأَنَّهُ يَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى دَعْوَى صَاحِبِهِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهُوَ أَوْجَهُ فَيَجِبُ فِي الْجَوَابِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ لُزُومُ اسْتِسْعَاءِ كُلٍّ مِنْهُمَا لِلْعَبْدِ أَنَّهُ فِيمَا إذَا لَمْ يَتَرَافَعَا إلَى قَاضٍ بَلْ خَاطَبَ كُلٌّ مِنْهُمَا الْآخَرَ إنَّك أَعْتَقْت نَصِيبَك وَهُوَ يُنْكِرُ فَإِنَّ هَذِهِ لَيْسَ حُكْمُهَا إلَّا الِاسْتِسْعَاءُ إذْ لَوْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا التَّضْمِينَ أَوْ أَرَادَاهُ وَنَصِيبُهُمَا مُتَفَاوِتٌ فَتَرَافَعَا أَوْ رَفَعَهُمَا ذُو حِسْبَةٍ فِيمَا لَوْ اسْتَرَقَّاهُ بَعْدَ قَوْلِهِمَا فَإِنَّ الْقَاضِيَ لَوْ سَأَلَهُمَا فَأَجَابَا بِالْإِنْكَارِ فَحَلَفَا لَا يُسْتَرَقُّ؛ لِأَنَّ كُلًّا يَقُولُ إنَّ صَاحِبَهُ حَلَفَ كَاذِبًا وَاعْتِقَادُهُ أَنَّ الْعَبْدَ يَحْرُمُ اسْتِرْقَاقُهُ وَلِكُلٍّ اسْتِسْعَاؤُهُ. وَلَوْ اعْتَرَفَا أَنَّهُمَا أَعْتَقَا مَعًا أَوْ عَلَى التَّعَاقُبِ وَجَبَ أَنْ لَا يُضَمِّنَ كُلٌّ الْآخَرَ إنْ كَانَا مُوسِرَيْنِ وَلَا يُسْتَسْعَى الْعَبْدُ؛ لِأَنَّهُ عَتَقَ كُلُّهُ مِنْ   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 257 جِهَتِهِمَا، وَلَوْ اعْتَرَفَ أَحَدُهُمَا وَأَنْكَرَ الْآخَرُ فَإِنَّ الْمُنْكِرَ يَجِبُ أَنْ يَحْلِفَ؛ لِأَنَّ فِيهِ فَائِدَةً فَإِنَّهُ إنْ نَكَلَ صَارَ مُعْتَرِفًا أَوْ بَاذِلًا وَصَارَا مُعْتَرِفَيْنِ فَلَا يَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ سِعَايَةٌ كَمَا قُلْنَا اهـ. وَتَقْيِيدُ الْمُصَنِّفِ بِشَهَادَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا قَيْدٌ اتِّفَاقِيٌّ إذْ لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ وَأَنْكَرَهُ الْآخَرُ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَى صَاحِبِهِ وَإِنْ كَانَا اثْنَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا يَجُرَّانِ إلَى أَنْفُسِهِمَا مَغْنَمًا وَلَا يَعْتِقُ نَصِيبُ الشَّاهِدِ وَلَا يَضْمَنُ لِصَاحِبِهِ وَيَسْعَى الْعَبْدُ فِي قِيمَتِهِ بَيْنَهُمَا مُوسِرَيْنِ كَانَا أَوْ مُعْسِرَيْنِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا إنْ كَانَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ مُوسِرًا فَلَا سِعَايَةَ لِلشَّاهِدِ عَلَى الْعَبْدِ وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فَلَهُ السِّعَايَةُ عَلَيْهِ وَهَكَذَا فِي الْمُحِيطِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ عَلَّقَ أَحَدُهُمَا عِتْقَهُ بِفِعْلِ فُلَانٍ غَدًا وَعَكَسَ الْآخَرُ وَمَضَى وَلَمْ يَدْرِ عَتَقَ نِصْفُهُ وَسَعَى فِي نِصْفٍ لَهُمَا) أَيْ لَوْ عَلَّقَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ عِتْقَ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ بِفِعْلِ زَيْدٍ غَدًا كَأَنْ قَالَ إنْ دَخَلَ زَيْدٌ الدَّارَ غَدًا فَأَنْتَ حُرٌّ وَعَكَسَ الشَّرِيكُ الْآخَرُ بِأَنْ قَالَ مَثَلًا إنْ لَمْ يَدْخُلْ زَيْدٌ الدَّارَ غَدًا فَأَنْتَ حُرٌّ وَمَضَى الْغَدُ وَلَمْ يُعْلَمْ دُخُولُهُ أَوْ عَدَمُهُ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ نِصْفُ الْعَبْدِ بِغَيْرِ سِعَايَةٍ وَيَسْعَى الْعَبْدُ فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ لِلشَّرِيكَيْنِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَسْعَى فِي جَمِيعِ قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْضِيَّ عَلَيْهِ بِسُقُوطِ السِّعَايَةِ مَجْهُولٌ وَلَا يُمْكِنُ الْقَضَاءُ عَلَى الْمَجْهُولِ فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ لِغَيْرِهِ لَك عَلَى أَحَدِنَا أَلْفُ دِرْهَمٍ فَإِنَّهُ لَا يُقْضَى بِشَيْءٍ لِلْجَهَالَةِ كَذَا هَذَا وَلَهُمَا أَنَّا تَيَقَّنَّا بِسُقُوطِ نِصْفِ السِّعَايَةِ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا حَانِثٌ بِيَقِينٍ وَمَعَ التَّيَقُّنِ بِسُقُوطِ النِّصْفِ كَيْفَ يُقْضَى بِوُجُوبِ الْكُلِّ وَالْجَهَالَةُ تَرْتَفِعُ بِالشُّيُوعِ وَالتَّوْزِيعِ كَمَا إذَا أَعْتَقَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ لَا بِعَيْنِهِ أَوْ بِعَيْنِهِ وَنَسِيَهُ وَمَاتَ قَبْلَ الْبَيَانِ أَوْ الذِّكْرِ وَيَتَأَتَّى التَّفْرِيعُ فِيهِ عَلَى أَنَّ الْيَسَارَ يَمْنَعُ السِّعَايَةَ أَوْ لَا يَمْنَعُهَا عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي سَبَقَ، وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ بِفِعْلِ فُلَانٍ فِي وَقْتٍ وَعَكَسَ الْآخَرُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لَكَانَ أَوْلَى إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْغَدِ وَالْيَوْمِ وَالْأَمْسِ صَرَّحَ بِالْيَوْمِ فِي الْمُحِيطِ وَبِالْأَمْسِ فِي الْبَدَائِعِ وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي سِعَايَةِ النِّصْفِ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَا مُوسِرَيْنِ أَوْ مُعْسِرَيْنِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ مِنْ صُورَةِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى ثُبُوتِ الْمِلْكِ لِكُلٍّ إلَى آخِرِ النَّهَارِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ حَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ بِعِتْقِ عَبْدِهِ لَمْ يَعْتِقْ وَاحِدٌ) ؛ لِأَنَّ الْمَقْضِيَّ عَلَيْهِ بِالْعِتْقِ مَجْهُولٌ، وَكَذَا الْمَقْضِيُّ لَهُ فَتَفَاحَشَتْ الْجَهَالَةُ فَامْتَنَعَ الْقَضَاءُ وَفِي الْعَبْدِ الْوَاحِدِ الْمَقْضِيِّ لَهُ وَالْمَقْضِيِّ بِهِ مَعْلُومٌ فَغَلَبَ الْمَعْلُومُ الْمَجْهُولَ، قَيَّدَ بِكَوْنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَهُ عَبْدٌ تَامٌّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ عَبْدَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا لِأَحَدِ الْعَبْدَيْنِ أَنْتَ حُرٌّ إنْ لَمْ يَدْخُلْ فُلَانٌ هَذِهِ الدَّارَ الْيَوْمَ، وَقَالَ الْآخَرُ لِلْعَبْدِ الْآخَرِ إنْ دَخَلَ فُلَانٌ هَذِهِ الدَّارَ الْيَوْمَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَمَضَى الْيَوْمُ وَتَصَادَقَا عَلَى أَنَّهُمَا لَا يَعْلَمَانِ دَخَلَ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ قَالَ أَبُو يُوسُفَ يَعْتِقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رُبْعُهُ وَيَسْعَى فِي ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ قِيمَتِهِ بَيْنَ الْمَوْلَيَيْنِ نِصْفَيْنِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ قِيَاسُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ يَسْعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي جَمِيعِ قِيمَتِهِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَبَيَانُ كُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ فِي الْبَدَائِعِ قَالَ: وَمِنْ هَذَا النَّوْعِ مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي عَبْدٍ بَيْنَ رَجُلَيْنِ زَعَمَ أَحَدُهُمَا أَنَّ صَاحِبَهُ أَعْتَقَهُ مُنْذُ سَنَةٍ وَأَنَّهُ هُوَ أَعْتَقَهُ الْيَوْمَ، وَقَالَ شَرِيكُهُ لَمْ أُعْتِقْهُ، وَقَدْ أَعْتَقْته أَنْت الْيَوْمَ فَاضْمَنْ لِي نِصْفَ الْقِيمَةِ لِعِتْقِك فَلَا ضَمَانَ عَلَى الَّذِي زَعَمَ أَنَّ صَاحِبَهُ أَعْتَقَهُ مُنْذُ سَنَةٍ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَنَا أَعْتَقْته الْيَوْمَ لَيْسَ بِإِعْتَاقٍ، بَلْ هُوَ إقْرَارٌ بِالْعِتْقِ وَأَنَّهُ حَصَلَ بَعْدَ إقْرَارِهِ عَلَى شَرِيكِهِ بِالْعِتْقِ فَلَمْ يَصِحَّ، وَكَذَا لَوْ قَالَ أَعْتَقَهُ صَاحِبِي مُنْذُ سَنَةٍ وَأَعْتَقْته أَنَا أَمْسِ وَإِنْ لَمْ يُقِرَّ بِإِعْتَاقِ نَفْسِهِ لَكِنْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ أَمْسِ فَهُوَ ضَامِنٌ لِشَرِيكِهِ لِظُهُورِ الْإِعْتَاقِ مِنْهُ بِالْبَيِّنَةِ فَدَعْوَاهُ عَلَى شَرِيكِهِ الْعِتْقَ الْمُتَقَدِّمَ لَا يَمْنَعُ ظُهُورَ الْإِعْتَاقِ مِنْهُ بِالْبَيِّنَةِ وَيَمْنَعُ ظُهُورَهُ بِإِقْرَارِهِ اهـ. وَقَيَّدَ بِكَوْنِ الْمُعَلَّقِ مُتَعَدِّدًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ عَبْدُهُ حُرٌّ إنْ لَمْ يَكُنْ فُلَانٌ دَخَلَ هَذِهِ الدَّارَ الْيَوْمَ، ثُمَّ قَالَ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ إنْ كَانَ دَخَلَ الْيَوْمَ عَتَقَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَمَاتَ قَبْلَ الْبَيَانِ أَوْ الذِّكْرِ) الْأَوَّلُ رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ لَا بِعَيْنِهِ وَالثَّانِي إلَى قَوْلِهِ أَوْ بِعَيْنِهِ وَنَسِيَهُ. (قَوْلُهُ: وَيَتَأَتَّى التَّفْرِيعُ فِيهِ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ قَوْلِ الْهِدَايَةِ فِي مَسْأَلَةِ الْمَتْنِ وَسَعَى لَهُمَا فِي النِّصْفِ مَا نَصُّهُ: وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ عَلَى تَفْصِيلٍ يَقْتَضِيهِ مَذْهَبُ أَبِي يُوسُفَ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَسْعَى فِي النِّصْفِ لَهُمَا إذَا كَانَا مُعْسِرَيْنِ فَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُوسِرًا يَسْعَى فِي الرُّبْعِ لِلْمُوسِرِ، وَلَوْ كَانَا مُوسِرَيْنِ لَا يَسْعَى لِأَحَدٍ وَإِلَيْهِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ هَذَا بِقَوْلِهِ وَيَتَأَتَّى التَّفْرِيعُ فِيهِ عَلَى أَنَّ الْيَسَارَ يَمْنَعُ السِّعَايَةَ أَيْ لَا يَمْنَعُهَا عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي سَبَقَ فَإِنَّمَا جَمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ إلَّا النِّصْفُ. (قَوْلُهُ: وَمِنْ هَذَا النَّوْعِ إلَخْ) مُفَرَّعٌ عَلَى قَوْلِ الصَّاحِبَيْنِ بِعَدَمِ تَجَزِّي الْعِتْقِ تَأَمَّلْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 258 وَطَلُقَتْ؛ لِأَنَّ بِالْيَمِينِ الْأُولَى صَارَ مُقِرًّا بِوُجُودِ شَرْطِ الطَّلَاقِ وَبِالْيَمِينِ الثَّانِيَةِ صَارَ مُقِرًّا بِوُجُودِ شَرْطِ الْعِتْقِ، وَقِيلَ لَمْ يَعْتِقْ وَلَمْ تَطْلُقْ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا مُعَلَّقٌ بِعَدَمِ الدُّخُولِ وَالْآخَرَ بِوُجُودِهِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرْطَيْنِ دَائِرٌ بَيْنَ الْوُجُودِ وَالْعَدَمِ فَلَا يَنْزِلُ الْجَزَاءُ بِالشَّكِّ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ التَّعْلِيقِ بِالشَّرْطِ الْكَائِنِ وَبِغَيْرِ الْكَائِنِ فَيَقَعُ فِي الْمُعَلَّقِ بِالْكَائِنِ لَا بِغَيْرِ الْكَائِنِ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ يُتَصَوَّرُ فِي الْكَائِنِ دُونَ غَيْرِهِ، كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَهُوَ وَمَا قَبْلَهُ مَرْدُودَانِ وَالْحَقُّ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ صِيغَةَ إنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ تُسْتَعْمَلُ لِتَحْقِيقِ الدُّخُولِ فِي الْمَاضِي رَدًّا عَلَى الْمُمَارِي فِي الدُّخُولِ وَعَدَمِهِ فَكَانَ مُعْتَرِفًا بِالدُّخُولِ وَهُوَ شَرْطُ الطَّلَاقِ فَوَقَعَ بِخِلَافِ إنْ لَمْ يَدْخُلْ لَيْسَ فِيهَا تَحْقِيقٌ، وَصِيغَةُ إنْ كَانَ دَخَلَ ظَاهِرَةٌ لِتَحْقِيقِ عَدَمِ الدُّخُولِ رَدًّا عَلَى مَنْ تَرَدَّدَ فِيهِ فَكَانَ مُعْتَرِفًا بِعَدَمِ الدُّخُولِ وَهُوَ شَرْطُ وُقُوعِ الْعِتْقِ فَوَقَعَ بِخِلَافِ إنْ دَخَلَ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهَا تَحْقِيقٌ أَصْلًا. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ قَدْ اشْتَبَهَ هَذَا التَّرْكِيبُ عَلَى الْقَائِلِ بِعَدَمِ الْوُقُوعِ فِيهِمَا بِتَرْكِيبٍ إنْ لَمْ يَدْخُلْ وَإِنْ دَخَلَ إلَيْهِ أَشَارَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ بَابٌ الْيَمِينُ الَّتِي تَنْقُضُ صَاحِبَتَهَا، حَلَفَ بِالْعِتْقِ إنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ أَمْسِ وَبِالطَّلَاقِ إنْ كَانَ دَخَلَ وَقَعَا؛ لِأَنَّهُ بِكُلِّ يَمِينٍ زَعَمَ الْحِنْثَ فِي الْأُخْرَى لِهَذَا لَوْ أَعْتَقَ أَحَدَهُمَا ثُمَّ قَالَ لِكُلِّ وَاحِدٍ لَمْ أَعْنِك عَتَقَا وَلَا يَلْزَمُ مَا لَوْ كَانَتْ الْأُولَى وَاَللَّهِ إذْ الْغَمُوسُ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ لِيُكَذِّبَ بِهِ فِي الْأُخْرَى وَتَمَامُهُ فِيهِ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِعَدَمِ عِتْقِهِمَا فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ إلَى أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَاهُمَا إنْسَانٌ صَحَّ وَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِحِنْثِ أَحَدِ الْمَالِكَيْنِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَزْعُمُ أَنَّهُ يَبِيعُ عَبْدَهُ وَزَعْمُ الْمُشْتَرِي فِي الْعَبْدِ قَبْلَ مِلْكِهِ لَهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِحُرِّيَّةِ عَبْدٍ وَمَوْلَاهُ يُنْكِرُ، ثُمَّ اشْتَرَاهُ صَحَّ، وَإِذَا صَحَّ شِرَاؤُهُ لَهُمَا وَاجْتَمَعَا فِي مِلْكِهِ عَتَقَ عَلَيْهِ أَحَدُهُمَا؛ لِأَنَّ زَعْمَهُ مُعْتَبَرٌ الْآنَ وَيُؤْمَرُ بِالْبَيَانِ؛ لِأَنَّ الْمَقْضِيَّ عَلَيْهِ مَعْلُومٌ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّ أَحَدَ الْمُتَحَالِفَيْنِ لَوْ اشْتَرَى الْعَبْدَ مِنْ الْحَالِفِ الْآخَرِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَيَعْتِقُ عَلَيْهِ أَحَدُهُمَا وَيُؤْمَرُ بِالْبَيَانِ لِمَا ذَكَرَهُ كَمَا لَا يَخْفَى وَفِي الْمُحِيطِ هَذَا إذَا عَلِمَ الْمُشْتَرِي بِحَلِفِهِمَا فَإِنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ فَالْقَاضِي يُحَلِّفُهُمَا وَلَا يُجْبِرُ عَلَى الْبَيَانِ مَا لَمْ تَقُمْ الْبَيِّنَةُ عَلَى ذَلِكَ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ مَلَكَ ابْنَهُ مَعَ آخَرَ عَتَقَ حَظُّهُ وَلَمْ يَضْمَنْ وَلِشَرِيكِهِ أَنْ يُعْتِقَ أَوْ يَسْتَسْعِيَ) لِأَنَّهُ مَلَكَ شِقْصَ قَرِيبِهِ فَعَتَقَ عَلَيْهِ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ مُوسِرًا لِأَنَّهُ رَضِيَ بِإِفْسَادِ نَصِيبِهِ كَمَا إذَا أَذِنَ لَهُ بِإِعْتَاقِ نَصِيبِهِ صَرِيحًا وَدَلَالَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ شَارَكَهُ فِيمَا هُوَ عِلَّةُ الْعِتْقِ وَهُوَ الشِّرَاءُ؛ لِأَنَّ شِرَاءَ الْقَرِيبِ إعْتَاقٌ وَثَبَتَ لِشَرِيكِهِ الْإِعْتَاقُ أَوْ الِاسْتِسْعَاءُ لِبَقَائِهِ عَلَى مِلْكِهِ كَالْمُكَاتَبِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَقَالَا فِي الشِّرَاءِ وَنَحْوِهِ يَضْمَنُ الْأَبُ نِصْفَ قِيمَتِهِ إنْ كَانَ مُوسِرًا وَيَسْعَى الِابْنُ لِشَرِيكِ أَبِيهِ إنْ كَانَ مُعْسِرًا أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمِلْكِ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ بِالشِّرَاءِ أَوْ الْهِبَةِ أَوْ الصَّدَقَةِ أَوْ الْوَصِيَّةِ أَوْ الْأَمْهَارِ أَوْ الْإِرْثِ وَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ عَالِمًا بِأَنَّهُ ابْنُهُ أَوْ لَا وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ يُدَارُ عَلَى السَّبَبِ كَمَا إذَا قَالَ لِغَيْرِهِ كُلْ هَذَا الطَّعَامَ وَهُوَ مَمْلُوكٌ لِلْآمِرِ وَلَا يَعْلَمُ الْآمِرُ بِمِلْكِهِ وَذِكْرُ الِابْنِ اتِّفَاقِيٌّ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ فِي كُلِّ قَرِيبٍ يَعْتِقُ عَلَيْهِ كَذَلِكَ وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِ مَلَكَهُ مَعَ آخَرَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ بَدَأَ الْأَجْنَبِيُّ فَاشْتَرَى نِصْفَهُ، ثُمَّ اشْتَرَى الْأَبُ نِصْفَهُ الْآخَرَ وَهُوَ مُوسِرٌ فَالْأَجْنَبِيُّ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْأَبَ؛ لِأَنَّهُ مَا رَضِيَ بِإِفْسَادِ نَصِيبِهِ وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى الِابْنَ فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ لِاحْتِبَاسِ مَالِيَّتِهِ عِنْدَهُ. وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ يَسَارَ الْمُعْتِقِ لَا يَمْنَعُ السِّعَايَةَ عِنْدَهُ، وَقَالَا لَا خِيَارَ لَهُ وَيَضْمَنُ الْأَبُ نِصْفَ قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّ يَسَارَ الْمُعْتِقِ يَمْنَعُ السِّعَايَةَ عِنْدَهُمَا وَقُيِّدَ بِالْقَرِيبِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ مَلَكَ مُسْتَوْلَدَتَهُ بِالنِّكَاحِ مَعَ آخَرَ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ النِّصْفِ لِشَرِيكِهِ كَيْفَمَا كَانَ وَإِنْ كَانَ مَلَكَهَا بِالْإِرْثِ وَالْفَرْقُ أَنَّ ضَمَانَ أُمِّ الْوَلَدِ ضَمَانُ تَمَلُّكٍ وَذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بِصُنْعِهِ أَوْ بِغَيْرِ صُنْعِهِ وَلِهَذَا لَا يَخْتَلِفُ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ وَإِنَّمَا صَحَّ شِرَاءُ الِابْنِ مَعَ آخَرَ فِي مَسْأَلَةِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: قَالَ لِكُلِّ وَاحِدٍ لَمْ أَعْنِك عَتَقَا) لِأَنَّ قَوْلَهُ لِلْأَوَّلِ لَمْ أَعْنِ هَذَا إقْرَارٌ مِنْهُ بِوُقُوعِ الْعِتْقِ عَلَى الثَّانِي وَقَوْلُهُ لِلْآخَرِ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ أَعْنِ هَذَا إقْرَارٌ مِنْهُ بِوُقُوعِ الْعِتْقِ عَلَى الْأَوَّلِ فَعَتَقَا جَمِيعًا وَهَكَذَا فِي الطَّلَاقِ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَسَيَذْكُرُ الْمُؤَلِّفُ الْمَسْأَلَةَ مُعَلَّلَةً عَنْ الِاخْتِيَارِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَالْبَيْعُ وَالْمَوْتُ وَالتَّحْرِيرُ إلَخْ. (قَوْلُهُ: وَيُؤْمَرُ بِالْبَيَانِ؛ لِأَنَّ الْمَقْضِيَّ عَلَيْهِ مَعْلُومٌ) قَالَ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِهِ قُلْتُ: وَقَدْ أَشْكَلَ عَلَيَّ ذَلِكَ فَإِنَّ الْعِتْقَ نَازِلٌ فِي الْمُعَيِّنِ دُونَ الْمُنْكِرِ فَيَجِبُ أَنْ لَا يَكُونَ الْبَيَانُ لِلْمُشْتَرِي إذْ الْإِجْمَالُ لَيْسَ مِنْ جِهَتِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُمْنَعَ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِمَا إلَى أَنْ يُبَرْهِنَ أَحَدُهُمَا عَلَى عِتْقِهِ كَمَا لَوْ أَعْتَقَ أَحَدٌ عَبْدَيْهِ ثُمَّ نَسِيَهُ، ثُمَّ وَجَدْت الْإِشْكَالَ فِي التُّحْفَةِ وَأَجَابَ بِأَنَّ الْعِتْقَ حَالَ وُقُوعِهِ لَمْ يُدْرَ مَحَلُّهُ فَكَانَ كَإِعْتَاقِ الْمُنْكِرِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَعْتَقَ عَبْدًا ثُمَّ نَسِيَهُ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ نَزَلَ فِي الْمَعْلُومِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 259 الْكَاتِبِ وَلَمْ يَصِحَّ شِرَاءُ الْعَبْدِ نَفْسَهُ هُوَ وَأَجْنَبِيٌّ مِنْ مَوْلَاهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى حِصَّةِ الْأَجْنَبِيِّ لِاجْتِمَاعِ الْعِتْقِ وَالْبَيْعِ فِي حَقٍّ وَاحِدٍ فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ بَيْعَ نَفْسِ الْعَبْدِ مِنْهُ إعْتَاقٌ عَلَى مَالٍ فَبَطَلَ الْبَيْعُ فِي حِصَّةِ الْأَجْنَبِيِّ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ؛ لِأَنَّ شِرَاءَ الْقَرِيبِ تَمَلُّكٌ فِي الزَّمَانِ الْأَوَّلِ وَإِعْتَاقٌ فِي الزَّمَانِ الثَّانِي وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ أَحَدُهُمَا بِعِتْقِ عَبْدٍ إنْ مَلَكَ نِصْفَهُ فَمِلْكُهُ مَعَ آخَرَ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ وَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ. (قَوْلُهُ وَإِنْ اشْتَرَى نِصْفَ ابْنِهِ مِمَّنْ يَمْلِكُ ابْنَهُ لَا يَضْمَنُ لِبَائِعِهِ) ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ شَارَكَهُ فِي الْعِلَّةِ وَهُوَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ عِلَّةَ دُخُولِ الْمَبِيعِ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ، وَقَدْ شَارَكَهُ فِيهِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا، وَقَالَا إنْ كَانَ الْأَبُ مُوسِرًا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ، قُيِّدَ بِكَوْنِهِ مِمَّنْ يَمْلِكُ ابْنَهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى نِصْفَ ابْنِهِ مِنْ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ وَهُوَ مُوسِرٌ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ الضَّمَانُ بِالْإِجْمَاعِ لِلشَّرِيكِ الَّذِي لَمْ يَبِعْ وَلَا يَضْمَنُ لِلْبَائِعِ شَيْئًا؛ لِأَنَّ الشَّرِيكَ الَّذِي لَمْ يَبِعْ لَمْ يُشَارِكْهُ فِي الْعِلَّةِ فَلَا يَبْطُلُ حَقُّهُ بِفِعْلِ غَيْرِهِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ إذَا لَمْ يَضْمَنْ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ كَانَ لَهُ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى وَفِي الْبَدَائِعِ رَجُلٌ قَالَ إنْ اشْتَرَيْت فُلَانًا أَوْ بَعْضَهُ فَهُوَ حُرٌّ فَادَّعَى رَجُلٌ آخَرُ أَنَّهُ ابْنُهُ، ثُمَّ اشْتَرَيَاهُ عَتَقَ عَلَيْهِمَا وَنِصْفُ وَلَائِهِ لِلَّذِي أَعْتَقَهُ وَهُوَ ابْنٌ لِلَّذِي ادَّعَاهُ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ هَا هُنَا لَمْ يَسْبِقْ الْيَمِينَ فَيَعْتِقُ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَيْهِ وَوَلَاؤُهُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ عَتَقَ عَلَيْهِمَا وَالْوَلَاءُ لِلْمُعْتِقِ اهـ. مَعَ أَنَّهُمْ قَالُوا إنَّ الْمُعْتِقَ آخِرُ الْعَصَبَاتِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِيرَاثُهُ كُلُّهُ لِأَبِيهِ مَعَ وُجُودِهِ وَلَا شَيْءَ لِلْمُعْتِقِ إلَّا أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ ثُبُوتِ النَّسَبِ قَبْلَ الْعِتْقِ وَبَيْنَهُ بَعْدَهُ. (قَوْلُهُ: عَبْدٌ لِمُوسِرَيْنِ دَبَّرَهُ وَاحِدٌ وَحَرَّرَهُ آخَرُ ضَمَّنَ السَّاكِتُ الْمُدَبِّرَ وَالْمُدَبِّرُ الْمُعْتِقَ ثُلُثَهُ مُدْبِرًا إلَّا مَا ضَمِنَ) أَيْ لَوْ كَانَ عَبْدٌ بَيْنَ ثَلَاثَةٍ دَبَّرَهُ أَحَدُهُمْ، ثُمَّ أَعْتَقَهُ آخَرُ فَلِلسَّاكِتِ وَهُوَ الَّذِي لَمْ يُدَبِّرْ وَلَمْ يُحَرِّرْ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُدَبِّرَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُعْتِقَ وَلِلْمُدَبِّرِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُعْتِقَ ثُلُثَ الْعَبْدِ مُدَبَّرًا وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ الثُّلُثَ الَّذِي ضَمَّنَهُ لِلسَّاكِتِ وَإِنَّمَا يُضَمِّنُ السَّاكِتُ الْمُدَبِّرَ ثُلُثَ قِيمَتِهِ قِنًّا؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ يَتَجَزَّأُ عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ شُعْبَةٌ مِنْ شُعَبِهِ فَيَكُونُ مُعْتَبَرًا بِهِ فَاقْتَصَرَ عَلَى نَصِيبِهِ، وَقَدْ أَفْسَدَ بِالتَّدْبِيرِ نَصِيبَ الْآخَرَيْنِ فَكَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُدَبِّرَ نَصِيبَهُ أَوْ يُعْتِقَ أَوْ يُكَاتِبَ أَوْ يُضَمِّنَ الْمُدَبِّرَ أَوْ يَسْتَسْعِيَ الْعَبْدَ أَوْ يَتْرُكَهُ عَلَى حَالِهِ، فَلَمَّا حَرَّرَهُ الْآخَرُ تَعَيَّنَ حَقُّهُ فِيهِ وَسَقَطَ اخْتِيَارُهُ غَيْرَهُ فَتَوَجَّهَ لِلشَّرِيكِ السَّاكِتِ سَبَبَا ضَمَانِ تَدْبِيرِ الْمُدَبِّرِ وَإِعْتَاقِ الْمُعْتِقِ فَلَهُ تَضْمِينُ الْمُدَبِّرِ لِيَكُونَ الضَّمَانُ ضَمَانَ مُعَاوَضَةٍ إذْ هُوَ الْأَصْلُ حَتَّى جُعِلَ الْغَصْبُ ضَمَانَ مُعَاوَضَةٍ عَلَى أَصْلِنَا وَأَمْكَنَ ذَلِكَ فِي التَّدْبِيرِ لِكَوْنِهِ قَابِلًا لِلنَّقْلِ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ وَقْتَ التَّدْبِيرِ وَلَيْسَ لَهُ تَضْمِينُ الْمُعْتِقِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ عِنْدَ ذَلِكَ مُكَاتَبٌ أَوْ حُرٌّ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَصْلَيْنِ وَلَا بُدَّ مِنْ رِضَا الْمُكَاتَبِ بِفَسْخِهِ حَتَّى يَقْبَلَ الِانْتِقَالَ، ثُمَّ إنَّ الشَّرِيكَ الَّذِي أَعْتَقَ نَصِيبَهُ أَفْسَدَ عَلَى الْمُدَبِّرِ نَصِيبَهُ مُدَبَّرًا وَالضَّمَانُ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الْمُتْلَفِ وَلَا يُضَمِّنُهُ قِيمَةَ مَا مَلَكَهُ بِالضَّمَانِ مِنْ جِهَةِ السَّاكِتِ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ ثَبَتَ مُسْتَنِدًا وَهُوَ ثَابِتٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ التَّضْمِينِ، وَقَدْ اُسْتُفِيدَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بَيْنَ اثْنَيْنِ دَبَّرَهُ أَحَدُهُمَا، ثُمَّ حَرَّرَهُ الْآخَرُ فَلِلْمُدَبِّرِ تَضْمِينُ الْمُعْتِقِ ثُلُثَهُ مُدَبَّرًا إنْ كَانَ مُوسِرًا. وَلَوْ كَانَ حَرَّرَهُ أَحَدُهُمَا ثُمَّ دَبَّرَهُ الْآخَرُ فَلِلْمُدَبِّرِ أَنْ يَسْتَسْعِيَ الْعَبْدَ فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا؛ لِأَنَّهُ بِالتَّدْبِيرِ اخْتَارَ تَرْكَ الضَّمَانِ، وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ أَيَّهُمَا أَوَّلًا فَإِنَّ لِلْمُدَبِّرِ تَضْمِينُ الْمُعْتِقِ رُبْعَ الْقِيمَةِ وَاسْتَسْعَى الْعَبْدَ فِي رُبْعِ الْقِيمَةِ وَيَرْجِعُ الْمُعْتِقُ بِمَا ضَمِنَ عَلَى الْعَبْدِ، وَكَذَا لَوْ صَدَرَ الْإِعْتَاقُ وَالتَّدْبِيرُ مِنْهُمَا مَعًا، وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَعِنْدَهُمَا الْمُعْتِقُ أَوْلَى فِي الْكُلِّ فَإِنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُوسِرًا ضَمِنَ لِلْمُدَبِّرِ وَإِلَّا سَعَى الْعَبْدُ لَهُ فِي نَصِيبِهِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَذَكَرَ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ قَوْلَنَا لِلشَّرِيكِ هَذِهِ الْخِيَارَاتُ أَنَّهُ يَصِحُّ مِنْهُ هَذِهِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: فَلِلْمُدَبَّرِ تَضْمِينُ الْمُعْتَقِ ثُلُثُهُ مُدَبَّرًا) كَذَا فِي النُّسَخِ وَمِثْلُهُ فِي النَّهْرِ وَالصَّوَابُ إبْدَالُ الثُّلُثِ بِالنِّصْفِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، وَقَدْ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا أَبُو السُّعُودِ مُحَشِّي مِسْكِينٍ فَقَالَ الصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ لِلْمُدَبَّرِ أَنْ يَضْمَنَ الْمُعْتِقُ نِصْفَهُ مُدَبَّرًا وَثُلُثَهُ قِنًّا، وَقَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ حَرَّرَهُ يُشْهِدُ إلَخْ يُشْهِدُ لِلتَّصْوِيبِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 260 التَّصَرُّفَاتُ أَمَّا لَا يُؤْذَنُ بِالْإِعْتَاقِ وَالِاسْتِسْعَاءِ؛ لِأَنَّ فِيهِ إفْسَادَ نَصِيبِ الْمُدَبِّرِ؛ لِأَنَّ الْمُدَبِّرَ كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ اسْتِسْعَاءِ نَصِيبِهِ عَلَى مِلْكِهِ إلَى وَقْتِ الْمَوْتِ وَبَعْدَ الْإِعْتَاقِ وَالِاسْتِسْعَاءِ لَا يَتَمَكَّنُ. اهـ. وَفِي الْهِدَايَةِ وَقِيمَةُ الْمُدَبِّرِ ثُلُثَا قِيمَتِهِ قِنًّا عَلَى مَا قَالُوا فَلَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ قِنًّا سَبْعَةً وَعِشْرِينَ دِينَارًا ضَمِنَ لَهُ سِتَّةَ دَنَانِيرَ؛ لِأَنَّ ثُلُثَيْهَا وَهُوَ قِيمَةُ الْمُدَبَّرِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَثُلُثَهَا وَهُوَ الْمَضْمُونُ سِتَّةٌ وَالْمُدَبِّرُ يَضْمَنُ لِلسَّاكِتِ تِسْعَةً وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِالْوَطْءِ وَالسِّعَايَةِ وَالْبَدَلِ وَإِنَّمَا زَالَ الْأَخِيرُ فَقَطْ وَإِلَيْهِ مَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، إلَّا أَنَّ الْوَجْهَ الْمَذْكُورَ يَخُصُّ الْمُدَبَّرَةَ دُونَ الْمُدَبَّرِ، وَقِيلَ يُسْأَلُ أَهْلُ الْخِبْرَةِ أَنَّ الْعُلَمَاءَ لَوْ جَوَّزُوا بَيْعَ هَذَا فَأَتَتْ الْمَنْفَعَةُ الْمَذْكُورَةُ كَمْ يَبْلُغُ فَمَا ذُكِرَ فَهُوَ قِيمَتُهُ. وَهَذَا أَحْسَنُ عِنْدِي كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَجَوَابُهُ أَنَّ الِاسْتِخْدَامَ هُوَ الْمَنْظُورُ إلَيْهِ الشَّامِلُ لِلْعَبْدِ وَالْجَارِيَةِ وَالْوَطْءِ مِنْ الِاسْتِخْدَامِ فَالْبَاقِي فِي الْمُدَبَّرِ شَيْئَانِ: الِاسْتِخْدَامُ وَالسِّعَايَةُ وَالْفَائِتُ الْبَدَلُ، وَهَذَا الْمَعْنَى يَشْمَلُ الْعَبْدَ وَالْجَارِيَةَ فَلِذَا كَانَ الْمُفْتَى بِهِ مَا فِي الْهِدَايَةِ، أَمَّا قِيمَةُ أُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبِ فَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَقَالَا الْعَبْدُ لِلَّذِي دَبَّرَهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَيَضْمَنُ ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ لِشَرِيكِهِ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّدْبِيرَ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُمَا وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ أَنَّ لِلسَّاكِتِ الِاسْتِسْعَاءَ لِظُهُورِهِ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَسْتَسْعِيَ الْعَبْدَ فِي ثُلُثِ قِيمَتِهِ وَلِلْمُدَبِّرِ أَنْ يَسْتَسْعِيَ الْعَبْدَ فِي ثُلُثِ قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا إذَا اخْتَارَ عَدَمَ تَضْمِينِ الْمُعْتِقِ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْوَلَاءَ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْوَلَاءُ بَيْنَ الْمُعْتِقِ وَالْمُدَبِّرِ أَثْلَاثًا ثُلُثَاهُ لِلْمُدَبِّرِ وَالثُّلُثُ لِلْمُعْتِقِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ عَتَقَ عَلَى مِلْكِهِمَا عَلَى هَذَا الْمِقْدَارِ اهـ. وَمُرَادُهُ أَنَّهُ بَيْنَ عَصَبَةِ الْمُدَبِّرِ وَالْمُعْتِقِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَثْبُتُ لِلْمُدَبَّرِ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ مَوْلَاهُ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَالنِّهَايَةِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهُوَ غَلَطٌ. لِأَنَّ الْعِتْقَ الْمُنَجَّزَ يُوجِبُ إخْرَاجَهُ إلَى الْحُرِّيَّةِ بِتَنْجِيزِ أَحَدِ الْأُمُورِ مِنْ التَّضْمِينِ مَعَ الْيَسَارِ وَالسِّعَايَةِ وَالْعِتْقِ حَتَّى مُنِعَ اسْتِخْدَامُ الْمُدَبِّرِ إيَّاهُ مِنْ حِينِ وُجُودِهِ كَمَا لَوْ أَعْتَقَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ ابْتِدَاء وَدَبَّرَهُ الْآخَرُ السَّاكِتُ فَإِنَّهُ لَا تَتَأَخَّرُ حُرِّيَّةُ بَاقِيهِ إلَى مَوْتِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ الْبَابِ إلَى آخِرِهِ وَقَيَّدَ الْمُصَنِّفُ بِالْيَسَارِ؛ لِأَنَّ الْمُدَبِّرَ لَوْ كَانَ مُعْسِرًا فَلِلسَّاكِتِ الِاسْتِسْعَاءُ دُونَ التَّضْمِينِ، وَكَذَا الْمُعْتِقُ لَوْ كَانَ مُعْسِرًا فَلِلْمُدَبِّرِ الِاسْتِسْعَاءُ دُونَ تَضْمِينِ الْمُعْتِقِ، كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ تَقْيِيدَ الْمُصَنِّفِ بِيَسَارِ الثَّلَاثَةِ لَيْسَ بِقَيْدٍ؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ لِيَسَارِ الْمُدَبِّرِ وَالْمُعْتِقِ، أَمَّا السَّاكِتُ فَلَا اعْتِبَارَ بِحَالِهِ مِنْ الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ رُجُوعَ الْمُدَبِّرِ بِمَا ضَمَّنَهُ لِلسَّاكِتِ عَلَى الْعَبْدِ، وَقَدْ نَصَّ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي بِأَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْعَبْدِ بِثُلُثِ قِيمَتِهِ قِنًّا كَمَا ضَمِنَ وَقَيَّدَ الْمُصَنِّفُ بِكَوْنِ السَّاكِتِ اخْتَارَ تَضْمِينَ الْمُدَبِّرِ بَعْدَ تَحْرِيرِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اخْتَارَ تَضْمِينَ الْمُدَبِّرِ قَبْلَ أَنْ يُعْتِقَهُ الْآخَرُ ثُمَّ أَعْتَقَهُ كَانَ لِلْمُدَبِّرِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُعْتِقَ ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ وُجِدَ بَعْدَ تَمَلُّكِ الْمُدَبِّرِ نَصِيبَ السَّاكِتِ فَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ ثُلُثَ قِيمَتِهِ قِنًّا مَعَ ثُلُثِ قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا كَمَا هُوَ صِفَتُهُ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَأَوْرَدَ بَعْضُ الطَّلَبَةِ عَلَى هَذَا أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُضَمِّنَهُ قِيمَةَ ثُلُثَيْهِ مُدَبَّرًا؛ لِأَنَّهُ حِينَ مَلَكَ ثُلُثَ السَّاكِتِ بِالضَّمَانِ صَارَ مُدَبَّرًا لَا قِنًّا وَلِذَا قُلْنَا فِي وَجْهِ كَوْنِ ثُلُثَيْ الْوَلَاءِ لَهُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ كَأَنَّهُ دَبَّرَ ثُلُثَيْهِ ابْتِدَاءً وَالْجَوَابُ لَا يَتِمُّ إلَّا بِمَنْعِ كَوْنِ الثُّلُثِ الَّذِي مَلَكَهُ بِالضَّمَانِ لِلسَّاكِتِ صَارَ مُدَبَّرًا بَلْ هُوَ قِنٌّ عَلَى مِلْكِهِ إذْ لَا مُوجِبَ لِصَيْرُورَتِهِ مُدَبَّرًا؛ لِأَنَّ ظُهُورَ الْمِلْكِ الْآنَ لَا يُوجِبُهُ وَالتَّدْبِيرُ يَتَجَزَّأُ وَذِكْرُهُمْ إيَّاهُ فِي وَجْهِ كَوْنِ ثُلُثَيْ الْوَلَاءِ لَهُ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ إذْ يَكْفِي فِيهِ أَنَّهُ عَلَى مِلْكِهِ حِينَ أَعْتَقَهُ الْآخَرُ وَأَدَّى الضَّمَانَ وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ وَلَاؤُهُ لَهُ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُ ضَمَانُ جِنَايَةٍ لَا تَمَلُّكٍ اهـ. وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ أَوَّلًا عُلِمَ أَنَّ الْوَاوَ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَحَرَّرَهُ آخَرُ بِمَعْنَى ثُمَّ، قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَهُ أَحَدُهُمْ وَدَبَّرَهُ الْآخَرُ وَكَاتَبَ الْآخَرُ وَلَا يُعْلَمُ الْأَوَّلُ فَالتَّصَرُّفَاتُ كُلُّهَا جَائِزَةٌ وَيَسْعَى الْعَبْدُ لِلْمُدَبَّرِ فِي سُدُسِ قِيمَتِهِ وَضَمِنَ لَهُ الْمُعْتِقُ أَيْضًا   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 261 سُدُسَ قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا إنْ كَانَ مُوسِرًا وَيَسْعَى الْعَبْدُ فِي الْمُكَاتَبَةِ لِلثَّالِثِ فَإِنْ عَجَزَ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ اسْتَسْعَى الْعَبْدَ فِي ثُلُثِ قِيمَتِهِ وَالْوَلَاءُ أَثْلَاثًا، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُدَبِّرُ الْمُعْتِقَ ثُلُثَ قِيمَتِهِ نِصْفَيْنِ إذَا كَانَا مُوسِرَيْنِ وَالْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ؛ لِأَنَّهُمَا لَمَّا جَهِلَا التَّارِيخَ يُجْعَلُ كَأَنَّ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ وَقَعْنَ مَعًا وَأَنَّهَا مُتَجَزِّئَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَصَحَّتْ، ثُمَّ لَا شَيْءَ لِلْمُعْتِقِ عَلَى أَحَدٍ وَإِنْ أَعْتَقَ وَاحِدٌ وَكَاتَبَ الْآخَرُ وَدَبَّرَ الثَّالِثُ مَعًا لَيْسَ لِوَاحِدٍ الرُّجُوعُ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَ كُلِّ وَاحِدٍ حَصَلَ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ، وَإِنْ دَبَّرَ أَحَدُهُمْ أَوَّلًا، ثُمَّ أَعْتَقَ الثَّانِي، ثُمَّ كَاتَبَ الْآخَرُ ثَبَتَ لِلْمُدَبِّرِ الرُّجُوعُ عَلَى الْمُعْتِقِ بِقِيمَةِ نَصِيبِهِ وَلَا رُجُوعَ لِلْمَكَاتِبِ عَلَى أَحَدٍ فَإِنْ دَبَّرَ، ثُمَّ كَاتَبَ، ثُمَّ أَعْتَقَ فَحُكْمُ الْمُدَبِّرِ وَالْمُعْتِقِ مَا ذَكَرْنَا، أَمَّا الْمُكَاتِبُ إذَا عَجَزَ الْعَبْدُ يَرْجِعُ عَلَى الْمُعْتِقِ بِقِيمَةِ نَصِيبِهِ؛ لِأَنَّهُ عَادَ عَبْدًا لَهُ وَالْمُعْتِقُ أَتْلَفَهُ، وَإِنْ كَاتَبَهُ أَوَّلًا ثُمَّ دَبَّرَ ثُمَّ أَعْتَقَ فَإِنْ لَمْ يَعْجِزْ الْعَبْدُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ وَلَا ضَمَانَ لَهُ عَلَى أَحَدٍ وَإِنْ عَجَزَ يَرْجِعُ عَلَى الْمُدَبِّرِ بِثُلُثِ قِيمَتِهِ لَا عَلَى الْمُعْتِقِ وَتَمَامُ تَفْرِيعَاتِهِ فِي الْمُحِيطِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ لِشَرِيكِهِ هِيَ أُمُّ وَلَدِك وَأَنْكَرَ تَخْدُمُهُ يَوْمًا وَتَتَوَقَّفُ يَوْمًا) أَيْ تَخْدُمُ الْمُنْكِرَ يَوْمًا وَلَا تَخْدُمُ أَحَدًا يَوْمًا، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهَا لِلْمُنْكِرِ وَلَا سَبِيلَ عَلَيْهَا لِلْمُقِرِّ، وَقَالَا إنْ شَاءَ الْمُنْكِرُ اسْتَسْعَى الْجَارِيَةَ فِي نِصْفِ قِيمَتِهَا، ثُمَّ تَكُونُ حُرَّةً وَلَا سَبِيلَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُصَدِّقْهُ صَاحِبُهُ انْقَلَبَ إقْرَارُ الْمُقِرِّ عَلَيْهِ كَأَنَّهُ اسْتَوْلَدَهَا فَصَارَ كَمَا إذَا أَقَرَّ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ أَنَّهُ أَعْتَقَ الْمَبِيعَ قَبْلَ الْبَيْعِ يُجْعَلُ كَأَنَّهُ أَعْتَقَ كَذَا هَذَا فَتَمْتَنِعُ الْخِدْمَةُ وَنَصِيبُ الْمُنْكِرِ عَلَى مِلْكِهِ فِي الْحُكْمِ فَتَخْرُجُ إلَى الْعَتَاقِ بِالسِّعَايَةِ كَأُمِّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ إذَا أَسْلَمَتْ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمُقِرَّ لَوْ صُدِّقَ كَانَتْ الْخِدْمَةُ كُلُّهَا لِلْمُنْكِرِ، وَلَوْ كُذِّبَ كَانَ لَهُ نِصْفُ الْخِدْمَةِ فَيَثْبُتُ مَا هُوَ الْمُتَيَقَّنُ بِهِ وَهُوَ النِّصْفُ وَلَا خِدْمَةَ لِلشَّرِيكِ الشَّاهِدِ وَلَا اسْتِسْعَاءَ؛ لِأَنَّهُ يَبْرَأُ عَنْ جَمِيعِ ذَلِكَ بِدَعْوَى الِاسْتِيلَادِ وَالضَّمَانِ، وَالْإِقْرَارُ بِأُمُومِيَّةِ الْوَلَدِ يَتَضَمَّنُ الْإِقْرَارَ بِالنَّسَبِ وَهُوَ أَمْرٌ لَازِمٌ لَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ الْمُقِرُّ كَالْمُسْتَوْلِدِ وَنَصَّ الْحَاكِمُ فِي الْكَافِي عَلَى أَنَّ أَبَا يُوسُفَ رَجَعَ إلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَالْمُخَالِفُ فِيهَا مُحَمَّدٌ فَقَطْ وَعَلَى قَوْلِهِ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَسْتَخْدِمَهَا. أَمَّا الْمُقِرُّ فَلِأَنَّهُ تَبَرَّأَ مِنْهَا بِالدَّعْوَى عَلَى شَرِيكِهِ، أَمَّا الْمُنْكِرُ فَلِأَنَّهُ لَمَّا أَنْكَرَ نَفَذَ الْإِقْرَارُ عَلَى الْمُقِرِّ فَصَارَ كَإِقْرَارِهِ أَنَّهُ اسْتَوْلَدَهَا، ثُمَّ إذَا أَدَّتْ نِصْفَ قِيمَتِهَا إلَى الْمُنْكِرِ عَتَقَتْ كُلُّهَا؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُمَا، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ كَسْبِهَا وَنَفَقَتِهَا وَجِنَايَتِهَا وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهَا وَحُكْمَهَا بَعْدَ مَوْتِ أَحَدِهِمَا، أَمَّا الْأَوَّلُ فَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ نِصْفُ كَسْبِهَا لِلْمُنْكِرِ وَنِصْفُهُ مَوْقُوفٌ اعْتِبَارًا بِمَنَافِعِهَا، أَمَّا نَفَقَتُهَا فَمِنْ كَسْبِهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا كَسْبٌ فَفِي الْمُخْتَلَفِ فِي بَابِ مُحَمَّدٍ أَنَّ نَفَقَتَهَا عَلَى الْمُنْكِرِ وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافًا، وَقَالَ غَيْرُهُ إنَّ النِّصْفَ عَلَى الْمُنْكِرِ؛ لِأَنَّ نِصْفَ الْجَارِيَةِ لَهُ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهُوَ اللَّائِقُ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَيَنْبَغِي عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنْ لَا نَفَقَةَ لَهَا عَلَيْهِ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ لَا خِدْمَةَ لَهُ عَلَيْهَا وَلَا احْتِبَاسَ، أَمَّا جِنَايَتُهَا وَالْجِنَايَةُ عَلَيْهَا فَمَوْقُوفَةٌ عِنْدَ الْإِمَامِ إلَى تَصْدِيقِ أَحَدِهِمَا صَاحِبَهُ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَوَّلًا وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ تَسْعَى فِي جِنَايَتِهَا بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ وَتَأْخُذُ أَرْشَ الْجِنَايَةِ عَلَيْهَا فَتَسْتَعِينُ بِهِ كَمَا فِي الْكَافِي لِلْحَاكِمِ وَتَبِعَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَفَتْحِ الْقَدِيرِ، وَقَدْ نَقَلَ الزَّيْلَعِيُّ أَنَّ النِّصْفَ مَوْقُوفٌ وَالنِّصْفُ عَلَى الْجَاحِدِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَفِي صِحَّتِهِ عَنْ الْإِمَامِ نَظَرٌ لِمَا عَلِمْت أَنَّ مَذْهَبَهُ التَّوَقُّفُ فِي الْكُلِّ وَفِي الْمُحِيطِ وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ التَّوَقُّفَ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ تَعَذُّرُ إيجَابٍ يُوجِبُ الْجِنَايَةَ فِي نَصِيبِ الْمُنْكِرِ عَلَى الْمُنْكِرِ؛ لِأَنَّهُ عَجَزَ عَنْ دَفْعِهَا بِالْجِنَايَةِ مِنْ غَيْرِ صُنْعٍ مِنْهُ فَلَا تَلْزَمُهُ الْفِدْيَةُ كَمَا لَوْ أَبَقَ أَوْ مَاتَ بَعْدَ الْجِنَايَةِ بِخِلَافِ الْجِنَايَةِ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ دَفْعُ نَصِيبِ الْأَرْشِ إلَى الْمُنْكِرِ سَوَاءٌ كَانَ نَصِيبُهُ قِنًّا أَوْ أُمَّ وَلَدٍ فَلَا مَعْنَى لِلتَّوَقُّفِ. اهـ. أَمَّا إذَا مَاتَ الْمُنْكِرُ فَإِنَّهَا تَعْتِقُ لِإِقْرَارِ الْمُقِرِّ أَنَّهَا كَانَتْ كَأُمِّ وَلَدٍ لَهُ، ثُمَّ تَسْعَى فِي نِصْفِ قِيمَتِهَا لِوَرَثَةِ الْمُنْكِرِ وَلَا تَسْعَى لِلْمُقِرِّ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الضَّمَانَ دُونَ السِّعَايَةِ وَلَمْ أَرَ حُكْمَهَا   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 262 إذَا مَاتَ الْمُقِرُّ لِظُهُورِ أَنَّ الْأَمْرَ كَمَا كَانَ قَبْلَ مَوْتِهِ فَتَخْدُمُ الْمُنْكِرَ يَوْمًا وَتَتَوَقَّفُ يَوْمًا. وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ وَأَنْكَرَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ صَدَّقَهُ كَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَلَزِمَهُ نِصْفُ قِيمَتِهَا وَنِصْفُ عُقْرِهَا كَالْأَمَةِ الْمُشْتَرَكَةِ إذَا أَتَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ أَحَدُهُمَا كَمَا سَيَأْتِي. (قَوْلُهُ: وَمَا لِأُمِّ وَلَدٍ تَقَوُّمٌ) أَيْ لَيْسَ لَهَا قِيمَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا إنَّهَا مُتَقَوِّمَةٌ لِلِانْتِفَاعِ بِهَا وَطْئًا وَإِجَارَةً وَاسْتِخْدَامًا، وَهَذَا هُوَ دَلَالَةُ التَّقَوُّمِ وَبِامْتِنَاعِ بَيْعِهَا لَا يَسْقُطُ تَقَوُّمُهَا كَمَا فِي الْمُدَبَّرِ أَلَا تَرَى أَنَّ أُمَّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ إذَا أَسْلَمَتْ عَلَيْهَا السِّعَايَةُ، وَهَذَا آيَةُ التَّقَوُّمِ غَيْرَ أَنَّ قِيمَتَهَا ثُلُثُ قِيمَتِهَا قِنَّةً عَلَى مَا قَالُوا لِفَوَاتِ الْبَيْعِ وَالسِّعَايَةِ بَعْدَ الْمَوْتِ بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ لِفَوَاتِ مَنْفَعَةِ الْبَيْعِ أَمَّا السِّعَايَةُ وَالِاسْتِخْدَامُ بَاقِيَانِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ التَّقَوُّمَ بِالْإِحْرَازِ وَهِيَ مُحْرَزَةٌ لِلنَّسَبِ لَا لِلتَّقَوُّمِ وَالْإِحْرَازُ لِلتَّقَوُّمِ تَابِعٌ وَلِهَذَا لَا تَسْعَى لِغَرِيمٍ وَلَا لِوَارِثٍ بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ، وَهَذَا لِأَنَّ النَّسَبَ فِيهَا مُتَحَقِّقٌ فِي الْحَالِ وَهُوَ الْحُرِّيَّةُ الثَّابِتَةُ بِوَاسِطَةِ الْوَلَدِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ عَمَلُهُ فِي حَقِّ الْمِلْكِ ضَرُورَةَ الِانْتِفَاعِ فَعَمِلَ التَّسَبُّبُ فِي إسْقَاطِ التَّقَوُّمِ وَفِي الْمُدَبَّرِ يَنْعَقِدُ السَّبَبُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَامْتِنَاعُ الْبَيْعِ فِيهِ لِتَحَقُّقِ مَقْصُودِهِ فَافْتَرَقَا وَفِي أُمِّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ قَضَيْنَا بِكِتَابَتِهَا عَلَيْهِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَبَدَلُ الْكِتَابَةِ لَا يَفْتَقِرُ وُجُوبُهُ إلَى التَّقَوُّمِ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَهَذَا تَنَاقُضٌ مِنْ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ فِي كَلَامِهِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ التَّدْبِيرَ هُنَا سَبَبًا بَعْدَ الْمَوْتِ وَجَعَلَهُ فِي بَابِ التَّدْبِيرِ سَبَبًا فِي الْحَالِ وَمَذْهَبُ عُلَمَائِنَا أَنَّ التَّدْبِيرَ سَبَبٌ فِي الْحَالِ بِخِلَافِ سَائِرِ التَّعْلِيقَاتِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِأَسْبَابٍ فِي الْحَالِ اهـ. وَجَوَابُهُ أَنَّ كَلَامَهُ فِي سُقُوطِ التَّقَوُّمِ لِأُمِّ الْوَلَدِ فَحَاصِلُ كَلَامِهِ أَنَّ سَبَبَ سُقُوطِ التَّقَوُّمِ فِي أُمِّ الْوَلَدِ ثَابِتٌ فِي الْحَالِ وَسَبَبَ سُقُوطِهِ فِي الْمُدَبَّرِ مُتَأَخِّرٌ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ يَنْعَقِدَ السَّبَبُ فِيهِ بَعْدَ الْمَوْتِ كَسَائِرِ التَّعْلِيقَاتِ وَإِنَّمَا قُلْنَا بِانْعِقَادِهِ سَبَبًا لِلْحَالِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ لِضَرُورَةٍ هِيَ أَنَّ تَأَخُّرَهُ إلَى وُجُودِ الشَّرْطِ كَغَيْرِهِ مِنْ التَّعْلِيقَاتِ يُوجِبُ بُطْلَانَهُ؛ لِأَنَّ مَا بَعْدَ الْمَوْتِ زَمَانُ زَوَالِ أَهْلِيَّةِ التَّصَرُّفِ فَلَا تَتَأَخَّرُ سَبَبِيَّةُ كَلَامِهِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ فَيَظْهَرُ أَثَرُهُ فِي حُرْمَةِ الْبَيْعِ خَاصَّةً لَا فِي سُقُوطِ التَّقَوُّمِ فَتَتَأَخَّرُ سَبَبِيَّتُهُ لِسُقُوطِ التَّقَوُّمِ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَهَذَا هُوَ مُجْمَلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فَلَا تَنَاقُضَ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. (قَوْلُهُ: فَلَا يَضْمَنُ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ بِإِعْتَاقِهَا) يَعْنِي لَوْ كَانَتْ أَمَةً بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَلَدَتْ فَادَّعَيَاهُ جَمِيعًا فَصَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُمَا، ثُمَّ أَعْتَقَهَا أَحَدُهُمَا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِشَرِيكِهِ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا عِنْدَ الْإِمَامِ، وَعِنْدَهُمَا إنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُوسِرًا ضَمِنَ نِصْفَ قِيمَتِهَا وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا سَعَتْ لِلسَّاكِتِ فِي نِصْفِ الْقِيمَةِ قَالُوا وَيَنْبَنِي عَلَى هَذَا الْأَصْلِ مَسَائِلُ مِنْهَا مَا فِي الْمُخْتَصَرِ، وَالثَّانِيَةُ إذَا غَصَبَهَا غَاصِبٌ فَهَلَكَتْ عِنْدَهُ لَا يَضْمَنُ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ، وَالثَّالِثَةُ إذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا تَعْتِقُ وَلَا تَسْعَى فِي شَيْءٍ لِلْحَيِّ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا تَسْعَى فِي نِصْفِ قِيمَتِهَا لَهُ، وَالرَّابِعَةُ إذَا بَاعَ جَارِيَةً فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ عِنْدَ الْمُشْتَرِي لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَمَاتَتْ الْجَارِيَةُ فَادَّعَى الْبَائِعُ أَنَّ الْوَلَدَ ابْنُهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ وَيَأْخُذُ الْوَلَدَ وَيَرُدُّ الثَّمَنَ كُلَّهُ، وَعِنْدَهُمَا يَرُدُّ حِصَّةَ الْوَلَدِ وَلَا يَرُدُّ حِصَّةَ الْأُمِّ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَزَادَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ خَامِسَةً وَهِيَ مَا إذَا بَاعَهَا وَسَلَّمَهَا فَمَاتَتْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ عِنْدَهُ وَيَضْمَنُ عِنْدَهُمَا، وَذَكَرَ فِي الْكَافِي وَالنِّهَايَةِ أَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ إذَا جَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ أَحَدُهُمَا ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ وَعَتَقَ وَلَمْ يَضْمَنْ لِشَرِيكِهِ قِيمَةَ الْوَلَدِ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ وَلَدَ أُمِّ الْوَلَدِ كَأُمِّهِ فَلَا يَكُونُ مُتَقَوِّمًا عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ إنْ كَانَ مُوسِرًا وَيَسْعَى الْوَلَدُ لَهُ إنْ كَانَ مُعْسِرًا وَتَعَقَّبَهُ فِي التَّبْيِينِ بِأَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْعُلُوقِ فَلَمْ يَعْلَقْ شَيْءٌ مِنْهُ عَلَى مِلْكِ الشَّرِيكِ. وَهَكَذَا ذَكَرَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي بَابِ الِاسْتِيلَادِ فِي الْقِنَّةِ فَضْلًا عَنْ أَنْ تَكُونَ أُمَّ وَلَدٍ قَبْلَهُ حَتَّى قَالَ لَا يَغْرَمُ قِيمَةَ وَلَدِهَا، وَكَذَا ذَكَرَ غَيْرُهُ وَلَمْ يَذْكُرُوا خِلَافًا فِيهِ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ سُقُوطُ الضَّمَانِ لِأَجْلِ أَنَّهُ كَأُمِّهِ عِنْدَهُ   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 263 وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ وَهُوَ حُرُّ الْأَصْلِ، وَلَوْ كَانَ مَكَانَ الدَّعْوَى إعْتَاقٌ كَانَ مُسْتَقِيمًا اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُمْ صَرَّحُوا أَنَّ أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ إذَا ادَّعَى وَلَدَ الْأَمَةِ فَإِنَّهُ لَا يَغْرَمُ قِيمَةَ الْوَلَدِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ مُسْتَنِدٌ إلَى وَقْتِ الْعُلُوقِ فَإِذَا كَانَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي وَلَدِ الْقِنَّةِ فَكَيْفَ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ مِنْ أُمِّ الْوَلَدِ عِنْدَهُمَا مَعَ أَنَّهُ حُرُّ الْأَصْلِ وَلَمْ أَرَ جَوَابًا عَنْهُ وَهُوَ سَهْوٌ مِنْهُ لِلْفَرْقِ الظَّاهِرِ بَيْنَ وَلَدِ الْقِنَّةِ وَوَلَدِ أُمِّ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ فِي وَلَدِ الْقِنَّةِ إنَّمَا لَا يَضْمَنُ قِيمَتَهُ لِشَرِيكِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا ضَمِنَ لِشَرِيكِهِ نِصْفَ قِيمَةِ الْأَمَةِ تَبَيَّنَ أَنَّ الِاسْتِيلَادَ صَادَفَ مِلْكَهُ بِالتَّمَامِ؛ لِأَنَّ النِّصْفَ انْتَقَلَ إلَيْهِ فَعَلِقَ الْوَلَدُ عَلَى مِلْكِهِ وَوَلَدُ الْأَمَةِ مِنْ مَوْلَاهَا حُرٌّ فَلَا يَغْرَمُهُ وَفِي أُمِّ الْوَلَدِ لَمْ يَنْتَقِلْ نَصِيبُ شَرِيكِهِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَقْبَلُ الِانْتِقَالَ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ فَلَمْ يَكُنْ الِاسْتِيلَادُ فِي مِلْكِهِ التَّامِّ فَهُوَ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ كَالْأَجْنَبِيِّ وَوَلَدُ أُمِّ الْوَلَدِ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ كَأُمِّهِ فَلِذَا لَا يَضْمَنُ عِنْدَهُ وَيَضْمَنُ عِنْدَهُمَا وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَةِ أُمِّ الْوَلَدِ عِنْدَهُمَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ؛ لِأَنَّ مُدَّعِيَ الْوَلَدِ لَمْ يُتْلِفْ عَلَى شَرِيكِهِ شَيْئًا؛ لِأَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ لَهُمَا قَبْلَ دَعْوَى الشَّرِيكِ الْوَلَدَ الثَّانِيَ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا مَا نَقَلَهُ فِي الْبَدَائِعِ أَنَّ الْمُدَبَّرَةَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ إذَا جَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ أَحَدُهُمَا ثَبَتَ نَسَبُهُ وَصَارَ نِصْفُهَا أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَنِصْفُهَا مُدَبَّرَةً لِلشَّرِيكِ وَيَغْرَمُ نِصْفَ الْعُقْرِ وَنِصْفَ قِيمَةِ الْوَلَدِ مُدَبَّرًا وَلَا يَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَةِ الْأُمِّ بِخِلَافِ الْقِنَّةِ إلَى آخِرِهِ فَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ لَا تُقَاسُ الْمُدَبَّرَةُ وَأُمُّ الْوَلَدِ عَلَى الْقِنَّةِ وَسَنُوَضِّحُهُ فِي بَابِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ، هَذَا وَلَوْ قَرَّبَ أُمَّ الْوَلَدِ إلَى مَسْبَعَةٍ فَافْتَرَسَهَا السَّبُعُ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ هَذَا ضَمَانُ جِنَايَةٍ لَا ضَمَانُ غَصْبٍ. (قَوْلُهُ: لَهُ أَعْبُدُ قَالَ لِاثْنَيْنِ أَحَدُكُمَا حُرٌّ فَخَرَجَ وَاحِدٌ وَدَخَلَ آخَرُ وَكَرَّرَ وَمَاتَ بِلَا بَيَانٍ عَتَقَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الثَّابِتِ وَنِصْفُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْآخَرَيْنِ) شُرُوعٌ فِي بَيَانِ بَعْضِ مَسَائِلِ الْعِتْقِ الْمُبْهَمِ وَصُورَةُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ رَجُلٌ لَهُ ثَلَاثَةُ أَعْبُدَ فَدَخَلَ عَلَيْهِ اثْنَانِ فَقَالَ أَحَدُكُمَا حُرٌّ فَخَرَجَ أَحَدُهُمَا وَدَخَلَ آخَرُ فَقَالَ أَحَدُكُمَا حُرٌّ وَمَاتَ الْمَوْلَى قَبْلَ أَنْ يُبَيِّنَ عَتَقَ مِنْ الثَّابِتِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ وَهُوَ الَّذِي أُعِيدَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَعَتَقَ نِصْفُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْخَارِجِ وَالدَّاخِلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ كَذَلِكَ إلَّا فِي الْعَبْدِ الْأَخِيرِ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ رُبْعُهُ أَمَّا الْخَارِجُ فَلِأَنَّ الْإِيجَابَ الْأَوَّلَ دَائِرٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الثَّابِتِ فَأَوْجَبَ عِتْقَ رَقَبَةٍ بَيْنَهُمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فَيُصِيبُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا النِّصْفُ، غَيْرَ أَنَّ الثَّابِتَ اسْتَفَادَ بِالْإِيجَابِ الثَّانِي رُبْعًا آخَرَ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ دَائِرٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدَّاخِلِ فَيَتَنَصَّفُ بَيْنَهُمَا غَيْرَ أَنَّ الثَّابِتَ اسْتَحَقَّ نِصْفَ الْحُرِّيَّةِ بِالْإِيجَابِ الْأَوَّلِ فَشَاعَ النِّصْفُ الْمُسْتَحَقُّ بِالثَّانِي فِي نِصْفَيْهِ فَمَا أَصَابَ الْمُسْتَحِقَّ بِالْأَوَّلِ لَغَا وَمَا أَصَابَ الْفَارِغَ بَقِيَ فَيَكُونُ لَهُ الرُّبْعُ فَتَمَّتْ لَهُ ثَلَاثَةُ الْأَرْبَاعِ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ أُرِيدَ هُوَ بِالثَّانِي يَعْتِقُ نِصْفُهُ، وَلَوْ أُرِيدَ بِهِ الدَّاخِلُ لَا يَعْتِقُ هَذَا النِّصْفُ فَيَتَنَصَّفُ فَعَتَقَ مِنْهُ الرُّبْعُ بِالثَّانِي وَالنِّصْفُ بِالْأَوَّلِ. أَمَّا الدَّاخِلُ فَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ لَمَّا دَارَ الْإِيجَابُ الثَّانِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الثَّابِتِ، وَقَدْ أَصَابَ الثَّابِتُ مِنْهُ الرُّبْعَ فَكَذَا يُصِيبُ الدَّاخِلَ وَهُمَا يَقُولَانِ إنَّهُ دَائِرٌ بَيْنَهُمَا وَقَضِيَّتُهُ التَّنْصِيفُ وَإِنَّمَا نَزَلَ إلَى الرُّبْعِ فِي حَقِّ الثَّابِتِ لِاسْتِحْقَاقِهِ النِّصْفَ بِالْإِيجَابِ الْأَوَّلِ كَمَا ذَكَرْنَا وَلَا اسْتِحْقَاقَ لِلدَّاخِلِ مِنْ قَبْلُ فَيَثْبُتُ فِيهِ النِّصْفُ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ وَمَاتَ بِلَا بَيَانٍ؛ لِأَنَّهُ مَا دَامَ حَيًّا يُؤْمَرُ بِالْبَيَانِ وَلِلْعَبِيدِ مُخَاصَمَتُهُ وَإِنْ بَدَأَ بِالْبَيَانِ لِلْإِيجَابِ الْأَوَّلِ فَإِنْ عَنَى بِهِ الْخَارِجَ عَتَقَ الْخَارِجُ بِالْإِيجَابِ الْأَوَّلِ وَتَبَيَّنَ أَنَّ الْإِيجَابَ الثَّانِيَ بَيْنَ الثَّابِتِ وَالدَّاخِلِ وَقَعَ صَحِيحًا لِوُقُوعِهِ بَيْنَ عَبْدَيْنِ فَيُؤْمَرُ بِالْبَيَانِ لِهَذَا الْإِيجَابِ وَإِنْ عَنَى بِالْإِيجَابِ الْأَوَّلِ الثَّابِتَ عَتَقَ الثَّابِتَ بِالْإِيجَابِ الْأَوَّلِ وَتَبَيَّنَ أَنَّ الْإِيجَابَ الثَّانِيَ وَقَعَ لَغْوًا لِحُصُولِهِ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ فِي جَوَابِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَإِنْ بَدَأَ بِالْبَيَانِ لِلْإِيجَابِ الثَّانِي فَإِنْ عَنَى بِهِ الدَّاخِلَ بِالْإِيجَابِ الثَّانِي بَقِيَ الْإِيجَابُ الْأَوَّلُ بَيْنَ الْخَارِجِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ فَعَتَقَ مِنْهُ الرُّبْعُ بِالثَّانِي) أَيْ عَتَقَ مِنْ الْعَبْدِ الثَّابِتِ رُبْعُهُ بِالْإِيجَابِ الثَّانِي وَالنِّصْفُ بِالْإِيجَابِ الْأَوَّلِ فَتَمَّتْ لَهُ ثَلَاثَةُ الْأَرْبَاعِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 264 وَالثَّابِتِ عَلَى حَالِهِ كَمَا كَانَ فَيُؤْمَرُ بِالْبَيَانِ وَإِنْ عَنَى بِهِ الثَّابِتَ عَتَقَ الثَّابِتُ بِالْإِيجَابِ الثَّانِي وَعَتَقَ الْخَارِجُ بِالْإِيجَابِ الْأَوَّلِ لِتَعَيُّنِهِ لِلْعِتْقِ بِإِعْتَاقِ الثَّابِتِ، وَقَيَّدَ بِمَوْتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ مَاتَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فَإِنْ مَاتَ الْخَارِجُ عَتَقَ الثَّابِتُ بِالْإِيجَابِ الْأَوَّلِ وَتَبَيَّنَ أَنَّ الْإِيجَابَ الثَّانِيَ وَقَعَ بَاطِلًا وَإِنْ مَاتَ الثَّابِتُ عَتَقَ الْخَارِجُ بِالْإِيجَابِ الْأَوَّلِ وَالدَّاخِلُ بِالْإِيجَابِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ قَدْ أُعِيدَ عَلَيْهِ الْإِيجَابُ فَمَوْتُهُ يُوجِبُ تَعْيِينَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلْعِتْقِ وَإِنْ مَاتَ الدَّاخِلُ يُؤْمَرُ الْمَوْلَى بِالْبَيَانِ لِلْإِيجَابِ الْأَوَّلِ فَإِنْ عَنَى بِهِ الْخَارِجَ عَتَقَ الْخَارِجُ بِالْإِيجَابِ الْأَوَّلِ وَبَقِيَ الْإِيجَابُ الثَّانِي بَيْنَ الدَّاخِلِ وَالثَّابِتِ فَيُؤْمَرُ بِالْبَيَانِ وَإِنْ عَنَى بِهِ الثَّابِتَ تَبَيَّنَ أَنَّ الْإِيجَابَ الثَّانِيَ وَقَعَ بَاطِلًا. (قَوْلُهُ: وَلَوْ فِي الْمَرَضِ قُسِمَ الثُّلُثُ عَلَى هَذَا) أَيْ عَلَى قَدْرِ مَا يُصِيبُهُمْ مِنْ سِهَامِ الْعِتْقِ وَشَرْحُهُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ سِهَامِ الْعِتْقِ وَهِيَ سَبْعَةٌ عَلَى قَوْلِهِمَا؛ لِأَنَّا نَجْعَلُ كُلَّ رَقَبَةٍ عَلَى أَرْبَعَةٍ لِحَاجَتِنَا إلَى ثَلَاثَةِ الْأَرْبَاعِ فَنَقُولُ يَعْتِقُ مِنْ الثَّابِتِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ وَمِنْ الْآخَرَيْنِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَهْمَانِ فَبَلَغَ سِهَامُ الْعِتْقِ سَبْعَةً وَالْعِتْقُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ وَصِيَّةٌ وَمَحَلُّ نَفَادِهَا الثُّلُثُ فَلَا بُدَّ أَنْ تُجْعَلَ سِهَامُ الْوَرَثَةِ ضِعْفَ ذَلِكَ فَتُجْعَلُ كُلُّ رَقَبَةٍ عَلَى سَبْعَةٍ وَجَمِيعُ الْمَالِ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ فَيَعْتِقُ مِنْ الثَّابِتِ ثَلَاثَةٌ وَيَسْعَى فِي أَرْبَعَةٍ وَمِنْ الْبَاقِينَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ سَهْمَانِ وَيَسْعَى فِي خَمْسَةِ أَسْهُمٍ فَإِذَا تَأَمَّلْت وَجَمَعْت اسْتَقَامَ الثُّلُثُ وَالثُّلُثَانِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَجْعَلُ كُلَّ رَقَبَةٍ عَلَى سِتَّةٍ؛ لِأَنَّهُ يَعْتِقُ مِنْ الدَّاخِلِ عِنْدَهُ سَهْمٌ فَنَقَصَتْ سِهَامُ الْعِتْقِ سَهْمًا فَصَارَ جَمِيعُ الْمَالِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَبَاقِي التَّخْرِيجِ مَا مَرَّ فَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يَعْتِقُ عَلَى قَوْلِهِ مِنْ الثَّابِتِ نِصْفُهُ وَيَسْعَى فِي النِّصْفِ وَعَلَى قَوْلِهِمَا يَعْتِقُ نِصْفُهُ إلَّا نِصْفُ سَبْعٍ وَيَعْتِقُ مِنْ الْخَارِجِ ثُلُثُهُ سَهْمَانِ وَيَسْعَى فِي الثُّلُثَيْنِ وَعَلَى قَوْلِهِمَا يَعْتِقُ ثُلُثُهُ إلَّا ثُلُثَ سَبْعٍ وَمِنْ الدَّاخِلِ سُدُسُهُ وَهُوَ سَهْمٌ وَاحِدٌ وَعَلَى قَوْلِهِمَا يَعْتِقُ سُبْعَاهُ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْحَاصِلَ لِوَرَثَتِهِ لَا يَخْتَلِفُ اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ قِسْمَةَ الثُّلُثِ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ عَدَمِ إجَازَةِ الْوَرَثَةِ وَضِيقِ الْمَالِ وَعَدَمِ الدَّيْنِ أَمَّا إذَا كَانُوا يُخْرِجُونَ مِنْ الثُّلُثِ أَوْ لَا يُخْرِجُونَ لَكِنْ أَجَازَهُ الْوَرَثَةِ فَالْجَوَابُ كَمَا إذَا كَانَ فِي الصِّحَّةِ يَعْتِقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مَا عَتَقَ وَيَسْعَى فِي الْبَاقِي، وَلَوْ كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ يَسْعَى كُلُّ وَاحِدٍ فِي قِيمَتِهِ لِلْغُرَمَاءِ رَدًّا لِلْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ وَصِيَّةٌ وَلَا وَصِيَّةَ إلَّا بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ غَيْرَ مُسْتَغْرِقٍ بِأَنْ كَانَ أَلْفًا وَقِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَبْدَيْنِ أَلْفٌ مَثَلًا يَسْعَى كُلُّ وَاحِدٍ فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ، ثُمَّ نِصْفُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَصِيَّةً. فَإِنْ أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ عِتْقَ النِّصْفِ الْبَاقِي مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ وَإِلَّا يَعْتِقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ ثُلُثُ نِصْفِ الْبَاقِي وَهُوَ السُّدُسُ مَجَّانًا وَيَسْعَى فِي ثُلُثَيْ النِّصْفِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ فِي مَسْأَلَةِ مَا إذَا أَعْتَقَ عَبْدَيْهِ فِي الْمَرَضِ وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ كَمَا لَا يَخْفَى وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ هَذَا فِي الطَّلَاقِ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَلَوْ كَانَ هَذَا فِي الطَّلَاقِ وَهُنَّ غَيْرُ مَدْخُولٍ بِهِنَّ وَمَاتَ الزَّوْجُ قَبْلَ الْبَيَانِ سَقَطَ مِنْ مَهْرِ الْخَارِجَةِ رُبْعُهُ وَمِنْ مَهْرِ الثَّابِتَةِ ثَلَاثَةُ أَثْمَانٍ وَمِنْ مَهْرِ الدَّاخِلَةِ ثُمُنُهُ قِيلَ هَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ، وَعِنْدَهُمَا يَسْقُطُ رُبْعُهُ، وَقِيلَ هُوَ قَوْلُهُمَا أَيْضًا، وَقَدْ ذَكَرْنَا الْفَرْقَ وَتَمَامَ تَفْرِيعِهَا فِي الزِّيَادَاتِ. اهـ. وَقَدْ أَوْضَحَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ جَهَالَةَ الْمُعْتَقِ لَا تَخْلُو إمَّا أَنْ تَكُونَ أَصْلِيَّةً وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ طَارِئَةً فَإِنْ كَانَتْ أَصْلِيَّةً وَهِيَ أَنْ تَكُونَ الصِّيغَةُ مِنْ الِابْتِدَاءِ مُضَافَةٌ إلَى أَحَدِ الْمَذْكُورَيْنِ غَيْرَ عَيْنٍ فَصَاحِبُهُ الْمُزَاحِمُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مُحْتَمِلًا لِلْإِعْتَاقِ أَوْ لَا يَكُونُ مُحْتَمِلًا لَهُ وَالْمُحْتَمَلُ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يَنْفُذُ إعْتَاقُهُ فِيهِ أَوْ مِمَّنْ لَا يَنْفُذُ فَإِنْ كَانَ مُحْتَمِلًا لِلْإِعْتَاقِ وَهُوَ مِمَّنْ يَنْفُذُ إعْتَاقُهُ فِيهِ كَقَوْلِهِ لِعَبْدَيْهِ أَحَدُكُمَا حُرٌّ فَالْكَلَامُ فِيهِ فِي مَوْضِعَيْنِ، الْأَوَّلُ فِي كَيْفِيَّةِ هَذَا التَّصَرُّفِ، وَالثَّانِي فِي أَحْكَامِهِ أَمَّا كَيْفِيَّتُهُ فَقِيلَ إنَّ الْعِتْقَ مُعَلَّقٌ بِالْبَيَانِ وَلَا يَثْبُتُ الْعِتْقُ قَبْلَ الِاخْتِيَارِ إلَّا أَنَّهُ هَا هُنَا يَدْخُلُ الشَّرْطُ عَلَى   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: فَإِنْ عَنَى بِهِ الْخَارِجَ عَتَقَ الْخَارِجُ بِالْإِيجَابِ الْأَوَّلِ وَبَقِيَ الْإِيجَابُ الثَّانِي بَيْنَ الدَّاخِلِ وَالثَّابِتِ فَيُؤْمَرُ بِالْبَيَانِ) كَذَا فِي النُّسَخِ وَعِبَارَةُ الْفَتْحِ فَإِنْ عَنَى بِهِ الْخَارِجَ عَتَقَ الثَّابِتُ أَيْضًا بِالْإِيجَابِ الثَّانِي اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الْمِعْرَاجِ والتتارخانية وَغُرَرِ الْأَفْكَارِ وَالْعِنَايَةِ وَهَذَا ظَاهِرٌ، ثُمَّ رَاجَعْت الْبَدَائِعَ فَوَجَدْت مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ هُوَ عِبَارَتُهَا بِحُرُوفِهَا وَهُوَ مُشْكِلٌ فَإِنَّ الْمَوْتَ بَيَانٌ فَمَوْتُ الدَّاخِلِ يَقْتَضِي تَعَيُّنَ الثَّابِتِ بِالْإِيجَابِ الثَّانِي وَمِنْ الْعَجَبِ مَا كَتَبَهُ الرَّمْلِيُّ حَيْثُ قَالَ قَوْلُهُ فَيُؤْمَرُ بِالْبَيَانِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَوْتَ الدَّاخِلِ بَيَانٌ لِلْإِيجَابِ الثَّانِي فَقَطْ فَبَقِيَ الْأَوَّلُ مِنْهُمَا عَلَى حَالِهِ. اهـ. فَإِنَّهُ غَيْرُ مُلَاقٍ لِمَا كَتَبَ عَلَيْهِ نَعَمْ هُوَ ظَاهِرٌ عَلَى مَا نَقَلَهُ عَنْ الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ وَلَعَلَّ نُسْخَتَهُ مُوَافِقَةٌ لِذَلِكَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 265 الْحُكْمِ لَا عَلَى السَّبَبِ كَالتَّدْبِيرِ وَالْبَيْعِ بِخِيَارِ الشَّرْطِ بِخِلَافِ التَّعْلِيقِ بِسَائِرِ الشُّرُوطِ وَنُسِبَ هَذَا الْقَوْلُ إلَى أَبِي يُوسُفَ وَيُقَالُ إنَّهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ تَنْجِيزُ الْعِتْقِ فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ لِلْحَالِ وَاخْتِيَارُ الْعِتْقِ فِي أَحَدِهِمَا بَيَانٌ وَنُسِبَ هَذَا الْقَوْلُ لِمُحَمَّدٍ وَلَمْ يَكُنْ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ مِنْ أَصْحَابِنَا لَكِنَّهُ مَدْلُولٌ عَلَيْهِ وَمُشَارٌ إلَيْهِ أَمَّا الدَّلَالَةُ فَلِأَنَّهُ ظَهَرَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِي الطَّلَاقِ فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ أَنَّ الْعِدَّةَ تُعْتَبَرُ مِنْ وَقْتِ الِاخْتِيَارِ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَالْعِدَّةُ إنَّمَا تَجِبُ مِنْ وَقْتِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ فَدَلَّ أَنَّ الطَّلَاقَ لَمْ يَكُنْ وَاقِعًا وَفِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ يُعْتَبَرُ مِنْ وَقْتِ الْكَلَامِ السَّابِقِ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ قَدْ وَقَعَ مِنْ حِينِ وُجُودِهِ، أَمَّا الْإِشَارَةُ فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ إذَا أَعْتَقَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ تَعَلَّقَ الْعِتْقُ بِذِمَّتِهِ وَيُقَالُ لَهُ أَعْتِقْ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ غَيْرُ نَازِلٍ فِي الْمَحَلِّ وَمَعْنَى قَوْلِهِ أَعْتِقْ اخْتَرْ الْعِتْقَ لِإِجْمَاعِنَا أَنَّهُ لَا يُكَلَّفُ بِإِنْشَاءِ الْعِتْقِ وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الزِّيَادَاتِ يُقَالُ لَهُ بَيِّنْ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى الْوُقُوعِ فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ، ثُمَّ الْقَائِلُونَ بِالْبَيَانِ اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ الْبَيَانِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إنَّهُ إظْهَارٌ مَحْضٌ، وَقِيلَ إظْهَارٌ مِنْ وَجْهٍ إنْشَاءٌ مِنْ وَجْهٍ، وَهَذَا غَيْرُ سَدِيدٍ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ الْوَاحِدَ لَا يَكُونُ إظْهَارًا وَإِنْشَاءً، أَمَّا الْأَحْكَامُ فَنَقُولُ إنَّ لِلْمَوْلَى أَنْ يَسْتَخْدِمَهُمَا وَيَسْتَغِلَّهُمَا قَبْلَ الِاخْتِيَارِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ وَاقِعٍ، وَلَوْ جَنَى عَلَيْهِمَا قَبْلَ الِاخْتِيَارِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ كَانَتْ مِنْ الْمَوْلَى أَوْ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ وَكُلٌّ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى النَّفْسِ أَوْ عَلَى مَا دُونَ النَّفْسِ فَإِنْ كَانَتْ مِنْ الْمَوْلَى عَلَى مَا دُونَ النَّفْسِ بِأَنْ قَطَعَ يَدَهُمَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ نُزُولِ الْعِتْقِ وَسَوَاءٌ قَطَعَهُمَا مَعًا أَوْ عَلَى التَّعَاقُبِ وَإِنْ كَانَ عَلَى النَّفْسِ بِأَنْ قَتَلَهُمَا فَإِنْ كَانَ عَلَى التَّعَاقُبِ فَالْأَوَّلُ عَبْدٌ وَالثَّانِي حُرٌّ فَتَلْزَمُهُ دِيَةُ الثَّانِي وَتَكُونُ لِوَرَثَتِهِ وَلَا يَرِثُ الْمَوْلَى مِنْهَا شَيْئًا وَإِنْ قَتَلَهُمَا مَعًا بِضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ فَعَلَيْهِ نِصْفُ دِيَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. وَهَذَا يُؤَيِّدُ الْقَوْلَ بِنُزُولِ الْعِتْقِ فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ أَجْنَبِيٍّ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ بِأَنْ قَطَعَ إنْسَانٌ يَدَهُمَا فَعَلَيْهِ أَرْشُ الْعَبِيدِ لِلْمَوْلَى وَهُوَ نِصْفُ قِيمَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَطَعَهُمَا مَعًا أَوْ عَلَى التَّعَاقُبِ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ نُزُولِهِ، وَإِنْ كَانَتْ فِي النَّفْسِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ الْقَاتِلُ وَاحِدًا أَوْ اثْنَيْنِ فَإِنْ كَانَ وَاحِدًا فَإِنْ قَتَلَهُمَا مَعًا فَعَلَى الْقَاتِلِ نِصْفُ قِيمَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَتَكُونُ لِلْمَوْلَى وَعَلَيْهِ نِصْفُ دِيَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِوَرَثَتِهِمَا، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعِتْقَ نَازِلٌ فِي غَيْرِ الْعَيْنِ وَإِنْ قَتَلَهُمَا عَلَى التَّعَاقُبِ يَجِبُ عَلَى الْقَاتِلِ قِيمَةُ الْأَوَّلِ لِلْمَوْلَى وَدِيَةُ الثَّانِي لِلْوَرَثَةِ وَإِنْ كَانَ الْقَاتِلُ اثْنَيْنِ فَإِنْ كَانَا مَعًا فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْقِيمَةُ نِصْفُهَا لِلْوَرَثَةِ وَنِصْفُهَا لِلْمَوْلَى وَإِنَّمَا لَمْ تَجِبْ دِيَةٌ؛ لِأَنَّ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الدِّيَةُ مِنْهُمَا مَجْهُولٌ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ وَاحِدًا وَإِنْ كَانَ عَلَى التَّعَاقُبِ فَعَلَى الْأَوَّلِ الْقِيمَةُ لِلْمَوْلَى وَعَلَى الثَّانِي الدِّيَةُ لِلْوَرَثَةِ، وَلَوْ كَانَا أَمَتَيْنِ فَوَلَدَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ وَلَدًا أَوْ أَحَدَهُمَا فَاخْتَارَ الْمَوْلَى عِتْقَ أَحَدِهِمَا عَتَقَتْ هِيَ وَعَتَقَ وَلَدُهَا سَوَاءٌ كَانَ لِلْأُخْرَى وَلَدٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ، أَمَّا عَلَى قَوْلِ التَّخْيِيرِ فَظَاهِرٌ وَهَكَذَا عَلَى قَوْلِ التَّعْلِيقِ لِانْعِقَادِ السَّبَبِ فَيَسْرِي كَالِاسْتِيلَادِ، وَلَوْ مَاتَا مَعًا قَبْلَ الِاخْتِيَارِ، وَقَدْ وَلَدَتْ كُلٌّ وَلَدًا خُيِّرَ الْمَوْلَى فَيَخْتَارُ عِتْقَ أَيِّ الْوَلَدَيْنِ شَاءَ كَمَا كَانَ مُخَيَّرًا فِيهِمَا. وَلَوْ قَتَلَ الْأَمَتَيْنِ رَجُلٌ خُيِّرَ الْمَوْلَى فِي الْوَلَدَيْنِ فَأَيَّهُمَا اخْتَارَ عِتْقَهُ لَا يَرِثُ مِنْ أَرْشِ أُمِّهِ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا عَتَقَ بِالِاخْتِيَارِ وَهُوَ بَعْدَ مَوْتِ الْأُمِّ فَلَا يَرِثُ مِنْهَا، بَلْ يَكُونُ الْكُلُّ لِلْمَوْلَى، وَهَذَا نَصُّ مَذْهَبِ التَّعْلِيقِ، وَلَوْ وُطِئَتَا بِشُبْهَةٍ قَبْلَ الِاخْتِيَارِ يَجِبُ عُقْرُهُمَا لِلْمَوْلَى كَالْأَرْشِ وَهُوَ يُؤَيِّدُ قَوْلَ التَّعْلِيقِ، وَلَوْ بَاعَهُمَا صَفْقَةً وَاحِدَةً فَسَدَ الْبَيْعُ عَلَى الْمَذْهَبَيْنِ لِانْعِقَادِ السَّبَبِ عَلَى قَوْلِ التَّعْلِيقِ كَمَا لَوْ جَمَعَ بَيْنَ قِنٍّ وَمُدَبَّرٍ فِي الْبَيْعِ وَلَمْ يُبَيِّنْ حِصَّةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الثَّمَنِ، وَلَوْ قَبَضَهُمَا الْمُشْتَرِي وَمَلَكَ أَحَدَهُمَا وَأَعْتَقَهُمَا الْمُشْتَرِي   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْأَحْكَامُ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ أَمَّا كَيْفِيَّتُهُ وَهَذَا هُوَ الْمَوْضِعُ الثَّانِي، وَقَدْ جَعَلَهُ فِي الْبَدَائِعِ نَوْعَيْنِ نَوْعٌ يَتَعَلَّقُ بِهِ فِي حَالِ حَيَاةِ الْمَوْلَى وَنَوْعٌ يَتَعَلَّقُ بِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ، ثُمَّ قَالَ أَمَّا الْأَوَّلُ فَنَقُولُ لِلْمَوْلَى إلَخْ وَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُؤَلِّفِ أَنْ يَفْعَلَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ سَيَأْتِي يَقُولُ وَأَمَّا الْحُكْمُ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى. (قَوْلُهُ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ وَاقِعٍ) لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى اسْتِخْدَامِ الْحُرِّ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ وَقَوْلُهُ وَيَسْتَغِلُّهُمَا أَيْ يَسْتَكْسِبُهُمَا وَتَكُونُ الْغَلَّةُ وَالْكَسْبُ لِلْمَوْلَى قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَهَذَا أَيْضًا يَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَا. (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا لَمْ تَجِبْ دِيَةٌ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَإِيجَابُ الْقِيمَتَيْنِ دُونَ قِيمَةٍ وَدِيَةٍ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ إنَّ الْعِتْقَ غَيْرُ نَازِلٍ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَتَلَ عَبْدًا خَطَأً وَأَنَّهُ يُوجِبُ الْقِيمَةَ. وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ بِنُزُولِ الْعِتْقِ فَإِنَّمَا لَمْ تَجِبْ الدِّيَةُ؛ لِأَنَّ مَنْ تَجِبُ الدِّيَةُ عَلَيْهِ مِنْهُمَا مَجْهُولٌ إذْ لَا يُعْلَمُ مَنْ الَّذِي تَجِبُ عَلَيْهِ مِنْهُمَا فَلَا يُمْكِنُ إيجَابُ الدِّيَةِ مَعَ الشَّكِّ، وَالْقِيمَةُ مُتَيَقَّنَةٌ فَتَجِبُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْقَاتِلُ وَاحِدًا؛ لِأَنَّ هُنَاكَ مَنْ عَلَيْهِ مَعْلُومٌ إنَّمَا الْجَهَالَةُ فِيمَنْ لَهُ وَأَمَّا انْقِسَامُ الْقِيمَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ لِأَحَدِ الْبَدَلَيْنِ هُوَ الْمَوْلَى وَالْمُسْتَحِقُّ لِلْبَدَلِ الْآخَرُ هُوَ الْوَارِثُ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَسْتَحِقُّ فِي حَالٍ وَلَا يَسْتَحِقُّ فَوُجُوبُ أَحَدِ الْقِيمَتَيْنِ حُجَّةُ أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَانْقِسَامُهُمَا حُجَّةُ الْقَوْلِ الْآخَرِ. (قَوْلُهُ: وَعَلَى الثَّانِي الدِّيَةُ لِلْوَرَثَةِ) قَالَ فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 266 أُمِرَ الْبَائِعُ بِاخْتِيَارِ الْعِتْقِ وَأَيَّهُمَا اخْتَارَ عِتْقَهُ عَتَقَ الْآخَرُ عَلَى الْمُشْتَرِي فَإِنْ مَاتَ الْبَائِعُ قَبْلَ الْبَيَانِ قَامَ الْوَارِثُ مَقَامَهُ فَإِنْ لَمْ يُعْتِقْ الْمُشْتَرِي حَتَّى مَاتَ الْبَائِعُ لَمْ يَنْقَسِمْ الْعِتْقُ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَفْسَخَ الْقَاضِي الْبَيْعَ فَإِذَا فَسَخَهُ انْقَسَمَ وَعَتَقَ مِنْ كُلٍّ نِصْفُهُ، وَلَوْ وَهَبَهُمَا قَبْلَ الِاخْتِيَارِ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِمَا أَوْ تَزَوَّجَ عَلَيْهِمَا تَخَيَّرَ فَيَخْتَارُ الْعِتْقَ فِي أَيِّهِمَا شَاءَ وَتَجُوزُ الصَّدَقَةُ وَالْهِبَةُ وَالْأَمْهَارُ فِي الْآخَرِ؛ لِأَنَّ حُرِّيَّةَ أَحَدِهِمَا لَا يُوجِبُ بُطْلَانَ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَمَعَ فِي الْهِبَةِ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ فَإِنَّهُ يَصِحُّ فِي الْعَبْدِ وَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى قَبْلَ أَنْ يُبَيِّنَ الْعِتْقَ فِي أَحَدِهِمَا بَطَلَتْ الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ فِيهِمَا وَبَطَلَ إمْهَارُهُ لِشُيُوعِ الْعِتْقِ بِمَوْتِهِ، وَلَوْ أَسَرَهُمَا أَهْلُ الْحَرْبِ كَانَ لِلْمَوْلَى أَنْ يَخْتَارَ الْعِتْقَ وَيَكُونُ الْآخَرُ لِأَهْلِ الْحَرْبِ. فَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ حَتَّى مَاتَ بَطَلَ مِلْكُ أَهْلِ الْحَرْبِ لِشُيُوعِ الْحُرِّيَّةِ فِيهِمَا، وَلَوْ اشْتَرَاهُمَا مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ تَاجِرٌ فَلِلْمَوْلَى أَنْ يَخْتَارَ عِتْقَ أَيِّهِمَا شَاءَ وَيَأْخُذَ الْآخَرَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ فَإِنْ اشْتَرَى التَّاجِرُ أَحَدَهُمَا فَاخْتَارَ الْمَوْلَى عِتْقَهُ وَبَطَلَ الشِّرَاءُ فَإِنْ أَخَذَهُ الْمَوْلَى مِنْ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِالثَّمَنِ عَتَقَ الْآخَرُ، وَلَوْ أَعْتَقَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ فِي صِحَّتِهِ، ثُمَّ بَيَّنَ فِي الْمَرَضِ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ إضَافَةَ الْعِتْقِ إلَى الْمَجْهُولِ إيقَاعٌ وَتَنْجِيزٌ إذْ لَوْ كَانَ تَعْلِيقًا لَاعْتُبِرَ مِنْ الثُّلُثِ كَالْإِنْشَاءِ فِي الْمَرَضِ وَسَيَأْتِي بَيَانُ مَا يَكُونُ بَيَانًا وَمَا لَا يَكُونُ بَيَانًا، وَلَوْ قَالَ أَحَدُ عَبِيدِي حُرٌّ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَلَهُ ثَلَاثَةٌ عَتَقُوا جَمِيعًا، وَلَوْ قَالَ أَحَدُكُمْ حُرٌّ وَكَرَّرَهُ ثَلَاثًا لَمْ يَعْتِقْ إلَّا وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمْ عَتَقَ بِاللَّفْظِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ بِاللَّفْظِ الثَّانِي جَمَعَ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدَيْنِ فَقَالَ أَحَدُكُمْ حُرٌّ فَلَمْ يَصِحَّ، ثُمَّ بِاللَّفْظِ الثَّالِثِ جَمَعَ بَيْنَ عَبْدٍ وَحُرَّيْنِ فَلَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ أَيْضًا، وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْت حُرٌّ أَوْ مُدَبَّرٌ يُؤْمَرُ بِالْبَيَانِ فَإِنْ قَالَ عَنَيْت بِهِ الْحُرِّيَّةَ عَتَقَ وَإِنْ قَالَ عَنَيْت التَّدْبِيرَ صَارَ مُدَبَّرًا فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الْبَيَانِ وَالْقَوْلُ فِي الصِّحَّةِ عَتَقَ نِصْفُهُ بِالْإِعْتَاقِ الْبَاتِّ وَنِصْفُهُ بِالتَّدْبِيرِ لِشُيُوعِ الْعِتْقَيْنِ فِيهِ إلَّا أَنَّ نِصْفَهُ يَعْتِقُ مَجَّانًا مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ وَنِصْفُهُ يَعْتِقُ مِنْ الثُّلُثِ سَوَاءٌ كَانَ التَّدْبِيرُ فِي الْمَرَضِ أَوْ فِي الصِّحَّةِ إنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ عَتَقَ كُلُّ النِّصْفِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ عَتَقَ ثُلُثُ النِّصْفِ وَيَسْعَى فِي ثُلُثَيْ النِّصْفِ وَهُوَ ثُلُثُ الْكُلِّ. أَمَّا الْحُكْمُ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُهُ وَالْخِيَارُ لَا يُورَثُ لِشُيُوعِ الْعِتْقِ وَيَسْعَى فِي نِصْفِهِ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْمُزَاحَمُ لَهُ مُحْتَمِلًا لِلْعِتْقِ وَهُوَ مِمَّنْ يَنْفُذُ إعْتَاقُهُ فِيهِ فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَنْفُذُ إعْتَاقُهُ فِيهِ بِأَنْ جَمَعَ بَيْنَ عَبْدِهِ وَعَبْدِ غَيْرِهِ، وَقَالَ أَحَدُكُمَا حُرٌّ لَا يَعْتِقُ عَبْدُهُ إلَّا بِالنِّيَّةِ لِاحْتِمَالِهِ كُلًّا مِنْهُمَا وَإِنْ كَانَ الْمُزَاحِمُ مِمَّا لَا يَحْتَمِلُ الْإِعْتَاقَ كَمَا إذَا جَمَعَ بَيْنَ عَبْدٍ وَبَهِيمَةٍ أَوْ حَائِطٍ أَوْ حَجَرٍ، وَقَالَ أَحَدُكُمَا حُرٌّ تَوَقَّفَ عَلَى النِّيَّةِ؛ لِأَنَّ الصِّيغَةَ لِلْإِخْبَارِ وَهُوَ صَادِقٌ، وَلَوْ جَمَعَ بَيْنَ عَبْدِهِ وَمُدَبَّرِهِ، وَقَالَ أَحَدُكُمَا حُرٌّ لَا يَصِيرُ عَبْدُهُ مُدَبَّرًا إلَّا بِالنِّيَّةِ، أَمَّا الْجَهَالَةُ الطَّارِئَةُ بِأَنْ أَضَافَهُ إلَى أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ، ثُمَّ نَسِيَهُ فَالْكَلَامُ فِيهِ فِي مَوْضِعَيْنِ: أَحَدُهُمَا فِي كَيْفِيَّةِ هَذَا التَّصَرُّفِ، ثَانِيهُمَا فِي أَحْكَامِهِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ أَحَدَهُمَا حُرٌّ قَبْلَ الْبَيَانِ وَالْبَيَانُ فِيهِ إظْهَارٌ، أَمَّا الثَّانِي   [منحة الخالق] الْبَدَائِعِ؛ لِأَنَّ قَتْلَ الْأَوَّلِ أَوْجَبَ تَعَيُّنَ الثَّانِي لِلْحُرِّيَّةِ وَالْأَوَّلِ لِلرِّقِّ. (قَوْلُهُ: لِشُيُوعِ الْعِتْقِ بِمَوْتِهِ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ فَيَعْتِقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُهُ وَمُعْتِقُ الْبَعْضِ لَا يَحْتَمِلُ التَّمْلِيكَ مِنْ الْغَيْرِ. (قَوْلُهُ: لِشُيُوعِ الْحُرِّيَّةِ فِيهِمَا) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: لِأَنَّهُ لَمَّا مَاتَ الْمَوْلَى شَاعَتْ الْحُرِّيَّةُ وَعَتَقَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُهُ فَتَعَذَّرَ التَّمَلُّكُ وَفِيهِ، وَلَوْ أَسَرَ أَهْلُ الْحَرْبِ أَحَدَهُمَا لَمْ يَمْلِكُوهُ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا حُرٌّ وَثَبَتَ لَهُ حَقُّ الْحُرِّيَّةِ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ أَحَدَهُمَا؛ لِأَنَّ بَيْعَهُ إيَّاهُ اخْتِيَارٌ مِنْهُ لِلْمِلْكِ فَقَدْ بَاعَ مِلْكَهُ بِاخْتِيَارِهِ فَصَحَّ. (قَوْلُهُ: عَتَقَ الْآخَرُ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: لِأَنَّ أَخْذَهُ إيَّاهُ إعَادَةٌ لَهُ إلَى قَدِيمِ مِلْكِهِ فَيَتَعَيَّنُ الْآخَرُ. (قَوْلُهُ: وَلَهُ ثَلَاثَةٌ عَتَقُوا) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ كَمَا لَوْ قَالَ ابْتِدَاء أَحَدُ عَبِيدِي حُرٌّ وَلَيْسَ لَهُ إلَّا عَبْدٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ لَفْظَةَ أَحَدٍ لَا تَقْتَضِي آحَادًا أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَوْصُوفٌ أَنَّهُ أَحَدٌ وَلَا مِثْلَ لَهُ وَلَا شَرِيكَ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ بِاللَّفْظِ الثَّالِثِ جَمَعَ بَيْنَ عَبْدٍ وَحُرَّيْنِ) هَكَذَا رَأَيْته فِي الْبَدَائِعِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ إلَخْ) لَمْ يَذْكُرْ مُقَابِلَ قَوْلِهِ وَالْقَوْلُ فِي الصِّحَّةِ وَفِي الْبَدَائِعِ هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْقَوْلُ فِي الصِّحَّةِ فَإِنْ كَانَ فِي الْمَرَضِ يُعْتَبَرُ ذَلِكَ مِنْ الثُّلُثِ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْحُكْمُ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى) هَذَا هُوَ النَّوْعُ الثَّانِي مِنْ نَوْعَيْ الْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي الْبَدَائِعِ كَمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ سَابِقًا. (قَوْلُهُ: وَالْخِيَارُ لَا يُوَرَّثُ) أَيْ فَلَا يَقُومُ الْوَارِثُ فِيهِ مَقَامَهُ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: ثُمَّ فَرَّقَا بَيْنَ هَذَا الْخِيَارِ وَبَيْنَ خِيَارِ التَّعْيِينِ فِي بَابِ الْبَيْعِ فَإِنَّ الْوَارِثَ هُنَاكَ يَقُومُ مَقَامَ الْمُوَرِّثِ فِي الْبَيَانِ أَنَّ هُنَاكَ مَلَكَ الْمُشْتَرِي أَحَدَ الْعَبْدَيْنِ مَجْهُولًا فَمَتَى جَرَى الْإِرْثُ يَثْبُتُ وِلَايَةُ التَّعْيِينِ أَمَّا هَا هُنَا فَأَحَدُهُمَا حُرٌّ أَوْ اسْتَحَقَّ الْحُرِّيَّةَ وَذَلِكَ يَمْنَعُ جَرَيَانَ الْإِرْثِ فِي أَحَدِهِمَا. (قَوْلُهُ: لِشُيُوعِ الْعِتْقِ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ يَعْتِقُ. (قَوْلُهُ: تَوَقَّفَ عَلَى النِّيَّةِ) هَذَا قَوْلُهُمَا وَعِبَارَةُ الْبَدَائِعِ فَإِنَّ عَبْدَهُ يَعْتِقُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَعْتِقُ إلَّا بِالنِّيَّةِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 267 فَهِيَ ضَرْبَانِ ضَرْبٌ يَتَعَلَّقُ بِحَيَاةِ الْمَوْلَى وَالْآخَرُ بَعْدَ مَوْتِهِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَإِنَّهُ يُمْنَعُ عَنْ وَطْئِهِنَّ وَاسْتِخْدَامِهِنَّ، وَالْحِيلَةُ فِي أَنْ يُبَاحَ لَهُ وَطْؤُهُنَّ أَنْ يَعْقِدَ عَلَيْهِنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ فَتَحِلَّ لَهُ الْحُرَّةُ مِنْهُنَّ وَيَأْمُرُهُ الْقَاضِي بِالْبَيَانِ فَإِنْ امْتَنَعَ حَبَسَهُ لِيُبَيِّنَ وَإِنْ ادَّعَى كُلٌّ وَلَا بَيِّنَةَ وَجَحَدَ اسْتَحْلَفَهُ الْقَاضِي لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِاَللَّهِ مَا أَعْتَقْته. فَإِنْ نَكَلَ لَهُمَا عَتَقَا وَإِنْ حَلَفَ لَهُمَا أُمِرَ بِالْبَيَانِ؛ لِأَنَّ حُرِّيَّةَ أَحَدِهِمَا لَا تَرْتَفِعُ بِالْيَمِينِ فَإِنْ حَلَفَ الْمَوْلَى لِلْأَوَّلِ عَتَقَ الَّذِي لَمْ يَحْلِفْ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ لَهُ عَتَقَ هُوَ وَإِنْ حَلَفَ لَهُمَا وَكَانَا أَمَتَيْنِ يُحْجَبُ عَنْهُمَا حَتَّى يُبَيِّنَ وَالْبَيَانُ فِي هَذِهِ الْجَهَالَةِ نَوْعَانِ نَصٌّ وَدَلَالَةٌ أَوْ ضَرُورَةٌ فَالنَّصُّ أَنْ يُعَيِّنَهُ بِقَوْلِهِ، أَمَّا الدَّلَالَةُ أَوْ الضَّرُورَةُ فَهُوَ أَنْ يَفْعَلَ أَوْ يَقُولَ مَا يَدُلُّ عَلَى الْبَيَانِ كَأَنْ يَتَصَرَّفَ فِي أَحَدِهِمَا تَصَرُّفًا لَا يَصِحُّ إلَّا فِي الْمِلْكِ مِنْ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالْإِعْتَاقِ، وَكَذَا إذَا كَانَا أَمَتَيْنِ فَوَطِئَ إحْدَاهُمَا عَتَقَتْ الْأُخْرَى بِلَا خِلَافٍ بِخِلَافِ الْجَهَالَةِ الْأَصْلِيَّةِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَإِنْ كُنَّ عَشْرًا فَوَطِئَ إحْدَاهُنَّ تَعَيَّنَتْ الْمَوْطُوءَةُ لِلرِّقِّ حَمْلًا لِأَمْرِهِ عَلَى الصَّلَاحِ وَتَعَيَّنَتْ الْبَاقِيَاتُ لِكَوْنِ الْمُعْتَقَةِ فِيهِنَّ فَتَتَعَيَّنُ بِالْبَيَانِ نَصًّا أَوْ دَلَالَةً، وَكَذَا لَوْ وَطِئَ الثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ إلَى التَّاسِعَةِ فَتَتَعَيَّنُ الْبَاقِيَةُ وَهِيَ الْعَاشِرَةُ لِلْعِتْقِ، وَلَوْ مَاتَتْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ قَبْلَ الْبَيَانِ فَالْأَحْسَنُ أَنْ لَا يَطَأَ الْبَاقِيَاتِ قَبْلَ الْبَيَانِ فَلَوْ فَعَلَ جَازَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَتَذَكَّرَ أَنَّ الْمُعْتَقَةَ هِيَ الْمَيِّتَةُ؛ لِأَنَّ الْحَيَّ هُنَا لَا يَتَعَيَّنُ لِلْعِتْقِ بِخِلَافِ الْجَهَالَةِ الْأَصْلِيَّةِ، وَلَوْ كَانَتْ اثْنَتَيْنِ فَمَاتَتْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا لَا تَتَعَيَّنُ الْبَاقِيَةُ لِلْعِتْقِ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَةَ لَمْ تَتَعَيَّنْ لِلْمِلْكِ فَوَقَفَ تَعَيُّنُهَا لِلْعِتْقِ عَلَى الْبَيَانِ، وَلَوْ قَالَ الْمَوْلَى هَذَا مَمْلُوكٌ وَأَشَارَ إلَى أَحَدِهِمَا تَعَيَّنَ الْآخَرُ لِلْعِتْقِ دَلَالَةً أَوْ ضَرُورَةً. وَلَوْ بَاعَهُمَا جَمِيعًا صَفْقَةً وَاحِدَةً كَانَ الْبَيْعُ فَاسِدًا، وَكَذَا لَوْ كَانُوا عَشْرَةً بَاعَهُمْ صَفْقَةً، وَلَوْ بَاعَهُمْ عَلَى الِانْفِرَادِ جَازَ الْبَيْعُ فِي التِّسْعِ وَتَعَيَّنَ الْعَاشِرُ لِلْعِتْقِ، أَمَّا الثَّانِي فَهُوَ أَنَّ الْمَوْلَى إذَا مَاتَ قَبْلَ الْبَيَانِ يَعْتِقُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُهُ مَجَّانًا وَيَسْعَى كُلٌّ فِي نِصْفِهِ كَمَا فِي الْجَهَالَةِ الْأَصْلِيَّةِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ مَعَ اخْتِصَارِ وَحَذْفِ الدَّلَائِلِ. (قَوْلُهُ وَالْبَيْعُ وَالْمَوْتُ وَالتَّحْرِيرُ وَالتَّدْبِيرُ بَيَانٌ فِي الْعِتْقِ الْمُبْهَمِ) لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مَحَلًّا لِلْعِتْقِ أَصْلًا بِالْمَوْتِ وَالتَّحْرِيرِ وَلِلْعِتْقِ مِنْ جِهَتِهِ بِالْبَيْعِ وَلِلْعِتْقِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِالتَّدْبِيرِ فَتَعَيَّنَ الْآخَرُ؛ وَلِأَنَّهُ بِالْبَيْعِ قَصَدَ الْوُصُولَ إلَى الثَّمَنِ وَبِالتَّدْبِيرِ إبْقَاءَ الِانْتِفَاعِ إلَى مَوْتِهِ وَالْمَقْصُودُ أَنْ يُنَافِيَانِ الْعِتْقَ الْمُلْتَزَمَ فَتَعَيَّنَ الْآخَرُ دَلَالَةً وَالِاسْتِيلَادُ وَالْكِتَابَةُ كَالتَّدْبِيرِ وَالْمُرَادُ بِالتَّحْرِيرِ أَنْ يُعْتِقَ أَحَدَهُمَا نَاوِيًا اسْتِئْنَافَ الْعِتْقِ عَلَيْهِ أَوْ لَا نِيَّةَ لَهُ لَا بَيَانَ لِلْمُبْهَمِ فَلَوْ قَالَ لِأَحَدِهِمَا أَنْت حُرٌّ أَوْ أَعْتَقْتُك وَلَمْ يَقُلْ بِذَلِكَ اللَّفْظِ أَوْ بِالْعِتْقِ السَّابِقِ فَإِنْ أَرَادَ بِهِ عِتْقًا مُسْتَأْنَفًا عَتَقَا جَمِيعًا هَذَا بِالْإِعْتَاقِ الْمُسْتَأْنَفِ وَذَلِكَ بِاللَّفْظِ السَّابِقِ وَإِنْ قَالَ عَنَيْت بِهِ الَّذِي لَزِمَنِي بِقَوْلِي أَحَدُكُمَا حُرٌّ يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ وَيُحْمَلُ قَوْلُهُ أَعْتَقْتُك عَلَى اخْتِيَارِ الْعِتْقِ أَيْ اخْتَرْت عِتْقَك وَأَشَارَ بِالْبَيْعِ إلَى كُلِّ تَصَرُّفٍ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي الْمِلْكِ كَهِبَةِ أَحَدِهِمَا أَوْ صَدَقَتِهِ أَوْ رَهْنِهِ أَوْ إجَارَتِهِ أَوْ الْإِيصَاءِ بِهِ أَوْ تَزْوِيجِهِ فَكَانَ إقْدَامُهُ دَلِيلًا عَلَى اخْتِيَارِهِ الْعِتْقَ الْمُبْهَمَ فِي الْآخَرِ، وَهَذَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْعِتْقَ غَيْرُ نَازِلٍ. أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِنُزُولِهِ فَالْإِقْدَامُ عَلَيْهَا يَكُونُ اخْتِيَارًا لِلْمِلْكِ فِي الْمُتَصَرَّفِ فِيهِ فَيَتَعَيَّنُ الْآخَرُ لِلْعِتْقِ ضَرُورَةً وَشَرَطَ فِي الْهِدَايَةِ التَّسْلِيمَ فِي الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ لِيَكُونَ تَمْلِيكًا، وَظَاهِرُ الْبَدَائِعِ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ؛ لِأَنَّ الْمُسَاوَمَةَ إذَا كَانَتْ بَيَانًا فَهَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ أَوْلَى بِلَا قَبْضٍ وَفِي الْكَافِي أَنَّ ذِكْرَ التَّسْلِيمِ وَقَعَ اتِّفَاقًا وَأُطْلِقَ فِي الْبَيْعِ فَشَمِلَ الصَّحِيحَ وَالْفَاسِدَ مَعَ الْقَبْضِ وَبِدُونِهِ وَشَمِلَ الْمُطْلَقَ وَبِشَرْطِ الْخِيَارِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَإِنْ ادَّعَى كُلٌّ) أَيْ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَبْدَيْنِ أَنَّهُ الْحُرُّ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ حَلَفَ الْمَوْلَى لِلْأَوَّلِ إلَخْ) عِبَارَةُ الْبَدَائِعِ بَعْدَ قَوْلِهِ بِالْيَمِينِ هَكَذَا وَمَا ذَكَرْنَا مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي الطَّلَاقِ يَكُونُ ذَلِكَ رِوَايَةً فِي الْعَتَاقِ وَهُوَ أَنَّهُمَا إذَا اُسْتُحْلِفَا فَحَلَفَ الْمَوْلَى لِلْأَوَّلِ يَعْتِقُ الَّذِي لَمْ يَحْلِفْ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا حَلَفَ لِلْأَوَّلِ وَاَللَّهِ مَا أَعْتَقَهُ فَقَدْ أَقَرَّ بِرِقِّيَّتِهِ فَيَتَعَيَّنُ الْآخَرُ لِلْحُرِّيَّةِ كَمَا إذَا قَالَ ابْتِدَاءً لِأَحَدِهِمَا عَيْنًا هَذَا عَبْدٌ وَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ لَهُ عَتَقَ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ لَهُ الْحُرِّيَّةُ. (قَوْلُهُ: عِنْدَ الْإِمَامِ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: لِأَنَّ الْعِتْقَ غَيْرُ نَازِلٍ فِي إحْدَاهُمَا فَكَانَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا حَلَالَ الْوَطْءِ. (قَوْلُهُ: فَالْأَحْسَنُ أَنْ لَا يَطَأَ الْبَاقِيَاتِ إلَخْ) ذَكَرَ فِي الْبَدَائِعِ عِنْدَ قَوْلِهِ يُمْنَعُ عَنْ وَطْئِهِنَّ وَاسْتِخْدَامِهِنَّ الَّذِي قَدَّمَهُ الْمُؤَلِّفُ آنِفًا مَا نَصُّهُ؛ لِأَنَّ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ حُرَّةٌ بِيَقِينٍ وَكُلُّ وَاحِدَةٍ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ هِيَ الْحُرَّةُ وَوَطْءُ الْحُرَّةِ مِنْ غَيْرِ نِكَاحٍ حَرَامٌ فَيُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ صِيَانَةً لَهُ عَنْ الْحَرَامِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَطَأَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ بِالتَّحَرِّي تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْجَهَالَةِ الْأَصْلِيَّةِ) أَيْ إذَا مَاتَتْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ فَإِنَّ الْمَيِّتَةَ لَا تَتَعَيَّنُ لِلْحُرِّيَّةِ؛ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ هُنَاكَ غَيْرُ نَازِلَةٍ فِي إحْدَاهُنَّ وَإِنَّمَا تَنْزِلُ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَهُوَ الِاخْتِيَارُ مَقْصُورًا عَلَيْهِ وَالْمَحَلُّ لَيْسَ بِقَابِلٍ لِلْحُرِّيَّةِ وَقْتَ الِاخْتِيَارِ وَفِي هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْبَيَانِ إظْهَارٌ وَتَعْيِينٌ لِمَنْ نَزَلَتْ فِيهِ الْحُرِّيَّةُ مِنْ الْأَصْلِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 268 لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ لِإِطْلَاقِ جَوَابِ الْكِتَابِ وَالْمَعْنَى مَا قُلْنَا وَالْعَرْضُ عَلَى الْبَيْعِ مُلْحَقٌ بِهِ فِي الْمَحْفُوظِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَأَطْلَقَ فِي التَّحْرِيرِ فَشَمِلَ الْمُعَلَّقَ وَالْمُنَجَّزَ فَإِنْ قَالَ لِأَحَدِهِمَا إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ عَتَقَ الْآخَرُ وَقَيَّدَ بِالْعِتْقِ الْمُبْهَمِ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ فِي النَّسَبِ الْمُبْهَمِ أَوْ أُمُومِيَّةِ الْوَلَدِ الْمُبْهَمَةِ لَا يَكُونُ بَيَانًا فَلَوْ قَالَ أَحَدُ هَذَيْنِ ابْنِي أَوْ أَحَدُ هَاتَيْنِ أُمُّ وَلَدِي فَمَاتَ أَحَدُهُمَا لَمْ يَتَعَيَّنْ الْآخَرُ لِلْحُرِّيَّةِ وَالِاسْتِيلَادِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِإِنْشَاءٍ، بَلْ إخْبَارٌ عَنْ شَيْءٍ سَابِقٍ وَالْإِخْبَارُ يَصِحُّ فِي الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ فَيَقِفُ عَلَى بَيَانِهِ بِخِلَافِ أَحَدُكُمَا حُرٌّ إنْشَاءً، وَالْإِنْشَاءُ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي الْحَيِّ وَأُطْلِقَ فِي الْمَوْتِ فَشَمِلَ الْقَتْلَ سَوَاءٌ قَتَلَهُ الْمَوْلَى أَوْ أَجْنَبِيٌّ. فَإِنْ كَانَ الْقَتْلُ مِنْ الْمَوْلَى فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ فَعَلَيْهِ قِيمَةُ الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ لِلْمَوْلَى فَإِنْ اخْتَارَ الْمَوْلَى عِتْقَ الْمَقْتُولِ لَا يَرْتَفِعُ الْعِتْقُ عَنْ الْحَيِّ، وَلَكِنْ يَكُونُ لِوَرَثَةِ الْمَقْتُولِ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى قَدْ أَقَرَّ بِحُرِّيَّتِهِ فَلَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْ قِيمَتِهِ وَقَيَّدَ بِالْمَوْتِ احْتِرَازًا عَنْ قَطْعِ الْيَدِ فَإِنَّهُ لَا يَعْتِقُ الْآخَرُ سَوَاءٌ كَانَ الْقَطْعُ مِنْ الْمَوْلَى أَوْ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ، فَإِنْ كَانَ مِنْ أَجْنَبِيٍّ وَبَيَّنَ الْمَوْلَى الْعِتْقَ فِي غَيْرِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فَالْأَرْشُ لِلْمَوْلَى بِلَا شَكٍّ وَإِنْ بَيَّنَهُ فِي الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّ الْأَرْشَ لِلْمَوْلَى لَا لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَنَّ الْأَرْشَ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، وَهُوَ قِيَاسُ مَذْهَبِ التَّنْجِيزِ وَالْأَوَّلُ قِيَاسُ مَذْهَبِ التَّعْلِيقِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَمَا يَقَعُ بِهِ الْبَيَانُ فِي الْعِتْقِ الْمُبْهَمِ الْمُنَجَّزِ يَقَعُ بِهِ فِي الْعِتْقِ الْمُبْهَمِ الْمُعَلَّقِ كَأَنْ قَالَ إذَا جَاءَ زَيْدٌ فَأَحَدُكُمَا حُرٌّ فَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الشَّرْطِ أَوْ تَصَرَّفَ فِيهِ بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ، ثُمَّ جَاءَ زَيْدٌ عَتَقَ الْبَاقِي وَفُرِّقَ بَيْنَ الْبَيَانِ الْحُكْمِيِّ وَالصَّرِيحِ فَإِنَّ الْحُكْمِيَّ قَدْ رَأَيْت أَنَّهُ يَصِحُّ قَبْلَ الشَّرْطِ بِخِلَافِ الصَّرِيحِ فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ قَبْلَ الشَّرْطِ اخْتَرْت أَنْ يَعْتِقَ فُلَانٌ، ثُمَّ وُجِدَ الشَّرْطُ لَا يُعْتَبَرُ؛ لِأَنَّهُ اخْتِيَارٌ قَبْلَ وَقْتِهِ كَمَا لَوْ قَالَ أَنْتَ حُرٌّ إنْ دَخَلْت هَذِهِ أَوْ هَذِهِ، ثُمَّ عَيَّنَ إحْدَاهُمَا لِلْحِنْثِ لَا يَصِحُّ تَعْيِينُهُ، وَلَوْ بَاعَ أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا، ثُمَّ اشْتَرَاهُمَا، ثُمَّ جَاءَ زَيْدٌ ثَبَتَ حُكْمُ الْعِتْقِ الْمُبْهَمِ فَيَعْتِقُ أَحَدُهُمَا وَيُؤْمَرُ بِالْبَيَانِ؛ لِأَنَّ زَوَالَ الْمِلْكِ بَعْدَ الْيَمِينِ لَا يُبْطِلُهَا اهـ. وَفِي الِاخْتِيَارِ لَوْ قَالَ أَحَدُكُمَا حُرٌّ فَقِيلَ أَيَّهُمَا نَوَيْت؟ فَقَالَ لَمْ أَعْنِ هَذَا عَتَقَ الْآخَرُ، فَإِنْ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ أَعْنِ هَذَا عَتَقَ الْأَوَّلُ أَيْضًا، وَكَذَلِكَ طَلَاقُ إحْدَى الْمَرْأَتَيْنِ بِخِلَافِ مَاذَا قَالَ لِأَحَدِ هَذَيْنِ عَلَى أَلْفٍ فَقِيلَ لَهُ هُوَ هَذَا فَقَالَ لَا لَا يَجِبُ لِلْآخَرِ شَيْءٌ وَالْفَرْقُ أَنَّ التَّعْيِينَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فَإِذَا نَفَاهُ عَنْ أَحَدِهِمَا تَعَيَّنَ الْآخَرُ إقَامَةً لِلْوَاجِبِ أَمَّا الْإِقْرَارُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْبَيَانُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ لِلْمَجْهُولِ لَا يَلْزَمُ حَتَّى لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَكُنْ نَفْيُ أَحَدِهِمَا تَعْيِينًا لِلْآخَرِ. (قَوْلُهُ: لَا الْوَطْءُ) أَيْ لَا يَكُونُ وَطِئَ إحْدَى الْأَمَتَيْنِ بَيَانًا لِلْعِتْقِ الْمُبْهَمِ إذَا لَمْ يَكُنْ مُعَلَّقًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا هُوَ بَيَانٌ فَتَعْتِقُ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ لَا يَحِلُّ إلَّا فِي الْمِلْكِ وَإِحْدَاهُمَا حُرَّةٌ فَكَانَ بِالْوَطْءِ مُسْتَبْقِيًا الْمِلْكَ فِي الْمَوْطُوءَةِ فَتَعَيَّنَتْ الْأُخْرَى لِزَوَالِهِ بِالْعِتْقِ كَمَا فِي الطَّلَاقِ. وَلَهُ أَنَّ الْمِلْكَ قَائِمٌ فِي الْمَوْطُوءَةِ؛ لِأَنَّ الْإِيقَاعَ فِي النَّكِرَةِ وَهِيَ مُعَيَّنَةٌ فَكَانَ وَطْؤُهَا حَلَالًا فَلَا يُجْعَلُ بَيَانًا وَلِهَذَا حَلَّ وَطْؤُهُمَا عَلَى مَذْهَبِهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُفْتَى بِهِ، ثُمَّ يُقَالُ الْعِتْقُ غَيْرُ نَازِلٍ قَبْلَ الْبَيَانِ لِتَعَلُّقِهِ بِهِ أَوْ يُقَالُ نَازِلٌ فِي الْمُنْكَرِ فَيَظْهَرُ فِي حَقِّ حُكْمٍ يَقْبَلُهُ وَالْوَطْءُ يُصَادِفُ الْمُعَيَّنَةَ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْأَصْلِيَّ مِنْ النِّكَاحِ الْوَلَدُ وَقَصْدُ الْوَلَدِ بِالْوَطْءِ يَدُلُّ عَلَى اسْتِبْقَاءِ الْمِلْكِ فِي الْمَوْطُوءَةِ صِيَانَةً لِلْوَلَدِ أَمَّا الْأَمَةُ فَالْمَقْصُودُ مِنْ وَطْئِهَا قَضَاءُ الشَّهْوَةِ دُونَ الْوَلَدِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى الِاسْتِبْقَاءِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الْحَقُّ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ وَطْؤُهُمَا كَمَا لَا يَحِلُّ بَيْعُهُمَا، وَقَدْ وَضَعَ فِي الْأُصُولِ مَسْأَلَةً يَجُوزُ أَنْ يُحَرَّمَ أَحَدُ أَشْيَاءَ كَمَا يَجُوزُ إيجَابُ أَحَدِ أَشْيَاءَ كَمَا فِي خِصَالِ الْكَفَّارَةِ وَحُكْمُ تَحْرِيمِ أَحَدِ أَشْيَاءَ جَوَازُ فِعْلِهَا إلَّا وَاحِدًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ عَمَّهَا فِعْلًا كَانَ فَاعِلًا لِلْمُحَرَّمِ قَطْعًا وَلَا يُعْلَمُ خِلَافٌ فِي ذَلِكَ وَثُبُوتُ الْمِلْكِ قَدْ يَمْتَنِعُ مَعَهُ الْوَطْءُ لِعَارِضٍ كَالرَّضَاعِ وَالْمَجُوسِيَّةِ فَلَا يَسْتَلْزِمُ قِيَامُهُ حِلَّ الْوَطْءِ   [منحة الخالق] فَلَمْ تَكُنْ الْحَيَاةُ شَرْطًا كَذَا فِي الْبَدَائِعِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 269 وَقَدْ أَطَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إطَالَةً حَسَنَةً. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الرَّاجِحَ قَوْلُهُمَا وَأَنَّهُ لَا يُفْتَى بِقَوْلِ الْإِمَامِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْكِ الِاحْتِيَاطِ مَعَ أَنَّ الْإِمَامَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - نَاظِرٌ إلَى الِاحْتِيَاطِ فِي أَكْثَرِ الْمَسَائِلِ، قَيَّدْنَا الْوَطْءَ بِكَوْنِهِ غَيْرَ مُعَلَّقٍ؛ لِأَنَّهَا لَوْ عُلِّقَتْ بِهِ عَتَقَتْ الْأُخْرَى بِالِاتِّفَاقِ وَقَيَّدَ بِالْعِتْقِ الْمُبْهَمِ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ فِي التَّدْبِيرِ الْمُبْهَمِ لَا يَكُونُ بَيَانًا بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ لَا يُزِيلُ مِلْكَ الْمَنَافِعِ بِخِلَافِ الْعِتْقِ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَبَّلَهَا أَوْ لَمَسَهَا أَوْ نَظَرَ إلَى فَرْجِهَا بِشَهْوَةٍ لَا يَكُونُ بَيَانًا بِالْأَوْلَى وَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ اسْتَخْدَمَ أَحَدَهُمَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَا يَكُونُ بَيَانًا وَهُوَ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِخْدَامَ لَا يُنَافِي إنْشَاءَ الْعِتْقِ وَلَا يُبْطِلُهُ الْإِنْشَاءُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِالْمِلْكِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تُسْتَخْدَمُ الْحُرَّةُ فَلَا يَكُونُ بَيَانًا دَلَالَةً كَذَا فِي الْمُحِيطِ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ وَالْمَوْتُ بَيَانٌ فِي الطَّلَاقِ الْمُبْهَمِ) أَيْ الْوَطْءُ بَيَانٌ لِلطَّلَاقِ الْمُبْهَمِ فَتَطْلُقُ الَّتِي لَمْ يَطَأْهَا كَمَا إذَا مَاتَتْ إحْدَاهُمَا تَعَيَّنَتْ الْأُخْرَى لِلطَّلَاقِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا الْفَرْقَ بَيْنَ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الطَّلَاقُ بَائِنًا لِمَا لَوْ كَانَ رَجْعِيًّا لَا يَكُونُ الْوَطْءُ بَيَانًا لِطَلَاقِ الْأُخْرَى لِحِلِّ وَطْءِ الْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ وَهَلْ الْبَيَانُ يَثْبُتُ فِي الطَّلَاقِ بِالْمُقَدِّمَاتِ فِي الزِّيَادَاتِ لَا يَثْبُتُ، وَقَالَ الْكَرْخِيُّ يَحْصُلُ بِالتَّقْبِيلِ كَمَا يَحْصُلُ بِالْوَطْءِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ قَيَّدَ بِالْوَطْءِ وَالْمَوْتِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ طَلَّقَ إحْدَاهُمَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ بَيَانًا؛ لِأَنَّ الْمُطَلَّقَةَ يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأُخْرَى هِيَ الْمُطَلَّقَةُ (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ إنْ كَانَ أَوَّلُ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ ذَكَرًا فَأَنْت حُرَّةٌ فَوَلَدَتْ ذَكَرًا وَأُنْثَى وَلَمْ يَدْرِ الْأَوَّلَ رَقَّ الذَّكَرُ وَعَتَقَ نِصْفُ الْأُمِّ وَالْأُنْثَى) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَعْتِقُ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ وَهُوَ مَا إذَا وَلَدَتْ الْغُلَامَ أَوَّلًا عَتَقَتْ الْأُمُّ بِالشَّرْطِ وَالْجَارِيَةُ لِكَوْنِهَا تَبَعًا لَهَا؛ لِأَنَّ الْأُمَّ حُرَّةٌ حِينَ وَلَدَتْهَا وَتَرِقُّ فِي حَالٍ وَهُوَ مَا إذَا وَلَدَتْ الْجَارِيَةَ أَوَّلًا لِعَدَمِ الشَّرْطِ فَيَعْتِقُ نِصْفُ كُلِّ وَاحِدَةٍ وَتَسْعَى فِي النِّصْفِ أَمَّا الْغُلَامُ فَيَرِقُّ فِي الْحَالَيْنِ فَلِهَذَا يَكُونُ عَبْدًا، وَهَذَا الْجَوَابُ كَمَا تَرَى فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ فِيهِ، وَالْمَذْكُورُ لِمُحَمَّدٍ فِي الْكَيْسَانِيَّاتِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِعِتْقِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّا لَمْ نَتَيَقَّنْ بِعِتْقٍ وَاعْتِبَارُ الْأَحْوَالِ بَعْدَ التَّيَقُّنِ بِالْحُرِّيَّةِ وَلَا يَجُوزُ إيقَاعُ الْعِتْقِ بِالشَّكِّ فَعَنْ هَذَا حَكَمَ الطَّحَاوِيُّ بِأَنَّ مُحَمَّدًا كَانَ أَوَّلًا مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، ثُمَّ رَجَعَ وَفِي النِّهَايَةِ عَنْ الْمَبْسُوطِ أَنَّ هَذَا الْجَوَابَ لَيْسَ جَوَابَ هَذَا الْفَصْلِ، بَلْ فِي هَذَا الْفَصْلِ لَا يُحْكَمُ بِعِتْقِ وَاحِدٍ، وَلَكِنْ يَحْلِفُ الْمَوْلَى بِاَللَّهِ مَا يَعْلَمُ أَنَّهَا وَلَدَتْ الْجَارِيَةَ أَوَّلًا فَإِنْ نَكَلَ فَنُكُولُهُ كَإِقْرَارِهِ وَإِنْ حَلَفَ فَكُلُّهُمْ أَرِقَّاءُ، أَمَّا جَوَابُ هَذَا الْفَصْلِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا قَالَ إنْ كَانَ أَوَّلُ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ غُلَامًا فَأَنْتِ حُرَّةٌ وَإِنْ كَانَتْ جَارِيَةً فَهِيَ حُرَّةٌ فَوَلَدَتْهُمَا وَلَا يَدْرِي الْأَوَّلَ فَالْغُلَامُ رَقِيقٌ وَالْأُنْثَى حُرَّةٌ وَيَعْتِقُ نِصْفُ الْأُمِّ وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا لَيْسَ جَوَابَ الْكِتَابِ؛ لِأَنَّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَعْتِقُ جَمِيعُ الْجَارِيَةِ عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّهَا إنْ وَلَدَتْ الْجَارِيَةَ أَوَّلًا عَتَقَتْ بِالشَّرْطِ وَإِنْ وَلَدَتْ الْغُلَامَ أَوَّلًا عَتَقَتْ تَبَعًا لِلْأُمِّ، أَمَّا انْتِصَافُ عِتْقِ الْأُمِّ فَلِأَنَّهَا تَعْتِقُ فِي وِلَادَةِ الْغُلَامِ أَوَّلًا وَتَرِقُّ فِي الْجَارِيَةِ، وَجَوَابُ الْكِتَابِ عِتْقُ نِصْفِهَا مَعَ نِصْفِ الْأُمِّ وَصَحَّحَ فِي النِّهَايَةِ مَا فِي الْكَيْسَانِيَّاتِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ الَّذِي لَمْ يُتَيَقَّنْ وُجُودُهُ إذَا كَانَ فِي طَرَفٍ وَاحِدٍ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ مَنْ أَنْكَرَ وُجُودَهُ كَمَا إذَا قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ غَدًا فَأَنْت حُرٌّ فَمَضَى الْغَدُ وَلَا يَدْرِي أَدَخَلَ الدَّارَ أَمْ لَا لِلشَّكِّ فِي شَرْطِ الْعِتْقِ فَكَذَا وَقَعَ الشَّكُّ فِي شَرْطِ الْعِتْقِ وَهُوَ وِلَادَةُ الْغُلَامِ أَوَّلًا. أَمَّا إذَا كَانَ الشَّرْطُ مَذْكُورًا فِي طَرَفَيْ الْوُجُودِ وَالْعَدَمِ كَانَ أَحَدُهُمَا مَوْجُودًا لَا مَحَالَةَ فَحِينَئِذٍ يُحْتَاجُ إلَى اعْتِبَارِ الْأَحْوَالِ فَإِنْ قُلْتُ: الْمَفْرُوضُ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ تَصَادُقُهُمْ عَلَى عَدَمِ عِلْمِ الْمُتَقَدِّمِ وَالْمُتَأَخِّرِ فَكَيْفَ يَحْلِفُ وَلَا دَعْوَى وَلَا مُنَازِعَ قُلْتُ: هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى دَعْوَى مِنْ خَارِجِ حِسْبَةِ عِتْقِ الْأَمَةِ أَوْ بِنْتِهَا لِوُجُودِ الشَّرْطِ، وَقَدْ عُرِفَ أَنَّ الْأَمَةَ لَوْ أَنْكَرَتْ الْعِتْقَ وَشَهِدَ بِهِ يُقْبَلُ فَعَلَى هَذَا جَازَ أَنْ يَدَّعِيَ رَجُلٌ حِسْبَةَ إذَا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ بَيَانًا إلَخْ) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ فِيهِ إجْمَالٌ وَالتَّفْصِيلُ أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ الطَّلَاقُ الْمُبْهَمُ رَجْعِيًّا لَا يَكُونُ طَلَاقُ الْمُعَيَّنَةِ بَيَانًا رَجْعِيًّا كَانَ أَوْ بَائِنًا وَإِنْ كَانَ بَائِنًا فَإِنْ كَانَ طَلَاقُ الْمُعَيَّنَةِ رَجْعِيًّا فَكَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ بَائِنًا كَانَ بَيَانًا لِمَا عُلِمَ مِنْ أَنَّ الْبَائِنَ لَا يَلْحَقُ الْبَائِنَ. (قَوْلُهُ: مَا يَعْلَمُ أَنَّهَا وَلَدَتْ الْجَارِيَةَ أَوْ لَا) كَذَا فِي عَامَّةِ النُّسَخِ وَهَكَذَا رَأَيْته فِي الْفَتْحِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ مُصَلَّحًا بِإِبْدَالِ الْجَارِيَةِ بِالْغُلَامِ وَهُوَ ظَاهِرٌ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 270 لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ لِيَحْلِفَ لِرَجَاءِ نُكُولِهِ هَذَا، وَلَكِنْ الْمَذْكُورُ فِي الْمَبْسُوطِ فِي تَعْلِيلِهِ صَرَّحَ بِأَنَّ الْأُمَّ تَدَّعِي الْعِتْقَ وَالْمَوْلَى يُنْكِرُ وَالْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ فَأَفَادَ أَنَّ ذَلِكَ فِي صُورَةِ دَعْوَى الْأُمِّ وَهِيَ غَيْرُ هَذِهِ الصُّورَةِ الَّتِي فِي الْكِتَابِ وَاعْلَمْ أَنَّ مَا ذُكِرَ فِي النِّهَايَةِ مِنْ تَرْجِيحِ مَا فِي الْكَيْسَانِيَّاتِ حَقِيقَتُهُ إبْطَالُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُرْوَ عَنْهُمَا رِوَايَةٌ شَاذَّةٌ تُخَالِفُ ذَلِكَ فِي الْجَوَابِ وَاسْتِدْلَالُهُ بِأَنَّ الشَّرْطَ الْكَائِنَ فِي طَرَفٍ وَاحِدٍ إلَى آخِرِهِ قَدْ يُنْظَرُ فِيهِ بِأَنَّ ذَلِكَ فِي الشَّرْطِ الظَّاهِرِ لَا الْخَفِيِّ. وَلِذَا قَيَّدَ فِي الْمَبْسُوطِ حَيْثُ قَالَ إذَا قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنْتَ حُرٌّ وَذَلِكَ مِنْ الْأُمُورِ الظَّاهِرَةِ كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَدُخُولِ الدَّارِ فَقَالَ الْعَبْدُ فَعَلْت لَا يُصَدَّقُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ بِخِلَافِ قَوْلِهِ إنْ كُنْت تُحِبِّينِي إلَى آخِرِهِ فَيُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ الْوِلَادَةُ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي لَيْسَتْ ظَاهِرَةً فَيُوجِبُ الشَّكُّ فِيهَا اعْتِبَارَ الْأَحْوَالِ فَيَعْتِقُ نِصْفُ الْأُمِّ كَمَا فِي الْجَامِعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ جَعْلَ الْوِلَادَةِ مِنْ الْأُمُورِ الْخَفِيَّةِ كَمَحَبَّةِ الْقَلْبِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْأُمُورِ الظَّاهِرَةِ مَا يُمْكِنُ اطِّلَاعُ الْغَيْرِ عَلَيْهَا وَالْمُرَادُ بِالْخَفِيَّةِ مَا لَا يُمْكِنُ اطِّلَاعُ الْغَيْرِ عَلَيْهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْوِلَادَةَ مِمَّا يُمْكِنُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهَا وَلِذَا اتَّفَقُوا أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْمَرْأَةِ فِي الْوِلَادَةِ، وَلَوْ كَانَتْ كَالْمَحَبَّةِ لَقُبِلَ قَوْلُهَا وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا هَلْ يُكْتَفَى بِشَهَادَةِ الْمَرْأَةِ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ شَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَالْحَقُّ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ مُشْكِلَةٌ؛ لِأَنَّهَا لَا تُوَافِقُ الْأُصُولَ وَلَا يُمْكِنُ الْحُكْمُ بِإِبْطَالِ هَذَا الْجَوَابِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ؛ لِأَنَّ جَوَابَهَا نَصُّ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَتَعَيَّنَ الْقَوْلُ بِمَا فِي النِّهَايَةِ، وَقَدْ ظَهَرَ لِلْعَبْدِ الضَّعِيفِ أَنَّ مَشَايِخَنَا يَعْتَبِرُونَ الْأَحْوَالَ عِنْدَ تَعَدُّدِ الشَّرْطِ، وَعِنْدَ التَّعْلِيقِ بِشَرْطٍ وَاحِدٍ لَهُ جُزْءَانِ كَمَسْأَلَتِنَا. (قَوْلُهُ: فَإِنَّ الْعِتْقَ مُعَلَّقٌ عَلَى شَرْطٍ لَهُ جُزْءَانِ) أَحَدُهُمَا وِلَادَةُ الْغُلَامِ وَثَانِيهِمَا كَوْنُهُ أَوَّلٌ فَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا إذَا تَحَقَّقَ وُجُودُ الْبَعْضِ وَوَقَعَ التَّرَدُّدُ فِي تَعْيِينِهِ فَحِينَئِذٍ تُعْتَبَرُ الْأَحْوَالُ فَإِنَّ فِي مَسْأَلَتِنَا تَحَقَّقَ وِلَادَةُ الْغُلَامِ لَكِنْ لَمْ يَدْرِ أَنَّهُ أَوَّلُ بِخِلَافِ التَّعْلِيقِ بِدُخُولِ الدَّارِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّ الشَّرْطَ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ وُجُودُهُ فَلَا تُعْتَبَرُ الْأَحْوَالُ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الشَّرْطَ إذَا كَانَ مُرَكَّبًا مِنْ جُزْأَيْنِ فَهُوَ كَالتَّعْلِيقِ بِشَرْطَيْنِ وَبِهَذَا التَّقْدِيرِ يَصِحُّ مَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَتَتَوَافَقُ الْفُرُوعُ مَعَ الْأُصُولِ كَمَا لَا يَخْفَى وَالْمُرَادُ بِعَدَمِ عِلْمِ الْأَوَّلِ تَصَادُقُهُمْ عَلَى عَدَمِ مَعْرِفَةِ الْأَوَّلِ وَقَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ وِلَادَةَ الْغُلَامِ أَوَّلًا أَوْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ وِلَادَةَ الْجَارِيَةِ أَوَّلًا فَلَا يَعْتِقُ أَحَدٌ فِي الثَّانِي وَيَعْتِقُ كُلُّ الْأُمِّ وَالْجَارِيَةِ فِي الْأَوَّلِ فَهِيَ ثَلَاثَةٌ وَالرَّابِعَةُ لَوْ اخْتَلَفَا فَادَّعَتْ الْأُمُّ وِلَادَةَ الْغُلَامِ أَوَّلًا وَأَنْكَرَ الْمَوْلَى وَالْجَارِيَةُ صَغِيرَةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ شَرْطَ الْعِتْقِ وَيَحْلِفُ عَلَى الْعِلْمِ؛ لِأَنَّهُ فِعْلُ الْغَيْرِ فَإِنْ حَلَفَ لَمْ يَعْتِقْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا إلَّا أَنْ تُقِيمَ الْبَيِّنَةَ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِنْ نَكَلَ عَتَقَتْ الْأُمُّ وَالْبِنْتُ؛ لِأَنَّ دَعْوَى الْأُمِّ حُرِّيَّةَ الصَّغِيرِ مُعْتَبَرَةٌ؛ لِأَنَّهَا نَفْعٌ مَحْضٌ وَلَهَا عَلَيْهَا وِلَايَةٌ لَا سِيَّمَا إذَا لَمْ يُعْرَفْ لَهَا أَبٌ، الْخَامِسَةُ أَنْ تَدَّعِيَ الْأُمُّ بِأَنَّ الْغُلَامَ هُوَ الْأَوَّلُ وَلَمْ تَدَّعِ الْبِنْتَ وَهِيَ كَبِيرَةٌ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ الْمَوْلَى فَإِنْ حَلَفَ لَمْ يَعْتِقْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ وَإِنْ نَكَلَ عَتَقَتْ الْأُمُّ دُونَ الْبِنْتِ؛ لِأَنَّ النُّكُولَ حُجَّةٌ ضَرُورِيَّةٌ فَلَا تَتَعَدَّى وَلَا ضَرُورَةَ فِي غَيْرِ الْمُدَّعِيَةِ هَكَذَا ذَكَرُوا، وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّهَا لَوْ أَقَامَتْ الْبَيِّنَةَ تَتَعَدَّى، السَّادِسَةُ أَنْ تَدَّعِيَ الْبِنْتُ وَهِيَ كَبِيرَةٌ أَنَّ الْغُلَامَ هُوَ الْأَوَّلُ وَلَمْ تَدَّعِ الْأُمُّ فَتَعْتِقُ الْبِنْتُ إذَا نَكَلَ دُونَ الْأُمِّ لِمَا ذَكَرْنَا. وَقَيَّدَ بِكَوْنِ الشَّرْطِ وَاحِدًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُتَعَدِّدًا فَهُوَ عَلَى وُجُوهٍ الْأَوَّلُ لَوْ قَالَ إنْ كَانَ أَوَّلُ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ غُلَامًا فَأَنْتِ حُرَّةٌ وَإِنْ كَانَ جَارِيَةً فَهِيَ حُرَّةٌ فَوَلَدَتْهُمَا فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ أَوَّلًا عَتَقَ الْأُمُّ وَالْجَارِيَةُ لَا غَيْرُ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ الْجَارِيَةَ هِيَ الْأُولَى عَتَقَتْ لَا غَيْرُ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَالْجَارِيَةُ حُرَّةٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَالْغُلَامُ عَبْدٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَيَعْتِقُ نِصْفُ الْأُمِّ وَتَسْعَى فِي نِصْفِ قِيمَتِهَا وَإِنْ اخْتَلَفَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْلَى، الثَّانِي لَوْ قَالَ إنْ كَانَ أَوَّلُ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ غُلَامًا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَلَا شَكَّ أَنَّ الْوِلَادَةَ مِمَّا يُمْكِنُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهَا) قَالَ فِي النَّهْرِ لَا يَخْفَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْوِلَادَةِ مُطْلَقُهَا بَلْ الَّتِي الْكَلَامُ فِيهَا وَهُوَ كَوْنُ الْغُلَامِ أَوَّلًا وَهَذَا مَعَ وِلَادَتِهِمَا فِي حَمْلٍ وَاحِدٍ مِمَّا يَخْفَى غَالِبًا. (قَوْلُهُ: فَالْحَاصِلُ أَنَّ الشَّرْطَ إذَا كَانَ مُرَكَّبًا إلَخْ) تَتَوَقَّفُ صِحَّةُ هَذَا التَّعْمِيمِ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْحُكْمِ فِي قَوْلِهِ لِعَبْدِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ قَبْلَ زَيْدٍ فَأَنْت حُرٌّ، وَوُجِدَ الدُّخُولُ وَلَمْ تُدْرَ الْقَبْلِيَّةُ فَإِنَّ مُقْتَضَى مَا ذَكَرَهُ اعْتِبَارُ الْأَحْوَالِ مَعَ أَنَّ الرِّقَّ ثَابِتٌ بِيَقِينٍ وَوَقَعَ الشَّكُّ فِي زَوَالِهِ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِوُقُوعِ الْجُزْءِ الْآخَرِ تَأَمَّلْ.. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 271 فَهُوَ حُرٌّ وَإِنْ كَانَتْ جَارِيَةً فَأَنْت حُرَّةٌ فَوَلَدَتْهُمَا فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ الْأَوَّلُ عَتَقَ هُوَ لَا غَيْرُ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهَا أَوَّلًا عَتَقَتْ الْأُمُّ وَالْغُلَامُ لَا غَيْرُ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَالْغُلَامُ حُرٌّ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَالْجَارِيَةُ رَقِيقَةٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَيَعْتِقُ نِصْفُ الْأُمِّ، الثَّالِثُ أَنْ تَلِدَ غُلَامَيْنِ وَجَارِيَتَيْنِ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَإِنْ عَلِمَ أَنَّ الْأَوَّلَ ذَكَرٌ عَتَقَ هُوَ لَا غَيْرُ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ جَارِيَةٌ فَهِيَ رَقِيقَةٌ وَمَنْ سِوَاهَا أَحْرَارٌ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْأَوَّلَ يَعْتِقُ مِنْ الْغُلَامَيْنِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ وَيَسْعَى فِي رُبْعِ قِيمَتِهِ وَيَعْتِقُ مِنْ الْأُمِّ نِصْفُهَا وَيَعْتِقُ مِنْ الْبُنَيَّتَيْنِ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ رُبْعُهَا، الرَّابِعُ لَوْ قَالَ إذَا وَلَدْت غُلَامًا، ثُمَّ جَارِيَةً فَأَنْت حُرَّةٌ وَإِنْ وَلَدْت جَارِيَةً، ثُمَّ غُلَامًا فَالْغُلَامُ حُرٌّ فَوَلَدَتْهُمَا فَإِنْ كَانَ الْغُلَامُ أَوَّلًا عَتَقَتْ الْأُمُّ، وَالْغُلَامُ وَالْجَارِيَةُ رَقِيقَانِ، وَإِنْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ أَوَّلًا عَتَقَ الْغُلَامُ، وَالْأُمُّ وَالْجَارِيَةُ رَقِيقَانِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْأَوَّلَ بِاتِّفَاقِهِمَا فَالْجَارِيَةُ رَقِيقَةٌ. أَمَّا الْغُلَامُ وَالْأُمُّ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُهُ وَإِنْ اخْتَلَفَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْلَى مَعَ يَمِينِهِ، الْخَامِسُ لَوْ وَلَدَتْ غُلَامَيْنِ وَجَارِيَتَيْنِ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَإِنْ وَلَدَتْ غُلَامَيْنِ، ثُمَّ جَارِيَتَيْنِ عَتَقَتْ الْأُمُّ وَعَتَقَتْ الْجَارِيَةُ الثَّانِيَةُ بِعِتْقِهَا وَبَقِيَ الْغُلَامَانِ وَالْجَارِيَةُ الْأُولَى رَقِيقًا، وَإِنْ وَلَدَتْ غُلَامًا، ثُمَّ جَارِيَتَيْنِ، ثُمَّ غُلَامًا عَتَقَتْ الْأُمُّ وَالْجَارِيَةُ الثَّانِيَةُ وَالْغُلَامُ الثَّانِي بِعِتْقِ الْأُمِّ، وَإِنْ وَلَدَتْ جَارِيَتَيْنِ، ثُمَّ غُلَامَيْنِ عَتَقَ الْغُلَامُ الْأَوَّلُ وَبَقِيَ مَنْ سِوَاهُ رَقِيقًا، وَكَذَا إذَا وَلَدَتْ جَارِيَةً، ثُمَّ غُلَامَيْنِ، ثُمَّ جَارِيَةً عَتَقَ الْغُلَامُ الْأَوَّلُ لَا غَيْرُ، وَكَذَا إذَا وَلَدَتْ جَارِيَةً، ثُمَّ غُلَامًا، ثُمَّ جَارِيَةً، ثُمَّ غُلَامًا عَتَقَ الْغُلَامُ الْأَوَّلُ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِاتِّفَاقِهِمْ يَعْتِقُ مِنْ الْأَوْلَادِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ رُبْعُهُ وَيَعْتِقُ مِنْ الْأُمِّ نِصْفُهَا وَإِنْ اخْتَلَفُوا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْلَى مَعَ يَمِينِهِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ بِحَذْفِ التَّعْلِيلِ. (قَوْلُهُ: لَوْ شَهِدَا أَنَّهُ حَرَّرَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ أَوْ أَمَتَيْهِ لَغَتْ إلَّا أَنْ تَكُونَ فِي وَصِيَّةٍ أَوْ طَلَاقٍ مُبْهَمٍ) وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ، وَقَالَا الشَّهَادَةُ مَقْبُولَةٌ وَيُؤْمَرُ بِأَنْ يُوقِعَ الْعِتْقَ عَلَى أَحَدِهِمَا قِيَاسًا عَلَى مَا إذَا شَهِدَا أَنَّهُ طَلَّقَ إحْدَى نِسَائِهِ فَإِنَّهَا جَائِزَةٌ وَيُجْبَرُ عَلَى أَنْ يُطَلِّقَ إحْدَاهُنَّ بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ أَوْ طَلَاقٍ مُبْهَمٍ وَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ؛ لِأَنَّ صَدْرَ الْكَلَامِ لَمْ يَتَنَاوَلْ آخِرَهُ وَفَرَّقَ الْإِمَامُ بَيْنَهُمَا أَمَّا فِي عِتْقِ الْعَبْدِ فَالْفَرْقُ أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى عِتْقِ الْعَبْدِ لَمْ تُقْبَلْ مِنْ غَيْرِ دَعْوَى الْعَبْدِ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ هُنَا؛ لِأَنَّ الدَّعْوَى مِنْ الْمَجْهُولِ لَا تَتَحَقَّقُ فَلَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ، وَعِنْدَهُمَا لَمَّا لَمْ تَكُنْ دَعْوَاهُ شَرْطًا قُبِلَتْ أَمَّا فِي الطَّلَاقِ فَعَدَمُ الدَّعْوَى لَا يُوجِبُ خَلَلًا فِي الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِيهِ، أَمَّا فِي عِتْقِ الْأَمَةِ فَإِنَّهَا لَا تُقْبَلُ عِنْدَهُ وَإِنْ كَانَتْ الدَّعْوَى لَيْسَتْ شَرْطًا فِيهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا لَمْ تُشْتَرَطْ الدَّعْوَى لِمَا أَنَّهُ يَتَضَمَّنُ تَحْرِيمَ الْفَرْجِ فَشَابَهَ الطَّلَاقَ لَكِنْ الْعِتْقُ الْمُبْهَمُ لَا يُوجِبُ تَحْرِيمَ الْفَرْجِ عِنْدَهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فَصَارَ كَالشَّهَادَةِ عَلَى عِتْقِ أَحَدِ الْعَبْدَيْنِ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي وَصِيَّةٍ أَنَّهُمَا شَهِدَا أَنَّهُ أَعْتَقَهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ فَإِنَّ الْقِيَاسَ أَنْ لَا تُقْبَلَ لِمَا ذَكَرْنَا وَالِاسْتِحْسَانُ قَبُولُهَا؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ فِي الْمَرَضِ وَصِيَّةٌ وَالْخَصْمُ مَعْلُومٌ وَهُوَ الْمُوصِي وَلَهُ خَلَفٌ وَهُوَ الْوَصِيُّ أَوْ الْوَارِثُ فَتَتَحَقَّقُ الدَّعْوَى مِنْ الْخَلَفِ؛ وَلِأَنَّ الْعِتْقَ يَشِيعُ بِالْمَوْتِ فِيهِمَا فَصَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُعَيِّنًا، وَكَذَا لَوْ شَهِدَا عَلَى تَدْبِيرِ أَحَدِهِمَا سَوَاءٌ كَانَ فِي صِحَّتِهِ أَوْ مَرَضِهِ؛ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ، وَلَوْ فِي الصِّحَّةِ وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي شَهَادَتِهِمَا بِعِتْقِ أَحَدِ الْعَبْدَيْنِ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَتْ الشَّهَادَةُ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى وَهُوَ قَوْلُ الْبَعْضِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ فِي الصِّحَّةِ لَيْسَ بِوَصِيَّةٍ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا. وَالْأَصَحُّ قَبُولُهَا اعْتِبَارًا لِلشُّيُوعِ لِمَا عُرِفَ أَنَّ الْحُكْمَ إذَا عُلِّلَ بِعِلَّتَيْنِ لَا يَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ أَحَدِهِمَا فَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ فِي حَيَاتِهِ كَمَا لَا يَخْفَى لَكِنْ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ شُيُوعُ الْعِتْقِ الَّذِي هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى صِحَّةِ كَوْنِ الْعَبْدَيْنِ مُدَّعِيَيْنِ يَتَوَقَّفُ عَلَى ثُبُوتِ قَوْلِهِ أَحَدُكُمَا حُرٌّ وَلَا مُثْبِتَ لَهُ إلَّا الشَّهَادَةُ وَصِحَّتُهَا مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى الدَّعْوَى الصَّحِيحَةِ مِنْ الْخَصْمِ فَصَارَ ثُبُوتُ شُيُوعِ الْعِتْقِ مُتَوَقِّفًا عَلَى ثُبُوتِ الشَّهَادَةِ فَلَوْ أَثْبَتَتْ الشَّهَادَةَ بِصِحَّةِ خُصُومَتِهَا وَهِيَ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى ثُبُوتِ الْعِتْقِ فِيهِمَا شَائِعًا لَزِمَ الدَّوْرُ، وَإِذَا لَمْ يَتِمَّ وَجْهُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ اسْتِثْنَاءٌ مُتَّصِلٌ يَعْنِي لَغَتْ الشَّهَادَةُ فِي كُلِّ الْأَحْوَالِ إلَّا فِي هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ وَمَا فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّهُ مُنْقَطِعٌ فَفِيهِ نَظَرٌ لَا يَخْفَى اهـ. قُلْتُ: وَفِيهِ نَظَرٌ لَا يَخْفَى فَإِنَّهُ وَإِنْ صَحَّ فِي الْأُولَى لَا يَصِحُّ فِي الثَّانِيَةِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 272 ثُبُوتِ هَذِهِ الشَّهَادَةِ عَلَى قَوْلِهِ لَزِمَ تَرْجِيحُ الْقَوْلِ بِعَدَمِ قَبُولِهَا وَعَلَى هَذَا يَبْطُلُ الْوَجْهُ الثَّانِي مِنْ وَجْهَيْ الِاسْتِحْسَانِ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ اهـ. أَقُولُ: إنَّ هَذَا مِنْ الْعَجَبِ الْعُجَابِ مِنْ هَذَا الْمُحَقَّقِ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ كَوْنِهِمَا مُدَّعِيَيْنِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الثُّبُوتِ إذْ يَلْزَمُ مِثْلُهُ فِي كُلِّ دَعْوَى بِأَنْ يُقَالَ صِحَّةُ كَوْنِهِ مُدَّعِيًا مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى ثُبُوتِ قَوْلِهِ وَثُبُوتُ قَوْلِهِ مُتَوَقِّفٌ عَلَى تَقَدُّمِ الدَّعْوَى الصَّحِيحَةِ وَإِنَّمَا صِحَّةُ الدَّعْوَى مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى كَوْنِ الْمُدَّعَى مَعْلُومًا مَعَ بَقِيَّةِ الشَّرَائِطِ فَإِذَا كَانَ الْمَوْلَى حَيًّا لَمْ يَدَّعِ كُلٌّ مِنْهُمَا عِتْقَ نَفْسِهِ لِجَهَالَةِ الْمُعْتِقِ فَلَمْ تُسْمَعْ الشَّهَادَةُ لِعَدَمِ تَقَدُّمِ الدَّعْوَى، وَإِذَا مَاتَ الْمَوْلَى شَاعَ الْعِتْقُ فَجَازَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّ نِصْفَهُ حُرٌّ فَإِذَا ادَّعَى ذَلِكَ سُمِعَتْ دَعْوَاهُ وَقُبِلَ بُرْهَانُهُ فَقَدْ ظَهَرَ صِحَّةُ الْوَجْهِ الثَّانِي وَبُطْلَانُ قَوْلِ مَنْ زَعَمَ بُطْلَانَهُ وَلِهَذَا صَحَّحَ الْقَوْلَ الْمَذْكُورَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَالْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي وَارْتَضَاهُ الشَّارِحُونَ وَاَللَّهُ هُوَ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ، وَشَمِلَ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ مَا إذَا كَانَ الْعَبْدَانِ يَدَّعِيَانِ الْعِتْقَ أَوْ أَحَدُهُمَا كَمَا فِي الْبَدَائِعِ. وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُمَا لَوْ شَهِدَا أَنَّهُ حَرَّرَ أَمَةً بِعَيْنِهَا وَسَمَّاهَا فَنَسِيَا اسْمَهَا لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَشْهَدَا بِمَا تَحَمَّلَاهُ وَهُوَ عِتْقُ مَعْلُومَةٍ، بَلْ مَجْهُولَةٌ، وَكَذَا الشَّهَادَةُ عَلَى طَلَاقِ إحْدَى زَوْجَتَيْهِ وَسَمَّاهَا فَنَسِيَاهَا، وَعِنْدَ زُفَرَ تُقْبَلُ وَيُجْبَرُ عَلَى الْبَيَانِ وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُمَا كَقَوْلِ زُفَرَ فِي هَذَا؛ لِأَنَّهَا كَشَهَادَتِهِمَا عَلَى عِتْقِ إحْدَى أَمَتَيْهِ وَطَلَاقِ إحْدَى زَوْجَتَيْهِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ شَهِدَا أَنَّهُ أَعْتَقَ عَبْدَهُ سَالِمًا وَلَهُ عَبْدٌ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ اسْمُهُ سَالِمٌ وَالْمَوْلَى يَجْحَدُ لَمْ يَعْتِقْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الدَّعْوَى لِقَبُولِ هَذِهِ الشَّهَادَةِ عِنْدَهُ وَلَا يَتَحَقَّقُ هُنَا مِنْ الْمَشْهُودِ لَهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُعَيِّنٍ مِنْهُمَا فَصَارَتْ كَمَسْأَلَةِ الْكِتَابِ الْخِلَافِيَّةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ لَهُ عَبْدٌ وَاحِدٌ اسْمُهُ سَالِمٌ وَشَهِدَا أَنَّهُ أَعْتَقَ عَبْدَهُ سَالِمًا وَلَا يَعْرِفُونَهُ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مُتَعَيِّنًا لَمَّا أَوْجَبَهُ وَكَوْنُ الشُّهُودِ لَا يَعْرِفُونَ عَيْنَ الْمُسَمَّى لَا يَمْنَعُ قَبُولَ شَهَادَتِهِمْ كَمَا أَنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي بِالْعِتْقِ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ وَهُوَ لَا يَعْرِفُ الْعَبْدَ بِخِلَافِ مَا لَوْ شَهِدُوا بِبَيْعِهِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَذَكَرَ فُرُوعًا أُخْرَى هُنَا تُنَاسِبُ الشَّهَادَاتِ أَخَّرْنَا ذِكْرَهَا إلَيْهَا وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالْإِعْتَاقِ أَنَّ الْبَيْعَ لَا يَحْتَمِلُ الْجَهَلَةَ أَصْلًا وَالْعِتْقُ يَحْتَمِلُ ضَرْبًا مِنْهَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ إحْدَى الْعَبْدَيْنِ وَيَجُوزُ عِتْقُ أَحَدِهِمَا كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (بَابُ الْحَلِفِ بِالدُّخُولِ) هَكَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَالْأَوْلَى بَابُ الْحَلِفِ بِالْعِتْقِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُرَادُ مِنْهُ أَنْ يُجْعَلَ الْعِتْقُ جَزَاءً عَلَى الْحَلِفِ بِأَنْ يُعَلِّقَ الْعِتْقَ بِشَيْءٍ وَهُوَ شُرُوعٌ فِي بَيَانِ التَّعْلِيقِ بَعْدَمَا ذَكَرَ مَسَائِلَ التَّنْجِيزِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ مَسْأَلَةَ التَّعْلِيقِ بِالْوِلَادَةِ فِي بَابِ عِتْقِ الْبَعْضِ لِبَيَانِ أَنَّهُ يَعْتِقُ مِنْهُ الْبَعْضُ عِنْدَ عَدَمِ الْعِلْمِ، وَالْحَلِفُ بِفَتْحِ الْحَاءِ مَعَ سُكُونِ اللَّامِ وَكَسْرِهَا مَصْدَرُ قَوْلِهِمْ حَلَفَ بِاَللَّهِ يَحْلِفُ حَلْفًا وَحَلِفًا الْقَسَمُ وَبِكَسْرِ الْحَاءِ مَعَ سُكُونِ اللَّامِ الْعَهْدُ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ قَالَ إنْ دَخَلْت فَكُلُّ مَمْلُوكٍ لِي يَوْمَئِذٍ حُرٌّ عَتَقَ مَا يَمْلِكُهُ بَعْدَهُ بِهِ) أَيْ بَعْدَ هَذَا الْقَوْلِ بِالدُّخُولِ؛ لِأَنَّ التَّنْوِينَ فِي يَوْمِئِذٍ عِوَضٌ عَنْ الْجُمْلَةِ الْمُضَافِ إلَيْهَا لَفْظُ إذْ تَقْدِيرُهُ إذْ دَخَلْت وَلَفْظُ يَوْمٍ ظَرْفٌ لِلْمَمْلُوكِ فَكَانَ التَّقْدِيرُ كُلُّ مَنْ يَكُونُ فِي مِلْكِي وَقْتَ الدُّخُولِ حُرٌّ، وَهَذَا فِي الْحَقِيقَةِ إضَافَةُ عِتْقِ الْمَمْلُوكِ يَوْمَ الدُّخُولِ إلَى يَوْمِ الدُّخُولِ وَالْمَمْلُوكُ لَا يَكُونُ إلَّا بِمِلْكٍ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ إنْ مَلَكْت مَمْلُوكًا وَقْتَ الدُّخُولِ فَهُوَ حُرٌّ وَهُوَ يَصْدُقُ بِمِلْكٍ قَبْلَ الدُّخُولِ يُقَارِنُ بَقَاءَهُ الدُّخُولُ فَكَأَنَّهُ إضَافَةُ الْعِتْقِ إلَى الْمِلْكِ الْمَوْجُودِ عِنْدَ الدُّخُولِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ لِعَبْدِ غَيْرِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَعَبْدِي   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: إذْ يَلْزَمُ مِثْلُهُ فِي كُلِّ دَعْوَى إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ لُزُومُ مِثْلِهِ فِي كُلِّ دَعْوَى مَمْنُوعٌ إذْ الْكَلَامُ فِي ثُبُوتِ صِحَّةِ الدَّعْوَى عَلَيْهِ وَهُوَ كَوْنُ الْمُدَّعِي خَصْمًا مَعْلُومًا كَمَا اعْتَرَفَ بِهِ وَهُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى الشَّهَادَةِ وَلَا وُجُودَ لِهَذَا الْمَعْنَى فِي كُلِّ دَعْوَى نَعَمْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لَا نُسَلِّمُ تَوَقُّفَ الشُّيُوعِ عَلَى ثُبُوتِ قَوْلِهِ أَحَدُهُمَا بَلْ عَلَى صُدُورِهِ مِنْهُ فَإِذَا ادَّعَيَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا فَقَدْ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ أَنَّهُ عَتَقَ نِصْفُهُ فَإِذَا بَرْهَنَ عَلَى ذَلِكَ قَبْلَ بُرْهَانِهِ اهـ. فَلْيُتَأَمَّلْ. [بَابُ الْحَلِفِ بِالدُّخُولِ] الجزء: 4 ¦ الصفحة: 273 حُرٌّ فَاشْتَرَاهُ فَدَخَلَ لَا يَعْتِقُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُضِفْ الْعِتْقَ إلَى مِلْكِهِ صَرِيحًا وَلَا مَعْنًى. وَالْمُرَادُ بِالْيَوْمِ هُنَا مُطْلَقُ الْوَقْتِ حَتَّى لَوْ دَخَلَ لَيْلًا عَتَقَ مَا فِي مِلْكِهِ؛ لِأَنَّهُ أُضِيفَ إلَى فِعْلٍ لَا يَمْتَدُّ وَهُوَ الدُّخُولُ وَإِنْ كَانَ فِي اللَّفْظِ إنَّمَا أُضِيفَ إلَى لَفْظِ إذْ الْمُضَافَةِ لِلدُّخُولِ لَكِنْ مَعْنَى إذْ غَيْرُ مُلَاحَظٍ وَإِلَّا كَانَ الْمُرَادُ يَوْمَ وَقْتِ الدُّخُولِ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ يُمْكِنُ عَلَى مَعْنَى يَوْمِ الْوَقْتِ الَّذِي فِيهِ الدُّخُولُ تَقْيِيدُ الْيَوْمِ بِهِ لَكِنْ إذَا أُرِيدَ بِهِ مُطْلَقُ الْوَقْتِ يَصِيرُ الْمَعْنَى وَقْتَ وَقْتِ الدُّخُولِ وَنَحْنُ نَعْلَمُ مِثْلَهُ كَثِيرًا فِي الِاسْتِعْمَالِ الْفَصِيحِ كَنَحْوِ {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ} [الروم: 4] {بِنَصْرِ اللَّهِ} [الروم: 5] . وَلَا يُلَاحَظُ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يُلَاحَظُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَقْتَ يَغْلِبُونَ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ وَلَا يَوْمَ وَقْتِ يَغْلِبُونَ يَفْرَحُونَ وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَغَيْرِهِ فَعُرِفَ أَنَّ لَفْظَ إذْ لَمْ يُذْكَرْ إلَّا تَكْثِيرًا لِلْعِوَضِ عَنْ الْجُمْلَةِ الْمَحْذُوفَةِ أَوْ عِمَادًا لَهُ أَعْنِي التَّنْوِينَ لِكَوْنِهِ حَرْفًا وَاحِدًا سَاكِنًا تَحْسِينًا لَمْ يُلَاحَظْ مَعْنَاهَا وَمِثْلُهُ كَثِيرٌ فِي أَقْوَالِ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ فِي بَعْضِ الْأَلْفَاظِ لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ لَهُ نَظَرٌ فِيهَا كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ عَتَقَ مَا هُوَ مَمْلُوكٌ لَهُ وَقْتَ الدُّخُولِ لَكَانَ أَظْهَرَ؛ لِأَنَّ مَا كَانَ فِي مِلْكِهِ وَقْتَ الْحَلِفِ وَاسْتَمَرَّ إلَى وَقْتِ الدُّخُولِ لَمْ يَمْلِكْهُ بَعْدَ الْيَمِينِ مِلْكًا مُتَجَدِّدًا، وَفِي الْبَدَائِعِ لَوْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ الْيَوْمَ فَهُوَ حُرٌّ وَلَا نِيَّةَ لَهُ وَلَهُ مَمْلُوكٌ فَاسْتَفَادَ فِي يَوْمِهِ ذَلِكَ مَمْلُوكًا آخَرَ عَتَقَ مَا فِي مِلْكِهِ وَمَا اسْتَفَادَ مِلْكَهُ فِي الْيَوْمِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ هَذَا الشَّهْرَ أَوْ هَذِهِ السَّنَةَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا وَقَّتَ بِالْيَوْمِ أَوْ الشَّهْرِ أَوْ السَّنَةِ فَلَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ التَّوْقِيتُ مُفِيدًا، وَلَوْ لَمْ يَتَنَاوَلْ إلَّا مَا فِي مِلْكِهِ يَوْمَ الْحَلِفِ لَمْ يَكُنْ مُفِيدًا فَإِنْ قَالَ عَنَيْت أَحَدَ الصِّنْفَيْنِ دُونَ الْآخَرِ لَمْ يُدَنْ فِي الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ نَوَى تَخْصِيصَ الْعُمُومِ وَأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَلَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ وَيُصَدَّقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مُطَّلِعٌ عَلَى نِيَّتِهِ وَفِي الْبَدَائِعِ أَيْضًا لَوْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَشْتَرِيهِ فَهُوَ حُرٌّ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا أَوْ إذَا كَلَّمْت فُلَانًا أَوْ إذَا جَاءَ الْغَدُ وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَهَذَا يَقَعُ عَلَى مَا يَشْتَرِيهِ قَبْلَ الْكَلَامِ فَكُلُّ مَمْلُوكٍ اشْتَرَاهُ قَبْلَ الْكَلَامِ، ثُمَّ كَلَّمَ عَتَقَ وَمَا اشْتَرَاهُ بَعْدَ الْكَلَامِ لَا يَعْتِقُ، وَلَوْ قَدَّمَ الشَّرْطَ فَقَالَ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا أَوْ إذَا كَلَّمْت فُلَانًا أَوْ إذَا جَاءَ غَدٌ فَكُلُّ مَمْلُوكٍ اشْتَرِيهِ فَهُوَ حُرٌّ فَهَذَا عَلَى مَا يَشْتَرِيهِ بَعْدَ الْكَلَامِ لَا قَبْلَهُ حَتَّى لَوْ كَانَ اشْتَرَى مَمَالِيكَ قَبْلَ الْكَلَامِ، ثُمَّ كَلَّمَ لَا يَعْتِقُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ وَمَا اشْتَرَاهُ بَعْدَهُ يَعْتِقُ. وَلَوْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ اشْتَرِيهِ إذَا دَخَلْت الدَّارَ فَهُوَ حُرٌّ أَوْ قَالَ إنْ قَدِمَ فُلَانٌ فَهَذَا عَلَى مَا يَشْتَرِي بَعْدَ الْفِعْلِ الَّذِي حَلَفَ عَلَيْهِ وَلَا يَعْتِقُ مَا اشْتَرَى قَبْلَ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يُعَيِّنَهُمْ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ لَمْ يَقُلْ يَوْمَئِذٍ لَا) أَيْ لَا يَعْتِقُ مَا يَمْلِكُهُ بَعْدَهُ وَإِنَّمَا يَعْتِقُ مَنْ كَانَ فِي مِلْكِهِ وَقْتَ التَّكَلُّمِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي يَخْتَصُّ بِالْحَالِ وَالْجَزَاءُ حُرِّيَّةُ الْمَمْلُوكِ فِي الْحَالِ يَتَعَلَّقُ فِي الْحَالِ بِمَمْلُوكٍ أَيْ الْمَمْلُوكِ فِي الْحَالِ حُرِّيَّتُهُ هِيَ الْجَزَاءُ وَإِنَّمَا كَانَتْ لِلْحَالِ؛ لِأَنَّ الْمُخْتَارَ فِي الْوَصْفِ مِنْ اسْمِ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ أَنَّ مَعْنَاهُ قَائِمٌ حَالَ التَّكَلُّمِ بِمَنْ نُسِبَ إلَيْهِ عَلَى وَجْهِ قِيَامِهِ بِهِ أَوْ وُقُوعِهِ عَلَيْهِ، وَاللَّامُ لِلِاخْتِصَاصِ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ شَيْءٌ يَوْمَ حَلَفَ كَانَ الْيَمِينُ لَغْوًا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْعِتْقِ مُعَلَّقًا كَمَا فِي الْكِتَابِ أَوْ مُنَجَّزًا وَسَوَاءٌ قَدَّمَ الشَّرْطَ أَوْ أَخَّرَهُ وَسَوَاءٌ كَانَ التَّعْلِيقُ بِإِنْ كَمَا فِي الْكِتَابِ أَوْ بِغَيْرِهَا كَإِذَا دَخَلْت أَوْ إذَا مَا أَوْ مَتَى أَوْ مَتَى مَا، وَقَوْلُهُ لِي لَيْسَ بِقَيْدٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ فَهُوَ حُرٌّ وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ فِي مِلْكِهِ يَوْمَ حَلَفَ فَقَطْ؛ لِأَنَّ صِيغَةَ افْعَلْ وَإِنْ كَانَتْ تُسْتَعْمَلُ لِلْحَالِ وَالِاسْتِقْبَالِ لَكِنْ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ يُرَادُ بِهِ الْحَالُ عُرْفًا وَشَرْعًا وَلُغَةً أَمَّا الْعُرْفُ فَإِنَّ مَنْ قَالَ فُلَانٌ يَأْكُلُ أَوْ يَشْرَبُ أَوْ يَفْعَلُ كَذَا يُرِيدُ بِهِ الْحَالَ وَيَقُولُ الرَّجُلُ مَا أَمْلِكُ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَيُرِيدُ بِهِ الْحَالَ، أَمَّا الشَّرْعُ فَإِنَّ مَنْ قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ يَكُونُ مُؤْمِنًا، وَلَوْ قَالَ أَشْهَدُ أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ كَذَا كَانَ شَاهِدًا. أَمَّا اللُّغَةُ فَإِنَّ هَذِهِ   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 274 الصِّيغَةَ مَوْضُوعَةٌ لِلْحَالِ عَلَى طَرِيقِ الْأَصَالَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْحَالِ صِيغَةٌ أُخْرَى وَلِلِاسْتِقْبَالِ سِينٌ وَسَوْفَ فَكَانَتْ الْحَالُ أَصْلًا فِيهَا وَالِاسْتِقْبَالُ دَخِيلًا فَعِنْدَ الْإِطْلَاقِ يَنْصَرِفُ إلَى الْحَالِ، وَلَوْ قَالَ عَنَيْت بِهِ مَا أَسْتَقْبِلُ مِلْكَهُ عَتَقَ مَا مَلَكَهُ لِلْحَالِ وَمَا اُسْتُحْدِثَ الْمِلْكُ فِيهِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ ظَاهِرَهَا لِلْحَالِ وَبِنِيَّتِهِ يَصْرِفُهُ عَنْ ظَاهِرِهِ فَلَا يُصَدَّقُ فِيهِ وَيُصَدَّقُ فِي قَوْلِهِ أَرَدْت مَا يَحْدُثُ مِلْكِي فِيهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَيَعْتِقُ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ كَمَا إذَا قَالَ زَيْنَبُ طَالِقٌ وَلَهُ امْرَأَةٌ مَعْرُوفَةٌ بِهَذَا الِاسْمِ، ثُمَّ قَالَ لِي امْرَأَةٌ أُخْرَى بِهَذَا الِاسْمِ عَنَيْتهَا طَلُقَتْ الْمَعْرُوفَةُ بِظَاهِرِ اللَّفْظِ وَالْمَجْهُولَةُ بِاعْتِرَافِهِ كَذَا هَا هُنَا، وَكَذَا لَوْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ السَّاعَةَ فَهُوَ حُرٌّ إنَّ هَذَا يَقَعُ عَلَى مَا فِي مِلْكِهِ وَقْتَ الْيَمِينِ وَلَا يَعْتِقُ مَا يَسْتَفِيدُهُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَوَى ذَلِكَ فَيَلْزَمُهُ مَا نَوَى؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ السَّاعَةِ الْمَذْكُورَةِ هِيَ السَّاعَةُ الْمَعْرُوفَةُ عِنْدَ النَّاسِ وَهِيَ الْحَالُ لَا السَّاعَةُ الزَّمَانِيَّةُ الَّتِي يَذْكُرُهَا الْمُنَجِّمُونَ فَيَتَنَاوَلُ هَذَا الْكَلَامُ مَنْ كَانَ فِي مِلْكِهِ وَقْتَ التَّكَلُّمِ لَا مَنْ يَسْتَفِيدُهُ مِنْ بَعْدُ فَإِنْ قَالَ أَرَدْت بِهِ مَنْ أَسْتَفِيدُهُ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ الزَّمَانِيَّةِ يُصَدَّقُ فِيهِ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَحْتَمِلُهُ وَفِيهِ تَشْدِيدٌ عَلَى نَفْسِهِ، وَلَكِنْ لَا يُصَدَّقُ فِي صَرْفِ اللَّفْظِ عَمَّنْ يَكُونُ فِي مِلْكِهِ لِلْحَالِ وَسَوَاءٌ أَطْلَقَ أَوْ عَلَّقَ بِشَرْطٍ قَدَّمَ الشَّرْطَ أَوْ أَخَّرَهُ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ: وَالْمَمْلُوكُ لَا يَتَنَاوَلُ الْحَمْلَ) لِأَنَّ اللَّفْظَ يَتَنَاوَلُ الْمَمْلُوكَ الْمُطْلَقَ، وَالْجَنِينُ مَمْلُوكٌ تَبَعًا لِلْأُمِّ لَا مَقْصُودًا؛ وَلِأَنَّهُ عُضْوٌ مِنْ وَجْهٍ وَاسْمُ الْمَمْلُوكِ يَتَنَاوَلُ الْأَنْفُسِ دُونَ الْأَعْضَاءِ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ بَيْعَهُ مُنْفَرِدًا وَلَا يُجْزِئُ عِتْقُهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ فَلَوْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ وَلَهُ حَمْلٌ أُوصِيَ لَهُ بِهِ دُونَ أُمِّهِ أَوْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي ذَكَرٍ فَهُوَ حُرٌّ وَلَهُ جَارِيَةٌ حَامِلٌ فَوَلَدَتْ ذَكَرًا لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ قَالَ إنْ اشْتَرَيْت مَمْلُوكَيْنِ فَهُمَا حُرَّانِ فَاشْتَرَى جَارِيَةً حَامِلًا فَإِنَّ الْحَمْلَ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ الثَّلَاثِ لَا يَعْتِقُ لِمَا ذَكَرْنَا وَلَا تَعْتِقُ الْأُمُّ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ أَيْضًا لِتَقْيِيدِهِ بِالذُّكُورَةِ وَلَا فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ شِرَاءُ مَمْلُوكَيْنِ وَالْحَمْلُ لَا يُسَمَّى مَمْلُوكًا عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ لِلْحَامِلِ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي غَيْرَك حُرٌّ لَمْ يَعْتِقْ الْحَمْلُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِالصُّوَرِ الْأَرْبَعِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ وَلَهُ جَارِيَةٌ حَامِلَةٌ فَإِنَّ الْحَامِلَ تَدْخُلُ فَيَعْتِقُ الْحَمْلُ تَبَعًا لَهَا كَمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ لَفْظَ مَمْلُوكٍ إمَّا لِذَاتٍ مُتَّصِفَةٍ بِالْمَمْلُوكَةِ وَقَيْدُ التَّذْكِيرِ لَيْسَ جُزْءَ الْمَفْهُومِ، وَإِذَا كَانَ التَّأْنِيثُ جُزْءَ مَفْهُومِ مَمْلُوكَةٍ فَيَكُونُ مَمْلُوكٌ أَعَمَّ مِنْ مَمْلُوكَةٍ فَالثَّابِتُ فِيهِ عَدَمُ الدَّلَالَةِ عَلَى التَّأْنِيثِ لَا الدَّلَالَةُ عَلَى عَدَمِ التَّأْنِيثِ، وَإِمَّا أَنَّ الِاسْتِعْمَالَ اسْتَمَرَّ فِيهِ عَلَى الْأَعَمِّيَّةِ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُ كَذَلِكَ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ قَيَّدَ بِعَدَمِ تَنَاوُلِ الْحَمْلِ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ الْعَبِيدَ، وَلَوْ مَرْهُونِينَ أَوْ مَأْذُونِينَ أَوْ مَأْجُورِينَ وَالْإِمَاءَ وَإِنْ كُنَّ حَوَامِلَ وَأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادَهُمَا وَالْمُدَبَّرَ وَالْمُدَبَّرَةَ، وَلَوْ نَوَى الذُّكُورَ فَقَطْ لَمْ يُصَدَّقْ فِي الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ فِي عُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ وَيُصَدَّقُ دِيَانَةً مَعَ أَنَّ طَائِفَةً مِنْ الْأُصُولِيِّينَ عَلَى أَنَّ جَمْعَ الذُّكُورِ يَعُمُّ النِّسَاءَ حَقِيقَةً وَضْعًا، وَفِي الذَّخِيرَةِ قَالَ مَمَالِيكِي كُلُّهُمْ أَحْرَارٌ وَنَوَى الرِّجَالَ دُونَ النِّسَاءِ لَمْ يَذْكُرْهُ وَقَالُوا لَا يُصَدَّقُ دِيَانَةً بِخِلَافِ قَوْلِهِ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي، وَنَوَى التَّخْصِيصَ يُصَدَّقُ دِيَانَةً اهـ. فَإِنْ قُلْتُ: مَا الْفَرْقُ وَفِي الْوَجْهَيْنِ نِيَّةُ تَخْصِيصِ الْعَالِمِ فَالْجَوَابُ أَنَّ كُلَّهُمْ تَأْكِيدٌ لِلْعَامِّ قَبْلَهُ وَهُوَ مَمَالِيكِي؛ لِأَنَّهُ جَمْعٌ مُضَافٌ فَيَعُمُّ وَهُوَ يَرْفَعُ احْتِمَالَ الْمَجَازِ غَالِبًا وَالتَّخْصِيصُ يُوجِبُ الْمَجَازَ فَلَا يَجُوزُ بِخِلَافِ قَوْلِهِ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي فَإِنَّ الثَّابِتَ بِهِ أَصْلُ الْعُمُومِ فَقَطْ فَقُبِلَ التَّخْصِيصُ وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ لَمْ أَنْوِ الْمُدَبَّرِينَ قِيلَ لَمْ يُدَنْ قَضَاءً وَدِيَانَةً، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُصَدَّقُ دِيَانَةً؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَخْصِيصُ الْعَامِّ إلَّا بِاعْتِبَارِ الْوَصْفِ فَإِنَّ الْخُصُوصَ لَا يَمْتَازُ عَنْ الْعَامِّ إلَّا بِاعْتِبَارِ الْوَصْفِ فَلَوْ لَمْ يَصِحَّ التَّخْصِيصُ فِي حَقِّ الْوَصْفِ مَا أَمْكَنَ تَخْصِيصُ عَامٍّ أَبَدًا. اهـ. وَأَشَارَ بِعَدَمِ تَنَاوُلِهِ لِلْحَمْلِ إلَى أَنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ مَا لَمْ يَكُنْ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ وَلَهُ جَارِيَةٌ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا لَا يَرِدُ عَلَى إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ بَعْدُ أَنَّ الْحَمْلَ إنَّمَا عَتَقَ تَبَعًا لَا بِتَنَاوُلِ اللَّفْظِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 275 مَمْلُوكًا عَلَى الْإِطْلَاقِ فَلَا يَتَنَاوَلُ الْمُكَاتَبَ؛ لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ مِنْ وَجْهٍ إذْ هُوَ حُرٌّ يَدًا وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ لَفْظِ الْعَبْدِ أَيْضًا وَلَا يَتَنَاوَلُ الْمُشْتَرَكَ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَلَا عَبِيدَ عَبْدِهِ التَّاجِرِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ سَوَاءٌ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ أَوْ لَا وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ عَتَقُوا نَوَاهُمْ أَوْ لَا عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَا وَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ عَتَقُوا إذَا نَوَاهُمْ وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَمْ يَعْتِقُوا وَإِنْ نَوَاهُمْ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالنِّهَايَةِ وَغَيْرِهِمَا وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ مَا فِي الْمُجْتَبَى مِنْ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ وَالْمَأْذُونُ فِي التِّجَارَةِ سَبْقُ قَلَمٍ، وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ الْمُشْتَرَكَ إلَّا إذَا مَلَكَ النِّصْفَ الْآخَرَ بَعْدَهُ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ فَيَقُولُهُ إنْ مَلَكْت مَمْلُوكًا فَهُوَ حُرٌّ؛ لِأَنَّهُ وُجِدَ الشَّرْطُ وَهُوَ مَمْلُوكٌ كَامِلٌ فَلَوْ بَاعَ نَصِيبَهُ، ثُمَّ اشْتَرَى نَصِيبَ شَرِيكِهِ لَمْ يَعْتِقْ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْتَمِعْ فِي مِلْكِهِ مَمْلُوكٌ كَامِلٌ بِخِلَافِ إنْ مَلَكْت هَذَا الْعَبْدَ فَهُوَ حُرٌّ فَمَلَكَ نِصْفَهُ، ثُمَّ بَاعَهُ، ثُمَّ مَلَكَ النِّصْفَ الثَّانِيَ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ النِّصْفُ الَّذِي فِي مِلْكِهِ؛ لِأَنَّ حَالَةَ تَعْيِينِ الْمَمْلُوكِ يُرَادُ بِهِ الْمِلْكُ فِيهِ مُطْلَقًا لَا مُجْتَمِعًا اهـ. (قَوْلُهُ: كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي أَوْ أَمْلِكُهُ فَهُوَ حُرٌّ بَعْدَ غَدٍ أَوْ بَعْدَ مَوْتَى يَتَنَاوَلُ مَنْ مَلَكَهُ مُنْذُ حَلَفَ فَقَطْ) لِمَا قَدَّمْنَا أَنَّ قَوْلَهُ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي لِلْحَالِ، وَكَذَا كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِعَ لِلْحَالِ كَمَا بَيَّنَّاهُ فَمَنْ كَانَ فِي مِلْكِهِ وَقْتَ الْيَمِينِ يَصِيرُ حُرًّا فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ بَعْدَ غَدٍ وَفِي قَوْلِهِ بَعْدَ مَوْتَى يَصِيرُ مَنْ كَانَ فِي مِلْكِهِ وَقْتَ الْيَمِينِ مُدَبَّرًا فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ فَلَا يَعْتِقُ مَنْ اشْتَرَاهُ بَعْدَ الْيَمِينِ فِي التَّقَيُّدِ بِقَوْلِهِ بَعْدَ مَوْتَى قَيَّدَ بِكَوْنِ الظَّرْفِ ظَرْفًا لِلْحُرِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَعَلَهُ ظَرْفًا لِلْمِلْكِ كَمَا إذَا قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ غَدًا فَهُوَ حُرٌّ وَلَا نِيَّةَ لَهُ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ أَنَّهُ يَعْتِقُ كُلُّ مَنْ مَلَكَهُ فِي غَدٍ وَمَنْ كَانَ فِي مِلْكِهِ قَبْلَهُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَعْتِقُ إلَّا مَنْ اسْتَفَادَ مِلْكَهُ فِي غَدٍ وَلَا يَعْتِقُ مَنْ جَاءَ غَدٌ وَهُوَ فِي مِلْكِهِ وَهُوَ رِوَايَةُ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ رَأْسَ شَهْرِ كَذَا فَهُوَ حُرٌّ وَرَأْسُ الشَّهْرِ اللَّيْلَةُ الَّتِي يُهِلُّ فِيهَا الْهِلَالُ وَمِنْ الْغَدِ إلَى اللَّيْلِ لِلْعُرْفِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِيمَنْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَهُوَ حُرٌّ قَالَ لَيْسَ هَذَا عَلَى مَا فِي مِلْكِهِ إنَّمَا هُوَ عَلَى مَا يَمْلِكُهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَهَذَا عَلَى أَصْلِ أَبِي يُوسُفَ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْعِتْقَ إلَى زَمَانٍ مُسْتَقْبَلٍ، فَأَمَّا إذَا قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ إذَا جَاءَ غَدٌ فَهُوَ حُرٌّ فَهَذَا عَلَى مَا فِي مِلْكِهِ فِي قَوْلِهِمْ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ مَجِيءَ الْغَدِ شَرْطًا لِثُبُوتِ الْعِتْقِ لَا غَيْرُ فَيَعْتِقُ مَنْ فِي مِلْكِهِ، وَلَكِنْ عِنْدَ مَجِيءِ الْغَدِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ. (قَوْلُهُ: وَبِمَوْتِهِ عَتَقَ مَنْ مَلَكَهُ بَعْدَهُ مِنْ ثُلُثِهِ أَيْضًا) أَيْ بِمَوْتِ الْمَوْلَى يَعْتِقُ مَنْ مَلَكَهُ بَعْدَ قَوْلِهِ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي أَوْ أَمْلِكُهُ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ كَمَا يَعْتِقُ مَنْ كَانَ فِي مِلْكِهِ لِلْحَالِ مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ مَنْ كَانَ فِي مِلْكِهِ وَقْتَ الْيَمِينِ مُدَبَّرٌ مُطْلَقٌ وَمَنْ مَلَكَهُ بَعْدَهَا، فَلَيْسَ بِمُدَبَّرٍ مُطْلَقٍ وَإِنَّمَا هُوَ مُدَبَّرٌ مُقَيَّدٌ فَيَعْتِقَانِ بِمَوْتِ الْمَوْلَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَعْتِقُ مَنْ كَانَ فِي مِلْكِهِ يَوْمَ حَلَفَ وَلَا يَعْتِقُ مَا اسْتَفَادَهُ بَعْدَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ حَقِيقَةٌ لِلْحَالِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَلَا يَعْتِقُ بِهِ مَا سَيَمْلِكُهُ، وَلِهَذَا صَارَ هُوَ مُدَبَّرًا دُونَ الْآخَرِ وَلَهُمَا أَنَّ هَذَا إيجَابُ عِتْقٍ وَإِيصَاءٌ حَتَّى اُعْتُبِرَ مِنْ الثُّلُثِ وَفِي الْوَصَايَا تُعْتَبَرُ الْحَالَةُ الْمُنْتَظَرَةُ وَالْحَالَةُ الرَّاهِنَةُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي الْوَصِيَّةِ بِالْمَالِ مَا يَسْتَفِيدُهُ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ وَفِي الْوَصِيَّةِ لِأَوْلَادِ فُلَانٍ مَنْ يُولَدُ لَهُ بَعْدَهَا وَالْإِيجَابُ إنَّمَا يَصِحُّ مُضَافًا إلَى الْمِلْكِ أَوْ إلَى سَبَبِهِ فَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ إيجَابُ الْعِتْقِ يَتَنَاوَلُ الْعَبْدَ الْمَمْلُوكَ اعْتِبَارًا لِلْحَالَةِ الرَّاهِنَةِ فَيَصِيرُ مُدَبَّرًا حَتَّى لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ إيصَاءٌ يَتَنَاوَلُ الَّذِي يَشْتَرِيهِ اعْتِبَارًا لِلْحَالَةِ الْمُتَرَبِّصَةِ وَهِيَ حَالَةُ الْمَوْتِ وَقَبْلَ الْمَوْتِ حَالَةُ التَّمْلِيكِ اسْتِقْبَالٌ مَحْضٌ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ اللَّفْظِ. وَعِنْدَ الْمَوْتِ يَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ فَهُوَ حُرٌّ بِخِلَافِ قَوْلِهِ بَعْدَ غَدٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ وَاحِدٌ وَهُوَ إيجَابُ الْعِتْقِ وَلَيْسَ فِيهِ إيصَاءٌ وَالْحَالَةُ مَحْضُ اسْتِقْبَالٍ فَافْتَرَقَا وَلَا يُقَالُ إنَّكُمْ جَمَعْتُمْ بَيْنَ الْحَالِ وَالِاسْتِقْبَالِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ نَعَمْ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ مَا فِي الْمُجْتَبَى إلَخْ) أَقُولُ: الَّذِي رَأَيْته فِي الْمُجْتَبَى وَلَا يَدْخُلُ الْعَبْدُ الْمُشْتَرَكُ وَالْعَبْدُ الْمَوْهُوبُ وَالْمَأْذُونُ فِي التِّجَارَةِ يَعْتِقُ اهـ. فَقَوْلُهُ وَالْعَبْدُ الْمَوْهُوبُ بِالْوَاوِ وَالْبَاءِ آخِرَهُ مِنْ الْهِبَةِ لَا الْمَرْهُونُ مِنْ الرَّهْنِ وَهَذَا لَا يُخَالِفُ مَا هُنَا، وَقَوْلُهُ وَالْمَأْذُونُ فِي التِّجَارَةِ يَعْتِقُ مُوَافِقٌ لِمَا هُنَا أَيْضًا فَالظَّاهِرُ أَنَّ نُسْخَةَ الْمُجْتَبَى الَّتِي وَقَفَ عَلَيْهَا الْمُؤَلِّفُ مُحَرَّفَةٌ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 276 وَلَكِنْ بِشَيْئَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ إيجَابُ عِتْقٍ وَوَصِيَّةٌ وَإِنَّمَا لَا يَجُوزُ ذَلِكَ لَا بِسَبَبٍ وَاحِدٍ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَتَعَقَّبَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّ هَذَا قَوْلٌ لِلْعِرَاقِيِّينَ غَيْرُ مَرَضِيٍّ فِي الْأُصُولِ وَإِلَّا لَمْ يَمْتَنِعْ الْجَمْعُ مُطْلَقًا وَلَمْ يَتَحَقَّقْ خِلَافٌ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ قَطُّ لَا يَكُونُ إلَّا بِاعْتِبَارَيْنِ بِالنَّظَرِ إلَى شَيْئَيْنِ، وَلَوْ أَمْكَنَ أَنْ يُقَالَ إنَّ لَفْظَهُ أَوْجَبَ تَقْدِيرَ لَفْظٍ إذَا كَانَ وَصِيَّةً وَهُوَ مَا قَدَّرْنَاهُ عِنْدَ مَوْتِهِ مَنْقُولُهُ كُلُّ عَبْدٍ لِي حُرٌّ فَيَعْتِقُ بِهِ مَا اسْتَحْدَثَ مِلْكُهُ وَالْمُوجِبُ لِلتَّقْدِيرِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ تَحْقِيقِ مَقْصُودِ الْوَصِيَّةِ مِنْ الثَّوَابِ وَالْبِرِّ لِلْأَصْحَابِ، وَهَذَا الْمُوجِبُ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَقْدِيمِ تَقْدِيرِهِ عِنْدَ مِلْكِ الْعَبْدِ وَإِلَّا كَانَ مُدَبَّرًا مُطْلَقًا وَإِنَّمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ عِنْدَ مَوْتِهِ مِنْ قَوْلِهِ فَلَا تَتَعَلَّقُ بِهِ عِبَارَتُهُ عِنْدَ مِلْكِهِ لَا الصَّرِيحَةُ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَتَنَاوَلْ إلَّا الْحَالَ وَلَا الْمُقَدَّرَةَ لِتَأْخِيرِ تَقْدِيرِهَا إلَى مَا قَبْلَ الْمَوْتِ فَلَا يَكُونُ مُدَبَّرًا لَا مُطْلَقًا وَلَا مُقَيَّدًا كَانَ رَافِعًا لِلْإِشْكَالِ اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ عِتْقَ مَا مَلَكَهُ بَعْدَهُ بِمَوْتِهِ لَيْسَ مِنْ اللَّفْظِ الْمَذْكُورِ لِيَلْزَمَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَالِ وَالِاسْتِقْبَالِ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ لَفْظٍ آخَرَ مُقَدَّرٍ دَلَّ عَلَيْهِ تَحْقِيقُ مَقْصُودِهِ مِنْ الثَّوَابِ فَلَا جَمْعَ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ، بَلْ بِلَفْظَيْنِ مَذْكُورٍ وَمُقَدَّرٍ وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ مِنْ ثُلُثِهِ أَنَّهُمَا إنْ خَرَجَا مِنْ الثُّلُثِ عَتَقَ جَمِيعُ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَإِنْ ضَاقَ عَنْهُمَا يَضْرِبُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِقِيمَتِهِ فِيهِ وَإِنْ كَانَ عَلَى الْمَوْلَى دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ فَإِنَّهُمَا لَيَسْعَيَانِ لَهُ فِي جَمِيعِ قِيمَتِهِمَا كَمَا هُوَ حُكْمُ الْمُدَبَّرِ بَعْدَ مَوْتِ مَوْلَاهُ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ إذَا مِتّ فَهُوَ حُرٌّ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الْعِتْقِ عَلَى جُعْلٍ] أَخَّرَهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ، وَالْجُعْلُ فِي اللُّغَةِ بِضَمِّ الْجِيمِ مَا يُجْعَلُ لِلْعَامِلِ عَلَى عَمَلِهِ ثُمَّ سُمِّيَ بِهِ مَا يُعْطَى الْمُجَاهِدُ لِيَسْتَعِينَ بِهِ عَلَى جِهَادِهِ، وَأَجْعَلْتُ لَهُ أَعْطَيْته لَهُ وَالْجَعَائِلُ جَمْعُ جَعِيلَةٍ، أَوْ جَعَالَةٍ بِالْحَرَكَاتِ بِمَعْنَى الْجُعْلِ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَالْمُرَادُ مِنْهُ هُنَا الْعِتْقُ عَلَى مَالٍ (قَوْلُهُ: حَرَّرَ عَبْدَهُ عَلَى مَالٍ فَقَبِلَ عَتَقَ) أَيْ قَبِلَ الْعَبْدُ، وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ، أَوْ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، أَوْ عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي أَلْفًا أَوْ عَلَى أَنْ تُؤَدِّيَ إلَيَّ أَلْفًا، أَوْ عَلَى أَنْ تَجِيئَنِي بِأَلْفٍ، أَوْ عَلَى أَنَّ لِي عَلَيْك أَلْفًا، أَوْ عَلَى أَلْفٍ تُؤَدِّيهَا إلَيَّ، أَوْ قَالَ: بِعْتُك نَفْسَك مِنْك عَلَى كَذَا، أَوْ وَهَبْتُ لَك نَفْسَك عَلَى أَنْ تُعَوِّضَنِي كَذَا، وَإِنَّمَا تَوَقَّفَ عَلَى قَبُولِهِ؛ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةُ الْمَالِ بِغَيْرِ الْمَالِ؛ إذْ الْعَبْدُ لَا يَمْلِكُ نَفْسَهُ وَمِنْ قَضِيَّةِ الْمُعَاوَضَةِ ثُبُوتُ الْحُكْمِ بِقَبُولِ الْعِوَضِ لِلْحَالِ كَمَا فِي الْبَيْعِ فَإِذَا قَبِلَ صَارَ حُرًّا، وَمَا شُرِطَ دَيْنٌ عَلَيْهِ حَتَّى تَصِحَّ الْكَفَالَةُ بِهِ بِخِلَافِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ مَعَ الْمُنَافِي وَهُوَ قِيَامُ الرِّقِّ عَلَى مَا عُرِفَ وَكَمَا تَصِحُّ بِهِ الْكَفَالَةُ جَازَ أَنْ يَسْتَبْدِلَ بِهِ مَا شَاءَ يَدًا بِيَدٍ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ لَا يَسْتَحِقُّ قَبْضَهُ فِي الْمَجْلِسِ فَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَبْدِلَ بِهِ كَالْأَثْمَانِ وَلَا خَيْرَ فِيهِ نَسِيئَةً؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ بِالدَّيْنِ حَرَامٌ وَلَمْ يُقَيِّدْ الْقَبُولَ بِالْمَجْلِسِ لِمَا عُرِفَ أَنَّهُ لَا بُدَّ لِكُلِّ قَبُولٍ مِنْ الْمَجْلِسِ فَإِنْ كَانَ حَاضِرًا اُعْتُبِرَ مَجْلِسُ الْإِيجَابِ وَإِنْ كَانَ غَائِبًا يُعْتَبَرُ مَجْلِسُ عِلْمِهِ فَإِنْ قَبِلَ فِيهِ صَحَّ. وَإِنْ رَدَّ أَوْ أَعْرَضَ بَطَلَ وَالْإِعْرَاضُ عَنْهُ إنَّمَا يَكُونُ بِالْقِيَامِ أَوْ بِالِاشْتِغَالِ بِعَمَلٍ آخَرَ يُعْلَمُ أَنَّهُ قَطْعٌ لِمَا قَبْلَهُ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَمْ يُقَيِّدْ الْمُصَنِّفُ الْعِتْقَ بِالْأَدَاءِ لِأَنَّهُ يَعْتِقُ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُعَلَّقًا عَلَى الْأَدَاءِ، وَإِنَّمَا هُوَ مُعَلَّقٌ عَلَى الْقَبُولِ وَقَدْ وُجِدَ وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ " قَبِلَ " أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَقْبَلَ فِي الْكُلِّ فَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْت حُرٌّ بِأَلْفٍ فَقَالَ قَبِلْت فِي النِّصْفِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ عِنْدَهُ يَتَجَزَّأُ فَلَوْ جَازَ قَبُولُهُ فِي النِّصْفِ وَجَبَ عَلَيْهِ نِصْفُ الْبَدَلِ وَصَارَ الْكُلُّ خَارِجًا عَنْ يَدِهِ لِأَنَّهُ يَخْرُجُ الْبَاقِي إلَى الْعِتْقِ بِالسِّعَايَةِ، وَالْمَوْلَى مَا رَضِيَ بِزَوَالِ يَدِهِ وَصَيْرُورَتِهِ مَحْجُورًا عَنْ التَّصَرُّفِ إلَّا بِأَلْفٍ، وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ وَيَعْتِقُ كُلُّهُ بِجَمِيعِ الْأَلْفِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُمَا   [منحة الخالق] (بَابُ الْعِتْقِ عَلَى جُعْلٍ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 277 فَالْقَبُولُ فِي النِّصْفِ قَبُولٌ فِي الْكُلِّ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي الطَّلَاقِ كَانَ الْقَبُولُ فِي النِّصْفِ قَبُولًا فِي الْكُلِّ اتِّفَاقًا وَكَذَا كُلُّ مَا لَا يَتَجَزَّأُ كَالدَّمِ وَغَيْرِهِ وَلَوْ قَالَ لِمَوْلَاهُ: أَعْتِقْنِي عَلَى أَلْفٍ فَأَعْتَقَ نِصْفَهُ يَعْتِقُ نِصْفُهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ وَلَوْ كَانَ بِالْبَاءِ يَعْتِقُ نِصْفُهُ بِخَمْسِمِائَةٍ عِنْدَ الْإِمَامِ كَمَا فِي الطَّلَاقِ. كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَقَيَّدَ بِكَوْنِ الْعَبْدِ كُلِّهِ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ نِصْفُهُ فَقَالَ لَهُ أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَلْفٍ فَقَبِلَ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ نِصْفُهُ بِخَمْسِمِائَةٍ إلَّا إذَا أَجَازَ الْآخَرُ يَجِبُ الْأَلْفُ بَيْنَهُمَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ: أَعْتَقْتُ نَصِيبِي بِأَلْفٍ فَقَبِلَ الْعَبْدُ لَزِمَهُ الْأَلْفُ لِلْمُعْتِقِ لَا يُشَارِكُهُ فِيهِ السَّاكِتُ؛ لِأَنَّ الْأَلْفَ بِمُقَابَلَةِ نَصِيبِهِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ أَيْضًا وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمَالِ فَشَمِلَ جَمِيعَ أَنْوَاعِهِ مِنْ النَّقْدِ وَالْعُرُوضِ وَالْحَيَوَانِ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ عَيْنِهِ؛ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةُ الْمَالِ بِغَيْرِ الْمَالِ فَشَابَهَ النِّكَاحَ وَالطَّلَاقَ وَالصُّلْحَ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ وَكَذَا الطَّعَامُ وَالْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ إذَا كَانَ مَعْلُومَ الْجِنْسِ وَلَا يَضُرُّهُ جَهَالَةُ الْوَصْفِ لِأَنَّهَا يَسِيرَةٌ وَيَلْزَمُهُ الْوَسَطُ فِي تَسْمِيَةِ الْحَيَوَانِ وَالثَّوْبِ بَعْدَ بَيَانِ جِنْسِهِمَا مِنْ الْفَرَسِ وَالْحِمَارِ وَالْعَبْدِ وَالثَّوْبِ الْهَرَوِيِّ وَلَوْ أَتَاهُ بِالْقِيمَةِ أُجْبِرَ الْمَوْلَى عَلَى الْقَبُولِ وَلَوْ لَمْ يُسَمِّ الْجِنْسَ بِأَنْ قَالَ: عَلَى ثَوْبٍ، أَوْ حَيَوَانٍ أَوْ دَابَّةٍ فَقَبِلَ عَتَقَ وَلَزِمَهُ قِيمَةُ نَفْسِهِ كَمَا لَوْ أَعْتَقَهُ عَلَى قِيمَةِ رَقَبَتِهِ فَقَبِلَ عَتَقَ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ يَعْتِقُ بِالْقَبُولِ، وَلَوْ كَانَ الْمَالُ مِلْكًا لِلْغَيْرِ فَلَوْ أَعْتَقَهُ عَلَى عَبْدٍ مَثَلًا فَاسْتُحِقَّ لَا يَنْفَسِخُ الْعِتْقُ فَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ عَيْنِهِ فَعَلَى الْعَبْدِ مِثْلُهُ فِي الْمِثْلِيِّ، وَالْوَسَطُ فِي الْقِيَمِيِّ، وَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا رَجَعَ عَلَى الْعَبْدِ بِقِيمَةِ نَفْسِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ بِقِيمَةِ الْمُسْتَحَقِّ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا هَلَكَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَكَذَا عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ لَوْ رَدَّهُ بِعَيْبٍ وَلَيْسَ لِلْمَوْلَى الرَّدُّ بِالْعَيْبِ الْيَسِيرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَإِنَّمَا يَرُدُّهُ بِالْعَيْبِ الْفَاحِشِ كَالْعَيْبِ فِي الْمَهْرِ وَقَالَا بِالْيَسِيرِ أَيْضًا كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الْمَالِ جِنْسِهِ، أَوْ مِقْدَارِهِ فَالْقَوْلُ لِلْعَبْدِ مَعَ يَمِينِهِ كَمَا لَوْ أَنْكَرَ أَصْلَ الْمَالِ، وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ لِلْمَوْلَى بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْعِتْقُ مُعَلَّقًا بِالْأَدَاءِ وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الْآتِيَةُ فَإِنَّ الْقَوْلَ فِيهَا قَوْلُ الْمَوْلَى، وَالْبَيِّنَةَ بَيِّنَةُ الْعَبْدِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ. وَشَمِلَ إطْلَاقُ الْمَالِ الْخَمْرَ فِي حَقِّ الذِّمِّيِّ فَإِنَّهَا مَالٌ عِنْدَهُمْ فَلَوْ أَعْتَقَ الذِّمِّيُّ عَبْدَهُ عَلَى خَمْرٍ، أَوْ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ بِالْقَبُولِ وَيَلْزَمُهُ قِيمَةُ الْمُسَمَّى فَإِنْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ قَبْضِ الْخَمْرِ فَعِنْدَهُمَا عَلَى الْعَبْدِ قِيمَتُهُ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ قِيمَةُ الْخَمْرِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَقَيَّدَ بِكَوْنِ الْمُخَاطَبِ بِالْعِتْقِ مُعَيَّنًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَجْهُولًا كَمَا إذَا قَالَ: أَحَدُكُمَا حُرٌّ عَلَى أَلْفٍ، وَالْآخَرُ بِغَيْرِ شَيْءٍ فَقَبِلَا عَتَقَا بِلَا شَيْءٍ؛ لِأَنَّ عِتْقَهُمَا مُتَيَقَّنٌ وَمَنْ عَلَيْهِ الْمَالُ مَجْهُولٌ فَلَا يَجِبُ كَرَجُلَيْنِ قَالَا لِرَجُلٍ لَك عَلَى أَحَدِنَا أَلْفٌ وَتَمَامُ تَفْرِيعَاتِهِ فِي الْمُحِيطِ، وَفِي الذَّخِيرَةِ: أَنْت حُرٌّ عَلَى أَنْ تَحُجَّ عَنِّي فَلَمْ يَحُجَّ فَعَلَيْهِ قِيمَةُ حَجٍّ وَسَطٍ، سُئِلَ أَبُو جَعْفَرٍ عَنْ رَجُلٍ قَالَ لِعَبْدِهِ: صُمْ عَنِّي يَوْمًا وَأَنْتَ حُرٌّ وَصَلِّ عَنِّي رَكْعَتَيْنِ وَأَنْتَ حُرٌّ قَالَ عَتَقَ وَإِنْ لَمْ يَصُمْ، وَإِنْ لَمْ يُصَلِّ، وَلَوْ قَالَ: حُجَّ عَنِّي وَأَنْتَ حُرٌّ لَا يَعْتِقُ حَتَّى يَحُجَّ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ وَالصَّلَاةَ مِمَّا لَا تَجْرِي فِيهِمَا النِّيَابَةُ، وَالْحَجَّ مِمَّا يَجْرِي فِيهِ النِّيَابَةُ وَلِأَنَّهُ لَا مُؤْنَةَ فِي الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى اشْتِرَاطِ بَدَلٍ، وَالْحَجُّ فِيهِ مُؤْنَةٌ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ شَرَطَ ذَلِكَ بَدَلًا اهـ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْإِعْتَاقَ عَلَى مَالٍ مِنْ جَانِبِ الْمَوْلَى تَعْلِيقٌ - وَهُوَ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِشَرْطِ قَبُولِ الْعِوَضِ فَيُرَاعَى فِيهِ مِنْ جَانِبِهِ أَحْكَامُ التَّعْلِيقِ حَتَّى لَوْ ابْتَدَأَ الْمَوْلَى لَمْ يَصِحَّ رُجُوعُهُ عَنْهُ قَبْلَ قَبُولِ الْعَبْدِ وَلَا الْفَسْخُ وَلَا النَّهْيُ عَنْ الْقَبُولِ وَلَا يَبْطُلُ بِقِيَامِهِ عَنْ الْمَجْلِسِ وَلَا يُشْتَرَطُ حَضْرَةُ الْعَبْدِ وَيَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِشَرْطٍ، وَإِضَافَتُهُ إلَى وَقْتٍ وَلَا يَصِحُّ شَرْطُ الْخِيَارِ لَهُ -، وَمِنْ جَانِبِ الْعَبْدِ مُعَاوَضَةٌ فَتُرَاعَى أَحْكَامُهَا فَمَلَكَ الرُّجُوعَ لَوْ ابْتَدَأَ وَبَطَلَ بِقِيَامِهِ قَبْلَ قَبُولِ الْمَوْلَى وَبِقِيَامِ الْمَوْلَى وَلَا يَقِفُ عَلَى الْغَائِبِ عَنْ الْمَجْلِسِ وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ وَلَا إضَافَتُهُ كَمَا إذَا قَالَ: اشْتَرَيْت نَفْسِي مِنِّي بِأَلْفٍ إذَا جَاءَ غَدٌ، أَوْ عِنْدَ رَأْسِ الشَّهْرِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ: إذَا جَاءَ غَدٌ فَأَعْتِقْنِي عَلَى كَذَا جَازَ؛ لِأَنَّ هَذَا تَوْكِيلٌ مِنْهُ   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 278 بِالْإِعْتَاقِ حَتَّى يَمْلِكَ الْعَبْدُ عَزْلَهُ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَبَعْدَهُ قَبْلَ أَنْ يَعْتِقَهُ وَلَوْ لَمْ يُعْزَلْ حَتَّى عَتَقَهُ نَفَذَ إعْتَاقُهُ وَيَجُوزُ شَرْطُ الْخِيَارِ لَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَوْ قَالَ الْمَوْلَى: أَعْتَقْتُك أَمْسِ بِأَلْفٍ فَلَمْ تَقْبَلْ فَقَالَ الْعَبْدُ: قَبِلْت فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْلَى مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جَانِبِهِ تَعْلِيقٌ وَهُوَ مُنْكِرٌ لِوُجُودِ الشَّرْطِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِأَدَائِهِ صَارَ مَأْذُونًا) أَيْ بِأَدَاءِ الْمَالِ كَأَنْ يَقُولَ: إنْ أَدَّيْتَ إلَيَّ أَلْفًا فَأَنْت حُرٌّ فَيَصِحَّ وَيَعْتِقَ عِنْدَ الْأَدَاءِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَصِيرَ مُكَاتَبًا؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي تَعْلِيقِ الْعِتْقِ بِالْأَدَاءِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ فِي الِانْتِهَاءِ وَإِنَّمَا صَارَ مَأْذُونًا؛ لِأَنَّهُ رَغَّبَهُ فِي الِاكْتِسَابِ لِطَلَبِهِ الْأَدَاءَ مِنْهُ، وَمُرَادُهُ التِّجَارَةُ دُونَ التَّكَدِّي فَكَانَ إذْنًا لَهُ دَلَالَةً، وَذَكَرَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّهُ يُخَالِفُ الْمُكَاتَبَ فِي إحْدَى عَشْرَةَ مَسْأَلَةً الْأُولَى: مَا إذَا مَاتَ الْعَبْدُ قَبْلَ الْأَدَاءِ وَتَرَكَ مَالًا فَهُوَ لِلْمَوْلَى وَلَا يُؤَدِّي مِنْهُ عَنْهُ وَيَعْتِقُ بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ مَاتَ الْمَوْلَى، وَفِي يَدِ الْعَبْدِ كَسْبٌ كَانَ لِوَرَثَةِ الْمَوْلَى وَيُبَاعُ الْعَبْدُ بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ. الثَّالِثَةُ: لَوْ كَانَتْ أَمَةٌ فَوَلَدَتْ، ثُمَّ أَدَّتْ فَعَتَقَتْ لَمْ يَعْتِقْ وَلَدُهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهَا حُكْمُ الْكِتَابَةِ وَقْتَ الْوِلَادَةِ بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ. الرَّابِعَةُ: لَوْ قَالَ الْعَبْدُ لِلْمَوْلَى: حُطَّ عَنِّي مِائَةً فَحَطَّ عَنْهُ الْمَوْلَى وَأَدَّى تِسْعَمِائَةٍ لَا يَعْتِقُ بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ زَادَ فِي الْبَدَائِعِ أَنَّهُ لَوْ أَدَّى مَكَانَ الدَّرَاهِمِ دَنَانِيرَ لَا يَعْتِقُ، وَإِنْ قَبِلَ لِعَدَمِ الشَّرْطِ. الْخَامِسَةُ: لَوْ أَبْرَأَ الْمَوْلَى الْعَبْدَ عَنْ الْأَلْفِ لَمْ يَعْتِقْ وَلَوْ أَبْرَأَ الْمُكَاتَبَ عَتَقَ كَذَا ذَكَرُوهَا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا مَوْقِعَ لَهَا إذْ الْفَرْقُ بَعْدَ تَحَقُّقِ الْإِبْرَاءِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ يَكُونُ، وَالْإِبْرَاءُ لَا يُتَصَوَّرُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِأَنَّهُ لَا دَيْنَ عَلَى الْعَبْدِ بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ. السَّادِسَةُ لَوْ بَاعَ الْمَوْلَى الْعَبْدَ، ثُمَّ اشْتَرَاهُ، أَوْ رُدَّ عَلَيْهِ بِخِيَارِ عَيْبٍ فَفِي وُجُوبِ قَبُولِ مَا يَأْتِي بِهِ خِلَافٌ: عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ نَعَمْ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا، وَلَكِنْ لَوْ قَبَضَهُ عَتَقَ بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ فِي أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَقْبَلَهُ وَيُعَدَّ قَابِضًا. السَّابِعَةُ أَنَّهُ يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ فَلَا يَعْتِقُ مَا لَمْ يُؤَدِّ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ فَلَوْ اخْتَلَفَ بِأَنْ أَعْرَضَ أَوْ أَخَذَ فِي عَمَلٍ آخَرَ فَأَدَّى لَا يَعْتِقُ بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ هَذَا إذَا كَانَ الْمَذْكُورُ مِنْ أَدَوَاتِ الشَّرْطِ لَفْظَةَ " إنْ " فَإِنْ كَانَ لَفْظَ " إذَا "، أَوْ " مَتَى " فَلَا يُقْتَصَرُ عَلَى الْمَجْلِسِ. الثَّامِنَةُ: أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمَوْلَى بَيْعُ الْعَبْدِ بَعْدَ قَوْلِهِ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ. التَّاسِعَةُ: أَنَّ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَأْخُذَ مَا يَظْفَرُ بِهِ مِمَّا اكْتَسَبَهُ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهُ بِمَا يُؤَدِّيهِ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ. الْعَاشِرَةُ: أَنَّهُ إذَا أَدَّى وَعَتَقَ وَفَضَلَ عِنْدَهُ مَالٌ مِمَّا اكْتَسَبَهُ كَانَ لِلسَّيِّدِ فَيَأْخُذُهُ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ. الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ: لَوْ اكْتَسَبَ الْعَبْدُ مَالًا قَبْلَ تَعْلِيقِ السَّيِّدِ فَأَدَّاهُ بَعْدَهُ إلَيْهِ عَتَقَ وَإِنْ كَانَ السَّيِّدُ يَرْجِعُ بِمِثْلِهِ عَلَى مَا سَيَذْكُرُ بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ لَا يَعْتِقُ بِأَدَائِهِ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُ الْمَوْلَى إلَّا أَنْ يَكُونَ كَاتَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَالِهِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَصِيرُ أَحَقَّ بِهِ مِنْ سَيِّدِهِ فَإِذَا أَدَّى مِنْهُ عَتَقَ اهـ. وَفِي الْبَدَائِعِ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الزِّيَادَاتِ إذَا قَالَ: إنْ أَدَّيْتَ إلَيَّ أَلْفًا فِي كِيسٍ أَبْيَضَ فَأَنْت حُرٌّ فَأَدَّاهَا فِي كِيسٍ أَسْوَدَ لَا يَعْتِقُ، وَفِي الْكِتَابَةِ يَعْتِقُ اهـ. وَهِيَ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ: وَلَوْ قَالَ: إذَا أَدَّيْت أَلْفًا فِي هَذَا الشَّهْرِ فَأَنْت حُرٌّ فَلَمْ يُؤَدِّهَا فِي ذَلِكَ الشَّهْرِ وَأَدَّاهَا فِي غَيْرِهِ لَمْ يَعْتِقْ، وَفِي الْكِتَابَةِ لَا يَبْطُلُ إلَّا بِحُكْمِ الْحَاكِمِ، أَوْ بِتَرَاضِيهِمَا كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَهِيَ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ، وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ أَمَرَ غَيْرَهُ بِالْأَدَاءِ فَأَدَّى لَا يَعْتِقُ لِأَنَّ الشَّرْطَ أَدَاؤُهُ وَلَمْ يُوجَدْ فَلَا حَاجَةَ إلَى أَدَاءِ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى أَدَائِهِ بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ حَقِيقَةً فِيهَا مَعْنَى التَّعْلِيقِ فَكَانَ الْأَصْلُ فِيهَا الْمُعَاوَضَةَ فَكَانَ الْمَقْصُودُ حُصُولَ الْبَدَلِ اهـ. وَهِيَ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ، وَفِي الذَّخِيرَةِ إذَا قَالَ: إنْ أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا فَأَنْت حُرٌّ فَاسْتَقْرَضَ الْعَبْدُ مِنْ رَجُلٍ أَلْفًا فَدَفَعَهَا إلَى مَوْلَاهُ عَتَقَ الْعَبْدُ وَرَجَعَ غَرِيمُ الْعَبْدِ عَلَى الْمَوْلَى فَيَأْخُذُ مِنْهُ الْأَلْفَ لِأَنَّهُ أَحَقُّ بِهَا مِنْ الْمَوْلَى مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ عَبْدٌ مَأْذُونٌ لَهُ فِي التِّجَارَةِ، وَغُرَمَاءَ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ أَحَقُّ بِمَالِهِ حَتَّى يَسْتَوْفُوا دُيُونَهُمْ، وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ اسْتَقْرَضَ مِنْ رَجُلٍ أَلْفَيْ دِرْهَمٍ وَقِيمَتُهُ أَلْفَا دِرْهَمٍ فَدَفَعَ أَحَدَ الْأَلْفَيْنِ إلَى مَوْلَاهُ وَعَتَقَ بِهَا وَأَكَلَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَلَا يُؤَدِّي مِنْهُ عَنْهُ وَيَعْتِقَ) كَذَا فِي الْفَتْحِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُقْرَأُ " وَيَعْتِقَ " بِالنَّصْبِ بِأَنْ مُضْمَرَةٍ بَعْدَ الْوَاوِ وَفِي جَوَابِ النَّفْيِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا مَوْقِعَ لَهَا إلَخْ) هَذَا مِنْ كَلَامِ الْفَتْحِ قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّهُ يَكْفِي فِي الْفَرْقِ عِتْقُ الْمُكَاتَبِ إذَا قَالَ لَهُ مَوْلَاهُ: أَبْرَأْتُك عَنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ لِصِحَّةِ الْإِبْرَاءِ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ وَعَدَمُ عِتْقِ الْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ عَلَى الْأَدَاءِ إذَا أَبْرَأَهُ مَوْلَاهُ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْإِبْرَاءِ (قَوْلُهُ: السَّادِسَةُ: لَوْ بَاعَ إلَخْ) أَوْرَدَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ نَظِيرَ مَا أُورِدَ عَلَى الْخَامِسَةِ فَإِنَّ الْمُكَاتَبَ لَا يَتَحَقَّقُ بَيْعُهُ (قَوْلُهُ: عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ نَعَمْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ وَهُوَ عِنْدِي أَوْجَهُ. (قَوْلُهُ: وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ أَمَرَ غَيْرَهُ إلَخْ) سَيَذْكُرُ الْمُؤَلِّفُ بَعْدَ وَرَقَةٍ عَنْ الْبَدَائِعِ مَا يُخَالِفُهُ مَعَ التَّوْفِيقِ بَيْنَهُمَا (قَوْلُهُ: وَفِي الذَّخِيرَةِ إذَا قَالَ إلَخْ) يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ بَعْدَهُ وَهِيَ الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ إذْ لَوْ كَانَ مُكَاتَبًا لَا يَرْجِعُ الْمُقْرِضُ عَلَى الْمَوْلَى بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ حُرٌّ يَدًا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 279 الْأَلْفَ الْأُخْرَى فَإِنَّ لِلْمُقْرِضِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْمَوْلَى الْأَلْفَ الَّتِي دَفَعَهَا الْعَبْدُ إلَيْهِ، وَيَضْمَنُ الْمَوْلَى أَيْضًا لِلْغَرِيمِ الْأَلْفَ دِرْهَمٍ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى مَنَعَ الْعَبْدَ بِعِتْقِهِ مِنْ أَنْ يُبَاعَ بِمَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ، وَإِنْ شَاءَ الْمُقْرِضُ اتَّبَعَ الْعَبْدَ بِجَمِيعِ دَيْنِهِ أَيْضًا اهـ. قَيَّدَ بِالتَّعْلِيقِ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَأْتِ فِي الْجَوَابِ بِالْفَاءِ لَا يَتَعَلَّقُ بَلْ يَتَنَجَّزُ، سَوَاءٌ كَانَ الْجَوَابُ بِالْوَاوِ كَقَوْلِهِ إنْ أَدَّيْتَ إلَيَّ أَلْفًا وَأَنْتَ حُرٌّ أَوْ لَا كَقَوْلِهِ إنْ أَدَّيْتَ إلَيَّ أَلْفًا أَنْتَ حُرٌّ لِكَوْنِهِ ابْتِدَاءً لَا جَوَابًا لِعَدَمِ الرَّابِطِ، وَفِي الذَّخِيرَةِ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْت حُرٌّ وَأَدِّ إلَيَّ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَهُوَ حُرٌّ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَوْ قَالَ أَدِّ إلَيَّ أَلْفًا وَأَنْتَ حُرٌّ لَمْ يَعْتِقْ حَتَّى يُؤَدِّيَ وَلَوْ قَالَ فَأَنْتَ حُرٌّ عَتَقَ لِلْحَالِ لِأَنَّ جَوَابَ الْأَمْرِ بِالْوَاوِ لَا بِالْفَاءِ فَهِيَ لِلتَّعْلِيلِ أَيْ أَدِّ إلَيَّ أَلْفًا؛ لِأَنَّك حُرٌّ كَقَوْلِهِ أَبْشِرْ فَقَدْ أَتَاكَ الْغَوْثُ، وَتَمَامُهُ فِي الْأُصُولِ مِنْ بَحْثِ الْوَاوِ وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي بَحْثِ عِتْقِ الْحَمْلِ مِنْ الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّهُ لَوْ عَلَّقَ عِتْقَ الْحَمْلِ بِأَدَائِهِ أَلْفًا فَإِنَّهُ يَتَوَقَّفُ الْعِتْقُ عَلَى أَدَائِهِ فَإِذَا أَدَّى بَعْدَ الْوِلَادَةِ عَتَقَ إذَا وَلَدَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَقَيَّدَ بِأَدَاءِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِأَدَاءِ أَجْنَبِيٍّ لَا يَصِيرُ مَأْذُونًا لَهُ كَمَا إذَا قَالَ: إذَا أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا فَعَبْدِي هَذَا حُرٌّ فَجَاءَ الْأَجْنَبِيُّ بِأَلْفٍ وَوَضَعَهَا بَيْنَ يَدَيْهِ لَا يُجْبَرُ الْمَوْلَى عَلَى الْقَبُولِ وَلَا يَعْتِقُ الْعَبْدُ وَلَوْ حَلَفَ الْمَوْلَى أَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ مِنْ فُلَانٍ أَلْفًا لَا يَحْنَثُ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ. (قَوْلُهُ: وَعَتَقَ بِالتَّخْلِيَةِ) لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ نَظَرًا إلَى اللَّفْظِ وَمُعَاوَضَةٌ نَظَرًا إلَى الْمَقْصُودِ؛ لِأَنَّهُ مَا عَلَّقَ عِتْقَهُ بِالْأَدَاءِ إلَّا لِيَحُثَّهُ عَلَى دَفْعِ الْمَالِ فَيَنَالَ الْعَبْدُ شَرَفَ الْحُرِّيَّةِ، وَالْمَوْلَى الْمَالَ بِمُقَابَلَتِهِ بِمَنْزِلَةِ الْكِتَابَةِ وَلِهَذَا كَانَ عِوَضًا فِي الطَّلَاقِ فِي مِثْلِ هَذَا اللَّفْظِ حَتَّى كَانَ بَائِنًا فَجَعَلْنَاهُ تَعْلِيقًا فِي الِابْتِدَاءِ عَمَلًا بِاللَّفْظِ وَدَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ الْمَوْلَى حَتَّى لَا يَمْتَنِعَ عَلَيْهِ بَيْعُهُ وَلَا يَكُونَ الْعَبْدُ أَحَقَّ بِمَكَاسِبِهِ وَلَا يَسْرِيَ إلَى الْوَلَدِ الْمَوْلُودِ قَبْلَ الْأَدَاءِ وَجَعَلْنَاهُ مُعَاوَضَةً فِي الِانْتِهَاءِ عِنْدَ الْأَدَاءِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ الْعَبْدِ حَتَّى يُجْبَرَ الْمَوْلَى عَلَى الْقَبُولِ فَعَلَى هَذَا يَدُورُ الْفِقْهُ، وَتُخَرَّجُ الْمَسَائِلُ، نَظِيرُهُ الْهِبَةُ بِشَرْطِ الْعِوَضِ وَالتَّخْلِيَةُ رَفْعُ الْمَوَانِعِ بِأَنْ يَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِحَيْثُ لَوْ مَدَّ يَدَهُ أَخَذَهُ فَحِينَئِذٍ يَحْكُمُ الْقَاضِي بِأَنَّهُ قَدْ قَبَضَهُ فِيهِ، وَفِي ثَمَنِ الْمَبِيعِ وَبَدَلِ الْإِجَارَةِ وَسَائِرِ الدُّيُونِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ عَلَى قَبْضِهِ أَيْ حَكَمَ بِهِ لَا أَنَّهُ يُجْبِرُهُ عَلَى قَبْضِهِ بِحَبْسٍ وَنَحْوِهِ وَلَوْ حَلَفَ الْمَوْلَى أَنَّهُ لَمْ يُؤَدِّ إلَيْهِ الْأَلْفَ حَنِثَ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ. وَإِنَّمَا ذَكَرَ التَّخْلِيَةَ لِيُفِيدَ أَنَّهُ يَعْتِقُ بِحَقِيقَةِ الْقَبْضِ بِالْأَوْلَى وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِ مَا فِي الْمُخْتَصَرِ مَسَائِلُ لَا يَعْتِقُ فِيهَا بِالتَّخْلِيَةِ: الْأُولَى: لَوْ كَانَ الْمَالُ مَجْهُولًا بِأَنْ قَالَ إذَا أَدَّيْت إلَيَّ دَرَاهِمَ فَأَنْت حُرٌّ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْجَهَالَةِ لَا تَكُونُ فِي الْمُعَاوَضَةِ وَلَا يُمْكِنُ حَمْلُهَا عَلَى الْكِتَابَةِ فَتَكُونُ يَمِينًا مَحْضًا وَلَا جَبْرَ فِيهَا كَمَا فِي التَّبْيِينِ، وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ: إنْ أَدَّيْتَ إلَيَّ كُرَّ حِنْطَةٍ فَأَنْت حُرٌّ فَجَاءَ بِكُرٍّ جَيِّدٍ يُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ؛ لِأَنَّ الْكُرَّ الْمُطْلَقَ إنَّمَا يَنْصَرِفُ إلَى الْوَسَطِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَإِذَا أَتَاهُ بِالْجَيِّدِ فَقَدْ أَحْسَنَ فِي الْقَضَاءِ وَرَضِيَ بِهَذَا الضَّرَرِ فَبَطَلَ التَّعْيِينُ وَتَعَلَّقَ الْعِتْقُ بِحِنْطَةٍ مُطْلَقَةٍ وَلَوْ قَالَ: كُرَّ حِنْطَةٍ وَسَطٍ فَأَتَاهُ بِكُرٍّ جَيِّدٍ لَا يُجْبَرُ لِأَنَّهُ نَصَّ عَلَى التَّعْلِيقِ بِكُرٍّ مَوْصُوفَةٍ، وَفِي الشُّرُوطِ يُعْتَبَرُ التَّنْصِيصُ مَا أَمْكَنَ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْكِيسِ الْأَبْيَضِ وَلَوْ قَالَ: أَعْتِقْ عَنِّي عَبْدًا وَأَنْتَ حُرٌّ فَأَعْتَقَ عَبْدًا مُرْتَفِعًا لَا يَعْتِقُ، وَلَوْ قَالَ: أَدِّ إلَيَّ عَبْدًا وَأَنْتَ حُرٌّ فَأَدَّى إلَيْهِ عَبْدًا مُرْتَفِعًا يَعْتِقُ كَمَا فِي الْكُرِّ، وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الْأَدَاءِ يَكُونُ الْمَوْلَى رَاضِيًا بِالزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّهُ إدْخَالُ شَيْءٍ فِي مِلْكِهِ فَيَكُونُ نَفْعًا مَحْضًا فَلَا ضَرَرَ، وَأَمَّا الْعِتْقُ إخْرَاجٌ عَنْ مِلْكِهِ؛ لِأَنَّ كَسْبَهُ مَمْلُوكٌ لِلْمَوْلَى اهـ. الثَّانِيَةُ: لَوْ كَانَ الْعِتْقُ مُعَلَّقًا عَلَى أَدَاءِ الْخَمْرِ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ، وَإِنْ كَانَ يَعْتِقُ بِقَبُولِهِ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ مَمْنُوعٌ عَنْهَا لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى. وَالثَّالِثَةُ: لَوْ كَانَ مُعَلَّقًا عَلَى أَدَاءِ ثَوْبٍ، أَوْ دَابَّةٍ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ وَلَوْ أَتَى بِثَوْبٍ وَسَطٍ، أَوْ جَيِّدٍ لِأَنَّهُ مَجْهُولُ الْجِنْسِ فَلَمْ يَصْلُحْ عِوَضًا وَلِذَا لَوْ وَصَفَهُ أُجْبِرَ عَلَى قَبُولِهِ بِأَنْ قَالَ: ثَوْبًا هَرَوِيًّا. الرَّابِعَةُ: لَوْ قَالَ: إنْ أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا، أَوْ دَابَّةً فَحَجَجْتَ بِهَا أَوْ وَحَجَجْت بِهَا لَا يَعْتِقُ بِتَسْلِيمِ الْأَلْفِ إلَيْهِ مَا لَمْ يَقْبَلْ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الْعِتْقَ بِشَرْطَيْنِ فَلَا يَنْزِلُ بِوُجُودِ أَحَدِهِمَا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: سَوَاءٌ كَانَ الْجَوَابُ بِالْوَاوِ إلَخْ) قَالَ السَّيِّدُ أَبُو السُّعُودِ يُشْكِلُ بِمَا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ أَوَّلَ بَابِ التَّعْلِيقِ مِنْ كِتَابِ الطَّلَاقِ لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَدِّ إلَيَّ أَلْفًا وَأَنْتَ حُرٌّ كَانَ تَعْلِيقًا اهـ. وَهَذَا الْكَلَامُ مَنْشَؤُهُ الْغَفْلَةُ عَمَّا يَذْكُرُهُ الْمُؤَلِّفُ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَسْطُرٍ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ حَلَفَ الْمَوْلَى أَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ مِنْ فُلَانٍ أَلْفًا لَا يَحْنَثُ) ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَمْ يَحْكُمْ بِقَبْضِهِ فَلَا تُعَدُّ هَذِهِ التَّخْلِيَةُ قَبْضًا بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ عَقِبَ هَذَا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 280 بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: إنْ أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا أَحُجُّ بِهَا فَإِنَّهُ يَعْتِقُ بِتَخْلِيَةِ الْأَلْفِ وَيَكُونُ قَوْلُهُ " أَحُجُّ بِهَا " لِبَيَانِ الْغَرَضِ تَرْغِيبًا لِلْعَبْدِ فِي الْأَدَاءِ حَيْثُ يَصِيرُ كَسْبُهُ مَصْرُوفًا إلَى طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَا عَلَى سَبِيلِ الشَّرْطِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَلَوْ قَالَ لِعَبْدَيْنِ لَهُ: إنْ أَدَّيْتُمَا إلَيَّ أَلْفًا فَأَنْتُمَا حُرَّانِ فَأَدَّى أَحَدُهُمَا حِصَّتَهُ لَمْ يَعْتِقْ أَحَدُهُمَا لِأَنَّهُ عَلَّقَ الْعِتْقَ بِأَدَاءِ الْأَلْفِ وَلَمْ يُوجَدْ وَكَذَا لَوْ أَدَّى أَحَدُهُمَا الْأَلْفَ كُلَّهُ مِنْ عِنْدِهِ وَإِنْ أَدَّى أَحَدُهُمَا الْأَلْفَ وَقَالَ: خَمْسُمِائَةٍ مِنْ عِنْدِي وَخَمْسُمِائَةٍ بَعَثَ بِهَا صَاحِبِي لِيُؤَدِّيَهَا إلَيْك عَتَقَا لِوُجُودِ الشَّرْطِ حِصَّةِ أَحَدِهِمَا بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ وَحِصَّةِ الْآخَرِ بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ؛ لِأَنَّ هَذَا بَابٌ تَجْرِي فِيهِ النِّيَابَةُ فَقَامَ أَدَاؤُهُ مَقَامَ أَدَاءِ صَاحِبِهِ وَلَوْ أَدَّى عَنْهُمَا رَجُلٌ آخَرُ لَمْ يَعْتِقَا إلَّا إذَا قَالَ: أُؤَدِّيهَا إلَيْك عَلَى أَنَّهُمَا حُرَّانِ فَقَبِلَهَا الْمَوْلَى عَلَى ذَلِكَ عَتَقَا وَيَرُدُّ الْمَالَ إلَى الْمُؤَدِّي لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَسْتَحِقُّ الْمَالَ بِعِتْقِ عَبْدِهِ قَبْلَ الْغَيْرِ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ، وَالْفَرْقُ فِي الْبَدَائِعِ وَقَدَّمْنَا عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّهُ لَوْ أَمَرَ غَيْرَهُ بِالْأَدَاءِ فَأَدَّى لَا يَعْتِقُ مَعَ تَصْرِيحِ صَاحِبِ الْبَدَائِعِ فِي مَسْأَلَةِ الْعَبْدَيْنِ بِأَنَّ النِّيَابَةَ تَجْرِي فِي هَذَا الْبَابِ إلَّا أَنْ يُوَفَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ مَا فِي الْمُحِيطِ إنَّمَا هُوَ فِي الْأَمْرِ مِنْ غَيْرِ إعْطَاءِ شَيْءٍ مِنْ الْعَبْدِ وَمَا فِي الْبَدَائِعِ فِيمَا إذَا بَعَثَ مَعَ غَيْرِهِ الْمَالَ فَلَا إشْكَالَ، وَفِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ أَدَّى الْبَعْضَ يُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ إلَّا إنَّهُ لَا يَعْتِقُ مَا لَمْ يُؤَدِّ الْكُلَّ لِعَدَمِ الشَّرْطِ كَمَا إذَا حَطَّ الْبَعْضَ وَأَدَّى الْبَاقِيَ ثُمَّ لَوْ أَدَّى أَلْفًا اكْتَسَبَهَا قَبْلَ التَّعْلِيقِ رَجَعَ الْمَوْلَى عَلَيْهِ وَعَتَقَ لِاسْتِحْقَاقِهَا وَلَوْ كَانَ اكْتَسَبَهَا بَعْدَهُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ مِنْ جِهَتِهِ بِالْأَدَاءِ مِنْهُ اهـ. وَلَمْ أَرَ صَرِيحًا أَنَّهُ لَوْ حَجَرَ عَلَى هَذَا الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ هَلْ يَصِحُّ حَجْرُهُ وَقَدْ يُقَالُ: إنَّهُ لَا يَصِحُّ حَجْرُهُ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ لَهُ ضَرُورِيٌّ لِصِحَّةِ التَّعْلِيقِ بِالْأَدَاءِ وَقَدْ يُقَالُ: إنَّهُ يَصِحُّ لِمَا أَنَّهُ يَمْلِكُ بَيْعَهُ فَيَمْلِكُ حَجْرَهُ بِالْأَوْلَى. (قَوْلُهُ: وَإِنْ قَالَ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي بِأَلْفٍ فَالْقَبُولُ بَعْدَ مَوْتِهِ) لِإِضَافَةِ الْإِيجَابِ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ: أَنْت حُرٌّ غَدًا عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِتَأْخِيرِ الْعِتْقِ عَنْ الْمَوْتِ إلَى أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ بِقَبُولِهِ فَلَا يَعْتِقُ إلَّا بِإِعْتَاقِ الْوَارِثِ، أَوْ الْوَصِيِّ أَوْ الْقَاضِي إذَا امْتَنَعَ الْوَارِثُ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ تَأَخَّرَ عَنْ الْمَوْتِ إلَى أَنْ يَقْبَلَ، وَالْعِتْقُ مَتَى تَأَخَّرَ عَنْ الْمَوْتِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِإِعْتَاقِ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيَّةِ بِالْإِعْتَاقِ ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الْعَتَّابِيُّ وَجَزَمَ بِهِ الْإِسْبِيجَابِيُّ، وَقَالَ: إنَّ الْوَارِثَ يَمْلِكُ عِتْقَهُ تَنْجِيزًا وَتَعْلِيقًا وَالْوَصِيَّ يَمْلِكُهُ تَنْجِيزًا فَقَطْ وَلَوْ أَعْتَقَهُ الْوَارِثُ عَنْ كَفَّارَةِ يَمِينِهِ جَازَ عَنْ الْمَيِّتِ لَا عَنْ الْكَفَّارَةِ، وَالْوَلَاءُ لِلْمَيِّتِ لَا لِلْوَارِثِ وَصَرَّحَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ بِأَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ بِالْقَبُولِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ إعْتَاقِ الْوَارِثِ، وَفِي الْهِدَايَةِ قَالُوا: لَا يَعْتِقُ، وَإِنْ قَبِلَ بَعْدَ الْمَوْتِ مَا لَمْ يُعْتِقْهُ الْوَارِثُ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْإِعْتَاقِ وَهَذَا صَحِيحٌ اهـ. وَتَعَقَّبَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَعْتِقَ حُكْمًا لِكَلَامِ صَدْرٍ مِنْ الْأَهْلِ مُضَافًا إلَى الْمَحَلِّ، وَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْإِعْتَاقِ وَلِأَنَّ الْقَبُولَ لَمْ يُعْتَبَرْ فِي حَالِ الْحَيَاةِ فَإِذَا لَمْ يَعْتِقْ بِالْقَبُولِ بَعْدَ الْوَفَاةِ إلَّا بِإِعْتَاقٍ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَا يَكُونُ مُعْتَبَرًا بَعْدَ الْوَفَاةِ أَيْضًا فَلَا يَبْقَى فَائِدَةٌ لِقَبُولِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ اهـ. وَجَوَابُهُ أَنَّ الْعِتْقَ الْحُكْمِيَّ، وَإِنْ كَانَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْأَهْلِيَّةُ يُشْتَرَطُ قِيَامُ الْمِلْكِ وَقْتَهُ وَهُنَا قَدْ خَرَجَ عَنْ مِلْكِ الْمُعَلِّقِ وَبَقِيَ لِلْوَارِثِ وَمَتَى خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ لَا يَقَعُ بِوُجُودِ الشَّرْطِ مَعَ وُجُودِ الْأَهْلِيَّةِ فَمَا ظَنُّك عِنْدَ عَدَمِهَا وَقَوْلُهُ أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ لِلْقَبُولِ بَعْدَ الْمَوْتِ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْلَا الْقَبُولُ لَمْ يَصِحَّ إعْتَاقُ الْوَصِيِّ وَالْقَاضِي لِعَدَمِ الْمِلْكِ لَهُمَا وَلَمْ يَلْزَمْ الْوَارِثَ الْإِعْتَاقُ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْمَسْأَلَةَ مُخْتَلَفٌ فِيهَا فَظَاهِرُ إطْلَاقِ الْمُتُونِ أَنَّهُ يَعْتِقُ بِالْقَبُولِ بَعْدَ الْمَوْتِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى إعْتَاقِ أَحَدٍ وَهُوَ قَوْلُ الْبَعْضِ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ لَفْظُ الْأَصَحِّ وَلَهُ أَصْلٌ فِي الرِّوَايَةِ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَصَحَّحَ الْمُتَأَخِّرُونَ أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ بِالْقَبُولِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَلَا فَرْقَ فِي الْمَسْأَلَةِ بَيْنَ أَنْ يُؤَخِّرَ ذِكْرَ الْمَالِ، أَوْ يُقَدِّمَهُ كَأَنْ يَقُولَ: أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ بَعْدَ مَوْتِي كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ لَكِنَّهُ   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 281 نُقِلَ الْإِجْمَاعُ وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ الْخِلَافَ ثَابِتٌ وَظَهَرَ بِهَذَا أَنَّ قَوْلَ الزَّيْلَعِيِّ وَقَاضِي خَانْ فِي الْفَتَاوَى - أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهُ: أَنْت حُرٌّ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ بَعْدَ مَوْتِي - " إنَّ الْقَبُولَ فِيهِ لِلْحَالِ " لَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ وَقَيَّدَ بِأَنْتَ حُرٌّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: أَنْتَ مُدَبَّرٌ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ فَالْقَبُولُ فِيهِ لِلْحَالِ فَإِذَا قَبِلَ صَارَ مُدَبَّرًا وَلَا يَلْزَمُهُ الْمَالُ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ قَائِمٌ وَالْمَوْلَى لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنًا إلَّا أَنْ يَكُونَ مُكَاتَبًا وَقَدْ بَحَثَ فِيهِ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ بَحْثًا حَسَنًا فَرَاجِعْهُ. وَفِي الْخَانِيَّةِ أَنَّ الْقَبُولَ فِيهِ بَعْدَ الْمَوْتِ كَمَسْأَلَةِ الْكِتَابِ وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ حُجَّ عَنِّي حَجَّةً بَعْدَ مَوْتِي وَأَنْتَ حُرٌّ وَلَا مَالَ لَهُ سِوَاهُ يَحُجُّ عَنْهُ حَجًّا وَسَطًا، ثُمَّ يُعْتِقُهُ الْوَرَثَةُ وَيَسْعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّهُ عِتْقٌ بِغَيْرِ مَالٍ فَيُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ فَإِنْ أَوْصَى الْمَيِّتُ مَعَ هَذَا بِثُلُثِ مَالِهِ لِرَجُلٍ قُسِمَ الثُّلُثُ بَيْنَ الْعَبْدِ وَالْمُوصَى لَهُ عَلَى أَرْبَعَةٍ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ مِنْهَا لِلْعَبْدِ وَيَسْعَى لِلْمُوصَى - لَهُ - فِي رُبُعِ ثُلُثِ رَقَبَتِهِ - وَلِلْوَرَثَةِ - فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ مُوصَى لَهُ بِعِتْقِ جَمِيعِ رَقَبَتِهِ فَيَضْرِبُ بِجَمِيعِ الرَّقَبَةِ وَالْمُوصَى لَهُ يَضْرِبُ بِالثُّلُثِ فَصَارَ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَسْهُمٍ وَجَمِيعُ الرَّقَبَةِ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ فَسَلِمَ لِلْعَبْدِ ثَلَاثَةٌ وَيَسْعَى لِلْمُوصَى لَهُ فِي سَهْمٍ، وَلِلْوَرَثَةِ ثَمَانِيَةٌ وَلَوْ قَالَ: ادْفَعْ إلَى الْوَصِيِّ قِيمَةَ حَجٍّ يَحُجُّ بِهَا عَنِّي فَدَفَعَ فَعَلَى الْوَرَثَةِ أَنْ يُعْتِقُوهُ وَلَا يُنْتَظَرَ الْحَجُّ؛ لِأَنَّهُ عِتْقٌ بِمَالٍ وَالْحَجَّ مَشُورَةٌ وَلَيْسَ بِشَرْطٍ فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْحَجِّ أَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ نُظِرَ إنْ كَانَتْ مِقْدَارَ ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ جَازَ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْعِتْقِ نَافِذَةٌ فِي الثُّلُثِ وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْعَى إلَى تَمَامِ الثُّلُثَيْنِ، ثُمَّ يَدْفَعَ إلَى الْوَرَثَةِ أَوْ إلَى الْوَصِيِّ مِقْدَارَ حَجَّةٍ فَإِنْ أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ الْحَجَّ فَحَجَّ بِذَلِكَ كُلِّهِ فَثُلُثَاهُ لِلْوَرَثَةِ وَالثُّلُثُ يَحُجُّ بِهِ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ يَبْلُغُ. وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: ادْفَعْ إلَى الْوَصِيِّ قِيمَةَ حَجَّةٍ فَإِذَا دَفَعْتَهَا إلَيْهِ فَحَجَّ بِهَا عَنِّي فَأَنْت حُرٌّ لَا يَعْتِقُ الْعَبْدُ مَا لَمْ يَحُجَّ عَنْ الْمَيِّتِ وَلَوْ قَالَ حُجَّ عَنِّي بَعْدَ الْمَوْتِ وَأَنْتَ حُرٌّ فَمَاتَ وَأَبَى الْوَرَثَةُ خُرُوجَهُ لِلْحَجِّ وَلَا مَال لِلْمَيِّتِ غَيْرُهُ فَلَهُمْ ذَلِكَ حَتَّى يَخْدُمَهُمْ مِقْدَارَ ثُلُثَيْ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِلْخُرُوجِ إلَى الْحَجِّ؛ لِأَنَّ مِقْدَارَ ثُلُثَيْهِ صَارَ حَقًّا لِلْوَرَثَةِ رَقَبَةً وَمَنْفَعَةً، وَإِذَا خَرَجَ اشْتَغَلَ عَنْ خِدْمَتِهِمْ، وَإِذَا حَجَّ وَجَبَ إعْتَاقُهُ فَيَبْطُلُ حَقُّ الْوَرَثَةِ عَنْ مَنْفَعَتِهِ وَخِدْمَتِهِ فَيَحْبِسُونَهُ وَيَسْتَخْدِمُونَهُ إلَى الْعَامِ الْقَابِلِ اسْتِيفَاءً لِحَقِّهِمْ فَإِنْ قَالَ الْوَرَثَةُ: اُخْرُجْ فِي هَذَا الْعَامِ فَقَالَ أَخْدُمُكُمْ الْعَامَ وَأَخْرُجُ السَّنَةَ الثَّانِيَةَ فَلَيْسَ لِلْعَبْدِ ذَلِكَ فَإِنْ أَمْكَنَهُ الْخُرُوجُ فِي الْعَامِ، وَإِلَّا أَبْطَلَ الْقَاضِي وَصِيَّتَهُ فَإِنْ لَمْ يَطْلُبْ مِنْهُ الْوَرَثَةُ حَتَّى مَضَتْ السَّنَةُ فَلَهُ أَنْ يَحُجَّ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ الْمَيِّتُ قَالَ: حُجَّ عَنِّي فِي هَذِهِ السَّنَةِ، وَلَوْ قَالَ: حُجَّ عَنِّي بَعْدَ مَوْتِي بِخَمْسِ سِنِينَ وَأَنْتَ حُرٌّ فَأَبَى الْوَرَثَةُ أَنْ يَتْرُكُوهُ إلَى خَمْسِ سِنِينَ فَلَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ اهـ. وَفِي الذَّخِيرَةِ: رَجُلٌ قَالَ لِعَبْدِهِ: أَنْت حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي إنْ لَمْ تَشْرَبْ الْخَمْرَ فَأَقَامَ أَشْهُرًا، ثُمَّ شَرِبَ الْخَمْرَ قَبْلَ أَنْ يَعْتِقَ بَطَلَ عِتْقُهُ وَإِنْ رُفِعَ الْأَمْرُ إلَى الْقَاضِي بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى قَبْلَ أَنْ يَشْرَبَ فَأَمْضَى فِيهِ الْعِتْقَ، ثُمَّ شَرِبَ الْخَمْرَ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يُرَدَّ إلَى الرِّقِّ وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْت حُرٌّ عَلَى أَنْ لَا تَشْرَبَ الْخَمْرَ فَهُوَ حُرٌّ شَرِبَ الْخَمْرَ، أَوْ لَمْ يَشْرَبْ اهـ. وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: إنْ شِئْت فَأَنْت حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي فَإِنَّ الْمَشِيئَةَ لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَكَذَا إذَا قَالَ إذَا جَاءَ غَدٌ فَأَنْت حُرٌّ إنْ شِئْتَ كَانَتْ الْمَشِيئَةُ إلَيْهِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ الْغَدِ وَكَذَا إذَا قَالَ أَنْت حُرٌّ غَدًا إنْ شِئْت كَانَتْ الْمَشِيئَةُ فِي الْغَدِ وَلَوْ قَالَ: إنْ شِئْت فَأَنْت حُرٌّ غَدًا كَانَتْ الْمَشِيئَةُ لِلْحَالِ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ. وَفِي الْبَدَائِعِ: لَوْ قَالَ أَنْت حُرٌّ غَدًا إنْ شِئْت فَالْمَشِيئَةُ فِي الْغَدِ وَلَوْ قَالَ: أَنْت حُرٌّ إنْ شِئْت غَدًا فَالْمَشِيئَةُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: لَيْسَ بِصَحِيحٍ إذْ لَا فَرْقَ إلَخْ) سَيَأْتِي جَوَابُهُ عَنْ الْمَقْدِسِيَّ (قَوْلُهُ: وَقَدْ بَحَثَ فِيهِ الْمُحَقِّقُ إلَخْ) أَيْ بَحَثَ فِي فَرْعِ التَّدْبِيرِ وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ عَنْ النِّهَايَةِ الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ بِأَنَّهُ قَابَلَ الْأَلْفَ فِي التَّدْبِيرِ بِحَقِّ الْحُرِّيَّةِ وَهُوَ مُتَحَقَّقٌ قَبْلَ الْمَوْتِ، وَفِي تِلْكَ قَابَلَهَا بِحَقِيقَةِ الْحُرِّيَّةِ، وَحَقِيقَتُهَا بَعْدَ الْمَوْتِ، فَالْقَبُولُ بَعْدَهُ وَحَاصِلُ بَحْثِ الْمُحَقِّقِ أَنَّ التَّدْبِيرَ لَيْسَ مَعْنَاهُ إلَّا إعْتَاقٌ مُضَافٌ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَذَلِكَ هُوَ الثَّابِتُ فِي كُلٍّ مِنْ قَوْلِهِ أَنْت مُدَبَّرٌ، أَوْ أَنْت حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي بِلَا فَرْقٍ بَلْ الْمَعْنَى وَاحِدٌ دَلَّ عَلَيْهِ بِلَفْظٍ مُفْرَدٍ وَمُرَكَّبٍ كَلَفْظِ الْحَدِّ وَالْمَحْدُودِ فِي إنْسَانٍ وَحَيَوَانٍ نَاطِقٍ، ثُمَّ يَثْبُتُ حَقُّ الْحُرِّيَّةِ فَرْعًا عَلَى صِحَّةِ الْإِضَافَةِ الَّتِي هِيَ التَّدْبِيرُ لَا أَنَّ حَقَّ الْحُرِّيَّةِ هُوَ مَعْنَى التَّدْبِيرِ ابْتِدَاءً فَلَمْ يَتَحَقَّقْ الْفَرْقُ. وَأَجَابَ الْمَقْدِسِيَّ بِأَنَّهُ لَمَّا صَارَ حَقُّ الْحُرِّيَّةِ حُكْمًا شَرْعِيًّا لَهُ صَحَّ أَنْ يُطْلَقَ وَيُرَادَ بِهِ حُكْمُهُ كَمَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَعَانِي الشَّرْعِيَّةِ كَمَا ذَكَرَ هُوَ أَنَّ الْبَيْعَ يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ الْمِلْكُ فَتَأَمَّلْ وَكَذَا فِي قَوْلِهِ أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَلْفٍ بَعْدَ مَوْتِي قَابَلَهَا بِحَقِيقَةِ الْحُرِّيَّةِ فَاحْتَاجَ إلَى الْقَبُولِ حَالًا، ثُمَّ أَضَافَهَا إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ فَقَوْلُ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ هُنَا إنَّ قَوْلَ الزَّيْلَعِيِّ وَالْخَانِيَّةِ إنَّ الْقَبُولَ فِيهِ لِلْحَالِ غَيْرُ صَحِيحٍ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ إنْ اعْتَمَدَ فِي ذَلِكَ عَلَى غَايَةِ الْبَيَانِ فَيُقَالُ: لِمَ لَمْ يَعْكِسْ وَيَقُولُ: إنَّ مَا فِيهَا غَيْرُ صَحِيحٍ لِمَا فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ لَا سِيَّمَا وَقَدْ نَقَلَ عَنْهُ الْإِجْمَاعَ وَخَطَّأَهُ فِيهِ اهـ. كَلَامُ الْمَقْدِسِيَّ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 282 إلَيْهِ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ عَلَّقَ الْإِعْتَاقَ الْمُضَافَ إلَى الْغَدِ بِالْمَشِيئَةِ فَيَقْتَضِي الْمَشِيئَةَ فِي الْغَدِ وَفِي الْفَصْلِ الثَّانِي أَضَافَ الْإِعْتَاقَ الْمُعَلَّقَ بِالْمَشِيئَةِ إلَى الْغَدِ فَيَقْتَضِي تَقَدُّمَ الْمَشِيئَةِ عَلَى الْغَدِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ حَرَّرَهُ عَلَى خِدْمَتِهِ سَنَةً فَقَبِلَ عَتَقَ وَخَدَمَهُ) يَعْنِي مِنْ سَاعَتِهِ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ عَلَى الشَّيْءِ يُشْتَرَطُ فِيهِ وُجُودُ الْقَبُولِ فِي الْمَجْلِسِ لَا وُجُودُ الْمَقْبُولِ كَسَائِرِ الْعُقُودِ وَعَلَيْهِ أَنْ يَخْدُمَهُ الْمُدَّةَ الْمُعَيَّنَةَ وَهُوَ الْمُرَادُ بِالسَّنَةِ سَنَةً، أَوْ أَقَلَّ، أَوْ أَكْثَرَ، وَنَصَّ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ أَنَّ الْخِدْمَةَ هِيَ الْخِدْمَةُ الْمَعْرُوفَةُ بَيْنَ النَّاسِ قَيَّدَ بِالْمُدَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ حَرَّرَهُ عَلَى خِدْمَتِهِ مِنْ غَيْرِ مُدَّةٍ عَتَقَ وَعَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ قِيمَةَ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْخِدْمَةَ مَجْهُولَةٌ وَكَذَا لَوْ قَالَ لِجَارِيَتِهِ: أَنْت حُرَّةٌ عَلَى أَنْ تَخْدُمَنِي فُلَانَةُ فَقَبِلَتْ عَتَقَتْ وَرَدَّتْ قِيمَتَهَا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: تَرُدُّ قِيمَةَ الْخِدْمَةِ شَهْرًا كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَنَقَلَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهَا إنْ خَدَمَتْهُ عُمُرَهُ، أَوْ عُمُرَهَا لَا شَيْءَ عَلَيْهَا وَإِنْ أَبَتْ أَنْ تَخْدُمَهُ عُمُرَهُ أَوْ عُمُرَهَا تَسْعَى فِي قِيمَتِهَا اهـ. وَقَدْ وَقَعَ الِاسْتِفْتَاءُ عَمَّا إذَا حَرَّرَهُ عَلَى خِدْمَتِهِ مُدَّةً مُعَيَّنَةً وَقَبِلَ الْعَبْدُ وَعَتَقَ وَكَانَ لَهُ زَوْجَةٌ وَأَوْلَادٌ فَمَا حُكْمُ نَفَقَتِهِ وَنَفَقَتِهِمْ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَإِنَّهُ لَا يَتَفَرَّغُ لِلِاكْتِسَابِ بِسَبَبِ خِدْمَةِ الْمَوْلَى هَذِهِ الْمُدَّةَ فَلَمْ أَرَ فِيهِ نَقْلًا وَيَنْبَغِي أَنْ يَشْتَغِلَ بِالِاكْتِسَابِ لِأَجْلِ الْإِنْفَاقِ عَلَى نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ إلَى أَنْ يَسْتَغْنِيَ عَنْ الِاكْتِسَابِ فَيَخْدُمَ الْمَوْلَى الْمُدَّةَ الْمُعَيَّنَةَ؛ لِأَنَّهُ الْآنَ مُعْسِرٌ عَنْ أَدَاءِ الْبَدَلِ فَصَارَ كَمَا إذَا أَعْتَقَهُ عَلَى مَالٍ وَلَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُؤَخَّرُ إلَى الْمَيْسَرَةِ، قَيَّدَ بِكَوْنِهِ حَرَّرَهُ عَلَى خِدْمَتِهِ كَأَنْ قَالَ لَهُ: أَعْتَقْتُك عَلَى أَنْ تَخْدُمَنِي؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ إنْ خَدَمْتَنِي كَذَا مُدَّةً فَأَنْت حُرٌّ لَا يَعْتِقَ حَتَّى يَخْدُمَهُ؛ لِأَنَّهُ مُعَلَّقٌ بِشَرْطٍ، وَالْأَوَّلُ مُعَاوَضَةٌ وَلَمْ يُصَرِّحُوا هُنَا بِأَنَّهُ يَكُونُ مَأْذُونًا؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ؛ إذْ الْخِدْمَةُ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى اكْتِسَابِ الْمَالِ بِخِلَافِ إنْ أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا فَأَنْتَ حُرٌّ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَفِي الذَّخِيرَةِ لَوْ قَالَ اُخْدُمْنِي سَنَةً وَأَنْتَ حُرٌّ عَتَقَ السَّاعَةَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يَعْتِقُ إلَّا بِالْخِدْمَةِ قَبِلَ أَوْ لَمْ يَقْبَلْ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ عِنْدَ وَصِيَّتِهِ: إذَا خَدَمْتِ ابْنِي وَابْنَتِي حَتَّى يَسْتَغْنِيَا فَأَنْت حُرَّةٌ فَإِنْ كَانَا صَغِيرَيْنِ تَخْدُمُهُمَا حَتَّى يُدْرِكَا فَإِنْ أَدْرَكَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ تَخْدُمُهُمَا جَمِيعًا وَإِنْ كَانَا مُدْرِكَيْنِ تَخْدُمُ الْبِنْتَ حَتَّى تَتَزَوَّجَ وَالِابْنَ حَتَّى يَحْصُلَ لَهُ ثَمَنُ جَارِيَةٍ فَإِذَا زُوِّجَتْ الْبِنْتُ وَبَقِيَ الِابْنُ تَخْدُمُهُمَا جَمِيعًا، وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا وَهُمَا كَبِيرَانِ أَوْ صَغِيرَانِ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ اهـ. وَفِي شَرْحِ النُّقَايَةِ فِي مَسْأَلَةِ " إنْ خَدَمْتنِي كَذَا ": لَوْ خَدَمَهُ أَقَلَّ مِنْهَا أَوْ أَعْطَاهُ مَالًا عَنْ خِدْمَتِهِ لَا يَعْتِقُ وَكَذَا لَوْ قَالَ إنْ خَدَمْتنِي وَأَوْلَادِي سَنَةً فَمَاتَ بَعْضُ الْأَوْلَادِ لَا يَعْتِقُ اهـ. (قَوْلُهُ: فَلَوْ مَاتَ تَجِبُ قِيمَتُهُ) أَيْ لَوْ مَاتَ الْمَوْلَى أَوْ الْعَبْدُ قَبْلَ الْخِدْمَةِ وَجَبَتْ قِيمَةُ الْعَبْدِ عَلَيْهِ عِنْدَهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ: عَلَيْهِ قِيمَةُ الْخِدْمَةِ فِي الْمُدَّةِ وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ فِيمَا إذَا أَعْتَقَهُ عَلَى مَالٍ فَاسْتُحِقَّ وَسَوَّوْا بَيْنَ مَوْتِ الْمَوْلَى وَمَوْتِ الْعَبْدِ وَقَدْ طَعَنَ عِيسَى وَقَالَ: هَذَا غَلَطٌ فِيمَا إذَا مَاتَ الْمَوْلَى بَلْ يَخْدُمُ الْوَرَثَةَ مَا بَقِيَ مِنْهَا؛ لِأَنَّ الْخِدْمَةَ دَيْنٌ فَيَخْلُفُهُ وَارِثُهُ فِيهِ بَعْدَ مَوْتِهِ كَمَا لَوْ أَعْتَقَهُ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ فَاسْتَوْفَى بَعْضَهَا وَمَاتَ وَلَكِنْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْخِدْمَةَ عِبَارَةٌ عَنْ الْمَنْفَعَةِ وَهِيَ لَا تُوَرَّثُ فَلَا يُمْكِنُ إبْقَاءُ عَيْنِ الْمَنْفَعَةِ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى، أَوْ لِأَنَّ النَّاسَ يَتَفَاوَتُونَ فِيهَا فَإِنَّ خِدْمَةَ الْفُقَرَاءِ أَسْهَلُ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَخِدْمَةَ الشَّيْخِ لَيْسَتْ كَخِدْمَةِ الشَّابِّ - وَقَدْ تَكُونُ الْوَرَثَةُ كَثِيرِينَ -، وَخِدْمَةَ الْوَاحِدِ أَسْهَلُ مِنْ خِدْمَةِ الْجَمَاعَةِ وَقَيَّدْنَا بِمَوْتِهِ قَبْلَ الْخِدْمَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ خَدَمَهُ بَعْضَ الْمُدَّةِ كَسَنَةٍ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ، ثُمَّ مَاتَ فَعَلَى قَوْلِهِمَا عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ قِيمَتِهِ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ قِيمَةُ خِدْمَتِهِ ثَلَاثَ سِنِينَ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَفِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ: وَبِقَوْلِ مُحَمَّدٍ نَأْخُذُ وَلَمْ أَرَ حُكْمَ مَا إذَا مَرِضَ الْعَبْدُ مَرَضًا لَا يُمْكِنُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ قَالَ لِجَارِيَتِهِ إلَخْ) عِبَارَةُ الذَّخِيرَةِ هَكَذَا: رَجُلٌ قَالَ لِأَمَتِهِ: أَنْتِ حُرَّةٌ عَلَى أَنْ تَخْدُمَنِي فُلَانَةُ فَقَبِلَتْ فَهِيَ حُرَّةٌ وَعَلَيْهَا أَنْ تَرُدَّ قِيمَتَهَا؛ لِأَنَّ الْخِدْمَةَ مَجْهُولَةٌ وَلَوْ قَالَ عَلَى أَنْ تَخْدُمَنِي فُلَانَةُ شَهْرًا فَإِنَّ أَبَا يُوسُفَ قَالَ: تَرُدُّ قِيمَتَهَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ: تَرُدُّ قِيمَتَهَا شَهْرًا وَفِيهِ أَيْضًا بِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَجُلٌ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْت حُرٌّ عَلَى أَنْ تَخْدُمَ فُلَانًا سَنَةً فَالْقَبُولُ إلَى فُلَانٍ فَإِنْ قَبِلَ عَتَقَ، وَإِنْ لَمْ يَخْدُمْهُ رَدَّ الْعَبْدُ قِيمَتَهُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَشْتَغِلَ بِالِاكْتِسَابِ إلَخْ) أَقَرَّهُ عَلَيْهِ فِي النَّهْرِ وَقَالَ فِي الْمِنَحِ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ بِوُجُوبِهَا عَلَى الْمَوْلَى فِي الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ وَيُجْعَلَ كَالْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ فَإِنَّ النَّفَقَةَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِلْكُ الرَّقَبَةِ لِكَوْنِهِ مَحْبُوسًا بِخِدْمَتِهِ، وَالْحَبْسُ هُوَ الْأَصْلُ فِي هَذَا الْبَابِ أَصْلُهُ الْقَاضِي وَالْمُفْتِي فَإِنْ مَرِضَ فَيَنْبَغِي أَنْ تُفْرَضَ نَفَقَتُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ بِخِلَافِ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ إذَا مَرِضَ فَإِنَّ نَفَقَتَهُ عَلَى مَوْلَاهُ اهـ. قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مَا فِي الْبَحْرِ وَقِيَاسُهُ فِي الْمِنَحِ عَلَى الْمُوصَى لَهُ قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ فَإِنَّ الْمُوصَى بِهِ يَخْدُمُ الْمُوصَى لَهُ لَا فِي مُقَابَلَةِ شَيْءٍ فَلِذَلِكَ كَانَتْ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ أَمَّا هَذَا فَإِنَّهُ يَخْدُمُ فِي مُقَابَلَةِ رَقَبَتِهِ فَكَانَ كَالْمُسْتَأْجِرِ تَأَمَّلْ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 283 مَعَهُ الْخِدْمَةُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالْمَوْتِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ: أَعْتِقْهَا بِأَلْفٍ عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِيهَا فَفَعَلَ وَأَبَتْ أَنْ تَتَزَوَّجَهُ عَتَقَتْ مَجَّانًا) أَيْ لَوْ قَالَ أَجْنَبِيٌّ لِمَالِكِ جَارِيَةٍ إلَى آخِرِهِ، وَحَاصِلُهُ أَمْرُهُ الْمُخَاطَبَ بِإِعْتَاقِ أَمَتِهِ وَتَزْوِيجِهَا مِنْهُ عَلَى عِوَضٍ مُعَيَّنٍ مَشْرُوطٍ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ عَنْ الْأَمَةِ وَعَنْ مَهْرِهَا فَلَمَّا لَمْ تَتَزَوَّجْهُ بَطَلَتْ عَنْهُ حِصَّةُ الْمَهْرِ عَنْهَا، وَأَمَّا حِصَّةُ الْعِتْقِ فَبَاطِلَةٌ أَيْضًا؛ إذْ لَا يَصِحُّ اشْتِرَاطُ بَدَلِ الْعِتْقِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ بِخِلَافِ الْخُلْعِ؛ لِأَنَّ الْأَجْنَبِيَّ فِيهِ كَالْمَرْأَةِ لَمْ يَحْصُلْ لَهَا مِلْكٌ مَا لَمْ تَكُنْ تَمْلِكُهُ بِخِلَافِ الْعِتْقِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ لِلْعَبْدِ فِيهِ قُوَّةٌ حُكْمِيَّةٌ هِيَ مِلْكُ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْإِجَارَةِ وَالتَّزْوِيجِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَلَا يَجِبُ الْعِوَضُ إلَّا عَلَى مَنْ حَصَلَ لَهُ الْمُعَوَّضُ فَمَعْنَى قَوْلِهِ مَجَّانًا أَنَّهَا تَعْتِقُ بِغَيْرِ شَيْءٍ يَلْزَمُهَا أَوْ يَلْزَمُ الْآمِرَ أَيْ لَا يَلْزَمُ أَحَدًا شَيْءٌ وَأَطْلَقَ فَشَمِلَ مَا إذَا قَالَ بِأَلْفٍ عَلَيَّ، أَوْ لَمْ يَقُلْ عَلَيَّ وَكَانَ الْأَوْلَى ذِكْرُهَا كَمَا فِي بَعْضِ نُسَخِ الْهِدَايَةِ لِيُفِيدَ عَدَمَ الْوُجُوبِ عِنْدَ عَدَمِ ذِكْرِهَا بِالْأَوْلَى وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ وَأَبَتْ أَنَّ لَهَا الِامْتِنَاعَ مِنْ تَزَوُّجِهِ؛ لِأَنَّهَا مَلَكَتْ نَفْسَهَا بِالْعِتْقِ وَقَيَّدَ بِإِبَائِهَا لِأَنَّهَا لَوْ تَزَوَّجَتْهُ قُسِمَتْ الْأَلْفُ عَلَى قِيمَتِهَا وَمَهْرِ مِثْلِهَا فَمَا أَصَابَ قِيمَتَهَا سَقَطَ عَنْهُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَمَا أَصَابَ مَهْرَهَا وَجَبَ لَهَا عَلَيْهِ فَإِنْ اسْتَوَيَا بِأَنْ كَانَ قِيمَتُهَا مِائَةً وَمَهْرُهَا مِائَةً سَقَطَ عَنْهُ خَمْسُمِائَةٍ وَوَجَبَ لَهَا خَمْسُمِائَةٍ عَلَيْهِ. وَإِنْ تَفَاوَتَا كَأَنْ كَانَ قِيمَتُهَا مِائَتَيْنِ وَالْمَهْرُ مِائَةً سَقَطَ عَنْهُ سِتُّمِائَةٍ وَسِتَّةٌ وَسِتُّونَ وَثُلُثَانِ وَوَجَبَ لَهَا ثَلَثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَوْ حَذَفَ قَوْلَهُ وَأَبَتْ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا تَعْتِقُ مَجَّانًا سَوَاءٌ أَبَتْ، أَوْ تَزَوَّجَتْهُ وَأَمَّا وُجُوبُ الْمَهْرِ فَشَيْءٌ آخَرُ وَكَذَا قَوْلُهُ: عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِيهَا لَيْسَ بِقَيْدٍ؛ لِأَنَّهَا تَعْتِقُ مَجَّانًا لَوْ قَالَ: أَعْتِقْهَا بِالْأَلْفِ عَلَيَّ فَفَعَلَ لَكِنْ إنَّمَا ذَكَرَهُ لِيُفَرِّعَ عَلَيْهِ الْمَسْأَلَةَ الثَّانِيَةَ، وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَتْ لِعَبْدِهَا: أَعْتَقْتُك عَلَى أَلْفٍ عَلَى أَنْ تَتَزَوَّجَنِي عَلَى عَشَرَةٍ فَقَبِلَ ذَلِكَ ثُمَّ أَبَى أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فَعَلَيْهِ الْأَلْفُ فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ الْأَلْفِ سَعَى فِي تَمَامِ الْقِيمَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَفِ، وَإِنْ قَالَتْ: أَعْتَقْتُك عَلَى أَنْ تَتَزَوَّجَنِي وَتُمْهِرَنِي أَلْفًا فَقَبِلَ، ثُمَّ أَبَى ذَلِكَ عَتَقَ وَعَلَيْهِ أَنْ يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى مِائَةٍ وَرَضِيَتْ بِذَلِكَ فَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ وَفَّى لَهَا بِالتَّزَوُّجِ وَهِيَ رَضِيَتْ بِدُونِ مَا شَرَطَتْ عَلَيْهِ مِنْ الْمَهْرِ وَلَوْ دَعَاهَا الْعَبْدُ عَلَى أَنْ يَتَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ فَأَبَتْ الْمَرْأَةُ فَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وَفَّى لَهَا بِمَا شَرَطَتْ عَلَيْهِ فَجَاءَ الِامْتِنَاعُ مِنْ قِبَلِهَا اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ زَادَ " عَنِّي " قُسِمَ الْأَلْفُ عَلَى قِيمَتِهَا وَمَهْرِ مِثْلِهَا وَيَجِبُ مَا أَصَابَ الْقِيمَةَ فَقَطْ) أَيْ لَوْ قَالَ أَعْتِقْهَا عَنِّي بِأَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِيهَا فَأَبَتْ أَنْ تَتَزَوَّجَهُ قُسِمَتْ الْأَلْفُ عَلَى قِيمَتِهَا وَعَلَى مَهْرِ مِثْلِهَا فَمَا أَصَابَ الْقِيمَةَ أَدَّاهُ الْآمِرُ لِلْمَأْمُورِ وَمَا أَصَابَ الْمَهْرَ سَقَطَ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ عَنِّي تَضَمَّنَ الشِّرَاءَ اقْتِضَاءً عَلَى مَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ لَكِنْ ضَمَّ إلَى رَقَبَتِهَا تَزْوِيجَهَا وَقَابَلَ الْمَجْمُوعَ بِعِوَضٍ هُوَ أَلْفٌ فَانْقَسَمَتْ عَلَيْهَا بِالْحِصَّةِ وَمَنَافِعِ الْبُضْعِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَالًا لَكِنْ أَخَذَتْ حُكْمَ الْمَالِ؛ لِأَنَّهَا مُتَقَوَّمَةٌ حَالَةَ الدُّخُولِ وَإِيرَادِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا وَلَمْ يَبْطُلْ الْبَيْعُ بِاشْتِرَاطِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ مُقْتَضِي لِصِحَّةِ الْعِتْقِ فَلَا يُرَاعَى فِيهِ شَرَائِطُ الْبَيْعِ بَلْ شَرَائِطُ الْعِتْقِ وَهُوَ الْمُقْتَضِي - بِالْكَسْرِ - حَتَّى يُعْتَبَرَ فِي الْآمِرِ أَهْلِيَّةُ الْإِعْتَاقِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي بِغَيْرِ شَيْءٍ فَأَعْتَقَهُ حَيْثُ لَا يَسْقُطُ الْقَبْضُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ قُبَيْلَ نِكَاحِ الْكَافِرِ، وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ رَجُلٌ قَالَ: جَارِيَتِي هَذِهِ لَك عَلَى أَنْ تُعْتِقَ عَنِّي عَبْدَك فُلَانًا فَرَضِيَ بِذَلِكَ وَدَفَعَ الْجَارِيَةَ إلَيْهِ لَا تَكُونُ لَهُ حَتَّى يُعْتِقَ عَبْدَهُ؛ لِأَنَّهُ طَلَبَ مِنْهُ تَمْلِيكَ الْعَبْدِ يَقْتَضِي الْإِعْتَاقَ بِتَمْلِيكِ الْجَارِيَةِ فَمَا لَمْ يُعْتِقْ لَمْ يُوجَدْ تَمْلِيكُ الْعَبْدِ فَلَا يَتَمَلَّكُ الْجَارِيَةَ اهـ. وَقَيَّدَ بِإِبَائِهَا فِي الثَّانِيَةِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا لَوْ تَزَوَّجَتْهُ فَمَا أَصَابَ قِيمَتَهَا فَهُوَ لِلْمَوْلَى وَمَا أَصَابَ مَهْرَ مِثْلِهَا كَانَ مَهْرًا لَهَا وَقَيَّدَ الْمُصَنِّفُ بِاشْتِرَاطِ التَّزَوُّجِ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ لِأَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَ أَمَتَهُ عَلَى أَنْ زَوَّجَهُ نَفْسَهَا فَزَوَّجَتْهُ نَفْسَهَا كَانَ لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَيْسَ بِمَالٍ فَلَا يَصْلُحُ مَهْرًا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ جَعْلُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ طَلَبَ مِنْهُ تَمْلِيكَ الْعَبْدِ مُقْتَضَى الْإِعْتَاقِ إلَخْ) " مُقْتَضَى " بَدَلٌ مِنْ " تَمْلِيكَ " وَهُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الضَّادِ اسْمُ مَفْعُولٍ كَمَا رَأَيْته فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَاَلَّذِي فِي النُّسَخِ يَقْتَضِي بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ وَهُوَ تَحْرِيفٌ، وَقَوْلُهُ بِتَمْلِيكِ الْجَارِيَةِ مُتَعَلِّقٌ بِطَلَبَ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 284 الْعِتْقِ صَدَاقًا؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَعْتَقَ صَفِيَّةَ وَنَكَحَهَا وَجَعَلَ عِتْقَهَا مَهْرَهَا» قُلْنَا كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَخْصُوصًا بِالنِّكَاحِ بِغَيْرِ مَهْرٍ فَإِنْ أَبَتْ أَنْ تَتَزَوَّجَهُ فَعَلَيْهَا قِيمَتُهَا فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا، وَفِي الْخَانِيَّةِ أُمُّ الْوَلَدِ إذَا أَعْتَقَهَا مَوْلَاهَا عَلَى أَنْ تُزَوِّجَ نَفْسَهَا مِنْهُ فَقَبِلَتْ عَتَقَتْ فَإِنْ أَبَتْ أَنْ تُزَوِّجَ نَفْسَهَا مِنْهُ لَا سِعَايَةَ عَلَيْهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (بَابُ التَّدْبِيرِ) بَيَانٌ لِلْعِتْقِ الْوَاقِعِ بَعْدَ الْمَوْتِ بَعْدَمَا بَيَّنَ الْوَاقِعَ فِي الْحَيَاةِ وَقَدَّمَهُ عَلَى الِاسْتِيلَادِ لِشُمُولِهِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى وَلَهُ مَعْنَيَانِ لُغَوِيٌّ وَفِقْهِيٌّ فَالْأَوَّلُ كَمَا فِي الْمُغْرِبِ الْإِعْتَاقُ عَنْ دُبُرٍ وَهُوَ مَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَتَدَبَّرَ فِي الْأَمْرِ نَظَرَ فِي أَدْبَارِهِ أَيْ فِي عَوَاقِبِهِ اهـ. وَفِي ضِيَاءِ الْعُلُومِ التَّدْبِيرُ عِتْقُ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَتَدْبِيرُ الْأَمْرِ النَّظَرُ فِيهِ إلَى مَا تَصِيرُ إلَيْهِ الْعَاقِبَةُ اهـ. وَالثَّانِي مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَرُكْنُهُ اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى مَعْنَاهُ وَشَرَائِطُهُ نَوْعَانِ: عَامٌّ وَخَاصٌّ؛ فَالْعَامُّ هُوَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ شَرَائِطِ الْعِتْقِ فَلَا يَصِحُّ إلَّا مِنْ الْأَهْلِ فِي الْمَحَلِّ مُنَجَّزًا، أَوْ مُعَلَّقًا أَوْ مُضَافًا، سَوَاءٌ كَانَ إلَى وَقْتٍ، أَوْ إلَى الْمِلْكِ، أَوْ إلَى سَبَبِهِ وَالْخَاصُّ تَعْلِيقُهُ بِمَوْتِ الْمَوْلَى فَلَوْ عَلَّقَهُ بِمَوْتِ غَيْرِهِ لَا يَكُونُ مُدَبَّرًا وَأَنْ يَكُونَ بِمُطْلَقِ مَوْتِهِ وَأَنْ يَكُونَ بِمَوْتِهِ وَحْدَهُ كَمَا سَيَأْتِي، وَأَمَّا صِفَتُهُ فَالتَّجَزُّؤُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا فَلَوْ دَبَّرَهُ أَحَدُهُمَا اقْتَصَرَ عَلَى نَصِيبِهِ وَلِلْآخَرِ عِنْدَ يَسَارِ شَرِيكِهِ سِتُّ خِيَارَاتٍ: الْخَمْسَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ، وَالتَّرْكُ عَلَى حَالِهِ كَمَا عُرِفَ فِي الْبَدَائِعِ وَسَيَأْتِي بَيَانُ أَحْكَامِهِ مِنْ عَدَمِ جَوَازِ إخْرَاجِهِ عَنْ الْمِلْكِ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ وَمِنْ عِتْقِهِ مِنْ الثُّلُثِ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى إلَى آخِرِهِ (قَوْلُهُ: هُوَ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِمُطْلَقِ مَوْتِهِ) أَيْ مَوْتِ الْمَوْلَى فَخَرَجَ بِقَيْدِ الْإِطْلَاقِ التَّدْبِيرُ الْمُقَيَّدُ كَتَعْلِيقِهِ بِمَوْتِ مَوْصُوفٍ بِصِفَةٍ كَمَا سَيَأْتِي وَكَذَا التَّعْلِيقُ بِمَوْتِهِ وَمَوْتِ غَيْرِهِ وَخَرَجَ أَيْضًا أَنْت حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي بِيَوْمٍ، أَوْ بِشَهْرٍ فَهُوَ وَصِيَّةٌ بِالْإِعْتَاقِ فَلَا يَعْتِقُ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى إلَّا بِإِعْتَاقِ الْوَارِثِ أَوْ الْوَصِيِّ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ وَخَرَجَ بِمَوْتِهِ تَعْلِيقُهُ بِمَوْتِ غَيْرِهِ كَقَوْلِهِ إنْ مَاتَ فُلَانٌ فَأَنْت حُرٌّ فَإِنَّهُ لَا يَصِيرُ مُدَبَّرًا أَصْلًا لَا مُطْلَقًا وَلَا مُقَيَّدًا فَإِذَا مَاتَ فُلَانٌ عَتَقَ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ تَعْلِيقُهُ بِمَوْتِهِ إلَى مُدَّةٍ لَا يَعِيشُ مِثْلُهُ إلَيْهَا كَإِنْ مِتُّ إلَى مِائَةِ سَنَةٍ فَأَنْتَ حُرٌّ وَمِثْلُهُ لَا يَعِيشُ إلَيْهَا فَإِنَّهُ سَيَأْتِي أَنَّهُ مُدَبَّرٌ مُطْلَقٌ عَلَى الْمُخْتَارِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُعَلَّقْ عِتْقُهُ بِمُطْلَقِ مَوْتِ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ، وَإِنْ كَانَ مُقَيَّدًا صُورَةً فَهُوَ مُطْلَقٌ مَعْنًى وَأَشَارَ بِالتَّعْلِيقِ إلَى أَنَّهُ لَوْ دَبَّرَ عَبْدَهُ، ثُمَّ ذَهَبَ عَقْلُهُ فَالتَّدْبِيرُ عَلَى حَالِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي التَّدْبِيرِ مَعْنَى الْوَصِيَّةِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى بِرَقَبَتِهِ لِإِنْسَانٍ ثُمَّ جُنَّ، ثُمَّ مَاتَ حَيْثُ تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ وَالْفَرْقُ أَنَّ التَّدْبِيرَ اشْتَمَلَ عَلَى مَعْنَى التَّعْلِيقِ، وَالتَّعْلِيقَ لَا يَبْطُلُ بِالْجُنُونِ وَلِهَذَا لَا يَبْطُلُ بِالرُّجُوعِ وَلَا كَذَلِكَ الْوَصِيَّةُ وَلِهَذَا جَازَ تَدْبِيرُ الْمُكْرَهِ وَلَا يَجُوزُ وَصِيَّتُهُ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ. (قَوْلُهُ: كَإِذَا مِتُّ فَأَنْتَ حُرٌّ وَأَنْتَ حُرٌّ يَوْمَ أَمُوتُ، أَوْ عَنْ دُبُرٍ مِنِّي، أَوْ دَبَّرْتُك) بَيَانٌ لِبَعْضِ أَلْفَاظِهِ الصَّرِيحَةِ فَإِنَّهُ إثْبَاتُ الْعِتْقِ عَنْ دُبُرٍ، وَالْيَوْمُ هُنَا لِمُطْلَقِ الْوَقْتِ فَيَعْتِقُ مَاتَ الْمَوْلَى لَيْلًا، أَوْ نَهَارًا لِأَنَّهُ قُرِنَ بِفِعْلٍ لَا يَمْتَدُّ فَإِنْ نَوَى بِالْيَوْمِ النَّهَارَ دُونَ اللَّيْلِ صَحَّتْ نِيَّتُهُ؛ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ، ثُمَّ لَا يَكُونُ مُدَبَّرًا؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِمَا لَيْسَ بِكَائِنٍ لَا مَحَالَةَ وَهُوَ مَوْتُهُ بِالنَّهَارِ وَرُبَّمَا يَمُوتُ بِاللَّيْلِ فَلِذَا لَا يَكُونُ مُدَبَّرًا كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ أَيْ لَا يَكُونُ مُدَبَّرًا مُطْلَقًا، وَإِنَّمَا هُوَ مُقَيَّدٌ فَيَعْتِقُ بِمَوْتِهِ نَهَارًا وَلَهُ بَيْعُهُ وَمِثْلُ التَّعْلِيقِ بِإِذَا " مَتَى "، وَ " إنْ " وَالْحَدَثُ كَالْمَوْتِ فَلَوْ قَالَ إنْ حَدَثَ بِي حَدَثٌ فَأَنْت حُرٌّ فَهُوَ مُدَبَّرٌ؛ لِأَنَّهُ تُعُورِفَ الْحَدَثُ وَالْحَادِثُ فِي الْمَوْتِ، وَكَذَا الْوَفَاةُ وَالْهَلَاكُ؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ لِلْمَعْنَى وَكَذَا أَنْت حُرٌّ مَعَ مَوْتِي أَوْ فِي مَوْتِي فَإِنَّهُ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِالْمَوْتِ، وَ " فِي " تُسْتَعَارُ بِمَعْنَى حَرْفِ الشَّرْطِ كَمَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ، وَقَوْلُ   [منحة الخالق] [بَابُ التَّدْبِيرِ] الجزء: 4 ¦ الصفحة: 285 الزَّيْلَعِيِّ تَبَعًا لِمَا فِي الْمُحِيطِ إنَّ حَرْفَ الظَّرْفِ إذَا دَخَلَ عَلَى الْفِعْلِ يَصِيرُ شَرْطًا تَسَامُحٌ، وَإِنَّمَا هُوَ بِمَعْنَاهُ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ شَرْطًا لَطَلُقَتْ فِي قَوْلِهِ لِأَجْنَبِيَّةٍ أَنْتِ طَالِقٌ فِي نِكَاحِك مَعَ أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ أَنْتَ حُرٌّ يَوْمَ أَمُوتُ أَنَّ كُلَّ لَفْظٍ وَقَعَ بِهِ الْعِتْقُ لِلْحَالِ إذَا أُضِيفَ إلَى الْمَوْتِ فَإِنَّهُ يُوجِبُ التَّدْبِيرَ كَقَوْلِهِ أَعْتَقْتُك، أَوْ أَنْتَ عَتِيقٌ، أَوْ مُعْتَقٌ، أَوْ مُحَرَّرٌ بَعْدَ مَوْتِي، وَفِي الْخَانِيَّةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ: رَجُلٌ قَالَ لِعَبْدِهِ: لَا سَبِيلَ لِأَحَدٍ عَلَيْك بَعْدَ مَوْتِي قَالُوا يَصِيرُ مُدَبَّرًا اهـ. وَلَمْ يُقَيِّدَاهُ بِالنِّيَّةِ مَعَ أَنَّ " لَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك " كِنَايَةٌ لَا يَعْتِقُ بِهَا إلَّا بِالنِّيَّةِ لَا أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ قَوْلِهِ لِي وَبَيْنَ قَوْلِهِ لِأَحَدٍ وَكَذَا بَعْدَ مَوْتِي قَرِينَةٌ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى النِّيَّةِ، وَفِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ لَوْ قَالَ أَعْتِقُوهُ بَعْدَ مَوْتِي فَهُوَ مُدَبَّرٌ اهـ. وَقَيَّدَ بِكَوْنِ السَّيِّدِ وَاحِدًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَقَالَا إذَا مُتْنَا فَأَنْتَ حُرٌّ لَمْ يَصِرْ بِذَلِكَ مُدَبَّرًا وَلَهُمَا أَنْ يَبِيعَاهُ فَإِذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا صَارَ مُدَبَّرًا مِنْ قِبَلِ الثَّانِي وَصَارَ حُكْمُهُ حُكْمَ عَبْدٍ بَيْنَ رَجُلَيْنِ دَبَّرَهُ أَحَدُهُمَا، وَلَوْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَالَ: إذَا مِتُّ فَأَنْتَ حُرٌّ، أَوْ دَبَّرْتُك أَوْ دَبَّرْتُ نَصِيبِي مِنْك وَخَرَجَ الْقَوْلَانِ مِنْهُمَا جَمِيعًا صَارَ مُدَبَّرًا بَيْنَهُمَا فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَأَيُّهُمَا مَاتَ عَتَقَ نَصِيبُهُ وَسَعَى الْعَبْدُ لِلْآخَرِ فِي قِيمَةِ نَصِيبِهِ مِنْهُ وَكَانَ وَلَاؤُهُ بَيْنَهُمَا كَذَا فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ وَلَا فَرْقَ فِي الْعِتْقِ الْمُضَافِ إلَى الْمَوْتِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُعَلَّقًا بِشَرْطٍ آخَرَ، أَوْ لَا فَلَوْ قَالَ: إنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَأَنْت حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي فَكَلَّمَهُ صَارَ مُدَبَّرًا؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْكَلَامِ صَارَ التَّدْبِيرُ مُطْلَقًا وَكَذَا لَوْ قَالَ أَنْت حُرٌّ بَعْدَ كَلَامِك فُلَانًا وَبَعْدَ مَوْتِي فَكَلَّمَهُ فُلَانٌ كَانَ مُدَبَّرًا كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ إذَا قَالَ: أَنْت حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي إنْ شِئْت فَإِنْ نَوَى بِقَوْلِهِ " إنْ شِئْت " السَّاعَةَ فَشَاءَ الْعَبْدُ فِي سَاعَتِهِ تِلْكَ صَارَ مُدَبَّرًا؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ التَّدْبِيرَ بِشَرْطٍ وَهُوَ الْمَشِيئَةُ وَقَدْ وُجِدَ كَمَا إذَا قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْت مُدَبَّرٌ وَإِنْ عَنَى بِهِ مَشِيئَةً بَعْدَ الْمَوْتِ فَلَيْسَ لِلْعَبْدِ مَشِيئَةٌ حَتَّى يَمُوتَ الْمَوْلَى فَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى فَشَاءَ بَعْدَ مَوْتِهِ فَهُوَ حُرٌّ مِنْ ثُلُثِهِ وَذَكَرَ الْحَاكِمُ فِي مُخْتَصَرِهِ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ أَنْ يُعْتِقَهُ الْوَصِيُّ أَوْ الْوَارِثُ. وَفِي الْمُحِيطِ وَلَوْ نَهَاهُ عَنْ الْمَشِيئَةِ قَبْلَ مَوْتِهِ جَازَ نَهْيُهُ وَلَا فَرْقَ فِي التَّدْبِيرِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُنَجَّزًا، أَوْ مُضَافًا كَمَا إذَا قَالَ أَنْت مُدَبَّرٌ غَدًا، أَوْ رَأْسَ شَهْرِ كَذَا فَإِذَا جَاءَ الْوَقْتُ صَارَ مُدَبَّرًا وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِيمَنْ قَالَ أَنْت مُدَبَّرٌ بَعْدَ مَوْتِي فَهُوَ مُدَبَّرٌ السَّاعَةَ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ التَّدْبِيرَ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالتَّدْبِيرُ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا يُتَصَوَّرُ فَيَلْغُو قَوْلُهُ: بَعْدَ مَوْتِي فَيَبْقَى قَوْلُهُ: أَنْتَ مُدَبَّرٌ، أَوْ يُجْعَلُ قَوْلُهُ: أَنْتَ مُدَبَّرٌ أَيْ أَنْتَ حُرٌّ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي، وَفِي الذَّخِيرَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْأَصْلِ لَوْ قَالَ: أَنْت حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي إنْ دَخَلْت الدَّارَ لَا يَصِحُّ هَذَا التَّصَرُّفُ عِنْدَنَا أَصْلًا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ أَنْت حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي إنْ شِئْت وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي فَصْلِ الْمَشِيئَةِ صَحَّحْنَا تَصَرُّفَهُ بِطَرِيقِ الْوَصِيَّةِ، وَتَعْلِيقُ الْوَصِيَّةِ بِالْمَشِيئَةِ صَحِيحٌ وَتَعَذَّرَ تَصْحِيحُ هَذَا التَّصَرُّفِ بِطَرِيقِ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّ تَعْلِيقَ الْوَصِيَّةِ بِدُخُولِ الْمُوصَى لَهُ الدَّارَ بَاطِلٌ اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ لِأَمَةٍ: إنْ مَلَكْتُكِ فَأَنْت حُرَّةٌ بَعْدَ مَوْتِي فَوَلَدَتْ فَاشْتَرَاهُمَا تَصِيرُ الْأُمُّ مُدَبَّرَةً دُونَ الْوَلَدِ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ ثَبَتَ فِي الْأُمِّ وَالْوَلَدُ مُنْفَصِلٌ عَنْهَا قَبْلَ الْمِلْكِ فَلَا يُتَصَوَّرُ سِرَايَةُ حَقِّ التَّدْبِيرِ إلَى الْوَلَدِ كَمَا لَوْ قَالَ: إنْ مَلَكْتُك فَأَنْت حُرَّةٌ فَمَلَكَهَا عَتَقَتْ وَلَا يَعْتِقُ وَلَدٌ وَلَدَتْهُ قَبْلَ الْمِلْكِ فَكَذَا هَذَا وَلَوْ قَالَ الْمَوْلَى: وَلَدْتِ قَبْلَ التَّدْبِيرِ وَقَالَتْ: بَلْ بَعْدَهُ فَالْقَوْلُ لِلْمَوْلَى مَعَ يَمِينِهِ عَلَى عِلْمِهِ وَالْبَيِّنَةُ لَهَا اهـ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ: أَنْت حُرٌّ السَّاعَةَ بَعْدَ مَوْتِي يَعْتِقُ بَعْدَ الْمَوْتِ اهـ. وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ: أَوْصَيْت لَك بِرَقَبَتِك، أَوْ عِتْقِك، أَوْ نَفْسِك أَوْ أَوْصَيْت لَك بِثُلُثِ مَالِي فَإِنَّهُ يَكُونُ مُدَبَّرًا؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ وَصِيَّةٌ فَإِذَا أَتَى بِصَرِيحِهَا كَانَ مُدَبَّرًا بِالْأَوْلَى وَلِأَنَّ الْإِيصَاءَ لِلْعَبْدِ بِرَقَبَتِهِ إزَالَةُ مِلْكِهِ عَنْ رَقَبَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِلْعَبْدِ فِي رَقَبَتِهِ إلَّا بِإِعْتَاقِهِ فَهُوَ كَبَيْعِ نَفْسِ الْعَبْدِ مِنْهُ وَلَوْ قَالَ الْعَبْدُ لَا: أَقْبَلُ فَهُوَ مُدَبَّرٌ وَلَيْسَ رَدُّهُ بِشَيْءٍ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِيمَنْ أَوْصَى بِسَهْمٍ مِنْ مَالِهِ   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 286 لِعَبْدِهِ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِجُزْءٍ مِنْ مَالِهِ لَمْ يَعْتِقْ لِأَنَّ السَّهْمَ عِبَارَةٌ عَنْ السُّدُسِ فَكَانَ سُدُسُ رَقَبَتِهِ دَاخِلًا فِي الْوَصِيَّةِ فَأَمَّا الْجُزْءُ عِبَارَةٌ عَنْ شَيْءٍ مُبْهَمٍ وَالتَّعْيِينُ فِيهِ لِلْوَرَثَةِ فَلَمْ تَكُنْ الرَّقَبَةُ دَاخِلَةً تَحْتَ الْوَصِيَّةِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَمَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ هُنَا جُزِمَ بِهِ فِي الِاخْتِيَارِ وَذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ: لَوْ قَالَ مَرِيضٌ أَعْتِقُوا فُلَانًا بَعْدَ مَوْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى صَحَّ الْإِيصَاءُ وَفُرِّقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا إذَا قَالَ: هُوَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى حَيْثُ لَا يَصِحُّ، وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَمْرًا بِالْإِعْتَاقِ، وَالِاسْتِثْنَاءُ فِي الْأُمُورِ بَاطِلٌ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ إيجَابٌ، وَالِاسْتِثْنَاءُ فِي الْإِيجَابِ صَحِيحٌ اهـ. (قَوْلُهُ: فَلَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ) شُرُوعٌ فِي بَيَانِ أَحْكَامِهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِالشَّرْطِ فَلَا يَمْتَنِعُ بِهِ الْبَيْعُ وَالْهِبَةُ كَمَا فِي سَائِرِ التَّعْلِيقَاتِ وَكَمَا فِي الْمُدَبَّرِ الْمُقَيَّدِ وَلِأَنَّ التَّدْبِيرَ وَصِيَّةٌ وَهِيَ غَيْرُ مَانِعَةٍ مِنْ ذَلِكَ وَلَنَا قَوْلُهُ: - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْمُدَبَّرُ لَا يُوهَبُ وَلَا يُورَثُ وَلَا يُبَاعُ وَهُوَ حُرٌّ مِنْ الثُّلُثِ» وَلِأَنَّهُ سَبَبُ الْحُرِّيَّةِ؛ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ تَثْبُتُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَلَا سَبَبَ غَيْرُهُ ثُمَّ جَعْلُهُ سَبَبًا فِي الْحَالِ أَوْلَى لِوُجُودِهِ فِي الْحَالِ وَعَدَمِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ لِأَنَّ مَا بَعْدَ الْمَوْتِ حَالُ بُطْلَانِ أَهْلِيَّةِ التَّصَرُّفِ فَلَا يُمْكِنُ تَأْخِيرُ السَّبَبِيَّةِ إلَى زَمَانِ بُطْلَانِ الْأَهْلِيَّةِ بِخِلَافِ سَائِرِ التَّعْلِيقَاتِ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ السَّبَبِيَّةِ قَائِمٌ قَبْلَ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ يَمِينٌ، وَالْيَمِينُ مَانِعٌ، وَالْمَنْعُ هُوَ الْمَقْصُودُ وَإِنَّهُ يُضَادُّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فَأَمْكَنَ تَأْخِيرُ السَّبَبِ إلَى زَمَانِ الشَّرْطِ لِقِيَامِ الْأَهْلِيَّةِ عِنْدَهُ فَافْتَرَقَا وَلِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ، وَالْوَصِيَّةُ خِلَافَةٌ فِي الْحَالِ لِوِرَاثَةِ، وَإِبْطَالُ السَّبَبِ لَا يَجُوزُ، وَفِي الْبَيْعِ وَمَا يُضَاهِيهِ ذَلِكَ أَرَادَ بِالْبَيْعِ الْإِخْرَاجَ عَنْ الْمِلْكِ بِعِوَضٍ وَبِالْهِبَةِ الْإِخْرَاجَ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَكَأَنَّهُ قَالَ لَا يَخْرُجُ عَنْ الْمِلْكِ وَفِي الذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهَا: كُلُّ تَصَرُّفٍ لَا يَقَعُ فِي الْحُرِّ نَحْوُ الْبَيْعِ وَالْإِمْهَارِ فَإِنَّهُ يُمْنَعُ فِي الْمُدَبَّرِ وَالْمُدَبَّرَةِ؛ لِأَنَّ الْمُدَبَّرَ بَاقٍ عَلَى حُكْمِ مِلْكِ الْمَوْلَى إلَّا أَنَّهُ انْعَقَدَ لَهُ سَبَبُ الْحُرِّيَّةِ فَكُلُّ تَصَرُّفٍ يُبْطِلُ هَذَا السَّبَبَ يُمْنَعُ الْمَوْلَى مِنْهُ اهـ. فَلِذَا لَا تَجُوزُ الْوِصَايَةُ بِهِ وَلَا رَهْنُهُ لِأَنَّ الرَّهْنَ وَالِارْتِهَانَ مِنْ بَابِ إيفَاءِ الدَّيْنِ وَاسْتِيفَائِهِ عِنْدَنَا فَكَانَ مِنْ بَابِ تَمْلِيكِ الْعَيْنِ وَتَمَلُّكِهَا كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَمِنْ هُنَا يُعْلَمُ أَنَّ شَرْطَ الْوَاقِفِينَ فِي كُتُبِهِمْ أَنَّهَا لَا تَخْرُجُ إلَّا بِرَهْنٍ شَرْطٌ بَاطِلٌ؛ إذْ الْوَقْفُ أَمَانَةٌ فِي يَدٍ مُسْتَعِيرَةٍ فَلَا يَتَأَتَّى الْإِيفَاءُ وَالِاسْتِيفَاءُ بِالرَّهْنِ سَنُوَضِّحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ فَإِنْ بَاعَهُ وَقَضَى الْقَاضِي بِجَوَازِ بَيْعِهِ نَفَذَ قَضَاؤُهُ وَيَكُونُ ذَلِكَ فَسْخًا لِلتَّدْبِيرِ حَتَّى لَوْ عَادَ إلَيْهِ يَوْمًا مِنْ الدَّهْرِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ، ثُمَّ مَاتَ لَا يَعْتِقُ وَهَذَا مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ يَبْطُلُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي مَا هُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَمَا هُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ لُزُومُ التَّدْبِيرِ لَا صِحَّةُ التَّعْلِيقِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَبْطُلَ وَصْفُ اللُّزُومِ لَا غَيْرُ اهـ. وَسَيَأْتِي فِي الْبُيُوعِ أَنَّ بَيْعَ الْمُدَبَّرِ بَاطِلٌ لَا يُمْلَكُ بِالْقَبْضِ فَلَوْ بَاعَهُ الْمَوْلَى فَرَفَعَهُ الْعَبْدُ إلَى قَاضٍ حَنَفِيٍّ وَادَّعَى عَلَيْهِ أَوْ عَلَى الْمُشْتَرِي فَحَكَمَ الْحَنَفِيُّ بِبُطْلَانِ الْبَيْعِ وَلُزُومِ التَّدْبِيرِ فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ فَلَيْسَ لِلشَّافِعِيِّ أَنْ يَقْضِيَ بِجَوَازِ بَيْعِهِ بَعْدَهُ كَمَا فِي فَتَاوَى الشَّيْخِ قَاسِمٍ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِلْقَوَاعِدِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالْحُرِّ فَلَوْ جَمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قِنٍّ يَنْبَغِي أَنْ يَسْرِيَ الْفَسَادُ إلَى الْقِنِّ كَمَا سَنُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَحَلِّهِ، وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ مِنْ التَّدْبِيرِ: رَجُلٌ قَالَ: هَذِهِ أَمَتَى إنْ احْتَجْتُ إلَى بَيْعِهَا أَبِيعُهَا، وَإِنْ بَقِيَتْ بَعْدَ مَوْتِي فَهِيَ حُرَّةٌ فَبَاعَهَا جَازَ كَذَا فِي فَتَاوَى الصَّدْرِ الشَّهِيدِ اهـ. وَلَمْ يُصَرِّحْ بِأَنَّهَا مُدَبَّرَةٌ تَدْبِيرًا مُطْلَقًا أَوْ مُقَيَّدًا وَفِيهَا مِنْ كِتَابِ الْحِيَلِ لَوْ أَرَادَ أَنْ يُدَبِّرَ عَبْدَهُ عَلَى وَجْهٍ يَمْلِكُ بَيْعَهُ يَقُولُ: إذَا مِتُّ وَأَنْتَ فِي مِلْكِي فَأَنْتَ حُرٌّ فَهَذَا يَكُونُ مُدَبَّرًا مُقَيَّدًا فَيَمْلِكُ بَيْعَهُ فَإِذَا مَاتَ وَهُوَ فِي مِلْكِهِ عَتَقَ اهـ. فَكَذَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى يَكُونُ مُدَبَّرًا مُقَيَّدًا لَكِنْ ذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي آخِرِ الْوَصَايَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: إنْ مِتُّ وَأَنْتَ فِي مِلْكِي فَأَنْت حُرٌّ فَلَهُ أَنْ يَبِيعَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا مَاتَ لَمْ يَبْقَ فِي مِلْكِهِ فَلَمْ يَعْتِقْ اهـ. وَهُوَ لَيْسَ بِمُخَالِفٍ لِقَوْلِهِ فِي الْحِيَلِ: إنَّهُ يَعْتِقُ بِمَوْتِهِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ فِي الْوَصَايَا لَا يَعْتِقُ مَعْنَاهُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَعْتِقُ بَعْدَ مَوْتِهِ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَعْتِقُ كُلُّهُ مَعَ أَنَّهُ صَرَّحَ فِي الْفَتْحِ فِيمَا لَوْ أَوْصَى لِعَبْدِهِ بِثُلُثِ مَالِهِ أَنَّهُ يَعْتِقُ ثُلُثُهُ وَلَعَلَّ مَا هُنَا مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ بِعَدَمِ تَجَزِّي التَّدْبِيرِ تَأَمَّلْ وَرَأَيْت فِي وَصَايَا خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ أَوْصَى لِعَبْدِهِ بِدَرَاهِمَ مُسَمَّاةٍ، أَوْ بِشَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ لَمْ يَجُزْ وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِبَعْضِ رَقَبَتِهِ عَتَقَ ذَلِكَ الْقَدْرُ وَيَسْعَى فِي الْبَاقِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَوْ وَهَبَ لَهُ رَقَبَتَهُ، أَوْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِهَا عَتَقَ مِنْ ثُلُثِهِ وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِثُلُثِ مَالِهِ صَحَّ وَعَتَقَ ثُلُثُهُ فَإِنْ بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ أُكْمِلَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ فِي قِيمَتِهِ فَضْلٌ عَلَى الثُّلُثِ سَعَى لِلْوَرَثَةِ اهـ. وَقَوْلُهُ: فَإِنْ بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ أُكْمِلَ لَهُ إلَخْ مَعْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ ثُلُثَ الْمَالِ وَمِنْهُ ثُلُثُ رَقَبَتِهِ وَعَلَيْهِ ثُلُثَا رَقَبَتِهِ فَإِنْ كَانَ ثُلُثَاهَا أَقَلَّ مِنْ ثُلُثِ بَاقِي الْمَالِ أُكْمِلَ لَهُ تَتِمَّةُ الثُّلُثِ، وَإِنْ كَانَ ثُلُثَاهَا أَكْثَرَ يَسْعَى لِلْوَرَثَةِ فِيمَا زَادَ فَيُكْمَلُ لَهُ ثُلُثُ الْمَالِ فَقَطْ. (قَوْلُهُ: وَلَمْ يُصَرِّحْ إلَخْ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 287 لَوْ مَاتَ بَعْدَ بَيْعِهِ، وَأَمَّا لَوْ مَاتَ وَهُوَ فِي مِلْكِهِ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِعَدَمِ جَوَازِ تَمْلِيكِهِ إلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُدَبَّرُ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَعْتَقَهُ أَحَدُهُمَا وَهُوَ مُوسِرٌ وَضَمِنَ قِيمَةَ نَصِيبِ شَرِيكِهِ عَتَقَ الْمُدَبَّرُ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ الْوَلَاءُ لِأَنَّ الْعِتْقَ هَهُنَا ثَبَتَ مِنْ جِهَةِ الْمُدَبَّرِ فِي الْحَقِيقَةِ لَا مِنْ جِهَةِ الَّذِي أَعْتَقَهُ؛ لِأَنَّ الْمُعْتِقَ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ لَا يَمْلِكُ نَصِيبَ الشَّرِيكِ هَهُنَا؛ لِأَنَّ الْمُدَبَّرَ لَا يَقْبَلُ الِانْتِقَالَ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ، وَإِنَّمَا وَجَبَ الضَّمَانُ لِإِثْبَاتِ الْحَيْلُولَةِ بَيْنَ الْمُدَبَّرِ وَالْمَوْلَى أَمَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْمُعْتِقَ يَتَمَلَّكُ نَصِيبَ صَاحِبِهِ مِنْ الْمُدَبَّرِ فَلَا وَلَمَّا كَانَ هَذَا طَرِيقَ الْعِتْقِ كَانَ الْمُعْتِقُ هُوَ الْمُدَبِّرَ فَلِذَا كَانَ الْوَلَاءُ لَهُمَا عَلَى الشَّرِكَةِ كَمَا كَانَ أَوَّلًا كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَقْبَلُ الِانْتِقَالَ بِالْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ بِالْقَضَاءِ يَنْفَسِخُ التَّدْبِيرُ، وَأَمَّا هَهُنَا فَالتَّدْبِيرُ بَاقٍ وَلَكِنْ كَانَ يَنْبَغِي أَنَّهُ لَوْ ضُمَّ إلَى قِنٍّ وَبِيعَا صَفْقَةً وَاحِدَةً أَنْ يَسْرِيَ الْفَسَادُ إلَى الْقِنِّ كَالْحُرِّ وَسَيَتَّضِحُ فِي مَحَلِّهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَقَيَّدَ بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ إعْتَاقُهُ كَأُمِّ الْوَلَدِ لِأَنَّهُ إيصَالٌ إلَى حَقِيقَةِ الْحُرِّيَّةِ عَاجِلًا وَتَجُوزُ كِتَابَتُهُمَا لِمَا فِيهَا مِنْ تَعْجِيلِ الْحُرِّيَّةِ، وَفِي الْمُحِيطِ، وَإِذَا وَلَدَتْ الْمُدَبَّرَةُ مِنْ السَّيِّدِ فَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ وَقَدْ بَطَلَ التَّدْبِيرُ؛ لِأَنَّ أُمِّيَّةَ الْوَلَدِ أَقْوَى فِي إفَادَةِ الْعِتْقِ مِنْ التَّدْبِيرِ لِأَنَّهَا تَعْتِقُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ بِخِلَافِ الْمُدَبَّرَةِ فَإِنَّهَا تَعْتِقُ مِنْ الثُّلُثِ فَيَبْطُلُ بِهَا التَّدْبِيرُ كَالْبَيْعِ إذَا وَرَدَ عَلَى الرَّهْنِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَيُسْتَخْدَمُ وَيُؤَجَّرُ وَتُوطَأُ وَتُنْكَحُ) أَيْ وَيُسْتَخْدَمُ الْمُدَبَّرُ وَيُؤَجَّرُ وَكَذَا الْمُدَبَّرَةُ وَتُوطَأُ الْمُدَبَّرَةُ أَيْ يَجُوزُ لِلْمَوْلَى ذَلِكَ وَيَجُوزُ أَنْ يُزَوِّجَهَا جَبْرًا عَلَيْهَا وَكَذَا الْمُدَبَّرُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي نِكَاحِ الرَّقِيقِ، وَإِنَّمَا جَازَتْ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ ثَابِتٌ فِيهِ وَبِهِ تُسْتَفَادُ وِلَايَةُ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ وَضَابِطُهَا كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّ كُلَّ تَصَرُّفٍ يَقَعُ فِي الْحُرِّ فَإِنَّهُ لَا يُمْنَعُ فِي الْمُدَبَّرِ وَالْمُدَبَّرَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْطُلُ مَا انْعَقَدَ لَهُ مِنْ السَّبَبِ وَأَفَادَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِجَوَازِ ذَلِكَ أَنَّ أَكْسَابَ الْمُدَبَّرِ وَالْمُدَبَّرَةِ لِلْمَوْلَى وَكَذَا أَرْشُهُمَا وَكَذَا مَهْرُهَا لِلْمَوْلَى لِأَنَّهُمَا بَقِيَا عَلَى حُكْمِ مِلْكِ الْمَوْلَى كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ، وَمِنْ أَحْكَامِهِ أَنَّ دَيْنَهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَحْتَمِلُ الْبَيْعَ وَيَتَعَلَّقُ بِكَسْبِهِ وَيَسْعَى فِي دُيُونِهِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ وَمِنْهَا أَنَّ جِنَايَتَهُ عَلَى الْمَوْلَى وَهُوَ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ وَلَا يَضْمَنُ الْمَوْلَى أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةٍ وَاحِدَةٍ، وَإِنْ كَثُرَتْ الْجِنَايَاتُ عَلَى مَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَوَلَدُ الْمُدَبَّرَةِ بِمَنْزِلَتِهَا كَالْحُرَّةِ فَيَعْتِقُ بِمَوْتِ سَيِّدِ أُمِّهِ إنْ كَانَ التَّدْبِيرُ مُطْلَقًا أَمَّا وَلَدُ الْمُدَبَّرَةِ تَدْبِيرًا مُقَيَّدًا فَلَا يَكُونُ مُدَبَّرًا وَوَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْهِدَايَةِ أَنَّ وَلَدَ الْمُدَبَّرِ مُدَبَّرٌ بِالتَّذْكِيرِ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ التَّبَعِيَّةَ إنَّمَا هِيَ لِلْأُمِّ لَا لِلْأَبِ، وَتَدْبِيرُ الْحَمْلِ وَحْدَهُ جَائِزٌ كَعِتْقِهِ فَإِنْ وَلَدَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ كَانَ مُدَبَّرًا، وَإِلَّا فَلَا. (قَوْلُهُ: وَبِمَوْتِهِ يَعْتِقُ مِنْ ثُلُثِهِ) أَيْ بِمَوْتِ الْمَوْلَى يَعْتِقُ الْمُدَبَّرُ مِنْ ثُلُثِ مَالِ الْمَوْلَى لِمَا رَوَيْنَا مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «وَهُوَ حُرٌّ مِنْ الثُّلُثِ» وَلِأَنَّ التَّدْبِيرَ وَصِيَّةٌ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ مُضَافٌ إلَى وَقْتِ الْمَوْتِ، وَالْحُكْمُ غَيْرُ ثَابِتٍ فِي الْحَالِ فَيَنْفُذُ مِنْ الثُّلُثِ وَلِكَوْنِهِ وَصِيَّةً حَتَّى لَوْ قَتَلَهُ الْمُدَبَّرُ فَإِنَّهُ يَسْعَى فِي جَمِيعِ قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا وَصِيَّةَ لِلْقَاتِلِ، وَأُمُّ الْوَلَدِ إذَا قَتَلَتْ مَوْلَاهَا فَإِنَّهَا تَعْتِقُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا إنْ كَانَ الْقَتْلُ خَطَأً كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَذَكَرَ قَاضِي خَانْ فِي كِتَابِ الْحَجْرِ: أَنَّ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ يَصِحُّ تَدْبِيرُهُ وَبِمَوْتِهِ سَفِيهًا يَعْتِقُ الْمُدَبَّرُ وَيَسْعَى فِي قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ مُدَبَّرًا عَشَرَةً يَسْعَى فِي عَشَرَةٍ اهـ. مَعَ أَنَّهُ نَقَلَ قَبْلَهُ أَنَّ وَصِيَّةَ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ جَائِزَةٌ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ وَأَطْلَقَ فِي الْمَوْتِ فَشَمِلَ الْحُكْمِيَّ بِالرِّدَّةِ بِأَنْ ارْتَدَّ الْمَوْلَى عَنْ الْإِسْلَامِ - وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى - وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّهَا مَعَ اللِّحَاقِ تَجْرِي مَجْرَى الْمَوْتِ وَكَذَا الْمُسْتَأْمَنُ إذَا اشْتَرَى عَبْدًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَدَبَّرَهُ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَاسْتُرِقَّ الْحَرْبِيُّ عَتَقَ مُدَبَّرُهُ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَأَطْلَقَ فِي التَّدْبِيرِ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ فِي الصِّحَّةِ، أَوْ فِي الْمَرَضِ؛ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ فِي الْحَالَيْنِ وَيُعْتَبَرُ مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ يَوْمَ مَاتَ الْمَوْلَى كَمَا فِي الْوَصَايَا، وَفِي الْمُحِيطِ أَنَّ الْمُدَبَّرَ يَعْتِقُ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاةِ الْمَوْلَى اهـ. وَهُوَ التَّحْقِيقُ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ كَلَامُهُمْ (قَوْلُهُ: وَيَسْعَى فِي ثُلُثَيْهِ   [منحة الخالق] كَيْفَ تَكُونُ مُدَبَّرَةً مُطْلَقًا مَعَ تَصْرِيحِهِ بِجِوَارِ بَيْعِهَا. (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ) أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُدَبَّرَ يُطْلَقُ عَلَى الْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ كَلَفْظِ الْمَمْلُوكِ. (قَوْلُهُ: حَتَّى لَوْ قَتَلَهُ الْمُدَبَّرُ) كَذَا فِي النُّسَخِ وَهُوَ تَحْرِيفٌ وَصَوَابُهُ حَذْفُ الضَّمِيرِ مِنْ قَتَلَهُ وَالْمُدَبِّرُ اسْمُ فَاعِلٍ. (قَوْلُهُ: مَعَ أَنَّهُ نَقَلَ قَبْلَهُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَلَعَلَّ الْفَرْقَ هُوَ أَنَّ التَّدْبِيرَ الْآنَ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ فَإِنَّهَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَلَهُ الرُّجُوعُ قَبْلَهُ فَلَا إتْلَافَ فِيهَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 288 لَوْ فَقِيرًا - وَكُلِّهِ لَوْ مَدْيُونًا) أَيْ يَسْعَى الْمُدَبَّرُ لِلْوَرَثَةِ فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ لَوْ كَانَ الْمَوْلَى فَقِيرًا لَيْسَ لَهُ مَالٌ إلَّا هُوَ، وَفِي جَمِيعِ قِيمَتِهِ لَوْ كَانَ الْمَوْلَى مَدْيُونًا دَيْنًا يَسْتَغْرِقُ مَالَهُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ وَصِيَّةٌ، وَمَحَلُّ نَفَاذِهَا الثُّلُثُ وَالدَّيْنُ مُقَدَّمٌ عَلَيْهَا. اعْلَمْ أَنَّ الْمُدَبَّرَ فِي زَمَنِ سِعَايَتِهِ كَالْمُكَاتَبِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا حُرٌّ مَدْيُونٌ فَتَتَفَرَّعُ الْأَحْكَامُ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَلَا يُزَوِّجُ نَفْسَهُ عِنْدَهُ لِمَا فِي الْمَجْمَعِ مِنْ الْجِنَايَاتِ وَلَوْ تَرَكَ مُدَبَّرًا فَقَتَلَ خَطَأً - وَهُوَ يَسْعَى لِلْوَارِثِ - فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ لِوَلِيِّهِ وَقَالَا: دِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ اهـ. وَهَكَذَا فِي الْكَافِي وَعَلَّلَهُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ وَكَذَا الْمُنَجَّزُ عِتْقُهُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ إذَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ فَإِنَّهُ فِي زَمَنِ سِعَايَتِهِ كَالْمُكَاتَبِ عِنْدَهُ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ كَمَا فِي شَهَادَاتِ الْبَزَّازِيَّةِ وَحُكْمُ جِنَايَتِهِ كَجِنَايَةِ الْمُكَاتَبِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِلْمُصَنِّفِ وَقَوْلُهُمْ هُنَا يَعْتِقُ الْمُدَبَّرُ بِمَوْتِ الْمَوْلَى مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ يَدُلُّ عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ لَمْ يَعْتِقْ حَتَّى يَسْعَى وَيُؤَدِّيَهَا، قَيَّدْنَا بِكَوْنِ الدَّيْنِ مُسْتَغْرِقًا؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَوْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ فَإِنَّهُ يَسْعَى فِي قَدْرِ الدَّيْنِ، وَالزِّيَادَةُ عَلَى الدَّيْنِ ثُلُثُهَا وَصِيَّةٌ، وَيَسْعَى فِي ثُلُثَيْ الزِّيَادَةِ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَذَكَرَ فِي الْمُجْتَبَى أَنَّ الْقُدُورِيَّ أَجْمَلَ الْقِيمَةَ وَلَمْ يُبَيِّنْ أَنَّهُ يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ قِنًّا، أَوْ مُدَبَّرًا وَذَكَرَ فِي بط أَنَّهُ يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الْحَجْرِ إذَا دَبَّرَ السَّفِيهُ، ثُمَّ مَاتَ يَسْعَى الْغُلَامُ فِي قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا وَلَيْسَ عَلَيْهِ نُقْصَانُ التَّدْبِيرِ كَالصَّالِحِ إذَا دَبَّرَ وَمَاتَ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ اهـ. وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْمُفْتَى بِهِ أَنَّ قِيمَةَ الْمُدَبَّرِ ثُلُثَا قِيمَتِهِ قِنًّا وَاخْتَارَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ أَنَّهَا النِّصْفُ، وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: وَهُوَ الْمُخْتَارُ؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِالْمَمْلُوكِ نَوْعَانِ انْتِفَاعٌ بِعَيْنِهِ وَانْتِفَاعٌ بِبَدَلِهِ وَهُوَ الثَّمَنُ وَالِانْتِفَاعُ بِالْعَيْنِ قَائِمٌ وَبِالْبَدَلِ فَائِتٌ اهـ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ: وَعِتْقُ الْمُدَبَّرِ يُعْتَبَرُ مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ مُطْلَقًا كَانَ، أَوْ مُقَيَّدًا اهـ. وَلَمْ يُبَيِّنْهُ الْمُصَنِّفُ؛ لِأَنَّهُ إذَا عُلِمَ حُكْمُ الْمُطْلَقِ فَالْمُقَيَّدُ أَوْلَى، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: إذَا دَبَّرَهُ، ثُمَّ كَاتَبَهُ، ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى وَهُوَ يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِهِ عَتَقَ بِالتَّدْبِيرِ وَسَقَطَتْ عَنْهُ الْكِتَابَةُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ فَإِنَّهُ يُخَيَّرُ إنْ شَاءَ سَعَى فِي جَمِيعِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ بِجِهَةِ عَقْدِ الْكِتَابَةِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: اعْلَمْ أَنَّ الْمُدَبَّرَ فِي زَمَنِ سِعَايَتِهِ إلَخْ) قَالَ الْعَلَّامَةُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي رِسَالَتِهِ إيقَاظِ ذَوِي الدِّرَايَةِ لِوَصْفِ مَنْ كُلِّفَ السِّعَايَةَ بَعْدَ نَقْلِهِ لِكَلَامِ الْمُؤَلِّفِ هُنَا أَقُولُ: قَدْ صَدَرَتْ تِلْكَ الْعِبَارَاتُ وَهِيَ مُخَالِفَةٌ لِنَصِّ الْإِمَامِ، وَإِنْ وَرَدَ مِثْلُهَا مُسْنَدًا لِلْإِمَامِ فَاخْتَلَفَ النَّقْلُ عَنْهُ وَلَمْ تُحَرِّرْهُ الْأَعْلَامُ وَالْمُقَرَّرُ أَنَّ الْخِلَافَ بَيْنَ الْإِمَامِ وَصَاحِبَيْهِ فِي تَجَزِّي الْإِعْتَاقِ وَحُصُولِ الْعِتْقِ وَعَدَمِهِ فِيمَنْ أُعْتِقَ بَعْضُهُ لَا فِيمَنْ أُعْتِقَ كُلُّهُ مُنَجَّزًا، أَوْ مُعَلَّقًا عَلَى شَرْطٍ فَوُجِدَ فِي مَرَضٍ، أَوْ صِحَّةٍ، وَسِعَايَتُهُ بَعْدَهُ سِعَايَةُ حُرٍّ مَدْيُونٍ كَالْمُدَبَّرِ إذَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ قَالَ فِي السِّرَاجِ الْمُسْتَسْعَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى ضَرْبَيْنِ؛ كُلُّ مَنْ يَسْعَى فِي تَخْلِيصِ رَقَبَتِهِ فَهُوَ كَالْمُكَاتَبِ وَكُلُّ مَنْ يَسْعَى فِي بَدَلِ رَقَبَتِهِ الَّذِي لَزِمَ بِالْعِتْقِ، أَوْ فِي قِيمَةِ رَقَبَتِهِ لِأَجْلِ بَدَلِ شَرْطٍ عَلَيْهِ، أَوْ لِدَيْنٍ ثَبَتَ فِي رَقَبَتِهِ فَهُوَ كَالْحُرِّ اهـ. وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُدَبَّرَ قَدْ عَتَقَ كُلُّهُ بِمَوْتِ الْمَوْلَى فَهُوَ، وَإِنْ سَعَى يَسْعَى وَهُوَ حُرٌّ فَلَمْ يَكُنْ كَالْمُكَاتَبِ وَمَا فِي الْمَجْمَعِ قَدْ يُقَالُ إنَّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى مَا قِيلَ إنَّ الْمُسْتَسْعَى كَالْمُكَاتَبِ وَلَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ لِمَا عَلِمْت فَمُوجَبُ جِنَايَتِهِ عَلَى عَاقِلَةِ مَوْلَاهُ لِلنَّصِّ عَلَى حُرِّيَّتِهِ بِمُجَرَّدِ مَوْتِ سَيِّدِهِ وَمَا عُزِيَ إلَى الْبَزَّازِيَّةِ لَمْ أَرَهُ فِيهَا وَعِبَارَتُهَا: لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُدَبَّرِ انْتَهَتْ، وَوَصْفُهُ بِالْمُدَبَّرِ حَقِيقَةً إنَّمَا هُوَ فِي حَيَاةِ سَيِّدِهِ أَمَّا بَعْدَهَا فَهُوَ حُرٌّ مَقْبُولُ الشَّهَادَةِ نَعَمْ قَالَ فِي فُصُولِ الْعِمَادِيِّ، وَتَهْذِيبِ الْخَاصِّيِّ: الْمَرِيضُ إذَا أَعْتَقَ عَبْدًا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ وَلَا مَالَ لَهُ سِوَاهُ فَعِتْقُهُ مَوْقُوفٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى إذَا شَهِدَ لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ الَّتِي لَا تَحْتَمِلُ الْفَسْخَ بَعْدَ النَّفَاذِ فَتَوَقَّفْ اهـ. وَهُوَ أَيْضًا مَأْخُوذٌ مِنْ التَّشْبِيهِ وَيُعَارِضُهُ مَا مَرَّ عَنْ الْإِمَامِ مِنْ تَقْسِيمِ الْمُسْتَسْعَى إلَى قِسْمَيْنِ، وَلَئِنْ صَحَّ نَقْلُهُ عَنْ الْإِمَامِ فَالْوَجْهُ النَّقْلُ الْمُوَافِقُ لِنَصِّ الشَّارِعِ وَلِتَعْرِيفِ التَّدْبِيرِ قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: التَّدْبِيرُ شَرْعًا الْعِتْقُ الْمُوقَعُ بَعْدَ الْمَوْتِ فِي الْمَمْلُوكِ مُعَلَّقًا بِالْمَوْتِ مُطْلَقًا لَفْظًا أَوْ مَعْنًى اهـ. وَالْمُعَلَّقُ يُنَزَّلُ بِوُجُودِ شَرْطِهِ كَمَلًا، وَرَوَى ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ إنَّ «الْمُدَبَّرَ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ وَلَا يُوَرَّثُ وَهُوَ حُرٌّ مِنْ الثُّلُثِ» وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ الْمُدَبَّرُ تَعَلَّقَ عِتْقُهُ بِنَفْسِ الْمَوْتِ أَيْ مَوْتِ سَيِّدِهِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ إعْتَاقُ أَحَدٍ ثُمَّ قَالَ وَبِمَوْتِ الْمَوْلَى يَعْتِقُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ، وَإِنَّمَا يَسْعَى إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ وَمَحَلُّهَا الثُّلُثُ وَلَمْ يَسْلَمْ لَهُ شَيْءٌ إلَّا إذَا سَلِمَ لِلْوَرَثَةِ ضِعْفُهُ وَالدَّيْنُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوَصِيَّةِ وَلَا يُمْكِنُ نَقْضُ الْعِتْقِ فَيَجِبُ نَقْضُهُ مَعْنًى بِرَدِّ قِيمَتِهِ يَعْنِي لِدَيْنٍ يَسْتَغْرِقُ وَيَرُدُّ ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ لِلْوَرَثَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ دَيْنٌ فَهَذَا تَصْرِيحٌ بِحُرِّيَّتِهِ بِمُجَرَّدِ مَوْتِ الْمَوْلَى فَقَوْلُهُ: فِي الِاخْتِيَارِ يَعْتِقُ مِنْهُ بِقَدْرِهِ الْمُرَادُ سُقُوطُ السِّعَايَةِ عَنْهُ بِقَدْرِ الثُّلُثِ لَا تَجَزِّي عِتْقِهِ، وَكَذَا قَوْلُهُ: فِي الْمُحِيطِ يَعْتِقُ ثُلُثُهُ وَيَسْعَى فِي ثُلُثَيْهِ اهـ. مَا فِي الرِّسَالَةِ مُلَخَّصًا، ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِهَا: فَتَلَخَّصَ أَنَّ الْمُدَبَّرَ إذَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ يَسْعَى وَهُوَ حُرٌّ، وَأَحْكَامُهُ أَحْكَامُ الْأَحْرَارِ وَكَذَا الْمُعْتَقُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ وَالْمُعْتَقُ عَلَى مَالٍ، أَوْ خِدْمَةٍ قَالَ الْحَمَوِيُّ فِي حَوَاشِي الْأَشْبَاهِ وَهُوَ تَحْقِيقٌ بِالْقَبُولِ حَقِيقٌ يُعَضُّ عَلَيْهِ بِالنَّوَاجِذِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 289 وَإِنْ شَاءَ سَعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ بِالتَّدْبِيرِ وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ يَتَجَزَّى عِنْدَهُ وَقَدْ تَلَقَّاهُ جِهَتَا حُرِّيَّةٍ فَيَتَخَيَّرُ أَيَّهُمَا شَاءَ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَسْعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْهُمَا بِغَيْرِ خِيَارٍ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَسْعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْ ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ وَمِنْ ثُلُثَيْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ وَلَوْ كَاتَبَهُ، ثُمَّ دَبَّرَهُ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يَسْعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ، أَوْ ثُلُثَيْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ وَعِنْدَهُمَا يَسْعَى فِي أَقَلِّهِمَا عَيْنًا، وَتَمَامُهُ فِيهِ، وَذَكَرَ فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ: لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: أَنْت حُرٌّ، أَوْ مُدَبَّرٌ أُمِرَ بِالْبَيَانِ فَإِنْ مَاتَ عَلَى مَا كَانَ فَإِنْ كَانَ الْقَوْلُ مِنْهُ فِي الصِّحَّةِ عَتَقَ نِصْفُهُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ وَنِصْفُهُ مِنْ الثُّلُثِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَيُبَاعُ لَوْ قَالَ إنْ مِتُّ مِنْ سَفَرِي، أَوْ مِنْ مَرَضِي، أَوْ إلَى عَشْرِ سِنِينَ، أَوْ عِشْرِينَ سَنَةً، أَوْ أَنْت حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِ فُلَانٍ وَيَعْتِقُ إنْ وُجِدَ الشَّرْطُ) بَيَانٌ لِلْمُدَبَّرِ الْمُقَيَّدِ وَأَحْكَامِهِ، وَحَاصِلُهُ أَنْ يُعَلِّقَ عِتْقَهُ بِمَوْتِهِ عَلَى صِفَةٍ لَا بِمُطْلَقَةٍ كَتَقْيِيدِهِ بِمَوْتِهِ فِي سَفَرٍ أَوْ مَرَضٍ مَخْصُوصٍ، أَوْ بِمُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ يَعِيشَانِ إلَى مِثْلِهَا، أَوْ بِزِيَادَةِ شَيْءٍ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى كَقَوْلِهِ: إذَا مِتُّ وَغُسِّلْتُ، أَوْ كُفِّنْتُ وَدُفِنْتُ فَأَنْت حُرٌّ فَيَعْتِقُ إذَا مَاتَ اسْتِحْسَانًا مِنْ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّهُ يُغَسَّلُ وَيُكَفَّنُ وَيُدْفَنُ عَقِيبَ الْمَوْتِ قَبْلَ أَنْ يَتَقَرَّرَ مِلْكُ الْوَارِثِ، أَوْ بِتَرْدَادِهِ بَيْنَ الْمَوْتِ وَالْقَتْلِ كَقَوْلِهِ إذَا مِتُّ أَوْ قُتِلْتُ فَلَيْسَ بِمُدَبَّرٍ مُطْلَقٍ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِأَحَدِ الشَّيْئَيْنِ، وَالْقَتْلُ - وَإِنْ كَانَ مَوْتًا - فَالْمَوْتُ لَيْسَ بِقَتْلٍ وَتَعْلِيقُهُ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ يَمْنَعُ كَوْنَهُ عَزِيمَةً فِي أَحَدِهِمَا خَاصَّةً فَلَا يَصِيرُ مُدَبَّرًا وَيَجُوزُ بَيْعُهُ وَقَالَ زُفَرُ: هُوَ مُدَبَّرٌ مُطْلَقٌ وَرَجَّحَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهُ أَحْسَنُ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ فِي الْمَعْنَى بِمُطْلَقِ مَوْتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَرَدُّدَ فِي كَوْنِ الْكَائِنِ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ مِنْ الْمَوْتِ قَتْلًا، أَوْ غَيْرَ قَتْلٍ فَهُوَ فِي الْمَعْنَى مُطْلَقُ الْمَوْتِ كَيْفَمَا كَانَ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ إلَى عَشْرِ سِنِينَ أَوْ عِشْرِينَ سَنَةً؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ إلَى مِائَةِ سَنَةٍ - وَمِثْلُهُ لَا يَعِيشُ إلَيْهَا فِي الْغَالِبِ - فَهُوَ مُدَبَّرٌ مُطْلَقٌ؛ لِأَنَّهُ كَالْكَائِنِ لَا مَحَالَةَ، وَهَذَا رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَفِي التَّبْيِينِ أَنَّهُ الْمُخْتَارُ لَكِنْ ذَكَرَ قَاضِي خَانْ أَنَّ عَلَى قَوْلِ أَصْحَابِنَا هُوَ مُدَبَّرٌ مُقَيَّدٌ وَهَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الْيَنَابِيعِ وَجَوَامِعِ الْفِقْهِ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ الْمُصَنِّفَ كَالْمُنَاقِضِ فَإِنَّهُ فِي النِّكَاحِ اعْتَبَرَهُ تَوْقِيتًا وَأَبْطَلَ بِهِ النِّكَاحَ وَهُنَا جَعَلَهُ تَأْبِيدًا مُوجِبًا لِلتَّدْبِيرِ اهـ. وَقَدْ يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ فِي بَابِ النِّكَاحِ اعْتَبَرَهُ تَوْقِيتًا لِلنَّهْيِ عَنْ النِّكَاحِ الْمُوَقَّتِ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ مُوَقَّتٌ صُورَةً؛ فَالِاحْتِيَاطُ فِي مَنْعِهِ تَقْدِيمًا لِلْمُحَرِّمِ عَلَى الْمُبِيحِ؛ لِأَنَّ النَّظَرَ إلَى الصُّورَةِ يُحَرِّمُهُ، وَإِلَى الْمَعْنَى يُبِيحُهُ، وَأَمَّا هُنَا فَنَظَرَ إلَى التَّأْبِيدِ الْمَعْنَوِيِّ وَلَا مَانِعَ مِنْهُ فَإِنَّ الْأَصْلَ اعْتِبَارُ الْمَعْنَى مَا لَمْ يَمْنَعْ مَانِعٌ فَلَا تَنَاقُضَ وَلِذَا كَانَ هُوَ الْمُخْتَارَ، وَإِنْ كَانَ الْوَلْوَالِجِيُّ جَزَمَ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُدَبَّرٍ مُطْلَقٍ تَسْوِيَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ النِّكَاحِ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ قَالَ: أَنْت حُرٌّ قَبْلَ مَوْتِي بِشَهْرٍ كَانَ مُدَبَّرًا مُقَيَّدًا فَإِنْ مَضَى شَهْرٌ صَارَ مُدَبَّرًا مُطْلَقًا عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ لِتَعَلُّقِ الْعِتْقِ بِمُجَرَّدِ الْمَوْتِ وَعِنْدَ الْبَعْضِ بَقِيَ مُدَبَّرًا مُقَيَّدًا لِتَعَلُّقِ الْعِتْقِ بِمَوْتِهِ وَمُضِيِّ شَهْرٍ يَتَّصِلُ بِمَوْتِهِ اهـ. وَفِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ مَاتَ بَعْدَ شَهْرٍ قِيلَ يَعْتِقُ مِنْ الثُّلُثِ وَقِيلَ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يَسْتَنِدُ الْعِتْقُ إلَى أَوَّلِ الشَّهْرِ وَهُوَ كَانَ صَحِيحًا فَيَعْتِقُ مِنْ كُلِّهِ وَهُوَ الصَّحِيحُ اهـ. وَعَلَى قَوْلِهِمَا يَصِيرُ مُدَبَّرًا بَعْدَ مُضِيِّ الشَّهْرِ قَبْلَ مَوْتِهِ اهـ. وَفِي الْمُجْتَبَى لَوْ قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ قَبْلَ مَوْتِي بِشَهْرٍ فَلَيْسَ بِمُدَبَّرٍ، وَإِنْ كَانَ يَعْتِقُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَيَجُوزُ بَيْعُهُ، ثُمَّ إذَا مَضَى شَهْرٌ قِيلَ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُدَبَّرًا مُطْلَقًا، وَأَكْثَرُ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ اهـ. وَلَيْسَ مِنْ التَّدْبِيرِ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي بِيَوْمٍ أَوْ بِشَهْرٍ وَهُوَ إيصَاءٌ بِالْعِتْقِ حَتَّى لَا يَعْتِقَ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى وَمُضِيِّ الْيَوْمِ مَا لَمْ يُعْتِقْهُ الْوَصِيُّ وَيَجِبُ إعْتَاقُهُ فَيُعْتِقُهُ الْوَصِيُّ أَوْ الْوَرَثَةُ كَذَا فِي الْمُجْتَبَى أَيْضًا، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ: وَإِنْ أَوْصَى بِعِتْقِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ فَقُتِلَ الْعَبْدُ خَطَأً بَعْدَ مَوْتِهِ فَالْقِيمَةُ لِلْوَرَثَةِ اهـ. وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ مِنْ هَذَا النَّوْعِ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِ فُلَانٍ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ مُدَبَّرٌ مُقَيَّدٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَلِذَا قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: لَوْ قَالَ: أَنْت حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِ فُلَانٍ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ مِنْ هَذَا النَّوْعِ إلَخْ) قَالَ الْمَقْدِسِيَّ: لَمْ يَنُصَّ الْمُصَنِّفُ وَلَا أَصْلُهُ عَلَى كَوْنِهِ مُدَبَّرًا مُقَيَّدًا إنَّمَا نَفَى ذَلِكَ عَنْهُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 290 لَمْ يَكُنْ مُدَبَّرًا؛ لِأَنَّ مَوْتَ فُلَانٍ لَيْسَ بِسَبَبٍ لِلْخِلَافَةِ فِي حَقِّ هَذَا الْمَوْلَى، وَوُجُوبُ حَقِّ الْعِتْقِ بِاعْتِبَارِ مَعْنَى الْخِلَافَةِ فَلَوْ مَاتَ فُلَانٌ وَالْمَوْلَى حَيٌّ عَتَقَ الْعَبْدُ وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ: أَنْت حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي وَمَوْتِ فُلَانٍ أَوْ قَالَ بَعْدَ مَوْتِ فُلَانٍ وَمَوْتِي لَا يَكُونُ مُدَبَّرًا فَإِنْ مَاتَ فُلَانٌ قَبْلَ الْمَوْلَى فَحِينَئِذٍ يَصِيرُ مُدَبَّرًا اهـ. وَفِي الْبَدَائِعِ لَوْ قَالَ: إنْ مَاتَ فُلَانٌ فَأَنْت حُرٌّ لَمْ يَكُنْ مُدَبَّرًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ تَعْلِيقُ عِتْقِ عَبْدِهِ بِمَوْتِهِ فَلَمْ يَكُنْ هَذَا تَدْبِيرًا بَلْ كَانَ تَعْلِيقًا بِشَرْطٍ مُطْلَقٍ كَالتَّعْلِيقِ بِسَائِرِ الشُّرُوطِ مِنْ دُخُولِ الدَّارِ وَكَلَامِ زَيْدٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ اهـ. فَإِنْ قُلْتُ: الْمُصَنِّفُ إنَّمَا ذَكَرَهُ فِي التَّدْبِيرِ الْمُقَيَّدِ لِمُسَاوَاتِهِ لِحُكْمِهِ مِنْ جَوَازِ الْبَيْعِ وَالْعِتْقِ بِالْمَوْتِ. قُلْتُ: بَيْنَهُمَا فَرْقٌ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى وَهُوَ أَنَّ الْمُدَبَّرَ بِقِسْمَيْهِ يَعْتِقُ مِنْ الثُّلُثِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَالْمُعَلَّقَ عِتْقُهُ بِشَرْطٍ غَيْرِ مَوْتِ الْمَوْلَى يَعْتِقُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ إذَا وُجِدَ الشَّرْطُ وَيَبْطُلُ التَّعْلِيقُ بِمَوْتِ الْمَوْلَى قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ كَمَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْت حُرٌّ فَمَاتَ الْمَوْلَى قَبْلَ الدُّخُولِ بَطَلَتْ الْيَمِينُ وَلَا يَعْتِقُ أَصْلًا بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ: عَبْدٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ قَالَ أَحَدُهُمَا: إنْ مِتُّ أَنَا وَفُلَانٌ - يَعْنِي شَرِيكَهُ - فَأَنْت حُرٌّ لَمْ يَكُنْ مُدَبَّرًا وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ الْآخَرُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا صَارَ الْعَبْدُ مُدَبَّرًا مِنْ الْآخَرِ اهـ. وَإِنَّمَا جَازَ بَيْعُ الْمُدَبَّرِ الْمُقَيَّدِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْحُرِّيَّةِ لَمْ يَنْعَقِدْ فِي الْحَالِ لِتَرَدُّدٍ فِي هَذَا الْقَيْدِ لِجَوَازِ أَنْ لَا يَمُوتَ مِنْهُ فَصَارَ كَسَائِرِ التَّعْلِيقَاتِ بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ الْمُطْلَقِ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ عِتْقُهُ بِمُطْلَقِ الْمَوْتِ وَهُوَ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ وَيَعْتِقُ إذَا وُجِدَ الشَّرْطُ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَمُوتَ فِي سَفَرِهِ هَذَا أَوْ مَرَضِهِ هَذَا، أَوْ فِي الْمُدَّةِ الْمُعَيَّنَةِ فَلَوْ أَقَامَ، أَوْ صَحَّ، أَوْ مَضَتْ الْمُدَّةُ ثُمَّ مَاتَ لَمْ يَعْتِقْ لِبُطْلَانِ الْيَمِينِ قَبْلَ الْمَوْتِ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: مِنْ التَّدْبِيرِ الْمُقَيَّدِ أَنْ يَقُولَ: إنْ مِتُّ إلَى سَنَةٍ فَأَنْتَ حُرٌّ فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ السَّنَةِ عَتَقَ مُدَبَّرًا، وَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى بَعْدَ السَّنَةِ لَا يَعْتِقُ وَمُقْتَضَى الْوَجْهِ كَوْنُهُ لَوْ مَاتَ فِي رَأْسِ السَّنَةِ يَعْتِقُ؛ لِأَنَّ الْغَايَةَ هُنَا لَوْلَاهَا تَنَاوَلَ الْكَلَامُ مَا بَعْدَهَا؛ لِأَنَّهُ يَتَنَجَّزُ عِتْقُهُ فَيَصِيرُ حُرًّا بَعْدَ السَّنَةِ فَتَكُونُ لِلْإِسْقَاطِ اهـ. وَجَوَابُهُ أَنَّ هَذَا الْوَجْهَ لَيْسَ بِمُطَّرِدٍ لِانْتِقَاضِهِ بِالْيَمِينِ فِي قَوْلِهِ لَا أُكَلِّمُهُ إلَى غَدٍ فَإِنَّ الْغَايَةَ لَا تَدْخُلُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَلَهُ أَنْ يُكَلِّمَهُ فِي الْغَدِ مَعَ أَنَّهَا غَايَةُ إسْقَاطٍ وَكَذَلِكَ أَكَلْتُ السَّمَكَةَ إلَى رَأْسِهَا لَا تَدْخُلُ الْغَايَةُ مَعَ أَنَّهُ لِلْإِسْقَاطِ، وَفِي الْمُجْتَبَى إنْ مِتُّ مِنْ مَرَضِي هَذَا فَهُوَ حُرٌّ فَقُتِلَ لَا يَعْتِقُ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ فِي مَرَضِي وَلَوْ قَالَ: إنْ مِتُّ مِنْ مَرَضِي وَبِهِ حُمَّى فَتَحَوَّلَ صُدَاعًا، أَوْ عَلَى عَكْسِهِ قَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ مَرَضٌ وَاحِدٌ اهـ. فَفَرَّقَ بَيْنَ: " مِنْ "، وَ " فِي " وَذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ: رَجُلٌ قَالَ لِعَبْدَيْهِ: أَحَدُكُمَا حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي وَأَوْصَيْت لَهُ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ، ثُمَّ مَاتَ عَتَقَا وَلَهُمَا الْمِائَةُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا مَاتَ شَاعَ الْعِتْقُ فِيهِمَا فَتَشِيعُ الْوَصِيَّةُ أَيْضًا وَلَوْ قَالَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةُ دِرْهَمٍ تَبْطُلُ إحْدَى الْمِائَتَيْنِ لِأَنَّهَا وَقَعَتْ لِعَبْدِهِ اهـ. وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ مَنْ أَوْصَى لِعَبْدِهِ بِقَدْرٍ مُعَيَّنٍ مِنْ مَالِهِ لَا يَكُونُ مُدَبَّرًا بِخِلَافِ الْإِيصَاءِ لَهُ بِرَقَبَتِهِ، أَوْ بِسَهْمٍ مِنْ مَالِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (بَابُ الِاسْتِيلَادِ) . وَهُوَ طَلَبُ الْوَلَدِ فِي اللُّغَةِ وَهُوَ عَامٌّ أُرِيدَ بِهِ خُصُوصٌ، وَهُوَ طَلَبُ وَلَدِ أَمَتِهِ أَيْ اسْتِلْحَاقُهُ أَيْ بَابُ بَيَانِ أَحْكَامِ هَذَا الِاسْتِلْحَاقِ الثَّابِتَةِ فِي الْأُمِّ، وَأُمُّ الْوَلَدِ تَصْدُقُ لُغَةً عَلَى الزَّوْجَةِ وَغَيْرِهَا مِمَّنْ لَهَا وَلَدٌ ثَابِتُ النَّسَبِ وَغَيْرُ ثَابِتِ النَّسَبِ، وَفِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ أَخَصُّ مِنْ ذَلِكَ وَهِيَ الْأَمَةُ الَّتِي ثَبَتَ نَسَبُ وَلَدِهَا مِنْ مَالِكِ كُلِّهَا أَوْ بَعْضِهَا. (قَوْلُهُ: وَلَدَتْ أَمَةٌ مِنْ السَّيِّدِ لَمْ تُمْلَكْ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا» أَخْبَرَ عَنْ إعْتَاقِهَا فَيَثْبُتُ بَعْضُ مَوَاجِبِهِ؛ وَهُوَ حُرْمَةُ الْبَيْعِ وَلِأَنَّ الْجُزْئِيَّةَ قَدْ حَصَلَتْ بَيْنَ الْوَاطِئِ وَالْمَوْطُوءَةِ بِوَاسِطَةِ الْوَلَدِ فَإِنَّ الْمَاءَيْنِ قَدْ اخْتَلَطَا بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ الْمَيْزُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا عُرِفَ فِي حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ إلَّا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَجَوَابُهُ أَنَّ هَذَا الْوَجْهَ إلَخْ) نَازَعَهُ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِهِ بِأَنَّ الْغَدَ اسْمٌ لِزَمَانٍ مُسْتَقْبَلٍ دَخَلَتْ عَلَيْهِ " إلَى " الَّتِي لِلْغَايَةِ وَحُكْمُ مَا بَعْدَهَا يُخَالِفُ سَنَةً؛ لِأَنَّ السَّنَةَ لَيْسَتْ فِي الْحَقِيقَةِ غَايَةً فَلَا بُدَّ أَنْ يُقَدَّرَ إلَى مُضِيِّ سَنَةٍ وَأَيْضًا قَوْلُهُ: لَا أُكَلِّمُهُ إلَى غَدٍ نَفْيٌ وَقَوْلُهُ: إنْ مِتُّ إثْبَاتٌ. . [بَابُ الِاسْتِيلَادِ] الجزء: 4 ¦ الصفحة: 291 أَنَّ بَعْدَ الِانْفِصَالِ تَبْقَى الْجُزْئِيَّةُ حُكْمًا لَا حَقِيقَةً فَضَعُفَ السَّبَبُ فَأَوْجَبَ حُكْمًا مُؤَجَّلًا إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَبَقَاءُ الْجُزْئِيَّةِ حُكْمًا بِاعْتِبَارِ النَّسَبِ وَهُوَ مِنْ جَانِبِ الرِّجَالِ فَكَذَا الْحُرِّيَّةُ تَثْبُتُ فِي حَقِّهِمْ لَا فِي حَقِّهِنَّ حَتَّى إذَا مَلَكَتْ الْحُرَّةُ زَوْجَهَا وَقَدْ وَلَدَتْ مِنْهُ لَمْ يَعْتِقْ بِمَوْتِهَا وَبِثُبُوتِ عِتْقٍ مُؤَجَّلٍ يَثْبُتُ حَقُّ الْحُرِّيَّةِ فِي الْحَالِ فَيَمْتَنِعُ جَوَازُ الْبَيْعِ، وَإِخْرَاجُهَا لَا إلَى الْحُرِّيَّةِ فِي الْحَالِ وَيُوجَبُ عِتْقُهَا بَعْدَ مَوْتِهِ أَطْلَقَ فِي الْوَلَدِ فَشَمِلَ الْوَلَدَ الْحَيَّ وَالْمَيِّتَ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ وَلَدٌ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ أَحْكَامُ الْوِلَادَةِ حَتَّى تَنْقَضِيَ بِهِ الْعِدَّةُ وَتَصِيرَ الْمَرْأَةُ نُفَسَاءَ وَشَمِلَ السِّقْطَ الَّذِي اسْتَبَانَ بَعْضُ خَلْقِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَبِنْ شَيْءٌ لَا تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ، وَإِنْ ادَّعَاهُ الْمَوْلَى وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ: حَبِلَتْ أَمَةٌ مِنْ السَّيِّدِ مَكَانَ " وَلَدَتْ " لَكَانَ أَوْلَى لِمَا فِي الْبَدَائِعِ وَالْمُحِيطِ وَالْخَانِيَّةِ لَوْ قَالَ لِجَارِيَتِهِ: حَمْلُهَا مِنِّي صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْحَمْلِ إقْرَارٌ بِالْوَلَدِ. وَكَذَا لَوْ قَالَ هِيَ حُبْلَى مِنِّي، أَوْ مَا فِي بَطْنِهَا مِنْ وَلَدٍ فَهُوَ مِنِّي وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ بَعْدَهُ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ حَامِلًا، وَإِنَّمَا كَانَ رِيحًا وَلَوْ صَدَّقَتْهُ الْأَمَةُ لِأَنَّ فِي الْحُرِّيَّةِ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ بِإِسْقَاطِ الْعَبْدِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ: مَا فِي بَطْنِهَا مِنِّي وَلَمْ يَقُلْ: مِنْ حَمْلٍ أَوْ وَلَدٍ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ كَانَ رِيحًا وَصَدَّقَتْهُ لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ لِاحْتِمَالِ الْوَلَدِ وَالرِّيحِ وَلَوْ قَالَ: إنْ كَانَتْ حُبْلَى فَهُوَ مِنِّي فَأَسْقَطَتْ مُسْتَبِينَ الْخَلْقِ كُلِّهِ، أَوْ بَعْضِهِ صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ فَإِنْ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لِلتَّيَقُّنِ بِحَمْلِهَا حِينَئِذٍ، وَإِنْ وَلَدَتْهُ لِأَكْثَرَ لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ اهـ. وَأَطْلَقَ فِي الْوِلَادَةِ مِنْ السَّيِّدِ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ بِجِمَاعٍ مِنْهُ أَوْ بِغَيْرِهِ لِمَا فِي الْمُحِيطِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا عَالَجَ الرَّجُلُ جَارِيَتَهُ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ فَأَنْزَلَ فَأَخَذَتْ الْجَارِيَةُ مَاءَهُ فِي شَيْءٍ فَاسْتَدْخَلَتْهُ فَرْجَهَا فِي حَدَثَانِ ذَلِكَ فَعَلِقَتْ الْجَارِيَةُ وَوَلَدَتْ فَالْوَلَدُ وَلَدُهُ وَالْجَارِيَةُ أُمُّ وَلَدٍ لَهُ اهـ. وَأَفَادَ بِالْوِلَادَةِ مِنْ السَّيِّدِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِ النَّسَبِ مِنْهُ أَوَّلًا لِتَصِيرَ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ فَإِنَّهُ السَّبَبُ عِنْدَنَا وَثُبُوتُ النَّسَبِ مِنْهُ مَوْقُوفٌ عَلَى إقْرَارِهِ كَمَا سَيَأْتِي وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ أَنَّهُمْ أَخَلُّوا بِقَيْدِ ثُبُوتِ النَّسَبِ؛ لِأَنَّ الْوِلَادَةَ مِنْهُ لَا تَتَحَقَّقُ إلَّا بِالِاعْتِرَافِ فَلَا إخْلَالَ خُصُوصًا وَقَدْ صَرَّحُوا بِهِ بَعْدُ، وَأَطْلَقَ فِي السَّيِّدِ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ سَيِّدَهَا وَقْتَ الْوِلَادَةِ أَوْ لَا حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَ جَارِيَةً إنْسَانٌ فَاسْتَوْلَدَهَا، ثُمَّ مَلَكَهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الِاسْتِيلَادِ ثُبُوتُ النَّسَبِ بِخِلَافِ مَا إذَا زَنَى بِجَارِيَةِ إنْسَانٍ فَوَلَدَتْ، ثُمَّ مَلَكَهَا لِعَدَمِ ثُبُوتِ النَّسَبِ وَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ مَالِكَهَا كُلِّهَا، أَوْ بَعْضِهَا؛ لِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ لَا يَتَجَزَّى فَإِنَّهُ فَرْعُ النَّسَبِ فَيُعْتَبَرُ بِأَصْلِهِ وَشَمِلَ السَّيِّدُ الْمُسْلِمَ وَالْكَافِرَ ذِمِّيًّا أَوْ مُرْتَدًّا، أَوْ مُسْتَأْمَنًا كَذَا فِي الْبَدَائِعِ. وَأَطْلَقَ الْأَمَةَ فَشَمِلَ الْقِنَّةَ وَالْمُدَبَّرَةَ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي إثْبَاتِ النَّسَبِ إلَّا أَنَّ الْمُدَبَّرَةَ إذَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ بَطَلَ التَّدْبِيرُ؛ لِأَنَّ أُمِّيَّةَ الْوَلَدِ أَنْفَعُ لَهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَسْعَى كَذَا فِي الْبَدَائِعِ، وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا فِي الْمُحِيطِ مِنْ أَنَّهُ يَجُوزُ إعْتَاقُهَا وَتَدْبِيرُهَا وَكِتَابَتُهَا؛ لِأَنَّ فِي الْإِعْتَاقِ إيصَالَ حَقِّهَا مُعَجَّلًا، وَفِي التَّدْبِيرِ اسْتِجْمَاعَ سَبَبِ الْحُرِّيَّةِ وَفِي الْكِتَابَةِ اسْتِعْجَالَ حَقِّهَا فِي الْعِتْقِ مَتَى أَدَّتْ الْبَدَلَ قَبْلَ مَوْتِ الْمَوْلَى فَلَمْ تَتَضَمَّنْ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ إبْطَالَ حَقِّهَا، وَمِلْكُهُ قَائِمٌ فِيهَا فَصَحَّتْ اهـ. فَإِنَّهُ عَلَى مَا فِي الْبَدَائِعِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ التَّدْبِيرُ فَإِنَّ الِاسْتِيلَادَ أَقْوَى مِنْهُ وَلَا فَائِدَةَ فِيهِ مَعَهُ، وَفِي الذَّخِيرَةِ مَعْنَى قَوْلِهِ بَطَلَ التَّدْبِيرُ أَنَّهُ لَا يَظْهَرُ حُكْمُ التَّدْبِيرِ بَعْدَ ذَلِكَ فَكَأَنَّهُ بَطَلَ لِأَنَّهَا تَعْتِقُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ " لَمْ تُمْلَكْ " أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا وَلَا هِبَتُهَا وَلَا إخْرَاجُهَا عَنْ الْمِلْكِ بِوَجْهٍ وَكَذَا لَا يَجُوزُ رَهْنُهَا وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهَا لَمْ تُمْلَكْ لِأَحَدٍ؛ لِأَنَّهَا بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِ مَوْلَاهَا بِدَلِيلِ مَا سَيَأْتِي مِنْ جَوَازِ وَطْئِهَا وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَضَى قَاضٍ بِجَوَازِ بَيْعِهَا لَمْ يَنْفُذْ قَضَاؤُهُ قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: وَهُوَ أَظْهَرُ الرِّوَايَاتِ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَإِذَا قَضَى الْقَاضِي بِجَوَازِ بَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ نَفَذَ قَضَاؤُهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَفِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ بِنَاءً عَلَى الْمَسْأَلَةِ الْأُصُولِيَّةِ أَنَّ الْإِجْمَاعَ الْمُتَأَخِّرَ هَلْ يَرْفَعُ الِاخْتِلَافَ الْمُتَقَدِّمَ؟ عِنْدَهُمَا لَا يَرْفَعُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَضْلِيلِ بَعْضِ الصَّحَابَةِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْحَمْلِ إقْرَارٌ بِالْوَلَدِ وَكَذَا لَوْ قَالَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: أَقُولُ: يَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ هَذَا بِمَا إذَا وَضَعَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الِاعْتِرَافِ فَإِنْ وَضَعَتْهُ لِأَكْثَرَ لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ، وَفِي الشَّرْحِ لَوْ اعْتَرَفَ بِالْحَمْلِ فَجَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ لَزِمَهُ لِلتَّيَقُّنِ بِوُجُودِهِ وَقْتَ الْإِقْرَارِ وَيُوَافِقُهُ مَا فِي الْمُحِيطِ: لَوْ أَقَرَّ أَنَّ أَمَته حُبْلَى مِنْهُ ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهَا صَادَفَتْ وَلَدًا مَوْجُودًا فِي الْبَطْنِ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَمْ يَلْزَمْهُ النَّسَبُ؛ لِأَنَّا لَمْ نَتَيَقَّنْ بِوُجُودِهِ وَقْتَ الدَّعْوَى لِاحْتِمَالِ حُدُوثِهِ بَعْدَهَا فَلَا تَصِحُّ الدَّعْوَى بِالشَّكِّ اهـ. وَعَلَى هَذَا فَصَيْرُورَتُهَا أُمَّ وَلَدٍ مَوْقُوفٌ عَلَى وِلَادَتِهَا فَلَا جَرَمَ أَنَاطُوا الْحُكْمَ بِهَا اهـ. أَيْ: فَلَا حَاجَةَ إلَى إبْدَالِ وَلَدَتْ بِحَبِلَتْ. (قَوْلُهُ: فَلَا إخْلَالَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ عَلَى أَنَّا لَا نُسَلِّمُ كَوْنَ الْمَدَارِ عَلَى ثُبُوتِ النَّسَبِ بَلْ عَلَى مُجَرَّدِ الدَّعْوَى ثَبَتَ النَّسَبُ مَعَهَا، أَوْ لَا لِمَا قَالُوهُ مِنْ أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى نَسَبَ وَلَدِ أَمَتِهِ الَّتِي زَوَّجَهَا مِنْ عَبْدِهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 292 وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَرْفَعُ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ اهـ. وَفِي الذَّخِيرَةِ لَوْ قَضَى قَاضٍ بِجَوَازِ بَيْعِهَا لَمْ يَنْفُذْ قَضَاؤُهُ بَلْ يَتَوَقَّفُ عَلَى قَضَاءِ قَاضٍ آخَرَ إمْضَاءً، وَإِبْطَالًا اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ رَجُلٌ أَعْتَقَ أُمَّ وَلَدِهِ، ثُمَّ ارْتَدَّتْ وَسُبِيَتْ وَمَلَكَهَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ؛ لِأَنَّ سَبَبَ صَيْرُورَتِهَا أُمَّ وَلَدٍ قَائِمٌ وَهُوَ إثْبَاتُ النَّسَبِ مِنْهُ فَإِنْ أَعْتَقَ الْمُدَبَّرَةَ، ثُمَّ ارْتَدَّتْ وَسُبِيَتْ فَمَلَكَهَا لَا تَصِيرُ مُدَبَّرَةً؛ لِأَنَّ إعْتَاقَ الْمُدَبَّرِ وَصَلَ إلَيْهِ بِالْإِعْتَاقِ وَبَطَلَ التَّدْبِيرُ فَلَا يَبْقَى عِتْقُهَا مُعَلَّقًا بِالْمَوْتِ بِخِلَافِ الِاسْتِيلَادِ فَإِنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِالْإِعْتَاقِ وَالِارْتِدَادِ لِقِيَامِ سَبَبِهِ وَهُوَ ثَبَاتُ نَسَبِ الْوَلَدِ اهـ. وَفِي الْخَانِيَّةِ وَيَنْبَغِي لِلْمَوْلَى أَنْ يُشْهِدَ عَلَى أَنَّ الْجَارِيَةَ وَلَدَتْ مِنْهُ خَوْفًا مِنْ أَنْ يُسْتَرَقَّ وَلَدُهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ وَقَدَّمْنَا فِي تَزَوُّجِ الْأَبِ جَارِيَةَ ابْنِهِ أَنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ تَلِدَ أَمَتُهُ مِنْهُ وَلَا تَكُونَ أُمَّ وَلَدٍ أَنْ يُمَلِّكَهَا لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ ثُمَّ يَتَزَوَّجَهَا كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ. . (قَوْلُهُ: وَتُوطَأُ وَتُسْتَخْدَمُ وَتُؤَجَّرُ وَتُزَوَّجُ) لِأَنَّ الْمِلْكَ قَائِمٌ فِيهَا فَأَشْبَهَتْ الْمُدَبَّرَةَ فَكُلُّ تَصَرُّفٍ يُبْطِلُ هَذَا الْحَقَّ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ فِيهَا وَمَا لَا يُبْطِلُهُ فَهُوَ جَائِزٌ وَأَفَادَ بِالْوَطْءِ وَالِاسْتِخْدَامِ أَنَّ الْكَسْبَ وَالْغَلَّةَ وَالْعُقْرَ وَالْمَهْرَ لِلْمَوْلَى لِأَنَّهَا بَدَلُ الْمَنْفَعَةِ، وَالْمَنَافِعُ عَلَى مِلْكِهِ، وَكَذَا مِلْكُ الْعَيْنِ قَائِمٌ وَأَفَادَ بِالتَّزْوِيجِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءُ قَالُوا: هُوَ مُسْتَحَبٌّ كَاسْتِبْرَاءِ الْبَائِعِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا حَبِلَتْ مِنْهُ فَيَكُونُ النِّكَاحُ فَاسِدًا فَكَانَ تَعْرِيضًا لِلْفَسَادِ وَلَوْ زَوَّجَهَا فَوَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَهُوَ مِنْ الْمَوْلَى وَالنِّكَاحُ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ زَوْجُهَا، وَفِي بَطْنِهَا وَلَدٌ ثَابِتُ النَّسَبِ مِنْهُ فَإِنْ وَلَدَتْ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَهُوَ وَلَدُ الزَّوْجِ، وَإِنْ ادَّعَاهُ الْمَوْلَى وَلَكِنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ لِإِقْرَارِهِ بِحُرِّيَّتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ بَاعَ خِدْمَتَهَا مِنْهَا، أَوْ كَاتَبَهَا عَلَى خِدْمَتِهَا جَازَ وَتَعْتِقُ إذَا بَاعَ خِدْمَتَهَا مِنْهَا. (قَوْلُهُ: فَإِنْ وَلَدَتْ بَعْدَهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ بِلَا دَعْوَةٍ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ) بَيَانٌ لِشَرْطِ صَيْرُورَتِهَا أُمَّ وَلَدٍ فَأَفَادَ أَنَّ الْأَمَةَ إذَا وَلَدَتْ فَإِنَّهَا لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ إلَّا إذَا ادَّعَى الْوَلَدَ لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ وَطْءَ الْأَمَةِ يُقْصَدُ بِهِ قَضَاءُ الشَّهْوَةِ دُونَ الْوَلَدِ لِوُجُودِ الْمَانِعِ عَنْهُ فَلَا بُدَّ مِنْ الدَّعْوَةِ بِمَنْزِلَةِ مِلْكِ الْيَمِينِ مِنْ غَيْرِ وَطْءٍ بِخِلَافِ الْعَقْدِ لِأَنَّ الْوَلَدَ يَتَعَيَّنُ مَقْصُودًا مِنْهُ فَلَا حَاجَةَ إلَى الدَّعْوَةِ فَإِذَا اعْتَرَفَ بِالْوَلَدِ الْأَوَّلِ وَجَاءَتْ بِالثَّانِي فَإِنَّهُ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ غَيْرِ دَعْوَةٍ مِنْ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ بِدَعْوَى الْأَوَّلِ تَعَيَّنَ الْوَلَدُ مَقْصُودًا مِنْهَا فَصَارَتْ فِرَاشًا كَالْمَعْقُودَةِ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ قَالَ لِجَارِيَتِهِ: إنْ كَانَ فِي بَطْنِك غُلَامٌ فَهُوَ مِنِّي، وَإِنْ كَانَ جَارِيَةٌ فَلَيْسَ مِنِّي يَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْهُ غُلَامًا كَانَ، أَوْ جَارِيَةً وَلَوْ قَالَ إنْ كَانَ فِي بَطْنِك وَلَدٌ فَهُوَ مِنِّي إلَى سَنَتَيْنِ فَوَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ، وَإِنْ وَلَدَتْ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ وَالتَّوْقِيتُ بَاطِلٌ اهـ. وَأَطْلَقَ فِي ثُبُوتِ نَسَبِ الثَّانِي بِلَا دَعْوَةٍ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِأَنْ لَا تَكُونَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ كَانَتْ حُرْمَةً مُؤَبَّدَةً، أَوْ لَا فَإِنْ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ إلَّا بِدَعْوَةٍ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ مَا وَطِئَهَا بَعْدَ الْحُرْمَةِ فَكَانَتْ حُرْمَةُ الْوَطْءِ كَالنَّفْيِ دَلَالَةً كَمَا لَوْ وَطِئَهَا ابْنُ الْمَوْلَى، أَوْ أَبُوهُ، أَوْ وَطِئَ الْمَوْلَى أُمَّهَا، أَوْ بِنْتَهَا فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ زَوَّجَهَا فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ التَّزْوِيجِ، وَإِنْ ادَّعَى فِي الْحُرْمَةِ الْمُؤَبَّدَةِ يَثْبُتُ النَّسَبُ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ لَا تُزِيلُ الْمِلْكَ وَفِي الْمُزَوَّجَةِ يَعْتِقُ عَلَيْهِ وَكَذَا إذَا حُرِّمَتْ عَلَيْهِ بِكِتَابَةٍ، وَإِنْ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ بِمَا لَا يَقْطَعُ نِكَاحَ الْحُرَّةِ وَلَا يُزِيلُ فِرَاشَهَا كَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَالْإِحْرَامِ وَالصَّوْمِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ النَّسَبُ بِلَا دَعْوَةٍ؛ لِأَنَّهُ تَحْرِيمٌ عَارِضٌ لَا يُغَيِّرُ حُكْمَ الْفِرَاشِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَظَاهِرُ تَقْيِيدِهِ بِالْأَكْثَرِ مِنْ السِّتَّةِ أَنَّهَا لَوْ وَلَدَتْهُ بَعْدَ عُرُوضِ الْحُرْمَةِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ نَسَبُهُ بِلَا دَعْوَةٍ لِلتَّيَقُّنِ بِأَنَّ الْعُلُوقَ كَانَ قَبْلَ عُرُوضِهَا وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بَحْثًا، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ: أَمَةٌ لِرَجُلٍ وَلَدَتْ فِي مِلْكِهِ ثَلَاثَةَ أَوْلَادٍ فِي بُطُونٍ مُخْتَلِفَةٍ فَإِنْ ادَّعَى الْأَصْغَرَ يَثْبُتُ نَسَبُ الْأَصْغَرِ مِنْهُ وَلَهُ أَنْ يَبِيعَ الْأَخِيرَيْنِ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ ادَّعَى نَسَبَ الْأَكْبَرِ ثَبَتَ نَسَبُ الْأَكْبَرِ   [منحة الخالق] فَإِنَّ نَسَبَهُ إنَّمَا يَثْبُتُ مِنْ الْعَبْدِ لَا مِنْ السَّيِّدِ وَصَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ لِإِقْرَارِهِ بِثُبُوتِ النَّسَبِ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يُصَدِّقْهُ الشَّرْعُ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا إذَا حُرِّمَتْ عَلَيْهِ بِكِتَابَةٍ) تَشْبِيهٌ بِالْمُحَرَّمَةِ عَلَيْهِ تَأْبِيدًا فِي أَنَّهُ يَثْبُتُ النَّسَبُ كَمَا يَأْتِي آخِرَ الْبَابِ مِنْ أَنَّهُ يَثْبُتُ وَلَا يُشْتَرَطُ تَصْدِيقُهَا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 293 مِنْهُ، وَالْأَوْسَطُ وَالْأَصْغَرُ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُمَا وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُمَا؛ لِأَنَّهُ يَحِقُّ عَلَيْهِ شَرْعًا الْإِقْرَارُ بِنَسَبِ وَلَدٍ هُوَ مِنْهُ وَلَمَّا خَصَّ الْأَكْبَرَ بِالدَّعْوَةِ بَعْدَمَا لَزِمَهُ هَذَا شَرْعًا كَانَ هَذَا نَفْيًا مِنْهُ لِلْأَخِيرَيْنِ، وَوَلَدُ أُمِّ الْوَلَدِ يَنْتَفِي نَسَبُهُ بِالنَّفْيِ وَهُوَ نَظِيرُ مَا قِيلَ السُّكُوتُ لَا يَكُونُ حُجَّةً وَلَكِنَّ السُّكُوتَ بَعْدَ لُزُومِ الْبَيَانِ يُجْعَلُ دَلِيلَ النَّفْيِ فَهَذَا مِثْلُهُ اهـ. وَقَيَّدَ بِالدَّعْوَةِ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ كُنْتُ أَطَأُ لِقَصْدِ الْوَلَدِ عِنْدَ مَجِيئِهَا بِالْوَلَدِ فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْتَرِفْ بِالْوَلَدِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ يَنْبَغِي أَنْ يَثْبُتَ النَّسَبُ بِلَا دَعْوَةٍ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَهُ بِقَوْلِهِ هُوَ وَلَدِي بِنَاءً عَلَى أَنَّ وَطْأَهُ حِينَئِذٍ لِقَصْدِ الْوَلَدِ وَعَلَى هَذَا قَالَ بَعْضُ فُضَلَاءِ الدَّرْسِ يَنْبَغِي أَنَّهُ إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ كَانَ لَا يَعْزِلُ عَنْهَا وَحَصَّنَهَا أَنْ يَثْبُتَ نَسَبُهُ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى دَعْوَاهُ، وَإِنْ كُنَّا نُوجِبُ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ الِاعْتِرَافَ بِهِ فَلَا حَاجَةَ أَنْ نُوجِبَ عَلَيْهِ الِاعْتِرَافَ لِيَعْتَرِفَ فَيَثْبُتَ نَسَبُهُ بَلْ يَثْبُتُ نَسَبُهُ ابْتِدَاءً وَأَظُنُّ أَنْ لَا بُعْدَ فِي أَنْ يُحْكَمَ عَلَى الْمَذْهَبِ بِذَلِكَ اهـ. وَأَقُولُ: إنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يُحْكَمَ عَلَى الْمَذْهَبِ بِهِ لِتَصْرِيحِ أَهْلِهِ بِخِلَافِهِ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: الْأَمَةُ الْقِنَّةُ، أَوْ الْمُدَبَّرَةُ لَا يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا، وَإِنْ حَصَّنَهَا الْمَوْلَى وَطَلَبَ الْوَلَدَ مِنْ وَطْئِهَا بِدُونِ الدَّعْوَةِ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَصِيرُ فِرَاشًا بِدُونِ الدَّعْوَةِ اهـ. فَإِنْ أَرَادَ الثُّبُوتَ عِنْدَ الْقَاضِي ظَاهِرًا فَقَدْ صَرَّحُوا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الدَّعْوَةِ مُطْلَقًا، وَإِنْ أَرَادَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَقَدْ صُرِّحَ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا بِأَنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ اشْتِرَاطِ الدَّعْوَةِ إنَّمَا هُوَ فِي الْقَضَاءِ أَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ كَانَ وَطِئَهَا وَحَصَّنَهَا وَلَمْ يَعْزِلْ عَنْهَا يَلْزَمْهُ أَنْ يَعْتَرِفَ بِهِ وَيَدَّعِيَهُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْوَلَدَ مِنْهُ، وَإِنْ عَزَلَ عَنْهَا، أَوْ لَمْ يُحَصِّنْهَا جَازَ لَهُ أَنْ يَنْفِيَهُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ يُقَابِلُهُ ظَاهِرٌ آخَرُ، وَالتَّحْصِينَ مَنَعَهَا مِنْ الْخُرُوجِ وَالْبُرُوزِ عَنْ مَظَانِّ الرِّيبَةِ، وَالْعَزْلُ أَنْ يَطَأَهَا وَلَا يُنْزِلَ فِي مَوْضِعِ الْمُجَامَعَةِ وَفِي الْمُجْتَبَى مَعْزِيًّا إلَى تَجْرِيدِ الْقُدُورِيِّ: وَيَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِ الْجَارِيَةِ مِنْ مَوْلَاهَا، وَإِنْ لَمْ يَدَّعِهِ فَهَذَا نَصٌّ عَلَى أَنَّ دَعْوَى الْمَوْلَى لَيْسَ بِشَرْطٍ لِصَيْرُورَتِهَا أُمَّ وَلَدٍ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ لِظُهُورِهِ وَالْقَضَاءِ عَلَيْهِ اهـ. وَفِيهِ أَيْضًا لَا يَصِحُّ إعْتَاقُ الْمَجْنُونِ وَتَدْبِيرُهُ وَيَصِحُّ اسْتِيلَادُهُ اهـ. مَعَ أَنَّ الدَّعْوَى لَا تُتَصَوَّرُ مِنْهُ فَهَذَا إنْ صَحَّ يُسْتَثْنَى وَهُوَ مُشْكِلٌ. (قَوْلُهُ: وَانْتَفَى بِنَفْيِهِ) أَيْ انْتَفَى نَسَبُ الْوَلَدِ الثَّانِي بِنَفْيِ الْمَوْلَى مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى لِعَانٍ؛ لِأَنَّ فِرَاشَهَا ضَعِيفٌ حَتَّى يَمْلِكَ نَقْلَهُ بِالتَّزْوِيجِ بِخِلَافِ الْمَنْكُوحَةِ حَيْثُ لَا يُنْفَى نَسَبُ وَلَدِهَا إلَّا بِاللِّعَانِ لِتَأَكُّدِ الْفِرَاشِ أَطْلَقَ فِي النَّفْيِ فَشَمِلَ الصَّرِيحَ وَالدَّلَالَةَ كَمَا إذَا وَلَدَتْ وَلَدَيْنِ فِي بَطْنَيْنِ فَادَّعَى نَسَبَ الثَّانِي كَانَ نَفْيًا لِلْأَوَّلِ وَكَذَا لَوْ كَانُوا ثَلَاثَةً فَادَّعَى نَسَبَ الثَّانِي كَانَ نَفْيًا لِلْأَوَّلِ وَكَذَا لَوْ كَانُوا ثَلَاثَةً فَادَّعَى نَسَبَ الْأَكْبَرِ كَانَ نَفْيًا لِمَا بَعْدَهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَشَمِلَ مَا إذَا تَطَاوَلَ الزَّمَانُ وَهُوَ سَاكِتٌ بَعْدَ وِلَادَتِهِ وَصَرَّحَ فِي الْمَبْسُوطِ بِأَنَّهُ إذَا تَطَاوَلَ الزَّمَانُ لَا يَمْلِكُ نَفْيَهُ؛ لِأَنَّ التَّطَاوُلَ دَلِيلُ إقْرَارِهِ لِوُجُودِ دَلِيلِهِ مِنْ قَبُولِ التَّهْنِئَةِ وَنَحْوِهِ فَيَكُونُ كَالتَّصْرِيحِ، وَاخْتِلَافُهُمْ فِي التَّطَاوُلِ سَبَقَ فِي اللِّعَانِ وَصَرَّحَ فِي الْمَبْسُوطِ أَيْضًا بِأَنَّهُ إنَّمَا يَمْلِكُ نَفْيَهُ إذَا لَمْ يَقْضِ بِهِ الْقَاضِي فَأَمَّا بَعْدَ الْقَضَاءِ فَقَدْ لَزِمَهُ بِالْقَضَاءِ فَلَا يَمْلِكُ إبْطَالَهُ اهـ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ قَضَاءَ غَيْرِ الْحَنَفِيِّ وَأَمَّا الْحَنَفِيُّ فَلَيْسَ لَهُ الْحُكْمُ بِهِ مِنْ غَيْرِ صَرِيحِ الدَّعْوَةِ. (قَوْلُهُ: وَعَتَقَتْ بِمَوْتِهِ مِنْ كُلِّ مَالِهِ وَلَمْ تَسَعْ لِغَرِيمِهِ) لِحَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَمَرَ بِعِتْقِ أُمَّهَاتِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَأَقُولُ إنَّهُ: لَا يَصِحُّ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الْمُدَّعِيَ مَا لَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ كَانَ لَا يَعْزِلُ عَنْهَا وَحَصَّنَهَا هَلْ يَكُونُ ذَلِكَ كَالدَّعْوَةِ أَمْ لَا وَمَا فِي الْبَدَائِعِ لَا يُصَادِمُهُ بِقَلِيلِ تَأَمُّلٍ اهـ. وَهُوَ كَلَامٌ وَجِيهٌ (قَوْلُهُ: فَهَذَا إنْ صَحَّ يُسْتَثْنَى وَهُوَ مُشْكِلٌ) قَالَ فِي النَّهْرِ: يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْ وَلِيِّهِ كَعَرْضِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ بِإِسْلَامِ زَوْجَتِهِ إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِالنَّفْعِ وَالضَّرَرِ، وَالْمَوْضِعُ مَوْضِعُ تَأَمُّلٍ فَتَدَبَّرْهُ اهـ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ ظَاهِرَ هَذَا الْجَوَابِ لَا يَصِحُّ لِلْفَرْقِ الظَّاهِرِ بَيْنَ عَرْضِ الْإِسْلَامِ وَالدَّعْوَةِ إذْ فِي الدَّعْوَةِ تَحْمِيلُ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ هَذَا وَقَدْ نَظَمَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْوَهْبَانِيَّةِ فَقَالَ وَذُو عَتَهٍ أَوْ جُنَّةٍ وَلَدَتْ لَهُ ... وَلَمْ يَدَّعِهِ أُمَّ وَلَدٍ تَصِيرُ قَالَ فِي الْمِنَحِ: وَكَأَنَّهُ يَعْنِي: الْمُؤَلِّفُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ اهـ. قُلْتُ: بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى قَوْلِ شَارِحِهَا ابْنِ الشِّحْنَةِ حَيْثُ قَالَ: مَسْأَلَةُ الْبَيْتِ مَا فِي الْقُنْيَةِ مَرْقُومًا فِيهِ لِنَجْمِ الْأَئِمَّةِ الْبُخَارِيِّ: وَمَتَى وَلَدَتْ الْجَارِيَةُ مِنْ مَوْلَاهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَإِنَّمَا تُشْتَرَطُ دَعْوَتُهُ لِلْقَضَاءِ وَلِهَذَا يَصِحُّ اسْتِيلَادُ الْمَعْتُوهِ وَالْمَجْنُونِ مَعَ عَدَمِ الدَّعْوَى مِنْهُمَا اهـ. وَعَامَّةُ الْمُصَنِّفِينَ لَمْ يَسْتَثْنُوا هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ مِنْ الْقَاعِدَةِ الْمُقَرَّرَةِ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ فِي وَلَدِ الْأَمَةِ الْأَوَّلِ إلَّا بِالدَّعْوَى اهـ. كَلَامُ الشِّحْنَةِ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ كَالْمُؤَلِّفِ أَنَّ الْمُرَادَ صِحَّةُ اسْتِيلَادِ الْمَجْنُونِ وَالْمَعْتُوهِ قَضَاءً، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ صِحَّتَهُ دِيَانَةً بِأَنْ يَكُونَ قَوْلَ الْقُنْيَةِ وَلِهَذَا إلَخْ تَعْلِيلًا لِقَوْلِهِ صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَلْيُتَأَمَّلْ لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا فَرْعُ الْعِلْمِ بِالْوَطْءِ وَهَذَا عَسِيرٌ وَهَلْ يَكْفِي لِذَلِكَ الْقَرَائِنُ الظَّاهِرَةُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 294 الْأَوْلَادِ وَأَنْ لَا يُبَعْنَ فِي دَيْنٍ وَأَنْ لَا يُجْعَلْنَ مِنْ الثُّلُثِ» وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى الْوَلَدِ أَصْلِيَّةٌ فَتُقَدَّمُ عَلَى حَقِّ الْوَرَثَةِ وَالدَّيْنِ كَالتَّكْفِينِ بِخِلَافِ التَّدْبِيرِ فَإِنَّهُ وَصِيَّةٌ بِمَا هُوَ مِنْ زَوَائِدِ الْحَوَائِجِ وَلِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ حَتَّى لَا تُضْمَنَ بِالْغَصْبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهَا حَقُّ الْغُرَمَاءِ كَالْقِصَاصِ بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ أُطْلِقَ فِي الْمَوْتِ فَشَمِلَ الْحُكْمِيَّ كَرِدَّتِهِ وَلُحُوقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ وَكَذَا الْحَرْبِيُّ الْمُسْتَأْمَنُ إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً بِدَارِ الْإِسْلَامِ وَاسْتَوْلَدَهَا ثُمَّ رَجَعَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ فَاسْتُرِقَّ الْحَرْبِيُّ عَتَقَتْ الْجَارِيَةُ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْمُدَبَّرِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَشَمِلَ كَلَامُهُ مَا إذَا أَقَرَّ بِأَنَّهَا وَلَدَتْ مِنْهُ فِي الصِّحَّةِ أَوْ فِي الْمَرَضِ لَكِنْ إنْ كَانَ فِي الصِّحَّةِ فَإِنَّهَا تَعْتِقُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ، سَوَاءٌ كَانَ مَعَهَا وَلَدٌ، أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَإِنْ كَانَ الْإِقْرَارُ فِي الْمَرَضِ فَإِنْ كَانَ مَعَهَا وَلَدٌ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ وَإِلَّا فَهِيَ أُمُّ وَلَدِهِ وَحُكْمُهَا كَالْمُدَبَّرِ تَعْتِقُ مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ فِي مَرَضِهِ: وَلَدَتْ مِنِّي فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ وَلَدٌ، أَوْ حَبَلٌ تَعْتِقُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ، وَإِلَّا فَمِنْ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ عَدَمِ الشَّاهِدِ إقْرَارٌ بِالْعِتْقِ وَهُوَ وَصِيَّةٌ، وَفِي الْخَانِيَّةِ: وَإِذَا عَتَقَتْ بِمَوْتِهِ يَكُونُ مَا فِي يَدِهَا مِنْ الْمَالِ لِلْمَوْلَى إلَّا إذَا أَوْصَى لَهَا بِهِ اهـ. وَفِي الْمُجْتَبَى عَنْ مُحَمَّدٍ مَاتَ مَوْلَى أُمِّ الْوَلَدِ وَلَهَا مَتَاعٌ وَعُرُوضٌ لَيْسَ لَهَا مِنْهَا شَيْءٌ إلَّا أَنِّي أَسْتَحْسِنُ أَنْ أَتْرُكَ لَهَا مِلْحَفَةً وَقَمِيصًا وَمِقْنَعَةً فَأَمَّا الْمُدَبَّرُ فَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ الثِّيَابِ وَغَيْرِهِ اهـ. وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ هُنَا حُكْمَ وَلَدِ أُمِّ الْوَلَدِ مِنْ غَيْرِ الْمَوْلَى لِأَنَّهُ قَدَّمَهُ فِي كِتَابِ الْعِتْقِ أَنَّ الْوَلَدَ أَيْ الْجَنِينَ يَتْبَعُ الْأُمَّ فِي الِاسْتِيلَادِ فَإِذَا زَوَّجَ الْمَوْلَى أُمَّ وَلَدِهِ لِرَجُلٍ فَوَلَدَتْ فَهُوَ فِي حُكْمِ أُمِّهِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْحُرِّيَّةِ يَسْرِي إلَى الْوَلَدِ كَالتَّدْبِيرِ أَلَا تَرَى أَنَّ وَلَدَ الْحُرَّةِ حُرٌّ وَوَلَدَ الْقِنَّةِ رَقِيقٌ، وَالنَّسَبُ يَثْبُتُ مِنْ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ الْفِرَاشَ لَهُ وَإِنْ كَانَ النِّكَاحُ فَاسِدًا؛ لِأَنَّ الْفَاسِدَ مُلْحَقٌ بِالصَّحِيحِ فِي حَقِّ الْأَحْكَامِ، وَإِذَا ادَّعَاهُ الْمَوْلَى لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ ثَابِتُ النَّسَبِ مِنْ غَيْرِهِ وَيَعْتِقُ الْوَلَدُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ فَإِذَا مَاتَ الْمَوْلَى عَتَقَ وَلَدُ أُمِّ الْوَلَدِ كَأُمِّهِ، وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهَا وَلَدَتْ هَذَا الْغُلَامَ مِنْهُ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهَا وَلَدَتْ هَذِهِ الْجَارِيَةَ مِنْهُ فَشَهَادَتُهُمَا جَائِزَةٌ عَلَى أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ لَا عَلَى ثَبَاتِ النَّسَبِ لِاخْتِلَافِهِمَا فِي الْوَلَدِ فَإِنْ كَانَ الْوَلَدَانِ لَا يُعْلَمُ أَيُّهُمَا أَكْبَرُ فَنِصْفُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمَنْزِلَةِ أُمِّهِ يَعْتِقُ ذَلِكَ النِّصْفُ بِعِتْقِهَا وَيَسْعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَكْبَرَ مِنْ الْآخَرِ عَتَقَ الْأَصْغَرُ بِعِتْقِهَا وَيُبَاعُ الْأَكْبَرُ وَلَا يَثْبُتُ نَسَبُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَمَتَى لَمْ يُعْلَمْ أَيُّهُمَا أَكْبَرُ وَأَحَدُهُمَا حَادِثٌ بَعْدَ ثُبُوتِ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ لِلْأُمِّ وَهُوَ مَجْهُولٌ فَيَشِيعُ ذَلِكَ الْحُكْمُ فِيهِمَا نِصْفَانِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَسْلَمَتْ أُمُّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ سَعَتْ فِي قِيمَتِهَا) لِأَنَّ النَّظَرَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فِي جَعْلِهَا مُكَاتَبَةً لِأَنَّهُ يَنْدَفِعُ الذُّلُّ عَنْهَا بِصَيْرُورَتِهَا حُرَّةً يَدًا وَالضَّرَرُ عَنْ الذِّمِّيِّ لِانْبِعَاثِهَا عَلَى الْكَسْبِ نَيْلًا لِشَرَفِ الْحُرِّيَّةِ فَيَصِلُ الذِّمِّيُّ إلَى بَدَلِ مِلْكِهِ أَمَّا لَوْ أُعْتِقَتْ وَهِيَ مُفْلِسَةٌ تَتَوَانَى فِي الْكَسْبِ وَمَالِيَّةُ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ يَعْتَقِدُهَا الذِّمِّيُّ مُتَقَوَّمَةً فَيُتْرَكُ وَمَا يَعْتَقِدُهُ وَلِأَنَّهَا إنْ لَمْ تَكُنْ مُتَقَوَّمَةً فَهِيَ مُحْتَرَمَةٌ وَهَذَا يَكْفِي لِوُجُوبِ الضَّمَانِ كَمَا فِي الْقِصَاصِ الْمُشْتَرَكِ إذَا عَفَا أَحَدُ الْأَوْلِيَاءِ يَجِبُ الْمَالُ لِلْبَاقِينَ وَالْمُرَادُ بِقِيمَتِهَا هُنَا ثُلُثُ قِيمَتِهَا لَوْ كَانَتْ قِنَّةً كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَالْمُرَادُ بِالنَّصْرَانِيِّ الْكَافِرُ وَتَرَكَ الْمُصَنِّفُ قَيْدًا وَهُوَ أَنَّ مَحَلَّ وُجُوبِ السِّعَايَةِ عَلَيْهَا فِيمَا إذَا عُرِضَ الْإِسْلَامُ عَلَيْهِ فَأَبَى أَمَّا إذَا أَسْلَمَ فَهِيَ بَاقِيَةٌ عَلَى حَالِهَا وَلَمْ يُصَرِّحْ بِأَنَّهَا فِي حَالِ السِّعَايَةِ مُكَاتَبَةٌ وَقَدْ قَالُوا إنَّهَا مُكَاتَبَةٌ لَكِنْ إذَا عَجَزَتْ لَا تُرَدُّ فِي الرِّقِّ وَشَرَطَ قَاضِي خَانْ فِي الْخَانِيَّةِ لِكَوْنِهَا مُكَاتَبَةً قَضَاءَ الْقَاضِي قَالَ: وَإِذَا قَضَى الْقَاضِي عَلَيْهَا بِالسِّعَايَةِ كَانَ حَالُهَا حَالَ الْمُكَاتَبِ مَا لَمْ تُؤَدِّ السِّعَايَةَ وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْقَاضِيَ يُقَدِّرُ قِيمَتَهَا فَيُنَجِّمُهَا عَلَيْهَا وَأَشَارَ بِكَوْنِهَا أُمَّ وَلَدِهِ إلَى أَنَّهُ لَوْ مَاتَ قَبْلَ السِّعَايَةِ عَتَقَتْ بِلَا سِعَايَةٍ كَمَا هُوَ حُكْمُ الْوَلَدِ، وَإِلَى أَنَّ الْمُدَبَّرَ النَّصْرَانِيَّ إذَا أَسْلَمَ فَحُكْمُهُ حُكْمُ أُمِّ الْوَلَدِ يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ   [منحة الخالق] مِثْلُ كَوْنِهِ أَعَدَّهَا لِلِاسْتِفْرَاشِ أَمْ لَا؟ وَهَذَا يَقَعُ كَثِيرًا فَلْيُحَرَّرْ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْحَنَفِيُّ فَلَيْسَ لَهُ الْحُكْمُ بِهِ إلَخْ) قَالَ فِي الْمِنَحِ: يُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْحَنَفِيُّ وَيَكُونَ مِنْ بَابِ قَضَائِهِ بِخِلَافِ رَأْيِهِ وَفِيهِ الْخِلَافُ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 295 وَهِيَ نِصْفُ قِيمَتِهِ لَوْ كَانَ قِنًّا، أَوْ الثُّلُثَانِ عَلَى مَا مَرَّ وَقَيَّدَ بِأُمِّ الْوَلَدِ لِأَنَّ الْقِنَّةَ لِلنَّصْرَانِيِّ إذَا أَسْلَمَتْ فَإِنَّ الْمَوْلَى يُؤْمَرُ بِالْبَيْعِ وَكَذَا قِنُّهُ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ أَوْجَبَ الْحُقُوقَ؛ لِأَنَّ الْكَاتِبَ رُبَّمَا يَعْجِزُ فَيَحْتَاجُ إلَى بَيْعِهِ فَصَارَتْ الْكِتَابَةُ بِمَنْزِلَةِ الْبَدَلِ عَنْ الْبَيْعِ وَلَا يُصَارُ إلَى الْبَدَلِ مَا دَامَ الْأَصْلُ مَقْدُورًا عَلَيْهِ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَقَيَّدَ مِسْكِينٌ الْجَبْرَ عَلَى الْبَيْعِ بِعَرْضِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ فَيَأْبَى، وَفِي الْمُحِيطِ: وَإِذَا قَضَى الْقَاضِي عَلَيْهَا بِالْقِيمَةِ، ثُمَّ مَاتَتْ وَلَهَا وَلَدٌ وَلَدَتْهُ فِي السِّعَايَةِ سَعَى الْوَلَدُ فِيمَا عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ صَارَ مُسْتَسْعًى تَبَعًا لِأُمِّهِ كَوَلَدِ الْمُكَاتَبَةِ؛ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبَةِ اهـ. . (قَوْلُهُ: وَلَوْ وَلَدَتْ بِنِكَاحٍ فَمَلَكَهَا فَهِيَ أُمُّ وَلَدِهِ) لِأَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْجُزْئِيَّةُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ وَالْجُزْئِيَّةُ إنَّمَا تَثْبُتُ بَيْنَهُمَا بِنِسْبَةِ الْوَلَدِ الْوَاحِدِ إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا كَمَلًا وَقَدْ ثَبَتَ النَّسَبُ فَتَثْبُتُ الْجُزْئِيَّةُ بِهَذِهِ الْوَاسِطَةِ وَقَدْ كَانَ الْمَانِعُ حِينَ الْوِلَادَةِ مِلْكَ الْغَيْرِ وَقَدْ زَالَ قَيَّدَ بِالنِّكَاحِ احْتِرَازًا عَمَّا إذَا وَلَدَتْ مِنْهُ بِالزِّنَا ثُمَّ مَلَكَهَا فَإِنَّهَا لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا نَسَبَ فِيهِ لِلْوَلَدِ إلَى الزَّانِي، وَإِنَّمَا يَعْتِقُ عَلَى الزَّانِي إذَا مَلَكَهُ؛ لِأَنَّهُ جُزْؤُهُ حَقِيقَةً بِلَا وَاسِطَةٍ نَظِيرُهُ مَنْ اشْتَرَى أَخَاهُ مِنْ الزِّنَا لَا يَعْتِقُ لِأَنَّهُ يُنْسَبُ إلَيْهِ بِوَاسِطَةِ نَسَبِهِ إلَى الْوَالِدِ وَهِيَ غَيْرُ ثَابِتَةٍ، وَالْوَطْءُ بِالشُّبْهَةِ كَالنِّكَاحِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَأَطْلَقَ فِي الْمِلْكِ فَشَمِلَ الْكُلَّ وَالْبَعْضَ وَلِذَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ: وَإِذَا وَلَدَتْ الْأَمَةُ الْمَنْكُوحَةُ مِنْ الزَّوْجِ ثُمَّ اشْتَرَاهَا هُوَ وَآخَرُ تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لِلزَّوْجِ لِمَا قُلْنَا وَيَلْزَمُهُ قِيمَةُ نَصِيبِ شَرِيكِهِ؛ لِأَنَّهُ بِالشِّرَاءِ صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَانْتَقَلَ نَصِيبُ الشَّرِيكِ إلَيْهِ بِالضَّمَانِ، وَإِنْ وَرِثَا مَعًا الْوَلَدَ وَكَانَ الشَّرِيكُ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْوَلَدِ عَتَقَ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا، وَإِنْ كَانَ الشَّرِيكُ أَجْنَبِيًّا سَعَى الْوَلَدُ لِلشَّرِيكِ فِي حِصَّتِهِ لِأَنَّهُ لَمَّا عَتَقَ نَصِيبُ الْأَبِ فَسَدَ نَصِيبُ شَرِيكِهِ اهـ. أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِكَوْنِهَا أُمَّ وَلَدٍ لَهُ إلَى أَنَّ أَوْلَادَهَا مِنْهُ أَحْرَارٌ إذَا مَلَكَهُمْ؛ لِأَنَّ «مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ عَتَقَ عَلَيْهِ» ، الْحَدِيثَ، وَلَوْ مَلَكَ وَلَدًا لَهَا مِنْ غَيْرِهِ لَا يَعْتِقُ وَلَهُ بَيْعُهُ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ مِنْ حِينِ الْمِلْكِ لَا مِنْ حِينِ الْعُلُوقِ، وَأَمَّا الْوَلَدُ الْحَادِثُ فِي مِلْكِهِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ أُمِّهِ بِالِاتِّفَاقِ إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَ جَارِيَةً لَمْ يَسْتَمْتِعْ بِهَا لِأَنَّهُ وَطِئَ أُمَّهَا، وَهَذِهِ إجْمَاعِيَّةٌ وَهِيَ وَارِدَةٌ عَلَى إطْلَاقِ مَنْ قَالَ: إنَّهُ كَأُمِّهِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ أَيْضًا مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ رَجُلٌ اشْتَرَى جَارِيَةً هِيَ أُمُّ وَلَدِ الْغَيْرِ مِنْ رَجُلٍ أَجْنَبِيٍّ وَلَا عِلْمَ لَهُ بِحَالِهَا فَوَلَدَتْ مِنْهُ وَلَدًا ثُمَّ اسْتَحَقَّهَا مَوْلَاهَا وَقُضِيَ لَهُ بِهَا فَعَلَى أَبِي الْوَلَدِ - وَهُوَ الْمُشْتَرِي - قِيمَةُ الْوَلَدِ لِمَوْلَى أُمِّ الْوَلَدِ بِسَبَبِ الْغُرُورِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ قِيمَةِ الْوَلَدِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ وَلَدَ أُمِّ الْوَلَدِ لَا مَالِيَّةَ فِيهِ كَأُمِّهِ إلَّا أَنَّهُ ضَمِنَ مَعَ هَذَا قِيمَتَهُ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا لَا يَكُونُ فِيهِ مَالِيَّةٌ بَعْدَ ثُبُوتِ حُكْمِ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ فِيهِ وَلَمْ يَثْبُتْ فِي الْوَلَدِ لِأَنَّهُ عَلِقَ حُرَّ الْأَصْلِ فَلِذَا كَانَ مَضْمُونًا بِالْقِيمَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ. فَحَاصِلُهُ أَنَّ وَلَدَ أُمِّ الْوَلَدِ مِنْ غَيْرِ الْمَوْلَى كَأُمِّهِ إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ فَإِذَا مَلَكَ مَنْ اسْتَوْلَدَهَا بِالنِّكَاحِ وَبِنْتَهَا مِنْ غَيْرِهِ الْحَادِثَةَ قَبْلَ الْمِلْكِ وَالْبِنْتَ الْحَادِثَةَ مِنْ رَجُلٍ بَعْدَ الْمِلْكِ وَأَعْتَقَهُنَّ، ثُمَّ اشْتَرَاهُنَّ بَعْدَ السَّبْيِ وَالِارْتِدَادِ عُدْنَ كَمَا كُنَّ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يَحْرُمُ عَلَيْهِ بَيْعُ الْأُمِّ وَالْبِنْتِ الثَّانِيَةِ وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ بَيْعُ الْبِنْتِ الْأُولَى وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَحْرُمُ عَلَيْهِ بَيْعُ الْأُمِّ وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ بَيْعُ الْبِنْتَيْنِ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ ادَّعَى وَلَدَ أَمَةٍ مُشْتَرَكَةٍ ثَبَتَ نَسَبُهُ، وَهِيَ أُمُّ وَلَدِهِ، وَلَزِمَهُ نِصْفُ قِيمَتِهَا وَنِصْفُ عُقْرِهَا لَا قِيمَتُهُ) أَمَّا ثُبُوتُ النَّسَبِ فَلِأَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ فِي نِصْفِهِ لِمُصَادَفَتِهِ مِلْكَهُ ثَبَتَ فِي الْبَاقِي ضَرُورَةَ أَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ لِمَا أَنَّ سَبَبَهُ لَا يَتَجَزَّأُ وَهُوَ الْعُلُوقُ إذْ الْوَلَدُ الْوَاحِدُ لَا يَعْلَقُ مِنْ مَاءَيْنِ، وَأَمَّا صَيْرُورَتُهَا أُمَّ وَلَدٍ فَلِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَصِيرُ نَصِيبُهُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ، ثُمَّ يَتَمَلَّكُ نَصِيبَ صَاحِبِهِ إذْ هُوَ قَابِلٌ لِلْمِلْكِ، وَأَمَّا ضَمَانُ نِصْفِ الْقِيمَةِ فَلِأَنَّهُ تَمَلَّكَ نَصِيبَ صَاحِبِهِ لَمَّا اسْتَكْمَلَ الِاسْتِيلَادَ، وَأَمَّا ضَمَانُ نِصْفِ الْعُقْرِ فَلِأَنَّهُ وَطِئَ جَارِيَةً مُشْتَرَكَةً إذْ الْمِلْكُ ثَبَتَ حُكْمًا لِلِاسْتِيلَادِ فَيَعْقُبُهُ الْمِلْكُ فِي نَصِيبِ   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 296 صَاحِبِهِ بِخِلَافِ الْأَبِ؛ إذَا اسْتَوْلَدَ جَارِيَةَ ابْنِهِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ هُنَاكَ ثَبَتَ شَرْطًا لِلِاسْتِيلَادِ فَيَتَقَدَّمُهُ فَصَارَ وَاطِئًا مِلْكَ نَفْسِهِ، وَأَمَّا عَدَمُ ضَمَانِ قِيمَةِ الْوَلَدِ فَلِأَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْعُلُوقِ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ شَيْءٌ مِنْهُ عَلَى مِلْكِ شَرِيكِهِ. أَطْلَقَ فِي الْمُدَّعِي فَشَمِلَ الْحُرَّ وَالْمُكَاتَبَ فَإِذَا ادَّعَى الْمُكَاتَبُ وَلَدَ الْأَمَةِ الْمُشْتَرَكَةِ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَإِنْ كَانَتْ بَيْنَ حُرٍّ وَمُكَاتَبٍ فَادَّعَى الْمُكَاتَبُ وَحْدَهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ وَضَمِنَ نِصْفَ قِيمَتِهَا لِلشَّرِيكِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: نَصِيبُ الشَّرِيكِ بِحَالِهِ كَمَا كَانَ يَسْتَخْدِمُهَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَوْمًا فَإِذَا عَجَزَ الْمُكَاتَبُ كَانَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا لِأَنَّ حُكْمَ الِاسْتِيلَادِ فِي نَصِيبِ الْمُكَاتَبِ بِصِفَةِ الِاسْتِقْرَارِ لَمْ يَثْبُتْ بِدَلِيلِ أَنَّهَا تُبَاعُ بَعْدَ الْعَجْزِ اهـ. وَمِثْلُ الْمُسْلِمِ الْكَافِرُ وَالصَّحِيحُ وَالْمَرِيضُ مَرَضَ الْمَوْتِ لِأَنَّهُ مِنْ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ وَأَطْلَقَ فِي الْأَمَةِ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَتْ حَبِلَتْ عَلَى مِلْكِهِمَا أَوْ اشْتَرَيَاهَا حَامِلًا لَكِنَّهُ يَضْمَنُ فِي الثَّانِي نِصْفَ قِيمَةِ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهَا دَعْوَةُ إعْتَاقٍ لَا اسْتِيلَادٍ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ اشْتَرَى أَخَوَانِ أَمَةً حَامِلَةً فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ أَحَدُهُمَا فَعَلَيْهِ نِصْفُ قِيمَةِ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ أَعْتَقَهُ بِالدَّعْوَةِ وَلَا يَعْتِقُ عَلَى عَمِّهِ بِالْقَرَابَةِ؛ لِأَنَّ الدَّعْوَةَ قَدْ تَقَدَّمَتْ فَيُضَافُ الْحُكْمُ إلَى الدَّعْوَةِ دُونَ الْقَرَابَةِ اهـ. وَأَطْلَقَ فِي وُجُوبِ نِصْفِ الْقِيمَةِ وَالْعُقْرِ فَشَمِلَ الْمُوسِرَ وَالْمُعْسِرَ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ تَمَلُّكٍ بِخِلَافِ ضَمَانِ الْعِتْقِ وَتُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ يَوْمَ الْعُلُوقِ وَكَذَا نِصْفُ الْعُقْرِ وَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الْمُدَّعِي مِنْهُمَا الْأَبَ كَمَا إذَا كَانَتْ مُشْتَرَكَةً بَيْنَ الْأَبِ وَابْنِهِ فَادَّعَاهُ الْأَبُ صَحَّ وَلَزِمَهُ نِصْفُ الْقِيمَةِ وَالْعُقْرُ كَالْأَجْنَبِيِّ بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَوْلَدَهَا وَلَا مِلْكَ لَهُ فِيهَا حَيْثُ لَا يَجِبُ الْعُقْرُ عِنْدَنَا وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْجَارِيَةَ مَتَى لَمْ تَكُنْ مِلْكًا لَهُ مَسَّتْ الْحَاجَةُ إلَى إثْبَاتِ الْمِلْكِ لَهُ فِيهَا سَابِقًا عَلَى الْوَطْءِ لِئَلَّا يَكُونَ فِعْلُهُ زِنًا وَمَتَى كَانَتْ مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمَا فَقِيَامُ الْمِلْكِ فِي شِقْصٍ مِنْهَا يَكْفِي لِإِخْرَاجِ فِعْلِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ زِنًا فَلَمْ تَمَسَّ الْحَاجَةُ إلَى إثْبَاتِ الْمِلْكِ سَابِقًا عَلَى الْوَطْءِ فَلِذَا يَجِبُ نِصْفُ الْعُقْرِ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ. . (قَوْلُهُ: وَلَوْ ادَّعَيَاهُ مَعًا ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُمَا وَهِيَ أُمُّ وَلَدِهِمَا وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ نِصْفُ الْعُقْرِ وَتَقَاصَّا وَوَرِثَ مِنْ كُلٍّ إرْثَ ابْنٍ وَوَرِثَا مِنْهُ إرْثَ أَبٍ) أَمَّا ثُبُوتُ النَّسَبِ مِنْهُمَا فَلِكِتَابِ عُمَرَ إلَى شُرَيْحٍ فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ لَبَّسَا فَلُبِّسَ عَلَيْهِمَا وَلَوْ بَيَّنَا لَبُيِّنَ لَهُمَا هُوَ ابْنُهُمَا يَرِثُهُمَا وَيَرِثَانِهِ وَهُوَ لِلْبَاقِي مِنْهُمَا وَكَانَ ذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَعَنْ عَلِيٍّ مِثْلُ ذَلِكَ وَلِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ فَيَسْتَوِيَانِ فِيهِ، وَالنَّسَبُ وَإِنْ كَانَ لَا يَتَجَزَّى وَلَكِنْ يَتَعَلَّقُ بِهِ أَحْكَامٌ مُتَجَزِّئَةٌ فَمَا يَقْبَلُ التَّجْزِئَةَ يَثْبُتُ فِي حَقِّهِمَا عَلَى التَّجْزِئَةِ وَمَا لَا يَقْبَلُهَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمَلًا كَأَنْ لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ وَلَا اعْتِبَارَ بِقَوْلِ الْقَائِفِ، وَسُرُورُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ فِي أُسَامَةَ إنَّمَا كَانَ لِأَنَّ الْكُفَّارَ كَانُوا يَطْعَنُونَ فِي نَسَبِ أُسَامَةَ فَكَانَ قَوْلُ الْقَائِفِ مُقَطَّعًا لِطَعْنِهِمْ فَسُرَّ بِهِ، وَأَمَّا كَوْنُهَا أُمَّ وَلَدٍ لَهُمَا فَلِصِحَّةِ دَعْوَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي نَصِيبِهِ فِي الْوَلَدِ فَيَصِيرُ نَصِيبُهُ فِيهَا أُمَّ وَلَدٍ لَهُ تَبَعًا لِوَلَدِهَا، وَأَمَّا لُزُومُ نِصْفِ الْعُقْرِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَلِمَا قَدَّمْنَاهُ. وَأَمَّا التَّقَاصُّ فَلِعَدَمِ فَائِدَةِ الِاشْتِغَالِ بِالِاسْتِيفَاءِ، وَفَائِدَةُ إيجَابِ الْعُقْرِ مَعَ التَّقَاصِّ بِهِ أَنَّ أَحَدَهُمَا لَوْ أَبْرَأَ أَحَدَهُمَا عَنْ حَقِّهِ بَقِيَ حَقُّ الْآخَرِ وَأَيْضًا لَوْ قُدِّرَ نَصِيبُ أَحَدِهِمَا بِالدَّرَاهِمِ وَالْآخَرِ بِالدَّنَانِيرِ كَانَ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ الدَّرَاهِمَ وَيَأْخُذَ الدَّنَانِيرَ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَإِنْ كَانَ نَصِيبُ أَحَدِهِمَا أَكْثَرَ مِنْ نَصِيبِ الْآخَرِ يَأْخُذُ مِنْهُ الزِّيَادَةَ، وَأَمَّا مِيرَاثُهُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِيرَاثَ ابْنٍ كَامِلٍ فَلِأَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِمِيرَاثِهِ كُلِّهِ وَهُوَ حُجَّةٌ فِي حَقِّهِ وَأَمَّا إرْثُهُمَا مِنْهُ مِيرَاثَ أَبٍ وَاحِدٍ إذَا مَاتَ وَهُمَا حَيَّانِ فَلِاسْتِوَائِهِمَا فِي النَّسَبِ كَمَا إذَا أَقَامَا الْبَيِّنَةَ. وَأَطْلَقَ فِي الشَّرِيكَيْنِ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْأَوْصَافِ فَلَوْ تَرَجَّحَ أَحَدُهُمَا لَمْ يُعَارِضْهُ الْمَرْجُوحُ فَيُقَدَّمُ الْأَبُ عَلَى الِابْنِ وَالْمُسْلِمُ عَلَى الذِّمِّيِّ وَالْحُرُّ عَلَى الْعَبْدِ وَالذِّمِّيُّ عَلَى الْمُرْتَدِّ وَالْكِتَابِيُّ عَلَى الْمَجُوسِيِّ، وَالْعِبْرَةُ لِهَذِهِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: فَإِذَا عَجَزَ الْمُكَاتَبُ كَانَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا) الضَّمِيرُ فِي لَهُ يَعُودُ عَلَى الشَّرِيكِ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ بَعْدَ عَجْزِهِ لَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ وَيَجُوزُ عَوْدُهُ عَلَيْهِ بِتَكَلُّفِ تَأَمُّلٍ. (قَوْلُهُ: وَالذِّمِّيُّ عَلَى الْمُرْتَدِّ) تَبِعَهُ فِي النَّهْرِ والشرنبلالية وَاَلَّذِي رَأَيْته فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَالْفَتْحِ وَالتَّبْيِينِ أَنَّ الْمُرْتَدَّ يُقَدَّمُ عَلَى الذِّمِّيِّ تَأَمَّلْ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 297 الْأَوْصَافِ وَقْتُ الدَّعْوَةِ لَا الْعُلُوقِ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَفِي الْمَبْسُوطِ: أَمَةٌ بَيْنَ مُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ وَمُكَاتَبٍ وَمُدَبَّرٍ وَعَبْدٍ وَلَدَتْ فَادَّعَوْهُ فَالْحُرُّ الْمُسْلِمُ أَوْلَى لِاجْتِمَاعِ الْإِسْلَامِ وَالْحُرِّيَّةِ فِيهِ مَعَ الْمِلْكِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مُسْلِمٌ بَلْ مَنْ بَعْدَهُ فَقَطْ فَالذِّمِّيُّ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ، وَالْمُكَاتَبُ وَالْعَبْدُ وَإِنْ كَانَا مُسْلِمَيْنِ لَكِنَّ نَيْلَ الْوَلَدِ تَحْصِيلُ الْإِسْلَامِ دُونَ الْحُرِّيَّةِ ثُمَّ الْمُكَاتَبُ؛ لِأَنَّ لَهُ حَقَّ مِلْكٍ، وَالْوَلَدُ عَلَى شَرَفِ الْحُرِّيَّةِ بِأَدَاءِ الْكِتَابَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُكَاتَبٌ، وَادَّعَى الْمُدَبَّرُ وَالْعَبْدُ لَا يَثْبُتُ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا النَّسَبُ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسَ لَهُمْ مِلْكٌ وَلَا شُبْهَةُ مِلْكٍ قِيلَ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْجَوَابُ فِي الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ وُهِبَتْ لَهُ أَمَةٌ وَلَا يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يُزَوَّجَ مِنْهَا أَيْضًا كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَوْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ بَيْنَ رَجُلٍ وَأَبِيهِ وَجَدِّهِ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَوْهُ كُلُّهُمْ فَالْجَدُّ أَوْلَى اهـ. وَقَيَّدَ بِكَوْنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ادَّعَى نَسَبَهُ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَوَلَدَتْ وَلَدًا فَادَّعَاهُ أَحَدُهُمَا وَأَعْتَقَهُ الْآخَرُ وَخَرَجَ الْكَلَامَانِ مَعًا كَانَتْ الدَّعْوَةُ أَوْلَى مِنْ الْإِعْتَاقِ؛ لِأَنَّ الدَّعْوَةَ تَسْتَنِدُ إلَى حَالَةِ الْعُلُوقِ وَالْإِعْتَاقِ فَيُقْتَصَرُ عَلَى الْحَالِ اهـ. وَأَطْلَقَ فِي كَوْنِهَا مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمَا وَلَمْ يُقَيِّدْ بِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْقَدْرِ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ بَيْنَ اثْنَيْنِ لِأَحَدِهِمَا عُشْرُهَا وَلِلْآخَرِ تِسْعَةُ أَعْشَارِهَا فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَيَاهُ مَعًا فَإِنَّهُ ابْنُهُمَا ابْنُ هَذَا كُلُّهُ وَابْنُ ذَلِكَ كُلُّهُ فَإِنْ مَاتَ وَرِثَاهُ نِصْفَيْنِ، وَإِنْ جَنَى عَقَلَ عَوَاقِلُهُمَا نِصْفَيْنِ، وَإِنْ جَنَتْ الْأَمَةُ فَعَلَى صَاحِبِ الْعُشْرِ عُشْرُ مُوجَبِ الْجِنَايَةِ وَعَلَى الْآخَرِ تِسْعَةُ أَعْشَارِ مُوجَبِهَا وَكَذَا أَوْلَادُهَا لَهُمَا عَلَى هَذَا وَلَوْ أَنَّ رَجُلَيْنِ اشْتَرَيَا عَبْدًا لَيْسَ لَهُ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ أَحَدُهُمَا عُشْرَهُ وَالْآخَرُ تِسْعَةَ أَعْشَارِهِ، ثُمَّ ادَّعَيَاهُ مَعًا فَهُوَ ابْنُهُمَا لَا يُفَضَّلُ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ فِي النَّسَبِ فَإِنْ جَنَى فَجِنَايَتُهُ عَلَى عَوَاقِلِهِمَا أَعْشَارًا كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِمَا اثْنَيْنِ لِلِاخْتِلَافِ فِيمَا زَادَ عَلَيْهِمَا فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْ الْمُدَّعِيَيْنِ وَإِنْ كَثُرُوا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ اثْنَيْنِ وَلَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ الثَّلَاثَةِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَثْبُتُ مِنْ الثَّلَاثَةِ لَا غَيْرُ وَقَالَ زُفَرُ: يَثْبُتُ مِنْ خَمْسَةٍ فَقَطْ وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ الْإِمَامِ، وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ لَوْ تَنَازَعَ فِيهِ امْرَأَتَانِ قُضِيَ بِهِ أَيْضًا بَيْنَهُمَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يُقْضَى لِلْمَرْأَتَيْنِ وَكَذَلِكَ يَثْبُتُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِلْخَمْسِ وَلَوْ تَنَازَعَ فِيهِ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ يُقْضَى بِهِ بَيْنَهُمْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يُقْضَى لِلرَّجُلِ وَلَا يُقْضَى لِلْمَرْأَتَيْنِ، وَإِذَا تَنَازَعَ فِيهِ رَجُلَانِ وَامْرَأَتَانِ كُلُّ رَجُلٍ يَدَّعِي أَنَّهُ ابْنُهُ مِنْ هَذِهِ الْمَرْأَةِ، وَالْمَرْأَةُ لَا تُصَدِّقُهُ عَلَى ذَلِكَ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُقْضَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ وَلَا يُقْضَى بَيْنَ الْمَرْأَتَيْنِ اهـ. وَأَفَادَ بِكَوْنِهَا أُمَّ وَلَدٍ لَهُمَا أَنَّهَا تَخْدُمُ كُلًّا مِنْهُمَا يَوْمًا، وَإِذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا عَتَقَتْ وَلَا ضَمَانَ لِلْحَيِّ فِي تَرِكَةِ الْمَيِّتِ لِرِضَا كُلٍّ مِنْهُمَا بِعِتْقِهَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَلَا تَسْعَى لِلْحَيِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِعَدَمِ تَقَوُّمِهَا وَعَلَى قَوْلِهِمَا تَسْعَى فِي نِصْفِ قِيمَتِهَا لَهُ وَلَوْ أَعْتَقَهَا أَحَدُهُمَا عَتَقَتْ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِلسَّاكِتِ وَلَا سِعَايَةَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَلَى قَوْلِهِمَا يَضْمَنُ إنْ كَانَ مُوسِرًا وَتَسْعَى إنْ كَانَ مُعْسِرًا كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فَعَلَى هَذَا مَحَلُّ قَوْلِ الْإِمَامِ: الْعِتْقُ يَتَجَزَّأُ فِي الْقِنَّةِ أَمَّا فِي أُمِّ الْوَلَدِ فَعِتْقُهَا لَا يَتَجَزَّأُ اتِّفَاقًا وَقَدْ نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الْمُجْتَبَى، وَفِي الْبَدَائِعِ وَإِنْ كَانَتْ الْأَنْصِبَاءُ مُخْتَلِفَةً بِأَنْ كَانَ لِأَحَدِهِمْ السُّدُسُ وَلِلْآخَرِ الرُّبُعُ وَلِلْآخَرِ الثُّلُثُ وَلِلْآخَرِ مَا بَقِيَ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُمْ، وَيَصِيرُ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْجَارِيَةِ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ لَا يَتَعَدَّى إلَى نَصِيبِ صَاحِبِهِ حَتَّى تَكُونَ الْخِدْمَةُ وَالْكَسْبُ وَالْغَلَّةُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ أَنْصِبَائِهِمْ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَثْبُتُ الِاسْتِيلَادُ مِنْهُ فِي نَصِيبِهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: بَيْنَ أَنْ يُزَوَّجَ مِنْهَا) الَّذِي فِي الْفَتْحِ " بَلْ " بَدَلَ " بَيْنَ " وَهُوَ أَظْهَرُ. (قَوْلُهُ: أَمَّا فِي أُمِّ الْوَلَدِ فَعِتْقُهَا لَا يَتَجَزَّى اتِّفَاقًا) لَمْ يَتَعَرَّضْ لِإِعْتَاقِ الْمُدَبَّرِ وَالْمُكَاتَبِ، وَتَخْصِيصُهُ بِأُمِّ الْوَلَدِ يُفِيدُ تَجَزِّيَ إعْتَاقِ الْمُدَبَّرِ وَالْمُكَاتَبِ أَمَّا الْمُدَبَّرُ فَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا قَدَّمَهُ فِي بَابِهِ عِنْدَ قَوْلِهِ " فَلَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ " مِنْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُدَبَّرُ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَعْتَقَهُ أَحَدُهُمَا وَهُوَ مُوسِرٌ وَضَمِنَ قِيمَةَ نَصِيبِ شَرِيكِهِ عَتَقَ الْمُدَبَّرُ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ الْوَلَاءُ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ هَهُنَا ثَبَتَ مِنْ جِهَةِ الْمُدَبَّرِ فِي الْحَقِيقَةِ لَا مِنْ جِهَةِ الْمُعْتَقِ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَقَ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ لَا يَمْلِكُ نَصِيبَ الشَّرِيكِ هَهُنَا؛ لِأَنَّ الْمُدَبَّرَ لَا يَقْبَلُ الِانْتِقَالَ إلَخْ فَعَدَمُ تَغَيُّرِ الْوَلَاءِ أَيْ بَقَاؤُهُ بَيْنَ الْمُدَبَّرِ وَالْمُعْتَقِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَعْتِقْ كُلُّهُ مِنْ جِهَةِ الْمُعْتِقِ، وَإِلَّا كَانَ الْوَلَاءُ لَهُ وَأَمَّا الْمُكَاتَبُ فَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ مِنْ أَنَّهُ إذَا كَاتَبَا عَبْدَهُمَا ثُمَّ أَعْتَقَهُ أَحَدُهُمَا جَازَ وَالْمُكَاتَبُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ عَجَزَ، وَيَكُونُ الشَّرِيكُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ التَّضْمِينِ وَبَيْنَ السِّعَايَةِ فِي نِصْفِ الْقِيمَةِ وَالْعِتْقِ عِنْدَهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهِ لَوْ مُوسِرًا وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَضْمَنُ الْأَقَلَّ مِنْ نِصْفِ الْقِيمَةِ وَنِصْفِ مَا بَقِيَ مِنْ الْمُكَاتَبَةِ، وَإِنْ لَمْ يَعْجِزْ حَتَّى مَاتَ عَنْ مَالٍ كَثِيرٍ أَخَذَ الَّذِي لَمْ يَعْتِقْ نِصْفَ الْمُكَاتَبَةِ مِنْ مَالِهِ، وَالْبَاقِي لِوَرَثَتِهِ فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ إعْتَاقَ الْمُكَاتَبِ يَتَجَزَّى عِنْدَهُ وَلِذَا تَخَيَّرَ الشَّرِيكُ بَيْنَ الِاسْتِسْعَاءِ وَالْعِتْقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 298 فِيهِ اسْتِيلَادُ غَيْرِهِ اهـ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَنْصِبَاءَ إذَا كَانَتْ مُخْتَلِفَةً فَالْحُكْمُ فِي حَقِّ الْوَلَدِ لَا يَخْتَلِفُ فَأَمَّا الِاسْتِيلَادُ فَيَثْبُتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِقَدْرِ مِلْكِهِ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ. وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي كَوْنِهَا أُمَّ وَلَدٍ لَهُمَا وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَتْ حَبِلَتْ فِي مِلْكِهِمَا بِأَنْ وَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ مِنْ يَوْمِ الشِّرَاءِ أَمَّا إذَا اشْتَرَيَاهَا وَهِيَ حَامِلٌ بِأَنْ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الشِّرَاءِ فَادَّعَيَاهُ أَوْ اشْتَرَيَاهَا بَعْدَ الْوِلَادَةِ ثُمَّ ادَّعَيَاهُ فَإِنَّهَا لَا تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُمَا؛ لِأَنَّ هَذِهِ دَعْوَةُ عِتْقٍ لَا دَعْوَةُ اسْتِيلَادٍ فَيَعْتِقُ الْوَلَدُ مُقْتَصِرًا عَلَى وَقْتِ الدَّعْوَةِ بِخِلَافِ الِاسْتِيلَادِ فَإِنَّ شَرْطَهَا كَوْنُ الْعُلُوقِ فِي الْمِلْكِ وَتَسْتَنِدُ الْحُرِّيَّةُ إلَى وَقْتِ الْعُلُوقِ فَيَعْلَقُ حُرًّا وَكَذَا لَوْ كَانَ الْحَمْلُ عَلَى مِلْكِ أَحَدِهِمَا بِالتَّزَوُّجِ ثُمَّ اشْتَرَاهَا هُوَ وَآخَرُ فَوَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ الشِّرَاءِ فَادَّعَيَاهُ فَهِيَ أُمُّ وَلَدِ الزَّوْجِ فَإِنَّ نَصِيبَهُ صَارَ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ، وَالِاسْتِيلَادُ لَا يَحْتَمِلُ التَّجَزِّيَ عِنْدَهُمَا وَلَا إبْقَاءَهُ عِنْدَهُ، فَيَثْبُتُ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ أَيْضًا وَكَذَا إذَا حَمَلَتْ عَلَى مِلْكِ أَحَدِهِمَا رَقَبَةً فَبَاعَ نِصْفَهَا مِنْ آخَرَ فَوَلَدَتْ يَعْنِي لِتَمَامِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ بَيْعِ النِّصْفِ فَادَّعَيَاهُ يَكُونُ الْأَوَّلُ أَوْلَى لِكَوْنِ الْعُلُوقِ أَوْلَى فِي مِلْكِهِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهِيَ لَيْسَتْ كَأُمِّ وَلَدٍ لِوَاحِدٍ؛ لِأَنَّهَا لَوْ جَاءَتْ بَعْدَ ذَلِكَ بِوَلَدٍ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ مِنْ وَاحِدٍ إلَّا بِالدَّعْوَى؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ حَرَامٌ فَتُعْتَبَرُ الدَّعْوَةُ كَذَا فِي الْمُجْتَبَى وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ وَوَرِثَا مِنْهُ إرْثَ أَبٍ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْوَلَدِ فَجَمِيعُ مِيرَاثِهِ لِلْبَاقِي مِنْهُمَا وَأَنَّ الْوِلَايَةَ عَلَيْهِ فِي التَّصَرُّفِ مُشْتَرَكَةٌ وَلِذَا قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ بَابِ الْوَصِيِّ: رَجُلَانِ ادَّعَيَا صَغِيرًا ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ ابْنُهُ مِنْ أَمَةٍ مُشْتَرَكَةٍ بَيْنَهُمَا فَإِنَّهُ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُمَا فَإِنْ كَانَ لِهَذَا الْوَلَدِ مَالٌ وَرِثَهُ مِنْ أَخٍ لَهُ مِنْ أُمِّهِ أَوْ وَهَبَ لَهُ أَخُوهُ لَا يَنْفَرِدُ بِالتَّصَرُّفِ فِي ذَلِكَ الْمَالِ أَحَدُ الْأَبَوَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَنْفَرِدُ اهـ. وَأَمَّا وِلَايَةُ الْإِنْكَاحِ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الِانْفِرَادُ بِهِ قَالَ فِي التَّبْيِينِ: النَّسَبُ وَإِنْ كَانَ لَا يَتَجَزَّأُ لَكِنْ يَتَعَلَّقُ بِهِ أَحْكَامٌ مُتَجَزِّئَةٌ كَالْمِيرَاثِ وَالنَّفَقَةِ وَالْحَضَانَةِ وَالتَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ وَأَحْكَامٌ غَيْرُ مُتَجَزِّئَةٍ كَالنَّسَبِ وَوِلَايَةِ الْإِنْكَاحِ فَمَا يَقْبَلُ التَّجْزِئَةَ يَثْبُتُ بَيْنَهُمَا عَلَى التَّجْزِئَةِ وَمَا لَا يَقْبَلُهَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْكَمَالِ كَأَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ اهـ. وَذَكَرَ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ أَنَّ صَدَقَةَ فِطْرِ الْوَلَدِ عَلَيْهِمَا لَكِنْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَدَقَةٌ تَامَّةٌ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِمَا صَدَقَةُ وَاحِدٍ، وَأَمَّا الْأُمُّ فَلَا تَجِبُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَدَقَتُهَا اتِّفَاقًا وَذَكَرَ فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ فَصْلِ الْجِزْيَةِ لَوْ حَدَثَ بَيْنَ النَّجْرَانِيِّ وَالتَّغْلِبِيِّ وَلَدٌ ذَكَرٌ مِنْ جَارِيَةٍ وَادَّعَيَاهُ جَمِيعًا مَعًا فَمَاتَ الْأَبَوَانِ وَكَبِرَ الْوَلَدُ لَمْ تُؤْخَذْ مِنْهُ الْجِزْيَةُ وَذَكَرَ فِي السِّيَرِ أَنَّهُ إنْ مَاتَ التَّغْلِبِيُّ أَوَّلًا تُؤْخَذُ مِنْهُ جِزْيَةُ أَهْلِ نَجْرَانَ، وَإِنْ مَاتَ النَّجْرَانِيُّ أَوَّلًا تُؤْخَذُ مِنْهُ جِزْيَةُ أَهْلِ تَغْلِبَ، وَإِنْ مَاتَا مَعًا يُؤْخَذُ النِّصْفُ مِنْ هَذَا وَالنِّصْفُ مِنْ هَذَا اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ ادَّعَى وَلَدَ أَمَةِ مُكَاتَبِهِ وَصَدَّقَهُ الْمُكَاتَبُ لَزِمَ النَّسَبُ وَالْعُقْرُ وَقِيمَةُ الْوَلَدِ وَلَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدِهِ، وَإِنْ كَذَّبَهُ لَمْ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: أَمَّا إذَا اشْتَرَيَاهَا وَهِيَ حَامِلٌ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ عَقِبَ قَوْلِهِ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُمَا: مَعْنَاهُ إذَا حَبِلَتْ فِي مِلْكِهِمَا وَكَذَا إذَا اشْتَرَيَا حُبْلَى لَا يُخْتَلَفُ فِي حَقِّ ثُبُوتِ النَّسَبِ مِنْهُمَا، وَإِنَّمَا يُخْتَلَفُ فِي حَقِّ وُجُوبِ الْعُقْرِ وَالْوَلَاءِ وَضَمَانِ قِيمَةِ الْوَلَدِ حَتَّى لَا يَجِبَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْعُقْرُ لِصَاحِبِهِ لِعَدَمِ الْوَطْءِ فِي مِلْكِهِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ نِصْفُ قِيمَةِ الْوَلَدِ إنْ كَانَ الْمُدَّعِي وَاحِدًا وَيَثْبُتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيهِ الْوَلَاءُ؛ لِأَنَّهُ تَحْرِيرٌ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ اهـ. وَقَوْلُهُ: وَيَجِبُ عَلَيْهِ نِصْفُ قِيمَةِ الْوَلَدِ أَيْ وَقَدْ اشْتَرَيَاهَا حُبْلَى بِخِلَافِ مَا إذَا حَبِلَتْ فِي مِلْكِهِمَا فَادَّعَاهُ أَحَدُهُمَا فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ نِصْفُ قِيمَةِ الْوَلَدِ، وَقَوْلُهُ: عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ يَعْنِي مِنْ أَنَّ هَذِهِ دَعْوَةُ عِتْقٍ فَيَعْتِقُ مُقْتَصِرًا عَلَى وَقْتِ الدَّعْوَةِ لَا دَعْوَةُ الِاسْتِيلَادِ؛ لِأَنَّ شَرْطَهَا الْعُلُوقُ فِي الْمِلْكِ وَهُوَ مُنْتَفٍ كَذَا فِي الشرنبلالية. (قَوْلُهُ: وَهِيَ لَيْسَتْ كَأُمِّ وَلَدٍ لِوَاحِدٍ إلَخْ) أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ الضَّمِيرَ رَاجِعٌ لِأَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَهِيَ مَا إذَا ادَّعَيَاهُ مَعًا وَلَا مُرَجِّحَ حَتَّى ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهَا تَبْقَى مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمَا فَلَا يَحِلُّ وَطْؤُهَا لِأَحَدِهِمَا بِخِلَافِ مَا إذَا وُجِدَ الْمُرَجِّحُ بِأَنْ حَمَلَتْ عَلَى مِلْكِ أَحَدِهِمَا نِكَاحًا، أَوْ رَقَبَةً حَتَّى ثَبَتَ مَنْ الْأَرْجَحُ وَهُوَ الزَّوْجُ وَالْمَالِكُ الْأَوَّلُ وَتَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ فَلَمْ تَبْقَ مُشْتَرَكَةً وَيَدُلُّ لِمَا قُلْنَا أَنَّهُ فِي الْمُجْتَبَى قَالَ فِي تَعْلِيلِ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَلِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ فَيَسْتَوِيَانِ فِيهِ حَتَّى لَوْ وُجِدَ الْمُرَجِّحُ لَا يَثْبُتُ مِنْهُمَا بِأَنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَبَ الْآخَرِ، أَوْ كَانَ مُسْلِمًا وَالْآخَرُ ذِمِّيًّا ثَبَتَ مِنْ الْأَبِ وَالْمُسْلِمِ لِوُجُودِ الْمُرَجِّحِ وَلَمَّا ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُمَا صَارَتْ أُمُّهُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُمَا وَيَقَعُ عُقْرُهُمَا قِصَاصًا وَلَوْ جَاءَتْ بِآخَرَ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ مِنْ وَاحِدٍ إلَّا بِالدَّعْوَى لِأَنَّ الْوَطْءَ حَرَامٌ فَتُعْتَبَرُ الدَّعْوَةُ اهـ. فَقَوْلُهُ: وَلَمَّا ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُمَا إلَخْ صَرِيحٌ فِي رُجُوعِهِ لِأَصْلِ الْمَسْأَلَةِ فَتَنَبَّهْ لِذَلِكَ فَإِنَّهُ مِمَّا خَفِيَ عَلَى كَثِيرِينَ وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 299 يَثْبُتْ) وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَثْبُتُ النَّسَبُ بِدُونِ تَصْدِيقِهِ اعْتِبَارًا بِالْأَبِ يَدَّعِي وَلَدَ جَارِيَةِ ابْنِهِ، وَجْهُ الظَّاهِرِ وَهُوَ الْفَرْقُ أَنَّ الْمَوْلَى لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي أَكْسَابِ مُكَاتَبِهِ حَتَّى لَا يَتَمَلَّكَهُ وَالْأَبُ يَمْلِكُ تَمَلُّكَهُ فَلَا يُعْتَبَرُ تَصْدِيقُ الِابْنِ، وَإِنَّمَا لَزِمَهُ الْعُقْرُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَقَدَّمُهُ الْمِلْكُ لِأَنَّ مَالَهُ مِنْ الْحَقِّ كَافٍ لِصِحَّةِ الِاسْتِيلَادِ لِمَا ذَكَرَ، وَإِنَّمَا لَزِمَهُ قِيمَةُ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمَغْرُورِ حَيْثُ اُعْتُمِدَ دَلِيلًا، وَهُوَ أَنَّهُ كَسْبٌ كَسَبَهُ فَلَمْ يَرْضَ بِرِقِّهِ فَيَكُونُ حُرًّا بِالْقِيمَةِ ثَابِتَ النَّسَبِ مِنْهُ إلَّا أَنَّ الْقِيمَةَ هُنَا تُعْتَبَرُ يَوْمَ وُلِدَ، وَقِيمَةَ وَلَدِ الْمَغْرُورِ يَوْمَ الْخُصُومَةِ، وَإِنَّمَا لَمْ تَصِرْ الْجَارِيَةُ أُمَّ وَلَدٍ لِلْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ فِيهَا حَقِيقَةً كَمَا فِي وَلَدِ الْمَغْرُورِ، وَإِنْ كَذَّبَهُ الْمُكَاتَبُ فِي النَّسَبِ لَمْ يَثْبُتْ مِنْ الْمَوْلَى لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَصْدِيقِهِ فَلَوْ مَلَكَهُ يَوْمًا ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ لِقِيَامِ الْمُوجِبِ وَزَوَالِ حَقِّ الْمُكَاتَبِ؛ إذْ هُوَ الْمَانِعُ قَيَّدَ بِأَمَةِ الْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَطِئَ الْمُكَاتَبَةَ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ وَلَا يُشْتَرَطُ تَصْدِيقُهَا؛ لِأَنَّ رَقَبَتَهَا مَمْلُوكَةٌ لَهُ بِخِلَافِ كَسْبِهَا، وَفِي التَّبْيِينِ وَلَوْ وَلَدَتْ مِنْهُ جَارِيَةُ غَيْرِهِ وَقَالَ أَحَلَّهَا لِي مَوْلَاهَا، وَالْوَلَدُ وَلَدِي فَصَدَّقَهُ الْمَوْلَى فِي الْإِحْلَالِ وَكَذَّبَهُ فِي الْوَلَدِ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ فَإِنْ مَلَكَهَا يَوْمًا ثَبَتَ نَسَبُهُ وَصَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَلَوْ صَدَّقَهُ فِي الْوَلَدِ ثَبَتَ نَسَبُهُ وَلَوْ اسْتَوْلَدَ جَارِيَةَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ، أَوْ امْرَأَتِهِ وَقَالَ ظَنَنْتُ أَنَّهَا تَحِلُّ لِي لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ مِنْهُ وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ مَلَكَهُ يَوْمًا عَتَقَ عَلَيْهِ، وَإِنْ مَلَكَ أُمَّهُ لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ لِعَدَمِ ثُبُوتِ نَسَبِهِ اهـ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [كِتَابُ الْأَيْمَانِ] مُنَاسَبَتُهَا لِلْعَتَاقِ مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْهَزْلُ وَالْإِكْرَاهُ كَالطَّلَاقِ وَقَدَّمَ الْعَتَاقَ عَلَيْهِ لِقُرْبِهِ مِنْ الطَّلَاقِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْإِسْقَاطِ. وَالْأَيْمَانُ جَمْعُ يَمِينٍ وَهِيَ فِي اللُّغَةِ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ الْجَارِحَةِ وَالْقَسَمِ وَالْقُوَّةِ قَالُوا: إنَّمَا سُمِّيَ الْقَسَمُ يَمِينًا لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْيَمِينَ هِيَ الْقُوَّةُ وَالْحَالِفُ يَتَقَوَّى بِالْقَسَمِ عَلَى الْحَمْلِ أَوْ الْمَنْعِ. وَالثَّانِي أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَمَاسَكُونَ بِأَيْدِيهِمْ عِنْدَ الْقَسَمِ فَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ لَفْظَ الْيَمِينِ لَفْظٌ مَنْقُولٌ، وَمَفْهُومُهُ - لُغَةً - جُمْلَةٌ أُولَى إنْشَائِيَّةٌ صَرِيحَةُ الْجُزْأَيْنِ يُؤَكَّدُ بِهَا جُمْلَةٌ بَعْدَهَا خَبَرِيَّةٌ فَخَرَجَ بِقَيْدِ " أُولَى " نَحْوُ زَيْدٌ قَائِمٌ زَيْدٌ قَائِمٌ فَإِنَّ الْأُولَى هِيَ الْمُؤَكَّدَةُ بِالثَّانِيَةِ مِنْ التَّوْكِيدِ اللَّفْظِيِّ عَلَى عَكْسِ الْيَمِينِ، وَشَمِلَ الْجُمْلَةَ الْفِعْلِيَّةَ كَ حَلَفْتُ بِاَللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ، أَوْ أَحْلِفُ، وَالِاسْمِيَّةَ سَوَاءٌ كَانَتْ مُقَدَّمَةَ الْخَبَرِ كَعَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ، أَوْ مُؤَخَّرَتَهُ نَحْوُ لَعَمْرُكَ لَأَفْعَلَنَّ، وَأَسْمَاءُ هَذَا الْمَعْنَى التَّوْكِيدِيِّ سِتَّةٌ: الْحَلِفُ وَالْقَسَمُ وَالْعَهْدُ وَالْمِيثَاقُ وَالْإِيلَاءُ وَالْيَمِينُ وَخَرَجَ بِقَيْدِ الْإِنْشَائِيَّةِ نَحْوُ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فَإِنَّ الْأُولَى لَيْسَتْ إنْشَائِيَّةً فَلَيْسَتْ التَّعَالِيقُ أَيْمَانًا حَقِيقَةً. وَأَمَّا مَفْهُومُهُ الِاصْطِلَاحِيُّ فَجُمْلَةٌ أُولَى إنْشَائِيَّةٌ يُقْسِمُ فِيهَا بِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ صِفَتِهِ يُؤَكِّدُ بِهَا مَضْمُونَ ثَانِيَةٍ فِي نَفْسِ السَّامِعِ ظَاهِرًا، أَوْ يَحْمِلُ الْمُتَكَلِّمَ عَلَى تَحْقِيقِ مَعْنَاهَا - فَدَخَلَتْ بِقَيْدِ الظُّهُورِ الْغَمُوسُ -، أَوْ الْتِزَامُ مَكْرُوهٍ كَفَّرَ، أَوْ زَوَالِ مِلْكٍ عَلَى تَقْدِيرٍ لِيُمْنَعَ عَنْهُ، أَوْ مَحْبُوبٍ لِيُحْمَلَ عَلَيْهِ فَدَخَلَتْ التَّعْلِيقَاتُ مِثْلُ إنْ فَعَلَ فَهُوَ يَهُودِيٌّ، وَإِنْ دَخَلْتُ فَأَنْتِ طَالِقٌ بِضَمِّ التَّاءِ لِمَنْعِ نَفْسِهِ وَبِكَسْرِهَا لِمَنْعِهَا وَإِنْ بَشَّرْتنِي فَأَنْتَ حُرٌّ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَعَرَّفَهَا فِي الْكَافِي بِأَنَّهَا عِبَارَةٌ عَنْ تَحْقِيقِ مَا قَصَدَهُ مِنْ الْبِرِّ فِي الْمُسْتَقْبَلِ نَفْيًا، أَوْ إثْبَاتًا وَعَرَّفَهَا فِي التَّبْيِينِ بِأَنَّهَا عَقْدٌ قَوِيٌّ بِهِ عَزَمَ الْحَالِفُ عَلَى الْفِعْلِ، أَوْ التَّرْكِ وَفِي شَرْحِ النُّقَايَةِ بِأَنَّهَا تُقَوِّي الْخَبَرَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ بِالتَّعْلِيقِ وَظَاهِرُ مَا فِي الْبَدَائِعِ أَنَّ التَّعْلِيقَ يَمِينٌ فِي اللُّغَةِ أَيْضًا قَالَ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا أَطْلَقَ عَلَيْهِ يَمِينًا، وَقَوْلُهُ: حُجَّةٌ فِي اللُّغَةِ وَذَكَرَ أَنَّ فَائِدَةَ الِاخْتِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَحْلِفُ، ثُمَّ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَوْ الْعَتَاقِ فَعِنْدَ الْعَامَّةِ يَحْنَثُ وَعِنْدَ أَصْحَابِ الظَّوَاهِرِ لَا يَحْنَثُ. وَرُكْنُهَا اللَّفْظُ الْمُسْتَعْمَلُ فِيهَا وَشَرْطُهَا الْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ   [منحة الخالق] (كِتَابُ الْأَيْمَانِ) (قَوْلُهُ: فَخَرَجَ بِقَيْدِ " أُولَى " إلَخْ) عِبَارَةُ الْفَتْحِ وَتَرْكُ لَفْظِ " أُولَى " يُصَيِّرُهُ غَيْرَ مَانِعٍ لِدُخُولِ نَحْوِ زَيْدٌ قَائِمٌ زَيْدٌ قَائِمٌ وَهُوَ عَلَى عَكْسِهِ فَإِنَّ الْأُولَى هِيَ الْمُؤَكَّدَةُ بِالثَّانِيَةِ مِنْ التَّوْكِيدِ اللَّفْظِيِّ قَالَ فِي النَّهْرِ وَأَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ هَذَا إنَّمَا يَتِمُّ عَلَى أَنَّ الْجُمْلَةَ الثَّانِيَةَ الْمُؤَكِّدَةَ إنْشَائِيَّةٌ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ وَأَمَّا ثَانِيًا بِتَقْدِيرِ التَّسْلِيمِ فَقَدْ خَرَجَ بِقَوْلِهِ بَعْدَهَا فَتَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: أَوْ الْتِزَامُ مَكْرُوهٍ) بِرَفْعِ " الْتِزَامُ " عَطْفًا عَلَى " جُمْلَةٌ ". الجزء: 4 ¦ الصفحة: 300 وَالْإِسْلَامُ وَمَنْ زَادَ الْحُرِّيَّةَ كَالشُّمُنِّيِّ فَقَدْ سَهَا؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ يَنْعَقِدُ يَمِينُهُ وَيُكَفِّرُ بِالصَّوْمِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَزَادَ فِي الْمُحِيطِ ثَالِثًا: وَهُوَ كَوْنُ الْخَبَرِ الْمُضَافِ إلَيْهِ الْيَمِينُ مُحْتَمِلًا لِلصِّدْقِ وَالْكَذِبِ مُتَمَثِّلًا بَيْنَ الْبِرِّ وَالْهَتْكِ فَيَتَحَقَّقُ حُكْمُهُ وَهُوَ وُجُوبُ الْبِرِّ اهـ. وَهُوَ صَحِيحٌ لِمَا سَيَأْتِي أَنَّ إمْكَانَ الْبِرِّ شَرْطٌ لِانْعِقَادِهَا عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْكُوزِ، وَسَبَبُهَا الْغَائِيُّ تَارَةً إيقَاعُ صِدْقِهِ فِي نَفْسِ السَّامِعِ وَتَارَةً حَمْلُ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ عَلَى الْفِعْلِ، أَوْ التَّرْكِ وَحُكْمُهَا شَيْئَانِ وُجُوبُ الْبِرِّ بِتَحَقُّقِ الصِّدْقِ فِي نَفْسِ الْيَمِينِ وَالثَّانِي وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ بِالْحِنْثِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَهُوَ بَيَانٌ لِبَعْضِ أَحْكَامِهَا فَإِنَّهُ سَيَأْتِي أَنَّ الْبِرَّ يَكُونُ وَاجِبًا وَمَنْدُوبًا وَحَرَامًا وَأَنَّ الْحِنْثَ يَكُونُ وَاجِبًا وَمَنْدُوبًا، وَفِي الْمُحِيطِ وَالْأَفْضَلُ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى تَقْلِيلُهَا؛ لِأَنَّ فِي تَكْثِيرِ الْيَمِينِ الْمُضَافَةِ إلَى الْمَاضِي نِسْبَةَ نَفْسِهِ إلَى الْكَذِبِ، وَفِي تَكْثِيرِ الْيَمِينِ الْمُضَافَةِ إلَى الْمُسْتَقْبَلِ تَعْرِيضَ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى لِلْهَتْكِ، وَالْيَمِينُ بِغَيْرِهِ تَعَالَى مَكْرُوهٌ عِنْدَ الْبَعْضِ لِلْحَدِيثِ «لَا تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ وَلَا بِالطَّوَاغِيتِ مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ، أَوْ لِيَذَرْ» وَقَالَ بَعْضُهُمْ إذَا أُضِيفَ إلَى الْمَاضِي يُكْرَهُ، وَإِذَا أُضِيفَ إلَى الْمُسْتَقْبَلِ لَا يُكْرَهُ وَهُوَ الْأَحْسَنُ لِمَا رَوَى «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمَّا لَاعَنَ بَيْنَ الْعَجْلَانِيِّ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ قَالَ الْعَجْلَانِيُّ إنْ أَمْسَكْتُهَا فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» إلَى آخِرِهِ، وَفِي التَّبْيِينِ لَا تُكْرَهُ عِنْدَ الْعَامَّةِ، وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَحْلِفَ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَقَالَ خَصْمُهُ لَا أُرِيدُ الْحَلِفَ بِاَللَّهِ تَعَالَى يُخْشَى عَلَيْهِ الْكُفْرُ اهـ. (قَوْلُهُ: فَحَلِفُهُ عَلَى مَاضٍ كَذِبًا عَمْدًا غَمُوسٌ) بَيَانٌ لِأَنْوَاعِهَا وَهِيَ ثَلَاثَةٌ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ: الْأَوَّلُ الْغَمُوسُ وَهُوَ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى أَمْرٍ مَاضٍ يَتَعَمَّدُ الْكَذِبَ فِيهِ سُمِّيَتْ غَمُوسًا؛ لِأَنَّهَا تَغْمِسُ صَاحِبَهَا فِي الذَّنْبِ، ثُمَّ فِي النَّارِ وَسَيَأْتِي حُكْمُهَا أَطْلَقَ فِي الْمَاضِي فَشَمِلَ الْفِعْلَ وَالتَّرْكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَقَالَ فَإِنْ قُلْت: إذَا قِيلَ: وَاَللَّهِ إنَّ هَذَا حَجَرٌ كَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: إنَّ هَذَا الْحَلِفَ عَلَى الْفِعْلِ قُلْتُ: تُقَدَّرُ كَلِمَةُ كَانَ أَوْ يَكُونُ إذَا أُرِيدَ فِي الزَّمَنِ الْمَاضِي أَوْ الْمُسْتَقْبَلِ، وَقَوْلُهُ: كَذِبًا عَمْدًا حَالَانِ مِنْ الضَّمِيرِ فِي حَلِفِهِ بِمَعْنَى كَاذِبًا مُتَعَمِّدًا وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَا صِفَتَيْنِ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ أَيْ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَزَادَ فِي الْمُحِيطِ ثَالِثًا) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ رَابِعًا وَكَأَنَّهُ سَمَّاهُ ثَالِثًا نَظَرًا إلَى أَنَّ الْعَقْلَ وَالْبُلُوغَ بِمَعْنَى التَّكْلِيفِ فَهُمَا فِي الْمَعْنَى شَرْطٌ وَاحِدٌ. (قَوْلُهُ: وَالْيَمِينُ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى مَكْرُوهَةٌ) هَذَا بِعُمُومِهِ شَامِلٌ لِمَا فِيهِ حَرْفُ الْقَسَمِ وَمَا لَيْسَ فِيهِ كَالتَّعْلِيقِ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، وَظَاهِرُ مَا سَيَأْتِي قَرِيبًا مِنْ قَوْلِهِ، وَفِي التَّبْيِينِ: لَا تُكْرَهُ عِنْدَ الْعَامَّةِ شَامِلٌ لِلنَّوْعَيْنِ لَكِنْ فِي الْفَتْحِ مَا يُفِيدُ تَخْصِيصَهُ بِالتَّعْلِيقِ حَيْثُ قَالَ: ثُمَّ قِيلَ يُكْرَهُ الْحَلِفُ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ» الْحَدِيثَ وَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ لِأَنَّهُ لِمَنْعِ نَفْسِهِ، أَوْ غَيْرِهِ وَمَحْمَلُ الْحَدِيثِ غَيْرُ التَّعْلِيقِ مِمَّا هُوَ بِحَرْفِ الْقَسَمِ اهـ. وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا سَيَأْتِي عَنْ تَتِمَّةِ الْفَتَاوَى قَالَ عَلِيٌّ الرَّازِيّ: أَخَافُ عَلَى مَنْ قَالَ بِحَيَاتِي وَحَيَاتِك أَنَّهُ يَكْفُرُ ثُمَّ رَاجَعْت عِبَارَةَ التَّبْيِينِ فَوَجَدْتهَا تُفِيدُ مَا قُلْنَا وَنَصُّهَا وَالْيَمِينُ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى أَيْضًا مَشْرُوعٌ وَهُوَ تَعْلِيقُ الْجَزَاءِ بِالشَّرْطِ وَهُوَ لَيْسَ بِيَمِينٍ وَضْعًا، وَإِنَّمَا سُمِّيَ يَمِينًا عِنْدَ الْفُقَهَاءِ لِحُصُولِ مَعْنَى الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ الْحَمْلُ، أَوْ الْمَنْعُ، وَالْيَمِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى لَا تُكْرَهُ، وَتَقْلِيلُهُ أَوْلَى مِنْ تَكْثِيرِهِ وَالْيَمِينُ بِغَيْرِهِ مَكْرُوهَةٌ عِنْدَ الْبَعْضِ لِلنَّهْيِ الْوَارِدِ فِيهِ وَعِنْدَ عَامَّتِهِمْ لَا تُكْرَهُ؛ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِهَا الْوَثِيقَةُ لَا سِيَّمَا فِي زَمَانِنَا وَمَا رُوِيَ مِنْ النَّهْيِ مَحْمُولٌ عَلَى الْحَلِفِ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى لَا عَلَى وَجْهِ الْوَثِيقَةِ كَقَوْلِهِمْ: وَأَبِيكَ وَلَعَمْرِي وَنَحْوَهُ انْتَهَتْ. أَيْ فَإِنَّ قَوْلَهُ وَأَبِيكَ وَلَعَمْرِي لَا يُفِيدُ الْوَثِيقَةَ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْحَالِفَ بِهِ شَيْءٌ بِخِلَافِ التَّعْلِيقِ بِالطَّلَاقِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ يُفِيدُ الْوَثِيقَةَ فَإِنَّ الْحَالِفَ إذَا حَنِثَ يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ وَنَحْوُهُ فَتَثِقُ بِمَنْ حَلَفَ لَك بِهِ تَأَمَّلْ لَكِنْ سَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ مِنْ جُمْلَةِ أَلْفَاظِ الْيَمِينِ الْمُنْعَقِدَةِ قَوْلَهُ: لَعَمْرُ اللَّهِ وَحِينَئِذٍ فَيَلْزَمُهُ بِالْحِنْثِ الْكَفَّارَةُ مِثْلُ قَوْلِهِ وَاَللَّهِ فَيُفِيدُ الْوَثِيقَةَ إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ لَعَمْرِي وَلَعَمْرُ اللَّهِ فَلْيُتَأَمَّلْ وَذَكَرَ الْقُهُسْتَانِيُّ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ لَعَمْرُ اللَّهِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ قَوْلِنَا لَعَمْرُ فُلَانٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَحْلِفَ بِغَيْرِهِ تَعَالَى، وَإِذَا حَلَفَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبَرَّ بَلْ يَجِبُ أَنْ يَحْنَثَ فَإِنَّ الْبِرَّ فِيهِ كُفْرٌ عِنْدَ بَعْضِهِمْ كَمَا فِي كِفَايَةِ الشَّعْبِيِّ اهـ. لَكِنْ فِي الْقَامُوسِ وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ النَّهْيُ عَنْ قَوْلِ لَعَمْرُ اللَّهِ اهـ. وَانْظُرْ مَا فِي أَوَائِلِ حَاشِيَةِ الْمُطَوَّلِ لِحَسَنِ جَلَبِي: وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْيَمِينَ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى إنْ كَانَ مِمَّا تَحْصُلُ بِهِ الْوَثِيقَةُ يُكْرَهُ عِنْدَ الْبَعْضِ وَعِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ لَا يُكْرَهُ وَذَلِكَ كَالتَّعْلِيقِ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْحَجِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ إذْ لَيْسَ فِيهِ تَعْظِيمُ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَمَّا مَا لَا تَحْصُلُ بِهِ الْوَثِيقَةُ مِثْلُ وَأَبِيكَ وَحَيَاتِكَ فَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي كَرَاهَتِهِ لِلنَّهْيِ الصَّرِيحِ عَنْ الْحَلِفِ بِالْآبَاءِ وَلِأَنَّهُ يُوهِمُ مُشَارَكَةَ الْمُقْسَمِ بِهِ لِلَّهِ تَعَالَى فِي التَّعْظِيمِ وَأَمَّا إقْسَامُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِغَيْرِهِ كَالضُّحَى وَالنَّجْمِ وَاللَّيْلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَقَالُوا: إنَّهُ مُخْتَصٌّ بِهِ تَعَالَى إذْ لَهُ أَنْ يُعَظِّمَ مَا شَاءَ وَلَيْسَ لَنَا ذَلِكَ بَعْدَ نَهْيِنَا عَنْهُ. . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 301 حَلِفًا، وَفِي الْمَبْسُوطِ إنَّ الْغَمُوسَ لَيْسَتْ بِيَمِينٍ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّهَا كَبِيرَةٌ مَحْضَةٌ، وَالْيَمِينَ عَقْدٌ مَشْرُوعٌ، وَالْكَبِيرَةَ ضِدُّ الْمَشْرُوعِ وَلَكِنْ سُمِّيَتْ يَمِينًا مَجَازًا؛ لِأَنَّ ارْتِكَابَ هَذِهِ الْكَبِيرَةِ بِصُورَةِ الْيَمِينِ كَمَا سُمِّيَ بَيْعُ الْحُرِّ بَيْعًا مَجَازًا لِوُجُودِ صُورَةِ الْبَيْعِ فِيهِ اهـ. وَقَيَّدَ الْمُصَنِّفُ بِالْمَاضِي فِي الْغَمُوسِ وَاللَّغْوِ قَالُوا وَيَتَأَتَّيَانِ أَيْضًا فِي الْحَالِ فَفِي الْغَمُوسِ نَحْوُ وَاَللَّهِ مَا لِهَذَا عَلَيَّ دَيْنٌ وَهُوَ يَعْلَمُ خِلَافَهُ، وَوَاَللَّهِ إنَّهُ زَيْدٌ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ عَمْرٌو، وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَمَا وَقَعَ مِنْ التَّقْيِيدِ بِالْمَاضِي فَهُوَ بِنَاءٌ عَلَى الْغَالِبِ لِأَنَّ الْمَاضِيَ شَرْطٌ اهـ. وَفِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ فَإِنْ قُلْت: الْحَلِفُ كَمَا يَكُونُ عَلَى الْمَاضِي وَالْآتِي يَكُونُ عَلَى الْحَالِ فَلِمَ لَمْ يَذْكُرْهُ أَيْضًا وَهُوَ مِنْ أَقْسَامِ الْحَلِفِ قُلْتُ: إنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهُ لِمَعْنًى دَقِيقٍ وَهُوَ أَنَّ الْكَلَامَ يَحْصُلُ أَوَّلًا فِي النَّفْسِ فَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِاللِّسَانِ فَالْإِخْبَارُ الْمُعَلَّقُ بِزَمَانِ الْحَالِ إذَا حَصَلَ فِي النَّفْسِ فَعُبِّرَ عَنْهُ بِاللِّسَانِ فَإِذَا تَمَّ التَّعْبِيرُ بِاللِّسَانِ انْعَقَدَ الْيَمِينُ فَزَمَانُ الْحَالِ صَارَ مَاضِيًا بِالنِّسْبَةِ إلَى زَمَانِ انْعِقَادِ الْيَمِينِ فَإِذَا قَالَ كَتَبْت لَا بُدَّ مِنْ الْكِتَابَةِ قَبْلَ ابْتِدَاءِ التَّكَلُّمِ وَأَمَّا إذَا قَالَ سَوْفَ أَكْتُبُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْكِتَابَةِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ التَّكَلُّمِ يَعْنِي ابْتِدَاءَ الزَّمَانِ الَّذِي مِنْ ابْتِدَاءِ التَّكَلُّمِ إلَى آخِرِهِ فَهُوَ زَمَانُ الْحَالِ بِحَسَبِ الْعُرْفِ وَهُوَ مَاضٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى آنِ الْفَرَاغِ وَهُوَ آنُ انْعِقَادِ الْيَمِينِ فَيَكُونُ الْحَلِفُ عَلَيْهِ الْحَلِفَ عَلَى الْمَاضِي اهـ. وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ الْمُصَنِّفُ الْأَيْمَانُ ثَلَاثَةٌ كَمَا قَالَ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّهَا لَا تَنْحَصِرُ فِي الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْفِعْلِ الْمَاضِي - صَادِقًا - لَيْسَ مِنْهَا، وَجَوَابُ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ بِأَنَّ الْمُرَادَ حَصْرُ الْأَيْمَانِ الَّتِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا الْأَحْكَامُ لَيْسَ بِدَافِعٍ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْيَمِينَ كَاللَّغْوِ لَا إثْمَ فِيهَا فَكَانَ لَهَا حُكْمٌ. (قَوْلُهُ: وَظَنًّا لَغْوٌ) أَيْ حَلِفُهُ عَلَى مَاضٍ يَظُنُّ أَنَّهُ كَمَا قَالَ - وَالْأَمْرُ بِخِلَافِهِ - لَغْوٌ فَقَوْلُهُ ظَنًّا مَعْطُوفٌ عَلَى كَذِبًا سُمِّيَتْ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِهَا، وَاللَّغْوُ اسْمٌ لِمَا لَا يُفِيدُ يُقَالُ لَغَا إذَا أَتَى بِشَيْءٍ لَا فَائِدَةَ فِيهِ، وَفِي الْمُغْرِبِ اللَّغْوُ الْبَاطِلُ مِنْ الْكَلَامِ وَمِنْهُ اللَّغْوُ فِي الْأَيْمَانِ لِمَا لَا يَعْقِدُ عَلَيْهِ الْقَلْبَ وَقَدْ لَغَا فِي الْكَلَامِ يَلْغُو وَيُلْغِي وَلَغَا يُلْغِي وَمِنْهُ قَوْلُهُ: فَقَدْ لَغَوْت وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِهِ شَرْعًا فَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِلْهِدَايَةِ وَكَثِيرٍ أَنَّهَا الْحَلِفُ عَلَى مَاضٍ يَظُنُّ أَنَّهُ كَمَا قَالَ مِنْ فِعْلٍ، أَوْ تَرْكٍ، أَوْ صِفَةٍ وَالْأَمْرُ بِضِدِّهِ كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَقَدْ دَخَلْت الدَّارَ وَاَللَّهِ مَا كَلَّمْت زَيْدًا أَوْ رَأَى طَائِرًا مِنْ بَعِيدٍ فَظَنَّهُ غُرَابًا فَقَالَ وَاَللَّهِ إنَّهُ غُرَابٌ، أَوْ قَالَ إنَّهُ زَيْدٌ وَهُوَ يَظُنُّهُ كَذَلِكَ وَالْأَمْرُ بِخِلَافِهِ فِي الْكُلِّ وَمِنْ الصِّفَاتِ مَا فِي الْخُلَاصَةِ رَجُلٌ حَلَّفَهُ السُّلْطَانُ أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ بِأَمْرِ كَذَا فَحَلَفَ، ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّهُ كَانَ يَعْلَمُ أَرْجُو أَنْ لَا يَحْنَثَ اهـ. وَقَدَّمْنَا أَنَّهَا تَكُونُ فِي الْحَالِ أَيْضًا وَمِثْلُهُ فِي الْمُجْتَبَى بِقَوْلِهِ وَاَللَّهِ إنَّ الْمُقْبِلَ زَيْدٌ يَظُنُّهُ زَيْدًا فَإِذَا هُوَ عَمْرٌو، وَفِي الْبَدَائِعِ قَالَ أَصْحَابُنَا: هِيَ الْيَمِينُ الْكَاذِبَةُ خَطَأً، أَوْ غَلَطًا فِي الْمَاضِي، أَوْ فِي الْحَالِ وَهُوَ أَنْ يُخْبِرَ عَنْ الْمَاضِي، أَوْ عَنْ الْحَالِ عَلَى ظَنِّ أَنَّ الْمُخْبَرَ بِهِ كَمَا أَخْبَرَ وَهُوَ بِخِلَافِهِ فِي النَّفْيِ، أَوْ فِي الْإِثْبَاتِ وَهَكَذَا رَوَى ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ: اللَّغْوُ أَنْ يَحْلِفَ الرَّجُلُ عَلَى الشَّيْءِ وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ حَقٌّ وَلَيْسَ بِحَقٍّ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَمِينُ اللَّغْوِ هِيَ الْيَمِينُ الَّتِي لَا يَقْصِدُهَا الْحَالِفُ وَهُوَ مَا يَجْرِي عَلَى أَلْسُنِ النَّاسِ فِي كَلِمَاتِهِمْ مِنْ غَيْرِ قَصْدِ الْيَمِينِ مِنْ قَوْلِهِمْ: لَا وَاَللَّهِ وَبَلَى وَاَللَّهِ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْمَاضِي، أَوْ فِي الْحَالِ، أَوْ الْمُسْتَقْبَلِ، وَأَمَّا عِنْدَنَا فَلَا لَغْوَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بَلْ الْيَمِينُ عَلَى أَمْرٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ يَمِينٌ مَعْقُودَةٌ وَفِيهَا الْكَفَّارَةُ إذَا حَنِثَ قَصَدَ الْيَمِينَ، أَوْ لَمْ يَقْصِدْ. وَإِنَّمَا اللَّغْوُ فِي الْمَاضِي وَالْحَالِ فَقَطْ وَمَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ عَلَى إثْرِ حِكَايَتِهِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ اللَّغْوَ مَا يَجْرِي بَيْنَ النَّاسِ مِنْ قَوْلِهِمْ لَا وَاَللَّهِ وَبَلَى وَاَللَّهِ فَذَلِكَ مَحْمُولٌ عِنْدَنَا عَلَى الْمَاضِي، أَوْ الْحَالِ وَعِنْدَنَا ذَلِكَ لَغْوٌ فَيَرْجِعُ حَاصِلُ الْخِلَافِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّافِعِيِّ فِي يَمِينٍ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْفِعْلِ الْمَاضِي صَادِقًا) مَثَّلَ لَهُ فِي النَّهْرِ بِقَوْلِهِ: وَاَللَّهِ إنِّي لَقَائِمٌ الْآنَ - فِي حَالِ قِيَامِهِ - وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ نَصٌّ فِي الْحَالِ وَالصَّوَابُ قَوْلُ الْفَتْحِ كَوَاللَّهِ لَقَدْ قَدِمَ زَيْدٌ أَمْسِ. (قَوْلُهُ: فَكَانَ لَهَا حُكْمٌ) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَفِيهِ نَظَرٌ اهـ. قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ الْحَقُّ مَا فِي الْبَحْرِ وَلَا وَجْهَ لِلنَّظَرِ اهـ. وَأَجَابَ فِي الْفَتْحِ عَنْ الْحَصْرِ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْأَقْسَامَ الثَّلَاثَةَ فِيمَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْحِنْثُ لَا فِي مُطْلَقِ الْيَمِينِ (قَوْلُهُ: خَطَأً، أَوْ غَلَطًا) الْخَطَأُ فِي الْجَنَانِ، وَالْغَلَطُ فِي اللِّسَانِ فَإِذَا ظَنَّ أَنَّ الْأَمْرَ كَذَا وَحَلَفَ عَلَيْهِ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ بِخِلَافِهِ فَهُوَ الْخَطَأُ وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَقُولَ: وَاَللَّهِ إنَّهُ قَائِمٌ فَسَبَقَ لِسَانُهُ وَقَالَ لَيْسَ بِقَائِمٍ فَهُوَ غَلَطٌ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَمَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ إلَخْ) قَالَ فِي الْمُجْتَبَى بَعْدَمَا نَقَلَ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ الْمَارَّ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَمِينُ اللَّغْوِ مَا يَجْرِي بَيْنَ النَّاسِ مِنْ قَوْلِهِمْ: لَا وَاَللَّهِ وَبَلَى وَاَللَّهِ وَهُوَ يُقَرِّرُ مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ اهـ. (قَوْلُهُ: وَعِنْدَنَا ذَلِكَ لَغْوٌ إلَخْ) إنَّمَا نَسَبَهُ لِأَنَّهُ قَوْلُ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ وَلَيْسَ مُرَادُهُ أَنَّهُ قَوْلُ أَئِمَّتِنَا لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي اللَّغْوِ هُوَ مَا عَزَاهُ إلَى أَصْحَابِنَا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ الَّذِي قَالَهُ أَصْحَابُنَا إنَّ الْيَمِينَ اللَّغْوَ هِيَ مَا يَكُونُ عَلَى الْمَاضِي، أَوْ الْحَالِ عَلَى ظَنِّ أَنَّ الْمُخْبَرَ بِهِ كَمَا قَالَ وَهُوَ بِخِلَافِهِ وَأَنَّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ هِيَ مَا يَجْرِي بَيْنَ النَّاسِ مِنْ قَوْلِهِمْ: لَا وَاَللَّهِ وَبَلَى وَاَللَّهِ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. إلَّا أَنَّ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ إنَّهَا تَكُونُ عَلَى الِاسْتِقْبَالِ أَيْضًا وَمُحَمَّدٌ لَا يَقُولُ بِذَلِكَ فِي الِاسْتِقْبَالِ فَصَارَ حَاصِلُ الْخِلَافِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 302 لَا يَقْصِدُهَا الْحَالِفُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَعِنْدَنَا لَيْسَتْ بِلَغْوٍ وَفِيهَا الْكَفَّارَةُ وَعِنْدَهُ هِيَ لَغْوٌ وَلَا كَفَّارَةَ فِيهَا اهـ. وَهُوَ أَعَمُّ مِمَّا فِي الْمُخْتَصَرِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْيَمِينَ الَّتِي لَا يَقْصِدُهَا الْحَالِفُ فِي الْمَاضِي، أَوْ الْحَالِ جَعَلَهَا لَغْوًا وَعَلَى تَفْسِيرِ الْمُصَنِّفِ لَا تَكُونُ لَغْوًا؛ لِأَنَّ الْحَلِفَ عَلَى أَمْرٍ يَظُنُّهُ كَمَا قَالَ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ قَصْدٍ لَا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ يَكُونُ لَغْوًا بِالْأَوْلَى فَلَا مُخَالَفَةَ فَالْحَاصِلُ أَنَّ تَفْسِيرَنَا اللَّغْوَ أَعَمُّ مِنْ تَفْسِيرِ الشَّافِعِيِّ وَأَنَّا نَقُولُ بِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ إلَّا فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَذَكَرَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ فِي أُصُولِهِ قَالَ عُلَمَاؤُنَا: اللَّغْوُ مَا يَكُونُ خَالِيًا عَنْ فَائِدَةِ الْيَمِينِ شَرْعًا وَوَضْعًا فَإِنَّ فَائِدَةَ الْيَمِينِ إظْهَارُ الصِّدْقِ مِنْ الْخَبَرِ فَإِنْ أُضِيفَ إلَى خَبَرٍ لَيْسَ فِيهِ احْتِمَالُ الصِّدْقِ كَانَ خَالِيًا عَنْ فَائِدَةِ الْيَمِينِ فَكَانَ لَغْوًا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: مَا يَجْرِي عَلَى اللِّسَانِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ، وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ إطْلَاقِ اللَّفْظِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَكِنَّ مَا قُلْنَاهُ أَحَقُّ وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ} [فصلت: 26] الْآيَةَ وَمَعْلُومٌ أَنَّ مُرَادَ الْمُشْرِكِينَ التَّعَنُّتُ أَيْ لَمْ تَقْدِرُوا عَلَى الْمُغَالَبَةِ بِالْحُجَّةِ فَاشْتَغِلُوا بِمَا هُوَ خَالٍ عَنْ الْفَائِدَةِ مِنْ الْكَلَامِ لِيَحْصُلَ مَقْصُودُكُمْ بِطَرِيقِ الْمُغَالَبَةِ دُونَ الْمُحَاجَّةِ وَلَمْ يَكُنْ مَقْصُودُهُمْ التَّكَلُّمَ بِغَيْرِ قَصْدٍ قَالَ صَاحِبُ التَّقْوِيمِ: وَلَمْ يُرِدْ تَكَلَّمُوا مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ فَإِنَّ الْأَمْرَ بِهِ لَا يَسْتَقِيمُ اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ: وَالصَّحِيحُ قَوْلُنَا لِأَنَّ اللَّغْوَ مِنْ الْكَلَامِ مَا لَيْسَ بِصَوَابٍ وَلَا حَسَنٍ فَإِنَّ اللَّغْوَ مِنْ الْكَلَامِ الْقَبِيحِ الْفَاحِشِ مِنْهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلا سَلامًا} [مريم: 62] أَيْ كَلَامًا قَبِيحًا فَاللَّغْوُ هُوَ الْكَلَامُ الْقَبِيحُ الْفَاحِشُ وَالْخَطَأُ الَّذِي هُوَ ضِدُّ الْعَمْدِ لَيْسَ بِقَبِيحٍ فَاحِشٍ فَلَا يَكُونُ لَغْوًا فَأَمَّا مَا ذَكَرْنَا فَهُوَ كَلَامٌ قَبِيحٌ فَاحِشٌ فَإِنَّهُ كَذِبٌ وَالْكَذِبُ قَبِيحٌ؛ لِأَنَّهُ مَحْظُورٌ، وَأَمَّا الْخَطَأُ فَلَيْسَ بِمَحْظُورٍ اهـ. وَفِي الْخُلَاصَةِ وَالْخَانِيَّةِ وَاللَّغْوُ لَا يُؤَاخَذُ بِهِ صَاحِبُهُ إلَّا فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالنَّذْرِ، وَفِي فَتَاوَى مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ لَوْ قَالَ إنْ لَمْ يَكُنْ هُنَا فُلَانٌ فَعَلَيَّ حَجَّةٌ وَلَمْ يَكُنْ وَكَانَ لَا يَشُكُّ أَنَّهُ فُلَانٌ لَزِمَهُ ذَلِكَ اهـ. فَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْيَمِينَ بِالطَّلَاقِ عَلَى غَالِبِ الظَّنِّ إذَا تَبَيَّنَ خِلَافُهُ مُوجِبٌ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ وَقَدْ اشْتَهَرَ عَنْ الشَّافِعِيَّةِ خِلَافُهُ. (قَوْلُهُ: وَأَثِمَ فِي الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ) أَيْ أَثِمَ إثْمًا عَظِيمًا كَمَا فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ فِي الْيَمِينِ الْأُولَى وَهِيَ يَمِينُ الْغَمُوسِ دُونَ الْيَمِينِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ يَمِينُ اللَّغْوِ وَالْإِثْمُ فِي اللُّغَةِ الذَّنْبُ وَقَدْ سُمِّيَ الْخَمْرُ إثْمًا، وَفِي الِاصْطِلَاحِ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ اسْتِحْقَاقُ الْعُقُوبَةِ وَعِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ لُزُومُ الْعُقُوبَةِ بِنَاءً عَلَى جَوَازِ الْعَفْوِ وَعَدَمِهِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْأَكْمَلُ فِي تَقْرِيرِهِ فِي بَحْثِ الْحَقِيقَةِ فِي بَحْثِ «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» ، وَإِنَّمَا أَثِمَ فِي الْأُولَى لِحَدِيثِ ابْنِ حِبَّانَ مَرْفُوعًا «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ هُوَ فِيهَا فَاجِرٌ لِيَقْتَطِعَ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَأَدْخَلَهُ النَّارَ» وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ» ، وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد قَالَ قَالَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ مَصْبُورَةٍ كَاذِبًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ» . وَالْمُرَادُ بِالْمَصْبُورَةِ الْمُلْزِمَةُ بِالْقَضَاءِ أَيْ الْمَحْبُوسُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا مَصْبُورٌ عَلَيْهَا كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَالْأَوْلَى الِاسْتِدْلَال بِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَالَ الْكَبَائِرُ الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَقَتْلُ النَّفْسِ وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ» فَإِنَّهُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَقْتَطِعَ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، أَوْ لَا وَقَدْ صُرِّحَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَغَيْرِهَا بِأَنَّ الْيَمِينَ الْغَمُوسَ كَبِيرَةٌ وَهُوَ أَعَمُّ كَمَا ذَكَرْنَا وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ كَبِيرَةً إذَا اقْتَطَعَ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، أَوْ أَذَاهُ وَتَكُونُ صَغِيرَةً إذَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهَا مَفْسَدَةٌ، وَإِنَّمَا لَمْ يَأْثَمْ فِي الثَّانِيَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [البقرة: 225] وَلِهَذَا جَزَمَ الْمُصَنِّفُ بِعَدَمِ الْإِثْمِ فِي اللَّغْوِ لَكِنَّ الْإِمَامَ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ لَمْ يَجْزِمْ بِهِ وَإِنَّمَا عَلَّقَهُ بِالرَّجَاءِ فَقَالَ الْأَيْمَانُ ثَلَاثَةٌ يَمِينٌ مُكَفِّرَةٌ وَيَمِينٌ غَيْرُ مُكَفِّرَةٍ وَيَمِينٌ نَرْجُو أَنْ لَا يُؤَاخِذَ بِهَا اللَّهُ تَعَالَى صَاحِبَهَا فَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ كَيْفَ يُعَلِّقُهُ بِالرَّجَاءِ مَعَ أَنَّهُ مَقْطُوعٌ بِهِ فَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي الْجَوَابِ عَنْهُ فَفِي الْهِدَايَةِ إلَّا أَنَّهُ عَلَّقَهُ بِالرَّجَاءِ لِلِاخْتِلَافِ فِي تَفْسِيرِهِ اهـ. وَتَعَقَّبَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ اللَّغْوَ   [منحة الخالق] الشَّافِعِيِّ بِنَاءً عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي يَمِينٍ لَا يَقْصِدُهَا الْحَالِفُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ هِيَ لَغْوٌ وَعِنْدَنَا أَيْ عِنْدَ مُحَمَّدٍ هِيَ مُنْعَقِدَةٌ وَلَهَا الْكَفَّارَةُ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي تَقْرِيرِ كَلَامِ الْبَدَائِعِ عَلَى وَجْهٍ يَنْدَفِعُ عَنْهُ التَّنَاقُضُ (قَوْلُهُ: وَهُوَ أَعَمُّ مِمَّا فِي الْمُخْتَصَرِ) كَانَ حَقُّ التَّعْبِيرِ أَنْ يَقُولَ وَهُوَ مُبَايِنٌ لِمَا فِي الْمُخْتَصَرِ؛ لِأَنَّ مَا فِي الْمُخْتَصَرِ مَشْرُوطٌ فِيهِ الْقَصْدُ وَمَا فِي الْبَدَائِعِ عَدَمُ الْقَصْدِ. (قَوْلُهُ: مُوجِبٌ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ) ظَاهِرُهُ الْوُقُوعُ قَضَاءً وَدِيَانَةً (قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَبِيرَةً إلَخْ) اعْتَرَضَهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ هَذَا التَّفْصِيلَ مُنَافٍ لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ الْمَرْوِيِّ، وَقَوْلُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ إنَّ إطْلَاقَ الْيَمِينِ عَلَيْهَا مَجَازٌ؛ لِأَنَّهَا عَقْدٌ مَشْرُوعٌ وَهَذِهِ كَبِيرَةٌ مَحْضَةٌ صَرِيحٌ فِيهِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ إثْمَ الْكَبَائِرِ مُتَفَاوِتٌ اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْمُؤَلِّفَ مُعْتَرِفٌ بِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ وَلِذَا اسْتَدْرَكَ بِهِ عَلَى الْفَتْحِ وَمُرَادُهُ الْبَحْثُ فِي تَقْيِيدِهِ حَيْثُ لَمْ يَتَرَتَّبْ مَفْسَدَةٌ تَسْتَدْعِي كَوْنَهَا كَبِيرَةً، وَكَوْنُ كَلَامِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ صَرِيحًا فِيمَا قَالَهُ فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 303 بِالتَّفْسِيرَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ وَكَذَا بِالثَّالِثِ مُتَّفَقٌ عَلَى عَدَمِ الْمُؤَاخَذَةِ فِي الْآخِرَةِ وَكَذَا بِالدُّنْيَا بِالْكَفَّارَةِ فَلَمْ يَتِمَّ الْعُذْرُ عَنْ التَّعْلِيقِ بِالرَّجَاءِ فَالْأَوْجَهُ مَا قِيلَ إنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ التَّعْلِيقَ بَلْ التَّبَرُّكَ بِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَالتَّأَدُّبَ فَهُوَ كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِأَهْلِ الْمَقَابِرِ «وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ» وَأَمَّا بِالتَّفْسِيرِ الرَّابِعِ فَغَيْرُ مَشْهُورٍ وَكَوْنُهُ لَغْوًا هُوَ اخْتِيَارُ سَعِيدٍ اهـ. وَأَرَادَ بِالتَّفْسِيرَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ تَفْسِيرَنَا وَتَفْسِيرَ الشَّافِعِيِّ وَبِالثَّالِثِ مَا عَنْ الشَّعْبِيِّ وَمَسْرُوقٍ لَغْوُ الْيَمِينِ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى مَعْصِيَةٍ فَيَنْزِلُ لَاغِيًا بِيَمِينِهِ وَبِالرَّابِعِ قَوْلَ سَعِيدٍ أَنْ يُحَرِّمَ عَلَى نَفْسِهِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَوْلَى الْجَزْمُ كَمَا فَعَلَ الْمُصَنِّفُ لِقَطْعِيَّةِ الدَّلِيلِ كَالْجَزْمِ فِي نَظَائِرِهِ مِمَّا فِي مَعْنَاهُ اخْتِلَافٌ. . (قَوْلُهُ: وَعَلَى آتٍ مُنْعَقِدَةٌ وَفِيهَا كَفَّارَةٌ فَقَطْ) أَيْ حَلِفُهُ عَلَى آتٍ تُسَمَّى مُنْعَقِدَةً نَفْيًا كَانَ أَوْ إثْبَاتًا وَحُكْمُهَا وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ إذَا حَنِثَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ} [المائدة: 89] الْآيَةَ وَالْمُرَادُ مِنْهَا الْيَمِينُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} [المائدة: 89] وَلَا يُتَصَوَّرُ الْحِفْظُ عَنْ الْحِنْثِ وَالْهَتْكِ إلَّا فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَقَدْ اُعْتُرِضَ فِي التَّبْيِينِ عَلَى الْمُصَنِّفِ بِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ فَقَطْ لِأَنَّ فِي الْيَمِينِ الْمُنْعَقِدَةِ إثْمًا أَيْضًا، وَلَفْظُ الْكَفَّارَةِ يُنْبِئُ عَنْهُ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهَا السِّتَارَةُ وَهِيَ لَا تَجِبُ إلَّا لِرَفْعِ الْمَأْثَمِ اهـ. وَهُوَ مَرْدُودٌ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ فَقَطْ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ فِي غَيْرِهَا مِنْ الْغَمُوسِ بَيَانًا لِذَلِكَ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ أَوْجَبَ الْكَفَّارَةَ فِي الْغَمُوسِ كَالْمُنْعَقِدَةِ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِدَفْعِ ذَنْبِ هَتْكِ حُرْمَةِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدْ تَحَقَّقَ بِالِاسْتِشْهَادِ بِاَللَّهِ كَاذِبًا فَأَشْبَهَ الْمَعْقُودَةَ وَلَنَا أَنَّهَا كَبِيرَةٌ مَحْضَةٌ، وَالْكَفَّارَةُ عِبَادَةٌ حَتَّى تَتَأَدَّى بِالصَّوْمِ وَيُشْتَرَطُ فِيهَا النِّيَّةُ فَلَا تُنَاطُ بِهَا بِخِلَافِ الْمَعْقُودَةِ فَإِنَّهَا مُبَاحَةٌ وَلَوْ كَانَ فِيهَا ذَنْبٌ فَهُوَ مُتَأَخِّرٌ مُتَعَلِّقٌ بِاخْتِيَارٍ مُبْتَدَأٍ وَمَا فِي الْغَمُوسِ مُلَازِمٌ فَيَمْتَنِعُ الْإِلْحَاقُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ. وَذَكَرَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ الْمَعْقُودَةَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَيْسَتْ سِوَى الْمَكْسُوبَةِ بِالْقَلْبِ، وَكَوْنُ الْغَمُوسِ قَارَنَهَا الْحِنْثُ لَا يَنْفِي الِانْعِقَادَ عِنْدَهُ وَكَوْنُهَا لَا تُسَمَّى يَمِينًا؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَنْعَقِدْ لِلْبِرِّ بَعِيدٌ؛ إذْ لَا شَكَّ فِي تَسْمِيَتِهَا يَمِينًا لُغَةً وَعُرْفًا وَشَرْعًا بِحَيْثُ لَا يَقْبَلُ التَّشْكِيكَ فَلَيْسَ الْوَجْهُ إلَّا مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ شَرْعِيَّةَ الْكَفَّارَةِ لِدَفْعِ ذَنْبٍ أَصْغَرَ لَا يَسْتَلْزِمُ شَرْعَهَا لِدَفْعِ ذَنْبٍ أَكْبَرَ وَإِذَا أَدْخَلَهَا فِي مُسَمَّى الْمُنْعَقِدَةِ وَجَعَلَ الْمُنْعَقِدَةَ تَنْقَسِمُ إلَى غَمُوسٍ وَغَيْرِهَا عَسُرَ النَّظَرُ مَعَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ لُغَةً، أَوْ سَمْعًا وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي حَدِيثٍ مُطَوَّلٍ قَالَ فِيهِ «خَمْسٌ لَيْسَ فِيهِنَّ كَفَّارَةٌ الشِّرْكُ بِاَللَّهِ وَقَتْلُ النَّفْسِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَهْبُ الْمُؤْمِنِ وَالْفِرَارُ مِنْ الزَّحْفِ وَيَمِينٌ صَابِرَةٌ يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ مُسْلِمٍ بِغَيْرِ حَقٍّ» وَكُلُّ مَنْ قَالَ لَا كَفَّارَةَ فِي الْغَمُوسِ لَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ الْيَمِينِ الْمَصْبُورَةِ عَلَى مَالٍ وَغَيْرِهَا اهـ. ثَانِيهِمَا: أَنَّ الْإِثْمَ لَيْسَ لَازِمًا لِلْمُنْعَقِدَةِ بَلْ قَدْ يَكُونُ الْحِنْثُ وَاجِبًا وَقَدْ يَكُونُ مُسْتَحَبًّا فَلَمْ يَصِحَّ إطْلَاقُهُ كَمَا لَا يَخْفَى وَالْعَجَبُ مِنْهُ أَنَّهُ بَعْدَ يَسِيرٍ نَاقَضَ نَفْسَهُ بِأَنْ قَالَ لَوْ فَعَلَهُ الْحَالِفُ وَهُوَ مُغْمًى عَلَيْهِ، أَوْ مَجْنُونٌ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ لِتَحَقُّقِ الشَّرْطِ حَقِيقَةً وَلَوْ كَانَتْ الْحِكْمَةُ رَفْعَ الذَّنْبِ فَالْحُكْمُ يُدَارُ عَلَى دَلِيلِهِ وَهُوَ الْحِنْثُ لَا عَلَى حَقِيقَةِ الذَّنْبِ كَمَا أُدِيرَ الْحُكْمُ عَلَى السَّفَرِ لَا عَلَى حَقِيقَةِ الْمَشَقَّةِ اهـ. فَقَدْ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ فِي الْكَفَّارَةِ أَنْ تَكُونَ سِتَارَةً لِلذَّنْبِ بَلْ تَجِبُ وَلَا ذَنْبَ أَصْلًا. (قَوْلُهُ: وَلَوْ مُكْرَهًا، أَوْ نَاسِيًا) أَيْ فِي الْمُنْعَقِدَةِ كَفَّارَةٌ إذَا حَنِثَ وَلَوْ كَانَ حَلَفَ مُكْرَهًا، أَوْ نَاسِيًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالْيَمِينُ» كَذَا اسْتَدَلَّ مَشَايِخُنَا وَتَعَقَّبَهُمْ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ حَدِيثُ الْيَمِينِ لَمْ يَكُنْ فِيهِ دَلِيلٌ؛ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِيهِ جَعْلُ الْهَزْلِ   [منحة الخالق] النَّهْرِ غَيْرُ ظَاهِرٍ بَلْ هُوَ كَالْحَدِيثِ تَأَمَّلْ. نَعَمْ بَحْثُ الْمُؤَلِّفِ مَحَلُّ تَأَمُّلٍ، وَفِي شَرْحِ الْمَقْدِسِيَّ أَيُّ مَفْسَدَةٍ أَعْظَمُ مِنْ هَتْكِ حُرْمَةِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى. (قَوْلُهُ: فَالْأَوْجَهُ مَا قِيلَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَأَقُولُ: اخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي الْمُؤَاخَذَةِ الْمَنْفِيَّةِ فَقِيلَ: هِيَ الْمُعَاقَبَةُ فِي الْآخِرَةِ وَقِيلَ هِيَ الْمُؤَاخَذَةُ بِالْكَفَّارَةِ، كَذَا فِي الْكَشَّافِ وَغَيْرِهِ، وَالثَّانِي أَظْهَرُ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ وَلَا شَكَّ أَنَّ تَفْسِيرَ اللَّغْوِ عَلَى رَأْيِنَا لَيْسَ أَمْرًا مَقْطُوعًا بِهِ؛ إذْ الشَّافِعِيُّ قَائِلٌ بِأَنَّ هَذَا مِنْ الْمُنْعَقِدَةِ فَلَا جَرَمَ عَلَّقَهُ بِالرَّجَاءِ وَهَذَا مَعْنًى دَقِيقٌ وَلَمْ أَرَ مَنْ عَرَّجَ عَلَيْهِ اهـ. وَنَظَرَ بَعْضُهُمْ فِيهِ بِأَنَّ خِلَافَ الشَّافِعِيِّ بَعْدَ مُحَمَّدٍ فَكَيْفَ يُقَالُ: إنَّ مُحَمَّدًا عَلَّقَهُ بِالرَّجَاءِ بِاعْتِبَارِهِ وَحِينَئِذٍ فَلَا مَحِيصَ عَمَّا قَالَهُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ اهـ. فَالْأَنْسَبُ أَنْ يَقُولَ فِي النَّهْرِ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ فَحَيْثُ كَانَ الْمَنْفِيُّ الْمُؤَاخَذَةَ بِالْكَفَّارَةِ كَانَ اللَّغْوُ بِالنَّظَرِ إلَى حُكْمِ الْآخِرَةِ مَسْكُوتًا عَنْهُ فِي الْآيَةِ فَلَا نَصَّ عَلَيْهِ فَلِذَا عَلَّقَهُ بِالرَّجَاءِ وَقَدْ يُقَالُ أَيْضًا: إنَّ اجْتِهَادَ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ بِأَنَّ اللَّغْوَ هُوَ كَذَا لَيْسَ قَطْعِيًّا نَافِيًا لِاجْتِهَادِ غَيْرِهِ بِخِلَافِهِ فَحَيْثُ كَانَ مَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ مَبْنِيًّا عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ هُوَ اللَّغْوُ لَمْ يَجْزِمْ بِحُكْمِهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ اللَّغْوَ هُوَ غَيْرُهُ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: نَاقَضَ نَفْسَهُ بِأَنْ قَالَ إلَخْ) أَجَابَ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ الْمُدَّعَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 304 بِالْيَمِينِ جِدًّا وَالْهَازِلُ قَاصِدٌ لِلْيَمِينِ غَيْرُ رَاضٍ بِحُكْمِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ عَدَمُ رِضَاهُ بِهِ شَرْعًا بَعْدَ مُبَاشَرَةِ السَّبَبِ مُخْتَارًا وَالنَّاسِي بِالتَّفْسِيرِ الْمَذْكُورِ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا أَصْلًا وَلَمْ يَدْرِ مَا صَنَعَ وَكَذَا الْمُخْطِئُ لَمْ يَقْصِدْ قَطُّ التَّلَفُّظَ بِهِ بَلْ بِشَيْءٍ آخَرَ فَلَا يَكُونُ الْوَارِدُ فِي الْهَازِلِ وَارِدًا فِي النَّاسِي الَّذِي لَمْ يَقْصِدْ قَطُّ مُبَاشَرَةَ السَّبَبِ فَلَا يَثْبُتُ فِي حَقِّهِ نَصًّا وَلَا قِيَاسًا، وَإِذَا كَانَ اللَّغْوُ بِتَفْسِيرِهِمْ وَهُوَ أَنْ يَقْصِدَ الْيَمِينَ مَعَ ظَنِّ الْبِرِّ لَيْسَ لَهَا حُكْمُ الْيَمِينِ فَمَا لَمْ يَقْصِدْهُ أَصْلًا بَلْ هُوَ كَالنَّائِمِ يَجْرِي عَلَى لِسَانِهِ طَلَاقٌ أَوْ إعْتَاقٌ لَا حُكْمَ لَهُ أَوْلَى أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ حُكْمُ الْيَمِينِ وَأَيْضًا فَتَفْسِيرُ اللَّغْوِ الْمَذْكُورِ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ أَنَّهُ كَلَامُ الرَّجُلِ فِي بَيْتِهِ كَلَا وَاَللَّهِ وَبَلَى وَاَللَّهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ نَفْسَ التَّفْسِيرِ الَّذِي فَسَّرُوا بِهِ النَّاسِيَ فَإِنَّ الْمُتَكَلِّمَ كَذَلِكَ فِي بَيْتِهِ لَا يَقْصِدُ التَّكَلُّمَ بِهِ بَلْ يَجْرِي عَلَى لِسَانِهِ بِحُكْمِ الْعَادَةِ غَيْرَ مُرَادٍ لَفْظُهُ وَلَا مَعْنَاهُ كَانَ أَقْرَبَ إلَيْهِ مِنْ الْهَازِلِ، فَحَمْلُ النَّاسِي عَلَى اللَّاغِي بِالتَّفْسِيرِ الْمَذْكُورِ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الْهَازِلِ وَهُوَ الَّذِي أُدِينُهُ وَتَقَدَّمَ لَنَا مِثْلُهُ فِي الطَّلَاقِ غَافِلًا اهـ. وَفِي التَّبْيِينِ وَالْمُرَادُ بِالنَّاسِي الْمُخْطِئُ كَمَا إذَا أَرَادَ أَنْ يَقُولَ اسْقِنِي الْمَاءَ فَقَالَ وَاَللَّهِ لَا أَشْرَبُ الْمَاءَ وَذَكَرَ فِي الْكَافِي أَنَّهُ الْمَذْهُولُ عَنْ التَّلَفُّظِ بِهِ بِأَنْ قِيلَ لَهُ: أَلَا تَأْتِينَا فَقَالَ: بَلَى وَاَللَّهِ غَيْرَ قَاصِدٍ لِلْيَمِينِ، وَإِنَّمَا أَلْجَأَنَا إلَى هَذَا التَّأْوِيلِ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ النِّسْيَانِ فِي الْيَمِينِ لَا تُتَصَوَّرُ اهـ. وَذَكَرَ الشُّمُنِّيُّ أَنَّ حَقِيقَتَهُ مُتَصَوَّرَةٌ بِأَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَحْلِفَ فَنَسِيَ فَحَلَفَ اهـ. وَهُوَ مَرْدُودٌ لِأَنَّهُ فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ نَاسِيًا لَا إنْ حَلَفَهُ كَانَ نَاسِيًا وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالنَّاسِي هُوَ مَنْ تَلَفَّظَ بِالْيَمِينِ ذَاهِلًا عَنْهُ ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّهُ تَلَفَّظَ بِهِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ الْخَاطِئُ وَهُوَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِكَلَامٍ غَيْرِ الْحَلِفِ فَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ الْحَلِفُ اهـ. وَهُوَ الظَّاهِرُ كَمَا لَا يَخْفَى، وَفِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ حَلَفَ أَنْ لَا يَفْعَلَ كَذَا فَنَسِيَ أَنَّهُ كَيْفَ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ، أَوْ بِالصَّوْمِ قَالُوا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَتَذَكَّرَ اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ حَنِثَ كَذَلِكَ) أَيْ مُكْرَهًا، أَوْ نَاسِيًا؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ الْحَقِيقِيَّ لَا يَنْعَدِمُ بِالْإِكْرَاهِ أَوْ النِّسْيَانِ وَهُوَ الشَّرْطُ وَكَذَا إذَا فَعَلَهُ وَهُوَ مُغْمًى عَلَيْهِ، أَوْ مَجْنُونٌ لِتَحَقُّقِ الشَّرْطِ حَقِيقَةً وَلَوْ كَانَ الْحِكْمَةُ رَفْعَ الذَّنْبِ فَالْحُكْمُ يُدَارُ عَلَى دَلِيلِهِ وَهُوَ الْحِنْثُ لَا عَلَى حَقِيقَةِ الذَّنْبِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَمُرَادُهُ مِنْ الشَّرْطِ السَّبَبُ؛ لِأَنَّ الْحِنْثَ عِنْدَنَا سَبَبٌ لِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ لَا شَرْطٌ كَمَا سَيَأْتِي كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقَدْ يُقَالُ إنَّ فِعْلَ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ شَرْطٌ فِي الْحِنْثِ، وَالْحِنْثُ سَبَبٌ لِلْكَفَّارَةِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الْحِنْثَ هُوَ عَيْنُ فِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَحِينَئِذٍ يُحْتَاجُ إلَى التَّأْوِيلِ. قَيَّدَ بِالْحِنْثِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَحْنَثْ كَمَا لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَشْرَبَ فَأَوْجَرَ، أَوْ صُبَّ فِي حَلْقِهِ الْمَاءُ مُكْرَهًا فَإِنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِهِ وَقَيَّدَهُ قَاضِي خَانْ بِأَنْ يَدْخُلَ فِي جَوْفِهِ بِغَيْرِ صُنْعِهِ فَلَوْ صُبَّ فِي فِيهِ وَهُوَ مُكْرَهٌ فَأَمْسَكَهُ، ثُمَّ شَرِبَهُ بَعْدَ ذَلِكَ حَنِثَ اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْيَمِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَالرَّحْمَنِ وَالرَّحِيمِ وَجَلَالِهِ وَكِبْرِيَائِهِ وَأُقْسِمُ وَأَحْلِفُ وَأَشْهَدُ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ بِاَللَّهِ وَلَعَمْرُ اللَّهِ وَاَيْمُ اللَّهِ وَعَهْدِ اللَّهِ وَمِيثَاقِهِ وَعَلَيَّ نَذْرٌ وَنَذْرُ اللَّهِ، وَإِنْ فَعَلَ كَذَا فَهُوَ كَافِرٌ) بَيَانٌ لِأَلْفَاظِ الْيَمِينِ الْمُنْعَقِدَةِ فَقَوْلُهُ: بِاَللَّهِ وَالرَّحْمَنِ وَالرَّحِيمِ بَيَانٌ لِلْحَلِفِ بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ تَعْظِيمَ اللَّهِ تَعَالَى فَصَلَحَ ذِكْرُهُ حَامِلًا أَوْ مَانِعًا، وَفِي الْمُجْتَبَى لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ بِغَيْرِهَا كَعَادَةِ الشُّطَّارِ فَيَمِينٌ قُلْتُ: فِعْلُ هَذَا مَا يَسْتَعْمِلُهُ الْأَتْرَاكُ بِاَللَّهِ بِغَيْرِ هَاءٍ فَيَمِينٌ أَيْضًا اهـ. بِلَفْظِهِ وَأَفَادَ بِعَطْفِ الرَّحْمَنِ عَلَى اللَّهِ أَنَّ الْمُرَادَ بِاَللَّهِ اللَّفْظُ وَقَيَّدَ بِهِ احْتِرَازًا عَنْ بِسْمِ اللَّهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِيَمِينٍ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ، وَفِي الْمُنْتَقَى رِوَايَةُ ابْنِ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَمِينٌ مُطْلَقًا فَلْيُتَأَمَّلْ عِنْدَ الْفَتْوَى وَلَوْ قَالَ وَبِسْمِ اللَّهِ يَكُونُ يَمِينًا كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ الْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَيْسَ بِيَمِينٍ لِعَدَمِ التَّعَارُفِ وَعَلَى هَذَا بِالْوَاوِ إلَّا أَنَّ نَصَارَى دِيَارِنَا تَعَارَفُوهُ فَيَقُولُونَ وَاسْمِ اللَّهِ اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ بِسْمِ اللَّهِ يَمِينٌ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ مُعَلِّلًا بِأَنَّ الِاسْمَ وَالْمُسَمَّى وَاحِدٌ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ فَكَانَ الْحَلِفُ   [منحة الخالق] أَنَّ فِي الْمُنْعَقِدَةِ إثْمًا وَتَخَلُّفَهُ فِيمَا ذُكِرَ لِعَارِضٍ فَلَا يَرِدُ. (قَوْلُهُ: وَالنَّاسِي بِالتَّفْسِيرِ الْمَذْكُورِ) الْمُرَادُ بِهِ التَّفْسِيرُ الْآتِي فِي قَوْلِهِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: وَالنَّاسِي هُوَ مَنْ تَلَفَّظَ بِالْيَمِينِ ذَاهِلًا إلَخْ فَكَانَ الْمُنَاسِبُ تَقْدِيمَهُ (قَوْلُهُ: وَهُوَ مَرْدُودٌ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ فِيهِ نَظَرٌ إذْ فِعْلُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ نَاسِيًا لَا يُنَافِي كَوْنَهُ يَمِينًا بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُكَفِّرُ مَرَّتَيْنِ مَرَّةً بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ فِعْلُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَأُخْرَى بِاعْتِبَارِ حِنْثِهِ فِي الْيَمِينِ اهـ. قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: أَقُولُ: الْحَقُّ مَا فِي الْبَحْرِ فَإِنْ فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ نَاسِيًا، وَإِنْ لَمْ يُنَافِي كَوْنَهُ يَمِينًا لَكِنْ تَعَلَّقَ النِّسْيَانُ بِهِ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ حِنْثًا لَا مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ يَمِينًا إذْ هُوَ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ النِّسْيَانُ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى مُنْصِفٍ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 305 بِالِاسْمِ حَلِفًا بِالذَّاتِ كَأَنَّهُ قَالَ بِاَللَّهِ اهـ. وَالْعُرْفُ لَا اعْتِبَارَ بِهِ فِي الْأَسْمَاءِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ: رَجُلٌ قَالَ لِآخَرَ: اللَّهَ لَا تَفْعَلَنَّ كَذَا، أَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَتَفْعَلَنَّ كَذَا وَقَالَ الْآخَرُ: نَعَمْ إنْ أَرَادَ الْمُبْتَدِئُ أَنْ يَحْلِفَ وَأَرَادَ الْمُجِيبُ الْحَلِفَ يَكُونُ كُلٌّ مِنْهُمَا حَالِفًا لِأَنَّ قَوْلَهُ نَعَمْ جَوَابٌ وَالْجَوَابُ يَتَضَمَّنُ إعَادَةَ مَا فِي السُّؤَالِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ: نَعَمْ وَاَللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ، وَإِنْ أَرَادَ الْمُبْتَدِئُ الِاسْتِحْلَافَ وَأَرَادَ الْمُجِيبُ الْوَعْدَ لَيْسَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَيْءٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ، وَإِنْ أَرَادَ الْمُبْتَدِئُ الِاسْتِحْلَافَ وَأَرَادَ الْمُجِيبُ الْحَلِفَ فَالْمُجِيبُ الْحَالِفُ وَالْمُبْتَدِئُ لَا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ وَاحِدٌ مِنْهُمَا شَيْئًا فَفِي قَوْلِهِ اللَّهَ: الْحَالِفُ هُوَ الْمُجِيبُ، وَفِي قَوْلِهِ وَاَللَّهِ: الْحَالِفُ هُوَ الْمُبْتَدِئُ اهـ. وَأَفَادَ بِإِطْلَاقِهِ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى النِّيَّةِ وَلَا عَلَى الْعُرْفِ بَلْ هُوَ يَمِينٌ تَعَارَفُوهُ أَوَّلًا وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهَا إذْ لَا اعْتِبَارَ بِالْعُرْفِ عِنْدَ قِيَامِ دَلَالَةِ النَّصِّ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: وَالرَّحْمَنِ لَا أَفْعَلُ كَذَا إنْ أَرَادَ بِهِ السُّورَةَ لَا يَكُونُ يَمِينًا لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ وَالْقُرْآنِ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ اللَّهَ تَعَالَى يَكُونُ يَمِينًا اهـ. فَإِنَّ هَذَا التَّفْصِيلَ فِي الرَّحْمَنِ قَوْلُ بِشْرٍ الْمَرِيسِيِّ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ. وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَمِينٌ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ وَمِثْلُ الْحَلِفِ بِاَللَّهِ الْحَلِفُ بِاَلَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ وَرَبِّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَرَبِّ الْعَالَمِينَ وَمَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ وَالْأَوَّلِ الَّذِي لَيْسَ قَبْلَهُ شَيْءٌ وَالْآخِرِ الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ شَيْءٌ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَأَفَادَ بِعَطْفِ الرَّحِيمِ عَلَى الرَّحْمَنِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي أَسْمَائِهِ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ خَاصَّةً، أَوْ مُشْتَرَكَةً كَالْحَكِيمِ وَالْعَلِيمِ وَالْقَدِيرِ وَالْعَزِيزِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى النِّيَّةِ خِلَافًا لِبَعْضِ الْمَشَايِخِ فِيمَا كَانَ مُشْتَرَكًا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مُسْتَعْمَلًا لِلَّهِ تَعَالَى وَلِغَيْرِهِ لَا تَتَعَيَّنُ إرَادَةُ أَحَدِهِمَا إلَّا بِالنِّيَّةِ وَرَجَّحَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَهُوَ خِلَافُ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَسْمَاءَ، وَإِنْ كَانَتْ تُطْلَقُ عَلَى الْخَلْقِ لَكِنْ تَعَيَّنَ الْخَالِقُ مُرَادًا بِدَلَالَةِ الْقَسَمِ إذْ الْقَسَمُ بِغَيْرِ اللَّهِ لَا يَجُوزُ فَكَانَ الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ اسْمَ اللَّهِ حَمْلًا لِكَلَامِهِ عَلَى الصِّحَّةِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِهِ غَيْرَ اللَّهِ فَلَا يَكُونَ يَمِينًا؛ لِأَنَّهُ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ كَلَامُهُ فَيُصَدَّقُ فِي أَمْرٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى كَذَا فِي الْبَدَائِعِ، وَفِي الذَّخِيرَةِ وَالْوَلْوالِجِيَّة لَوْ قَالَ: وَالطَّالِبِ وَالْغَالِبِ لَا أَفْعَلُ كَذَا فَهُوَ يَمِينٌ وَهُوَ مُتَعَارَفُ أَهْلِ بَغْدَادَ اهـ. وَهَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كَوْنَهُ يَمِينًا مَوْقُوفٌ عَلَى التَّعَارُفِ، وَإِنَّمَا بَعْدَمَا حَكَمَ بِكَوْنِهَا يَمِينًا أَخْبَرَ بِأَنَّ أَهْلَ بَغْدَادَ تَعَارَفُوا الْحَلِفَ بِهَا وَبِذَلِكَ انْدَفَعَ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ أَنَّهُ يَلْزَمُ إمَّا اعْتِبَارُ الْعُرْفِ فِيمَا لَمْ يُسْمَعْ مِنْ الْأَسْمَاءِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَإِنَّ الطَّالِبَ لَمْ يُسْمَعْ بِخُصُوصِهِ بَلْ الْغَالِبُ فِي قَوْله تَعَالَى {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ} [يوسف: 21] وَأَمَّا كَوْنُهُ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ الْمُفَصَّلِ فِي الْأَسْمَاءِ اهـ. وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ وَجَلَالِهِ وَكِبْرِيَائِهِ أَنَّ الْحَلِفَ يَكُونُ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْيَمِينِ وَهُوَ الْقُوَّةُ حَاصِلٌ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ تَعْظِيمَ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ وَلَمْ يُقَيِّدْ الْمُصَنِّفُ الْحَلِفَ بِالصِّفَاتِ بِالْعُرْفِ وَلَا بُدَّ مِنْهُ قَالَ فِي الْمُحِيطِ: وَأَمَّا الْحَلِفُ بِصِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى فَقَدْ اخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُ مَشَايِخِنَا فِي ذَلِكَ قَالَ عَامَّةُ مَشَايِخِنَا: مَنْ حَلَفَ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتٍ اللَّهِ تَعَالَى صِفَةِ ذَاتٍ، أَوْ صِفَةِ فِعْلٍ يُنْظَرُ إنْ تَعَارَفَ النَّاسُ الْحَلِفَ بِهِ يَكُونُ يَمِينًا، وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّ صِفَاتِ اللَّهِ فِي الْحُرْمَةِ كَذَاتِهِ تَعَالَى فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِأَغْيَارِ اللَّهِ بَلْ صِفَاتُ اللَّهِ تَعَالَى لَا هُوَ وَلَا غَيْرُهُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِحَادِثَةٍ فِي ذَاتِهِ خِلَافًا لِمَا تَقُولُهُ الْكَرَّامِيَّةُ - هَدَاهُمْ اللَّهُ -: إنَّ لِلَّهِ تَعَالَى صِفَاتٍ حَادِثَةً وَذَاتُهُ مَحَلُّ الْحَوَادِثِ وَخِلَافًا لِمَا تَقُولُهُ الْمُعْتَزِلَةُ لَعَنَهُمْ اللَّهُ إنَّهُ لَيْسَ لِلَّهِ صِفَاتٌ وَعِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ كَثَّرَهُمْ اللَّهُ صِفَةُ ذَاتِهِ كَوْنُهُ سَمِيعًا بَصِيرًا حَيًّا عَلِيمًا قَدِيرًا وَهُوَ بِجَمِيعِ صِفَاتِهِ قَدِيمٌ، وَالْقَدِيمُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَحَلَّ الْحَوَادِثِ وَقَالَ مَشَايِخُ الْعِرَاقِ: إنْ حَلَفَ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ يَكُونُ يَمِينًا إلَّا الْعِلْمَ لِمَا تَبَيَّنَ، وَإِنْ حَلَفَ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ الْفِعْلِ لَا يَكُونُ يَمِينًا وَالْفَاصِلُ بَيْنَهُمَا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَبِذَلِكَ انْدَفَعَ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إلَخْ) قَالَ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِهِ: أَقُولُ: أَوَّلًا الْمَوْجُودُ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ الطَّالِبُ الْغَالِبُ بِغَيْرِ وَاوٍ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الصَّحِيحُ قَوْلُهُ يَمِينٌ وَلَوْ كَانَ بِوَاوٍ لَكَانَ يَمِينَيْنِ، وَثَانِيًا الْمُحَقِّقُ أَرَادَ إثْبَاتَ كَوْنِ اللَّفْظِ الْمَذْكُورِ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى فَلَمْ يَجِدْ لَهُ دَلِيلًا سِوَى الْآيَةِ الدَّالَّةِ عَلَى كَوْنِ " غَالِبٍ " صِفَةً فَجَمْعُهُ مَعَ الطَّالِبِ جَوَّزَ كَوْنَهُ يَمِينًا كَمَا أَنَّ الْأَوَّلَ الَّذِي لَيْسَ قَبْلَهُ شَيْءٌ صَارَ بِالْوَصْفِ مُخْتَصًّا بِهِ تَعَالَى فَسَاغَ الْحَلِفُ بِهِ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذِكْرَهُمْ التَّعَارُفَ بِهِ هُوَ الَّذِي سَوَّغَ كَوْنَهُ يَمِينًا، أَوْ أَيَّدَهُ فَكَيْفَ يَنْدَفِعُ كَلَامُ الْكَمَالِ بِمَا فِيهِ احْتِمَالٌ وَلَا تَصْرِيحَ بِمَا يُخَالِفُهُ اهـ. قُلْت: وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي مُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ حَيْثُ قَالَ: وَقَوْلُهُ: الطَّالِبَ الْغَالِبَ لَا أَفْعَلُ كَذَا فَهُوَ يَمِينٌ لِتَعَارُفِ أَهْلِ بَغْدَادَ اهـ. فَهَذَا لَا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ أَصْلًا. (قَوْلُهُ: وَلَمْ يُقَيِّدْ الْمُصَنِّفُ الْحَلِفَ بِالصِّفَاتِ بِالْعُرْفِ) قَالَ فِي النَّهْرِ: أَقُولُ: مَمْنُوعٌ فَقَدْ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ لَا بِعِلْمِهِ إلَخْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 306 أَنَّ كُلَّ صِفَةٍ يُوصَفُ بِهَا وَبِضِدِّهَا كَالرَّحْمَةِ وَالرَّأْفَةِ وَالسُّخْطِ وَالْغَضَبِ فَهِيَ مِنْ صِفَاتِ الْفِعْلِ، وَكُلَّ صِفَةٍ يُوصَفُ بِهَا وَلَا يُوصَفُ بِضِدِّهَا كَالْقُدْرَةِ وَالْعِزَّةِ وَالْعَظَمَةِ فَهِيَ مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ فَأَلْحَقُوا صِفَاتِ الذَّاتِ بِالِاسْمِ وَلَمْ يُلْحِقُوا صِفَاتِ الْفِعْلِ بِالِاسْمِ وَعَلَى هَذَا تُخَرَّجُ الْمَسَائِلُ اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْكَرَّامِيَّةَ مُؤْمِنُونَ وَالْمُعْتَزِلَةَ كَافِرُونَ لِدُعَائِهِ لِلْأَوَّلِينَ بِالْهِدَايَةِ وَعَلَى الْمُعْتَزِلَةِ بِاللَّعْنِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: الْمُرَادُ بِالصِّفَةِ اسْمُ الْمَعْنَى الَّذِي لَا يَتَضَمَّنُ ذَاتًا وَلَا يُحْمَلُ عَلَيْهَا بِهُوَ هُوَ كَالْعِزَّةِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ بِخِلَافِ نَحْوِ الْعَظِيمِ وَفِي التَّبْيِينِ: وَالصَّحِيحُ عَدَمُ الْفَرْقِ؛ لِأَنَّ صِفَاتِ اللَّهِ كُلَّهَا صِفَاتُ ذَاتٍ وَكُلَّهَا قَدِيمَةٌ فَلَا يَسْتَقِيمُ الْفَرْقُ، وَالْأَيْمَانُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعُرْفِ فَمَا تَعَارَفَ النَّاسُ الْحَلِفَ بِهِ يَكُونُ يَمِينًا وَمَا لَا فَلَا اهـ. وَفِي الْمُسَايَرَةِ لِلْمُحَقِّقِ ابْنِ الْهُمَامِ: اخْتَلَفَ مَشَايِخُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْأَشَاعِرَةِ فِي صِفَاتِ الْأَفْعَالِ وَالْمُرَادُ صِفَاتٌ تَدُلُّ عَلَى تَأْثِيرٍ لَهَا أَسْمَاءٌ غَيْرُ اسْمِ الْقُدْرَةِ يَجْمَعُهَا اسْمُ التَّكْوِينِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْأَثَرُ مَخْلُوقًا فَالِاسْمُ الْخَالِقُ وَالصِّفَةُ الْخَلْقُ، أَوْ رِزْقًا فَالِاسْمُ الرَّازِقُ وَالصِّفَةُ التَّرْزِيقُ، أَوْ حَيَاةً فَهُوَ الْمُحْيِي، أَوْ مَوْتًا فَهُوَ الْمُمِيتُ فَادَّعَى مُتَأَخِّرُو الْحَنَفِيَّةِ مِنْ عَهْدِ أَبِي مَنْصُورٍ أَنَّهَا صِفَاتٌ قَدِيمَةٌ زَائِدَةٌ عَلَى الصِّفَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَلَيْسَ فِي كَلَامِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْمُتَقَدِّمِينَ تَصْرِيحٌ بِذَلِكَ سِوَى مَا أَخَذُوهُ مِنْ قَوْلِهِ كَانَ تَعَالَى خَالِقًا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ وَرَازِقًا قَبْلَ أَنْ يَرْزُقَ وَذَكَرُوا لَهُ أَوْجُهًا مِنْ الِاسْتِدْلَالِ، وَالْأَشَاعِرَةُ يَقُولُونَ لَيْسَتْ صِفَةُ التَّكْوِينِ عَلَى فُصُولِهَا سِوَى صِفَةِ الْقُدْرَةِ بِاعْتِبَارِ تَعَلُّقِهَا بِتَعَلُّقٍ خَاصٍّ فَالتَّخْلِيقُ هُوَ الْقُدْرَةُ بِاعْتِبَارِ تَعَلُّقِهَا بِالْمَخْلُوقِ وَالتَّرْزِيقُ تَعَلُّقُهَا بِإِيصَالِ الرِّزْقِ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ فِيهَا. وَأَمَّا كَوْنُهُ حَالِفًا بِقَوْلِهِ أُقْسِمُ، أَوْ أَحْلِفُ، أَوْ أَشْهَدُ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ بِاَللَّهِ فَلِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي الْحَلِفِ وَهَذِهِ الصِّيغَةُ لِلْحَالِ حَقِيقَةً وَتُسْتَعْمَلُ لِلِاسْتِقْبَالِ بِقَرِينَةٍ فَجُعِلَ حَالِفًا لِلْحَالِ وَالشَّهَادَةُ يَمِينٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} [المنافقون: 1] ثُمَّ قَالَ {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً} [المنافقون: 2] وَالْحَلِفُ بِاَللَّهِ هُوَ الْمَعْهُودُ الْمَشْرُوعُ وَبِغَيْرِهِ مَحْظُورٌ فَيُصْرَفُ إلَيْهِ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ: حَلَفْت، أَوْ أَقْسَمْت، أَوْ شَهِدْت بِاَللَّهِ، أَوْ لَمْ يَقُلْ بِاَللَّهِ فَإِنَّهُ يَمِينٌ بِالْأَوْلَى وَأَطْلَقَ فِي كَوْنِهِ يَمِينًا بِلَفْظِ الْمُضَارِعِ فَأَفَادَ أَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى النِّيَّةِ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ خِلَافًا فِيهِ وَصَحَّحَ فِي التَّبْيِينِ أَنَّهُ يَكُونُ يَمِينًا بِلَا نِيَّةٍ وَأَرَادَ الْمُصَنِّفُ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ أَنَّ كُلًّا مِنْهَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ قَسَمًا فَإِنْ ذَكَرَ الْمُقْسَمَ عَلَيْهِ انْعَقَدَتْ الْيَمِينُ فَيَحْنَثُ إذَا نَقَضَهَا فَتَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، وَإِلَّا فَلَا وَقَدْ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ كُلَّهَا فِي الْأَصْلِ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَهَا فَهَذِهِ كُلُّهَا أَيْمَانٌ فَإِذَا حَلَفَ بِشَيْءٍ مِنْهَا لَيَفْعَلَنَّ كَذَا وَكَذَا فَحَنِثَ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ اهـ. وَفِي الْمُجْتَبَى أَشْهَدُ لَيْسَ بِيَمِينٍ مَا لَمْ يُعَلِّقْهُ بِالشَّرْطِ، وَقَوْلُهُ " عَلَيَّ نَذْرٌ " يَمِينٌ، وَإِنْ سَكَتَ وَفِي الْمُنْتَقَى وَجَامِعِ الْكَرْخِيِّ مَا يُشْبِهُ خِلَافَ مَسْأَلَةِ النَّذْرِ قُلْتُ: فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ لَا تَكُونُ يَمِينًا مَا لَمْ يُعَلِّقْ بِشَيْءٍ اهـ. فَظَهَرَ بِهَذَا أَنَّ مَا فِي النِّهَايَةِ مِنْ أَنَّ قَوْلَهُ أُقْسِمُ، أَوْ أَشْهَدُ، أَوْ عَلَيَّ يَمِينٌ تَنْعَقِدُ يَمِينًا سَوَاءٌ ذَكَرَ الْمُقْسَمَ عَلَيْهِ، أَوْ لَا مُسْتَدِلًّا بِمَا ذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّ قَوْلَهُ عَلَيَّ يَمِينٌ مُوجِبٌ لِلْكَفَّارَةِ فَهُوَ سَهْوٌ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَتَوَهُّمٌ وَخَبْطٌ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْمُقْسَمِ عَلَيْهِ. وَإِنَّمَا تَرَكَ ذِكْرَهُ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ لِلْعِلْمِ بِهِ وَهُوَ مُرَادُ صَاحِبِ الذَّخِيرَةِ وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ الْكَفَّارَةَ إنَّمَا تَجِبُ لِسِتْرِ الذَّنْبِ فِي نَقْضِ الْيَمِينِ الْمُنْعَقِدَةِ فَعَلَى أَيِّ شَيْءٍ انْعَقَدَتْ الْيَمِينُ حَتَّى يُتَصَوَّرَ نَقْضُ الْيَمِينِ فَتَجِبَ الْكَفَّارَةُ وَأَيْضًا قَوْلُهُ: عَلَيَّ يَمِينٌ فِيهِ احْتِمَالٌ؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ يَمِينَ الْغَمُوسِ أَوْ الْيَمِينَ الْمُنْعَقِدَةَ، وَالْكَفَّارَةُ لَا تَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ؛ لِأَنَّهَا دَائِرَةٌ بَيْنَ الْعِبَادَةِ وَالْعُقُوبَةِ، وَالْعُقُوبَاتُ تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْغَمُوسِ كَفَّارَةٌ وَكَذَا فِي الْمُنْعَقِدَةِ عِنْدَ قِيَامِ الْبِرِّ فَكَيْفَ تُتَصَوَّرُ الْكَفَّارَةُ وَأَيْضًا لَوْ وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ عَلَيَّ يَمِينٌ يَلْزَمُ تَقْدِيمُ الْمُسَبَّبِ عَلَى السَّبَبِ، وَهُوَ فَاسِدٌ لِأَنَّ سَبَبَ الْكَفَّارَةِ الْحِنْثُ وَلَمْ يُوجَدْ لِعَدَمِ انْعِقَادِ الْيَمِينِ عَلَى شَيْءٍ إلَى آخِرِ مَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 307 إلَّا أَنَّهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ قَالَ: وَالْحَقُّ أَنَّ قَوْلَهُ عَلَيَّ يَمِينٌ إذَا لَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ عَلَى وَجْهِ الْإِنْشَاءِ لَا الْإِخْبَارِ يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ الْتِزَامُ الْكَفَّارَةِ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ ابْتِدَاءً كَمَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ عَلَيَّ نَذْرٌ إذَا لَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ مِثْلُهُ مِنْ صِيَغِ النَّذْرِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَغَا بِخِلَافِ أَحْلِفُ وَأَشْهَدُ وَنَحْوِهِمَا لَيْسَتْ مِنْ صِيَغِ النَّذْرِ فَلَا يَثْبُتُ بِهِ الِالْتِزَامُ ابْتِدَاءً اهـ. وَفِي الْمُجْتَبَى أَشْهَدُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْهَاءِ، وَضَمُّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرُ الْهَاءِ خَطَأٌ، ثُمَّ قَالَ: قَالَ: عَلَيَّ يَمِينٌ - يُرِيدُ بِهِ الْإِيجَابَ - لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يُعَلِّقْهُ بِشَيْءٍ اهـ. وَبِهِ نَدْفَعُ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ أَشْهَدُ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ اللَّهُمَّ إنِّي عَبْدُك أُشْهِدُكَ وَأُشْهِدُ مَلَائِكَتَكَ أَنِّي لَا أَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ فَلَيْسَ بِيَمِينٍ؛ لِأَنَّ النَّاسَ لَمْ يَتَعَارَفُوا الْحَلِفَ بِهَذَا بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَشْهَدُ، أَوْ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ لِأَنَّ ذَلِكَ يَمِينًا عُرْفًا كَذَا فِي الْمُحِيطِ: وَأَعْزِمُ كَ أَشْهَدُ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَمَعْنَاهُ أُوجِبُ فَكَانَ إخْبَارًا عَنْ الْإِيجَابِ فِي الْحَالِ وَهَذَا مَعْنَى الْيَمِينِ وَكَذَا لَوْ قَالَ: عَزَمْتُ لَا أَفْعَلُ كَذَا كَانَ حَالِفًا وَكَذَا آلَيْتُ لَا أَفْعَلُ كَذَا؛ لِأَنَّ الْأَلِيَّةَ هِيَ الْيَمِينُ اهـ. وَأَمَّا كَوْنُهُ حَالِفًا بِقَوْلِهِ لَعَمْرُ اللَّهِ فَلِأَنَّ عَمْرَ اللَّهِ بَقَاؤُهُ فَكَانَ صِفَةً لَهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ صِفَةِ الذَّاتِ؛ لِأَنَّهُ يُوصَفُ بِهِ لَا بِغَيْرِهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ وَبَقَاءِ اللَّهِ كَقُدْرَتِهِ وَكِبْرِيَائِهِ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الحجر: 72] هُوَ بِالضَّمِّ وَالْفَتْحِ إلَّا أَنَّ الْفَتْحَ غَلَبَ فِي الْقَسَمِ حَتَّى لَا يَجُوزَ فِيهِ الضَّمُّ، وَارْتِفَاعُهُ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَخَبَرُهُ مَحْذُوفٌ وَالْخَبَرُ قَسَمِي، أَوْ يَمِينِي كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَلَا تَلْحَقُ الْمَفْتُوحَةَ الْوَاوُ فِي الْخَطِّ بِخِلَافِ عَمْرٍو الْعَلَمِ فَإِنَّهَا أُلْحِقَتْ لِلتَّفْرِقَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عُمَرَ، وَقَيَّدَ بِكَوْنِ اللَّامِ فِي أَوَّلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ تَدْخُلْهُ اللَّامُ فَإِنَّ الْقَسَمَ فِيهِ مَحْذُوفٌ وَيَكُونُ مَنْصُوبًا نَصْبَ الْمَصَادِرِ فَتَقُولُ: عَمْرَ اللَّهِ مَا فَعَلْت كَمَا فِي اللَّهَ لَأَفْعَلَنَّ، وَأَمَّا قَوْلُهُمْ عَمْرُكَ اللَّهَ مَا فَعَلْت فَمَعْنَاهُ بِإِقْرَارِك لَهُ بِالْبَقَاءِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَنْعَقِدَ يَمِينًا لِأَنَّهُ حَلَفَ بِفِعْلِ الْمُخَاطَبِ وَهُوَ إقْرَارُهُ وَاعْتِقَادُهُ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. وَأَمَّا اَيْمُ اللَّهِ فَمَعْنَاهُ أَيْمُنُ اللَّهِ، وَهُوَ جَمْعُ يَمِينٍ عَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِ فَخُفِّفَ بِالْحَذْفِ حَتَّى صَارَ اَيْمُ اللَّهِ ثُمَّ خُفِّفَتْ أَيْضًا فَقِيلَ: م اللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا فَتَكُونُ مِيمًا وَاحِدَةً وَبِهَذَا نَفَى سِيبَوَيْهِ أَنْ يَكُونَ جَمْعًا؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ لَا يَبْقَى عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ وَيُقَالُ: مُنُ اللَّهِ بِضَمِّ الْمِيمِ وَالنُّونِ وَفَتْحِهِمَا وَكَسْرِهِمَا، وَهَمْزَةُ أَيْمُنٍ بِالْقَطْعِ، وَإِنَّمَا وُصِلَتْ فِي الْوَصْلِ تَخْفِيفًا لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَمَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ أَنَّهَا هَمْزَةُ وَصْلٍ اُجْتُلِبَتْ لِيُمْكِنَ بِهَا النُّطْقُ كَهَمْزَةِ ابْنٍ وَامْرِئٍ مِنْ الْأَسْمَاءِ السَّاكِنَةِ الْأَوَائِلِ، وَإِنَّمَا كَانَ يَمِينًا لِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ «وَاَيْمُ اللَّهِ إنْ كَانَ لَخَلِيقًا بِالْإِمَارَةِ» كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ: يَمِينُ اللَّهِ لَا أَفْعَلَنَّ كَذَا فَهُوَ يَمِينٌ صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُجْتَبَى، وَأَمَّا كَوْنُهُ حَالِفًا بِعَهْدِ اللَّهِ وَمِيثَاقِهِ فَلِأَنَّ الْعَهْدَ فِي الْأَصْلِ هِيَ الْمُوَاعَدَةُ الَّتِي تَكُونُ بَيْنَ اثْنَيْنِ لِوُثُوقِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ وَهُوَ الْمِيثَاقُ وَقَدْ اُسْتُعْمِلَ فِي الْيَمِينِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ} [النحل: 91] الْآيَةَ فَقَدْ جُعِلَ الْعَهْدُ فِي الْقُرْآنِ يَمِينًا كَمَا تَرَى وَالْمِيثَاقُ فِي مَعْنَاهُ وَكَذَا الْحَلِفُ بِالذِّمَّةِ وَلِذَا يُسَمَّى الذِّمِّيُّ مُعَاهِدًا وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا لَمْ يَنْوِ لِغَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ لِلْعَهْدِ وَالْمِيثَاقِ فِي مَعْنَى الْيَمِينِ فَيَنْصَرِفَانِ إلَيْهِ إلَّا إذَا قَصَدَ غَيْرَ الْيَمِينِ فَيُدَيَّنُ، وَفِي الذَّخِيرَةِ لَوْ قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ يَمِينٌ إنْ شَاءَ فُلَانٌ فَفَعَلَ ذَلِكَ الْفِعْلَ وَشَاءَ فُلَانٌ لَزِمَهُ كَمَا قَالَ. وَأَمَّا كَوْنُهُ حَالِفًا بِقَوْلِهِ: عَلَيَّ نَذْرٌ وَنَذْرُ اللَّهِ فَيُشْتَرَطُ أَنْ يَذْكُرَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ لِكَوْنِهَا يَمِينًا مُنْعَقِدَةً نَحْوُ أَنْ يَقُولَ: عَلَيَّ نَذْرُ اللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا، أَوْ لَا أَفْعَلُ كَذَا حَتَّى إذَا لَمْ يَفِ بِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ لَزِمَتْهُ كَفَّارَةُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ) أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الْمُتَبَادَرَ مِمَّا فِي الْمُجْتَبَى اخْتِلَافُ الرِّوَايَةِ وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ مَا نَصُّهُ ط: وَلَوْ قَالَ: عَلَيَّ يَمِينٌ، أَوْ يَمِينُ اللَّهِ فَيَمِينٌ، ثُمَّ قَالَ أَيْ صَاحِبُ الرَّمْزِ الْمَذْكُورِ: عَلَيَّ يَمِينٌ يُرِيدُ بِهِ الْإِيجَابَ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يُعَلِّقْهُ بِشَيْءٍ وَكَذَا إذَا قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ يَمِينٌ هَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَيَّ يَمِينٌ لَا كَفَّارَةَ لَهَا يُرِيدُ الْإِيجَابَ فَعَلَيْهِ يَمِينٌ لَهَا كَفَّارَةٌ اهـ. مَا فِي الْمُجْتَبَى وَذَكَرَ فِي الْحَاوِي مَا نَصُّهُ طم: عَلَيَّ نَذْرٌ أَوْ عَلَيَّ يَمِينٌ وَلَمْ يُعَلِّقْهُ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ فَهَذَا صَرِيحُ مَا قَالَهُ فِي الْفَتْحِ: وَإِذَا كَانَ " عَلَيَّ يَمِينٌ " مِنْ صِيَغِ النَّذْرِ كَمَا قَالَ فِي الْفَتْحِ لَمْ يَظْهَرْ فَرْقٌ بَيْنَ " عَلَيَّ نَذْرٌ " وَ " عَلَيَّ يَمِينٌ " فَلِذَا قَالَ فِي الْفَتْحِ: الْحَقُّ أَنَّهُ مِثْلُهُ فَهَذَا تَأْيِيدٌ لِلرِّوَايَةِ الْمَرْوِيَّةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا قَصَدَ غَيْرَ الْيَمِينِ فَيُدَيَّنُ) رَأَيْت فِي هَامِشِ بَعْضِ النُّسَخِ أَقُولُ: حَقُّ الْعِبَارَةِ لَا يَكُونُ يَمِينًا كَمَا فِي النَّهْرِ لِمَا قَالَهُ شَيْخُنَا: إنَّ الْأَيْمَانَ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْقَضَاءِ حَتَّى يَكُونَ لِلدِّيَانَةِ فِيهَا مَدْخَلٌ، تَأَمَّلْ. وَبِدَلِيلِ مَا سَيَأْتِي تَحْتَ قَوْلِهِ: وَلَوْ زَادَ ثَوْبًا إلَخْ حَيْثُ قَالَ: اعْلَمْ أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الدِّيَانَةِ وَالْقَضَاءِ إنَّمَا يَظْهَرُ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَأَمَّا فِي الْحَلِفِ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَظْهَرُ؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى لَيْسَ لِلْعَبْدِ فِيهَا حَقٌّ حَتَّى يُرْفَعَ الْحَالِفُ إلَى الْقَاضِي اهـ. قُلْت: قَدْ يُقَالُ: إنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَيْهَا حَقُّ عَبْدٍ كَمَا لَوْ عَلَّقَ طَلَاقًا، أَوْ عَتَاقًا عَلَى حَلِفِهِ ثُمَّ حَلَفَ بِذَلِكَ وَقَالَ: قَصَدْتُ غَيْرَ الْيَمِينِ فَلَا يُصَدَّقَ قَضَاءً بَلْ يُدَيَّنُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 308 الْيَمِينِ وَأَمَّا إذَا لَمْ يُسَمِّ شَيْئًا بِأَنْ قَالَ: عَلَيَّ نَذْرُ اللَّهِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ يَمِينًا؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ إنَّمَا تَتَحَقَّقُ لِمَحْلُوفٍ عَلَيْهِ وَلَكِنْ تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ فَيَكُونُ هَذَا الْتِزَامَ الْكَفَّارَةِ ابْتِدَاءً بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَنْوِ بِهَذَا النَّذْرِ الْمُطْلَقِ شَيْئًا مِنْ الْقُرَبِ كَحَجٍّ، أَوْ صَوْمٍ فَإِنْ كَانَ نَوَى بِقَوْلِهِ " عَلَيَّ نَذْرٌ إنْ فَعَلْت كَذَا " قُرْبَةً مَقْصُودَةً يَصِحُّ النَّذْرُ بِهَا فَفَعَلَ لَزِمَتْهُ تِلْكَ الْقُرْبَةُ لِمَا ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ بِقَوْلِهِ فَإِنْ حَلَفَ بِالنَّذْرِ فَإِنْ نَوَى شَيْئًا مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ فَعَلَيْهِ مَا نَوَى، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ اهـ. فَيُحْمَلُ الْحَدِيثُ «مَنْ نَذَرَ نَذْرًا لَمْ يُسَمِّهِ فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ» عَلَى مَا إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ وَقَيَّدَ بِلَفْظِ النَّذْرِ احْتِرَازًا عَنْ صِيغَةِ النَّذْرِ كَأَنْ يَقُولَ: لِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا صَلَاةُ رَكْعَتَيْنِ، أَوْ صَوْمُ يَوْمَيْنِ مُطْلَقًا عَنْ الشَّرْطِ، أَوْ مُعَلَّقًا بِهِ كَمَا سَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ قَرِيبًا وَقَدْ خَلَطَ الزَّيْلَعِيُّ مَسْأَلَةَ لَفْظِ النَّذْرِ بِصِيغَةِ النَّذْرِ وَبَيْنَهُمَا فَرْقٌ تَطَّلِعُ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَغَيْرِهَا لَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ لَا أُكَلِّمَ فُلَانًا أَنَّهَا لَيْسَتْ بِيَمِينٍ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ؛ لِأَنَّ الصِّيغَةَ لِلنَّذْرِ مَعَ احْتِمَالِ مَعْنَى الْيَمِينِ اهـ. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْحَلِفِ بِالتَّعْلِيقِ بِالْكُفْرِ فَلِأَنَّهُ لَمَّا جَعَلَ الشَّرْطَ عَلَمًا عَلَى الْكُفْرِ فَقَدْ اعْتَقَدَهُ وَاجِبَ الِامْتِنَاعِ وَقَدْ أَمْكَنَ الْقَوْلُ بِوُجُوبِهِ لِغَيْرِهِ بِجَعْلِهِ يَمِينًا كَمَا نَقُولُ فِي تَحْرِيمِ الْحَلَالِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُعَلِّقَهُ بِالْكُفْرِ، أَوْ بِالتَّهَوُّدِ، أَوْ التَّنَصُّرِ أَوْ قَالَ هُوَ بَرِيءٌ مِنْ الْإِسْلَامِ أَوْ مِنْ الْقُرْآنِ، أَوْ الْقِبْلَةِ، أَوْ صَوْمِ رَمَضَانَ، أَوْ أَنَا بَرِيءٌ مِمَّا فِي الْمُصْحَفِ، أَوْ أَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْ أَعْبُدُ الصَّلِيبَ كَمَا فِي الْمُجْتَبَى وَالْمُحِيطِ، أَوْ يَعْقِدَ الزِّنَا عَلَى نَفْسِهِ كَمَا يَعْقِدُ النَّصَارَى كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَوْ قَالَ: أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ آيَةٍ فِي الْمُصْحَفِ فَهُوَ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ وَلَوْ رَفَعَ كِتَابًا فِيهِ مَكْتُوبٌ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَقَالَ أَنَا بَرِيءٌ مِمَّا فِيهِ إنْ فَعَلْت كَذَا فَهُوَ يَمِينٌ وَلَوْ قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنَا بَرِيءٌ مِنْ حَجَّتِي الَّتِي حَجَجْت وَمِنْ الصَّلَاةِ الَّتِي صَلَّيْت فَلَيْسَ بِيَمِينٍ بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَنَا بَرِيءٌ مِنْ الْقُرْآنِ الَّذِي تَعَلَّمْته؛ لِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ تَبَرَّأَ عَنْ الْفِعْلِ الَّذِي فَعَلَ لَا عَنْ الْحَجَّةِ الْمَشْرُوعَةِ وَفِي الثَّانِي تَبَرَّأَ عَنْ الْقُرْآنِ الَّذِي تَعَلَّمَهُ وَالْقُرْآنُ قُرْآنٌ، وَإِنْ تَعَلَّمَهُ فَيَكُونُ التَّبَرِّي عَنْهُ كُفْرًا. وَلَوْ قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنَا بَرِيءٌ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ فَإِذَا أَرَادَ الْبَرَاءَةَ عَنْ فَرْضِهِ فَهُوَ يَمِينٌ كَمَا إذَا قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنَا بَرِيءٌ مِنْ الْإِيمَانِ، وَإِنْ أَرَادَ الْبَرَاءَةَ عَنْ أَجْرِهَا لَا يَكُونُ يَمِينًا؛ لِأَنَّهُ شَيْءٌ غُيِّبَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ لَا يَكُونُ يَمِينًا فِي الْحُكْمِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَفِي الْمُجْتَبَى لَوْ قَالَ صَلَاتِي وَصِيَامِي لِهَذَا الْكَافِرِ إنْ فَعَلْت كَذَا فَلَيْسَ بِيَمِينٍ، وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: لَوْ قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَاشْهَدُوا عَلَيَّ بِالنَّصْرَانِيَّةِ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنَا نَصْرَانِيٌّ وَلَوْ قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنَا بَرِيءٌ مِنْ الْكُتُبِ الْأَرْبَعَةِ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّهَا يَمِينٌ وَاحِدَةٌ وَلَوْ قَالَ: أَنَا بَرِيءٌ مِنْ التَّوْرَاةِ وَبَرِيءٌ مِنْ الْإِنْجِيلِ وَبَرِيءٌ مِنْ الزَّبُورِ وَبَرِيءٌ مِنْ الْفُرْقَانِ فَعَلَيْهِ أَرْبَعُ كَفَّارَاتٍ؛ لِأَنَّهَا أَرْبَعَةُ أَيْمَانٍ وَلَوْ قَالَ: أَنَا بَرِيءٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ إنْ حَنِثَ؛ لِأَنَّهَا يَمِينٌ وَاحِدَةٌ وَلَوْ قَالَ: أَنَا بَرِيءٌ مِنْ اللَّهِ وَبَرِيءٌ مِنْ رَسُولِهِ فَعَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ إنْ حَنِثَ؛ لِأَنَّهُمَا يَمِينَانِ اهـ. ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنَا بَرِيءٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَاَللَّهُ وَرَسُولُهُ بَرِيئَانِ مِنْهُ فَفَعَلَ فَعَلَيْهِ أَرْبَعُ كَفَّارَاتٍ؛ لِأَنَّهَا أَرْبَعَةُ أَيْمَانٍ اهـ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَا يَمِينَيْنِ؛ الْأُولَى أَنَا بَرِيءٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَالثَّانِيَةُ وَاَللَّهُ وَرَسُولُهُ بَرِيئَانِ مِنْهُ لِأَنَّ لَفْظَ الْبَرَاءَةِ مَذْكُورٌ مَرَّتَيْنِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهَا فِي الثَّانِيَةِ مَذْكُورَةٌ مَرَّتَيْنِ بِسَبَبِ التَّثْنِيَةِ فَيَكُونُ عَلَيْهِ ثَلَاثُ كَفَّارَاتٍ، وَأَمَّا الْأَرْبَعُ فَلَمْ يَظْهَرْ لِي وَجْهُهَا، ثُمَّ رَأَيْت بَعْدَ ذَلِكَ الْمَسْأَلَةَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ مُصَوَّرَةً بِتَكْرَارِ لَفْظِ الْبَرَاءَةِ بِقَوْلِهِ إنْ فَعَلَ كَذَا فَهُوَ بَرِيءٌ مِنْ اللَّهِ وَبَرِيءٌ مِنْ رَسُولِهِ وَاَللَّهُ وَرَسُولُهُ بَرِيئَانِ مِنْهُ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ مَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ كَذَلِكَ وَالْحَذْفُ مِنْ الْكَاتِبِ ثُمَّ قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ. وَالْأَصْلُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّهُ مَتَى تَعَدَّدَتْ صِيغَةُ الْبَرَاءَةِ تَعَدَّدَتْ الْكَفَّارَةُ، وَإِذَا اتَّحَدَتْ اتَّحَدَتْ وَصَحَّحَ فِي الْمُجْتَبَى وَالذَّخِيرَةِ أَنَّهُمَا يَمِينَانِ قَالَ:   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ مَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ كَذَلِكَ وَالْحَذْفُ مِنْ الْكَاتِبِ) أَقُولُ: الَّذِي وَجَدْته فِي نُسْخَةِ الْوَلْوَالِجيَّةِ الَّتِي عِنْدِي مِثْلُ مَا نَقَلَهُ عَنْهَا وَالظَّاهِرُ أَنَّ النُّسَخَ هَكَذَا وَيَكُونُ ذَلِكَ مَشْيًا عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة، وَفِي فَتَاوَى سَمَرْقَنْدَ: إذَا قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنَا بَرِيءٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَاَللَّهُ وَرَسُولُهُ بَرِيئَانِ مِنْهُ فَفَعَلَ فَعَلَيْهِ أَرْبَعُ كَفَّارَاتٍ؛ لِأَنَّهَا أَرْبَعُ أَيْمَانٍ قِيلَ مَا ذُكِرَ فِي فَتَاوَى أَهْلِ سَمَرْقَنْدَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَإِنَّمَا الصَّحِيحُ مَا ذُكِرَ فِي فَتَاوَى أَبِي اللَّيْثِ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ: وَبَرِيءٌ مِنْ رَسُولِهِ حَتَّى تَتَعَدَّدَ الْيَمِينُ (قَوْلُهُ: وَصَحَّحَ فِي الْمُجْتَبَى وَالذَّخِيرَةِ أَنَّهُمَا يَمِينَانِ) عِبَارَةُ الْمُجْتَبَى وَلَوْ قَالَ: أَنَا بَرِيءٌ مِنْ اللَّهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 309 وَلَوْ قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنَا بَرِيءٌ مِنْ اللَّهِ أَلْفَ مَرَّةٍ فَفَعَلَ لَزِمَتْهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ اهـ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ أَيْضًا وَلَوْ قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَلَا إلَهَ فِي السَّمَاءِ يَكُونُ يَمِينًا وَلَوْ قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَهُوَ بَرِيءٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ قَالُوا يَكُونُ يَمِينًا لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ تَكُونُ لِإِنْكَارِ الْإِيمَانِ اهـ. وَيَنْبَغِي أَنَّ الْحَالِفَ إذَا قَصَدَ نَفْيَ الْمَكَانِ عَنْ اللَّهِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ يَمِينًا لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَيْسَ بِكُفْرٍ بَلْ هُوَ الْإِيمَانُ، وَفِي الذَّخِيرَةِ قَالَ هُوَ يَمِينٌ وَلَا يُكَفِّرُ وَفِيهَا لَوْ قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنَا بَرِيءٌ مِنْ الشَّفَاعَةِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَيْسَ بِيَمِينٍ وَعَلَّلَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ بِأَنَّ الشَّفَاعَةَ، وَإِنْ كَانَتْ حَقًّا لَكِنَّ مَنْ أَنْكَرَهَا صَارَ مُبْتَدِعًا لَا كَافِرًا اهـ. وَفِيهَا أَيْضًا سُئِلَ نَجْمُ الدِّينِ عَمَّنْ قَالَ: إنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَهُوَ شَرِيكُ الْكُفَّارِ فِيمَا قَالُوا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مِمَّا لَا يَلِيقُ بِهِ فَكَلَّمَهُ مَاذَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَالَ: كَفَّارَةُ الْيَمِينِ اهـ. وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ إذَا فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ لَا يَكُونُ كَافِرًا؛ لِأَنَّهُ صَارَ يَمِينًا وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِ عَلَّقَهُ عَلَى فِعْلٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ ذَلِكَ لِشَيْءٍ قَدْ فَعَلَهُ فِي الْمَاضِي كَأَنْ قَالَ: إنْ كُنْتُ فَعَلْتُ كَذَا فَهُوَ كَافِرٌ وَهُوَ عَالِمٌ أَنَّهُ قَدْ فَعَلَ فَهُوَ يَمِينُ الْغَمُوسِ لَا كَفَّارَةَ فِيهَا إلَّا التَّوْبَةُ وَالِاسْتِغْفَارُ وَهَلْ يَكْفُرُ حَتَّى تَكُونَ التَّوْبَةُ اللَّازِمَةُ عَلَيْهِ التَّوْبَةَ مِنْ الْكُفْرِ وَتَجْدِيدَ الْإِسْلَامِ قِيلَ لَا وَقِيلَ نَعَمْ لِأَنَّهُ تَنْجِيزٌ مَعْنًى؛ لِأَنَّهُ لَمَّا عَلَّقَهُ بِأَمْرٍ كَائِنٍ فَكَأَنَّهُ قَالَ ابْتِدَاءً هُوَ كَافِرٌ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ إنْ كَانَ عَالِمًا أَنَّهُ يَمِينٌ إمَّا مُنْعَقِدَةٌ، أَوْ غَمُوسٌ لَا يَكْفُرُ بِالْمَاضِي، وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا وَعِنْدَهُ أَنَّهُ يَكْفُرُ بِالْحَلِفِ فِي الْغَمُوسِ أَوْ بِمُبَاشَرَةِ الشَّرْطِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ يَكْفُرُ فِيهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقْدَمَ عَلَيْهِ وَعِنْدَهُ أَنَّهُ يَكْفُرُ فَقَدْ رَضِيَ بِالْكُفْرِ كَذَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ، وَفِي الْمُجْتَبَى وَالذَّخِيرَةِ وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ إنْ اعْتَقَدَ الْكُفْرَ بِهِ يَكْفُرُ وَإِلَّا فَلَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَالْمَاضِي جَمِيعًا، وَفِي قَوْلِهِمْ يَعْلَمُ اللَّهُ أَنَّهُ فَعَلَ كَذَا وَلَمْ يَفْعَلْ كَذَا وَهُوَ يَعْلَمُ خِلَافَهُ فِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ، وَعَامَّتُهُمْ عَلَى أَنَّهُ يَكْفُرُ، ثُمَّ رَقَّمَ فِي الْمُجْتَبَى رَقْمًا آخَرَ لَوْ قَالَ: اللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي مَا فَعَلْت كَذَا وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ كَاذِبٌ فَقِيلَ: لَا يَكْفُرُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ تَرْوِيجَ الْكَذِبِ دُونَ الْكُفْرِ. . (قَوْلُهُ: لَا بِعِلْمِهِ وَغَضَبِهِ وَسُخْطِهِ وَرَحْمَتِهِ) أَيْ لَا يَكُونُ الْيَمِينُ بِعِلْمِ اللَّهِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّ الْحَلِفَ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ، وَالْعُرْفُ مُعْتَبَرٌ فِي الْحَلِفِ بِالصِّفَاتِ وَلِأَنَّ الْعِلْمَ يُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ الْمَعْلُومُ وَيُقَالُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ عِلْمَكَ فِينَا أَيْ مَعْلُومَك وَلِأَنَّ الرَّحْمَةَ يُرَادُ بِهَا أَثَرُهَا وَهُوَ الْمَطَرُ وَالْجَنَّةُ، وَالْغَضَبَ وَالسُّخْطَ يُرَادُ بِهِمَا الْعُقُوبَةُ، وَفِي الْبَدَائِعِ: وَأَمَّا الصِّفَةُ فَصِفَاتُ اللَّهِ تَعَالَى مَعَ أَنَّهَا كُلَّهَا لِذَاتِهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ مِنْهَا مَا لَا يُسْتَعْمَلُ فِي عُرْفِ النَّاسِ وَعَادَاتِهِمْ إلَّا فِي الصِّفَةِ نَفْسِهَا فَالْحَلِفُ بِهَا يَكُونُ يَمِينًا وَمِنْهَا مَا يُسْتَعْمَلُ فِي الصِّفَةِ وَفِي غَيْرِهَا اسْتِعْمَالًا عَلَى السَّوَاءِ وَالْحَلِفُ بِهَا يَكُونُ يَمِينًا أَيْضًا وَمِنْهَا مَا يُسْتَعْمَلُ فِي الصِّفَةِ وَفِي غَيْرِهَا لَكِنَّ اسْتِعْمَالَهَا فِي غَيْرِ الصِّفَةِ هُوَ الْغَالِبُ فَالْحَلِفُ بِهَا لَا يَكُونُ يَمِينًا وَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ قَالَ مَا تَعَارَفَهُ النَّاسُ يَمِينًا يَكُونُ يَمِينًا إلَّا مَا وَرَدَ الشَّرْعُ بِالنَّهْيِ عَنْهُ وَمَا لَمْ يَتَعَارَفُوهُ لَا يَكُونُ يَمِينًا وَبَيَانُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ إذَا قَالَ: وَعِزَّةِ اللَّهِ وَعَظَمَتِهِ وَجَلَالِهِ وَكِبْرِيَائِهِ يَكُونُ حَالِفًا وَكَذَا وَقُدْرَةِ اللَّهِ مَا لَمْ يَنْوِ الْمَقْدُورَ وَكَذَا وَقُوَّتِهِ، وَإِرَادَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ وَرِضَاهُ وَمَحَبَّتِهِ وَإِرَادَتِهِ وَكَلَامِهِ بِخِلَافِ الرَّحْمَةِ وَالْغَضَبِ وَالسُّخْطِ وَالْعِلْمِ إلَّا إذَا أَرَادَ بِهِ الصِّفَةَ، وَأَمَّا وَسُلْطَانِ اللَّهِ فَقَالَ الْقُدُورِيُّ إنْ أَرَادَ بِهِ الْقُدْرَةَ كَانَ حَالِفًا، وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ قَالَ وَأَمَانَةِ اللَّهِ ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ يَكُونُ يَمِينًا خِلَافًا لِلطَّحَاوِيِّ؛ لِأَنَّهَا طَاعَتُهُ، وَوَجْهُ مَا فِي الْأَصْلِ أَنَّ الْأَمَانَةَ الْمُضَافَةَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ الْقَسَمِ يُرَادُ بِهَا صِفَتُهُ. وَلَوْ قَالَ: وَوَجْهِ اللَّهِ فَهُوَ يَمِينٌ؛ لِأَنَّ الْوَجْهَ الْمُضَافَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى يُرَادُ بِهِ الذَّاتُ وَلَوْ قَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ لَا أَفْعَلُ كَذَا لَا يَكُونُ يَمِينًا إلَّا أَنْ يَنْوِيَ وَكَذَا قَوْلُهُ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ لَا أَفْعَلُ كَذَا لِعَدَمِ الْعَادَةِ وَمَلَكُوتِ اللَّهِ وَجَبَرُوتِهِ يَمِينٌ لِأَنَّهُ مِنْ صِفَاتِهِ تَعَالَى الَّتِي لَا تُسْتَعْمَلُ إلَّا فِي الصِّفَةِ اهـ. وَمِنْ الْغَرِيبِ مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ قَالَ وَقُدْرَةِ اللَّهِ لَا يَكُونُ يَمِينًا، وَإِنْ كَانَ اللَّهُ تَعَالَى   [منحة الخالق] فَيَمِينٌ وَكَذَا بَرِيءٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَبَرِيءٌ مِنْ اللَّهِ وَبَرِيءٌ مِنْ رَسُولِهِ - فَيَمِينَانِ ثُمَّ رَمْزَانِ - فَعَلْتُ كَذَا فَأَنَا بَرِيءٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَاَللَّهُ وَرَسُولُهُ بَرِيئَانِ مِنْهُ فَأَرْبَعَةُ أَيْمَانٍ قِيلَ: وَالْأَصَحُّ هُوَ الْأَوَّلُ اهـ. وَالْمُرَادُ بِالْأَوَّلِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 310 لَا يُوصَفُ بِضِدِّهَا؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْقُدْرَةِ الْمَذْكُورَةِ التَّقْدِيرُ عُرْفًا عَلَى مَا عُرِفَ فِي الزِّيَادَاتِ وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ يُقَدِّرُ وَقَدْ لَا يُقَدِّرُ اهـ. وَهُوَ مَرْدُودٌ لِمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَغَيْرِهَا لَوْ قَالَ: وَقُدْرَةِ اللَّهِ كَانَ يَمِينًا؛ لِأَنَّ اسْتِعْمَالَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَقْدُورِ بِهِ لَمْ يَكْثُرْ كَكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِ الْعِلْمِ عَلَى الْمَعْلُومِ حَتَّى لَوْ نَوَى الْمَقْدُورَ لَا يَكُونُ يَمِينًا اهـ. وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى إنَّهُ لَوْ قَالَ: وَعَذَابِ اللَّهِ وَثَوَابِهِ وَرِضَاهُ وَلَعْنَةِ اللَّهِ وَأَمَانَتِهِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ يَمِينًا، وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ قَالَ: بِصِفَةِ اللَّهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا لَا يَكُونُ يَمِينًا لِأَنَّ مِنْ صِفَاتِهِ مَا يُذْكَرُ فِي غَيْرِهِ فَلَا يَكُونُ ذِكْرُ الصِّفَةِ كَذِكْرِ الِاسْمِ. (قَوْلُهُ: وَالنَّبِيِّ وَالْقُرْآنِ وَالْكَعْبَةِ) أَيْ لَا يَكُونُ حَالِفًا بِهَا؛ لِأَنَّ الْحَلِفَ بِالنَّبِيِّ وَالْكَعْبَةِ حَلِفٌ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ، أَوْ لِيَذَرْ» وَالْحَلِفُ بِالْقُرْآنِ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ مَعَ أَنَّهُ يُرَادُ بِهِ الْحُرُوفُ وَالنُّقُوشُ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ الْحَلِفَ بِالْقُرْآنِ الْآنَ مُتَعَارَفٌ فَيَكُونُ يَمِينًا كَمَا هُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَتَعْلِيلُ عَدَمِ كَوْنِهِ يَمِينًا بِأَنَّهُ غَيْرُهُ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ مَخْلُوقٌ لِأَنَّهُ حُرُوفٌ، وَغَيْرُ الْمَخْلُوقِ هُوَ الْكَلَامُ النَّفْسِيُّ مُنِعَ بِأَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ مُنَزَّلٌ غَيْرُ مَخْلُوقٍ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُنَزَّلَ فِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَ إلَّا الْحُرُوفَ الْمُنْقَضِيَةَ الْمُنْعَدِمَةَ وَمَا ثَبَتَ قِدَمُهُ اسْتَحَالَ عَدَمُهُ غَيْرَ أَنَّهُمْ أَوْجَبُوا ذَلِكَ لِأَنَّ الْعَوَامَّ إذَا قِيلَ لَهُمْ: إنَّ الْقُرْآنَ مَخْلُوقٌ تَعَدَّوْا إلَى الْكَلَامِ مُطْلَقًا. وَأَمَّا الْحَلِفُ بِكَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى فَيَجِبُ أَنْ يَدُورَ مَعَ الْعُرْفِ، وَأَمَّا الْحَلِفُ بِجَانٍّ مُرِيدٍ وَمِثْلُهُ الْحَلِفُ بِحَيَاةِ رَأْسِكَ وَحَيَاةِ رَأْسِ السُّلْطَانِ فَذَلِكَ إنْ اعْتَقَدَ أَنَّ الْبِرَّ فِيهِ وَاجِبٌ يَكْفُرُ، وَفِي تَتِمَّةِ الْفَتَاوَى قَالَ عَلِيٌّ الرَّازِيّ: أَخَافُ عَلَى مَنْ قَالَ بِحَيَاتِي وَحَيَاتِك أَنَّهُ يَكْفُرُ وَلَوْلَا أَنَّ الْعَامَّةَ يَقُولُونَهُ وَلَا يَعْلَمُونَهُ لَقُلْت: إنَّهُ شِرْكٌ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ لَأَنْ أَحْلِفَ بِاَللَّهِ كَاذِبًا أَحَبُّ إلَى مِنْ أَنْ أَحْلِفَ بِغَيْرِ اللَّهِ صَادِقًا اهـ. قَيَّدَ بِالْحَلِفِ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ؛ لِأَنَّ التَّبَرِّي مِنْهَا يَمِينٌ كَقَوْلِهِ هُوَ بَرِيءٌ مِنْ النَّبِيِّ إنْ فَعَلَ كَذَا كَمَا قَدَّمْنَا تَفَاصِيلَهُ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ: وَدِينِ اللَّهِ وَطَاعَتِهِ، أَوْ حُدُودِهِ أَوْ شَرِيعَتِهِ، أَوْ الْمُصْحَفِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ يَمِينًا بِالْأَوْلَى كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ. . (قَوْلُهُ: وَحَقِّ اللَّهِ) أَيْ لَا يَكُونُ يَمِينًا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ، وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَعَنْهُ رِوَايَةٌ أُخْرَى أَنَّهُ يَكُونُ يَمِينًا؛ لِأَنَّ الْحَقَّ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ حَقِيقَةٌ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ: وَاَللَّهِ الْحَقِّ، وَالْحَلِفُ بِهِ مُتَعَارَفٌ وَلَهُمَا أَنَّهُ يُرَادُ بِهِ طَاعَةُ اللَّهِ؛ إذْ الطَّاعَاتُ حُقُوقُهُ فَيَكُونُ حَلِفًا بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَذَكَرَ فِي الِاخْتِيَارِ أَنَّ الْمُخْتَارَ أَنَّهُ يَكُونُ يَمِينًا اعْتِبَارًا بِالْعُرْفِ اهـ. قَيَّدَ بِالْحَقِّ الْمُضَافِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: وَالْحَقِّ يَكُونُ يَمِينًا وَلَوْ قَالَ حَقًّا لَا يَكُونُ يَمِينًا؛ لِأَنَّ الْمُنَكَّرَ مِنْهُ يُرَادُ بِهِ تَحْقِيقُ الْوَعْدِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: أَفْعَلُ كَذَا حَقِيقَةً لَا مَحَالَةَ وَهَذَا قَوْلُ الْبَعْضِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِهِ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى يَكُونُ يَمِينًا كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَفِي الْمُجْتَبَى وَحَقًّا، أَوْ حَقًّا اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ وَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِيَمِينٍ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْحَقَّ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُعَرَّفًا، أَوْ مُنَكَّرًا، أَوْ مُضَافًا فَالْحَقُّ مُعَرَّفًا سَوَاءٌ كَانَ بِالْوَاوِ أَوْ بِالْبَاءِ يَمِينٌ اتِّفَاقًا كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ وَمُنَكَّرًا يَمِينٌ عَلَى الْأَصَحِّ إنْ نَوَى، وَمُضَافًا إنْ كَانَ بِالْبَاءِ فَيَمِينٌ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَحْلِفُونَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ بِالْوَاوِ فَفِيهِ الِاخْتِلَافُ السَّابِقُ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يَمِينٌ كَمَا سَبَقَ وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ الْمُخْتَارَ أَنَّهُ يَمِينٌ فِي الْأَلْفَاظِ الثَّلَاثَةِ مُطْلَقًا وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ بِحَقِّ الرَّسُولِ، أَوْ بِحَقِّ الْإِيمَانِ أَوْ بِحَقِّ الْمَسَاجِدِ، أَوْ بِحَقِّ الصَّوْمِ أَوْ الصَّلَاةِ لَا يَكُونُ يَمِينًا كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَفِي الْمُجْتَبَى " وَحُرْمَةِ اللَّهِ " نَظِيرُ قَوْلِهِ " وَحَقِّ اللَّهِ "، وَفِي فَتَاوَى النَّسَفِيِّ بِحُرْمَةِ شَهِدَ اللَّهُ وَبِحُرْمَةِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ لَيْسَ بِيَمِينٍ. . (قَوْلُهُ: وَإِنْ فَعَلْتُهُ فَعَلَيَّ غَضَبُ اللَّهِ وَسُخْطُهُ، أَوْ أَنَا زَانٍ وَسَارِقٌ أَوْ شَارِبُ خَمْرٍ، أَوْ آكِلُ رِبًا) أَيْ لَا يَكُونُ يَمِينًا أَمَّا فِي الْأَوَّلِ فَلِأَنَّهُ دَعَا عَلَى نَفْسِهِ وَلَا يَتَعَلَّقُ ذَلِكَ بِالشَّرْطِ وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ   [منحة الخالق] هُوَ كَوْنُ " بَرِيءٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ " يَمِينًا وَاحِدًا وَعِبَارَةُ الذَّخِيرَةِ قَرِيبَةٌ مِنْ عِبَارَةِ التَّتَارْخَانِيَّة الَّتِي نَقَلْنَاهَا. (قَوْلُهُ: وَأَمَانَتِهِ) مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمَهُ قَرِيبًا عَنْ الْأَصْلِ مِنْ أَنَّهُ يَكُونُ يَمِينًا خِلَافًا لِلطَّحَاوِيِّ. (قَوْلُهُ: وَذَكَرَ فِي الِاخْتِيَارِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ رَدَّهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّ التَّعَارُفَ بَعْدَ كَوْنِ الصِّفَةِ مُشْتَرَكَةً فِي الِاسْتِعْمَالِ بَيْنَ صِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَةِ غَيْرِهِ، وَلَفْظُ حَقٍّ لَا يَتَبَادَرُ مِنْهُ مَا هُوَ صِفَةُ اللَّهِ بَلْ مَا هُوَ مِنْ حُقُوقِهِ (قَوْلُهُ: وَحَقًّا أَوْ حَقًّا) قَالَ الرَّمْلِيُّ يَعْنِي بِالْوَاوِ وَبِلَا وَاوٍ (قَوْلُهُ: وَمُضَافًا إنْ كَانَ بِالْبَاءِ فَيَمِينٌ اتِّفَاقًا) ضَعَّفَهُ فِي الْفَتْحِ حَيْثُ قَالَ وَمِنْ الْأَقْوَالِ الضَّعِيفَةِ مَا قَالَ الْبَلْخِيّ إنَّ قَوْلَهُ بِحَقِّ اللَّهِ يَمِينٌ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَحْلِفُونَ بِهِ وَضَعَّفَهُ لِمَا عَلِمْت أَنَّهُ مِثْلُ وَحَقِّ اللَّهِ بِالْإِضَافَةِ وَعُلِمَتْ الْمُغَايَرَةُ فِيهِ وَأَنَّهُ لَيْسَ يَمِينًا فَكَذَا بِحَقِّ اللَّهِ. (قَوْلُهُ: فَفِيهِ الِاخْتِلَافُ السَّابِقُ) أَيْ الْمَذْكُورُ أَوَّلًا عَقِبَ عِبَارَةِ الْمَتْنِ. (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ) قَالَ فِي النَّهْرِ: ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَوْ تَعَوَّدُوا الْحَلِفَ بِهِ كَانَ يَمِينًا، وَظَاهِرُ مَا فِي الْفَتْحِ أَنَّهُ لَوْ تُعُورِفَ الْحَلِفُ بِهِ لَا يَكُونُ يَمِينًا حَيْثُ قَالَ: إنَّ مَعْنَى الْيَمِينِ أَنْ يُعَلِّقَ إلَى آخِرِ مَا يَأْتِي. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 311 وَأَمَّا فِي قَوْلِهِ هُوَ زَانٍ إلَى آخِرِهِ فَلِأَنَّ حُرْمَةَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ تَحْتَمِلُ النَّسْخَ وَالتَّبْدِيلَ فَلَمْ تَكُنْ فِي مَعْنَى حُرْمَةِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُتَعَارَفٍ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْأَوْلَى الِاقْتِصَارُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِمُتَعَارَفٍ؛ لِأَنَّ كَوْنَ الْحُرْمَةِ تَحْتَمِلُ الِارْتِفَاعَ، أَوْ لَا تَحْتَمِلُهُ لَا أَثَرَ لَهُ مَعَ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى التَّعْلِيلِ بِعَدَمِ التَّعَارُفِ أَيْضًا لِأَنَّ مَعْنَى الْيَمِينِ أَنْ يُعَلِّقَ مَا يُوجِبُ امْتِنَاعَهُ عَنْ الْفِعْلِ بِسَبَبِ لُزُومِ وُجُودِهِ عِنْدَ الْفِعْلِ وَلَيْسَ بِمُجَرَّدِ وُجُودِ الْفِعْلِ يَصِيرُ زَانِيًا أَوْ سَارِقًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ كَذَلِكَ إلَّا بِفِعْلٍ مُسْتَأْنَفٍ يَدْخُلُ فِي الْوُجُودِ، وَوُجُودُ هَذَا الْفِعْلِ لَيْسَ لَازِمًا لِوُجُودِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ حَتَّى يَكُونَ مُوجِبًا امْتِنَاعَهُ عَنْهُ فَلَا يَكُونُ يَمِينًا بِخِلَافِ الْكُفْرِ فَإِنَّهُ بِالرِّضَا بِهِ يَكْفُرُ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى عَمَلٍ آخَرَ، أَوْ اعْتِقَادٍ وَالرِّضَا يَتَحَقَّقُ بِمُبَاشَرَةِ الشَّرْطِ فَيُوجِبُ عِنْدَهُ الْكُفْرَ لَوْلَا قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ بِالْكَفَّارَةِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِي الْمُجْتَبَى لَوْ قَالَ: هُوَ يَأْكُلُ الْمَيْتَةَ إنْ فَعَلَ كَذَا أَوْ يَسْتَحِلُّ الْخَمْرَ، أَوْ الْخِنْزِيرَ فَلَيْسَ بِيَمِينٍ أَصْلُهُ أَنَّ التَّعْلِيقَ بِمَا تَسْقُطُ حُرْمَتُهُ بِحَالٍ مَا كَالْمَيْتَةِ وَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ لَا يَكُونُ يَمِينًا وَمَا لَا يَسْقُطُ كَأَلْفَاظِ الْكُفْرِ فَيَمِينٌ وَلَوْ قَالَ: جَمِيعُ مَا فَعَلَهُ الْمَجُوسُ، أَوْ الْيَهُودُ فَعَلَى عُنُقِي إنْ فَعَلْت كَذَا فَفَعَلَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ اهـ. وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّ اسْتِحْلَالَ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ لَيْسَ بِكُفْرٍ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ جَزَاءَ الشَّرْطِ هُوَ الِاسْتِحْلَالُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنَا مُسْتَحِلٌّ لِلْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ، وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ، وَأَمَّا فِي الِاسْتِحْلَالِ فَلِأَنَّ اسْتِحْلَالَ الدَّمِ لَا يَكُونُ كُفْرًا لَا مَحَالَةَ فَإِنَّ حَالَةَ الضَّرُورَةِ يَصِيرُ حَلَالًا وَكَذَلِكَ لَحْمُ الْخِنْزِيرِ اهـ. فَأَفَادَ أَنَّ مَا يُبَاحُ لِلضَّرُورَةِ لَا يُكَفَّرُ مُسْتَحِلُّهُ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ قَالَ: عَصَيْت اللَّهَ تَعَالَى إنْ فَعَلْت كَذَا، أَوْ قَالَ عَصَيْت اللَّهَ فِي كُلِّ مَا افْتَرَضَ عَلَيَّ لَا يَكُونُ يَمِينًا. (قَوْلُهُ: وَحُرُوفُهُ الْبَاءُ وَالْوَاوُ وَالتَّاءُ) أَيْ وَحُرُوفُ الْقَسَمِ وَلَوْ عَادَ الضَّمِيرُ عَلَى الْيَمِينِ لَأَنَّثَهُ؛ لِأَنَّهَا مُؤَنَّثَةٌ سَمَاعًا كَقَوْلِهِ: وَاَللَّهِ وَبِاَللَّهِ وَتَاللَّهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مَعْهُودٌ فِي الْأَيْمَانِ وَمَذْكُورٌ فِي الْقُرْآنِ قَالَ تَعَالَى {فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ} [الذاريات: 23] وَقَالَ تَعَالَى {تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا} [النحل: 63] وَقَالَ تَعَالَى {بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13] وَفِيهِ احْتِمَالُ كَوْنِهِ مُتَعَلِّقًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تُشْرِكْ} [لقمان: 13] . وَقَدَّمَ الْبَاءَ قَالُوا هِيَ الْأَصْلُ؛ لِأَنَّهَا صِلَةُ الْحَلِفِ وَالْأَصْلُ أَحْلِفُ، أَوْ أُقْسِمُ بِاَللَّهِ وَهِيَ لِلْإِلْصَاقِ تُلْصِقُ فِعْلَ الْقَسَمِ بِالْمَحْلُوفِ بِهِ، ثُمَّ حُذِفَ الْفِعْلُ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ مَعَ فَهْمِ الْمَقْصُودِ وَلِأَصَالَتِهَا دَخَلَتْ فِي الْمُظْهَرِ وَالْمُضْمَرِ نَحْوُ بِكَ لَأَفْعَلَنَّ. ثُمَّ ثَنَّى بِالْوَاوِ لِأَنَّهَا بَدَلٌ مِنْهَا لِلْمُنَاسَبَةِ الْمَعْنَوِيَّةِ وَهِيَ مَا فِي الْإِلْصَاقِ مِنْ الْجَمْعِ الَّذِي هُوَ مَعْنَى الْوَاوِ وَلِكَوْنِهَا بَدَلًا انْحَطَّتْ عَنْهَا بِدَرَجَةٍ فَدَخَلَتْ عَلَى الْمُظْهَرِ لَا عَلَى الْمُضْمَرِ وَلَا يَجُوزُ إظْهَارُ الْفِعْلِ مَعَهَا لَا تَقُولُ أَحْلِفُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: تَحْتَمِلُ النَّسْخَ وَالتَّبْدِيلَ) أَيْ تَحْتَمِلُ السُّقُوطَ أَمَّا الْخَمْرُ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا السَّرِقَةُ فَعِنْدَ الِاضْطِرَارِ إلَى أَكْلِ مَالِ الْغَيْرِ وَكَذَا إذَا أُكْرِهَتْ الْمَرْأَةُ بِالسَّيْفِ عَلَى الزِّنَا وَأَمَّا الزِّنَا فَفِي دَارِ الْحَرْبِ كَذَا فِي النَّهْرِ وَأَصْلُهُ مِنْ الْفَتْحِ وَقَوْلُ التَّبْيِينِ " لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ التَّبْدِيلَ عَقْلًا فَلَا يَكُونُ كَالْكُفْرِ فِي الْحُرْمَةِ " يُفِيدُ عَدَمَ التَّقْيِيدِ بِتِلْكَ الْحَالَاتِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْهِدَايَةِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ مَعْنَى الْيَمِينِ أَنْ يُعَلِّقَ مَا يُوجِبُ إلَخْ) أَيْ أَنْ يُعَلِّقَ شَيْئًا كَالْكُفْرِ يُوجِبُ ذَلِكَ الشَّيْءُ امْتِنَاعَ الْحَالِفِ عَنْ الْفِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ كَالدُّخُولِ مَثَلًا وَقَوْلُهُ: بِسَبَبٍ مُتَعَلِّقٌ بِ يُوجِبُ أَيْ أَنَّ ذَلِكَ الشَّيْءَ الْمُعَلَّقَ يُوجِبُ امْتِنَاعَ الْحَالِفِ عَنْ الْفِعْلِ بِسَبَبِ أَنَّ ذَلِكَ الْمُعَلَّقَ يَلْزَمُ وُجُودُهُ عِنْدَ الْفِعْلِ فَإِذَا قَالَ: إنْ دَخَلْت فَهُوَ كَافِرٌ فَإِنَّ الْكُفْرَ يُوجِبُ امْتِنَاعَ الْحَالِفِ عَنْ الدُّخُولِ بِسَبَبِ لُزُومِ وُجُودِ الْكُفْرِ عِنْدَ الدُّخُولِ (قَوْلُهُ: فَأَفَادَ أَنَّ مَا يُبَاحُ لِلضَّرُورَةِ لَا يُكَفَّرُ مُسْتَحِلُّهُ) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ إنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ " لَا يُكَفَّرُ مُسْتَحِلُّهُ " أَنَّهُ لَا يُكَفَّرُ مَنْ اعْتَقَدَ أَنَّهُ حَلَالٌ فِي حَالَةِ الضَّرُورَةِ فَقَطْ فَهُوَ صَحِيحٌ لَكِنَّهُ لَا جَدْوَى لَهُ لِعَدَمِ الشَّكِّ فِي حِلِّهِ حِينَئِذٍ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ لَا يُكَفَّرُ مُسْتَحِلُّهُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ اعْتَقَدَ أَنَّهُ حَلَالٌ فِي حَالَةِ الِاضْطِرَارِ وَالِاخْتِيَارِ فَهُوَ وَهْمٌ بَاطِلٌ أَوْقَعَهُ فِيهِ تَوَهُّمُهُ أَنَّ قَوْلَ الْوَلْوَالِجيَّةِ لَا مَحَالَةَ قَيْدٌ فِي النَّفْيِ وَهُوَ لَا يَكُونُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ قَيْدٌ فِي الْمَنْفِيِّ وَهُوَ يَكُونُ قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَلَوْ قَالَ هُوَ يَأْكُلُ الْمَيْتَةَ إنْ فَعَلَ كَذَا لَا يَكُونُ يَمِينًا وَكَانَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ يَمِينًا؛ لِأَنَّ اسْتِحْلَالَ الْحَرَامِ كُفْرٌ فَقَدْ عَلَّقَ الْكُفْرَ بِالشَّرْطِ وَتَعْلِيقُ الْكُفْرِ بِالشَّرْطِ يَمِينٌ كَمَا لَوْ قَالَ: هُوَ يَهُودِيٌّ إنْ دَخَلَ الدَّارَ قُلْنَا اسْتِحْلَالُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لَيْسَ بِكُفْرٍ لَا مَحَالَةَ فَإِنَّ فِي حَالَةِ الضَّرُورَةِ تَصِيرُ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ حَلَالًا وَلَا يَكُونُ كُفْرًا وَإِذَا احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ اسْتِحْلَالُ هَذِهِ كُفْرًا كَمَا فِي غَيْرِ حَالَةِ الضَّرُورَةِ فَيَكُونُ يَمِينًا وَاحْتَمَلَ أَنْ لَا يَكُونَ كُفْرًا كَمَا فِي حَالَةِ الضَّرُورَةِ فَلَا يَكُونُ يَمِينًا لَا يَصِيرُ يَمِينًا بِالشَّكِّ بِخِلَافِ قَوْلِهِ هُوَ يَهُودِيٌّ إنْ فَعَلَ كَذَا؛ لِأَنَّ الْيَهُودِيَّ مَنْ أَنْكَرَ رِسَالَةَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَإِنْكَارُ رِسَالَةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُفْرٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ فَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ هُوَ حَرَامٌ حُرْمَةً مُؤَبَّدَةً بِحَيْثُ لَا تَسْقُطُ بِحَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ كَالْكُفْرِ وَأَشْبَاهِهِ فَاسْتِحْلَالُهُ مُعَلَّقًا بِالشَّرْطِ يَكُونُ يَمِينًا وَكُلَّ شَيْءٍ هُوَ حَرَامٌ بِحَيْثُ تَسْقُطُ حُرْمَتُهُ بِحَالٍ كَالْمَيْتَةِ وَالْخَمْرِ وَأَشْبَاهِهِ فَاسْتِحْلَالُهُ مُعَلَّقًا بِالشَّرْطِ لَا يَكُونُ يَمِينًا. (قَوْلُهُ: لَا تَقُولُ أَحْلِفُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 312 بِاَللَّهِ كَمَا تَقُولُ أَحْلِفُ وَاَللَّهِ. وَأَمَّا التَّاءُ فَبَدَلٌ عَنْ الْوَاوِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ حُرُوفِ الزِّيَادَةِ وَقَدْ أُبْدِلَتْ كَثِيرًا مِنْهَا كَمَا فِي تُجَاهٍ وَتُخْمَةٍ وَتُرَاثٍ فَانْحَطَّتْ دَرَجَتَيْنِ فَلَمْ تَدْخُلْ عَلَى الْمُظْهَرِ إلَّا عَلَى اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى خَاصَّةً وَمَا رُوِيَ مِنْ قَوْلِهِمْ: تَرَبِّي وَتَرَبِّ الْكَعْبَةِ لَا يُقَاسُ عَلَيْهِ وَكَذَا تَحِيَّاتِكَ وَلَا يَجُوزُ إظْهَارُ الْفِعْلِ مَعَهَا لَا تَقُولُ: أَحْلِفُ تَاللَّهِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ كَغَيْرِهِ أَكْثَرَ مِنْ الثَّلَاثَةِ وَذَكَرَ فِي التَّبْيِينِ أَنَّ لَهُ حُرُوفًا أُخَرَ وَهِيَ لَامُ الْقَسَمِ وَحَرْفُ التَّنْبِيهِ وَهَمْزَةُ الِاسْتِفْهَامِ وَقَطْعُ أَلِفِ الْوَصْلِ وَالْمِيمُ الْمَكْسُورَةُ وَالْمَضْمُومَةُ فِي الْقَسَمِ، وَمُنُ كَقَوْلِهِ لِلَّهِ وَهَا اللَّهِ وَمُ اللَّهِ وَمُنُ اللَّهِ وَاللَّامُ بِمَعْنَى التَّاءِ وَيَدْخُلُهَا مَعْنَى التَّعَجُّبِ وَرُبَّمَا جَاءَتْ التَّاءُ لِغَيْرِ التَّعَجُّبِ دُونَ اللَّامِ اهـ. (قَوْلُهُ) : (وَقَدْ تُضْمَرُ) أَيْ حُرُوفُ الْقَسَمِ فَيَكُونُ حَالِفًا كَقَوْلِهِ اللَّهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا؛ لِأَنَّ حَذْفَ الْحَرْفِ مُتَعَارَفٌ بَيْنَهُمْ اخْتِصَارًا، ثُمَّ إذَا حُذِفَ الْحَرْفُ وَلَمْ يُعَوِّضْ عَنْهُ هَا التَّنْبِيهِ وَلَا هَمْزَةُ الِاسْتِفْهَامِ وَلَا قَطْعُ أَلِفِ الْوَصْلِ لَمْ يَجُزْ الْخَفْضُ إلَّا فِي اسْمِ اللَّهِ بَلْ يُنْصَبُ بِإِضْمَارِ فِعْلٍ، أَوْ يُرْفَعُ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مُضْمَرٍ إلَّا فِي اسْمَيْنِ فَإِنَّهُ اُلْتُزِمَ فِيهِمَا الرَّفْعُ وَهُمَا أَيْمُنُ اللَّهِ وَلَعَمْرُ اللَّهِ كَذَا فِي التَّبْيِينِ. وَإِنَّمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ: تُضْمَرُ وَلَمْ يَقُلْ تُحْذَفُ لِلْفَرْقِ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْإِضْمَارَ يَبْقَى أَثَرُهُ بِخِلَافِ الْحَذْفِ وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي حَالَةِ النَّصْبِ الْحَرْفُ مَحْذُوفًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ أَثَرُهُ، وَفِي حَالَةِ الْجَرِّ مُضْمَرًا لِظُهُورِ أَثَرِهِ وَهُوَ الْجَرُّ فِي الِاسْمِ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ بِاَللَّهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا وَسَكَّنَ الْهَاءَ أَوْ نَصَبَهَا، أَوْ رَفَعَهَا يَكُونُ يَمِينًا وَلَوْ قَالَ اللَّهَ لَا أَفْعَلُ كَذَا وَسَكَّنَ الْهَاءَ، أَوْ نَصَبَهَا لَا يَكُونُ يَمِينًا إلَّا أَنْ يُعْرِبَهَا بِالْجَرِّ فَيَكُونُ يَمِينًا وَقِيلَ يَكُونُ يَمِينًا مُطْلَقًا وَلَوْ قَالَ بِلَهُ بِكَسْرِ اللَّامِ لَا أَفْعَلُ كَذَا قَالُوا لَا يَكُونُ يَمِينًا إلَّا إذَا أَعْرَبَ الْهَاءَ بِالْكَسْرِ وَقَصَدَ الْيَمِينَ اهـ. وَيَنْبَغِي أَنَّهُ إذَا نَصَبَ أَنْ يَكُونَ يَمِينًا بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي جَوَازِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَجْهَيْنِ وَلَكِنَّ النَّصْبَ أَكْثَرُ كَمَا ذَكَرَهُ عَبْدُ الْقَاهِرِ فِي مُقْتَصَدِهِ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي الْمَبْسُوطِ مِنْ أَنَّ النَّصْبَ مَذْهَبُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَالْخَفْضَ مَذْهَبُ أَهْلِ الْكُوفَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْأَرْجَحِيَّةِ لَا فِي أَصْلِ الْجَوَازِ فِيهِ، قَيَّدَ بِإِضْمَارِ الْحُرُوفِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُضْمَرُ فِي الْمُقْسَمِ عَلَيْهِ حَرْفُ التَّأْكِيدِ وَهُوَ اللَّامُ وَالنُّونُ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهِمَا لِمَا فِي الْمُحِيطِ وَالْحَلِفُ بِالْعَرَبِيَّةِ أَنْ تَقُولَ فِي الْإِثْبَاتِ: وَاَللَّهِ لَا أَفْعَلَنَّ كَذَا وَوَاللَّهِ لَقَدْ فَعَلْتُ كَذَا مَقْرُونًا بِكَلِمَةِ التَّوْكِيدِ، وَفِي النَّفْيِ تَقُولُ وَاَللَّهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا وَوَاللَّهِ مَا فَعَلْت كَذَا حَتَّى لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ أَفْعَلُ كَذَا الْيَوْمَ فَلَمْ يَفْعَلْ لَا تَلْزَمْهُ الْكَفَّارَةُ وَيَكُونُ بِمَعْنَى قَوْلِهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا   [منحة الخالق] بِاَللَّهِ كَمَا تَقُولُ أَحْلِفُ وَاَللَّهِ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَهِيَ مَقْلُوبَةٌ، وَفِي بَعْضِهَا لَا تَقُولُ أَحْلِفُ وَاَللَّهِ كَمَا تَقُولُ أَحْلِفُ بِاَللَّهِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْإِضْمَارَ يَبْقَى أَثَرُهُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ هَذَا بِمَعْزِلٍ عَنْ التَّحْقِيقِ؛ لِأَنَّهُ كَمَا يَكُونُ حَالِفًا مَعَ بَقَاءِ الْأَثَرِ يَكُونُ أَيْضًا حَالِفًا مَعَ النَّصْبِ بَلْ هُوَ الْكَثِيرُ فِي الِاسْتِعْمَالِ وَذَاكَ شَاذٌّ، وَالْتِزَامُ ذَلِكَ الِاصْطِلَاحِ لِلْفُقَهَاءِ غَيْرُ لَازِمٍ اهـ. قَالَ مُحَشِّي مِسْكِينٍ: أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ مِنْ وَجْهَيْنِ أَمَّا أَوَّلًا فَمَا ذَكَرَهُ فِي الرَّدِّ عَلَى الْبَحْرِ مِنْ التَّعْلِيلِ بِأَنَّهُ يَكُونُ حَالِفًا مَعَ الْحَذْفِ أَيْضًا يَقْتَضِي أَنَّ صَاحِبَ الْبَحْرِ لَا يَقُولُ بِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِمَا نَقَلَهُ السَّيِّدُ الْحَمَوِيُّ عَنْ الْمُغْنِي مِنْ أَنَّ حَذْفَ الْجَارِّ وَبَقَاءَ عَمَلِهِ شَاذٌّ فِي غَيْرِ الْقَسَمِ أَمَّا فِي الْقَسَمِ فَمُطَّرِدٌ اهـ. وَلَا يَخْفَى عَلَيْك سُقُوطُ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ إبْدَاءَ وَجْهِ الْعُدُولِ عَنْ الْحَذْفِ إلَى الْإِضْمَارِ بِبَقَاءِ أَثَرِهِ يُوهِمُ أَنَّهُ مَعَ النَّصْبِ لَا يَكُونُ حَالِفًا إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ فِي حَالَةِ الْجَرِّ يَبْقَى الْأَثَرُ فَيَكُونُ كَحَالَةِ بَقَاءِ الْحَرْفِ، وَالتَّعْبِيرُ بِالْحَذْفِ لَا يُفِيدُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ مَنْصُوبًا. (قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي أَنَّهُ إذَا نَصَبَ) أَيْ نَصَبَ قَوْلَهُ: اللَّهَ لَا أَفْعَلُ (قَوْلُهُ: وَهُوَ اللَّامُ وَالنُّونُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: أَيْ لَا بُدَّ مِنْهُمَا عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ وَالْفَارِسِيُّ: يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى أَحَدِهِمَا ذَكَرَهُ الْأَسْنَائِيُّ فِي الْكَوْكَبِ الدُّرِّيِّ (قَوْلُهُ: حَتَّى لَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ أَفْعَلُ كَذَا الْيَوْمَ فَلَمْ يَفْعَلْ لَا تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ بَعْدَ نَقْلِهِ نَحْوَهُ عَنْ الِاخْتِيَارِ: قَالَ شَيْخُ شَيْخِنَا الشَّيْخُ عَلِيٌّ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ الْمَنْظُومِ: أَقُولُ: عَلَى هَذَا أَكْثَرُ مَا يَقَعُ مِنْ الْعَوَامّ لَا يَكُونُ يَمِينًا لِعَدَمِ اللَّامِ وَالنُّونِ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِمْ فِيهَا لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ تَلْزَمَهُمْ لِتَعَارُفِهِمْ الْحَلِفَ بِذَلِكَ وَيُؤَيِّدُهُ مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّهُ لَوْ سَكَّنَ الْهَاءَ أَوْ رَفَعَ، أَوْ نَصَبَ فِي بِاَللَّهِ يَكُونُ يَمِينًا مَعَ أَنَّ الْعَرَبَ مَا نَطَقَتْ بِغَيْرِ الْجَرِّ فَلْيُتَأَمَّلْ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ يَمِينًا، وَإِنْ خَلَا مِنْ اللَّامِ وَالنُّونِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: سُبْحَانَ اللَّهِ أَفْعَلُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ أَفْعَلُ كَذَا لَيْسَ بِيَمِينٍ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ اهـ. أَقُولُ: قَوْلُهُ " عَلَى هَذَا مَا يَقَعُ مِنْ الْعَوَامّ لَا يَكُونُ يَمِينًا " ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ جَمِيعًا أَنَّهُ يَمِينٌ لَكِنْ عَلَى النَّفْيِ لَا عَلَى الْإِثْبَاتِ لِأَنَّهُمْ قَالُوا فَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ: وَاَللَّهِ أَفْعَلُ أَيْ لَا أَفْعَلُ هَذَا وَلَا دَلَالَةَ فِيمَا نَقَلَهُ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ والولوالجية لِمُدَّعَاهُ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ تَغْيِيرٌ إعْرَابِيٌّ لَا يَمْنَعُ الْمَعْنَى الْمَوْضُوعَ فَلَا يَضُرُّ تَسْكِينُ الْهَاءِ وَلَا رَفْعُهَا وَلَا نَصْبُهَا وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ اللَّحْنَ لَا يَمْنَعُ الِانْعِقَادَ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُتَنَازَعَ فِيهِ إذْ الْمُتَنَازَعُ الْإِثْبَاتُ، وَالنَّفْيُ، لَا أَنَّهُ يَمِينٌ فَكِلَا النَّقْلَيْنِ لَا يَدُلُّ عَلَى الْمُدَّعَى فَتَأَمَّلْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 313 فَتَكُونُ كَلِمَةً لَا مُضْمَرَةً فِيهِ؛ لِأَنَّ الْحَلِفَ فِي الْإِثْبَاتِ عِنْدَ الْعَرَبِ لَا يَكُونُ إلَّا بِحَرْفِ التَّأْكِيدِ وَهُوَ اللَّامُ وَالنُّونُ كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَا أَفْعَلَنَّ كَذَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَتَاللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ} [الأنبياء: 57] وَإِضْمَارُ الْكَلِمَةِ فِي الْكَلَامِ اسْتَعْمَلَتْهُ الْعَرَبُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] أَيْ أَهْلَهَا فَأَمَّا إضْمَارُ بَعْضِ الْكَلِمَةِ فِي الْبَعْضِ مَا اسْتَعْمَلَتْهُ الْعَرَبُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَكَفَّارَتُهُ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ، أَوْ إطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ كَمَا فِي الظِّهَارِ، أَوْ كِسْوَتُهُمْ بِمَا يَسْتُرُ عَامَّةَ الْبَدَنِ) أَيْ وَكَفَّارَةُ الْيَمِينِ بِمَعْنَى الْقَسَمِ أَوْ الْحَلِفِ لِمَا قَدَّمْنَا أَنَّهَا مُؤَنَّثَةٌ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المائدة: 89] وَكَلِمَةُ " أَوْ " لِلتَّخْيِيرِ فَكَانَ الْوَاجِبُ أَحَدَ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ وَالتَّخْيِيرُ لَا يُنَافِي التَّكْلِيفَ؛ لِأَنَّ صِحَّتَهُ بِإِمْكَانِ الِامْتِثَالِ وَهُوَ ثَابِتٌ؛ لِأَنَّهُ بِفِعْلِ أَحَدِهَا يَبْطُلُ قَوْلُ مَنْ قَالَ إنَّ التَّخْيِيرَ يَمْنَعُ صِحَّةَ التَّكْلِيفِ فَأَوْجَبَ خِصَالَ الْكَفَّارَةِ مَعَ السُّقُوطِ بِالْبَعْضِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي التَّحْرِيرِ، وَفِي شَرْحِ الْمَنَارِ لَوْ أَدَّى الْكُلَّ لَا يَقَعُ عَنْ الْكَفَّارَةِ إلَّا وَاحِدٌ وَهُوَ مَا كَانَ أَعْلَى قِيمَةً وَلَوْ تَرَكَ الْكُلَّ يُعَاقَبُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهَا وَهُوَ مَا كَانَ أَدْنَى قِيمَةً؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ يَسْقُطُ بِالْأَدْنَى، وَهِيَ مِنْ الْكُفْرِ بِمَعْنَى السَّتْرِ، وَإِضَافَتُهَا إلَى الْيَمِينِ إضَافَةٌ إلَى الشَّرْطِ مَجَازًا لِأَنَّ السَّبَبَ عِنْدَنَا الْحِنْثُ كَمَا سَيَأْتِي وَعَبَّرَ بِالتَّحْرِيرِ بِمَعْنَى الْإِعْتَاقِ دُونَ الْعِتْقِ اتِّبَاعًا لِلْآيَةِ وَلِيُفِيدَ أَنَّ الشَّرْطَ الْإِعْتَاقُ فَلَوْ وَرِثَ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ فَنَوَى عَنْ الْكَفَّارَةِ لَا يَجُوزُ وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ كَمَا فِي الظِّهَارِ أَيْ التَّحْرِيرُ وَالْإِطْعَامُ هُنَا كَالتَّحْرِيرِ وَالْإِطْعَامِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ أَنَّهُ يَجُوزُ الرَّقَبَةُ مُسْلِمَةً كَانَتْ أَوْ كَافِرَةً ذَكَرًا كَانَ، أَوْ أُنْثَى صَغِيرَةً كَانَتْ، أَوْ كَبِيرَةً وَلَا يَجُوزُ فَائِتُ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ وَلَا الْمُدَبَّرُ وَأُمُّ الْوَلَدِ وَلَا الْمُكَاتَبُ الَّذِي أَدَّى بَعْضَ شَيْءٍ وَيَجُوزُ فِي الْإِطْعَامِ التَّمْلِيكُ وَالْإِبَاحَةُ فَإِنْ مَلَكَ أَعْطَى نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ لِكُلِّ مِسْكِينٍ، وَإِنْ أَبَاحَ غَدَّاهُمْ وَعَشَّاهُمْ فَإِنْ كَانَ بِخُبْزِ الْبُرِّ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْإِدَامِ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ خُبْزِ الْبُرِّ احْتَاجَ إلَيْهِ عَلَى التَّفَاصِيلِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ، وَفِي الْخُلَاصَةِ لَوْ أَعْطَى عَشَرَةَ مَسَاكِينَ كُلَّ مِسْكِينٍ أَلْفَ مَنٍّ مِنْ الْحِنْطَةِ عَنْ كَفَّارَةِ الْأَيْمَانِ لَا يَجُوزُ إلَّا عَنْ كَفَّارَةٍ وَاحِدَةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَكَذَا فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ، وَفِي نُسْخَةِ الْإِمَامِ السَّرَخْسِيِّ لَوْ أَطْعَمَ خَمْسَةَ مَسَاكِينَ وَكَسَا خَمْسَةَ مَسَاكِينَ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ عَنْ الطَّعَامِ إنْ كَانَ الطَّعَامُ أَرْخَصَ مِنْ الْكِسْوَةِ، وَعَلَى الْقَلْبِ لَا يَجُوزُ وَهَذَا فِي طَعَامِ الْإِبَاحَةِ أَمَّا إذَا مَلَّكَ الطَّعَامَ فَيَجُوزُ وَيَقُومُ مَقَامَ الْكِسْوَةِ وَلَوْ أَدَّى إلَى مِسْكِينٍ مُدًّا مِنْ حِنْطَةٍ وَنِصْفَ صَاعٍ مِنْ شَعِيرٍ يَجُوزُ اهـ. وَخَرَجَ السَّرَاوِيلُ بِقَوْلِهِ بِمَا يَسْتُرُ عَامَّةَ الْبَدَنِ وَصَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ؛ لِأَنَّ لَابِسَهُ يُسَمَّى عُرْيَانًا فِي الْعُرْفِ وَلِذَا قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ لَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا مِنْ غَزْلِ فُلَانَةَ فَلَبِسَ مِنْ غَزْلِهَا سَرَاوِيلَ لَمْ يَحْنَثْ فِي يَمِينِهِ لَكِنْ مَا لَا يُجْزِئُهُ عَنْ الْكِسْوَةِ يُجْزِئُهُ عَنْ الطَّعَامِ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ فَلَا بُدَّ أَنْ يُعْطِيَهُ قَمِيصًا، أَوْ جُبَّةً، أَوْ إزَارًا أَوْ قَبَاءً سَابِلًا بِحَيْثُ يَتَوَشَّحُ بِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَإِلَّا فَهُوَ كَالسَّرَاوِيلِ وَلَا تُجْزِئُ الْعِمَامَةُ إلَّا أَنَّهُ إنْ أَمْكَنَ أَنْ يُتَّخَذَ مِنْهَا ثَوْبٌ يُجْزِئُ مِمَّا ذَكَرْنَا جَازَ أَمَّا الْقَلَنْسُوَةُ فَلَا تُجْزِئُ بِحَالٍ قَالَ الطَّحَاوِيُّ هَذَا كُلُّهُ إذَا دَفَعَ إلَى الرَّجُلِ أَمَّا إذَا دَفَعَ إلَى الْمَرْأَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْخِمَارِ مَعَ الثَّوْبِ؛ لِأَنَّ صَلَاتَهَا لَا تَصِحُّ بِدُونِهِ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: وَهَذَا يُشَابِهُ الرِّوَايَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي دَفْعِ السَّرَاوِيلِ أَنَّهُ لِلْمَرْأَةِ لَا يَكْفِي وَهَذَا كُلُّهُ خِلَافُ ظَاهِرِ الْجَوَابِ، وَإِنَّمَا ظَاهِرُ الْجَوَابِ مَا يَثْبُتُ بِهِ اسْمُ الْمُكْتَسِي وَيَنْتَفِي عَنْهُ اسْمُ الْعُرْيَانِ وَعَلَيْهِ بُنِيَ عَدَمُ إجْزَاءِ السَّرَاوِيلِ لَا صِحَّةُ الصَّلَاةِ وَعَدَمُهَا فَإِنَّهُ لَا دَخْلَ لَهُ فِي الْأَمْرِ بِالْكِسْوَةِ؛ إذْ لَيْسَ مَعْنَاهُ إلَّا جَعْلَ الْفَقِيرِ مُكْتَسِيًا اهـ. وَفِي الْخُلَاصَةِ: وَفِي الثَّوْبِ يُعْتَبَرُ حَالُ الْقَابِضِ إنْ كَانَ يَصْلُحُ لِلْقَابِضِ يَجُوزُ   [منحة الخالق] كَلَامَهُ فَإِنَّهُ ظَاهِرُ النَّقْلِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَالنَّقْلُ يَجِبُ اتِّبَاعُهُ اهـ. أَقُولُ: مُرَادُ الْمَقْدِسِيَّ بِقَوْلِهِ لَا يَكُونُ يَمِينًا أَيْ عَلَى الْإِثْبَاتِ كَمَا هُوَ مُرَادُ الْحَالِفِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِمْ فِيهَا أَيْ عَلَى تَقْدِيرِ تَرْكِ ذَلِكَ الشَّيْءِ وَمَا اعْتَرَضَهُ الرَّمْلِيُّ فِيهِ نَظَرٌ: أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ جُمْلَةِ اللَّحْنِ فَقَدْ فَسَّرَهُ فِي الْقَامُوسِ بِالْخَطَأِ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ مُرَادَهُ بِالِاسْتِشْهَادِ بِمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ جَعَلَهُ يَمِينًا مَعَ النِّيَّةِ مَعَ أَنَّهُ مُثْبَتٌ، وَحَرْفَ التَّوْكِيدِ مَفْقُودٌ فِيهِ هَذَا وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: مَا بَحَثَهُ الْمَقْدِسِيَّ وَجِيهٌ وَقَوْلُ بَعْضِ النَّاسِ إنَّهُ يُصَادِمُ الْمَنْقُولَ يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ الْمَنْقُولَ فِي الْمَذْهَبِ كَانَ عَلَى عُرْفِ صَدْرِ الْإِسْلَامِ قَبْلَ أَنْ تَتَغَيَّرَ اللُّغَةُ وَأَمَّا الْآنَ فَلَا يَأْتُونَ بِاللَّامِ وَالنُّونِ فِي مُثْبَتِ الْقَسَمِ أَصْلًا وَيُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْإِثْبَاتِ وَالنَّفْيِ بِوُجُودِ لَا وَعَدَمِهَا، وَمَا اصْطِلَاحُهُمْ عَلَى هَذَا إلَّا كَاصْطِلَاحِ لُغَةِ الْفُرْسِ وَنَحْوِهَا فِي الْأَيْمَانِ لِمَنْ تَدَبَّرَ. (قَوْلُهُ: قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إلَخْ) يُوهِمُ أَنَّ مُرَادَ صَاحِبِ الْفَتْحِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لِلْمَرْأَةِ الْخِمَارُ مَعَ الثَّوْبِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا مُرَادُهُ أَنَّ التَّعْلِيلَ الْمَذْكُورَ لَا يَصِحُّ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَأَنَّهُ يَكْفِي فِي الْخِمَارِ أَنْ يَسْتُرَ الرَّأْسَ، وَإِنْ لَمْ تَصِحَّ بِهِ الصَّلَاةُ يَدُلُّ عَلَيْهِ بَاقِي عِبَارَةِ الْفَتْحِ حَيْثُ قَالَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 314 وَإِلَّا فَلَا وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: إنْ كَانَ يَصْلُحُ لِأَوْسَاطِ النَّاسِ يَجُوزُ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: وَهَذَا أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ وَلَوْ أَعْطَى ثَوْبًا خَلِيقًا عَنْ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ إنْ أَمْكَنَ الِانْتِفَاعُ بِهِ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ مُدَّةِ الْجَدِيدِ يَعْنِي أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ جَازَ اهـ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ لِصِحَّةِ التَّكْفِيرِ فِي الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَأَنَّ مَصْرِفَهَا مَصْرِفُ الزَّكَاةِ قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ كُلُّ مَنْ لَا يَجُوزُ صَرْفُ الزَّكَاةِ إلَيْهِ لَا يَجُوزُ صَرْفُ الْكَفَّارَةِ إلَيْهِ فَلَا يُعْطِيهَا لِأَبِيهِ، وَإِنْ عَلَا وَلَا لِوَلَدِهِ، وَإِنْ سَفَلَ وَكَذَا الصَّدَقَةُ الْمَنْذُورَةُ وَلَوْ أَعْطَى كَفَّارَةَ يَمِينِهِ لِامْرَأَتِهِ وَهِيَ أَمَةٌ لِغَيْرِهِ وَمَوْلَاهَا فَقِيرٌ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ تَتِمُّ بِقَبُولِهَا لَا بِقَبُولِ الْمَوْلَى وَهِيَ لَيْسَتْ بِمَحَلٍّ لِأَدَاءِ كَفَّارَتِهِ فَلَا يَجُوزُ كَمَا لَوْ أَعْطَى أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَهُمَا مَمْلُوكَانِ لِفَقِيرٍ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ اهـ. وَيَرِدُ عَلَى الْكُلِّيَّةِ الْمَذْكُورَةِ الدَّفْعُ إلَى الذِّمِّيِّ فَإِنَّهُ جَائِزٌ فِي الْكَفَّارَةِ دُونَ الزَّكَاةِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ أَيْضًا لَوْ أَعْطَى فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ عَشَرَةَ مَسَاكِينَ كُلَّ مِسْكِينٍ مُدًّا مُدًّا ثُمَّ اسْتَغْنَوْا، ثُمَّ افْتَقَرُوا ثُمَّ أَعَادَ عَلَيْهِمْ مُدًّا مُدًّا عَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ لَمَّا اسْتَغْنَوْا صَارُوا بِحَالٍ لَا يَجُوزُ دَفْعُ الْكَفَّارَةِ إلَيْهِمْ فَبَطَلَ مَا أَدَّى كَمَا لَوْ أَدَّى إلَى مُكَاتَبٍ مُدًّا، ثُمَّ رَدَّهُ فِي الرِّقِّ، ثُمَّ كُوتِبَ ثَانِيًا، ثُمَّ أَعْطَاهُ مُدًّا لَا يَجُوزُ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ عَجَزَ عَنْ أَحَدِهَا صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَةً) أَيْ إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْإِعْتَاقِ وَالْإِطْعَامِ وَالْكِسْوَةِ كَفَّرَ بِالصَّوْمِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ} [البقرة: 196] وَشَرَطْنَا التَّتَابُعَ عَمَلًا بِقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ مُتَتَابِعَاتٍ وَقِرَاءَتُهُ كَرِوَايَتِهِ وَهِيَ مَشْهُورَةٌ جَازَ الزِّيَادَةُ بِهَا عَلَى الْقَطْعِيِّ الْمُطْلَقِ وَأَشَارَ بِالْعَجْزِ إلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ عِنْدَهُ وَاحِدٌ مِنْ الْأَصْنَافِ الثَّلَاثَةِ لَا يَجُوزُ لَهُ الصَّوْمُ، وَإِنْ كَانَ مُحْتَاجًا إلَيْهِ فَفِي الْخَانِيَّةِ وَلَا يَجُوزُ التَّكْفِيرُ بِالصَّوْمِ إلَّا لِمَنْ عَجَزَ عَمَّا سِوَى الصَّوْمِ فَلَا يَجُوزُ لِمَنْ يَمْلِكُ مَا هُوَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الْكَفَّارَةِ، أَوْ يَمْلِكُ بَدَلَهُ فَوْقَ الْكَفَافِ، وَالْكَفَافُ مَنْزِلٌ يَسْكُنُهُ وَثَوْبٌ يَلْبَسُهُ وَيَسْتُرُ عَوْرَتَهُ وَقُوتُ يَوْمِهِ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ قَالَ قُوتُ شَهْرٍ، وَإِنْ كَانَ لَهُ عَبْدٌ وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَى الْخِدْمَةِ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّكْفِيرُ بِالصَّوْمِ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الْإِعْتَاقِ وَمَنْ مَلَكَ مَالًا وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مِثْلُ ذَلِكَ وَوَجَبَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ فَقَضَى دَيْنَهُ بِذَلِكَ الْمَالِ جَازَ لَهُ التَّكْفِيرُ بِالصَّوْمِ، وَإِنْ صَامَ قَبْلَ قَضَاءِ الدَّيْنِ اخْتَلَفُوا فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ يَجُوزُ لَهُ الصَّوْمُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجُوزُ، وَفِي الْكِتَابِ إشَارَةٌ إلَى الْقَوْلَيْنِ وَلَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ غَائِبٌ، أَوْ دَيْنٌ عَلَى رَجُلٍ وَلَيْسَ فِي يَدِهِ مَا يُكَفِّرُ عَنْ يَمِينِهِ جَازَ لَهُ الصَّوْمُ قَالَ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْمَالُ الْغَائِبُ عَبْدًا فَإِنْ كَانَ عَبْدًا يَجُوزُ فِي الْكَفَّارَةِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّكْفِيرُ بِالصَّوْمِ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الْإِعْتَاقِ اهـ. وَفِي الْمُجْتَبَى ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ إذَا فَضَلَ عَنْ حَاجَتِهِ قَدْرُ مَا يُكَفِّرُ بِهِ لَا يَجُوزُ لَهُ الصَّوْمُ اهـ. وَالِاعْتِبَارُ فِي الْعَجْزِ وَعَدَمِهِ وَقْتُ الْأَدَاءِ لَا وَقْتُ الْحِنْثِ فَلَوْ حَنِثَ وَهُوَ مُعْسِرٌ، ثُمَّ أَيْسَرَ لَا يَجُوزُ لَهُ الصَّوْمُ، وَفِي عَكْسِهِ يَجُوزُ وَيُشْتَرَطُ اسْتِمْرَارُ الْعَجْزِ إلَى وَقْتِ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّوْمِ فَلَوْ صَامَ الْمُعْسِرُ يَوْمَيْنِ، ثُمَّ أَيْسَرَ لَا يَجُوزُ لَهُ الصَّوْمُ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ. وَقَيَّدَ بِالتَّتَابُعِ لِأَنَّهُ لَوْ صَامَ الثَّلَاثَةَ مُتَفَرِّقَةً لَا يَجُوزُ لَهُ وَلَمْ يَسْتَثْنِ الْعُذْرَ لِمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَلَوْ حَاضَتْ الْمَرْأَةُ فِي الثَّلَاثَةِ اسْتَقْبَلَتْ بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الْفِطْرِ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِالْعَجْزِ إلَى أَنَّ الْعَبْدَ إذَا حَنِثَ لَا يُكَفِّرُ إلَّا بِالصَّوْمِ؛ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ الثَّلَاثَةِ وَلَوْ أَعْتَقَ عَنْهُ مَوْلَاهُ أَوْ أَطْعَمَ، أَوْ كَسَا لَا يُجْزِئُهُ وَكَذَا الْمُكَاتَبُ وَالْمُسْتَسْعَى وَلَوْ صَامَ الْعَبْدُ فَعَتَقَ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ وَلَوْ بِسَاعَةٍ فَأَصَابَ مَالًا وَجَبَ عَلَيْهِ اسْتِئْنَافُ الْكَفَّارَةِ بِالْمَالِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِي الْمُجْتَبَى: كَفَّرَ بِالصَّوْمِ، وَفِي مِلْكِهِ رَقَبَةٌ، أَوْ ثِيَابٌ أَوْ طَعَامٌ قَدْ نَسِيَهُ قِيلَ يُجْزِئُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ وَفِي الْجَامِعِ الْأَصْغَرِ وَهَبَ مَالَهُ وَسَلَّمَهُ، ثُمَّ صَامَ، ثُمَّ رَجَعَ بِالْهِبَةِ أَجْزَأَهُ الصَّوْمُ وَالْمُعْتَبَرُ فِي التَّكْفِيرِ حَالُ الْأَدَاءِ لَا غَيْرُ اهـ. وَهَذَا يُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِمْ إنَّ الرُّجُوعَ فِي الْهِبَةِ فَسْخٌ مِنْ الْأَصْلِ وَفِي الْمُجْتَبَى أَيْضًا بَذَلَ ابْنُ الْمُعْسِرِ لِأَبِيهِ مَالًا لِيُكَفِّرَ بِهِ لَا تَثْبُتُ الْقُدْرَةُ بِهِ إجْمَاعًا. (قَوْلُهُ: وَلَا يُكَفِّرُ   [منحة الخالق] وَالْمَرْأَةُ إذَا كَانَتْ لَابِسَةً قَمِيصًا سَابِلًا، أَوْ إزَارًا، أَوْ خِمَارًا غَطَّى رَأْسَهَا وَأُذُنَيْهَا دُونَ عُنُقِهَا لَا شَكَّ فِي ثُبُوتِ اسْمِ أَنَّهَا مُكْتَسِيَةٌ لَا عُرْيَانَةُ وَمَعَ هَذَا لَا تَصِحُّ صَلَاتُهَا فَالْعِبْرَةُ بِثُبُوتِ ذَلِكَ الِاسْمِ صَحَّتْ الصَّلَاةُ، أَوْ لَا اهـ. (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: وَإِنْ عَجَزَ عَنْ أَحَدِهَا إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ يَعْنِي التَّحْرِيرَ وَالْإِطْعَامَ وَالْكِسْوَةَ جَمِيعًا لَا عَنْ بَعْضِهَا فَإِنَّهُ إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى وَاحِدٍ مِنْ الثَّلَاثِ لَا يَصُومُ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ أَحَدٌ دَائِرًا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ " الْإِعْتَاقِ وَالْإِطْعَامِ وَالْكِسْوَةِ " فَبَطَلَ اعْتِرَاضُ مَنْ اعْتَرَضَ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 315 قَبْلَ الْحِنْثِ) أَيْ لَا يَصِحُّ التَّكْفِيرُ قَبْلَ الْحِنْثِ فِي الْيَمِينِ سَوَاءٌ كَانَ بِالْمَالِ، أَوْ بِالصَّوْمِ؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ لِسَتْرِ الْجِنَايَةِ وَلَا جِنَايَةَ، وَالْيَمِينُ لَيْسَتْ بِسَبَبٍ لِأَنَّهَا مَانِعَةٌ مِنْ الْحِنْثِ غَيْرُ مُفْضِيَةٍ إلَيْهِ بِخِلَافِ التَّكْفِيرِ بَعْدَ الْجَرْحِ قَبْلَ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّهُ مُفْضٍ، ثُمَّ إذَا كَفَّرَ قَبْلَهُ لَا يَسْتَرِدُّهُ مِنْ الْفَقِيرِ لِوُقُوعِهِ صَدَقَةً. وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ مَسْأَلَةَ تَعْدَادِ الْكَفَّارَةِ لِتَعَدُّدِ الْيَمِينِ وَهِيَ مُهِمَّةٌ قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ وَالرَّحْمَنِ وَالرَّحِيمِ لَا أَفْعَلُ كَذَا فَفَعَلَ فَفِي الرِّوَايَاتِ الظَّاهِرَةِ يَلْزَمُهُ ثَلَاثُ كَفَّارَاتٍ وَيَتَعَدَّدُ الْيَمِينُ بِتَعَدُّدِ الِاسْمِ لَكِنْ يُشْتَرَطُ تَخَلُّلُ حَرْفِ الْقَسَمِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ عَلَيْهِ كَفَّارَةً وَاحِدَةً وَبِهِ أَخَذَ مَشَايِخُ سَمَرْقَنْدَ وَأَكْثَرُ الْمَشَايِخِ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَلَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ وَالرَّحْمَنِ لَا أَفْعَلُ كَذَا فَفَعَلَ يَلْزَمُهُ كَفَّارَتَانِ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا وَالْفَرْقُ عَلَى قَوْلِ أُولَئِكَ الْمَشَايِخِ أَنَّ الْوَاوَ إذَا اتَّحَدَ ذِكْرُهُ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ وَاوَ عَطْفٍ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ وَاوَ الْقَسَمِ وَلَا يَثْبُتُ الْقَسَمُ بِالشَّكِّ وَالِاحْتِمَالِ بِخِلَافِ مَا إذَا تَعَدَّدَ ذِكْرُهُ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا لِلْعَطْفِ وَالْآخَرَ لِلْقَسَمِ وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ وَاَللَّهِ يَتَعَدَّدُ الْيَمِينُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ فِي الِاسْمِ الْوَاحِدِ لَا يَتَعَدَّدُ الْيَمِينُ وَلَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ اللَّهِ، أَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ الرَّحْمَنِ تَكُونُ يَمِينًا وَاحِدَةً اهـ. وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ إذَا أَدْخَلَ بَيْنَ اسْمَيْنِ حَرْفَ عَطْفٍ كَانَا يَمِينَيْنِ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ حَرْفِ الْعَطْفِ كَانَ عَلَى سَبِيلِ الصِّفَةِ وَالتَّأْكِيدِ تَكُونُ يَمِينًا وَاحِدَةً اهـ. وَفِي الْخُلَاصَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْأَصْلِ إذَا حَلَفَ عَلَى أَمْرٍ أَنْ لَا يَفْعَلَهُ، ثُمَّ حَلَفَ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ، أَوْ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ أَنْ لَا يَفْعَلَهُ أَبَدًا، ثُمَّ فَعَلَهُ إنْ نَوَى يَمِينًا مُبْتَدَأً، أَوْ التَّشْدِيدَ أَوْ لَمْ يَنْوِ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينَيْنِ أَمَّا إذَا نَوَى بِالثَّانِي الْأَوَّلَ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ. وَفِي التَّجْرِيدِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا حَلَفَ بِأَيْمَانٍ فَعَلَيْهِ لِكُلِّ يَمِينٍ كَفَّارَةٌ وَالْمَجْلِسُ وَالْمَجَالِسُ سَوَاءٌ وَلَوْ قَالَ: عَنَيْتُ بِالثَّانِي الْأَوَّلَ لَمْ يَسْتَقِمْ ذَلِكَ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَلَوْ حَلَفَ بِحَجَّةٍ، أَوْ عُمْرَةٍ يَسْتَقِيمُ وَفِي الْأَصْلِ أَيْضًا وَلَوْ قَالَ هُوَ يَهُودِيٌّ هُوَ نَصْرَانِيٌّ إنْ فَعَلَ كَذَا يَمِينٌ وَاحِدَةٌ وَلَوْ قَالَ: هُوَ يَهُودِيٌّ إنْ فَعَلَ كَذَا هُوَ نَصْرَانِيٌّ إنْ فَعَلَ كَذَا فَهُمَا يَمِينَانِ، وَفِي النَّوَازِلِ قَالَ لِآخَرَ: وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُهُ يَوْمًا، وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُهُ شَهْرًا، وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُهُ سَنَةً إنْ كَلَّمَهُ بَعْدَ سَاعَةٍ فَعَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَيْمَانٍ، وَإِنْ كَلَّمَهُ بَعْدَ الْغَدِ فَعَلَيْهِ يَمِينَانِ، وَإِنْ كَلَّمَهُ بَعْدَ الشَّهْرِ فَعَلَيْهِ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ كَلَّمَهُ بَعْدَ سَنَةٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ اهـ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: وَعُرِفَ فِي الطَّلَاقِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهَا: إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْت طَالِقٌ إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْت طَالِقٌ إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْت طَالِقٌ فَدَخَلَتْ وَقَعَ ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ. . (قَوْلُهُ: وَمَنْ حَلَفَ عَلَى مَعْصِيَةٍ يَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ) بَيَانٌ لِبَعْضِ أَحْكَامِ الْيَمِينِ وَحَاصِلُهَا أَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ أَنْوَاعٌ: فِعْلُ مَعْصِيَةٍ، أَوْ تَرْكُ فَرْضٍ فَالْحِنْثُ وَاجِبٌ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ يَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ أَيْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحِنْثُ لِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ» . وَحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ أَيْضًا «وَإِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ» ، ثُمَّ الْيَمِينُ فِي الْحَدِيثِ بِمَعْنَى الْمُقْسَمِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْيَمِينِ جُمْلَتَانِ إحْدَاهُمَا مُقْسَمٌ بِهِ وَالْأُخْرَى مُقْسَمٌ عَلَيْهِ فَذُكِرَ الْكُلُّ وَأُرِيدَ الْبَعْضُ وَقِيلَ ذُكِرَ اسْمُ الْحَالِ وَأُرِيدَ الْمَحَلُّ؛ لِأَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ مَحَلُّ الْيَمِينِ وَلِأَنَّ فِيمَا قُلْنَاهُ تَفْوِيتَ الْبِرِّ إلَى جَابِرٍ وَهُوَ الْكَفَّارَةُ وَلَا جَابِرَ لِلْمَعْصِيَةِ فِي ضِدِّهِ. وَأَطْلَقَ فِي الْمَعْصِيَةِ فَشَمِلَ النَّفْيَ وَالْإِثْبَاتَ فَالْأَوَّلُ مِثْلُ أَنْ لَا يُصَلِّيَ، أَوْ لَا يُكَلِّمَ أَبَاهُ فَيَجِبَ الْحِنْثُ بِالصَّلَاةِ وَكَلَامِ الْأَبِ، وَالثَّانِي نَحْوُ لَيَقْتُلَنَّ فُلَانًا كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الْيَمِينُ مُوَقَّتَةً بِوَقْتٍ كَالْيَوْمِ وَغَدًا لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مُطْلَقَةً لَمْ يُتَصَوَّرْ الْحِنْثُ بِاخْتِيَارِهِ لِأَنَّهُ لَا يَحْنَثُ إلَّا فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ فَيُوصِي بِالْكَفَّارَةِ حِينَئِذٍ إذَا هَلَكَ الْحَالِفُ وَيُكَفِّرُ عَنْ يَمِينِهِ إذَا هَلَكَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ شَيْئًا غَيْرَهُ أَوْلَى مِنْهُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الْيَمِينُ مُؤَقَّتَةً بِوَقْتٍ إلَخْ) هَذَا خَاصٌّ بِالثَّانِي أَعْنِي الْإِثْبَاتَ أَمَّا النَّفْيُ مِثْلُ لَا يُصَلِّي فَيُتَصَوَّرُ الْحِنْثُ قَبْلَ مَوْتِهِ بِأَنْ يُصَلِّيَ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 316 كَالْحَلِفِ عَلَى تَرْكِ وَطْءِ زَوْجَتِهِ شَهْرًا، أَوْ نَحْوَهُ فَالْحِنْثُ أَفْضَلُ لِأَنَّ الرِّفْقَ أَيْمَنُ وَدَلِيلُهُ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّ عَبْدَهُ، وَهُوَ يَسْتَأْهِلُ ذَلِكَ أَوْ لَيَشْكُوَنَّ مَدْيُونَهُ إنْ لَمْ يُوَافِهِ غَدًا؛ لِأَنَّ الْعَفْوَ أَفْضَلُ وَكَذَا تَيْسِيرُ الْمُطَالَبَةِ. الثَّالِثُ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى شَيْءٍ وَضِدُّهُ مِثْلُهُ كَالْحَلِفِ لَا يَأْكُلُ هَذَا الْخُبْزَ، أَوْ لَا يَلْبَسُ هَذَا الثَّوْبَ فَالْبِرُّ فِي هَذَا وَحِفْظُ الْيَمِينِ أَوْلَى وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ إنَّهُ وَاجِبُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} [المائدة: 89] عَلَى مَا هُوَ الْمُخْتَارُ فِي تَأْوِيلِهَا أَنَّهُ الْبِرُّ فِيهَا أَمْكَنَ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْقِسْمَ الرَّابِعَ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ يَجِبُ فِعْلُهُ قِيلَ: الْيَمِينُ كَحَلِفِهِ لَيُصَلِّيَنَّ الظُّهْرَ الْيَوْمَ لِظُهُورِ أَنَّ الْبِرَّ فَرْضٌ وَمِنْهُ إذَا كَانَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ تَرْكَ مَعْصِيَةٍ فَإِنَّ الْبِرَّ وَاجِبٌ فَيَثْبُتُ وُجُوبَانِ لِأَمْرَيْنِ الْفِعْلُ وَالْبِرُّ فَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ إمَّا فِعْلٌ أَوْ تَرْكٌ وَكُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ مَعْصِيَةً أَوْ وَاجِبًا، أَوْ هُوَ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ أَوْ غَيْرُهُ أَوْلَى مِنْهُ، أَوْ مُسْتَوِيَانِ وَقَدْ عَلِمْت أَحْكَامَ الْعَشَرَةِ. . (قَوْلُهُ: وَلَا كَفَّارَةَ عَلَى كَافِرٍ، وَإِنْ حَنِثَ مُسْلِمًا) لِمَا قَدَّمْنَا أَنَّ شَرْطَ انْعِقَادِهَا الْإِسْلَامُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْيَمِينِ؛ لِأَنَّهَا تُعْقَدُ لِتَعْظِيمِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَعَ الْكُفْرِ لَا يَكُونُ مُعَظِّمًا وَلَا هُوَ لِلْكَفَّارَةِ أَهْلٌ وَدَلِيلُهُ قَوْله تَعَالَى {إِنَّهُمْ لا أَيْمَانَ لَهُمْ} [التوبة: 12] ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: بَعْدَهُ {نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ} [التوبة: 12] فَيَعْنِي صُورَةَ الْأَيْ مَانِ الَّتِي أَظْهَرُوهَا. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّأْوِيلِ أَمَّا فِي {لا أَيْمَانَ لَهُمْ} [التوبة: 12] كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ: إنَّ الْمُرَادَ لَا إيفَاءَ لَهُمْ بِهَا، أَوْ فِي نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ: إنَّ الْمُرَادَ مَا هُوَ صُورَةُ الْأَيْمَانِ دُونَ حَقِيقَتِهَا الشَّرْعِيَّةِ وَيُرَجَّحُ الثَّانِي بِالْفِقْهِ وَهُوَ أَنَّا نَعْلَمُ مَنْ كَانَ أَهْلًا لِلْيَمِينِ يَكُونُ أَهْلًا لِلْكَفَّارَةِ وَلَيْسَ الْكَافِرُ أَهْلًا لَهَا، أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْمُرْتَدَّ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ الْكُفْرَ يُبْطِلُ الْيَمِينَ فَلَوْ حَلَفَ مُسْلِمًا، ثُمَّ ارْتَدَّ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى، ثُمَّ أَسْلَمَ، ثُمَّ حَنِثَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بَعْدَ الْإِسْلَامِ وَلَا قَبْلَهُ قَالُوا: وَلَوْ نَذَرَ الْكَافِرُ بِمَا هُوَ قُرْبَةٌ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَأَمَّا تَحْلِيفُهُ الْقَاضِيَ وَقَوْلُهُ: - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «تُبَرِّئُكُمْ يَهُودُ بِخَمْسِينَ يَمِينًا» فَالْمُرَادُ كَمَا قُلْنَا صُورَةُ الْأَيْمَانِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا رَجَاءُ النُّكُولِ؛ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ فِي نَفْسِهِ تَعْظِيمَ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنْ كَانَ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ وَلَا يُثَابُ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِمْ وَمَعَ الْكُفْرِ لَا يَكُونُ مُعَظِّمًا. . (قَوْلُهُ: وَمَنْ حَرَّمَ مِلْكَهُ لَمْ يَحْرُمْ) أَيْ لَا يَصِيرُ حَرَامًا عَلَيْهِ لِذَاتِهِ؛ لِأَنَّهُ قَلْبُ الْمَشْرُوعِ وَتَغْيِيرُهُ وَلَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ بَلْ اللَّهُ تَعَالَى هُوَ الْمُتَصَرِّفُ فِي ذَلِكَ بِالتَّبْدِيلِ وَغَيْرِهِ إنْ اسْتَبَاحَهُ كَفَّرَ أَيْ عَامَلَهُ مُعَامَلَةَ الْمُبَاحِ بِأَنْ فَعَلَ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: 1] الْآيَتَيْنِ فَبَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ نَبِيَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حَرَّمَ شَيْئًا مِمَّا هُوَ حَلَالٌ وَأَنَّهُ فَرَضَ لَهُ تَحِلَّتَهُ فَعَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ {تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 2] فَعُلِمَ أَنَّ تَحْرِيمَ الْحَلَالِ يَمِينٌ مُوجِبٌ لِلْكَفَّارَةِ وَمَا فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ مِنْ أَنَّهُ يَحْلِفُ صَرِيحًا فَلَيْسَ هُوَ فِي الْآيَةِ وَلَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ إلَى آخِرِ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَوْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ بَدَلَ الْمِلْكِ الشَّيْءَ بِأَنْ قَالَ: وَمَنْ حَرَّمَ شَيْئًا ثُمَّ فَعَلَهُ كَفَّرَ لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ الْأَعْيَانَ وَالْأَفْعَالَ وَمِلْكَهُ وَمِلْكَ غَيْرِهِ وَمَا كَانَ حَلَالًا وَمَا كَانَ حَرَامًا فَيَدْخُلَ فِيهِ مَا إذَا قَالَ كَلَامُك عَلَيَّ حَرَامٌ، أَوْ مَعِي أَوْ الْكَلَامُ مَعَك حَرَامٌ كَمَا فِي الْمُبْتَغَى وَكَذَا إذَا قَالَ دُخُولُ هَذَا الْمَنْزِلِ عَلَيَّ حَرَامٌ وَنَحْوَهُ كَمَا فِي الْمُجْتَبَى وَلَوْ قَالَ لِقَوْمٍ: كَلَامُكُمْ عَلَيَّ حَرَامٌ أَيَّهُمْ كَلَّمَ حَنِثَ، وَفِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ وَكَذَا كَلَامُ فُلَانٍ وَفُلَانٍ عَلَيَّ حَرَامٌ يَحْنَثُ بِكَلَامِ أَحَدِهِمَا وَكَذَا كَلَامُ أَهْلِ بَغْدَادَ وَكَذَا أَكْلُ هَذَا الرَّغِيفِ عَلَيَّ حَرَامٌ يَحْنَثُ بِأَكْلِ لُقْمَةٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُهُمْ لَا يَحْنَثُ حَتَّى يُكَلِّمَهُمْ. وَفِي الْخُلَاصَةِ لَوْ قَالَ: هَذَا الرَّغِيفُ عَلَيَّ حَرَامٌ حَنِثَ بِأَكْلِ لُقْمَةٍ، وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ قَالَ مَشَايِخُنَا: الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ حَانِثًا لِأَنَّ قَوْلَهُ هَذَا الرَّغِيفُ عَلَيَّ حَرَامٌ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَا آكُلُ هَذَا الرَّغِيفَ وَلَوْ قَالَ هَكَذَا لَمْ يَحْنَثْ بِأَكْلِ الْبَعْضِ اهـ. مَعَ أَنَّ حُرْمَةَ الْعَيْنِ الْمُرَادُ مِنْهَا تَحْرِيمُ الْفِعْلِ فَإِذَا قَالَ هَذَا الطَّعَامُ عَلَيَّ حَرَامٌ فَالْمُرَادُ أَكْلُهُ وَكَذَا إذَا قَالَ هَذَا الثَّوْبُ   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 317 عَلَيَّ حَرَامٌ فَالْمُرَادُ لُبْسُهُ إلَّا إذَا نَوَى غَيْرَهُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَلَوْ قَالَ لِدَرَاهِمَ فِي يَدِهِ هَذِهِ الدَّرَاهِمُ عَلَيَّ حَرَامٌ إنْ اشْتَرَى بِهَا حَنِثَ، وَإِنْ تَصَدَّقَ بِهَا أَوْ وَهَبَهَا لَمْ يَحْنَثْ بِحُكْمِ الْعُرْفِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ وَلَا خُصُوصِيَّةَ لِلدَّرَاهِمِ بَلْ لَوْ وَهَبَ مَا جَعَلَهُ حَرَامًا، أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّحْرِيمِ حُرْمَةُ الِاسْتِمْتَاعِ، وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ مَالِي عَلَيَّ حَرَامٌ فَأَنْفَقَ مِنْهُ شَيْئًا حَنِثَ وَكَذَا مَالُ فُلَانٍ عَلَيَّ حَرَامٌ فَأَكَلَ مِنْهُ، أَوْ أَنْفَقَ حَنِثَ وَيَدْخُلُ فِيهِ مَا إذَا قَالَ هَذَا الطَّعَامُ عَلَيَّ حَرَامٌ لِطَعَامٍ لَا يَمْلِكُهُ فَيَصِيرُ بِهِ حَالِفًا حَتَّى لَوْ أَكَلَهُ حَلَالًا أَوْ حَرَامًا لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ إلَّا إذَا قَصَدَ بِهِ الْإِخْبَارَ عَنْهَا وَهُوَ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا وَيَدْخُلُ فِيهِ أَيْضًا مَا إذَا قَالَ: هَذِهِ الْخَمْرُ عَلَيَّ حَرَامٌ فَإِذَا شَرِبَهُ كَفَّرَ فَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ مِنْ فَصْلِ الْأَكْلِ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ إذَا قَالَ: الْخَمْرُ عَلَيَّ حَرَامٌ، أَوْ الْخِنْزِيرُ عَلَيَّ حَرَامٌ كَانَ يَمِينًا حَتَّى إذَا فَعَلَهُ كَفَّرَ وَذَكَرَ فِي فَصْلِ تَحْرِيمِ الْحَلَالِ إذَا قَالَ: هَذِهِ الْخَمْرُ عَلَيَّ حَرَامٌ فِيهِ قَوْلَانِ وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ يُنْوَى فِي ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَ بِهِ الْخَبَرَ لَا تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ. وَإِنْ أَرَادَ بِهِ الْيَمِينَ تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ وَعِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ لَا تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ اهـ. وَعَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِمَنْ الْمُفِيدَةِ لِلْعُمُومِ لِيَشْمَلَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى فَلِذَا قَالَ فِي الْمُجْتَبَى وَالْخُلَاصَةِ قَالَتْ لِزَوْجِهَا: أَنْت عَلَيَّ حَرَامٌ، أَوْ قَالَتْ: حَرَّمْتُكَ عَلَى نَفْسِي فَيَمِينٌ حَتَّى لَوْ طَاوَعَتْهُ فِي الْجِمَاعِ، أَوْ أَكْرَهَهَا لَزِمَتْهَا الْكَفَّارَةُ بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ فَأُدْخِلَ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ اهـ. وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِ حَرَّمَهُ عَلَى نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَعَلَ حُرْمَتَهُ مُعَلَّقَةً عَلَى فِعْلِهِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ لِمَا فِي الْخُلَاصَةِ لَوْ قَالَ: إنْ أَكَلْتُ هَذَا الطَّعَامَ فَهُوَ عَلَيَّ حَرَامٌ فَأَكَلَهُ لَا حِنْثَ عَلَيْهِ، وَفِي الْمُحِيطِ، وَفِي الْمُنْتَقَى إذَا قَالَ لِغَيْرِهِ كُلُّ طَعَامٍ آكُلُهُ فِي مَنْزِلِك فَهُوَ عَلَيَّ حَرَامٌ فَفِي الْقِيَاسِ لَا يَحْنَثُ إذَا أَكَلَهُ هَكَذَا رَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَحْنَثُ وَالنَّاسُ يُرِيدُونَ بِهَذَا أَنَّ أَكْلَهُ حَرَامٌ، وَفِي الْحِيَلِ: إنْ أَكَلْت عِنْدَك طَعَامًا أَبَدًا فَهُوَ حَرَامٌ فَأَكَلَهُ لَمْ يَحْنَثْ اهـ. وَفِي الْقُنْيَةِ: إنْ دَخَلْت عَلَيْك فَمَا أَخَذْت بِيَمِينِي فَحَرَامٌ فَإِنْ دَخَلَ عَلَيْهِ صَارَ يَمِينًا فَإِنْ مَلَكَ شَيْئًا وَلَوْ شَرْبَةَ مَاءٍ تَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ اهـ. . (قَوْلُهُ: كُلُّ حِلٍّ عَلَيَّ حَرَامٌ فَهُوَ عَلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ) وَالْقِيَاسُ أَنْ يَحْنَثَ كَمَا فُرِّعَ؛ لِأَنَّهُ بَاشَرَ فِعْلًا مُبَاحًا وَهُوَ التَّنَفُّسُ وَنَحْوُهُ وَهَذَا قَوْلُ زُفَرَ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمَقْصُودَ وَهُوَ الْبِرُّ لَا يَحْصُلُ مَعَ اعْتِبَارِ الْعُمُومِ وَإِذَا سَقَطَ اعْتِبَارُهُ يَنْصَرِفُ إلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ لِلْعُرْفِ فَإِنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِيمَا يُتَنَاوَلُ عَادَةً فَيَحْنَثُ إذَا أَكَلَ، أَوْ شَرِبَ وَلَا يَتَنَاوَلُ الْمَرْأَةَ إلَّا بِالنِّيَّةِ فَلَا يَحْنَثُ بِجِمَاعِ زَوْجَتِهِ لِإِسْقَاطِ اعْتِبَارِ الْعُمُومِ وَإِذَا نَوَاهَا كَانَ إيلَاءً وَلَا تُصْرَفُ الْيَمِينُ عَنْ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ وَهَذَا كُلُّهُ جَوَابُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ مَعَ أَنَّ عِبَارَةَ الْحَاكِمِ فِي الْكَافِي إذَا قَالَ الرَّجُلُ كُلُّ حِلٍّ عَلَيَّ حَرَامٌ سُئِلَ عَنْ نِيَّتِهِ فَإِنْ نَوَى يَمِينًا فَهُوَ يَمِينٌ يُكَفِّرُهَا وَلَا تَدْخُلُ امْرَأَتُهُ فِي ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ فَإِنْ نَوَاهَا دَخَلَتْ فَإِنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ، أَوْ قَرِبَ امْرَأَتَهُ حَنِثَ وَسَقَطَ عَنْهُ الْإِيلَاءُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَهُوَ يَمِينٌ يُكَفِّرُهَا لَا تَدْخُلُ امْرَأَتُهُ فِيهَا وَلَوْ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ فَالْقَوْلُ فِيهِ كَالْقَوْلِ فِي الْحَرَامِ أَيْ يَصِحُّ مَا نَوَى، وَإِنْ نَوَى الْكَذِبَ فَهُوَ كَذِبٌ اهـ. تَقْتَضِي أَنَّ الْأَمْرَ مَوْقُوفٌ عَلَى النِّيَّةِ وَأَنَّهُ لَوْ نَوَى الْكَذِبَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَفَادٍ مِنْ عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ كَمَا لَا يَخْفَى. (قَوْلُهُ: وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ تَبِينُ امْرَأَتُهُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ) لِغَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ امْرَأَةٌ ذُكِرَ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى النَّوَازِلِ أَنَّهُ يَحْنَثُ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ اهـ. يَعْنِي: إذَا أَكَلَ، أَوْ شَرِبَ لِانْصِرَافِهِ عِنْدَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَعَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِمَنْ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ فِي شُمُولِ كَلَامِهِ لِذَلِكَ نَظَرًا بَيِّنًا. (قَوْلُهُ: وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَحْنَثُ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَعَلَى هَذَا فَيَجِبُ أَنْ يَحْنَثَ فِي قَوْلِهِ: إنْ أَكَلْت طَعَامًا بِأَكْلِهِ اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: تَقْتَضِي أَنَّ الْأَمْرَ مَوْقُوفٌ عَلَى النِّيَّةِ إلَخْ) الضَّمِيرُ فِي " تَقْتَضِي " رَاجِعٌ إلَى عِبَارَةِ الْحَاكِمِ وَفِي كَوْنِهَا تَقْتَضِي ذَلِكَ نَظَرٌ فَإِنَّ قَوْلَهُ: وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَهُوَ يَمِينٌ يُكَفِّرُهَا إلَخْ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَمِينٌ عَلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ كَمَا أَفَادَهُ مَا قَبْلَهُ مِنْ قَوْلِهِ فَإِنْ نَوَى يَمِينًا إلَخْ فَصَارَ حَاصِلُهُ أَنَّهُ إنْ نَوَى الْيَمِينَ، أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَهُوَ يَمِينٌ يُكَفِّرُهَا وَلَا تَدْخُلُ امْرَأَتُهُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهَا فَإِنْ أَكَلَ، أَوْ شَرِبَ حَنِثَ، وَإِنْ كَانَ نَوَى الْمَرْأَةَ وَقَرِبَهَا سَقَطَ الْإِيلَاءُ؛ لِأَنَّهُ حَنِثَ وَهَذَا كُلُّهُ مُسْتَفَادٌ مِنْ عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ أَيْضًا، نَعَمْ فِي عِبَارَةِ الْحَاكِمِ زِيَادَةٌ وَهِيَ لَوْ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ، أَوْ نَوَى بِهِ الْكَذِبَ فَهُوَ كَمَا نَوَى وَلَيْسَ فِي الْهِدَايَةِ مَا يُنَافِي ذَلِكَ فَلَا مُخَالَفَةَ بَيْنَ الْعِبَارَتَيْنِ إلَّا فِي زِيَادَةِ حُكْمٍ لَمْ تُصَرِّحْ بِهِ عِبَارَةُ الْهِدَايَةِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْمُتَأَمِّلِ (قَوْلُهُ: يَعْنِي إذَا أَكَلَ، أَوْ شَرِبَ إلَخْ) مُخَالِفٌ لِمَا سَيَأْتِي عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ امْرَأَةٌ، ثُمَّ تَزَوَّجَ امْرَأَةً ثُمَّ بَاشَرَ الشَّرْطَ: الْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ لَا تَبِينُ؛ لِأَنَّ يَمِينَهُ جُعِلَ يَمِينًا بِاَللَّهِ تَعَالَى إلَخْ وَلَكِنْ يَنْبَغِي تَقْيِيدُ هَذَا بِمَا إذَا حَلَفَ عَلَى أَمْرٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ كَمَا يَأْتِي فِي عِبَارَةِ الظَّهِيرِيَّةِ أَيْضًا وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: قَالَ: وَفِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي يَقَعُ الطَّلَاقُ بِلَفْظِ الْحَرَامِ إنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ امْرَأَةٌ إنْ حَنِثَ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 318 عَدَمِ الزَّوْجَةِ إلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ لَا كَمَا يُفْهَمُ مِنْ ظَاهِرِ الْعِبَارَةِ. وَقَالَ الْبَزْدَوِيُّ فِي مَبْسُوطِهِ هَكَذَا قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِ سَمَرْقَنْدَ وَلَمْ يَتَّضِحْ لِي عُرْفُ النَّاسِ فِي هَذَا؛ لِأَنَّ مَنْ لَا امْرَأَةَ لَهُ يَحْلِفُ بِهِ كَمَا يَحْلِفُ ذُو الْحَلِيلَةِ وَلَوْ كَانَ الْعُرْفُ مُسْتَفِيضًا فِي ذَلِكَ لَمَا اسْتَعْمَلَهُ إلَّا ذُو الْحَلِيلَةِ فَالصَّحِيحُ أَنْ يُقَيَّدَ الْجَوَابُ فِي هَذَا فَنَقُولَ إنْ نَوَى الطَّلَاقَ يَكُونُ طَلَاقًا فَأَمَّا مِنْ غَيْرِ دَلَالَةٍ فَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يَقِفَ الْإِنْسَانُ فِيهِ وَلَا يُخَالِفَ الْمُتَقَدِّمِينَ وَاعْلَمْ أَنَّ مِثْلَ هَذَا اللَّفْظِ لَمْ يُتَعَارَفْ فِي دِيَارِنَا بَلْ الْمُتَعَارَفُ فِيهِ حَرَامٌ عَلَيَّ كَلَامُكَ وَنَحْوُهُ كَأَكْلِ كَذَا وَلُبْسِهِ دُونَ الصِّيغَةِ الْعَامَّةِ وَتَعَارَفُوا أَيْضًا الْحَرَامُ يَلْزَمُنِي وَلَا شَكَّ فِي أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ الطَّلَاقَ مُعَلَّقًا فَإِنَّهُمْ يَزِيدُونَ بَعْدَهُ لَا أَفْعَلُ كَذَا وَلَأَفْعَلَنَّ وَهُوَ مِثْلُ تَعَارُفِهِمْ " الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي لَا أَفْعَلُ كَذَا " فَإِنَّهُ يُرَادُ إنْ فَعَلْتُ كَذَا فَهِيَ طَالِقٌ وَيَجِبُ إمْضَاؤُهُ عَلَيْهِمْ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي انْصِرَافِ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ عَرَبِيَّةً كَانَتْ، أَوْ فَارِسِيَّةً إلَى مَعْنًى بِلَا نِيَّةٍ التَّعَارُفُ فِيهِ فَإِنْ لَمْ يُتَعَارَفْ سُئِلَ عَنْ نِيَّتِهِ وَفِيمَا يَنْصَرِفُ بِلَا نِيَّةٍ لَوْ قَالَ أَرَدْت غَيْرَهُ لَا يُصَدِّقُهُ الْقَاضِي وَفِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى هُوَ مُصَدَّقٌ هَكَذَا قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَحْنَثُ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فَقَطْ وَلَا يَقَعُ عَلَيْهِ طَلَاقٌ وَعَلَى الْمُفْتَى بِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ امْرَأَةٌ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ لَهُ امْرَأَةٌ وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا وَلَا يَحْنَثُ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ: رَجُلٌ قَالَ: كُلُّ حِلٍّ عَلَيَّ حَرَامٌ، أَوْ قَالَ: كُلُّ حَلَالٍ عَلَيَّ حَرَامٌ، أَوْ قَالَ حَلَالُ اللَّهِ، أَوْ قَالَ حَلَالُ الْمُسْلِمِينَ وَلَهُ امْرَأَةٌ وَلَمْ يَنْوِ شَيْئًا قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ وَالْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ وَأَبُو بَكْرٍ الْإِسْكَافُ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ سَعِيدٍ تَبِينُ امْرَأَتُهُ بِتَطْلِيقَةٍ وَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ. وَإِنْ قَالَ: لَمْ أَنْوِ الطَّلَاقَ لَا يُصَدَّقُ قَضَاءً؛ لِأَنَّهُ صَارَ طَلَاقًا عُرْفًا وَلِهَذَا لَا يَحْلِفُ بِهِ إلَّا الرِّجَالُ فَإِنْ كَانَ لَهُ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ تَبِينُ بِتَطْلِيقَةٍ، وَإِنْ كُنَّ ثَلَاثًا، أَوْ أَرْبَعًا يَقَعُ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ، وَإِنْ حَلَفَ بِهَذَا اللَّفْظِ إنْ كَانَ فَعَلَ كَذَا وَقَدْ كَانَ فَعَلَ وَلَهُ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ أَوْ أَكْثَرُ بِنَّ جَمِيعًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ امْرَأَةٌ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ جُعِلَ يَمِينًا بِالطَّلَاقِ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ يَمِينًا بِاَللَّهِ فَهُوَ غَمُوسٌ وَإِنْ حَلَفَ بِهَذَا عَلَى أَمْرٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَفَعَلَ ذَلِكَ لَيْسَ لَهُ امْرَأَةٌ كَانَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّ تَحْرِيمَ الْحَلَالِ يَمِينٌ، وَإِنْ كَانَ لَهُ امْرَأَةٌ وَقْتَ الْيَمِينِ فَمَاتَتْ قَبْلَ الشَّرْطِ، أَوْ بَانَتْ لَا إلَى عِدَّةٍ ثُمَّ بَاشَرَ الشَّرْطَ لَا تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّ يَمِينَهُ انْصَرَفَ إلَى الطَّلَاقِ وَقْتَ وُجُودِهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ امْرَأَةٌ وَقْتَ الْيَمِينِ، ثُمَّ تَزَوَّجَ امْرَأَةً ثُمَّ بَاشَرَ الشَّرْطَ اخْتَلَفُوا فِيهِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ: تَبِينُ الْمُتَزَوِّجَةُ وَقَالَ غَيْرُهُ: لَا تَبِينُ وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى لِأَنَّ يَمِينَهُ جُعِلَ يَمِينًا بِاَللَّهِ تَعَالَى وَقْتَ   [منحة الخالق] وَالنَّسَفِيُّ عَلَى أَنَّهُ لَا تَلْزَمُهُ اهـ. قُلْت: وَالظَّاهِرُ حَمْلُ كَلَامِ النَّسَفِيِّ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ حَلِفُهُ عَلَى مُسْتَقْبَلٍ فَلَا يُنَافِي مَا قَبْلَهُ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا قَالَ: كُلُّ حِلٍّ عَلَيَّ حَرَامٌ وَسَكَتَ، أَوْ قَالَ إنْ كُنْت فَعَلْت كَذَا لِأَمْرٍ فَعَلَهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ امْرَأَةٌ. وَإِنْ قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَزِمَهُ كَفَّارَةٌ بِالْحِنْثِ هَذَا كُلُّهُ بِنَاءٌ عَلَى تَغَيُّرِ الْعُرْفِ مِنْ انْصِرَافِهِ إلَى الطَّلَاقِ بَعْدَمَا كَانَ الْعُرْفُ قَبْلَهُ فِي انْصِرَافِهِ إلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ فَمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي تَأْوِيلِ عِبَارَةِ النِّهَايَةِ مُخَالِفٌ لِكَلَامِهِمْ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ: وَقَالَ الْبَزْدَوِيُّ فِي مَبْسُوطِهِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْمِنَحِ أَقُولُ: مَا بَحَثَهُ جَيِّدٌ مُوَافِقٌ لِكَلَامِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَيُحْمَلُ كَلَامُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ الِاسْتِعْمَالُ مُشْتَرَكًا فِيهِ، وَفِي غَيْرِهِ أَمَّا إذَا كَانَ مُشْتَرَكًا تَعَيَّنَ مُوَافَقَةُ الْمُتَقَدِّمِينَ وَأَقُولُ: أَكْثَرُ عَوَامِّ بِلَادِنَا لَا يَقْصِدُونَ بِقَوْلِهِمْ: أَنْتِ مُحَرَّمَةٌ عَلَيَّ، أَوْ حَرَامٌ عَلَيَّ أَوْ حَرَّمْتُكِ عَلَيَّ إلَّا حُرْمَةَ الْوَطْءِ الْمُقَابِلَةَ لِحِلِّهِ وَلِذَلِكَ أَكْثَرُهُمْ يَضْرِبُ مُدَّةً لِتَحْرِيمِهَا وَلَا يُرِيدُ قَطْعًا إلَّا تَحْرِيمَ الْجِمَاعِ إلَى هَذِهِ الْمُدَّةِ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَمِينٌ مُوجِبٌ لِلْإِيلَاءِ تَأَمَّلْ؛ فَقَلَّ مَنْ حَقَّقَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى وَجْهِهَا وَانْظُرْ إلَى قَوْلِهِمْ لَا نَقُولُ لَا تُشْتَرَطُ النِّيَّةُ لَكِنْ يُجْعَلُ نَاوِيًا عُرْفًا فَهُوَ صَرِيحٌ فِي اعْتِبَارِ الْعُرْفِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْعُرْفُ كَذَلِكَ بَلْ كَانَ مُشْتَرَكًا تَعَيَّنَ اعْتِبَارُ النِّيَّةِ وَتَصْدِيقُ الْحَالِفِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْمُتَقَدِّمِينَ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ كُنَّ ثَلَاثًا، أَوْ أَرْبَعًا يَقَعُ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ) قَالَ فِي النَّهْرِ بَعْدَهُ: لَكِنْ فِي الدِّرَايَةِ لَوْ كَانَ لَهُ امْرَأَتَانِ وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَى وَاحِدَةٍ وَإِلَيْهِ الْبَيَانُ فِي الْأَظْهَرِ كَقَوْلِهِ امْرَأَتِي كَذَا وَلَهُ امْرَأَتَانِ، أَوْ أَكْثَرُ اهـ. قَالَ مُحَشِّي مِسْكِينٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ: أَوْ أَكْثَرُ أَنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ عَلَى وَاحِدَةٍ، وَإِلَيْهِ الْبَيَانُ لَا يَخُصُّ الثِّنْتَيْنِ بَلْ كَذَلِكَ لَوْ كُنَّ ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا فَهُوَ قَوْلٌ مُقَابِلٌ لِمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ: وَحَيْثُ كَانَ وُقُوعُ الطَّلَاقِ عَلَى وَاحِدَةٍ، وَإِلَيْهِ الْبَيَانُ هُوَ الْأَظْهَرَ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ لَهُ امْرَأَتَانِ، أَوْ أَكْثَرُ فَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ وُقُوعِهِ عَلَى الْكُلِّ خِلَافُ الْأَظْهَرِ، وَإِنْ كَانَ فِي الْبَحْرِ لَمْ يَحْكِ خِلَافَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ مَا نَقَلَهُ فِي النَّهْرِ عَنْ الدِّرَايَةِ اهـ. قُلْتُ: لَمْ يَذْكُرْهُ اعْتِمَادًا عَلَى مَا قَدَّمَهُ آخِرَ بَابِ الْإِيلَاءِ وَقَدَّمَ هُنَاكَ عَنْ الْفَتْحِ أَنَّ الْأَشْبَهَ مَا هُنَا لِأَنَّ قَوْلَهُ: حَلَالُ اللَّهِ، أَوْ حَلَالُ الْمُسْلِمِينَ يَعُمُّ كُلَّ زَوْجَةٍ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِغْرَاقِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 319 وُجُودِهَا فَلَا يَكُونُ طَلَاقًا بَعْدَ ذَلِكَ اهـ. وَقَيَّدَ بِصِيغَةِ الْعُمُومِ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ فَقَدْ قَدَّمَ فِي بَابِ الْإِيلَاءِ أَنَّهُ يَنْصَرِفُ لِلزَّوْجَةِ فَتَطْلُقُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ نَذَرَ نَذْرًا مُطْلَقًا، أَوْ مُعَلَّقًا بِشَرْطٍ وَوُجِدَ وَفَى بِهِ) أَيْ وَفَى بِالْمَنْذُورِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ نَذَرَ وَسَمَّى فَعَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِمَا سَمَّى» وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ يَشْمَلُ الْمُنَجَّزَ وَالْمُعَلَّقَ وَلِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ كَالْمُنَجَّزِ عِنْدَهُ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا عَلَّقَهُ بِشَرْطٍ يُرِيدُ كَوْنَهُ أَوْ لَا وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْهُ فَقَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ حَجَّةٌ، أَوْ صَوْمُ سَنَةٍ أَوْ صَدَقَةُ مَا أَمْلِكُهُ أَجْزَأَهُ عَنْ ذَلِكَ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَيَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ بِالْوَفَاءِ بِمَا سَمَّى أَيْضًا إذَا كَانَ شَرْطًا لَا يُرِيدُ كَوْنَهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْيَمِينِ وَهُوَ الْمَنْعُ وَهُوَ بِظَاهِرِهِ نَذْرٌ فَيَتَخَيَّرُ وَيَمِيلُ إلَى أَيِّ الْجِهَتَيْنِ شَاءَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ شَرْطًا يُرِيدُ كَوْنَهُ كَقَوْلِهِ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي لِانْعِدَامِ مَعْنَى الْيَمِينِ فِيهِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَهَذَا التَّفْصِيلُ هُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ كَانَ يُفْتِي إسْمَاعِيلُ الزَّاهِدُ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَقَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ: مَشَايِخُ بَلْخٍ وَبُخَارَى يُفْتُونَ بِهَذَا وَهُوَ اخْتِيَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ - وَلِكَثْرَةِ الْبَلْوَى فِي هَذَا الزَّمَانِ - وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي الْمُخْتَصَرِ لِلْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ، وَوَجْهُ الصَّحِيحِ حَدِيثُ مُسْلِمٍ «كَفَّارَةُ النَّذْرِ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ» وَهُوَ يَقْتَضِي السُّقُوطَ بِالْكَفَّارَةِ مُطْلَقًا فَتَعَارَضَا فَيُحْمَلُ مُقْتَضَى الْإِيفَاءِ بِعَيْنِهِ عَلَى الْمُنَجَّزِ، أَوْ الْمُعَلَّقِ بِشَرْطٍ يُرِيدُ كَوْنَهُ وَحَدِيثُ مُسْلِمٍ عَلَى الْمُعَلَّقِ بِشَرْطٍ لَا يُرِيدُ كَوْنَهُ لِأَنَّهُ إذَا عَلَّقَهُ بِشَرْطٍ لَا يُرِيدُهُ يُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ كَوْنَهُ الْمَنْذُورَ حَيْثُ جَعَلَهُ مَانِعًا مِنْ فِعْلِ ذَلِكَ الشَّرْطِ، مِثْلُ دُخُولِ الدَّارِ وَكَلَامِ زَيْدٍ؛ لِأَنَّ تَعْلِيقَهُ حِينَئِذٍ لِمَنْعِ نَفْسِهِ عَنْهُ بِخِلَافِ الشَّرْطِ الَّذِي يُرِيدُ كَوْنَهُ إذَا وُجِدَ الشَّرْطُ فَإِنَّهُ فِي مَعْنَى الْمُنَجَّزِ ابْتِدَاءً فَيَنْدَرِجُ فِي حُكْمِهِ وَهُوَ وُجُوبُ الْإِيفَاءِ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ هَذَا التَّفْصِيلَ، وَإِنْ كَانَ قَوْلَ الْمُحَقِّقِ فَلَيْسَ لَهُ أَصْلٌ فِي الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لُزُومُ الْوَفَاءِ بِالْمَنْذُورِ عَيْنًا مُنَجَّزًا كَانَ أَوْ مُعَلَّقًا، وَفِي رِوَايَةِ النَّوَادِرِ هُوَ مُخَيَّرٌ فِيهِمَا بَيْنَ الْوَفَاءِ وَبَيْنَ كَفَّارَةِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: فَقَدْ قَدَّمَ فِي بَابِ الْإِيلَاءِ أَنَّهُ يَنْصَرِفُ لِلزَّوْجَةِ فَتَطْلُقُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ) كَانَ عَلَيْهِ حَذْفُ قَوْلِهِ فَتَطْلُقُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ؛ لِأَنَّهُ مُسَاوٍ فِي ذَلِكَ لِقَوْلِهِ كُلُّ حِلٍّ عَلَيَّ حَرَامٌ عَلَى أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْمَتْنِ فِي بَابِ الْإِيلَاءِ هَكَذَا أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ إيلَاءٌ إنْ نَوَى التَّحْرِيمَ أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا وَظِهَارٌ إنْ نَوَاهُ وَكَذِبٌ إنْ نَوَى الْكَذِبَ وَبَائِنَةٌ إنْ نَوَى الطَّلَاقَ وَثَلَاثٌ إنْ نَوَى، وَفِي الْفَتْوَى إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْت عَلَيَّ حَرَامٌ وَالْحَرَامُ عِنْدَهُ طَلَاقٌ وَلَكِنْ لَمْ يَنْوِ طَلَاقًا وَقَعَ الطَّلَاقُ اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ قَوْلَهُ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ يَخُصُّ الْمَرْأَةَ وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ بِخِلَافِ الْعَامِّ. (قَوْلُهُ: فَعَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِمَا سَمَّى) قَالَ الرَّمْلِيُّ هَذَا صَرِيحٌ فِي تَعَيُّنِهِ وَعَدَمِ جَوَازِ الْبَدَلِ هَذَا مَعَ تَصْرِيحِهِمْ بِعَدَمِ تَعَيُّنِ الدِّرْهَمِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الدِّينَارَ كَذَلِكَ وَكَذَلِكَ الْفُلُوسُ النَّافِقَةُ لِعَدَمِ التَّفَاوُتِ وَسَيَأْتِي قَرِيبًا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِالْأَصْلِ لَا بِكُلِّ وَصْفٍ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَفِي رِوَايَةِ النَّوَادِرِ وَهُوَ مُخَيَّرٌ فِيهِمَا) ظَاهِرُ سِيَاقِ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ أَنَّ ضَمِيرَ فِيهِمَا عَائِدٌ عَلَى الْمَنْذُورِ الْمُنَجَّزِ وَالْمُعَلَّقِ مُطْلَقًا وَبِذَلِكَ يَظْهَرُ قَوْلُهُ: إنَّ هَذَا التَّفْصِيلَ أَيْ الَّذِي صَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ لَا أَصْلَ لَهُ فِي الرِّوَايَةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَعُودَ الضَّمِيرُ عَلَى قِسْمَيْ الْمُعَلَّقِ أَعْنِي الْمُعَلَّقَ بِشَرْطٍ يُرِيدُ كَوْنَهُ، أَوْ لَا يُرِيدُ كَمَا حَمَلَهُ عَلَيْهِ فِي النَّهْرِ وَعَلَى كُلٍّ فَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْفَتْحِ فَإِنَّهُ بَعْدَمَا ذَكَرَ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ وَالْقَوْلَ الثَّانِيَ الَّذِي صَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ قَالَ: وَالْأَوَّلُ وَهُوَ لُزُومُ الْوَفَاءِ بِهِ عَيْنًا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَالتَّخْيِيرُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي النَّوَادِرِ وَكَذَا ذَكَرَ فِي الْعِنَايَةِ فَإِنَّهُ بَعْدَمَا ذَكَرَ رُجُوعَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَى التَّخْيِيرِ فِيمَا لَا يُرِيدُ كَوْنَهُ وَأَنَّهُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ قَالَ وَهَذَا مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي النَّوَادِرِ، وَفِي النَّهْرِ بَعْدَ سَوْقِهِ كَلَامَ الْخُلَاصَةِ قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَتَحَصَّلَ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى التَّخْيِيرِ مُطْلَقًا وَأَقُولُ: وَضْعُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْخُلَاصَةِ فِي التَّعْلِيقِ بِالشَّرْطِ الَّذِي لَا يُرَادُ كَوْنُهُ فَالْإِطْلَاقُ مَمْنُوعٌ أَعْنِي سَوَاءٌ أُرِيدَ كَوْنُهُ أَوْ لَا وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ. اهـ. كَلَامُ النَّهْرِ وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ قَوْلَهُ إنَّ هَذَا التَّفْصِيلَ لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ فِي الرِّوَايَةِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ. وَقَوْلُهُ: وَلِذَا اُعْتُرِضَ فِي الْعِنَايَةِ عَلَى تَصْحِيحِ الْهِدَايَةِ أَيْ حَيْثُ قَالَ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ حَصْرَ الصِّحَّةِ فِيهِ مِنْ حَيْثُ الرِّوَايَةُ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَإِنْ أَرَادَ مِنْ حَيْثُ الدِّرَايَةُ لِدَفْعِ التَّعَارُضِ فَالدَّفْعُ مُمْكِنٌ مِنْ حَيْثُ حَمْلُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْمُرْسَلِ وَالْآخَرِ عَلَى الْمُعَلَّقِ مِنْ غَيْرِ تَفْرِقَةٍ بَيْنَ مَا يُرِيدُ كَوْنَهُ وَمَا لَا يُرِيدُ كَوْنَهُ وَأَجَابَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ مُنْتَصِرًا لِمَا فِي الْهِدَايَةِ بِأَنَّ حَصْرَ الصِّحَّةِ مِنْ حَيْثُ رُجُوعُ الْإِمَامِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ رَجَعَ إلَيْهِ قَبْلَ مَوْتِهِ بِسَبْعَةِ أَيَّامٍ فَصَارَ هُوَ الصَّحِيحَ لِأَنَّ الْمَرْجُوعَ عَنْهُ لَا يُقَاوِمُ الْمَرْجُوعَ إلَيْهِ فِي الصِّحَّةِ؛ لِأَنَّ الَّذِي اسْتَقَرَّ أَمْرُ الْمُجْتَهِدِ وَرَأْيُهُ عَلَيْهِ صَارَ هُوَ الْمَذْهَبَ لِلْإِمَامِ فَيَصِيرُ الْمُسَطَّرُ عَنْهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَالْمَنْسُوخِ بِمَا بَعْدَهُ وَلَا يَكُونُ مَا أَرَادَهُ الْأَكْمَلُ إلَّا إذَا تَقَابَلَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَالنَّوَادِرِ وَتَعَارَضَا مِنْ غَيْرِ رُجُوعٍ عَنْ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ أَمَّا مَعَهُ كَمَا بَيَّنَّا فَلَا وَلِهَذَا أَفْتَى بِمَا فِي النَّوَادِرِ إسْمَاعِيلُ الزَّاهِدُ وَمَشَايِخُ بَلْخٍ وَبَعْضُ مَشَايِخِ بُخَارَى. وَاخْتَارَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَالْقَاضِي الْمَرْوَزِيِّ وَقَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَقَالَ فِي الْفَيْضِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 320 الْيَمِينِ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ وَبِهِ يُفْتَى فَتَحَصَّلَ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى التَّخْيِيرِ مُطْلَقًا وَلِذَا اُعْتُرِضَ فِي الْعِنَايَةِ عَلَى تَصْحِيحِ الْهِدَايَةِ اهـ. وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ وَفَى أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِأَصْلِ الْقُرْبَةِ الَّتِي الْتَزَمَهَا لَا بِكُلِّ وَصْفٍ الْتَزَمَهُ لِمَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّهُ لَوْ عَيَّنَ دِرْهَمًا، أَوْ فَقِيرًا أَوْ مَكَانًا لِلتَّصْدِيقِ، أَوْ لِلصَّلَاةِ فَإِنَّ التَّعْيِينَ لَيْسَ بِلَازِمٍ وَقَدَّمْنَا تَفَارِيعَ النَّذْرِ فِي الصَّلَاةِ، وَفِي آخِرِ الصَّوْمِ، وَأَنَّ شَرَائِطَهُ أَرْبَعَةٌ: أَنْ لَا يَكُونَ مَعْصِيَةً لِذَاتِهِ فَخَرَجَ النَّذْرُ بِصَوْمِ يَوْمِ النَّحْرِ لِصِحَّةِ النَّذْرِ بِهِ لِأَنَّهُ لِغَيْرِهِ، وَأَنْ يَكُونَ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبٌ، وَأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْوَاجِبُ عِبَادَةً مَقْصُودَةً، وَأَنْ لَا يَكُونَ وَاجِبًا عَلَيْهِ قَبْلَ النَّذْرِ فَلَوْ نَذَرَ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ غَيْرُهَا وَبِهِ عُرِفَ أَنَّ إطْلَاقَ الْمُصَنِّفِ فِي مَحَلِّ التَّقْيِيدِ فِي الْخُلَاصَةِ لَوْ الْتَزَمَ بِالنَّذْرِ أَكْثَرَ مِمَّا يَمْلِكُهُ لَزِمَهُ مَا يَمْلِكُهُ هُوَ الْمُخْتَارُ كَمَا إذَا قَالَ: إنْ فَعَلْتُ كَذَا فَأَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ مَالِي صَدَقَةٌ فَفَعَلَ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ إلَّا مِائَةً لَا يَلْزَمُهُ إلَّا الْمِائَةُ؛ لِأَنَّهُ فِيمَا لَمْ يَمْلِكْ لَمْ يُوجَدْ فِي الْمِلْكِ وَلَا مُضَافًا إلَى سَبَبِهِ فَلَمْ يَصِحَّ كَقَوْلِهِ مَالِي فِي الْمَسَاكِينِ صَدَقَةٌ وَلَا مَالَ لَهُ لَا يَصِحُّ فَكَذَا هَذَا كَذَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ. وَفِي الْخُلَاصَةِ أَيْضًا لَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُهْدِيَ هَذِهِ الشَّاةَ وَهِيَ مِلْكُ الْغَيْرِ لَا يَصِحُّ النَّذْرُ بِخِلَافِ قَوْلِهِ لَأُهْدِيَنَّ وَلَوْ نَوَى الْيَمِينَ كَانَ يَمِينًا اهـ. فَعَلَى هَذَا لَا بُدَّ أَنْ يُزَادَ شَرْطٌ خَامِسٌ: وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ مَا الْتَزَمَهُ مِلْكًا لِلْغَيْرِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ النَّذْرَ بِهِ مَعْصِيَةٌ لَكِنْ لَيْسَ مَعْصِيَةً لِذَاتِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ لِحَقِّ الْغَيْرِ، وَفِي الْخُلَاصَةِ لَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ إطْعَامُ الْمَسَاكِينِ فَهُوَ عَلَى عَشَرَةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، لِلَّهِ عَلَيَّ إطْعَامُ مِسْكِينٍ يَلْزَمُهُ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ حِنْطَةٍ اسْتِحْسَانًا وَلَوْ قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ مَالِي صَدَقَةٌ لِكُلِّ مِسْكِينٍ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ فَحَنِثَ وَتَصَدَّقَ بِالْكُلِّ عَلَى مِسْكِينٍ وَاحِدٍ جَازَ وَلَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُعْتِقَ هَذِهِ الرَّقَبَةَ وَهُوَ يَمْلِكُهَا فَعَلَيْهِ أَنْ يَفِيَ بِذَلِكَ وَلَوْ لَمْ يَفِ يَأْثَمُ وَلَكِنْ لَا يُجْبِرُهُ الْقَاضِي، وَفِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ: لَوْ قَالَ: وَهُوَ مَرِيضٌ إنْ بَرِئْتَ مِنْ مَرَضِي هَذَا ذَبَحْت شَاةً، أَوْ عَلَيَّ شَاةٌ أَذْبَحُهَا فَبَرِئَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَلَوْ قَالَ: عَلَيَّ شَاةٌ أَذْبَحُهَا وَأَتَصَدَّقُ بِلَحْمِهَا لَزِمَهُ وَلَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَذْبَحَ.   [منحة الخالق] وَالْمُفْتَى بِهِ مَا رَوَيْنَاهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ رُجُوعِهِ وَكَذَا اخْتَارَهُ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ، وَفِي الْخُلَاصَةِ وَاخْتَارَهُ السَّرَخْسِيُّ وَالصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَبِهِ يُفْتَى وَقَدْ جَعَلَهُ مَتْنًا فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَصَحَّحَهُ وَكَذَا صَحَّحَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَتَمَامُهُ فِي رِسَالَتِهِ الْمُسَمَّاةِ بِتُحْفَةِ التَّحْرِيرِ وَبَيَّنَ فِيهَا أَيْضًا أَنَّ مَا رَجَعَ إلَيْهِ الْإِمَامُ هُوَ التَّخْيِيرُ فِي صُورَةِ التَّعْلِيقِ بِمَا لَا يُرَادُ كَوْنُهُ وَأَنَّ قَوْلَ الْهِدَايَةِ وَهَذَا إذَا كَانَ شَرْطًا لَا يُرِيدُ كَوْنَهُ وَكَذَا قَوْلُ ابْنِ الْهُمَامِ وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ وَالْمُحَقِّقُونَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالشَّرْطِ الشَّرْطُ الَّذِي لَا يُرِيدُ كَوْنَهُ لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ مَا رَجَعَ إلَيْهِ الْإِمَامُ شَامِلٌ لِذَلِكَ وَلِلشَّرْطِ الَّذِي يُرِيدُ كَوْنَهُ وَأَنَّهُ فِي الْهِدَايَةِ اخْتَارَ تَخْصِيصَهُ بِمَا لَا يُرِيدُ كَوْنَهُ لِأَنَّ كَلَامَ الْإِمَامِ خَاصٌّ بِالثَّانِي كَمَا اقْتَضَاهُ التَّمْثِيلُ بِقَوْلِهِ إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ حَجَّةٌ أَوْ صَوْمُ سَنَةٍ إلَخْ لَكِنْ لَمَّا كَانَ ظَاهِرُ قَوْلِ حَاكِي الرُّجُوعِ شُمُولَ الْمَنْذُورِ بِقَوْلِهِ أَخْبَرَنِي الْوَلِيدُ بْنُ أَبَانَ أَنَّ الْإِمَامَ رَجَعَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِسَبْعَةِ أَيَّامٍ وَقَالَ يُتَخَيَّرُ. بَيَّنَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَمَنْ وَافَقَهُ حُكْمُ النَّوْعِ الَّذِي رَجَعَ عَنْهُ الْإِمَامُ لِئَلَّا يَفْهَمَ أَحَدٌ شُمُولَ الرُّجُوعِ فَيَجْرِيَ التَّخْيِيرُ عُمُومًا فِي كُلِّ مَنْذُورٍ اهـ. وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمَسْأَلَةِ سِوَى الْقَوْلَيْنِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَالْقَوْلِ بِالتَّفْصِيلِ فِي الْمُعَلَّقِ (قَوْلُهُ: لِمَا قَدَّمْنَاهُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: قَدَّمَهُ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَلَزِمَ النَّفَلُ بِالشُّرُوعِ (قَوْلُهُ: وَأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْوَاجِبُ عِبَادَةً مَقْصُودَةً) ظَاهِرُهُ بَلْ صَرِيحُهُ أَنَّ الْمَشْرُوطَ كَوْنُهُ عِبَادَةً مَقْصُودَةً هُوَ الْوَاجِبُ الَّذِي مِنْ جِنْسِ الْمَنْذُورِ لَا الْمَنْذُورُ نَفْسُهُ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْفَتْحِ حَيْثُ قَالَ مِمَّا هُوَ طَاعَةٌ مَقْصُودَةٌ لِنَفْسِهَا وَمِنْ جِنْسِهَا وَاجِبٌ اهـ. وَهَذَا هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي بَابِ الْوِتْرِ وَالنَّوَافِلِ وَقَالَ: فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِنَذْرِ مَعْصِيَةٍ وَلَا يَلْزَمُهُ بِنَذْرِ مُبَاحٍ مِنْ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَلُبْسٍ وَجِمَاعٍ وَطَلَاقٍ وَلَا بِنَذْرِ مَا لَيْسَ بِعِبَادَةٍ مَقْصُودَةٍ كَنَذْرِ الْوُضُوءِ لِكُلِّ صَلَاةٍ، ثُمَّ قَالَ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَمِنْ شُرُوطِهِ أَنْ يَكُونَ قُرْبَةً مَقْصُودَةً فَلَا يَصِحُّ النَّذْرُ بِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَتَشْيِيعِ الْجِنَازَةِ وَالْوُضُوءِ وَالِاغْتِسَالِ وَدُخُولِ الْمَسْجِدِ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ وَالْأَذَانِ وَبِنَاءِ الرِّبَاطَاتِ وَالْمَسَاجِدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ قُرَبًا؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَقْصُودَةٍ اهـ. فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الشَّرْطَ كَوْنُ الْمَنْذُورِ نَفْسِهِ عِبَادَةً مَقْصُودَةً لَا مَا كَانَ مِنْ جِنْسِهِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُمْ صَحَّحُوا النَّذْرَ بِالْوَقْفِ؛ لِأَنَّ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبًا وَهُوَ وَقْفُ مَسْجِدٍ لِلْمُسْلِمِينَ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ بِنَاءَ الْمَسْجِدِ غَيْرُ مَقْصُودٍ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ قَوْلِهِ لَأُهْدِيَنَّ) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّأْكِيدِ وَعَدَمِهِ مِمَّا لَا أَثَرَ لَهُ يَظْهَرُ فِي صِحَّةِ النَّذْرِ وَعَدَمِهِ ثُمَّ عَلَى الصِّحَّةِ هَلْ تَلْزَمُهُ قِيمَتُهَا أَوْ بِتَوَقُّفِ الْحَالِ إلَى مِلْكِهَا؟ مَحَلُّ تَرَدُّدٍ. (قَوْلُهُ: لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ) أَقُولُ: فِي الْبَزَّازِيَّةِ: إنْ عُوفِيتُ صُمْتُ كَذَا لَمْ يَجِبْ مَا لَمْ يَقُلْ لِلَّهِ عَلَيَّ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَجِبُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَعْلِيقًا لَا يَجِبُ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا كَمَا إذَا قَالَ: أَنَا أَحُجُّ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَوْ قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنَا أَحُجُّ فَفَعَلَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ إنْ سَلِمَ وَلَدِي أَصُومُ مَا عِشْتُ فَهَذَا وَعْدٌ اهـ. فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَا هُنَا مَبْنِيًّا عَلَى الْقِيَاسِ أَوْ عَلَى أَنَّهُ وَعْدٌ لِعَدَمِ الْفَاءِ الرَّابِطَةِ فِي قَوْلِهِ عَلَيَّ شَاةٌ أَذْبَحُهَا تَأَمَّلْ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 321 جَزُورًا وَأَتَصَدَّقَ بِلَحْمِهِ فَذَبَحَ مَكَانَهُ سَبْعَ شِيَاهٍ جَازَ اهـ. وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُمْ بِالْوَاجِبِ الْفَرْضُ مِنْ قَوْلِهِمْ وَأَنْ يَكُونَ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبٌ؛ لِأَنَّ الْأُضْحِيَّةَ وَاجِبَةٌ وَهُوَ الذَّبْحُ لَا التَّصَدُّقُ مَعَ أَنَّهُ صَرِيحٌ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ النَّذْرُ بِالذَّبْحِ مِنْ غَيْرِ تَصْرِيحٍ بِالتَّصَدُّقِ بِلَحْمِهِ وَقَدَّمْنَا فِي بَابِ الِاعْتِكَافِ مَا يَجِبُ فِيهِ التَّتَابُعُ مِنْ الْمَنْذُورِ وَكَذَا فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصَّوْمِ وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ لَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَأَخَذَ إنْسَانٌ فَمَهُ فَلَمْ يُتِمَّ الْكَلَامَ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَقُولَ: إنْ فَعَلْتُ كَذَا فَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يَتَصَدَّقَ فُرِّقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْيَمِينِ بِالطَّلَاقِ فَإِنَّ ثَمَّةَ إذَا وَصَلَ الشَّرْطَ بَعْدَمَا رَفَعَ يَدَهُ عَنْ فَمِهِ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الطَّلَاقَ مَحْظُورٌ فَيُكَلَّفُ لِعَدَمِهِ مَا أَمْكَنَ وَقَدْ أَمْكَنَ بِجَعْلِ هَذَا الِانْقِطَاعِ غَيْرَ فَاصِلٍ كَمَا لَوْ حَصَلَ الِانْقِطَاعُ بِالْعُطَاسِ، أَمَّا الصَّدَقَةُ عِبَادَةٌ فَلَا يُكَلَّفُ لِعَدَمِهَا وَلَوْ قَالَ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ مَثَلًا فَدَخَلَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْمَثَلَ بِمَنْزِلَةِ التَّشْبِيهِ وَلَيْسَ فِي التَّشْبِيهِ إيجَابٌ فَلَا يَجِبُ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْإِيجَابَ وَلَوْ قَالَ: إنْ فَعَلْتُ كَذَا فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُكَفِّنَ الْمَيِّتَ، أَوْ أَنْ أُضَحِّيَ لَا يَكُونُ يَمِينًا؛ لِأَنَّ تَكْفِينَ الْمَيِّتِ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ مَقْصُودَةٍ، وَأَمَّا التَّضْحِيَةُ فَلِأَنَّ التَّضْحِيَةَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ وَلَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ ثَلَاثُونَ حَجَّةً كَانَ عَلَيْهِ بِقَدْرِ عُمُرِهِ اهـ. وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ وَفَى بِهِ إلَى أَنَّهُ مُعَيَّنٌ مُسَمًّى فَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُسَمًّى كَقَوْلِهِ إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ نَذْرٌ فَإِنْ نَوَى قُرْبَةً مِنْ الْقُرَبِ الَّتِي يَصِحُّ النَّذْرُ بِهَا نَحْوُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَعَلَيْهِ مَا نَوَى؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ فَجُعِلَ مَا نَوَى كَالْمَنْطُوقِ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ وَكَذَا إنْ قَالَ: إنْ كَلَّمْتُ أَبِي فَعَلَيَّ نَذْرٌ أَوْ إنْ صَلَّيْت الظُّهْرَ فَإِنْ نَوَى مُعَيَّنًا لَزِمَهُ، وَإِلَّا كَفَّرَ، وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: وَإِذَا حَلَفَ بِالنَّذْرِ وَهُوَ يَنْوِي صِيَامًا وَلَمْ يَنْوِ عَدَدًا مَعْلُومًا فَعَلَيْهِ صِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ إذَا حَنِثَ؛ لِأَنَّ إيجَابَ الْعَبْدِ مُعْتَبَرٌ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ الصِّيَامِ، وَأَدْنَى ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، وَفِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَإِنْ نَوَى صَدَقَةً وَلَمْ يَنْوِ عَدَدًا فَعَلَيْهِ إطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ لِمَا ذَكَرْنَا اهـ. وَفِي الْقُنْيَةِ: نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِدِينَارٍ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ قُلْتُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ إذَا نَوَى أَبْنَاءَ السَّبِيلِ؛ لِأَنَّهُمْ مَحَلُّ الزَّكَاةِ وَلَوْ قَالَ: إنْ قَدِمَ غَائِبِي فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُضَيِّفَ هَؤُلَاءِ الْأَقْوَامَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ لَا يَصِحُّ وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَقُولَ دُعَاءَ كَذَا فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ عَشْرَ مَرَّاتٍ لَمْ يَصِحَّ وَلَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي كُلِّ يَوْمٍ كَذَا يَلْزَمُهُ وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ وَلَوْ قَالَ: إنْ ذَهَبَتْ هَذِهِ الْعِلَّةُ عَنِّي فَلِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا فَذَهَبَتْ، ثُمَّ عَادَتْ إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ وَصَلَ بِحَلِفِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بَرَّ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ وَقَالَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَقَدْ بَرَّ فِي يَمِينِهِ» إلَّا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الِاتِّصَالِ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ رُجُوعٌ، وَلَا رُجُوعَ فِي الْيَمِينِ إلَّا إذَا كَانَ انْقِطَاعُهُ لِتَنَفُّسٍ، أَوْ سُعَالٍ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الْيَمِينَ مُنْعَقِدَةٌ إلَّا أَنَّهُ لَا حِنْثَ عَلَيْهِ أَصْلًا لِعَدَمِ الِاطِّلَاعِ عَلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ - رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمَا - أَنَّ التَّعْلِيقَ بِالْمَشِيئَةِ إبْطَالٌ وَلِذَا قَالَ فِي التَّبْيِينِ وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ بَرَّ عَدَمَ الِانْعِقَادِ لِأَنَّ فِيهِ عَدَمَ الْحِنْثِ كَالْبِرِّ فَأُطْلِقَ عَلَيْهِ اهـ. وَقَدْ قَدَّمْنَا فَائِدَةَ الِاخْتِلَافِ فِي آخِرِ بَابِ التَّعْلِيقِ مِنْ كِتَابِ الطَّلَاقِ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُمْ بِالْوَاجِبِ الْفَرْضُ إلَخْ) تَبِعَهُ فِي ذَلِكَ تِلْمِيذُهُ فِي الْمِنَحِ وَقَوَّاهُ بِنَصِّ الدُّرَرِ عَلَى الِافْتِرَاضِ وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: أَقُولُ: إنَّ مَا فِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ لَا يُعَيِّنُ اشْتِرَاطَ الِافْتِرَاضِ بَلْ إنَّمَا لَمْ يَلْزَمْهُ؛ لِأَنَّ مَا صَدَرَ مِنْهُ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ لَيْسَ نَذْرًا حَتَّى لَوْ تَلَفَّظَ بِصِيغَةِ النَّذْرِ فِي الذَّبْحِ لَزِمَهُ إنْ كَانَ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبٌ لَا فَرْضٌ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي الْهِنْدِيَّةِ عَنْ فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: رَجُلٌ قَالَ إنْ بَرِئْتُ مِنْ مَرَضِي هَذَا ذَبَحْتُ شَاةً فَبَرِئَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَقُولَ إنْ بَرِئْتُ فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَذْبَحَ شَاةً اهـ. فَأَفَادَ أَنَّهُ إذَا صَرَّحَ بِنَذْرِ الذَّبْحِ لَزِمَهُ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوُجُوبِ حَقِيقَتُهُ الْمُصْطَلَحُ عَلَيْهَا عِنْدَهُمْ وَأَمَّا قَوْلُ صَاحِبِ الدُّرَرِ الْمَنْذُورُ إذَا كَانَ لَهُ أَصْلٌ فِي الْفُرُوضِ لَزِمَ النَّاذِرَ فَيُرَادُ بِهِ مَا يَعُمُّ الْوَاجِبَ بِأَنْ يُرَادَ بِالْفَرْضِ فِي كَلَامِهِ اللَّازِمُ وَبِهِ يَنْدَفِعُ التَّنَافِي الْوَاقِعُ فِي عِبَارَاتِهِمْ اهـ. قُلْت: وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي آخِرِ أُضْحِيَّةِ الدُّرِّ الْمُخْتَارِ حَيْثُ قَالَ مَا نَصُّهُ نَذَرَ عَشْرَ أُضْحِيَّاتٍ لَزِمَهُ ثِنْتَانِ لِمَجِيءِ الْأَمْرِ بِهِمَا، خَانِيَّةٌ: وَالْأَصَحُّ وُجُوبُ الْكُلِّ لِإِيجَابِهِ مَا لِلَّهِ مِنْ جِنْسِهِ إيجَابٌ شَرْحُ وَهْبَانِيَّةٍ: قُلْت: وَمُفَادُهُ لُزُومُ النَّذْرِ بِمَا مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبٌ اعْتِقَادِيٌّ، أَوْ اصْطِلَاحِيٌّ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فَلْيُحْفَظْ اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ أَنْ أُضَحِّيَ) أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ إذَا نَوَى الْأُضْحِيَّةَ الْوَاجِبَةَ عَلَيْهِ وَكَانَ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ لِمَا فِي أُضْحِيَّةِ الْبَدَائِعِ لَوْ نَذَرَ أَنْ يُضَحِّيَ شَاةً وَذَلِكَ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ وَهُوَ مُوسِرٌ فَعَلَيْهِ أَنْ يُضَحِّيَ بِشَاتَيْنِ عِنْدَنَا شَاةٍ لِلنَّذْرِ وَشَاةٍ بِإِيجَابِ الشَّرْعِ ابْتِدَاءً إلَّا إذَا عَنَى بِهِ الْإِخْبَارَ عَنْ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا وَاحِدَةٌ وَلَوْ قَبْلَ أَيَّامِ النَّحْرِ لَزِمَهُ شَاتَانِ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّ الصِّيغَةَ لَا تَحْتَمِلُ الْإِخْبَارَ عَنْ الْوَاجِبِ إذْ لَا وُجُوبَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 322 رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ إلَى أَنَّ النَّذْرَ كَذَلِكَ أَيْضًا إذَا وَصَلَهُ بِالْمَشِيئَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ تَعَلَّقَ بِالْقَوْلِ فَالْمَشِيئَةُ الْمُتَّصِلَةُ بِهِ مُبْطِلَةٌ لَهُ عِبَادَةً، أَوْ مُعَامَلَةً بِخِلَافِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْقَلْبِ كَالنِّيَّةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الصَّوْمِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [بَابُ الْيَمِينِ فِي الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ وَالسُّكْنَى وَالْإِتْيَانِ وَغَيْرِ ذَلِكَ] شُرُوعٌ فِي بَيَانِ الْأَفْعَالِ الَّتِي يُحْلَفُ عَلَيْهَا، وَلَا سَبِيلَ إلَى حَصْرِهَا لِكَثْرَتِهَا لِتَعَلُّقِهَا بِاخْتِيَارِ الْفَاعِلِ فَنَذْكُرُ الْقَدْرَ الَّذِي ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا فِي كُتُبِهِمْ وَالْمَذْكُورُ نَوْعَانِ أَفْعَالٌ حِسِّيَّةٌ وَأُمُورٌ شَرْعِيَّةٌ وَبَدَأَ بِالْأَهَمِّ، وَهُوَ الدُّخُولُ وَنَحْوُهُ؛ لِأَنَّ حَالَةَ الْحُلُولِ فِي مَكَان أَلْزَمُ لِلْجِسْمِ مِنْ أَكْلِهِ وَشُرْبِهِ، وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ الْأَفْعَالِ خَمْسَةً: الدُّخُولُ وَالْخُرُوجُ وَالسُّكْنَى وَالْإِتْيَانُ وَالرُّكُوبُ، وَالْأَصْلُ أَنَّ الْأَيْمَانَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعُرْفِ عِنْدَنَا لَا عَلَى الْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ كَمَا نُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ، وَلَا عَلَى الِاسْتِعْمَالِ الْقُرْآنِيِّ كَمَا عَنْ مَالِكٍ، وَلَا عَلَى النِّيَّةِ مُطْلَقًا كَمَا عَنْ أَحْمَدَ؛ لِأَنَّ الْمُتَكَلِّمَ إنَّمَا يَتَكَلَّمُ بِالْكَلَامِ الْعُرْفِيِّ أَعْنِي الْأَلْفَاظَ الَّتِي يُرَادُ بِهَا مَعَانِيهَا الَّتِي وُضِعَتْ فِي الْعُرْفِ كَمَا أَنَّ الْعَرَبِيَّ حَالَ كَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ إنَّمَا يَتَكَلَّمُ بِالْحَقَائِقِ اللُّغَوِيَّةِ فَوَجَبَ صَرْفُ أَلْفَاظِ الْمُتَكَلِّمِ إلَى مَا عُهِدَ أَنَّهُ الْمُرَادُ بِهَا ثُمَّ مِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ جَرَى عَلَى هَذَا الْإِطْلَاقِ فَحَكَمَ بِالْفَرْعِ الَّذِي ذَكَرَهُ صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ والمرغيناني، وَهُوَ مَا إذَا حَلَفَ لَا يَهْدِمُ بَيْتًا فَهَدَمَ بَيْتَ الْعَنْكَبُوتِ أَنَّهُ يَحْنَثُ بِأَنَّهُ خَطَأٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَيَّدَ حَمْلَ الْكَلَامِ عَلَى الْعُرْفِ بِمَا إذَا لَمْ يُمْكِنْ الْعَمَلُ بِحَقِيقَتِهِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا يُصَيِّرُ الْمُعْتَبَرَ الْحَقِيقَةَ اللُّغَوِيَّةَ إلَّا مَا كَانَ مِنْ الْأَلْفَاظِ لَيْسَ لَهُ وَضْعٌ لُغَوِيٌّ بَلْ أَحْدَثَهُ أَهْلُ الْعُرْفِ، وَأَنَّ مَا لَهُ وَضْعٌ لُغَوِيٌّ وَوَضْعٌ عُرْفِيٌّ يُعْتَبَرُ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيُّ، وَإِنْ تَكَلَّمَ بِهِ مُتَكَلِّمٌ مِنْ أَهْلِ الْعُرْفِ، وَهَذَا يَهْدِمُ قَاعِدَةَ حَمْلِ الْأَيْمَانِ عَلَى الْعُرْفِ فَإِنَّهُ لَمْ يُصَيِّرْ الْمُعْتَبَرَ إلَّا اللُّغَةَ إلَّا مَا تَعَذَّرَ، وَهَذَا بَعِيدٌ إذْ لَا شَكَّ أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ لَا يَتَكَلَّمُ إلَّا بِالْعُرْفِ الَّذِي بِهِ التَّخَاطُبُ سَوَاءٌ كَانَ عُرْفَ اللُّغَةِ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ أَوْ غَيْرِهَا إنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهَا. يَعُمُّ مَا وَقَعَ اسْتِعْمَالُهُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ أَهْلِ اللُّغَةِ، وَأَهْلِ الْعُرْفِ تُعْتَبَرُ اللُّغَةُ عَلَى أَنَّهَا الْعُرْفُ. وَأَمَّا الْفَرْعُ الْمَذْكُورُ فَالْوَجْهُ فِيهِ أَنَّهُ إنْ كَانَ نَوَاهُ فِي عُمُومِ بَيْتًا حَنِثَ، وَإِنْ لَمْ يَخْطِرْ لَهُ وَجَبَ أَنْ لَا يَحْنَثَ لِانْصِرَافِ الْكَلَامِ إلَى الْمُتَعَارَفِ عِنْدَ إطْلَاقِ لَفْظِ بَيْتٍ وَظَهَرَ أَنَّ مُرَادَنَا بِانْصِرَافِ الْكَلَامِ إلَى الْعُرْفِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ كَانَ مُوجَبُ الْكَلَامِ مَا هُوَ مَعْنًى عُرْفِيًّا لَهُ، وَإِنْ كَانَ لَهُ نِيَّةُ شَيْءٍ وَاللَّفْظُ يَحْتَمِلُهُ انْعَقَدَ الْيَمِينُ بِاعْتِبَارِهِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِي الْحَاوِي الْحَصِيرِيِّ وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْأَيْمَانِ الْأَلْفَاظُ دُونَ الْأَغْرَاضِ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ الْفَصْلِ الثَّالِثِ مِنْ الْهِبَةِ رَجُلٌ اغْتَاظَ عَلَى غَيْرِهِ فَقَالَ إنْ اشْتَرَيْتُ لَكَ بِفَلْسٍ شَيْئًا فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ فَاشْتَرَى لَهُ بِدِرْهَمٍ شَيْئًا لَمْ يَحْنَثْ فِي يَمِينِهِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ. اهـ. وَذَكَرَ الْإِمَامُ الْخَلَّاطِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْجَامِعِ فُرُوعًا مَبْنِيَّةً عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ بَابُ الْيَمِينِ فِي الْمُسَاوَمَةِ حَلَفَ لَا يَشْتَرِيهِ بِعَشَرَةٍ حَنِثَ بِإِحْدَى عَشْرَةَ، وَلَوْ حَلَفَ الْبَائِعُ لَمْ يَحْنَثْ بِهِ؛ لِأَنَّ مُرَادَ الْمُشْتَرِي الْمُطْلَقَةُ، وَمُرَادُ الْبَائِعِ الْمُفْرَدَةُ، وَهُوَ الْعُرْفُ، وَلَوْ اشْتَرَى أَوْ بَاعَ بِتِسْعَةٍ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ مُسْتَنْقِصٌ، وَالْبَائِعُ وَإِنْ كَانَ مُسْتَزِيدًا لَكِنْ لَا يَحْنَثُ بِلَا مُسَمًّى كَمَنْ حَلَفَ لَا يَخْرُجُ مِنْ الْبَابِ أَوْ لَا يَضْرِبُهُ سَوْطًا أَوْ لَا يَشْتَرِي بِفَلْسٍ أَوْ لَيُغَدِّيَنَّهُ الْيَوْمَ بِأَلْفٍ فَخَرَجَ مِنْ السَّطْحِ وَضَرَبَ بِعَصًا وَاشْتَرَى بِدِينَارٍ وَغَدَّى بِرَغِيفٍ لَمْ يَحْنَثْ. اهـ. وَفِي التَّنْوِيرِ لِلْإِمَامِ الْمَسْعُودِيِّ شَارِحِهِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا كَانَ   [منحة الخالق] قَبْلَ الْوَقْتِ اهـ. تَأَمَّلْ. (بَابُ الْيَمِينِ فِي الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ وَالسُّكْنَى وَالْإِتْيَانِ وَغَيْرِ ذَلِكَ) (قَوْلُهُ: وَفِي الْحَاوِي الْحَصِيرِيِّ وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْأَيْمَانِ الْأَلْفَاظُ دُونَ الْأَغْرَاضِ) هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا حَقَّقَهُ فِي الْفَتْحِ وَوَفَّقَ بَيْنَهُمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة بِقَوْلِهِ، وَلَعَلَّهُ قَضَاءٌ، وَمَا قَالَهُ الْكَمَالُ دِيَانَةً فَلَا مُخَالَفَةَ. اهـ. وَسَيَأْتِي قَرِيبًا تَوْفِيقٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ حَمْلَهُ عَلَى الْأَلْفَاظِ هُوَ الْقِيَاسُ وَحَمْلَهُ عَلَى الْأَغْرَاضِ اسْتِحْسَانٌ (قَوْلُهُ: وَغَدَّى بِرَغِيفٍ لَمْ يَحْنَثْ) بَقِيَ مِنْ عِبَارَةِ مُخْتَصَرِ الْجَامِعِ بَقِيَّةٌ، وَهِيَ قَوْلُهُ: وَغَدَّى بِرَغِيفٍ مُشْتَرًى بِأَلْفٍ لَمْ يَحْنَثْ كَذَا بِتِسْعَةٍ وَدِينَارٍ أَوْ ثَوْبٍ وَبِالْعُرْفِ يُخَصُّ، وَلَا يُزَادُ حَتَّى خَصَّ الرَّأْسَ بِمَا يُكْبَسُ، وَلَمْ يَرِدْ الْمِلْكُ فِي تَعْلِيقِ طَلَاقِ الْأَجْنَبِيَّةِ بِالدُّخُولِ انْتَهَتْ عِبَارَةُ الْجَامِعِ، وَقَدْ أَوْضَحَ هَذَا الْمَقَامَ الْإِمَامُ الْفَارِسِيُّ فِي شَرْحِهِ الْمُسَمَّى تُحْفَةِ الْحَرِيصِ شَرْحِ التَّلْخِيصِ فَنَذْكُرُهُ مُلَخَّصًا، وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ الْمُشْتَرِي لَا يَشْتَرِيهِ بِعَشَرَةٍ فَاشْتَرَاهُ بِأَحَدَ عَشَرَ حَنِثَ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ وَزِيَادَةٍ وَالزِّيَادَةُ عَلَى شَرْطِ الْحِنْثِ لَا تَمْنَعُ الْحِنْثَ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ فَدَخَلَهَا وَدَخَلَ دَارًا أُخْرَى. وَلَوْ حَلَفَ الْبَائِعُ لَا يَبِيعُهُ بِعَشَرَةٍ فَبَاعَهُ بِأَحَدَ عَشَرَ لَمْ يَحْنَثْ لِحُصُولِ شَرْطِ بِرِّهِ؛ لِأَنَّ غَرَضَهُ الزِّيَادَةُ عَلَى الْعَشَرَةِ، وَقَدْ وُجِدَ؛ لِأَنَّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 323 فِي الْيَمِينِ مَلْفُوظٌ بِهِ يَجُوزُ تَعْيِينُ أَحَدِ مُحْتَمَلَيْهِ بِالْغَرَضِ، وَأَمَّا الزِّيَادَةُ عَلَى الْمَلْفُوظِ فَلَا يَجُوزُ بِالْغَرَضِ فَفِي مَسْأَلَةِ لَا أَبِيعُهُ بِعَشَرَةٍ فَبَاعَهُ بِتِسْعَةٍ إنَّمَا لَا يَحْنَثُ الْبَائِعُ، وَإِنْ كَانَ غَرَضُهُ الْمَنْعَ عَنْ النُّقْصَانِ؛ لِأَنَّ النَّاقِصَ عَنْ الْعَشَرَةِ لَيْسَ فِي لَفْظِهِ، وَلَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ فَلَا يَتَقَيَّدُ بِهِ. اهـ. وَفِي الْخُلَاصَةِ مِنْ الْجِنْسِ الْخَامِسِ مِنْ الْيَمِينِ فِي الشِّرَاءِ، وَلَوْ أَنَّ الْبَائِعَ هُوَ الَّذِي حَلَفَ فَقَالَ عَبْدُهُ حُرٌّ إنْ بِعْتُ هَذَا مِنْكَ بِعَشَرَةٍ فَبَاعَهُ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَدِينَارٍ أَوْ بِأَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا لَمْ يَحْنَثْ، وَلَوْ بَاعَهُ بِتِسْعَةٍ لَا يَحْنَثُ أَيْضًا هَذَا جَوَابُ الْقِيَاسِ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ عَلَى عَكْسِ هَذَا فَإِنَّ الْعُرْفَ بَيْنَ النَّاسِ أَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ بِعَشَرَةٍ أَنْ لَا يَبِيعَهُ إلَّا بِأَكْثَرَ مِنْ عَشَرَةٍ فَإِذَا بَاعَهُ بِتِسْعَةٍ يَحْنَثُ اسْتِحْسَانًا. اهـ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ بِنَاءَ الْحُكْمِ عَلَى الْأَلْفَاظِ هُوَ الْقِيَاسُ وَالِاسْتِحْسَانُ بِنَاؤُهُ عَلَى الْأَغْرَاضِ وَسَيَأْتِي أَنَّهُ هَلْ يُعْتَبَرُ فِي الْعُرْفِ عِنْدَ التَّخَاطُبِ أَوْ الْعَمَلِ (قَوْلُهُ: حَلَفَ لَا يَدْخُلُ بَيْتًا لَا يَحْنَثُ بِدُخُولِ الْبَيْتِ وَالْمَسْجِدِ وَالْبِيعَةِ وَالْكَنِيسَةِ وَالدِّهْلِيزِ وَالظُّلَّةِ وَالصُّفَّةِ) لِمَا قَدَّمْنَا أَنَّ الْأَيْمَانَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعُرْفِ وَالْبَيْتُ فِي الْعُرْفِ مَا أُعِدَّ لِلْبَيْتُوتَةِ، وَهَذِهِ الْبِقَاعُ مَا بُنِيَتْ لَهَا، وَأَرَادَ بِالْبَيْتِ الْكَعْبَةَ، وَلَوْ عَبَّرَ بِهَا لَكَانَ أَظْهَرَ وَالْبِيعَةُ بِكَسْرِ الْبَاءِ مَعْبَدُ النَّصَارَى وَالْكَنِيسَةُ مَعْبَدُ الْيَهُودِ وَالدِّهْلِيزُ بِكَسْرِ الدَّالِ مَا بَيْنَ الْبَابِ وَالدَّارِ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ كَمَا فِي الصِّحَاحِ وَالظُّلَّةُ السَّابَاطُ الَّذِي يَكُونُ عَلَى بَابِ الدَّارِ مِنْ سَقْفٍ لَهُ جُذُوعٌ أَطْرَافُهَا عَلَى جِدَارِ الْبَابِ، وَأَطْرَافُهَا الْأُخْرَى عَلَى جِدَارِ الْجَارِ الْمُقَابِلِ لَهُ، وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِهِ؛ لِأَنَّ الظُّلَّةَ إذَا كَانَ مَعْنَاهَا مَا هُوَ دَاخِلُ الْبَيْتِ مُسْقَفًا فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِدُخُولِهِ؛ لِأَنَّهُ يُبَاتُ فِيهِ، وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي الدِّهْلِيزِ وَالصُّفَّةِ، وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَصْلُحَا   [منحة الخالق] الْبَيْعَ بِالْعَشَرَةِ نَوْعَانِ بَيْعٌ بِعَشَرَةٍ مُفْرَدَةٍ وَبَيْعٌ بِعَشَرَةٍ مَقْرُونَةٍ بِالزِّيَادَةِ فَفِي الْمُشْتَرِي اللَّفْظُ مُطْلَقٌ لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى تَعْيِينِ أَحَدِ النَّوْعَيْنِ فَكَانَ مُرَادُهُ الْعَشَرَةَ الْمُطْلَقَةَ أَمَّا الْبَائِعُ فَمُرَادُهُ الْبَيْعُ بِعَشَرَةٍ مُفْرَدَةٍ بِدَلَالَةِ الْحَالِ إذْ غَرَضُهُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهَا، وَلَمْ يُوجَدْ شَرْطُ حِنْثِهِ، وَهُوَ الْبَيْعُ بِعَشَرَةٍ مُفْرَدَةٍ فَلَا يَحْنَثُ، وَهَذَا هُوَ الْمُتَعَارَفُ بَيْنَ النَّاسِ فَيُحْمَلُ الْيَمِينُ عَلَى مَا تَعَارَفُوهُ، وَلَوْ اشْتَرَاهُ الْمُشْتَرِي أَوْ بَاعَهُ الْبَائِعُ بِتِسْعَةٍ لَمْ يَحْنَثْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا أَمَّا الْمُشْتَرِي فَلِأَنَّهُ مُسْتَنْقِصٌ فَكَانَ شَرْطُ بِرِّهِ الشِّرَاءَ بِأَنْقَصَ مِنْ عَشَرَةٍ، وَقَدْ وُجِدَ، وَأَمَّا الْبَائِعُ فَإِنَّهُ، وَإِنْ كَانَ مُسْتَزِيدًا لِلثَّمَنِ عَلَى الْعَشَرَةِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِفَوَاتِ الْغَرَضِ وَحْدَهُ بِدُونِ وُجُودِ الْفِعْلِ الْمُسَمَّى، وَهُوَ الْبَيْعُ بِعَشَرَةٍ فَلَا يَحْنَثُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْحِنْثَ إنَّمَا يَثْبُتُ بِمَا يُنَاقِضُ الْبِرَّ صُورَةً، وَهُوَ تَحْصِيلُ مَا هُوَ شَرْطُ الْحِنْثِ صُورَةً، وَلِلْحَالِفِ فِي الْإِقْدَامِ عَلَى الْيَمِينِ غَرَضٌ فَإِذَا وُجِدَ الْفِعْلُ الَّذِي هُوَ شَرْطُ الْحِنْثِ صُورَةً، وَفَاتَ غَرَضُهُ بِهِ فَقَدْ فَاتَ شَرْطُ الْبِرِّ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَيَحْنَثُ أَمَّا إذَا وُجِدَ صُورَةُ الْفِعْلِ الَّذِي هُوَ شَرْطٌ فِي الْحِنْثِ بِدُونِ فَوْتِ الْغَرَضِ أَوْ بِالْعَكْسِ لَا يَكُونُ حِنْثًا مُطْلَقًا فَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ حُكْمُ الْحِنْثِ فَصَارَ كَمَنْ حَلَفَ لَا يَخْرُجُ مِنْ الْبَابِ فَخَرَجَ مِنْ جَانِبِ السَّطْحِ أَوْ لَا يَضْرِبُ عَبْدَهُ سَوْطًا فَضَرَبَهُ بِعَصًا أَوْ لَا يَشْتَرِي لِامْرَأَتِهِ شَيْئًا بِفَلْسٍ فَاشْتَرَى شَيْئًا بِدِينَارٍ أَوْ لَيُغَدِّيَنَّ فُلَانًا الْيَوْمَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَغَدَّاهُ بِرَغِيفٍ مُشْتَرًى بِأَلْفٍ لَمْ يَحْنَثْ فِي الْكُلِّ. وَإِنْ كَانَ غَرَضُهُ فِي الْأُولَى الْقَرَارَ فِي الدَّارِ، وَفِي الثَّانِيَةِ الِامْتِنَاعَ عَنْ إيلَامِ الْعَبْدِ، وَفِي الثَّالِثَةِ إيذَاءَ الْمَرْأَةِ، وَعَدَمَ الْإِنْعَامِ عَلَيْهَا، وَفِي الرَّابِعَةِ كَوْنَ مَا يُغَدِّيهِ بِهِ كَثِيرَ الْقِيمَةِ، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَاهُ الْمُشْتَرِي أَوْ بَاعَهُ الْبَائِعُ بِتِسْعَةٍ وَدِينَارٍ أَوْ بِتِسْعَةٍ وَثَوْبٍ لَمْ يَحْنَثْ أَمَّا الْمُشْتَرِي فَلِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ الْعَشَرَةَ بِإِزَاءِ الْمَبِيعِ، وَهُوَ، وَإِنْ كَانَ مُسْتَنْقِصًا الثَّمَنَ عَنْ الْعَشَرَةِ إلَّا أَنَّ ذَلِكَ غَرَضٌ وَبِالْغَرَضِ يَبَرُّ، وَلَا يَحْنَثُ لِمَا قُلْنَا، وَأَمَّا الْبَائِعُ فَلِعَدَمِ وُجُودِ شَرْطِ الْحِنْثِ صُورَةً، وَهُوَ الْبَيْعُ بِعَشَرَةٍ مَعَ تَحَقُّقِ شَرْطِ بِرِّهِ، وَهُوَ الزِّيَادَةُ عَلَى الْعَشَرَةِ إذْ غَرَضُهُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهَا وَبِالْغَرَضِ يَتَحَقَّقُ الْبِرُّ دُونَ الْحِنْثِ لِمَا قُلْنَا، وَقَوْلُهُ وَبِالْعُرْفِ يُخَصُّ، وَلَا يُزَادُ جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ، وَهُوَ أَنَّ غَرَضَ الْمُشْتَرِي مِنْ الْيَمِينِ عُرْفًا النُّقْصَانُ عَنْ عَشَرَةٍ فَإِذَا اشْتَرَاهُ بِتِسْعَةٍ وَدِينَارٍ أَوْ بِتِسْعَةٍ وَثَوْبٍ لَمْ يُوجَدْ النُّقْصَانُ بَلْ وُجِدَتْ الزِّيَادَةُ مِنْ حَيْثُ الْقَدْرُ وَالْمَالِيَّةُ فَوَجَبَ الْحِنْثُ، وَكَذَا الْبَائِعُ بِتِسْعَةٍ مُفْرَدَةٍ وَجَبَ أَنْ يَحْنَثَ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ عَنْ إزَالَةِ مِلْكِهِ بِعَشَرَةٍ مَنْعٌ عَنْ إزَالَتِهِ بِتِسْعَةٍ مُفْرَدَةٍ عُرْفًا. وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ الْحُكْمَ لَا يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ الْغَرَضِ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ بِاللَّفْظِ وَاَلَّذِي تَلَفَّظَ بِهِ الْمُشْتَرِي لَا يَحْتَمِلُ الشِّرَاءَ بِتِسْعَةٍ وَدِينَارٍ أَوْ ثَوْبٍ إذْ الدِّرْهَمُ لَا يَحْتَمِلُ الدِّينَارَ، وَلَا الثَّوْبَ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ مَجَازًا عَنْ الشِّرَاءِ بِمَا يَبْلُغُ قِيمَتُهُ عَشَرَةً بِاعْتِبَارِ الْغَرَضِ فِي الْعُرْفِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ بِهِ عَلَى مَا لَيْسَ فِي لَفْظِهِ بِالْعُرْفِ لِمَا يَذْكُرُهُ، وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِيهِ بِدِرْهَمٍ فَاشْتَرَاهُ بِدِينَارٍ لَمْ يَحْنَثْ وَالْجَوَابُ عَنْ الثَّانِي أَنَّ الْمَلْفُوظَ هُوَ الْعَشَرَةُ وَطَلَبُ الزِّيَادَةِ عَلَيْهَا لَيْسَ فِي لَفْظِ الْبَائِعِ، وَلَيْسَ مُحْتَمَلُ لَفْظِهِ إذْ اسْمُ الْعَشَرَةِ لَا يَحْتَمِلُ التِّسْعَةَ لِيَتَعَيَّنَ بِغَرَضِهِ وَالزِّيَادَةُ عَلَى اللَّفْظِ بِالْعُرْفِ لَا تَجُوزُ بِخِلَافِ الشِّرَاءِ بِتِسْعَةٍ؛ لِأَنَّ الْعَشَرَةَ فِي جَانِبِ الْمُشْتَرِي. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 324 لِلْبَيْتُوتَةِ أَمَّا إذَا كَانَ الدِّهْلِيزُ كَبِيرًا بِحَيْثُ يُبَاتُ فِيهِ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِدُخُولِهِ؛ لِأَنَّ مِثْلَهُ يُعْتَادُ بَيْتُوتَتُهُ لِلضُّيُوفِ فِي بَعْضِ الْقُرَى، وَفِي الْمُدُنِ يَبِيتُ فِيهِ بَعْضُ الْأَتْبَاعِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ فَيَحْنَثُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ إذَا أُغْلِقَ الْبَابُ صَارَ دَاخِلًا لَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ مِنْ الدَّارِ، وَلَهُ سِعَةٌ تَصْلُحُ لِلْمَبِيتِ مِنْ سَقْفٍ يَحْنَثُ بِدُخُولِهِ، وَعَلَى هَذَا يَحْنَثُ بِالصُّفَّةِ سَوَاءٌ كَانَ لَهَا أَرْبَعُ حَوَائِطَ كَمَا هِيَ صِفَافُ الْكُوفَةِ أَوْ ثَلَاثَةٌ عَلَى مَا صَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ مُسْقَفًا كَمَا هِيَ صِفَافُ دِيَارِنَا؛ لِأَنَّهُ يُبَاتُ فِيهِ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ مِفْتَحَهُ وَاسِعٌ وَسَيَأْتِي أَنَّ السَّقْفَ لَيْسَ شَرْطًا فِي مُسَمَّى الْبَيْتِ فَيَحْنَثُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الدِّهْلِيزُ مُسْقَفًا كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. (قَوْلُهُ: وَفِي دَارٍ بِدُخُولِهَا خَرِبَةً، وَفِي هَذِهِ الدَّارِ يَحْنَثُ، وَإِنْ بُنِيَتْ دَارًا أُخْرَى بَعْدَ الِانْهِدَامِ) أَيْ فِي حَلِفِهِ لَا يَدْخُلُ دَارًا لَا يَحْنَثُ بِدُخُولِهَا خَرِبَةً، وَفِيمَا إذَا حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِدُخُولِهَا خَرِبَةً، وَإِنْ بُنِيَتْ دَارًا أُخْرَى بَعْدَ الِانْهِدَامِ؛ لِأَنَّ الدَّارَ اسْمٌ لِلْعَرْصَةِ عِنْدَ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ يُقَال دَارٌ عَامِرَةٌ وَدَارٌ غَامِرَةٌ أَيْ خَرَابٌ، وَقَدْ شَهِدَتْ أَشْعَارُ الْعَرَبِ بِذَلِكَ وَالْبِنَاءُ وَصْفٌ فِيهَا غَيْرَ أَنَّ الْوَصْفَ فِي الْحَاضِرِ لَغْوٌ وَالِاسْمُ بَاقٍ بَعْدَ الِانْهِدَامِ، وَفِي الْغَائِبِ تُعْتَبَرُ، وَأَرَادَ بِالْخَرِبَةِ الدَّارَ الَّتِي لَمْ يَبْقَ فِيهَا بِنَاءٌ أَصْلًا فَأَمَّا إذَا زَالَ بَعْضُ حِيطَانِهَا وَبَقِيَ الْبَعْضُ فَهَذِهِ دَارٌ خَرِبَةٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ فِي الْمُنَكَّرِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ نِيَّةٌ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْأَصْلُ أَنَّ الْوَصْفَ فِي الْمُعَيَّنِ لَغْوٌ إنْ لَمْ يَكُنْ دَاعِيًا إلَى الْيَمِينِ وَحَامِلًا عَلَيْهَا، وَإِنْ كَانَ حَامِلًا عَلَيْهَا تَقَيَّدَتْ بِهِ كَمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ هَذَا الْبُسْرَ فَأَكَلَهُ رُطَبًا لَمْ يَحْنَثْ إلَّا إذَا كَانَتْ الصِّفَةُ مَهْجُورَةً شَرْعًا فَحِينَئِذٍ لَا يَتَقَيَّدُ بِهَا، وَإِنْ كَانَتْ حَامِلَةً كَمَنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ هَذَا الصَّبِيَّ لَا يَتَقَيَّدُ بِصِبَاهُ كَمَا سَيَأْتِي قَيَّدَ بِالْيَمِينِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ دَارٍ مُنَكَّرَةٍ فَاشْتَرَى دَارًا خَرِبَةً نَفَذَ عَلَى الْمُوَكِّلِ لِتَعَرُّفِهَا مِنْ وَجْهٍ بِاعْتِبَارِ بَيَانِ الثَّمَنِ وَالْمَحَلَّةِ، وَإِلَّا لَمْ تَصِحَّ الْوَكَالَةُ لِلْجَهَالَةِ الْمُتَفَاحِشَةِ، وَهِيَ فِي الْيَمِينِ مُنَكَّرَةٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَافْتَرَقَا. وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذَا الْمَسْجِدَ فَهُدِمَ فَصَارَ صَحْرَاءَ ثُمَّ دَخَلَهُ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ قَالَ هُوَ مَسْجِدٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَبْنِيًّا، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ عِبَارَةٌ عَنْ مَوْضِعِ السُّجُودِ وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي الْخَرِبِ، وَلِهَذَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ إنَّ الْمَسْجِدَ إذَا خَرِبَ وَاسْتَغْنَى النَّاسُ عَنْهُ أَنَّهُ يَبْقَى مَسْجِدًا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ، وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ يَبْقَى الْمَسْجِدُ بَعْدَ خَرَابِهِ هُوَ الْمُفْتَى بِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ مِنْ كِتَابِ الْوَقْفِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ جُعِلَتْ بُسْتَانًا أَوْ مَسْجِدًا أَوْ حَمَّامًا أَوْ بَيْتًا لَا كَهَذَا الْبَيْتُ فَهُدِمَ أَوْ بُنِيَ آخَرُ) بَيَانٌ لِثَلَاثِ مَسَائِلَ: الْأُولَى لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ فَخَرِبَتْ فَجُعِلَتْ بُسْتَانًا أَوْ مَسْجِدًا أَوْ حَمَّامًا أَوْ بَيْتًا لَا يَحْنَثُ بِدُخُولِهِ فِيهِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَبْقَ دَارًا لِاعْتِرَاضِ اسْمٍ آخَرَ عَلَيْهِ، وَكَذَا إذَا غَلَبَ عَلَيْهَا الْمَاءُ أَوْ جُعِلَتْ نَهْرًا فَدَخَلَهُ قَيْدٌ بِالْإِشَارَةِ مَعَ التَّسْمِيَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَشَارَ، وَلَمْ يُسَمِّ كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ، فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِدُخُولِهَا عَلَى أَيِّ صِفَةٍ كَانَتْ دَارًا أَوْ مَسْجِدًا أَوْ حَمَّامًا أَوْ بُسْتَانًا؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ عُقِدَتْ عَلَى الْعَيْنِ دُونَ الِاسْمِ بَاقِيَةٌ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ. وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَوْ دَخَلَهُ بَعْدَمَا انْهَدَمَ الْمَبْنَى ثَانِيًا مِنْ الْحَمَّامِ، وَمَا مَعَهُ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَعُودُ إلَى اسْمِ الدَّارِيَّةِ بِالتَّشْدِيدِ، وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ بُنِيَ دَارًا بَعْدَمَا انْهَدَمَ مَا بُنِيَ ثَانِيًا مِنْ الْحَمَّامِ وَغَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ تِلْكَ الدَّارِ الَّتِي مَنَعَ نَفْسَهُ مِنْ الدُّخُولِ فِيهَا. الثَّانِيَةُ: لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذَا الْبَيْتَ فَدَخَلَهُ بَعْدَ مَا انْهَدَمَ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ لِزَوَالِ اسْمِ الْبَيْتِ فَإِنَّهُ لَا يُبَاتُ فِيهِ حَتَّى لَوْ بَقِيَتْ الْحِيطَانُ وَسَقَطَ السَّقْفُ يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ يُبَاتُ فِيهِ وَالسَّقْفُ وَصْفٌ فِيهِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ؛ لِأَنَّ الْبَيْتَ الصَّيْفِيَّ لَيْسَ لَهُ سَقْفٌ، وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْبَيْتُ مُنَكَّرًا فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِالْأَوْلَى. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْبَيْتَ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُنَكَّرًا أَوْ مُعَرَّفًا فَإِذَا دَخَلَهُ، وَهُوَ صَحْرَاءُ لَا يَحْنَثُ لِزَوَالِ الِاسْمِ بِزَوَالِ الْبِنَاءِ، وَأَمَّا الدَّارُ فَفَرَّقَ فِيهِ بَيْنَ الْمُنَكَّرَةِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ حَامِلًا عَلَيْهَا تَقَيَّدَتْ) كَذَا تَتَقَيَّدُ إذَا ذُكِرَتْ عَلَى وَجْهِ الشَّرْطِ كَمَا يَأْتِي فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَدَوَامُ الرُّكُوبِ وَاللُّبْسِ. [ثَلَاثِ مَسَائِلَ فِي الْحُلْف] (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ جُعِلَتْ بُسْتَانًا إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَدْ سُئِلْت عَمَّا إذَا حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ فَقُسِّمَتْ وَوَقَعَ فِي قِسْمَةِ الْحَالِفِ مِنْهَا بَيْتٌ فَجُعِلَ لَهُ اسْتِطْرَاقٌ مِنْ غَيْرِهَا هَلْ يَحْنَثُ بِدُخُولِهِ؟ . فَأَجَبْت لَا يَحْنَثُ لِعَدَمِ دُخُولِهِ الدَّارَ وَالْحَالَةُ هَذِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. اهـ. قُلْت: لِيُنْظَرْ هَذَا مَعَ مَا سَيَأْتِي قُبَيْلَ قَوْلِهِ لَا يَخْرُجُ فَأُخْرِجَ مَحْمُولًا، وَلَوْ حَلَفَ لَا يُسَاكِنُ فُلَانًا فِي دَارٍ وَسَمَّى دَارًا بِعَيْنِهَا فَتَقَاسَمَاهَا وَضَرَبَ كُلُّ وَاحِدٍ بَيْنَهُمَا حَائِطًا، وَفَتَحَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِنَفْسِهِ بَابًا ثُمَّ سَكَنَ الْحَالِفُ فِي طَائِفَةٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 325 وَالْمُعَيَّنَةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. وَفِي الْبَدَائِعِ لَوْ انْهَدَمَ السَّقْفُ وَحِيطَانُهُ قَائِمَةٌ فَدَخَلَهُ يَحْنَثُ فِي الْمُعَيَّنِ، وَلَا يَحْنَثُ فِي الْمُنَكَّرِ؛ لِأَنَّ السَّقْفَ بِمَنْزِلَةِ الصُّفَّةِ فِيهِ، وَهِيَ فِي الْحَاضِرِ لَغْوٌ، وَفِي الْغَائِبِ مُعْتَبَرَةٌ. اهـ. الثَّالِثَةُ: لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذَا الْبَيْتَ فَهُدِمَ وَبُنِيَ آخَرُ فَدَخَلَهُ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ لَمْ يَبْقَ بَعْدَ الِانْهِدَامِ، وَهَذَا الْمَبْنَى غَيْرُ الْبَيْتِ الَّذِي مَنَعَ نَفْسَهُ مِنْ دُخُولِهِ. وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى جِنْسِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى، وَهُوَ مَا إذَا حَلَفَ لَا يَجْلِسُ إلَى هَذِهِ الْأُسْطُوَانَةِ أَوْ إلَى هَذَا الْحَائِطِ فَهُدِمَا ثُمَّ بُنِيَا بِنَقْضِهِمَا لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ الْحَائِطَ إذَا هُدِمَ زَالَ الِاسْمُ عَنْهُ، وَكَذَا الْأُسْطُوَانَةُ فَبَطَلَتْ الْيَمِينُ، وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ لَا يَكْتُبُ بِهَذَا الْقَلَمِ فَكَسَرَهُ ثُمَّ بَرَاهُ فَكَتَبَ بِهِ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْمَبْرِيِّ لَا يُسَمَّى قَلَمًا، وَإِنَّمَا يُسَمَّى أُنْبُوبًا فَإِذَا كَسَرَهُ فَقَدْ زَالَ الِاسْمُ عَنْهُ فَبَطَلَتْ الْيَمِينُ، وَكَذَلِكَ إذَا حَلَفَ عَلَى مِقَصٍّ فَكَسَرَهُ ثُمَّ جَعَلَهُ مِقَصًّا آخَرَ غَيْرَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ قَدْ زَالَ بِالْكَسْرِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ سِكِّينٍ وَسَيْفٍ، وَقِدْرٍ كُسِرَ ثُمَّ صُنِعَ مِثْلُهُ، وَلَوْ نُزِعَ مِسْمَارٌ لِنَقْصٍ، وَلَمْ يَكْسِرْهُ ثُمَّ أَعَادَ فِيهِ مِسْمَارًا آخَرَ حَنِثَ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ لَمْ يَزُلْ بِزَوَالِ الْمِسْمَارِ، وَكَذَلِكَ إنْ نَزَعَ نِصَابَ السِّكِّينِ وَجَعَلَ عَلَيْهِ نِصَابًا آخَرَ؛ لِأَنَّ السِّكِّينَ اسْمٌ لِلْحَدِيدِ. وَلَوْ حَلَفَ عَلَى قَمِيصٍ لَا يَلْبَسُهُ أَوْ قَبَاءٍ مَحْشُوًّا أَوْ مُبَطَّنًا أَوْ جُبَّةٍ مُبَطَّنَةً أَوْ مَحْشُوَّةً أَوْ قَلَنْسُوَةٍ أَوْ خُفَّيْنِ فَنَقَضَ ذَلِكَ كُلَّهُ ثُمَّ أَعَادَ يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ بَقِيَ بَعْدَ النَّقْضِ يُقَالُ قَمِيصٌ مَفْتُوقٌ وَجُبَّةٌ مَفْتُوقَةٌ وَالْيَمِينُ الْمُنْعَقِدَةُ عَلَى الْعَيْنِ لَا تَبْطُلُ بِتَغَيُّرِ الصِّفَةِ مَعَ بَقَاءِ اسْمِ الْعَيْنِ، وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ بِهَذَا السَّرْجِ فَنَقَضَهُ ثُمَّ أَعَادَهُ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ هَذِهِ السَّفِينَةَ فَنَقَضَهَا ثُمَّ اسْتَأْنَفَهَا بِذَلِكَ الْخَشَبِ فَرَكَّبَهَا لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهَا لَا تُسَمَّى سَفِينَةً بَعْدَ النَّقْضِ وَزَوَالُ الِاسْمِ يُبْطِلُ الْيَمِينَ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَنَامُ عَلَى هَذَا الْفِرَاشِ فَفَتَقَهُ وَغَسَلَهُ ثُمَّ حَشَاهُ بِحَشْوٍ وَخَلَطَهُ وَنَامَ عَلَيْهِ حَنِثَ؛ لِأَنَّ فَتْقَ الْفِرَاشِ لَا يُزِيلُ الِاسْمَ عَنْهُ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ شَقَّةَ غَزْلٍ بِعَيْنِهَا فَنَقَضَهَا وَغُزِلَتْ وَجُعِلَتْ شَقَّةً أُخْرَى لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهَا إذَا نُقِضَتْ صَارَتْ خُيُوطًا وَزَالَ الِاسْمُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ، وَلَوْ حَلَفَ عَلَى قَمِيصٍ لَا يَلْبَسُهُ فَقَطَعَهُ جُبَّةً مَحْشُوَّةً فَلَبِسَهُ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ قَدْ زَالَ فَزَالَتْ الْيَمِينُ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَقْرَأُ فِي هَذَا الْمُصْحَفِ فَخَلَعَهُ ثُمَّ أَلَّفَ وَرَقَهُ وَخَرَزَ دَفَّتَيْهِ ثُمَّ قَرَأَ فِيهِ حَنِثَ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْمُصْحَفِ بَاقٍ، وَإِنْ فَرَّقَهُ، وَلَوْ حَلَفَ عَلَى نَعْلٍ لَا يَلْبَسُهَا فَقَطَعَ شِرَاكَهَا وَشَرَكَهَا بِغَيْرِهِ ثُمَّ لَبِسَهَا حَنِثَ؛ لِأَنَّ اسْمَ النَّعْلِ يَتَنَاوَلُهَا بَعْدَ قَطْعِ الشِّرَاكِ. ، وَلَوْ حَلَفَتْ امْرَأَةٌ لَا تَلْبَسُ هَذِهِ الْمِلْحَفَةَ فَخِيطَ جَانِبُهَا فَجُعِلَتْ دِرْعًا وَجَعَلَتْ لَهَا جَيْبًا ثُمَّ لَبِسَتْهَا لَمْ تَحْنَثْ؛ لِأَنَّهَا دِرْعٌ، وَلَيْسَتْ بِمِلْحَفَةٍ فَإِنْ أُعِيدَتْ مِلْحَفَةً فَلَبِسَتْهَا حَنِثَتْ؛ لِأَنَّهَا عَادَتْ مِلْحَفَةً بِغَيْرِ تَأْلِيفٍ، وَلَا زِيَادَةٍ، وَلَا نُقْصَانٍ فَهِيَ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ، وَقَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي رَجُلٍ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذَا الْمَسْجِدَ فَزِيدَ فِيهِ طَائِفَةٌ فَدَخَلَهَا لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ، وَقَعَتْ عَلَى بُقْعَةٍ مُعَيَّنَةٍ فَلَا يَحْنَثُ بِغَيْرِهَا، وَلَوْ قَالَ مَسْجِدَ بَنِي فُلَانٍ ثُمَّ زِيدَ فِيهِ فَدَخَلَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ الَّذِي زِيدَ فِيهِ حَنِثَ، وَكَذَلِكَ الدَّارُ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ يَمِينَهُ عَلَى الْإِضَافَةِ وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي الزِّيَادَةِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ فِي هَذَا الْفُسْطَاطِ، وَهُوَ مَضْرُوبٌ فِي مَوْضِعٍ فَقُلِعَ وَضُرِبَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فَدَخَلَ فِيهِ حَنِثَ، وَكَذَلِكَ الْقُبَّةُ مِنْ الْعِيدَانِ، وَكَذَلِكَ دُرْجٌ مِنْ عِيدَانٍ أَوْ مِنْبَرٍ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لَا يَزُولُ بِنَقْلِهَا مِنْ مَكَان إلَى مَكَان كَذَا فِي الْبَدَائِعِ. (قَوْلُهُ: وَالْوَاقِفُ عَلَى السَّطْحِ دَاخِلٌ، وَفِي طَاقِ الْبَابِ لَا) أَيْ لَيْسَ بِدَاخِلٍ؛ لِأَنَّ السَّطْحَ مِنْ الدَّارِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُعْتَكِفَ لَا يَفْسُدُ اعْتِكَافُهُ بِالْخُرُوجِ إلَى سَطْحِ الْمَسْجِدِ، وَإِذَا حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ فَوَقَفَ عَلَى سَطْحِهَا مِنْ غَيْرِ دُخُولٍ مِنْ الْبَابِ بِأَنْ تَوَصَّلَ إلَيْهِ مِنْ سَطْحٍ آخَرَ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ، وَقِيلَ فِي عُرْفِنَا لَا يَحْنَثُ، وَمَا فِي الْمُخْتَصَرِ قَوْلُ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَمُقَابِلُهُ قَوْلُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَوَفَّقَ بَيْنَهُمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِحَمْلِ مَا فِي الْمُخْتَصَرِ عَلَى مَا إذَا كَانَ لِلسَّطْحِ حَضِيرٌ وَحُمِلَ مُقَابِلُهُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ حَضِيرٌ أَيْ سَاتِرٌ. وَأَشَارَ   [منحة الخالق] وَالْآخَرُ فِي طَائِفَةٍ حَنِثَ، وَلَوْ لَمْ يُعَيِّنْ الدَّارَ فِي يَمِينِهِ، وَلَكِنْ ذَكَرَ دَارًا عَلَى التَّنْكِيرِ وَبَاقِي الْمَسْأَلَةِ بِحَالِهَا لَا يَحْنَثُ. اهـ. فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَفِي الْبَدَائِعِ لَوْ انْهَدَمَ السَّقْفُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: فِيهِ نَظَرٌ بَلْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُنَكَّرِ وَالْمُعَرَّفِ حَيْثُ صَلَحَ؛ لَأَنْ يُبَاتَ فِيهِ فَتَدَبَّرْهُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 326 الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ صَعِدَ عَلَى شَجَرَةٍ دَاخِلَهَا أَوْ قَامَ عَلَى حَائِطٍ فِيهَا فَإِنَّهُ دَاخِلٌ فَيَحْنَثُ، وَلَوْ كَانَ الْحَائِطُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ جَارِهِ لَمْ يَحْنَثْ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَعَلَى قَوْلِ الْمُتَأَخِّرِينَ لَا وَالظَّاهِرُ قَوْلُ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى دَاخِلَ الدَّارِ عُرْفًا مَا لَمْ يَدْخُلْ جَوْفَهَا حَتَّى صَحَّ أَنْ يُقَالَ لَمْ يَدْخُلْ الدَّارَ، وَلَكِنْ صَعِدَ سَطْحَهَا وَنَحْوَهُ، وَفِي التَّبْيِينِ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ فِي الْعَجَمِ؛ لِأَنَّ الْوَاقِفَ عَلَى السَّطْحِ لَا يُسَمَّى دَاخِلًا عِنْدَهُمْ. وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ نَوَى فِي حَلِفِهِ لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ فَدَخَلَ صَحْنَهَا فَإِنَّهُ لَا يُصَدَّقُ قَضَاءً لَكِنْ يُصَدَّقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ يَذْكُرُونَ الدَّارَ وَيُرِيدُونَ صَحْنَهَا فَقَدْ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ كَلَامُهُ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ، وَأَفَادَ بِإِطْلَاقِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ دَارًا أَوْ بَيْتًا أَوْ مَسْجِدًا فَإِنْ كَانَ فَوْقَ الْمَسْجِدِ مَسْكَنٌ فَدَخَلَهُ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَسْجِدٍ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ أَيْضًا. وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ دَاخِلَ إلَى أَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ دُخُولُ الدَّارِ فَقَطْ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا إذَا حَلَفَ لَا يَدْخُلُ مِنْ بَابِ هَذِهِ الدَّارِ فَإِنَّهُ إذَا دَخَلَهَا مِنْ غَيْرِ الْبَابِ لَمْ يَحْنَثْ لِعَدَمِ الشَّرْطِ، وَهُوَ الدُّخُولُ مِنْ الْبَابِ فَإِنْ نَقَبَ لِلدَّارِ بَابًا آخَرَ فَدَخَلَ يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى الدُّخُولِ مِنْ بَابٍ مَنْسُوبَةٍ إلَى الدَّارِ، وَقَدْ وُجِدَ وَالْبَابُ الْحَادِثُ كَذَلِكَ فَيَحْنَثُ، وَإِنْ عَنَى بِهِ الْبَابَ الْأَوَّلَ يَدِينُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ لَفْظَهُ يَحْتَمِلُهُ، وَلَا يَدِينُ فِي الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ حَيْثُ أَرَادَ بِالْمُطْلَقِ الْمُقَيَّدَ، وَإِنْ عَيَّنَ الْبَابَ فَقَالَ لَا أَدْخُلُ مِنْ هَذَا الْبَابِ فَدَخَلَ مِنْ بَابٍ آخَرَ لَا يَحْنَثُ، وَهَذَا مِمَّا لَا شَكَّ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ. وَقَيَّدَ بِالسَّطْحِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ فَحَفَرَ سِرْدَابًا تَحْتَ دَارِ فُلَانٍ أَوْ قَنَاةً فَدَخَلَ ذَلِكَ السِّرْدَابَ أَوْ الْقَنَاةَ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ، وَلَوْ كَانَ لِلْقَنَاةِ مَوْضِعٌ مَكْشُوفٌ فِي الدَّارِ فَإِنْ كَانَ كَبِيرًا يَسْتَقِي مِنْهُ أَهْلُ الدَّارِ فَإِذَا بَلَغَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ حَنِثَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الدَّارِ فَإِنَّ أَهْلَ الدَّارِ يَنْتَفِعُونَ بِهِ انْتِفَاعَ الدَّارِ فَيَكُونُ مِنْ مَرَافِقِ الدَّارِ بِمَنْزِلَةِ بِئْرِ الْمَاءِ، وَإِنْ كَانَ بِئْرًا لَا يَنْتَفِعُ بِهِ أَهْلُ الدَّارِ، وَإِنَّمَا هُوَ لِلضَّوْءِ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مَرَافِقِ الدَّارِ، وَلَا يُعَدُّ دَاخِلُهُ دَاخِلَ الدَّارِ، وَلَوْ اتَّخَذَ فُلَانٌ سِرْدَابًا تَحْتَ دَارِهِ وَجَعَلَ بُيُوتًا وَجَعَلَ لَهَا أَبْوَابًا إلَى الطَّرِيقِ فَدَخَلَهَا الْحَالِفُ حَنِثَ؛ لِأَنَّ السِّرْدَابَ تَحْتَ الدَّارِ مِنْ بُيُوتِهَا كَذَا فِي الْمُحِيطِ. وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَخْرُجُ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ فَصَعِدَ سَطْحَهَا فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ، وَلَيْسَ بِخَارِجٍ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ حَلَفَ لَا يَخْرُجُ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ، وَفِي الدَّارِ شَجَرَةٌ أَغْصَانُهَا خَارِجُ الدَّارِ فَارْتَقَى تِلْكَ الشَّجَرَةَ حَتَّى صَارَ بِحَالٍ لَوْ سَقَطَ سَقَطَ فِي الطَّرِيقِ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الشَّجَرَةَ بِمَنْزِلَةِ بِنَاءِ الدَّارِ. اهـ. وَإِنَّمَا لَا يَكُونُ دَاخِلًا إذَا وَقَفَ فِي طَاقِ الْبَابِ؛ لِأَنَّ الْبَابَ لِإِحْرَازِ الدَّارِ، وَمَا فِيهَا فَلَمْ يَكُنْ الْخَارِجُ مِنْ الدَّارِ وَالْمُرَادُ بِطَاقِ الْبَابِ عَتَبَتُهُ الَّتِي إذَا أُغْلِقَ الْبَابُ كَانَتْ خَارِجَةً عَنْهُ، وَهِيَ الْمُسَمَّاةُ بِأُسْكُفَّةِ الْبَابِ، وَأَمَّا الْعَتَبَةُ الَّتِي لَوْ أُغْلِقَ الْبَابُ تَكُونُ دَاخِلَةَ فَهِيَ مِنْ الدَّارِ فَيَحْنَثُ بِالدُّخُولِ فِيهَا، وَلَوْ كَانَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ الْخُرُوجَ انْعَكَسَ الْحُكْمُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ، وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِ وَاقِفًا فِي طَاقِ الْبَابِ أَيْ بِقَدَمَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَقَفَ بِإِحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الْعَتَبَةِ، وَأَدْخَلَ الْأُخْرَى فَإِنْ اسْتَوَى الْجَانِبَانِ أَوْ كَانَ الْجَانِبُ الْخَارِجُ أَسْفَلَ لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ كَانَ الْجَانِبُ الدَّاخِلُ أَسْفَلَ حَنِثَ؛ لِأَنَّ اعْتِمَادَ جَمِيعِ بَدَنِهِ عَلَى رِجْلِهِ الَّتِي هِيَ فِي الْجَانِبِ الْأَسْفَلِ كَذَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ مَعْزِيًّا إلَى السَّرَخْسِيِّ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ مُطْلَقًا. اهـ. وَهُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الِانْفِصَالَ التَّامَّ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْقَدَمَيْنِ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ بَعْدَهُ، وَلَوْ أَدْخَلَ رَأْسَهُ، وَإِحْدَى قَدَمَيْهِ حَنِثَ، وَأَفَادَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - دَلَالَةَ أَنَّ حَقِيقَةَ الدُّخُولِ الِانْفِصَالُ مِنْ الْخَارِجِ إلَى الدَّاخِلِ فَلِهَذَا لَوْ أَدْخَلَ رَأْسَهُ، وَلَمْ يُدْخِلْ قَدَمَيْهِ أَوْ تَنَاوَلَ مِنْهَا لَمْ يَحْنَثْ أَلَا تَرَى أَنَّ السَّارِقَ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يُقْطَعْ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ، وَلَوْ دَخَلَ الدِّهْلِيزَ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا إذَا كَانَ الْمَحْلُوفُ عَلَى دُخُولِهِ الدَّارَ أَوْ الْبَيْتَ فَفِي الْأَوَّلِ يَحْنَثُ بِدُخُولِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا هُوَ لِلضَّوْءِ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ بِتَقْدِيمِ الضَّادِ عَلَى الْوَاوِ، وَفِي بَعْضِهَا لِلْوُضُوءِ وَيُؤَيِّدُ الْأُولَى قَوْلُ الْخَانِيَّةِ لِضَوْءِ الْقَنَاةِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 327 دِهْلِيزِهِ، وَفِي الثَّانِي لَا، وَأَمَّا صَحْنُ الدَّارِ أَوْ الْبَيْتِ فَفِي الْكَافِي لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ بَيْتَ فُلَانٍ، وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَدَخَلَ فِي صَحْنِ دَارِهِ لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَدْخُلَ الْبَيْتَ؛ لِأَنَّ شَرْطَ حِنْثِهِ الدُّخُولُ فِي الْبَيْتِ، وَلَمْ يُوجَدْ ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا فِي عُرْفِهِمْ، وَأَمَّا فِي عُرْفِنَا فَالدَّارُ وَالْبَيْتُ وَاحِدٌ فَيَحْنَثُ إنْ دَخَلَ صَحْنَ الدَّارِ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. اهـ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَلَوْ قَامَ عَلَى كَنِيفِ شَارِعٍ أَوْ ظُلَّةٍ شَارِعَةٍ إنْ كَانَ مَفْتَحُ الْكَنِيفِ وَالظُّلَّةِ فِي الدَّارِ كَانَ حَانِثًا. وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ دَخَلَ حَانُوتًا مُشْرَعًا مِنْ هَذِهِ الدَّارِ إلَى الطَّرِيقِ، وَلَيْسَ لَهُ بَابٌ فِي الدَّارِ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ مِنْ جُمْلَةِ الدَّارِ مَا أَحَاطَتْ بِهِ الدُّورُ، وَإِنْ دَخَلَ بُسْتَانًا فِي تِلْكَ الدَّارِ فَإِنْ كَانَ مُتَّصِلًا بِهَا لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ كَانَ فِي وَسَطِهَا حَنِثَ. اهـ. وَفِي الْقُنْيَةِ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارِهِ فَدَخَلَ إصْطَبْلَه لَا يَحْنَثُ، وَفِي الْخُلَاصَةِ مَعْزِيًّا إلَى فَتَاوَى النَّسَفِيِّ لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ بَيْتَ فُلَانٍ فَجَلَسَ عَلَى دُكَّانٍ عَلَى بَابِهِ إنْ كَانَ يَنْتَفِعُ بِهِ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ، وَهُوَ تَبَعٌ لِبَيْتِهِ يَحْنَثُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَفِيهِ نَظَرٌ. اهـ. وَعَلَى هَذَا لَوْ دَخَلَ حَوْشًا بِجَنْبِ الْبَيْتِ يَحْنَثُ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ أَوْ دَارَ فُلَانٍ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِالْوُقُوفِ عَلَى سَطْحِهَا أَوْ حَائِطِهَا أَوْ شَجَرَةٍ فِيهَا أَوْ عَتَبَةٍ دَاخِلِ الْبَابِ وَدِهْلِيزِهَا أَوْ صَحْنِهَا أَوْ كَنِيفِهَا أَوْ ظُلَّتِهَا بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ أَوْ بُسْتَانِهَا الَّذِي فِي وَسَطِهَا وَيَحْنَثُ بِدُخُولِهَا عَلَى أَيٍّ صِفَةٍ كَانَ الْحَالِفُ رَاكِبًا كَانَ أَوْ مَاشِيًا أَوْ مَحْمُولًا بِأَمْرِهِ حَافِيًا أَوْ مُنْتَعِلًا بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مُخْتَارًا لِمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَلَوْ جَاءَ إلَى بَابِهَا، وَهُوَ يَشْتَدُّ فِي الْمَشْيِ أَيْ يَعْدُو فَانْعَثَرَ أَوْ انْزَلَقَ فَوَقَعَ فِي الدَّارِ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ، وَإِنْ دَفَعَتْهُ الرِّيحُ، وَأَوْقَعَتْهُ فِي الدَّارِ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ إنْ كَانَ لَا يَسْتَطِيعُ الِامْتِنَاعَ، وَإِنْ كَانَ عَلَى دَابَّةٍ فَجَمَحَتْ وَانْفَلَتَتْ، وَأَدْخَلَتْهُ فِي الدَّارِ، وَهُوَ لَا يَسْتَطِيعُ إمْسَاكَهَا لَا يَحْنَثُ، وَإِنْ أَدْخَلَهُ إنْسَانٌ مُكْرَهًا فَخَرَجَ مِنْهَا ثُمَّ دَخَلَ بَعْدَ ذَلِكَ مُخْتَارًا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ يَحْنَثُ. اهـ. وَوَجْهُهُ أَنَّ الشَّرْطَ لَمْ يُوجَدْ بِالدُّخُولِ مُكْرَهًا بِدَلِيلِ عَدَمِ الْحِنْثِ، وَقَدْ وُجِدَ بِالدُّخُولِ ثَانِيًا مُخْتَارًا فَحَنِثَ وَسَيَأْتِي بَعْدَ ذَلِكَ إيضَاحُهُ وَوَضْعُ الْقَدَمِ كَالدُّخُولِ فِيمَا ذَكَرْنَا؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَجَازًا عَنْ الدُّخُولِ، وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ فِي الْأُصُولِ، وَهَذَا كُلُّهُ بِاعْتِبَارِ الدَّارِ، وَأَمَّا بِاعْتِبَارِ صِفَتِهَا بِالْإِضَافَةِ إلَى فُلَانٍ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ إذَا دَخَلَ دَارًا مُضَافَةً إلَى فُلَانٍ سَوَاءٌ كَانَ يَسْكُنُهَا بِالْمِلْكِ أَوْ بِالْإِجَارَةِ أَوْ بِالْعَارِيَّةِ، وَفِي الْمُجْتَبَى لَوْ قَالَ إنْ دَخَلْتُ دَارَ زَيْدٍ فَعَبْدِي حُرٌّ، وَإِنْ دَخَلْتُ دَارَ عَمْرٍو فَامْرَأَتِي طَالِقٌ فَدَخَلَ دَارَ زَيْدٍ، وَهِيَ فِي يَدِ عَمْرٍو بِإِجَارَةِ يُعْتَقُ وَتَطْلُقُ إذَا لَمْ يَنْوِ فَإِنْ نَوَى شَيْئًا صُدِّقَ. اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ، وَلَهُ دَارٌ يَسْكُنُهَا وَدَارُ غَلَّةٍ فَدَخَلَ دَارَ الْغَلَّةِ لَا يَحْنَثُ إذَا لَمْ يَدُلَّ الدَّلِيلُ عَلَى دَارِ الْغَلَّةِ وَغَيْرِهَا؛ لِأَنَّ دَارِهِ مُطْلَقًا دَارٌ يَسْكُنُهَا. اهـ. وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ ابْنَتِهِ وَابْنَتُهُ تَسْكُنُ فِي دَارِ زَوْجِهَا أَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ أُمِّهِ وَأُمُّهُ تَسْكُنُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا فَدَخَلَ الْحَالِفُ حَنِثَ. اهـ. وَقَدْ وَقَعَتْ حَادِثَةٌ هِيَ أَنَّ رَجُلًا حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنَّ أَوْلَادَ زَوْجَتِهِ لَا يَطْلُعُونَ إلَى بَيْتِهِ فَطَلَعَ وَاحِدٌ هَلْ يَحْنَثُ فَأَجَبْتُ بِأَنَّهُ لَا يَحْنَثُ، وَلَا بُدَّ مِنْ الْجَمْعِ؛ لِأَنَّهُ جَمْعٌ لَيْسَ فِيهِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ قَالَ فِي الْوَاقِعَاتِ إذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ الْفُقَرَاءَ أَوْ الْمَسَاكِينَ أَوْ الرِّجَالَ فَكَلَّمَ وَاحِدًا مِنْهُمْ يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ بِخِلَافِ قَوْلِهِ رِجَالًا أَوْ نِسَاءً. اهـ. فَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ الْجَمْعَ الْمُعَرَّفَ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ كَالْمُفْرَدِ وَغَيْرِهِ عَلَى حَقِيقَتِهِ، وَلَا تَأْثِيرَ لِلْإِضَافَةِ، وَعَدَمِهَا بِدَلِيلِ مَا فِي الْوَاقِعَاتِ أَيْضًا لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ إخْوَةَ فُلَانٍ وَالْأَخُ وَاحِدٌ فَإِنْ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: يُعْتَقُ وَتَطْلُقُ) هَكَذَا رَأَيْته فِي الْمُجْتَبَى فَقَوْلُهُ فِي النَّهْرِ لَمْ يُعْتَقْ بِزِيَادَةِ لَمْ سَبْقُ قَلَمٍ (قَوْلُهُ: وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ ابْنَتِهِ إلَخْ) سَيَأْتِي آخِرَ كِتَابِ الْأَيْمَانِ عَنْ الْوَاقِعَاتِ مَا يُخَالِفُهُ (قَوْلُهُ: لَا أُكَلِّمُ الْفُقَرَاءَ أَوْ الْمَسَاكِينَ إلَخْ) لَوْ قَالَ إنْ كَلَّمْتُ بَنِي آدَمَ أَوْ الرِّجَالَ أَوْ النِّسَاءَ حَنِثَ بِالْفَرْدِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْكُلَّ إلْحَاقًا لِلْجَمْعِ الْمُعَرَّفِ بِالْجِنْسِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ} [الأحزاب: 52] فَإِنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِالْجَمِيعِ فَإِذَا لَمْ يَنْوِ حَنِثَ بِالْفَرْدِ؛ لِأَنَّ غَرَضَهُ بِالْيَمِينِ مَنْعُ نَفْسِهِ مِنْ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ فِي وُسْعِهِ إثْبَاتُ كُلِّ الْجِنْسِ فَيَنْصَرِفُ إلَى مَا دُونَهُ وَذَلِكَ مَجْهُولٌ فَصَرَفْنَاهُ إلَى الْأَدْنَى، وَهُوَ الْوَاحِدُ لِتَيَقُّنِهِ، وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مَاءَ هَذَا الْبَحْرِ يَنْصَرِفُ إلَى قَطْرَةٍ مِنْهُ، وَفِي مَاءَ هَذَا الْكُوزِ إلَى جَمِيعِهِ، وَفِي لَا يَأْكُلُ هَذَا الطَّعَامَ لَا يَحْنَثُ مَا لَمْ يَأْكُلْهُ كُلَّهُ دُفْعَةً، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ يَحْنَثُ بِأَكْلِ بَعْضِهِ، وَفِي رِوَايَةٍ إنْ أَمْكَنَهُ أَكْلُهُ فِي عُمُرِهِ لَا يَحْنَثُ بِالْبَعْضِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، وَلَوْ كَانَ مَكَانَ الْأَكْلِ بَيْعٌ لَا يَحْنَثُ بِالْبَعْضِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَرِدُ عَلَى جَمِيعِهِ هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَلَوْ نَوَى الْكُلَّ صُدِّقَ دِيَانَةً، وَقَضَاءً، وَلَوْ قَالَ إنْ كَلَّمْتُ الرَّجُلَ فَكَلَّمَ رَجُلًا، وَقَالَ عَنَيْتُ بِالْيَمِينِ غَيْرَهُ يُصَدَّقُ قَضَاءً؛ لِأَنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ بِخِلَافِ إنْ كَلَّمْتُ رَجُلًا؛ لِأَنَّهُ مُنَكَّرٌ فَلَا تَصِحُّ نِيَّةُ التَّخْصِيصِ فِيهِ. وَلَوْ قَالَ لَا آكُلُ التَّمْرَ أَوْ تَمْرًا أَوْ الطَّعَامَ أَوْ طَعَامًا أَوْ لَا أَشْرَبُ الْمَاءَ أَوْ مَاءً فَإِنَّ الْمُعَرَّفَ وَالْمُنَكَّرَ فِيهِ سَوَاءٌ لِكَوْنِهِ اسْمَ جِنْسٍ فَيَقَعُ عَلَى الْأَدْنَى، وَإِنْ كَانَ مُنَكَّرًا، وَفِي الْجَمْعِ الْمُنَكَّرِ يَحْنَثُ بِالثَّلَاثِ؛ لِأَنَّهُ أَدْنَى الْجَمْعِ، وَلَهُ نِيَّةُ الزَّائِدِ وَالْمُفْرَدِ لَا الْمُثَنَّى؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ الْمُنَكَّرَ عَامٌّ وَالْعَامُّ لَا يَتَعَرَّضُ لِلْمُثَنَّى؛ لِأَنَّهُ لَا إشْعَارَ لَهُ بِعَدَدٍ خَاصٍّ. اهـ. مُلَخَّصًا مِنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 328 كَانَ يَعْلَمُ يَحْنَثُ إذَا كَلَّمَ ذَلِكَ الْوَاحِدَ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الْجَمْعَ، وَأَرَادَ الْوَاحِدَ، وَإِنْ كَانَ لَا يَعْلَمُ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ الْوَاحِدَ فَبَقِيَتْ الْيَمِينُ عَلَى الْجَمْعِ كَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ ثَلَاثَةَ أَرْغِفَةٍ مِنْ هَذَا الْحَبِّ، وَلَيْسَ فِيهِ إلَّا رَغِيفٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ لَا يَحْنَثُ. اهـ. بِلَفْظِهِ. وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْجَمْعَ الْمُضَافَ كَالْمُنَكَّرِ لَكِنْ قَالَ فِي الْقُنْيَةِ إنْ أَحْسَنْتِ إلَى أَقَارِبِكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَأَحْسَنَتْ إلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَحْنَثُ، وَلَا يُرَادُ الْجَمْعُ فِي عُرْفِنَا. اهـ. فَيَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّ فِي الْعُرْفِ فَرْقًا، وَلَوْ دَخَلَ دَارًا مَمْلُوكَةً لِفُلَانٍ، وَفُلَانٌ لَا يَسْكُنُهَا يَحْنَثُ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ فَدَخَلَ دَارًا مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ فُلَانٍ إنْ كَانَ فُلَانٌ يَسْكُنُهَا يَحْنَثُ، وَإِلَّا فَلَا، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ فَآجَرَ فُلَانٌ دَارِهِ فَدَخَلَهَا الْحَالِفُ هَلْ يَحْنَثُ فِيهِ رِوَايَتَانِ قَالُوا مَا ذَكَرَهُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ ذَلِكَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُمَا كَمَا تَبْطُلُ الْإِضَافَةُ بِالْبَيْعِ تَبْطُلُ بِالْإِجَارَةِ وَالتَّسْلِيمِ، وَمِلْكِ الْيَدِ لِلْغَيْرِ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْأُصُولِ أَيْضًا. (قَوْلُهُ: وَدَوَامُ الرُّكُوبِ وَاللُّبْسُ وَالسُّكْنَى كَالْإِنْشَاءِ لَا دَوَامُ الدُّخُولِ) يَعْنِي لَوْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ هَذِهِ الدَّابَّةَ، وَهُوَ رَاكِبُهَا أَوْ لَا يَلْبَسُ هَذَا الثَّوْبَ، وَهُوَ لَابِسُهُ أَوْ لَا يَسْكُنُ هَذِهِ الدَّارَ، وَهُوَ سَاكِنُهَا فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِالدَّوَامِ كَمَا لَوْ ابْتَدَأَ بِهَا بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ، وَهُوَ فِيهَا فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِالِاسْتِمْرَارِ فِيهَا وَالْقِيَاسُ أَنْ يَحْنَثَ قِيَاسًا عَلَى غَيْرِهِ وَالِاسْتِحْسَانُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْفَصْلَيْنِ، وَهُوَ أَنَّ الدَّوَامَ عَلَى الْفِعْلِ لَا يُتَصَوَّرُ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ الدَّوَامَ هُوَ الْبَقَاءُ وَالْفِعْلُ الْمُحْدَثُ عَرَضٌ وَالْعَرَضُ مُسْتَحِيلُ الْبَقَاءِ فَيَسْتَحِيلُ دَوَامُهُ، وَإِنَّمَا يُرَادُ بِالدَّوَامِ تَجَدُّدُ أَمْثَالِهِ، وَهَذَا يُوجَدُ فِي الرُّكُوبِ وَاللُّبْسِ وَالسُّكْنَى، وَلَا يُوجَدُ فِي الدُّخُولِ؛ لِأَنَّهُ اسْمٌ لِلِانْتِقَالِ مِنْ الْعَوْرَةِ إلَى الْحِصْنِ وَالْمُكْثُ قَرَارٌ فَيَسْتَحِيلُ الْبَقَاءُ تَحْقِيقُهُ أَنَّ الِانْتِقَالَ حَرَكَةٌ وَالْمُكْثَ سُكُونٌ، وَهُمَا ضِدَّانِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَضْرِبُ لَهَا مُدَّةً يُقَالُ رَكِبْت يَوْمًا، وَلَبِسْت يَوْمًا، وَلَا يُقَالُ دَخَلْت يَوْمًا قَالَ فِي التَّبْيِينِ وَالْفَارِقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ كُلَّ مَا يَصِحُّ امْتِدَادُهُ لَهُ دَوَامٌ كَالْقُعُودِ وَالْقِيَامِ وَالنَّظَرِ وَنَحْوِهِ، وَمَا لَا يَمْتَدُّ لَا دَوَامَ لَهُ كَالدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ. اهـ. وَفِي الْمُجْتَبَى وَالْفَارِقُ بَيْنَهُمَا صِحَّةُ قِرَانِ الْمُدَّةِ بِهِ كَالْيَوْمِ وَالشَّهْرِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَنَظِيرُ الْمَسْأَلَةِ حَلَفَ لَا يَخْرُجُ، وَهُوَ خَارِجٌ لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَدْخُلَ ثُمَّ يَخْرُجَ، وَكَذَا لَا يَتَزَوَّجُ، وَهُوَ مُتَزَوِّجٌ، وَلَا يَتَطَهَّرُ، وَهُوَ مُتَطَهِّرٌ فَاسْتَدَامَ الطَّهَارَةَ وَالنِّكَاحَ لَا يَحْنَثُ. اهـ. وَالْمُرَادُ بِالدَّوَامِ الْمُكْثُ سَاعَةً عَلَى حَالِهِ، وَقَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ نَزَلَ مِنْ سَاعَتِهِ أَوْ نَزَعَ الثَّوْبَ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ، وَقَالَ زُفَرُ يَحْنَثُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ، وَإِنْ قَلَّ، وَلَنَا أَنَّ الْيَمِينَ تُعْقَدُ لِلْبِرِّ فَيُسْتَثْنَى مِنْهُ زَمَانُ تَحْقِيقِهِ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ كُلَّمَا رَكِبْتُ فَأَنْت طَالِقٌ، وَهُوَ رَاكِبٌ، وَمَكَثَ ثَلَاثَ سَاعَاتٍ طَلُقَتْ ثَلَاثًا فِي كُلِّ سَاعَةٍ طَلْقَةً بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ رَاكِبًا فَرَكِبَ أَنَّهَا تَطْلُقُ وَاحِدَةً، وَلَا تَطْلُقُ بِالِاسْتِمْرَارِ، وَفِي الْمُجْتَبَى، وَإِنَّمَا يُعْطَى لِلدَّوَامِ حُكْمُ الِابْتِدَاءِ فِيمَا يَمْتَدُّ إذَا كَانَتْ الْيَمِينُ حَالَ الدَّوَامِ أَمَّا إذَا كَانَ قَبْلَهُ فَلَا حَتَّى لَوْ قَالَ كُلَّمَا رَكِبْتُ هَذِهِ الدَّابَّةَ فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِدِرْهَمٍ ثُمَّ رَكِبَهَا وَدَامَ عَلَيْهَا فَعَلَيْهِ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ، وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ حَالَةَ الرُّكُوبِ لَزِمَهُ فِي كُلِّ سَاعَةٍ يُمْكِنُهُ النُّزُولُ دِرْهَمٌ قُلْتُ: فِي عُرْفِنَا لَا يَحْنَثُ إلَّا بِابْتِدَاءِ الْفِعْلِ فِي الْفُصُولِ كُلِّهَا، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ، وَفِيهِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ أُسْتَاذُنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ - اهـ. فَأَفَادَ أَنَّ السَّاعَةَ الَّتِي تَكُونُ دَوَامًا هِيَ مَا يُمْكِنُهُ النُّزُولُ فِيهَا، وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَيَدْخُلَنَّهَا غَدًا، وَهُوَ فِيهَا فَمَكَثَ حَتَّى مَضَى الْغَدُ حَنِثَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْهَا فِيهِ إذْ لَمْ يَخْرُجْ. وَلَوْ نَوَى بِالدُّخُولِ الْإِقَامَةَ فِيهِ لَمْ يَحْنَثْ، وَإِلَى هُنَا فَرَغَ الْمُصَنِّفُ مِنْ مَسَائِلِ الدُّخُولِ لَكِنَّهُ لَمْ يَسْتَوْفِهَا وَنَحْنُ نَذْكُرُ مَا فَاتَهُ مِنْهَا تَكْثِيرًا لِلْفَائِدَةِ، وَلِكَثْرَةِ الِاحْتِيَاجِ إلَى مَسَائِلِ الْأَيْمَانِ فَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ فِي هَذِهِ السِّكَّةِ فَدَخَلَ دَارًا مِنْ تِلْكَ السِّكَّةِ لَا مِنْ السِّكَّةِ بَلْ مِنْ السَّطْحِ أَوْ غَيْرِهِ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ إذَا لَمْ يَخْرُجْ   [منحة الخالق] التَّلْخِيصِ وَشَرْحِهِ لِلْفَارِسِيِّ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ دَخَلَ دَارًا مَمْلُوكَةً لِفُلَانٍ، وَفُلَانٌ لَا يَسْكُنُهَا يَحْنَثُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَدَّمَ قَرِيبًا أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِدَارِ الْغَلَّةِ مَا لَمْ يَدُلَّ الدَّلِيلُ عَلَى دَارِ الْغَلَّةِ وَغَيْرِهَا؛ لِأَنَّ دَارِهِ مُطْلَقًا دَارٌ يَسْكُنُهَا فَيُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا لَمْ تَكُنْ مَسْكُونَةً لِغَيْرِهِ بِأَنْ كَانَتْ خَالِيَةً مِنْ سَاكِنٍ تُنْسَبُ إلَيْهِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَدَوَامُ الرُّكُوبِ وَاللُّبْسِ وَالسُّكْنَى كَالْإِنْشَاءِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَالَ فِي النَّهْرِ: وَعَلَيْهِ فَرَّعَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مَا لَوْ كَانَ الْحَلِفُ عَلَى الْإِثْبَاتِ نَحْوِ وَاَللَّهِ لَا أَلْبَسَنَّ هَذَا الثَّوْبَ غَدًا فَاسْتَمَرَّ لَابِسَهُ حَتَّى مَضَى الْغَدُ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ لِدَوَامِهِ حُكْمُ الِابْتِدَاءِ. اهـ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 329 إلَى السِّكَّةِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ سِكَّةَ فُلَانٍ فَدَخَلَ مَسْجِدًا فِي تِلْكَ السِّكَّةِ، وَلَمْ يَدْخُلْ السِّكَّةَ لَا يَحْنَثُ رَجُلٌ جَالِسٌ فِي الْبَيْتِ مِنْ الْمَنْزِلِ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذَا الْبَيْتَ فَالْيَمِينُ عَلَى ذَلِكَ الْبَيْتِ الَّذِي كَانَ جَالِسًا فِيهِ؛ لِأَنَّ مَا وَرَاءَ ذَلِكَ الْبَيْتِ يُسَمَّى مَنْزِلًا وَدَارًا هَذَا إذَا كَانَتْ الْيَمِينُ بِالْعَرَبِيَّةِ فَإِنْ كَانَتْ بِالْفَارِسِيَّةِ فَالْيَمِينُ عَلَى دُخُولِ ذَلِكَ الْمَنْزِلِ وَتِلْكَ الدَّارِ فَإِنْ قَالَ عَنَيْتُ ذَلِكَ الْبَيْتَ الَّذِي كُنْتُ جَالِسًا فِيهِ صُدِّقَ دِيَانَةً لَا قَضَاءً؛ لِأَنَّ فِي الْفَارِسِيَّةِ خانه اسْمٌ لِلْكُلِّ هَذَا إذَا لَمْ يُشِرْ إلَى بَيْتٍ بِعَيْنِهِ فَإِنْ أَشَارَ إلَى بَيْتٍ بِعَيْنِهِ فَالْعِبْرَةُ لِلْإِشَارَةِ امْرَأَةٌ حَلَفَتْ أَنْ لَا يَدْخُلَ زَوْجُهَا دَارَهَا فَبَاعَتْ دَارَهَا فَدَخَلَ الزَّوْجُ، وَهِيَ تَسْكُنُهَا إنْ كَانَتْ نَوَتْ أَنْ لَا يَدْخُلَ دَارًا تَسْكُنُهَا الْمَرْأَةُ لَا تَبْطُلُ الْيَمِينُ بِالْبَيْعِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا نِيَّةٌ فَالْيَمِينُ عَلَى دَارٍ مَمْلُوكَةٍ لَهَا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُعْتَبَرُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ سَبَبُ الْيَمِينِ إنْ كَانَتْ الْيَمِينُ لِغَيْظٍ مِنْ صَاحِبِ الدَّارِ تَبْطُلُ الْيَمِينُ بِالْبَيْعِ، وَإِنْ كَانَتْ لِضَرَرِ الْجِيرَانِ لَا تَبْطُلُ الْيَمِينُ بِالْبَيْعِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ مَحَلَّةَ كَذَا فَدَخَلَ دَارًا لَهَا بَابَانِ أَحَدُهُمَا مَفْتُوحٌ فِي تِلْكَ الْمَحَلَّةِ وَالْآخَرُ مَفْتُوحٌ فِي مَحَلَّةٍ أُخْرَى حَنِثَ فِي يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الدَّارَ تُنْسَبُ إلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْمَحَلَّتَيْنِ، وَعَنْ بَعْضِ الْمَشَايِخِ إذَا حَلَفَ لَا يَدْخُلُ الْحَمَّامَ فَدَخَلَ الْمَسْلَخَ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُرَادُ مِنْ دُخُولِ الْحَمَّامِ ذَلِكَ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ فَمَاتَ صَاحِبُ الدَّارِ ثُمَّ دَخَلَ الْحَالِفُ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهَا انْتَقَلَتْ إلَى الْوَرَثَةِ بِالْمَوْتِ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهَا بَقِيَتْ عَلَى حُكْمِ مِلْكِ الْمَيِّتِ، وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ لَا يَحْنَثُ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَبْقَ مِلْكًا لِلْمَيِّتِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارًا يَشْتَرِيهَا فُلَانٌ فَاشْتَرَى فُلَانٌ دَارًا وَبَاعَهَا مِنْ الْحَالِفِ فَدَخَلَ الْحَالِفُ لَا يَحْنَثُ، وَلَوْ اشْتَرَى فُلَانٌ دَارًا، وَوَهَبَهَا لِلْحَالِفِ ثُمَّ دَخَلَ الْحَالِفُ حَنِثَ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ قَرْيَةَ كَذَا فَدَخَلَ أَرَاضِيِ الْقَرْيَةِ لَا يَحْنَثُ وَتَكُونُ الْيَمِينُ عَلَى عُمْرَانِهَا، وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ فِي قَرْيَةِ كَذَا فَشَرِبَ فِي كُرُومِهَا وَضَيَاعِهَا لَا يَحْنَثُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْكُرُومُ وَالضِّيَاعُ فِي الْعُمْرَانِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْكَلَامُ عَلَى الْبَلْدَةِ. وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ كُورَةَ كَذَا أَوْ رُسْتَاقَ كَذَا فَدَخَلَ الْأَرَاضِيَ حَنِثَ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ بَغْدَادَ فَمِنْ أَيِّ الْجَانِبَيْنِ دَخَلَ حَنِثَ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ مَدِينَةَ السَّلَامِ لَا يَحْنَثُ مَا لَمْ يَدْخُلْ مِنْ نَاحِيَةِ الْكُوفَةِ؛ لِأَنَّ اسْمَ بَغْدَادَ يَتَنَاوَلُ الْجَانِبَيْنِ، وَمَدِينَةُ السَّلَامِ لَا، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ الرَّيَّ ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ أَنَّ الرَّيَّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَتَنَاوَلُ الْمَدِينَةَ وَالنَّوَاحِيَ وَرُوِيَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ اسْمٌ لِلْمَدِينَةِ حَتَّى لَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً إلَى الرَّيِّ، وَلَمْ يَذْكُرْ إلَى الْمَدِينَةِ، وَلَا إلَى الرُّسْتَاقِ بِعَيْنِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ تَفْسُدُ الْإِجَارَةُ، وَفِي رِوَايَةِ هِشَامٍ لَا تَفْسُدُ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ بَغْدَادَ فَمَرَّ بِهَا فِي سَفِينَةٍ رَوَى هِشَامٌ أَنَّهُ يَحْنَثُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَحْنَثُ مَا لَمْ يَدْخُلْ إلَى الْجِدَّةَ، وَهَذَا بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فَإِنَّ الْبَغْدَادِيَّ إذَا جَاءَ مِنْ الْمَوْصِلِ فِي السَّفِينَةِ فَدَخَلَ بَغْدَادَ فَأَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ، وَهُوَ فِي السَّفِينَةِ تَلْزَمُهُ صَلَاةُ الْإِقَامَةِ لَا صَلَاةُ السَّفَرِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ فِي الْفُرَاتِ فَرَكِبَ سَفِينَةً فِي الْفُرَاتِ أَوْ كَانَ عَلَى الْفُرَاتِ جِسْرٌ فَمَرَّ عَلَى الْجِسْرِ لَا يَحْنَثُ مَا لَمْ يَدْخُلْ الْمَاءَ. وَلَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ هَذِهِ الدَّارَ فَاشْتَرَى صَاحِبُهَا بِجَنْبِ الدَّارِ بَيْتًا، وَفَتَحَ بَابَ الْبَيْتِ إلَى هَذِهِ الدَّارِ وَجَعَلَ طَرِيقَهُ فِيهَا وَسَدَّ الْبَابَ الَّذِي كَانَ لِلْبَيْتِ قِبَلَ ذَلِكَ فَدَخَلَ الْحَالِفُ هَذَا الْبَيْتَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَدْخُلَ هَذِهِ الدَّارَ قَالَ مُحَمَّدٌ يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الْبَيْتَ صَارَ مِنْ الدَّارِ. اهـ. مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِي مَسْأَلَةِ الْمُرُورِ بِالسَّفِينَةِ فِيمَا إذَا حَلَفَ لَا يَدْخُلُ بَغْدَادَ كَمَا فِي الْوَاقِعَاتِ وَذَكَرَ فِي الْبَدَائِعِ لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ عَلَى فُلَانٍ فَدَخَلَ عَلَيْهِ بَيْتَهُ فَإِنْ قَصَدَهُ بِالدُّخُولِ حَنِثَ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْهُ لَا يَحْنَثُ، وَكَذَلِكَ إنْ دَخَلَ عَلَيْهِ بَيْتَ غَيْرِهِ فَإِنْ دَخَلَ عَلَيْهِ فِي مَسْجِدٍ أَوْ ظُلَّةٍ أَوْ سَقِيفَةٍ أَوْ دِهْلِيزِ دَارٍ لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ دَخَلَ عَلَيْهِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: أَوْ دِهْلِيزَ دَارٍ لَمْ يَحْنَثْ) هَكَذَا بَعْضُ النُّسَخِ، وَفِي بَعْضِهَا يَحْنَثُ بِدُونِ لَمْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 330 فِي فُسْطَاطٍ أَوْ خَيْمَةٍ أَوْ بَيْتِ شَعْرٍ لَمْ يَحْنَثْ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَالِفُ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ؛ لِأَنَّهُمْ يُسَمُّونَ ذَلِكَ بَيْتًا وَالتَّعْوِيلُ فِي هَذَا الْبَابِ عَلَى الْعُرْفِ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَا يَدْخُلُ عَلَى فُلَانٍ هَذِهِ الدَّارَ فَدَخَلَ الدَّارَ، وَفُلَانٌ فِي بَيْتٍ مِنْ الدَّارِ لَا يَحْنَثُ، وَإِنْ كَانَ فِي صَحْنِ الدَّارِ يَحْنَثُ، وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ عَلَى فُلَانٍ هَذِهِ الْقَرْيَةَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ دَاخِلًا عَلَيْهِ إلَّا إذَا دَخَلَ فِي بَيْتِهِ قَالَ مُحَمَّدٌ لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ عَلَى فُلَانٍ فَدَخَلَ عَلَى فُلَانٍ بَيْتَهُ، وَهُوَ يُرِيدُ رَجُلًا غَيْرَهُ يَزُورُهُ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ عَلَى فُلَانٍ لَمَّا لَمْ يَقْصِدْهُ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ حَنِثَ. اهـ. وَفِي الذَّخِيرَةِ قَالُوا الصِّفَةُ إذَا لَمْ تَكُنْ دَاعِيَةً إلَى الْيَمِينِ إنَّمَا لَا تُعْتَبَرُ فِي الْمُعَيَّنِ إذَا ذُكِرَتْ عَلَى وَجْهِ التَّعْرِيفِ أَمَّا إذَا ذُكِرَتْ عَلَى وَجْهِ الشَّرْطِ تُعْتَبَرُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْتِ هَذِهِ الدَّارَ رَاكِبَةً فَهِيَ طَالِقٌ فَدَخَلَتْهَا مَاشِيَةً لَا تَطْلُقُ وَاعْتُبِرَتْ الصِّفَةُ فِي الْمُعَيَّنِ لَمَّا ذُكِرَتْ عَلَى سَبِيلِ الشَّرْطِ. اهـ. وَفِي الْوَاقِعَاتِ رَجُلَانِ حَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ لَا يَدْخُلَ عَلَى صَاحِبِهِ فَدَخَلَا فِي الْمَنْزِلِ مَعًا لَا يَحْنَثَانِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ قَالَ لِأَخِ امْرَأَتِهِ إنْ لَمْ تَدْخُلْ بَيْتِي كَمَا كُنْتَ تَدْخُلُ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا كَلَامٌ يَدُلُّ عَلَى الْفَوْرِ فَهُوَ عَلَى الْفَوْرِ؛ لِأَنَّ الْحَالَ أَوْجَبَ التَّقْيِيدَ، وَإِلَّا كَانَتْ الْيَمِينُ عَلَى الْأَبَدِ وَيَقَعُ الْيَمِينُ عَلَى الدُّخُولِ الْمُعْتَادِ قَبْلَ الْيَمِينِ حَتَّى لَوْ امْتَنَعَ الْأَخُ مَرَّةً مِمَّا كَانَ الْمُعْتَادُ يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ مُطْلَقَةٌ فَتَنْصَرِفُ إلَى الْأَبَدِ. اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ وَالْوَلْوالِجِيَّة وَغَيْرِهِمَا لَوْ قَالَ إنْ أَدْخَلْتُ فُلَانًا بَيْتِي فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ فَهُوَ عَلَى أَنْ يَدْخُلَ بِأَمْرِهِ؛ لِأَنَّهُ مَتَى دَخَلَ بِأَمْرِهِ فَقَدْ أَدْخَلَهُ، وَلَوْ قَالَ إنْ تَرَكْتُ فُلَانًا يَدْخُلُ بَيْتِي فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ فَهُوَ عَلَى الدُّخُولِ بِعِلْمِ الْحَالِفِ فَمَتَى عَلِمَ، وَلَمْ يَمْنَعْ فَقَدْ تَرَكَ، وَلَوْ قَالَ إنْ دَخَلَ فُلَانٌ بَيْتِي فَهُوَ عَلَى الدُّخُولِ أَمَرَ الْحَالِفُ بِهِ أَوْ لَمْ يَأْمُرْ عَلِمَ بِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ هُوَ الدُّخُولُ، وَقَدْ وُجِدَ. اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ إنْ دَخَلَ دَارِي هَذِهِ أَحَدٌ فَعَبْدِي حُرٌّ وَالدَّارُ لَهُ، وَلِغَيْرِهِ فَدَخَلَهَا هُوَ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ الْمَعْرِفَةَ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ النَّكِرَةِ كَمَا لَوْ قَالَ زَوِّجْ بِنْتِي مِنْ رَجُلٍ لَا يَدْخُلُ الْمَأْمُورُ تَحْتَ هَذَا الْأَمْرِ، وَلَوْ قَالَ إنْ دَخَلَ هَذِهِ الدَّارَ أَحَدٌ يَحْنَثُ إذَا دَخَلَ هُوَ، سَوَاءٌ كَانَتْ الدَّارُ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ النَّكِرَةَ تَدْخُلُ تَحْتَ النَّكِرَةِ. وَلَوْ قَالَ إنْ دَخَلَ دَارَكَ أَحَدٌ فَالْمَنْسُوبُ إلَيْهِ خَارِجٌ عَنْ الْيَمِينِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُعَرَّفًا بِالْإِضَافَةِ وَتَمَامُهُ فِيهِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ قَالَ لَأَمْنَعَنَّ فُلَانًا مِنْ دُخُولِ دَارِي فَمَنَعَهُ مَرَّةً بَرَّ فِي يَمِينِهِ فَإِنْ رَآهُ مَرَّةً ثَانِيَةً، وَلَمْ يَمْنَعْهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. رَجُلٌ حَلَفَ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ هَذَا الْيَوْمَ ثُمَّ قَالَ أَوْهَمْتُ وَحَلَفَ بِطَلَاقِ امْرَأَةٍ أُخْرَى أَنَّهُ قَدْ دَخَلَهَا الْيَوْمَ يَلْزَمُهُ طَلَاقُ الْأُولَى، وَلَا يَلْزَمُهُ طَلَاقُ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ الْيَمِينُ الْأُولَى كَذِبٌ وَالثَّانِيَةُ صِدْقٌ فَلَا يَحْنَثُ فِي الثَّانِيَةِ، وَلَوْ حَلَفَ بِعِتْقِ عَبْدِهِ أَنَّهُ دَخَلَ هَذِهِ الدَّارَ الْيَوْمَ ثُمَّ قَالَ لَمْ أَدْخُلْهُ وَحَلَفَ بِعِتْقِ عَبْدٍ آخَرَ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْهَا الْيَوْمَ ثُمَّ رَجَعَ، وَقَالَ قَدْ دَخَلْتُهَا الْيَوْمَ وَحَلَفَ بِعِتْقِ عَبْدٍ آخَرَ عَتَقَ الْعَبِيدُ الثَّلَاثُ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ عَتَقَ بِالْكَلَامِ الثَّانِي وَالْوَسْطُ عَتَقَ بِالْكَلَامِ الثَّالِثِ، وَعَتَقَ الثَّالِثُ بِعِتْقِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْحَالِفَ زَعَمَ أَنَّهُ كَاذِبٌ فِي الْكُلِّ فَيَلْزَمُهُ عِتْقُ الْكُلِّ، وَلَوْ قَالَ إنْ دَخَلْتُ الْكُوفَةَ، وَلَمْ أَتَزَوَّجْ فَعَبْدِي حُرٌّ فَإِنْ دَخَلَ قَبْلَ التَّزَوُّجِ حَنِثَ، وَلَوْ قَالَ فَلَمْ أَتَزَوَّجْ فَهَذَا عَلَى أَنْ يَكُونَ التَّزَوُّجُ بَعْدَ الدُّخُولِ حِينَ يَدْخُلُ، وَلَوْ قَالَ إنْ دَخَلْتُ الْكُوفَةَ ثُمَّ لَمْ أَتَزَوَّجْ فَهُوَ عَلَى أَنْ يَتَزَوَّجَ بَعْدَ الدُّخُولِ عَلَى الْأَبَدِ. اهـ. وَفِي الْقُنْيَةِ كَانَ فِي الْبَيْتِ الشَّتْوِيِّ فَخَاصَمَ امْرَأَتَهُ فَقَالَ إنْ دَخَلْتُ هَذَا الْبَيْتَ إلَى الْعِيدِ فَالْحَلَالُ عَلَيْهِ حَرَامٌ ثُمَّ قَالَ نَوَيْتُ ذَلِكَ الْبَيْتَ بِعَيْنِهِ يُصَدَّقُ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ عَلَى هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ ثُمَّ دَخَلَ عَتَبَةَ الْبَابِ فَرَأَى وَاحِدًا مِنْهُمْ فَرَجَعَ لَا يَحْنَثُ. اهـ. وَفِي الْخُلَاصَةِ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْتُ دَارَ أَبُوكِ فَكُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ فَدَخَلَ دَارَ أَبِيهَا ثُمَّ إنَّهَا حَرُمَتْ عَلَيْهِ فَتَزَوَّجَهَا لَا تَطْلُقُ بِتِلْكَ الْيَمِينِ؛ لِأَنَّهَا مُعَرَّفَةٌ بِإِضَافَةِ الْيَمِينِ فَلَا تَدْخُلُ تَحْتَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْت هَذِهِ رَاكِبَةً إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ الصِّفَةَ هَاهُنَا الرُّكُوبُ فَإِنْ أُرِيدَ بِالْمَعْنَى الدَّارُ الْمُشَارُ إلَيْهَا فَهَذِهِ الصِّفَةُ لَيْسَتْ لَهَا، وَإِنَّمَا هِيَ لِلْمَرْأَةِ تَأَمَّلْ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْإِشَارَةَ بِهَذِهِ لِلْمَرْأَةِ لَا لِلدَّارِ فَهَذِهِ فَاعِلُ دَخَلَتْ وَالدَّارُ مَفْعُولُهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 331 النَّكِرَةِ هَذَا فِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ، وَفِي النَّوَازِلِ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَنِسَاءٍ طَوَالِقُ فَدَخَلَتْ الدَّارَ، وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا، وَعَلَى غَيْرِهَا وَالِاعْتِمَادُ عَلَى هَذَا دُونَ مَا ذُكِرَ فِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ، وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ بِغَيْرِ خُسْرَانٍ يُشْتَرَطُ قَبُولُهَا عِنْدَ دُخُولِ الدَّارِ وَتَفْسِيرُ غَيْرِ الْخُسْرَانِ إنْ وَهَبَتْ الْمَهْرَ ثُمَّ دَخَلَتْ الدَّارَ. اهـ. وَفِي الْعُمْدَةِ لَوْ قَالَ لَا أَدَعُ فُلَانًا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ الدَّارُ مِلْكًا لَهُ فَالْمَنْعُ بِالْقَوْلِ، وَفِي الْمِلْكِ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ فَاسْتَعَارَ فُلَانٌ دَارَ جَارِهِ وَاتَّخَذَ فِيهَا وَلِيمَةً وَدَخَلَهَا الْحَالِفُ لَا يَحْنَثُ. اهـ. فَقَوْلُهُمْ إنَّ الْمُسْتَعَارَةَ تُضَافُ إلَيْهِ مَعْنَاهُ إذَا سَكَنَهَا لَا إذَا اتَّخَذَ فِيهَا وَلِيمَةً، وَفِي الْعِدَّةِ لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ وَأَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ فَإِذَا دَخَلَ الْأُولَى يَحْنَثُ، وَإِنْ دَخَلَ الثَّانِيَةَ لَا يَحْنَثُ، وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ أَوْ أَدْخُلَ هَذِهِ الدَّارَ بِنَصْبِ اللَّامِ فَإِنْ دَخَلَ الدَّارَ الْأُولَى أَوَّلًا ثُمَّ دَخَلَ الثَّانِيَةَ يَحْنَثُ، وَإِنْ دَخَلَ الثَّانِيَةَ أَوَّلًا ثُمَّ دَخَلَ الْأُولَى لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ أَوْ بِمَنْزِلِهِ حَتَّى. اهـ. وَفِي مَآلِ الْفَتَاوَى قَالَ لَا أَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ أَوْ دَارَ الْفُلَانِ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَلَوْ دَخَلَ دَارًا اشْتَرَاهَا بَعْدَ الْيَمِينِ لَا يَحْنَثُ. اهـ. ثُمَّ شَرَعَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْكَلَامِ عَلَى السُّكْنَى؛ لِأَنَّهَا تَعْقُبُ الدُّخُولَ (قَوْلُهُ: لَا يَسْكُنُ هَذِهِ الدَّارَ أَوْ الْبَيْتَ أَوْ الْمَحَلَّةَ فَخَرَجَ وَبَقِيَ مَتَاعُهُ، وَأَهْلُهُ حَنِثَ) ؛ لِأَنَّهُ يُعَدُّ سَاكِنًا بِبَقَاءِ أَهْلِهِ، وَمَتَاعِهِ فِيهَا عَرْفًا فَإِنَّ السُّوقِيَّ فِي عَامَّةِ نَهَارِهِ فِي السُّوقِ وَيَقُولُ أَسْكُنُ بِبَلْدَةِ كَذَا وَالْبَيْتُ وَالْمَحَلَّةُ بِمَنْزِلَةِ الدَّارِ وَالْمَحَلَّةُ هِيَ الْمُسَمَّاةُ فِي عُرْفِنَا بِالْحَارَةِ قَيَّدَ بِالثَّلَاثَةِ وَالسِّكَّةُ كَالْمَحَلَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْيَمِينُ عَلَى الْمِصْرِ أَوْ الْبَلْدَةِ لَا يَتَوَقَّفُ الْبِرُّ عَلَى نَقْلِ الْمَتَاعِ وَالْأَهْلِ كَمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ سَاكِنًا فِي الَّذِي انْتَقَلَ عَنْهُ عُرْفًا بِخِلَافِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ بِخِلَافِ الْمِصْرِ وَالْقَرْيَةُ بِمَنْزِلَةِ الْمِصْرِ فِي الصَّحِيحِ مِنْ الْجَوَابِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَأَطْلَقَ السَّاكِنَ فَشَمِلَ مَنْ يَسْتَقِلُّ بِسُكْنَاهُ أَوْ لَا، وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِالْمُسْتَقِلِّ؛ لِأَنَّ الْحَالِفَ لَوْ كَانَ سُكْنَاهُ تَبَعًا كَابْنٍ كَبِيرٍ سَاكِنٍ مَعَ أَبِيهِ أَوْ امْرَأَةٍ مَعَ زَوْجِهَا فَحَلَفَ أَحَدُهُمَا لَا يَسْكُنُ هَذِهِ فَخَرَجَ بِنَفْسِهِ وَتَرَكَ أَهْلَهُ، وَمَالَهُ، وَهِيَ زَوْجَهَا، وَمَالَهَا لَا يَحْنَثُ،. وَقَيَّدَهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ أَيْضًا بِأَنْ يَكُونَ حَلِفُهُ بِالْعَرَبِيَّةِ فَلَوْ عَقَدَ بِالْفَارِسِيَّةِ لَا يَحْنَثُ إذَا خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَتَرَكَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ، وَإِنْ كَانَ مُسْتَقِلًّا بِسُكْنَاهُ. وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَخْرُجْ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِالْأَوْلَى وَالْكُلُّ مُقَيَّدٌ بِالْإِمْكَانِ، وَلِذَا قَالُوا لَوْ بَقِيَ فِيهَا أَيَّامًا يَطْلُبُ مَنْزِلًا آخَرَ حَتَّى يَجِدَهُ أَوْ خَرَجَ وَاشْتَغَلَ بِطَلَبِ دَارٍ أُخْرَى لِنَقْلِ الْأَهْلِ وَالْمَتَاعِ أَوْ خَرَجَ لِطَلَبِ دَابَّةٍ لِيَنْقُلَ عَلَيْهَا الْمَتَاعَ فَلَمْ يَجِدْ أَيَّامًا لَمْ يَحْنَثْ، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ أَمْتِعَةٌ كَثِيرَةٌ فَاشْتَغَلَ بِنَقْلِهَا بِنَفْسِهِ، وَهُوَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَسْتَكْرِيَ دَابَّةً فَلَمْ يَسْتَكْرِ لَمْ يَحْنَثْ، وَكَذَا لَوْ أَبَتْ الْمَرْأَةُ أَنْ تَنْتَقِلَ وَغَلَبَتْهُ وَخَرَجَ هُوَ، وَلَمْ يُرِدْ الْعَوْدَ إلَيْهِ أَوْ مُنِعَ هُوَ مِنْ الْخُرُوجِ بِأَنْ أُوثِقَ أَوْ مُنِعَ مَتَاعُهُ فَتَرَكَهُ أَوْ وَجَدَ بَابَ الدَّارِ مُغْلَقًا فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى فَتْحِهِ، وَلَا عَلَى الْخُرُوجِ مِنْهُ لَمْ يَحْنَثْ، وَكَذَا لَوْ قَدَرَ عَلَى الْخُرُوجِ بِهَدْمِ بَعْضِ الْحَائِطِ، وَلَمْ يَهْدِمْ لَا يَحْنَثُ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ ذَلِكَ إنَّمَا تُعْتَبَرُ الْقُدْرَةُ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْ الْوَجْهِ الْمَعْهُودِ عِنْدَ النَّاسِ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ إنْ لَمْ أَخْرُجْ مِنْ هَذَا الْمَنْزِلِ الْيَوْمَ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ فَقُيِّدَ، وَمُنِعَ عَنْ الْخُرُوجِ أَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ لَمْ تَجِيئِي اللَّيْلَةَ إلَى الْبَيْتِ فَأَنْت طَالِقٌ فَمَنَعَهَا وَالِدُهَا حَيْثُ تَطْلُقُ فِيهِمَا فِي الصَّحِيحِ وَالْفَرْقُ أَنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ الْفِعْلُ، وَهُوَ السُّكْنَى، وَهُوَ مُكْرَهٌ فِيهِ، وَلِلْإِكْرَاهِ تَأْثِيرٌ فِي إعْدَامِ الْفِعْلِ وَالشَّرْطُ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ عَدَمُ الْفِعْلِ، وَلَا أَثَرَ لِلْإِكْرَاهِ فِي إبْطَالِ الْعَدَمِ، وَإِنْ كَانَ الْيَمِينُ فِي اللَّيْلِ فَلَمْ يُمْكِنْهُ الْخُرُوجُ حَتَّى أَصْبَحَ لَمْ يَحْنَثْ كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَغَيْرِهِ. وَفِي التَّجْنِيسِ رَجُلٌ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ سَكَنْت هَذِهِ الدَّارَ فَأَنْت طَالِقٌ، وَكَانَتْ الْيَمِينُ بِاللَّيْلِ فَإِنَّهَا مَعْذُورَةٌ حَتَّى تُصْبِحَ؛ لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الْمُكْرَهِ فِي هَذِهِ السُّكْنَى؛ لِأَنَّهَا تَخَافُ الْخُرُوجَ لَيْلًا، وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ لِرَجُلٍ لَمْ يَكُنْ مَعْذُورًا؛ لِأَنَّهُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: فَقَوْلُهُمْ إنَّ الْمُسْتَعَارَةَ تُضَافُ إلَيْهِ مَعْنَاهُ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ كَأَنَّهُ يَخُصُّ بِهِ كَلَامَهُمْ، وَهُوَ غَنِيٌّ عَنْهُ إذْ صَرِيحُ كَلَامِهِمْ فِي الْمُسْتَعَارَةِ لِلسُّكْنَى فَخَرَجَ الْمُسْتَعَارَةُ لِاتِّخَاذِ الْوَلِيمَةِ وَنَحْوِهَا تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْيَمِينُ عَلَى الْمِصْرِ أَوْ الْبَلَدِ إلَخْ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ قَيَّدَ بِالثَّلَاثَةِ، وَقَوْلُهُ وَالسِّكَّةُ كَالْمَحَلَّةِ اعْتِرَاضٌ بَيْنَ الْمَعْلُولِ، وَعِلَّتِهِ، وَفِي النَّهْرِ، وَفِي مِصْرِنَا يُعَدُّ سَاكِنًا بِتَرْكِ أَهْلِهِ، وَمَتَاعِهِ فِيهَا، وَلَوْ خَرَجَ وَحْدَهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ. اهـ. قَالَ الرَّمْلِيُّ: كَوْنُهُ يُعَدُّ سَاكِنًا مُطْلَقًا غَيْرُ مُسَلَّمٍ بَلْ إنَّمَا يُعَدُّ سَاكِنًا إذَا كَانَ قَصْدُهُ الْعَوْدَ أَمَّا إذَا خَرَجَ مِنْهَا لَا يَقْصِدُ الْعَوْدَ لَا يُعَدُّ سَاكِنًا، وَلَعَلَّهُ مُقَيَّدٌ بِذَلِكَ كَمَا يُفْهَمُ مِمَّا يَأْتِي مِنْ قَوْلِهِ، وَكَذَا لَوْ أَبَتْ الْمَرْأَةُ أَنْ تَنْتَقِلَ إلَخْ تَأَمَّلْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 332 لَا يَخَافُ هَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ. اهـ. وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ مَا فِي التَّبْيِينِ مَفْرُوضٌ بِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ، وَمَا فِي التَّجْنِيسِ فِيمَا إذَا كَانَ لَا يَخَافُ، وَالْوَاوُ فِي قَوْلِهِ وَبَقِيَ أَهْلُهُ، وَمَتَاعُهُ بِمَعْنَى أَوْ؛ لِأَنَّ الْحِنْثَ يَحْصُلُ بِبَقَاءِ أَحَدِهِمَا مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَيْهِمَا فَلَوْ قَالَ نَوَيْتُ التَّحَوُّلَ بِبَدَنِي خَاصَّةً لَمْ يُصَدَّقْ فِي الْقَضَاءِ وَيُدَيَّنُ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ، وَأَفَادَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ نَقْلِ جَمِيعِ الْأَهْلِ وَالْمَتَاعِ، وَهُوَ فِي الْأَهْلِ بِالْإِجْمَاعِ وَالْمُرَادُ بِالْأَهْلِ زَوْجَتُهُ، وَأَوْلَادُهُ الَّذِينَ مَعَهُ، وَكُلُّ مَنْ كَانَ يَأْوِيهِ لِخِدْمَتِهِ وَالْقِيَامِ بِأَمْرِهِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ. وَأَمَّا فِي الْأَمْتِعَةِ فَفِيهِ اخْتِلَافٌ فَقَالَ الْإِمَامُ الْمَتَاعُ كَالْأَهْلِ حَتَّى لَوْ بَقِيَ، وَقَدْ حَنِثَ؛ لِأَنَّ السُّكْنَى تَثْبُتُ بِالْكُلِّ فَتَبْقَى بِبَقَاءِ شَيْءٍ مِنْهُ، وَقَدْ صَارَ هَذَا أَصْلًا لِلْإِمَامِ حَتَّى لَوْ بَقِيَ صِفَةُ السُّكُونِ فِي الْعَصِيرِ يَمْنَعُ مِنْ صَيْرُورَتِهِ خَمْرًا وَبَقَاءُ مُسْلِمٍ وَاحِدٍ فِي دَارٍ ارْتَدَّ أَهْلُهَا يَمْنَعُ مِنْ صَيْرُورَتِهَا دَارَ حَرْبٍ، وَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ الشَّيْءَ يَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ جُزْئِهِ كَالْعَشَرَةِ تَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ الْوَاحِدِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي الْأَجْزَاءِ أَمَّا فِي الْأَفْرَادِ فَلَا كَالرِّجَالِ لَا يَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ وَاحِدٍ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْفَرْدِ وَالْجُزْءِ أَنَّهُ إنْ صَدَقَ اسْمُ الْكُلِّ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ فَالْآحَادُ أَفْرَادٌ، وَإِلَّا فَأَجْزَاءٌ كَمَا عُرِفَ مِنْ بَحْثِ الْعَامِّ فِي الْأُصُولِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُعْتَبَرُ نَقْلُ الْأَكْثَرِ لِتَعَذُّرِ نَقْلِ الْكُلِّ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُعْتَبَرُ نَقْلُ مَا تَقُومُ بِهِ السُّكْنَى؛ لِأَنَّ مَا وَرَاءَهُ لَيْسَ مِنْ السُّكْنَى، وَقَدْ اخْتَلَفَ التَّرْجِيحُ فَالْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ رَجَّحَ قَوْلَ الْإِمَامِ، وَأَخَذَ بِهِ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَالْمَشَايِخُ اسْتَثْنَوْا مِنْهُ مَا لَا تَتَأَتَّى بِهِ السُّكْنَى كَقِطْعَةِ حَصِيرٍ وَوَتَدٍ كَمَا ذَكَرَهُ فِي التَّبْيِينِ وَغَيْرِهِ وَرُجِّحَ فِي الْهِدَايَةِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ بِأَنَّهُ أَحْسَنُ، وَأَرْفَقُ بِالنَّاسِ، وَمِنْهُمْ مَنْ صَرَّحَ بِأَنَّ الْفَتْوَى عَلَيْهِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَصَرَّحَ كَثِيرٌ كَصَاحِبِ الْمُحِيطِ وَالْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ وَالْكَافِي بِأَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فَقَدْ اخْتَلَفَ التَّرْجِيحُ كَمَا تَرَى وَالْإِفْتَاءُ بِمَذْهَبِ الْإِمَامِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ أَرْفَقَ وَيَتَفَرَّعُ عَلَى كَوْنِ السُّكْنَى تَبْقَى بِبَقَاءِ الْيَسِيرِ مِنْ الْمَتَاعِ عِنْدَهُ أَنَّهُ لَوْ انْتَقَلَ الْمُودَعُ وَتَرَكَ الْوَدِيعَةَ لَا غَيْرُ فِي الْمَنْزِلِ الْمُنْتَقَلِ عَنْهُ لَا يَضْمَنُ، وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ بِكُلِّ حَالٍ ذَكَرَهُ الْبَزَّازِيُّ فِي فَتَاوَاهُ مِنْ كِتَابِ الْإِجَارَةِ مِنْ فَصْلِ الْخَيَّاطِ وَالنَّسَّاجِ، وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ حَلَفَ لَا يَسْكُنُ دَارَ فُلَانٍ هَذِهِ فَسَكَنَ مَنْزِلًا مِنْهَا حَنِثَ؛ لِأَنَّ الدَّارَ هَكَذَا تُسْكَنُ عَادَةً فَإِنْ عَنَى أَنْ لَا يَسْكُنَهَا كُلَّهَا لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَسْكُنَهَا كُلَّهَا؛ لِأَنَّ الدَّارَ حَقِيقَةً اسْمٌ لِلْجَمِيعِ فَقَدْ نَوَى الْحَقِيقَةَ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَوْ نَقَلَ أَهْلَهُ، وَمَتَاعَهُ مِنْهَا فَإِنَّهُ يَبَرُّ سَوَاءٌ سَكَنَ فِي مَنْزِلٍ آخَرَ أَوْ لَا، وَفِيهِ اخْتِلَافٌ فَفِي الْهِدَايَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَنْتَقِلَ إلَى مَنْزِلٍ آخَرَ بِلَا تَأْخِيرٍ حَتَّى يَبَرَّ فَإِنْ انْتَقَلَ إلَى السِّكَّةِ أَوْ إلَى الْمَسْجِدِ قَالُوا لَا يَبَرُّ دَلِيلُهُ فِي الزِّيَادَاتِ أَنَّ مَنْ خَرَجَ بِعِيَالِهِ مِنْ مِصْرِهِ فَلَمْ يَتَّخِذْ وَطَنًا آخَرَ يَبْقَى وَطَنُهُ الْأَوَّلَ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ كَذَا هَذَا. اهـ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: وَإِطْلَاقُ عَدَمِ الْحِنْثِ أَوْجُهُ، وَكَوْنُ وَطَنِهِ بَاقِيًا فِي حَقِّ إتْمَامِ الصَّلَاةِ مَا لَمْ يَسْتَوْطِنْ غَيْرَهُ لَا يَسْتَلْزِمُ تَسْمِيَتَهُ سَاكِنًا عُرْفًا بِذَلِكَ الْمَكَانِ بَلْ يَقْطَعُ مِنْ الْعُرْفِ فِيمَنْ نَقَلَ أَهْلَهُ، وَأَمْتِعَتَهُ وَخَرَجَ مُسَافِرًا أَنَّهُ لَا يُقَالُ فِيهِ إنَّهُ سَاكِنٌ. اهـ. وَفَصَّلَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ تَفْصِيلًا حَسَنًا فَقَالَ إنْ لَمْ يُسَلِّمْ دَارِهِ الْمُسْتَأْجَرَةَ إلَى أَهْلِهَا حَنِثَ، وَإِنْ سَلَّمَهَا لَا، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَحْنَثُ مَا لَمْ يَتَّخِذْ مَسْكَنًا آخَرَ، وَلَمْ يَسْتَوْفِ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَسَائِلَ الْيَمِينِ عَلَى السُّكْنَى فَنَحْنُ نَذْكُرُهَا تَتْمِيمًا لِلْفَائِدَةِ فَفِي الْبَدَائِعِ لَوْ حَلَفَ لَا يَسْكُنُ هَذِهِ الدَّارَ، وَلَمْ يَكُنْ سَاكِنًا فِيهَا فَالسُّكْنَى فِيهَا أَنْ يَسْكُنَهَا بِنَفْسِهِ وَيَنْقُلَ إلَيْهَا مِنْ مَتَاعِهِ مَا يَبَاتُ فِيهِ وَيَسْتَعْمِلُهُ فِي مَنْزِلِهِ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ حَانِثٌ، وَأَمَّا الْمُسَاكَنَةُ فَإِذَا كَانَ رَجُلٌ سَاكِنًا مَعَ رَجُلٍ فِي دَارٍ فَحَلَفَ أَحَدُهُمَا أَنْ لَا يُسَاكِنَ صَاحِبَهُ فَإِنْ أَخَذَ فِي النَّقْلَةِ، وَهِيَ مُمْكِنَةٌ بَرَّ، وَإِلَّا حَنِثَ وَالنَّقْلَةُ عَلَى الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ فَإِنْ لَمْ يَنْتَقِلْ لِلْحَالِ حَنِثَ؛ لِأَنَّ الْبَقَاءَ عَلَى الْمُسَاكَنَةِ مُسَاكَنَةٌ، وَهُوَ أَنْ يَجْمَعَهُمَا مَنْزِلٌ وَاحِدٌ. فَإِنْ وَهَبَ مَتَاعَهُ لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ أَوْ أَوْدَعَهُ أَوْ أَعَارَهُ ثُمَّ خَرَجَ فِي طَلَبِ مَنْزِلٍ فَلَمْ يَجِدْ مَنْزِلًا أَيَّامًا، وَلَمْ يَأْتِ الدَّارَ الَّتِي فِيهَا صَاحِبُهُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَالْمَشَايِخُ اسْتَثْنَوْا مِنْهُ إلَخْ) أَقُولُ: عَلَى هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ يَتَوَافَقُ قَوْلُ الْإِمَامِ مَعَ قَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَأَمَّا مَا فِي النَّهْرِ مِنْ أَنَّ هَذَا لَيْسَ قَوْلَ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَغَيْرُ ظَاهِرٍ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَالْإِفْتَاءُ بِقَوْلِ الْإِمَامِ أَوْلَى) قَالَ فِي النَّهْرِ أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّهُ لَيْسَ الْمَدَارُ إلَّا عَلَى الْعُرْفِ فِي أَنَّهُ سَاكِنٌ أَوْ لَا، وَلَا شَكَّ أَنَّ مَنْ خَرَجَ عَلَى نِيَّةِ تَرْكِ الْمَكَانِ، وَعَدَمِ الْعَوْدِ إلَيْهِ وَنَقَلَ مِنْ أَمْتِعَتِهِ فِيهِ مَا يَقُومُ بِهِ أَمْرُ سُكْنَاهُ، وَهُوَ عَلَى نِيَّةِ نَقْلِ الْبَاقِي يُقَالُ لَيْسَ سَاكِنًا فِي هَذَا الْمَكَانِ بَلْ انْتَقَلَ مِنْهُ وَسَكَنَ فِي الْمَكَانِ الْفُلَانِيِّ وَبِهَذَا يَتَرَجَّحُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ. اهـ. وَهَذَا التَّرْجِيحُ بِالْوَجْهِ الْمَذْكُورِ مَأْخُوذٌ مِنْ الْفَتْحِ، وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة عَنْ الْبُرْهَانِ أَنَّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ أَصَحُّ مَا يُفْتَى بِهِ مِنْ التَّصْحِيحَيْنِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 333 قَالَ مُحَمَّدٌ إنْ كَانَ وَهَبَ لَهُ الْمَتَاعَ، وَقَبَضَهُ مِنْهُ وَخَرَجَ مِنْ سَاعَتِهِ، وَلَيْسَ مِنْ رَأْيِهِ الْعَوْدُ فَلَيْسَ بِمُسَاكَنٍ، وَكَذَلِكَ إنْ أَوْدَعَهُ الْمَتَاعَ ثُمَّ خَرَجَ لَا يُرِيدُ الْعَوْدَ إلَى ذَلِكَ الْمَنْزِلِ، وَكَذَا الْعَارِيَّةُ، وَلَوْ كَانَ لَهُ فِي الدَّارِ زَوْجَةٌ فَرَاوَدَهَا الْخُرُوجَ فَأَبَتْ، وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى إخْرَاجِهَا فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِبَقَائِهَا. وَإِذَا حَلَفَ لَا يُسَاكِنُ فُلَانًا فَسَاكَنَهُ فِي عَرْصَةِ دَارٍ أَوْ بَيْتٍ أَوْ غُرْفَةٍ حَنِثَ فَإِنْ سَاكَنَهُ فِي دَارٍ هَذَا فِي حُجْرَةٍ، وَهَذَا فِي حُجْرَةٍ أَوْ هَذَا فِي مَنْزِلٍ، وَهَذَا فِي مَنْزِلٍ حَنِثَ إلَّا أَنْ تَكُونَ دَارًا كَبِيرَةً قَالَ أَبُو يُوسُفَ مِثْلُ دَارِ الرَّقِيقِ وَدَارِ الْوَلِيدِ بِالْكُوفَةِ، وَكَذَا كُلُّ دَارٍ عَظِيمَةٍ فِيهَا مَقَاصِيرُ وَمَنَازِلُ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ إذَا حَلَفَ لَا يُسَاكِنُ فُلَانًا، وَلَمْ يُسَمِّ دَارًا فَسَكَنَ هَذَا فِي حُجْرَةٍ، وَهَذَا فِي حُجْرَةٍ لَمْ يَحْنَثْ إلَّا أَنْ يُسَاكِنَهُ فِي حُجْرَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنْ سَكَنَ هَذَا فِي بَيْتٍ مِنْ دَارٍ، وَهَذَا فِي بَيْتٍ آخَرَ، وَقَدْ حَلَفَ لَا يُسَاكِنُهُ، وَلَمْ يُسَمِّ دَارًا حَنِثَ فِي قَوْلِهِمْ؛ لِأَنَّ بُيُوتَ الدَّارِ الْوَاحِدَةِ كَالْبَيْتِ الْوَاحِدِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فَإِنْ سَاكَنَهُ فِي حَانُوتٍ فِي سُوقٍ يَعْمَلَانِ فِيهِ عَمَلًا أَوْ يَبِيعَانِ تِجَارَةً فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِالنِّيَّةِ أَوْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا كَلَامٌ يَدُلُّ عَلَيْهَا قَالُوا إذَا حَلَفَ لَا يُسَاكِنُ فُلَانًا بِالْكُوفَةِ، وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَسَكَنَ أَحَدُهُمَا فِي دَارٍ وَالْآخَرُ فِي دَارٍ أُخْرَى فِي قَبِيلَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ مَحَلَّةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ دَرْبٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَجْمَعَهُمَا السُّكْنَى فِي دَارٍ؛ لِأَنَّ الْمُسَاكَنَةَ الْمُخَالَطَةُ وَذَكَرَ الْكُوفَةَ لِتَخْصِيصِ الْيَمِينِ بِهَا حَتَّى لَا يَحْنَثَ بِمُسَاكَنَتِهِ فِي غَيْرِهَا، وَلَوْ حَلَفَ الْمَلَّاحُ أَنْ لَا يُسَاكِنَ فُلَانًا فِي سَفِينَةٍ فَنَزَلَ مَعَ كُلِّ أَهْلِهِ، وَمَتَاعِهِ وَاتَّخَذَهَا مَنْزِلَهُ حَنِثَ، وَكَذَلِكَ أَهْلُ الْبَادِيَةِ إذَا جَمَعَتْهُمْ خَيْمَةٌ، وَإِنْ تَفَرَّقَتْ الْخِيَامُ لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ تَقَارَبَتْ، وَإِذَا حَلَفَ أَنَّهُ لَا يَأْوِي مَعَ فُلَانٍ أَوْ لَا يَأْوِي فِي مَكَان أَوْ دَارٍ أَوْ بَيْتٍ فَالْإِيوَاءُ الْكَوْنُ مَاكِثًا فِي الْمَكَانِ أَوْ مَعَ فُلَانٍ فِي مَكَان قَلِيلًا كَانَ الْمُكْثُ أَوْ كَثِيرًا لَيْلًا كَانَ أَوْ نَهَارًا فَإِنْ نَوَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى فَإِذَا حَلَفَ لَا يَبِيتُ مَعَ فُلَانٍ أَوْ لَا يَبِيتُ فِي مَكَانِ كَذَا فَالْمَبِيتُ بِاللَّيْلِ حَتَّى يَكُونُ مِنْهُ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِ اللَّيْلِ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ لَمْ يَحْنَثْ وَسَوَاءٌ نَامَ فِي الْمَوْضِعِ أَوْ لَمْ يَنَمْ. فَلَوْ حَلَفَ لَا يَبِيتُ اللَّيْلَةَ فِي هَذِهِ الدَّارِ، وَقَدْ ذَهَبَ ثُلُثَا اللَّيْلِ ثُمَّ بَاتَ بَقِيَّةَ لَيْلَتِهِ قَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الْبَيْتُوتَةَ إذَا كَانَتْ تَقَعُ عَلَى أَكْثَرِ اللَّيْلِ فَقَدْ حَلَفَ عَلَى مَا لَا يُتَصَوَّرُ فَلَمْ تَنْعَقِدْ يَمِينُهُ. اهـ. وَفِي الْوَاقِعَاتِ حَلَفَ لَا يُسَاكِنُ فُلَانًا فَنَزَلَ مَنْزِلَهُ فَمَكَثَ فِيهِ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ سَاكِنًا مَعَهُ حَتَّى يُقِيمَ مَعَهُ فِي مَنْزِلِهِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ حَلَفَ لَا يَسْكُنُ الْكُوفَةَ فَمَرَّ بِهَا مُسَافِرًا فَنَوَى أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا لَا يَحْنَثُ فَإِنْ نَوَى خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا يَحْنَثُ، وَلَوْ سَافَرَ الْحَالِفُ فَسَكَنَ فُلَانٌ مَعَ أَهْلِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَحْنَثُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى؛ لِأَنَّ الْحَالِفَ لَمْ يُسَاكِنْهُ حَقِيقَةً. اهـ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ حَلَفَ لَا يُسَاكِنُ فُلَانًا فَدَخَلَ فُلَانٌ دَارَ الْحَالِفِ غَصْبًا فَأَقَامَ الْحَالِفُ مَعَهُ حَنِثَ عَلِمَ الْحَالِفُ بِذَلِكَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ، وَإِنْ خَرَجَ الْحَالِفُ بِأَهْلِهِ، وَأَخَذَ بِالنَّقْلِ حِينَ نَزَلَ الْغَاصِبُ لَمْ يَحْنَثْ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يُسَاكِنُ فُلَانًا فَسَاكَنَهُ فِي مَقْصُورَةٍ أَوْ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِ أَهْلٍ وَمَتَاعٍ لَا يَحْنَثُ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يُسَاكِنُ فُلَانًا فِي دَارٍ وَسَمَّى دَارًا بِعَيْنِهَا فَتَقَاسَمَاهَا وَضَرَبَ كُلُّ وَاحِدٍ بَيْنَهُمَا حَائِطًا، وَفَتَحَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِنَفْسِهِ بَابًا فَسَكَنَ الْحَالِفُ فِي طَائِفَةٍ وَالْآخَرُ فِي طَائِفَةٍ حَنِثَ الْحَالِفُ، وَلَوْ لَمْ يُعَيِّنْ الدَّارَ فِي يَمِينِهِ، وَلَكِنْ ذَكَرَ دَارًا عَلَى التَّنْكِيرِ وَبَاقِي الْمَسْأَلَةِ بِحَالِهَا لَا يَحْنَثُ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يُسَاكِنُ فُلَانًا شَهْرَ كَذَا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَعَنْ مُحَمَّدٍ إذَا حَلَفَ لَا يُسَاكِنُ فُلَانًا إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ، وَإِذَا حَلَفَ لَا يُسَاكِنُهُ فَسَاكَنَهُ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ أَوْ مَقْصُورَةٍ مِنْ غَيْرِ أَهْلٍ، وَمَتَاعٍ لَا يَحْنَثُ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة نَقْلًا عَنْ الظَّهِيرِيَّةَ، وَقَدْ قَدَّمَ قَبْلَهُ أَنَّهُ لَا تَثْبُتُ الْمُسَاكَنَةُ إلَّا بِأَهْلِ كُلٍّ مِنْهُمَا أَوْ مَتَاعِهِ (قَوْلُهُ: وَفِي الْوَاقِعَاتِ إلَخْ) قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ حَلَفَ أَنْ لَا يُسَاكِنَ فُلَانًا فَنَزَلَ الْحَالِفُ، وَهُوَ مُسَافِرٌ مَنْزِلَ فُلَانٍ فَسَكَنَا يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ لَا يَحْنَثُ إلَخْ فَقَيَّدَ الْمَسْأَلَةَ بِالْمُسَافِرِ (قَوْلُهُ: فَدَخَلَ فُلَانٌ دَارَ الْحَالِفِ غَصْبًا) قَالَ الرَّمْلِيُّ مَعْنَاهُ وَسَكَنَهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِمُجَرَّدِ الدُّخُولِ تَأَمَّلْ، وَفِي الْخُلَاصَةِ، وَفِي الْأَصْلِ لَوْ دَخَلَ عَلَيْهِ زَائِرًا أَوْ ضَيْفًا فَأَقَامَ فِيهِ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ لَا يَحْنَثُ، وَالْمُسَاكَنَةُ بِالِاسْتِقْرَارِ وَالدَّوَامِ، وَذَلِكَ بِأَهْلِهِ وَمَتَاعِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمُسَاكَنَةَ مِمَّا لَا يَمْتَدُّ) اعْتَرَضَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ بِأَنَّهُ مُنَاقِضٌ لِمَا مَرَّ عَنْ الْبَدَائِعِ مِنْ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الْبَقَاءَ عَلَى الْمُسَاكَنَةِ مُسَاكَنَةٌ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْمُسَاكَنَةَ مِمَّا يَمْتَدُّ، وَهُوَ الْحَقُّ كَمَا لَا يَخْفَى. اهـ. وَقَدْ سَبَقَهُ إلَى ذَلِكَ الرَّمْلِيُّ فَقَالَ الصَّوَابُ حَذْفُ لَا قَالَ ثُمَّ إنِّي تَتَبَّعْت كُتُبَ أَئِمَّتِنَا فَرَأَيْت فِي كَثِيرٍ مِنْهَا كالتتارخانية وَالْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهِمَا مِثْلَ مَا هُنَا مِنْ إثْبَاتِ حَرْفِ لَا (قَوْلُهُ: لَا يَحْنَثُ مَا لَمْ يُقِمْ جَمِيعَ الشَّهْرِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ الْفَرْقُ بَيْنَ الْفَرْعَيْنِ هُوَ التَّعْرِيفُ وَالتَّنْكِيرُ إذْ مَعَ التَّعْرِيفِ مَعْنَاهُ فِي شَهْرِ كَذَا، وَمَعَ التَّنْكِيرِ مَعْنَاهُ مُدَّةَ شَهْرٍ، وَإِلَّا فَكُلٌّ مِنْ الْمُسَاكَنَةِ وَالْإِقَامَةِ مِمَّا يَمْتَدُّ إذْ يُقَالُ سَكَنْتُ فِي الدَّارِ شَهْرًا، وَأَقَمْتُ فِيهِ شَهْرًا تَأَمَّلْ أَقُولُ: أَيْضًا عِنْدِي فِي الْأَوَّلِ نَظَرٌ إذْ الْمُتَبَادَرُ مِنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 334 فَسَاكَنَهُ سَاعَةً فِي ذَلِكَ الشَّهْرِ حَنِثَ؛ لِأَنَّ الْمُسَاكَنَةَ مِمَّا لَا يَمْتَدُّ، وَلَوْ قَالَ لَا أُقِيمُ بِالرَّقَّةِ شَهْرًا لَا يَحْنَثُ مَا لَمْ يُقِمْ جَمِيعَ الشَّهْرِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَسْكُنُ الرَّقَّةَ شَهْرًا فَسَكَنَ سَاعَةً حَنِثَ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَبِيتُ اللَّيْلَةَ فِي هَذَا الْمَنْزِلِ فَخَرَجَ بِنَفْسِهِ وَبَاتَ خَارِجَ الْمَنْزِلِ، وَأَهْلُهُ وَمَتَاعُهُ فِي الْمَنْزِلِ لَا يَحْنَثُ، وَهَذِهِ الْيَمِينُ تَكُونُ عَلَى نَفْسِهِ لَا عَلَى الْمَتَاعِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَبِيتُ عَلَى سَطْحِ هَذَا الْبَيْتِ، وَعَلَى الْبَيْتِ غُرْفَةٌ، وَأَرْضُ الْغَرْفَةِ سَطْحُ هَذَا الْبَيْتِ يَحْنَثُ إنْ بَاتَ عَلَيْهِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَبِيتُ عَلَى سَطْحٍ فَبَاتَ عَلَى هَذَا لَا يَحْنَثُ. وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَبِيتُ فِي مَنْزِلِ فُلَانٍ غَدًا فَهُوَ بَاطِلٌ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ اللَّيْلَةَ الْجَائِيَةَ، وَكَذَا لَوْ قَالَ بَعْدَمَا مَضَى أَكْثَرُ اللَّيْلَةِ، وَلَوْ قَالَ لَا أَكُونُ غَدًا فِي مَنْزِلِ فُلَانٍ فَهُوَ عَلَى سَاعَةٍ مِنْ الْغَدِ. اهـ. وَفِي الْخُلَاصَةِ لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَسْكُنُ هَذِهِ الدَّارَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا أَوْ قَالَ لَأَسْكُنَنَّ هَذِهِ الدَّارَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا لَهُ أَنْ يُفَرِّقَ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَسْكُنُ هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَذَهَبَ عَلَى مَا هُوَ الشَّرْطُ ثُمَّ عَادَ وَسَكَنَ يَحْنَثُ هَذَا فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى، وَأَفْتَى الْقَاضِي الْإِمَامُ أَنَّهُ إنْ نَوَى الْفَوْرَ لَا يَحْنَثُ إذَا عَادَ وَسَكَنَ، وَكَذَا إذَا كَانَ هُنَاكَ مُقَدِّمَةُ الْفَوْرِ، وَفِي الْمُحِيطِ حَلَفَ لَا يَقْعُدُ فِي هَذِهِ الدَّارَ، وَلَا نِيَّةَ لَهُ قَالُوا إنْ كَانَ سَاكِنًا فِيهَا فَهُوَ عَلَى السُّكْنَى، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَاكِنًا فَهُوَ عَلَى الْقُعُودِ حَقِيقَةً، وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا يَجْمَعُنِي، وَإِيَّاكَ سَقْفُ بَيْتٍ فَهَذَا عَلَى الْمُجَالَسَةِ فَإِنْ جَالَسَهُ فِي بَيْتٍ أَوْ فُسْطَاطٍ أَوْ سَفِينَةٍ أَوْ خَيْمَةٍ حَنِثَ، وَإِنْ صَلَّى فِي مَسْجِدٍ جَمَاعَةً فَصَلَّى الْآخَرُ مَعَهُ فِي الْقَوْمِ لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا فِي الْمَسْجِدِ فَجَاءَ الْآخَرُ فَجَلَسَ إلَيْهِ فَقَدْ حَنِثَ، وَإِنْ جَلَسَ بَعِيدًا مِنْهُ، وَلَمْ يَجْلِسْ إلَيْهِ لَمْ يَحْنَثْ، وَكَذَلِكَ الْبَيْتُ الْوَاحِدُ إذَا كَانَ يَجْلِسُ هَذَا فِي مَكَان، وَهَذَا فِي مَكَان غَيْرَ مُجَالِسٍ لَهُ لَا يَحْنَثُ اهـ. (قَوْلُهُ: لَا يَخْرُجُ فَأُخْرِجَ مَحْمُولًا بِأَمْرِهِ حَنِثَ وَبِرِضَاهُ لَا بِأَمْرِهِ أَوْ مُكْرَهًا لَا) أَيْ لَا يَحْنَثُ، وَهُوَ شُرُوعٌ فِي بَعْضِ مَسَائِلِ الْحَلِفِ عَلَى الْخُرُوجِ فَإِذَا حَلَفَ لَا يَخْرُجُ مِنْ الْمَسْجِدِ مَثَلًا فَأَمَرَ إنْسَانًا فَحَمَلَهُ، وَأَخْرَجَهُ حَنِثَ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْمَأْمُورِ مُضَافٌ إلَى الْآمِرِ فَصَارَ كَمَا إذَا رَكِبَ دَابَّةً فَخَرَجَتْ، وَلَوْ أَخْرَجَهُ مُكْرَهًا لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ لَمْ يَنْتَقِلْ إلَيْهِ لِعَدَمِ الْأَمْرِ، وَلَوْ حَمَلَهُ بِرِضَاهُ لَا بِأَمْرِهِ لَا يَحْنَثُ فِي الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ الِانْتِقَالَ بِالْأَمْرِ لَا بِمُجَرَّدِ الرِّضَا، وَإِذَا لَمْ يَحْنَثْ فِيهِمَا لَا تَنْحَلُّ فِي الصَّحِيحِ لِعَدَمِ فِعْلِهِ، وَقَالَ السَّيِّدُ أَبُو شُجَاعٍ تَنْحَلُّ، وَهُوَ أَرْفَقُ بِالنَّاسِ وَيَظْهَرُ أَثَرُ هَذَا الِاخْتِلَافِ فِيمَا لَوْ دَخَلَ بَعْدَ هَذَا الْإِخْرَاجِ هَلْ يَحْنَثُ فَمَنْ قَالَ انْحَلَّتْ قَالَ لَا يَحْنَثُ، وَهَذَا بَيَانُ كَوْنِهِ أَرْفَقَ بِالنَّاسِ، وَمَنْ قَالَ لَا تَنْحَلُّ قَالَ حَنِثَ وَوَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَصَوَابُهُ إنْ كَانَ الْحَلِفُ بِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ إنْ يَظْهَرُ فِيمَا لَوْ دَخَلَ بَعْدَ هَذَا الْإِخْرَاجِ ثُمَّ خَرَجَ، وَإِنْ كَانَ الْحَلِفُ بِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فَنَعَمْ. قَيَّدَ بِكَوْنِهِ أُخْرِجَ مُكْرَهًا أَيْ حَمَلَهُ الْمُكْرِهُ، وَأَخْرَجَهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ خَرَجَ بِنَفْسِهِ مُكْرَهًا، وَهُوَ الْإِكْرَاهُ الْمَعْرُوفُ، وَهُوَ أَنْ يَتَوَعَّدَهُ حَتَّى يَفْعَلَ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَحْنَثُ لِمَا عُرِفَ أَنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يُعْدِمُ الْفِعْلَ عِنْدَنَا وَنَظِيرُهُ مَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: لَا أُسَاكِنُهُ شَهْرَ كَذَا تَوْقِيتُ الْحَلِفِ بِالشَّهْرِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْنَثَ إذْ مَعْنَاهُ لَا أُسَاكِنُهُ مُدَّةَ شَهْرِ كَذَا ثُمَّ رَأَيْتُ فِي الْخَانِيَّةِ والتتارخانية أَنَّهُ تَصِحُّ نِيَّتُهُ فِي ذَلِكَ وَيَدِينُ فِي كُلٍّ مِنْ مَسْأَلَتَيْ التَّعْرِيفِ وَالتَّنْكِيرِ وَالظَّاهِرُ الِاحْتِمَالُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا فَإِذَا كَانَ الْعُرْفُ يَقْضِي بِشَيْءٍ مِنْهُمَا اُتُّبِعَ فَظَهَرَ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى صِحَّةُ مَا بَحَثْتُهُ، وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة فَإِنْ كَانَ الْحَالِفُ فِي مَسْأَلَةِ الْمُسَاكَنَةِ قَالَ عَنَيْتُ مُسَاكَنَةَ فُلَانٍ جَمِيعَ شَهْرِ رَمَضَانَ عَلَى سَبِيلِ الدَّوَامِ دُيِّنَ، وَلَا يُدَيَّنُ فِي الْقَضَاءِ، وَكَانَ الْفَقِيهُ أَبُو بَكْرٍ الْأَعْمَشُ وَالْبُخَارِيُّ يَقُولُ يَنْبَغِي أَنْ يُدَيَّنَ فِي الْقَضَاءِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ هَذَا إذَا عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى الْمُسَاكَنَةِ، وَإِنْ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى السُّكْنَى بِأَنْ قَالَ إنْ سَكَنْتُ هَذِهِ الدَّارَ شَهْرَ رَمَضَانَ فَعَبْدِي حُرٌّ لَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي الْجَامِعِ، وَقَدْ اخْتَلَفَ فِيهَا الْمَشَايِخُ فَبَعْضُهُمْ قَالَ لَا يَحْنَثُ مَا لَمْ يَسْكُنْ فِيهَا جَمِيعَ الشَّهْرِ وَبَعْضُهُمْ قَالَ يَحْنَثُ إذَا سَكَنَ فِيهَا سَاعَةً، وَإِلَى هَذَا مَالَ الْقَاضِي الْعَامِرِيُّ. اهـ. أَقُولُ: فَتَحَرَّرَ أَنَّ فِيهَا اخْتِلَافَ الرِّوَايَةِ وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ الْفِقْهِيُّ أَنْ لَا يَحْنَثَ إلَّا بِسُكْنَى الْجَمِيعِ مَا لَمْ يَنْوِ سُكْنَى سَاعَةٍ مِنْهُ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ بِخِلَافِ لَا أَسْكُنُ فِي هَذَا الشَّهْرِ أَوْ فِي هَذِهِ السَّنَةِ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِسُكْنَى سَاعَةٍ اهـ. مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ: وَهَذَا بَيَانُ كَوْنِهِ أَرْفَقَ بِالنَّاسِ) ذَكَرَ الرَّمْلِيُّ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ بَعْضُ مَنْ يَثِقُ بِهِ عَنْ الْمُؤَلِّفِ أَنَّهُ أَفْتَى بِهَذَا ثُمَّ قَالَ أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ مَالَ إلَى مَا هُوَ أَرْفَقُ بِالنَّاسِ مَعَ كَوْنِهِ خِلَافَ الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَدْ نَقَرْت فِي فَتَاوَاهُ الَّتِي هِيَ وَاقِعَاتُهُ فَلَمْ أَرَ هَذِهِ الْفُتْيَا فِيهَا بَلْ رَأَيْت مَا يُعَكِّرُ عَلَيْهَا فِي أَثْنَاءِ كَلَامِهِ فِي مِثْلِهَا فَإِنَّهُ قَالَ لَا يَحْنَثُ، وَإِذَا لَمْ يَحْنَثْ لَا تَنْحَلُّ الْيَمِينُ فَهِيَ بَاقِيَةٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. اهـ. قُلْتُ: قَدْ رَأَيْتُ ذَلِكَ الَّذِي أَفْتَى بِهِ صَاحِبُ الْبَحْرِ فِي فَتَاوَاهُ الْمُرَتَّبَةِ ثُمَّ نَقَلَ مُرَتِّبُهَا عِبَارَةَ الْبَحْرِ ثُمَّ قَالَ لَعَلَّ شَيْخَنَا أَفْتَى بِانْحِلَالِهَا لِكَوْنِهِ أَرْفَقَ بِالنَّاسِ (قَوْلُهُ: لِمَا عُرِفَ أَنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يُعْدِمُ الْفِعْلَ عِنْدَنَا) اعْتَرَضَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ بِأَنَّهُ مُنَاقِضٌ لِمَا مَرَّ قَبْلَ هَذَا بِنَحْوِ وَرَقَتَيْنِ مِنْ أَنَّ لِلْإِكْرَاهِ تَأْثِيرًا فِي إعْدَامِ الْفِعْلِ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ قَوْلَهُ هُنَا لَا يُعْدِمُ الْفِعْلَ أَيْ لَا يَرْفَعُهُ بَعْدَ وُجُودِهِ وَصُدُورِهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 335 هَذَا الطَّعَامَ فَأُكْرِهَ عَلَيْهِ حَتَّى أَكَلَهُ حَنِثَ، وَلَوْ أُوجِرَ فِي حَلْقِهِ لَا يَحْنَثُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ لَا يَخْتَصُّ بِالْحَلِفِ عَلَى الْخُرُوجِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ فَأُدْخِلَ مَحْمُولًا بِأَمْرِهِ حَنِثَ وَبِرِضَاهُ لَا بِأَمْرِهِ أَوْ مُكْرَهًا لَا، وَفِي الْمُجْتَبَى لَوْ هَبَّتْ بِهِ الرِّيحُ، وَأَدْخَلَتْهُ لَمْ يَحْنَثْ، وَفِي الِانْحِلَالِ كَلَامٌ، وَفِيمَنْ زَلَقَ فَوَقَعَ فِيهَا أَوْ كَانَ رَاكِبًا دَابَّةً فَانْفَلَتَتْ، وَلَمْ يَسْتَطِعْ إمْسَاكَهَا فَأَدْخَلَتْهُ خِلَافٌ. اهـ. وَفِي الْبَدَائِعِ الْخُرُوجُ هُوَ الِانْفِصَالُ مِنْ الْحِصْنِ إلَى الْعَوْدَةِ عَلَى مُضَادَّةِ الدُّخُولِ فَلَا يَكُونُ الْمُكْثُ بَعْدَ الْخُرُوجِ خُرُوجًا كَمَا لَا يَكُونُ الْمُكْثُ بَعْدَ الدُّخُولِ دُخُولًا ثُمَّ الْخُرُوجُ كَمَا يَكُونُ مِنْ الْبُلْدَانِ وَالدُّورِ وَالْمَنَازِلِ وَالْبُيُوتِ تَكُونُ مِنْ الْأَخْبِيَةِ وَالْفَسَاطِيطِ وَالْخِيَمِ وَالسُّفُنِ لِوُجُودِ حَدِّهِ وَالْخُرُوجُ مِنْ الدُّورِ الْمَسْكُونَةِ أَنْ يَخْرُجَ الْحَالِفُ بِنَفْسِهِ، وَمَتَاعِهِ، وَعِيَالِهِ كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يَسْكُنُ وَالْخُرُوجُ مِنْ الْبُلْدَانِ وَالْقُرَى أَنْ يَخْرُجَ الْحَالِفُ بِبَدَنِهِ خَاصَّةً، وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَخْرُجُ، وَهُوَ فِي بَيْتٍ مِنْ الدَّارِ فَخَرَجَ إلَى صَحْنِ الدَّارِ لَمْ يَحْنَثْ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ فَإِنْ نَوَى الْخُرُوجَ إلَى مَكَّةَ أَوْ خُرُوجًا مِنْ الْبَلَدِ لَمْ يُصَدَّقْ قَضَاءً، وَلَا دِيَانَةً؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْمَذْكُورِ لَا يَحْتَمِلُ التَّخْصِيصَ، وَلَوْ قَالَ إنْ خَرَجْتِ مِنْ هَذِهِ الدَّارَ فَأَنْت طَالِقٌ فَخَرَجَتْ مِنْهَا مِنْ الْبَابِ أَيِّ بَابٍ كَانَ، وَمِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ مِنْ فَوْقِ حَائِطٍ أَوْ سَطْحٍ أَوْ نَقْبٍ حَنِثَ لِوُجُودِ الشَّرْطِ، وَهُوَ الْخُرُوجُ مِنْ الدَّارِ، وَلَوْ قَيَّدَ بِبَابِ هَذِهِ الدَّارِ لَمْ يَحْنَثْ بِالْخُرُوجِ مِنْ غَيْرِ الْبَابِ قَدِيمًا كَانَ الْبَابُ أَوْ حَادِثًا، وَلَوْ عَيَّنَ بَابًا فِي الْيَمِينِ تَعَيَّنَ، وَلَا يَحْنَثُ بِالْخُرُوجِ مِنْ غَيْرِهِ اهـ. (قَوْلُهُ: كَلَا يَخْرُجُ إلَّا إلَى جِنَازَةٍ فَخَرَجَ إلَيْهَا ثُمَّ أَتَى حَاجَةً) يَعْنِي لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الْمَوْجُودَ خُرُوجٌ مُسْتَثْنًى وَالْمُضِيُّ بَعْدَ ذَلِكَ لَيْسَ بِخُرُوجٍ، وَفِي الْبَدَائِعِ لَوْ قَالَ إنْ خَرَجْتِ مِنْ هَذِهِ الدَّارَ إلَّا إلَى الْمَسْجِدِ فَأَنْت طَالِقٌ فَخَرَجَتْ تُرِيدُ الْمَسْجِدَ ثُمَّ بَدَا لَهَا فَذَهَبَتْ إلَى غَيْرِ الْمَسْجِدِ لَمْ تَطْلُقْ لِمَا ذَكَرْنَا، وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ إنْ خَرَجْتِ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ مَعَ فُلَانٍ فَأَنْت طَالِقٌ فَخَرَجَتْ وَحْدَهَا أَوْ مَعَ فُلَانٍ آخَرَ ثُمَّ خَرَجَ فُلَانٌ، وَلَحِقَهَا فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ مَعَ لِلْقِرَانِ فَيَقْتَضِي مُقَارَنَتَهَا لِلْخُرُوجِ، وَلَمْ يُوجَدْ؛ لِأَنَّ الْمُكْثَ بَعْدَ الْخُرُوجِ لَيْسَ بِخُرُوجٍ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ أَيْضًا، وَلَوْ خَرَجَ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ لِغَيْرِ الْجِنَازَةِ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ، وَالِاعْتِبَارُ لِلْقَصْدِ عِنْدَ الْخُرُوجِ قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ قَالَ لَهَا إنْ خَرَجْتِ إلَى مَنْزِلِ أَبِيكِ فَأَنْت كَذَا فَهُوَ عَلَى الْخُرُوجِ عَنْ قَصْدٍ. اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ حَلَفَتْ الْمَرْأَةُ أَنْ لَا تَخْرُجَ إلَى أَهْلِهَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ أَهْلُهَا أَبَوَاهَا، وَلَيْسَ أَحَدٌ سِوَاهُمَا أَهْلَهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَبَوَانِ فَأَهْلُهَا كُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا إلَّا أُمٌّ مُطَلَّقَةٌ فَأَهْلُهَا مَنْزِلُ أُمِّهَا فَإِنْ كَانَ الْأَبُ مُتَزَوِّجًا وَالْأُمُّ مُتَزَوِّجَةً فَالْأَهْلُ مَنْزِلُ الْأَبِ دُونَ مَنْزِلِ الْأُمِّ اهـ. (قَوْلُهُ: لَا يَخْرُجُ أَوْ لَا يَذْهَبُ إلَى مَكَّةَ فَخَرَجَ يُرِيدُهَا ثُمَّ رَجَعَ يَحْنَثُ، وَفِي لَا يَأْتِيهَا لَا) أَيْ لَا يَحْنَثُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْخُرُوجِ وَالْإِتْيَانِ أَنَّ الْخُرُوجَ عَلَى قَصْدِ مَكَّةَ قَدْ وُجِدَ   [منحة الخالق] مِنْ فَاعِلِهِ، وَقَوْلُهُ هُنَاكَ إنَّ لَهُ تَأْثِيرًا فِي إعْدَامِهِ أَيْ فِي إعْدَامِ نِسْبَتِهِ إلَى فَاعِلِهِ حَيْثُ كَانَ مُفَوِّتًا لِلِاخْتِيَارِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْإِكْرَاهَ إنْ أَثَّرَ فِي إعْدَامِ الِاخْتِيَارِ لَا يُنْسَبُ إلَى فَاعِلِهِ، وَإِلَّا نُسِبَ كَمَا فِي مَسْأَلَتِنَا فَإِنَّهُ مَا خَرَجَ إلَّا بِاخْتِيَارِهِ نَعَمْ الْإِكْرَاهُ أَبْطَلَ رِضَاهُ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْإِيجَارِ فَإِنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الرِّضَا، وَلَا الِاخْتِيَارُ، وَكَذَا مَسْأَلَةُ السُّكْنَى السَّابِقَةُ، وَعِبَارَةُ الْخَانِيَّةِ فِي تَعْلِيلِهَا هَكَذَا؛ لِأَنَّ فِي قَوْلِهِ لَا أَسْكُنُ شَرْطُ الْحِنْثِ السُّكْنَى، وَالْفِعْلُ لَا يَتَحَقَّقُ بِدُونِ الِاخْتِيَارِ، وَفِي قَوْلِهِ إنْ لَمْ أَخْرُجْ شَرْطُ الْحِنْثِ عَدَمُ الْخُرُوجِ وَالْعَدَمُ يَتَحَقَّقُ بِدُونِ الِاخْتِيَارِ انْتَهَتْ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَالْخُرُوجُ مِنْ الدُّورِ الْمَسْكُونَةِ أَنْ يَخْرُجَ الْحَالِفُ بِنَفْسِهِ، وَمَتَاعِهِ، وَعِيَالِهِ) عَزَاهُ فِي الذَّخِيرَةِ والتتارخانية إلَى الْقُدُورِيِّ، وَقَدْ قَيَّدَ فِي النَّهْرِ مَسْأَلَةَ الْمَتْنِ بِقَوْلِهِ حَلَفَ لَا يَخْرُجُ مِنْ هَذَا الْمَسْجِدِ مَثَلًا فَأُخْرِجَ مَحْمُولًا إلَخْ ثُمَّ نَقَلَ عِبَارَةَ الْبَدَائِعِ هَذِهِ ثُمَّ قَالَ: وَعَلَى هَذَا فَمِنْ صُوَرِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْبَيْتِ يُحْمَلُ كَلَامُهُ عَلَى أَنَّ الْحَالِفَ كَانَ تَبَعًا لِغَيْرِهِ فِي السُّكْنَى كَمَا مَرَّ. اهـ. قُلْت: وَقَدْ وَقَعَ تَقْيِيدُ الْمَسْأَلَةِ أَيْضًا بِالْمَسْجِدِ فِي كَلَامِ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَكِنْ قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ إنَّهُ لَيْسَ بِقَيْدٍ. اهـ. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ رَجُلٌ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَخْرُجُ مِنْ بَلَدِ كَذَا فَهُوَ عَلَى أَنْ يَخْرُجَ بِبَدَنِهِ، وَلَوْ قَالَ لَا أَخْرُجُ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ فَهُوَ عَلَى النَّقْلَةِ مِنْهَا بِأَهْلِهِ إنْ كَانَ سَاكِنًا فِيهَا إلَّا إذَا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْخُرُوجَ بِبَدَنِهِ. اهـ. فَمِنْ صُوَرِ الْمَسْأَلَةِ بِالْبَيْتِ مُرَادُهُ حَيْثُ دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْخُرُوجُ بِبَدَنِهِ لَكِنَّ التَّصْوِيرَ بِالْمَسْجِدِ كَمَا فَعَلَ الْإِمَامُ مُحَمَّدٌ أَوْلَى لِظُهُورِ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ ذَلِكَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ: وَالْخُرُوجُ مِنْ الْبُلْدَانِ وَالْقُرَى أَنْ يَخْرُجَ الْحَالِفُ بِبَدَنِهِ خَاصَّةً) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ بَعْدَهُ زَادَ فِي الْمُنْتَقَى إذَا خَرَجَ بِبَدَنِهِ فَقَدْ بَرَّ أَرَادَ سَفَرًا أَوْ لَمْ يُرِدْ. اهـ. وَفِي حَاشِيَةِ الرَّمْلِيِّ فَائِدَةُ الِارْتِحَالِ وَالِانْتِقَالِ بِعَامَّةِ الْمَتَاعِ بِحَيْثُ يُقَالُ فُلَانٌ ارْتَحَلَ أَوْ فُلَانٌ انْتَقَلَ فَارْجِعْ إلَى مَا كَتَبْنَاهُ عَلَى حَاشِيَةِ التَّتَارْخَانِيَّة، وَهِيَ كَثِيرَةُ الْوُقُوعِ وَاَلَّذِي كَتَبَهُ فِي حَاشِيَةِ التَّتَارْخَانِيَّة قَوْلُهُ: حَتَّى يُقَالُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 336 وَهُوَ الشَّرْطُ إذْ الْخُرُوجُ هُوَ الِانْفِصَالُ مِنْ الدَّاخِلِ إلَى الْخَارِجِ، وَأَمَّا الْإِتْيَانُ فَعِبَارَةٌ عَنْ الْوُصُولِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: 16] وَاخْتُلِفَ فِي الذَّهَابِ فَقِيلَ هُوَ كَالْإِتْيَانِ، وَقِيلَ كَالْخُرُوجِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ الزَّوَالِ أُطْلِقَ فِي الْحِنْثِ بِالْخُرُوجِ، وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا جَاوَزَ عُمْرَانَ مِصْرِهِ عَلَى قَصْدِهَا فَلَوْ خَرَجَ قَاصِدًا مَكَّةَ، وَلَمْ يُجَاوِزْ عُمْرَانَهُ لَا يَحْنَثُ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَغَيْرِهَا كَأَنَّهُ ضَمَّنَ لَفْظَ أَخْرُجُ مَعْنَى أُسَافِرُ لِلْعِلْمِ بِأَنَّ الْمُضِيَّ إلَيْهَا سَفَرٌ لَكِنْ عَلَى هَذَا لَوْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ مُدَّةُ سَفَرٍ يَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ بِمُجَرَّدِ انْفِصَالِهِ مِنْ الدَّاخِلِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِي الْمُحِيطِ حَلَفَ لَا يَخْرُجُ إلَى بَغْدَادَ الْيَوْمَ فَخَرَجَ مِنْ بَابِ دَارِهِ يُرِيدُ بَغْدَادَ ثُمَّ بَدَا لَهُ فَرَجَعَ لَا يَحْنَثُ مَا لَمْ يُجَاوِزْ عُمْرَانَ مِصْرِهِ بِهَذِهِ النِّيَّةِ بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يَخْرُجُ إلَى جِنَازَةِ فُلَانٍ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا يَحْنَثُ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْخُرُوجَ إلَى بَغْدَادَ سَفَرٌ وَالْمَرْءُ لَا يُعَدُّ مُسَافِرًا مَا لَمْ يُجَاوِزْ عُمْرَانَ مِصْرِهِ، وَلَا كَذَلِكَ فِي الْخُرُوجِ إلَى الْجِنَازَةِ، وَلَوْ كَانَ فِي مَنْزِلٍ مِنْ دَارِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ فَخَرَجَ إلَى صَحْنِ الدَّارِ ثُمَّ رَجَعَ لَا يَحْنَثُ مَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ بَابِ الدَّارِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ خَارِجًا فِي جِنَازَةِ فُلَانٍ مَا دَامَ فِي دَارِهِ كَمَا لَا يُعَدُّ خَارِجًا إلَى بَغْدَادَ مَا دَامَ فِي مِصْرِهِ فَاسْتَوَتْ الْمَسْأَلَتَانِ مَعْنًى. اهـ. وَفِي الْبَدَائِعِ قَالَ عَمْرُ بْنُ أَسَدٍ سَأَلْت مُحَمَّدًا عَنْ رَجُلٍ حَلَفَ لَيَخْرُجَنَّ مِنْ الرَّقَّةِ مَا الْخُرُوجُ قَالَ إذَا جَعَلَ الْبُيُوتَ خَلْفَ ظَهْرِهِ؛ لِأَنَّ مَنْ حَصَلَ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ جَازَ لَهُ الْقَصْرُ. اهـ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْخُرُوجَ إنْ كَانَ مِنْ الْبَلَدِ فَلَا يَحْنَثُ حَتَّى يُجَاوِزَ عُمْرَانَ مِصْرِهِ سَوَاءٌ كَانَ إلَى مَقْصِدِهِ مُدَّةَ سَفَرٍ أَوْ لَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ خُرُوجًا مِنْ الْبَلَدِ فَلَا يُشْتَرَطُ مُجَاوَزَةُ الْعُمْرَانِ. وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَخْرُجَ إلَى مَكَّةَ مَاشِيًا فَخَرَجَ مِنْ أَبْيَاتِ الْمِصْرِ مَاشِيًا يُرِيدُ بِهِ مَكَّةَ ثُمَّ رَكِبَ حَنِثَ، وَلَوْ خَرَجَ رَاكِبًا ثُمَّ نَزَلَ فَمَشَى لَا يَحْنَثُ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَفِيهَا أَيْضًا رَجُلٌ قَالَ وَاَللَّهِ لَأَخْرُجَنَّ مَعَ فُلَانٍ الْعَامَ إلَى مَكَّةَ إذَا خَرَجَ مَعَ فُلَانٍ حَتَّى جَاوَزَ الْبُيُوتَ وَصَارَ بِحَيْثُ يُبَاحُ لَهُ قَصْرُ الصَّلَاةِ بَرَّ فِي يَمِينِهِ، وَإِنْ بَدَا لَهُ أَنْ يَرْجِعَ رَجَعَ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ، وَلَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ بَغْدَادَ فَخَرَجَ مَعَ جِنَازَةٍ وَالْمَقَابِرُ خَارِجَةٌ مِنْ بَغْدَادَ يَحْنَثُ، وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ خَرَجْتِ مِنْ هَاهُنَا الْيَوْمَ فَإِنْ رَجَعْتِ إلَى سَنَةٍ فَأَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا فَخَرَجَتْ الْيَوْمَ إلَى الصَّلَاةِ أَوْ غَيْرِهَا ثُمَّ رَجَعَتْ فَإِنْ كَانَ سَبَبُ الْيَمِينِ خُرُوجَ الِانْتِقَالِ أَوْ السَّفَرِ لَا تَطْلُقُ. اهـ. وَفِي الْقُنْيَةِ انْتَقَلَ الزَّوْجَانِ مِنْ الرُّسْتَاقِ إلَى قَرْيَةٍ فَلَحِقَهُ رَبُّ الدُّيُونِ فَقَالَ لَهَا اُخْرُجِي مَعِي إلَى حَيْثُ كُنَّا فِيهِ فَأَبَتْ إلَى الْجُمُعَةِ فَقَالَ إنْ لَمْ تَخْرُجِي مَعِي فَكَذَا فَإِنْ كَانَ قَدْ تَأَهَّبَ لِلْخُرُوجِ فَهُوَ عَلَى الْفَوْرِ، وَإِلَّا فَلَا، وَإِنْ خَرَجَتْ مَعَهُ فِي الْحَالِ إلَى دَرْبِ الْقَرْيَةِ ثُمَّ رَجَعَتْ بَرَّ فِي يَمِينِهِ، وَإِنْ أَرَادَ زَوْجُهَا الْخُرُوجَ أَصْلًا. اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَخْرُجُ مِنْ الرِّيِّ إلَى الْكُوفَةِ فَخَرَجَ مِنْ الرِّيِّ يُرِيدُ مَكَّةَ وَجَعَلَ طَرِيقَهُ إلَى الْكُوفَةِ يُنْظَرُ إنْ كَانَ حَيْثُ خَرَجَ نَوَى أَنْ يَمُرَّ بِالْكُوفَةِ حَنِثَ، وَإِنْ نَوَى أَنْ لَا يَمُرَّ بِالْكُوفَةِ ثُمَّ بَدَا لَهُ بَعْدَمَا خَرَجَ فَصَارَ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ فَقَصَدَ أَنْ يَمُرَّ بِالْكُوفَةِ لَا يَحْنَثُ. اهـ. ثُمَّ فِي الْخُرُوجِ وَالذَّهَابِ تُشْتَرَطُ النِّيَّةُ عِنْدَ الِانْفِصَالِ لِلْحِنْثِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَفِي الْإِتْيَانِ لَا يُشْتَرَطُ بَلْ إذَا وَصَلَ إلَيْهَا يَحْنَثُ نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ؛ لِأَنَّ الْخُرُوجَ مُتَنَوِّعٌ يَحْتَمِلُ الْخُرُوجَ إلَيْهَا، وَإِلَى غَيْرِهَا، وَكَذَا الذَّهَابُ فَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ عِنْدَ ذَلِكَ كَالْخُرُوجِ إلَى الْجِنَازَةِ بِخِلَافِ الْإِتْيَانِ؛ لِأَنَّ الْوُصُولَ غَيْرُ مُتَنَوِّعٍ، وَفِي الْمُحِيطِ لَيَأْتِيَنَّهُ فَأَتَاهُ فَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ لَا يَحْنَثُ. وَفِي الذَّخِيرَةِ إذَا حَلَفَ الرَّجُلُ أَنْ لَا تَأْتِيَ امْرَأَتُهُ عُرْسَ فُلَانٍ فَذَهَبَتْ قَبْلَ الْعُرْسِ، وَكَانَتْ ثَمَّةَ حَتَّى مَضَى الْعُرْسُ لَا يَحْنَثُ هَكَذَا ذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى، وَعَلَّلَهُ فَقَالَ؛ لِأَنَّهَا مَا أَتَتْ الْعُرْسَ بَلْ الْعُرْسُ أَتَاهَا، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْتِي فُلَانًا فَهُوَ عَلَى أَنْ يَأْتِيَ مَنْزِلَهُ أَوْ حَانُوتَهُ لَقِيَهُ أَوْ لَمْ يَلْقَهُ، وَإِنْ أَتَى مَسْجِدَهُ لَمْ يَحْنَثْ رَوَاهُ إبْرَاهِيمُ عَنْ مُحَمَّدٍ، وَفِي الْمُنْتَقَى رَجُلٌ لَزِمَ رَجُلًا وَحَلَفَ الْمُلْتَزَمُ لَيَأْتِيَنَّهُ غَدًا فَأَتَاهُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي لَزِمَهُ فِيهِ لَا يَبَرُّ حَتَّى يَأْتِيَ مَنْزِلَهُ فَإِنْ كَانَ لَزِمَهُ فِي مَنْزِلِهِ فَحَلَفَ   [منحة الخالق] فُلَانٌ قَدْ انْتَقَلَ إلَخْ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ النَّقْلَةَ لَا تَكُونُ إلَّا بِعَامَّةِ مَتَاعِهِ، وَأَقُولُ: وَالرِّحْلَةُ كَذَلِكَ قَالَ فِي الْقَامُوسِ ارْتَحَلَ الْقَوْمُ مِنْ الْمَكَانِ انْتَقَلُوا وَبِهِ يُعْلَمُ الْجَوَابُ عَمَّا يَقَعُ كَثِيرًا أَنَّ الرَّجُلَ يَحْلِفُ عَلَى الرَّحِيلِ مِنْ بَلَدِهِ فَاسْتَفِدْ ذَلِكَ اهـ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 337 لَيَأْتِيَنَّهُ غَدًا فَتَحَوَّلَ الطَّالِبُ مِنْ مَنْزِلِهِ فَأَتَى الْحَالِفُ الْمَنْزِلَ الَّذِي كَانَ فِيهِ الطَّالِبُ فَلَمْ يَجِدْهُ لَا يَبَرُّ حَتَّى يَأْتِيَ الْمَنْزِلَ الَّذِي تَحَوَّلَ إلَيْهِ، وَلَوْ قَالَ إنْ لَمْ آتِكَ غَدًا فِي مَوْضِعِ كَذَا فَعَبْدِي حُرٌّ فَأَتَاهُ فَلَمْ يَجِدْهُ فَقَدْ بَرَّ إنَّمَا هَذَا عَلَى إتْيَانِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ إنْ لَمْ أُوَفِّكَ غَدًا فِي مَوْضِعِ كَذَا فَأَتَى الْحَالِفُ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ فَلَمْ يَجِدْهُ حَيْثُ يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ هَذَا عَلَى أَنْ يَجْتَمِعَا. اهـ. وَقَيَّدَ بِالْإِتْيَانِ؛ لِأَنَّ الْعِيَادَةَ وَالزِّيَارَةَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِمَا الْوُصُولُ، وَلِذَا قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ إذَا حَلَفَ لَيَعُودَنَّ فُلَانًا أَوْ لِيَزُورُنَّهُ فَأَتَى بَابَهُ فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فَرَجَعَ، وَلَمْ يَصِلْ إلَيْهِ لَا يَحْنَثُ، وَإِنْ أَتَى بَابَهُ، وَلَمْ يَسْتَأْذِنْ حَنِثَ قَالَ فِي الْمُحِيطِ، وَعَلَى قِيَاسِ مَنْ قَالَ إنْ لَمْ أَخْرُجْ مِنْ هَذَا الْمَنْزِلِ الْيَوْمَ فَمُنِعَ أَوْ قُيِّدَ حَنِثَ فَيَجِبُ أَنْ يَحْنَثَ هُنَا فِي الْوَجْهَيْنِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِمَشَايِخِنَا. اهـ. وَلَوْ قَالَ إنْ لَمْ أُرْسِلْ إلَيْكِ نَفَقَتَكِ هَذَا الشَّهْرَ فَأَنْت طَالِقٌ فَأَرْسَلَ بِهَا عَلَى يَدِ إنْسَانٍ وَضَاعَتْ مِنْ يَدِ الرَّسُولِ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَرْسَلَ، وَكَذَا إذَا قَالَ إنْ لَمْ أَبْعَثْ إلَيْكِ نَفَقَةَ هَذَا الشَّهْرِ، وَلَوْ قَالَ إنْ لَمْ تَجِيئِينِي غَدًا بِمَتَاعِ كَذَا فَأَنْت طَالِقٌ فَبَعَثَتْ بِهِ مَعَ إنْسَانٍ قَالَ إنْ كَانَ مُرَادُهُ وُصُولَ عَيْنِ الْمَتَاعِ إلَيْهِ لَا يَحْنَثُ، وَإِنْ كَانَ غَرَضُهُ أَنْ تَحْمِلَ بِنَفْسِهَا يَحْنَثُ، وَلَوْ قَالَ الرَّجُلُ لِأَصْحَابِهِ إنْ لَمْ أَذْهَبْ بِكُمْ اللَّيْلَةَ إلَى مَنْزِلِي فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ فَذَهَبَ بِهِمْ بَعْضَ الطَّرِيقِ فَأَخَذَهُمْ الْعَسَسُ فَحَبَسَهُمْ لَا تَطْلُقُ امْرَأَتُهُ هَكَذَا حُكِيَ عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ هَذَا الْجَوَابُ يُوَافِقُ قَوْلَهُمَا فِي مَسْأَلَةِ الْكُوزِ، وَقَدْ مَرَّ فِي أَوَّلِ النَّوْعِ اخْتِيَارُ الصَّدْرِ الشَّهِيدِ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ بِخِلَافِ هَذَا. اهـ. مَا فِي الذَّخِيرَةِ. وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِلَفْظِ الرَّوَاحِ مِنْ أَئِمَّتِنَا، وَهُوَ كَثِيرُ الْوُقُوعِ فِي كَلَامِ الْمِصْرِيِّينَ، وَفِي أَيْمَانِهِمْ لَكِنْ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ لُغَةُ الْعَرَبِ أَنَّ الرَّوَاحَ الذَّهَابُ سَوَاءٌ كَانَ أَوَّلَ اللَّيْلِ أَوْ آخِرَهُ أَوْ فِي اللَّيْلِ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ مِنْ كِتَابِ الْجُمُعَةِ بَعْدَ نَقْلِهِ، وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ. اهـ. فَعَلَى هَذَا إذَا حَلَفَ لَا يَرُوحُ إلَى كَذَا فَهُوَ بِمَعْنَى لَا يَذْهَبُ، وَهُوَ بِمَعْنَى الْخُرُوجِ يَحْنَثُ بِالْخُرُوجِ عَنْ قَصْدِهِ وَصَلَ أَوْ لَا. (قَوْلُهُ) (: لَيَأْتِيَنَّهُ فَلَمْ يَأْتِهِ حَتَّى مَاتَ حَنِثَ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ) ؛ لِأَنَّ الْبِرَّ قَبْلَ ذَلِكَ مَوْجُودٌ، وَلَا خُصُوصِيَّةَ لِلْإِتْيَانِ بَلْ كُلُّ فِعْلٍ حَلَفَ أَنَّهُ يَفْعَلُهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَأَطْلَقَهُ، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِوَقْتٍ لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَقَعَ الْإِيَاسُ عَنْ الْبِرِّ مِثْلُ لَيَضْرِبَنَّ زَيْدًا أَوْ لَيُعْطِيَنَّ فُلَانَةَ أَوْ لَيُطَلِّقَنَّ زَوْجَتَهُ وَتَحَقَّقَ الْيَأْسُ عَنْ الْبِرِّ يَكُونُ بِفَوْتِ أَحَدِهِمَا فَلِذَا قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَأَصْلُ هَذَا أَنَّ الْحَالِفَ فِي الْيَمِينِ الْمُطْلَقَةِ لَا يَحْنَثُ مَا دَامَ الْحَالِفُ وَالْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ قَائِمَيْنِ لِتَصَوُّرِ الْبِرِّ فَإِذَا فَاتَ أَحَدُهُمَا فَإِنَّهُ يَحْنَثُ. اهـ. وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ حَتَّى مَاتَ يَعُودُ إلَى أَحَدِهِمَا أَيُّهُمَا كَانَ سَوَاءٌ كَانَ الْحَالِفَ أَوْ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ لَا أَنَّهُ خَاصٌّ بِالْحَالِفِ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ الْعِبَارَةِ، وَقَيَّدَ بِالْيَمِينِ الْمُطْلَقَةِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مُقَيَّدَةً كَقَوْلِهِ إنْ لَمْ أَدْخُلْ هَذِهِ الدَّارَ الْيَوْمَ فَعَبْدُهُ حُرٌّ فَإِنَّ الْحِنْثَ مُعَلَّقٌ بِآخِرِ الْوَقْتِ حَتَّى إذَا مَاتَ الْحَالِفُ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ، وَلَمْ يَدْخُلْ الدَّارَ لَا يَحْنَثُ، وَأَمَّا إذَا مَضَى الْوَقْتُ قَبْلَ دُخُولِهِ، وَهُوَ حَيٌّ عَتَقَ الْعَبْدُ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْيَمِينَ الْمُطْلَقَةَ لَا تَكُونُ عَلَى الْفَوْرِ إلَّا بِقَرِينَةٍ فَفِي الظَّهِيرِيَّةِ فِي الْفَصْلِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْعِيَادَةَ وَالزِّيَارَةَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِمَا الْوُصُولُ) فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْوُصُولَ الْمَنْفِيَّ فِي عِبَارَةِ الذَّخِيرَةِ الَّتِي اسْتَشْهَدَ بِهَا هُوَ الْوُصُولُ إلَى الشَّخْصِ الْمُعَادِ وَالْمَزُورِ أَمَّا الْوُصُولُ إلَى بَابِ دَارِهِ فَهُوَ شَرْطٌ، وَكَذَا فِي الْإِتْيَانِ فَقَدْ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ أَيْضًا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْتِي فُلَانًا فَهُوَ عَلَى أَنْ يَأْتِيَ مَنْزِلَهُ أَوْ حَانُوتَهُ لَقِيَهُ أَوْ لَمْ يَلْقَهُ، وَإِنْ أَتَى مَسْجِدَهُ لَمْ يَحْنَثْ رَوَاهُ إبْرَاهِيمُ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. اهـ. فَقَدْ اشْتَرَكَ الْإِتْيَانُ وَالْعِيَادَةُ وَالزِّيَارَةُ فِي اشْتِرَاطِ الْوُصُولِ إلَى الْمَنْزِلِ دُونَ الْوُصُولِ إلَى صَاحِبِهِ بَلْ زَادَتْ الْعِيَادَةُ وَالزِّيَارَةُ اشْتِرَاطَ الِاسْتِئْذَانِ (قَوْلُهُ: وَعَلَى قِيَاسِ مَنْ قَالَ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ هَذَا قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ فِي إنْ لَمْ أَخْرُجْ مَنْفِيٌّ، وَفِي لَيَعُودَنَّ فُلَانًا مُثْبَتٌ، وَالْإِكْرَاهُ يُؤَثِّرُ فِي الْمُثْبَتِ لَا فِي الْمَنْفِيِّ كَمَا مَرَّ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ الرَّجُلُ لِأَصْحَابِهِ إنْ لَمْ أَذْهَبْ بِكُمْ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ هَذَا يَتَأَتَّى عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الذَّهَابَ كَالْإِتْيَانِ لَا عَلَى أَنَّهُ كَالْخُرُوجِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ الْأَصَحُّ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: فَعَلَى هَذَا إذَا حَلَفَ لَا يَرُوحُ إلَى كَذَا إلَخْ) قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ الدَّلِيلُ خَاصٌّ بِالذَّهَابِ لَيْلًا وَالْمُدَّعَى أَعَمُّ فَيَنْبَغِي أَنْ يُبْنَى عَلَى الْعُرْفِ. اهـ. قُلْتُ: وَفِي الْمِصْبَاحِ مَا هُوَ أَوْضَحُ مِمَّا نَقَلَهُ الْمُؤَلِّفُ حَيْثُ قَالَ فِيهِ، وَقَدْ يَتَوَهَّمُ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ الرَّوَاحَ لَا يَكُونُ إلَّا فِي آخِرِ النَّهَارِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الرَّوَاحُ وَالْغُدُوُّ عِنْدَ الْعَرَبِ يُسْتَعْمَلَانِ فِي الْمَسِيرِ أَيَّ وَقْتٍ كَانَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ، وَعَلَيْهِ قَوْلُهُ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ رَاحَ إلَى الْجُمُعَةِ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ فَلَهُ كَذَا» أَيْ مَنْ ذَهَبَ ثُمَّ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ، وَأَمَّا رَاحَتْ الْإِبِلُ فَلَا يَكُونُ إلَّا بِالْعَشِيِّ إذَا أَرَاحَهَا عَلَى أَهْلِهَا يُقَالُ سَرَحَتْ الْإِبِلُ بِالْغَدَاةِ إلَى الْمَرْعَى وَرَاحَتْ بِالْعَشِيِّ عَلَى أَهْلِهَا أَيْ رَجَعَتْ مِنْ الْمَرْعَى إلَيْهِمْ فَهِيَ رَائِحَةٌ. اهـ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 338 السَّابِعِ، وَلَوْ حَلَفَ إنْ رَأَى فُلَانًا لَيَضْرِبَنَّهُ فَالرُّؤْيَةُ عَلَى الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ وَالضَّرْبُ مَتَى شَاءَ إلَّا أَنْ يَعْنِيَ الْفَوْرَ، وَفِي فَتَاوَى أَبِي اللَّيْثِ رَجُلٌ أَرَادَ أَنْ يُوَاقِعَ امْرَأَتَهُ، وَكَانَتْ امْرَأَتُهُ عَلَى بَابِ الدَّارِ فَقَالَ لَهَا إنْ لَمْ تَدْخُلِي مَعِي فِي الدَّارِ فَأَنْت طَالِقٌ فَدَخَلَتْ بَعْدَمَا سَكَنَتْ شَهْوَتُهُ وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا، وَإِنْ دَخَلَتْ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ تَطْلُقْ، وَفِي الْفَصْلِ الْخَامِسِ حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّ غُلَامَهُ فِي كُلِّ حَقٍّ، وَلَيْسَ لَهُ نِيَّةٌ فَهُوَ عَلَى أَنْ يَضْرِبَهُ كُلَّ مَا شُكِيَ إلَيْهِ بِحَقٍّ أَوْ بَاطِلٍ، وَلَا يَكُونُ يَمِينُهُ عَلَى فَوْرِ الشِّكَايَةِ مَا لَمْ يَنْوِ ذَلِكَ. اهـ. وَسَيَأْتِي تَمَامُ مَسَائِلِ الْفَوْرِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَرِيبًا. (قَوْلُهُ: لَيَأْتِيَنَّهُ إنْ اسْتَطَاعَ فَهِيَ اسْتِطَاعَةُ الصِّحَّةِ) ؛ لِأَنَّهَا الْمُرَادَةُ فِي الْعُرْفِ، وَهِيَ سَلَامَةُ الْآلَاتِ وَصِحَّةُ الْأَسْبَابِ، وَفَسَّرَهَا مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِقَوْلِهِ إذَا لَمْ يَمْرَضْ، وَلَمْ يَمْنَعْهُ السُّلْطَانُ، وَلَمْ يَجِئْ أَمْرٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى إتْيَانِهِ فَلَمْ يَأْتِهِ حَنِثَ. اهـ. فَعَلَى هَذَا الْمُرَادُ بِسَلَامَةِ الْآلَاتِ صِحَّةُ الْجَوَارِحِ فَالْمَرِيضُ لَيْسَ بِمُسْتَطِيعٍ وَالْمُرَادُ بِصِحَّةِ الْأَسْبَابِ تَهْيِئَةٌ لِإِرَادَةِ الْفِعْلِ عَلَى وَجْهِ الِاخْتِيَارِ فَخَرَجَ الْمَمْنُوعُ، وَلِذَا ذَكَرَ فِي الِاخْتِيَارِ أَنَّهَا سَلَامَةُ الْآلَاتِ وَرَفْعُ الْمَوَانِعِ، وَفِي الْمَبْسُوطِ الِاسْتِطَاعَةُ رَفْعُ الْمَوَانِعِ. اهـ. فَيَنْبَغِي أَنَّهُ إذَا نَسِيَ الْيَمِينَ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ النِّسْيَانَ مَانِعٌ، وَكَذَا لَوْ جُنَّ فَلَمْ يَأْتِهِ حَتَّى مَضَى الْغَدُ كَمَا لَا يَخْفَى، وَلِذَا قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَحَدُّهَا التَّهَيُّؤُ لِتَقْيِيدِ الْفِعْلِ عَلَى إرَادَةِ الْمُخْتَارِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ نَوَى الْقُدْرَةَ دُيِّنَ) أَيْ صُدِّقَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ حَقِيقَتَهَا فِيمَا يُقَارِنُ الْفِعْلَ وَيُطْلَقُ الِاسْمُ عَلَى سَلَامَةِ الْآلَاتِ وَصِحَّةِ الْأَسْبَابِ فِي الْمُتَعَارَفِ فَعِنْدَ الْإِطْلَاقِ يَنْصَرِفُ إلَيْهِ وَتَصِحُّ نِيَّةُ الْأَوَّلِ دِيَانَةً؛ لِأَنَّهُ حَقِيقَةُ كَلَامِهِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ قَضَاءً؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ، وَقِيلَ يُصَدَّقُ قَضَاءً أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ، وَإِذَا صُدِّقَ لَا يُتَصَوَّرُ حِنْثُهُ أَبَدًا؛ لِأَنَّهَا لَا تَسْبِقُ الْفِعْلَ وَرَجَّحَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الْأَوَّلَ بِأَنَّهُ أَوْجَهُ؛ لِأَنَّهُ، وَإِنْ كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا لَكِنْ تُعُورِفَ اسْتِعْمَالُهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَنْ الْقَرِينَةِ لِأَحَدِ الْمَعْنَيَيْنِ بِخُصُوصِهِ، وَهُوَ سَلَامَةُ آلَاتِ الْفِعْلِ وَصِحَّةُ أَسْبَابِهِ فَصَارَ ظَاهِرًا فِيهِ بِخُصُوصِهِ فَلَا يُصَدِّقُهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِ الظَّاهِرِ. اهـ. وَقَدْ أَظْهَرَ الزَّاهِدِيُّ فِي الْمُجْتَبَى اعْتِزَالَهُ فِي هَذَا الْمَحِلِّ كَمَا أَظْهَرَهُ فِي الْقُنْيَةِ فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْ أَلْفَاظِ التَّكْفِيرِ، وَعِبَارَتُهُ فِي الْمُجْتَبَى قُلْتُ: وَفِي قَوْلِهِ حَقِيقَةُ الِاسْتِطَاعَةِ فِيمَا يُقَارِنُ الْفِعْلَ نَظَرٌ قَوِيٌّ؛ لِأَنَّهُ بَنَاهُ عَلَى مَذْهَبِ الْأَشْعَرِيَّةِ وَالسُّنِّيَّةِ أَنَّ الْقُدْرَةَ تُقَارِنُ الْفِعْلَ، وَإِنَّهُ بَاطِلٌ إذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا كَانَ فِرْعَوْنُ، وَهَامَانُ وَسَائِرُ الْكَفَرَةِ الَّذِينَ مَاتُوا عَلَى الْكُفْرِ قَادِرِينَ عَلَى الْإِيمَانِ، وَكَانَ تَكْلِيفُهُمْ بِالْإِيمَانِ تَكْلِيفًا بِمَا لَا يُطَاقُ، وَكَانَ إرْسَالُ الرُّسُلِ وَالْأَنْبِيَاءِ، وَإِنْزَالُ الْكُتُبِ وَالْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ ضَائِعَةً فِي حَقِّهِمْ. اهـ. وَهُوَ غَلَطٌ؛ لِأَنَّ التَّكْلِيفَ لَيْسَ مَشْرُوطًا بِهَذِهِ الْقُدْرَةِ حَتَّى يَلْزَمُ مَا ذَكَرَهُ، وَإِنَّمَا هُوَ مَشْرُوطٌ بِالْقُدْرَةِ الظَّاهِرَةِ، وَهِيَ سَلَامَةُ الْآلَاتِ وَصِحَّةُ الْأَسْبَابِ كَمَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ. (قَوْلُهُ: لَا تَخْرُجِي إلَّا بِإِذْنِي شَرْطٌ لِكُلِّ خُرُوجٍ إذْنٌ بِخِلَافِ إلَّا أَنْ وَحَتَّى) أَيْ بِخِلَافِ لَا تَخْرُجِي إلَّا أَنْ آذَنَ لَكِ أَوْ حَتَّى أَنْ آذَنَ لَكِ فَأَذِنَ لَهَا مَرَّةً انْتَهَتْ الْيَمِينُ حَتَّى لَوْ خَرَجَتْ بِإِذْنِهِ ثُمَّ خَرَجَتْ بَعْدَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَا يَحْنَثُ وَالْفَرْقُ فِي الْأَوَّلِ أَنَّ الْمُسْتَثْنَى خُرُوجٌ مَقْرُونٌ بِالْإِذْنِ؛ لِأَنَّهُ مُفَرَّغٌ لِلْمُتَعَلِّقِ فَصَارَ الْمَعْنَى إلَّا خُرُوجًا مُلْصَقًا بِهِ فَمَا لَمْ يَكُنْ مُلْصَقًا بِالْإِذْنِ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي الْيَمِينِ لِعُمُومِ النَّكِرَةِ فَيَحْنَثُ بِهِ، وَفِي الثَّانِي الْإِذْنُ غَايَةٌ أَمَّا فِي حَتَّى فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا فِي إلَّا أَنْ فَتَجُوزُ بِإِلَّا فِيهَا لِتَعَذُّرِ اسْتِثْنَاءِ الْإِذْنِ مِنْ الْخُرُوجِ وَبِالْمَرَّةِ يَتَحَقَّقُ فَيَنْتَهِي الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا لُزُومُ تَكْرَارِ الْإِذْنِ فِي دُخُولِ بُيُوتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَعَ تِلْكَ الصِّيغَةِ {إِلا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ} [الأحزاب: 53] فَبِدَلِيلٍ خَارِجِيٍّ، وَهُوَ تَعْلِيلُهُ بِالْأَذَى {إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ} [الأحزاب: 53] وَتَمَامُهُ فِي الْأُصُولِ فِي بَحْثِ الْبَاءِ، وَلَا يَرِدُ أَنَّ إلَّا أَنْ آذَنَ بِمَعْنَى إلَّا بِإِذْنِي؛ لِأَنَّ أَنْ وَالْفِعْلَ فِي تَأْوِيلِ الْمَصْدَرِ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ الْبَاءِ، وَإِلَّا صَارَ الْمَعْنَى إلَّا خُرُوجًا إذْنِي فَصَارَ كَالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ أَمَّا مَا ذُكِرَ مِنْ تَقْدِيرِ الْبَاءِ مَحْذُوفَةً   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: يَلْزَمُ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ، وَلَا يَرِدُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 339 أَوْ مَا قُلْنَا مِنْ جَعْلِهَا بِمَعْنَى حَتَّى مَجَازًا أَيْ حَتَّى آذَنَ لَكِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ كَالْأَوَّلِ، وَعَلَى الثَّانِي يَنْعَقِدُ عَلَى إذْنٍ وَاحِدٍ، وَإِذَا لَزِمَ فِي إلَّا أَنَّ أَحَدَ الْمَجَازَيْنِ وَجَبَ الرَّاجِحُ مِنْهُمَا، وَمَجَازُ غَيْرِ الْحَذْفِ أَوْلَى مِنْ مَجَازِ الْحَذْفِ عِنْدَهُمْ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي وَصْفِ نَفْسِ اللَّفْظِ، وَمَجَازُ الْحَذْفِ تَصَرُّفٌ فِي ذَاتِهِ بِالْإِعْدَامِ مَعَ الْإِرَادَةِ. وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ شَرْطٌ أَنَّهُ لَوْ نَوَى الْإِذْنَ مَرَّةً وَاحِدَةً لَمْ يُصَدَّقْ قَضَاءً، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ لَكِنَّهُ يُصَدَّقُ دِيَانَةً؛ لِأَنَّهُ نَوَى مُحْتَمَلَ كَلَامِهِ فَيُسْتَعَارُ بِمَعْنَى حَتَّى لَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَلَا يُصَدِّقُهُ الْقَاضِي بِخِلَافِ مَا إذَا نَوَى التَّعَدُّدَ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ حَيْثُ يُصَدَّقُ قَضَاءً؛ لِأَنَّهُ مُحْتَمَلُ كَلَامِهِ، وَفِيهِ تَشْدِيدٌ عَلَى نَفْسِهِ، وَمِثْلُ قَوْلِهِ إلَّا بِإِذْنٍ بِغَيْرِ إذْنِي فَيُشْتَرَطُ لِكُلِّ خُرُوجٍ إذْنٌ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى فِيهِمَا وَاحِدٌ مَعَ وُجُودِ الْبَاءِ وَالرِّضَا وَالْأَمْرُ وَالْعِلْمُ كَالْإِذْنِ فِيمَا ذَكَرْنَا، وَكَذَلِكَ إنْ خَرَجْت إلَّا بِقِنَاعٍ أَوْ بِمِلْحَفَةٍ، وَلَوْ قَالَ لَهَا أَذِنْتُ لَكِ فِي الْخُرُوجِ كُلَّمَا أَرَدْت فَخَرَجَتْ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى لَا يَحْنَثُ فَإِنْ نَهَاهَا عَنْ الْخُرُوجِ بَعْدَ ذَلِكَ صَحَّ النَّهْيُ، وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَبِهِ أَخَذَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ، وَلَوْ أَذِنَ لَهَا فِي الْخُرُوجِ ثُمَّ قَالَ لَهَا كُلَّمَا نَهَيْتُكِ فَقَدْ أَذِنْتُ لَكِ فَنَهَاهَا لَا يَصِحُّ نَهْيُهُ إيَّاهَا، وَلَوْ أَذِنَ لَهَا بِالْعَرَبِيَّةِ، وَلَا عَهْدَ لَهَا بِالْعَرَبِيَّةِ فَخَرَجَتْ حَنِثَ كَمَا لَوْ أَذِنَ لَهَا، وَهِيَ نَائِمَةٌ أَوْ غَائِبَةٌ لَمْ تَسْمَعْ فَخَرَجَتْ حَنِثَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَزُفَرَ يَكُونُ إذْنًا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْإِذْنُ يَصِحُّ بِدُونِ الْعِلْمِ وَالسَّمَاعِ فِي قَوْلِهِمْ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ بَيْنَهُمْ فِي الْأَمْرِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لَا يَثْبُتُ الْأَمْرُ بِدُونِ الْعِلْمِ وَالسَّمَاعِ وَالصَّحِيحُ أَنَّ عَلَى قَوْلِهِمَا لَا يَكُونُ الْإِذْنُ إلَّا بِالسَّمَاعِ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ إيقَاعُ الْخَبَرِ فِي الْإِذْنِ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالسَّمَاعِ، وَأَجْمَعُوا أَنَّ إذْنَ الْعَبْدِ فِي التِّجَارَةِ لَا يَكُونُ إلَّا بِالسَّمَاعِ، وَلَوْ كَنَسَتْ الْبَيْتَ هَذِهِ الْمَرْأَةُ فَخَرَجَتْ إلَى بَابِ الدَّارِ لِكَنْسِ الْبَابِ حَنِثَ؛ لِأَنَّهَا خَرَجَتْ بِغَيْرِ إذْنِهِ. وَلَوْ أَذِنَ لَهَا فِي الْخُرُوجِ إلَى بَعْضِ أَهْلِهَا فَلَمْ تَخْرُجْ ثُمَّ خَرَجَتْ فِي، وَقْتٍ آخَرَ إلَى بَعْضِ أَهْلِهَا قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ أَخَافُ أَنْ يَحْنَثَ، وَلَوْ أَنَّ الْمَرْأَةَ سَمِعَتْ سَائِلًا يَسْأَلُ شَيْئًا بَعْدَمَا مَنَعَهَا زَوْجُهَا عَنْ الْخُرُوجِ إلَّا بِإِذْنِهِ فَقَالَ لَهَا الزَّوْجُ ادْفَعِي هَذِهِ الْكِسْرَةَ إلَيْهِ فَإِنْ كَانَ السَّائِلُ بِحَيْثُ لَا تَقْدِرُ الْمَرْأَةُ عَلَى الدَّفْعِ إلَيْهِ إلَّا بِالْخُرُوجِ فَخَرَجَتْ لَا يَحْنَثُ، وَإِلَّا فَيَحْنَثُ، وَلَوْ قَالَتْ لِزَوْجِهَا تُرِيدُ أَنْ أَخْرُجَ حَتَّى أَصِيرَ مُطَلَّقَةً فَقَالَ الزَّوْجُ نَعَمْ فَخَرَجَتْ طَلُقَتْ؛ لِأَنَّ كَلَامَ الزَّوْجِ هَذَا لِلتَّهْدِيدِ لَا لِلْإِذْنِ. وَلَوْ قَالَ لَهَا اُخْرُجِي أَمَا وَاَللَّهِ لَوْ خَرَجْتِ لَيُخْزِيَنَّكِ اللَّهُ تَعَالَى وَنَحْوَ ذَلِكَ قَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَكُونُ إذْنًا، وَكَذَا لَوْ غَضِبَتْ الْمَرْأَةُ وَتَأَهَّبَتْ لِلْخُرُوجِ فَقَالَ الزَّوْجُ دَعُوهَا تَخْرُجُ لَمْ يَكُنْ إذْنًا إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْإِذْنَ، وَكَذَا لَوْ قَالَ الزَّوْجُ فِي غَضَبِهِ اُخْرُجِي يَنْوِي التَّهْدِيدَ وَالتَّوْعِيدَ يَعْنِي اُخْرُجِي حَتَّى تَطْلُقِي لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إذْنًا، وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ خَرَجْتِ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ فَأَنْت طَالِقٌ فَخَرَجَتْ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ الزَّوْجُ طَالِقٌ لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى تَخْرُجَ مَرَّةً أُخْرَى إلَّا أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءُ الْيَمِينِ مُخَاشَنَةً كَانَتْ بَيْنَهُمَا فِي الْخُرُوجِ فَمَتَى كَانَتْ كَذَلِكَ لَا يَحْنَثُ، وَإِنْ خَرَجَتْ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ كَانَتْ عَلَى الْخُرُوجِ الْأَوَّلِ الْكُلُّ مِنْ الظَّهِيرِيَّةِ، وَفِي الْمُبْتَغَى بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ، وَفِي قَوْلِهِ لَهَا إنْ خَرَجْتِ مِنْ الدَّارِ إلَّا بِإِذْنِي فَأَنْتِ طَالِقٌ لَا يَحْنَثُ بِخُرُوجِهَا لِوُقُوعِ غَرَقٍ أَوْ حَرْقٍ غَالِبٍ فِيهَا، وَكَذَا فِي الْقُنْيَةِ. اهـ. وَفِي الْقُنْيَةِ لَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ خَمْرًا بِغَيْرِ إذْنِهَا فَأَذِنَتْ لَهُ أَنْ يَشْرَبَهَا فِي دَارِ كَذَا فَشَرِبَهَا فِي غَيْرِهَا حَنِثَ. اهـ. وَفِي بَابٍ آخَرَ مِنْهَا إنْ دَفَعْتِ شَيْئًا بِغَيْرِ إذْنِي فَأَنْت طَالِقٌ فَدَفَعَتْ مِنْ مَالِ نَفْسِهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ لَمْ يَقَعْ. اهـ. وَيَنْبَغِي أَنْ يُنْظَرَ إلَى السَّبَبِ الدَّاعِي إلَى الْيَمِينِ كَمَا لَا يَخْفَى. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى إذَا كَانَتْ الْيَمِينُ بِالطَّلَاقِ ثُمَّ خَرَجَتْ بِغَيْرِ إذْنٍ وَوَقَعَ الطَّلَاقُ ثُمَّ خَرَجَتْ مَرَّةً ثَانِيَةً بِغَيْرِ إذْنٍ لَا يَقَعُ شَيْءٌ لِانْحِلَالِ الْيَمِينِ بِوُجُودِ الشَّرْطِ، وَلَيْسَ فِيهَا مَا يَدُلُّ عَلَى التَّكْرَارِ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَلَوْ أَذِنَ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى عَشَرَةَ أَيَّامٍ فَدَخَلَتْ وَخَرَجَتْ مِرَارًا فِي الْعَشَرَةِ   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 340 لَا يَحْنَثُ، وَلَا فَرْقَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُخَاطَبُ الزَّوْجَةَ أَوْ الْعَبْدَ حَتَّى لَوْ قَالَ الْمَوْلَى لِعَبْدِهِ إنْ خَرَجْتَ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ إلَّا بِإِذْنِي فَأَنْت حُرٌّ فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ لِكُلِّ خُرُوجٍ إذْنٌ فَلَوْ قَالَ لَهُ أَطِعْ فُلَانًا فِي جَمِيعِ مَا يَأْمُرُكَ بِهِ فَأَمَرَهُ فُلَانٌ بِالْخُرُوجِ فَخَرَجَ فَالْمَوْلَى حَانِثٌ لِوُجُودِ شَرْطِ الْحِنْثِ، وَهُوَ الْخُرُوجُ مِنْ غَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَمْ يَأْذَنْ لَهُ بِالْخُرُوجِ، وَإِنَّمَا أَمَرَهُ بِطَاعَةِ فُلَانٍ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ الْمَوْلَى لِرَجُلٍ ائْذَنْ لَهُ فِي الْخُرُوجِ فَأَذِنَ لَهُ الرَّجُلُ فَخَرَجَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ بِالْخُرُوجِ، وَإِنَّمَا أَمَرَ فُلَانًا بِالْإِذْنِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لَهُ قُلْ يَا فُلَانُ مَوْلَاكَ قَدْ أَذِنَ لَكَ فِي الْخُرُوجِ فَقَالَ لَهُ فَخَرَجَ فَإِنَّ الْمَوْلَى حَانِثٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ، وَإِنَّمَا أَمَرَ فُلَانًا بِكَذِبٍ، وَلَوْ قَالَ الْمَوْلَى لِعَبْدِهِ بَعْدَ يَمِينِهِ مَا أَمَرَكَ بِهِ فُلَانٌ فَقَدْ أَمَرْتُكَ بِهِ فَأَمَرَهُ الرَّجُلُ بِالْخُرُوجِ فَخَرَجَ فَالْمَوْلَى حَانِثٌ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْمَوْلَى مِنْ هَذَا أَنْ لَا يَخْرُجَ إلَّا بِرِضَاهُ فَإِذَا قَالَ مَا أَمَرَكَ بِهِ فُلَانٌ فَقَدْ أَمَرْتُكَ بِهِ فَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَنَّ فُلَانًا يَأْمُرُهُ بِالْخُرُوجِ وَالرِّضَا بِالشَّيْءِ بِدُونِ الْعِلْمِ بِهِ لَا يُتَصَوَّرُ فَلَمْ يَعْلَمْ كَوْنَ هَذَا الْخُرُوجِ مَرْضِيًّا بِهِ فَلَمْ يَعْلَمْ كَوْنَهُ مُسْتَثْنًى فَبَقِيَ تَحْتَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، وَلَوْ قَالَ الْمَوْلَى لِلرَّجُلِ قَدْ أَذِنْتُ لَهُ فِي الْخُرُوجِ فَأَخْبَرَ الرَّجُلُ بِهِ الْعَبْدَ لَمْ يَحْنَثْ الْمَوْلَى. وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ خَرَجْتِ إلَّا بِإِذْنِي ثُمَّ قَالَ لَهَا إنْ بِعْتِ خَادِمَك فَقَدْ أَذِنْتُ لَكِ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ هَذَا إذْنًا؛ لِأَنَّهُ مُخَاطَرَةٌ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ، وَقَيَّدَ بِالزَّوْجَةِ وَالْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا إلَّا بِإِذْنِ فُلَانٍ أَوْ حَتَّى يَأْذَنَ أَوْ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ أَوْ إلَّا أَنْ يَقْدَمَ فُلَانٌ أَوْ حَتَّى يَقْدَمَ أَوْ قَالَ لِرَجُلٍ فِي دَارِهِ وَاَللَّهِ لَا تَخْرُجُ إلَّا بِإِذْنِي فَإِنَّهُ لَا يَتَكَرَّرُ الْإِذْنُ فِي هَذَا كُلِّهِ؛ لِأَنَّ قُدُومَ فُلَانٍ لَا يَتَكَرَّرُ عَادَةً وَالْإِذْنُ فِي الْكَلَامِ يُتَنَاوَلُ كُلَّمَا يُوجَدُ مِنْ الْكَلَامِ بَعْدَ الْإِذْنِ، وَكَذَا خُرُوجُ الرَّجُلِ مِمَّا لَا يَتَكَرَّرُ عَادَةً بِخِلَافِ الْإِذْنِ لِلزَّوْجَةِ فَإِنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا ذَلِكَ الْخُرُوجَ الْمَأْذُونَ فِيهِ لَا كُلَّ خُرُوجٍ إلَّا بِنَصٍّ صَرِيحٍ فِيهِ مِثْلِ أَذِنْتُ لَكِ أَنْ تَخْرُجِي كُلَّمَا أَرَدْتِ الْخُرُوجَ وَنَحْوِهِ فَكَانَ الِاقْتِصَارُ فِي هَذَا الْوُجُودِ الصَّارِفِ عَنْ التَّكْرَارِ لَا؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ فِي الْكُلِّ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِالْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ عَبْدُهُ حُرٌّ إنْ دَخَلَ هَذِهِ الدَّارَ إلَّا أَنْ يَنْسَى فَدَخَلَهَا نَاسِيًا ثُمَّ دَخَلَ بَعْدَ ذَلِكَ ذَاكِرًا لَمْ يَحْنَثْ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ إنْ دَخَلَ هَذِهِ الدَّارَ إلَّا نَاسِيًا فَدَخَلَهَا نَاسِيًا ثُمَّ دَخَلَهَا ذَاكِرًا فَإِنَّهُ يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى مِنْ كُلِّ دُخُولٍ دُخُولًا بِصِفَةٍ فَبَقِيَ مَا سِوَاهُ دَاخِلًا تَحْتَ الْيَمِينِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ يَعْنِي حَتَّى فَلَمَّا دَخَلَهَا نَاسِيًا انْتَهَتْ الْيَمِينُ، وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ عَبْدِي حُرٌّ إنْ دَخَلْتُ هَذِهِ الدَّارَ دَخْلَةً إلَّا أَنْ يَأْمُرَنِي فُلَانٌ فَأَمَرَهُ فُلَانٌ مَرَّةً وَاحِدَةً فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ، وَقَدْ سَقَطَتْ الْيَمِينُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ إلَّا أَنْ يَأْمُرَنِي بِهَا فُلَانٌ بِزِيَادَةِ بِهَا فَأَمَرَهُ فَدَخَلَ ثُمَّ دَخَلَ بَعْدَ ذَلِكَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ، وَلَا بُدَّ مِنْ الْأَمْرِ فِي كُلِّ دَخْلَةٍ كَقَوْلِهِ إلَّا بِأَمْرِ فُلَانٍ كَالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى كَمَا فِي الْبَدَائِعِ أَيْضًا، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْتِ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ إلَّا لِأَمْرٍ لَا بُدَّ مِنْهُ فَأَنْت طَالِقٌ، وَلِلْمَرْأَةِ حَقٌّ عَلَى رَجُلٍ فَأَرَادَتْ أَنْ تَدَّعِيَ ذَلِكَ وَخَرَجَتْ لِأَجْلِهِ قَالُوا إنْ كَانَتْ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ تُوَكِّلَ بِذَلِكَ حَنِثَ الْحَالِفُ، وَإِنْ لَمْ تَقْدِرْ عَلَى أَنْ تُوَكِّلَ لَا يَحْنَثُ، وَلَوْ حَلَفَ أَنْ لَا تَخْرُجَ امْرَأَتُهُ إلَّا بِعِلْمِهِ فَخَرَجَتْ، وَهُوَ يَرَاهَا فَمَنَعَهَا لَمْ يَحْنَثْ، وَلَوْ أَذِنَ لَهَا بِالْخُرُوجِ فَخَرَجَتْ بِغَيْرِ عِلْمِهِ لَا يَحْنَثُ، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهَا فَخَرَجَتْ، وَهُوَ يَرَاهَا لَا يَحْنَثُ أَيْضًا. اهـ. ثُمَّ انْعِقَادُ الْيَمِينِ عَلَى الْإِذْنِ فِي قَوْلِهِ إنْ خَرَجْتِ إلَّا بِإِذْنِي فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ وَاَللَّهِ لَا تَخْرُجِينَ إلَّا بِإِذْنِي مُقَيَّدٌ بِبَقَاءِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ إنَّمَا يَصِحُّ مِمَّنْ لَهُ الْمَنْعُ فَلَوْ أَبَانَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَخَرَجَتْ بِلَا إذْنٍ لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ كَانَ زَوَالُ الْمِلْكِ لَا يُبْطِلُ الْيَمِينَ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَنْعَقِدْ إلَّا عَلَى مُدَّةِ بَقَاءِ النِّكَاحِ، وَكَذَا فِي الْعَبْدِ يُشْتَرَطُ بَقَاءُ مِلْكِ الْمَوْلَى وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ حَلَفَ لَيُعْلِمَنَّهُ بِكُلِّ دَاعِرٍ دَخَلَ الْبَلْدَةَ تَقَيَّدَ بِقِيَامِ وِلَايَتِهِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ لَا تَخْرُجُ امْرَأَتُهُ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ، وَلَا عَبْدُهُ فَبَانَتْ مِنْهُ أَوْ خَرَجَ الْعَبْدُ عَنْ مِلْكِهِ ثُمَّ خَرَجَ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ، وَلَا يَتَقَيَّدُ بِحَالِ قِيَامِ الزَّوْجِيَّةِ وَالْمِلْكِ لِانْعِدَامِ دَلَالَةِ التَّقْيِيدِ، وَهِيَ قَوْلُهُ: إلَّا بِإِذْنِهِ فَيُعْمَلُ بِعُمُومِ   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 341 اللَّفْظِ فَإِنْ عَنَى بِهِ مَا دَامَتْ امْرَأَتُهُ دُيِّنَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا يُدَيَّنُ فِي الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ، وَكَذَلِكَ مَنْ طُولِبَ بِحَقٍّ فَحَلَفَ أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ دَارِ مُطَالِبهِ حَنِثَ بِالْخُرُوجِ زَالَ ذَلِكَ الْحَقُّ أَوْ لَمْ يَزُلْ لِمَا قُلْنَا كَذَا فِي الْبَدَائِعِ، وَفِي الْمُحِيطِ رَجُلٌ حَلَّفَهُ ثَلَاثَةُ رِجَالٍ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْ بُخَارَى إلَّا بِإِذْنِهِمْ فَجُنَّ أَحَدُهُمْ قَالَ لَا يَخْرُجُ، وَإِنْ مَاتَ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ فَخَرَجَ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ ذَهَبَ الْإِذْنُ الَّذِي وَقَعَتْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ، وَلَوْ قَالَ إلَّا بِإِذْنِ فُلَانٍ فَمَاتَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ بَطَلَتْ الْيَمِينُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ فَوَاتَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ يَمْنَعُ بَقَاءَ الْيَمِينِ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَهُ لَا يَمْنَعُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَرَادَتْ الْخُرُوجَ فَقَالَ إنْ خَرَجْتِ أَوْ ضَرَبَ الْعَبْدَ فَقَالَ إنْ ضَرَبْتَ تَقَيَّدَ بِهِ كَاجْلِسْ فَتَغَدَّ عِنْدِي فَقَالَ إنْ تَغَدَّيْتُ) بَيَانٌ لِيَمِينِ الْفَوْرِ مَأْخُوذٌ مِنْ فَوْرِ الْقَدْرِ إذَا غَلَتْ وَاسْتُعِيرَ لِلسُّرْعَةِ ثُمَّ سُمِّيَتْ بِهَا الْحَالُ الَّتِي لَا رَيْثَ فِيهَا فَقِيلَ جَاءَ فُلَانٌ مِنْ فَوْرِهِ أَيْ مِنْ سَاعَتِهِ وَسُمِّيَتْ هَذِهِ الْيَمِينُ بِهِ بِاعْتِبَارِ فَوَرَانِ الْغَضَبِ انْفَرَدَ أَبُو حَنِيفَةَ بِإِظْهَارِهَا، وَكَانَتْ الْيَمِينُ فِي عُرْفِهِمْ قِسْمَيْنِ مُؤَبَّدَةٌ، وَهِيَ أَنْ يَحْلِفَ مُطْلَقًا وَمُؤَقَّتَةٌ، وَهِيَ أَنْ يَحْلِفَ أَنْ لَا يَفْعَلَ كَذَا الْيَوْمَ أَوْ هَذَا الشَّهْرَ فَأَخْرَجَ أَبُو حَنِيفَةَ يَمِينَ الْفَوْرِ قَالَ فِي الْمُحِيطِ، وَلَمْ يَسْبِقْهُ أَحَدٌ فِي تَسْمِيَتِهَا، وَلَا فِي حُكْمِهَا، وَلَا خَالَفَهُ أَحَدٌ فِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ عِيَالُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي هَذَا. اهـ. بَلْ النَّاسُ عِيَالُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْفِقْهِ كُلِّهِ، وَهِيَ يَمِينٌ مُؤَبَّدَةٌ لَفْظًا مُوَقَّتَةٌ مَعْنًى تَتَقَيَّدُ بِالْحَالِ أَوْ تَكُونُ بِنَاءً عَلَى أَمْرٍ حَالِيٍّ فَمِنْ الثَّانِي امْرَأَةٌ تَهَيَّأَتْ لِلْخُرُوجِ فَحَلَفَ لَا تَخْرُجُ فَإِذَا جَلَسَتْ سَاعَةً ثُمَّ خَرَجَتْ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ قَصْدَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ الْخُرُوجِ الَّذِي تَهَيَّأَتْ لَهُ فَكَأَنَّهُ قَالَ إنْ خَرَجْتِ أَيْ السَّاعَةَ، وَمِنْهُ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَضْرِبَ عَبْدَهُ فَحَلَفَ عَلَيْهِ لَا يَضْرِبُهُ فَإِذَا تَرَكَهُ سَاعَةً بِحَيْثُ يَذْهَبُ فَوْرُ ذَلِكَ ثُمَّ ضَرَبَهُ لَا يَحْنَثُ لِذَلِكَ بِعَيْنِهِ، وَمِنْ الْأَوَّلِ اجْلِسْ فَتَغَدَّ عِنْدِي فَيَقُولُ إنْ تَغَدَّيْتُ فَعَبْدِي حُرٌّ تَقَيَّدَ بِالْحَالِ فَإِذَا تَغَدَّى فِي يَوْمِهِ فِي مَنْزِلِهِ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ يَمِينٌ وَقَعَ جَوَابًا تَضَمَّنَ إعَادَةَ مَا فِي السُّؤَالِ وَالْمَسْئُولُ الْغَدُ الْحَالِيُّ فَيَنْصَرِفُ الْحَلِفُ إلَى الْغَدَاءِ الْحَالِيِّ لِتَقَعَ الْمُطَابَقَةُ. وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَ عَدَمِ نِيَّةِ الْحَالِفِ، وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِ قَالَ إنْ تَغَدَّيْتُ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ زَادَ بِأَنْ قَالَ إنْ تَغَدَّيْتُ الْيَوْمَ أَوْ مَعَكَ فَعَبْدِي حُرٌّ فَتَغَدَّى فِي بَيْتِهِ أَوْ مَعَهُ فِي وَقْتٍ آخَرَ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ زَادَ عَلَى حَرْفِ الْجَوَابِ فَيَكُونُ مُبْتَدَأً، وَلَا يُقَالُ إنَّ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - زَادَ فِي الْجَوَابِ حِينَ سُئِلَ عَنْ الْعَصَا، وَلَمْ يَكُنْ مُبْتَدَأً؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَمَّا سُئِلَ بِمَا، وَهِيَ تَقَعُ عَلَى ذَاتِ مَا لَا يَعْقِلُ، وَالصِّفَاتُ فَاشْتَبَهَ عَلَيْهِ الْحَالُ فَأَجَابَ بِهِمَا حَتَّى يَكُونَ مُجِيبًا عَنْ أَيِّهِمَا كَانَ، وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ عِنْدَ خُرُوجِهَا مِنْ الْمَنْزِلِ إنْ رَجَعْتِ إلَى مَنْزِلِي فَأَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ جَلَسَتْ فَلَمْ تَخْرُجْ زَمَانًا ثُمَّ خَرَجَتْ وَرَجَعَتْ وَالرَّجُلُ يَقُولُ نَوَيْتُ الْفَوْرَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُصَدَّقُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ إنْ خَرَجْتِ، وَلَا نِيَّةَ لَهُ يَنْصَرِفُ إلَى هَذِهِ الْخَرْجَةِ فَكَذَا إذَا قَالَ إنْ رَجَعْتِ وَنَوَى الرُّجُوعَ بَعْدَ هَذِهِ الْخَرْجَةِ كَانَ أَوْلَى أَنْ يَنْصَرِفَ إلَى الرُّجُوعِ عَنْ هَذِهِ الْخَرْجَةِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ التَّقْيِيدَ تَارَةً يَثْبُتُ صَرِيحًا وَتَارَةً يَثْبُتُ دَلَالَةً وَالدَّلَالَةُ نَوْعَانِ دَلَالَةٌ لَفْظِيَّةٌ وَدَلَالَةٌ حَالِيَّةٌ فَدَلَالَةُ اللَّفْظِ نَحْوُ مَا إذَا حَلَفَ لَا يَدْخُلُ عَلَى فُلَانٍ تَقَيَّدَ بِحَالِ حَيَاةِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَالدَّلَالَةُ الْحَالِيَّةُ كَمَا فِي الْكِتَابِ. وَفِي الْمُحِيطِ أَصْلُهُ أَنَّ الْحَالِفَ مَتَى أَعْقَبَ الْفِعْلَ فِعْلًا بِحَرْفِ الْعَطْفِ، وَهُوَ الْفَاءُ وَالْوَاوُ فَإِنْ كَانَ الْفِعْلُ الثَّانِي فِي الْعَادَةِ يُفْعَلُ عَلَى فَوْرِ الْأَوَّلِ، وَلَمْ يَفْعَلْ حَنِثَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يُفْعَلُ عَلَى فَوْرِ الْأَوَّلِ لَا يَحْنَثُ مَا لَمْ يَمُتْ، وَإِنْ ذَكَرَ الْفِعْلَ الثَّانِيَ بِحَرْفِ الشَّرْطِ أَوْ التَّرَاخِي، وَهُوَ حَرْفُ ثُمَّ فَهُوَ عَلَى الْأَبَدِ؛ لِأَنَّ الْمَشْرُوطَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بَعْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ، وَكَلِمَةُ ثُمَّ عَلَى التَّرَاخِي فَلَوْ قَالَ إنْ ضَرَبْتَنِي فَلَمْ أَضْرِبْكَ أَوْ لَقِيتُكَ فَلَمْ أُسَلِّمْ عَلَيْكَ، وَإِنْ كَلَّمْتَنِي فَلَمْ أُجِبْكَ فَهُوَ عَلَى الْفَوْرِ بِاعْتِبَارِ الْعَادَةِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ إنْ اسْتَعَرْتُ دَابَّتَكَ فَلَمْ تُعِرْنِي أَوْ دَخَلْتُ الدَّارَ فَلَمْ أَقْعُدْ، وَإِنْ ذَكَرَ بِحَرْفِ الْوَاوِ بِأَنْ قَالَ إنْ كَلَّمْتُكَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَلَا خَالَفَهُ أَحَدٌ فِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ) يُنَافِي هَذَا الْإِطْلَاقُ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ حَيْثُ قَالَ: وَقَالَ زُفَرُ يَحْنَثُ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى كُلِّ غَدٍ أَوْ خُرُوجٍ وَضَرَبَ فَاعْتُبِرَ الْإِطْلَاقُ اللَّفْظِيُّ (قَوْلُهُ: فَمِنْ الثَّانِي امْرَأَةٌ تَهَيَّأَتْ لِلْخُرُوجِ إلَخْ) قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة فِي الْفَتْحِ مَا يُشِيرُ إلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ تَغَيُّرِ تِلْكَ الْهَيْئَةِ الْحَاصِلَةِ مَعَ إرَادَةِ الْخُرُوجِ حَيْثُ قَالَ امْرَأَةٌ تَهَيَّأَتْ إلَى آخِرِ هَذِهِ الْعِبَارَةِ الْمَذْكُورَةِ هُنَا أَيْ فَإِنَّهُ ذَكَرَ التَّهَيُّؤَ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ لِلْبِرِّ سِوَى الْجُلُوسِ سَاعَةً، وَلَمْ يَشْتَرِطْ تَغَيُّرَ الْهَيْئَةِ الَّتِي قَصَدَتْ الْخُرُوجَ بِهَا فَيَقْتَضِي أَنَّهَا لَوْ جَلَسَتْ سَاعَةً عَلَى تِلْكَ الْهَيْئَةِ ثُمَّ خَرَجَتْ عَلَيْهَا أَيْضًا لَمْ يَحْنَثْ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَلَكِنْ رُبَّمَا يُخَالِفُهُ مَا سَيَأْتِي قَرِيبًا عَنْ الْمُحِيطِ مِنْ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ رُجُوعَ الْمَرْأَةِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 342 وَلَمْ تُكَلِّمْنِي فَهَذَا يَحْتَمِلُ قَبْلَ وَبَعْدَ فَتُعْتَبَرُ نِيَّتُهُ، وَلَوْ قَالَ إنْ رَكِبْتَ دَابَّتِي فَلَمْ أُعْطِكَ دَابَّتِي فَهُوَ عَلَى الْفَوْرِ، وَلَوْ قَالَ إنْ أَتَيْتَنِي فَلَمْ آتِكَ أَوْ إنْ زُرْتَنِي فَلَمْ أَزُرْكَ فَهُوَ عَلَى الْأَبَدِ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ ثُمَّ قَالَ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ لَمْ تَقُومِي السَّاعَةَ وَتَجِيئِي إلَى دَارِ وَالِدِي فَأَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا فَقَامَتْ السَّاعَةَ، وَلَبِسَتْ الثِّيَابَ وَخَرَجَتْ ثُمَّ رَجَعَتْ وَجَلَسَتْ حَتَّى خَرَجَ الزَّوْجُ فَخَرَجَتْ هِيَ أَيْضًا، وَأَتَتْ دَارَ وَالِدِهِ بَعْدَمَا أَتَاهَا الزَّوْجُ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ رُجُوعَ الْمَرْأَةِ وَجُلُوسَهَا مَا دَامَتْ فِي تَهَيُّؤِ الْخُرُوجِ لَا يَكُونُ تَرْكًا لِلْفَوْرِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَخَذَهَا الْبَوْلُ فَبَالَتْ قَبْلَ لُبْسِ الثِّيَابِ ثُمَّ لَبِسَتْ الثِّيَابَ لَمْ يَحْنَثْ أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّجُلَ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ لَمْ تَجِيئِي إلَى الْفِرَاشِ هَذِهِ السَّاعَةَ فَأَنْت طَالِقٌ، وَهُمَا فِي التَّشَاجُرِ فَطَالَ بَيْنَهُمَا كَانَ عَلَى الْفَوْرِ حَتَّى لَوْ ذَهَبَتْ إلَى الْفِرَاشِ لَا يَحْنَثُ فَإِنْ خَافَتْ فَوْتَ الصَّلَاةِ فَصَلَّتْ قَالَ نَصْرُ بْنُ يَحْيَى حَنِثَ الرَّجُلُ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ عَمَلٌ آخَرُ فَيَنْقَطِعُ بِهِ فَوْرُ الْأَوَّلِ، وَعَلَى قِيَاسِ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ لَا يَحْنَثُ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَلَوْ اشْتَغَلَتْ بِالْوُضُوءِ لِلصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ أَوْ اشْتَغَلَتْ بِالصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ عُذْرٌ شَرْعًا فَصَارَ مُسْتَثْنًى مِنْ يَمِينِهِ شَرْعًا، وَعُرْفًا، وَلَوْ اشْتَغَلَتْ بِالتَّطَوُّعِ أَوْ بِالْوُضُوءِ أَوْ أَكَلَتْ أَوْ شَرِبَتْ حَنِثَ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِعُذْرٍ شَرْعًا. اهـ. وَفِي الْقُنْيَةِ قَالَ لَهَا فِي الْخُصُومَةِ الْحَلَالُ عَلَيَّ حَرَامٌ إنْ لَمْ تَخْرُجِي، وَقَالَ مَا أَرَدْتُ بِهِ الْخُرُوجَ لِلْحَالِ ثُمَّ خَرَجَتْ بَعْدَ سَاعَاتٍ يَحْنَثُ إنْ كَانَتْ الْخُصُومَةُ فِي الْخُرُوجِ، وَإِلَّا فَلَا، وَفِي الْجَامِعِ لَوْ قَالَ لَهَا إنْ لَمْ أَضْرِبْكِ فَأَنْت طَالِقٌ فَهِيَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ فَإِنْ كَانَ فِيهِ دَلَالَةُ الْفَوْرِ بِأَنْ قَصَدَ ضَرْبَهَا فَمُنِعَ انْصَرَفَ إلَى الْفَوْرِ، وَإِنْ نَوَى الْفَوْرَ بِدُونِ الدَّلَالَةِ يُصَدَّقُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ فِيهِ تَغْلِيظًا، وَإِنْ نَوَى الْأَبَدَ أَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ انْصَرَفَ إلَى الْأَبَدِ، وَإِنْ نَوَى الْيَوْمَ أَوْ الْغَدَ لَمْ تُقْبَلْ نِيَّتُهُ، وَلَوْ قَالَ لَهَا إنْ أَخَذْتِ مِنْ مَالِي شَيْئًا، وَلَمْ تُخْبِرِينِي فَكَذَا فَأَخَذَتْ، وَلَمْ تُخْبِرْهُ فِي الْحَالِ، وَلَا قَبْلَهُ، وَإِنَّمَا أَخْبَرَتْهُ بَعْدَ أَيَّامٍ لَا يَحْنَثُ إنْ رَأَيْتُ سَارِقًا فَلَمْ أُخْبِرْكَ فَهُوَ عَلَى الْفَوْرِ، وَإِنْ قَالَ: وَلَمْ أُخْبِرْكَ، وَإِنْ لَمْ أُخْبِرْكَ فَعَلَى التَّرَاخِي، وَلَا بُدَّ مِنْ الشَّرْطَيْنِ. اهـ مَا فِي الْقُنْيَةِ. (قَوْلُهُ: وَمَرْكَبُ عَبْدِهِ مَرْكَبُهُ إنْ يَنْوِ، وَلَا دَيْنَ) يَعْنِي لَوْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ دَابَّةَ فُلَانٍ فَرَكِبَ دَابَّةَ عَبْدِ فُلَان فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِشَرْطَيْنِ الْأَوَّلِ أَنْ يَنْوِيَهَا الثَّانِي أَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَيْ مُسْتَغْرِقٌ فَإِنْ لَمْ يَنْوِ لَا حِنْثَ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ، وَإِنْ كَانَ لِلْمَوْلَى إلَّا أَنَّهُ يُضَافُ إلَى الْعَبْدِ عُرْفًا، وَكَذَا شَرْعًا قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ بَاعَ عَبْدًا، وَلَهُ مَالٌ» الْحَدِيثَ، فَتَخْتَلُّ الْإِضَافَةُ إلَى الْمَوْلَى فَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ فَإِنْ نَوَاهَا، وَلَا دَيْنَ عَلَى الْعَبْدِ أَوْ كَانَ دَيْنُهُ غَيْرَ مُسْتَغْرِقٍ حَنِثَ؛ لِأَنَّهُ شَدَّدَ عَلَى نَفْسِهِ بِنِيَّتِهِ، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مُسْتَغْرِقًا فَلَا حِنْثَ، وَإِنْ نَوَى؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لِلْمَوْلَى فِي كَسْبِ عَبْدِهِ الْمَدْيُونِ الْمُسْتَغْرِقِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَحْنَثُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا إذَا نَوَى؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لِلْمَوْلَى لَكِنَّ الْإِضَافَةَ إلَيْهِ قَدْ اخْتَلَّتْ لِمَا ذَكَرْنَا فَلَا يَدْخُلُ إلَّا بِالنِّيَّةِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَحْنَثُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ اعْتِبَارًا لِلْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ، وَمَا فِي يَدِهِ مِلْكُ الْمَوْلَى حَقِيقَةً عِنْدَهُ وَنَظِيرُ هَذَا الِاخْتِلَافِ مَا لَوْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَدْخُلُ عَبِيدُ عَبْدِهِ التَّاجِرِ إلَّا بِالنِّيَّةِ سَوَاءٌ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ أَوْ لَا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ عَتَقُوا نَوَاهُمْ أَوْ لَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَا، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ عَتَقُوا إذَا نَوَاهُمْ، وَإِلَّا فَلَا، وَإِنْ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ لَمْ يَعْتِقُوا، وَإِنْ نَوَاهُمْ، وَفِي الْمُحِيطِ، وَلَوْ رَكِبَ دَابَّةَ مُكَاتَبِهِ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ لَيْسَ بِمُضَافٍ إلَى الْمَوْلَى لَا ذَاتًا، وَلَا يَدًا. اهـ. وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ مَسَائِلِ الرُّكُوبِ غَيْرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَلَا بَأْسَ بِذِكْرِ بَعْضِ مَسَائِلِهِ قَالَ فِي الْوَاقِعَاتِ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ فَالْيَمِينُ عَلَى مَا يَرْكَبُ النَّاسُ مِنْ الْفَرَسِ وَالْبَغْلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَلَوْ رَكِبَ ظَهْرَ إنْسَانٍ لِيَعْبُرَ النَّهْرَ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ أَوْهَامَ النَّاسِ لَا تَسْبِقُ إلَى هَذَا. اهـ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ حَلَفَ أَنْ لَا يَرْكَبَ دَابَّةً، وَلَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَرَكِبَ حِمَارًا أَوْ فَرَسًا أَوْ بِرْذَوْنًا أَوْ بَغْلًا حَنِثَ فَإِنْ رَكِبَ غَيْرَهَا نَحْوَ الْبَعِيرِ وَالْفِيلِ لَا يَحْنَثُ اسْتِحْسَانًا إلَّا أَنْ يَنْوِيَ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ فَرَسًا فَرَكِبَ بِرْذَوْنًا لَا يَحْنَثُ، وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ   [منحة الخالق] وَجُلُوسَهَا مَا دَامَتْ فِي تَهَيُّؤِ الْخُرُوجِ لَا يَكُونُ تَرْكًا لِلْفَوْرِ إلَّا أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَإِنَّ الْحَلِفَ هُنَا عَلَى عَدَمِ الْخُرُوجِ، وَهُنَاكَ عَلَى الْخُرُوجِ فَكَمَا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي الْجُلُوسِ حَيْثُ قَطَعَ الْفَوْرَ فِي هَذِهِ، وَلَمْ يَقْطَعْهُ فِي تِلْكَ كَذَلِكَ يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا فِي عَدَمِ اشْتِرَاطِ تَغَيُّرِ الْهَيْئَةِ هُنَا، وَفِي اشْتِرَاطِ بَقَائِهَا عَلَى هَيْئَةِ الْخُرُوجِ هُنَاكَ فَلْيُتَأَمَّلْ.، (قَوْلُهُ: أَوْ اشْتَغَلَتْ بِالصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ) أَطْلَقَهَا عَنْ التَّقْيِيدِ بِخَوْفِ الْفَوْتِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ لَكِنْ تَقَدَّمَ قَرِيبًا التَّقْيِيدُ بِهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 343 لَا يَرْكَبُ بِرْذَوْنًا فَرَكِبَ فَرَسًا؛ لِأَنَّ الْفَرَسَ اسْمٌ لِلْعَرَبِيِّ وَالْبِرْذَوْنُ لِلْعَجَمِيِّ وَالْخَيْلُ يَنْتَظِمُ الْكُلَّ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْيَمِينُ بِالْعَرَبِيَّةِ، وَإِنْ كَانَتْ بِالْفَارِسِيَّةِ يَحْنَثُ بِكُلِّ حَالٍ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ دَابَّةً فَحُمِلَ عَلَى الدَّابَّةِ مُكْرَهًا لَا يَحْنَثُ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ أَوْ لَا يَرْكَبُ مَرْكَبًا فَرَكِبَ سَفِينَةً أَوْ مَحْمَلًا أَوْ دَابَّةً حَنِثَ، وَلَوْ رَكِبَ آدَمِيًّا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْنَثَ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ عَلَى هَذَا السَّرْجِ فَزِيدَ فِيهِ أَوْ نُقِصَ عَنْهُ فَرَكِبَ عَلَيْهِ حَنِثَ. اهـ. وَفِي الْخُلَاصَةِ قَالَ كُلَّمَا رَكِبْتُ دَابَّةً فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِهَا فَرَكِبَ دَابَّةً يَلْزَمُهُ التَّصَدُّقُ بِهَا فَإِنْ تَصَدَّقَ بِهَا ثُمَّ اشْتَرَاهَا فَرَكِبَ مَرَّةً أُخْرَى لَزِمَهُ التَّصَدُّقُ بِهَا مَرَّةً أُخْرَى ثُمَّ وَثُمَّ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ التَّنْجِيزِ حَيْثُ يَبْطُلُ التَّعْلِيقُ أَمَّا لَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ كُلَّمَا تَزَوَّجْتُكِ فَأَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا فَتَزَوَّجَهَا تَطْلُقُ ثَلَاثًا فَلَوْ تَزَوَّجَتْ بِآخَرَ، وَعَادَتْ إلَيْهِ فَتَزَوَّجَهَا تَطْلُقُ ثَلَاثًا ثُمَّ وَثُمَّ. اهـ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (بَابُ الْيَمِينِ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَاللُّبْسِ وَالْكَلَامِ) الْأَكْلُ إيصَالُ مَا يَحْتَمِلُهُ الْمَضْغُ بِفِيهِ إلَى الْجَوْفِ مُضِغَ أَوْ لَمْ يُمْضَغْ كَالْخُبْزِ وَاللَّحْمِ وَالْفَاكِهَةِ وَنَحْوِهَا، وَالشُّرْبُ إيصَالُ مَا لَا يَحْتَمِلُ الْمَضْغَ مِنْ الْمَائِعَاتِ إلَى الْجَوْفِ مِثْلِ الْمَاءِ وَالنَّبِيذِ وَاللَّبَنِ وَالْعَسَلِ فَإِنْ وُجِدَ ذَلِكَ يَحْنَثُ، وَإِلَّا فَلَا يَحْنَثُ إلَّا إذَا كَانَ يُسَمَّى ذَلِكَ أَكْلًا أَوْ شُرْبًا فِي الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ فَيَحْنَثُ فَإِذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ كَذَا أَوْ لَا يَشْرَبُ فَأَدْخَلَهُ فِي فِيهِ، وَمَضَغَهُ ثُمَّ أَلْقَاهُ لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يُدْخِلَهُ فِي جَوْفِهِ؛ لِأَنَّهُ بِدُونِ ذَلِكَ لَا يَكُونُ أَكْلًا وَشُرْبًا بَلْ يَكُونُ ذَوْقًا، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذِهِ الْبَيْضَةَ أَوْ لَا يَأْكُلُ هَذِهِ الْجَوْزَةَ فَابْتَلَعَهَا قَالَ قَدْ حَنِثَ لِوُجُودِ حَدِّ الْأَكْلِ، وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ عِنَبًا أَوْ رُمَّانًا فَجَعَلَ يَمُصُّهُ وَيَرْمِي تُفْلَهُ وَيَبْتَلِعُ مَاءَهُ لَمْ يَحْنَثْ فِي الْأَكْلِ، وَلَا فِي الشُّرْبِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِأَكْلٍ، وَلَا شُرْبٍ بَلْ هُوَ مَصٌّ، وَإِنْ عَصَرَ مَاءَ الْعِنَبِ فَلَمْ يَشْرَبْهُ، وَأَكَلَ قِشْرَهُ وَحِصْرِمَهُ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الذَّاهِبَ لَيْسَ إلَّا الْمَاءُ، وَذَهَابُ الْمَاءِ لَا يُخْرِجُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ آكِلًا لَهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا مَضَغَهُ وَابْتَلَعَ الْمَاءَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ آكِلًا لَهُ بِابْتِلَاعِ الْمَاءِ بَلْ بِابْتِلَاعِ الْحِصْرِمِ فَدَلَّ أَنْ أَكْلَ الْعِنَبِ هُوَ أَكْلُ الْقِشْرِ وَالْحِصْرِمُ مِنْهُ، وَقَدْ وُجِدَ فَيَحْنَثُ. وَقَالَ هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي رَجُلٍ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ سُكَّرًا فَأَخَذَ سُكَّرَةً فَجَعَلَهَا فِي فِيهِ فَجَعَلَ يَبْتَلِعُ مَاءَهَا حَتَّى ذَابَتْ قَالَ لَمْ يَأْكُلْ؛ لِأَنَّهُ حِينَ أَوْصَلَهَا إلَى فِيهِ وَصَلَتْ، وَهِيَ لَا تَحْتَمِلُ الْمَضْغَ، وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رُمَّانَةً فَمَصَّ رُمَّانَةً أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذَا اللَّبَنَ فَأَكَلَهُ بِخُبْزٍ أَوْ تَمْرٍ أَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا الْعَسَلِ فَأَكَلَهُ بِخُبْزٍ يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ هَكَذَا يَكُونُ، وَكَذَلِكَ الْخَلُّ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْإِدَامِ فَيَكُونُ أَكْلُهُ بِالْخُبْزِ كَاللَّبَنِ فَإِنْ أَكَلَ ذَلِكَ بِانْفِرَادِهِ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ شُرْبٌ، وَلَيْسَ بِأَكْلٍ فَإِنْ صَبَّ عَلَى ذَلِكَ الْمَاءَ ثُمَّ شَرِبَهُ لَا يَحْنَثُ فِي قَوْلِهِ لَا آكُلُ لِعَدَمِ الْأَكْلِ وَيَحْنَثُ فِي قَوْلِهِ لَا أَشْرَبُ لِوُجُودِ الشُّرْبِ، وَكَذَلِكَ إنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذَا الْخُبْزَ فَجَفَّفَهُ ثُمَّ دَقَّهُ وَصَبَّ عَلَيْهِ الْمَاءَ فَشَرِبَهُ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ هَذَا شُرْبٌ لَا أَكْلٌ فَإِنْ أَكَلَهُ مَبْلُولًا أَوْ غَيْرَ مَبْلُولٍ يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الْخُبْزَ هَكَذَا يُؤْكَلُ عَادَةً، وَكَذَلِكَ السَّوِيقُ إذَا شَرِبَهُ بِالْمَاءِ فَهُوَ شَارِبٌ، وَلَيْسَ بِآكِلٍ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الذَّوْقَ، وَهُوَ مَعْرِفَةُ الشَّيْءِ بِفِيهِ مِنْ غَيْرِ إدْخَالِ عَيْنِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ مُفْطِرٌ لَا الذَّوْقُ كَذَا فِي الْكَافِي. وَلِذَا قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ حَلَفَ لَا يَذُوقُ فِي مَنْزِلِ فُلَانٍ طَعَامًا، وَلَا شَرَابًا فَذَاقَ فِيهِ شَيْئًا أَدْخَلَهُ فِي فِيهِ، وَلَمْ يَصِلْ إلَى جَوْفِهِ حَنِثَ وَيَمِينُهُ عَلَى الذَّوْقِ حَقِيقَةٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ تَقَدَّمَهُ كَلَامٌ وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ لَهُ غَيْرُهُ تَعَالَ تَغَدَّ عِنْدِي الْيَوْمَ فَحَلَفَ لَا يَذُوقُ فِي مَنْزِلِهِ طَعَامًا، وَلَا شَرَابًا فَهَذَا عَلَى الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَذُوقُ الْمَاءَ فَتَمَضْمَضَ لِلصَّلَاةِ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ هَذَا لَا يُرَادُ بِذِكْرِ الذَّوْقِ. اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ، وَلَا يَشْرَبُ فَذَاقَ لَا يَحْنَثُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: فَرَكِبَ سَفِينَةً أَوْ مَحْمَلًا أَوْ دَابَّةً حَنِثَ) هَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى قَوْلِهِ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ مُخَالِفٌ لِمَا مَرَّ آنِفًا عَنْ الْوَاقِعَاتِ تَأَمَّلْ، وَفِي بَعْضِ الْكُتُبِ الِاقْتِصَارُ عَلَى قَوْلِهِ لَا يَرْكَبُ مَرْكَبًا، وَفِي الْخَانِيَّةِ كَمَا هُنَا. [بَابُ الْيَمِينِ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَاللُّبْسِ وَالْكَلَامِ] (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ حِينَ أَوْصَلَهَا إلَى فِيهِ) صَوَابُهُ إلَى جَوْفِهِ، وَعِبَارَةُ الذَّخِيرَةِ فَهَذَا لَيْسَ بِأَكْلٍ فَقَدْ وَصَلَ إلَى جَوْفِهِ مَا لَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْمَضْغُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 344 وَلَوْ حَلَفَ لَا يَذُوقُ فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ حَنِثَ؛ لِأَنَّ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ ذَوْقًا وَزِيَادَةً. اهـ. وَسَيَأْتِي بَيَانُ اللُّبْسِ وَالْكَلَامِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ: لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ النَّخْلَةِ حَنِثَ بِثَمَرِهَا) ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْيَمِينَ إلَى مَا لَا يُؤْكَلُ فَيَنْصَرِفُ إلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ لَهُ فَيَصْلُحُ مَجَازًا عَنْهُ وَالثَّمَرُ بِالْمُثَلَّثَةِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا فَيَحْنَثُ بِالْجُمَّارِ وَالْبُسْرِ وَالرُّطَبِ وَالتَّمْرِ وَالطَّلْعِ وَالدِّبْسِ الْخَارِجِ مِنْ ثَمَرِهَا وَالْجُمَّارُ رَأْسُ النَّخْلَةِ، وَهِيَ شَيْءٌ أَبْيَضُ لَيِّنٌ وَالطَّلْعُ مَا يَطْلُعُ مِنْ النَّخْلِ، وَهُوَ الْكِمُّ قَبْلَ أَنْ يَنْشَقَّ وَيُقَالُ لِمَا يَبْدُو مِنْ الْكِمِّ طَلْعٌ أَيْضًا، وَهُوَ شَيْءٌ أَبْيَضُ يُشْبِهُ بِلَوْنِهِ الْأَسْنَانَ وَبِرَائِحَتِهِ الْمَنِيَّ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ، وَقَيَّدَ بِالثَّمَرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِمَا تَغَيَّرَ بِصِفَةٍ حَادِثَةٍ فَلَا يَحْنَثُ بِالنَّبِيذِ وَالنَّاطِفِ وَالدِّبْسِ الْمَطْبُوخِ وَالْخَلِّ؛ لِأَنَّهُ مُضَافٌ إلَى فِعْلٍ حَادِثٍ فَلَمْ يَبْقَ مُضَافًا إلَى الشَّجَرِ وَيَحْنَثُ بِالْعَصِيرِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَغَيَّرْ بِصَنْعَةٍ جَدِيدَةٍ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِلشَّجَرَةِ ثَمَرَةٌ يَنْصَرِفُ الْيَمِينُ إلَى ثَمَنِهَا فَيَحْنَثُ إذَا اشْتَرَى بِهِ مَأْكُولًا وَأَكَلَهُ. وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ بِثَمَرِهَا إلَى أَنَّهُ لَوْ قَطَعَ غُصْنًا مِنْهَا فَوَصَلَهُ بِشَجَرَةٍ أُخْرَى فَأَكَلَ مِنْ ثَمَرِ تِلْكَ الشَّجَرَةِ مِنْ هَذَا الْغُصْنِ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَحْنَثُ، وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ تَكَلَّفَ، وَأَكَلَ مِنْ عَيْنِ النَّخْلَةِ لَا يَحْنَثُ قَالُوا، وَهُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ. وَأَشَارَ بِالنَّخْلَةِ إلَى كُلِّ مَا لَا يُؤْكَلُ عَيْنُهُ فَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا الْكَرْمِ فَهُوَ عَلَى عِنَبِهِ وَحِصْرِمِهِ وَزَبِيبِهِ وَعَصِيرِهِ، وَفِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ وَدِبْسِهِ، وَالْمُرَادُ عَصِيرُهُ فَإِنَّهُ مَاءُ الْعِنَبِ، وَهُوَ مَا يَخْرُجُ بِلَا صُنْعٍ عِنْدَ انْتِهَاءِ نُضْجِ الْعِنَبِ، وَقَيَّدَ بِمَا لَا يُؤْكَلُ عَيْنُهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ الشَّاةِ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِاللَّحْمِ خَاصَّةً، وَلَا يَحْنَثُ بِاللَّبَنِ وَالزُّبْدِ؛ لِأَنَّهَا مَأْكُولَةٌ فَيَنْعَقِدُ الْيَمِينُ عَلَيْهَا. وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا الْعِنَبِ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِزَبِيبِهِ، وَعَصِيرِهِ؛ لِأَنَّ حَقِيقَتَهُ لَيْسَتْ مَهْجُورَةً فَيَتَعَلَّقُ الْحَلِفُ بِمُسَمَّى الْعِنَبِ، وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ، وَلَمْ يُقَيِّدْ بِالنِّيَّةِ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّهُ عِنْدَ عَدَمِهَا فَلَوْ نَوَى أَكْلَ عَيْنِهَا لَمْ يَحْنَثْ بِأَكْلِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُصَدَّقَ قَضَاءً؛ لِأَنَّ الْمَجَازَ صَارَ مُتَعَيِّنًا ظَاهِرًا فَإِذَا نَوَى بِخِلَافِ الظَّاهِرِ لَا يُقْبَلُ، وَإِنْ كَانَ حَقِيقَةً، وَلَهُ شَوَاهِدُ كَثِيرَةٌ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ عَيَّنَ الْبُسْرَ وَالرُّطَبَ وَاللَّبَنَ لَا يَحْنَثُ بِرُطَبِهِ وَتَمْرِهِ وَشِيرَازِهِ بِخِلَافِ هَذَا الصَّبِيِّ، وَهَذَا الشَّابِّ، وَهَذَا الْحَمَلِ) ؛ لِأَنَّ صِفَةَ الرُّطُوبَةِ وَالْبُسُورَةِ دَاعِيَةٌ إلَى الْيَمِينِ، وَكَذَا كَوْنُهُ لَبَنًا فَيَتَقَيَّدُ بِهِ فَإِذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذَا الْبُسْرَ فَأَكَلَهُ بَعْدَمَا صَارَ رُطَبًا أَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذَا الرُّطَبَ فَأَكَلَهُ بَعْدَمَا صَارَ تَمْرًا يَعْنِي يَابِسًا، وَهُوَ بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ أَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذَا اللَّبَنَ فَأَكَلَهُ بَعْدَمَا صَارَ شِيرَازًا أَيْ رَائِبًا، وَهُوَ الْخَاثِرُ إذَا اُسْتُخْرِجَ مَاؤُهُ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ هَذَا الصَّبِيَّ أَوْ الشَّابَّ فَكَلَّمَهُ بَعْدَمَا شَاخَ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ هِجْرَانَ الْمُسْلِمِ بِمَنْعِ الْكَلَامِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فَلَمْ يُعْتَبَرْ الدَّاعِي فِي الشَّرْعِ؛ وَلِأَنَّ صِفَةَ الصِّبَا دَاعِيَةٌ إلَى الْمَرْحَمَةِ لَا إلَى الْهِجْرَانِ فَلَا تُعْتَبَرُ وَتَتَعَلَّقُ الْيَمِينُ بِالْإِشَارَةِ، وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذَا الْحَمَلَ بِفَتْحَتَيْنِ، وَلَدُ الشَّاةِ فَأَكَلَهُ بَعْدَمَا صَارَ كَبْشًا فَإِنَّهُ يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ صِفَةَ الصِّغَرِ فِي هَذَا لَيْسَتْ دَاعِيَةً إلَى الْيَمِينِ فَإِنَّ الْمُمْتَنِعَ عَنْهُ أَكْثَرُ امْتِنَاعًا عَنْ لَحْمِ الْكَبْشِ. وَالْأَصْلُ أَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ إذَا كَانَ بِصِفَةٍ دَاعِيَةٍ إلَى الْيَمِينِ تَقَيَّدَ بِهِ فِي الْمُعَرَّفِ وَالْمُنَكَّرِ فَإِنْ زَالَتْ زَالَ الْيَمِينُ عَنْهُ، وَمَا لَا يَصْلُحُ دَاعِيَةً اُعْتُبِرَ فِي الْمُنَكَّرِ دُونَ الْمُعَرَّفِ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ عَيَّنَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ نَكَّرَ فَسَيَأْتِي، وَقَيَّدَ بِهَذَا الصَّبِيَّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ صَبِيًّا فَكَلَّمَ بَالِغًا لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَقْصُودًا بِالْحَلِفِ لِكَوْنِهِ هُوَ الْمُعَرَّفُ لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَيَجِبُ تَقْيِيدُ الْيَمِينِ بِهِ، وَإِنْ كَانَ حَرَامًا كَذَا فِي الْكَشْفِ الْكَبِيرِ فَالصَّبِيُّ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ، وَكَذَا الْغُلَامُ فَإِذَا بَلَغَ فَهُوَ شَابٌّ، وَفَتًى إلَى ثَلَاثِينَ سَنَةً أَوْ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ عَلَى الِاخْتِلَافِ فَهُوَ كَهْلٌ إلَى خَمْسِينَ سَنَةً فَهُوَ شَيْخٌ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ. وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذَا الْعِنَبَ فَصَارَ زَبِيبًا   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 345 أَوْ لَا يَأْكُلُ هَذَا اللَّبَنَ فَصَارَ جُبْنًا أَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ الْبَيْضَةِ فَأَكَلَ مِنْ فَرَارِيجِهَا أَوْ لَا يَذُوقُ مِنْ هَذَا الْخَمْرِ فَصَارَ خَلًّا أَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ زَهْرَةِ هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَأَكَلَ بَعْدَمَا صَارَ لَوْزًا أَوْ مِشْمِشًا فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ تَمْرًا فَأَكَلَ حَيْسًا فَإِنَّهُ يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ تَمْرٌ مُفَتَّتٌ فَإِنَّ التَّمْرَ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ قَائِمٌ إذْ تَفَرَّقَتْ أَجْزَاؤُهُ لَا غَيْرُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَفَسَّرَ الْحَيْسَ فِي الْبَدَائِعِ بِأَنَّهُ اسْمٌ لِتَمْرٍ يُنْقَعُ فِي اللَّبَنِ وَيَتَشَرَّبُ فِيهِ اللَّبَنُ، وَقِيلَ هُوَ طَعَامٌ يُتَّخَذُ مِنْ تَمْرٍ وَيُضَمُّ إلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ السَّمْنِ أَوْ غَيْرِهِ وَالْغَالِبُ هُوَ التَّمْرُ فَكَانَ أَجْزَاءُ التَّمْرِ بِحَالِهَا فَيَبْقَى الِاسْمُ. اهـ. وَالْكَلَامُ لَيْسَ بِقَيْدٍ فِي مَسْأَلَتَيْ الصَّبِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يُجَامِعُ هَذِهِ الصَّبِيَّةَ فَجَامَعَهَا بَعْدَمَا صَارَتْ كَبِيرَةً يَحْنَثُ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ الْجَدَحَةِ فَأَكَلَهَا بَعْدَمَا صَارَتْ بِطِّيخًا لَا رِوَايَةَ فِيهِ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ أَيْضًا، وَفِيهَا أَيْضًا إذَا نَوَى فِي الْفُصُولِ الْمُتَقَدِّمَةِ مَا يُوجِبُ الْحِنْثَ حَنِثَ؛ لِأَنَّهُ شَدَّدَ عَلَى نَفْسِهِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْأَصْلَ فِيمَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مُعَيَّنًا فَأَكَلَ بَعْضَهُ إنْ كَانَ يَأْكُلُهُ الرَّجُلُ فِي مَجْلِسٍ أَوْ يَشْرَبُهُ فِي شَرْبَةٍ فَالْحَلِفُ عَلَى جَمِيعِهِ، وَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ بَعْضِهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الِامْتِنَاعُ عَنْ أَكْلِهِ، وَكُلُّ شَيْءٍ لَا يُطَاقُ أَكْلُهُ فِي الْمَجْلِسِ، وَلَا شُرْبُهُ فِي شَرْبَةٍ يَحْنَثُ بِأَكْلِ بَعْضِهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْيَمِينِ الِامْتِنَاعُ عَنْ أَصْلِهِ لَا عَنْ جَمِيعِهِ فَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ ثَمَرِ هَذَا الْبُسْتَانِ أَوْ مِنْ ثَمَرِ هَاتَيْنِ النَّخْلَتَيْنِ أَوْ مِنْ هَذَيْنِ الرَّغِيفَيْنِ أَوْ مِنْ لَبَنِ هَاتَيْنِ الشَّاتَيْنِ أَوْ مِنْ هَذَا الْغَنَمِ أَوْ لَا أَشْرَبُ مِنْ مَاءِ هَذِهِ الْأَنْهَارِ فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ بَعْضَهُ يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ فَكَانَتْ الْيَمِينُ مُتَنَاوِلَةً بَعْضَ الْمَذْكُورِ، وَقَدْ وُجِدَ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَبَضَ دِينَارًا فَوَجَدَ دِرْهَمَيْنِ زَائِفَيْنِ فَحَلَفَ لَا يَأْخُذُ مِنْهُمَا شَيْئًا، وَأَخَذَ أَحَدُهُمَا حَنِثَ، وَلَوْ قَالَ لَا أَشْرَبُ لَبَنَ هَاتَيْنِ الشَّاتَيْنِ وَنَحْوَ ذَلِكَ لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَشْرَبَ مِنْ لَبَنِ كُلِّ شَاةٍ، وَلَا يُعْتَبَرُ شُرْبُ الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ. وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ سَمْنَ هَذِهِ الْخَابِيَةِ فَأَكَلَ بَعْضَهُ حَنِثَ، وَلَوْ كَانَ مَكَانَ الْأَكْلِ بَيْعًا فَبَاعَ بَعْضَهَا لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الْأَكْلَ لَا يَتَأَتَّى عَلَى جَمِيعِهِ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ وَيَتَأَتَّى الْبَيْعُ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذِهِ الْبَيْضَةَ لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَأْكُلَهَا كُلَّهَا، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذَا الطَّعَامَ فَإِنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى أَكْلِ كُلِّهِ دُفْعَةً وَاحِدَةً لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَأْكُلَ كُلَّهُ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ حَنِثَ بِأَكْلِ بَعْضِهِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ الْمُخْتَارُ لِمَشَايِخِنَا، وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ إنْ أَكَلْتُمَا هَذَيْنِ الرَّغِيفَيْنِ فَعَبْدِي حُرٌّ فَأَكَلَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا رَغِيفًا عَتَقَ الْعَبْدُ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَكَلَتْ إحْدَاهُمَا الرَّغِيفَيْنِ إلَّا شَيْئًا، وَأَكَلَتْ الْبَاقِيَ الْأُخْرَى يَحْنَثُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَفِي الْبَدَائِعِ مَعْزِيًّا إلَى الْأَصْلِ بَعْدَمَا ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسَائِلَ قَالَ: وَلَوْ قَالَ لَا آكُلُ هَذِهِ الرُّمَّانَةَ فَأَكَلَهَا إلَّا حَبَّةً أَوْ حَبَّتَيْنِ حَنِثَ فِي الِاسْتِحْسَانِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ لَا يُعْتَدُّ بِهِ فَإِنَّهُ يُقَالُ فِي الْعُرْفِ لِمَنْ أَكَلَ رُمَّانَةً وَتَرَكَ مِنْهَا حَبَّةً أَوْ حَبَّتَيْنِ إنَّهُ أَكَلَ رُمَّانَةً، وَإِنْ تَرَكَ نِصْفَهَا أَوْ ثُلُثَهَا أَوْ تَرَكَ أَكْثَرَ مِمَّا لَا يَجْرِي فِي الْعُرْفِ أَنَّهُ يَسْقُطُ مِنْ الرُّمَّانَةِ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى أَكْلًا لِجَمِيعِهَا. اهـ. وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ الْيَسِيرَ مِنْ الرَّغِيفِ وَغَيْرِهِ كَالْعَدَمِ كَاللُّقْمَةِ، وَفِي الْوَاقِعَاتِ اغْتَرَفَ مِنْ الْقِدْرِ ثُمَّ قَالَ وَاَللَّهِ لَا آكُلُ مِنْ هَذَا الْقِدْرِ فَأَكَلَ مَا فِي الْقَصْعَةِ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ عَلَى مَا بَقِيَ فِي الْقِدْرِ ثُمَّ قَالَ فِي الْفَصْلِ التَّاسِعِ قَالَ إنْ أَكَلْتُ هَذَا الرَّغِيفَ الْيَوْمَ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ ثَلَاثًا، وَإِنْ لَمْ آكُلْهُ الْيَوْمَ فَأَمَتُهُ حُرَّةٌ فَأَكَلَ النِّصْفَ لَمْ يَحْنَثْ لِانْعِدَامِ شَرْطِ الْحِنْثِ فِي الْيَمِينِ، وَهُوَ أَكْلُ الْكُلِّ أَوْ تَرْكُ الْكُلِّ. وَلَوْ أَخَذَ لُقْمَةً فَوَضَعَهَا فِي فِيهِ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ امْرَأَتِي طَالِقٌ إنْ أَكَلْتُهَا، وَقَالَ آخَرُ امْرَأَتِي طَالِقٌ إنْ أَخْرَجْتَهَا مِنْ فِيكَ فَأَكَلَ الْبَعْضَ، وَأَخْرَجَ الْبَعْضَ لَمْ يَحْنَثْ أَحَدُهُمَا؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ أَكْلُ الْكُلِّ أَوْ إخْرَاجُ الْكُلِّ، وَلَمْ يُوجَدْ قَالَ هَذَا الرَّغِيفُ عَلَيَّ حَرَامٌ فَأَكَلَ بَعْضَهُ حَنِثَ، وَهَذَا بِخِلَافِ قَوْلِهِ لَا آكُلُ هَذَا الرَّغِيفَ إذَا كَانَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: إنْ أَكَلْت هَذَا الرَّغِيفَ إلَخْ) مُشْكِلٌ جِدًّا كَمَا قَالَ فِي الْحَاوِي الزَّاهِدِيُّ قَالَ فَإِنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَحْنَثَ فِي يَمِينِ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْكُلْ الرَّغِيفَ إذْ نَقُولُ لَا وَاسِطَةَ بَيْنَ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَرَطَ الْحِنْثَ فَيَحْنَثُ فِي أَحَدِهِمَا، وَفِي الْجَامِعِ الْأَصْغَرِ عَنْ أَبِي الْقَاسِمِ الصَّفَّارِ قَالَ إنْ شَرِبَ فُلَانٌ هَذَا الشَّرَابَ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ، وَقَالَ الْآخَرُ إنْ لَمْ يَشْرَبْهُ فُلَانٌ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ فَشَرِبَهُ فُلَانٌ مَعَ غَيْرِهِ أَوْ انْصَبَّ بَعْضُهُ فِي الْأَرْضِ حَنِثَ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ. اهـ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 346 مِمَّا يُؤْكَلُ كُلُّهُ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ وَالْفَتْوَى عَلَى ذَلِكَ. اهـ. وَقَيَّدَ الْمُصَنِّفُ بِالْيَمِينِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَوْصَى بِهَذَا الرُّطَبِ فَصَارَ تَمْرًا ثُمَّ مَاتَ لَمْ تَبْطُلْ الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّ بَعْضَ الْمُوصَى بِهِ قَدْ فَاتَ، وَفَوَاتُ بَعْضِ الْمُوصَى بِهِ لَا يُوجِبُ بُطْلَانَهَا، وَفِي الْيَمِينِ تَنَاوُلُ بَعْضِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَلَا يَحْنَثُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى بِعِنَبٍ ثُمَّ صَارَ زَبِيبًا ثُمَّ مَاتَ الْمُوصِي بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ وَالْفَرْقُ أَنَّ الرُّطَبَ وَالتَّمْرَ صِنْفٌ وَاحِدٌ لِقِلَّةِ التَّفَاوُتِ بَيْنَهُمَا بِخِلَافِ الْعِنَبِ وَالزَّبِيبِ فَإِنَّهُ تَبْدِيلٌ، وَهَلَاكٌ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ. (قَوْلُهُ: لَا يَأْكُلُ بُسْرًا فَأَكَلَ رُطَبًا لَا يَحْنَثُ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِبُسْرٍ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ عِنَبًا فَأَكَلَ زَبِيبًا قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ جَوْزًا فَأَكَلَ مِنْهُ رَطْبًا أَوْ يَابِسًا، وَكَذَلِكَ اللَّوْزُ وَالْفُسْتُقُ وَالْبُنْدُقُ وَالتِّينُ، وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ يَتَنَاوَلُ الرَّطْبَ وَالْيَابِسَ جَمِيعًا كَذَا فِي الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ: وَفِي لَا يَأْكُلُ رُطَبًا أَوْ بُسْرًا أَوْ لَا يَأْكُلُ رُطَبًا، وَلَا بُسْرًا حَنِثَ بِالْمُذَنِّبِ) ، وَهُوَ بِكَسْرِ النُّونِ كَمَا فِي الْمُغْرِبِ يُقَالُ بُسْرٌ مُذَنِّبٌ، وَقَدْ ذَنَّبَ إذَا بَدَا الْإِرْطَابُ مِنْ قِبَلِ ذَنَبِهِ، وَهُوَ مَا سَفَلَ مِنْ جَانِبِ الْقِمْعِ وَالْعَلَاقَةِ، وَأَمَّا الرُّطَبُ فَهُوَ مَا أَدْرَكَ مِنْ تَمْرِ النَّخْلِ الْوَاحِدَةُ رُطَبَةٌ فَالرُّطَبُ الْمُذَنِّبُ هُوَ الَّذِي أَكْثَرُهُ رُطَبٌ وَشَيْءٌ قَلِيلٌ مِنْهُ بُسْرٌ وَالْبُسْرُ الْمُذَنِّبُ عَكْسُهُ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا لَا يَحْنَثُ فِي الرُّطَبِ بِالْبُسْرِ الْمُذَنِّبِ، وَلَا فِي الْبُسْرِ بِالرُّطَبِ الْمُذَنِّبِ؛ لِأَنَّ الرُّطَبَ الْمُذَنِّبَ يُسَمَّى رُطَبًا وَالْبُسْرُ الْمُذَنِّبُ يُسَمَّى بُسْرًا وَصَارَ كَمَا إذَا كَانَتْ الْيَمِينُ عَلَى الشِّرَاءِ، وَلَهُ أَنَّ الرُّطَبَ الْمُذَنِّبَ مَا يَكُونُ فِي ذَنَبِهِ قَلِيلُ بُسْرٍ وَالْبُسْرُ الْمُذَنِّبُ عَلَى عَكْسِهِ فَصَارَ أَكْلُهُ أَكْلُ الْبُسْرِ وَالرُّطَبِ، وَكُلُّ وَاحِدِ مَقْصُودٌ فِي الْأَكْلِ بِخِلَافِ الشِّرَاءِ فَإِنَّهُ يُصَادِفُ الْجُمْلَةَ فَيَتْبَعُ الْقَلِيلُ فِيهِ الْكَثِيرَ، وَفِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ الْمُعْتَبَرَةِ أَنَّ مُحَمَّدًا مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَحَاصِلُ الْمَسَائِلِ أَرْبَعٌ وِفَاقِيَّتَانِ وَخِلَافِيَّتَانِ فَالْوِفَاقِيَّتَانِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رُطَبًا فَأَكَلَ رُطَبًا مُذَنِّبًا، وَمَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ بُسْرًا فَأَكَلَ بُسْرًا مُذَنِّبًا فَيَحْنَثُ فِيهِمَا اتِّفَاقًا وَالْخِلَافِيَّتَانِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رُطَبًا فَأَكَلَ بُسْرًا مُذَنِّبًا، وَمَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ بُسْرًا فَأَكَلَ رُطَبًا مُذَنِّبًا فَإِنَّهُ يَحْنَثُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَحْنَثُ بِشِرَاءِ كِبَاسَةِ بُسْرٍ فِيهَا رُطَبٌ فِي لَا يَشْتَرِي رُطَبًا) أَيْ لَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي رُطَبًا فَاشْتَرَى كِبَاسَةَ بُسْرٍ فِيهَا رُطَبٌ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ يُصَادِفُ جُمْلَتَهُ وَالْمَغْلُوبُ تَابِعٌ، وَلَوْ كَانَ الْيَمِينُ عَلَى الْأَكْلِ يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الْأَكْلَ يُصَادِفُهُ شَيْئًا فَشَيْئًا فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَقْصُودًا وَصَارَ كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يَشْتَرِي شَعِيرًا أَوْ لَا يَأْكُلُ فَاشْتَرَى حِنْطَةً فِيهَا حَبَّاتُ شَعِيرٍ أَوْ أَكَلَهَا يَحْنَثُ فِي الْأَكْلِ دُونَ الشِّرَاءِ لِمَا قَدَّمْنَا قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ لَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي أَلْيَةً فَاشْتَرَى شَاةً مَذْبُوحَةً كَانَ حَانِثًا، وَكَذَا إذَا حَلَفَ لَا يَشْتَرِي رَأْسًا وَالْكِبَاسَةُ بِكَسْرِ الْكَافِ عُنْقُودُ النَّخْلِ وَالْجَمْعُ كَبَائِسُ قَالَ فِي التَّبْيِينِ بِخِلَافِ مَا إذَا عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى الْمَسِّ حَيْثُ يَحْنَثُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا؛ لِأَنَّ الْمَسَّ فِيهَا مُتَصَوَّرٌ حَقِيقَةً، وَاسْمُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ بَاقٍ بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يَمَسُّ قُطْنًا أَوْ كَتَّانًا فَمَسَّ ثَوْبًا اُتُّخِذَ مِنْهُ حَيْثُ لَا يَحْنَثُ لِزَوَالِ اسْمِ الْقُطْنِ وَالْكَتَّانِ عَنْهُ فَصَارَ كَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ سَمْنًا أَوْ زُبْدًا أَوْ لَا يَمَسُّهُ فَأَكَلَ لَبَنًا أَوْ مَسَّهُ. (قَوْلُهُ: وَبِسَمَكٍ فِي لَا يَأْكُلُ لَحْمًا) أَيْ لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ لَحْمِ السَّمَكِ، وَإِنْ سَمَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى لَحْمًا فِي الْقُرْآنِ لِلْعُرْفِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْأَيْمَانَ مَبْنِيَّةٌ عَلَيْهِ لَا عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَهُوَ أَوْلَى مِمَّا فِي الْهِدَايَةِ مِنْ أَنَّ التَّسْمِيَةَ الَّتِي وَقَعَتْ فِي الْقُرْآنِ مَجَازِيَّةٌ لَا حَقِيقِيَّةٌ؛ لِأَنَّ اللَّحْمَ مُنْشَؤُهُ مِنْ الدَّمِ، وَلَا دَمَ فِي السَّمَكِ لِسُكُونِهِ فِي الْمَاءِ، وَلِذَا حَلَّ بِلَا ذَكَاةٍ فَإِنَّهُ يُنْتَقَضُ بِالْأَلْيَةِ تَنْعَقِدُ مِنْ الدَّمِ، وَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِهَا لِمَكَانِ الْعُرْفِ، وَهِيَ أَنَّهَا لَا تُسَمَّى لَحْمًا، وَأَيْضًا يَمْنَعُ أَنَّ اسْمَ اللَّحْمِ بِاعْتِبَارِ الِانْعِقَادِ مِنْ الدَّمِ لَا بِاعْتِبَارِ الِالْتِحَامِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ دَابَّةً فَرَكِبَ كَافِرًا أَوْ لَا يَجْلِسُ عَلَى وَتَدٍ فَجَلَسَ عَلَى جَبَلٍ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ مَعَ تَسْمِيَتِهَا فِي الْقُرْآنِ دَابَّةً، وَأَوْتَادًا، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَنْوِ أَمَّا إذَا نَوَاهُ   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 347 فَأَكَلَ سَمَكًا طَرِيًّا أَوْ مَالِحًا يَحْنَثُ، وَفِي الْمُحِيطِ، وَفِي الْأَيْمَانِ يُعْتَبَرُ الْعُرْفُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ حَتَّى قَالُوا لَوْ كَانَ الْحَالِفُ خَوَارِزْمِيًّا فَأَكَلَ لَحْمَ السَّمَكِ يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُمْ يُسَمُّونَهُ لَحْمًا، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي خُبْزًا فَاشْتَرَى خُبْزَ الْأُرْزِ لَا يَحْنَثُ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِطَبَرِسْتَانَ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَالْإِنْسَانِ وَالْكَبِدِ وَالْكِرْشِ لَحْمٌ) ؛ لِأَنَّ مَنْشَأَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الدَّمُ فَصَارَتْ لَحْمًا حَقِيقَةً فَيَحْنَثُ بِأَكْلِهَا فِي حَلِفِهِ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا، وَإِنْ كَانَ لَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَالْآدَمِيِّ حَرَامًا؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ قَدْ تَنْعَقِدُ لِمَنْعِ النَّفْسِ عَنْ الْحَرَامِ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَزْنِي أَوْ لَا يَكْذِبُ تَصِحُّ يَمِينُهُ، وَكَذَا يَدْخُلُ فِي الْعُمُومِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ شَرَابًا يَدْخُلُ فِيهِ الْخَمْرُ حَتَّى تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ بِشُرْبِهَا لِكَوْنِهَا شَرَابًا حَقِيقَةً وَوُجُوبُ الْكَفَّارَةِ فِي الْيَمِينِ لَيْسَ لِعَيْنِهَا بَلْ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهَا، وَهُوَ هَتْكُ حُرْمَةِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا يَخْتَلِفُ ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ يَمِينُهُ عَلَى الطَّاعَةِ أَوْ عَلَى الْمَعْصِيَةِ وَصَحَّحَ الْإِمَامُ الْعَتَّابِيُّ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَالْآدَمِيِّ، وَقَالَ فِي الْكَافِي، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اعْتِبَارًا لِلْعُرْفِ، وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ، وَمَا فِي التَّبْيِينِ مِنْ أَنَّهُ عُرْفٌ عَمَلِيٌّ لَا يَصْلُحُ مُقَيِّدًا لِلَّفْظِ بِخِلَافِ الْعُرْفِ اللَّفْظِيِّ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ دَابَّةً لَا يَحْنَثُ بِالرُّكُوبِ عَلَى الْإِنْسَانِ لِلْعُرْفِ اللَّفْظِيِّ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ عُرْفًا لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا الْكُرَاعَ، وَإِنْ كَانَ فِي اللُّغَةِ يَتَنَاوَلُهُ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ حَيَوَانًا يَحْنَثُ بِالرُّكُوبِ عَلَى الْإِنْسَانِ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ الْحَيَوَانَاتِ وَالْعُرْفُ الْعَمَلِيُّ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُرْكَبُ عَادَةً لَا يَصْلُحُ مُقَيِّدًا. اهـ. فَقَدْ رَدَّهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ لِتَصْرِيحِ أَهْلِ الْأُصُولِ بِقَوْلِهِمْ الْحَقِيقَةُ تُتْرَكُ بِدَلَالَةِ الْعَادَةِ إذْ لَيْسَتْ الْعَادَةُ إلَّا عُرْفًا عَمَلِيًّا، وَلَمْ يُجِبْ عَنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الدَّابَّةِ وَالْحَيَوَانِ، وَهِيَ وَارِدَةٌ عَلَيْهِ إنْ سَلَّمَهَا، وَفِي الْخُلَاصَةِ لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا فَأَكَلَ شَيْئًا مِنْ الْبُطُونِ كَالْكَبِدِ وَالطِّحَالِ يَحْنَثُ فِي عُرْفِ أَهْلِ الْكُوفَةِ، وَفِي عُرْفِنَا لَا يَحْنَثُ، وَهَكَذَا فِي الْمُحِيطِ وَالْمُجْتَبَى، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا يُسَمَّى لَحْمًا فِي عُرْفِ أَهْلِ مِصْرَ أَيْضًا فَعُلِمَ أَنَّ مَا فِي الْمُخْتَصَرِ مَبْنِيٌّ عَلَى عُرْفِ أَهْلِ الْكُوفَةِ، وَأَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْعُرْفِ، وَفِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا حَنِثَ بِأَكْلِ لَحْمِ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالطُّيُورِ مَطْبُوخًا كَانَ أَوْ مَشْوِيًّا أَوْ قَدِيدًا كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْأَصْلِ فَهَذَا مِنْ مُحَمَّدٍ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِالنِّيءِ، وَفِي فَتَاوَى أَبِي اللَّيْثِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْإِسْكَافِ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ، وَعِنْدَ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ يَحْنَثُ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا اللَّحْمِ شَيْئًا فَأَكَلَ مِنْ مَرَقَتِهِ لَمْ يَحْنَثْ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةُ الْمَرَقَةِ. اهـ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ الْأَشْبَهُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ النِّيءِ، وَفِي الْمُحِيطِ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمَ شَاةٍ فَأَكَلَ لَحْمَ عَنْزٍ يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الشَّاةَ اسْمُ جِنْسٍ فَيَتَنَاوَلُ الشَّاةَ أَيْ الضَّأْنَ وَغَيْرَهَا وَذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي نَوَازِلِهِ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ سَوَاءٌ كَانَ الْحَالِفُ قَرَوِيًّا أَوْ مِصْرِيًّا، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى؛ لِأَنَّهُمْ يُفَرِّقُونَ بَيْنَهُمَا عَادَةً، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمَ بَقَرَةٍ لَمْ يَحْنَثْ بِأَكْلِ لَحْمِ الْجَامُوسِ؛ لِأَنَّهُ، وَإِنْ كَانَ بَقَرًا حَتَّى يُعَدُّ فِي نِصَابِ الْبَقَرِ، وَلَكِنْ خَرَجَ مِنْ الْيَمِينِ بِتَعَارُفِ النَّاسِ. اهـ. وَفِي الْخَانِيَّةِ وَالرَّأْسُ وَالْأَكَارِعُ لَحْمٌ فِي يَمِينِ الْأَكْلِ، وَلَيْسَ بِلَحْمٍ فِي يَمِينِ الشِّرَاءِ. اهـ. وَفِي الْبَدَائِعِ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمَ دَجَاجٍ فَأَكَلَ لَحْمَ دِيكٍ حَنِثَ؛ لِأَنَّ الدَّجَاجَ اسْمٌ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى جَمِيعًا فَأَمَّا الدَّجَاجَةُ فَاسْمٌ لِلْأُنْثَى وَالدِّيكُ اسْمٌ لِلذَّكَرِ، وَاسْمُ الْإِبِلِ يَقَعُ عَلَى الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ، وَكَذَا اسْمُ الْجَمَلِ وَالْبَعِيرِ وَالْجَزُورِ، وَهَذِهِ الْأَرْبَعَةُ تَقَع عَلَى الْبَخَاتِيِّ وَالْعِرَابِ وَاسْمُ الْبَقَرِ يَقَعُ عَلَى الْأُنْثَى وَالذَّكَرِ كَالشَّاةِ وَالْغَنَمِ وَالنَّعْجَةُ اسْمٌ لِلْأُنْثَى وَالْكَبْشُ لِلذَّكَرِ وَالْفَرَسُ لَهُمَا كَالْبَغْلِ وَالْبَغْلَةِ وَالْحِمَارُ لِلذَّكَرِ وَالْحِمَارَةُ وَالْأَتَانُ لِلْأُنْثَى. (قَوْلُهُ: وَبِشَحْمِ الظَّهْرِ فِي شَحْمًا) أَيْ لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ شَحْمًا فَأَكَلَ شَحْمَ الظَّهْرِ لَا يَحْنَثُ فَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَبِسَمَكٍ، وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ، وَقَالَا يَحْنَثُ لِوُجُودِ خَاصِّيَّةِ الشَّحْمِ فِيهِ، وَهُوَ الذَّوْبُ بِالنَّارِ، وَلَهُ أَنَّهُ لَحْمٌ حَقِيقَةً أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَنْشَأُ مِنْ الدَّمِ وَيُسْتَعْمَلُ اسْتِعْمَالَهُ وَيَحْصُلُ بِهِ قُوَّتُهُ، وَلِهَذَا يَحْنَثُ بِأَكْلِهِ فِي الْيَمِينِ عَلَى أَكْلِ اللَّحْمِ إجْمَاعًا كَمَا فِي الْمُحِيطِ، وَلَا يَحْنَثُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: لِتَصْرِيحِ أَهْلِ الْأُصُولِ بِقَوْلِهِمْ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ، وَفِي بَحْثِ التَّخْصِيصِ مِنْ التَّحْرِيرِ مَسْأَلَةُ الْعَادَةِ الْعُرْفُ الْعَمَلِيُّ مُخَصِّصٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيَّةِ كَحُرْمَةِ الطَّعَامِ، وَعَادَتُهُمْ أَكْلُ الْبُرِّ انْصَرَفَ إلَيْهِ، وَهُوَ الْوَجْهُ أَمَّا بِالْعُرْفِ الْقَوْلِيِّ فَاتِّفَاقٌ كَالدَّابَّةِ لِلْحِمَارِ وَالدَّرَاهِمِ عَلَى النَّقْدِ الْغَالِبِ، وَفِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ أَنَّ الْعُرْفَ الْعَمَلِيَّ يَصْلُحُ مُقَيِّدًا عِنْدَ بَعْضِ مَشَايِخِ بَلْخَ لِمَا ذُكِرَ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ فِي مَسْأَلَةِ إذَا كَانَتْ الْحَقِيقَةُ مُسْتَعْمَلَةً وَالْمَجَازُ مُتَعَارَفًا. اهـ. وَهَذِهِ النُّقُولُ تُؤْذِنُ بِأَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِرُكُوبِ الْآدَمِيِّ فِي لَا يَرْكَبُ حَيَوَانًا فَإِيرَادُ الْفَرْعِ عَلَى مَا فِي الْفَتْحِ كَمَا فِي الْبَحْرِ غَيْرُ وَارِدٍ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ حَيْثُ كَانَتْ مُخَصِّصَةً انْصَرَفَتْ يَمِينُهُ إلَى مَا يُرْكَبُ عَادَةً فَتَدَبَّرْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 348 بِبَيْعِهِ فِي الْيَمِينِ عَلَى بَيْعِ الشَّحْمِ قَالَ الْقَاضِي الْإِسْبِيجَابِيُّ إنْ أُرِيدَ بِشَحْمِ الظَّهْرِ شَحْمُ الْكُلْيَةِ فَقَوْلُهُمَا أَظْهَرُ، وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ شَحْمُ اللَّحْمِ فَقَوْلُهُ أَظْهَرُ. اهـ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ صَحَّحَ غَيْرُ وَاحِدٍ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ فِي الْأَصَحِّ، وَقَيَّدَ بِشَحْمِ الظَّهْرِ؛ لِأَنَّهُ يَحْنَثُ بِشَحْمِ الْبَطْنِ اتِّفَاقًا، وَذَكَرَ فِي الْكَافِي أَنَّ الشُّحُومَ أَرْبَعَةٌ شَحْمُ الْبَطْنِ وَشَحْمُ الظَّهْرِ وَشَحْمٌ مُخْتَلَطٌ بِالْعَظْمِ وَشَحْمٌ عَلَى ظَاهِرِ الْأَمْعَاءِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ يَحْنَثُ بِشَحْمِ الْبَطْنِ وَالثَّلَاثَةُ عَلَى الْخِلَافِ. اهـ. وَالْيَمِينُ عَلَى شِرَاءِ اللَّحْمِ كَهِيَ عَلَى أَكْلِهِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَمَا فِي الْكَافِي لَا يَخْلُو مِنْ نَظَرٍ بَلْ لَا يَنْبَغِي خِلَافٌ فِي عَدَمِ الْحِنْثِ بِمَا عَلَى الْأَمْعَاءِ فِي الْعَظْمِ قَالَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ إنَّ أَحَدًا لَمْ يَقُلْ بِأَنَّ مُخَّ الْعَظْمِ شَحْمٌ. اهـ. وَكَذَا لَا يَنْبَغِي خِلَافٌ فِي الْحِنْثِ بِمَا عَلَى الْأَمْعَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُخْتَلَفُ فِي تَسْمِيَتِهِ شَحْمًا. اهـ. وَفَسَّرَ فِي الْهِدَايَةِ شَحْمَ الظَّهْرِ بِأَنَّهُ اللَّحْمُ السَّمِينُ، وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ الْمَأْمُورَ بِشِرَاءِ اللَّحْمِ إذَا اشْتَرَى شَحْمَ الظَّهْرِ لَا يَجُوزُ عَلَى الْآمِرِ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ مُحَمَّدٍ، وَهُوَ دَلِيلٌ لِلْإِمَامِ أَيْضًا كَمَا فِي الْمُحِيطِ (قَوْلُهُ: وَبِأَلْيَةٍ فِي شَحْمًا، وَلَحْمًا) أَيْ لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ أَلْيَةٍ لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا أَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ شَحْمًا؛ لِأَنَّهَا نَوْعٌ ثَالِثٌ حَتَّى لَا تُسْتَعْمَلُ اسْتِعْمَالَ اللُّحُومِ وَالشُّحُومِ فَلَا يَتَنَاوَلُهَا اللَّفْظُ مَعْنًى، وَلَا عُرْفًا (قَوْلُهُ: وَبِالْخُبْزِ فِي هَذَا الْبُرَّ) أَيْ لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ الْخُبْزِ فِي حَلِفِهِ لَا يَأْكُلُ هَذَا الْبُرَّ فَلَا يَحْنَثُ إلَّا بِالْقَضْمِ مِنْ عَيْنِهَا عِنْدَ الْإِمَامِ، وَقَالَا إنْ أَكَلَ مِنْ خُبْزِهَا حَنِثَ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ مَفْهُومٌ مِنْهُ عُرْفًا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ لَهَا حَقِيقَةً مُسْتَعْمَلَةً فَإِنَّهَا تُغْلَى وَتُقْلَى وَتُؤْكَلُ قَضْمًا، وَهِيَ قَاضِيَةٌ عَلَى الْمَجَازِ الْمُتَعَارَفِ كَمَا هُوَ الْأَصْلُ عِنْدَهُ، وَلَوْ قَضَمَهَا حَنِثَ عِنْدَهُمَا عَلَى الصَّحِيحِ لِعُمُومِ الْمَجَازِ كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يَضَعُ قَدَمَهُ فِي دَارِ فُلَانٍ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ حَنِثَ فِي الْخُبْزِ أَيْضًا كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَصَحَّحَ فِي الذَّخِيرَةِ عَنْهُمَا أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ عَيْنِهَا. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْمُحِيطِ إنَّمَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ عَيْنِهَا عِنْدَ الْإِمَامِ إذَا لَمْ تَكُنْ نَيِّئَةً بِأَنْ كَانَتْ مَقْلِيَّةً كَالْبَلِيلَةِ فِي عُرْفِنَا أَمَّا إذَا قَضَمَهَا نَيِّئَةً لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَعْمَلٍ أَصْلًا. وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ أَكَلَ مِنْ دَقِيقِهَا أَوْ سَوِيقِهَا فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِالْأَوْلَى عِنْدَ الْإِمَامِ، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَقَالُوا لَوْ أَكَلَ مِنْ سَوِيقِهَا حَنِثَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ فَيَحْتَاجُ أَبُو يُوسُفَ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْخُبْزِ وَالسَّوِيقِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْحِنْطَةَ إذَا ذُكِرَتْ مَقْرُونَةً بِالْأَكْلِ يُرَادُ بِهَا الْخُبْزُ دُونَ السَّوِيقِ وَمُحَمَّدٌ اعْتَبَرَ عُمُومَ الْمَجَازِ. وَأَطْلَقَهُ الْمُصَنِّفُ فَشَمِلَ مَا إذَا نَوَى عَيْنَهَا أَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ إذَا نَوَى أَكْلَ الْخُبْزِ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ؛ لِأَنَّهُ شَدَّدَ عَلَى نَفْسِهِ، وَقَيَّدَ بِكَوْنِ الْحِنْطَةِ مُعَيَّنَةً؛ لِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ حِنْطَةً يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ جَوَابُهُ كَجَوَابِهِمَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ تَحَكُّمٌ وَالدَّلِيلُ الْمَذْكُورُ الْمُتَّفَقُ عَلَى إيرَادِهِ فِي جَمِيعِ الْكُتُبِ يَعُمُّ الْمُعَيَّنَةَ وَالنَّكِرَةَ، وَهُوَ أَنَّ عَيْنَهَا مَأْكُولٌ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَلَا فَرْقَ فِي الْحُكْمِ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ لَا آكُلُ مِنْ هَذِهِ الْحِنْطَةِ أَوْ هَذِهِ الْحِنْطَةَ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ. (قَوْلُهُ: وَفِي هَذَا الدَّقِيقَ يَحْنَثُ بِخُبْزِهِ لَا بِسَفِّهِ) أَيْ فِي حَلِفِهِ لَا يَأْكُلُ هَذَا الدَّقِيقَ لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ عَيْنِهِ؛ لِأَنَّ عَيْنَهُ غَيْرُ مَأْكُولٍ بِخِلَافِ الْحِنْطَةِ فَانْصَرَفَ إلَى مَا يُتَّخَذُ مِنْهُ فَلَوْ اسْتَفَّهُ كَمَا هُوَ لَمْ يَحْنَثْ عَلَى الصَّحِيحِ لِتَعَيُّنِ الْمَجَازِ مُرَادًا كَمَا لَوْ أَكَلَ عَيْنَ النَّخْلَةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَإِنْ عَنَى أَكْلَ الدَّقِيقِ بِعَيْنِهِ لَمْ يَحْنَثْ بِأَكْلِ خُبْزِهِ؛ لِأَنَّهُ نَوَى الْحَقِيقَةَ، وَفِي الْمُحِيطِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَكَلَ مِنْ عَصِيدَتِهِ يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُؤْكَلُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ أَكْلَ الدَّقِيقِ هَكَذَا يَكُونُ عِنْدَ الْعُقَلَاءِ فَيَنْصَرِفُ إلَى مَا هُوَ مُعْتَادٌ بَيْنَهُمْ. اهـ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ مِنْ هَذَا الدَّقِيقِ فَاتَّخَذَ مِنْهُ خَبِيصًا قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ أَخَافُ أَنْ يُحْنِثَهُ. اهـ. وَمِنْ الْخَبِيصِ الْحَلْوَاءُ فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ حَنِثَ بِمَا يُتَّخَذُ مِنْهُ لَكَانَ أَوْلَى. (قَوْلُهُ: وَالْخُبْزُ مَا اعْتَادَهُ بَلَدُهُ فَإِذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ خُبْزًا حَنِثَ بِأَكْلِ خُبْزِ الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ) ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُعْتَادُ فِي غَالِبِ الْبِلَادِ فَلَوْ أَكَلَ مِنْ خُبْزِ الْقَطَائِفِ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى خُبْرًا مُطْلَقًا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: بَلْ لَا يَنْبَغِي خِلَافٌ فِي عَدَمِ الْحِنْثِ بِمَا عَلَى الْأَمْعَاءِ فِي الْعَظْمِ) عِبَارَةُ الْفَتْحِ بِمَا فِي الْعَظْمِ فَقَوْلُهُ عَلَى الْأَمْعَاءِ لَعَلَّهُ مِنْ زِيَادَاتِ النُّسَّاخِ (قَوْلُهُ: وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ الْمَأْمُورَ بِشِرَاءِ اللَّحْمِ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَفِي بَعْضِهَا الشَّحْمُ بَدَلَ اللَّحْمِ، وَهِيَ أَظْهَرُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 349 إلَّا إذَا نَوَاهُ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُهُ، وَلَوْ أَكَلَ خُبْزَ الْأُرْزِ بِالْعِرَاقِ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ عِنْدَهُمْ حَتَّى لَوْ كَانَ بِطَبَرِسْتَانَ أَوْ فِي بَلَدٍ طَعَامُهُمْ ذَلِكَ حَنِثَ، وَلَا يَحْنَثُ بِخُبْزِ الشَّعِيرِ إنْ كَانَ مِصْرِيًّا؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَعْتَادُونَ إلَّا خُبْزَ الْبُرِّ وَيَحْنَثُ الْحِجَازِيُّ وَالْيَمَنِيُّ بِخُبْزِ الذُّرَةِ؛ لِأَنَّهُمْ يَعْتَادُونَهُ وَدَخَلَ فِي الْخُبْزِ الْكَمَاجُ؛ لِأَنَّهُ خُبْزٌ وَزِيَادَةٌ لِلِاخْتِصَاصِ بِاسْمِ الزِّيَادَةِ لَا لِلنَّقْصِ، وَلَا يَحْنَثُ بِالثَّرِيدِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى خُبْزًا مُطْلَقًا، وَفِي الْخُلَاصَةِ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا الْخُبْزِ فَأَكَلَهُ بَعْدَمَا تَفَتَّتَ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى خُبْزًا، وَلَا يَحْنَثُ بِالْعَصِيدِ وَالطَّطْمَاجِ، وَلَا يَحْنَثُ لَوْ دَقَّهُ فَشَرِبَهُ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي حِيلَةٍ: أَكْلُهُ أَنْ يَدُقَّهُ فَيُلْقِيَهُ فِي عَصِيدَةٍ وَيُطْبَخَ حَتَّى يَصِيرَ الْخُبْزُ هَالِكًا، وَقَدْ سُئِلَ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ عَنْ بَدْوِيٍّ اعْتَادَ أَكْلَ خُبْزِ الشَّعِيرِ فَدَخَلَ الْبَلْدَةَ الْمُعْتَادَ فِيهَا أَكْلُ خُبْزِ الْحِنْطَةِ وَاسْتَمَرَّ هُوَ لَا يَأْكُلُ إلَّا الشَّعِيرَ فَحَلَفَ لَا يَأْكُلُ خُبْزًا قَالَ فَقُلْتُ: لَا يَنْعَقِدُ إلَّا عَلَى عُرْفِ نَفْسِهِ فَيَحْنَثُ بِالشَّعِيرِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْعَقِدْ عَلَى عُرْفِ النَّاسِ إلَّا؛ لِأَنَّ الْحَالِفَ يَتَعَاطَاهُ فَهُوَ مِنْهُمْ فَيَنْصَرِفُ كَلَامُهُ لِذَلِكَ، وَهَذَا مُنْتَفٍ فِيمَنْ لَمْ يُوَافِقْهُمْ بَلْ هُوَ مُجَانِبٌ لَهُمْ. اهـ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ يَحْنَثُ بِأَكْلِ الزَّمَاوَرْدَ، وَهُوَ مَا يُقْطَعُ مِنْ الْخُبْزِ مُسْتَدِيرًا بَعْدَ أَنْ كَانَ مَحْشُوًّا بِالْبِيضِ وَغَيْرِهِ، وَلَوْ أَكَلَ الْخُبْزَ مَبْلُولًا حَنِثَ، وَفِي الْخَانِيَّةِ أَنَّهُ يَحْنَثُ بِأَكْلِ الرُّقَاقِ. اهـ. وَيَنْبَغِي أَنْ يُخَصَّ ذَلِكَ بِالرُّقَاقِ الْبِيسَانِيِّ بِمِصْرَ أَمَّا الرُّقَاقُ الَّذِي يُحْشَى بِالسُّكْرِ وَاللَّوْزِ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ اسْمِ الْخُبْزِ فِي عُرْفِنَا كَمَا لَا يَخْفَى، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ خُبْزَ فُلَانَةَ الْخَابِزَةِ وَالْخَابِزَةُ هِيَ الَّتِي تَضْرِبُ الْخُبْزَ فِي التَّنُّورِ دُونَ الَّتِي تَعْجِنُهُ وَتُهَيِّئُوهُ لِلضَّرْبِ فَإِنْ أَكَلَ مِنْ خُبْزِ الَّتِي ضَرَبَتْهُ حَنِثَ، وَإِلَّا فَلَا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالشِّوَاءِ وَالطَّبِيخِ عَلَى اللَّحْمِ) فَإِذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الشِّوَاءَ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِأَكْلِ اللَّحْمِ دُونَ الْبَاذِنْجَانِ وَالْجَزَرِ؛ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ اللَّحْمُ الْمَشْوِيُّ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ مَا يُشْوَى مِنْ بَيْضٍ وَغَيْرِهِ لِمَكَانِ الْحَقِيقَةِ، وَكَذَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الطَّبِيخَ فَهُوَ عَلَى مَا يُطْبَخُ مِنْ اللَّحْمِ، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ اعْتِبَارًا لِلْعُرْفِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ التَّعْمِيمَ مُتَعَذِّرٌ فَيُصْرَفُ إلَى خَاصٍّ هُوَ مُتَعَارَفٌ، وَهُوَ اللَّحْمُ الْمَطْبُوخُ بِالْمَاءِ إلَّا إذَا نَوَى غَيْرَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَشْدِيدًا، وَإِنْ أَكَلَ مِنْ مَرَقِهِ يَحْنَثُ لِمَا فِيهِ مِنْ أَجْزَاءِ اللَّحْمِ؛ وَلِأَنَّهُ يُسَمَّى طَبِيخًا، وَإِنْ كَانَ لَا يُسَمَّى لَحْمًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَفِي الْبَدَائِعِ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ طَبِيخِ امْرَأَتِهِ فَسَخَّنَتْ لَهُ قِدْرًا قَدْ طَبَخَهَا غَيْرُهَا إنَّهُ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الطَّبْخَ فِعْلُ مَنْ طَبَخَ، وَهُوَ الْفِعْلُ الَّذِي يَسْهُلُ بِهِ أَكْلُ اللَّحْمِ وَذَلِكَ وُجِدَ مِنْ الْأَوَّلِ لَا مِنْهَا. اهـ. وَفِي التَّجْرِيدِ قِيلَ اسْمُ الطَّبْخِ يَقَعُ بِوَضْعِ الْقِدْرِ لَا بِإِيقَادِ النَّارِ، وَقِيلَ لَوْ أَوْقَدَ غَيْرُهَا فَوَضَعَتْ هِيَ الْقِدْرَ لَا يَحْنَثُ. اهـ. وَفِي عُرْفِنَا لَيْسَ وَاضِعُ الْقَدْرِ طَابِخًا قَطْعًا، وَمُجَرَّدُ الْإِيقَادِ كَذَلِكَ، وَمِثْلُهُ يُسَمَّى صَبِيَّ الطَّبَّاخِ يَعْنِي مُعِينَهُ، وَالطَّبَّاخُ هُوَ الْمُوَكَّلُ بِوَضْعِ التَّوَابِلِ، وَإِنْ لَمْ يُوقِدْ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَيَرِدُ عَلَى الْمُصَنِّفِ شَيْئَانِ الْأَوَّلُ أَنَّ الطَّبِيخَ لَيْسَ هُوَ اللَّحْمُ خَاصَّةً، وَإِنَّمَا هُوَ مَا يُطْبَخُ بِالْمَاءِ مِنْ اللَّحْمِ حَتَّى إنَّ مَا يُتَّخَذُ قَلِيَّةً مِنْ اللَّحْمِ لَا يُسَمَّى طَبِيخًا فَلَا يَحْنَثُ بِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّبْيِينِ وَغَيْرِهِ فَإِنْ قِيلَ إنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْمَطْبُوخَ بِالْمَاءِ قُلْنَا لَا يَصِحُّ ذَلِكَ فِي الشِّوَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْنَثُ فِيهِ إذَا أَكَلَ لَحْمًا مَطْبُوخًا بِالْمَاءِ؛ لِأَنَّ اللَّحْمَ الْمَشْوِيَّ هُوَ الَّذِي لَمْ يُطْبَخْ بِالْمَاءِ، وَقَدْ جَعَلَهُمَا وَاحِدًا. الثَّانِي أَنَّ الطَّبِيخَ لَا يَخْتَصُّ بِالْمَطْبُوخِ مِنْ اللَّحْمِ لِمَا فِي الْخُلَاصَةِ أَنَّهُ يَحْنَثُ بِالْأُرْزِ إذَا طُبِخَ بِوَدَكٍ، وَكَذَا الْعَدَسُ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ بِخِلَافِ مَا إذَا طُبِخَ بِزَيْتٍ أَوْ سَمْنٍ قَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ الطَّبِيخُ يَقَعُ عَلَى الشَّحْمِ أَيْضًا زَادَ فِي الْبَدَائِعِ أَنَّهُ يَقَعُ عَلَى مَا طُبِخَ بِالْأَلْيَةِ أَيْضًا قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ اللَّحْمَ بِالْمَاءِ طَبِيخٌ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي أَنَّهُ الْمُتَعَارَفُ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِهِ. اهـ. وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى أَنَّهُ لَوْ أَكَلَ سَمَكًا مَطْبُوخًا لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى طَبِيخًا فِي الْعُرْفِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ، وَفِي الْمُغْرِبِ الْوَدَكُ مِنْ الشَّحْمِ أَوْ اللَّحْمِ مَا تَحَلَّبَ مِنْهُ، وَقَوْلُ الْفُقَهَاءِ وَدَكُ الْمَيْتَةِ مِنْ ذَلِكَ. اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ الدُّهْنُ الْخَاصُّ، وَهُوَ دُهْنُ الشَّحْمِ أَوْ اللَّحْمِ قَالَ فِي   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 350 تَهْذِيبِ الْقَلَانِسِيِّ، وَمَا يُطْبَخُ مَعَ الْأَدْهَانِ يُسَمَّى مَزُورَةً. اهـ. وَمُرَادُهُ غَيْرُ دُهْنِ اللَّحْمِ وَالشَّحْمِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَعَلَى هَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ طَبِيخًا لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ الْمَزُورَةِ الَّتِي تُفْعَلُ لِلْمَرِيضِ قَيَّدَ الْمُصَنِّفُ بِالطَّبِيخِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ طَعَامًا فَأَكَلَ خُبْزًا أَوْ فَاكِهَةً أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يُؤْكَلُ عَلَى وَجْهِ التَّطَعُّمِ كَانَ حَانِثًا، وَإِنْ أَكَلَ مَالَهُ طَعْمٌ لَكِنْ لَا يُؤْكَلُ عَلَى وَجْهِ التَّطَعُّمِ كَالسَّقَمُونْيَا وَنَحْوِ ذَلِكَ لَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ طَعَامًا فَأَكَلَ مِلْحًا أَوْ خَلًّا أَوْ كَامِخًا أَوْ زَيْتًا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ هَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ، وَقَالَ كُلُّ شَيْءٍ يُؤْكَلُ فَهُوَ طَعَامٌ فَقَدْ جَعَلَ مُحَمَّدٌ الْخَلَّ طَعَامًا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ الْخَلُّ لَيْسَ بِطَعَامٍ قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي كِتَابِهِ: وَحَقِيقَةُ الطَّعَامِ مَا يُطْعَمُ، وَلَكِنْ يَخْتَصُّ فِي الْعُرْفِ بِبَعْضِ الْأَشْيَاءِ فَإِنَّ السَّقَمُونْيَا، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْأَدْوِيَةِ الْكَرِيهَةِ لَا تُسَمَّى طَعَامًا. اهـ. وَفِي الْبَدَائِعِ لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ طَعَامًا فَأَكَلَ شَيْئًا يَسِيرًا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ قَلِيلَ الطَّعَامِ طَعَامٌ، وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ طَعَامِ فُلَانٍ فَأَكَلَ مِنْ نَبِيذِهِ لَمْ يَحْنَثْ وَالنَّبِيذُ شَرَابٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ طَعَامٌ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي طَعَامًا لَا يَحْنَثُ إلَّا بِشِرَاءِ الْحِنْطَةِ وَالدَّقِيقِ وَالْخُبْزِ اسْتِحْسَانًا، وَفِي الْوَاقِعَاتِ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ طَعَامًا فَأَكَلَ دَوَاءً إنْ كَانَ مِنْ الدَّوَاءِ الَّذِي لَا يَكُونُ لَهُ طَعْمٌ، وَلَا يَكُونُ غِذَاءً وَيَكُونُ مُرًّا كَرِيهًا لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى طَعَامًا، وَإِنْ كَانَ دَوَاءً لَهُ حَلَاوَةٌ مِثْلُ الْحَلَنْجَبِينَ يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ لَهُ طَعْمًا وَيَكُونُ بِهِ غِذَاءً حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ طَعَامِ فُلَانٍ فَأَكَلَ مِنْ خَلِّهِ بِطَعَامِ نَفْسِهِ أَوْ بِزَيْتِهِ أَوْ بِمِلْحِهِ حَنِثَ؛ لِأَنَّهُ أَكَلَ مِنْ طَعَامِهِ. اهـ. وَفِي الْبَدَائِعِ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ طَعَامًا فَاضْطُرَّ إلَى أَكْلِ مَيْتَةٍ فَأَكَلَ مِنْهَا لَمْ يَحْنَثْ. (قَوْلُهُ: وَالرَّأْسُ مَا يُبَاعُ فِي مِصْرِهِ) فَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رَأْسًا انْصَرَفَتْ يَمِينُهُ إلَى مَا يُكْبَسُ فِي التَّنَانِيرِ فِي تِلْكَ الْبَلْدَةِ وَتُبَاعُ فِيهَا مِنْ رُءُوسِ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ مَا يُبَاعُ فِي مِصْرِهِ أَيْ مِنْ الرُّءُوسِ غَيْرَ نَيِّئٍ وَخَصَّهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِرُءُوسِ الْبَقَر وَالْغَنَم عِنْدَ الْإِمَامِ، وَعِنْدَهُمَا بِالْغَنَمِ خَاصَّةً، وَهُوَ اخْتِلَافُ عَصْرٍ، وَفِي زَمَانِنَا هُوَ خَاصٌّ بِالْغَنَمِ فَوَجَبَ عَلَى الْمُفْتِي أَنْ يُفْتِيَ بِمَا هُوَ الْمُعْتَادُ فِي كُلِّ مِصْرٍ وَقَعَ فِيهِ حَلِفُ الْحَالِفِ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْمُخْتَصَرِ، وَمَا فِي التَّبْيِينِ مِنْ أَنَّ الْأَصْلَ اعْتِبَارُ الْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ إنْ أَمْكَنَ الْعَمَلُ بِهَا، وَإِلَّا فَالْعُرْفِ إلَى آخِرِهِ مَرْدُودٌ؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ إنَّمَا هُوَ لِلْعُرْفِ وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَالْآدَمِيِّ، وَلِذَا قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَلَوْ كَانَ هَذَا الْأَصْلُ الْمَذْكُورُ مَنْظُورًا إلَيْهِ لَمَا تَجَاسَرَ أَحَدٌ عَلَى خِلَافِهِ فِي الْفُرُوعِ. اهـ. وَفِي الْبَدَائِعِ وَالِاعْتِمَادُ إنَّمَا هُوَ عَلَى الْعُرْفِ وَبِمَا ذَكَرْنَاهُ انْدَفَعَ مَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَنَّهُ فِي الْأَكْلِ يَقَعُ عَلَى الْكُلِّ إذَا أَكَلَ مَا يُسَمَّى رَأْسًا، وَفِي الشِّرَاءِ يَقَعُ عَلَى رَأْسِ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا عَلَى الْغَنَمِ خَاصَّةً، وَلَا يَقَعُ عَلَى رَأْسِ الْإِبِلِ بِالْإِجْمَاعِ لِمَا عَلِمْت أَنَّهُ فِي الْأَكْلِ خَاصٌّ بِمَا يُبَاعُ فِي مِصْرِهِ، وَفِي الْمُغْرِبِ يُكْبَسُ فِي التَّنُّورِ يُطَمُّ بِهِ التَّنُّورُ أَوْ يُدْخَلُ فِيهِ مِنْ كَبَسَ الرَّجُلُ رَأْسَهُ فِي قَمِيصِهِ إذَا أَدْخَلَهُ. (قَوْلُهُ: وَالْفَاكِهَةُ التُّفَّاحُ وَالْبِطِّيخُ وَالْمِشْمِشُ لَا الْعِنَبُ وَالرُّمَّانُ وَالرُّطَبُ وَالْقِثَّاءُ وَالْخِيَارُ) ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا يَحْنَثُ فِي الرُّمَّانِ وَالْعِنَبِ وَالرُّطَبِ أَيْضًا وَالْأَصْلُ أَنَّ الْفَاكِهَةَ اسْمٌ لِمَا يُتَفَكَّهُ بِهِ قَبْلَ الطَّعَامِ وَبَعْدَهُ أَيْ يُتَنَعَّمُ بِهِ زِيَادَةً عَلَى الْمُعْتَادِ وَالرَّطْبُ وَالْيَابِسُ فِيهِ سَوَاءٌ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ التَّفَكُّهُ بِهِ مُعْتَادًا حَتَّى لَا يَحْنَثُ بِيَابِسِ الْبِطِّيخِ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي التُّفَّاحِ، وَأَخَوَاتِهَا فَيَحْنَثُ بِهَا وَغَيْرُ مَوْجُودٍ فِي الْقِثَّاءِ وَالْخِيَارِ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ الْبُقُولِ بَيْعًا، وَأَكْلًا فَلَا يَحْنَثُ بِهِمَا، وَأَمَّا الْعِنَبُ وَالرُّطَبُ وَالرُّمَّانُ فَهُمَا يَقُولَانِ مَعْنَى التَّفَكُّهِ مَوْجُودٌ فِيهِمَا فَإِنَّهَا أَعَزُّ الْفَوَاكِهِ وَالتَّنَعُّمُ بِهَا يَفُوقُ التَّنَعُّمَ بِغَيْرِهَا وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ إنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مِمَّا يُتَغَذَّى بِهَا وَيُتَدَاوَى بِهَا فَأَوْجَبَ قُصُورًا فِي مَعْنَى التَّفَكُّهِ لِلِاسْتِعْمَالِ فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ، وَلِهَذَا كَانَ الْيَابِسُ مِنْهَا مِنْ التَّوَابِلِ أَوْ مِنْ الْأَقْوَاتِ وَذَكَرَ فِي الْكَشْفِ الْكَبِيرِ أَنَّ هَذَا اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ فَأَبُو حَنِيفَةَ أَفْتَى عَلَى   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 351 حَسَبِ عُرْفِهِ وَتَغَيَّرَ الْعُرْفُ فِي زَمَانِهِمَا، وَفِي عُرْفِنَا يَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ بِالِاتِّفَاقِ. اهـ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ التُّوتُ فَاكِهَةٌ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْعُنَّابَ فَاكِهَةٌ، وَفِي الْأَصْلِ الْجَوْزُ فَاكِهَةٌ قَالَ الْقُدُورِيُّ ثَمَرُ الشَّجَرِ كُلِّهَا فَاكِهَةٌ إلَّا الرُّمَّانَ وَالْعِنَبَ وَالرُّطَبَ وَالْبِطِّيخَ مِنْ الْفَوَاكِهِ هَكَذَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ وَرَوَى الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْمُنْتَقَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي شَرْحِهِ أَنَّ الْبِطِّيخَ لَيْسَ مِنْ الْفَوَاكِهِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ مَا لَا يُؤْكَلُ يَابِسُهُ فَاكِهَةً فَرُطَبُهُ لَا يَكُونُ فَاكِهَةً، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَيْسَ الْبَاقِلَاءُ الْأَخْضَرُ بِفَاكِهَةٍ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لِلْعُرْفِ فَمَا يُؤْكَلُ عَلَى سَبِيلِ التَّفَكُّهِ عَادَةً وَيُعَدُّ فَاكِهَةً فِي الْعُرْفِ يَدْخُلُ تَحْتَ الْيَمِينِ، وَمَا لَا فَلَا. اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ مَا رُوِيَ أَنَّ الْجَوْزَ وَاللَّوْزَ مِنْ الْفَاكِهَةِ هُوَ فِي عُرْفِهِمْ أَمَّا فِي عُرْفِنَا فَإِنَّهُ لَا يُؤْكَلُ لِلتَّفَكُّهِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ قَصَبُ السُّكْرِ وَالْبُسْرُ الْأَحْمَرُ فَاكِهَةٌ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ فَاكِهَةِ الْعَامِ وَثِمَارِ الْعَامِ فَإِنْ كَانَ فِي أَيَّامِ الْفَاكِهَةِ الرَّطْبَةِ فَهُوَ عَلَى الرَّطْبِ فَإِنْ أَكَلَ الْيَابِسَ لَا يَحْنَثُ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ، وَقْتِهَا فَهُوَ عَلَى الْيَابِسِ، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ لِتَعَارُفِ النَّاسِ إطْلَاقَ اسْمِ الْفَاكِهَةِ فِي وَقْتِ الرَّطْبِ عَلَى الرَّطْبِ دُونَ الْيَابِسِ. اهـ. وَفِي الْبَدَائِعِ لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ فَاكِهَةً فَأَكَلَ زَبِيبًا أَوْ تَمْرًا أَوْ حَبَّ الرُّمَّانِ لَا يَحْنَثُ بِالْإِجْمَاعِ وَالْجَوْزُ رَطْبُهُ فَاكِهَةٌ وَيَابِسُهُ إدَامٌ. اهـ. قَيَّدَ الْمُصَنِّفُ بِالْفَاكِهَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الْحَلْوَاءَ فَالْحَلْوَاءُ عِنْدَهُمْ كُلُّ حُلْوٍ لَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ حَامِضٌ، وَمَا كَانَ مِنْ جِنْسِهِ حَامِضٌ فَلَيْسَ بِحَلْوَاءَ وَالْمَرْجِعُ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ فَيَحْنَثُ بِأَكْلِ الْخَبِيصِ وَالْعَسَلِ وَالسُّكْرِ وَالنَّاطِفِ وَالرُّبِّ وَالرُّطَبِ وَالتَّمْرِ، وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ، وَكَذَا رَوَى الْمُعَلَّى عَنْ مُحَمَّدٍ إذَا أَكَلَ تِينًا رَطْبًا أَوْ يَابِسًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِهَا حَامِضٌ فَخَلَصَ مَعْنَى الْحَلَاوَةِ فِيهِ، وَلَوْ أَكَلَ عِنَبًا حُلْوًا أَوْ بِطِّيخًا حُلْوًا أَوْ رُمَّانًا حُلْوًا أَوْ إجَاصًا حُلْوًا لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ مِنْ جِنْسِهِ مَا لَيْسَ بِحَلْوَاءَ، وَكَذَا الزَّبِيبُ، وَكَذَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ حَلْوَاةً فَهُوَ مِثْلُ الْحَلْوَاءِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْحُلْوَ وَالْحَلْوَاءَ وَالْحَلَاوَةَ وَاحِدٌ، وَهَذَا لَيْسَ فِي عُرْفِنَا فَإِنَّ فِي عُرْفِنَا الْحُلْوَ اسْمٌ لِلْعَسَلِ الْمَطْبُوخِ عَلَى النَّارِ بِنَشَاءٍ وَنَحْوِهِ، وَأَمَّا الْحَلْوَاءُ وَالْحَلَاوَةُ فَاسْمٌ لِسُكَّرٍ أَوْ عَسَلٍ أَوْ مَاءِ عِنَبٍ طُبِخَ عَلَى النَّارِ، وَعَقَدَ حَتَّى صَارَ جَامِدًا كَالْعَقِيدِ وَالْفَانِيذِ وَالْحَلَاوَةِ الْجَوْزِيَّةِ وَالسِّمْسِمِيَّةِ وَنَحْوِهَا، وَكَمَا قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ قَالَ الْقُدُورِيُّ الْمَرْجِعُ فِي هَذَا إلَى عَادَاتِ النَّاسِ فَعَلَى هَذَا لَا يَحْنَثُ فِي الْفَانِيذِ وَالْعَسَلِ وَالسُّكَّرِ فِي بِلَادِنَا. اهـ. وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ شَهِدَا فَأَكَلَ عَسَلًا لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الْعَسَلَ اسْمٌ لِلصَّافِي وَالشَّهْدُ اسْمٌ لِلْمُخْتَلِطِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ سُكَّرًا فَأَكَلَ سُكَّرًا بِفِيهِ وَجَعَلَ يَمْتَصُّهُ حَتَّى ذَابَ فَابْتَلَعَ مَاءَهُ لَمْ يَحْنَثْ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ أَيْضًا. (قَوْلُهُ: وَالْإِدَامُ مَا يُصْطَبَغُ بِهِ كَالْخَلِّ وَالْمِلْحِ وَالزَّيْتِ لَا اللَّحْمُ وَالْبَيْضُ وَالْجُبْنُ) أَيْ هُوَ شَيْءٌ يَصْبُغُ الْخُبْزَ إذَا اخْتَلَطَ بِهِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ مَا يُؤْكَلُ مَعَ الْخُبْزِ غَالِبًا، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ الْإِدَامَ مِنْ الْمُؤَادَمَةِ، وَهِيَ الْمُوَافَقَةُ، وَكُلُّ مَا يُؤْكَلُ مَعَ الْخُبْزِ مُوَافِقٌ لَهُ كَاللَّحْمِ وَالْبَيْضِ وَنَحْوِهِ، وَلَهُمَا أَنَّ الْإِدَامَ مَا يُؤْكَلُ تَبَعًا وَالتَّبَعِيَّةُ فِي الِاخْتِلَاطِ حَقِيقَةٌ لِيَكُونَ قَائِمًا بِهِ، وَفِي أَنْ لَا يُؤْكَلَ عَلَى الِانْفِرَادِ حُكْمًا وَتَمَامُ الْمُوَافَقَةِ فِي الِامْتِزَاجِ أَيْضًا وَالْخَلُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمَائِعَاتِ لَا تُؤْكَلُ وَحْدَهَا بَلْ تُشْرَبُ وَالْمِلْحُ لَا يُؤْكَلُ بِانْفِرَادِهِ عَادَةً؛ وَلِأَنَّهُ يَذُوبُ فَيَكُونُ تَبَعًا بِخِلَافِ اللَّحْمِ، وَمَا يُضَاهِيهِ؛ لِأَنَّهُ يُؤْكَلُ وَحْدَهُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّشْدِيدِ، وَالْعِنَبُ وَالْبِطِّيخُ لَيْسَ بِإِدَامٍ بِالْإِجْمَاعِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ تَخْصِيصَ الزَّيْلَعِيِّ الْإِدَامَ بِالْمَائِعِ صَحِيحٌ فِي الْمِلْحِ أَيْضًا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يَذُوبُ فِي الْفَمِ وَيَحْصُلُ بِهِ صَبْغُ الْخُبْزِ وَالِاصْطِبَاغُ افْتِعَالٌ مِنْ الصَّبْغِ، وَلَمَّا كَانَ ثُلَاثِيُّهُ، وَهُوَ صَبَغَ مُتَعَدِّيًا إلَى وَاحِدٍ جَاءَ الِافْتِعَالُ مِنْهُ لَازِمًا فَلَا يُقَالُ اصْطَبَغَ الْخُبْزَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِلُ إلَى الْمَفْعُولِ بِنَفْسِهِ حَتَّى يُقَامَ مَقَامَ الْفَاعِلِ إذَا بُنِيَ الْفِعْلُ لَهُ فَإِنَّمَا يُقَامُ غَيْرُهُ مِنْ الْجَارِ وَالْمَجْرُورِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) عِبَارَةُ الزَّيْلَعِيِّ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 352 وَنَحْوِهِ فَلِذَا يُقَالُ اصْطَبَغَ بِهِ، وَذَكَرَ الْقَلَانِسِيُّ فِي تَهْذِيبِهِ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لِلْعُرْفِ. اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ، وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ أَظْهَرُ وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ. اهـ. وَيَكْفِيهِ الِاسْتِدْلَال بِالْعُرْفِ الظَّاهِرِ؛ لِأَنَّ مَبْنَاهَا عَلَيْهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الِاسْتِدْلَالِ لَهُ بِالْحَدِيثِ «سَيِّدُ إدَامِكُمْ اللَّحْمُ» وَالْحِكَايَةُ هِيَ أَنَّ مَلِكَ الرُّومِ كَتَبَ إلَى مُعَاوِيَةَ أَنْ ابْعَثْ إلَيَّ بِشَرِّ إدَامٍ عَلَى يَدِ شَرِّ رَجُلٍ فَبَعَثَ إلَيْهِ جُبْنًا عَلَى يَدِ رَجُلٍ يَسْكُنُ فِي بَيْتِ أَصْهَارِهِ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ اللِّسَانِ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ سَيِّدَهُ لَا يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ إذْ يُقَالُ فِي الْخَلِيفَةِ سَيِّدُ الْعَجَمِ، وَلَيْسَ هُوَ مِنْهُمْ، وَأَمَّا حِكَايَةُ مُعَاوِيَةَ فَيَتَوَقَّفُ الِاسْتِدْلَال بِهَا عَلَى صِحَّتِهَا، وَهِيَ بَعِيدَةٌ إذْ يَبْعُدُ مِنْ إمَامٍ عَادِلٍ أَنْ يَتَكَلَّفَ إرْسَالَ شَخْصٍ إلَى بِلَادِ الرُّومِ مُلْتَزِمًا لِمُؤْنَتِهِ لِغَرَضٍ مُهْمَلٍ لِكَافِرٍ وَالسَّكَنُ فِي بَيْتِ الصِّهْرِ قَطُّ لَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ السَّاكِنُ شَرَّ رَجُلٍ فَآثَارُ الْبُطْلَانِ تَلُوحُ عَلَى هَذِهِ الْقَضِيَّةِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ قَالَ التُّمُرْتَاشِيُّ: وَهَذَا الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمْ عَلَى عَكْسِ اخْتِلَافِهِمْ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ إلَّا رَغِيفًا فَأَكَلَ مَعَهُ الْبَيْضَ وَنَحْوَهُ لَمْ يَحْنَثْ عِنْدَهُمَا وَحَنِثَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَإِذَا أَكَلَ الْإِدَامَ وَحْدَهُ فَإِنْ كَانَ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ إدَامًا حَنِثَ، وَإِنْ كَانَ حَلَفَ لَا يَأْتَدِمُ بِإِدَامٍ لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِهِ وَحْدَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مَعَهُ الْخُبْزَ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْكَشْفِ الْكَبِيرِ، وَفِي الْمُحِيطِ قَالَ مُحَمَّدٌ التَّمْرُ وَالْجَوْزُ لَيْسَ بِإِدَامٍ؛ لِأَنَّهُ يُفْرَدُ بِالْأَكْلِ فِي الْغَالِبِ فَكَذَا الْعِنَبُ وَالْبِطِّيخُ وَالْبَقْلُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ تَبَعًا لِلْخُبْزِ بَلْ يُؤْكَلُ وَحْدَهُ غَالِبًا، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْفَوَاكِهِ حَتَّى لَوْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ يُؤْكَلُ تَبَعًا لِلْخُبْزِ غَالِبًا يَكُونُ إدَامًا عِنْدَهُ اعْتِبَارًا لِلْعُرْفِ. اهـ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالْبَقْلُ لَيْسَ بِإِدَامٍ بِلَا خِلَافٍ عَلَى الْأَصَحِّ، وَفِي الْبَدَائِعِ سُئِلَ مُحَمَّدٌ عَمَّنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ خُبْزًا مَأْدُومًا فَقَالَ الْخُبْزُ الْمَأْدُومُ الَّذِي يُثْرَدُ ثَرْدًا يَعْنِي فِي الْمَرَقِ وَالْخَلِّ، وَمَا أَشْبَهَهُ فَقِيلَ لَهُ فَإِنْ ثُرِدَ فِي مَاءٍ، وَمِلْحٍ فَلَمْ يَرَ ذَلِكَ مَأْدُومًا، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ تَسْمِيَةَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ عَلَى مَا يَعْرِفُ أَهْلُ تِلْكَ الْبِلَادِ فِي كَلَامِهِمْ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْغَدَاءُ الْأَكْلُ مِنْ الْفَجْرِ إلَى الظُّهْرِ) أَيْ التَّغَدِّي الْأَكْلُ فِي هَذَا الْوَقْتِ، وَإِنَّمَا فَسَّرْنَاهُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْغَدَاءَ فِي الْحَقِيقَةِ بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمَدِّ اسْمٌ لِمَا يُؤْكَلُ فِي الْوَقْتِ الْخَاصِّ لَا لِلْأَكْلِ، وَقَدْ تَرَكَ الْمُصَنِّفُ قَيْدَيْنِ ذَكَرَهُمَا قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوَاهُ فَقَالَ التَّغَدِّي الْأَكْلُ الْمُتَرَادِفُ الَّذِي يُقْصَدُ بِهِ الشِّبَعُ فِي وَقْتٍ خَاصٍّ، وَهُوَ مَا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى زَوَالِ الشَّمْسِ مِمَّا يُتَغَدَّى بِهِ عَادَةً وَغَدَاءُ كُلِّ بَلْدَةٍ مَا تَعَارَفَهُ أَهْلُ تِلْكَ الْبَلْدَةِ. اهـ. وَفِي التَّبْيِينِ، وَمِقْدَارُ مَا يُحْنَثُ بِهِ مِنْ الْأَكْلِ أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الشِّبَعِ؛ لِأَنَّ اللُّقْمَةَ وَاللُّقْمَتَيْنِ لَا تُسَمَّى غَدَاءً عَادَةً وَجِنْسُ الْمَأْكُولِ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَا يَأْكُلُهُ أَهْلُ بَلْدَتِهِ عَادَةً حَتَّى لَوْ شَرِبَ اللَّبَنَ وَشَبِعَ لَا يَحْنَثُ إنْ كَانَ حَضَرِيًّا، وَإِنْ كَانَ بَدْوِيًّا يَحْنَثُ. اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ حَلَفَ لَا يَتَغَدَّى فَهُوَ عَلَى الْخُبْزِ فَلَوْ تَغَدَّى بِغَيْرِ الْخُبْزِ مِنْ الْأُرْزِ وَالتَّمْرِ وَاللَّبَنِ لَمْ يَحْنَثْ إنْ كَانَ غَيْرَ بَدْوِيٍّ، وَلَوْ حَلَفَ عَلَى فِعْلٍ مَاضٍ بِأَنْ قَالَ وَاَللَّهِ مَا تَغَدَّيْتُ الْيَوْمَ، وَقَدْ تَغَدَّى بِأُرْزٍ وَسَمْنٍ يَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ، وَإِنْ تَغَدَّى الْمِصْرِيُّ بِالْعِنَبِ لَمْ يَحْنَثْ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الرَّسَاتِيقِ مِمَّنْ عَادَتُهُمْ التَّغَدِّي بِالْعِنَبِ فِي وَقْتِهِ. اهـ. وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهِ فَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَنَّهُ طُلُوعُ الشَّمْسِ، وَهَكَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُعْتَمَدُ لِلْعُرْفِ؛ لِأَنَّ الْأَكْلَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ لَا يُسَمُّونَهُ غَدَاءً. وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَيَأْتِيَنَّهُ غَدْوَةً فَأَتَاهُ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى نِصْفِ النَّهَارِ فَقَدْ بَرَّ، وَهُوَ غَدْوَةٌ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ الْغَدَاءِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ، وَأَمَّا الضَّحْوَةُ فَمِنْ بَعْدِ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ السَّاعَةِ الَّتِي تَحِلُّ فِيهَا الصَّلَاةُ إلَى نِصْفِ النَّهَارِ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ صَلَاةِ الضُّحَى قَالَ مُحَمَّدٌ إذَا حَلَفَ لَا يُصْبِحُ فَالتَّصْبِيحُ عِنْدِي مَا بَيْنَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَارْتِفَاعِ الضُّحَى الْأَكْبَرِ فَإِذَا ارْتَفَعَ الضُّحَى الْأَكْبَرُ ذَهَبَ وَقْتُ التَّصْبِيحِ؛ لِأَنَّ التَّصْبِيحَ تَفْعِيلٌ مِنْ الصَّبَاحِ، وَالتَّفْعِيلُ لِلتَّكْثِيرِ فَيَقْتَضِي زِيَادَةً عَلَى مَا يُفِيدُهُ الْإِصْبَاحُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْعَشَاءُ مِنْهُ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ) أَيْ التَّعَشِّي   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَحَنِثَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ) هُوَ يَقُولُ إنَّهُ قَدْ يُؤْكَلُ وَحْدَهُ مَقْصُودًا فَلَا يَصِيرُ تَبَعًا لِلْخُبْزِ بِالشَّكِّ بِخِلَافِ مَا إذَا أَكَلَهُ مَعَ الْمَائِعَاتِ؛ لِأَنَّهَا تَبَعٌ لَهُ فَلَا يُعَدُّ زِيَادَةً عَلَيْهِ، وَهُمَا يَقُولَانِ هُوَ إدَامٌ مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يُؤْكَلُ تَبَعًا فَلَا يَحْنَثُ بِالشَّكِّ زَيْلَعِيٌّ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 353 الْأَكْلُ مِنْ الزَّوَالِ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ، وَأَمَّا الْعَشَاءُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالْمَدِّ فَاسْمٌ لِلْمَأْكُولِ فِي هَذَا الْوَقْتِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْغَدَاءِ وَالشَّرْطَانِ السَّابِقَانِ فِي التَّغَدِّي يَأْتِيَانِ هُنَا قُلْنَا، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَا بَعْدَ الظُّهْرِ يُسَمَّى عِشَاءً بِكَسْرِ الْعَيْنِ، وَلِهَذَا يُسَمَّى الظُّهْرُ إحْدَى صَلَاتَيْ الْعِشَاءِ فِي الْحَدِيثِ وَذَكَرَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَنَّ هَذَا فِي عُرْفِهِمْ، وَأَمَّا فِي عُرْفِنَا فَوَقْتُ الْعِشَاءِ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ. اهـ. وَهَذَا هُوَ الْوَاقِعُ فِي عُرْفِ أَهْلِ مِصْرَ؛ لِأَنَّهُمْ يُسَمُّونَ مَا يَأْكُلُونَهُ بَعْدَ الزَّوَالِ وَسْطَانِيَّةً. قَيَّدَ بِالْعَشَاءِ؛ لِأَنَّ السَّحُورَ هُوَ الْأَكْلُ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ مَأْخُوذٌ مِنْ السَّحَرِ، وَهُوَ قَرِيبُ السَّحَرِ لَكِنْ رَوَى الْمُعَلَّى عَنْ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ إلَى السَّحَرِ قَالَ إذَا دَخَلَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَخِيرِ فَلْيُكَلِّمْهُ؛ لِأَنَّ وَقْتَ السَّحَرِ مَا قَرُبَ مِنْ الْفَجْرِ، وَقَالَ هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ الْمَسَاءُ مَسَاءَانِ أَحَدُهُمَا إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ أَلَا تَرَى أَنَّكَ تَقُولُ إذَا زَالَتْ كَيْفَ أَمْسَيْتَ وَالْمَسَاءُ الْآخَرُ إذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ فَإِذَا حَلَفَ بَعْدَ الزَّوَالِ لَا يَفْعَلُ كَذَا حَتَّى يُمْسِيَ كَانَ ذَلِكَ عَلَى غَيْبُوبَةِ الشَّمْسِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ حَمْلُ الْيَمِينِ عَلَى الْمَسَاءِ الْأَوَّلِ فَيُحْمَلُ عَلَى الثَّانِي كَذَا فِي الْبَدَائِعِ. (قَوْلُهُ: إنْ لَبِسْتَ أَوْ أَكَلْتَ أَوْ شَرِبْتَ وَنَوَى مُعَيَّنًا لَمْ يُصَدَّقْ أَصْلًا) أَيْ لَا قَضَاءً، وَلَا دِيَانَةً؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ إنَّمَا تَصِحُّ فِي الْمَلْفُوظِ، وَالثَّوْبُ وَالطَّعَامُ وَالْمَاءُ غَيْرُ مَذْكُورٍ تَنْصِيصًا وَالْمُقْتَضَى بِالْفَتْحِ لَا عُمُومَ لَهُ فَلَغَتْ نِيَّةُ التَّخْصِيصِ فِيهِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا فَحَنِثَ بِأَيِّ شَيْءٍ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ أَوْ لَبِسَ وَتَعَقَّبَهُمْ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّ التَّحْقِيقَ أَنَّ الْمَفْعُولَ فِي لَا آكُلُ، وَلَا أَلْبَسُ لَيْسَ مِنْ بَابِ الْمُقْتَضَى؛ لِأَنَّ الْمُقْتَضَى مَا يُقَدَّرُ لِتَصْحِيحِ الْمَنْطُوقِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ مِمَّا يُحْكَمُ بِكَذِبِهِ عَلَى ظَاهِرِهِ مِثْلُ رَفْعِ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ أَوْ بِعَدَمِ صِحَّتِهِ شَرْعًا مِثْلُ أَعْتِقْ عَبْدَكَ عَنِّي، وَلَيْسَ قَوْلُ الْقَائِلِ لَا آكُلُ يَحْكُمُ بِكَذِبِ قَائِلِهِ بِمُجَرَّدِهِ، وَلَا مُتَضَمِّنًا حُكْمًا يَصِحُّ شَرْعًا نَعَمْ الْمَفْعُولُ أَعْنِي الْمَأْكُولَ مِنْ ضَرُورِيَّاتِ وُجُودِ فِعْلِ الْأَكْلِ، وَمِثْلُهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ الْمُقْتَضَى، وَإِلَّا كَانَ كُلُّ كَلَامٍ كَذَلِكَ إذْ لَا بُدَّ أَنْ يَسْتَدْعِيَ مَعْنَاهُ زَمَانًا أَوْ مَكَانًا فَكَانَ لَا يُفَرَّقُ بَيْنَ قَوْلِنَا الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ مَرْفُوعَانِ وَبَيْنَ قَامَ زَيْدٌ وَجَلَسَ عَمْرٌو فَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ حَذْفِ الْمَفْعُولِ اقْتِصَارًا أَوْ تَنَاسِيًا، وَطَائِفَةٌ مِنْ الْمَشَايِخِ، وَإِنْ فَرَّقُوا بَيْنَ الْمُقْتَضَى وَالْمَحْذُوفِ وَجَعَلُوا الْمَحْذُوفَ يَقْبَلُ الْعُمُومَ قُلْنَا لَكَ أَنْ تَقُولَ إنَّ عُمُومَهُ لَا يَقْبَلُ التَّخْصِيصَ، وَقَدْ صَرَّحَ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ جَمْعٌ بِأَنَّ مِنْ الْعُمُومَاتِ مَا لَا يَقْبَلُ التَّخْصِيصَ مِثْلِ الْمَعَانِي إذَا قُلْنَا بِأَنَّ الْعُمُومَ مِنْ عَوَارِضِ الْمَعَانِي كَمَا هُوَ مِنْ عَوَارِضِ الْأَلْفَاظِ وَغَيْرَ ذَلِكَ فَكَذَلِكَ هَذَا الْمَحْذُوفُ إذْ لَيْسَ فِي حُكْمِ الْمَنْطُوقِ لِتَنَاسِيهِ، وَعَدَمِ الِالْتِفَاتِ إلَيْهِ إذْ لَيْسَ الْغَرَضُ إلَّا الْإِخْبَارَ بِمُجَرَّدِ الْفِعْلِ عَلَى مَا عُرِفَ أَنَّ الْفِعْلَ الْمُتَعَدِّيَ قَدْ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ اللَّازِمِ لِمَا قُلْنَا، وَالِاتِّفَاقُ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ التَّخْصِيصِ فِي بَابِ الْمُتَعَلِّقَاتِ مِنْ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ حَتَّى لَوْ نَوَى لَا يَأْكُلُ فِي مَكَان دُونَ آخَرَ أَوْ زَمَانٍ لَا تَصِحُّ نِيَّتُهُ بِالِاتِّفَاقِ. اهـ. وَفِي الْبَدَائِعِ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ وَنَوَى الْخَيْلَ لَا يُصَدَّقُ قَضَاءً، وَلَا دِيَانَةً، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ حَلَفَ لَا يَغْتَسِلُ أَوْ لَا يَنْكِحُ، وَعَنَى مِنْ جَنَابَةٍ أَوْ امْرَأَةً دُونَ امْرَأَةٍ لَا يُصَدَّقُ أَصْلًا، وَكَذَا لَا يَسْكُنُ دَارَ فُلَانٍ، وَعَنَى بِأَجْرٍ، وَلَمْ يَسْبِقْ قَبْلَ ذَلِكَ كَلَامٌ بِأَنْ اسْتَأْجَرَهَا مِنْهُ أَوْ اسْتَعَارَهَا فَأَبَى فَحَلَفَ يَنْوِي السَّكَنَ بِالْإِجَارَةِ وَالْإِعَارَةِ لَا يَصِحُّ أَصْلًا، وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ امْرَأَةً وَنَوَى كُوفِيَّةً أَوْ بَصْرِيَّةً لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ نِيَّةُ تَخْصِيصِ الصِّفَةِ، وَلَوْ نَوَى حَبَشِيَّةً أَوْ عَرَبِيَّةً صَحَّتْ دِيَانَةٌ؛ لِأَنَّهُ تَخْصِيصٌ فِي الْجِنْسِ، وَفِي الْبَدَائِعِ لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ هَذَا الرَّجُلَ، وَعَنَى بِهِ مَا دَامَ قَائِمًا لَكِنَّهُ لَمْ يَتَكَلَّمْ بِالْقِيَامِ كَانَتْ نِيَّتُهُ بَاطِلَةً وَحَنِثَ إنْ كَلَّمَهُ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ هَذَا الْقَائِمَ، وَعَنَى بِهِ مَا دَامَ قَائِمًا دُيِّنَ لِوُرُودِ التَّخْصِيصِ عَلَى الْمَلْفُوظِ. وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَأَضْرِبَنَّ فُلَانًا خَمْسِينَ، وَهُوَ يَنْوِي بِسَوْطٍ بِعَيْنِهِ فَبِأَيِّ شَيْءٍ ضَرَبَهُ فَقَدْ خَرَجَ مِنْ يَمِينِهِ وَالنِّيَّةُ بَاطِلَةٌ، وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَتَزَوَّجُ امْرَأَةً، وَعَنَى امْرَأَةً كَانَ أَبُوهَا يَعْمَلُ كَذَا، وَكَذَا   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 354 فَهُوَ بَاطِلٌ. اهـ. وَخَرَجَ عَنْ هَذَا الْأَصْلِ فِعْلُ الْخُرُوجِ وَالْمُسَاكَنَةُ فَإِذَا قَالَ إنْ خَرَجْتَ فَعَبْدِي حُرٌّ وَنَوَى السَّفَرَ مَثَلًا يُصَدَّقُ دِيَانَةً فَلَا يَحْنَثُ بِالْخُرُوجِ إلَى غَيْرِهِ تَخْصِيصًا لِنَفْسِ الْخُرُوجِ بِخِلَافِ مَا إذَا نَوَى الْخُرُوجَ إلَى مَكَان خَاصٍّ كَبَغْدَادَ حَيْثُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْمَكَانَ غَيْرُ مَذْكُورٍ، وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يُسَاكِنُ فُلَانًا وَنَوَى الْمُسَاكَنَةَ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ يَصِحُّ قَالُوا؛ لِأَنَّ الْخُرُوجَ فِي نَفْسِهِ مُتَنَوِّعٌ إلَى سَفَرٍ وَغَيْرِهِ حَتَّى اخْتَلَفَتْ أَحْكَامُهَا، وَكَذَا الْمُسَاكَنَةُ مُتَنَوِّعَةٌ إلَى كَامِلَةٍ، وَهِيَ الْمُسَاكَنَةُ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ، وَإِلَى مُطْلَقَةٍ، وَهِيَ مَا تَكُونُ فِي دَارٍ، وَفِيهِ بَحْثٌ مَذْكُورٌ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ زَادَ ثَوْبًا أَوْ طَعَامًا أَوْ شَرَابًا دُيِّنَ) أَيْ قُبِلَ مِنْهُ نِيَّةُ التَّخْصِيصِ دِيَانَةً لَا قَضَاءً؛ لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ فِي الشَّرْطِ فَتَعُمُّ كَالنَّكِرَةِ فِي النَّفْيِ لَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَلَا يُصَدِّقُهُ الْقَاضِي، وَفِي الْبَدَائِعِ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَتَزَوَّجُ امْرَأَةً عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ يَنْوِي امْرَأَةً بِعَيْنِهَا قَالَ يُصَدَّقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لَا أَشْتَرِي جَارِيَةً وَنَوَى مُتَوَلِّدَةً فَإِنَّ نِيَّتَهُ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّهُ تَخْصِيصُ الصِّفَةِ فَأَشْبَهَ الْكُوفِيَّةَ وَالْبَصْرِيَّةَ. اهـ. قَيَّدَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِكَوْنِهِ نَوَى الْبَعْضَ دُونَ الْبَعْضِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ نَوَى الْكُلَّ صُدِّقَ قَضَاءً وَدِيَانَةً، وَلَا يَحْنَثُ أَصْلًا لِمَا فِي الْمُحِيطِ لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ طَعَامًا أَوْ لَا يَشْرَبُ شَرَابًا، وَعَنَى جَمِيعَ الْأَطْعِمَةِ أَوْ جَمِيعَ مِيَاهِ الْعَالَمِ يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ، وَفِي الْبَدَائِعِ لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا آكُلُ الطَّعَامَ أَوْ لَا أَشْرَبُ الْمَاءَ أَوْ لَا أَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ فَيَمِينُهُ عَلَى بَعْضِ الْجِنْسِ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ الْجِنْسَ صُدِّقَ؛ لِأَنَّهُ نَوَى مَا هُوَ حَقِيقَةُ كَلَامِهِ، وَفِي الْكَشْفِ الْكَبِيرِ إذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَشْرَبُ مَاءً أَوْ الْمَاءَ أَوْ لَا آكُلُ طَعَامًا أَوْ الطَّعَامَ أَنَّهُ يَقَعُ عَلَى الْأَدْنَى؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُتَيَقَّنُ، وَهُوَ الْكُلُّ لَوْلَا غَيْرُهُ فَيَكُونُ فِيهِ مَعْنَى الْجِنْسِيَّةِ أَيْضًا، وَإِنْ نَوَى الْكُلَّ صَحَّتْ نِيَّتُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى لَا يَحْنَثُ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ نَوَى مُحْتَمَلَ كَلَامِهِ؛ لِأَنَّهُ فَرْدٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ لَكِنَّهُ عَدَدٌ مِنْ وَجْهٍ فَلَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْفَرْدُ إلَّا بِالنِّيَّةِ كَذَا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ لِفَخْرِ الْإِسْلَامِ، وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ قَضَاءً إنْ كَانَ الْيَمِينُ بِطَلَاقٍ أَوْ نَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ إذْ الْإِنْسَانُ إنَّمَا يَمْنَعُ نَفْسَهُ بِالْيَمِينِ عَمَّا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَشُرْبُ كُلِّ الْمِيَاهِ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ، وَفِيهِ تَخْفِيفٌ عَلَيْهِ أَيْضًا. وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ قَالُوا: وَإِطْلَاقُ الْجَوَابِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يُصَدَّقُ قَضَاءً وَدِيَانَةً إنْ كَانَ الْيَمِينُ بِطَلَاقٍ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ، وَعَنْ أَبِي الْقَاسِمِ الصَّفَّارِ أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ قَضَاءً؛ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةً لَا تَثْبُتُ إلَّا بِالنِّيَّةِ فَصَارَ كَأَنَّهُ نَوَى الْمَجَازَ. اهـ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الدِّيَانَةِ وَالْقَضَاءِ إنَّمَا يَظْهَرُ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، وَأَمَّا فِي الْحَلِفِ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَظْهَرُ؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ حَقُّ اللَّهِ لَيْسَ لِلْعَبْدِ فِيهَا حَقٌّ حَتَّى يَرْفَعَ الْحَالِفَ إلَى الْقَاضِي، وَفِي الْوَاقِعَاتِ إذَا اُسْتُحْلِفَ الرَّجُلُ بِاَللَّهِ، وَهُوَ مَظْلُومٌ فَالْيَمِينُ عَلَى مَا نَوَى، وَإِنْ كَانَ ظَالِمًا فَالْيَمِينُ عَلَى نِيَّةِ مَنْ اسْتَحْلَفَهُ وَبِهِ أَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ، وَفِي الْيَمِينِ بِالطَّلَاقِ الْيَمِينُ عَلَى نِيَّةِ الْحَالِفِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَخَرَجَ عَنْ هَذَا الْأَصْلِ إلَخْ) الصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ: وَلَا يَرِدُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ؛ لِأَنَّ الْخُرُوجَ فِي نَفْسِهِ مُتَنَوِّعٌ إلَى سَفَرٍ وَغَيْرِهِ، وَكَذَا الْمُسَاكَنَةُ يُفِيدُ أَنَّهُ فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ لَيْسَ مِنْ تَخْصِيصِ غَيْرِ الْمَلْفُوظِ بَلْ مِنْ تَخْصِيصِ الْمَلْفُوظِ؛ لِأَنَّ حَاصِلَهُ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْخُرُوجِ وَالْمُسَاكَنَةِ جِنْسٌ ذُو أَنْوَاعٍ فَالنِّيَّةُ فِيهِ نِيَّةُ أَحَدِ الْأَنْوَاعِ لِلْجِنْسِ الْمَذْكُورِ فَلَيْسَ مِنْ بَابِ الْمُقْتَضَى. (قَوْلُهُ: وَنَوَى الْمُسَاكَنَةَ فَالْبَيْتُ وَاحِدٌ يَصِحُّ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَهُوَ الصَّوَابُ، وَفِي بَعْضِهَا لَا يَصِحُّ بِزِيَادَةِ لَا، وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ: وَفِيهِ بَحْثٌ مَذْكُورٌ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ) حَيْثُ قَالَ وَالْحَقُّ أَنَّ الْأَفْعَالَ الْخَارِجِيَّةَ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ تَكُونَ إلَّا نَوْعًا وَاحِدًا لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْغُسْلِ وَنَحْوِهِ وَبَيْنَ الْخُرُوجِ وَنَحْوِهِ مِنْ الشِّرَاءِ فَكَمَا أَنَّ اتِّحَادَ الْغُسْلِ بِسَبَبِ أَنَّهُ لَيْسَ إلَّا إمْرَارُ الْمَاءِ كَذَلِكَ الْخُرُوجُ لَيْسَ إلَّا قَطْعُ الْمَسَافَةِ غَيْرَ أَنَّهُ يُوصَفُ بِالطُّولِ وَالْقِصَرِ فِي الزَّمَانِ فَلَا يَصِيرُ مُنْقَسِمًا إلَى نَوْعَيْنِ إلَّا بِاخْتِلَافِ الْأَحْكَامِ شَرْعًا فَإِنَّ عِنْدَ ذَلِكَ عَلِمْنَا اعْتِبَارَ الشَّرْعِ إيَّاهَا كَذَلِكَ كَمَا فِي الْخُرُوجِ الْمُخْتَلِفِ الْأَحْكَامِ فِي السَّفَرِ وَغَيْرِهِ وَالشِّرَاءِ لِنَفْسِهِ وَغَيْرِهِ فَإِنَّهُ مُخْتَلِفٌ حُكْمُهُمَا فَيُحْكَمُ بِتَعَدُّدِ النَّوْعِ فِي ذَلِكَ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُسَاكَنَةَ وَالسُّكْنَى لَيْسَ فِيهِمَا اخْتِلَافُ أَحْكَامِ الشَّرْعِ لِطَائِفَةٍ مِنْهُمَا بِالنِّسْبَةِ إلَى طَائِفَةٍ أُخْرَى، وَكُلٌّ فِي نَفْسِهِ نَوْعٌ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ قَرَارٌ فِي الْمَكَانِ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَحْنَثُ أَصْلًا) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ لَوْ نَوَى بِقَوْلِهِ إنْ لَبِسْتُ ثَوْبًا جَمِيعَ ثِيَابِ الدُّنْيَا لَا يَحْنَثُ أَصْلًا بِلُبْثِ ثَوْبٍ أَوْ ثَوْبَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ أَوْ أَكْثَرَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْبَسْ ثِيَابَ الدُّنْيَا، وَهُوَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَفِي الْيَمِينِ بِالطَّلَاقِ الْيَمِينُ عَلَى نِيَّةِ الْحَالِفِ) ظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا بِدَلِيلِ ذِكْرِهِ مُطْلَقًا بَعْدَ التَّفْصِيلِ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَقَطْ، وَيُخَالِفُهُ عِبَارَةُ الْوَلْوَالِجيَّةِ فَإِنَّهُ جَعَلَ صِحَّةَ نِيَّتِهِ قَوْلَ الْخَصَّافِ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ أَنَّهُ عَلَى نِيَّةِ الْحَالِفِ فِي الدِّيَانَةِ لَا الْقَضَاءِ فَإِذَا رُفِعَ إلَى الْقَاضِي فَلَا يُصَدِّقُهُ ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّ كَلَامَ الْوَلْوَالِجيَّةِ خَاصٌّ بِالطَّلَاقِ لَا يَشْمَلُ الْيَمِينَ بِاَللَّهِ تَعَالَى بِدَلِيلِ سِيَاقِ الْكَلَامِ وَسِيَاقِهِ، وَلِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِلْقَضَاءِ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى لَكِنْ يَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 355 وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ مِنْ الطَّلَاقِ نِيَّةُ تَخْصِيصِ الْعَامِّ لَا تَصِحُّ، وَعِنْدَ الْخَصَّافِ تَصِحُّ حَتَّى إنَّ مَنْ حَلَفَ، وَقَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ نَوَيْتُ بِهِ مِنْ بَلْدَةِ كَذَا لَا تَصِحُّ نِيَّتُهُ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَقَالَ الْخَصَّافُ تَصِحُّ، وَكَذَا مَنْ غَصَبَ دَرَاهِمَ إنْسَانٍ وَوَقْتَ مَا حَلَّفَهُ الْخَصْمُ عَامًّا نَوَى خَاصًّا لَا تَصِحُّ نِيَّتُهُ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَقَالَ الْخَصَّافُ تَصِحُّ لَكِنَّ هَذَا فِي الْقَضَاءِ أَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى نِيَّةُ تَخْصِيصِ الْعَامِّ صَحِيحَةٌ بِالْإِجْمَاعِ مَذْكُورٌ فِي الْكُتُبِ مِنْ مَوَاضِعَ مِنْهَا الْبَابُ الْخَامِسُ مِنْ أَيْمَانِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ، وَمَا قَالَهُ الْخَصَّافُ مُخَلِّصٌ لِمَنْ حَلَّفَهُ ظَالِمٌ وَالْفَتْوَى عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ فَمَتَى وَقَعَ فِي يَدِ الظَّلَمَةِ، وَأَخَذَ بِقَوْلِ الْخَصَّافِ لَا بَأْسَ بِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: لَا يَشْرَبُ مِنْ دِجْلَةَ عَلَى الْكَرْعِ بِخِلَافِ مَاءِ دِجْلَةَ) يَعْنِي لَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ دِجْلَةَ فَيَمِينُهُ عَلَى الْكَرْعِ، وَهُوَ تَنَاوُلُ الْمَاءِ بِالْفَمِ مِنْ مَوْضِعِهِ نَهْرًا أَوْ إنَاءً كَمَا فِي الْمُغْرِبِ فَلَا يَحْنَثُ لَوْ شَرِبَ بِإِنَاءٍ أَوْ بِيَدِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ مَاءِ دِجْلَةَ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِالشُّرْبِ مِنْ إنَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ الِاغْتِرَافِ بَقِيَ مَنْسُوبًا إلَيْهِ، وَهُوَ الشَّرْطُ، وَقَالَا هُمَا سَوَاءٌ فَيَحْنَثُ بِالشُّرْبِ مِنْ إنَاءٍ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَعَارَفُ الْمَفْهُومُ، وَلَهُ أَنَّ كَلِمَةَ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ وَحَقِيقَتُهُ فِي الْكَرْعِ، وَهِيَ مُسْتَعْمَلَةٌ، وَلِهَذَا يَحْنَثُ بِالْكَرْعِ إجْمَاعًا فَمَنَعَتْ الْمَصِيرَ إلَى الْمَجَازِ، وَإِنْ كَانَ مُتَعَارَفًا، وَالتَّقْيِيدُ بِدِجْلَةَ اتِّفَاقِيٌّ؛ لِأَنَّ الْفُرَاتَ وَالنِّيلَ كَذَلِكَ بَلْ، وَكُلُّ نَهْرٍ، وَقَيَّدَ بِالنَّهْرِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ هَذَا الْبِئْرِ أَوْ مِنْ هَذَا الْجُبِّ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِشُرْبِهِ بِالْإِنَاءِ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ فِيهِ الْكَرْعُ فَتَعَيَّنَ الْمَجَازُ، وَإِنْ كَانَ يُمْكِنُ الْكَرْعُ فَعَلَى الْخِلَافِ، وَلَوْ تَكَلَّفَ وَشَرِبَ بِالْكَرْعِ فِيمَا لَا يُمْكِنُ الْكَرْعُ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ وَالْمَجَازَ لَا يَجْتَمِعَانِ. وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ شَرِبَ مِنْ نَهْرٍ يَأْخُذُ مِنْ دِجْلَةَ لَا يَحْنَثُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لِعَدَمِ الْكَرْعِ فِي دِجْلَةَ لِحُدُوثِ النِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِ وَيَحْنَثُ فِي الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ يَمِينَهُ انْعَقَدَتْ عَلَى شُرْبِ مَاءٍ مَنْسُوبٍ إلَيْهَا، وَهِيَ لَمْ تَنْقَطِعْ بِمِثْلِهِ وَنَظِيرُهُ مَا إذَا حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ مَاءِ هَذَا الْجُبِّ فَحُوِّلَ إلَى جُبٍّ آخَرَ فَشَرِبَ مِنْهُ حَنِثَ. وَفِي الْبَدَائِعِ لَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ مَاءِ دِجْلَةَ فَهَذَا، وَقَوْلُهُ لَا أَشْرَبُ مِنْ دِجْلَةَ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الشُّرْبَ مِنْ النَّهْرِ فَكَانَ عَلَى الِاخْتِلَافِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ نَهْرٍ يَجْرِي ذَلِكَ النَّهْرُ إلَى دِجْلَةَ فَأَخَذَ مِنْ دِجْلَةَ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ فَشَرِبَهُ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ مِنْ مَاءِ دِجْلَةَ لِزَوَالِ الْإِضَافَةِ إلَى النَّهْرِ الْأَوَّلِ بِحُصُولِهِ فِي دِجْلَةَ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ مَاءِ الْمَطَرِ فَمَدَّتْ الدِّجْلَةُ مِنْ الْمَطَرِ فَشَرِبَ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ إذَا حَصَلَ فِي الدِّجْلَةِ انْقَطَعَتْ الْإِضَافَةُ إلَى الْمَطَرِ فَإِنْ شَرِبَ مِنْ مَاءِ وَادٍ سَالَ مِنْ الْمَطَرِ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَاءٌ قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ جَاءَ مِنْ مَاءِ مَطَرٍ مُسْتَنْقَعٍ حَنِثَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُضِفْ إلَى نَهْرٍ بَقِيَتْ الْإِضَافَةُ إلَى الْمَطَرِ كَمَا كَانَتْ. اهـ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ الْفُرَاتِ لَمْ يَحْنَثْ مَا لَمْ يَكْرَعْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ غَيْرَ أَنَّا ذَكَرْنَاهَا لِفَائِدَةٍ، وَهِيَ أَنَّ تَفْسِيرَ الْكَرْعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ يَخُوضَ الْإِنْسَانُ فِي الْمَاءِ وَيَتَنَاوَلَ الْمَاءَ بِفَمِهِ مِنْ مَوْضِعِهِ، وَلَا يَكُونُ الْكَرْعُ إلَّا بَعْدَ الْخَوْضِ فِي الْمَاءِ فَإِنَّهُ مِنْ الْكُرَاعِ، وَهُوَ مِنْ الْإِنْسَانِ مَا دُونَ الرُّكْبَةِ، وَمِنْ الدَّوَابِّ مَا دُونَ الْكَعْبِ كَذَا قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ نَجْمُ الدِّينِ النَّسَفِيُّ. اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ هَذَا الْكُوزِ فَحَقِيقَتُهُ أَنْ يَشْرَبَ مِنْهُ كَرْعًا حَتَّى لَوْ صَبَّ عَلَى كَفِّهِ وَشَرِبَ لَا يَحْنَثُ، وَلَوْ نَوَى بِقَوْلِهِ لَا أَشْرَبُ مِنْ الْفُرَاتِ مَاءَ الْفُرَاتِ قِيلَ تَصِحُّ نِيَّتُهُ؛ لِأَنَّهُ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ   [منحة الخالق] بَيْنَ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى حَيْثُ لَمْ تَصِحَّ فِيهَا النِّيَّةُ دِيَانَةً إلَّا إذَا كَانَ مَظْلُومًا وَبَيْنَ الْيَمِينِ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ حَيْثُ صَحَّتْ دِيَانَةً مُطْلَقًا تَأَمَّلْ. وَلَعَلَّ الْفَرْقَ هَتْكُ حُرْمَةِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَاقْتِطَاعُ حَقِّ الْمُسْلِمِ بِوَسِيلَةِ اسْمِهِ تَعَالَى تَأَمَّلْ، وَعِبَارَةُ قَاضِي خَانْ هُنَا رَجُلٌ حَلَّفَ رَجُلًا فَحَلَفَ وَنَوَى غَيْرَ مَا يُرِيدُ الْمُسْتَحْلِفُ إنْ كَانَتْ الْيَمِينُ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ يُعْتَبَرُ نِيَّةُ الْحَالِفِ إذَا لَمْ يَنْوِ الْحَالِفُ خِلَافَ الظَّاهِرِ ظَالِمًا كَانَ الْحَالِفُ أَوْ مَظْلُومًا، وَإِنْ كَانَتْ الْيَمِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ كَانَ الْحَالِفُ مَظْلُومًا كَانَتْ النِّيَّةُ فِيهِ إلَى الْحَالِفِ، وَإِنْ كَانَ الْحَالِفُ ظَالِمًا يُرِيدُ بِيَمِينِهِ إبْطَالَ حَقِّ الْغَيْرِ يُعْتَبَرُ فِيهِ نِيَّةُ الْمُسْتَحْلِفِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ مِنْ الطَّلَاقِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ تَأَمَّلْ مَا نُقِلَ عَنْهَا مَعَ مَا سَبَقَ فِي شَرْحِ الْمَقُولَةِ قَبْلَ هَذَا. اهـ. قُلْتُ: لَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا فَإِنَّ قَوْلَهُ هُنَا لَا تَصِحُّ أَيْ فِي الْقَضَاءِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ بَعْدُ (قَوْلُهُ: وَأُخِذَ بِقَوْلِ الْخَصَّافِ لَا بَأْسَ بِهِ) الظَّاهِرُ أَنْ يُقْرَأَ أُخِذَ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَالْمُرَادُ، وَأَخَذَ الْقَاضِي بِذَلِكَ فَيَقْضِي بِهِ إذْ لَا مَعْنَى لِأَخْذِ الْحَالِفِ بِهِ؛ لِأَنَّ أَخْذَ الْحَالِفِ غَيْرُ خَاصٍّ بِقَوْلِ الْخَصَّافِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَفِي الْبَدَائِعِ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ إلَى قَوْلِهِ فَكَانَ عَلَى الِاخْتِلَافِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ فِيهِ إثْبَاتُ الْخِلَافِ بَيْنَ الْإِمَامِ وَصَاحِبَيْهِ فِي الصُّورَتَيْنِ، وَفِيمَا قَالَهُ صَاحِبُ الْكَنْزِ، وَكَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِ الْمُتُونِ إثْبَاتُ الْخِلَافِ فِي الْأُولَى فَقَطْ. اهـ. قُلْتُ: وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى مَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَهُوَ لَا يَشْرَبُ مِنْ مَاءِ دِجْلَةَ، وَفِي بَعْضِهَا لَا يَشْرَبُ مَاءً الجزء: 4 ¦ الصفحة: 356 ؛ لِأَنَّ الشُّرْبَ لَا يَتَحَقَّقُ بِدُونِ الْمَاءِ فَكَانَ الْمَاءُ مُضْمَرًا فِيهِ، وَقِيلَ لَا تَصِحُّ نِيَّتُهُ؛ لِأَنَّهُ نَوَى تَعْمِيمَ الْمُقْتَضَى فَإِنَّ الْمَاءَ غَيْرُ مَلْفُوظٍ بِهِ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ مُقْتَضَى ذِكْرِ الشُّرْبِ وَالْمُقْتَضَى لَا عُمُومَ لَهُ فَتَكُونُ نِيَّةُ التَّعْمِيمِ فِيهِ بَاطِلَةً. وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ مَاءِ فُرَاتٍ أَوْ مَاءً فُرَاتًا فَشَرِبَ مِنْ مَاءِ دِجْلَةَ أَوْ مِنْ مَاءِ عَذْبٍ حَنِثَ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الْفُرَاتَ صِفَةً لِلْمَاءِ؛ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ الْعَذْبِ قَالَ تَعَالَى {وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا} [المرسلات: 27] أَيْ مَاءً عَذْبًا بِخِلَافِ مَاءِ الْفُرَاتِ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَهُ إلَى الْفُرَاتِ فَقَدْ أَرَادَ بِالْفُرَاتِ نَهَرَ الْفُرَاتِ. اهـ. وَفِي الْمُجْتَبَى: وَلِجِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَصْلٌ حَسَنٌ، وَهُوَ أَنَّهُ مَتَى عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى شَيْءٍ لَيْسَ لَهُ حَقِيقَةٌ مُسْتَعْمَلَةٌ، وَلَهُ مَجَازٌ مُتَعَارَفٌ يُحْمَلُ عَلَى الْمَجَازِ إجْمَاعًا كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ النَّخْلَةِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ حَقِيقَةٌ مُتَعَارَفَةٌ يُحْمَلُ عَلَى الْحَقِيقَةِ إجْمَاعًا كَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا، وَإِنْ كَانَ لَهُ حَقِيقَةٌ مُسْتَعْمَلَةٌ، وَمَجَازٌ مُتَعَارَفٌ فَعِنْدَهُ يُحْمَلُ عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَعِنْدَهُمَا يُحْمَلُ عَلَيْهِمَا، وَلَكِنْ لَا بِطَرِيقِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ، وَلَكِنْ بِمَجَازٍ يَعُمُّ أَفْرَادَهُمَا، وَهُوَ الْأَصَحُّ وَيَبْتَنِي عَلَيْهِ مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ مِنْهَا مَا مَرَّتْ، وَمِنْهَا مَسْأَلَةُ أَكْلِ الْحِنْطَةِ وَالدَّقِيقِ. اهـ. بِلَفْظِهِ. فَقَدْ صَحَّحَ قَوْلَهُمَا فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ، وَهُوَ خِلَافُ الْمَنْقُولِ فِي الْأُصُولِ عَنْهُمَا فَإِنَّهُمْ نَقَلُوا أَنَّ عِنْدَهُمَا الْمَجَازُ الْمُتَعَارَفُ أَوْلَى مِنْ الْحَقِيقَةِ لَا أَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَيْهِمَا. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الشُّرْبَ أَنْ يُوصَلَ إلَى جَوْفِهِ مَا لَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْهَشِمُ مِثْلُ الْمَاءِ وَالنَّبِيذِ وَاللَّبَنِ فَإِذَا حَلَفَ لَا يَشْرَبُ هَذَا اللَّبَنَ فَأَكَلَهُ لَا يَحْنَثُ، وَلَوْ شَرِبَهُ يَحْنَثُ، وَأَكْلُ اللَّبَنِ أَنْ يُثْرَدَ فِيهِ الْخُبْزُ وَيُؤْكَلُ وَشُرْبُهُ أَنْ يُشْرَبَ كَمَا هُوَ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ هَذَا الْعَسَلَ فَأَكَلَهُ كَذَلِكَ لَا يَحْنَثُ، وَلَوْ صَبَّ عَلَيْهِ مَاءً وَشَرِبَهُ حَنِثَ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مَعَ فُلَانٍ فَإِنْ شَرِبَ شَرَابًا، وَفُلَانٌ شَرِبَ شَرَابًا مِنْ نَوْعٍ آخَرَ حَنِثَ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ شَرَابًا، وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَأَيُّ شَرَابٍ شَرِبَهُ مِنْ مَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ يَحْنَثُ إذْ الشُّرْبُ اسْمٌ لِمَا يُشْرَبُ، وَفِي حِيَلِ الْمَبْسُوطِ إذَا حَلَفَ لَا يَشْرَبُ الشَّرَابَ، وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَهُوَ عَلَى الْخَمْرِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ فَإِذًا فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ، وَفِي فَتَاوَى أَهْلِ سَمَرْقَنْدَ لَا يَحْنَثُ بِشُرْبِ الْمَاءِ، وَإِذَا حَلَفَ لَا يَشْرَبُ لَبَنًا فَصَبَّ الْمَاءَ فِي اللَّبَنِ فَالْأَصْلُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَأَجْنَاسِهَا أَنَّ الْحَالِفَ إذَا عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى مَائِعٍ فَاخْتَلَطَ ذَلِكَ الْمَائِعُ بِمَائِعٍ آخَرَ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ إنْ كَانَتْ الْغَلَبَةُ لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ يَحْنَثُ، وَإِنْ كَانَتْ الْغَلَبَةُ لِغَيْرِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ لَا يَحْنَثُ، وَإِنْ كَانَا سَوَاءً الْقِيَاسُ أَنْ يَحْنَثَ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا يَحْنَثُ فَسَّرَ أَبُو يُوسُفَ الْغَلَبَةَ فَقَالَ إنْ كَانَ يَسْتَبِينُ لَوْنُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَيُوجَدُ طَعْمُهُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ تُعْتَبَرُ الْغَلَبَةُ مِنْ حَيْثُ الْأَجْزَاءُ هَذَا إذَا اخْتَلَطَ الْجِنْسُ بِغَيْرِ الْجِنْسِ. أَمَّا إذَا اخْتَلَطَ الْجِنْسُ بِالْجِنْسِ كَاللَّبَنِ يَخْتَلِطُ بِلَبَنٍ آخَرَ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ هَذَا وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ يَعْنِي يُعْتَبَرُ الْغَالِبُ غَيْرَ أَنَّ الْغَلَبَةَ مِنْ حَيْثُ اللَّوْنُ وَالطَّعْمُ لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُهَا هُنَا فَيُعْتَبَرُ بِالْقَدْرِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَحْنَثُ هَاهُنَا بِكُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّ الْجِنْسَ لَا يَسْتَهْلِكُ الْجِنْسَ قَالُوا هَذَا الِاخْتِلَافُ فِيمَا يَمْتَزِجُ وَيَخْتَلِطُ أَمَّا مَا لَا يَمْتَزِجُ، وَلَا يَخْتَلِطُ كَالدُّهْنِ، وَكَانَ الْحَلِفُ عَلَى الدُّهْنِ يَحْنَثُ بِالِاتِّفَاقِ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ. (قَوْلُهُ) : (إنْ لَمْ أَشْرَبْ مَاءَ هَذَا الْكُوزِ الْيَوْمَ فَكَذَا، وَلَا مَاءَ فِيهِ أَوْ كَانَ فَصَبَّ أَوْ أَطْلَقَ، وَلَا مَاءَ فِيهِ لَا يَحْنَث، وَإِنْ كَانَ فَصُبَّ حَنِثَ) بَيَانٌ لِشَرْطٍ مِنْ شُرُوطِ انْعِقَادِ الْيَمِينِ، وَهُوَ إمْكَانُ تَصَوُّرِ الْبِرِّ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَكَذَا مِنْ شَرْطِ بَقَائِهَا، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يُشْتَرَطُ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِالِانْعِقَادِ مُوجِبًا لِلْبِرِّ عَلَى وَجْهٍ يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْحَلِفِ، وَهُوَ الْكَفَّارَةُ، وَلَهُمَا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَصَوُّرِ الْأَصْلِ لِتَنْعَقِدَ فِي حَقِّ الْحَلِفِ وَبِهَذَا لَا تَنْعَقِدُ الْغَمُوسُ مُوجِبَةً لِلْكَفَّارَةِ، وَلَا فَرْقَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ بَيْنَ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَوْ بِالطَّلَاقِ، وَلِهَذَا صَوَّرَهَا فِي الْمُخْتَصَرِ بِيَمِينِ الطَّلَاقِ أَوْ الْعَتَاقِ، وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ   [منحة الخالق] مِنْ دِجْلَةَ بِدُخُولِ مِنْ عَلَى دِجْلَةَ لَا عَلَى مَاءٍ، وَهَذِهِ ظَاهِرَةٌ، وَلَيْسَتْ هَذِهِ هِيَ الْمَذْكُورَةُ مَتْنًا. (قَوْلُهُ: وَهُوَ إمْكَانُ تَصَوُّرِ الْبِرِّ فِي الْمُسْتَقْبَلِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ، وَأَمَّا الْعَجْزُ عَنْ التَّصَوُّرِ فَلَا يَمْنَعُ انْعِقَادَهَا، وَلَا بَقَاءَهَا كَمَا أَطْبَقَتْ عَلَيْهِ أَصْحَابُ الْمُتُونِ فِي مَسْأَلَةِ صُعُودِ السَّمَاءِ، وَقَلْبِ الْحَجَرِ ذَهَبًا فَتَأَمَّلْ، وَكُنْ عَلَى بَصِيرَةٍ. اهـ. أَقُولُ: الْمُرَادُ بِإِمْكَانِ تَصَوُّرِ الْبِرِّ تَصَوُّرُهُ حَقِيقَةً أَيْ بِأَنْ يَكُونَ مُمْكِنًا عَقْلًا، وَإِنْ اسْتَحَالَ عَادَةً كَمَا فِي مَسْأَلَةِ صُعُودِ السَّمَاءِ، وَقَلْبِ الْحَجَرِ ذَهَبًا، وَلِذَا انْعَقَدَتْ الْيَمِينُ فِيهِ، وَلَمْ تَبْطُلْ بِالْعَجْزِ عَنْهُ عَادَةً كَمَا يَأْتِي أَمَّا هُنَا فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْكُوزِ مَاءٌ لَا تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ أَصْلًا لِعَدَمِ إمْكَانِ تَصَوُّرِ شُرْبِهِ أَصْلًا لَا حَقِيقَةً، وَلَا عَادَةً، وَإِذَا كَانَ فِيهِ مَاءٌ فَصُبَّ تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ ثُمَّ تَبْطُلُ عِنْدَ الصَّبِّ لِعُرُوضِ الْعَجْزِ حَقِيقَةً، وَعَادَةً فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِعَدَمِ التَّصَوُّرِ هُنَا عَدَمُ الْإِمْكَانِ حَقِيقَةً، وَعَادَةً. (قَوْلُهُ: وَلَهُمَا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَصَوُّرِ الْأَصْلِ إلَخْ) تَوْضِيحُهُ مَا قَالَهُ الْإِمَامُ الْحَصِيرِيُّ فِي التَّحْرِيرِ شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ أَنَّ هَذِهِ يَمِينٌ غَيْرُ مَعْقُودَةٍ فَلَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ كَالْيَمِينِ الْغَمُوسِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ هُنَا مَعْقُودٌ عَلَيْهِ مَوْجُودٌ، وَلَا مُتَوَهَّمُ الْوُجُودِ، وَعَدَمُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ يَمْنَعُ انْعِقَادَ الْعَقْدِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ إنَّمَا تَنْعَقِدُ لِتَحَقُّقِ الْبِرِّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 357 مَسْأَلَةَ الْكُوزِ، وَهِيَ مُفَرَّعَةٌ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ، وَذَكَرَ أَنَّهَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ وَجْهَانِ فِي الْمُقَيَّدَةِ وَوَجْهَانِ فِي الْمُطْلَقَةِ أَمَّا فِي الْمُقَيَّدَةِ فَهِيَ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ مَاءٌ أَصْلًا أَوْ كَانَ فِيهِ مَاءٌ وَقْتَ الْحَلِفِ ثُمَّ صُبَّ قَبْلَ مُضِيِّ الْوَقْتِ، وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا لَا يَحْنَثُ لِعَدَمِ انْعِقَادِ الْيَمِينِ فِي الْأَوَّلِ، وَلِبُطْلَانِهَا عِنْدَ الصَّبِّ فِي الثَّانِي عِنْدَهُمَا، وَلَا فَرْقَ فِي الْوَقْتِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْيَوْمَ أَوْ الشَّهْرَ أَوْ الْجُمُعَةَ. وَأَمَّا الْمُطْلَقَةُ فَعَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ مَاءٌ أَصْلًا فَلَا يَحْنَثُ لِعَدَمِ انْعِقَادِ الْيَمِينِ أَوْ كَانَ فِيهِ وَصُبَّ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ لِانْعِقَادِهَا لِإِمْكَانِ الْبِرِّ ثُمَّ يَحْنَثُ بِالصَّبِّ؛ لِأَنَّ الْبِرَّ يَجِبُ عَلَيْهِ كَمَا فُرِّغَ فَإِذَا صُبَّ فَقَدْ فَاتَ الْبِرُّ فَيَحْنَثُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ كَمَا لَوْ مَاتَ الْحَالِفُ وَالْمَاءُ بَاقٍ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قَدْ صَبَّهُ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ أَوْ مَالَ الْكُوزُ فَانْصَبَّ مَا فِيهِ مِنْ غَيْرِ فِعْلِ أَحَدٍ، وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَيَحْنَثُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا غَيْرَ أَنَّهُ فِي الْمُؤَقَّتِ يَحْنَثُ فِي آخِرِ الْوَقْتِ، وَفِي الْمُطْلَقِ يَحْنَثُ لِلْحَالِ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَاءٌ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَاءٌ يَحْنَثُ عِنْدَ الصَّبِّ، وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي عَدَمِ حِنْثِهِ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثَةِ فَشَمِلَ مَا إذَا عَلِمَ الْحَالِفُ أَنَّ فِيهِ مَاءً أَوْ لَا، وَمَا إذَا عَلِمَ أَنْ لَا مَاءَ فِيهِ، وَقَيَّدَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ بِعَدَمِ عِلْمِهِ بِأَنْ لَا مَاءَ فِيهِ، وَأَمَّا إذَا عَلِمَ بِأَنْ لَا مَاءَ فِيهِ يَحْنَثُ بِالِاتِّفَاقِ. اهـ. ؛ لِأَنَّهُ إذَا عَلِمَ وَقَعَتْ يَمِينُهُ عَلَى مَا يَخْلُقُ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ، وَقَدْ تَحَقَّقَ الْعَدَمُ فَيَحْنَثُ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّهُ قَالَ لَا يَحْنَثُ عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ. اهـ. وَصَحَّحَ فِي التَّبْيِينِ هَذِهِ الرِّوَايَةَ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ إنْ لَمْ أَقْتُلْ فُلَانًا فَكَذَا، وَلِذَا أَطْلَقَ هُنَا فِي الْمُخْتَصَرِ وَجَزَمَ بِالْإِطْلَاقِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَقَدْ تَفَرَّعَ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ مَسَائِلُ: مِنْهَا مَا لَوْ حَلَفَ لَيَقْتُلَنَّ زَيْدًا الْيَوْمَ فَمَاتَ زَيْدٌ قَبْلَ مُضِيِّ الْيَوْمِ لَا يَحْنَثُ عِنْدَ هُمَا كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ. وَمِنْهَا لَوْ حَلَفَ لَيَأْكُلَنَّ هَذَا الرَّغِيفَ الْيَوْمَ فَأَكَلَهُ غَيْرُهُ قَبْلَ اللَّيْلِ. وَمِنْهَا لَوْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ فُلَانًا دَيْنَهُ غَدًا، وَفُلَانٌ قَدْ مَاتَ، وَلَا عِلْمَ لَهُ أَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ مُضِيِّ الْغَدِ أَوْ قَضَاهُ قَبْلَهُ أَوْ أَبْرَأَهُ فُلَانٌ قَبْلَهُ لَمْ تَنْعَقِدْ، وَمِنْهَا مَا لَوْ   [منحة الخالق] فَإِنَّ مَنْ أَخْبَرَ بِخَبَرٍ أَوْ وَعَدَ بِوَعْدٍ يُؤَكِّدُهُ بِالْيَمِينِ لِتَحَقُّقِ الصِّدْقِ فَكَانَ الْمَقْصُودُ هُوَ الْبِرَّ ثُمَّ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ خَلَفًا عَنْهُ لِرَفْعِ حُكْمِ الْحِنْثِ، وَهُوَ الْإِثْمُ لِيَصِيرَ بِالتَّكْفِيرِ كَالْبَارِّ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْبِرُّ مُتَصَوَّرًا لَا تَنْعَقِدُ فَلَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ خَلَفًا عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ حُكْمُ الْيَمِينِ وَحُكْمُ الشَّيْءِ إنَّمَا يَثْبُتُ بَعْدَ انْعِقَادِهِ كَسَائِرِ الْعُقُودِ بِخِلَافِ صُعُودِ السَّمَاءِ وَتَحْوِيلِ الْحَجَرِ ذَهَبًا وَالطَّيَرَانِ فِي الْهَوَاءِ وَشُرْبِ مَاءِ دِجْلَةَ؛ لِأَنَّ الْبِرَّ مُتَصَوَّرٌ فِي الْجُمْلَةِ لِجَوَازِ أَنْ يُقْدِرَ اللَّهُ تَعَالَى عَبْدًا مِنْ عِبَادِهِ عَلَى صُعُودِ السَّمَاءِ، وَمَسِّهَا وَغَيْرِهِ فَتُوُهِّمَ وُجُودُهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ صَعِدَ الْأَنْبِيَاءُ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - وَالْمَلَائِكَةُ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - تَصْعَدُ فِي كُلِّ وَقْتٍ، وَكَمَا أَكْرَمَ آصف وَزِيرَ سُلَيْمَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حَيْثُ قَالَ {أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ} [النمل: 40] ، وَأَنَّهُ خِلَافُ الْعَادَةِ فَبِاعْتِبَارِ التَّصَوُّرِ فِي الْجُمْلَةِ انْعَقَدَتْ الْيَمِينُ وَبِاعْتِبَارِ الْعَجْزِ الثَّابِتِ عَادَةً حَنِثَ لِلْحَالِ، وَهَذَا الْعَجْزُ غَيْرُ الْعَجْزِ الْمُقَارِنِ لِلْيَمِينِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْعَجْزَ عَنْ الْبِرِّ الْوَاجِبِ بِالْيَمِينِ وَبِهَذَا لَا يُتَصَوَّرُ مُقَارِنًا لِلْيَمِينِ، وَإِنْ كَانَ فِي الْكُوزِ مَاءٌ وَأُهْرِقَ قَبْلَ اللَّيْلِ بَطَلَتْ الْيَمِينُ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَبْقَى وَتَنْعَقِدُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهَا إنْ كَانَتْ مُطْلَقَةً، وَفِيهِ مَاءٌ فَمَا دَامَ الْحَالِفُ وَالْمَحْلُوفُ قَائِمَيْنِ لَا يَحْنَثُ، وَإِذَا هَلَكَ أَحَدُهُمَا يَحْنَثُ غَيْرَ أَنَّهُ إنْ هَلَكَ الْمَحْلُوفُ يَحْنَثُ، وَقْتَ الْهَلَاكِ، وَإِنْ هَلَكَ الْحَالِفُ يَحْنَثُ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ؛ لِأَنَّ الْحِنْثَ بِفَوَاتِ الْبِرِّ فِي جَمِيعِ عُمُرِهِ، وَقَدْ تَحَقَّقَ لِوُقُوعِ الْيَأْسِ عَنْ الْفِعْلِ، وَإِنْ كَانَتْ مُؤَقَّتَةً إنْ كَانَ الْحَالِفُ وَالْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ قَائِمَيْنِ، وَمَضَى الْوَقْتُ حَنِثَ فِي قَوْلِهِمْ لِوُقُوعِ الْيَأْسِ عَنْ الْفِعْلِ فِي الْوَقْتِ الْمَشْرُوطِ، وَإِنْ هَلَكَ الْحَالِفُ وَالْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ قَائِمٌ، وَمَضَى الْوَقْتُ لَا يَحْنَثُ عِنْدَهُمْ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَحْنَثُ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ تَرْكُ الْفِعْلِ فِي جَمِيعِ أَجْزَاءِ الْوَقْتِ فَإِذَا كَانَ مَيِّتًا فِي آخِرِ الْوَقْتِ فَالْمَيِّتُ لَا يُوصَفُ بِالْحِنْثِ، وَلَوْ هَلَكَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ وَالْوَقْتُ بَاقٍ وَالْحَالِفُ قَائِمٌ بَطَلَتْ الْيَمِينُ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَحْنَثُ. اهـ. بِاخْتِصَارٍ. (قَوْلُهُ: وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ مُقْتَضَى مَا اخْتَارَهُ فِي مَسْأَلَةِ إنْ لَمْ أَقْتُلْ فُلَانًا مِنْ التَّفْصِيلِ بَيْنَ الْعِلْمِ، وَعَدَمِهِ أَنْ يُحْمَلَ إطْلَاقُهُ هُنَا عَلَى عَدَمِ الْعِلْمِ حَمْلًا لِلْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ لِيَكُنْ مَاشِيًا عَلَى وَتِيرَةٍ وَاحِدَةٍ. وَإِنْ كَانَ فِي التَّبْيِينِ صَحَّحَ رِوَايَةَ الْإِطْلَاقِ لِاحْتِمَالِ اخْتِيَارِهِ رِوَايَةَ التَّفْصِيلِ كالإسبيجابي فَيَكُونُ فِي الْمَسْأَلَةِ اخْتِلَافُ التَّصْحِيحِ وَالتَّرْجِيحِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ لَكِنَّ الزَّيْلَعِيَّ فَرَّقَ بَيْنَ مَسْأَلَةِ الْكُوزِ وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الْقَتْلِ بِأَنَّهُ إذَا كَانَ عَالِمًا فَقَدْ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى حَيَاةٍ يُحْدِثُهَا اللَّهُ تَعَالَى، وَهُوَ مُتَصَوَّرٌ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْكُوزِ فَإِنَّ مَا يُحْدِثُهُ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ غَيْرُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَيَكُونُ مَا أَطْلَقَهُ هُنَا جَارِيًا عَلَى إطْلَاقِهِ تَأَمَّلْ. اهـ. أَيْ؛ لِأَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ هُنَا مَاءٌ مَظْرُوفٌ فِي الْكُوزِ وَقْتَ الْحَلِفِ دُونَ الْحَادِثِ بَعْدَهُ لَكِنْ قَدْ يُقَالُ إنَّهُ إذَا كَانَ عَالِمًا بِأَنَّهُ لَا مَاءَ فِيهِ يَكُونُ الْمُرَادُ مَاءً مَظْرُوفًا فِيهِ بَعْدَ الْحَلِفِ كَمَا فِي لَأَقْتُلَنَّ فُلَانًا فَإِنَّ الْقَتْلَ إزْهَاقُ الرُّوحِ فَإِذَا كَانَ عَالِمًا بِمَوْتِهِ يُرَادُ رُوحٌ مُسْتَحْدَثٌ. (قَوْلُهُ: لَمْ تَنْعَقِدْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ عَدَمُ الِانْعِقَادِ فِيمَا إذَا كَانَ مَيِّتًا وَقْتَ الْحَلِفِ أَمَّا إذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ مُضِيِّ الْغَدِ أَوْ قَضَاهُ أَوْ أَبْرَأَهُ قَبْلَهُ تَبْطُلُ بَعْدَ الِانْعِقَادِ إذْ شَرْطُ بَقَاءِ الْمُؤَقَّتَةِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 358 قَالَ لِزَيْدٍ إنْ رَأَيْتُ عَمْرًا فَلَمْ أُعْلِمْكَ فَعَبْدِي حُرٌّ فَرَآهُ مَعَ زَيْدٍ فَسَكَتَ، وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا أَوْ قَالَ هُوَ عَمْرٌو لَا يُعْتَقُ عِنْدَهُمَا. وَمِنْهَا لَوْ حَلَفَ لَا يُعْطِيهِ حَتَّى يَأْذَنَ فُلَانٌ فَمَاتَ فُلَانٌ ثُمَّ أَعْطَاهُ لَمْ يَحْنَثْ، وَكَذَا لَيَضْرِبَنَّهُ أَوْ لَيُكَلِّمَنَّهُ، وَمِنْهَا لَوْ قَالَ رَجُلٌ لِامْرَأَتِهِ إنْ لَمْ تَهَبِي لِي صَدَاقَكِ الْيَوْمَ فَأَنْت طَالِقٌ، وَقَالَ أَبُوهَا إنْ وَهَبْتِ لَهُ صَدَاقَكِ فَأُمُّكِ طَالِقٌ فَحِيلَةُ عَدَمِ حِنْثِهِمَا أَنْ تَشْتَرِيَ مِنْهُ بِمَهْرِهَا ثَوْبًا مَلْفُوفًا وَتَقْبِضَهُ فَإِذَا مَضَى الْيَوْمُ لَمْ يَحْنَثْ أَبُوهَا؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَهَبْ صَدَاقَهَا، وَلَا الزَّوْجُ؛ لِأَنَّهَا عَجَزَتْ عَنْ الْهِبَةِ عِنْدَ الْغُرُوبِ؛ لِأَنَّ الصَّدَاقَ سَقَطَ عَنْ الزَّوْجِ بِالْبَيْعِ ثُمَّ إذَا أَرَادَتْ عَوْدَ الصَّدَاقِ رَدَّتْهُ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ الْكُلُّ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَمِنْهَا مَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ مِنْ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ رَجُلٌ قَالَ إنْ لَمْ أَدْخُلْ اللَّيْلَةَ الْبَلَدَ، وَلَمْ أَلْقَ فُلَانًا فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ فَدَخَلَ، وَلَمْ يُصَادِفْهُ فِي مَنْزِلِهِ فَلَمْ يَلْقَهُ حَتَّى أَصْبَحَ إنْ كَانَ عَالِمًا بِأَنَّهُ غَابَ عَنْ الْمَنْزِلِ وَقْتَ الْحَلِفِ يَحْنَثُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا لَا يَحْنَثُ. اهـ. وَمِنْهَا مَا فِي الْمُبْتَغَى، وَفِي يَمِينِهِ لِامْرَأَتِهِ إنْ لَمْ تَصِلْ صَلَاةَ الْفَجْرِ غَدًا فَأَنْت كَذَا لَا يَحْنَثُ بِحَيْضِهَا بُكْرَةً فِي الْأَصَحِّ. اهـ. وَمِنْهَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ بَعْدَمَا أَصْبَحَ إنْ لَمْ أُجَامِعْكِ هَذِهِ اللَّيْلَةَ فَأَنْت طَالِقٌ، وَلَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ، وَكَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ أَصْبَحَ وَقَعَ يَمِينُهُ عَلَى اللَّيْلَةِ الْقَابِلَةِ؛ لِأَنَّهُ حَلَفَ نَهَارًا فَيَنْصَرِفُ إلَى اللَّيْلَةِ الْقَابِلَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ، وَإِنْ نَوَى تِلْكَ اللَّيْلَةَ لَا تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ فَرْعًا لِمَسْأَلَةِ الْكُوزِ. وَمِنْهَا قَالَ إنْ نِمْتُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ فِي هَذِهِ الدَّارِ فَامْرَأَتُهُ كَذَا، وَقَدْ انْفَجَرَ الصُّبْحُ، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ لَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ، وَهُوَ النَّوْمُ فِي اللَّيْلَةِ الْمَاضِيَةِ لَا يُتَصَوَّرُ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ إنْ صُمْتُ أَمْسِ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ لَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ. وَمِنْهَا مَا لَوْ قَالَ إنْ لَمْ أَبِتْ اللَّيْلَةَ فِي هَذِهِ الدَّارِ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَكَذَلِكَ فِي قَوْلِهِمَا. وَمِنْهَا لَوْ غَابَ الرَّجُلُ عَنْ دَارِهِ سَاعَةً ثُمَّ رَجَعَ فَظَنَّ أَنَّ الْمَرْأَةَ غَائِبَةٌ عَنْ الدَّارِ فَقَالَ إنْ لَمْ آتِ بِامْرَأَتِي إلَى دَارِي اللَّيْلَةَ فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَتْ الْمَرْأَةُ كُنْتُ فِي هَذِهِ الدَّارِ لَمْ يَحْنَثْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ لَمْ تَنْعَقِدْ، وَإِنْ قَالَتْ كُنْتُ غَائِبَةً فَإِنْ صَدَّقَهَا الزَّوْجُ طَلُقَتْ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ أَقَرَّ بِالطَّلَاقِ، وَمِنْهَا مَا لَوْ قَالَ إنْ لَمْ تَرُدِّي الدِّينَارَ الَّذِي أَخَذْتِيهِ مِنْ كِيسِي فَأَنْت طَالِقٌ فَإِذَا الدِّينَارُ فِي كِيسِهِ لَمْ تَطْلُقْ؛ لِأَنَّ الْبِرَّ هُنَا لَمْ يُتَصَوَّرْ فَلَمْ تَنْعَقِدْ الْيَمِينُ فَلَا يَتَرَتَّبُ الْحِنْثُ بِمَنْزِلَةِ مَسْأَلَةِ الْكُوزِ، وَمِنْهَا قَوْمٌ حَلَّفَهُمْ السُّلْطَانُ عَلَى أَنْ يُؤَدُّوا خَرَاجَ تِلْكَ الْبَلْدَةِ إلَى وَقْتٍ مَعْلُومٍ فَأُدِّيَ الْخَرَاجُ كُلُّهُ لَكِنَّ بَعْضَهُمْ بِغَيْرِ أَمْرِ الْبَاقِينَ أَوْ أَدَّى الْخَرَاجَ كُلَّهُ رَجُلٌ وَاحِدٌ غَيْرُهُمْ بِغَيْرِ أَمْرِهِمْ لَمْ يَحْنَثُوا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَدَّى وَاحِدٌ مِنْهُمْ أَوْ غَيْرِهِمْ لَمْ يَبْقَ الْخَرَاجُ عَلَيْهِمْ فَلَا يُتَصَوَّرُ شَرْطُ الْبِرِّ فَتَبْطُلُ الْيَمِينُ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهَا مُؤَقَّتَةٌ بِوَقْتٍ الْكُلُّ فِي الْوَاقِعَاتِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا شَيْئًا مِنْ مَسَائِلِ هَذَا النَّوْعِ فِي تَعَلُّقِ الطَّلَاقِ عِنْدَ قَوْلِهِمْ وَزَوَالُ الْمِلْكِ بَعْدَ الْيَمِينِ لَا يُبْطِلُهَا. (قَوْلُهُ: حَلَفَ لَيَصْعَدَنَّ السَّمَاءَ أَوْ لَيَقْلِبَنَّ هَذَا الْحَجَرَ ذَهَبًا حَنِثَ لِلْحَالِ) يَعْنِي عِنْدَنَا، وَقَالَ زُفَرُ لَا تَنْعَقِدُ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَحِيلٌ عَادَةً فَأَشْبَهَ الْمُسْتَحِيلَ حَقِيقَةً، وَلَنَا أَنَّ الْبِرَّ مُتَصَوِّرٌ حَقِيقَةً بِكَسْرِ الْوَاوِ   [منحة الخالق] إمْكَانُ الْبِرِّ، وَقَدْ فَاتَ لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْجَوْهَرَةِ فِي شَرْحِ مَسْأَلَةِ صُعُودِ السَّمَاءِ، وَقَلْبِ الْحَجَرِ ذَهَبًا أَنَّ الْمُؤَقَّتَةَ يَتَعَلَّقُ انْعِقَادُهَا بِآخِرِ الْوَقْتِ عِنْدَهُمَا يَعْنِي أَبَا حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدًا فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَقَوْلُهُ لَمْ تَنْعَقِدْ صَحِيحٌ فِي الْكُلِّ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ قِيلَ بِالْبُطْلَانِ بَعْدَ الِانْعِقَادِ، وَقِيلَ بِعَدَمِ الِانْعِقَادِ إلَّا فِي آخِرِ الْوَقْتِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَمِنْهَا لَوْ حَلَفَ لَا يُعْطِيهِ حَتَّى يَأْذَنَ فُلَانٌ) كَذَا فِي النُّسَخِ بِدُونِ تَقْيِيدِهِ بِالْيَوْمِ، وَهُوَ كَذَلِكَ فِي الْفَتْحِ وَانْظُرْ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الْكُوزِ إذَا أَطْلَقَ، وَكَانَ فِيهِ مَاءٌ فَصُبَّ. (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهَا عَجَزَتْ عَنْ الْهِبَةِ عِنْدَ الْغُرُوبِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ لَمْ يُمْكِنْهَا ذَلِكَ إذْ الْهِبَةُ لَا تُتَصَوَّرُ فِيمَا سَقَطَ مِنْ الْمَهْرِ فَالْمُرَادُ مِنْ الْعَجْزِ هُنَا هُوَ عَدَمُ الْإِمْكَانِ، وَأَقُولُ: قَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ هِبَةَ الدَّيْنِ كَالْإِبْرَاءِ مِنْهُ إلَّا فِي مَسَائِلَ، وَأَنَّ الْإِبْرَاءَ بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ صَحِيحٌ فَمُقْتَضَاهُ صِحَّةُ الْهِبَةِ بَعْدَمَا ذَكَرَ إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ الْهِبَةِ وَالْبَرَاءَةِ فِي هَذَا فَيَكُونُ مِمَّا اُسْتُثْنِيَ هُنَا، وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْأَشْبَاهِ بَعْدَ قَوْلِهِ الْإِبْرَاءُ بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ صَحِيحٌ، وَعَنْ هَذَا لَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِإِبْرَائِهَا عَنْ الْمَهْرِ ثُمَّ دَفَعَهُ لَهَا لَا يَبْطُلُ التَّعْلِيقُ فَإِذَا أَبْرَأَتْهُ بَرَاءَةَ إسْقَاطٍ، وَقَعَ وَرَجَعَ عَلَيْهَا. اهـ فَتَأَمَّلْ هَذَا الْمَحَلَّ اهـ. وَقَدْ ذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ مِثْلَ ذَلِكَ فِي بَابِ التَّعْلِيقِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ: وَزَوَالُ الْمِلْكِ لَا يُبْطِلُ الْيَمِينَ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى الْمَسْأَلَتَيْنِ اللَّتَيْنِ كَثُرَ وُقُوعُهُمَا فَرَاجِعْهُ إنْ شِئْت. (قَوْلُهُ: وَمِنْهَا مَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ التَّقْيِيدُ بِالْعِلْمِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِنَاءً عَلَى تَقْيِيدِ مَسْأَلَةِ الْقَتْلِ وَالْكُوزِ بِهِ وَمَسْأَلَةِ الرَّغِيفِ، وَمَا شَاكَلَهَا، وَهُوَ قَوْلُ الْإِسْبِيجَابِيِّ، وَقَدْ صَحَّحَ الزَّيْلَعِيُّ خِلَافَهُ، وَعَلَيْهِ فَلَا يَحْنَثُ مُطْلَقًا لِعَدَمِ إمْكَانِ تَصَوُّرِ الْبِرِّ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ اللَّيْلَةِ مَعَ غَيْبَتِهِ عَنْ الْمَنْزِلِ. (قَوْلُهُ: وَمِنْهَا مَا فِي الْمُبْتَغَى إلَخْ) سَيَأْتِي عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ فِي بَابِ الْيَمِينِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَحَنِثَ فِي لَا يَصُومُ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ يَحْنَثُ، وَذَكَرَ فِيهَا قَوْلًا ثَالِثًا فَرَاجِعْهُ هُنَاكَ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 359 أَيْ مُمْكِنٌ؛ لِأَنَّ الصُّعُودَ إلَى السَّمَاءِ مُمْكِنٌ حَقِيقَةً أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَلَائِكَةَ يَصْعَدُونَهَا، وَكَذَا تَحَوُّلُ الْحَجَرِ ذَهَبًا بِتَحْوِيلِ اللَّهِ تَعَالَى بِجَعْلِهِ صِفَةَ الْحَجَرِيَّةِ صِفَةَ الذَّهَبِيَّةِ أَوْ بِإِعْدَامِ الْأَجْزَاءِ الْحَجَرِيَّةِ، وَإِبْدَالِهَا بِأَجْزَاءٍ ذَهَبِيَّةٍ فَالتَّحْوِيلُ فِي الْأَوَّلِ أَظْهَرُ، وَهُوَ مُمْكِنٌ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِينَ عَلَى مَا هُوَ الْحَقُّ، وَإِذَا كَانَ مُتَصَوَّرًا تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ مُوجِبَةً لِحَلِفِهِ ثُمَّ يَحْنَثُ بِحُكْمِ الْعَجْزِ الثَّابِتِ عَادَةً كَمَا إذَا مَاتَ الْحَالِفُ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ مَعَ احْتِمَالِ إعَادَةِ الْحَيَاةِ وَبِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْكُوزِ؛ لِأَنَّ شُرْبَ الْمَاءِ الَّذِي فِي الْكُوزِ وَقْتَ الْحَلِفِ، وَلَا مَاءَ فِيهِ لَا يُتَصَوَّرُ فَلَمْ تَنْعَقِدْ. قَيَّدَ بِكَوْنِ الْيَمِينِ مُطْلَقَةً؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مُؤَقَّتَةً فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَمْضِيَ ذَلِكَ الْوَقْتُ حَتَّى لَوْ مَاتَ قَبْلَهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ إذْ لَا حِنْثَ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ، وَقَيَّدَ بِالْفِعْلِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ عَلَى التَّرْكِ بِأَنْ قَالَ إنْ تَرَكْتُ مَسَّ السَّمَاءِ فَعَبْدِي حُرٌّ لَمْ تَنْعَقِدْ يَمِينُهُ؛ لِأَنَّ التَّرْكَ لَا يُتَصَوَّرُ فِي غَيْرِ الْمَقْدُورِ. (قَوْلُهُ) : (لَا يُكَلِّمُهُ فَنَادَاهُ، وَهُوَ نَائِمٌ فَأَيْقَظَهُ أَوْ إلَّا بِإِذْنِهِ فَأَذِنَ لَهُ، وَلَمْ يَعْلَمْ حَنِثَ) ؛ لِأَنَّهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى كَلَّمَهُ وَقَدْ وَصَلَ إلَى سَمْعِهِ، وَقَدْ شَرَطَ الْمُصَنِّفُ أَنْ يُوقِظَهُ، وَهِيَ رِوَايَةُ الْمَبْسُوطِ، وَعَلَيْهِ مَشَايِخُنَا، وَهُوَ الْمُخْتَارُ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْتَبِهْ كَانَ كَمَا إذَا نَادَاهُ مِنْ بَعِيدٍ، وَهُوَ بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُ صَوْتَهُ لَا يَحْنَثُ، وَلَمْ يَشْتَرِطْهُ الْقُدُورِيُّ كَمَا إذَا نَادَاهُ، وَهُوَ بِحَيْثُ يَسْمَعُ لَكِنَّهُ لَمْ يَفْهَمْ لِتَغَافُلِهِ، وَهِيَ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي جَعَلَ النَّائِمَ فِيهَا كَالْمُسْتَيْقِظِ، وَهِيَ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ ذَكَرْنَاهَا فِي بَابِ التَّيَمُّمِ وَصَحَّحَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ الْحِنْثَ، وَإِنْ لَمْ يُوقِظْهُ لِمَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ إذَا نَادَى الْمُسْلِمُ أَهْلَ الْحَرْبِ بِالْأَمَانِ مِنْ مَوْضِعٍ يَسْمَعُونَ صَوْتَهُ إلَّا أَنَّهُمْ لَا يَسْمَعُونَ لِشُغْلِهِمْ بِالْحَرْبِ فَهُوَ أَمَانٌ. اهـ. وَقَدْ فُرِّقَ بِأَنَّ الْأَمَانَ يُحْتَاطُ فِي إثْبَاتِهِ، وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِ نَائِمًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُسْتَيْقِظًا حَنِثَ إنْ كَانَ بِحَيْثُ يَسْمَعُ صَوْتَهُ إنْ أَصْغَى إلَيْهِ أُذُنَهُ، وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ لِعَارِضِ أَمْرٍ كَانَ مَشْغُولًا بِهِ أَوْ كَانَ أَصَمَّ، وَإِنْ كَانَ لَا يَسْمَعُ صَوْتَهُ لَوْ أَصْغَى إلَيْهِ أُذُنَهُ لِشِدَّةِ الْبُعْدِ لَا يَحْنَثُ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ، وَفِيهَا لَا يَحْنَثُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَإِذَا كَانَ مُتَصَوَّرًا تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ إلَخْ) أَفَادَ أَنَّهُ إذَا كَانَ غَيْرَ مُتَصَوَّرٍ لَا حَقِيقَةً، وَلَا عَادَةً لَا تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْكُوزِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْكُوزِ إلَخْ، وَكَذَا لَوْ عَرَضَ عَدَمُ التَّصَوُّرِ يُبْطِلُهَا كَمَا إذَا كَانَ فِي الْكُوزِ مَاءٌ وَقْتَ الْحَلِفِ فَصُبَّ فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِمَا مَرَّ هُنَاكَ مِنْ شَرْطِ انْعِقَادِهَا وَشَرْطِ بَقَائِهَا إمْكَانُ التَّصَوُّرِ حَقِيقَةً، وَإِنْ اسْتَحَالَ عَادَةً (قَوْلُهُ: قَيَّدَ بِكَوْنِ الْيَمِينِ مُطْلَقَةً إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ مَفْهُومُهُ أَنَّهُ يَحْنَثُ بِمُضِيِّ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَبِهِ يَظْهَرُ ضَعْفُ مَا فِي الْقُنْيَةِ مِنْ قَوْلِهِ مَتَى عَجَزَ الْحَالِفُ عَنْ الْفِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَالْيَمِينُ مُؤَقَّتَةٌ بَطَلَتْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ فَإِنَّ الِاعْتِبَارَ لِعَدَمِ الْإِمْكَانِ لَا لِلْعَجْزِ وَانْظُرْ إلَى قَوْلِهِمْ قَاطِبَةً أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مُؤَقَّتَةً لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَمْضِيَ ذَلِكَ الْوَقْتُ فِي مُقَابَلَةِ قَوْلِهِمْ فِي الْمُطْلَقَةِ حَنِثَ لِلْحَالِ فَحِنْثُهُ فِي الْمُؤَقَّتَةِ بِمُضِيِّ الْوَقْتِ ثَابِتٌ عِنْدَهُمْ كَمَا أَطْبَقَ عَلَيْهِ الشُّرَّاحُ، وَقَدْ عَلَّلُوا الْمَسْأَلَةَ بِتَصَوُّرِ الْبِرِّ وَالْحِنْثِ لِلْعَجْزِ عَنْهُ إمَّا حَالًا فِي الْمُطْلَقَةِ أَوْ بَعْدَ مُضِيِّ الْوَقْتِ فِي الْمُؤَقَّتَةِ. هَذَا وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّهُ لَا اعْتِمَادَ عَلَى كُلِّ مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْقُنْيَةِ مُخَالِفٌ لِلْقَوَاعِدِ مَا لَمْ يُعَضِّدُهُ نَقْلٌ مِنْ غَيْرِهِ وَانْظُرْ مَا ذَكَرَهُ فِي النَّهْرِ فِي بَابِ التَّعْلِيقِ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ وَزَوَالُ الْمِلْكِ لَا يُبْطِلُهَا فَإِنَّهُ ذَكَرَ مَا هُوَ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى فِي مَسْأَلَةِ مَا لَوْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ لَيُؤَدِّيَنَّ لَهُ الْيَوْمَ كَذَا مِنْ دَيْنِهِ فَعَجَزَ عَنْهُ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ شَيْءٌ، وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يُقْرِضُهُ، وَأَنَّ هَذَا مِنْ الْمَوَاضِعِ الْمُهِمَّةِ فَكُنْ فِيهِ عَلَى بَصِيرَةٍ، وَأَنْتَ عَلَى عِلْمٍ بِأَنَّ الْعَجْزَ لَوْ أَبْطَلَ الْمُؤَقَّتَةَ لَمَا حَنِثَ هُنَا أَيْ فِي مَسْأَلَةِ لَيَصْعَدَنَّ السَّمَاءَ بِمُضِيِّ الْوَقْتِ فِيهَا فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. اهـ. قُلْتُ: الظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَ صَاحِبِ الْقُنْيَةِ الْعَجْزُ الْعَارِضُ فِي مَسْأَلَةِ الْكُوزِ فَيَكُونُ بَيَانًا لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ شَرْطَ بَقَائِهَا إمْكَانُ تَصَوُّرِ الْبِرِّ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَإِذَا كَانَتْ مُؤَقَّتَةً، وَكَانَ فِيهِ مَاءٌ فَصُبَّ يَحْنَثُ لِتَحَقُّقِ الْعَجْزِ عَنْ الْفِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ جَعَلَ بُطْلَانَهَا قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ أَيْ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، وَهَذَا الْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي مَسْأَلَةِ الْكُوزِ كَمَا مَرَّ أَمَّا هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فَالْخِلَافُ فِيهَا بَيْنَ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ وَبَيْنَ زُفَرَ كَمَا مَرَّ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مُؤَقَّتَةً إلَخْ) فَإِذَا قَالَ لَأَصْعَدَنَّ السَّمَاءَ الْيَوْمَ فَعِنْدَهُمَا يَحْنَثُ فِي آخِرِ الْيَوْمِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا وَقَّتَ كَانَ غَرَضُهُ تَوْسِعَةَ الْأَمْرِ عَلَى نَفْسِهِ حَتَّى يَخْتَارَ الْفِعْلَ فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ، وَلَا يَحْنَثُ بِتَرْكِ الْفِعْلِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ فَلَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ الْفِعْلُ إلَّا فِي آخِرِ أَجْزَاءِ الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ فَإِذَا لَمْ يَجِبْ الْفِعْلُ قَبْلَ ذَلِكَ لَا يَحْنَثُ بِخِلَافِ الْمُطْلَقِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي كَلَامِهِ مَا يُوجِبُ التَّوْسِعَةَ فَوَجَبَ عَلَيْهِ الْبِرُّ كَمَا فَرَغَ مِنْ الْيَمِينِ فَإِذَا عَجَزَ يَحْنَثُ، وَلَيْسَ فِي تَأْخِيرِ الْحِنْثِ إلَى آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ فَائِدَةٌ سِوَى تَحْقِيقِ الْبِرِّ فَإِذَا كَانَ الْعَجْزُ ثَابِتًا عَادَةً لَمْ يُفِدْ الْقَوْلُ بِالتَّأْخِيرِ بَلْ نَظَرُهُ فِي الْحِنْثِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ حَنِثَ فِي آخِرِ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ رُبَّمَا لَا يُمْكِنُهُ التَّكْفِيرُ إمَّا حَقِيقَةً بِأَنْ كَانَ مُعْسِرًا أَوْ مُوسِرًا وَذَلِكَ زَمَانٌ لَا يُمْكِنُهُ الْوَصِيَّةُ وَالتَّكْفِيرُ قَبْلَ الْحِنْثِ لَا يَجُوزُ فَيَبْقَى فِي وَرْطَةِ الْإِثْمِ وَالْعِقَابِ، وَلَوْ حَنِثَ فِي الْحَالِ يُمْكِنُهُ التَّكْفِيرُ، وَإِسْقَاطُ الْإِثْمِ فَيَحْنَثُ فِي الْحَالِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 360 حَتَّى يُكَلِّمَهُ بِكَلَامٍ مُسْتَأْنَفٍ بَعْدَ الْيَمِينِ مُنْقَطِعٍ عَنْهَا لَا مُتَّصِلٍ بِهَا فَلَوْ قَالَ مَوْصُولًا إنْ كَلَّمْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَاذْهَبِي أَوْ اُخْرُجِي أَوْ قُومِي أَوْ شَتَمَهَا أَوْ زَجَرَ مُتَّصِلًا لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ تَمَامِ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ فَلَا يَكُونُ مُرَادًا بِالْيَمِينِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِهِ كَلَامًا مُسْتَأْنَفًا، وَفِي الْمُنْتَقَى لَوْ قَالَ فَاذْهَبِي أَوْ وَاذْهَبِي لَا تَطْلُقُ، وَلَوْ قَالَ اذْهَبِي طَلُقَتْ؛ لِأَنَّهُ مُنْقَطِعٌ عَنْ الْيَمِينِ، وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ لَا أُكَلِّمُكَ يَوْمًا أَوْ غَدًا حَنِثَ؛ لِأَنَّهُ كَلَّمَهُ الْيَوْمَ بِقَوْلِهِ أَوْ غَدًا. اهـ. وَتَعَقَّبَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهُ لَا شَكَّ فِي عَدَمِ صِحَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ كَلَامٌ وَاحِدٌ فَإِنَّهُ إذَا أَرَادَ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ لَا يُقَالُ إلَّا كَذَلِكَ، وَعَنْ هَذَا إذَا قَالَ لِآخَرَ إذَا ابْتَدَأْتُكَ بِكَلَامٍ فَعَبْدِي حُرٌّ فَالْتَقَيَا فَسَلَّمَ كُلٌّ عَلَى الْآخَرِ مَعًا لَا يَحْنَثُ وَانْحَلَّتْ يَمِينُهُ لِعَدَمِ تَصَوُّرِ أَنْ يُكَلِّمَهُ بَعْدَ ذَلِكَ ابْتِدَاءً، وَلَوْ قَالَ لَهَا إنْ ابْتَدَأْتُكِ بِكَلَامٍ، وَقَالَتْ لَهُ هِيَ كَذَلِكَ لَا يَحْنَثُ إذَا كَلَّمَهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْتَدِئْهَا، وَلَا يَحْنَثُ بَعْدَ ذَلِكَ لِعَدَمِ تَصَوُّرِ ابْتِدَائِهَا، وَلَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ فَسَلَّمَ عَلَى قَوْمٍ هُوَ فِيهِمْ حَنِثَ إلَّا أَنْ لَا يَقْصِدَهُ فَيُصَدَّقُ دِيَانَةً لَا قَضَاءً. أَمَّا لَوْ قَالَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ إلَّا عَلَى وَاحِدٍ صُدِّقَ قَضَاءً عِنْدَنَا، وَلَوْ سَلَّمَ مِنْ الصَّلَاةِ فَإِنْ كَانَ إمَامًا قِيلَ إنْ كَانَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ عَنْ يَمِينِهِ لَا يَحْنَثُ، وَإِنْ كَانَ عَنْ يَسَارِهِ حَنِثَ؛ لِأَنَّ الْأُولَى وَاقِعَةٌ فِي الصَّلَاةِ فَلَا يَحْنَثُ بِهَا بِخِلَافِ الثَّانِيَةِ، وَقِيلَ لَا يَحْنَثُ بِهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا فِي الصَّلَاةِ مِنْ وَجْهٍ، وَكَذَا عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِهِمَا، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَلَوْ دَقَّ عَلَيْهِ الْبَابَ فَقَالَ مَنْ حَنِثَ، وَلَوْ نَادَاهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ فَقَالَ لَبَّيْكَ أَوْ لَبَّى حَنِثَ، وَلَوْ كَلَّمَهُ الْحَالِفُ بِكَلَامٍ لَمْ يَفْهَمْهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ، وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَأْمُرَ بِشَيْءٍ فَقَالَ: وَقَدْ مَرَّ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ يَا حَائِطُ اسْمَعْ افْعَلْ كَيْتَ، وَكَيْتَ فَسَمِعَهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ، وَفَهِمَهُ لَا يَحْنَثُ لِمَا رُوِيَ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ عُثْمَانَ فَكَانَ إذَا مَرَّ بِهِ يَقُولُ يَا حَائِطُ اصْنَعْ كَذَا كَذَا وَيَا حَائِطُ كَانَ كَذَا، وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ شَكَوْتِ مِنِّي إلَى أَخِيكِ فَأَنْت طَالِقٌ فَجَاءَ أَخُوهَا، وَعِنْدَهَا صَبِيٌّ لَا يَعْقِلُ فَقَالَتْ الْمَرْأَةُ إنَّ زَوْجِي فَعَلَ بِي كَذَا، وَكَذَا وَخَاطَبَتْ الصَّبِيَّ بِذَلِكَ حَتَّى سَمِعَ أَخُوهَا لَا تَطْلُقُ؛ لِأَنَّهَا مَا شَكَتْ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُخَاطِبْهُ، وَلَوْ قَالَ إنْ شَكَوْت بَيْنَ يَدَيْ أَخِيكِ قَالَ فِي الْكِتَابِ هَذَا أَشَدُّ يُرِيدُ بِهِ أَنَّهُ يَخَافُ عَلَيْهِ أَنْ يَحْنَثَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ يُرَادُ فِي الْعُرْفِ بِالشِّكَايَةِ بَيْنَ يَدَيْهِ الشِّكَايَةُ إلَيْهِ كَذَا فِي الْوَاقِعَاتِ. وَلَوْ حَلَفَ لَا يَتَكَلَّمُ فَنَاوَلَ امْرَأَتَهُ شَيْئًا فَقَالَ هَا حَنِثَ، وَلَوْ جَاءَهُ كَافِرٌ يُرِيدُ الْإِسْلَامَ فَبَيَّنَ صِفَةَ الْإِسْلَامِ مُسْمِعًا لَهُ، وَلَا يُوَجِّهُ إلَيْهِ لَمْ يَحْنَثْ، وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ سَبَّحَ الْحَالِفُ لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ لِلسَّهْوِ أَوْ فَتَحَ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةَ، وَهُوَ مُقْتَدٍ لَمْ يَحْنَثْ وَخَارِجُ الصَّلَاةِ يَحْنَثُ، وَلَوْ كَتَبَ إلَيْهِ كِتَابًا أَوْ أَرْسَلَ إلَيْهِ رَسُولًا لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى كَلَامًا عُرْفًا خِلَافًا لِمَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَاسْتِدْلَالُهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلا وَحْيًا} [الشورى: 51] إلَى قَوْلِهِ {أَوْ يُرْسِلَ رَسُولا} [الشورى: 51] أُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ مَبْنَى الْأَيْمَانِ عَلَى الْعُرْفِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْكَلَامَ لَا يَكُونُ إلَّا بِاللِّسَانِ فَلَا يَكُونُ بِالْإِشَارَةِ، وَلَا بِالْكِتَابَةِ، وَالْإِخْبَارُ وَالْإِقْرَارُ وَالْبِشَارَةُ تَكُون بِالْكِتَابَةِ لَا بِالْإِشَارَةِ وَالْإِيمَاءِ، وَالْإِظْهَارُ وَالْإِفْشَاءُ وَالْإِعْلَامُ يَكُونُ بِالْإِشَارَةِ أَيْضًا فَإِنْ نَوَى فِي ذَلِكَ كُلِّهِ أَيْ فِي الْإِظْهَارِ وَالْإِفْشَاءِ وَالْإِعْلَامِ وَالْإِخْبَارِ كَوْنَهُ   [منحة الخالق] عِنْدَهُ يَحْنَثُ فِي الْحَالِ فِي الْمُوَقَّتَةِ أَيْضًا لِتَحَقُّقِ الْعَجْزِ فِي الْحَالِ. (قَوْلُهُ: أَوْ اُخْرُجِي أَوْ قُومِي) مَعْطُوفٌ عَلَى اذْهَبِي مَدْخُولُ الْفَاءِ فَتَكُونُ الْفَاءُ دَاخِلَةً عَلَيْهِ فِي كَلَامِ الْحَالِفِ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ الْآتِي: وَلَوْ قَالَ اذْهَبِي طَلُقَتْ؛ لِأَنَّهُ مُنْقَطِعٌ (قَوْلُهُ: أَوْ وَاذْهَبِي) قَالَ الرَّمْلِيُّ تَأَمَّلْ فِيهِ وَرَاجِعْ نُسْخَةً صَحِيحَةً فَإِنَّ صَاحِبَ الْبَزَّازِيَّةِ صَرَّحَ فِيهَا بِالْحِنْثِ فِيهِ أَقُولُ: الَّذِي فِي النُّسَخِ هَكَذَا بِلَفْظِ لَا تَطْلُقُ، وَهَكَذَا فِي الْفَتْحِ، وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ وَاذْهَبِي إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِهَذَا كَلَامًا مُسْتَأْنَفًا، وَفِي الذَّخِيرَةِ وَالْمُنْتَقَى إنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ فَاذْهَبِي طَلَاقًا طَلُقَتْ بِهِ وَاحِدَةً وَبِالْيَمِينِ أُخْرَى. اهـ. (قَوْلُهُ: فَسَلَّمَ كُلٌّ عَلَى الْآخَرِ لَا يَحْنَثُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ يَحْنَثُ فَرَاجِعْهُ وَتَأَمَّلْ. اهـ. أَقُولُ: الَّذِي فِي الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ مُعَلَّلًا بِأَنَّ الْبُدَاءَةَ تُنَافِي الْقِرَانَ، وَفِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ إنْ ابْتَدَأْتُكِ بِكَلَامٍ أَوْ تَزَوُّجٍ أَوْ كَلَّمْتُكِ قَبْلَ تُكَلِّمِينِي فَتَكَالَمَا أَوْ تَزَوَّجَا مَعًا لَمْ يَحْنَثْ أَبَدًا لِاسْتِحَالَةِ السَّبْقِ مَعَ الْقِرَانِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ سَلَّمَ مِنْ الصَّلَاةِ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ، وَلَوْ سَلَّمَ مِنْ الصَّلَاةِ فَإِنْ كَانَ إمَامًا قِيلَ إنْ كَانَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ عَنْ يَمِينِهِ لَا يَحْنَثُ، وَإِنْ كَانَ عَنْ يَسَارِهِ يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الْأُولَى وَاقِعَةٌ فِي الصَّلَاةِ فَلَا يَحْنَثُ بِهَا بِخِلَافِ الثَّانِيَةِ، وَقِيلَ لَا يَحْنَثُ بِهَا؛ لِأَنَّهَا فِي الصَّلَاةِ مِنْ وَجْهٍ، وَكَذَا عَنْ مُحَمَّدٍ لَا يَحْنَثُ فِيهِمَا، وَهُوَ الصَّحِيحُ وَالْأَصَحُّ مَا فِي الشَّافِي أَنَّهُ يَحْنَثُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ غَيْرَهُ، وَفِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ فِيمَا إذَا كَانَ إمَامًا يَحْنَثُ إذَا نَوَاهُ فَعَلَى ذَلِكَ التَّفْصِيلُ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَإِنْ كَانَ مُقْتَدِيًا لَا يَحْنَثُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ سَلَامَ الْإِمَامِ يُخْرِجُ الْمُقْتَدِيَ عَنْ الصَّلَاةِ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ (قَوْلُهُ: لَا بِالْإِشَارَةِ وَالْإِيمَاءِ) عَطْفُ الْإِيمَاءِ عَلَى الْإِشَارَةِ عَطْفُ مُرَادِفٍ أَوْ مُغَايِرٍ بِأَنْ يُرَادَ الْإِشَارَةُ بِالْيَدِ وَالْإِيمَاءُ بِالرَّأْسِ (قَوْلُهُ: أَيْ فِي الْإِظْهَارِ وَالْإِفْشَاءِ وَالْإِعْلَامِ وَالْإِخْبَارِ) الْإِفْشَاءُ بِالْفَاءِ مِنْ أَفْشَى السِّرَّ وَذِكْرُهُ الْإِخْبَارَ مَعَ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمَهُ مِنْ أَنَّهُ يَكُونُ بِالْكِتَابَةِ لَا بِالْإِشَارَةِ فَإِنَّهُ لَوْ أَخْبَرَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 361 بِالْكَلَامِ وَالْكِتَابَةِ دُونَ الْإِشَارَةِ دُيِّنَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَوْ حَلَفَ لَا يُحَدِّثُهُ لَا يَحْنَثُ إلَّا أَنْ يُشَافِهَهُ، وَكَذَا لَا يُكَلِّمُهُ يَقْتَصِرُ عَلَى الْمُشَافَهَةِ، وَلَوْ قَالَ لَا أُبَشِّرُهُ فَكَتَبَ إلَيْهِ حَنِثَ، وَفِي قَوْلِهِ إنْ أَخْبَرْتَنِي أَنَّ فُلَانًا قَدِمَ وَنَحْوَهُ يَحْنَثُ بِالصِّدْقِ وَالْكَذِبِ، وَلَوْ قَالَ بِقُدُومِهِ وَنَحْوِهِ فَعَلَى الصِّدْقِ خَاصَّةً، وَكَذَا إنْ أَعْلَمْتَنِي، وَكَذَا الْبِشَارَةُ، وَمِثْلُهُ إنْ كَتَبْتَ إلَيَّ أَنَّ فُلَانًا قَدِمَ فَكَتَبَ قَبْلَ قُدُومِهِ فَوَصَلَ إلَيْهِ الْكِتَابُ حَنِثَ سَوَاءٌ وَصَلَ إلَيْهِ قَبْلَ قُدُومِهِ أَوْ بَعْدَهُ بِخِلَافِ إنْ كَتَبْتَ إلَيَّ بِقُدُومِهِ لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَكْتُبَ بِقُدُومِهِ الْوَاقِعِ وَذَكَرَ هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ سَأَلَنِي هَارُونُ الرَّشِيدُ عَمَّنْ حَلَفَ لَا يَكْتُبُ إلَى فُلَانٍ فَأَمَرَ مَنْ يَكْتُبُ إلَيْهِ بِإِيمَاءٍ أَوْ إشَارَةٍ هَلْ يَحْنَثُ فَقُلْتُ: نَعَمْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إذَا كَانَ مِثْلُكَ قَالَ السَّرَخْسِيُّ، وَهَذَا صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ السُّلْطَانَ لَا يَكْتُبُ بِنَفْسِهِ، وَإِنَّمَا يَأْمُرُ بِهِ، وَمِنْ عَادَتِهِمْ الْأَمْرُ بِالْإِيمَاءِ وَالْإِشَارَةِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَقْرَأُ كِتَابَ فُلَانٍ فَنَظَرَ فِيهِ حَتَّى فَهِمَهُ لَا يَحْنَثُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَيَحْنَثُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْوُقُوفُ عَلَى مَا فِيهِ لَا عَيْنُ التَّلَفُّظِ بِهِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا، وَفُلَانًا لَمْ يَحْنَثْ بِكَلَامِ أَحَدِهِمَا إلَّا أَنْ يَنْوِيَ كُلًّا مِنْهُمَا فَيَحْنَثُ بِكَلَامِ أَحَدِهِمَا، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَإِنْ ذُكِرَ خِلَافُهُ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. وَلَوْ قَالَ لَا أُبَلِّغُكَ شَيْئًا فَكَتَبَ إلَيْهِ حَنِثَ، وَلَوْ قَالَ لَا أُذَكِّرُكَ شَيْئًا فَهُوَ عَلَى الْمُوَاجَهَةِ، وَلَا يَحْنَثُ بِالْكِتَابَةِ، وَلَوْ قَالَ لَا أُظْهِرُ سِرَّكَ، وَلَا أُفْشِي أَبَدًا فَإِنْ صَرَّحَ إلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ وَذَكَرَهُ فَقَدْ أَفْشَى سِرَّهُ، وَكَذَلِكَ يَحْنَثُ بِالْكِتَابَةِ وَالرِّسَالَةِ إلَى إنْسَانٍ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَفِي الْوَاقِعَاتِ حَلَفَ أَنْ لَا يَكْذِبَ فَسَأَلَهُ إنْسَانٌ عَنْ أَمْرٍ فَحَرَّكَ رَأْسَهُ بِالْكَذِبِ لَا يَحْنَثُ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ؛ لِأَنَّ الْكَذِبَ تَكَلُّمٌ بِكَلَامٍ هُوَ كَذِبُ ابْنٍ بَيْنَ زَيْدٍ، وَعَمْرٍو حَلَفَ رَجُلٌ لَا يُكَلِّمُ ابْنَ زَيْدٍ وَحَلَفَ الْآخَرُ لَا يُكَلِّمُ ابْنَ عَمْرٍو فَكَلَّمَا هَذَا الِابْنَ حَنِثَا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ كَلَّمَ ابْنَ مَنْ سَمَّى إنْ كَلَّمْتُ امْرَأَةً فَعَبْدِي حُرٌّ فَكَلَّمَ صَبِيَّةً لَمْ يَحْنَثْ، وَلَوْ قَالَ إنْ تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً فَتَزَوَّجَ صَبِيَّةً حَنِثَ؛ لِأَنَّ الصِّبَا مَانِعٌ مِنْ هِجْرَانِ الْكَلَامِ فَلَا تُرَادُ الصَّبِيَّةُ فِي الْيَمِينِ الْمَعْقُودَةِ عَلَى الْكَلَامِ عَادَةً، وَلَا كَذَلِكَ التَّزَوُّجُ. اهـ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ امْرَأَتَهُ فَدَخَلَ دَارِهِ، وَلَيْسَ فِيهَا غَيْرُهَا فَقَالَ مَنْ وَضَعَ هَذَا حَنِثَ، وَلَوْ كَانَ مَعَهَا غَيْرُهَا لَا يَحْنَثُ، وَلَوْ قَالَ لَيْتَ شِعْرِي مَنْ وَضَعَ هَذَا لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ اسْتَفْهَمَ نَفْسَهُ، وَلَوْ قَرَأَ الْحَالِفُ كِتَابًا عَلَى الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَالْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ يَكْتُبُ إنْ قَصَدَ الْحَالِفُ إمْلَاءَ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ قَالُوا يُخَافُ عَلَيْهِ الْحِنْثُ. اهـ. وَفِي السِّرَاجِيَّةِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ سَأَلَ حَالَ صِغَرِهِ أَبَا حَنِيفَةَ فِيمَنْ قَالَ لِآخَرَ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ثُمَّ مَاذَا فَتَبَسَّمَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَ اُنْظُرْ حَسَنًا يَا شَيْخُ فَنَكَسَ أَبُو حَنِيفَةَ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ حَنِثَ مَرَّتَيْنِ فَقَالَ لَهُ مُحَمَّدٌ أَحْسَنْتَ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا أَدْرِي أَيُّ الْكَلِمَتَيْنِ أَوْجَعُ لِي قَوْلُهُ: اُنْظُرْ حَسَنًا أَوْ أَحْسَنْتَ. اهـ. وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ وَهِيَ مَا إذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ إلَّا بِإِذْنِهِ فَأَذِنَ لَهُ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِالْإِذْنِ حَتَّى كَلَّمَهُ فُلَانٌ الْإِذْنُ مُشْتَقٌّ مِنْ الْأَذَانِ الَّذِي هُوَ الْإِعْلَامُ أَوْ مِنْ الْوُقُوعِ فِي الْأُذُنِ، وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِالسَّمَاعِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ هُوَ الْإِطْلَاقُ، وَأَنَّهُ يَتِمُّ بِالْإِذْنِ كَالرِّضَا قُلْنَا الرِّضَا مِنْ أَعْمَالِ الْقَلْبِ، وَلَا كَذَلِكَ الْإِذْنُ عَلَى مَا مَرَّ، وَلَا يُخَالِفُهُ مَا فِي التَّتِمَّةِ وَالْفَتَاوَى الصُّغْرَى إذَا أَذِنَ الْمَوْلَى لِعَبْدِهِ وَالْعَبْدُ لَا يَعْلَمُ لَا يَصِحُّ الْإِذْنُ حَتَّى إذَا عَلِمَ يَصِيرُ مَأْذُونًا؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ يَثْبُتُ مَوْقُوفًا عَلَى الْعِلْمِ فَلَيْسَ لَهُ قَبْلَ الْعِلْمِ حُكْمُ الْإِذْنِ، وَلِذَا قَالَ فِي الشَّامِلِ إذَا أَذِنَ لِعَبْدِهِ فَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ أَحَدٌ مِنْ النَّاسِ فَتَصَرَّفَ الْعَبْدُ ثُمَّ عَلِمَ بِإِذْنِهِ لَمْ يَجُزْ تَصَرُّفُهُ. (قَوْلُهُ: لَا يُكَلِّمُهُ شَهْرًا فَهُوَ مِنْ حِينَ حَلَفَ) ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَذْكُرْ الشَّهْرَ تَتَأَبَّدُ الْيَمِينُ فَذَكَرَ الشَّهْرَ لِإِخْرَاجِ مَا وَرَاءَهُ فَبَقِيَ مَا يَلِي يَمِينَهُ دَاخِلًا عَمَلًا بِدَلَالَةِ الْحَالِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَأَصُومَنَّ شَهْرًا أَوْ لَأَعْتَكِفَنَّ شَهْرًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَذْكُرْ الشَّهْرَ لَا تَتَأَبَّدُ الْيَمِينُ فَكَانَ ذِكْرُهُ لِتَقْدِيرِ الصَّوْمِ بِهِ، وَأَنَّهُ مُنْكَرٌ   [منحة الخالق] بِالْإِشَارَةِ لَمْ يَحْنَثْ فَمَا مَعْنَى كَوْنِهِ يُصَدَّقُ دِيَانَةً وَالْعِبَارَةُ الْمَذْكُورَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْفَتْحِ، وَمِثْلُهَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَكَذَا إنْ أَعْلَمْتنِي، وَكَذَا الْبِشَارَةُ) هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُؤَلِّفُ فِي الْبَابِ الْآتِي مِنْ أَنَّ الْبِشَارَةَ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ عَلَى الصِّدْقِ بِلَا فَرْقٍ بَيْنَ أَنْ يَأْتِيَ بِالْبَاءِ أَوْ لَا، وَكَذَا الْإِعْلَامُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الصِّدْقِ؛ لِأَنَّهُ إثْبَاتُ الْعِلْمِ وَالْكَذِبُ لَا يُفِيدُهُ بِلَا فَرْقٍ بَيْنَ أَنْ يَأْتِيَ فِيهِ بِالْبَاءِ أَوْ لَا. (قَوْلُهُ: لَا يَحْنَثُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَيَحْنَثُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ) سَيَأْتِي فِي شَرْحِ قَوْلِهِ لَا يَتَكَلَّمُ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ (قَوْلُهُ: وَلَا يُخَالِفُهُ مَا فِي التَّتِمَّةِ وَالْفَتَاوَى الصُّغْرَى إلَخْ) أَيْ لَا يُخَالِفُ الْقَوْلَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الرِّضَا وَالْإِذْنِ، وَهُوَ قَوْلُهُمَا، وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى مَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ مِنْ قَوْلِهِ يَصِحُّ الْإِذْنُ بِدُونِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 362 فَالتَّعْيِينُ إلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ إنْ تَرَكْتُ الصَّوْمَ شَهْرًا فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ شَهْرًا مِنْ حِينَ حَلَفَ؛ لِأَنَّ تَرْكَهُ مُطْلَقًا يَتَنَاوَلُ الْأَبَدَ فَذَكَرَ الْوَقْتَ لِإِخْرَاجِ مَا وَرَاءَهُ فَهُوَ كَقَوْلِهِ إنْ تَرَكْتُ كَلَامَهُ شَهْرًا، وَإِنْ لَمْ أُسَاكِنْهُ شَهْرًا، وَنَظِيرُهُ إذَا آجَرَهُ شَهْرًا، وَكَذَا آجَالُ الدُّيُونِ، وَأَمَّا الْأَجَلُ فِي قَوْلِهِ كَفَلْتُ لَكَ بِنَفْسِكَ إلَى شَهْرٍ اُخْتُلِفَ فِي أَنَّهَا لِبَيَانِ ابْتِدَاءِ الْمُدَّةِ أَوْ لِانْتِهَائِهَا فَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لِانْتِهَاءِ الْمُطَالَبَةِ فَلَا يُلْزَمُ بِإِحْضَارِهِ بَعْدَ الشَّهْرِ، وَأَلْحَقَاهَا بِآجَالِ الدُّيُونِ فَجَعَلَاهَا لِبَيَانِ ابْتِدَائِهَا فَلَا يُلْزَمُ بِإِحْضَارِهَا قَبْلَ الشَّهْرِ، وَهُوَ أَحْسَنُ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ فِي مِثْلِهِ لِلتَّرْفِيَةِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِي الْبَدَائِعِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ شَهْرًا يَقَعُ عَلَى ثَلَاثِينَ يَوْمًا، وَلَوْ قَالَ الشَّهْرَ يَقَعُ عَلَى بَقِيَّةِ الشَّهْرِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ السَّنَةَ يَقَعُ عَلَى بَقِيَّةِ السَّنَةِ. وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ بِاللَّيْلِ لَا يُكَلِّمُهُ يَوْمًا فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِكَلَامِهِ مِنْ حِينَ حَلَفَ إلَى أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ مِنْ الْغَدِ يَدْخُلُ فِي يَمِينِهِ بَقِيَّةُ اللَّيْلِ حَتَّى لَوْ كَلَّمَهُ فِيمَا بَقِيَ مِنْ اللَّيْلِ أَوْ فِي الْغَدِ يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الْيَوْمِ لِلْإِخْرَاجِ، وَكَذَا لَوْ حَلَفَ بِالنَّهَارِ لَا يُكَلِّمُهُ لَيْلَةً حَنِثَ بِكَلَامِهِ مِنْ حِينَ حَلَفَ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَلَوْ قَالَ فِي بَعْضِ النَّهَارِ لَا أُكَلِّمُهُ يَوْمًا فَالْيَمِينُ عَلَى بَقِيَّةِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ إلَى مِثْلِ تِلْكَ السَّاعَةِ الَّتِي حَلَفَ فِيهَا مِنْ الْغَدِ؛ لِأَنَّهُ حَلَفَ عَلَى يَوْمٍ مُنَكَّرٍ فَلَا بُدَّ مِنْ اسْتِيفَائِهِ، وَلَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ إلَّا بِإِتْمَامِهِ مِنْ الْيَوْمِ الثَّانِي فَيَدْخُلُ اللَّيْلُ بِطَرِيقِ التَّبَعِ، وَكَذَا إذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ لَيْلَةً فَالْيَمِينُ مِنْ تِلْكَ السَّاعَةِ إلَى أَنْ يَجِيءَ مِثْلُهَا مِنْ اللَّيْلَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ فَيَدْخُلُ النَّهَارُ الَّذِي بَيْنَهُمَا فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ حَلَفَ عَلَى لَيْلَةٍ مُنَكَّرَةٍ فَلَا بُدَّ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ فَإِنْ قَالَ فِي بَعْضِ الْيَوْمِ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُكَ الْيَوْمَ فَالْيَمِينُ عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ الْيَوْمِ فَإِذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ سَقَطَتْ الْيَمِينُ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ بِاللَّيْلِ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُكَ اللَّيْلَةَ فَإِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ سَقَطَتْ، وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُكَ الْيَوْمَ، وَلَا غَدًا فَالْيَمِينُ عَلَى بَقِيَّةِ الْيَوْمِ، وَعَلَى غَدٍ، وَلَا تَدْخُلُ اللَّيْلَةُ الَّتِي بَيْنَهُمَا فِي الْيَمِينِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ، وَفِي الْوَاقِعَاتِ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ الْيَوْمَ وَلَا غَدًا، وَلَا بَعْدَ غَدٍ فَلَهُ أَنْ يُكَلِّمَهُ بِاللَّيْلِ؛ لِأَنَّهَا أَيْمَانٌ ثَلَاثَةٌ، وَلَوْ لَمْ يُكَرِّرْ حَرْفَ النَّفْيِ فَهِيَ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ فَيَدْخُلُ اللَّيْلُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُكَ شَهْرًا إلَّا يَوْمًا، وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَلَهُ أَنْ يَخْتَارَ أَيَّ يَوْمٍ شَاءَ، وَلَوْ قَالَ شَهْرًا إلَّا نُقْصَانَ يَوْمٍ فَهُوَ عَلَى تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْأَوَّلِ اهـ. (قَوْلُهُ: لَا يَتَكَلَّمُ فَقَرَأَ الْقُرْآنَ أَوْ سَبَّحَ لَا يَحْنَثُ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى مُتَكَلِّمًا عَادَةً وَشَرْعًا أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ فِي الصَّلَاةِ أَوْ خَارِجَهَا فَإِنْ كَانَ فِي الصَّلَاةِ فَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ خَارِجَهَا فَاخْتَارَ الْقُدُورِيُّ الْحِنْثَ وَاخْتَارَ خواهر زاده عَدَمَهُ لِمَا ذَكَرْنَا، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّهُ اُخْتِيرَ لِلْفَتْوَى مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ بَيْنَ عَقْدِ الْيَمِينِ بِالْعَرَبِيَّةِ أَوْ بِالْفَارِسِيَّةِ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ التَّفْصِيلَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ؛ لِأَنَّ مَبْنَى الْأَيْمَانِ عَلَى الْعُرْفِ، وَفِي الْعُرْفِ الْمُتَأَخِّرِ لَا يُسَمَّى التَّسْبِيحُ وَالْقُرْآنُ كَلَامًا حَتَّى إنَّهُ يُقَالُ لِمَنْ يُسَبِّحُ طُولَ يَوْمِهِ أَوْ يَقْرَأُ لَمْ يَتَكَلَّمْ الْيَوْمَ بِكَلِمَةٍ. اهـ. لَكِنْ فِي الْوَاقِعَاتِ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى أَنَّ الْيَمِينَ إذَا كَانَتْ بِالْعَرَبِيَّةِ لَمْ يَحْنَثْ بِالْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ وَيَحْنَثُ بِالْقِرَاءَةِ خَارِجَهَا، وَإِنْ كَانَتْ بِالْفَارِسِيَّةِ لَا يَحْنَثُ مُطْلَقًا. اهـ. فَقَدْ اخْتَلَفَتْ الْفَتْوَى وَالْإِفْتَاءُ بِظَاهِرِ الْمَذْهَبِ أَوْلَى، وَفِي التَّهْذِيبِ لِلْقَلَانِسِيِّ الْكَلَامُ فِي الْحَقِيقَةِ مَفْهُومٌ يُنَافِي الْخَرَسَ وَالسُّكُوتَ، وَهُوَ اخْتِيَارُ مُحَقِّقِي أَهْلِ السُّنَّةِ لَكِنْ فِي الْعُرْفِ صَوْتٌ مَقْطُوعٌ مَفْهُومٌ يَخْرُجُ مِنْ الْفَمِ، وَلَا تَدْخُلُ فِيهِ الْقِرَاءَةُ وَالتَّسْبِيحُ فِي الصَّلَاةِ فِي عُرْفِهِمْ، وَفِي عُرْفِنَا لَا تَدْخُلُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ أَيْضًا، وَكَذَا قِرَاءَةُ الْكُتُبِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا فِي عُرْفِنَا. اهـ. فَأَفَادَ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ إذَا قَرَأَ كِتَابًا أَيَّ كِتَابٍ كَانَ قَيَّدَ بِكَوْنِهِ حَلَفَ أَنَّهُ لَا يَتَكَلَّمُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ كُلَّمَا تَكَلَّمْتُ كَلَامًا حَسَنًا فَأَنْت طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ طَلُقَتْ وَاحِدَةً، وَلَوْ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ الْحَمْدُ لِلَّهِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ اللَّهُ أَكْبَرُ طَلُقَتْ ثَلَاثًا كَذَا فِي   [منحة الخالق] لَا، وَفِي بَعْضِهَا لَا يَصِحُّ بِإِثْبَاتِهَا فَيَكُونُ الضَّمِيرُ فِي لَا يُخَالِفُهُ رَاجِعًا إلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَيُؤَيِّدُ الْأُولَى مَا فِي النَّهْرِ حَيْثُ قَالَ وَنُوقِضَ هَذَا بِمَا فِي الصُّغْرَى لَوْ أَذِنَ لِعَبْدِهِ، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ صَحَّ الْإِذْنُ وَدُفِعَ بِأَنَّهُ قَالَ حَتَّى إذَا عَلِمَ صَارَ مَأْذُونًا فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ قَبْلَ الْعِلْمِ حُكْمُ الْإِذْنِ، وَلِذَا قَالَ فِي الشَّامِلِ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَالْإِفْتَاءُ بِظَاهِرِ الْمَذْهَبِ أَوْلَى) قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ الْأَوْلَوِيَّةُ غَيْرُ ظَاهِرَةٍ لِمَا أَنَّ مَبْنَى الْأَيْمَانِ عَلَى الْعُرْفِ الْمُتَأَخِّرِ، وَلِمَا عَلِمْت مِنْ أَكْثَرِيَّةِ التَّصْحِيحِ لَهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 363 الظَّهِيرِيَّةِ. وَفِي الْوَاقِعَاتِ حَلَفَ لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ الْيَوْمَ فَقَرَأَ فِي الصَّلَاةِ أَوْ خَارِجِهَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ قَرَأَ الْقُرْآنَ، وَإِذَا قَرَأَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَإِذَا نَوَى مَا فِي سُورَةِ النَّمْلِ يَحْنَثُ، وَإِنْ نَوَى غَيْرَ مَا فِي سُورَةِ النَّمْلِ أَوْ لَا نِيَّةَ لَهُ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُرِيدُونَ بِهِ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَقْرَأُ سُورَةً مِنْ الْقُرْآنِ فَنَظَرَ فِيهَا حَتَّى إذَا أَتَى إلَى آخِرِهَا لَا يَحْنَثُ بِالِاتِّفَاقِ أَبُو يُوسُفَ سَوَّى بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا إذَا حَلَفَ لَا يَقْرَأُ كِتَابَ فُلَانٍ وَمُحَمَّدٌ فَرَّقَ فَقَالَ الْمَقْصُودُ مِنْ قِرَاءَةِ كِتَابِ فُلَانٍ فَهْمُ مَا فِيهِ، وَقَدْ حَصَلَ أَمَّا الْمَقْصُودُ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ عَيْنُ الْقِرَاءَةِ إذْ الْحُكْمُ مُتَعَلِّقٌ بِهِ ثُمَّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ فِي قَوْلِهِ لَا يَقْرَأُ كِتَابَ فُلَانٍ إذَا قَرَأَ سَطْرًا حَنِثَ وَبِنِصْفِ السَّطْرِ لَا؛ لِأَنَّ نِصْفَ السَّطْرِ لَا يَكُونُ مَفْهُومَ الْمَعْنَى غَالِبًا وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ اهـ. (قَوْلُهُ: يَوْمَ أُكَلِّمُ فُلَانًا فَعَلَى الْجَدِيدَيْنِ فَإِذَا قَالَ يَوْمَ أُكَلِّمُ فُلَانًا فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ فَهُوَ عَلَى اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ فَإِنْ كَلَّمَهُ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا حَنِثَ) ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْيَوْمِ إذَا قُرِنَ بِفِعْلٍ لَا يَمْتَدُّ يُرَادُ بِهِ مُطْلَقُ الْوَقْتِ قَالَ تَعَالَى {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ} [الأنفال: 16] وَالْكَلَامُ لَا يَمْتَدُّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَحْقِيقُهُ فِي فَصْلِ إضَافَةِ الطَّلَاقِ إلَى الزَّمَانِ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ يَوْمَ أُكَلِّمُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُكَ الْيَوْمَ، وَلَا غَدًا فَالْيَمِينُ عَلَى بَقِيَّةِ الْيَوْمِ، وَعَلَى غَدٍ، وَلَا تَدْخُلُ اللَّيْلَةُ الَّتِي بَيْنَهُمَا فِي الْيَمِينِ؛ لِأَنَّهُ أَفْرَدَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَقْتَيْنِ بِحَرْفِ النَّفْيِ فَيَصِيرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَنْفِيًّا عَلَى الْإِفْرَادِ أَصْلُهُ قَوْله تَعَالَى {فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 197] ، وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُكَ الْيَوْمَ وَغَدًا دَخَلَتْ اللَّيْلَةُ الَّتِي بَيْنَ الْيَوْمِ وَالْغَدِ فِي يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ هَاهُنَا جَمَعَ بَيْنَ الْوَقْتِ الثَّانِي وَبَيْنَ الْأَوَّلِ بِحَرْفِ الْجَمْعِ، وَهِيَ الْوَاوُ فَصَارَ وَقْتًا وَاحِدًا فَدَخَلَتْ اللَّيْلَةُ الْمُتَخَلِّلَةُ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ يَوْمَيْنِ تَدْخُلُ فِيهِ اللَّيْلَةُ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَوْ بَعْدَهُ، وَكَذَلِكَ الْجَوَابُ فِي اللَّيْلِ، وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُهُ يَوْمًا، وَلَا يَوْمَيْنِ فَهُوَ كَقَوْلِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ حَتَّى لَوْ كَلَّمَهُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ أَوْ الثَّانِي أَوْ الثَّالِثِ يَحْنَثُ وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ أَنَّهُ عَلَى يَوْمَيْنِ حَتَّى لَوْ كَلَّمَهُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ أَوْ الثَّانِي يَحْنَثُ، وَإِنْ كَلَّمَهُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ لَا يَحْنَثُ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ نَوَى النَّهَارَ صُدِّقَ) ؛ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ، وَهُوَ مُسْتَعْمَلٌ فِيهِ أَيْضًا أَطْلَقَ فِي تَصْدِيقِهِ فَشَمِلَ الدِّيَانَةَ وَالْقَضَاءَ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ قَضَاءً. (قَوْلُهُ: وَلَيْلَةً أَكْمَلَهُ عَلَى اللَّيْلِ) ؛ لِأَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي سَوَادِ اللَّيْلِ كَالنَّهَارِ لِلْبَيَاضِ خَاصَّةً، وَلَا يَجِيءُ اسْتِعْمَالُهُ فِي مُطْلَقِ الْوَقْتِ بِخِلَافِ الْيَوْمِ، وَمَا وَرَدَ فِي أَشْعَارِ بَعْضِ الْعَرَبِ مِنْ إطْلَاقِهَا عَلَى مُطْلَقِ الْوَقْتِ فَإِنَّمَا هُوَ فِي صِيغَةِ الْجَمْعِ، وَكَلَامُنَا فِي الْمُفْرَدِ، وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ لَيْلَةً فَالْيَمِينُ مِنْ تِلْكَ السَّاعَةِ إلَى أَنْ يَجِيءَ مِثْلُهَا مِنْ اللَّيْلَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ فَيَدْخُلُ النَّهَارُ الَّذِي بَيْنَهُمَا فِي ذَلِكَ، وَإِذَا كَانَ بِاللَّيْلِ، وَقَالَ لَا أُكَلِّمُهُ اللَّيْلَةَ فَإِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ سَقَطَتْ. (قَوْلُهُ: إنْ كَلَّمْتُهُ إلَّا أَنْ يَقْدَمَ زَيْدٌ أَوْ حَتَّى أَوْ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ أَوْ حَتَّى فَكَذَا فَكَلَّمَ قَبْلَ قُدُومِهِ أَوْ إذْنِهِ حَنِثَ وَبَعْدَهُمَا لَا) أَيْ، وَإِنْ كَلَّمَهُ بَعْدَ الْقُدُومِ أَوْ الْإِذْنِ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ غَايَةٌ وَالْيَمِينُ بَاقِيَةٌ قَبْلَ الْغَايَةِ، وَمُنْتَهِيَةٌ بَعْدَهَا فَلَا يَحْنَثُ بِالْكَلَامِ بَعْدَ انْتِهَاءِ الْيَمِينِ أَمَّا حَتَّى فَكَوْنُهَا لِلْغَايَةِ ظَاهِرٌ، وَأَمَّا إلَّا أَنْ فَالْأَصْلُ فِيهَا أَنَّهَا لِلِاسْتِثْنَاءِ وَتُسْتَعَارُ لِلشَّرْطِ وَالْغَايَةِ إذَا تَعَذَّرَ الِاسْتِثْنَاءُ لِمُنَاسَبَةٍ بَيْنَهُمَا وَهُوَ أَنَّ حُكْمَ مَا قَبْلَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ وَالشَّرْطِ وَالْغَايَةِ يُخَالِفُ مَا بَعْدَهُ. قَيَّدَ بِالشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ إلَّا أَنْ يَقْدَمَ فُلَانٌ فَإِنَّهُ إنْ قَدِمَ فُلَانٌ لَا تَطْلُقُ، وَإِنْ لَمْ يَقْدَمْ حَتَّى مَاتَ فُلَانٌ طَلُقَتْ، وَهِيَ هُنَا لِلشَّرْطِ كَأَنَّهُ قَالَ إنْ لَمْ يَقْدَمْ فُلَانٌ فَأَنْت طَالِقٌ، وَلَا تَكُونُ لِلْغَايَةِ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَكُونُ لَهَا فِيمَا يَحْتَمِلُ التَّأْقِيتَ وَالطَّلَاقُ مِمَّا لَا يَحْتَمِلُهُ مَعْنًى فَتَكُونُ فِيهِ لِلشَّرْطِ وَتَمَامُهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُهُ فِي الْيَوْمِ الَّذِي يَقْدَمُ فِيهِ فُلَانٌ فَكَلَّمَهُ فِي الْيَوْمِ الَّذِي قَدِمَ فِيهِ فُلَانٌ قَبْلَ قُدُومِهِ حَنِثَ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ كَلَامُهُ يَوْمَ الْقُدُومِ، وَقَدْ وُجِدَ، وَإِنْ كَلَّمَهُ بَعْدَ الْقُدُومِ قَالُوا يَجِبُ أَنْ لَا يَحْنَثَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ الْقُدُومَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُهُ يَوْمًا، وَلَا يَوْمَيْنِ إلَخْ) قَالَ فِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ لِلْخَلَّاطِيِّ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ يَوْمًا، وَلَا يَوْمَيْنِ فَكَلَّمَهُ فِي الثَّالِثِ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ الْحَلِفَ مُعَادٌ مَعَ النَّفْيِ، وَفَاءً بِالِاسْتِبْدَادِ أَصْلُهُ لَا آكُلُ خُبْزًا، وَلَا تَمْرًا فَالْيَوْمُ الْأَوَّلُ مُعْتَدٌّ مِنْهُمَا، وَفِي يَوْمًا وَيَوْمَيْنِ يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ إذَا لَمْ يَسْتَقِلَّ بِعَاطِفٍ فَلَا تَدَاخُلَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 364 شَرْطًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْرِنْ بِهِ حَرْفَ الشَّرْطِ، وَلَكِنَّهُ جَعَلَهُ مُعَرَّفًا لِمَا هُوَ شَرْطُ الْحِنْثِ، وَهُوَ الْكَلَامُ، وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ الْقُدُومُ مُعَرَّفًا لِلشَّرْطِ إذَا وُجِدَ الشَّرْطُ قَبْلَهُ فَأَمَّا إذَا وُجِدَ بَعْدَهُ لَا يُتَصَوَّرُ كَوْنُهُ مُعَرَّفًا؛ لِأَنَّ مِنْ ضَرُورَةِ كَوْنِ الشَّيْءِ مُعَرَّفًا تَقَدُّمُ ذَلِكَ الشَّيْءِ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْت طَالِقٌ قَبْلَ شَهْرِ رَمَضَانَ بِشَهْرٍ كَانَ رَمَضَانُ مُعَرَّفًا لَا شَرْطًا، وَكَذَا لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ قَبْلَ قُدُومِ فُلَانٍ بِشَهْرٍ إذَا قَدِمَ فُلَانٌ قَبْلَ تَمَامِ الشَّهْرِ لَا تَطْلُقُ، وَلَوْ عَجَّلَ الْكَفَّارَةَ قَبْلَ الْقُدُومِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَا حِنْثَ قَبْلَ الْقُدُومِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ مَاتَ زَيْدٌ سَقَطَ الْحَلِفُ) لِمَا فِي الذَّخِيرَةِ إذْ الْأَصْلُ أَنَّ الْحَالِفَ إذَا جَعَلَ لِيَمِينِهِ غَايَةً، وَفَاتَتْ الْغَايَةُ بَطَلَتْ الْيَمِينُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ حَتَّى إنَّ مَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُكَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي فُلَانٌ أَوْ قَالَ لِغَرِيمِهِ وَاَللَّهِ لَا أُفَارِقُكَ حَتَّى تَقْضِيَنِي حَقِّي فَمَاتَ فُلَانٌ قَبْلَ الْإِذْنِ أَوْ بَرِئَ مِنْ الْمَالِ فَالْيَمِينُ سَاقِطَةٌ فِي قَوْلِهِمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، وَعَلَى هَذَا لَوْ حَلَفَ لَيُوَفِّيَنَّ مَالَهُ الْيَوْمَ فَأَبْرَأَهُ الطَّالِبُ. وَعَلَى هَذَا تُخَرَّجُ جِنْسُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ إذَا قَالَ إنْ فَعَلْتُ كَذَا مَا دُمْتُ بِبُخَارَى فَكَذَا فَخَرَجَ مِنْ بُخَارَى ثُمَّ رَجَعَ، وَفَعَلَ ذَلِكَ لَا يَحْنَثُ فَيَجِبُ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ كَلِمَةَ مَا زَالَ، وَمَا دَامَ، وَمَا كَانَ غَايَةٌ تَنْتَهِي الْيَمِينُ بِهَا فَإِذَا حَلَفَ لَا يَفْعَلُ كَذَا مَا دَامَ بِبُخَارَى فَخَرَجَ تَنْتَهِي يَمِينُهُ بِالْخُرُوجِ فَإِذَا عَادَ عَادَ وَالْيَمِينُ مُنْتَهِيَةٌ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ الْفِعْلَ لَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ كَذَا فِي فَتَاوَى الْفَضْلِيِّ، وَعَلَى هَذَا إذَا حَلَفَ لَا يَصْطَادُ مَا دَامَ فُلَانٌ فِي هَذِهِ الْبَلْدَةِ، وَفُلَانٌ أَمِيرُ هَذِهِ الْبَلْدَةِ فَخَرَجَ الْأَمِيرُ إلَى بَلْدَةٍ أُخْرَى لِأَمْرٍ فَاصْطَادَ الْحَالِفُ قَبْلَ رُجُوعِهِ أَوْ بَعْدَ رُجُوعِهِ لَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ يَنْتَهِي بِخُرُوجِ الْأَمِيرِ، وَفِي فَتَاوَى أَبِي اللَّيْثِ إذَا حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ مَا دَامَ فُلَانٌ فِيهَا فَخَرَجَ فُلَانٌ بِأَهْلِهِ ثُمَّ عَادَ وَدَخَلَ الْحَالِفُ لَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ، وَفِي الْعُيُونِ إذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا مَا دَامَ فِي هَذِهِ الدَّارِ فَخَرَجَ بِمَتَاعِهِ، وَأَثَاثِهِ ثُمَّ عَادَ، وَكَلَّمَهُ لَا يَحْنَثُ، وَإِذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا مَا دَامَ عَلَيْهِ هَذَا الثَّوْبُ أَوْ مَا كَانَ عَلَيْهِ أَوْ مَا زَالَ عَلَيْهِ فَنَزَعَهُ ثُمَّ لَبِسَهُ، وَكَلَّمَهُ لَا يَحْنَثُ، وَلَوْ قَالَ لَا أُكَلِّمُهُ، وَعَلَيْهِ هَذَا الثَّوْبُ فَنَزَعَهُ ثُمَّ لَبِسَهُ، وَكَلَّمَهُ حَنِثَ؛ لِأَنَّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مَا جَعَلَ الْيَمِينَ مُوَقَّتَةً بِوَقْتٍ بَلْ قَيَّدَهُ بِصِفَةٍ فَتَبْقَى الْيَمِينُ مَا بَقِيَتْ تِلْكَ الصِّفَةُ. وَفِي فَتَاوَى أَبِي اللَّيْثِ إذَا قَالَ لِأَبَوَيْهِ إنْ تَزَوَّجْتُ مَا دُمْتُمَا حَيَّيْنِ فَكَذَا فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً فِي حَيَاتِهِمَا حَنِثَ فَلَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً أُخْرَى فِي حَيَاتِهِمَا لَا يَلْزَمُهُ الْحِنْثُ، وَلَوْ كَانَ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا مَا دُمْتُمَا حَيَّيْنِ يَلْزَمُهُ الْحِنْثُ بِكُلِّ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا مَا دَامَا حَيَّيْنِ فَإِذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا سَقَطَ الْيَمِينُ حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُ حُكْمُ الْحِنْثِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ التَّزَوُّجُ مَا دَامَا حَيَّيْنِ، وَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِ أَحَدِهِمَا فَيَسْقُطُ، وَإِذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذَا الطَّعَامَ مَا دَامَ فِي مِلْكِ فُلَانٍ فَبَاعَ فُلَانٌ بَعْضَهُ ثُمَّ أَكَلَ الْحَالِفُ الْبَاقِيَ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ قَدْ انْتَهَى بِبَيْعِ الْبَعْضِ، وَلَوْ قَالَ لِغَرِيمِهِ وَاَللَّهِ لَا أُفَارِقُكَ حَتَّى تَقْضِيَنِي حَقِّي الْيَوْمَ وَنِيَّتُهُ أَنْ لَا يَتْرُكَ لُزُومَهُ حَتَّى يُعْطِيَهُ حَقَّهُ فَمَضَى الْيَوْمُ، وَلَمْ يُفَارِقْهُ، وَلَمْ يُعْطِهِ حَقَّهُ لَا يَحْنَثُ فَإِنْ فَارَقَهُ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ يَحْنَثُ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ لَا أُفَارِقُكَ حَتَّى أُقَدِّمَكَ إلَى السُّلْطَانِ الْيَوْمَ أَوْ حَتَّى يُخَلِّصَكَ السُّلْطَانُ مِنِّي فَمَضَى الْيَوْمُ، وَلَمْ يُفَارِقْهُ، وَلَمْ يُقَدِّمْهُ إلَى السُّلْطَانِ، وَلَمْ يُخَلِّصْهُ السُّلْطَانُ فَهُوَ سَوَاءٌ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِتَرْكِهِ، وَلَوْ قَدِمَ الْيَوْمُ فَقَالَ لَا أُفَارِقُكَ الْيَوْمَ حَتَّى تُعْطِيَنِي حَقِّي فَمَضَى الْيَوْمُ، وَلَمْ يُفَارِقْهُ، وَلَمْ يُعْطِهِ حَقَّهُ لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ فَارَقَهُ بَعْدَ مُضِيِّ الْيَوْمِ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ وَقَّتَ لِلْفِرَاقِ ذَلِكَ الْيَوْمَ، وَتَمَامُ مَسَائِلِهَا فِيهَا. (قَوْلُهُ: لَا يَأْكُلُ طَعَامَ زَيْدٍ أَوْ لَا يَدْخُلُ دَارِهِ أَوْ لَا يَلْبَسُ ثَوْبَهُ أَوْ لَا يَرْكَبُ دَابَّتَهُ إنْ أَشَارَ وَزَالَ مِلْكُهُ، وَفَعَلَ لَمْ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَفِي فَتَاوَى أَبِي اللَّيْثِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَيَّدَ بِالْأَهْلِ فِي الدَّارِ، وَلَمْ يُقَيِّدْ بِهِ فِي فَتَاوَى الْفَضْلِيِّ فِي الْبَلَدِ؛ لِأَنَّهُ فِي الدَّارِ مَا دَامَ أَهْلُهُ فِيهَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ فِيهَا، وَإِنْ خَرَجَ لِنَحْوِ الْمَسْجِدِ وَالسُّوقِ بِخِلَافِ الْبَلْدَةِ فَإِنَّهُ لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ فِيهَا، وَهُوَ خَارِجُهَا تَأَمَّلْ. اهـ. وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ سَيَأْتِي فِي بَابِ الْيَمِينِ فِي الضَّرْبِ وَالْقَتْلِ عَنْ الْوَاقِعَاتِ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ النَّبِيذَ مَا دَامَ بِبُخَارَى فَفَارَقَ بُخَارَى ثُمَّ عَادَ فَشَرِبَ لَا يَحْنَثُ إلَّا إذَا عَنَى بِقَوْلِهِ مَا دُمْتُ بِبُخَارَى أَنْ تَكُونَ بُخَارَى وَطَنًا لَهُ. اهـ. أَيْ فَتَعْمَلُ نِيَّتُهُ؛ لِأَنَّهُ شَدَّدَ عَلَى نَفْسِهِ وَالظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ هُنَا كَذَلِكَ (قَوْلُهُ: ثُمَّ أَكَلَ الْبَاقِيَ لَا يَحْنَثُ) الَّذِي يَظْهَرُ تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا كَانَ يُمْكِنُهُ أَكْلُ كُلِّهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ كَذَا فِي حَوَاشِي مِسْكِينٍ لِأَبِي السُّعُودِ قُلْتُ: لَكِنْ عَلَّلَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْخَانِيَّةِ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ الْأَكْلُ حَالَ بَقَاءِ الْكُلِّ فِي مِلْكِ فُلَانٍ، وَلَا يُوجَدُ. اهـ. وَمُفَادُهُ عَدَمُ الْحِنْثِ مُطْلَقًا لِفَقْدِ الشَّرْطِ. (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ أَوْ لَا يَرْكَبُ دَابَّتَهُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ فِي النُّسَخِ الَّتِي لَدِينًا مُتُونًا وَشُرُوحًا بَعْدَ هَذَا، وَلَا يُكَلِّمُ عَبْدَهُ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ النُّسْخَةَ الَّتِي شَرَحَ عَلَيْهَا لَيْسَ فِيهَا ذَلِكَ فَلِذَا قَالَ فِيمَا يَأْتِي، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الْعَبْدَ فَتَأَمَّلْ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 365 يَحْنَثْ كَالْمُتَجَدِّدِ، وَإِنْ لَمْ يُشِرْ لَا يَحْنَثُ بَعْدَ الزَّوَالِ وَحَنِثَ بِالْمُتَجَدِّدِ، وَفِي الصَّدِيقِ وَالزَّوْجَةِ حَنِثَ فِي الْمُشَارِ بَعْدَ الزَّوَالِ، وَفِي غَيْرِ الْمُشَارِ لَا وَحَنِثَ بِالْمُتَجَدِّدِ) بَيَانٌ لِمَسَائِلِ الْأَصْلِ فِيهَا أَنَّهُ إذَا حَلَفَ عَلَى هِجْرَانِ مَحَلٍّ مُضَافٍ إلَى فُلَانٍ كَلَا يُكَلِّمُ عَبْدَ فُلَانٍ أَوْ زَوْجَتَهُ أَوْ صَدِيقَهُ أَوْ لَا يَدْخُلُ دَارِهِ أَوْ لَا يَلْبَسُ ثَوْبَهُ أَوْ لَا يَرْكَبُ فَرَسَهُ أَوْ لَا يَأْكُلُ طَعَامَهُ أَوْ مِنْ طَعَامِهِ فَلَا شَكَّ أَنَّ هَذِهِ الْإِضَافَةَ فِي الْكُلِّ مُعَرِّفَةٌ لِعَيْنِ مَا عُقِدَ الْيَمِينُ عَلَى هَجْرِهِ سَوَاءٌ كَانَتْ إضَافَةَ مِلْكٍ كَعَبْدِهِ وَدَارِهِ وَدَابَّتِهِ أَوْ إضَافَةَ نِسْبَةٍ أُخْرَى غَيْرِ الْمِلْكِ كَزَوْجَتِهِ وَصَدِيقِهِ فَالْإِضَافَةُ مُطْلَقًا تُفِيدُ النِّسْبَةَ وَالنِّسْبَةُ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهَا نِسْبَةَ مِلْكٍ أَوْ غَيْرَهُ فَلَا يَصِحُّ جَعْلُ إضَافَةِ النِّسْبَةِ تُقَابِلُ إضَافَةَ الْمِلْكِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا تَقَابُلَ بَيْنَ الْأَعَمِّ وَالْأَخَصِّ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَخْصُوصَ عُرْفٍ اصْطِلَاحِيٍّ، وَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ الْإِضَافَةُ مُطْلَقًا لِلتَّعْرِيفِ فَبَعْدَ ذَلِكَ إمَّا أَنْ يَقْرِنَ بِهِ لَفْظَ الْإِشَارَةِ كَقَوْلِهِ لَا أُكَلِّمُ عَبْدَهُ هَذَا أَوْ لَا فَعَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ الْإِشَارَةِ الظَّاهِرُ أَنَّ الدَّاعِيَ فِي الْيَمِينِ كَرَاهَتُهُ فِي الْمُضَافِ إلَيْهِ، وَإِلَّا لَعَرَّفَهُ بِاسْمِهِ الْعَلَمِ ثُمَّ أَعْقَبَهُ بِالْإِضَافَةِ إنْ عَرَضَ اشْتِرَاكٌ مِثْلُ لَا أُكَلِّمُ رَاشِدًا عَبْدَ فُلَانٍ لِيُزِيلَ الِاشْتِرَاكَ الْعَارِضَ فِي اسْمِ رَاشِدٍ فَلَمَّا اقْتَصَرَ عَلَى الْإِضَافَةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ اسْمَهُ، وَلَا أَشَارَ إلَيْهِ كَانَ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لِمَعْنًى فِي الْمُضَافِ إلَيْهِ، وَإِنْ احْتَمَلَ أَنْ يَهْجُرَ بُغْضًا لِذَاتِهِ أَيْضًا كَالزَّوْجَةِ وَالصَّدِيقِ فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ بِالِاحْتِمَالِ وَحِينَئِذٍ فَالْيَمِينُ مُنْعَقِدَةٌ عَلَى هَجْرِ الْمُضَافِ حَالَ قِيَامِ الْإِضَافَةِ وَقْتَ الْفِعْلِ بِأَنْ كَانَ مَوْجُودًا وَقْتَ الْيَمِينِ وَدَامَتْ الْإِضَافَةُ إلَى وَقْتِ الْفِعْلِ أَوْ انْقَطَعَتْ ثُمَّ وُجِدَتْ بِأَنْ بَاعَ وَطَلَّقَ ثُمَّ اسْتَرَدَّ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَقْتَ الْيَمِينِ فَاشْتَرِي عَبْدًا فَكَلَّمَهُ حَنِثَ. وَكَذَا لَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ زَوْجَةٌ فَاسْتَحْدَثَ زَوْجَةً وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا أَضَافَ، وَلَمْ يُشِرْ لَا يَحْنَثُ بَعْدَ الزَّوَالِ فِي الْكُلِّ لِانْقِطَاعِ الْإِضَافَةِ وَيَحْنَثُ فِي الْمُتَجَدِّدِ بَعْدَ الْيَمِينِ فِي الْكُلِّ لِوُجُودِهَا، وَإِذَا أَضَافَ، وَأَشَارَ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ بَعْدَ الزَّوَالِ وَالتَّجَدُّدِ إنْ كَانَ الْمُضَافُ لَا يُقْصَدُ بِالْمُعَادَاةِ، وَإِلَّا حَنِثَ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الْعَبْدَ لِلِاخْتِلَافِ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ كَالدَّارِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْصَدُ بِالْمُعَادَاةِ وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ أَنَّهُ كَالصَّدِيقِ وَوَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الْعَبْدَ سَاقِطُ الِاعْتِبَارِ عِنْدَ الْأَحْرَارِ فَإِنَّهُ يُبَاعُ فِي الْأَسْوَاقِ كَالْحِمَارِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنْ كَانَ مِنْهُ أَذًى إنَّمَا يَقْصِدُ هِجْرَانَ سَيِّدِهِ بِهِجْرَانِهِ، وَفِي بَعْضِ الشُّرُوحِ لَا أَتَزَوَّجُ بِنْتَ فُلَانٍ لَا يَحْنَثُ بِالْبِنْتِ الَّتِي تُولَدُ بَعْدَ الْيَمِينِ بِالْإِجْمَاعِ، وَهُوَ مُشْكِلٌ فَإِنَّهَا إضَافَةٌ نِسْبِيَّةٌ فَيَنْبَغِي أَنْ تَنْعَقِدَ عَلَى الْمَوْجُودِ حَالَ التَّزَوُّجِ فَلَا جَرَمَ أَنَّ فِي التَّفَارِيقِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إنْ تَزَوَّجْتُ بِنْتَ فُلَانٍ أَوْ أَمَتَهُ عَلَى الْمَوْجُودِ وَالْحَادِثِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي زَوَالِ الْمِلْكِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فَشَمِلَ مَا إذَا زَالَتْ الْمِلْكُ مِنْ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ إلَى الْحَالِفِ كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ طَعَامَكَ هَذَا فَأَهْدَاهُ لَهُ فَأَكَلَهُ لَمْ يَحْنَثْ فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَحْنَثُ، وَكَذَلِكَ فِي بَقِيَّةِ الْمَسَائِلِ لَا فَرْقَ فِي الزَّوَالِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ إلَى الْحَالِفِ أَوْ لَا كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ غَلَّةِ أَرْضِهِ فَأَكَلَ مِنْ ثَمَنِ الْغَلَّةِ حَنِثَ؛ لِأَنَّهُ فِي الْعُرْفِ يُسَمَّى آكِلًا غَلَّةَ أَرْضِهِ، وَإِنْ نَوَى أَكْلَ نَفْسِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا صُدِّقَ دِيَانَةً، وَقَضَاءً؛ لِأَنَّهُ نَوَى الْحَقِيقَةَ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ أَيْضًا. وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ كَسْبِ فُلَانٍ فَالْكَسْبُ مَا صَارَ لَهُ بِفِعْلِهِ كَأَخْذِ الْمُبَاحَاتِ أَوْ بِقَبُولِهِ فِي الْعُقُودِ فَأَمَّا الْمِيرَاثُ فَلَيْسَ بِكَسْبِهِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ فِيهِ بِغَيْرِ صُنْعِهِ فَلَا يُضَافُ إلَى كَسْبِهِ فَإِذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ كَسْبِ فُلَانٍ فَوَرِثَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ شَيْئًا، وَأَكَلَ الْحَالِفُ لَا يَحْنَثُ، وَلَوْ اشْتَرَى الْحَالِفُ مِنْ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ مِمَّا اكْتَسَبَهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ، وَأَكَلَهُ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ أَكْلُ مَكْسُوبِ فُلَانٍ، وَهَذَا أَكْلُ مَكْسُوبِ نَفْسِهِ فَلَوْ وَهَبَهُ لَهُ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ، وَأَكَلَهُ حَنِثَ، وَلَوْ مَاتَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ وَتَرَكَ مَالًا اكْتَسَبَهُ وَوَرِثَهُ رَجُلٌ فَأَكَلَهُ الْحَالِفُ حَنِثَ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ لِلْوَارِثِ عَيْنُ الثَّابِتِ لِلْمُوَرِّثِ، وَكَذَلِكَ لَوْ وَرِثَهُ الْحَالِفُ، وَأَكَلَهُ حَنِثَ؛ لِأَنَّهُ كَسْبُ فُلَانٍ الْمَيِّتِ قَالَ فِي الْوَاقِعَاتِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَإِلَّا حَنِثَ) ظَاهِرُهُ يَحْنَثُ فِي الْمُتَجَدِّدِ أَيْضًا مَعَ أَنَّ الزَّيْلَعِيَّ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَحَنِثَ بِالْمُتَجَدِّدِ أَيْ حَنِثَ بِالْمُتَجَدِّدِ مِنْ الْعَبْدَيْنِ وَالزَّوْجَةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، وَهِيَ مَا إذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ صَدِيقَ فُلَانٍ أَوْ زَوْجَتَهُ، وَلَمْ يُشِرْ إلَيْهِ. اهـ. فَأَفَادَ أَنَّ قَوْلَهُ وَحَنِثَ بِالْمُتَجَدِّدِ رَاجِعٌ إلَى صُورَةِ عَدَمِ الْإِشَارَةِ، وَأَنَّهُ لَوْ أَشَارَ لَا يَحْنَثُ بِالْمُتَجَدِّدِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ مَا إذَا كَانَ الْمُضَافُ لَا يُقْصَدُ بِالْمُعَادَاةِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 366 مَالَ فُلَانٍ الْمَيِّتِ وَبِخِلَافِ مَا لَوْ انْتَقَلَ إلَى غَيْرِهِ بِغَيْرِ الْمِيرَاثِ بِشِرَاءٍ أَوْ وَصِيَّةٍ حَيْثُ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ كَسْبًا لِلثَّانِي. وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ مِيرَاثِ فُلَانٍ فَمَاتَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ ثُمَّ مَاتَ وَارِثُهُ وَوَرِثَهُ غَيْرُهُ فَأَكَلَهُ الْحَالِفُ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ بِالْإِرْثِ الثَّانِي يَنْتَسِخُ حُكْمُ الْأَوَّلِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ مِيرَاثِ أَبِيهِ شَيْئًا فَاشْتَرَى بِمَا وَرِثَ طَعَامًا، وَأَكَلَهُ حَنِثَ، وَلَوْ اشْتَرَى بِالْمِيرَاثِ شَيْئًا وَاشْتَرَى بِذَلِكَ الطَّعَامِ طَعَامًا، وَأَكَلَهُ لَمْ يَحْنَثْ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ مِلْكِ فُلَانٍ أَوْ مِمَّا مَلَكَهُ فُلَانٌ فَخَرَجَ شَيْءٌ مِنْ مِلْكِهِ إلَى مِلْكِ غَيْرِهِ، وَأَكَلَهُ الْحَالِفُ لَا يَحْنَثُ، وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ طَعَامَ فُلَانٍ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِمَّا يَشْتَرِي فُلَانٌ فَاشْتَرَى لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ، وَأَكَلَهُ الْحَالِفُ يَحْنَثُ، وَلَوْ بَاعَهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ ثُمَّ أَكَلَ الْحَالِفُ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ الثَّانِيَ فَسْخٌ لِلْأَوَّلِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ مَالِ فُلَانٍ فَغَصَبَ مِنْهُ حِنْطَةً فَطَحَنَهَا أَوْ دَقِيقًا فَخَبَزَهُ، وَأَكَلَهُ يَحْنَثُ هَكَذَا ذُكِرَ فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْمُنْتَقَى وَذَكَرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْهُ لَا يَحْنَثُ، وَلَوْ قَالَ لَا آكُلُ مِنْ طَعَامِ فُلَانٍ فَغَصَبَهُ مِنْهُ، وَأَكَلَهُ حَنِثَ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِمَّا زَرَعَ فُلَانٌ فَبَاعَ فُلَانٌ زَرْعَهُ، وَأَكَلَهُ الْحَالِفُ يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الزِّرَاعَةَ لَا يَفْسَخُهَا الشِّرَاءُ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ طَعَامِ فُلَانٍ، وَفُلَانٌ بَائِعُ الطَّعَامِ فَاشْتَرَى مِنْهُ، وَأَكَلَ حَنِثَ الْكُلُّ مِنْ الذَّخِيرَةِ وَالْفَرْعُ الْأَخِيرُ، وَارِدٌ عَلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَإِنْ لَمْ يُشِرْ لَا يَحْنَثُ بَعْدَ الزَّوَالِ فَيُقَيَّدُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ بِأَنْ لَا يَكُونَ فُلَانٌ بَائِعَ الطَّعَامِ، وَعَلَّلَهُ فِي الْوَاقِعَاتِ بِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ طَعَامُهُ بِاسْمِ مَا كَانَ مَجَازًا عُرِفَ ذَلِكَ بِحُكْمِ دَلَالَةِ الْحَالِ، وَكَذَا هَذَا فِي قَوْلِهِ لَا أَلْبَسُ مِنْ ثِيَابِ فُلَانٍ، وَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِهِ لَا آكُلُ مِنْ مَالِ أَبَوَيَّ بَعْدَ مَوْتِهِمَا. اهـ. وَفِي الذَّخِيرَةِ أَيْضًا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ طَعَامِ فُلَانٍ فَأَكَلَ مِنْ طَعَامٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ يَحْنَثُ لِإِطْلَاقِ الطَّعَامِ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ بِخِلَافِ الدَّارِ وَالثَّوْبِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ خُبْزِ فُلَانٍ فَأَكَلَ مِنْ خُبْزٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ يَحْنَثُ بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ لَا آكُلُ مِنْ رَغِيفِ فُلَانٍ فَأَكَلَ مِنْ رَغِيفٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْخُبْزِ يُطْلَقُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، وَلَا كَذَلِكَ اسْمُ الرَّغِيفِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ طَعَامِ فُلَانٍ فَأَكَلَ مِنْ طَعَامٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَ الْحَالِفِ وَبَيْنَ فُلَانٍ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ مَا أَكَلَ الْحَالِفُ هُوَ مِنْ حِصَّتِهِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَزْرَعُ أَرْضَ فُلَانٍ فَزَرَعَ أَرْضًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ حَنِثَ؛ لِأَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْ الْأَرْضِ يُسَمَّى أَرْضًا، وَلَا كَذَلِكَ الثَّوْبُ وَالدَّارُ فَإِنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْ الدَّارِ لَا يُسَمَّى دَارًا، وَكَذَلِكَ كُلُّ جُزْءٍ مِنْ الثَّوْبِ لَا يُسَمَّى ثَوْبًا. اهـ. وَفِي الْوَاقِعَاتِ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا يَشْتَرِيهِ فُلَانٌ فَاشْتَرَى سَخْلَةً وَذَبَحَهَا فَأَكَلَهُ الْحَالِفُ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ فُلَانًا مَا اشْتَرَاهُ بَعْدَمَا صَارَ لَحْمًا، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ طَعَامِ فُلَانٍ فَأَكَلَ مِنْ خَلِّهِ بِطَعَامِ نَفْسِهِ أَوْ بِزَيْتِهِ أَوْ بِمِلْحِهِ حَنِثَ؛ لِأَنَّهُ أَكَلَ مِنْ طَعَامِهِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ مَالِ ابْنِهِ، وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ابْنِهِ حَبٌّ مِنْ خَلٍّ فَأَكَلَ مِنْهُ يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ أَكَلَ مِنْ مَالِ الِابْنِ. اهـ. وَيُحْتَاجُ حِينَئِذٍ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الطَّعَامِ وَالْمَالِ كَمَا لَا يَخْفَى، وَفِي الْوَاقِعَاتِ أَيْضًا قَالَ إنْ أَكَلْتُ مِنْ مَالِ خَتَنِي شَيْئًا فَامْرَأَتِي طَالِقٌ فَدُفِعَ إلَيْهِ عَجِينُ خَتَنِهِ فَجُعِلَ فِي عَجِينٍ آخَرَ وَخَبَزَهُ فَأَكَلَ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الْعَجِينَ قَدْ ذَهَبَ. وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ شَرَابِهِ، وَلَا يَأْكُلُ مِنْ لَحْمِهِ فَأَخَذَ مَاءً، وَمِلْحًا لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَجَعَلَهُمَا فِي عَجِينٍ لَا يَحْنَثُ إذَا أَكَلَ مِنْ ذَلِكَ الْخُبْزِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ تَلَاشَى، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ كَسْبِ فُلَانٍ فَأَكَلَ كِسْرَةً مَطْرُوحَةً فِي بَيْتِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَتْ الْكِسْرَةُ بِحَالٍ لَا يُعْطَى مِثْلُهَا الْفَقِيرَ لَا يَحْنَثُ، وَإِنْ كَانَ بِحَالٍ يُعْطَى مِثْلُهَا الْفَقِيرَ يَحْنَثُ. اهـ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَا فِي الْمُخْتَصَرِ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ، وَأَمَّا إذَا نَوَى شَيْئًا فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى؛ لِأَنَّهُ مُحْتَمَلُ كَلَامِهِ، وَفِي الذَّخِيرَةِ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ طَحْنِ فُلَانٍ أَوْ مِنْ خُبْزِهِ فَهَذَا عَلَى الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: مِمَّا خَبَزَ فُلَانٌ مِمَّا اشْتَرَى فُلَانٌ عَلَى الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ. اهـ. (قَوْلُهُ: لَا يُكَلِّمُ صَاحِبَ هَذَا الطَّيْلَسَانِ فَبَاعَهُ فَكَلَّمَهُ حَنِثَ) ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَمْتَنِعُ عَنْ كَلَامِ صَاحِبِ الطَّيْلَسَانِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْإِنْسَان لَا يَمْتَنِعُ عَنْ كَلَامِ صَاحِبِ الطَّيْلَسَانِ لِأَجْلِ الطَّيْلَسَانِ) فِيهِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَرِيرًا فَيُعَادَى لِذَلِكَ كَذَا فِي حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ عَنْ الْحَمَوِيِّ عَنْ الْبُرْجَنْدِيِّ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 367 لِأَجْلِ الطَّيْلَسَانِ فَكَانَتْ الْإِضَافَةُ لِلتَّعْرِيفِ فَتَعَلَّقَتْ الْيَمِينُ بِالْمُعَرَّفِ، وَلِهَذَا لَوْ كَلَّمَ الْمُشْتَرِيَ لَا يَحْنَثُ وَذِكْرُ الطَّيْلَسَانِ لِلتَّمْثِيلِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ لَا أُكَلِّمُ صَاحِبَ هَذِهِ الدَّارِ، وَهَذَا الطَّعَامِ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ قَيَّدَ بِهَذِهِ الْيَمِينِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ طَيْلَسَانَ فُلَانٍ فَهُوَ كَقَوْلِهِ لَا يَلْبَسُ ثَوْبَ فُلَانٍ، وَفِيهِ التَّفْصِيلُ السَّابِقُ وَالطَّيْلَسَانُ مُعَرَّبُ تَيْلَسَانِ أَبْدَلُوا التَّاءَ طَاءً مِنْ لِبَاسِ الْعَجَمِ مُدَوَّرٌ أَسْوَدُ لُحْمَتُهُ وَسَدَاهُ صُوفٌ. (قَوْلُهُ: الزَّمَانُ وَالْحِينُ، وَمُنَكَّرُهُمَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ) ؛ لِأَنَّ الْحِينَ قَدْ يُرَادُ بِهِ الزَّمَانُ الْقَلِيلُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ} [الروم: 17] ، وَقَدْ يُرَادُ بِهِ أَرْبَعُونَ سَنَةً قَالَ تَعَالَى {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ} [الإنسان: 1] ، وَقَدْ يُرَادُ بِهِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ قَالَ تَعَالَى {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ} [إبراهيم: 25] ، وَهَذَا هُوَ الْوَسَطُ فَيَنْصَرِفُ إلَيْهِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْقَلِيلَ لَا يُقْصَدُ بِالْمَنْعِ لِوُجُودِ الِامْتِنَاعِ فِيهِ عَادَةً وَالْمَدِيدُ لَا يُقْصَدُ غَالِبًا؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْأَبَدِ، وَلَوْ سَكَتَ عَنْهُ يَتَأَبَّدُ فَتَعَيَّنَ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَكَذَا الزَّمَانُ يُسْتَعْمَلُ اسْتِعْمَالَ الْحِينِ فَيُقَالُ مَا رَأَيْتُكَ مُنْذُ حِينٍ، وَمُنْذُ زَمَانٍ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَهَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ أَمَّا إذَا نَوَى شَيْئًا فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى؛ لِأَنَّهُ حَقِيقَةُ كَلَامِهِ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الزَّمَانِ وَالْحِينِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْإِثْبَاتَ وَالنَّفْيَ فَإِذَا قَالَ لَأَصُومَنَّ حِينًا أَوْ الْحِينَ فَهُوَ كَقَوْلِهِ لَا أُكَلِّمُهُ حِينًا أَوْ الْحِينَ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَيُعْتَبَرُ ابْتِدَاءُ السِّتَّةِ الْأَشْهُرِ مِنْ، وَقْتِ الْيَمِينِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ لَأَصُومَنَّ حِينًا أَوْ زَمَانًا كَانَ لَهُ أَنْ يُعَيِّنَ أَيَّ سِتَّةِ أَشْهُرٍ شَاءَ وَتَقَدَّمَ الْفَرْقُ. اهـ. وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَا أُكَلِّمُهُ الْأَحَايِينَ أَوْ الْأَزْمِنَةَ بِالْجَمْعِ فَهُوَ عَلَى عَشْرِ مَرَّاتٍ سِتَّةِ أَشْهُرٍ كَمَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَلَوْ قَالَ لَا أُكَلِّمُهُ كَذَا، وَكَذَا يَوْمًا فَهُوَ عَلَى أَحَدٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا، وَلَوْ قَالَ كَذَا كَذَا فَهُوَ عَلَى أَحَدَ عَشَرَ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ بِضْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا؛ لِأَنَّ الْبِضْعَ مِنْ ثَلَاثَةٍ إلَى تِسْعَةٍ فَيُحْتَمَلُ عَلَى أَقَلِّهَا، وَلَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ الشِّتَاءَ فَأَوَّلُ ذَلِكَ إذَا لَبِسَ النَّاسُ الْحَشْوَ وَالْفِرَاءَ وَآخِرُهُ إذَا أَلْقَوْهَا فِي الْبَلَدِ الَّذِي حَلَفَ فِيهِ وَالصَّيْفُ عَلَى ضِدِّهِ، وَهُوَ مِنْ حِينِ إلْقَاءِ الْحَشْوِ إلَى لُبْسِهِ وَالرَّبِيعُ آخِرُ الشِّتَاءِ، وَمُسْتَقْبَلُ الصَّيْفِ إلَى أَنْ يَيْبَسَ الْعُشْبُ وَالْخَرِيفُ فَصْلُ مَا بَيْنَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ وَالْمَرْجِعُ فِي ذَلِكَ إلَى اللُّغَةِ. وَلَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ إلَى الْمَوْسِمِ قَالَ يُكَلِّمُهُ إذَا أَصْبَحَ يَوْمُ النَّحْرِ؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ الْمَوْسِمِ وَغُرَّةُ الشَّهْرِ وَرَأْسُ الشَّهْرِ أَوَّلُ لَيْلَةٍ وَيَوْمُهَا، وَأَوَّلُ الشَّهْرِ إلَى مَا دُونَ النِّصْفِ وَآخِرُهُ إذَا مَضَى خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ أَوَّلَ يَوْمٍ مِنْ آخِرِ الشَّهْرِ وَآخِرَ يَوْمٍ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ فَعَلَيْهِ صَوْمُ يَوْمِ الْخَامِسَ عَشَرَ وَالسَّادِسَ عَشَرَ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ: وَالدَّهْرُ وَالْأَبَدُ الْعُمْرُ وَدَهْرٌ مُجْمَلٌ) يَعْنِي لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ الدَّهْرَ مُعَرَّفًا أَوْ الْأَبَدَ مُعَرَّفًا أَوْ مُنَكَّرًا فَهُوَ الْعُمُرُ أَيْ مُدَّةَ حَيَاةِ الْحَالِفِ، وَأَمَّا الدَّهْرُ مُنَكَّرًا فَقَدْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا أَدْرِي مَا هُوَ، وَقَالَا هُوَ كَالْحِينِ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ خِلَافًا لِمَا يَقُولُهُ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّ الِاخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَلَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ الشِّتَاءَ إلَخْ) قَالَ بَعْضُهُمْ الصَّيْفُ مَا يَكُونُ عَلَى الْأَشْجَارِ الْوَرَقُ وَالثِّمَارُ، وَالْخَرِيفُ مَا يَكُونُ عَلَى الْأَشْجَارِ الْأَوْرَاقُ دُونَ الثِّمَارِ وَالشِّتَاءُ مَا لَا يَكُونُ عَلَى الْأَشْجَارِ الثِّمَارُ وَالْأَوْرَاقُ، وَالرَّبِيعُ مَا يَخْرُجُ مِنْ الْأَشْجَارِ الْأَوْرَاقُ، وَلَا يَخْرُجُ الثِّمَارُ، وَفِي الْخَانِيَّةِ: وَهَذَا أَقْرَبُ الْأَقَاوِيلِ إلَى الضَّبْطِ وَالْإِحَاطَةِ، وَقَلَّمَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْبُلْدَانِ إلَّا أَنَّهُ يَتَقَدَّمُ فِي الْبَعْضِ وَيَتَأَخَّرُ فِي الْبَعْضِ، وَفِي الصُّغْرَى وَالْمُخْتَارُ إذَا كَانَ الْحَالِفُ فِي بَلْدَةٍ لَهُمْ حِسَابٌ يَعْرِفُونَ الصَّيْفَ وَالشِّتَاءَ بِالْحِسَابِ مُسْتَمِرًّا يُصْرَفُ إلَيْهِ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة (قَوْلُهُ: وَأَوَّلُ الشَّهْرِ إلَى مَا دُونَ النِّصْفِ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْخَامِسَ عَشَرَ لَيْسَ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ، وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُحِيطِ أَوَّلُ الشَّهْرِ مِنْ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ إلَى خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَآخِرُ الشَّهْرِ مِنْ الْيَوْمِ السَّادِسَ عَشَرَ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ وَآخِرُ أَوَّلِ الشَّهْرِ الْيَوْمُ الْخَامِسَ عَشَرَ، وَأَوَّلُ آخِرِ الشَّهْرِ السَّادِسَ عَشَرَ، وَإِنْ كَانَ الشَّهْرُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا فَأَوَّلُ الشَّهْرِ إلَى وَقْتِ الزَّوَالِ مِنْ الْخَامِسَ عَشَرَ، وَمَا بَعْدَهُ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ. اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الْفَتْحِ آخِرَ الْبَابِ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ أَوَّلُ الشَّهْرِ قَبْلَ مُضِيِّ النِّصْفِ، وَعَنْ الثَّانِي فِيمَنْ قَالَ لَا أُكَلِّمُكَ آخِرَ يَوْمٍ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ، وَأَوَّلُ يَوْمٍ مِنْ آخِرِهِ فَعَلَى الْخَامِسَ عَشَرَ وَالسَّادِسَ عَشَرَ. اهـ. وَهَذَا رُبَّمَا يُفِيدُ الْخِلَافَ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: فَقَدْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا أَدْرِي مَا هُوَ) يَعْنِي إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ فَإِنْ قِيلَ ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ أَجْمَعُوا فِيمَنْ قَالَ إنْ كَلَّمْتُهُ دُهُورًا أَوْ شُهُورًا أَوْ سِنِينًا أَوْ جُمَعًا أَوْ أَيَّامًا يَقَعُ عَلَى ثَلَاثَةٍ مِنْ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ فَكَيْفَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا أَدْرِي مَا الدَّهْرُ قُلْنَا هَذَا تَفْرِيعٌ لِمَسْأَلَةِ الدَّهْرِ عَلَى قَوْلِ مَنْ يُعَرِّفُ الدَّهْرَ كَمَا فَرَّعَ مَسَائِلَ الْمُزَارَعَةِ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى جَوَازَهَا قَالَهُ ابْنُ الضِّيَاءِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كَذَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة (قَوْلُهُ: وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ هُوَ إشَارَةٌ إلَى سَوْقِ الْخِلَافِ فِي الدَّهْرِ الْمُنَكَّرِ الَّذِي قَدَّمَهُ بِقَوْلِهِ، وَأَمَّا الدَّهْرُ مُنَكَّرًا إلَخْ لَا أَنَّهُ تَصْحِيحٌ لِقَوْلِهِمَا لَكِنْ قَالَ فِي النَّهْرِ وَغَيْرُ خَافٍ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُرْوَ عَنْ الْإِمَامِ شَيْءٌ فِي مَسْأَلَةٍ وَجَبَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 368 فِي الْعُرْفِ أَيْضًا لَهُمَا أَنَّ دَهْرًا يُسْتَعْمَلُ اسْتِعْمَالَ الْحِينِ وَالزَّمَانِ يُقَالُ مَا رَأَيْتُهُ مُنْذُ دَهْرٍ، وَمُنْذُ حِينٍ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَأَبُو حَنِيفَةَ تَوَقَّفَ فِي تَقْدِيرِهِ؛ لِأَنَّ اللُّغَاتِ لَا تُدْرَكُ قِيَاسًا وَالْعُرْفُ لَمْ يَعْرِفْ اسْتِمْرَارَهُ لِاخْتِلَافٍ فِي الِاسْتِعْمَالِ وَالتَّوَقُّفُ عِنْدَ عَدَمِ الْمُرَجِّحِ مِنْ الْكَمَالِ، وَقَدْ تَوَقَّفَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ مَسْأَلَةً كَمَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ، وَقَدْ نُقِلَ لَا أَدْرِي عَنْ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ بَلْ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَعَنْ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَمَا فِي الشَّرْحِ وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ الْعِلْمَ بِجَمِيعِ الْمَسَائِلِ الشَّرْعِيَّةِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الْفَقِيهِ أَيْ الْمُجْتَهِدِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ التَّهَيُّؤُ الْقَرِيبُ كَمَا بَيَّنَّاهُ أَوَّلَ الْكِتَابِ. وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَا أُكَلِّمُهُ الْعُمُرَ فَهُوَ عَلَى الْأَبَدِ، وَاخْتَلَفَ جَوَابُ بِشْرِ بْنِ الْوَلِيدِ فِي الْمُنَكَّرِ نَحْوِ عُمُرًا فَمَرَّةً قَالَ فِي لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ عُمُرٍ يَقَعُ عَلَى يَوْمٍ وَاحِدٍ، وَمَرَّةً قَالَ هُوَ مِثْلُ الْحِينِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ، وَفِي الْبَدَائِعِ أَنَّ الْأَظْهَرَ أَنَّهُ يَقَعُ عَلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ. (قَوْلُهُ: وَالْأَيَّامُ، وَأَيَّامٌ كَثِيرَةٌ وَالشُّهُورُ وَالسُّنُونَ عَشَرَةٌ، وَمُنَكَّرُهَا ثَلَاثَةٌ) بَيَانٌ لِأَقَلِّ الْجَمْعِ فِي بَابِ الْأَيْمَانِ، وَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُعَرَّفًا أَوْ مُنَكَّرًا فَإِذَا كَانَ مُعَرَّفًا كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ الْأَيَّامَ أَوْ الْجُمَعَ أَوْ الشُّهُورَ أَوْ السِّنِينَ انْصَرَفَ إلَى عَشَرَةٍ مِنْ تِلْكَ الْمَعْدُودَاتِ، وَكَذَلِكَ لَا يُكَلِّمُهُ الْأَزْمِنَةَ انْصَرَفَ إلَى خَمْسِ سِنِينَ؛ لِأَنَّ كُلَّ زَمَانٍ سِتَّةُ أَشْهُرٍ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ، وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا فِي الْأَيَّامِ يَنْصَرِفُ إلَى أَيَّامِ الْأُسْبُوعِ، وَفِي الشُّهُورِ إلَى اثْنَيْ عَشَرِ شَهْرًا، وَفِي الْجُمَعِ وَالسِّنِينَ وَالدُّهُورِ وَالْأَزْمِنَةِ إلَى الْأَبَدِ؛ لِأَنَّ اللَّامَ لِلْعَهْدِ إذَا أَمْكَنَ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ فَهِيَ لِلِاسْتِغْرَاقِ وَالْعَهْدُ ثَابِتٌ فِي الْأَيَّامِ وَالشُّهُورِ كَمَا ذَكَرْنَا، وَلَا عَهْدَ فِي خُصُوصِ مَا سِوَاهُمَا فَكَانَ لِلِاسْتِغْرَاقِ، وَهُوَ اسْتِغْرَاقُ سِنِي الْعُمُرِ وَجُمَعِهِ، وَلَهُ أَنَّهُ جَمْعٌ مُعَرَّفٌ بِاللَّامِ فَيَنْصَرِفُ إلَى أَقْصَى مَا عُهِدَ مُسْتَعْمَلًا فِيهِ لَفْظُ الْجَمْعِ عَلَى الْيَقِينِ، وَهُوَ عَشَرَةٌ؛ لِأَنَّهُ يُقَالُ ثَلَاثَةُ رِجَالٍ، وَأَرْبَعَةُ رِجَالٍ إلَى عَشَرَةِ رِجَالٍ فَإِذَا جَاوَزَ الْعَشَرَةَ ذَهَبَ الْجَمْعُ فَيُقَال أَحَدَ عَشَرَ رَجُلًا إلَى آخِرِهِ، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ أَقْصَى الْمَعْهُودِ، وَإِنْ كَانَ مَا دُونَهُ مَعْهُودًا أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا لِاسْتِغْرَاقِ الْمَعْهُودِ؛ لِأَنَّ الْمَعْهُودَ كُلُّ مَرْتَبَةٍ مِنْ الْمَرَاتِبِ الَّتِي أَوَّلُهَا ثَلَاثَةٌ، وَأَقْصَاهَا عَشَرَةٌ، وَلَا مُعَيِّنَ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهَا لِلْعَهْدِ لَكِنْ اخْتَلَفُوا فِي الْمَعْهُودِ فَهُمَا قَالَا الْمَعْهُودُ الْأُسْبُوعُ وَالسَّنَةُ، وَهُوَ قَالَ الْعَشَرَةُ نَظَرًا إلَى أَنَّهَا أَقْصَى الْمَعْهُودِ، وَقَدْ أَطَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فِي بَيَانِهِ إطَالَةً حَسَنَةً وَتَعَرَّضَ لِلرَّدِّ عَلَى ابْنِ الْعِزِّ، وَلَسْنَا بِصَدَدِ ذَلِكَ، وَفِي الذَّخِيرَةِ لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُكَ الْجُمَعَ، وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَلَهُ أَنْ يُكَلِّمَهُ فِي غَيْرِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّ الْجُمَعَ جَمْعُ جُمُعَةٍ، وَهُوَ اسْمٌ خَاصٌّ لِلْيَوْمِ الَّذِي تُقَامُ فِيهِ الْجُمُعَةُ سُمِّيَ بِهِ لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ فِيهِ لِإِقَامَةِ هَذَا الْأَمْرِ فِيهِ فَلَا يَتَنَاوَلُ غَيْرَهُ مِنْ الْأَيَّامِ كَمَا لَوْ قَالَ لَا أُكَلِّمُكَ الْأَخْمِسَةَ وَالْآحَادَ وَالْأَثَانِينَ، وَإِنْ نَوَى أَيَّامَ الْجُمُعَةِ نَفْسَ الْأُسْبُوعِ فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى. وَذَكَرَ فِي النَّوَادِرِ أَنَّ مَنْ قَالَ عَلَيَّ صَوْمُ جُمُعَةٍ إنْ نَوَى يَوْمَ الْجُمُعَةِ يَلْزَمُهُ صَوْمُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ لَا غَيْرُ، وَإِنْ نَوَى أَيَّامَ الْجُمُعَةِ يَعْنِي الْأُسْبُوعَ أَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ يَلْزَمُهُ صَوْمُ الْأَيَّامِ السَّبْعَةِ بِحُكْمِ غَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ يَقُولُ الرَّجُلُ لِغَيْرِهِ لَمْ أَرَكَ مُنْذُ جُمُعَةٍ فَعَلَى رِوَايَةِ النَّوَادِرِ صَرْفُ الْجُمُعَةِ إلَى أَيَّامِهَا دُونَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ خَاصَّةً، وَعَلَى رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ صَرْفُ الْجُمُعَةِ الْمُطْلَقَةِ غَيْرِ مَقْرُونَةٍ بِالْيَوْمِ إلَى يَوْمِ الْجُمُعَةِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ هَذَا الِاسْتِعْمَالَ فِيمَا إذَا ذُكِرَتْ الْجُمُعَةُ مُطْلَقَةً بِلَفْظِ الْوَاحِدِ أَيْ لَا بِلَفْظِ الْجَمْعِ حَتَّى قَالَ مَشَايِخُنَا: إذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُكَ جُمُعَةً يَنْصَرِفُ الْيَمِينُ إلَى الْأَيَّامِ السَّبْعَةِ لَا إلَى يَوْمِ الْجُمُعَةِ خَاصَّةً كَمَا ذَكَرَ فِي النَّوَادِرِ. اهـ. فَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّهُ إذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ الْجُمَعَ يَتْرُكُ كَلَامَهُ عَشَرَةَ أَيَّامٍ كُلُّ يَوْمٍ هُوَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ لَا أَنَّهُ يَتْرُكُ كَلَامَهُ عَشَرَةَ أَسَابِيعَ كَمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ قَالَ فِي التَّبْيِينِ ثُمَّ الْجَمْعُ مُعَرَّفًا، وَمُنَكَّرًا يَقَعُ عَلَى أَيَّامِ الْجُمُعَةِ فِي الْمُدَّةِ، وَلَهُ أَنْ يُكَلِّمَهُ فِيمَا بَيْنَ الْجُمُعَاتِ، وَأَمَّا الْجَمْعُ الْمُنَكَّرِ فَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ إنْ وَصَفَهُ بِالْكَثْرَةِ فَهُوَ كَالْمُعَرَّفِ كَقَوْلِهِ لَا أُكَلِّمُهُ   [منحة الخالق] الْإِفْتَاءُ بِقَوْلِهِمَا اهـ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 369 أَيَّامًا كَثِيرَةً؛ لِأَنَّهُ لَمَّا وَصَفَهُ بِالْكَثْرَةِ عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ الْأَقَلَّ، وَهُوَ الثَّلَاثُ فَيَنْصَرِفُ إلَى الْمَعْهُودِ كَالْمُعَرَّفِ بِاللَّامِ فَعِنْدَهُ لِلْعَشَرَةِ، وَعِنْدَهُمَا لِلْأُسْبُوعِ. وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ إنْ خَدَمْتَنِي أَيَّامًا كَثِيرَةً فَأَنْت حُرٌّ فَعِنْدَهُ لِلْعَشَرَةِ، وَعِنْدَهُمَا لِلْأُسْبُوعِ، وَإِنْ لَمْ يَصِفْهُ بِالْكَثْرَةِ انْصَرَفَ إلَى ثَلَاثَةٍ عَلَى مَا ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ لَفْظَ الْجَمْعِ مُنَكَّرًا فَيَقَعُ عَلَى أَدْنَى الْجَمْعِ الصَّحِيحِ، وَهُوَ ثَلَاثَةٌ وَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ عَلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ وَسَوَّى بَيْنَ مُنَكَّرِ الْأَيَّامِ، وَمُعَرَّفِهَا بِخِلَافِ السِّنِينَ مُنَكَّرًا فَإِنَّهُ عَلَى ثَلَاثَةٍ اتِّفَاقًا كَمَا فِي الْبَدَائِعِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الْجَمْعَ الْمُضَافَ، وَفِيهِ تَفْصِيلٌ فَفِي الذَّخِيرَةِ لَوْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ دَوَابَّ فُلَانٍ أَوْ لَا يَلْبَسُ ثِيَابَهُ أَوْ لَا يُكَلِّمُ عَبِيدَهُ فَفَعَلَ بِثَلَاثَةٍ مِمَّا سَمَّى يَحْنَثُ، وَإِنْ كَانَ لِفُلَانٍ ثِيَابٌ وَدَوَابُّ، وَعَبِيدٌ أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثَةٍ فُرِّقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا إذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ زَوْجَاتِ فُلَانٍ لَا يُكَلِّمُ أَصْدِقَاءَ فُلَانٍ لَا يُكَلِّمُ أُخْوَةُ فُلَانٍ حَيْثُ لَا يَحْنَثُ مَا لَمْ يُكَلِّمْ الْكُلَّ مِمَّا سَمَّى. وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ الْمَنْعُ فِي فُلَانٍ لَا لِمَعْنَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَتَتَقَيَّدُ الْيَمِينُ بِاعْتِبَارِ مَنْسُوبَيْنِ إلَى فُلَانٍ، وَقَدْ ذَكَرَ النِّسْبَةَ بِاسْمِ الْجَمْعِ، وَأَقَلُّ الْجَمْعِ ثَلَاثَةٌ أَمَّا فِي الْفَصْلِ الثَّانِي الْمَنْعُ لِمَعْنًى فِي هَؤُلَاءِ فَتَعَلَّقَتْ الْيَمِينُ بِأَعْيَانِهِمْ وَصَارَ تَقْدِيرُ الْمَسْأَلَةِ لَا أُكَلِّمُ هَؤُلَاءِ فَمَا لَمْ يُكَلِّمْ الْكُلَّ لَا يَحْنَثُ، وَإِنْ نَوَى الْحَالِفُ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ الدَّوَابَّ كُلَّهَا وَالْغِلْمَانَ كُلَّهَا يُدَيَّنُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَفِي الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ كَذَا فِي الزِّيَادَاتِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِوَاحِدَةٍ فِي الْكُلِّ. وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِالْوَاحِدِ فِي بَنِي آدَمَ وَيَحْنَثُ فِي غَيْرِهِ فَإِذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ عَبِيدَ فُلَانٍ، وَلَهُ ثَلَاثَةٌ فَكَلَّمَ وَاحِدًا مِنْهُمْ لَا يَحْنَثُ وَيَمِينُهُ عَلَى الْكُلِّ بِخِلَافِ لَا أَرْكَبُ دَوَابَّهُ، وَلَا أَلْبَسُ ثِيَابَهُ، وَفِي الْوَاقِعَاتِ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ أُخْوَةُ فُلَانٍ، وَلَهُ أَخٌ وَالْأَخُ وَاحِدٌ فَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ يَحْنَثُ إذَا كَلَّمَ ذَلِكَ الْوَاحِدَ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الْجَمْعَ، وَأَرَادَ الْوَاحِدَ فَإِنْ كَانَ لَا يَعْلَمُ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ الْوَاحِدَ فَبَقِيَتْ الْيَمِينُ عَلَى الْجَمْعِ كَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ ثَلَاثَةَ أَرْغِفَةٍ مِنْ هَذَا الْحَبِّ، وَلَيْسَ لَهُ فِيهِ إلَّا رَغِيفٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ لَا يَحْنَثُ. اهـ. وَقَيَّدَ الْمُصَنِّفُ بِالْأَيَّامِ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ الْفُقَرَاءَ أَوْ الْمَسَاكِينَ أَوْ الرِّجَالَ فَكَلَّمَ وَاحِدًا مِنْهُمْ يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ بِخِلَافِ قَوْلِهِ رِجَالًا أَوْ نِسَاءً كَذَا فِي الْوَاقِعَاتِ فَفِي الْمُنَكَّرِ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْكُلِّ، وَأَمَّا فِي الْمُعَرَّفِ فَإِنَّهُ يَنْصَرِفُ لِلْمَعْهُودِ إنْ أَمْكَنَ، وَإِلَّا فَهُوَ لِلْجِنْسِ؛ لِأَنَّ الْأَلْفَ وَاللَّامَ إذَا دَخَلَتْ عَلَى الْجَمْعِ، وَلَا عَهْدَ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ مَعْنَى الْجَمْعِيَّةِ كَقَوْلِهِ لَا أَشْتَرِي الْعَبِيدَ لَا أَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ كَمَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ، وَفِي الذَّخِيرَةِ الْأَصْلُ أَنَّ الْحُكْمَ إذَا عُلِّقَ بِجَمْعٍ مُنَكَّرٍ كَعَبِيدٍ وَرِجَالٍ وَنِسَاءٍ يَتَعَلَّقُ وُقُوعُهُ بِأَدْنَى الْجَمْعِ الصَّحِيحِ، وَهُوَ الثَّلَاثَةُ دُونَ الْمُثَنَّى، وَمَتَى عُلِّقَ بِجَمْعٍ مَعْرُوفٍ بِالْأَلْفِ وَاللَّامِ يَتَعَلَّقُ بِأَدْنَى مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ ذَلِكَ الِاسْمُ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ مَعْهُودٍ كَالْحُكْمِ الْمُعَلَّقِ بِاسْمِ الْجِنْسِ، وَعِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ يَنْصَرِفُ إلَى كُلِّ الْجِنْسِ. اهـ. وَفِي تَهْذِيبِ الْقَلَانِسِيِّ، وَأَمَّا الْأَطْعِمَةُ وَالنِّسَاءُ وَالثِّيَابُ يَقَعُ عَلَى وَاحِدٍ إجْمَاعًا، وَلَوْ نَوَى الْكُلَّ صَحَّتْ نِيَّتُهُ. اهـ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُكَ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ هَذِهِ الْجُمُعَةِ فَكَلَّمَهُ فِي تِلْكَ الْجُمُعَةِ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا مَرَّةً وَاحِدَةً حَنِثَ بِهِ، وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُكَ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ هَذِهِ الْجُمُعَةِ لَا يَحْنَثُ حَتَّى يُكَلِّمَهُ فِي كُلِّ يَوْم، وَلَوْ تَرَكَ كَلَامَهُ يَوْمًا وَاحِدًا لَا يَحْنَثُ، وَإِنْ كَلَّمَهُ كُلَّ يَوْمٍ لَا يَحْنَثُ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً لِاتِّحَادِ الِاسْمِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا أَيَّامَهُ هَذِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ هُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَلَوْ قَالَ لَا أُكَلِّمُهُ أَيَّامَهُ فَهُوَ عَلَى الْعُمُرِ، وَلَوْ قَالَ لَا أُكَلِّمُكَ يَوْمًا بَعْدَ الْأَيَّامِ عَنْ مُحَمَّدٍ إنْ كَلَّمَهُ فِي سَبْعَةِ أَيَّامٍ لَا يَحْنَثُ، وَبَعْدَ السَّبْعَةِ يَحْنَثُ، وَالْمَعْنَى فِيهِ عَلَى أَصْلِ مُحَمَّدٍ ظَاهِرٌ. اهـ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ عَلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ) قَالَ فِي الْبُرْهَانِ: وَأَكْثَرُ مَشَايِخِنَا عَلَى أَنَّهُ غَلَطٌ وَالصَّحِيحُ مَا ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ كَذَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة. [بَابُ الْيَمِينِ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ] الجزء: 4 ¦ الصفحة: 370 (بَابُ الْيَمِينِ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ) قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي: الْأَصْلُ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّ الْوَلَدَ الْمَيِّتَ وَلَدٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِ لَا فِي حَقِّ نَفْسِهِ، وَأَنَّ الْأَوَّلَ اسْمٌ لِفَرْدٍ سَابِقٍ وَالْأَخِيرُ لِفَرْدٍ لَاحِقٍ وَالْوَسَطُ لِفَرْدٍ بَيْنَ الْعَدَدَيْنِ الْمُتَسَاوِيَيْنِ، وَأَنَّ الشَّخْصَ الْوَاحِدَ مَتَى اتَّصَفَ بِوَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ فَلَا يَتَّصِفُ بِالْآخَرِ لِلتَّنَافِي بَيْنَهُمَا، وَلَا كَذَلِكَ الْفِعْلُ؛ لِأَنَّ اتِّصَافَهُ بِالْأَوَّلِيَّةِ لَا يُنَافِي اتِّصَافَهُ بِالْآخِرِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ الثَّانِي غَيْرُ الْأَوَّلِ فَلَوْ قَالَ آخَرُ تَزَوَّجْ أَتَزَوَّجُ فَالَّتِي أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ طَلُقَتْ الْمُتَزَوِّجَةُ مَرَّتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْآخَرَ وَصْفًا لِلْفِعْلِ وَهُوَ الْعَقْدُ، وَعَقْدُهَا هُوَ الْآخَرُ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ قَوْلُهُ (إنْ وَلَدْت فَأَنْتِ كَذَا حَنِثَ بِالْمَيِّتِ بِخِلَافِ فَهُوَ حُرٌّ فَوَلَدَتْ وَلَدًا مَيِّتًا ثُمَّ آخَرَ حَيًّا عَتَقَ الْحَيُّ وَحْدَهُ) أَيْ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ وَلَدْت فَأَنْت طَالِقٌ أَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ إنْ وَلَدْت فَأَنْت حُرَّةٌ فَوَلَدَتْ وَلَدًا مَيِّتًا طَلُقَتْ الْمَرْأَةُ، وَعَتَقَتْ الْجَارِيَةُ؛ لِأَنَّ الْمَوْجُودَ مَوْلُودٌ فَيَكُونُ وَلَدًا حَقِيقَةً وَيُسَمَّى بِهِ فِي الْعُرْفِ وَيُعْتَبَرُ وَلَدًا فِي الشَّرْعِ حَتَّى تَنْقَضِيَ بِهِ الْعِدَّةُ وَالدَّمُ بَعْدَهُ نِفَاسٌ، وَأُمُّهُ أُمُّ وَلَدٍ فَيَتَحَقَّقُ الشَّرْطُ، وَهُوَ وِلَادَةُ الْوَلَدِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ إذَا وَلَدْت وَلَدًا فَهُوَ حُرٌّ فَوَلَدَتْ وَلَدًا مَيِّتًا ثُمَّ آخَرَ حَيًّا عَتَقَ الْحَيُّ وَحْدَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا لَا يَعْتِقُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ قَدْ تَحَقَّقَ بِوِلَادَةِ الْمَيِّتِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَتَنْحَلُّ الْيَمِينُ لَا إلَى جَزَاءٍ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلْحُرِّيَّةِ، وَهُوَ الْجَزَاءُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مُطْلَقَ الِاسْمِ قَدْ تَقَيَّدَ بِوَصْفِ الْحَيَاةِ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ إثْبَاتَ الْحُرِّيَّةِ جَزَاءً، وَهِيَ قُوَّةٌ حُكْمِيَّةٌ تَظْهَرُ فِي دَفْعِ تَسْلِيطِ الْغَيْرِ فَلَا يَثْبُتُ فِي الْمَيِّتِ فَيَتَقَيَّدُ بِوَصْفِ الْحَيَاةِ كَمَا إذَا قَالَ إذَا وَلَدْت وَلَدًا حَيًّا بِخِلَافِ جَزَاءِ الطَّلَاقِ وَحُرِّيَّةِ الْأُمِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ مُقَيِّدًا. وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَوَّلُ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ فَهُوَ حُرٌّ أَنَّهُ يَتَقَيَّدُ بِوَصْفِ الْحَيَاةِ عِنْدَهُ حَتَّى لَوْ وَلَدَتْ وَلَدًا مَيِّتًا ثُمَّ آخَرَ حَيًّا عَتَقَ الْحَيُّ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَعْتِقُ، وَأَمَّا إذَا قَيَّدَهُ بِالْحَيَاةِ نَصًّا فَإِنَّهُ يَعْتِقُ الْحَيُّ اتِّفَاقًا، وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَوَّلُ عَبْدٍ يَدْخُلُ عَلَيَّ فَهُوَ حُرٌّ فَأُدْخِلَ عَلَيْهِ عَبْدٌ مَيِّتٌ ثُمَّ آخَرُ حَيٌّ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ الْآخَرُ الْحَيُّ، وَهُوَ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى الصَّحِيحِ وَالْعُذْرُ لَهُمَا أَنَّ الْعُبُودِيَّةَ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا تَبْقَى؛ لِأَنَّ الرِّقَّ يَبْطُلُ بِالْمَوْتِ بِخِلَافِ الْوَلَدِ أَوْ الْوِلَادَةِ، وَأَشَارَ بِالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى إلَى أَنَّهَا لَوْ أَسْقَطَتْ سِقْطًا مُسْتَبِينَ الْخَلْقِ فَإِنَّهَا تَطْلُقُ وَتُعْتَقُ؛ لِأَنَّهُ وُلِدَ شَرْعًا، وَلَوْ لَمْ يَسْتَبِنْ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِهِ لَا يُعْتَبَرُ، وَتَقَدَّمَ حُكْمُهُ فِي الْحَيْضِ. قَوْلُهُ: (أَوَّلُ عَبْدٍ أَمِلْكُهُ فَهُوَ حُرٌّ فَمَلَكَ عَبْدًا عَتَقَ، وَلَوْ مَلَكَ عَبْدَيْنِ ثُمَّ آخَرَ) (لَا يَعْتِقُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ) ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ اسْمٌ لِفَرْدٍ سَابِقٍ، وَقَدْ وُجِدَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَانْعَدَمَ التَّفَرُّدُ فِي الثَّانِيَةِ فِي الْأُولَيَيْنِ وَانْعَدَمَ السَّبْقُ فِي الثَّالِثِ فَانْعَدَمَتْ الْأَوَّلِيَّةُ. قَوْلُهُ (وَلَوْ زَادَ وَحْدَهُ عَتَقَ الثَّالِثُ) أَيْ لَوْ قَالَ أَوَّلُ عَبْدٍ أَمِلْكُهُ وَحْدَهُ فَهُوَ حُرٌّ فَمَلَكَ عَبْدَيْنِ ثُمَّ مَلَكَ آخَرَ عَتَقَ الْعَبْدُ الثَّالِثُ؛ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ التَّفَرُّدُ فِي حَالِ سَبَبِ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّ وَحْدَهُ لِلْحَالِ لُغَةً، وَالثَّالِثُ سَابِقٌ فِي هَذَا الْوَصْفِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُذْكَرَ الْمِلْكُ أَوْ الشِّرَاءُ، وَمُرَادُ الْمُصَنِّفِ مِنْ زِيَادَةِ وَحْدَهُ أَنَّهُ زَادَ وَصْفًا لِلْأَوَّلِ سَوَاءٌ كَانَ وَحْدَهُ أَوْ لَا فَيَشْمَلُ مَا لَوْ قَالَ أَوَّلُ عَبْدٍ اشْتَرِيهِ بِالدَّنَانِيرِ فَهُوَ حُرٌّ فَاشْتَرَى عَبْدًا بِالدَّرَاهِمِ أَوْ بِالْعُرُوضِ ثُمَّ اشْتَرَى عَبْدًا بِالدَّنَانِيرِ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ، وَكَذَا لَوْ قَالَ أَوَّلُ عَبْدٍ اشْتَرِيهِ أَسْوَدُ فَهُوَ حُرٌّ فَاشْتَرَى عَبِيدًا بِيضًا ثُمَّ أَسْوَدَ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ، وَقَيَّدَ بِوَحْدِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ أَوَّلُ عَبْدٍ اشْتَرِيهِ وَاحِدًا فَهُوَ حُرٌّ فَاشْتَرَى عَبْدَيْنِ ثُمَّ اشْتَرَى عَبْدًا فَإِنَّهُ لَا يَعْتِقُ الثَّالِثُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ حَالًا لِلْعَبْدِ أَوْ لِلْمَالِكِ فَلَا يَعْتِقُ بِالشَّكِّ وَتَمَامُهُ فِي التَّبْيِينِ وَوَاحِدًا بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ حَالٌ. وَأَمَّا إذَا كَانَ مَجْرُورًا فَهُوَ صِفَةً لِلْعَبْدِ فَهُوَ كَوَحْدِهِ كَمَا لَا يَخْفَى   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَتَمَامُهُ فِي التَّبْيِينِ) أَيْ تَمَامُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَهُوَ أَبَدًا فَارِقٌ آخَرُ ذَكَرَهُ فِي التَّبْيِينِ بِعِبَارَةٍ مُطَوَّلَةٍ حَاصِلُهَا مَا ذَكَرَهُ فِي الْعِنَايَةِ بِقَوْلِهِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ وَاحِدًا يَقْتَضِي نَفْيَ الْمُشَارَكَةِ فِي الذَّاتِ وَوَحْدُهُ يَقْتَضِيهِ فِي الْفِعْلِ الْمَقْرُونِ بِهِ دُونَ الذَّاتِ، وَلِهَذَا صَدَقَ الرَّجُلُ فِي قَوْلِهِ فِي الدَّارِ رَجُلٌ وَاحِدٌ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ فِيهَا صَبِيٌّ أَوْ امْرَأَةٌ، وَكَذَبَ فِي ذَلِكَ إذَا قَالَ وَحْدَهُ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ قُلْنَا إذَا قَالَ وَاحِدًا إنَّهُ أَضَافَ الْعِتْقَ إلَى عَبْدٍ مُطْلَقٍ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَاحِدًا لَمْ يُفِدْ أَمْرًا زَائِدًا عَلَى مَا أَفَادَهُ لَفْظُ أَوَّلٍ فَكَانَ حُكْمُهُ كَحُكْمِهِ، وَإِذَا قَالَ وَحْدَهُ فَقَدْ أَضَافَ الْعِتْقَ إلَى أَوَّلِ عَبْدٍ لَا يُشَارِكُهُ غَيْرُهُ فِي التَّمَلُّكِ وَالثَّالِثُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَيُعْتَقُ. اهـ. قَالَ فِي النَّهْرِ بَعْدَ ذِكْرِهِ لِحَاصِلِ مَا ذَكَرَ وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ عَلِمْت أَنَّ مَا فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ الْجَرَّ عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ لِلْعَبْدِ كَالْإِضَافَةِ أَعْنِي وَحْدَهُ مَدْفُوعٌ بَلْ هُوَ كَالنَّصْبِ لِأَنَّهُ يُفِيدُ نَفْيَ الْمُشَارَكَةِ فِي الذَّاتِ. اهـ. وَفِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ لَوْ قَالَ أَوَّلُ عَبْدٍ سَأَمْلِكُهُ حُرٌّ فَمَلَكَ عَبْدَيْنِ ثُمَّ عَبْدًا لَمْ يَحْنَثْ لِفَقْدِ التَّفَرُّدِ فِي الْمَثْنَى وَالسَّبَقِ فِي الْفَرْدِ كَذَا أَمْلِكُهُ وَاحِدًا؛ لِأَنَّهُ مُنَاوِبٌ لَا مُغَيِّرٌ وَحَقُّهُ الْكَسْرُ كَمَا فِي نُسْخَةٍ وَالنَّصْبُ لِاتِّبَاعِ الْفَاشِي دُونَ الْحَالِ إلَّا أَنْ يُعَيِّنَهُ فَيُعْتَقُ الثَّالِثُ كَمَا فِي وَحْدِهِ إذْ هِيَ لِلتَّفَرُّدِ فِي الْحَالَةِ وَالْوَاحِدُ لِتَفَرُّدِ الذَّاتِ. اهـ. وَتَمَامُ بَيَانِهِ فِي شَرْحِهِ لِلْفَارِسِيِّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 371 وَلَوْ قَالَ أَوَّلُ عَبْدٍ أَمْلِكُهُ فَهُوَ حُرٌّ فَمَلَكَ عَبْدًا وَنِصْفَ عَبْدٍ عَتَقَ الْعَبْدُ الْكَامِلُ؛ لِأَنَّ نِصْفَ الْعَبْدِ لَيْسَ بِعَبْدٍ فَلَمْ يُشَارِكْهُ فِي اسْمِهِ فَلَا يُقْطَعُ عَنْهُ اسْمُ الْأَوَّلِيَّةِ وَالْفَرْدِيَّةِ كَمَا لَوْ مَلَكَ مَعَهُ ثَوْبًا أَوْ نَحْوَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ أَوَّلُ كُرٍّ أَمْلِكُهُ فَهُوَ هَدْيٌ فَمَلَكَ كُرًّا وَنِصْفًا حَيْثُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ النِّصْفَ يُزَاحِمُ الْكُلَّ فِي الْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ لِأَنَّهُ بِالضَّمِّ يَصِيرُ شَيْئًا وَاحِدًا بِخِلَافِ الثِّيَابِ وَالْعَبِيدِ. (قَوْلُهُ فَلَوْ قَالَ: آخِرُ عَبْدٍ أَمْلِكُهُ فَهُوَ حُرٌّ فَمَلَكَ عَبْدًا وَمَاتَ لَمْ يَعْتِقْ) ؛ لِأَنَّ الْآخِرَ بِكَسْرِ الْخَاءِ فَرْدٌ لَاحِقٌ، وَلَا سَابِقَ لَهُ فَلَا يَكُونُ لَاحِقًا، وَلِهَذَا يَدْخُلُ فِي الْأَوَّلِ فَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَدْخُلَ فِي ضِدِّهِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَعَ الَّتِي تَقَدَّمَتْ تُحَقِّقُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي تَحَقُّقِ الْآخِرِيَّةِ وُجُودُ سَابِقٍ بِالْفِعْلِ، وَفِي الْأَوَّلِيَّةِ عَدَمُ تَقَدُّمِ غَيْرِهِ لَا وُجُودُ آخَرَ مُتَأَخِّرٍ عَنْهُ، وَإِلَّا لَمْ يَعْتِقْ الْمُشْتَرِي فِي قَوْلِهِ: أَوَّلُ عَبْدٍ أَشْتَرِيهِ فَهُوَ حُرٌّ إذَا لَمْ يَشْتَرِ بَعْدَهُ غَيْرَهُ. اهـ. وَالضَّمِيرُ فِي مَاتَ رَاجِعٌ إلَى الْمَالِكِ. قَوْلُهُ (فَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا ثُمَّ عَبْدًا ثُمَّ مَاتَ عَتَقَ الْآخَرُ) ؛ لِأَنَّهُ فَرْدٌ لَاحِقٌ فَاتَّصَفَ بِالْآخِرِيَّةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ وَقْتَ عِتْقِهِ لِلِاخْتِلَافِ فَعِنْدَ الْإِمَامِ يَسْتَنِدُ الْعِتْقُ إلَى وَقْتِ الشِّرَاءِ حَتَّى يُعْتَبَرَ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ إنْ كَانَ اشْتَرَاهُ فِي صِحَّتِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَإِلَّا عَتَقَ مِنْ الثُّلُثِ، وَعِنْدَهُمَا يَعْتِقُ مُقْتَصَرًا عَلَى حَالَةِ الْمَوْتِ فَيُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّ الْآخِرِيَّةَ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِعَدَمِ شِرَاءِ غَيْرِهِ بَعْدَهُ وَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ بِالْمَوْتِ فَكَانَ الشَّرْطُ مُتَحَقِّقًا عِنْدَ الْمَوْتِ فَيَقْتَصِرُ عَلَيْهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمَوْتَ مُعَرَّفٌ فَأَمَّا اتِّصَافُهُ بِالْآخِرِيَّةِ فَمِنْ وَقْتِ الشِّرَاءِ فَيَثْبُتُ مُسْتَنِدًا، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ تَعْلِيقُ الطَّلْقَاتِ الثَّلَاثِ بِهِ كَمَا إذَا قَالَ آخِرُ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَيَقَعُ عِنْدَ الْمَوْتِ عِنْدَهُمَا وَتَرِثُ بِحُكْمِ أَنَّهُ فَارٌّ، وَلَهَا مَهْرٌ وَاحِدٌ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ أَبْعَدُ الْأَجَلَيْنِ مِنْ عِدَّةِ الطَّلَاقِ وَالْوَفَاةِ فَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا فَعَلَيْهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ وَتُحِدُّ، وَعِنْدَهُ يَقَعُ مُنْذُ تَزَوَّجَهَا فَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا مَهْرٌ وَنِصْفُ مَهْرٍ بِالدُّخُولِ بِشُبْهَةٍ وَنِصْفُ مَهْرِ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَعِدَّتُهَا بِالْحَيْضِ بِلَا حِدَادٍ، وَلَا تَرِثُ مِنْهُ. وَلَوْ قَالَ آخِرُ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً ثُمَّ أُخْرَى ثُمَّ طَلَّقَ الْأُولَى ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ثُمَّ مَاتَ طَلُقَتْ الَّتِي تَزَوَّجَهَا مَرَّةً؛ لِأَنَّ الَّتِي أَعَادَ عَلَيْهَا التَّزَوُّجَ اتَّصَفَتْ بِكَوْنِهَا أَوْلَى فَلَا تَتَّصِفُ بِالْآخِرِيَّةِ لِلتَّضَادِّ كَمَنْ قَالَ آخِرُ عَبْدٍ أَضْرِبُهُ فَهُوَ حُرٌّ فَضَرَبَ عَبْدًا ثُمَّ ضَرَبَ آخَرَ ثُمَّ أَعَادَ الضَّرْبَ فِي الْأَوَّلِ ثُمَّ مَاتَ عَتَقَ الْمَضْرُوبُ مَرَّةً بِخِلَافِ الْفِعْلِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ الْبَابِ، وَقَيَّدَ بِمَوْتِ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَنَّ الثَّانِيَ آخِرُ إلَّا بِمَوْتِ الْمَوْلَى لِجَوَازِ أَنْ يَشْتَرِيَ غَيْرَهُ فَيَكُونُ هُوَ الْآخِرَ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الْأَوْسَطَ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ، وَلَوْ قَالَ أَوْسَطُ عَبْدٍ أَشْتَرِيه فَهُوَ حُرٌّ فَكُلُّ عَبْدٍ فَرْدٍ لَهُ حَاشِيَتَانِ مُتَسَاوِيَتَانِ فِيمَا قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ فَهُوَ أَوْسَطُ، وَلَا يَكُونُ الْأَوَّلُ وَلَا الْآخِرُ وَسَطًا أَبَدًا، وَلَا يَكُونُ الْوَسَطُ إلَّا فِي وِتْرٍ، وَلَا يَكُونُ فِي شَفْعٍ فَإِذَا اشْتَرَى عَبْدًا ثُمَّ عَبْدًا ثُمَّ عَبْدًا فَالثَّانِي هُوَ الْوَسَطُ فَإِذَا اشْتَرَى رَابِعًا خَرَجَ الثَّانِي مِنْ أَنْ يَكُونَ أَوْسَطَ فَإِذَا اشْتَرَى خَامِسًا صَارَ الثَّالِثُ هُوَ الْوَسَطُ فَإِذَا اشْتَرَى سَادِسًا خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ أَوْسَطَ، وَعَلَى هَذَا فَقِسْ. اهـ. قَوْلُهُ: (كُلُّ عَبْدٍ بَشَّرَنِي بِكَذَا فَهُوَ حُرٌّ فَبَشَّرَهُ ثَلَاثَةٌ مُتَفَرِّقُونَ) (عَتَقَ الْأَوَّلُ) ؛ لِأَنَّ الْبِشَارَةَ اسْمٌ لِخَبَرٍ سَارٍ صِدْقٍ لَيْسَ لِلْمُبَشَّرِ بِهِ عِلْمٌ عُرْفًا وَيَتَحَقَّقُ ذَلِكَ مِنْ الْأَوَّلِ دُونَ الْبَاقِينَ، وَأَصْلُهُ مَا رُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ بِابْنِ مَسْعُودٍ، وَهُوَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ غَضًّا طَرِيًّا كَمَا أُنْزِلَ فَلْيَقْرَأْهُ بِقِرَاءَةِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ فَابْتَدَرَ إلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَسَبَقَ أَبُو بَكْرٍ عُمَرَ فَكَانَ يَقُولُ بَشَّرَنِي أَبُو بَكْرٍ، وَأَخْبَرَنِي عُمَرُ» ، وَلَوْ كَتَبَ إلَيْهِ أَحَدُهُمَا كِتَابًا بِالْبِشَارَةِ يَعْتِقُ إلَّا إذَا نَوَى الْمُشَافَهَةَ؛ لِأَنَّ الْبِشَارَةَ قَدْ تَكُونُ بِالْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ مِنْ الْغَائِبِ بِمَنْزِلَةِ الْخِطَابِ مِنْ الْحَاضِرِ، وَكَذَا لَوْ أَرْسَلَ إلَيْهِ رَسُولًا فَإِنَّهُ يَعْتِقُ فِي الْبِشَارَةِ وَالْخَبَرِ بِخِلَافِ الْحَدِيثِ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِالْمُشَافَهَةِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْعُو فُلَانًا فَكَتَبَ إلَيْهِ يَدْعُوهُ   [منحة الخالق] هَذَا، وَفِي حَاشِيَةِ الْحَمَوِيِّ عَلَى الْأَشْبَاهِ فَإِنْ عَنَى بِأَحَدِهِمَا الْآخَرَ صُدِّقَ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْمَعْنَى الْجَامِعِ وَهُوَ الْوَحْدَةُ لَكِنَّهُ إنْ عَنَى بِقَوْلِهِ وَاحِدًا وَحْدَهُ يُصَدَّقُ دِيَانَةً وَقَضَاءً لِمَا فِيهِ مِنْ التَّغْلِيظِ، وَفِي عَكْسِهِ يُصَدَّقُ دِيَانَةً لَا قَضَاءً لِمَا فِيهِ مِنْ التَّخْفِيفِ. اهـ. وَهُوَ مُسْتَفَادٌ مِنْ عِبَارَةِ التَّلْخِيصِ كَمَا أَوْضَحَهُ شَارِحُهُ فَرَاجِعْهُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 372 حَنِثَ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ، وَقَيَّدْنَاهَا بِالصِّدْقِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ بَشَّرَهُ كَذِبًا لَا يَقَعُ؛ لِأَنَّهُ، وَإِنْ ظَهَرَ فِي بَشَرَةِ الْوَجْهِ الْفَرَحُ وَالسُّرُورُ بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ لَكِنَّهُ قَدْ زَالَ لَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ خِلَافُهُ بِخِلَافِ مَنْ أَخْبَرَنِي أَنَّ فُلَانًا قَدِمَ فَكَذَا فَأَخْبَرَهُ وَاحِدٌ كَذِبًا فَإِنَّهُ يُعْتَقُ؛ لِأَنَّهُ يَنْطَلِقُ عَلَى الْكَذِبِ وَالصِّدْقِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ مَنْ أَخْبَرَنِي بِقُدُومِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ الصِّدْقِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَفِي الْبِشَارَةِ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَأْتِيَ بِالْبَاءِ أَوْ لَا بِخِلَافِ الْخَبَرِ، وَقَدْ عُلِمَ الْفَرْقُ فِي بَحْثِ الْبَاءِ مِنْ الْأُصُولِ وَالْكِتَابَةُ كَالْخَبَرِ فَلَوْ قَالَ إنْ كَتَبْت أَنَّ فُلَانًا قَدِمَ فَكَذَا فَكَتَبَ كَذِبًا عَتَقَ؛ لِأَنَّهَا جَمَعَ الْحُرُوفَ وَقَدْ وُجِدَ بِخِلَافِ إنْ كَتَبْت بِقُدُومِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ قُدُومِهِ حَقِيقَةً فَلَوْ كَتَبَ بِقُدُومِهِ غَيْرَ عَالِمٍ بِهِ، وَقَدْ قَدِمَ حَقِيقَةً عَتَقَ بَلَغَ الْخَبَرُ إلَى الْحَالِفِ أَوْ لَا لِوُجُودِ الشَّرْطِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ، وَأَمَّا الْإِعْلَامُ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الصِّدْقِ؛ لِأَنَّ الْإِعْلَامَ إثْبَاتُ الْعِلْمِ وَالْكَذِبُ لَا يُفِيدُهُ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ، وَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ أَنْ يَأْتِيَ بِالْبَاءِ أَوْ لَا كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ وَخَرَجَ الْخَبَرُ الضَّارُّ فَلَيْسَ بِبِشَارَةٍ عُرْفًا، وَإِنْ سَمَّاهُ اللَّهُ بِشَارَةً فِي قَوْله تَعَالَى {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [آل عمران: 21] ؛ لِأَنَّهُ بِشَارَةٌ لُغَةً، وَالْكَلَامُ فِي الْعُرْفِ. وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ أَوَّلُ مَنْ بَشَّرَنِي بِقُدُومِ فُلَانٍ مِنْ عَبِيدِي فَهُوَ حُرٌّ فَأَرْسَلَ بَعْضَ عَبِيدِهِ عَبْدًا آخَرَ فَقَالَ قُلْ لِلْمَوْلَى إنَّ فُلَانًا يَقُولُ لَك قَدْ قَدِمَ فُلَانٌ فَأَبْلَغَهُ ذَلِكَ الْعَبْدُ قَالَ يُعْتَقُ الْمُرْسِلُ دُونَ الرَّسُولِ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْكِتَابَةِ، وَلَوْ قَالَ الرَّسُولُ إنَّ فُلَانًا قَدْ قَدِمَ، وَلَمْ يَقُلْ أَرْسَلَنِي إلَيْك فُلَانٌ عَبْدُك بِكَذَا عَتَقَ الرَّسُولُ دُونَ الْمُرْسِلِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ بَشَّرُوهُ مَعًا عَتَقُوا) لِتَحَقُّقِهَا مِنْ الْجَمِيعِ قَالَ تَعَالَى {وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ} [الذاريات: 28] . قَوْلُهُ (وَصَحَّ شِرَاءُ أَبِيهِ لِلْكَفَّارَةِ لَا شِرَاءُ مَنْ حَلَفَ بِعِتْقِهِ وَأُمِّ وَلَدِهِ) ؛ لِأَنَّ شِرَاءَ الْقَرِيبِ إعْتَاقٌ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - جَعَلَ نَفْسَ الشِّرَاءِ إعْتَاقًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ غَيْرُهُ فَصَارَ نَظِيرَ قَوْلِهِ سَقَاهُ فَأَرْوَاهُ فَصَادَفَ النِّيَّةُ الْعِلَّةَ فَأَجْزَأَهُ عَنْ الْكَفَّارَةَ، وَأَمَّا شِرَاءُ مَنْ حَلَفَ بِعِتْقِهِ كَمَا إذَا قَالَ إنْ اشْتَرَيْت فُلَانًا فَهُوَ حُرٌّ فَاشْتَرَاهُ يَنْوِي بِهِ كَفَّارَةً عَنْ يَمِينِهِ أَوْ غَيْرِهَا فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ قِرَانُ النِّيَّةِ بِعِلَّةِ الْعِتْقِ، وَهِيَ الْيَمِينُ فَأَمَّا الشِّرَاءُ فَشَرْطُهُ، وَأَمَّا أُمُّ الْوَلَدِ فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الظِّهَارِ أَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَهَا عَنْ كَفَّارَتِهِ لَا يَجُوزُ، وَلَيْسَ هَذَا بِمُرَادِهِ هُنَا. وَأَمَّا قَوْلُهُ: أُمُّ الْوَلَدِ مَعْطُوفٌ عَلَى مَنْ يَعْنِي أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِأُمَّةِ قَدْ اسْتَوْلَدَهَا بِالنِّكَاحِ إنْ اشْتَرَيْتُك فَأَنْت حُرَّةٌ عَنْ كَفَّارَةِ يَمِينِي ثُمَّ اشْتَرَاهَا فَإِنَّهَا تُعْتَقُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ، وَلَا تُجْزِئُهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ؛ لِأَنَّ حُرِّيَّتَهَا مُسْتَحَقَّةٌ بِالِاسْتِيلَادِ فَلَا تُضَافُ إلَى الْيَمِينِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لِقِنَّةٍ إنْ اشْتَرَيْتُك فَأَنْتِ حُرَّةٌ عَنْ كَفَّارَةِ يَمِينِي حَيْثُ يُجْزِئُهُ عَنْهَا إذَا اشْتَرَاهَا؛ لِأَنَّ حُرِّيَّتَهَا غَيْرُ مُسْتَحَقَّةٍ بِجِهَةٍ أُخْرَى فَلَمْ تَخْتَلَّ الْإِضَافَةُ إلَى الْيَمِينِ، وَقَدْ قَارَنَتْهُ النِّيَّةُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ النِّيَّةَ إذَا قَارَنَتْ عِلَّةَ الْعِتْقِ، وَرِقُّ الْمُعْتَقِ كَامِلٌ صَحَّ التَّكْفِيرُ، وَإِلَّا فَلَا، وَقَوْلُهُمْ هُنَا أَنَّ الْيَمِينَ عِلَّةُ الْعِتْقِ مِنْ بَابِ إطْلَاقِ الْكُلِّ، وَإِرَادَةِ الْجُزْءِ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ هُوَ الْجَزَاءُ، وَهُوَ أَنْتَ حُرٌّ لَا مَجْمُوعُ الْيَمِينِ مِنْ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ، وَقَيَّدَ بِالشِّرَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَرِثَ قَرِيبَهُ وَنَوَاهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْ جِهَتِهِ فِعْلٌ حَتَّى يُجْعَلَ تَحْرِيرًا كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَيَنْبَغِي أَنَّهُ لَوْ وُهِبَ لَهُ قَرِيبُهُ أَوْ تُصُدِّقَ بِهِ عَلَيْهِ أَوْ أُوصِيَ لَهُ بِهِ أَوْ جُعِلَ مَهْرًا لَهَا فَنَوَى أَنْ يَكُونَ عَنْ كَفَّارَتِهِ عِنْدَ قَبُولِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ صَادَفَتْ الْعِلَّةَ الِاخْتِيَارِيَّةَ بِخِلَافِ الْإِرْثِ؛ لِأَنَّهُ جَبْرِيٌّ، وَلَمْ أَرَهُ مَنْقُولًا صَرِيحًا، وَكَلَامُهُمْ يُفِيدُهُ دَلَالَةً. قَوْلُهُ (إنْ تَسَرَّيْت أَمَةً فَهِيَ حُرَّةٌ صَحَّ لَوْ فِي مِلْكِهِ وَإِلَّا لَا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ لَمْ يَصِحَّ التَّعْلِيقُ؛ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ فِي مِلْكِهِ فَقَدْ انْعَقَدَتْ الْيَمِينُ فِي حَقِّهَا لِمُصَادَفَتِهَا الْمِلْكَ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْجَارِيَةَ مُنْكَرَةٌ فِي هَذَا الشَّرْطِ فَتَتَنَاوَلُ لِكُلِّ جَارِيَةٍ عَلَى الِانْفِرَادِ. وَأَمَّا إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً وَتَسَرَّاهَا فَإِنَّهَا لَا تُعْتَقُ خِلَافًا لِزُفَرَ فَإِنَّهُ يَقُولُ التَّسَرِّي لَا يَصِحُّ إلَّا فِي الْمِلْكِ فَكَانَ ذِكْرُهُ ذِكْرًا لِمِلْكٍ فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ إنْ طَلَّقْتُك فَعَبْدِي حُرٌّ يَصِيرُ التَّزَوُّجُ مَذْكُورًا، وَلَنَا أَنَّ الْمِلْكَ يَصِيرُ مَذْكُورًا ضَرُورَةَ صِحَّةِ التَّسَرِّي، وَهُوَ شَرْطٌ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهِ، وَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ صِحَّةِ الْجَزَاءِ   [منحة الخالق] [اشْتَرَى عَبْدًا ثُمَّ عَبْدًا ثُمَّ مَاتَ وَكَانَ قَدْ قَالَ آخَرُ عَبْدٍ أَمْلِكُهُ فَهُوَ حُرٌّ] (قَوْلُهُ: فَفِي الْبِشَارَةِ لَا فَرْقَ إلَخْ) هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمَهُ قَبْلَ هَذَا الْبَابِ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ لَا يُكَلِّمُهُ فَنَادَاهُ وَهُوَ نَائِمٌ، وَكَذَا قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْإِعْلَامُ مُخَالِفٌ لِمَا مَرَّ كَمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ، وَفِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ لَوْ قَالَ إنْ أَخْبَرْتنِي أَنَّ زَيْدًا قَدِمَ فَكَذَا حَنِثَ بِالْكَذِبِ كَذَا إنْ كَتَبْت إلَيَّ، وَإِنْ لَمْ يَصِلْ، وَفِي بَشَّرْتنِي أَوْ أَعْلَمْتنِي يُشْتَرَطُ الصِّدْقُ وَجَهْلُ الْحَالِفِ؛ لِأَنَّ الرُّكْنَ فِي الْأُولَيَيْنِ الدَّالُ عَلَى الْمُخْبَرِ وَجَمْعِ الْحُرُوفِ، وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ إفَادَةُ الْبِشْرِ وَالْعِلْمِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ بِقُدُومِهِ؛ لِأَنَّ بَاءَ الْإِلْصَاقِ تَقْتَضِي الْوُجُودَ، وَهُوَ بِالصِّدْقِ وَيَحْنَثُ بِالْإِيمَاءِ فِي أَعْلَمْتنِي وَبِالْكِتَابِ وَالرَّسُولِ فِي الْكُلِّ قَوْلُهُ: {وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ} [الذاريات: 28] كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَالْفَتْحِ وَالنَّهْرِ وَالتِّلَاوَةُ وَبَشَّرُوهُ بِالْوَاوِ. [شِرَاءُ أَبِيهِ لِلْكَفَّارَةِ] (قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي أَنَّهُ لَوْ وَهَبَ لَهُ قَرِيبُهُ إلَخْ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 373 هُوَ الْحُرِّيَّةُ. وَفِي مَسْأَلَةِ الطَّلَاقِ إنَّمَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الشَّرْطِ دُونَ الْجَزَاءِ حَتَّى لَوْ قَالَ لَهَا إنْ طَلَّقْتُك فَأَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا فَتَزَوَّجَهَا وَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً لَا تَطْلُقُ ثَلَاثًا فَهَذَا وِزَانُ مَسْأَلَتِنَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ فَهِيَ حُرَّةٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ إنْ تَسَرَّيْت أَمَةً فَأَنْت طَالِقٌ أَوْ عَبْدِي حُرٌّ فَتَسَرَّى مَنْ فِي مِلْكِهِ أَوْ مَنْ اشْتَرَاهُ بَعْدَ التَّعْلِيقِ، وَأَنَّهَا تَطْلُقُ وَيُعْتَقُ الْعَبْدُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ بِلَا مَانِعٍ قَالَ فِي التَّبْيِينِ لَوْ قَالَ لِأَمَةٍ إنْ تَسَرَّيْت بِك فَعَبْدِي حُرٌّ فَاشْتَرَاهَا فَتَسَرَّى بِهَا عَتَقَ عَبْدُهُ الَّذِي كَانَ فِي مِلْكِهِ وَقْتَ الْحَلِفِ، وَلَا يُعْتَقُ مَنْ اشْتَرَاهُ بَعْدَهُ. اهـ. فَاحْفَظْ هَذَا فَإِنْ بَعْضَ أَهْلِ الْعَصْرِ قَاسَ مَسْأَلَةَ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِالتَّسَرِّي عَلَى مَسْأَلَةِ الْمُخْتَصَرِ، وَهُوَ غَلَطٌ فَاحِشٌ؛ لِأَنَّ الْمَنْكُوحَةَ يَصِحُّ تَعْلِيقُ طَلَاقِهَا بِأَيِّ شَرْطٍ كَانَ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ التَّسَرِّيَ هُنَا تَفَعُّلٌ مِنْ السَّرِيَّةِ، وَهُوَ اتِّخَاذُهَا وَالسَّرِيَّةُ إنْ كَانَتْ مِنْ السُّرُورِ فَإِنَّهَا تُسَرُّ بِهَذِهِ الْحَالَةِ وَيُسَرُّ هُوَ بِهَا أَوْ مِنْ السَّرْوِ وَالسِّيَادَةِ فَضُمَّ سِينُهَا عَلَى الْأَصْلِ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ السِّرِّ بِمَعْنَى الْجِمَاعِ أَوْ بِمَعْنَى ضِدِّ الْجَهْرِ فَإِنَّهَا قَدْ تَخْفَى عَلَى الزَّوْجَاتِ الْحَرَائِرِ فَضَمُّهَا مِنْ تَغْيِيرَاتِ النَّسَبِ كَمَا قَالُوا دُهْرِيٌّ بِالضَّمِّ فِي النِّسْبَةِ إلَى الدَّهْرِ، وَفِي النِّسْبَةِ إلَى السَّهْلِ مِنْ الْأَرْضِ سُهْلِيٌّ بِالضَّمِّ وَالْفِعْلُ مِنْهُ بِحَسَبِ اعْتِبَارِ مَصْدَرِهِ، وَمَعْنَى التَّسَرِّي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ أَنْ يُحْصِنَ أَمَتَهُ وَيُعِدَّهَا لِلْجِمَاعِ أَفْضَى إلَيْهَا بِمَائِهِ أَوْ عَزَلَ عَنْهَا، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَنْ لَا يَعْزِلَ مَاءَهُ مَعَ ذَلِكَ فَعُرِفَ أَنَّهُ لَوْ وَطِئَ أَمَةً لَهُ، وَلَمْ يَفْعَلْ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ التَّحْصِينِ وَالْإِعْدَادِ لَا يَكُونُ تَسَرِّيًا، وَإِنْ لَمْ يَعْزِلْ عَنْهَا وَإِنْ عَلِقَتْ مِنْهُ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَتَسَرَّى فَاشْتَرَى جَارِيَةً فَحَصَّنَهَا وَوَطِئَهَا حَنِثَ ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ فِي التَّجْرِيدِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. قَوْلُهُ: (كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ) (عَتَقَ عَبِيدَهُ الْقِنَّ وَأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ، وَمُدَبَّرُوهُ لَا مُكَاتَبَهُ) لِوُجُودِ الْإِضَافَةِ الْمُطْلَقَةِ فِيمَا عَدَا الْمُكَاتَبَ إذْ الْمِلْكُ ثَابِتٌ فِيهِمْ رَقَبَةً وَيَدًا وَلَا يَدْخُلُ الْمُكَاتَبُ إلَّا بِالنِّيَّةِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ غَيْرُ ثَابِتٍ يَدًا فِيهِ، وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ أَكْسَابَهُ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ وَطْءُ الْمُكَاتَبَةِ بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ فَاخْتَلَّتْ الْإِضَافَةُ وَمُعْتَقُ الْبَعْضِ كَالْمُكَاتَبِ لِمَا ذَكَرْنَا، وَقَدْ قَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ فِي الْعِتْقِ الْمُعَلَّقِ فَرَاجِعْهُ. (قَوْلُهُ: هَذِهِ طَالِقٌ أَوْ هَذِهِ، وَهَذِهِ) (طَلُقَتْ الْأَخِيرَةُ وَخُيِّرَ فِي الْأَوَّلَيْنِ، وَكَذَا الْعِتْقُ وَالْإِقْرَارُ) يَعْنِي لَوْ قَالَ لِعَبِيدِهِ هَذَا حُرٌّ أَوْ هَذَا، وَهَذَا عَتَقَ الْأَخِيرُ، وَلَهُ الْخِيَارُ فِي الْأَوَّلَيْنِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ أَوْ لِفُلَانٍ، وَفُلَانٍ لَزِمَهُ خَمْسُمِائَةٍ لِلْأَخِيرِ، وَلَهُ أَنْ يَجْعَلَ خَمْسَمِائَةٍ لِأَيِّهِمَا شَاءَ وَالْأَصْلُ هُنَا أَنَّ كَلِمَةَ أَوْ لِإِثْبَاتِ أَحَدِ الْمَذْكُورَيْنِ، وَقَدْ أَدْخَلَهَا بَيْنَ الْأَوَّلَيْنِ، وَعَطَفَ الثَّالِثَ عَلَى الْوَاقِعِ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الْعَطْفَ لِلْمُشَارَكَةِ فِي الْحُكْمِ فَيَخْتَصُّ بِمَحَلِّ الْحُكْمِ، وَذَكَرَ فِي الْمُغْنِي فِي مَسْأَلَةِ الْإِقْرَارِ أَنَّ النِّصْفَ لِلْأَوَّلِ وَالنِّصْفَ لِلْأَخِيرَيْنِ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ، وَعَلَيْهِ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ الثَّالِثَ مَعْطُوفٌ عَلَى مَنْ لَهُ الْحَقُّ مِنْهُمَا فَيَكُونُ شَرِيكًا لَهُ، وَلَوْ كَانَ مَعْطُوفًا عَلَى مَا يَلِيهِ كَمَا ذَكَرَ لَكَانَ الْمُقَرُّ بِهِ لِلْأَوَّلِ وَحْدَهُ أَوْ لِلْأَخِيرَيْنِ؛ لِأَنَّهُ أَوْجَبَهُ لِأَحَدِ الْمَذْكُورَيْنِ لَا لَهُمَا فَتَنْتَفِي الشَّرِكَةُ إلَّا إذَا مَاتَ قَبْلَ الْبَيَانِ قَيَّدَ بِكَوْنِ أَوْ دَخَلَتْ فِي الْإِثْبَاتِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ دَخَلَتْ فِي النَّفْيِ كَمَا إذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا أَوْ فُلَانًا، وَفُلَانًا فَإِنْ كَلَّمَ الْأَوَّلَ وَحْدَهُ حَنِثَ، وَلَا يَحْنَثُ بِكَلَامِ أَحَدِ الْأَخِيرَيْنِ حَتَّى يُكَلِّمَهُمَا فَجَعَلَ الثَّالِثَ فِي الْكَلَامِ مَضْمُومًا إلَى الثَّانِي عَلَى التَّعْيِينِ، وَفِيمَا تَقَدَّمَ جُعِلَ مَضْمُومًا إلَى مَنْ وَقَعَ لَهُ الْحُكْمُ؛ لِأَنَّ أَوْ إذَا دَخَلَتْ بَيْنَ شَيْئَيْنِ تَنَاوَلَتْ أَحَدَهُمَا مُنْكَرًا إلَّا أَنَّ فِي الطَّلَاقِ وَنَحْوِهِ الْمَوْضِعَ مَوْضِعُ الْإِثْبَاتِ فَتَخُصُّ فَتَطْلُقُ إحْدَاهُمَا، وَفِي الْكَلَامِ الْمَوْضِعَ مَوْضِعُ النَّفْيِ فَتَعُمُّ عُمُومَ الْإِفْرَادِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} [الإنسان: 24] فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا وَلَا فُلَانًا فَيَنْضَمُّ الثَّالِثُ إلَى مَا يَلِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ أَوْ لِعُمُومِ الْإِفْرَادِ صَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَلَامًا عَلَى حِدَةٍ كَأَنَّ الْأَوَّلَ انْقَطَعَ وَشَرَعَ فِي الْكَلَامِ الثَّانِي وَالْعَطْفُ فِيهِ لَا يَنْصَرِفُ إلَى الْأَوَّلِ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ، وَأَمْثَالِهِ فَإِنَّ الِاتِّصَالَ فِيهِ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ ثَابِتٌ فَيَكُونُ الثَّالِثُ   [منحة الخالق] عَزَاهُ فِي النَّهْرِ الْمَسَائِلُ الثَّلَاثُ الْأُوَلُ إلَى الْفَتْحِ تَبَعًا لِلزَّيْلَعِيِّ ثُمَّ قَالَ: وَكَأَنَّهُ فِي الْبَحْرِ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى هَذَا غَيْرُ أَنَّهُ زَادَ مِمَّا لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ مَا لَوْ جَعَلَهُ مَهْرًا، وَلَا شَكَّ فِي صِحَّةِ النِّيَّةِ أَيْضًا. (قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ الْمَعْنَى) الَّذِي فِي الزَّيْلَعِيِّ الْمَأْخُوذَةُ مِنْهُ هَذِهِ الْعِبَارَةُ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَفِي مَجْمَعِ الْأَنْهُرِ قَالُوا، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. اهـ. فَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا هُنَا تَحْرِيفٌ مِنْ قَلَمِ النَّاسِخِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 374 مَعْطُوفًا عَلَى مَنْ وَجَبَ لَهُ الْحُكْمُ وَتَمَامُهُ فِي التَّبْيِينِ. وَقَيَّدَ بِمَا إذَا لَمْ يَذْكُرْ لِلثَّانِي وَالثَّالِثِ خَبَرًا فَإِنْ ذَكَرَ لَهُ خَبَرًا بِأَنْ قَالَ هَذِهِ طَالِقٌ أَوْ هَذِهِ، وَهَذِهِ طَالِقَانِ أَوْ قَالَ هَذَا حُرٌّ أَوْ هَذَا، وَهَذَا حُرَّانِ فَإِنَّهُ لَا يُعْتَقُ وَاحِدٌ وَلَا تَطْلُقُ بَلْ يُخَيَّرُ إنْ اخْتَارَ الْإِيجَابَ الْأَوَّلَ عَتَقَ الْأَوَّلُ وَحْدَهُ وَطَلُقَتْ الْأُولَى وَحْدَهَا، وَإِنْ اخْتَارَ الْإِيجَابَ الثَّانِي عَتَقَ الْأَخِيرَانِ وَطَلُقَتْ الْأَخِيرَتَانِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (بَابُ الْيَمِينِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالتَّزْوِيجِ وَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا) . لَمَّا كَانَتْ الْأَيْمَانُ عَلَى هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ أَكْثَرَ مِنْهَا عَلَى الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ، وَمَا بَعْدَهَا قَدَّمَهَا عَلَيْهَا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ بَابٍ فَوُقُوعُهُ أَقَلُّ مِمَّا قَبْلَهُ وَأَكْثَرُ مِمَّا بَعْدَهُ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْعُقُودَ أَنْوَاعٌ ثَلَاثَةٌ مِنْهَا مَا يَتَعَلَّقُ حُقُوقُهُ بِمَنْ، وَقَعَ لَهُ الْعَقْدُ لَا بِالْعَاقِدِ كَالنِّكَاحِ وَمِنْهَا مَا يَتَعَلَّقُ حُقُوقُهُ بِالْعَاقِدِ إذَا كَانَ الْعَاقِدُ أَهْلًا لِتَعَلُّقِ الْحُقُوقِ بِهِ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، وَمِنْ الْعُقُودِ مَا لَا حُقُوقَ لَهُ أَصْلًا كَالْإِعَارَةِ وَالْإِبْرَاءِ وَالْقَضَاءِ وَالِاقْتِضَاءِ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ، وَهَذَا أَوْلَى مِمَّا فِي التَّبْيِينِ، وَفَتْحِ الْقَدِيرِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ تَقْسِيمِهَا إلَى نَوْعَيْنِ نَوْعٌ تَتَعَلَّقُ حُقُوقُهُ بِالْعَاقِدِ وَنَوْعٌ لَا تَتَعَلَّقُ حُقُوقُهُ بِالْآمِرِ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ عَنْهَا مَا لَيْسَ لَهُ حُقُوقٌ أَصْلًا فَمَا تَتَعَلَّقُ حُقُوقُهُ بِالْعَاقِدِ فَإِنَّ الْحَالِفَ لَا يَحْنَثُ بِمُبَاشَرَةِ وَكِيلِهِ لِوُجُودِ الْفِعْلِ مِنْ الْوَكِيلِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا، وَمَا تَتَعَلَّقُ حُقُوقُهُ بِالْآمِرِ، وَمَا لَا حُقُوقَ لَهُ أَصْلًا فَإِنَّهُ يَحْنَثُ الْحَالِفُ أَنْ لَا يَفْعَلَهُ بِفِعْلِ وَكِيلِهِ كَمَا يَحْنَثُ بِمُبَاشَرَتِهِ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ فِيهِ سَفِيرٌ وَمُعَبِّرٌ، وَقَدْ جَعَلَ فِي الْمُحِيطِ الْعَارِيَّةَ وَنَحْوَهَا مِمَّا تَتَعَلَّقُ حُقُوقُهَا بِالْآمِرِ. قَوْلُهُ (مَا يَحْنَثُ بِالْمُبَاشَرَةِ لَا بِالْآمِرِ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ وَالْإِجَارَةُ وَالِاسْتِئْجَارُ وَالصُّلْحُ عَنْ مَالٍ وَالْقِسْمَةُ وَالْخُصُومَةُ وَضَرْبُ الْوَلَدِ) ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ وُجِدَ مِنْ الْعَاقِدِ حَتَّى كَانَتْ الْحُقُوقُ عَلَيْهِ، وَلِهَذَا لَوْ كَانَ الْعَاقِدُ هُوَ الْحَالِفَ يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ فَلَمْ يُوجَدْ مَا هُوَ الشَّرْطُ، وَهُوَ الْعَقْدُ مِنْ الْآمِرِ، وَإِنَّمَا الثَّابِتُ لَهُ حُكْمُ الْعَقْدِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ غَيْرَ ذَلِكَ أَطْلَقَهُ الْمُصَنِّفُ، وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ الْحَالِفُ يَتَوَلَّى الْعُقُودَ بِنَفْسِهِ أَمَّا إذَا كَانَ الْحَالِفُ ذَا سُلْطَانٍ كَالْأَمِيرِ وَالْقَاضِي وَنَحْوِهِمَا لَا يَتَوَلَّى الْعَقْدَ بِنَفْسِهِ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِالْأَمْرِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ نَفْسَهُ عَمَّا يَعْتَادُهُ فَإِنْ كَانَ الْآمِرُ يُبَاشِرُهُ مَرَّةً وَيُفَوِّضُ أُخْرَى يُعْتَبَرُ الْأَغْلَبُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ، وَأَطْلَقَ فِي الصُّلْحِ عَنْ مَالٍ، وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِأَنْ يَكُونَ عَنْ الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ بَيْعٌ أَمَّا الصُّلْحُ عَنْ إنْكَارٍ فَهُوَ فِدَاءٌ لِلْيَمِينِ فِي حَقِّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَيَكُونُ الْوَكِيلُ مِنْ جَانِبِهِ سَفِيرًا مَحْضًا فَكَانَ مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي كَمَا سَنُبَيِّنُهُ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ فَعَلَى هَذَا إذَا حَلَفَ الْمُدَّعِي أَنْ لَا يُصَالِحَ فُلَانًا عَنْ هَذِهِ الدَّعْوَى أَوْ عَنْ هَذَا الْمَالِ فَوَكَّلَ فِيهِ لَا يَحْنَثُ مُطْلَقًا، وَإِذَا حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ثُمَّ وَكَّلَ بِهِ فَإِنْ كَانَ عَنْ إقْرَارٍ حَنِثَ، وَإِنْ كَانَ عَنْ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَتَمَامُهُ فِي التَّبْيِينِ) حَيْثُ قَالَ؛ وَلِأَنَّ قَوْلَهُ طَالِقٌ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا لِلْمُثَنَّى، وَفِي ضَمِّ الثَّالِثِ إلَى الثَّانِي جَعْلُهُ لِلْمَثْنَى؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ هَذِهِ طَالِقٍ أَوْ هَاتَانِ طَالِقٌ فَلَا يَجُوزُ إلَّا إذَا قَالَ طَالِقَانِ؛ لِأَنَّ الْمُفْرَدَ لَا يَصْلُحُ خَبَرًا لِلْمَثْنَى بِخِلَافِ الْكَلَامِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَا أُكَلِّمُ يَصْلُحُ لِلْمَثْنَى، وَلِأَقَلَّ وَلِأَكْثَرَ. اهـ. وَأَجَابَ فِي النَّهْرِ بِهَذَا عَمَّا أَوْرَدَهُ فِي الْفَتْحِ بِقَوْلِهِ وَقَدْ يُقَالُ الْعَطْفُ بِالْوَاوِ كَمَا يَصِحُّ عَلَى الْأَحَدِ الْمَفْهُومِ مِنْ هَذِهِ أَوْ هَذِهِ يَصِحُّ عَلَى هَذِهِ وَحِينَئِذٍ لَا يَلْزَمُ الطَّلَاقُ فِي الثَّالِثَةِ؛ لِأَنَّ التَّرْدِيدَ حِينَئِذٍ بَيْنَ الْأُولَى فَقَطْ وَالثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ مَعًا فَيَلْزَمُهُ الْبَيَانُ لِذَلِكَ. اهـ. وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْفَتْحِ ذَكَرَهُ فِي التَّلْوِيحِ بِقَوْلِهِ: وَقِيلَ إنَّهُ لَا يَعْتِقُ أَحَدُهُمْ فِي الْحَالِ وَيَكُونُ لَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَالْأَخِيرَيْنِ؛ لِأَنَّ الثَّالِثَ عَطْفٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ وَالْجَمْعُ بِالْوَاوِ بِمَنْزِلَةِ الْجَمْعِ بِأَلْفٍ التَّثْنِيَةِ فَكَأَنَّهُ قَالَ هَذَا حُرٌّ أَوْ هَذَانِ كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ هَذَا أَوْ هَذَا، وَهَذَا فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِالْأَوَّلِ أَوْ بِالْأَخِيرَيْنِ جَمِيعًا لَا بِالثَّانِي وَحْدَهُ وَالثَّالِثِ وَحْدَهُ. اهـ. ثُمَّ ذَكَرَ الْجَوَابَ الْمَارَّ وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ الْمُقَدَّرَ قَدْ يُغَايِرُ الْمَذْكُورَ لَفْظًا كَمَا فِي قَوْلِك هِنْدُ جَالِسَةٌ وَزَيْدٌ، وَقَوْلُ الشَّاعِرِ نَحْنُ بِمَا عِنْدَنَا وَأَنْتَ بِمَا ... عِنْدَك رَاضٍ وَالرَّأْيُ مُخْتَلِفٌ قَالَ: وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا يَجْرِي فِي مِثْلِ أَعْتَقْت هَذَا أَوْ هَذَا، وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ التَّقْدِيرَ هَذَا حُرٌّ أَوْ هَذَانِ حُرَّانِ بَلْ هَذَا حُرٌّ أَوْ هَذَا حُرٌّ، وَهَذَا حُرٌّ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْمُقَدَّرُ مِثْلَ الْمَلْفُوظِ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ مَا ذَكَرَهُ لَوْ كَانَ الثَّانِي وَالثَّالِثُ بِلَفْظِ التَّثْنِيَةِ وَتَمَامُهُ فِيهِ، وَفِيهِ كَلَامٌ يُعْلَمُ بِمُرَاجَعَةِ حَوَاشِيهِ لِحَسَنٍ جَبَلِيٍّ. [بَابُ الْيَمِينِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالتَّزْوِيجِ وَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ] (بَابُ الْيَمِينِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالتَّزْوِيجِ وَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا) . (قَوْلُهُ:، وَهَذَا أَوْلَى مِمَّا فِي التَّبْيِينِ) قَرَّرَ فِي النَّهْرِ الضَّابِطَ عَلَى وَجْهٍ دَفَعَ بِهِ الْأَوْلَوِيَّةَ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ: وَنَوْعٌ لَا تَتَعَلَّقُ حُقُوقُهُ بِالْآمِرِ) كَذَا فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ وَالصَّوَابُ مَا فِي بَعْضِهَا تَتَعَلَّقُ بِدُونِ لَا (قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَ عَنْ إقْرَارٍ حَنِثَ، وَإِنْ كَانَ عَنْ إنْكَارٍ أَوْ سُكُوتٍ لَا يَحْنَثُ) كَذَا فِي عِدَّةٍ مِنْ النُّسَخِ الَّتِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 375 إنْكَارٍ أَوْ سُكُوتٍ لَا يَحْنَثُ، وَقَيَّدَ بِالصُّلْحِ عَنْ الْمَالِ احْتِرَازًا عَمَّا صَرَّحَ بِهِ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ الصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ، وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ حَلَفَ لَا يُصَالِحُ رَجُلًا فِي حَقٍّ يَدَّعِيهِ عَلَيْهِ فَوَكَّلَ رَجُلًا فَصَالَحَهُ لَمْ يَحْنَثْ. وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُصَالِحُ فُلَانًا فَأَمَرَ غَيْرَهُ فَصَالَحَهُ حَنِثَ فِي الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ لَا عُهْدَةَ فِيهِ. اهـ. وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِالْفَرْعِ الثَّانِي الصُّلْحُ اللُّغَوِيُّ بِمَعْنَى عَدَمِ الْعَدَاوَةِ وَالْغَيْظِ لَا بِمَعْنَى أَنَّهُ عَقْدٌ بِرَفْعِ النِّزَاعِ الَّذِي هُوَ الصُّلْحُ الْفِقْهِيُّ، وَفِي الْوَاقِعَاتِ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي مِنْ فُلَانٍ فَأَسْلَمَ إلَيْهِ فِي ثَوْبٍ حَنِثَ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى مُؤَجَّلًا حَلَفَ لَا يَشْتَرِي عَبْدَ فُلَانٍ فَآجَرَ بِهِ دَارِهِ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِشِرَاءٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا شُفْعَةَ فِيهَا مَعَ أَنَّ الشُّفْعَةَ تَثْبُتُ فِي الشِّرَاءِ حَلَّفَهُ السُّلْطَانُ أَنْ لَا يَشْتَرِيَ طَعَامًا لِلْبَيْعِ ثُمَّ اشْتَرَى طَعَامًا لِبَيْتِهِ ثُمَّ بَدَا لَهُ فَبَاعَهُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ مَا اشْتَرَى لِلْبَيْعِ، وَهَذَا كَمَنْ حَلَفَ لَا تَخْرُجُ امْرَأَتُهُ إلَى بَيْتِ وَالِدَتِهَا فَخَرَجَتْ لِلْمَسْجِدِ ثُمَّ زَارَتْ وَالِدَتَهَا لَا يَحْنَثُ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي ثَوْبًا جَدِيدًا فَتَفْسِيرُ الْجَدِيدِ مَا لَا يَنْكَسِرُ حَتَّى يَصِيرَ شَبَهَ الْخَلِقِ وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ جَدِيدًا قَبْلَ الْغُسْلِ وَبَعْدَهُ لَا لِاعْتِبَارِ الْعُرْفِ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي بَقْلًا فَاشْتَرَى أَرْضًا فِيهَا مَبْقَلَةٌ قَدْ نَبَتَتْ وَشَرَطَ ذَلِكَ مَعَهَا حَنِثَ وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي رُطَبًا وَاشْتَرَى نَخْلًا بِهَا رُطَبٌ وَشَرَطَ ذَلِكَ حَنِثَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ لَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ فَإِذَا شَرَطَهُ حَتَّى دَخَلَ يَكُونُ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ فَصَارَ مُشْتَرِيًا لَهُ حَلَفَ أَنْ لَا يَبِيعَ دَارِهِ فَأَعْطَاهَا امْرَأَتَهُ فِي صَدَاقِهَا حَنِثَ كَذَا ذَكَرَ هُنَا وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ عَلَى التَّفْصِيلِ إنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى الدَّارِ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِبَيْعٍ وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى الدَّرَاهِمِ ثُمَّ أَعْطَاهَا عِوَضًا عَنْ تِلْكَ الدَّرَاهِمِ حَنِثَ؛ لِأَنَّ هَذَا بَيْعٌ. اهـ. وَفِي الْبَدَائِعِ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي ذَهَبًا، وَلَا فِضَّةً فَاشْتَرَى مِنْ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ أَوْ آنِيَةٍ أَوْ تِبْرٍ أَوْ مَصُوغٍ حِلْيَةً أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ ذَهَبٌ أَوْ فِضَّةٌ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَحْنَثُ فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ لِلْعُرْفِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي حَدِيدًا فَهُوَ عَلَى مَضْرُوبِهِ، وَإِبَرِهِ سِلَاحًا كَانَ أَوْ غَيْرَ سِلَاحٍ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ إنْ اشْتَرَى شَيْئًا مِنْ الْحَدِيدِ يُسَمَّى بَائِعُهُ حَدَّادًا يَحْنَثُ، وَإِلَّا فَلَا وَبَائِعُ الْإِبَرِ لَا يُسَمَّى حَدَّادًا، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي صُفْرًا فَاشْتَرَى طَسْتَ صُفْرٍ أَوْ كُوزًا أَوْ تَوْرًا حَنِثَ، وَكَذَلِكَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَوْ اشْتَرَى فُلُوسًا لَا يَحْنَثُ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي صُوفًا فَاشْتَرَى شَاةً عَلَى ظَهْرِهَا صُوفٌ لَمْ يَحْنَثْ، وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي لَحْمًا فَاشْتَرَى شَاةً حَيَّةً لَمْ يَحْنَثْ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي دُهْنًا فَهُوَ عَلَى دُهْنٍ جَرَتْ الْعَادَةُ بِالِادِّهَانِ بِهِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي بَنَفْسَجًا أَوْ لَا يَشُمُّهُ فَهُوَ عَلَى الدُّهْنِ وَالْوَرِقِ، وَأَمَّا الْحِنَّاءُ وَالْوَرْدُ فَهُوَ عَلَى الْوَرِقِ دُونَ الدُّهْنِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي بَذْرًا فَاشْتَرَى دُهْنَ بَذْرٍ حَنِثَ، وَإِنْ اشْتَرَى حَبًّا لَمْ يَحْنَثْ. اهـ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ: وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ اشْتَرَيْت شَيْئًا فَأَنْت طَالِقٌ فَاشْتَرَتْ الْمَاءَ قَالُوا إنْ اشْتَرَتْهُ فِي قِرْبَةٍ أَوْ جَرَّةٍ طَلُقَتْ، وَإِنْ دَفَعَتْ الْجَرَّةَ إلَى السَّقَّاءِ وَخُبْزًا حَتَّى يَحْمِلَ لَهَا الْمَاءَ لَا تَطْلُقُ، وَلَوْ بَاعَ عَبْدَهُ مِنْ رَجُلٍ وَسَلَّمَ إلَى الْمُشْتَرِي ثُمَّ حَلَفَ الْبَائِعُ أَنْ لَا يَشْتَرِيَهُ مِنْ فُلَانٍ ثُمَّ إنَّ الْمُشْتَرِيَ أَقَالَ الْبَيْعَ، وَقَبِلَ الْبَائِعُ الْإِقَالَةَ لَا يَحْنَثُ، وَلَوْ كَانَ الثَّمَنُ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَوَقَعَتْ الْإِقَالَةُ بِمِائَةِ دِينَارٍ أَوْ بِأَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ أَوْ أَقَلَّ حَنِثَ قِيلَ هَذَا قَوْلُهُمَا، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَحْنَثُ لِكَوْنِهِ إقَالَةً عَلَى كُلِّ حَالٍ عَلَى مَا عُرِفَ. وَلَوْ حَلَفَ وَقَالَ وَاَللَّهِ مَا اشْتَرَيْت الْيَوْمَ شَيْئًا، وَقَدْ كَانَ اشْتَرَى فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَشْيَاءَ لَكِنْ بِالتَّعَاطِي فَقَدْ قِيلَ يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ، وَفِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ وَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِي طَرَفِ الْمَبِيعِ فَقَالَ إذَا حَلَفَ لَا يَبِيعُ الْخُبْزَ فَجَاءَ رَجُلٌ فَأَعْطَاهُ دَرَاهِمَ لِأَجْلِ الْخُبْزِ وَدَفَعَ هُوَ إلَيْهِ الْخُبْزَ لَا يَحْنَثُ وَذَكَرَ فِي شَهَادَاتِ الْقُدُورِيِّ مَا يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرَ فِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ فَقَالَ لَا يَسَعُ لِمَنْ عَايَنَ ذَلِكَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى الْبَيْعِ بَلْ يَشْهَدُ عَلَى التَّعَاطِي وَإِلَى هَذَا مَالَ الْمَاتُرِيدِيُّ. وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي قَمِيصًا فَاشْتَرَى قَمِيصًا مُقَطَّعًا غَيْرَ مِخْيَطٍ   [منحة الخالق] رَأَيْنَاهَا وَالصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ لَا يَحْنَثُ، وَفِي الثَّانِي حَنِثَ، وَقَدْ وُجِدَ كَذَلِكَ مُصَلَّحًا فِي نُسْخَةٍ (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُصَالِحُ فُلَانًا مِنْ غَيْرِهِ) هَكَذَا فِي عِدَّةِ نُسَخٍ، وَفِي بَعْضِهَا فَأَمَرَ غَيْرَهُ، وَهِيَ الصَّوَابُ، وَقَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ لَا عُهْدَةَ فِيهِ أَيْ؛ لِأَنَّهُ لَا حُقُوقَ لَهُ فَيَحْنَثُ بِفِعْلِ وَكِيلِهِ كَاَلَّذِي لَهُ حُقُوقٌ تَتَعَلَّقُ بِالْآمِرِ (قَوْلُهُ: حَنِثَ فِي الْقَضَاءِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ تَقْيِيدُهُ بِالْقَضَاءِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ فِي الدِّيَانَةِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِالْفَرْعِ الثَّانِي إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَالَ فِي النَّهْرِ وَحَمَلَ الثَّانِي فِي الْبَحْرِ عَلَى الصُّلْحِ اللُّغَوِيِّ أَيْ الدَّافِعِ لِلْعَدَاوَةِ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ بَلْ الْأَوَّلُ عَنْ إقْرَارٍ وَالثَّانِي عَنْ إنْكَارٍ. اهـ. وَأَقُولُ: كَيْفَ هَذَا مَعَ تَعْلِيلِهِ بِأَنَّ الصُّلْحَ لَا عُهْدَةَ فِيهِ وَالصُّلْحُ عَنْ إنْكَارٍ مُعَاوَضَةٌ فِي حَقِّ الْمُدَّعِي وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ قَوْلِهِ فِي حَقٍّ يَدَّعِيهِ أَنَّ الثَّانِيَ لَا فِي حَقٍّ يَدَّعِيهِ كَمَا لَا يَخْفَى وَفِيمَا قَالَهُ صَاحِبُ النَّهْرِ بَعْدَ تَأَمُّلٌ. اهـ. قُلْتُ: قَالَ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ: وَكَذَا فِي الْخُصُومَةِ حَلَفَ لَا أُصَالِحُ فُلَانًا فَأَمَرَ الْغَيْرَ بِصُلْحِهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 376 لَا يَحْنَثُ، وَلَوْ قَالَ إنْ بَعَثَ غُلَامِي هَذَا أَحَدًا مِنْ النَّاسِ فَامْرَأَتُهُ كَذَا فَبَاعَهُ مِنْ رَجُلَيْنِ حَنِثَ، وَكَذَا إذَا قَالَ إنْ أَكَلَ هَذَا الرَّغِيفَ أَحَدٌ فَأَكَلَهُ اثْنَانِ حَنِثَ فِي يَمِينِهِ، وَفِي الْقُنْيَةِ حَلَفَ لَا يَبِيعُ فَوَهَبَ بِشَرْطِ الْعِوَضِ يَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ بَاعَ جَارِيَتَهُ ثُمَّ قَالَ إنْ دَخَلَتْ هِيَ فِي بَيْعِي فَهِيَ حُرَّةٌ فَإِنْ رَدَّتْ عَلَيْهِ بِغَيْرِ قَضَاءٍ تُعْتِقُ، وَإِلَّا فَلَا حَلَفَ إنْ اشْتَرَاهَا يَحْنَثُ بِالْإِقَالَةِ حَلَفَ لَا يَبِيعُ يَحْنَثُ بِبَيْعِ التَّلْجِئَةِ. اهـ. وَعَلَى هَذَا فَالْهِبَةُ بِشَرْطِ الْعِوَضِ دَاخِلَةٌ تَحْتَ يَمِينٍ لَا يَهَبُ نَظَرَ إلَى أَنَّهَا هِبَةٌ ابْتِدَاءً فَيَحْنَثُ وَدَاخِلَةٌ تَحْتَ يَمِينٍ لَا يَبِيعُ نَظَرَ إلَى أَنَّهَا بَيْعٌ انْتِهَاءً فَيَحْنَثُ بِهَا، وَلَوْ قَالَ إنْ آجَرْت دَارِيَ هَذِهِ فَهِيَ صَدَقَةٌ ثُمَّ احْتَاجَ إلَى إجَارَتِهَا فَالْمُخْرِجُ لَهُ عَنْ الْيَمِينِ أَنْ يَبِيعَهَا الْحَالِفُ مِنْ غَيْرِهِ ثُمَّ يُوَكِّلُ الْمُشْتَرِي الْحَالِفَ بِالْإِجَارَةِ فَيُؤَاجِرُهَا بَعْدَ الْقَبْضِ ثُمَّ يَشْتَرِيهَا فَتَخْرُجُ عَنْ يَمِينِهِ بِالْإِجَارَةِ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي. اهـ. وَقَدْ يُقَالُ لَا حَاجَةَ إلَى هَذَا التَّكْلِيفِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَكَّلَ فِي إجَارَتِهَا لَا يَحْنَثُ فَكَذَا لَا يَلْزَمُهُ التَّصَدُّقُ بِهَا إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ النَّذْرِ وَالْيَمِينِ وَسَيَأْتِي الْفَرْقُ بَيْنَ ضَرْبِ الْوَلَدِ وَضَرْبِ الْغُلَامِ، وَفِي الذَّخِيرَةِ حَلَفَ لَا يُؤَجِّرُ، وَلَهُ مُسْتَغَلَّاتٌ آجَرَتْهَا امْرَأَتُهُ، وَقَبَضَتْ الْأُجْرَةَ فَأَنْفَقَتْ أَوْ أَعْطَتْهَا زَوْجَهَا لَا يَحْنَثُ وَتَرَكَهَا فِي أَيْدِي السَّاكِنِينَ لَا يَكُونُ إجَارَةً فَلَوْ قَالَ لِلسَّاكِنِينَ اُقْعُدُوا فِي هَذِهِ الْمَنَازِلِ فَهُوَ إجَارَةٌ وَيَحْنَثُ، وَكَذَا إذَا تَقَاضَى مِنْهُمْ أُجْرَةَ شَهْرٍ لَمْ يَسْكُنُوا فِيهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَنْقَدُوهُ أُجْرَةَ شَهْرٍ قَدْ سَكَنُوا فِيهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِإِجَارَةٍ اهـ. قَوْلُهُ (وَمَا يَحْنَثُ بِهِمَا النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ، وَالْخُلْعُ وَالْعِتْقُ، وَالْكِتَابَةُ وَالصُّلْحُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ، وَالْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ، وَالْقَرْضُ وَالِاسْتِقْرَاضُ وَضَرْبُ الْعَبْدِ، وَالذَّبْحُ وَالْبِنَاءُ وَالْخِيَاطَةُ وَالْإِيدَاعُ وَالِاسْتِيدَاعُ وَالْإِعَارَةُ وَالِاسْتِعَارَةُ، وَقَضَاءُ الدَّيْنِ وَقَبْضُهُ وَالْكِسْوَةُ وَالْحَمْلُ) بَيَانٌ لِثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ: الْأَوَّلُ مَا تَرْجِعُ حُقُوقُهُ إلَى الْآمِرِ. الثَّانِي مَا لَا حُقُوقَ لَهُ أَصْلًا. الثَّالِثُ مَا كَانَ مِنْ الْأَفْعَال الْحِسِّيَّةِ. وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ بِهِمَا عَائِدٌ إلَى الْمُبَاشَرَةِ وَالْأَمْرِ وَفِيهِ تَسَامُحٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِمُجَرَّدِ الْأَمْرِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ فِعْلِ الْوَكِيلِ حَتَّى لَوْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ فَوَكَّلَ بِهِ لَا يَحْنَثُ حَتَّى يُزَوِّجَهُ الْوَكِيلُ فَلَوْ قَالَ وَمَا يَحْنَثُ بِفِعْلِهِ، وَفِعْلِ مَأْمُورِهِ لَكَانَ أَوْلَى، وَفَسَّرَ الشَّارِحُ الزَّيْلَعِيُّ الْأَمْرَ بِالتَّوْكِيلِ، وَلَيْسَ مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ بَلْ هُوَ أَعَمُّ مِنْ التَّوْكِيلِ وَالرِّسَالَةِ؛ لِأَنَّهُ يَحْنَثُ بِالرِّسَالَةِ وَالدَّلِيلُ عَلَى عَدَمِ اقْتِصَارِهِ عَلَى التَّوْكِيلِ أَنَّ مِنْ هَذَا النَّوْعِ الِاسْتِعْوَاضَ وَالتَّوْكِيلُ بِهِ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَإِنَّمَا حَنِثَ فِي هَذَا النَّوْعِ بِفِعْلِ الْمَأْمُورِ لِمَا أَنَّ غَرَضَ الْحَالِفِ التَّوَقِّي عَنْ حُكْمِ الْعَقْدِ وَحُقُوقِهِ، وَهَذِهِ الْعُقُودُ تَنْتَقِلُ إلَيْهِ بِحُقُوقِهَا فَصَارَ كَمُبَاشَرَتِهِ فِي حَقِّ الْأَحْكَامِ وَصَارَ الْوَكِيلُ سَفِيرًا، وَمُعَبِّرًا، وَلِهَذَا لَا يُسْتَغْنَى عَنْ إضَافَتِهَا إلَى الْآمِرِ، وَمَا كَانَ مِنْ الْأَفْعَالِ حِسِّيًّا كَضَرْبِ الْغُلَامِ وَالذَّبْحِ وَنَحْوِهِمَا مَنْقُولٌ أَيْضًا إلَى الْآمِرِ حَتَّى لَا يَجِبَ الضَّمَانُ عَلَى الْفَاعِلِ فَكَانَ مَنْسُوبًا إلَيْهِ فَيَحْنَثُ، وَقَدْ فَرَّقَ الْمُصَنِّفُ بَيْنَ ضَرْبِ الْوَلَدِ وَضَرْبِ الْعَبْدِ فَلَوْ حَلَفَ لَا يَضْرِبُ وَلَدَهُ فَضَرَبَهُ غَيْرُهُ بِأَمْرِهِ لَا يَحْنَثُ. وَلَوْ حَلَفَ لَا يَضْرِبُ عَبْدَهُ فَضَرَبَهُ غَيْرُهُ بِأَمْرِهِ حَنِثَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَنْفَعَةَ ضَرْبِ الْوَلَدِ عَائِدَةٌ إلَى الْوَلَدِ الْمَضْرُوبِ، وَهِيَ التَّأَدُّبُ وَالتَّثْقِيفُ أَيْ التَّقْوِيمُ وَتَرْكُ الِاعْوِجَاجِ فِي الدِّينِ وَالْمُرُوءَةِ وَالْأَخْلَاقِ فَلَمْ يُنْسَبْ فِعْلُ الْمَأْمُورِ إلَى الْآمِرِ وَإِنْ كَانَ يَرْجِعُ إلَى الْأَبِ أَيْضًا لَكِنَّ أَصْلَ الْمَنَافِعِ وَحَقِيقَتَهَا إنَّمَا تَرْجِعُ إلَى الْمُتَّصِفِ بِهَا فَلَا مُوجِبَ لِلنَّقْلِ بِخِلَافِ ضَرْبِ الْعَبْدِ فَإِنَّ مَنْفَعَتَهُ رَاجِعَةٌ إلَى الْآمِرِ عَلَى الْخُصُوصِ، وَهُوَ مَا يَحْصُلُ مِنْ أَدَبِهِ وَانْزِجَارِهِ، وَإِنْ كَانَ نَفْعُهُ يَرْجِعُ إلَى الْعَبْدِ لَكِنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ ضَرْبِ الْوَلَدِ حَاصِلٌ لَهُ، وَإِنْ حَصَلَ لِلْأَبِ ضِمْنًا وَالْمَقْصُودُ مِنْ ضَرْبِ الْعَبْدِ حَاصِلٌ لِلْمَوْلَى، وَإِنْ حَصَلَ لِلْعَبْدِ ضِمْنًا فَافْتَرَقَا، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَمَا فِي عُرْفِنَا، وَعُرْفِ عَامَّتِنَا فَإِنَّهُ يُقَالُ ضَرَبَ فُلَانٌ الْيَوْمَ، وَلَدَهُ، وَإِنْ لَمْ يُبَاشِرْ وَيَقُولُ الْعَامِّيُّ لِوَلَدِهِ غَدًا أَسْقِيك عَلْقَةً ثُمَّ يَذْكُرُ لِمُؤَدِّبِ الْوِلْدَانِ يَضْرِبُهُ فَيَعُدُّ الْأَبُ نَفْسَهُ أَنَّهُ قَدْ حَقَّقَ إيعَادَهُ ذَلِكَ، وَلَمْ يَكْذِبْ فَمُقْتَضَاهُ أَنْ تَنْعَقِدَ عَلَى مَعْنَى   [منحة الخالق] حَنِثَ فِي الْقَضَاءِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: حَلَفَ إنْ اشْتَرَاهَا يَحْنَثُ بِالْإِقَالَةِ) عَزَاهُ فِي النَّهْرِ إلَى عَقْدِ الْفَوَائِدِ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ قَوْلٌ آخَرُ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا إذَا تَقَاضَى مِنْهُمْ أُجْرَةَ شَهْرٍ لَمْ يَسْكُنُوا فِيهِ) قَالَ فِي النَّهْرِ، وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ تَقَاضِيَ أُجْرَةِ شَهْرٍ لَمْ يَسْكُنُوا فِيهِ لَيْسَ إلَّا الْإِجَارَةَ بِالتَّعَاطِي فَيَنْبَغِي أَنْ يَجْرِيَ فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ. (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَك أَنْ تَقُولَ إنَّمَا خَصَّهُ لِتُعْلَمَ الرِّسَالَةُ مِنْهُ بِالْأَوْلَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 377 لَا يَقَعُ بِهِ ضَرْبٌ مِنْ جِهَتِي وَيَحْنَثُ بِفِعْلِ الْمَأْمُورِ. اهـ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُمْ بِالْوَلَدِ الْوَلَدَ الْكَبِيرَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ ضَرْبَهُ فَهُوَ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَضْرِبُ حُرًّا أَجْنَبِيًّا فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِالْمُبَاشَرَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ فَلَا يُعْتَبَرُ أَمْرُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَالِفُ سُلْطَانًا أَوْ قَاضِيًا؛ لِأَنَّهُمَا يَمْلِكَانِ ضَرْبَ الْأَحْرَارِ حَدًّا وَتَعْزِيرًا فَمَلَكَا الْأَمْرَ بِهِ، وَأَمَّا الْوَلَدُ الصَّغِيرُ فَكَالْعَبْدِ لِمَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَضْرِبُ وَلَدَهُ الصَّغِيرَ فَأَمَرَ غَيْرَهُ فَضَرَبَهُ يَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ الْحَالِفُ لِأَنَّ الْأَبَ يَمْلِكُ ضَرْبَ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ فَيَمْلِكُ التَّفْوِيضَ إلَى غَيْرِهِ وَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْقَاضِي وَالسُّلْطَانِ. اهـ. وَإِنَّمَا لَمْ يَجْزِمْ بِهِ فِي الْفَتَاوَى؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ أَعَمُّ مِنْ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ وَلَمْ يُخَصَّصْ بِالْكَبِيرِ فِي الرِّوَايَاتِ، وَفِي الذَّخِيرَةِ، وَلَوْ حَلَفَ عَلَى امْرَأَتِهِ لَا يَضْرِبُهَا فَأَمَرَ غَيْرَهُ حَتَّى ضَرَبَهَا فَقَدْ قِيلَ إنَّهَا نَظِيرُ الْعَبْدِ فَيَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ، وَقِيلَ إنَّهَا نَظِيرُ الْوَلَدِ فَلَا يَحْنَثُ الْحَالِفُ فِي يَمِينِهِ. اهـ. وَلَمْ يُرَجِّحْ وَيَنْبَغِي تَرْجِيحُ الثَّانِي؛ لِأَنَّ مُعْظَمَ الْمَنْفَعَةِ تَعُودُ لَهَا، وَإِنْ حَصَلَتْ لِلزَّوْجِ ضِمْنًا، وَلَوْ نَوَى الْمُبَاشَرَةَ بِنَفْسِهِ فَقَطْ فِي هَذَا النَّوْعِ قَالُوا فَمَا كَانَ مِنْ الْحُكْمِيَّاتِ كَالتَّزَوُّجِ وَالطَّلَاقِ فَإِنَّهُ يَصْدُقُ دِيَانَةً لَا قَضَاءً، وَمَا كَانَ مِنْ الْحِسِّيَّاتِ كَالضَّرْبِ وَالذَّبْحِ فَإِنَّهُ يَصْدُقُ دِيَانَةً، وَقَضَاءً، وَالْفَرْقُ أَنَّ الطَّلَاقَ لَيْسَ إلَّا تَكَلُّمًا بِكَلَامٍ يُفْضِي إلَى الْوُقُوعِ، وَالْأَمْرُ بِذَلِكَ مِثْلُ التَّكَلُّمِ بِهِ وَاللَّفْظُ يَنْتَظِمُهُمَا فَإِذَا نَوَى أَنْ لَا يَلِيَهُ فَقَدْ نَوَى الْخُصُوصَ فِي الْعَامِّ فَلَا يُصَدَّقُ قَضَاءً؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ، وَمَا كَانَ حِسِّيًّا فَإِنَّهُ يُعْرَفُ بِأَثَرِهِ الْمَحْسُوسِ فِي الْمَحَلِّ، وَإِنَّمَا يَحْصُلُ بِالْفِعْلِ فَكَانَ فِيهِ حَقِيقَةً، وَالنِّسْبَةُ إلَى الْآمِرِ بِالسَّبَبِ مَجَازٌ فَإِذَا نَوَى الْفِعْلَ بِنَفْسِهِ فَقَدْ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ، وَقَيَّدَ بِالنِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُزَوِّجُ فُلَانَةَ فَأَمَرَ رَجُلًا فَزَوَّجَهَا لَا يَحْنَثُ بِخِلَافِ التَّزَوُّجِ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ سَأَلْت نَجْمَ الدِّينِ عَنْ الْفَرْقِ فَقَالَ التَّزْوِيجُ بِأَمْرِهِ لَا يَلْحَقُهُ حُكْمُهُ وَالتَّزَوُّجُ بِأَمْرِهِ يَثْبُتُ حُكْمُهُ لَهُ وَهُوَ الْحِلُّ كَذَا فِي الْفَيْضِ مَعْزِيًّا إلَى مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ، وَفِي الْبَدَائِعِ حَلَفَ لَا يُزَوِّجُ بِنْتِهٍ الصَّغِيرَةَ فَتَزَوَّجَهَا رَجُلٌ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَأَجَازَ حَنِثَ؛ لِأَنَّ حُقُوقَهُ تَتَعَلَّقُ بِالْمُجِيزِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يُزَوِّجُ ابْنًا لَهُ كَبِيرًا فَأَمَرَ رَجُلًا فَزَوَّجَهُ ثُمَّ بَلَغَ الِابْنُ فَأَجَازَ أَوْ زَوَّجَهُ رَجُلٌ، وَأَجَازَ الْأَبُ وَرَضِيَ الِابْنُ لَمْ يَحْنَثْ وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ فِي قَوْلِهِ لَوْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ فَأَجَازَ بِالْقَوْلِ حَنِثَ وَبِالْفِعْلِ لَا، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ رَجُلٌ قَالَ لِامْرَأَةٍ لَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا إنْ تَزَوَّجْتُك فَعَبْدِي حُرٌّ فَتَزَوَّجَهَا حَنِثَ؛ لِأَنَّ يَمِينَهُ تَنْصَرِفُ إلَى مَا يُتَصَوَّرُ عَبْدٌ حَلَفَ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ فَزَوَّجَهُ مَوْلَاهُ، وَهُوَ كَارِهٌ لِذَلِكَ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ لَفْظَ النِّكَاحِ وُجِدَ مِنْ الْمَوْلَى، وَلَوْ حَلَفَ رَجُلٌ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً فَأُكْرِهَ عَلَى النِّكَاحِ فَتَزَوَّجَ حَنِثَ فِي يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ وُجِدَ لَفْظُ النِّكَاحِ مِنْهُ رَجُلٌ حَلَفَ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الدَّارِ، وَلَيْسَ لِلدَّارِ أَهْلٌ ثُمَّ سَكَنَهَا قَوْمٌ فَتَزَوَّجَ مِنْهُمْ أَوْ قَالَ لَا أَتَزَوَّجُ مِنْ بَنَاتِ فُلَانٍ، وَلَيْسَ لِفُلَانٍ بِنْتٌ ثُمَّ وُلِدَتْ لَهُ بِنْتٌ فَتَزَوَّجَهَا الْحَالِفُ لَا يَحْنَثُ. وَلَوْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ لَمْ تَكُنْ وُلِدَتْ قَبْلَ الْيَمِينِ حَنِثَ، وَلَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ بِالْكُوفَةِ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ فَالْمَخْرَجُ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ الرَّجُلُ وَكِيلًا وَالْمَرْأَةُ كَذَلِكَ ثُمَّ يَخْرُجُ الْوَكِيلَانِ وَيَعْقِدَانِ عَقْدَ النِّكَاحِ خَارِجَ الْكُوفَةِ فَلَا يَحْنَثُ الْحَالِفُ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ مَكَانُ الْعَقْدِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ امْرَأَةً إلَّا عَلَى أَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى أَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ، وَكَمَّلَ الْقَاضِي عَشَرَةً أَوْ زَادَ الزَّوْجُ بَعْدَ الْعَقْدِ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ فِي مَهْرِهَا لَا يَحْنَثُ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً كَانَتْ وُلِدَتْ بِالْبَصْرَةِ وَنَشَأَتْ بِالْكُوفَةِ يَحْنَثُ الْحَالِفُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ عِنْدَهُ فِي هَذَا الْمَوْلِدُ دُونَ الْمَنْشَأِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ امْرَأَةً كَانَ لَهَا زَوْجٌ قَبْلَهُ فَطَلَّقَ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَةً بَائِنَةً ثُمَّ تَزَوَّجَهَا قَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ يَمِينَهُ تَنْصَرِفُ إلَى غَيْرِهَا، وَلَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثُمَّ قَالَ إنْ تَزَوَّجْت امْرَأَةً بِاسْمِك فَهِيَ طَالِقٌ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا لَمْ تَطْلُقْ، وَلَوْ قَالَ إنْ تَزَوَّجْت امْرَأَةً بِهَذَا الِاسْمِ فَهِيَ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَهَا طَلُقَتْ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي تَرْجِيحُ الثَّانِي) قَالَ فِي النَّهْرِ بَعْدَ نَقْلِهِ وَرَجَّحَ ابْنُ وَهْبَانَ الْأَوَّلَ؛ لِأَنَّ النَّفْعَ عَائِدٌ إلَيْهِ بِطَاعَتِهَا لَهُ، وَقِيلَ إنْ حِنْث فَنَظِيرُ الْعَبْدِ وَإِلَّا فَنَظِيرُ الْوَلَدِ قَالَ بَدِيعُ الدِّينِ، وَلَوْ فَصَّلَ هَذَا فِي الْوَلَدِ لَكَانَ حَسَنًا كَذَا فِي الْقُنْيَةِ (قَوْلُهُ: رَجُلٌ حَلَفَ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الدَّارِ إلَى قَوْلِهِ لَا يَحْنَثُ) هَكَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ مَا ذُكِرَ هُنَا مُوَافِقٌ قَوْلَ مُحَمَّدٍ أَمَّا مَا يُوَافِقُ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ فَقَدْ ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ مِنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ امْرَأَةَ فُلَانٍ، وَلَيْسَ لِفُلَانٍ امْرَأَةٌ ثُمَّ تَزَوَّجَ فُلَانٌ امْرَأَةً، وَكَلَّمَهَا الْحَالِفُ حَنِثَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ، وَفِي الْحُجَّةِ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا اهـ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 378 وَالْفَرْقُ أَنَّ فِيمَا تَقَدَّمَ صَارَتْ مُعَرَّفَةً بِكَافِ الْخِطَابِ فَلَا تَدْخُلُ النَّكِرَةُ، وَفِيمَا تَأَخَّرَ لَمْ تَصِرْ مُعَرَّفَةً فَتَدْخُلُ تَحْتَ النَّكِرَةِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ امْرَأَةً عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وَنَوَى امْرَأَةً بِعَيْنِهَا دِينَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لَا فِي الْقَضَاءِ، وَلَوْ نَوَى كُوفِيَّةً أَوْ بَصَرِيَّةً لَا يَدِينُ أَصْلًا، وَكَذَا لَوْ نَوَى امْرَأَةً عَوْرَاءَ أَوْ عَمْيَاءَ، وَلَوْ نَوَى عَرَبِيَّةً أَوْ حَبَشِيَّةً دِينَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ نَوَى الْجِنْسَ. اهـ. وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِأَنْ يَقَعَا بِكَلَامٍ وُجِدَ بَعْدَ الْيَمِينِ أَمَّا إذَا وَقَعَا بِكَلَامٍ وُجِدَ قَبْلَ الْيَمِينِ فَلَا يَحْنَثُ حَتَّى لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلَتْ الدَّارَ فَأَنْت طَالِقٌ ثُمَّ حَلَفَ أَنْ لَا يُطَلِّقَ فَدَخَلَتْ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا بِكَلَامٍ كَانَ قَبْلَ الْيَمِينِ. وَلَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يُطَلِّقَ ثُمَّ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِالشَّرْطِ ثُمَّ وُجِدَ الشَّرْطُ حَنِثَ، وَلَوْ وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا بِمُضِيِّ مُدَّةِ الْإِيلَاءِ فَإِنْ كَانَ الْإِيلَاءُ قَبْلَ الْيَمِينِ لَا يَحْنَثُ، وَإِلَّا حَنِثَ، وَلَوْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِالْعُنَّةِ لَا يَحْنَثُ عِنْدَ زُفَرَ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يُعْتِقَ يُشْتَرَطُ لِلْحِنْثِ وُقُوعُ الْعِتْقِ بِكَلَامٍ وُجِدَ بَعْدَ الْيَمِينِ، وَلَوْ أَدَّى الْمُكَاتَبُ فَعَتَقَ فَإِنْ كَانَتْ الْكِتَابَةُ قَبْلَ الْيَمِينِ لَا يَحْنَثُ، وَإِنْ كَانَتْ بَعْدَهُ يَحْنَثُ كَذَا فِي التَّبْيِينِ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ حَلَفَ لَيُطَلِّقَنَّ فُلَانَةَ الْيَوْمَ، وَفُلَانَةُ أَجْنَبِيَّةٌ أَوْ مُطَلَّقَتُهُ ثَلَاثًا أَوْ مِمَّنْ لَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا أَبَدًا تَنْصَرِفُ يَمِينُهُ إلَى صُورَةِ الطَّلَاقِ. اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ إذَا حَلَفَ لَا يُكَاتِبُهُ فَفَعَلَهُ إنْسَانٌ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَأَجَازَهُ حَنِثَ. اهـ. وَأَمَّا الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ فَفِي الظَّهِيرِيَّةِ حَلَفَ أَنْ لَا يَهَبَ لِفُلَانٍ فَوَهَبَ هِبَةً غَيْرَ مَقْسُومَةٍ حَنِثَ، وَكَذَلِكَ الْإِعْمَارُ وَالنَّحْلُ وَالْإِرْسَالُ إلَيْهِ مَعَ رَسُولِهِ وَصُورَةُ الْإِعْمَارِ أَنْ يَقُولَ صَاحِبُ الدَّارِ لِغَيْرِهِ هِيَ لَك مَا دُمْت حَيًّا فَإِذَا مِتَّ رُدَّتْ إلَيَّ، وَكَذَا لَوْ أَمَرَ غَيْرَهُ حَتَّى وَهَبَ حَنِثَ، وَكَذَا لَوْ أَجَازَ هِبَةَ الْفُضُولِيِّ عَبْدَهُ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَهَبُ لِفُلَانٍ فَوَهَبَ عَلَى عِوَضٍ حَنِثَ، وَلَا يَحْنَثُ بِالصَّدَقَةِ فِي غَيْرِ الْهِبَةِ. اهـ. وَأَمَّا الْقَرْضُ وَالِاسْتِقْرَاضُ فَفِي الظَّهِيرِيَّةِ حَلَفَ لَا يَسْتَقْرِضُ فَاسْتَقْرَضَ، وَلَمْ يُقْرِضْهُ حَنِثَ، وَأَمَّا الْإِعَارَةُ وَالِاسْتِعَارَةُ فَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ حَلَفَ لَا يُعِيرُ ثَوْبَهُ فُلَانًا فَبَعَثَ فُلَانٌ، وَكِيلًا إلَى الْحَالِفِ وَاسْتَعَارَهُ فَأَعَارَهُ الْحَالِفُ حَنِثَ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَسْتَعِيرُ مِنْ فُلَانٍ شَيْئًا فَأَرْدَفَهُ فُلَانٌ عَلَى دَابَّتِهِ فَرَدَفَهُ لَا يَحْنَثُ. اهـ. وَفِي الذَّخِيرَةِ حَلَفَ لَا يَسْتَعِيرُ مِنْ فُلَانٍ شَيْئًا يَنْصَرِفُ إلَى كُلِّ مَوْجُودٍ تَصِحُّ إعَارَتُهُ، وَكَانَ ذَلِكَ عَيْنًا يَنْتَفِعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ فَإِنْ دَخَلَ دَارَ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ لِيَسْتَقِيَ مِنْ بِئْرِهِ فَاسْتَعَارَ مِنْهُ الرَّشَا وَالدَّلْوَ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قِيلَ يَحْنَثُ، وَقِيلَ لَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ تَثْبُتْ يَدُهُ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا فِي يَدِ صَاحِبِ الدَّارِ فَلَا يَكُونُ مُسْتَعِيرًا، وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْإِعَارَةَ لَا تَتِمُّ إلَّا بِالتَّسْلِيمِ، وَهَذَا هُوَ الطَّرِيقُ فِيمَا إذَا أَرْدَفَهُ عَلَى دَابَّتِهِ فَعَلَى قِيَاسِ هَذَا التَّعْلِيلِ إذَا اسْتَعَارَ مِنْهُ الرَّشَا وَالدَّلْوَ مِنْ بِئْرٍ لَيْسَ فِي مِلْكِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ يَحْنَثُ. اهـ. وَقَدْ زَادَ فِي الْخَانِيَّةِ أَنَّ مِنْ هَذَا الْقَسَمِ تَسْلِيمَ الشُّفْعَةِ وَالْإِذْنَ فَيَحْنَثُ فِيهِمَا بِالْأَمْرِ أَيْضًا، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ حَلَفَ لَا يُسَلِّمُ الشُّفْعَةَ فَسَكَتَ، وَلَمْ يُخَاصِمْ حَتَّى بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ لَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ، وَإِنْ وَكَّلَ وَكِيلًا بِالتَّسْلِيمِ حَنِثَ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْذَنُ لِعَبْدِهِ فِي التِّجَارَةِ فَرَآهُ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي فَسَكَتَ يَصِيرُ الْعَبْدُ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ، وَلَا يَحْنَثُ، وَكَذَلِكَ الْبِكْرُ إذَا حَلَفَتْ أَنْ لَا تَأْذَنَ فِي تَزْوِيجِهَا فَسَكَتَتْ عِنْدَ الِاسْتِئْمَارِ لَا تَحْنَثُ. اهـ. وَزَادَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَنَّ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ النَّفَقَةَ فَإِذَا حَلَفَ لَا يُنْفِقُ فَوَكَّلَ حَنِثَ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الشَّرِكَةَ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَعْمَلُ مَعَ فُلَانٍ فِي قِصَارَةٍ فَفَعَلَ مَعَ شَرِيكِ فُلَانٍ حَنِثَ، وَلَوْ عَمِلَ مَعَ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ يَرْجِعُ بِالْعُهْدَةِ عَلَى صَاحِبِهِ وَيَصِيرُ الْحَالِفُ عَامِلًا مَعَ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ عَقْدُ الشَّرِكَةِ نَفْسُهُ لَا يُوجِبُ الْحُقُوقَ أَمَّا الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ فَلَا يَرْجِعُ بِالْعُهْدَةِ عَلَى الْمَوْلَى فَلَا يَصِيرُ الْحَالِفُ شَرِيكًا لِمَوْلَاهُ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يُشَارِكُ فُلَانًا فِي هَذِهِ الْبَلْدَةِ ثُمَّ خَرَجَا عَنْهَا، وَعَقَدَا عَقْدَ الشَّرِكَةِ ثُمَّ دَخَلَاهَا، وَعَمِلَا فِيهَا إنْ كَانَ الْحَالِفُ نَوَى فِي يَمِينِهِ أَنْ لَا يَعْقِدَ عَقْدَ   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 379 الشَّرِكَةِ فِي الْبَلْدَةِ لَا يَحْنَثُ. وَإِنْ نَوَى أَنْ لَا يَعْمَلَ بِشَرِكَةِ فُلَانٍ حَنِثَ، وَإِنْ دَفَعَ أَحَدَهُمَا إلَى صَاحِبِهِ مَالًا مُضَارَبَةً فَهَذَا وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ شَرِكَةٌ فِي عُرْفِنَا، وَلَوْ حَلَفَ لَا يُشَارِكُ فُلَانًا فَأَخْرَجَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَرَاهِمَهُ وَاشْتَرَكَا حَنِثَ الْحَالِفُ خَلَطَا أَوْ لَمْ يَخْلِطَا، وَلَوْ حَلَفَ لَا يُشَارِكُ فُلَانًا فَشَارَكَهُ بِمَالِ ابْنِهِ الصَّغِيرِ لَا يَحْنَثُ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يُشَارِكُ فُلَانًا ثُمَّ إنَّ الْحَالِفَ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ مَالًا بِضَاعَةً، وَأَمَرَهُ أَنْ يَعْلُ فِيهِ بِرَأْيِهِ فَشَارَكَ الْمَدْفُوعَ إلَيْهِ الْمَالُ الرَّجُلَ الَّذِي حَلَفَ رَبُّ الْمَالِ أَنْ لَا يُشَارِكَهُ يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الْحَالِفَ؛ لِأَنَّهُ صَارَ شَرِيكًا لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَبْضِعَ لَا حَقَّ لَهُ فِي الرِّبْحِ فَكَانَ الْعَامِلُ شَرِيكًا لِرَبِّ الْمَالِ، وَلَوْ كَانَ مَكَانَ الْمُسْتَبْضِعِ مُضَارِبٌ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ لَهُ حَقٌّ فِي الرِّبْحِ فَكَانَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ شَرِيكًا لِلْمُضَارِبِ، وَلَوْ كَانَ الْمُسْتَبْضِعُ حَلَفَ أَنْ لَا يُشَارِكَ أَحَدًا فَدَفَعَ الْمَالَ شَرِيكُهُ بِإِذْنِ الْمُسْتَبْضِعِ لَا يَحْنَثُ رَجُلٌ قَالَ لِأَخِيهِ إنْ شَارَكْتُك فَحَلَالُ اللَّهِ عَلَيَّ حَرَامٌ ثُمَّ بَدَا لَهُمَا أَنْ يَشْتَرِكَا قَالُوا إنْ كَانَ لِلْحَالِفِ ابْنٌ كَبِيرٌ يَنْبَغِي أَنْ يَدْفَعَ الْحَالِفُ مَالَهُ إلَى ابْنِهِ مُضَارَبَةً وَيَجْعَلُ لِابْنِهِ شَيْئًا يَسِيرًا مِنْ الرِّبْحِ وَيَأْذَنُ لِابْنِهِ أَنْ يَعْمَلَ فِيهِ بِرَأْيِهِ ثُمَّ أَنَّ لِلِابْنِ أَنْ يُشَارِكَ عَمَّهُ فَإِذَا فَعَلَ الِابْنُ ذَلِكَ كَانَ لِلِابْنِ مَا شَرَطَ لَهُ الْأَبُ مِنْ الرِّبْحِ وَالْفَاضِلُ عَلَى ذَلِكَ إلَى النِّصْفِ يَكُونُ لِلْأَبِ، وَلَا يَحْنَثُ وَلَوْ كَانَ مَكَانَ الْأَبِ أَجْنَبِيٌّ فَالْجَوَابُ كَذَلِكَ. اهـ. وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ إلَى أَنَّ الدَّفْعَ كَذَلِكَ قَالَ فِي الْمُحِيطِ حَلَفَ لَا يَدْفَعُ إلَى فُلَانٍ مَالَهُ فَأَمَرَ غَيْرَهُ فَضَمِنَهُ وَنَقَدَهُ بِضَمَانِهِ فَهُوَ حَانِثٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَنْقَدَهُ رَجَعَ بِهِ عَلَيْهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ دَفَعَهُ إلَيْهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَحَالَهُ عَلَيْهِ فَأَعْطَاهُ، وَلَوْ كَانَتْ الْحَوَالَةُ وَالْكَفَالَةُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَا يَحْنَثُ بِأَدَائِهِ، وَكَذَا إذَا تَبَرَّعَ رَجُلٌ بِالْأَدَاءِ. اهـ. ثُمَّ قَالَ: وَفِي النَّوَازِلِ، وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ لَمْ تَكُونِي غَسَلْت هَذِهِ الْقَصْعَةَ فَأَنْت طَالِقٌ فَأَمَرَتْ الْمَرْأَةُ خَادِمَهَا بِغَسْلِ الْقَصْعَةِ فَغَسَلَتْهَا فَإِنْ كَانَ مِنْ عَادَةِ الْمَرْأَةِ أَنَّهَا تَغْسِلُ بِنَفْسِهَا لَا غَيْرُ يَقَعُ الطَّلَاقُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ عَادَتِهَا أَنَّهَا لَا تَغْسِلُ إلَّا بِخَادِمِهَا، وَعَرَفَ الزَّوْجُ ذَلِكَ لَا يَقَعُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ عَادَتِهَا أَنَّهَا تَغْسِلُ بِنَفْسِهَا وَبِخَادِمِهَا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَقَعُ إلَّا إذَا عَنَى الزَّوْجُ الْآمِرَ بِالْغَسْلِ فَلَا يَقَعُ. اهـ. وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ إلَى أَنَّ الْإِعْطَاءَ كَذَلِكَ، وَلِذَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ حَلَفَ لَيُعْطِيَنَّ فُلَانًا حَقَّهُ فَأَمَرَ غَيْرَهُ بِالْأَدَاءِ أَوْ أَحَالَهُ فَقَبَضَ بَرَّ، وَلَوْ كَانَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ حَنِثَ اهـ. وَإِذَا حَنِثَ بِالْأَمْرِ فِي حَلِفِهِ لَا يَقْضِي دَيْنَهُ بَرَّ بِالتَّوْكِيلِ فِي حَلِفِهِ لَيَقْضِيَنَّ دَيْنَهُ، وَكَذَا فِي قَبْضِهِ نَفْيًا، وَإِثْبَاتًا فَإِذَا حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ مِنْ فُلَانٍ حَقَّهُ فَأَخَذَ مِنْ وَكِيلِهِ أَوْ كَفِيلِهِ أَوْ مِنْ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ بِأَمْرِ الْمَطْلُوبِ بَرَّ، وَإِنْ كَانَتْ الْحَوَالَةُ وَالْكَفَالَةُ بِغَيْرِ أَمْرِ الْمَطْلُوبِ لَمْ يَبَرَّ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الْحَوَالَةَ وَالْكَفَالَةَ قَالَ فِي الْمُحِيطِ حَلَفَ لَا يَكْفُلُ عَنْهُ شَيْئًا فَكَفَلَ نَفْسَهُ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ كَفَلَ بِهِ لَا عَنْهُ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ عَنْهُ إنَّمَا تُسْتَعْمَلُ فِي الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ لَا فِي الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ يُقَالُ كَفَلَ عَنْهُ أَيْ بِمَالِهِ، وَكَفَلَ بِهِ أَيْ بِنَفْسِهِ، وَلَوْ كَفَلَ عَنْ كَفِيلِهِ بِأَمْرِهِ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ مَا كَفَلَ عَنْهُ وَإِنَّمَا كَفَلَ عَنْ غَيْرِهِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَكْفُلُ فُلَانًا أَوْ لِفُلَانٍ فَكَفَلَ بِنَفْسِهِ حَنِثَ، وَلَوْ كَفَلَ عَنْهُ بِالْمَالِ لَا يَحْنَثُ حَلَفَ لَا يَكْفُلُ عَنْ فُلَانٍ فَأَحَالَهُ فُلَانٌ عَلَى الْحَالِفِ لِغَرِيمِهِ إنْ كَانَ لِلْمُحْتَالِ لَهُ دَيْنٌ عَلَى الْمُحِيلِ يَحْنَثُ، وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّ فِي الْحَوَالَةِ مَا فِي الْكَفَالَةِ وَزِيَادَةً؛ لِأَنَّ فِيهَا الْتِزَامًا وَضَمَانًا. اهـ. وَفِي الذَّخِيرَةِ حَلَفَ لَا يُوصِي بِوَصِيَّةٍ فَوَهَبَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ شَيْئًا لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِوَصِيَّةٍ لَكِنْ أَعْطَى الشَّرْعُ لَهَا حُكْمَ الْوَصِيَّةِ فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ حُكْمِ الْحِنْثِ. اهـ. وَفِي الْوَاقِعَاتِ حَلَفَ لَا يَأْتَمِنُ فُلَانًا عَلَى شَيْءٍ فَأَرَاهُ دِرْهَمًا، وَقَالَ اُنْظُرْ إلَى هَذَا، وَلَمْ يُفَارِقْهُ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتَمِنْهُ، وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ دَابَّتَهُ، وَقَالَ أَمْسِكْهَا حَتَّى أُصَلِّيَ فَهُوَ حَانِثٌ؛ لِأَنَّهُ ائْتَمَنَهُ عَلَيْهَا وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ التَّوْلِيَةَ، وَقَدْ صَارَتْ حَادِثَةَ الْفَتْوَى فَسُئِلَتْ عَنْ قَاضِي الْقُضَاةِ لَوْ حَلَفَ لَا يُوَلِّي فُلَانًا الْقَضَاءَ فَوَكَّلَ مِنْ وَلَّاهُ فَأَجَبْت يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ قِسْمِ مَا لَا حُقُوقَ لَهُ فَيَحْنَثُ بِفِعْلِ وَكِيلِهِ.   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 380 (قَوْلُهُ (وَدُخُولُ اللَّامِ عَلَى الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْإِجَارَةِ وَالصِّيَاغَةِ وَالْخِيَاطَةِ وَالْبِنَاءِ كَإِنْ بِعْت لَك ثَوْبًا لِاخْتِصَاصِ الْفِعْلِ بِالْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ بِأَنْ كَانَ بِأَمْرِهِ كَانَ مِلْكُهُ أَوْ لَا وَعَلَى الدُّخُولِ وَالضَّرْبِ وَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْعَيْنِ كَإِنْ بِعْت ثَوْبًا لَك لِاخْتِصَاصِهَا بِهِ بِأَنْ كَانَ مِلْكَهُ أَمْرَهُ أَوْ لَا) يَعْنِي أَنَّ اللَّامَ إذَا تَعَلَّقَتْ بِفِعْلٍ قَبْلهَا فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْفِعْلُ تَجْرِي فِيهِ النِّيَابَةُ أَوْ لَا فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ تَلِي اللَّامُ الْفِعْلَ مُتَوَسِّطَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَفْعُولِ أَوْ تَلِي الْمَفْعُولَ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ كَقَوْلِهِ إنْ بِعْت لَك ثَوْبًا إنْ اشْتَرَيْت لَك ثَوْبًا إنْ آجَرْت لَك بَيْتًا إنْ صَنَعْت لَك خَاتَمًا إنْ خِطْت لَك ثَوْبًا إنْ بَنَيْت لَك بَيْتًا فَإِنَّ اللَّامَ لِلِاخْتِصَاصِ وَالْوَجْهُ الظَّاهِرُ فِيهَا التَّعْلِيلُ، وَوَجْهُ إفَادَتِهَا الِاخْتِصَاصَ أَنَّهَا تُضِيفُ مُتَعَلِّقَهَا، وَهُوَ الْفِعْلُ لِمَدْخُولِهَا، وَهُوَ كَافُ الْخِطَابِ فَيُفِيدُ أَنَّ الْمُخَاطَبَ مُخْتَصٌّ بِالْفِعْلِ، وَكَوْنُهُ مُخْتَصًّا بِهِ يُفِيدُ أَنْ لَا يُسْتَفَادَ إطْلَاقُ فِعْلِهِ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ وَذَلِكَ يَكُونُ بِأَمْرِهِ، وَإِذَا بَاعَ بِأَمْرِهِ كَأَنْ يَبِيعَهُ إيَّاهُ مِنْ أَجْلِهِ، وَهِيَ لَامُ التَّعْلِيلِ فَصَارَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَبِيعَهُ مِنْ أَجْلِهِ فَإِذَا دَسَّ الْمُخَاطَبُ ثَوْبَهُ بِلَا عِلْمِهِ فَبَاعَهُ لَمْ يَكُنْ بَاعَهُ مِنْ أَجْلِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا بِالْعِلْمِ بِأَمْرِهِ وَيَلْزَمُ مِنْ هَذَا كَوْنُ هَذَا لَا يَكُونُ إلَّا فِي الْأَفْعَالِ الَّتِي تَجْرِي فِيهَا النِّيَابَةُ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي أَعْنِي مَا إذَا وَقَعَتْ عَقِبَ الْمَفْعُولِ كَإِنْ بِعْت ثَوْبًا لَك فَهِيَ لِلِاخْتِصَاصِ أَيْضًا، وَهُوَ اخْتِصَاصُ الْعَيْنِ بِالْمُخَاطَبِ، وَهُوَ كَوْنُ الْعَيْنِ مَمْلُوكَةً لِلْمُخَاطَبِ فَيَحْنَثُ إذَا بَاعَ ثَوْبًا مَمْلُوكًا لِلْمُخَاطَبِ سَوَاءٌ كَانَ بِإِذْنِهِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ؛ لِأَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ يُوجَدُ مَعَ أَمْرِهِ، وَعَدَمِ أَمْرِهِ، وَهُوَ بَيْعُ ثَوْبٍ مُخْتَصٍّ بِالْمُخَاطَبِ؛ لِأَنَّ اللَّامَ هُنَا أَقْرَبُ إلَى الِاسْمِ الَّذِي هُوَ الثَّوْبُ مِنْهُ لِلْفِعْلِ وَالْقُرْبُ مِنْ أَسْبَابِ التَّرْجِيحِ. وَأَمَّا الثَّانِي أَعْنِي مَا إذَا كَانَ الْفِعْلُ لَا تَجْرِي فِيهِ النِّيَابَةُ مِثْلُ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَضَرْبِ الْغُلَامِ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ النِّيَابَةَ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ اللَّامُ عَقِبَ الْفِعْلِ أَوْ عَقِبَ الْعَيْنِ فَإِنَّهَا تَكُونُ لِاخْتِصَاصِ الْعَيْنِ بِالْمُخَاطَبِ نَحْوُ إنْ أَكَلْت لَك طَعَامًا أَوْ طَعَامًا لَك أَوْ شَرِبْت لَك شَرَابًا أَوْ شَرَابًا لَك أَوْ ضَرَبْت لَك غُلَامًا أَوْ غُلَامًا لَك أَوْ دَخَلَتْ لَك دَارًا لَك فَيَحْنَثُ بِدُخُولِ دَارٍ تُنْسَبُ إلَى الْمُخَاطَبِ وَبِأَكْلِ طَعَامٍ يَمْلِكُهُ سَوَاءٌ كَانَ بِعِلْمِهِ أَوْ بِأَمْرِهِ أَوْ دُونَهُمَا. وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ فِي فَصْلِ الْأَكْلِ رَجُلٌ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَبِيعُ لِفُلَانٍ ثَوْبًا فَبَاعَ الْحَالِفُ ثَوْبًا لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ لِيُجِيزَ صَاحِبُ الثَّوْبِ حَنِثَ الْحَالِفُ أَجَازَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يَجُزْ، وَلَوْ بَاعَهُ الْحَالِفُ، وَهُوَ لَا يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يُرِيدُ بَيْعُهُ لِنَفْسِهِ لَا يَكُونُ حَانِثًا. اهـ. فَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ بَيْعُهُ لِأَجْلِهِ سَوَاءٌ كَانَ بِأَمْرِهِ أَوْ لَا، وَهُوَ يَتَحَقَّقُ بِدُونِ الْأَمْرِ بِأَنْ يَقْصِدَ الْحَالِفُ بَيْعَهُ لِأَجْلِ فُلَانٍ، وَهَذَا مِمَّا يَجِبُ حِفْظُهُ فَإِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ هُنَا يُخَالِفُهُ مَعَ أَنَّهُ هُوَ الْحُكْمُ فَلَوْ حَذَفَ الْمُصَنِّفُ قَوْلَهُ بِأَنْ كَانَ بِأَمْرِهِ لَكَانَ أَوْلَى إلَّا أَنْ يُرَادَ أَنَّ كَلَامَهُمْ هُنَا فِي تَعْلِيقِ الْعِتْقِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: فَصَارَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَبِيعَهُ مِنْ أَجْلِهِ) زَادَ فِي النَّهْرِ سَوَاءٌ كَانَ مَمْلُوكًا أَوْ لَا. اهـ. وَهُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الْمَتْنِ (قَوْلُهُ: فَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ بَيْعُهُ لِأَجْلِهِ إلَخْ) أَقُولُ: يُؤَيِّدُهُ مَا فِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ وَشَرْحِهِ لِلْفَارِسِيِّ رَجُلٌ قَالَ لِزَيْدٍ إنْ بِعْتُ لَك ثَوْبًا فَعَبْدِي حُرٌّ، وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَدَفَعَ زَيْدٌ ثَوْبًا إلَى رَجُلٍ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ إلَى الْحَالِفِ لِيَبِيعَهُ فَدَفَعَهُ الْمَأْمُورُ إلَى الْحَالِفِ، وَقَالَ لَهُ بِعْهُ لِي أَوْ قَالَ بِعْهُ، وَلَمْ يَقُلْ لِزَيْدٍ، وَلَمْ يَعْلَمْ الْحَالِفُ أَنَّهُ ثَوْبُ زَيْدٍ فَبَاعَهُ جَاهِلًا بِكَوْنِهِ ثَوْبَ زَيْدٍ لَمْ يَحْنَثْ فِي يَمِينِهِ لِأَنَّ اللَّامَ فِي بِعْت لَك دَخَلَتْ عَلَى فِعْلٍ قَابِلٍ لِلْمِلْكِ، وَهُوَ الْبَيْعُ، وَلِهَذَا يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ فَكَانَتْ لِاخْتِصَاصِ الْفِعْلِ بِالْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، وَهُوَ زَيْدٌ وَوُجُودُ الِاخْتِصَاصِ بِزَيْدٍ إنَّمَا يَكُونُ بِأَمْرِ الْحَالِفِ أَوْ بِعِلْمِ الْحَالِفِ أَنَّهُ بَاعَ لَهُ سَوَاءٌ كَانَ الثَّوْبُ لِزَيْدِ أَوْ لِغَيْرِهِ، وَإِذَا بَاعَ لِغَيْرِ زَيْدٍ لَا يَكُونُ قَاصِدًا تَمْلِيكَ فِعْلِ الْبَيْعِ مِنْ زَيْدٍ سَوَاءٌ كَانَ الثَّوْبُ مَمْلُوكًا لِزَيْدٍ أَمْ لِغَيْرِهِ وَلِهَذَا لَوْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَبِيعَ مَالَ رَجُلٍ آخَرَ تَكُونُ الْأُجْرَةُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ لَا عَلَى الْمَالِكِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْحَالِفَ مَنَعَ نَفْسَهُ بِالْيَمِينِ عَنْ الْتِزَامِ الْحُقُوقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ زَيْدٍ، وَلَمْ يَلْتَزِمْ حَيْثُ بَاعَ بِأَمْرِ غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ الْإِضَافَةِ إلَيْهِ، وَلِهَذَا يَرْجِعُ بِالْحُقُوقِ عَلَى الرَّسُولِ دُونَ الْمُرْسِلِ. اهـ. فَقَوْلُهُ وَوُجُودُ الِاخْتِصَاصِ يَزِيدُ إلَخْ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بَيْعُهُ لِأَجَلِهِ سَوَاءٌ كَانَ بِأَمْرِهِ أَمْ لَا وَيُؤَيِّدُهُ مَا مَرَّ فِي التَّعْلِيلِ مِنْ أَنَّهُ صَارَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَبِيعَهُ مِنْ أَجْلِهِ وَحِينَئِذٍ فَتَصْرِيحُهُمْ هُنَا بِاشْتِرَاطِ الْأَمْرِ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا لَوْ دَسَّ الْمُخَاطَبُ ثَوْبَهُ بِلَا عِلْمِ الْحَالِفِ فَبَاعَهُ كَمَا مَرَّ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ لَوْ بَاعَهُ مَعَ الْعِلْمِ بِلَا أَمْرٍ أَنَّهُ يَحْنَثُ لِوُجُودِ الْبَيْعِ لِأَجْلِهِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ التَّعْلِيلُ وَبِهَذَا تَتَّفِقُ عِبَارَاتُهُمْ وَيَنْدَفِعُ عَنْهَا التَّنَافِي، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يُرَادَ إلَخْ) يُنَافِي هَذِهِ الْإِرَادَةَ تَصْوِيرُ الْمَسْأَلَةِ فِي كَلَامِ شَرْحِ التَّلْخِيصِ بِتَعْلِيقِ الْعِتْقِ مَعَ التَّصْرِيحِ بِأَنَّ الْأَمْرَ غَيْرُ شَرْطٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 381 وَالطَّلَاقِ، وَكَلَامُ قَاضِي خَانْ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى بِدَلِيلِ مَا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ فِي الْفَتَاوَى أَيْضًا رَجُلٌ قَالَ إنْ بِعْت لَك ثَوْبًا فَعَبْدِي حُرٌّ فَهَذَا عَلَى أَنْ يَبِيعَ ثَوْبًا بِأَمْرِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ كَانَ الثَّوْبُ مِلْكًا لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَلَوْ قَالَ إنْ بِعْت ثَوْبًا لَك فَهُوَ عَلَى أَنْ يَبِيعَ ثَوْبًا مِلْكًا لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ. اهـ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَبَيْنَ غَيْرِهَا بَعِيدٌ كَمَا لَا يَخْفَى لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ مَا فِي الْمُخْتَصَرِ عَنْ الْجَامِعِ وَذَكَرَ الْفَرْعَ الْمَذْكُورَ فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ فَصْلِ الْأَكْلِ عَنْ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ ضَعِيفٌ، وَفِي الْمُحِيطِ أَيْضًا حَلَفَ لَا يَشْتَرِي لِفُلَانٍ فَأَمَرَ غَيْرَهُ بِالشِّرَاءِ، وَالْآمِرُ يَنْوِي الشِّرَاءَ لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْتَرِ لَهُ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ يَقَعُ لِلْآمِرِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وَجَدَ نَفَاذًا عَلَيْهِ فَيَنْفُذُ عَلَيْهِ فَلَا يَقَعُ لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ. اهـ. وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى بَيْنَ أَنْ يَذْكُرَ الْمَفْعُولَ بِهِ أَوْ لَا، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي لِفُلَانٍ ثَوْبًا فَأَمَرَهُ فُلَانٌ أَنْ يَشْتَرِيَ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ ثَوْبًا فَاشْتَرَاهُ لَا يَحْنَثُ، وَكَذَا لَوْ أَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لِعَبْدِهِ ثَوْبًا فَاشْتَرَاهُ لَا يَحْنَثُ. اهـ. وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ قَدْ أَمَرَهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ بِأَنْ يَفْعَلَهُ لِنَفْسِهِ لَا مُطْلَقَ الْأَمْرِ كَمَا فِي الْمُخْتَصَرِ وَغَيْرِهِ، وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ الضَّرْبَ فَشَمِلَ ضَرْبَ الْغُلَامِ وَضَرْبَ الْوَلَدِ وَوَقَعَ فِي الْهِدَايَةِ التَّعْبِيرُ بِضَرْبِ الْغُلَامِ فَاخْتَلَفُوا فِي الْغُلَامِ فَذَكَرَ ظَهِيرُ الدِّينِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْغُلَامِ الْوَلَدُ دُونَ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ ضَرْبَ الْعَبْدِ يَحْتَمِلُ النِّيَابَةَ وَالْوَكَالَةَ فَصَارَ نَظِيرَ الْإِجَارَةِ لَا نَظِيرَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْغُلَامُ يُطْلَقُ عَلَى الْوَلَدِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ} [الصافات: 101] وَذَكَرَ قَاضِي خَانْ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْعَبْدُ لِلْعُرْفِ؛ وَلِأَنَّ الضَّرْبَ مِمَّا لَا يُمْلَكُ بِالْعَقْدِ، وَلَا يَلْزَمُ بِهِ فَانْصَرَفَ إلَى الْمَحَلِّ الْمَمْلُوكِ بِالتَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ عَلَى مَا بَيَّنَّا. قَوْلُهُ (فَإِنْ نَوَى غَيْرَهُ صُدِّقَ فِيمَا عَلَيْهِ) أَيْ فَإِنْ نَوَى غَيْرَ مَا هُوَ ظَاهِرٌ كَلَامُهُ صُدِّقَ فِيمَا فِيهِ تَشْدِيدٌ عَلَى نَفْسِهِ دِيَانَةً، وَقَضَاءً بِأَنْ بَاعَ ثَوْبًا مَمْلُوكًا لِلْمُخَاطَبِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَنَوَى بِالِاخْتِصَاصِ الْمِلْكَ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ، وَلَوْلَا نِيَّتَهُ لَمَا حَنِثَ أَوْ بَاعَ ثَوْبًا لِغَيْرِ الْمُخَاطَبِ بِأَمْرِ الْمُخَاطَبِ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ وَنَوَى الِاخْتِصَاصَ بِالْأَمْرِ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ، وَلَوْلَا نِيَّتُهُ لَمَا حَنِثَ؛ لِأَنَّهُ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ كَلَامُهُ بِالتَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ، وَلَيْسَ فِيهِ تَخْفِيفٌ فَيُصَدِّقُهُ الْقَاضِي أَيْضًا قُيِّدَ بِمَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ نَوَى مَا فِيهِ تَخْفِيفٌ كَعَكْسِ هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ دِيَانَةً؛ لِأَنَّهُ مُحْتَمِلٌ كَلَامَهُ، وَلَا يُصَدَّقُ قَضَاءً؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ، وَهُوَ مُتَّهَمٌ، وَقَدَّمْنَا أَنَّ هَذَا الْفَرْقَ بَيْنَ الدِّيَانَةِ وَالْقَضَاءِ لَا يَتَأَتَّى فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ لَا مُطَالِبَ لَهَا (قَوْلُهُ: إنْ بِعْته أَوْ ابْتَعْته فَهُوَ حُرٌّ فَعَقَدَ بِالْخِيَارِ) (حَنِثَ) لِوُجُودِ الشَّرْطِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَهُوَ الْبَيْعُ وَالْمِلْكُ فِيهِ قَائِمٌ فَيَنْزِلُ الْجَزَاءُ، وَكَذَا فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ قَدْ وُجِدَ الشَّرْطُ، وَهُوَ الشِّرَاءُ وَالْمِلْكُ قَائِمٌ فِيهِ، وَقَوْلُهُ عَقَدَ بِالْخِيَارِ أَيْ بَاعَ فِي الْأُولَى وَشَرَطَ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ وَاشْتَرَى فِي الثَّانِيَةِ وَشَرَطَ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ، وَكَوْنُ الْمِلْكِ مَوْجُودًا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُمْ اتَّفَقُوا أَنَّ الْبَائِعَ إذَا شَرَطَ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ لَا يَخْرُجُ الْمَبِيعُ عَنْ مِلْكِهِ، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَكَذَلِكَ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ مَمْلُوكٌ   [منحة الخالق] كَمَا عَلِمْت (قَوْلُهُ: وَذَكَرَ الْفَرْعَ الْمَذْكُورَ فِي الْخَانِيَّةِ) الْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَذْكُورِ، وَفَاعِلُ ذَكَرَ صَاحِبُ الْمُحِيطِ وَذَكَرَ فِي النَّهْرِ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ عَنْ ابْنِ سِمَاعَةَ خِلَافُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِيهِ لَوْ بَاعَ الْحَالِفُ ثَوْبًا لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَكِنَّهُ أَجَازَ الْبَيْعَ فَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَحْنَثُ، وَعَلَّلَهُ فِي الْمُحِيطِ بِأَنَّ الْإِجَازَةَ اللَّاحِقَةَ كَالْوَكَالَةِ السَّابِقَةِ، وَمَا فِي الْخَانِيَّةِ جَزَمَ بِهِ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَاَلَّذِي يَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا نَوَى بِالِاخْتِصَاصِ الْمِلْكَ عَلَى مَا سَيَأْتِي. اهـ. قَدْ عَلِمْت مِمَّا نَقَلْنَاهُ عَنْ شَرْحِ تَلْخِيصِ الْجَامِعِ التَّصْرِيحَ بِمَا يُؤَيِّدُ الْفَرْعَ الْمَذْكُورَ فِي الْخَانِيَّةِ مَعَ التَّصْرِيحِ بِقَوْلِهِ، وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَلَا يَصِحُّ الْحَمْلُ عَلَى نِيَّةِ الِاخْتِصَاصِ بِالْمِلْكِ. (قَوْلُهُ: وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى بَيْنَ أَنْ يَذْكُرَ الْمَفْعُولَ بِهِ أَوْ لَا) قَالَ فِي النَّهْرِ، وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ تَمَايُزَ الْأَقْسَامِ أَعْنِي تَارَةً تَدْخُلُ عَلَى الْفِعْلِ أَوْ عَلَى الْعَيْنِ إنَّمَا يَظْهَرُ بِالتَّصْرِيحِ بِالْمَفْعُولِ فَلَا جَرَمَ صَرَّحَ بِهِ. اهـ. أَقُولُ: أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الْمُدَّعَى عَدَمُ اشْتِرَاطٍ بِالتَّصْرِيحِ بِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَعْنِي إذَا دَخَلَتْ عَلَى الْفِعْلِ لَا مُطْلَقًا، وَادِّعَاءُ أَنَّ تَمَايُزَ الْأَقْسَامِ مُتَوَقِّفٌ عَلَى التَّصْرِيحِ بِهِ إنْ أُرِيدَ بِهِ مُطْلَقًا فَمَمْنُوعٌ، وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ فِيمَا إذَا دَخَلَتْ عَلَى الْعَيْنِ فَمُسَلَّمٌ، وَلَكِنَّ الْكَلَامَ لَيْسَ فِيهِ (قَوْلُهُ: وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ قَدْ أَمَرَهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ بِأَنْ يَفْعَلَهُ لِنَفْسِهِ) قَالَ فِي النَّهْرِ مُقْتَضَى التَّوْجِيهِ السَّابِقِ يَعْنِي تَوْجِيهَ كَوْنِهَا لِلتَّعْلِيلِ حِنْثُهُ حَيْثُ كَانَ الشِّرَاءُ لِأَجْلِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ أَمْرَهُ بِبَيْعِ مَالِ غَيْرِهِ مُوجِبٌ لِحِنْثِهِ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِكَوْنِهِ لَهُ (قَوْلُهُ: أَنَّ الْمُرَادَ بِالْغُلَامِ الْوَلَدُ) قَالَ فِي النَّهْرِ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ فِي تَغَيُّرِ الْغُلَامِ الْوَاقِعِ فِي كَلَامِهِمْ خِلَافًا لِمَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ النِّيَابَةَ وَالْكَلَامُ فِيمَا لَا يَحْمِلُهَا كَذَا فِي الْعِنَايَةِ (قَوْلُهُ: وَنَوَى بِالِاخْتِصَاصِ الْمِلْكَ) ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا مَرَّ عَنْ الْخَانِيَّةِ كَمَا أَشَرْنَا إلَيْهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 382 لِلْمُشْتَرِي عِنْدَهُمَا. وَأَمَّا عِنْدَ الْإِمَامِ فَلِأَنَّ هَذَا الْعِتْقَ بِتَعْلِيقِهِ وَالْمُعَلَّقُ كَالْمُنَجَّزِ، وَلَوْ نَجَّزَ الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ الْعِتْقَ يَثْبُتُ الْمِلْكُ سَابِقًا عَلَيْهِ فَكَذَا هَذَا، قَيَّدَ بِالْخِيَارِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَبِيعُهُ بِأَنْ قَالَ إنْ بِعْته فَهُوَ حُرٌّ فَبَاعَهُ بَيْعًا صَحِيحًا بِلَا خِيَارٍ لَا يَعْتِقُ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ وَسَيَأْتِي حُكْمُ الْفَاسِدِ وَالْبَاطِلِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ إذَا بَاعَهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ بَاتَ مِنْ جِهَتِهِ، وَكَذَا إذَا قَالَ إنْ اشْتَرَيْته فَهُوَ حُرٌّ فَاشْتَرَاهُ بِالْخِيَارِ لِلْبَائِعٍ لَا يَعْتِقُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ بَائِعِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الذَّخِيرَةِ وَسَوَاءٌ أَجَازَ الْبَائِعُ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يُجِزْ وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ إذَا أَجَازَ الْبَائِعُ الْبَيْعَ يَعْتِقُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ عِنْدَ الْإِجَازَةِ مُسْتَنِدٌ إلَى وَقْتِ الْعَقْدِ بِدَلِيلِ أَنَّ الزِّيَادَةَ الْحَادِثَةَ بَعْدَ الْعَقْدِ قَبْلَ الْإِجَازَةِ تَدْخُلُ فِي الْعَقْدِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ، وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ إنْ ابْتَعْته؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ إنْ مَلَكْته فَهُوَ حُرٌّ فَاشْتَرَاهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَا يَعْتِقُ عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ، وَهُوَ الْمِلْكُ لَمْ يُوجَدْ عِنْدَهُ لِعَدَمِ الْمِلْكِ عِنْدَهُ كَمَا عُرِفَ فِي بَابِهِ، وَقَيَّدَ بِالتَّعْلِيقِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ لَوْ كَانَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْمَبِيعِ فَإِنَّهُ لَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ إلَّا بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ عِنْدَ الْإِمَامِ لِعَدَمِ الْمِلْكِ فَإِنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ تَكَلُّمُهُ بِالْإِعْتَاقِ بَعْدَ الشِّرَاءِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ حَتَّى سَقَطَ خِيَارُهُ، وَإِنَّمَا يَعْتِقُ عَلَى الْقَرِيبِ بِحُكْمِ الْمِلْكِ، وَلَا مِلْكَ لِلْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ، وَالشَّارِعُ إنَّمَا عَلَّقَ عِتْقَهُ بِالْمِلْكِ لَا بِالشِّرَاءِ أَمَّا هُنَا فَالْإِيجَابُ الْمُعَلَّقُ صَارَ مُنَجَّزًا عِنْدَ الشَّرْطِ وَصَارَ قَائِلًا أَنْتَ حُرٌّ فَيَنْفَسِخُ الْخِيَارُ ضَرُورَةً كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. وَفِي الذَّخِيرَةِ إذَا قَالَ إنْ اشْتَرَيْت فُلَانًا فَهُوَ حُرٌّ فَاشْتَرَاهُ لِغَيْرِهِ هَلْ تَنْحَلُّ يَمِينُهُ لَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْكُتُبِ وَحُكِيَ عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي بَكْرٍ الْبَلْخِيّ أَنَّهُ قَالَ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ تَنْحَلُّ يَمِينُهُ، وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَا تَنْحَلُّ وَهُوَ الْأَشْبَهُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُرَادُ بِمِثْلِ هَذِهِ الْيَمِينِ عُرْفًا الشِّرَاءُ لِنَفْسِهِ لَا الشِّرَاءُ لِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ مِنْ جِهَةِ الْحَالِفِ لَا يَقَعُ إلَّا بِالشِّرَاءِ لِنَفْسِهِ وَصَارَ تَقْدِيرُ الْمَسْأَلَةِ كَأَنَّهُ قَالَ إنْ اشْتَرَيْتُك لِنَفْسِي فَأَنْتَ حُرٌّ، وَلَوْ صَرَّحَ بِذَلِكَ وَاشْتَرَاهُ لِغَيْرِهِ لَا تَنْحَلُّ يَمِينُهُ فَكَذَا هَذَا وَبِهَذَا الْحَرْفِ يَقَعُ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ اشْتَرَيْت غُلَامًا فَأَنْت طَالِقٌ فَاشْتَرَاهُ لِغَيْرِهِ أَنَّ الْيَمِينَ تَنْحَلُّ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ لَمْ يُوجَدْ مَا يَدُلُّ عَلَى إرَادَتِهِ الشِّرَاءَ لِنَفْسِهِ فَإِنَّ الطَّلَاقَ مِنْ قِبَلِهِ يَقَعُ عَلَى امْرَأَتِهِ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ أَمَّا هُنَا بِخِلَافِهِ. اهـ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ رَجُلٌ قَالَ لِأَمَتِهِ إنْ بِعْت مِنْك شَيْئًا فَأَنْت حُرَّةٌ ثُمَّ بَاعَهَا نِصْفَهَا مِنْ الزَّوْجِ الَّذِي وُلِدَتْ مِنْهُ أَوْ بَاعَ نِصْفَهَا مِنْ أَبِيهَا لَا يَقَعُ عِتْقُ الْمَوْلَى عَلَيْهَا بِالْيَمِينِ، وَلَوْ كَانَ الْبَيْعُ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ وَقَعَ عِتْقُ الْمَوْلَى عَلَيْهَا وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوِلَادَةَ مِنْ الزَّوْجِ وَالنَّسَبِ مِنْ الْأُمِّ مُقَدَّمٌ فَيَقَعُ مَا تَقَدَّمَ سَبَبُهُ أَوَّلًا، وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُهُ فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ وَكَذَا لَوْ قَالَ إنْ اشْتَرَيْت مِنْ هَذِهِ الْجَارِيَةِ شَيْئًا فَهِيَ مُدَبَّرَةٌ ثُمَّ اشْتَرَاهَا هُوَ وَزَوْجُهَا الَّذِي وُلِدَتْ مِنْهُ فَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ لِزَوْجِهَا، وَلَا يَقَعُ عَلَيْهَا تَدْبِيرُ الْمُشْتَرِي لِلْمَعْنَى الَّذِي أَشَرْنَا إلَيْهِ. اهـ. وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِ حَلَفَ بِعِتْقِ الْعَبْدِ الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ أَوْ عَلَّقَ طَلَاقَ زَوْجَتِهِ عَلَى الْبَيْعِ أَوْ عِتْقَ عَبْدِهِ عَلَى الْبَيْعِ فَبَاعَ بَيْعًا فِيهِ خِيَارٌ لِلْبَائِعٍ أَوْ لِلْمُشْتَرِي لَمْ يَحْنَثْ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَحَنِثَ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ قَالَ مُحَمَّدٌ سَمِعَتْ أَبَا يُوسُفَ قَالَ فِيمَنْ قَالَ إنْ اشْتَرَيْت هَذَا الْعَبْدَ فَهُوَ حُرٌّ فَاشْتَرَاهُ عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَمَضَتْ مُدَّةُ الثَّلَاثِ وَوَجَبَ الْبَيْعُ يَعْتِقُ، وَهُوَ عَلَى أَصْلِهِ صَحِيحٌ لِأَنَّ اسْمَ الْبَيْعِ عِنْدَهُ لَا يَتَنَاوَلُ الْبَيْعَ الْمَشْرُوطَ فِيهِ الْخِيَارُ فَلَا يَصِيرُ مُشْتَرِيًا بِنَفْسِ الْقَبُولِ بَلْ عِنْدَ سُقُوطِ الْخِيَارِ وَالْعَبْدِ فِي مِلْكِهِ عِنْدَ ذَلِكَ فَيَعْتِقُ وَذَكَرَ الْقَاضِي الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي الْبَيْعِ بِشَرْطِ خِيَارِ الْبَائِعِ أَوْ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ يَحْنَثُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْخِلَافَ، وَأَصْلٌ فِيهِ أَصْلًا وَهُوَ أَنَّ كُلَّ بَيْعٍ يُوجِبُ الْمِلْكَ أَوْ تَلْحَقُهُ الْإِجَازَةُ يَحْنَثُ بِهِ، وَمَا لَا فَلَا كَذَا فِي الْبَدَائِعِ. قَوْلُهُ (وَكَذَا بِالْفَاسِدِ وَالْمَوْقُوفِ لَا بِالْبَاطِلِ) أَيْ يَحْنَثُ إذَا عُقِدَ فَاسِدًا أَوْ مَوْقُوفًا فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَهُوَ مُجْمَلٌ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهِ أَمَّا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَهُوَ مَا إذَا قَالَ إنْ بِعْتُك فَأَنْت حُرٌّ   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 383 فَبَاعَهُ بَيْعًا فَاسِدًا فَإِنْ كَانَ فِي يَدِ الْبَائِعِ أَوْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي غَائِبًا عَنْهُ بِأَمَانَةٍ أَوْ رَهْنٍ يَعْتِقُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا مَضْمُونًا بِنَفْسِهِ لَا يَعْتِقُ؛ لِأَنَّهُ بِالْعَقْدِ زَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ، وَهِيَ مَا إذَا قَالَ إنْ اشْتَرَيْته فَهُوَ حُرٌّ فَاشْتَرَاهُ شِرَاءً فَاسِدًا فَإِنْ كَانَ فِي يَدِ الْبَائِعِ لَا يَعْتِقُ؛ لِأَنَّهُ عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ بَعْدُ، وَإِنْ كَانَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَكَانَ حَاضِرًا عِنْدَهُ، وَقْتَ الْعَقْدِ يَعْتِقُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ قَابِضًا لَهُ عَقِبَ الْعَقْدِ فَمَلَكَهُ، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا فِي بَيْتِهِ أَوْ نَحْوِهِ فَإِنْ كَانَ مَضْمُونًا بِنَفْسِهِ كَالْمَغْصُوبِ يَعْتِقُ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِنَفْسِ الشِّرَاءِ، وَإِنْ كَانَ أَمَانَةً أَوْ كَانَ مَضْمُونًا بِغَيْرِهِ كَالرَّهْنِ لَا يَعْتِقُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ قَابِضًا عَقِبَ الْعِتْقِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ، وَفِي الْمُحِيطِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لَوْ قَالَ إنْ اشْتَرَيْت عَبْدًا فَهُوَ حُرٌّ فَاشْتَرَى عَبْدًا شِرَاءً فَاسِدًا ثُمَّ تَتَارَكَا الْبَيْعَ ثُمَّ اشْتَرَاهُ شِرَاءً صَحِيحًا قَالَ لَا يَعْتِقُ؛ لِأَنَّهُ حَنِثَ فِي الشِّرَاءِ الْفَاسِدِ؛ لِأَنَّهُ شِرَاءٌ حَقِيقَةً فَانْحَلَّتْ الْيَمِينُ وَارْتَفَعَتْ بِخِلَافِ النِّكَاحِ. لَوْ حَلَفَ، وَقَالَ إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْت طَالِقٌ فَتَزَوَّجَهَا فَاسِدًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا صَحِيحًا طَلُقَتْ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ لَمْ تَنْحَلَّ بِالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنِكَاحٍ مُطْلَقٍ. اهـ. وَفِي الذَّخِيرَةِ حَلَفَ لَا يَبِيعُ فَبَاعَ بَيْعًا فَاسِدًا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ تَامٌّ لَيْسَ فِي الْمَحَلِّ مَا يُنَافِي انْعِقَادَهُ إلَّا أَنَّهُ تَرَاخَى حُكْمُهُ، وَهُوَ الْمِلْكُ، وَأَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى نُقْصَانٍ فِيهِ، وَكَذَا إذَا عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى الْمَاضِي بِأَنْ قَالَ إنْ كُنْت اشْتَرَيْت الْيَوْمَ أَوْ قَالَ إنْ كُنْت بِعْت الْيَوْمَ. اهـ. وَأَمَّا فِي الْمَوْقُوفِ فَصُورَتُهُ فِيمَا إذَا كَانَ الْحَالِفُ الْبَائِعَ أَنْ يَبِيعَهُ لِشَخْصٍ غَائِبٍ قَبِلَ عَنْهُ فُضُولِيٌّ فَيَعْتِقُ الْعَبْدُ عَلَى الْبَائِعِ لِوُجُودِ الشَّرْطِ، وَإِذَا كَانَ الْحَالِفُ الْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ إذَا اشْتَرَاهُ بِبَيْعِ الْفُضُولِيِّ لَهُ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ عِنْدَ إجَازَةِ الْبَائِعِ فَيَعْتِقُ الْعَبْدُ، وَفِي التَّبْيِينِ مَا يُخَالِفُهُ، وَأَمَّا إذَا حَلَفَ لَا يَشْتَرِي أَوْ لَا يَبِيعُ فَاشْتَرَى أَوْ بَاعَ مَوْقُوفًا فَإِنَّهُ يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ قَبْلَ الْإِجَازَةِ، وَأَمَّا بِالْعَقْدِ الْبَاطِلِ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِبَيْعٍ لِانْعِدَامِ مَعْنَاهُ، وَهُوَ مَا ذُكِرَ، وَلِانْعِدَامِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْهُ، وَهُوَ الْمِلْكُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ. وَفِي الْمُحِيطِ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي الْيَوْمَ شَيْئًا فَاشْتَرَى عَبْدًا بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ قَبَضَ أَوْ لَمْ يَقْبِضْ أَوْ اشْتَرَى عَيْنًا لَمْ يَأْمُرْهُ صَاحِبُهُ بِالْبَيْعِ حَنِثَ قَبْلَ إجَازَةِ صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا بَيْعٌ فَاسِدٌ وَالْبَيْعُ الْفَاسِدُ بَيْعٌ حَقِيقَةً لِمَا بَيَّنَّا، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى بِالدَّيْنِ لِأَنَّهُ مَالٌ، وَلَوْ اشْتَرَاهُ بِدَمٍ أَوْ مَيْتَةٍ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِبَيْعٍ لِعَدَمِ الْمَالِ بِخِلَافِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ؛ لِأَنَّهُمَا مَالٌ، وَلَوْ اشْتَرَى مُكَاتَبًا أَوْ مُدَبَّرًا أَوْ أُمَّ وَلَدٍ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ فِي الْمَحَلِّ مَا يُنَافِي التَّمْلِيكَ وَالتَّمَلُّكَ، وَهُوَ حَقُّ الْحُرِّيَّةِ فَلَا يَنْعَقِدُ الْعَقْدُ فِيهِ تَمْلِيكًا فَلَا يَتَحَقَّقُ بَيْعًا إلَّا أَنَّ فِي الْمُكَاتَبِ وَالْمُدَبَّرِ يَحْنَثُ إنْ أَجَازَ الْقَاضِي أَوْ الْمُكَاتَبُ؛ لِأَنَّ الْمُنَافِيَ زَالَ بِالْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ فَصْلٌ مُجْتَهَدٌ فِيهِ وَبِإِجَازَةِ الْمُكَاتَبِ انْفَسَخَتْ الْكِتَابَةُ فَارْتَفَعَ الْمُنَافِي فَتَمَّ الْعَقْدُ. اهـ. وَهَذَا إذَا اشْتَرَى هَذِهِ الْأَشْيَاءَ فَلَوْ اشْتَرَى بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ لَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ هَذَا الْفَصْلَ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ يَحْنَثُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَحْنَثُ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ إذَا حَلَفَ لَيَبِيعَنِّ هَذِهِ، وَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ لَهُ أَوْ هَذِهِ الْمَرْأَةُ الْحُرَّةُ أَوْ هَذَا الْحُرُّ الْمُسْلِمُ فَبَاعَهُمْ بَرَّ فِي يَمِينِهِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَفِي التَّبْيِينِ مَا يُخَالِفُهُ) الْمُخَالَفَةُ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ حَيْثُ صَرَّحَ فِيهَا بِأَنَّهُ يَحْنَثُ بِالشِّرَاءِ ثُمَّ قَالَ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَصِيرُ مُشْتَرِيًا عِنْدَ الْإِجَازَةِ كَالنِّكَاحِ وَنَقُولُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ النِّكَاحِ الْحِلُّ، وَلَمْ يَنْعَقِدْ الْمَوْقُوفُ لِإِفَادَتِهِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الْمِلْكُ دُونَ الْحِلِّ، وَلِهَذَا تُجَامِعُهُ الْحُرْمَةُ فَيَحْنَثُ فِيهِ وَقْتَ الْعَقْدِ، وَفِي النِّكَاحِ مِنْ وَقْتِ الْإِجَازَةِ. اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ مَا فِي التَّبْيِينِ قَوْلُ الثَّلَاثَةِ حَيْثُ جَعَلَ مُقَابِلَهُ رِوَايَةً عَنْ الثَّانِي قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ يَحْنَثُ بِالشِّرَاءِ أَنَّهُ إذَا أَجَازَ صَاحِبُ الْعَبْدِ الْبَيْعَ ظَهَرَ أَنَّ الْعَبْدَ عَتَقَ مِنْ وَقْتِ الشِّرَاءِ. اهـ. قُلْتُ: الظَّاهِرُ خِلَافُهُ بَلْ الظَّاهِرُ حِنْثُهُ بِنَفْسِ الشِّرَاءِ قَبْلَ الْإِجَازَةِ، وَفِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ وَيَحْنَثُ بِالشِّرَاءِ مِنْ فُضُولِيٍّ أَوْ بِخَمْرٍ أَوْ بِشَرْطِ الْخِيَارِ إذْ الذَّاتُ لَا تَخْتَلُّ لِخَلَلٍ فِي الصِّفَةِ قَالَ شَارِحُهُ الْفَارِسِيُّ حَنِثَ لِوُجُودِ شَرْطِ الْحِنْثِ، وَهُوَ ذَاتُ الْبَيْعِ بِوُجُودِ رُكْنِهِ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ، وَإِنْ لَمْ يَفِدْ الْمِلْكَ فِي الْحَالِ لِمَانِعٍ، وَهُوَ دَفْعُ الضَّرَرِ عَنْ الْمَالِكِ فِي الْأَوَّلِ وَاتِّصَالُ الْمُفْسِدِ بِهِ فِي الثَّانِي وَالْخِيَارُ فِي الثَّالِثِ وَإِفَادَةُ الْمِلْكِ فِي الْحَالِ صِفَةُ الْبَيْعِ لَا ذَاتِهِ فَإِنَّ الْعَرَبَ وَضَعَتْ لَفْظَ الْبَيْعِ لِمُبَادَلَةِ الْمَالِ بِالْمَالِ مَعَ أَنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ الْأَحْكَامَ، وَلَا الصَّحِيحَ وَالْفَاسِدَ، وَمَتَى وُجِدْت الذَّاتُ لَا تَخْتَلُّ لِخَلَلٍ وُجِدَ فِي الصِّفَاتِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِالْفَاسِدِ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا إذَا حَلَفَ لَا يَشْتَرِي أَوْ لَا يَبِيعُ) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ يَعْنِي إذَا كَانَتْ يَمِينُهُ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَوْ بِالطَّلَاقِ بِأَنَّ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَبِيعُ أَوْ لَا أَشْتَرِي أَوْ قَالَ امْرَأَتِي طَالِقٌ إنْ بِعْت أَوْ اشْتَرَيْت فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِمُجَرَّدِ الْبَيْعِ أَوْ الشِّرَاءِ. اهـ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا مِنْ مَا فِي قَوْلِهِ وَفِي التَّبْيِينِ مَا يُخَالِفُهُ فَهُوَ نَقْلٌ لِمَا فِي التَّبْيِينِ بِالْمَعْنَى لَا بِاللَّفْظِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ) كَذَا وُجِدَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَفِي بَعْضِهَا، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى بِالدَّمِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: وَلَوْ اشْتَرَاهُ إلَخْ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ تَحْرِيفِ النُّسَّاخِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 384 عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي الْحُرِّ الْمُسْلِمِ كَذَلِكَ فَأَمَّا فِي أُمِّ الْوَلَدِ وَالْحُرَّةِ فَالْيَمِينُ عَلَى الْحَقِيقَةِ. اهـ. وَقَيَّدَ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ هَذِهِ الْمَرْأَةُ فَهُوَ عَلَى الصَّحِيحِ دُونَ الْفَاسِدِ حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَهَا نِكَاحًا فَاسِدًا لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ النِّكَاحِ الْحِلُّ، وَلَا يَثْبُتُ بِالْفَاسِدِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ الْمَقْصُودِ مِنْهُ الْمِلْكُ فَإِنَّهُ يَحْصُلُ بِالْفَاسِدِ، وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي وَلَا يَصُومُ هُوَ عَلَى الصَّحِيحِ حَتَّى لَوْ صَلَّى بِغَيْرِ طَهَارَةٍ أَوْ صَامَ بِغَيْرِ نِيَّةٍ لَا يَحْنَثُ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ فِي الْمَاضِي بِأَنْ قَالَ إنْ كُنْت تَزَوَّجْت أَوْ صَلَّيْت أَوْ صُمْت فَهُوَ عَلَى الصَّحِيحِ وَالْفَاسِدِ؛ لِأَنَّ الْمَاضِيَ لَا يُقْصَدُ بِهِ الْحِلُّ وَالتَّقَرُّبُ، وَإِنَّمَا يُقْصَدُ بِهِ الْإِخْبَارُ عَنْ الْمُسَمَّى بِذَلِكَ فَإِنْ عَنَى بِهِ الصَّحِيحَ دِينَ فِي الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ النِّكَاحُ الْمَعْنَوِيُّ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ، وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَهَبُ فَوَهَبَ هِبَةً غَيْرَ مَقْسُومَةٍ حَنِثَ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ فَعُلِمَ أَنَّ فَاسِدَ الْهِبَةِ كَصَحِيحِهَا، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْإِجَارَةَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا بَيْعٌ. قَوْلُهُ (إنْ لَمْ أَبِعْ فَكَذَا فَأَعْتَقَ أَوْ دَبَّرَ حَنِثَ) يَعْنِي لَوْ قَالَ إنْ لَمْ أَبِعْ هَذَا الْعَبْدَ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ فَأَعْتَقَهُ أَوْ دَبَّرَهُ فَإِنَّهُ يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ قَدْ تَحَقَّقَ، وَهُوَ عَدَمُ الْبَيْعِ لِفَوَاتِ الْمَحَلِّيَّةِ، وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ مَنْعَ وُقُوعِ الْيَأْسِ فِي الْعِتْقِ مُطْلَقًا بَلْ فِي الْعَبْدِ أَمَّا فِي الْأَمَةِ فَجَازَ أَنْ تَرْتَدَّ بَعْدَ الْعِتْقِ فَتُسْبَى فَيَمْلِكُهَا هَذَا الْحَالِفُ فَيَعْتِقُهَا، وَفِي التَّدْبِيرِ مُطْلَقًا لِجَوَازِ أَنْ يَقْضِيَ الْقَاضِي بِبَيْعِ الْمُدَبَّرِ أُجِيبَ بِأَنَّ مِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ لَا تَطْلُقُ لِهَذَا الِاحْتِمَالِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا تَطْلُقُ؛ لِأَنَّ مَا فُرِضَ مِنْ الْأُمُورِ الْمَوْهُومَةِ الْوُقُوعِ فَلَا تُعْتَبَرُ؛ لِأَنَّ الْحَلِفَ عَلَى بَيْعِ هَذَا الْمِلْكِ لَا كُلِّ مِلْكٍ وَأُجِيبَ أَيْضًا عَنْ الْمُدَبَّرِ أَنَّ بَيْعَهُ بَيْعُ قِنٍّ لِانْفِسَاخِ التَّدْبِيرِ بِالْقَضَاءِ فَيَعْتِقُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْعَبْدِ ذِمِّيًّا أَوْ مُسْلِمًا فَيَجْرِي اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ فِيهِ وَالتَّصْحِيحُ. وَأَشَارَ بِالتَّدْبِيرِ إلَى أَنَّ الِاسْتِيلَادَ كَذَلِكَ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ وَالْمُرَادُ بِالتَّدْبِيرِ الْمُطْلَقُ مِنْهُ، وَلَا يَحْنَثُ بِالْمُقَيَّدِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَيَنْبَغِي أَنَّهُ إذَا قَالَ إنْ لَمْ أَبِعْك فَأَنْتَ حُرٌّ فَدَبَّرَهُ تَدْبِيرًا مُطْلَقًا أَنْ يَعْتِقَ لِوُجُودِ الشَّرْطِ كَمَا ذَكَرُوهُ، وَكَذَا لَوْ اسْتَوْلَدَهَا، وَأَمَّا إذَا قَالَ إنْ لَمْ أَبِعْك فَأَنْت حُرٌّ فَأَعْتَقَهُ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ التَّعْلِيقُ؛ لِأَنَّ تَنْجِيزَ الْعِتْقِ يَبْطُلُ تَعْلِيقُهُ كَتَنْجِيزِ الثَّلَاثِ يَبْطُلُ تَعْلِيقُهُ وَيَتَفَرَّعُ عَلَى الْحِنْثِ لِفَوَاتِ الْمَحَلِّ فَرْعَانِ فِي الْقَاسِمِيَّةِ الْأُوَلُ لَوْ قَالَ لَهَا إنْ لَمْ تَضَعِي هَذَا فِي هَذَا الصَّحْنِ فَأَنْت طَالِقٌ فَكَسَرْته وَقَعَ الطَّلَاقُ الثَّانِي، وَعَزَاهُ إلَى الذَّخِيرَةِ لَوْ قَالَ لَهَا إنْ لَمْ تَذْهَبِي فَتَأْتِي بِهَذَا الْحَمَامِ فَأَنْت طَالِقٌ فَطَارَ الْحَمَامُ وَقَعَ الطَّلَاقُ. اهـ. (قَوْلُه ُ: قَالَتْ تَزَوَّجْت عَلَيَّ فَقَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ لِي طَالِقٌ طَلُقَتْ الْمُحَلِّفَةُ) بِكَسْرِ اللَّامِ أَيْ الْمَرْأَةُ الَّتِي دَعَتْهُ إلَى الْحَلِفِ، وَكَانَتْ سَبَبًا فِيهِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ؛ لِأَنَّهُ أَخْرَجَهُ جَوَابًا فَيَنْطَبِقُ عَلَيْهِ؛ وَلِأَنَّ غَرَضَهُ إرْضَاؤُهَا، وَهُوَ بِطَلَاقِ غَيْرِهَا فَيَتَقَيَّدُ بِهِ وَجْهُ الظَّاهِرِ عُمُومُ الْكَلَامِ، وَقَدْ زَادَ عَلَى حَرْفِ الْجَوَابِ فَيُجْعَلُ مُبْتَدِئًا، وَقَدْ يَكُونُ غَرَضُهُ إيحَاشَهَا حِينَ اعْتَرَضَتْ عَلَيْهِ فِيمَا أَحَلَّهُ الشَّرْعُ وَمَعَ التَّرَدُّدِ لَا يَصْلُحُ مُقَيَّدًا، وَلَوْ نَوَى غَيْرَهَا يَصْدُقُ دِيَانَةً لَا قَضَاءً؛ لِأَنَّهُ تَخْصِيصُ الْعَامِّ وَاخْتَارَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ، وَكَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ رِوَايَةَ أَبِي يُوسُفَ، وَفِي جَامِعِ قَاضِي خَانْ وَبِهِ أَخَذَ مَشَايِخُنَا وَذَكَرَ فِي الْغَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الذَّخِيرَةِ الْأَوْلَى تَحْكِيمُ الْحَالِ إنْ كَانَ قَدْ جَرَى بَيْنَهُمَا مُشَاجَرَةً وَخُصُومَةً تَدُلُّ عَلَى غَصْبِهِ يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا أَيْضًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَا يَقَعُ. اهـ. وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ رَجُلٌ قِيلَ لَهُ أَلَكَ امْرَأَةٌ غَيْرُ هَذِهِ الْمَرْأَةِ فَقَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ لِي فَهِيَ طَالِقٌ لَا تَطْلُقُ هَذِهِ الْمَرْأَةُ فَرَّقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا إذَا قَالَتْ الْمَرْأَةُ لِزَوْجِهَا إنَّك تُرِيدُ أَنْ تَتَزَوَّجَ عَلَيَّ امْرَأَةً أُخْرَى فَقَالَ إنْ تَزَوَّجْت امْرَأَةٌ فَهِيَ طَالِقٌ حَيْثُ تَطْلُقُ هَذِهِ الْمَرْأَةُ إذَا أَبَانَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا وَالْفَرْقُ هُوَ قَوْلُ الزَّوْجِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ فَإِنَّمَا يَدْخُلُ تَحْتَ قَوْلِهِ مَا يَحْتَمِلُ الدُّخُولَ تَحْتَ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ فَقَوْلُهَا إنَّك تَزَوَّجْت عَلَيَّ امْرَأَةً اسْمُ الْمَرْأَةِ يَتَنَاوَلُهَا كَمَا يَتَنَاوَلُ غَيْرَهَا أَمَّا هُنَا قَوْلُهُ: غَيْرُ هَذِهِ الْمَرْأَةِ لَا يَحْتَمِلُ هَذِهِ الْمَرْأَةَ فَلَا تَدْخُلُ تَحْتَ قَوْلِهِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ النَّكِرَةَ تَدْخُلُ تَحْتَ النَّكِرَةِ وَالْمَعْرِفَةُ لَا تَدْخُلُ   [منحة الخالق] [قَالَ إنْ لَمْ أَبِعْ هَذَا الْعَبْدَ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ فَأَعْتَقَهُ] (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ الْحَلِفَ عَلَى بَيْعِ هَذَا الْمِلْكِ) الظَّاهِرُ الْإِتْيَانُ بِالْوَاوِ لِيَكُونَ جَوَابًا ثَانِيًا وَتَأَمَّلْ فِي قَوْلِهِ وَأُجِيبَ أَيْضًا عَنْ الْمُدَبَّرِ إلَخْ فَإِنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ لَنَا فَإِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ جَوَابٌ آخَرُ غَيْرُ مَا قَبْلَهُ، وَفِيهِ أَنَّ الْيَمِينَ فِي قَوْلِهِ إنْ لَمْ أَبِعْ هَذَا الْعَبْدَ عُقِدَتْ عَلَى بَيْعِ الْقِنِّ وَبَعْدَ الِانْفِسَاخِ عَادَ قِنًّا كَمَا كَانَ ثُمَّ رَأَيْت فِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَوْضَحَ الْجَوَابِ فَقَالَ؛ لِأَنَّ جَوَازَ الْبَيْعِ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ فَسْخِ التَّدْبِيرِ لَا قَبْلَهُ، وَقَبْلَ الْفَسْخِ هُوَ مُدَبَّرٌ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ فَلَمَّا لَمْ يَحْتَمِلْ الْبَيْعَ حِينَئِذٍ وُجِدَ الشَّرْطُ فَنَزَلَ الْجَزَاءُ ثُمَّ إذَا حَصَلَ الْفَسْخُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَرْتَفِعُ الطَّلَاقُ الْوَاقِعُ. اهـ. ثُمَّ كَانَ الظَّاهِرُ إبْدَالُ قَوْلِهِ فَيَعْتِقُ بِقَوْلِهِ فَتَطْلُقُ إلَّا أَنْ يُصَوَّرَ بِأَنَّ الْيَمِينَ عَلَى عِتْقِ عَبْدٍ آخَرَ لَا عَلَى طَلَاقِ امْرَأَتِهِ ثُمَّ رَأَيْت فِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَيْضًا ذِكْرَ الْجَوَابِ الْأَوَّلِ وَجَعْلَهُ جَوَابَيْنِ حَيْثُ قَالَ أَوْ نَقُولُ إنَّ الْحَالِفَ عَقَدَ يَمِينَهُ إلَخْ (قَوْلُهُ: فَطَارَ الْحَمَامُ وَقَعَ الطَّلَاقُ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 385 تَحْتَ النَّكِرَةِ إلَّا فِي الْعَلَمِ وَبَيَانُهُ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ قَالَ إنْ دَخَلَ دَارِي هَذِهِ أَحَدٌ فَكَذَا فَدَخَلَ الْحَالِفُ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَحَدٌ نَكِرَةٌ وَالْحَالِفُ مَعْرِفَةٌ بِيَاءِ الْإِضَافَةِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ إنْ دَخَلَ دَارَك هَذِهِ أَحَدٌ فَكَذَا فَفَعَلَهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ لَمْ يَحْنَثْ الْحَالِفُ؛ لِأَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ مَعْرِفَةٌ بِكَافِ الْخِطَابِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ إنْ أَلْبَسْت هَذَا الْقَمِيصَ أَحَدًا فَكَذَا فَلَبَّسَهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ لَمْ يَحْنَثْ لِكَوْنِهِ مَعْرِفَةً بِالتَّاءِ الَّتِي لِلْمُخَاطَبِ، وَإِنْ أَلْبَسَهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ الْحَالِفَ حَنِثَ؛ لِأَنَّ الْحَالِفَ نَكِرَةٌ فَيَدْخُلُ تَحْتَ النَّكِرَةِ وَلَوْ قَالَ إنْ مَسَّ هَذَا الرَّأْسَ أَحَدٌ، وَأَشَارَ إلَى رَأْسِهِ لَمْ يَدْخُلْ الْحَالِفُ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يُضِفْهُ إلَى نَفْسِهِ بِيَاءِ الْإِضَافَةِ؛ لِأَنَّ رَأْسَهُ مُتَّصِلٌ بِهِ خِلْقَةً فَكَانَ أَقْوَى مِنْ إضَافَتِهِ إلَى نَفْسِهِ بِيَاءِ الْإِضَافَةِ، وَلَوْ قَالَ إنْ كَلَّمَ غُلَامُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَحَدًا فَعَبْدِي حُرٌّ فَكَلَّمَ الْحَالِفَ، وَهُوَ غُلَامُ الْحَالِفِ وَاسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَنِثَ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ الْعِلْمِ فِي مَوْضِعِ النَّكِرَةِ فَلَمْ يَخْرُجْ الْحَالِفُ عَنْ عُمُومِ النَّكِرَةِ. اهـ. وَتَمَامُ تَعْرِيفَاتِهِ فِي الذَّخِيرَةِ. (قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْيِ إلَى بَيْتِ اللَّهِ أَوْ إلَى الْكَعْبَةِ حَجَّ أَوْ اعْتَمَرَ مَاشِيًا فَإِنْ رَكِبَ أَرَاقَ دَمًا بِخِلَافِ الْخُرُوجِ أَوْ الذَّهَابِ إلَى بَيْتِ اللَّهِ أَوْ الْمَشْيِ إلَى الْحَرَمِ أَوْ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ) لِمَا قَدَّمْنَا فِي بَابِ الْهَدْيِ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ، وَالْفَارِقُ الْعُرْفُ، وَعَدَمُهُ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ فِي الْكَعْبَةِ أَوْ غَيْرِهَا كَمَا فِي الْهِدَايَةِ؛ لِأَنَّ إيجَابَ أَحَدِ النُّسُكَيْنِ لَيْسَ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مَدْلُولُ اللَّفْظِ وَلَا يَسْتَلْزِمُهُ، وَلَا بِاعْتِبَارِ الْحُكْمِ بِذَلِكَ مَجَازًا، وَلَا بِالنَّظَرِ إلَى الْغَالِبِ بَلْ؛ لِأَنَّهُ تُعُورِفَ إيجَابُ أَحَدِ النُّسُكَيْنِ بِهِ فَصَارَ مَجَازًا لُغَوِيًّا حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً مِثْلُ قَوْلِهِ عَلَيَّ حَجَّةٌ أَوْ عُمْرَةٌ مَاشِيًا وَتَمَامُهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَقَدْ قَدَّمَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ لَا يَرْكَبُ حَتَّى يَطُوفَ لِلرُّكْنِ فَيَلْزَمُهُ الْمَشْيُ مِنْ بَيْتِهِ لَا مِنْ حَيْثُ يَحْرُمُ فَإِنْ كَانَ النَّاذِرُ فِي مَكَّةَ، وَأَرَادَ أَنْ يَجْعَلَ النُّسُكَ الَّذِي لَزِمَهُ حَجًّا فَإِنَّهُ يُحَرِّمُ مِنْ الْحَرَمِ وَيَخْرُجُ إلَى عَرَفَاتٍ مَاشِيًا إلَى أَنْ يَطُوفَ لِلرُّكْنِ، وَإِنْ أَرَادَ إسْقَاطَهُ بِعُمْرَةٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَخْرُجَ إلَى الْحِلِّ فَيُحْرِمُ مِنْهُ وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ فِي ذَهَابِهِ إلَى الْحِلِّ أَوْ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا بَعْدَ رُجُوعِهِ مِنْهُ مُحْرِمًا وَالْوَجْهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ لِمَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ مِنْ بَلْدَتِهِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ مُحْرِمًا مِنْهَا بَلْ هُوَ ذَاهِبٌ إلَى مَحَلِّ الْإِحْرَامِ فَيُحْرِمُ مِنْهُ أَعْنِي الْمَوَاقِيتَ فِي الْأَصَحِّ لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَوْ أَنَّ بَغْدَادِيًّا قَالَ إلَى آخِرِهِ، وَإِنَّمَا لَزِمَهُ دَمٌ بِرُكُوبِهِ؛ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ نَقْصًا فِيهِ وَمِثْلُ الْخُرُوجِ السَّفَرُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ تَعَالَى، وَكَذَا الشَّدُّ وَالْهَرْوَلَةُ وَالسَّعْيُ إلَى مَكَّةَ، وَقَيَّدَ بِالْمَشْيِ إلَى بَيْتِ اللَّهِ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى أَسْتَارِ الْكَعْبَةِ أَوْ بَابِ الْكَعْبَةِ أَوْ مِيزَابِهَا أَوْ أُسْطُوَانَةِ الْبَيْتِ أَوْ إلَى عَرَفَاتٍ، وَمُزْدَلِفَةَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَمَسْأَلَةُ الْمَشْيِ إلَى الْحَرَمِ قَوْلُهُ: وَقَالَا يَلْزَمُهُ أَحَدُ النُّسُكَيْنِ وَالْوَجْهُ فِي ذَلِكَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُ تُعُورِفَ بَعْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إيجَابُ النُّسُكِ بِهِ فَقَالَا بِهِ كَمَا تُعُورِفَ بِالْمَشْيِ إلَى الْكَعْبَةِ فَيَرْتَفِعُ الْخِلَافُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. (قَوْلُهُ: عَبْدُهُ حُرٌّ إنْ لَمْ يَحُجَّ الْعَامَ فَشَهِدَا بِنَحْرِهِ بِالْكُوفَةِ لَمْ يَعْتِقْ) ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَعْتِقُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ شَهَادَةٌ قَامَتْ عَلَى أَمْرٍ مَعْلُومٍ، وَهُوَ التَّضْحِيَةُ، وَمِنْ ضَرُورَتِهِ انْتِفَاءُ الْحَجِّ فَتَحَقَّقَ الشَّرْطُ، وَلَهُمَا أَنَّهَا قَامَتْ عَلَى النَّفْيِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا نَفْيُ الْحَجِّ لَا إثْبَاتُ التَّضْحِيَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا مُطَالِبَ لَهَا فَصَارَ كَمَا إذَا شَهِدُوا أَنَّهُ لَمْ يَحُجَّ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ هَذَا النَّفْيَ مِمَّا يُحِيطُ بِهِ عِلْمُ الشَّاهِدِ وَلَكِنَّهُ لَا يُمَيِّزُ بَيْنَ نَفْيٍ وَنَفْيٍ تَيْسِيرًا كَذَا فِي الْهِدَايَةِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا يَفْصِلُ فِي النَّفْيِ بَيْنَ أَنْ يُحِيطَ بِهِ عِلْمُ الشَّاهِدِ فَتُقْبَلُ الشَّهَادَةُ بِهِ أَوْ لَا فَلَا بَلْ لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَى النَّفْيِ مُطْلَقًا، وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ شَهِدَ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ قَالَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ، وَلَمْ يَقُلْ قَوْلُ النَّصَارَى وَالرَّجُلُ يَقُولُ وَصَلْت بِهِ ذَلِكَ قُبِلَتْ هَذِهِ الشَّهَادَةُ وَبَانَتْ امْرَأَتُهُ، وَلَيْسَ هُوَ إلَّا؛ لِأَنَّهُ أَحَاطَ بِهِ عِلْمُ الشَّاهِدِ؛ لِأَنَّا نَقُول إنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى أَمْرٍ وُجُودِيٍّ، وَهُوَ السُّكُوتُ؛ لِأَنَّهُ انْضِمَامُ الشَّفَتَيْنِ فَصَارَ كَشُهُودِ الْإِرْثِ إذَا قَالُوا نَشْهَدُ إنَّهُ وَارِثُهُ لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ حَيْثُ يُعْطَى كُلَّ التَّرِكَةِ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى الْإِرْثِ، وَالنَّفْيُ   [منحة الخالق] قَالَ فِي النَّهْرِ، وَكَانَ ذَلِكَ يَمِينُ الْفَوْرِ، وَإِلَّا فَعَوْدُ الْحَمَامِ بَعْدَ الطَّيَرَانِ مُمْكِنٌ عَقْلًا، وَعَادَةً فَتَدَبَّرْهُ. [قَالَتْ تَزَوَّجْت عَلَيَّ فَقَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ لِي طَالِقٌ] (قَوْلُهُ: إنْ كَلَّمَ غُلَامُ عَبْدِ اللَّهِ) غُلَامُ فَاعِلُ كَلَّمَ وَاحِدًا مَفْعُولُهُ وَضَمِيرُ كَلَّمَ عَائِدٌ عَلَى غُلَامٍ وَالْحَالِفُ مَفْعُولُهُ، وَقَوْلُهُ وَهُوَ عَائِدٌ عَلَى مَا عَادَ عَلَيْهِ ضَمِيرُ كَلَّمَ وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ وَاسْمُهُ عَائِدٌ عَلَى الْحَالِفِ، وَفِي غَالِبِ النُّسَخِ بِرَفْعِ أَحَدٍ، وَلَا يَظْهَرُ وَجْهُهَا إلَّا عَلَى حَذْفِ الضَّمِيرِ الْمُنْفَصِلِ فِي قَوْلِهِ، وَهُوَ غُلَامُ الْحَالِفِ. [قَوْلُهُ عَلَى الْمَشْيِ إلَى بَيْتِ اللَّهِ أَوْ إلَى الْكَعْبَةِ] (قَوْلُهُ: لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إلَخْ) الْفَرْعُ عَلَى مَا فِي الْفَتْحِ لَوْ أَنَّ بَغْدَادِيًّا قَالَ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَعَلَيَّ أَنْ أَحُجَّ مَاشِيًا فَلَقِيَهُ بِالْكُوفَةِ فَكَلَّمَهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَمْشِيَ مِنْ بَغْدَادَ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 386 فِي ضِمْنِهِ وَالْإِرْثُ مِمَّا يَدْخُلُ تَحْتَ الْقَضَاءِ بِخِلَافِ النَّحْرِ، وَأَمَّا مَا فِي الْمَبْسُوطِ مَنْ أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى النَّفْيِ تُقْبَلُ فِي الشُّرُوطِ حَتَّى لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ لَمْ تَدْخُلْ الدَّارَ الْيَوْمَ فَأَنْت حُرٌّ فَشَهِدَا أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْهَا قُبِلَتْ وَيُقْضَى بِعِتْقِهِ وَمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ قَبِيلِ الشُّرُوطِ فَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهَا قَامَتْ بِأَمْرٍ ثَابِتٍ مُعَايَنٍ، وَهُوَ كَوْنُهُ خَارِجًا فَيَثْبُتُ النَّفْيُ ضِمْنًا وَتَعَقَّبَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهُ يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ الْعَبْدَ كَمَا لَا حَقَّ لَهُ فِي التَّضْحِيَةِ إذَا لَمْ تَكُنْ هِيَ شَرْطُ الْعِتْقِ فَلَمْ تَصِحَّ الشَّهَادَةُ بِهَا كَذَلِكَ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْخُرُوجِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ الشَّرْطَ بَلْ عَدَمُ الدُّخُولِ كَعَدَمِ الْحَجِّ فِي مَسْأَلَتِنَا فَلَمَّا كَانَ الْمَشْهُودُ بِهِ مِمَّا هُوَ وَجُودِيٌّ مُتَضَمِّنٌ لِلْمُدَّعَى بِهِ مِنْ النَّفْيِ الْمَجْعُولِ شَرْطًا قُبِلَتْ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُدَّعًى بِهِ لِتَضَمُّنِهِ الْمُدَّعَى بِهِ كَذَلِكَ يَجِبُ قَبُولُ شَهَادَةِ التَّضْحِيَةِ الْمُتَضَمَّنَةِ لِنَفْيِ الْمُدَّعَى بِهِ فَقَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَوْجَهٌ. اهـ. فَإِنْ قُلْتُ: إنَّ عَدَمَ الدُّخُولِ هُوَ الْخُرُوجُ لِأَنَّهُ لَا وَاسِطَةَ فَلَهُ حَقُّ الْخُرُوجِ قُلْتُ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ الْخُرُوجُ؛ لِأَنَّهُ الِانْفِصَالُ مِنْ الدَّاخِلِ إلَى الْخَارِجِ فَإِنْ كَانَ خَارِجًا وَقْتَ الْيَمِينِ وَاسْتَمَرَّ صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ، وَلَمْ يَخْرُجْ؛ لِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَخْرُجُ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ، وَهُوَ خَارِجُهَا لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَدْخُلَ ثُمَّ يَخْرُجَ كَمَا قَدَّمْنَا فَلَيْسَ عَدَمُ الدُّخُولِ هُوَ الْخُرُوجُ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى النَّفْيِ الْمَقْصُودِ لَا تُقْبَلُ سَوَاءٌ كَانَ نَفْيًا صُورَةً أَوْ مَعْنًى سَوَاءٌ أَحَاطَ بِهِ عِلْمُ الشَّاهِدِ أَوْ لَا وَسَيَأْتِي تَفَارِيعُهُ فِي الشَّهَادَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَوْلُهُ (وَحَنِثَ فِي لَا يَصُومُ بِصَوْمِ سَاعَةٍ بِنِيَّةٍ، وَفَّى صَوْمًا أَوْ يَوْمًا بِيَوْمٍ) لِوُجُودِ الشَّرْطِ فِي الْأَوَّلِ بِإِمْسَاكٍ سَاعَةً إذْ الصَّوْمُ هُوَ الْإِمْسَاكُ عَنْ الْمُفْطِرَاتِ عَلَى قَصْدِ التَّقَرُّبِ، وَأَمَّا إذَا حَلَفَ لَا يَصُومُ صَوْمًا أَوْ لَا يَصُومُ يَوْمًا فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِإِمْسَاكٍ سَاعَةً؛ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ الصَّوْمُ التَّامُّ الْمُعْتَبَرُ شَرْعًا وَذَلِكَ بِإِنْهَائِهِ إلَى آخَرِ الْيَوْمِ وَالْيَوْمُ صَرِيحٌ فِي تَقْدِيرِ الْمُدَّةِ بِهِ، وَلَا يُقَالُ الْمَصْدَرُ مَذْكُورٌ بِذِكْرِ الْفِعْلِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ حَلِفِهِ لَا يَصُومُ، وَلَا يَصُومُ صَوْمًا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْنَثَ فِي الْأَوَّلِ إلَّا بِيَوْمٍ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الثَّابِتُ فِي ضِمْنِ الْفِعْلِ ضَرُورِيٌّ لَا يَظْهَرُ أَثَرُهُ فِي غَيْرِ تَحْقِيقِ الْفِعْلِ بِخِلَافِ الصَّرِيحِ؛ لِأَنَّهُ اخْتِيَارِيٌّ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ حُكْمُ الْمُطْلَقِ فَيُوجِبُ الْكَمَالَ قَيَّدَ بِيَوْمٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَيَصُومُ مِنْ هَذَا الْيَوْمِ، وَكَانَ بَعْدَ أَنْ أَكَلَ أَوْ بَعْدَ الزَّوَالَ صَحَّتْ الْيَمِينُ وَطَلُقَتْ فِي الْحَالِ مَعَ أَنَّهُ مَقْرُونٌ بِذِكْرِ الْيَوْمِ، وَلَا كَمَالَ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ تَعْتَمِدُ التَّصَوُّرَ، وَالصَّوْمُ بَعْدَ الزَّوَالِ وَالْأَكْلُ مُتَصَوَّرٌ كَمَا فِي صُورَةِ النَّاسِي، وَهُوَ كَمَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ لَمْ تُصَلِّ الْيَوْمَ فَأَنْت طَالِقٌ فَحَاضَتْ مِنْ سَاعَتِهَا أَوْ بَعْدَمَا صَلَّتْ رَكْعَةً صَحَّتْ الْيَمِينُ وَطَلُقَتْ لِلْحَالِ؛ لِأَنَّ دَوْرَ الدَّمِ لَا يَمْنَعُ كَمَا فِي الِاسْتِحَاضَةِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْكُوزِ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ الْفِعْلِ، وَهُوَ الْمَاءُ غَيْرُ قَائِمٍ أَصْلًا فَلَا يُتَصَوَّرُ بِوَجْهٍ وَاسْتَشْكَلَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ عَلَى قَوْل أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ التَّصَوُّرَ شَرْعًا مُنْتَفٍ، وَكَوْنُهُ مُمْكِنًا فِي صُورَةٍ أُخْرَى، وَهِيَ صُورَةُ النِّسْيَانِ وَالِاسْتِحَاضَةِ لَا يُفِيدُ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ كَانَ فِي صُورَةِ الْحَلِفِ مُسْتَحِيلًا شَرْعًا لَا يُتَصَوَّرُ الْفِعْلُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْلِفْ إلَّا عَلَى الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ الشَّرْعِيِّينَ أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فَظَاهِرٌ أَنَّهُمَا يَنْعَقِدَانِ ثُمَّ يَحْنَثُ. وَاعْلَمْ أَنَّ التُّمُرْتَاشِيَّ ذَكَرَ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَصُومُ فَهُوَ عَلَى الْجَائِزِ؛ لِأَنَّهُ لِتَعْظِيمِ اللَّهِ تَعَالَى وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ بِالْفَاسِدِ إلَّا إذَا كَانَتْ الْيَمِينُ فِي الْمَاضِي وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُشْكِلُ عَلَى مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ فَإِنَّهُ حَنَّثَهُ بَعْدَمَا قَالَ ثُمَّ أَفْطَرَ مِنْ يَوْمِهِ لَكِنْ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ أَصَحُّ؛ لِأَنَّهَا نَصُّ مُحَمَّدٍ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. اهـ. وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي مَسْأَلَةِ الْكُوزِ أَنَّ الْأَصَحَّ عَدَمُ الْحِنْثِ فِيمَا إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ لَمْ تُصَلِّ الْفَجْرَ غَدًا فَأَنْتِ كَذَا فَحَاضَتْ بُكْرَةً وَنَقَلْنَاهُ عَنْ الْمُنْتَقَى فَهُوَ مُؤَيِّدٌ لِبَحْثِ الْمُحَقِّقِ ابْنِ الْهَمَّامِ   [منحة الخالق] [قَوْلُهُ عَبْدُهُ حُرٌّ إنْ لَمْ يَحُجَّ الْعَامَ فَشَهِدَا بِنَحْرِهِ بِالْكُوفَةِ] قَوْلُهُ: وَتَعَقَّبَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إلَخْ) قَالَ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِهِ الرَّمْزِ أَقُولُ: الشَّهَادَةُ بِعَدَمِ الدُّخُولِ أُوِّلَتْ بِالْخُرُوجِ الَّذِي هُوَ وَجُودِيٌّ صُورَةً، فِي الْحَقِيقَةِ الْمَقْصُودُ أَنَّ الْخُرُوجَ يُمْكِنُ الْإِحَاطَةُ بِهِ بِلَا رَيْبٍ بِأَنْ يُشَاهِدَ الْعَبْدُ خَارِجَ الدَّارِ فِي جَمِيعِ الْيَوْمِ فَهِيَ نَفْيٌ مَحْصُورٌ بِخِلَافِ التَّضْحِيَةِ بِالْكُوفَةِ لَيْسَتْ ضِدًّا لِلْحَجِّ عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ كَرَامَةً لَهُ، وَهِيَ جَائِزَةٌ كَمَا قَالُوا فِي الْمَشْرِقِيِّ وَالْمَغْرِبِيَّةِ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَالصَّوْمُ بَعْدَ الزَّوَالِ وَالْأَكْلُ مُتَصَوَّرٌ كَمَا فِي صُورَةِ النَّاسِي) قَالَ فِي النَّهْرِ أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ تَصَوُّرَهُ فِيمَا إذَا حَلَفَ بَعْدَ الزَّوَالِ فِي النَّاسِي الَّذِي لَمْ يَأْكُلْ مَمْنُوعٌ. اهـ. أَيْ فِي النَّاسِي لِلنِّيَّةِ لَكِنْ قَرَّرَ فِي الذَّخِيرَةِ التَّصَوُّرَ فِي غَيْرِ النَّاسِي فَقَالَ قُلْنَا الصَّوْمُ بَعْدَ الزَّوَالِ وَبَعْدَ الْأَكْلِ مُتَصَوَّرٌ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَوْ شَرَعَ الصَّوْمَ بَعْدَهُمَا لَا يَكُونُ مُسْتَحِيلًا أَلَا تَرَى كَيْفَ شَرَعَهُ بَعْدَ الْأَكْلِ نَاسِيًا، وَكَذَلِكَ الصَّلَاةُ مَعَ الْحَيْضِ مُتَصَوَّرٌ؛ لِأَنَّ الْحَيْضَ لَيْسَ إلَّا دُرُورُ الدَّمِ، وَأَنَّهُ لَا يُنَافِي شَرْعِيَّةَ الصَّلَاةِ أَلَا تَرَى أَنَّ فِي حَقِّ الْمُسْتَحَاضَةِ، وَمَنْ بِمَعْنَاهَا الصَّلَاةُ مَشْرُوعَةٌ وَشَرْطُ إقَامَةِ الدَّلِيلِ مَقَامَ الْمَدْلُولِ التَّصَوُّرُ لَا الْوُجُودُ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْكُوزِ. اهـ. مُخَلَّصًا. وَتَمَامُ الْكَلَامِ مَبْسُوطٌ فِيهَا وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ قَوْلَ الْمُؤَلِّفِ كَمَا فِي صُورَةِ النَّاسِي تَنْظِيرٌ لَا تَمْثِيلٌ وَبِهِ انْدَفَعَ مَا أَوْرَدَهُ فِي النَّهْرِ كَمَا لَا يَخْفَى وَيَحْصُلُ الْجَوَابُ بِذَلِكَ عَنْ إشْكَالِ ابْنِ الْهُمَامِ أَيْضًا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 387 وَالْمُرَادُ بِالْبُكْرَةِ، وَقْتُ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ كَمَا لَا يَخْفَى فَحِينَئِذٍ لَا يَحْنَثُ فِي مَسْأَلَةِ الصَّوْمِ أَيْضًا عَلَى الْأَصَحِّ لَكِنْ جَزَمَ فِي الْمُحِيطِ بِالْحِنْثِ فِيهِمَا، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ بَعْدَمَا ذَكَرَ الْحِنْثَ قِيلَ هَذَا الْجَوَابُ يَسْتَقِيمُ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا فَلَا يَسْتَقِيمُ أَصْلُهُ مَسْأَلَةُ الْكُوزِ، وَقِيلَ لَا بَلْ هَذَا الْجَوَابُ مُسْتَقِيمٌ عَلَى قَوْلِ الْكُلِّ وَذَكَرَ أَبُو الْفَضْلِ فِي الْمَسْأَلَةِ تَفْصِيلًا فَقَالَ إنْ كَانَتْ أَطَالَتْ الصَّلَاةَ بِحَيْثُ لَوْلَا إطَالَتُهَا إيَّاهَا أَمْكَنَهَا أَدَاؤُهَا حَنِثَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهَا هَذِهِ الْإِطَالَةُ لَمْ يَحْنَثْ إلَّا أَنَّ الصَّحِيحَ مَا قُلْنَا إنَّهُ يَحْنَثُ عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ لَا تَعْتَمِدُ الصِّحَّةَ لَكِنَّهَا تَعْتَمِدُ الْإِمْكَانَ وَالتَّصَوُّرَ، وَأَنَّهُ ثَابِتٌ هَاهُنَا. اهـ. وَفِيهِ أَيْضًا لَوْ قَالَ إنْ لَمْ أَصُمْ شَهْرًا فَعَبْدِي حُرٌّ لَا يَنْصَرِفُ إلَى شَهْرٍ يَلِيه بَلْ يَنْصَرِفُ إلَى شَهْرٍ فِي عُمُرِهِ بِخِلَافِ إنْ لَمْ أُسَاكِنْك شَهْرًا، وَإِنْ لَمْ آتِ الْبَصْرَةَ شَهْرًا يَنْصَرِفُ إلَى مَا يَلِيهِ، وَلَا يَحْنَثُ حَتَّى يَتْرُكَهُ شَهْرًا مِنْ حِينِ حَلَفَ، وَالْفَرْقُ أَنَّ النَّفْيَ مُعْتَبَرٌ بِالْإِثْبَاتِ؛ لِأَنَّ الْأَشْيَاءَ تُعْرَفُ بِأَضْدَادِهَا، وَفِي الْإِثْبَاتِ لَوْ قَالَ إنْ صُمْتُ شَهْرًا فَعَبْدِي حُرٌّ تَعَلَّقَ الْحِنْثُ بِصَوْمِ شَهْرٍ، وَلَا يَنْصَرِفُ إلَى مَا يَلِيه فَكَذَلِكَ فِي النَّفْيِ تَعَلَّقَ الْحِنْثُ بِتَرْكِ الصَّوْمِ فِي شَهْرٍ، وَلَا يَنْصَرِفُ إلَى مَا يَلِيه فَذَكَرَ الْوَقْتَ فِيهِ لِتَقْدِيرِ الصَّوْمِ بِهِ بِخِلَافِ الْمُسَاكَنَةِ وَالضَّرْبِ وَالْإِتْيَانِ وَنَحْوِهِ مَا ذُكِرَ الْوَقْتُ لِتَقْدِيرِ الْفِعْلِ بِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ لِتَقْدِيرِ الْيَمِينِ فَتَقَيَّدَتْ بِالشَّهْرِ الَّذِي يَلِيهِ. وَلَوْ قَالَ إنْ تَرَكْت الصَّوْمَ شَهْرًا يَنْصَرِفُ إلَى مَا يَلِيه، وَإِنْ صَامَ يَوْمًا قَبْلَ مُضِيِّ الشَّهْرِ لَمْ يَحْنَثْ، وَلَوْ قَالَ إنْ تَرَكْت صَوْمَ شَهْرٍ أَوْ قَالَ إنْ لَمْ أَصُمْ شَهْرًا أَوْ قَالَ إنْ صُمْتُ شَهْرًا انْصَرَفَ إلَى جَمِيعِ الْعُمْرِ وَتَمَامُهُ فِيهِ، وَفِي حِيَلِ الْوَلْوَالِجيَّةِ حَلَفَ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ أَنْ لَا يَصُومَ شَهْرَ رَمَضَانَ فَالْحِيلَةُ فِيهِ أَنْ يُسَافِرَ، وَلَا يَصُومَ. (قَوْلُهُ: وَفِي لَا يُصَلِّي بِرَكْعَةٍ وَفِي صَلَاةٍ بِشَفْعٍ) أَيْ لَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي حَنِثَ إذَا صَلَّى رَكْعَةً، وَلَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي صَلَاةً لَا يَحْنَثُ إلَّا بِصَلَاةِ شَفْعٍ، وَالْقِيَاسُ فِي الْأَوَّلِ أَنْ يَحْنَثَ بِالِافْتِتَاحِ اعْتِبَارًا بِالشُّرُوعِ فِي الصَّوْمِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الصَّلَاةَ عِبَارَةٌ عَنْ الْأَرْكَانِ الْمُخْتَلِفَةِ فَمَا لَمْ يَأْتِ بِجَمِيعِهَا لَا تُسَمَّى صَلَاةً بِخِلَافِ الصَّوْمِ؛ لِأَنَّهُ رُكْنٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ الْإِمْسَاكُ وَيَتَكَرَّرُ فِي الْجُزْءِ الثَّانِي، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَالْمُرَادُ بِهَا الصَّلَاةُ الْمُعْتَبَرَةُ شَرْعًا، وَأَقَلُّهَا رَكْعَتَانِ لِلنَّهْيِ عَنْ الْبُتَيْرَاءِ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْهِدَايَةِ فِي الْأُولَى بِأَنَّهُ إذَا سَجَدَ ثُمَّ قَطَعَ حَنِثَ وَيَشْكُلُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ التُّمُرْتَاشِيُّ حَلَفَ لَا يُصَلِّي يَقَعُ عَلَى الْجَائِزَةِ فَلَا يَحْنَثُ بِالْفَاسِدَةِ إلَّا إذَا كَانَ الْيَمِينُ فِي الْمَاضِي إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْفَاسِدَةِ أَنْ تَكُونَ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ وَيَكُونَ مَا فِي الذَّخِيرَةِ بَيَانًا لَهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ: حَلَفَ لَا يُصَلِّي فَصَلَّى صَلَاةً فَاسِدَةً بِأَنْ صَلَّى بِغَيْرِ طَهَارَةٍ مَثَلًا لَا يَحْنَثُ اسْتِحْسَانًا. وَلَوْ نَوَى الْفَاسِدَةَ يَصْدُقُ دِيَانَةً، وَقَضَاءً، وَمَعَ هَذَا يَحْنَثُ بِالصَّحِيحَةِ أَيْضًا إلَى آخِرِهِ فَظَهَرَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفَاسِدَةِ بِهِيَ الَّتِي لَا يُوصَفُ مِنْهَا شَيْءٌ بِوَصْفِ الصِّحَّةِ فِي وَقْتٍ بِأَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءُ الشُّرُوعِ غَيْرَ صَحِيحٍ، وَأَوْرَدَ أَنَّ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ الْقَعْدَةَ، وَلَيْسَتْ فِي الرَّكْعَةِ الْوَاحِدَةِ فَيَجِبُ أَنْ لَا يَحْنَثَ بِهَا وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْقَعْدَةَ مَوْجُودَةٌ بَعْدَ رَفْعِ رَأْسِهِ مِنْ السَّجْدَةِ، وَهَذَا أَوَّلًا مَبْنِيٌّ عَلَى تَوَقُّفِ الْحِنْثِ عَلَى الرَّفْعِ مِنْهَا، وَفِيهِ خِلَافُ الْمَشَايِخِ وَالْحَقُّ أَنَّهُ تَفَرَّعَ عَلَى الْخِلَافِ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِي ذَلِكَ وَالْأَوْجَهُ أَنْ لَا يَتَوَقَّفَ لِتَمَامِ حَقِيقَةِ السُّجُودِ بِوَضْعِ بَعْضِ الْوَجْهِ عَلَى الْأَرْضِ، وَلَوْ سَلَّمَ فَلَيْسَتْ تِلْكَ الْقَعْدَةُ هِيَ الرُّكْنُ، وَالْأَرْكَانُ الْحَقِيقِيَّةُ هِيَ الْخَمْسَةُ وَالْقَعْدَةُ رُكْنٌ زَائِدٌ عَلَى مَا تَحَرَّرَ، وَإِنَّمَا وَجَبَ لِلْخَتْمِ فَلَا تُعْتَبَرُ رُكْنًا فِي حَقِّ الْحِنْثِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْأَرْكَانَ الْأَصْلِيَّةَ ثَلَاثَةٌ الْقِيَامُ وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ، وَأَمَّا الْقِرَاءَةُ فَرُكْنٌ زَائِدٌ، وَالتَّحْرِيمَةُ شَرْطٌ، وَلِذَا قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي فَقَامَ وَرَكَعَ وَسَجَدَ، وَلَمْ يَقْرَأْ فَقَدْ قِيلَ لَا يَحْنَثُ وَقَدْ قِيلَ يَحْنَثُ، وَهَكَذَا ذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى، وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا ذَكَرْنَا أَنَّ النَّهْيَ عَنْ الْبُتَيْرَاءِ مَانِعٌ لِصِحَّةِ الرَّكْعَةِ لَوْ فَعَلَتْ وَالْبُتَيْرَاءُ تَصْغِيرٌ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَإِنْ صَامَ يَوْمًا قَبْلَ مُضِيِّ الشَّهْرِ لَمْ يَحْنَثْ) ؛ لِأَنَّهُ بِصَوْمِهِ الْيَوْمَ لَمْ يَتْرُكْ الصَّوْمَ شَهْرًا فَلَمْ يُوجَدْ شَرْطُ الْحِنْثِ، وَهُوَ تَرْكُهُ الصَّوْمَ شَهْرًا. (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْفَاسِدَةِ أَنْ تَكُونَ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ إلَخْ) قَالَ تِلْمِيذُهُ فِي الْمِنَحِ أَقُولُ: لَا يَحْتَاجُ إلَى هَذَا بَلْ الْجَوَابُ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي الصَّوْمِ مِنْ أَنَّ قَوْلَ التُّمُرْتَاشِيِّ لَا يُعَارِضُ مَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ: وَالْأَوْجَهُ أَنْ لَا يَتَوَقَّفَ) أَيْ عَلَى رَفْعِ الرَّأْسِ مِنْ السَّجْدَةِ، وَقَوْلُهُ لِتَمَامِ إلَخْ عِلَّةٌ لِلْأَوْجَهِيَّةِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 388 الْبَتْرَاءُ تَأْنِيثُ الْأَبْتَرِ، وَهُوَ فِي الْأَصْلِ مَقْطُوعُ الذَّنَبِ ثُمَّ صَارَ يُقَالُ لِلنَّاقِصِ. وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِالْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ إلَى فَرْعٍ مَذْكُورٍ فِي الذَّخِيرَةِ قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ صَلَّيْت رَكْعَةً فَأَنْت حُرٌّ فَصَلَّى رَكْعَةً ثُمَّ تَكَلَّمَ لَا يَعْتِقُ وَلَوْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ عَتَقَ بِالرَّكْعَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ الْأُولَى مَا صَلَّى رَكْعَةً؛ لِأَنَّهَا بُتَيْرَاءُ بِخِلَافِ الثَّانِيَةِ ثُمَّ إذَا حَلَفَ لَا يُصَلِّي صَلَاةً فَهَلْ يَتَوَقَّفُ حِنْثُهُ عَلَى قُعُودِهِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَالْأَظْهَرُ وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ إنْ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى مُجَرَّدِ الْفِعْلِ، وَهُوَ إذَا حَلَفَ لَا يُصَلِّي صَلَاةً لَا يَحْنَثُ قَبْلَ الْقَعْدَةِ، وَإِنْ عَقَدَهَا عَلَى الْفَرْضِ، وَهِيَ مِنْ ذَوَاتِ الْمُثْنَى فَكَذَلِكَ لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَقْعُدَ، وَإِنْ كَانَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ يَحْنَثُ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي الظُّهْرَ لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَتَشَهَّدَ بَعْدَ الْأَرْبَعِ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَفِيهَا حَلَفَ لَا يُصَلِّي خَلْفَ فُلَانٍ فَأَمَّهُ فُلَانٌ، وَقَامَ الْحَالِفُ عَنْ يَمِينِهِ حَنِثَ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ. وَإِنْ نَوَى أَنْ يَكُونَ حَلِفُهُ لَمْ يَدِينَ فِي الْقَضَاءِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَوْ قَالَ لَا أُصَلِّي مَعَك فَصَلَّيَا خَلْفَ إمَامٍ حَنِثَ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ أَنْ يُصَلِّيَ مَعَهُ لَيْسَ بَيْنَهُمَا غَيْرُهُمَا، وَلَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَؤُمَّ أَحَدًا فَشَرَعَ فِي الصَّلَاةِ وَنَوَى أَنْ لَا يَؤُمَّ أَحَدًا فَجَاءَ قَوْمٌ وَاقْتَدُوا بِهِ يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ أَمَّهُمْ، وَقَصْدُهُ أَنْ لَا يَؤُمَّ أَحَدًا أَمْرٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَإِذَا نَوَى ذَلِكَ لَا يَحْنَثُ دِيَانَةً وَإِنْ أَشْهَدَ الْحَالِفُ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ أَنَّهُ يُصَلِّي صَلَاةَ نَفْسِهِ، وَلَا يَؤُمُّ أَحَدًا لَا يَحْنَثُ قَضَاءً وَدِيَانَةً، وَكَذَلِكَ لَوْ صَلَّى هَذَا الْحَالِفُ بِالنَّاسِ الْجُمُعَةَ فَهُوَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَلَوْ أَمَّ النَّاسَ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ أَوْ سَجْدَةَ التِّلَاوَةِ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ يَمِينَهُ انْصَرَفَتْ إلَى الصَّلَاةِ الْمُطْلَقَةِ، وَلَوْ أَمَّهُمْ فِي النَّافِلَةِ حَنِثَ، وَإِنْ كَانَتْ الْإِمَامَةُ فِي النَّوَافِلِ مَنْهِيًّا عَنْهَا، وَذَكَرَ النَّاطِفِيُّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَنَّهُ إذَا نَوَى أَنْ لَا يَؤُمَّ أَحَدًا فَصَلَّى خَلْفَهُ رَجُلَانِ جَازَتْ صَلَاتُهُمَا، وَلَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ أَنْ يَقْصِدَ الْإِمَامَةَ، وَلَمْ يُوجَدْ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي الظُّهْرَ خَلْفَ فُلَانٍ أَوْ قَالَ مَعَ فُلَانٍ فَكَبَّرَ مَعَهُ ثُمَّ أَحْدَثَ فَذَهَبَ وَتَوَضَّأَ ثُمَّ عَادَ بَعْدَمَا خَرَجَ الْإِمَامُ مِنْ الصَّلَاةِ فَأَتَمَّ بِصَلَاتِهِ لَا يَحْنَثُ، وَلَوْ أَنَّهُ كَبَّرَ مَعَ فُلَانٍ وَنَامَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى حَتَّى فَرَغَ الْإِمَامُ مِنْ تِلْكَ الرَّكْعَةِ ثُمَّ انْتَبَهَ فَاتَّبَعَهُ وَصَلَّى تَمَامَ صَلَاتِهِ مَعَهُ حَنِثَ. وَلَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي الْجُمُعَةَ مَعَ فُلَانٍ فَأَحْدَثَ الْإِمَامُ فَقَدَّمَ الْحَالِفَ فَصَلَّى بِهِمْ الْجُمُعَةَ لَا يَحْنَثُ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي الظُّهْرَ بِصَلَاةِ فُلَانٍ فَدَخَلَ مَعَهُ فِي الظُّهْرِ فَأَحْدَثَ الْإِمَامُ فِي أَوَّلِ الصَّلَاةِ أَوْ بَعْدَمَا صَلَّى ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ فَتَقَدَّمَ الْحَالِفُ فَصَلَّى الْحَالِفُ مَا بَقِيَ وَسَلَّمَ فَقَدْ صَلَّى الظُّهْرَ بِصَلَاةِ فُلَانٍ، وَهُوَ حَانِثٌ، وَكَذَا لَوْ أَدْرَكَ مَعَهُ مِنْهَا رَكْعَةً وَصَلَّى مَا بَقِيَ فَقَدْ صَلَّى بِصَلَاتِهِ فَيَكُونُ حَانِثًا، وَلَوْ حَلَفَ لَيُصَلِّيَنَّ هَذَا الْيَوْمَ خَمْسَ صَلَوَاتٍ بِالْجَمَاعَةِ وَيُجَامِعُ امْرَأَتَهُ، وَلَا يَغْتَسِلُ سُئِلَ الْإِمَامُ ابْنُ الْفَضْلِ عَنْ هَذَا فَقَالَ يَنْبَغِي أَنْ يُصَلِّيَ الْفَجْرَ وَالظُّهْرَ وَالْعَصْرَ بِالْجَمَاعَةِ ثُمَّ يُجَامِعُ امْرَأَتَهُ ثُمَّ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَالْأَظْهَرُ وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ إنْ عَقَدَ إلَى قَوْلِهِ لَا يَحْنَثُ قَبْلَ الْقَعْدَةِ) مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْفَتْحِ حَيْثُ قَالَ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ إنْ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى مُجَرَّدِ الْفِعْلِ، وَهُوَ إذَا حَلَفَ لَا يُصَلِّي صَلَاةً يَحْنَثُ قَبْلَ الْقَعْدَةِ لِمَا ذَكَرْته. اهـ. وَهَكَذَا نَقَلَهُ عَنْهُ فِي النَّهْرِ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا قَدَّمَهُ مِنْ أَنَّ الْعُقْدَةَ رُكْنٌ زَائِدٌ وَجَبَتْ لِلْخَتْمِ فَلَا تُعْتَبَرُ فِي حَقِّ الْحِنْثِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ لِمَا ذَكَرْته فَهَذَا اسْتِظْهَارٌ مِنْهُ لِخِلَافِ مَا اسْتَظْهَرَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ فَسَقَطَ مَا قِيلَ إنَّ لَا سَقَطَتْ مِنْ عِبَارَةِ النَّهْرِ، وَقَدْ رَاجَعْت عِبَارَةَ الظَّهِيرِيَّةِ فَرَأَيْتهَا مُوَافِقَةً لِمَا نَقَلَهُ الْمُؤَلِّفُ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة، وَلَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي الظُّهْرَ لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَتَشَهَّدَ بَعْدَ الْأَرْبَعِ، وَكَذَلِكَ إذَا حَلَفَ لَا يُصَلِّي الْفَجْرَ لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَتَشَهَّدَ بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ، وَكَذَلِكَ إذَا حَلَفَ لَا يُصَلِّي الْمَغْرِبَ لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَتَشَهَّدَ بَعْدَ الثَّلَاثَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ عَقَدَهَا عَلَى الْفَرْضِ إلَخْ) تَوَقَّفَ فِي حَوَاشِي مِسْكِينٍ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ بَعْدَهُ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي الظُّهْرَ إلَخْ ثُمَّ قَالَ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ وَإِنْ عَقَدَهَا إلَخْ أَيْ نَوَى بِحَلِفِهِ لَا يُصَلِّي صَلَاةَ خُصُوصِ الْفَرْضِ أَوْ صَرَّحَ بِهِ فِي يَمِينِهِ بِأَنْ قَالَ لَا أُصَلِّي صَلَاةً مَفْرُوضَةً فَلِهَذَا يَحْنَثُ إذَا صَلَّى مِنْ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ، وَلَوْ قَبْلَ الْقُعُودِ بِخِلَافِ مَا لَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي الظُّهْرَ فَوَضَحَ الْفَرْقُ. اهـ. وَيَحْتَاجُ إلَى التَّأَمُّلِ فِي وَجْهِهِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ أَشْهَدَ الْحَالِفُ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ هَذَا فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ مَا فِي الْجُمُعَةِ لَا يُعْتَبَرُ الْإِشْهَادُ وَتُعْتَبَرُ نِيَّتُهُ فَإِذَا لَمْ يَنْوِ إمَامَةَ أَحَدٍ بَلْ نَوَى فِيهَا الصَّلَاةَ لِنَفْسِهِ جَازَتْ الْجُمُعَةُ لَهُ، وَلَهُمْ فِي الِاسْتِحْسَانِ وَحَنِثَ قَضَاءً لَا دِيَانَةً صَرَّحَ بِهِ الْبَزَّازِيِّ. اهـ. أَيْ حَنِثَ قَضَاءً أَشْهَدَ أَوْ لَمْ يُشْهِدْ، وَعِبَارَةُ الْبَزَّازِيَّةِ، وَلَوْ أَشْهَدَ قَبْلَ دُخُولِهِ فِي الصَّلَاةِ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ أَنْ يُصَلِّيَ لِنَفْسِهِ لَمْ يَحْنَثْ دِيَانَةً، وَلَا قَضَاءً (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَمَّ النَّاسِي فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ أَوْ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ لَا يَحْنَثُ إلَخْ) هَذَا النَّقْلُ مَعَ التَّعْلِيلِ يَدْفَعُ مَا بَحَثَهُ فِي الْفَتْحِ حَيْثُ قَالَ وَيَنْبَغِي إذَا أَمَّهُمْ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ أَنْ يَكُونَ كَالْأَوَّلِ إنْ أَشْهَدَ صُدِّقَ فِيهِمَا، وَإِلَّا فَفِي الدِّيَانَةِ (قَوْلُهُ: فَقَالَ يَنْبَغِي أَنْ يُصَلِّيَ الْفَجْرَ وَالظُّهْرَ وَالْعَصْرَ بِالْجَمَاعَةِ إلَخْ) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ فِيهِ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْيَوْمِ بَقِيَّةَ النَّهَارِ إلَى الْغُرُوبِ فَكَيْفَ يَبَرُّ بِثَلَاثِ صَلَوَاتٍ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ مِنْهُ مَا يَشْمَلُ اللَّيْلَةَ بِقَرِينَةِ الْخَمْسِ صَلَوَاتٍ فَمَا الْحَاجَةُ إلَى مُجَامَعَتِهَا قَبْلَ الْغُرُوبِ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ بِالْجَمَاعَةِ لَا دَخْلَ لَهُ فِي الْأَلْغَازِ فَتَأَمَّلْ. اهـ. قُلْتُ: وَلَعَلَّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 389 يَغْتَسِلُ كَمَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ وَيُصَلِّي الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِالْجَمَاعَةِ وَلَا يَحْنَثُ، وَإِذَا حَلَفَ الرَّجُلُ، وَقَالَ وَاَللَّهِ مَا أَخَّرْت صَلَاةً عَنْ، وَقْتِهَا، وَقَدْ كَانَ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ خَرَجَ، وَقْتُهَا فَصَلَّاهَا فَقَدْ قِيلَ يَحْنَثُ، وَقَدْ قِيلَ لَا يَحْنَثُ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي بِأَهْلِ هَذَا الْمَسْجِدِ مَا دَامَ فُلَانٌ يُصَلِّي فِيهِ فَمَرِضَ فُلَانٌ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَمْ يُصَلِّ أَوْ كَانَ فُلَانٌ صَحِيحًا فَلَمْ يُصَلِّ فِيهِ فَصَلَّى الْحَالِفُ بَعْدَ ذَلِكَ فِيهِ لَا يَحْنَثُ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي فِي هَذَا الْمَسْجِدِ فَزِيدَ فِيهِ فَصَلَّى فِي مَوْضِعِ الزِّيَادَةِ لَا يَحْنَثُ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي فِي مَسْجِدِ بَنَى فُلَانٌ فَزِيدَ فِيهِ فَصَلَّى فِي مَوْضِعِ الزِّيَادَةِ يَحْنَثُ رَجُلٌ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ تَرَكْتِ الصَّلَاةَ فَأَنْت طَالِقٌ فَأَخَّرَتْ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا ثُمَّ قَضَتْهَا هَلْ يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَقَعُ وَبِهِ كَانَ يُفْتِي الشَّيْخُ الْإِمَامُ سَيْفُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحِيمِ الْكَرْمِينِيُّ وَبَعْضُهُمْ قَالُوا يَقَعُ الطَّلَاقُ وَبِهِ كَانَ يُفْتِي الْقَاضِي الْإِمَامُ رُكْنُ الْإِسْلَامِ عَلِيٌّ السُّغْدِيُّ، وَهُوَ الْأَشْبَهُ وَالْأَظْهَرُ. رَجُلٌ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ لَمْ تُصْبِحِي غَدًا، وَلَمْ تُصَلِّي فَأَنْت طَالِقٌ فَأَصْبَحَتْ وَشَرَعَتْ فِي الصَّلَاةِ ثُمَّ طَلَعَتْ الشَّمْسُ أَفْتَى شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ بِعَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ، وَأَفْتَى رُكْنُ الْإِسْلَامِ السُّغْدِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُنَا بِالْوُقُوعِ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ، وَإِلَّا بَيَّنَ وَعَنْ مُحَمَّدٍ فِي رَجُلٍ قَالَ وَاَللَّهِ مَا صَلَّيْت الْيَوْمَ يَعْنِي بِجَمَاعَةٍ قَالَ يَصْدُقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ مَا صَلَّيْت الْيَوْمَ ظُهْرًا يَعْنِي ظُهْرَ أَمْسِ يَصْدُقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ مَا صَلَّيْت الظُّهْرَ يَعْنِي بِجَمَاعَةٍ قَالَ مُحَمَّدٌ لَمْ يَصْدُقْ عِنْدِي فِي هَذَا، وَلَوْ صَلَّى الظُّهْرَ فِي السَّفَرِ ثُمَّ قَالَ وَاَللَّهِ مَا صَلَّيْت ظُهْرًا يَعْنِي ظُهْرَ مُقِيمٍ يَصْدُقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى. اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ صَلَّيْت فَأَنْت حُرٌّ فَقَالَ صَلَّيْت، وَأَنْكَرَ الْمَوْلَى لَا يَعْتِقُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْأُمُورِ الظَّاهِرَةِ يُمْكِنُ لِغَيْرِهِ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ بِلَا حَرَجٍ. اهـ. وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الْيَمِينَ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَالْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَنَحْنُ نَذْكُرُ بَعْضَ مَسَائِلِهَا تَتْمِيمًا لِلْفَائِدَةِ قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَحُجُّ فَهُوَ عَلَى الصَّحِيحِ دُونَ الْفَاسِدِ كَمَا فِي الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ قَالَ الْإِمَامُ الصَّفَّارُ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي أَنَّهُ هَلْ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ فَسَدَ الْحَجُّ أَمْ لَا إذَا وَاقَعَ امْرَأَتَهُ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجُوزُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَجُوزُ كَذَا ذَكَرَهُ فِي مَنَاسِكِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَحُجُّ أَوْ لَا يَحُجُّ حَجَّةً لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فَأَحْرَمَ بِالْحَجِّ لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَقِفَ بِعَرَفَةَ رَوَاهُ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ وَرَوَى بِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَطُوفَ أَكْثَرَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَعْتَمِرُ أَوْ لَا يَعْتَمِرُ عُمْرَةً لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ وَيَطُوفَ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ رَوَاهُ بِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَإِذَا حَلَفَ لَا يَتَوَضَّأُ مِنْ الرُّعَافِ فَرَعَفَ ثُمَّ بَالَ أَوْ بَالَ ثُمَّ رَعَفَ ثُمَّ تَوَضَّأَ فَالْوُضُوءُ مِنْهُمَا جَمِيعًا فَيَحْنَثُ. وَلَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَغْتَسِلَ مِنْ امْرَأَتِهِ هَذِهِ مِنْ جَنَابَةٍ فَأَصَابَهَا ثُمَّ أَصَابَ أُخْرَى أَوْ أَصَابَ امْرَأَةً أُخْرَى ثُمَّ أَصَابَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهَا وَاغْتَسَلَ فَهَذَا اغْتِسَالٌ مِنْهُمَا وَيَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ، وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ إذَا حَلَفَتْ أَنْ لَا تَغْتَسِلَ مِنْ جِنَايَةٍ أَوْ مِنْ حَيْضٍ فَأَصَابَهَا زَوْجُهَا وَحَاضَتْ وَاغْتَسَلَتْ فَهُوَ اغْتِسَالٌ مِنْهُمَا وَتَحْنَثُ فِي يَمِينِهَا وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَنْ قَالَ إنْ اغْتَسَلْت مِنْ زَيْنَبَ فَهِيَ طَالِقٌ، وَإِنْ اغْتَسَلْت مِنْ عَمْرَةَ فَهِيَ طَالِقٌ فَجَامَعَ زَيْنَبَ ثُمَّ جَامَعَ عَمْرَةَ وَاغْتَسَلَ فَهَذَا الِاغْتِسَالُ مِنْهُمَا وَيَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَيْهِمَا قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْجُرْجَانِيُّ إذَا أَجْنَبَتْ الْمَرْأَةُ ثُمَّ حَاضَتْ ثُمَّ اغْتَسَلَتْ كَانَ الِاغْتِسَالُ مِنْ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ إذَا رَعَفَ ثُمَّ بَالَ فَالْوُضُوءُ يَكُونُ مِنْ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْجُرْجَانِيِّ فَالْحَاصِلُ أَنَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْجُرْجَانِيِّ إذَا اجْتَمَعَ الْحَدَثَانِ فَالْوُضُوءُ بَعْدَهُمَا يَكُونُ مِنْ الْأَوَّلِ إنْ اتَّحَدَ الْجِنْسُ أَوْ اخْتَلَفَ، وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ إنْ اتَّحَدَ الْجِنْسُ بِأَنْ بَالَ ثُمَّ بَالَ أَوْ رَعَفَ ثُمَّ رَعَفَ فَالْوُضُوءُ مِنْ الْأَوَّلِ، وَإِنْ اخْتَلَفَ الْجِنْسُ فَالْوُضُوءُ يَكُونُ مِنْهُمَا، وَقَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الزَّاهِدُ عَبْدُ الْكَرِيمِ كُنَّا نَظُنُّ أَنَّ الْوُضُوءَ مِنْ الْحَدَثَيْنِ إذَا اسْتَوَيَا فِي الْغِلَظِ وَالْخِفَّةِ، وَمَتَى كَانَ أَحَدُهُمَا أَغْلَظُ   [منحة الخالق] وَجْهَهُ أَنَّ يَمِينَهُ بِظَاهِرِهَا مَعْقُودَةٌ عَلَى بَقِيَّةِ النَّهَارِ وَبِذِكْرِهِ الْخَمْسَ صَلَوَاتٍ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ مَا يَشْمَلُ اللَّيْلَةَ فَإِذَا جَامَعَ فِي النَّهَارِ وَاغْتَسَلَ بَعْدَ الْغُرُوبِ لَمْ يُوجَدْ شَرْطُ حِنْثِهِ يَقِينًا بِخِلَافِ مَا إذَا جَامَعَ لَيْلًا وَاغْتَسَلَ فَإِنَّهُ قَدْ وُجِدَ شَرْطُ الْحِنْثِ يَقِينًا عَلَى كِلَا الِاحْتِمَالَيْنِ؛ لِأَنَّهُ فِي النَّهَارِ لَمْ يُجَامِعْ، وَفِي اللَّيْلِ اغْتَسَلَ، وَقَدْ حَلَفَ أَنَّهُ يُجَامِعُ وَلَا يَغْتَسِلُ، وَلِذَا عَبَّرَ بِقَوْلِهِ يَنْبَغِي؛ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَتَأَمَّلْ، وَلَعَلَّ فَائِدَةَ التَّقْيِيدِ بِالْجَمَاعَةِ لِيُفِيدَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالصَّلَوَاتِ هُوَ الْمَكْتُوبَاتُ الْخَمْسُ تَأَمَّلْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 390 فَالْوُضُوءُ مِنْ أَغْلَظِهِمَا، وَقَدْ وَجَدْنَا الرِّوَايَةَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْوُضُوءَ يَكُونُ مِنْهُمَا فَرَجَعْنَا إلَى قَوْلِهِ وَذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ فِي تَأْسِيسِ النَّظَائِرِ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا أَجْنَبَتْ ثُمَّ حَاضَتْ فَاغْتَسَلَتْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَكُونُ الْغُسْلُ مِنْ الْأَوَّلِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَكُونُ مِنْهُمَا. اهـ. (قَوْلُهُ: إنْ لَبَسْت مِنْ غَزْلِك فَهُوَ هَدْيٌ فَمَلَكَ قُطْنًا فَغَزَلَتْهُ فَلَبَسَ فَهُوَ هَدْيٌ) أَيْ إنْ لَبَسْت ثَوْبًا مِنْ مَغْزُولِك، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُهْدِي حَتَّى تَغْزِلَهُ مِنْ قُطْنٍ مَلَكَهُ يَوْمَ حَلَفَ، وَمَعْنَى الْهَدْيِ التَّصَدُّقُ بِهِ بِمَكَّةَ؛ لِأَنَّهُ اسْمٌ لِمَا يُهْدَى إلَيْهَا لَهُمَا أَنَّ النَّذْرَ إنَّمَا يَصِحُّ فِي الْمِلْكِ أَوْ مُضَافًا إلَى سَبَبِ الْمِلْكِ، وَلَمْ يُوجَدُ؛ لِأَنَّ اللُّبْسَ وَغَزْلَ الْمَرْأَةِ لَيْسَا مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ وَلَهُ أَنَّ غَزْلَ الْمَرْأَةِ عَادَةً يَكُونُ مِنْ قُطْنِ الزَّوْجِ وَالْمُعْتَادُ هُوَ الْمُرَادُ وَذَلِكَ سَبَبٌ لِمِلْكِهِ، وَلِهَذَا يَحْنَثُ إذَا غَزَلَتْ مِنْ قُطْنٍ مَمْلُوكٍ لَهُ وَقْتَ النَّذْرِ؛ لِأَنَّ الْقُطْنَ لَمْ يَصِرْ مَذْكُورًا وَأَفَادَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْقُطْنُ مَمْلُوكًا لَهُ وَقْتَ الْحَلِفِ فَغَزَلَتْهُ فَلَبِسَهُ فَإِنَّهُ هَدْيٌ بِالْأَوْلَى، وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْوَاجِبُ فِي دِيَارِنَا أَنْ يُفْتَى بِقَوْلِهِمَا؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَغْزِلُ إلَّا مِنْ كَتَّانِ نَفْسِهَا أَوْ قُطْنِهَا فَلَيْسَ الْغَزْلُ سَبَبًا لِمِلْكِهِ لِلْمَغْزُولِ عَادَةً فَلَا يَسْتَقِيمُ جَوَابُ أَبِي حَنِيفَةَ. اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ مِنْ غَزْلِ فُلَانَةَ وَنَوَى الْغَزْلَ بِعَيْنِهِ لَا يَحْنَثُ إذَا لَبِسَهُ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ، وَإِنْ كَانَ لُبْسُ الْغَزْلِ قَبْلَ النَّسْجِ غَيْرَ مُمْكِنٍ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ الْمَاءَ وَنَوَى شُرْبَ جَمِيعِ الْمِيَاهِ لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى لَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ يُحْمَلُ عَلَى الْمَنْسُوجِ عُرْفًا؛ لِأَنَّهُ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى مَا لَا يُتَصَوَّرُ لُبْسُهُ عُرْفًا فَيَنْصَرِفُ إلَى مَا يُصْنَعُ مِنْهُ مَجَازًا عُرْفًا كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ النَّخْلَةِ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا مِنْ غَزْلِ فُلَانَةَ فَلَبِسَ ثَوْبًا مِنْ غَزْلِهَا وَغَزْلِ أُخْرَى لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ بَعْضَ الْمَلْبُوسِ لَيْسَ مِنْ غَزْلِهَا وَبَعْضَ الثَّوْبِ لَا يُسَمَّى ثَوْبًا كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبَ فُلَانٍ فَلَبِسَ ثَوْبًا بَيْنَ فُلَانٍ وَبَيْنَ آخَرَ لَمْ يَحْنَثْ فَكَذَا هُنَا حَتَّى لَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ مِنْ غَزْلِ فُلَانَةَ فَلَبِسَ ثَوْبًا مِنْ غَزْلِهَا وَغَزْلِ غَيْرِهَا حَنِثَ، وَإِنْ كَانَ مِنْ غَزْلِ فُلَانَةَ خَيْطٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ الْغَزْلَ لَيْسَ بِاسْمٍ لِشَيْءٍ مُقَدَّرٍ فَالْبَعْضُ مِنْهُ يُسَمَّى غَزْلًا وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا مِنْ غَزْلٍ فَلَبِسَ ثَوْبًا مِنْ غَزْلٍ، وَقُطْنٍ كَانَ فِي مِلْكِهِ وَقْتَ الْيَمِينِ يَحْنَثُ، وَكَذَلِكَ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا. وَفِي الْمُنْتَقَى حَلَفَ لَا يَلْبَسُ مِنْ غَزْلِ فُلَانَةَ، وَلَمْ يَقُلْ ثَوْبًا فَلَبِسَ ثَوْبًا زِرُّهُ وَعُرَاهُ مِنْ غَزْلُهَا لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الزِّرَّ وَالْعِرَاءَ قَبْلَ الشَّدِّ لَا يَصِيرُ مَلْبُوسًا بِلُبْسِ الْقَمِيصِ وَبَعْدَ الشَّدِّ لَا يَحْنَثُ، وَإِنْ صَارَ لَابِسًا؛ لِأَنَّ هَذَا يُسَمَّى شَدًّا وَلَا يُسَمَّى لُبْسًا عُرْفًا، وَفِي اللَّبِنَةِ وَالَزِيقِ يَحْنَثُ لِأَنَّهُ يُسَمَّى لَابِسًا لَهُمَا عَرَفَا بِلُبْسِ الثَّوْبِ، وَلَوْ لَبِسَ تِكَّةً مِنْ غَزْلِهَا لَا يَحْنَثُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَحْنَثُ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى لَابِسًا فِي التِّكَّةِ عُرْفًا بِخِلَافِ مَا إذَا لَبِسَ تِكَّةً مِنْ حَرِيرٍ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ اسْتِعْمَالُ الْحَرِيرِ مَقْصُودًا سَوَاءٌ صَارَ لَابِسًا أَوْ لَمْ يَصِرْ، وَقَدْ وُجِدَ، وَهَذَا الْمُحَرَّمُ بِالْيَمِينِ اللُّبْسُ، وَلَمْ يُوجَدْ، وَلَمْ يُكْرَهْ الزِّرُّ وَالْعُرَى مِنْ حَرِيرٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ لَابِسًا، وَلَا مُسْتَعْمِلًا وَكَذَا اللَّبِنَةُ وَالَزِيقُ لَا يُكْرَهُ مِنْ الْحَرِيرِ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ لَهُ تَبَعًا لَا مَقْصُودًا فَصَارَ كَالْإِعْلَامِ، وَلَوْ أَخَذَ الْحَالِفُ خِرْقَةً مِنْ غَزْلِهَا قَدْرَ شِبْرَيْنِ وَوَضَعَهَا عَلَى عَوْرَتِهِ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى لَابِسًا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إذَا رَقَعَ فِي ثَوْبِهِ شِبْرًا حَنِثَ، وَلَوْ لَبِسَ ثَوْبًا مِنْ غَزْلِهَا فَلَمَّا بَلَغَ الذَّيْلُ إلَى السُّرَّةِ، وَلَمْ يُدْخِلْ كُمَّيْهِ وَرِجْلَاهُ بَعْدُ تَحْتَ اللِّحَافِ يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ لَبِسَ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا مِنْ نَسْجِ فُلَانٍ فَنَسَجَهُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَقَدْ وَجَدْنَا الرِّوَايَةَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إلَخْ) قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة، وَفَائِدَةُ هَذَا الِاخْتِلَافِ إنَّمَا تَظْهَرُ فِي مَسْأَلَةِ الْحَلِفِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فَإِذَا حَلَفَ أَنْ لَا يَتَوَضَّأَ مِنْ الرُّعَافِ فَرَعَفَ ثُمَّ بَالَ فَتَوَضَّأَ حَنِثَ فِي يَمِينِهِ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ بَالَ أَوَّلًا ثُمَّ رَعَفَ وَتَوَضَّأَ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ لَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ، وَعَلَى ظَاهِرِ الْجَوَابِ يَحْنَثُ، وَكَذَلِكَ عَلَى قَوْلِ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا مِنْ غَزْلٍ فَلَبِسَ ثَوْبًا إلَخْ) هَكَذَا فِيمَا رَأَيْنَاهُ مِنْ النُّسَخِ، وَلَعَلَّهُ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا مِنْ غَزْلِ فُلَانَةَ فَسَقَطَ لَفْظُ فُلَانَةَ أَوْ نَحْوِهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا إذَا لَبِسَ تِكَّةً مِنْ حَرِيرٍ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ اتِّفَاقًا) قَالَ فِي الْمِنَحِ فِيمَا ذَكَرَهُ مِنْ حِكَايَةِ الِاتِّفَاقِ نَظَرٌ لِمَا فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ نَقْلًا عَنْ التَّتِمَّةِ قَالَ لَا بَأْسَ بِتِكَّةِ الْحَرِيرِ لِلرَّجُلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ذَكَرَهُ بَعْضُ مَشَايِخِنَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَذَكَرَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي أَيْمَانِ الْوَاقِعَاتِ أَنَّهُ يُكْرَهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ. اهـ. وَفِي الْقُنْيَةِ رَمْزٌ لِشَرْحِ الْإِرْشَادِ، وَقَالَ تُكْرَهُ التِّكَّةُ الْمَعْمُولَةُ مِنْ الْإِبْرَيْسَمِ هُوَ الصَّحِيحُ، وَكَذَا الْقَلَنْسُوَةُ، وَإِنْ كَانَتْ تَحْتَ الْعِمَامَةِ وَالْكِيسِ الَّذِي يُعَلَّقُ. اهـ. وَفِي شَرْحِهِ لِلْقُدُورِيِّ لَا تُكْرَهُ التِّكَّةُ مِنْ الْحَرِيرِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ تُكْرَهُ وَاخْتُلِفَ فِي عَصْبِهِ الْجِرَاحَةَ بِالْحَرِيرِ. اهـ. إذَا عَلِمْت هَذَا ظَهَرَ أَنَّ الْجَوَابَ عَمَّا تَقَدَّمَ مِنْ الْإِشْكَالِ إنَّمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ عَلَى مَا صَحَّحَهُ فِي الْقُنْيَةِ أَمَّا عَلَى مُقَابِلِهِ فَلَا. اهـ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 391 غِلْمَانُهُ فَإِنْ كَانَ فُلَانٌ لَمْ يَعْمَلْ بِيَدَيْهِ لَمْ يَحْنَثْ وَإِنْ كَانَ عَمِلَ حَنِثَ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ النَّسْجِ مَا يَفْعَلُهُ بِيَدِهِ فَيُحْمَلُ عَلَى الْحَقِيقَةِ مَا أَمْكَنَ، وَإِلَّا يُحْمَلْ عَلَى الْمَجَازِ، وَهُوَ الْأَمْرُ بِهِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا مِنْ غَزْلِهَا فَلَبِسَ كِسَاءً مِنْ غَزْلِهَا حَنِثَ؛ لِأَنَّ هَذَا ثَوْبٌ مِنْ غَزْلِهَا، وَإِنْ كَانَ مِنْ الصُّوفِ. اهـ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ مِنْ غَزْلِ فُلَانَةَ فَلَبِسَ ثَوْبًا خِيطَ مِنْ غَزْلِ فُلَانَةَ لَا يَحْنَثُ، وَلَوْ لَبِسَ قَلَنْسُوَةً أَوْ شَبَكَةً مِنْ غَزْلِ فُلَانَةَ يَحْنَثُ. اهـ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَمَعْنَى مِنْ غَزْلِ الْهَدْيِ هُنَا مَا يَتَصَدَّقُ بِهِ بِمَكَّةَ؛ لِأَنَّهُ اسْمٌ لِمَا يُهْدَى إلَيْهَا فَإِنْ كَانَ نَذَرَ هَدْيَ شَاةٍ أَوْ بَدَنَةٍ فَإِنَّمَا يُخْرِجُهُ عَنْ الْعُهْدَةِ ذَبْحُهُ فِي الْحَرَمِ وَالتَّصَدُّقُ بِهِ هُنَاكَ فَلَا يُجْزِئُهُ إهْدَاءُ قِيمَتِهِ، وَقِيلَ فِي إهْدَاءِ قِيمَةِ الشَّاةِ رِوَايَتَانِ فَلَوْ سُرِقَ بَعْدَ الذَّبْحِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وَإِنْ نَذَرَ ثَوْبًا جَازَ التَّصَدُّقُ فِي مَكَّةَ بِعَيْنِهِ أَوْ بِقِيمَتِهِ، وَلَوْ نَذَرَ إهْدَاءَ مَا لَمْ يَنْقُلْ كَإِهْدَاءِ دَارِ وَنَحْوِهَا فَهُوَ نَذْرٌ بِقِيمَتِهَا. اهـ. فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ لَا يَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ إلَّا بِالتَّصَدُّقِ بِمَكَّةَ مَعَ أَنَّهُمْ قَالُوا لَوْ الْتَزَمَ التَّصَدُّقُ عَلَى فُقَرَاءِ مَكَّةَ بِمَكَّةَ أَلْغَيْنَا تَعْيِينَهُ الدِّرْهَمَ وَالْمَكَانِ وَالْفَقِيرِ فَعَلَى هَذَا يُفَرَّقُ بَيْنَ الْتِزَامٍ بِصِيغَةِ الْهَدْيِ وَبَيْنَهُ بِصِيغَةِ النَّذْرِ. قَوْلُهُ (لُبْسُ خَاتَمِ ذَهَبٍ أَوْ عِقْدِ لُؤْلُؤٍ لُبْسُ حُلِيٍّ) يَعْنِي لَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ حُلِيًّا فَلَبِسَ خَاتَمَ ذَهَبٍ أَوْ عِقْدَ لُؤْلُؤٍ حَنِثَ أَمَّا الذَّهَبُ فَلِأَنَّهُ حُلِيٌّ، وَلِهَذَا لَا يَحِلُّ اسْتِعْمَالُهُ لِلرِّجَالِ، وَأَمَّا عِقْدُ اللُّؤْلُؤِ فَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْمُرَصَّعَ وَغَيْرَهُ، وَهُوَ قَوْلُهُمَا، وَقَالَ الْإِمَامُ لَا يَحْنَثُ بِغَيْرِ الْمُرَصَّعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَحَلَّى بِهِ عُرْفًا إلَّا مُرَصَّعًا، وَمَبْنَى الْأَيْمَانِ عَلَى الْعُرْفِ لَهُمَا أَنَّ اللُّؤْلُؤَ حُلِيٌّ حَقِيقَةً حَتَّى سُمِّيَ بِهِ فِي الْقُرْآنِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا} [فاطر: 12] ، وَقِيلَ هَذَا اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ وَيُفْتَى بِقَوْلِهِمَا؛ لِأَنَّ التَّحَلِّيَ بِهِ عَلَى الِانْفِرَادِ مُعْتَادٌ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَلِهَذَا اخْتَارَهُ فِي الْمُخْتَصَرِ، وَأَطْلَقَ الْخَاتِمَ مِنْ الذَّهَبِ فَشَمِلَ مَا لَهُ فَصٌّ، وَمَا لَا فَصَّ لَهُ اتِّفَاقًا وَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الْحَالِفُ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ قَوْلُهُ (لَا خَاتِمَ فِضَّةٍ) أَيْ لَيْسَ بِحُلِيٍّ عُرْفًا وَلَا شَرْعًا بِدَلِيلِ أَنَّهُ أُبِيحَ لِلرِّجَالِ مَعَ مَنْعِهِمْ مِنْ التَّحَلِّي بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَإِنَّمَا أُبِيحَ لَهُمْ لِقَصْدِ التَّخَتُّمِ لَا لِقَصْدِ الزِّينَةِ فَلَمْ يَكُنْ حُلِيًّا كَامِلًا فِي حَقِّهِمْ، وَإِنْ كَانَتْ الزِّينَةُ لَازِمَ وُجُودِهِ لَكِنَّهَا لَمْ تُقْصَدْ بِهِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ مَصُوغًا عَلَى هَيْئَةِ خَاتَمِ النِّسَاءِ أَوْ لَا، وَقَيَّدَهُ فِي النِّهَايَةِ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَصُوغًا؛ لِأَنَّ مَا صِيغَ عَلَى هَيْئَةِ خَاتَمِ النِّسَاءِ بِأَنْ كَانَ ذَا فَصٍّ يَحْنَثُ بِهِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَأَطْلَقَهُ بَعْضُهُمْ كَمَا فِي الْمُخْتَصَرِ وَرَجَّحَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ فِي خَاتَمِ الْفِضَّةِ نَفْيُ كَوْنِهِ حُلِيًّا، وَإِنْ كَانَ زِينَةً. اهـ. وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ الْإِمَامِ لَا بَأْسَ لِلرِّجَالِ بِلُبْسِ اللُّؤْلُؤِ الْخَالِصِ كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَذَكَرَ الْقَلَانِسِيُّ فِي تَهْذِيبِهِ أَنَّهُ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ لَيْسَ بِحُلِيٍّ قَبْلَ الصِّيَاغَةِ حَتَّى لَوْ عَلَّقَتْ فِي عُنُقِهَا تِبْرَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لَا تَحْنَثُ وَعِنْدَهُمَا. اهـ. وَقَيَّدَ بِخَاتَمِ الْفِضَّةِ؛ لِأَنَّ الْخَلْخَالَ وَالدُّمْلُجَ وَالسِّوَارَ حُلِيٌّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا لِلتَّزَيُّنِ فَكَانَ كَامِلًا فِي مَعْنَى الْحُلِيِّ كَذَا فِي الْمُحِيطِ. وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِعِقْدِ اللُّؤْلُؤِ إلَى أَنَّ عِقْدَ الزَّبَرْجَدِ أَوْ الزُّمُرُّدِ كَذَلِكَ فَأَبُو حَنِيفَةَ شَرَطَ التَّرْصِيعَ، وَهُمَا أَطْلَقَا كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَالْحُلِيُّ بِضَمِّ الْحَاءِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ جَمَعَ حَلْيٍ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَسُكُونِ اللَّامِ كَثَدْيٍ وَثُدِيٍّ، وَقَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ سِلَاحًا، وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَقَلَّدَ سَيْفًا أَوْ تُرْسًا لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْبَسْ السِّلَاحَ، وَلَوْ لَبِسَ دِرْعًا مِنْ حَدِيدٍ أَوْ غَيْرِهِ يَحْنَثُ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي سِلَاحًا فَاشْتَرَى سِكِّينًا أَوْ حَدِيدًا لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ بَائِعَهُ لَا يُسَمَّى بَائِعَ السِّلَاحِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا أَوْ لَا يَشْتَرِي فَيَمِينُهُ عَلَى كُلِّ مَلْبُوسٍ يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ وَتَجُوزُ الصَّلَاةُ فِيهِ حَتَّى لَوْ اشْتَرَى مِسْحًا أَوْ بِسَاطًا أَوْ طَنْفَسَةً، وَلَبِسَهَا لَا يَحْنَثُ وَالْمَسْحُ الْحِلْسُ، وَهُوَ الْبِسَاطُ الْمَنْسُوجُ مِنْ شَعْرِ الْمِعْزَى وَالطَّنْفَسَةُ الْبِسَاطُ الْمَحْشُوُّ، وَلَوْ اشْتَرَى فَرْوًا أَوْ لَبِسَ فَرْوًا يَحْنَثُ وَلَوْ اشْتَرَى قَلَنْسُوَةً أَوْ لَبِسَهَا لَا يَحْنَثُ، وَلَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا صَغِيرًا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَ فُلَانٌ لَمْ يَعْمَلْ بِيَدَيْهِ لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ كَانَ يَعْمَلُ حَنِثَ) كَذَا فِيمَا رَأَيْنَاهُ مِنْ النُّسَخِ، وَهِيَ مَقْلُوبَةٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي الذَّخِيرَةِ فَإِنْ كَانَ فُلَانٌ يَعْمَلُ بِيَدِهِ لَا يَحْنَثُ إلَّا أَنْ يَلْبَسَ مِنْ عَمَلِهِ، وَإِنْ كَانَ فُلَانٌ لَا يَعْمَلُ بِيَدِهِ يَحْنَثُ، وَكَذَلِكَ عَلَى هَذَا الْأَعْمَالُ كُلُّهَا. اهـ. (قَوْلُهُ: لَا بَأْسَ لِلرِّجَالِ بِلُبْسِ اللُّؤْلُؤِ الْخَالِصِ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَجَزَمَ الْحَدَّادِيُّ فِي الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ بِحُرْمَةِ اللُّؤْلُؤِ لِلرِّجَالِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ حُلِيِّ النِّسَاءِ لَكِنَّهُ بِقَوْلِهِمَا أَلْيَقُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 392 يَحْنَثُ هَكَذَا ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ قَالُوا أَرَادَ بِهِ أَنْ يَكُونَ إزَارًا أَوْ سَرَاوِيلَ بَلْ يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ وَتَجُوزُ الصَّلَاةُ فِيهِ حَتَّى لَوْ اشْتَرَى مِنْدِيلًا يَمْتَخِطُ بِهِ لَا يَحْنَثُ، وَلَوْ حَلَفَتْ الْمَرْأَةُ أَنْ لَا تَلْبَسَ ثَوْبًا فَتَقَنَّعَتْ بِقِنَاعٍ لَمْ تَحْنَثُ إذَا لَمْ يَبْلُغْ مِقْدَارَ الْإِزَارِ، وَإِنْ بَلَغَ حَنِثَتْ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا فَلَبِسَ لِفَافَةً لَا يَحْنَثُ، وَعَلَى قِيَاسِ مَسْأَلَةِ الْخِمَارِ يَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ إذَا كَانَتْ اللِّفَافَةُ تَبْلُغُ مِقْدَارَ الْإِزَارِ، وَإِنْ اعْتَمَّ بِعِمَامَةٍ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ كَذَلِكَ إلَّا أَنْ تَكُونَ عِمَامَةً لَوْ لَفَّهَا كَانَتْ إزَارًا أَوْ رِدَاءً فَحِينَئِذٍ يَحْنَثُ، وَفِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ إنَّ اسْمَ الثَّوْبِ لَا يَنْتَظِمُ الْعِمَامَةَ وَالْقَلَنْسُوَةَ وَالْخُفَّ وَذَكَرَ خواهر زاده أَنَّ هَذَا الْجَوَابَ فِي عَمَائِمِ الْعَرَبِ؛ لِأَنَّهَا صَغِيرَةٌ لَا يَجِيءُ مِنْهَا الثَّوْبُ الْكَامِلُ فَأَمَّا فِي عَمَائِمِنَا فَالْجَوَابُ بِخِلَافِهِ؛ لِأَنَّهُ يَجِيءُ مِنْهَا الْمِئْزَرُ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ قَمِيصًا فَاتَّزَرَ بِقَمِيصٍ أَوْ ارْتَدَى بِقَمِيصٍ لَا يَحْنَثُ. وَالْأَصْلُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ مَنْ حَلَفَ عَلَى لُبْسِ ثَوْبٍ لَا بِعَيْنِهِ لَا يَحْنَثُ مَا لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ اللُّبْسُ الْمُعْتَادُ، وَإِذَا حَلَفَ عَلَى لُبْسِ ثَوْبٍ بِعَيْنِهِ فَعَلَى أَيِّ وَصْفِ لَبِسَهُ حَنِثَ فِي يَمِينِهِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا فَوَضَعَهُ عَلَى عَاتِقِهِ يُرِيدُ حَمْلَهُ أَوْ عَرْضَهُ عَلَى الْبَيْعِ لَا يَحْنَثُ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ قَبَاءً أَوْ هَذَا الْقَبَاءَ فَوَضَعَهُ عَلَى كَتِفَيْهِ، وَلَمْ يُدْخِلْ يَدَيْهِ فِي كُمَّيْهِ فَفِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ بَعْضُهُمْ قَالُوا لَا يَحْنَثُ اسْتِدْلَالًا بِمَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي الْمَنَاسِكِ أَنَّ الْمُحْرِمَ إذَا فَعَلَ هَكَذَا لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَبَعْضُهُمْ قَالُوا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الْقَبَاءَ قَدْ يُلْبَسُ هَكَذَا، وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي يَحْنَثُ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ قَبَاءً أَوْ هَذَا الْقَبَاءَ فَوَضَعَهُ عَلَى اللِّحَافِ حَالَةَ النَّوْمِ لَا يَحْنَثُ هَكَذَا حَكَى ظَهِيرُ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيُّ فَتْوَى عَمِّهِ شَمْسِ الْإِسْلَامِ الْأُوزْجَنْدِيّ اهـ. قَوْلُهُ (لَا يَجْلِسُ عَلَى الْأَرْضِ فَجَلَسَ عَلَى بِسَاطٍ أَوْ حَصِيرٍ أَوْ لَا يَنَامُ عَلَى هَذَا الْفِرَاشِ فَجَعَلَ فَوْقَهُ فِرَاشًا آخَرَ فَنَامَ عَلَيْهِ أَوْ لَا يَجْلِسُ عَلَى سَرِيرٍ فَجَعَلَ فَوْقَهُ سَرِيرًا آخَرَ لَا يَحْنَثُ) بَيَانٌ لِثَلَاثِ مَسَائِلَ الْأُولَى حَلَفَ لَا يَجْلِسُ عَلَى الْأَرْضِ فَجَلَسَ عَلَى بِسَاطٍ أَوْ حَصِيرٍ الْمَقْصُودُ أَنَّهُ جَلَسَ عَلَى حَائِلٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَرْضِ لَيْسَ بِتَابِعٍ لِلْحَالِفِ فَلَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى جَالِسًا عَلَى الْأَرْضِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْحَائِلُ ثِيَابَهُ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهُ فَلَا يَصِيرُ حَائِلًا، وَلَوْ خَلَعَ ثَوْبَهُ فَبَسَطَهُ وَجَلَسَ عَلَيْهِ لَا يَحْنَثُ لِارْتِفَاعِ التَّبَعِيَّةِ الثَّانِيَةُ حَلَفَ لَا يَنَامُ عَلَى هَذَا الْفِرَاشِ فَجَعَلَ فَوْقَهُ فِرَاشًا آخَرَ فَنَامَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ مِثْلُهُ، وَالشَّيْءُ لَا يَكُونُ تَبَعًا لِمِثْلِهِ فَتَنْقَطِعُ النِّسْبَةُ إلَى الْأَسْفَلِ قَيَّدَ بِكَوْنِ الْفِرَاشِ مُشَارًا إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ نَكَّرَهُ فَحَلَفَ لَا يَنَامُ عَلَى فِرَاشٍ حَنِثَ بِوَضْعِ الْفِرَاشِ عَلَى الْفِرَاشِ؛ لِأَنَّهُ نَامَ عَلَى فِرَاشٍ نَكِرَةٍ الثَّالِثَةُ حَلَفَ لَا يَجْلِسُ عَلَى سَرِيرٍ فَجَعَلَ فَوْقَهُ سَرِيرًا آخَرَ لَا يَحْنَثُ هَكَذَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ، وَهُوَ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ هَذَا الْحُكْمَ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا كَانَ السَّرِيرُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ مُعَيَّنًا كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يَجْلِسُ عَلَى هَذَا السَّرِيرِ فَجَعَلَ فَوْقَهُ سَرِيرًا آخَرَ فَجَلَسَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُهُ، وَأَمَّا إذَا كَانَ السَّرِيرُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ نَكِرَةً يَحْنَثُ بِالْجُلُوسِ عَلَى السَّرِيرِ الْأَعْلَى؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ الْمُنَكَّرَ يَتَنَاوَلُهُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ، وَقَيَّدَ بِالسَّرِيرِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَنَامُ عَلَى أَلْوَاحِ هَذَا السَّرِيرِ أَوْ أَلْوَاحِ هَذِهِ السَّفِينَةِ فَفَرَشَ عَلَى ذَلِكَ فِرَاشًا لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنَمْ عَلَى الْأَلْوَاحِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ قَوْلُهُ (وَلَوْ جُعِلَ عَلَى الْفِرَاشِ قِرَامٌ أَوْ عَلَى السَّرِيرِ بِسَاطٌ أَوْ حَصِيرٌ حَنِثَ) ؛ لِأَنَّ الْقِرَامَ تَبَعٌ لِلْفِرَاشِ؛ لِأَنَّهُ سَاتِرٌ رَقِيقٌ يُجْعَلُ فَوْقَهُ كَالَّتِي فِي عُرْفِنَا الْمُلَاءَةُ أَيْ الْمُلَاءَةُ الْمَجْعُولَةُ فَوْقَ الطَّرَّاحَةِ فَصَارَ كَأَنَّهُ نَامَ عَلَى نَفْسِ الْفِرَاشِ، وَذَكَرَ الشُّمُنِّيُّ أَنَّ الْقِرَامَ بِكَسْرِ الْقَافِ سِتْرٌ فِيهِ رَقْمٌ وَنَقْشٌ، وَفِي الثَّانِيَةِ يُعَدُّ جَالِسًا عَلَى السَّرِيرِ؛ لِأَنَّ الْجُلُوسَ عَلَيْهِ فِي الْعَادَةِ هُوَ الْجُلُوسُ عَلَى مَا يُفْرَشُ عَلَيْهِ. قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَهَكَذَا الْحُكْمُ فِي هَذَا الدُّكَّانِ، وَهَذَا السَّطْحِ إذَا حَلَفَ لَا يَجْلِسُ عَلَى أَحَدِهِمَا فَبَسَطَ عَلَيْهِ وَجَلَسَ حَنِثَ، وَلَوْ بَنَى دُكَّانًا فَوْقَ الدُّكَّانِ أَوْ سَطْحًا عَلَى السَّطْحِ انْقَطَعَتْ النِّسْبَةُ عَنْ الْأَسْفَلِ فَلَا يَحْنَثُ بِالْجُلُوسِ عَلَى الْأَعْلَى، وَلِذَا كُرِهَتْ الصَّلَاةُ   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 393 عَلَى سَطْحِ الْكَنِيفِ وَالْإِصْطَبْلِ، وَلَوْ بَنَى عَلَى ذَلِكَ سَطْحًا آخَرَ وَصَلَّى عَلَيْهِ لَا يُكْرَهُ، وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ حَلَفَ لَا يَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ فَمَشَى عَلَيْهَا بِنَعْلٍ أَوْ خُفٍّ حَنِثَ، وَإِنْ كَانَ عَلَى بِسَاطٍ لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ مَشَى عَلَى أَحْجَارٍ حَنِثَ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْأَرْضِ. اهـ. وَفِي الْوَاقِعَاتِ حَلَفَ لَا يَنَامُ عَلَى هَذَا الْفِرَاشِ فَأَخْرَجَ مِنْهُ الْحَشْوَ وَنَامَ عَلَيْهِ لَا يَحْنَثُ ظَاهِرًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْفِرَاشِ، وَلَوْ رَفَعَ الظِّهَارَةَ وَنَامَ عَلَى الصُّوفِ وَالْحَشْوَ ذَكَرَ بَعْدَ هَذَا أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى فِرَاشًا. اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ نِمْتُ عَلَى ثَوْبِك فَأَنْت طَالِقٌ فَاتَّكَأَ عَلَى وِسَادَةٍ لَهَا أَوْ وَضَعَ رَأْسَهُ عَلَى مِرْفَقَةٍ لَهَا أَوْ اضْطَجَعَ عَلَى فِرَاشِهَا إنْ وَضَعَ جَنْبَهُ أَوْ أَكْثَرَ بَدَنِهِ عَلَى ثَوْبٍ مِنْ ثِيَابِهَا حَنِثَ؛ لِأَنَّهُ يُعَدُّ نَائِمًا، وَإِنْ اتَّكَأَ عَلَى وِسَادَةٍ أَوْ جَلَسَ عَلَيْهَا لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ نَائِمًا. اهـ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الْيَمِينِ فِي الضَّرْبِ وَالْقَتْلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ] وَالْأَصْلُ هُنَا أَنَّ مَا شَارَكَ الْمَيِّتُ فِيهِ الْحَيَّ يَقَعُ الْيَمِينُ فِيهِ حَالَةَ الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ، وَمَا اخْتَصَّ بِحَالَةِ الْحَيَاةِ تَقَيَّدَ بِهَا قَوْلُهُ (ضَرَبْتُك، وَكَسَوْتُك، وَكَلَّمْتُك وَدَخَلْت عَلَيْك تَقَيَّدَ بِالْحَيَاةِ بِخِلَافِ الْغُسْلِ وَالْحَمْلِ وَالْمَسِّ) ؛ لِأَنَّ الضَّرْبَ اسْمٌ لِفِعْلٍ مُؤْلِمٍ مُتَّصِلٍ بِالْبَدَنِ، وَالْإِيلَامُ لَا يَتَحَقَّقُ فِي الْمَيِّتِ، وَمَنْ يُعَذَّبُ فِي الْقَبْرِ يُوضَعُ فِيهِ الْحَيَاةُ فِي قَوْلِ الْعَامَّةِ، وَكَذَلِكَ الْكِسْوَةُ؛ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهَا التَّمْلِيكُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، وَمِنْهُ الْكِسْوَةُ فِي الْكَفَّارَةِ، وَهُوَ مِنْ الْمَيِّتِ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِهِ السِّتْرَ، وَكَذَلِكَ الْكَلَامُ وَالدُّخُولُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْكَلَامِ الْإِفْهَامُ وَالْمَوْتُ يُنَافِيهِ وَالْمُرَادُ مِنْ الدُّخُولِ عَلَيْهِ زِيَارَتُهُ وَبَعْدَ الْمَوْتِ يُزَارُ قَبْرُهُ لَا هُوَ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ إنْ غَسَلْته فَأَنْت حُرٌّ فَغَسَّلَهُ بَعْدَمَا مَاتَ يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْغُسْلَ هُوَ الْإِسَالَةُ وَمَعْنَاهُ التَّطْهِيرُ وَيَتَحَقَّقُ ذَلِكَ فِي الْمَيِّتِ، وَكَذَا الْحَمْلُ يَتَحَقَّقُ بَعْدَ الْمَوْتِ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ حَمَلَ مَيِّتًا فَلْيَتَوَضَّأْ» وَالْمَسُّ لِلتَّعْظِيمِ أَوْ لِلشَّفَقَةِ فَيَتَحَقَّقُ بَعْدَ الْمَوْتِ قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ فِعْلٍ يُلِذُّ وَيُؤْلِمُ وَيَغُمُّ وَيَسُرُّ يَقَعُ عَلَى الْحَيَاةِ دُونَ الْمَمَاتِ كَالضَّرْبِ وَالشَّتْمِ وَالْجِمَاعِ وَالْكِسْوَةِ وَالدُّخُولِ عَلَيْهِ. اهـ. وَمِثْلُهُ التَّقْبِيلُ إذَا حَلَفَ لَا يُقَبِّلُهَا فَقَبَّلَهَا بَعْدَ الْمَوْتِ لَا يَحْنَثُ وَتَقْبِيلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ بَعْدَمَا أُدْرِجَ فِي الْكَفَنِ مَحْمُولٌ عَلَى ضَرْبٍ مِنْ الشَّفَقَةِ وَالتَّعْظِيمِ، وَقَيَّدَ بِالْكِسْوَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يُلْبِسُهُ ثَوْبًا لَا يَتَقَيَّدُ بِالْحَيَاةِ. (قَوْلُهُ: لَا يَضْرِبُ امْرَأَتَهُ فَمَدَّ شَعْرَهَا أَوْ خَنَقَهَا أَوْ عَضَّهَا حَنِثَ) ؛ لِأَنَّهُ اسْمٌ لِفِعْلٍ مُؤْلِمٍ، وَقَدْ تَحَقَّقَ الْإِيلَامُ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ حَالَةَ الْمِزَاحِ وَالْغَضَبِ، وَقِيلَ إنَّهُ إنْ كَانَ فِي حَالَةِ الْمِزَاحِ لَا يَحْنَثُ، وَإِلَّا حَنِثَ، وَكَذَلِكَ إذَا أَصَابَ رَأْسُهُ أَنْفَهَا فِي الْمُلَاعَبَةِ فَأَدْمَاهَا لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ ضَرْبًا فِي الْمُلَاعَبَةِ كَذَا فِي جَامِعِ قَاضِي خَانْ، وَلَا يُشْتَرَطُ الْقَصْدُ فِي الضَّرْبِ لِمَا فِي عِدَّةِ الْفَتَاوَى حَلَفَ لَا يَضْرِبُ امْرَأَتَهُ فَضَرَبَ أَمَته، وَأَصَابَ رَأْسَ امْرَأَتِهِ يَحْنَثُ. اهـ. وَفِي الذَّخِيرَةِ حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّ عَبْدَهُ مِائَةَ سَوْطٍ فَجَمَعَ مِائَةَ سَوْطٍ وَضَرَبَهُ مَرَّةً لَا يَحْنَثُ قَالُوا هَذَا إذَا ضَرَبَهُ ضَرْبًا يَتَأَلَّمُ بِهِ أَمَّا إذَا ضَرَبَهُ ضَرْبًا بِحَيْثُ لَا يَتَأَلَّمُ بِهِ لَا يَبَرُّ؛ لِأَنَّهُ صُورَةٌ لَا مَعْنًى وَالْعِبْرَةُ لِلْمَعْنَى، وَلَوْ ضَرَبَهُ بِسَوْطٍ وَاحِدٍ لَهُ شُعْبَتَانِ خَمْسِينَ مَرَّةً كُلُّ مَرَّةٍ تَقَعُ الشُّعْبَتَانِ عَلَى بَدَنِهِ بَرَّ فِي يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَتَا مِائَةَ سَوْطٍ لَمَّا وَقَعَتْ الشُّعْبَتَانِ عَلَى بَدَنِهِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ، وَإِنْ جَمَعَ الْأَسْوَاطَ جَمِيعًا وَضَرَبَهُ بِهَا ضَرْبَةً إنْ ضَرَبَ بِعَرْضِ الْأَسْوَاطِ لَا يَبَرُّ؛ لِأَنَّ كُلَّ الْأَسْوَاطِ لَمْ تَقَعْ عَلَى بَدَنِهِ، وَإِنَّمَا يَقَعُ الْبَعْضُ وَإِنْ ضَرَبَهُ بِرَأْسِ الْأَسْوَاطِ يُنْظَرُ إنْ كَانَ قَدْ سَوَّى رُءُوسَ الْأَسْوَاطِ قَبْلَ الضَّرْبِ حَتَّى إذَا ضَرَبَهُ ضَرْبًا أَصَابَهُ رَأْسُ كُلِّ سَوْطٍ بَرَّ فِي يَمِينِهِ، وَأَمَّا إذَا انْدَسَّ مِنْ الْأَسْوَاطِ شَيْءٌ لَا يَقَعُ بِهِ الْبَرُّ عَلَيْهِ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ إذَا حَلَفَ لَا يَضْرِبُ عَبْدَهُ فَوَجَأَهُ أَوْ قَرَصَهُ أَوْ مَدَّ شَعْرَهُ أَوْ زَادَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَوْ   [منحة الخالق] بَابُ الْيَمِينِ فِي الضَّرْبِ وَالْقَتْلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ) . (قَوْلُهُ: وَإِنْ ضَرَبَهُ بِرَأْسِ الْأَسْوَاطِ إلَخْ) فِي الْفَتْحِ مِنْ الْمَشَايِخِ مِنْ شَرْطٍ فِيمَا إذَا جَمَعَ بِرُءُوسِ الْأَعْوَادِ وَضَرَبَ بِهَا كَوْنُ كُلِّ عُودٍ بِحَالِ لَوْ ضَرَبَ مُنْفَرِدًا لَأَوْجَعَ الْمَضْرُوبَ وَبَعْضُهُمْ قَالُوا بَلْ يَحْنَثُ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ، وَهُوَ أَنْ لَا بُدَّ مِنْ الْأَلَمِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 394 عَضَّهُ حَنِثَ، وَلَوْ قَالَ إنْ ضَرَبْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَضَرَبَ أَمَتَهُ فَأَصَابَهَا، ذَكَرَ فِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ أَنَّهُ يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْقَصْدِ لَا يُعْدِمُ الْفِعْلَ، وَبِهِ كَانَ يُفْتِي الشَّيْخُ ظَهِيرُ الدَّيْن الْمَرْغِينَانِيُّ وَقِيلَ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَعَارَفُ وَالزَّوْجُ لَا يَقْصِدُهُ بِيَمِينِهِ، وَهَكَذَا ذَكَرَ الْبَقَّالِيُّ فِي فَتَاوَاهُ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَالْأَشْبَهُ. اهـ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَلَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَضْرِبَ فُلَانًا فَرَمَاهُ بِحَجَرٍ أَوْ نُشَّابَةٍ أَوْ نَحْوِهِمَا ذَكَرَ فِي النَّوَازِلِ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ رَمْيٌ، وَلَيْسَ بِضَرْبٍ، وَإِنْ دَفَعَهُ دَفْعًا، وَلَمْ يُوجِعْهُ لَا يَحْنَثُ، وَإِنْ عَضَّهُ أَوْ خَنَقَهُ أَوْ مَدَّ شَعْرَهُ فَآلَمَهُ حَنِثَ فِي يَمِينِهِ قَالُوا هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي حَالَةِ الْمِزَاحِ أَمَّا إذَا كَانَ فِي تِلْكَ الْحَالِ لَا يَحْنَثُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَإِنْ تَعَمَّدَ غَيْرَهُ فَأَصَابَهُ لَا يَحْنَثُ، وَكَذَا لَوْ نَفَضَ ثَوْبَهُ فَأَصَابَ وَجْهَهُ فَآلَمَهُ لَا يَحْنَثُ، وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ لَمْ أَضْرِبْك حَتَّى أَتْرُكَك لَا حَيَّةً، وَلَا مَيِّتَةً قَالَ أَبُو يُوسُفَ هَذَا عَلَى أَنْ يَضْرِبَهَا ضَرْبًا مُبَرِّحًا، وَمَتَى فَعَلَ ذَلِكَ بَرَّ فِي يَمِينِهِ رَجُلٌ حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّ عَبْدَهُ بِالسِّيَاطِ حَتَّى يَمُوتَ أَوْ حَتَّى يَقْتُلَهُ فَهُوَ عَلَى الْمُبَالَغَةِ فِي الضَّرْبِ، وَلَوْ قَالَ حَتَّى يُغْشَى عَلَيْهِ أَوْ حَتَّى يَسْتَغِيثَ أَوْ حَتَّى يَبْكِيَ فَهَذَا عَلَى حَقِيقَةِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، وَلَوْ قَالَ إنْ لَمْ أَضْرِبْهُ بِالسَّيْفِ حَتَّى يَمُوتَ فَهُوَ عَلَى أَنْ يَضْرِبَهُ بِالسَّيْفِ وَيَمُوتَ، وَلَوْ حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّ فُلَانًا بِالسَّيْفِ، وَلَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَضَرَبَهُ بِعَرْضِهِ بَرَّ فِي يَمِينِهِ، وَلَوْ ضَرَبَهُ وَالسَّيْفُ فِي غِمْدِهِ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّ فُلَانًا بِالسَّوْطِ فَلَفَّ السَّوْطَ فِي ثَوْبٍ وَضَرَبَهُ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ ضَرْبًا بِالسَّوْطِ، وَلَوْ جَرَحَهُ بِالسَّيْفِ، وَهُوَ فِي غِمْدِهِ لَكِنْ بَعْدَمَا انْشَقَّ الْغِمْدُ بَرَّ فِي يَمِينِهِ رَجُلٌ ضَرَبَ رَجُلًا بِمِقْبَضِ فَأْسٍ عَلَى رَأْسِهِ ثُمَّ حَلَفَ أَنَّهُ لَمْ يَضْرِبْهُ بِالْفَأْسِ لَا يَحْنَثُ رَجُلٌ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ لَمْ أَضْرِبْ وَلَدَك عَلَى الْأَرْضِ حَتَّى يَنْشَقَّ نِصْفَيْنِ فَأَنْت طَالِقٌ فَضَرَبَهُ عَلَى الْأَرْضِ، وَلَمْ يَنْشَقَّ وَالْيَمِينُ كَانَتْ مُؤَقَّتَةً بِيَوْمٍ فَمَضَى الْيَوْمُ طَلُقَتْ امْرَأَتُهُ وَجَعَلَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ قَالَ إنْ لَمْ أَضْرِبْك حَتَّى تَبُولَ فَإِنَّهُ يَكُونُ عَلَى الْأَمْرَيْنِ. رَجُلٌ أَرَادَ أَنْ يَضْرِبَ عَبْدَهُ فَحَلَفَ أَنْ لَا يَمْنَعَهُ أَحَدٌ عَنْ ضَرْبِهِ فَمَنَعَهُ إنْسَانٌ بَعْدَمَا ضَرَبَهُ خَشَبَةً أَوْ خَشَبَتَيْنِ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَضْرِبَهُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ قَالُوا حَنِثَ فِي يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ مُرَادَهُ أَنْ لَا يَمْنَعَهُ أَحَدٌ حَتَّى يَضْرِبَهُ إلَى أَنْ يَطِيبَ قَلْبُهُ فَإِذَا مَنَعَهُ عَنْ ذَلِكَ حَنِثَ فِي يَمِينِهِ رَجُلٌ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ وَضَعْت يَدِي عَلَى جَارِيَتِي فَهِيَ حُرَّةٌ فَضَرَبَهَا قِيلَ إنْ كَانَتْ الْيَمِينُ لِغَيْرَةِ الْمَرْأَةِ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ وَضْعِ الْيَدِ عَلَى الْجَارِيَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ الْوَضْعُ الَّذِي يَغِيظُهَا وَيَسُوءُهَا وَالْوَضْعُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَا يَغِيظُهَا، وَلَا يَسُوءُهَا بَلْ يَسُرُّهَا. رَجُلٌ حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّ فُلَانًا أَلْفَ مَرَّةٍ فَهَذَا عَلَى أَنْ يَضْرِبَهُ مِرَارًا كَثِيرَةً، وَلَوْ قَالَ إنْ لَمْ أَضْرِبْك الْيَوْمَ فَأَنْت طَالِقٌ فَأَرَادَ أَنْ يَضْرِبَهَا فَقَالَتْ الْمَرْأَةُ إنْ مَسَّ عُضْوُك عُضْوِيِّ فَعَبْدِي حُرٌّ فَضَرَبَهَا الرَّجُلُ بِخَشَبٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا لَمْ يَحْنَثْ لِفَقْدِ الشَّرْطِ، وَهُوَ مَسُّ عُضْوِهِ عُضْوَهَا وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَسِّ الْمَذْكُورِ هَاهُنَا الضَّرْبُ عُرْفًا، وَهُوَ نَظِيرُ مَا مَرَّ مِنْ قَوْلِهِ إنْ وَضَعْت يَدِي عَلَى جَارِيَتِي، وَلَوْ قَالَتْ إنْ ضَرَبْتنِي فَعَبْدِي حُرٌّ فَالْحِيلَةُ أَنْ تَبِيعَ الْمَرْأَةُ الْعَبْدَ مِمَّنْ تَثِقُ بِهِ ثُمَّ يَضْرِبُهَا الزَّوْجُ ضَرْبًا خَفِيفًا فِي الْيَوْمِ فَيَبَرُّ الزَّوْجُ وَتَنْحَلُّ يَمِينُ الْمَرْأَةِ لَا إلَى جَزَاءِ رَجُلٍ قَالَ لِامْرَأَتِهِ كُلَّمَا ضَرَبْتُك فَأَنْت طَالِقٌ فَضَرَبَهَا بِكَفِّهِ فَوَقَعَتْ الْأَصَابِعُ مُتَفَرِّقَةً طَلُقَتْ وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ الضَّرْبَ حَصَلَ بِالْكَفِّ وَالْأَصَابِعُ تَبَعٌ لَهَا، وَإِنْ ضَرَبَهَا بِيَدَيْهِ قِنًّا اثْنَتَيْنِ رَجُلٌ حَلَفَ بِاَللَّهِ أَنْ يَضْرِبَ ابْنَتَهُ الصَّغِيرَةَ عِشْرِينَ سَوْطًا فَإِنَّهُ يَضْرِبُهَا بِعِشْرِينَ شِمْرَاخًا، وَهُوَ السَّعَفُ، وَهُوَ مَا صَغُرَ مِنْ أَغْصَانِ النَّخْلِ، وَلَوْ قَالَ إنْ لَمْ تَأْتِنِي حَتَّى أَضْرِبَك فَهُوَ عَلَى الْإِتْيَانِ ضَرَبَهُ أَوْ لَمْ يَضْرِبْهُ، وَلَوْ قَالَ إنْ رَأَيْت فُلَانًا لَأَضْرِبَنَّهُ فَعَلَى التَّرَاخِي إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْفَوْرَ، وَلَوْ قَالَ إنْ رَايَتك فَلَمْ أَضْرِبْك فَرَآهُ الْحَالِفُ، وَهُوَ مَرِيضٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى الضَّرْبِ حَنِثَ، وَلَوْ قَالَ إنْ لَقِيتُك فَلَمْ أَضْرِبْك فَرَآهُ مِنْ قَدْرِ مِيلٍ لَمْ يَحْنَثْ. اهـ. (قَوْلُهُ: إنْ لَمْ أَقْتُلْ فُلَانًا فَكَذَا، وَهُوَ مَيِّتٌ إنْ عَلِمَ بِهِ حَنِثَ، وَإِلَّا لَا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِمَوْتِهِ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ عَالِمًا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: فَرَمَاهُ بِحَجَرٍ أَوْ نُشَّابَةٍ إلَخْ) اُسْتُشْكِلَ بِأَنَّ الْيَمِينَ إنْ تَعَلَّقَتْ بِصُورَةِ الضَّرْبِ عُرْفًا وَجَبَ أَنْ لَا يَحْنَثَ بِالْخَنْقِ وَنَحْوِهِ أَوْ مَعْنًى وَجَبَ أَنْ يَحْنَثَ بِالرَّمْيِ بِالْحَجَرِ أَوْ بِهِمَا فَيَحْنَثُ بِالضَّرْبِ مَعَ الْإِيلَامِ مُمَازَحَةً، وَأُجِيبَ بِأَنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ حُصُولُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، وَهُوَ الضَّرْبُ لَفْظًا، وَعُرْفًا مِثَالُهُ لَا يَبِيعُ بِعَشَرَةٍ فَبَاعَ بِتِسْعَةٍ أَوْ بِإِحْدَى عَشْرَةَ لَا يَحْنَثُ إنْ وُجِدَ شَرْطُ الْحِنْثِ عُرْفًا فِي الْأَقَلِّ لَمْ يُوجَدْ لَفْظًا، وَفِي الْأَكْثَرِ لَوْ وُجِدَ لَفْظًا لَكِنَّهُ لَمْ يُوجَدْ عُرْفًا قَالَ فِي الْفَتْحِ، وَهُوَ غَيْرُ دَافِعٍ بِقَلِيلٍ تَأَمَّلْ كَذَا فِي النَّهْرِ. (قَوْلُهُ: فَهَذَا عَلَى أَنْ يَضْرِبَهُ مِرَارًا كَثِيرَةً) ذَكَرَ فِي الْفَتْحِ قُبَيْلَ بَابِ الْيَمِينِ فِي الْحَجِّ وَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ حَلَفَ إنْ لَمْ يُجَامِعْ امْرَأَتَهُ أَلْفَ مَرَّةٍ فَهِيَ طَالِقٌ قَالُوا هَذَا عَلَى الْمُبَالَغَةِ، وَلَا تَقْدِيرَ فِيهِ وَالسَّبْعُونَ كَثِيرٌ. اهـ. . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 395 فَقَدْ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى حَيَاةٍ يُحْدِثُهَا اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ وَهُوَ مُتَصَوَّرٌ فَيَنْعَقِدُ ثُمَّ يَحْنَثُ لِلْعَجْزِ الْعَادِي، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ فَقَدْ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى حَيَاةٍ كَانَتْ فِيهِ، وَلَا يُتَصَوَّرُ فَيَصِيرُ قِيَاسُ مَسْأَلَةِ الْكُوزِ عَلَى الِاخْتِلَافِ، وَلَيْسَ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ تَفْصِيلٌ الْعِلْمُ هُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَلَوْ حَلَفَ لَيَقْتُلَنَّ فُلَانًا أَلْفَ مَرَّةٍ فَهُوَ عَلَى شِدَّةِ الْقَتْلِ رَجُلٌ حَلَفَ أَنْ لَا يَقْتُلَ فُلَانًا بِالْكُوفَةِ فَضَرَبَهُ بِالسَّوَادِ، وَمَاتَ بِالْكُوفَةِ حَنِثَ، وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَقْتُلَ فُلَانًا يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَجَرَحَهُ يَوْمَ الْخَمِيسِ، وَمَاتَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَيُعْتَبَرُ فِيهِ مَكَانُ الْمَوْتِ وَزَمَانِهِ لَا زَمَانُ الْجُرْحِ، وَمَكَانِهِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الضَّرْبُ وَالْجُرْحُ بَعْدَ الْيَمِينِ فَإِنْ كَانَا قَبْلَ الْيَمِينِ فَلَا حِنْثَ أَصْلًا؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ تَقْتَضِي شَرْطًا فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَا فِي الْمَاضِي. اهـ. قَوْلُهُ (مَا دُونَ الشَّهْرِ قَرِيبٌ، وَهُوَ وَمَا فَوْقَهُ بَعِيدٌ) ؛ لِأَنَّ مَا دُونَ الشَّهْرِ يُعَدُّ فِي الْعُرْفِ قَرِيبًا وَالشَّهْرُ، وَمَا زَادَ عَلَيْهِ يُعَدُّ بَعِيدًا يُقَالُ عِنْدَ بُعْدِ الْعَهْدِ مَا لَقِيتُك مُنْذُ شَهْرٍ فَإِذَا حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ دَيْنَهُ إلَى قَرِيبٍ فَهُوَ مَا دُونَ الشَّهْرِ، وَإِنْ قَالَ إلَى بَعِيدٍ فَهُوَ الشَّهْرُ، وَمَا فَوْقَهُ، وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ إلَى قَرِيبٍ أَوْ إلَى بَعِيدٍ، وَلَفْظُ الْعَاجِلِ وَالسَّرِيعِ كَالْقَرِيبِ وَالْآجِلُ كَالْبَعِيدِ، وَهَذَا عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ فَأَمَّا إنْ نَوَى بِقَوْلِهِ إلَى قَرِيبٍ، وَإِلَى بَعِيدٍ مُدَّةً مُعَيَّنَةً فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى حَتَّى لَوْ نَوَى سَنَةً أَوْ أَكْثَرَ فِي الْقَرِيبِ صَحَّتْ، وَكَذَا إلَى آخَرِ الدُّنْيَا؛ لِأَنَّهَا قَرِيبَةٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْآخِرَةِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُصَدَّقَ قَضَاءً؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْعُرْفِ الظَّاهِرِ، وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ إذَا حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ دَيْنَهُ قَرِيبًا فَغَابَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْحَالِفَ يَرْفَعُ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي فَإِذَا رَفَعَ إلَيْهِ بَرَّ، وَلَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الْقَاضِيَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ انْتَصَبَ نَائِبًا عَنْهُ فِي هَذَا الْحُكْمِ نَظَرًا لِلْحَالِفِ هُوَ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى. اهـ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ مَلِيًّا أَوْ طَوِيلًا إنْ نَوَى شَيْئًا فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَهُوَ عَلَى شَهْرٍ وَيَوْمٍ. اهـ. وَفِيهَا مِنْ الْفَصْلِ الْخَامِسِ حَلَفَ لَا يَحْبِسُ مِنْ حَقِّهِ شَيْئًا، وَلَا نِيَّةَ لَهُ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ سَاعَةَ حَلَفَ يُرِيدُ بِهِ أَنْ يَشْتَغِلَ بِالْإِعْطَاءِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَشْتَغِلْ بِهِ كَمَا فَرَغَ مِنْ الْيَمِينِ حَنِثَ فِي يَمِينِهِ طَلَبَ مِنْهُ أَوْ لَمْ يَطْلُبْ، وَإِنْ نَوَى الْحَبْسَ بَعْدَ الطَّلَبِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْمُدَّةِ كَانَ كَمَا نَوَى، وَإِنْ حَاسَبَهُ، وَأَعْطَاهُ كُلُّ شَيْءٍ كَانَ لَهُ لَدَيْهِ، وَأَقَرَّ بِهِ لِذَلِكَ الطَّالِبِ ثُمَّ لَقِيَهُ بَعْدَ أَيَّامٍ، وَقَالَ قَدْ بَقِيَ لِي عِنْدَك كَذَا وَكَذَا مِنْ قَبْلِ كَذَا، وَكَذَا فَتَذَكَّرَ الْمَطْلُوبَ، وَقَدْ كَانَا جَمِيعًا نَسِيَاهُ لَمْ يَحْنَثْ إنْ أَعْطَاهُ سَاعَةَ تَذَكَّرَ. [قَالَ لَأَقْضِيَنَّ دَيْنَيْ الْيَوْمَ فَقَضَاهُ نَبَهْرَجَةً أَوْ زُيُوفًا أَوْ مُسْتَحَقَّةً] (قَوْلُهُ: لَيَقْضِيَنَّ دَيْنَهُ الْيَوْمَ فَقَضَاهُ نَبَهْرَجَةً أَوْ زُيُوفًا أَوْ مُسْتَحَقَّةً بَرَّ، وَلَوْ رَصَاصًا أَوْ سَتُّوقَةً لَا) أَيْ لَا يَبَرُّ؛ لِأَنَّ الزِّيَافَةَ وَالنَّبَهْرَجَةَ عَيْبٌ وَالْعَيْبُ لَا يُعْدِمُ الْجِنْسَ، وَلِهَذَا لَوْ تَجَوَّزَ بِهِ صَارَ مُسْتَوْفِيًا فَيُوجَدُ شَرْطُ الْبِرِّ، وَقَبْضُ الْمُسْتَحَقَّةِ صَحِيحٌ، وَلَا يَرْتَفِعُ بِرَدِّهِ الْبِرُّ الْمُتَحَقِّقُ. وَإِنْ ارْتَفَعَ الْقَبْضُ؛ لِأَنَّ ارْتِفَاعَ الْقَبْضِ لِتَضَرُّرِ صَاحِبِ الدَّيْنِ بِبُطْلَانِ حَقِّهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ اسْتِيفَاءُ الْجَوْدَةِ وَحْدَهَا، وَلَا اسْتِيفَاءَ الْجِيدِ مَعَ بَقَاءِ الِاسْتِيفَاءِ الْأَوَّلِ فَتَعَيَّنَ النَّقْضُ ضَرُورَةً، وَأَمَّا الرَّصَاصُ وَالسَّتُّوقَةُ فَلَيْسَ هِيَ مِنْ جِنْسِ الدَّرَاهِمِ حَتَّى لَا يَجُوزُ التَّجَوُّزُ بِهِمَا فِي الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ وَالزُّيُوفُ الرَّدِيءُ مِنْ الدَّرَاهِمِ يَرُدُّهُ بَيْتُ الْمَالِ وَالنَّبَهْرَجَةُ أَرْدَأُ مَنْ يَرُدُّهُ النَّجَّارُ أَيْضًا وَالسَّتُّوقَةُ هِيَ الَّتِي غَلَبَ عَلَيْهَا النُّحَاسُ فَإِنْ غَلَبَتْ الْفِضَّةُ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْغَالِبِ كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ فِي النَّبَهْرَجَةِ أَنَّهُ يَرُدُّهَا مِنْ التُّجَّارِ الْمُسْتَقْضَى مِنْهُمْ وَيَقْبَلُهَا السَّهْلُ مِنْهُمْ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَذَكَرَ مِسْكِينٌ مَعْزِيًّا إلَى الرِّسَالَةِ الْيُوسُفِيَّةِ النَّبَهْرَجَةُ إذَا غَلَبَ عَلَيْهَا النُّحَاسُ لَمْ تُؤْخَذْ، وَأَمَّا السَّتُّوقَةُ فَحَرَامٌ أَخْذُهَا؛ لِأَنَّهَا فُلُوسٌ. اهـ. وَلَا فَرْقَ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ بَيْنَ لَفْظِ الْقَضَاءِ أَوْ الدَّفْعِ، وَأَطْلَقَ فِي الْمُسْتَحَقَّةِ فَشَمِلَ مَا إذَا رَدَّ بَدَلَهَا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَوْ لَا. وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ الْمُكَاتَبَ لَوْ دَفَعَ إلَى مَوْلَاهُ وَاحِدًا مِنْ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ عَتَقَ، وَلَا يَبْطُلُ عِتْقُهُ بِرَدِّ الْمَوْلَى، وَلَوْ دَفَعَ السَّتُّوقَةَ وَالرَّصَاصَ لَا يَعْتِقُ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي آخَرِ كِتَابِ الشُّفْعَةِ أَنَّ الدَّرَاهِمَ الزُّيُوفَ بِمَنْزِلَةِ الْجِيَادِ فِي خَمْسِ مَسَائِلَ أَوَّلُهَا رَجُلٌ اشْتَرَى دَارًا بِالْجِيَادِ   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 396 وَنَقَدَ الزُّيُوفَ أَخَذَ الشَّفِيعُ بِالْجِيَادِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَأْخُذُهَا إلَّا بِمَا اشْتَرَى، وَقَدْ اشْتَرَى بِالْجِيَادِ. وَالثَّانِيَةُ الْكَفِيلُ إذَا كَفَلَ بِالْجِيَادِ وَنَقَدَ الزُّيُوفَ يَرْجِعُ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ بِالْجِيَادِ. وَالثَّالِثَةُ إذَا اشْتَرَى شَيْئًا بِالْجِيَادِ وَنَقَدَ الْبَائِعُ الزُّيُوفَ ثُمَّ بَاعَهُ مُرَابَحَةً فَإِنَّ رَأْسَ الْمَالِ هُوَ الْجِيَادُ. وَالرَّابِعَةُ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ حَقَّهُ الْيَوْمَ، وَكَانَ عَلَيْهِ جِيَادٌ فَقَضَاهُ الزُّيُوفَ لَا يَحْنَثُ. وَالْخَامِسَةُ إذَا كَانَ لَهُ عَلَى آخَرَ دَرَاهِمُ جِيَادٍ فَقَبَضَ الزُّيُوفَ فَأَنْفَقَهَا، وَلَمْ يَعْلَمْ إلَّا بَعْدَ الْإِنْفَاقِ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالْجِيَادِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ كَمَا لَوْ قَبَضَ الْجِيَادَ. اهـ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ مَعْزِيًّا إلَى النَّوَازِلِ إذَا قَالَ الْمَدْيُونُ لِرَبِّ الْمَالِ وَاَللَّهِ لَأَقْضِيَنَّ مَالَك الْيَوْمَ فَأَعْطَاهُ، وَلَمْ يَقْبَلْ قَالَ إنْ وَضَعَهُ بِحَيْثُ تَنَالُهُ يَدُهُ لَوْ أَرَادَ لَا يَحْنَثُ وَالْمَغْصُوبُ مِنْهُ إذَا حَلَفَ أَنْ لَا يَقْبِضَ الْمَغْصُوبَ فَجَاءَ بِهِ الْغَاصِبُ، وَقَالَ سَلَّمْته إلَيْك فَقَالَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ لَا أَقْبَلُ لَا يَحْنَثُ وَيَبْرَأُ الْغَاصِبُ مِنْ ضَمَانِ الرَّدِّ. اهـ. وَفِيهَا رَجُلٌ حَلَفَ لَيَجْهَدَنَّ فِي قَضَاءِ مَا عَلَيْهِ لِفُلَانٍ فَإِنَّهُ يَبِيعُ مَا كَانَ الْقَاضِي يَبِيعُهُ عَلَيْهِ إذَا رَفَعَ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي. قَوْلُهُ (وَالْبَيْعُ بِهِ قَضَاءً لَا الْهِبَةُ) أَيْ لَوْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ دَيْنَهُ الْيَوْمَ فَبَاعَ مَتَاعًا لِصَاحِبِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ فَقَدْ قَضَاهُ دَيْنَهُ وَبَرَّ، وَلَوْ وَهَبَ الدَّائِنُ الدَّيْنَ مِنْ الْمَدْيُونِ فَلَيْسَ بِقَضَاءٍ؛ لِأَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ طَرِيقُهُ الْمُقَاصَّةُ، وَقَدْ تَحَقَّقَتْ بِمُجَرَّدِ الْبَيْعِ، وَلَا مُقَاصَّةَ فِي الْهِبَةِ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ فَعْلُهُ وَالْهِبَةَ إسْقَاطٌ مِنْ صَاحِبِ الدَّيْنِ، أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا قَبْلَ قَبْضِ الْمَبِيعِ، وَاشْتِرَاطُ قَبْضِ الْمَبِيعِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَقَعَ اتِّفَاقًا لِيَتَقَرَّرَ الثَّمَنُ فِي الذِّمَّةِ لَا أَنَّهُ شَرْطٌ لِلْبِرِّ حَتَّى لَوْ هَلَكَ الْمَبِيعُ لَا يَرْتَفِعُ الْبِرُّ الْمُحَقَّقُ بِبُطْلَانِ الثَّمَنِ وَشَمِلَ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ لَكِنْ يُشْتَرَطُ قَبْضُ الْمَبِيعِ فِيهِ لِوُقُوعِ الْمُقَاصَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ قَبْلَهُ فِيهِ لِتَحْصُلَ الْمُقَاصَّةُ وَلَوْ كَانَ الْحَالِفُ هُوَ الطَّالِبَ بِأَنْ قَالَ وَاَللَّهِ لَأَقْبِضَنَّ دَيْنِي الْيَوْمَ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ، وَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ مَمْلُوكًا لِلْحَالِفِ أَوْ لِغَيْرِهِ، وَكَذَا قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ إنَّ ثَمَنَ الْمُسْتَحَقِّ مَمْلُوكٌ مِلْكًا فَاسِدًا فَمِلْكُ الْمَدْيُونِ مَا فِي ذِمَّتِهِ. وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِالْبَيْعِ إلَى كُلِّ مَوْضِعٍ حَصَلَتْ فِيهِ الْمُقَاصَّةُ بَيْنَهُمَا فَلِذَا قَالُوا لَوْ تَزَوَّجَ الطَّالِبُ أَمَةَ الْمَطْلُوبِ عَلَى ذَلِكَ الْمَالِ فَدَخَلَ عَلَيْهَا أَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ لِلْمَطْلُوبِ دَيْنٌ بِالْجِنَايَةِ وَالِاسْتِهْلَاكِ لَا يَحْنَثُ، وَأَفَادَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ لَا الْهِبَةَ أَنَّهُ لَيْسَ بِقَضَاءٍ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْحِنْثِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْنَثُ فِي الْيَمِينِ الْمُؤَقَّتَةِ؛ لِأَنَّ الْبَرَّ غَيْرُ مُمْكِنٍ مَعَ هِبَةِ الدَّيْنِ، وَإِمْكَانُ الْبَرِّ شَرْطُ الْبَقَاءِ كَمَا هُوَ شَرْطُ الِابْتِدَاءِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي مَسْأَلَةِ الْكُوزِ. وَعَلَى هَذَا لَوْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ دَيْنَهُ غَدًا فَقَضَاهُ الْيَوْمَ أَوْ حَلَفَ لَيَقْتُلَنَّ فُلَانًا غَدًا فَمَاتَ الْيَوْمَ أَوْ حَلَفَ لَيَأْكُلَنَّ هَذَا الرَّغِيفَ غَدًا فَأَكَلَهُ الْيَوْمَ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ وَتَقَدَّمَ نَظَائِرُهَا، وَهُنَا فُرُوعٌ حَسَنَةٌ مَذْكُورَةٌ فِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ قَالَ لِغَرِيمِهِ وَاَللَّهِ لَا أُفَارِقُك حَتَّى أَسْتَوْفِيَ مِنْك حَقِّي ثُمَّ أَنَّهُ اشْتَرَى مِنْ مَدْيُونِهِ عَبْدًا بِذَلِكَ الدَّيْنِ قَبْلَ أَنْ يُفَارِقَهُ ثُمَّ فَارَقَهُ قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى قَوْلٍ مَنْ لَمْ يَجْعَلْهُ حَانِثًا إذَا وَهَبَ الدَّيْنَ لَهُ قَبْلَ أَنْ يُفَارِقَهُ وَقَبْلَ الْمَدْيُونِ ثُمَّ فَارَقَهُ لَا يَحْنَثُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَهَاهُنَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْنَثَ، وَعَلَى قَوْلِ مَنْ يَجْعَلُهُ حَانِثًا فِي الْهِبَةِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ يَكُونُ حَانِثًا هَاهُنَا، وَإِنْ لَمْ يُفَارِقْهُ حَتَّى مَاتَ الْعَبْدُ عِنْدَ الْبَائِعِ ثُمَّ فَارَقَهُ حَنِثَ وَلَوْ بَاعَهُ الْمَدْيُونُ عَبْدًا لِغَيْرِهِ بِذَلِكَ الدَّيْنِ ثُمَّ فَارَقَهُ الْحَالِفُ بَعْدَمَا قَبَضَ الْغَرِيمُ الْعَبْدَ ثُمَّ إنَّ مَوْلَى الْعَبْدِ اسْتَحَقَّهُ وَلَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ لَا يَحْنَثُ الْحَالِفُ؛ لِأَنَّ الْمَدْيُونَ مَلَكَ مَا فِي ذِمَّتِهِ بِهَذَا الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ ثَمَنَ الْمُسْتَحَقِّ مَمْلُوكٌ مِلْكًا فَاسِدًا، وَلَوْ بَاعَهُ الْمَدْيُونُ عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فِيهِ وَقَبَضَهُ الْحَالِفُ ثُمَّ فَارَقَهُ حَنِثَ، وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ عَلَى امْرَأَةٍ فَحَلَفَ أَنْ لَا يُفَارِقَهَا حَتَّى يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ مِنْهَا فَتَزَوَّجَهَا الْحَالِفُ عَلَى مَا لَهُ عَلَيْهَا مِنْ الدَّيْنِ فَهُوَ اسْتِيفَاءٌ لِمَا عَلَيْهَا مِنْ الدَّيْنِ، وَلَوْ بَاعَ الْمَدْيُونُ عَبْدًا أَوْ أَمَةً بِمَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ فَإِذَا هُوَ مُدَبَّرٌ أَوْ مُكَاتَبٌ أَوْ أُمُّ وَلَدٍ أَوْ كَانَ الْمُدَبَّرُ وَأُمُّ الْوَلَدِ لِغَيْرِ الْمَدْيُونِ ثُمَّ فَارَقَهُ الطَّالِبُ بَعْدَمَا قَبَضَهُ لَا يَحْنَثُ، وَلَوْ وَهَبَ الطَّالِبُ الْأَلْفَ لِلْغَرِيمِ فَقَبِلَهُ أَوْ أَحَالَ الطَّالِبُ رَجُلًا لَهُ عَلَيْهِ مَالٌ بِمَالِهِ عَلَى مَدْيُونِهِ   [منحة الخالق] قَوْلُهُ: فَدَخَلَ بِهَا) قَالَ السَّيِّدُ أَبُو السُّعُودِ فِي حَوَاشِي مِسْكِينٍ التَّقْيِيدُ بِالدُّخُولِ وَقَعَ اتِّفَاقًا فَإِنْ قُلْتُ: قَيَّدَ بِهِ لِيَتَقَرَّرَ عَلَيْهِ كُلُّ الصَّدَاقِ؛ لِأَنَّ نِصْفَهُ بِعُرْضَةِ السُّقُوطِ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ قُلْتُ: إنَّ الْبِرَّ لَا يَنْتَقِضُ بِانْتِقَاضِ الْمُقَاصَّةِ فِي نِصْفِهِ عَلَى قِيَاسِ مَا سَبَقَ فِي انْتِقَاضِ الْمُقَاصَّةِ بِالثَّمَنِ بِهَلَاكِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ. وَالْحَاصِلُ أَنِّي لَمْ أَرَ فِيهِ شَيْئًا سِوَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْقَبْضِ أَيْ قَبْضِ الْمَبِيعِ فِي جَانِبِ الْبَيْعِ، وَقَعَ اتِّفَاقًا لَا أَنَّهُ شَرْطٌ لِلْبَرِّ حَتَّى لَوْ هَلَكَ الْمَبِيعُ لَا يَرْتَفِعُ الْبَرُّ الْمُحَقَّقُ بِبُطْلَانِ الثَّمَنِ. اهـ. فَلْيَكُنْ التَّقْيِيدُ بِالدُّخُولِ فِي جَانِبِ التَّزَوُّجِ اتِّفَاقِيًّا أَيْضًا. اهـ. وَيُؤَيِّدُهُ مَسْأَلَةُ التَّزَوُّجِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْفُرُوعِ عَقِيبَهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 397 أَوْ أَحَالَ الْمَطْلُوبُ الطَّالِبَ عَلَى رَجُلٍ، وَأَبْرَأَ الطَّالِبُ الْمَطْلُوبَ الْأَوَّلَ لَا يَحْنَثُ الْحَالِفُ فِي هَذَا كُلِّهِ، وَلَوْ حَلَفَ لَيَأْخُذَنَّ مِنْ فُلَانٍ حَقَّهُ أَوْ قَالَ لَيَقْبِضَنَّ فَأَخَذَ بِنَفْسِهِ أَوْ أَخَذَ وَكِيلُهُ فَقَدْ بَرَّ فِي يَمِينِهِ. وَكَذَا لَوْ أَخَذَهُ مِنْ وَكِيلِ الْمَطْلُوبِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَخَذَهُ مِنْ رَجُلٍ كَفَلَ بِالْمَالِ عَنْ الْمَدْيُونِ بِأَمْرِ الْمَدْيُونِ أَوْ مِنْ رَجُلٍ آخَرَ أَحَالَ الْمَدْيُونَ عَلَيْهِ فَقَدْ بَرَّ فِي يَمِينِهِ كَذَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَذَكَرَ فِي الْعُيُونِ إذَا حَلَفَ الرَّجُلُ لَا يَأْخُذُ مَالَهُ مِنْ الْمَطْلُوبِ الْيَوْمَ فَقَبَضَهُ مِنْ وَكِيلِ الْمَطْلُوبِ حَنِثَ فَإِنْ قَبَضَهُ مِنْ مُتَطَوِّعٍ لَا يَحْنَثُ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَبَضَهُ مِنْ وَكِيلِهِ أَوْ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ لَمْ يَحْنَثْ قَالَ الْقُدُورِيُّ، وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ الْمَدْيُونُ لَيَقْضِيَنَّ فُلَانًا حَقَّهُ فَأَمَرَهُ غَيْرُهُ بِالْأَدَاءِ أَوْ أَحَالَهُ فَقَبَضَ بَرَّ فِي يَمِينِهِ، وَإِنْ قَضَى عَنْهُ مُتَبَرِّعٌ لَمْ يَبَرَّ، وَفِي الْعُيُونِ حَلَفَ لَا يَقْبِضُ مَالَهُ عَلَى الْغَرِيمِ فَأَحَالَ الطَّالِبُ رَجُلًا لَيْسَ لَهُ عَلَى الطَّالِبِ شَيْءٌ عَلَى غَرِيمِهِ، وَقَبَضَ ذَلِكَ الرَّجُلُ حَنِثَ فِي يَمِينِهِ وَإِنْ كَانَتْ الْحَوَالَةُ قَبْلَ الْيَمِينِ لَمْ يَحْنَثْ، وَعَلَى هَذَا إذَا وَكَّلَ رَجُلًا بِقَبْضِ الدَّيْنِ مِنْ الْمَدْيُونِ ثُمَّ حَلَفَ أَنْ لَا يَقْبِضَ مَا لَهُ عَلَيْهِ فَقَبَضَ الْوَكِيلُ بَعْدَ الْيَمِينِ لَا يَحْنَثُ، وَقَدْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ، وَهَذَا الْقَائِلُ قَاسَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى مَا إذَا، وَكَّلَ رَجُلًا أَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً أَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثُمَّ حَلَفَ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ أَوْ لَا يُطَلِّقَ ثُمَّ فَعَلَ الْوَكِيلُ ذَلِكَ حَنِثَ. وَلَوْ حَلَفَ لَا يَقْبِضُ دَيْنَهُ مِنْ غَرِيمِهِ الْيَوْمَ فَاشْتَرَى الطَّالِبُ مِنْ الْغَرِيمِ شَيْئًا فِي يَوْمِهِ، وَقَبَضَ الْمَبِيعَ الْيَوْمَ حَنِثَ، وَإِنْ قَبَضَ الْمَبِيعُ غَدًا لَا يَحْنَثُ، وَلَوْ اشْتَرَى مِنْهُ شَيْئًا بَعْدَ الْيَمِينِ فِي يَوْمِهِ شِرَاءً فَاسِدًا، وَقَبَضَهُ فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ مِثْلَ الدَّيْنِ أَوْ أَكْثَرَ حَنِثَ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ لَا يَحْنَثُ، وَإِنْ اسْتَهْلَكَ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ الْيَوْمَ فَإِنْ كَانَ الْمُسْتَهْلَكُ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ بِالِاسْتِهْلَاكِ مِثْلُهُ لَا قِيمَتُهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ مِثْلَ الدَّيْنِ أَوْ أَكْثَرَ حَنِثَ؛ لِأَنَّهُ صَارَ قَابِضًا بِطَرِيقِ الْمُقَاصَّةِ، وَلَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَغْصِبَ أَوَّلًا ثُمَّ يَسْتَهْلِكَ فَإِنْ اسْتَهْلَكَهُ، وَلَمْ يَغْصِبْهُ بِأَنْ أَحْرَقَهُ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ الْقَبْضُ فَإِذَا غَصَبَ أَوَّلًا وُجِدَ الْقَبْضُ الْمُوجِبُ لِلضَّمَانِ فَيَصِيرُ قَابِضًا دَيْنَهُ بِذَلِكَ أَمَّا إذَا اسْتَهْلَكَهُ فَلَمْ يُوجَدْ الْقَبْضُ حَقِيقَةً فَلَا يَصِيرُ قَابِضًا دَيْنَهُ كَرَجُلَيْنِ لَهُمَا عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ مُشْتَرَكٌ فَقَبَضَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْمَدْيُونِ ثَوْبًا وَاسْتَهْلَكَهُ كَانَ لِشَرِيكِهِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الدَّيْنِ، وَإِنْ أَحْرَقَهُ مِنْ غَيْرِ غَصْبٍ لَا يَرْجِعُ شَرِيكُهُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ رَجُلٌ لَهُ عَلَى رَجُلٍ ثَمَنُ مَبِيعٍ فَقَالَ إنْ أَخَذْت ثَمَنَ ذَلِكَ الشَّيْءِ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ فَأَخَذَ مَكَانَ ذَلِكَ حِنْطَةً، وَقَعَ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ عِوَضَ الثَّمَنِ، وَأَخْذُ الْعِوَضِ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ أَخْذِ الْعِوَضِ، وَلِهَذَا لَوْ كَانَ لَهُ شَرِيكٌ فِي ذَلِكَ كَانَ لِشَرِيكِهِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِحِصَّتِهِ،. وَلَوْ حَلَفَ لَا يُفَارِقُ غَرِيمَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ مَا لَهُ عَلَيْهِ فَقَعَدَ، وَهُوَ بِحَيْثُ يَرَاهُ وَيَحْفَظُهُ فَهُوَ غَيْرُ مُفَارِقٍ لَهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ حَالَ بَيْنَهُمَا سِتْرٌ أَوْ أُسْطُوَانَةٌ مِنْ أَسَاطِينِ الْمَسْجِدِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَعَدَ أَحَدُهُمَا دَاخِلَ الْمَسْجِدِ وَالْآخَرُ خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَالْبَابُ بَيْنَهُمَا مَفْتُوحٌ بِحَيْثُ يَرَاهُ، وَإِنْ تَوَارَى عَنْهُ بِحَائِطِ الْمَسْجِدِ وَالْآخَرُ خَارِجَ الْمَسْجِدِ فَقَدْ فَارَقَهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا بَابٌ مُغْلَقٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمِفْتَاحُ بِيَدِ الْحَالِفِ بِأَنْ أَدْخَلَهُ بَيْتًا وَغَلَّقَ عَلَيْهِ بَابَهُ، وَقَعَدَ عَلَى الْبَابِ فَهَذَا لَمْ يُفَارِقْهُ، وَإِنْ كَانَ الْمَحْبُوسُ هُوَ الْحَالِفَ وَالْمُخْلَى عَنْهُ هُوَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ، وَهُوَ الَّذِي أَغْلَقَ عَلَيْهِ الْبَابَ، وَأَخَذَ الْمِفْتَاحَ حَنِثَ الْحَالِفُ، وَفِي الْحِيَلِ إذَا نَامَ الطَّالِبُ أَوْ غَفَلَ عَنْ الْمَطْلُوبِ أَوْ شَغَلَهُ إنْسَانٌ بِالْكَلَامِ حَتَّى هَرَبَ الْمَطْلُوبُ لَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ مَنَعَهُ إنْسَانٌ عَنْ الْمُلَازَمَةِ حَتَّى هَرَبَ الْمَطْلُوبُ لَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ. وَفِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ رَجُلٌ حَلَفَ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ أَنَّهُ يُعْطِيهَا كُلَّ يَوْمٍ دِرْهَمًا فَرُبَّمَا يَدْفَعُ إلَيْهَا عِنْدَ الْغُرُوبِ وَرُبَّمَا يَدْفَعُ إلَيْهَا عِنْدَ الْعَشَاءِ قَالَ إذَا لَمْ يَخْلُ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ عَنْ دَفْعِ دِرْهَمٍ بَرَّ فِي يَمِينِهِ وَسُئِلَ الْأُوزْجَنْدِيّ عَمَّنْ قَالَ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ إنْ لَمْ أَقْضِ حَقَّك يَوْمَ الْعِيدِ فَكَذَا فَجَاءَ يَوْمُ الْعِيدِ إلَّا أَنَّ قَاضِيَ هَذِهِ الْبَلْدَةِ لَمْ يَجْعَلْهُ عِيدًا، وَلَمْ يُصَلِّ فِيهِ صَلَاةَ الْعِيدِ لِدَلِيلٍ   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 398 لَاحَ عِنْدَهُ، وَقَاضِيَ بَلْدَةٍ أُخْرَى جَعَلَهُ عِيدًا قَالَ إذَا حَكَمَ قَاضِي بَلْدَةٍ بِكَوْنِهِ عِيدًا يَلْزَمُ ذَلِكَ أَهْلَ بَلْدَةٍ أُخْرَى إذَا لَمْ تَخْتَلِفْ الْمَطَالِعُ كَمَا فِي الْحُكْمِ بالرمضانية وَسُئِلَ أَبُو نَصْرٍ الدَّبُوسِيُّ عَمَّنْ حَلَفَ غَرِيمُهُ أَنْ يَأْتِيَ مَنْزِلَهُ غَدًا وَيُرِيَهُ وَجْهَهُ فَأَتَاهُ فَلَمْ يَجِدْهُ، وَقَدْ غَابَ لَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ. اهـ مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ. (قَوْلُهُ: لَا يَقْبِضُ دَيْنَهُ دِرْهَمًا دُونَ دِرْهَمٍ فَقَبَضَ بَعْضَهُ لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَقْبِضَ كُلَّهُ مُتَفَرِّقًا لَا بِتَفْرِيقٍ ضَرُورِيٍّ) ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ قَبْضُ الْكُلِّ لَكِنَّهُ بِوَصْفِ التَّفْرِيقِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ أَضَافَ الْقَبْضَ إلَى دَيْنٍ مُعَرَّفٍ مُضَافًا إلَيْهِ فَيَنْصَرِفُ إلَى كُلِّهِ فَلَا يَحْنَثُ إلَّا بِهِ، وَلَا يَحْنَثُ بِالتَّفْرِيقِ الضَّرُورِيِّ وَهُوَ أَنْ يَقْبِضَ دَيْنَهُ فِي وَزْنَتَيْنِ، وَلَمْ يَتَشَاغَلْ بَيْنَهُمَا إلَّا بِعَمَلِ الْوَزْنِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَتَعَذَّرُ قَبْضُ الْكُلِّ دَفْعَةً وَاحِدَةً عَادَةً فَيَصِيرُ هَذَا الْقَبْضُ مُسْتَثْنًى عَنْهُ. وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ الْيَمِينَ لَوْ كَانَتْ مُؤَقَّتَةً بِالْيَوْمِ بِأَنْ حَلَفَ لَا يَقْبِضُ دَيْنَهُ دِرْهَمًا دُونَ دِرْهَمٍ الْيَوْمَ فَقَبَضَ الْبَعْضَ فِي الْيَوْمِ مُتَفَرِّقًا أَوْ لَمْ يَقْبِضْ شَيْئًا لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ أَخْذُ الْكُلِّ فِي الْيَوْمِ مُتَفَرِّقًا، وَلَمْ يُوجَدْ، وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ قَبَضَ الْكُلَّ جُمْلَةً ثُمَّ وُجِدَ بَعْضُهَا سَتُّوقَةٌ فَرَدَّ لَمْ يَحْنَثْ بِالرَّدِّ مَا لَمْ يَسْتَبْدِلْ؛ لِأَنَّ السَّتُّوقَةَ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهَا فَلَمْ يُوجَدْ قَبْضُ الْكُلِّ حَتَّى يَقْبِضَ الْبَدَلَ فَإِذَا قَبَضَهُ وُجِدَ قَبْضُ الْكُلِّ مُتَفَرِّقًا بِخِلَافِ مَا إذَا وُجِدَ بَعْضُهَا زُيُوفًا حَيْثُ لَا يَحْنَثُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ بَرَّ حِينَ وُجِدَ قَبْضُ الْكُلِّ وَبِالرَّدِّ لَمْ يَنْتَقِضْ الْقَبْضُ فِي حَقِّهِ عَلَى مَا مَرَّ، وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ دَيْنَهُ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ لَا يَقْبِضُ مِنْ دَيْنِهِ دِرْهَمًا دُونَ دِرْهَمٍ أَوْ إنْ قَبَضْت مِنْ دَيْنِي دِرْهَمًا دُونَ دِرْهَمٍ أَوْ إنْ أَخَذْت مِنْ دَيْنِي دِرْهَمًا دُونَ دِرْهَمٍ فَقَبَضَ الْبَعْضَ حَنِثَ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ هُنَا قَبْضُ الْبَعْضِ مِنْ الدَّيْنِ مُتَفَرِّقًا، وَفِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ قَبْضُ الْكُلِّ بِصِفَةِ التَّفْرِيقِ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَفِي الْحِيَلِ إذَا حَلَفَ لَا يَأْخُذُ مَا لَهُ عَلَى فُلَانٍ إلَّا جُمْلَةً أَوْ إلَّا جَمْعًا ثُمَّ أَرَادَ وَتُطَّلَقَ عَلَى التَّفَارِيقِ فَالْحِيلَةُ أَنْ يَتْرُكَ مِنْ حَقِّهِ دِرْهَمًا وَيَأْخُذَ الْبَاقِيَ كَيْفَ يَشَاءُ، وَفِيهِ أَيْضًا إذَا حَلَفَ لَا يَأْخُذُ مِنْ فُلَانٍ شَيْئًا مِنْ حَقِّهِ دُونَ شَيْءٍ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَهُ عَلَى التَّفَارِيقِ أَوْ أَرَادَ أَنْ يَتْرُكَ بَعْضَ حَقِّهِ يَحْنَثُ لَكِنَّ الْحِيلَةَ لَهُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ غَيْرِهِ قَضَاءً عَنْهُ فَلَا يَحْنَثُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَطْلُوبِ مَنْ يُؤَدِّي عَنْهُ، وَكَانَ لِلطَّالِبِ مَنْ يَقْبِضُ لَهُ لَمْ يَحْنَثْ فِي يَمِينِهِ. وَإِذَا حَلَفَ لَا يَتَقَاضَى فُلَانًا فَلَزِمَهُ وَلَمْ يَتَقَاضَهُ لَا يَحْنَثُ. اهـ. وَفِيهَا، وَلَوْ قَالَ لَا أُفَارِقُك الْيَوْمَ حَتَّى تُعْطِيَنِي حَقِّي الْيَوْمِ، وَهُوَ يَنْوِي أَنْ لَا يَتْرُكَ لُزُومَهُ فَمَضَى الْيَوْمُ ثُمَّ فَارَقَهُ لَا يَحْنَثُ. (قَوْلُهُ: إنْ كَانَ لِي إلَّا مِائَةً أَوْ غَيْرَ أَوْ سِوَى فَكَذَا لَمْ يَحْنَثْ بِمِلْكِهَا أَوْ بَعْضِهَا) ؛ لِأَنَّ غَرَضَهُ نَفْيُ مَا زَادَ عَلَى الْمِائَةِ فَكَانَ شَرْطُ حِنْثِهِ مِلْكَ الزِّيَادَةِ عَلَى الْمِائَةِ؛ لِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْمِائَةِ اسْتِثْنَاؤُهَا بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا وَغَيْرُ وَسِوَى كَإِلَّا؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ أَدَاةُ الِاسْتِثْنَاءِ. قَيَّدَ بِكَوْنِهِ مَلَكَ الدَّرَاهِمَ أَوْ بَعْضَهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ إنْ كَانَ لِي إلَّا مِائَةَ دِرْهَمٍ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ دَرَاهِمُ، وَكَانَ لَهُ دَنَانِيرُ حَنِثَ؛ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ مَالُ الزَّكَاةِ فَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ يَكُونُ مَالُ الزَّكَاةِ، وَالدَّنَانِيرُ مِنْ مَالِ الزَّكَاةِ. وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ عَبْدًا لِلتِّجَارَةِ أَوْ عَرَضًا لِلتِّجَارَةِ أَوْ سَوَائِمَ مِمَّا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ يَحْنَثُ سَوَاءٌ كَانَ نِصَابًا أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَلَوْ مَلَكَ عَبْدًا لِلْخِدْمَةِ أَوْ مَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الزَّكَاةِ كَالدَّرَاهِمِ وَالْعَقَارِ وَالْعُرُوضِ لِغَيْرِ التِّجَارَةِ لَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الْمُسَمَّاةُ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَبْدُهُ حُرٌّ إنْ كُنْت أَمْلِكُ إلَّا خَمْسِينَ دِرْهَمًا فَلَمْ يَمْلِكْ إلَّا عَشَرَةً لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهَا بَعْضُ الْمُسْتَثْنَى، وَلَوْ مَلَكَ زِيَادَةً عَلَى خَمْسِينَ إنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ مَالِ الزَّكَاةِ حَنِثَ، وَفِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ لَوْ قَالَ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، وَلَهُ عُرُوضٌ وَضِيَاعٌ وَدُورٌ لِغَيْرِ التِّجَارَةِ لَمْ يَحْنَثْ، وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ إنْ كَانَ لِي إلَّا مِائَةً؛ لِأَنَّهُ لَوْ اُخْتُلِفَ فِي قَدْرِ الدَّيْنِ فَقَالَ لِي عَلَيْهِ مِائَةٌ، وَقَالَ الْآخَرُ خَمْسُونَ فَقَالَ إنْ كَانَ لِي عَلَيْهِ إلَّا مِائَةً فَهَذَا لِنَفْيِ النُّقْصَانِ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ بِيَمِينِهِ الرَّدَّ عَلَى الْمُنْكِرِ، وَكَذَا لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ أَعْطَى زَيْدًا الْمِائَةَ مَثَلًا فَقَالَ زَيْدٌ لَمْ يُعْطِنِي إلَّا خَمْسِينَ فَقَالَ إنْ كُنْت أَعْطَيْته إلَّا مِائَةً فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِالْأَقَلِّ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَلَوْ قَالَ إنْ قَبَضْت مَا لِي عَلَى فُلَانٍ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَفِيهَا وَلَوْ قَالَ لَا أُفَارِقُك الْيَوْمَ حَتَّى تُعْطِيَنِي حَقِّي الْيَوْمَ) هَكَذَا فِي النُّسَخِ بِذِكْرِ الْيَوْمِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَهَكَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَقَدْ ذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ قُبَيْلَ قَوْلِ الْمَتْنِ لَا يَأْكُلُ طَعَامَ زَيْدٍ عَنْ فَتَاوَى أَبِي اللَّيْثِ، وَلَوْ قَالَ لِغَرِيمِهِ وَاَللَّهِ لَا أُفَارِقُك حَتَّى تَقْضِيَنِي حَقِّي الْيَوْمَ وَنِيَّتُهُ أَنْ لَا يَتْرُكَ لُزُومَهُ حَتَّى يُعْطِيَهُ حَقَّهُ فَمَضَى الْيَوْمُ، وَلَمْ يُفَارِقْهُ وَلَمْ يُعْطِهِ حَقَّهُ لَا يَحْنَثُ، وَإِنْ فَارَقَهُ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ يَحْنَثُ، وَلَوْ قَدِمَ الْيَوْمُ فَقَالَ لَا أُفَارِقُك الْيَوْمَ حَتَّى تُعْطِيَنِي حَقِّي فَمَضَى الْيَوْمُ، وَلَمْ يُفَارِقْهُ، وَلَمْ يُعْطِهِ حَقَّهُ لَمْ يَحْنَثْ وَإِنْ فَارَقَهُ بَعْدَ مُضِيِّ الْيَوْمِ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ وَقْتٌ لِلْفِرَاقِ ذَلِكَ الْيَوْمَ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 399 شَيْئًا دُونَ شَيْءٍ فَهُوَ فِي الْمَسَاكِينِ صَدَقَةً يَعْنِي مَا لَهُ عَلَى فُلَانٍ فَقَبَضَ تِسْعَةً فَوَهَبَهَا لِرَجُلٍ ثُمَّ قَبَضَ الدِّرْهَمَ الْبَاقِيَ يَلْزَمُهُ التَّصَدُّقُ بِالدِّرْهَمِ الْبَاقِي وَيَضْمَنُ مِثْلَ مَا وَهَبَ وَيَتَصَدَّقُ بِالضَّمَانِ. وَلَوْ قَالَ لَا أَتْرُكُك حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ فَطَلَبَ إلَيْهِ أَنْ يَتْرُكَهُ فَقَالَ قَدْ تَرَكْتُك ثُمَّ أَبَى أَنْ يَخْرُجَ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِقَوْلِهِ تَرَكْتُك. اهـ. قَوْلُهُ (لَا يَفْعَلُ كَذَا تَرَكَهُ أَبَدًا) ؛ لِأَنَّهُ نَفَى الْفِعْلَ مُطْلَقًا فَعَمَّ الِامْتِنَاعُ ضَرُورَةَ عُمُومِ النَّفْيِ. قَيَّدَ بِكَوْنِ الْيَمِينِ مُطْلَقَةً عَنْ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مُقَيَّدَةً بِهِ كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا الْيَوْمَ فَمَضَى الْيَوْمُ قَبْلَ الْفِعْلِ بَرَّ فِي يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ وَجَدَ تَرْكَ الْفِعْلِ فِي الْيَوْمِ كُلِّهِ وَكَذَلِكَ إنْ هَلَكَ الْحَالِفُ وَالْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ بَرَّ فِي يَمِينِهِ لِأَنَّ شَرْطَ الْبَرِّ عَدَمُ الْفِعْلِ، وَقَدْ تَحَقَّقَ الْعَدَمُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَقَدَّمْنَا فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْأَيْمَانِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ أَفْعَلُ كَذَا أَنَّهَا يَمِينُ النَّفْيِ وَتَكُونُ لَا مُقَدَّرَةً وَلَيْسَتْ لِلْإِثْبَاتِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ حَذْفُ نُونِ التَّوْكِيدِ وَلَامِهِ فِي الْإِثْبَاتِ فَلْيُحْفَظْ هَذَا. وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ لَا يَفْعَلُ كَذَا تَرَكَهُ أَبَدًا أَنَّ الْيَمِينَ لَا تَنْحَلُّ بِفِعْلِهِ، وَهُوَ سَهْوٌ بَلْ تَنْحَلُّ فَإِذَا حَنِثَ بِفِعْلِهِ مَرَّةً لَا يَحْنَثُ بِفِعْلِهِ ثَانِيًا (قَوْلُهُ: لَيَفْعَلَنَّهُ بَرَّ بِمَرَّةٍ) أَيْ بِفِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ مَرَّةً وَاحِدَةً فَإِذَا تَرَكَهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الْمُلْتَزَمَ فِعْلٌ وَاحِدٌ غَيْرُ عَيْنٍ إذْ الْمَقَامُ مَقَامَ الْإِثْبَاتِ فَيَبَرُّ بِأَيِّ فِعْلٍ فَعَلَهُ، وَإِنَّمَا يَحْنَثُ بِوُقُوعِ الْيَأْسِ عَنْهُ وَذَلِكَ بِمَوْتِهِ أَوْ بِفَوْتِ مَحَلِّ الْفِعْلِ قَيَّدَ بِكَوْنِ الْيَمِينِ مُطْلَقَةً؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مُؤَقَّتَةً، وَلَمْ يَفْعَلْ فِيهِ يَحْنَثُ بِمُضِيِّ الْوَقْتِ إنْ كَانَ الْإِمْكَانُ بَاقِيًا فِي آخِرِ الْوَقْتِ، وَلَمْ يَحْنَثْ إنْ لَمْ يَبْقَ بِأَنْ وَقَعَ الْيَأْسُ بِمَوْتِهِ أَوْ بِفَوْتِ الْمَحَلِّ لِأَنَّهُ فِي الْمُؤَقَّتَةِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْفِعْلُ إلَّا فِي آخِرِ الْوَقْتِ فَإِذَا مَاتَ الْفَاعِلُ أَوْ فَاتَ الْمَحَلُّ اسْتَحَالَ الْبِرُّ فِي آخَرِ الْوَقْتِ فَتَبْطُلُ الْيَمِينُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي مَسْأَلَةِ الْكُوزِ وَيَأْتِي فِيهِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ فِي فَوْتِ الْمَحَلِّ، وَفِي الْوَاقِعَاتِ حَلَفَ إنْ فَعَلْت كَذَا مَا دُمْت بِبُخَارَى فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ فَخَرَجَ مِنْ بُخَارَى ثُمَّ رَجَعَ فَفَعَلَ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ انْتَهَى الْيَمِينُ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ النَّبِيذَ مَا دَامَ بِبُخَارَى، وَفَارَقَ بُخَارَى ثُمَّ عَادَ فَشَرِبَ لَا يَحْنَثُ إلَّا إذَا عَنَى بِقَوْلِهِ مَا دُمْت بِبُخَارَى أَنْ تَكُونَ بُخَارَى وَطَنًا لَهُ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ كَوْنَهُ بِالْكُوفَةِ غَايَةً لِيَمِينِهِ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَصْلِ الرَّابِعِ مِنْهَا. قَوْلُهُ (وَلَوْ حَلَّفَهُ وَالٍ لَيُعْلِمَنَّهُ بِكُلِّ دَاعِرٍ دَخَلَ الْبَلْدَةَ تَقَيَّدَ بِقِيَامِ وِلَايَتِهِ) بَيَانٌ لِكَوْنِ الْيَمِينِ الْمُطْلَقَةِ تَصِيرُ مُقَيَّدَةً مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى كَمَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّهُ مُطْلَقَةٌ مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ لَكِنْ لَمَّا كَانَ مَقْصُودُ الْمُسْتَحْلِفِ دَفْعَ شَرِّهِ أَوْ شَرِّ غَيْرِهِ بِزَجْرِهِ فَلَا يُفِيدُ فَائِدَتَهُ بَعْدَ زَوَالِ سَلْطَنَتِهِ وَالزَّوَالُ بِالْمَوْتِ، وَكَذَا بِالْعَزْلِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَالدَّاعِرُ بِالدَّالِ وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَتَيْنِ كُلُّ مُفْسِدٍ وَجَمْعُهُ دُعَّارٌ مِنْ الدَّعْرِ، وَهُوَ الْفَسَادُ، وَمِنْهُ دَعِرَ الْعُودَ يَدْعَرُ بِكَسْرِ الْعَيْنِ فِي الْمَاضِي، وَفَتْحِهَا فِي الْمُضَارِعِ إذَا فَسَدَ، وَإِذَا تَقَيَّدَتْ بِقِيَامِ وِلَايَتِهِ بَطَلَتْ الْيَمِينُ بِعَزْلِهِ فَلَا تَعُودُ بَعْدَ تَوْلِيَتِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْفَوْرِ أَوْ التَّرَاخِي. وَفِي التَّبْيِينِ: ثُمَّ إنَّ الْحَالِفَ لَوْ عَلِمَ الدَّاعِرُ وَلَمْ يُعْلِمْهُ لَمْ يَحْنَثْ إلَّا إذَا مَاتَ هُوَ أَوْ الْمُسْتَحْلِفُ أَوْ عُزِلَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْنَثُ فِي الْيَمِينِ الْمُطْلَقَةِ بِمُجَرَّدِ التَّرْكِ بَلْ بِالْيَأْسِ عَنْ الْفِعْلِ وَذَلِكَ بِمَا ذَكَرْنَا إلَّا إذَا كَانَتْ مُؤَقَّتَةً فَيَحْنَثُ بِمُضِيِّ الْوَقْتِ مَعَ الْإِمْكَانِ وَإِلَّا فَلَا. اهـ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَلَوْ حَكَمَ بِانْعِقَادِ هَذِهِ لِلْفَوْرِ لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا اُنْظُرْ إلَى الْمَقْصُودِ، وَهِيَ الْمُبَادَرَةُ لِزَجْرِهِ وَدَفْعِ شَرِّهِ فَالدَّعَرُ يُوجِبُ التَّقْيِيدَ بِالْفَوْرِ، وَفَوْرُ عِلْمِهِ بِهِ. اهـ. وَلَيْسَ الْعُمُومُ فِي قَوْلِهِ بِكُلِّ دَاعِرٍ عَلَى بَابِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُعْلِمَهُ بِكُلِّ دَاعِرٍ فِي الدُّنْيَا، وَإِنَّمَا مُرَادُهُ كُلُّ دَاعِرٍ يَعْرِفُهُ أَوْ فِي بَلَدِهِ أَوْ دَخَلَ الْبَلَدَ، وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى مَسَائِلَ مِنْهَا لَوْ حَلَّفَ رَبُّ الدَّيْنِ غَرِيمَهُ أَوْ الْكَفِيلَ بِأَمْرِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ الْبَلَدِ إلَّا بِإِذْنِهِ تَقَيَّدَ بِالْخُرُوجِ حَالَ قِيَامِ الدَّيْنِ وَالْكَفَالَةِ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ إنَّمَا يَصِحُّ مِمَّنْ لَهُ وِلَايَةُ الْمَنْعِ، وَوِلَايَةُ الْمَنْعِ حَالٌ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: أَوْ الْكَفِيلُ بِأَمْرِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ) اُعْتُرِضَ بِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ لِلتَّقْيِيدِ بِالْأَمْرِ قُلْتُ: لَكِنَّ عِبَارَةَ الْكَافِي لِلْمُصَنِّفِ أَوْ الْكَفِيلُ بِأَمْرٍ الْمَكْفُولَ عَنْهُ فَالْكَفِيلُ بِالرَّفْعِ وَبِأَمْرٍ مُنَوَّنٍ بِدُونِ إضَافَةٍ وَالْمَكْفُولُ بِالنَّصْبِ، وَعَلَيْهِ وَالتَّقْيِيدُ لَهُ فَائِدَةٌ ظَاهِرَةٌ؛ لِأَنَّ الْكَفِيلَ بِأَمْرِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ لَهُ الرُّجُوعُ فَهُوَ كَرَبِّ الدَّيْنِ فَلَوْ حَلَفَ الْمَكْفُولُ عَنْهُ كَانَ لَهُ فَائِدَةٌ مَا دَامَتْ كَفَالَتُهُ بَاقِيَةً تَأَمَّلْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 400 قِيَامِهِ. وَمِنْهَا لَوْ حَلَفَ لَا تَخْرُجُ امْرَأَتُهُ إلَّا بِإِذْنِهِ تَقَيَّدَ بِحَالِ قِيَامِ الزَّوْجِيَّةِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ إنْ خَرَجَتْ امْرَأَتُهُ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ فَعَبْدُهُ حُرٌّ، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْإِذْنِ أَوْ حَلَفَ لَا يُقْبِلُهَا فَخَرَجَتْ بَعْدَمَا أَبَانَهَا أَوْ قَبْلَهَا بَعْدَمَا أَبَانَهَا حَيْثُ يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِيهِ دَلَالَةُ التَّقْيِيدِ فِي حَالِ قِيَامِ الزَّوْجِيَّةِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا بِغَيْرِ إذْنِك طَالِقٌ فَطَلَّقَ امْرَأَتَهُ طَلَاقًا بَائِنًا أَوْ ثَلَاثًا ثُمَّ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِهَا طَلُقَتْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقَيِّدْ يَمِينَهُ بِبَقَاءِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَتَقَيَّدُ بِهِ لَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ تَسْتَفِيدُ وِلَايَةَ الْإِذْنِ وَالْمَنْعِ بِعَقْدِ النِّكَاحِ. وَمِنْهَا لَوْ أَنَّ سُلْطَانًا حَلَّفَ رَجُلًا أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ الْبَلَدِ إلَّا بِإِذْنِهِ ثُمَّ خَرَجَ بَعْدَ عَزْلِهِ بِدُونِ إذْنِهِ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ تَقَيَّدَتْ بِحَالِ قِيَامِ السَّلْطَنَةِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَلَمْ أَرَ حُكْمَ مَا إذَا حَلَّفَهُ وَالٍ لَيُعْلِمَنَّهُ بِكُلِّ دَاعِرٍ ثُمَّ عُزِلَ مِنْ وَظِيفَتِهِ وَتَوَلَّى وَظِيفَةً أُخْرَى أَعْلَى مِنْهَا كَالدُّوَيْدَارِ إذَا حَلَّفَ حَقِيرًا ثُمَّ صَارَ وَالِيًا، وَهُوَ الْمُسَمَّى فِي زَمَانِنَا بالصوباشاه وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَبْطُلَ الْيَمِينُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُتَمَكِّنًا مِنْ إزَالَةِ الْفَسَادِ أَكْثَرَ مِنْ الْحَالَةِ الْأُولَى. قَوْلُهُ (يَبَرُّ بِالْهِبَةِ بِلَا قَبُولٍ بِخِلَافِ الْبَيْعِ) فَإِذَا حَلَفَ لَيَهَبَنَّ فُلَانًا فَوَهَبَ لَهُ فَلَمْ يَقْبَلْ فَإِنَّهُ يَبَرُّ، وَلَوْ حَلَفَ لَيَبِيعَنِّ كَذَا فَبَاعَهُ فَلَمْ يَقْبَلْ الْمُشْتَرِي لَا يَبَرُّ، وَكَذَا فِي طَرَفِ النَّفْيِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْهِبَةَ عَقْدُ تَبَرُّعٍ فَيَتِمُّ بِالْمُتَبَرِّعِ، وَلِهَذَا يُقَالُ وَهَبْت وَلَمْ يَقْبَلْ؛ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ إظْهَارُ السَّمَاحَةِ، وَذَلِكَ يَتِمُّ بِهِ، وَأَمَّا الْبَيْعُ فَمُعَاوَضَةٌ فَاقْتَضَى الْفِعْلَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ. وَالْأَصْلُ أَنَّ اسْمَ عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالصَّرْفِ وَالسَّلَمِ وَالنِّكَاحِ وَالرَّهْنِ وَالْخُلْعِ بِإِزَاءِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ مَعًا، وَفِي عُقُودِ التَّبَرُّعَاتِ بِإِزَاءِ الْإِيجَابِ فَقَطْ كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْعَارِيَّةِ وَالْعَطِيَّةِ وَالْوَصِيَّةِ وَالْعُمْرَى وَالْإِقْرَارِ وَالْهَدِيَّةِ، وَقَالَ زُفَرُ هِيَ كَالْبَيْعِ، وَفِي الْبَيْعِ، وَمَا مَعَهُ الِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّهُ لِلْمَجْمُوعِ فَلِذَا، وَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ بِعْتُك أَمْسِ هَذَا الثَّوْبَ فَلَمْ تَقْبَلْ فَقَالَ بَلْ قَبِلْت أَوْ آجَرْتُك هَذِهِ الدَّارَ فَلَمْ تَقْبَلْ فَقَالَ بَلْ قَبِلْت الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي وَالْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِالْبَيْعِ تَضَمَّنَ إقْرَارَهُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَقَوْلُهُ فَلَمْ يَقْبَلْ رُجُوعٌ عَنْهُ، وَكَذَا عَلَى عَدَمِ الْحِنْثِ إذَا حَلَفَ لَا يَبِيعُ فَأَوْجَبَ فَقَطْ، وَعَلَى الْحِنْثِ لَوْ حَلَفَ لَيَبِيعَنَّ الْيَوْمَ فَأَوْجَبَ فِيهِ فَقَطْ وَوَقَعَ الْخِلَافُ فِيهِ لَوْ كَانَ بِلَفْظِ الْهِبَةِ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْقَرْضُ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ قَبُولَ الْمُسْتَقْرِضِ لَا بُدَّ مِنْهُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْقَرْضَ فِي حُكْمِ الْمُعَاوَضَةِ فَلَوْ قَالَ أَقْرَضَنِي فُلَانٌ أَلْفًا فَلَمْ أَقْبَلَ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ: وَنُقِلَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِيهِ رِوَايَتَانِ. وَالْإِبْرَاءُ يُشْبِهُ الْبَيْعَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُفِيدُ الْمِلْكَ بِاللَّفْظِ دُونَ قَبْضٍ وَالْهِبَةَ؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ بِلَا عِوَضٍ، وَلِهَذَا ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ أَنَّ فِي الْقَرْضِ وَالْإِبْرَاءِ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا، وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ فِيهِمَا كَالْهِبَةِ، وَقِيلَ الْأَشْبَهُ أَنْ يَلْحَقَ الْإِبْرَاءُ بِالْهِبَةِ لِعَدَمِ الْعِوَضِ وَالْقَرْضِ بِالْبَيْعِ، وَلَا يُعْلَمُ خِلَافٌ أَنَّ الِاسْتِقْرَاضَ كَالْهِبَةِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِابْنِ الْمَلَكِ، وَهَاهُنَا دَقِيقَةٌ، وَهِيَ أَنَّ حَضْرَةَ الْمَوْهُوبِ لَهُ شَرْطٌ فِي الْحِنْثِ حَتَّى لَوْ وَهَبَ الْحَالِفُ مِنْهُ، وَهُوَ غَائِبٌ لَا يَحْنَثُ اتِّفَاقًا. اهـ. وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى مَا فِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ قَالَ إنْ وَهَبَ لِي فُلَانٌ هَذَا الْعَبْدَ فَهُوَ حُرٌّ فَقَالَ فُلَانٌ وَهَبْته لَك فَقَالَ الْحَالِفُ قَبِلْت، وَقَبَضْته قَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَعْتِقُ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ هِبَةٌ قَبْلَ الْقَبُولِ. (قَوْلُهُ: لَا يَشُمُّ رَيْحَانًا لَا يَحْنَثُ بِشَمِّ وَرْدٍ وَيَاسَمِينَ) ؛ لِأَنَّ الرَّيْحَانَ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ مَا لِسَاقِهِ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ كَمَا لِوَرِقِهِ، وَقِيلَ فِي عُرْفِ أَهْلِ الْعِرَاقِ اسْمٌ لِمَا لَا سَاقَ لَهُ مِنْ الْبُقُولِ مِمَّا لَهُ رَائِحَةٌ مُسْتَلَذَّةٌ وَقِيلَ اسْمُ مَا لَيْسَ لَهُ شَجَرٌ، وَعَلَى كُلٍّ فَلَيْسَ الْوَرْدُ وَالْيَاسَمِينُ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ فِي اللُّغَةِ اسْمٌ لِكُلِّ مَا طَابَ رِيحُهُ مِنْ النَّبَاتِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَاَلَّذِي يَجِبُ أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ فِي دِيَارِنَا إهْدَارُ ذَلِكَ كُلِّهِ؛ لِأَنَّ الرَّيْحَانَ مُتَعَارَفٌ لِنَوْعٍ وَهُوَ رَيْحَانُ الْحَمَاحِمِ، وَأَمَّا الرَّيْحَانُ التَّرْنَجِيُّ مِنْهُ فَيُمْكِنُ أَنْ لَا يَكُونَ؛ لِأَنَّهُمْ يُلْزِمُونَهُ التَّقْيِيدَ فَيُقَالُ رَيْحَانٌ تَرَنْجِيٌّ وَعِنْدَنَا يُطَلِّقُونَ اسْمَ الرَّيْحَانِ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ إلَّا الْحَمَاحِمَ فَلَا يَحْنَثُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَمِنْهَا لَوْ حَلَفَ لَا تَخْرُجُ امْرَأَتُهُ إلَّا بِإِذْنِهِ إلَخْ) تَقَدَّمَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَتْنًا فِي بَابِ الْيَمِينِ فِي الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ وَذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ فِي بَابِ التَّعْلِيقِ مِنْ كِتَابِ الطَّلَاقِ لَا يُقَالُ إنَّ الْبُطْلَانَ لِتَقْيِيدِهِ بِامْرَأَتِهِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَبْقَ امْرَأَتُهُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَوْ كَانَ لِإِضَافَتِهَا إلَيْهِ لَمْ يَحْنَثْ فِيمَا لَوْ حَلَفَ لَا تَخْرُجُ امْرَأَتُهُ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ فَطَلَّقَهَا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَخَرَجَتْ، وَفِيمَا لَوْ قَالَ إنْ قَبَّلْت امْرَأَتِي فُلَانَةَ فَعَبْدِي حُرٌّ فَقَبَّلَهَا بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ مَعَ أَنَّهُ يَحْنَثُ فِيهِمَا كَمَا فِي الْمُحِيطِ مُعَلِّلًا بِأَنَّ الْإِضَافَةَ لِلتَّعْرِيفِ لَا لِلتَّقْيِيدِ. اهـ. لَكِنْ ذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ قَبْلَ هَذَا مَا نَصُّهُ: وَفِي الْقُنْيَةِ إنْ سَكَنْت فِي هَذِهِ الْبَلْدَةِ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ وَخَرَجَ عَلَى الْفَوْرِ وَخَلَعَ امْرَأَتَهُ ثُمَّ سَكَنَهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لَا تَطْلُقُ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِامْرَأَتِهِ وَقْتَ وُجُودِ الشَّرْطِ. اهـ. فَقَدْ بَطَلَتْ الْيَمِينُ بِزَوَالِ الْمِلْكِ هُنَا فَعَلَى هَذَا يُفَرَّقُ بَيْنَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 401 إلَّا بِعَيْنِ ذَلِكَ النَّوْعِ. اهـ. وَمَا قَالَهُ هُوَ الْوَاقِعُ فِي مِصْرَ وَيَشَمُّ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَالشَّيْنِ مُضَارِعُ شَمَمْت الطِّيبَ بِكَسْرِ الْمِيمِ فِي الْمَاضِي هَذِهِ هِيَ اللُّغَةُ الْمَشْهُورَةُ الْفَصِيحَةُ. وَأَمَّا شَمَمْته أَشُمُّهُ بِفَتْحِ الْمِيمِ فِي الْمَاضِي وَضَمِّهَا فِي الْمُضَارِعِ فَقَدْ أَنْكَرَهَا بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ، وَقَالَ هُوَ خَطَأٌ وَصَحَّحَ عَدَمَهُ فَقَدْ نَقَلَهَا الْفَرَّاءُ وَغَيْرُهُ، وَإِنْ كَانَتْ لَيْسَتْ بِفَصِيحَةٍ ثُمَّ يَمِينُ الشَّمِّ تَنْعَقِدُ عَلَى الشَّمِّ الْمَقْصُودِ فَلَوْ حَلَفَ لَا يَشَمُّ طِيبًا فَوَجَدَ رِيحَهُ لَمْ يَحْنَثْ، وَلَوْ وَصَلَتْ الرَّائِحَةُ إلَى دِمَاغِهِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. قَوْلُهُ (الْبَنَفْسَجُ وَالْوَرْدُ عَلَى الْوَرَقِ) فَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي بَنَفْسَجًا أَوْ وَرْدًا فَاشْتَرَى وَرَقَهُمَا يَحْنَثُ وَلَوْ اشْتَرَى دُهْنَهُمَا لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُمَا يَقَعَانِ عَلَى الْوَرِقِ دُونَ الدُّهْنِ فِي عُرْفِنَا كَذَا فِي الْكَافِي، وَفِي الْمَبْسُوطِ لَوْ اشْتَرَى وَرَقَ الْبَنَفْسَجِ لَا يَحْنَثُ، وَلَوْ اشْتَرَى دُهْنَهُ يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْبَنَفْسَجِ إذَا أُطْلِقَ يُرَادُ بِهِ الدُّهْنُ وَيُسَمَّى بَائِعُهُ بَائِعَ الْبَنَفْسَجِ فَيَصِيرُ هُوَ بِشِرَائِهِ مُشْتَرِي الْبَنَفْسَجِ أَيْضًا، وَهُوَ رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّهُ يَحْنَثُ بِالْوَرَقِ كَالدُّهْنِ، وَهَذَا شَيْءٌ يُبْتَنَى عَلَى الْعُرْفِ، وَفِي عُرْفِ أَهْلِ الْكُوفَةِ بَائِعُ الْوَرَقِ لَا يُسَمَّى بَائِعَ الْبَنَفْسَجِ، وَإِنَّمَا يُسَمَّى بَائِعَ الدُّهْنِ فَبَنَى الْجَوَابَ فِي الْكِتَابِ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ شَاهَدَ الْكَرْخِيُّ عُرْفَ أَهْلِ بَغْدَادَ أَنَّهُمْ يُسَمُّونَ بَائِعَ الْوَرَقِ وَبَائِعَ الْبَنَفْسَجِ أَيْضًا فَقَالَ يَحْنَثُ وَبِهِ، وَقَالَ هَكَذَا فِي دِيَارِنَا أَعْنِي فِي الْمَبْسُوطِ، وَلَا يُقَالُ فِي أَحَدِهِمَا حَقِيقَةً، وَفِي الْآخَرِ مَجَازًا بَلْ فِيهِمَا حَقِيقَةٌ وَيَحْنَثُ فِيهِمَا بِاعْتِبَارِ عُمُومِ الْمَجَازِ، وَالْيَاسَمِينُ قِيَاسُ الْوَرْدِ لَا يَتَنَاوَلُ الدُّهْنَ؛ لِأَنَّ دُهْنَهُ يُسَمَّى زَنْبَقًا لَا يَاسَمِينًا، وَكَذَا الْحِنَّاءُ يَتَنَاوَلُ الْوَرَقَ هَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ، وَقَالَ فِي الْكَافِي فِي الْحِنَّاءِ تَقَعُ فِي عُرْفِنَا عَلَى الْمَدْقُوقِ. [حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ فَزَوَّجَهُ فُضُولِيٌّ وَأَجَازَ بِالْقَوْلِ] قَوْلُهُ (حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ فَزَوَّجَهُ فُضُولِيٌّ، وَأَجَازَ بِالْقَوْلِ حَنِثَ وَبِالْفِعْلِ لَا) أَيْ لَا يَحْنَثُ، وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ وَالْفَتْوَى عَلَيْهِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مِنْ أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِالْإِجَازَةِ بِالْقَوْلِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ هُوَ التَّزَوُّجُ، وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ الْعَقْدِ، وَهُوَ مُخْتَصٌّ بِالْقَوْلِ، وَالْإِجَازَةُ اللَّاحِقَةِ كَالْوَكَالَةِ السَّابِقَةِ فَيَكُونُ لِلْفُضُولِيِّ حُكْمُ الْوَكِيلِ، وَلِلْمُجِيزِ حُكْمُ الْمُوَكِّلِ، وَالْإِجَازَةُ بِالْفِعْلِ بَعْثُ الْمَهْرِ أَوْ شَيْءٍ مِنْهُ وَالْمُرَادُ الْوُصُولُ إلَيْهَا ذَكَرَهُ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ، وَقِيلَ سَوْقُ الْمَهْرِ يَكْفِي سَوَاءٌ وَصَلَ إلَيْهَا أَمْ لَا؛ لِأَنَّ الْمُجَوِّزَ الْإِجَازَةُ بِالْفِعْلِ، وَهِيَ تَتَحَقَّقُ بِالسَّوْقِ وَبَعْثُ الْهَدِيَّةِ لَا تَكُونُ إجَازَةً؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِالنِّكَاحِ، وَلَوْ قَبَّلَهَا بِشَهْوَةٍ أَوْ جَامَعَهَا تَكُونُ إجَازَةً بِالْفِعْلِ لَكِنْ يُكْرَهُ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ لِقُرْبِ نُفُوذِ الْعَقْدِ مِنْ الْمَحْرَمِ. وَلَوْ أَجَازَ فِي نِكَاحِ الْفُضُولِيِّ بِالْكِتَابَةِ هَلْ تَكُونُ إجَازَةً بِالْقَوْلِ أَوْ بِالْفِعْلِ ذَكَرَ فِي أَيْمَانِ الْجَامِعِ فِي الْفَتَاوَى إذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا أَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقُولُ: لِفُلَانٍ شَيْئًا فَكَتَبَ إلَيْهِ كِتَابًا لَا يَحْنَثُ وَذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ فِي نَوَادِرِهِ أَنَّهُ يَحْنَثُ قَيَّدَ بِكَوْنِ التَّزَوُّجِ بَعْدَ الْيَمِينِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ زَوَّجَهُ فُضُولِيٌّ ثُمَّ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ فَأَجَازَ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِالْقَوْلِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا تَسْتَنِدُ إلَى وَقْتِ الْعَقْدِ، وَفِيهِ لَا يَحْنَثُ بِمُبَاشَرَتِهِ فَبِالْإِجَازَةِ أَوْلَى. وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يُزَوِّجُ عَبْدَهُ أَوْ أَمَتَهُ فَأَجَازَ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ كَمَا يَحْنَثُ بِالتَّوْكِيلِ؛ لِأَنَّهُ مُضَافٌ إلَى مُتَوَقِّفٍ عَلَى إذْنِهِ لِمِلْكِهِ وَوِلَايَتِهِ، وَكَذَا الْحُكْمُ فِي ابْنِهِ وَابْنَتِهِ الصَّغِيرَيْنِ لِوِلَايَتِهِ عَلَيْهِمَا، وَلَوْ كَانَا كَبِيرِينَ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِالْمُبَاشَرَةِ لِعَدَمِ وِلَايَتِهِ عَلَيْهِمَا بَلْ هُوَ كَالْأَجْنَبِيِّ عَنْهُمَا فَتَتَعَلَّقُ بِحَقِيقَةِ الْعَقْدِ، وَهُوَ مُبَاشَرَتُهُ الْعَقْدَ وَلَوْ كَانَ الْحَالِفُ هُوَ الْعَبْدَ أَوْ الِابْنَ فَزَوَّجَهُ مَوْلَاهُ، وَهُوَ كَارِهٌ أَوْ أَبُوهُ، وَهُوَ مَجْنُونٌ حَيْثُ لَا يَحْنَثَانِ بِهِ بِخِلَافِ الْمُكْرَهِ لِوُجُودِ الْفِعْلِ مِنْهُ حَقِيقَةً دُونَهُمَا. وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ فَإِنَّ كُلَّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا أَوْ يُزَوِّجُهَا غَيْرِي لِأَجْلِي وَأُجِيزُهُ فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا لَا وَجْهَ لِجَوَازِهِ، وَفِي رَقْمِ حُرٍّ فَحِيلَتُهُ أَنْ يُزَوِّجَهُ فُضُولِيٌّ بِلَا أَمْرِهِمَا فَيُجِيزُهُ هُوَ فَيَحْنَثُ قَبْلَ إجَازَةِ الْمَرْأَةِ لَا إلَى جَزَاءٍ لِعَدَمِ الْمِلْكِ ثُمَّ تُجِيزُهُ هِيَ فَإِجَازَتُهَا   [منحة الخالق] كَوْنِ الْجَزَاءِ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَبَيْنَ كَوْنِهِ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ؛ لِأَنَّهَا بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ لَمْ تَبْقَ امْرَأَتُهُ فَلْيُحْفَظْ هَذَا فَإِنَّهُ حَسَنٌ جِدًّا. اهـ. قُلْتُ: وَعَلَى هَذَا فَاعْتِبَارُ التَّقْيِيدِ فِي الْإِضَافَةِ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُعَلَّقُ طَلَاقَهَا لَا غَيْرَهُ فَلَا يُنَافِي مَا فِي الْمُحِيطِ تَأَمَّلْ. [حَلَفَ لَيَهَبَنَّ فُلَانًا فَوَهَبَ لَهُ فَلَمْ يَقْبَلْ] (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ هُوَ التَّزَوُّجُ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ وَبِهِ انْدَفَعَ (قَوْلُهُ: وَالْإِجَازَةُ بِالْفِعْلِ بَعْثُ الْمَهْرِ أَوْ شَيْءٍ مِنْهُ) قَالَ فِي الْقَاسِمِيَّةِ، وَقَوْلُهُ ادْفَعْ الدَّرَاهِمَ إلَيْهَا إجَازَةٌ مِنْهُ بِالْفِعْلِ، وَقَدْ حَصَلَتْ، وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهَا، وَقَالَ هَذَا مَهْرُك قَالَ ظَهِيرُ الدِّينِ يَكُونُ إجَازَةً بِالْقَوْلِ، وَلَوْ كَانَتْ صَغِيرَةً يَبْعَثُ إلَى وَلِيِّهَا، وَهَلْ تَكُونُ الْخَلْوَةُ إجَازَةً قَالَ فِي الْفُصُولِ ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ أَنَّهُ يَكُونُ إجَازَةً كَذَا ذَكَرَهُ فِي فَتَاوَى ظَهِيرِ الدِّينِ إِسْحَاقَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ نَفْسُ الْخَلْوَةِ لَا تَكُونُ إجَازَةً الجزء: 4 ¦ الصفحة: 402 لَا تَعْمَلُ فَيُجَدِّدَانِ فَيَجُوزُ زَادَ الْيَمِينُ انْعَقَدَتْ عَلَى تَزَوُّجٍ وَاحِدٍ، وَهَذِهِ الْحِيلَةُ إنَّمَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا إذَا قَالَ فِي حَلِفِهِ وَأُجِيزُهُ أَمَّا إذَا لَمْ يَقُلْ قَالَ النَّسَفِيُّ يُزَوِّجُ الْفُضُولِيُّ لِأَجْلِهِ فَتَطْلُقُ ثَلَاثًا إذْ الشَّرْطُ تَزْوِيجُ الْغَيْرِ لَهُ مُطْلَقًا، وَلَكِنَّهَا لَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ لِطَلَاقِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فِي مِلْكِ الزَّوْجِ أَقُولُ: فِيهِ تَسَامُحٌ؛ لِأَنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ قَبْلَ الْمِلْكِ مُحَالٌ. اهـ. وَفِي الْخُلَاصَةِ لَوْ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ تَدْخُلُ فِي نِكَاحِي فَهِيَ طَالِقٌ فَهَذَا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا وَكَذَا لَوْ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ تَصِيرُ حَلَالًا لِي، وَلَوْ قَالَ كُلُّ عَبْدٍ يَدْخُلُ فِي مِلْكِي فَهُوَ حُرٌّ فَاشْتَرَى فُضُولِيٌّ عَبْدًا فَأَجَازَ هُوَ بِالْفِعْلِ يَحْنَثُ عِنْدَ الْكُلِّ؛ لِأَنَّ لِلْمِلْكِ أَسْبَابًا كَثِيرَةً. اهـ. وَعَلَّلَ فِي عُمْدَةِ الْفَتَاوَى لِلْأَوَّلِ بِأَنَّ الدُّخُولَ فِي النِّكَاحِ لَيْسَ لَهُ إلَّا سَبَبٌ وَاحِدٌ هُوَ النِّكَاحُ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَذْكُرَهُ أَوْ لَا. اهـ. فَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ تَدْخُلُ فِي عِصْمَتِي فَهِيَ طَالِقٌ فَإِنَّهُ يُزَوِّجُهُ فُضُولِيٌّ وَيُجِيزُ بِالْفِعْلِ وَلَا يَحْنَثُ كَمَا لَا يَخْفَى، وَفِي الْقُنْيَةِ إنْ تَزَوَّجْت عَلَيْك فَأَمْرُهَا بِيَدِك فَزَوَّجَهُ فُضُولِيٌّ فَأَجَازَ بِالْفِعْلِ لَا يَصِيرُ الْأَمْرُ بِيَدِهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ إنْ دَخَلْت امْرَأَةٌ فِي نِكَاحِي فَأَمْرُهَا بِيَدِك فَإِنَّ الْأَمْرَ يَصِيرُ بِيَدِهَا. اهـ. وَهَاهُنَا تَعْلِيقٌ كَثِيرُ الْوُقُوعِ فِي مِصْرَ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ إنْ تَزَوَّجْت امْرَأَةً بِنَفْسِي أَوْ بِوَكِيلِي أَوْ بِفُضُولِيٍّ فَأَنْت طَالِقٌ أَوْ فَهِيَ طَالِقٌ فَهَلْ لَهُ مُخَلِّصٌ؟ . قُلْتُ: إذَا أَجَازَ عَقْدَ الْفُضُولِيِّ بِالْفِعْلِ فَلَا يَقَعُ عَلَيْهِ طَلَاقٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَوْ بِفُضُولِيٍّ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِنَفْسِي وَالْعَامِلُ فِيهِ تَزَوَّجْت، وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْقَوْلِ فَقَوْلُهُ أَوْ بِفُضُولِيٍّ إنَّمَا يَنْصَرِفُ إلَى إجَازَتِهِ بِالْقَوْلِ فَقَطْ فَلَوْ زَادَ عَلَيْهِ أَوْ دَخَلَتْ فِي نِكَاحِي أَوْ فِي عِصْمَتِي فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ الدُّخُولَ فِيهِ لَيْسَ لَهُ إلَّا سَبَبٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ التَّزَوُّجُ، وَهُوَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْقَوْلِ فَلَوْ زَادَ عَلَيْهِ أَوْ أَجَزْت نِكَاحَ فُضُولِيٍّ، وَلَوْ بِفِعْلٍ فَلَا مُخَلِّصَ لَهُ إلَّا إذَا كَانَ الْمُعَلَّقُ طَلَاقَ الْمُتَزَوِّجَةِ فَيُرْفَعُ الْأَمْرُ إلَى شَافِعِيٍّ لِيَفْسَخَ الْيَمِينَ الْمُضَافَةَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي بَابِ التَّعْلِيقِ. (قَوْلُهُ: وَدَارُهُ بِالْمِلْكِ وَالْإِجَارَةِ) أَيْ لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ يَحْنَثُ بِدُخُولِ مَا يَسْكُنُهُ بِالْمِلْكِ وَالْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمَسْكَنُ عُرْفًا فَدَخَلَ مَا يَسْكُنُهُ بِأَيِّ سَبَبٍ كَانَ بِإِجَارَةٍ أَوْ إعَارَةٍ أَوْ مِلْكٍ بِاعْتِبَارِ عُمُومِ الْمَجَازِ وَمَعْنَاهُ أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ الْحَقِيقَةِ فَرْدًا مِنْ أَفْرَادِ الْمَجَازِ لَا بِاعْتِبَارِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ قَيَّدْنَا بِأَنْ تَكُونَ مَسْكَنُهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ سَاكِنًا فِيهَا، وَهِيَ مِلْكُهُ لَا يَحْنَثُ قَالَ فِي الْوَاقِعَاتِ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ فَدَخَلَ دَارًا بَيْنَ فُلَانٍ وَغَيْرِهِ، وَفُلَانٌ سَاكِنُهَا لَا يَحْنَثُ إلَّا أَنْ يَدُلَّ الدَّلِيلُ عَلَى دَارِ الْغَلَّةِ أَوْ غَيْرِهَا، وَأَطْلَقَ فِي الْمِلْكِ فَشَمِلَ الدَّارَ الْمُشْتَرَكَةَ فَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يُزَوِّجُهُ فُضُولِيٌّ وَيُجِيزُ بِالْفِعْلِ) أَقُولُ: مُقْتَضَى مَا مَرَّ مِنْ قَوْلِهِ، وَهَذِهِ الْحِيلَةُ إنَّمَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا إلَخْ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى قَوْلِهِ وَيُجِيزُ بِالْفِعْلِ إذْ لَا فَرْقَ يَظْهَرُ بَيْنَ تَدْخُلُ فِي عِصْمَتِي وَبَيْنَ تَدْخُلُ فِي نِكَاحِي أَوْ تَصِيرُ حَلَالًا لِي، وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ الْخُلَاصَةِ أَنَّ هَذَيْنِ بِمَنْزِلَةِ كُلِّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا ثُمَّ ظَهَرَ لِي الْجَوَابُ، وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ، وَهَذِهِ الْحِيلَةُ إلَخْ بِالنَّظَرِ إلَى قَوْلِهِ أَوْ يُزَوِّجُهَا غَيْرِي لِأَجْلِي وَظَاهِرٌ أَنَّ تَزْوِيجَ الْغَيْرِ يُوجَدُ بِدُونِ الْإِجَازَةِ قَوْلًا أَوْ فِعْلًا أَمَّا لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ أَتَزَوَّجُهَا فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِجَازَةِ فِيمَا لَوْ زَوَّجَهُ الْفُضُولِيُّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوجَدُ تَزَوُّجُهُ بِدُونِهَا. وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ: تَدْخُلُ فِي عِصْمَتِي فَإِنَّهُ مِثْلُ أَتَزَوَّجُهَا لَا مِثْلُ يُزَوِّجُهَا غَيْرِي لِأَجْلِي، وَأَنَّهُ بِتَزْوِيجِ الْفُضُولِيِّ لَا تَدْخُلُ فِي عِصْمَتِهِ بَلْ هُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَتِهِ (قَوْلُهُ: وَفِي الْقُنْيَةِ إنْ تَزَوَّجْت عَلَيْك إلَخْ) هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا مَرَّ عَنْ الْخُلَاصَةِ مِنْ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ أَتَزَوَّجُهَا وَبَيْنَ تَدْخُلُ فِي نِكَاحِي فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: فَلَا مُخَلِّصَ لَهُ إلَّا إذَا كَانَ الْمُعَلَّقُ طَلَاقَ الْمُتَزَوِّجَةِ فَيُرْفَعُ الْأَمْرُ إلَى شَافِعِيٍّ) أَقُولُ: مُقْتَضَى مَا مَرَّ عَنْ الْفُصُولَيْنِ عَدَمُ الْحَاجَةِ إلَى الرَّفْعِ إلَى الشَّافِعِيِّ بِأَنْ يُزَوِّجَهُ فُضُولِيٌّ بِلَا أَمْرِهِمَا فَيُجِيزُهُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَوْ أَجَزْت نِكَاحَ فُضُولِيٍّ وَلَوْ بِالْفِعْلِ لَا يَزِيدُ عَلَى قَوْلِهِ أَوْ يُزَوِّجُهَا غَيْرُهَا لِأَجْلِي وَأُجِيزُهُ تَأَمَّلْ إلَّا أَنْ يُقَالَ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَارَّةِ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا وَجْهَ لِجَوَازِهِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَدَارُهُ بِالْمِلْكِ وَالْإِجَارَةِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَدَّمَ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَالْوَاقِفُ عَلَى السَّطْحِ دَاخِلٌ عَنْ الْمُجْتَبَى لَوْ قَالَ إنْ دَخَلْت دَارَ زَيْدٍ فَعَبْدِي حُرٌّ وَإِنْ دَخَلْت دَارَ عَمْرٍو فَامْرَأَتِي طَالِقٌ فَدَخَلَ دَارَ زَيْدٍ، وَهِيَ فِي يَدِ عَمْرٍو بِإِجَارَةِ يَعْتِقُ وَتَطْلُقُ إذَا لَمْ يَنْوِ فَإِنْ نَوَى شَيْئًا صُدِّقَ. اهـ. وَبِهِ عُلِمَ أَنَّهُ إذَا نَوَى الْمِلْكَ هُنَا خَاصَّةً يَصْدُقُ، وَهِيَ وَاقِعَةُ الْفَتْوَى (قَوْلُهُ: قَيَّدْنَا بِأَنْ تَكُونَ مَسْكَنَهُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَدَّمَ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ، وَإِنْ جَعَلْت بُسْتَانًا أَوْ حَمَّامًا إلَخْ لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ لَوْ دَخَلَ دَارًا مَمْلُوكَةً لِفُلَانِ وَفُلَانٍ لَا يَسْكُنُهَا يَحْنَثُ فَيُحْمَلُ مَا هُنَا عَلَى مَا إذَا كَانَتْ مَسْكُونَةً لِغَيْرِهِ أَمَّا إذَا كَانَتْ خَالِيَةً فَيَحْنَثُ إذْ لَمْ تَنْقَطِعْ نِسْبَتُهَا عَنْهُ، وَإِضَافَتُهَا إلَيْهِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: لَا يَحْنَثُ إلَّا أَنْ يَدُلَّ الدَّلِيلُ عَلَى دَارِ الْغَلَّةِ) كَذَا فِي النُّسَخِ وَالصَّوَابُ حَذْفُ لَا مِنْ قَوْلِهِ لَا يَحْنَثُ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الظَّاهِرُ وَالسِّبَاقُ وَالسِّيَاقُ، وَقَدْ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ قُبَيْلَ قَوْلِهِ وَدَوَامُ الرُّكُوبِ وَاللُّبْسِ حَيْثُ قَالَ عَازِيًا إلَى الظَّهِيرِيَّةِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ فَدَخَلَ دَارًا مُشْتَرَكَةً الجزء: 4 ¦ الصفحة: 403 فَدَخَلَ دَارًا مُشْتَرَكَةً بَيْنَ فُلَانٍ وَغَيْرِهِ، وَفُلَانٌ سَاكِنُهَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ الدَّارِ تُضَافُ إلَيْهِ بَعْضُهَا بِالْمِلْكِ، وَكُلُّهَا بِالسُّكْنَى، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ سُكْنَى فُلَانٍ بِهَا لَا بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ فَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانَةَ فَدَخَلَ دَارَهَا وَزَوْجُهَا سَاكِنٌ فِيهَا لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الدَّارَ تُنْسَبُ إلَى السَّاكِنِ، وَالسَّاكِنُ هُوَ الزَّوْجُ كَذَا فِي الْوَاقِعَاتِ، وَقَدْ قَدَّمْنَاهَا فِي بَحْثِ الدُّخُولِ. قَوْلُهُ (حَلَفَ بِأَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ، وَلَهُ دَيْنٌ عَلَى مُفْلِسٍ أَوْ مَلِيءٍ لَا يَحْنَثُ) ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَيْسَ بِمَالٍ وَإِنَّمَا هُوَ وَصْفٌ فِي الذِّمَّةِ لَا يُتَصَوَّرُ قَبْضُهُ حَقِيقَةً، وَلِهَذَا قِيلَ إنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا عَلَى مَعْنَى أَنَّ الْمَقْبُوضَ مَضْمُونٌ عَلَى الْقَابِضِ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ لِنَفْسِهِ عَلَى وَجْهِ التَّمَلُّكِ وَلِرَبِّ الدَّيْنِ عَلَى الْمَدِينِ مِثْلُهُ فَالْتَقَى الدَّيْنَانِ قِصَاصًا فَصَارَ غَيْرُهُ حَقِيقَةً وَشَرْعًا أَمَّا الْحَقِيقَةُ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا الشَّرْعُ فَلَا حَاجَةَ إلَى إسْقَاطِ اعْتِبَارِهِ؛ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ فِي الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ جَائِزٌ وَالْمُفَلَّسُ بِالتَّشْدِيدِ رَجُلٌ حَكَمَ الْقَاضِي بِإِفْلَاسِهِ وَالْمَلِيءُ الْغَنِيُّ ذَكَرَهُ مِسْكِينٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.   [منحة الخالق] بَيْنَهُ وَبَيْنَ فُلَانٍ إنْ كَانَ فُلَانٌ يَسْكُنُهَا يَحْنَثُ، وَإِلَّا فَلَا وَذَكَرَ قَبْلَهَا عَازِيًا إلَى الْمُحِيطِ لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ، وَلَهُ دَارٌ يَسْكُنُهَا وَدَارُ غَلَّةٍ فَدَخَلَ دَارَ الْغَلَّةِ لَا يَحْنَثُ إنَّمَا لَمْ يَدُلَّ الدَّلِيلُ عَلَى دَارِ الْغَلَّةِ وَغَيْرِهَا لِأَنَّ دَارِهِ مُطْلَقًا دَارٌ يَسْكُنُهَا (قَوْلُهُ: كَذَا فِي الْوَاقِعَاتِ) أَقُولُ: يُخَالِفُهُ مَا مَرَّ قُبَيْلَ قَوْلِهِ وَدَوَامُ الرُّكُوبِ وَاللُّبْسِ إلَخْ مَعْزِيًّا إلَى الْخَانِيَّةِ لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ ابْنَتِهِ وَابْنَتُهُ تَسْكُنُ فِي دَارٍ لَا يَدْخُلُ دَارَ أُمِّهِ وَأُمُّهُ تَسْكُنُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا فَدَخَلَ الْحَالِفُ حَنِثَ. اهـ. وَكَذَا ذَكَرَ فِي النَّهْرِ عِنْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ، وَفِي طَارِقِ الْبَابِ لَا مَا نَصُّهُ، وَلَا فَرْقَ فِي السَّاكِنِ بَيْنَ كَوْنِهِ تَبَعًا أَوْ لَا حَتَّى لَوْ حَلَفَ إلَى آخَرِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْخَانِيَّةِ لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْخَانِيَّةِ قَبْلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِنَحْوِ وَرَقَتَيْنِ عَيَّنَ الْفَرْعَ الْمَنْقُولَ هُنَا عَنْ الْوَاقِعَاتِ، وَقَالَ فِي جَوَابِهِ إنْ لَمْ يَنْوِ تِلْكَ الدَّارَ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ السُّكْنَى تُضَافُ إلَى الزَّوْجِ لَا إلَى الْمَرْأَةِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ الدَّارَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَارَّةِ لَمَّا لَمْ تَكُنْ مِلْكًا لِلْمَرْأَةِ أُرِيدَتْ السُّكْنَى بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ، وَلَمَّا كَانَتْ الدَّارُ فِي مَسْأَلَتِنَا مِلْكًا لَهَا انْعَقَدَتْ الْيَمِينُ عَلَى السُّكْنَى بِالْأَصَالَةِ، وَلَمَّا كَانَ زَوْجُهَا سَاكِنًا مَعَهَا صَارَتْ تَبَعًا لَهُ لِأَنَّهَا تُضَافُ حِينَئِذٍ إلَى الزَّوْجِ فَلَمْ يُوجَدْ شَرْطُ الْحِنْثِ لَكِنْ رَأَيْت فِي التَّتَارْخَانِيَّة مَا يُفِيدُ اخْتِلَافَ الرِّوَايَةِ حَيْثُ ذَكَرَ مَسْأَلَةَ الْوَاقِعَاتِ ثُمَّ ذَكَرَ الثَّانِيَةَ عَنْ الْمُنْتَقَى ثُمَّ قَالَ: وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تُخَالِفُ مَا ذُكِرَ. ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ الْفَضْلِيِّ تَفْصِيلًا، وَهُوَ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ دَارٌ أُخْرَى تُنْسَبُ إلَيْهِ يَحْنَثُ، وَإِلَّا فَلَا قَالَ: وَلَمْ يَذْكُرْ هَذَا فِي الْمُنْتَقَى. اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ بَعْدَ ذِكْرِهِ التَّفْصِيلَ الْمَذْكُورَ قَالَ، وَفِي الْمُنْتَقَى اخْتَارَ الْحِنْثَ مُطْلَقًا اعْتِبَارًا بِالْمُسَاكَنَةِ إلَّا إذَا نَوَى دَارًا مَمْلُوكَةً لِكُلٍّ مِنْهُمَا اهـ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 404 [كِتَابُ الْحُدُودِ] لَمَّا كَانَتْ الْيَمِينُ لِلْمَنْعِ فِي أَحَدِ نَوْعَيْهَا نَاسَبَ أَنْ يَذْكُرَ الْحُدُودَ عَقِيبَهَا لِأَنَّ الْحَدَّ فِي اللُّغَةِ الْمَنْعُ وَمِنْهُ سُمِّيَ الْبَوَّابُ حَدَّادًا لِمَنْعِهِ النَّاسَ عَنْ الدُّخُولِ وَالسَّجَّانُ حَدَّادًا لِمَنْعِهِ عَنْ الْخُرُوجِ، وَحُدُودُ الدِّيَارِ نِهَايَاتُهَا لِمَنْعِهَا عَنْ دُخُولِ مِلْكِ الْغَيْرِ فِيهَا وَخُرُوجِ بَعْضِهَا إلَيْهِ وَسُمِّيَ اللَّفْظُ الْجَامِعُ الْمَانِعُ حَدًّا لِأَنَّهُ يَجْمَعُ مَعْنَى الشَّيْءِ وَيَمْنَعُ دُخُولَ غَيْرِهِ فِيهِ وَسُمِّيَتْ الْعُقُوبَاتُ الْخَالِصَةُ حُدُودًا لِأَنَّهَا مَوَانِعُ مِنْ ارْتِكَابِ أَسْبَابِهَا مُعَاوَدَةً، وَحُدُودُ اللَّهِ مَحَارِمُهُ لِأَنَّهَا مَمْنُوعٌ عَنْهَا وَمِنْهُ {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا} [البقرة: 187] وَحُدُودُ اللَّهِ أَيْضًا أَحْكَامُهُ؛ لِأَنَّهَا تَمْنَعُ مِنْ التَّخَطِّي إلَى مَا وَرَاءَهَا وَمِنْهُ {حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا} [البقرة: 229] وَلِأَنَّ كَفَّارَةَ الْيَمِينِ دَائِرَةٌ بَيْنَ الْعُقُوبَةِ وَالْعِبَادَةِ فَنَاسَبَ أَنْ يَذْكُرَ الْعُقُوبَاتِ الْمُحَصِّنَةَ بَعْدَهَا قَوْلُهُ (الْحَدُّ عُقُوبَةٌ مُقَدَّرَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى) بَيَانٌ لِمَعْنَاهُ شَرْعًا فَخَرَجَ التَّعْزِيرُ لِعَدَمِ التَّقْدِيرِ وَلَا يُنَافِيه قَوْلُهُمْ: إنَّ أَقَلَّهُ ثَلَاثَةٌ وَأَكْثَرَهُ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ سَوْطًا؛ لِأَنَّ مَا بَيْنَ الْأَقَلِّ وَالْأَكْثَرِ لَيْسَ بِمُقَدَّرٍ وَلِأَنَّهُ يَكُونُ بِغَيْرِ الضَّرْبِ وَخَرَجَ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ فَلَا يُسَمَّى حَدًّا اصْطِلَاحًا عَلَى الْمَشْهُورِ وَقِيلَ يُسَمَّى بِهِ فَهُوَ الْعُقُوبَةُ الْمُقَدَّرَةُ شَرْعًا فَهُوَ عَلَى هَذَا قِسْمَانِ قِسْمٌ يَصِحُّ فِيهِ الْعَفْوُ وَهُوَ الْقِصَاصُ وَقِسْمٌ لَا يَصِحُّ فِيهِ وَهُوَ مَا عَدَاهُ وَعَلَى الْأَوَّلِ الْمَشْهُورُ الْحَدُّ لَا يَقْبَلُ الْإِسْقَاطَ مُطْلَقًا بَعْدَ ثُبُوتِ سَبَبِهِ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَعَلَى هَذَا يُبْنَى عَدَمُ جَوَازِ الشَّفَاعَةِ فِيهِ فَإِنَّهَا طَلَبُ تَرْكِ الْوَاجِبِ وَلِذَا «أَنْكَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ حِينَ شَفَعَ فِي الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ فَقَالَ أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى» وَأَمَّا قَبْلَ الْوُصُولِ إلَى الْإِمَامِ وَالثُّبُوتِ عِنْدَهُ تَجُوزُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَ الرَّافِعِ لَهُ إلَى الْحَاكِمِ لِيُطْلِقَهُ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ لَمْ يَثْبُتْ   [منحة الخالق] كِتَابُ الْحُدُودِ) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2 كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْحُدُودَ مَوَانِعٌ قَبْلَ الْفِعْلِ زَوَاجِرٌ بَعْدَهُ أَيْ الْعِلْمُ بِشَرْعِيَّتِهَا يَمْنَعُ الْإِقْدَامَ عَلَى الْفِعْلِ وَإِيقَاعُهُ بَعْدَهُ يَمْنَعُ مِنْ الْعَوْدِ إلَيْهِ فَهِيَ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِمَصْلَحَةٍ تَعُودُ إلَى كَافَّةِ النَّاسِ فَكَانَ حُكْمُهَا الْأَصْلِيُّ الِانْزِجَارُ عَمَّا يَتَضَرَّرُ بِهِ الْعِبَادُ وَصِيَانَةَ دَارِ الْإِسْلَامِ عَنْ الْفَسَادِ فَفِي حَدِّ الزِّنَا صِيَانَةُ الْأَنْسَابِ وَفِي حَدِّ السَّرِقَةِ صِيَانَةُ الْأَمْوَالِ وَفِي حَدِّ الشُّرْبِ صِيَانَةُ الْعُقُولِ وَفِي حَدِّ الْقَذْفِ صِيَانَةُ الْأَعْرَاضِ فَالْحُدُودُ أَرْبَعَةٌ وَمَا فِي الْبَدَائِعِ مِنْ أَنَّهَا خَمْسَةٌ وَجَعَلَ الْخَامِسَ حَدَّ السُّكْرِ فَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ حَدَّ السُّكْرِ هُوَ حَدُّ الشُّرْبِ كَمِّيَّةً وَكَيْفِيَّةً وَإِنْ اخْتَلَفَ السَّبَبُ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فِي أَنَّ الطَّهِرَةَ مِنْ الذَّنْبِ مِنْ أَحْكَامِهِ مِنْ غَيْرِ تَوْبَةٍ فَذَهَبَ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ إلَى ذَلِكَ وَذَهَبَ أَصْحَابُنَا إلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَحْكَامِهِ، فَإِذَا أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَلَمْ يَتُبْ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ إثْمُ تِلْكَ الْمَعْصِيَةِ عِنْدَنَا عَمَلًا بِآيَةِ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ فَإِنَّهُ قَالَ تَعَالَى {ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة: 33] {إِلا الَّذِينَ تَابُوا} [المائدة: 34] فَإِنَّ اسْمَ الْإِشَارَةِ يَعُودُ إلَى التَّقْتِيلِ أَوْ التَّصْلِيبِ أَوْ النَّفْيِ فَقَدْ جَمَعَ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَ عَذَابِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ عَلَيْهِمْ وَأَسْقَطَ عَذَابَ الْآخِرَةِ بِالتَّوْبَةِ، فَإِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ عَائِدٌ إلَيْهِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ التَّوْبَةَ لَا تُسْقِطُ الْحَدَّ فِي الدُّنْيَا، وَأَمَّا مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ مَرْفُوعًا أَنَّ «مَنْ أَصَابَ مِنْ هَذِهِ الْمَعَاصِي شَيْئًا فَعُوقِبَ بِهِ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ أَصَابَ مِنْهَا شَيْئًا فَسَتَرَهُ اللَّهُ فَهُوَ إلَى اللَّهِ إنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ وَإِنْ شَاءَ عَاقَبَهُ» فَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا تَابَ فِي الْعُقُوبَةِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ ضَرْبَهُ أَوْ رَجْمَهُ يَكُونُ مَعَهُ تَوْبَةٌ مِنْهُ لِذَوْقِهِ سَبَبَ فِعْلِهِ فَتَقَيَّدَ بِهِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ وَتَقَيُّدُ الظَّنِّيِّ مَعَ مُعَارَضَةِ الْقَطْعِيِّ لَهُ مُتَعَيِّنٌ بِخِلَافِ الْعَكْسِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقَدْ يُقَالُ: إذَا كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ فِي الْآيَةِ عَائِدًا إلَى عَذَابِ الْآخِرَةِ لَمْ يَبْقَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} [المائدة: 34] فَائِدَةٌ؛ لِأَنَّ التَّوْبَةَ تَرْفَعُ الذَّنْبَ قَبْلَ الْأَخْذِ وَالْقُدْرَةِ عَلَيْهِمْ وَبَعْدَهَا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ رَاجِعٌ إلَى عَذَابِ الدُّنْيَا لِمَا سَيَأْتِي أَنَّ حَدَّ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمْ، وَإِنَّمَا يَبْقَى حَدُّ الْعِبَادِ عَلَيْهِمْ مِنْ الْقِصَاصِ إنْ قَتَلُوا وَالْقَطْعِ إنْ أَخَذُوا الْمَالَ فَصَحَّ الْعَفْوُ عَنْهُمْ بِخِلَافِهَا بَعْدَ الْقُدْرَةِ، فَإِنَّهَا لَا تُسْقِطُ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى لَا يَصِحَّ عَفْوُ أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِينَ وَاسْتَدَلَّ الزَّيْلَعِيُّ عَلَى عَدَمِ كَوْنِهِ مُطَهِّرًا مِنْ الذَّنْبِ بِأَنَّهُ يُقَامُ عَلَى الْكَافِرِ وَلَا مُطَهِّرَ لَهُ اتِّفَاقًا وَزَادَ بَعْضُهُمْ وَيُقَامُ عَلَى كُرْهٍ مِمَّنْ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ، وَالثَّانِي لَيْسَ بِشَيْءٍ لِجَوَازِ التَّكْفِيرِ بِمَا يُصِيبُ الْإِنْسَانَ مِنْ الْمَكَارِهِ، وَإِنْ لَمْ يَصْبِرْ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْعَاصِي فِي نَفْسِ الْأَمْرِ التَّوْبَةُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْإِنَابَةُ ثُمَّ إذَا اتَّصَلَ بِالْإِمَامِ ثُبُوتُهُ وَجَبَ إقَامَةُ الْحَدِّ عَلَى الْإِمَامِ وَلَا يَمْتَنِعُ مِنْ إقَامَتِهِ بِسَبَبِ التَّوْبَةِ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ رَجُلٌ أَتَى بِفَاحِشَةٍ ثُمَّ تَابَ وَأَنَابَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّهُ لَا يُعْلِمُ الْقَاضِيَ بِفَاحِشَتِهِ لِإِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ السَّتْرَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ اهـ. (قَوْلُهُ وَالزِّنَا وَطْءٌ فِي قُبُلٍ خَالٍ عَنْ الْمِلْكِ وَشُبْهَتِهِ) بَيَانٌ لِمَعْنَاهُ الشَّرْعِيِّ، وَاللُّغَوِيِّ، فَإِنَّهُمَا سَوَاءٌ فِيهِ وَخَرَجَ الْوَطْءُ فِي الدُّبُرِ وَخَرَجَ وَطْءُ زَوْجَتِهِ وَأَمَتِهِ وَمَنْ لَهُ فِيهَا شُبْهَةُ مِلْكٍ وَدَخَلَ وَطْءُ الْأَبِ جَارِيَةَ ابْنِهِ، فَإِنَّهُ زِنًا شَرْعِيٌّ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ بِالزِّنَا، وَإِنْ لَمْ يَجِبْ الْحَدُّ عَلَيْهِ، وَالْمُرَادُ وَطْءُ الرَّجُلِ فَخَرَجَ الصَّبِيُّ لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ الْمَرْأَةُ، فَإِنَّ فِعْلَهَا لَيْسَ وَطْئًا، وَإِنَّمَا هُوَ تَمْكِينٌ مِنْهُ. وَالْجَوَابُ أَنَّ تَسْمِيَتَهَا زَانِيَةً مَجَازٌ، وَالْكَلَامُ فِي الْحَقِيقَةِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَقَدْ يُقَالُ إنْ كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ التَّحْقِيقُ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ رَاجِعٌ إلَى عَذَابِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ حَتَّى لَوْ مَاتَ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ بَعْدَمَا أَخَافَ الطَّرِيقَ وَلَمْ يَقْتُلْ وَلَمْ يَأْخُذْ شَيْئًا سَقَطَ عَنْهُ حَدُّ الدُّنْيَا وَالْعِقَابُ فِي الْآخِرَةِ أَمَّا لَوْ أَخَافَ الطَّرِيقَ وَتَابَ بَعْدَمَا أُخِذَ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ حَدُّ الدُّنْيَا كَمَا سَيَأْتِي وَبِهَذَا ظَهَرَ فَائِدَةُ التَّقْيِيدِ بِمَا قَبْلَ الْقُدْرَةِ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَنْصَرِفُ إلَى مَا قَبْلَهُ مِنْ الْجُمَلِ لِاتِّحَادِ جِنْسِهَا فَيَرْتَفِعُ الْكُلُّ بِالتَّوْبَةِ وَرَجَعَ إلَى مَا يَلِيه فِي آيَةِ الْقَذْفِ لِمُغَايِرَتِهَا لِمَا قَبْلَهَا فَكَانَتْ فَاصِلَةً اهـ. وَيُرِيدُ بِارْتِفَاعِ الْكُلِّ الْمَجْمُوعَ لِمَا قَدْ عَلِمْته مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَتَلَ أَوْ أَخَذَ الْمَالَ وَتَابَ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا سَوَاءٌ تَابَ قَبْلَ الْأَخْذِ أَوْ بَعْدَهُ اهـ. قُلْتُ: وَفِي حَمْلِهِ الْكُلَّ عَلَى الْمَجْمُوعِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي سُقُوطِ الْحَدِّ وَلَا شُبْهَةَ فِي سُقُوطِهِ فِيمَا لَوْ قَتَلَ أَوْ أَخَذَ الْمَالَ ثُمَّ تَابَ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا لَا يَسْقُطُ الْقَتْلُ وَالضَّمَانُ لِكَوْنِهِ حَقَّ عَبْدٍ حَتَّى لَوْ عَفَا عَنْهُ صَحَّ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ وَالْقَطْعُ إنْ أَخَذُوا الْمَالَ) صَوَابُهُ وَالضَّمَانُ بَدَلٌ قَوْلُهُ وَالْقَطْعُ وَعِبَارَتُهُ فِي بَابِ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ الثَّانِيَةُ لَوْ قَتَلَ فَتَابَ قَبْلَ الْأَخْذِ لَا حَدَّ لِأَنَّ هَذِهِ الْجِنَايَةَ لَا تُقَامُ بَعْدَ التَّوْبَةِ لِلِاسْتِثْنَاءِ الْمَذْكُورِ فِي النَّصِّ أَوْ لِأَنَّ التَّوْبَةَ تَتَوَقَّفُ عَلَى رَدِّ الْمَالِ وَلَا قَطْعَ فِي مِثْلِهِ فَظَهَرَ حَقُّ الْعَبْدِ فِي النَّفْسِ وَالْمَالِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْوَلِيُّ الْقِصَاصَ أَوْ يَعْفُوَ وَيَجِبُ الضَّمَانُ إذَا هَلَكَ فِي يَدِهِ أَوْ اسْتَهْلَكَهُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ اهـ. [بَاب حَدّ الزِّنَا] (قَوْلُهُ وَالْجَوَابُ أَنَّ تَسْمِيَتَهَا زَانِيَةً مَجَازٌ وَالْكَلَامُ فِي الْحَقِيقَةِ) اعْلَمْ أَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3 وَلَمْ يَقْصِدْ الْمُصَنِّفُ تَعْرِيفَ الزِّنَا الْمُوجِبِ لِلْحَدِّ كَمَا تَوَهَّمَهُ الزَّيْلَعِيُّ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَانْتَقَضَ التَّعْرِيفُ طَرْدًا وَعَكْسًا أَمَّا انْتِقَاضُهُ طَرْدًا، فَإِنَّهُ يُوجَدُ فِي الْمَجْنُونِ، وَالْمُكْرَهِ وَفِي وَطْءِ الصَّبِيَّةِ الَّتِي لَا تُشْتَهَى، وَالْمَيِّتَةِ، وَالْبَهِيمَةِ وَفِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَا يَجِبُ الْحَدُّ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ وَهُوَ زِنًا شَرْعِيٌّ، وَأَمَّا انْتِقَاضُهُ عَكْسًا فَبِزِنَا الْمَرْأَةِ، فَإِنَّ الْحَدَّ انْتَفَى وَلَمْ يَنْتَفِ الْمَحْدُودُ وَهُوَ الزِّنَا الْمُوجِبُ لِلْحَدِّ فَالزِّنَا الْمُوجِبُ لِلْحَدِّ هُوَ وَطْءُ مُكَلَّفٍ طَائِعٍ مُشْتَهَاةً حَالًا أَوْ مَاضِيًا فِي الْقُبُلِ بِلَا شُبْهَةِ مِلْكٍ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ تَمْكِينِهِ مِنْ ذَلِكَ أَوْ تَمْكِينِهَا لِيَصْدُقَ عَلَى مَا لَوْ كَانَ مُسْتَلْقِيًا فَقَعَدَتْ عَلَى ذَكَرِهِ فَتَرَكَهَا حَتَّى أَدْخَلَتْهُ، فَإِنَّهُمَا يُحَدَّانِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَلَيْسَ الْمَوْجُودُ مِنْهُ سِوَى التَّمْكِينِ. وَالْوَطْءُ هُوَ إدْخَالُ قَدْرِ الْحَشَفَةِ مِنْ الذَّكَرِ فِي الْقُبُلِ أَوْ الدُّبُرِ وَبِهَذَا عُرِفَ أَنَّ تَعْرِيفَ الزَّيْلَعِيِّ الزِّنَا الْمُوجِبَ لِلْحَدِّ بِأَنَّهُ وَطْءُ مُكَلَّفٍ فِي قُبُلِ الْمُشْتَهَاةِ عَارٍ عَنْ مِلْكِهِ وَشُبْهَتُهُ عَنْ طَوْعٍ لَيْسَ بِتَامٍّ، وَإِنْ قَالَ إنَّهُ أَتَمُّ كَمَا لَا يَخْفَى وَزَادَ فِي الْمُحِيطِ أَنَّ مِنْ شَرَائِطِهِ الْعِلْمَ بِالتَّحْرِيمِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْحُرْمَةِ لَمْ يَجِبْ الْحَدُّ لِلشُّبْهَةِ وَأَصْلُهُ مَا رَوَى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَجُلًا زَنَى بِالْيَمَنِ فَكَتَبَ فِي ذَلِكَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ حَرَّمَ الزِّنَا فَاجْلِدُوهُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَعْلَمُ فَعَلِّمُوهُ، فَإِنْ عَادَ فَاجْلِدُوهُ وَلِأَنَّ الْحُكْمَ فِي الشَّرْعِيَّاتِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بَعْدَ الْعِلْمِ، فَإِنْ كَانَ الشُّيُوعُ، وَالِاسْتِفَاضَةُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أُقِيمَ مَقَامَ الْعِلْمِ وَلَكِنْ لَا أَقَلَّ مِنْ إيرَاثِ شُبْهَةٍ لِعَدَمِ التَّبْلِيغِ اهـ. وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الْكَوْنَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لَا يَقُومُ مَقَامَ الْعِلْمِ فِي وُجُوبِ الْحَدِّ كَمَا هُوَ قَائِمٌ مَقَامَهُ فِي الْأَحْكَامِ كُلِّهَا وَتَعَقَّبَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّ الزِّنَا حَرَامٌ فِي جَمِيعِ الْأَدْيَانِ، وَالْمِلَلِ فَالْحَرْبِيُّ إذَا دَخَلَ دَارَ الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمَ فَزَنَى وَقَالَ ظَنَنْت أَنَّهُ حَلَالٌ يُحَدُّ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ فَعَلَهُ أَوَّلَ يَوْمٍ دَخَلَهُ فَكَيْفَ يُقَالُ إذَا ادَّعَى مُسْلِمٌ أَصْلِيٌّ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ حُرْمَةَ الزِّنَا إِنَّهُ لَا يُحَدُّ لِانْتِفَاءِ شَرْطِ الْحَدِّ وَلَوْ أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّ الْمَعْنَى إنَّ شَرْطَ الْحَدِّ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ عِلْمُهُ بِالْحُرْمَةِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ. فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَالِمًا لَا حَدَّ عَلَيْهِ كَانَ قَلِيلَ الْجَدْوَى أَوْ غَيْرَ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمَّا أَوْجَبَ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَحُدَّ هَذَا الرَّجُلَ الَّذِي ثَبَتَ زِنَاهُ عِنْدَهُ عُرِفَ ثُبُوتُ الْوُجُوبِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ؛ لِأَنَّهُ   [منحة الخالق] الْمَرْأَةُ تُحَدُّ حَدَّ الزِّنَا وَقَدْ سَمَّاهَا اللَّهُ تَعَالَى زَانِيَةً فِي قَوْله تَعَالَى {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} [النور: 2] عُلِمَ أَنَّهَا تُسَمَّى زَانِيَةً حَقِيقَةً وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهَا لَا تُسَمَّى وَاطِئَةً أَنَّهَا زَانِيَةٌ مَجَازًا فَلِذَا زَادَ فِي التَّعْرِيفِ تَمْكِينَهَا حَتَّى يَدْخُلَ فِعْلُهَا فِي الْمُعَرَّفِ وَهُوَ الزِّنَا الْمُوجِبُ لِلْحَدِّ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ تَمْكِينُهَا زِنًا حَقِيقَةً لَمَا اُحْتِيجَ إلَى إدْخَالِهِ فِي التَّعْرِيفِ وَهُوَ أَيْضًا إمَارَةُ كَوْنِهَا زَانِيَةً حَقِيقَةً وَإِنْ لَمْ تَكُنْ وَاطِئَةً كَمَا أَنَّ الرَّجُلَ يُسَمَّى زَانِيًا حَقِيقَةً بِالتَّمْكِينِ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْوَطْءُ حَقِيقَةً وَبِهِ سَقَطَ مَا فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ تَسْمِيَتَهَا زَانِيَةً مَجَازٌ فَافْهَمْ اهـ. يَقُولُ الْفَقِيرُ أَحْمَدُ جَامِعُ هَذِهِ الْحَوَاشِي هَذِهِ الْمَقُولَةُ لَمْ أَرَهَا بِخَطِّ شَيْخِنَا عَلَى هَامِشِ الْبَحْرِ هُنَا وَإِنَّمَا أَفَادَهَا فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الدُّرِّ الْمُخْتَارِ فَلْيُحْفَظْ فَرَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى مَمَرِّ الْأَزْمَانِ عَلَى تَحْقِيقِهِ الْفَرِيدِ فِي كُلِّ مَكَان (قَوْلُهُ وَلَمْ يَقْصِدْ الْمُصَنِّفُ تَعْرِيفَ الزِّنَا الْمُوجِبِ لِلْحَدِّ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ نَقْضَ الطَّرْدِ إنَّمَا يَتِمُّ بِتَقْدِيرِ كَوْنِ التَّعْرِيفِ لِلزِّنَا الْمُوجِبِ لِلْحَدِّ وَلَا نُسَلِّمُهُ بَلْ هُوَ لِلزِّنَا الشَّرْعِيِّ وَلَا يَرِدُ زِنَا الْمَرْأَةِ بِالْعَكْسِ لِأَنَّهُ لَيْسَ زِنًا حَقِيقَةً وَلَا يَخْفَى أَنَّ تَمْكِينَهُ يَرِدُ عَلَى الْعَكْسِ وَلَوْ أُرِيدَ بِهِ الشَّرْعِيُّ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِالْوَطْءِ كَوْنُ الْحَشَفَةِ فِي قُبُلِ مُشْتَهَاةٍ وَالْحَقُّ أَنَّ هَذَا التَّعْرِيفَ لِلزِّنَا الْمُوجِبِ لِلْحَدِّ وَتِلْكَ الشُّرُوطُ الْمَزِيدَةُ خَارِجَةٌ عَنْ الْمَاهِيَّةِ وَقَدْ مَرَّ نَظِيرُهُ ثُمَّ رَأَيْت الرَّازِيَّ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِ تَعْرِيفِ الْمُصَنِّفِ، وَأَمَّا كَوْنُ الزَّانِي مُكَلَّفًا طَائِعًا وَكَوْنُ الزَّانِيَةِ مُشْتَهَاةً فَشَرْطٌ لِإِجْرَاءِ الْحُكْمِ عَلَيْهِمَا وَقَوْلُ الشَّارِحِ لَوْ عَرَّفَهُ بِمَا قَالَ لَكَانَ أَتَمَّ أَيْ أَوْفَى بِالشُّرُوطِ نَعَمْ بَقِيَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ حَتَّى لَوْ زَنَى فِي دَارِ الْحَرْبِ لَا حَدَّ عَلَيْهِ كَمَا سَيَأْتِي وَهَذَا الشَّرْطُ أَوْمَأَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَمَكَانُهُ (قَوْلُهُ: وَتَعَقَّبَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إلَخْ) ذَكَرَهُ فِي الْفَتْحِ فِي الْبَابِ الْآتِي عِنْدَ قَوْلِهِ: وَإِنْ وَطِئَ جَارِيَةَ أَخِيهِ أَوْ عَمِّهِ وَقَالَ ظَنَنْت أَنَّهَا تَحِلُّ لِي حُدَّ قَالَ أَيْ إنْ عَلِمَ أَنَّ الزِّنَا حَرَامٌ لَكِنَّهُ ظَنَّ أَنَّ وَطْأَهُ هَذِهِ لَيْسَ زِنًا مُحَرَّمًا فَلَا يُعَارِضُ مَا فِي الْمُحِيطِ مِنْ قَوْلِهِ شَرْطُ وُجُوبِ الْحَدِّ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الزِّنَا حَرَامٌ وَإِنَّمَا يَنْفِيه مَسْأَلَةُ الْحَرْبِيِّ إذَا دَخَلَ دَارَ الْإِسْلَامِ إلَى آخَرِ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ وَقَدْ أَقَرَّ هَذَا التَّعَقُّبَ فِي الرَّمْزِ وَالنَّهْرِ وَالْمِنَحِ والشرنبلالية وَنَازَعَ فِيهِ بَعْضُهُمْ بِمَا مَرَّ عَنْ عُمَرَ كَيْفَ وَالْبَابُ تُدْرَأُ فِيهِ الشُّبُهَاتُ وَلَعَلَّ مَسْأَلَةَ الْحَرْبِيِّ عَلَى قَوْلِ مَنْ لَمْ يَشْتَرِطْ الْعِلْمَ تَأَمَّلْ قُلْتُ: وَقَدْ ذَكَرَ الْمُحَقِّقُ فِي تَحْرِيرِهِ الْأُصُولِيِّ الْفَرْعَ الْمَذْكُورَ، وَقَالَ فَمَا فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ مُشْكِلٌ وَقَالَ شَارِحُهُ الْعَلَّامَةُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ بَعْدَ نَقْلِهِ عِبَارَةَ الْمُحِيطِ مَا نَصُّهُ غَيْرَ أَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِ الْمَبْسُوطِ عَقِبَ هَذَا الْأَثَرِ فَقَدْ جَعَلَ ظَنَّ الْحِلِّ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ شُبْهَةً لِعَدَمِ اشْتِهَارِ الْأَحْكَامِ اهـ. يُشِيرُ إلَى أَنَّ هَذَا الظَّنَّ فِي هَذَا الزَّمَانِ لَا يَكُونُ شُبْهَةً مُعْتَبَرَةً لِاشْتِهَارِ الْأَحْكَامِ فِيهِ وَلَكِنْ هَذَا إنَّمَا يَكُونُ مُفِيدًا لِلْعِلْمِ بِالنِّسْبَةِ إلَى النَّاشِئِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمُ الْمُهَاجِرُ الْمُقِيمُ بِهَا مُدَّةً يَطَّلِعُ فِيهَا عَلَى ذَلِكَ، فَأَمَّا الْمُسْلِمُ الْمُهَاجِرُ إلَيْهَا الْوَاقِعُ مِنْهُ ذَلِكَ فِي فَوْرِ دُخُولِهِ فَلَا وَقَدْ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ وَنُقِلَ فِي اشْتِرَاطِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4 لَا مَعْنَى لِكَوْنِهِ وَاجِبًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ؛ لِأَنَّهُ يَكْفِيه فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى التَّوْبَةُ، وَالْإِنَابَةُ ثُمَّ إذَا اتَّصَلَ بِالْإِمَامِ ثُبُوتُهُ وَجَبَ عَلَى الْإِمَامِ إقَامَةُ الْحَدِّ اهـ. وَهُوَ مَقْصُورٌ فِي اللُّغَةِ الْفُصْحَى لُغَةِ أَهْلِ الْحِجَازِ الَّتِي جَاءَ بِهَا الْقُرْآنُ وَيُمَدُّ فِي لُغَةِ نَجْدٍ، وَالْمُرَادُ بِالْمِلْكِ هُنَا الْأَعَمُّ مِنْ مِلْكِ الْعَيْنِ وَمِنْ مِلْكِ حَقِيقَةِ الِاسْتِمْتَاعِ وَدَخَلَ تَحْتَ شُبْهَةِ الْمِلْكِ حَقُّ الْمِلْكِ وَشُبْهَةُ النِّكَاحِ وَشُبْهَةُ الِاشْتِبَاهِ وَقَدْ فَصَّلَهَا فِي الْبَدَائِعِ فَقَالَ الْعَارِي عَنْ حَقِيقَةِ الْمِلْكِ وَعَنْ شُبْهَتِهِ وَعَنْ حَقِّ الْمِلْكِ وَعَنْ حَقِيقَةِ النِّكَاحِ وَشُبْهَتِهِ وَعَنْ شُبْهَةِ الِاشْتِبَاهِ فِي مَوْضِعِ الِاشْتِبَاهِ فِي الْمِلْكِ، وَالنِّكَاحِ جَمِيعًا اهـ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَاَلَّذِي يُجَنُّ وَيُفِيقُ إذَا زَنَا فِي حَالِ إفَاقَتِهِ أُخِذَ بِالْحَدِّ، وَإِنْ قَالَ زَنَيْت فِي حَالِ جُنُونِي لَا يُحَدُّ كَالْبَالِغِ إذَا قَالَ زَنَيْت فِي حَالِ الصِّبَا. قَوْلُهُ (: وَيَثْبُتُ بِشَهَادَةِ أَرْبَعَةٍ بِالزِّنَا لَا بِالْوَطْءِ، وَالْجِمَاعِ) أَيْ يَثْبُتُ الزِّنَا عِنْدَ الْحَاكِم ظَاهِرًا بِشَهَادَةِ أَرْبَعَةٍ مِنْ الرِّجَالِ يَشْهَدُونَ بِلَفْظِ الزِّنَا لَا بِلَفْظِ الْوَطْءِ، وَالْجِمَاعِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} [النساء: 15] وَقَالَ تَعَالَى {ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور: 4] «وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِلَّذِي قَذَفَ امْرَأَتَهُ ائْتِ بِأَرْبَعَةٍ يَشْهَدُونَ عَلَى صِدْقِ مَقَالَتِك» وَلِأَنَّ فِي اشْتِرَاطِ الْأَرْبَعِ تَحْقِيقَ مَعْنَى السَّتْرِ وَهُوَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ» ، وَالْإِشَاعَةُ ضِدُّهُ فَعَلَى هَذَا فَالشَّهَادَةُ بِالزِّنَا خِلَافُ الْأَوْلَى الَّتِي مَرْجِعُهَا إلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ؛ لِأَنَّهَا فِي رُتْبَةِ النَّدْبِ فِي جَانِبِ الْفِعْلِ وَكَرَاهَةَ التَّنْزِيهِ فِي جَانِبِ التَّرْكِ وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْ لَمْ يَعْتَدْ بِالزِّنَا وَلَمْ يَتَهَتَّكْ بِهِ أَمَّا إذَا وَصَلَ الْحَالُ إلَى إشَاعَتِهِ، وَالتَّهَتُّكِ بِهِ بَلْ بَعْضُهُمْ رُبَّمَا افْتَخَرَ بِهِ فَيَجِبُ كَوْنُ الشَّهَادَةِ أَوْلَى مِنْ تَرْكِهَا؛ لِأَنَّ مَطْلُوبَ الشَّارِعِ إخْلَاءُ الْأَرْضِ عَنْ الْمَعَاصِي وَالْفَوَاحِش، وَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ بِالتَّوْبَةِ مِنْ الْغَافِلِينَ وَبِالزَّجْرِ لَهُمْ، فَإِذَا أَظْهَرَ حَالَ الشَّرَهِ فِي الزِّنَا مَثَلًا، وَالشُّرْبِ وَعَدَمَ مُبَالَاتِهِ فَإِخْلَاءُ الْأَرْضِ حِينَئِذٍ بِالْحُدُودِ وَعَلَى هَذَا ذِكْرُهُ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَاضِي وَأَدَاءِ الشَّهَادَةِ بِمَنْزِلَةِ الْغَيْبَةِ فِيهِ يَحْرُمُ مِنْهُ مَا يَحْرُمُ مِنْهَا وَيَحِلُّ مِنْهُ مَا يَحِلُّ مِنْهَا وَسَيَأْتِي فِي الشَّهَادَاتِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الذُّكُورَةِ فِي الشُّهُودِ لِإِدْخَالِ التَّاءِ فِي الْعَدَدِ فِي الْمَنْصُوصِ وَأَطْلَقَهُمْ فَشَمَلَ مَا إذَا كَانَ الزَّوْجُ أَحَدَهُمْ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ هُوَ يَقُولُ هُوَ مُتَّهَمٌ وَنَحْنُ نَقُولُ التُّهْمَةُ مَا تُوجِبُ جَرَّ نَفْعٍ، وَالزَّوْجُ مُدْخِلٌ عَلَى نَفْسِهِ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ لُحُوقَ الْعَارِ وَخُلُوَّ الْفِرَاشِ خُصُوصًا إذَا كَانَ لَهُ مِنْهَا أَوْلَادٌ وَقَيَّدَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ بِأَنْ لَا يَكُونَ الزَّوْجُ قَذَفَهَا فَلَوْ كَانَ قَدْ قَذَفَهَا وَشَهِدَ بِالزِّنَا وَمَعَهُ ثَلَاثَةٌ حُدَّ الثَّلَاثَةُ لِلْقَذْفِ وَعَلَى الزَّوْجِ اللِّعَانُ؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ الزَّوْجِ لَمْ تُقْبَلْ لِمَكَانِ التُّهْمَةِ؛ لِأَنَّهُ بِشَهَادَتِهِ يَسْعَى فِي دَفْعِ اللِّعَانِ عَنْ نَفْسِهِ اهـ. فَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ بَعْضُ الشُّهُودِ إنَّ فُلَانًا قَدْ زَنَى أَوْ قَالَ لَهُ زَنَيْت ثُمَّ جَاءَ وَشَهِدَ عِنْدَ الْقَاضِي لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِمَا ذُكِرَ فِي الزَّوْجِ وَفِي الْمُحِيطِ وَلَوْ شَهِدُوا عَلَى الْمَرْأَةِ أَحَدُهُمْ زَوْجُهَا بِالزِّنَا بِابْنِ زَوْجِهَا مُطَاوَعَةً لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الزَّوْجِ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ لِوُجُودِ التُّهْمَةِ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يُرِيدُ إسْقَاطَ الْمَهْرِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَإِسْقَاطَ النَّفَقَةِ بَعْدَ الدُّخُولِ وَيُحَدُّ الثَّلَاثَةُ وَلَا يُحَدُّ الزَّوْجُ اهـ. وَلَا بُدَّ مِنْ اتِّحَادِ الْمَجْلِسِ لِصِحَّةِ الشَّهَادَةِ حَتَّى لَوْ شَهِدُوا مُتَفَرِّقِينَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ لِقَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَوْ جَاءُوا مِثْلَ رَبِيعَةَ وَمُضَرَ فُرَادَى لَجَلَدْتُهُمْ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ جَاءُوا مُتَفَرِّقِينَ يُحَدُّونَ حَدَّ الْقَذْفِ وَلَوْ جَاءُوا فُرَادَى وَقَعَدُوا مَقْعَدَ الشُّهُودِ وَقَامَ إلَى الْقَاضِي وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ، وَإِنْ كَانَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ حُدُّوا جَمِيعًا اهـ. وَإِنَّمَا اشْتَرَطَ لَفْظَ الزِّنَا؛ لِأَنَّهُ هُوَ الدَّالُّ عَلَى فِعْلِ الْحَرَامِ لَا لَفْظُ الْوَطْءِ، وَالْجِمَاعِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يَقُومُ لَفْظٌ مَقَامَ لَفْظِ الزِّنَا فَلَوْ شَهِدُوا أَنَّهُ وَطِئَهَا وَطْئًا مُحَرَّمًا لَا يَثْبُتُ بِهِ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ بِالزِّنَا إلَى أَنَّهُ لَوْ شَهِدَ رَجُلَانِ أَنَّهُ زَنَى وَآخَرَانِ أَنَّهُ أَقَرَّ بِالزِّنَا، فَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَا تُحَدُّ الشُّهُودُ أَيْضًا. وَإِنْ شَهِدَ ثَلَاثَةٌ بِالزِّنَا وَشَهِدَ الرَّابِعُ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالزِّنَا فَعَلَى الثَّلَاثَةِ الْحَدُّ اهـ.؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ الْوَاحِدِ   [منحة الخالق] الْعِلْمِ بِحُرْمَةِ الزِّنَا إجْمَاعُ الْفُقَهَاءِ اهـ. وَهُوَ مُفِيدٌ أَنَّ جَهْلَهُ يَكُونُ عُذْرًا وَإِذَا لَمْ يَكُنْ عُذْرًا بَعْدَ الْإِسْلَامِ وَلَا قَبْلَهُ فَمَتَى يَتَحَقَّقُ كَوْنُهُ عُذْرًا، وَأَمَّا نَفْيُ كَوْنِهِ عُذْرًا فِي حَالَةِ الْكُفْرِ لِتَقْصِيرِهِ فِي الطَّلَبِ لِمَعْرِفَةِ هَذَا الْحُكْمِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فَمَحَلُّ نَظَرٍ وَحِينَئِذٍ فَالْفَرْعُ الْمَذْكُورُ هُوَ الْمُشْكِلُ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِكَوْنِهِ وَاجِبًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ) تَمَامُ عِبَارَةِ الْفَتْحِ هَكَذَا إلَّا وُجُوبَهُ عَلَى الْإِمَامِ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الزَّانِي أَنْ يَحُدَّ نَفْسَهُ وَلَا أَنْ يُقِرَّ بِالزِّنَا بَلْ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى التَّوْبَةُ وَالْإِنَابَةُ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَشُبْهَةُ الِاشْتِبَاهِ) هَذَا مُقَيَّدٌ بِأَنْ يَدَّعِيَ الْحِلَّ كَمَا سَيَأْتِي مَتْنًا فِي الْبَابِ التَّالِي. [مَا يَثْبُتُ بِهِ الزِّنَا] (قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يَقُومُ لَفْظٌ مَقَامَ لَفْظِ الزِّنَا) هَذَا فِي غَيْرِ الْوَطْءِ وَالْجِمَاعِ أَمَّا فِيهِمَا فَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ صَرِيحٌ فِي عَدَمِ قِيَامِهِمَا مَقَامَ الزِّنَا كَمَا لَا يَخْفَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5 عَلَى الْإِقْرَارِ لَا تُعْتَبَرُ فَبَقِيَ كَلَامُ الثَّلَاثَةِ قَذْفًا. قَوْلُهُ (فَسَأَلَهُمْ الْإِمَامُ عَنْ مَاهِيَّتِه وَكَيْفِيَّتِهِ وَمَكَانِهِ وَزَمَانِهِ، وَالْمَزْنِيَّةِ) أَيْ سَأَلَ الْحَاكِمُ الشُّهُودَ عَنْ مَاهِيَّتِه أَيْ ذَاتِهِ وَهُوَ إدْخَالُ الْفَرْجِ فِي الْفَرْجِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُمْ عَنَوْا غَيْرَ الْفِعْلِ فِي الْفَرْجِ كَمَا قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْعَيْنَانِ تَزْنِيَانِ وَزِنَاهُمَا النَّظَرُ» الْحَدِيثَ، وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَظُنُّ كُلَّ وَطْءٍ حَرَامٍ زِنًا يُوجِبُ الْحَدَّ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْمَاهِيَّةِ الْحَقِيقَةَ الشَّرْعِيَّةَ كَمَا بَيَّنَّاهُ، وَالْكَيْفِيَّةُ هِيَ الطَّوَاعِيَةُ، وَالْكَرَاهِيَةُ وَعَنْ الْمَكَانِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ زَنَى فِي دَارِ الْحَرْبِ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَعَنْ الزَّمَانِ لِجَوَازِ تَقَادُمِ الْعَهْدِ وَلِجَوَازِ أَنَّهُ زَنَى فِي زَمَنِ صِبَاهُ وَعَنْ الْمَزْنِيَّةِ لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ جَارِيَةَ ابْنِهِ أَوْ أَمَةَ مُكَاتِبِهِ فَلْيَسْتَقْصِ الْقَاضِي فِي ذَلِكَ احْتِيَالًا لِدَرْءِ الْحَدِّ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقِيَاسُهُ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى زِنَا امْرَأَةٍ أَنْ يَسْأَلَهُمْ عَنْ الزَّانِي بِهَا مَنْ هُوَ، فَإِنَّ فِيهِ أَيْضًا الِاحْتِمَالَ الْمَذْكُورَ وَزِيَادَةً وَهُوَ جَوَازُ كَوْنِهِ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا بِأَنْ مَكَّنَتْ أَحَدَهُمَا، فَإِنَّهُ لَا حَدَّ عَلَيْهَا عِنْدَ الْإِمَامِ اهـ. وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ سَأَلَهُمْ فَلَمْ يَزِيدُوا عَلَى قَوْلِهِمْ إنَّهُمَا زَنَيَا فَلَا حَدَّ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ قَالُوا وَلَا عَلَى الشُّهُودِ؛ لِأَنَّهُمْ شَهِدُوا بِالزِّنَا وَلَمْ يَثْبُتْ قَذْفُهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَذْكُرُوا مَا يَنْفِي كَوْنَ مَا ذَكَرُوهُ زِنًا لِيَظْهَرَ قَذْفُهُمْ بِخِلَافِ مَا لَوْ وَصَفُوهُ بِغَيْرِ صِفَتِهِ، فَإِنَّهُمْ يُحَدُّونَ وَلَوْ بَيَّنَ ثَلَاثَةٌ وَلَمْ يَزِدْ وَاحِدٌ عَلَى الزِّنَا لَا يُحَدُّ وَمَا وَقَعَ فِي أَصْلِ الْمَبْسُوطِ مِنْ أَنَّ الرَّابِعَ لَوْ قَالَ أَشْهَدُ أَنَّهُ زَانٍ فَسُئِلَ عَنْ صِفَتِهِ وَلَمْ يَصِفْهُ أَنَّهُ يُحَدُّ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ قَالَهُ لِلْقَاضِي فِي مَجْلِسٍ غَيْرِ الْمَجْلِسِ الَّذِي شَهِدَ فِيهِ الثَّلَاثَةُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَإِلَى أَنَّهُمْ لَوْ شَهِدُوا بِأَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَةٍ لَا يَعْرِفُونَهَا لَا يُحَدُّ قَالَ فِي الْمُحِيطِ لَا يُحَدُّ، وَإِنْ قَالَ لَيْسَتْ بِامْرَأَتِي، وَإِنْ أَقَرَّ أَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَةٍ لَا يَعْرِفُهَا يُحَدُّ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِي الْإِقْرَارِ عَلَى نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ عَارِفٌ بِحَالِهِ بِخِلَافِ الشَّاهِدِ؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ اهـ. وَفِي الْخَانِيَّةِ شَهِدُوا أَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَةٍ لَا يَعْرِفُونَهَا ثُمَّ قَالُوا بِفُلَانَةَ لَا يُحَدُّ الرَّجُلُ وَلَا الشُّهُودُ اهـ. قَوْلُهُ (: فَإِنْ بَيَّنُوهُ وَقَالُوا رَأَيْنَاهُ وَطِئَهَا كَالْمِيلِ فِي الْمُكْحُلَةِ وَعُدِلُوا سِرًّا وَجَهْرًا حُكِمَ بِهِ) لِظُهُورِ الْحَقِّ وَوُجُوبِ الْحُكْمِ بِهِ عَلَى الْقَاضِي، وَالْمُكْحُلَةُ بِضَمِّ الْمِيمِ، وَالْحَاءِ وَقَوْلُهُمْ وَطِئَهَا كَالْمِيلِ فِي الْمُكْحُلَةِ رَاجِعٌ إلَى بَيَانِ الْكَيْفِيَّةِ وَهُوَ زِيَادَةُ بَيَانٍ احْتِيَالًا لِلدَّرْءِ وَإِلَّا السُّؤَالُ عَنْ مَاهِيَّتِه كَافٍ مَعَ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْحُكْمَ مَوْقُوفٌ عَلَى بَيَانِهِ وَلَمْ يَكْتَفِ هُنَا بِظَاهِرِ الْعَدَالَةِ اتِّفَاقًا بِأَنْ يُقَالَ هُوَ مُسْلِمٌ لَيْسَ بِظَاهِرِ الْفِسْقِ احْتِيَالًا لِلدَّرْءِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْحُقُوقِ عَنْ الْإِمَامِ وَسَيَأْتِي بَيَانُ التَّعْدِيلِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَحَاصِلُ التَّعْدِيلِ سِرًّا أَنْ يَبْعَثَ الْقَاضِي وَرَقَةً فِيهَا أَسْمَاؤُهُمْ وَأَسْمَاءُ مَحَلَّتِهِمْ عَلَى وَجْهٍ يَتَمَيَّزُ كُلٌّ مِنْهُمْ لِمَنْ يَعْرِفُهُ فَيَكْتُبَ تَحْتَ اسْمِهِ هُوَ عَدْلٌ مَقْبُولُ الشَّهَادَةِ وَحَاصِلُ التَّعْدِيلِ عَلَانِيَةً أَنْ يَجْمَعَ الْقَاضِي بَيْنَ الْمُزَكِّي، وَالشَّاهِدِ فَيَقُولُ هَذَا هُوَ الَّذِي زَكَّيْته وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْقَاضِيَ لَوْ كَانَ يَعْلَمُ عَدَالَةَ الشُّهُودِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ السُّؤَالُ عَنْ عَدَالَتِهِمْ؛ لِأَنَّ عِلْمَهُ يُغْنِيه عَنْ ذَلِكَ وَهُوَ أَقْوَى مِنْ الْحَاصِلِ لَهُ مِنْ تَعْدِيلِ الْمُزَكِّي وَلَوْلَا مَا ثَبَتَ مِنْ إهْدَارِ الشَّرْعِ عِلْمَهُ بِالزِّنَا فِي إقَامَةِ الْحَدِّ بِالسَّمْعِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ لَكَانَ يَحُدُّهُ بِعِلْمِهِ لَكِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ هُنَاكَ وَلَمْ يَثْبُتْ هُنَا قَالُوا وَيَحْبِسُهُ هُنَا حَتَّى يَسْأَلَ عَنْ الشُّهُودِ كَيْ لَا يَهْرُبَ وَلَا وَجْهَ لِأَخْذِ الْكَفِيلِ مِنْهُ؛ لِأَنَّ أَخْذَ الْكَفِيلِ نَوْعُ احْتِيَاطٍ فَلَا يَكُونُ مَشْرُوعًا فِيمَا يَنْبَنِي عَلَى الدَّرْءِ وَلَيْسَ حَبْسُهُ لِلِاحْتِيَاطِ بَلْ لِلتُّهْمَةِ بِطَرِيقِ التَّعْزِيرِ بِخِلَافِ الدُّيُونِ لَا يُحْبَسُ فِيهَا قَبْلَ ظُهُورِ الْعَدَالَةِ؛ لِأَنَّ الْحَبْسَ أَقْصَى عُقُوبَةٍ فِيهَا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَفْعَلَهُ قَبْلَ الثُّبُوتِ بِخِلَافِ الْحُدُودِ، فَإِنَّهُ فِيهَا عُقُوبَةٌ أُخْرَى أَغْلَظُ مِنْهُ. قَوْلُهُ (وَبِإِقْرَارِهِ أَرْبَعًا فِي مَجَالِسِهِ الْأَرْبَعَةِ كُلَّمَا أَقَرَّ رَدَّهُ) مَعْطُوفٌ عَلَى بِالْبَيِّنَةِ أَيْ يَثْبُتُ الزِّنَا بِإِقْرَارِهِ وَقُدِّمَ الثُّبُوتُ بِالْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ الْمَذْكُورُ فِي الْقُرْآنِ وَلِأَنَّ الثَّابِتَ بِهَا أَقْوَى حَتَّى لَا يَنْدَفِعَ الْحَدُّ بِالْفِرَارِ وَلَا بِالتَّقَادُمِ وَلِأَنَّهَا حُجَّةٌ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: حَتَّى لَا يَنْدَفِعَ الْحَدُّ بِالْفِرَارِ وَلَا بِالتَّقَادُمِ) هَكَذَا فِي الْفَتْحِ وَفِيهِ مُخَالَفَةٌ لِمَا مَرَّ مِنْ قَوْلِهِ فِي عِلَّةِ سُؤَالِهِمْ عَنْ الزَّمَانِ لِجَوَازِ تَقَادُمِ الْعَهْدِ وَلِمَا يَأْتِي أَيْضًا قَرِيبًا وَيَأْتِي مَتْنًا فِي بَابِ الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا أَنَّهَا تَسْقُطُ بِالتَّقَادُمِ وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَى هَذَا الْمَحَلِّ ثُمَّ رَأَيْت الرَّمْلِيَّ نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي حَاشِيَةِ الْمِنَحِ حَيْثُ وَقَعَ فِيهَا كَمَا هُنَا فَقَالَ الْمُقَرَّرُ إنَّ التَّقَادُمَ يَمْنَعُهَا دُونَ الْفِرَارِ وَكَمَا يَمْنَعُ التَّقَادُمُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ فِي الِابْتِدَاءِ فَكَذَا يَمْنَعُ الْإِقَامَةَ بَعْدَ الْقَضَاءِ فَتَأَمَّلْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 6 مُتَعَدِّيَةٌ، وَالْإِقْرَارُ قَاصِرٌ وَلِلْإِقْرَارِ شَرْطَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ صَرِيحًا فَلَوْ أَقَرَّ الْأَخْرَسُ بِالزِّنَا بِكِتَابَةٍ أَوْ إشَارَةٍ لَا يُحَدُّ لِلشُّبْهَةِ لِعَدَمِ الصَّرَاحَةِ وَكَذَا الشَّهَادَةُ عَلَى الْأَخْرَسِ لَا تُقْبَلُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ يَدَّعِي شُبْهَةً كَمَا لَوْ شَهِدُوا عَلَى مَجْنُونٍ أَنَّهُ زَنَى فِي حَالِ إفَاقَتِهِ بِخِلَافِ الْأَعْمَى، فَإِنَّهُ يَصِحُّ إقْرَارُهُ، وَالشَّهَادَةُ عَلَيْهِ وَكَذَا الْخَصِيُّ، وَالْعِنِّينُ وَعَلَى هَذَا فَيُزَادُ فِي تَعْرِيفِ الزِّنَا الْمُوجِبِ لِلْحَدِّ بَعْدَ قَوْلِهِ مُكَلَّفٌ نَاطِقٌ لَمَّا عَلِمْت أَنَّ الْأَخْرَسَ لَا حَدَّ عَلَيْهِ لَا بِإِقْرَارِهِ وَلَا بِبَيِّنَةٍ. الثَّانِي أَنْ لَا يَظْهَرَ كَذِبُهُ فِي إقْرَارِهِ فَلَوْ أَقَرَّ فَظَهَرَ مَجْبُوبًا أَوْ أَقَرَّتْ فَظَهَرَتْ رَتْقَاءَ وَذَلِكَ بِأَنْ تُخْبِرَ النِّسَاءُ بِأَنَّهَا رَتْقَاءُ قَبْلَ الْحَدِّ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ إخْبَارَهُنَّ بِالرَّتْقِ يُوجِبُ شُبْهَةً فِي شَهَادَةِ الشُّهُودِ وَبِالشُّبْهَةِ يَنْدَرِئُ الْحَدُّ وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ زَنَى بِخَرْسَاءَ أَوْ هِيَ أَقَرَّتْ بِأَخْرَسَ لَا حَدَّ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ إقْرَارُهُ فِي حَالَةِ الصَّحْوِ لِمَا فِي الْمُحِيطِ السَّكْرَانُ إذَا سَرَقَ أَوْ زَنَى فِي حَالِ سُكْرِهِ يُحَدُّ وَلَوْ أَقَرَّ بِالزِّنَا أَوْ بِالسَّرِقَةِ لَا يُحَدُّ؛ لِأَنَّ الْإِنْشَاءَ لَا يَحْتَمِلُ الْكَذِبَ، وَالْإِقْرَارَ يَحْتَمِلُ الْكَذِبَ فَاعْتُبِرَ هَذَا الِاحْتِمَالُ فِي حَالِ سُكْرِهِ فِي الْإِقْرَارِ بِالْحَدِّ لَا غَيْرُ اهـ. وَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ لَا يُكَذِّبَهُ الْآخَرُ، فَإِنْ أَقَرَّ الرَّجُلُ بِالزِّنَا بِفُلَانَةَ فَكَذَّبَتْهُ دُرِئَ الْحَدُّ عَنْ الرَّجُلِ سَوَاءٌ قَالَتْ إنَّهُ تَزَوَّجَنِي أَوْ لَا أَعْرِفُهُ أَصْلًا وَيُقْضَى بِالْمَهْرِ عَلَيْهِ إنْ ادَّعَتْهُ الْمَرْأَةُ. وَإِنْ أَقَرَّتْ الْمَرْأَةُ بِالزِّنَا بِفُلَانٍ وَكَذَّبَهَا الرَّجُلُ فَلَا حَدَّ عَلَيْهَا أَيْضًا عِنْدَ الْإِمَامِ خِلَافًا لَهُمَا فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَفِي الْمُحِيطِ أَصْلُهُ أَنَّ الْحَدَّ مَتَى لَمْ يَجِبْ عَلَى الْمَرْأَةِ أَصْلًا أَوْ تَعَذَّرَ اسْتِيفَاؤُهُ عَلَيْهَا لَا يَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ بِالْإِجْمَاعِ وَمَتَى لَمْ يَجِبْ عَلَى الرَّجُلِ أَصْلًا لَمْ يَجِبْ عَلَى الْمَرْأَةِ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ انْعَقَدَ فِعْلُهُ مُوجِبًا لِلْحَدِّ لَكِنْ بَطَلَ الْحَدُّ عَنْهُ لِمَعْنًى عَارِضٍ لَا يَمْنَعُ الْوُجُوبَ عَلَى الْمَرْأَةِ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا اهـ. وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْمُصَنِّفُ بُلُوغَ الْمُقِرِّ وَعَقْلَهُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ؛ لِأَنَّهُمَا شُرِطَا لِكُلِّ تَكْلِيفٍ وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ الْحُرِّيَّةُ فَصَحَّ إقْرَارُ الْعَبْدِ بِالزِّنَا أَوْ بِغَيْرِهِ مِمَّا يُوجِبُ الْحَدَّ، وَإِنْ كَانَ مَوْلَاهُ غَائِبًا وَكَذَا الْقَطْعُ، وَالْقِصَاصُ وَفَرَّقَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ بَيْنَ حُجَّةِ الْبَيِّنَةِ وَحُجَّةِ الْإِقْرَارِ وَلَوْ قَالَ الْعَبْدُ بَعْدَ مَا أُعْتِقَ زَنَيْت وَأَنَا عَبْدٌ لَزِمَهُ حَدُّ الْعَبِيدِ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَإِنَّمَا شَرَطْنَا تَكْرَارَ الْإِقْرَارِ أَرْبَعًا «لِحَدِيثِ مَاعِزٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَخَّرَ إقَامَةَ الْحَدِّ عَلَيْهِ إلَى أَنْ تَمَّ إقْرَارُهُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فِي أَرْبَعِ مَجَالِسَ» فَلِهَذَا قُلْنَا لَا بُدَّ مِنْ اخْتِلَافِ الْمَجَالِسِ؛ لِأَنَّ لِاتِّحَادِهِ أَثَرًا فِي جَمْعِ الْمُتَفَرِّقَاتِ فَعِنْدَهُ يَتَحَقَّقُ شُبْهَةُ الِاتِّحَادِ فِيهِ، وَالْعِبْرَةُ لِمَجْلِسِ الْمُقِرِّ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ بِهِ دُونَ مَجْلِسِ الْقَاضِي وَفَسَّرَ مُحَمَّدٌ الْمَجَالِسَ الْمُتَفَرِّقَةَ أَنْ يَذْهَبَ الْمُقِرُّ بِحَيْثُ يَتَوَارَى عَنْ بَصَرِ الْقَاضِي وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَزْجُرَهُ عَنْ الْإِقْرَارِ وَيُظْهِرَ لَهُ الْكَرَاهِيَةَ مِنْ ذَلِكَ وَيَأْمُرَ بِإِبْعَادِهِ عَنْ مَجْلِسِهِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَعَلَ كَذَلِكَ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَوْ أَقَرَّ كُلَّ يَوْمٍ مَرَّةً أَوْ كُلَّ شَهْرٍ مَرَّةً، فَإِنَّهُ يُحَدُّ اهـ. وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِاقْتِصَارِهِ عَلَى الْبَيِّنَةِ، وَالْإِقْرَارِ إلَى أَنَّ الزِّنَا لَا يَثْبُتُ بِعِلْمِ الْقَاضِي وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْحُدُودِ الْخَالِصَةِ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَإِلَى أَنَّ الْإِقْرَارَ، وَالشَّهَادَةَ لَا يَجْتَمِعَانِ فَلِذَا قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَالذَّخِيرَةِ أَرْبَعَةٌ فَسَقَةٌ شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا وَأَقَرَّ هُوَ مَرَّةً وَاحِدَةً لَا يُحَدُّ وَلَوْ كَانَ الشُّهُودُ عُدُولًا ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ أَنَّهُ يُحَدُّ وَذَكَرَ غَيْرُهُ مِنْ الْمَشَايِخِ أَنَّ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ يُحَدُّ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لَا يُحَدُّ اهـ. قَوْلُهُ (وَسَأَلَهُ كَمَا مَرَّ، فَإِنْ بَيَّنَهُ حُدَّ) أَيْ سَأَلَ الْحَاكِمُ الْمُقِرَّ عَنْ الْأَشْيَاءِ الْخَمْسَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ لِلِاحْتِمَالَاتِ الْمَذْكُورَةِ، فَإِنْ بَيَّنَ الْمَسْئُولَ عَنْهُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ زَنَى بِخَرْسَاءَ أَوْ هِيَ أَقَرَّتْ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ قِيلَ يُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا لَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ زَنَى بِغَائِبَةٍ حُدَّ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّ انْتِظَارَ حُضُورِهَا لِاحْتِمَالِ أَنْ تَذْكُرَ مُسْقِطًا عَنْهُ وَعَنْهَا وَلَا يَجُوزُ التَّأْخِيرُ بِهَذَا الِاحْتِمَالِ فَيَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ اهـ. وَفِي حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ قَالَ شَيْخُنَا تَغَمَّدَهُ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ قَدْ صَرَّحَ الزَّيْلَعِيُّ فِي الْبَابِ الْآتِي بِالْفَرْقِ حَيْثُ قَالَ بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ زَنَى بِغَائِبَةٍ أَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ حَيْثُ يُحَدُّ وَإِنْ احْتَمَلَ أَنْ يُنْكِرَ الْغَائِبُ الزِّنَا أَوْ يَدَّعِيَ النِّكَاحَ لِأَنَّهُ لَوْ حَضَرَ وَأَنْكَرَ الزِّنَا أَوْ ادَّعَى النِّكَاحَ يَكُونُ شُبْهَةً وَاحْتِمَالُ ذَلِكَ يَكُونُ شُبْهَةَ الشُّبْهَةِ فَالشُّبْهَةُ هِيَ الْمُعْتَبَرَةُ دُونَ شُبْهَةِ الشُّبْهَةِ اهـ. قَالَ ثُمَّ ظَهَرَ لِي أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ فَارِقًا لِمَا أَنَّ شُبْهَةَ الشُّبْهَةِ ثَابِتَةٌ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ إذْ دَعْوَى الْخَرْسَاءِ عَلَى فَرْضِ نُطْقِهَا مَا يُسْقِطُ الْحَدَّ هُوَ الشُّبْهَةُ وَجَوَازُ أَنَّهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ أَبْدَتْهُ شُبْهَةَ الشُّبْهَةِ فَكَانَ الِاحْتِيَاجُ إلَى إبْدَاءِ الْفَرْقِ بَاقِيًا اهـ. بِلَفْظِهِ. وَذَكَرَ فِي الْجَوْهَرَةِ أَنَّ الْقِيَاسَ عَدَمُ الْحَدِّ لِجَوَازِ أَنْ تَحْضُرَ فَتَجْحَدَ فَتَدَّعِيَ حَدَّ الْقَذْفِ أَوْ تَدَّعِيَ نِكَاحًا فَتَطْلُبَ الْمَهْرَ وَفِي حَدِّهِ إبْطَالُ حَقِّهَا وَالِاسْتِحْسَانُ أَنْ يُحَدَّ لِحَدِيثِ مَاعِزٍ أَنَّهُ حُدَّ مَعَ غَيْبَةِ الْمَرْأَةِ وَتَمَامُهُ فِيهِ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ تَرَكَ الْقِيَاسَ لِلدَّلِيلِ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ مَا لَوْ زَنَا بِخَرْسَاءَ لِوُرُودِهِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ وَبِهِ يَنْدَفِعُ الْإِشْكَالُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ: وَمَتَى لَمْ يَجِبْ عَلَى الرَّجُلِ أَصْلًا لَمْ يَجِبْ عَلَى الْمَرْأَةِ) سَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَبِزِنَا صَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ أَنَّهُ مَنْقُوضٌ بِزِنَا الْمُكْرَهِ بِالْمُطَاوَعَةِ وَالْمُسْتَأْمَنِ بِالذِّمِّيَّةِ وَالْمُسْلِمَةِ اهـ. لَكِنْ احْتَرَزَ هُنَا عَنْ الْأَوَّلِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 7 وَجَبَ الْحَدُّ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يَسْأَلُهُ عَنْ الزَّمَانِ، وَالْمَزْنِيِّ بِهَا وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ زَنَى فِي صِبَاهُ أَوْ زَنَى بِجَارِيَةِ ابْنِهِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُهَا وَلَيْسَ فَائِدَةُ السُّؤَالِ عَنْ الزَّمَانِ مُنْحَصِرَةً فِي احْتِمَالِ التَّقَادُمِ وَهُوَ مُضِرٌّ فِي الشَّهَادَةِ دُونَ الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّ لَهُ فَائِدَةً أُخْرَى وَهُوَ احْتِمَالُ وُجُودِهِ فِي زَمَانِ الصِّبَا وَلَوْ سُئِلَ عَنْ الْمَزْنِيِّ بِهَا فَقَالَ لَا أَعْرِفُهَا قَدَّمْنَا أَنَّهُ يُحَدُّ وَكَذَا إذَا أَقَرَّ بِالزِّنَا بِفُلَانَةَ وَهِيَ غَائِبَةٌ، فَإِنَّهُ يُحَدُّ اسْتِحْسَانًا بِخِلَافِ مَا إذَا كَذَّبَتْهُ لِمَا قَدَّمْنَاهُ وَأَشَارَ بِسُؤَالِ الْإِمَامِ إلَى أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ إقْرَارُهُ عِنْدَ غَيْرِ الْحَاكِمِ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ فِي إقَامَةِ الْحُدُودِ وَلَوْ كَانَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ حَتَّى لَا تُقْبَلَ الشَّهَادَةُ بِذَلِكَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مُنْكِرًا فَقَدْ رَجَعَ، وَإِنْ كَانَ مُقِرًّا لَا تُعْتَبَرُ الشَّهَادَةُ مَعَ الْإِقْرَارِ كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْإِقْرَارِ لَا تُقْبَلُ أَصْلًا. قَوْلُهُ (: فَإِنْ رَجَعَ عَنْ إقْرَارِهِ قَبْلَ الْحَدِّ أَوْ فِي وَسَطِهِ خُلِّيَ سَبِيلُهُ) ؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ خَبَرٌ مُحْتَمِلٌ لِلصِّدْقِ كَالْإِقْرَارِ وَلَيْسَ أَحَدٌ يُكَذِّبُهُ فِيهِ فَتَحَقُّقُ الشُّبْهَةِ بِالْإِقْرَارِ بِخِلَافِ مَا فِيهِ حَقُّ الْعَبْدِ وَهُوَ الْقِصَاصُ وَحَدُّ الْقَذْفِ لِوُجُودِ مَنْ يُكَذِّبُهُ وَلَا كَذَلِكَ مَا هُوَ خَالِصُ حَقِّ الشَّرْعِ أَطْلَقَ فِي الرُّجُوعِ فَشَمِلَ الرُّجُوعَ بِالْقَوْلِ أَوْ بِالْفِعْلِ كَمَا إذَا هَرَبَ كَمَا فِي الْحَاوِي وَقَيَّدَ بِالْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ الزِّنَا بِالْبَيِّنَةِ فَهَرَبَ فِي حَالِ الرَّجْمِ اُتُّبِعَ بِالْحِجَارَةِ حَتَّى يُقْضَى عَلَيْهِ كَذَا فِي الْحَاوِي، وَإِنْكَارُ الْإِقْرَارِ رُجُوعٌ كَإِنْكَارِ الرِّدَّةِ تَوْبَةٌ قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ أَقَرَّ عِنْدَ الْقَاضِي بِالزِّنَا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فَأَمَرَ الْقَاضِي بِرَجْمِهِ فَقَالَ وَاَللَّهِ مَا أَقْرَرْت بِشَيْءٍ يُدْرَأُ عِنْدَ الْحَدِّ اهـ. وَكَذَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنْ الْإِقْرَارِ بِالْإِحْصَانِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا صَارَ شَرْطًا لِلْحَدِّ صَارَ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى فَصَحَّ الرُّجُوعُ عَنْهُ لِعَدَمِ الْمُكَذِّبِ كَذَا فِي الْكَشْفِ الْكَبِيرِ مِنْ بَحْثِ الْعَلَّامَةِ، وَقَدْ ظَهَرَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ يَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنْ الْإِقْرَارِ بِالْحُدُودِ الْخَالِصَةِ كَحَدِّ الشُّرْبِ، وَالسَّرِقَةِ. قَوْلُهُ (وَنُدِبَ تَلْقِينُهُ بِلَعَلَّك قَبَّلْت أَوْ لَمَسْت أَوْ وَطِئْت بِشُبْهَةٍ) لِحَدِيثِ مَاعِزٍ فِي الْبُخَارِيِّ «لَعَلَّك قَبَّلْت أَوْ غَمَزْت أَوْ نَظَرْت» وَقَالَ فِي الْأَصْلِ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ لَهُ لَعَلَّك تَزَوَّجْتهَا أَوْ وَطِئْتهَا بِشُبْهَةٍ، وَالْمَقْصُودُ أَنْ يُلَقِّنَهُ بِمَا يَكُونُ ذِكْرُهُ دَارِئًا لِيُذَكِّرَهُ كَائِنًا مَا كَانَ كَمَا «قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِلسَّارِقِ الَّذِي جِيءَ بِهِ إلَيْهِ أَسَرَقْت وَمَا أَخَالُهُ سَرَقَ» أَيْ وَمَا أَظُنُّهُ سَرَقَ تَلْقِينًا لَهُ لِيَرْجِعَ وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ الزَّانِيَ لَوْ ادَّعَى أَنَّهَا زَوْجَتُهُ سَقَطَ الْحَدُّ عَنْهُ، وَإِنْ كَانَتْ زَوْجَةً لِلْغَيْرِ وَلَا يُكَلَّفُ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ لِلشُّبْهَةِ كَمَا لَوْ ادَّعَى السَّارِقُ أَنَّ الْعَيْنَ مَمْلُوكَةٌ لَهُ سَقَطَ الْقَطْعُ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ تَزَوَّجَ الْمَزْنِيَّ بِهَا أَوْ اشْتَرَاهَا لَا يَسْقُطُ الْحَدُّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا شُبْهَةَ لَهُ وَقْتَ الْفِعْلِ قَوْلُهُ (، فَإِنْ كَانَ مُحْصَنًا رَجَمَهُ فِي فَضَاءٍ حَتَّى يَمُوتَ) «؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رَجَمَ مَاعِزًا وَقَدْ كَانَ أُحْصِنَ» وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ الْمَعْرُوفِ «وَزِنًا بَعْدَ إحْصَانٍ» وَعَلَى هَذَا إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ، وَإِنْكَارُ الْخَوَارِجِ الرَّجْمَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُمْ إنْ أَنْكَرُوا حُجِّيَّةَ إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ فَجَهْلٌ مُرَكَّبٌ بِالدَّلِيلِ بَلْ هُوَ إجْمَاعٌ قَطْعِيٌّ، وَإِنْ أَنْكَرُوا وُقُوعَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِإِنْكَارِهِمْ حُجِّيَّةَ خَبَرِ الْوَاحِدِ فَهُوَ بَعْدَ بُطْلَانِهِ بِالدَّلِيلِ لَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الرَّجْمِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُتَوَاتِرُ الْمَعْنَى كَشَجَاعَةِ عَلِيٍّ وُجُودِ حَاتِمٍ، وَالْآحَادِ فِي تَفَاصِيلِ صُوَرِهِ وَخُصُوصِيَّاتِهِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَإِنَّمَا يُرْجَمُ فِي الْفَضَاءِ لِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ «إنَّ مَاعِزًا رُجِمَ بِالْمُصَلَّى» وَفِي مُسْلِمٍ «فَانْطَلَقْنَا بِهِ إلَى بَقِيعِ الْغَرْقَدِ» ، فَإِنَّ الْمُصَلَّى كَانَ بِهِ وَهُوَ مُصَلَّى الْجَنَائِزِ وَفِي الْمُحِيطِ الْمَقْضِيُّ بِرَجْمِهِ إذَا قَتَلَهُ إنْسَانٌ أَوْ فَقَأَ عَيْنَهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَوْ قَتَلَهُ قَبْلَ الْقَضَاءِ يَجِبُ الْقِصَاصُ إنْ كَانَ عَمْدًا، وَالدِّيَةُ إنْ كَانَ خَطَأً. قَوْلُهُ (يَبْدَأُ الشُّهُودُ بِهِ) أَيْ بِالرَّجْمِ يَعْنِي عَلَى وَجْهِ الشَّرْطِ وَلَوْ بِحَصَاةٍ صَغِيرَةٍ هَكَذَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلِأَنَّ الشَّاهِدَ قَدْ يَتَجَاسَرُ عَلَى الْأَدَاءِ ثُمَّ يَسْتَعْظِمُ الْمُبَاشَرَةَ فَيَرْجِعُ فَكَانَ فِي بِدَايَتِهِ احْتِيَالٌ لِلدَّرْءِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يُشْتَرَطُ بِدَايَتُهُمْ اعْتِبَارًا بِالْجَلْدِ قُلْنَا كُلُّ أَحَدٍ لَا يُحْسِنُ الْجَلْدَ فَرُبَّمَا يَقَعُ   [منحة الخالق] بِقَوْلِهِ: وَإِنْ انْعَقَدَ إلَخْ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْإِقْرَارِ لَا تُقْبَلُ أَصْلًا) أَيْ إلَّا فِي سَبْعٍ ذَكَرَهَا فِي الْأَشْبَاهِ. (قَوْلُهُ: وَبِهَذَا عُلِمَ إلَخْ) فِي كَافِي الْحَاكِمِ رَجُلٌ تَزَوَّجَ فَزُفَّتْ لَهُ أُخْرَى فَوَطِئَهَا قَالَ لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى قَاذِفِهِ رَجُلٌ فَجَرَ بِامْرَأَةٍ ثُمَّ قَالَ حَسَبْتهَا امْرَأَتِي قَالَ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَلَيْسَتْ هَذِهِ كَالْأُولَى؛ لِأَنَّ الزِّفَافَ شُبْهَةٌ أَلَا تَرَى أَنَّهَا إنْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ وَإِنْ جَاءَتْ هَذِهِ الَّتِي فَجَرَ بِهَا بِوَلَدٍ لَمْ أُثْبِتْ نَسَبَهُ مِنْهُ اهـ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُؤَلِّفُ بِأَنَّ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُؤَلِّفُ هُوَ جَازِمٌ بِأَنَّهَا امْرَأَتُهُ إلَى الْآنَ بِخِلَافِ قَوْلِهِ حَسَبْتهَا امْرَأَتِي، فَإِنَّهُ يُفِيدُ أَنَّهُ الْآنَ مُقِرٌّ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ امْرَأَتَهُ، وَإِنَّمَا ظَنَّهَا وَقْتَ الْفِعْلِ فَلْيُتَأَمَّلْ ثُمَّ رَأَيْت فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ لَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ أَرْبَعَةٌ بِالزِّنَا ثُمَّ ادَّعَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 8 مُهْلِكًا، وَالْإِهْلَاكُ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ وَلَا كَذَلِكَ الرَّجْمُ؛ لِأَنَّهُ إتْلَافٌ قَوْلُهُ (: فَإِنْ أَبَوْا سَقَطَ) أَيْ إنْ امْتَنَعَ الشُّهُودُ مِنْ الِابْتِدَاءِ سَقَطَ الْحَدُّ؛ لِأَنَّهُ دَلَالَةُ الرُّجُوعِ وَكَذَا إذَا مَاتُوا أَوْ غَابُوا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِفَوَاتِ الشَّرْطِ وَلَا يَجِبُ الْحَدُّ عَلَيْهِمْ لَوْ امْتَنَعُوا؛ لِأَنَّهُ دَلَالَةُ الرُّجُوعِ لَا صَرِيحُهُ وَامْتِنَاعُ الْبَعْضِ أَوْ غَيْبَتُهُ كَالْكُلِّ، وَكَذَا إذَا خَرَجَ بَعْضُ الشُّهُودِ عَنْ الْأَهْلِيَّةِ بِارْتِدَادٍ أَوْ عَمًى أَوْ خَرَسٍ أَوْ فِسْقٍ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الْقَضَاءِ أَوْ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ الْإِمْضَاءَ مِنْ الْقَضَاءِ فِي الْحُدُودِ، وَأَمَّا قَطْعُ الْيَدَيْنِ، فَإِنْ كَانَ بَعْدَ الشَّهَادَةِ امْتَنَعَتْ الْإِقَامَةُ، وَإِنْ كَانَ الْقَطْعُ قَبْلَهَا رَمَى الْقَاضِي بِحَضْرَتِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا كَانُوا مَقْطُوعِي الْأَيْدِي لَمْ تَسْتَحِقَّ الْبَدَاءَةَ بِهِمْ، وَإِنْ قُطِعُوا بَعْدَهَا فَقَدْ اسْتَحَقَّتْ وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ كَوْنَ الِابْتِدَاءِ بِهِمْ شَرْطًا إنَّمَا هُوَ عِنْدَ قُدْرَتِهِمْ عَلَى الرَّجْمِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَإِنْ كَانَ الشُّهُودُ مَرْضَى لَا يَسْتَطِيعُونَ الرَّمْيَ وَقَدْ حَضَرُوا رَمَى الْقَاضِي ثُمَّ رَمَى النَّاسُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُقَامُ عَلَيْهِ الرَّجْمُ، وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ الشُّهُودُ، وَإِنْ حَضَرُوا وَلَمْ يَرْجُمُوا رَجَمَ الْإِمَامُ ثُمَّ النَّاسُ. وَقَيَّدَ الْمُصَنِّفُ بِالرَّجْمِ؛ لِأَنَّ مَا سِوَى الرَّجْمِ مِنْ الْحُدُودِ لَا يَجِبُ الِابْتِدَاءُ لَا مِنْ الشُّهُودِ وَلَا مِنْ الْإِمَامِ وَكَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ قَوْلُهُ (ثُمَّ الْإِمَامُ ثُمَّ النَّاسُ) هَكَذَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ وَيَقْصِدُونَ بِذَلِكَ مَقْتَلَهُ إلَّا مَنْ كَانَ مِنْهُمْ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ، فَإِنَّهُ لَا يَقْصِدُ مَقْتَلَهُ، فَإِنَّ بِغَيْرِهِ كِفَايَةً كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَغَيْرِهِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَرْجُمُهُ وَلَا يَقْصِدُ مَقْتَلَهُ مَعَ أَنَّ ظَاهِرَ مَا فِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ لَا يَرْجُمُهُ أَصْلًا، فَإِنَّهُ قَالَ وَيُكْرَهُ لِذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ أَنْ يَلِيَ إقَامَةَ الْحَدِّ، وَالرَّجْمَ اهـ. وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الْإِمَامَ إذَا امْتَنَعَ مِنْ الرَّجْمِ بَعْدَ الشُّهُودِ أَنَّهُ يَسْقُطُ الْحَدُّ وَقِيَاسُهُ السُّقُوطُ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: وَاعْلَمْ أَنَّ مُقْتَضَى مَا ذُكِرَ أَنَّهُ لَوْ بَدَأَ الشُّهُودُ فِيمَا إذَا ثَبَتَ بِالشَّهَادَةِ يَجِبُ أَنْ يُثَنِّيَ الْإِمَامُ فَلَوْ لَمْ يُثَنِّ الْإِمَامُ يَسْقُطُ الْحَدُّ لِاتِّحَادِ الْمَأْخَذِ فِيهِمَا اهـ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ: وَالْقَاضِي إذَا أَمَرَ النَّاسَ بِرَجْمِ الزَّانِي وَسِعَهُمْ أَنْ يَرْجُمُوهُ، وَإِنْ لَمْ يُعَايِنُوا أَدَاءَ الشَّهَادَةِ وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ هَذَا إذَا كَانَ الْقَاضِي فَقِيهًا عَدْلًا أَمَّا إذَا كَانَ فَقِيهًا غَيْرَ عَدْلٍ أَوْ كَانَ عَدْلًا غَيْرَ فَقِيهٍ فَلَا يَسْعَهُمْ أَنْ يَرْجُمُوهُ حَتَّى يُعَايِنُوا أَدَاءَ الشَّهَادَةِ اهـ. قَوْلُهُ (وَيَبْدَأُ الْإِمَامُ لَوْ مُقِرًّا ثُمَّ النَّاسُ) كَذَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «وَرَمَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْغَامِدِيَّةَ بِحَصَاةٍ مِثْلِ الْحِمَّصَةِ وَكَانَتْ قَدْ اعْتَرَفَتْ بِالزِّنَا» وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الْإِمَامَ لَوْ لَمْ يَبْدَأْ هَلْ يَحِلُّ لِلنَّاسِ الرَّمْيُ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَاعْلَمْ أَنَّ مُقْتَضَى هَذَا أَنَّهُ لَوْ امْتَنَعَ الْإِمَامُ لَا يَحِلُّ لِلْقَوْمِ رَجْمُهُ وَلَوْ أَمَرَهُمْ لِعِلْمِهِمْ بِفَوَاتِ شَرْطِ الرَّجْمِ وَهُوَ مُنْتَفٍ بِرَجْمِ مَاعِزٍ، فَإِنَّ الْقَطْعَ بِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَحْضُرْهُ بَلْ رَجَمَهُ النَّاسُ بِأَمْرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ حَقِيقَةَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَأْمُرَهُمْ بِالِابْتِدَاءِ اخْتِيَارًا لِثُبُوتِ دَلَالَةِ الرُّجُوعِ وَعَدَمِهِ وَأَنْ يَبْتَدِئَ هُوَ فِي الْإِقْرَارِ لِيَنْكَشِفَ لِلنَّاسِ أَنَّهُ لَمْ يُقَصِّرْ فِي أَمْرِ الْقَضَاءِ بِأَنْ لَمْ يَتَسَاهَلْ فِي بَعْضِ شُرُوطِ الْقَضَاءِ بِالْحَدِّ، فَإِذَا امْتَنَعَ حِينَئِذٍ ظَهَرَتْ أَمَارَةُ   [منحة الخالق] شُبْهَةً فَقَالَ: ظَنَنْت أَنَّهَا امْرَأَتِي لَا يَسْقُطُ الْحَدُّ وَلَوْ قَالَ هِيَ امْرَأَتِي أَوْ أَمَتِي لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى الشُّهُودِ اهـ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ قَالَ وَيُكْرَهُ لِذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَنْزِيهِيَّةٌ ثُمَّ إنَّ مَحَلَّ كَرَاهَةِ رَجْمِهِ مُطْلَقًا إذَا لَمْ يَكُنْ الْمَحْرَمُ شَاهِدًا قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ، وَإِنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى أَبِيهِمْ بِالزِّنَا وَجَبَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَبْتَدِئُوا بِالرَّجْمِ وَكَذَا الْإِخْوَةُ وَذَوُو الرَّحِمِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَتَعَمَّدُوا مَقْتَلًا وَكَذَا ذَوُو الرَّحِمِ الْمُحَرَّمِ، وَأَمَّا ابْنُ الْعَمِّ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَعَمَّدَ قَتْلَهُ؛ لِأَنَّ رَحِمَهُ لَمْ يَكْمُلْ فَأَشْبَهَ الْأَجْنَبِيَّ وَقَدْ قَالُوا: إنَّ الِابْنَ إذَا شَهِدَ عَلَى أَبِيهِ بِالزِّنَا لَمْ يَحْرُمْ الْمِيرَاث بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّ الْمِيرَاثَ يَجِبُ بِالْمَوْتِ، وَالشَّهَادَةُ إنَّمَا وَقَعَتْ عَلَى الزِّنَا وَذَلِكَ غَيْرُ الْمَوْتِ وَكَذَا إذَا شَهِدَ عَلَيْهِ بِالْقِصَاصِ فَقُتِلَ لَمْ يَحْرُمْ الْمِيرَاثُ لِهَذِهِ الْعِلَّةِ (قَوْلُهُ: فَلَوْ لَمْ يُثَنِّ الْإِمَامُ سَقَطَ الْحَدُّ) نَقَلَ فِي النَّهْرِ عَنْ إيضَاحِ الْإِصْلَاحِ أَنَّ حُضُورَهُ غَيْرُ لَازِمٍ ثُمَّ قَالَ: إنَّ مَا فِي الْفَتْحِ إنَّمَا يَتِمُّ لَوْ سُلِّمَ وُجُوبُ حُضُورِهِ كَالشُّهُودِ قَالَ وَفِي الدِّرَايَةِ وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْمُرَ طَائِفَةً مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَحْضُرُوا لِإِقَامَةِ الْحُدُودِ وَاخْتَلَفُوا فِي عَدَدِهَا فَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَاحِدٌ وَقَالَ عَطَاءٌ اثْنَانِ وَالزُّهْرِيُّ ثَلَاثَةٌ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ عَشَرَةٌ اهـ. وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ حُضُورَهُمْ لَيْسَ شَرْطًا فَرَمْيُهُمْ كَذَلِكَ فَلَوْ امْتَنَعُوا لَمْ يَسْقُطْ اهـ. مَا فِي النَّهْرِ. (قَوْلُهُ: أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَأْمُرَهُمْ بِالِابْتِدَاءِ) أَيْ أَنْ يَأْمُرَ الشُّهُودَ فِي صُورَةِ ثُبُوتِهِ بِالْبَيِّنَةِ وَقَوْلُهُ: وَأَنْ يَبْتَدِئَ هُوَ فِي الْإِقْرَارِ أَيْ وَأَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَبْتَدِئَ هُوَ أَيْ الْقَاضِي فِي صُورَةِ ثُبُوتِهِ بِالْإِقْرَارِ (قَوْلُهُ: فَإِذَا امْتَنَعَ حِينَئِذٍ ظَهَرَتْ إمَارَةُ الرُّجُوعِ) تَمَامُ عِبَارَةِ الْفَتْحِ فَامْتَنَعَ الْحَدُّ لِظُهُورِ ثُبُوتِ شُبْهَةِ تَقْصِيرِهِ فِي الْقَضَاءِ وَهِيَ دَارِئَةٌ فَكَانَ الْبَدْأَةُ فِي مَعْنَى الشَّرْطِ إذْ لَزِمَ عَنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ لَا أَنَّهُ جُعِلَ شَرْطًا بِذَاتِهِ وَهَذَا فِي حَقِّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مُنْتَفٍ فَلَمْ يَكُنْ عَدَمُ رَجْمِهِ دَلِيلًا عَلَى سُقُوطِ الْحَدِّ اهـ. وَبِهِ يَتَّضِحُ الْمَرَامُ وَحَاصِلُهُ الْفَرْقُ بَيْنَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الجزء: 5 ¦ الصفحة: 9 الرُّجُوعِ وَفِي الْحَاوِي وَيَنْبَغِي لِلنَّاسِ أَنْ يَصَّفُّوا عِنْدَ الرَّجْمِ كَصُفُوفِ الصَّلَاةِ وَكُلَّمَا رَجَمَ قَوْمٌ تَأَخَّرُوا وَتَقَدَّمَ غَيْرُهُمْ فَرَجَمُوا اهـ. قَوْلُهُ (وَلَوْ غَيْرَ مُحْصَنٍ جَلَدَهُ مِائَةً) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2] إلَّا أَنَّهُ انْتَسَخَ فِي حَقِّ الْمُحْصَنِ فَبَقِيَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ مَعْمُولًا بِهِ وَيَكْفِينَا فِي تَعْيِينِ النَّاسِخِ الْقَطْعُ بِرَجْمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَكُونُ مِنْ نَسْخِ الْكِتَابِ بِالسُّنَّةِ الْقَطْعِيَّةِ قَوْلُهُ (وَنُصِّفَ لِلْعَبْدِ) أَيْ نِصْفُ جَلْدِ الْمِائَةِ لِلْعَبْدِ الزَّانِي فَيُجْلَدُ خَمْسِينَ سَوْطًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25] ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْجَلْدُ؛ لِأَنَّ الرَّجْمَ لَا يَتَنَصَّفُ، وَإِذَا ثَبَتَ التَّنْصِيفُ فِي الْإِمَاءِ لِوُجُودِ الرِّقِّ ثَبَتَ فِي الْعَبِيدِ دَلَالَةً وَمَا فِي التَّبْيِينِ مِنْ أَنَّ الْعَبِيدَ دَخَلُوا فِي اللَّفْظِ وَأَنَّثَ لِلتَّغْلِيبِ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْأُصُولِ مِنْ أَنَّ الذُّكُورَ لَا تَتْبَعُ الْإِنَاثَ حَتَّى لَوْ قَالَ أَمِّنُونِي عَلَى بَنَاتِي لَا تَدْخُلُ الذُّكُورُ بِخِلَافِ أَمِّنُونِي عَلَى بَنِيَّ عَمَّ الذُّكُورَ، وَالْإِنَاثَ. قَوْلُهُ (بِسَوْطٍ لَا تَمْرَةَ لَهُ مُتَوَسِّطًا) أَيْ لَا عُقْدَةَ لَهُ؛ لِأَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا أَرَادَ أَنْ يُقِيمَ الْحَدَّ كَسَرَ تَمْرَتَهُ، وَالْمُتَوَسِّطُ بَيْنَ الْمُبَرِّحِ وَهُوَ الْجَارِحُ وَغَيْرِ الْمُؤْلِمِ لِإِفْضَاءِ الْأَوَّلِ إلَى الْهَلَاكِ وَخُلُوِّ الثَّانِي عَنْ الْمَقْصُودِ وَهُوَ الِانْزِجَارُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ الْمُؤْلِمُ غَيْرُ الْجَارِحِ قَوْلُهُ (وَنَزَعَ ثِيَابَهُ وَفَرَّقَ عَلَى بَدَنِهِ إلَّا رَأْسَهُ وَوَجْهَهُ وَفَرْجَهُ) أَيْ وَنَزَعَ عَنْهُ ثِيَابَهُ إلَّا مَا يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ؛ لِأَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يَأْمُرُ بِالتَّجْرِيدِ فِي الْحُدُودِ؛ لِأَنَّ التَّجْرِيدَ أَبْلُغُ فِي إيصَالِ الْأَلَمِ إلَيْهِ وَهَذَا الْحَدُّ مَبْنَاهُ عَلَى الشِّدَّةِ فِي الضَّرْبِ وَفِي نَزْعِ الْإِزَارِ كَشْفُ الْعَوْرَةِ فَيَتَوَقَّاهُ، وَإِنَّمَا يُفَرِّقُ الضَّرْبَ عَلَى أَعْضَائِهِ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ فِي عُضْوٍ وَاحِدٍ قَدْ يُفْضِي إلَى التَّلَفِ، وَالْحَدُّ زَاجِرٌ لَا مُتْلِفٌ، وَإِنَّمَا يَتَّقِي الْأَعْضَاءَ الثَّلَاثَةَ «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِلَّذِي أَمَرَهُ بِضَرْبِ الْحَدِّ اتَّقِ الْوَجْهَ، وَالْمَذَاكِيرَ» وَلِأَنَّ الْفَرْجَ مَقْتَلٌ، وَالرَّأْسَ مَجْمَعُ الْحَوَاسِّ، وَكَذَا الْوَجْهُ وَهُوَ مَجْمَعُ الْمَحَاسِنِ أَيْضًا فَلَا يُؤْمَنُ مِنْ فَوَاتِ شَيْءٍ مِنْهَا بِالضَّرْبِ، وَذَلِكَ إهْلَاكٌ مَعْنًى فَلَا يُشْرَعُ حَدًّا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُضْرَبُ الرَّأْسُ أَيْضًا رَجَعَ إلَيْهِ بَعْدَ أَنْ كَانَ أَوَّلًا يَقُولُ لَا يُضْرَبُ كَمَا هُوَ الْمَذْهَبُ، وَإِنَّمَا يُضْرَبُ سَوْطًا لِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اضْرِبُوا الرَّأْسَ، فَإِنَّ فِيهِ شَيْطَانًا قُلْنَا: تَأْوِيلُهُ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ فِيمَنْ أُبِيحَ قَتْلُهُ وَنُقِلَ أَنَّهُ وَرَدَ فِي حَرْبِيٍّ كَانَ مِنْ دُعَاةِ الْكَفَرَةِ، وَالْإِهْلَاكُ فِيهِ مُسْتَحَقٌّ. قَوْلُهُ (وَيُضْرَبُ الرَّجُلُ قَائِمًا فِي الْحُدُودِ وَغَيْرَ مَمْدُودٍ) لِقَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تُضْرَبُ الرِّجَالُ فِي الْحُدُودِ قِيَامًا، وَالنِّسَاءُ قُعُودًا وَلِأَنَّ مَبْنَى إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَى التَّشْهِيرِ، وَالْقِيَامُ أَبْلَغُ فِيهِ ثُمَّ قَوْلُهُ غَيْرَ مَمْدُودٍ فَقَدْ قِيلَ الْمَدُّ أَنْ يُلْقَى عَلَى الْأَرْضِ وَيُمَدَّ كَمَا يُفْعَلُ فِي زَمَانِنَا وَقِيلَ أَنْ يُمَدَّ السَّوْطُ فَيَرْفَعَهُ الضَّارِبُ فَوْقَ رَأْسِهِ وَقِيلَ أَنْ يُمَدَّ بَعْدَ الضَّرْبِ وَذَلِكَ كُلُّهُ لَا يُفْعَلُ؛ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ عَلَى الْمُسْتَحَقِّ قَوْلُهُ (وَلَا يَنْزِعُ ثِيَابَهَا إلَّا الْفَرْوَ، وَالْحَشْوَ) ؛ لِأَنَّ فِي تَجْرِيدِهَا كَشْفَ الْعَوْرَةِ، وَالْفَرْوُ، وَالْحَشْوُ يَمْنَعَانِ وُصُولَ الْأَلَمِ إلَى الْجَسَدِ، وَالسَّتْرُ حَاصِلٌ بِدُونِهِمَا فَلَا حَاجَةَ إلَيْهِمَا فَيُنْزَعَانِ لِيَصِلَ الْأَلَمُ إلَى الْبَدَنِ قَوْلُهُ (وَتُضْرَبُ جَالِسَةً) لِأَثَرِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلِأَنَّهَا عَوْرَةٌ فَلَوْ ضُرِبَتْ قَائِمَةً لَا يُؤْمَنُ كَشْفُ عَوْرَتِهَا قَوْلُهُ (وَيُحْفَرُ لَهَا فِي الرَّجْمِ لَا لَهُ) ؛ لِأَنَّ مَاعِزًا لَمْ يُحْفَرْ لَهُ وَحُفِرَ لِلْغَامِدِيَّةِ وَهُوَ بَيَانٌ لِلْجَوَازِ وَإِلَّا فَلَا بَأْسَ بِتَرْكِ الْحَفْرِ لَهَا؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَأْمُرْ بِذَلِكَ، وَالْإِمْسَاكُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ فِي الْمَرْجُومِ. [وَلَا يُحَدُّ السَّيِّدُ عَبْدُهُ إلَّا بِإِذْنِ إمَامِهِ] قَوْلُهُ (: وَلَا يُحَدُّ عَبْدُهُ إلَّا بِإِذْنِ إمَامِهِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَرْبَعٌ إلَى الْوُلَاةِ وَذَكَرَ مِنْهَا الْحُدُودَ» وَلِأَنَّ الْحَدَّ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ إخْلَاءُ الْعَالَمِ عَنْ الْفَسَادِ وَلِهَذَا لَا يَسْقُطُ بِإِسْقَاطِ الْعَبْدِ فَيَسْتَوْفِيه مَنْ هُوَ نَائِبٌ عَنْ الشَّرْعِ وَهُوَ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ بِخِلَافِ التَّعْزِيرِ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ وَلِهَذَا يُعَزَّرُ الصَّبِيُّ وَحَقُّ الشَّرْعِ مَوْضُوعٌ عَنْهُ قَيَّدَ بِالْحَدِّ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى يُعَزِّرُ عَبْدَهُ بِلَا إذْنِ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ وَهُوَ الْمَالِكُ، وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ التَّأْدِيبُ وَلِهَذَا يُعَزَّرُ الصَّبِيُّ، وَالدَّابَّةُ وَتُقْبَلُ فِيهِ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ وَشَهَادَةُ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ   [منحة الخالق] وَبَيْنَ غَيْرِهِ لِاحْتِمَالِ تَسَاهُلِ غَيْرِهِ فِي الْقَضَاءِ فَيُشْتَرَطُ بَدَاءَتُهُ فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ وَبَيْنَ مَا ثَبَتَ فِي حَدِيثِ مَاعِزٍ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 10 وَيَصِحُّ فِيهِ الْعَفْوُ. قَوْلُهُ (وَإِحْصَانُ الرَّجْمِ الْحُرِّيَّةُ، وَالتَّكْلِيفُ، وَالْإِسْلَامُ، وَالْوَطْءُ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ وَهُمَا بِصِفَةِ الْإِحْصَانِ) فَالْعَبْدُ لَيْسَ مُحْصَنًا؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَمَكِّنٍ بِنَفْسِهِ مِنْ النِّكَاحِ الصَّحِيحِ الْمُغْنِي عَنْ الزِّنَا وَلَا الصَّبِيُّ، وَالْمَجْنُونُ لِعَدَمِ أَهْلِيَّةِ الْعُقُوبَةِ، وَالتَّكْلِيفُ شَرْطٌ لِكَوْنِ الْفِعْلِ زِنًا، وَإِنَّمَا جَعَلَهُ شَرْطَ الْإِحْصَانِ لِأَجْلِ قَوْلِهِ وَهُمَا بِصِفَةِ الْإِحْصَانِ وَإِلَّا فَفِعْلُ الصَّبِيِّ، وَالْمَجْنُونِ لَيْسَ بِزِنًا أَصْلًا وَلَا الْكَافِرِ لِلْحَدِيثِ «مَنْ أَشْرَكَ بِاَللَّهِ فَلَيْسَ بِمُحْصَنٍ» وَرَجْمُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْيَهُودِيَّيْنِ إنَّمَا كَانَ بِحُكْمِ التَّوْرَاةِ قَبْلَ نُزُولِ آيَةِ الرَّجْمِ ثُمَّ نُسِخَ وَلَا مَنْ لَمْ يَتَزَوَّجْ لِعَدَمِ تَمَكُّنِهِ مِنْ الْوَطْءِ الْحَلَالِ وَلَا مَنْ تَزَوَّجَ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا لِلْحَدِيثِ الثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ، وَالثِّيَابَةُ لَا تَكُونُ بِغَيْرِ دُخُولٍ وَلِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَغْنِ عَنْ الزِّنَا وَالدُّخُولُ إيلَاجُ الْحَشَفَةِ أَوْ قَدْرِهَا وَلَا يُشْتَرَطُ الْإِنْزَالُ كَمَا فِي الْغُسْلِ؛ لِأَنَّهُ شِبَعٌ وَلَا مَنْ دَخَلَ بِغَيْرِ الْمُحْصَنَةِ كَمَنْ دَخَلَ بِذِمِّيَّةٍ أَوْ أَمَةٍ أَوْ صَغِيرَةٍ أَوْ مَجْنُونَةٍ لِوُجُودِ النَّفْرَةِ عَنْ نِكَاحِ هَؤُلَاءِ لِعَدَمِ تَكَامُلِ النِّعْمَةِ وَلَا مَنْ دَخَلَ بِامْرَأَةٍ مُحْصَنَةٍ وَلَمْ يَكُنْ مُحْصَنًا وَقْتَهُ وَصَارَ مُحْصَنًا وَقْتَ الزِّنَا لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ عَدَمِ تَكَامُلِ النِّعْمَةِ وَلَوْ زَالَ الْإِحْصَانُ بَعْدَ ثُبُوتِهِ بِالْجُنُونِ أَوْ الْعَتَهِ يَعُودُ مُحْصَنًا إذَا أَفَاقَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَعُودُ حَتَّى يَدْخُلَ بِامْرَأَتِهِ بَعْدَ الْإِفَاقَةِ وَفِي فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ الْمُسَمَّاةِ بِالسِّرَاجِيَّةِ إذَا سَرَقَ الذِّمِّيُّ أَوْ زَنَى ثُمَّ أَسْلَمَ إنْ ثَبَتَ ذَلِكَ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ أَوْ بِشَهَادَةِ الْمُسْلِمِينَ لَا يُدْرَأُ عَنْهُ الْحَدُّ، وَإِنْ ثَبَتَ بِشَهَادَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَأَسْلَمَ لَا يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَسَقَطَ عَنْهُ وَفِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ، وَإِنْ شَهِدَ عَلَيْهِ أَرْبَعَةٌ بِالزِّنَا فَأَنْكَرَ الْإِحْصَانَ وَلَهُ امْرَأَةٌ قَدْ وَلَدَتْ مِنْهُ، فَإِنَّهُ يُرْجَمُ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ وَلَدَتْ مِنْهُ وَشَهِدَ بِالْإِحْصَانِ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ رُجِمَ اهـ. قَوْلُهُ (وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ جَلْدٍ وَرَجْمٍ وَلَا بَيْنَ جَلْدٍ وَنَفْيٍ) ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَجْمَعْ بَيْنَ الْجَلْدِ، وَالرَّجْمِ؛ لِأَنَّ الْجَلْدَ يُعَرَّى عَنْ الْمَقْصُودِ مَعَ الرَّجْمِ؛ لِأَنَّ زَجْرَ غَيْرِهِ يَحْصُلُ بِالرَّجْمِ إذْ هُوَ فِي الْعُقُوبَةِ أَقْصَاهَا، وَزَجْرُهُ لَا يَكُونُ بَعْدَ هَلَاكِهِ، وَأَمَّا عَدَمُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْجَلْدِ، وَالنَّفْيِ وَهُوَ التَّغْرِيبُ فَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ الْجَلْدَ كُلَّ الْمُوجِبِ فِي قَوْله تَعَالَى {فَاجْلِدُوا} [النور: 2] رُجُوعًا إلَى حَرْفِ الْفَاءِ وَإِلَى كَوْنِهِ كُلَّ الْمَذْكُورِ وَلِأَنَّ فِي التَّغْرِيبِ فَتْحَ بَابِ الزِّنَا لِانْعِدَامِ الِاسْتِحْيَاءِ مِنْ الْعَشِيرَةِ ثُمَّ فِيهِ فَتْحُ مَوَادِّ الْبِغَاءِ فَرُبَّمَا تَتَّخِذُ زِنَاهَا مَكْسَبَةً وَهُوَ مِنْ أَقْبَحِ وُجُوهِ الزِّنَا وَهَذِهِ الْجِهَةُ مُرَجَّحَةٌ لِقَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَفَى بِالنَّفْيِ فِتْنَةً، وَالْحَدِيثُ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ» مَنْسُوخٌ كَشَطْرِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ «الثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَرَجْمٌ بِالْحِجَارَةِ» وَقَدْ عُرِفَ طَرِيقُهُ فِي مَوْضِعِهِ قَالُوا إلَّا إذَا رَأَى الْإِمَامُ مَصْلَحَةً فَيُغَرِّبُهُ عَلَى قَدْرِ مَا يَرَى وَذَلِكَ تَعْزِيرٌ وَسِيَاسَةٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُفِيدُ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ فَيَكُونُ الرَّأْيُ فِيهِ إلَى الْإِمَامِ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ النَّفْيُ الْمَرْوِيُّ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فِي الْمُخْتَصَرِ. (وَلَوْ غُرِّبَ بِمَا يَرَى صَحَّ) أَيْ جَازَ وَفُسِّرَ التَّغْرِيبُ فِي النِّهَايَةِ بِالْحَبْسِ وَهُوَ أَحْسَنُ وَأَسْكَنُ لِلْفِتْنَةِ مِنْ نَفْيِهِ إلَى إقْلِيمٍ آخَرَ؛ لِأَنَّهُ بِالنَّفْيِ يَعُودُ مُفْسِدًا كَمَا كَانَ وَلِهَذَا كَانَ الْحَبْسُ حَدًّا فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ دُونَ النَّفْيِ وَحُمِلَ النَّفْيُ الْمَذْكُورُ فِي قُطَّاعِ الطَّرِيقِ عَلَيْهِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَالزَّانِي إذَا ضُرِبَ الْحَدَّ لَا يُحْبَسُ، وَالسَّارِقُ إذَا قُطِعَ يُحْبَسُ حَتَّى يَتُوبَ اهـ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ هَاهُنَا أَنَّ السِّيَاسَةَ هِيَ فِعْلُ شَيْءٍ مِنْ الْحَاكِمِ لِمَصْلَحَةٍ يَرَاهَا، وَإِنْ لَمْ يَرِدْ بِذَلِكَ الْفِعْلِ دَلِيلٌ جُزْئِيٌّ. قَوْلُهُ (: وَالْمَرِيضُ يُرْجَمُ وَلَا يُجْلَدُ حَتَّى يَبْرَأَ) ؛ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ مُسْتَحَقٌّ فِي الرَّجْمِ فَلَا يُمْنَعُ بِسَبَبِ الْمَرَضِ وَفِي الْجَلْدِ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ وَهُوَ فِي حَالَةِ الْمَرَضِ يُفْضِي إلَى الْهَلَاكِ وَلِهَذَا لَا يُقَامُ الْقَطْعُ عِنْدَ شِدَّةِ الْحَرِّ، وَالْبَرْدِ وَاسْتَثْنَى فِي الظَّهِيرِيَّةِ أَنْ يَكُونَ مَرِيضًا وَقَعَ الْيَأْسُ عَنْ بُرْئِهِ فَحِينَئِذٍ يُقَامُ عَلَيْهِ اهـ. قَيَّدَ بِالْمَرِيضِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ ضَعِيفَ الْخِلْقَةِ بِحَيْثُ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ فَخِيفَ عَلَيْهِ الْهَلَاكُ إذَا ضُرِبَ يُجْلَدُ جَلْدًا خَفِيفًا مِقْدَارَ مَا يَحْتَمِلُهُ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ رَجُلًا ضَعِيفًا زَنَى فَذَكَرَ ذَلِكَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ ذَلِكَ الرَّجُلُ مُسْلِمًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اضْرِبُوهُ حَدَّهُ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: إنَّهُ ضَعِيفٌ بِحَيْثُ لَوْ ضَرَبْنَاهُ مِائَةً قَتَلْنَاهُ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - خُذُوا عُثْكَالًا فِيهِ مِائَةُ شِمْرَاخٍ ثُمَّ اضْرِبُوهُ ضَرْبَةً وَاحِدَةً قَالَ فَفَعَلُوهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ، وَالْعُثْكَالِ، وَالْعُثْكُولُ عُنْقُودُ النَّخْلِ، وَالشِّمْرَاخُ شُعْبَةٌ مِنْهُ وَهُوَ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ، وَالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ. [الْحَامِلُ فِي حَدّ الزِّنَا] قَوْلُهُ (: وَالْحَامِلُ لَا تُحَدُّ حَتَّى تَلِدَ وَتَخْرُجَ مِنْ نِفَاسِهَا لَوْ كَانَ حَدُّهَا الْجَلْدَ) ؛ لِأَنَّ النِّفَاسَ نَوْعُ مَرَضٍ فَيُؤَخَّرُ إلَى زَمَانِ الْبُرْءِ وَقَيَّدَ بِحَدِّ الْجَلْدِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ حَدُّهَا الرَّجْمَ رُجِمَتْ إذَا وَلَدَتْ مِنْ غَيْرِ تَأْخِيرٍ؛ لِأَنَّ التَّأْخِيرَ لِأَجْلِ الْوَلَدِ وَقَدْ انْفَصَلَ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الرَّجْمَ يُؤَخَّرُ إلَى أَنْ يَسْتَغْنِيَ وَلَدُهَا عَنْهَا إذَا لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَقُومُ بِتَرْبِيَتِهِ؛ لِأَنَّ فِي التَّأْخِيرِ صِيَانَةَ الْوَلَدِ عَنْ الضَّيَاعِ وَقَدْ رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ لِلْغَامِدِيَّةِ بَعْدَ مَا وَضَعَتْ ارْجِعِي حَتَّى يَسْتَغْنِيَ وَلَدُك» وَظَاهِرُ الْمُخْتَارِ أَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ هِيَ الْمَذْهَبُ، فَإِنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَيْهَا وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ أَنَّهَا تُحْبَسُ إذَا كَانَتْ حَامِلًا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ ثُمَّ الْحُبْلَى تُحْبَسُ إلَى أَنْ تَلِدَ إنْ كَانَ الْحَدُّ ثَابِتًا بِالْبَيِّنَةِ كَيْ لَا تَهْرُبَ بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَفِي فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ مَا مَرَّ يَقْتَضِي أَنَّ الذِّمِّيَّ لَوْ زَنَى بِمُسْلِمَةٍ ثُمَّ أَسْلَمَ لَا يُرْجَمُ وَلَا يُعَارِضُهُ مَا ذَكَرَهُ قَارِئُ الْهِدَايَةِ؛ لِأَنَّهُ أَرَادَ بِالْحَدِّ هُنَا الْجَلْدَ. [الْجَمْعُ بَيْنَ الْجَلْدِ وَالرَّجْم وَبَيْنَ الْجَلْد وَالنَّفْي] (قَوْلُهُ فَتْحُ مَوَادِّ الْبِغَاءِ) هَكَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَاَلَّذِي فِي عَامَّتِهَا قَطْعُ مَوَادِّ الْبِغَاءِ إلَخْ. (قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ هُنَا أَنَّ السِّيَاسَةَ إلَخْ) اُنْظُرْ مَا سَيَذْكُرُهُ الْمُؤَلِّفُ قُبَيْلَ كِتَابِ السِّيَرِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 11 [بَابُ الْوَطْءِ الَّذِي يُوجِبُ الْحَدَّ وَاَلَّذِي لَا يُوجِبُهُ] قَدْ قَدَّمَ حَقِيقَةَ الزِّنَا وَهُوَ الَّذِي لَا يُوجِبُ الْحَدَّ وَهَذَا الْبَابُ لِتَفَاصِيلِهِ ثُمَّ بَدَأَ بِبَيَانِ الشُّبْهَةِ وَهِيَ مَا يُشْبِهُ الثَّابِتَ وَلَيْسَ بِثَابِتٍ وَبَيَّنَ أَنَّهَا ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ شُبْهَةٌ فِي الْمَحَلِّ وَشُبْهَةٌ فِي الْفِعْلِ وَشُبْهَةٌ فِي الْعَقْدِ قَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ الْأَصْلُ أَنَّهُ مَتَى ادَّعَى شُبْهَةً وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهَا سَقَطَ الْحَدُّ فَبِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى يَسْقُطُ أَيْضًا إلَّا الْإِكْرَاهَ خَاصَّةً لَا يُسْقِطُ الْحَدَّ حَتَّى يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْإِكْرَاهِ اهـ. (قَوْلُهُ لَا حَدَّ بِشُبْهَةِ الْمَحَلِّ، وَإِنْ ظَنَّ حُرْمَتَهُ كَوَطْءِ أَمَةِ وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ وَمُعْتَدَّةِ الْكِنَايَاتِ) ؛ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ إذَا كَانَتْ فِي الْمَوْطُوءَةِ يَثْبُتُ الْمِلْكُ فِيهَا مِنْ وَجْهٍ فَلَمْ يَبْقَ مَعَهُ اسْمُ الزِّنَا فَامْتَنَعَ الْحَدُّ عَلَى التَّقَادِيرِ كُلِّهَا وَهِيَ تَتَحَقَّقُ بِقِيَامِ الدَّلِيلِ النَّافِي لِلْحُرْمَةِ فِي ذَاتِهِ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى ظَنِّ الْجَانِي وَاعْتِقَادِهِ وَبَيَانُهُ أَنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك» أَوْرَثَ شُبْهَةً فِي جَارِيَةِ الْوَلَدِ لِلْأَبِ؛ لِأَنَّ اللَّامَ فِيهِ لِلْمِلْكِ، وَالْمُعْتَدَّةُ بِالْكِنَايَاتِ فِي بَيْنُونَتِهَا اخْتِلَافُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَمَذْهَبُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهَا رَجْعِيَّةٌ فَوَرَّثَ شُبْهَةً. وَإِنْ كَانَ الْمُخْتَارُ قَوْلَ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ الشَّارِحُونَ وَمِنْ هَذَا النَّوْعِ مَسَائِلُ مِنْهَا الْجَارِيَةُ الْمَبِيعَةُ فِي حَقِّ الْبَائِعِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ؛ لِأَنَّهَا فِي ضَمَانِهِ وَيَدِهِ وَتَعُودُ إلَى مِلْكِهِ بِالْهَلَاكِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَكَذَا فِي الْفَاسِدَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ أَمَّا قَبْلَهُ فَلِبَقَاءِ الْمِلْكِ، وَأَمَّا بَعْدَهُ فَلِأَنَّ لَهُ الْفَسْخَ فَلَهُ حَقُّ الْمِلْكِ فِيهَا وَكَذَا إذَا كَانَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ سَوَاءٌ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ أَوْ لِلْمُشْتَرِي، فَإِنْ كَانَ لِلْبَائِعِ فَلِبَقَاءِ مِلْكِهِ، وَإِنْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي فَلِأَنَّ الْمَبِيعَ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِ بَائِعِهِ بِالْكُلِّيَّةِ وَمِنْهَا جَارِيَةُ مُكَاتَبِهِ أَوْ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ لَهُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِمَالِهِ وَرَقَبَتِهِ؛ لِأَنَّ لَهُ حَقًّا فِي كَسْبِ عَبْدِهِ فَكَانَ شُبْهَةً فِي حَقِّهِ، وَمِنْهَا الْجَارِيَةُ الْمَمْهُورَةُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فِي حَقِّ الزَّوْجِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَعْنَى فِي الْمَبِيعَةِ وَمِنْهَا الْجَارِيَةُ الْمُشْتَرَكَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ فِي الْبَعْضِ ثَابِتٌ حَقِيقَةً فَالشُّبْهَةُ فِيهَا أَظْهَرُ وَيَدْخُلُ فِيهِ وَطْءُ الرَّجُلِ مِنْ الْغَانِمِينَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ جَارِيَةً مِنْ الْغَنِيمَةِ سَوَاءٌ كَانَ بَعْدَ الْإِحْرَازِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ قَبْلَهُ لِثُبُوتِ الْحَقِّ لَهُ بِالِاسْتِيلَاءِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَمِنْهَا الْمَرْهُونَةُ فِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ فِي رِوَايَةِ كِتَابِ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الدَّيْنِ يَقَعُ بِهَا عِنْدَ الْهَلَاكِ وَقَدْ انْعَقَدَ لَهُ سَبَبُ الْمِلْكِ فِي الْحَالِ فَصَارَتْ كَالْمُشْتَرَاةِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ فَفِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ لَا يَجِبُ الْحَدُّ، وَإِنْ قَالَ عَلِمْت أَنَّهَا عَلَيَّ حَرَامٌ لِمَا ذَكَرْنَا قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَيَنْبَغِي   [منحة الخالق] بَابُ الْوَطْءِ الَّذِي يُوجِبُ الْحَدَّ وَاَلَّذِي لَا يُوجِبُهُ) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 12 أَنْ يُزَادَ جَارِيَتُهُ الَّتِي هِيَ أُخْتُهُ فِي الرَّضَاعِ وَجَارِيَتُهُ قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ، وَالِاسْتِقْرَاءُ يُفِيدُك غَيْرَ ذَلِكَ أَيْضًا كَالزَّوْجَةِ الَّتِي حَرُمَتْ بِرِدَّتِهَا أَوْ مُطَاوَعَتِهَا لِابْنِهِ أَوْ جِمَاعِهِ لِأُمِّهَا ثُمَّ جَامَعَهَا وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهَا عَلَيْهِ حَرَامٌ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى قَاذِفِهِ؛ لِأَنَّ بَعْضَ الْأَئِمَّةِ لَمْ يَجْزِمْ بِهِ فَاسْتَحْسَنَ أَنْ يَدْرَأَ بِذَلِكَ الْحَدَّ فَالِاقْتِصَارُ عَلَى السِّتَّةِ لَا فَائِدَةَ فِيهِ اهـ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ رَجُلٌ غَصَبَ جَارِيَةً وَزَنَى بِهَا ثُمَّ ضَمِنَ قِيمَتَهَا فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لَا يَسْقُطُ الْحَدُّ وَعَلَى قِيَاسِ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ يَنْبَغِي أَنْ يَسْقُطَ كَمَا يَذْكُرُ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي تَلِيه اهـ. رَجُلٌ زَنَى بِأَمَةٍ ثُمَّ اشْتَرَاهَا ذَكَرَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ يُحَدُّ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَسْقُطُ الْحَدُّ وَذَكَرَ أَصْحَابُ الْإِمْلَاءِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ مَنْ زَنَى بِامْرَأَةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا أَوْ بِأَمَةٍ ثُمَّ اشْتَرَاهَا لَا حَدَّ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعَلَيْهِ الْحَدُّ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ فِي نَوَادِرِهِ عَلَى عَكْسِ هَذَا وَقَالَ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الْحَدُّ فِي الْوَجْهَيْنِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا حَدَّ عَلَيْهِ فِي الْوَجْهَيْنِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إذَا زَنَى بِأَمَةٍ ثُمَّ اشْتَرَاهَا فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ زَنَى بِامْرَأَةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَعَلَيْهِ الْحَدُّ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ النِّكَاحِ، وَالشِّرَاءِ أَنَّهُ بِالشِّرَاءِ يَمْلِكُ عَيْنَهَا وَمِلْكُ الْعَيْنِ فِي مَحَلِّ الْحِلِّ سَبَبٌ لِمِلْكِ الْحِلِّ فَيُجْعَلُ الطَّارِئُ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ كَالْمُقْتَرِنِ بِالسَّبَبِ كَمَا فِي بَابِ السَّرِقَةِ، فَإِنَّ السَّارِقَ إذَا مَلَكَ الْمَسْرُوقَ قَبْلَ الْقَطْعِ يَمْتَنِعُ الْقَطْعُ، فَأَمَّا بِالنِّكَاحِ فَلَا يَمْلِكُ عَيْنَ الْمَرْأَةِ، وَإِنَّمَا ثَبَتَ لَهُ مِلْكُ الِاسْتِيفَاءِ وَلِهَذَا لَوْ وُطِئَتْ الْمَنْكُوحَةُ بِشُبْهَةٍ كَانَ الْعَقْرُ لَهَا فَلَا يُوَرِّثُ ذَلِكَ شُبْهَةً فِيمَا تَقَدَّمَ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْهَا فَلَا يَسْقُطُ الْحَدُّ عَنْهُ، وَإِذَا زَنَى بِأَمَةٍ ثُمَّ قَالَ اشْتَرَيْتهَا وَصَاحِبُهَا فِيهَا بِالْخِيَارِ وَقَالَ مَوْلَاهَا كَذَبَ لَمْ أَبِعْهَا لَا حَدَّ عَلَيْهِ. وَإِذَا جُنَّتْ الْأَمَةُ فَزَنَى بِهَا وَلِيُّ الْجِنَايَةِ، فَإِنْ قَتَلَتْ رَجُلًا عَمْدًا فَوَطِئَهَا وَلِيُّ الْقَتِيلِ وَلَمْ يَدَّعْ شُبْهَةً، فَإِنْ قَالَ عَلِمْت أَنَّهَا عَلَيَّ حَرَامٌ، فَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ، وَأَمَّا إذَا قَتَلَتْ رَجُلًا خَطَأً فَوَطِئَهَا وَلِيُّ الْقَتِيلِ قَبْلَ أَنْ يَخْتَارَ الْمَوْلَى شَيْئًا أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ إذَا اخْتَارَ الْفِدَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يُحَدُّ، وَأَمَّا إذَا اخْتَارَ دَفْعَ الْجَارِيَةِ فَالْقِيَاسُ أَنْ يُحَدَّ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا يُحَدُّ وَبِالْقِيَاسِ أَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ وَبِالِاسْتِحْسَانِ أَخَذَ أَبُو يُوسُفَ اهـ. وَأَطْلَقَ فِي الْكِنَايَاتِ فَشَمِلَ الْمُخْتَلِعَةَ وَفِي الْمُجْتَبَى الْمُخْتَلِعَةُ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ كَالْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا لِحُرْمَتِهَا إجْمَاعًا وَفِي جَامِعِ النَّسَفِيِّ لَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ عَلِمَ حُرْمَتَهَا لِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي كَوْنِهِ بَائِنًا اهـ. قَوْلُهُ (وَبِشُبْهَةٍ فِي الْفِعْلِ إنْ ظَنَّ حِلَّهُ كَمُعْتَدَّةِ الثَّلَاثِ وَأَمَةِ أَبَوَيْهِ وَزَوْجَتِهِ وَسَيِّدِهِ) أَيْ لَا حَدَّ لِأَجْلِ الشُّبْهَةِ فِي الْفِعْلِ بِشَرْطِ أَنْ يَظُنَّ أَنَّ الْوَطْءَ حَلَالٌ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ، وَالْحَقَّ غَيْرُ ثَابِتٍ فِي هَذَا النَّوْعِ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا مَقْطُوعٌ بِهِ فَلَمْ يَبْقَ لَهُ فِيهَا مِلْكٌ وَلَا حَقٌّ غَيْرَ أَنَّهُ بَقِيَ فِيهَا بَعْضُ الْأَحْكَامِ كَالنَّفَقَةِ، وَالسُّكْنَى، وَالْمَنْعِ مِنْ الْخُرُوجِ وَثُبُوتِ النَّسَبِ وَحُرْمَةِ أُخْتِهَا وَأَرْبَعٍ سِوَاهَا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَجَارِيَتُهُ قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ) فِيهِ أَنَّ الْكَلَامَ فِي وَطْءٍ هُوَ زِنًا سَقَطَ فِيهِ الْحَدُّ لِشُبْهَةِ الْمِلْكِ وَهَذِهِ فِيهَا حَقِيقَةُ الْمِلْكِ، وَإِنَّمَا مُنِعَ مِنْ وَطْئِهَا لِعَارِضِ اشْتِبَاهِ النَّسَبِ كَمَا مُنِعَ مِنْ وَطْءِ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ لِلْأَذَى مَعَ قِيَامِ الْمِلْكِ (قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ الْحَدُّ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ) قَدَّمَ عَنْ الْمُحِيطِ عَنْ قَوْلِ الْمَتْنِ وَنُدِبَ تَلْقِينُهُ أَنَّ هَذَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ بَلْ سَيَذْكُرُ آخِرَ هَذَا الْبَابِ عَنْ جَامِعِ قَاضِي خَانْ لَوْ زَنَى بِحُرَّةٍ ثُمَّ نَكَحَهَا لَا يَسْقُطُ الْحَدُّ بِالِاتِّفَاقِ (قَوْلُهُ: فَشَمِلَ الْمُخْتَلِعَةَ) قَالَ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ كَلَامٍ وَبِهَذَا يُعْرَفُ خَطَأُ مَنْ بَحَثَ فِي الْمُخْتَلِعَةِ وَقَالَ يَنْبَغِي كَوْنُهَا مِنْ ذَوَاتِ الشُّبْهَةِ الْحُكْمِيَّةِ لِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ فِي الْخُلْعِ وَهَذَا غَلَطٌ؛ لِأَنَّ اخْتِلَافَهُمْ فِيهِ إنَّمَا هُوَ فِي كَوْنِهِ فَسْخًا أَوْ طَلَاقًا وَعَلَى كُلِّ حَالٍ الْحُرْمَةُ ثَابِتَةٌ، فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ أَنَّ الْمُخْتَلِعَةَ عَلَى مَالٍ تَقَعُ فُرْقَتُهَا طَلَاقًا رَجْعِيًّا اهـ. وَنَقَلَهُ عَنْهُ فِي الشرنبلالية أَقُولُ: قَوْلُهُ وَبِهَذَا عُرِفَ خَطَأُ مَنْ بَحَثَ فِي الْمُخْتَلِعَةِ إنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهَا الْمُخْتَلِعَةَ عَلَى مَالٍ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ آخِرًا فَظَاهِرٌ لَكِنَّ قَوْلَ الْمُجْتَبَى يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ كَالْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا إلَخْ صَرِيحٌ فِي أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الشُّبْهَةِ الْحُكْمِيَّةِ أَعْنِي شُبْهَةَ الْمَحَلَّ بَلْ مِنْ الشُّبْهَةِ فِي الْفِعْلِ وَهَذَا مَا يَأْتِي قَرِيبًا عَنْ الْكَرْخِيِّ مِنْ قَوْلِهِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ خَالَعَهَا أَوْ طَلَّقَهَا عَلَى مَالٍ فَوَطِئَهَا فِي الْعِدَّةِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا وَكُلٌّ مِنْ كَلَامِ الْمُجْتَبَى وَالْكَرْخِيِّ لَمْ يُعَلَّلْ فِيهِ بِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ بَلْ بِحُرْمَتِهَا إجْمَاعًا، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ الْمُخْتَلِعَةَ لَا عَلَى مَالٍ كَمَا هُوَ مُرَادُ الْمُؤَلِّفِ هُنَا بِدَلِيلِ مَا سَيَأْتِي يَذْكُرُهُ وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ كَلَامِ النَّسَفِيِّ أَيْضًا فَغَيْرُ ظَاهِرٍ إلَّا بِإِثْبَاتِ اتِّفَاقِ الصَّحَابَةِ عَلَى عَدَمِ وُقُوعِ الرَّجْعِيِّ بِهِ أَيْضًا كَاَلَّذِي عَلَى مَالٍ. (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ كَمُعْتَدَّةِ الثَّلَاثِ) قَالَ فِي الشرنبلالية هَذَا إذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا صَرِيحًا إمَّا لَوْ نَوَاهَا بِالْكِنَايَةِ فَوَقَعَتْ فَوَطِئَهَا فِي الْعِدَّةِ وَقَالَ عَلِمْت أَنَّهَا حَرَامٌ لَا يُحَدُّ لِتَحَقُّقِ الِاخْتِلَافِ وَهَذَا مِنْ قَبِيلِ الشُّبْهَةِ الْحُكْمِيَّةِ وَهَذِهِ يُلْغَزُ بِهَا فَيُقَالُ مُطَلَّقَةٌ ثَلَاثٌ وُطِئَتْ فِي الْعِدَّةِ وَقَالَ عَلِمْت حُرْمَتَهَا وَلَا يُحَدُّ وَهِيَ مَا وَقَعَ عَلَيْهَا الثَّلَاثُ بِالْكِنَايَةِ كَذَا فِي الْفَتْحِ اهـ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 13 وَعَدَمِ قَبُولِ شَهَادَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ فَحَصَلَ الِاشْتِبَاهُ لِذَلِكَ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً عَنْ ظَنِّ الْحِلِّ؛ لِأَنَّهُ فِي مَوْضِعِ الِاشْتِبَاهِ فَيُعْذَرُ أَطْلَقَ فِي الثَّلَاثِ فَشَمِلَ مَا إذَا أَوْقَعَهَا جُمْلَةً أَوْ مُتَفَرِّقَةً وَلَا اعْتِبَارَ بِخِلَافِ مَنْ أَنْكَرَ وُقُوعَ الْجُمْلَةِ لِكَوْنِهِ مُخَالِفًا لِلْقَطْعِيِّ كَذَا ذَكَرَ الشَّارِحُونَ وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ أَنَّ «الطَّلَاقَ الثَّلَاثَ كَانَ وَاحِدَةً فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَصَدْرٍ مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - حَتَّى أَمْضَى عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى النَّاسِ الثَّلَاثَ» ، وَإِنْ كَانَ الْعُلَمَاءُ قَدْ أَجَابُوا عَنْهُ وَأَوَّلُوهُ فَلَيْسَ الدَّلِيلُ عَلَى وُقُوعِ الثَّلَاثِ جُمْلَةً وَاحِدَةً بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ قَطْعِيًّا، فَإِنْ قِيلَ: إنَّ الْعُلَمَاءَ قَدْ أَجْمَعُوا عَلَيْهِ قُلْنَا قَدْ خَالَفَ أَهْلُ الظَّاهِرِ فِي ذَلِكَ كَمَا نَقَلُوهُ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُحَدَّ، وَإِنْ عَلِمَ الْحُرْمَةَ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ فِي فَصْلِ الْمُحَرَّمَاتِ أَنَّ الْحَدَّ لَا يَجِبُ بِوَطْءِ الْمُطَلَّقَةِ طَلَاقًا بَائِنًا وَاحِدَةً أَوْ ثَلَاثًا مَعَ الْعِلْمِ بِالْحُرْمَةِ عَلَى إشَارَةِ كِتَابِ الطَّلَاقِ وَعَلَى عِبَارَةِ كِتَابِ الْحُدُودِ يَجِبُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ قَدْ زَالَ فِي حَقِّ الْحِلِّ فَيَتَحَقَّقُ الزِّنَا اهـ. وَيَنْبَغِي أَنْ تُحْمَلَ إشَارَةُ كِتَابِ الطَّلَاقِ عَلَى مَا إذَا أَوْقَعَهَا بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ وَعِبَارَةُ كِتَابِ الْحُدُودِ عَلَى مَا إذَا أَوْقَعَهَا مُتَفَرِّقَةً لِمَا ذَكَرْنَا تَوْفِيقًا بَيْنَهُمَا كَمَا لَا يَخْفَى، وَأَمَّا الزِّنَا بِأَمَةِ أَبَوَيْهِ وَزَوْجَتِهِ وَسَيِّدِهِ، فَإِنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ وَلَا حَقَّ مِلْكٍ فِيهَا غَيْرَ أَنَّ الْبُسُوطَةَ تَجْرِي بَيْنَهُمْ فِي الِانْتِفَاعِ بِالْأَمْوَالِ، وَالرِّضَا بِذَلِكَ عَادَةً وَهِيَ تُجَوِّزُ الِانْتِفَاعَ بِالْمَالِ شَرْعًا، فَإِذَا ظَنَّ الْوَطْءَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ يُعْذَرُ؛ لِأَنَّ وَطْءَ الْجَوَارِي مِنْ قَبِيلِ الِاسْتِخْدَامِ فَيَشْتَبِهُ الْحَالُ، وَالِاشْتِبَاهُ فِي مَحَلِّهِ مَعْذُورٌ فِيهِ وَلِهَذِهِ الْمَسَائِلِ أَخَوَاتٌ مِنْهَا الْمُطَلَّقَةُ عَلَى مَالٍ؛ لِأَنَّ حُرْمَتَهَا ثَابِتَةٌ بِالْإِجْمَاعِ فَصَارَتْ كَالْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا كَذَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُونَ وَمُرَادُهُمْ الطَّلَاقُ عَلَى مَالٍ بِغَيْرِ لَفْظِ الْخُلْعِ أَمَّا إذَا كَانَ بِلَفْظِ الْخُلْعِ فَقَدْ قَدَّمْنَا الِاخْتِلَافَ فِيهِ وَأَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - اخْتَلَفُوا فِيهِ لَكِنْ فِي الْبَدَائِعِ وَلَوْ خَالَعَهَا أَوْ طَلَّقَهَا عَلَى مَالٍ فَوَطِئَهَا فِي الْعِدَّةِ ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ فِيهِ كَالْحُكْمِ فِي الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ زَوَالَ الْمِلْكِ بِالْخُلْعِ، وَالطَّلَاقِ عَلَى مَالٍ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ فَلَمْ تَتَحَقَّقْ الشُّبْهَةُ فَيَجِبُ الْحَدُّ إلَّا إذَا ادَّعَى الِاشْتِبَاهَ وَمِنْهَا أُمُّ الْوَلَدِ إذَا أَعْتَقَهَا مَوْلَاهَا لِثُبُوتِ حُرْمَتِهَا بِالْإِجْمَاعِ وَتَثْبُتُ الشُّبْهَةُ عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ لِبَقَاءِ أَثَرِ الْفِرَاشِ وَهِيَ الْعِدَّةُ وَمِنْهَا الْجَارِيَةُ الْمَرْهُونَةُ فِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ فِي رِوَايَةِ كِتَابِ الْحُدُودِ، فَإِذَا قَالَ الْمُرْتَهِنُ عَلِمْت أَنَّهَا حَرَامٌ وَوَطِئْتهَا فَفِيهِ رِوَايَتَانِ فَفِي رِوَايَةِ كِتَابِ الرَّهْنِ لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَهُوَ مِنْ النَّوْعِ الْأَوَّلِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ. وَفِي رِوَايَةِ كِتَابِ الْحُدُودِ يَجِبُ الْحَدُّ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَتَبِعَهُ الشَّارِحُونَ وَفِي التَّبْيِينِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ مِنْ عَيْنِهَا لَا يُتَصَوَّرُ، وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ مِنْ مَالِيَّتِهَا فَلَمْ يَكُنْ الْوَطْءُ حَاصِلًا فِي مَحَلِّ الِاسْتِيفَاءِ لَكِنْ لَمَّا كَانَ الِاسْتِيفَاءُ سَبَبًا لِمِلْكِ الْمَالِ فِي الْجُمْلَةِ وَمِلْكُ الْمَالِ سَبَبٌ لِمِلْكِ الْمُتْعَةِ فِي الْجُمْلَةِ حَصَلَ الِاشْتِبَاهُ بِخِلَافِ الْمُسْتَأْجَرَةِ وَجَارِيَةِ الْمَيِّتِ إذَا وَطِئَهَا الْغَرِيمُ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ لَا تُفِيدُ الْمُتْعَةَ بِحَالٍ، وَالْغَرِيمُ لَا يَمْلِكُ عَيْنَ التَّرِكَةِ، وَإِنَّمَا يَسْتَوْفِي حَقَّهُ مِنْ الثَّمَنِ وَلَوْ تَعَلَّقَ حَقُّهُ بِالْعَيْنِ لَمَا جَازَ بَيْعُهَا إلَّا بِإِذْنِهِ كَالرَّهْنِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا ظَنَّ الْحِلَّ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَتَيْنِ، وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا عَلِمَ الْحُرْمَةَ، وَالْأَصَحُّ وُجُوبُهُ لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْإِيضَاحِ رِوَايَةً ثَالِثَةً أَنَّهُ يَجِبُ الْحَدُّ، وَإِنْ قَالَ ظَنَنْت أَنَّهَا حَلَالٌ وَإِنَّ ظَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ قِيَاسًا عَلَى وَطْءِ الْغَرِيمِ جَارِيَةَ الْمَيِّتِ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ مُخَالِفَةٌ لِعَامَّةِ الرِّوَايَاتِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَعِيرُ لِلرَّهْنِ فِي هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْمُرْتَهِنِ. وَأَمَّا الْجَارِيَةُ الْمُسْتَأْجَرَةُ، وَالْعَارِيَّةُ، الْوَدِيعَةُ فَكَجَارِيَةِ أَخِيهِ وَسَيَأْتِي أَنَّهُ يُحَدُّ، وَإِنْ ظَنَّ الْحِلَّ كَمَا فِي الْمُحِيطِ، وَالْبَدَائِعِ وَأَطْلَقَ فِي ظَنِّ الْحِلِّ فَشَمِلَ ظَنَّ الرَّجُلِ وَظَنَّ الْجَارِيَةِ، فَإِنْ ظَنَّاهُ فَلَا حَدَّ، وَإِنْ عَلِمَا الْحُرْمَةَ وَجَبَ الْحَدُّ، وَإِنْ ظَنَّهُ الرَّجُلُ وَعَلِمَتْهُ الْجَارِيَةُ أَوْ بِالْعَكْسِ فَلَا حَدَّ؛ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ إذَا تَمَكَّنَتْ فِي الْفِعْلِ فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ تَتَعَدَّى إلَى   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُحَدَّ، وَإِنْ عَلِمَ الْحُرْمَةَ إلَخْ) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ هَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ ثَلَاثًا مِنْ قَبِيلِ شُبْهَةِ الْمَحَلِّ لَكِنْ الَّذِي فِي التَّبْيِينِ وَالْفَتْحِ وَغَيْرِهِمَا الْجَزْمُ بِأَنَّهَا مِنْ شُبْهَةِ الْفِعْلِ وَأَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِخِلَافِ الظَّاهِرِيَّةِ لِكَوْنِهِ نَشَأَ بَعْدَ انْعِقَادِ إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ فِي زَمَنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَمَا سَيَذْكُرُهُ مِنْ الْجَمْعِ فَذَاكَ إنَّمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ عِنْدَ التَّعَارُضِ وَالْإِشَارَةُ لَا تُعَارِضُ الْعِبَارَةَ بَلْ الْعِبَارَةُ هِيَ الْمُتَقَدِّمَةُ (قَوْلُهُ: وَالْمُسْتَعِيرُ لِلرَّهْنِ) أَيْ الْمُسْتَعِيرُ أَمَةً لِأَجْلِ أَنْ يَرْهَنَهَا فَاللَّامُ تَعْلِيلِيَّةٌ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 14 الْجَانِبِ الْآخَرِ ضَرُورَةً كَذَا فِي الْمُحِيطِ. قَوْلُهُ (: وَالنَّسَبُ يَثْبُتُ فِي الْأَوَّلِ فَقَطْ) أَيْ يَثْبُتُ النَّسَبُ فِي شُبْهَةِ الْمَحَلِّ بِالدَّعْوَةِ وَلَا يَثْبُتُ فِي شُبْهَةِ الْفِعْلِ، وَإِنْ ادَّعَاهُ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ تَمَحَّضَ زِنًا فِي الثَّانِيَةِ، وَإِنْ سَقَطَ الْحَدُّ لِأَمْرٍ رَاجِعٍ إلَيْهِ وَهُوَ اشْتِبَاهُ الْأَمْرِ عَلَيْهِ وَلَمْ يَتَمَحَّضْ فِي الْأَوَّلِ لِلشُّبْهَةِ فِي الْمَحَلِّ وَقَدْ قَدَّمَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ نَسَبَ وَلَدِ الْمُعْتَدَّةِ الْبَتِّ يَثْبُتُ إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ بِغَيْرِ دَعْوَةٍ وَلِسَنَتَيْنِ فَأَكْثَرَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالدَّعْوَةِ وَهُوَ بِعُمُومِهِ يَتَنَاوَلُ الْمُعْتَدَّةَ عَنْ ثَلَاثِ طَلْقَاتٍ فَكَانَ مُخَصِّصًا لِقَوْلِهِ هُنَا فَقَطْ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ فِي شُبْهَةِ الْفِعْلِ عِنْدَ الدَّعْوَةِ إلَّا فِي الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا، وَالْفَرْقُ أَنَّ الشُّبْهَةَ فِيهَا شُبْهَةٌ فِي الْعَقْدِ بِخِلَافِ بَاقِي مَحَالِّ شُبْهَةِ الِاشْتِبَاهِ، فَإِنَّهُ لَا شُبْهَةَ عَقْدٍ فِيهَا فَلَا يَثْبُتُ النَّسَبُ بِالدَّعْوَةِ وَسَيَأْتِي أَنَّ مِنْ شُبْهَةِ الِاشْتِبَاهِ وَطْءَ امْرَأَةٍ زُفَّتْ وَقَالَتْ النِّسَاءُ هِيَ زَوْجَتُك وَلَمْ تَكُنْ زَوْجَتَهُ مُعْتَمِدًا خَبَرَهُنَّ وَصَرَّحَ الزَّيْلَعِيُّ بِأَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ فِيهِ بِالدَّعْوَةِ كَمَا سَيَأْتِي فَتَحَرَّرَ أَنَّ النَّسَبَ لَا يَثْبُتُ فِي شُبْهَةِ الْفِعْلِ إلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ. [وَطْءِ أَمَةِ أَخِيهِ وَعَمِّهِ وَامْرَأَةٍ وُجِدَتْ فِي فِرَاشِهِ] قَوْلُهُ (وَحُدَّ بِوَطْءِ أَمَةِ أَخِيهِ وَعَمِّهِ، وَإِنْ ظَنَّ حَلَّهُ وَامْرَأَةٍ وُجِدَتْ فِي فِرَاشِهِ) يَعْنِي سَوَاءٌ ظَنَّ الْحِلَّ أَوْ الْحُرْمَةَ؛ لِأَنَّهُ لَا انْبِسَاطَ فِي مَالِ الْأَخِ، وَالْعَمِّ وَكَذَا سَائِرُ الْمَحَارِمِ سِوَى الْأَوْلَادِ لِمَا بَيَّنَّا وَلَا اشْتِبَاهَ فِي الْمَرْأَةِ الْمَوْجُودَةِ عَلَى فِرَاشِهِ لِطُولِ الصُّحْبَةِ فَلَمْ يَكُنْ الظَّنُّ مُسْتَنِدًا إلَى دَلِيلٍ وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَنَامُ عَلَى فِرَاشِهِ غَيْرُهَا مِنْ الْمَحَارِمِ الَّتِي فِي بَيْتِهَا أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْبَصِيرَ، وَالْأَعْمَى؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ التَّمْيِيزُ بِالسُّؤَالِ وَغَيْرِهِ إلَّا إذَا دَعَاهَا فَأَجَابَتْهُ وَقَالَتْ أَنَا زَوْجَتُك أَوْ أَنَا فُلَانَةُ بِاسْمِ زَوْجَتِهِ فَوَاقَعَهَا؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ دَلِيلٌ وَفِي التَّبْيِينِ، وَإِنْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ يَثْبُتُ نَسَبُهُ لِمَا نَذْكُرُهُ فِي الْمَرْقُوقَةِ وَلَوْ أَجَابَتْهُ فَقَطْ يُحَدُّ لِعَدَمِ مَا يُوجِبُ السُّقُوطَ وَأَطْلَقَ فِي الْمَرْأَةِ فَشَمِلَ الْمُكْرَهَةَ، وَالطَّائِعَةَ فَيُحَدُّ لَوْ أَكْرَهَهَا دُونَهَا وَلَا يَجِبُ الْمَهْرُ عِنْدَنَا. قَوْلُهُ (: لَا بِأَجْنَبِيَّةٍ زُفَّتْ وَقِيلَ هِيَ زَوْجَتُك) أَيْ لَا يُحَدُّ بِوَطْءِ أَجْنَبِيَّةٍ زُفَّتْ إلَيْهِ وَقَالَ النِّسَاءُ: هِيَ زَوْجَتُك قَضَى بِذَلِكَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلِأَنَّهُ اعْتَمَدَ دَلِيلًا وَهُوَ الْإِخْبَارُ فِي مَوْضِعِ الِاشْتِبَاهِ إذْ الْإِنْسَانُ لَا يُمَيِّزُ بَيْنَ امْرَأَتِهِ وَبِين غَيْرِهَا فِي أَوَّلِ الْوَهْلَةِ فَصَارَ كَالْمَغْرُورِ وَلَكِنْ لَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ مُنْعَدِمٌ حَقِيقَةً فَبَطَلَ بِهِ إحْصَانُهُ كَوَطْءِ جَارِيَةِ ابْنِهِ، فَإِنَّهُ مُسْقِطٌ لِإِحْصَانِهِ حَبِلَتْ أَوْ لَا وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ إخْبَارَ وَاحِدَةٍ لَهُ بِأَنَّهَا زَوْجَتُهُ يَكْفِي لِإِسْقَاطِ الْحَدِّ عَنْهُ كَمَا يُفِيدُهُ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ لَكِنْ عِبَارَةُ الْقُدُورِيِّ وَقُلْنَ النِّسَاءُ بِالْجَمْعِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ كَمَا سَنُبَيِّنُهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ، وَالْوَاحِدُ فِيهَا يَكْفِي. اهـ.   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْبَصِيرَ وَالْأَعْمَى إلَخْ) نَقَلَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة مَا هُنَا عَنْ الْمُنْتَقَى وَالْأَصْلِ ثُمَّ قَالَ الْخُلَاصَةُ وَلَوْ أَنَّ أَعْمَى وَجَدَ فِي فِرَاشِهِ أَوْ حُجْرَتِهِ امْرَأَةً فَوَقَعَ عَلَيْهَا وَقَالَ ظَنَنْت أَنَّهَا امْرَأَتِي قَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يُعْذَرُ وَقَالَ زُفَرُ يُدْرَأُ عَنْهُ الْحَدُّ وَعَلَيْهِ الْعُقْرُ الظَّهِيرِيَّةُ رَجُلٌ وَجَدَ فِي بَيْتِهِ امْرَأَةً فِي لَيْلَةٍ ظَلْمَاءَ فَغَشِيَهَا وَقَالَ ظَنَنْت أَنَّهَا امْرَأَتِي لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ نَهَارًا يُحَدُّ الْحَاوِي. وَعَنْ زُفَرَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَنْ وَجَدَ فِي حَجْلَتِهِ أَوْ بَيْتِهِ امْرَأَةً فَقَالَ ظَنَنْت أَنَّهَا امْرَأَتِي إنْ كَانَ نَهَارًا يُحَدُّ، وَإِنْ كَانَ لَيْلًا لَا يُحَدُّ وَعَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ عَلَيْهِ الْحَدَّ لَيْلًا كَانَ أَوْ نَهَارًا قَالَ أَبُو اللَّيْثِ الْكَبِيرُ وَبِرِوَايَةِ زُفَرَ يُؤْخَذُ اهـ. قُلْت وَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّهُ لَا حَدَّ عَلَى الْأَعْمَى لَيْلًا كَانَ أَوْ نَهَارًا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: لِمَا نَذْكُرُهُ فِي الْمَرْقُوقَةِ) كَذَا فِي النُّسَخِ بِقَافَيْنِ بَعْدَ الرَّاءِ وَالصَّوَابُ الْمَزْفُوفَةُ بِالزَّايِ الْمُعْجَمَةِ وَفَاءَيْنِ أَيْ فِي مَسْأَلَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ الَّتِي زُفَّتْ إلَيْهِ الْآتِيَةِ تِلْوَ هَذِهِ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: وَإِنْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ إلَى آخِرِ مَا إذَا دَعَاهَا فَأَجَابَتْهُ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِتَحَقُّقِ الْحِلِّ مِنْ وَجْهٍ أَمَّا عِنْدَ عَدَمِ الشُّبْهَةِ أَصْلًا فَلَا يَثْبُتُ النَّسَبُ [وَطْءِ أَجْنَبِيَّةٍ زُفَّتْ إلَيْهِ وَقَالَ النِّسَاءُ هِيَ زَوْجَتُك] (قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إلَخْ) أَقُولُ: ظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْإِخْبَارِ وَأَنَّهُ لَا يَكْفِي مُجَرَّدُ زِفَافِهَا إلَيْهِ لَكِنَّ عِبَارَةَ الْحَاكِمِ الشَّهِيدِ فِي الْكَافِي تُفِيدُ عَدَمَ اشْتِرَاطِهِ حَيْثُ قَالَ رَجُلٌ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَزُفَّتْ إلَيْهِ أُخْرَى فَوَطِئَهَا قَالَ لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى قَاذِفِهِ ثُمَّ عَلَّلَهُ بِأَنَّ الزِّفَافَ شُبْهَةٌ وَلِذَا لَوْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ اهـ. فَجَعَلَ الشُّبْهَةَ نَفْسَ الزِّفَافِ وَلَعَلَّ هَذَا رِوَايَةٌ أُخْرَى وَعَلَيْهَا مَشَى فِي الْخَانِيَّةِ أَيْضًا وَيَكُونُ مَا فِي الْمُتُونِ رِوَايَةٌ غَيْرُهَا وَيَنْبَغِي عَلَى الثَّانِيَةِ أَنَّ مَنْ زُفَّتْ إلَيْهِ زَوْجَتُهُ وَلَمْ يَكُنْ رَآهَا أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا مَا لَمْ تَقُلْ لَهُ النِّسَاءُ هَذِهِ زَوْجَتُك لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا تَكُونُ غَيْرَهَا وَفِي ذَلِكَ حَرَجٌ، فَإِنَّهُ لَا يَكَادُ أَحَدٌ يَفْعَلُهُ الْآنَ فَيَلْزَمُ تَأْثِيمُ النَّاسِ عَلَى أَنَّ احْتِمَالَ كَوْنِهَا غَيْرَهَا احْتِمَالٌ ضَعِيفٌ رُبَّمَا لَا يَقَعُ فِي سِنِينَ عَدِيدَةٍ إلَّا نَادِرًا وَلَا سِيَّمَا إذَا كَانَتْ فِي بَيْتِهِ لَيْلَةَ الزِّفَافِ وَاجْتَمَعَ عَلَيْهَا أَهْلُهُ وَأَقَارِبُهُ وَغَيْرُهُنَّ وَزَيَّنُوهَا وَأَفْرَدُوهَا فِي مَحَلٍّ مَخْصُوصٍ ثُمَّ أُدْخِلَتْ عَلَيْهِ، فَإِنَّ احْتِمَالَ كَوْنِهَا غَيْرَهَا أَبْعَدُ مَا يَكُونُ فَوُجُوبُ السُّؤَالِ بَعِيدٌ أَيْضًا. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَكْفِي مُجَرَّدُ زِفَافِهَا عَمَلًا بِهَذَا الظَّاهِرِ بَلْ هُوَ أَقْوَى مِمَّا لَوْ جَاءَتْ بِهَا امْرَأَةٌ مِنْ بَيْتِ أَهْلِهَا ثُمَّ أَدْخَلَتْهَا عَلَيْهِ وَقَالَتْ لَهُ هَذِهِ زَوْجَتُك، فَإِنَّهُ يُحْتَمَلُ كَذِبُهَا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 15 قَوْلُهُ (وَعَلَيْهِ مَهْرٌ) بِذَلِكَ قَضَى عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَبِالْعِدَّةِ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لَا يَخْلُو عَنْ الْحَدِّ أَوْ الْمَهْرِ وَقَدْ سَقَطَ الْحَدُّ فَتَعَيَّنَ الْمَهْرُ وَهُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ وَلِهَذَا قُلْنَا فِي كُلِّ مَوْضِعٍ سَقَطَ فِيهِ الْحَدُّ مِمَّا ذَكَرْنَا يَجِبُ فِيهِ الْمَهْرُ لِمَا ذَكَرْنَا إلَّا فِي وَطْءِ جَارِيَةِ الِابْنِ وَقَدْ عَلِقَتْ مِنْهُ وَادَّعَى نَسَبَهُ لِمَا ذَكَرْنَا فِي النِّكَاحِ أَوْ فِي وَطْءِ الْبَائِعِ الْمَبِيعَةَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ ذَكَرَهَا فِي الزِّيَادَاتِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَجِبَ بِوَطْءِ جَارِيَةِ السَّيِّدِ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَجِبُ لَهُ دَيْنٌ عَلَى عَبْدِهِ وَلَوْ قِيلَ وَجَبَ ثُمَّ سَقَطَ فَمُسْتَقِيمٌ عَلَى مَا اخْتَلَفُوا فِي تَزْوِيجِ الْمَوْلَى عَبْدَهُ بِجَارِيَتِهِ كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَلَا يَرِدُ مَا لَوْ زَنَى صَبِيٌّ بِامْرَأَةٍ بَالِغَةٍ مُطَاوَعَةً قَالُوا لَا حَدَّ عَلَى الصَّبِيِّ وَلَا مَهْرَ عَلَيْهِ لِإِسْقَاطِهَا حَقَّهَا حَيْثُ مَكَّنَتْهُ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ وَجَبَ لَكِنَّهُ سَقَطَ لِمَا ذَكَرْنَا فَلَمْ يَخْلُ وَطْءٌ عَنْهُمَا وَفِي الْمُجْتَبَى مُرَاهِقٌ تَزَوَّجَ بَالِغَةً بِغَيْرِ إذْنِ أَبِيهِ وَوَطِئَهَا وَرَدَّ الْأَبُ النِّكَاحَ فَلَا مَهْرَ عَلَى الصَّبِيِّ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ وَأَرَادَ الْمُصَنِّفُ أَنْ يَكُونَ الْمَهْرُ لَهَا عَلَيْهِ بِذَلِكَ قَضَى عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - خِلَافًا لِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حَيْثُ جَعَلَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ كَأَنَّهُ جَعَلَهُ حَقَّ الشَّرْعِ لِمَا أَنَّ الْحَدَّ حَقٌّ لَهُ وَهَذَا كَالْعِوَضِ عَنْهُ، وَالْمُخْتَارُ قَوْلُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ كَالْجِنَايَةِ عَلَيْهَا وَأَرْشُ الْجِنَايَاتِ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ عِوَضًا عَنْ الْحَدِّ لَوَجَبَ عَلَى الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ سَاقِطٌ عَنْهَا وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ ثُبُوتَ النَّسَبِ فِيهَا وَقَالُوا يَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ بِالدَّعْوَةِ لَكِنْ اخْتَلَفُوا فَفِي التَّبْيِينِ أَنَّهُ يَثْبُتُ النَّسَبُ، وَإِنْ كَانَتْ شُبْهَةُ الِاشْتِبَاهِ لِعَدَمِ الْمِلْكِ وَشُبْهَتُهُ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَالْأَوْجَهُ أَنَّهَا شُبْهَةُ دَلِيلٍ، فَإِنَّ قَوْلَ النِّسَاءِ هِيَ زَوْجَتُك دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ مُبِيحٌ لِلْوَطْءِ، فَإِنَّ قَوْلَ الْوَاحِدِ مَقْبُولٌ فِي الْمُعَامَلَاتِ وَلِذَا حَلَّ وَطْءُ الْأَمَةِ إذَا جَاءَتْ إلَى رَجُلٍ وَقَالَتْ مَوْلَايَ أَرْسَلَنِي إلَيْك هَدِيَّةً، فَإِذَا كَانَ دَلِيلًا غَيْرَ صَحِيحٍ فِي الْوَاقِع أَوْجَبَ الشُّبْهَةَ الَّتِي يَثْبُتُ مَعَهَا النَّسَبُ اهـ. قَوْلُهُ (وَبِمُحَرَّمٍ نَكْحُهَا) أَيْ لَا يَجِبُ الْحَدُّ بِوَطْءِ امْرَأَةِ مَحْرَمٍ لَهُ عَقَدَ عَلَيْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا عَلَيْهِ الْحَدُّ إذَا كَانَ عَالِمًا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ لَمْ يُصَادِفْ مَحَلَّهُ فَيَلْغُو كَمَا إذَا أُضِيفَ إلَى الذُّكُورِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ مَحَلَّ التَّصَرُّفِ مَا يَكُونُ مَحَلًّا لِحُكْمِهِ وَحُكْمُهُ فِي الْحِلِّ وَهِيَ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْعَقْدَ صَادَفَ مَحَلَّهُ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ التَّصَرُّفِ مَا يَقْبَلُ مَقْصُودَهُ، وَالْأُنْثَى مِنْ بَنَاتِ آدَمَ قَابِلَةٌ لِلتَّوَالُدِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَنْعَقِدَ فِي حَقِّ جَمِيعِ الْأَحْكَامِ إلَّا أَنَّهُ تَقَاعَدَ عَنْ إفَادَةِ حَقِيقَةِ الْحِلِّ فَيُورِثُ الشُّبْهَةَ؛ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ مَا يُشْبِهُ الثَّابِتَ لَا نَفْسَ الثَّابِتِ وَحَاصِلُ الْخِلَافِ أَنَّ هَذَا الْعَقْدَ هَلْ يُوجِبُ شُبْهَةً أَمْ لَا وَمَدَارُهُ أَنَّهُ هَلْ وَرَدَ عَلَى مَا هُوَ مَحَلُّهُ أَوْ لَا فَعِنْدَ الْإِمَامِ وَرَدَ عَلَى مَا هُوَ مَحَلُّهُ؛ لِأَنَّ الْمَحَلِّيَّةَ لَيْسَتْ بِقَبُولِ الْحِلِّ بَلْ بِقَبُولِ الْمَقَاصِدِ مِنْ الْعَقْدِ وَهُوَ ثَابِتٌ وَلِذَا صَحَّ مِنْ غَيْرِهِ عَلَيْهَا وَعِنْدَهُمَا لَا؛ لِأَنَّ مَحَلَّ الْعَقْدِ مَا يَقْبَلُ حُكْمَهُ وَحُكْمُهُ الْحِلُّ وَهَذِهِ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ فِي سَائِرِ الْأَحْوَالِ فَكَانَ الثَّابِتُ صُورَةَ الْعَقْدِ لِانْعِقَادِهِ وَبِتَأَمُّلٍ يَسِيرٍ يَظْهَرُ أَنَّهُمْ لَمْ يَتَوَارَدُوا عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ فِي الْمَحَلِّيَّةِ فَحَيْثُ نَفَوْا مَحَلِّيَّتَهَا أَرَادُوا بِالنِّسْبَةِ إلَى خُصُوصِ هَذَا الْعَاقِدِ أَيْ لَيْسَتْ مَحَلًّا لِعَقْدِ هَذَا الْعَاقِدِ وَلِهَذَا عَلَّلُوهُ بِعَدَمِ حِلِّهَا وَلَا شَكَّ فِي حِلِّهَا لِغَيْرِهِ بِعَقْدِ النِّكَاحِ لَا مَحَلِّيَّتِهَا لِلْعَقْدِ مِنْ حَيْثُ هُوَ، وَالْإِمَامُ حَيْثُ أَثْبَتَ مَحَلِّيَّتَهَا أَرَادَ مَحَلِّيَّتَهَا لِنَفْسِ الْعَقْدِ لَا بِالنَّظَرِ إلَى خُصُوصِ عَاقِدٍ. وَلِذَا عَلَّلَ بِقَبُولِهَا مَقَاصِدَهُ وَلَا يُنَافِيه قَوْلُ الْأُصُولِيِّينَ: إنَّ النَّهْيَ عَنْ نِكَاحِ الْمَحَارِمِ مَجَازٌ عَنْ النَّفْيِ لِعَدَمِ مَحَلِّهِ وَلَا قَوْلُ الْفُقَهَاءِ: إنَّ مَحَلَّ النِّكَاحِ الْأُنْثَى مِنْ بَنَاتِ آدَمَ الَّتِي لَيْسَتْ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ؛ لِأَنَّهُمْ أَرَادُوا نَفْيَ الْمَحَلِّيَّةِ لِعَقْدِ النِّكَاحِ الْخَاصِّ وَأَنْتَ عَلِمْت أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ إنَّمَا أَثْبَتَ مَحَلِّيَّتَهَا لِلنِّكَاحِ فِي الْجُمْلَةِ لَا بِالنَّظَرِ إلَى خُصُوصِ نَاكِحٍ لَكِنْ قَدْ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ بِقَوْلِهِمَا قَالَ فِي الْوَاقِعَاتِ وَنَحْنُ نَأْخُذُ بِهِ أَيْضًا وَفِي الْخُلَاصَةِ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا وَوَجْهُ تَرْجِيحِهِ أَنَّ تَحَقُّقَ الشُّبْهَةِ يَقْتَضِي تَحَقُّقَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: حَيْثُ جَعَلَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ) أَيْ يُؤْخَذُ مِنْ الْوَاطِئِ وَيُوضَعُ فِي بَيْتِ الْمَالِ (قَوْلُهُ: وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْأَوْجَهُ إلَخْ) أَقُولُ: ذَكَرَ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ هَذَا بِأَسْطُرٍ مَا نَصُّهُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَوْ اُعْتُبِرَ شُبْهَةَ اشْتِبَاهٍ أَشْكَلَ عَلَيْهِ ثُبُوتُ النَّسَبِ وَأَطْلَقُوا أَنَّ فِيهَا لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ، وَإِنْ اُعْتُبِرَ شُبْهَةَ مَحَلٍّ اقْتَضَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ عَلِمْتهَا حَرَامًا عَلَيَّ لِعِلْمِي بِكَذِبِ النِّسَاءِ لَا يُحَدُّ وَيُحَدُّ قَاذِفُهُ وَالْحَقُّ أَنَّهُ شُبْهَةُ اشْتِبَاهِ لِانْعِدَامِ الْمِلْكِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَكَوْنِ الْإِخْبَارِ يُطْلِقُ الْجِمَاعَ شَرْعًا لَيْسَ هُوَ الدَّلِيلَ الْمُعْتَبَرَ فِي شُبْهَةِ الْمَحَلِّ؛ لِأَنَّ الدَّلِيلَ الْمُعْتَبَرَ فِيهِ هُوَ مَا مُقْتَضَاهُ ثُبُوتُ الْمِلْكِ نَحْوُ «أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك» وَالْمِلْكُ الْقَائِمُ لَلشَّرِيك لَا مَا يُطْلِقُ شَرْعًا مُجَرَّدَ الْفِعْلِ غَيْرَ أَنَّهُ يُسْتَثْنَى مِنْ الْحُكْمِ الْمُرَتَّبِ عَلَيْهِ أَعْنِي عَدَمَ ثُبُوتِ النَّسَبِ لِلْإِجْمَاعِ فِيهِ وَبِهَذِهِ وَالْمُعْتَدَّةِ ظَهَرَ عَدَمُ انْضِبَاطِ مَا مَهَّدُوهُ مِنْ أَحْكَامِ الشُّبْهَتَيْنِ اهـ. وَعَلَى هَذَا مَشَى الْمُؤَلِّفُ أَوَّلًا فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَذْكُرَ كَلَامَ الْفَتْحِ هَذَا وَلَا يُقْتَصَرُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 16 الْحِلِّ مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ لَا مَحَالَةَ شُبْهَةُ الْحِلِّ لَكِنَّ حِلَّهَا لَيْسَ ثَابِتًا مِنْ وَجْهٍ وَإِلَّا وَجَبَتْ الْعِدَّةُ وَثَبَتَ النَّسَبُ أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ عَالِمًا بِالْحُرْمَةِ أَوْ لَا ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَسَائِلَهُمْ هُنَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ اسْتَحَلَّ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى وَجْهِ الظَّنِّ لَا يَكْفُرُ، وَإِنَّمَا يَكْفُرُ إذَا اعْتَقَدَ الْحَرَامَ حَلَالًا لَا إذَا ظَنَّهُ حَلَالًا أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ قَالُوا فِي نِكَاحِ الْمَحْرَمِ لَوْ ظَنَّ الْحِلَّ، فَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ بِالْإِجْمَاعِ وَيُعَزَّرُ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَغَيْرِهَا وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّهُ يَكْفُرُ وَكَذَا فِي نَظَائِرِهِ وَهُوَ نَظِيرُ مَا ذَكَرَهُ الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ إنَّ ظَنَّ الْغَيْبِ جَائِزٌ كَظَنِّ الْمُنَجِّمِ، وَالرَّمَّالِ بِوُقُوعِ شَيْءٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بِتَجْرِبَةِ أَمْرٍ عَادِيٍّ فَهُوَ ظَنٌّ صَادِقٌ، وَالْمَمْنُوعُ هُوَ ادِّعَاءُ عِلْمِ الْغَيْبِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ ادِّعَاءَ ظَنِّ الْغَيْبِ حَرَامٌ وَلَيْسَ بِكُفْرٍ بِخِلَافِ ادِّعَاءِ عِلْمِ الْغَيْبِ، فَإِنَّهُ كُفْرٌ وَسَنُوَضِّحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِ الرِّدَّةِ. وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ الْمُسْتَأْجَرَ لِلزِّنَا لَوْ وَطِئَهَا فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ لِشُبْهَةِ الْعَقْدِ عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَوْفَى بِالزِّنَا الْمَنْفَعَةُ وَهِيَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ فِي الْإِجَارَةِ وَقَالَا يُحَدُّ كَمَا سَيَأْتِي وَأَطْلَقَ فِي الْمُحَرَّمِ فَشَمِلَ الْمُحَرَّمَ نَسَبًا وَرَضَاعًا وَصِهْرِيَّةً وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَوْ عَقَدَ عَلَى مَنْكُوحَةِ الْغَيْرِ أَوْ مُعْتَدَّتِهِ أَوْ مُطَلَّقَتِهِ الثَّلَاثَ أَوْ أَمَةٍ عَلَى حُرَّةٍ أَوْ تَزَوَّجَ مَجُوسِيَّةً أَوْ أَمَةً بِلَا إذْنِ سَيِّدِهَا أَوْ تَزَوَّجَ الْعَبْدُ بِلَا إذْنِ سَيِّدِهِ أَوْ تَزَوَّجَ خَمْسًا فِي عُقْدَةٍ فَوَطِئَهُنَّ أَوْ جَمَعَ بَيْنَ أُخْتَيْنِ فِي عَقْدَةٍ فَوَطِئَهُمَا أَوْ الْأَخِيرَةَ لَوْ كَانَ مُتَعَاقِبًا بَعْدَ التَّزَوُّجِ، فَإِنَّهُ لَا حَدَّ بِالْوَطْءِ بِالْأَوْلَى وَهُوَ بِالِاتِّفَاقِ عَلَى الْأَظْهَرِ أَمَّا عِنْدَهُ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِأَنَّ الشُّبْهَةَ إنَّمَا تَنْتَفِي عِنْدَهُمَا إذَا كَانَ مُجْمَعًا عَلَى تَحْرِيمِهِ وَهِيَ مُحَرَّمَةٌ عَلَى التَّأْبِيدِ وَقَيَّدَ بِنَفْيِ الْحَدِّ؛ لِأَنَّ التَّعْزِيرَ وَاجِبٌ إنْ كَانَ عَالِمًا قَالُوا يَوْجَعُ بِالضَّرْبِ الشَّدِيدِ أَشَدَّ مَا يَكُونُ مِنْ التَّعْزِيرِ سِيَاسَةً. قَوْلُهُ (وَفِي أَجْنَبِيَّةٍ فِي غَيْرِ قُبُلٍ وَلِوَاطَةٍ) أَيْ لَا يَجِبُ الْحَدُّ فِي مَسْأَلَتَيْنِ أَيْضًا: الْأُولَى لَوْ وَطِئَ امْرَأَةً أَجْنَبِيَّةَ فِي دُبُرِهَا، فَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ الثَّانِيَةَ لَوْ لَاطَ بِصَبِيٍّ فِي دُبُرِهِ، فَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ وَلَا شَكَّ أَنَّ وَطْءَ الْأَجْنَبِيَّةِ فِي دُبُرِهَا لِوَاطَةٌ أَيْضًا وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا هُوَ كَالزِّنَا فَيُحَدُّ رَجْمًا إنْ كَانَ مُحْصَنًا أَوْ جَلْدًا إنْ كَانَ غَيْرَ مُحْصَنٍ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الزِّنَا؛ لِأَنَّهُ قَضَاءُ الشَّهْوَةِ فِي مَحَلٍّ مُشْتَهًى عَلَى سَبِيلِ الْكَمَالِ عَلَى وَجْهٍ تَمَحَّضَ حَرَامًا لِقَصْدِ   [منحة الخالق] [وَطْءِ امْرَأَةِ مَحْرَمٍ لَهُ عُقِدَ عَلَيْهَا] (قَوْلُهُ وَإِلَّا وَجَبَتْ الْعِدَّةُ وَثَبَتَ النَّسَبُ) قَالَ فِي الْفَتْحِ تِلْوَ هَذِهِ وَدُفِعَ بِأَنَّ مِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ الْتَزَمَ ذَلِكَ وَعَلَى التَّسْلِيمِ فَثُبُوتُ النَّسَبِ وَالْعِدَّةِ أَقَلُّ مَا يُبْتَنَى عَلَيْهِ وُجُودُ الْحِلِّ مِنْ وَجْهٍ وَهُوَ مُنْتَفٍ فِي الْمَحَارِمِ وَشُبْهَةُ الْحِلِّ لَيْسَ إلَّا بِثُبُوتِ الْحِلِّ مِنْ وَجْهٍ، فَإِنَّ الشُّبْهَةَ مَا يُشْبِهُ الثَّابِتَ وَلَيْسَ بِثَابِتٍ فَلَا ثُبُوتَ لِمَالَهُ شُبْهَةُ الثُّبُوتِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ أَلَا تَرَى أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ أَلْزَمَ عُقُوبَتَهُ بِأَشَدِّ مَا يَكُونُ. وَإِنَّمَا لَمْ يُثْبِتْ عُقُوبَةً هِيَ الْحَدُّ فَعُرِفَ أَنَّهُ زِنًا مَحْضٌ عِنْدَهُ إلَّا أَنَّ فِيهِ شُبْهَةً فَلَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ اهـ. قَالَ فِي النَّهْرِ وَهَذَا إنَّمَا يَتِمُّ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا شُبْهَةُ اشْتِبَاهٍ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا شُبْهَةُ عَقْدٍ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ: سُقُوطُ الْحَدِّ عَنْهُ لِشُبْهَةٍ حُكْمِيَّةٍ فَيَثْبُتُ النَّسَبُ وَهَكَذَا ذَكَرَ فِي الْمُنْيَةِ اهـ. وَهَذَا صَرِيحٌ بِأَنَّ الشُّبْهَةَ فِي الْمَحَلِّ وَفِيهَا يَثْبُتُ النَّسَبُ عَلَى مَا مَرَّ اهـ. مَا فِي النَّهْرِ وَنَقَلَ الرَّمْلِيُّ فِي بَابِ الْمَهْرِ عَنْ الْعَيْنِيِّ أَنَّهُ قَالَ يَثْبُتُ النَّسَبُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا قَالَ وَفِي مَجْمَعِ الْفَتَاوَى تَزَوَّجَ الْمُطَلَّقَةَ ثَلَاثًا وَهُمَا يَعْلَمَانِ بِفَسَادِ النِّكَاحِ فَوَلَدَتْ فِي الْحَاوِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْحَدُّ عِنْدَهُ وَيَثْبُتُ النَّسَبُ خِلَافًا لَهُمَا كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ بِمَحَارِمِهِ وَدَخَلَ بِهَا (قَوْلُهُ: وَهُوَ بِالِاتِّفَاقِ عَلَى الْأَظْهَرِ) هَذَا مَا حَرَّرَ الْمُحَقِّقُ فِي الْفَتْحِ حَيْثُ قَالَ ثُمَّ قَوْلُ حَافِظِ الدِّينِ فِي الْكَافِي فِي تَعْلِيلِ سُقُوطِ الْحَدِّ فِي تَزَوُّجِ الْمَجُوسِيَّةِ وَمَا مَعَهَا؛ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ إنَّمَا تَنْتَفِي عِنْدَهُمَا يَعْنِي حَتَّى يَجِبُ الْحَدُّ إذَا كَانَ مُجْمَعًا عَلَى تَحْرِيمِهِ وَهِيَ حَرَامٌ عَلَى التَّأْبِيدِ يَقْتَضِي أَنْ لَا يُحَدَّ عِنْدَهُمَا فِي تَزَوُّجِ مَنْكُوحَةِ الْغَيْرِ وَمَا مَعَهَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مُحَرَّمَةً عَلَى التَّأْبِيدِ، فَإِنَّ حُرْمَتَهَا مُقَيَّدَةٌ بِبَقَاءِ نِكَاحِهَا وَعِدَّتِهَا كَمَا أَنَّ حُرْمَةَ الْمَجُوسِيَّةِ مُغَيَّاةٌ بِتَمَجُّسِهَا حَتَّى لَوْ أَسْلَمَتْ حَلَّتْ كَمَا أَنَّ تِلْكَ لَوْ طَلُقَتْ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا حَلَّتْ وَأَنَّهُ لَا يُحَدُّ عِنْدَهُمَا إلَّا فِي الْمَحَارِمِ فَقَطْ وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّي وَاَلَّذِينَ يُعْتَمَدُ عَلَى نَقْلِهِمْ وَتَحْرِيرِهِمْ مِثْلُ ابْنِ الْمُنْذِرِ كَذَلِكَ ذَكَرُوا فَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْهُمَا أَنَّهُ يُحَدُّ فِي ذَاتِ الْمَحْرَمِ وَلَا يُحَدُّ فِي غَيْرِ ذَلِكَ قَالَ مِثْلُ أَنْ يَتَزَوَّجَ مَجُوسِيَّةً أَوْ خَامِسَةً أَوْ مُعْتَدَّةً. وَعِبَارَةُ الْكَافِي لِلْحَاكِمِ تُفِيدُ ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ رَجُلٌ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِمَّنْ لَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا فَدَخَلَ بِهَا قَالَ لَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ فَعَلَهُ عَلَى عِلْمٍ لَمْ يُحَدَّ أَيْضًا وَيَوْجَعُ عُقُوبَةً فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إنْ عَلِمَ بِذَلِكَ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ فِي ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ إلَى هُنَا لَفْظُهُ فَعَمَّمَ فِي الْمَرْأَةِ الَّتِي لَا تَحِلُّ لَهُ فِي سُقُوطِ الْحَدِّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ثُمَّ خَصَّ مُخَالَفَتَهُمَا بِذَوَاتِ الْمَحَارِمِ مِنْ ذَلِكَ الْعُمُومِ فَاللَّفْظُ ظَاهِرٌ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا عُرِفَ فِي الرِّوَايَاتِ اهـ. وَمُرَادُهُ بِذَلِكَ الرَّدُّ عَلَى مَا نَقَلَهُ حَافِظُ الدِّينِ فِي الْكَافِي حَيْثُ قَالَ مَنْكُوحَةُ الْغَيْرِ وَمُعْتَدَّتُهُ وَمُطَلَّقَةُ الثَّلَاثِ بَعْدَ التَّزْوِيجِ كَالْمَحْرَمِ، وَإِنْ كَانَ النِّكَاحُ مُخْتَلَفًا فِيهِ كَالنِّكَاحِ بِلَا وَلِيٍّ وَلَا شُهُودٍ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا وَفِي النَّهْرِ هُنَا سَقْطٌ أَوْ إيجَازٌ مُخِلٌّ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 17 سَفْحِ الْمَاءِ وَلَهُ أَنَّهُ لَيْسَ بِزِنًا لِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي مُوجِبِهِ مِنْ الْإِحْرَاقِ بِالنَّارِ وَهَدْمِ الْجِدَارِ، وَالتَّنْكِيسِ مِنْ مَكَان مُرْتَفِعٍ بِاتِّبَاعِ الْأَحْجَارِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَلَا هُوَ فِي مَعْنَى الزِّنَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إضَاعَةُ الْوَلَدِ وَاشْتِبَاهُ الْأَنْسَابِ وَلِذَا هُوَ أَنْدَرُ وُقُوعًا لِانْعِدَامِ الدَّاعِي فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَالدَّاعِي إلَى الزِّنَا مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ مِنْ الْأَمْرِ بِقَتْلِ الْفَاعِلِ، وَالْمَفْعُولِ بِهِ فَمَحْمُولٌ عَلَى السِّيَاسَةِ أَوْ عَلَى الْمُسْتَحِلِّ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ لَوْ رَأَى الْإِمَامُ مَصْلَحَةً فِي قَتْلِ مَنْ اعْتَادَهُ جَازَ لَهُ قَتْلُهُ اهـ. وَاعْلَمْ أَنَّهُمْ يَذْكُرُونَ فِي حُكْمِ السِّيَاسَةِ أَنَّ الْإِمَامَ يَفْعَلُهَا وَلَمْ يَقُولُوا الْقَاضِي فَظَاهِرُهُ أَنَّ الْقَاضِيَ لَيْسَ لَهُ الْحُكْمُ بِالسِّيَاسَةِ وَلَا الْعَمَلُ بِهَا. قَيَّدَ بِعَدَمِ الْحَدِّ؛ لِأَنَّ التَّعْزِيرَ وَاجِبٌ قَالُوا يُوجَعُ ضَرْبًا. زَادَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ يُودَعُ فِي السَّجْنِ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: حَتَّى يَمُوتَ أَوْ يَتُوبَ وَلَوْ اعْتَادَ اللِّوَاطَةُ قَتَلَهُ الْإِمَامُ مُحْصَنًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُحْصَنٍ سِيَاسَةً، وَذَكَرَ الْعَلَّامَةُ الْأَكْمَلُ فِي شَرْحِ الْمَشَارِقِ أَنَّ اللِّوَاطَةُ مُحَرَّمَةٌ عَقْلًا وَشَرْعًا وَطَبْعًا بِخِلَافِ الزِّنَا وَأَنَّهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ طَبْعًا فَكَانَتْ أَشَدَّ حُرْمَةً مِنْهُ، وَإِنَّمَا لَمْ يُوجِبْ الْحَدَّ أَبُو حَنِيفَةَ فِيهَا لِعَدَمِ الدَّلِيلِ عَلَيْهِ لَا لِخِفَّتِهَا، وَإِنَّمَا عَدَمُ الْوُجُوبِ فِيهَا لِلتَّغْلِيظِ عَلَى الْفَاعِلِ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ مُطَهِّرٌ عَلَى قَوْلِ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهَلْ تَكُونُ اللِّوَاطَةُ فِي الْجَنَّةِ أَيْ هَلْ يَجُوزُ كَوْنُهَا فِيهَا قِيلَ: إنْ كَانَ حُرْمَتُهَا عَقْلًا وَسَمْعًا لَا تَكُونُ، وَإِنْ كَانَ سَمْعًا فَقَطْ جَازَ أَنْ تَكُونَ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا لَا تَكُونُ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى اسْتَبْعَدَهُ وَاسْتَقْبَحَهُ فَقَالَ: {مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ} [العنكبوت: 28] وَسَمَّاهُ خَبِيثَةً فَقَالَ تَعَالَى {كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ} [الأنبياء: 74] ، وَالْجَنَّةُ مُنَزَّهَةٌ عَنْهَا اهـ. وَقَيَّدَ بِالْأَجْنَبِيَّةِ لِيُفِيدَ أَنَّ زَوْجَتَهُ وَجَارِيَتَهُ بِالْأَوْلَى فِي عَدَمِ وُجُوبِ الْحَدِّ لَكِنْ قَالَ فِي التَّبْيِينِ إذَا فَعَلَ فِي عَبْدِهِ أَوْ أَمَتِهِ أَوْ مَنْكُوحَتِهِ لَا يَجِبُ الْحَدُّ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنَّمَا يُعَزَّرُ لِارْتِكَابِهِ الْمَحْظُورَ وَفِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ وَتَكَلَّمُوا فِي هَذَا التَّعْزِيرِ مِنْ الْجَلْدِ وَرَمْيِهِ مِنْ أَعْلَى مَوْضِعٍ وَحَبْسِهِ فِي أَنْتَنِ بُقْعَةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ سِوَى الْإِخْصَاءِ الْمُغَلَّبِ، وَالْجَلْدُ أَصَحُّ اهـ وَلِلِّوَاطَةِ أَحْكَامٌ أُخَرُ لَا يَجِبُ بِهَا الْعُقْرُ أَيْ الْمَهْرُ وَلَا الْعِدَّةُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَلَا فِي الْمَأْتِيِّ بِهَا لِشُبْهَةٍ وَلَا تَحِلُّ لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ وَلَا تَثْبُتُ بِهَا الرَّجْعَةُ وَلَا حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ عِنْدَ الْأَكْثَرِ وَلَا الْكَفَّارَةُ فِي رَمَضَانَ فِي رِوَايَةٍ وَلَوْ قَذَفَ بِهَا لَا يُحَدُّ خِلَافًا لَهُمَا وَكَذَا لَوْ قَذَفَ امْرَأَتَهُ بِهَا لَمْ يُلَاعِنْ خِلَافًا لَهُمَا وَعَنْ الصَّفَّارِ يُكَفِّرُ مُسْتَحِلُّهَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ كَذَا فِي الْمُجْتَبَى وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ يَجِبُ الْغُسْلُ بِهَا عَلَى الْفَاعِلِ، وَالْمَفْعُولِ بِهِ. قَوْلُهُ (وَبِبَهِيمَةٍ) أَيْ لَا يُحَدُّ بِوَطْءِ بَهِيمَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى الزِّنَا فِي كَوْنِهِ جِنَايَةً وَفِي وُجُودِ الدَّاعِي؛ لِأَنَّ الطَّبْعَ السَّلِيمَ يَنْفِرُ عَنْهُ، وَالْحَامِلُ عَلَيْهِ نِهَايَةُ السَّفَهِ أَوْ فَرْطُ الشَّبَقِ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ سَتْرُهُ إلَّا أَنَّهُ يُعَزَّرُ لِمَا بَيَّنَّا وَاَلَّذِي يُرْوَى أَنَّهَا تُذْبَحُ الْبَهِيمَةُ وَتُحْرَقُ فَذَلِكَ لِقَطْعِ التَّحَدُّثِ بِهِ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ قَالُوا: إنْ كَانَتْ الدَّابَّةُ مِمَّا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهَا تُذْبَحْ وَتُحْرَقْ لِمَا ذَكَرْنَا، وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا تُؤْكَلُ تُذْبَحْ وَتُؤْكَلْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا تُحْرَقُ هَذِهِ أَيْضًا هَذَا إنْ كَانَتْ الْبَهِيمَةُ لِلْفَاعِلِ، فَإِنْ كَانَتْ لِغَيْرِهِ فَفِي الْخَانِيَّةِ كَانَ لِصَاحِبِهَا أَنْ يَدْفَعَهَا إلَيْهِ بِالْقِيمَةِ وَفِي التَّبْيِينِ يُطَالَبُ صَاحِبُهَا أَنْ يَدْفَعَهَا إلَيْهِ بِالْقِيمَةِ ثُمَّ تُذْبَحُ هَكَذَا ذَكَرُوا وَلَا يُعْرَفُ ذَلِكَ إلَّا سَمَاعًا فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى دَفْعِهَا. [الزِّنَا فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ فِي دَارِ الْبَغْيِ] (قَوْلُهُ: وَبِزِنًا فِي دَارِ حَرْبٍ أَوْ بَغْيٍ) أَيْ لَا يَجِبُ الْحَدُّ بِالزِّنَا فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ فِي دَارِ الْبَغْيِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا تُقَامُ الْحُدُودُ فِي دَارِ الْحَرْبِ» وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الِانْزِجَارُ وَوِلَايَةُ الْإِمَامِ مُنْقَطِعَةٌ فِيهِمَا فَيَعْرَى الْوُجُوبُ عَنْ الْفَائِدَةِ أَطْلَقَهُ فَأَفَادَ أَنَّهُ لَا يُقَامُ بَعْدَ الْخُرُوجِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَنْعَقِدْ مُوجَبَةً فَلَا تَنْقَلِبُ مُوجَبَةً قَيَّدَ بِدَارِ الْحَرْبِ، وَالْبَغْيِ؛ لِأَنَّ مَنْ زَنَى فِي مَحَلِّ نُزُولِ الْعَسْكَرِ، فَإِنَّ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ الْإِقَامَةِ بِنَفْسِهِ كَالْخَلِيفَةِ وَأَمِيرِ مِصْرِهِ أَنْ يُقِيمَ الْحَدَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ تَحْتَ يَدِهِ بِخِلَافِ أَمِيرِ الْعَسْكَرِ، وَالسَّرِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَوِّضْ إلَيْهِمَا الْإِقَامَةَ وَيُسْتَثْنَى مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ زَنَى فِي الْعَسْكَرِ، وَالْعَسْكَرُ   [منحة الخالق] [وَطِئَ امْرَأَةً أَجْنَبِيَّةَ فِي دُبُرِهَا] (قَوْلُهُ: فَمَحْمُولٌ عَلَى السِّيَاسَةِ) تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهَا عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ جَلْدٍ وَرَجْمٍ (قَوْلُهُ: وَهَلْ تَكُونُ اللِّوَاطَةُ فِي الْجَنَّةِ إلَخْ) قَالَ السُّيُوطِيّ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ الْحَنْبَلِيُّ جَرَتْ مَسْأَلَةٌ بَيْنَ أَبِي عَلِيِّ بْنِ الْوَلِيدِ الْمُعْتَزِلِيِّ وَبَيْنَ أَبِي يُوسُفَ الْقَزْوِينِيِّ فِي إبَاحَةِ جِمَاعِ الْوِلْدَانِ فِي الْجَنَّةِ فَقَالَ ابْنُ الْوَلِيدِ لَا يَمْنَعُ أَنْ يُجْعَلَ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ اللَّذَّاتِ فِي الْجَنَّةِ لِزَوَالِ الْمَفْسَدَةِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا مُنِعَ فِي الدُّنْيَا لِمَا فِيهِ مِنْ قَطْعِ النَّسْلِ وَكَوْنِهِ مَحَلًّا لِلْأَذَى وَلَيْسَ فِي الْجَنَّةِ ذَلِكَ وَلِهَذَا أُبِيحَ شُرْبُ الْخَمْرِ لِمَا لَيْسَ فِيهِ مِنْ السُّكْرِ وَغَايَةِ الْعَرْبَدَةِ وَزَوَالِ الْعَقْلِ فَذَلِكَ لَمْ يَمْنَعْ مِنْ الِالْتِذَاذِ بِهَا فَقَالَ أَبُو يُوسُف: الْمَيْلُ إلَى الذُّكُورِ عَاهَةٌ وَهُوَ قَبِيحٌ فِي نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ مَحَلٌّ لَمْ يُخْلَقْ لِلْوَطْءِ وَلِهَذَا لَمْ يُبَحْ فِي شَرِيعَةٍ بِخِلَافِ الْخَمْرِ وَهُوَ مَخْرَجُ الْحَدَثِ وَالْجَنَّةُ نُزِّهَتْ عَنْ الْعَاهَاتِ فَقَالَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 18 فِي دَارِ الْحَرْبِ فِي أَيَّامِ الْمُحَارَبَةِ قَبْلَ الْفَتْحِ لَهُ أَنْ يُقِيمَهُ لِلْوِلَايَةِ حِينَئِذٍ بِخِلَافِ مَا إذَا زَنَى وَاحِدٌ مِنْهُمْ خَارِجَ الْعَسْكَرِ، فَإِنَّهُ لَا يُقِيمُ الْحَدَّ عَلَيْهِ. [زِنَا رَجُلٍ حَرْبِيٍّ مُسْتَأْمَنٍ بِذِمِّيَّةٍ] (قَوْلُهُ: وَبِزِنَا حَرْبِيٍّ بِذِمِّيَّةٍ فِي حَقِّهِ) أَيْ لَا يَجِبُ الْحَدُّ بِزِنَا رَجُلٍ حَرْبِيٍّ مُسْتَأْمَنٍ بِذِمِّيَّةٍ فِي حَقِّ الْحَرْبِيِّ الْمُسْتَأْمَنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ آخِرًا يُحَدُّ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَأْمَنَ مَنْ الْتَزَمَ أَحْكَامَنَا مُدَّةَ مَقَامِهِ فِي دَارِنَا فِي الْمُعَامَلَاتِ كَمَا أَنَّ الذِّمِّيَّ الْتَزَمَهَا مُدَّةَ عُمْرِهِ وَلِهَذَا يُحَدُّ حَدَّ الْقَذْفِ وَيُقْتَلُ قِصَاصًا بِخِلَافِ حَدِّ الشُّرْبِ؛ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ إبَاحَتَهُ وَلَهُمَا أَنَّهُ مَا دَخَلَ لِلْقَرَارِ بَلْ لِحَاجَتِهِ كَالتِّجَارَةِ وَنَحْوِهَا فَلَمْ يَصِرْ مِنْ أَهْلِ دَارِنَا وَلِهَذَا يُمَكَّنُ مِنْ الرُّجُوعِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ وَلَا يُقْتَلُ الْمُسْلِمُ وَلَا الذِّمِّيُّ بِهِ، فَإِنَّمَا يَلْتَزِمُ مِنْ الْحُكْمِ مَا يَرْجِعُ إلَى تَحْصِيلِ مَقْصُودِهِ وَهُوَ حُقُوقُ الْعِبَادِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا طَمِعَ فِي الْإِنْصَافِ يَلْتَزِمُ الِانْتِصَافَ، وَالْقِصَاصُ وَحَدُّ الْقَذْفِ مِنْ حُقُوقِهِمْ أَمَّا حَدُّ الزِّنَا فَمَحْضُ حَقِّ الشَّرْعِ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ فِي حَقِّهِ؛ لِأَنَّ الذِّمِّيَّةَ تُحَدُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا تُحَدُّ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ تَابِعَةٌ فَامْتِنَاعُ الْحَدِّ فِي حَقِّ الْأَصْلِ يُوجِبُ امْتِنَاعَهُ فِي حَقِّ التَّبَعِ كَالْبَالِغَةِ إذَا مَكَّنَتْ الصَّبِيَّ، وَالْمَجْنُونَ قُلْنَا: إنَّ فِعْلَ الْمُسْتَأْمَنِ مِنْ زِنًا؛ لِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِالْحُرُمَاتِ عَلَى مَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُخَاطَبًا بِالشَّرَائِعِ عَلَى أَصْلِنَا، وَالتَّمْكِينُ مِنْ فِعْلٍ هُوَ زِنًا مُوجِبٌ لِلْحَدِّ عَلَيْهَا وَقَيَّدَ بِالْحَرْبِيِّ؛ لِأَنَّ الذِّمِّيَّ إذَا زَنَى بِحَرْبِيَّةٍ، فَإِنَّهُ يُحَدُّ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ، وَالْأَصْلُ لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْحُدُودَ كُلَّهَا تُقَامُ عَلَى الْمُسْتَأْمَنِ، وَالْمُسْتَأْمَنَةِ إلَّا حَدَّ الشُّرْبِ كَمَا تُقَامُ عَلَى الذِّمِّيِّ، وَالذِّمِّيَّةِ فَسَوَّى بَيْنَ الذِّمِّيِّ، وَالْحَرْبِيِّ الْمُسْتَأْمَنِ، وَالْأَصْلُ عِنْدَ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ أَنَّهُ لَا يُقَامُ عَلَى الْمُسْتَأْمَنِ، وَالْمُسْتَأْمَنَةِ شَيْءٌ مِنْ الْحُدُودِ إلَّا حَدُّ الْقَذْفِ بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ كَذَلِكَ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا إلَّا أَنَّهُ يَقُولُ فِعْلُ الرَّجُلِ أَصْلٌ، وَالْمَرْأَةُ تَبَعٌ فَالِامْتِنَاعُ فِي الْأَصْلِ امْتِنَاعٌ فِي التَّبَعِ فَمَحَلُّ الِاخْتِلَافِ فِي حَدِّ الزِّنَا، وَالسَّرِقَةِ، وَأَمَّا حَدُّ الْقَذْفِ فَوَاجِبٌ اتِّفَاقًا وَحَدُّ الشُّرْبِ غَيْرُ وَاجِبٍ اتِّفَاقًا وَقَيَّدَ بِالذِّمِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ زَنَى مُسْتَأْمَنٌ بِمُسْتَأْمَنَةٍ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الزَّانِيَيْنِ إمَّا مُسْلِمَانِ أَوْ ذِمِّيَّانِ أَوْ مُسْتَأْمَنَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا مُسْلِمٌ، وَالْآخَرُ ذِمِّيٌّ وَهُوَ صَادِقٌ بِصُورَتَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا مُسْلِمٌ، وَالْآخَرُ مُسْتَأْمَنٌ وَهُوَ صَادِقٌ بِصُورَتَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا ذِمِّيٌّ، وَالْآخَرُ مُسْتَأْمَنٌ وَهُوَ صَادِقٌ بِصُورَتَيْنِ فَهِيَ تِسْعُ صُوَرٍ، وَالْحَدُّ وَاجِبٌ فِي الْكُلِّ عِنْدَ الْإِمَامِ إلَّا فِي الْمُسْتَأْمَنِينَ وَإِلَّا فِيمَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مُسْتَأْمَنًا أَيًّا كَانَ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ فِي ثَلَاثٍ مِنْهَا كَمَا لَا يَخْفَى. [زَنَى صَبِيٌّ أَوْ مَجْنُونٌ بِمُكَلَّفَةٍ] (قَوْلُهُ: وَبِزِنَا صَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ بِمُكَلَّفَةٍ بِخِلَافِ عَكْسِهِ) أَيْ لَا يَجِبُ الْحَدُّ إذَا زَنَى صَبِيٌّ أَوْ مَجْنُونٌ بِمُكَلَّفَةٍ وَيَجِبُ الْحَدُّ إذَا زَنَى بَالِغٌ بِصَبِيَّةٍ أَوْ مَجْنُونَةٍ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الزِّنَا يَتَحَقَّقُ مِنْهُ وَهِيَ مَحَلُّ الْفِعْلِ وَلِهَذَا يُسَمَّى هُوَ وَاطِئًا وَزَانِيًا، وَالْمَرْأَةُ مَوْطُوءَةً وَمَزْنِيًّا بِهَا إلَّا أَنَّهَا سُمِّيَتْ زَانِيَةً مَجَازًا تَسْمِيَةً لِلْفِعْلِ بِاسْمِ الْفَاعِلِ كَالرَّاضِيَةِ بِمَعْنَى الْمَرْضِيَّةِ أَوْ لِكَوْنِهَا مُسَبِّبَةً بِالتَّمْكِينِ فَتَعَلَّقَ الْحَدُّ فِي حَقِّهَا بِالتَّمْكِينِ مِنْ قَبِيحِ الزِّنَا وَهُوَ فِعْلُ مَنْ هُوَ مُخَاطَبٌ بِالْكَفِّ عَنْهُ مُؤْثَمٌ عَلَى مُبَاشَرَتِهِ وَفِعْلُ الصَّبِيِّ لَيْسَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَلَا يُنَاطُ بِهِ الْحَدُّ وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ كُلَّمَا انْتَفَى الْحَدُّ عَنْ الرَّجُلِ انْتَفَى عَنْ الْمَرْأَةِ وَهُوَ مَنْقُوضٌ بِزِنَا الْمُكْرَهِ بِالْمُطَاوِعَةِ، وَالْمُسْتَأْمَنِ بِالذِّمِّيَّةِ، وَالْمُسْلِمَةِ فَالْأَوْلَى أَنْ لَا تُجْعَلَ قَاعِدَةً؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ بِمُقْتَضَى الدَّلِيلِ قَالَ فِي التَّبْيِينِ وَعِبَارَاتُ أَصْحَابِنَا أَنَّ فِعْلَهَا مَعَ الصَّبِيِّ، وَالْمَجْنُونِ لَيْسَ بِزِنًا يُشِيرُ إلَى أَنَّ إحْصَانَهَا لَا يَسْقُطُ بِذَلِكَ كَمَا لَا يَسْقُطُ إحْصَانُ الصَّبِيِّ، وَالْمَجْنُونِ حَتَّى يَجِبَ الْحَدُّ عَلَى قَاذِفِهِمَا بَعْدَ الْبُلُوغِ، وَالْإِفَاقَةِ وَقَدْ قَدَّمْنَا حُكْمَ الْمَهْرِ. (قَوْلُهُ: وَبِالزِّنَا بِمُسْتَأْجَرَةٍ) أَيْ لَا يَجِبُ الْحَدُّ بِوَطْءِ مَنْ اسْتَأْجَرَهَا لِيَزْنِيَ بِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا يَجِبُ الْحَدُّ لِعَدَمِ شُبْهَةِ الْمِلْكِ وَلِهَذَا لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ وَلَا تَجِبُ الْعِدَّةُ وَلَهُ أَنَّ اللَّهَ   [منحة الخالق] ابْنُ الْوَلِيدِ الْعَاهَةُ هِيَ التَّلْوِيثُ بِالْأَذَى وَإِذَا لَمْ يَبْقَ إلَّا مُجَرَّدُ الِالْتِذَاذِ اهـ. كَلَامُهُ كَذَا فِي حَوَاشِي الْمِنَحِ لِلرَّمْلِيِّ. [الْحَدُّ بِوَطْءِ بَهِيمَةٍ] (قَوْلُهُ: تَسْمِيَةً لِلْفِعْلِ بِاسْمِ الْفَاعِلِ) كَذَا فِي النُّسَخِ وَالصَّوَابُ مَا فِي الْفَتْحِ تَسْمِيَةً لِلْمَفْعُولِ (قَوْلُهُ: أَوْ لِكَوْنِهَا مُسَبِّبَةً بِالتَّمْكِينِ) عَطَفَهُ بِأَوْ وَقَدْ جَعَلَهُ فِي الْفَتْحِ بَيَانًا لِعِلَاقَةِ الْمَجَازِ وَعِبَارَتُهُ بَعْدَ ذِكْرِهِ الْمَجَازَ لِكَوْنِهَا مُسَبِّبَةً لِزِنَا الزَّانِي بِالتَّمْكِينِ فَتَعَلَّقَ الْحَدُّ حِينَئِذٍ فِي حَقِّهَا بِالتَّمْكِينِ مِنْ فِعْلٍ هُوَ زِنًا وَالزِّنَا فِعْلُ مَنْ هُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ أَثِمَ بِهِ وَفِعْلُ الصَّبِيِّ لَيْسَ كَذَلِكَ فَلَا يُنَاطُ بِهِ الْحَدُّ. اهـ. وَبِهَذِهِ الْعِبَارَةِ يَتَّضِحُ كَلَامُ الْمُؤَلِّفِ وَفِي الْفَتْحِ بَقِيَ أَنْ يُقَالَ كَوْنُ الزِّنَا فِي اللُّغَةِ هُوَ الْفِعْلَ الْمُحَرَّمَ مِمَّنْ هُوَ مُخَاطَبٌ مَمْنُوعٌ بَلْ إدْخَالُ الرَّجُلِ قَدْرَ حَشَفَتِهِ قُبُلَ مُشْتَهَاةٍ حَالًا أَوْ مَاضِيًا بِلَا مِلْكٍ أَوْ شُبْهَةٍ وَكَوْنُهُ بَالِغًا عَاقِلًا لِاعْتِبَارِهِ مُوجِبًا لِلْحَدِّ شَرْعًا فَقَدْ مَكَّنَتْ مِنْ فِعْلٍ هُوَ زِنًا لُغَةً، وَإِنْ لَمْ يَجِبْ عَلَى فَاعِلِهِ حَدٌّ فَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا يُوجِبُ التَّفْصِيلَ بَيْنَ تَمْكِينِهَا صَبِيًّا فَلَا تُحَدُّ وَمَجْنُونًا فَتُحَدُّ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُمْ وَطِئَ الرَّجُلُ يَخُصُّ الْبَالِغَ لَكِنْ لَا قَائِلَ بِالْفَصْلِ وَاَلَّذِي يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ مِنْ قُوَّةِ كَلَامِ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّهُمْ لَا يُسَمُّونَ فِعْلَ الْمَجْنُونِ زِنًا وَلَوْ احْتَمَلَ ذَلِكَ فَالْمَوْضِعُ مَوْضِعُ احْتِيَاطٍ فِي الدَّرْءِ فَلَا تُحَدُّ بِهِ. اهـ. . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 19 تَعَالَى سَمَّى الْمَهْرَ أُجْرَةً بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [النساء: 24] فَصَارَ شُبْهَةً؛ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ مَا يُشْبِهُ الْحَقِيقَةَ لَا الْحَقِيقَةُ فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ: أَمْهَرْتُك كَذَا لِأَزْنِيَ بِك قَيَّدْنَا بِأَنْ يَكُونَ اسْتَأْجَرَهَا لِيَزْنِيَ بِهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ اسْتَأْجَرَهَا لِلْخِدْمَةِ فَزَنَى بِهَا يَجِبُ الْحَدُّ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يُضَفْ إلَى الْمُسْتَوْفِي بِالْوَطْءِ، وَالْعَقْدُ الْمُضَافُ إلَى مَحَلٍّ يُورِثُ الشُّبْهَةَ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ لَا فِي مَحَلٍّ آخَرَ. (قَوْلُهُ: وَبِإِكْرَاهٍ) أَيْ لَا يَجِبُ الْحَدُّ بِالزِّنَا بِإِكْرَاهٍ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الْمُكْرِهُ السُّلْطَانَ أَوْ غَيْرَهُ أَمَّا إذَا كَانَ الْمُكْرِهُ السُّلْطَانَ فَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ أَوَّلًا يَقُولُ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ؛ لِأَنَّ الزِّنَا مِنْ الرَّجُلِ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا بَعْدَ انْتِشَارِ الْآلَةِ وَهَذَا آيَةُ الطَّوْعِ وَوَجْهُ قَوْلِهِ الْآخَرِ أَنَّ السَّبَبَ الْمُلْجِئَ قَائِمٌ ظَاهِرٌ أَوْ هُوَ قِيَامُ السَّيْفِ عَلَى رَأْسِهِ، وَالِانْتِشَارُ دَلِيلٌ مُحْتَمَلٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ كَمَا فِي النَّائِمِ فَلَا يَزُولُ الْيَقِينُ بِالْمُحْتَمَلِ، وَأَمَّا إذَا أَكْرَهَهُ غَيْرُ السُّلْطَانِ، فَإِنَّهُ يُحَدُّ عِنْدَ الْإِمَامِ وَقَالَا لَا يُحَدُّ لِتَحَقُّقِ الْإِكْرَاهِ مِنْ غَيْرِ سُلْطَانٍ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ الْمُؤَثِّرَ خَوْفُ الْهَلَاكِ وَيَتَحَقَّقُ مِنْ غَيْرِهِ وَلَهُ أَنَّهُ مِنْ غَيْرِهِ لَا يَدُومُ إلَّا نَادِرًا لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الِاسْتِغَاثَةِ بِالسُّلْطَانِ وَبِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَيُمْكِنُهُ دَفْعُ شَرِّهِ بِنَفْسِهِ بِالسِّلَاحِ، وَالنَّادِرُ لَا حُكْمَ لَهُ فَلَا يَسْقُطُ الْحَدُّ بِخِلَافِ السُّلْطَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الِاسْتِغَاثَةُ بِغَيْرِهِ وَلَا الْخُرُوجُ بِالسِّلَاحِ عَلَيْهِ قَالُوا: هَذَا اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُمْكِنْ فِي زَمَنِ أَبِي حَنِيفَةَ لِغَيْرِ السُّلْطَانِ مِنْ الْقُوَّةِ مَا لَا يُمْكِنُ دَفْعُهَا بِالسُّلْطَانِ وَفِي زَمَنِهِمَا ظَهَرَتْ الْقُوَّةُ لِكُلِّ مُتَغَلِّبٍ فَيُفْتَى بِقَوْلِهِمَا كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ فَلِذَا أَطْلَقَ فِي الْمُخْتَصَرِ. (قَوْلُهُ: وَبِإِقْرَارٍ إنْ أَنْكَرَهُ الْآخَرُ) أَيْ لَا يَجِبُ الْحَدُّ بِإِقْرَارِ أَحَدِ الزَّانِيَيْنِ إذَا أَنْكَرَهُ الْآخَرُ؛ لِأَنَّ دَعْوَى النِّكَاحِ يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَهُوَ يَقُومُ بِالطَّرَفَيْنِ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً، وَإِذَا سَقَطَ الْحَدُّ وَجَبَ الْمَهْرُ تَعْظِيمًا لِخَطَرِ الْبُضْعِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا قَالَ: لَمْ أَطَأْ أَصْلًا أَوْ قَالَ تَزَوَّجْت وَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الْمُنْكِرُ الرَّجُلَ أَوْ الْمَرْأَةَ وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ وَقَالَا: إنْ ادَّعَى الْمُنْكِرُ مِنْهُمَا الشُّبْهَةَ بِأَنْ قَالَ تَزَوَّجْته فَهُوَ كَمَا قَالَ، وَإِنْ أَنْكَرَ بِأَنْ قَالَ مَا زَنَيْت وَلَمْ يَدَّعِ مَا يُسْقِطُ الْحَدَّ وَجَبَ عَلَى الْمُقِرِّ الْحَدُّ دُونَ الْمُنْكِرِ وَحَاصِلُ دَلِيلِ الْإِمَامِ أَنَّ الزِّنَا فِعْلٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا قَائِمٌ بِهِمَا فَانْتِفَاؤُهُ عَنْ أَحَدِهِمَا يُورِثُ شُبْهَةً فِي الْآخَرِ، وَإِذَا سَقَطَ الْحَدُّ وَجَبَ الْمَهْرُ تَعْظِيمًا لِأَمْرِ الْبُضْعِ، وَإِنْ كَانَتْ هِيَ مُنْكِرَةً لِأَمْرِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ ضَرُورَةِ سُقُوطِ الْحَدِّ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ زَنَى بِامْرَأَةٍ خَرْسَاءَ لَا حَدَّ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَالَ فِي الْأَصْلِ وَجُعِلَ الْجَوَابُ فِي الْخَرْسَاءِ كَالْجَوَابِ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ نَاطِقَةً وَادَّعَتْ الْمَرْأَةُ النِّكَاحَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ مَجْنُونَةً أَوْ صَبِيَّةً يُجَامَعُ مِثْلُهَا كَانَ عَلَى الرَّجُلِ الْحَدُّ وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ غَائِبَةً وَأَقَرَّ الرَّجُلُ أَنَّهُ زَنَى بِهَا أَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ الشُّهُودُ، فَإِنَّهُ يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى الرَّجُلِ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ. [زَنَى بِأَمَةٍ فَقَتَلَهَا] قَوْلُهُ (: وَمَنْ زَنَى بِأَمَةٍ فَقَتَلَهَا لَزِمَهُ الْحَدُّ، وَالْقِيمَةُ) مَعْنَاهُ قَتَلَهَا بِفِعْلِ الزِّنَا؛ لِأَنَّهُ جَنَى جِنَايَتَيْنِ فَيُوَفِّرُ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا حُكْمَهَا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يُحَدُّ؛ لِأَنَّ تَقَرُّرَ ضَمَانِ الْقِيمَةِ سَبَبٌ لِمِلْكِ الْأَمَةِ وَصَارَ كَمَا إذَا اشْتَرَاهَا بَعْدَ مَا زَنَى بِهَا وَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ وَاعْتِرَاضُ سَبَبِ الْمِلْكِ قَبْلَ إقَامَةِ الْحَدِّ يُوجِبُ سُقُوطَهُ كَمَا إذَا مَلَكَ الْمَسْرُوقَ قَبْلَ الْقَطْعِ. وَلَهُمَا أَنَّهُ ضَمَانُ قَتْلٍ فَلَا يُوجِبُ الْمِلْكَ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ دَمٍ وَلَوْ كَانَ يُوجِبُهُ إنَّمَا يُوجِبُهُ فِي الْعَيْنِ كَمَا فِي هِبَةِ الْمَسْرُوقِ لَا فِي مَنَافِعِ الْبُضْعِ؛ لِأَنَّهَا اُسْتُوْفِيَتْ، وَالْمِلْكُ يَثْبُتُ مُسْتَنِدًا فَلَا يَظْهَرُ فِي الْمُسْتَوْفَى لِكَوْنِهَا مَعْدُومَةً وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا زَنَى بِهَا فَأَذْهَبَ عَيْنَهَا حَيْثُ يَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا وَيَسْقُطُ الْحَدُّ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ هُنَاكَ يَثْبُتُ فِي الْجُثَّةِ الْعَمْيَاءِ وَهِيَ عَيْنٌ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ زَنَى بِحُرَّةٍ فَقَتَلَهَا بِهِ يَجِبُ الْحَدُّ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّ الْحُرَّةَ لَا تُمْلَكُ بِالضَّمَانِ، وَإِنْ لَمْ يَقْتُلْهَا، وَإِنَّمَا أَفْضَاهَا بِأَنْ اخْتَلَطَ الْمَسْلَكَانِ، فَإِنْ كَانَتْ كَبِيرَةً مُطَاوِعَةً لَهُ مِنْ غَيْرِ دَعْوَى شُبْهَةٍ فَعَلَيْهِمَا الْحَدُّ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الْإِفْضَاءِ لِرِضَاهَا بِهِ وَلَا مَهْرَ عَلَيْهِ لِوُجُوبِ الْحَدِّ، وَإِنْ كَانَ مَعَ دَعْوَى شُبْهَةٍ فَلَا حَدَّ وَلَا شَيْءَ فِي الْإِفْضَاءِ   [منحة الخالق] [وَطْءِ مَنْ اسْتَأْجَرَهَا لِيَزْنِيَ بِهَا] (قَوْلُهُ: قَيَّدْنَا بِأَنْ يَكُونَ اسْتَأْجَرَهَا لِيَزْنِيَ بِهَا) أَيْ بِأَنْ يَقُولَ: اسْتَأْجَرْتُك لِأَزْنِيَ بِك أَوْ قَالَ أَمْهَرْتُك كَذَا لِأَزْنِيَ بِك أَوْ خُذِي هَذِهِ الدَّرَاهِمَ لِأَطَأَك كَمَا فِي الْفَتْحِ قَالَ وَالْحَقُّ فِي هَذَا كُلِّهِ وُجُوبُ الْحَدِّ إذْ الْمَذْكُورُ مَعْنًى يُعَارِضُهُ كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا} [النور: 2] فَالْمَعْنَى الَّذِي يُفِيدُ أَنَّ فِعْلَ الزِّنَا مَعَ قَوْلِهِ أَزْنِي بِك لَا يُجْلَدُ مَعَهُ لِلَفْظِ الْمَهْرِ مُعَارِضٌ لَهُ. اهـ. وَأَقَرَّهُ فِي النَّهْرِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 20 وَيَجِبُ الْعُقْرُ، وَإِنْ كَانَتْ مُكْرَهَةً مِنْ غَيْرِ دَعْوَى شُبْهَةٍ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ دُونَهَا وَلَا مَهْرَ لَهَا ثُمَّ يُنْظَرُ فِي الْإِفْضَاءِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَمْسِكْ بَوْلُهَا فَعَلَيْهِ دِيَةُ الْمَرْأَةِ كَامِلَةً؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ جِنْسَ الْمَنْفَعَةِ عَلَى الْكَمَالِ. وَإِنْ كَانَ يَسْتَمْسِكُ بَوْلُهَا حُدَّ وَضَمِنَ ثُلُثَ الدِّيَةِ لِمَا أَنَّ جِنَايَتَهُ جَائِفَةٌ، وَإِنْ كَانَ مَعَ دَعْوَى شُبْهَةٍ فَلَا حَدَّ عَلَيْهَا، وَإِنْ كَانَ الْبَوْلُ يَسْتَمْسِكُ فَعَلَيْهِ ثُلُثُ الدِّيَةِ وَيَجِبُ الْمَهْرُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَمْسِكْ فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ كَامِلَةً وَلَا يَجِبُ الْمَهْرُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ، وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً يُجَامَعُ مِثْلُهَا فَهِيَ كَالْكَبِيرَةِ فِيمَا ذَكَرْنَا إلَّا فِي حَقِّ سُقُوطِ الْأَرْشِ بِرِضَاهَا، وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً لَا يُجَامَعُ مِثْلُهَا، فَإِنْ كَانَ يَسْتَمْسِكُ بَوْلُهَا لَزِمَهُ ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَالْمَهْرُ كَامِلًا وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ لِتَمَكُّنِ الْقُصُورِ فِي مَعْنَى الزِّنَا وَهُوَ الْإِيلَاجُ فِي قُبُلِ الْمُشْتَهَاةِ وَلِهَذَا لَا تَثْبُتُ بِهِ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ، وَالْوَطْءُ الْحَرَامُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ يُوجِبُ الْمَهْرَ إذَا انْتَفَى الْحَدُّ فَيَجِبُ ثُلُثُ الدِّيَةِ لِكَوْنِهِ جَائِفَةً عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَإِنْ كَانَ لَا يَسْتَمْسِكُ ضَمِنَ الدِّيَةَ وَلَا يَضْمَنُ الْمَهْرَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَضْمَنُ الْمَهْرَ أَيْضًا لِمَا ذَكَرْنَا وَلَنَا أَنَّ الدِّيَةَ ضَمَانُ كُلِّ الْعُضْوِ، وَالْمَهْرَ ضَمَانُ جُزْءٍ مِنْهُ وَضَمَانُ الْجُزْءِ يَدْخُلُ فِي ضَمَانِ الْكُلِّ إذَا كَانَا فِي عُضْوٍ وَاحِدٍ كَمَا إذَا قَطَعَ إصْبَعَ إنْسَانٍ ثُمَّ قَطَعَ كَفَّهُ قَبْلَ الْبُرْءِ يَدْخُلُ أَرْشُ الْإِصْبَعِ فِي أَرْشِ الْكَفِّ وَيَسْقُطُ إحْصَانُهُ بِهَذَا الْوَطْءِ لِوُجُودِ صُورَةِ الزِّنَا وَهُوَ الْوَطْءُ الْحَرَامُ وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ كَسَرَ فَخْذَ امْرَأَةٍ فِي الزِّنَا أَوْ جَرَحَهَا ضَمِنَ الدِّيَةَ فِي مَالِهِ وَحْدَهُ؛ لِأَنَّهُ شِبْهُ الْعَمْدِ وَفِي شِبْهِهِ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ يَعْنِي بِهِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ، وَإِنْ جَنَتْ الْأَمَةُ فَزَنَى بِهَا وَلِيُّ الْجِنَايَةِ. فَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ تُوجِبُ الْقِصَاصَ بِأَنْ قَتَلَتْ نَفْسًا عَمْدًا فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ الْعُقْرُ؛ لِأَنَّ مِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ قَالَ يَمْلِكُهَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً، وَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ لَا تُوجِبُ الْقِصَاصَ، فَإِنْ فَدَاهَا الْمَوْلَى يَجِبْ عَلَيْهِ الْحَدُّ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ الزَّانِيَ لَمْ يَمْلِكْ الْجُثَّةَ، وَإِنْ دَفَعَهَا بِالْجِنَايَةِ فَعَلَى الْخِلَافِ وَفِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ غَصَبَهَا ثُمَّ زَنَى بِهَا ثُمَّ ضَمِنَ قِيمَتَهَا فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ أَمَّا لَوْ زَنَا بِهَا ثُمَّ غَصَبَهَا وَضَمِنَ قِيمَتَهَا لَمْ يَسْقُطْ الْحَدُّ وَفِي جَامِعِ قَاضِي خَانْ لَوْ زَنَى بِحُرَّةٍ ثُمَّ نَكَحَهَا لَا يَسْقُطُ الْحَدُّ بِالِاتِّفَاقِ. (قَوْلُهُ: وَالْخَلِيفَةُ يُؤْخَذُ بِالْقِصَاصِ، وَالْأَمْوَالِ لَا بِالْحَدِّ) ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ حُقُوقُ الْعِبَادِ لِمَا أَنَّ حَقَّ اسْتِيفَائِهَا لِمَنْ لَهُ الْحَقُّ فَيَكُونُ الْإِمَامُ فِيهِ كَغَيْرِهِ، وَإِنْ احْتَاجَ إلَى الْمَنَعَةِ فَالْمُسْلِمُونَ مَنَعَتُهُ فَيَقْدِرُ بِهِمْ عَلَى الِاسْتِيفَاءِ فَكَانَ الْوُجُوبُ مُقِيدًا وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّهُ يَجُوزُ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ بِدُونِ قَضَاءِ الْقَاضِي، وَالْقَضَاءُ لِتَمْكِينِ الْوَلِيِّ مِنْ اسْتِيفَائِهِ لَا أَنَّهُ شَرْطٌ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، وَأَمَّا الثَّانِي أَعْنِي الْحُدُودَ، فَإِنَّمَا لَا تُقَامُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْإِمَامُ هُوَ الْمُكَلَّفُ بِإِقَامَتِهِ وَتَعْذُرُ إقَامَتُهُ عَلَى نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ إقَامَتَهُ بِطَرِيقِ الْجَزَاءِ، وَالنَّكَالِ وَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ أَحَدٌ بِنَفْسِهِ وَلَا وِلَايَةَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ لِيَسْتَوْفِيَهُ وَفَائِدَةُ الْإِيجَابِ الِاسْتِيفَاءُ، فَإِذَا تَعَذَّرَ لَمْ يَجِبْ وَفِعْلُ نَائِبِهِ كَفِعْلِهِ؛ لِأَنَّهُ بِأَمْرِهِ أَطْلَقَ فِي الْحَدِّ فَشَمِلَ حَدَّ الْقَذْفِ؛ لِأَنَّ الْمُغَلَّبَ فِيهِ حَقُّ الشَّرْعِ فَكَانَ كَبَقِيَّةِ الْحُدُودِ، وَالْمُرَادُ بِالْخَلِيفَةِ الْإِمَامُ الَّذِي لَيْسَ فَوْقَهُ إمَامٌ وَقَيَّدَ بِهِ احْتِرَازًا عَنْ أَمِيرِ الْبَلْدَةِ، فَإِنَّهُ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحُدُودُ بِأَمْرِ الْإِمَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا وَالرُّجُوع عَنْهَا] (قَوْلُهُ: شَهِدُوا بِحَدٍّ مُتَقَادِمٍ سِوَى حَدِّ الْقَذْفِ لَمْ يُحَدَّ) أَيْ شَهِدُوا بِسَبَبِ حَدٍّ وَهُوَ الزِّنَا أَوْ السَّرِقَةُ أَوْ شُرْبُ الْخَمْرِ لَا بِنَفْسِ الْحَدِّ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ مُتَقَادِمٌ مَعْنَاهُ مُتَقَادِمٌ سَبَبُهُ، وَالْأَصْلُ أَنَّ الْحُدُودَ الْخَالِصَةَ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى تَبْطُلُ بِالتَّقَادُمِ؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ حِسْبَتَيْنِ أَدَاءُ الشَّهَادَةِ، وَالسَّتْرُ فَالتَّأْخِيرُ إنْ كَانَ لِاخْتِيَارِ السَّتْرِ فَالْإِقْدَامُ عَلَى الْأَدَاءِ بَعْدَ ذَلِكَ لِضَغِينَةٍ هَيَّجَتْهُ أَوْ لِعَدَاوَةٍ حَرَّكَتْهُ فَيُتَّهَمُ فِيهَا، وَإِنْ كَانَ التَّأْخِيرُ لَا لِلسَّتْرِ يَصِيرُ فَاسِقًا آثِمًا فَتَيَقَّنَّا بِالْمَانِعِ بِخِلَافِ التَّقَادُمِ فِي حَدِّ الْقَذْفِ؛ لِأَنَّهُ فِيهِ حَقُّ الْعِبَادِ لِمَا فِيهِ   [منحة الخالق] [الزِّنَا بِإِكْرَاهٍ] (قَوْلُهُ: وَإِنْ جُنَّتْ الْأَمَةُ) تَقَدَّمَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ أَوَّلَ الْبَابِ. (بَابُ الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا وَالرُّجُوعِ عَنْهَا) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 21 مِنْ دَفْعِ الْعَارِ عَنْهُ وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ رُجُوعُهُ بَعْدَ الْإِقْرَارِ، وَالتَّقَادُمُ غَيْرُ مَانِعٍ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ وَلِأَنَّ الدَّعْوَى فِيهِ شَرْطٌ فَيُحْمَلُ تَأْخِيرُهُمْ عَلَى انْعِدَامِ الدَّعْوَى فَلَا يُوجِبُ تَفْسِيقَهُمْ وَلَا يَرِدُ حَدُّ السَّرِقَةِ؛ لِأَنَّ الدَّعْوَى لَيْسَ بِشَرْطٍ لِلْحَدِّ؛ لِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى مَا مَرَّ، وَإِنَّمَا شَرْطٌ لِلْمَالِ وَلِأَنَّ الْحُكْمَ يُدَارُ عَلَى كَوْنِ الْحَدِّ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى فَلَا يُعْتَبَرُ وُجُودُ التُّهْمَةِ فِي كُلِّ فَرْدٍ وَلِأَنَّ السَّرِقَةَ تُقَامُ عَلَى الِاسْتِشْرَارِ عَلَى غِرَّةٍ مِنْ الْمَالِكِ فَيَجِبُ عَلَى الشَّاهِدِ إعْلَامُهُ وَبِالْكِتْمَانِ يَصِيرُ فَاسِقًا آثِمًا وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِكَوْنِ التَّقَادُمِ مُبْطِلًا لَهَا إلَى أَنَّ التَّقَادُمَ يَمْنَعُ الْإِقَامَةَ بَعْدَ الْقَضَاءِ حَتَّى لَوْ هَرَبَ بَعْدَ مَا ضُرِبَ بَعْضَ الْحَدِّ ثُمَّ أُخِذَ بَعْدَ مَا تَقَادَمَ الزَّمَانُ لَا يُقَامُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْإِمْضَاءَ مِنْ الْقَضَاءِ فِي بَابِ الْحُدُودِ فَلَا بُدَّ مِنْ قِيَامِ الشَّهَادَةِ حَالَ الِاسْتِيفَاءِ وَبِالتَّقَادُمِ لَمْ تَبْقَ الشَّهَادَةُ فَلَا يَصِحُّ هَذَا الْقَضَاءُ الَّذِي هُوَ الِاسْتِيفَاءُ وَقَيَّدَ بِالشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِسَبَبِ حَدٍّ مُتَقَادِمٍ حُدَّ لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُعَادِي نَفْسَهُ إلَّا فِي حَدِّ الشُّرْبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، فَإِنَّ التَّقَادُمَ فِيهِ يُبْطِلُ الْإِقْرَارَ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ. وَلَمْ يُفَسِّرْ الْمُصَنِّفُ التَّقَادُمَ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ الْأَعْظَمَ لَمْ يُقَدِّرْهُ بِشَيْءٍ، وَإِنَّمَا فَوَّضَهُ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي فِي كُلِّ عَصْرٍ لَكِنَّ الْأَصَحَّ مَا عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُقَدَّرُ بِشَهْرٍ؛ لِأَنَّ مَا دُونَهُ عَاجِلٌ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْهَا أَيْضًا وَقَدْ اعْتَبَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي شُرْبِ الْخَمْرِ أَيْضًا وَعِنْدَهُمَا هُوَ مُقَدَّرٌ بِزَوَالِ الرَّائِحَةِ فَلَوْ شَهِدُوا عَلَيْهِ بِالشُّرْبِ بَعْدَهَا لَا تُقْبَلُ وَقَدْ جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِهِ فَظَاهِرُهُ كَغَيْرِهِ أَنَّهُ الْمُخْتَارُ فَعُلِمَ أَنَّ الْأَصَحَّ اعْتِبَارُ الشَّهْرِ إلَّا فِي شُرْبِ الْخَمْرِ وَلَمْ يَسْتَثْنِ الْمُصَنِّفُ كَوْنَ التَّقَادُمِ لِبُعْدِ الْمَكَانِ عَنْ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ الْعُذْرَ لَا يَخْتَصُّ بِهِ بَلْ يَكُونُ بِنَحْوِ مَرَضٍ أَوْ خَوْفِ طَرِيقٍ وَحَاصِلُهُ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ مَنَعَ الشَّاهِدَ مِنْ الْمُسَارَعَةِ إلَى أَدَاءِ الشَّهَادَةِ فَهُوَ عُذْرٌ بِقَدْرِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ وُجُوبَ الْحَدِّ عَلَى الشُّهُودِ إذَا شَهِدُوا بِزِنًا مُتَقَادِمٍ وَذَكَرَ فِي الْخَانِيَّةِ لَوْ شَهِدُوا بِزِنًا مُتَقَادِمٍ اخْتَلَفُوا فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ يُحَدُّ الشُّهُودُ حَدَّ الْقَذْفِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يُحَدُّونَ اهـ. (قَوْلُهُ: وَيَضْمَنُ الْمَالَ) يَعْنِي فِي صُورَةِ شَهَادَتِهِمْ بِسَرِقَةٍ مُتَقَادِمَةٍ؛ لِأَنَّ الدَّعْوَى شَرْطٌ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ فَتَأْخِيرُ الشَّاهِدِ لِتَأْخِيرِ الدَّعْوَى لَا يَلْزَمُ فِيهِ تَفْسِيقٌ وَلَا تُهْمَةٌ وَلِذَا لَمْ يَبْطُلْ حَدُّ الْقَذْفِ بِالتَّقَادُمِ إنْ كَانَ الْغَالِبُ فِيهِ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْأَصَحِّ لِتَوَقُّفِهِ عَلَى الدَّعْوَى أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ تَأْخِيرُ الشَّهَادَةِ لِعَدَمِ الدَّعْوَى بِسَبَبِ عَدَمِ عِلْمِ صَاحِبِ الْمَالِ أَوْ لِطَلَبِهِ السَّتْرَ أَوْ لِكِتْمَانِ الشَّهَادَةِ بَعْدَ طَلَبِهِ الشَّهَادَةَ مِنْهُ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا تُقْبَلَ شَهَادَتُهُمْ فِي حَقِّ الْمَالِ أَيْضًا فِي الْوَجْهِ الثَّانِي لِفِسْقِهِمْ بِالْكِتْمَانِ. وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُمْ بِضَمَانِ الْمَالِ مَعَ تَصْرِيحِهِمْ بِوُجُودِ التُّهْمَةِ فِي شَهَادَتِهِمْ مَعَ التَّقَادُمِ مُشْكِلٌ لِتَصْرِيحِهِمْ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ بِأَنَّهُ لَا شَهَادَةَ لِلْمُتَّهَمِ سَوَاءٌ كَانَتْ فِي الْأَمْوَالِ أَوْ فِي غَيْرِهَا إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ التُّهْمَةَ غَيْرُ مُحَقَّقَةٍ، وَإِنَّمَا الْمَوْجُودُ الشُّبْهَةُ، وَالْمَالُ يَثْبُتُ مَعَ الشُّبْهَةِ بِخِلَافِ الْحَدِّ. (قَوْلُهُ: وَلَو ْ أَثْبَتُوا زِنَاهُ بِغَائِبَةٍ حُدَّ بِخِلَافِ السَّرِقَةِ) أَيْ لَوْ شَهِدُوا أَنَّهُ سَرَقَ مِنْ فُلَانٍ وَهُوَ غَائِبٌ لَمْ يُقْطَعْ، وَالْفَرْقُ أَنَّ بِالْغَيْبَةِ تَنْعَدِمُ الدَّعْوَى وَهِيَ شَرْطٌ فِي السَّرِقَةِ دُونَ الزِّنَا وَبِالْحُضُورِ يُتَوَهَّمُ دَعْوَى الشُّبْهَةِ وَلَا مُعْتَبَرَ بِالْمَوْهُومِ؛ لِأَنَّهُ شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ وَاعْتِبَارُهَا يُؤَدِّي إلَى سَدِّ بَابِ الْحُدُودِ؛ لِأَنَّ الْمُقِرَّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَرْجِعَ فَرُجُوعُهُ شُبْهَةٌ فَيُدْرَأُ بِهِ الْحَدُّ وَاحْتِمَالُ رُجُوعِهِ شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ فَلَا يَسْقُطُ وَكَذَا الْبَيِّنَةُ يُحْتَمَلُ رُجُوعُهَا فَرُجُوعُهَا حَقِيقَةً شُبْهَةٌ وَاحْتِمَالُهُ شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ زَنَى بِفُلَانَةَ وَهِيَ غَائِبَةٌ، فَإِنَّهُ يُحَدُّ بِالْأَوْلَى وَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «رَجَمَ مَاعِزًا، وَالْغَامِدِيَّةَ حِينَ أَقَرَّا بِالزِّنَا بِغَائِبَيْنِ» وَقَيَّدَ بِالزِّنَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْقِصَاصُ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ وَكَانَ أَحَدُهُمَا غَائِبًا لَا يَتَمَكَّنُ الْحَاضِرُ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ لِاحْتِمَالِ الْعَفْوِ مِنْ الْغَائِبِ وَهُوَ حَقِيقَةُ الْمُسْقِطِ فَاحْتِمَالُهُ يَكُونُ شُبْهَةَ الْمُسْقِطِ لَا شُبْهَةَ الشُّبْهَةِ. [أَقَرَّ بِالزِّنَا بِمَجْهُولَةٍ] (قَوْلُهُ: وَإِنْ أَقَرَّ بِالزِّنَا بِمَجْهُولَةٍ حُدَّ، وَإِنْ شَهِدُوا بِذَلِكَ لَا) أَيْ شَهِدُوا عَلَيْهِ أَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَةٍ لَا يَعْرِفُونَهَا لَا يُحَدُّ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يُحَدُّونَ) أَقُولُ: هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ فَقَدْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي حَيْثُ قَالَ وَإِذَا شَهِدَ الشُّهُودُ عَلَى رَجُلٍ بِزِنًا قَدِيمٍ لَمْ آخُذْ بِشَهَادَتِهِمْ وَلَا أَحَدِهِمْ. اهـ. وَهَذَا هُوَ الْوَجْهُ، فَإِنَّ شَهَادَتَهُمْ كَامِلَةٌ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 22 امْرَأَتُهُ أَوْ أَمَتُهُ بَلْ هُوَ الظَّاهِرُ بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ وَأَمَتُهُ وَلَا اعْتِبَارَ بِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ أَمَتَهُ بِالْمِيرَاثِ وَلَا يَعْرِفُهَا؛ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ فِي الْمَعْرُوفَةِ كَالْمَجْهُولَةِ وَاعْتِبَارُهُ يُؤَدِّي إلَى انْسِدَادِ بَابِ الْحُدُودِ وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ الشَّهِيدِ، وَإِنْ قَالَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ: إنَّ الَّتِي رَأَوْهَا مَعِي لَيْسَتْ لِي بِامْرَأَةٍ وَلَا خَادِمٍ لَمْ يُحَدَّ أَيْضًا وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا يُتَصَوَّرُ أَنَّهَا أَمَةُ ابْنِهِ أَوْ مَنْكُوحَةٌ نِكَاحًا فَاسِدًا ا. هـ. وَهَذَا التَّعْلِيلُ أَوْلَى مِمَّا عَلَّلَ بِهِ لِعَدَمِ الْوُجُوبِ مِنْ أَنَّهُ إقْرَارٌ مَرَّةً وَاحِدَةً؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ قَالَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ أَرْبَعًا حُدَّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ قَالُوا: زَنَى بِامْرَأَةٍ لَا نَعْرِفُهَا ثُمَّ قَالُوا بِفُلَانَةَ، فَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ الرَّجُلُ وَلَا الشُّهُودُ اهـ. (قَوْلُهُ: كَاخْتِلَافِهِمْ فِي طَوْعِهَا أَوْ فِي الْبَلَدِ وَلَوْ عَلَى كُلِّ زِنًا أَرْبَعَةٌ) بَيَانٌ لِمَسْأَلَتَيْنِ لَا حَدَّ فِيهِمَا الْأُولَى: لَوْ اخْتَلَفَ الشُّهُودُ فِي طَوْعِ الْمَرْأَةِ فَشَهِدَ اثْنَانِ أَنَّهُ اسْتَكْرَهَهَا وَاثْنَانِ أَنَّهَا طَاوَعَتْهُ وَعَدَمُ وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَيْهِمَا قَوْلُ الْإِمَامِ. وَقَالَا يُحَدُّ الرَّجُلُ خَاصَّةً لِاتِّفَاقِهِمْ عَلَى الْمُوجِبِ عَلَيْهِ وَانْفِرَادُ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ بِزِيَادَةِ جِنَايَةٍ وَهُوَ الْإِكْرَاهُ بِخِلَافِ جَانِبِهَا؛ لِأَنَّ طَوَاعِيَتَهَا شَرْطٌ لِتَحَقُّقِ الْمُوجِبِ فِي حَقِّهَا وَلَمْ يَثْبُتْ لِاخْتِلَافِهِمْ وَلَهُ أَنَّهُ اخْتَلَفَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الزِّنَا فِعْلٌ وَاحِدٌ يَقُومُ بِهِمَا وَلِأَنَّ شَاهِدَيْ الطَّوَاعِيَةِ صَارَا قَاذِفَيْنِ لَهَا، وَإِنَّمَا يَسْقُطُ الْحَدُّ عَنْهُمَا لِشَهَادَةِ شَاهِدَيْ الْإِكْرَاهِ؛ لِأَنَّ زِنَاهَا مُكْرَهَةً يُسْقِطُ إحْصَانَهَا فَصَارَا خَصْمَيْنِ فِي ذَلِكَ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا شَهِدَ ثَلَاثَةٌ بِالطَّوَاعِيَةِ وَوَاحِدٌ بِالْإِكْرَاهِ وَعَكْسُهُ لَكِنْ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ يُحَدُّ الثَّلَاثَةُ حَدَّ الْقَذْفِ لِعَدَمِ سُقُوطِ إحْصَانِهَا بِشَهَادَةِ الْفَرْدِ وَعِنْدَ الْإِمَامِ لَا يُحَدُّونَ فِي الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّ اتِّفَاقَ الْأَرْبَعَةِ عَلَى النِّسْبَةِ إلَى الزِّنَا بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ مُخْرِجٌ لِكَلَامِهِمْ مِنْ أَنْ يَكُونَ قَذْفًا. الثَّانِيَةُ لَوْ اخْتَلَفُوا فِي الْبَلَدِ الَّذِي وَقَعَ فِيهَا الزِّنَا فَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَشْهَدَ اثْنَانِ أَنَّهُ زَنَى بِهَا بِالْكُوفَةِ وَاثْنَانِ أَنَّهُ زَنَى بِهَا بِالْبَصْرَةِ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ الْمَشْهُودَ بِهِ فِعْلُ الزِّنَا وَقَدْ اخْتَلَفَ بِاخْتِلَافِ الْمَكَانِ وَلَمْ يَتِمَّ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصَابُ الشَّهَادَةِ وَلَا يُحَدُّ الشُّهُودُ خِلَافًا لِزُفَرَ لِشُبْهَةِ الِاتِّحَادِ نَظَرًا إلَى اتِّحَادِ الصُّورَةِ، وَالْمَرْأَةِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا جَاءَ الْقَاذِفُ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَشَهِدَ اثْنَانِ أَنَّهُ زَنَى فِي بَلَدٍ وَآخَرَانِ أَنَّهُ زَنَى فِي بَلَدٍ آخَرَ وَثَانِيهِمَا أَنْ يَتِمَّ نِصَابُ الشَّهَادَةِ بِالزِّنَا فِي كُلِّ بَلَدٍ وَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَذْكُرُوا وَقْتًا وَاحِدًا مَعَ تَبَاعُدِ الْمَكَانَيْنِ كَمَا إذَا شَهِدَ أَرْبَعَةٌ أَنَّهُ زَنَى بِهَا بِالْبَصْرَةِ وَقْتَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فِي الْيَوْمِ الْفُلَانِيِّ مِنْ الشَّهْرِ الْفُلَانِيِّ مِنْ السَّنَةِ الْفُلَانِيَّةِ وَأَرْبَعَةٌ أَنَّهُ زَنَى بِهَا بِالْكُوفَةِ فِي الْوَقْتِ الْمَذْكُورِ بِعَيْنِهِ وَفِي هَذِهِ لَا حَدَّ عَلَيْهِمَا وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَلَوْ عَلَى كُلِّ زِنَا أَرْبَعَةٌ لِتَيَقُّنِنَا بِكَذِبِ أَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّ الشَّخْصَ الْوَاحِدَ لَا يَكُونُ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ فِي مَكَانَيْنِ مُتَبَاعِدَيْنِ وَلَا يُعْرَفُ الصَّادِقُ مِنْ الْكَاذِبِ فَيَعْجِزُ الْقَاضِي عَنْ الْحُكْمِ بِهِمَا لِلتَّعَارُضِ أَوْ لِتُهْمَةِ الْكَذِبِ وَلَا يُحَدُّ الشُّهُودُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَمَّ بِهِ نِصَابُ الشَّهَادَةِ وَاحْتَمَلَ الصِّدْقَ. ثَانِيهُمَا: أَنْ يَتَقَارَبَ الْمَكَانَانِ مَعَ اتِّحَادِ الْوَقْتِ فَتَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ كَوْنُ الْأَمْرِ فِيهِمَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ طُلُوعَ الشَّمْسِ يُقَالُ لِوَقْتٍ مُمْتَدٍّ امْتِدَادًا عُرْفِيًّا لَا أَنَّهُ يَخُصُّ وَقْتَ ظُهُورِهَا مِنْ الْأُفُقِ وَيُحْتَمَلُ تَكْرَارُ الْفِعْلِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَذَكَرَ الْحَاكِمُ فِي كَافِيهِ إذَا شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا فَاخْتَلَفُوا فِي الْمَزْنِيِّ بِهَا أَوْ فِي الْمَكَانِ أَوْ فِي الْوَقْتِ بَطَلَتْ شَهَادَتُهُمْ إلَّا أَنْ يَكُونَ اخْتِلَافُهُمْ فِي مَكَانَيْنِ مُتَقَارِبَيْنِ مِنْ بَيْتٍ أَوْ غَيْرِ بَيْتٍ فَيُقَامُ الْحَدُّ اسْتِحْسَانًا اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ اخْتَلَفُوا فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ حُدَّ الرَّجُلُ، وَالْمَرْأَةُ) أَيْ اخْتَلَفُوا فِي مَكَانِ الزِّنَا مِنْ بَيْتٍ وَاحِدٍ كَمَا إذَا شَهِدَ اثْنَانِ أَنَّهُ زَنَى بِهَا فِي زَاوِيَةٍ مِنْهُ وَاثْنَانِ أَنَّهُ زَنَى بِهَا فِي زَاوِيَةٍ أُخْرَى مِنْهُ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجِبَ لِاخْتِلَافِ الْمَكَانِ حَقِيقَةً. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ التَّوْفِيقَ مُمْكِنٌ بِأَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءُ الْفِعْلِ فِي زَاوِيَةٍ، وَالِانْتِهَاءُ فِي زَاوِيَةٍ أُخْرَى بِالِاضْطِرَابِ، وَالْحَرَكَةِ أَوْ لِأَنَّ الْوَاقِعَ فِي وَسَطِ   [منحة الخالق] [أَثْبَتُوا زِنَاهُ بِغَائِبَةٍ] (قَوْلُهُ وَذَلِكَ، لِأَنَّهَا يُتَصَوَّرُ أَنْ تَكُونَ أَمَةَ ابْنِهِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ مُقْتَضَى هَذَا أَنَّهُ لَوْ قَالَ هِيَ أَجْنَبِيَّةٌ عَنِّي بِكُلِّ وَجْهٍ أَنْ يُحَدَّ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 23 الْبَيْتِ فَيَحْسَبُهُ مَنْ فِي الْمُقَدَّمِ فِي الْمُقَدَّمِ وَمَنْ فِي الْمُؤَخَّرِ فِي الْمُؤَخَّرِ فَيَشْهَدُ بِحَسَبِ مَا عِنْدَهُ أَطْلَقَ فِي الْبَيْتِ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِالصَّغِيرِ؛ لِأَنَّ الْكَبِيرَ كَالدَّارِ وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي دَارَيْنِ لَا حَدَّ كَالْبَلَدَيْنِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي الْمَكَانِ مَانِعٌ لِقَبُولِهَا إلَّا إذَا أَمْكَنَ التَّوْفِيقُ بِأَنْ يَكُونَ صَغِيرًا وَقَيَّدَ الِاخْتِلَافَ بِمَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ اخْتَلَفُوا فِي طُولِهَا وَقِصَرِهَا أَوْ سِمَنِهَا أَوْ هُزَالِهَا أَوْ فِي لَوْنِهَا أَوْ فِي ثِيَابِهَا، فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ لِإِمْكَانِ التَّوْفِيقِ وَقَدْ اسْتَشْكَلَ عَلَى هَذَا مَذْهَبُ الْإِمَامِ فِيمَا إذَا اخْتَلَفُوا فِي الْإِكْرَاهِ، وَالطَّوَاعِيَةِ، فَإِنَّ التَّوْفِيقَ فِيهِ مُمْكِنٌ بِأَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءُ الْفِعْلِ كُرْهًا وَانْتِهَاؤُهُ طَوَاعِيَةً قَالَ فِي الْكَافِي يُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ ابْتِدَاءَ الْفِعْلِ إذَا كَانَ عَنْ إكْرَاهٍ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ فَبِالنَّظَرِ إلَى الِابْتِدَاءِ لَا يَجِبُ وَبِالنَّظَرِ إلَى الِانْتِهَاءِ يَجِبُ فَلَا يَجِبُ بِالشَّكِّ وَهُنَا بِالنَّظَرِ إلَى الزَّاوِيَتَيْنِ يَجِبُ فَافْتَرَقَا. [شَهِدُوا عَلَى زِنَا امْرَأَة وَهِيَ بِكْرٌ أَوْ الشُّهُودُ فَسَقَةٌ] (قَوْلُهُ: وَلَوْ شَهِدُوا عَلَى زِنَا امْرَأَةٍ وَهِيَ بِكْرٌ أَوْ الشُّهُودُ فَسَقَةٌ أَوْ شَهِدُوا عَلَى شَهَادَةِ أَرْبَعَةٍ، وَإِنْ شَهِدَ الْأُصُولُ لَمْ يُحَدَّ أَحَدٌ) بَيَانُ الثَّلَاثِ مَسَائِلَ لَا حَدَّ فِيهَا الْأُولَى: لَوْ شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ زَنَى بِفُلَانَةَ فَوُجِدَتْ فُلَانَةُ بِكْرًا بِقَوْلِ النِّسَاءِ؛ لِأَنَّ الزِّنَا لَا يَتَحَقَّقُ مَعَ بَقَاءِ الْبَكَارَةِ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِمَا لِظُهُورِ الْكَذِبِ وَلَا عَلَى الشُّهُودِ؛ لِأَنَّ سُقُوطَهُ بِقَوْلِ النِّسَاءِ وَشَهَادَتِهِنَّ حُجَّةٌ فِي إسْقَاطِ الْحَدِّ وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ فِي إيجَابِهِ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُمْ لَوْ شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا فَوُجِدَ مَجْبُوبًا أَوْ شَهِدُوا عَلَيْهَا بِالزِّنَا فَوُجِدَتْ رَتْقَاءَ أَوْ قَرْنَاءَ، فَإِنَّهُ لَا حَدَّ عَلَى أَحَدٍ لِمَا ذَكَرْنَا وَأَطْلَقَ فِي قَوْلِهِ وَهِيَ بِكْرٌ فَشَمِلَ مَا إذَا ثَبَتَتْ بَكَارَتُهَا بِقَوْلِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ وَكَذَا فِي الرَّتْقِ، وَالْقَرْنِ وَكُلِّ مَا يُعْمَلُ فِيهِ بِقَوْلِ النِّسَاءِ كَذَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ الثَّانِيَةُ لَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ فَسَقَةٌ بِالزِّنَا لِاشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ فَلَمْ يَثْبُتْ الزِّنَا فَلَا حَدَّ وَلَا حَدَّ عَلَى الشُّهُودِ؛ لِأَنَّ الْفَاسِقَ مِنْ أَهْلِ الْأَدَاءِ، وَالتَّحَمُّلِ، وَإِنْ كَانَ فِي أَدَائِهِ نَوْعُ قُصُورٍ لِتُهْمَةِ الْفِسْقِ وَلِهَذَا لَوْ قَضَى الْقَاضِي بِشَهَادَتِهِ يَنْفُذُ عِنْدَنَا فَيَثْبُتُ بِشَهَادَتِهِمْ شُبْهَةُ الزِّنَا فَسَقَطَ الْحَدُّ عَنْهُمْ وَأَطْلَقَ فِي الْفَسَقَةِ فَشَمِلَ مَا إذَا عُلِمَ فِسْقُهُمْ فِي الِابْتِدَاءِ أَوْ ظَهَرَ فِسْقُهُمْ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِسُقُوطِ الْحَدِّ عَنْ الشُّهُودِ الْفَسَقَةِ إلَى أَنَّ الْقَاذِفَ لَوْ أَقَامَ أَرْبَعَةً مِنْ الْفُسَّاقِ عَلَى أَنَّ الْمَقْذُوفَ قَدْ زَنَى يَسْقُطُ عَنْهُ الْحَدُّ قَالُوا بِخِلَافِ الْقَاتِلِ حَيْثُ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْقَتْلُ بِإِقَامَةِ الشُّهُودِ الْفَسَقَةِ عَلَى أَنَّ أَوْلِيَاءَ الْمَقْتُولِ قَدْ عَفَوْا؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْقَوَدِ بِالْقَتْلِ مُتَيَقَّنٌ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ بِالشَّكِّ، وَالِاحْتِمَالِ وَحْدُ الْقَذْفِ لَمْ يَجِبْ بِالْقَذْفِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ بِالْعَجْزِ عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَتَمَامُهُ فِي التَّبْيِينِ الثَّالِثَةُ لَوْ شَهِدُوا عَلَى شَهَادَةِ أَرْبَعَةٍ فَلِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الشَّهَادَةِ لَا تَجُوزُ فِي الْحُدُودِ لِمَا فِيهَا مِنْ زِيَادَةِ الشُّبْهَةِ؛ لِأَنَّ احْتِمَالَ الْكَذِبِ فِيهَا مِنْ مَوْضِعَيْنِ فِي شَهَادَةِ الْأُصُولِ وَفِي شَهَادَةِ الْفُرُوعِ وَلَا حَدَّ عَلَى الْفُرُوعِ؛ لِأَنَّ الْحَاكِيَ لِلْقَذْفِ لَا يَكُونُ قَاذِفًا وَكَذَا لَا حَدَّ عَلَى الْأُصُولِ بِالْأَوْلَى، فَإِذَا شَهِدَ الْفُرُوعُ وَرُدَّتْ شَهَادَتُهُمْ ثُمَّ جَاءَ الْأُصُولُ بَعْدَ ذَلِكَ وَشَهِدُوا عَلَى مُعَايَنَةِ ذَلِكَ الزِّنَا بِعَيْنِهِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمْ وَلَمْ يُحَدُّوا أَيْضًا وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: وَإِنْ شَهِدَ الْأُصُولُ لَمْ يُحَدَّ أَحَدٌ؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ الْأُصُولِ قَدْ رُدَّتْ مِنْ وَجْهٍ بِرَدِّ شَهَادَةِ الْفُرُوعِ قُيِّدَ بِالْحَدِّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ رُدَّتْ شَهَادَةُ الْفُرُوعِ فِي الْأَمْوَالِ، فَإِنَّ شَهَادَةَ الْأُصُولِ بَعْدَهُ مَقْبُولَةٌ لِثُبُوتِ الْمَالِ مَعَ الشُّبْهَةِ دُونَ الْحَدِّ وَلَوْ رُدَّتْ شَهَادَةُ الْأُصُولِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَةُ الْأُصُولِ وَلَا الْفُرُوعِ بَعْدَهُ أَبَدًا فِي كُلِّ شَيْءٍ إنْ رُدَّتْ لِتُهْمَةٍ مَعَ بَقَاءِ الْأَهْلِيَّةِ، وَإِنْ رُدَّتْ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ كَالْعَبِيدِ، وَالْكَفَّارِ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ فِي تِلْكَ الْحَادِثَةِ بَعْدَ الْعِتْقِ، وَالْإِسْلَامِ لِزَوَالِ الْمَانِعِ كَذَا فِي التَّبْيِينِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانُوا عُمْيَانًا أَوْ مَحْدُودِينَ أَوْ ثَلَاثَةً حُدَّ الشُّهُودُ لَا الْمَشْهُودُ عَلَيْهِمَا) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ الْأَعْمَى، وَالْمَحْدُودِ الْمَالُ فَكَيْفَ يَثْبُتُ الْحَدُّ وَهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ فَلَمْ تَثْبُتْ شُبْهَةُ الزِّنَا فَكَانُوا قَذَفَةً فَيُحَدُّونَ وَمُرَادُهُ مَنْ لَيْسَ أَهْلًا لِلْأَدَاءِ فَدَخَلَ الْعَبْدُ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلتَّحَمُّلِ أَيْضًا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْكُلُّ كَذَلِكَ أَوْ بَعْضُهُمْ كَذَلِكَ، وَأَمَّا   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 24 إذَا نَقَصَ عَدَدُهُمْ عَنْ الْأَرْبَعَةِ فَلِأَنَّهُمْ قَذَفَةٌ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ قَذْفٌ حَقِيقَةً، وَخُرُوجُهَا عَنْهُ بِاعْتِبَارِ الْحِسْبَةِ وَلَا حِسْبَةَ عِنْدَ النُّقْصَانِ وَحَدَّ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الثَّلَاثَةَ الَّذِينَ شَهِدُوا عَلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ حُدَّ فَوُجِدَ أَحَدُهُمْ عَبْدًا أَوْ مَحْدُودًا حُدُّوا) ؛ لِأَنَّهُمْ قَذَفَةٌ إذْ الشُّهُودُ ثَلَاثَةٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا (قَوْلُهُ: وَأَرْشُ ضَرْبِهِ هَدَرٌ، وَإِنْ رُجِمَ فَدِيَتُهُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَالَا أَرْشُ الضَّرْبِ أَيْضًا عَلَى بَيْتِ الْمَالِ وَمَعْنَاهُ إذَا كَانَ جَرَحَهُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا مَاتَ مِنْ الضَّرْبِ وَعَلَى هَذَا إذَا رَجَعَ الشُّهُودُ لَا يَضْمَنُونَ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُونَ لَهُمَا أَنَّ الْوَاجِبَ بِشَهَادَتِهِمْ مُطْلَقُ الضَّرْبِ إذْ الِاحْتِرَازُ عَنْ الْجُرْحِ خَارِجٌ عَنْ الْوُسْعِ فَيَنْتَظِمُ الْجَارِحَ وَغَيْرَهُ فَيُضَافَانِ إلَى شَهَادَتِهِمْ فَيَضْمَنُونَ بِالرُّجُوعِ وَعِنْدَ عَدَمِ الرُّجُوعِ يَجِبُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ يَنْتَقِلُ فِعْلُ الْجَلَّادِ إلَى الْقَاضِي وَهُوَ عَامِلٌ لِلْمُسْلِمِينَ فَتَجِبُ الْغَرَامَةُ فِي مَالِهِمْ وَصَارَ كَالرَّجْمِ، وَالْقِصَاصِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الْجَلْدُ وَهُوَ ضَرْبٌ مُؤْلِمٌ غَيْرُ جَارِحٍ وَلَا مُهْلِكٍ وَلَا يَقَعُ جَارِحًا ظَاهِرًا إلَّا لِمَعْنًى فِي الضَّارِبِ وَهُوَ قِلَّةُ هِدَايَتِهِ فَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَيْهِ فِي الصَّحِيحِ كَيْ لَا يَمْتَنِعَ النَّاسُ عَنْ الْإِقَامَةِ مَخَافَةَ الْغَرَامَةِ. [رَجَعَ أَحَدُ الشُّهُودُ بِالزِّنَا بَعْدَ الرَّجْمِ] (قَوْلُهُ: فَلَوْ رَجَعَ أَحَدُ الْأَرْبَعَةِ بَعْدَ الرَّجْمِ حُدَّ وَغَرِمَ رُبُعَ الدِّيَةِ) ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ انْقَلَبَتْ قَذْفًا بِالرُّجُوعِ؛ لِأَنَّ بِهِ تَنْفَسِخُ شَهَادَتُهُ فَجُعِلَ لِلْحَالِ قَذْفًا لِلْمَيِّتِ وَقَدْ انْفَسَخَتْ الْحُجَّةُ فَيَنْفَسِخُ مَا يَنُبْنِي عَلَيْهِ وَهُوَ الْقَضَاءُ فِي حَقِّهِ فَلَا يُورِثُ الشُّبْهَةَ بِخِلَافِ مَا إذَا قَذَفَهُ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُحْصَنٍ فِي حَقِّ غَيْرِهِ لِقِيَامِ الْقَضَاءِ فِي حَقِّهِ، وَإِنَّمَا غَرِمَ الْوَاحِدُ الرَّاجِعُ رُبُعَ الدِّيَةِ لِبَقَاءِ مَنْ يَبْقَى بِشَهَادَتِهِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْحَقِّ فَيَكُونُ التَّالِفُ بِشَهَادَةِ الرَّاجِعِ رُبُعَ الْحَقِّ وَلَا يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى الرَّاجِعِ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهُ تَسَبَّبَ فِي الْإِتْلَافِ وَلَيْسَ بِمُبَاشَرَةٍ قَيَّدَ بِالرُّجُوعِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وُجِدَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ عَبْدًا فَلَا حَدَّ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ لِظُهُورِ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ شَهَادَةً بَلْ هِيَ قَذْفٌ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَصَارُوا قَاذِفِينَ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ، وَالْحَدُّ لَا يُورَثُ عَلَى مَا سَيَجِيءُ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ حَدُّهُ الْجَلْدَ فَجُلِدَ بِشَهَادَتِهِمْ ثُمَّ رَجَعَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، فَإِنَّهُ يُحَدُّ الرَّاجِعُ بِالْأَوْلَى وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَفِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ خِلَافُ زُفَرَ وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ رَجَعَ الْكُلُّ حُدُّوا وَغَرِمُوا رُبُعَ الدِّيَةِ وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ شَهِدَ عَلَى رَجُلٍ أَرْبَعَةٌ أَنَّهُ زَنَى بِفُلَانَةَ وَشَهِدَ عَلَيْهِ أَرْبَعَةٌ آخَرُونَ بِالزِّنَا بِغَيْرِهَا وَرُجِمَ فَرَجَعَ الْفَرِيقَانِ، فَإِنَّهُمْ يَضْمَنُونَ الدِّيَةَ إجْمَاعًا وَيُحَدُّونَ لِلْقَذْفِ عِنْدَهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يُحَدُّونَ. (قَوْلُهُ: وَقَبْلَهُ حُدُّوا وَلَا رَجْمَ) أَيْ لَوْ رَجَعَ أَحَدُهُمْ قَبْلَ الرَّجْمِ حُدَّ الْكُلُّ الرَّاجِعُ وَغَيْرُهُ وَامْتَنَعَ الرَّجْمُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ حُدَّ الرَّاجِعُ خَاصَّةً لِأَنَّ الشَّهَادَةَ تَأَكَّدَتْ بِالْقَضَاءِ فَلَا يَنْفَسِخُ إلَّا فِي حَقِّ الرَّاجِعِ كَمَا إذَا رَجَعَ بَعْدَ الْإِمْضَاءِ وَلَهُمَا أَنَّ الْإِمْضَاءَ مِنْ الْقَضَاءِ وَصَارَ كَمَا إذَا رَجَعَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ قَبْلَ الْقَضَاءِ وَلِهَذَا يَسْقُطُ الْحَدُّ عَنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ أَطْلَقَ فِي قَوْلِهِ قَبْلَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ قَبْلَ الْقَضَاءِ أَوْ بَعْدَهُ وَخِلَافُ مُحَمَّدٍ إنَّمَا هُوَ فِيمَا بَعْدَ الْقَضَاءِ، وَأَمَّا قَبْلَ الْقَضَاءِ فَيُحَدُّ الْكُلُّ عِنْدَ الثَّلَاثَةِ خِلَافًا لِزُفَرَ، فَإِنَّهُ قَالَ: يُحَدُّ الرَّاجِعُ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ عَلَى غَيْرِهِ وَلَنَا أَنَّ كَلَامَهُمْ قَذْفٌ فِي الْأَصْلِ، وَإِنَّمَا يَصِيرُ شَهَادَةً بِاتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهِ، فَإِذَا لَمْ يَتَّصِلْ بَقِيَ قَذْفًا فَيُحَدُّونَ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ رَجَعَ أَحَدُ الْخَمْسَةِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّهُ بَقِيَ مَنْ يَبْقَى بِشَهَادَتِهِ كُلُّ الْحَقِّ وَهُوَ شَهَادَةُ الْأَرْبَعِ وَشَمِلَ قَوْلُهُ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَالْغُرْمَ وَمَا إذَا كَانَ قَبْلَ الْقَضَاءِ وَبَعْدَهُ وَأَفَادَ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَى الْأَرْبَعَةِ بِالْأَوْلَى وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَى الْكُلِّ وَكَأَنَّهُ لَمْ يَرْجِعْ أَحَدٌ قَوْلُهُ (: فَإِنْ رَجَعَ آخَرُ حُدَّا وَغَرِمَا رُبُعَ الدِّيَةِ) أَمَّا الْحَدُّ فَلِانْفِسَاخِ الْقَضَاءِ بِالرَّجْمِ فِي حَقِّهِمَا، وَأَمَّا الْغَرَامَةُ فَلِأَنَّهُ بَقِيَ مَنْ يَبْقَى بِشَهَادَتِهِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْحَقِّ، وَالْمُعْتَبَرُ بَقَاءُ مَنْ بَقِيَ عَلَى مَا عُرِفَ وَأَفَادَ بِالْغَرَامَةِ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ بَعْدَ الرَّجْمِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ قَبْلَهُ فَلَا غَرَامَةَ، وَإِنَّمَا لَزِمَ الْأَوَّلَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَغَرِمُوا رُبُعَ الدِّيَةِ) كَذَا فِي عَامَّةِ النُّسَخِ وَفِي نُسْخَةٍ كُلَّ الدِّيَةِ وَعَلَى مَا فِي الْعَامَّةِ قَالَ الرَّمْلِيُّ صَوَابُهُ جَمِيعُ الدِّيَةِ قَالَ فِي النَّهْرِ بَعْدَ قَوْلِهِ وَغَرِمَ رُبُعَ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ الَّذِي تَلِفَ بِشَهَادَتِهِ إنَّمَا هُوَ رُبُعُ الْحَقِّ وَلِذَا لَوْ رَجَعَ الْكُلُّ حُدُّوا وَغَرِمُوا الدِّيَةَ اهـ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 25 بِرُجُوعِ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ وُجِدَ مِنْهُ الْمُوجِبُ لِلْحَدِّ، وَالضَّمَانِ وَهُوَ قَذْفُهُ وَإِتْلَافُهُ شَهَادَتَهُ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ الْوُجُوبُ لِمَانِعٍ وَهُوَ بَقَاءُ مَنْ يَقُومُ بِالْحَقِّ، فَإِذَا زَالَ الْمَانِعُ بِرُجُوعِ الثَّانِي ظَهَرَ الْوُجُوبُ، وَإِذَا رَجَعَ الثَّالِثُ ضَمِنَ رُبُعَ الدِّيَةِ وَكَذَا الثَّانِي، وَالْأَوَّلُ، وَإِذَا رَجَعَ الْخَمْسَةُ ضَمِنُوا الدِّيَةَ أَخْمَاسًا كَذَا فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ. (قَوْلُهُ: وَضَمِنَ الْمُزَكُّونَ دِيَةَ الْمَرْجُومِ إنْ ظَهَرُوا عَبِيدًا) يَعْنِي ضَمِنَ الْمُزَكُّونَ بِرُجُوعِهِمْ عَنْ التَّزْكِيَةِ دِيَةَ الْمَرْجُومِ إنْ ظَهَرَ الشُّهُودُ أَنَّهُمْ لَيْسُوا أَهْلًا لِلشَّهَادَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا هِيَ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُمْ أَثْنَوْا عَلَى الشُّهُودِ خَيْرًا فَصَارَ كَمَا إذَا أَثْنَوْا عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ خَيْرًا بِأَنْ شَهِدُوا بِإِحْصَانِهِ وَلَهُ أَنَّ الشَّهَادَةَ إنَّمَا تَصِيرُ حُجَّةً وَعَامِلَةً بِالتَّزْكِيَةِ فَكَانَتْ التَّزْكِيَةُ فِي مَعْنَى عِلَّةِ الْعِلَّةِ فَيُضَافُ الْحُكْمُ إلَيْهَا بِخِلَافِ شُهُودِ الْإِحْصَانِ؛ لِأَنَّهُ مَحْضُ الشَّرْطِ قَيَّدْنَا بِكَوْنِهِمْ رَجَعُوا بِأَنْ قَالُوا تَعَمَّدْنَا الْكَذِبَ مَعَ عِلْمِنَا بِأَنَّهُمْ لَيْسُوا أَحْرَارًا؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ ثَبَتُوا عَلَى تَزْكِيَتِهِمْ وَلَمْ يَرْجِعُوا أَوْ قَالُوا: أَخْطَأْنَا لَمْ يَضْمَنُوا بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُمْ أَخْطَئُوا فِيمَا عَمِلُوا لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ فَصَارُوا كَالْقَاضِي وَأَفَادَ بِالْمُزَكِّينَ أَنَّهُمْ أَخْبَرُوا بِحُرِّيَّةِ الشُّهُودِ وَإِسْلَامِهِمْ وَعَدَالَتِهِمْ لِتَكُونَ تَزْكِيَةً سَوَاءٌ كَانَ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ أَوْ بِلَفْظِ الْإِخْبَارِ؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ أَخْبَرُوا بِأَنَّهُمْ عُدُولٌ ثُمَّ ظَهَرُوا عَبِيدًا لَمْ يَضْمَنُوا اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ تَزْكِيَةً، وَالْقَاضِي قَدْ أَخْطَأَ حَيْثُ اكْتَفَى بِهَذَا الْقَدْرِ وَقَيَّدَ بِالْمُزَكِّينَ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَى الشُّهُودِ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا؛ لِأَنَّ كَلَامَهُمْ لَمْ يَقَعْ شَهَادَةً وَلَا يُحَدُّونَ لِلْقَذْفِ؛ لِأَنَّهُمْ قَذَفُوا حَيًّا وَقَدْ مَاتَ فَلَا يُوَرَّثُ وَقَوْلُهُ إنْ ظَهَرُوا عَبِيدًا مِثَالٌ بَلْ الْمُرَادُ إنْ ظَهَرَ أَنَّهُمْ لَيْسُوا أَهْلًا لِلشَّهَادَةِ وَلَوْ كَانُوا كُفَّارًا ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ وَقَعَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ وُجُوبُ الضَّمَانِ عَلَى الْمُزَكِّينَ بِظُهُورِهِمْ عَبِيدًا مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِرُجُوعِ الْمُزَكِّينَ حَتَّى جَعَلَهَا فِي الْمَنْظُومَةِ مَسْأَلَتَيْنِ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فِيمَا إذَا ظَهَرُوا عَبِيدًا الثَّانِيَةُ إذَا رَجَعَ الْمُزَكُّونَ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ ظُهُورَ الشُّهُودِ عَبِيدًا وَعَدَمَهُ لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي ضَمَانِ الْمُزَكِّينَ، وَإِنَّمَا الْمُوجِبُ عَلَيْهِمْ هُوَ الرُّجُوعُ فَقَطْ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَإِذَا لَمْ يَرْجِعُوا وَظَهَرُوا عَبِيدًا فَالضَّمَانُ فِي بَيْتِ الْمَالِ اتِّفَاقًا (قَوْلُهُ: كَمَا لَوْ قُتِلَ مَنْ أُمِرَ بِرَجْمِهِ فَظَهَرُوا كَذَلِكَ) أَيْ يَضْمَنُ الْمُزَكُّونَ الدِّيَةَ كَمَا يَضْمَنُ الْقَاتِلُ لِمَنْ أَمَرَ الْقَاضِي بِرَجْمِهِ فَظَهَرَ الشُّهُودُ أَنَّهُمْ لَيْسُوا أَهْلًا لِلشَّهَادَةِ وَفِي الْقِيَاسِ يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى قَاتِلِهِ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَ نَفْسًا مَعْصُومَةً بِغَيْرِ حَقٍّ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْقَضَاءَ صَحِيحٌ ظَاهِرًا وَقْتَ الْقَتْلِ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً وَأَشَارَ بِكَوْنِ الْقَاتِلِ ضَامِنًا إلَى أَنَّ الدِّيَةَ فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ عَمْدٌ، وَالْعَوَاقِلُ لَا تَعْقِلُ دَمَ الْعَمْدِ وَتَجِبُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ بِنَفْسِ الْقَتْلِ بِخِلَافِ الْوَاجِبِ بِالصُّلْحِ حَيْثُ يَجِبُ حَالًّا؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ بِالْعَقْدِ فَأَشْبَهَ الثَّمَنَ فِي الْبَيْعِ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ وَأَمَرَ الْقَاضِي بِرَجْمِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَتَلَهُ بَعْدَ التَّزْكِيَةِ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِالرَّجْمِ وَجَبَ الْقِصَاصُ فِي الْعَمْدِ، وَالدِّيَةُ فِي الْخَطَأِ عَلَى عَاقِلَتِهِ. وَالْمُرَادُ مِنْ الْأَمْرِ بِالرَّجْمِ الْقَضَاءُ بِهِ فَاسْتَلْزَمَ أَنْ لَا يَكُونَ بَعْدَ التَّزْكِيَةِ فَلَوْ أُمِرَ بِرَجْمِهِ بَعْدَ الشَّهَادَةِ قَبْلَ التَّعْدِيلِ خَطَأً مِنْ الْقَاضِي فَقَتَلَهُ رَجُلٌ عَمْدًا وَجَبَ الْقِصَاصُ أَوْ خَطَأً وَجَبَتْ الدِّيَةُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ فَظَهَرُوا كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَتَلَهُ بَعْدَ الْأَمْرِ بِالرَّجْمِ وَلَمْ يَظْهَرْ الشُّهُودُ كَذَلِكَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ تَعْزِيرَ الْقَاتِلِ وَلَا شَكَّ فِيهِ لِافْتِيَاتِهِ عَلَى الْإِمَامِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقَيَّدَ بِقَتْلِ الْمَأْمُورِ بِرَجْمِهِ؛ لِأَنَّ مَنْ قَتَلَ مَنْ قُضِيَ بِقَتْلِهِ قِصَاصًا، فَإِنَّهُ يُقْتَصُّ مِنْهُ سَوَاءٌ ظَهَرَ الشُّهُودُ عَبِيدًا أَوْ لَا؛ لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ لِلْوَلِيِّ كَذَا فِي التَّبْيِينِ مِنْ كِتَابِ الرِّدَّةِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ رُجِمَ فَوَجَدُوا عَبِيدًا فَدِيَتُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ) ؛ لِأَنَّهُ امْتَثَلَ أَمْرَ الْإِمَامِ فَنُقِلَ فِعْلُهُ إلَيْهِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَهُوَ يَقْتَضِي أَنْ يَضْبِطَ رَجَمَ بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ أَيْ وَإِنْ رَجَمَ رَجُلٌ مَنْ أَمَرَ الْقَاضِي بِرَجْمِهِ فَالْمَسْأَلَةُ الْأُولَى بَيَانٌ لِقَتْلِهِ بِالسَّيْفِ، وَالثَّانِيَةُ بَيَانٌ لِقَتْلِهِ بِالرَّجْمِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 26 وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ أَيْ إنْ رُجِمَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بِالزِّنَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ ثُمَّ تَبَيَّنَ حَالُ الشُّهُودِ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَلَمْ أَرَ هَلْ تُؤْخَذُ الدِّيَةُ حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلَةً. قَوْلُهُ (: وَإِنْ قَالَ شُهُودُ الزِّنَا تَعَمَّدْنَا النَّظَرَ قَبْلَ شَهَادَتِهِمْ) ؛ لِأَنَّهُ يُبَاحُ النَّظَرُ لَهُمْ إلَى الْفَرْجِ ضَرُورَةَ تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ فَأَشْبَهَ الطَّبِيبَ، وَالْقَابِلَةَ، وَالْخَافِضَةَ، وَالْخَتَّانَ، وَالِاحْتِقَانَ، وَالْبَكَارَةَ فِي الْعُنَّةِ، وَالرَّدَّ بِالْعَيْبِ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ: تَعَمَّدْنَا النَّظَرَ؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ قَالُوا: تَعَمَّدْنَا النَّظَرَ لِلتَّلَذُّذِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ إجْمَاعًا لِفِسْقِهِمْ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَنْكَرَ الْإِحْصَانَ فَشَهِدَ عَلَيْهِ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ أَوْ وَلَدَتْ مِنْهُ زَوْجَتُهُ رُجِمَ) أَيْ لَوْ أَنْكَرَ الدُّخُولَ بَعْدَ وُجُودِ سَائِرِ الشُّرُوطِ أَمَّا إذَا وَلَدَتْ مِنْهُ فَلِأَنَّ الْحُكْمَ بِإِثْبَاتِ النَّسَبِ مِنْهُ حُكْمٌ بِالدُّخُولِ عَلَيْهِ وَلِهَذَا لَوْ طَلَّقَهَا يُعْقِبُ الرَّجْعَةَ، وَالْإِحْصَانُ يَثْبُتُ بِمِثْلِهِ، وَأَمَّا إذَا شَهِدَ عَلَيْهِ بِالْإِحْصَانِ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ بَعْدَ مَا أَنْكَرَ بَعْضَ شَرَائِطِهِ كَالنِّكَاحِ، وَالدُّخُولِ، وَالْحُرِّيَّةِ، فَإِنَّهُ يُرْجَمُ خِلَافًا لِزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ فَالشَّافِعِيُّ مَرَّ عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ شَهَادَتَهُنَّ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ فِي غَيْرِ الْأَمْوَالِ. وَزُفَرُ يَقُولُ: إنَّهُ شَرْطٌ فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ تَتَغَلَّظُ عِنْدَهُ فَيُضَافُ الْحُكْمُ إلَيْهِ فَأَشْبَهَ حَقِيقَةَ الْعِلَّةِ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِيهِ احْتِيَالًا لِلدَّرْءِ وَصَارَ كَمَا إذَا شَهِدَ ذِمِّيَّانِ عَلَى ذِمِّيٍّ زَنَى عَبْدُهُ الْمُسْلِمُ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ قَبْلَ الزِّنَا لَا تُقْبَلُ لِمَا ذَكَرْنَا وَلَنَا أَنَّ الْإِحْصَانَ عِبَارَةٌ عَنْ الْخِصَالِ الْحَمِيدَةِ وَأَنَّهَا مَانِعَةٌ عَنْ الزِّنَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا فَلَا يَكُونُ فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ وَصَارَ كَمَا إذَا شَهِدُوا بِهِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْحَالَةِ وَلَا يَرِدُ أَنَّهُ يَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنْ الْإِقْرَارِ بِهِ فَدَلَّ أَنَّهُ كَالْحَدِّ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: إنَّمَا صَحَّ؛ لِأَنَّهُ لَا مُكَذِّبَ لَهُ فِيهِ بِخِلَافِ مَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ يَثْبُتُ بِشَهَادَتِهِمَا، وَإِنَّمَا لَا يَثْبُتُ سَبْقُ التَّارِيخِ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُهُ الْمُسْلِمُ وَيَتَضَرَّرُ بِهِ الْمُسْلِمُ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ أَوْ وَلَدَتْ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ مِنْ زَوْجَتِهِ وَلَدٌ قَبْلَ الزِّنَا قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَدَلَّتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَنَّ إثْبَاتَ الْإِحْصَانِ لَيْسَ مِثْلَ إثْبَاتِ الْعُقُوبَاتِ كَالْحُدُودِ، وَالْقِصَاصِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَثْبُتُ بِدَلَالَةِ الظَّوَاهِرِ قَالُوا وَكَيْفِيَّةُ الشَّهَادَةِ بِالدُّخُولِ أَنْ يَقُولَ الشُّهُودُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَجَامَعَهَا أَوْ بَاضَعَهَا وَلَوْ قَالُوا دَخَلَ بِهَا يَكْفِي عِنْدَهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَكْفِي وَلَا يَثْبُتُ بِذَلِكَ إحْصَانُهُ؛ لِأَنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْوَطْءِ، وَالزِّفَافِ، وَالْخَلْوَةِ، وَالزِّيَارَةِ فَلَا يَثْبُتُ بِالشَّكِّ كَلَفْظِ الْقُرْبَانِ، وَالْإِتْيَانِ وَلَهُمَا أَنَّهُ مَتَى أُضِيفَ إلَى الْمَرْأَةِ بِحَرْفِ الْبَاءِ يَتَعَيَّنُ لِلْجِمَاعِ بِخِلَافِ دَخَلَ عَلَيْهَا، فَإِنَّهُ لِلزِّيَارَةِ، وَلَوْ خَلَا بِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا، وَقَالَ: وَطِئْتهَا وَأَنْكَرَتْ صَارَ مُحْصَنًا دُونَهَا وَكَذَا لَوْ قَالَتْ بَعْدَ الطَّلَاقِ: كُنْت نَصْرَانِيَّةً وَقَالَ: كَانَتْ مُسْلِمَةً، وَإِذَا كَانَ أَحَدُ الزَّانِيَيْنِ مُحْصَنًا يُحَدُّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَدَّهُ، وَإِنْ رَجَعَ شُهُودُ الْإِحْصَانِ لَا يَضْمَنُونَ وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ وَفِي الْمُحِيطِ امْرَأَةُ الرَّجُلِ إذَا أَقَرَّتْ أَنَّهَا أَمَةُ هَذَا الرَّجُلِ فَزَنَى الرَّجُلُ يُرْجَمُ، وَإِنْ أَقَرَّتْ بِالرِّقِّ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا ثُمَّ زَنَى الرَّجُلُ لَا يُرْجَمُ اسْتِحْسَانًا لَا قِيَاسًا رَجُلٌ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِغَيْرِ وَلِيٍّ فَدَخَلَ بِهَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَكُونَانِ بِذَلِكَ مُحْصَنَيْنِ؛ لِأَنَّ هَذَا النِّكَاحَ غَيْرُ صَحِيحٍ قَطْعًا لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ، وَالْأَخْبَارِ فِيهِ اهـ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ حَدِّ الشُّرْبِ] أَيْ الشُّرْبُ الْمُحَرَّمُ أَخَّرَهُ عَنْ الزِّنَا؛ لِأَنَّهُ أَقْبَحُ مِنْهُ وَأَغْلَظُ عُقُوبَةً وَقَدَّمَهُ عَلَى حَدِّ الْقَذْفِ لِتَيَقُّنِ الْحُرْمَةِ فِي الشَّارِبِ دُونَ الْقَاذِفِ لِاحْتِمَالِ صِدْقِهِ وَتَأْخِيرُ حَدِّ السَّرِقَةِ؛ لِأَنَّهُ لِصِيَانَةِ الْأَمْوَال التَّابِعَةِ لِلنُّفُوسِ (قَوْلُهُ: مَنْ شَرِبَ خَمْرًا وَأَخَذَ وَرِيحُهَا مَوْجُودٌ أَوْ كَانَ سَكْرَانَ وَلَوْ بِنَبِيذٍ وَشَهِدَ رَجُلَانِ أَوْ أَقَرَّ مَرَّةً حُدَّ إنْ عُلِمَ شُرْبُهُ طَوْعًا وَصَحَّا) لِلْحَدِيثِ «مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ ثُمَّ إنْ شَرِبَ فَاجْلِدُوهُ ثُمَّ إنْ شَرِبَ فَاجْلِدُوهُ، فَإِنْ عَادَ فِي الرَّابِعَةِ فَاقْتُلُوهُ» أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ إلَّا النَّسَائِيّ ثُمَّ نُسِخَ الْقَتْلُ فِي الرَّابِعَةِ بِمَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَدْ أُتِيَ بِرَجُلٍ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الرَّابِعَةِ فَجَلَدَهُ وَلَمْ يَقْتُلْهُ» وَزَادَ فِي لَفْظٍ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: فَأَشْبَهَ الطَّبِيبَ إلَخْ) ذَكَرَ الْمَوَاضِعَ الَّتِي يُبَاحُ فِيهَا النَّظَرُ إلَى الْعَوْرَةِ عِنْدَ الْعُذْرِ وَقَدْ نَظَّمْتهَا بِقَوْلِي وَلَا تُنْظَرْ لِعَوْرَةِ أَجْنَبِيٍّ ... بِلَا عُذْرٍ كَقَابِلَةٍ طَبِيبِ وَخَتَّانٍ وَخَافِضَةٍ وَحَقْنٍ ... شُهُودِ زِنًا بِلَا قَصْدٍ مُرِيبِ وَعِلْمِ بَكَارَةٍ فِي عُنَّةٍ أَوْ ... زِنًا أَوْ حِينَ رَدٍّ لِلْمَعِيبِ. [أَنْكَرَ الزَّانِي الْإِحْصَانَ فَشَهِدَ عَلَيْهِ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ] (بَابُ حَدِّ الشُّرْبِ) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 27 «فَرَأَى الْمُسْلِمُونَ أَنَّ الْحَدَّ قَدْ وَقَعَ وَأَنَّ الْقَتْلَ قَدْ ارْتَفَعَ» أَطْلَقَ فِي شُرْبِ الْخَمْرِ فَشَمِلَ الْقَطْرَةَ الْوَاحِدَةَ كَمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ آخِرًا وَفِي وُجُودِ رِيحِهَا فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الرِّيحُ مَوْجُودًا وَقْتَ الشَّهَادَةِ أَوْ وَقْتَ رَفْعِهِ إلَى الْحَاكِمِ وَهِيَ عَلَى وَجْهَيْنِ، فَإِنْ كَانَ الْمَكَانُ قَرِيبًا فَلَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ الرَّائِحَةِ عِنْدَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ بِأَنْ يَشْهَدَا بِالشُّرْبِ وَبِقِيَامِ الرَّائِحَةِ أَوْ يَشْهَدَا بِهِ فَقَطْ فَيَأْمُرُ الْقَاضِي بِاسْتِنْكَاهِهِ فَيَسْتَنْكِهُهُ وَيُخْبِرُهُ بِأَنَّ رِيحَهَا مَوْجُودٌ. فَإِنْ شَهِدَا بِهِ بَعْدَ مُضِيِّ رِيحِهَا مَعَ قُرْبِ الْمَكَانِ فَسَيَأْتِي، وَإِنْ كَانَ الْمَكَانُ بَعِيدًا فَزَالَتْ الرَّائِحَةُ فَلَا بُدَّ أَنْ يَشْهَدَا بِالشُّرْبِ وَيَقُولَا أَخَذْنَاهُ وَرِيحُهَا مَوْجُودٌ؛ لِأَنَّ مَجِيئَهُمْ بِهِ مِنْ مَكَان بَعِيدٍ لَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَهُمْ أَخَذُوهُ فِي حَالِ قِيَامِ الرَّائِحَةِ فَيَحْتَاجُونَ إلَى ذِكْرِ ذَلِكَ لِلْحَاكِمِ وَلَوْ أَخَّرَ الْمُصَنِّفُ اشْتِرَاطَ وُجُودِ الرَّائِحَةِ عَنْ السَّكْرَانِ بِأَنْ قَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ وَلَوْ بِنَبِيذٍ وَأُخِذَ وَرِيحُ مَا شَرِبَ مِنْهُ مَوْجُودٌ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ رَائِحَةِ الشُّرْبِ الَّذِي شَرِبَهُ خَمْرًا كَانَ أَوْ نَبِيذًا سَكِرَ مِنْهُ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الرِّيحَ حَيْثُ قَالَ مَوْجُودٌ وَفِي الْهِدَايَةِ وَرِيحُهَا مَوْجُودَةٌ وَهُوَ الْحَقُّ؛ لِأَنَّ الرِّيحَ مِنْ الْأَسْمَاءِ الْمُؤَنَّثَةِ السَّمَاعِيَّةِ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَقَيَّدَ بِالرَّجُلَيْنِ؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ النِّسَاءِ لَا تُقْبَلُ فِي الْحُدُودِ لِلشُّبْهَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الْقَاضِيَ يَسْأَلُ الشُّهُودَ كَمَا يَسْأَلُهُمْ فِي الزِّنَا وَقَدْ ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ فِي الْفَتَاوَى فَقَالَ: وَإِذَا شَهِدَ الشُّهُودُ عِنْدَ الْقَاضِي عَلَى رَجُلٍ بِشُرْبِ الْخَمْرِ سَأَلَهُمْ الْقَاضِي عَنْ الْخَمْرِ مَا هِيَ ثُمَّ سَأَلَهُمْ كَيْفَ شَرِبَ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ كَانَ مُكْرَهًا ثُمَّ يَسْأَلُهُمْ مَتَى شَرِبَ لِاحْتِمَالِ التَّقَادُمِ ثُمَّ يَسْأَلُهُمْ أَنَّهُ أَيْنَ شَرِبَ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ شَرِبَ فِي دَارِ الْحَرْبِ اهـ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ السُّؤَالُ عَنْ الْوَقْتِ مَبْنِيًّا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَأَمَّا عَلَى الْمَذْهَبِ فَلَا؛ لِأَنَّ وُجُودَ الرَّائِحَةِ كَافٍ ثُمَّ قَالَ: فَإِذَا بَيَّنُوا ذَلِكَ حَبَسَهُ الْقَاضِي حَتَّى يَسْأَلَ عَنْ الْعَدَالَةِ وَلَا يَقْضِي بِظَاهِرِ الْعَدَالَةِ اهـ. ، وَالْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بِشُرْبِهَا لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ بَالِغًا عَاقِلًا مُسْلِمًا نَاطِقًا فَلَا حَدَّ عَلَى صَبِيٍّ وَلَا مَجْنُونٍ وَلَا كَافِرٍ قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ: رَجُلٌ ارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَامِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ أُتِيَ بِهِ إلَى الْإِمَامِ ثُمَّ شَرِبَ خَمْرًا أَوْ سَكِرَ مِنْ غَيْرِ خَمْرٍ أَوْ سَرَقَ أَوْ زَنَى ثُمَّ تَابَ وَأَسْلَمَ، فَإِنَّهُ يُحَدُّ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ مَا خَلَا الْخَمْرَ، وَالسُّكْرَ، فَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ كَافِرٌ وَحَدُّ السُّكْرِ، وَالْخَمْرِ لَا يُقَامُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ الْكُفَّارِ اهـ. وَفِي الْخَانِيَّةِ وَلَا يُحَدُّ الْأَخْرَسُ سَوَاءٌ شَهِدَ الشُّهُودُ عَلَيْهِ أَوْ أَشَارَ بِإِشَارَةٍ مَعْهُودَةٍ يَكُونُ ذَلِكَ إقْرَارًا مِنْهُ فِي الْمُعَامَلَاتِ؛ لِأَنَّ الْحُدُودَ لَا تَثْبُتُ بِالشُّبُهَاتِ وَيُحَدُّ الْأَعْمَى وَلَوْ قَالَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بِشُرْبِ الْخَمْرِ: ظَنَنْتهَا لَبَنًا أَوْ قَالَ: لَا أَعْلَمُ أَنَّهَا خَمْرٌ لَا يُقْبَلُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَعْرِفُهَا بِالرَّائِحَةِ، وَالذَّوْقِ مِنْ غَيْرِ ابْتِلَاعٍ، وَإِنْ قَالَ: ظَنَنْتهَا نَبِيذًا قُبِلَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْخَمْرِ بَعْدَ الْغَلَيَانِ، وَالشِّدَّةِ يُشَارِكُ الْخَمْرَ فِي الذَّوْقِ، وَالرَّائِحَةِ اهـ. وَلَا بُدَّ مِنْ اتِّفَاقِ الشَّاهِدَيْنِ فَلَوْ شَهِدَا عَلَى الشُّرْبِ، وَالرِّيحُ يُوجَدُ مِنْهُ لَكِنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي الْوَقْتِ لَمْ يُحَدَّ وَكَذَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ شَرِبَهَا وَشَهِدَ الْآخَرُ بِإِقْرَارِهِ بِشُرْبِهَا وَكَذَلِكَ لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ سَكِرَ مِنْ الْخَمْرِ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ سَكِرَ مِنْ السَّكَرِ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَفِي حَصْرِهِ الثُّبُوتَ فِي الْبَيِّنَةِ وَالْإِقْرَارِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ يُوجَدُ فِي بَيْتِهِ الْخَمْرُ وَهُوَ فَاسِقٌ أَوْ يُوجَدُ الْقَوْمُ مُجْتَمَعِينَ عَلَيْهَا وَلَمْ يَرَهُمْ أَحَدٌ يَشْرَبُونَهَا غَيْرَ أَنَّهُمْ جَلَسُوا مَجْلِسَ مَنْ يَشْرَبُهَا لَا يُحَدُّونَ، وَإِنَّمَا يُعَزَّرُونَ وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ يُوجَدُ مَعَهُ رِكْوَةٌ مِنْ خَمْرٍ وَكَانَ فِي عَهْدِ أَبِي حَنِيفَةَ مَنْ يَقُولُ بِوُجُوبِ الْحَدِّ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ الْإِمَامُ: لِمَ تَحُدُّهُ فَقَالَ؛ لِأَنَّ مَعَهُ آلَةَ الشُّرْبِ، وَالْفَسَادِ فَقَالَ الْإِمَامُ فَارْجُمْهُ إذْنٌ، فَإِنَّ مَعَهُ آلَةَ الزِّنَا كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَفِي قَوْلِهِ: مَرَّةً رَدٌّ لِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ: إنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مَرَّتَيْنِ اعْتِبَارًا بِالشَّهَادَةِ كَمَا فِي الزِّنَا قُلْنَا: ثَبَتَ ذَلِكَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ وَشَرَطَ أَنْ يُعْلَمَ شُرْبُهُ طَوْعًا وَهُوَ بِأَنْ يَشْهَدَ الشُّهُودُ أَنَّهُ شَرِبَهُ طَائِعًا؛ لِأَنَّ الشُّرْبَ مُكْرَهًا لَا يُوجِبُ الْحَدَّ قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ قَالَ أُكْرِهْت عَلَيْهَا لَا يُقْبَلُ؛ لِأَنَّ الشُّهُودَ شَهِدُوا عَلَيْهِ بِالشُّرْبِ طَائِعًا وَلَوْ لَمْ يَشْهَدُوا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَحَدُّ الْخَمْرِ وَالسُّكْرِ لَا يُقَامُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ الْكُفَّارِ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَفِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي سَكِرَ الذِّمِّيُّ مِنْ الْحَرَامِ حُدَّ فِي الْأَصَحِّ وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ الْعُذْرُ لِلْمُصَنِّفِ فِي حَذْفِهِ قَيْدَ الْإِسْلَامِ إلَّا أَنَّهُ فِي فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ أَجَابَ حِينَ سُئِلَ عَنْ الذِّمِّيِّ إذَا سَكِرَ هَلْ يُحَدُّ قَالَ إذَا شَرِبَ الْخَمْرَ وَسَكِرَ مِنْهُ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يُحَدُّ وَأَفْتَى الْحَسَنُ بِأَنَّهُ يُحَدُّ وَاسْتَحْسَنَهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ؛ لِأَنَّ السُّكْرَ فِي جَمِيعِ الْأَدْيَانِ حَرَامٌ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 28 بِذَلِكَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ فَلَوْ قَبِلْنَا قَوْلَهُ كَانَ لِكُلِّ مَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ بِالشُّرْبِ أَنْ يَقُولَ كُنْت مُكْرَهًا فَيَرْتَفِعُ الْحَدُّ اهـ. قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ فَرْقٌ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا إذَا ادَّعَى الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بِالزِّنَا أَنَّهُ نَكَحَهَا، فَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ هُوَ يُنْكِرُ السَّبَبَ الْمَوْجُودَ لِلْحَدِّ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ يَخْرُجُ عَنْ أَنْ يَكُونَ زِنًا بِالنِّكَاحِ وَهَاهُنَا بِعُذْرِ الْإِكْرَاهِ لَا يَنْعَدِمُ السَّبَبُ وَهُوَ حَقِيقَةُ شُرْبِ الْخَمْرِ إنَّمَا هَذَا عُذْرٌ مُسْقِطٌ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ يُقِيمُهَا عَلَى ذَلِكَ. اهـ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الصَّحْوَ شَرْطٌ لِإِقَامَةِ الْحَدِّ حَتَّى لَوْ حَدَّهُ فِي حَالِ سُكْرِهِ لَا يُكْتَفَى بِهِ لِعَدَمِ فَائِدَتِهِ مِنْ كَوْنِهِ زَاجِرًا وَفِي الْقُنْيَةِ لَا يَجُوزُ لِقَاضِي الرُّسْتَاقِ أَوْ فَقِيهِهِ أَوْ الْمُتَفَقِّهَةِ وَأَئِمَّةِ الْمَسَاجِدِ إقَامَةُ حَدِّ الشُّرْبِ إلَّا بِتَوْلِيَةِ الْإِمَامِ. (قَوْلُهُ:، وَإِنْ أَقَرَّا أَوْ شَهِدَا بَعْدَ مُضِيِّ رِيحِهَا لَا لِبُعْدِ الْمَسَافَةِ أَوْ وُجِدَ مِنْهُ رَائِحَةُ الْخَمْرِ أَوْ تَقَيَّأَهَا أَوْ رَجَعَ عَمَّا أَقَرَّا وَأَقَرَّ سَكْرَانُ بِأَنْ زَالَ عَقْلُهُ لَا) أَيْ لَا يُحَدُّ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ كُلِّهَا، أَمَّا ثُبُوتُهُ بَعْدَ زَوَالِ رَائِحَتِهَا بِإِقْرَارٍ أَوْ بِبَيِّنَةٍ فَلِلتَّقَادُمِ وَهُوَ مُقَدَّرٌ بِهِ فَالتَّقَادُمُ يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ بِالِاتِّفَاقِ غَيْرَ أَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِالزَّمَانِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ اعْتِبَارًا بِحَدِّ الزِّنَا وَهَذَا لِأَنَّ التَّأْخِيرَ يَتَحَقَّقُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ، وَالرَّائِحَةُ قَدْ تَكُونُ مِنْ غَيْرِهِ كَمَا قِيلَ يَقُولُونَ لِي إنَّكَهُ شَرِبْت مُدَامَةً ... فَقُلْت لَهُمْ لَا بَلْ أَكَلْت السَّفَرْجَلَا وَعِنْدَهُمَا يُقَدَّرُ بِزَوَالِ الرَّائِحَةِ لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تَلْتِلُوهُ وَمَزْمِزُوهُ وَاسْتَنْكِهُوهُ، فَإِنْ وَجَدْتُمْ رَائِحَةَ الْخَمْرِ فَاجْلِدُوهُ وَلِأَنَّ قِيَامَ الْأَثَرِ مِنْ أَقْوَى دَلَالَةٍ عَلَى الْقُرْبِ، وَإِنَّمَا يُصَارُ إلَى التَّقْدِيرِ بِالزَّمَانِ عِنْدَ تَعَذُّرِ اعْتِبَارِهِ، وَالتَّمْيِيزُ بَيْنَ الرَّوَائِحِ مُمْكِنٌ لِلْمُسْتَدِلِّ، وَإِنَّمَا يَشْتَبِهُ عَلَى الْجُهَّالِ، وَأَمَّا الْإِقْرَارُ فَالتَّقَادُمُ لَا يُبْطِلُهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ كَمَا فِي حَدِّ الزِّنَا عَلَى مَا مَرَّ تَقْرِيرُهُ وَعِنْدَهُمَا لَا يُقَامُ الْحَدُّ إلَّا عِنْدَ قِيَامِ الرَّائِحَةِ؛ لِأَنَّ حَدَّ الشُّرْبِ ثَبَتَ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَلَا إجْمَاعَ إلَّا بِرَأْيِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَقَدْ شَرَطَ قِيَامَ الرَّائِحَةِ عَلَى مَا رَوَيْنَا وَرَجَّحَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ قَوْلَ مُحَمَّدٍ فَقَالَ: وَالْمَذْهَبُ عِنْدِي فِي الْإِقْرَارِ مَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ؛ لِأَنَّ حَدِيثَ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنْكَرَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْحُدُودِ إذَا جَاءَ صَاحِبُهَا مُقِرًّا بِهَا الرَّدُّ، وَالْإِعْرَاضُ وَعَدَمُ الِاسْتِمَاعِ احْتِيَالًا لِلدَّرْءِ كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ أَقَرَّ مَاعِزٌ فَكَيْفَ يَأْمُرُ ابْنَ مَسْعُودٍ بِالتَّلْتَلَةِ، وَالْمَزْمَزَةِ، وَالِاسْتِنْكَاهِ حَتَّى يَظْهَرَ سُكْرُهُ فَلَوْ صَحَّ فَتَأْوِيلُهُ أَنَّهُ جَاءَ فِي رَجُلٍ أَنَّهُ مُولَعٌ بِالشَّرَابِ مُدْمِنٌ فَاسْتَجَازَهُ لِذَلِكَ اهـ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ هُوَ الصَّحِيحُ. اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَذْهَبَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ إلَّا أَنَّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ أَرْجَحُ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى وَقَدَّمْنَا التَّفْصِيلَ فِي اشْتِرَاطِ وُجُودِ الرَّائِحَةِ وَأَنَّ الْمَسَافَةَ إذَا كَانَتْ بَعِيدَةً فَالشَّرْطُ وُجُودُهَا عِنْدَ التَّحَمُّلِ لَا الْأَدَاءِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ لَا لِبُعْدِ الْمَسَافَةِ وَقَدَّمْنَا أَنَّ وُجُودَ الرَّائِحَةِ لَا بُدَّ مِنْهَا سَوَاءٌ كَانَ قَدْ شَرِبَ الْخَمْرَ أَوْ سَكِرَ مِنْ نَبِيذٍ، وَقَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ وَأَشَارَ فِي الْهِدَايَةِ إلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ قَالَ أَوَّلًا وَمَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَأُخِذَ وَرِيحُهَا مَوْجُودَةٌ أَوْ جَاءُوا بِهِ وَهُوَ سَكْرَانُ وَثَانِيًا فَإِنْ أَخَذَهُ الشُّهُودُ وَرِيحُهَا تُوجَدُ أَوْ سَكْرَانَ وَكَوْنُهُ سَكْرَانَ مُغْنٍ عَنْ اشْتِرَاطِ وُجُودِ الرَّائِحَةِ إذْ لَا يُوجَدُ سَكْرَانُ بِغَيْرِ رَائِحَةِ مَا شَرِبَهُ، وَأَمَّا إذَا وُجِدَ مِنْهُ رَائِحَةُ الْخَمْرِ أَوْ تَقَيَّأَهَا فَلِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ شَرِبَهَا مُكْرَهًا أَوْ مُضْطَرًّا، وَالرَّائِحَةُ مُحْتَمَلَةٌ أَيْضًا فَلَا يَجِبُ الْحَدُّ بِالشَّكِّ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَوْ وُجِدَ سَكْرَانَ لَا يُحَدُّ مِنْ غَيْرِ إقْرَارٍ وَلَا بَيِّنَةٍ لِاحْتِمَالِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الصَّحْوَ شَرْطٌ لِإِقَامَةِ الْحَدِّ) ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَمْ يَرَ نَقْلًا صَرِيحًا وَنَقَلَهُ فِي النَّهْرِ عَنْ الْعَيْنِيِّ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة وَلَوْ شَهِدَ الشُّهُودُ عَلَى السَّكْرَانِ لَا يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ حَتَّى يَصْحُوَ فَإِذَا صَحَا يُقَامُ عَلَيْهِ سَوَاءٌ ذَهَبَتْ رَائِحَةُ الْخَمْرِ مِنْهُ أَوْ لَمْ تَذْهَبْ. (قَوْلُهُ: غَيْرَ أَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِالزَّمَانِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ) أَيْ بِشَهْرٍ كَمَا قَدَّمَهُ فِي الْبَابِ السَّابِقِ (قَوْلُهُ: وَتَلْتِلُوهُ وَمَزْمِزُوهُ) قَالَ فِي الْفَتْحِ الْمَزْمَزَةُ التَّحْرِيكُ بِعُنْفٍ وَالتَّرْتَرَةُ وَالتَّلْتَلَةُ التَّحْرِيكُ وَهُمَا بِتَاءَيْنِ مُثَنَّاتَيْنِ مِنْ فَوْقٍ (قَوْلُهُ: وَقَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ وَأَشَارَ فِي الْهِدَايَةِ إلَخْ) أَقُولُ: مَا ذَكَرَهُ مِنْ عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ ظَاهِرٌ فِيمَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ؛ لِأَنَّ الرَّائِحَةَ قَدْ يُزِيلُهَا السَّكْرَانُ بِاسْتِعْمَالِ شَيْءٍ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ السُّكْرِ وُجُودُ الرَّائِحَةِ ثُمَّ رَأَيْت فِي حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ كَمَا ذَكَرْت حَيْثُ قَالَ بَعْدَ سَوْقِهِ عِبَارَةَ الْمُؤَلِّفِ وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ مَا نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْهِدَايَةِ لَا يُنَافِي مَا ادَّعَاهُ الزَّيْلَعِيُّ حَتَّى لَوْ ذَهَبَتْ الرِّيحُ بِالْمُعَالَجَةِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مَانِعًا مِنْ إقَامَةِ الْحَدِّ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْبُرْجَنْدِيِّ مَعْزِيًّا لِلْمُحِيطِ وَهَذَا الَّذِي قَدْ فَهِمَهُ الزَّيْلَعِيُّ مِنْ عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ هُوَ الظَّاهِرُ وَقَوْلُهُ إذْ لَا يُوجَدُ سَكْرَانُ إلَخْ غَيْرُ مُسْلِمٍ لِمَا عَلِمْت مِنْ عَدَمِ التَّلَازُمِ بَيْنَهُمَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 29 مَا ذَكَرْنَا وَلِاحْتِمَالِ أَنَّهُ سَكِرَ مِنْ الْمُبَاحِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ شَرِبَهَا، وَالْآخَرُ أَنَّهُ قَاءَهَا لَمْ يُحَدَّ، وَإِذَا شَرِبَ قَوْمٌ نَبِيذًا فَسَكِرَ مِنْهُ بَعْضُهُمْ دُونَ الْبَعْضِ حُدَّ مَنْ سَكِرَ، وَأَمَّا إذَا رَجَعَ عَنْ الْإِقْرَارِ فَلِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَيُعْمَلُ الرُّجُوعُ فِيهِ كَسَائِرِ الْحُدُودِ وَهَذَا لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ صَادِقًا فَصَارَتْ شُبْهَةً، وَالْحُدُودُ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ، وَأَمَّا إذَا أَقَرَّ وَهُوَ سَكْرَانُ فَلِزِيَادَةِ احْتِمَالِ الْكَذِبِ فِي إقْرَارِهِ فَيُحْتَالُ لِلدَّرْءِ؛ لِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَأَشَارَ إلَى أَنَّ كُلَّ حَدٍّ كَانَ خَالِصًا لِلَّهِ تَعَالَى فَلَا يَصِحُّ إقْرَارُ السَّكْرَانِ بِهِ، وَإِنَّ مَا لَمْ يَكُنْ خَالِصًا لِلَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّهُ يَصِحُّ إقْرَارُهُ بِهِ كَحَدِّ الْقَذْفِ؛ لِأَنَّهُ فِيهِ حَقُّ الْعَبْدِ، وَالسَّكْرَانُ فِيهِ كَالصَّاحِي عُقُوبَةً عَلَيْهِ كَمَا فِي سَائِر تَصَرُّفَاتِهِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ إقْرَارَهُ بِالْحُدُودِ لَا يَصِحُّ إلَّا حَدُّ الْقَذْفِ وَإِقْرَارُهُ بِسَبَبِ الْقِصَاصِ وَسَائِرُ الْحُقُوقِ مِنْ الْمَالِ، وَالطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقِ وَغَيْرِهَا صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهَا لَا تَقْبَلُ الرُّجُوعَ وَلِذَا إذَا أَقَرَّ بِالسَّرِقَةِ وَلَمْ يُقْطَعْ لِسُكْرِهِ أُخِذَ مِنْهُ الْمَالُ وَصَارَ ضَامِنًا لَهُ، وَأَمَّا ارْتِدَادُهُ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ فَلَا تَبِينُ مِنْهُ امْرَأَتُهُ؛ لِأَنَّ الْكُفْرَ مِنْ بَابِ الِاعْتِقَادِ فَلَا يَتَحَقَّقُ مَعَ السُّكْرِ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ هَذَا فِي الْحُكْمِ أَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنْ كَانَ فِي الْوَاقِعِ قَصَدَ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ ذَاكِرًا لِمَعْنَاهُ كَفَرَ وَإِلَّا فَلَا وَفِي التَّبْيِينِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ارْتِدَادُهُ كُفْرٌ ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ. وَأَمَّا إذَا أَسْلَمَ يَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ كَإِسْلَامِ الْمُكْرَهِ اهـ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ إسْلَامَهُ غَيْرُ صَحِيحٍ وَقَيَّدَ بِالْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ شَهِدُوا عَلَيْهِ بِالشُّرْبِ وَهُوَ سَكْرَانُ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ وَكَذَا بِالزِّنَا وَهُوَ سَكْرَانُ كَمَا إذَا زَنَى وَهُوَ سَكْرَانُ وَكَذَا بِالسَّرِقَةِ وَهُوَ سَكْرَانُ وَيُحَدُّ بَعْدَ الصَّحْوِ وَيُقْطَعُ؛ لِأَنَّ الْإِنْشَاءَ لَا يَحْتَمِلُ الْكَذِبَ فَيُعْتَبَرُ فِعْلُهُ فِيمَا يَنْفُذُ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ وَاعْتِقَادٍ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا سَكِرَ مِنْ الْمُحَرَّمِ، وَأَمَّا إذَا سَكِرَ بِالْمُبَاحِ كَشُرْبِ الْمُضْطَرِّ، وَالْمُكْرَهِ، وَالْمُتَّخَذُ مِنْ الْحُبُوبِ، وَالْعَسَلِ، وَالدَّوَاءِ، وَالْبَنْجِ فَلَا تُعْتَبَرُ تَصَرُّفَاتُهُ كُلُّهَا؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْإِغْمَاءِ لِعَدَمِ الْجِنَايَةِ وَفِي الْخَانِيَّةِ، وَإِنْ زَالَ عَقْلُهُ بِالْبَنْجِ فَطَلَّقَ إنْ كَانَ حِينَ تَنَاوُلِهِ الْبَنْجَ عَلِمَ أَنَّهُ بَنْجٌ يَقَعْ الطَّلَاقُ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ لَا يَقَعْ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لَا يَقَعُ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ اهـ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْبَنْجَ حَلَالٌ مُطْلَقًا عَلَى الصَّحِيحِ وَقَوْلُهُ بِأَنْ زَالَ عَقْلُهُ بَيَانُ حَدِّ السُّكْرِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ السَّكْرَانُ مِنْ النَّبِيذِ الَّذِي يُحَدُّ هُوَ الَّذِي لَا يَعْقِلُ مَنْطِقًا قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا وَلَا يَعْقِلُ الرَّجُلَ مِنْ الْمَرْأَةِ وَلَا الْأَرْضَ مِنْ السَّمَاءِ وَقَالَا: هُوَ الَّذِي يَهْذِي وَيَخْتَلِطُ كَلَامُهُ غَالِبًا، فَإِنْ كَانَ نِصْفُهُ مُسْتَقِيمًا فَلَيْسَ بِسَكْرَانَ؛ لِأَنَّهُ السَّكْرَانُ فِي الْعُرْفِ وَإِلَيْهِ مَالَ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ وَلَهُ أَنْ يُؤْخَذَ فِي أَسْبَابِ الْحُدُودِ بِأَقْصَاهَا دَرْءًا لِلْحَدِّ وَنِهَايَةُ السَّكْرَانِ يَغْلِبُ السُّرُورُ عَلَى الْعَقْلِ فَيَسْلُبُهُ الْمَيْزَ بَيْنَ شَيْءٍ وَشَيْءٍ وَمَا دُونَ ذَلِكَ لَا يَعْرَى عَنْ شُبْهَةِ الصَّحْوِ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْقَدَحِ الْمُسْكِرِ فِي حَقِّ الْحُرْمَةِ مَا قَالَاهُ بِالْإِجْمَاعِ أَخْذًا بِالِاحْتِيَاطِ وَفِي الْخَانِيَّةِ وَبِقَوْلِهِمَا أَفْتَى الْمَشَايِخُ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَاخْتَارُوهُ لِلْفَتْوَى لِضَعْفِ دَلِيلِ الْإِمَامِ وَاسْتَدَلَّ لَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ بِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ مَنْ بَاتَ سَكْرَانًا بَاتَ عَرُوسًا لِلشَّيْطَانِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَغْتَسِلَ إذَا أَصْبَحَ فَهَذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّ السَّكْرَانَ مَنْ لَا يَحُسُّ بِشَيْءٍ مِمَّا يُصْنَعُ بِهِ وَحَكَى أَنَّ أَئِمَّةَ بَلْخٍ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ يُسْتَقْرَأُ سُورَةً مِنْ الْقُرْآنِ، فَإِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَقْرَأَهَا فَلَيْسَ بِسَكْرَانَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْبَنْجَ حَلَالٌ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ عَلِمَ بِهِ أَوْ لَا وَلَمْ يَذْكُرْ مَا إذَا سَكِرَ مِنْهُ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة وَلَوْ سَكِرَ مِنْ نَبِيذِ الْعَسَلِ أَوْ الذُّرَةِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ أَوْ مِنْ الْبَنْجِ أَوْ لَبَنِ الرِّمَاكِ لَمْ يُحَدَّ ثُمَّ قَالَ وَفِي جَامِعِ الْجَوَامِعِ وَجَدْت بِخَطِّ شَيْخِي فِي زَمَانِنَا الْفَتْوَى عَلَى أَنَّ مَنْ سَكِرَ مِنْ الْبَنْجِ يُحَدَّ اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ النِّهَايَةِ وَفِي الْعِنَايَةِ رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلْإِمَامِ الْمَحْبُوبِيِّ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ السُّكْرَ الْحَاصِلَ مِنْ الْبَنْجِ حَرَامٌ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْبَنْجَ مُبَاحٌ وَلَا تَنَافِي بَيْنَهُمَا. اهـ. . وَفِي حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ بَعْدَ نَقْلِهِ عَنْ الْمُؤَلِّفِ تَصْحِيحُ الْحِلِّ وَيُخَالِفُهُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي التَّنْوِيرِ مِنْ كِتَابِ الْأَشْرِبَةِ بِحُرْمَتِهِ، وَنَصُّهُ: وَيَحْرُمُ أَكْلُ الْبَنْجِ وَالْحَشِيشَةِ وَالْأَفْيُونِ لَكِنْ دُونَ حُرْمَةِ الْخَمْرِ. اهـ. قُلْت التَّوْفِيقُ بَيْنَهُمَا مُمْكِنٌ بِمَا نَقَلَهُ شَيْخُنَا عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ آخِرَ كِتَابِ الْأَشْرِبَةِ وَنَصُّهُ أَنَّ الْبَنْجَ أَحَدُ نَوْعَيْ الْقَتِّ حَرَامٌ؛ لِأَنَّهُ يُزِيلُ الْعَقْلَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى بِخِلَافِ نَوْعٍ آخَرَ مِنْهُ، فَإِنَّهُ مُبَاحٌ كَالْأَفْرِيتِ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ اخْتَلَّ الْعَقْلُ لَكِنَّهُ لَا يُزِيلُ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ إبَاحَةِ الْبَنْجِ كَمَا فِي شَرْحِ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ: وَمَا دُونَ ذَلِكَ لَا يَعْرَى عَنْ شُبْهَةِ الصَّحْوِ) أَيْ فَيَنْدَرِئُ بِهِ الْحَدُّ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ وَلِهَذَا وَافَقَهُمَا فِي السُّكْرِ الَّذِي يَحْرُمُ عِنْدَهُ الْقَدَحُ الْمُسْكِرُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهِ هُوَ اخْتِلَاطُ الْكَلَامِ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ النِّهَايَةِ فِيمَا يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ وَالْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ يُوجَدُ بِالِاخْتِلَاطِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْقَدَحِ السُّكْرُ فِي حَقِّ الْحُرْمَةِ مَا قَالَاهُ بِالْإِجْمَاعِ أَخْذًا بِالِاحْتِيَاطِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا اعْتَقَدَ حُرْمَةَ الْقَدَحِ الَّذِي يَلْزَمُ الْهَذَيَانُ وَاخْتِلَاطُ الْكَلَامِ عِنْدَهُ يَمْتَنِعُ عَنْهُ فَلَمَّا امْتَنَعَ وَهُوَ الْأَدْنَى فِي حَدِّ السُّكْرِ كَانَ مُمْتَنِعًا عَنْ الْأَعْلَى فِيهِ وَهُوَ مَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 30 حَتَّى يُحْكَى أَنَّ أَمِيرًا بِبَلْخٍ أَتَاهُ بَعْضُ الشُّرْطَى بِسُكُونِ الرَّاءِ بِسَكْرَانَ فَأَمَرَهُ الْأَمِيرُ أَنْ يَقْرَأَ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] فَقَالَ السَّكْرَانُ لِلْأَمِيرِ اقْرَأْ سُورَةَ الْفَاتِحَةِ أَوَّلًا فَلَمَّا قَالَ الْأَمِيرُ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2] قَالَ: قِفْ فَقَدْ أَخْطَأْت مِنْ وَجْهَيْنِ تَرَكْت التَّعَوُّذَ عِنْدَ افْتِتَاحِ الْقِرَاءَةِ وَتَرَكْت التَّسْمِيَةَ وَهِيَ آيَةٌ مِنْ أَوَّلِ الْفَاتِحَةِ عِنْدَ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ وَالْقُرَّاءِ، فَخَجِلَ الْأَمِيرُ وَجَعَلَ يَضْرِبُ الشُّرْطِيَّ الَّذِي جَاءَ بِهِ وَيَقُولُ: أَمَرْتُك أَنْ تَأْتِيَنِي بِالسَّكْرَانِ فَجِئْتنِي بِمُقْرِئِ بَلْخٍ. اهـ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُرَادَ مِمَّنْ يَحْفَظُ الْقُرْآنَ أَوْ كَانَ حَفِظَهَا فِيمَا حَفِظَ مِنْهُ لَا مَنْ لَمْ يَدْرُسْهَا أَصْلًا وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَوَّلَ عَلَى هَذَا بَلْ وَلَا مُعْتَبَرَ بِهِ، فَإِنَّهُ طَرِيقُ سَمَاعِ تَبْدِيلِ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّهُ لَيْسَ كُلُّ سَكْرَانَ إذَا قِيلَ لَهُ اقْرَأْ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] يَقُولُ لَا أُحْسِنُهَا الْآنَ بَلْ يَنْدَفِعُ قَارِئًا فَيُبَدِّلُهَا إلَى الْكُفْرِ وَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يُلْزِمَ أَحَدًا بِطَرِيقِ ذِكْرِ مَا هُوَ كُفْرٌ، وَإِنْ لَمْ يُؤَاخَذَ بِهِ. (قَوْلُهُ: وَحَدُّ السُّكْرِ، وَالْخَمْرِ وَلَوْ شَرِبَ قَطْرَةً ثَمَانُونَ سَوْطًا) لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - رَوَى الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ «السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ كُنَّا نَأْتِي بِالشَّارِبِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَصَدْرٍ مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَنَقُومُ عَلَيْهِ بِأَيْدِينَا وَنِعَالِنَا وَأَرْدِيَتِنَا حَتَّى كَانَ آخِرَ إمْرَةِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَجَلَدَ أَرْبَعِينَ حَتَّى عَتَوْا وَفَسَقُوا جَلَدَ ثَمَانِينَ» وَحَاصِلُ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يُسَنَّ فِيهِ عَدَدًا مُعَيَّنًا ثُمَّ قَدَّرَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - بِأَرْبَعِينَ ثُمَّ اتَّفَقُوا عَلَى ثَمَانِينَ، وَإِنَّمَا جَازَ لَهُمْ أَنْ يُجْمِعُوا عَلَى تَعْيِينِهِ، وَالْحُكْمُ الْمَعْلُومُ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَدَمُ تَعْيِينِهِ لِعِلْمِهِمْ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - انْتَهَى إلَى هَذِهِ الْغَايَةِ فِي ذَلِكَ الرَّجُلِ لِزِيَادَةِ فَسَادٍ مِنْهُ ثُمَّ رَأَوْا أَهْلَ الزَّمَانِ تَغَيَّرُوا إلَى نَحْوِهِ أَوْ أَكْثَرَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ السَّائِبِ حَتَّى عَتَوْا وَفَسَقُوا وَعَلِمُوا أَنَّ الزَّمَانَ كُلَّمَا تَأَخَّرَ كَانَ فَسَادُ أَهْلِهِ أَكْثَرَ فَكَانَ مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ هُوَ مَا كَانَ حُكْمَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي أَمْثَالِهِمْ، وَالسُّكْرُ فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ بِضَمِّ السِّينِ وَسُكُونِ الْكَافِ كَذَا السَّمَاعُ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ يَعْنِي لَا السَّكَرَ بِفَتْحَتَيْنِ نَوْعٌ مِنْ الْأَشْرِبَةِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ حُرْمَةَ الْخَمْرِ قَطْعِيَّةٌ فَيُحَدُّ بِقَلِيلِهِ وَحُرْمَةُ غَيْرِهِ ظَنِّيَّةٌ فَلَا يُحَدُّ إلَّا بِالسُّكْرِ مِنْهُ (قَوْلُهُ: وَلِلْعَبْدِ نِصْفُهُ) أَيْ نِصْفُ هَذَا الْحَدِّ وَهُوَ أَرْبَعُونَ سَوْطًا لِمَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ أَنَّ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قَدْ جَلَدُوا عَبِيدَهُمْ نِصْفَ الْحَدِّ فِي الْخَمْرِ وَلِأَنَّ الرِّقَّ مُنَصِّفٌ لِلنِّعْمَةِ، وَالْعُقُوبَةِ عَلَى مَا عُرِفَ. (قَوْلُهُ: وَفُرِّقَ عَلَى بَدَنِهِ كَحَدِّ الزِّنَا) ؛ لِأَنَّ تَكْرَارَ الضَّرْبِ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ قَدْ يُفْضِي إلَى التَّلَفِ، وَالْحَدُّ شُرِعَ زَاجِرًا لَا مُتْلِفًا وَأَشَارَ بِالتَّشْبِيهِ إلَى أَنَّهُ لَا يُضْرَبُ الرَّأْسُ وَلَا الْوَجْهُ وَلَا الْفَرْجُ كَمَا قَدَّمْنَا فِي حَدِّ الزِّنَا وَأَنَّهُ يُضْرَبُ بِسَوْطٍ لَا تَمْرَةَ لَهُ وَأَنَّهُ يُنْزَعُ عَنْهُ ثِيَابُهُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ ثُمَّ يُجَرَّدُ فِي الْمَشْهُورِ مِنْ الرِّوَايَةِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يُجَرَّدُ إظْهَارًا لِلتَّخْفِيفِ وَوَجْهُ الْمَشْهُورِ إذَا أَظْهَرْنَا التَّخْفِيفَ مَرَّةً فَلَا يُعْتَبَرُ ثَانِيًا اهـ. وَسَيُصَرِّحُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي فَصْلِ التَّعْزِيرِ أَنَّ حَدَّ الشُّرْبِ أَخَفُّ مِنْ حَدِّ الزِّنَا وَصْفًا كَمَا هُوَ أَخَفُّ مِنْهُ قَدْرًا، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَضْرُوبَ فِي الْحُدُودِ، وَالتَّعْزِيرِ يُجَرَّدُ عَلَى ثِيَابِهِ إلَّا الْإِزَارَ احْتِرَازًا عَنْ كَشْفِ الْعَوْرَةِ إلَّا حَدَّ الْقَذْفِ، فَإِنَّهُ يُضْرَبُ وَعَلَيْهِ ثِيَابُهُ إلَّا الْحَشْوَ، وَالْفَرْوَ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ إلَّا أَنَّهُ قَالَ: وَالْأَصَحُّ عِنْدِي مَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ مِنْ أَنَّهُ لَا يُجَرَّدُ لِعَدَمِ وُرُودِ النَّصِّ بِذَلِكَ. [بَابُ حَدِّ الْقَذْفِ] هُوَ فِي اللُّغَةِ الرَّمْيُ بِالشَّيْءِ وَفِي الشَّرْعِ الرَّمْيُ بِالزِّنَا وَهُوَ مِنْ الْكَبَائِرِ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النور: 23] كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ   [منحة الخالق] بَابُ حَدِّ الْقَذْفِ) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 31 وَلَيْسَ هُوَ مِنْ الْكَبَائِرِ مُطْلَقًا بَلْ بِحَضْرَةِ أَحَدٍ أَمَّا الْقَذْفُ فِي الْخَلْوَةِ فَصَغِيرَةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ كَمَا فِي شَرْحِ جَمْعِ الْجَوَامِعِ وَقَوَاعِدُنَا لَا تَأْبَاهُ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ فِيهِ لُحُوقُ الْعَارِ وَهُوَ مَفْقُودٌ فِي الْخَلْوَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ أَيْضًا بِكَوْنِ الْمَقْذُوفِ مُحْصَنًا كَمَا قُيِّدَ بِهِ فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ فَقَذْفُ غَيْرِ الْمُحْصَنِ لَا يَكُونُ مِنْ الْكَبَائِرِ وَلِذَا لَمْ يَجِبْ بِهِ الْحَدُّ فَيَنْبَغِي أَنْ يُعَرَّفَ الْقَذْفُ فِي الشَّرْعِ بِأَنَّهُ رَمْيُ الْمُحْصَنِ بِالزِّنَا وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَتَعَلَّقَ الْحَدُّ بِهِ بِالْإِجْمَاعِ مُسْتَنِدِينَ إلَى قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4] ، وَالْمُرَادُ الرَّمْيُ بِالزِّنَا حَتَّى لَوْ رَمَاهَا بِسَائِرَ الْمَعَاصِي غَيْرِهِ لَا يَجِبُ الْحَدُّ بَلْ التَّعْزِيرُ وَفِي النَّصِّ أَشَارَ إلَيْهِ أَيْ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ الزِّنَا وَهُوَ اشْتِرَاطُ أَرْبَعَةٍ مِنْ الشُّهُودِ يَشْهَدُونَ عَلَيْهَا بِمَا رَمَاهَا بِهِ لِيَظْهَرَ بِهِ صِدْقُهُ فِيمَا رَمَاهَا بِهِ وَلَا شَيْءَ يَتَوَقَّفُ ثُبُوتُهُ بِالشَّهَادَةِ عَلَى شَهَادَةِ أَرْبَعَةٍ إلَّا الزِّنَا ثُمَّ ثَبَتَ وُجُوبُ جَلْدِ الْقَاذِفِ لِلْمُحْصَنِ بِدَلَالَةِ هَذَا النَّصِّ لِلْقَطْعِ بِإِلْغَاءِ الْفَارِقِ وَهُوَ صِفَةُ الْأُنُوثَةِ وَاسْتِقْلَالُ دَفْعِ عَارِ مَا نُسِبَ إلَيْهِ بِالتَّأْثِيرِ بِحَيْثُ لَا يَتَوَقَّفُ فَهْمُهُ عَلَى ثُبُوتِ أَهْلِيَّةِ الِاجْتِهَادِ. (قَوْلُهُ: هُوَ كَحَدِّ الشُّرْبِ كَمِّيَّةً وَثُبُوتًا) أَيْ حَدِّ الْقَذْفِ كَحَدِّ الشُّرْبِ قَدْرًا وَهُوَ ثَمَانُونَ سَوْطًا إنْ كَانَ حُرًّا وَنِصْفُهُ إنْ كَانَ الْقَاذِفُ عَبْدًا وَيَثْبُتُ سَبَبُهُ وَهُوَ الْقَذْفُ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَوْ بِإِقْرَارِ الْقَاذِفِ مَرَّةً وَلَا تُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ وَلَا الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ وَلَا كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي وَلَوْ ادَّعَى الْمَقْذُوفُ أَنَّ لَهُ بَيِّنَةً حَاضِرَةً عَلَى الْقَاذِفِ فِي مِصْرٍ يَحْبِسُهُ الْقَاضِي فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ إلَى قِيَامِ الْقَاضِي عَنْ مَجْلِسِهِ يُرِيدُ بِهِ أَنْ يُلَازِمَهُ وَلَا يَأْخُذَ مِنْهُ كَفِيلًا بِنَفْسِهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَلَوْ أَقَامَ الْمَقْذُوفُ شَاهِدًا وَاحِدًا عَدْلًا عَلَى الْقَاذِفِ وَقَالَ لِي شَاهِدٌ آخَرُ فِي الْمِصْرِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَحْبِسُهُ الْقَاضِي وَكَذَا لَوْ أَقَامَ الْمُدَّعِي شَاهِدَيْنِ مَسْتُورَيْنِ لَا يَعْرِفُهُمَا الْقَاضِي بِالْعَدَالَةِ، فَإِنَّهُ يَحْبِسُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يُحْبَسُ بِقَوْلِ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ وَلَوْ قَالَ مُدَّعِي الْقَذْفِ شُهُودِي خَارِجَ الْمِصْرِ أَوْ أَقَامَ شَاهِدًا وَاحِدًا وَادَّعَى أَنَّ بَيِّنَتَهُ خَارِجَ الْمِصْرِ وَطَلَب مِنْ الْقَاضِي حَبْسَ الْقَاذِفِ، فَإِنَّهُ لَا يَحْبِسُهُ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ هَذَا إذَا كَانَ الْمَكَانُ الَّذِي فِيهِ الشَّاهِدُ بَعِيدًا مِنْ الْمِصْرِ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ الْإِحْضَارُ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَمَّا إذَا كَانَ الْمَكَانُ قَرِيبًا يُمْكِنُهُ الْإِحْضَارُ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، فَإِنَّهُ يَحْبِسُهُ أَيْضًا وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ أَيْضًا إذَا ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ قَذَفَهُ وَجَاءَ بِشَاهِدَيْنِ فَالْقَاضِي يَسْأَلُ الشَّاهِدَيْنِ عَنْ الْقَذْفِ مَا هُوَ وَكَيْفَ هُوَ، فَإِذَا قَالَا: نَشْهَدُ أَنَّهُ قَالَ لَهُ يَا زَانِي قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا وَحُدَّ الْقَاذِفُ إنْ كَانَا عَدْلَيْنِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ هُوَ مِنْ الْكَبَائِرِ مُطْلَقًا إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ بَعْدَ ذِكْرِهِ وَالْأَوْلَى مَا فِي الْعِنَايَةِ بِأَنَّهُ نِسْبَةُ الْمُحْصَنِ إلَى الزِّنَا صَرِيحًا أَوْ دَلَالَةً إذْ الْإِجْمَاعُ إنَّمَا هُوَ فِي الْمُحْصَنِ فَقَدْ قَالَ الْحَلِيمِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ قَذْفُ الصَّغِيرَةِ وَالْمَمْلُوكَةِ وَالْحُرَّةِ الْمُتَهَتِّكَةِ مِنْ الصَّغَائِرِ؛ لِأَنَّ الْإِيذَاءَ فِي قَذْفِهِنَّ دُونَهُ فِي الْحُرَّةِ الْكَبِيرَةِ الْمُسْتَتِرَةِ بَلْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ مِنْهُمْ الظَّاهِرُ أَنَّ قَذْفَ الْمُحْصَنِ فِي خَلَوْتِهِ بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُهُ إلَّا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَالْحَفَظَةُ لَيْسَ بِكَبِيرَةٍ مُوجِبَةٍ لِلْحَدِّ لِانْتِفَاءِ الْمَفْسَدَةِ وَخَالَفَهُ الْبُلْقِينِيُّ فَقَالَ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ كَبِيرَةٌ مُوجِبَةٌ لِلْحَدِّ فِطَامًا عَنْ هَذِهِ الْمُفْسِدَةِ وَلِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: 4] الْآيَةَ وَهَذَا رَمْيُ الْمُحْصَنَةِ، وَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ وَعَدَّ مِنْهَا قَذْفَ الْمُحْصَنَاتِ» وَهَكَذَا اسْتَدَلَّ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ لِلْإِجْمَاعِ وَهُوَ مُؤَيِّدٌ لِمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَمَا فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ قَوَاعِدَنَا لَا تَأْبَى مَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ مَدْفُوعٌ. اهـ. وَقَالَ الْبَاقَانِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُلْتَقَيْ بَعْدَ ذِكْرِهِ عِبَارَةَ الْمُؤَلِّفِ أَقُولُ: الْمَذْكُورُ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ لِلْمَحَلِّيِّ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ قَذْفُ الْمُحْصَنِ فِي الْخَلْوَةِ بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُهُ إلَّا اللَّهُ تَعَالَى وَالْحَفَظَةُ لَيْسَ بِكَبِيرَةٍ مُوجِبَةٍ لِلْحَدِّ لِانْتِفَاءِ الْمَفْسَدَةِ وَقَالَ مُحَشِّيهِ اللَّقَانِيِّ الْمُحَقَّقُ مِنْ مِثْلِ هَذِهِ الْعِبَارَةِ نَفْيُ إيجَابِ الْحَدِّ لَا نَفْيُ كَوْنِهِ كَبِيرَةً أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ الْمُقَيَّدَ بِقُيُودٍ إذَا نُفِيَ تَوَجَّهَ النَّفْيُ لِلْقَيْدِ الْأَخِيرِ وَيَصِيرُ الْكَلَامُ صَادِقًا بِنَفْيِ غَيْرِهِ وَبِثُبُوتِهِ. اهـ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الظَّاهِرُ أَنَّ مَنْ قَذَفَ مُحْصَنًا فِي خَلْوَتِهِ لَيْسَ بِكَبِيرَةٍ مُوجِبَةٍ لِلْحَدِّ لِانْتِفَاءِ الْمَفْسَدَةِ وَمَا قَالَهُ قَدْ يَظْهَرُ فِيمَا إذَا كَانَ صَادِقًا دُونَ الْكَاذِبِ لِجَرَاءَتِهِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى. اهـ. فَتَأَمَّلْ. اهـ. وَفِي شَرْحِ الْمُنْتَقَى لِلْحَصْكَفِيِّ قُلْت: وَاَلَّذِي حَرَّرْته فِي شَرْحِ مَنْظُومَةِ وَالِدِ شَيْخِنَا تَبَعًا لِشَيْخِنَا النَّجْمِ الْغَزِّيِّ الشَّافِعِيّ أَنَّهُ مِنْ الْكَبَائِرِ، وَإِنْ كَانَ صَادِقًا وَلَا شُهُودَ لَهُ عَلَيْهِ وَلَوْ مِنْ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ أَوْ لِوَلَدِ وَلَدِهِ، وَإِنْ لَمْ يُحَدَّ بِهِ بَلْ يُعَزَّرْ وَلَوْ لِغَيْرِ مُحْصَنٍ وَشَرْطُ الْفُقَهَاءِ الْإِحْصَانَ إنَّمَا هُوَ لِوُجُوبِ الْحَدِّ لَا لِكَوْنِهِ كَبِيرَةً وَقَدْ رَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنْ وَاثِلَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مَنْ قَذَفَ ذِمِّيًّا حُدَّ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِسِيَاطٍ مِنْ نَارٍ» . [مَا يَثْبُتُ بِهِ الْقَذْفُ] (قَوْلُهُ: فَالْقَاضِي يَسْأَلُ الشَّاهِدَيْنِ عَنْ الْقَذْفِ إلَخْ) قَالَ الْحَمَوِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يَسْأَلَهُمَا عَنْ الْمَكَانِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ قَذَفَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ الْبَغْيِ وَعَنْ الزَّمَانِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ قَذَفَهُ فِي صِبَاهُ لَا لِاحْتِمَالِ التَّقَادُمِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِهِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْحُدُودِ ثُمَّ رَأَيْت الْأَوَّلَ فِي الْبَدَائِعِ. اهـ. أَبُو السُّعُودِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 32 فَإِنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَالَ لَهُ يَا زَانِي يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ قَالَ لَهُ يَا زَانِي يَوْمَ الْخَمِيسِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ تُقْبَلُ هَذِهِ الشَّهَادَةُ وَقَالَا لَا تُقْبَلُ وَكَذَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالْإِقْرَارِ، وَالْآخَرُ بِالْإِنْشَاءِ اهـ. (قَوْلُهُ: فَلَوْ قَذَفَ مُحْصَنًا أَوْ مُحْصَنَةٍ بِزِنًا حُدَّ بِطَلَبِهِ مُفَرَّقًا) أَيْ بِطَلَبِ الْمَقْذُوفِ مُفَرَّقًا عَلَى أَعْضَاءِ الْقَاذِفِ لِمَا تَلَوْنَاهُ مِنْ الْآيَةِ وَبَيَّنَّا مِنْ الْإِجْمَاعِ قَيَّدَ بِالْمُحْصَنِ؛ لِأَنَّ غَيْرَهُ لَا يَجِبُ الْحَدُّ بِقَذْفِهِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى اشْتِرَاطِ عَجْزِ الْقَاذِفِ عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الزِّنَا، فَإِنَّهُ إذَا أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى صِدْقِ مَقَالَتِهِ لَمْ يَبْقَ الْمَقْذُوفُ مُحْصَنًا فَأَغْنَى ذِكْرُ الْإِحْصَانِ عَنْ هَذَا الشَّرْطِ وَكَذَا لَوْ صَدَّقَهُ الْمَقْذُوفُ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ رَجُلٌ قَذَفَ رَجُلًا بِالزِّنَا فَرَفَعَهُ الْمَقْذُوفُ إلَى الْقَاضِي فَقَالَ الْقَاذِفُ: عِنْدِي شُهُودٌ عُدُولٌ عَلَى مَا قُلْت وَأَقَامَهُمْ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ وَهَلْ يُحَدُّ الْمَقْذُوفُ إنْ شَهِدُوا بِحَدٍّ مُتَقَادِمٍ، فَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ كَمَا لَوْ شَهِدُوا عَلَيْهِ بِالزِّنَا قَبْلَ الْقَذْفِ إنْ كَانَ مُتَقَادِمًا لَمْ يُحَدَّ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُتَقَادِمٍ حُدَّ فَكَذَلِكَ هُنَا اهـ. وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ بِزِنًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَذَفَهُ بِغَيْرِهِ لَا يَكُونُ قَذْفًا شَرْعًا لِمَا قَدَّمْنَاهُ فَلَا حَدَّ بِقَوْلِهِ وَطِئَكِ فُلَانٌ وَطْئًا حَرَامًا أَوْ جَامَعَكِ حَرَامًا وَأَطْلَقَ فِي الزِّنَا وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِلَفْظٍ لِيَدْخُلَ فِيهِ مَا إذَا قَالَ زَنَيْت أَوْ يَا زَانِي أَوْ أَنْت أَزَنَى النَّاسِ أَوْ أَنْت أَزَنَى مِنْ فُلَانٍ أَوْ أَنْت أَزَنَى مِنِّي كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَيُخَالِفُهُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ لَوْ قَالَ: أَنْت أَزَنَى مِنِّي لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ: يَا زَانِيَةُ بِالتَّاءِ لَا يُحَدُّ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَكُونُ قَاذِفًا وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَةٍ يَا زَانِي يَجِبُ الْحَدُّ فِي قَوْلِهِمْ؛ لِأَنَّهُ تَرْخِيمٌ وَهُوَ حَذْفُ آخِرِ الْكَلِمَةِ وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ زَانٍ لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَلَوْ قَالَ لِأَهْلِ قَرْيَةٍ لَيْسَ فِيكُمْ زَانٍ إلَّا وَاحِدًا أَوْ قَالَ: كُلُّكُمْ زَانٍ إلَّا وَاحِدًا أَوْ قَالَ لِرَجُلَيْنِ: أَحَدُكُمَا زَانٍ فَقِيلَ هَذَا لِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ فَقَالَ نَعَمْ لَا حَدَّ عَلَيْهِ. وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ يَا زَانِي فَقَالَ لَهُ غَيْرُهُ صَدَقْت حُدَّ الْمُبْتَدِئُ دُونَ الْمُصَدِّقِ وَلَوْ قَالَ لَهُ صَدَقْت هُوَ كَمَا قُلْت فَهُوَ قَاذِفٌ أَيْضًا وَلَوْ أَنَّ جَمَاعَةً قَالُوا رَأَيْنَا فُلَانًا يَزْنِي بِفُلَانَةَ ثُمَّ قَالُوا فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ مُتَّصِلًا لَا حَدَّ عَلَى الْمَقْذُوفِ وَلَا عَلَى الْجَمَاعَةِ وَلَوْ قَطَعُوا الْكَلَامَ ثُمَّ قَالُوا فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ كَانَ عَلَيْهِمْ حَدُّ الْقَذْفِ وَلَوْ قَالَ مَنْ قَالَ كَذَا وَكَذَا فَهُوَ ابْنُ الزَّانِيَةِ فَقَالَ رَجُلٌ أَنَا قُلْت لَا حَدَّ عَلَى الْمُبْتَدِئِ وَلَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ أَنْت تَزْنِي لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَةٍ مَا رَأَيْت زَانِيَةً خَيْرًا مِنْك لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَةٍ زَنَى بِك زَوْجُك قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَك كَانَ قَذْفًا وَلَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ زَنَى فَخِذُك أَوْ ظَهْرُك أَوْ يَدُك لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَلَوْ قَالَ: زَنَى فَرْجُك كَانَ قَاذِفًا وَلَوْ قَذَفَ رَجُلًا بِغَيْرِ لِسَانِ الْعَرَبِيَّةِ كَانَ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَلَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ أُخْبِرْت أَنَّك زَانٍ أَوْ قَالَ أُشْهِدْت عَلَى ذَلِكَ لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَلَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ زَنَيْت وَفُلَانٌ مَعَك يَكُونُ قَاذِفًا لَهُمَا وَلَوْ قَالَ: عَنَيْت وَفُلَانٌ مَعَك شَاهِدٌ لَا يُصَدَّقُ وَلَوْ قَالَ أَشْهَدُ أَنَّك زَانٍ فَقَالَ رَجُلٌ آخَرُ وَأَنَا أَشْهَدُ أَيْضًا لَا حَدَّ عَلَى الثَّانِي إلَّا أَنْ يَقُولَ وَأَنَا أَشْهَدُ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا شَهِدْت بِهِ عَلَيْهِ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ قَاذِفًا وَلَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ اذْهَبْ إلَى فُلَانٍ وَقُلْ لَهُ يَا زَانِي فَلَا حَدَّ عَلَى الْآمِرِ وَهَلْ يُحَدُّ الْمَأْمُورُ إنْ كَانَ الْمَأْمُورُ قَالَ لَهُ يَا زَانِي يُحَدُّ، وَإِنْ قَالَ لَهُ: إنَّ فُلَانًا يَقُولُ لَك يَا زَانِي لَمْ يُحَدَّ وَلَوْ قَالَ لِآخَرَ يَا ابْنَ الزَّانِيَةِ وَهَذَا مَعَك قَالَ ذَلِكَ بِكَلَامٍ وَاحِدٍ فَهَذَا لَيْسَ بِقَذْفٍ لِلثَّانِي وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ يَا زَانِي وَهَذَا مَعَك كَانَ قَاذِفًا لَهُمَا. وَلَوْ قَالَ لِآخَرَ يَا ابْنَ الزَّانِيَةِ وَهَذَا وَلَمْ يَقُلْ مَعَك فَهُوَ قَاذِفٌ لِلثَّانِي رَجُلٌ قَالَ لِامْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ زَنَيْت بِبَعِيرٍ أَوْ بِثَوْرٍ أَوْ بِحِمَارٍ لَا حَدَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ نَسَبَهَا إلَى التَّمْكِينِ مِنْ الْبَهَائِمِ وَلَوْ قَالَ زَنَيْت بِنَاقَةٍ أَوْ بِبَقَرَةٍ أَوْ بِثَوْبٍ أَوْ بِدِرْهَمٍ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ؛ لِأَنَّ مَعْنَى كَلَامِهِ زَنَيْت بِنَاقَةٍ بِذَلِكَ لَك أَوْ بِدِرْهَمٍ بِذَلِكَ لَك فِي الزِّنَا، فَإِنْ قِيلَ بَلْ مَعْنَى كَلَامِهِ زَنَيْت بِدِرْهَمٍ اُسْتُؤْجِرْت عَلَيْهِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُحَدَّ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَهَذَا؛ لِأَنَّ حَرْفَ الْبَاءِ تَصْحَبُ الْأَعْوَاضَ، وَالْأَبْدَالَ قِيلَ لَهُ هَذَا مُحْتَمَلٌ وَمَا ذَكَرْنَاهُ مُحْتَمَلٌ فَيَتَقَابَلُ الْمُحْتَمَلَانِ وَيَبْقَى   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالْإِقْرَارِ إلَخْ) قَالَ أَبُو السُّعُودِ يُفِيدُ قَبُولَ هَذِهِ الشَّهَادَةِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَكَلَامُهُ فِي النَّهْرِ يُفِيدُ الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ وَنَصُّهُ وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَذَفَهُ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَالْآخَرُ أَنَّهُ أَقَرَّ بِقَذْفِهِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لَمْ يُحَدَّ فِي قَوْلِهِمْ. [قَذَفَ مُحْصَنًا أَوْ مُحْصَنَةٍ بِزِنًا] (قَوْلُهُ: وَيُخَالِفُهُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ إلَخْ) كَذَا يُخَالِفُهُ مَا فِي الْجَوْهَرَةِ إذَا قَالَ: أَنْتَ أَزَنَى النَّاسِ، فَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنْتَ أَقْدَرُ النَّاسِ عَلَى الزِّنَا. اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ عِلَّةَ مَا فِي الْخَانِيَّةِ هَذِهِ وَعَلَيْهِ فَيَكُونُ أَنْتَ أَزَنَى مِنْ فُلَانٍ الزَّانِي أَوْ مِنْ فُلَانٍ مِثْلَ أَزَنَى النَّاسِ وَأَزْنَى مِنِّي تَأَمَّلْ ثُمَّ رَأَيْته فِي النَّهْرِ قَالَ وَفِي أَنْتَ أَزَنَى النَّاسِ أَوْ مِنْ فُلَانٍ خِلَافٌ فَفِي الْمَبْسُوطِ لَا حَدَّ عَلَيْهِ إذْ مَعْنَاهُ أَنْتَ أَقْدَرُ النَّاسِ عَلَى الزِّنَا وَجَزَمَ قَاضِي خَانْ بِوُجُوبِهِ بِهِ وَكَذَا فِي أَنْتَ أَزَنَى مِنِّي فَجَزَمَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ بِوُجُوبِهِ وَفِي الْخَانِيَّةِ بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ. اهـ. وَأَوْضَحَ الْمُرَادَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة حَيْثُ قَالَ نَقْلًا عَنْ الْمُحِيطِ وَفِي كِتَابِ الِاخْتِلَافِ رَوَى الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا قَالَ لِغَيْرِهِ: أَنْت أَزَنَى النَّاسِ أَنْت أَزَنَى مِنْ الزُّنَاةِ أَنْت أَزَنَى مِنْ فُلَانٍ الزَّانِي أَنْت أَزَنَى فُلَانٍ أَوْ أَنْت أَزَنَى مِنِّي فَعَلَيْهِ الْحَدُّ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي الثَّلَاثِ الْأُوَلِ الْحَدُّ وَفِي الرَّابِعِ وَالْخَامِسِ لَا يَجِبُ الْحَدُّ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُحَدَّ إلَخْ) يُفِيدُ أَنَّهُ لَا يُحَدُّ الْقَاذِفُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 33 (قَوْلُهُ زَنَيْت فَكَأَنَّهُ لَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ زَنَيْت بِبَعِيرٍ أَوْ بِنَاقَةٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ لَا حَدَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ نَسَبَهُ إلَى إتْيَانِ الْبَهِيمَةِ، فَإِنْ قَالَ بِأَمَةٍ أَوْ دَارٍ أَوْ ثَوْبٍ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَالظَّهِيرِيَّةِ وَبِهِ تَبَيَّنَ أَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ لَا يَجِبُ مَعَ التَّصْرِيحِ بِالزِّنَا فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ لِقَرِينَةٍ وَيَجِبُ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ مَعَ عَدَمِ التَّصْرِيحِ مِثْلُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ هُوَ كَمَا قَالَ فَحِينَئِذٍ يَحْتَاجُ إلَى ضَبْطِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَفِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ قَالَ لِغَيْرِهِ يَا لُوطِيُّ لَا حَدَّ عَلَيْهِ. وَلَوْ نَسَبَهُ إلَى اللِّوَاطَةُ صَرِيحًا لَا حَدَّ عَلَيْهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ صَاحِبَاهُ يُحَدُّ اهـ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ وُجُودُ الْإِحْصَانِ وَقْتَ الْحَدِّ حَتَّى لَوْ زَنَى الْمَقْذُوفُ قَبْلُ أَنَّهُ يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى الْقَاذِفِ أَوْ وَطِئَ وَطْئًا حَرَامًا عَلَى مَا ذَكَرْنَا أَوْ ارْتَدَّ، وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى سَقَطَ الْحَدُّ عَنْ الْقَاذِفِ وَلَوْ أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ إحْصَانَ الْمَقْذُوفِ شَرْطٌ فَلَا بُدَّ مِنْ وُجُودِهِ عِنْدَ إقَامَةِ الْحَدِّ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقَيَّدَ بِطَلَبِهِ؛ لِأَنَّهُ حَقُّهُ وَيَنْتَفِعُ بِهِ عَلَى الْخُصُوصِ مِنْ حَيْثُ دَفْعُ الْعَارِ عَنْ نَفْسِهِ، وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ فِيهِ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْأَصَحِّ وَأَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ قَذْفَ الْأَخْرَسِ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ؛ لِأَنَّ طَلَبَهُ يَكُونُ بِالْإِشَارَةِ وَلَعَلَّهُ لَوْ كَانَ يَنْطِقُ لَصَدَّقَهُ وَلَمَّا كَانَ الطَّلَبُ ثُمَّ الْحَدُّ لِدَفْعِ الْعَارِ اُسْتُفِيدَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَصَوُّرِ الزِّنَا مِنْ الْمَقْذُوفِ حَتَّى لَوْ قَذَفَ رَتْقَاءَ أَوْ مَجْبُوبًا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَلْحَقُهُمَا الْعَارُ بِذَلِكَ لِظُهُورِ كَذِبِهِ بِيَقِينٍ (قَوْلُهُ: وَلَا يُنْزَعُ عَنْهُ غَيْرُ الْفَرْوِ، وَالْحَشْوِ) إظْهَارًا لِلتَّخْفِيفِ؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ غَيْرُ مُتَيَقَّنٍ بِهِ لِاحْتِمَالِ صِدْقِ الْقَاذِفِ فَلَا يُقَامُ عَلَى الشِّدَّةِ. وَأَمَّا الْفَرْوُ، وَالْحَشْوُ فَيَمْنَعَانِ وُصُولَ الْأَلَمِ فَيُنْزَعَانِ بِخِلَافِ حَدِّ الزِّنَا، وَالشُّرْبِ، فَإِنَّهُ يُنْزَعُ عَنْهُ ثِيَابُهُ كُلُّهَا إلَّا الْإِزَارَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَالْمُرَادُ بِالْحَشْوِ الثَّوْبُ الْمَحْشُوُّ كَالْمُضَرَّبِ بِالْقُطْنِ، وَمُقْتَضَى كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ ثَوْبٌ ذُو بِطَانَةٍ غَيْرُ مَحْشُوٍّ لَا يُنْزَعُ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ فَوْقَ قَمِيصٍ يُنْزَعُ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مَعَ الْقَمِيصِ كَالْمَحْشُوِّ أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ وَيَمْنَعُ مِنْ إيصَالِ الْأَلَمِ الَّذِي يَصْلُحُ زَاجِرًا. (قَوْلُهُ: وَإِحْصَانُهُ بِكَوْنِهِ مُكَلَّفًا حُرًّا مُسْلِمًا عَفِيفًا عَنْ الزِّنَا) فَخَرَجَ الصَّبِيُّ، وَالْمَجْنُونُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُمَا الزِّنَا إذْ هُوَ فِعْلٌ مُحَرَّمٌ، وَالْحُرْمَةُ بِالتَّكْلِيفِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ إذَا قَذَفَ غُلَامًا مُرَاهِقًا فَادَّعَى الْغُلَامُ الْبُلُوغَ بِالسِّنِّ أَوْ الِاحْتِلَامَ لَمْ يُحَدَّ الْقَاذِفُ بِقَوْلِهِ وَخَرَجَ الْعَبْدُ؛ لِأَنَّ الْإِحْصَانَ يَنْتَظِمُ الْحُرِّيَّةَ قَالَ تَعَالَى {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25] فَقَذْفُ الْعَبْدِ وَلَوْ مُدَبَّرًا أَوْ مُكَاتِبًا يُوجِبُ التَّعْزِيرَ عَلَى قَاذِفِهِ لَا الْحَدَّ وَخَرَجَ الْكَافِرُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ أَشْرَكَ بِاَللَّهِ فَلَيْسَ بِمُحْصَنٍ» وَفِي الْخَانِيَّةِ وَلَا يَجِبُ حَدُّ الْقَذْفِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَقْذُوفُ حُرًّا ثَبَتَ حُرِّيَّتُهُ بِإِقْرَارِ الْقَاذِفِ أَوْ بِالْبَيِّنَةِ إذَا أَنْكَرَ الْقَاذِفُ حُرِّيَّتَهُ وَكَذَا لَوْ أَنْكَرَ الْقَاذِفُ حُرِّيَّةَ نَفْسِهِ وَقَالَ أَنَا عَبْدٌ   [منحة الخالق] بِنِسْبَةِ الْمَقْذُوفِ إلَى فِعْلٍ يُوجِبُ الْحَدَّ وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ الْكَمَالِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ زَنَيْت بِبَعِيرٍ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَلَوْ قَالَ لَهَا زَنَيْت بِحِمَارٍ أَوْ بَعِيرٍ أَوْ ثَوْرٍ لَمْ يُحَدَّ؛ لِأَنَّ الزِّنَا إدْخَالُ ذَكَرِهِ فِي قُبُلِ مُشْتَهَاةٍ إلَى آخِرِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ زَنَيْت بِنَاقَةٍ أَوْ أَتَانٍ أَوْ دَرَاهِمَ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ زَنَيْت وَأَخَذْت الْبَدَلَ إذْ لَا تَصْلُحُ الْمَذْكُورَاتُ لِلْإِدْخَالِ فِي فَرْجِهَا وَلَوْ قِيلَ: هَذَا الرَّجُلُ لَا يُحَدُّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ الْعُرْفُ فِي جَانِبِهِ أَخَذَ الْمَالَ. اهـ. وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ، فَإِنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهُ زَنَيْت بِدَارٍ أَوْ ثَوْبٍ أَنْ لَا يُحَدَّ كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ بِدَرَاهِمَ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ وَلَوْ قِيلَ هَذَا الرَّجُلُ إلَى قَوْلِهِ بِحِمَارٍ أَوْ بَعِيرٍ أَوْ ثَوْرٍ تَأَمَّلْ ثُمَّ رَأَيْت فِي كَافِي الْحَاكِمِ، وَإِنْ قَالَ لِرَجُلٍ زَنَيْت بِبَعِيرٍ أَوْ بِنَاقَةٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ أَوْ بِأَمَةٍ لَمْ يُحَدَّ إلَّا فِي الْأَمَةِ خَاصَّةً. اهـ. (قَوْلُهُ: حَتَّى لَوْ قَذَفَ رَتْقَاءَ أَوْ مَجْبُوبًا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ) زَادَ فِي النَّهْرِ فِي قَذْفِ مَنْ لَا يَجِبُ بِقَذْفِهِ الْحَدُّ الْخَصِيَّ وَالْمَمْلُوكَ لِلْقَاذِفِ كَمَا سَيَأْتِي وَالْخُنْثَى الَّذِي بَلَغَ مُشْكِلًا نَصَّ عَلَيْهِ فِي السِّرَاجِيَّةِ وَوَجْهُهُ أَنَّ نِكَاحَهُ مَوْقُوفٌ وَهُوَ لَا يُفِيدُ الْحِلَّ. اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ فَفِي التَّتَارْخَانِيَّة وَكَذَلِكَ إذَا قَذَفَ الرَّتْقَاءَ لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَكَانَتْ بِمَنْزِلَةِ الْمَجْبُوبِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَذَفَ خَصِيًّا أَوْ عِنِّينًا؛ لِأَنَّ الزِّنَا مِنْهُمَا غَيْرُ مُنْتَفٍ وَكَذَا إذَا قَذَفَ امْرَأَةً عَذْرَاءَ؛ لِأَنَّ الزِّنَا مُتَصَوَّرٌ. اهـ. فَكَانَ الصَّوَابُ تَرْكَ الْخَصِيِّ وَكَذَا الْمَمْلُوكُ لِمَا فِي حَاشِيَةِ مِسْكِينٍ عَنْ الْحَمَوِيِّ أَنَّ الَّذِي سَيَأْتِي مَا إذَا قَذَفَ أُمَّ مَمْلُوكِهِ، وَأَمَّا الْمَمْلُوكُ فَقَذْفُهُ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ مَمْلُوكَهُ أَوْ مُلُوكَ غَيْرِهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي التَّعْزِيرِ وَاعْتَرَضَ الْحَمَوِيُّ أَيْضًا تَعْلِيلَهُ بِمَسْأَلَةِ الْخُنْثَى بِأَنَّهُ لَا دَخْلَ لِلنِّكَاحِ الْبَاتِّ الْمُفِيدِ لِلْحِلِّ فِي إيجَابِ حَدِّ الْقَذْفِ حَتَّى يَتَرَتَّبَ عَلَى عَدَمِهِ عَدَمُ وُجُوبِ الْحَدِّ، وَإِنَّمَا ذَاكَ فِي حَدِّ الزِّنَا بِالرَّجْمِ. اهـ. قُلْت بَلْ لَا دَخْلَ لِلنِّكَاحِ أَصْلًا قَالَ فِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ يَنْقُصُ عَنْ إحْصَانِ الرَّجْمِ بَشَّيْنِ النِّكَاحِ وَالدُّخُولِ قُلْت وَالظَّاهِرُ وُجُوبُ الْحَدِّ بِقَذْفِهِ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الزِّنَا مِنْهُ لِاحْتِمَالِ زِيَادَةِ كُلٍّ مِنْ السِّلْعَتَيْنِ إلَّا أَنَّهُ قَدْ يُقَالُ يُمْكِنُ تَحَقُّقُهُ مِنْهُ بِأَنْ يَأْتِيَ غَيْرُهُ وَيَأْتِيَهُ غَيْرُهُ وَعِبَارَةُ السِّرَاجِيَّةِ مُطْلَقَةٌ وَهِيَ عَلَى مَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة قَذَفَ خُنْثَى بَلَغَ مُشْكِلًا وَلَمْ يَتَبَيَّنْ حَالُهُ لَمْ يُحَدَّ فَتَأَمَّلْ ثُمَّ ظَهَرَ لِي أَنَّ مُرَادَ النَّهْرِ حَمْلُ الْمَسْأَلَةِ عَلَى مَا إذَا تَزَوَّجَ الْخُنْثَى الْمَذْكُورَ وَدَخَلَ فَقَذَفَهُ آخَرُ، فَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ بِقَذْفِهِ؛ لِأَنَّهُ وَطِئَ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ لِكَوْنِ نِكَاحِهِ مَوْقُوفًا لَا يُفِيدُ الْحِلَّ فَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ مَا مَرَّ أَصْلًا. (قَوْلُهُ: لَمْ يُحَدَّ الْقَاذِفُ بِقَوْلِهِ) قَالَ فِي الشرنبلالية فَهَذَا يُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِ أَئِمَّتِنَا لَوْ رَاهَقَا وَقَالَا بَلَغْنَا صُدِّقَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 34 وَعَلَى حَدِّ الْعَبِيدِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ اهـ. وَيَثْبُتُ الْإِحْصَانُ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَبِعِلْمِ الْقَاضِي وَلَا يَحْلِفُ الْقَاذِفُ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَنَّ الْمَقْذُوفَ مُحْصَنٌ. كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ زَنَيْت وَأَنْتِ كَافِرَةٌ وَهِيَ فِي الْحَالِ مُسْلِمَةٌ، فَإِنَّهُ يَجِبُ اللِّعَانُ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ زَنَيْت وَأَنْتِ أَمَةٌ وَهِيَ فِي الْحَالِ حُرَّةٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ ذَلِكَ لِلْأَجْنَبِيَّةِ يَجِبُ الْحَدُّ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: قَذَفْتُك وَأَنْتِ كَافِرَةٌ أَوْ وَأَنْتِ أَمَةٌ اهـ. وَخَرَجَ غَيْرُ الْعَفِيفِ؛ لِأَنَّ الْإِحْصَانَ يَنْتَظِمُ الْعِفَّةَ أَيْضًا قَالَ تَعَالَى {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [المائدة: 5] أَيْ الْعَفَائِفُ وَلِأَنَّ الْمَقْذُوفَ إذَا لَمْ يَكُنْ عَفِيفًا فَالْقَاذِفُ صَادِقٌ فَالشَّرَائِطُ الْخَمْسَةُ لِلْإِحْصَانِ دَاخِلَةٌ تَحْتَ قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: 4] ، فَإِذَا فُقِدَ وَاحِدٌ مِنْهَا لَا يَكُونُ مُحْصَنًا وَفِي الْقُنْيَةِ قُذِفَ وَهُوَ مُصْلِحٌ ظَاهِرًا وَلَمْ يَكُنْ عَفِيفًا فِي السِّرِّ يُعْذَرُ فِي مُطَالَبَةِ الْقَاذِفِ بِالْحَدِّ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ قَوْلِهِ وَلَمْ يَكُنْ عَفِيفًا فِي السِّرِّ إِنَّهُ مِنْ الزِّنَا، وَإِنْ كَانَ زَانِيًا لَمْ يَكُنْ قَذْفُهُ مُوجِبًا لِلْحَدِّ فَكَيْفَ يُعْذَرُ اهـ. وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ عَنْ الزِّنَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَشْتَرِطُ الْعِفَّةَ عَنْ الْوَطْءِ الْحَرَامِ وَلِذَا قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ وَطِئَ أَمَتَهُ الْمُرْتَدَّةَ حُدَّ قَاذِفُهُ وَلَوْ تَزَوَّجَ أَمَةً عَلَى حُرَّةٍ فَوَطِئَهَا، فَإِنِّي أَحُدُّ قَاذِفَهُ كَذَا فِي الْمُنْتَقَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ. قَالَ الْحَاكِمُ أَبُو الْفَضْلِ هَذَا خِلَافُ مَا فِي الْأَصْلِ قَالَ ثُمَّ كُلُّ شَيْءٍ اخْتَلَفَ فِيهِ الْفُقَهَاءُ حَرَّمَهُ بَعْضُهُمْ وَأَحَلَّهُ بَعْضُهُمْ، فَإِنِّي أَحُدُّ قَاذِفَهُ وَفِيهِ أَيْضًا لَوْ وَطِئَ أَمَته فِي عِدَّةٍ مِنْ زَوْجٍ لَهَا، فَإِنِّي أَحُدُّ قَاذِفَهُ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ فِي أَمَتِهِ صَحِيحٌ وَلَوْ وَطِئَ جَارِيَةَ ابْنِهِ فِي عِدَّةٍ مِنْ زَوْجٍ لَهَا فَأَحْبَلَهَا أَوْ لَمْ يُحْبِلْهَا، فَإِنَّهُ يُحَدُّ قَاذِفُهُ قَالَ أَبُو يُوسُفَ كُلُّ مَنْ دَرَأْت الْحَدَّ عَنْهُ وَجَعَلْت عَلَيْهِ الْمَهْرَ وَأُثْبِتَ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْهُ، فَإِنِّي أَحُدُّ قَاذِفَهُ وَكَذَلِكَ لَوْ تَزَوَّجَ أَمَةً لِرَجُلٍ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَدَخَلَ بِهَا، فَإِنِّي أَحُدُّ قَاذِفَهُ هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي رَجُلٍ اشْتَرَى أَمَةً فَوَطِئَهَا ثُمَّ اسْتَبَانَ أَنَّهَا أُخْتُهُ حُدَّ قَاذِفُهُ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي الرُّقَيَّاتِ أَرْبَعَةٌ شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ زَنَى بِفُلَانَةَ بِنْتِ فُلَانٍ الْفُلَانِيَّةِ امْرَأَةٌ مَعْرُوفَةٌ سَمَّوْهَا وَوَصَفُوا الزِّنَا فَأَثْبَتُوهُ، وَالْمَرْأَةُ غَائِبَةٌ فَرُجِمَ الرَّجُلُ ثُمَّ إنَّ رَجُلًا قَذَفَ تِلْكَ الْمَرْأَةَ الْغَائِبَةَ فَخَاصَمَتْهُ إلَى الْقَاضِي الَّذِي قَضَى عَلَى الرَّجُلِ بِالرَّجْمِ قَالَ الْقِيَاسُ أَنْ يُحَدَّ قَاذِفُهَا؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ إنَّمَا قَضَى عَلَيْهِ لَا عَلَيْهَا لَكِنِّي أَسْتَحْسِنُ أَنْ لَا أَحُدَّ قَاذِفَهَا ثُمَّ قَالَ وَكَمَا يَزُولُ الْإِحْصَانُ بِالزِّنَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ يَزُولُ بِالزِّنَا مِنْ وَجْهٍ فَكُلُّ وَطْءٍ حَرُمَ لِعَدَمِ مِلْكِ الْمُتْعَةِ مِنْ وَجْهٍ فَهُوَ زِنًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَذَلِكَ كَوَطْءِ الْأَجْنَبِيَّةِ وَكُلُّ وَطْءٍ حَرُمَ مَعَ قِيَامِ مِلْكِ الْمُتْعَةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِعَارِضٍ كَوَطْءِ الْمَرْأَةِ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ لَا يَزُولُ بِهِ الْإِحْصَانُ. وَإِذَا وَطِئَ أَمَته الْمَجُوسِيَّةَ لَا يَزُولُ إحْصَانُهُ لِقِيَامِ مِلْكِ الْمُتْعَةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَلَوْ اشْتَرَى أَمَةً وَطِئَهَا أَبُوهُ أَوْ وَطِئَ هُوَ أُمَّهَا وَوَطِئَهَا فَقَذَفَهُ إنْسَانٌ فَلَا حَدَّ عَلَى الْقَاذِفِ بِالْإِجْمَاعِ   [منحة الخالق] وَأَحْكَامُهَا أَحْكَامُ الْبَالِغِينَ (قَوْلُهُ: وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ زَنَيْت وَأَنْتِ كَافِرَةٌ إلَخْ) قَالَ الْمُؤَلِّفُ فِي بَابِ اللِّعَانِ نَقْلًا عَنْ الْفَتْحِ وَلَوْ أَسْنَدَ الزِّنَا بِأَنْ قَالَ زَنَيْت وَأَنْتِ صَبِيَّةٌ أَوْ مَجْنُونَةٌ وَهُوَ مَعْهُودٌ وَهِيَ الْآنَ أَهْلٌ فَلَا لِعَانَ بِخِلَافِ وَأَنْتِ ذِمِّيَّةٌ أَوْ أَمَةٌ أَوْ مُنْذُ أَرْبَعِينَ سَنَةً وَعُمْرُهَا أَقَلُّ تَلَاعَنَا لِاقْتِصَارِهِ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ ذَلِكَ لِلْأَجْنَبِيَّةِ يَجِبُ الْحَدُّ) ؛ لِأَنَّهُ قَاذِفٌ يَوْمَ تَكَلَّمَ بِزِنَاهَا وَالْمُعْتَبَرُ عِنْدَنَا فِي الْقَذْفِ حَالُ ظُهُورِهِ دُونَ حَالِ الْإِضَافَةِ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ قَالَ فِي مِنَحِ الْغَفَّارِ أَقُولُ: مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْأَصْلِ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ اُعْتُبِرَ فِي الْقَذْفِ حَالُ ظُهُورِهِ دُونَ حَالِ الْإِضَافَةِ لَزِمَ أَنْ يُحَدَّ فِي قَوْلِهِ زَنَيْت بِك وَأَنْتِ صَغِيرَةٌ وَكَذَا فِي نَظَائِرِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ. اهـ. وَأَجَابَ الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ فِي الصَّغِيرَةِ لَيْسَ بِقَذْفٍ لِعَدَمِ تَصَوُّرِهِ مِنْهَا إذْ ذَاكَ وَلِذَا لَمْ يَسْقُطْ بِهِ إحْصَانُهَا بِخِلَافِ الْأَمَةِ وَالْكَافِرَةِ فَيُحَدُّ لِتَصَوُّرِهِ وَلِذَلِكَ يَسْقُطُ الْإِحْصَانُ فَلَمْ يَدْخُلْ الْأَوَّلُ فِي الْأَصْلِ. اهـ. وَإِلَى هَذَا أَشَارَ فِي الْفَتْحِ حَيْثُ قَالَ وَلَوْ قَالَ زَنَيْت وَأَنْتِ صَغِيرَةٌ لَمْ يُحَدَّ لِعَدَمِ الْإِثْمِ (قَوْلُهُ: قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِيهِ نَظَرٌ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ يُؤَيِّدُهُ أَنَّ رَفْعَ الْعَارِ مُجَوِّزٌ لَا مُلْزِمٌ وَإِلَّا لَامْتَنَعَ عَفْوُهُ عَنْهُ وَأُجْبِرَ عَلَى الدَّعْوَى وَهُوَ خِلَافُ الْوَاقِعِ. اهـ. قُلْت بَلْ قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ تَجْنِيسِ النَّاصِرِيِّ وَحَسَنٌ أَنْ لَا يُرْفَعَ الْقَاذِفُ إلَى الْقَاضِي وَلَا يُطَالِبَهُ بِالْحَدِّ وَحَسَنٌ مِنْ الْإِمَامِ أَنْ يَقُولَ لِلْمَقْذُوفِ قَبْلَ أَنْ يَثْبُتَ عَلَيْهِ الْحَدُّ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا أَوْ دَعْهُ. اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا تُشْتَرَطُ الْعِفَّةُ عَنْ الْوَطْءِ الْحَرَامِ) نُظِرَ فِيهِ بِأَنَّ مِنْ جُمْلَةِ الْوَطْءِ الْحَرَامِ الَّذِي لَيْسَ بِزِنًا الْوَطْءُ بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ وَالْوَطْء بِشُبْهَةٍ مَعَ أَنَّهُ تُشْتَرَطُ الْعِفَّةُ عَنْهُمَا وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ أَرَادَ الْحَرَامَ لِغَيْرِهِ وَالْقَرِينَةُ عَلَيْهِ مَا يَأْتِي آخِرَ الْمَقُولَةِ عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَكَذَا مَا يَأْتِي عِنْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ وَمَنْ قَذَفَ امْرَأَةً لَمْ يَدْرِ أَبُو وَلَدِهَا إلَخْ فَرَاجِعْهُ، فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَلَوْ وَطِئَ جَارِيَةَ ابْنِهِ فِي عِدَّةٍ مِنْ زَوْجٍ لَهَا إلَخْ) أَقُولُ: قَدَّمَ أَوَّلَ كِتَابِ الْحُدُودِ أَنَّهُ لَوْ وَطِئَ جَارِيَةَ ابْنِهِ لَا يُحَدُّ لِلزِّنَا وَلَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ بِالزِّنَا وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْفَتْحِ أَيْضًا أَوَّلَ بَابِ الْوَطْءِ الَّذِي لَا يُوجِبُ الْحَدَّ وَسَيَأْتِي أَيْضًا عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِيمَنْ لَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ أَوْ وَطِئَ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ أَنَّهُ دَخَلَ فِيهِ جَارِيَةُ ابْنِهِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 35 وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى أُخْتَهُ مِنْ الرَّضَاعَةِ وَوَطِئَهَا سَقَطَ إحْصَانُهُ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ هُنَا ثَابِتَةٌ عَلَى سَبِيلِ التَّأْبِيدِ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ وَلَوْ اشْتَرَى أَمَةً لَمَسَ أُمَّهَا أَوْ بِنْتَهَا بِشَهْوَةٍ أَوْ نَظَرَ إلَى فَرْجِ أُمِّهَا أَوْ بِنْتِهَا بِشَهْوَةٍ أَوْ نَظَرَ أَبُوهُ أَوْ ابْنُهُ إلَى فَرْجِهَا بِشَهْوَةٍ وَوَطِئَهَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَزُولُ إحْصَانُهُ وَيُحَدُّ قَاذِفُهُ وَقَالَا يَزُولُ إحْصَانُهُ وَلَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ وَكَذَلِكَ عَلَى الِاخْتِلَافِ إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَوَطِئَهَا اهـ. وَجَعَلَ فِي الْخَانِيَّةِ مَنْ وَطِئَ بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ كَمَنْ وَطِئَ الْجَارِيَةَ الْمُشْتَرَكَةَ فِي عَدَمِ وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَى الْقَاذِفِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَنْ زَنَى أَوْ وَطِئَ بِشُبْهَةٍ أَوْ بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ فِي عُمُرِهِ أَوْ وَطِئَ مَنْ هِيَ مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ عَلَى التَّأْبِيدِ سَقَطَ إحْصَانُهُ وَمَا لَا فَلَا كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. (قَوْلُهُ: فَلَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ لَسْت لِأَبِيك أَوْ لَسْت بِابْنِ فُلَانٍ فِي غَضَبٍ حُدَّ وَفِي غَيْرِهِ لَا) أَيْ وَإِنْ قَالَ لَهُ ذَلِكَ فِي حَالَةِ الرِّضَا فَلَا حَدَّ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ الْغَضَبِ يُرَادُ بِهِ حَقِيقَتُهُ سَبًّا لَهُ وَفِي غَيْرِهِ يُرَادُ بِهِ الْمُعَاتَبَةُ بِنَفْيِ مُشَابَهَتِهِ لَهُ فِي أَسْبَابِ الْمُرُوءَةِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ وَقَعَ فِي الْهِدَايَةِ مَسْأَلَتَانِ الْأُولَى قَالَ وَمَنْ نَفَى نَسَبَ غَيْرِهِ وَقَالَ لَسْت لِأَبِيك، فَإِنَّهُ يُحَدُّ وَهَذَا إذَا كَانَتْ أُمَّةً مُسْلِمَةً حُرَّةً؛ لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ قَذْفٌ لِأُمِّهِ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ إنَّمَا يُنْفَى عَنْ الزَّانِي لَا عَنْ غَيْرِهِ الثَّانِيَةُ قَالَ لِغَيْرِهِ فِي غَضَبٍ لَسْت بِابْنِ فُلَانٍ لِأَبِيهِ الَّذِي يُدْعَى لَهُ يُحَدُّ وَلَوْ قَالَ فِي غَيْرِ غَضَبٍ لَا يُحَدُّ وَعَلَّلَهُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُمَا مَسْأَلَتَانِ مُخْتَلِفَانِ صُورَةً وَحُكْمًا؛ لِأَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى قَدْ نَفَاهُ عَنْ أَبِيهِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِلْأَبِ الَّذِي يُدْعَى إلَيْهِ وَحُكْمُهَا وُجُوبُ الْحَدِّ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ فِي غَضَبٍ أَوْ رِضًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَصِّلْ وَفِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ قَدْ نَفَاهُ عَنْ أَبِيهِ الْمُعَيَّنِ الَّذِي يُدْعَى إلَيْهِ وَحُكْمُهَا التَّفْصِيلُ وَقَدْ حَمَلَ بَعْضُهُمْ الْمَسْأَلَةَ الْأُولَى عَلَى التَّفْصِيلِ فِي الثَّانِيَةِ وَهُوَ أَنَّهُ كَانَ فِي حَالَةِ الْغَضَبِ حُدَّ لَا فِي غَيْرِهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهُوَ بَعِيدٌ لِمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ بِقَوْلِهِ، وَإِنْ قَالَ لِرَجُلٍ: يَا وَلَدَ الزِّنَا أَوْ يَا ابْنَ الزِّنَا أَوْ لَسْت لِأَبِيك وَأُمُّهُ حُرَّةٌ مُسْلِمَةٌ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ. بَلَغَنَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ لَا حَدَّ إلَّا فِي قَذْفِ مُحْصَنَةٍ أَوْ نَفْيِ رَجُلٍ عَنْ أَبِيهِ اهـ. لِأَنَّهُ سَوَّى بَيْنَ الْأَلْفَاظِ الثَّلَاثَةِ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهُ إذَا قَالَ يَا وَلَد الزِّنَا أَوْ يَا ابْن الزِّنَا لَا يَتَأَتَّى فِيهِ تَفْصِيلٌ بَلْ يُحَدُّ أَلْبَتَّةَ اهـ. فَكَذَلِكَ إذَا قَالَ لَسْتَ لِأَبِيكَ لِأَنَّهُمْ صَرَّحُوا أَنَّهُ بِمَعْنَى: أُمُّكَ زَانِيَةٌ أَوْ زَنَتْ وَلَا يُرَادُ بِهِ الْمُعَاتَبَةُ حَالَةَ الرِّضَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْ أَبًا مَخْصُوصًا حَتَّى يَنْفِيَ أَنْ يَكُونَ عَلَى إطْلَاقِهِ ثُمَّ رَأَيْتُ التَّصْرِيحَ بِذَلِكَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ قَالَ لِرَجُلٍ لَسْتَ لِأَبِيكَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَذَفَ كَانَ ذَلِكَ فِي غَضَب أَوْ رِضَا. وَلَوْ قَالَ لَيْسَ هَذَا أَبَاكَ لِأَبِيهِ الْمَعْرُوفِ، فَإِنْ كَانَ هَذَا فِي حَالَةِ الرِّضَا أَوْ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِفْهَامِ لَا يَكُونُ قَذْفًا، وَإِنْ كَانَ فِي غَضَبٍ أَوْ عَلَى وَجْهِ التَّعْيِيرِ كَانَ قَذْفًا اهـ. وَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ أَنَّ التَّقْدِيرَ حَالَةَ الرِّضَا لَسْتَ لِأَبِيكَ الْمَشْهُورُ مَجَازًا عَنْ نَفْيِ الْمُشَابَهَةِ فِي مَحَاسِنِ الْأَخْلَاقِ فَبَعِيدٌ كَمَا لَا يَخْفَى وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِ الْمُخْتَصَرِ بِأَنْ تَكُونَ أُمُّهُ مُحْصَنَةً لِأَنَّهُ قَذَفَ لَهَا وَمَا فِي الْهِدَايَةِ مِنْ التَّقْيِيدِ بِحُرِّيَّةِ أُمِّهِ وَإِسْلَامُهَا لَا يَنْفِي اشْتِرَاطَ بَقِيَّةِ شُرُوطِ الْإِحْصَانِ وَلِذَا اعْتَرَضَهُ الشَّارِحُونَ. وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ إنَّكَ ابْنُ فُلَانٍ لِغَيْرِ أَبِيهِ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ مِنْ التَّفْصِيلِ وَقُيِّدَ بِالنَّفْيِ عَنْ أَبِيهِ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ لَوْ نَفَاهُ عَنْ أُمِّهِ أَوْ عَنْ أَبِيهِ وَأُمِّهِ فَلَا حَدَّ فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا لِلْكَذِبِ فِي الثَّانِي وَلِأَنَّ فِيهِ نَفْيَ الزِّنَا؛ لِأَنَّ نَفْيَ الْوِلَادَةِ نَفْيٌ لِلْوَطْءِ وَلِلصِّدْقِ فِي الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ لَيْسَ لِأُمِّهِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ لِطَلَبِ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّ الْأُمَّ إنْ كَانَتْ حَيَّةً فَالطَّلَبُ لَهَا، وَإِنْ كَانَتْ مَيِّتَةً فَالطَّلَبُ لِكُلِّ مَنْ يَقَعُ الْقَدْحُ فِي نَسَبِهِ، الْمُخَاطَبُ وَغَيْرُهُ سَوَاءٌ. وَفِي الْقُنْيَةِ سَمِعَ أُنَاسٌ مِنْ أُنَاسٍ كَثِيرَةٍ أَنَّ فُلَانًا وَلَدَ فُلَانٍ، وَالْفُلَانُ يَجْحَدُ فَلَهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا مُطْلَقًا أَنَّ هَذَا وَلَدُهُ بِمُجَرَّدِ السَّمَاعِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمُوا حَقِيقَتَهُ، وَلَوْ قَالَ وَاحِدٌ لِهَذَا الْوَلَدِ: وَلَدُ الزِّنَا لَا يُحَدُّ اهـ. (قَوْلُهُ كَنَفْيِهِ عَنْ جَدِّهِ وَقَوْلُهُ لِعَرَبِيٍّ يَا نَبَطِيُّ أَوْ يَا ابْنَ مَاءِ السَّمَاءِ وَنَسَبَهُ إلَى خَالِهِ وَعَمِّهِ وَرَابِّهِ) أَيْ لَا يَجِب   [منحة الخالق] [قَالَ لِغَيْرِهِ لَسْت لِأَبِيك أَوْ لَسْت بِابْنِ فُلَانٍ فِي غَضَبٍ] (قَوْلُهُ: وَهُوَ بَعِيدٌ لِمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْكَافِي إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَقُولُ: مَا جَرَى عَلَيْهِ شُرَّاحُ الْهِدَايَةِ وَأَكْثَرُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ التَّقْيِيدِ بِالْغَضَبِ هُوَ الْمَذْهَبُ لِمَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّهُ مَعَ الرِّضَا لَيْسَ قَذْفًا وَكَيْفَ يُحَدُّ بِمَا لَيْسَ قَذْفًا وَبِهِ يَضْعُفُ مَا عَنْ الثَّانِي وَكَأَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ شَاذَّةٌ عَنْهُ وَلِذَا ذَكَرَ فِي وَسِيطِ الْمُحِيطِ عَنْهُ أَنَّهُ قَذَفَ فِي حَالَةِ الْغَضَبِ دُونَ الرِّضَا وَمَا فِي الْكَافِي لَا دَلَالَةَ فِيهِ لِمَا ادَّعَاهُ بِوَجْهٍ مَعَ اسْتِدْلَالِهِ فِي النَّفْيِ بِالْأَثَرِ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى حَالَةِ الْغَضَبِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ يَا وَلَدَ الزِّنَا أَظْهَرُ مِنْ الشَّمْسِ وَقْتَ الضُّحَى؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَ الْقَذْفِ فَاسْتَوَتْ الْحَالَتَانِ فِيهِ بِخِلَافِ النَّفْيِ ثُمَّ رَأَيْت فِي عِقْدِ الْفَوَائِدِ قَالَ التَّفْصِيلُ هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَالِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ دُونَ مَا يَقَعُ سِوَاهُ مُخَالِفًا لَهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 36 الْحَدُّ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَمَّا الْأَوَّلُ وَهُوَ مَا إذَا نَفَاهُ عَنْ جَدِّهِ فَلِأَنَّهُ صَادِقٌ فِي قَوْلِهِ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَوْ نَسَبَهُ إلَى جَدِّهِ لَا يُحَدُّ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُنْسَبُ إلَيْهِ مَجَازًا. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ إذَا قَالَ: لَسْت مِنْ وَلَدِ فُلَانٍ فَهَذَا قَذْفٌ وَلَوْ قَالَ لَسْت مِنْ وِلَادَةِ فُلَانٍ فَهَذَا لَيْسَ بِقَذْفٍ، وَإِذَا قَالَ لِغَيْرِهِ لَسْت لِأَبٍ لَسْت لِأَبِيك لَمْ يَلِدْك أَبُوك فَهَذَا كُلُّهُ قَذْفٌ لِأُمِّهِ وَكَذَا إذَا قَالَ لَسْت لِلرَّشْدَةِ. اهـ. وَأَمَّا عَدَمُهُ فِيمَا إذَا قَالَ لِعَرَبِيٍّ يَا نَبَطِيُّ فَلِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ التَّشْبِيهُ فِي الْأَخْلَاقِ أَوْ عَدَمُ الْفَصَاحَةِ وَكَذَا إذَا قَالَ لَسْت بِعَرَبِيٍّ لِمَا قُلْنَا وَفَسَّرَهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ بِرَجُلٍ مِنْ غَيْرِ الْعَرَبِ وَفِي الْمُغْرِبِ النَّبَطُ جِيلٌ مِنْ النَّاسِ بِسَوَادِ الْعِرَاقِ الْوَاحِدُ نَبَطِيٌّ وَعَنْ ثَعْلَبٍ عَنْ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ رَجُلٌ نَبَاطِيٌّ وَلَا تَقُلْ نَبَطِيٌّ اهـ. وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَسْت مِنْ بَنِي فُلَانٍ فَلَا حَدَّ وَكَذَا إذَا قَالَ لِهَاشِمِيٍّ لَسْت بِهَاشِمِيٍّ لَكِنَّهُ يُعَزَّرُ كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ، وَأَمَّا إذَا قَالَ لِرَجُلٍ يَا ابْنَ مَاءِ السَّمَاءِ فَلِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ التَّشْبِيهُ فِي الْجُودِ، وَالسَّمَاحَةِ، وَالصَّفَاءِ؛ لِأَنَّ ابْنَ مَاءِ السَّمَاءِ لُقِّبَ بِهِ لِصَفَائِهِ وَسَخَائِهِ وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ مَاءُ السَّمَاءِ هُوَ عَامِرٌ أَبُو مَزِيقِيًّا وَسُمِّيَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْقَحْطِ أَقَامَ مَالَهُ مَقَامَ الْمَطَرِ وَكَانَ غِيَاثًا لِقَوْلِهِ مِثْلُ مَاءِ السَّمَاءِ لِلْأَرْضِ وَكَانَتْ أُمُّ الْمُنْذِرِ بِنْتَ امْرِئِ الْقَيْسِ أَيْضًا مَاءَ السَّمَاءِ لِجَمَالِهَا وَحُسْنِهَا، وَإِنَّمَا سَمَّى عَمْرٌو وَلَدَهُ مَزِيقِيًّا؛ لِأَنَّهُ كَانَ يُمَزِّقُ كُلَّ يَوْمٍ حُلَّتَيْنِ يَلْبِسُهُمَا وَيَكْرَهُ أَنْ يَعُودَ فِيهِمَا وَيَكْرَهُ أَنْ يَلْبَسَهُمَا غَيْرُهُ اهـ. وَأَمَّا إذَا نَسَبَهُ إلَى عَمِّهِ أَوْ خَالِهِ أَوْ زَوْجِ أُمِّهِ فَلِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ يُسَمَّى أَبًا أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ} [البقرة: 133] فَإِسْمَاعِيلُ كَانَ عَمًّا لَهُ أَيْ لِيَعْقُوبَ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ -. ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْخَالُ أَبٌ» ، وَأَمَّا الثَّالِثُ فَلِلتَّرْبِيَةِ وَنِسْبَتُهُ إلَى الْمُرَبِّي فِي الْكِتَابِ دُونَ زَوْجِ الْأُمِّ يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ فِيهِ لِلتَّرْبِيَةِ لَا غَيْرُ حَتَّى لَوْ نَسَبَهُ إلَى مَنْ رَبَّاهُ وَهُوَ لَيْسَ بِزَوْجٍ لِأُمِّهِ وَجَبَ أَنْ لَا يُحَدَّ كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَا يُحَدُّ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ سَوَاءٌ كَانَ فِي حَالَةِ الْغَضَبِ أَوْ الرِّضَا وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ هُنَاكَ رَجُلٌ اسْمُهُ مَاءُ السَّمَاءِ يَعْنِي وَهُوَ مَعْرُوفٌ يُحَدُّ فِي حَالِ السِّبَابِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ، فَإِنْ قِيلَ: إذَا كَانَ قَدْ سُمِّيَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ لِلسَّخَاءِ أَوْ الصَّفَاءِ فَيَنْبَغِي فِي حَالِ الْغَضَبِ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى النَّفْيِ لَكِنَّ جَوَابَ الْمَسْأَلَةِ مُطْلَقٌ فَالْجَوَابُ لِمَا لَمْ يُعْهَدْ اسْتِعْمَالُهُ لِذَلِكَ الْقَصْدِ يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ الْمُرَادُ فِي حَالَةِ الْغَضَبِ التَّهَكُّمَ بِهِ عَلَيْهِ كَمَا قُلْنَا فِي قَوْلِهِ لَسْت بِعَرَبِيٍّ لَمَّا لَمْ تُسْتَعْمَلْ فِي النَّفْيِ يُحْمَلُ فِي حَالَةِ الْغَضَبِ عَلَى سَبِّهِ بِنَفْيِ الشَّجَاعَةِ، وَالسَّخَاءِ عَنْهُ لَيْسَ غَيْرُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ يَا ابْنَ الزَّانِيَةِ وَأُمُّهُ مَيِّتَةٌ فَطَلَبَ الْوَالِدُ أَوْ الْوَلَدُ أَوْ وَلَدُهُ حُدَّ) ؛ لِأَنَّهُ قَذَفَ مُحْصَنَةً بَعْدَ مَوْتِهَا فَلِكُلِّ مَنْ يَقَعُ الْقَدَحُ فِي نَسَبِهِ بِقَذْفِهِ لَهُ الْمُطَالَبَةُ وَهُوَ الْأُصُولُ، وَالْفُرُوعُ؛ لِأَنَّ الْعَارَ يَلْتَحِقُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: أَمَّا الْأَوَّلُ وَهُوَ مَا إذَا نَفَاهُ عَنْ جَدِّهِ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ لَسْت ابْنَ فُلَانٍ لِأَبِيهِ الْمَعْرُوفِ لَهُ مَعْنًى مَجَازِيٌّ هُوَ نَفْيُهُ الْمُشَابَهَةَ وَمَعْنًى حَقِيقِيٌّ هُوَ نَفْيُ كَوْنِهِ مِنْ مَائِهِ مَعَ زِنَا الْأُمِّ بِهِ أَوْ عَدَمِهِ بَلْ بِشُبْهَتِهِ فَهِيَ ثَلَاثُ مَعَانٍ يُمْكِنُ إرَادَةُ كُلٍّ مِنْهَا عَلَى الْخُصُوصِ وَقَدْ حَكَمُوا بِتَحْكِيمِ الْغَضَبِ وَعَدَمِهِ فَمَعَهُ يُرَادُ نَفْيُ كَوْنِهِ مِنْ مَائِهِ مَعَ زِنَا الْأُمِّ بِهِ وَمَعَ عَدَمِهِ يُرَادُ الْمَجَازِيُّ وَقَوْلُهُ لَسْت بِابْنِ فُلَانٍ لِجَدِّهِ لَهُ مَعْنًى مَجَازِيٌّ هُوَ نَفْيُ مُشَابَهَتِهِ لِجَدِّهِ وَمَعْنَيَانِ حَقِيقِيٌّ وَهُوَ نَفْيُ كَوْنِهِ مَخْلُوقًا مِنْ مَائِهِ وَآخَرُ هُوَ نَفْيُ كَوْنِهِ أَبًا أَعْلَى لَهُ وَهُوَ يَصْدُقُ بِصُورَتَيْنِ: نَفْيُ كَوْنِ أَبِيهِ خُلِقَ مِنْ مَائِهِ بَلْ زَنَتْ جَدَّتُهُ بِهِ أَوْ جَاءَتْ بِهِ بِشُبْهَةٍ وَهَذِهِ الْمَعَانِي يَصِحُّ إرَادَةُ كُلٍّ مِنْهَا وَقَدْ حَكَمَ بِتَعْيِينِ الْغَضَبِ أَحَدُهَا بِعَيْنِهِ فِي الْأَوَّلِ وَهُوَ كَوْنُهُ لَيْسَ مِنْ مَائِهِ مَعَ زِنَا الْأُمِّ بِهِ إذْ لَا مَعْنَى؛ لَأَنْ يُخْبِرَهُ فِي السِّبَابِ بِأَنَّ أُمَّهُ جَاءَتْ بِهِ بِغَيْرِ زِنًا بَلْ بِشُبْهَةٍ فَيَجِبُ أَنْ يُحْكَمَ أَيْضًا بِتَعَيُّنِ الْغَضَبِ فِي الْمَعْنَى الثَّانِي الَّذِي هُوَ نَفْيُ نَسَبِ أَبِيهِ عَنْهُ وَقَذْفُ جَدَّتِهِ بِهِ، فَإِنَّهُ لَا مَعْنَى لِإِخْبَارِهِ فِي حَالَةِ الْغَضَبِ بِأَنَّك لَمْ تُخْلَقْ مِنْ مَاءِ جَدِّك وَهُوَ مَعَ سَمَاجَتِهِ أَبْعَدُ فِي الْإِرَادَةِ مِنْ أَنْ يُرَادَ نَفْيُ أُبُوَّتِهِ لِأَبِيهِ؛ لِأَنَّ هَذَا كَقَوْلِنَا السَّمَاءُ فَوْقَ الْأَرْضِ وَلَا مُخَلِّصَ إلَّا بِأَنْ يَكُونَ فِيهَا إجْمَاعٌ عَلَى نَفْيِ الْحَدِّ بِلَا تَفْصِيلٍ كَمَا أَنَّ فِي تِلْكَ إجْمَاعًا عَلَى ثُبُوتِهِ بِالتَّفْصِيلِ. اهـ. قُلْت قَدْ يُجَابُ بِالْفَرْقِ وَهُوَ أَنَّ إرَادَةَ الْقَذْفِ فِي نَفْيِهِ عَنْ جَدِّهِ بِالْعُدُولِ عَنْ الْحَقِيقَةِ إلَى الْمَجَازِ لِلْقَرِينَةِ وَذَلِكَ شُبْهَةٌ يَنْدَرِئُ بِهَا الْحَدُّ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْكَلَامِ الْحَقِيقَةُ وَحَالُ الْمُسْلِمِ شَاهِدَةٌ بِأَنَّهُ أَرَادَ الْحَقِيقَةَ وَأَتَى فِي حَالِ الشَّتْمِ بِكَلَامٍ يَحْتَمِلُ الْقَذْفَ فَصَارَتْ حَالَتُهُ قَرِينَةً مُعَارِضَةً لِقَرِينَةِ إرَادَةِ الشَّتْمِ بِخِلَافِ نَفْيِهِ عَنْ أَبِيهِ، فَإِنَّهُ قَذْفٌ حَقِيقَةً وَحَالَةُ الْغَضَبِ قَرِينَةٌ أَيْضًا مُسَاعِدَةٌ لِلْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ وَكَوْنُ الْقَذْفِ مُحَرَّمًا قَرِينَةٌ عَلَى إرَادَةِ الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ وَهُوَ كَوْنُهُ لَيْسَ مِثْلَ أَبِيهِ فِي الْأَخْلَاقِ فَقَدْ تَعَارَضَتْ الْقَرِينَتَانِ وَهُمَا حَالَةُ الْغَضَبِ وَحَالَةُ الْمُسْلِمِ فَتَسَاقَطَتَا وَبَقِيَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ سَالِمًا عَنْ الْمُعَارِضِ وَهُوَ نَفْيُ كَوْنِهِ مَخْلُوقًا مِنْ مَائِهِ (قَوْلُهُ: وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَسْت مِنْ بَنِي فُلَانٍ) يَعْنِي الْقَبِيلَةَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْخَانِيَّةِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 37 بِهِمْ لِمَكَانِ الْجُزْئِيَّةِ فَيَكُونُ الْقَذْفُ مُتَنَاوِلًا لَهُمْ مَعْنًى قَيَّدَ بِمَوْتِهَا؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ غَائِبَةً لَمْ يُمْكِنْ لَهُمْ الْمُطَالَبَةُ لِجَوَازِ أَنْ تُصَدِّقَ الْقَاذِفَ إذَا حَضَرَتْ، وَالتَّقْيِيدُ بِقَذْفِ الْأُمِّ اتِّفَاقِيٌّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَذَفَ رَجُلًا وَهُوَ مَيِّتٌ فَلِأَصْلِهِ أَوْ فَرْعِهِ الْمُطَالَبَةُ وَلِذَا ذَكَرَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَوْ قَذَفَ مَيِّتًا وَجَبَ الْحَدُّ عَلَى الْقَاذِفِ وَلِلْوَالِدَيْنِ، وَالْمَوْلُودَيْنِ أَنْ يُخَاصِمُوا سَوَاءٌ كَانَ الْوَلَدَ أَوْ الْوَالِدَ أَمْ لَمْ يَكُنْ، وَالتَّقْيِيدُ بِالْوَالِدِ اتِّفَاقِيٌّ أَيْضًا إذْ الْأُمُّ كَذَلِكَ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ قَوْلِهِ وَلِلْوَالِدَيْنِ فَعَلَى هَذَا لَوْ قَذَفَ مَيِّتًا بِالزِّنَا وَلَهُ أُمٌّ فَلَهَا الْمُطَالَبَةُ؛ لِأَنَّهُ يَلْحَقُهَا الْعَارُ بِذَلِكَ وَصَرَّحَ الزَّيْلَعِيُّ بِأَنَّ لِلْأُصُولِ الْمُطَالَبَةَ وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّ لِلْجَدِّ الْمُطَالَبَةَ وَقَدْ صَرَّحَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مَعْزِيًّا إلَى شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ بِأَنَّ الْمُرَادَ الْأَبُ، وَالْجَدُّ، وَإِنْ عَلَا وَيُخَالِفُهُ مَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ مِنْ أَنَّ الْجَدَّ أَبُ الْأَبِ لَا يُطَالِبُ بِهِ وَلَا أُمُّ الْأُمِّ وَلَا الْأَخُ وَلَا الْعَمُّ، وَلَا الْعَمَّةُ وَلَا مَوْلَاهُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهُوَ سَهْوٌ مِنْ الْقَلَمِ فِي النُّسْخَةِ الَّتِي نَقَلَ مِنْهَا، وَالْمَوْجُودُ فِي الْفَتَاوَى أَنَّ الْجَدَّ أَبٌ الْأُمِّ لَيْسَ لَهُ الْمُطَالَبَةُ وَلَيْسَ فِيمَا ذُكِرَ الْجَدُّ أَبُو الْأَبِ فَالْحَقُّ أَنَّ لَهُ الْمُطَالَبَةَ وَأَفَادَ بِالتَّعْبِيرِ بِأَوْ أَنَّ لِلْفَرْعِ الْمُطَالَبَةَ مَعَ وُجُودِ أَصْلِهِ وَأَنَّ لِوَلَدِ الْوَلَدِ الْمُطَالَبَةَ مَعَ وُجُودِ الْوَلَدِ وَأَنَّهُ إذَا صَدَّقَ الْقَاذِفُ بَعْضَهُمْ فَلِلْبَعْضِ الْآخَرِ الْمُطَالَبَةُ وَلِذَا ذَكَرَ فِي الْخَانِيَّةِ أَنَّ رَجُلًا لَوْ قَذَفَ مَيِّتًا وَلَهُ ابْنَانِ فَصَدَّقَهُ أَحَدُهُمَا فَلِلْآخِرِ أَنْ يَحُدَّهُ. اهـ. وَكَذَا إذَا عَفَا بَعْضُهُمْ فَلِلْآخَرِ الْمُطَالَبَةُ وَأَطْلَقَ فِي الْوَلَدِ فَشَمِلَ وَلَدَ الْبِنْتِ فَلَهُ الْمُطَالَبَةُ بِقَذْفِ جَدِّهِ وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ خِلَافُهُ، وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الشَّيْنَ يَلْحَقُهُ إذْ النَّسَبُ ثَابِتٌ مِنْ الطَّرَفَيْنِ وَقَدْ أَفَادَ صَرِيحُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ لِوَلَدِ الْوَلَدِ الْمُطَالَبَةَ بِقَذْفِ جَدِّهِ وَلَمْ يُخَالِفْ فِي ذَلِكَ إلَّا زُفَرُ وَلَا يُخَالِفُهُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهُ: جَدُّك زَانٍ لَا حَدَّ عَلَيْهِ لِمَا عَلَّلَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَدْرِي أَيُّ جَدٍّ هُوَ وَأَوْضَحَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّ فِي أَجْدَادِهِ مَنْ هُوَ كَافِرٌ فَلَا يَكُونُ قَاذِفًا مَا لَمْ يُعَيِّنْ مُسْلِمًا بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَنْتَ ابْنُ ابْنِ الزَّانِيَةِ؛ لِأَنَّهُ قَاذِفٌ لِجَدِّهِ الْأَدْنَى، فَإِنْ كَانَ أَوْ كَانَتْ مُحْصَنَةً حُدَّ اهـ. وَقَدْ اُسْتُفِيدَ مِمَّا قَدَّمَهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمَقْذُوفُ مَيِّتًا مُحْصَنًا فَلِذَا لَمْ يُقَيِّدْ بِهِ هُنَا وَأَطْلَقَ فِي الطَّالِبِ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ غَيْرَ مُحْصَنٍ فَلَوْ كَانَ أَصْلُ الْمُحْصَنِ الْمَيِّتِ أَوْ فَرْعُهُ كَافِرًا أَوْ عَبْدًا فَلَهُ أَنْ يُطَالِبَ بِالْحَدِّ خِلَافًا لِزُفَرَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الِاسْتِحْقَاقِ إذْ الْكُفْرُ أَوْ الرِّقُّ لَا يُنَافِيه وَقَدْ عَيَّرَهُ بِنِسْبَةِ مُحْصَنٍ إلَى الزِّنَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَذَفَهُ هُوَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُحْصَنٍ فَلَا يَلْحَقُهُ الْعَارُ فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَلَوْ قَذَفَ مَيِّتًا مُحْصَنًا فَلِأَصْلِهِ، وَإِنْ عَلَا أَوْ فَرْعِهِ، وَإِنْ سَفُلَ مُطْلَقًا الْمُطَالَبَةُ لَكَانَ أَوْلَى. قَوْلُه ُ (وَلَا يَطْلُبُ وَلَدٌ وَعَبْدٌ أَبَاهُ وَسَيِّدَهُ بِقَذْفِ أُمِّهِ) ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يُعَاقِبُ بِسَبَبِ عَبْدِهِ وَكَذَا الْأَبُ بِسَبَبِ ابْنِهِ وَلِهَذَا لَا يُقَادُ الْوَالِدُ بِوَلَدِهِ وَلَا السَّيِّدُ بِعَبْدِهِ الْمُرَادُ بِالْوَلَدِ الْفَرْعُ، وَإِنْ سَفُلَ وَبِالْأَبِ الْأَصْلُ، وَإِنْ عَلَا ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى. قَالُوا: وَلَيْسَ لِلْوَلَدِ الْمُطَالَبَةُ بِالْحَدِّ إذَا كَانَ الْقَاذِفُ أَبَاهُ أَوْ جَدَّهُ، وَإِنْ عَلَا وَأُمَّهُ وَجَدَّتَهُ، وَإِنْ عَلَتْ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُمَا لَا يُطَالِبَانِ بِقَذْفِهِمَا بِالْأَوْلَى وَقَيَّدَ بِوَلَدِ الْقَاذِفِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لِلْمَقْذُوفَةِ الْمَيِّتَةِ ابْنَانِ أَحَدُهُمَا مِنْ غَيْرِ الْقَاذِفِ فَلَهُ أَنْ يُطَالِبَ بِالْحَدِّ لِعَدَمِ الْمَانِعِ فِي حَقِّهِ وَكَذَا لَوْ كَانَ لَهَا أَبٌ وَنَحْوُهُ فَلَهُ الْمُطَالَبَةُ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ مَمْلُوكًا لِلْقَاذِفِ فَسُقُوطُ حَقِّ بَعْضِهِمْ لَا يُوجِبُ سُقُوطَ حَقِّ الْبَاقِينَ بِخِلَافِ الْقِصَاصِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْقِصَاصَ حَقُّ الْعَبْدِ يَسْتَحِقُّونَهُ بِالْمِيرَاثِ وَلِهَذَا يَثْبُتُ لِجَمِيعِ الْوَرَثَةِ بِقَدْرِ إرْثِهِمْ، فَإِذَا سَقَطَ حَقُّ بَعْضِهِمْ وَهُوَ لَا يَقْبَلُ التَّجْزِيءَ سَقَطَ حَقُّ الْبَاقِينَ ضَرُورَةً، وَأَمَّا حَدُّ الْقَذْفِ فَحَقُّ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنَّمَا لِلْعَبْدِ حَقُّ الْخُصُومَةِ إذَا لَحِقَهُ بِهِ شَيْنٌ فَيَثْبُتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى الْكَمَالِ فَسُقُوطُ حَقِّ بَعْضِهِمْ فِي الْخُصُومَةِ لَا يُسْقِطُ حَقَّ الْبَاقِينَ وَلِهَذَا كَانَ لِلْأَبْعَدِ مِنْهُمْ حَقٌّ مَعَ وُجُودِ الْأَقْرَبِ وَقَيَّدَ بِالْقَذْفِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ شَتَمَهُ وَالِدُهُ، فَإِنَّهُ يُعَزَّرُ قَالَ فِي الْقُنْيَةِ وَلَوْ قَالَ لِآخَرَ يَا حَرَامُ زَادَهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ حَدُّ الْقَذْفِ قَالَ   [منحة الخالق] [قَالَ يَا ابْنَ الزَّانِيَةِ وَأُمُّهُ مَيِّتَةٌ فَطَلَبَ الْوَالِدُ أَوْ الْوَلَدُ أَوْ وَلَدُهُ] قَوْلُهُ: وَلَا الْأُمُّ وَلَا الْأَخُ) كَذَا فِي عَامَّةِ النُّسَخِ وَفِي نُسْخَةٍ وَلَا أُمُّ الْأُمِّ وَهِيَ الصَّوَابُ الْمُوَافِقَةُ لِمَا فِي الْفَتْحِ وَالْخَانِيَّةِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 38 وَقَدْ كَتَبْت أَنَّهُ لَوْ قَالَ ذَلِكَ الْوَالِدُ لِوَلَدِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ التَّعْزِيرُ اهـ. وَفِي نَفْسِي مِنْهُ شَيْءٌ لِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّ الْوَالِدَ، وَالِدَ لَا يُعَاقَبُ بِسَبَبِ وَلَدِهِ، فَإِذَا كَانَ الْقَذْفُ لَا يُوجِبُ عَلَيْهِ شَيْئًا فَالشَّتْمُ أَوْلَى. (قَوْلُهُ: وَيَبْطُلُ بِمَوْتِ الْمَقْذُوفِ) أَيْ بَطَلَ الْحَدُّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوَرَّثُ عِنْدَنَا وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ فِيهِ حَقُّ الشَّرْعِ وَحَقُّ الْعَبْدِ، فَإِنَّهُ شُرِعَ لِدَفْعِ الْعَارِ عَنْ الْمَقْذُوفِ وَهُوَ الَّذِي يَنْتَفِعُ بِهِ عَلَى الْخُصُوصِ فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ حَقُّ الْعَبْدِ ثُمَّ إنَّهُ شُرِعَ زَاجِرًا وَمِنْهُ سُمِّيَ حَدًّا، وَالْمَقْصِدُ مِنْ شَرْعِ الزَّوَاجِرِ إخْلَاءُ الْعَالَمِ عَنْ الْفَسَادِ وَهَذَا آيَةُ حَقِّ الشَّرْعِ وَبِكُلِّ ذَلِكَ تَشْهَدُ الْأَحْكَامُ، فَإِذَا تَعَارَضَتْ الْجِهَتَانِ فَالشَّافِعِيُّ مَالَ إلَى تَغْلِيبِ حَقِّ الْعَبْدِ تَقْدِيمًا لَحِقَ الْعَبْدِ بِاعْتِبَارِ حَاجَتِهِ وَغِنَى الشَّرْعِ وَنَحْنُ صِرْنَا إلَى تَغْلِيبِ حَقِّ الشَّرْعِ؛ لِأَنَّ مَا لِلْعَبْدِ مِنْ الْحَقِّ يَتَوَلَّاهُ مَوْلَاهُ فَيَصِيرُ حَقُّ الْعَبْدِ مُدَّعِيًا بِهِ وَلَا كَذَلِكَ عَكْسُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِلْعَبْدِ فِي اسْتِيفَاءِ حَقِّ الشَّرْعِ إلَّا نِيَابَةً وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ الْمَشْهُورُ الَّذِي تَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ الْفُرُوعُ الْمُخْتَلَفُ فِيهَا مِنْهَا الْإِرْثُ إذْ الْإِرْثُ يَجْرِي فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ لَا فِي حُقُوقِ الشَّرْعِ وَمِنْهَا الْعَفْوُ، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ الْعَفْوُ عَنْ الْمَقْذُوفِ عِنْدَنَا وَيَصِحُّ عِنْدَهُ وَمِنْهَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ وَيَجْرِي فِيهِ التَّدَاخُلُ وَعِنْدَهُ لَا يَجْرِي وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الْعَفْوِ مِثْلُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: إنَّ الْغَالِبَ حَقُّ الْعَبْدِ وَخَرَّجَ الْأَحْكَامَ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَاعْلَمْ أَنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الدَّعْوَى فِي إقَامَتِهِ وَلَمْ تَبْطُلْ الشَّهَادَةُ بِالتَّقَادُمِ وَيَجِبُ عَلَى الْمُسْتَأْمَنِ وَيُقِيمُهُ الْقَاضِي بِعِلْمِهِ إذَا عَلِمَهُ فِي أَيَّامِ قَضَائِهِ وَكَذَا لَوْ قَذَفَهُ بِحَضْرَةِ الْقَاضِي حَدَّهُ، وَإِنْ عَلِمَهُ الْقَاضِي قَبْلَ أَنْ يَسْتَقْضِيَ ثُمَّ وَلِيَ الْقَضَاءَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُقِيمَهُ حَتَّى يَشْهَدَ بِهِ عِنْدَهُ وَيُقَدَّمُ اسْتِيفَاؤُهُ عَلَى حَدِّ الزِّنَا، وَالسَّرِقَةِ إذَا اجْتَمَعَا وَلَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنْهُ بَعْدَ الْإِقْرَارِ بِهِ وَهَذَا كُلُّهُ بِاعْتِبَارِ حَقِّ الْعَبْدِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ يَسْتَوْفِيه دُونَ الْمَقْذُوفِ بِخِلَافِ الْقِصَاصِ وَلَا يَنْقَلِبُ مَالًا عِنْدَ سُقُوطِهِ وَلَا يَسْتَخْلِفُ عَلَيْهِ الْقَاذِفَ وَيَتَنَصَّفُ بِالرِّقِّ كَالْعُقُوبَاتِ الْوَاجِبَةِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى وَلَا يُبَاحُ الْقَذْفُ بِإِبَاحَتِهِ وَلَا يَحْلِفُ الْقَاذِفُ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ كَقِيلٍ إلَى أَنْ يَثْبُتَ وَهَذَا كُلُّهُ بِاعْتِبَارِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَوَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي الْفُرُوعِ الْمَذْكُورَةِ أَوَّلًا ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ صَدْرَ الْإِسْلَامِ، وَإِنْ صَحَّ أَنَّ الْغَالِبَ حَقُّ الْعَبْدِ لَمْ يُخَالِفْ فِي الْفُرُوعِ مِنْ عَدَمِ الْإِرْثِ وَصِحَّةِ الْعَفْوِ إلَى آخِرِهِ، وَإِنَّمَا أَجَابَ عَنْهَا كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَأَطْلَقَ بُطْلَانَهُ بِمَوْتِ الْمَقْذُوفِ فَشَمِلَ الْكُلَّ، وَالْبَعْضَ حَتَّى لَوْ ضُرِبَ الْقَاذِفُ بَعْضَ الْحَدِّ فَمَاتَ الْمَقْذُوفُ لَا يُقَامُ مَا بَقِيَ وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِ قَذَفَهُ حَيًّا إذْ لَوْ قَذَفَهُ مَيِّتًا فَلِأَصْلِهِ وَفَرْعِهِ الْمُطَالَبَةُ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ لَا بِطَرِيقِ الْمِيرَاثِ. (قَوْلُهُ: لَا بِالرُّجُوعِ، وَالْعَفْوِ) أَيْ لَا يَبْطُلُ بِرُجُوعِ الْقَاذِفِ عَنْ الْإِقْرَارِ وَلَا بِعَفْوِ الْمَقْذُوفِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ وَقَدْ تَوَهَّمَ بَعْضُ حَنَفِيَّةِ زَمَانِنَا مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ الْعَفْوِ أَنَّ الْقَاضِيَ يُقِيمُ الْحَدَّ عَلَيْهِ مَعَ عَفْوِ الْمَقْذُوفِ وَتَعَلَّقَ بِمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ قَوْلِهِ وَمِنْهَا الْعَفْوُ، فَإِنَّهُ بَعْدَ مَا ثَبَتَ عِنْدَ الْحَاكِمِ الْقَذْفُ، وَالْإِحْصَانُ لَوْ عَفَا الْمَقْذُوفُ عَنْ الْقَاذِفِ لَا يَصِحُّ مِنْهُ الْعَفْوُ وَيُحَدُّ عِنْدَنَا اهـ. وَهُوَ غَلَطٌ فَاحِشٌ فَقَدْ صَرَّحَ فِي الْمَبْسُوطِ بِأَنَّهُ إذَا قَضَى الْقَاضِي بِحَدِّ الْقَذْفِ عَلَى الْقَاذِفِ ثُمَّ عَفَا الْمَقْذُوفُ عَنْهُ بِعِوَضٍ أَوْ بِغَيْرِ عِوَضٍ لَمْ يَسْقُطْ الْحَدُّ وَلَكِنَّ الْحَدَّ، وَإِنْ لَمْ يَسْقُطْ بِعَفْوِهِ، فَإِذَا ذَهَبَ الْعَافِي لَا يَكُونُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الِاسْتِيفَاءَ عِنْدَ طَلَبِهِ وَقَدْ تَرَكَ الطَّلَبَ إلَّا إذَا عَادَ وَطَلَبَ فَحِينَئِذٍ يُقِيمُ الْحَدَّ؛ لِأَنَّ الْعَفْوَ كَانَ لَغْوًا فَكَأَنَّهُ لَمْ يُخَاصِمْ إلَى الْآنَ. اهـ. وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ مَعْرِيًّا إلَى الشَّامِلِ لَا يَصِحُّ عَفْوُ الْمَقْذُوفِ إلَّا أَنْ يَقُولَ لَمْ يَقْذِفْنِي أَوْ كَذَبَ شُهُودِي؛ لِأَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا أَنَّ خُصُومَتَهُ شَرْطٌ. اهـ. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا مَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ لَوْ غَابَ الْمَقْذُوفُ بَعْدَ مَا ضُرِبَ بَعْضَ الْحَدِّ لَمْ يَتِمَّ الْحَدُّ إلَّا وَهُوَ حَاضِرٌ لِاحْتِمَالِ الْعَفْوِ فَالْعَفْوُ الصَّرِيحُ أَوْلَى فَتَعَيَّنَ حَمْلُ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ عَلَى مَا إذَا عَادَ وَطَلَبَ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ   [منحة الخالق] [وَلَا يَطْلُبُ وَلَدٌ وَعَبْدٌ أَبَاهُ وَسَيِّدَهُ بِقَذْفِ أُمِّهِ] قَوْلُهُ: وَفِي نَفْسِي مِنْهُ شَيْءٌ إلَخْ) نَقَلَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ وَأَقَرَّهُ وَاقْتَصَرَ فِي الرَّمْزِ وَالْمِنَحِ عَلَى مَا فِي الْقُنْيَةِ وَلَمْ يُعَوِّلَا عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ وَمَنَعَهُ فِي النَّهْرِ أَيْضًا وَلَمْ يُبَيِّنْ وَجْهَهُ وَقَدْ وَجَّهَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ بِأَنَّ الْحَدَّ يَنْدَرِئُ بِالشُّبْهَةِ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَحُرْمَةُ الْأُبُوَّةِ شُبْهَةٌ صَالِحَةٌ لِلدَّرْءِ وَالتَّعْزِيرُ خَالِصُ حَقِّ الْعَبْدِ وَهُوَ لَا يَنْدَرِئُ بِالشُّبْهَةِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ سُقُوطِ الْأَدْنَى سُقُوطُ الْأَعْلَى. اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُمْ لَا يُعَاقَبُ يَشْمَلُ التَّعْزِيرَ فَيَبْقَى تَوَقُّفُ الْمُؤَلِّفِ وَإِبْدَاءُ هَذَا الْفَرْقِ لَا يَدْفَعُهُ تَأَمَّلْ. [وَيَبْطُلُ حَدّ الْقَذْف بِمَوْتِ الْمَقْذُوفِ] (قَوْلُهُ فَقَدْ صَرَّحَ فِي الْمَبْسُوطِ بِأَنَّهُ إذَا قَضَى إلَخْ) فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ كِتَابِ الصُّلْحِ رَجُلٌ قَذَفَ مُحْصَنًا أَوْ مُحْصَنَةً فَأَرَادَ الْمَقْذُوفُ حَدَّ الْقَذْفِ فَصَالَحَهُ الْقَاذِفُ عَلَى دَرَاهِمَ مُسَمَّاةٍ أَوْ عَلَى شَيْءٍ آخَرَ عَلَى أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُ فَفَعَلَ لَمْ يَجُزْ الصُّلْحُ حَتَّى لَا يَجِبَ الْمَالُ وَهَلْ يَسْقُطُ الْحَدُّ إنْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ مَا رُفِعَ إلَى الْقَاضِي لَا يَبْطُلُ الْحَدُّ. اهـ. وَهَذَا لَا يُعَارِضُ مَا فِي الْمَبْسُوطِ؛ لِأَنَّ قَاضِي خَانْ إنَّمَا حَكَمَ بِعَدَمِ بُطْلَانِ الْحَدِّ بِالصُّلْحِ، وَأَمَّا كَوْنُهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 39 قَالَ زَنَأْت فِي الْجَبَلِ وَعَنَى الصُّعُودَ حُدَّ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يُحَدُّ؛ لِأَنَّ الْمَهْمُوزَ مِنْهُ لِلصُّعُودِ حَقِيقَةً قَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْ الْعَرَبِ وَارْقَ إلَى الْخَيْرَاتِ زَنْئًا فِي الْجَبَلِ وَذِكْرُ الْجَبَلِ يُقَرِّرُهُ مُرَادًا وَلَهُمَا أَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِي الْفَاحِشَةِ مَهْمُوزًا أَيْضًا؛ لِأَنَّ مِنْ الْعَرَبِ مَنْ يَهْمِزُ الْمُلَيَّنَ كَمَا يُلَيِّنُ الْمَهْمُوزَ وَحَالَةُ الْغَضَبِ، وَالسِّبَابِ تُعَيِّنُ الْفَاحِشَةَ مُرَادًا بِمَنْزِلَةِ مَا إذَا قَالَ يَا زَانِي أَوْ قَالَ زَنَأْت وَذِكْرُ الْجَبَلِ إنَّمَا يُعَيِّنُ الصُّعُودَ مُرَادًا إذَا كَانَ مَقْرُونًا بِكَلِمَةِ عَلَى إذْ هُوَ الْمُسْتَعْمَلُ فِيهِ قَيَّدَ بِفِي؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ زَنَأْتَ عَلَى الْجَبَلِ قِيلَ لَا يُحَدُّ وَقِيلَ يُحَدُّ لِلْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَالْمَذْهَبُ عِنْدِي إذَا كَانَ هَذَا الْكَلَامُ خَرَجَ عَلَى وَجْهِ الْغَضَبِ، وَالسِّبَابِ يَجِبُ الْحَدُّ لِدَلَالَةِ الْحَالِ عَلَى ذَلِكَ إذْ لَا يَكُونُ صُعُودُ الْجَبَلِ سَبًّا وَإِلَّا فَلَا لِلِاحْتِمَالِ، وَالْحَدُّ لَا يَجِبُ بِالِاحْتِمَالِ. اهـ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَالْأَوْجَهُ وُجُوبُ الْحَدِّ حَيْثُ كَانَ فِي الْغَضَبِ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ زَنَأْت بِالْهَمْزِ إذْ لَوْ كَانَ بِالْيَاءِ وَجَبَ الْحَدُّ اتِّفَاقًا وَقَيَّدَ بِالْجَارِ، وَالْمَجْرُورِ إذْ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ زَنَأْتَ يُحَدُّ اتِّفَاقًا كَمَا أَفَادَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَأَطْلَقَ فِي وُجُوبِ الْحَدِّ وَقَيَّدَهُ الشَّارِحُونَ بِأَنْ يَكُونَ فِي حَالَةِ الْغَضَبِ أَمَّا فِي حَالَةِ الرِّضَا فَلَا حَدَّ اتِّفَاقًا وَبِهَذَا تَرَجَّحَ قَوْلُهُمَا فَمَا فِي الْمُغْرِبِ مِنْ أَنَّ زَنَأَ فِي الْجَبَلِ بِمَعْنَى صَعِدَ فَقَوْلُ مُحَمَّدٍ أَظْهَرُ. اهـ. لَيْسَ بِظَاهِرٍ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ وَعَنَى الصُّعُودَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَعْنِ الصُّعُودَ يُحَدُّ اتِّفَاقًا. [قَالَ يَا زَانِي وَعَكَسَ] (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ يَا زَانِي وَعَكَسَ حُدَّا) أَيْ الْمُبْتَدِئُ، وَالْمُجِيبُ بِقَوْلِهِ لَا بَلْ أَنْتَ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا قَذَفَ صَاحِبَهُ أَمَّا الْأَوَّلُ فَظَاهِرٌ وَكَذَا الثَّانِي؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ لَا بَلْ أَنْتَ زَانٍ إذْ هِيَ كَلِمَةُ عَطْفٍ يُسْتَدْرَكُ بِهِ الْغَلَطُ فَيَصِيرُ الْمَذْكُورُ فِي الْأَوَّلِ خَبَرًا لِمَا بَعْدَ بَلْ، وَإِنَّمَا لَمْ يَلْتَقِيَا قِصَاصًا؛ لِأَنَّ فِي حَدِّ الْقَذْفِ الْغَالِبَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَلَوْ جُعِلَ قِصَاصًا يَلْزَمُ إسْقَاطُ حَقِّهِ تَعَالَى فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ وَلِذَا لَمْ يَجُزْ عَفْوُ الْمَقْذُوفِ، فَإِذَا طَالَبَ كُلٌّ مِنْهُمَا الْآخَرَ وَأَثْبَتَهُ لَزِمَ الِاسْتِيفَاءُ فَلَا يَتَمَكَّنُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا مِنْ إسْقَاطِهِ فَيُحَدُّ كُلٌّ مِنْهُمَا كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُقَامُ عَلَيْهِمَا وَلَوْ أَسْقَطَاهُ وَتَقَدَّمَ عَدَمُ صِحَّتِهِ وَأَنَّهُ غَلَطٌ فِي الْفَهْمِ، فَإِذَا أَسْقَطَاهُ بَعْدَ الثُّبُوتِ امْتَنَعَ الْإِمَامُ مِنْ إقَامَتِهِ لِعَدَمِ الطَّلَبِ لَا لِصِحَّةِ الْإِسْقَاطِ، فَإِذَا عَادَ أَوْ طَلَبَا أَقَامَهُ عَلَيْهِمَا وَقَيَّدَ بِحَدِّ الْقَذْفِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهُ يَا خَبِيثُ فَقَالَ لَهُ الْآخَرُ أَنْت تَكَافَآ وَلَا يُعَزِّرُ كُلٌّ مِنْهُمَا الْآخَرَ؛ لِأَنَّ التَّعْزِيرَ لِحَقِّ الْآدَمِيِّ وَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ مِثْلُ مَا وَجَبَ لِلْآخَرِ فَتَسَاقَطَا كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي الْقُنْيَةِ ضَرَبَ غَيْرَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ وَضَرَبَهُ الْمَضْرُوبُ أَيْضًا أَنَّهُمَا يُعَزَّرَانِ وَيَبْدَأُ بِإِقَامَةِ التَّعْزِيرِ بِالْبَادِئِ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ أَظْلَمُ، وَالْوُجُوبُ عَلَيْهِ أَسْبَقُ. اهـ. فَعُلِمَ أَنَّ التَّعْزِيرَ بِالضَّرْبِ كَحَدِّ الْقَذْفِ وَأَنَّ التَّكَافُؤَ إنَّمَا هُوَ فِي الشَّتْمِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَ يَدَيْ الْقَاضِي قَالُوا: لَوْ تَشَاتَمَ الْخَصْمَانِ بَيْنَ يَدَيْ الْقَاضِي عَزَّرَهُمَا. (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ يَا زَانِيَةُ وَعَكَسَتْ حُدَّتْ وَلَا لِعَانَ) ؛ لِأَنَّهُمَا قَاذِفَانِ وَقَذْفُهُ يُوجِبُ اللِّعَانَ، وَقَذْفُهَا يُوجِبُ الْحَدَّ وَفِي الْبِدَايَةِ بِالْحَدِّ إبْطَالُ اللِّعَانِ؛ لِأَنَّ الْمَحْدُودَ فِي الْقَذْفِ لَيْسَ بِأَهْلٍ لَهُ وَلَا إبْطَالَ فِي عَكْسِهِ أَصْلًا فَيُحْتَالُ لِلدَّرْءِ إذْ اللِّعَانُ فِي مَعْنَى الْحَدِّ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ يَا زَانِيَةُ بِنْتَ الزَّانِيَةِ فَخَاصَمَتْ الْأُمُّ أَوَّلًا فَحُدَّ الرَّجُلُ سَقَطَ اللِّعَانُ؛ لِأَنَّهُ بَطَلَتْ شَهَادَةُ الرَّجُلِ وَلَوْ خَاصَمَتْ الْمَرْأَةُ أَوَّلًا فَلَاعَنَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا ثُمَّ خَاصَمَتْ الْأُمُّ يُحَدُّ الرَّجُلُ حَدَّ الْقَذْفِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَتْ زَنَيْت بِك بَطَلَا) أَيْ الْحَدُّ وَاللِّعَانُ لِوُقُوعِ الشَّكِّ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهَا أَرَادَتْ الزِّنَا قَبْلَ النِّكَاحِ فَيَجِبُ الْحَدُّ دُونَ اللِّعَانِ لِتَصْدِيقِهَا إيَّاهُ وَانْعِدَامِهِ مِنْهُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا أَرَادَتْ زِنَايَ الَّذِي كَانَ مَعَك بَعْدَ النِّكَاحِ؛ لِأَنِّي مَا مَكَّنْت أَحَدًا غَيْرَك وَهُوَ الْمُرَادُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ وَعَلَى هَذَا الِاعْتِبَارِ يَجِبُ الْحَدُّ دُونَ اللِّعَانِ لِوُجُودِ الْقَذْفِ مِنْهُ وَعَدَمِهِ مِنْهَا فَجَاءَ مَا قُلْنَاهُ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا بَدَأَتْ بِقَوْلِهَا زَنَيْت بِك ثُمَّ قَذَفَهَا أَوْ قَذَفَهَا ثُمَّ أَجَابَتْ بِهِ لِلِاحْتِمَالِ الْمَذْكُورِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْبَاءِ وَكَلِمَةِ مَعَ كَزَنَيْت مَعَك لِلِاحْتِمَالِ السَّابِقِ   [منحة الخالق] يُقَامُ بِغَيْرِ طَلَبٍ أَمْ لَا فَسَاكِتٌ عَنْهُ وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا هُنَا حُكْمُهُ أَفَادَهُ فِي الْمِنَحِ وَبِهَذَا ظَهَرَ فَائِدَةُ التَّقْيِيدِ فِي كَلَامِ الْمَبْسُوطِ بِالْعَفْوِ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِالنَّظَرِ إلَى مَا إذَا كَانَ عَلَى عِوَضٍ لِمَا عَلِمْت مِنْ اقْتِضَاءِ كَلَامِ الْخَانِيَّةِ أَنَّهُ يَبْطُلُ إذَا كَانَ الصُّلْحُ عَلَى عِوَضٍ وَكَانَ قَبْلَ الرَّفْعِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي فُصُولِ الْعِمَادِيِّ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهَا بَعْضُهُمْ. (قَوْلُهُ: قَالُوا لَوْ تَشَاتَمَ الْخَصْمَانِ بَيْنَ يَدَيْ الْقَاضِي عَزَّرَهُمَا) أَيْ؛ لِأَنَّ فِيهِ إخْلَالًا بِالْأَدَبِ فِي مَجْلِسِ الشَّرْعِ فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مَحْضَ حَقِّهِمَا حَتَّى يَتَكَافَآ فِيهِ. [قَالَ لِامْرَأَتِهِ يَا زَانِيَةُ وَعَكَسَتْ] (قَوْلُهُ: وَعَلَى هَذَا الِاعْتِبَارِ يَجِبُ الْحَدُّ دُونَ اللِّعَانِ) صَوَابُهُ اللِّعَانُ دُونَ الْحَدِّ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْفَتْحِ وَغَيْرِهِمَا. وَقَوْلُهُ: فَجَاءَ مَا قُلْنَا أَيْ مِنْ بُطْلَانِ الْحَدِّ وَاللِّعَانِ لِوُقُوعِ الشَّكِّ، فَإِنَّهُ عَلَى تَقْدِيرٍ يَجِبُ الْحَدُّ دُونَ اللِّعَانِ وَعَلَى تَقْدِيرٍ يَجِبُ اللِّعَانُ دُونَ الْحَدِّ وَالْحُكْمُ بِتَعْيِينِ أَحَدِهِمَا مُتَعَذِّرٌ فَلَا يَجِبُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ إلَخْ) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 40 مَعَ احْتِمَالٍ آخَرَ وَهُوَ إنِّي زَنَيْت بِحُضُورِك وَأَنْتَ تَشْهَدُ فَلَا يَكُونُ قَذْفًا وَقَيَّدَ بِكَوْنِهَا اقْتَصَرَتْ عَلَى هَذِهِ الْمَقَالَةِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ زَادَتْ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك تُحَدُّ الْمَرْأَةُ دُونَ الرَّجُلِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا قَذَفَ صَاحِبَهُ غَيْرَ أَنَّهَا صَدَّقَتْهُ فَبَطَلَ مُوجِبُ قَذْفِهِ وَلَمْ يُصَدِّقْهَا فَوَجَبَ مُوجِبُ قَذْفِهَا وَقَيَّدَ بِكَوْنِهَا امْرَأَتَهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ مَعَ امْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ حُدَّتْ الْمَرْأَةُ دُونَ الرَّجُلِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ تَصْدِيقِهَا وَعَدَمِ الِاحْتِمَالِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مَعَ الزَّوْجَةِ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهَا زَنَيْت بِك؛ لِأَنَّهَا لَوْ قَالَتْ فِي جَوَابِهِ أَنْت أَزْنَى مِنِّي حُدَّ الرَّجُلُ وَحْدَهُ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ. قَوْلُهُ (: وَإِنْ أَقَرَّ بِوَلَدٍ ثُمَّ نَفَاهُ لَاعَنَ) ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ لَزِمَهُ بِإِقْرَارِهِ وَبِالنَّفْيِ بَعْدَهُ صَارَ قَاذِفًا فَيُلَاعِنُ (قَوْلُهُ: وَإِنْ عَكَسَ حُدَّ) أَيْ إنْ نَفَى الْوَلَدَ ثُمَّ أَقَرَّ بِهِ، فَإِنَّهُ يُحَدُّ حَدَّ الْقَذْفِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَكْذَبَ نَفْسَهُ بَطَلَ اللِّعَانُ؛ لِأَنَّهُ حَدٌّ ضَرُورِيٌّ صَيَّرَ إلَيْهِ ضَرُورَةُ التَّكَاذُبِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ حَدُّ الْقَذْفِ، فَإِذَا بَطَلَ التَّكَاذُبُ يُصَارُ إلَى الْأَصْلِ (قَوْلُهُ:، وَالْوَلَدُ لَهُ فِيهِمَا) أَيْ فِيمَا إذَا أَقَرَّ بِهِ ثُمَّ نَفَاهُ أَوْ نَفَاهُ ثُمَّ أَقَرَّ بِهِ لِإِقْرَارِهِ بِهِ سَابِقًا أَوْ لَاحِقًا، وَاللَّعَّانُ يَصِحُّ بِدُونِ قَطْعِ النَّسَبِ كَمَا يَصِحُّ بِدُونِ الْوَلَدِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ لَيْسَ بِابْنِي وَلَا بِابْنِك بَطَلَا) أَيْ الْحَدُّ، وَاللَّعَّانُ؛ لِأَنَّهُ أَنْكَرَ الْوِلَادَةَ وَبِهِ لَا يَصِيرُ قَاذِفًا وَكَذَا لَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيٍّ لَسْت بِابْنِ فُلَانٍ وَلَا فُلَانَةَ وَهُمَا أَبَوَيْهِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ. [قَذَفَ الْمُلَاعَنَةَ بِغَيْرِ وَلَدٍ] (قَوْلُهُ: وَمَنْ قَذَفَ امْرَأَةً لَمْ يَدْرِ أَبُو وَلَدِهَا أَوْ لَاعَنَتْ بِوَلَدِ أَوْ رَجُلًا وَطِئَ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ أَوْ أَمَةً مُشْتَرَكَةً أَوْ مُسْلِمًا زِنَا فِي كُفْرِهِ أَوْ مُكَاتَبًا مَاتَ عَنْ وَفَاءٍ لَا يُحَدُّ) بَيَانٌ لِسِتِّ مَسَائِلَ إلَّا الْأُولَيَانِ فَلِقِيَامِ أَمَارَةِ الزِّنَا مِنْهَا وَهُوَ وِلَادَةُ وَلَدٍ لَا أَبَ لَهُ فَفَاتَتْ الْعِفَّةُ نَظَرًا إلَيْهَا وَهِيَ شَرْطٌ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الْوَلَدُ حَيًّا عِنْدَ الْقَذْفِ أَوْ مَيِّتًا وَقَيَّدَ بِكَوْنِهَا لَاعَنَتْ بِوَلَدٍ إذْ لَوْ قَذَفَ الْمُلَاعَنَةَ بِغَيْرِ وَلَدٍ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ لِانْعِدَامِ أَمَارَةِ الزِّنَا وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ لَاعَنَتْ إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ بَقَاءِ اللِّعَانِ حَتَّى لَوْ بَطَلَ بِإِكْذَابِهِ نَفْسَهُ ثُمَّ قَذَفَهَا رَجُلٌ حُدَّ لِزَوَالِ التُّهْمَةِ بِثُبُوتِ النَّسَبِ مِنْهُ وَكَذَا لَوْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى الزَّوْجِ أَنَّهُ ادَّعَاهُ وَهُوَ يُنْكِرُ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ وَيُحَدُّ وَمَنْ قَذَفَهَا بَعْدَ ذَلِكَ يُحَدُّ؛ لِأَنَّهَا خَرَجَتْ عَنْ صُورَةِ الزَّوَانِي وَلَوْ قَذَفَهَا الزَّوْجُ فَرَافَعَتْهُ وَأَقَامَتْ بَيِّنَةً أَنَّهُ أَكْذَبَ نَفْسَهُ حُدَّ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ بِإِقْرَارِ الْخَصْمِ أَوْ بِمُعَايَنَةٍ وَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَقْطَعَ الْقَاضِي نَسَبَ الْوَلَدِ حَتَّى لَوْ لَاعَنَتْ بِوَلَدٍ وَلَمْ يَقْطَعْ الْقَاضِي النَّسَبَ وَجَبَ الْحَدُّ عَلَى قَاذِفِهَا كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَالْمُرَادُ بِعَدَمِ مَعْرِفَةِ أَبِي وَلَدِهَا عَدَمُهَا فِي بَلَدِ الْقَذْفِ لَا فِي كُلِّ الْبِلَادِ وَلِذَا قَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ امْرَأَةٌ قُذِفَتْ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ وَمَعَهَا أَوْلَادٌ لَا يُعْرَفُ لَهُمْ أَبٌ فَقَالَ لَهَا رَجُلٌ يَا زَانِيَةُ إلَخْ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ إنْ صَحَّ مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد فِي حَدِيثِ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ مِنْ قَوْلِهِ «وَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ لَا يُدْعَى وَلَدُهَا لِأَبٍ وَلَا يُرْمَى وَلَدُهَا وَمَنْ رَمَاهَا أَوْ رَمَى وَلَدَهَا فَعَلَيْهِ الْحَدُّ» وَكَذَا مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي وَلَدِ الْمُتَلَاعِنَيْنِ أَنَّهُ يَرِثُ أُمَّهُ وَتَرِثُهُ وَمَنْ رَمَاهَا بِهِ جُلِدَ ثَمَانِينَ» أَشْكَلَ عَلَى الْمَذْهَبِ وَالْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ جَعَلُوا قَذْفَ الْمُلَاعَنَةِ بِوَلَدٍ كَقَذْفِ الْمُلَاعَنَةِ بِلَا وَلَدٍ إلَى آخِرِهِ، وَأَمَّا الثَّالِثَةُ، وَالرَّابِعَةُ أَعْنِي إذَا قَذَفَ رَجُلًا وَطِئَ الْمَقْذُوفُ امْرَأَةً فِي غَيْرِ مِلْكِهِ أَوْ أَمَةً مُشْتَرَكَةً فَلِفَوَاتِ الْعِفَّةِ وَهِيَ شَرْطُ الْإِحْصَانِ؛ لِأَنَّ الْقَاذِفَ صَادِقٌ، وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ مَنْ وَطِئَ وَطْئًا حَرَامًا لِعَيْنِهِ لَا يَجِبُ الْحَدُّ بِقَذْفِهِ؛ لِأَنَّ الزِّنَا هُوَ الْوَطْءُ الْمُحَرَّمُ لِعَيْنِهِ، وَإِنْ كَانَ مُحَرَّمًا لِغَيْرِهِ يُحَدُّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِزِنًا، وَالْوَطْءُ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ أَوْ مِنْ وَجْهٍ حَرَامٌ لِعَيْنِهِ وَكَذَا الْوَطْءُ فِي الْمِلْكِ، وَالْحُرْمَةُ مُؤَبَّدَةٌ، فَإِنْ كَانَتْ الْحُرْمَةُ مُؤَقَّتَةً فَالْحُرْمَةُ لِغَيْرِهِ فَأَبُو حَنِيفَةَ يَشْتَرِطُ أَنْ تَكُونَ الْحُرْمَةُ الْمُؤَبَّدَةُ ثَابِتَةً بِالْإِجْمَاعِ أَوْ بِالْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ لِتَكُونَ ثَابِتَةً   [منحة الخالق] أَيْ حَيْثُ لَمْ يَقُلْ وَلَوْ قَالَتْ كَذَا فِي جَوَابِهِ لَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ كَمَا فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا لَوْ قَالَتْ فِي جَوَابِهِ أَنْتَ أَزَنَى مِنِّي حُدَّ الرَّجُلُ وَحْدَهُ) هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَا مَرَّ أَوَائِلَ الْبَابِ عَنْ الْخَانِيَّةِ مُخَالِفًا لِلظَّهِيرِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْحَدُّ بِأَنْتَ أَزَنَى مِنِّي أَمَّا عَلَى مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ، فَإِنَّهَا تُحَدُّ بِقَوْلِهَا ذَلِكَ وَقَدَّمْنَا هُنَاكَ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة أَنَّ وُجُوبَ الْحَدِّ بِهِ هُوَ مَا رَوَاهُ الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَدَمُهُ هُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ بَقِيَ هُنَا شَيْءٌ وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهَا أَنْتَ أَزَنَى مِنِّي قَذْفٌ لَهُ صَرِيحًا بِنَاءً عَلَى مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ لَكِنْ هَلْ يُقَالُ: إنَّ فِيهِ تَصْدِيقًا لَهُ فَتُحَدُّ وَحْدَهَا دُونَهُ كَمَا لَوْ قَالَتْ زَنَيْت بِك قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك عَلَى مَا هُوَ الْأَصْلُ فِي أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ مِنْ اقْتِضَائِهِ الْمُشَارَكَةَ وَالزِّيَادَةَ أَمْ لَا فَلْيُرَاجَعْ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ. [أَقَرَّ بِوَلَدٍ ثُمَّ نَفَاهُ] (قَوْلُهُ: أَوْ بِالْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ) مِثَالُهُ حُرْمَةُ وَطْءِ الْمَنْكُوحَةِ لِلْأَبِ بِلَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 41 مِنْ غَيْرِ تَرَدُّدٍ وَقَدْ قَدَّمْنَا شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ وَطِئَ أَمَته الْمَجُوسِيَّةَ أَوْ الْمُزَوَّجَةَ أَوْ امْرَأَتَهُ الْحَائِضَ أَوْ مُكَاتَبَتَهُ أَوْ الْمَظَاهِرَ مِنْهَا أَوْ الْمُحَرَّمَةَ أَوْ الْمُشْتَرَاةَ شِرَاءً فَاسِدًا فَعَلَى قَاذِفِهِ الْحَدُّ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ مُؤَقَّتَةٌ وَكَذَا إذَا وَطِئَ أُخْتَهُ مِنْ الرَّضَاعِ وَهِيَ أَمَتُهُ؛ لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ مُحَرَّمَةً مُؤَبَّدَةً فَهِيَ مَمْلُوكَةٌ لَهُ. وَهَذَا قَوْلُ الْكَرْخِيِّ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ لِثُبُوتِ التَّضَادِّ بَيْنَ الْحِلِّ، وَالْحُرْمَةِ فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ أَوْ رَجُلًا وَطِئَ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ أَوْ فِي مِلْكِهِ، وَالْحُرْمَةُ مُؤَبَّدَةٌ لَكَانَ أَوْلَى وَشَمِلَ قَوْلُهُ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ جَارِيَةَ ابْنِهِ، وَالْمَنْكُوحَةَ نِكَاحًا فَاسِدًا، وَالْأَمَةَ الْمُسْتَحَقَّةَ، وَالْمُكْرَهَ عَلَى الزِّنَا، وَالثَّابِتَ حُرْمَتُهَا بِالْمُصَاهَرَةِ أَوْ تَزَوَّجَ مَحَارِمَهُ وَدَخَلَ بِهِنَّ أَوْ جَمَعَ بَيْنَ الْمَحَارِمِ أَوْ تَزَوَّجَ أَمَةً عَلَى حُرَّةٍ، وَأَمَّا الْخَامِسَةُ وَهِيَ مَا إذَا قَذَفَ مُسْلِمًا زَنَى فِي حَالِ كُفْرِهِ فَلِتَحَقُّقِ الزِّنَا مِنْهُ شَرْعًا، وَإِنْ كَانَ الْإِثْمُ قَدْ ارْتَفَعَ بِإِسْلَامِهِ لِانْعِدَامِ الْمِلْكِ وَلِهَذَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ لَوْ كَانَ فِي دِيَارِنَا وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْحَرْبِيَّ، وَالذِّمِّيَّ وَمَا إذَا كَانَ الزِّنَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَشَمِلَ مَا إذَا قَالَ لَهُ زَنَيْت وَأَطْلَقَ ثُمَّ أَثْبَتَ أَنَّهُ زَنَى فِي كُفْرِهِ أَوْ قَالَ لَهُ زَنَيْت وَأَنْتَ كَافِرٌ فَهُوَ كَمَا لَوْ قَالَ لِمُعْتَقِ زَنَيْت وَأَنْتَ عَبْدٌ، وَأَمَّا السَّادِسَةُ وَهِيَ مَا إذَا قَذَفَ مُكَاتِبًا مَاتَ عَنْ وَفَاءِ فَلِتَمَكُّنِ الشُّبْهَةِ فِي الْحُرِّيَّةِ لِمَكَانِ اخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِ مَاتَ عَنْ وَفَاءٍ لِيُفِيدَ أَنَّ الْمَكَاتِبَ إذَا مَاتَ عَنْ غَيْرِ وَفَاءٍ لَا حَدَّ عَلَى قَاذِفِهِ بِالْأَوْلَى لِمَوْتِهِ عَبْدًا. (قَوْلُهُ: وَحُد َّ قَاذِفُ وَاطِئِ أَمَةٍ مَجُوسِيَّةٍ وَحَائِضٍ وَمُكَاتَبَةٍ وَمُسْلِمٍ نَكَحَ أُمَّهُ فِي كُفْرِهِ) لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ مِلْكَهُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ ثَابِتٌ، وَالْمُرَادُ بِأُمِّهِ مَحْرَمُهُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا لَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ نِكَاحَ الْكَافِرِ مَحْرَمَهُ صَحِيحٌ وَعِنْدَهُمَا فَاسِدٌ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي بَابِهِ (قَوْلُهُ: وَمُسْتَأْمَنٌ قَذَفَ مُسْلِمًا) أَيْ حُدَّ وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ أَوَّلًا يَقُولُ لَا يُحَدُّ؛ لِأَنَّ الْغَلَبَ فِيهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَصَارَ كَسَائِرِ الْحُدُودِ ثُمَّ رَجَعَ إلَى مَا ذُكِرَ هُنَا؛ لِأَنَّهُ فِيهِ حَقُّ الْعَبْدِ وَقَدْ الْتَزَمَ إيفَاءَ حُقُوقِ الْعِبَادِ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ أَنْ لَا يُؤْذِيَ بِطَمَعِهِ فِي أَنْ لَا يُؤْذَى. وَالْحَاصِلُ أَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ يَجِبُ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا وَحَدُّ الْخَمْرِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا وَلَا يَجِبُ حَدُّ الزِّنَا، وَالسَّرِقَةِ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، وَأَمَّا الذِّمِّيُّ فَيَجِبُ عَلَيْهِ جَمِيعُ الْحُدُودِ اتِّفَاقًا إلَّا حَدُّ الْخَمْرِ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ. [قَذَفَ أَوْ زَنَى أَوْ شَرِبَ مِرَارًا فَحُدَّ] (قَوْلُهُ: وَمَنْ قَذَفَ أَوْ زَنَى أَوْ شَرِبَ مِرَارًا فَحُدَّ فَهُوَ لِكُلِّهِ) أَمَّا الْأَخِيرَانِ فَلِأَنَّ الْمَقْصِدَ مِنْ إقَامَةِ الْحَدِّ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى الِانْزِجَارُ وَاحْتِمَالُ حُصُولِهِ بِالْأَوَّلِ قَائِمٌ فَتُمْكِنُ شُبْهَةُ فَوَاتِ الْمَقْصُودِ فِي الثَّانِي، وَأَمَّا الْقَذْفُ فَالْمُغَلَّبُ فِيهِ عِنْدَنَا حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَيَكُونُ مُلْحَقًا بِهِمَا قَيَّدَ بِكَوْنِهِ فَعَلَ أَحَدَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ فَعَلَ كُلَّهَا بِأَنْ زَنَى وَقَذَفَ وَشَرِبَ الْخَمْرَ، فَإِنَّهُ يُحَدُّ لِكُلِّ وَاحِدٍ حَدَّهُ مِنْهَا لِعَدَمِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْبَعْضِ إذْ الْأَغْرَاضُ مُخْتَلِفَةٌ، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ حَدِّ الزِّنَا صِيَانَةُ الْأَنْسَابِ وَمِنْ حَدِّ الْقَذْفِ صِيَانَةُ الْأَعْرَاضِ وَمِنْ حَدِّ الشُّرْبِ صِيَانَةُ الْعُقُولِ فَلَا يَحْصُلُ بِكُلِّ جِنْسٍ إلَّا مَا قُصِدَ بِشَرْعِهِ وَأَطْلَقَ فِي قَوْلِهِ قَذَفَ مِرَارًا فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الْمَقْذُوفُ وَاحِدًا أَوْ جَمَاعَةً فَقَذَفَهُمْ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ بِكَلِمَاتٍ وَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ فِي يَوْمٍ أَوْ أَيَّامٍ وَمَا إذَا   [منحة الخالق] شُهُودٍ بِنَاءً عَلَى ادِّعَاءِ شُهْرَةِ حَدِيثِ «لَا نِكَاحَ إلَّا بِشُهُودٍ» وَلِذَا لَمْ يُعْرَفْ فِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ الصَّحَابَةِ وَحُرْمَةُ وَطْءِ أَمَتِهِ الَّتِي هِيَ خَالَتُهُ مِنْ الرَّضَاعِ أَوْ عَمَّتُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» كَذَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: وَالثَّابِتُ حُرْمَتُهَا بِالْمُصَاهَرَةِ) لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ لِمَا مَرَّ آنِفًا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْحُرْمَةِ الْمُؤَبَّدَةِ عِنْدَهُ أَنْ تَكُونَ ثَابِتَةً بِالْإِجْمَاعِ أَوْ بِالْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ قَالَ فِي الْفَتْحِ وَأَبُو حَنِيفَةَ إنَّمَا يَعْتَبِرُ الْخِلَافَ عِنْدَ عَدَمِ النَّصِّ عَلَى الْحُرْمَةِ بِأَنْ تَثْبُتَ بِقِيَاسٍ أَوْ احْتِيَاطٍ كَثُبُوتِهَا بِالنَّظَرِ إلَى الْفَرْجِ وَالْمَسِّ بِشَهْوَةٍ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَهَا لِإِقَامَةِ الْمُسَبِّبِ مَقَامَ السَّبَبِ احْتِيَاطًا فَهِيَ حُرْمَةٌ ضَعِيفَةٌ لَا يَنْتَفِي بِهَا الْإِحْصَانُ الثَّابِتُ بِيَقِينٍ بِخِلَافِ الْحُرْمَةِ الثَّابِتَةِ بِزِنَا الْأَبِ، فَإِنَّهَا ثَابِتَةٌ بِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ} [النساء: 22] فَلَا يُعْتَبَرُ الْخِلَافُ مَعَ وُجُودِ النَّصِّ (قَوْلُهُ: أَوْ قَالَ لَهُ زَنَيْت وَأَنْتَ كَافِرٌ إلَخْ) مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْحَدُّ بِهِ وَقَدْ مَرَّ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَإِحْصَانُهُ إلَخْ مَا يُخَالِفُهُ فَتَأَمَّلْ وَقَدْ يُقَالُ مَا مَرَّ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ الزِّنَا فِي حَالَةِ الْكُفْرِ أَوْ الرِّقِّ غَيْرَ ثَابِتٍ وَمَا هُنَا عَلَى مَا إذَا كَانَ ثَابِتًا ثُمَّ رَأَيْته لَكِنْ فِي الْفَتْحِ وَالْمُرَادُ قَذْفُهَا بَعْدَ الْإِعْلَامِ بِزِنًا كَانَ فِي نَصْرَانِيَّتِهَا بِأَنْ قَالَ زَنَيْت وَأَنْتِ كَافِرَةٌ وَكَذَا لَوْ قَالَ الْمُعْتَقُ زَنَى وَهُوَ عَبْدٌ زَنَيْت وَأَنْتَ عَبْدٌ لَا يُحَدُّ كَمَا لَوْ قَالَ قَذَفْتُك بِالزِّنَا وَأَنْتِ مُكَاتَبَةٌ أَوْ أَمَةٌ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَقَرَّ أَنَّهُ قَذَفَهَا فِي حَالٍ لَوْ عَلِمْنَا مِنْهُ صَرِيحَ الْقَذْفِ لَمْ يَلْزَمْ حَدُّهُ؛ لِأَنَّ الزِّنَا يَتَحَقَّقُ مِنْ الْكَافِرِ وَلِذَا يُقَامُ عَلَيْهِ الْجَلْدُ حَدًّا بِخِلَافِ الرَّجْمِ عَلَى مَا مَرَّ وَلَا يَسْقُطُ الْحَدُّ بِالْإِسْلَامِ وَكَذَا الْعَبْدُ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 42 طَالَبُوا الْحَدَّ كُلُّهُمْ أَوْ بَعْضُهُمْ وَمَا إذَا حَضَرُوا أَوْ حَضَرَ أَحَدُهُمْ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا وَمَا إذَا جُلِدَ لِلْقَذْفِ إلَّا سَوْطًا ثُمَّ قَذَفَ آخَرَ فِي الْمَجْلِسِ، فَإِنَّهُ يُتِمُّ الْأَوَّلَ وَلَا يُثَنَّى عَلَيْهِ لِلثَّانِي لِلتَّدَاخُلِ وَمَا إذَا قَذَفَ عَبْدًا فَأُعْتِقَ ثُمَّ قَذَفَ آخَرَ فَأَخَذَهُ الْأَوَّلُ فَضُرِبَ أَرْبَعِينَ ثُمَّ أَخَذَهُ الثَّانِي قَالُوا: فَإِنَّهُ يُتِمُّ لَهُ ثَمَانِينَ؛ لِأَنَّ الْأَرْبَعِينَ وَقَعَ لَهُمَا فَيَبْقَى لِلْبَاقِي أَرْبَعِينَ وَلَوْ قَذَفَ الْآخَرَ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ فَالثَّمَانُونَ تَكُونُ لَهُمَا جَمِيعًا وَلَا يُضْرَبُ ثَمَانِينَ مُسْتَأْنَفًا؛ لِأَنَّ مَا بَقِيَ تَمَامُهُ حَدُّ الْأَحْرَارِ فَجَازَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ الْأَحْرَارُ وَفِي الْمُحِيطِ رَجُلٌ شَرِبَ الْخَمْرَ فَضُرِبَ بَعْضَ الْحَدِّ ثُمَّ هَرَبَ ثُمَّ شَرِبَ ثَانِيًا ضُرِبَ حَدًّا مُسْتَقْبَلًا وَكَذَا لَوْ ضُرِبَ الزَّانِي بَعْضَ الْحَدِّ ثُمَّ هَرَبَ وَزَنَى بِأُخْرَى. وَلَوْ ضُرِبَ الْقَاذِفُ بَعْضَ الْحَدِّ فَهَرَبَ ثُمَّ قَذَفَ آخَرَ ثُمَّ قَدِمَ إلَى الْقَاضِي يُنْظَرُ إنْ حَضَرَ الْمَقْذُوفُ الثَّانِي، وَالْأَوَّلُ جَمِيعًا يُكْمَلْ الْأَوَّلُ وَيَسْقُطَ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ يَتَدَاخَلُ، وَإِنْ حَضَرَ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ يُضْرَبَ جَلْدًا مُسْتَقِلًّا لِلثَّانِي وَيَبْطُلُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ إقَامَةُ الْحَدِّ الثَّانِي لِوُجُودِ دَعْوَاهُ وَلَا يُمْكِنُ الْإِقَامَةُ لِلْأَوَّلِ لِعَدَمِ دَعْوَاهُ. اهـ. فَتَعَيَّنَ حَمْلُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ لَوْ جُلِدَ لِلْقَذْفِ إلَّا سَوْطًا إلَى آخِرِهِ عَلَى مَا إذَا حَضَرَا جَمِيعًا وَمِنْ أَنَّهُ لَوْ قَذَفَ جَمَاعَةً يُكْتَفَى بِحَدٍّ وَاحِدٍ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْقَذْفُ لَهُمْ قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ الْبَعْضَ كَمَا لَا يَخْفَى وَشَمِلَ مَا إذَا قَالَ لِرَجُلٍ: يَا ابْنَ الزَّانِيَيْنِ فَعَلَيْهِ حَدٌّ وَاحِدٌ حَيَّيْنِ كَانَا أَوْ مَيِّتَيْنِ وَحُكِيَ أَنَّ ابْنَ أَبِي لَيْلَى سَمِعَ مَنْ يَقُولُ لِرَجُلٍ يَا ابْنَ الزَّانِيَيْنِ فَحَدَّهُ حَدَّيْنِ فِي الْمَسْجِدِ فَبَلَغَ أَبَا حَنِيفَةَ فَقَالَ يَا لِلْعَجَبِ لِقَاضِي بَلْدَتِنَا أَخْطَأَ فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ فِي خَمْسِ مَوَاضِعَ: الْأَوَّلُ حَدَّهُ بِدُونِ طَلَبِ الْمَقْذُوفِ، وَالثَّانِي أَنَّهُ لَوْ خَاصَمَ وَجَبَ حَدٌّ وَاحِدٌ، وَالثَّالِثُ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْوَاجِبُ عِنْدَهُ حَدَّيْنِ يَنْبَغِي أَنْ يَتَرَبَّصَ بَيْنَهُمَا يَوْمًا أَوْ أَكْثَرَ حَتَّى يَخِفَّ أَثَرُ الضَّرْبِ الْأَوَّلِ، وَالرَّابِعُ ضَرَبَهُ فِي الْمَسْجِدِ، وَالْخَامِسُ يَنْبَغِي أَنْ يَتَعَرَّفَ أَنَّ وَالِدَيْهِ فِي الْأَحْيَاءِ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَا حَيَّيْنِ فَالْخُصُومَةُ لَهُمَا وَإِلَّا فَالْخُصُومَةُ لِلِابْنِ وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ فَحَدٌّ أَنَّ الْحَدَّ وَقَعَ بَعْدَ الْفِعْلِ الْمُتَكَرِّرِ إذْ لَوْ حُدَّ لِلْأَوَّلِ ثُمَّ فَعَلَ الثَّانِي يُحَدُّ حَدًّا آخَرَ لِلثَّانِي سَوَاءٌ كَانَ قَذْفًا أَوْ زِنًا أَوْ شُرْبًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَغَيْرِهِ لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا إذَا قَذَفَ رَجُلًا فَحُدَّ لَهُ ثُمَّ عَادَ فَقَذَفَهُ ثَانِيًا، فَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ ثَانِيًا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ وَهُوَ إظْهَارُ كَذِبِ الْقَاذِفِ وَدَفْعُ الْعَارِ عَنْ الْمَقْذُوفِ قَدْ حَصَلَ بِالْأَوَّلِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الثَّانِي صَرَّحَ بِهِ الشَّارِحُ الزَّيْلَعِيُّ فِي حَدِّ السَّرِقَةِ عِنْدَ مَسْأَلَةِ سَرِقَةِ الْعَيْنِ ثَانِيًا بَعْدَ مَا قُطِعَ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ، فَإِنَّ بِالْحَدِّ الْأَوَّلِ لَمْ يَظْهَرْ كَذِبُهُ فِي إخْبَارٍ مُسْتَقْبَلٍ إنَّمَا ظَهَرَ كَذِبُهُ فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ مَاضِيًا قَبْلَ الْحَدِّ. وَلِهَذَا ذَكَرَ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ عِنْدَ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ وَصَارَ كَمَا لَوْ قَذَفَ شَخْصًا فَحُدَّ بِهِ ثُمَّ قَذَفَهُ بِعَيْنِ ذَلِكَ الزِّنَا بِأَنْ قَالَ أَنَا بَاقٍ عَلَى نِسْبَتِي إلَيْهِ الزِّنَا الَّذِي نَسَبْته إلَيْهِ لَا يُحَدُّ ثَانِيًا فَكَذَا هَذَا أَمَّا إذَا قَذَفَهُ بِزِنًا آخَرَ حُدَّ بِهِ. اهـ. لَكِنْ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَمَنْ قَذَفَ إنْسَانًا فَحُدَّ ثُمَّ قَذَفَهُ ثَانِيًا لَمْ يُحَدَّ، وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رُوِيَ أَنَّ أَبَا بَكْرَةَ لَمَّا شَهِدَ عَلَى الْمُغِيرَةِ بِالزِّنَا وَجَلَدَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِقُصُورِ الْعَدَدِ بِالشَّهَادَةِ كَانَ يَقُولُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْمَحَافِلِ أَشْهَدُ أَنَّ الْمُغِيرَةَ لِزَانٍ فَأَرَادَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنْ يَحُدَّهُ ثَانِيًا فَمَنَعَهُ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَرَجَعَ إلَى قَوْلِهِ وَصَارَتْ الْمَسْأَلَةُ إجْمَاعًا. اهـ. بِلَفْظِهِ فَظَهَرَ أَنَّ الْمَذْهَبَ إطْلَاقُ الْمَسْأَلَةِ كَمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ التَّدَاخُلَ فِي حَدِّ السَّرِقَةِ وَلَا شَكَّ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَلَمْ يَذْكُرْ أَيْضًا مَا إذَا اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ الْحُدُودُ الْمُخْتَلِفَةُ كَيْفَ يُفْعَلُ قَالَ فِي الْمُحِيطِ، وَإِذَا اجْتَمَعَ حَدَّانِ وَقَدَرَ عَلَى دَرْءِ أَحَدِهِمَا دَرَأَهُ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ أَجْنَاسٍ مُخْتَلِفَةٍ بِأَنْ اجْتَمَعَ حَدُّ الزِّنَا، وَالسَّرِقَةِ، وَالشُّرْبِ، وَالْقَذْفِ، وَالْفَقْءِ بَدَأَ بِالْفَقْءِ، فَإِذَا بَرَأَ حُدَّ لِلْقَذْفِ، فَإِذَا بَرَأَ إنْ شَاءَ بَدَأَ بِالْقَطْعِ، وَإِنْ شَاءَ بَدَأَ بِحَدِّ الزِّنَا وَحَدُّ الشُّرْبِ آخِرُهَا لِثُبُوتِهِ بِالِاجْتِهَادِ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَإِنْ كَانَ مُحْصَنًا يَبْدَأَ بِالْفَقْءِ ثُمَّ بِحَدِّ الْقَذْفِ ثُمَّ بِالرَّجْمِ وَيُلْغِي غَيْرَهَا اهـ. قَالُوا وَلَا يُقَامُ حَدٌّ فِي الْمَسْجِدِ وَلَا قَوَدٌ وَلَا تَعْزِيرٌ   [منحة الخالق] [قَاذِفُ وَاطِئِ أَمَةٍ مَجُوسِيَّةٍ وَحَائِضٍ وَمُكَاتَبَةٍ وَمُسْلِمٍ نَكَحَ أُمَّهُ فِي كُفْرِهِ] (قَوْلُهُ: فَظَهَرَ أَنَّ الْمَذْهَبَ إطْلَاقُ الْمَسْأَلَةِ إلَخْ) أَيْ ظَهَرَ مِمَّا ذَكَرَهُ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ بِقَوْلِهِ لَمْ يُحَدَّ أَنَّ الْمَذْهَبَ إطْلَاقُ الْمَسْأَلَةِ عَمَّا قَيَّدَهَا بِهِ فِي الْفَتْحِ؛ لِأَنَّ كَلَامَ الظَّهِيرِيَّةِ مُطْلَقٌ مِثْلُ كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَدَّعِيَ تَقْيِيدَهُ؛ لِأَنَّ اسْتِدْلَالَهُ بِالْمَرْوِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ يُنَافِيه؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَشْهَدُ أَنَّ الْمُغِيرَةَ لِزَانٍ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِالزِّنَا الْأَوَّلِ وَلَكِنَّهُ بَعِيدٌ بَلْ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِهِ أَشْهَدُ أَنَّ الْمُرَادَ الزِّنَا الْأَوَّلُ الَّذِي عَايَنَهُ مِنْهُ (قَوْلُهُ: وَالْفَقْءُ) أَيْ لَوْ فَقَأَ عَيْنَ رَجُلٍ كَمَا فِي النَّهْرِ قَالَ الرَّمْلِيُّ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ ذَهَابُ الْبَصَرِ تَأَمَّلْ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 43 وَلَكِنَّ الْقَاضِيَ إذَا أَرَادَ أَنْ يُقَامَ بِحَضْرَتِهِ يَخْرُجُ مِنْ الْمَسْجِدِ كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْغَامِدِيَّةِ أَوْ يَبْعَثُ أَمِينًا كَمَا فَعَلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي مَاعِزٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (فَصْلٌ فِي التَّعْزِيرِ) . هُوَ تَأْدِيبٌ دُونَ الْحَدِّ وَأَصْلُهُ مِنْ الْعَزْرِ بِمَعْنَى الرَّدِّ وَالرَّدْعِ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَفِي ضِيَاءِ الْحُلُومِ هُوَ ضَرْبٌ دُونَ الْحَدِّ لِلتَّأْدِيبِ. وَالتَّعْزِيرُ التَّعْظِيمُ وَالنَّصْرُ قَالَ تَعَالَى {وَتُعَزِّرُوهُ} [الفتح: 9] اهـ. فَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا فِي ضِيَاءِ الْحُلُومِ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيُّ وَمَا فِي الْمُغْرِبِ مَعْنَاهُ الشَّرْعِيُّ فَإِنَّهُ شَرْعًا لَا يَخْتَصُّ بِالضَّرْبِ بَلْ قَدْ يَكُونُ بِهِ وَقَدْ يَكُونُ بِالصَّفْعِ وَبِفَرْكِ الْأُذُنِ وَقَدْ يَكُونُ بِالْكَلَامِ الْعَنِيفِ وَقَدْ يَكُونُ بِنَظَرِ الْقَاضِي إلَيْهِ بِوَجْهٍ عَبُوسٍ وَذَكَرَ أَبُو الْيُسْرِ وَالسَّرَخْسِيُّ أَنَّهُ لَا يُبَاحُ التَّعْزِيرُ بِالصَّفْعِ لِأَنَّهُ مِنْ أَعْلَى مَا يَكُونُ مِنْ الِاسْتِخْفَافِ فَيُصَانُ عَنْهُ أَهْلُ الْغَفْلَةِ كَذَا فِي الْمُجْتَبَى وَفِي ضِيَاءِ الْحُلُومِ الصَّفْعُ الضَّرْبُ عَلَى الْقَفَا وَلَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ التَّعْزِيرَ بِأَخْذِ الْمَالِ وَقَدْ قِيلَ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ التَّعْزِيرَ مِنْ السُّلْطَانِ بِأَخْذِ الْمَالِ جَائِزٌ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَفِي الْخُلَاصَةِ سَمِعْت عَنْ ثِقَةٍ أَنَّ التَّعْزِيرَ بِأَخْذِ الْمَالِ إنْ رَأَى الْقَاضِي ذَلِكَ أَوْ الْوَالِي جَازَ وَمِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ رَجُلٌ لَا يَحْضُرُ الْجَمَاعَةَ يَجُوزُ تَعْزِيرُهُ بِأَخْذِ الْمَالِ اهـ. وَأَفَادَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ أَنَّ مَعْنَى التَّعْزِيرِ بِأَخْذِ الْمَالِ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ إمْسَاكُ شَيْءٍ مِنْ مَالِهِ عَنْهُ مُدَّةً لِيَنْزَجِرَ ثُمَّ يُعِيدُهُ الْحَاكِمُ إلَيْهِ لَا أَنْ يَأْخُذَهُ الْحَاكِمُ لِنَفْسِهِ أَوْ لِبَيْتِ الْمَالِ كَمَا يَتَوَهَّمُهُ الظَّلَمَةُ إذْ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَخْذُ مَالِ أَحَدٍ بِغَيْرِ سَبَبٍ شَرْعِيٍّ وَفِي الْمُجْتَبَى لَمْ يَذْكُرْ كَيْفِيَّةَ الْأَخْذِ وَأَرَى أَنْ يَأْخُذَهَا فَيُمْسِكَهَا فَإِنْ أَيِسَ مِنْ تَوْبَتِهِ يَصْرِفُهَا إلَى مَا يَرَى وَفِي شَرْحِ الْآثَارِ التَّعْزِيرُ بِالْمَالِ كَانَ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ نُسِخَ. اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَذْهَبَ عَدَمُ التَّعْزِيرِ بِأَخْذِ الْمَالِ، وَأَمَّا التَّعْزِيرُ بِالشَّتْمِ فَلَمْ أَرَهُ إلَّا فِي الْمُجْتَبَى قَالَ وَفِي شَرْحِ أَبِي الْيُسْرِ التَّعْزِيرُ بِالشَّتْمِ مَشْرُوعٌ وَلَكِنْ بَعْدَ أَنْ لَا يَكُونَ قَاذِفًا اهـ. وَصَرَّحَ السَّرَخْسِيُّ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي التَّعْزِيرِ شَيْءٌ مُقَدَّرٌ بَلْ هُوَ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الزَّجْرُ وَأَحْوَالُ النَّاسِ مُخْتَلِفَةٌ فِيهِ وَفِي الشَّافِي التَّعْزِيرُ عَلَى مَرَاتِبِ أَشْرَافِ الْأَشْرَافِ وَهُمْ الْعُلَمَاءُ وَالْعَلَوِيَّةُ بِالْإِعْلَامِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ لَهُ الْقَاضِي: إنَّكَ تَفْعَلُ كَذَا وَكَذَا فَيَنْزَجِرُ بِهِ وَتَعْزِيرُ الْأَشْرَافِ وَهُمْ الْأُمَرَاءُ وَالدَّهَاقِينَ بِالْإِعْلَامِ وَالْجَرِّ إلَى بَابِ الْقَاضِي وَالْخُصُومَةِ وَتَعْزِيرُ الْأَوْسَاطِ وَهُمْ السُّوقَةُ بِالْجَرِّ وَالْحَبْسِ وَتَعْزِيرُ الْأَخِسَّةِ بِهَذَا كُلِّهِ وَبِالضَّرْبِ. اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَيْسَ مُفَوَّضًا إلَى رَأْيِ الْقَاضِي   [منحة الخالق] [فَصْلٌ فِي التَّعْزِيرِ] (قَوْلُهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا فِي ضِيَاءِ الْحُلُومِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَفِي الْقَامُوسِ إنَّهُ مِنْ أَسْمَاءِ الْأَضْدَادِ يُطْلَقُ عَلَى التَّفْخِيمِ وَالتَّعْظِيمِ وَعَلَى التَّأْدِيبِ وَعَلَى أَشَدِّ الضَّرْبِ وَعَلَى ضَرْبِهِ دُونَ الْحَدِّ اهـ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ الْمَكِّيُّ الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الْأَخِيرَ غَلَطٌ لِأَنَّ هَذَا وَضْعٌ شَرْعِيٌّ لَا لُغَوِيٌّ إذْ لَمْ يُعْلَمْ إلَّا مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ فَكَيْفَ نُسِبَ إلَى أَهْلِ اللُّغَةِ الْجَاهِلِينَ بِذَلِكَ مِنْ أَصْلِهِ وَاَلَّذِي فِي الصِّحَاحِ بَعْدَ تَفْسِيرِهِ بِالضَّرْبِ وَمِنْهُ سُمِّيَ ضَرْبُ مَا دُونَ الْحَدِّ تَعْزِيرًا فَأَشَارَ إلَى أَنَّ هَذِهِ الْحَقِيقَةَ الشَّرْعِيَّةَ مَنْقُولَةٌ عَنْ الْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ بِزِيَادَةِ قَيْدٍ هُوَ كَوْنُ ذَلِكَ الضَّرْبِ دُونَ الْحَدِّ الشَّرْعِيِّ فَهُوَ كَلَفْظِ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَنَحْوِهِمَا الْمَنْقُولَةِ لِوُجُودِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ فِيهَا وَزِيَادَةً وَهَذِهِ دَقِيقَةٌ مُهِمَّةٌ تَفَطَّنَ لَهَا صَاحِبُ الصِّحَاحِ وَغَفَلَ عَنْهَا صَاحِبُ الْقَامُوسِ وَقَدْ وَقَعَ لَهُ نَظِيرُ ذَلِكَ كَثِيرًا وَهُوَ غَلَطٌ يَتَعَيَّنُ التَّفَطُّنُ لَهُ اهـ. (قَوْلُهُ: فَيُصَانُ عَنْهُ أَهْلُ الْغَفْلَةِ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا الْقِبْلَةُ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِأَنَّ الصَّفْعَ شُرِعَ لِأَهْلِ الذَّمَّةِ عِنْدَ أَدَاءِ الْجِزْيَةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَصَرَّحَ السَّرَخْسِيُّ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي التَّعْزِيرِ شَيْءٌ مُقَدَّرٌ إلَخْ) أَيْ فِي أَنْوَاعِهِ فَإِنَّهُ يَكُونُ بِالضَّرْبِ وَغَيْرِهِ أَمَّا إنْ اقْتَضَى رَأْيُهُ الضَّرْبَ فَلَا يَزِيدُ عَلَى تِسْعَةٍ وَثَلَاثِينَ كَمَا يَأْتِي عَنْ الْفَتْحِ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَأَكْثَرُ التَّعْزِيرِ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَأَحْوَالُ النَّاسِ فِيهِ مُخْتَلِفَةٌ) فَمِنْهُمْ مَنْ يَنْزَجِرُ بِالنَّصِيحَةِ وَمِنْهُمْ بِاللَّطْمَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَحْتَاجُ إلَى الضَّرْبِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَحْتَاجُ إلَى الْحَبْسِ كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَيْسَ مُفَوَّضًا إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ مَا فِي الشَّافِي عَلَى إطْلَاقِهِ فَإِنَّ مَنْ كَانَ مِنْ أَشْرَفِ الْأَشْرَافِ لَوْ ضَرَبَ غَيْرَهُ فَأَدْمَاهُ لَا يُكْتَفَى بِتَعْزِيرِهِ بِقَوْلِ الْقَاضِي مَا مَرَّ إذْ لَا يَنْزَجِرُ بِذَلِكَ وَقَدْ رَأَيْت بَعْضَ الْقُضَاةِ مِنْ الْإِخْوَانِ مَنْ أَدَّبَهُ بِالضَّرْبِ بِذَلِكَ وَأَرَى أَنَّهُ صَوَابٌ اهـ. أَقُولُ: يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَا فِي الشَّافِي بَيَانًا لِمَا تَضَمَّنَهُ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ ثُمَّ هُوَ قَدْ يَكُونُ بِالْحَبْسِ وَقَدْ يَكُونُ بِالصَّفْعِ وَبِتَعْرِيكِ الْأُذُنِ وَقَدْ يَكُونُ بِالْكَلَامِ الْعَنِيفِ أَوْ بِالضَّرْبِ وَقَدْ يَكُونُ بِنَظَرِ الْقَاضِي إلَيْهِ بِوَجْهٍ عَبُوسٍ وَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مُقَدَّرٌ وَإِنَّمَا هُوَ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ عَلَى مَا يَقْتَضِي جِنَايَتَهُمْ فَإِنَّ الْعُقُوبَةَ فِيهِ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْجِنَايَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَبْلُغَ غَايَةَ التَّعْزِيرِ فِي الْكَبِيرَةِ كَمَا إذَا أَصَابَ مِنْ الْأَجْنَبِيَّةِ كُلَّ مُحَرَّمٍ سِوَى الْجِمَاعِ أَوْ جَمَعَ السَّارِقُ الْمَتَاعَ فِي الدَّارِ وَلَمْ يُخْرِجْهُ وَكَذَا يَنْظُرُ فِي أَحْوَالِهِمْ فَإِنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَنْزَجِرُ بِالْيَسِيرِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَنْزَجِرُ إلَّا بِالْكَثِيرِ وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ التَّعْزِيرَ عَلَى مَرَاتِبَ إلَخْ فَقَوْلُهُ وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ إلَخْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 44 وَأَنَّهُ لَيْسَ لِلْقَاضِي التَّعْزِيرُ بِغَيْرِ الْمُنَاسِبِ لِمُسْتَحِقِّهِ وَظَاهِرُ الْأَوَّلِ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ، وَقَدْ ذَكَرُوا التَّعْزِيرَ بِالْقَتْلِ قَالَ فِي التَّبْيِينِ وَسُئِلَ الْهِنْدُوَانِيُّ عَنْ رَجُلٍ وَجَدَ رَجُلًا مَعَ امْرَأَةٍ أَيَحِلُّ لَهُ قَتْلُهُ قَالَ: إنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَنْزَجِرُ بِالصِّيَاحِ وَالضَّرْبِ بِمَا دُونَ السِّلَاحِ لَا وَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَنْزَجِرُ إلَّا بِالْقَتْلِ حَلَّ لَهُ الْقَتْلُ وَإِنْ طَاوَعَتْهُ الْمَرْأَةُ حَلَّ لَهُ قَتْلُهَا أَيْضًا وَفِي الْمُنْيَةِ رَأَى رَجُلًا مَعَ امْرَأَتِهِ وَهُوَ يَزْنِي بِهَا أَوْ مَعَ مَحْرَمِهِ وَهُمَا مُطَاوِعَتَانِ قَتَلَ الرَّجُلَ وَالْمَرْأَةَ جَمِيعًا. اهـ. فَقَدْ أَفَادَ الْفَرْقَ بَيْنَ الْأَجْنَبِيَّةِ وَالزَّوْجَةِ وَالْمَحْرَمِ فَفِي الْأَجْنَبِيَّةِ لَا يَحِلُّ الْقَتْلُ إلَّا بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ مِنْ عَدَمِ الِانْزِجَارِ بِالصِّيَاحِ وَالضَّرْبِ وَفِي غَيْرِهَا يَحِلُّ مُطْلَقًا وَفِي الْمُجْتَبَى الْأَصْلُ فِي كُلِّ شَخْصٍ إذَا رَأَى مُسْلِمًا يَزْنِي أَنْ يَحِلَّ لَهُ قَتْلُهُ وَإِنَّمَا يَمْتَنِعُ خَوْفًا أَنْ يَقْتُلَهُ وَلَا يُصَدَّقُ فِي أَنَّهُ زَنَى وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ الْمُكَابَرَةُ بِالظُّلْمِ وَقُطَّاعُ الطَّرِيقِ وَصَاحِبُ الْمَكْسِ وَجَمِيعُ الظَّلَمَةِ بِأَدْنَى شَيْءٍ لَهُ قِيمَةٌ وَجَمِيعُ الْكَبَائِرِ وَالْأَعْوِنَةُ وَالظَّلَمَةُ وَالسُّعَاةُ فَيُبَاحُ قَتْلُ الْكُلِّ وَيُثَابُ قَاتِلُهُمْ. اهـ. وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ مَنْ يُقِيمُهُ قَالُوا لِكُلِّ مُسْلِمٍ إقَامَتُهُ حَالَ مُبَاشَرَةِ الْمَعْصِيَةِ، وَأَمَّا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا فَلَيْسَ ذَلِكَ لِغَيْرِ الْحَاكِمِ قَالَ فِي الْقُنْيَةِ رَأَى غَيْرَهُ عَلَى فَاحِشَةٍ مُوجِبَةٍ لِلتَّعْزِيرِ فَعَزَّرَهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُحْتَسِبِ فَلِلْمُحْتَسِبِ أَنْ يُعَزِّرَ الْمُعَزِّرَ إنْ عَزَّرَهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَوْلُهُ: إنْ عَزَّرَهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ عَزَّرَهُ حَالَ كَوْنِهِ مَشْغُولًا بِالْفَاحِشَةِ فَلَهُ ذَلِكَ وَأَنَّهُ حَسَنٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ نَهْيٌ عَنْ الْمُنْكَرِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مَأْمُورٌ بِهِ وَبَعْدَ الْفَرَاغِ لَيْسَ بِنَهْيٍ عَنْ الْمُنْكَرِ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ عَمَّا مَضَى لَا يُتَصَوَّرُ فَيَتَمَخَّضُ تَعْزِيرًا وَذَلِكَ إلَى الْإِمَامِ. اهـ. وَذَكَرَ قَبْلَهُ مَنْ عَلَيْهِ التَّعْزِيرُ إذَا قَالَ لِرَجُلٍ: أَقِمْ عَلَيَّ التَّعْزِيرَ فَفَعَلَ ثُمَّ رُفِعَ إلَى الْقَاضِي فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَحْتَسِبُ بِذَلِكَ التَّعْزِيرِ الَّذِي أَقَامَهُ بِنَفْسِهِ. اهـ. وَفِي الْمُجْتَبَى فَأَمَّا إقَامَةُ التَّعْزِيرِ فَقِيلَ لِصَاحِبِ الْحَقِّ كَالْقِصَاصِ وَقِيلَ لِلْإِمَامِ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْحَقِّ قَدْ يُسْرِفُ فِيهِ غِلَظًا بِخِلَافِ الْقِصَاصِ؛ لِأَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِخِلَافِ التَّعْزِيرِ الْوَاجِبِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى حَيْثُ يَتَوَلَّى إقَامَتَهُ كُلُّ أَحَدٍ بِحُكْمِ النِّيَابَةِ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى. اهـ. وَفِي الْقُنْيَةِ ضَرَبَ غَيْرَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ وَضَرَبَهُ الْمَضْرُوبُ أَيْضًا أَنَّهُمَا يُعَزَّرَانِ   [منحة الخالق] يَصْلُحُ بَيَانًا لِقَوْلِهِ وَكَذَا يَنْظُرُ فِي أَحْوَالِهِمْ فَصَارَ حَاصِلُ الْقَوْلِ بِالتَّفْوِيضِ إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ أَنْ يَنْظُرَ إلَى الْجِنَايَةِ وَإِلَى حَالِ الْجَانِي، فَإِذَا كَانَتْ الْجِنَايَةُ صَغِيرَةً وَالْجَانِي ذَا مُرُوءَةٍ مِمَّنْ يَنْزَجِرُ بِمُجَرَّدِ الْإِعْلَامِ لَا يُزَادُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ جِنَايَتُهُ كَبِيرَةً كَاللِّوَاطَةِ أَوْ شُرْبِ الْخَمْرِ، فَإِنَّ هَذَا لَا يَصْدُرُ مِنْ ذِي مُرُوءَةٍ، وَإِنْ كَانَ هُوَ مِنْ الْأَشْرَافِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ يَكْفِي فِيهِ مُجَرَّدُ الْإِعْلَامِ وَمَا فِي الشَّافِي وَالنِّهَايَةِ لَا يُنَافِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ نَحْوَ الْعُلَمَاءِ وَالْعَلَوِيَّةِ يُرَادُ بِهِمْ مَنْ جِنَايَتُهُ صَغِيرَةٌ صَدَرَتْ مِنْهُ عَلَى وَجْهِ الزَّلَّةِ وَالنُّدُورِ وَلِذَا قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا: لَوْ كَانَ ذَا مُرُوءَةٍ أَوَّلَ مَا فَعَلَ يُوعَظُ اسْتِحْسَانًا وَلَا يُعَزَّرُ وَقَالَ النَّاطِفِيُّ إذَا تَكَرَّرَ مِنْهُ يُضْرَبُ التَّعْزِيرَ، فَإِنَّ هَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّ تَكْرَارَ ذَلِكَ مِنْهُ يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ ذَا مُرُوءَةٍ فَكَذَا مَا كَانَ مَعْصِيَةً شَنِيعَةً لَا تَصْدُرُ عَادَةً مِنْ ذِي مُرُوءَةٍ وَالْمُرَادُ كَمَا فِي الْفَتْحِ بِالْمُرُوءَةِ الدِّينُ وَالصَّلَاحُ وَمَا مَرَّ عَنْ النَّهْرِ يُؤَيِّدُ مَا قُلْنَاهُ. (قَوْلُهُ: فَقَدْ أَفَادَ الْفَرْقَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ مَا عَنْ الْهِنْدُوَانِيُّ نَصٌّ فِي الْأَجْنَبِيَّةِ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى بِامْرَأَةٍ لَهُ وَخَصَّهَا لِتَعُمَّ الْأَجْنَبِيَّةَ بِالْأَوْلَى وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا فِي حُدُودِ الْبَزَّازِيَّةِ مَنْ وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا إنْ كَانَ يَنْزَجِرُ بِالصِّيَاحِ وَبِمَا دُونَ السِّلَاحِ لَا يَحِلُّ قَتْلُهُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَنْزَجِرُ إلَّا بِالْقَتْلِ حَلَّ قَتْلُهُ، وَإِنْ طَاوَعَتْهُ حَلَّ قَتْلُهَا أَيْضًا وَهَذَا نَصٌّ عَلَى أَنَّ التَّعْزِيرَ وَالْقَتْلَ يَلِيهِ غَيْرُ الْمُحْتَسِبِ اهـ. وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ التَّدَافُعُ بَيْنَ كَلَامَيْ الْهِنْدُوَانِيُّ وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ نُكْرُ الْمَرْأَةِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الزَّوْجَةِ وَالْأَجْنَبِيَّةِ، وَقَدْ أَفْصَحَ عَنْ ذَلِكَ فِي الْخَانِيَّةِ حَيْثُ قَالَ رَأَى رَجُلًا يَزْنِي بِامْرَأَتِهِ أَوْ بِامْرَأَةِ رَجُلٍ آخَرَ وَهُوَ مُحْصَنٌ فَصَاحَ بِهِ وَلَمْ يَهْرُبْ وَلَمْ يَمْتَنِعْ عَنْ الزِّنَا حَلَّ لِهَذَا الرَّجُلِ قَتْلُهُ، وَإِنْ قَتَلَهُ فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ وَذَكَرَ مِثْلَهُ فِي السَّرِقَةِ حَيْثُ قَالَ رَأَى رَجُلًا يَسْرِقُ مَالَهُ فَصَاحَ بِهِ أَوْ يَنْقُبُ حَائِطَهُ أَوْ حَائِطَ غَيْرِهِ وَهُوَ مَعْرُوفٌ بِالسَّرِقَةِ فَصَاحَ بِهِ وَلَمْ يَهْرُبْ حَلَّ قَتْلُهُ وَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ. اهـ. وَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ مَا فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي وَعَلَيْهِ جَرَى الْخَبَّازِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُحِيطِ مُطْلَقًا لَكِنْ يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى التَّقْيِيدِ تَوْفِيقًا بَيْنَ كَلَامِهِمْ وَمِنْ هُنَا جَزَمَ ابْنُ وَهْبَانَ فِي نَظْمِهِ بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ مُطْلَقًا وَهُوَ الْحَقُّ وَاعْلَمْ أَنَّهُ فِي الْخَانِيَّةِ شَرَطَ فِي جَوَازِ قَتْلِ الزَّانِي أَنْ يَكُونَ مُحْصَنًا وَفِي السَّارِقِ أَنْ يَكُونَ مَعْرُوفًا بِالسَّرِقَةِ وَبِالْأَوَّلِ جَزَمَ الطَّرَسُوسِيُّ وَرَدَّهُ ابْنُ وَهْبَانَ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْحَدِّ بَلْ مِنْ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ وَهُوَ حَسَنٌ، فَإِنَّ هَذَا الْمُنْكَرَ حَيْثُ تَعَيَّنَ الْقَتْلُ طَرِيقًا فِي إزَالَتِهِ فَلَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِ الْإِحْصَانِ فِيهِ وَلِذَا أَطْلَقَهُ الْبَزَّازِيُّ (قَوْلُهُ: وَذَكَرَ قَبْلَهُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ هَذَا مَحْمُولٌ فِي حَقِّ الْعَبْدِ عَلَى أَنَّهُمَا حُكْمَاهُ فَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الَّذِي يَجِبُ حَقًّا لِلْعَبْدِ لِتَوَقُّفِهِ عَلَى الدَّعْوَى لَا يُقِيمُهُ إلَّا الْحَاكِمُ إلَّا أَنْ يَحْكُمَا فِيهِ (قَوْلُهُ: وَفِي الْقُنْيَةِ ضَرَبَ غَيْرَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قُدِّمَ أَنَّهُمَا إذَا تَشَاتَمَا تَكَافَأَ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْ الْقَاضِي فَرَاجِعْهُ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَلَوْ قَالَ يَا زَانِي وَعَكَسَ حُدَّا فَاعْلَمْهُ. اهـ. قُلْت مَحْمَلُ مَا مَرَّ عَلَى مَا إذَا قَالَ لَهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 45 بِإِقَامَةِ التَّعْزِيرِ بِالْبَادِي مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ أَظْلَمُ وَالْوُجُوبُ عَلَيْهِ أَسْبَقُ اهـ (قَوْلُهُ وَمَنْ قَذَفَ مَمْلُوكًا أَوْ كَافِرًا بِالزِّنَا أَوْ مُسْلِمًا بِيَا فَاسِقُ يَا كَافِرُ يَا خَبِيثُ يَا لِصُّ يَا فَاجِرُ يَا مُنَافِقُ يَا لُوطِيُّ يَا مَنْ يَلْعَبُ بِالصِّبْيَانِ يَا آكِلَ الرِّبَا يَا شَارِبَ الْخَمْرِ يَا دَيُّوثُ يَا مُخَنَّثُ يَا خَائِنُ يَا ابْنَ الْقَحْبَةِ يَا زِنْدِيقُ يَا قَرْطَبَانُ يَا مَأْوَى الزَّوَانِي أَوْ اللُّصُوصِ يَا حَرَامٌ زَادُهُ عُزِّرَ) ؛ لِأَنَّهُ جِنَايَةُ قَذْفٍ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ، وَقَدْ امْتَنَعَ وُجُوبُ الْحَدِّ لِفَقْدِ الْإِحْصَانِ فَوَجَبَ التَّعْزِيرُ وَفِيمَا عَدَاهُمَا قَدْ آذَاهُ وَأَلْحَقَ الشَّيْنَ بِهِ وَلَا مَدْخَلَ لِلْقِيَاسِ فِي الْحُدُودِ فَوَجَبَ التَّعْزِيرُ وَهُوَ ثَابِتٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ} [النساء: 34] وَأَمَّا السُّنَّةُ فَكَثِيرَةٌ مِنْهَا «تَعْزِيرُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رَجُلًا قَالَ لِغَيْرِهِ يَا مُخَنَّثُ» «وَحَبَسَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رَجُلًا بِالتُّهْمَةِ» وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى وُجُوبِهِ فِي كَبِيرَةٍ لَا تُوجِبُ الْحَدَّ أَوْ جِنَايَةٍ لَا تُوجِبُ الْحَدَّ كَذَا فِي التَّبْيِينِ فَصَارَ الْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ مَنْ ارْتَكَبَ مَعْصِيَةً لَيْسَ فِيهَا حَدٌّ مُقَدَّرٌ وَثَبَتَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْحَاكِمِ فَإِنَّهُ يَجِبُ التَّعْزِيرُ مِنْ نَظَرٍ مُحَرَّمٍ وَمَسٍّ مُحَرَّمٍ وَخَلْوَةٍ مُحَرَّمَةٍ وَأَكْلِ رِبًا ظَاهِرٍ وَمِنْ ذَلِكَ مَا فِي الْقُنْيَةِ مِسْكِينَةٌ أَخَذَتْ كِسْرَةَ خُبْزٍ مِنْ خَبَّازٍ فَضَرَبَهَا حَتَّى صَرَعَهَا لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَيُعَزَّرُ. اهـ. وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ مَنْ أَخَذَ مَالَ أَحَدٍ لَيْسَ لَهُ ضَرْبُهُ حَيْثُ أَمْكَنَهُ رَفْعُهُ إلَى الْحَاكِمِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ لِقِلَّةِ قِيمَتِهَا وَلِكَوْنِهَا مِسْكِينَةً وَمِنْ ذَلِكَ الِاسْتِخْفَافُ بِالْمُسْلِمِ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ وَمِنْهُ الْمُسْلِمُ إذَا بَاعَ الْخَمْرَ فَإِنَّهُ يُضْرَبُ ضَرْبًا وَجِيعًا بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ حَتَّى يَتَقَدَّمَ إلَيْهِ، فَإِنْ بَاعَ فِي الْمِصْرِ بَعْدَ التَّقْدِيمِ ثُمَّ أَسْلَمَ لَمْ يَسْقُطْ الضَّرْبُ كَذَا فِي الْقُنْيَةِ وَفِي فَتَاوَى الْقَاضِي مَنْ يُتَّهَمُ بِالْقَتْلِ وَالسَّرِقَةِ وَضَرْبِ النَّاسِ يُحْبَسُ وَيُخَلَّدُ فِي السِّجْنِ إلَى أَنْ يُظْهِرَ التَّوْبَةَ، وَقَدْ ذَكَرُوا فِي كِتَابِ الْكَفَالَةِ أَنَّ التُّهْمَةَ تَثْبُتُ بِشَهَادَةِ مَسْتُورَيْنِ أَوْ وَاحِدٍ عَدْلٍ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ شَهِدَ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَاحِدٌ مَسْتُورٌ وَفَاسِقٌ بِفَسَادِ شَخْصٍ لَيْسَ لِلْحَاكِمِ حَبْسُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ عَدْلًا أَوْ مَسْتُورَيْنِ، فَإِنَّ لَهُ حَبْسَهُ وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِيهَا وَلَا يُحْبَسُ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ حَتَّى يَشْهَدَ شَاهِدَانِ أَوْ وَاحِدٌ عَدْلٌ. اهـ. وَتَقْدِيرُ مُدَّةِ الْحَبْسِ رَاجِعَةٌ إلَى الْحَاكِمِ كَمَا لَا يَخْفَى وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَيُعَزَّرُ مَنْ شَهِدَ شُرْبَ الشَّارِبِينَ، وَالْمُجْتَمِعُونَ عَلَى شِبْهِ الشُّرْبِ وَإِنْ لَمْ يَشْرَبُوا وَمَنْ مَعَهُ رَكْوَةُ خَمْرٍ وَالْمُفْطِرُ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ يُعَزَّرُ وَيُحْبَسُ وَالْمُسْلِمُ يَأْكُلُ الرِّبَا يُعَزَّرُ وَيُحْبَسُ وَكَذَا الْمُغَنِّي وَالْمُخَنَّثُ وَالنَّائِحَةُ يُعَزَّرُونَ وَيُحْبَسُونَ حَتَّى يُحْدِثُوا تَوْبَةً وَكَذَا مَنْ قَبَّلَ أَجْنَبِيَّةً أَوْ عَانَقَهَا أَوْ لَمَسَهَا بِشَهْوَةٍ. اهـ. وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَالْأَصْلُ فِي وُجُوبِ التَّعْزِيرِ أَنَّ كُلَّ مَنْ ارْتَكَبَ مُنْكَرًا أَوْ آذَى مُسْلِمًا بِغَيْرِ حَقٍّ بِقَوْلِهِ أَوْ بِفِعْلِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّعْزِيرُ إلَّا إذَا كَانَ الْكَذِبُ ظَاهِرًا كَقَوْلِهِ يَا كَلْبُ. اهـ. وَالْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اقْتَصَرَ عَلَى مَسَائِلِ الشَّتْمِ لِكَثْرَةِ وُقُوعِهَا خُصُوصًا فِي زَمَانِنَا وَأَطْلَقَ عَلَيْهِ قَذْفًا مَجَازًا شَرْعِيًّا وَهُوَ حَقِيقَةٌ لُغَوِيَّةٌ؛ لِأَنَّ الْقَذْفَ فِي اللُّغَةِ الرَّمْيُ بِالْحِجَارَةِ وَنَحْوِهَا قَالَ تَعَالَى {وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ - دُحُورًا} [الصافات: 8 - 9] وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ رَمْيُهُنَّ بِالْفُجُورِ، وَالْقَذْفُ بِالْغَيْبِ الرَّجْمُ بِالظَّنِّ قَالَ تَعَالَى {وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ} [سبأ: 53] وَقَذَفَ قَذْفًا كَذَا فِي ضِيَاءِ الْحُلُومِ وَأُطْلِقَ فِي وُجُوبِ التَّعْزِيرِ بِالشَّتْمِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِأَنْ يَعْجِزَ الْقَائِلُ عَنْ إثْبَاتِ مَا قَالَهُ قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَلَوْ قَالَ لَهُ: يَا فَاسِقُ يَا فَاجِرُ يَا مُخَنَّثُ يَا لِصُّ وَالْمَقُولُ لَهُ فَاسِقٌ أَوْ فَاجِرٌ أَوْ لِصٌّ لَا يُعَزَّرُ ذَكَرَهُ الْحَسَنُ فِي الْمُجَرَّدِ؛ لِأَنَّهُ صَادِقٌ فِي أَخْبَارِهِ فَلَا يَكُونُ فِيهِ إلْحَاقُ الشَّيْنِ بِهِ بَلْ الشَّيْنُ كَانَ مُلْحَقًا بِهِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إنَّمَا يَجِبُ التَّعْزِيرُ فِيمَنْ لَمْ يُعْلَمْ اتِّصَافُهُ بِهِ أَمَّا مَنْ عُلِمَ اتِّصَافُهُ، فَإِنَّ الشَّيْنَ قَدْ أَلْحَقَهُ هُوَ بِنَفْسِهِ قَبْلَ قَوْلِ الْقَائِلِ. اهـ. وَفِي الْقُنْيَةِ قَالَ لَهُ يَا فَاسِقُ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُثْبِتَ بِالْبَيِّنَةِ فِسْقَهُ لِيَدْفَعَ التَّعْزِيرَ عَنْ نَفْسِهِ لَا تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى مُجَرَّدِ الْجَرْحِ وَالْفِسْقِ لَا تُقْبَلُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ: يَا زَانِي ثُمَّ أَثْبَتَ زِنَاهُ بِالْبَيِّنَةِ تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَلِّقُ الْحَدِّ وَلَوْ أَرَادَ إثْبَاتَ   [منحة الخالق] يَا خَبِيثُ مَثَلًا فَرَدَّ عَلَيْهِ بِهِ فَيَحْصُلُ التَّكَافُؤُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ هُنَاكَ أَمَّا الضَّرْبُ فَلَا تَكَافُؤَ فِيهِ لِتَفَاوُتِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ. [قَذَفَ مَمْلُوكًا أَوْ كَافِرًا بِالزِّنَا أَوْ مُسْلِمًا بِيَا فَاسِقُ] (قَوْلُهُ: وَيُخَلَّدُ فِي الْحَبْسِ إلَى أَنْ يُظْهِرَ التَّوْبَةَ) أَيْ إمَارَتَهَا إذْ لَا وُقُوفَ لَنَا عَلَى حَقِيقَتِهَا وَلَا يَنْبَغِي الْقَوْلُ بِحَبْسِهِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ؛ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ بِالْمُدَّةِ لَا يَحْصُلُ بِهِ الْغَرَضُ إذْ قَدْ تَحْصُلُ فِيهَا التَّوْبَةُ، وَقَدْ لَا تَحْصُلُ وَلَا تَظْهَرُ أَمَارَاتُ الْحُصُولِ فَكَانَ التَّقْدِيرُ بِمَا قُلْنَا أَوْلَى وَأَيْضًا التَّقْدِيرُ بِالْمُدَّةِ سَمَاعِيٌّ لَا دَخْلَ لِلرَّأْيِ فِيهِ كَذَا نَقَلَهُ ابْنُ الشِّحْنَةِ عَنْ الطَّرَسُوسِيِّ وَأَقَرَّهُ وَدَفَعَ مَا أَوْرَدَهُ عَلَيْهِ تِلْمِيذُهُ ابْنُ وَهْبَانَ (قَوْلُهُ: كَذَا فِي ضِيَاءِ الْحُلُومِ) وَقَعَ قَبْلَهُ فِي نُسْخَةٍ أَيْ فَاءَ وَفِي أُخْرَى أَيْ رَمَاهُ وَفِي أُخْرَى بِدُونِ ذَلِكَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 46 فِسْقِهِ ضِمْنًا لِمَا تَصِحُّ فِيهِ الْخُصُومَةُ كَجَرْحِ الشُّهُودِ إذَا قَالَ رَشَوْته بِكَذَا فَعَلَيْهِ رَدُّهُ تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ كَذَا هَذِهِ. اهـ. وَهَذَا إذَا شَهِدُوا عَلَى فِسْقِهِ وَلَمْ يُبَيِّنُوهُ، وَأَمَّا إذَا بَيَّنُوهُ بِمَا يَتَضَمَّنُ إثْبَاتَ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ الْعَبْدِ، فَإِنَّهَا تُقْبَلُ كَمَا إذَا قَالَ لَهُ يَا فَاسِقُ فَلَمَّا رُفِعَ إلَى الْقَاضِي ادَّعَى أَنَّهُ رَآهُ قَبَّلَ أَجْنَبِيَّةً أَوْ عَانَقَهَا أَوْ خَلَا بِهَا وَنَحْوَ ذَلِكَ ثُمَّ أَقَامَ رَجُلَيْنِ شَهِدَا أَنَّهُمَا رَأَيَاهُ فَعَلَ ذَلِكَ وَلَا شَكَّ فِي قَبُولِهَا وَسُقُوطِ التَّعْزِيرِ عَنْ الْقَائِلِ؛ لِأَنَّهَا تَضَمَّنَتْ إثْبَاتَ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ التَّعْزِيرُ عَلَى الْفَاعِلِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ تَعَالَى لَا يَخْتَصُّ بِالْحَدِّ بَلْ أَعَمُّ مِنْهُ وَمِنْ التَّعْزِيرِ وَكَذَلِكَ يَجْرِي هَذَا فِي جَرْحِ الشَّاهِدِ بِمِثْلِهِ وَإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ وَيَنْبَغِي عَلَى هَذَا لِلْقَاضِي أَنْ يَسْأَلَ الشَّاتِمَ عَنْ سَبَبِ فِسْقِهِ، فَإِنْ يُبَيِّنْ سَبَبًا شَرْعِيًّا طَلَبَ مِنْهُ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ وَيَنْبَغِي أَنَّهُ إنْ بَيَّنَ أَنَّ سَبَبَهُ تَرْكُ الِاشْتِغَالِ بِالْعِلْمِ مَعَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا وَفِي مِثْلِ هَذَا لَا يَطْلُبُ مِنْهُ الْبَيِّنَةَ بَلْ يَسْأَلُ الْمَقُولَ لَهُ عَنْ الْفَرَائِضِ الَّتِي يُفْتَرَضُ عَلَيْهِ مَعْرِفَتُهَا. فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهَا ثَبَتَ فِسْقُهُ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْقَائِلِ لَهُ يَا فَاسِقُ لِمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُجْتَبَى مِنْ أَنَّ تَرْكَ الِاشْتِغَالِ بِالْفِقْهِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَاقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ فِي مَسَائِلِ الشَّتْمِ عَلَى النِّدَاءِ وَلَيْسَ بِقَيْدٍ؛ لِأَنَّ الْإِخْبَارَ كَذَلِكَ كَمَا إذَا قَالَ أَنْتَ فَاسِقٌ أَوْ فُلَانٌ فَاسِقٌ وَنَحْوَهُ قَالَ فِي الْقُنْيَةِ لَوْ قَالَ لَهُ يَا مُنَافِقُ أَوْ أَنْت مُنَافِقٌ يُعَزَّرُ. اهـ. وَهَذَا إذَا لَمْ يَخْرُجْ مَخْرَجَ الدَّعْوَى قَالَ فِي الْقُنْيَةِ وَلَوْ ادَّعَى رَجُلٌ عِنْدَ الْقَاضِي سَرِقَةً وَعَجَزَ عَنْ إثْبَاتِهَا لَا يُعَزَّرُ بِخِلَافِ دَعْوَى الزِّنَا؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ دَعْوَى السَّرِقَةِ إثْبَاتُ الْمَالِ لَا نِسْبَتُهُ إلَى السَّرِقَةِ بِخِلَافِ دَعْوَى الزِّنَا وَإِنْ قَصَدَ إقَامَةَ الْحِسْبَةِ لَكِنْ لَا يُمْكِنُهُ إثْبَاتُهَا إلَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى الزِّنَا فَكَانَ قَاصِدًا نِسْبَتَهُ إلَى الزِّنَا وَفِي الْمَالِ يُمْكِنُهُ إثْبَاتُهُ بِدُونِ نِسْبَتِهِ إلَى السَّرِقَةِ فَلَمْ يَكُنْ قَاصِدًا نِسْبَتَهُ إلَى السَّرِقَةِ. اهـ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي رَجُلٍ قَالَ إنْ زَنَيْت فَعَبْدُهُ حُرٌّ فَادَّعَى الْعَبْدُ أَنَّهُ زَنَى أُحْلِفَ الْمَوْلَى بِاَللَّهِ مَا زَنَيْت، فَإِنْ حَلَفَ لَمْ يُعْتَقْ الْعَبْدُ وَوَجَبَ عَلَى الْعَبْدِ الْحَدُّ لِلْمَوْلَى وَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ عَتَقَ الْعَبْدُ وَلَا حَدَّ عَلَى مَنْ قَذَفَهُ بَعْدَ ذَلِكَ اسْتِحْسَانًا. اهـ. وَفِي الْفَتَاوَى السِّرَاجِيَّةِ إذَا ادَّعَى شَخْصٌ عَلَى شَخْصٍ بِدَعْوَى تُوجِبُ تَكْفِيرَهُ وَعَجَزَ الْمُدَّعِي عَنْ إثْبَاتِ مَا ادَّعَاهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ إذَا صَدَرَ الْكَلَامُ عَلَى وَجْهِ الدَّعْوَى عِنْدَ حَاكِمٍ شَرْعِيٍّ أَمَّا إذَا صَدَرَ مِنْهُ عَلَى وَجْهِ السَّبِّ أَوْ الِانْتِقَاصِ، فَإِنَّهُ يُعَزَّرُ عَلَى حَسَبِ مَا يَلِيقُ بِهِ. اهـ. وَالتَّقْيِيدُ بِالْمُسْلِمِ فِي قَوْلِهِ أَوْ مُسْلِمًا فِي مَسَائِلِ الشَّتْمِ اتِّفَاقًا إذْ لَوْ شَتَمَ ذِمِّيًّا، فَإِنَّهُ يُعَزَّرُ؛ لِأَنَّهُ ارْتَكَبَ مَعْصِيَةً كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي الْقُنْيَةِ مِنْ بَابِ الِاسْتِحْلَالِ وَرَدِّ الْمَظَالِمِ لَوْ قَالَ لِيَهُودِيٍّ أَوْ مَجُوسِيٍّ يَا كَافِرُ يَأْثَمُ إنْ شَقَّ عَلَيْهِ. اهـ. وَمُقْتَضَاهُ أَنْ يُعَزَّرَ لِارْتِكَابِهِ مَا أَوْجَبَ الْإِثْمَ، وَقَدْ جَعَلَ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَلْفَاظِ الشَّتْمِ يَا كَافِرُ يَا مُنَافِقُ وَفِي الْمُحِيطِ جَعَلَ مِنْهُ يَا يَهُودِيُّ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الشَّاتِمَ لَا يَكْفُرُ بِهِ وَصَرَّحَ فِي الْخُلَاصَةِ أَنَّهُ لَوْ أَجَابَهُ بِقَوْلِهِ لَبَّيْكَ كَفَرَ وَلَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُ وَيَا رَافِضِيُّ بِمَنْزِلَةِ يَا كَافِرُ أَوْ يَا مُبْتَدِعُ فَيُعَزَّرُ؛ لِأَنَّ الرَّافِضِيَّ كَافِرٌ إنْ كَانَ يَسُبُّ الشَّيْخَيْنِ وَمُبْتَدِعٌ إنْ فَضَّلَ عَلِيًّا عَلَيْهِمَا مِنْ غَيْرِ سَبٍّ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَسَيَأْتِي فِي بَابِ الرِّدَّةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَفَادَ بِعَطْفِهِ يَا فَاجِرُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: فَلَا شَكَّ فِي قَبُولِهَا إلَخْ) قُلْت قَدْ ذَكَرُوا فِي الشَّهَادَاتِ مِنْ الْجَرْحِ الْمُجَرَّدِ الَّذِي لَا يُقْبَلُ لَوْ شَهِدُوا عَلَى شُهُودِ الْمُدَّعِي بِأَنَّهُمْ فَسَقَةٌ أَوْ زُنَاةٌ أَوْ أَكَلَةُ رِبًا أَوْ شَرَبَةُ الْخَمْرِ أَوْ عَلَى إقْرَارِهِمْ أَنَّهُمْ شَهِدُوا بِزُورٍ أَوْ أَنَّهُمْ أُجَرَاءُ فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ إلَخْ مَا ذُكِرَ هُنَاكَ وَلَا يَخْفَى أَنَّ إقْرَارَهُمْ بِشَهَادَةِ الزُّورِ مُوجِبٌ لِلتَّعْزِيرِ (قَوْلُهُ: هَذَا إذَا لَمْ يَخْرُجْ مَخْرَجَ الدَّعْوَى) قَالَ الرَّمْلِيُّ الْإِشَارَةُ إنْ رَجَعَتْ إلَى الْمَذْكُورِ فِي الْمَتْنِ جَمِيعِهِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ فَهُوَ مُشْكِلٌ لِمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ دَعْوَى السَّرِقَةِ وَالزِّنَا فَتَأَمَّلْ هَذَا الْكَلَامَ وَكُنْ فِيهِ عَلَى بَصِيرَةٍ وَتَبِعَهُ فِيهِ صَاحِبُ النَّهْرِ وَشَرْحِ تَنْوِيرِ الْأَبْصَارِ وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ (قَوْلُهُ: قَالَ فِي الْقُنْيَةِ وَلَوْ ادَّعَى رَجُلٌ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ كَلَامُ الْقُنْيَةِ خَاصٌّ بِذِكْرِ السَّرِقَةِ وَالزِّنَا وَلَيْسَ فِيهِ تَعَرُّضٌ لِغَيْرِهِ وَأَنْتَ عَلَى عِلْمٍ بِأَنَّ الْفَرْقَ الْمَذْكُورَ يَلْحَقُ مَا عَدَا السَّرِقَةَ بِالزِّنَا إذْ لَا يُمْكِنُهُ إثْبَاتُهُ إلَّا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ كَالزِّنَا وَأَقُولُ: مَا ذُكِرَ مِنْ الْفَرْقِ يَقْتَضِي عَكْسَ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ إذْ الْمَالُ حَيْثُ أَمْكَنَ إثْبَاتُهُ بِدُونِ نِسْبَتِهِ لِلسَّرِقَةِ يَصِيرُ بِدَعْوَاهَا ظَاهِرًا قَاصِدًا نِسْبَتَهُ إلَيْهَا وَإِلَّا لَعَدَلَ عَنْهَا إلَى دَعْوَى الْمَالِ بِخِلَافِ مَا لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ إلَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا هُوَ طَرِيقُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا مَنْدُوحَةَ لَهُ عَنْهُ فَلَمْ يَكُنْ قَاصِدًا نِسْبَتَهُ إلَيْهِ ظَاهِرًا تَأَمَّلْ. اهـ. وَقَدْ خَطَرَ لِي هَذَا قَبْلَ أَنْ أَرَاهُ وَيَظْهَرُ الْفَرْقُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ وُرُودُ النَّصِّ فِي الزِّنَا أَنَّهُ إذَا لَمْ يَأْتِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ يُجْلَدُ (قَوْلُهُ: وَمُقْتَضَاهُ أَنْ يُعَزَّرَ) قَالَ فِي النَّهْرِ فِيهِ نَظَرٌ وَسَيَأْتِي مَا يُرْشِدُ إلَيْهِ. اهـ. قَالَ فِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ وَلَعَلَّ وَجْهَهُ مَا مَرَّ فِي يَا فَاسِقُ فَتَأَمَّلْ. اهـ. أَيْ مِنْ أَنَّهُ أَلْحَقَ بِنَفْسِهِ قَبْلَ قَوْلِ الْقَائِلِ قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ فَتَأَمَّلْ إلَى ضَعْفِ هَذَا الْوَجْهِ، فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ أَلْحَقَ الشَّيْنَ بِنَفْسِهِ لَكِنَّا الْتَزَمْنَا بِعَقْدِ الذِّمَّةِ مَعَهُ أَنْ لَا نُؤْذِيَهُ. اهـ. قُلْت وَيُؤَيِّدُ كَلَامَ الْمُؤَلِّفِ قَوْلُ الْفَتْحِ الْمَارِّ آنِفًا لَوْ شَتَمَ ذِمِّيًّا يُعَزَّرُ؛ لِأَنَّهُ ارْتَكَبَ مَعْصِيَةً الجزء: 5 ¦ الصفحة: 47 عَلَى يَا فَاسِقُ التَّغَايُرَ بَيْنَهُمَا. وَلِذَا قَالَ فِي الْقُنْيَةِ لَوْ أَقَامَ مُدَّعِي الشَّتْمِ شَاهِدَيْنِ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَالَ لَهُ يَا فَاسِقُ وَالْآخَرُ عَلَى أَنَّهُ قَالَ لَهُ يَا فَاجِرُ لَا تُقْبَلُ هَذِهِ الشَّهَادَةُ. اهـ. وَأُطْلِقَ فِي قَوْلِهِ يَا لُوطِيُّ فَأَفَادَ أَنَّهُ لَا يَسْأَلُ عَنْ نِيَّتِهِ وَأَنَّهُ يُعَزَّرُ مُطْلَقًا وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقِيلَ فِي يَا لُوطِيُّ يُسْأَلُ عَنْ نِيَّتِهِ إنْ أَرَادَ أَنَّهُ مِنْ قَوْمِ لُوطٍ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ يَعْمَلُ عَمَلَهُمْ يُعَزَّرُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يُحَدُّ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُعَزَّرُ إنْ كَانَ فِي غَضَبٍ قُلْت أَوْ هَزْلِ مَنْ تَعَوَّدَ بِالْهَزْلِ وَالْقَبِيحِ. اهـ. وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْأَلْفَاظِ الدَّيُّوثَ وَالْقَرْطَبَانَ فَقَالَ فِي الْمُغْرِبِ الدَّيُّوثُ الَّذِي لَا غَيْرَةَ لَهُ مِمَّنْ يَدْخُلُ عَلَى امْرَأَتِهِ وَالْقَرْطَبَانُ نَعْتُ سَوْءٍ فِي الرَّجُلِ الَّذِي لَا غَيْرَةَ لَهُ عَنْ اللَّيْثِ وَعَنْ الْأَزْهَرِيِّ هَذَا مِنْ كَلَامِ الْحَاضِرَةِ وَلَمْ أَرَ الْبَوَادِيَ لَفَظُوا بِهِ وَلَا عَرَفُوهُ وَمِنْهُ مَا فِي قَذْفِ الْأَجْنَاسِ كَشَحَّاتٍ اهـ. وَذَكَرَ الشَّارِحُ أَنَّ الْقَرْطَبَانَ هُوَ الَّذِي يَرَى مَعَ امْرَأَتِهِ أَوْ مَحْرَمِهِ رَجُلًا فَيَدَعَهُ خَالِيًا بِهَا وَقِيلَ هُوَ الْمُتَسَبِّبُ لِلْجَمْعِ بَيْنَ اثْنَيْنِ لِمَعْنًى غَيْرِ مَمْدُوحٍ وَقِيلَ هُوَ الَّذِي يَبْعَثُ امْرَأَتَهُ مَعَ غُلَامٍ بَالِغٍ أَوْ مَعَ مُزَارِعِهِ إلَى الضَّيْعَةِ أَوْ يَأْذَنُ لَهُمَا بِالدُّخُولِ عَلَيْهَا فِي غَيْبَتِهِ. اهـ. وَعَلَى هَذَا يُعَزَّرُ بِلَفْظِ مُعَرِّصٍ؛ لِأَنَّهُ الدَّيُّوثُ فِي عُرْفِ مِصْرَ وَالشَّامِ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ يَا ابْنَ الْقَحْبَةِ إلَى مَسْأَلَتَيْنِ إحْدَاهُمَا إذَا شَتَمَ أَصْلَهُ، فَإِنَّهُ يُعَزَّرُ بِطَلَبِ الْوَلَدِ كَقَوْلِهِ يَا ابْنَ الْفَاسِقِ يَا ابْنَ الْكَافِرِ أَوْ النَّصْرَانِيِّ وَأَبُوهُ لَيْسَ كَذَلِكَ. ثَانِيهِمَا: أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: يَا قَحْبَةُ يُعَزَّرُ وَلَا يُحَدُّ لِلْقَذْفِ بِخِلَافِ يَا رُوسْبِيُّ، فَإِنَّهُ قَذْفٌ يُحَدُّ بِهِ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَكَانَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ رُوسْبِيَّ صَرِيحٌ فِي الْقَذْفِ بِالزِّنَا بِخِلَافِ الْقَحْبَةِ، فَإِنَّهُ كِنَايَةٌ عَنْ الزَّانِيَةِ قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالْقَحْبَةُ الزَّانِيَةُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْقُحَابُ وَهُوَ السُّعَالُ وَكَانَتْ الزَّانِيَةُ فِي الْعَرَبِ إذَا مَرَّ بِهَا رَجُلٌ سَعَلَتْ لِيَقْضِيَ مِنْهَا وَطَرَهُ فَسُمِّيَتْ الزَّانِيَةُ قَحْبَةً لِهَذَا. اهـ. وَمِنْ الْأَلْفَاظِ الْمُوجِبَةِ لِلتَّعْزِيرِ يَا رُسْتَاقِيُّ يَا ابْنَ الْأَسْوَدِ وَيَا ابْنَ الْحَجَّامِ وَهُوَ لَيْسَ كَذَلِكَ كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَمِنْهَا يَا خَائِنُ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَمِنْهَا يَا سَفِيهُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الْأَوْلَى لِلْإِنْسَانِ فِيمَا إذَا قِيلَ لَهُ مَا يُوجِبُ التَّعْزِيرَ أَنْ لَا يُجِيبَهُ قَالُوا لَوْ قَالَ لَهُ يَا خَبِيثُ الْأَحْسَنُ أَنْ يَكُفَّ عَنْهُ وَلَوْ رَفَعَ إلَى الْقَاضِي لِيُؤَدِّبَهُ يَجُوزُ وَلَوْ أَجَابَ مَعَ هَذَا فَقَالَ بَلْ أَنْتَ لَا بَأْسَ. اهـ. وَفِي الْقُنْيَةِ تَشَاتَمَا يَجِبُ الِاسْتِحْلَالُ عَلَيْهِمَا وَعَنْ الشَّيْخِ الْجَلِيلِ الْمُتَكَلِّمِ أَنَّ مَنْ شَتَمَ غَيْرَهُ أَوْ ضَرَبَهُ فَالذَّهَابُ إلَيْهِ فِي الِاسْتِحْلَالِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَيَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ بِالْإِرْسَالِ إلَيْهِ. اهـ. وَهُوَ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ يَزُولُ عَنْهُ الْمَأْثَمُ بِمُجَرَّدِ الذَّهَابِ أَوْ الْإِرْسَالِ سَوَاءٌ حَالَلَهُ أَوْ أَبْرَأَهُ أَوْ لَا وَيَنْبَغِي أَنْ يَبْقَى الْإِثْمُ إلَى أَنْ يُوجَدَ الْإِبْرَاءُ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الْإِبْرَاءَ لَيْسَ فِي قُدْرَتِهِ وَإِنَّمَا فِي قُدْرَتِهِ طَلَبُ الْمُحَالَلَةِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ يَا قَحْبَةُ إلَخْ) قَالَ شَارِحُ الْوِقَايَةِ قِيلَ الْقَحْبَةُ تَكُونُ هِمَّتُهُ الزِّنَا فَلَا يُحَدُّ أَقُولُ: الْقَحْبَةُ أَفْحَشُ مِنْ الزَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ الزَّانِيَةَ قَدْ تَفْعَلُ سِرًّا أَوْ تَأْنَفُ مِنْهُ وَالْقَحْبَةُ تُجَاهِرُ بِهِ بِالْأُجْرَةِ. اهـ. قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الْحَوَاشِي قَوْلُهُ الْقَحْبَةُ مَنْ تُجَاهِرُ بِهِ بِالْأُجْرَةِ يَعْنِي فَيَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ الْحَدُّ لِمَنْ قَذَفَ بِهَا يُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الظَّهِيرِيَّةِ الْقَحْبَةُ الزَّانِيَةُ وَالْإِنْصَافُ أَنْ يَجِبَ الْحَدُّ فِي دِيَارِنَا إذْ لَا يَسْتَعْمِلُهُ أَحَدٌ إلَّا فِي الزَّانِيَةِ سِيَّمَا حَالَةُ الْغَضَبِ فَكَأَنَّهُ صَارَ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً وَقَوْلُ الشَّارِحِ الْقَحْبَةُ فِي الْعُرْفِ أَفْحَشُ مِنْ الزَّانِي لَا يَخْلُو مِنْ الْإِشَارَةِ إلَى هَذَا الْمَعْنَى اهـ. قُلْت: وَقَدْ أَجَابَ عَنْ ذَلِكَ مُنْلَا خُسْرو فِي شَرْحِهِ حَيْثُ قَالَ اللَّهُمَّ لَا أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْحَدَّ إنَّمَا يَجِبُ إذَا قَذَفَ بِصَرِيحِ الزِّنَا أَوْ بِمَا فِي حُكْمِهِ بِأَنْ يَدُلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ اقْتِضَاءً كَمَا إذَا قَالَ: لَسْتَ لِأَبِيك أَوْ لَسْتَ يَا ابْنَ فُلَانٍ أَبِيهِ فِي الْغَضَبِ كَمَا مَرَّ وَلَفْظُ الْقَحْبَةِ لَمْ يُوضَعْ لِمَعْنَى الزَّانِيَةِ بَلْ اُسْتُعْمِلَ فِيهِ بَعْدَ وَضْعِهِ لِمَعْنًى آخَرَ كَمَا مَرَّ وَلَا يَدُلُّ عَلَيْهِ اقْتِضَاءٌ أَيْضًا وَهُوَ ظَاهِرٌ وَيُؤَيِّدُهُ مَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ لَا يُقَالُ كَيْفَ يَجِبُ الْحَدُّ بِقَوْلِهِ لِغَيْرِهِ لَسْتَ لِأَبِيك وَهُوَ لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي الزِّنَا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مِنْ غَيْرِهِ بِالْوَطْءِ بِشِهْبَةٍ؛ لِأَنَّا نَقُولُ فِيهِ نِسْبَةٌ لَهُ إلَى الزِّنَا اقْتِضَاءً وَالْمُقْتَضَى إذَا ثَبَتَ يَثْبُتُ بِجَمِيعِ لَوَازِمِهِ فَيَجِبُ الْحَدُّ إذْ الثَّابِتُ اقْتِضَاءً كَالثَّابِتِ بِالْعِبَارَةِ هَذَا غَايَةُ مَا يُمْكِنُ فِي هَذَا الْمَقَامِ لَكِنَّهُ بَعْدَ مَوْضِعِ تَأَمُّلٍ. اهـ. كَذَا فِي مِنَحِ الْغَفَّارِ وَكَانَ وَجْهُ التَّأَمُّلِ أَنَّهُ لَمَّا صَارَ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً صَارَ مَدْلُولُهُ الزِّنَا حَقِيقَةً بِالْوَضْعِ الْحَادِثِ وَدَلَالَةُ الْوَضْعِ أَبْلَغُ مِنْ الِاقْتِضَاءِ وَلَوْ تَوَقَّفَ عَلَى الْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ لَزِمَ أَنْ لَا يُوجَدَ لَفْظٌ صَرِيحٌ بِغَيْرِ الْأَلْفَاظِ اللُّغَوِيَّةِ كَالْفَارِسِيَّةِ وَنَحْوِهَا وَقُدِّمَ أَنَّهُ يُعَزَّرُ فِي مَعْرِضِ الْعُرْفِ وَقَالَ فِي الشرنبلالية نُقِلَ التَّصْرِيحُ بِوُجُوبِ الْحَدِّ بِقَوْلِهِ يَا ابْنَ الْقَحْبَةِ فِي مِنَحِ الْغَفَّارِ وَمِنْ الْمُضْمَرَاتِ. اهـ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ إذْ لَا فَرْقَ يَظْهَرُ بَيْنَ الْقَحْبَةِ وَابْنِ الْقَحْبَةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَفِي الْقُنْيَةِ تَشَاتَمَا يَجِبُ الِاسْتِحْلَالُ عَلَيْهِمَا) اُنْظُرْ هَذَا مَعَ مَا مَرَّ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَوْ قَالَ يَا زَانٍ وَعَكَسَ حُدَّا حَيْثُ قَالَ لَوْ قَالَ لَهُ: يَا خَبِيثُ فَقَالَ لَهُ الْآخَرُ بَلْ أَنْتَ تَكَافَآ وَلَا يُعَزِّرُ كُلٌّ مِنْهُمَا الْآخَرَ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ مَا هُنَا عَلَى مَا إذَا تَخَالَفَتْ أَلْفَاظُهُمَا بِأَنْ أَجَابَهُ بِيَا فَاسِقُ مَثَلًا تَأَمَّلْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 48 وَالْإِبْرَاءِ، وَقَدْ أَتَى بِمَا فِي وُسْعِهِ وَفِي الْخَانِيَّةِ التَّعْزِيرُ حَقُّ الْعَبْدِ كَسَائِرِ حُقُوقِهِ يَجُوزُ فِيهِ الْإِبْرَاءُ وَالْعَفْوُ وَالشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ وَيَجْرِي فِيهِ الْيَمِينُ يَعْنِي إذَا أَنْكَرَ أَنَّهُ سَبَّهُ يَحْلِفُ وَيُقْضَى بِالنُّكُولِ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ أَنَّهُ يَنْقَسِمُ إلَى مَا هُوَ حَقُّ الْعَبْدِ وَحَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَحَقُّ الْعَبْدِ لَا شَكَّ أَنَّهُ يَجْرِي فِيهِ مَا ذُكِرَ، وَأَمَّا مَا وَجَبَ مِنْهُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى فَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ إقَامَتُهُ وَلَا يَحِلُّ لَهُ تَرْكُهُ إلَّا فِيمَا عُلِمَ أَنَّهُ انْزَجَرَ الْفَاعِلُ قَبْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يَجِبُ أَنْ يَتَفَرَّعَ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَجُوزُ إثْبَاتُهُ بِمُدَّعٍ شَهِدَ بِهِ فَيَكُونُ مُدَّعِيًا شَاهِدًا إذَا كَانَ مَعَهُ آخَرُ. فَإِنْ قُلْت فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَغَيْرِهِ إنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ذَا مُرُوءَةٍ وَكَانَ أَوَّلَ مَا فَعَلَ يُوعَظُ اسْتِحْسَانًا وَلَا يُعَزَّرُ، فَإِنْ عَادَ وَتَكَرَّرَ مِنْهُ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُضْرَبُ وَهَذَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّ حُقُوقَ الْعِبَادِ لَا يَتَمَكَّنُ الْقَاضِي فِيهَا مِنْ إسْقَاطِ التَّعْزِيرِ قُلْت يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَحْمَلُ مَا قُلْت مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا مُنَاقَصَةَ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ ذَا مُرُوءَةٍ فَقَدْ حَصَلَ تَعْزِيرُهُ بِالْجَرِّ إلَى بَابِ الْقَاضِي وَالدَّعْوَى فَلَا يَكُونُ مُسْقِطًا لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فِي التَّعْزِيرِ وَقَوْلُهُ وَلَا يُعَزَّرُ يَعْنِي بِالضَّرْبِ فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ، فَإِنْ عَادَ عَزَّرَهُ حِينَئِذٍ بِالضَّرْبِ وَيُمْكِنُ كَوْنُ مَحْمَلِهِ حَقَّ آدَمِيٍّ مِنْ الشَّتْمِ وَهُوَ مِمَّنْ تَعْزِيرُهُ بِمَا ذَكَرْنَا، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي الرَّجُلِ يَشْتُمُ النَّاسَ إنْ كَانَ ذَا مُرُوءَةٍ وُعِظَ وَإِنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ حُبِسَ وَإِنْ كَانَ سِبَابًا ضُرِبَ وَحُبِسَ يَعْنِي الَّذِي دُونَ ذَلِكَ وَالْمُرُوءَةُ عِنْدِي فِي الدِّينِ وَالصَّلَاحِ. اهـ. مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي الْخُلَاصَةِ لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ قَالَ لَهُ يَا فَاسِقُ أَوْ يَا زِنْدِيقُ أَوْ يَا كَافِرُ أَوْ يَا مُنَافِقُ أَوْ يَا فَاجِرُ أَوْ مَا يَجِبُ فِيهِ التَّعْزِيرُ لَا يُحَلِّفُهُ بِاَللَّهِ مَا قُلْت هَذَا لَكِنْ يَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا لَهُ عَلَيْك هَذَا الْحَقُّ الَّذِي يَدَّعِي ذِكْرَهُ فِي كَيْفِيَّةِ الِاسْتِحْلَالِ وَفِي الْقُنْيَةِ التَّعْزِيرُ لَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ وَفِي مُشْكِلِ الْآثَارِ وَإِقَامَةُ التَّعْزِيرِ إلَى الْإِمَامِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ وَالْعَفْوُ إلَيْهِ أَيْضًا قَالَ الطَّحَاوِيُّ وَعِنْدِي أَنَّ الْعَفْوَ ثَابِتٌ لِلَّذِي جَنَى عَلَيْهِ لَا لِلْإِمَامِ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلَعَلَّ مَا قَالُوهُ مِنْ أَنَّ الْعَفْوَ إلَى الْإِمَامِ فَذَاكَ فِي التَّعْزِيرِ الْوَاجِبِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى بِأَنْ ارْتَكَبَ مُنْكَرًا لَيْسَ فِيهِ حَدٌّ مَشْرُوعٌ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَجْنِيَ عَلَى إنْسَانٍ وَمَا قَالَهُ الطَّحَاوِيُّ فِيمَا إذَا جَنَى عَلَى إنْسَانٍ. اهـ. مَا فِي الْقُنْيَةِ فَهَذَا كُلُّهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعَفْوَ لِلْإِمَامِ جَائِزٌ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ وَبِيَا كَلْبُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَا يَخْفَى إلَخْ) اعْتِرَاضٌ عَلَى عِبَارَةِ الْخَانِيَّةِ حَيْثُ حَصَرَتْ التَّعْزِيرَ بِحَقِّ الْعَبْدِ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْهَا بِأَنَّ حَقَّ الْعَبْدِ مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِيَّةِ أَوْ مَرْفُوعٌ عَلَى الْبَدَلِيَّةِ مِنْ التَّعْزِيرِ وَقَوْلُهُ كَسَائِرِ حُقُوقِهِ خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ وَهُوَ التَّعْزِيرُ قُلْت وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْفَتْحِ مِنْ أَنَّهُ يَنْقَسِمُ إلَى مَا هُوَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَحَقُّ الْعَبْدِ يَدْخُلُ فِيهِ قِسْمٌ ثَالِثٌ وَهُوَ مَا اجْتَمَعَ فِيهِ الْحَقَّانِ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّ كُلَّ مَا هُوَ حَقُّ الْعَبْدِ يَكُونُ فِيهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ جِنَايَتَهُ عَلَى الْعَبْدِ بِالشَّتْمِ أَوْ الضَّرْبِ مَعْصِيَةٌ وَلِذَا قَالَ فِي الدُّرَرِ وَهُوَ أَيْ التَّعْزِيرُ لَهُ حَقُّ الْعَبْدِ غَالِبٌ فِيهِ نَعَمْ قَدْ يَكُونُ غَيْرَ مَعْصِيَةٍ كَتَعْزِيرِ الصَّبِيِّ (قَوْلُهُ: فَإِنْ قُلْت فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ إلَخْ) وَارِدٌ عَلَى قَوْلِهِ وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْهُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ إقَامَتُهُ كَمَا أَوْضَحَهُ بِقَوْلِهِ وَهَذَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ إلَخْ وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ حَمْلَ كَلَامِ الْخَانِيَّةِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا كَانَ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى مُمْكِنٌ كَمَا ذَكَرَهُ السَّائِلُ وَلَا يُنَاقِضُ مَا مَرَّ؛ لِأَنَّ جَرَّهُ إلَى بَابِ الْقَاضِي وَالدَّعْوَى وَتَعْزِيرَهُ لَهُ لِكَوْنِهِ ذَا مُرُوءَةٍ وَكَذَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا كَانَ حَقَّ آدَمِيٍّ لِمَا قُلْنَا (قَوْلُهُ وَلَا مُنَاقَضَةَ إلَخْ) أَقُولُ: يُمْكِنُ دَفْعُ الْمُنَاقَضَةِ مِنْ أَوْجُهٍ أُخَرَ وَهُوَ أَنَّ مَنْ كَانَ ذَا مُرُوءَةٍ أَيْ ذَا دِيَانَةٍ وَصَلَاحٍ كَمَا يَأْتِي لَا يَصْدُرُ مِنْهُ مُوجِبُ التَّعْزِيرِ غَالِبًا إلَّا عَلَى وَجْهِ السَّهْوِ أَوْ الْغَفْلَةِ نَادِرًا وَلِذَا لَوْ عَادَ يُعَزَّرُ وَإِذَا كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْ التَّعْزِيرِ الِانْزِجَارَ فَهُوَ حَاصِلٌ مِنْ ذِي الْمُرُوءَةِ فَلِذَا قَالُوا: إنَّهُ لَا يُعَزَّرُ فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ بَلْ يُوعَظُ فَلَعَلَّهُ لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ، وَقَدْ مَرَّ اسْتِثْنَاءُ مَا إذَا عَلِمَ الْإِمَامُ انْزِجَارَ الْفَاعِلِ (قَوْلُهُ: لَا يُحَلِّفُهُ بِاَللَّهِ مَا قُلْت إلَخْ) أَيْ لِاحْتِمَالِ صِدْقِهِ فِيمَا نَسَبَهُ إلَيْهِ وَلَا يُمْكِنُهُ إثْبَاتُهُ (قَوْلُهُ: فَهَذَا كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعَفْوَ لِلْإِمَامِ جَائِزٌ) قَدْ يُقَالُ عَلَيْهِ: إنَّ الْمَقْصِدَ مِنْ شَرْعِيَّةِ التَّعْزِيرِ هُوَ الِانْزِجَارُ فَعَفْوُ الْإِمَامِ عَنْهُ تَضْيِيعٌ لِلْمَقْصُودِ فَلَا يَجُوزُ فَالْمُرَادُ أَنَّ لَهُ الْعَفْوَ إذَا رَأَى حُصُولَ الِانْزِجَارِ بِدُونِهِ فَلِذَا قَالَ فِي الْفَتْحِ إلَّا إذَا عَلِمَ أَنَّهُ انْزَجَرَ الْفَاعِلُ قَبْلَ ذَلِكَ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا مِنْ أَنَّهُ إذَا كَانَ الشَّاتِمُ ذَا مُرُوءَةٍ وَعَظَ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ ذَلِكَ لِحُصُولِ الِانْزِجَارِ مِنْ ذِي الْمُرُوءَةِ فَهَذَا فِي الشَّتْمِ الَّذِي هُوَ حَقُّ عَبْدٍ وَاكْتَفَى فِيهِ بِالْوَعْظِ فَكَيْفَ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَذَكَرَ فِي الْفَتْحِ أَوَّلَ الْبَابِ أَنَّ مَا نُصَّ عَلَيْهِ مِنْ التَّعْزِيرِ كَمَا فِي وَطْءِ جَارِيَةِ امْرَأَتِهِ أَوْ جَارِيَةٍ مُشْتَرَكَةٍ يَجِبُ امْتِثَالُ الْأَمْرِ فِيهِ وَمَا لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ إذَا رَأَى الْإِمَامُ الْمَصْلَحَةَ بَعْدَ مُجَانَبَةِ هَوَى نَفْسِهِ أَوْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَنْزَجِرُ إلَّا بِهِ وَجَبَ؛ لِأَنَّهُ زَاجِرٌ مَشْرُوعٌ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَوَجَبَ كَالْحَدِّ وَمَا عُلِمَ أَنَّهُ انْزَجَرَ بِدُونِهِ لَا يَجِبُ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 49 يَا تَيْسُ يَا حِمَارُ يَا خِنْزِيرُ يَا بَقَرُ يَا حَيَّةُ يَا حَجَّامُ يَا بَغَّاءُ يَا مُؤَاجِرُ يَا وَلَدَ الْحَرَامِ يَا عَيَّارُ يَا نَاكِسُ يَا مَنْكُوسُ يَا سُخْرَةُ وَيَا ضُحْكَةُ يَا كَشْخَانُ يَا أَبْلَهُ يَا مُوَسْوِسُ لَا) أَيْ لَا يُعَزَّرُ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ أَمَّا عَدَمُ التَّعْزِيرِ فِي يَا كَلْبُ يَا حِمَارُ يَا خِنْزِيرُ يَا بَقَرُ يَا حَيَّةُ يَا تَيْسُ يَا ذِئْبُ يَا قِرْدُ فَلِظُهُورِ كَذِبِهِ قَالَ فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ الْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ سَبٍّ عَادَ شَيْنُهُ إلَى السَّابِّ، فَإِنَّهُ لَا يُعَزَّرُ، فَإِنْ عَادَ الشَّيْنُ فِيهِ إلَى الْمَسْبُوبِ عُزِّرَ وَعَلَّلَهُ فِي الْهِدَايَةِ بِأَنَّهُ مَا أَلْحَقَ الشَّيْنَ بِهِ لِلتَّيَقُّنِ بِنَفْيِهِ وَفِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ ثَلَاثَةُ مَذَاهِبَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ لَا يُعَزَّرُ مُطْلَقًا لِمَا ذَكَرْنَا وَاخْتَارَ الْهِنْدُوَانِيُّ أَنَّهُ يُعَزَّرُ بِهِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ تُذْكَرُ لِلشَّتِيمَةِ فِي عُرْفِنَا وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ فِي يَا كَلْبُ لَا يُعَزَّرُ قَالَ وَعَنْ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ أَنَّهُ يُعَزَّرُ؛ لِأَنَّهُ شَتِيمَةٌ ثُمَّ قَالَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُعَزَّرُ؛ لِأَنَّهُ كَاذِبٌ قَطْعًا. اهـ. وَفِي الْمَبْسُوطِ، فَإِنَّ الْعَرَبَ لَا تَعُدُّهُ شَتِيمَةً وَلِهَذَا يُسَمُّونَ بِكَلْبٍ وَذِئْبٍ وَذَكَرَ قَاضِي خَانْ عَنْ أَمَالِي أَبِي يُوسُفَ فِي يَا خِنْزِيرُ يَا حِمَارُ يُعَزَّرُ ثُمَّ قَالَ وَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ لَا يُعَزَّرُ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ اسْتَحْسَنَ التَّعْزِيرَ إذَا كَانَ الْمُخَاطَبُ مِنْ الْأَشْرَافِ وَتَبِعَهُ فِي التَّبْيِينِ وَسَوَّى فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بَيْنَ قَوْلِهِ يَا حَجَّامُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ يَا ابْنَ الْحَجَّامِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فِي عَدَمِ التَّعْزِيرِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي التَّبْيِينِ فَأَوْجَبَ التَّعْزِيرَ فِي يَا ابْنَ الْحَجَّامِ دُونَ يَا حَجَّامُ كَأَنَّهُ لِعَدَمِ ظُهُورِ الْكَذِبِ فِي قَوْلِهِ يَا ابْنَ الْحَجَّامِ لِمَوْتِ أَبِيهِ فَالسَّامِعُونَ لَا يَعْلَمُونَ كَذِبَهُ فَلَحِقَهُ الشَّيْنُ بِخِلَافِ قَوْلِهِ لَهُ يَا حَجَّامُ؛ لِأَنَّهُمْ يُشَاهِدُونَ صَنْعَتَهُ. وَأَمَّا بَغَّا بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ الْمُشَدَّدَةِ فَهُوَ الْمَأْبُونُ بِالْفَارِسِيَّةِ وَيُقَالُ بَاغًّا وَكَأَنَّهُ اُنْتُزِعَ مِنْ الْبِغَاءِ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ التَّعْزِيرُ فِيهِ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ أَلْحَقَ الشَّيْنَ بِهِ لِعَدَمِ ظُهُورِ الْكَذِبِ فِيهِ ظَاهِرًا؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَخْفَى وَهُوَ بِمَعْنَى يَا مَعْفُوجُ وَهُوَ الْمَأْتِيُّ فِي الدُّبُرِ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ بِوُجُوبِ التَّعْزِيرِ فِيهِ مُعَلِّلًا بِأَنَّهُ أَلْحَقَ الشَّيْنَ بِهِ بَلْ هُوَ أَقْوَى إيذَاءً؛ لِأَنَّ الِابْنَةَ فِي الْعُرْفِ عَيْبٌ شَدِيدٌ إذْ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَرْكِ أَنْ يُؤْتَى فِي دُبُرِهِ بِسَبَبِ دُودَةٍ وَنَحْوِهَا، وَأَمَّا الْمُؤَاجِرُ، فَإِنْ كَانَ بِكَسْرِ الْجِيمِ فَهُوَ بِمَعْنَى الْمُؤَجِّرِ لِلشَّيْءِ وَلَا عَيْبَ فِيهِ إلَّا أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ لِهَذَا الْمَعْنَى فِي اللُّغَةِ خَطَأٌ وَقَبِيحٌ وَإِنْ كَانَ بِفَتْحِ الْجِيمِ بِمَعْنَى الْمُؤَجَّرِ بِالْفَتْحِ يُقَالُ آجَرَهُ الْمَمْلُوكَ فَاسْمُ الْمَفْعُولِ مُؤَجَّرٌ وَمُؤَاجَرٌ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ فَقَدْ نَسَبَهُ إلَى أَنَّ غَيْرَهُ قَدْ اسْتَأْجَرَهُ وَلَا عَيْبَ فِيهِ سَوَاءٌ كَانَ صَادِقًا أَوْ كَاذِبًا؛ لِأَنَّهَا عَقْدٌ شَرْعِيٌّ، وَأَمَّا وَلَدُ الْحَرَامِ فَيَنْبَغِي التَّعْزِيرُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْعُرْفِ بِمَعْنَى يَا وَلَدَ الزِّنَا وَلَمْ يَجِبْ الْقَذْفُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِصَرِيحٍ، وَقَدْ أَلْحَقَ الشَّيْنَ بِهِ، وَقَدْ أَبْدَلَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِيَا وَلَدَ الْحِمَارِ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَأَمَّا الْعَيَّارُ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ الْمَفْتُوحَةِ وَالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ الْمُشَدَّدَةِ فَهُوَ كَثِيرُ الْمَجِيءِ وَالذَّهَابِ عَنْ ابْنِ دُرَيْدٍ وَعَنْ ابْنِ الْأَنْبَارِيِّ الْعَيَّارُ مِنْ الرِّجَالِ الَّذِي يُخَلِّي نَفْسَهُ وَهَوَاهَا لَا يَرْدَعُهَا وَلَا يَزْجُرُهَا وَفِي أَجْنَاسِ النَّاطِفِيِّ الَّذِي يَتَرَدَّدُ بِلَا عَمَلٍ وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ فَرَسٌ عَائِرٌ وَعَيَّارٌ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَكَأَنَّهُ لَمَّا كَانَ أَمْرُ الْإِنْسَانِ ظَاهِرًا مِنْ التَّرَدُّدِ أَوْ كَثْرَةِ الْمَجِيءِ وَالذَّهَابِ لَمْ يَلْحَقْ الشَّيْنُ بِهِ فَلِذَا لَمْ يُعَزَّرْ، وَأَمَّا قَوْلُهُ يَا نَاكِسُ يَا مَنْكُوسُ فَفِي ضِيَاءِ الْحُلُومِ مِنْ بَابِ فَعِلَ بِكَسْرِ الْعَيْنِ النَّكِسُ الرَّجُلُ الضَّعِيفُ وَمِنْ بَابِ فَعَلَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: ثَلَاثُ مَذَاهِبَ) الْأَوَّلُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَالثَّانِي مُخْتَارُ الْهِنْدُوَانِيُّ وَالثَّالِثُ مَا يَأْتِي عَنْ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ مِنْ التَّفْصِيلِ. (قَوْلُهُ: كَأَنَّهُ لِعَدَمِ ظُهُورِ الْكَذِبِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْفَرْقِ مَدْفُوعٌ بِأَنَّ الْحُكْمَ بِتَعْزِيرِهِ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِمَوْتِ أَبِيهِ اهـ. قُلْت وَالظَّاهِرُ فِي وَجْهِ الْفَرْقِ أَنَّ قَوْلَهُ يَا ابْنَ الْحَجَّامِ فِيهِ نِسْبَةٌ إلَى غَيْرِ أَبِيهِ فَكَانَ الْقِيَاسُ لُزُومَ الْحَدِّ فِيهِ لَكِنَّهُ فِي الْعُرْفِ يُرَادُ بِهِ الْخِسَّةُ وَالدَّنَاءَةُ، فَإِذَا سَقَطَ الْحَدُّ يَبْقَى التَّعْزِيرُ كَمَا لَوْ قَالَ لِعَرَبِيٍّ يَا نَبَطِيُّ أَوْ لِهَاشِمِيٍّ لَسْت بِهَاشِمِيٍّ تَأَمَّلْ ثُمَّ إنَّ الَّذِي رَأَيْته فِي التَّبْيِينِ هَكَذَا وَمِنْ الْأَلْفَاظِ الَّتِي لَا تُوجِبُ التَّعْزِيرَ قَوْلُهُ يَا رُسْتَاقِيُّ وَيَا ابْنَ الْأَسْوَدِ وَيَا ابْنَ الْحَجَّامِ وَهُوَ لَيْسَ كَذَلِكَ. اهـ. فَقَوْلُهُ وَهُوَ لَيْسَ كَذَلِكَ جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَيْسَ بِرُسْتَاقِيٍّ وَلَا ابْنَ الْأَسْوَدِ وَلَا ابْنَ الْحَجَّامِ وَكَانَ الْمُؤَلِّفُ ظَنَّ أَنَّ قَوْلَهُ وَهُوَ لَيْسَ كَذَلِكَ رَدٌّ لِقَوْلِهِ وَمِنْ الْأَلْفَاظِ الَّتِي لَا تُوجِبُ التَّعْزِيرَ (قَوْلُهُ: يَا مَعْفُوجُ إلَخْ) اسْمُ مَفْعُولٍ مِنْ عَفَجَ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالْفَاءِ وَالْجِيمِ قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَهُوَ الْمَضْرُوبُ فِي الدُّبُرِ وَهُوَ بِمَعْنَى مَا فَسَّرَهُ بِهِ الْمُؤَلِّفُ وَفِي الْقَامُوسِ عَفَجَ يَعْفِجُ ضَرَبَ وَجَارِيَتَهُ جَامَعَهَا (قَوْلُهُ: وَقَدْ صَرَّحَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ بِوُجُوبِ التَّعْزِيرِ فِيهِ) أَيْ فِي قَوْلِهِ يَا مَعْفُوجُ وَقَوْلُهُ بَلْ هُوَ أَقْوَى إيذَاءً أَيْ لَفْظُ بَغَّا بِمَعْنَى الْمَأْبُونِ قُلْت: وَقَدْ رَأَيْت فِي التَّتَارْخَانِيَّة صَرَّحَ بِأَنَّهُ يُعَزَّرُ بِهِ حَيْثُ قَالَ وَفِي تَجْنِيسِ النَّاصِرِيِّ قَالَ السَّيِّدُ الْإِمَامُ الْأَجَلُّ لَوْ قَالَ يَا بَغَّا يَا مُؤَاجِرُ يَا جِيفَةُ فِي عُرْفِنَا فِيهِ التَّعْزِيرُ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا قَوْلُهُ: يَا نَاكِسُ إلَخْ) قَالَ الْبَاقَانِيُّ فِي شَرْحِ الْمُنْتَقَى نَاكِسٌ وَمَنْكُوسٌ عَلَى وَزْنِ فَاعِلٍ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 50 بِالْفَتْحِ يَفْعُلُ بِالضَّمِّ النَّكْسُ قَلْبُ الشَّيْءِ عَلَى رَأْسِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ} [الأنبياء: 65] اهـ. فَكَأَنَّهُ دَعَا عَلَى الْمُخَاطَبِ فَلَا تَعْزِيرَ فِيهِ لِعَدَمِ إلْحَاقِ الشَّيْنِ بِهِ، وَأَمَّا السُّخْرَةُ بِضَمِّ السِّينِ فَفِي الْمُغْرِبِ السُّخْرِيُّ مِنْ السُّخْرَةِ وَهُوَ مَا يُتَسَخَّرُ أَيْ يُسْتَعْمَلُ بِغَيْرِ أَجْرٍ. اهـ. فَلَا شَيْنَ فِيهِ بَلْ هُوَ مَدْحٌ، وَأَمَّا الضُّحْكَةُ بِضَمِّ الضَّادِ فَهُوَ الشَّيْءُ يُضْحَكُ مِنْهُ كَذَا فِي ضِيَاءِ الْحُلُومِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمَقُولَ لَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَقَدْ اُسْتُخِفَّ بِهِ وَمَنْ اسْتَخَفَّ بِغَيْرِهِ عُزِّرَ فَيَنْبَغِي التَّعْزِيرُ بِهِ وَلِذَا قَالَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ لَوْ قَالَ لَهُ: يَا سَاحِرُ يَا ضُحْكَةُ يَا مُقَامِرُ لَا يُعَزَّرُ هَكَذَا ذَكَرَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَجِبُ اهـ. وَأَمَّا الْكَشْحَانُ فَرَأَيْت فِي بَعْضِ الْحَوَاشِي أَنَّهُ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفِي الْمُغْرِبِ الْكَشْحَانُ الدَّيُّوثُ الَّذِي لَا غَيْرَةَ لَهُ وَكَشَحَهُ وَكَشَحْته شَتَمْته وَيُقَالُ يَا كَشْحَانُ. اهـ. فَحِينَئِذٍ هُوَ بِمَعْنَى الْقَرْطَبَانِ وَالدَّيُّوثِ فَيَجِبُ فِيهِ التَّعْزِيرُ وَلِذَا قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْحَقُّ مَا قَالَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: إنَّهُ يُعَزَّرُ فِي الْكَشْحَانِ إذْ قِيلَ لَهُ قَرِيبٌ مِنْ مَعْنَى الْقَرْطَبَانِ وَالدَّيُّوثِ. اهـ. فَمَا فِي الْمُخْتَصَرِ مُشْكِلٌ لَكِنْ قَالَ فِي ضِيَاءِ الْحُلُومِ كَشَحَ الْقَوْمُ عَنْ الشَّيْءِ إذَا تَفَرَّقُوا عَنْهُ وَذَهَبُوا وَكَشَحَ لَهُ بِالْعَدَاوَةِ وَأَضْمَرَهَا فِي كَشْحِهِ؛ لِأَنَّ الْعَدَاوَةَ فِيهِ وَقِيلَ الْكَاشِحُ الْمُتَبَاعِدُ عَنْ مَوَدَّةِ صَاحِبِهِ مِنْ قَوْلِهِمْ كَشَحَ الْقَوْمُ عَلَى الشَّيْءِ إذَا ذَهَبُوا عَنْهُ وَفِي الْحَدِيثِ «أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ عَلَى ذِي الرَّحِمِ الْكَاشِحِ» ، فَإِنْ صَحَّ مَجِيءُ الْكَشْخَانِ مِنْهُ فَلَا إشْكَالَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَعْنَى الْقَرْطَبَانِ فَلِذَا فَرَّقَ الْمُصَنِّفُ بَيْنَهُمَا. وَأَمَّا الْأَبْلَهُ فَفِي ضِيَاءِ الْحُلُومِ الْبَلَهُ الْغَفْلَةُ وَفِي الْحَدِيثِ «أَكْثَرُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ الْبُلْهُ» قِيلَ الْبُلْهُ فِي أَمْرِ الدُّنْيَا الْغَافِلُونَ عَنْ الشَّرِّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِمْ بَلَهٌ قَالَ الزِّبْرِقَانُ خَيْرُ أَوْلَادِنَا الْأَبْلَهُ الْعَقُولُ أَيْ الَّذِي هُوَ لِشِدَّةِ حَيَائِهِ كَالْأَبْلَهِ وَهُوَ عَاقِلٌ. اهـ. فَعُلِمَ أَنَّهَا صِفَةُ مَدْحٍ وَإِنْ كَانَتْ مَفْضُولَةً بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ عِنْدَهُ حِذْقٌ وَعُلِمَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَتَرَاءَوْنَ الْغُرَفَ فَوْقَهُمْ كَالْكَوْكَبِ الدُّرِّيِّ» وَصَرَّحَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِمْ الْبُلْهُ وَأَنَّ الْعُلَمَاءَ هُمْ أَهْلُ الْغُرَفِ فَوْقَهُمْ وَقَيَّدَ بِالْأَبْلَهِ احْتِرَازًا عَنْ الْبَلِيدِ، فَإِنَّهُ يُعَزَّرُ بِهِ قَالَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ لَوْ قَالَ يَا بَلِيدُ يَا قَذِرُ يَجِبُ فِيهِ التَّعْزِيرُ؛ لِأَنَّهُ قَذَفَهُ بِمَعْصِيَةٍ وَلِأَنَّهُ أَلْحَقَ الشَّيْنَ بِهِ. اهـ. وَفِي كَوْنِهِ مَعْصِيَةً نَظَرٌ وَالظَّاهِرُ التَّعْلِيلُ الثَّانِي، وَأَمَّا الْمُوَسْوِسُ فَضَبَطَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ فِي فَصْلِ التَّعْزِيرِ بِكَسْرِ الْوَاوِ وَفِي الْمُغْرِبِ رَجُلٌ مُوَسْوِسٌ بِالْكَسْرِ وَلَا يُقَالُ بِالْفَتْحِ وَلَكِنْ مُوَسْوَسٌ لَهُ أَوْ إلَيْهِ أَيْ مُلْقًى إلَيْهِ الْوَسْوَسَةُ وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدِيثُ النَّفْسِ وَإِنَّمَا قِيلَ مُوَسْوِسٌ؛ لِأَنَّهُ يُحَدِّثُ بِمَا فِي ضَمِيرِهِ وَعَنْ أَبِي اللَّيْثِ لَا يَجُوزُ طَلَاقُ الْمُوَسْوِسِ يَعْنِي الْمَغْلُوبَ فِي عَقْلِهِ عَنْ الْحَاكِمِ هُوَ الْمُصَابُ فِي عَقْلِهِ إذَا تَكَلَّمَ تَكَلَّمَ بِغَيْرِ نِظَامٍ (قَوْلُهُ وَأَكْثَرُ التَّعْزِيرِ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ سَوْطًا) . وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَكْثَرُهُ خَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ سَوْطًا وَالْأَصْلُ فِيهِ الْحَدِيثُ «مَنْ بَلَغَ حَدًّا فِي غَيْرِ حَدٍّ فَهُوَ مِنْ الْمُعْتَدِينَ» فَتَعَذَّرَ تَبْلِيغُهُ حَدًّا بِالْإِجْمَاعِ غَيْرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ اعْتَبَرَ أَدْنَى الْحُدُودِ وَهُوَ حَدُّ الْعَبِيدِ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ مَا رَوَيْنَا يَتَنَاوَلُهُ وَأَقَلُّهُ أَرْبَعُونَ وَأَبُو يُوسُفَ اعْتَبَرَ حَدَّ الْأَحْرَارِ؛ لِأَنَّهُمْ هُمْ الْأُصُولُ وَأَقَلُّهُ ثَمَانُونَ فَلَا بُدَّ مِنْ النَّقْصِ عَنْهُ فَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ يَنْقُصُ خَمْسَةٌ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ قِيلَ وَلَيْسَ فِيهِ مَعْنًى مَعْقُولٌ فَلَا يَضُرُّهُ؛ لِأَنَّهُ قَلَّدَ فِيهِ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَيَجِبُ تَقْلِيدُ الصَّحَابِيِّ فِيمَا لَا يُدْرَكُ بِالرَّأْيِ وَفِي رِوَايَةٍ يَنْقُصُ سَوْطٌ وَفِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ قَالَ أَبُو يُوسُفَ أَكْثَرُهُ فِي الْعَبْدِ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ سَوْطًا وَفِي الْحُرِّ خَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ سَوْطًا وَبِهِ نَأْخُذُ اهـ. فَعُلِمَ أَنَّ الْأَصَحَّ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَفِي الْمُجْتَبَى وَرُوِيَ أَنَّهُ يَنْقُصُ مِنْهَا سَوْطًا وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَهُوَ الْقِيَاسُ وَهُوَ الْأَصَحُّ. اهـ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَبِمَا ذَكَرْنَا مِنْ تَقْدِيرِ أَكْثَرِهِ بِتِسْعَةٍ وَثَلَاثِينَ يُعْرَفُ أَنَّ مَا ذُكِرَ مِمَّا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ فِي التَّعْزِيرِ شَيْءٌ مُقَدَّرٌ بَلْ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ أَيْ مِنْ أَنْوَاعِهِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ بِالضَّرْبِ   [منحة الخالق] وَمَفْعُولٍ لَفْظٌ عَجَمِيٌّ النُّونُ فِي أَوَّلِهِ لِلنَّفْيِ وَالْكَافُ مِنْهُ مَفْتُوحٌ وَلَفْظُ نَكَسَ بِمَعْنَى الْآدَمِيِّ فَمَعْنَى الْقَذْفِ بِهِ سَلْبُ الْآدَمِيَّةِ عَنْ الْمَقْذُوفِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْكَشْحَانُ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَوْرَدَهُ صَاحِبُ الْقَامُوسِ فِي بَابِ الْخَاءِ فَقَالَ الْكَشْخَانُ وَيُكْسَرُ الدَّيُّوثُ وَكَشَّخَهُ تَكْشِيخًا وَكَشْخَنَهُ قَالَ لَهُ يَا كَشْخَانُ. اهـ. وَبِهِ يَظْهَرُ لَك مَا فِي تَقْرِيرِ هَذَا الشَّارِحُ فَتَنَبَّهْ. [أَكْثَرُ التَّعْزِيرِ] (قَوْلُهُ: فَعُلِمَ أَنَّ الْأَصَحَّ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ) يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ قَوْلَهُ وَبِهِ نَأْخُذُ تَرْجِيحٌ لِرِوَايَةِ خَمْسَةٍ وَسَبْعِينَ عَلَى رِوَايَةِ تِسْعَةٍ وَسَبْعِينَ الْمَرْوِيَّتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ الْأُولَى مِنْهُمَا هِيَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْهُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ هَذَا تَرْجِيحًا لِقَوْلِهِ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ الَّذِي عَلَيْهِ مُتُونُ الْمَذْهَبِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 51 وَبِغَيْرِهِ مِمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ أَمَّا إنْ اقْتَضَى رَأْيُهُ الضَّرْبَ فِي خُصُوصِ الْوَاقِعَةِ، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَزِيدُ عَلَى تِسْعَةٍ وَثَلَاثِينَ. اهـ.، وَقَدْ وَقَعَ لِي تَرَدُّدٌ فِي مَسْأَلَةٍ وَهِيَ أَنَّ إنْسَانًا لَوْ ضَرَبَ إنْسَانًا بِغَيْرِ حَقٍّ أَكْثَرَ مِنْ أَكْثَرِ التَّعْزِيرِ وَرُفِعَ إلَى الْقَاضِي وَثَبَتَ عَلَيْهِ أَنَّهُ ضَرَبَهُ مَثَلًا خَمْسِينَ سَوْطًا كَيْفَ يُعَزِّرُهُ الْقَاضِي، فَإِنَّهُ إنْ ضَرَبَهُ خَمْسِينَ زَادَ عَلَى أَكْثَرِ التَّعْزِيرِ وَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى الْأَكْثَرِ لَمْ يَكُنْ مُسْتَوْفِيًا لِحَقِّ الْمَضْرُوبِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ حَقَّهُ التَّعْزِيرُ لَا الْقِصَاصُ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْخَانِيَّةِ أَنَّ مِمَّا يَجِبُ التَّعْزِيرُ بِهِ الضَّرْبُ. (قَوْلُهُ وَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ) أَيْ أَقَلُّ التَّعْزِيرِ بِالضَّرْبِ ثَلَاثَةُ أَسْوَاطٍ وَهَكَذَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فَكَأَنَّهُ يَرَى أَنَّ مَا دُونَهَا لَا يَقَعُ بِهِ الزَّجْرُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ فَلَا مَعْنَى لِتَقْدِيرِهِ مَعَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِدُونِهِ فَيَكُونُ مُفَوَّضًا إلَى رَأْيِ الْقَاضِي يُقَيِّمُهُ بِقَدْرِ مَا يَرَى الْمَصْلَحَةَ فِيهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا تَفَاصِيلَهُ وَعَلَيْهِ مَشَايِخُنَا كَذَا فِي التَّبْيِينِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ عَلَى مَا فِي الْمُخْتَصَرِ لَوْ عَلِمَ الْقَاضِي أَنَّ الزَّجْرَ يَحْصُلُ بِسَوْطٍ لَا يَكْتَفِي بِهِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الثَّلَاثَةِ وَعَلَى قَوْلِ الْمَشَايِخِ يَكْتَفِي بِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَصَحَّ حَبْسُهُ بَعْدَ الضَّرْبِ) أَيْ جَازَ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَحْبِسَ الْعَاصِيَ بَعْدَ الضَّرْبِ فَيَجْمَعُ بَيْنَ حَبْسِهِ وَضَرْبِهِ؛ لِأَنَّهُ صَلُحَ تَعْزِيرًا، وَقَدْ وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ فِي الْجُمْلَةِ حَتَّى جَازَ أَنْ يَكْتَفِيَ بِهِ فَجَازَ أَنْ يُضَمَّ إلَيْهِ وَلِهَذَا لَمْ يَشْرَعْ فِي التَّعْزِيرِ بِالتُّهْمَةِ قَبْلَ ثُبُوتِهِ كَمَا شَرَعَ فِي الْحَدِّ؛ لِأَنَّهُ مِنْ التَّعْزِيرِ أَطْلَقَ فِي الْحَبْسِ فَشَمِلَ الْحَبْسَ فِي الْبَيْتِ وَالسِّجْنِ قَالَ فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ، وَقَدْ يَكُونُ التَّعْزِيرُ بِالْحَبْسِ فِي بَيْتِهِ أَوْ فِي السِّجْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَأَشَدُّ الضَّرْبِ التَّعْزِيرُ) ؛ لِأَنَّهُ جَرَى التَّخْفِيفُ فِيهِ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدُ فَلَا يُخَفَّفُ مِنْ حَيْثُ الْوَصْفُ كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى فَوَاتِ الْمَقْصُودِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ يُفَرَّقُ عَلَى الْأَعْضَاءِ كَضَرْبِ الْحُدُودِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفَرَّقُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَإِلَيْهِ يُشِيرُ إطْلَاقُ الْأَشَدِّيَّةِ الشَّامِلَةِ لِقُوَّتِهِ وَجَمَعَهُ فِي عُضْوٍ وَاحِدٍ وَفِي حُدُودِ الْأَصْلِ يُفَرَّقُ التَّعْزِيرُ عَلَى الْأَعْضَاءِ وَفِي أَشْرِبَةِ الْأَصْلِ يُضْرَبُ التَّعْزِيرُ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ قَالَ فِي التَّبْيِينِ وَلَيْسَ فِي الْمَسْأَلَةِ اخْتِلَافُ الرِّوَايَةِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ الْجَوَابُ لِاخْتِلَافِ الْمَوْضُوعِ فَمَوْضُوعُ الْأَوَّلِ إذَا بَلَغَ بِالتَّعْزِيرِ أَقْصَاهُ وَمَوْضُوعُ الثَّانِي إذَا لَمْ يَبْلُغْ. اهـ. وَهَكَذَا فِي الْمُجْتَبَى وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَأَثْبَتَ الِاخْتِلَافَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مَعْزِيًّا إلَى الْإِسْبِيجَابِيِّ فَقَالَ بَعْضُهُمْ الشِّدَّةُ هُوَ الْجَمْعُ فَتُجْمَعُ الْأَسْوَاطُ فِي عُضْوٍ وَاحِدٍ وَلَا يُفَرَّقُ عَلَى الْأَعْضَاءِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْحُدُودِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا بَلْ شِدَّتُهُ فِي الضَّرْبِ لَا فِي الْجَمْعِ. اهـ. قَالُوا وَيَتَّقِي الْمَوَاضِعَ الَّتِي تُتَّقَى فِي الْحُدُودِ قَالَ فِي الْمُجْتَبَى وَيَضْرِبُ الظَّهْرَ وَالْأَلْيَةَ قَالُوا وَيَبْلُغُ فِي التَّعْزِيرِ غَايَتَهُ وَهُوَ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ سَوْطًا فِيمَا إذَا أَصَابَ مِنْ الْأَجْنَبِيَّةِ كُلَّ مُحَرَّمٍ غَيْرَ الْجِمَاعِ وَفِيمَا إذَا أَخَذَ السَّارِقَ بَعْدَمَا جَمَعَ الْمَتَاعَ قَبْلَ الْإِخْرَاجِ وَفِيمَا إذَا شَتَمَهُ بِجِنْسِ مَا يَجِبُ بِهِ حَدُّ الْقَذْفِ كَقَوْلِهِ لِلْعَبْدِ أَوْ الذِّمِّيِّ يَا زَانِي وَأَشَارَ بِالْأَشَدِّيَّةِ إلَى أَنَّهُ يُجَرَّدُ مِنْ ثِيَابِهِ قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَيُجَرَّدُ فِي سَائِرِ الْحُدُودِ إلَّا فِي حَدِّ الْقَذْفِ، فَإِنَّهُ يُضْرَبُ وَعَلَيْهِ ثِيَابُهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَيُخَالِفُهُ مَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ يُضْرَبُ لِلتَّعْزِيرِ قَائِمًا عَلَيْهِ ثِيَابُهُ وَيُنْزَعُ الْفَرْوُ وَالْحَشْوُ وَلَا يُمَدُّ فِي التَّعْزِيرِ. اهـ. وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ لِتَصْرِيحِ الْمَبْسُوطِ بِهِ وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ اجْتَمَعَ التَّعْزِيرُ مَعَ الْحُدُودِ قُدِّمَ التَّعْزِيرُ فِي الِاسْتِيفَاءِ لِتَمَحُّضِهِ حَقًّا لِلْعَبْدِ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ (قَوْلُهُ ثُمَّ حَدُّ الزِّنَا) ؛ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ بِالْكِتَابِ وَحَدُّ الشُّرْبِ ثَابِتٌ بِقَوْلِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَلِأَنَّهُ أَعْظَمُ جِنَايَةً حَتَّى شُرِعَ فِيهِ الرَّجْمُ. (قَوْلُهُ ثُمَّ الشُّرْبُ ثُمَّ الْقَذْفُ) يَعْنِي حَدَّ الشُّرْبِ يَلِي حَدَّ الزِّنَا فِي شِدَّةِ الضَّرْبِ قَدَّمْنَاهُ وَحَدُّ الْقَذْفِ أَدْنَى الْكُلِّ وَإِنْ كَانَ ثَابِتًا بِالْكِتَابِ إلَّا أَنَّ سَبَبَهُ مُحْتَمَلٌ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ صَادِقًا وَسَبَبُ حَدِّ الشُّرْبِ مُتَيَقَّنٌ بِهِ وَهُوَ الشُّرْبُ وَالْمُرَادُ أَنَّ الشُّرْبَ مُتَيَقَّنُ السَّبَبِيَّةِ لِلْحَدِّ لَا مُتَيَقَّنُ الثُّبُوتِ؛ لِأَنَّهُ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ الْإِقْرَارِ وَهُمَا لَا يُوجِبَانِ الْيَقِينَ (قَوْلُهُ وَمَنْ حُدَّ أَوْ عُزِّرَ فَمَاتَ فَدَمُهُ هَدَرٌ) ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا فَعَلَ بِأَمْرِ الشَّارِعِ وَفِعْلُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَقَدْ وَقَعَ لِي تَرَدُّدٌ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَا مَعْنَى لِهَذَا التَّرَدُّدِ مَعَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ بَعْدُ وَصَحَّ حَبْسُهُ بَعْدَ الضَّرْبِ ثُمَّ قَالَ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَصَحَّ حَبْسُهُ بَعْدَ الضَّرْبِ؛ لِأَنَّهُ عَجَزَ عَنْ الزِّيَادَةِ مِنْ حَيْثُ الْقَدْرُ لِمَا رَوَيْنَا، وَقَدْ لَا يَحْصُلُ الْغَرَضُ بِذَلِكَ الْقَدْرِ مِنْ الضَّرْبِ فَجَازَ لَهُ أَنْ يَضُمَّ الْحَبْسَ إلَيْهِ كَذَا فِي الشَّرْحِ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي دَفْعِ التَّرَدُّدِ السَّابِقِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 52 الْمَأْمُورِ لَا يَتَقَيَّدُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ كَالْفِصَادِ وَالْبَزَّاغِ قَالَ فِي ضِيَاءِ الْحُلُومِ ذَهَبَ دَمُهُ هَدَرًا أَيْ بَاطِلًا (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الزَّوْجِ إذَا عَزَّرَ زَوْجَتَهُ لِتَرْكِ الزِّينَةِ وَالْإِجَابَةِ إذَا دَعَاهَا إلَى فِرَاشِهِ وَتَرْكِ الصَّلَاةِ وَالْخُرُوجِ مِنْ الْبَيْتِ) يَعْنِي فَمَاتَتْ، فَإِنَّهُ يَكُونُ ضَامِنًا وَلَا يَكُونُ دَمُهَا هَدَرًا؛ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ وَمَنْفَعَتُهُ تَرْجِعُ إلَيْهِ كَمَا تَرْجِعُ إلَى الْمَرْأَةِ مِنْ وَجْهٍ وَهُوَ اسْتِقَامَتُهَا عَلَى مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، وَقَدْ ظَهَرَ بِهَذَا أَنَّ كُلَّ ضَرْبٍ كَانَ مَأْمُورًا بِهِ مِنْ جِهَةِ الشَّارِعِ، فَإِنَّ الضَّارِبَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ بِمَوْتِهِ وَكُلُّ ضَرْبٍ كَانَ مَأْذُونًا فِيهِ بِدُونِ الْأَمْرِ فَإِنَّ الضَّارِبَ يَضْمَنُهُ إذَا مَاتَ لِتَقْيِيدِهِ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ كَالْمُرُورِ فِي الطَّرِيقِ وَظَهَرَ أَنَّ الزَّوْجَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ ضَرْبُ زَوْجَتِهِ أَصْلًا وَظَهَرَ بِهِ أَيْضًا أَنَّ لَهُ ضَرْبَهَا فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ لَكِنْ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي جَوَازِ ضَرْبِهَا عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ فَذَكَرَ هُنَا تَبَعًا لِكَثِيرٍ أَنَّهُ يَجُوزُ وَفِي النِّهَايَةِ تَبَعًا لِمَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَا تَعُودُ إلَيْهِ بَلْ إلَيْهَا وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ضَرْبُهَا فِي غَيْرِ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ وَلِهَذَا قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوِيهِ لِلزَّوْجِ أَنْ يَضْرِبَ زَوْجَتَهُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ وَفِي مَعْنَاهَا فَفِي قَوْلِهِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا إفَادَةُ عَدَمِ الْحَصْرِ فَمَا فِي مَعْنَاهَا مَا إذَا ضَرَبَتْ جَارِيَةَ زَوْجِهَا غَيْرَةً وَلَا تَتَّعِظُ بِوَعْظِهِ فَلَهُ ضَرْبُهَا كَذَا فِي الْقُنْيَةِ. وَيَنْبَغِي أَنْ يُلْحَقُ بِهِ مَا إذَا ضَرَبَتْ الْوَلَدَ الَّذِي لَا يَعْقِلُ عِنْدَ بُكَائِهِ؛ لِأَنَّ ضَرْبَ الدَّابَّةِ إذَا كَانَ مَمْنُوعًا فَهَذَا أَوْلَى مِنْهُ مَا إذَا شَتَمَتْهُ أَوْ مَزَّقَتْ ثِيَابَهُ أَوْ أَخَذَتْ لِحْيَتَهُ أَوْ قَالَتْ لَهُ يَا حِمَارُ يَا أَبْلَهُ أَوْ لَعَنَتْهُ سَوَاءٌ شَتَمَهَا أَوْ لَا عَلَى قَوْلِ الْعَامَّةِ وَمِنْهُ مَا إذَا شَتَمَتْ أَجْنَبِيًّا وَمِنْهُ مَا إذَا كَشَفَتْ وَجْهَهَا لِغَيْرِ مَحْرَمٍ أَوْ كَلَّمَتْ أَجْنَبِيًّا أَوْ تَكَلَّمَتْ عَامِدًا مَعَ الزَّوْجِ أَوْ شَاغَبَتْ مَعَهُ لِيَسْمَعَ صَوْتَهَا الْأَجْنَبِيُّ وَمِنْهُ مَا إذَا أَعْطَتْ مِنْ بَيْتِهِ شَيْئًا مِنْ الطَّعَامِ بِلَا إذْنِهِ حَيْثُ كَانَتْ الْعَادَةُ لَمْ تَجْرِ بِهِ وَإِنْ كَانَتْ الْعَادَةُ مُسَامَحَةَ الْمَرْأَةِ بِذَلِكَ بِلَا مَشُورَةِ الزَّوْجِ فَلَيْسَ لَهُ ضَرْبُهَا وَمِنْهُ مَا إذَا ادَّعَتْ عَلَيْهِ وَلَيْسَ مِنْهُ مَا إذَا طَلَبَتْ نَفَقَتَهَا أَوْ كِسْوَتَهَا وَأَلَحَّتْ؛ لِأَنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ يَدَ الْمُلَازَمَةِ وَلِسَانَ التَّقَاضِي كَذَا أَفَادَهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ فِي مَسَائِلِ الضَّرْبِ مِنْ فَصْلِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ وَالْمَعْنَى الْجَامِعُ لِلْكُلِّ أَنَّهَا إذَا ارْتَكَبَتْ مَعْصِيَةً لَيْسَ فِيهَا حَدٌّ مُقَدَّرٌ، فَإِنَّ لِلزَّوْجِ أَنْ يُعَزِّرَهَا كَمَا أَنَّ لِلسَّيِّدِ ذَلِكَ بِعَبْدِهِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ مِنْ فَصْلِ الْقَسْمِ بَيْنَ النِّسَاءِ وَهُوَ شَامِلٌ لِمَا كَانَ مُتَعَلِّقًا بِالزَّوْجِ وَبِغَيْرِهِ، وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ إذَا ضَرَبَهَا بِغَيْرِ حَقٍّ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّعْزِيرُ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ إنَّمَا يَجُوزُ ضَرْبُهَا لِتَرْكِ الزِّينَةِ إذَا كَانَتْ قَادِرَةً عَلَيْهَا وَكَانَتْ شَرْعِيَّةً وَإِلَّا فَلَا كَمَا أَنَّهُ يَجُوزُ ضَرْبُهَا لِتَرْكِ الْإِجَابَةِ إذَا كَانَتْ طَاهِرَةً عَنْ الْحَيْضِ وَعَنْ النِّفَاسِ وَكَمَا يَجُوزُ ضَرْبُهَا لِلْخُرُوجِ إذَا كَانَ الْخُرُوجُ بِغَيْرِ حَقٍّ وَأَمَّا إذَا كَانَ بِحَقٍّ فَلَيْسَ لَهُ ضَرْبُهَا عَلَيْهِ وَقَدَّمْنَا الْمَوَاضِعَ الَّتِي تَخْرُجُ إلَيْهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ فِي كِتَابِ النَّفَقَاتِ وَأَطْلَقَ فِي الزَّوْجَةِ فَشَمِلَ الصَّغِيرَةَ وَلِذَا قَالَ فِي التَّبْيِينِ إنَّ التَّعْزِيرَ مَشْرُوعٌ فِي حَقِّ الصِّبْيَانِ وَفِي الْقُنْيَةِ مُرَاهِقٌ شَتَمَ عَالِمًا فَعَلَيْهِ التَّعْزِيرُ. اهـ. وَفِي الْمُجْتَبَى مَعْزِيًّا إلَى السَّرَخْسِيِّ الصَّغِيرُ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ التَّعْزِيرِ وَلَوْ كَانَ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى لَمُنِعَ وَعَنْ التَّرْجُمَانِيِّ الْبُلُوغُ يُعْتَبَرُ فِي التَّعْزِيرِ أَرَادَ بِهِ مَا وَجَبَ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى نَحْوُ مَا إذَا شَرِبَ الصَّبِيُّ أَوْ زَنَى أَوْ سَرَقَ وَمَا ذَكَرَهُ السَّرَخْسِيُّ فِيمَا يَجِبُ حَقًّا لِلْعَبْدِ تَوْفِيقًا بَيْنَهُمَا. اهـ. قَيَّدَ بِالزَّوْجَةِ لَا بِالْأَبِ وَالْمُعَلِّمُ لَا يَضْمَنُ وَفِي الْقُنْيَةِ وَلَا يَجُوزُ ضَرْبُ أُخْتِهَا الصَّغِيرَةِ الَّتِي لَيْسَ لَهَا وَلِيٌّ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ إذَا بَلَغَتْ عَشْرًا وَلَهُ أَنْ يَضْرِبَ الْيَتِيمَ فِيمَا يَضْرِبُ وَلَدَهُ بِهِ وَرَدَتْ الْآثَارُ وَالْأَخْبَارُ وَفِي الرَّوْضَةِ لَهُ أَنْ يُكْرِهَ وَلَدَهُ الصَّغِيرَ عَلَى تَعَلُّمِ الْقُرْآنِ وَالْأَدَبِ وَالْعِلْمِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فُرِضَ عَلَى الْوَالِدَيْنِ وَلَوْ أَمَرَ غَيْرَهُ بِضَرْبِ عَبْدِهِ حَلَّ لِلْمَأْمُورِ ضَرْبُهُ بِخِلَافِ الْحُرِّ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَهَذَا نَصِيصٌ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ ضَرْبِ وَلَدِ الْآمِرِ بِأَمْرِهِ بِخِلَافِ الْمُعَلِّمِ؛ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ يَضْرِبُهُ نِيَابَةً عَنْ الْأَبِ لِمَصْلَحَتِهِ وَالْمُعَلِّمُ يَضْرِبُهُ بِحُكْمِ الْمِلْكِ بِتَمْلِيكِ أَبِيهِ لِمَصْلَحَةِ الْوَلَدِ. اهـ. وَفِيهَا أَيْضًا عَنْ   [منحة الخالق] [حُدَّ أَوْ عُزِّرَ فَمَاتَ] (قَوْلُهُ: أَوْ قَالَتْ لَهُ يَا حِمَارُ يَا أَبْلَهُ) قَالَ فِي النَّهْرِ يَنْبَغِي فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَدَمُ التَّعْزِيرِ فِيهِمَا، وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي إنْ كَانَ الْمَقُولُ لَهُ مِنْ الْأَشْرَافِ أَنْ يُعَزَّرَ الْقَائِلُ وَإِلَّا لَا يَنْبَغِي أَنْ يَفْعَلَ فِي الزَّوْجِ إلَّا أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ الزَّوْجَةِ وَغَيْرِهَا وَالْمَوْضِعُ يَحْتَاجُ إلَى تَدَبُّرٍ وَتَأَمُّلٍ (قَوْلُهُ: إنَّ التَّعْزِيرَ مَشْرُوعٌ فِي حَقِّ الصِّبْيَانِ) قَالَ الْمُؤَلِّفُ فِي بَابِ مَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَمَنْ لَا تُقْبَلُ وَلَمْ أَرَ حُكْمَ الصَّبِيِّ إذَا وَجَبَ التَّعْزِيرُ عَلَيْهِ لِلتَّأْدِيبِ فَبَلَغَ وَنَقَلَ الْفَخْرُ الرَّازِيّ عَنْ الشَّافِعِيَّةِ سُقُوطَهُ لِزَجْرِهِ بِالْبُلُوغِ وَمُقْتَضَى مَا فِي الْيَتِيمَةِ مِنْ كِتَابِ السِّيَرِ أَنَّ الذِّمِّيَّ إذَا وَجَبَ التَّعْزِيرُ عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ. اهـ. قَالَ الرَّمْلِيُّ هُنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا وَجْهَ لِسُقُوطِهِ خُصُوصًا إذَا لَمْ يَكُنْ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى بَلْ كَانَ حَقَّ آدَمِيٍّ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: قَيَّدَ بِالزَّوْجَةِ لَا بِالْأَبِ وَالْمُعَلِّمِ) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 53 أَبِي بَكْرٍ أَسَاءَ عَبْدُهُ لَا يُعَزِّرُهُ وَهَذَا خِلَافُ قَوْلِ أَصْحَابِنَا وَلَهُ التَّعْزِيرُ دُونَ الْحَدِّ وَبِهِ نَأْخُذُ وَكَذَلِكَ امْرَأَتُهُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {وَاضْرِبُوهُنَّ} [النساء: 34] . اهـ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (كِتَابُ السَّرِقَةِ) . لَمَّا كَانَتْ صِيَانَةُ الْأَمْوَالِ مُؤَخَّرَةً عَنْ صِيَانَةِ النُّفُوسِ وَالْعُقُولِ وَالْأَعْرَاضِ أُخِّرَ زَاجِرُ ضَيَاعِهَا وَهِيَ فِي اللُّغَةِ أَخْذُ الشَّيْءِ فِي خَفَاءٍ وَحِيلَةٍ يُقَالُ سَرَقَ مِنْهُ مَالًا وَسَرَقَهُ مَالًا سَرَقًا وَسَرِقَةً وَيُسَمَّى الشَّيْءُ الْمَسْرُوقُ سَرِقَةً مَجَازًا كَذَا فِي الْمُغْرِبِ، وَأَمَّا فِي الشَّرِيعَةِ فَلَهَا تَعْرِيفَانِ تَعْرِيفٌ بِاعْتِبَارِ الْحُرْمَةِ وَتَعْرِيفٌ بِاعْتِبَارِ تَرَتُّبِ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ وَهُوَ الْقَطْعُ أَمَّا الْأَوَّلُ فَهُوَ أَخْذُ الشَّيْءِ مِنْ الْغَيْرِ عَلَى وَجْهِ الْخُفْيَةِ بِغَيْرِ حَقٍّ سَوَاءٌ كَانَ نِصَابًا أَوْ لَا أَمَّا الثَّانِي فَهُوَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (هُوَ أَخْذُ مُكَلَّفٍ خُفْيَةً قَدْرَ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ مَضْرُوبَةٍ مُحْرَزَةٍ بِمَكَانٍ أَوْ حَافِظٍ) أُطْلِقَ فِي الْأَخْذِ فَشَمِلَ الْحَقِيقِيَّ وَالْحُكْمِيَّ فَالْأَوَّلُ هُوَ أَنْ يَتَوَلَّى السَّارِقُ أَخْذَ الْمَتَاعِ بِنَفْسِهِ وَالثَّانِي هُوَ أَنْ يَدْخُلَ جَمَاعَةٌ مِنْ اللُّصُوصِ مَنْزِلَ رَجُلٍ وَيَأْخُذُوا مَتَاعَهُ وَيَحْمِلُوهُ عَلَى ظَهْرِ رَجُلٍ وَاحِدٍ وَيُخْرِجُوهُ مِنْ الْمَنْزِلِ، فَإِنَّ الْكُلَّ يُقْطَعُونَ اسْتِحْسَانًا وَسَيَأْتِي فَخَرَجَ بِالتَّكْلِيفِ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ عُقُوبَةٌ وَهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْلِهَا فَهُمَا مَخْصُوصَانِ مِنْ آيَةِ السَّرِقَةِ لَكِنَّهُمَا يَضْمَنَانِ الْمَالَ وَإِنْ كَانَ يُجَنُّ وَيُفِيقُ، فَإِنْ سَرَقَ فِي حَالِ جُنُونِهِ لَمْ يُقْطَعْ وَإِنْ كَانَ فِي حَالِ الْإِفَاقَةِ قُطِعَ وَلَوْ سَرَقَ جَمَاعَةٌ فِيهِمْ صَبِيٌّ أَوْ مَجْنُونٌ يُدْرَأُ عَنْهُمْ الْقَطْعُ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَشَمِلَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى وَالْحُرَّ وَالْعَبْدَ وَلَوْ آبِقًا وَالْمُسْلِمَ وَالْكَافِرَ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَخَرَجَ بِقَيْدِ الْخُفْيَةِ مَا أُخِذَ جَهْرًا مُغَالَبَةً أَوْ نَهْبًا أَوْ اخْتِلَاسًا، فَإِنَّهُ لَا قَطْعَ فِيهِ وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ الْأَخْذَ خُفْيَةً إلَى أَنَّ الشَّرْطَ الْخُفْيَةُ وَقْتَ الْأَخْذِ أَوْ دُخُولُ الْحِرْزِ لَيْلًا كَانَ أَوْ نَهَارًا، وَأَمَّا الْخُفْيَةُ فِي الِانْتِهَاءِ، فَإِنْ كَانَتْ السَّرِقَةُ نَهَارًا فِي الْمِصْرِ فَهِيَ شَرْطٌ أَيْضًا وَمَا بَيْنَ الْعِشَاءِ وَالْعَتَمَةِ مِنْ النَّهَارِ. وَلِذَا قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ وَلَوْ دَخَلَ بَيْنَ الْعِشَاءِ وَالْعَتَمَةِ وَالنَّاسُ مُنْتَشِرُونَ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ النَّهَارِ وَإِنْ كَانَتْ السَّرِقَةُ لَيْلًا فَلَيْسَتْ بِشَرْطٍ حَتَّى لَوْ دَخَلَ الْبَيْتَ لَيْلًا خُفْيَةً ثُمَّ أَخَذَ الْمَالَ مُجَاهَرَةً وَلَوْ بَعْدَ مُقَاتَلَةِ مَنْ فِي يَدِهِ قُطِعَ بِهِ لِلِاكْتِفَاءِ بِالْخُفْيَةِ الْأُولَى وَلَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ كَوْنُهَا خُفْيَةً عَلَى زَعْمِ السَّارِقِ أَوْ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ فَهِيَ رَبَاعِيَةٌ فَلَوْ كَانَ السَّارِقُ يَعْلَمُ أَنَّ صَاحِبَ الدَّارِ يَعْلَمُ بِدُخُولِهِ وَعَلِمَ بِهِ صَاحِبُ الدَّارِ أَيْضًا فَلَا قَطْعَ أَوْ لَمْ يَعْلَمَا فَيُقْطَعُ اتِّفَاقًا أَوْ كَانَ صَاحِبُ الدَّارِ يَعْلَمُ بِدُخُولِهِ وَالسَّارِقُ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ يَعْلَمُ، فَإِنَّهُ يُقْطَعُ اكْتِفَاءً بِكَوْنِهَا خُفْيَةً فِي زَعْمِ السَّارِقِ وَإِنْ كَانَ عَلَى عَكْسِهِ بِأَنْ زَعَمَ اللِّصُّ بِأَنَّ صَاحِبَ الدَّارِ عَلِمَ بِهِ وَصَاحِبُ الدَّارِ لَمْ يَعْلَمْ فَفِي التَّبْيِينِ لَا يُقْطَعُ؛ لِأَنَّهُ جَهْرٌ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَالْمُحِيطِ وَالذَّخِيرَةِ أَنَّهُ يُقْطَعُ اكْتِفَاءً بِكَوْنِهَا خُفْيَةً فِي زَعْمِ أَحَدِهِمَا أَيُّهُمَا كَانَ وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ قَدْرَ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ عَنْ سَرِقَةِ مَا دُونَهَا وَأُطْلِقَ فِي الدَّرَاهِمِ فَانْصَرَفَتْ إلَى الْمَعْهُودَةِ وَهِيَ أَنْ تَكُونَ الْعَشَرَةُ مِنْهَا وَزْنَ سَبْعَةِ مَثَاقِيلَ كَمَا فِي الزَّكَاةِ وَاحْتُرِزَ بِالْمَضْرُوبَةِ عَمَّا إذَا سَرَقَ تِبْرًا وَزْنُهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ أَوْ مَتَاعًا قِيمَتُهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ غَيْرِ مَضْرُوبَةٍ، فَإِنَّهُ لَا قَطْعَ فِيهِ عَلَى الصَّحِيحِ بِخِلَافِ الْمَهْرِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْحَدَّ يُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ فَيَتَعَلَّقُ بِالْكَامِلِ وَالْمَهْرُ يَثْبُتُ مَعَ الشُّبْهَةِ مَعَ أَنَّ قَوْلَهُ مَضْرُوبَةً تَأْكِيدٌ وَإِيضَاحٌ وَإِلَّا فَالدِّرْهَمُ اسْمٌ لِلْمَضْرُوبِ، وَأَمَّا غَيْرُ الْمَضْرُوبِ فَلَا يُسَمَّى دِرْهَمًا كَمَا فِي الْمُغْرِبِ فَلَوْ سَرَقَ نِصْفَ دِينَارٍ قِيمَتُهُ النِّصَابُ قُطِعَ عِنْدَنَا وَلَوْ سَرَقَ دِينَارًا قِيمَتُهُ أَقَلُّ مِنْ النِّصَابِ لَا يُقْطَعُ وَتُعْتَبَرُ قِيمَةُ النِّصَابِ يَوْمَ السَّرِقَةِ وَيَوْمَ الْقَطْعِ فَلَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ السَّرِقَةِ عَشَرَةً فَانْتَقَصَ بَعْدَ ذَلِكَ إنْ كَانَ نُقْصَانُ الْقِيمَةِ لِنُقْصَانِ الْعَيْنِ يُقْطَعُ وَإِنْ كَانَ لِنُقْصَانِ السِّعْرِ لَا يُقْطَعُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَلَوْ سَرَقَ ثَوْبًا قِيمَتُهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ فَأَخَذَهُ الْمَالِكُ فِي بَلَدٍ آخَرَ وَقِيمَةُ الثَّوْبِ ثَمَّةَ ثَمَانِيَةُ دَرَاهِمَ دُرِئَ   [منحة الخالق] كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا؛ لِأَنَّ الْأَبَ وَالْمُعَلِّمَ لَا يَضْمَنُ لَكِنْ فِي التَّنْوِيرِ وَشَرْحِهِ عَنْ الشُّمُنِّيِّ لَوْ ضَرَبَ الْمُعَلِّمُ الصَّبِيَّ ضَرْبًا فَاحِشًا، فَإِنَّهُ يُعَزَّرُ وَيَضْمَنُهُ لَوْ مَاتَ. [كِتَابُ السَّرِقَةِ] الجزء: 5 ¦ الصفحة: 54 عَنْهُ الْقَطْعُ وَإِذَا وَجَبَ تَقْوِيمُ الْمَسْرُوقِ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ يُقَوَّمُ بِأَعَزِّ النُّقُودِ أَوْ بِنَقْدِ الْبَلَدِ الَّذِي يُرَوَّجُ بَيْنَ النَّاسِ فِي الْغَالِبِ فَالْأَوَّلُ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ الْإِمَامِ وَالثَّانِي رِوَايَةُ أَبِي يُوسُفَ عَنْهُ. وَلَا يُقْطَعُ السَّارِقُ لِتَقْوِيمِ الْوَاحِدِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ تَقْوِيمِ رَجُلَيْنِ عَدْلَيْنِ لَهُمَا مَعْرِفَةٌ بِالْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْحُدُودِ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا مَا ثَبَتَ بِهِ السَّرِقَةُ فَلَا قَطْعَ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْمُقَوِّمِينَ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَأُطْلِقَ فِي قَدْرِ النِّصَابِ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ وَاحِدًا أَوْ أَكْثَرَ فَلَوْ سَرَقَ وَاحِدٌ نِصَابًا مِنْ جَمَاعَةٍ قُطِعَ وَلَوْ سَرَقَ اثْنَانِ نِصَابًا مِنْ وَاحِدٍ لَا قَطْعَ عَلَيْهِمَا فَالْعِبْرَةُ لِلنِّصَابِ فِي حَقِّ السَّارِقِ لَا الْمَسْرُوقِ مِنْهُ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْحِرْزُ وَاحِدًا فَلَوْ سَرَقَ نِصَابًا مِنْ مَنْزِلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فَلَا قَطْعَ وَالْبُيُوتُ مِنْ دَارٍ وَاحِدَةٍ بِمَنْزِلَةِ بَيْتٍ وَاحِدٍ حَتَّى لَوْ سَرَقَ مِنْ عَشْرَةِ أَنْفُسٍ فِي دَارِ كُلِّ وَاحِدٍ فِي بَيْتٍ عَلَى حِدَةٍ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ دِرْهَمًا قُطِعَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الدَّارُ عَظِيمَةً وَفِيهَا حَجَرٌ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَخَرَجَ بِاشْتِرَاطِ النِّصَابِ مَا إذَا سَرَقَ ثَوْبًا قِيمَتُهُ تِسْعَةُ دَرَاهِمَ فَوَضَعَهُ عَلَى بَابِ الدَّارِ ثُمَّ دَخَلَ فَأَخَذَ ثَوْبًا آخَرَ يُسَاوِي تِسْعَةَ دَرَاهِمَ فَأَخْرَجَهُ عَلَيْهِ لَمْ يُقْطَعْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْ الْمَأْخُوذُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصَابًا كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَأُطْلِقَ فِي الدَّرَاهِمِ فَانْصَرَفَتْ إلَى الْجِيَادِ فَلَوْ سَرَقَ زُيُوفًا أَوْ نَبَهْرَجَةً أَوْ سَتُّوقَةً فَلَا قَطْعَ إلَّا أَنْ تَكُونَ كَثِيرَةً تَبْلُغُ قِيمَتُهَا نِصَابًا مِنْ الْجِيَادِ، وَقَدْ اُسْتُفِيدَ مِنْ اشْتِرَاطِ النِّصَابِ اشْتِرَاطُ أَنْ يَكُونَ الْمَسْرُوقُ مَالًا مُقَوَّمًا وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا كَالْمُغَيَّرَةِ فَلَا قَطْعَ فِي حُصُرِ الْمَسْجِدِ وَأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ وَإِنْ كَانَتْ مُحْرَزَةً وَلَا بُدَّ مِنْ انْتِفَاءِ الشُّبْهَةِ وَلَمْ يَذْكُرْهُمَا لِمَا سَيُصَرَّحُ بِهِ وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ السَّارِقِ لَيْسَ بِأَخْرَسَ وَلَا أَعْمَى لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ لَوْ نَطَقَ ادَّعَى شُبْهَةً وَالْأَعْمَى جَاهِلٌ بِمَالِ غَيْرِهِ وَقَوْلُهُ مُحْرَزَةً بِمَكَانٍ أَوْ حَافِظٍ بَيَانٌ لِكَوْنِ الْحِرْزِ عَلَى قِسْمَيْنِ حِرْزٌ بِنَفْسِهِ وَهُوَ كُلُّ بُقْعَةٍ مُعَدَّةٍ لِلْإِحْرَازِ مَمْنُوعٌ الدُّخُولَ فِيهَا إلَّا بِإِذْنٍ كَالدُّورِ وَالْحَوَانِيتِ وَالْخِيَمِ وَالْخَزَائِنِ وَالصَّنَادِيقِ وَحِرْزٌ بِغَيْرِهِ وَهُوَ كُلُّ مَكَان غَيْرِ مُعَدٍّ لِلْإِحْرَازِ وَفِيهِ حَافِظٌ كَالْمَسَاجِدِ وَالطُّرُقِ وَالصَّحْرَاءِ وَسَيَأْتِي بَيَانُهَا وَفِي الْقُنْيَةِ لَوْ سَرَقَ الْمَدْفُونَ فِي الْمَفَازَةِ يُقْطَعُ. اهـ. وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ السَّرِقَةُ فِي دَارِ عَدْلٍ فَلَا يُقْطَعُ فِي السَّرِقَةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَدَارِ الْبَغْيِ فَلَوْ سَرَقَ بَعْضُ تُجَّارِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْبَعْضِ فِي دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ خَرَجُوا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَأُخِذَ السَّارِقُ لَا يَقْطَعُهُ الْإِمَامُ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَلَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِ دَلَالَةِ الْقَصْدِ إلَى النِّصَابِ الْمَأْخُوذِ وَعَلَيْهِ ذَكَرَ فِي التَّجْنِيسِ مِنْ عَلَامَةِ النَّوَازِلِ سَرَقَ ثَوْبًا قِيمَتُهُ دُونَ الْعَشَرَةِ وَعَلَى طَرَفِهِ دِينَارٌ مَشْدُودٌ لَا يُقْطَعُ وَذَكَرَ مِنْ عَلَامَةِ فَتَاوَى سَمَرْقَنْدَ إذَا سَرَقَ ثَوْبًا يُسَاوِي عَشَرَةً وَفِيهِ دَرَاهِمُ مَصْرُورَةٌ لَا يُقْطَعُ قَالَ وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ الثَّوْبُ وِعَاءً لِلدَّرَاهِمِ، فَإِنْ كَانَ يُقْطَعُ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ فِيهِ يَقَعُ عَلَى سَرِقَةِ الدَّرَاهِمِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ سَرَقَ كِيسًا فِيهِ دَرَاهِمُ كَثِيرَةٌ يُقْطَعُ وَإِنْ كَانَ الْكِيسُ يُسَاوِي دِرْهَمًا وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ يَدٌ صَحِيحَةٌ فَخَرَجَ السَّارِقُ مِنْ السَّارِقِ وَلَا بُدَّ أَنْ يُخْرِجَهُ ظَاهِرًا حَتَّى لَوْ ابْتَلَعَ دِينَارًا فِي الْحِرْزِ وَخَرَجَ لَا يُقْطَعُ وَلَا يُنْتَظَرُ أَنْ يَتَغَوَّطَهُ بَلْ يَضْمَنُ مِثْلَهُ؛ لِأَنَّهُ اسْتَهْلَكَهُ وَهُوَ سَبَبُ الضَّمَانِ لِلْحَالِ فَقَدْ عَلِمْت مِمَّا ذَكَرْنَاهُ أَنَّ تَعْرِيفَ الْمُخْتَصَرِ قَاصِرٌ فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ هِيَ أَخْذُ مُكَلَّفٍ نَاطِقٍ يَصِيرُ صَاحِبَ يَدٍ يُسْرَى وَرِجْلٍ يُمْنَى صَحِيحَتَيْنِ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ جِيَادٍ أَوْ مِقْدَارَهَا مَقْصُودَةً ظَاهِرَةَ الْإِخْرَاجِ خُفْيَةً مِنْ صَاحِبِ يَدٍ صَحِيحَةٍ مِمَّا لَا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ مِنْ الْمَالِ الْمَعْمُولِ لِلْغَيْرِ مِنْ حِرْزٍ بِلَا شُبْهَةٍ وَتَأْوِيلٍ فِي دَارِ الْعَدْلِ لَكَانَ أَوْلَى، وَقَدْ عَلِمْت فَوَائِدَ الْقُيُودِ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَشَرَطَ أَصْحَابُنَا لِقَطْعِ الْيَدِ الْيُمْنَى أَنْ تَكُونَ الْيَدُ الْيُسْرَى وَالرِّجْلُ الْيُمْنَى صَحِيحَتَيْنِ وَهَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الْمُجْتَبَى مِنْ الشُّرُوطِ وَفِي التَّحْقِيقِ أَنَّ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَخَرَجَ بِاشْتِرَاطِ النِّصَابِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ آخِرَ الْفَصْلِ الْآتِي وَلَوْ أَخْرَجَ نِصَابًا مِنْ حِرْزٍ مَرَّتَيْنِ فَصَاعِدًا إنْ تَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا اطِّلَاعُ الْمَالِكِ فَأَصْلَحَ النَّقْبَ أَوْ أَغْلَقَ الْبَابَ فَالْإِخْرَاجُ الثَّانِي سَرِقَةٌ أُخْرَى كَذَا فِي السِّرَاجِ. اهـ. أَيْ فَلَا يَجِبُ الْقَطْعُ إنْ لَمْ يَكُنْ كُلُّ وَاحِدٍ نِصَابًا وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَتَخَلَّلْ ذَلِكَ قُطِعَ، وَقَدْ رَأَيْته فِي الْجَوْهَرَةِ صَرَّحَ بِهِ فَيَتَقَيَّدُ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ بِهِ. (قَوْلُهُ: وَفِي الْقُنْيَةِ لَوْ سَرَقَ الْمَدْفُونَ إلَخْ) ذَكَرَ الْمَقْدِسِيَّ عِنْدَ مَسْأَلَةِ النَّبَّاشِ أَنَّ مَا فِي الْقُنْيَةِ ضَعِيفٌ (قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ ذَكَرَ فِي التَّجْنِيسِ إلَخْ) أَيْ عَلَى مَا ذَكَرَ مِنْ ثُبُوتِ دَلَالَةِ الْقَصْدِ لَكِنْ ظَاهِرُ عِبَارَةِ التَّجْنِيسِ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ، وَإِنْ عَلِمَ مَا فِي الثَّوْبِ وَفِي الْفَتْحِ عَنْ الْمَبْسُوطِ سَرَقَ ثَوْبًا لَا يُسَاوِي عَشَرَةً مَصْرُورَةً عَلَيْهِ عَشَرَةٌ قَالَ يُقْطَعُ إذَا عَلِمَ أَنَّ عَلَيْهِ مَالًا بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ. اهـ. ثُمَّ قَالَ فِي الْفَتْحِ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ ظُهُورُ قَصْدِ الْمَسْرُوقِ، فَإِنْ كَانَ الظَّاهِرُ قَصْدَ النِّصَابِ مِنْ الْمَالِ قُطِعَ وَإِلَّا لَا وَعَلَى هَذِهِ فَمَسْأَلَةُ الْعِلْمِ بِالْمَصْرُورِ وَعَدَمِهِ صَحِيحَةٌ إلَّا أَنَّ كَوْنَهُ يَعْلَمُ أَوْ لَا يَعْلَمُ وَهُوَ الْمُرَادُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ وَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِالْإِقْرَارِ وَمَا تَقَدَّمَ هُوَ مَا إذَا لَمْ يُقِرَّ بِعِلْمِهِ بِمَا فِي الثَّوْبِ، فَإِنَّهُ لَا يُقْطَعُ حَتَّى يَكُونَ مَعَهُ دَلَالَةُ الْقَصْدِ إلَيْهِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ كِيسًا فِيهِ الدَّرَاهِمُ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ لَمْ أَقْصِدْ لَمْ أَعْلَمْ. اهـ. وَهُوَ تَوْفِيقٌ حَسَنٌ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 55 الْأَخْذَ الْمَذْكُورَ هُوَ رُكْنُهَا (قَوْلُهُ فَيُقْطَعُ إنْ أَقَرَّ مَرَّةً أَوْ شَهِدَ رَجُلَانِ) بَيَانٌ لِحُكْمِهَا وَسَبَبِ ثُبُوتِهَا وَفِي قَوْلِهِ مَرَّةً رَدٌّ عَلَى أَبِي يُوسُفَ فِي قَوْلِهِ لَا يُقْطَعُ إلَّا بِإِقْرَارِهِ مَرَّتَيْنِ وَيُرْوَى عَنْهُ أَنَّهُمَا فِي مَجْلِسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ؛ لِأَنَّهُ أَحَدُ الْحُجَّتَيْنِ فَتُعْتَبَرُ بِالْأُخْرَى وَهِيَ الْبَيِّنَةُ كَذَلِكَ اعْتَبَرْنَا فِي الزِّنَا وَلَهُمَا أَنَّ السَّرِقَةَ ظَهَرَتْ بِإِقْرَارِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً فَيُكْتَفَى بِهِ كَمَا فِي الْقِصَاصِ وَحَدِّ الْقَذْفِ وَلَا اعْتِبَارَ بِالشَّهَادَةِ فِيهَا؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ تُفِيدُ فِيهَا تَقْلِيلَ تُهْمَةِ الْكَذِبِ وَلَا تُفِيدُ فِي الْإِقْرَارِ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ وَبَابُ الرُّجُوعِ فِي حَقِّ الْحَدِّ لَا يَنْسَدُّ بِالتَّكْرَارِ، وَالرُّجُوعُ فِي حَقِّ الْمَالِ لَا يَصِحُّ أَصْلًا؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْمَالِ يُكَذِّبُهُ وَاشْتِرَاطُ الزِّيَادَةِ فِي الزِّنَا بِخِلَافِ الْقِيَاسِ فَيُقْتَصَرُ عَلَى مَوْرِدِ الشَّرْعِ وَمِنْ مَسَائِلِ الْإِقْرَارِ لَوْ قَالَ: أَنَا سَارِقُ هَذَا الثَّوْبِ بِالْإِضَافَةِ قُطِعَ وَلَوْ نَوَّنَ الْقَافَ لَا يُقْطَعُ؛ لِأَنَّهُ عَلَى الِاسْتِقْبَالِ، وَالْأَوَّلُ عَلَى الْحَالِ وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ قَالَ سَرَقْت مِنْ فُلَانٍ مِائَةَ دِرْهَمٍ بَلْ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ يُقْطَعُ فِي الْعَشَرَةِ دَنَانِيرَ وَيَضْمَنُ مِائَةً هَذَا إنْ ادَّعَى الْمُقَرُّ لَهُ الْمَالَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ رَجَعَ عَنْ الْإِقْرَارِ بِسَرِقَةِ مِائَةٍ وَأَقَرَّ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ فَصَحَّ رُجُوعُهُ عَنْ الْإِقْرَارِ بِالسَّرِقَةِ الْأُولَى فِي حَقِّ الْقَطْعِ وَلَمْ يَصِحَّ فِي حَقِّ الضَّمَانِ وَصَحَّ الْإِقْرَارُ بِالسَّرِقَةِ الثَّانِيَةِ فِي حَقِّ الْقَطْعِ وَبِهِ يَنْتَفِي الضَّمَانُ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ سَرَقْت مِائَةً بَلْ مِائَتَيْنِ، فَإِنَّهُ يُقْطَعُ وَلَا يَضْمَنُ شَيْئًا لَوْ ادَّعَى الْمُقَرُّ لَهُ الْمِائَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِسَرِقَةِ مِائَتَيْنِ وَوَجَبَ الْقَطْعُ فَانْتَفَى الضَّمَانُ، وَالْمِائَةُ الْأُولَى لَا يَدَّعِيهَا الْمُقَرُّ لَهُ بِخِلَافِ الْأُولَى وَلَوْ قَالَ سَرَقْت مِائَتَيْنِ بَلْ مِائَةً لَمْ يُقْطَعْ وَيَضْمَنُ الْمِائَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِسَرِقَةِ مِائَتَيْنِ وَرَجَعَ عَنْهَا فَانْتَفَى الضَّمَانُ وَلَمْ يَجِبْ الْقَطْعُ وَلَمْ يَصِحَّ الْإِقْرَارُ بِالْمِائَةِ إذْ لَا يَدَّعِيهَا الْمَسْرُوقُ مِنْهُ وَلَوْ أَنَّهُ صَدَّقَهُ فِي الرُّجُوعِ إلَى الْمِائَةِ لَا ضَمَانَ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ صِحَّةَ الرُّجُوعِ عَنْ الْإِقْرَارِ لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ يَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنْ الْإِقْرَارِ بِالْحُدُودِ كُلِّهَا إلَّا حَدَّ الْقَذْفِ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَإِذَا أَقَرَّ بِالسَّرِقَةِ ثُمَّ هَرَبَ لَا يُتْبَعُ وَإِنْ كَانَ فِي فَوْرِهِ. اهـ. بِخِلَافِ مَا إذَا شَهِدَ عَلَيْهِ ثُمَّ هَرَبَ، فَإِنَّهُ يُتْبَعُ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْمُصَنِّفُ عَدَمَ التَّقَادُمِ فِي هَذِهِ الْحُجَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الْإِقْرَارِ وَشَرْطُ فِي الْبَيِّنَةِ فَلَوْ أَقَرَّ بِسَرِقَةٍ مُتَقَادِمَةٍ قُطِعَ وَلَوْ شَهِدَا عَلَيْهِ بِذَلِكَ لَا كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَقَدَّمْنَاهُ وَحَدُّ التَّقَادُمِ فِي السَّرِقَةِ هُوَ حَدُّهُ فِي الزِّنَا كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَأُطْلِقَ فِي الْمُقِرِّ فَشَمِلَ الْحُرَّ، وَالْعَبْدَ وَسَيَأْتِي تَفَاصِيلُهَا فِي الْعَبْدِ وَقَيَّدَ بِالرَّجُلَيْنِ؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ النِّسَاءِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ فِيهِ وَكَذَا الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ وَإِنْ قُبِلَتْ فِي حَقِّ الْمَالِ وَأَفَادَ الْمُصَنِّفُ بِحَصْرِ الْحُجَّةِ فِيمَا ذُكِرَ أَنَّهُ يُقْطَعُ بِالنُّكُولِ وَإِنْ ضَمِنَ الْمَالَ وَأَنَّ الْعَبْدَ لَا يُقْطَعُ بِإِقْرَارِ مَوْلَاهُ عَلَيْهِ بِهَا، وَإِنْ لَزِمَ الْمَالُ وَلَمْ يُقَيِّدْ الْمُصَنِّفُ الْإِقْرَارَ بِالطَّوَاعِيَةِ قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَإِذَا أَقَرَّ بِالسَّرِقَةِ مُكْرَهًا فَإِقْرَارُهُ بَاطِلٌ وَمِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مَنْ أَفْتَى بِصِحَّتِهِ وَسُئِلَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ أَيَحِلُّ ضَرْبُ السَّارِقِ حَتَّى يُقِرَّ قَالَ مَا لَمْ يُقْطَعْ اللَّحْمُ وَلَا يَتَبَيَّنُ الْعَظْمُ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا. اهـ. وَفِي التَّجْنِيسِ لَا يُفْتَى بِعُقُوبَةِ السَّارِقِ؛ لِأَنَّهُ جَوْرٌ وَلَا يُفْتَى بِهِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ هَلْ يَنْبَغِي لِلسَّارِقِ أَنْ يُعْلِمَ صَاحِبَ الْمَتَاعِ أَنَّهُ سَرَقَ مَتَاعَهُ إنْ كَانَ لَا يَخَافُ أَنْ يَظْلِمَهُ مَتَى أَخْبَرَهُ يُخْبِرُهُ لِيَصِلَ إلَى حَقِّهِ، وَإِنْ كَانَ يَخَافُ لَا يُخْبِرُهُ؛ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ فِي تَرْكِ الْإِخْبَارِ وَلَكِنْ يُوصَلُ الْحَقَّ إلَيْهِ بِطَرِيقٍ آخَرَ وَإِذَا قَضَى الْقَاضِي بِالْقَطْعِ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ ثُمَّ قَالَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ هَذَا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَبَابُ الرُّجُوعِ إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا قَدْ يُقَالُ فَائِدَتُهُ رَفْعُ احْتِمَالِ كَوْنِهِ يَرْجِعُ عَنْهُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ عَلَى الِاسْتِقْبَالِ) وَالْأَوَّلُ عَلَى الْحَالِ قَالَ فِي النَّهْرِ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَالظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ مَعَ التَّنْوِينِ يُحْتَمَلُ الْحَالُ وَالِاسْتِقْبَالُ فَلَا يُقْطَعُ بِالشَّكِّ لَكِنْ بَقِيَ أَنَّ هَذَا الِاحْتِمَالَ ثَابِتٌ مَعَ الْإِضَافَةِ أَيْضًا فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُقْطَعَ أَيْضًا فَتَدَبَّرْهُ. اهـ. هَذَا وَفِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ لِابْنِ الشِّحْنَةِ قُلْت: وَالْقَطْعُ الْمَذْكُورُ بِإِحْرَازِهِ وَعَدَمِ رُجُوعِهِ أَمَّا لَوْ رَجَعَ قَبْلَ رُجُوعِهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجْرِيَ فِي هَذَا الْإِطْلَاقُ؛ لِأَنَّ الْعَوَامَّ لَا يُفَرِّقُونَ فَيُفَرَّقُ بَيْنَ الْعَالِمِ وَالْجَاهِلِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ يُجْعَلُ هَذَا شُبْهَةً فِي دَرْءِ الْحَدِّ وَفِيهِ بُعْدٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِسَرِقَةِ مِائَتَيْنِ وَرَجَعَ عَنْهَا) قَالَ الرَّمْلِيُّ يَعْنِي فَوَجَبَ ضَمَانُهُمَا بِالْإِقْرَارِ وَلَا يَجْتَمِعُ قَطْعٌ وَضَمَانٌ وَرُجُوعُهُ عَنْ الْمِائَةِ صَحَّ فِي حَقِّ الْقَطْعِ وَلَمْ يَصِحَّ فِي حَقِّ الضَّمَانِ، وَالْمَسْرُوقُ مِنْهُ يَدَّعِي الْمِائَتَيْنِ الْمُقَرَّ بِهِمَا أَوَّلًا وَلَا يَدَّعِي الْمِائَةَ الَّتِي أَضْرَبَ عَنْهَا بِانْفِرَادِهَا فَقَطْ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: فَانْتَفَى الضَّمَانُ وَلَمْ يَجِبْ الْقَطْعُ) كَذَا فِي عَامَّةِ النُّسَخِ وَفِي نُسْخَةٍ فَلَا يَنْتَفِي وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا فِي الْفَتْحِ حَيْثُ قَالَ فَلَا يَجِبُ الضَّمَانُ (قَوْلُهُ: وَحَدُّ التَّقَادُمِ فِي السَّرِقَةِ هُوَ حَدُّهُ فِي الزِّنَا) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِشَهْرٍ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا كَانَ لِعُذْرٍ تُقْبَلُ (قَوْلُهُ: وَمِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مَنْ أَفْتَى بِصِحَّتِهِ) ظَاهِرُ إطْلَاقِهِ صِحَّتُهُ فِي حَقِّ الْمَالِ وَالْقَطْعِ وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ فِي ذَلِكَ شُبْهَةً قَوِيَّةً فَكَيْفَ يُقْطَعُ مَعَهَا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ خَاصٌّ فِي حَقِّ تَضْمِينِهِ الْمَالَ فَقَطْ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ بِالنُّكُولِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 56 مَتَاعُهُ لَمْ يَسْرِقْهُ مِنِّي إنَّمَا كُنْت أَوْدَعْته أَوْ قَالَ شَهِدَ شُهُودِي بِزُورٍ أَوْ قَالَ أَقَرَّ هُوَ بِبَاطِلٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ سَقَطَ عَنْهُ الْقَطْعُ وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُلَقِّنَ السَّارِقَ حَتَّى لَا يُقِرَّ بِالسَّرِقَةِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُتِيَ بِسَارِقٍ فَقَالَ أَسَرَقَ مَا إخَالُهُ سَرَقَ» وَلِأَنَّهُ احْتِيَالٌ لِلدَّرْءِ وَقَوْلُهُ إخَالُهُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ مَعْنَاهُ أَظُنُّهُ وَبِالْفَتْحِ كَذَلِكَ وَكِلَاهُمَا فِعْلٌ مُضَارِعٌ مِنْ الْمَخِيلَةِ وَهِيَ الظَّنُّ إلَّا أَنَّ الْحَدِيثَ جَاءَ بِالْكَسْرِ وَإِذَا شَهِدَ كَافِرَانِ عَلَى كَافِرٍ وَمُسْلِمٍ بِسَرِقَةِ مَالٍ لَا يُقْطَعُ الْكَافِرُ كَمَا لَا يُقْطَعُ الْمُسْلِمُ وَلَوْ شَهِدَ أَنَّهُ سَرَقَ مِنْ فُلَانٍ ثَوْبًا فَقَالَ أَحَدُهُمَا: إنَّهُ هَرَوِيٌّ وَقَالَ الْآخَرُ: إنَّهُ مَرْوِيٌّ بِسُكُونِ الرَّاءِ ذُكِرَ فِي نُسَخِ أَبِي سُلَيْمَانَ أَنَّهُ عَلَى خِلَافٍ اعْتِبَارًا بِاخْتِلَافِ الشَّاهِدَيْنِ فِي لَوْنِ الْبَقَرَةِ وَذَكَرَ فِي نُسْخَةِ أَبِي حَفْصٍ أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ إجْمَاعًا. اهـ. وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ سُؤَالَ الشَّاهِدَيْنِ وَفِي الْهِدَايَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَسْأَلَهُمْ الْإِمَامُ عَنْ كَيْفِيَّةِ السَّرِقَةِ وَمَاهِيَّتِهَا وَزَمَانِهَا وَمَكَانِهَا لِزِيَادَةِ الِاحْتِيَاطِ كَمَا مَرَّ فِي الْحُدُودِ وَيَحْبِسُهُ إلَى أَنْ يَسْأَلَ عَنْ الشُّهُودِ لِلتُّهْمَةِ. اهـ. زَادَ فِي الْكَافِي أَنَّهُ يَسْأَلُهُمَا عَنْ الْمَسْرُوقِ إذْ سَرِقَةُ كُلِّ مَالٍ لَا تُوجِبُ الْقَطْعَ فَالسُّؤَالُ عَنْ الْكَيْفِيَّةِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ سَرَقَ عَلَى كَيْفِيَّةٍ لَا يُقْطَعُ مَعَهَا كَأَنْ نَقَّبَ الْجِدَارَ وَأَدْخَلَ يَدَهُ فَأَخْرَجَ الْمَتَاعَ، فَإِنَّهُ لَا يُقْطَعُ، وَالسُّؤَالُ عَنْ الْمَاهِيَّةِ لِإِطْلَاقِهَا عَلَى اسْتِرَاقِ السَّمْعِ، وَالنَّقْصِ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ، وَالسُّؤَالُ عَنْ الزَّمَانِ لِاحْتِمَالِ التَّقَادُمِ وَعَلَى الْمَكَانِ لِاحْتِمَالِ السَّرِقَةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ مِنْ مُسْلِمٍ وَفِي الْمَبْسُوطِ لَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ السُّؤَالَ عَنْ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ حَاضِرٌ يُخَاصِمُ، وَالشُّهُودُ يَشْهَدُونَ عَلَى السَّرِقَةِ مِنْهُ فَلَا حَاجَةَ إلَى السُّؤَالِ عَنْهُ وَفِيهِ نَظَرٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ قَرِيبَ السَّارِقِ أَوْ زَوْجًا فَلَا بُدَّ مِنْ السُّؤَالِ عَنْهُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ، وَأَمَّا سُؤَالُ الْمُقِرِّ، فَإِنَّهُ عَنْ جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا إلَّا عَنْ السُّؤَالِ عَنْ الزَّمَانِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَا يَسْأَلُ الْمُقِرُّ عَنْ الْمَكَانِ وَهُوَ مُشْكِلٌ لِلِاحْتِمَالِ الْمَذْكُورِ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ حُضُورِ الشَّاهِدَيْنِ وَقْتَ الْقَطْعِ كَحُضُورِ الْمُدَّعِي حَتَّى لَوْ غَابَا أَوْ مَاتَا لَا قَطْعَ وَهَذَا فِي كُلِّ الْحُدُودِ إلَّا فِي الرَّجْمِ وَيَمْضِي الْقِصَاصُ، وَإِنْ لَمْ يَحْضُرُوا اسْتِحْسَانًا كَذَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ، وَإِنْ شُرِطَ بُدَاءَةُ الشُّهُودِ بِالرَّجْمِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ جُمِعَا، وَالْآخِذُ بَعْضُهُمْ قُطِعُوا إنْ أَصَابَ لِكُلٍّ نِصَابٌ) أَيْ لَوْ كَانَ السَّارِقُ جَمَاعَةً؛ لِأَنَّ الْمُوجِبَ سَرِقَةُ النِّصَابِ وَيَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِجِنَايَتِهِ فَيُعْتَبَرُ كَمَالُ النِّصَابِ فِي حَقِّهِ وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْأَخْذِ مُبَاشَرَةً أَوْ تَسَبُّبًا وَلَا بُدَّ أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِمْ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ وَلَا صَبِيٌّ وَلَا مَجْنُونٌ وَلَا مَعْتُوهٌ وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانُوا خَرَجُوا مَعَهُ مِنْ الْحِرْزِ أَوْ بَعْدَهُ مِنْ فَوْرِهِ أَوْ خَرَجَ هُوَ بَعْدَهُمْ فِي فَوْرِهِمْ؛ لِأَنَّ بِذَلِكَ يَحْصُلُ التَّعَاوُنُ وَقَيَّدَ بِالْجَمْعِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ سَرَقَ وَاحِدٌ مِنْ عَشَرَةٍ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ   [منحة الخالق] وَأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ ثُمَّ هَرَبَ لَا يُتْبَعُ (قَوْلُهُ: وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَا يُسْأَلُ الْمُقِرُّ عَنْ الْمَكَانِ) ذَكَرَ فِي النَّهْرِ أَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ قَالَ وَكَأَنَّهُ تَحْرِيفٌ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ يُسْأَلُ (قَوْلُهُ: وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ حُضُورِ الشَّاهِدَيْنِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَفِي شَرْحِ مَنْظُومَةِ ابْنِ وَهْبَانَ لِابْنِ الشِّحْنَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ حُضُورُ الشُّهُودِ لِلْقَطْعِ عَلَى الصَّحِيحِ الْأَخِيرِ مِنْ قَوْلِ الْإِمَامِ وَكَذَا عِنْدَهُمَا وَكَذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِ الشُّهُودِ فَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ قِيَاسٌ وَاسْتِحْسَانٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ: وَهَذَا فِي كُلِّ الْحُدُودِ سِوَى الرَّجْمِ) قَالَ فِي الشرنبلالية بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ فِي النَّهْرِ أَيْضًا وَأَنَّ الْمُؤَلِّفَ وَأَخَاهُ تَبِعَا صَاحِبَ الْفَتْحِ قُلْت اسْتِثْنَاءُ الرَّجْمِ مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ لَهُمْ فِي حَدِّ الزِّنَا بِالرَّجْمِ أَنَّهُ إذَا غَابَ الشُّهُودُ أَوْ مَاتُوا سَقَطَ الْحَدُّ فَلَا يُتَّجَهُ إلَّا اسْتِثْنَاءُ الْجَلْدِ فَيُقَامُ حَدُّ الْغَيْبَةِ وَالْمَوْتِ بِخِلَافِ الرَّجْمِ لِاشْتِرَاطِ بُدَاءَةِ الشُّهُودِ بِهِ وَهَذِهِ عِبَارَةُ الْحَاكِمِ فِي الْكَافِي، وَإِذَا كَانَ أَيْ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ حَاضِرًا وَالشَّاهِدَانِ غَائِبَانِ لَمْ يُقْطَعْ أَيْضًا حَتَّى يَحْضُرُوا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ بَعْدَ ذَلِكَ يُقْطَعُ وَهُوَ قَوْلُ صَاحِبَيْهِ وَكَذَلِكَ الْمَوْتُ وَكَذَلِكَ هَذَا فِي كُلِّ حَدٍّ وَحَقٍّ سِوَى الرَّجْمِ وَيَمْضِي الْقِصَاصُ، وَإِنْ لَمْ يَحْضُرُوا اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ النَّاسِ اهـ. فَهَذَا تَصْرِيحُ الْحَاكِمِ. اهـ. مُلَخَّصًا. قُلْت وَكَانَ الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - اسْتَشْعَرَ بِذَلِكَ فَقَالَ بَعْدَمَا نَقَلَهُ عَنْ الْكَافِي، وَإِنْ شَرَطَ بُدَاءَةَ الشُّهُودِ بِالرَّجْمِ وَمُرَادُهُ بِذَلِكَ دَفْعُ الْمُنَافَاةِ بَيْنَ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي وَبَيْنَ مَا مَرَّ فِي الْحُدُودِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِمَا مَرَّ حُضُورُهُمْ فِي ابْتِدَائِهِ وَبُدَاءَتُهُمْ وَمَا هُنَا حُضُورُهُمْ إلَى تَمَامِهِ، فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَمَّا فِي الْقَطْعِ فَلَا يَتَأَتَّى هَذَا التَّفْصِيلُ لَكِنْ بَعْدَ هَذَا بَقِيَتْ الْمُنَافَاةُ فِي حَالَةِ الْغَيْبَةِ وَالْمَوْتِ، فَإِنَّ مَا هُنَا ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُرْجَمُ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ عَلَى أَنَّك قَدْ عَلِمْت مِنْ عِبَارَةِ الْحَاكِمِ الْمَنْقُولَةِ آنِفًا أَنَّ اسْتِثْنَاءَ الرَّجْمِ مِنْ الْقَطْعِ الَّذِي هُوَ الْقَوْلُ الْأَخِيرُ لِلْإِمَامِ لَا مِنْ عَدَمِ الْقَطْعِ وَذَلِكَ لَا غُبَارَ عَلَيْهِ وَأَظُنُّ أَنَّهُ فِي نُسْخَةِ الْكَافِي الَّتِي نَقَلَ عَنْهَا صَاحِبُ الْفَتْحِ وَتَبِعَهُ الْمُؤَلِّفُ وَأَخُوهُ سَقَطَا فَسَقَطَ مِنْهَا الْقَوْلُ الثَّانِي فَلِذَا اقْتَصَرُوا عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَعَ أَنَّك عَلِمْت عَنْ شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ تَصْحِيحَ الْقَوْلِ الثَّانِي الْمَرْجُوعِ إلَيْهِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 57 دِرْهَمًا مِنْ بَيْتٍ وَاحِدٍ يُقْطَعُ لِكَمَالِ النِّصَابِ فِي حَقِّ السَّارِقِ (قَوْلُهُ وَلَا يُقْطَعُ بِخَشَبٍ وَحَشِيشٍ وَقَصَبٍ وَسَمَكٍ وَطَيْرٍ وَصَيْدٍ وَزِرْنِيخٍ وَمَغْرَةٍ وَنَوْرَةٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَا قَطْعَ فِيمَا يُوجَدُ تَافِهًا مُبَاحًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لِقَوْلِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «كَانَتْ الْيَدُ لَا تُقْطَعُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الشَّيْءِ التَّافِهِ» أَيْ الْحَقِيرِ وَمَا يُوجَدُ جِنْسُهُ مُبَاحًا فِي الْأَصْلِ بِصُورَتِهِ غَيْرُ مَرْغُوبٍ فِيهِ حَقِيرٌ لِقِلَّةِ الرَّغَبَاتِ فِيهِ، وَالطِّبَاعُ لَا تَضُنُّ بِهِ فَقَلَّ مَا يُوجَدُ آخِذُهُ عَلَى كُرْهٍ مِنْ الْمَالِكِ فَلَا حَاجَةَ إلَى شَرْعِ الزَّاجِرِ وَلِهَذَا لَمْ يَجِبْ الْقَطْعُ بِسَرِقَةِ مَا دُونَ النِّصَابِ وَلِأَنَّ الْحِرْزَ فِيهَا نَاقِصٌ أَلَا يُرَى أَنَّ الْخَشَبَ يُلْقَى عَلَى الْأَبْوَابِ، وَإِنَّمَا يَدْخُلُ فِي الدَّارِ لِلْعِمَارَةِ لَا لِلْإِحْرَازِ، وَالطَّيْرُ يَطِيرُ، وَالصَّيْدُ يَقِرُّ وَكَذَا الشَّرِكَةُ الْعَامَّةُ الَّتِي كَانَتْ فِيهِ وَهِيَ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ تُورِثُ الشُّبْهَةَ، وَالْحَدُّ يَنْدَرِئُ بِهَا أُطْلِقَ الْخَشَبُ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَحْدُثْ فِيهِ صَنْعَةٌ مُتَقَوَّمَةٌ، فَإِنْ كَانَ مَعْمُولًا قُطِعَ فِيهِ كَمَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ كَمَا يُقْطَعُ فِي الْحُصُرِ الْبَغْدَادِيَّةِ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَمُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِإِحْرَازِهِ، فَإِنْ كَانَ مِمَّا يَحْرُزُ كَالسَّاجِ، وَالْأَبَنُوسِ، فَإِنَّهُ يُقْطَعُ فِيهِ وَأُطْلِقَ السَّمَكُ فَشَمِلَ الطَّرِيَّ، وَالْمَالِحَ، وَالطَّيْرُ فَشَمِلَ الدَّجَاجَ، وَالْبَطَّ، وَالْحَمَامَ وَنَظَرَ بَعْضُهُمْ فِي الزِّرْنِيخِ فَقَالَ يَنْبَغِي أَنْ يُقْطَعَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يُحْرَزُ وَيُصَانُ فِي دَكَاكِينِ الْعَطَّارِينَ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ وَاخْتُلِفَ فِي الْوَسْمَةِ، وَالْحِنَّاءِ، وَالْوَجْهُ الْقَطْعُ؛ لِأَنَّهُ جَرَتْ الْعَادَةُ بِإِحْرَازِهِ فِي الدَّكَاكِينِ، وَالْمَغْرَةُ بِفَتْحِ الْغَيْنِ الطِّينُ الْأَحْمَرُ وَيَجُوزُ إسْكَانُهَا وَأَلْحَقَ فِي الْمُجْتَبَى بِمَا ذُكِرَ الْفَحْمَ، وَالْأُشْنَانَ، وَالزُّجَاجَ، وَالْمِلْحَ، وَالْخَزَفَ، وَاسْتَثْنَى فِي الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ الطَّيْرِ الدَّجَاجَ فَأَوْجَبَ الْقَطْعَ فِيهِ (قَوْلُهُ وَفَاكِهَةٌ رَطْبَةٌ أَوْ عَلَى شَجَرٍ أَوْ عَلَى لَبَنٍ وَلَحْمٍ وَزَرْعٍ لَمْ يُحْصَدْ وَأَشْرِبَةٍ وَطُنْبُورٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَا قَطْعَ فِيمَا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا قَطْعَ فِي ثَمَرٍ وَلَا كَثَرٍ، وَالْكَثَرُ الْجِمَارُ» وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا قَطْعَ فِي الطَّعَامِ» ، وَالْمُرَادُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مَا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ كَالْمُهَيَّأِ لِلْأَكْلِ مِنْهُ وَمَا فِي مَعْنَاهُ كَاللَّحْمِ، وَالتَّمْرِ؛ لِأَنَّهُ يُقْطَعُ فِي الْحِنْطَةِ، وَالسُّكَّرِ إجْمَاعًا وَلَا إحْرَازَ فِيمَا عَلَى الشَّجَرِ وَفِي زَرْعٍ لَمْ يُحْصَدْ وَلِتَأَوُّلِ السَّارِقِ فِي الْأَشْرِبَةِ الْمُطْرِبَةِ الْإِرَاقَةَ وَبَعْضُهَا لَيْسَ بِمَالٍ وَفِي مَالِيَّةِ بَعْضِهَا اخْتِلَافٌ فَيَتَحَقَّقُ شُبْهَةُ عَدَمِ الْمَالِ، وَالطُّنْبُورُ مِنْ الْمَعَازِفِ أَطْلَقَ فِي الْفَاكِهَةِ فَشَمَلَ الْعِنَبَ، وَالرُّطَبَ عَلَى الْمُخْتَارِ؛ لِأَنَّهُ يَخَافُ الْفَسَادَ مِنْ وَجْهٍ وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمَسْرُوقُ يَبْقَى مِنْ حَوْلٍ إلَى حَوْلٍ فَإِذَا سَرَقَ شَيْئًا لَا يَبْقَى مِنْ حَوْلٍ إلَى حَوْلٍ لَا يَجِبُ الْقَطْعُ. اهـ. وَقَيَّدَ بِالرَّطْبَةِ؛ لِأَنَّهُ يُقْطَعُ فِي الْيَابِسَةِ وَيُقْطَعُ فِي الزَّبِيبِ، وَالتَّمْرِ وَأَطْلَقَ فِي اللَّحْمِ فَشَمِلَ الْقَدِيدَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ يُتَوَهَّمُ فِيهِ الْفَسَادُ وَقَيَّدَ بِالْأَشْرِبَةِ؛ لِأَنَّهُ يُقْطَعُ فِي الْعَسَلِ، وَالْخَلِّ إجْمَاعًا كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا نَقَلَهُ النَّاطِفِيُّ عَنْ الْمُجَرَّدِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا قَطْعَ فِي الْخَلِّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ خَمْرًا مَرَّةً. اهـ. فَلَا يُدَّعَى الْإِجْمَاعُ وَأَطْلَقَ فِي الْأَشْرِبَةِ فَشَمِلَ الْحُلْوَ، وَالْمُرَّ وَمَا إذَا كَانَ السَّارِقُ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا وَأَشَارَ بِالطُّنْبُورِ إلَى جَمِيعِ آلَاتِ اللَّهْوِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَغَيْرِهَا، وَالْقَطْعُ فِي الْحِنْطَةِ وَغَيْرِهَا إجْمَاعًا إنَّمَا هُوَ فِي غَيْرِ سَنَةِ الْقَحْطِ أَمَّا فِيهَا فَلَا سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يَتَسَارَعُ الْفَسَادُ إلَيْهِ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ عَنْ ضَرُورَةٍ ظَاهِرَةٍ أَوْ هِيَ تُبِيحُ التَّنَاوُلَ وَعَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا قَطْعَ فِي مَجَاعَةٍ مُضْطَرَّةٍ» وَعَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا قَطْعَ فِي عَامِ سَنَةٍ (قَوْلُهُ وَمُصْحَفٍ وَلَوْ مُحَلًّى) أَيْ لَا قَطْعَ فِي سَرِقَةِ مُصْحَفٍ وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ حِلْيَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ؛ لِأَنَّ الْآخِذَ يَتَأَوَّلُ فِي أَخْذِهِ الْقِرَاءَةَ وَلَا نَظَرَ فِيهِ وَلِأَنَّهُ لَا مَالِيَّةَ لَهُ عَلَى اعْتِبَارِ الْمَكْتُوبِ وَإِحْرَازُهُ لِأَجْلِهِ لَا لِلْجِلْدِ، وَالْأَوْرَاقِ، وَالْحِلْيَةِ، وَإِنَّمَا هِيَ تَوَابِعُ وَلَا مُعْتَبَرَ بِالتَّبَعِ كَمَنْ سَرَقَ آنِيَةً فِيهَا خَمْرٌ وَقِيمَةُ الْآنِيَةِ تَرْبُو عَلَى النِّصَابِ وَكَمَنْ سَرَقَ صَبِيًّا حُرًّا وَعَلَيْهِ حُلِيٌّ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ سَرَقَ ثَوْبًا لَا يُسَاوِي عَشَرَةً وَوَجَدَ فِي جَيْبِهِ عَشَرَةً مَصْرُورَةً لَمْ يَعْلَمْ بِهَا لَمْ أَقْطَعْهُ، وَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ بِهَا فَعَلَيْهِ الْقَطْعُ، وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ وَسَيَأْتِي أَنَّهُ لَا قَطْعَ فِي الدَّفَاتِرِ وَهِيَ الْكُتُبُ شَرْعِيَّةً كَانَتْ أَوْ لَا (قَوْلُهُ وَبَابِ مَسْجِدٍ)   [منحة الخالق] قَوْلُهُ) : وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا نَقَلَهُ النَّاطِفِي إلَخْ) قَالَ الْمَقْدِسِيَّ يُحْمَلُ مَا فِي التَّبْيِينِ عَلَى مَا لَمْ يَصِرْ خَمْرًا أَوْ أَنَّ تِلْكَ رِوَايَةٌ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 58 لِعَدَمِ الْإِحْرَازِ فَصَارَ كَبَابِ الدَّارِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يُحْرَزُ بِبَابِ الدَّارِ مَا فِيهَا وَلَا يُحْرَزُ بِبَابِ الْمَسْجِدِ مَا فِيهِ حَتَّى لَا يَجِبَ الْقَطْعُ بِسَرِقَةِ مَتَاعِهِ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ، فَإِنْ اعْتَادَ سَرِقَةَ أَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ فَيَجِبُ أَنْ يُعَزَّرَ وَيُبَالَغَ فِيهِ وَيُحْبَسَ حَتَّى يَتُوبَ. اهـ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ سَارِقُ الْبَزَابِيزِ مِنْ الْمِيَضِ أَوْ أَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا قَطْعَ فِي سَرِقَةِ حُصُرِهِ وَقَنَادِيلِهِ وَكَذَا أَسْتَارُ الْكَعْبَةِ، وَإِنْ كَانَتْ مُحْرَزَةً لِعَدَمِ الْمَالِكِ (قَوْلُهُ وَصَلِيبِ ذَهَبٍ وَشِطْرَنْجٍ وَنَرْدٍ) ؛ لِأَنَّهُ يَتَأَوَّلُ مِنْ أَخْذِهَا الْكَسْرَ نَهْيًا عَنْ الْمُنْكَرِ بِخِلَافِ الدِّرْهَمِ الَّذِي عَلَيْهِ التِّمْثَالُ؛ لِأَنَّهُ مَا أُعِدَّ لِلْعِبَادَةِ فَلَا يُثْبِتُ شُبْهَةَ إبَاحَةِ الْكَسْرِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ فِي حِرْزٍ أَوْ لَا، وَالشِّطْرَنْجُ بِكَسْرِ الشِّينِ وَفِي ضِيَاءِ الْحُلُومِ النَّرْدُ الَّذِي يُلْعَبُ بِهِ وَهُوَ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ وَقَلَّ مَا يَأْتَلِفُ النُّونُ، وَالرَّاءُ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ إلَّا بِدَخْلٍ بَيْنَهُمَا. اهـ. وَسَيَأْتِي فِي الشَّهَادَاتِ أَنَّهُ كُلُّ لَعِبٍ لَا يَحْتَاجُ لَاعِبُهُ إلَى فِكْرٍ وَحِسَابٍ (قَوْلُهُ وَصَبِيٍّ حُرٍّ وَلَوْ مَعَهُ حُلِيٌّ) ؛ لِأَنَّ الْحُرَّ لَيْسَ بِمَالٍ وَمَا عَلَيْهِ مِنْ الْحُلِيِّ تَبَعٌ لَهُ وَلِأَنَّهُ يَتَأَوَّلُ فِي أَخْذِ الصَّبِيِّ إسْكَاتَهُ أَوْ حَمْلَهُ إلَى مُرْضِعَتِهِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الصَّبِيَّ الَّذِي لَا يَمْشِي وَلَا يَتَكَلَّمُ، وَالْحُلِيُّ بِضَمِّ الْحَاءِ جَمْعُ حَلْيٍ بِفَتْحِهَا مَا يُلْبَسُ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ جَوَاهِرَ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ سَرَقَ إنَاءَ ذَهَبٍ فِيهِ نَبِيذٌ أَوْ ثَرِيدٌ أَوْ كَلْبًا عَلَيْهِ قِلَادَةُ فِضَّةٍ فَلَا يُقْطَعُ عَلَى الْمَذْهَبِ إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَرَجَّحَهَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أَصْلٌ مَقْصُودٌ بِالْأَخْذِ بَلْ الْقَصْدُ إلَى الْإِنَاءِ الذَّهَبُ أَظْهَرُ مِنْهُ إلَى مَا فِيهِ وَمَا يُوَافِقُ مَا ذَكَرْنَا مَا فِي التَّجْنِيسِ سَرَقَ كُوزًا فِيهِ عَسَلٌ وَقِيمَةُ الْكُوزِ تِسْعَةٌ وَقِيمَةُ الْعَسَلِ دِرْهَمٌ يُقْطَعُ وَكَذَا إذَا سَرَقَ حِمَارًا يُسَاوِي تِسْعَةً وَعَلَيْهِ إكَافٌ يُسَاوِي دِرْهَمًا بِخِلَافِ مَا إذَا سَرَقَ قُمْقُمَةً فِيهَا مَا يُسَاوِي عَشَرَةً؛ لِأَنَّهُ سَرَقَ مَاءً مِنْ وَجْهٍ وَهُوَ نَظِيرُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمَبْسُوطِ فِيمَنْ سَرَقَ ثَوْبًا لَا يُسَاوِي عَشَرَةً مَصْرُورَةً عَلَيْهِ عَشَرَةٌ قَالَ يُقْطَعُ إذَا عَلِمَ أَنَّ عَلَيْهِ مَالًا بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ (قَوْلُهُ وَعَبْدٍ كَبِيرٍ وَدَفَاتِرَ بِخِلَافِ الصَّغِيرِ وَدَفَاتِرِ الْحِسَابِ) ؛ لِأَنَّهُ فِي الْكَبِيرِ غَصْبٌ أَوْ خِدَاعٌ وَهِيَ مُتَحَقِّقَةٌ فِي الصَّغِيرِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يُقْطَعُ، وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا لَا يَعْقِلُ وَلَا يَتَكَلَّمُ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّهُ آدَمِيٌّ مِنْ وَجْهٍ مَالٌ مِنْ وَجْهٍ وَلَهُمَا أَنَّهُ مَالٌ مُطْلَقٌ لِكَوْنِهِ مُنْتَفَعًا بِهِ أَوْ بِعَرْضٍ أَنْ يَصِيرَ مُنْتَفَعًا بِهِ إلَّا أَنَّهُ انْضَمَّ إلَيْهِ مَعْنَى الْآدَمِيَّةِ وَلَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ النِّصَابِ وَفِي أُذُنِهِ شَيْءٌ يُكْمِلُ النِّصَابَ يُقْطَعُ بِاعْتِبَارِ الضَّمِّ أَرَادَ بِالْكَبِيرِ الْمُمَيِّزَ الْمُعَبِّرَ عَنْ نَفْسِهِ بَالِغًا كَانَ أَوْ صَبِيًّا وَبِالصَّغِيرِ الَّذِي لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ وَأَطْلَقَ فِي الْكَبِيرِ فَشَمِلَ النَّائِمَ، وَالْمَجْنُونَ، وَالْأَعْمَى، وَالْمَقْصُودُ مِنْ الدَّفَاتِرِ مَا فِيهَا، وَذَلِكَ لَيْسَ بِمَالٍ إلَّا دَفْتَرَ الْحِسَابِ؛ لِأَنَّ مَا فِيهِ لَا يُقْصَدُ بِالْأَخْذِ فَكَانَ الْمَقْصُودُ هُوَ الْكَاغَدَ، وَالْمُرَادُ بِالدَّفَاتِرِ صَحَائِفُ فِيهَا كِتَابَةٌ مِنْ عَرَبِيَّةٍ أَوْ شَعْرٍ أَوْ حَدِيثٍ أَوْ تَفْسِيرٍ أَوْ فِقْهٍ مِمَّا هُوَ مِنْ عِلْمِ الشَّرِيعَةِ. وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي غَيْرِهَا فَقِيلَ مُلْحَقَةٌ بِدَفَاتِرِ الْحِسَابِ فَيُقْطَعُ فِيهَا وَقِيلَ بِكُتُبِ الشَّرِيعَةِ؛ لِأَنَّ مَعْرِفَتَهَا قَدْ تَتَوَقَّفُ عَلَى اللُّغَةِ، وَالشِّعْرِ، وَالْحَاجَةُ، وَإِنْ قَلَّتْ كَفَتْ فِي إيرَاثِ الشُّبْهَةِ، وَمُقْتَضَى هَذَا أَنْ لَا يَخْتَلِفَ فِي الْقَطْعِ بِسَرِقَةِ كُتُبِ السِّحْرِ، وَالْفَلْسَفَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْصَدُ مَا فِيهَا لِأَهْلِ الدِّيَانَةِ فَكَانَتْ سَرِقَةً صِرْفًا، وَالْمُرَادُ بِدَفَاتِرِ الْحِسَابِ دَفَاتِرُ أَهْلِ الدُّيُونِ وَقَوْلُهُمْ: لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْكَاغَدُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الَّذِي مَضَى حِسَابُهُ، وَقَدْ قِيلَ بِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الشُّمُنِّيُّ، وَأَمَّا الدَّفَاتِرُ الَّتِي فِي الدِّيوَانِ الْمَعْمُولُ بِهَا فَالْمَقْصُودُ عِلْمُ مَا فِيهَا فَلَا قَطْعَ، وَأَمَّا دَفَاتِرُ مِثْلِ عِلْمِ الْحِسَابِ، وَالْهَنْدَسَةِ فَهُوَ كَغَيْرِهِ فَلَا قَطْعَ بِسَرِقَتِهِ؛ لِأَنَّهُ كَكُتُبِ الْأَدَبِ، وَالشِّعْرِ وَقَيَّدَ بِالدَّفَاتِرِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ سَرَقَ الْوَرَقَ، وَالْجِلْدَ قَبْلَ الْكِتَابَةِ قُطِعَ ذَكَرَهُ الشُّمُنِّيُّ (قَوْلُهُ وَكَلْبٍ وَفَهْدٍ) ؛ لِأَنَّ مِنْ جِنْسِهَا يُوجَدُ مُبَاحُ الْأَصْلِ غَيْرُ مَرْغُوبٍ فِيهِ وَلِأَنَّ الِاخْتِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ ظَاهِرٌ فِي مَالِيَّةِ الْكَلْبِ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ عَلَيْهِ طَوْقُ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ عَلِمَ بِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهُ كَالصَّبِيِّ الْحُرِّ إذَا كَانَ عَلَيْهِ حُلِيٌّ. (قَوْلُهُ وَدُفٍّ وَطَبْلٍ وَبَرْبَطٍ وَمِزْمَارٍ) ؛ لِأَنَّهُمَا عِنْدَهُمَا   [منحة الخالق] [سَرِقَةِ الْمُصْحَفٍ] قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَصَلِيبِ ذَهَبٍ) ظَاهِرُ إطْلَاقِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي السَّارِقِ بَيْنَ كَوْنِهِ مُسْلِمًا أَوْ نَصْرَانِيًّا وَفِي الذَّخِيرَةِ لَا يُقْطَعُ الذِّمِّيُّ فِي الْخَمْرِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَكَذَلِكَ فِي الصَّلِيبِ إذَا كَانَ فِي مُصَلَّى لَهُمْ، وَإِنْ كَانَ فِي بَيْتٍ قُطِعَ. اهـ. قُلْت وَهَذَا وَجْهُهُ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الذِّمِّيَّ لَا يَأْخُذُهُ لِلْكَسْرِ بَلْ لِذَاتِهِ لَكِنْ إذَا أَخَذَهُ مِنْ مُصَلَّاهُمْ لَا يُقْطَعُ لِكَوْنِهِ فِي حُكْمِ الْمَسْجِدِ يُؤْذَنُ فِي دُخُولِهِ بِخِلَافِ أَخْذِهِ مِنْ بَيْتٍ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 59 لَا قِيمَةَ لَهَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى فَلَا ضَمَانَ عَلَى مَنْ كَسَرَهَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ آخِذُهَا يَتَأَوَّلُ الْكَسْرَ فِيهَا، وَالدُّفُّ بِالضَّمِّ، وَالْفَتْحِ الَّذِي يُلْعَبُ بِهِ وَهُوَ نَوْعَانِ مُدَوَّرٌ وَمُرَبَّعٌ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ، وَالْبَرْبَطُ بِفَتْحِ الْبَاءَيْنِ الْمُوَحَّدَتَيْنِ وَهُوَ الْعُودُ كَذَا فِي التَّرْغِيبِ، وَالتَّرْهِيبِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الدُّفَّ، وَالطَّبْلَ لِلْغُزَاةِ وَفِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ، وَالْأَصَحُّ عَدَمُ الْقَطْعِ؛ لِأَنَّ صَلَاحِيَّتَهُ لِلَّهْوِ صَارَتْ شُبْهَةً كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ (قَوْلُهُ وَبِخِيَانَةٍ وَنَهْبٍ وَاخْتِلَاسٍ) لِانْتِفَاءِ رُكْنِ السَّرِقَةِ وَهِيَ الْأَخْذُ خُفْيَةً الْخِيَانَةُ هِيَ الْأَخْذُ مِمَّا فِي يَدِهِ عَلَى وَجْهِ الْأَمَانَةِ، وَالنَّهْبُ هُوَ الْأَخْذُ عَلَى وَجْهِ الْعَلَانِيَةِ، وَالْقَهْرِ فِي بَلَدٍ أَوْ قَرْيَةٍ، وَالِاخْتِلَاسُ الِاخْتِطَافُ وَهُوَ أَنْ يَأْخُذَ الشَّيْءَ بِسُرْعَةٍ، وَالِاسْمُ الْخِلْسَةُ وَفِي السُّنَنِ، وَالْجَامِعِ لِلتِّرْمِذِيِّ مَرْفُوعًا «لَيْسَ عَلَى خَائِنٍ وَلَا مُنْتَهِبٍ وَلَا مُخْتَلِسٍ قَطْعٌ» ، وَأَمَّا مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّ امْرَأَةً كَانَتْ تَسْتَعِيرُ الْمَتَاعَ وَتَجْحَدُهُ فَأَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَطْعِهَا» فَأَجَابَ عَنْهُ الْجَمَاهِيرُ بِأَنَّ الْقَطْعَ كَانَ لِسَرِقَةٍ صَدَرَتْ مِنْهَا وَتَمَامُهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ وَنَبْشٍ) أَيْ لَا قَطْعَ عَلَى النَّابِشِ وَهُوَ الَّذِي يَسْرِقُ أَكْفَانَ الْمَوْتَى بَعْدَ الدَّفْنِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ عَلَيْهِ الْقَطْعُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَنْ نَبَشَ قَطَعْنَاهُ وَلِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ مُحْرَزٌ مِثْلُهُ فَيُقْطَعُ وَلَهُمَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا قَطْعَ عَلَى الْمُخْتَفِي» وَهُوَ النَّبَّاشُ بِلُغَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَلِأَنَّ الشُّبْهَةَ تَمَكَّنَتْ فِي الْمِلْكِ؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لِلْمَيِّتِ حَقِيقَةً وَلَا لِلْوَارِثِ لِتَقَدُّمِ حَاجَةِ الْمَيِّتِ، وَقَدْ تَمَكَّنَ الْخَلَلُ فِي الْمَقْصُودِ وَهُوَ الِانْزِجَارُ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ فِي نَفْسِهَا نَادِرَةُ الْوُجُودِ وَمَا رَوَاهُ غَيْرُ مَرْفُوعٍ أَوْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى السِّيَاسَةِ لِمَنْ اعْتَادَهُ فَيَقْطَعُهُ الْإِمَامُ سِيَاسَةً لَا حَدًّا أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الْقَبْرُ فِي بَيْتٍ مُقْفَلٍ عَلَى الصَّحِيحِ وَمَا إذَا سَرَقَ مِنْ تَابُوتٍ فِي الْقَافِلَةِ وَفِيهِ الْمَيِّتُ لِمَا بَيَّنَّا وَمَا إذَا سَرَقَ مِنْ الْقَبْرِ ثَوْبًا غَيْرَ الْكَفَنِ لِعَدَمِ الْحِرْزِ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَوْ سَرَقَ مِنْ الْبَيْتِ الَّذِي فِيهِ قَبْرُ الْمَيِّتِ مَالًا آخَرَ غَيْرَ الْكَفَنِ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ لِتَأَوُّلِهِ بِالدُّخُولِ إلَى زِيَارَةِ الْقَبْرِ وَكَذَا لَوْ سَرَقَ مِنْ بَيْتٍ فِيهِ الْمَيِّتُ لَتَأَوَّلَهُ بِتَجْهِيزِهِ وَهُوَ أَظْهَرُ مِنْ الْكُلِّ لِوُجُودِ الْإِذْنِ بِالدُّخُولِ فِيهِ عَادَةً (قَوْلُهُ وَمَالِ عَامَّةٍ أَوْ مُشْتَرَكٍ) ؛ لِأَنَّ لَهُ فِيهِ شَرِكَةً حَقِيقِيَّةً فِي الثَّانِي أَوْ شُبْهَةَ شَرِكَةٍ فِي الْأَوَّلِ وَهُوَ مَالُ بَيْتِ الْمَالِ، فَإِنَّهُ مَالُ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ مِنْهُمْ، وَإِذَا احْتَاجَ ثَبَتَ الْحَقُّ لَهُ فِيهِ بِقَدْرِ حَاجَتِهِ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً، وَالْحُدُودُ تُدْرَأُ بِهَا، وَأَمَّا مَالُ الْوَقْفِ فَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ بِهِ لِعَدَمِ الْمَالِكِ كَمَا صَرَّحُوا أَنَّهُ لَوْ سَرَقَ حُصُرَ الْمَسْجِدِ وَنَحْوَهَا مِنْ حِرْزٍ، فَإِنَّهُ لَا يُقْطَعُ مُعَلِّلِينَ بِعَدَمِ الْمَالِكِ (قَوْلُهُ وَمِثْلِ دَيْنِهِ) ؛ لِأَنَّهُ اسْتِيفَاءٌ لِحَقِّهِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ؛ لِأَنَّ التَّأْجِيلَ لِتَأْخِيرِ الْمُطَالَبَةِ، وَالْمُرَادُ بِالْمُمَاثَلَةِ الْمِثْلُ مِنْ حَيْثُ الْجِنْسُ بِأَنْ كَانَ مِنْ النُّقُودِ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ جِنْسِهِ حَقِيقَةً كَأَنْ يَكُونَ دَيْنُهُ دَرَاهِمَ فَسَرَقَ دَرَاهِمَ أَوْ مِنْ جِنْسِهِ حُكْمًا كَأَنْ سَرَقَ دَنَانِيرَ فِي الصَّحِيحِ وَلِهَذَا كَانَ لِلْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ بِهَا دَيْنَهُ مِنْ غَيْرِ رِضَا الْمَطْلُوبِ وَيَضُمُّ أَحَدَهُمَا إلَى الْآخَرِ فِي الزَّكَاةِ فَخَرَجَ مَا إذَا سَرَقَ عُرُوضًا وَمِنْهَا الْحُلِيُّ، فَإِنَّهُ يُقْطَعُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِاسْتِيفَاءٍ، وَإِنَّمَا هُوَ اسْتِبْدَالٌ فَلَا يَتِمُّ إلَّا بِالتَّرَاضِي وَلَمْ يُوجَدْ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ عِنْدَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ قَضَاءً مِنْ حَقٍّ أَوْ رَهْنًا بِحَقِّهِ قُلْنَا هَذَا قَوْلٌ لَا يَسْتَنِدُ إلَى   [منحة الخالق] [سَرَقَ مِنْ الْقَبْرِ ثَوْبًا غَيْرَ الْكَفَنِ] (قَوْلُهُ: وَمَا إذَا سَرَقَ مِنْ الْقَبْرِ ثَوْبًا غَيْرَ الْكَفَنِ) قَالَ فِي النَّهْرِ فِي شُمُولِ الْإِطْلَاقِ لِهَذَا نَظَرٌ ظَاهِرٌ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا مَالُ الْوَقْفِ إلَخْ) قَالَ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِهِ صَرَّحُوا بِأَنَّ مُتَوَلِّيَ الْوَقْفِ يُقْطَعُ بِطَلَبِهِ ذَكَرَهُ فِي التَّبْيِينِ وَالْفَتْحِ وَنَحْوِهِمَا، وَطَلَبُهُ إنَّمَا هُوَ فِي الْوَقْفِ. اهـ. وَقَالَ الرَّمْلِيُّ صَرَّحَ ابْنُ مَالِكٍ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ مِنْ بَحْثِ الْخَاصِّ بِأَنَّهُ لَوْ سَرَقَ مَالَ الْوَقْفِ مِنْ الْمُتَوَلِّي يَجِبُ الْقَطْعُ وَسَيَأْتِي فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَلَوْ مُودِعًا وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ لَهُ يَدٌ صَحِيحَةٌ يَمْلِكُ الْخُصُومَةَ إلَى أَنْ قَالَ فَلِلْمَالِكِ أَنْ يُخَاصِمَ السَّارِقَ ثُمَّ قَالَ: وَمُتَوَلِّي الْمَسْجِدِ ثُمَّ قَالَ فَتُعْتَبَرُ خُصُومَتُهُمْ فِي ثُبُوتِ وِلَايَةِ الِاسْتِرْدَادِ وَفِي حَقِّ الْقَطْعِ فَهُوَ صَرِيحٌ فِيهِ وَيَلُوحُ الْفَرْقُ بَيْنَ نَحْوِ حُصُرِ الْمَسْجِدِ وَغَيْرِهَا فَتَأَمَّلْ. اهـ. وَنَحْوُهُ فِي حَوَاشِي أَبِي السُّعُودِ عَنْ شَيْخِهِ وَلَعَلَّ الْفَرْقَ هُوَ أَنَّ الْوَقْفَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ حُكْمًا عِنْدَ الْإِمَامِ كَمَا يَأْتِي فِي مَحَلِّهِ لَكِنْ هَذَا يَظْهَرُ فِي رَقَبَةِ الْوَقْفِ أَمَّا غَلَّتُهُ فَلَا وَعَلَى هَذَا فَعَدَمُ الْقَطْعِ فِي حُصُرِ الْمَسْجِدِ لِعَدَمِ الْمَالِكِ لِكَوْنِهَا مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ بِخِلَافِ رَقَبَةِ الْوَقْفِ كَمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ مَثَلًا مَا جَرَى بِهِ التَّعَامُلُ مِنْ الْمَنْقُولَاتِ، وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ غَلَّةَ الْوَقْفِ مِلْكُ الْمُسْتَحِقِّينَ وَأَنَّهَا أَمَانَةٌ تَحْتَ يَدِ النَّاظِرِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ لِلْمُتَوَلِّي يَدٌ صَحِيحَةٌ عَلَيْهَا فَلَهُ الْقَطْعُ بِهَا لَكِنْ يَنْبَغِي عَدَمُ الْقَطْعِ فِيمَا لَوْ كَانَ وَقْفًا عَلَى الْعَامَّةِ كَالْوَقْفِ عَلَى الْفُقَرَاءِ، فَإِنَّهُ مِثْلُ بَيْتِ الْمَالِ إذَا كَانَ السَّارِقُ فَقِيرًا وَأَمَّا وَقْفُ الْمَسْجِدِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ تَنَاوُلُ شَيْءٍ مِنْ غَلَّتِهِ؛ لِأَنَّهَا تُصْرَفُ فِي مَنَافِعِ الْمَسْجِدِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ وَظِيفَةٌ فِي الْمَسْجِدِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 60 دَلِيلٍ ظَاهِرٍ فَلَا يُعْتَبَرُ بِدُونِ اتِّصَالِ الدَّعْوَى بِهِ حَتَّى لَوْ ادَّعَى ذَلِكَ دُرِئَ عَنْهُ الْحَدُّ؛ لِأَنَّهُ ظَنٌّ فِي مَوْضِعِ الْخِلَافِ، وَأَمَّا الْمُمَاثَلَةُ مِنْ حَيْثُ الْقَدْرُ فَلَيْسَتْ بِشَرْطٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ سَرَقَ زِيَادَةً عَلَى حَقِّهِ لَا يُقْطَعُ؛ لِأَنَّهُ بِمِقْدَارِ حَقِّهِ يَصِيرُ شَرِيكًا فِيهِ فَيَصِيرُ شُبْهَةً وَكَذَا الْمُمَاثَلَةُ مِنْ حَيْثُ الْوَصْفُ حَتَّى لَوْ سَرَقَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ أَجْوَدَ أَوْ أَرْدَأَ لَا يُقْطَعُ كَذَا فِي الْمُجْتَبَى. وَفِيهِ أَنَّ ابْنَ أَبِي لَيْلَى وَالشَّافِعِيَّ يُطْلِقَانِ أَخْذَ خِلَافِ جِنْسِ حَقِّهِ الْمُجَانَسَةَ فِي الْمَالِيَّةِ وَمَا قَالَا هُوَ الْأَوْسَعُ وَيَجُوزُ الْأَخْذُ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَذْهَبَنَا، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ يُعْذَرُ فِي الْعَمَلِ بِهِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ اهـ. وَقَيَّدَ بِسَرِقَةِ الدَّائِنِ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ أَوْ الْعَبْدَ إذَا سَرَقَ مِنْ غَرِيمِ الْمَوْلَى قُطِعَ إلَّا إنْ كَانَ الْمَوْلَى وَكَّلَهُمَا بِالْقَبْضِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْأَخْذِ حِينَئِذٍ لَهُمَا وَلَوْ سَرَقَ مِنْ غَرِيمِ أَبِيهِ أَوْ غَرِيمِ وَلَدِهِ الْكَبِيرِ أَوْ غَرِيمِ مُكَاتَبِهِ أَوْ غَرِيمِ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ الْمَدْيُونِ قُطِعَ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْأَخْذِ لِغَيْرِهِ وَلَوْ سَرَقَ مِنْ غَرِيمِ ابْنِهِ الصَّغِيرِ لَا يُقْطَعُ (قَوْلُهُ وَبِشَيْءٍ قُطِعَ فِيهِ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَالْقِيَاسُ أَنْ يُقْطَعَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «فَإِنْ عَادَ فَاقْطَعُوهُ» مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ وَلِأَنَّ الثَّانِيَةَ مُتَكَامِلَةٌ كَالْأُولَى بَلْ أَقْبَحُ لِتَقَدُّمِ الزَّاجِرِ وَصَارَ كَمَا إذَا بَاعَهُ الْمَالِكُ مِنْ السَّارِقِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ مِنْهُ ثُمَّ كَانَتْ السَّرِقَةُ وَلَنَا أَنَّ الْقَطْعَ أَوْجَبَ سُقُوطَ عِصْمَةِ الْمَحَلِّ كَمَا يُعْرَفُ مِنْ بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَبِالرَّدِّ إلَى الْمَالِكِ، وَإِنْ عَادَتْ حَقِيقَةُ الْعِصْمَةِ بَقِيَتْ شُبْهَةُ السُّقُوطِ نُظِرَ إلَى اتِّحَادِ الْمِلْكِ، وَالْمَحَلِّ وَقِيَامِ الْمُوجِبِ وَهُوَ الْقَطْعُ فِيهِ بِخِلَافِ مَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ قَدْ اخْتَلَفَ لِاخْتِلَافِ سَبَبِهِ وَلِأَنَّ تَكْرَارَ الْجِنَايَةِ فِيهِ نَادِرٌ لِتَحَمُّلِهِ مَشَقَّةَ الزَّاجِرِ فَتُعَرَّى الْإِقَامَةُ عَنْ الْمَقْصُودِ وَهُوَ تَقْلِيلُ الْجِنَايَةِ فَصَارَ كَمَا إذَا قَذَفَ الْمَحْدُودُ فِي الْقَذْفِ الْمَقْذُوفَ الْأَوَّلَ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَغَيَّرَ مِثْلُ مَا لَوْ كَانَ غَزْلًا فَسَرَقَهُ فَقُطِعَ فِيهِ فَرَدَّهُ ثُمَّ نُسِجَ فَعَادَ فَسَرَقَهُ، فَإِنَّهُ يُقْطَعُ وَعَلَى هَذَا الصُّوفُ، وَالْقُطْنُ، وَالْكَتَّانُ وَكُلُّ عَيْنٍ أَحْدَثَ الْمَالِكُ فِيهِ صُنْعًا بَعْدَ الْقَطْعِ لَوْ أَحْدَثَهُ الْغَاصِبُ يَنْقَطِعُ بِهِ حَقُّ الْمَالِكِ وَأُطْلِقَ فِي التَّغَيُّرِ فَشَمِلَ الْمَعْنَوِيَّ كَمَا إذَا بَاعَهُ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ بَعْدَ الْقَطْعِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ فَسَرَقَهُ؛ لِأَنَّ تَبَدُّلَ السَّبَبِ كَتَبَدُّلِ الْعَيْنِ وَذَكَرَ الشُّمُنِّيُّ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ عِنْدَ مَشَايِخِ الْعِرَاقِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حُكْمُ مَا إذَا بَاعَهُ الْمَالِكُ فَسَرَقَهُ مِنْ الْمُشْتَرِي وُجُوبَ الْقَطْعِ بِالْأَوْلَى (قَوْلُهُ وَيُقْطَعُ بِسَرِقَةِ السَّاجِ، وَالْقَنَا، وَالْأَبَنُوسِ، وَالصَّنْدَلِ، وَالْفُصُوصِ الْأَخْضَرِ، وَالْيَاقُوتِ، وَالزَّبَرْجَدِ، وَاللُّؤْلُؤِ) ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مِنْ أَعَزِّ الْأَمْوَالِ وَأَنْفَسِهَا وَهِيَ مُحْرَزَةٌ لَا تُوجَدُ مُبَاحَةَ الْأَصْلِ بِصُورَتِهَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ غَيْرَ مَرْغُوبٍ فِيهَا فَصَارَتْ كَالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ وَفِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ لَا قَطْعَ فِي الْعَاجِ مَا لَمْ يُعْمَلْ فَإِذَا عُمِلَ مِنْهُ شَيْءٌ قُطِعَ فِيهِ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ يُقْطَعُ فِي الْعُودِ، وَالْمِسْكِ، وَالْأَدْهَانِ، وَالْوَرْسِ، وَالزَّعْفَرَانِ، وَالْعَنْبَرِ بِالْأَوْلَى وَفِي طُلْبَةِ الطَّلَبَةِ قَالَ جَارُ اللَّهِ الْعَلَّامَةُ السَّاجُ ضَرْبٌ مِنْ الشَّجَرِ يَعْلُوهُ الْحُمْرَةُ وَهُوَ صُلْبٌ كَالْحَجَرِ وَلَا يَكُونُ هَذَا الْأَبَنُوسُ إلَّا فِي بِلَادِ الْهِنْدِ وَدُورُ سَادَاتِ مَكَّةَ مِنْ هَذَا السَّاجِ. اهـ. وَالْقَنَا خَشَبُ الرِّمَاحِ جَمْعُ قَنَاةٍ وَأَلِفُهَا مُنْقَلِبَةٌ عَنْ الْوَاوِ، وَالْأَبَنُوسُ بِفَتْحِ الْبَاءِ مَعْرُوفٌ وَهُوَ مُعَرَّبٌ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الزُّجَاجَ؛ لِأَنَّهُ لَا قَطْعَ فِيهِ عَلَى الظَّاهِرِ؛ لِأَنَّهُ يُسْرِعُ إلَيْهِ الْكَسْرُ فَكَانَ نَاقِصًا فِي الْمَالِيَّةِ (قَوْلُهُ، وَالْأَوَانِي، وَالْأَبْوَابُ الْمُتَّخَذَةُ مِنْ الْخَشَبِ) ؛ لِأَنَّهُ بِالصَّنْعَةِ الْتَحَقَتْ بِالْأَمْوَالِ النَّفِيسَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهَا تُحْرَزُ بِخِلَافِ الْحَصِيرِ؛ لِأَنَّ الصَّنْعَةَ فِيهِ لَمْ تَغْلِبْ عَلَى الْجِنْسِ حَتَّى يُبْسَطَ فِي غَيْرِ الْحِرْزِ وَقَدَّمْنَا أَنَّهُمْ قَالُوا فِي الْحُصُرِ الْبَغْدَادِيَّةِ يَجِبُ الْقَطْعُ فِي سَرِقَتِهَا لِغَلَبَةِ الصَّنْعَةِ عَلَى الْأَصْلِ وَقَوْلُهُ مِنْ الْخَشَبِ مُتَعَلِّقٌ بِالْأَوَانِي، وَالْأَبْوَابِ وَقَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْأَوَانِيَ الْمُتَّخَذَةَ مِنْ الْحَشِيشِ، وَالْقَصَبِ لَا قَطْعَ فِيهَا؛ لِأَنَّ الصَّنْعَةَ لَمْ تَغْلِبْ فِيهِ حَتَّى لَا تَتَضَاعَفَ قِيمَتُهُ وَلَا تُحْرَزُ حَتَّى لَوْ كَانَ الْغَلَبَةُ فِيهِ لِلصَّنْعَةِ كَالْأَوَانِي الَّتِي تُتَّخَذُ لِلَّبَنِ، وَالْمَاءِ مِنْ الْحَشِيشِ فِي بِلَادِ السُّودَانِ يُقْطَعُ فِيهَا لِمَا ذَكَرْنَا وَأُطْلِقَ فِي الْأَبْوَابِ وَهِيَ مُقَيَّدَةٌ بِقَيْدَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ لَا يَكُونَ مُرَكَّبًا لِيَكُونَ حِرْزًا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَفِيهِ أَنَّ ابْنَ أَبِي لَيْلَى) أَيْ وَفِي الْمُجْتَبَى. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 61 فَلَا قَطْعَ فِي الْمُرَكَّبِ لِعَدَمِ الْإِحْرَازِ؛ لِأَنَّهَا لِغَيْرِهَا ثَانِيهَا أَنْ يَكُونَ الْبَابُ خَفِيفًا فَلَوْ كَانَ ثَقِيلًا يَثْقُلُ عَلَى الْوَاحِدِ حَمْلُهُ فَلَا قَطْعَ؛ لِأَنَّ الثَّقِيلَ مِنْهُ لَا يُرْغَبُ فِي سَرِقَتِهِ وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ سَرَقَ جُلُودَ السِّبَاعِ الْمَدْبُوغَةِ لَا يُقْطَعُ فَإِذَا جُعِلَتْ مُصَلَّى أَوْ بِسَاطًا يُقْطَعُ هَكَذَا قَالَ مُحَمَّدٌ؛ لِأَنَّهَا إذَا جُعِلَتْ ذَلِكَ خَرَجَتْ مِنْ أَنْ تَكُونَ جُلُودَ السِّبَاعِ؛ لِأَنَّهَا أَخَذَتْ أَسْمَاءً أُخَرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ فِي الْحِرْزِ) . هُوَ فِي اللُّغَةِ الْمَوْضِعُ الْحَصِينُ يُقَالُ أَحْرَزَهُ إذَا جَعَلَهُ فِي الْحِرْزِ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَفِي الشَّرْعِ مَا يُحْفَظُ فِيهِ الْمَالُ عَادَةً أَيْ الْمَكَانُ الَّذِي يُحْرَزُ فِيهِ كَالدَّارِ، وَالْحَانُوتِ، وَالْخَيْمَةِ، وَالشَّخْصِ نَفْسِهِ، وَالْمُحْرَزُ مَا لَا يُعَدُّ صَاحِبُهُ مُضَيِّعًا ثُمَّ الْإِخْرَاجُ مِنْ الْحِرْزِ شَرْطٌ عِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ تَخْصِيصًا لِآيَةِ السَّرِقَةِ بِهِ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ الْخِلَافِ بَعْدَمَا خُصِّصَ بِمِقْدَارِ النِّصَابِ (قَوْلُهُ وَمَنْ سَرَقَ مِنْ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ لَا بِرَضَاعٍ وَمِنْ زَوْجَتِهِ وَزَوْجِهَا وَسَيِّدِهِ وَزَوْجَتِهِ وَزَوْجِ سَيِّدَتِهِ وَمُكَاتَبَتِهِ وَخَتْنِهِ وَصِهْرِهِ وَمِنْ غُنْمٍ وَحَمَّامٍ وَبَيْتٍ أُذِنَ فِي دُخُولِهِ لَمْ يُقْطَعْ) لِوُجُودِ الشُّبْهَةِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا أَمَّا إذَا سَرَقَ مِنْ قَرِيبِهِ الْمَحْرَمِ فَلِلدُّخُولِ فِي الْحِرْزِ مَعَ الْبُسُوطَةِ فِي الْمَالِ فِي الْأُصُولِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْمُرَادُ مِنْ السَّرِقَةِ مِنْهُ السَّرِقَةُ مِنْ بَيْتِهِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا سَرَقَ مَالَهُ أَوْ مَالَ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ بَيْتَهُ لَيْسَ بِحِرْزٍ فِي حَقِّهِ مُطْلَقًا وَاحْتُرِزَ بِهِ عَمَّا إذَا سَرَقَ مَالَ مَحْرَمِهِ مِنْ بَيْتِ غَيْرِهِ، فَإِنَّهُ يُقْطَعُ لِوُجُودِ الْحِرْزِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُقْطَعَ لِمَا فِي الْقَطْعِ مِنْ الْقَطِيعَةِ فَيَنْدَرِئُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَقَدْ يُقَالُ لَيْسَ الْقَطْعُ حَقَّهُ، وَإِنَّمَا هُوَ حَقُّ الشَّرْعِ فَلَا يَكُونُ قَطِيعَةً وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُقْطَعَ فِي الْوِلَادِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الشُّبْهَةِ فِي مَالِهِ فَعَدَمُ الْقَطْعِ فِي الْوِلَادِ لِلشُّبْهَةِ لَا لِعَدَمِ الْحِرْزِ وَفِي الْمَحَارِمِ لِعَدَمِ الْحِرْزِ وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ لَا بِرَضَاعٍ عَنْ الْمَحْرَمِ الَّذِي مَحْرَمِيَّتُهُ بِالرَّضَاعِ كَابْنِ الْعَمِّ الَّذِي هُوَ أَخٌ مِنْ الرَّضَاعِ، فَإِنَّهُ رَحِمٌ مَحْرَمٌ لَا مِنْ جِهَةِ الْقَرَابَةِ، وَإِنَّمَا مَحْرَمِيَّتُهُ مِنْ جِهَةِ الرَّضَاعِ فَإِذَا سَرَقَ مِنْ بَيْتِهِ قُطِعَ كَمَا إذَا سَرَقَ مِنْ الرَّحِمِ فَقَطْ وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي التَّبْيِينِ مِنْ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى إخْرَاجِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ. اهـ. ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِالرَّحِمِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَحْرَمِ كَمَا عَلِمْت، وَأَمَّا إذَا سَرَقَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ مِنْ الْآخَرِ أَوْ الْعَبْدُ مِنْ سَيِّدِهِ أَوْ مِنْ امْرَأَةِ سَيِّدِهِ أَوْ زَوْجِ   [منحة الخالق] [سَرِقَةِ السَّاجِ وَالْقَنَا وَالْأَبَنُوسِ وَالصَّنْدَلِ وَالْفُصُوصِ الْأَخْضَرِ] قَوْلُهُ فَلَوْ كَانَ ثَقِيلًا إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ وَنَظَرَ فِيهِ بِأَنَّ ثِقَلَهُ لَا يُنَافِي فِي مَالِيَّتَهُ وَلَا يُنْقِصُهَا، وَإِنَّمَا ثَقُلَ فِيهِ رَغْبَةُ الْوَاحِدِ لَا الْجَمَاعَةِ وَلَوْ صَحَّ هَذَا امْتَنَعَ الْقَطْعُ فِي فِرْدَةِ حَمْلٍ مِنْ قُمَاشٍ وَنَحْوِهِ وَهُوَ مُنْتَفٍ وَلِذَا أَطْلَقَ الْحَاكِمُ فِي الْكَافِي الْقَطْعَ. اهـ. وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَرِدُ لَوْ لَمْ يَقُلْ فِي الْهِدَايَةِ؛ لِأَنَّ الثَّقِيلَ مِنْهُ فَمَعَ التَّقْيِيدِ بِقَوْلِهِ مِنْهُ لَا يَرِدُ. اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ. [فَصْلٌ فِي الْحِرْزِ] (قَوْلُهُ: ثُمَّ الْإِخْرَاجُ مِنْ الْحِرْزِ شَرْطٌ إلَخْ) حَاصِلُ كَلَامِهِ عَلَى مَا يُفْهَمُ مِنْ الْفَتْحِ أَنَّ الْإِجْمَاعَ مُنْعَقِدٌ عَلَى اعْتِبَارِ الْحِرْزِ وَأَنَّ مَنْ نُقِلَ عَنْهُ خِلَافُ ذَلِكَ لَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ، وَالْآيَةُ وَإِنْ كَانَتْ قَطْعِيَّةً لَكِنْ ثَبَتَ تَخْصِيصُهَا بِمِقْدَارِ النِّصَابِ فَجَازَ تَخْصِيصُهَا بَعْدَ ذَلِكَ بِمَا هُوَ مِنْ الْأُمُورِ الْإِجْمَاعِيَّةِ وَأَخْبَارِ الْآحَادِ وَنَحْوِهَا فَقَوْلُهُ بِنَاءً قَيْدٌ لِنَقْلِ ابْنِ الْمُنْذِرِ الْإِجْمَاعَ وَقَوْلُهُ بَعْضُ مَا خُصِّصَ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ تَخْصِيصًا وَقَوْلُهُ بِهِ بِالْإِجْمَاعِ مُتَعَلِّقَانِ بِتَخْصِيصٍ أَيْضًا لَكِنَّ الْبَاءَ فِي بِالْإِجْمَاعِ لِلسَّبِيَّةِ (قَوْلُهُ: أَمَّا إذَا سَرَقَ مِنْ قَرِيبِهِ الْمُحَرَّمِ إلَخْ) قَالَ الْبُرْجَنْدِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا دَخْلَ لِلْقَرَابَةِ، وَإِنَّمَا الْمُعْتَبَرُ الْحِرْزُ فَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ كَانَ لَهُ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ بِلَا مَانِعٍ وَلَا حِشْمَةٍ لَا يُقْطَعُ سَوَاءٌ كَانَ بَيْنَهُمَا قَرَابَةٌ أَوْ لَا وَلِهَذَا لَا يُقْطَعُ لَوْ سَرَقَ مِنْ بَيْتِ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ مَتَاعَ غَيْرِهِ قَالَ الْحَمَوِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ الصِّدِّيقِينَ يَدْخُلُ أَحَدُهُمَا بَيْتَ الْآخَرِ بِلَا مَانِعٍ وَلَا حِشْمَةٍ مَعَ أَنَّهُ يُقْطَعُ إذَا سَرَقَ مِنْ بَيْتِ صَدِيقِهِ فَظَهَرَ أَنَّ لِلْقَرَابَةِ يَعْنِي الْمُؤَبَّدَةَ بِالْمَحْرَمِيَّةِ مَدْخَلًا وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ تَعْلِيلُهُمْ الْمَسْأَلَةَ بِأَنَّ الْقَطْعَ يُفْضِي إلَى قَطِيعَةِ الرَّحِمِ وَأَقُولُ: هَذَا لَا يَرِدُ عَلَى الْبُرْجَنْدِيِّ؛ لِأَنَّ الصَّدِيقَ، وَإِنْ كَانَ يَدْخُلُ مَحَلَّ صِدِّيقِهِ بِلَا مَانِعٍ وَلَا حِشْمَةٍ لَكِنْ لَزِمَهُ الْقَطْعُ لِلسَّرِقَةِ مِنْ بَيْتٍ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي دُخُولِهِ حَتَّى لَوْ سَرَقَ مِنْ الْمَحَلِّ الَّذِي جَرَتْ عَادَتُهُ بِدُخُولِهِ لَمْ يُقْطَعْ كَذَا فِي حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ (قَوْلُهُ: وَقَدْ يُقَالُ لَيْسَ الْقَطْعُ حَقَّهُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا مُشْتَرَكُ الْإِلْزَامِ إذْ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ بِالْقَطْعِ فِيمَا إذَا سَرَقَ مِنْ بَيْتِ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ وَلَا يَلْزَمُ الْقَطِيعَةُ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى. اهـ. وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ، وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْ ذَلِكَ هُنَاكَ لَكِنْ عَدَمُ الْحِرْزِ مَانِعٌ مِنْ الْقَطْعِ وَلَوْ كَانَ غَيْرَ مَحْرَمٍ فَتَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي التَّبْيِينِ إلَخْ) سَبَقَهُ إلَى هَذَا الْعَيْنِيُّ وَتَبِعَهُ فِي النَّهْرِ وَغَيْرِهِ وَهَذَا غَفْلَةٌ مِنْهُمْ عَنْ عِبَارَةِ الزَّيْلَعِيِّ، فَإِنَّ نُسْخَةَ الْكَنْزِ الَّتِي شَرَحَ عَلَيْهَا بِلَفْظِ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ وَمِثْلُهَا عِبَارَةُ الْهِدَايَةِ فَقَوْلُهُ مِنْهُ قَيْدٌ لِلْمَحْرَمِ وَضَمِيرُهُ لِرَحِمٍ أَيْ مَحْرَمٍ مِنْ الرَّحِمِ فَخَرَجَ بِهِ ابْنُ الْعَمِّ الَّذِي هُوَ أَخٌ مِنْ الرَّضَاعِ؛ لِأَنَّهُ مَحْرَمٌ مِنْ الرَّضَاعِ لَا مِنْ الرَّحِمِ فَقَوْلُهُ بِلَا رَضَاعٍ لَمْ يُفِدْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 62 سَيِّدَتِهِ فَلِوُجُودِ الْإِذْنِ بِالدُّخُولِ عَادَةً فَانْعَدَمَ الْحِرْزُ أَطْلَقَ فِي الزَّوْجَيْنِ فَشَمِلَ الزَّوْجِيَّةَ وَقْتَ السَّرِقَةِ فَقَطْ بِأَنْ سَرَقَ مِنْهَا ثُمَّ أَبَانَهَا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا ثُمَّ تَرَافَعَا فَلَا قَطْعَ، وَالزَّوْجِيَّةُ بَعْدَهَا كَمَا إذَا سَرَقَ مِنْ أَجْنَبِيَّةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ثُمَّ تَرَافَعَا فَلَا قَطْعَ وَلَوْ بَعْدَ الْقَضَاءِ وَكَذَا عَكْسُهُ لِوُجُودِ الشُّبْهَةِ قَبْلَ الْإِمْضَاءِ وَشَمِلَ الزَّوْجِيَّةَ مِنْ وَجْهٍ كَمَا إذَا سَرَقَ مِنْ مَبْتُوتِهِ فِي الْعِدَّةِ أَوْ سَرَقَتْ هِيَ مِنْهُ لِوُجُودِ الْخُلْطَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا سَرَقَ مِنْهَا بَعْدَ الِانْقِضَاءِ، فَإِنَّهُ يُقْطَعُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ فِي بَابِ السَّرِقَةِ يُكْتَفَى بِوُجُودِ الزَّوْجِيَّةِ فِي حَالَةٍ مِنْ الْأَحْوَالِ قَبْلَ الْقَطْعِ لِسُقُوطِهِ وَفِي بَابِ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ لَا بُدَّ مِنْ قِيَامِ الزَّوْجِيَّةِ وَقْتَ الْهِبَةِ فَلَوْ حَدَثَتْ بَعْدَهَا فَالرُّجُوعُ ثَابِتٌ وَفِي الْوَصِيَّةِ الِاعْتِبَارُ لَهَا حَالَةَ الْمَوْتِ لَا غَيْرُ وَشَمِلَ مَا إذَا سَرَقَ أَحَدُهُمَا مِنْ حِرْزٍ لَا يَسْكُنَانِ فِيهِ لِوُجُودِ الْبُسُوطَةِ بَيْنَهُمَا فِي الْأَمْوَالِ عَادَةً، وَالْعَبْدُ فِي هَذَا مُلْحَقٌ بِمَوْلَاهُ حَتَّى لَا يُقْطَعَ فِي سَرِقَةٍ لَا يُقْطَعُ فِيهَا لَا مَوْلَى كَالسَّرِقَةِ مِنْ أَقَارِبِ الْمَوْلَى وَغَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ بِالدُّخُولِ عَادَةً فِي بَيْتِ مَوْلَاهُ لِإِقَامَةِ الْمَصَالِحِ وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْقِنَّ، وَالْمُكَاتَبَ؛ لِأَنَّهُ قِنٌّ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ دِرْهَمٍ، وَالْمَأْذُونَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ، وَأَمَّا إذَا سَرَقَ مِنْ مُكَاتَبِهِ، فَإِنَّ لَهُ حَقًّا فِي إكْسَابِهِ وَلِذَا لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَةَ مُكَاتَبِهِ. وَأَمَّا إذَا سَرَقَ مِنْ خَتْنِهِ وَمِنْ صِهْرِهِ فَالْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا يُقْطَعُ؛ لِأَنَّهُ لَا شُبْهَةَ فِي مِلْكِ الْخَتْنِ؛ لِأَنَّهَا تَكُونُ بِالْقَرَابَةِ وَلَا قَرَابَةَ وَلَهُ أَنَّ الْعَادَةَ قَدْ جَرَتْ بِالْبُسُوطَةِ فِي دُخُولِ بَعْضِهِمْ مَنَازِلَ بَعْضٍ بِلَا اسْتِئْذَانٍ فَتَمَكَّنَتْ الشُّبْهَةُ فِي الْحِرْزِ، وَالْمَحْرَمِيَّةُ بِالْمُصَاهَرَةِ كَالْمَحْرَمِيَّةِ بِالرَّضَاعِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا سَرَقَ مِنْ كُلِّ مَنْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ بِالْمُصَاهَرَةِ وَمَحَلُّ الِاخْتِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَجْمَعْهُمَا مَنْزِلٌ وَاحِدٌ أَمَّا إذَا جَمَعَهُمَا مَنْزِلٌ وَاحِدٌ فَلَا قَطْعَ اتِّفَاقًا كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَسَيَأْتِي فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ لِلْأَقَارِبِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ الْأَصْهَارَ كُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ امْرَأَتِهِ، وَالْأَخْتَانُ زَوْجُ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ، وَأَمَّا إذَا سَرَقَ مِنْ الْمَغْنَمِ، فَإِنَّ لَهُ فِيهِ نَصِيبًا كَمَا أَفْتَى بِهِ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَعَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ قَدْ قَدَّمَ أَنَّهُ لَا قَطْعَ فِي الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ فَالظَّاهِرُ مِنْ إعَادَتِهِ أَنَّهُ لَا قَطْعَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقٌّ فِي الْغَنِيمَةِ وَبَحَثَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ السَّارِقِ مِنْ الْغَنِيمَةِ مَنْ لَهُ نَصِيبٌ فِي الْغَنِيمَةِ فِي الْأَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ أَوْ فِي الْخُمْسِ كَالْغَانِمِينَ أَوْ الْيَتَامَى، وَالْمَسَاكِينِ أَمَّا غَيْرُهُمْ فَلَا نَصِيبَ لَهُ فِي الْغَنِيمَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقْطَعَ بِخِلَافِ السَّارِقِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَإِنَّهُ مُعَدٌّ لِمَصَالِحِ عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ مِنْهُمْ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ مَالَ الْغَنِيمَةِ مَالٌ مُبَاحٌ فِي الْأَصْلِ فَلَا قَطْعَ بِسَرِقَتِهِ حَيْثُ كَانَ عَلَى صُورَتِهِ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ وَسَوَاءٌ كَانَ السَّارِقُ حُرًّا أَوْ عَبْدًا. وَأَمَّا إذَا سَرَقَ مِنْ الْحَمَّامِ أَوْ بَيْتٍ أُذِنَ لِلنَّاسِ فِي الدُّخُولِ فِيهِ فَلِاخْتِلَالِ الْحِرْزِ بِالْإِذْنِ فِي الدُّخُولِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا سَرَقَ مِنْ الْحَمَّامِ وَصَاحِبُهُ عِنْدَهُ أَوْ الْمَسْرُوقُ تَحْتَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا سَرَقَ مِنْ الْمَسْجِدِ وَصَاحِبُهُ عِنْدَهُ، فَإِنَّهُ يُقْطَعُ، وَالْفَرْقُ عَلَى الظَّاهِرِ أَنَّ الْحَمَّامَ بُنِيَ لِلْإِحْرَازِ فَكَانَ حِرْزًا فَلَا يُعْتَبَرُ الْحَافِظُ كَالْبَيْتِ بِخِلَافِ الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّهُ مَا بُنِيَ لِإِحْرَازِ الْأَمْوَالِ فَلَمْ يَكُنْ مُحْرِزًا بِالْمَكَانِ فَيُعْتَبَرُ الْحَافِظُ كَالطَّرِيقِ، وَالصَّحْرَاءِ وَشَمِلَ مَا إذَا سَرَقَ مِنْ الْحَمَّامِ فِي وَقْتٍ لَمْ يُؤْذَنْ لِلنَّاسِ فِي الدُّخُولِ فِيهَا كَاللَّيْلِ، وَالْمَنْقُولُ فِي التَّبْيِينِ أَنَّهُ يُقْطَعُ بِخِلَافِ الْمَسْجِدِ لَا يُقْطَعُ مُطْلَقًا وَأَطْلَقَ فِي الْمَأْذُونِ لِلنَّاسِ فِي دُخُولِهِ فَشَمِلَ حَوَانِيتَ التُّجَّارِ، وَالْخَانَاتِ إلَّا إذَا سَرَقَ مِنْهُ لَيْلًا؛ لِأَنَّهَا بُنِيَتْ لِإِحْرَازِ الْأَمْوَالِ، وَإِنَّمَا الْإِذْنُ يَخْتَصُّ بِالنَّهَارِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَفِي قَوْلِهِ لِلنَّاسِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ أَذِنَ لِجَمَاعَةٍ مَخْصُوصِينَ بِالدُّخُولِ فَدَخَلَ وَاحِدٌ غَيْرُهُمْ وَسَرَقَ، فَإِنَّهُ يُقْطَعُ وَلَمْ أَرَهُ صَرِيحًا، وَقَدْ قَدَّمَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْإِحْرَازِ بِمَكَانٍ أَوْ حَافِظٍ قَالَ الطَّحَاوِيُّ فِي كِتَابِهِ حِرْزُ كُلِّ شَيْءٍ مُعْتَبَرٌ بِحِرْزِ مِثْلِهِ حَتَّى إذَا سَرَقَ دَابَّةً مِنْ إصْطَبْلٍ يُقْطَعُ وَلَوْ سَرَقَ لُؤْلُؤَةً مِنْ إصْطَبْلٍ لَا يُقْطَعُ وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ فِي كِتَابِهِ أَنَّ مَا كَانَ حِرْزَ النَّوْعِ فَهُوَ حِرْزٌ لِلْأَنْوَاعِ كُلِّهَا قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَنَا، وَالْقَفَّافُ لَا يُقْطَعُ وَهُوَ الَّذِي يُعْطَى الدَّرَاهِمَ   [منحة الخالق] شَيْئًا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: وَالْمَحْرَمِيَّةُ بِالْمُصَاهَرَةِ كَالْمَحْرَمِيَّةِ بِالرَّضَاعِ) اُنْظُرْ مَا مَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ هُنَا، فَإِنَّ الْمَحْرَمَ بِالرَّضَاعِ يُقْطَعُ كَمَا تَقَدَّمَ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 63 لِيَنْظُرَ إلَيْهَا فَيَأْخُذَ مِنْهَا وَصَاحِبُهَا لَا يَعْلَمُ، وَالْفَشَّاشُ وَهُوَ مَا يُهَيِّئُ لِغَلْقِ الْبَيْتِ مَا يَفْتَحُهُ بِهِ إذَا فَشَّ نَهَارًا وَلَيْسَ فِي الْبَيْتِ وَلَا فِي الدَّارِ أَحَدٌ وَأَخَذَ الْمَتَاعَ لَا يُقْطَعُ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهَا فَأَخَذَ الْمَتَاعَ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ قُطِعَ وَفِي الْحَاوِي إذَا كَانَ بَابُ الدَّارِ مَرْدُودًا غَيْرَ مُغْلَقٍ فَدَخَلَهَا السَّارِقُ خُفْيَةً وَأَخَذَ الْمَتَاعَ قُطِعَ وَلَوْ كَانَ بَابُ الدَّارِ مَفْتُوحًا فَدَخَلَ نَهَارًا وَسَرَقَ لَا يُقْطَعُ وَلَوْ سَرَقَ مِنْ السَّطْحِ ثِيَابًا تُسَاوِي نِصَابًا يُقْطَعُ؛ لِأَنَّهُ حِرْزٌ، وَإِذَا سَرَقَ ثَوْبًا بُسِطَ عَلَى حَائِطٍ فِي السِّكَّةِ لَا يُقْطَعُ وَكَذَلِكَ لَوْ سَرَقَ ثَوْبًا بُسِطَ عَلَى خُصٍّ إلَى السِّكَّةِ، وَإِنْ بُسِطَ عَلَى الْحَائِطِ إلَى الدَّارِ أَوْ عَلَى الْخُصِّ إلَى السَّطْحِ قُطِعَ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ سَرَقَ مِنْ الْمَسْجِدِ مَتَاعًا وَرَبُّهُ عِنْدَهُ قُطِعَ) ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَطَعَ سَارِقَ رِدَاءِ صَفْوَانَ مِنْ تَحْتِ رَأْسِهِ وَهُوَ نَائِمٌ فِي الْمَسْجِدِ أَرَادَ بِالْمَسْجِدِ كُلَّ مَوْضِعٍ لَمْ يَكُنْ حِرْزًا فَدَخَلَ الطَّرِيقُ، وَالصَّحْرَاءُ وَأَطْلَقَ فِي رَبِّهِ فَشَمِلَ النَّائِمَ، وَالْيَقْظَانَ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَأَرَادَهُ مِنْ كَوْنِهِ عِنْدَهُ أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ يَرَاهُ كَمَا فِي الْمُجْتَبَى وَأَطْلَقَ فِي كَوْنِهِ عِنْدَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ تَحْتَ رَأْسِهِ أَوْ تَحْتَ جَنْبِهِ أَوْ بَيْنَ يَدَيْهِ حَالَةَ النَّوْمِ وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ وَإِلَيْهِ مَالَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ وَفِي الْأَصْلِ مَا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِهِ، فَإِنَّهُ قَالَ الْمُسَافِرُ يَنْزِلُ فِي الصَّحْرَاءِ فَيَجْمَعُ مَتَاعَهُ وَيَبِيتُ عَلَيْهِ فَسَرَقَ رَجُلٌ مِنْهُ شَيْئًا قُطِعَ، فَإِنَّ بَعْضَ الْمَشَايِخِ فَهِمَ مِنْهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ مَوْضُوعًا بَيْنَ يَدَيْهِ لَا يُقْطَعُ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَصَحَّحَ فِي الْمُجْتَبَى مَا اخْتَارَهُ السَّرَخْسِيُّ مِنْ الْإِطْلَاقِ؛ لِأَنَّهُ يُعَدُّ النَّائِمُ حَافِظًا لَهُ عَادَةً وَعَلَى هَذَا لَا يَضْمَنُ الْمُودِعُ، وَالْمُسْتَعِيرُ بِمِثْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَضْيِيعٍ بِخِلَافِ مَا اخْتَارَهُ فِي الْفَتَاوَى اهـ. وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ سَرَقَ الْغَنَمَ أَوْ الْبَقَرَ أَوْ الْفَرَسَ مِنْ الْمَرْعَى وَمَعَهَا حَافِظٌ، فَإِنَّهُ يُقْطَعُ وَإِطْلَاقُ مُحَمَّدٍ عَدَمَ الْقَطْعِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهَا حَافِظٌ لَكِنْ إنْ كَانَ الْحَافِظُ الرَّاعِيَ فَفِيهِ اخْتِلَافٌ فَفِي الْبَقَّالِيِّ لَا يُقْطَعُ وَهَكَذَا فِي الْمُنْتَقَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَطْلَقَ خواهر زاده ثُبُوتَ الْقَطْعِ إذَا كَانَ مَعَهُ حَافِظٌ وَيُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بِأَنَّ الرَّاعِيَ لَمْ يُقْصَدْ لِحِفْظِهَا مِنْ السُّرَّاقِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي الْمُجْتَبَى لَا قَطْعَ فِي الْمَوَاشِي فِي الْمَرْعَى، وَإِنْ كَانَ مَعَهَا الرَّاعِي، وَإِنْ كَانَ مَعَهَا سِوَى الرَّاعِي مَنْ يَحْفَظُهَا يَجِبُ الْقَطْعُ وَكَثِيرٌ مِنْ مَشَايِخِنَا أَفْتَوْا بِهَذَا، وَإِنْ كَانَتْ الْغَنَمُ تَأْوِي إلَى بَيْتٍ فِي اللَّيْلِ بُنِيَ لَهَا عَلَيْهِ بَابٌ مُغْلَقٌ فَكَسَرَهُ وَسَرَقَ مِنْهَا شَاةً قُطِعَ لَا يُعْتَبَرُ الْغَلْقُ إذَا كَانَ الْبَابُ مَرْدُودًا إلَّا أَنْ يَكُونَ بَيْتًا مُنْفَرِدًا فِي الصَّحْرَاءِ أَوْ الْمَرَاحِ وَفِي الْحَاوِي اتَّخَذَ مِنْ الْحَجَرِ أَوْ الشَّوْكِ حَظِيرَةً وَجَمَعَ هَذِهِ الْأَغْنَامَ وَهُوَ نَائِمٌ عِنْدَهَا قُطِعَ وَعَنْ مُحَمَّدٍ يُقْطَعُ سَوَاءٌ كَانَ مَعَهَا حَافِظٌ أَوْ لَا وَعَلَيْهِ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ. اهـ. وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِالْحَضْرَةِ إلَى أَنَّ الثِّيَابَ لَيْسَتْ عَلَيْهِ فَلَوْ سَرَقَ مِنْ رَجُلٍ ثَوْبًا عَلَيْهِ أَوْ رِدَاءً أَوْ قَلَنْسُوَةً أَوْ مِنْطَقَةً أَوْ سَرَقَ مِنْ امْرَأَةٍ نَائِمَةٍ حُلِيًّا عَلَيْهَا لَمْ يُقْطَعْ وَكَذَا إذَا سَرَقَ مِنْ رَجُلٍ نَائِمٍ عَلَيْهِ مِلَاءَةٌ وَهُوَ لَابِسُهَا لَمْ يُقْطَعْ وَقِيلَ يُقْطَعُ كَالْمَوْضُوعِ عِنْدَهُ كَذَا فِي الْمُجْتَبَى وَقَيَّدَ بِمَا لَيْسَ بِحِرْزٍ لِمَا فِي الْخُلَاصَةِ جَمَاعَةٌ نَزَلُوا بَيْتًا أَوْ خَانًا فَسَرَقَ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ مَتَاعًا وَصَاحِبُ الْمَتَاعِ يَحْفَظُهُ أَوْ تَحْتَ رَأْسِهِ لَمْ يُقْطَعْ وَلَوْ كَانَ فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ قُطِعَ (قَوْلُهُ وَلَو ْ سَرَقَ ضَيْفٌ مِمَّنْ أَضَافَهُ أَوْ سَرَقَ شَيْئًا وَلَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ الدَّارِ لَا) أَيْ لَا يُقْطَعُ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْبَيْتَ لَمْ يَبْقَ حِرْزًا فِي حَقِّهِ لِكَوْنِهِ مَأْذُونًا فِي دُخُولِهِ وَلِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ أَهْلِ الدَّارِ فَيَكُونُ فِعْلُهُ خِيَانَةً لَا سَرِقَةً أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا سَرَقَ مِنْ الْبَيْتِ الَّذِي أَضَافَهُ فِيهِ أَوْ مِنْ بَعْضِ بُيُوتِ الدَّارِ سَوَاءٌ كَانَ مُقْفَلًا أَوْ مِنْ صُنْدُوقٍ مُقْفَلٍ ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ؛ لِأَنَّ الدَّارَ مَعَ جَمِيعِ بُيُوتِهَا حِرْزٌ وَاحِدٌ فَبِالْإِذْنِ فِي الدَّارِ اخْتَلَّ الْحِرْزُ فِي جَمِيعِ بُيُوتِهَا، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الدَّارَ كُلَّهَا حِرْزٌ وَاحِدٌ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِخْرَاجِ مِنْهَا وَمَا فِيهَا يَدُ صَاحِبِهَا مَعْنًى فَتَتَمَكَّنُ شُبْهَةُ عَدَمِ الْأَخْذِ قَيَّدَ بِالسَّرِقَةِ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الْغَاصِبِ بِمُجَرَّدِ الْأَخْذِ، وَإِنْ لَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ الدَّارِ هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ مَعَ الشُّبْهَةِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ أَخْرَجَهُ مِنْ حُجْرَةٍ إلَى   [منحة الخالق] [سَرَقَ مِنْ الْمَسْجِدِ مَتَاعًا وَرَبُّهُ عِنْدَهُ] (قَوْلُهُ: فَلَوْ سَرَقَ مِنْ رَجُلٍ ثَوْبًا عَلَيْهِ إلَى قَوْلِهِ لَمْ يُقْطَعْ) أَيْ لِأَنَّهُ اخْتِلَاسٌ كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ وَجَزَمَ بِأَنَّهُ لَوْ سَرَقَ مِنْ رَجُلٍ قِلَادَةً عَلَيْهِ وَهُوَ لَابِسُهَا أَوْ مُلَاءَةً لَهُ وَهُوَ لَابِسُهَا أَوْ وَاضِعُهَا قَرِيبًا مِنْهُ يُقْطَعُ فَتَأَمَّلْ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 64 الدَّارِ وَأَغَارَ مِنْ أَهْلِ الْحُجْرَةِ عَلَى حُجْرَةٍ أُخْرَى أَوْ نَقَبَ فَدَخَلَ وَأَلْقَى شَيْئًا فِي الطَّرِيقِ ثُمَّ أَخَذَهُ أَوْ حَمَلَهُ عَلَى حِمَارٍ فَسَاقَهُ وَأَخْرَجَهُ قُطِعَ) بَيَانٌ لِأَرْبَعِ مَسَائِلَ الْأُولَى لَوْ كَانَتْ الدَّارُ فِيهَا مَقَاصِيرُ فَأَخْرَجَهَا مِنْ مَقْصُورَةٍ إلَى صَحْنِ الدَّارِ، فَإِنَّهُ يُقْطَعُ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَقْصُورَةٍ بِاعْتِبَارِ سَاكِنِهَا حِرْزٌ عَلَى حِدَةٍ فَالْمُرَادُ بِالدَّارِ الْكَبِيرَةِ الَّتِي فِيهَا مَنَازِلُ وَفِي كُلِّ مَنْزِلٍ مَكَانٌ يَسْتَغْنِي بِهِ أَهْلُهُ عَنْ الِانْتِفَاعِ بِصَحْنِ الدَّارِ، وَإِنَّمَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ انْتِفَاعَ السِّكَّةِ وَإِلَّا فَهِيَ الْمَسْأَلَةُ السَّابِقَةُ الَّتِي لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الْإِخْرَاجِ مِنْ الدَّارِ الثَّانِيَةِ لَوْ أَغَارَ إنْسَانٌ مِنْ أَهْلِ الْمَقَاصِيرِ عَلَى مَقْصُورَةٍ فَسَرَقَ مِنْهَا قُطِعَ لِمَا بَيَّنَّا، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ دَخَلَ مَقْصُورَةً عَلَى غِرَّةٍ فَأَخَذَ بِسُرْعَةٍ يُقَالُ أَغَارَ الْفَرَسُ وَالثَّعْلَبُ فِي الْعَدْوِ إذَا أَسْرَعَ الثَّالِثَةُ: اللِّصُّ إذَا نَقَبَ الْبَيْتَ فَدَخَلَ وَأَخَذَ الْمَالَ ثُمَّ أَلْقَاهُ فِي الطَّرِيقِ ثُمَّ خَرَجَ وَأَخَذَهُ، فَإِنَّهُ يُقْطَعُ وَقَالَ زُفَرُ لَا يُقْطَعُ؛ لِأَنَّ الْإِلْقَاءَ غَيْرُ مُوجِبٍ لِلْقَطْعِ كَمَا لَوْ خَرَجَ وَلَمْ يَأْخُذْ فَكَذَا الْأَخْذُ مِنْ السِّكَّةِ كَمَا لَوْ أَخَذَهُ مِنْ غَيْرِهِ وَلَنَا أَنَّ الرَّمْيَ حِيلَةٌ يَعْتَادُهَا السُّرَّاقُ لِتَعَذُّرِ الْخُرُوجِ مَعَ الْمَتَاعِ أَوْ لِيَتَفَرَّغَ لِقِتَالِ صَاحِبِ الدَّارِ وَلِلْفِرَارِ وَلَمْ تَعْتَرِضْ عَلَيْهِ يَدٌ مُعْتَبَرَةٌ فَاعْتُبِرَ الْكُلُّ فِعْلًا وَاحِدًا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ ثُمَّ أَخَذَهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَأْخُذْهُ فَهُوَ مُضَيِّعٌ لَا سَارِقٌ وَكَذَا لَوْ أَخَذَهُ غَيْرُهُ. الرَّابِعَةُ: لَوْ حَمَلَهُ عَلَى حِمَارٍ وَسَاقَهُ وَأَخْرَجَهُ؛ لِأَنَّ سَيْرَهُ مُضَافٌ إلَيْهِ بِسُوقِهِ قَيَّدَ بِالسُّوقِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَسُقْهُ وَخَرَجَ بِنَفْسِهِ لَمْ يُقْطَعْ، وَالْمُرَادُ أَنْ يَكُونَ مُتَسَبِّبًا فِي إخْرَاجِهِ فَيَشْمَلُ مَا إذَا عَلَّقَهُ فِي عُنُقِ كَلْبٍ وَزَجَرَهُ وَلَوْ خَرَجَ بِغَيْرِ زَاجِرٍ لَمْ يُقْطَعْ؛ لِأَنَّ لِلدَّابَّةِ اخْتِيَارًا فَمَا لَمْ يُفْسِدْ اخْتِيَارَهَا بِالْحَمْلِ، وَالسَّوْقِ لَا يَنْقَطِعُ نِسْبَةُ الْفِعْلِ إلَيْهَا وَكَذَا إذَا عَلَّقَهُ عَلَى طَائِرٍ فَطَارَ بِهِ إلَى مَنْزِلِ السَّارِقِ، فَإِنَّهُ لَا يُقْطَعُ وَيَشْمَلُ مَا لَوْ أَلْقَاهُ فِي نَهْرٍ فِي الدَّارِ وَكَانَ الْمَاءُ ضَعِيفًا وَأَخْرَجَهُ بِتَحْرِيكِ السَّارِقِ؛ لِأَنَّ الْإِخْرَاجَ مُضَافٌ إلَيْهِ، وَإِنْ أَخْرَجَهُ الْمَاءُ بِقُوَّةِ جَرْيِهِ لَمْ يُقْطَعْ وَقِيلَ يُقْطَعُ وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ أَخْرَجَهُ بِسَبَبِهِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ نَاوَلَهُ آخَرَ مِنْ خَارِجٍ أَوْ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي بَيْتٍ فَأَخَذَ أَوْ طَرَّ صُرَّةً خَارِجَةً مِنْ كُمٍّ أَوْ سَرَقَ مِنْ قِطَارٍ بَعِيرًا أَوْ حِمْلًا لَا) أَيْ لَا يُقْطَعُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ الْأَرْبَعِ أَمَّا الْأُولَى وَهِيَ مَا إذَا نَقَبَ اللِّصُّ الْبَيْتَ فَدَخَلَ وَأَخَذَ الْمَالَ وَنَاوَلَهُ آخَرَ مِنْ خَارِجِ الدَّارِ فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْإِخْرَاجُ لِاعْتِرَاضِ يَدٍ مُعْتَبَرَةٍ عَلَى الْمَالِ قَبْلَ خُرُوجِهِ، وَالثَّانِي لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ هَتْكُ الْحِرْزِ فَلَمْ تَتِمَّ السَّرِقَةُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا أَخْرَجَ الدَّاخِلُ يَدَهُ وَنَاوَلَهَا الْخَارِجَ أَوْ أَدْخَلَ يَدَهُ الْخَارِجُ فَتَنَاوَلَهَا مِنْ يَدِ الدَّاخِلِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَلَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ مَا إذَا وَضَعَ الدَّاخِلُ الْمَالَ عِنْدَ النَّقْبِ ثُمَّ خَرَجَ وَأَخَذَهُ قِيلَ يُقْطَعُ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَأَمَّا الثَّانِيَةُ وَهِيَ مَا إذَا أَدْخَلَ يَدَهُ فِي بَيْتٍ وَأَخَذَ فَلِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ اللِّصَّ إذَا كَانَ ظَرِيفًا لَا يُقْطَعُ قِيلَ وَكَيْفَ ذَلِكَ قَالَ أَنْ يَنْقُبَ الْبَيْتَ وَيُدْخِلَ يَدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَدْخُلَهُ وَلِأَنَّهُ لَمْ يَهْتِكْ الْحِرْزَ قَيَّدَ بِالْبَيْتِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الصُّنْدُوقِ، وَالْجَيْبِ، وَالْكُمِّ وَنَحْوِهِ، فَإِنَّهُ يُقْطَعُ؛ لِأَنَّ الْمُمْكِنَ فِيهَا إدْخَالُ الْيَدِ لَا الدُّخُولُ بِخِلَافِ مَا إذَا شَقَّ الْجَوْلَقَ فَتَبَدَّدَ مَا فِيهِ مِنْ الدَّرَاهِمِ فَأَخَذَهُ لَا يُقْطَعُ لِعَدَمِ الْهَتْكِ، وَأَمَّا الثَّالِثَةُ وَهِيَ مَا إذَا طَرَّ صُرَّةً خَارِجَةً مِنْ كُمٍّ فَلِأَنَّ الرِّبَاطَ مِنْ خَارِجٍ فَبِالطَّرِّ لَا تَبْقَى الصُّرَّةُ دَاخِلَ الْكُمِّ فَيَتَحَقَّقُ الْأَخْذُ مِنْ الْخَارِجِ فَلَمْ يُوجَدْ هَتْكُ الْحِرْزِ قَيَّدَ بِكَوْنِهَا خَارِجَةً؛ لِأَنَّهُ إنْ طَرَّ صُرَّةً دَاخِلَةً وَأَخَذَهَا قُطِعَ؛ لِأَنَّ الرِّبَاطَ مِنْ دَاخِلٍ فَبِالطَّرِّ تَبْقَى الصُّرَّةُ دَاخِلَ الْكُمِّ فَتَحَقَّقَ الْأَخْذُ   [منحة الخالق] [سَرَقَ ضَيْفٌ مِمَّنْ أَضَافَهُ أَوْ سَرَقَ شَيْئًا وَلَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ الدَّارِ] قَوْلُهُ: فِيهَا مَقَاصِيرُ) قَالَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ الْمَقْصُورَةُ الْحُجْرَةُ بِلِسَانِ أَهْلِ الْكُوفَةِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ أَلْقَاهُ فِي الطَّرِيقِ إلَخْ) قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ هَذَا إذَا رَمَى بِهِ فِي الطَّرِيقِ بِحَيْثُ يَرَاهُ وَإِلَّا فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ، وَإِنْ خَرَجَ وَأَخَذَهُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَهْلَكًا قَبْلَ خُرُوجِهِ بِدَلِيلِ وُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَيْهِ، فَإِذَا وَجَبَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ بِاسْتِهْلَاكِهِ قَبْلَ خُرُوجِهِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ قَطْعٌ كَمَا لَوْ ذَبَحَ الشَّاةَ فِي الْحِرْزِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا رَمَى بِهِ بِحَيْثُ يَرَاهُ؛ لِأَنَّهُ بَاقٍ فِي يَدِهِ، فَإِذَا خَرَجَ وَأَخَذَهُ صَارَ كَأَنَّهُ خَرَجَ وَهُوَ مَعَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ يُقْطَعُ وَهُوَ الْأَصَحُّ) قَالَ فِي النَّهْرِ يُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا مَرَّ مِنْ مَسْأَلَةِ الطَّائِرِ وَلِذَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ جَزَمَ الْحَدَّادِيُّ بِأَنَّهُ لَا قَطْعَ وَلَمْ يَحْكِ غَيْرَهُ. اهـ. وَقَدْ يُدْفَعُ الْإِشْكَالُ بِأَنَّ الطَّائِرَ طَارَ بِاخْتِيَارِهِ فَلَمْ يُضَفْ الْفِعْلُ إلَى السَّارِقِ؛ لِأَنَّهُ عَرَضَ عَلَى فِعْلِهِ فِعْلٌ مُخْتَارٌ؛ لِأَنَّ لِلدَّابَّةِ اخْتِيَارًا كَمَا مَرَّ وَنَظِيرُهُ مَا قَالُوهُ فِي الْغَصْبِ لَوْ حَلَّ قَيْدَ عَبْدِ غَيْرِهِ أَوْ رِبَاطَ دَابَّتِهِ أَوْ فَتَحَ بَابَ إصْطَبْلِهَا أَوْ قَفَصَ طَائِرِهِ فَذَهَبَتْ لَا يَضْمَنُ. (قَوْلُهُ: فَتَبَدَّدَ مَا فِيهِ مِنْ الدَّرَاهِمِ فَأَخَذَهُ) أَيْ أَخَذَهُ مِنْ الْأَرْضِ مَثَلًا وَلَمْ يُدْخِلْ يَدَهُ فِيهِ أَمَّا إنْ أَدْخَلَ يَدَهُ فَأَخَذَ يُقْطَعُ لِوُجُودِ الْهَتْكِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الزَّيْلَعِيُّ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا يَأْتِي مِنْ قَوْلِهِ لَوْ شَقَّ الْجَوْلَقَ عَلَى الْجَمَلِ وَهُوَ يَسِيرُ وَأَخَذَ مَا فِيهِ، فَإِنَّهُ يُقْطَعُ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 65 مِنْ الدَّاخِلِ فَيُوجَدُ الْهَتْكُ، وَالطَّرُّ الشَّقُّ وَذَكَرَ الشُّمُنِّيُّ أَنَّ الْمُرَادَ بِالصُّرَّةِ بَعْضُ الْكُمِّ الْمَشْدُودِ فِيهِ الدَّرَاهِمُ وَقَيَّدَ بِالطَّرِّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَكَانَهُ حَلُّ الرِّبَاطِ انْعَكَسَ الْحُكْمُ لِانْعِكَاسِ الْعِلَّةِ فَيُقْطَعُ إنْ كَانَ الرِّبَاطُ خَارِجَ الْكُمِّ؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ الدَّرَاهِمَ مِنْ دَاخِلِهِ وَلَا يُقْطَعُ إنْ كَانَ الرِّبَاطُ مِنْ دَاخِلِ الْكُمِّ؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذُهَا مِنْ خَارِجِهِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَبِمَا ذُكِرَ مِنْ التَّفْصِيلِ فِي الطَّرِّ ظَهَرَ أَنَّ مَا يُطْلَقُ فِي الْأُصُولِ مِنْ أَنَّ الطَّرَّارَ يُقْطَعُ إنَّمَا يَتَأَتَّى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، فَإِنَّهُ قَالَ يُقْطَعُ الطَّرَّارُ عَلَى كُلِّ حَالٍ. اهـ. وَأَمَّا الرَّابِعَةُ وَهِيَ مَا إذَا سَرَقَ مِنْ قِطَارٍ بَعِيرًا أَوْ حِمْلًا عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمُحْرَزٍ مَقْصُودًا فَيَتَمَكَّنُ فِيهِ شُبْهَةُ الْعَدَمِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ مَعَهَا سَائِقٌ أَوْ قَائِدٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّ السَّائِقَ أَوْ الرَّاكِبَ يَقْصِدُ قَطْعَ الْمَسَافَةِ وَنَقْلَ الْأَمْتِعَةِ دُونَ الْحِفْظِ حَتَّى لَوْ كَانَ مَعَهَا مَنْ يَحْفَظُهَا يُقْطَعُ، وَالْقِطَارُ الْإِبِلُ عَلَى نَسَقٍ وَاحِدٍ، وَالْجَمْعُ قُطُرٌ وَقَيَّدَ بِسَرِقَةِ الْحِمْلِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ شَقَّ الْجَوْلَقَ عَلَى الْجَمَلِ وَهُوَ يَسِيرُ وَأَخَذَ مَا فِيهِ، فَإِنَّهُ يُقْطَعُ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْمَالِ اعْتَمَدَ الْجَوَالِقَ فَكَانَ هَاتِكًا لِلْحِرْزِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَخَذَ الْجَوْلَقَ بِمَا فِيهِ وَكَذَا لَوْ سَرَقَ مِنْ الْفُسْطَاطِ، فَإِنَّهُ يُقْطَعُ وَلَوْ سَرَقَ نَفْسَ الْفُسْطَاطِ، فَإِنَّهُ لَا يُقْطَعُ لِعَدَمِ إحْرَازِهِ إلَّا إذَا كَانَ الْفُسْطَاطُ غَيْرَ مَنْصُوبٍ، وَإِنَّمَا هُوَ مَلْفُوفٌ عِنْدَ مَنْ يَحْفَظُهُ أَوْ فِي فُسْطَاطٍ آخَرَ، فَإِنَّهُ يُقْطَعُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ شَقَّ الْحِمْلَ فَسَرَقَ مِنْهُ أَوْ سَرَقَ جُوَالِقًا فِيهِ مَتَاعٌ وَرَبُّهُ يَحْفَظُهُ أَوْ نَائِمٌ عَلَيْهِ أَوْ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي صُنْدُوقِ أَوْ جَيْبِ غَيْرِهِ أَوْ كُمِّهِ فَأَخَذَ الْمَالَ قُطِعَ) لِوُجُودِ السَّرِقَةِ مِنْ الْحِرْزِ وَقَدَّمْنَا كُلَّ ذَلِكَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ (فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْقَطْعِ وَإِثْبَاتِهِ) . لَمَّا كَانَ الْقَطْعُ حُكْمَ السَّرِقَةِ ذَكَرَهُ عَقِبَهُ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الشَّيْءِ يَعْقُبُهُ (قَوْلُهُ وَتُقْطَعُ يَمِينُ السَّارِقِ مِنْ الزَّنْدِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] ، وَالْمَعْنَى يَدَيْهِمَا وَحُكْمُ اللُّغَةِ أَنَّ مَا أُضِيفَ مِنْ الْخَلْقِ إلَى اثْنَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ وَاحِدٌ أَنْ يُجْمَعَ مِثْلُ قَوْله تَعَالَى {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4] ، وَقَدْ يُثَنَّى، وَالْأَفْصَحُ الْجَمْعُ، وَأَمَّا كَوْنُهَا الْيَمِينَ فَبِقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَاقْطَعُوا أَيْمَانَهُمَا وَهِيَ مَشْهُورَةٌ فَكَانَ خَبَرًا مَشْهُورًا فَيُقَيَّدُ إطْلَاقُ النَّصِّ فَهَذَا مِنْ تَقْيِيدِ الْمُطْلَقِ لَا مِنْ بَيَانِ الْمُجْمَلِ؛ لِأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ لَا إجْمَالَ فِي الْآيَةِ، وَقَدْ قَطَعَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْيَمِينَ، وَالصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَأَمَّا كَوْنُهُ مِنْ الزَّنْدِ وَهُوَ مِفْصَلُ الرُّسْغِ وَيُقَالُ الْكُوعُ وَهُوَ مُذَكَّرٌ كَمَا فِي الْمُغْرِبِ فَلِأَنَّهُ الْمُتَوَارَثُ وَمِثْلُهُ لَا يُطْلَبُ لَهُ سَنَدٌ بِخُصُوصِهِ كَالْمُتَوَاتِرِ وَلَا يُبَالَى فِيهِ بِكُفْرِ النَّاقِلِينَ فَضْلًا عَنْ فِسْقِهِمْ أَوْ ضَعْفِهِمْ (قَوْلُهُ وَتُحْسَمُ) أَيْ تُكْوَى كَيْ يَنْقَطِعَ الدَّمُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَاقْطَعُوهُ وَاحْسِمُوهُ وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُحْسَمْ يُفْضِي إلَى التَّلَفِ، وَالْحَدُّ زَاجِرٌ لَا مُتْلِفٌ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَهُوَ يَقْتَضِي وُجُوبَهُ وَفِي الْمُغْرِبِ الْحَسْمُ أَنْ يُغْمَصَ فِي الدُّهْنِ الَّذِي أُغْلِيَ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَثَمَنُ الزَّيْتِ وَكُلْفَةُ الْحَسْمِ عَلَى السَّارِقِ عِنْدَنَا، وَالْمَنْقُولُ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ أَنَّهُ يُسَنُّ تَعْلِيقُ يَدِهِ فِي عُنُقِهِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَمَرَ بِهِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَعِنْدَنَا ذَلِكَ مُطْلَقٌ لِلْإِمَامِ إنْ رَآهُ وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي كُلِّ مَنْ قَطَعَهُ لِيَكُونَ سُنَّةً (قَوْلُهُ وَرِجْلُهُ الْيُسْرَى إنْ عَادَ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَإِنْ عَادَ فَاقْطَعُوهُ وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ نِهَايَةَ الْقَطْعِ مِنْ الرِّجْلِ؛ لِأَنَّهُ يُقْطَعُ مِنْ الْكَعْبِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَفَعَلَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ذَلِكَ وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ، وَالرَّوَافِضُ: يُقْطَعُ مِنْ نِصْفِ الْقَدَمِ مِنْ مَعْقِدِ الشِّرَاكِ؛ لِأَنَّ عَلِيًّا كَانَ يَفْعَلُ كَذَلِكَ وَيَدَعُ لَهُ عَقِبًا يَمْشِي عَلَيْهَا. اهـ. (قَوْلُهُ، فَإِنْ سَرَقَ ثَالِثًا حُبِسَ حَتَّى يَتُوبَ وَلَمْ يُقْطَعْ) لِقَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِيهِ إنِّي لِأَسْتَحْيِيَ مِنْ اللَّهِ أَنْ لَا أَدَعَ لَهُ يَدًا يَأْكُلُ بِهَا وَيَسْتَنْجِي بِهَا وَرِجْلًا يَمْشِي عَلَيْهَا فَلِهَذَا حَاجَّ بَقِيَّةَ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَجَمَعَهُمْ فَانْعَقَدَ إجْمَاعًا وَلِأَنَّهُ إهْلَاكٌ مَعْنًى لِمَا فِيهِ مِنْ تَفْوِيتِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ، وَالْحَدُّ زَاجِرٌ وَلِأَنَّهُ نَادِرُ الْوُجُودِ، وَالزَّجْرُ فِيمَا يَغْلِبُ بِخِلَافِ الْقِصَاصِ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ فَيُسْتَوْفَى مَا أَمْكَنَ جَبْرًا لِحَقِّهِ وَمَا وَرَدَ مِنْ الْحَدِيثِ مِنْ   [منحة الخالق] [فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْقَطْعِ فِي السَّرِقَة وَإِثْبَاتِهِ] فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْقَطْعِ وَإِثْبَاتِهِ) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 66 قَطْعِ يَدِهِ الْيُسْرَى فِي الثَّالِثَةِ، وَالرِّجْلِ الْيُمْنَى فِي الرَّابِعَةِ فَقَدْ طَعَنَ الطَّحَاوِيُّ أَوْ نَحْمِلُهُ عَلَى السِّيَاسَةِ وَتَمَامُهُ فِي الْأُصُولِ مَنْ بَحَثَ الْأَمْرَ وَفِي الْفَتَاوَى السِّرَاجِيَّةِ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْتُلَهُ سِيَاسَةً كَذَا فِي شَرْحِ مِسْكِينٍ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ ضَرْبَهُ مَعَ الْحَبْسِ وَأَثْبَتَهُ فِي الْمُجْتَبَى وَلَمْ يَذْكُرُوا مَتَى تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ وَتَظْهَرُ وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ مَعْزِيًّا إلَى النَّافِعِ أَنَّهُ يُحْبَسُ حَتَّى يَتُوبَ أَوْ تَظْهَرَ عَلَيْهِ سِيَّمَا رَجُلٍ صَالِحٍ. (قَوْلُهُ كَمَنْ سَرَقَ وَإِبْهَامُهُ الْيُسْرَى مَقْطُوعَةٌ أَوْ شَلَّاءُ أَوْ أُصْبُعَانِ مِنْهَا سِوَاهَا أَوْ رِجْلُهُ الْيُمْنَى مَقْطُوعَةٌ) يَعْنِي لَا يُقْطَعُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَفْوِيتِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ بَطْشًا أَوْ مَشْيًا وَكَذَا إذَا كَانَتْ رِجْلُهُ الْيُمْنَى شَلَّاءَ لِمَا قُلْنَا وَقِوَامُ الْبَطْشِ بِالْإِبْهَامِ قُيِّدَ بِالْإِبْهَامِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمَقْطُوعُ أُصْبُعًا غَيْرَ الْإِبْهَامِ أَوْ أَشَلَّ، فَإِنَّهُ يُقْطَعُ؛ لِأَنَّ فَوْتَهَا لَا يُوجِبُ خَلَلًا فِي الْبَطْشِ ظَاهِرًا وَقَيَّدَ بِالْيَدِ الْيُسْرَى؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى شَلَّاءَ أَوْ نَاقِصَةَ الْأَصَابِعِ تُقْطَعُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ بِالنَّصِّ قَطْعُ الْيُمْنَى وَاسْتِيفَاءُ النَّاقِصِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْكَامِلِ جَائِزٌ وَقَيَّدَ بِقَطْعِ الرِّجْلِ الْيُمْنَى؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَتْ رِجْلُهُ الْيُمْنَى مَقْطُوعَةَ الْأَصَابِعِ، فَإِنْ كَانَ يَسْتَطِيعُ الْقِيَامَ، وَالْمَشْيَ عَلَيْهَا قُطِعَتْ يَدُهُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَسْتَطِيعُ الْقِيَامَ، وَالْمَشْيَ لَمْ تُقْطَعْ يَدُهُ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَفِي الْكَافِي، وَإِذَا حُبِسَ السَّارِقُ لِيَسْأَلَ عَنْ الشُّهُودِ فَقَطَعَ رَجُلٌ يَدَهُ الْيُمْنَى عَمْدًا فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ، وَقَدْ بَطَلَ الْحَدُّ عَنْ السَّارِقِ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ قَطَعَ يَدَهُ الْيُسْرَى، وَإِنْ حُكِمَ عَلَيْهِ بِالْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ فَقَطَعَ رَجُلٌ يَدَهُ الْيُمْنَى مِنْ غَيْرِ أَنْ يُؤْمَرَ بِذَلِكَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَيَضْمَنُ بِقَطْعِ الْيُسْرَى مَنْ أَمَرَ بِخِلَافِهِ) أَيْ إذَا قَالَ الْحَاكِمُ لِلْجَلَّادِ اقْطَعْ يَمِينَ هَذَا فِي سَرِقَةٍ سَرَقَهَا فَقَطَعَ يَسَارَهُ عَمْدًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الْخَطَأِ وَيَضْمَنُ فِي الْعَمْدِ وَقَالَ فِي زُفَرَ يَضْمَنُ فِي الْخَطَأِ أَيْضًا وَهُوَ الْقِيَاسُ، وَالْمُرَادُ هُوَ الْخَطَأُ فِي الِاجْتِهَادِ، وَأَمَّا الْخَطَأُ فِي مَعْرِفَةِ الْيَمِينِ، وَالْيَسَارِ وَلَا يُجْعَلُ عَفْوًا وَقِيلَ يُجْعَلُ عُذْرًا أَيْضًا لَهُ أَنَّهُ قَطَعَ يَدَاهُ مَعْصُومَةً، وَالْخَطَأُ فِي حَقِّ الْعِبَادِ غَيْرُ مَضْمُونٍ فَيَضْمَنُهَا قُلْنَا: إنَّهُ أَخْطَأَ فِي اجْتِهَادِهِ إذْ لَيْسَ فِي النَّصِّ تَعْيِينُ الْيَمِينِ، وَالْخَطَأُ فِي الِاجْتِهَادِ مَوْضُوعٌ وَلَهُمَا أَنَّهُ قَطَعَ طَرَفًا مَعْصُومًا بِغَيْرِ حَقٍّ وَلَا تَأْوِيلَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ تَعَمَّدَ الظُّلْمَ فَلَا يُعْفَى، وَإِنْ كَانَ فِي الْمُجْتَهَدَاتِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ الْقِصَاصُ إلَّا أَنَّهُ امْتَنَعَ الْقِصَاصُ لِلشُّبْهَةِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ أَتْلَفَ وَأَخْلَفَ مِنْ جِنْسِهِ مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ فَلَا يُعَدُّ إتْلَافًا كَمَنْ شَهِدَ عَلَى غَيْرِهِ بِبَيْعِ مَالِهِ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ ثُمَّ رَجَعَ وَعَلَى هَذَا لَوْ قَطَعَهُ غَيْرُ الْجَلَّادِ لَا يَضْمَنُ أَيْضًا هُوَ الصَّحِيحُ قَيَّدَ بِالْأَمْرِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَطَعَهُ أَحَدٌ قَبْلَ الْأَمْرِ، وَالْقَضَاءِ وَجَبَ الْقِصَاصُ فِي الْعَمْدِ، وَالدِّيَةُ فِي الْخَطَأِ اتِّفَاقًا وَسَقَطَ الْقَطْعُ عَنْ السَّارِقِ؛ لِأَنَّ مَقْطُوعَ الْيَدِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَطْعُ حَدًّا، وَقَضَاءُ الْقَاضِي بِالْحَدِّ كَالْأَمْرِ عَلَى الصَّحِيحِ فَلَا يَرِدُ عَلَى الْمُصَنِّفُ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ: بِخِلَافِهِ؛ لِأَنَّ الْحَاكِمَ لَوْ أَطْلَقَ وَقَالَ: اقْطَعْ يَدَهُ وَلَمْ يُعَيِّنْ الْيُمْنَى فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْقَاطِعِ اتِّفَاقًا لِعَدَمِ الْمُخَالَفَةِ إذْ الْيَدُ تُطْلَقُ عَلَيْهِمَا وَكَذَلِكَ لَوْ أَخْرَجَ السَّارِقُ يَدَهُ فَقَالَ هَذِهِ يَمِينِي؛ لِأَنَّهُ قَطَعَهُ بِأَمْرِهِ وَقَيَّدَ بِعَدَمِ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ يُعَزَّرُ إذَا كَانَ عَمْدًا كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ أَنَّ هَذَا الْقَطْعَ وَقَعَ حَدًّا أَوْ لَا قَالُوا فَعَلَى طَرِيقَةِ أَنَّهُ وَقَعَ حَدًّا فَلَا ضَمَانَ عَلَى السَّارِقِ لَوْ كَانَ اسْتَهْلَكَ الْعَيْنَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْتُلَهُ سِيَاسَةً) أَيْ إنْ سَرَقَ بَعْدَ الْقَطْعِ مَرَّتَيْنِ لَا ابْتِدَاءً كَذَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ وَكَلَامُهُ فِي النَّهْرِ يُفِيدُ أَنَّ جَوَازَ قَتْلِهِ سِيَاسَةً مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا سَرَقَ فِي الْخَامِسَةِ حَيْثُ قَالَ فِي الْجَوَابِ عَنْ الْحَدِيثِ السَّابِقِ وَبِتَقْدِيرِ ثُبُوتِهِ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى السِّيَاسَةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ قَالَ فِي الْخَامِسَةِ، «فَإِنْ عَادَ فَاقْتُلُوهُ» فَسِيَاقُ كَلَامِهِ يُفِيدُ أَنَّ قَتْلَهُ سِيَاسَةً قَبْلَ الْخَامِسَةِ لَا يَجُوزُ لَكِنْ رَأَيْت بِخَطِّ الْحَمَوِيِّ عَنْ السِّرَاجِيَّةِ مَا نَصُّهُ إذَا سَرَقَ ثَالِثًا وَرَابِعًا لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْتُلَهُ سِيَاسَةً لِسَعْيِهِ فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ. اهـ. قَالَ فَمَا يَقَعُ مِنْ حُكَّامِ زَمَانِنَا مِنْ قَتْلِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ زَاعِمِينَ أَنَّ ذَلِكَ سَيَاسَةً جَوْرٌ وَظُلْمٌ وَجَهْلٌ وَالسِّيَاسَةُ الشَّرْعِيَّةُ عِبَارَةٌ عَنْ شَرْعٍ مُغَلَّظٍ كَذَا فِي حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ عَلَى مِسْكِينٍ قُلْت لَا يَخْفَى أَنَّهُمْ حَيْثُ أَجَابُوا بِالْحَمْلِ عَلَى السِّيَاسَةِ لَزِمَ أَنْ يَقُولُوا بِذَلِكَ فِي الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ وَإِلَّا فَالْإِيرَادُ بَاقٍ ثُمَّ رَأَيْته فِي غَايَةِ الْبَيَانِ قَالَ وَلَئِنْ ثَبَتَ فَذَاكَ مَحْمُولٌ عَلَى السِّيَاسَةِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا فَكَذَا يُحْمَلُ الْقَطْعُ فِي الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ تَأَمَّلْ [سَرَقَ وَإِبْهَامُهُ الْيُسْرَى مَقْطُوعَةٌ أَوْ شَلَّاءُ أَوْ رِجْلُهُ الْيُمْنَى مَقْطُوعَةٌ] (قَوْلُهُ: يَعْنِي لَا يُقْطَعُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ إلَخْ) أَيْ لَا تُقْطَعُ يَدُهُ الْيُمْنَى كَمَا نُصَّ عَلَيْهِ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ كَلَامُ الْعَيْنِيِّ حَيْثُ قَالَ لَا تُقْطَعُ رِجْلُهُ الْيُسْرَى، فَإِنَّهُ يُوهِمُ أَنَّ الْيَدَ الْيُمْنَى تُقْطَعُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ مَعَ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ مِنْهُ شَيْءٌ أَمَّا الْيَدُ الْيُسْرَى وَالرِّجْلُ الْيُمْنَى فَلِأَنَّهُمَا لَيْسَا مَحَلًّا لِلْقَطْعِ عِنْدَنَا وَأَمَّا مَا سِوَاهُمَا فَلِتَفْوِيتِ الْمَنْفَعَةِ إمَّا بَطْشًا أَوْ مَشْيًا كَمَا ذُكِرَ هُنَا (قَوْلُهُ وَالدِّيَةُ فِي الْخَطَأِ) أَيْ الْخَطَأِ فِي الْفِعْلِ لَا الِاجْتِهَادِ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ أَنَّ هَذَا الْقَطْعَ وَقَعَ حَدًّا أَوْ لَا إلَخْ) فِي الزَّيْلَعِيِّ مَا يُفِيدُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْخَطَأِ حَيْثُ قَالَ ثُمَّ فِي الْعَمْدِ يَجِبُ ضَمَانِ الْمَالِ الْمَسْرُوقِ عَلَى السَّارِقِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 67 ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ، وَالضَّمَانَ لَا يَجْتَمِعَانِ وَعَلَى طَرِيقَةِ عَدَمِ وُقُوعِهِ حَدًّا فَهُوَ ضَامِنٌ فِي الْعَمْدِ، وَالْخَطَأِ (قَوْلُهُ وَطَلَبُ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ شَرْطُ الْقَطْعِ) أَيْ وَطَلَبُهُ الْمَالَ فَلَا قَطْعَ بِدُونِهِ؛ لِأَنَّ الْخُصُومَةَ شَرْطٌ لِظُهُورِهَا أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا أَقَرَّ أَوْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُقِرَّ لَهُ بِالْمِلْكِ فَيَسْقُطُ الْقَطْعُ فَلَا بُدَّ مِنْ حُضُورِهِ عِنْدَ الْأَدَاءِ، وَالْقَطْعِ لِتَنْتَفِيَ تِلْكَ الشُّبْهَةُ وَبِمَا ذَكَرْنَا ظَهَرَ أَنَّ مَا فِي التَّبْيِينِ مَعْزِيًّا إلَى الْبَدَائِعِ مِنْ أَنَّهُ إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ سَرَقَ مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ قُطِعَ اسْتِحْسَانًا وَلَا يُنْتَظَرُ حُضُورُ الْغَائِبِ وَتَصْدِيقُهُ، فَإِنَّمَا هُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَلَيْسَتْ هَذِهِ عِبَارَةُ الْبَدَائِعِ، فَإِنَّ عِبَارَتَهُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ الدَّعْوَى فِي الْإِقْرَارِ شَرْطٌ حَتَّى لَوْ أَقَرَّ السَّارِقُ أَنَّهُ سَرَقَ مَالَ فُلَانٍ الْغَائِبِ لَمْ يُقْطَعْ مَا لَمْ يَحْضُرْ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ وَيُخَاصِمُ عِنْدَهُمَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ الدَّعْوَى فِي الْإِقْرَارِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ إلَى آخِرِهِ وَفِي الْبَدَائِعِ أَيْضًا قَالَ مُحَمَّدٌ لَوْ قَالَ سَرَقْت هَذِهِ الدَّرَاهِمَ وَلَا أَدْرِي لِمَنْ هِيَ أَوْ قَالَ سَرَقْتهَا وَلَا أُخْبِرُك مَنْ صَاحِبُهَا لَا يُقْطَعُ؛ لِأَنَّ جَهَالَةَ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ فَوْقَ غَيْبَتِهِ ثُمَّ الْغَيْبَةُ لَمَّا مَنَعَتْ الْقَطْعَ عَلَى أَصْلِهِ فَالْجَهَالَةُ أَوْلَى. اهـ. وَلَمْ يُعَيِّنْ يَعْنِي الْمُصَنِّفَ مَطْلُوبَ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ فَاحْتَمَلَ شَيْئَيْنِ أَحَدَهُمَا: طَلَبُ الْمَالِ وَبِهِ جَزَمَ الشَّارِحُ ثَانِيهِمَا: طَلَبُ الْقَطْعِ وَأَشَارَ الشُّمُنِّيُّ إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الطَّلَبَيْنِ وَأَنَّ أَحَدَهُمَا لَا يَكْفِي لَكِنْ ذَكَرَهُ فِي الْكَشْفِ الْكَبِيرِ قُبَيْلَ بَحْثِ الْأَمْرِ أَنَّ وُجُوبَ الْقَطْعِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْخُلُوصِ وَلِهَذَا لَمْ يَتَقَيَّدْ بِالْمِثْلِ وَمَا يَجِبُ حَقًّا لِلْعَبْدِ يَتَقَيَّدُ بِهِ مَالًا كَانَ أَوْ عُقُوبَةً كَالْغَصْبِ، وَالْقِصَاصِ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ الْخُصُومَةَ بِدَعْوَى الْحَدِّ وَإِثْبَاتِهِ وَلَا يَمْلِكُ الْعَفْوَ بَعْدَ الْوُجُوبِ وَلَا يُورَثُ عَنْهُ. اهـ. فَقَدْ صَرَّحَ بِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ طَلَبَ الْقَطْعِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ لَا يَمْلِكُ طَلَبَ الْقَطْعِ مُجَرَّدًا عَنْ طَلَبِ الْمَالِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الشَّرْطَ إنَّمَا هُوَ طَلَبُ الْمَالِ وَيُشْتَرَطُ حَضْرَتُهُ عِنْدَ الْقَطْعِ لَا طَلَبُهُ الْقَطْعَ إذْ هُوَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى طَلَبِ الْعَبْدِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ مُودِعًا أَوْ غَاصِبًا أَوْ صَاحِبَ الرِّبَا) أَيْ وَلَوْ كَانَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ، وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ لَهُ يَدٌ صَحِيحَةٌ يَمْلِكُ الْخُصُومَةَ وَمَنْ لَا فَلَا فَلِلْمَالِكِ أَنْ يُخَاصِمَ السَّارِقَ إذَا سَرَقَ مِنْهُ وَكَذَا الْمُودَعُ بِفَتْحِ الدَّالِ، وَالْمُسْتَعِيرُ، وَالْمُضَارِبُ، وَالْمُبْضِعُ، وَالْغَاصِبُ، وَالْقَابِضُ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ، وَالْمُرْتَهِنُ وَمُتَوَلِّي الْمَسْجِدِ، وَالْأَبُ، وَالْوَصِيُّ فَتُعْتَبَرُ خُصُومَتُهُمْ فِي ثُبُوتِ وِلَايَةِ الِاسْتِرْدَادِ وَفِي حَقِّ الْقَطْعِ وَأَرَادَ بِصَاحِبِ الرِّبَا أَنْ يَبِيعَ عَشَرَةً بِعِشْرِينَ وَقَبَضَ الْعِشْرِينَ فَسُرِقَ مِنْهُ الْعِشْرُونَ فَيُقْطَعُ السَّارِقُ بِخُصُومَتِهِ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ هَذَا الْمَالَ فِي يَدِهِ بِمَنْزِلَةِ الْمَغْصُوبِ إذْ الشِّرَاءُ فَاسِدٌ بِمَنْزِلَتِهِ، وَأَمَّا الْعَاقِدُ الْآخَرُ مِنْ عَاقِدَيْ الرِّبَا، فَإِنَّهُ بِالتَّسْلِيمِ لَمْ يَبْقَ لَهُ مِلْكٌ وَلَا يَدٌ فَلَا يَكُونُ لَهُ وِلَايَةُ الْخُصُومَةِ ذَكَرَهُ الشُّمُنِّيُّ. وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ مِنْ اللُّقَطَةِ رَجُلٌ الْتَقَطَ لُقَطَةً فَضَاعَتْ مِنْهُ فَوَجَدَهَا فِي يَدِ غَيْرِهِ فَلَا خُصُومَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذَلِكَ الرَّجُلِ بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ، فَإِنَّ فِي الْوَدِيعَةِ يَكُونُ الْمُودِعُ أَنْ يَأْخُذَهَا مِنْ الثَّانِي؛ لِأَنَّ فِي اللُّقَطَةِ الثَّانِي كَالْأَوَّلِ وَفِي وِلَايَةِ أَخْذِ اللُّقَطَةِ وَلَيْسَ الثَّانِي كَالْأَوَّلِ فِي وِلَايَةِ إثْبَاتِ الْيَدِ عَلَى الْوَدِيعَةِ. اهـ. فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُقْطَعَ بِطَلَبِ الْمُلْتَقِطِ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ: وَيُقْطَعُ بِطَلَبِ الْمَالِكِ لَوْ سَرَقَ مِنْهُمْ) أَيْ مِنْ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّ الْخُصُومَةَ إنَّمَا شُرِطَتْ لِيُعْلَمَ أَنَّ   [منحة الخالق] عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ حَدًّا وَسُقُوطُ الضَّمَانِ عَنْهُ فِي ضِمْنِ وُقُوعِهِ حَدًّا وَكَذَا عِنْدَهُمَا بَلْ أَوْلَى وَفِي الْخَطَأِ كَذَلِكَ عَلَى الطَّرِيقَةِ الَّتِي اُعْتُبِرَ فِيهَا أَنَّ الْقَاطِعَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ وَأَخْلَفَ وَلَمْ يَقَعْ حَدًّا وَعَلَى الطَّرِيقَةِ الَّتِي اُعْتُبِرَ فِيهَا أَنَّ الْقَاطِعَ اجْتَهَدَ وَأَخْطَأَ فَلَا يَجِبُ الضَّمَانُ إذْ الْقَطْعُ وَالضَّمَانُ لَا يَجْتَمِعَانِ (قَوْلُهُ: فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُقْطَعَ بِطَلَبِ الْمُلْتَقِطِ) فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ عَدَمَ مُخَاصَمَةِ الْمُلْتَقِطِ الْأَوَّلِ لِلثَّانِي إنَّمَا هُوَ لِزَوَالِ الْأَوَّلِ بِإِثْبَاتِ يَدٍ مِثْلِ يَدِهِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ قَوْلُ الْخَانِيَّةِ أَنَّ الثَّانِيَ كَالْأَوَّلِ فِي وِلَايَةِ أَخْذِ اللُّقَطَةِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ لِلْأَوَّلِ قَبْلَ ضَيَاعِهَا مِنْهُ إذْ لَا شَكَّ أَنَّ يَدَهُ يَدُ أَمَانَةٍ حَتَّى لَا يَتَمَكَّنَ أَحَدٌ مِنْ أَخْذِهَا مِنْهُ وَلَوْ وَصَفَ أَحَدَ عَلَامَتِهَا وَلَمْ يُصَدِّقْهُ الْمُلْتَقِطُ لَا يُجْبَرُ عَلَى دَفْعِهَا إلَيْهِ، وَلَوْ دَفَعَهَا إلَى أَحَدٍ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهَا مِنْهُ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَهُ يَدًا صَحِيحَةً فَلَهُ مُخَاصَمَةُ مَنْ سَرَقَهَا مِنْهُ (قَوْلُهُ: أَيْ مِنْ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ) هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمَهُ عَنْ الشُّمُنِّيِّ اتِّفَاقًا مِنْ أَنَّهُ لَا خُصُومَةَ لِمُعْطِي الرِّبَا ثُمَّ رَأَيْت فِي النَّهْرِ مَا نَصُّهُ وَاعْلَمْ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِ أَيْ الْمُصَنِّفِ يُفِيدُ أَنَّهُ يَقْطَعُ بِخُصُومَةِ مُعْطِي الرِّبَا دُونَ صَاحِبِ الرِّبَا؛ لِأَنَّ الْمَالَ فِي يَدِهِ بِمَنْزِلَةِ الْمَغْصُوبِ كَمَا مَرَّ قَالَ فِي الْفَتْحِ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ الْخُصُومَةُ إلَّا أَنَّ الْمَسْطُورَ فِي السِّرَاجِ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ بِخُصُومَةِ صَاحِبِ الرِّبَا؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ فِيهِ وَلَا يَدَ وَتَبِعَهُ الشُّمُنِّيُّ وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَيْهِ فَتَدَبَّرْهُ. اهـ. أَقُولُ: قَدْ صَرَّحَ فِي الْأَشْبَاهِ عَنْ الْقُنْيَةِ أَنَّ الرِّبَا لَا يُمْلَكُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّ عَيْنِهِ مَا دَامَ قَائِمًا حَتَّى لَوْ أَبْرَأَهُ صَاحِبُهُ لَا يَبْرَأُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ رَدَّ عَيْنِهِ الْقَائِمَةِ حَقُّ الشَّرْعِ وَعَلَى هَذَا فَلِصَاحِبِهِ مِلْكٌ قَائِمٌ فِيهِ وَلِلْآخَرِ يَدٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَبَضَهُ بِرِضَا صَاحِبِهِ صَارَ كَالْمُودِعِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 68 الْمَسْرُوقَ مِلْكُ غَيْرِ السَّارِقِ وَهَذَا يَحْصُلُ بِخُصُومَةِ الْمَالِكِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الرَّاهِنَ، وَالْمُرْتَهِنَ لِلِاخْتِلَافِ فَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ بِطَلَبِ الرَّاهِنِ فِي غَيْبَةِ الْمُرْتَهِنِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ حَضْرَتِهِ وَصَرَّحَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِأَنَّهُ يُقْطَعُ فِي غَيْبَتِهِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَالِكُ وَكَذَا الْخِلَافُ لَوْ حَضَرَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ وَغَابَ الْغَاصِبُ. (قَوْلُهُ لَا بِطَلَبِ الْمَالِكِ أَوْ السَّارِقِ لَوْ سَرَقَ مِنْ سَارِقٍ بَعْدَ الْقَطْعِ) يَعْنِي لَوْ قُطِعَ سَارِقٌ بِسَرِقَةٍ فَسُرِقَتْ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَا لِمَالِكِ الْعَيْنِ الْمَسْرُوقَةِ أَنْ يَقْطَعَ السَّارِقَ الثَّانِيَ؛ لِأَنَّ الْمَالَ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ فِي حَقِّ السَّارِقِ حَتَّى لَا يَجِبَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ بِالْهَلَاكِ فَلَمْ تَنْعَقِدْ مُوجِبَةً فِي نَفْسِهَا وَلِلْأَوَّلِ وِلَايَةُ الْخُصُومَةِ فِي الِاسْتِرْدَادِ لِحَاجَتِهِ إذْ الرَّدُّ وَاجِبٌ عَلَيْهِ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ بَعْدَ الْقَطْعِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ سَرَقَ الثَّانِي قَبْلَ أَنْ يُقْطَعَ الْأَوَّلُ أَوْ بَعْدَمَا دُرِئَ الْقَطْعُ بِشُبْهَةٍ يُقْطَعُ بِخُصُومَةِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ سُقُوطَ التَّقَوُّمِ ضَرُورَةُ الْقَطْعِ وَلَمْ يُوجَدْ فَصَارَ كَالْغَاصِبِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَأَطْلَقَ الْكَرْخِيُّ وَالطَّحَاوِيُّ عَدَمَ قَطْعِ السَّارِقِ مِنْ السَّارِقِ؛ لِأَنَّ يَدَهُ لَيْسَتْ يَدَ أَمَانَةٍ وَلَا مِلْكَ فَكَانَ ضَائِعًا وَلَا قَطْعَ فِي أَخْذِ مَالٍ ضَائِعًا قُلْنَا: بَقِيَ أَنْ يَكُونَ يَدَ غَصْبٍ، وَالسَّارِقُ مِنْهُ يُقْطَعُ فَالْحَقُّ مَا فِي الْهِدَايَةِ مِنْ التَّفْصِيلِ وَاخْتَارَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فِي مَسْأَلَةِ وِلَايَةِ الِاسْتِرْدَادِ أَنَّ الْوَجْهَ أَنَّهُ إذَا ظَهَرَ هَذَا الْحَالُ لِلْقَاضِي لَا يَرُدُّهُ إلَى الْأَوَّلِ وَلَا إلَى الثَّانِي إذَا رَدَّهُ لِظُهُورِ خِيَانَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا بَلْ يَرُدُّهُ مِنْ يَدِ الثَّانِي إلَى الْمَالِكِ إنْ كَانَ حَاضِرًا وَإِلَّا حَفِظَهُ كَمَا يَحْفَظُ أَمْوَالَ الْغُيَّبِ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ سَرَقَ شَيْئًا وَرَدَّهُ قَبْلَ الْخُصُومَةِ إلَى مَالِكِهِ أَوْ مَلَكَهُ بَعْدَ الْقَضَاءِ أَوْ ادَّعَى أَنَّهُ مِلْكُهُ أَوْ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ عَنْ النِّصَابِ لَمْ يُقْطَعْ) بَيَانٌ لِأَرْبَعِ مَسَائِلَ لَا قَطْعَ فِيهَا الْأُولَى: لَوْ سَرَقَ شَيْئًا وَرَدَّهُ قَبْلَ الْخُصُومَةِ إلَى مَالِكِهِ فَلَا قَطْعَ؛ لِأَنَّ الْخُصُومَةَ شَرْطٌ لِظُهُورِ السَّرِقَةِ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ إنَّمَا جُعِلَتْ حُجَّةً ضَرُورَةَ قَطْعِ الْمُنَازَعَةِ، وَقَدْ انْقَطَعَتْ الْخُصُومَةُ قَيَّدَ بِالرَّدِّ بِمَا قَبْلَ الْخُصُومَةِ أَيْ قَبْلَ الْمُرَافَعَةِ إلَى الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَرَدَ بَعْدَ الْمُرَافَعَةِ إلَى الْقَاضِي قُطِعَ لِانْتِهَاءِ الْخُصُومَةِ لِحُصُولِ مَقْصُودِهَا فَتَبْقَى تَقْدِيرًا كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَهُوَ شَامِلٌ لِمَا إذَا رَدَّهُ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِالْقَطْعِ وَمَا إذَا رَدَّهُ بَعْدَمَا شَهِدَ الشُّهُودُ وَلَمْ يَقْضِ الْقَاضِي اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ السَّرِقَةَ قَدْ ظَهَرَتْ عِنْدَ الْقَاضِي بِمَا هُوَ حُجَّةٌ بِنَاءً عَلَى خُصُومَةٍ مُعْتَبَرَةٍ كَذَا فِي التَّبْيِينِ فَالْمُرَادُ بِالْخُصُومَةِ الدَّعْوَى، وَالشَّهَادَةُ أَوْ الْإِقْرَارُ فَلَوْ ادَّعَى وَلَمْ يُثْبِتْ ثُمَّ رَدَّهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا قَطْعَ لِعَدَمِ ظُهُورِهَا عِنْدَ الْقَاضِي فَهِيَ رُبَاعِيَّةٌ. لِأَنَّ الرَّدَّ إمَّا أَنْ يَكُونَ بَعْدَ التَّرَافُعِ إلَى الْقَاضِي قَبْلَ الدَّعْوَى أَوْ بَعْدَهَا قَبْلَ الثُّبُوتِ أَوْ بَعْدَهُمَا قَبْلَ الْقَضَاءِ أَوْ بَعْدَ الثَّلَاثَةِ فَلَا قَطْعَ فِي الْأُولَيَيْنِ وَيُقْطَعُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ وَأَطْلَقَ فِي الرَّدِّ فَشَمِلَ الرَّدَّ حَقِيقَةً، وَالرَّدَّ حُكْمًا كَمَا إذَا رَدَّهُ إلَى أُصُولِهِ، وَإِنْ عَلَا كَوَالِدِهِ وَجَدِّهِ وَوَالِدَتِهِ وَجَدَّتِهِ سَوَاءٌ كَانُوا فِي عِيَالِ الْمَالِكِ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ لِهَؤُلَاءِ شُبْهَةَ الْمِلْكِ فَيَثْبُتُ بِهِ شُبْهَةُ الرَّدِّ بِخِلَافِ مَا إذَا رَدَّهُ إلَى عِيَالِ أُصُولِهِ، فَإِنَّهُ يُقْطَعُ؛ لِأَنَّهُ شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ وَهِيَ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ وَمِنْ الرَّدِّ الْحُكْمِيِّ إلَيْهِ الرَّدُّ إلَى فَرْعِهِ وَكُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ فِي عِيَالِهِ وَإِلَّا فَلَيْسَ بِرَدٍّ وَمِنْهُ الرَّدُّ إلَى مُكَاتَبِهِ وَعَبْدِهِ وَمِنْهُ الرَّدُّ إلَى مَوْلَاهُ لَوْ كَانَ مُكَاتَبًا؛ لِأَنَّ مَالَهُ لَهُ رَقَبَةٌ وَمِنْهُ إذَا سَرَقَ مِنْ الْعِيَالِ وَرَدَّ إلَى مَنْ يَعُولُهُمْ؛ لِأَنَّ يَدَهُ عَلَيْهِمْ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فِي مَالِهِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ مَلَكَهُ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِالْقَطْعِ فَلِأَنَّ الْإِمْضَاءَ مِنْ الْقَضَاءِ فِي هَذَا الْبَابِ لِوُقُوعِ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ بِالِاسْتِيفَاءِ إذْ الْقَضَاءُ لِلْإِظْهَارِ، وَالْقَطْعُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ ظَاهِرٌ عِنْدَهُ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ يُشْتَرَطُ قِيَامُ الْخُصُومَةِ عِنْدَ الِاسْتِيفَاءِ وَصَارَ كَمَا إذَا مَلَكَهَا مِنْهُ قَبْلَ الْقَضَاءِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْبَيْعَ، وَالْهِبَةَ لَكِنْ بِشَرْطِ الْقَبْضِ فِيهَا لِيَحْصُلَ الْمِلْكُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. الثَّالِثَةُ: لَوْ ادَّعَى السَّارِقُ أَنَّ الْمَسْرُوقَ مِلْكُهُ بَعْدَمَا ثَبَتَتْ السَّرِقَةُ عَلَيْهِ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِالْإِقْرَارِ فَلَا قَطْعَ سَوَاءٌ أَقَامَ بَيِّنَةً أَوْ لَمْ يُقِمْ؛ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ دَارِئَةٌ لِلْحَدِّ فَتَتَحَقَّقُ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى بِدَلِيلِ صِحَّةِ الرُّجُوعِ بَعْدَ الْإِقْرَارِ. الرَّابِعَةُ: إذَا سَرَقَ   [منحة الخالق] لَا كَالْغَاصِبِ فَيَنْبَغِي أَنْ تَثْبُتَ الْخُصُومَةُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ الْمَتْنِ حَيْثُ قَالَ وَلَوْ مُودِعًا أَوْ غَاصِبًا أَوْ صَاحِبَ رِبًا، فَإِنَّ التَّعْبِيرَ بِلَوْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَالِكَ كَذَلِكَ بِالْأَوْلَى وَصَرَّحَ بِهِ الْمَتْنُ بَعْدَهُ بِقَوْلِهِ وَيُقْطَعُ بِطَلَبِ الْمَالِكِ لَوْ سَرَقَ مِنْهُمْ فَهَذَا يُعَارِضُ قَوْلَ السِّرَاجِ وَالشُّمُنِّيِّ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ: وَلِلْأَوَّلِ وِلَايَةُ الْخُصُومَةِ فِي الِاسْتِرْدَادِ) هَذِهِ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَالرِّوَايَةُ لَيْسَ لَهُ وَسَيَأْتِي بَحْثُ الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: لَكِنْ بِشَرْطِ الْقَبْضِ فِيهَا إلَخْ) أَيْ إذَا كَانَ رَدُّ الْمَسْرُوقِ إلَى الْمَالِكِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 69 شَيْئًا قِيمَتُهُ نِصَابٌ ثُمَّ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ بَعْدَ الْقَضَاءِ لَمْ يُقْطَعْ؛ لِأَنَّ كَمَالَ النِّصَابِ لَمَّا كَانَ شَرْطًا يُشْتَرَطُ قِيَامُهُ عِنْدَ الْإِمْضَاءِ لِمَا ذَكَرْنَا أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا تَغَيَّرَ السِّعْرُ فِي بَلَدٍ أَوْ بَلَدَيْنِ حَتَّى إذَا سَرَقَ مَا قِيمَتُهُ نِصَابٌ فِي بَلَدٍ وَأَخَذَ فِي بَلَدٍ آخَرَ الْقِيمَةُ فِيهِ أَنْقَصُ لَمْ يُقْطَعْ كَمَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَقَيَّدَ بِنُقْصَانِ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ لَوْ نَقَصَتْ، فَإِنَّهُ يُقْطَعُ؛ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ فَكَمُلَ النِّصَابُ عَيْنًا وَدَيْنًا كَمَا إذَا اسْتَهْلَكَهُ كُلَّهُ أَمَّا نُقْصَانُ السِّعْرِ فَغَيْرُ مَضْمُونٍ فَافْتَرَقَا. (قَوْلُهُ وَلَوْ أَقَرَّا بِسَرِقَةٍ ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا هُوَ مَالِي لَمْ يُقْطَعَا) أَيْ السَّارِقَانِ الْمُقِرَّانِ؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ عَامِلٌ فِي حَقِّ الرَّاجِعِ وَمُورِثٌ لِلشُّبْهَةِ فِي حَقِّ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ السَّرِقَةَ قَدْ ثَبَتَتْ بِإِقْرَارِهِمَا عَلَى الشَّرِكَةِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ قَبْلَ الْقَضَاءِ أَوْ بَعْدَهُ وَقَيَّدَ بِإِقْرَارِهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ سَرَقَ هُوَ وَفُلَانٌ كَذَا فَأَنْكَرَ فُلَانٌ، فَإِنَّهُ يُقْطَعُ الْمُقِرُّ لِعَدَمِ الشَّرِكَةِ بِتَكْذِيبِهِ بِقَوْلِهِ: قَتَلْت أَنَا وَفُلَانٌ وَزَنَيْت أَنَا وَفُلَانٌ اقْتَصَرَ عَلَى الْمُقِرِّ، وَإِنْ أَنْكَرَ فُلَانٌ. وَقَوْلُهُ: قَالَ أَحَدُهُمَا: هُوَ مَالِي تَمْثِيلٌ وَإِلَّا فَالْمُرَادُ أَنَّ أَحَدَهُمَا إذَا ادَّعَى شُبْهَةً أَيَّ شُبْهَةٍ كَانَتْ، فَإِنَّهُ يَسْقُطُ الْقَطْعُ عَنْهُمَا كَمَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ (قَوْلُهُ: وَلَوْ سَرَقَا وَغَابَ أَحَدُهُمَا وَشَهِدَ عَلَى سَرِقَتِهِمَا قُطِعَ الْآخَرُ) أَيْ الْحَاضِرُ؛ لِأَنَّ الْغَيْبَةَ تَمْنَعُ ثُبُوتَ السَّرِقَةِ عَلَى الْغَائِبِ فَيَبْقَى مَعْدُومًا، وَالْعَدَمُ لَا يُورِثُ الشُّبْهَةَ وَلَا مُعْتَبَرَ بِتَوَهُّمِ حُدُوثِ الشُّبْهَةِ؛ لِأَنَّهُ شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ وَبَيَانُهُ أَنَّ الْغَائِبَ لَوْ حَضَرَ وَادَّعَى كَانَ شُبْهَةً لِلْحَاضِرِ وَاحْتِمَالُ دَعْوَى الْغَائِبِ شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ فَلَا تُعْتَبَرُ. (قَوْلُهُ: وَلَو ْ أَقَرَّ عَبْدٌ بِسَرِقَةٍ قُطِعَ وَتُرَدُّ السَّرِقَةُ إلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ) ؛ لِأَنَّ إقْرَارَ الْعَبْدِ عَلَى نَفْسِهِ بِالْحُدُودِ، وَالْقِصَاصِ صَحِيحٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ آدَمِيٌّ ثُمَّ يَتَعَدَّى إلَى الْمَالِيَّةِ فَيَصِحُّ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَالٌ وَلِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ فِي هَذَا الْإِقْرَارِ لِمَا يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ مِنْ الْأَضْرَارِ وَمِثْلُهُ مَقْبُولٌ عَلَى الْغَيْرِ فَيُقْطَعُ الْعَبْدُ، وَإِذَا صَحَّ الْإِقْرَارُ بِالْقَطْعِ صَحَّ بِالْمَالِ بِنَاءً عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ يُلَاقِي حَالَةَ الْبَقَاءِ، وَالْمَالُ فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ تَابِعٌ فَقَطْ حَتَّى تَسْقُطَ عِصْمَةُ الْمَالِ بِاعْتِبَارِهِ وَيُسْتَوْفَى الْقَطْعُ بَعْدَ اسْتِهْلَاكِهِ أَطْلَقَ الْعَبْدَ فَشَمِلَ الْمَأْذُونَ، وَالْمَحْجُورَ عَلَيْهِ وَخَالَفَ مُحَمَّدٌ فِي الْمَحْجُورِ فَقَالَ لَا يُقْطَعُ وَخَالَفَهُ أَبُو يُوسُفَ وَاتَّفَقَا عَلَى أَنَّ الْمَالَ لِلْمَوْلَى وَأَطْلَقَ فِي الْقَطْعِ فَشَمِلَ مَا إذَا صَدَّقَهُ الْمَوْلَى وَكَذَّبَهُ، وَالْخِلَافُ فِيهِ فَقَطْ وَأَطْلَقَ فِي السَّرِقَةِ فَشَمِلَ الْقَائِمَةَ، وَالْمُسْتَهْلِكَةَ وَأَشَارَ بِالرَّدِّ الْمُقَيَّدِ لِبَقَائِهَا إلَى أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مُسْتَهْلَكَةً فَلَا ضَمَانَ وَيُقْطَعُ اتِّفَاقًا وَأَشَارَ بِالْقَطْعِ إلَى أَنَّ الْعَبْدَ كَبِيرٌ إذْ لَا قَطْعَ إلَّا عَلَى مُكَلَّفٍ، فَإِذَا أَقَرَّ عَبْدٌ صَغِيرٌ بِسَرِقَةٍ فَلَا قَطْعَ غَيْرَ أَنَّهُ إذَا كَانَ مَأْذُونًا بِرَدِّ الْمَالِ إلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ إنْ كَانَ قَائِمًا، وَإِنْ كَانَ هَالِكًا يَضْمَنُ، وَإِنْ كَانَ مَحْجُورًا، فَإِنْ صَدَّقَهُ الْمَوْلَى يُرَدُّ الْمَالُ إلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ إنْ كَانَ قَائِمًا وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ هَالِكًا وَلَا بَعْدَ الْعِتْقِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقَيَّدَ بِالْإِقْرَارِ لِيُفِيدَ أَنَّ السَّرِقَةَ لَوْ ثَبَتَتْ عَلَيْهِ بِالْبَيِّنَةِ، فَإِنَّهُ يُقْطَعُ بِالْأَوْلَى وَيُرَدُّ الْمَالُ إلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ لَكِنْ يُشْتَرَطُ حَضْرَةُ الْمَوْلَى عِنْدَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ، وَأَمَّا حَضْرَتُهُ عِنْدَ الْإِقْرَارِ بِالْحُدُودِ فَلَيْسَتْ بِشَرْطٍ اتِّفَاقًا كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ (قَوْلُهُ لَا يَجْتَمِعُ قَطْعٌ وَضَمَانٌ وَتُرَدُّ الْعَيْنُ لَوْ قَائِمَةً) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا غُرْمَ عَلَى السَّارِقِ بَعْدَمَا قُطِعَتْ يَمِينُهُ» وَلِأَنَّ وُجُوبَ الضَّمَانِ يُنَافِي الْقَطْعَ؛ لِأَنَّهُ يَتَمَلَّكُهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ مُسْنَدًا إلَى وَقْتِ الْأَخْذِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ وَرَدَ عَلَى مِلْكِهِ فَيَنْتَفِي الْقَطْعُ وَمَا يُؤَدِّي إلَى انْتِفَائِهِ فَهُوَ الْمُنْتَفِي، أَوْ لِأَنَّ الْمَحَلَّ لَا يَبْقَى مَعْصُومًا حَقًّا لِلْعَبْدِ إذْ لَوْ بَقِيَ كَانَ مُبَاحًا فِي نَفْسِهِ فَيَنْتَفِي الْقَطْعُ لِلشُّبْهَةِ فَيَصِيرُ مُحَرَّمًا حَقًّا لِلشَّرْعِ كَالْمَيْتَةِ وَلَا ضَمَانَ فِيهِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا هَلَكَتْ الْعَيْنُ أَوْ اسْتَهْلَكَهَا وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَسَوَاءٌ كَانَ الِاسْتِهْلَاكُ قَبْلَ الْقَطْعِ أَوْ بَعْدَهُ كَمَا فِي الْمُجْتَبَى وَفَرَّقَ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ بَيْنَ الْهَلَاكِ، وَالِاسْتِهْلَاكِ؛ لِأَنَّ الْعِصْمَةَ لَا يَظْهَرُ سُقُوطُهَا فِي حَقِّ الِاسْتِهْلَاكِ؛ لِأَنَّهُ فِعْلٌ آخَرُ غَيْرُ السَّرِقَةِ وَلَا ضَرُورَةَ فِي حَقِّهِ وَكَذَا الشُّبْهَةُ تُعْتَبَرُ فِيمَا هُوَ السَّبَبُ دُونَ   [منحة الخالق] وَإِلَّا فَهُوَ فِي يَدِهِ وَقَالَ فِي الشرنبلالية لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَا يُشْتَرَطُ الْقَبْضُ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ تَقْطَعُ الْخُصُومَةَ؛ لِأَنَّهُ مَا كَانَ يَهَبُ لِيُخَاصِمَ فَلْيُتَأَمَّلْ. اهـ. وَقَدْ يُقَالُ يُحْتَمَلُ عَوْدُهُ إلَيْهَا وَالْكَلَامُ فِيمَا يَمْنَعُ الْقَطْعَ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُخَاصِمْ لَا يُقْطَعُ، وَإِنْ لَمْ يَهَبْ لِاشْتِرَاطِ حُضُورِهِ عِنْدَ الْقَطْعِ كَمَا مَرَّ تَأَمَّلْ. [أَقَرَّا بِسَرِقَةٍ ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا هُوَ مَالِي] (قَوْلُهُ: اقْتَصَرَ عَلَى الْمُقِرِّ، وَإِنْ أَنْكَرَ فُلَانٌ) كَذَا فِي النُّسَخِ بِالْوَاوِ فِي وَإِنْ وَهُوَ غَيْرُ ظَاهِرٍ بَلْ الظَّاهِرُ حَذْفُهَا وَعِبَارَةُ مِنَحِ الْغَفَّارِ إذَا أَنْكَرَ فُلَانٌ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 70 غَيْرِهِ وَوَجْهُ الْمَشْهُورِ أَنَّ الِاسْتِهْلَاكَ إتْمَامُ الْمَقْصُودِ فَتُعْتَبَرُ الشُّبْهَةُ فِيهِ وَكَذَا يَظْهَرُ سُقُوطُ الْعِصْمَةِ فِي حَقِّ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ ضَرُورَةِ سُقُوطِهَا فِي حَقِّ الْهَلَاكِ لِانْتِفَاءِ الْمُمَاثَلَةِ. وَفِي التَّبْيِينِ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ السَّارِقَ يُفْتَى بِأَدَاءِ الْقِيمَةِ، وَإِنْ لَمْ يُقْضَ بِهِ كَقَطْعِ الطَّرِيقِ، وَالْبَاغِي يُفْتَيَانِ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ، وَالْأَمْوَالِ، وَالدِّيَةِ فِي النُّفُوسِ وَفِي الْكَافِي هَذَا إذَا كَانَ بَعْدَ الْقَطْعِ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ، فَإِنْ قَالَ الْمَالِكُ: أَنَا أَضْمَنُهُ لَمْ يُقْطَعْ عِنْدَنَا، وَإِنْ قَالَ أَنَا أَخْتَارُ الْقَطْعَ يُقْطَعُ وَلَا يَضْمَنُ. اهـ. لِأَنَّهُ فِي الْأُولَى تَضَمَّنَ رُجُوعُهُ عَنْ دَعْوَى السَّرِقَةَ إلَى دَعْوَى الْمَالِ وَأَطْلَقَ فِي قِيَامِ الْعَيْنِ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ السَّارِقُ لَمْ يَتَصَرَّفْ فِيهَا أَوْ بَاعَهَا أَوْ وَهَبَهَا، فَإِنَّهَا تُؤْخَذُ مِنْ الْمُشْتَرِي، وَالْمَوْهُوبِ لَهُ بِلَا خِلَافٍ لِبَقَائِهَا عَلَى مِلْكِ مَالِكِهَا وَفِي الْإِيضَاحِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَحِلُّ لِلسَّارِقِ الِانْتِفَاعُ بِهِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ؛ لِأَنَّهُ عَلَى مِلْكِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ وَكَذَا لَوْ خَاطَهُ قَمِيصًا لَا يَحِلُّ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ وَفِي الْمُجْتَبَى لَوْ قُطِعَ السَّارِقُ ثُمَّ اسْتَهْلَكَ السَّرِقَةَ غَيْرُهُ لَمْ يَضْمَنْ لِأَحَدٍ، وَكَذَا لَوْ هَلَكَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي مِنْهُ أَوْ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَلَوْ اسْتَهْلَكَهُ فَلِلْمَالِكِ تَضْمِينُهُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ قُطِعَ لِبَعْضِ السَّرِقَاتِ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا) يَعْنِي عِنْدَ الْإِمَامِ وَقَالَا يَضْمَنُ كُلَّهَا إلَّا الَّتِي قُطِعَ فِيهَا؛ لِأَنَّ الْحَاضِرَ لَيْسَ بِنَائِبٍ عَنْ الْغَائِبِ وَلَا بُدَّ مِنْ الْخُصُومَةِ لِتَظْهَرَ السَّرِقَةُ فَلَمَّا لَمْ تَظْهَرْ السَّرِقَةُ مِنْ الْغَائِبِينَ فَلَمْ يَقَعْ الْقَطْعُ لَهُمْ فَبَقِيَتْ أَمْوَالُهُمْ مَعْصُومَةً وَلَهُ أَنَّ الْوَاجِبَ بِالْكُلِّ قَطْعٌ وَاحِدٌ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ مَبْنَى الْحُدُودِ عَلَى التَّدَاخُلِ، وَالْخُصُومَةُ شَرْطٌ لِلظُّهُورِ عِنْدَ الْقَاضِي أَمَّا الْوُجُوبُ بِالْجِنَايَةِ، وَإِذَا اسْتَوْفَى فَالْمُسْتَوْفَى كُلُّ الْوَاجِبِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَرْجِعُ نَفْعُهُ إلَى الْكُلِّ فَيَقَعُ عَنْ الْكُلِّ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا كَانَتْ الْعَيْنُ كُلُّهَا لِوَاحِدٍ وَسَرَقَهَا مِنْهُ مِرَارًا فَخَاصَمَ فِي الْبَعْضِ وَلِذَا أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الْكُلُّ لِوَاحِدٍ كَمَا شَمِلَ مَا إذَا كَانَ لِمُتَعَدِّدٍ وَحَضَرَ الْكُلُّ وَقَطَعَ بِالْبَعْضِ أَوْ حَضَرَ الْبَعْضُ فَقَطْ (قَوْلُهُ: وَلَوْ شَقَّ مَا سَرَقَهُ فِي الدَّارِ ثُمَّ أَخْرَجَهُ قُطِعَ) كَمَا إذَا سَرَقَ ثَوْبًا فَشَقَّهُ نِصْفَيْنِ ثُمَّ أَخْرَجَهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ عَدَمُهُ لِشُبْهَةِ الْمِلْكِ، فَإِنَّ الْخَرْقَ الْفَاحِشَ يُوجِبُ الْقِيمَةَ فَيَمْلِكُ الْمَضْمُونَ وَصَارَ كَالْمُشْتَرِي إذَا سَرَقَ مَبِيعًا فِيهِ خِيَارُ الْبَائِعِ وَلَهُمَا أَنَّ الْأَخْذَ وُضِعَ سَبَبًا لِلضَّمَانِ لَا لِلْمِلْكِ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ ضَرُورَةً إذْ الضَّمَانُ كَيْ لَا يَجْتَمِعَ الْبَدَلَانِ فِي مِلْكٍ وَاحِدٍ وَنَفْسُهُ لَا يُورِثُ الشُّبْهَةَ كَنَفْسِ الْآخِذِ وَكَمَا إذَا سَرَقَ الْبَائِعُ مَبِيعًا بَاعَهُ بِخِلَافِ مَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ وُضِعَ لِإِفَادَةِ الْمِلْكِ أَطْلَقَ الشَّقَّ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ فَاحِشًا أَوْ يَسِيرًا لَكِنْ لَا خِلَافَ فِي الْقَطْعِ إذَا كَانَ يَسِيرًا لِعَدَمِ وُجُوبِ الضَّمَانِ وَتَرْكِ الثَّوْب عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يَضْمَنُ النُّقْصَانَ مَعَ الْقَطْعِ وَكَذَا إذَا كَانَ الْخَرْقُ فَاحِشًا وَصَحَّحَ الْخَبَّازِيُّ عَدَمَ وُجُوبِ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجْتَمِعُ مَعَ الْقَطْعِ وَرَجَّحَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الضَّمَانَ تَبَعًا لِقَاضِي خَانْ وَقَالَ إنَّهُ الْحَقُّ لِوُجُوبِ الضَّمَانِ بِالْخَرْقِ قَبْلَ الْإِخْرَاجِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْفَاحِشِ، وَالْيَسِيرِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْفَاحِشَ مَا يَفُوتُ بِهِ بَعْضُ الْعَيْنِ وَبَعْضُ الْمَنْفَعَةِ، وَالْيَسِيرُ مَا لَا يَفُوتُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الْمَنْفَعَةِ بَلْ يَتَعَيَّبُ بِهِ فَقَطْ وَيُرَدُّ عَلَى الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - شَيْئَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْقَطْعَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا اخْتَارَ تَضْمِينَ النُّقْصَانِ وَأَخَذَ الثَّوْبَ، وَإِنْ اخْتَارَ تَضْمِينَ الْقِيمَةِ وَتَرَكَ الثَّوْبَ عَلَيْهِ فَلَا قَطْعَ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْأَخْذِ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ هَذَا الِاخْتِيَارَ مُسْقِطٌ لِلْقَطْعِ بَعْدَ وُجُوبِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا وَهَبَهُ الْعَيْنَ بَلْ أَوْلَى لِاسْتِنَادِهِ وَاقْتِصَارِ الْهِبَةِ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي الْوُجُوبِ. ثَانِيهِمَا: أَنَّ الشَّقَّ لَوْ كَانَ إتْلَافًا فَلَهُ تَضْمِينُ الْقِيمَةِ مِنْ غَيْرِ خِيَارٍ وَيَمْلِكُ السَّارِقُ   [منحة الخالق] [أَقَرَّ عَبْدٌ بِسَرِقَةٍ] (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ هَلَكَ فِي يَدِ الْمُشْتَرَى مِنْهُ إلَخْ) قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَلَوْ أَوْدَعَهُ عِنْدَ غَيْرِهِ فَهَلَكَ فِي يَدِ الْأَصْلِ فِيهِ أَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ لَوْ ضَمِنَهُ صَاحِبُ الْمَالِ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى السَّارِقِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَضْمَنَهُ وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَوْ ضَمِنَهُ لَا يَرْجِعُ عَلَى السَّارِقِ فَلَهُ أَنْ يَضْمَنَهُ وَاَلَّذِي يَرْجِعُ عَلَيْهِ الْمُودِعُ وَالْمُسْتَأْجِرُ وَالْمُرْتَهِنُ (قَوْلُهُ: وَلَوْ اسْتَهْلَكَهُ فَلِلْمَالِكِ تَضْمِينُهُ) أَيْ لَوْ اسْتَهْلَكَهُ الْمُشْتَرِي أَوْ الْمَوْهُوبُ لَهُ وَفِيهِ أَنَّ مُقْتَضَى مَا قَبْلَهُ عَدَمُ التَّضْمِينِ ثُمَّ رَأَيْت فِي النَّهْرِ قَالَ بَعْدَ نَقْلِهِ عِبَارَةَ الْمُجْتَبَى فَيَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْأَجْنَبِيِّ وَالْمُشْتَرِي وَفِي السِّرَاجِ لَوْ اسْتَهْلَكَهَا غَيْرُهُ بَعْدَ لَقْطِهِ كَانَ لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُسْتَهْلِكَ قِيمَتَهُ. اهـ. وَهَذَا بِالْقَوَاعِدِ أَلْيَقُ وَعَلَيْهِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ اهـ. وَلَكِنْ عِبَارَةُ السِّرَاجِ لَيْسَتْ صَرِيحَةً فِي التَّسْوِيَةِ بَلْ ظَاهِرُهَا ذَلِكَ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُنْتَقَى قَطْعُ السَّارِقِ وَالْعَيْنُ قَائِمَةٌ فِي يَدِهِ، وَقَدْ غَيَّبَهُ ثُمَّ اسْتَهْلَكَهُ رَجُلٌ آخَرُ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُسْتَهْلِكِ وَفِيهَا عَنْ الْمُحِيطِ، وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي أَوْ الْمَوْهُوبُ لَهُ فَلِلْمَالِكِ أَنْ يُضَمِّنَهُ ثُمَّ يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى السَّارِقِ بِالثَّمَنِ لَا بِالْقِيمَةِ وَفِيهَا عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَوْ قُطِعَ ثُمَّ اسْتَهْلَكَهُ غَيْرُهُ كَانَ لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ قِيمَتَهُ (قَوْلُهُ: وَعَلَى هَذَا إذَا كَانَ الْعَيْنُ كُلُّهَا لِوَاحِدٍ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا النَّصْبُ بَدَلَ الْعَيْنِ وَهِيَ الصَّوَابُ لِعَدَمِ جَرَيَانِ الْقَوْلِ بِضَمَانِ الْعَيْنِ مِرَارًا عَلَى قَوْلِهِمَا إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْعَيْنِ الْمُتَعَدِّدَةِ. [شَقَّ مَا سَرَقَهُ فِي الدَّارِ ثُمَّ أَخْرَجَهُ] (قَوْلُهُ: وَنَفْسُهُ لَا يُورِثُ شُبْهَةً) الضَّمِيرُ فِي نَفْسِهِ يَعُودُ إلَى الشَّقِّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 71 الثَّوْبَ وَلَا يُقْطَعُ وَحَدُّ الْإِتْلَافِ أَنْ يَنْقُصَ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِ الْقِيمَةِ فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ قَطَعَ مَا لَمْ يَكُنْ إتْلَافًا لَكَانَ أَوْلَى وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ قِيمَةُ الثَّوْبِ نِصَابًا بَعْدَ الشَّقِّ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ سَرَقَ شَاةً فَذَبَحَهَا فَأَخْرَجَهَا لَا) أَيْ لَا قَطْعَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ السَّرِقَةَ تَمَّتْ عَلَى اللَّحْمِ وَلَا قَطْعَ فِيهِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا سَاوَتْ نِصَابًا بَعْدَ الذَّبْحِ وَقَيَّدَ بِعَدَمِ الْقَطْعِ؛ لِأَنَّهُ يَضْمَنُ قِيمَتَهَا لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ (قَوْلُهُ: وَلَوْ صَنَعَ الْمَسْرُوقُ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ قُطِعَ وَرَدَّهَا) أَيْ لَوْ صَنَعَ السَّارِقُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا لَا سَبِيلَ لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ عَلَيْهَا وَأَصْلُهُ فِي الْغَصْبِ فَهَذِهِ صَنْعَةٌ مُتَقَوَّمَةٌ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لَهُ ثُمَّ وُجُوبُ الْقَطْعِ لَا يُشْكِلُ عَلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ وَقِيلَ عَلَى قَوْلِهِمَا لَا يَجِبُ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ قَبْلَ الْقَطْعِ وَقِيلَ يَجِبُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ بِالصَّنْعَةِ شَيْئًا آخَرَ فَلَمْ يَمْلِكْ عَيْنَهُ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَوْ صُنِعَ الْمَسْرُوقُ مِنْ النَّقْدِ آنِيَةً كَانَ كَذَلِكَ بِالْأَوْلَى وَقَيَّدَ بِالنَّقْدِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْحَدِيدِ، وَالرَّصَاصِ، وَالصُّفْرَانِ جَعَلَهُ أَوَانِيَ، فَإِنْ كَانَ يُبَاعُ عَدَدًا فَهُوَ لِلسَّارِقِ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ كَانَ يُبَاعُ وَزْنًا فَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ بَيْنَهُمْ فِي الذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ كَذَا فِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَنَّهُ لَوْ سَرَقَ حِنْطَةً فَطَحَنَهَا تَكُونُ لِلسَّارِقِ بَعْدَ الْقَطْعِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ صَبَغَهُ أَحْمَرَ فَقُطِعَ لَا يُرَدُّ وَلَا يَضْمَنُ) بَيَانٌ لِثَلَاثَةِ أَحْكَامٍ الْأَوَّلُ وُجُوبُ الْقَطْعِ؛ لِأَنَّ قَطْعَ السَّارِقِ بِاعْتِبَارِ سَرِقَةِ الثَّوْبِ الْأَبْيَضِ وَهُوَ لَمْ يَمْلِكْهُ أَبْيَضَ بِوَجْهٍ مَا، وَالْمَمْلُوكُ لِلسَّارِقِ إنَّمَا هُوَ الْمَصْبُوغُ فَصَارَ كَمَا إذَا سَرَقَ حِنْطَةً فَطَحَنَهَا، فَإِنَّهُ يُقْطَعُ بِالْحِنْطَةِ، وَإِنْ مَلَكَ الدَّقِيقَ الثَّانِي: عَدَمُ رَدِّهِ إلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ وَهُوَ قَوْلُهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُؤْخَذُ مِنْهُ الثَّوْبُ وَيُعْطَى مَا زَادَ الصَّبْغُ فِيهِ اعْتِبَارًا لِلْغَصْبِ، وَالْجَامِعُ كَوْنُ الثَّوْبِ أَصْلًا قَائِمًا وَكَوْنُ الصَّبْغِ تَابِعًا وَلَهُمَا أَنَّ الصَّبْغَ قَائِمٌ صُورَةً وَمَعْنًى حَتَّى لَوْ أَرَادَ أَخْذَهُ مَصْبُوغًا يَضْمَنُ مَا زَادَ الصَّبْغُ فِيهِ وَحَقُّ الْمَالِكِ فِي الثَّوْبِ قَائِمٌ صُورَةً لَا مَعْنًى أَلَا تَرَى أَنَّهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَى السَّارِقِ بِالْهَلَاكِ وَهُوَ الْحُكْمُ الثَّالِثُ الَّذِي أَفَادَهُ بِقَوْلِهِ وَلَا يَضْمَنُ أَيْ لَا يَرُدُّهُ حَالَ قِيَامِهِ وَلَا يَضْمَنُهُ حَالَ اسْتِهْلَاكِهِ بِخِلَافِ الْغَصْبِ؛ لِأَنَّ حَقَّ كُلِّ وَاحِدٍ قَائِمٌ صُورَةً وَمَعْنًى فَاسْتَوَيَا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَرَجَّحْنَا جَانِبَ الْمَالِكِ لِمَا ذَكَرْنَا قَيَّدَ بِكَوْنِهِ صَبَغَهُ قَبْلَ الْقَطْعِ بِدَلِيلِ فَاءِ التَّعْقِيبِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ صَبَغَهُ بَعْدَ الْقَطْعِ يَرُدُّهُ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ بَعْدَ الْقَطْعِ لَا تُسْقِطُ الْقَطْعَ كَذَا فِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ وَذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ الصَّبْغَ بَعْدَ الْقَطْعِ، فَإِنَّهُ قَالَ: وَإِنْ سَرَقَ ثَوْبًا فَقُطِعَ فَصَبَغَهُ أَحْمَرَ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ الثَّوْبُ وَلَا يَضْمَنُ. اهـ. وَهُوَ مُفِيدٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ صَبَغَهُ قَبْلُ لَا قَطْعَ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ بِالْأَوْلَى وَكَلَامُ مُحَمَّدٍ دَلِيلٌ عَلَيْهِ أَيْضًا، فَإِنَّهُ قَالَ سَرَقَ الثَّوْبَ فَقُطِعَتْ يَدُهُ، وَقَدْ صَبَغَ الثَّوْبَ أَحْمَرَ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ الثَّوْبُ (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَسْوَدَ يُرَدُّ) أَيْ لَوْ صَبَغَهُ السَّارِقُ أَسْوَدَ يَرُدُّهُ عَلَى الْمَالِكِ يَعْنِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ هَذَا وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ السَّوَادَ عِنْدَهُ زِيَادَةٌ كَالْحُمْرَةِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ زِيَادَةٌ أَيْضًا كَالْحُمْرَةِ لَكِنَّهُ لَا يُقْطَعُ حَقُّ الْمَالِكِ لِمَا مَرَّ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ السَّوَادُ نُقْصَانٌ فَلَا يُوجِبُ انْقِطَاعَ حَقِّ الْمَالِكِ قَالُوا: وَهَذَا اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ لَا حُجَّةٌ وَبُرْهَانٌ، فَإِنَّ النَّاسَ كَانُوا لَا يَلْبَسُونَ السَّوَادَ فِي زَمَنِهِ وَيَلْبَسُونَهُ فِي زَمَنِهِمَا وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ لَوْ سَرَقَ سَوِيقًا فَلَتَّهُ بِسَمْنٍ أَوْ عَسَلٍ فَهُوَ مِثْلُ الِاخْتِلَافِ فِي الصَّبْغِ الْأَحْمَرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (بَابُ قَطْعِ الطَّرِيقِ) . بَيَانٌ لِلسَّرِقَةِ الْكُبْرَى وَإِطْلَاقُ السَّرِقَةِ عَلَيْهِ مَجَازٌ وَلِذَا لَزِمَ التَّقْيِيدُ بِالْكُبْرَى قَالُوا: إنَّ الشَّرَائِطَ الْمُخْتَصَّةَ بِهَا ثَلَاثَةٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ قَوْمٍ لَهُمْ قُوَّةٌ وَشَوْكَةٌ أَوْ وَاحِدٌ كَذَلِكَ الثَّانِي أَنْ لَا يَكُونَ فِي مِصْرٍ أَوْ مَا هُوَ بِمَنْزِلَتِهِ كَمَا بَيْنَ الْمِصْرَيْنِ أَوْ الْقَرْيَتَيْنِ. الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمِصْرِ مَسِيرَةُ سَفَرٍ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ اعْتِبَارُ الشَّرْطِ الْأَوَّلِ فَقَطْ فَيَتَحَقَّقُ فِي الْمِصْرِ لَيْلًا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى لِمَصْلَحَةِ   [منحة الخالق] عَلَى مَا يُفْهَمُ مِنْ الْفَتْحِ. [سَرَقَ شَاةً فَذَبَحَهَا فَأَخْرَجَهَا] (قَوْلُهُ: وَكَلَامُ مُحَمَّدٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى أَنَّهُ لَوْ صَبَغَهُ قَبْلَ الْقَطْعِ لَمْ يَرُدَّهُ تَأَمَّلْ لَكِنْ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ بَعْدَ نَقْلِهِ عِبَارَةَ الْهِدَايَةِ وَلَفْظُ مُحَمَّدٍ سَرَقَ الثَّوْبَ إلَخْ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَصْبُغَهُ قَبْلَ الْقَطْعِ أَوْ بَعْدَهُ. اهـ. وَتَبِعَهُ فِي النَّهْرِ وَهُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ لَكِنْ قَوْلُ مُحَمَّدٍ، وَقَدْ صَبَغَهُ جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ فَمِنْ أَيْنَ يُفِيدُ كَوْنُ الصَّبْغِ بَعْدَ الْقَطْعِ تَأَمَّلْ عَلَى أَنَّ مَا عَزَاهُ إلَى الْهِدَايَةِ لَيْسَ عِبَارَتَهَا، فَإِنَّ عِبَارَةَ الْهِدَايَةِ هَكَذَا، فَإِنْ سَرَقَ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ أَحْمَرَ ثُمَّ قُطِعَ إلَخْ. [بَابُ قَطْعِ الطَّرِيقِ] الجزء: 5 ¦ الصفحة: 72 النَّاسِ. اهـ. (قَوْلُهُ: أَخَذَ قَاصِدُ قَطْعِ الطَّرِيقِ قَبْلَهُ حُبِسَ حَتَّى يَتُوبَ، وَإِنْ أَخَذَ مَالًا مَعْصُومًا وَمَا قَطَعَ يَدَهُ وَرِجْلَهُ مِنْ خِلَافٍ، وَإِنْ قَتَلَ قُتِلَ حَدًّا، وَإِنْ عَفَا الْوَلِيُّ، وَإِنْ قَتَلَ وَأَخَذَ قُطِعَ وَقُتِلَ أَوْ صُلِبَ أَوْ قُتِلَ وَصُلِبَ) بَيَانٌ لِأَحْوَالِ قَاطِعِ الطَّرِيقِ فَبَيَّنَ أَنَّهَا أَرْبَعٌ الْأُولَى: لَوْ أُمْسِكَ بَعْدَمَا قَصَدَ قَطْعَ الطَّرِيقِ وَلَمْ يَقْطَعْهَا عَلَى أَحَدٍ وَحُكْمُهُ الْحَبْسُ حَتَّى يَتُوبَ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ} [المائدة: 33] فَالنَّفْيُ بِمَعْنَى الْحَبْسِ؛ لِأَنَّهُ نَفْيٌ عَنْ وَجْهِ الْأَرْضِ، وَقَدْ عُهِدَ عُقُوبَةً فِي الشَّرْعِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ التَّعْزِيرَ وَفِي الْهِدَايَةِ وَيُعَزَّرُونَ أَيْضًا لِمُبَاشَرَتِهِمْ مُنْكَرَ الْإِخَافَةِ اهـ. وَأَطْلَقَ فِي أَخْذِهِ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ بِإِذْنِ الْإِمَامِ أَوْ لَا وَلَمْ يُبَيِّنُوا بِمَاذَا يَتَحَقَّقُ قَصْدُهُ لِظُهُورِ أَنَّهُ يَحْصُلُ بِوُقُوفِهِ عَلَى الطَّرِيقِ لِإِخَافَةِ الْمَارِّينَ، وَأَمَّا قَطْعُ الطَّرِيقِ حَقِيقَةً فَبِالْقَتْلِ أَوْ أَخْذِ الْمَالِ وَأَنْ يَكُونَ بِالْإِضَافَةِ فَقَطْ فَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ قَبْلَهُ عَائِدًا إلَى قَطْعِ الطَّرِيقِ لَا كَمَا قَالَ الشَّارِحُ إنَّهَا تَرْجِعُ إلَى غَيْرِ مَذْكُورٍ وَكَلَامُهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ مُجَرَّدَ الْإِخَافَةِ قَطْعٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَالتَّوْبَةُ، وَإِنْ كَانَتْ مُتَعَلِّقَةً بِالْقَلْبِ لَكِنْ لِحُصُولِهَا أَمَارَاتٌ ظَاهِرَةٌ فَصَحَّ أَنْ تَكُونَ غَايَةً لِلْحَبْسِ. الثَّانِيَةُ: أَنْ يُؤْخَذَ بَعْدَمَا أَخَذَ الْمَالَ وَلَمْ يَقْتُلْ النَّفْسَ وَحُكْمُهُ أَنْ تُقْطَعَ يَدُهُ الْيُمْنَى وَرِجْلُهُ الْيُسْرَى بِشَرْطَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمَالُ مَعْصُومًا وَهُوَ أَنْ يَكُونَ لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ فَخَرَجَ مَالُ الْحَرْبِيِّ الْمُسْتَأْمَنِ. الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ نِصَابًا وَلَمْ يُصَرِّحْ بِهِ لِلِاكْتِفَاءِ بِذِكْرِهِ فِي السَّرِقَةِ الصُّغْرَى فَلَا قَطْعَ عَلَى مَنْ أَصَابَهُ أَقَلُّ مِنْ نِصَابٍ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ} [المائدة: 33] بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَجْزِيَةَ مُتَوَزِّعَةٌ عَلَى الْأَحْوَالِ كَمَا عُلِمَ فِي الْأُصُولِ وَلَمَّا كَانَتْ جِنَايَتُهُ أَفْحَشَ مِنْ السَّرِقَةِ الصُّغْرَى كَانَتْ عُقُوبَتُهُ أَغْلَظَ، وَإِنَّمَا كَانَ مِنْ خِلَافٍ لِئَلَّا تَفُوتَ جِنْسُ الْمَنْفَعَةِ وَلِذَا لَوْ كَانَتْ يَدُهُ مَقْطُوعَةً أَوْ شَلَّاءَ أَوْ رِجْلُهُ الْيُمْنَى كَذَلِكَ لَا يُقْطَعُ. الثَّالِثَةُ: أَنْ يُؤْخَذَ بَعْدَمَا قَتَلَ نَفْسًا مَعْصُومَةً وَلَمْ يَأْخُذْ مَالًا وَحُكْمُهُ أَنَّ الْإِمَامَ يَقْتُلُهُ حَدًّا لِلَّهِ تَعَالَى لَا قِصَاصًا حَتَّى لَوْ عَفَا الْأَوْلِيَاءُ لَا يُلْتَفَتُ إلَى عَفْوِهِمْ وَأَشَارَ بِكَوْنِهِ حَدًّا إلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْقَتْلِ أَنْ يَكُونَ مُوجِبًا لِلْقِصَاصِ مِنْ مُبَاشَرَةِ الْكُلِّ، وَالْآلَةِ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ فِي مُقَابَلَةِ الْجِنَايَةِ عَلَى حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى بِمُحَارَبَتِهِ وَلِذَا قَالَ فِي الْمُجْتَبَى وَيُقْتَلُ الْكُلُّ فِي الْحَالَةِ الثَّالِثَةِ حَدًّا، الْقَاتِلُ وَالْمُعِينُ فِيهِ سَوَاءٌ، وَإِنَّمَا الشَّرْطُ الْقَتْلُ مِنْ أَحَدِهِمْ وَسَوَاءٌ قَتَلَهُمْ بِسَيْفٍ أَوْ حَجَرٍ أَوْ عَصًا أَوْ غَيْرِهَا وَيَصِيرُ كَالْجَمَاعَةِ قَتَلُوا وَاحِدًا بِهِ قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَصْحَابِ أَبِي بُرْدَةَ. اهـ. الرَّابِعَةُ أَنْ يُؤْخَذَ، وَقَدْ قَتَلَ النَّفْسَ وَأَخَذَ الْمَالَ فَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الْإِمَامَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ إمَّا أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ: قَطْعُ الْيَدِ، وَالرِّجْلِ مِنْ خِلَافٍ، وَالْقَتْلُ، وَالصَّلْبُ، وَإِمَّا أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى الْقَتْلِ وَإِمَّا أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى الصَّلْبِ وَهَكَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَمَنَعَ مُحَمَّدٌ الْقَطْعَ؛ لِأَنَّهُ جِنَايَةٌ وَاحِدَةٌ فَلَا تُوجِبُ حَدَّيْنِ وَلِأَنَّ مَا دُونَ النَّفْسِ يَدْخُلُ فِي النَّفْسِ فِي بَابِ الْحَدِّ كَحَدِّ السَّرِقَةِ، وَالرَّجْمِ وَلَهُمَا أَنَّ هَذِهِ عُقُوبَةٌ وَاحِدَةٌ تَغَلَّظَتْ لِتَغَلُّظِ سَبَبِهَا وَهُوَ تَفْوِيتُ الْأَمْنِ عَلَى التَّنَاهِي بِالْقَتْلِ وَأَخْذُ الْمَالِ وَلِهَذَا كَانَ قَطْعُ الْيَدِ، وَالرِّجْلِ مَعًا فِي الْكُبْرَى حَدًّا وَاحِدًا، وَإِنْ كَانَ فِي الصُّغْرَى حَدَّيْنِ، وَالتَّدَاخُلُ فِي الْحُدُودِ لَا فِي حَدٍّ وَاحِدٍ ثُمَّ ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ التَّخْيِيرَ بَيْنَ الصَّلْبِ وَتَرْكِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَتْرُكُهُ؛ لِأَنَّهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ، وَالْمَقْصُودُ التَّشْهِيرُ لِيَعْتَبِرَ بِهِ غَيْرُهُ وَنَحْنُ نَقُولُ أَصْلُ التَّشْهِيرِ بِالْقَتْلِ، وَالْمُبَالَغَةِ بِالصَّلْبِ فَيُخَيَّرُ فِيهِ (قَوْلُهُ: وَيُصْلَبُ حَيًّا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَيُبْعَجُ بَطْنُهُ بِرُمْحٍ حَتَّى   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَأَنَّهُ يَكُونُ بِالْإِضَافَةِ) كَذَا فِي النُّسَخِ وَلَعَلَّ الصَّوَابَ وَيَكُونُ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ: لَا كَمَا قَالَ الشَّارِحُ إنَّهَا تَرْجِعُ إلَى غَيْرِ مَذْكُورٍ) أَيْ لَهَا فِي قَوْلِهِ قَبْلَهُ وَالْمُرَادُ بِغَيْرِ الْمَذْكُورِ أَخْذُ الْمَالِ وَقَتْلُ النَّفْسِ وَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ تَبِعَ فِيهِ الْعَيْنِيَّ حَيْثُ ذَكَرَ أَنَّ مَا فِي الشَّرْحِ تَعَسُّفٌ بَلْ الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إلَى قَطْعِ الطَّرِيقِ وَدَفَعَهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ الْإِخَافَةَ حَالٌ مِنْ أَحْوَالِ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْآيَةِ وَالْمَتْنِ وَعَلَى مَا ادَّعَاهُ الْعَيْنِيُّ لَا تَكُونُ الْإِخَافَةُ مِنْهُ أَصْلًا قَالَ وَلَمْ يَنْتَبِهْ فِي الْبَحْرِ إلَى هَذَا فَمَشَى مَعَ الْعَيْنِيِّ وَعَيَّنَ الشَّارِحُ الْبَحْرَ. اهـ. وَأَجَابَ فِي حَوَاشِي مِسْكِينٍ عَنْ الْعَيْنِيِّ بِأَنَّ الْإِخَافَةَ لَمَّا لَمْ تَكُنْ مَقْصُودَةً، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ قَتْلُ النَّفْسِ وَأَخْذُ الْمَالِ صَحَّ جَعْلُ الضَّمِيرِ رَاجِعًا إلَى قَطْعِ الطَّرِيقِ نَظَرًا إلَى مَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ وَفِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ قَاصِدُ قَطْعِ الطَّرِيقِ إشَارَةً إلَيْهِ إذْ مُجَرَّدُ الْإِخَافَةِ لَيْسَ مِنْ مَقْصُودِهِ (قَوْلُهُ: فَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الْإِمَامَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ) قَالَ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ فِيهِ إنَّ التَّخْيِيرَ يُنَافِي مَا قَدْ ذَكَرَهُ آنِفًا أَنَّ الْمُرَادَ التَّوْزِيعُ عَلَى الْأَحْوَالِ فَلْيُتَأَمَّلْ فِي التَّوْفِيقِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 73 يَمُوتَ) تَشْهِيرًا لَهُ وَاسْتِعْجَالًا لِمَوْتِهِ وَمَعْنَى يُبْعَجُ يُشَقُّ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ، وَالصَّلْبُ حَيًّا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ كَمَا فِي الْمُجْتَبَى وَهُوَ الْأَصَحُّ وَعِنْدَ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ يُقْتَلُ ثُمَّ يُصْلَبُ وَقَيَّدَ بِالثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُصْلَبُ أَكْثَرَ مِنْهَا تَوَقِّيًا عَنْ تَأَذِّي النَّاسِ، فَإِذَا تَمَّ لَهُ ثَلَاثَةٌ مِنْ وَقْتِ مَوْتِهِ يُخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِهِ لِيَدْفِنُوهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُتْرَكُ عَلَى الْخَشَبَةِ حَتَّى يَتَقَطَّعَ فَيَسْقُطَ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَضْمَنْ مَا أَخَذَ) يَعْنِي بَعْدَمَا أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ كَمَا فِي السَّرِقَةِ الصُّغْرَى وَلَوْ قَالَ وَلَمْ يَضْمَنْ مَا فَعَلَ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَا يَضْمَنُ مَا قَتَلَ وَمَا جَرَحَ لِذَلِكَ الْمَعْنَى (قَوْلُهُ: وَغَيْرُ الْمُبَاشِرِ كَالْمُبَاشِرِ) يَعْنِي فِي الْأَخْذِ، وَالْقَتْلِ حَتَّى تَجْرِيَ الْأَحْكَامُ عَلَى الْكُلِّ بِمُبَاشَرَةِ الْبَعْضِ؛ لِأَنَّهُ جَزَاءُ الْمُحَارَبَةِ وَهِيَ تَتَحَقَّقُ بِأَنْ يَكُونَ الْبَعْضُ رَدًّا لِلْبَعْضِ حَتَّى إذَا زَالَتْ أَقْدَامُهُمْ انْحَازُوا إلَيْهِمْ، وَإِنَّمَا الشَّرْطُ الْقَتْلُ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَقَدْ تَحَقَّقَ (قَوْلُهُ:، وَالْعَصَا، وَالْحَجَرُ كَالسَّيْفِ) ؛ لِأَنَّهُ يَقَعُ قَطْعًا لِلطَّرِيقِ بِقَطْعِ الْمَارَّةِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ أَخَذَ مَالًا وَجَرَحَ قُطِعَ وَبَطَلَ الْجَرْحُ) بَيَانٌ لِلْحَالَةِ الْخَامِسَةِ لَهُمْ وَهِيَ أَنْ يَأْخُذَ الْمَالَ وَيَجْرَحَ إنْسَانًا فَتُقْطَعُ يَدُهُ وَرِجْلُهُ مِنْ خِلَافٍ وَلَا يَجِبُ شَيْءٌ لِأَجْلِ الْجَرْحِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا وَجَبَ الْحَدُّ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى سَقَطَتْ عِصْمَةُ النَّفْسِ حَقًّا لِلْعَبْدِ كَمَا تَسْقُطُ عِصْمَةُ الْمَالِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ جَرَحَ فَقَطْ أَوْ قَتَلَ فَتَابَ أَوْ كَانَ بَعْضُ الْقُطَّاعِ غَيْرَ مُكَلَّفٍ أَوْ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْمَقْطُوعِ عَلَيْهِ أَوْ قَطَعَ بَعْضَ الْقَافِلَةِ عَلَى الْبَعْضِ أَوْ قَطَعَ الطَّرِيقَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا بِمِصْرٍ أَوْ بَيْنَ مِصْرَيْنِ لَمْ يُحَدُّ فَأَقَادَ الْوَلِيُّ أَوْ عَفَا) بَيَانُ الْمَسَائِلِ الَّتِي لَا حَدَّ فِيهَا وَهِيَ سِتُّ مَسَائِلَ: الْأُولَى: لَوْ جَرَحَ وَلَمْ يَقْتُلْ وَلَمْ يَأْخُذْ مَالًا فَلِأَنَّهُ لَا حَدَّ فِي هَذِهِ الْجِنَايَةِ فَيَظْهَرُ حَقُّ الْعَبْدِ فَيُقْتَصُّ مِنْهُ مِمَّا فِيهِ الْقِصَاصُ وَأُخِذَ الْأَرْشُ مِنْهُ مِمَّا فِيهِ الْأَرْشُ وَذَلِكَ إلَى الْأَوْلِيَاءِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لِلْمَجْرُوحِ لَا لِوَلِيِّهِ، فَإِنْ أَفْضَى الْجُرْحُ إلَى الْقَتْلِ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ الْحَدُّ وَلَمَّا كَانَ أَخْذُ الْمَالِ الْمُوجِبِ لِلْحَدِّ هُنَا هُوَ النِّصَابَ كَأَنْ أَخَذَ مَا دُونَهُ بِمَنْزِلَةِ الْعَدَمِ، فَإِذَا أَخَذَ مَا دُونَ النِّصَابِ وَجَرَحَ فَهُوَ دَاخِلٌ تَحْتَ قَوْلِهِ: وَإِنْ جَرَحَ فَقَطْ وَكَذَا إذَا أَخَذَ مَالًا يُقْطَعُ فِيهِ كَالْأَشْيَاءِ الَّتِي يَتَسَارَعُ إلَيْهَا الْفَسَادُ قَالَ الشَّارِحُ: وَلَوْ كَانَ مَعَ هَذَا الْأَخْذِ قَتْلٌ لَا يَجِبُ الْحَدُّ أَيْضًا وَهِيَ طَعْنُ عِيسَى، فَإِنَّهُ قَالَ: الْقَتْلُ وَحْدَهُ يُوجِبُ الْحَدَّ فَكَيْفَ يَمْتَنِعُ مَعَ الزِّيَادَةِ فَجَوَابُهُ أَنَّ قَصْدَهُمْ الْمَالَ غَالِبًا فَيُنْظَرُ إلَيْهِ لَا غَيْرُ بِخِلَافِ مَا إذَا اقْتَصَرُوا عَلَى الْقَتْلِ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ مَقْصِدَهُمْ الْقَتْلُ دُونَ الْمَالِ فَيُحَدُّونَ فَعُدَّتْ هَذِهِ مِنْ الْغَرَائِبِ وَأُمِرَ بِحِفْظِهَا فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ وَعَدَّهَا مِنْ أَعْجَبِ الْمَسَائِلِ مِنْ حَيْثُ إنَّ ازْدِيَادَ الْجِنَايَةِ أَوْرَثَ الْخِفَّةَ الثَّانِيَةَ لَوْ قَتَلَ فَتَابَ قَبْلَ الْأَخْذِ لَا حَدَّ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْجِنَايَةَ لَا تُقَامُ بَعْدَ التَّوْبَةِ لِلِاسْتِثْنَاءِ الْمَذْكُورِ فِي النَّصِّ أَوْ لِأَنَّ التَّوْبَةَ تَتَوَقَّفُ عَلَى رَدِّ الْمَالِ وَلَا قَطْعَ فِي مِثْلِهِ فَظَهَرَ حَقُّ الْعَبْدِ فِي النَّفْسِ، وَالْمَالِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْوَلِيُّ الْقِصَاصَ أَوْ يَعْفُوَ وَيَجِبُ الضَّمَانُ إذَا هَلَكَ فِي يَدِهِ أَوْ اسْتَهْلَكَهُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ. وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِالْمُخْتَصِّ بِالْقَتْلِ لِيُعْلَمَ حُكْمُ أَخْذِ الْمَالِ بِالْأَوْلَى وَفِي الْمَبْسُوطِ، وَالْمُحِيطِ رَدُّ الْمَالِ مِنْ تَمَامِ تَوْبَتِهِمْ لِتَنْقَطِعَ خُصُومَةُ صَاحِبِهِ وَلَوْ تَابَ وَلَمْ يَرُدَّ الْمَالَ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْكِتَابِ وَاخْتَلَفُوا فِيهِ فَقِيلَ لَا يَسْقُطُ الْحَدُّ كَسَائِرِ الْحُدُودِ وَلَا تَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ وَقِيلَ يَسْقُطُ أَشَارَ إلَيْهِ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ. الثَّالِثَةُ، وَالرَّابِعَةُ: لَوْ كَانَ بَعْضُ الْقُطَّاعِ غَيْرَ مُكَلَّفٍ كَالصَّبِيِّ، وَالْمَجْنُونِ أَوْ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْمَقْطُوعِ عَلَيْهِ، فَإِنَّ الْقَطْعَ يَسْقُطُ عَنْ الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ جِنَايَةٌ وَاحِدَةٌ قَامَتْ بِالْكُلِّ، فَإِذَا لَمْ يَقَعْ فِعْلُ بَعْضِهِمْ مُوجِبًا كَانْ فِعْلُ الْبَاقِينَ بَعْضَ الْعِلَّةِ وَبِهِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ وَلَمْ يَضْمَنْ مَا فَعَلَ لَكَانَ أَوْلَى) أَجَابَ فِي النَّهْرِ بِأَنَّهُ لَمَّا بَيَّنَ أَنَّ قَتْلَهُ بِمُقَابَلَةِ قَتْلِ النَّفْسِ الْمَعْصُومَةِ وَجَرْحِهَا رُبَّمَا تُوُهِّمَ أَخْذُ الْمَالِ مِنْ تَرِكَتِهِ إذْ لَمْ يُقَابَلْ بِشَيْءٍ فَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُهُ قَالَ وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ مَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: وَفِيهِ نَظَرٌ إلَخْ) قَالَ الْمَقْدِسِيَّ يُرَادُ بِالْأَوْلِيَاءِ مَا يَشْمَلُ الْمَجْرُوحَ فَهُوَ وَلِيُّ نَفْسِهِ إنْ كَانَ أَهْلًا وَإِلَّا فَوَلِيُّهُ الْأَبُ أَوْ الْوَصِيُّ وَنَحْوُهُ. اهـ. (قَوْلُهُ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ الْحَدُّ) أَيْ وَيَصِيرُ كَمَا لَوْ قَتَلَ فَقَطْ وَهِيَ الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ (قَوْلُهُ: فَجَوَابُهُ أَنَّ قَصْدَهُمْ إلَخْ) قَالَ الْمَقْدِسِيَّ بَعْدَ ذِكْرِهِ لِهَذَا أَقُولُ: وَيُفْهَمُ مِنْ ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ أَنَّهُمْ إذَا كَانَ قَصْدُهُمْ الْقَتْلَ لَمْ يَكُونُوا قُطَّاعَ طَرِيقٍ مَعَ أَنَّ الْحُكْمَ أَنَّهُمْ يُحَدُّونَ بِالْقَتْلِ وَحْدَهُ وَإِذَا فُرِضَ أَنَّ مَا أَخَذَهُ مِنْ الْمَالِ قَلِيلٌ أَوْ تَافِهٌ صَارَ كَالْمَعْدُومِ فَكَأَنَّهُمْ قَتَلُوا فَقَطْ فَيَنْبَغِي أَنْ يُحَدُّوا وَالْجَوَابُ أَنَّ الْقَتْلَ إذَا انْفَرَدَ وَرَدَ الشَّرْعُ فِيهِ بِالْحَدِّ فَعَلِمْنَا أَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ قَتْلَهُمْ سَبَبًا لِلْمَالِ حُكْمًا وَإِذَا كَانَ مَعَهُ أَخْذُ مَالٍ نُظِرَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ، فَإِنْ كَانَ قَلِيلًا مُنِعَ الْحَدُّ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا لَمْ يُمْنَعْ اهـ. (قَوْلُهُ: حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْوَلِيُّ الْقِصَاصَ) قَالَ فِي الْفَتْحِ وَحِينَئِذٍ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ قَتَلَ بِحَدِيدٍ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ لَا يَجِبُ إلَّا بِهِ وَنَحْوُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 74 لَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ فَصَارَ كَالْخَاطِئِ مَعَ الْعَامِدِ أَطْلَقَ فِي ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ فَشَمِلَ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُشْتَرِكًا بَيْنَ الْمَقْطُوعِ عَلَيْهِمْ وَهُوَ الْأَصَحُّ. لِأَنَّ الْجِنَايَةَ وَاحِدَةٌ فَالِامْتِنَاعُ فِي حَقِّ الْبَعْضِ يُوجِبُ الِامْتِنَاعَ فِي حَقِّ الْبَاقِينَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِيهِمْ مُسْتَأْمَنٌ؛ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ فِي حَقِّهِ لِخَلَلٍ فِي الْعِصْمَةِ وَهُوَ يَخُصُّهُ أَمَّا هُنَا الِامْتِنَاعُ لِخَلَلٍ فِي الْحِرْزِ، وَالْقَافِلَةُ حِرْزٌ وَاحِدٌ، وَإِذَا سَقَطَ الْحَدُّ صَارَ الْقَتْلُ إلَى الْأَوْلِيَاءِ لِظُهُورِ حَقِّ الْعَبْدِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَإِنْ شَاءُوا قَتَلُوهُ، وَإِنْ شَاءُوا عَفَوْا وَأَشَارَ بِذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ إلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي الْمَقْطُوعِ عَلَيْهِمْ شَرِيكٌ مُفَاوِضٌ لِبَعْضِ الْقُطَّاعِ لَا يُحَدُّونَ كَذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ وَفِي الْمَبْسُوطِ تَابُوا وَفِيهِمْ عَبْدٌ قَطَعَ يَدَ حُرٍّ دَفَعَهُ مَوْلَاهُ أَوْ فَدَاهُ كَمَا فَعَلَهُ فِي غَيْرِ قَطْعِ الطَّرِيقِ وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَا قِصَاصَ بَيْنَ الْعَبِيدِ، وَالْأَحْرَارِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ فَيَبْقَى حُكْمُ الدَّفْعِ، وَالْفِدَاءِ، فَإِنْ كَانَتْ فِيهِمْ امْرَأَةٌ فَعَلَتْ ذَلِكَ فَعَلَيْهَا دِيَةُ الْيَدِ فِي مَالِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا قِصَاصَ بَيْنَ الرِّجَالِ، وَالنِّسَاءِ فِي الْأَطْرَافِ، وَالْوَاقِعُ مِنْهَا عَمْدًا لَا تَعْقِلُهُ الْعَاقِلَةُ الْخَامِسَةُ لَوْ قَطَعَ بَعْضُ الْقَافِلَةِ عَلَى الْبَعْضِ لَمْ يَجِبْ الْحَدُّ؛ لِأَنَّ الْحِرْزَ وَاحِدٌ فَصَارَتْ الْقَافِلَةُ كَدَارٍ وَاحِدَةٍ، وَإِذَا لَمْ يَجِبْ الْحَدُّ وَجَبَ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ إنْ قَتَلَ عَمْدًا بِحَدِيدَةٍ أَوْ بِمُثْقَلٍ عِنْدَهُمَا وَرَدَّ الْمَالَ إنْ أَخَذَهُ وَهُوَ قَائِمٌ فِي يَدِهِ وَضَمَانُهُ إنْ هَلَكَ أَوْ اُسْتُهْلِكَ. السَّادِسَةُ: لَوْ قَطَعَ الطَّرِيقَ بِمِصْرٍ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا أَوْ بَيْنَ مِصْرَيْنِ فَلَيْسَ بِقَاطِعِ الطَّرِيقِ اسْتِحْسَانًا وَفِي الْقِيَاسِ أَنْ يَكُونَ قَاطِعَ الطَّرِيقِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ لِوُجُودِهِ حَقِيقَةً وَقَدَّمْنَا الْمُفْتَى بِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ خَنَقَ فِي الْمِصْرِ غَيْرَ مَرَّةٍ قُتِلَ بِهِ) أَيْ مِرَارًا كَذَا فِي شَرْحِ مِسْكِينٍ؛ لِأَنَّهُ صَارَ سَاعِيًا فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ فَيُدْفَعُ شَرُّهُ بِالْقَتْلِ، وَالْخَنْقُ عَصْرُ الْحَلْقِ قَيَّدَ بِتَعَدُّدِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ خَنَقَ مَرَّةً وَاحِدَةً فَلَا قَتْلَ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَإِنَّمَا تَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَهِيَ نَظِيرُ مَسْأَلَةِ الْقَتْلِ بِالْمُثْقَلِ وَصَرَّحَ الشَّارِحُ بِأَنَّ الْقَتْلَ عِنْدَ التَّكْرَارِ إنَّمَا هُوَ بِطَرِيقِ السِّيَاسَةِ وَمِنْهَا مَا حُكِيَ عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي بَكْرٍ الْأَعْمَشِ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ السَّرِقَةُ إذَا أَنْكَرَ فَلِلْإِمَامِ أَنْ يَعْمَلَ فِيهِ بِأَكْبَرِ رَأْيِهِ، فَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ سَارِقٌ وَأَنَّ الْمَالَ الْمَسْرُوقَ عِنْدَهُ عَاقَبَهُ، وَيَجُوزُ ذَلِكَ كَمَا لَوْ رَآهُ الْإِمَامُ جَالِسًا مَعَ الْفُسَّاقِ فِي مَجْلِسِ الشَّرَابِ وَكَمَا لَوْ رَآهُ يَمْشِي مَعَ السُّرَّاقِ وَبِغَلَبَةِ الظَّنِّ أَجَازُوا قَتْلَ النَّفْسِ كَمَا إذَا دَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ شَاهِرٌ سَيْفَهُ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يَقْتُلُهُ وَحُكِيَ عَنْ عِصَامِ بْنِ يُوسُفَ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَمِيرِ بَلْخٍ فَأُتِيَ بِسَارِقٍ فَأَنْكَرَ السَّرِقَةَ فَقَالَ الْأَمِيرُ لِعِصَامٍ مَاذَا يَجِبُ عَلَيْهِ فَقَالَ عَلَى الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةُ وَعَلَى الْمُنْكِرِ الْيَمِينُ فَقَالَ الْأَمِيرُ هَاتُوا بِالسَّوْطِ فَمَا ضُرِبَ عَشْرَةً حَتَّى أَقَرَّ وَأَحْضَرَ السَّرِقَةَ فَقَالَ عِصَامٌ مَا رَأَيْت جَوْرًا أَشْبَهَ بِالْعَدْلِ مِنْ هَذَا. اهـ. وَفِي التَّجْنِيسِ رَجُلٌ ادَّعَى عَلَى آخَرَ بِسَرِقَةٍ كَانَ عَلَى الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةُ وَعَلَى السَّارِقِ الْيَمِينُ، وَالضَّرْبُ خِلَافُ الشَّرْعِ فَلَا يُفْتَى بِهِ؛ لِأَنَّ فَتْوَى الْمُفْتِي يَجِبُ أَنْ يُطَابِقَ الشَّرْعَ لِصٌّ هُوَ مَعْرُوفٌ بِالسَّرِقَةِ وَجَدَهُ رَجُلٌ يَذْهَبُ فِي حَاجَتِهِ غَيْرَ مَشْغُولٍ بِالسَّرِقَةِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْتُلَهُ وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ وَلِلْإِمَامِ أَنْ يَحْبِسَهُ حَتَّى يَتُوبَ؛ لِأَنَّ الْحَبْسَ لِلزَّجْرِ لِتَوْبَتِهِ مَشْرُوعٌ رَجُلٌ اسْتَقْبَلَهُ اللُّصُوصُ وَمَعَهُ مَالٌ لَا يُسَاوِي عَشْرَةً حَلَّ لَهُ أَنْ يُقَاتِلَهُمْ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «قَاتِلْ دُونَ مَالِكَ» وَاسْمُ الْمَالِ يَقَعُ عَلَى الْقَلِيلِ، وَالْكَثِيرِ اللِّصُّ إذَا دَخَلَ دَارَ رَجُلٍ وَأَخَذَ الْمَتَاعَ فَلَهُ أَنْ يَقْتُلَهُ مَا دَامَ الْمَتَاعُ مَعَهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «قَاتِلْ دُونَ مَالِك» ، فَإِنْ رَمَى بِهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْتُلَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُهُ الْحَدِيثُ اهـ. وَفِي الذَّخِيرَةِ رَجُلٌ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ سَرِقَةً وَقَدَّمَهُ إلَى السُّلْطَانِ وَطَلَبَ مِنْ السُّلْطَانِ أَنْ يَضْرِبَهُ فَضَرَبَهُ السُّلْطَانُ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ أُعِيدَ إلَى السِّجْنِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُعَذِّبَهُ فَخَافَ الْمَحْبُوسُ مِنْ التَّعْذِيبِ، وَالضَّرْبِ فَصَعِدَ السَّطْحَ لِيَفِرَّ فَسَقَطَ مِنْ السَّطْحِ وَمَاتَ، وَقَدْ لَحِقَهُ غَرَامَةٌ فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ، وَقَدْ ظَهَرَتْ السَّرِقَةُ عَلَى يَدَيْ رَجُلٍ آخَرَ كَانَ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يَأْخُذُوا صَاحِبَ السَّرِقَةِ بِدِيَةِ أَبِيهِمْ وَبِالْغَرَامَةِ الَّتِي أَدَّاهَا إلَى السُّلْطَانِ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ حَصَلَ بِتَسْبِيبِهِ وَهُوَ مُتَعَدٍّ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: أَيْ مِرَارًا) قَالَ أَبُو السُّعُودِ فِي حَوَاشِي مِسْكِينٍ أَرَادَ مَرَّتَيْنِ فَصَاعِدًا وَالْقَرِينَةُ عَلَى هَذِهِ الْإِرَادَةِ مَا سَيَأْتِي مِنْ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ خَنَقَ مَرَّةً وَاحِدَةً حَتَّى قَتَلَهُ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ حَيْثُ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً الجزء: 5 ¦ الصفحة: 75 فِي هَذَا التَّسْبِيبِ هَكَذَا ذَكَرَ فِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ قِيلَ هَذَا الْجَوَابُ مُسْتَقِيمٌ فِي حَقِّ الْغَرَامَةِ أَصْلُهُ مَسْأَلَةُ السِّعَايَةِ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ فِي حَقِّ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ صَعِدَ السَّطْحَ بِاخْتِيَارِهِ وَقِيلَ هُوَ مُسْتَقِيمٌ فِي حَقِّ الدِّيَةِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ مُكْرَهٌ عَلَى الصُّعُودِ لِلْفِرَارِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا قَصَدَ الْفِرَارَ خَوْفًا عَلَى نَفْسِهِ مِنْ التَّعْذِيبِ. اهـ. وَلَمْ أَرَ فِي كَلَامِ مَشَايِخِنَا تَعْرِيفَ السِّيَاسَةِ قَالَ الْمَقْرِيزِيُّ فِي الْخُطَطِ يُقَالُ سَاسَ الْأَمْرَ سِيَاسَةً بِمَعْنَى قَامَ بِهِ وَهُوَ سَائِسٌ مِنْ قَوْلِهِمْ سَاسَهُ وَسَوَّسَهُ الْقَوْمُ جَعَلُوهُ يَسُوسُهُمْ، وَالسَّوْسُ الطَّبْعُ، وَالْخُلُقُ يُقَالُ الْفَصَاحَةُ مِنْ سَوْسِهِ، وَالْكَرَمُ مِنْ سَوْسِهِ أَيْ مِنْ طَبْعِهِ فَهَذَا أَصْلُ وَضْعِ السِّيَاسَةِ فِي اللُّغَةِ ثُمَّ رُسِمَتْ بِأَنَّهَا الْقَانُونُ الْمَوْضُوعُ لِرِعَايَةِ الْآدَابِ، وَالْمَصَالِحِ وَانْتِظَامِ الْأَمْوَالِ، وَالسِّيَاسَةُ نَوْعَانِ سِيَاسَةٌ عَادِلَةٌ تُخْرِجُ الْحَقَّ مِنْ الظَّالِمِ الْفَاجِرِ فَهِيَ مِنْ الشَّرِيعَةِ عِلْمُهَا مِنْ عِلْمِهَا وَجَهْلُهَا مِنْ جَهْلِهَا، وَقَدْ صَنَّفَ النَّاسُ فِي السِّيَاسَةِ الشَّرْعِيَّةِ كُتُبًا مُتَعَدِّدَةً، وَالنَّوْعُ الْآخَرُ سِيَاسَةٌ ظَالِمَةٌ فَالشَّرِيعَةُ تُحَرِّمُهَا إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ النِّصْفِ الثَّانِي عِنْدَ ذِكْرِ جُيُوشِ الدَّوْلَةِ التُّرْكِيَّةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (كِتَابُ السِّيَرِ) مُنَاسَبَتُهُ لِلْحُدُودِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُمَا إخْلَاءُ الْعَالَمِ عَنْ الْفَسَادِ فَكَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا حَسَنًا لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ وَقَدَّمَهَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا مُعَامَلَةٌ مَعَ الْمُسْلِمِينَ، وَالْجِهَادُ مُعَامَلَةٌ مَعَ الْكُفَّارِ وَهَذَا الْكِتَابُ يُعَبَّرُ عَنْهُ بِالسِّيَرِ، وَالْجِهَادِ، وَالْمَغَازِي فَالسِّيَرُ جَمْعُ سِيرَةٍ وَهِيَ فُعَّلَةٌ بِكَسْرِ الْفَاءِ مِنْ السَّيْرِ فَتَكُونُ لِبَيَانِ هَيْئَةِ السَّيْرِ وَحَالَتِهِ إلَّا أَنَّهَا غَلَبَتْ فِي لِسَانِ الشَّرْعِ عَلَى أُمُورِ الْمَغَازِي وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا كَالْمَنَاسِكِ عَلَى أُمُورِ الْحَجِّ وَقَالُوا: السِّيَرُ الْكَبِيرُ فَوَصَفُوهَا بِصِفَةِ الْمُذَكَّرِ لِقِيَامِهَا مَقَامَ الْمُضَافِ الَّذِي هُوَ الْكِتَابُ كَقَوْلِهِمْ صَلَاةُ الظُّهْرِ وَسِيَرُ الْكَبِيرِ خَطًّا كَجَامِعِ الصَّغِيرِ وَجَامِعُ الْكَبِيرِ وَالْجِهَادُ هُوَ الدُّعَاءُ إلَى الدِّينِ الْحَقِّ، وَالْقِتَالُ مَعَ مَنْ امْتَنَعَ عَنْ الْقَبُولِ بِالنَّفْسِ، وَالْمَالِ، وَالْمَغَازِي جَمْعُ الْمَغْزَاةِ مِنْ غَزَوْت الْعَدُوَّ وَقَصَدْته لِلْقِتَالِ غَزْوًا وَهِيَ الْغَزْوَةُ، وَالْغُزَاةُ، وَالْمَغْزَاةُ وَسَبَبُ الْجِهَادِ عِنْدَنَا كَوْنُهُمْ حَرْبًا عَلَيْنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ هُوَ كُفْرُهُمْ كَذَا فِي النِّهَايَةِ (قَوْلُهُ: الْجِهَادُ فَرْضُ كِفَايَةٍ ابْتِدَاء) مُفِيدٌ لِثَلَاثَةِ أَحْكَامٍ الْأَوَّلُ كَوْنُهُ فَرْضًا وَدَلِيلُهُ الْأَوَامِرُ الْقَطْعِيَّةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5] {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً} [التوبة: 36] {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ} [التوبة: 29] وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهَا عُمُومَاتٌ مَخْصُوصَةٌ، وَالْمَخْصُوصُ ظَنِّيُّ الدَّلَالَةِ وَبِهِ لَا يَثْبُتُ الْفَرْضُ وَأُجِيبَ بِأَنَّ خُرُوجَ الصَّبِيِّ، وَالْمَجْنُونِ مِنْهَا بِالْعَقْلِ لَا يُصَيِّرُهُ ظَنًّا، وَأَمَّا غَيْرُهُمَا فَنَفْسُ النَّصِّ ابْتِدَاءً لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِمَنْ بِحَيْثُ يُحَارَبُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً} [التوبة: 36] الْآيَةَ فَلَمْ تَدْخُلُ الْمَرْأَةُ وَأَمَّا الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِيهِ فَظَنِّيَّةٌ لَا تُفِيدُ الِافْتِرَاضَ وَقَوْلُ صَاحِبِ الْإِيضَاحِ إذَا تَأَيَّدَ خَبَرُ الْوَاحِدِ بِالْكِتَابِ، وَالْإِجْمَاعِ يُفِيدُ الْفَرْضِيَّةَ مَمْنُوعٌ بَلْ الْمُفِيدُ حِينَئِذٍ الْكِتَابُ، وَالْإِجْمَاعُ وَجَاءَ الْخَبَرُ عَلَى وَفْقِهِمَا، وَأَمَّا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْجِهَادُ مَاضٍ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» فَدَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِهِ وَأَنَّهُ لَا يُنْسَخُ وَهُوَ مِنْ مَضَى فِي الْأَرْضِ مَضَاءً نَفَذَ. الثَّانِي: كَوْنُهُ عَلَى الْكِفَايَةِ؛ لِأَنَّهُ مَا فُرِضَ لَعَيْنِهِ إذْ هُوَ إفْسَادٌ فِي نَفْسِهِ، وَإِنَّمَا فُرِضَ لِإِعْزَازِ دِينِ اللَّهِ تَعَالَى وَدَفْعِ الشَّرِّ عَنْ الْعِبَادِ، فَإِذَا حَصَلَ الْمَقْصُودُ بِالْبَعْضِ سَقَطَ عَنْ الْبَاقِينَ كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَرَدِّ السَّلَامِ، وَالْأَدِلَّةُ الْمَذْكُورَةُ، وَإِنْ كَانَتْ تُفِيدُ فَرْضَ الْعَيْنِ لَكِنْ قَوْله تَعَالَى {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ} [النساء: 95] إلَى قَوْلِهِ {وَكُلا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [النساء: 95] وَعَدَ الْقَاعِدِينَ الْحُسْنَى فَلَوْ كَانَ فَرْضَ عَيْنٍ لَاسْتَحَقُّوا الْإِثْمَ، وَقَدْ صَحَّ خُرُوجُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي بَعْضِ الْغَزَوَاتِ وَقُعُودُهُ فِي الْبَعْضِ، وَقَدْ ظَنَّ بَعْضُ الْمَشَايِخِ مِنْ جَوَازِ الْقُعُودِ إذَا لَمْ يَكُنْ النَّفِيرُ عَامًّا أَنَّهُ تَطَوُّعٌ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى أَنَّهُ فَرْضُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَلَمْ أَرَ فِي كَلَامِ مَشَايِخِنَا تَعْرِيفَ السِّيَاسَةِ) ذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ فِي بَابِ حَدِّ الزِّنَا قُبَيْلَ قَوْلِ الْمَتْنِ وَالْمَرِيضُ يُرْجَمُ وَلَا يُجْلَدُ مَا نَصُّهُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ هُنَا أَنَّ السِّيَاسَةَ هِيَ فِعْلُ شَيْءٍ مِنْ الْحَاكِمِ لِمَصْلَحَةٍ يَرَاهَا، وَإِنْ لَمْ يَرِدْ بِذَلِكَ الْفِعْلِ دَلِيلٌ جُزْئِيٌّ. اهـ. . [كِتَابُ السِّيَرِ] الجزء: 5 ¦ الصفحة: 76 كِفَايَةٍ فِيهَا وَلَيْسَ بِتَطَوُّعٍ أَصْلًا كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة هَذَا وَفَضْلُهُ عَظِيمٌ كَمَا نَطَقَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ النَّبَوِيَّةُ وَفِي الْخَانِيَّةِ الْحِرَاسَةُ بِاللَّيْلِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَمِنْ تَوَابِعِ الْجِهَادِ الرِّبَاطُ وَهُوَ الْإِقَامَةُ فِي مَكَان يُتَوَقَّعُ هُجُومُ الْعَدُوِّ فِيهِ لِقَصْدِ دَفْعِهِ لِلَّهِ تَعَالَى، وَالْأَحَادِيثُ فِي فَضْلِهِ كَثِيرَةٌ وَاخْتُلِفَ فِي مَحَلِّهِ، فَإِنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ فِي كُلِّ مَكَان، وَالْمُخْتَارُ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعٍ لَا يَكُونُ وَرَاءَهُ إسْلَامٌ وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّجْنِيسِ الثَّالِثُ افْتِرَاضُهُ، وَإِنْ لَمْ يَبْدَؤُنَا لِلْعُمُومَاتِ. وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ} [البقرة: 191] فَمَنْسُوخٌ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ أَطْلَقَهُ فَأَفَادَ أَنَّهُ لَا يَتَقَيَّدُ بِزَمَانٍ، وَتَحْرِيمُ الْقِتَالِ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ مَنْسُوخٌ بِالْعُمُومَاتِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ قَامَ بِهِ قَوْمٌ سَقَطَ عَنْ الْكُلِّ وَإِلَّا أَثِمُوا بِتَرْكِهِ) بَيَانٌ لِحُكْمِ فَرْضِ الْكِفَايَةِ وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَخْلُوَ ثَغْرُ الْمُسْلِمِينَ مِمَّنْ يُقَاوِمُ الْأَعْدَاءَ، فَإِنَّ ضَعُفَ أَهْلُ الثَّغْرِ مِنْ الْمُقَاوَمَةِ وَخِيفَ عَلَيْهِمْ فَعَلَى مَنْ وَرَاءَهُمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُعِينُوهُمْ بِأَنْفُسِهِمْ، وَالسِّلَاحِ، وَالْكُرَاعِ لِيَكُونَ الْجِهَادُ قَائِمًا، وَالدُّعَاءُ إلَى الْإِسْلَامِ دَائِمًا (قَوْلُهُ: وَلَا يَجِبُ عَلَى صَبِيٍّ وَامْرَأَةٍ وَعَبْدٍ وَأَعْمَى وَمُقْعَدٍ وَأَقْطَعَ) ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ غَيْرُ مُكَلَّفٍ وَكَذَا الْمَجْنُونُ، وَالْعَبْدُ، وَالْمَرْأَةُ مَشْغُولَانِ بِحَقِّ الزَّوْجِ، وَالْمَوْلَى وَحَقُّهُمَا مُقَدَّمٌ عَلَى فَرْضِ الْكِفَايَةِ، وَالْأَعْمَى وَنَحْوُهُ عَاجِزُونَ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ} [الفتح: 17] أَطْلَقَ فِي الْمَرْأَةِ، وَالْعَبْدِ وَقَيَّدَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِعَدَمِ الْإِذْنِ أَمَّا لَوْ أَمَرَ السَّيِّدُ، وَالزَّوْجُ الْعَبْدَ، وَالْمَرْأَةَ بِالْقِتَالِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ فَرْضَ كِفَايَةٍ وَلَا نَقُولُ صَارَ فَرْضَ عَيْنٍ لِوُجُوبِ طَاعَةِ الْمَوْلَى، وَالزَّوْجِ حَتَّى إذَا لَمْ يُقَاتِلْ فِي غَيْرِ النَّفِيرِ الْعَامِّ يَأْثَمُ؛ لِأَنَّ طَاعَتَهُمَا الْمَفْرُوضَةَ عَلَيْهِمَا فِي غَيْرِ مَا فِيهِ الْمُخَاطَرَةُ بِالرُّوحِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ ذَلِكَ عَلَى الْمُكَلَّفِينَ لِخِطَابِ الرَّبِّ جَلَّ جَلَالُهُ بِذَلِكَ، وَالْغَرَضُ انْتِفَاؤُهُ عَنْهُمْ قَبْلَ النَّفِيرِ الْعَامِّ اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا طَاعَةُ الزَّوْجِ فِي كُلِّ مَا يَأْمُرُ بِهِ إنَّمَا ذَلِكَ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى النِّكَاحِ وَتَوَابِعِهِ خُصُوصًا إذَا كَانَ فِي أَمْرِهِ إضْرَارٌ بِهَا، فَإِنَّهَا تَأْثَمُ عَلَى تَقْدِيرِ فَرْضِ الْكِفَايَةِ وَتَرَكَ النَّاسُ كُلُّهُمْ الْجِهَادَ نَعَمْ هُوَ فِي الْعَبْدِ ظَاهِرٌ لِعُمُومِ وُجُوبِ الطَّاعَةِ عَلَيْهِ وَفِي الذَّخِيرَةِ وَيَجُوزُ لِلْأَبِ أَنْ يَأْذَنَ لِلصَّبِيِّ الْمُرَاهِقِ إذَا طَاقَ الْقِتَالَ بِالْخُرُوجِ لَهُ، وَإِنْ كَانَ يَخَافُ عَلَيْهِ الْقَتْلَ؛ لِأَنَّ قَصْدَهُ تَهْذِيبُهُ لَا إتْلَافُهُ فَهُوَ كَتَعْلِيمِهِ السِّبَاحَةَ وَكَخَتْنِهِ وَقَيَّدَهُ رُكْنُ الْإِسْلَامِ السُّغْدِيُّ بِأَنْ لَا يَخَافَ عَلَيْهِ نَحْوُ أَنْ يَرْمِيَ بِالْحَجَرِ فَوْقَ الْحِصْنِ أَوْ بِالنُّشَّابِ أَمَّا إذَا كَانَ يَخَافُ عَلَيْهِ بِأَنْ كَانَ يَخْرُجُ لِلْبِرَازِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي الْقِتَالِ. اهـ. وَأَشَارَ بِالْمَرْأَةِ، وَالْعَبْدِ إلَى أَنَّ الْمَدْيُونَ لَا يَخْرُجُ إلَى الْجِهَادِ مَا لَمْ يَقْضِ دَيْنَهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ وَفَاءٌ لَا يَخْرُجُ إلَّا بِإِذْنِ الْغَرِيمِ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغَرِيمِ، فَإِنْ كَانَ لِلْمَالِ كَفِيلٌ كَفَلَ بِإِذْنِهِ لَا يَخْرُجُ إلَّا بِإِذْنِهِمَا، وَإِنْ كَفَلَ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَا يَخْرُجُ إلَّا بِإِذْنِ الطَّالِبِ خَاصَّةً كَذَا فِي التَّجْنِيسِ وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّ لَهُ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ بِغَيْرِ إذْنِ الْكَفِيلِ بِالنَّفْسِ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَى الْكَفِيلِ إذَا تَعَذَّرَ   [منحة الخالق] [وَلَا يَجِبُ الْجِهَاد عَلَى صَبِيٍّ وَامْرَأَةٍ وَعَبْدٍ وَأَعْمَى وَمُقْعَدٍ وَأَقْطَعَ] (قَوْلُهُ: وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ إلَخْ) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ كَلَامَ الْمُحَقِّقِ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْوُجُوبَ عَلَيْهَا بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى لَا بِأَمْرِ الزَّوْجِ وَأَمْرُ الزَّوْجِ لَهَا إذْنٌ وَفَكُّ الْحَجْرِ. اهـ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ الْوُجُوبُ فِي الْمَرْأَةِ عَلَى مَا فِيهِ بِمَا إذَا كَانَ لَهَا مَحْرَمٌ يَذْهَبُ مَعَهَا لِلْجِهَادِ يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى اشْتِرَاطِ الْمَحْرَمِ لَهَا فِي الْحَجِّ وَهُوَ فَرْضُ عَيْنٍ. اهـ. وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ عَلَى مَا فِيهِ إلَى مَا فِي الْهِدَايَةِ فِي فَصْلِ قِسْمَةِ الْغَنِيمَةِ حَيْثُ عَلَّلَ عَدَمَ الرَّضْخِ لِلْمَرْأَةِ وَالصَّبِيِّ بِعَجْزِهِمَا عَنْ الْجِهَادِ ثُمَّ قَالَ وَلِهَذَا أَيْ لِعَجْزِهِمَا عَنْ الْجِهَادِ لَمْ يَلْحَقْهُمَا فَرْضُهُ أَيْ فَرْضُ الْجِهَادِ ثُمَّ عَلَّلَ عَدَمَ الرَّضْخِ لِلْعَبْدِ بِأَنَّهُ لَا يُمَكِّنُهُ الْمَوْلَى مِنْ الْجِهَادِ وَأَنَّ لَهُ مَنْعَهُ قَالَ أَبُو السُّعُودِ فَمَا فِي النَّهْرِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الَّتِي لَا زَوْجَ لَهَا يَفْتَرِضُ عَلَيْهَا كِفَايَةً لَيْسَ بِظَاهِرٍ. اهـ. قُلْت وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ حَيْثُ قَالَ فِيمَنْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَامْرَأَةٌ حُرَّةٌ سَوَاءٌ كَانَ لَهَا زَوْجٌ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ مِنْ قَرْنِهَا إلَى قَدَمِهَا عَوْرَةٌ وَفِي الْجِهَادِ قَدْ يَنْكَشِفُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ كَمَا فِي الْمُحِيطِ فَلَا يَخْتَصُّ بِالزَّوْجَةِ كَمَا ظُنَّ اهـ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا فِي الْفَتْحِ مُسَلَّمٌ فِي الْعَبْدِ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَلَا وُجُوبَ عَلَيْهَا قَبْلَ النَّفِيرِ الْعَامِّ مُطْلَقًا كَمَا هُوَ صَرِيحُ النَّقْلِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَأَقُولُ: عَلَّلَ فِي الْخَانِيَّةِ مَا إذَا كَانَتْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ بِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِلْكَفِيلِ عَلَى الْمَدْيُونِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُسَافِرُ إلَّا بِإِذْنِ الْكَفِيلِ بِالنَّفْسِ؛ لِأَنَّ لَهُ عَلَيْهِ حَقًّا بِتَسْلِيمِ نَفْسِهِ إلَيْهِ إذَا طُلِبَ مِنْهُ، وَقَدْ يَذْهَبُ إلَى مَكَان بَعِيدٍ، فَإِذَا طُلِبَ مِنْهُ وَهُوَ عَالِمٌ بِهِ يَلْزَمُهُ السَّفَرُ إلَيْهِ فَيَحْصُلُ لَهُ الضَّرَرُ، وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْكَفِيلَ بِالنَّفْسِ مَنَعَهُ مِنْ السَّفَرِ قَالَ فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي ضَمِنَ عَنْ رَجُلٍ مَالًا بِأَمْرِهِ أَوْ بِنَفْسِهِ فَأَرَادَ الْخَصْمُ أَنْ يُسَافِرَ فَمَنَعَهُ الْكَفِيلُ قَالَ مُحَمَّدٌ إنْ كَانَ ضَمَانُهُ إلَى أَجَلٍ فَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَى أَجَلٍ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ حَتَّى يُخَلِّصَهُ مِنْهُ إمَّا بِأَدَاءِ الْمَالِ أَوْ بِبَرَاءَةٍ مِنْهُ وَفِي كَفَالَةِ النَّفْسِ بِرَدِّ النَّفْسِ اهـ. 1 - الجزء: 5 ¦ الصفحة: 77 إحْضَارُهُ عَلَيْهِ وَفِي الذَّخِيرَةِ إنْ أَذِنَ لَهُ الدَّائِنُ وَلَمْ يُبَرِّئْهُ فَالْمُحْتَسِبُ لَهُ الْإِقَامَةُ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَبْدَأَ بِمَا هُوَ الْأَوْجَبُ، فَإِنْ غَزَا فَلَا بَأْسَ وَهَذَا إذَا كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا، فَإِنْ كَانَ مُؤَجَّلًا وَهُوَ يَعْلَمُ بِطَرِيقِ الظَّاهِرِ أَنَّهُ يَرْجِعُ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ الْأَجَلُ فَالْأَفْضَلُ الْإِقَامَةُ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ، فَإِنْ خَرَجَ بِغَيْرِ إذْنٍ لَمْ يَكُنْ بِهِ بَأْسٌ لِعَدَمِ تَوَجُّهِ الْمُطَالَبَةِ بِقَضَائِهِ. اهـ. وَإِلَى أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ إلَى الْجِهَادِ إلَّا بِإِذْنِ الْوَالِدَيْنِ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْآخَرُ فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَخْرُجَ وَهُمَا فِي سَعَةٍ مِنْ أَنْ يَمْنَعَاهُ إذَا دَخَلَ عَلَيْهِمَا مَشَقَّةٌ؛ لِأَنَّ مُرَاعَاةَ حَقِّهِمَا فَرْضُ عَيْنٍ، وَالْجِهَادُ فَرْضُ كِفَايَةٍ فَكَانَ مُرَاعَاةُ فَرْضِ الْعَيْنِ أَوْلَى، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبَوَانِ وَلَهُ جَدَّانِ أَوْ جَدَّتَانِ فَأَذِنَ لَهُ أَبٌ الْأَبِ وَأُمُّ الْأُمِّ وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْآخَرَانِ فَلَا بَأْسَ بِالْخُرُوجِ؛ لِأَنَّ أَبَ الْأَبِ قَائِمٌ مَقَامَ الْأَبِ وَأُمَّ الْأُمِّ قَائِمَةٌ مَقَامَ الْأُمِّ فَكَانَا بِمَنْزِلَةِ الْأَبَوَيْنِ، وَأَمَّا سَفَرُ التِّجَارَةِ، وَالْحَجِّ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَخْرُجَ بِغَيْرِ إذْنِ، وَالِدَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ خَوْفُ هَلَاكِهِ حَتَّى لَوْ كَانَ السَّفَرُ فِي الْبَحْرِ لَا يَخْرُجُ بِغَيْرِ إذْنِهِمَا ثُمَّ إنَّمَا يَخْرُجُ بِغَيْرِ إذْنِهِمَا لِلتِّجَارَةِ إذَا كَانَا مُسْتَغْنِيَيْنِ عَنْ خِدْمَتِهِ أَمَّا إذَا كَانَ مُحْتَاجَيْنِ فَلَا كَذَا فِي التَّجْنِيسِ. وَتَعْبِيرُهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِالْحُرْمَةِ تَسَامُحٌ، وَإِنَّمَا الثَّابِتُ الْكَرَاهَةُ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ دَلَّتْ الْعِلَّةُ عَلَى الْتِحَاقِ الْخُرُوجِ إلَى الْعِلْمِ بِالْحَجِّ، وَالتِّجَارَةِ وَلِأَنَّ الْخُرُوجَ إلَى التِّجَارَةِ لَمَّا جَازَ لَأَنْ يَجُوزَ لِلْعِلْمِ أَوْلَى. اهـ. وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ أَبَوَاهُ مُسْلِمَيْنِ، وَأَمَّا إذَا كَانَا كَافِرَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا فَكَرِهَا خُرُوجَهُ إلَى الْجِهَادِ أَوْ كَرِهَ الْكَافِرُ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَحَرَّى، فَإِنْ وَقَعَ تَحَرِّيهِ عَلَى أَنَّ الْكَرَاهَةَ لِمَا يَلْحَقُهُمَا مِنْ التَّفْجِيعِ، وَالْمَشَقَّةِ لِأَجْلِ الْخَوْفِ عَلَيْهِ مِنْ الْقَتْلِ لَا يَخْرُجُ، وَإِنْ كَانَ لِأَجْلِ كَرَاهَةِ قِتَالِ الْكُفَّارِ يَخْرُجُ، فَإِنْ شَكَّ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَخْرُجَ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَفِيهَا أَنَّ مَنْ سِوَى الْأُصُولِ إذَا كَرِهُوا أَخْرَجُوهُ لِلْجِهَادِ، فَإِنْ كَانَ يَخَافُ عَلَيْهِمْ الضَّيَاعَ، فَإِنَّهُ لَا يَخْرُجُ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ وَأَلَّا يَخْرُجَ وَكَذَا امْرَأَتُهُ اهـ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة، وَإِنْ كَانَ عِنْدَ الرَّجُلِ وَدَائِعُ وَأَرْبَابُهَا غُيَّبٌ، فَإِنْ أَوْصَى إلَى رَجُلٍ أَنْ يَدْفَعَ الْوَدَائِعَ إلَى أَرْبَابِهَا كَانَ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ إلَى الْجِهَادِ، وَالْعَالِمُ الَّذِي لَيْسَ فِي الْبَلْدَةِ أَحَدٌ أَفْقَهَ مِنْهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَغْزُوَ لِمَا يُدْخِلُ عَلَيْهِمْ مِنْ الضَّيَاعِ. (قَوْلُهُ: وَفَرْضُ عَيْنٍ إنْ هَجَمَ الْعَدُوُّ فَتَخْرُجُ الْمَرْأَةُ، وَالْعَبْدُ بِلَا إذْنِ زَوْجِهَا وَسَيِّدِهِ) ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ عِنْدَ ذَلِكَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالْإِقَامَةِ الْكُلُّ فَيَفْتَرِضُ عَلَى الْكُلِّ فَرْضُ عَيْنٍ فَلَا يَظْهَرُ مِلْكُ الْيَمِينِ وَرِقُّ النِّكَاحِ فِي حَقِّهِ كَمَا فِي الصَّلَاةِ، وَالصَّوْمِ بِخِلَافِ مَا قَبْلَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ بِغَيْرِهِمَا مُقْنِعًا وَلَا ضَرُورَةَ إلَى إبْطَالِ حَقِّ الْمَوْلَى، وَالزَّوْجِ وَأَفَادَ خُرُوجَ الْوَلَدِ بِغَيْرِ إذْنِ، وَالِدَيْهِ بِالْأَوْلَى وَكَذَا الْغَرِيمُ يَخْرُجُ إذَا صَارَ فَرْضَ عَيْنٍ بِغَيْرِ إذْنِ دَائِنِهِ وَأَنَّ الزَّوْجَ، وَالْمَوْلَى إذَا مَنَعَا أَثِمَا كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَلَا بُدَّ مِنْ قَيْدٍ آخَرَ وَهُوَ الِاسْتِطَاعَةُ فِي كَوْنِهِ فَرْضَ عَيْنٍ فَخَرَجَ الْمَرِيضُ الْمُدْنَفُ أَمَّا الَّذِي يَقْدِرُ عَلَى الْخُرُوجِ دُونَ الدَّفْعِ يَنْبَغِي أَنْ يَخْرُجَ لِتَكْثِيرِ السَّوَادِ؛ لِأَنَّ فِيهِ إرْهَابًا كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. وَالْهُجُومُ الْإِتْيَانُ بَغْتَةً، وَالدُّخُولُ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ، وَالْمُرَادُ هُجُومُهُ عَلَى بَلْدَةٍ مُعَيَّنَةٍ مِنْ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ فَيَجِبُ عَلَى جَمِيعِ أَهْلِ تِلْكَ الْبَلْدَةِ وَكَذَا مَنْ يَقْرُبُ مِنْهُمْ إنْ لَمْ يَكُنْ بِأَهْلِهَا كِفَايَةٌ وَكَذَا مَنْ يَقْرُبُ مِمَّنْ يَقْرُبُ إنْ لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ يَقْرُبُ كِفَايَةً أَوْ تَكَاسَلُوا وَعَصَوْا وَهَكَذَا إلَى أَنْ يَجِبَ عَلَى جَمِيعِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ شَرْقًا وَغَرْبًا كَتَجْهِيزِ الْمَيِّتِ، وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ يَجِبُ أَوَّلًا عَلَى أَهْلِ مَحَلَّتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا عَجْزًا وَجَبَ عَلَى مَنْ بِبَلْدَتِهِمْ عَلَى مَا ذَكَرْنَا هَكَذَا ذَكَرُوا وَكَانَ مَعْنَاهُ إذَا دَامَ الْحَرْبُ بِقَدْرِ مَا يَصِلُ الْأَبْعَدُونَ وَبَلَغَهُمْ الْخَبَرُ وَإِلَّا فَهُوَ تَكْلِيفٌ مَا لَا يُطَاقُ بِخِلَافِ إنْقَاذِ الْأَسِيرِ وُجُوبُهُ عَلَى كُلِّ مُتَّجِهٍ مِنْ أَهْلِ الْمَشْرِقِ، وَالْمَغْرِبِ مِمَّنْ عَلِمَ وَيَجِبُ أَنْ لَا يَأْثَمَ مَنْ عَزَمَ عَلَى الْخُرُوجِ وَقُعُودِهِ لِعَدَمِ خُرُوجِ النَّاسِ وَتَكَاسُلِهِمْ أَوْ قُعُودِ السُّلْطَانِ أَوْ مَنْعِهِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي الذَّخِيرَةِ إذَا دَخَلَ الْمُشْرِكُونَ أَرْضًا فَأَخَذُوا الْأَمْوَالَ وَسَبَوْا الذَّرَارِيَّ، وَالنِّسَاءَ فَعَلِمَ الْمُسْلِمُونَ بِذَلِكَ وَكَانَ لَهُمْ عَلَيْهِمْ قُوَّةٌ كَانَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَتْبَعُوهُمْ حَتَّى يَسْتَنْقِذُوهُمْ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَتَعْبِيرُهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِالْحُرْمَةِ تَسَامُحٌ) حَيْثُ قَالَ وَعَنْ هَذَا حَرُمَ الْخُرُوجُ إلَى الْجِهَادِ وَأَحَدُ الْأَبَوَيْنِ كَارِهٌ؛ لِأَنَّ طَاعَةَ كُلٍّ مِنْهُمَا فَرْضٌ عَلَيْهِ وَالْجِهَادُ لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّ فِي خُصُوصِهِ أَحَادِيثَ إلَخْ قُلْت لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ يُفِيدُ حُرْمَةَ الْخُرُوجِ بِلَا إذْنِهِمَا وَقَوْلُ التَّجْنِيسِ الْمَارُّ فَكَانَ مُرَاعَاةُ فَرْضِ الْعَيْنِ أَوْلَى لَا يُنَافِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَوْلَى هُنَا الْأَرْجَحُ فِي التَّقْدِيمِ فَحَيْثُ كَانَ فَرْضَ عَيْنٍ يَكُونُ خِلَافُهُ حَرَامًا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 78 مِنْ أَيْدِيهِمْ مَا دَامُوا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَإِذَا دَخَلُوا أَرْضَ الْحَرْبِ فَكَذَلِكَ فِي حَقِّ النِّسَاءِ، وَالذَّرَارِيِّ مَا لَمْ يَبْلُغُوا حُصُونَهُمْ وَجُدُرَهُمْ وَيَسَعُهُمْ أَنْ لَا يَتْبَعُوهُمْ فِي حَقِّ الْمَالِ وَذَرَارِيُّ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَأَمْوَالُهُمْ فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ ذَرَارِيِّ الْمُسْلِمِينَ وَأَمْوَالِهِمْ. اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ امْرَأَةٌ مُسْلِمَةٌ سُبِيَتْ بِالْمَشْرِقِ وَجَبَ عَلَى أَهْل الْمَغْرِبِ تَخْلِيصُهَا مِنْ الْأَسْرِ مَا لَمْ تَدْخُلْ دَارَ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّ دَارَ الْإِسْلَامِ كَمَكَانٍ وَاحِدٍ. اهـ. وَمُقْتَضَى مَا فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ يَجِبُ تَخْلِيصُهَا مَا لَمْ تَدْخُلْ حُصُونَهُمْ وَجُدُرَهُمْ وَفِي الذَّخِيرَةِ وَيَسْتَوِي أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَنْفِرُ عَدْلًا أَوْ فَاسِقًا يُقْبَلُ خَبَرُهُ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ خَبَرٌ يُشْتَهَرُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْحَالِ وَكَذَلِكَ الْجَوَابُ فِي مُنَادِي السُّلْطَانِ يُقْبَلُ خَبَرُهُ عَدْلًا كَانَ أَوْ فَاسِقًا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَكُرِهَ الْجُعْلُ إنْ وُجِدَ فَيْءٌ وَإِلَّا لَا) أَيْ إنْ لَمْ يُوجَدْ فَلَا كَرَاهَةَ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْأَجْرَ وَلَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَالَ بَيْتِ الْمَالِ مُعَدٌّ لِنَوَائِبِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ دَعَتْ الضَّرُورَةُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُقَوِّيَ الْمُسْلِمُونَ بَعْضَهُمْ بَعْضًا؛ لِأَنَّ فِيهِ دَفْعَ الضَّرَرِ الْأَعْلَى بِإِلْحَاقِ الْأَدْنَى يُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَخَذَ دُرُوعًا مِنْ صَفْوَانَ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يُغْزِي الْأَعْزَبَ عَنْ ذِي الْحَلِيلَةِ وَيُعْطِي الشَّاخِصَ فَرَسَ الْقَاعِدِ، وَالْجُعْلُ بِضَمِّ الْجِيمِ مَا يُجْعَلُ لِلْإِنْسَانِ فِي مُقَابَلَةِ شَيْءٍ يَفْعَلُهُ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا أَنْ يُكَلِّفَ الْإِمَامُ النَّاسَ بِأَنْ يُقَوِّيَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِالْكُرَاعِ، وَالسِّلَاحِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ النَّفَقَةِ، وَالزَّادِ، وَالْفَيْءُ الْمَالُ الْمَأْخُوذُ مِنْ الْكُفَّارِ بِغَيْرِ قِتَالٍ كَالْخَرَاجِ، وَالْجِزْيَةِ، وَأَمَّا الْمَأْخُوذُ بِقِتَالٍ، فَإِنَّهُ يُسَمَّى غَنِيمَةً كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي بَيْتِ الْمَالِ فَيْءٌ وَكَانَ فِيهِ غَيْرُهُ مِنْ بَقِيَّةِ الْأَنْوَاعِ، فَإِنَّهُ لَا يُكْرَهُ الْجُعْلُ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ، فَإِنَّهُ لَا ضَرُورَةَ لِجَوَازِ الِاسْتِقْرَاضِ مِنْ بَقِيَّةِ الْأَنْوَاعِ وَلِذَا لَمْ يَذْكُرْ الْفَيْءَ فِي الذَّخِيرَةِ، والولوالجية إنَّمَا ذَكَرَ مَالَ بَيْتِ الْمَالِ وَهُوَ الْحَقُّ وَفِي الذَّخِيرَةِ ثُمَّ مَنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْجِهَادِ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُجَاهِدَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ} [الحج: 78] وَحَقُّ الْجِهَادِ أَنْ يُجَاهِدَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ غَيْرِهِ جُعْلًا وَمَنْ عَجَزَ عَنْ الْخُرُوجِ وَلَهُ مَالٌ يَنْبَغِي أَنْ يَبْعَثَ غَيْرَهُ عَنْ نَفْسِهِ بِمَالِهِ وَمَنْ قَدَرَ بِنَفْسِهِ وَلَا مَالَ لَهُ، فَإِنْ كَانَ فِي بَيْتِ الْمَالِ مَالٌ يُعْطِيهِ الْإِمَامُ كِفَايَتَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَإِنْ أَعْطَاهُ كِفَايَتَهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَأْخُذَ مِنْ غَيْرِهِ جُعْلًا وَإِلَّا فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْجُعْلَ مِنْ غَيْرِهِ قَالَ رُكْنُ الْإِسْلَامِ عَلِيٌّ السُّغْدِيُّ: إذَا قَالَ الْقَاعِدُ لِلشَّاخِصِ خُذْ هَذَا الْمَالَ فَاغْزُ بِهِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِاسْتِئْجَارٍ عَلَى الْجِهَادِ فَأَمَّا إذَا قَالَ خُذْهُ لِتَغْزُوَ بِهِ عَنِّي فَهَذَا اسْتِئْجَارٌ عَلَى الْجِهَادِ فَلَا يَجُوزُ وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ مَسْأَلَةُ الْحَجِّ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ، وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى غَيْرِهِ جُعْلًا لِيَغْزُوَ بِهِ عَنْهُ هَلْ لَهُ أَنْ يَصْرِفَهُ فِي غَيْرِ الْغَزْوِ فَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ قَالَ لَهُ اُغْزُ بِهَذَا الْمَالِ عَنِّي فَلَيْسَ لَهُ صَرْفُهُ فِي غَيْرِهِ كَقَضَاءِ دَيْنِهِ وَنَفَقَةِ أَهْلِهِ كَمَنْ دَفَعَ إلَى آخَرَ مَالًا وَقَالَ حُجَّ بِهِ عَنِّي، وَإِنْ قَالَ اُغْزُ بِهِ فَلَهُ صَرْفُهُ إلَى غَيْرِهِ كَمَنْ دَفَعَ مَالًا وَقَالَ حُجَّ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مَلَّكَهُ الْمَالَ وَأَشَارَ إلَيْهِ إشَارَةً فَلَهُ أَنْ لَا يَأْخُذَ بِإِشَارَتِهِ كَقَوْلِهِ هَذِهِ الدَّارُ لَك فَاسْكُنْهَا وَهَذَا الثَّوْبُ لَك فَالْبَسْهُ كَانَ لَهُ أَنْ لَا يَسْكُنَهَا وَلَا يَلْبَسَهُ وَفِي شَرْحِ السِّيَرِ أَنَّ لِلْمَدْفُوعِ إلَيْهِ أَنْ يَتْرُكَ بَعْضَ الْجُعْلِ لِنَفَقَةِ عِيَالِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَهَيَّأُ لَهُ الْخُرُوجُ إلَّا بِهَذَا فَكَانَ مِنْ أَعْمَالِ الْجِهَادِ مَعْنًى وَتَفَرَّعَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ مَا إذَا عَرَضَ لَهُ عَارِضٌ مِنْ مَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ فَأَرَادَ أَنْ يَدْفَعَ إلَى غَيْرِهِ أَقَلَّ مِمَّا أَخَذَ لِيَغْزُوَ بِهِ، فَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ إمْسَاكَ الْفَضْلِ لِرَبِّ الْمَالِ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ الْإِمْسَاكَ لِنَفْسِهِ فَفِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مَا مَلَّكَهُ بَلْ أَبَاحَ لَهُ الْإِنْفَاقَ عَلَى نَفْسِهِ فِي الْغَزْوِ وَفِي الثَّانِي يَمْلِكُهُ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ لَا يَغْزُوَ أَصْلًا كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ مُخْتَصَرًا. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ أَلْوِيَةُ الْمُسْلِمِينَ بَيْضَاءَ، وَالرَّايَاتُ سَوْدَاءَ، وَاللِّوَاءُ لِلْإِمَامِ، وَالرَّايَاتُ لِلْقُوَّادِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَتَّخِذَ لِكُلِّ قَوْمٍ شِعَارًا حَتَّى إذَا ضَلَّ رَجُلٌ عَنْ رَايَتِهِ نَادَى بِشِعَارِهِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِوَاجِبٍ، وَالشِّعَارُ الْعَلَامَةُ، وَالْخِيَارُ إلَى إمَامِ الْمُسْلِمِينَ إلَّا أَنَّهُ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَخْتَارَ   [منحة الخالق] قَوْلُهُ: فَلَيْسَ لَهُ مَعْرِفَةٌ فِي غَيْرِ الْغَزْوِ) ظَاهِرُهُ صِحَّةُ هَذَا الْعَقْدِ بِقَوْلِهِ اُغْزُ بِهِ عَنِّي مَعَ أَنَّهُ اسْتِئْجَارٌ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَأَمَّلْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 79 كَلِمَةً دَالَّةً عَلَى ظَفَرِهِمْ بِالْعَدُوِّ بِطَرِيقِ التُّفُولِ وَيُكْرَهُ لِلْغُزَاةِ اتِّخَاذُ الْأَجْرَاسِ فِي دَارِ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَمَّا فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَلَا بَأْسَ بِهَذِهِ الطُّبُولِ الَّتِي تُضْرَبُ فِي الْحَرْبِ لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ وَاسْتِعْدَادِهِمْ لِلْقِتَالِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِطَبْلَةِ لَهْوٍ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ أَمِيرُ الْجَيْشِ بَصِيرًا بِأَمْرِ الْحَرْبِ حَسَنَ التَّدْبِيرِ لِذَلِكَ لَيْسَ مِمَّنْ يَقْتَحِمُ بِهِمْ الْمَهَالِكَ وَلَا مِمَّا يَمْنَعُهُمْ عَنْ الْفُرْصَةِ وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الصُّفُوفَ وَيَطُوفَ عَلَيْهِمْ يَحُضُّهُمْ عَلَى الْقِتَالِ وَيُبَشِّرُهُمْ بِالْفَتْحِ إنْ صَدَقُوا أَوْ صَبَرُوا كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ مُخْتَصَرًا (قَوْلُهُ: فَإِنْ حَاصَرْنَاهُمْ نَدْعُوهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ) أَيْ ضَيَّقْنَا بِالْكُفَّارِ وَأَحَطْنَا بِهِمْ يُقَالُ حَاصَرَهُ الْعَدُوُّ مُحَاصَرَةً وَحِصَارًا إذَا ضَيَّقُوا عَلَيْهِ وَأَحَاطُوا بِهِ فَطَلَبَ مِنْهُمْ الدُّخُولَ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ لِمَا رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ «مَا قَاتَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْمًا قَطُّ إلَّا دَعَاهُمْ» . وَفِي الصَّحِيحِ «أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ» [مَا يَصِيرُ بِهِ الْكَافِرُ مُسْلِمًا] وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ مَا يَصِيرُ بِهِ الْكَافِرُ مُسْلِمًا وَهُوَ نَوْعَانِ قَوْلٌ وَفِعْلٌ، وَالْكُفَّارُ أَقْسَامٌ: قِسْمٌ يَجْحَدُونَ الْبَارِيَ جَلَّ وَعَلَا وَإِسْلَامُهُمْ إقْرَارُهُمْ بِوُجُودِهِ، وَقِسْمٌ يُقِرُّونَ بِهِ وَلَكِنْ يُنْكِرُونَ وَحْدَانِيَّتَهُ وَإِسْلَامُهُمْ إقْرَارُهُمْ بِوَحْدَانِيِّتِهِ، وَقِسْمٌ أَقَرُّوا بِوَحْدَانِيِّتِهِ وَجَحَدُوا رِسَالَةَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِسْلَامَهُمْ إقْرَارُهُمْ بِرِسَالَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ مَنْ أَقَرَّ بِخِلَافِ مَا كَانَ مَعْلُومًا مِنْ اعْتِقَادِهِ أَنَّهُ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ وَهَذَا فِي غَيْرِ الْكِتَابِيِّ أَمَّا الْيَهُودِيُّ، وَالنَّصْرَانِيُّ فَكَانَ إسْلَامُهُمْ فِي زَمَنِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالشَّهَادَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُنْكِرُونَ رِسَالَةَ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَّا الْيَوْمَ بِبِلَادِ الْعِرَاقِ فَلَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ بِهِمَا مَا لَمْ يَقُلْ تَبَرَّأْت عَنْ دِينِي وَدَخَلْت فِي دِينِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ: إنَّهُ أُرْسِلَ إلَى الْعَرَبِ، وَالْعَجَمِ لَا إلَى بَنِي إسْرَائِيلَ كَذَا صَرَّحَ بِهِ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَإِنَّمَا شُرِطَ مَعَ التَّبَرِّي إقْرَارُهُمْ بِالدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَبَرَّأَ مِنْ الْيَهُودِيَّةِ وَيَدْخُلُ فِي النَّصْرَانِيَّةِ أَوْ فِي الْمَجُوسِيَّةِ وَلَوْ قِيلَ لِنَصْرَانِيٍّ: أَمُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ حَقٌّ؟ فَقَالَ نَعَمْ لَا يَصِيرُ مُسْلِمًا وَهُوَ الصَّحِيحُ وَلَوْ قَالَ رَسُولٌ إلَى الْعَرَبِ، وَالْعَجَمِ لَا يَصِيرُ مُسْلِمًا؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَقُولَ: هُوَ رَسُولٌ إلَى الْعَرَبِ، وَالْعَجَمِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَبِعْ بَعْدُ، فَإِنْ قِيلَ يَجِبُ أَنْ لَا يُحْكَمَ بِإِسْلَامِ الْيَهُودِيِّ، وَالنَّصْرَانِيِّ، وَإِنْ أَقَرَّ بِرِسَالَةِ مُحَمَّدٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَتَبَرَّأَ عَنْ دِينِهِ وَدَخَلَ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ مَا لَمْ يُؤْمِنْ بِاَللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَيُقِرُّ بِالْبَعْثِ وَبِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهَا مِنْ شَرَائِطِ الْإِسْلَامِ كَمَا فِي حَدِيثِ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قُلْنَا الْإِقْرَارُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ نَصًّا فَقَدْ وُجِدَ دَلَالَةً؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَرَّ بِدُخُولِهِ فِي الْإِسْلَامِ فَقَدْ الْتَزَمَ جَمِيعَ مَا كَانَ شُرِطَ صِحَّتُهُ وَلَوْ قَالَ الْكِتَابِيُّ أَنَا مُسْلِمٌ أَوْ أَسْلَمْت لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ؛ لِأَنَّهُمْ يَدَّعُونَ ذَلِكَ؛ لِأَنْفُسِهِمْ وَكَذَا لَوْ قَالَ أَنَا عَلَى دِينِ الْحَنِيفِيَّةِ وَلَوْ قَالَ الذِّمِّيُّ لِمُسْلِمٍ أَنَا مُسْلِمٌ مِثْلُك يَصِيرُ مُسْلِمًا كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ، وَالْفَتَاوَى. فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْكِتَابِيَّ الْيَوْمَ إذَا أَتَى بِالشَّهَادَتَيْنِ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ وَفِي الْفَتَاوَى السِّرَاجِيَّةِ سُئِلَ إذَا قَالَ الذِّمِّيُّ أَنَا مُسْلِمٌ أَوْ إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنَا مُسْلِمٌ ثُمَّ فَعَلَهُ أَوْ تَلَفَّظَ بِالشَّهَادَتَيْنِ لَا غَيْرُ هَلْ يَصِيرُ مُسْلِمًا أَجَابَ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كَذَا أَفْتَى عُلَمَاؤُنَا وَاَلَّذِي أَفْتَى بِهِ إذَا تَلَفَّظَ بِالشَّهَادَتَيْنِ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ، وَإِنْ لَمْ يَتَبَرَّأْ عَنْ دِينِهِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ التَّلَفُّظَ بِهِمَا صَارَ عَلَامَةً عَلَى الْإِسْلَامِ فَيُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ، وَإِذَا رَجَعَ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ يُقْتَلُ إلَّا أَنْ يَعُودَ إلَى الْإِسْلَامِ فَيُتْرَكَ. اهـ. وَهَذَا يَجِبُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ فِي دِيَارِ مِصْرَ بِالْقَاهِرَةِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَهَذَا يَجِبُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ إلَخْ) رَأَيْت لِلْعَلَّامَةِ نُوحٍ أَفَنْدِي رِسَالَةً حَافِلَةً فِي الرَّدِّ عَلَى الْمُؤَلِّفِ مُشْتَمِلَةً عَلَى نَقْلِ عِبَارَاتِ عُلَمَاءِ مَذْهَبِنَا الصَّرِيحَةِ فِيمَا مَرَّ مِنْ اشْتِرَاطِ التَّبَرِّي وَأَطَالَ لِسَانَهُ عَلَى الْمُؤَلِّفِ فِيمَا قَالَهُ هُنَا تَبَعًا لِسِرَاجِ الدِّينِ قَارِئِ الْهِدَايَةِ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ مَا قَالَهُ الْمُؤَلِّفُ لَمْ يُخَالِفْ فِيهِ النُّصُوصَ؛ لِأَنَّهُ بَنَاهُ عَلَى أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ فِي مِصْرَ لَا يُقِرُّونَ لِنَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالرِّسَالَةِ بَلْ ذَلِكَ فِي غَيْرِ مِصْرَ أَيْضًا وَصَارَ التَّلَفُّظُ بِالشَّهَادَتَيْنِ عَلَمًا عَلَى الْإِسْلَامِ كَمَا كَانَ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِذَا يَمْتَنِعُونَ مِنْهَا غَايَةَ الِامْتِنَاعِ وَأَمَّا مَا نَقَلَهُ عُلَمَاؤُنَا فَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا كَانَ فِي زَمَنِهِمْ وَفِي بِلَادِهِمْ وَحَاصِلُهُ يَرْجِعُ إلَى تَغَيُّرِ الْعُرْفِ وَالزَّمَانِ وَلَيْسَ فِيهِ مُخَالَفَةٌ لِمَا قَالَهُ الْمُتَقَدِّمُونَ كَمَا قَالُوا فِي أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ مِنْ أَنَّهُ صَارَ الْمُرَادُ بِهِ فِي الزَّمَنِ الْمُتَأَخِّرِ الطَّلَاقَ. وَأَفْتَى بِهِ الْمُتَأَخِّرُونَ بِدُونِ نِيَّةِ الطَّلَاقِ عَلَى خِلَافِ مَا قَالَهُ الْمُتَقَدِّمُونَ وَكَمْ لَهُ مِنْ نَظِيرِ مَا قَالَهُ الْمُتَقَدِّمُونَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِعَيْنِهَا يُنَوِّهُ عَلَى اخْتِلَافِ الْعُرْفِ وَالزَّمَانِ إذْ لَا شَكَّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَكْتَفِي مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ بِالتَّلَفُّظِ بِالشَّهَادَتَيْنِ فَقَطْ بَلْ بِقَوْلِ الْقَائِلِ صَبَأْت، وَإِنَّمَا اشْتَرَطُوا التَّبَرِّي فِي زَمَانِهِمْ؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ صَارُوا يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَسُولٌ إلَى الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ لَا إلَى بَنِي إسْرَائِيلَ كَمَا هُوَ صَرِيحُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَأَمَّا الْيَوْمَ بِبِلَادِ الْعِرَاقِ إلَى آخِرِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 80 لِأَنَّهُ لَا يُسْمَعُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فِيهَا الشَّهَادَتَانِ وَلِذَا قَيَّدَهُ مُحَمَّدٌ بِالْعِرَاقِ وَأَمَّا بِالْفِعْلِ، فَإِنْ صَلَّى بِالْجَمَاعَةِ صَارَ مُسْلِمًا بِخِلَافِ مَا إذَا صَلَّى وَحْدَهُ إلَّا إذَا قَالَ الشُّهُودُ صَلَّى صَلَاتَنَا وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا، وَأَمَّا إذَا صَامَ أَوْ أَدَّى الزَّكَاةَ أَوْ حَجَّ لَمْ يُحْكَمْ بِإِسْلَامِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إذَا حَجَّ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَفْعَلُهُ الْمُسْلِمُونَ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة، وَإِنْ صَلَّى خَلْفَ إمَامٍ ثُمَّ أَفْسَدَ لَمْ يَكُنْ مُسْلِمًا وَكَذَا إذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ أَوْ صَلَّى عَلَى مُحَمَّدٍ لَمْ يَكُنْ مُسْلِمًا أَيْضًا، وَأَمَّا الْآذَانُ، فَإِنْ شَهِدُوا أَنَّهُ كَانَ يُؤَذِّنُ وَيُقِيمُ كَانَ مُسْلِمًا سَوَاءٌ كَانَ الْآذَانُ فِي السَّفَرِ أَوْ فِي الْحَضَرِ، وَإِنْ قَالُوا سَمِعْنَاهُ يُؤَذِّنُ فِي الْمَسْجِدِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ حَتَّى يَقُولُوا هُوَ مُؤَذِّنٌ، فَإِذَا قَالُوا ذَلِكَ فَهُوَ مُسْلِمٌ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا قَالُوا: إنَّهُ مُؤَذِّنٌ كَانَ ذَلِكَ عَادَةً لَهُ فَيَكُونُ مُسْلِمًا كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْكِتَابِيِّ بِنَاءً عَلَى أَنْ لَا يَكُونَ مُسْلِمًا بِمُجَرَّدِ الشَّهَادَتَيْنِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ أَسْلَمُوا وَإِلَّا إلَى الْجِزْيَةِ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُسْلِمُوا نَدْعُوهُمْ إلَى أَدَاءِ الْجِزْيَةِ لِلْحَدِيثِ الْمَعْرُوفِ وَسَيَأْتِي التَّصْرِيحُ مِنْ الْمُصَنِّفِ أَنَّ مُشْرِكِي الْعَرَبِ، وَالْمُرْتَدِّينَ لَا تُقْبَلُ مِنْهُمْ الْجِزْيَةُ بَلْ إمَّا الْإِسْلَامُ أَوْ السَّيْفُ فَلَا يَدْعُوَا إلَيْهَا ابْتِدَاءً لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فَلَا يَرِدُ عَلَى إطْلَاقِهِ هُنَا وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ إذَا أَسْلَمُوا نَتْرُكُ أَمْوَالَهُمْ وَنَجْعَلُ أَرَاضِيَهُمْ عُشْرِيَّةً وَنَأْمُرُهُمْ بِالتَّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِمْ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ الْمُقَامَ لِلْمُسْلِمِ فِي دَارِ الْحَرْبِ مَكْرُوهٌ، فَإِنْ أَبَوْا أَخْبَرَهُمْ أَنَّهُمْ كَأَعْرَابِ الْمُسْلِمِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْفَيْءِ وَلَا فِي الْغَنِيمَةِ وَلَا فِي الْخُمْسِ وَلَا فِي بَيْتِ الْمَالِ نَصِيبٌ هَذَا إذَا كَانَ مَكَانُهُمْ بِدَارِ الْحَرْبِ لَيْسَ مُتَّصِلًا بِدَارِ الْإِسْلَامِ، فَإِنْ كَانَ مُتَّصِلًا لَا يُؤْمَرُونَ بِالتَّحَوُّلِ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يُبَيِّنَ لَهُمْ مِقْدَارَ الْجِزْيَةِ وَوَقْتَ وُجُوبِهَا وَيُعْلِمَهُمْ أَنَّهُ إنَّمَا يَأْخُذُهَا مِنْهُمْ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً وَأَنَّ الْغَنِيَّ يُؤْخَذُ مِنْهُ كَذَا وَمِنْ الْفَقِيرِ كَذَا وَمِنْ الْوَسَطِ كَذَا. اهـ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ قَبِلُوا فَلَهُمْ مَا لَنَا وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَيْنَا) أَيْ قَبِلُوا إعْطَاءَ الْجِزْيَةِ صَارُوا ذِمَّةً لَنَا قَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنَّمَا بَذَلُوا الْجِزْيَةَ لِتَكُونَ دِمَاؤُهُمْ كَدِمَائِنَا وَأَمْوَالُهُمْ كَأَمْوَالِنَا وَسَيَأْتِي فِي الْبُيُوعِ اسْتِثْنَاءُ عَقْدِهِمْ عَلَى الْخَمْرِ، وَالْخِنْزِيرِ وَأَنَّ عَقْدَهُمْ عَلَى الْخَمْرِ كَعَقْدِنَا عَلَى الْعَصِيرِ وَعَقْدُهُمْ عَلَى الْخِنْزِيرِ كَعَقْدِنَا عَلَى الشَّاةِ وَقَدَّمْنَا أَنَّ الذِّمِّيَّ مُؤَاخَذٌ بِالْحُدُودِ، وَالْقِصَاصِ إلَّا حَدَّ شُرْبِ الْخَمْرِ وَتَقَدَّمَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ أَنَّهُمْ إذَا اعْتَقَدُوا جَوَازَهُ بِغَيْرِ مَهْرٍ أَوْ شُهُودٍ أَوْ فِي عِدَّةٍ نَتْرُكُهُمْ وَمَا يَدِينُونَ بِخِلَافِ الرِّبَا، فَإِنَّهُ مُسْتَثْنًى مِنْ عُقُودِهِمْ (قَوْلُهُ: وَلَا نُقَاتِلُ مَنْ لَا تَبْلُغُهُ الدَّعْوَةُ إلَى الْإِسْلَامِ) أَيْ لَا يَجُوزُ الْقِتَالُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي وَصِيَّةِ أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ فَادْعُهُمْ إلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَلِأَنَّهُمْ بِالدَّعْوَةِ يَعْلَمُونَ أَنَّا نُقَاتِلُهُمْ عَلَى الدِّينِ لَا عَلَى سَلْبِ الْأَمْوَالِ وَسَبْيِ الذَّرَارِيِّ فَلَعَلَّهُمْ يُجِيبُونَ فَنُكْفَى مُؤْنَةَ الْقِتَالِ وَلَوْ قَاتَلَهُمْ قَبْلَ الدَّعْوَةِ أَثِمَ لِلنَّهْيِ وَلَا غَرَامَةَ لِعَدَمِ الْعَاصِمِ وَهُوَ الدِّينُ أَوْ الْإِحْرَازُ بِالدَّارِ فَصَارَ كَقَتْلِ النِّسْوَانِ   [منحة الخالق] مَا مَرَّ أَوَّلَ الْبَحْثِ، فَإِذَا كَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ الْيَوْمَ يُنْكِرُونَ بِعْثَتَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُطْلَقًا فَقَدْ عَادَ الْأَمْرُ إلَى مَا كَانَ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا تَجُوزُ مُخَالَفَتُهُ وَلَا الْعُدُولُ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ مَا وَرَدَ بِهِ النُّصُوصُ الصَّرِيحَةُ الصَّحِيحَةُ بِلَا مُوجِبٍ لِلْعُدُولِ عَنْهُ نَعَمْ إنْ عُلِمَ مِنْ حَالِ ذُلٍّ كَالْكِتَابِيِّ أَنَّهُ يُخَصِّصُ الْبَعْثَةَ فَلَا بُدَّ مِنْ تَبَرُّئِهِ مِنْ دِينِهِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ وَإِذَا جُهِلَ حَالُهُ، وَقَدْ أَتَى بِالشَّهَادَتَيْنِ ثُمَّ ارْتَدَّ يُسْأَلُ بِأَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَبْعُوثٌ إلَى الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ، فَإِنْ قَالَ لَا فَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يُخَصِّصُ الْبَعْثَةَ فَيُجْبَرُ عَلَى الْعَوْدِ إلَى الْإِسْلَامِ، وَإِنْ قَالَ نَعَمْ لَكِنَّهُ لَمْ يُبْعَثْ إلَى بَنِي إسْرَائِيلَ عُلِمَ أَنَّ مَا أَقَرَّ بِهِ مِنْ الشَّهَادَتَيْنِ مَبْنِيٌّ عَلَى اعْتِقَادِهِ مِنْ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ إلَى الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ فَقَطْ وَلَكِنْ قَدْ تَقُومُ قَرِينَةٌ دَالَّةٌ عَلَى الْحَالِ، وَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا كَمَا إذَا أَتَى إلَى مُسْلِمٍ وَقَالَ لَهُ اعْرِضْ عَلَيَّ الْإِسْلَامَ فَلَقَّنَهُ الشَّهَادَتَيْنِ وَأَتَى بِهِمَا طَائِعًا مُخْتَارًا وَكَذَا مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ فِي زَمَانِنَا مِنْ أَنَّهُ يَذْهَبُ إلَى الْمَحْكَمَةِ وَيُسْلِمُ عِنْدَ الْقَاضِي فَهَذَا لَا شَكَّ. وَلَا رَيْبَ فِي أَنَّ مُرَادَهُ الْإِقْرَارُ بِعُمُومِ الْبَعْثَةِ وَفِي أَنَّهُ لَا يُرِيدُ بِهِ التَّخْصِيصَ الَّذِي يُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ يَعْتَقِدُهُ، فَإِنَّ هَذَا الِاحْتِمَالَ مَعَ هَذِهِ الْقَرِينَةِ الْوَاضِحَةِ مُضْمَحِلٌّ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ، وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِالتَّبَرِّي وَالْعُدُولِ عَمَّا وَرَدَ فِي الْأَدِلَّةِ الصَّرِيحَةِ بِمُجَرَّدِ هَذَا الِاحْتِمَالِ نَبَذَ لِلشَّرِيعَةِ بِالْكُلِّيَّةِ، فَإِنَّ الْإِمَامَ مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَمْ يَشْتَرِطْ التَّبَرِّي إلَّا لِتَيَقُّنِهِ وَعِلْمِهِ بِحَالِ أَهْلِ بِلَادِهِ وَاعْتِقَادِهِمْ تَخْصِيصَ الْبَعْثَةِ بِغَيْرِ بَنِي إسْرَائِيلَ وَلَوْلَا عِلْمُهُ ذَلِكَ مِنْهُمْ لَمْ يَسُغْ لَهُ وَلَا لِمَنْ بَعْدَهُ مُخَالَفَةُ مَا وَرَدَتْ بِهِ الشَّرِيعَةُ مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِالشَّهَادَتَيْنِ فَيَجِبُ إدَارَةُ الْحُكْمِ عَلَى عِلَّتِهِ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَلِذَا قَالُوا لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يُفْتِيَ بِقَوْلِنَا حَتَّى يَعْلَمَ مِنْ أَيْنَ قُلْنَا فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ الْفَرِيدَ وَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ هُنَا تَبَعًا لِقَارِئِ الْهِدَايَةِ ذَكَرَ الْعَلَائِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُلْتَقَى فِي الرِّدَّةِ أَنَّهُ أَفْتَى بِهِ صُنْعُ اللَّهِ أَفَنْدِي فِي فَتَاوِيهِ وَأَنَّهُ أَفْتَى بِهِ ابْنُ كَمَالٍ بَاشَا وَأَنَّهُ ذَكَرَ فِي شَرْحِ الْمُنْتَقَى لِدَامَادَ أَفَنْدِي أَنَّهُ الْمَعْمُولُ بِهِ. (قَوْلُهُ: صَارُوا ذِمَّةً لَنَا) قَالَ الرَّمْلِيُّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ بِمُجَرَّدِ الْقَبُولِ يَصِيرُونَ ذِمَّةً مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ وَدُعَاؤُنَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 81 وَالصِّبْيَانِ أَطْلَقَ الدَّعْوَةَ فَشَمِلَ الْحَقِيقِيَّةَ، وَالْحُكْمِيَّةَ فَالْحَقِيقِيَّةُ بِاللِّسَانِ، وَالْحُكْمِيَّةُ انْتِشَارُ الدَّعْوَةِ شَرْقًا وَغَرْبًا أَنَّهُمْ إلَى مَاذَا يَدْعُونَ وَعَلَى مَاذَا يُقَاتِلُونَ فَأُقِيمَ ظُهُورُهَا مَقَامَهَا، وَقَدْ نَصَّ مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ فَقَالَ: وَإِذَا لَقِيَ الْمُسْلِمُونَ الْمُشْرِكِينَ، فَإِنْ كَانَ الْمُشْرِكُونَ قَوْمًا لَمْ يَبْلُغْهُمْ الْإِسْلَامُ لَا حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا فَلَا يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوهُمْ حَتَّى يَدْعُوهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَا شَكَّ أَنَّ فِي بِلَادِ اللَّهِ تَعَالَى مَنْ لَا شُعُورَ لَهُ بِهَذَا الْأَمْرِ فَيَجِبُ أَنَّ الْمُرَادَ غَلَبَةُ ظَنِّ أَنَّ هَؤُلَاءِ لَمْ تَبْلُغْهُمْ الدَّعْوَةُ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة، وَإِنْ كَانُوا قَوْمًا قَدْ بَلَغَهُمْ الْإِسْلَامُ إلَّا أَنَّهُمْ لَا يَدْرُونَ أَيَقْبَلُ الْمُسْلِمُونَ الْجِزْيَةَ أَمْ لَا فَلَا يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوهُمْ حَتَّى يَدْعُوهُمْ إلَى الْجِزْيَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَنَدْعُو نَدْبًا مَنْ بَلَغَتْهُ) أَيْ الدَّعْوَةُ مُبَالَغَةً فِي الْإِنْذَارِ وَلَا يَجِبُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ صَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَغَارَ عَلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَهُمْ غَارُّونَ وَعَهِدَ إلَى أُسَامَةَ أَنْ يُغِيرَ عَلَى أُبْنَى صَبَاحًا ثُمَّ يُحَرِّقَ، وَالْغَارَةُ لَا تَكُونُ بِدَعْوَةٍ وَأُبْنَى بِوَزْنِ حُبْلَى مَوْضِعٌ بِالشَّامِ أُطْلِقَ فِي الِاسْتِحْبَابِ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِأَنْ لَا يَتَضَمَّنَ ضَرَرًا بِأَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُمْ بِالدَّعْوَةِ يَسْتَعِدُّونَ أَوْ يَحْتَالُونَ أَوْ يَتَحَصَّنُونَ وَغَلَبَةُ الظَّنِّ فِي ذَلِكَ بِمَا يَظْهَرُ مِنْ أَحْوَالِهِمْ كَالْعِلْمِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَنَسْتَعِينُ عَلَيْهِمْ بِاَللَّهِ تَعَالَى بِنَصْبِ الْمَجَانِيقِ وَحَرْقِهِمْ وَغَرَقِهِمْ وَقَطْعِ أَشْجَارِهِمْ وَإِفْسَادِ زُرُوعِهِمْ وَرَمْيِهِمْ، وَإِنْ تَتَرَّسُوا بِبَعْضِنَا وَنَقْصِدُهُمْ) أَيْ إنْ لَمْ يَقْبَلُوا الْجِزْيَةَ إلَى آخِرِهِ أَمَّا الِاسْتِعَانَةُ فَلِأَنَّهُ تَعَالَى هُوَ النَّاصِرُ لِأَوْلِيَائِهِ، وَالْمُدَمِّرُ عَلَى أَعْدَائِهِ فَيُسْتَعَانُ بِهِ فِي كُلِّ الْأُمُورِ، وَأَمَّا نَصْبُ الْمَجَانِيقِ فَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَصَبَهَا عَلَى الطَّائِفِ، وَأَمَّا التَّحْرِيقُ وَنَحْوُهُ فَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَحْرَقَ الْبُوَيْرَةَ وَأَرْسَلُوا عَلَيْهِمْ الْمَاءَ وَقَطَعُوا أَشْجَارَهُمْ وَأَفْسَدُوا زُرُوعَهُمْ؛ لِأَنَّ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ إلْحَاقَ الْغَيْظِ، وَالْكَبْتِ بِهِمْ وَكَسْرَ شَوْكَتِهِمْ وَتَفْرِيقَ جَمْعِهِمْ فَيَكُونُ مَشْرُوعًا أَطْلَقَ فِي الْأَشْجَارِ فَشَمِلَ الْمُثْمِرَةَ وَغَيْرَهَا كَمَا فِي الْبَدَائِعِ. وَأَطْلَقَ فِي جَوَازِ فِعْلِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَقَيَّدَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِمَا إذَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُمْ مَأْخُوذُونَ بِغَيْرِ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ الظَّاهِرُ أَنَّهُمْ مَغْلُوبُونَ وَأَنَّ الْفَتْحَ بَادٍ كُرِهَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إفْسَادٌ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْحَاجَةِ وَمَا أُبِيحَ إلَّا لَهَا وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَا يُسْتَحَبُّ رَفْعُ الصَّوْتِ فِي الْحَرْبِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَكْرُوهًا مِنْ وَجْهِ الدِّينِ وَلَكِنَّهُ فَشِلَ، وَالْفَشَلُ الْجُبْنُ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ مَنْفَعَةٌ وَتَحْرِيضٌ لِلْمُسْلِمِينَ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَعَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادَةَ قَالَ كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَكْرَهُونَ الصَّوْتَ عِنْدَ ثَلَاثٍ: الْجَنَائِزُ، وَالْقِتَالُ، وَالذِّكْرُ، وَالْمُرَادُ بِالذِّكْرِ الْوَعْظُ وَقَالَ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ بَيَانُ كَرَاهَةِ رَفْعِ الصَّوْتِ عِنْدَ سَمَاعِ الْقُرْآنِ، وَالْوَعْظِ فَتَبَيَّنَ بِهِ أَنَّ مَا يَفْعَلُهُ الَّذِينَ يَدَّعُونَ الْوَجْدَ، وَالْمَحَبَّةَ مَكْرُوهٌ وَلَا أَصْلَ لَهُ فِي الدِّينِ وَتَبَيَّنَ بِهِ أَنَّهُ يُمْنَعُ الْمُتَقَشِّفَةُ وَحَمْقَى أَهْلِ التَّصَوُّفِ مِمَّا يَعْتَادُونَهُ مِنْ رَفْعِ الصَّوْتِ وَتَمْزِيقِ الثِّيَابِ عِنْدَ السَّمَاعِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ فِي الدِّينِ عِنْدَ سَمَاعِ الْقُرْآنِ، وَالْوَعْظِ فَمَا ظَنُّك عِنْدَ سَمَاعِ الْغِنَاءِ وَيُنْدَبُ لِلْمُجَاهِدِ فِي دَارِ الْحَرْبِ تَوْفِيرُ الْأَظْفَارِ، وَإِنْ كَانَ قَصُّهَا مِنْ الْفِطْرَةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا سَقَطَ السِّلَاحُ مِنْ يَدِهِ وَدَنَا مِنْهُ الْعَدُوُّ رُبَّمَا يَتَمَكَّنُ مِنْ دَفْعِهِ بِأَظَافِيرِهِ وَهُوَ نَظِيرُ قَصِّ الشَّوَارِبِ، فَإِنَّهُ سُنَّةٌ ثُمَّ الْغَازِي فِي دَارِ الْحَرْبِ مَنْدُوبٌ إلَى تَوْفِيرِهَا وَتَطْوِيلِهَا لِيَكُونَ أَهْيَبَ فِي عَيْنِ مَنْ يُبَارِزُهُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا يُعِينُ الْمَرْءَ عَلَى الْجِهَادِ فَهُوَ مَنْدُوبٌ إلَى اكْتِسَابِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ إعْزَازِ الْمُسْلِمِينَ وَقَهْرِ الْمُشْرِكِينَ. اهـ. وَأَمَّا جَوَازُ رَمْيِهِمْ، وَإِنْ تَتَرَّسُوا بِبَعْضِنَا فَلِأَنَّ فِي الرَّمْيِ دَفْعَ الضَّرَرِ الْعَامِّ بِالذَّبِّ عَنْ بَيْضَةِ الْإِسْلَامِ وَقَتْلُ الْمُسْلِمِ ضَرَرٌ خَاصٌّ وَلِأَنَّهُ قَلَّ مَا يَخْلُو حِصْنٌ عَنْ مُسْلِمٍ فَلَوْ امْتَنَعَ عَنْ اعْتِبَارِهِ لَانْسَدَّ بَابُهُ أَطْلَقَ فِي بَعْضِنَا فَشَمِلَ الْأَسِيرَ، وَالتَّاجِرَ، وَالصِّبْيَانَ لَكِنْ نَقْصِدُ الْكُفَّارَ بِالرَّمْيِ دُونَ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُ إنْ تَعَذَّرَ التَّمْيِيزُ فِعْلًا فَقَدْ أَمْكَنَ قَصْدًا، وَالطَّاعَةُ بِحَسَبِ الطَّاقَةِ، وَأَمَّا مَا أَصَابُوهُ مِنْهُمْ لَا دِيَةَ عَلَيْهِمْ وَلَا كَفَّارَةَ؛ لِأَنَّ الْجِهَادَ فَرْضٌ، وَالْغَرَامَاتُ لَا تَقْتَرِنُ بِالْفُرُوضِ بِخِلَافِ حَالَةِ الْمَخْمَصَةِ؛ لِأَنَّهُ   [منحة الخالق] قَبْلُ كَافٍ وَيَدُلُّ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ لَيْسَ لَهُ الِامْتِنَاعُ مِنْ اتِّخَاذِهِمْ ذِمَّةً وَيَجِبُ تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا لَمْ يَخَفْ سُوءَ عَاقِبَةٍ مِنْهُ تَأَمَّلْ. [وَلَا نُقَاتِلُ مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ دَعْوَةُ الْإِسْلَامِ] (قَوْلُهُ بِخِلَافِ حَالَةِ الْمَخْمَصَةِ) قَالَ فِي الْفَتْحِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَذْهَبَ عِنْدَنَا فِي الْمُضْطَرِّ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَكْلُ مَالِ الْغَيْرِ مَعَ الضَّمَانِ فَلَمْ يَكُنْ فَرْضًا فَهُوَ كَالْمُبَاحِ يَتَقَيَّدُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ كَالْمُرُورِ فِي الطَّرِيقِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ افْتِرَاضِ الْجِهَادِ فِي نَفْيِ الضَّمَانِ. اهـ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 82 لَا يَمْتَنِعُ مَخَافَةَ الضَّمَانِ لِمَا فِيهِ مِنْ إحْيَاءِ نَفْسِهِ أَمَّا الْجِهَادُ بُنِيَ عَلَى إتْلَافِ النَّفْسِ فَيَمْتَنِعُ حَذَارِ الضَّمَانِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَيْسَ فِي الْإِسْلَامِ دَمٌ مُفْرَجٌ» أَيْ مُهْدَرٌ فَمَعْنَاهُ لَيْسَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَكَلَا مِنَّا فِي دَارِ الْحَرْبِ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ قَيَّدَ بِالتَّتَرُّسِ عِنْدَ الْمُحَارَبَةِ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ إذَا فَتَحَ بَلْدَةً وَمَعْلُومٌ أَنَّ فِيهَا مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا لَا يَحِلُّ قَتْلُ أَحَدٍ مِنْهُمْ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ ذَلِكَ الْمُسْلِمَ أَوْ الذِّمِّيَّ وَلَوْ أَخْرَجَ وَاحِدًا مِنْ عَرْضِ النَّاسِ حَلَّ إذَا قَتَلَ الْبَاقِيَ لِجَوَازِ كَوْنِ الْمُخْرَجِ هُوَ ذَلِكَ فَصَارَ فِي كَوْنِ الْمُسْلِمِ فِي الْبَاقِينَ شَكٌّ بِخِلَافِ الْحَالَةِ الْأُولَى، فَإِنَّ كَوْنَ الْمُسْلِمِ أَوْ الذِّمِّيِّ فِيهِمْ مَعْلُومٌ بِالْفَرْضِ فَوَقَعَ الْفَرْقُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَغَيْرِهَا، فَإِنْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ فِي سَفِينَةٍ فَاحْتَرَقَتْ السَّفِينَةُ، فَإِنْ كَانَ غَلَبَةُ ظَنِّهِمْ أَنَّهُمْ لَوْ أَلْقَوْا أَنْفُسَهُمْ فِي الْبَحْرِ تَخَلَّصُوا بِالسِّبَاحَةِ يَجِبُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَطْرَحُوا أَنْفُسَهُمْ فِي الْبَحْرِ لِيَتَخَلَّصُوا مِنْ الْهَلَاكِ الْقَطْعِيِّ، وَإِنْ اسْتَوَى الْجَانِبَانِ إنْ أَقَامُوا احْتَرَقُوا، وَإِنْ أَوْقَعُوا أَنْفُسَهُمْ غَرِقُوا فَهُمْ بِالْخِيَارِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لِاسْتِوَاءِ الْجَانِبَيْنِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ أَنْ يُلْقُوا أَنْفُسَهُمْ فِي الْمَاءِ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ إهْلَاكًا بِفِعْلِهِمْ اهـ. (قَوْلُهُ: وَنُهِينَا عَنْ إخْرَاجِ مُصْحَفٍ وَامْرَأَةٍ فِي سَرِيَّةٍ يُخَافُ عَلَيْهَا) ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَعْرِيضَهُنَّ عَلَى الضَّيَاعِ، وَالْفَضِيحَةِ وَتَعْرِيضَ الْمَصَاحِفِ عَلَى الِاسْتِخْفَافِ، فَإِنَّهُمْ يَسْتَخِفُّونَ بِهَا مُغَايَظَةً لِلْمُسْلِمِينَ وَهُوَ التَّأْوِيلُ الصَّحِيحُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تُسَافِرُوا بِالْقُرْآنِ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ» وَمَا فِي الْكِتَابِ هُوَ الْأَصَحُّ، وَالْأَحْوَطُ خِلَافًا لِمَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ مِنْ أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِي إخْرَاجِ الْمُصْحَفِ مُطْلَقًا أَطْلَقَ الْمَرْأَةَ فَشَمِلَ الشَّابَّةَ، وَالْعَجُوزَ لِلْمُدَاوَاةِ أَوْ غَيْرِهَا كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَقَيَّدَ بِالسَّرِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِي الْإِخْرَاجِ إذَا كَانَ جَيْشًا يُؤْمَنُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ هُوَ السَّلَامَةُ، وَالْغَالِبُ كَالْمُتَحَقِّقِ وَفِي الْمُغْرِبِ وَلَمْ يَرِدْ فِي تَحْدِيدِ السَّرِيَّةِ نَصٌّ وَمَحْصُولُ مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي السِّيَرِ أَنَّ التِّسْعَةَ وَمَا فَوْقَهَا سَرِيَّةٌ، وَأَمَّا الْأَرْبَعَةُ، وَالثَّلَاثَةُ وَنَحْوُ ذَلِكَ طَلِيعَةٌ لَا سَرِيَّةٌ. اهـ. وَفِي الْخَانِيَّةِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أَقَلُّ السَّرِيَّةِ مِائَتَانِ وَأَقَلُّ الْجَيْشِ أَرْبَعُمِائَةٍ وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ أَقَلُّ السَّرِيَّةِ أَرْبَعُمِائَةٍ وَأَقَلُّ الْجَيْشِ أَرْبَعَةُ آلَافٍ وَفِي الْمَبْسُوطِ السَّرِيَّةُ عَدَدٌ قَلِيلٌ يَسِيرُونَ بِاللَّيْلِ وَيَكْمُنُونَ بِالنَّهَارِ. اهـ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَيَنْبَغِي كَوْنُ الْعَسْكَرِ الْعَظِيمِ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ «لَنْ تُغْلَبَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا مِنْ قِلَّةٍ» وَهُوَ أَكْثَرُ مَا رُوِيَ فِيهِ اهـ. وَظَاهِرُ مَفْهُومِ الْمُخْتَصَرِ أَنَّ فِي الْجَيْشِ لَا يُكْرَهُ إخْرَاجُ الْمَرْأَةِ مُطْلَقًا وَخَصُّوهُ بِالْعَجَائِزِ لِلطِّبِّ، وَالْمُدَاوَاةِ، وَالسَّقْيِ وَيُكْرَهُ إخْرَاجُ الشَّوَابِّ لَوْ اُحْتِيجَ إلَى الْمُبَاضَعَةِ فَالْأَوْلَى إخْرَاجُ الْإِمَاءِ دُونَ الْحَرَائِرِ، وَالْأَوْلَى عَدَمُ إخْرَاجِهِنَّ أَصْلًا خَوْفًا مِنْ الْفِتَنِ وَلَا تُبَاشِرُ الْمَرْأَةُ الْقِتَالَ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى ضَعْفِهِمْ وَأَرَادَ بِالْمُصْحَفِ مَا يَجِبُ تَعْظِيمُهُ وَيَحْرُمُ الِاسْتِخْفَافُ بِهِ فَيُكْرَهُ إخْرَاجُ كُتُبِ الْفِقْهِ، وَالْحَدِيثِ فِي سِرِّيَّةٍ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقَيَّدَ بِالْإِخْرَاجِ فِي السَّرِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا دَخَلَ رَجُلٌ مُسْلِمٌ إلَيْهِمْ بِأَمَانٍ لَا بَأْسَ أَنْ يَحْمِلَ مَعَهُ الْمُصْحَفَ إذَا كَانُوا قَوْمًا يُوفُونَ بِالْعَهْدِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ التَّعَرُّضِ وَفِي الذَّخِيرَةِ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي أَهْلِ الثُّغُورِ الَّتِي تَلِي أَرْضَ الْعَدُوِّ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَّخِذُوا فِيهَا النِّسَاءَ وَأَنْ يَكُونَ فِيهَا الذَّرَارِيُّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ تِلْكَ الثُّغُورِ وَبَيْنَ أَرْضِ الْعَدُوِّ أَرْضُ الْمُسْلِمِينَ إذَا كَانَ الرِّجَالُ يَقْدِرُونَ عَلَى الدَّفْعِ عَنْهُمْ وَإِلَّا فَلَا يَنْبَغِي. (قَوْلُهُ: وَغَدْرٍ وَغُلُولٍ وَمُثْلَةٍ) أَيْ نُهِينَا عَنْهَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا تَغُلُّوا وَلَا تَغْدِرُوا وَلَا تُمَثِّلُوا» وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ مُحَرَّمَةٌ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْغَدْرُ، وَالْخِيَانَةُ وَنَقْضُ الْعَهْدِ، وَالْغُلُولُ السَّرِقَةُ مِنْ الْمَغْنَمِ، وَالْمُثْلَةُ الْمَرْوِيَّةُ فِي قِصَّةِ الْعُرَنِيِّينَ مَنْسُوخَةٌ بِالنَّهْيِ الْمُتَأَخِّرِ هُوَ الْمَنْقُولُ يُقَالُ: مَثَلْت بِالرَّجُلِ بِوَزْنِ ضَرَبْت أَمْثُلُ بِهِ بِوَزْنِ أَنْصُرُ مَثَلًا إذَا سَوَّدْتُ وَجْهَهُ وَقَطَعْتُ أَنْفَهُ وَنَحْوَهُ ذَكَرَهُ فِي الْفَائِقِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَأَمَّا مَنْ جَنَى عَلَى جَمَاعَةٍ جِنَايَاتٍ مُتَعَدِّدَةً لَيْسَ فِيهَا قَتْلٌ بِأَنْ قَطَعَ أَنْفَ رَجُلٍ وَأُذُنَيْ رَجُلٍ وَفَقَأَ عَيْنَيْ آخَرَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يُلْقُوا أَنْفُسَهُمْ فِي الْمَاءِ) قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة هَذَا إذَا لَمْ تُصِبْ النَّارُ بَدَنَهُمْ أَمَّا إذَا أَصَابَتْ، فَإِنَّهُمْ يُلْقُونَ أَنْفُسَهُمْ فِي الْمَاءِ؛ لِأَنَّ فِيهِ أَدْنَى رَاحَةً. [إخْرَاجِ مُصْحَفٍ وَامْرَأَةٍ فِي سَرِيَّةٍ يُخَافُ عَلَيْهَا] (قَوْلُهُ: وَفِي الْخَانِيَّةِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّ نُسْخَةَ الْخَانِيَّةِ الَّتِي وَقَعَتْ لِصَاحِبِ الْفَتْحِ فِيهَا سَقَطَ؛ لِأَنَّهُ قَالَ وَفِي الْخَانِيَّةِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أَقَلُّ السَّرِيَّةِ أَرْبَعُمِائَةٍ وَأَقَلُّ الْعَسْكَرِ أَرْبَعَةُ آلَافٍ مَعَ أَنَّ هَذَا قَوْلُ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ وَلِذَا قَالَ فِي الشرنبلالية الَّذِي رَأَيْته فِي الْخَانِيَّةِ نَصُّهُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أَقَلُّ السَّرِيَّةِ مِائَةٌ وَأَقَلُّ الْجَيْشِ أَرْبَعُمِائَةٍ قَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ أَقَلُّ السَّرِيَّةِ مِائَةٌ وَأَقَلُّ الْجَيْشِ أَرْبَعَةُ آلَافٍ. اهـ. وَقَوْلُ ابْنِ زِيَادٍ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ عَلَيْهِ نَصَّ الشَّيْخُ أَكْمَلُ الدِّينِ بَعْدَمَا قَالَ وَعَنْ أَبُو حَنِيفَةَ أَقَلُّ السَّرِيَّةِ مِائَةٌ. اهـ. قُلْت وَمَا نَقَلَهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 83 وَقَطَعَ يَدَيْ آخَرَ وَرِجْلَيْ آخَرَ فَلَا شَكَّ فِي أَنَّهُ يَجِبُ الْقِصَاصُ لِكُلِّ وَاحِدٍ أَدَاءً لِحَقِّهِ لَكِنْ يَجِبُ أَنْ يَتَأَتَّى لِكُلِّ قِصَاصٍ بَعْدَ الَّذِي قَبْلَهُ إلَى أَنْ يَبْرَأَ مِنْهُ وَحِينَئِذٍ يَصِيرُ هَذَا الرَّجُلُ مُمَثَّلًا بِهِ أَيْ مُثْلَةً ضِمْنًا لَا قَصْدًا، وَإِنَّمَا يَظْهَرُ أَثَرُ النَّهْيِ، وَالنَّسْخِ فِيمَنْ مَثَّلَ بِشَخْصٍ حَتَّى قَتَلَهُ فَمُقْتَضَى النَّسْخِ أَنْ يُقْتَلَ بِهِ ابْتِدَاءً وَلَا يُمَثَّلُ بِهِ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا بَعْدَ الظَّفَرِ، وَالنَّصْرِ أَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ بِهِ إذَا وَقَعَ قِتَالٌ كَمُبَارِزٍ ضَرَبَ فَقَطَعَ أُذُنَهُ ثُمَّ ضَرَبَهُ فَفَقَأَ عَيْنَهُ فَلَمْ يَنْتَهِ فَضَرَبَهُ فَقَطَعَ يَدَهُ وَأَنْفَهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ. اهـ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَا بَأْسَ بِحَمْلِ الرُّءُوسِ إذَا كَانَ فِيهِ غَيْظٌ لِلْمُشْرِكِينَ أَوْ إفْرَاغُ قَلْبٍ لِلْمُسْلِمِينَ بِأَنْ يَكُونَ الْمَقْتُولُ مِنْ قُوَّادِ الْمُشْرِكِينَ أَوْ عُظَمَاءِ الْمُبَارِزِينَ أَلَا تَرَى أَنَّ «عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ حَمَلَ رَأْسَ أَبِي جَهْلٍ لَعَنْهُ اللَّهُ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ بَدْرٍ حَتَّى أَلْقَاهُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ هَذَا رَأْسُ عَدُوِّك أَبِي جَهْلٍ لَعَنْهُ اللَّهُ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اللَّهُ أَكْبَرُ هَذَا فِرْعَوْنِي وَفِرْعَوْنُ أُمَّتِي كَانَ شَرُّهُ عَلَيَّ وَعَلَى أُمَّتِي أَعْظَمَ مِنْ شَرِّ فِرْعَوْنَ عَلَى مُوسَى وَأُمَّتِهِ» وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ ذَلِكَ اهـ. [وَقَتْلِ امْرَأَةٍ وَغَيْرِ مُكَلَّفٍ وَشَيْخٍ فَانٍ فِي الْجِهَاد] (قَوْلُهُ: وَقَتْلِ امْرَأَةٍ وَغَيْرِ مُكَلَّفٍ وَشَيْخٍ فَانٍ وَأَعْمَى وَمُقْعَدًا إلَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمْ ذَا رَأْيٍ فِي الْحَرْبِ أَوْ مَلِكًا) أَيْ نُهِينَا عَنْ قَتْلِ هَؤُلَاءِ؛ لِأَنَّ الْمُبِيحَ لِلْقَتْلِ عِنْدَنَا هُوَ الْحِرَابُ وَلَا يَتَحَقَّقُ مِنْهُمْ وَلِهَذَا لَا يُقْتَلُ يَابِسُ الشِّقِّ، وَالْمَقْطُوعُ الْيَمِينِ، وَالْمَقْطُوعُ يَدُهُ وَرِجْلُهُ مِنْ خِلَافٍ، وَالرَّاهِبُ الَّذِي لَمْ يُقَاتِلْ وَأَهْلُ الْكَنَائِسِ الَّذِينَ لَا يُخَالِطُونَ النَّاسَ، وَقَدْ صَحَّ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ قَتْلِ الصِّبْيَانِ، وَالنِّسَاءِ» «وَحِينَ رَأَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - امْرَأَةً مَقْتُولَةً قَالَ هَاهْ مَا كَانَتْ هَذِهِ تُقَاتِلُ فَلِمَ قُتِلَتْ» ، وَأَمَّا إذَا كَانَ لِأَحَدِهِمْ رَأْيٌ فِي الْحَرْبِ أَوْ كَانَ مَلِكًا فَقَدْ يَتَعَدَّى ضَرَرُهُ إلَى الْعِبَادِ وَلَا يُقْتَلُ مَنْ قَاتَلَ دَفْعًا لِشَرِّهِ وَلِأَنَّ الْقِتَالَ مُبِيحٌ حَقِيقَةً وَغَيْرُ الْمُكَلَّفِ شَامِلٌ لِلصَّبِيِّ، وَالْمَجْنُونِ غَيْرَ أَنَّهُمَا يُقْتَلَانِ مَا دَامَا يُقَاتِلَانِ وَغَيْرُهُمَا لَا بَأْسَ بِقَتْلِهِ بَعْدَ الْأَسْرِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْعِقَابِ لِتَوَجُّهِ الْخِطَابِ نَحْوَهُ، وَإِنْ أَمْكَنَ السَّبْيُ، وَإِنْ كَانَ يُجَنُّ وَيُفِيقُ فَهُوَ فِي حَالَةِ إفَاقَتِهِ كَالصَّحِيحِ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة لَا يُقْتَلُ الْمَعْتُوهُ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ ثُمَّ الْمُرَادُ بِالشَّيْخِ الْفَانِي الَّذِي لَا يُقْتَلُ، مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْقِتَالِ وَلَا الصِّيَاحِ عِنْدَ الْتِقَاءِ الصَّفَّيْنِ وَلَا عَلَى الْإِحْبَالِ؛ لِأَنَّهُ يَجِيءُ مِنْهُ الْوَلَدُ فَيَكْثُرُ مُحَارِبُ الْمُسْلِمِينَ ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَزَادَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ فِي كِتَابِ الْمُرْتَدِّ مِنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ إذَا كَانَ كَامِلَ الْعَقْلِ نَقْتُلُهُ وَمِثْلُهُ نَقْتُلُهُ إذَا ارْتَدُّوا الَّذِي لَا نَقْتُلُهُ الشَّيْخُ الْفَانِي الَّذِي خَرَّفَ وَزَالَ عَقْلُهُ وَخَرَجَ عَنْ حُدُودِ الْعُقَلَاءِ، وَالْمُمَيِّزِينَ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْمَجْنُونِ فَلَا نَقْتُلُهُ وَلَا إذَا ارْتَدَّ قَالَ: وَأَمَّا الزَّمْنَى فَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الشُّيُوخِ فَيَجُوزُ قَتْلُهُمْ إذَا رَأَى الْإِمَامُ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ يَكُونُوا عُقَلَاءَ وَنَقْتُلُهُمْ أَيْضًا إذَا ارْتَدُّوا اهـ. وَفِي الذَّخِيرَةِ وَنَقْتُلُ الْأَخْرَسَ، وَالْأَصَمَّ، وَالْمَقْطُوعَ الْيُسْرَى وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة وَلَا نَقْتُلُ مَنْ فِي بُلُوغِهِ شَكٌّ وَلَا بَأْسَ بِنَبْشِ قُبُورِهِمْ طَلَبًا لِلْمَالِ، وَإِذَا كَانَ بِالْمُسْلِمِينَ قُوَّةٌ عَلَى حَمْلِ مَنْ لَا يَقْتُلُ وَإِخْرَاجِهِمْ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ لَا يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَتْرُكُوا فِي دَارِ الْحَرْبِ امْرَأَةً وَلَا صَبِيًّا وَلَا مَعْتُوهًا وَلَا أَعْمَى وَلَا مُقْعَدًا وَلَا مَقْطُوعَ الْيَدِ، وَالرِّجْلِ مِنْ خِلَافٍ وَلَا مَقْطُوعَ الْيَدِ الْيُمْنَى؛ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ يُولَدُ لَهُمْ فَفِي تَرْكِهِمْ عَوْنٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَأَمَّا الشَّيْخُ الْفَانِي الَّذِي لَا يُلَقِّحُ، فَإِنْ شَاءَ أَخْرَجَهُ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ وَكَذَلِكَ الرُّهْبَانُ وَأَصْحَابُ الصَّوَامِعِ إذَا مَا كَانُوا مِمَّنْ لَا   [منحة الخالق] أَنَّ أَقَلَّ السَّرِيَّةِ مِائَةٌ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ هُوَ الَّذِي رَأَيْته فِي نُسْخَتَيْ الْخَانِيَّةِ أَيْضًا وَهُوَ مُخَالِفٌ لَمْ نَقَلَهُ الْمُؤَلِّفُ عَنْهَا وَتَبِعَهُ أَخُوهُ. (قَوْلُهُ وَالْمَقْطُوعُ الْيُمْنَى وَالْمَقْطُوعُ يَدُهُ وَرِجْلُهُ مِنْ خِلَافٍ) نَظَرَ فِيهِ فِي الشرنبلالية بِأَنَّهُ لَا يَنْزِلُ عَنْ مَرْتَبَةِ الشَّيْخِ الْقَادِرِ عَلَى الْإِحْبَالِ أَوْ الصِّيَاحِ. اهـ. وَمِثْلُهُ يُقَالُ فِي الْأَعْمَى وَالْمُقْعَدِ وَالْمَرْأَةِ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ يَنْدَفِعُ مَا يُحْذَرُ مِنْهُمْ بِإِخْرَاجِهِمْ إلَى دَارِنَا لِمَا يَأْتِي مِنْ أَنَّ مَنْ لَا يُقْتَلُ يَنْبَغِي حَمْلُهُ إذَا كَانَ بِالْمُسْلِمِينَ قُوَّةٌ لَكِنْ يَبْقَى النَّظَرُ حَيْثُ لَمْ يُمْكِنْ إخْرَاجُهُمْ لَكِنْ سَيَأْتِي أَنَّهُمْ يُتْرَكُونَ فِي أَرْضٍ خَرِبَةٍ حَتَّى يَمُوتُوا جُوعًا حَيْثُ لَمْ يُمْكِنْ إخْرَاجُهُمْ وَقَالَ فِي النَّهْرِ بَعْدَ ذِكْرِهِ الْحَدِيثَ الْآتِي قَرِيبًا فِي النَّهْرِ عَمَّا قَتَلَ النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ وَأَرَادَ بِهِمْ الَّذِينَ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى الْقِتَالِ وَلَا عَلَى الصِّيَاحِ عِنْدَ الْتِقَاءِ الصَّفَّيْنِ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة ثُمَّ نُقِلَ عَنْ جَمْعِ الْجَوَامِعِ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ مَنْ فِي بُلُوغِهِ شَكٌّ وَهَذَا كَمَا تَرَى يُغَايِرُ الْأَوَّلَ. اهـ. كَلَامُ النَّهْرِ الْأَوَّلُ مُؤَيِّدٌ لِكَلَامِ الشرنبلالية لَكِنْ أَجَابَ السَّيِّدُ أَبُو السُّعُودِ عَمَّا فِي النَّهْرِ بِأَنَّ الْمُرَادَ الْقُدْرَةُ مَعَ الْفِعْلِ بِأَنْ وُجِدَ مِنْ الصَّبِيِّ الْقِتَالُ أَوْ الصِّيَاحُ فَلَا يُنَافِيهِ عَدَمُ جَوَازِ قَتْلِ مَنْ فِي بُلُوغِهِ شَكٌّ إذْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ ذَلِكَ. اهـ. وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ وَأَمَّا الصَّبِيُّ وَالْمَعْتُوهُ مَا دَامَا يُقَاتِلَانِ أَوْ يُحَرِّضَانِ فَلَا بَأْسَ بِقَتْلِهِمَا وَبَعْدَمَا صَارَا فِي أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَقْتُلُوهُمَا، وَإِنْ قَتَلُوا غَيْرَ وَاحِدٍ. اهـ. فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: قَالَ هَاهْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ هَاهْ كَلِمَةُ زَجْرٍ وَالْهَاءُ الثَّانِيَةُ لِلسَّكْتِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 84 يُصِيبُونَ النِّسَاءَ كَذَلِكَ الْعَجُوزُ الَّذِي لَا يُرْجَى وَلَدُهَا، فَإِنْ شَاءَ الْإِمَامُ أَخْرَجَهُمْ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُمْ. اهـ. وَفِي الْبَدَائِعِ لَوْ قَتَلَ مَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ قَتْلُهُ مِمَّنْ ذَكَرْنَا فَلَا شَيْءَ فِيهِ مِنْ دِيَةٍ وَلَا كَفَّارَةٍ إلَّا التَّوْبَةُ، وَالِاسْتِغْفَارُ؛ لِأَنَّ دَمَ الْكَافِرِ لَا يَتَقَوَّمُ إلَّا بِالْأَمَانِ وَلَمْ يُوجَدْ (قَوْلُهُ: وَقَتْلِ أَبٍ مُشْرِكٍ) أَيْ نُهِينَا عَنْ ابْتِدَاءِ أَبِيهِ بِالْقَتْلِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15] وَلِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ إحْيَاؤُهُ بِالْإِنْفَاقِ فَيُنَاقِضُهُ الْإِطْلَاقُ فِي إفْنَائِهِ وَلَوْ قَتَلَهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ الْعَاصِمِ (قَوْلُهُ وَلْيَأْبَ الِابْنُ لِيَقْتُلَهُ غَيْرُهُ) أَيْ لِيَمْتَنِعَ الِابْنُ مِنْ إطْلَاقِهِ وَقَتْلِهِ لِيَقْتُلَهُ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ يَحْصُلُ بِغَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ اقْتِحَامِهِ الْمَأْثَمَ، فَإِذَا أَدْرَكَهُ فِي الصَّفِّ يَشْغَلُهُ بِالْمُحَاوَلَةِ بِأَنْ يُعَرْقِبَ فَرَسَهُ أَوْ يَطْرَحَهُ مِنْ فَرَسِهِ وَيُلْجِئَهُ إلَى مَكَان وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَنْصَرِفَ عَنْهُ وَيَتْرُكَهُ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ حَرْبًا عَلَيْنَا وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَقَتَلَ أَصْلِهِ الْمُشْرِكَ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ هَذَا الْحُكْمَ لَا يَخُصُّ الْأَبَ؛ لِأَنَّ أُمَّهُ وَأَجْدَادَهُ وَجَدَّاتِهِ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ وَالْأُمِّ كَالْأَبِ فَلَا يَبْتَدِئُهُمْ بِالْقَتْلِ وَخَرَجَ فَرْعُهُ، وَإِنْ سَفَلَ فَلِلْأَبِ أَنْ يَبْتَدِئَ بِقَتْلِ ابْنِهِ الْكَافِرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إحْيَاؤُهُ وَكَذَا أَخُوهُ وَخَالُهُ وَعَمُّهُ، وَالْمُشْرِكُونَ وَلِذَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِمْ إلَّا بِشَرْطِ الْإِسْلَامِ وَقَيَّدْنَا بِالِابْتِدَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَصَدَ الْأَبُ قَتْلَهُ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ دَفْعُهُ إلَّا بِقَتْلِهِ لَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ الدَّفْعُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ شَهَرَ الْأَبُ الْمُسْلِمُ سَيْفَهُ عَلَى ابْنِهِ وَلَا يُمْكِنُهُ دَفْعُهُ إلَّا بِقَتْلِهِ لَا بَأْسَ بِقَتْلِهِ لِمَا بَيَّنَّا فَهَذَا أَوْلَى وَقَيَّدَ بِالْمُشْرِكِ؛ لِأَنَّ الْبَاغِيَ يَكْرَهُ ابْتِدَاءَ الْقَرِيبِ سَوَاءٌ كَانَ أَبًا أَوْ أَخًا أَوْ غَيْرَهُمَا؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ إحْيَاؤُهُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ لِاتِّحَادِ الدِّينِ فَكَذَا بِتَرْكِ الْقَتْلِ وَأَمَّا فِي الرَّجْمِ إذَا كَانَ الِابْنُ أَحَدَ الشُّهُودِ فَيَبْتَدِئُ بِالرَّجْمِ وَلَا يَقْصِدُ قَتْلَهُ بِأَنْ يَرْمِيَهُ مَثَلًا بِحَصَاةٍ. (قَوْلُهُ: وَنُصَالِحُهُمْ وَلَوْ بِمَالٍ لَوْ خَيْرًا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا} [الأنفال: 61] وَوَادَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهْلَ مَكَّةَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى أَنْ يَضَعَ الْحَرْبَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ عَشْرَ سِنِينَ وَلِأَنَّ الْمُوَادَعَةَ جِهَادٌ مَعْنًى إذَا كَانَ خَيْرًا لِلْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ وَهُوَ دَفْعُ الشَّرِّ حَاصِلٌ بِهِ، فَإِذَا وَقَعَ الصُّلْحُ أَمِنُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَذَرَارِيِّهِمْ وَأَمَّنَ مَنْ أَمَّنُوهُ وَصَارَ فِي حُكْمِهِمْ كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ أَرَادَ بِالصُّلْحِ الْعَهْدَ عَلَى تَرْكِ الْجِهَادِ مُدَّةً مُعَيَّنَةً أَيَّ مُدَّةٍ كَانَتْ وَلَا يَقْتَصِرُ الْحُكْمُ عَلَى الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْمَرْوِيِّ لِتَعَدِّي الْمَعْنَى إلَى مَا زَادَ عَلَيْهَا وَقَيَّدَ بِالْخَيْرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَصْلَحَةٌ وَأَطْلَقَ فِي قَوْلِهِ وَلَوْ بِمَالٍ فَشَمِلَ الْمَالَ الْمَدْفُوعَ مِنْهُمْ إلَيْنَا وَعَكْسَهُ، وَالْأَوَّلُ ظَاهِرٌ إذَا كَانَ بِالْمُسْلِمِينَ حَاجَةٌ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ جِهَادٌ مَعْنًى وَلِأَنَّهُ إذَا جَازَ بِغَيْرِ الْمَالِ فَبِالْمَالِ أَوْلَى، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَيْهِمْ حَاجَةٌ بِهِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ تَرْكٌ لِلْجِهَادِ صُورَةً وَمَعْنًى، وَالْمَأْخُوذُ مِنْهُمْ يَصْرِفُ مَصَارِفَ الْجِزْيَةِ؛ لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ بِقُوَّةِ الْمُسْلِمِينَ كَالْجِزْيَةِ إلَّا إذَا نَزَلُوا بِدَارِهِمْ لِلْحَرْبِ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ غَنِيمَةً لِكَوْنِهِ مَأْخُوذًا بِالْقَهْرِ، وَالثَّانِي لَا يَفْعَلُهُ الْإِمَامُ لِمَا فِيهِ مِنْ إعْطَاءِ الدَّنِيَّةِ وَلُحُوقِ الْمَذَلَّةِ إلَّا إذَا خَافَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ دَفْعَ الْهَلَاكِ بِأَيِّ طَرِيقٍ أَمْكَنَ وَاجِبٌ وَذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ لَوْ دَخَلَ الْمُوَادِعُونَ بَلْدَةً أُخْرَى لَا مُوَادَعَةَ مَعَهُمْ فَغَزَا الْمُسْلِمُونَ فِي تِلْكَ الْبَلْدَةِ فَهَؤُلَاءِ آمِنُونَ لِبَقَاءِ الْأَمَانِ وَلَوْ أَسَرَ مِنْ الْمُوَادِعِينَ أَهْلَ دَارِ أُخْرَى فَاسْتَوْلَى عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ كَانَ فَيْئًا؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْمُوَادَعَةِ بَطَلَ فِي حَقِّ الْأَسِيرِ. اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ وَلَوْ وَقَعَ الصُّلْحُ ثُمَّ سَرَقَ مُسْلِمٌ مِنْهُمْ شَيْئًا لَا يَمْلِكُهُ وَكَذَا إنْ أَغَارَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِمْ وَسَبَوْا قَوْمًا مِنْهُمْ لَمْ يَسَعْ الْمُسْلِمِينَ الشِّرَاءُ مِنْ ذَلِكَ السَّبْيِ وَيُرَدُّ الْمَبِيعُ وَمَنْ دَخَلَ مِنْهُمْ دَارَنَا بِغَيْرِ أَمَانٍ لَا نَتَعَرَّضُ لَهُ؛ لِأَنَّ الْمُوَادَعَةَ السَّابِقَةَ كَافِيَةٌ فِي إفَادَةِ الْأَمَانِ وَالْعِصْمَةِ اهـ. وَأَطْلَقَ فِي الْمَصَالِحِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْإِمَامِ؛ لِأَنَّ مُوَادَعَةَ الْمُسْلِمِ أَهْلَ الْحَرْبِ جَائِزَةٌ كَإِعْطَائِهِ الْأَمَانَ، فَإِنْ كَانَ عَلَى مَالٍ وَلَمْ يَعْلَمْ الْإِمَامُ ذَلِكَ، فَإِنْ مَضَتْ الْمُدَّةُ أَخَذَهُ وَجَعَلَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَإِنْ عَلِمَ بِهَا قَبْلَ مُضِيِّهَا، فَإِنْ كَانَ فِيهَا خَيْرٌ أَمْضَاهَا وَأَخَذَ الْمَالَ وَإِلَّا أَبْطَلَهَا وَرَدَّ الْمَالَ وَنَبَذَ إلَيْهِمْ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ مُضِيِّ الْبَعْضِ رَدَّ كُلَّ الْمَالِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15] قَالَ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ قَدْ سَبَقَ فِي كِتَابِ النَّفَقَةِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْإِنْفَاقُ عَلَى الْأَبَوَيْنِ الْحَرْبِيَّيْنِ، وَإِنْ كَانَا مُسْتَأْمَنَيْنِ وَصَرَّحَ بِهِ الشُّرَّاحُ أَنَّ قَوْلَهُ {وَصَاحِبْهُمَا} [لقمان: 15] الْآيَةَ مَخْصُوصٌ بِأَهْلِ الذِّمَّةِ دَفْعًا لِلتَّعَارُضِ فَتَأَمَّلْ فِي جَوَابِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ إحْيَاؤُهُ) قَالَ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ لَا يَرِدُ عَلَيْهِ الِابْنُ، فَإِنَّهُ لَيْسَ كَالْأَبِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 85 اسْتِحْسَانًا بِخِلَافِ مَا إذَا وَادَعَهُمْ ثَلَاثَ سِنِينَ كُلَّ سَنَةٍ بِكَذَا وَقَبَضَ الْمَالَ كُلَّهُ ثُمَّ أَرَادَ الْإِمَامُ نَقْضَهَا بَعْدَ مُضِيِّ سَنَةٍ، فَإِنَّهُ يَرُدُّ الثُّلُثَيْنِ لِتَفْرِيقِ الْعُقُودِ هُنَا بِتَفْرِيقِ التَّسْمِيَةِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ، فَإِنَّ الْعَقْدَ وَاحِدٌ وَلَوْ وَادَعَ الْمُسْلِمُونَ أَهْلَ الْحَرْبِ عَلَى أَنْ يُؤَدُّوا كُلَّ سَنَةٍ مِائَةَ رَأْسٍ إلَيْنَا وَفِيهَا خَيْرٌ، فَإِنْ كَانَتْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَذَرَارِيِّهِمْ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ دَخَلُوا تَحْتَ الْأَمَانِ فَلَا يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُهُمْ وَتَمْلِيكُهُمْ، وَإِنْ صَالَحُوا عَلَى مِائَةِ رَأْسٍ بِأَعْيَانِهِمْ أَوَّلَ سَنَةٍ عَلَى أَنْ يَكُونَ أُولَئِكَ لَهُمْ ثُمَّ يُعْطُوهُمْ كُلَّ سَنَةٍ مِائَةَ رَأْسٍ مِنْ رَقِيقِهِمْ جَازَ لِعَدَمِ دُخُولِهِمْ تَحْتَ الْأَمَانِ وَتَمَامُهُ فِي الْمُحِيطِ. وَذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى أَنْ يَكُونُوا مُبْقِينَ عَلَى أَحْكَامِ الْكُفْرِ، فَإِنْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى أَنْ تَجْرِيَ عَلَيْهِمْ أَحْكَامُ الْإِسْلَامِ فَقَدْ صَارُوا ذِمَّةً وَلَا يَسَعُ لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ لَا يَقْبَلُوا ذَلِكَ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَمَّا قَبِلُوا حُكْمَ الْإِسْلَامِ صَارُوا مِنْ جُمْلَةِ أَهْلِهَا (قَوْلُهُ وَنَنْبِذُ لَوْ خَيْرًا) ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَبَذَ الْمُوَادَعَةَ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِ مَكَّةَ وَلِأَنَّ الْمَصْلَحَةَ لَمَّا تَبَدَّلَتْ كَانَ النَّبْذُ جِهَارًا وَإِبْقَاءُ الْعَهْدِ تَرْكُ الْجِهَادِ صُورَةً وَمَعْنًى فَلَا بُدَّ مِنْ النَّبْذِ تَحَرُّزًا عَنْ الْغَدْرِ وَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ مُدَّةٍ يَبْلُغُ خَبَرُ النَّبْذِ إلَى جَمِيعِهِمْ وَيُكْتَفَى فِي ذَلِكَ بِمُضِيِّ مُدَّةٍ يَتَمَكَّنُ مِلْكُهُمْ بَعْدَ عَمَلِهِ بِالنَّبْذِ مِنْ إنْفَاذِ الْخَبَرِ إلَى أَطْرَافِ مَمْلَكَتِهِ؛ لِأَنَّ بِذَلِكَ يَنْتَفِي الْغَدْرُ، فَإِنْ كَانُوا خَرَجُوا مِنْ حُصُونِهِمْ وَتَفَرَّقُوا فِي الْبِلَادِ أَوْ خَرَّبُوا حُصُونَهُمْ بِسَبَبِ الْأَمَانِ فَحَتَّى يَعُودُوا كُلُّهُمْ إلَى مَأْمَنِهِمْ وَيَعْمُرُوا حُصُونَهُمْ مِثْلَ مَا كَانَتْ تَوَقِّيًا عَنْ الْغَدْرِ وَفِي الْمُغْرِبِ نَبَذَ الشَّيْءَ مِنْ يَدِهِ طَرَحَهُ وَرَمَى بِهِ نَبْذًا وَنَبَذَ الْعَهْدَ نَقَضَهُ وَهُوَ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ طَرْحٌ لَهُ وَفِي النِّهَايَةِ، وَالْمُرَادُ هُنَا مِنْ قَوْلِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ النَّبْذِ إعْلَامُ نَقْضِ الْعَهْدِ. وَذَكَرَ الشَّارِحُ أَنَّ النَّبْذَ يَكُونُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي كَانَ الْأَمَانُ، فَإِنْ كَانَ مُنْتَشِرًا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ النَّبْذُ كَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُنْتَشِرٍ بِأَنْ أَمَّنَهُمْ وَاحِدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ سِرًّا يُكْتَفَى بِنَبْذِ ذَلِكَ الْوَاحِدِ كَالْحَجْرِ بَعْدَ الْإِذْنِ وَهَذَا إذَا صَالَحَهُمْ مُدَّةً فَرَأَى نَقْضَهُ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ، وَأَمَّا إذَا مَضَتْ الْمُدَّةُ، فَإِنَّهُ يَبْطُلُ الصُّلْحُ بِمُضِيِّهَا فَلَا يَنْبِذُ إلَيْهِمْ وَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ فِي دَارِنَا فَهُوَ آمِنٌ حَتَّى يَبْلُغَ مَأْمَنَهُ؛ لِأَنَّهُ فِي يَدِنَا بِأَمَانٍ كَذَا ذَكَرَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ (قَوْلُهُ: وَنُقَاتِلُ بِلَا نَبْذٍ لَوْ خَانَ مَلِكُهُمْ) ؛ لِأَنَّهُمْ صَارُوا نَاقِضِينَ لِلْعَهْدِ فَلَا حَاجَةَ إلَى نَقْضِهِ أَطْلَقَ فِي خِيَانَةِ مَلِكِهِمْ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ بِاتِّفَاقِ الْكُلِّ أَوْ بِفِعْلِ بَعْضِهِمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى لَوْ دَخَلَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ ذُو مَنَعَةٍ دَارَ الْإِسْلَامِ بِإِذْنِهِ وَقَاتَلُوا الْمُسْلِمِينَ كَانَ نَقْضًا وَقَيَّدَ بِمَلِكِهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَوْ دَخَلَ جَمَاعَةٌ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَمْ يُنْتَقَضْ فِي حَقِّ الْكُلِّ، وَإِنَّمَا يُنْتَقَضُ فِي حَقِّ الْخَائِنِينَ حَتَّى يَجُوزَ قَتْلُهُمْ وَاسْتِرْقَاقُهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَنَعَةٌ لَمْ يَكُنْ نَقْضًا لِلْعَهْدِ (قَوْلُهُ: وَالْمُرْتَدِّينَ بِلَا مَالٍ، وَإِنْ أُخِذَ لَمْ يُرَدَّ) أَيْ نُصَالِحُ الْمُرْتَدِّينَ حَتَّى نَنْظُرَ فِي أُمُورِهِمْ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ مَرْجُوٌّ مِنْهُمْ فَجَازَ تَأْخِيرُ قِتَالِهِمْ طَمَعًا فِي إسْلَامِهِمْ وَلَا نَأْخُذُ عَلَيْهِ مَالًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَخْذُ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ، وَإِنْ أَخَذَهُ لَمْ يَرُدَّهُ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ غَيْرُ مَعْصُومٍ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ الصُّلْحُ مَعَ أَهْلِ الْبَغْيِ بِالْأَوْلَى وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ شَيْءٌ وَصَرَّحَ الشَّارِحُ بِأَنَّ أَمْوَالَهُمْ مَعْصُومَةٌ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إذَا أُخِذَ شَيْءٌ لِأَجْلِ الصُّلْحِ يُرَدُّ عَلَيْهِمْ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَيُرَدُّ عَلَيْهِمْ بَعْدَمَا وَضَعَتْ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا وَلَا يَرُدُّهَا حَالَ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ لَهُمْ. اهـ. وَأَطْلَقَ فِي جَوَازِ صُلْحِ الْمُرْتَدِّينَ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا غَلَبُوا عَلَى بَلْدَةٍ وَصَارَ دَارُهُمْ دَارَ الْحَرْبِ وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّ فِيهِ تَقْرِيرَ الْمُرْتَدِّ عَلَى الرِّدَّةِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَلِذَا قَيَّدَهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ بِمَا ذَكَرْنَا كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَلَمْ نَبِعْ سِلَاحًا مِنْهُمْ) ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَهَى عَنْ بَيْعِ السِّلَاحِ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ وَحَمْلِهِ إلَيْهِمْ وَلِأَنَّ فِيهِ تَقْوِيَتَهُمْ عَلَى قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ فَيُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ وَصَرَّحَ الشَّارِحُ بِحُرْمَتِهِ أَرَادَ مِنْ السِّلَاحِ مَا يَكُونُ سَبَبًا لِتَقْوِيَتِهِمْ عَلَى الْحَرْبِ فَدَخَلَ الْكُرَاعُ، وَالْحَدِيدُ؛ لِأَنَّهُ أَصْلُ السِّلَاحِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَالْكُرَاعُ الْخَيْلُ وَدَخَلَ الرَّقِيقُ؛ لِأَنَّهُمْ يَتَوَالَدُونَ عِنْدَهُمْ فَيَعُودُونَ حَرْبًا عَلَيْنَا مُسْلِمًا كَانَ الرَّقِيقُ أَوْ كَافِرًا وَخَرَجَ الطَّعَامُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَبَذَ الْمُوَادَعَةَ إلَخْ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَاعْتَرَضَهَا فِي الْفَتْحِ بِأَنَّ الْأَلْيَقَ أَنْ يُجْعَلَ دَلِيلًا لِمَا يَأْتِي مِنْ قَوْلِهِ وَنُقَاتِلُ بِلَا نَبْذٍ لَوْ خَانَ مَلِكُهُمْ إلَخْ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَبْدَأْ أَهْلَ مَكَّةَ بَلْ هُمْ بَدَءُوا بِالْغَدْرِ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ فَقَاتَلَهُمْ وَلَمْ يَنْبِذْ إلَيْهِمْ بَلْ سَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُعَمِّيَ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَبْغَتَهُمْ وَهَذَا هُوَ الْمَذْكُورُ لِجَمِيعِ أَهْلِ السِّيَرِ وَالْمَغَازِي وَمَنْ تَلَقَّى الْقِصَّةَ وَذَكَرُوهَا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 86 وَالْقُمَاشُ، وَالْقِيَاسُ الْمَنْعُ إلَّا أَنَّا عَرَفْنَاهُ بِالنَّصِّ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَمَرَ ثُمَامَةَ أَنْ يَمِيرَ أَهْلَ مَكَّةَ وَهُمْ حَرْبٌ عَلَيْهِ وَشَمِلَ كَلَامُهُ مَا قَبْلَ الْمُوَادَعَةِ وَمَا بَعْدَهَا؛ لِأَنَّهَا عَلَى شَرَفِ الِانْقِضَاءِ أَوْ النَّقْضِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَلَيْسَ هَذَا كَمَا قَالُوا فِي بَيْعِ الْعَصِيرِ مِمَّنْ يَجْعَلُهُ خَمْرًا؛ لِأَنَّ الْعَصِيرَ لَيْسَ بِآلَةٍ لِلْمَعْصِيَةِ، وَإِنَّمَا يَصِيرُ آلَةً لَهَا بَعْدَمَا يَصِيرُ خَمْرًا وَأَمَّا هُنَا فَالسِّلَاحُ آلَةٌ لِلْفِتْنَةِ فِي الْحَالِ. اهـ. وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ، فَإِنْ كَانَ الْحَرْبِيُّ جَاءَ بِسَيْفٍ فَاشْتَرَى مَكَانَهُ قَوْسًا أَوْ رُمْحًا أَوْ فَرَسًا لَمْ يُتْرَكْ أَنْ يَخْرُجَ بِهِ مَكَانَ سَيْفِهِ وَكَذَا إذَا اسْتَبْدَلَ بِسَيْفِهِ سَيْفًا خَيْرًا مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ مِثْلَهُ أَوْ شَرًّا مِنْهُ لَمْ يُمْنَعُ. اهـ. فَمَا يُمْنَعُ الْمُسْلِمَ مِنْهُ يُمْنَعُ الْمُسْتَأْمَنُ مِنْهُمْ أَنْ يَدْخُلَ بِهِ دَارَهُمْ، وَإِنْ خَرَجَ هُوَ بِشَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا فَلَا يُمْنَعُ مِنْ الرُّجُوعِ بِهِ إلَّا إذَا أَسْلَمَ الْعَبْدُ [وَلَا يُقْتَلُ مَنْ أَمَّنَهُ حُرٌّ أَوْ حُرَّةٌ فِي الْجِهَادِ] (قَوْلُهُ: وَلَا يُقْتَلُ مَنْ أَمَّنَهُ حُرٌّ أَوْ حُرَّةٌ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ» أَيْ أَقَلُّهُمْ وَهُوَ الْوَاحِدُ وَلِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ فَيَخَافُونَهُ إذْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْمَنَعَةِ فَيَتَحَقَّقُ الْأَمَانُ مِنْهُ لِمُلَاقَاتِهِ مَحَلَّهُ ثُمَّ يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهِ وَلِأَنَّ سَبَبَهُ لَا يَتَجَزَّأُ وَهُوَ الْإِيمَانُ وَكَذَا الْأَمَانُ لَا يَتَجَزَّأُ فَيَتَكَامَلُ كَوِلَايَةِ الْإِنْكَاحِ وَأَجَازَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَمَانَ أُمِّ هَانِئٍ رِجَالًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ كَمَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَرُكْنُهُ صَرِيحٌ وَكِنَايَةٌ وَإِشَارَةٌ فَالصَّرِيحُ كَقَوْلِهِ أَمَّنْت أَوْ وَادَعْت أَوْ لَا تَخَافُوا مِنَّا وَلَا تَذْهَلُوا لَا بَأْسَ عَلَيْكُمْ لَكُمْ عَهْدُ اللَّهِ أَوْ ذِمَّتُهُ تَعَالَوْا فَاسْمَعُوا الْكَلَامَ وَيَصِحُّ بِأَيِّ لِسَانٍ، وَإِنْ كَانُوا لَا يَعْرِفُونَهُ بَعْدَ أَنْ عَرَفَهُ الْمُسْلِمُونَ بِشَرْطِ سَمَاعِهِمْ لَهُ فَلَا أَمَانَ لَوْ كَانَ بِالْبُعْدِ مِنْهُمْ وَمِنْ الْكِنَايَاتِ قَوْلُ الْمُسْلِمِ لِلْمُشْرِكِ تَعَالَ إذَا ظَنَّ أَنَّهُ أَمَانٌ كَانَ أَمَانًا وَكَذَا إذَا أَشَارَ بِأُصْبُعِهِ إلَى السَّمَاءِ فِيهِ بَيَانٌ أَعْطَيْتُك ذِمَّةَ إلَهِ السَّمَاءِ، وَالْمُشْرِكُ إذَا نَادَى الْأَمَانَ فَهُوَ أَمِنٌ إذَا كَانَ مُمْتَنِعًا، وَإِنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ لَيْسَ بِمُمْتَنِعٍ وَهُوَ مَادٌّ سَيْفَهُ وَرُمْحَهُ فَهُوَ فَيْءٌ وَلَوْ طَلَبَ الْأَمَانَ لِأَهْلِهِ لَا يَكُونُ هُوَ آمِنًا بِخِلَافِ مَا إذَا طَلَبَ لِذَرَارِيِّهِ، فَإِنَّهُ يَدْخُلُ تَحْتَ الْأَمَانِ وَفِي دُخُولِ أَوْلَادِ الْبَنَاتِ رِوَايَتَانِ. وَلَوْ طَلَبَهُ لِأَوْلَادِهِ دَخَلَ فِيهِ أَوْلَادُ الْأَبْنَاءِ دُونَ أَوْلَادِ الْبَنَاتِ وَلَوْ طَلَبَهُ لِإِخْوَتِهِ دَخَلَ الْأَخَوَاتُ تَبَعًا دُونَ الْأَخَوَاتِ الْمُفْرَدَاتِ وَكَذَا لَوْ طَلَبَهُ لِأَبْنَائِهِ دَخَلَتْ بَنَاتُهُ كَالْآبَاءِ يَدْخُلُ فِيهِ الْآبَاءُ، وَالْأُمَّهَاتُ وَلَا يَدْخُلُ الْأَجْدَادُ لِعَدَمِ صَلَاحِيَّتِهِمْ لِلتَّبَعِيَّةِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَلَوْ طَلَبَهُ لِقَرَابَتِهِ دَخَلَ الْوَالِدَانِ اسْتِحْسَانًا وَشَرَائِطُهُ الْعَقْلُ فَلَا يَجُوزُ أَمَانُ الْمَجْنُونِ، وَالصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ، وَالْبُلُوغُ فَلَا يَصِحُّ أَمَانُ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ، وَالْإِسْلَامُ فَلَا يَصِحُّ أَمَانُ الذِّمِّيِّ، وَإِنْ كَانَ مُقَاتِلًا، وَأَمَّا الْحُرِّيَّةُ فَلَيْسَتْ بِشَرْطٍ وَكَذَا السَّلَامَةُ عَنْ الْعَمَى، وَالزَّمَانَةِ، وَالْمَرَضِ، وَأَمَّا حُكْمُهُ فَهُوَ ثُبُوتُ الْأَمْنِ لِلْكَفَرَةِ عَنْ الْقَتْلِ، وَالسَّبْيِ، وَالِاسْتِغْنَامِ، وَأَمَّا إذَا وُجِدَ فِي أَيْدِيهِمْ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ أَسِيرٌ، فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ كَمَا فِي   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَلَوْ طَلَبَ الْأَمَانَ لِأَهْلِهِ إلَخْ) فِي شَرْحِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ لِلسَّرَخْسِيِّ، وَإِنْ قَالُوا لِلْمُسْلِمِينَ أَمِّنُوا أَهْلِينَا فَقَالُوا نَعَمْ أَمَّنَّاهُمْ فَهُمْ فَيْءٌ وَأَهْلُهُمْ آمِنُونَ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَذْكُرُوا أَنْفُسَهُمْ بِشَيْءٍ لَا صَرِيحًا وَلَا كِنَايَةً وَلَا دَلَالَةً، وَإِنْ قَالُوا أَمِّنُونَا عَلَى ذَرَارِيِّنَا فَأَمَّنُوهُمْ عَلَى ذَلِكَ فَهُمْ آمِنُونَ وَأَوْلَادُهُمْ وَأَوْلَادُ أَوْلَادِهِمْ، وَإِنْ سَفَلُوا مِنْ أَوْلَادِ الرِّجَالِ؛ لِأَنَّ اسْمَ الذُّرِّيَّةِ يَعُمُّ الْكُلَّ فَذُرِّيَّةُ الْمَرْءِ فَرْعُهُ الَّذِي هُوَ مُتَوَلِّدٌ مِنْهُ وَهُوَ أَصْلٌ لِذُرِّيَّتِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَنُوحٍ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - قَالَ تَعَالَى {أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ} [مريم: 58] الْآيَةَ. اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ الرَّجُلَ يَدْخُلُ فِي اسْمِ الذُّرِّيَّةِ دُونَ اسْمِ الْأَهْلِ لَكِنَّ الْمِثَالَ الَّذِي ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ، وَإِنْ قَالُوا أَمِّنُونَا دَخَلَ فِيهِ الطَّالِبُونَ لِذِكْرِهِمْ أَنْفُسَهُمْ بِلَفْظِ الْكِنَايَةِ بِخِلَافِ مِثَالِ الْأَهْلِ السَّابِقِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ ذَلِكَ، وَقَدْ قَالَ السَّرَخْسِيُّ أَيْضًا قَبْلَ ذَلِكَ وَإِذَا قَالُوا أَمِّنُونَا عَلَى أَهْلِينَا وَمَتَاعِنَا عَلَى أَنْ نَفْتَحَ لَكُمْ فَفَعَلُوا وَفَتَحُوا لَهُمْ فَالْقَوْمُ آمِنُونَ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرُوا أَنْفُسَهُمْ؛ لِأَنَّ النُّونَ وَالْأَلِفَ فِي أَمِّنُونَا كِنَايَةٌ وَكَلِمَةُ عَلَى لِلشَّرْطِ فَتَقْدِيرُ كَلَامِهِمْ نَحْنُ آمِنُونَ مَعَ أَهْلِينَا وَأَمْوَالِنَا إنْ فَتَحْنَا لَكُمْ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ خَمْسَةِ أَبْوَابٍ لَوْ قَالَ رَئِيسُ الْحِصْنِ أَمِّنُونِي عَلَى عَشَرَةٍ مِنْ أَهْلِ الْحِصْنِ فَقَالُوا لَك ذَلِكَ فَهُوَ آمِنٌ وَعَشَرَةٌ مَعَهُ؛ لِأَنَّهُ اسْتَأْمَنَ لِنَفْسِهِ نَصًّا بِقَوْلِهِ أَمِّنُونِي وَقَوْلُهُ عَلَى عَشَرَةٍ لِلشَّرْطِ، وَقَدْ شَرَطَ أَمَانَ عَشَرَةٍ مُنَكَّرَةٍ مَعَ أَمَانِ نَفْسِهِ فَعَرَفْنَا أَنَّ الْعَشَرَةَ سِوَاهُ وَالْخِيَارُ فِي تَعْيِينِهِمْ لَهُ وَلَوْ قَالَ أَمِّنُوا لِي عَشَرَةً فَلَهُ عَشَرَةٌ يَخْتَارُهُمْ، فَإِنْ اخْتَارَ عَشَرَةً هُوَ أَحَدُهُمْ جَازَ أَوْ عَشَرَةً سِوَاهُ فَهُوَ فَيْءٌ، وَإِنْ قَالَ أَمِّنُونِي وَعَشَرَةً فَالْأَمَانُ لَهُ وَلِعَشَرَةٍ سِوَاهُ وَالْخِيَارُ فِي تَعْيِينِهِمْ لِلْإِمَامِ وَكَذَا أَمِّنُونِي مَعَ عَشَرَةٍ، وَإِنْ قَالَ أَمِّنُونِي فِي عَشَرَةٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي أَوْ قَالَ مِنْ بَنِي أَبِي كَانَ هُوَ وَتِسْعَةٌ سِوَاهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ أَهْلِ بَيْتِهِ وَبَنِي أَبِيهِ وَالْبَيَانُ لِلْإِمَامِ وَلَوْ قَالَ فِي عَشَرَةٍ مِنْ إخْوَانِي فَهُوَ آمِنٌ وَعَشَرَةٌ سِوَاهُ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَكُونُ مِنْ إخْوَانِهِ فَوَجَبَ أَنْ يُجْعَلَ حَرْفُ فِي بِمَعْنَى مَعَ لِتَعَذُّرِ الْعَمَلِ بِحَقِيقَةِ الظَّرْفِ وَكَذَا لَوْ قَالَ فِي عَشَرَةٍ مِنْ وَلَدِي؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ مِنْ وَلَدِ نَفْسِهِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 87 التَّتَارْخَانِيَّة وَقَالَ مُحَمَّدٌ: وَإِذَا أَمَّنَ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ نَاسًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَأَغَارَ عَلَيْهِمْ قَوْمٌ آخَرُونَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَتَلُوا الرِّجَالَ وَسَبَوْا النِّسَاءَ، وَالْأَمْوَالَ وَاقْتَسَمُوا ذَلِكَ وَوُلِدَ لَهُمْ مِنْهُنَّ أَوْلَادٌ ثُمَّ عَلِمُوا بِالْأَمَانِ فَعَلَى الَّذِينَ قَتَلُوا دِيَةَ مَنْ قَتَلُوا وَتُرَدُّ النِّسَاءُ، وَالْأَمْوَالُ إلَى أَهْلِهَا وَتُغْرَمُ لِلنِّسَاءِ أَصْدُقَتُهُنَّ لِمَا أَصَابُوا مِنْ فُرُوجِهِنَّ، وَالْأَوْلَادُ أَحْرَارٌ مُسْلِمُونَ تَبَعًا لِأَبِيهِمْ لَكِنْ إنَّمَا تُرَدُّ النِّسَاءُ بَعْدَ ثَلَاثِ حِيَضٍ وَفِي زَمَانِ الِاعْتِدَادِ يُوضَعْنَ عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ، وَالْعَدْلُ امْرَأَةٌ عَجُوزٌ ثِقَةٌ لَا الرَّجُلُ وَيَكُونُ الْأَوْلَادُ أَحْرَارًا بِغَيْرِ قِيمَةٍ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة. اهـ. وَأَمَّا صِفَتُهُ فَهُوَ عَقْدٌ غَيْرُ لَازِمٍ حَتَّى لَوْ رَأَى الْإِمَامُ الْمَصْلَحَةَ فِي نَقْضِهِ نَقَضَهُ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ: وَنَنْبِذُ لَوْ شَرًّا) أَيْ نَقَضَ الْإِمَامُ الْأَمَانَ لَوْ كَانَ بَقَاؤُهُ شَرًّا؛ لِأَنَّ جَوَازَهُ كَانَ لِلْمَصْلَحَةِ مَعَ أَنَّهُ يَتَضَمَّنُ تَرْكَ الْقِتَالِ الْمَفْرُوضِ، فَإِذَا صَارَتْ الْمَصْلَحَةُ فِي نَقْضِهِ نَقَضَ وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ شَامِلَةٌ لِمَا إذَا أَعْطَى الْإِمَامُ الْأَمَانَ لِمَصْلَحَةٍ ثُمَّ رَأَى فِي نَقْضِهِ وَلِمَا إذَا أَمَّنَهُمْ مُسْلِمٌ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ وَلَا مَصْلَحَةَ فِيهِ فَاقْتِصَارُ الشَّارِحِ عَلَى الثَّانِي مِمَّا لَا يَنْبَغِي، وَإِذَا فَعَلَهُ الْوَاحِدُ وَلَا مَصْلَحَةَ فِيهِ أَدَّبَهُ الْإِمَامُ لِانْفِرَادِهِ بِرَأْيِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا تَفُوتُ بِالتَّأْخِيرِ فَيُعْذَرُ وَفِي الْبَدَائِعِ أَنَّ الْأَمَانَ عَلَى وَجْهَيْنِ مُطْلَقٌ وَمُؤَقَّتٌ فَالْأَوَّلُ يُنْتَقَضُ بِأَمْرَيْنِ إمَّا بِنَقْضِ الْإِمَامِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُخْبِرَهُمْ بِهِ ثُمَّ يُقَاتِلَهُمْ خَوْفًا مِنْ الْغَدْرِ وَإِمَّا بِمَجِيءِ أَهْلِ الْحِصْنِ إلَى الْإِمَامِ بِالْأَمَانِ ثُمَّ امْتِنَاعُهُمْ عَنْ الْإِسْلَامِ وَقَبُولِ الْجِزْيَةِ، فَإِنَّهُ يُنْتَقَضُ لَكِنْ يَرُدُّهُمْ إلَى مَأْمَنِهِمْ ثُمَّ يُقَاتِلُهُمْ احْتِرَازًا عَنْ التَّغْرِيرِ، فَإِنْ امْتَنَعُوا أَنْ يَلْحَقُوا بِمَأْمَنِهِمْ أَجَّلَهُمْ عَلَى مَا يَرَى، فَإِنْ لَمْ يَرْجِعُوا حَتَّى مَضَى الْأَجَلُ صَارُوا ذِمَّةً، وَالثَّانِي يَنْتَهِي بِمُضِيِّ الْوَقْتِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى النَّقْضِ وَلَهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوهُمْ إلَّا إذَا دَخَلَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ دَارَ الْإِسْلَامِ فَمُضِيُّ الْوَقْتِ وَهُوَ فِيهِ فَهُوَ آمِنٌ حَتَّى يَرْجِعَ إلَى مَأْمَنِهِ. (قَوْلُهُ: وَبَطَلَ أَمَانُ ذِمِّيٍّ وَأَسِيرٍ وَتَاجِرٍ وَعَبْدٍ وَمَحْجُورٍ عَنْ الْقِتَالِ) ؛ لِأَنَّ الذِّمِّيَّ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ مُتَّهَمٌ، وَالْأَسِيرُ، وَالتَّاجِرُ مَقْهُورَانِ تَحْتَ أَيْدِيهِمْ فَلَا يَخَافُونَهُمْ، وَالْأَمَانُ يَخْتَصُّ بِمَحَلِّ الْخَوْفِ، وَالْعَبْدُ الْمَحْجُورُ عَنْ الْقِتَالِ لَا يَخَافُونَهُ فَلَا يُلَاقِي الْأَمَانُ مَحَلَّهُ بِخِلَافِ الْمَأْذُونِ فِي الْقِتَالِ؛ لِأَنَّ الْخَوْفَ مِنْهُ مُتَحَقِّقٌ وَصَحَّحَ مُحَمَّدٌ أَمَانَهُ قَيَّدَ بِكَوْنِ الْأَمَانِ مِنْ الذِّمِّيِّ؛ لِأَنَّ الْأَمِيرَ لَوْ أَمَرَ الذِّمِّيَّ بِأَنْ يُؤَمِّنَهُمْ فَأَمَّنَهُمْ فَهُوَ جَائِزٌ، وَالْمَسْأَلَةُ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَقُولَ لَهُ قُلْ لَهُمْ: إنَّ فُلَانًا أَمَّنَكُمْ أَوْ قَالَ لَهُ أَمِّنْهُمْ وَكُلٌّ عَلَى وَجْهَيْنِ أَمَّا إنْ قَالَ الذِّمِّيُّ قَدْ أَمَّنْتُكُمْ أَوْ أَنَّ فُلَانًا الْمُسْلِمَ قَدْ أَمَّنَكُمْ فَفِي الثَّانِي يَصِحُّ أَمَانُهُ فِي الْوَجْهَيْنِ وَفِي الْأَوَّلِ إنْ قَالَ لَهُمْ الذِّمِّيُّ إنَّ فُلَانًا أَمَّنَكُمْ صَحَّ، وَإِنْ قَالَ أَمَّنْتُكُمْ فَهُوَ بَاطِلٌ وَأَرَادَ بِالْأَسِيرِ، وَالتَّاجِرِ الْمُسْلِمَ الَّذِي فِي دَارِ الْحَرْبِ فَلَوْ دَخَلَ مُسْلِمٌ دَارَ الْحَرْبِ وَأَمَّنَ جُنْدًا عَظِيمًا فَخَرَجُوا مَعَهُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ وَظَفِرَ بِهِمْ الْمُسْلِمُونَ فَهُمْ فَيْءٌ بِخِلَافِ مَا إذَا خَرَجَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ أَوْ عِشْرُونَ مَعَ الْمُسْلِمِ بِأَمَانٍ فَهُوَ آمِنٌ؛ لِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ مَقْهُورٌ مَعَهُمْ دُونَ الثَّانِي وَفِي الذَّخِيرَةِ أَرَادَ بِقَوْلِهِ لَا يَصِحُّ أَمَانُ الْأَسِيرِ لَا يَصِحُّ أَمَانُهُ فِي حَقِّ بَاقِي الْمُسْلِمِينَ حَتَّى كَانَ لَهُمْ أَنْ يُغِيرُوا عَلَيْهِمْ أَمَّا أَمَانُهُ فِي حَقِّهِ صَحِيحٌ، وَإِذَا صَحَّ أَمَانُهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ صَارَ حُكْمُهُ وَحُكْمُ الدَّاخِلِ فِيهِمْ بِأَمَانٍ سَوَاءً فَلَا يَأْخُذُ شَيْئًا مِنْ أَمْوَالِهِمْ بِغَيْرِ رِضَاهُمْ وَكَذَلِكَ لَا يَأْخُذُ مَا كَانَ لِلْمُسْلِمِينَ وَصَارَ مِلْكًا لَهُمْ بِالِاسْتِيلَاءِ، وَالْإِحْرَازِ بِدَارِهِمْ وَمَا كَانَ لِلْمُسْلِمِينَ وَلَمْ يَصِرْ مِلْكًا لَهُمْ بِالِاسْتِيلَاءِ لَا بَأْسَ بِأَنْ يَأْخُذَهُ وَيُخْرِجَهُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ وَكَذَا قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَمَعْنَى عَدَمِ صِحَّةِ أَمَانِ الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ فِي حَقِّ بَاقِي الْمُسْلِمِينَ أَمَّا أَمَانُ الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ صَحِيحٌ بِلَا خِلَافٍ، وَالْجَوَابُ فِي الْأَمَةِ كَالْجَوَابِ فِي الْعَبْدِ إنْ كَانَتْ تُقَاتِلُ بِإِذْنِ الْمَوْلَى فَأَمَانُهَا صَحِيحٌ وَإِلَّا فَلَا. اهـ. أَطْلَقَ فِي أَمَانِ الذِّمِّيِّ فَشَمِلَ مَا إذَا أَذِنَهُ الْإِمَامُ بِالْقِتَالِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَذِنَهُ الْإِمَامُ بِالْأَمَانِ كَمَا قَدَّمْنَا وَبِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ بِالْقِتَالِ، وَالْفَرْقُ هُوَ الصَّحِيحُ وَفِي السِّرَاجِيَّةِ، وَالْفَاسِقُ يَصِحُّ أَمَانُهُ وَفِي الْخَانِيَّةِ مِنْ فَصْلِ إعْتَاقِ الْحَرْبِيِّ الْعَبْدَ   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 88 الْمُسْلِمَ إذَا خَدَمَ مَوْلَاهُ الْحَرْبِيَّ فِي دَارِ الْحَرْبِ كَانَتْ خِدْمَتُهُ لَهُ أَمَانًا لَهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (بَابُ الْغَنَائِمِ وَقِسْمَتِهَا) الْغَنَائِمُ جَمْعُ غَنِيمَةٍ قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْمَغْنَمُ وَالْغَنِيمُ وَالْغَنِيمَةُ وَالْغُنْمُ بِالضَّمِّ الْفَيْءُ، غَنِمَ بِالْكَسْرِ غُنْمًا بِالضَّمِّ وَبِالْفَتْحِ وَبِالتَّحْرِيكِ وَغَنِيمَةً وَغُنْمَانًا بِالضَّمِّ الْفَوْزُ بِالشَّيْءِ بِلَا مَشَقَّةٍ اهـ. وَفِي الْمُغْرِبِ الْغَنِيمَةُ مَا نِيلَ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْوَةٌ وَالْحَرْبُ قَائِمَةٌ وَحُكْمُهَا أَنْ تُخَمَّسَ وَسَائِرُهَا بَعْدَ الْخُمُسِ لِلْغَانِمِينَ خَاصَّةً وَالْفَيْءُ مَا نِيلَ مِنْهُمْ بَعْدَ مَا تَضَعُ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا وَتَصِيرُ الدَّارُ دَارَ سَلَامٍ وَحُكْمُهُ أَنْ يَكُونَ لِكَافَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا يُخَمَّسُ اهـ. (قَوْلُهُ مَا فَتَحَ الْإِمَامُ عَنْوَةً قَسَمَ بَيْنَنَا أَوْ أَقَرَّ أَهْلَهَا وَوَضَعَ الْجِزْيَةَ وَالْخَرَاجَ) أَيْ الْجِزْيَةَ عَلَى رُءُوسِهِمْ وَالْخَرَاجَ عَلَى أَرَاضِيهِمْ وَالْعَنْوَةُ الْقَهْرُ كَمَا فِي الْقَامُوسِ وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي شُرُوحِ الْهِدَايَةِ فَالْقِسْمَةُ اتِّبَاعٌ لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِخَيْبَرَ وَعَدَمُهَا اتِّبَاعٌ لِفِعْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِسَوَادِ الْعِرَاقِ بِمُوَافَقَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يَجِدْ مَنْ خَالَفَهُ وَفِي كُلٍّ مِنْ ذَلِكَ قُدْوَةٌ فَيَتَخَيَّرُ وَقِيلَ الْأَوَّلُ وَهُوَ الْأَوْلَى عِنْدَ حَاجَةِ الْغَانِمِينَ وَالثَّانِي عِنْدَ عَدَمِ الْحَاجَةِ لِيَكُونَ عُدَّةً فِي الزَّمَانِ الثَّانِي وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْقِسْمَةَ بَعْدَ إخْرَاجِ الْخُمُسِ قَيْدٌ بِالْأَرَاضِيِ لِأَنَّ فِي الْمَنْقُولِ الْمُجَرَّدِ لَا يَجُوزُ الْمَنُّ بِالرَّدِّ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ بِهِ الشَّرْعُ فِيهِ وَفِي الْعَقَارِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّ فِي الْمَنِّ إبْطَالَ حَقِّ الْغَانِمِينَ أَوْ مِلْكِهِمْ فَلَا يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ بَدَلٍ يُعَادِلُهُ وَالْخَرَاجُ غَيْرُ مُعَادِلٍ لِقِلَّتِهِ بِخِلَافِ الرِّقَابِ لِأَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُبْطِلَ حَقَّهُمْ رَأْسًا إمَّا بِالْعِوَضِ الْقَلِيلِ وَإِمَّا بِالْقَتْلِ. وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَا وَلِأَنَّ فِيهِ نَظَرًا لَهُمْ لِأَنَّهُمْ كَالْأَكَرَةِ الْعَامِلَةِ لِلْمُسْلِمِينَ الْعَالِمَةِ بِوُجُوهِ الزِّرَاعَةِ، وَالْمُؤَنُ مُرْتَفِعَةٌ مَعَ أَنَّهُ يُخْطِئُ بِهِ الَّذِينَ يَأْتُونَ مِنْ بَعْدُ، وَالْخَرَاجُ وَإِنْ قَلَّ حَالًا فَقَدْ جَلَّ مَآلًا وَهُوَ الْمَنُّ عَلَيْهِمْ بِرِقَابِهِمْ وَأَرَاضِيهِمْ فَقَطْ وَقِسْمَةُ الْبَاقِي لِدَوَامِهِ وَإِنْ مَنَّ عَلَيْهِمْ بِالرِّقَابِ وَالْأَرَاضِيِ يَدْفَعُ إلَيْهِمْ مِنْ الْمَنْقُولَاتِ قَدْرَ مَا يَتَهَيَّأُ لَهُمْ الْعَمَلُ لِيَخْرُجَ عَنْ حَدِّ الْكَرَاهَةِ (قَوْلُهُ وَقَتَلَ الْأَسْرَى أَوْ اسْتَرَقَّ أَوْ تَرَكَهُمْ أَحْرَارَ ذِمَّةٍ لَنَا) يَعْنِي أَنَّ الْإِمَامَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَتَلَهُمْ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَدْ قَتَلَ وَلِأَنَّ فِيهِ حَسْمَ مَادَّةِ الْفَسَادِ وَإِنْ شَاءَ اسْتَرَقَّهُمْ لِأَنَّ فِيهِ دَفْعَ شَرِّهِمْ مَعَ وُفُورِ الْمَنْفَعَةِ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُمْ أَحْرَارًا ذِمَّةً لِلْمُسْلِمِينَ لِمَا بَيَّنَّا إلَّا مُشْرِكِي الْعَرَبِ وَالْمُرْتَدِّينَ فَإِنَّهُمْ لَا يُسْتَرَقُّونَ وَلَا يَكُونُونَ ذِمَّةً عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَيْسَ لَهُ فِيمَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ إلَّا الِاسْتِرْقَاقَ لِأَنَّ قَتْلَهُ أَوْ وَضْعَ الْجِزْيَةِ عَلَيْهِ بَعْدَ إسْلَامِهِ لَا يَجُوزُ. قَيَّدَ بِكَوْنِ الْخِيَارِ لِلْإِمَامِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْ الْغُزَاةِ أَنْ يَقْتُلَ أَسِيرًا بِنَفْسِهِ لِأَنَّ الرَّأْيَ فِيهِ إلَى الْإِمَامِ فَقَدْ يَرَى مَصْلَحَةَ الْمُسْلِمِينَ فِي اسْتِرْقَاقِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْتَاتَ عَلَيْهِ. وَعَلَى هَذَا فَلَوْ قَتَلَ بِلَا مُلْجِئٍ بِأَنْ خَافَ الْقَاتِلُ شَرَّ الْأَسِيرِ كَانَ لَهُ أَنْ يُعَزِّرَهُ إذَا وَقَعَ عَلَى خِلَافِ مَقْصُودِهِ وَلَكِنْ لَا يَضْمَنُ بِقَتْلِهِ شَيْئًا كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي الْقَامُوسِ الْأَسِيرُ الْأَخِيذُ وَالْمُقَيَّدُ وَالْمَسْجُونُ، وَالْجَمْعُ أُسَرَاءُ وَأُسَارَى وَأَسَارَى وَأَسْرَى (قَوْلُهُ وَحَرُمَ رَدُّهُمْ إلَى   [منحة الخالق] [أَمَانُ ذِمِّيٍّ وَأَسِيرٍ وَتَاجِرٍ وَعَبْدٍ وَمَحْجُورٍ فِي الْجِهَاد] قَوْلُهُ: كَانَتْ خِدْمَتُهُ أَمَانًا لَهُ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ يَكُونُ أَمَانًا لَهُ فِي حَقِّ الْعَبْدِ نَفْسِهِ لَا فِي حَقِّ بَاقِي الْمُسْلِمِينَ كَمَا ظَنَّهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ فَاسْتَشْكَلَهُ تَأَمَّلْ. [بَابُ الْغَنَائِمِ وَقِسْمَتِهَا] (قَوْلُهُ وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي شُرُوحِ الْهِدَايَةِ) قَالَ فِي النَّهْرِ عَنْوَةً أَيْ قَهْرًا كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَاتَّفَقَ الشَّارِحُونَ عَلَى أَنَّ هَذَا لَيْسَ تَفْسِيرًا لَهُ لُغَةً لِأَنَّهَا مِنْ عَنَى يَعْنُو عُنُوًّا ذَلَّ وَخَضَعَ وَهُوَ لَازِمٌ وَقَهْرًا مُتَعَدٍّ قَالَ فِي الْفَتْحِ وَإِنَّمَا الْمَعْنَى فَتْحُ بَلْدَةٍ حَالَ كَوْنِ أَهْلِهَا ذَوِي عَنْوَةٍ وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ قَهْرَ الْمُسْلِمِينَ لَهُمْ وَفِيهِ وَضْعُ الْمَصْدَرِ مَوْضِعَ الْحَالِ وَهُوَ غَيْرُ الْمُطَّرِدِ إلَّا فِي أَلْفَاظٍ اشْتَهَرَتْ وَإِطْلَاقُ اللَّازِمِ وَإِرَادَةُ الْمَلْزُومِ فِي غَيْرِ التَّعَارِيفِ بَلْ ذَلِكَ فِي الْإِخْبَارَاتِ وَالْوَجْهُ أَنَّهُ مَجَازٌ فَإِنَّ عَنْوَةً اشْتَهَرَ فِي نَفْسِ الْقَهْرِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ فَجَازَ اسْتِعْمَالُهُ فِيهِ تَعْرِيفًا اهـ. وَمَا قَالَهُ فِي الْبَحْرِ لَا يَصْلُحُ دَافِعًا إلَّا إذَا كَانَ مَعْنًى لَهُ حَقِيقِيًّا لَا مَجَازِيًّا وَلَيْسَ فِي الْقَامُوسِ مَا يُعَيِّنُهُ وَهَذَا لِأَنَّ صَاحِبَ الْقَامُوسِ لَا يُمَيِّزُ بَيْنَ الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ بَلْ يَذْكُرُ الْمَعَانِيَ جُمْلَةً اهـ. وَكَأَنَّهُ أَرَادَ بِالْبَعْضِ ابْنَ حَجَرٍ الْمَكِّيَّ وَقَدْ قَدَّمْنَا عِبَارَتَهُ فِي أَوَّلِ فَصْلِ التَّعْزِيرِ قُلْت لَكِنْ نُقِلَ فِي بَابِ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ عَنْ الْفَارَابِيِّ أَنَّهُ مِنْ الْأَضْدَادِ يُطْلَقُ عَلَى الطَّاعَةِ وَالْقَهْرِ وَمِثْلُهُ مَا فِي الْمِصْبَاحِ حَيْثُ قَالَ عَنَا يَعْنُو عَنْوَةً إذَا أَخَذَ الشَّيْءَ قَهْرًا وَكَذَا إذَا أَخَذَهُ صُلْحًا فَهُوَ مِنْ الْأَضْدَادِ وَفُتِحَتْ مَكَّةُ عَنْوَةً أَيْ قَهْرًا اهـ. (قَوْلُهُ وَهُوَ الْمَنُّ عَلَيْهِمْ بِرِقَابِهِمْ وَأَرَاضِيهِمْ فَقَطْ وَقِسْمَةُ الْبَاقِي) هَكَذَا وُجِدَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ عَقِبَ قَوْلِهِ فَقَدْ جَلَّ مَآلًا وَفِي بَعْضِهَا عَقِبَ قَوْلِهِ لِيَخْرُجَ عَنْ حَدِّ الْكَرَاهَةِ وَهِيَ الصَّوَابُ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 89 دَارِ الْحَرْبِ وَالْفِدَاءُ وَالْمَنُّ) لِأَنَّ فِي رَدِّهِمْ تَقْوِيَتَهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَفِي الْفِدَاءِ بِهِمْ مَعُونَةُ الْكَفَرَةِ لِأَنَّهُ يَعُودُ حَرْبًا عَلَيْنَا، وَدَفْعُ شَرِّ حِرَابِهِ خَيْرٌ مِنْ اسْتِخْلَاصِ الْأَسِيرِ الْمُسْلِمِ لِأَنَّهُ إذَا بَقِيَ فِي أَيْدِيهِمْ كَانَ ابْتِلَاءً فِي حَقِّهِ غَيْرَ مُضَافٍ إلَيْنَا، وَالْإِعَانَةُ بِدَفْعِ أَسِيرِهِمْ إلَيْهِمْ مُضَافٌ إلَيْنَا فَلَا يَجُوزُ عِنْدَ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ وَجَوَّزَا أَنْ يُفَادِيَ أَسْرَى الْمُسْلِمِينَ تَخْلِيصًا لِلْمُسْلِمِ وَجَوَابُهُ مَا مَرَّ. أَطْلَقَ فِي مَنْعِ الْفِدَاءِ فَشَمِلَ الشَّيْخَ الْكَبِيرَ الَّذِي لَا يُرْجَى لَهُ نَسْلٌ وَعَنْ مُحَمَّدٍ جَوَازُهُ كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَشَمِلَ إطْلَاقَ الْحَرْبِيِّ وَأَخْذَ الْمُسْلِمِ الْأَسِيرِ عِوَضًا عَنْهُ وَاسْتِنْقَاذَهُ مِنَّا بِمَالٍ نَأْخُذُهُ مِنْهُ قَالَ فِي الْمُغْرِبِ فَدَاهُ مِنْ الْأَسْرِ فِدَاءً وَفِدًى: اسْتَنْقَذَهُ مِنْهُ بِمَالٍ. وَالْفِدْيَةُ اسْمُ ذَلِكَ الْمَالِ. وَالْمُفَادَاةُ بَيْنَ اثْنَيْنِ يُقَالُ فَادَاهُ إذَا أَطْلَقَهُ وَأَخَذَ فِدْيَتَهُ وَعَنْ الْمُبَرِّدِ الْمُفَادَاةُ أَنْ تَدْفَعَ رَجُلًا وَتَأْخُذَ رَجُلًا وَالْفِدَاءُ أَنْ تَشْتَرِيَهُ وَقِيلَ هُمَا بِمَعْنًى اهـ. وَفِي الثَّانِي خِلَافٌ فَفِي الْمَشْهُورِ مِنْ الْمَذْهَبِ لَا يَجُوزُ وَفِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ لَا بَأْسَ بِهِ إذَا كَانَ بِالْمُسْلِمِينَ حَاجَةٌ اسْتِدْلَالًا بِأَسْرَى بَدْرٍ وَلَوْ كَانَ أَسْلَمَ الْأَسِيرُ فِي أَيْدِينَا لَا يُفَادَى بِمُسْلِمٍ أُسِرَ فِي أَيْدِيهِمْ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ إلَّا إذَا طَابَتْ نَفْسُهُ بِهِ وَهُوَ مَأْمُونٌ عَلَى إسْلَامِهِ وَأَمَّا الْمَنُّ فَقَالَ فِي الْقَامُوسِ مَنَّ عَلَيْهِ مَنًّا أَنْعَمَ وَاصْطَنَعَ عِنْدَهُ صَنِيعَةً اهـ. وَاخْتَلَفَتْ الْعِبَارَاتُ فِي الْمُرَادِ بِهِ هُنَا فَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ هُوَ أَنْ يُطْلِقَهُمْ إلَى دَارِ الْحَرْبِ بِغَيْرِ شَيْءٍ وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَالنِّهَايَةِ هُوَ الْإِنْعَامُ عَلَيْهِمْ بِأَنْ يَتْرُكَهُمْ مَجَّانًا بِدُونِ إجْرَاءِ الْأَحْكَامِ عَلَيْهِمْ مِنْ الْقَتْلِ وَالِاسْتِرْقَاقِ أَوْ تَرْكِهِمْ ذِمَّةً لِلْمُسْلِمِينَ اهـ. وَلَا يَصِحُّ الْأَوَّلُ فِي كَلَامِ الْمُخْتَصَرِ لِأَنَّهُ هُوَ عَيْنُ قَوْلِهِ وَحَرُمَ رَدُّهُمْ إلَى دَارِ الْحَرْبِ وَإِنَّمَا حَرُمَ لِأَنَّ بِالْأَسْرِ ثَبَتَ حَقُّ الْغَانِمِينَ فَلَا يَجُوزُ إبْطَالُ ذَلِكَ بِغَيْرِ عِوَضٍ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ الْمَغْنُومَةِ وَقَيَّدَ بِفِدَاءِ الْكُفَّارِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ فِدَاءُ أَسْرَى الْمُسْلِمِينَ بِهِ الَّذِينَ فِي دَارِ الْحَرْبِ بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَمَا لَيْسَ فِيهِ قُوَّةٌ لِلْحَرْبِ كَالثِّيَابِ وَغَيْرِهَا وَلَا يُفَادُونَ بِالسِّلَاحِ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَظَاهِرُ الْوَلْوَالِجيَّةِ أَنَّهُ يَجُوزُ مُفَادَاةُ أَسْرَى الْمُسْلِمِينَ بِالسِّلَاحِ وَالْكُرَاعِ اتِّفَاقًا (قَوْلُهُ وَعَقْرُ مَوَاشٍ شَقَّ إخْرَاجُهَا فَتُذْبَحُ وَتُحْرَقُ) أَيْ وَحَرُمَ عَقْرُ الْمَوَاشِي لِأَنَّهُ مُثْلَةٌ فَيَذْبَحُهَا لِأَنَّ ذَبْحَ الْحَيَوَانِ يَجُوزُ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ وَلَا غَرَضَ أَصَحَّ مِنْ كَسْرِ شَوْكَةِ الْأَعْدَاءِ ثُمَّ تُحْرَقُ بِالنَّارِ لِتَنْقَطِعَ مَنْفَعَتُهُ عَنْ الْكُفَّارِ وَصَارَ كَتَخْرِيبِ الْبُنْيَانِ بِخِلَافِ التَّحْرِيقِ قَبْلَ الذَّبْحِ لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ يَحْرُقُ الْأَسْلِحَةَ وَالْأَمْتِعَةَ إذَا تَعَذَّرَ نَقْلُهَا وَمَا لَا يَحْتَرِقُ مِنْهَا يُدْفَنُ فِي مَوْضِعٍ لَا يَقِفُ عَلَيْهِ الْكُفَّارُ إبْطَالًا لِلْمَنْفَعَةِ عَلَيْهِمْ قَالَ فِي الْمُغْرِبِ عَقَرَهُ عَقْرًا جَرَحَهُ وَعَقَرَ النَّاقَةَ بِالسَّيْفِ ضَرَبَ قَوَائِمَهَا، وَالْمَوَاشِي جَمْعُ مَاشِيَةٍ وَهِيَ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ وَقَيَّدَ بِالْمَوَاشِي احْتِرَازًا عَنْ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ الَّتِي يَشُقُّ إخْرَاجُهَا فَإِنَّهَا تُتْرَكُ فِي أَرْضٍ خَرِبَةٍ حَتَّى يَمُوتُوا جُوعًا كَيْ لَا يَعُودُوا حَرْبًا عَلَيْنَا لِأَنَّ النِّسَاءَ يَقَعُ بِهِنَّ النَّسْلُ وَأَمَّا الصِّبْيَانُ فَإِنَّهُمْ يَبْلُغُونَ فَيَصِيرُونَ حَرْبًا عَلَيْنَا كَذَا فِي فَتَاوَى الْوَلْوَالِجِيِّ وَتَعَقَّبَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهُ أَقْوَى مِنْ الْقَتْلِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ فِي قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُضْطَرُّوا إلَى ذَلِكَ بِسَبَبِ عَدَمِ الْحَمْلِ فَيُتْرَكُوا ضَرُورَةً وَهُوَ عَجِيبٌ مِنْهُ لِأَنَّ الْوَلْوَالِجِيَّ صَرَّحَ بِأَنَّهُ يُفْعَلُ بِالنِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ ذَلِكَ عِنْدَ عَدَمِ إمْكَانِ الْإِخْرَاجِ لَا مُطْلَقًا فَلَا إشْكَالَ أَصْلًا وَالْمَسْأَلَةُ مَذْكُورَةٌ فِي الْمُحِيطِ أَيْضًا وَذَكَرَ بَعْدَهُ وَلِهَذَا قَالَ عُلَمَاؤُنَا إذَا وَجَدَ الْمُسْلِمُونَ حَيَّةً أَوْ عَقْرَبًا فِي دَارِ الْحَرْبِ فِي رِحَالِهِمْ يَنْزِعُونَ ذَنَبَ الْعَقْرَبِ وَأَنْيَابَ الْحَيَّةِ قَطْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ وَلَا يَقْتُلُونَهَا لِأَنَّ فِيهِ مَنْفَعَةَ الْكُفَّارِ وَقَدْ أُمِرْنَا بِضِدِّهِ اهـ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة نِسَاءٌ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ مُتْنَ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَيَطَأُ أَهْلُ الْحَرْبِ النِّسَاءَ الْأَمْوَاتَ قَالَ يَسَعُنَا أَنْ نُحَرِّقَهُنَّ بِالنَّارِ اهـ. [قِسْمَةُ الْغَنَائِمِ فِي دَارِ الْحَرْبِ لِغَيْرِ إيدَاعٍ] (قَوْلُهُ وَقِسْمَةُ غَنِيمَةٍ فِي دَارِهِمْ لَا لِلْإِيدَاعِ) أَيْ حَرُمَ قِسْمَةُ الْغَنَائِمِ فِي دَارِ الْحَرْبِ لِغَيْرِ إيدَاعِ لِنَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الْغَنَائِمِ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَالْقِسْمَةُ بَيْعٌ مَعْنًى فَتَدْخُلُ تَحْتَهُ وَلِأَنَّ الِاسْتِيلَاءَ إثْبَاتُ   [منحة الخالق] [مَا يَفْعَلهُ الْإِمَامَ بِالْأَسْرَى] قَوْلُهُ وَفِي الثَّانِي خِلَافٌ) أَيْ اشْتِرَاؤُهُ بِمَالٍ وَسَمَّاهُ ثَانِيًا نَظَرًا إلَى مَا فِي عِبَارَةِ الْمُبَرِّدِ (قَوْلُهُ وَلَا يَصِحُّ الْأَوَّلُ فِي كَلَامِ الْمُخْتَصَرِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ الظَّاهِرُ أَنَّ مُؤَدَّى الْعِبَارَتَيْنِ وَاحِدٌ وَذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ أَيْ بِغَيْرِ قَتْلٍ وَلَا اسْتِرْقَاقٍ وَلَا ذِمَّةٍ، وَأَنَّ رَدَّهُمْ إلَى دَارِهِمْ هُوَ إرْسَالُهُمْ إلَيْهَا وَهَذَا كَمَا تَرَى مُغَايِرٌ لِمُطْلَقِ إطْلَاقِهِمْ بِغَيْرِ شَيْءٍ فَتَدَبَّرْهُ ثُمَّ رَأَيْته فِي إيضَاحِ الْإِصْلَاحِ قَالَ الْمَنُّ أَنْ يُطْلِقَهُمْ مَجَّانًا سَوَاءٌ كَانَ الْإِطْلَاقُ بَعْدَ إسْلَامِهِمْ أَوْ قَبْلَهُ أُشِيرَ إلَى ذَلِكَ فِي التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ فِي الْهِدَايَةِ يُرِيدُ قَوْلَهُ وَلِأَنَّهُ بِالْأَسْرِ ثَبَتَ حَقُّ الِاسْتِرْقَاقِ فِيهِ فَلَا يَجُوزُ إسْقَاطُهُ بِغَيْرِ مَنْفَعَةٍ ثُمَّ قَالَ وَقَدْ عُلِمَ مِنْ نَفْيِ الْمَنِّ وَالْفِدَاءِ نَفْيُ رَدِّهِمْ إلَى دَارِهِمْ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ فَلَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِهِ اهـ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 90 الْيَدِ الْحَافِظَةِ وَالنَّاقِلَةِ، وَالثَّانِي مُنْعَدِمٌ لِقُدْرَتِهِمْ عَلَى الِاسْتِنْقَاذِ وَوُجُودِهِ ظَاهِرًا، وَالْأَصْلُ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا مِلْكَ قَبْلَ الْإِحْرَازِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ فَتَحْرُمُ الْقِسْمَةُ وَالْبَيْعُ قَبْلَهُ وَيُشَارِكُ الْمَدَدُ الْعَسْكَرَ قَبْلَهُ وَلَوْ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ إذَا أَسْلَمُوا بِدَارِهِمْ قَبْلَ الِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهِمْ وَلَا يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِ أَمَةٍ مِنْ السَّبْيِ ادَّعَاهُ بَعْضُ الْغَانِمِينَ قَبْلَهُ وَيَجِبُ عُقْرُهَا وَتُقْسَمُ الْأَمَةُ وَالْوَلَدُ وَالْعُقْرُ بَيْنَ الْغَانِمِينَ وَلَا يُورَثُ نَصِيبُ مَنْ مَاتَ قَبْلَهُ وَلَا ضَمَانَ عَلَى مَنْ أَتْلَفَ شَيْئًا مِنْ الْغَنِيمَةِ قَبْلَهُ كَذَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ وَظَاهِرُهُ أَنَّ جَمِيعَ تِلْكَ الْأَحْكَامِ إنَّمَا هِيَ قَبْلَهُ أَمَّا بَعْدَهُ فَالْأَحْكَامُ مُخْتَلِفَةٌ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا مِلْكَ بَعْدَ الْإِحْرَازِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ أَيْضًا إلَّا بِالْقَسْمِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ فَلَا يَثْبُتُ بِالْإِحْرَازِ مِلْكٌ لِأَحَدٍ بَلْ يَتَأَكَّدُ الْحَقُّ وَلِهَذَا لَوْ أَعْتَقَ وَاحِدٌ مِنْ الْغَانِمِينَ عَبْدًا بَعْدَ الْإِحْرَازِ لَا يَعْتِقُ وَلَوْ كَانَ هُنَاكَ مِلْكٌ مُشْتَرَكٌ عَتَقَ بِعِتْقِ الشَّرِيكِ وَيَجْرِي فِيهِ مَا عُرِفَ فِي عِتْقِ الشَّرِيكِ فَحُكْمُ اسْتِيلَادِ الْجَارِيَةِ بَعْدَ الْإِحْرَازِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَقَبْلَهُ سَوَاءٌ نَعَمْ لَوْ قُسِمَتْ تِلْكَ الْغَنِيمَةُ عَلَى الرَّايَاتِ أَوْ الْعِرَافَةِ فَوَقَعَتْ جَارِيَةٌ بَيْنَ أَهْلِ رَايَةٍ صَحَّ اسْتِيلَادُ أَحَدِهِمْ لَهَا فَإِنَّهُ يَصِحُّ عِتْقُهُ لَهَا لِأَنَّهَا مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِ تِلْكَ الرَّايَةِ وَالْعِرَافَةِ شَرِكَةُ مِلْكٍ لَكِنَّ هَذَا إذَا قَلُّوا حَتَّى تَكُونَ الشَّرِكَةُ خَاصَّةً أَمَّا إذَا كَثُرُوا فَلَا لِأَنَّ بِالشَّرِكَةِ الْعَامَّةِ لَا تَثْبُتُ وِلَايَةُ الْإِعْتَاقِ وَالْقَلِيلُ مِائَةٌ أَوْ أَقَلُّ وَقِيلَ أَرْبَعُونَ. قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يُوَقَّتَ وَيُجْعَلَ مَوْكُولًا إلَى اجْتِهَادِ الْإِمَامِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة قَالَ الْمُتَأَخِّرُونَ وَأَحْسَنُ مَا قِيلَ فِيهِ أَنَّ الْجُنْدَ إذَا كَانَ بِحَيْثُ تَقَعُ بِهِمْ الشَّرِكَةُ فِي الْأَغْلَبِ كَانَتْ الشَّرِكَةُ فِيمَا بَيْنَهُمْ عَامَّةً وَإِنْ كَانَتْ بِحَيْثُ لَا تَقَعُ بِهِمْ الشَّرِكَةُ فِي الْغَالِبِ تَكُونُ شَرِكَةً خَاصَّةً اهـ. وَفِيهَا وَفِي الْمُنْتَقَى قَالَ أَبُو يُوسُفَ إذَا أَعْتَقَ الْإِمَامُ عَبْدًا مِنْ الْخُمُسِ جَازَ عِتْقُهُ وَوَلَاؤُهُ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُوَالِيَ أَحَدًا اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ وَلَوْ وَطِئَ جَارِيَةً لَا يُحَدُّ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ الْعُقْرُ إنْ وَطِئَهَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ دُونَ دَارِ الْحَرْبِ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَنَافِعَ بُضْعِهَا اهـ. وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّ الْوَطْءَ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَا يَجِبُ فِيهِ شَيْءٌ وَقَدْ نَقَلَهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة بِصِيغَةِ قَالَ مُحَمَّدٌ فَكَانَ هُوَ الْمَذْهَبَ قَالَ وَكَذَا إذَا قَتَلَ وَاحِدًا مِنْ السَّبْيِ أَوْ اسْتَهْلَكَ شَيْئًا مِنْ الْغَنِيمَةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَهْلِكُ مِنْ الْغَانِمِينَ أَوْ غَيْرِهِمْ وَعَبَّرَ بِالْحُرْمَةِ دُونَ الصِّحَّةِ. لِأَنَّهُ إذَا قَسَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ مُجْتَهِدًا أَوْ قَسَمَ لِحَاجَةِ الْغَانِمِينَ فَصَحِيحَةٌ وَإِنْ قَسَمَ بِلَا اجْتِهَادٍ أَوْ اجْتَهَدَ فَوَقَعَ عَلَى عَدَمِ صِحَّتِهَا فَغَيْرُ صَحِيحَةٍ وَقَيَّدَ بِغَيْرِ الْإِيدَاعِ لِأَنَّهَا لِلْإِيدَاعِ جَائِزَةٌ وَصُورَتُهَا أَنْ لَا يَكُونَ لِلْإِمَامِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ حَمُولَةٌ يَحْمِلُ عَلَيْهَا الْغَنَائِمَ فَيُقَسِّمُهَا بَيْنَ الْغَانِمِينَ قِسْمَةَ إيدَاعٍ لِيَحْمِلَهَا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ يَرْتَجِعَهَا مِنْهُمْ فِيهَا فَإِنْ أَبَوْا أَنْ يَحْمِلُوهَا أَجْبَرَهُمْ عَلَى ذَلِكَ بِأَجْرِ الْمِثْلِ فِي رِوَايَةِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ لِأَنَّهُ دَفْعُ ضَرَرٍ عَامٍّ بِتَحْمِيلِ ضَرَرٍ خَاصٍّ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً شَهْرًا فَمَضَتْ الْمُدَّةُ فِي الْمَفَازَةِ أَوْ اسْتَأْجَرَ سَفِينَةً فَمَضَتْ الْمُدَّةُ فِي وَسَطِ الْبَحْرِ فَإِنَّهُ يَنْعَقِدُ عَلَيْهَا إجَارَةٌ أُخْرَى بِأَجْرِ الْمِثْلِ وَلَا يُجْبِرُهُمْ فِي رِوَايَةِ السِّيَرِ الصَّغِيرِ لِأَنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى عَقْدِ الْإِجَارَةِ ابْتِدَاءً كَمَا إذَا نَفَقَتْ دَابَّتُهُ فِي الْمَفَازَةِ وَمَعَ رَفِيقِهِ دَابَّةٌ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْإِجَارَةِ بِخِلَافِ مَا اسْتَشْهَدَ بِهِ فَإِنَّهُ بِنَاءٌ وَلَيْسَ بِابْتِدَاءٍ وَهُوَ أَسْهَلُ مِنْهُ وَلَوْ كَانَ فِي بَيْتِ الْمَالِ أَوْ فِي الْغَنِيمَةِ حَمُولَةٌ حَمَلَ عَلَيْهَا لِأَنَّ الْكُلَّ مَالُهُمْ وَفِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ أَنَّ الْإِمَامَ أَوْدَعَ الْغَنِيمَةَ إلَى بَعْضِ الْجُنْدِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَلَا يَبِينُ مَا فَعَلَ حَتَّى مَاتَ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا وَفِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ وَإِذَا أَرَادَ أَمِيرُ الْعَسْكَرِ أَنْ يُرْسِلَ رَسُولًا مِنْ دَارِ الْحَرْبِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ بِشَيْءٍ مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ وَلَمْ يَقْدِرْ الرَّسُولُ أَنْ يَخْرُجَ إلَّا فَارِسًا وَلِبَعْضِ الْعَسْكَرِ فَضْلُ فَرَسٍ فَلَا بَأْسَ بِأَخْذِ فَرَسِهِ عَلَى كُرْهٍ مِنْهُ اهـ. (قَوْلُهُ وَبَيْعُهَا قَبْلَهَا) أَيْ حَرُمَ بَيْعُ الْغَنَائِمِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا قَبْلَ الْإِحْرَازِ وَمَا بَعْدَهُ أَمَّا قَبْلَهُ لَمْ يَمْلِكْهُ وَأَمَّا بَعْدَهُ فَنَصِيبُهُ مَجْهُولٌ فَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَبِيعَ وَقَدْ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْ الْبَيْعِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ وَشِرْكُ   [منحة الخالق] قَوْلُهُ وَلَوْ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ إذَا أَسْلَمُوا بِدَارِهِمْ) سَيَذْكُرُ عِنْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ لَا السُّوقِيِّ مَا يُخَالِفُهُ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَيَجِبُ عُقْرُهَا) سَيَذْكُرُ فِي هَذِهِ الْقَوْلَةِ مَا يُخَالِفُهُ (قَوْلُهُ فَكَانَ هُوَ الْمَذْهَبَ) أَفَادَ أَنَّ مَا قَدَّمَهُ عَنْ الشَّارِحِ الزَّيْلَعِيُّ خِلَافُ الْمَذْهَبِ (قَوْلُهُ وَلَا يُجْبِرُهُمْ فِي رِوَايَةِ السِّيَرِ الصَّغِيرِ) قَالَ فِي الْفَتْحِ وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ إنْ خَافَ تَفَرُّقَهُمْ لَوْ قَسَمَهَا قِسْمَةَ الْغَنِيمَةِ يَفْعَلُ هَذَا وَإِنْ لَمْ يَخَفْ قَسَمَهَا قِسْمَةَ الْغَنِيمَةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَإِنَّهَا تَصِحُّ لِلْحَاجَةِ وَفِيهِ إسْقَاطُ الْإِكْرَاهِ وَإِسْقَاطُ الْأُجْرَةِ. [بَيْعُ الْغَنَائِمِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ] (قَوْلُهُ وَبَيْعُهَا قَبْلَهَا) قَالَ فِي الْفَتْحِ وَهَذَا فِي بَيْعِ الْغُزَاةِ ظَاهِرٌ وَأَمَّا بَيْعُ الْإِمَامِ لَهَا فَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ يَصِحُّ لِأَنَّهُ مُجْتَهِدٌ فِيهِ يَعْنِي أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي ذَلِكَ وَأَقَلُّهُ تَخْفِيفُ إكْرَاهِ الْحَمْلِ عَنْ النَّاسِ أَوْ عَنْ الْبَهَائِمِ وَنَحْوِهِ وَتَخْفِيفُ مُؤْنَتِهِ عَنْهُمْ فَيَقَعُ عَنْ اجْتِهَادٍ فِي الْمَصْلَحَةِ فَلَا يَقَعُ جُزَافًا فَيَنْعَقِدُ بِلَا كَرَاهَةٍ مُطْلَقًا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 91 الرِّدْءِ وَالْمَدَدِ فِيهَا) أَيْ فِي الْغَنِيمَةِ لِاسْتِوَائِهِمْ فِي السَّبَبِ وَهُوَ الْمُجَاوَزَةُ أَوْ شُهُودُ الْوَقْعَةِ وَإِذَا لَحِقَهُمْ الْمَدَدُ فِي دَارِ الْحَرْبِ قَبْلَ أَنْ يُخْرِجُوا الْغَنِيمَةَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ شَارَكُوهُمْ فِيهَا عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الْأَصْلِ وَإِنَّمَا يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمُشَارَكَةِ عِنْدَنَا بِالْإِحْرَازِ أَوْ بِقِسْمَةِ الْإِمَامِ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ بِبَيْعِهِ الْمَغَانِمَ فِيهَا لِأَنَّ بِكُلٍّ مِنْهَا يَتِمُّ الْمِلْكُ فَتَنْقَطِعُ شَرِكَةُ الْمَدَدِ وَالرِّدْءُ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ بِمَعْنَى الْعَوْنِ وَالْمَدَدِ الْجَمَاعَةُ النَّاصِرُونَ لِلْجُنْدِ وَأَفَادَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الْمُقَاتِلَ وَغَيْرَهُ سَوَاءٌ حَتَّى يَسْتَحِقَّ الْجُنْدِيُّ الَّذِي لَمْ يُقَاتِلْ لِمَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ وَأَنَّهُ لَا يَتَمَيَّزُ وَاحِدٌ عَلَى آخَرَ بِشَيْءٍ حَتَّى أَمِيرُ الْعَسْكَرِ، وَهَذَا بِلَا خِلَافٍ لِاسْتِوَاءِ الْكُلِّ فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي الْمُحِيطِ الْمُتَطَوِّعُ فِي الْغَزْوِ وَصَاحِبُ الدِّيوَانِ فِي الْغَنِيمَةِ سَوَاءٌ اهـ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة إذَا قَسَمَ الْإِمَامُ الْغَنِيمَةَ ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ وَادَّعَى أَنَّهُ شَهِدَ الْوَقْعَةَ وَأَقَامَ عَدْلَيْنِ فَالْقِيَاسُ أَنْ يَنْقُضَ الْقِسْمَةَ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا يَنْقُضُ وَيُعَوَّضُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ قِيمَةَ نَصِيبِهِ اهـ. (قَوْلُهُ لَا لِسُوقِيٍّ بِلَا قِتَالٍ) أَيْ لَا شَرِكَةَ لِلسُّوقِيِّ فِي الْغَنِيمَةِ إذَا لَمْ يُقَاتِلْ لَا سَهْمًا وَلَا رَضْخًا لِأَنَّهُ لَمْ تُوجَدْ الْمُجَاوَزَةُ عَلَى قَصْدِ الْقِتَالِ فَانْعَدَمَ السَّبَبُ الظَّاهِرُ فَيُعْتَبَرُ السَّبَبُ الْحَقِيقِيُّ وَهُوَ الْقِتَالُ فَيُقَيَّدُ الِاسْتِحْقَاقُ عَلَى حَسَبِ حَالِهِ فَارِسًا أَوْ رَاجِلًا عِنْدَ الْقِتَالِ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ الْحَرْبِيَّ إذَا أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ الْمُرْتَدَّ إذَا أَسْلَمَ وَلَحِقَ بِالْجَيْشِ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا إنْ لَمْ يُقَاتِلْ صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحِيطِ. وَذَكَرَ الشَّارِحُ أَنَّ السُّوقِيَّ إذَا قَاتَلَ ظَهَرَ أَنَّ قَصْدَهُ الْقِتَالَ وَالتِّجَارَةَ تَبَعٌ لَهُ فَلَا يَضُرُّهُ كَالْحَاجِّ إذَا اتَّجَرَ فِي طَرِيقِ الْحَجِّ وَلَا يَنْقُصُ أَجْرُهُ اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا مَنْ مَاتَ فِيهَا وَبَعْدَ الْإِحْرَازِ بِدَارِنَا يُوَرَّثُ نَصِيبَهُ) لِأَنَّ الْإِرْثَ يَجْرِي فِي الْمِلْكِ وَلَا مِلْكَ قَبْلَ الْإِحْرَازِ وَإِنَّمَا الْمِلْكُ بَعْدَهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ صَرَّحُوا فِي كِتَابِ الْوَقْفِ أَنَّ مَعْلُومَ الْمُسْتَحَقِّ لَا يُوَرَّثُ بَعْدَ مَوْتِهِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَفِي قَوْلٍ يُوَرَّثُ وَلَمْ أَرَ تَرْجِيحًا وَيَنْبَغِي أَنْ يُفَصَّلَ فَإِنْ كَانَ مَاتَ بَعْدَ خُرُوجِ الْغَلَّةِ وَإِحْرَازِ النَّاظِرِ لَهَا قَبْلَ الْقِسْمَةِ يُوَرَّثُ نَصِيبُ الْمُسْتَحَقِّ لِتَأَكُّدِ الْحَقِّ فِيهِ فَإِنَّ الْغَنِيمَةَ بَعْدَ الْإِحْرَازِ بِدَارِنَا يَتَأَكَّدُ الْحَقُّ فِيهَا لِلْغَانِمِينَ وَلَا مِلْكَ لِوَاحِدٍ بِعَيْنِهِ فِي شَيْءٍ قَبْلَ الْقِسْمَةِ مَعَ أَنَّ النَّصِيبَ يُوَرَّثُ فَكَذَا فِي الْوَظِيفَةِ وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الْإِحْرَازِ فِي يَد الْمُتَوَلِّي لَا يُوَرَّثُ نَصِيبُهُ قِيَاسًا عَلَى مَسْأَلَةِ الْغَنِيمَةِ وَسَيَأْتِي أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِ الدِّيوَانِ قَبْلَ خُرُوجِ الْعَطَاءِ لَا يُوَرَّثُ نَصِيبُهُ سَوَاءٌ مَاتَ فِي   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ قَبْلَ أَنْ يُخْرِجُوا الْغَنِيمَةَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ) أَيْ وَقَبْلَ أَنْ يَظْهَرُوا عَلَى الْبَلَدِ لِمَا فِي الشرنبلالية عِنْدَ قَوْلِ الدُّرَرِ وَمَدَدًا يَلْحَقُهُمْ ثَمَّةَ وَتَقْيِيدُهُ لُحُوقَ الْمَدَدِ بِدَارِ الْحَرْبِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ فَتَحَ الْعَسْكَرُ بَلَدًا بِدَارِ الْحَرْبِ وَاسْتَظْهَرُوا عَلَيْهِ ثُمَّ لَحِقَهُمْ الْمَدَدُ لَمْ يُشَارِكْهُمْ لِأَنَّهُ صَارَ بِبِلَادِ الْإِسْلَامِ فَصَارَتْ الْغَنِيمَةُ مُحْرَزَةً بِدَارِ الْإِسْلَامِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الِاخْتِيَارِ اهـ. وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُ الْمُؤَلِّفِ وَإِذَا لَحِقَهُمْ الْمَدَدُ إلَخْ مُصَوَّرٌ فِيمَا إذَا غَنِمُوا مِنْهُمْ وَلَمْ يَظْهَرُوا عَلَيْهِمْ وَلَمْ تَصِرْ دَارَ إسْلَامٍ قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَلَوْ أَنَّ عَسْكَرًا دَخَلُوا دَارَ الْحَرْبِ وَقَاتَلُوا أَهْلَ الْمَدِينَةِ مِنْ مَدَائِنِهِمْ وَقَهَرُوا أَهْلَهَا وَاسْتَوْلُوا عَلَيْهَا وَفَتَحُوهَا وَأَظْهَرُوا فِيهَا أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ حَتَّى صَارَتْ الْمَدِينَةُ دَارَ الْإِسْلَامِ وَلَمْ يَقْسِمُوا الْغَنَائِمَ حَتَّى لَحِقَهُمْ الْمَدَدُ لَا يُشَارِكُوهُمْ فِيهَا اهـ. (قَوْلُهُ قِيَاسًا عَلَى مَسْأَلَةِ الْغَنِيمَةِ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَقُولُ: فِي الدُّرَرِ وَالْغُرَرِ عَنْ فَوَائِدِ صَاحِبِ الْمُحِيطِ لِلْإِمَامِ وَالْمُؤَذِّنُ وَقْفٌ فَلَمْ يَسْتَوْفِيَا حَتَّى مَاتَا سَقَطَ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الصِّلَةِ وَكَذَا الْقَاضِي وَقِيلَ لَا يَسْقُطُ لِأَنَّهُ كَالْأُجْرَةِ اهـ. وَجَزَمَ فِي الْبُغْيَةِ بِأَنَّهُ يُورَثُ بِخِلَافِ رِزْقِ الْقَاضِي وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ مَا يَأْخُذُهُ الْقَاضِي لَيْسَ صِلَةً كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَلَا أَجْرًا لِأَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْعِبَادَةِ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِجَوَازِ الِاسْتِئْجَارِ عَلَيْهَا بِخِلَافِ مَا يَأْخُذُهُ الْإِمَامُ وَالْمُؤَذِّنُ فَإِنَّهُ لَا يَنْفَكُّ عَنْهُمَا فَبِالنَّظَرِ إلَى الْأُجْرَةِ يُورَثُ مَا يَسْتَحِقُّ إذَا اُسْتُحِقَّ غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِظُهُورِ الْغَلَّةِ وَقَبْضِهَا فِي يَدِ النَّاظِرِ وَبِالنَّظَرِ إلَى الصِّلَةِ لَا يُورَثُ وَإِنْ قَبَضَهُ النَّاظِرُ قَبْلَ الْمَوْتِ وَبِهَذَا عَرَفْت أَنَّ الْقِيَاسَ عَلَى الْغَنِيمَةِ غَيْرُ صَحِيحٍ وَسَيَأْتِي لِهَذَا مَزِيدُ وَبَيَانٌ فِي الْوَقْفِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى اهـ. مَا فِي النَّهْرِ وَلَمْ أَرَ لَهُ فِي الْوَقْفِ ذِكْرًا لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَكَذَا لَمْ يَذْكُرْهَا الْمُؤَلِّفُ هُنَاكَ أَيْضًا هَذَا وَقَوْلُ النَّهْرِ أَنَّ مَا يَأْخُذُهُ الْقَاضِي لَيْسَ صِلَةً مُخَالِفٌ لِمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ قُبَيْلَ الرِّدَّةِ وَسَيَذْكُرُهُ الْمُؤَلِّفُ هُنَاكَ أَيْضًا نَعَمْ مَا يَأْخُذُهُ الْإِمَامُ وَنَحْوُهُ فِيهِ مَعْنَى الصِّلَةِ وَمَعْنَى الْأُجْرَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ مَنْشَأُ الْخِلَافِ الْمَحْكِيِّ فِي الدُّرَرِ لَكِنَّ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْبُغْيَةِ يَقْتَضِي تَرْجِيحَ جَانِبِ الْأُجْرَةِ فِي حَقِّهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ لَا سِيَّمَا عَلَى مَا أَفْتَى بِهِ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ جَوَازِ الْأُجْرَةِ عَلَى الْأَذَانِ وَالْإِمَامَةِ وَالتَّعْلِيمِ وَعَنْ هَذَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ مَشَى الْعَلَّامَةُ الطَّرَسُوسِيُّ عَلَى أَنَّ الْمُدَرِّسَ وَنَحْوَهُ إذَا مَاتَ فِي أَثْنَاءِ السَّنَةِ يُعْطَى بِقَدْرِ مَا بَاشَرَ وَيَسْقُطُ الْبَاقِي بِخِلَافٍ الْوَقْفِ عَلَى الْأَوْلَادِ وَالذُّرِّيَّةِ فَإِنَّهُ إذَا مَاتَ مُسْتَحِقٌّ مِنْهُمْ يُعْتَبَرُ فِي حَقِّهِ وَقْتُ ظُهُورِ الْغَلَّةِ فَإِنْ مَاتَ بَعْدَ مَا خَرَجَتْ الْغَلَّةُ وَلَوْ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا صَارَ مَا يَسْتَحِقُّهُ لِوَرَثَتِهِ وَإِلَّا سَقَطَ كَمَا حَرَّرَهُ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ وَالْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ وَأَفْتَى بِهِ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 92 نِصْفِ السَّنَةِ أَوْ آخِرِهَا ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَنْ مَاتَ فِي دَارِ الْحَرْبِ إنَّمَا لَا يُوَرَّثُ نَصِيبُهُ إذَا مَاتَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ أَوْ قَبْلَ الْبَيْعِ أَمَّا إنْ مَاتَ بَعْدَ الْقِسْمَةِ أَوْ الْبَيْعِ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَإِنَّهُ يُوَرَّثُ نَصِيبُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّتَارْخَانِيَّة (قَوْلُهُ وَيَنْتَفِعُ فِيهَا بِعَلَفٍ وَطَعَامٍ وَحَطَبٍ وَسِلَاحٍ وَدُهْنٍ بِلَا قِسْمَةٍ) لِمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ كُنَّا نُصِيبُ فِي مَغَازِينَا الْعَسَلَ وَالْعِنَبَ فَنَأْكُلُ وَلَا نَرْفَعُهُ أَطْلَقَهُ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْحَاجَةِ وَقَدْ شَرَطَهَا فِي رِوَايَةٍ وَلَمْ يَشْتَرِطْهَا فِي الْأُخْرَى وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ فَيَجُوزُ لِلْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ. وَجْهُ الْأُولَى أَنَّهُ مُشْتَرَكٌ فَلَا يُبَاحُ الِانْتِفَاعُ بِهِ إلَّا لِحَاجَةٍ كَمَا فِي الثِّيَابِ وَالدَّوَابِّ. وَوَجْهُ الْأُخْرَى «قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي طَعَامِ خَيْبَرَ كُلُوهَا وَاعْلِفُوهَا وَلَا تَحْمِلُوهَا» وَلِأَنَّ الْحُكْمَ يُدَارُ عَلَى دَلِيلِ الْحَاجَةِ وَهُوَ كَوْنُهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ السِّلَاحَ لَا يَجُوزُ لَهُ إلَّا بِشَرْطِ الْحَاجَةِ اتِّفَاقًا وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي الظَّهِيرِيَّةِ مَعَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ سَوَّى بَيْنَ الْكُلِّ وَأَطْلَقَ الطَّعَامَ فَشَمِلَ الْمُهَيَّأَ لِلْأَكْلِ وَغَيْرِهِ حَتَّى يَجُوزَ لَهُمْ ذَبْحُ الْمَوَاشِي وَيَرُدُّونَ جُلُودَهَا فِي الْغَنِيمَةِ وَقَيَّدَ جَوَازَ الِانْتِفَاعِ بِمَا ذُكِرَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ بِمَا إذَا لَمْ يَنْهَهُمْ الْإِمَامُ عَنْ الِانْتِفَاعِ بِالْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ أَمَّا إذَا نَهَاهُمْ عَنْهُ فَلَا يُبَاحُ لَهُمْ الِانْتِفَاعُ بِهِ اهـ. وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيِّدَ بِمَا إذَا لَمْ تَكُنْ حَاجَتُهُمْ إلَيْهِ أَمَّا إذَا احْتَاجُوا إلَى الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ لَا يُعْمَلُ نَهْيُهُ وَقَيَّدَ بِالْمَذْكُورَاتِ لِأَنَّ مَا لَا يُؤْكَلُ عَادَةً لَا يَجُوزُ لَهُمْ تَنَاوُلُهُ مِثْلُ الْأَدْوِيَةِ وَالطِّيبِ وَدُهْنِ الْبَنَفْسَجِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ لِلْحَدِيثِ «رُدُّوا الْخَيْطَ وَالْمَخِيطَ» كَذَا فِي الشَّرْحِ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَوْ تَحَقَّقَ بِأَحَدِهِمْ مَرَضٌ يُحْوِجُهُ إلَى اسْتِعْمَالِهَا كَانَ لَهُ ذَلِكَ كَلِبْسِ الثَّوْبِ فَالْمُعْتَبَرُ حَقِيقَةُ الْحَاجَةِ ذَكَرَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بَحْثًا وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحِيطِ وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ يَنْتَفِعُ عَائِدٌ إلَى الْغَانِمِينَ فَخَرَجَ التَّاجِرُ وَالدَّاخِلُ لِخِدْمَةِ الْجُنْدِيِّ بِأَجْرٍ لَا يَحِلُّ لَهُمْ إلَّا أَنْ يَكُونَ خُبْزًا لِحِنْطَةٍ أَوْ طَبْخِ اللَّحْمِ فَلَا بَأْسَ بِهِ حِينَئِذٍ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالِاسْتِهْلَاكِ وَلَوْ فَعَلُوا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ وَيَأْخُذُ الْجُنْدِيُّ مَا يَكْفِيه وَمَنْ مَعَهُ مِنْ عَبِيدِهِ وَنِسَائِهِ وَصِبْيَانِهِ الَّذِي دَخَلُوا مَعَهُ قَالُوا وَلَوْ احْتَاجَ الْكُلُّ إلَى الثِّيَابِ وَالسِّلَاحِ قَسَمَهَا حِينَئِذٍ وَلَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ قِسْمَةَ السِّلَاحِ وَلَا فَرْقَ كَمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ لِأَنَّ الْحَاجَةَ فِي الثِّيَابِ وَالسِّلَاحِ وَاحِدٌ بِخِلَافِ السَّبْيِ لَا يَقْسِمُ إذَا اُحْتِيجَ إلَيْهِ لِأَنَّهُ مِنْ فُضُولِ الْحَوَائِجِ لَا أُصُولِهَا. وَفِي الْمُحِيطِ وَجَدَ مُسْلِمٌ جَارِيَةً مَأْسُورَةً لَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ فِي أَيْدِيهمْ وَقَدْ دَخَلَ بِأَمَانٍ كَرِهْت لَهُ غَصْبَهَا وَوَطْأَهَا إلَّا إذَا كَانَتْ مُدَبَّرَةً أَوْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ فَلَا يُكْرَهُ لِأَنَّ الْمُدَبَّرَةَ وَأُمَّ الْوَلَدِ لَا يَمْلِكُونَهَا بِخِلَافِ الْقِنَّةِ لِأَنَّهُ بِعَقْدِ الْأَمَانِ ضَمِنَ أَنْ لَا يَسْرِقَ وَلَا يَغْصِبَ شَيْئًا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ كَانَ نَقْضًا فَإِنْ وَطِئَ مُدَبَّرَتَهُ أَوْ أُمَّ وَلَدِهِ أَهْلُ الْحَرْبِ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا لِأَنَّهُمْ بَاشَرُوا الْوَطْءَ عَلَى تَأْوِيلِ الْمِلْكِ فَتَجِبُ الْعِدَّةُ وَيَثْبُتُ النَّسَبُ، وَالْمَأْسُورُ فِيهِمْ لَا يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَسْرِقَ أَمَتَهُ وَسَائِرَ أَمْوَالِهِ وَلَا يَقْتُلَهُمْ لِأَنَّهُ لَا عَهْدَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ مُبَاحَةٌ فِي حَقِّنَا اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا نَبِيعُهَا) لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُمْ وَلَا ضَرُورَةَ إلَى ذَلِكَ وَأَفَادَ أَنَّهُمْ لَا يَتَمَوَّلُونَهَا كَالْمُبَاحِ لَهُ الطَّعَامُ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْبَيْعَ بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْعُرُوضِ فَإِنْ بَاعَهُ أَحَدُهُمْ قَبْلَ الْقِسْمَةِ رَدَّ الثَّمَنَ إلَى الْغَنِيمَةِ لِأَنَّهُ بَدَلُ عَيْنٍ كَانَ لِلْجَمَاعَةِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَهَا يَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ إنْ كَانَ غَنِيًّا وَيَأْكُلُ إنْ كَانَ فَقِيرًا كَذَا فِي الْمُحِيطِ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة إذَا دَخَلَ الْعَسْكَرُ دَارَ الْحَرْبِ فَصَادَ رَجُلٌ مِنْهُمْ شَيْئًا مِنْ الصَّيْدِ بَازِيًا أَوْ صَقْرًا أَوْ ظَبْيًا أَوْ صَادَ سَمَكَةً كَبِيرَةً مِنْ الْبَحْرِ أَوْ أَصَابَ عَسَلًا فِي جِبَالٍ لَا يَمْلِكُهُ أَهْلُ الْحَرْبِ أَوْ أَصَابَ جَوَاهِرَ مِنْ يَاقُوتٍ وَفَيْرُوزَجَ وَزُمُرُّدٍ مِنْ مَعْدِنٍ لَا يَمْلِكُهُ أَهْلُ الْحَرْبِ أَوْ أَصَابَ مَعْدِنَ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ رَصَاصٍ أَوْ حَدِيدٍ مِمَّا لَا يَمْلِكُهُ أَهْلُ الْحَرْبِ سِوَى الْحَشِيشِ وَالْمَاءِ فَإِنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ يَكُونُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِ الْعَسْكَرِ فَلَا يَخْتَصُّ بِهِ الْآخِذُ فَإِنْ كَانَ الْآخِذُ بَاعَهُ مِنْ التُّجَّارِ يَقِفُ عَلَى إجَازَةِ الْأَمِيرِ ثُمَّ الْإِمَامُ يَنْظُرُ فِي ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ قَائِمًا   [منحة الخالق] فَبِهَذَا تَعْلَمُ الْفَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْمُسْتَحِقِّ مِنْ الْوَقْفِ إمَامًا وَنَحْوَهُ أَوْ مِنْ الْأَوْلَادِ. (قَوْلُهُ أَمَّا إذَا مَاتَ بَعْدَ الْقِسْمَةِ أَوْ الْبَيْعِ) هَذَا فِي الْبَيْعِ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ مِنْ أَنَّ لِلْإِمَامِ بَيْعَ الْغَنِيمَةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ فَتْحِ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ عَائِدٌ إلَى الْغَانِمِينَ) لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَقَالَ وَيَنْتَفِعُونَ وَالظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ إلَى الْغَانِمِ بِالْأَفْرَادِ أَوْ يَقْرَأُ يَنْتَفِعُ بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ وَالظَّرْفُ بَعْدَهُ نَائِبُ الْفَاعِلِ (قَوْلُهُ وَالْمَأْسُورُ فِيهِمْ لَا يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَسْرِقَ أَمَتَهُ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّ فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ سَقْطًا أَوْ تَحْرِيفًا فَلْيُرَاجِعْ الْمُحِيطُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 93 وَالثَّمَنُ أَنْفَعُ لِلْعَسْكَرِ مِنْ الْمَبِيعِ أَجَازَ الْبَيْعَ وَأَخَذَ الثَّمَنَ وَرَدَّهُ فِي الْغَنِيمَةِ وَقَسَّمَهُ بَيْنَ الْغَانِمِينَ وَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ أَنْفَعُ لَهُمْ مِنْ الثَّمَنِ فَسَخَ الْبَيْعَ وَاسْتَرَدَّ الْمَبِيعَ وَجَعَلَهُ فِي الْغَنِيمَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَبِيعُ قَائِمًا يُجِيزُ بَيْعَهُ وَيَأْخُذُ ثَمَنَهُ وَيَرُدَّهُ فِي الْغَنِيمَةِ وَهَذَا كُلُّهُ اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَعْمَلَ الْإِجَازَةُ بَعْدَ الْهَلَاكِ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْجُنْدِ حَشَّ الْحَشِيشَ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ اسْتَسْقَى الْمَاءَ وَيَبِيعُهُ مِنْ الْعَسْكَرِ أَوْ التُّجَّارِ كَانَ بَيْعُهُ جَائِزًا وَكَانَ الثَّمَنُ طَيِّبًا لَهُ وَلَوْ أَخَذَ جُنْدِيٌّ خَشَبًا فَعَمِلَ مِنْهُ قِصَاعًا ثُمَّ أَخْرَجَهَا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّ الْإِمَامَ يَأْخُذُ ذَلِكَ مِنْهُ ثُمَّ يُعْطِيه قِيمَةَ مَا زَادَ مِنْ الصَّنْعَةِ فِيهِ إنْ شَاءَ وَإِنْ شَاءَ بَاعَهُ وَقَسَّمَ الثَّمَنَ عَلَى قِيمَةِ هَذَا الْخَشَبِ غَيْرَ مَعْمُولٍ وَعَلَى قِيمَتِهِ مَعْمُولًا فَمَا أَصَابَ غَيْرَ الْمَعْمُولِ كَانَ فِي الْغَنِيمَةِ وَمَا أَصَابَ الْمَعْمُولُ مِنْ ذَلِكَ يَكُونُ لِلْعَامِلِ وَلَا يَصِيرُ الْمَصْنُوعُ مِلْكًا لِلْعَامِلِ بِهَذِهِ الصَّنْعَةِ، وَإِنْ كَانَتْ الصَّنْعَةُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فِي مِلْكٍ خَاصٍّ لِغَيْرِهِ يُجْعَلُ الْمَصْنُوعُ مِلْكًا لِلصَّانِعِ فَيَنْقَطِعُ حَقُّ صَاحِبِ الْخَشَبِ، فَأَمَّا إذَا كَانَ لَا يَضْمَنُ بِالْغَصْبِ فَالصَّنْعَةُ لَا تُوجِبُ انْقِطَاعَ حَقِّ الْمَالِكِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ غَصَبَ مِنْ آخَرَ جِلْدَ مَيْتَةٍ وَخَاطَهَا فَرْوًا ثُمَّ دَبَغَهَا فَإِنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ حَقُّ صَاحِبِ الْجِلْدِ عَنْ الْجِلْدِ بِهَذِهِ الصَّنْعَةِ وَلَوْ أُخْرِجَتْ الْغَنِيمَةُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَأَخَذَ آخَرُ مِنْهَا خَشَبًا وَجَعَلَهُ قِصَاعًا أَوْ غَيْرَهَا فَإِنَّهُ يَضْمَنُ قِيمَةَ الْخَشَبِ وَكَانَ الْمَصْنُوعُ لِلَّذِي عَمِلَ لَا سَبِيلَ لِلْإِمَامِ عَلَيْهِ اهـ. (قَوْلُهُ وَبَعْدَ الْخُرُوجِ مِنْهَا لَا) أَيْ لَا يَنْتَفِعُونَ بِشَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ لِزَوَالِ الْمُبِيحِ وَلِأَنَّ حَقَّهُمْ قَدْ تَأَكَّدَ حَتَّى يُوَرَّثَ نَصِيبُهُ فَلَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ بِدُونِ رِضَاهُمْ (قَوْلُهُ وَمَا فَضَلَ رُدَّ إلَى الْغَنِيمَةِ) لِزَوَالِ حَاجَتِهِ، وَالْإِبَاحَةُ بِاعْتِبَارِهَا أَطْلَقَهُ وَقَيَّدَهُ فِي الْمُحِيطِ بِأَنْ يَكُونَ غَنِيًّا وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا يَأْكُلُ بِالضَّمَانِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَخْذُ الطَّعَامِ بَعْدَ الْإِحْرَازِ فَكَذَلِكَ الْإِمْسَاكُ لِأَنَّ الْحَاجَةَ قَدْ ارْتَفَعَتْ وَهَذَا إذَا كَانَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَأَمَّا إذَا كَانَ بَعْدَهَا بَاعَهَا وَتَصَدَّقَ بِثَمَنِهَا لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْقِسْمَةُ لِقِلَّتِهِ فَتَعَذَّرَ إيصَالُهُ إلَى الْمُسْتَحِقِّ فَيَتَصَدَّقُ بِهِ كَاللُّقَطَةِ اهـ. (قَوْلُهُ وَمَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ أَحْرَزَ نَفْسَهُ وَطِفْلَهُ وَكُلَّ مَالٍ مَعَهُ أَوْ وَدِيعَةً عِنْدَ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ دُونَ وَلَدِهِ الْكَبِيرِ وَزَوْجَتِهِ وَحَمْلِهَا وَعَقَارِهِ وَعَبْدِهِ الْمُقَاتِلِ) أَيْ وَمَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ فِي دَارِ الْحَرْبِ قَبْلَ أَخْذِهِ وَلَمْ يَخْرُجْ إلَيْنَا حَتَّى ظَهَرْنَا عَلَى الدَّارِ إلَى آخِرِهِ وَإِنَّمَا يُحْرِزُ نَفْسَهُ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يُنَافِي ابْتِدَاءَ الِاسْتِرْقَاقِ وَأَوْلَادَهُ الصِّغَارَ لِأَنَّهُمْ مُسْلِمُونَ بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا وَكُلَّ مَالٍ هُوَ فِي يَدِهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ أَسْلَمَ عَلَى مَالٍ فَهُوَ لَهُ» وَلِأَنَّهُ سَبَقَتْ يَدُهُ الْحَقِيقَةُ إلَيْهِ يَدَ الظَّاهِرِينَ عَلَيْهِ وَالْوَدِيعَةَ لَمَّا كَانَتْ فِي يَدٍ صَحِيحَةٍ مُحْتَرَمَةٍ صَارَتْ كَيَدِهِ وَخَرَجَ عَنْهُ عَقَارُهُ لِأَنَّهُ فِي يَدِ أَهْلِ الدَّارِ وَسُلْطَانِهَا إذْ هُوَ مِنْ جُمْلَةِ دَارِ الْحَرْبِ فَلَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ حَقِيقَةً فَكَانَ فَيْئًا وَقِيلَ إنَّ مُحَمَّدًا جَعَلَهُ كَسَائِرِ أَمْوَالِهِ وَكَذَا عَبْدُهُ الْمُقَاتِلُ لِأَنَّهُ لَمَّا تَمَرَّدَ عَلَى مَوْلَاهُ خَرَجَ مِنْ يَدِهِ وَصَارَ تَبَعًا لِأَهْلِ دَارِهِ وَكَذَا أَمَتُهُ الْمُقَاتِلَةُ وَلَوْ كَانَتْ حُبْلَى فَهِيَ وَالْجَنِينُ فَيْءٌ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ. وَأَمَّا وَلَدُهُ الْكَبِيرُ فَهُوَ فَيْءٌ لِأَنَّهُ كَافِرٌ حَرْبِيٌّ وَلَا تَبَعِيَّةَ وَكَذَا زَوْجَتُهُ وَحَمْلُهَا جُزْءٌ فَيَرِقَّ بِرِقِّهَا وَالْمُسْلِمُ مَحَلٌّ لِلتَّمْلِيكِ تَبَعًا لِغَيْرِهِ بِخِلَافِ الْمُنْفَصِلِ لِأَنَّهُ حُرٌّ لِانْعِدَامِ الْجُزْئِيَّةِ عِنْدَ ذَلِكَ قَيَّدَ الْوَدِيعَةِ لِأَنَّ مَا كَانَ غَصْبًا فِي يَدِ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ فَهُوَ فَيْءٌ عِنْدَ الْإِمَامِ خِلَافًا لَهُمَا لِأَنَّ الْمَالَ تَابِعٌ لِلنَّفْسِ وَقَدْ صَارَتْ مَعْصُومَةً بِإِسْلَامِهِ فَيَتْبَعُهَا مَالُهُ فِيهَا وَلَهُ أَنَّهُ مَالٌ مُبَاحٌ فَيُمْلَكُ بِالِاسْتِيلَاءِ وَالنَّفْسُ لَمْ تَصِرْ مَعْصُومَةً بِالْإِسْلَامِ أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِمُتَقَوِّمَةٍ إلَّا أَنَّهُ مُحَرَّمُ التَّعَرُّضِ فِي الْأَصْلِ لِكَوْنِهِ مُكَلَّفًا، وَإِبَاحَةُ التَّعَرُّضِ بِعَارِضٍ شَرَهٌ وَقَدْ انْدَفَعَ بِالْإِسْلَامِ بِخِلَافِ الْمَالِ لِأَنَّهُ خُلِقَ عُرْضَةً لِلِامْتِهَانِ فَكَانَ مَحَلًّا لِلتَّمَلُّكِ وَلَيْسَ فِي يَدِهِ حُكْمًا فَلَمْ تَثْبُتْ الْعِصْمَةُ وَقَيَّدَ بِالْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ وَدِيعَةً عِنْدَ حَرْبِيٍّ فَهِيَ فَيْءٌ لِأَنَّ يَدَهُ لَيْسَتْ بِمُحْتَرَمَةٍ وَقَيَّدْنَا كَوْنَ إسْلَامِهِ قَبْلَ أَخْذِهِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بَعْدَهُ فَهُوَ عَبْدٌ لِأَنَّهُ أَسْلَمَ بَعْدَ انْعِقَادِ سَبَبِ الْمِلْكِ فِيهِ وَكَذَا لَوْ أَسْلَمَ بَعْدَمَا أَخَذَ أَوْلَادَهُ الصِّغَارَ وَمَالَهُ وَلَمْ يُؤْخَذْ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَخْذُ الطَّعَامِ بَعْدَ الْإِحْرَازِ) تَعْلِيلٌ لِلْمَتْنِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 94 هُوَ حَتَّى لَوْ أَسْلَمَ أَحْرَزَ بِإِسْلَامِهِ نَفْسَهُ فَقَطْ وَقَيَّدْنَا بِكَوْنِهِ خَرَجَ إلَيْنَا بَعْدَ الظُّهُورِ لِأَنَّهُ لَوْ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ خَرَجَ إلَيْنَا ثُمَّ ظَهَرَ عَلَى الدَّارِ فَجَمِيعُ مَالِهِ هُنَاكَ فَيْءٌ إلَّا أَوْلَادَهُ الصِّغَارَ لِإِسْلَامِهِمْ تَبَعًا لَهُ وَمَالُهُ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ لِلتَّبَايُنِ وَمَا أَوْدَعَ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا لَيْسَ فَيْئًا لِأَنَّ يَدَهُمَا يَدٌ صَحِيحَةٌ عَلَيْهِ بِخِلَافِ وَدِيعَتِهِ عِنْدَ الْحَرْبِيِّ فَإِنَّهَا فَيْءٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَقَيَّدْنَا بِكَوْنِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ لِأَنَّ الْمُسْتَأْمَنَ إذَا أَسْلَمَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ ظَهَرْنَا عَلَى دَارِهِ فَجَمِيعُ مَا خَلَّفَهُ فِيهَا مِنْ الْأَوْلَادِ الصِّغَارِ وَالْمَالِ فَيْءٌ لِأَنَّ التَّبَايُنَ قَاطِعٌ لِلْعِصْمَةِ وَلِلتَّبَعِيَّةِ وَقَيَّدَ بِالْحَرْبِيِّ إذَا أَسْلَمَ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ أَوْ الذِّمِّيَّ إذَا دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ وَاشْتَرَى مِنْهُمْ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا ثُمَّ ظَهَرْنَا عَلَى الدَّارِ فَالْكُلُّ لَهُ إلَّا الدُّورَ وَالْأَرَضِينَ فَإِنَّهَا فَيْءٌ لِأَنَّ يَدَهُ صَحِيحَةٌ وَمَا كَانَ لَهُ وَدِيعَةٌ عِنْدَ حَرْبِيٍّ فَهُوَ لَهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَهِيَ الْأَصَحُّ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِكَوْنِ الْعَقَارِ فَيْئًا إلَى أَنَّ الزَّرْعَ الْمُتَّصِلَ بِالْأَرْضِ قَبْلَ حَصَادِهِ فَيْءٌ تَبَعًا لِلْأَرْضِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ قَيَّدْنَا بِالظُّهُورِ عَلَى الدَّارِ لِأَنَّهُمْ إذَا أَغَارُوا عَلَيْهَا وَلَمْ يَظْهَرُوا فَكَذَلِكَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَصِيرُ مَالُهُ فَيْئًا وَإِنَّمَا يُحْرِزُ نَفْسَهُ وَوَلَدَهُ الصَّغِيرَ وَفِي الْمُحِيطِ حَرْبِيٌّ دَخَلَ دَارَنَا بِغَيْرِ أَمَانِ فَهُوَ فَيْءٌ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ أُخِذَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ أَوْ بَعْدَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْقِسْمَةِ) . أَفْرَدَهَا بِفَصْلٍ عَلَى حِدَةٍ لِكَثْرَةِ شُعَبِهَا وَالْقِسْمَةُ جَمْعُ نَصِيبٍ شَائِعٍ فِي مُعَيَّنٍ قَالَ الشَّارِحُ يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَقْسِمَ الْغَنِيمَةَ وَيُخْرِجَ خُمُسَهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41] وَيَقْسِمُ الْأَرْبَعَةَ الْأَخْمَاسَ عَلَى الْغَانِمِينَ لِلنُّصُوصِ الْوَارِدَةِ فِيهِ وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ اهـ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ إذَا أَرَادَ الدُّخُولَ بِدَارِ الْحَرْبِ أَنْ يَعْرِضَ الْعَسْكَرَ لِيَعْرِف عَدَدَهُمْ رَاجِلَهُمْ وَفَارِسَهُمْ وَيَكْتُبَ أَسْمَاءَهُمْ فَمَنْ كَتَبَ اسْمَهُ فَارِسًا ثُمَّ مَاتَ فَرَسُهُ بَعْدَمَا جَاوَزَ الدَّرْبَ اسْتَحَقَّ سَهْمَ الْفَارِسِ وَلَوْ بَاعَهَا لَا يَسْتَحِقُّ إلَّا أَنْ يَسْتَبْدِلَ فَرَسًا آخَرَ (قَوْلُهُ لِلرَّاجِلِ سَهْمٌ وَلِلْفَارِسِ سَهْمَانِ) يَعْنِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا لِلْفَارِسِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَسْهَمَ لِلْفَارِسِ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ وَلِلرَّاجِلِ سَهْمًا» وَلِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ بِالْكِفَايَةِ وَهِيَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْثَالِ الرَّاجِلِ لِأَنَّهُ لِلْكَرِّ وَالْفَرِّ وَالثَّبَاتِ وَالرَّاجِلُ لِلثَّبَاتِ لَا غَيْرُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ مَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَى لِلْفَارِسِ سَهْمَيْنِ وَلِلرَّاجِلِ سَهْمًا» فَتَعَارَضَ فِعْلَاهُ فَيُرْجَعُ إلَى قَوْلِهِ وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لِلْفَارِسِ سَهْمَانِ وَلِلرَّاجِلِ سَهْمٌ» كَيْفَ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَسَمَ لِلْفَارِسِ سَهْمَيْنِ» وَإِذَا تَعَارَضَتْ رِوَايَتَاهُ تَرَجَّحَتْ رِوَايَةُ غَيْرِهِ وَلِأَنَّ الْكَرَّ وَالْفَرَّ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَيَكُونُ غَنَاؤُهُ مِثْلُ غَنَاءِ الرَّاجِلِ فَيُفَضَّلُ عَلَيْهِ بِسَهْمٍ وَلِأَنَّهُ تَعَذَّرَ اعْتِبَارُ مِقْدَارِ الزِّيَادَةِ لِتَعَذُّرِ مَعْرِفَتِهِ فَيُدَارُ الْحُكْمُ عَلَى سَبَبٍ ظَاهِرٍ وَلِلْفَارِسِ سَبَبَانِ النَّفْسُ وَالْفَرَسُ وَلِلرَّاجِلِ سَبَبٌ وَاحِدٌ فَكَانَ اسْتِحْقَاقُهُ عَلَى ضَعْفِهِ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَتَعَقَّبَهُ فِي الْعِنَايَةِ بِأَنَّ طَرِيقَةَ اسْتِدْلَالِهِ مُخَالِفَةٌ لِقَوَاعِدِ الْأُصُولِ فَإِنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الدَّلِيلِينَ إذَا تَعَارَضَا وَتَعَذَّرَ التَّوْفِيقُ وَالتَّرْجِيحُ يُصَارُ إلَى مَا بَعْدَهُ لَا إلَى مَا قَبْلَهُ وَهُوَ قَالَ فَتَعَارَضَ فِعْلَاهُ فَيَرْجِعُ إلَى قَوْلِهِ وَالْمَسْلَكُ الْمَعْهُودُ فِي مِثْلِهِ أَنْ يُسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ وَيَقُولُ فِعْلُهُ لَا يُعَارِضُ قَوْلَهُ لِأَنَّ الْقَوْلَ أَوْلَى بِالِاتِّفَاقِ اهـ. وَقَدْ تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ وَفِي الْمُحِيطِ وَالْفَارِسُ فِي السَّفِينَةِ فِي الْبَحْرِ يَسْتَحِقُّ سَهْمَيْنِ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ الْقِتَالُ عَلَى الْفَرَسِ فِي السَّفِينَةِ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يُبَاشِرْ الْقِتَالَ عَلَى الْفَرَسِ فَقَدْ تَأَهَّبَ لِلْقِتَالِ عَلَى الْفَرَسِ وَالْمُتَأَهِّبُ لِلشَّيْءِ كَالْمُبَاشِرِ اهـ. أَطْلَقَ فِي الْفَارِسِ وَهُوَ مَنْ مَعَهُ فَرَسٌ فَشَمِلَ الْفَرَسُ الْمَمْلُوكَ وَالْمُسْتَأْجَرَ وَالْمُسْتَعَارَ وَالْمَغْصُوبَ إذَا لَمْ يَسْتَرِدَّهُ فَإِنْ اسْتَرَدَّهُ صَاحِبُهُ قَبْلَ الْمُقَاتَلَةِ فَسَيَأْتِي وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة وَهَلْ يَتَصَدَّقُ الْغَاصِبُ بِالسَّهْمِ الَّذِي كَانَ لِفَرَسِهِ حُكِيَ عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ أَنَّهُ قَالَ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ يَتَصَدَّقُ وَعَلَى   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَمَا أَوْدَعَ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا) لَيْسَ فَيْئًا تَقْيِيدٌ لِقَوْلِهِ فَجَمِيعُ مَالِهِ هُنَاكَ فَيْءٌ إلَّا أَوْلَادَهُ الصِّغَارَ وَقَدْ نَقَلَ فِي النَّهْرِ الْعِبَارَةَ عَنْ الْفَتْحِ وَلَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ التَّقْيِيدَ فَأَوْهَمَ خِلَافَ الْمُرَادِ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ بَقِيَ عَلَى مَا ذُكِرَ مِنْ التَّقْيِيدِ لَا حَاجَةَ إلَى قَوْلِهِ وَلَمْ يَخْرُجْ إلَيْنَا إذْ لَا فَرْقَ حِينَئِذٍ بَيْنَ الْخُرُوجِ وَعَدَمِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي بَابِ الْمُسْتَأْمَنِ. [أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ فِي دَارِ الْحَرْبِ قَبْلَ أَخْذِهِ وَلَمْ يَخْرُجْ إلَيْنَا] (قَوْلُهُ أَخَذَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ أَوْ بَعْدَهُ) أَيْ إذَا دَخَلَ بِلَا أَمَانٍ وَهُوَ حَرْبِيٌّ ثُمَّ أَسْلَمَ فَأَخَذَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ أَوْ بَعْدَهُ فَهُوَ فَيْءٌ لِانْعِقَادِ دُخُولِهِ سَبَبًا لِلِاسْتِرْقَاقِ تَأَمَّلْ وَرَاجِعْ. [فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ قِسْمَةِ الْغَنَائِم] (فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْقِسْمَةِ) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 95 قِيَاسُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لَا يَتَصَدَّقُ وَسُئِلَ الْخُجَنْدِيُّ عَمَّنْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا لِلْخِدْمَةِ فِي سَفَرِهِ وَلِحَرْسِ مَالِهِ فَذَهَبَ عَلَى الشَّرْطِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ غَزَا هَذَا الْأَجِيرُ بِفَرَسِ الْمُسْتَأْجِرِ وَسِلَاحُهُ مَعَ الْكُفَّارِ وَأَخَذَ مِنْهُمْ غَنَائِمَ كَثِيرَةً لِمَنْ تَكُونُ قَالَ إنْ شَرَطَ هَذَا الْمُسْتَأْجِرُ أَنَّ مَا أَصَابَ الْأَجِيرُ يَكُونُ لِلْمُسْتَأْجِرِ يَكُونُ لَهُ وَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ لِلْخِدْمَةِ فَحَسْبُ فَالْمُصَابُ يَكُونُ بَيْنَهُمَا (قَوْلُهُ وَلَوْ لَهُ فُرْسَانٌ) يَعْنِي لَوْ كَانَ لَهُ فُرْسَانٌ لَا يَسْتَحِقُّ إلَّا سَهْمَيْنِ فَلَا يُسْهِمُ إلَّا لِفَرَسٍ وَاحِدَةٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُسْهِمُ لِفَرَسَيْنِ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَسْهَمَ لِفَرَسَيْنِ» وَلِأَنَّ الْوَاحِدَةَ قَدْ يَعِي فَيَحْتَاجُ إلَى الْآخَرِ وَلَهُمَا «أَنَّ الْبَرَاءَ بْنَ أَوْسٍ قَادَ فَرَسَيْنِ فَلَمْ يُسْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا لِفَرَسٍ» وَلِأَنَّ الْقِتَالَ لَا يَتَحَقَّقُ بِفَرَسَيْنِ دَفْعَةً وَاحِدَةً فَلَا يَكُونُ السَّبَبُ الظَّاهِرُ مُفْضِيًا إلَى الْقِتَالِ عَلَيْهِمَا فَيُسْهِمُ لِوَاحِدٍ وَلِهَذَا لَا يُسْهِمُ لِثَلَاثَةِ أَفْرَاسٍ وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى التَّنْفِيلِ كَمَا أَعْطَى سَلَمَةَ بْنَ الْأَكْوَعِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سَهْمَيْنِ وَهُوَ رَاجِلٌ وَفِي النِّهَايَةِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ نَظِيرُ مَا بَيَّنَّا فِي النِّكَاحِ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ إلَّا لِخَادِمٍ وَاحِدٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ لِخَادِمَيْنِ (قَوْلُهُ وَالْبَرَاذِينُ كَالْعَتَاقِ) لِأَنَّ الْإِرْهَابَ مُضَافٌ إلَى جِنْسِ الْخَيْلِ فِي الْكِتَابِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال: 60] وَاسْمُ الْخَيْلِ يَنْطَلِقُ عَلَى الْبَرَاذِينِ وَالْعِرَابِ وَالْهَجِينِ وَالْمَقْرِفِ إطْلَاقًا وَاحِدًا وَلِأَنَّ الْعَرَبِيَّ إنْ كَانَ فِي الطَّلَبِ وَالْهَرَبِ أَقْوَى فَالْبِرْذَوْنُ أَصْبَرُ وَأَلْيَنُ عِطْفًا فَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا مَنْفَعَةٌ مُعْتَبَرَةٌ فَاسْتَوَيَا وَالْبِرْذَوْنُ التُّرْكِيُّ مِنْ الْخَيْلِ وَالْجَمْعُ الْبَرَاذِينُ وَخِلَافُهَا الْعِرَابُ، وَالْأُنْثَى بِرْذَوْنَةٌ وَعِتَاقُ الْخَيْلِ وَالطَّيْرِ كَرَائِمُهَا كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَفِي شَرْحِ النُّقَايَةِ الْعِتَاقُ بِكَسْرِ الْعَيْنِ كِرَامُ الْخَيْلِ الْعَرَبِيَّةِ وَالْبَرَاذِينُ خَيْلُ الْعَجَمِ وَالْهَجِينُ الَّذِي أَبُوهُ عَرَبِيٌّ وَأُمُّهُ عَجَمِيَّةٌ وَالْمَقْرِفُ عَكْسُهُ (قَوْلُهُ لَا الرَّاحِلَةُ وَالْبَغْلُ) أَيْ لَا يَكُونَانِ كَالْعِتَاقِ فَلَا يُسْهَمُ لَهُمَا لِأَنَّ الْإِرْهَابَ لَا يَقَعُ بِهِمَا إذْ لَا يُقَاتَلُ عَلَيْهِمَا. (قَوْلُهُ وَالْعِبْرَةُ لِلْفَارِسِ وَالرَّاجِلِ عِنْدَ الْمُجَاوَزَةِ) لِأَنَّ الْمُجَاوَزَةَ نَفْسَهَا قِتَالٌ لِأَنَّهُمْ يُلْحِقُونَ الْخَوْفَ بِهَا وَالْحَالَةُ بَعْدَهَا حَالَةُ الدَّوَامِ وَلَا مُعْتَبَرَ بِهَا وَلِأَنَّ الْوُقُوفَ عَلَى حَقِيقَةِ الْقِتَالِ مُتَعَسِّرٌ وَكَذَا عَلَى شُهُودِ الْوَقْعَةِ لِأَنَّهُ حَالَةُ الْتِقَاءِ الصَّفَّيْنِ فَتُقَامُ الْمُجَاوَزَةُ مَقَامَهُ إذْ هُوَ السَّبَبُ الْمُفْضِي إلَيْهِ ظَاهِرًا إذَا كَانَ عَلَى قَصْدِ الْقِتَالِ فَيُعْتَبَرُ حَالُ الشَّخْصِ حَالَةَ الْمُجَاوَزَةِ فَارِسًا أَوْ رَاجِلًا فَلَوْ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ فَارِسًا فَنَفَقَ فَرَسُهُ اسْتَحَقَّ سَهْمَ الْفُرْسَان وَلَوْ كَانَ بِقَتْلِ رَجُلٍ وَأَخْذِ الْقِيمَةِ مِنْهُ فَإِذَا بَقِيَ فَرَسُهُ وَقَاتَلَ رَاجِلًا لِضِيقِ الْمَكَانِ يَسْتَحِقُّهُ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى وَإِنْ دَخَلَهَا رَاجِلًا فَاشْتَرَى فَرَسًا اسْتَحَقَّ سَهْمَ رَاجِلٍ، وَهَذَا إذَا هَلَكَ فَرَسُهُ فَإِنْ دَخَلَهَا فَارِسًا ثُمَّ بَاعَهُ أَوْ رَهَنَهُ أَوْ أَجَرَهُ أَوْ وَهَبَهُ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ سَهْمَ الْفَارِسِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّ الْإِقْدَامَ عَلَى هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ قَصْدِهِ بِالْمُجَاوَزَةِ الْقِتَالُ فَارِسًا وَكَذَا إذَا بَاعَهُ حَالَ الْقِتَالِ عَلَى الْأَصَحِّ لِدَلَالَتِهِ عَلَى غَرَضِ التِّجَارَةِ إلَّا إذَا بَاعَهُ مُكْرَهًا كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ سَهْمَ الْفَارِسِ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَلَوْ أَعَارَهُ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ وَأَمَّا إذَا دَخَلَ عَلَى فَرَسٍ مَغْصُوبٍ أَوْ مُسْتَعَارٍ أَوْ مُسْتَأْجَرٍ ثُمَّ اسْتَرَدَّهُ الْمَالِكُ فَقَاتَلَ رَاجِلًا فَفِيهِ رِوَايَتَانِ وَلَمْ أَرَ تَرْجِيحًا وَيَنْبَغِي تَرْجِيحُ اسْتِحْقَاقِ سَهْمِ الْفَارِسِ لِحُصُولِ الْإِرْهَابِ وَلَا صُنْعَ لَهُ فِي الِاسْتِرْدَادِ فَصَارَ كَالْهَلَاكِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَقَدْ كَتَبْته قَبْلَ مُرَاجَعَةِ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ ثُمَّ رَأَيْته قَالَ بَعْدَ ذِكْرِ الرِّوَايَتَيْنِ وَمُقْتَضَى كَوْنِهِ جَاوَزَ بِفَرَسٍ لِقَصْدِ الْقِتَالِ عَلَيْهِ تَرْجِيحُ الِاسْتِحْقَاقِ إلَّا أَنْ يُزَادَ فِي أَجْزَاءِ السَّبَبِ بِفَرَسٍ مَمْلُوكٍ وَهُوَ مَمْنُوعٌ فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ يَسْتَرِدَّ الْمُعِيرُ وَغَيْرُهُ حَتَّى قَاتَلَ عَلَيْهِ كَانَ فَارِسًا اهـ. قَالُوا وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْفَرَسُ صَالِحًا لِلْقِتَالِ بِأَنْ يَكُونَ صَحِيحًا كَبِيرًا حَتَّى لَوْ دَخَلَ بِمَهْرٍ أَوْ مَرِيضٍ لَا يَسْتَحِقُّ سَهْمَ الْفُرْسَانِ لِأَنَّهُ لَا يَقْصِدُ بِهِ الْقِتَالَ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة لَوْ زَالَ الْمَرَضُ وَصَارَ بِحَالٍ يُقَاتِلُ عَلَيْهِ قَبْلَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ بِقَتْلِ رَجُلٍ وَأَخْذِ الْقِيمَةِ مِنْهُ) أَيْ وَلَوْ كَانَ مَوْتُ الْفَرَسِ بَعْدَ الدُّخُولِ لِدَارِ الْحَرْبِ بِسَبَبِ قَتْلِ رَجُلٍ لَهَا وَأَخْذُ الْقِيمَةِ مِنْ قَاتِلِهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 96 الْغَنِيمَةِ فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يُسْهِمَ لَهُ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يُسْهِمُ لَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا طَالَ الْمُكْثُ فِي دَارِ الْحَرْبِ حَتَّى بَلَغَ الْمَهْرُ وَصَارَ صَالِحًا لِلرُّكُوبِ فَقَاتَلَ عَلَيْهِ لَا يَسْتَحِقُّ سَهْمَ الْفُرْسَانِ اهـ. وَكَانَ الْفَرْقُ هُوَ أَنَّ الْإِرْهَابَ حَاصِلٌ بِالْكَبِيرِ الْمَرِيضِ فِي الْجُمْلَةِ بِخِلَافِهِ فِي الْمَهْرِ وَفِيهَا لَوْ غُصِبَ فَرَسُهُ مِنْهُ قَبْلَ الدُّخُولِ فَدَخَلَ رَاجِلًا ثُمَّ اسْتَرَدَّهُ فِيهَا سَهْمُ الْفَارِسِ، وَكَذَا لَوْ رَكِبَ رَجُلٌ عَلَيْهِ وَدَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ وَكَذَا لَوْ نَفَرَ الْفَرَسُ فَاتَّبَعَهُ وَدَخَلَ رَاجِلًا وَكَذَا إذَا ضَلَّ مِنْهُ فَدَخَلَ رَاجِلًا ثُمَّ وَجَدَهُ فِيهَا فَإِنَّ صَاحِبَهُ لَا يُحَرِّمُ سَهْمَ الْفَرَسِ وَلَوْ وَهَبَهَا وَدَخَلَ رَاجِلًا وَدَخَلَ الْمَوْهُوبُ لَهُ فَارِسًا ثُمَّ رَجَعَ فِيهَا اسْتَحَقَّ الْمَوْهُوبُ لَهُ فِي الْغَنِيمَةِ سَهْمَ الْفَارِسِ فِيمَا أَصَابَهُ قَبْلَ الرُّجُوعِ وَسَهْمَ الرَّاجِلِ فِيمَا أُصِيبَ بَعْدَهُ وَالرَّاجِعُ رَاجِلٌ مُطْلَقًا كَالْبَائِعِ فَاسِدًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ إذَا اسْتَرَدَّهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ لِلْفَسَادِ وَكَالْمُسْتَحَقِّ لِلْفَرَسِ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَكَالرَّاهِنِ إذَا افْتَكَّهَا فِيهَا وَلَوْ بَاعَهَا ثُمَّ وَهَبَ لَهُ أُخْرَى وَسُلِّمَتْ كَانَ فَارِسًا وَلَوْ اسْتَرَدَّهَا الْمُؤَجِّرُ أَوْ الْمُعِيرُ فَمَلَكَ غَيْرَهَا بِشِرَاءٍ أَوْ هِبَةٍ فَالثَّانِيَةُ تَقُومُ مَقَامَ الْأُولَى وَلَوْ كَانَ الْأَوَّلُ بِإِجَارَةٍ وَالثَّانِي كَذَلِكَ أَوْ بِعَارِيَّةٍ وَالثَّانِي كَذَلِكَ فَالثَّانِي يَقُومُ مَقَامَ الْأَوَّلِ وَلَوْ كَانَ الْأَوَّلُ بِإِجَارَةٍ وَالثَّانِي عَارِيَّةً فَإِنَّهُ لَا يَقُومُ مَقَامَهُ. وَلَوْ اشْتَرَاهَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَتَقَابَضَا فِي دَارِ الْحَرْبِ فَهُمَا رَاجِلَانِ، وَلَوْ نَقَدَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَقَبَضَهَا بَعْدَهُ فَالْمُشْتَرِي فَارِسٌ وَالْفَرَسُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ يُقَاتِلُ هَذَا مَرَّةً وَهَذَا أُخْرَى لَا سَهْمَ لَهُ إلَّا إذَا أَجَرَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ مِنْ شَرِيكِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَالسَّهْمُ لِلْمُسْتَأْجَرِ اهـ. (قَوْلُهُ وَلِلْمَمْلُوكِ وَالْمَرْأَةِ وَالصَّبِيِّ وَالذِّمِّيِّ الرَّضْخُ لَا السَّهْمُ) لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ لَا يُسْهِمُ لِلنِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَالْعَبِيدِ وَكَانَ يَرْضَخُ لَهُمْ وَلَمَّا اسْتَعَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْيَهُودِ عَلَى الْيَهُودِ لَمْ يُعْطِهِمْ شَيْئًا مِنْ الْغَنِيمَةِ يَعْنِي لَمْ يُسْهِمْ لَهُمْ وَلِأَنَّ الْجِهَادَ عِبَادَةٌ وَالذِّمِّيُّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا وَالرَّضْخُ فِي اللُّغَةِ إعْطَاءُ الْقَلِيلِ وَهُنَا إعْطَاءُ الْقَلِيلِ مِنْ سَهْمِ الْغَنِيمَةِ وَظَاهِرُ مَا فِي الْمُخْتَصَرِ أَنَّهُ يَرْضَخُ لَهُمْ مُطْلَقًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ إنَّمَا يَرْضَخُ لِلْعَبْدِ إذَا قَاتَلَ لِأَنَّهُ دَخَلَ لِخِدْمَةِ الْمَوْلَى فَصَارَ كَالتَّاجِرِ وَالْمَرْأَةِ وَكَذَا الصَّبِيُّ لِأَنَّهُ مَفْرُوضٌ بِأَنْ يَكُونَ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَيْهِ وَالْمَرْأَةُ إنَّمَا يَرْضَخُ لَهَا إذَا كَانَتْ تُدَاوِي الْجَرْحَى وَتَقُومُ عَلَى الْمَرْضَى لِأَنَّهَا عَاجِزَةٌ عَنْ حَقِيقَةِ الْقِتَالِ فَيُقَامُ هَذَا النَّوْعُ مِنْ الْإِعَانَةِ مَقَامَ الْقِتَالِ بِخِلَافِ الْعَبْدِ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى حَقِيقَةِ الْقِتَالِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَظَاهِرُهُ تَخْصِيصُ هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْإِعَانَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَقَدْ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ إنَّ الْإِعَانَةَ مِنْهَا قَائِمَةٌ مَقَامَ الْقِتَالِ كَخِدْمَةِ الْغَانِمِينَ وَحِفْظِ مَتَاعِهِمْ اهـ. وَهُوَ الْحَقُّ كَمَا لَا يَخْفَى وَالذِّمِّيُّ إنَّمَا يَرْضَخُ لَهُ إذَا قَاتَلَ أَوْ دَلَّ عَلَى الطَّرِيقِ لِأَنَّهُ فِيهِ مَنْفَعَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ إلَّا أَنَّهُ يُزَادُ عَلَى السَّهْمِ فِي الدَّلَالَةِ إذَا كَانَتْ فِيهِ مَنْفَعَةٌ عَظِيمَةٌ وَلَا يَبْلُغُ فِيهِ السَّهْمُ إذَا قَاتَلَ لِأَنَّهُ جِهَادٌ، وَالْأَوَّلُ لَيْسَ مِنْ عَمَلِهِ فَلَا يُسَوَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِ فِي حُكْمِ الْجِهَادِ وَدَلَّ كَلَامُهُمْ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ الِاسْتِعَانَةُ بِالْكَافِرِ عَلَى الْقِتَالِ إذَا دَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى ذَلِكَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَأَطْلَقَ الْعَبْدَ فَشَمِلَ الْمُكَاتَبَ لِقِيَامِ الرِّقِّ وَتَوَهُّمِ عَجْزِهِ فَيَمْنَعُهُ الْمَوْلَى عَنْ الْقِتَالِ وَقَيَّدَ بِالْمَذْكُورِينَ لِأَنَّ الْأَجِيرَ لَا يُسْهَمُ لَهُ وَلَا يَرْضَخُ لِعَدَمِ اجْتِمَاعِ الْأَجْرِ وَالنَّصِيبِ مِنْ الْغَنِيمَةِ إلَّا إذَا قَاتَلَ فَإِنَّهُ يُسْهَمُ لَهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة لَوْ أَعْتَقَ الْعَبْدَ يُرْضَخُ لَهُ فِيمَا أُصِيبَ مِنْ الْغَنِيمَةِ قَبْلَ عِتْقِهِ وَالذِّمِّيُّ الْمُقَاتِلُ مَعَ الْإِمَامِ إذَا أَسْلَمَ يُضْرَبُ لَهُ بِسَهْمٍ كَامِلٍ فِيمَا أُصِيبَ بَعْدَ إسْلَامِهِ اهـ. وَظَاهِرُ مَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ أَنَّ الْعَبْدَ يُرْضَخُ لَهُ بِشَرْطَيْنِ أَذِنَ الْمَوْلَى بِالْقِتَالِ لَهُ وَأَنْ يُقَاتِلَ فَعَلَيْهِ لَوْ قَاتَلَ بِلَا إذْنٍ لَا يَرْضَخُ لَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَكَانَ الْفَرْقُ إلَخْ) ذَكَرَ الْفَرْقَ فِي شَرْحِ السِّيَرِ بِأَنَّ الْمَرِيضَ كَانَ صَالِحًا لِلْقِتَالِ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّهُ تَعَذَّرَ لِعَارِضٍ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ فَإِذَا زَالَ صَارَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بِخِلَافِ الْمَهْرِ فَإِنَّهُ مَا كَانَ صَالِحًا ابْتِدَاءً فِي دَارِ الْحَرْبِ فَيَكُونُ كَمَنْ اشْتَرَى فَرَسًا فِي دَارِ الْحَرْبِ وَيُوَضِّحُ الْفَرْقَ أَنَّ الصَّغِيرَةَ لَا تَسْتَوْجِبُ النَّفَقَةَ عَلَى زَوْجِهَا لِأَنَّهَا لَا تَصْلُحُ لِخِدْمَةِ الزَّوْجِ وَالْمَرِيضَةَ تَسْتَوْجِبُ لِأَنَّهَا كَانَتْ صَالِحَةً وَلَكِنْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ بِعَارِضٍ. (قَوْلُهُ وَالذِّمِّيُّ إنَّمَا يُرْضَخُ لَهُ إذَا قَاتَلَ أَوْ دَلَّ عَلَى الطَّرِيقِ) قَالَ فِي الْحَوَاشِي الْيَعْقُوبِيَّةِ لَا وَجْهَ لِتَخْصِيصِ حُكْمِ الدَّلَالَةِ عَلَى الطَّرِيقِ بِالذِّمِّيِّ لِأَنَّ الْعَبْدَ أَيْضًا إذَا دَلَّ يُعْطَى لَهُ أُجْرَةُ الدَّلَالَةِ بَالِغًا مَا بَلَغَ إلَّا أَنْ يُمْنَعَ إرَادَةَ التَّخْصِيصِ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ. (قَوْلُهُ إلَّا إذَا قَاتَلَ فَإِنَّهُ يُسْهَمُ لَهُ) أَيْ بِخِلَافِ الْمَذْكُورِينَ فَإِنَّهُ يُرْضَخُ لَهُمْ إذَا قَاتَلُوا وَلَا يُسْهَمُ (قَوْلُهُ وَظَاهِرُ مَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ أَنَّ الْعَبْدَ يُرْضَخُ لَهُ بِشَرْطَيْنِ إلَخْ) وَذَلِكَ حَيْثُ قَالَ الْعَبْدُ إذَا كَانَ مَعَ مَوْلَاهُ يُقَاتِلُ بِإِذْنِ مَوْلَاهُ يُرْضَخُ لَهُ وَكَذَا الصَّبِيُّ وَالذِّمِّيُّ وَالْمَرْأَةُ وَالْمُكَاتَبُ يُرْضَخُ لَهُمْ لِأَنَّ الْعَبْدَ تَبَعٌ لِلْحُرِّ فَإِنَّهُ يُقَاتِلُ بِأُذُنِ الْمَوْلَى وَأَهْلُ الذِّمَّةِ تَبَعٌ لِلْمُسْلِمِينَ وَلِهَذَا لَوْ أَرَادُوا يُنَصِّبُونَ رَايَةً لِأَنْفُسِهِمْ لَا يُمَكَّنُونَ وَالصَّبِيُّ تَبَعٌ لِلرَّجُلِ فَلَا تَجُوزُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمْ فِي اسْتِحْقَاقِ الْغَنِيمَةِ وَإِنْ اسْتَوَوْا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ وَهُوَ الْقِتَالُ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُسَوَّى بَيْنَ الْفَرَسِ وَبَيْنَ الْمَالِكِ لِأَنَّهُ تَبَعٌ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 97 الْمَجْنُونَ وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَيَرْضَخُ لِلصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ لِأَنَّ السَّبَبَ وُجِدَ فِي حَقِّهِمَا وَهُوَ الْقِتَالُ إلَّا أَنَّهُمَا تَبَعٌ فَصَارَا كَالْعَبْدِ مَعَ الْمَوْلَى اهـ. (قَوْلُهُ وَالْخُمُسُ لِلْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَقُدِّمَ ذَوُو الْقُرْبَى الْفُقَرَاءُ مِنْهُمْ عَلَيْهِمْ وَلَا حَقَّ لِأَغْنِيَائِهِمْ) لِأَنَّ الْخُلَفَاءَ الْأَرْبَعَةَ الرَّاشِدِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَجْمَعِينَ قَسَّمُوهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ عَلَى نَحْوِ مَا قُلْنَا وَكَفَى بِهِمْ قُدْوَةً وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «يَا مَعْشَرَ بَنِي هَاشِمٍ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَرِهَ لَكُمْ غُسَالَةَ النَّاسِ وَأَوْسَاخَهُمْ وَعَوَّضَكُمْ مِنْهَا بِخُمُسِ الْخُمُسِ» وَالْعِوَضُ إنَّمَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ مَنْ يَثْبُتُ فِي حَقِّهِ الْمُعَوِّضُ وَهُمْ الْفُقَرَاءُ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَاهُمْ لِلنُّصْرَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَّلَ فَقَالَ إنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا مَعِي هَكَذَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ النَّصْرِ قُرْبُ النُّصْرَةِ لَا قُرْبُ الْقَرَابَةِ وَالْيَتِيمُ صَغِيرٌ لَا أَبَ لَهُ فَيَدْخُلُ فُقَرَاءُ الْيَتَامَى مِنْ ذَوِي الْقُرْبَى فِي سَهْمِ الْيَتَامَى الْمَذْكُورِينَ دُونَ أَغْنِيَائِهِمْ، وَالْمِسْكِينُ مِنْهُمْ فِي سَهْمِ الْمَسَاكِينِ وَفُقَرَاءِ أَبْنَاءِ السَّبِيلِ. فَإِنْ قِيلَ فَلَا فَائِدَةَ حِينَئِذٍ فِي ذِكْرِ اسْمِ الْيَتِيمِ حَيْثُ كَانَ اسْتِحْقَاقُهُ بِالْفَقْرِ وَالْمَسْكَنَةِ لَا بِالْيُتْمِ أُجِيبَ بِأَنَّ فَائِدَتَهُ دَفْعُ تَوَهُّمِ أَنَّ الْيَتِيمَ لَا يَسْتَحِقُّ مِنْ الْغَنِيمَةِ شَيْئًا لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهَا بِالْجِهَادِ وَالْيَتِيمُ صَغِيرٌ فَلَا يَسْتَحِقُّهَا وَمِثْلُهُ مَا ذُكِرَ فِي التَّأْوِيلَاتِ لِلشَّيْخِ أَبِي مَنْصُورٍ لَمَّا كَانَ فُقَرَاءُ ذَوِي الْقُرْبَى يَسْتَحِقُّونَ بِالْفَقْرِ فَلَا فَائِدَةَ فِي ذِكْرِهِمْ فِي الْقُرْآنِ أَجَابَ بِأَنَّ أَفْهَامَ بَعْضِ النَّاسِ قَدْ تَقْتَضِي إلَى أَنَّ الْفَقِيرَ مِنْهُمْ لَا يَسْتَحِقُّ لِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الصَّدَقَةِ وَلَا تَحِلُّ لَهُمْ وَفِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْخُمُسَ يُصْرَفُ لِذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَبِهِ نَأْخُذُ اهـ. فَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى الصَّرْفِ إلَى الْأَقْرِبَاءِ الْأَغْنِيَاءِ فَلْيُحْفَظْ وَفِي التُّحْفَةِ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ مَصَارِفُ الْخُمُسِ عِنْدَنَا لَا عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِحْقَاقِ حَتَّى لَوْ صَرَفَ إلَى صِنْفٍ وَاحِدٍ مِنْهُمْ جَازَ كَمَا فِي الصَّدَقَاتِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَأَطْلَقَ فِي ذَوِي الْقُرْبَى وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِبَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ دُونَ غَيْرِهِمْ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَضَعَ سَهْمَ ذَوِي الْقُرْبَى فِي بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ وَتَرَكَ بَنِي نَوْفَلٍ وَبَنِي عَبْدِ شَمْسٍ مَعَ أَنَّ قَرَابَتَهُمْ وَاحِدَةٌ لِأَنَّ عَبْدَ مَنَافٍ الْجَدُّ الثَّالِثُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَوْلَادُ هَاشِمٍ وَالْمُطَّلِبِ وَنَوْفَلٍ وَعَبْدِ شَمْسٍ (قَوْلُهُ وَذِكْرُهُ تَعَالَى لِلتَّبَرُّكِ) أَيْ لِلتَّبَرُّكِ بِاسْمِهِ تَعَالَى فِي افْتِتَاحِ الْكَلَامِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41] لِأَنَّ جَمِيعَ الْأَشْيَاءِ لَهُ إذْ هُوَ الْغَنِيُّ عَلَى الْإِطْلَاقِ لِأَنَّ السَّلَفَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَسَرُّوهُ بِمَا ذُكِرَ وبِهِ انْدَفَعَ مَا ذَكَرَهُ أَبُو الْعَالِيَةِ بِأَنَّ سَهْمَ اللَّهِ تَعَالَى ثَابِتٌ يُصْرَفُ إلَى بِنَاءِ بَيْتِ الْكَعْبَةِ إنْ كَانَتْ قَرِيبَةً وَإِلَّا فَإِلَى مَسْجِدِ كُلِّ بَلْدَةٍ ثَبَتَ فِيهَا الْخُمُسُ (قَوْلُهُ وَسَهْمُ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - سَقَطَ بِمَوْتِهِ كَالصَّفِيِّ) لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَسْتَحِقُّهُ بِرِسَالَتِهِ وَلَا رَسُولَ بَعْدَهُ وَالصَّفِيُّ شَيْءٌ كَانَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَصْطَفِيه لِنَفْسِهِ مِنْ الْغَنِيمَةِ مِثْلُ دِرْعٍ أَوْ سَيْفٍ أَوْ جَارِيَةٍ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُصْرَفُ سَهْمُ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى الْخَلِيفَةِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا قَدَّمْنَاهُ. (قَوْلُهُ وَإِنْ دَخَلَ جَمْعٌ ذَوُو مَنَعَةٍ دَارَهُمْ بِلَا إذْنٍ خُمِّسَ مَا أَخَذُوا وَإِلَّا لَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا ذَوِي مَنَعَةٍ لَا يُخَمَّسُ لِأَنَّ الْغَنِيمَةَ هُوَ   [منحة الخالق] لِلْمَالِكِ لَا أَنَّا تَرَكْنَا الْقِيَاسَ بِالنَّصِّ وَلَا نَصَّ هُنَا وَإِذَا لَمْ تَجُزْ التَّسْوِيَةُ لَا يُسْهَمُ لَهُ فَيُرْضَخُ لِلْعَبْدِ إنْ كَانَ فِي خِدْمَةِ مَوْلَاهُ وَلَا يُقَاتِلُ اهـ. قُلْت لَكِنَّ قَوْلَ الْوَلْوَالِجِيِّ إذَا كَانَ مَعَ مَوْلَاهُ مُقَاتِلٌ بِإِذْنِ مَوْلَاهُ يُرْضَخُ لَهُ مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ بَلْ يُرْضَخُ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِإِذْنِ الْمَوْلَى كَمَا صَرَّحَ بِهِ السَّرَخْسِيُّ فِي شَرْحِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ وَقَالَ إذَا كَانَ غَيْرَ مَأْذُونٍ لَهُ بِالْقِتَالِ فَلَا شَيْءَ لَهُ قِيَاسًا لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ فَكَانَ حَالُهُ كَحَالِ الْحَرْبِيِّ الْمُسْتَأْمَنِ إنْ قَاتَلَ بِإِذْنِ الْإِمَامِ اسْتَحَقَّ الرَّضْخَ وَإِلَّا فَلَا وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَرْضَخُ لَهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَحْجُورٍ عَنْ الِاكْتِسَابِ وَعَمَّا يَتَمَحَّضُ مَنْفَعَةً وَهُوَ نَظِيرُ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ فِي الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ إذَا أَجَرَ نَفْسَهُ وَسَلِمَ مِنْ الْعَمَلِ وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي الْحَوَاشِي الْيَعْقُوبِيَّةِ مِنْ قَوْلِهِ أَنَّ الْعَبْدَ إذَا كَانَ مَأْذُونًا بِالْقِتَالِ وَقَاتَلَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لَهُ السَّهْمُ الْكَامِلُ كَمَا لَا يَخْفَى اهـ. وَقَدْ رَأَيْت التَّصْرِيحَ بِهَذَا الظَّاهِرِ فِي الْفَتْحِ حَيْثُ قَالَ وَسَوَاءٌ قَاتَلَ الْعَبْدُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ. (قَوْلُهُ فَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى الصَّرْفِ إلَى الْأَقْرِبَاءِ الْأَغْنِيَاءِ) قَالَ فِي النَّهْرِ فِيهِ نَظَرٌ بَلْ هُوَ تَرْجِيحٌ لِإِعْطَائِهِمْ وَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ سَكَتَ عَنْ اشْتِرَاطِ الْفَقْرِ فِيهِمْ لِلْعِلْمِ بِهِ اهـ. قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ وَأَنْتَ إذَا تَأَمَّلَتْ كَلَامَ الْحَاوِي رَأَيْته شَاهِدًا لِمَا فِي الْبَحْرِ وَهَذِهِ عِبَارَتُهُ وَأَمَّا الْخُمْسُ فَيُقْسَمُ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ سَهْمٌ لِلْيَتَامَى وَسَهْمٌ لِلْمَسَاكِينِ وَسَهْمٌ لِابْنِ السَّبِيلِ يَدْخُلُ فُقَرَاءُ ذَوِي الْقُرْبَى فِيهِمْ وَيُقَدَّمُونَ وَلَا يُدْفَعُ لِأَغْنِيَائِهِمْ شَيْءٌ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إلَخْ إذْ لَوْ كَانَ كَمَا قَالَهُ فِي النَّهْرِ لَكَانَتْ رِوَايَةُ أَبِي يُوسُفَ عَيْنُ مَا قَبْلَهَا. (قَوْلُهُ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا قَدَّمْنَاهُ) أَيْ مِنْ أَنَّ الْخُلَفَاءَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 98 الْمَأْخُوذُ قَهْرًا وَغَلَبَةً لَا اخْتِلَاسًا وَسَرِقَةً وَالْخُمُسُ وَظِيفَتُهَا وَالْقَهْرُ مَوْجُودٌ فِي الْأَوَّلِ وَالِاخْتِلَاسُ فِي الثَّانِي وَلَا يَضُرُّ كَوْنُهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَنْصُرَهُمْ إذْ لَوْ خَذَلَهُمْ كَانَ فِيهِ وَهَنٌ بِالْمُسْلِمِينَ بِخِلَافِ الْوَاحِدَةِ وَالِاثْنَيْنِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ نُصْرَتُهُمْ وَالتَّقْيِيدُ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ لَيْسَ احْتِرَازِيًّا لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بِإِذْنِ الْإِمَامِ وَلَهُمْ مَنَعَةٌ فَإِنَّهُ يُخَمَّسُ بِالْأَوْلَى وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنَعَةٌ كَوَاحِدٍ أَوْ اثْنَيْنِ دَخَلَ بِإِذْنِ الْإِمَامِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُخَمَّسُ لِأَنَّهُ لَمَّا أَذِنَ لَهُمْ الْإِمَامُ فَقَدْ الْتَزَمَ نُصْرَتَهُمْ بِالْإِمْدَادِ فَصَارَ كَالْمَنَعَةِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الدَّاخِلَ بِإِذْنِ الْإِمَامِ يُخَمَّسُ مَا أَخَذَهُ مُطْلَقًا وَبِغَيْرِ إذْنِهِ فَإِنْ كَانَ ذَا مَنَعَةٍ خُمِّسَ وَإِلَّا لَا وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ الْإِمَامُ مَا أَصَبْتُمْ فَهُوَ لَكُمْ لَا خُمُسَ فِيهِ فَإِنْ كَانُوا لَا مَنَعَةَ لَهُمْ جَازَ وَإِنْ كَانَ لَهُمْ مَنَعَةٌ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْخُمُسَ فِي الْأَوَّلِ وَاجِبٌ بِقَوْلِ الْإِمَامِ فَلَهُ أَنْ يُبْطِلَهُ بِقَوْلِهِ بِخِلَافِهِ فِي الثَّانِي وَلِذَا لَوْ دَخَلُوا بِغَيْرِ إذْنِهِ خُمِّسَ مَا أَخَذُوهُ. (قَوْلُهُ وَلِلْإِمَامِ أَنْ يُنَفِّلَ بِقَوْلِهِ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ وَبِقَوْلِهِ لِلسَّرِيَّةِ جَعَلْت لَكُمْ الرُّبْعَ بَعْدَ الْخُمْسِ) أَيْ بَعْدَمَا دَفَعَ الْخُمُسَ لِلْفُقَرَاءِ لِأَنَّ التَّحْرِيضَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ} [الأنفال: 65] وَهَذَا نَوْعُ تَحْرِيضٍ فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ لَكَانَ أَوْلَى. وَقَوْلُ مَنْ قَالَ لَا بَأْسَ لِلْإِمَامِ لَا يُخَالِفُهُ لِأَنَّهَا تُسْتَعْمَلُ فِي الْمَنْدُوبِ أَيْضًا كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْجَنَائِزِ فَلَمْ تَكُنْ مُطَّرِدَةً لِمَا تَرَكَهُ أَوْلَى ثُمَّ قَدْ يَكُونُ التَّنْفِيلُ بِمَا ذُكِرَ وَقَدْ يَكُونُ بِغَيْرِهِ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ أَوْ بِقَوْلِ مَنْ أَخَذَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ فَمَا ذُكِرَ فِي الْمُخْتَصَر مِثَالٌ لَا قَيْدَ لَكِنْ قَالُوا لَوْ قَالَ لِلْعَسْكَرِ كُلُّ مَا أَخَذْتُمْ فَهُوَ لَكُمْ بِالسَّوِيَّةِ بَعْدَ الْخُمُسِ أَوْ لِلسَّرِيَّةِ لَمْ يَجُزْ   [منحة الخالق] الرَّاشِدِينَ إنَّمَا اقْتَسَمُوا الْخُمُسَ عَلَى ثَلَاثَةٍ فَلَوْ كَانَ كَمَا ذَكَرَ لَقَسَمُوهُ عَلَى أَرْبَعَةٍ وَرَفَعُوا سَهْمَهُ لِأَنْفُسِهِمْ كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ أَيْ بَعْدَمَا دَفَعَ الْخُمْسَ) كَذَا فِي النُّسَخِ وَاَلَّذِي فِي الْفَتْحِ بِدُونِ مَا وَهُوَ أَظْهَرُ (قَوْلُهُ لِأَنَّ التَّحْرِيضَ مَنْدُوبَةٌ إلَيْهِ كَذَا وَقَعَ فِي الْهِدَايَةِ) قَالَ فِي الْفَتْحِ وَاعْلَمْ أَنَّ التَّحْرِيضَ وَاجِبٌ لِلنَّصِّ الْمَذْكُورِ لَكِنَّهُ لَا يَنْحَصِرُ فِي التَّنْفِيلِ لِيَكُونَ التَّنْفِيلُ وَاجِبًا بَلْ يَكُونُ بِغَيْرِهِ أَيْضًا مِنْ الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَالتَّرْغِيبِ فِيمَا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى فَإِذَا كَانَ التَّنْفِيلُ أَحَدَ خِصَالِ التَّحْرِيضِ كَانَ التَّنْفِيلُ وَاجِبًا مُخَيَّرًا ثُمَّ إذَا كَانَ هُوَ أَدْعَى الْخِصَالِ إلَى الْمَقْصُودِ يَكُونُ إسْقَاطُ الْوَاجِبِ بِهِ دُونَ غَيْرِهِ مِمَّا يَسْقُطُ بِهِ أَوْلَى وَهُوَ الْمَنْدُوبُ فَصَارَ الْمَنْدُوبُ اخْتِيَارَ الْإِسْقَاطِ بِهِ دُونَ غَيْرِهِ لَا هُوَ فِي نَفْسِهِ بَلْ هُوَ وَاجِبٌ مُخَيَّرٌ وَأَمَّا مَا قِيلَ فِي التَّنْفِيلِ تَرْجِيحُ الْبَعْضِ وَتَوْهِينُ آخَرِينَ وَتَوْهِينُ الْمُسْلِمِ حَرَامٌ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَالْإِحْرَامُ التَّنْفِيلُ لِاسْتِلْزَامِهِ مَحْرَمًا اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ لِلسَّرِيَّةِ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ لِلْعَسْكَرِ لَكِنَّ هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْهِدَايَةِ حَيْثُ فَرَّقَ بَيْنَ الْعَسْكَرِ وَالسَّرِيَّةِ فَقَالَ وَلَا يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يُنْفِلَ بِكُلِّ الْمَأْخُوذِ لِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ حَقِّ الْكُلِّ وَإِنْ فَعَلَهُ مَعَ السَّرِيَّةِ جَازَ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ إلَيْهِ وَقَدْ تَكُونُ الْمَصْلَحَةُ فِيهِ اهـ. وَكَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ أَنَّهُ لَوْ نَفَلَ السَّرِيَّةَ بِالْكُلِّ جَازَ وَذَكَرَ فِي الِاخْتِيَارِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَنَفَلَ فِي الدُّرَرِ عَنْ النِّهَايَةِ عَنْ السِّيَرِ الْكَبِيرِ نَحْوَهُ قُلْت لَكِنَّ الَّذِي رَأَيْته فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ لِلسَّرَخْسِيِّ التَّفْصِيلُ فِي السَّرِيَّةِ فَإِنَّهُ قَالَ لَوْ بَعَثَ أَمِيرُ الْمُصَيِّصَةِ سَرِيَّةً لَا يَنْبَغِي أَنْ يُنْفِلَ لَهُمْ مَا أَصَابُوا بِخِلَافِ مَا إذَا دَخَلَ الْإِمَامُ مَعَ الْجَيْشِ فِي دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ بَعَثَ سَرِيَّةً وَنَفَلَ لَهُمْ مَا أَصَابُوا فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِأَنَّ السَّرِيَّةَ فِي الْأَوَّلِ يَخْتَصُّونَ بِمَا أَصَابُوا قَبْلَ تَنْفِيلِ الْإِمَامِ وَلَيْسَ لِأَهْلِ الْمُصَيِّصَةِ مَعَهُمْ شَرِكَةٌ فِي ذَلِكَ فَإِنَّ الْمُصَيِّصَةَ مِنْ دَارِ الْإِسْلَامِ وَمَنْ تَوَطَّنَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لَا يُشَارِكُ الْجَيْشَ فِيمَا أَصَابُوا فَلَيْسَ فِي هَذَا التَّنْفِيلِ إلَّا إبْطَالَ الْخُمُسِ وَفِي الثَّانِي لَا يَخْتَصُّونَ بِالْمُصَابِ قَبْلَ التَّنْفِيلِ فَهَذَا تَنْفِيلٌ لِلتَّخْصِيصِ عَلَى وَجْهِ التَّحْرِيض فَيَصِحُّ اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إنْ بَعَثَ السَّرِيَّةَ مِنْ دَارِ الْإِسْلَامِ لَمْ يَكُنْ لَهُ التَّنْفِيلُ بِكُلِّ مَا أَصَابُوا لِأَنَّهُمْ صَارُوا بِمَنْزِلَةِ الْجَيْشِ مِنْ الْعَسْكَرِ لِأَنَّهُمْ كُلُّ الْعَسْكَرِ بِخِلَافِ مَا إذَا بَعَثَ السَّرِيَّةَ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ لِأَنَّهُمْ قِطْعَةٌ مِنْ الْعَسْكَرِ خَصَّهُمْ بِمَا أَصَابُوا لِلتَّحْرِيضِ وَهَذَا شَأْنُ التَّنْفِيلِ مِنْ زِيَادَةِ الْبَعْضِ عَلَى غَيْرِهِمْ لِلتَّحْرِيضِ كَمَا بَيَّنَ ذَلِكَ بَعْدَ نَحْوِ وَرَقَةٍ بِقَوْلِهِ وَلَوْ بَعَثَ السَّرِيَّةَ مِنْ دَارِ الْإِسْلَامِ وَنَفَلَهُمْ الثُّلُثَ بَعْدَ الْخُمُسِ أَوْ قَبْلَ الْخُمُسِ كَانَ بَاطِلًا لِأَنَّهُ مَا خَصَّ بَعْضَهُمْ بِالتَّنْفِيلِ وَلَيْسَ مَقْصُودُهُ فِيهِ إبْطَالَ الْخُمُسِ وَإِبْطَالَ تَفْضِيلِ الْفَارِسِ عَلَى الرَّاجِلِ فَلَا يَجُوزُ بِخِلَافِ مَا إذَا الْتَقَوْا فِي دَارِ الْحَرْبِ فَفِي التَّنْفِيلِ هُنَاكَ مَعْنَى التَّخْصِيصِ لَهُمْ لِأَنَّ الْجَيْشَ شُرَكَاؤُهُمْ فِي الْغَنِيمَةِ فَفِي التَّنْفِيلِ تَخْصِيصُهُمْ بِبَعْضِ الْمُصَابِ وَهُوَ مُسْتَقِيمٌ اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ التَّنْفِيلَ الْعَامَّ لَا يَصِحُّ وَذَلِكَ فِي الْعَسْكَرِ وَفِي السَّرِيَّةِ الْمَبْعُوثَةِ مِنْ دَارِنَا لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْعَسْكَرِ وَوَجْهُ بُطْلَانِهِ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَعْنَى التَّخْصِيصِ أَيْ زِيَادَةُ الْبَعْضِ عَلَى الْبَاقِي بِخِلَافِ السَّرِيَّةِ الْمَبْعُوثَةِ مِنْ الْعَسْكَرِ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَكِنَّ التَّنْفِيلَ لِلسَّرِيَّةِ الْمَبْعُوثَةِ مِنْ دَارِنَا لَا يَصِحُّ إذَا كَانَ التَّنْفِيلُ لِلْكُلِّ بِمَعْنَى أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ مَا أَصَابُوهُ بَيْنَهُمْ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَخْصِيصٌ بِخِلَافِ مَا إذَا نَفَلَ مِنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 99 لِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ السَّهْمَانِ الَّذِي أَوْجَبَهَا الشَّرْعُ إذْ فِيهِ تَسْوِيَةُ الْفَارِسِ بِالرَّاجِلِ وَكَذَا لَوْ قَالَ مَا أَصَبْتُمْ فَهُوَ لَكُمْ وَلَمْ يَقُلْ بَعْدَ الْخُمْسِ لِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ الْخُمُسِ الثَّابِتِ بِالنَّصِّ ذَكَرَهُ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهَذَا بِعَيْنِهِ يُبْطِلُ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَوْلِهِ مَنْ أَصَابَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ لِاتِّحَادِ اللَّازِم فِيهِمَا وَهُوَ بُطْلَانُ السُّهْمَانِ الْمَنْصُوصَةِ بِالتَّسْوِيَةِ بَلْ وَزِيَادَةُ حِرْمَانِ مَنْ لَمْ يُصِبْ شَيْئًا أَصْلًا بِانْتِهَائِهِ فَهُوَ أَوْلَى بِالْبُطْلَانِ وَالْفَرْعُ الْمَذْكُورُ مِنْ الْحَوَاشِي وَبِهِ أَيْضًا يَنْتَفِي مَا ذُكِرَ مِنْ قَوْلِهِ أَنَّهُ لَوْ نَفَلَ بِجَمِيعِ الْمَأْخُوذِ جَازَ إذَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ وَفِيهِ زِيَادَةُ إيحَاشِ الْبَاقِينَ وَزِيَادَةُ الْفِتْنَةِ اهـ. وَيَدْخُلُ الْإِمَامُ نَفْسَهُ فِي قَوْلِهِ مِنْ قَتَلَ قَتِيلًا اسْتِحْسَانًا لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ الْقَضَاءِ وَلَا تُهْمَةَ بِخِلَافِ مَا إذَا خَصَّصَ نَفْسَهُ بِقَوْلِهِ مَنْ قَتَلْته لِلتُّهْمَةِ إلَّا إذَا عَمَّمَ بَعْدَهُ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا خَصَّهُمْ بِقَوْلِهِ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا مِنْكُمْ فَإِنَّ الْإِمَامَ لَا يَسْتَحِقُّ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة. وَإِذَا اشْتَرَكَ رَجُلَانِ فِي قَتْلِ حَرْبِيٍّ اشْتَرَكَا فِي سَلَبِهِ وَقَيَّدَهُ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ بِأَنْ يَكُونَ الْمَقْتُولُ مُبَارِزًا يُقَاوِمُ الْكُلَّ فَإِنْ كَانَ عَاجِزًا لَا يَسْتَحِقُّونَ سَلَبَهُ وَيَكُونُ غَنِيمَةً وَإِنْ قَيَّدَهُ الْإِمَامُ بِقَوْلِهِ وَحْدَهُ لَا يَسْتَحِقَّانِ سَلَبَهُ وَلَوْ كَانَ الْخِطَابُ لِوَاحِدٍ فَشَارَكَهُ آخَرُ اسْتَحَقَّ الْمُخَاطَبُ وَحْدَهُ وَلَوْ خَاطَبَ وَاحِدًا فَقَتَلَ الْمُخَاطَبُ رَجُلَيْنِ فَلَهُ سَلَبُ الْأَوَّلِ خَاصَّةً إلَّا إذَا قَتَلَهُمَا مَعًا فَلَهُ وَاحِدَةٌ وَالْخِيَارُ فِي تَعْيِينِهِ لِلْمُقَاتِلِ لَا لِلْإِمَامِ وَلَوْ كَانَ عَلَى الْعُمُومِ فَقَتَلَ رَجُلٌ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ اسْتَحَقَّ سَلَبَهُمَا وَيَسْتَحِقُّ السَّلَبَ مَنْ يَسْتَحِقُّ السَّهْمَ أَوْ الرَّضْخَ فَيَشْتَمِلُ الذِّمِّيَّ وَالتَّاجِرَ وَالْمَرْأَةَ وَالْعَبْدَ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمَقْتُولُ مِنْهُمْ مُبَاحَ الْقَتْلِ حَتَّى لَا يَسْتَحِقَّ السَّلَبَ بِقَتْلِ النِّسَاءِ وَالْمَجَانِينِ وَالصِّبْيَانِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوا وَلَا يُشْتَرَطُ فِي اسْتِحْقَاقِ السَّلَبِ سَمَاعُ الْقَاتِلِ مَقَالَةَ الْإِمَامِ حَتَّى لَوْ قَتَلَ مَنْ لَمْ يَسْمَعْ فَلَهُ السَّلَبُ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي وُسْعِ الْإِمَامِ إسْمَاعُ الْأَفْرَادِ وَإِنَّمَا وُسْعُهُ إشَاعَةُ الْخِطَابِ وَقَدْ وُجِدَ. وَلَوْ نَفَلَ السَّرِيَّةَ بِالرُّبْعِ وَسَمِعَ الْعَسْكَرُ دُونَهَا فَلَهُمْ النَّفَلُ اسْتِحْسَانًا كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة مَنْ قَتْل قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ يَقَعُ عَلَى كُلِّ قِتَالٍ فِي تِلْكَ السَّفَرِ مَا لَمْ يَرْجِعُوا وَإِنْ مَاتَ الْوَالِي أَوْ عُزِلَ مَا لَمْ يَمْنَعْهُ الثَّانِي وَإِنْ قَالَ حَالَةَ الْقِتَالِ يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ وَلَوْ قَالَ مَنْ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ بِدِرْعٍ فَلَهُ كَذَا، جَازَ، وَكَذَا بِدِرْعَيْنِ وَلَا يَجُوزُ مَا زَادَ إلَّا إذَا كَانَ فِيهِ مَنْفَعَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ مَنْ دَخَلَ بِفَرَسِ كَذَا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ وَالرِّمَاحُ وَالْأَقْوَاسُ كَالدِّرْعِ وَقَيَّدَ الْمُصَنِّفُ بِالْإِمَامِ لِأَنَّ أَمِيرَ السَّرِيَّةِ إذَا نَهَاهُ الْإِمَامُ عَنْ   [منحة الخالق] أَصَابَ مِنْهُمْ شَيْئًا لِلْمُصِيبِ فَقَطْ فَإِنَّهُ يَصِحُّ لِمَا ذَكَرَهُ بَعْدَ نَحْوِ وَرَقَتَيْنِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِلسَّرِيَّةِ الْمَبْعُوثَةِ مِنْ دَارِنَا مَنْ قَتَلَ مِنْكُمْ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ وَمَنْ أَصَابَ مِنْكُمْ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ دُونَ مَنْ بَقِيَ مِنْ أَصْحَابِهِ جَازَ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى التَّخْصِيصِ لِأَنَّ الْقَاتِلَ وَالْمُصِيبَ يَخْتَصُّ بِالنَّفْلِ بِخِلَافِ مَا إذَا نَفَلَ لَهُمْ الثُّلُثَ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَخْصِيصُ الْبَعْضِ وَلَا إبْطَالُ حَقِّ أَحَدٍ مِنْ الْغَانِمِينَ اهـ. وَعَلَى هَذَا يُقَالُ فِي الْعَسْكَرِ أَيْضًا لَوْ قَالَ لَهُمْ مَنْ أَصَابَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ دُونَ مَنْ بَقِيَ جَازَ قِيَاسًا عَلَى السَّرِيَّةِ الْمَبْعُوثَةِ مِنْ دَارِنَا لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّهُمَا مُتَّحِدَانِ حُكْمًا (قَوْلُهُ لِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ السُّهْمَانِ الَّذِي أَوْجَبَهَا الشَّرْعُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْفَارِسِ سَهْمَانِ وَلِلرَّاجِلِ سَهْمٌ فَهُوَ عَلَى الْحِكَايَةِ اهـ. قُلْت لَكِنْ فِي الْمِصْبَاحِ السَّهْمُ النَّصِيبُ وَالْجَمْعُ أَسْهُمٌ وَسُهْمَانٌ بِالضَّمِّ فَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا هُنَا بِالضَّمِّ جَمْعُ سَهْمٍ لَكِنْ كَانَ الْأَوْلَى التَّعْبِيرَ بِاَلَّتِي بَدَلَ الَّذِي لَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ الْمُثَنَّى لَقَالَ اللَّذَيْنِ أَوْجَبَهُمَا الشَّرْعُ مَعَ أَنَّ إتْيَانَهُ بِالْأَلِفِ عَلَى قَصْدِ الْحِكَايَةِ بَعِيدٌ فَيَتَعَيَّنُ مَا قُلْنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ وَهَذَا بِعَيْنِهِ يُبْطِلُ إلَخْ) أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ مَنْ أَصَابَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ فِيهِ تَخْصِيصُ الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ وَهُوَ مَعْنَى التَّنْفِيلِ كَمَا عَلِمْت مِمَّا قَرَّرْنَاهُ آنِفًا بِخِلَافِ مَا أَصَبْتُمْ فَهُوَ لَكُمْ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَخْصِيصُ الْبَعْضِ بَلْ فِيهِ إبْطَالُ التَّفَاوُتِ بَيْنَ الْفَارِسِ وَالرَّاجِلِ قَصْدًا وَكَذَا فِيهِ إبْطَالُ الْخُمُسِ قَصْدًا إنْ لَمْ يَقُلْ بَعْدَ الْخُمُسِ وَأَمَّا قَوْلُهُ مَنْ أَصَابَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ إبْطَالُ التَّفَاوُتِ وَإِبْطَالُ الْخُمُسِ أَيْضًا لَكِنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ كَمَا يَظْهَرُ مِمَّا نَقَلْنَاهُ عَنْ السِّيَرِ وَكَذَا قَالَ فِي السِّيَرِ وَلَوْ قَالَ لَهُمْ الْإِمَامُ لَا خُمُسَ عَلَيْكُمْ فِيمَا أَصَبْتُمْ أَوْ الْفَارِسُ وَالرَّاجِلُ سَوَاءٌ فِيمَا أَصَبْتُمْ كَانَ بَاطِلًا فَكَذَلِكَ كُلُّ تَنْفِيلٍ لَا يُفِيدُ إلَّا ذَلِكَ فَإِنْ قِيلَ أَلَيْسَ فِي قَوْلِهِ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ إبْطَالُ الْخُمُسِ عَنْ السَّلَبِ مَعَ أَنَّهُ جَائِزٌ قُلْنَا هُنَاكَ الْمَقْصُودُ بِالتَّنْفِيلِ التَّحْرِيضُ وَتَخْصِيصُ الْقَاتِلِينَ بِإِبْطَالِ شَرِكَةِ الْعَسْكَرِ عَنْ الْإِسْلَابِ ثُمَّ يَثْبُتُ إبْطَالُ الْخُمُسِ عَنْهَا تَبَعًا وَقَدْ ثَبَتَ تَبَعًا مَا لَا يَثْبُتُ قَصْدًا (قَوْلُهُ وَإِذَا اشْتَرَكَ رَجُلَانِ إلَخْ) قَيَّدَ بِهِمَا لِأَنَّهُ لَوْ كَانُوا ثَلَاثَةً أَوْ أَكْثَرَ فَالْقِيَاسُ كَذَلِكَ لِأَنَّ مَنْ لِلْعُمُومِ وَلَكِنَّهُ قَبِيحٌ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى أَنَّهُ لَوْ اجْتَمَعَ الْعَسْكَرُ كُلُّهُمْ عَلَى قَتْلِهِ فَلَهُمْ سَلَبُهُ وَلَيْسَ مُرَادُهُ ذَلِكَ وَالِاسْتِحْسَانُ يَحْتَمِلُ وُجُوهًا أَحْسَنُهَا أَنَّهُ إنْ قَتَلَهُ قَوْمٌ يَرَى النَّاسُ أَنَّ ذَلِكَ الْقَتِيلَ لَوْ خُلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ كَانَ يَنْتَصِفُ مِنْهُمْ فَلَهُمْ سَلَبُهُ وَإِلَّا فَلَا وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ. (قَوْلُهُ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة إلَخْ) وَكَذَا فِي شَرْحِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ لَوْ قَالَ فِي دَارِ الْحَرْبِ قَبْلَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 100 التَّنْفِيلِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْفِلَ إلَّا إذَا رَضِيَ الْعَسْكَرُ بِنَفْلِهِ فَيَجُوزُ مِنْ الْأَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ وَإِنْ لَمْ يَنْهَهُ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْإِمَامِ وَلَوْ نَفَلَ الْإِمَامُ السَّرِيَّةَ بِالثُّلُثِ بَعْدَ الْخُمُسِ ثُمَّ أَنَّ أَمِيرَهَا نَفَلَ لِفَتْحِ الْحِصْنِ أَوْ لِلْمُبَارَزَةِ بِغَيْرِ أَمْر الْإِمَامِ فَإِنْ نَفَلَ مِنْ حِصَّةِ السَّرِيَّةِ يَجُوزُ وَلَا يَجُوزُ مِنْ سِهَامِ الْعَسْكَرِ إلَّا إذَا رَجَعَتْ السَّرِيَّةُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ قَبْلَ لَحَاقِ الْعَسْكَرِ فَإِنَّ نَفْلَ أَمِيرِهِمْ جَائِزٌ مِنْ جَمِيعِ مَا أَصَابُوا لِأَنَّهُ لَا شَرِكَةَ لِلْعَسْكَرِ مَعَهُمْ فَجَازَ نَفْلُ أَمِيرِ السَّرِيَّةِ وَبَطَلَ نَفْلُ أَمِيرِ الْعَسْكَرِ وَلَا فَرْقَ فِي النَّفْلِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا أَوْ مَجْهُولًا فَلَوْ قَالَ مَنْ جَاءَ مِنْكُمْ بِشَيْءٍ فَلَهُ مِنْهُ طَائِفَةٌ فَجَاءَ رَجُلٌ بِمَتَاعٍ وَآخَرُ بِثِيَابٍ وَآخَرُ بِرُءُوسٍ فَالرَّأْيُ لِلْأَمِيرِ وَلَوْ قَالَ لَهُ مِنْهُ قَلِيلٌ أَوْ يَسِيرٌ أَوْ شَيْءٌ أَعْطَاهُ أَقَلَّ مِنْ النِّصْفِ وَالْجُزْءُ النِّصْفُ وَمَا دُونَهُ وَسَهْمُ رَجُلٍ مِنْ الْقَوْمِ يُعْطِيه سَهْمَ الرَّاجِلِ وَلَوْ قَالَ مَنْ جَاءَ بِأَلْفٍ فَلَهُ أَلْفَانِ فَجَاءَ بِأَلْفٍ لَا يُعْطَى إلَّا الْأَلْفَ وَلَوْ قَالَ مَنْ جَاءَ بِالْأَسِيرِ فَلَهُ الْأَسِيرُ وَأَلْفُ دِرْهَمٍ فَإِنَّهُ يُعْطَى ذَلِكَ وَالْفَرْقُ وَتَمَامُ التَّفْرِيعَاتِ فِي الْمُحِيطِ. وَالتَّنْفِيلُ إعْطَاءُ الْإِمَامِ الْفَارِسَ فَوْقَ سَهْمِهِ وَهُوَ مِنْ النَّفْلِ وَهُوَ الزَّائِدُ وَمِنْهُ النَّافِلَةُ الزَّائِدُ عَلَى الْفَرْضِ وَيُقَالُ لِوَلَدِ الْوَلَدِ كَذَلِكَ أَيْضًا وَيُقَالُ نَفَّلَهُ تَنْفِيلًا وَنَفَلَهُ بِالتَّخْفِيفِ نَفْلًا لُغَتَانِ فَصَيْحَتَانِ. (قَوْلُهُ وَيَنْفِلُ بَعْدَ الْإِحْرَازِ مِنْ الْخُمْسِ فَقَطْ) لِأَنَّ حَقَّ الْغَيْرِ تَأَكَّدَ فِيهِ بِالْإِحْرَازِ وَلَا حَقَّ لِلْغَانِمِينَ فِي الْخُمْسِ وَالْمُعْطَى مِنْ الْمَصَارِفِ لَهُ وَالتَّنْفِيلُ مِنْهُ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ الصَّرْفِ إلَى أَحَدِ الْأَصْنَافِ الثَّلَاثَةِ، وَلِذَا قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ لَا يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَضَعَهُ فِي الْغَنِيِّ وَيَجْعَلَهُ نَفْلًا لَهُ بَعْدَ الْإِصَابَةِ لِأَنَّ الْخُمُسَ حَقُّ الْمُحْتَاجِينَ لَا الْأَغْنِيَاءِ فَجَعَلَهُ لِلْأَغْنِيَاءِ إبْطَالُ حَقِّهِمْ اهـ. لَكِنَّ تَصْرِيحَهُمْ بِأَنَّهُ تَنْفِيلٌ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِهِ لِلْغَنِيِّ وَمِنْ الْعَجِيبِ قَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ لَا يَجُوزُ لِلْغَنِيِّ فَإِنَّ ظَاهِرَ مَا فِي الذَّخِيرَةِ عَدَمُ الْحُرْمَةِ (قَوْلُهُ وَالسَّلَبُ لِلْكُلِّ إنْ لَمْ يَنْفِلْ) أَيْ لَا يَخْتَصُّ بِهِ الْقَاتِلُ عِنْدَنَا لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ بِقُوَّةِ الْجَيْشِ فَيَكُونُ غَنِيمَةً فَيَقْسِمُ بَيْنَهُمْ قِسْمَةَ الْغَنَائِمِ كَمَا نَطَقَ بِهِ النَّصُّ «وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِحَبِيبِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ لَيْسَ لَك مِنْ سَلَبِ قَتِيلِك إلَّا مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُ إمَامِك» وَأَمَّا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ» فَيَحْتَمِلُ نَصْبُ الشَّرْعِ وَيَحْتَمِلُ التَّنْفِيلُ فَنَحْمِلُهُ عَلَى الثَّانِي لِمَا رَوَيْنَا (قَوْلُهُ وَهُوَ مَرْكَبُهُ وَثِيَابُهُ وَسِلَاحُهُ وَمَا مَعَهُ) أَيْ السَّلَبُ مَا ذُكِرَ لِلْعُرْفِ وَفِي الْمُغْرِبِ السَّلَبُ الْمَسْلُوبُ وَعَنْ اللَّيْثِ وَالْأَزْهَرِيِّ كُلُّ مَا عَلَى الْإِنْسَانِ مِنْ اللِّبَاسِ فَهُوَ سَلَبٌ وَلِلْفُقَهَاءِ فِيهِ كَلَامٌ اهـ. وَفِي الْقَامُوسِ السَّلَبُ بِالتَّحْرِيكِ مَا يُسْلَبُ وَجَمْعُهُ أَسْلَابٌ وَدَخَلَ فِي مَرْكَبِهِ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ سَرْجٍ وَآلَةٍ وَمَا مَعَ الْمَقْتُولِ شَامِلٌ لِمَا كَانَ فِي وَسَطِهِ أَوْ عَلَى دَابَّتِهِ وَمَا عَدَا ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مَعَ غُلَامِهِ أَوْ فِي بَيْتِهِ أَوْ فِي خَيْمَتِهِ فَلَيْسَ بِسَلَبٍ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ السَّلَبُ عِنْدَ الْمُشْرِكِ عَارِيَّةً مِنْ صَبِيٍّ أَوْ امْرَأَةٍ لِأَنَّهُ يَسْتَغْنِمُ مَالَهُمَا كَمَالِ الْبَالِغِ وَمَا إذَا كَانَ السَّلَبُ مِلْكًا لِمُسْلِمٍ دَخَلَ دَارَهُمْ بِأَمَانٍ فَغَصَبَهُ الْمُشْرِكُ   [منحة الخالق] أَنْ يَلْقَوْا قِتَالًا مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ جَازَ وَيَبْقَى حُكْمُ هَذَا التَّنْفِيلِ إلَى أَنْ يَخْرُجُوا مِنْ دَارِ الْحَرْبِ حَتَّى لَوْ رَأَى مُسْلِمٌ مُشْرِكًا نَائِمًا أَوْ غَافِلًا فِي عَمَلٍ فَقَتَلَهُ فَلَهُ سَلَبُهُ كَمَا لَوْ قَتَلَهُ فِي الصَّفِّ أَوْ بَعْدَ الْهَزِيمَةِ أَمَّا لَوْ قَالَ ذَلِكَ بَعْدَ مَا اصْطَفُّوا لِلْقِتَالِ فَهُوَ عَلَى ذِكْرِ الْقِتَالِ حَتَّى يَنْقَضِيَ وَلَوْ بَقِيَ أَيَّامًا. (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَيُنْفَلُ بَعْدَ الْإِحْرَازِ مِنْ الْخُمُسِ إلَخْ) فِي الْمَنْبَعِ عَنْ الذَّخِيرَةِ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ التَّنْفِيلَ قَبْلَ الْإِصَابَةِ وَإِحْرَازُ الْغَنِيمَةِ وَقَبْلَ أَنْ تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا جَائِزٌ وَيَوْمَ الْهَزِيمَةِ وَيَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْقَصْدَ بِهِ التَّحْرِيضُ عَلَى الْقِتَالِ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ إذَا انْهَزَمَ الْعَدُوُّ وَظَهَرَ الْمُسْلِمُونَ لِأَنَّهُمْ لَا يَتَقَاعَدُونَ عَنْ الْقِتَالِ حِينَئِذٍ بَلْ يُبَالِغُونَ بِلَا تَحْرِيضٍ فَيَتَضَمَّنُ إبْطَالَ حَقِّ الْغَانِمِينَ وَالْفُقَرَاءُ بِلَا نَفْعٍ وَلِذَا لَا يَنْبَغِي قَبْلَ الْهَزِيمَةِ وَالْفَتْحِ مِنْ غَيْرِ اسْتِثْنَائِهِمَا بَلْ يُقَيَّدُ فَيَقُولُ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا قَبْلَ الْفَتْحِ وَالْهَزِيمَةِ فَلَهُ سَلَبُهُ وَلَوْ أَطْلَقَ بَقِيَ فِيهِمَا أَلَا تَرَى أَنَّ عَامَّةَ الْقَتْلَى وَالْأُسَارَى يَوْمَ بَدْرٍ كَانَ بَعْدَ الْهَزِيمَةِ وَقَدْ سُلِّمُوا لِمَنْ أَخَذَهُمْ وَأَمَّا بَعْدَ الْإِحْرَازِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا مِنْ الْخُمُسِ إذَا كَانَ مُحْتَاجًا لِأَنَّهُ حَقُّ الْمُحْتَاجِينَ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَضَعَ ذَلِكَ فِي الْمُحْتَاجِينَ وَالْمُرَادُ بِالْإِحْرَازِ أَنْ تَقَعَ الْغَنِيمَةُ فِي أَيْدِي الْعَسْكَرِ وَالسَّرِيَّةِ اهـ. مُلَخَّصًا كَذَا فِي شَرْحِ الْمَقْدِسِيَّ لَكِنَّ الَّذِي فِي الزَّيْلَعِيِّ وَغَيْرِهِ تَفْسِيرُ الْإِحْرَازِ بِدَارِ الْإِسْلَام وَمُفَادُهُ جَوَازُ التَّنْفِيلِ قَبْلَ الْخُمُسِ يَوْمَ الْفَتْحِ وَالْهَزِيمَةِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ غَيْرُ مُعْتَبَرِ الْمَفْهُومِ بِدَلِيلِ مَا مَرَّ وَلِمَا فِي شَرْحِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا نَفْلَ بَعْدَ إحْرَازِ الْغَنِيمَةِ وَأَهْلُ الشَّامِ يُجَوِّزُونَهُ بَعْدَ الْإِحْرَازِ وَمَا قُلْنَا دَلِيلٌ عَلَى فَسَادِ قَوْلِهِمْ لِأَنَّ التَّنْفِيلَ لِلتَّحْرِيضِ وَذَلِكَ قَبْلَ الْإِصَابَةِ لَا بَعْدَهَا وَلِأَنَّهُ لِإِثْبَاتِ الِاخْتِصَاصِ ابْتِدَاءً لَا لِإِبْطَالِ حَقٍّ ثَابِتٍ لِلْغَانِمَيْنِ وَفِي التَّنْفِيلِ بَعْدَ الْإِصَابَةِ إبْطَالُ الْحَقِّ ثُمَّ أَجَابَ عَمَّا وَرَدَ مِنْ التَّنْفِيلِ بَعْدَ الْإِحْرَازِ بِأَنَّهُ كَانَ مِنْ الْخُمُسِ. (قَوْلُهُ فَإِنَّ ظَاهِرَ مَا فِي الذَّخِيرَةِ عَدَمُ الْحُرْمَةِ) قَالَ فِي النَّهْرِ مَمْنُوعٌ بَلْ ظَاهِرٌ فِي الْحُرْمَةِ كَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ لِأَنَّ إبْطَالَ حَقِّ الْغَيْرِ لَا يَجُوزُ اهـ. وَأَمَّا تَعْبِيرُهُ بِلَا يَنْبَغِي فَلَا يَقْتَضِي عَدَمَ الْحُرْمَةِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُطَّرِدٍ فِيمَا تَرْكُهُ أَوْلَى أَلَا تَرَى إلَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 101 الْمَقْتُولُ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ بِالِاسْتِيلَاءِ فَانْقَطَعَ مِلْكُ الْمُسْلِمِ عَنْهُ وَلَوْ أَخَذَ الْمُشْرِكُونَ سَلَبَ الْمَقْتُولِ ثُمَّ انْهَزَمُوا فَهُوَ غَنِيمَةٌ وَلَا شَيْءَ لِلْقَاتِلِ لِأَنَّهُمْ مَلَكُوهُ بِالِاسْتِيلَاءِ فَبَطَلَ مِلْكُ الْقَاتِلِ ثُمَّ مَلَكَهُ الْغُزَاةُ وَإِنْ لَمْ يُدْرَ أَنَّهُمْ أَخَذُوهُ فَإِنْ كَانَ مَنْزُوعًا عَنْهُ فَهُوَ فَيْءٌ لِإِثْبَاتِ يَدِهِمْ عَلَيْهِ بِالنَّزْعِ وَإِلَّا فَهُوَ لِلْقَاتِلِ وَإِنْ جَرَّهُ الْمُشْرِكُونَ أَوْ حَمَلُوهُ عَلَى دَابَّتِهِ وَعَلَيْهَا سِلَاحُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا حَمَلُوا أَسْلِحَتَهُمْ وَأَمْتِعَتَهُمْ عَلَيْهَا فَإِنَّهُ فَيْءٌ وَلَوْ وُجِدَ عَلَى دَابَّةٍ بَعْدَمَا سَارَ الْعَسْكَرُ مَرْحَلَةً أَوْ مَرْحَلَتَيْنِ وَلَا يَدْرِي أَكَانَ فِي يَدِ أَحَدٍ أَوْ لَا فَهُوَ لِلْقَاتِلِ قِيَاسًا لَا اسْتِحْسَانًا وَلَوْ قَالَ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ فَرَسُهُ فَقَتَلَ رَاجِلٌ رَاجِلًا وَمَعَ غُلَامِهِ فَرَسُهُ قَائِمٌ بِجَنْبِهِ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ يَكُونُ لِلْقَاتِلِ فَرَسُهُ إذَا كَانَ فَرَسُهُ مَعَ غُلَامِهِ بِقُرْبٍ مِنْهُ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْإِمَامِ قَتْلُ مَنْ كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ الْقِتَالِ فَارِسًا، وَهَذَا كَذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِجَنْبِهِ فِي الصَّفِّ فَلَا يَكُونُ لَهُ وَلَوْ قَتَلَ مُشْرِكًا عَلَى بِرْذَوْنٍ كَانَ لَهُ لِأَنَّهُ يُسَمَّى فَارِسًا وَلَوْ كَانَ عَلَى حِمَارٍ أَوْ بَغْلٍ أَوْ حَمْلٍ لَا يَسْتَحِقُّ السَّلَبَ لِأَنَّ رَاكِبَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لَا يُسَمَّى فَارِسًا وَلِذَا لَا يَسْتَحِقُّ سَهْمَ الْفَارِسِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ. وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ عَنْ الْمُحِيطِ بِأَنَّهُ قَالَ الْإِمَامُ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ سَبْقُ قَلَمٍ وَإِنَّمَا الْمَذْكُورُ فِي الْمُحِيطِ فَلَهُ فَرَسُهُ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَالَ آخِرًا لَوْ كَانَ رَاكِبًا عَلَى بَغْلٍ وَنَحْوِهِ لَا يَكُونُ لَهُ وَلَوْ كَانَ التَّنْفِيلُ بِلَفْظِ السَّلَبِ لَاسْتَحَقَّهُ لِأَنَّ الْمَرْكَبَ أَعَمُّ مِنْهُ وَمِنْ الْفَرَسِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْمَرْكَبُ كَمَقْعَدٍ وَاحِدٌ مَرَاكِبُ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ اهـ. وَفِي الْهِدَايَةِ ثُمَّ حُكْمُ التَّنْفِيلِ قَطَعَ حَقَّ الْبَاقِينَ فَأَمَّا الْمِلْكُ فَإِنَّمَا يَثْبُتُ بَعْدَ الْإِحْرَازِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ لِمَا مَرَّ مِنْ قَبْلُ حَتَّى لَوْ قَالَ الْأَمِيرُ مَنْ أَصَابَ جَارِيَةً فَهِيَ لَهُ فَأَصَابَهَا مُسْلِمٌ فَاسْتَبْرَأَهَا لَمْ يَجُزْ لَهُ وَطْؤُهَا وَكَذَا لَا يَبِيعُهَا هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا وَيَبِيعَهَا لِأَنَّ التَّنْفِيلَ يَثْبُتُ بِهِ الْمِلْكُ عِنْدَهُ كَمَا يَثْبُتُ بِالْقِسْمَةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَالشِّرَاءِ مِنْ الْحَرْبِيِّ وَوُجُوبُ الضَّمَانِ بِالْإِتْلَافِ قَدْ قِيلَ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ اهـ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (بَابُ اسْتِيلَاءِ الْكُفَّارِ) شَامِلٌ لِشَيْئَيْنِ اسْتِيلَاءِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ وَاسْتِيلَائِهِمْ عَلَى أَمْوَالِنَا فَقَدَّمَ الْأَوَّلَ (قَوْلُهُ سَبْيُ التُّرْكِ الرُّومِ وَأَخَذُوا أَمْوَالَهُمْ مَلَكُوهَا) لِأَنَّ الِاسْتِيلَاءَ قَدْ تَحَقَّقَ فِي مَالٍ مُبَاحٍ وَهُوَ السَّبَبُ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا إذَا كَانَ الْكُلُّ فِي دَارِ الْحَرْبِ لِأَنَّ الْكَافِرَ يَمْلِكُ بِمُبَاشَرَةِ سَبَبِ الْمِلْكِ كَالِاحْتِطَابِ فَكَذَا بِهَذَا السَّبَبِ وَفِي الْقَامُوسِ الرُّومُ بِالضَّمِّ جِيلٌ مِنْ وَلَدِ الرُّومِ بْنِ عِيصُو رَجُلٌ رُومِيٌّ وَالْجَمْعُ رُومٌ وَالتُّرْكُ بِالضَّمِّ جِيلٌ مِنْ النَّاسِ وَالْجَمْعُ أَتْرَاكٌ اهـ. فَمَا فِي النِّهَايَةِ مِنْ أَنَّ التُّرْكَ جَمْعُ التُّرْكِيِّ وَالرُّومَ جَمْعُ الرُّومِيِّ فَفِيهِ نَظَرٌ لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ وَمَلَكْنَا مَا نَجِدُهُ مِنْ ذَلِكَ إنْ غَلَبْنَا عَلَيْهِمْ) اعْتِبَارًا بِسَائِرِ أَمْلَاكِهِمْ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الرُّومِ مُوَادَعَةٌ لِأَنَّا لَمْ نَغْدِرْهُمْ إنَّمَا أَخَذْنَا مَالًا خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِمْ وَلِذَا حَلَّ لَنَا أَنْ نَشْتَرِيَ مَا غَنِمَهُ إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ مِنْ الْأُخْرَى لِمَا ذَكَرْنَا، وَفِي الْخُلَاصَةِ وَالْإِحْرَازُ بِدَارِ الْحَرْبِ شَرْطٌ أَمَّا بِدَارِهِمْ فَلَا، وَلَوْ كَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ كُلٍّ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ مُوَادَعَةٌ وَاقْتَتَلُوا فِي دَارِنَا لَا نَشْتَرِي مِنْ الْغَالِبِينَ شَيْئًا لِأَنَّهُمْ لَمْ يَمْلِكُوهُ لِعَدَمِ الْإِحْرَازِ فَيَكُونُ شِرَاؤُنَا غَدْرًا بِالْآخَرِينَ فَإِنَّهُ عَلَى مِلْكِهِمْ وَأَمَّا لَوْ اقْتَتَلَتْ طَائِفَتَانِ فِي بَلْدَةٍ وَاحِدَةٍ فَهَلْ يَجُوزُ شِرَاءُ الْمُسْلِمِ الْمُسْتَأْمَنِ مِنْ الْغَالِبِينَ نَفْسًا أَوْ مَالًا يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ بَيْنَ الْمَأْخُوذِ وَالْآخِذِ قَرَابَةُ مَحْرَمِيَّةٍ كَالْأُمِّيَّةِ أَوْ كَانَ الْمَأْخُوذُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ لِلْآخِذِ لَمْ يَجُزْ إلَّا إنْ دَانُوا بِذَلِكَ عِنْدَ الْكَرْخِيِّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَإِنْ دَانُوا بِأَنَّ مَنْ قَهَرَ آخَرَ مَلَكَهُ جَازَ الشِّرَاءُ وَإِلَّا فَلَا، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. (قَوْلُهُ وَإِنْ غَلَبُوا عَلَى أَمْوَالِنَا وَأَحْرَزُوهَا بِدَارِهِمْ مَلَكُوهَا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَمْلِكُونَهَا لِأَنَّ   [منحة الخالق] قَوْلِ الْهِدَايَةِ وَيَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ لَا يَغْدِرُوا وَقَوْلُهَا وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُبَاعَ السِّلَاحُ مِنْهُمْ وَقَوْلُ الْمَتْنِ فِي الْأَيْمَانِ وَمَنْ حَلَفَ عَلَى مَعْصِيَةٍ يَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ وَهُوَ شَائِعٌ فِي كَلَامِهِمْ (قَوْلُهُ سَبْقُ قَلَمٍ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ مِنْ بَعْضِ النُّسَّاخِ وَاَلَّذِي فِي نُسَخِنَا مِنْ الزَّيْلَعِيِّ فَلَهُ فَرَسُهُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ. [بَابُ اسْتِيلَاءِ الْكُفَّارِ] (قَوْلُهُ فَمَا فِي النِّهَايَةِ مِنْ أَنَّ التُّرْكِيَّ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَا مُخَالَفَةَ بَيْنَهُمَا بِوَجْهٍ فَإِنَّ كُلًّا مِنْ الرُّومِ وَالتُّرْكِ اسْمُ جِنْسٍ جَمْعِيٍّ حَتَّى يُفَرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُفْرَدِهِ بِالْيَاءِ كَزِنْجٍ وَزِنْجِيٍّ وَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ التُّرْكَ الَّذِي هُوَ جَمْعُ تُرْكِيٍّ جَمْعٌ عَلَى أَتْرَاكٍ وَهَذَا لَا يَنْفِيه صَاحِبُ النِّهَايَةِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 102 الِاسْتِيلَاءَ مَحْظُورٌ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً وَالْمَحْظُورُ لَا يَنْتَهِضُ سَبَبًا لِلْمِلْكِ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ قَاعِدَةِ الْخَصْمِ وَلَنَا أَنَّ الِاسْتِيلَاءَ وَرَدَ عَلَى مَالٍ مُبَاحٍ فَيَنْعَقِدُ سَبَبًا لِلْمِلْكِ دَفْعًا لِحَاجَةِ الْمُكَلَّفِ كَاسْتِيلَائِنَا عَلَى مَا لَهُمْ، وَهَذَا لِأَنَّ الْعِصْمَةَ ثَبَتَتْ عَلَى مُنَافَاةِ الدَّلِيلِ ضَرُورَةً تُمَكِّنُ الْمَالِكَ مِنْ الِانْتِفَاعِ، وَإِذَا زَالَتْ الْمُكْنَةُ عَادَ مُبَاحًا كَمَا كَانَ، غَيْرَ أَنَّ الِاسْتِيلَاءَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِالْإِحْرَازِ بِالدَّارِ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ الِاقْتِدَارِ عَلَى الْمَحَلِّ حَالًا وَمَآلًا وَالْمَحْظُورُ لِغَيْرِهِ إذَا صَلُحَ سَبَبًا لِكَرَامَةِ تَفَوُّقِ الْمِلْكِ وَهُوَ الثَّوَابُ الْآجِلُ فَمَا ظَنُّك بِالْمِلْكِ الْعَاجِلِ قَيَّدَ بِالْإِحْرَازِ لِأَنَّهُمْ لَوْ اسْتَوْلَوْا عَلَيْهَا فَظَهَرْنَا عَلَيْهِمْ قَبْلَ الْإِحْرَازِ فَإِنَّهَا تَكُونُ لِمُلَّاكِهَا بِغَيْرِ شَيْءٍ وَلَوْ اقْتَسَمُوهَا فِي دَارِنَا لَمْ يَمْلِكُوا وَفِي الْمُحِيطِ يُفْرَضُ عَلَيْنَا اتِّبَاعُهُمْ وَمُقَاتَلَتُهُمْ لِاسْتِنْقَاذِ الْأَمْوَالِ مِنْ أَيْدِيهمْ مَا دَامُوا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَإِنْ دَخَلُوا بِهَا دَارَ الْحَرْبِ لَا يُفْتَرَضُ عَلَيْنَا اتِّبَاعُهُمْ وَالْأَوْلَى اتِّبَاعُهُمْ بِخِلَافِ الذَّرَارِيِّ يُفْتَرَضُ اتِّبَاعُهُمْ مُطْلَقًا وَأَفَادَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُمْ لَوْ أَسْلَمُوا فَلَا سَبِيلَ لِأَرْبَابِهَا عَلَيْهَا كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ (قَوْلُهُ وَإِنْ غَلَبْنَا عَلَيْهِمْ فَمَنْ وَجَدَ مِلْكَهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ أَخَذَهُ مَجَّانًا وَبَعْدَهَا بِالْقِيمَةِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِيهِ إنْ وَجَدْته قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَهُوَ لَك بِغَيْرِ شَيْءٍ وَإِنْ وَجَدْته بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَهُوَ لَك بِالْقِيمَةِ وَلِأَنَّ الْمَالِكَ الْقَدِيمَ زَالَ مِلْكُهُ بِغَيْرِ رِضَاهُ فَكَانَ لَهُ حَقُّ الْأَخْذِ نَظَرًا لَهُ إلَّا أَنَّ فِي الْأَخْذِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ ضَرَرًا بِالْمَأْخُوذِ مِنْهُ بِإِزَالَةِ مِلْكِهِ الْخَاصِّ فَيَأْخُذُهُ بِالْقِيمَةِ لِيَعْتَدِلَ النَّظَرُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَالشَّرِكَةُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ عَامَّةً فَيَقِلُّ الضَّرَرُ فَيَأْخُذُهُ بِغَيْرِ قِيمَتِهِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا تَرَكَ أَخْذَهُ بَعْدَ الْعِلْمِ بِهِ زَمَانًا طَوِيلًا بَعْدَ الْإِخْرَاجِ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ كَمَا سَيَأْتِي. وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ بِقِيمَتِهِ إلَى أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْقِيَمِيِّ لِأَنَّ النَّقْدَيْنِ وَالْمَكِيلَ وَالْمَوْزُونَ لَا سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ لِأَنَّهُ لَوْ أَخَذَهُ أَخَذَهُ بِمِثْلِهِ وَذَلِكَ لَا يُفِيدُ وَقَبْلَ الْقِسْمَةِ يَأْخُذُهُ مَجَّانًا كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة عَبْدٌ لِمُسْلِمٍ سَبَاهُ أَهْلُ الْحَرْبِ فَأَعْتَقَهُ سَيِّدُهُ ثُمَّ غَلَبَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ أَخَذَهُ مَوْلَاهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ وَذَلِكَ الْعِتْقُ بَاطِلٌ وَلَوْ أَعْتَقَهُ بَعْدَمَا أَخْرَجَهُ الْمُسْلِمُونَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ جَازَ عِتْقُهُ عَبْدٌ لِمُسْلِمٍ أَسَرَهُ الْعَدُوُّ وَأَحْرَزَهُ بِدَارِهِمْ ثُمَّ انْفَلَتَ مِنْهُمْ وَأَخَذَ شَيْئًا مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَخَرَجَ هَارِبًا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَأَخَذَهُ مُسْلِمٌ ثُمَّ جَاءَ مَوْلَاهُ لَمْ يَأْخُذْهُ مِنْهُ إلَّا بِالْقِيمَةِ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَمَا فِي يَدِهِ مِنْ الْمَالِ فَهُوَ لِمَنْ أَخَذَهُ وَلَا سَبِيلَ لِلْمَوْلَى عَلَيْهِ وَأَمَّا فِي قِيَاسِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّ الْمَوْلَى يَأْخُذُ الْعَبْدَ بِغَيْرِ شَيْءٍ لِأَنَّهُ لَمَّا دَخَلَ دَارَ الْإِسْلَامِ صَارَ فَيْئًا لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ يَأْخُذُهُ الْإِمَامُ وَيَرْفَعُ خُمُسَهُ وَيَقْسِمُ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهِ بَيْنَ الْغَانِمِينَ ثُمَّ رَجَعَ مُحَمَّدٌ عَنْ قَوْلِهِ وَقَالَ إذَا أَخَذَهُ مُسْلِمٌ فَهُوَ غَنِيمَةٌ آخُذُهُ وَأُخَمِّسُهُ إذَا لَمْ يَحْضُرْ الْمَوْلَى وَأَجْعَلُ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِ الْعَبْدِ وَالْمَالِ الَّذِي مَعَهُ لِلْآخِذِ فَإِنْ جَاءَ مَوْلَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَخَذَهُ بِالْقِيمَةِ وَإِنْ جَاءَ مَوْلَاهُ قَبْلَ أَنْ يُخَمِّسَ أَخَذَهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ اهـ. وَفِي الْمُلْتَقَطِ عَبْدٌ أَسَرَهُ أَهْلُ الْحَرْبِ وَأَلْحَقُوهُ بِدَارِهِمْ ثُمَّ أَبَقَ مِنْهُمْ يُرَدُّ إلَى سَيِّدِهِ وَفِي رِوَايَةٍ يَعْتِقُ اهـ. (قَوْلُهُ وَبِالثَّمَنِ لَوْ اشْتَرَاهُ تَاجِرٌ مِنْهُمْ) أَيْ لَوْ اشْتَرَى مَا أَخَذَهُ الْعَدُوُّ مِنْهُمْ تَاجِرٌ وَأَخْرَجَهُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ أَخَذَهُ مَالِكُهُ الْقَدِيمُ بِثَمَنِهِ الَّذِي اشْتَرَى بِهِ التَّاجِرُ مِنْ الْعَدُوِّ لِأَنَّهُ يَتَضَرَّرُ بِالْأَخْذِ مَجَّانًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ وَقَعَ الْعِوَضُ بِمُقَابَلَتِهِ فَكَانَ اعْتِدَالُ النَّظَرِ فِيمَا قُلْنَا وَلَوْ اخْتَلَفَ الْمَوْلَى وَالْمُشْتَرِي مِنْهُمْ فِي قَدْرِ الثَّمَنِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي بِيَمِينِهِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْمَالِكُ الْبَيِّنَةَ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة وَإِنْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا بَيِّنَةً قُبِلَتْ وَإِنْ أَقَامَا فَعَلَى قَوْلِهِمَا الْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمَوْلَى الْقَدِيمِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ بَيِّنَةُ الْمُشْتَرِي أَرَادَ بِالثَّمَنِ الْبَدَلَ فَشَمِلَ مَا إذَا اشْتَرَاهُ بِعَرْضٍ فَإِنَّهُ يَأْخُذُهُ بِقِيمَةِ الْعَرَضِ وَلَوْ كَانَ الْبَيْعُ فَاسِدًا يَأْخُذُهُ بِقِيمَةِ نَفْسِهِ وَيَرُدُّ عَلَى   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَهَذَا لِأَنَّ الْعِصْمَةَ إلَخْ) أَيْ وَكَوْنُهُ مُبَاحًا بَعْدَ الْإِحْرَازِ لِأَنَّ الْعِصْمَةَ ثَبَتَتْ عَلَى مُنَافَاةِ الدَّلِيلِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29] فَإِنَّهُ يَقْتَضِي إبَاحَةَ الْأَمْوَالِ بِكُلِّ حَالٍ وَإِنَّمَا ثَبَتَتْ ضَرُورَةُ تَمَكُّنِ الْمُحْتَاجِ مِنْ الِانْتِفَاعِ فَإِذَا زَالَتْ الْمُكْنَةُ مِنْ الِانْتِفَاعِ عَادَ مُبَاحًا كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَالْمَحْظُورُ لِغَيْرِهِ إلَخْ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَالْمَحْظُورُ لَا يَنْتَهِضُ سَبَبًا لِلْمِلْكِ بِأَنَّ ذَاكَ فِي الْمَحْظُورِ لِنَفْسِهِ أَمَّا الْمَحْظُورُ لِغَيْرِهِ فَلَا فَإِنَّا وَجَدْنَاهُ صَلُحَ سَبَبًا لِكَرَاهَةِ تَفَوُّقِ الْمِلْكِ وَهُوَ الثَّوَابُ كَمَا فِي الصَّلَاةِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ فَمَا ظَنُّك بِالْمِلْكِ الدُّنْيَوِيِّ كَذَا فِي الْفَتْحِ. [اشْتَرَى مَا أَخَذَهُ الْعَدُوُّ مِنْهُمْ تَاجِرٌ وَأَخْرَجَهُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ] (قَوْلُهُ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة وَإِنْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا بَيِّنَةً إلَخْ) قَالَ فِيهَا بَعْدَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا كُلُّهُ إذَا اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْعَدُوِّ أَمَّا إذَا اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ قِيمَةِ الْعِوَضِ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ الْعَدُوِّ وَأَقَامَا جَمِيعًا الْبَيِّنَةَ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ أَنَّ الْبَيِّنَةَ بَيِّنَةُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْعَدُوِّ قَالَ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ اهـ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 103 الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ اشْتَرَاهُ التَّاجِرُ بِمِثْلِهِ قَدْرًا وَوَصْفًا فَإِنَّهُ لَا يَأْخُذُهُ الْمَالِكُ الْقَدِيمُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ سَوَاءٌ كَانَ الْبَيْعُ صَحِيحًا أَوْ فَاسِدًا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بِأَقَلَّ مِنْهُ قَدْرًا أَوْ بِأَرْدَأَ مِنْهُ وَصْفًا فَإِنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ لِأَنَّهُ مُفِيدٌ وَلَا يَكُونُ رِبًا لِأَنَّهُ يَسْتَخْلِصُ مِلْكَهُ فَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ فِدَاءٌ لَا عِوَضٌ فَلَوْ كَانَ اشْتَرَاهُ بِمِثْلِهِ نَسِيئَةً فَلَيْسَ لِلْمَالِكِ أَخْذُهُ وَلَوْ كَانَ اشْتَرَاهُ بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ لَمْ يَكُنْ لِلْمَالِكِ أَخْذُهُ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ وَلَوْ أَخَذَ الْمُشْرِكُونَ أَلْفَ دِرْهَمٍ نَقْدًا بِبَيْتِ الْمَالِ لِرَجُلٍ وَأَحْرَزُوهَا فَاشْتَرَاهَا التَّاجِرُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ غَلَّةً وَتَفَرَّقُوا عَنْ قَبْضٍ لَمْ يَكُنْ لِلْمَالِكِ أَنْ يَأْخُذَهَا عَلَى الرِّوَايَاتِ كُلِّهَا بِمِثْلِ الْغَلَّةِ الَّتِي نَقَدَهَا كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة مَعَ أَنَّهُ فِي الْأَخِيرَةِ مُشْكِلٌ لِأَنَّهُ بِأَرْدَأَ مِنْهُ وَصْفًا فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لِلْمَالِكِ الْأَخْذُ. وَهَاهُنَا مَسَائِلُ لَا بَأْسَ بِأَبْرَادِهَا تَكْثِيرًا لِلْفَوَائِدِ مِنْهَا أَنَّ الْعَيْنَ الْمُحَرَّزَةَ لَوْ كَانَتْ فِي يَدِ مُسْتَأْجِرٍ أَوْ مُودَعٍ أَوْ مُسْتَعِيرٍ هَلْ لَهُ الْمُخَاصَمَةُ وَالِاسْتِرْدَادُ أَمْ لَا؟ قَالُوا لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يُخَاصِمَ فِي الْمَغْنُومِ وَيَأْخُذَهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ بِغَيْرِ شَيْءٍ، وَكَذَا الْمُسْتَعِيرُ وَالْمُسْتَوْدِعُ وَإِذَا أَخَذَهُ الْمُسْتَأْجِرُ عَادَ الْعَبْدُ إلَى الْإِجَارَةِ وَسَقَطَ عَنْهُ الْأَجْرُ فِي مُدَّةِ أَسْرِهِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَلِلْمُسْتَأْجِرِ أَخْذُهُ بِالْقِيمَةِ فَإِنْ أَنْكَرَ الَّذِي وَقَعَ فِي سَهْمِهِ الْإِجَارَةُ فَأَقَامَ الْمُسْتَأْجِرُ الْبَيِّنَةَ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ وَثَبَتَتْ الْإِجَارَةُ وَلَيْسَ لِلْمُسْتَعِيرِ وَالْمُسْتَوْدَعِ الْمُخَاصَمَةُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَكَانَا بِمَنْزِلَةِ الْأَجْنَبِيِّ وَمِنْهَا لَوْ وَهَبَهَا الْعَدُوُّ لِمُسْلِمٍ فَأَخْرَجَهَا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ أَخَذَهَا الْمَالِكُ بِقِيمَتِهَا لِأَنَّهُ ثَبَتَ لَهُ مِلْكٌ خَاصٌّ فَلَا يُزَالُ إلَّا بِالْقِيمَةِ وَمِنْهَا لَوْ أَسَرَ الْعَدُوُّ الْجَارِيَةَ الْمَبِيعَةَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَنَقْدِ الثَّمَنِ ثُمَّ اشْتَرَاهَا رَجُلٌ مِنْهُمْ يَأْخُذُهَا الْبَائِعُ بِالثَّمَنِ وَلَا يَكُونُ مُتَطَوِّعًا لِأَنَّهُ يُحْيِي بِهِ حَقَّهُ فَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْمُشْتَرِي وَالثَّمَنُ الثَّانِي وَاجِبٌ عَلَى الْمُشْتَرِي الثَّانِي بِعَقْدِهِ وَمِنْهَا إذَا وَقَعَ الْعَبْدُ الْمَأْسُورُ فِي سَهْمِ رَجُلٍ فَدَبَّرَهُ أَوْ أَعْتَقَهُ جَازَ وَلَا يَبْقَى لِلْمَوْلَى عَلَيْهِ سَبِيلٌ لِأَنَّ الْمَأْسُورَ مِنْهُ لَا يَمْلِكُ نَقْضَ تَصَرُّفِ الْمَالِكِ فِي الْمَأْسُورِ وَلَوْ زَوَّجَهَا وَوَلَدَتْ مِنْ الزَّوْجِ لَهُ أَخْذُهَا وَوَلَدَهَا لِأَنَّ التَّزْوِيجَ لَا يَمْنَعُ النَّفَلَ وَلَا يَفْسَخُ النِّكَاحَ وَإِنْ أَخَذَ عُقْرَهَا أَوْ أَرْشَ جِنَايَةٍ عَلَيْهَا لَيْسَ لِلْمَوْلَى عَلَيْهَا سَبِيلٌ لِأَنَّ الْوَلَدَ مِنْ أَجْزَائِهَا وَهِيَ كَانَتْ مِلْكًا لَهُ، وَالْعُقْرُ وَالْأَرْشُ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَجْزَائِهَا وَإِنَّمَا وَجَبَ فِي مِلْكٍ مُسْتَأْنَفٍ لِلْمُشْتَرِي وَلِأَنَّهُمَا مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ فَلَا تَجْرِي فِيهِمَا الْمُفَادَاةُ لِأَنَّهَا لَا تُفِيدُ. وَمِنْهَا أَنَّ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَأْخُذَ الْمَأْسُورَ لِلْيَتِيمِ مِنْ مُشْتَرِيه بِالثَّمَنِ وَلَا يَأْخُذُهُ لِنَفْسِهِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ مِثْلَ قِيمَتِهِ وَمِنْهَا لَوْ رَهَنَهُ الْمُشْتَرِي فَلَيْسَ لِمَوْلَاهُ عَلَيْهِ سَبِيلٌ حَتَّى يَفْتَكَّهُ وَلَا يُجْبَرُ عَلَى الِافْتِكَاكِ إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ بِأَدَاءِ الدَّيْنِ ثُمَّ يُعْطِي الثَّمَنَ فَلَهُ ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا إذَا آجَرَهُ الْمُشْتَرِي فَلِلْمَوْلَى أَخَذُهُ وَإِبْطَالُ الْإِجَارَةِ لِأَنَّهَا تَنْفَسِخُ بِالْأَعْذَارِ وَهَذَا عُذْرٌ بِخِلَافِ الرَّهْنِ. وَمِنْهَا لَوْ أَسَرُوا عَبْدًا فِي عُنُقِهِ جِنَايَةٌ أَوْ دَيْنٌ فَرَجَعَ إلَى مَوْلَاهُ الْقَدِيمِ فَالْكُلُّ فِي رَقَبَتِهِ وَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ إلَيْهِ أَوْ رَجَعَ بِمِلْكٍ مُبْتَدَأٍ فَجِنَايَةُ الْعَمْدِ وَالدَّيْنِ بِحَالِهِ وَسَقَطَتْ جِنَايَةُ الْخَطَأِ لِأَنَّ الْعَمْدَ مُتَعَلِّقٌ بِرُوحِهِ وَالدَّيْنُ بِذِمَّتِهِ وَأَمَّا الْخَطَأُ فَمُتَعَلِّقٌ بِمَالِيَّتِهِ ابْتِدَاءً فَإِذَا خَرَجَ عَنْ مِلْكِ الْمَوْلَى إلَى مِلْكِ مَنْ لَا يَخْلُفُهُ بَطَلَ الْكُلُّ كَمَا فِي الْمُحِيطِ. (قَوْلُهُ وَإِنْ فَقَأَ عَيْنَيْهِ وَأَخَذَ أَرْشَهُ) وَصْلِيَّةٌ أَيْ لِلْمَالِكِ أَنْ يَأْخُذَهُ بِالثَّمَنِ مِنْ التَّاجِرِ وَإِنْ كَانَتْ عَيْنُهُ فُقِئَتْ وَأَخَذَ التَّاجِرُ أَرْشَهَا يَعْنِي لَا يَحُطُّ شَيْئًا مِنْ الثَّمَنِ وَلَا يَأْخُذُ الْمَالِكُ الْأَرْشَ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْأَوْصَافَ لَا يُقَابِلُهَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ بِخِلَافِ الشُّفْعَةِ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ لَمَّا تَحَوَّلَتْ إلَى الشَّفِيعِ صَارَ الْمُشْتَرِي فِي يَدِ الْمُشْتَرِي بِمَنْزِلَةِ الْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا وَالْأَوْصَافُ تُضْمَنُ فِيهِ كَمَا فِي الْغَصْبِ أَمَّا هُنَا الْمِلْكُ صَحِيحٌ فَافْتَرَقَا، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ صَحِيحٌ فَلَوْ أَخَذَهُ أَخَذَهُ بِمِثْلِهِ وَهُوَ لَا يُفِيدُ وَظَاهِرُ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ الْفَاقِئَ غَيْرُ التَّاجِرِ فَإِنَّهُ قَالَ وَلَوْ أَنَّهُ فَقَأَ عَيْنَهُ عِنْدَ الْغَازِي الْمَقْسُومِ لَهُ فَأَخَذَ قِيمَتَهُ وَسَلَّمَهُ لِلْفَاقِئِ فَلِلْمَالِكِ الْأَوَّلِ أَخْذُهُ مِنْ الْفَاقِئِ بِقِيمَتِهِ أَعْمَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا بِقِيمَتِهِ سَلِيمًا وَهِيَ الَّتِي أَعْطَاهَا الْفَاقِئُ لِلْمَوْلَى وَالْفَرْقُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ لَمْ يَكُنْ لِلْمَالِكِ أَخْذُهُ) قَالَ فِي النَّهْرِ يَعْنِي بِالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَمُقْتَضَى مَا مَرَّ أَنَّهُ يَأْخُذُهُ بِقِيمَةِ نَفْسِهِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي السِّرَاجِ اهـ. وَعِبَارَةُ صَاحِبِ السِّرَاجِ وَفِي الْجَوْهَرَةِ وَإِنْ اشْتَرَاهُ بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ أَخَذَهُ بِقِيمَةِ الْخَمْرِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ انْتَهَتْ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي اشْتَرَى هَذَا الْكُرَّ مِنْهُمْ بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ وَأَخْرَجَهُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ لَمْ يَكُنْ لِلْمَالِكِ الْقَدِيمِ أَنْ يَأْخُذَهُ عَلَى الرِّوَايَاتِ كُلِّهَا اهـ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْمَبِيعَ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا أَخَذَهُ بِقِيمَةِ الْخَمْرِ وَإِنْ كَانَ قِيَمِيًّا فَبِقِيمَتِهِ نَفْسِهِ وَالْأَوَّلُ مَحْمَلُ كَلَامِ الْجَوْهَرَةِ وَالثَّانِي مَحْمَلُ كَلَامِ السِّرَاجِ وَلَا يُنَافِيه مَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة فَتَأَمَّلْ وَرَاجِعْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 104 لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ فَوَاتَ الطَّرَفِ هُنَا بِفِعْلِ الَّذِي مَلَكَهُ بِاخْتِيَارِهِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ اشْتَرَاهُ سَلِيمًا ثُمَّ قَطَعَ طَرَفَهُ بِاخْتِيَارِهِ فَكَانَ رَاضِيًا بِتَنْقِيصِهِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ لِأَنَّ الْفَاقِئَ غَيَّرَهُ بِغَيْرِ رِضَاهُ اهـ. وَصَرَّحَ فِي الْمُحِيطِ بِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا فَقَأَ عَيْنَهَا فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ تَسْقُطُ حِصَّتُهُ مِنْ الثَّمَنِ وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ الشُّفْعَةِ إذَا هَدَمَ الْمُشْتَرِي الْبِنَاءَ سَقَطَ عَنْ الشَّفِيعِ حِصَّةُ الْبِنَاءِ فَكَذَا هَذَا اهـ. فَعَلَى رِوَايَةِ مُحَمَّد لَا فَرْقَ بَيْنَ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ وَالشُّفْعَةِ إذْ الْوَصْفُ لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ إلَّا إذَا صَارَ مَقْصُودًا بِالْإِتْلَافِ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا ذَكَرُوهُ فِي الْبُيُوعِ لَكِنَّ ظَاهِرَ الْهِدَايَةِ الْفَرْقُ بَيْنَ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ وَالشُّفْعَةِ وَهُوَ الْحَقُّ وَلَا فَرْقَ فِي الْفَاقِئِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ التَّاجِرُ أَوْ غَيْرُهُ وَلِهَذَا قَالَ الشَّارِحُ الْأَوْصَافُ لَا يُقَابِلُهَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ فِي مِلْكٍ صَحِيحٍ بَعْدَ الْقَبْضِ وَإِنْ كَانَتْ مَقْصُودَةً بِالْإِتْلَافِ بِخِلَافِ الْمَشْفُوعِ لِأَنَّ شِرَاءَهُ مِنْ غَيْرِ رِضَا الشَّفِيعِ مَكْرُوهٌ وَمِلْكُهُ يُنْتَقَضُ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ فَأَشْبَهَ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ اهـ. وَلَوْ أَخْرَجَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْعَدُوِّ عَنْ مِلْكِهِ بِعِوَضٍ يَأْخُذُهُ الْمَالِكُ الْقَدِيمُ بِذَلِكَ الْعِوَضِ إنْ كَانَ مَالًا وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَالٍ كَالصُّلْحِ عَنْ دَمٍ أَوْ هِبَةٍ أَخَذَهُ بِقِيمَتِهِ وَلَا يُنْتَقَضُ تَصَرُّفُهُ بِخِلَافِ الشَّفِيعِ لِأَنَّ حَقَّهُ قَبْلَ حَقِّ الْمُشْتَرِي فَيُنْتَقَضُ تَصَرُّفُ الْمُشْتَرِي لِأَجْلِهِ وَالتَّقْيِيدُ بِالْعَيْنِ اتِّفَاقِيٌّ لِأَنَّ الْيَدَ لَوْ قُطِعَتْ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ وَلَوْ وَلَدَتْ الْجَارِيَةَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَأَعْتَقَ الْمُشْتَرِي أَحَدَهُمَا أَخَذَ الْبَاقِي مِنْهُمَا بِجَمِيعِ الثَّمَنِ لِأَنَّ الْفِدَاءَ لَا يَتَوَزَّعُ مَا بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ الْأَصْلِ أَوْ مَا تَوَلَّدَ مِنْهُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ إنْ أَعْتَقَ الْأُمَّ أَخَذَ الْوَلَدَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَلَيْسَ الْوَلَدُ كَالْأَرْشِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَفِي الْمُغْرِبِ فَقَأَ الْعَيْنَ غَارَهَا بِأَنْ شَقَّ حَدَقَتَهَا وَالْقَلْعُ أَنْ يَنْزِعَ حَدَقَتَهَا بِعُرُوقِهَا وَالْأَرْشُ دِيَةُ الْجِرَاحَاتِ وَالْجَمْعُ أُرُوشٌ اهـ. (قَوْلُهُ فَإِنْ تَكَرَّرَ الْأَسْرُ وَالشِّرَاءُ أَخَذَ الْأَوَّلَ مِنْ الثَّانِي بِثَمَنِهِ ثُمَّ الْقَدِيمَ بِالثَّمَنَيْنِ) يَعْنِي لَوْ أُسِرَ الْعَبْدُ مَرَّتَيْنِ وَاشْتَرَاهُ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى رَجُلٌ وَفِي الثَّانِيَةِ رَجُلٌ آخَرُ كَانَ حَقُّ الْأَخْذِ مِنْ الْمُشْتَرِي الثَّانِي لِلْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ بِمَا اشْتَرَى لِأَنَّ الْأَسْرَ وَرَدَ عَلَى مِلْكِهِ وَأَفَادَ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمَالِكِ الْقَدِيمِ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ الْمُشْتَرِي الثَّانِي وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ غَائِبًا أَوْ كَانَ حَاضِرًا إلَّا أَنَّهُ أَبَى عَنْ أَخْذِهِ لِأَنَّ الْأَسْرَ مَا وَرَدَ عَلَى مِلْكِهِ فَإِذَا أَخَذَهُ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ مِنْ الثَّانِي بِثَمَنِهِ فَقَدْ قَامَ عَلَيْهِ بِالثَّمَنَيْنِ فَكَانَ لِلْمَالِكِ الْقَدِيمِ أَنْ يَأْخُذَ بِالثَّمَنَيْنِ إنْ شَاءَ مِنْ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ قَامَ عَلَيْهِ بِهِمَا وَأَفَادَ بِتَعْبِيرِهِ بِالْأَخْذِ الْمُفِيدِ لِلتَّخْلِيصِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ الْأَوَّلَ لَوْ اشْتَرَاهُ مِنْ الثَّانِي لَيْسَ لِلْقَدِيمِ أَخْذُهُ لِأَنَّ حَقَّ الْأَخْذِ ثَبَتَ لِلْمَالِكِ الْقَدِيمِ فِي ضِمْنِ عَوْدِ مِلْكِ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ وَلَمْ يَعُدْ مِلْكُهُ الْقَدِيمُ وَإِنَّمَا مَلَكَهُ بِالشِّرَاءِ الْجَدِيدِ مِنْهُ وَقَيَّدَ بِتَكَرُّرِ الشِّرَاءِ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ الْأَوَّلَ وَلَوْ كَانَ وَهَبَهُ لَهُ أَخَذَهُ مَوْلَاهُ مِنْ الْمَوْهُوبِ لَهُ بِقِيمَتِهِ كَمَا لَوْ وَهَبَ الْكَافِرُ لِمُسْلِمٍ وَقَيَّدَ بِتَكَرُّرِ الْأَسْرِ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَتَكَرَّرْ كَمَا إذَا بَاعَ الْمُشْتَرِي مِنْ الْعَدُوِّ وَالْعَبْدِ مِنْ غَيْرِهِ أَخَذَهُ الْمَالِكُ الْقَدِيمُ مِنْ الثَّانِي بِالثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ إنْ مِثْلِيًّا فَبِمِثْلِهِ وَإِنْ قِيَمِيًّا بِأَنْ كَانَ اشْتَرَاهُ مُقَايَضَةً فَبِقِيمَتِهِ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ الثَّانِيَ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ وَلَيْسَ لِلْقَدِيمِ أَنْ يَنْقُضَ الْعَقْدَ الثَّانِي فَيَأْخُذَهُ مِنْ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ بِالثَّمَنِ لِلْمَوْلَى إلَّا رِوَايَةَ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ وَظَاهِرَ الرِّوَايَةِ الْأُولَى وَالْوَجْهُ فِي الْمَبْسُوطِ (قَوْلُهُ وَلَا يَمْلِكُونَ حُرَّنَا وَمُدَبَّرَنَا وَأُمَّ وَلَدِنَا وَمُكَاتَبَنَا وَنَمْلِكُ عَلَيْهِمْ جَمِيعَ ذَلِكَ) يَعْنِي بِالْغَلَبَةِ لِأَنَّ السَّبَبَ إنَّمَا يُفِيدُ الْمِلْكَ فِي مَحَلِّهِ وَالْمَحَلُّ الْمَالُ الْمُبَاحُ وَالْحُرُّ مَعْصُومٌ بِنَفْسِهِ وَكَذَا مِنْ سِوَاهُ لِأَنَّهُ ثَبَتَتْ الْحُرِّيَّةُ فِيهِ وَمِنْ وَجْهٍ بِخِلَافِ رِقَابِهِمْ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَسْقُط عِصْمَتَهُمْ جَزَاءً عَلَى جِنَايَتِهِمْ وَجَعَلَهُمْ أَرِقَّاءَ وَلَا جِنَايَةَ مِنْ هَؤُلَاءِ وَيَتَفَرَّعُ عَلَى عَدَمِ مِلْكِهِمْ هَؤُلَاءِ أَنَّهُمْ لَوْ أَسَرُوا أُمَّ وَلَدٍ لِمُسْلِمٍ أَوْ مُكَاتَبًا أَوْ مُدَبَّرًا ثُمَّ ظَهَرَ عَلَى دَرَاهِمَ أَخَذَهُ مَالِكُهُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ بِغَيْرِ شَيْءٍ وَعَوَّضَ الْإِمَامُ مَنْ وَقَعَ فِي قِسْمَةٍ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ قِيمَتَهُ وَلَوْ اشْتَرَى ذَلِكَ تَاجِرٌ مِنْهُمْ أَخَذَهُ مِنْهُ بِغَيْرِ ثَمَنٍ وَلَا عِوَضٍ. (قَوْلُهُ وَإِنْ   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 105 نَدَّ إلَيْهِمْ جَمَلٌ فَأَخَذُوهُ وَمَلَكُوهُ) لَتَحَقَّقَ الِاسْتِيلَاءُ إذْ لَا يَدَ لِلْعَجْمَاءِ لِتَظْهَرَ عِنْدَ الْخُرُوجِ مِنْ دَارِنَا وَالتَّقْيِيدُ بِالْجَمَلِ اتِّفَاقِيٌّ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ الدَّابَّةُ كَمَا عَبَّرَ بِهَا فِي الْمُحِيطِ وَفِي الْمُغْرِبِ نَدَّ الْبَعِيرُ نَفَرَ نُدُودًا مِنْ بَابِ ضَرَبَ (قَوْلُهُ وَإِنْ أَبَقَ إلَيْهِمْ قِنٌّ لَا) أَيْ لَا يَمْلِكُونَهُ بِالْأَخْذِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا يَمْلِكُونَهُ لِأَنَّ الْعِصْمَةَ لِحَقِّ الْمَالِكِ لِقِيَامِ يَدِهِ وَقَدْ زَالَتْ وَلِهَذَا لَوْ أَخَذُوهُ مِنْ دَارِ الْإِسْلَامِ مَلَكُوهُ وَلَهُ أَنَّهُ ظَهَرَتْ يَدُهُ عَلَى نَفْسِهِ بِالْخُرُوجِ مِنْ دَارِنَا لِأَنَّ سُقُوطَ اعْتِبَارِهِ لِتَحَقُّقِ يَدِ الْمَوْلَى عَلَيْهِ تَمْكِينًا لَهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ وَقَدْ زَالَتْ يَدُ الْمَوْلَى فَظَهَرَتْ يَدُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَصَارَ مَعْصُومًا بِنَفْسِهِ فَلَمْ يَبْقَ مَحَلًّا لِلْمِلْكِ بِخِلَافِ الْمُتَرَدِّدِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لِأَنَّ يَدَ الْمَوْلَى بَاقِيَةٌ لِقِيَامِ يَدِ أَهْلِ الدَّارِ فَمَنَعَ ظُهُورَ يَدِهِ وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ الْمِلْكُ لَهُمْ عِنْدَهُ يَأْخُذُهُ الْمَالِكُ الْقَدِيمُ بِغَيْرِ شَيْءٍ مَوْهُوبًا كَانَ أَوْ مُشْتَرًى أَوْ مَغْنُومًا قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَبَعْدَ الْقِسْمَةِ يُؤَدِّي عِوَضَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إعَادَةُ الْقِسْمَةِ لِتَفَرُّقِ الْغَانِمِينَ وَتَعَذُّرِ اجْتِمَاعِهِمْ وَلَيْسَ لَهُ عَلَى الْمَالِكِ جَعْلُ الْآبِقِ لِأَنَّهُ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ إذْ فِي زَعْمِهِ أَنَّهُ مَلَكَهُ أَطْلَقَ فِي الْمَالِكِ لِلْقِنِّ فَشَمِلَ الْمُسْلِمَ وَالذِّمِّيَّ وَأَطْلَقَ الْقِنَّ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِكَوْنِهِ مُسْلِمًا لِأَنَّهُ لَوْ ارْتَدَّ فَأَبَقَ إلَيْهِمْ فَأَخَذُوهُ مَلَكُوهُ اتِّفَاقًا وَلَوْ كَانَ كَافِرًا مِنْ الْأَصْلِ فَهُوَ ذِمِّيٌّ تَبَعٌ لِمَوْلَاهُ وَفِي الْعَبْدِ الذِّمِّيِّ إذَا أَبَقَ قَوْلَانِ ذَكَرَهُ مَجْدُ الْأَئِمَّةِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا أَخَذُوهُ قَهْرًا وَقَيَّدُوهُ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ قَهْرًا فَلَا يَمْلِكُونَهُ اتِّفَاقًا اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ أَبَقَ بِفَرَسٍ أَوْ مَتَاعٍ فَاشْتَرَى رَجُلٌ كُلَّهُ مِنْهُمْ أَخَذَ الْعَبْدَ مَجَّانًا وَغَيْرَهُ بِالثَّمَنِ) يَعْنِي عِنْدَ الْإِمَامِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَالَا يَأْخُذُ الْعَبْدَ وَمَا مَعَهُ بِالثَّمَنِ اعْتِبَارًا لِحَالَةِ الِاجْتِمَاعِ بِحَالَةِ الِانْفِرَادِ وَقَدْ بَيَّنَّا الْحُكْمَ فِي كُلِّ فَرْدٍ وَلَا تَكُونُ يَدُهُ عَلَى نَفْسِهِ مَانِعَةً مِنْ اسْتِيلَاءِ الْكُفَّارِ عَلَى مَا مَعَهُ لِقِيَامِ الرِّقِّ الْمَانِعِ لِلْمِلْكِ بِالِاسْتِيلَاءِ كَغَيْرِهِ وَفِي الْقَامُوسِ الْمَتَاعُ الْمَنْفَعَةُ وَالسِّلْعَةُ وَالْأَدَاةُ وَمَا تَمَتَّعَتْ بِهِ مِنْ الْحَوَائِجِ اهـ. وَالْمُرَادُ الثَّانِي هُنَا (قَوْلُهُ وَإِنْ ابْتَاعَ مُسْتَأْمِنٌ عَبْدًا مُؤْمِنًا وَأَدْخَلَهُ دَارَهُمْ أَوْ أَمِنَ عَبْدٌ ثَمَّةَ فَجَاءَنَا أَوْ ظَهَرْنَا عَلَيْهِمْ عَتَقَ) بَيَانٌ لِمَسْأَلَتَيْنِ الْأُولَى أَنَّ الْحَرْبِيَّ إذَا دَخَلَ دَارَنَا بِأَمَانٍ وَاشْتَرَى عَبْدًا مُسْلِمًا وَأَدْخَلَهُ دَارَ الْحَرْبِ عَتَقَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا لَا يَعْتِقُ لِأَنَّ الْإِزَالَةَ كَانَتْ مُسْتَحَقَّةً بِطَرِيقٍ مُعَيَّنٍ وَهُوَ الْبَيْعُ وَقَدْ انْقَطَعَتْ وِلَايَةُ الْجَبْرِ عَلَيْهِ فَبَقِيَ فِي يَدِهِ عَبْدًا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ تَخْلِيصَ الْمُسْلِمِ عَنْ ذُلِّ الْكَافِرِ وَاجِبٌ فَيُقَامُ الشَّرْطُ وَهُوَ تَبَايُنُ الدَّارَيْنِ مَقَامَ الْعِلَّةِ وَهُوَ الْإِعْتَاقُ تَخْلِيصًا لَهُ كَمَا يُقَامُ مُضِيُّ ثَلَاثِ حِيَضٍ مَقَامَ التَّفْرِيقِ فِيمَا إذَا أَسْلَمَتْ الْمَرْأَةُ فِي دَارِ الْحَرْبِ قُيِّدَ بِكَوْنِ الْحَرْبِيِّ مَلَكَهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لِأَنَّ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ إذَا أَسَرَهُ الْحَرْبِيُّ مِنْ دَارِ الْإِسْلَامِ وَأَدْخَلَهُ دَارِهِ لَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ وَأَمَّا عِنْدَهُ فَلِلْمَانِعِ مِنْ عَمَلِ الْمُقْتَضَى عَمَلُهُ وَهُوَ حَقُّ اسْتِرْدَادِ الْمُسْلِمِ. وَعَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ لَوْ أَسْلَمَ عَبْدُ الْحَرْبِيِّ وَلَمْ يَهْرُبْ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ حَتَّى اشْتَرَاهُ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ أَوْ حَرْبِيٌّ فِي دَارِ الْحَرْبِ يَعْتِقُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا لِأَنَّ الْعِتْقَ فِي دَارِ الْحَرْبِ يَعْتَمِدُ زَوَالَ الْقَهْرِ الْخَاصِّ وَقَدْ عُدِمَ إذْ زَالَ قَهْرُهُ إلَى الْمُشْتَرِي فَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَ فِي يَدِهِ وَلَهُ وَأَنَّ قَهْرَهُ زَالَ حَقِيقَةً بِالْبَيْعِ وَكَانَ إسْلَامُهُ يُوجِبُ إزَالَةَ قَهْرِهِ عَنْهُ إلَّا أَنَّهُ تَعَذَّرَ الْخِطَابُ بِالْإِزَالَةِ فَأُقِيمَ مَالُهُ أَثَّرَ فِي زَوَالِ الْمِلْكِ مَقَامَ الْإِزَالَةِ وَهُوَ الْبَيْعُ وَالتَّقْيِيدُ بِإِيمَانِ الْعَبْدِ اتِّفَاقِيٌّ إذْ لَوْ كَانَ ذِمِّيًّا فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ يُجِيرُ عَلَى بَيْعِهِ وَلَا يُمْكِنُ مِنْ إدْخَالِهِ دَارَ الْحَرْبِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ الثَّانِيَةُ لَوْ أَسْلَمَ عَبْدٌ لِحَرْبِيٍّ ثُمَّ خَرَجَ إلَيْنَا أَوْ ظَهَرَ عَلَى الدَّارِ فَهُوَ حُرٌّ وَكَذَا إذَا خَرَجَ عَبِيدُهُمْ إلَى عَسْكَرِ الْمُسْلِمِينَ فَهُمْ أَحْرَارٌ لِمَا رُوِيَ أَنَّ عَبِيدًا مِنْ عَبِيدِ الطَّائِفِ أَسْلَمُوا وَخَرَجُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَضَى بِعِتْقِهِمْ وَقَالَ هُمْ عُتَقَاءُ اللَّهِ تَعَالَى وَقَيَّدَ بِخُرُوجِهِ أَوْ ظُهُورِنَا لِأَنَّهُ إذَا أَسْلَمَ وَلَمْ يُوجَدَا فَهُوَ رَقِيقٌ إلَى أَنْ يَشْتَرِيَهُ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ فَيَعْتِقُ وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ إذَا لَمْ يُوجَدْ لَمْ يَعْتِقْ إلَّا إذَا عَرَضَهُ الْمَوْلَى عَلَى الْبَيْعِ مِنْ   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 106 مُسْلِمٍ أَوْ كَافِرٍ فَحِينَئِذٍ يَعْتِقُ الْعَبْدُ قَبِلَ الْمُشْتَرِي الْبَيْعَ أَوْ لَمْ يَقْبَلْ لِأَنَّهُ لَمَّا عَرَضَهُ فَقَدْ رَضِيَ بِزَوَالِ مِلْكِهِ وَالتَّقْيِيدُ بِإِيمَانِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ اتِّفَاقِيٌّ إذْ لَوْ خَرَجَ مُرَاغِمًا لِمَوْلَاهُ فَآمَنَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ بِخِلَافِ مَا إذَا خَرَجَ بِإِذْنِ مَوْلَاهُ أَوْ بِأَمْرِهِ لِحَاجَتِهِ فَأَسْلَمَ فِي دَارِنَا فَإِنَّ حُكْمَهُ أَنْ يَبِيعَهُ الْإِمَامُ وَيَحْفَظَ ثَمَنَهُ لِمَوْلَاهُ الْحَرْبِيِّ لِأَنَّهُ لَمَّا دَخَلَ بِأَمَانٍ صَارَتْ رَقَبَتُهُ دَاخِلَةً فِيهِ كَمَا لَوْ دَخَلَ سَيِّدُهُ بِهِ وَبِمَا مَعَهُ مِنْ الْمَالِ وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَا يَثْبُتُ وَلَاءُ الْعَبْدِ الْخَارِجُ إلَيْنَا مُسْلِمًا لِأَحَدٍ لِأَنَّ هَذَا عِتْقٌ حُكْمِيٌّ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ. [بَابُ الْمُسْتَأْمَنِ] أَخَّرَهُ عَنْ الِاسْتِيلَاءِ لِأَنَّ الِاسْتِيلَاءَ يَكُونُ بِالْقَهْرِ وَالِاسْتِئْمَانَ يَكُونَ بَعْدَ الْقَهْرِ (قَوْلُهُ دَخَلَ تَاجِرُنَا ثُمَّ حُرِّمَ تَعَرُّضُهُ لِشَيْءٍ مِنْهُمْ) أَيْ دَخَلَ الْمُسْلِمُ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ وَعَبَّرَ عَنْهُ بِالتَّاجِرِ لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ دَارَهُمْ إلَّا بِأَمَانٍ حِفْظًا لِمَا لَهُ وَإِنَّمَا حَرُمَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ ضَمِنَ بِالِاسْتِئْمَانِ أَنْ لَا يَتَعَرَّضَ لَهُمْ فَالتَّعَرُّضُ بَعْدَ ذَلِكَ يَكُونُ غَدْرًا وَالْغَدْرُ حَرَامٌ إلَّا إذَا غَدَرَ بِهِ مَلِكُهُمْ فَأَخَذَ مَالَهُ أَوْ حَبَسَهُ أَوْ فَعَلَ غَيْرُهُ بِعِلْمِ الْمَلِكِ وَلَمْ يَمْنَعْهُ لِأَنَّهُمْ هُمْ الَّذِينَ نَقَضُوا الْعَهْدَ قَيَّدَ بِالتَّاجِرِ لِأَنَّ الْأَسِيرَ يُبَاحُ لَهُ التَّعَرُّضُ وَإِنْ أَطْلَقُوهُ طَوْعًا لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَأْمَنٍ فَهُوَ كَالْمُتَلَصِّصِ فَيَجُوزُ لَهُ أَخْذُ الْمَالِ وَقَتْلُ النَّفْسِ دُونَ اسْتِبَاحَةِ الْفَرْجِ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ إلَّا بِالْمِلْكِ وَلَا مِلْكَ قَبْلَ الْإِحْرَازِ بِدَارِنَا إلَّا إذَا وُجِدَ مَنْ لَمْ يَمْلِكْهُ أَهْلُ الْحَرْبِ وَمِنْ امْرَأَتِهِ وَأُمِّ وَلَدِهِ وَمُدَبَّرَتِهِ فَيُبَاحُ لَهُ وَطْؤُهُنَّ إلَّا إذَا وَطِئَهُنَّ أَهْلُ الْحَرْبِ فَتَجِبُ الْعِدَّةُ لِلشُّبْهَةِ فَلَا يَجُوزُ وَطْؤُهُنَّ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهُنَّ بِخِلَافِ أَمَتِهِ الْمَأْسُورَةِ لَا يَحِلُّ وَطْؤُهَا مُطْلَقًا لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ لَهُمْ وَأَطْلَقَ الشَّيْءَ فَشَمِلَ النُّفُوسَ وَالْأَمْوَالَ حَتَّى أَمَةِ التَّاجِرِ الْمَأْسُورَةِ لِأَنَّهَا مِنْ أَمْلَاكِهِمْ وَلَا يَدْخُلُ تَحْتَهُ زَوْجَتُهُ وَأُمُّ وَلَدِهِ وَمُدَبَّرَتِهِ لِأَنَّهُنَّ غَيْرُ مَمْلُوكَاتٍ لَهُمْ فَيَجُوزُ لِلتَّاجِرِ التَّعَرُّضُ لَهُنَّ، وَكَذَا لَوْ أَغَارَ أَهْلُ الْحَرْبِ الَّذِينَ فِيهِمْ مُسْلِمُونَ مُسْتَأْمَنُونَ عَلَى طَائِفَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَأَسَرُوا ذَرَارِيَّهُمْ فَمَرُّوا بِهِمْ عَلَى أُولَئِكَ الْمُسْتَأْمَنِينَ وَجَبَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَنْقُضُوا عُهُودَهُمْ وَيُقَاتِلُوهُمْ إذَا كَانُوا يَقْدِرُونَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَ رِقَابَهُمْ فَتَقْرِيرُهُمْ فِي أَيْدِيهمْ تَقْرِيرٌ عَلَى الظُّلْمِ وَلَمْ يَضْمَنُوا ذَلِكَ لَهُمْ بِخِلَافِ الْأَمْوَالِ لِأَنَّهُمْ مَلَكُوهَا بِالْإِحْرَازِ وَقَدْ ضَمِنُوا لَهُمْ أَنْ لَا يَتَعَرَّضُوا لِأَمْوَالِهِمْ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الْمَأْخُوذُ ذَرَارِيَّ الْخَوَارِجِ لِأَنَّهُمْ مُسْلِمُونَ. وَمِنْ الْفُرُوعِ النَّفِيسَةِ مَا فِي الْمَبْسُوطِ لَوْ أَغَارَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ عَلَى أَهْلِ الدَّارِ الَّتِي فِيهِمْ الْمُسْلِمُ الْمُسْتَأْمَنُ لَا يَحِلُّ لَهُ قِتَالُ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارِ إلَّا إنْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ لِأَنَّ الْقِتَالَ لَمَّا كَانَ تَعْرِيضًا لِنَفْسِهِ عَلَى الْهَلَاكِ لَا يَحِلُّ إلَّا لِذَلِكَ أَوْ لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ وَهُوَ إذَا لَمْ يَخَفْ عَلَى نَفْسِهِ لَيْسَ قِتَالُ هَؤُلَاءِ إلَّا إعْلَاءَ كَلِمَةِ الْكُفْرِ اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ مُسْلِمٌ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ بِأُمِّهِ أَوْ بِأُمِّ وَلَدِهِ أَوْ بِعَمَّتِهِ أَوْ بِخَالَتِهِ قَدْ قَهَرَهَا بِبَيْعِهَا مِنْ الْمُسْلِمِ الْمُسْتَأْمَنِ لَا يَشْتَرِيهَا مِنْهُ لِأَنَّ الْحَرْبِيَّ إنْ مَلَكَهَا بِالْقَهْرِ فَقَدْ صَارَتْ حُرَّةً فَإِذَا بَاعَهَا فَقَدْ بَاعَ الْحُرَّةَ وَلَوْ قَهَرَ حَرْبِيٌّ بَعْضَ أَحْرَارِهِمْ ثُمَّ جَاءَ بِهِمْ إلَى الْمُسْلِمِ الْمُسْتَأْمَنِ فَبَاعَهُمْ مِنْهُ يَنْظُرُ إنْ كَانَ الْحُكْمُ عِنْدَهُمْ أَنَّ مَنْ قَهَرَ مِنْهُمْ صَاحِبَهُ فَقَدْ صَارَ مِلْكَهُ جَازَ الشِّرَاءُ لِأَنَّهُ بَاعَ الْمَمْلُوكَ وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ بَاعَ الْحُرَّ (قَوْلُهُ فَلَوْ أَخْرَجَ شَيْئًا مَلَكَهُ مِلْكًا مَحْظُورًا فَيَتَصَدَّقُ بِهِ) لِوُرُودِ الِاسْتِيلَاءِ عَلَى مَالٍ مُبَاحٍ إلَّا أَنَّهُ حَصَلَ بِسَبَبِ الْغَدْرِ فَأَوْجَبَ ذَلِكَ خُبْثًا فِيهِ فَيُؤْمَرُ بِالتَّصَدُّقِ بِهِ وَهَذَا لِأَنَّ الْحَظْرَ فِيهِ لَا يَمْنَعُ انْعِقَادَ السَّبَبِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ أَفَادَ بِالْخَطَرِ مَعَ وُجُوبِ التَّصَدُّقِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمَأْخُوذُ غَدْرًا جَارِيَةً لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا وَلَا لِلْمُشْتَرِي مِنْهُ بِخِلَافِ الْمُشْتَرَاةِ شِرَاءً فَاسِدًا فَإِنَّ حُرْمَةَ وَطْئِهَا عَلَى الْمُشْتَرِي خَاصَّةٌ وَتَحِلُّ لِلْمُشْتَرَى مِنْهُ   [منحة الخالق] بَابُ الْمُسْتَأْمَنِ) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 107 لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْهُ لِثُبُوتِ حَقِّ الْبَائِعِ فِي حَقِّ الِاسْتِرْدَادِ وَبِبَيْعِ الْمُشْتَرِي انْقَطَعَ حَقُّهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ بَاعَ بَيْعًا صِحِّيًّا فَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ وَهُنَاكَ الْكَرَاهَةُ لِلْغَدْرِ وَالْمُشْتَرِي الثَّانِي كَالْأَوَّلِ فِيهِ. وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ مُسْلِمٌ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فِي دَارِ الْحَرْبِ وَكَانَتْ كَافِرَةً فَأَعْطَى لِلْأَبِ صَدَاقَهَا فَأَضْمَرَ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ يَبِيعُهَا فَخَرَجَ بِهَا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَأَرَادَ بَيْعَهَا فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ وَهِيَ حُرَّةٌ يُرِيدُ بِهِ إذَا خَرَجَتْ مَعَهُ طَوْعًا لِأَنَّ أَهْلَ الْحَرْبِ إنَّمَا يُمْلَكُونَ بِالْقَهْرِ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَإِذَا لَمْ يَقْهَرْ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَخَرَجَتْ مَعَهُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ بِغَيْرِ قَهْرٍ لَا تَصِيرُ مِلْكًا لَهُ اهـ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَاعْلَمْ أَنَّهُمْ أَخَذُوا فِي تَصْوِيرِهَا مَا إذَا أَضْمَرَ فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ يُخْرِجُهَا لِيَبِيعَهَا وَلَا بُدَّ مِنْهُ لِأَنَّهُ لَوْ أَخْرَجَهَا كُرْهًا لَا لِهَذَا الْغَرَضِ بَلْ لِاعْتِقَادِهِ أَنَّ لَهُ أَنْ يُذْهِبَ زَوْجَتَهُ حَيْثُ شَاءَ إذَا أَوْفَاهَا مُعَجَّلَ مَهْرِهَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَمْلِكَهَا اهـ. وَقَيَّدَ بِالْإِخْرَاجِ لِأَنَّهُ إذَا غَصَبَ شَيْئًا فِي دَارِ الْحَرْبِ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّوْبَةُ وَهِيَ لَا تَحْصُلُ إلَّا بِالرَّدِّ عَلَيْهِمْ فَأَشْبَهَ الْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا كَذَا فِي الْمُحِيطِ (قَوْلُهُ فَإِنْ أَدَانَهُ حَرْبِيٌّ أَوْ أَدَانَ حَرْبِيًّا أَوْ غَصَبَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ وَخَرَجَ إلَيْنَا لَمْ يَقْضِ بِشَيْءٍ) أَمَّا الْإِدَانَةُ فَلِأَنَّ الْقَضَاءَ يَعْتَمِدُ الْوِلَايَةَ وَلَا وِلَايَةَ وَقْتَ الْإِدَانَةِ أَصْلًا وَلَا وَقْتَ الْقَضَاءِ عَلَى الْمُسْتَأْمَنِ لِأَنَّهُ مَا الْتَزَمَ حُكْمَ الْإِسْلَامِ فِيمَا مَضَى مِنْ أَفْعَالِهِ وَإِنَّمَا الْتَزَمَ ذَلِكَ فِي الْمُسْتَقْبِلِ وَأَمَّا الْغَصْبُ فَلِأَنَّهُ صَارَ مِلْكًا لِلَّذِي غَصَبَهُ وَاسْتَوْلَى عَلَيْهِ لِمُصَادَفَتِهِ مَالًا غَيْرَ مَعْصُومٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا قُيِّدَ بِالْقَضَاءِ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ يُفْتِي بِرَدِّ الْمَغْصُوبِ وَإِنْ كَانَ لَا يَحْكُمُ عَلَيْهِ بِهِ لِأَنَّهُ غَدْرٌ كَذَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَسَكَتَ عَنْ الْإِفْتَاءِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ يُفْتِي بِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ الدَّيْنِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَذَكَرَ الشَّارِحُونَ أَنَّ الْإِدَانَةَ الْبَيْعُ بِالدَّيْنِ وَالِاسْتِدَانَةُ الِابْتِيَاعُ بِالدَّيْنِ وَالظَّاهِرُ عَدَمُ تَخْصِيصِهِ بِالْبَيْعِ وَأَنَّهُ لَا يَشْمَلُ الْقَرْضَ لِمَا فِي الْقَامُوسِ أَدَانَ وَاسْتَدَانَ وَتَدَيَّنَ أَخَذَ دَيْنًا وَالدَّيْنُ مَا لَهُ أَجَلٌ وَمَا لَا أَجَلَ لَهُ فَقَرْضٌ وَأَدَانَ اشْتَرَى بِالدَّيْنِ أَوْ بَاعَ بِالدَّيْنِ ضِدٌّ اهـ. مَعَ أَنَّهُ فِي الْحُكْمِ هُنَا لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَوْ أَقْرَضَ الْآخَرَ فِي دَارِ الْحَرْبِ شَيْئًا ثُمَّ خَرَجَا لَمْ يَقْضِ بِشَيْءٍ (قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَا حَرْبِيَّيْنِ وَفَعَلَا ذَلِكَ ثُمَّ اسْتَأْمَنَا) أَيْ الْإِدَانَةِ وَالْغَصْبَ ثُمَّ دَخَلَا دَارَنَا بِأَمَانٍ لَمْ يَقْضِ بِشَيْءٍ لِمَا بَيَّنَّاهُ وَفِي الْمُحِيطِ خَرَجَ حَرْبِيٌّ مَعَ مُسْلِمٍ إلَى الْعَسْكَرِ وَادَّعَى الْمُسْلِمُ أَنَّهُ أَسِيرٌ وَقَالَ كُنْت مُسْتَأْمَنًا فَالْقَوْلُ لِلْحَرْبِيِّ إلَّا إذَا قَامَتْ قَرِينَةٌ كَكَوْنِهِ مَكْتُوفًا أَوْ مَغْلُولًا أَوْ كَانَ مَعَ عَدَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ (قَوْلُهُ وَإِنْ خَرَجَا مُسْلِمَيْنِ قُضِيَ بِالدَّيْنِ بَيْنَهُمَا لَا بِالْغَصْبِ) أَيْ أَسْلَمَ الْحَرْبِيَّانِ فِي دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ خَرَجَا مُسْلِمَيْنِ بَعْدَ الْإِدَانَةِ أَوْ الْغَصْبِ لِأَنَّ الْمُدَايَنَةَ وَقَعَتْ صَحِيحَةً لِوُقُوعِهَا بِالتَّرَاضِي وَالْوِلَايَةُ ثَانِيَةُ حَالَةِ الْقَضَاءِ لِالْتِزَامِهِمَا الْأَحْكَامَ بِالْإِسْلَامِ وَأَمَّا الْغَصْبُ فَلِمَا بَيَّنَّاهُ أَنَّهُ مَلَكَهُ وَلَا خُبْثَ فِي مِلْكِ الْحَرْبِيِّ حَتَّى يُؤْمَرَ بِالرَّدِّ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْمُسْلِمَ إذَا دَخَلَ دَرَاهِمَ بِأَمَانٍ فَأَدَانَهُ حَرْبِيٌّ أَوْ غَصَبَ مِنْهُمْ شَيْئًا يُفْتِي بِالرَّدِّ وَإِنْ لَمْ يُقْضَ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ مُسْلِمَانِ مُسْتَأْمَنَانِ قَتَلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ وَالْكَفَّارَةُ فِي الْخَطَأِ) أَيْ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِ الْقَاتِلِ لَا عَلَى الْعَاقِلَةِ سَوَاءٌ كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً أَمَّا الْكَفَّارَةُ فَلِإِطْلَاقِ الْكِتَابِ بِهِ وَالدِّيَةُ لِأَنَّ الْعِصْمَةَ الثَّابِتَةَ بِالْإِحْرَازِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ لَا تَبْطُلُ بِعَارِضِ الدُّخُولِ بِالْأَمَانِ وَإِنَّمَا لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ اسْتِيفَاؤُهُ إلَّا بِمَنَعَةٍ وَلَا مَنَعَةَ بِدُونِ الْإِمَامِ وَجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَإِنَّمَا تَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ فِي الْعَمْدِ لِأَنَّ الْعَوَاقِلَ لَا تَعْقِلُ الْعَمْدَ وَفِي الْخَطَأِ لِأَنَّهُ لَا قُدْرَةَ لَهُمْ عَلَى الصِّيَانَةِ مَعَ تَبَايُنِ الدَّارَيْنِ وَالْوُجُوبُ عَلَيْهِمْ عَلَى اعْتِبَارِ تَرْكِهَا (قَوْلُهُ وَلَا شَيْءَ فِي الْأَسِيرَيْنِ سِوَى الْكَفَّارَةِ فِي الْخَطَأِ كَقَتْلِ مُسْلِمٍ مُسْلِمًا أَسْلَمَ ثَمَّةَ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا فِي الْأَسِيرَيْنِ الدِّيَةُ فِي الْخَطَأِ وَالْعَمْدِ لِأَنَّ الْعِصْمَةَ لَا تَبْطُلُ بِعَارِضِ الْأَسْرِ كَمَا لَا تَبْطُلُ بِعَارِضِ الِاسْتِئْمَانِ وَامْتِنَاعِ الْقِصَاصِ لِعَدَمِ الْمَنَعَةِ وَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ لِمَا قُلْنَا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ بِالْأَسْرِ صَارَ تَبَعًا لَهُمْ لِصَيْرُورَتِهِ مَقْهُورًا فِي أَيْدِيهِمْ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ عَدَمُ تَخْصِيصِهِ بِالْبَيْعِ وَأَنَّهُ لَا يَشْمَلُ الْقَرْضَ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا وَظَاهِرُهُ تَخْصِيصُهُ بِالْبَيْعِ وَأَنَّهُ لَا يَشْمَلُ الْقَرْضَ وَفِي بَعْضِهَا وَظَاهِرُهُ عَدَمُ تَخْصِيصِهِ إلَخْ وَهَذَا هُوَ الْمُنَاسِبُ قَالَ فِي النَّهْرِ بَعْدَ ذِكْرِهِ مَا فِي الْقَامُوسِ لَكِنْ فِي الْمُغْرِبِ أَدَنْته وَدَيَّنْته أَقْرَضْته وَعَلَى هَذَا فَمَا فِي الْكِتَابِ يَشْمَلُ الْقَرْضَ أَيْضًا لَكِنْ فِي طَلَبَةِ الطَّلَبَةِ ادَّانَ بِالتَّشْدِيدِ مِنْ بَابِ الِافْتِعَالِ أَيْ قَبِلَ الدَّيْنَ وَالدَّيْنُ غَيْرُ الْقَرْضِ لِأَنَّ الْقَرْضَ اسْمٌ لِمَا يُقْرَضُ يَصِيرُ فِي الذِّمَّةِ وَقَدْ قِيلَ أَنَّ اسْمَ الدَّيْنِ شَامِلٌ الْجَمِيعَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 108 وَلِهَذَا يَصِيرُ مُقِيمًا بِإِقَامَتِهِمْ وَمُسَافِرًا بِسَفَرِهِمْ فَبَطَلَ الْإِحْرَازُ أَصْلًا كَالْمُسْلِمِ الَّذِي لَمْ يُهَاجِرْ إلَيْنَا وَهُوَ الْمُشَبَّهُ بِهِ فِي الْمُخْتَصَرِ وَخَصَّ الْخَطَأَ بِالْكَفَّارَةِ لِأَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ فِي الْعَمْدِ عِنْدَنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَصْلٌ اسْتِئْمَانِ الْكَافِرِ] (فَصْلٌ) تَأْخِيرُ اسْتِئْمَانِ الْكَافِرِ عَنْ الْمُسْلِمِ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ لَا يُمَكَّنُ مُسْتَأْمَنٌ أَنْ يُقِيمَ فِينَا سَنَةً وَقِيلَ لَهُ إنْ أَقَمْت سَنَةً وَضَعَ عَلَيْك الْجِزْيَةَ) لِأَنَّ الْحَرْبِيَّ لَا يُمَكَّنُ مِنْ إقَامَةٍ دَائِمَةٍ فِي دَارِنَا إلَّا بِاسْتِرْقَاقٍ أَوْ جِزْيَةٍ لِأَنَّهُ يَصِيرُ عَيْنًا لَهُمْ وَعَوْنًا عَلَيْنَا تَلْتَحِقُ الضَّمْرَةُ بِالْمُسْلِمِينَ وَيُمَكَّنُ مِنْ الْإِقَامَةِ الْيَسِيرَةِ لِأَنَّ فِي مَنْعِهَا قَطْعَ الْمِيرَةِ وَالْجَلْبِ وَسَدَّ بَابِ التِّجَارَةِ فَفَصَلْنَا بَيْنَهُمَا بِسَنَةٍ لِأَنَّهَا مُدَّةٌ تَجِبُ فِيهَا الْجِزْيَةُ فَتَكُونُ الْإِقَامَةُ لِمَصْلَحَةِ الْجِزْيَةِ قَيْدٌ بِالْمُسْتَأْمَنِ لِأَنَّهُ لَوْ دَخَلَ دَارَنَا بِلَا أَمَانٍ فَهُوَ وَمَا مَعَهُ فَيْءٌ فَإِنْ قَالَ دَخَلْت بِأَمَانٍ لَمْ يُصَدَّقْ وَأُخِذَ وَلَوْ قَالَ أَنَا رَسُولُ فَإِنْ وُجِدَ مَعَهُ كِتَابٌ يُعْرَفُ أَنَّهُ كِتَابُ مَلِكِهِمْ بِعَلَامَةٍ تُعَرِّفُ ذَلِكَ كَانَ آمِنًا فَإِنَّ الرَّسُولَ لَا يَحْتَاجُ إلَى أَمَانٍ خَاصٍّ بَلْ بِكَوْنِهِ رَسُولًا يَأْمَنُ وَإِنْ لَمْ يُعْرَفُ فَهُوَ زُورٌ فَيَكُونُ هُوَ وَمَا مَعَهُ فَيْئًا. وَإِنْ دَخَلَ دَارَ الْإِسْلَامِ بِلَا أَمَانٍ فَأَخَذَهُ وَاحِدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لَا يَخْتَصُّ بِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بَلْ يَكُونُ فَيْئًا لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَظَاهِرُ قَوْلِهِمَا أَنَّهُ يَخْتَصُّ بِهِ وَلَوْ دَخَلَ الْحَرَمَ قَبْلَ أَنْ يُؤْخَذَ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُؤْخَذُ وَيَكُونُ فَيْئًا لِلْمُسْلِمِينَ وَعَلَى قَوْلِهِمَا لَا وَلَكِنْ لَا يُطْعَمُ وَلَا يُسْقَى وَلَا يُؤْذَى وَلَا يُخْرَجُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي الْمُحِيطِ إذَا دَخَلَ دَارَنَا بِلَا أَمَانٍ فَهُوَ فَيْءٌ عِنْدَ الْإِمَامِ أُخِذَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ أَوْ بَعْدَهُ وَعِنْدَهُمَا إنْ أَسْلَمَ قَبْلَ الْأَخْذِ فَهُوَ حُرٌّ وَلَوْ رَجَعَ هَذَا الْحَرْبِيُّ إلَى دَارِ الْحَرْبِ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ فَيْئًا وَعَادَ حُرًّا وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَنَا أَمَّنْته لَمْ يُصَدَّقْ إلَّا أَنْ يَشْهَدَ رَجُلَانِ غَيْرَهُ أَنَّهُ أَمَّنَهُ. (قَوْلُهُ فَإِنْ مَكَثَ سَنَةً فَهُوَ ذِمِّيٌّ) إنْ مَكَثَ الْمُدَّةَ الْمَضْرُوبَةَ فَهُوَ ذِمِّيٌّ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَامَهَا بَعْدَ تَقَدُّمِ الْإِمَامِ إلَيْهِ صَارَ مُلْتَزَمًا لِلْجِزْيَةِ فَيَصِيرُ ذِمِّيًّا فَمُرَادُهُ مِنْ السَّنَةِ وَمَا وَقْتُهُ الْإِمَامُ لَهُ سَوَاءٌ كَانَتْ سَنَةً أَوْ أَقَلَّ كَالشَّهْرِ وَالشَّهْرَيْنِ وَظَاهِرُ مَا فِي الْكِتَابِ أَنَّ قَوْلَ الْإِمَامِ لَهُ مَا ذُكِرَ شَرْطٌ لِكَوْنِهِ ذِمِّيًّا فَلَوْ مَكَثَ سَنَةً قَبْلَ مَقَالِ الْإِمَامِ لَهُ لَا يَكُونُ ذِمِّيًّا وَبِهِ صَرَّحَ الْعَتَّابِيُّ فَقَالَ لَوْ أَقَامَ سِنِينَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَقَدَّمَ الْإِمَامُ إلَيْهِ فَلَهُ الرُّجُوعُ وَقِيلَ وَلَفْظُ الْمَبْسُوطِ يَدُلُّ عَلَى خِلَافِهِ وَالْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَدَلَّ كَلَامُهُ عَلَى أَنَّهُ لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ فِي حَوْلِ الْمُكْثِ لِأَنَّهُ إنَّمَا صَارَ ذِمِّيًّا بَعْدَهُ فَتَجِبُ فِي الْحَوْلِ الثَّانِي إلَّا أَنْ يَكُونَ شَرَطَ عَلَيْهِ أَنَّهُ إنْ مَكَثَ سَنَةً أَخَذَهَا مِنْهُ وَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّ مِنْ أَحْكَامِ الذِّمِّيِّ جَرَيَانُ الْقِصَاصِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِ وَضَمَانُ الْمُسْلِمِ قِيمَةَ خَمْرِهِ وَخِنْزِيرِهِ إذَا أَتْلَفَهُ وَوُجُوبُ الدِّيَةِ عَلَيْهِ إذَا قَتَلَهُ خَطَأً وَوُجُوبُ كَفِّ الْأَذَى عَنْهُ حَتَّى قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ تَحْرُمُ غِيبَتُهُ كَمَا تَحْرُمُ غِيبَةُ الْمُسْلِمِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَإِذَا رَجَعَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَرْجِعَ مَعَهُ بِسِلَاحٍ اشْتَرَاهُ مِنْ دَارِ الْإِسْلَامِ بَلْ بِاَلَّذِي دَخَلَ بِهِ فَإِنْ بَاعَ سَيْفَهُ وَاشْتَرَى بِهِ قَوْسًا وَنُشَّابًا أَوْ رُمْحًا لَا يُمَكَّنُ مِنْهُ وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى سَيْفًا أَحْسَنَ مِنْهُ فَإِنْ كَانَ مِثْلَ الْأَوَّلِ أَوْ دُونَهُ يُمَكَّنُ وَلَوْ مَاتَ الْمُسْتَأْمَنُ فِي دَارِنَا وَقَفَ مَالَهُ لِوَرَثَتِهِ فَإِذَا قَدِمُوا وَبَرْهَنُوا أَخَذُوهُ وَلَوْ كَانَ الشُّهُودُ أَهْلَ ذِمَّةٍ أَخَذَ مِنْهُمْ كَفِيلًا وَلَا يُقْبَلُ كِتَابُ مَلِكِهِمْ (قَوْلُهُ فَلَمْ يَتْرُكْ أَنْ يَرْجِعَ إلَيْهِمْ) أَيْ لَا يُمَكَّنُ الْمُسْتَأْمَنُ بَعْدَ الْحَوْلِ مِنْ الرُّجُوعِ إلَى أَهْلِ الْحَرْبِ لِأَنَّ عَقْدَ الذِّمَّةِ لَا يُنْقَضُ لِكَوْنِهِ خَلَفًا عَنْ الْإِسْلَامِ كَيْفَ وَإِنَّ فِيهِ قَطْعَ الْجِزْيَةِ وَجَعْلَ وَلَدِهِ حَرْبًا عَلَيْنَا وَفِيهِ مَضَرَّةٌ بِالْمُسْلِمِينَ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُمَكَّنُ مِنْ الْعَوْدِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ لِلتِّجَارَةِ أَوْ لِقَضَاءِ حَاجَةٍ وَلَوْ بَعُدَتْ الْمُدَّةُ وَهُوَ يَقْتَضِي مَنْعَ الذِّمِّيِّ مِنْ دُخُولِ دَارِ الْحَرْبِ. (قَوْلُهُ كَمَا لَوْ وَضَعَ عَلَيْهِ الْخَرَاجَ) أَيْ فَلَا يُمْكِنُ مِنْ الْعَوْدِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ لِأَنَّ خَرَاجَ الْأَرْضِ بِمَنْزِلَةِ خَرَاجِ الرَّأْسِ فَإِذَا الْتَزَمَهُ صَارَ مُلْتَزَمًا الْمَقَامَ فِي دَارِنَا قُيِّدَ بِوَضْعِهِ لِأَنَّ بِمُجَرَّدِ الشِّرَاءِ لَا يَصِيرُ ذِمِّيًّا لِأَنَّهُ قَدْ يَشْتَرِيهَا لِلتِّجَارَةِ وَصَحَّحَهُ الشَّارِحُ وَهُوَ ظَاهِرُ الرَّاوِيَةِ كَمَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَفَسَّرَ فِي الْبِنَايَةِ وَضْعَهُ بِالتَّوْظِيفِ عَلَيْهِ   [منحة الخالق] مَا يَجِبُ فِي الذِّمَّةِ بِالْعَقْدِ وَالِاسْتِهْلَاكِ أَوْ بِالِاسْتِقْرَاضِ كَذَا فِي السِّرَاجِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَنْ قَصَرَ الْمُدَايَنَةَ عَلَى الْبَيْعِ بِالدَّيْنِ شَدَّدَ وَمَنْ أَدْخَلَ الْقَرْضَ وَنَحْوَهُ خَفَّفَ وَهُوَ أَوْلَى اهـ [مُسْلِمَانِ مُسْتَأْمَنَانِ قَتَلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ] (فَصْلٌ تَأْخِيرُ اسْتِئْمَانِ الْكَافِرِ) (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يَصِيرُ عَيْنًا لَهُمْ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ هَذِهِ الْعِلَّةُ تُنَادِي بِحُرْمَةِ تَمْكِينِهِ سَنَةً بِلَا شَرْطِ وَضْعِ الْجِزْيَةِ عَلَيْهِ إنْ هُوَ أَقَامَهَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَإِنْ دَخَلَ دَارَ الْإِسْلَامِ بِلَا أَمَانٍ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ يُؤْخَذُ مِنْهُ جَوَابُ حَادِثَةِ الْفَتْوَى وَهُوَ أَنَّهُ يُخْرِجُ كَثِيرٌ مِنْ سُفُنِ أَهْلِ الْحَرْبِ جَمَاعَةً مِنْهُمْ لِلِاسْتِقَاءِ مِنْ الْأَنْهُرِ الَّتِي بِالسَّوَاحِلِ الْإِسْلَامِيَّةِ فَيَقَعُ فِيهِمْ بَعْضٌ مِنَّا فَيَأْخُذُهُمْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 109 وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْمُرَادُ بِوَضْعِهِ إلْزَامُهُ بِهِ وَأَخْذُهُ مِنْهُ عِنْدَ حُلُولِ وَقْتِهِ وَهُوَ بِمُبَاشَرَةِ السَّبَبِ وَهُوَ زِرَاعَتُهَا أَوْ تَعْطِيلُهَا مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْهَا إذَا كَانَتْ فِي مِلْكِهِ أَوْ زِرَاعَتِهَا بِالْإِجَارَةِ وَهِيَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ إذَا كَانَ خَرَاجُ مُقَاسَمَةٍ فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ لَا مِنْ الْمَالِكِ فَيَصِيرُ بِهِ ذِمِّيًّا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ عَلَى الْمَالِكِ وَلَا يُظَنُّ بِوَضْعِ الْإِمَامِ وَتَوْظِيفِهِ أَنْ يَقُولَ وَظَّفْت عَلَى هَذِهِ الْأَرْضِ الْخَرَاجَ وَنَحْوَهُ لِأَنَّ الْإِمَامَ قَطُّ لَا يَقُولُهُ بَلْ الْخَرَاجُ مِنْ حِينِ اسْتَقَرَّ وَظِيفَةٌ لِلْأَرْضِ اسْتَمَرَّ عَلَى كُلِّ مَنْ صَارَتْ إلَيْهِ وَاسْتَمَرَّتْ فِي يَدِهِ اهـ. وَأَطْلَقَ فِي وَضْعِ الْخَرَاجِ فَشَمِلَ جَمِيعَ أَسْبَابِ الْتِزَامِهِ فَلَوْ اسْتَعَارَهَا الْمُسْتَأْمِنُ مِنْ ذِمِّيٍّ صَارَ الْمُسْتَعِيرُ ذِمِّيًّا وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة إذَا اشْتَرَى الْمُسْتَأْمِنُ أَرْضَ خَرَاجٍ فَغُصِبَتْ مِنْهُ فَإِنْ زَرَعَهَا الْغَاصِبُ لَا يَصِيرُ الْمُسْتَأْمَنُ ذِمِّيًّا وَإِلَّا فَهُوَ ذِمِّيٌّ لِوُجُوبِهِ عَلَيْهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَصِيرُ ذِمِّيًّا فِي الْوَجْهَيْنِ وَفِي السِّرَاجِ لَوْ زَرَعَ الْحَرْبِيُّ أَرْضَهُ الْخَرَاجِيَّةَ فَأَصَابَ الزَّرْعَ آفَةٌ لَا يَصِيرُ ذِمِّيًّا لِعَدَمِ وُجُوبِ الْخَرَاجِ وَفِي الْهِدَايَةِ وَإِذَا لَزِمَهُ خَرَاجُ الْأَرْضِ فَبَعْدَ ذَلِكَ تَلْزَمُهُ الْجِزْيَةُ لِسَنَةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ لِأَنَّهُ يَصِيرُ ذِمِّيًّا بِلُزُومِ الْخَرَاجِ فَتُعْتَبَرُ الْمُدَّةُ مِنْ وَقْتِ وُجُوبِهِ. (قَوْلُهُ أَوْ نَكَحَتْ ذِمِّيًّا) يَعْنِي فَلَا تُمَكَّنُ مِنْ الرُّجُوعِ إلَيْهِمْ لِأَنَّهَا الْتَزَمَتْ الْمَقَامَ تَبَعًا لِلزَّوْجِ فَتَكُونُ ذِمِّيَّةً فَيُوضَعُ الْخَرَاجُ عَلَى أَرْضِهَا وَتَقْيِيدُ الزَّوْجِ بِالذِّمِّيِّ لِيُفِيدَ أَنَّهَا تَصِيرُ ذِمِّيَّةً إذَا نَكَحَتْ مُسْلِمًا بِالْأَوْلَى كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا إذَا كَانَتْ كِتَابِيَّةً كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَأَفَادَ بِإِضَافَةِ النِّكَاحِ إلَيْهَا أَنَّهُ بِمَعْنَى الْعَقْدِ فَتَصِيرُ ذِمِّيَّةً بِمُجَرَّدِهِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى الدُّخُولِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ النِّكَاحَ حَادِثٌ بَعْدَ دُخُولِهَا دَارَنَا وَهُوَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فَلَوْ قَالَ أَوْ صَارَ لَهَا زَوْجٌ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ مَا إذَا دَخَلَ الْمُسْتَأْمَنُ بِامْرَأَتِهِ دَارَنَا ثُمَّ صَارَ الزَّوْجُ ذِمِّيًّا فَلَيْسَ لَهَا الرُّجُوعُ وَكَذَا لَوْ أَسْلَمَ وَهِيَ كِتَابِيَّةٌ بِخِلَافِ مَا إذَا أَسْلَمَ وَهِيَ مَجُوسِيَّةٌ وَلِيَشْمَلَ مَا إذَا تَزَوَّجَ مُسْتَأْمَنٌ مُسْتَأْمَنَةً فِي دَارِنَا ثُمَّ صَارَ الرَّجُلُ ذِمِّيًّا وَلَوْ أَسْلَمَ وَهِيَ كِتَابِيَّةٌ ثُمَّ أَنْكَرَتْ أَصْلَ النِّكَاحِ فَأَقَامَ الزَّوْجُ بَيِّنَةً مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَوْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ عَلَى أَصْلِ النِّكَاحِ أَوْ إقْرَارِهَا بِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَمْ يَلْتَفِتْ الْقَاضِي إلَى هَذِهِ الْبَيِّنَةِ وَإِنْ بَرْهَنَ عَلَى إقْرَارِهَا بِهِ فِي دَارِنَا قُبِلَتْ وَمُنِعَتْ مِنْ اللَّحَاقِ كَمَا لَوْ أَقَرَّتْ بَيْنَ يَدَيْ الْقَاضِي كَذَا ذَكَرَهُ السَّرَخْسِيُّ وَذَكَرَ الْهِنْدُوَانِيُّ أَنَّهَا تُقْبَلُ مُطْلَقًا كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة (قَوْلُهُ لَا عَكْسُهُ) أَيْ لَا يَصِيرُ الْمُسْتَأْمَنُ ذِمِّيًّا إذَا نَكَحَ ذِمِّيَّةً لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فَيَرْجِعَ إلَى بَلَدِهِ فَلَمْ يَكُنْ مُلْتَزِمًا الْمُقَامَ وَكَذَا لَوْ دَخَلَا إلَيْنَا بِأَمَانٍ فَأَسْلَمَتْ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة لَوْ طَالَبَتْهُ بِصَدَاقِهَا فَإِنْ كَانَ تَزَوَّجَهَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَلَهَا أَنْ تَمْنَعَهُ الرُّجُوعَ حَتَّى يُوَفِّيَهَا مَهْرَهَا وَإِنْ كَانَ تَزَوَّجَهَا فِي دَارِ الْحَرْبِ فَلَيْسَ لَهَا ذَلِكَ اهـ. وَيُعْلَمُ مِنْهُ حُكْمُ الدَّيْنِ الْحَادِثِ فِي دَارِنَا الْأُولَى وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا إذَا مَنَعَتْهُ لِلْمَهْرِ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى وَفَائِهِ حَتَّى مَضَى حَوْلٌ كَانَ ذِمِّيًّا وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة لَوْ أَنَّ جُنْدًا مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ أَوْ قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْحِصْنِ اسْتَأْمَنُوا وَهُمْ فِي مَعْمَعَةِ الْقِتَالِ فَأَمَّنُوهُمْ وَصَارُوا فِي أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ فَأَرَادُوا أَنْ يَنْصَرِفُوا إلَى مَأْمَنِهِمْ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَمْ يُتْرَكُوا وَصَارُوا ذِمَّةً اهـ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْهِدَايَةِ فِي آخِرِ كِتَابِ الطَّلَاقِ أَنَّهُ جَعَلَ الْحَرْبِيَّ بِالتَّزَوُّجِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ عَلَى الْمَالِكِ) أَيْ بِأَنْ كَانَ خَرَاجَ وَظِيفَةٍ وَهَذَا التَّفْصِيلُ هُوَ الصَّوَابُ كَمَا بَيَّنَهُ السَّرَخْسِيُّ فِي شَرْحِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ فَإِنَّهُ قَالَ وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا وَأَقَامَ حَتَّى زَرَعَهَا فَأُخِذَ مِنْهُ الْخَرَاجُ كَانَ ذِمِّيًّا أَيْضًا وَهَذَا غَلَطٌ بَيِّنٌ فَإِنَّ الْخَرَاجَ لَا يَجِبُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَى الْآجِرِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ خَرَاجُ الْمُقَاسَمَةِ وَذَلِكَ جُزْءٌ مِنْ الْخَارِجِ بِمَنْزِلَةِ الْعُشْرِ فَيَكُونُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ كَالْعُشْرِ فَأَمَّا خَرَاجُ الْوَظِيفَةِ فَدَارُهُمْ فِي ذِمَّةِ الْآجِرِ تَجِبُ بِاعْتِبَارِ تَمَكُّنُهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِالْأَرْضِ اهـ. ثُمَّ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ أَوْ أَخَّرَ الْكِتَابَ فِي بَابِ مَا يَصِيرُ بِهِ الْحَرْبِيُّ ذِمِّيًّا فَقَالَ وَلَوْ اسْتَأْجَرَ أَرْضَ الْخَرَاجِ فَزَرَعَهَا فَخَرَاجُهَا عَلَى صَاحِبِهَا لَا عَلَى الْمَزَارِعِ لِأَنَّ الْخَرَاجَ يَجِبُ بِإِزَاءِ الْمَنْفَعَةِ وَالْمَنْفَعَةُ فِي الْحَقِيقَةِ حَصَلَتْ لِرَبِّ الْأَرْضِ لِأَنَّ الْبَدَلَ حَصَلَ لَهُ فَلَا يَصِيرُ الْحَرْبِيُّ ذِمِّيًّا بِالزَّارِعَةِ لِأَنَّ الْخَرَاجَ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ وَلَوْ كَانَ خَرَاجُهَا مُقَاسَمَةً بِنِصْفِ الْخَارِجِ فَزَرَعَهَا الْحَرْبِيُّ بِبَذْرِهِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَجِبُ خَرَاجُ الْأَرْضِ عَلَى الْمَالِكِ وَعِنْدَ هُمَا عَلَى الْمُزَارِعِ فِي الْخَارِجِ لِأَنَّ خَرَاجَ الْمُقَاسَمَةِ بِمَنْزِلَةِ الْعُشْرِ وَمَنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضَ الْعُشْرِ فَزَرَعَهَا فَالْعُشْرُ عِنْدَهُ عَلَى الْمَالِكِ وَعِنْدَ هُمَا عَلَى الْمُزَارِعِ فِي الْخَارِجِ اهـ. مُلَخَّصًا. وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ قَوْلَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ لَا مِنْ الْمَالِكِ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِهِمَا لَا عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ (قَوْلُهُ فَلَوْ قَالَ أَوْ صَارَ لَهَا إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ لَفْظَ صَارَ يُفِيدُ الْحُدُوثَ أَيْضًا (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَسْلَمَ وَهِيَ مَجُوسِيَّةٌ) أَيْ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَعْرِضُ عَلَيْهَا الْإِسْلَامَ فَإِنْ أَسْلَمَتْ وَإِلَّا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَلَهَا أَنْ تَرْجِعَ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا كَمَا فِي شَرْحِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ (قَوْلُهُ حَتَّى مَضَى حَوْلٌ كَانَ ذِمِّيًّا) أَيْ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَقَدُّمُ الْإِمَامِ إلَيْهِ وَهُوَ خِلَافُ الْأَوْجَهِ كَمَا مَرَّ. (قَوْلُهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْهِدَايَةِ فِي آخَرِ كِتَابِ الطَّلَاقِ) أَيْ قُبَيْلَ بَابِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 110 فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ذِمِّيًّا فَهُوَ مُنَاقِضٌ لِمَا ذَكَرَهُ هُنَا وَقَدَّمْنَا جَوَابَهُ (قَوْلُهُ فَإِنْ رَجَعَ إلَيْهِمْ وَلَهُ وَدِيعَةٌ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ أَوْ دَيْنٌ حَلَّ دَمُهُ) أَيْ فَإِنْ رَجَعَ الْمُسْتَأْمَنُ إلَى دَارِ الْحَرْبِ فَقَدْ جَازَ قَتْلُهُ لِأَنَّهُ أَبْطَلَ أَمَانَهُ بِالْعَوْدِ إلَيْهَا وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ قَبْلَ الْحُكْمِ بِكَوْنِهِ ذِمِّيًّا أَوْ بَعْدَهُ لِأَنَّ الذِّمِّيَّ إذَا لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ صَارَ حَرْبِيًّا كَمَا سَيَأْتِي وَجَوَازُ قَتْلِهِ بِعَوْدِهِ لَيْسَ مَوْقُوفًا عَلَى كَوْنِهِ لَهُ دَيْنٌ أَوْ وَدِيعَةٌ فَلَوْ أَسْقَطَهُ لَكَانَ أَوْلَى (قَوْلُهُ فَإِنْ أُسِرَ أَوْ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ سَقَطَ دَيْنُهُ وَصَارَتْ وَدِيعَتُهُ فَيْئًا وَإِنْ قُتِلَ وَلَمْ يَظْهَرْ أَوْ مَاتَ فَقَرْضُهُ وَوَدِيعَتُهُ لِوَرَثَتِهِ) بَيَانُ الْحُكْمِ أَمْوَالُهُ الْمَتْرُوكَةُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ إذَا رَجَعَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ فَإِنَّ أَمَانَهُ بَطَلَ فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَقَطْ وَأَمَّا فِي حَقِّ أَمْوَالِهِ الَّتِي فِي دَارِنَا فَبَاقٍ وَلِهَذَا يَرُدُّ عَلَيْهِ مَالَهُ وَعَلَى وَرَثَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ. وَفِي السِّرَاجِ لَوْ بَعَثَ مَنْ يَأْخُذُ الْوَدِيعَةَ وَالْقَرْضَ وَجَبَ التَّسْلِيمُ إلَيْهِ وَحَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ خَمْسَةُ أَوْجُهٍ فَفِي ثَلَاثَةٍ يَسْقُطُ دَيْنُهُ وَتَصِيرُ وَدِيعَتُهُ غَنِيمَةً الْأَوَّلُ أَنْ يَظْهَرُوا عَلَى الدَّارِ وَيَأْخُذُوهُ، الثَّانِي أَنْ يَظْهَرُوا وَيَقْتُلُوهُ، الثَّالِثُ أَنْ يَأْخُذُوهُ مُسَبَّبًا مِنْ غَيْرِ ظُهُورٍ فَقَوْلُهُ فَإِنْ أُسِرَ بَيَانٌ لِلثَّالِثِ وَقَوْلُهُ أَوْ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ بَيَانٌ لِلْأَوَّلِينَ لِأَنَّهُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَقْتُلُوهُ أَوَّلًا لَكِنْ شَامِلٌ لِمَا إذَا ظَهَرَ عَلَيْهِمْ وَهَرَبَ وَأَنَّ مَالَهُ يَبْقَى لَهُ كَمَا سَيَأْتِي فَلَا بُدَّ مِنْ التَّقْيِيدِ فِي الظُّهُورِ عَلَيْهِمْ بِأَنْ يَأْخُذُوهُ أَوْ يَقْتُلُوهُ وَإِنَّمَا صَارَتْ وَدِيعَتُهُ غَنِيمَةً لِأَنَّهَا فِي يَدِهِ تَقْدِيرًا لِأَنَّ يَدَ الْمُودِعِ كَيَدِهِ فَيَصِيرُ فَيْئًا تَبَعًا لِنَفْسِهِ وَإِنَّمَا سَقَطَ الدَّيْنُ لِأَنَّ إثْبَاتَ الْيَدِ عَلَيْهِ بِوَاسِطَةِ الْمُطَالَبَةِ وَقَدْ سَقَطَتْ وَيَدُ مَنْ عَلَيْهِ أَسْبَقُ إلَيْهِ مِنْ يَدِ الْعَامَّةِ فَتَخْتَصُّ بِهِ فَيَسْقُطُ وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْعَيْنُ الْمَغْصُوبَةُ مِنْهُ كَدَيْنِهِ لِعَدَمِ الْمُطَالَبَةِ وَلَيْسَتْ يَدُ الْغَاصِبِ كَيَدِهِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ حُكْمُ الرَّهْنِ قَالُوا وَالرَّهْنُ لِلْمُرْتَهِنِ بِدِينِهِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُبَاعُ وَيُسْتَوْفَى دَيْنُهُ وَالزِّيَادَةُ فَيْءٌ لِلْمُسْلِمِينَ وَيَنْبَغِي تَرْجِيحُهُ لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَى قَدْرِ الدَّيْنِ فِي حُكْم الْوَدِيعَةِ وَهِيَ فَيْءٌ فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَصَارَ مَالُهُ فَيْئًا لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّهُ يَخُصُّ الْوَدِيعَةَ لِأَنَّ مَا عِنْدَ شَرِيكِهِ وَمُضَارِبِهِ وَمَا فِي بَيْتِهِ فِي دَارِنَا كَذَلِكَ وَفِي وَجْهَيْنِ يَبْقَى مَالُهُ عَلَى حَالِهِ فَيَأْخُذُهُ إنْ كَانَ حَيًّا أَوْ وَرَثَتُهُ إنْ مَاتَ الْأَوَّلُ أَنْ يَظْهَرُوا عَلَى الدَّارِ فَيَهْرُبَ الثَّانِي أَنْ يَقْتُلُوهُ وَلَمْ يَظْهَرُوا عَلَى الدَّارِ أَوْ يَمُوتَ لِأَنَّ نَفْسَهُ لَمْ تَصِرْ مَغْنُومَةً فَكَذَلِكَ مَالُهُ وَلَوْ عَبَّرَ بِالدَّيْنِ بَدَلَ الْقَرْضِ لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ سَائِرَ الدُّيُونِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَالَهُ وَإِنْ كَانَ غَنِيمَةً لَا خُمُسَ فِيهِ وَإِنَّمَا يُصْرَفُ كَمَا يُصْرَفُ الْخَرَاجُ وَالْجِزْيَةُ لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ بِقُوَّةِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ غَيْرِ قِتَالٍ بِخِلَافِ الْغَنِيمَةِ لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ بِمُبَاشَرَةِ الْغَانِمِينَ وَبِقُوَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة وَدِيعَتُهُ فَيْءٌ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ تَكُونُ فَيْئًا لِلسَّرِيَّةِ الَّتِي أَسَرَتْ الرَّجُلُ وَيَعْتِقُ مُدَبَّرُهُ الَّذِي دَبَّرَهُ فِي دَارِنَا وَأُمُّ وَلَدِهِ بِأَسْرِهِ وَفِي الْمُغْرِبِ ظَهَرَ عَلَيْهِ غَلَبَ وَظَهَرَ عَلَى اللِّصِّ غَلَبَ اهـ. فَيَنْبَغِي ضَبْطُ الْمُخْتَصَرِ بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ كَمَا لَا يَخْفَى وَلَمْ أَرَ حُكْمَ مَا إذَا كَانَ عَلَى الْمُسْتَأْمَنِ دَيْنٌ لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ أَدَانَهُ فِي دَارِنَا ثُمَّ رَجَعَ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ بَاقٍ لِبَقَاءِ الْمُطَالَبَةِ وَيَنْبَغِي أَوْ يُوَفِّي مِنْ مَالِهِ الْمَتْرُوكِ وَلَوْ صَارَتْ وَدِيعَتُهُ فَيْئًا اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ جَاءَنَا حَرْبِيٌّ بِأَمَانٍ وَلَهُ زَوْجَةٌ ثُمَّ وَوَلَدٌ وَمَالٌ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ أَوْ حَرْبِيٍّ فَأَسْلَمَ هُنَا ثُمَّ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ فَالْكُلُّ فَيْءٌ) بَيَانٌ لِحُكْمِ مَا تَرَكَهُ الْمُسْتَأْمَنُ فِي دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ صَارَ مِنْ أَهْلِ دَارِنَا إمَّا بِإِسْلَامِهِ أَوْ بِصَيْرُورَتِهِ ذِمِّيًّا فَتَقْيِيدُهُ بِإِسْلَامِهِ فِي الْمُخْتَصَرِ لِيُفْهَمَ مِنْهُ حُكْمُ الْآخَرِ بِالْأُولَى أَمَّا الْمَرْأَةُ وَأَوْلَادُهُ الْكِبَارُ فَلِأَنَّهُمْ حَرْبِيُّونَ كِبَارٌ وَلَيْسُوا بِأَتْبَاعٍ وَكَذَلِكَ مَا فِي بَطْنِهَا لَوْ كَانَتْ حَامِلًا لَمَا قُلْنَا أَنَّهُ جُزْؤُهَا وَأَمَّا أَوْلَادُهُ الصِّغَارُ فَلِأَنَّ الصَّغِيرَ إنَّمَا يَتْبَعُ أَبَاهُ فِي الْإِسْلَامِ عِنْدَ اتِّحَادِ الدَّارِ وَمَعَ تَبَايُنِ الدَّارَيْنِ لَا يَتَحَقَّقُ وَلِذَا أَطْلَقَ فِي الْوَلَدِ لِيَشْمَلَ الْكَبِيرَ وَالصَّغِيرَ وَالْجَنِينَ وَلَوْ سُبِيَ الصَّبِيُّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَصَارَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَهُوَ مُسْلِمٌ تَبَعًا لِأَبِيهِ لِأَنَّهُمَا اجْتَمَعَا فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ بِخِلَافِ مَا قَبْلَ إخْرَاجِهِ وَهُوَ فَيْءٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَأَمَّا أَمْوَالُهُ فَإِنَّهَا لَا تَصِيرُ مُحْرَزَةً   [منحة الخالق] النَّفَقَةِ عِنْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ وَلَا تُسَافِرُ مُطَلَّقَةٌ بِوَلَدِهَا وَقَوْلُهُ وَقَدَّمْنَا جَوَابَهُ لَمْ أَرَ لَهُ جَوَابًا هُنَاكَ نَعَمْ قَالَ فِي النَّهْرِ هُنَا قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَجَدْت بِخَطِّ شَيْخِي لَيْسَ فِي النُّسْخَةِ الَّتِي قُوبِلَتْ مَعَ نُسْخَةِ الْمُصَنِّفِ هَذِهِ الْجُمْلَةَ وَمَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَقَعَ سَهْوًا اهـ. يَعْنِي: مِنْ الْكَاتِبِ وَهَذَا الْجَوَابُ هُوَ أَيْسَرُ الْأَجْوِبَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ اهـ. (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي تَرْجِيحُهُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ تَقْدِيمَ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يُؤْذِنُ بِتَرْجِيحِهِ وَهَذَا لِأَنَّ الْوَدِيعَةَ إنَّمَا كَانَتْ فَيْئًا لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهَا فِي يَدِهِ حُكْمًا وَلَا كَذَلِكَ الرَّهْنُ اهـ. قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ أَقُولُ: لَمَّا كَانَ الزَّائِدُ عَلَى مِقْدَارِ الدَّيْنِ فِي حُكْمِ الْوَدِيعَةِ كَانَ فِي يَدِهِ حُكْمًا فَالْحَقُّ مَا فِي الْبَحْرِ وَأَمَّا حَدِيثُ التَّرْجِيحِ بِتَقْدِيمِ الْقَوْلِ فَلَيْسَ بِمُطَّرِدٍ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ تَتَبَّعَ اهـ. وَنَحْوُهُ فِي حَوَاشِي أَبِي السُّعُودِ عَنْ الْحَمَوِيِّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 111 بِإِحْرَازِ نَفْسِهِ لِاخْتِلَافِ الدَّارَيْنِ فَبَقِيَ الْكُلُّ غَنِيمَةً وَعَمَّمَ الْمُودَعَ لِعَدَمِ الْفَرْقِ فَإِنْ قُلْت قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ» يُخَالِفُهُ قُلْت هَذَا بِاعْتِبَارِ الْغَلَبَةِ يَعْنِي الْمَالَ الَّذِي فِي يَدِهِ وَمَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ بِالْعُرْفِ لِأَنَّ مِنْ دَأْبِ الشَّرْعِ بِنَاءَ الْحُكْمِ عَلَى الْغَلَبَةِ كَذَا فِي الْبِنَايَةِ. (قَوْلُهُ وَإِنْ أَسْلَمَ ثَمَّةَ فَجَاءَنَا فَظَهَرَ عَلَيْهِمْ فَوَلَدُهُ الصَّغِيرُ حُرٌّ مُسْلِمٌ وَمَا أَوَدَعُهُ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ فَهُوَ لَهُ وَغَيْرُهُ فَيْءٌ) بَيَانٌ لِحُكْمٍ مَتْرُوكٍ الْحَرْبِيُّ إذَا أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَجَاءَ إلَيْنَا مُسْلِمًا وَتَرَكَ أَمْوَالَهُ وَأَوْلَادَهُ ثُمَّ ظَهَرْنَا عَلَى أَهْلِ الْحَرْبِ أَمَّا الْوَلَدُ الصَّغِيرُ فَهُوَ تَبَعٌ لِأَبِيهِ حِينَ أَسْلَمَ إذْ الدَّارُ وَاحِدَةٌ فَكَانَ حُرًّا مُلِمًّا وَمَا كَانَ مِنْ وَدِيعَةٍ لَهُ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ فَهُوَ لَهُ لِأَنَّهُ فِي يَدٍ مُحْتَرَمَةٍ وَيَدُهُ كَيَدِهِ وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَهُوَ فَيْءٌ فَأَمَّا الْمَرْأَةُ وَأَوْلَادُهُ الْكِبَارُ فَلَمَّا قُلْنَا وَأَمَّا الْمَالُ الَّذِي فِي يَدِ الْحَرْبِيِّ فَلِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ مَعْصُومًا لِأَنَّ يَدَ الْحَرْبِيِّ لَيْسَتْ يَدًا مُحْتَرَمَةً وَشَمِلَ غَيْرُهُ الْعَيْنَ الْمَغْصُوبَةَ فِي يَدِ الْمُسْلِمِ أَوْ الذِّمِّيِّ فَيَكُونُ فَيْئًا لِعَدَمِ النِّيَابَةِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. [قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً أَوْ حَرْبِيًّا جَاءَنَا بِأَمَانٍ فَأَسْلَمَ] (قَوْلُهُ وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً الْأُولَى لَهُ أَوْ حَرْبِيًّا جَاءَنَا بِأَمَانٍ فَأَسْلَمَ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ لِلْإِمَامِ) لِأَنَّهُ قَتَلَ نَفْسًا مَعْصُومَةً خَطَأً فَيُعْتَبَرُ بِسَائِرِ النُّفُوسِ الْمَعْصُومَةِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ لِلْإِمَامِ أَنَّ حَقَّ الْأَخْذِ لَهُ لِأَنَّهُ لَا وَارِثَ لَهُ لَا أَنَّهُ يَمْلِكُهُ الْإِمَامُ بَلْ يُوضَعُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ ذِكْرِهِ هَاهُنَا وَإِلَّا فَحُكْمُ الْقَتْلِ الْخَطَأِ مَعْلُومٌ وَلِذَا لَمْ يَنُصَّ عَلَى الْكَفَّارَةِ لِمَا سَيَأْتِي فِي الْجِنَايَاتِ فَإِنَّهُ لَا وَلِيّ لَهُ وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لَشَمِلَتْ الثَّانِيَةَ لِأَنَّ الْحَرْبِيَّ إذَا أَسْلَمَ فِي دَارِنَا وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ وَارِثٌ فَإِنَّهُ لَا وَلِيَّ لَهُ وَإِنْ كَانَ لَهُ أَوْلَادٌ فِي دَارِ الْحَرْبِ (قَوْلُهُ وَفِي الْعَمْدِ الْقَتْلُ أَوْ الدِّيَةُ لَا الْعَفْوُ) أَيْ لَوْ قَتَلَ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ عَمْدًا خُيِّرَ الْإِمَامُ إنْ شَاءَ قَتَلَهُ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الدِّيَةَ لِبَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّ النَّفْسَ مَعْصُومَةٌ وَالْقَتْلُ عَمْدٌ وَالْوَلِيُّ مَعْلُومٌ وَهُوَ السُّلْطَانُ لِأَنَّهُ وَلِيُّ مِنْ لَا وَلِيَّ لَهُ كَمَا فِي الْحَدِيثِ وَأَخْذُهُ الدِّيَةَ بِطَرِيقِ الصُّلْحِ بِرِضَا الْقَاتِلِ لِأَنَّ مُوجِبَ الْعَمْدِ هُوَ الْقَوَدُ عَيْنًا وَهَذَا لِأَنَّ الدِّيَةَ وَإِنْ كَانَتْ أَنْفَعُ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ قَتْلِهِ لَكِنْ قَدْ يَعُودُ عَلَيْهِمْ مِنْ قَتْلِهِ مَنْفَعَةً أُخْرَى هُوَ أَنْ يَنْزَجِرَ أَمْثَالُهُ عَنْ قَتْلِ الْمُسْلِمِينَ وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ الْعَفْوُ لِأَنَّ الْحَقَّ لِلْعَامَّةِ وَوِلَايَتُهُ نَظَرِيَّةٌ وَلَيْسَ مِنْ النَّظَرِ إسْقَاطُ حَقِّهِمْ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ وَشَمِلَ كَلَامُهُ اللَّقِيطَ فَإِنْ قَتَلَ خَطَأً فَالدِّيَةُ لِلْإِمَامِ قَتَلَهُ الْمُلْتَقِطُ أَوْ غَيْرُهُ وَإِنْ قَتَلَ عَمْدًا خُيِّرَ كَمَا فِي الْكِتَابِ وَهُوَ قَوْلُهُمَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَيْسَ لَهُ الْقِصَاصُ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ الْوَارِثِ غَالِبًا أَوْ هُوَ مُحْتَمِلٌ فَكَانَ فِيهِ شُبْهَةٌ وَهُوَ يَسْقُطُ بِهَا وَلَهُمَا أَنَّ الْمَجْهُولَ الَّذِي لَا يُمْكِنُ الْوُصُولُ إلَيْهِ لَيْسَ بِوَلِيٍّ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ فَصَارَ كَالْعَدَمِ فَتَنْتَقِلُ الْوِلَايَةُ إلَى السُّلْطَانِ كَمَا فِي الْإِرْثِ كَذَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ مَعْلُومٌ فَإِرْثُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ وَإِنْ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَارِثٌ وَكَذَا مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ ظَاهِرًا إذَا أَوْصَى بِجَمِيعِ مَالِهِ لِأَجْنَبِيٍّ فَإِنَّهُ يُعْطِي كُلَّ مَالِهِ وَإِنْ احْتَمَلَ مَجِيءَ وَارِثٍ لَكِنْ بَعْدَ التَّأَنِّي كَمَا لَا يَخْفَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (بَابُ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ وَالْجِزْيَةِ) . بَيَانٌ لِمَا يُؤْخَذُ مِنْ الذِّمِّيِّ بَعْدَ بَيَانِ مَا يَصِيرُ بِهِ ذِمِّيًّا وَذِكْرُ الْعُشْرِ تَتْمِيمٌ لِلْوَظَائِفِ الْمَالِيَّةِ وَقَدَّمَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْعِبَادَةِ وَالْعُشْرُ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَاحِدُ الْعَشَرَةِ وَالْخَرَاجُ اسْمٌ لِمَا يَخْرُجُ مِنْ غَسْلَةِ الْأَرْضِ أَوْ الْغُلَامِ ثُمَّ سُمِّيَ مَا يَأْخُذُهُ السُّلْطَانُ خَرَاجًا يُقَالُ فُلَانٌ أَدَّى خَرَاجَ أَرْضِهِ (قَوْلُهُ أَرْضُ الْعَرَبِ وَمَا أَسْلَمَ أَهْلُهُ أَوْ فُتِحَ عَنْوَةً وَقَسَمَ بَيْنَ الْغَانِمِينَ عُشْرِيَّةً) أَمَّا أَرْضُ الْعَرَبِ فَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَجْمَعِينَ لَمْ يَأْخُذُوا الْخَرَاجَ مِنْ أَرْضِ الْعَرَبِ وَتَعَقَّبَهُ فِي الْبِنَايَةِ بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ وَلَمْ يُجِبْ عَنْهُ وَجَوَابُهُ أَنَّ الْعَدَمَ لَا يَحْتَاجُ إلَى أَصْلٍ لِأَنَّهُ لَوْ أَخَذَ مِنْهُمْ الْخَرَاجَ لَنُقِلَ وَلَمَّا لَمْ يُنْقَلْ دَلَّ عَلَى عَدَمِهِ وَلِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْفَيْءِ فَلَا يَثْبُتُ فِي أَرَاضِيهِمْ كَمَا لَا يَثْبُتُ فِي رِقَابِهِمْ   [منحة الخالق] [جَاءَنَا حَرْبِيٌّ بِأَمَانٍ وَلَهُ زَوْجَةٌ وَوَلَدٌ وَمَالٌ عِنْدَ مُسْلِمٍ فَأَسْلَمَ] (قَوْلُهُ وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى إلَخْ) نَظَرٌ فِيهِ فِي النَّهْرِ بَعْدَ قَوْلِهِ أَوْ قَتَلَ حَرْبِيًّا أَيْ لَا وَلِيَّ لَهُ وَبِهَذَا تَغَايَرَ مَوْضُوعُ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَفِي حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ عَنْ الْحَمَوِيِّ فِي النَّظَرِ نَظَرٌ إذْ وُجُودُ الْحَرْبِيِّ فِي دَارِ الْحَرْبِ كَلَا وُجُودٍ إلَّا أَنْ يَحْضُرَ فَيَدَّعِيَ فَيَكُونَ الْمَالُ فَلْيُحَرَّرْ اهـ (قَوْلُهُ فَإِرْثُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ) الْمُرَادُ يُوضَعُ مَالُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ لِيُصْرَفَ فِي مَصَارِفِهِ لِأَنَّ الْمُصَرَّحَ بِهِ أَنَّ بَيْتَ الْمَالِ غَيْرُ وَارِثٍ عِنْدَنَا (قَوْلُهُ لَكِنْ بَعْدَ التَّأَنِّي) بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ وَالْهَمْزَةِ وَالنُّونِ الْمُشَدَّدَةِ أَيْ التَّمَهُّلِ [بَابُ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ وَالْجِزْيَةِ] الجزء: 5 ¦ الصفحة: 112 وَهَذَا لِأَنَّ وَضْعَ الْخَرَاجِ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ يُقِرَّ أَهْلَهَا عَلَى الْكُفْرِ كَمَا فِي سَوَادِ الْعِرَاقِ وَمُشْرِكِي الْعَرَبِ لَا يُقْبَلُ مِنْهُمْ إلَّا الْإِسْلَامُ أَوْ السَّيْفُ وَذَكَرَ فِي الْمُغْرِبِ مَعْزِيًّا إلَى كِتَابِ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ أَبُو يُوسُفَ فِي الْأَمَالِي حُدُودُ أَرْضِ الْعَرَبِ مَا وَرَاءَ حُدُودِ أَرْضِ الْكُوفَةِ إلَى أَقْصَى صَخْرٍ بِالْيَمَنِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ مِنْ عَدَنَ أَبْيَنَ إلَى الشَّامِ وَمَا وَالَاهَا. وَفِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ قَالَ الْكَرْخِيُّ هِيَ أَرْضُ الْحِجَازِ وَتِهَامَةَ وَالْيَمَنِ وَمَكَّةَ وَالطَّائِفِ وَالْبَرِّيَّة يَعْنِي الْبَادِيَةَ قَالَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ أَرْضُ الْعَرَبِ مِنْ الْعُذَيْبِ إلَى مَكَّةَ وَعَدَنَ أَبْيَنَ إلَى أَقْصَى حَجَرٍ بِالْيَمَنِ بِهَمْزَةٍ وَهَذِهِ الْعِبَارَاتُ مِمَّا لَمْ أَجِدْهُ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ وَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ مَنْ رَوَى إلَى أَقْصَى حَجْرٍ بِالسُّكُونِ وَفَسَّرَهُ بِالْجَانِبِ فَقَدْ حَرَّفَ لِوُقُوعِ صَخْرٍ مَوْقِعَهُ وَكَأَنَّهُمَا ذَكَرَا ذَلِكَ تَأْكِيدًا لِلتَّحْدِيدِ وَإِلَّا فَهُوَ عَنْهُ مَنْدُوحَةٌ اهـ. مَا فِي الْمُغْرِبِ وَجَزِيرَةِ الْعَرَبِ بِمَعْنَى أَرْضِهَا وَمَحَلَّتِهَا وَفِي الْبِنَايَةِ الْعُذَيْبُ بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ مَاءٌ لِتَمِيمٍ وَالْحَجَرُ بِفَتْحَتَيْنِ بِمَعْنَى الصَّخْرَةِ وَمُهَرَةُ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَالسُّكُونِ اسْمُ رَجُلٍ وَقِيلَ اسْمُ قَبِيلَةٍ يُنْسَبُ إلَيْهَا الْإِبِلُ الْمَهْرِيَّةُ وَسُمِّيَ ذَلِكَ الْمُقَامُ بِهِ فَيَكُونُ بِمُهَرَةٍ بَدَلًا مِنْ قَوْلِهِ بِالْيَمَنِ اهـ. وَأَمَّا إذَا أَسْلَمَ أَهْلُهَا أَوْ فُتِحَتْ قَهْرًا وَقُسِّمَتْ بَيْنَ الْغَانِمِينَ فَلِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى ابْتِدَاءِ التَّوْظِيفِ عَلَى الْمُسْلِمِ وَالْعُشْرِ أَلْيَقُ بِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْعِبَادَةِ وَكَذَا هُوَ أَحَقُّ حَيْثُ يَتَعَلَّقُ بِنَفْسِ الْخَارِجِ وَالْعَنْوَةُ بِالْفَتْحِ الْقَهْرُ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ (قَوْلُهُ وَالسَّوَادُ وَمَا فُتِحَ عَنْوَةً وَأُقِرَّ أَهْلُهُ عَلَيْهِ أَوْ فُتِحَ صُلْحًا خَرَاجِيَّةٌ) أَمَّا السَّوَادُ فَالْمُرَادُ بِهِ سَوَادُ الْعِرَاقِ فَلِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَضَعَ عَلَيْهِ الْخَرَاجَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَهُوَ أَشْهَرُ مِنْ أَنْ يَتَنَقَّلَ فِيهِ أَثَرٌ مُعَيَّنٌ وَفِي الْبِنَايَةِ الْمُرَادُ بِالسَّوَادِ الْقُرَى وَبِهِ صَرَّحَ التُّمُرْتَاشِيُّ وَسُمِّيَ السَّوَادُ لِخُضْرَةِ أَشْجَارِهِ وَزُرُوعِهِ وَقَالَ الْإِتْرَازِيُّ الْمُرَادُ مِنْ السَّوَادِ الْمَذْكُورِ سَوَادُ الْكُوفَةِ وَهُوَ سَوَادُ الْعِرَاقِ وَحْدَهُ مِنْ الْعُذَيْبِ إلَى عَقَبَةِ حُلْوَانَ عَرْضًا وَمِنْ الْعَلْثِ إلَى عَبَّادَانَ طُولًا وَأَمَّا سَوَادُ الْبَصْرَةِ فَالْأَهْوَازُ وَفَارِسُ اهـ. وَتَقَدَّمَ ضَبْطُ الْعُذَيْبِ وَحُلْوَانُ بِضَمِّ الْحَاءِ اسْمُ بَلَدٍ وَالْعَلْثُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ قَرْيَةٌ مَوْقُوفَةٌ عَلَى الْعَلَوِيَّةِ عَلَى شَرْقَيْ دِجْلَةَ وَهُوَ أَوَّلُ الْعِرَاقِ وَعَبَّادَانُ بِتَشْدِيدِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ حِصْنٌ صَغِيرٌ عَلَى شَطِّ الْبَحْرِ وَفِي الْمِثْلِ مَا وَرَاءَ عَبَّادَانَ قَرْيَةٌ. وَفِي شَرْحِ الْوَجِيزِ طُولُ سَوَادِ الْعِرَاقِ مِائَةٌ وَسِتُّونَ فَرْسَخًا وَعَرْضُهُ ثَمَانُونَ فَرْسَخًا وَمِسَاحَتُهُ سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ أَلْفَ أَلْفَ جَرِيبٍ كَذَا فِي الْبِنَايَةِ وَأَمَّا مَا أَقَرَّ أَهْلُهَا عَلَيْهَا سَوَاءٌ فُتِحَتْ قَهْرًا أَوْ صُلْحًا فَلِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى ابْتِدَاءِ التَّوْظِيفِ عَلَى الْكَافِرِ وَالْخَرَاجُ أَلْيَقُ بِهِ وَيَلْحَقُ بِمَا أَقَرَّ أَهْلُهُ عَلَيْهِ مَا نَقَلَ إلَيْهَا غَيْرُ أَهْلِهَا مِنْ الْكُفَّارِ فَإِنَّهَا خَرَاجِيَّةٌ كَمَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِيمَا أَقَرَّ أَهْلُهُ عَلَيْهِ تَبَعًا لِلْقُدُورِيِّ وَقَيَّدَهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَلَى مَا فِي الْهِدَايَةِ بِأَنْ يَصِلَ إلَيْهَا مَاءُ الْأَنْهَارِ لِتَكُونَ خَرَاجِيَّةً وَمَا لَمْ يَصِلْ إلَيْهَا مَاءُ الْأَنْهَارِ وَاسْتُخْرِجَ مِنْهَا عَيْنٌ فَهِيَ أَرْضُ عُشْرٍ لِأَنَّ الْعُشْرَ يَتَعَلَّقُ بِالْأَرَاضِيِ النَّامِيَةِ وَنَمَاؤُهَا بِمَائِهَا فَيُعْتَبَرُ السَّقْيُ بِمَاءِ الْعُشْرِ أَوْ بِمَاءِ الْخَرَاجِ اهـ. وَهُوَ مُشْكِلٌ لِأَنَّا نَقْطَعُ بِأَنَّ الْأَرْضَ الَّتِي أَقَرَّ أَهْلُهَا عَلَيْهَا لَوْ كَانَتْ تُسْقَى بِعَيْنٍ أَوْ بِمَاءِ السَّمَاءِ لَمْ تَكُنْ الْإِخْرَاجِيَّةُ لِأَنَّ أَهْلَهَا كُفَّارٌ وَالْكَفَّارَةُ وَلَوْ انْتَقَلَتْ إلَيْهِمْ أَرْضٌ عُشْرِيَّةٍ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْعُشْرِيَّةُ قَدْ تُسْقَى بِعَيْنٍ أَوْ بِمَاءِ السَّمَاءِ لَا تَبْقَى عَلَى الْعُشْرِيَّةُ بَلْ تَصِيرُ خَرَاجِيَّةً فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ فَكَيْفَ بَدَأَ الْكَافِرُ بِتَوْظِيفِ الْعُشْرِ ثُمَّ كَوْنُهَا عُشْرِيَّةً عِنْدَ مُحَمَّدٍ إذَا انْتَقَلَتْ إلَيْهِ كَذَلِكَ أَمَّا فِي الِابْتِدَاءِ فَهُوَ أَيْضًا يَمْنَعُهُ وَالْعِبَارَةُ الَّتِي نَقَلَهَا عَنْ الْجَامِعِ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ لَيْسَتْ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَقَدْ أَطَالَ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فِي تَقْرِيرِهِ ثُمَّ قَالَ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الَّتِي فُتِحَتْ عَنْوَةً وَإِنْ أَقَرَّ الْكُفَّارُ عَلَيْهَا لَا يُوَظَّفُ عَلَيْهِمْ إلَّا الْخَرَاجُ وَلَوْ سُقِيَتْ بِمَاءِ الْمَطَرِ وَإِنْ قُسِّمَتْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ لَا يُوَظَّفُ إلَّا الْعُشْرُ وَإِنْ سُقِيَتْ بِمَاءِ الْأَنْهَارِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالتَّفْصِيلُ فِي الْأَرْضِ الْمُحْيَاةِ الَّتِي لَمْ تُقْسَمْ وَلَمْ يُقَرَّ أَهْلُهَا عَلَيْهَا بِأَنْ أَحْيَاهَا مُسْلِمٌ فَإِنْ وَصَلَ إلَيْهَا مَاءُ الْأَنْهَارِ فَهِيَ خَرَاجِيَّةٌ أَوْ مَاءُ عَيْنٍ وَنَحْوُهُ فَعُشْرِيَّةٌ اهـ. وَفِي التَّبْيِينِ أَنَّ التَّفْصِيلَ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ أَمَّا الْكَافِرُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ مِنْ أَيِّ مَاءٍ سَقَى لِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يُبْتَدَأُ بِالْعُشْرِ فَلَا يَتَأَتَّى فِيهِ التَّفْصِيلُ فِي حَالَةِ الِابْتِدَاءِ إجْمَاعًا إلَى آخِرِهِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ وَأَقَرَّ أَهْلُهَا عَلَيْهَا أَنَّ الْإِمَامَ أَقَرَّهُمْ عَلَى مِلْكِهِمْ لِلْأَرَاضِيِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَأَرْضُ السَّوَادِ مَمْلُوكَةٌ لِأَهْلِهَا يَجُوزُ بَيْعُهُمْ لَهَا وَتَصَرُّفُهُمْ فِيهَا وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ مِنْ عَدَنَ أَبْيَنَ) قَالَ الرَّمْلِيُّ هِيَ مَدِينَةٌ مَعْرُوفَةٌ بِالْيُمْنِ أُضِيفَتْ إلَى أَبْيَنَ بِوَزْنِ أَبْيَضَ وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ حِمْيَرَ عَدَنَ بِهَا أَيْ أَقَامَ كَذَا فِي نِهَايَةِ ابْنِ الْأَثِيرِ. (قَوْلُهُ وَكَذَا أَجْمَعَتْ الصَّحَابَةُ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ يُؤْخَذُ مِمَّا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 113 فَإِنْ أَسْلَمُوا سَقَطَتْ الْجِزْيَةُ عَنْ رُءُوسِهِمْ وَلَا يَسْقُطُ الْخَرَاجُ عَنْ أَرَاضِيهِمْ اهـ. وَإِذَا بَاعَهَا انْتَقَلَتْ بِوَظِيفَتِهَا مِنْ الْخَرَاجِ وَكَذَا إذَا مَاتَ انْتَقَلَتْ إلَى وَرَثَتِهِ كَذَلِكَ وَإِذَا وَقَفَهَا مَالِكُهَا بَقِيَ الْخَرَاجُ عَلَى حَالِهِ كَمَا صَرَّحُوا بِوُجُوبِهِ فِي أَرْضِ الْوَقْفِ وَأَرْضِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَفِي الْهِدَايَةِ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَضَعَ عَلَى مِصْرَ الْخَرَاجَ حِينَ افْتَتَحَهَا عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَكَذَا أَجْمَعَتْ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - عَلَى وَضْعِ الْخَرَاجِ عَلَى الشَّامِ اهـ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الْمَأْخُوذُ الْآنَ مِنْ أَرَاضِي مِصْرَ إنَّمَا هُوَ بَدَلُ إجَارَةٍ لَا خَرَاجَ أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَرَاضِيَ لَيْسَتْ مَمْلُوكَةً لِلزُّرَّاعِ وَهُوَ بَعْدَمَا قُلْنَا إنَّ أَرْضَ مِصْرَ خَرَاجِيَّةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ كَأَنَّهُ لِمَوْتِ الْمَالِكِينَ شَيْئًا فَشَيْئًا مِنْ غَيْرِ اخْتِلَافِ وَرَثَةٍ فَصَارَتْ لِبَيْتِ الْمَالِ وَيَنْبَغِي عَلَى هَذَا أَنْ لَا يَصِحَّ بَيْعُ الْإِمَامِ وَلَا شِرَاؤُهُ مِنْ وَكِيلِ بَيْتِ الْمَالِ لِشَيْءٍ مِنْهَا لِأَنَّ نَظَرَهُ فِي مَالِ الْمُسْلِمِينَ كَنَظَرِهِ فِي مَالِ الْيَتِيمِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُ عَقَارِهِ إلَّا لِضَرُورَةِ عَدَمِ وُجُودِ مَا يُنْفِقُهُ سِوَاهُ فَلِذَا كَتَبْت فِي فَتْوَى رُفِعَتْ إلَيَّ فِي شِرَاءِ السُّلْطَانِ الْأَشْرَفِ بِرِسْبَايْ الْأَرْضُ مِمَّنْ وَلَّاهُ نَظَرَ بَيْتِ الْمَالِ هَلْ يَجُوزُ شِرَاؤُهُ مِنْهُ وَهُوَ الَّذِي وَلَّاهُ فَكَتَبْت إذَا كَانَ بِالْمُسْلِمِينَ حَاجَةٌ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى جَازَ ذَلِكَ اهـ. كَأَنَّهُ أَجَابَ لَا يَجُوزُ كَمَا لَا يَخْفَى وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ الْمُتَقَدِّمِينَ. أَمَّا عَلَى قَوْلِ الْمُتَأَخِّرِينَ الْمُفْتَى بِهِ لَا يَنْحَصِرُ جَوَازُ بَيْعِ عَقَارِ الْيَتِيمِ فِيمَا ذُكِرَ بَلْ فِيهِ وَفِيمَا إذَا كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ لَا وَفَاءَ لَهُ إلَّا مِنْهُ أَوْ رَغِبَ فِيهِ بِضَعْفِ قِيمَتِهِ فَكَذَلِكَ نَقُولُ لِلْإِمَامِ بَيْعُ الْعَقَارِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ إذَا رَغِبَ فِيهِ بِضَعْفِ قِيمَتِهِ عَلَى الْمُفْتَى   [منحة الخالق] أَنَّ مَا تُؤْخَذُ فِي بِلَادِنَا الشَّامِيَّةِ مُزَارَعَةٌ بِالْحِصَّةِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مَمْلُوكَةً لِلزُّرَّاعِ وَتَأَمَّلْ وَقَدْ ذَكَرَ الشَّارِحُ فِي رِسَالَتِهِ التُّحْفَةِ الْمُرْضِيَةِ أَنَّ الْخَرَاجَ يَجِبُ فِي الْأَرْضِ الْخَرَاجِيَّةِ عَلَى أَرْبَابِهَا إلَى أَنْ لَا يَبْقَى مِنْهُمْ أَحَدٌ فَحِينَئِذٍ يَنْتَقِلُ الْمِلْكُ إلَى بَيْتِ الْمَالِ فَيُؤَجِّرُهَا الْإِمَامُ وَيَأْخُذُ جَمِيعَ الْأُجْرَةِ لِبَيْتِ الْمَالِ كَدَارٍ صَارَتْ لِبَيْتِ الْمَالِ وَاخْتَارَ السُّلْطَانُ اسْتِغْلَالَهَا فَإِنَّهُ يُؤَجِّرُهَا وَيَأْخُذُ أُجْرَتَهَا مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ لِبَيْتِ الْمَالِ فَإِذَا اخْتَارَ بَيْعَهَا فَلَهُ ذَلِكَ إمَّا مُطْلَقًا أَوْ لِحَاجَةٍ أَوْ مَصْلَحَةٍ كَمَا بَيَّنَّاهُ اهـ. قَوْلُهُ فَيُؤَجِّرُهَا الْإِمَامُ يَعْنِي بِنَفْسِهِ أَوْ نَائِبِهِ وَيُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُزَارِعِينَ أَنْ يُؤَجِّرُوهَا لِأَنْفُسِهِمْ بِمَالٍ يَأْخُذُونَهُ لِأَنْفُسِهِمْ غَيْرَ مَا يَأْخُذُهُ الْإِمَامُ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ إذْ لَا وِلَايَةَ لَهُ فِي ذَلِكَ وَيَظْهَرُ بِهِ جَهْلُ مُزَارِعِي الْأَرَاضِي السُّلْطَانِيَّةِ وَأَرَاضِي الْوَقْفِ بِبِلَادِنَا بِأُجْرَةٍ يَأْخُذُهَا الْمُزَارِعُ لِنَفْسِهِ وَأَفْتَيْت بِعَدَمِ جَوَازِهِ (قَوْلُهُ إنَّمَا هُوَ بَدَلُ إجَارَةٍ لَا خَرَاجٍ) ذَكَرَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة السُّلْطَانُ إذَا دَفَعَ أَرَاضِي لَا مَالَك لَهَا وَهِيَ الَّتِي تُسَمَّى الْأَرَاضِي الْمُمَلَّكَةَ إلَى قَوْمٍ لِيُعْطُوا الْخَرَاجَ جَازَ وَطَرِيقُ الْجَوَازِ أَحَدُ شَيْئَيْنِ إمَّا إقَامَتُهُمْ مَقَامَ الْمُلَّاكِ فِي الزِّرَاعَةِ وَإِعْطَاءِ الْخَرَاجِ أَوْ الْإِجَارَةِ بِقَدْرِ الْخَرَاجِ وَيَكُونُ الْمَأْخُوذُ مِنْهُمْ خَرَاجًا فِي حَقِّ الْإِمَامِ أُجْرَةً فِي حَقِّهِمْ اهـ. أَقُولُ: يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَا عُشْرَ عَلَى الْمُزَارِعِينَ فِي الْأَرَاضِي الشَّامِيَّةِ لِأَنَّهَا مِنْ الْأَرَاضِي الْمُمَلَّكَةِ فَإِنْ كَانَ الْمَأْخُوذُ مِنْهُمْ خَرَاجًا فَهُوَ لَا يَجْتَمِعُ مَعَ الْعُشْرِ وَإِنْ كَانَ أُجْرَةً فَالْمُسْتَأْجِرُ لَا عُشْرَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَإِنَّمَا الْعُشْرُ عَلَى الْمُؤَجِّرِ نَعَمْ عِنْدَ هُمَا الْعُشْرُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ لَكِنَّ هَذَا الْمَأْخُوذَ لَيْسَ أُجْرَةً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِأَنَّهُ خَرَاجٌ فِي حَقِّ الْإِمَامِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَكَذَلِكَ نَقُولُ الْإِمَامُ بَيْعُ الْعَقَارِ إلَخْ) قَالَ فِي رِسَالَتِهِ التُّحْفَةِ الْمُرْضِيَةِ ثُمَّ ظَاهِرُ مَا فِي الْخُلَاصَةِ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْبَيْعِ لِلْإِمَامِ مُطْلَقًا فَإِنَّهُ قَالَ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ مِنْ فَصْلِ الْخَرَاجِ مَا نَصُّهُ أَرْضُ خَرَاجٍ مَاتَ مَالِكُهَا فَلِلسُّلْطَانِ أَنْ يُؤَجِّرَهَا وَيَأْخُذَ الْخَرَاجَ مِنْ أُجْرَتِهَا وَفِي سِيَرِ وَاقِعَاتِ النَّاطِفِيِّ فِي بَابِ الْبَاءِ لَوْ أَرَادَ السُّلْطَانُ أَنْ يَشْتَرِيَهَا لِنَفْسِهِ يَأْمُرُ غَيْرَهُ بِأَنْ يَبِيعَهَا ثُمَّ يَشْتَرِيَهَا مِنْهُ لِنَفْسِهِ اهـ. فَقَدْ أَفَادَ جَوَازَ الْبَيْعِ وَلَمْ يُقَيِّدْ بِشَيْءٍ مَعَ أَنَّهَا بِمَوْتِ مَالِكِهَا صَارَتْ لِبَيْتِ الْمَالِ إذْ الْمَفْرُوضُ أَنْ لَيْسَ لِمَالِكِهَا وَارِثٌ بِدَلِيلِ أَنَّهُ قَالَ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يُؤَجِّرَهَا وَلَوْ خَلَّفَ مَالِكُهَا وَارِثًا لَكَانَ الْوَارِثُ هُوَ الْمُتَصَرِّفُ وَالْخَرَاجُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فِيهَا وَلَوْ كَانَ صَغِيرًا لِأَنَّ الْخَرَاجَ يَجِبُ فِي أَرَاضِي الصَّبِيِّ لِأَنَّهُ مُؤْنَةٌ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ وَصَرَّحَ الْإِمَامُ الزَّيْلَعِيُّ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ بِأَنَّ لِلْإِمَامِ وِلَايَةً عَامَّةً وَلَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَالِاعْتِيَاضُ عَنْ الْمُشْتَرَكِ الْعَامِّ جَائِزٌ مِنْ الْإِمَامِ وَلِهَذَا لَوْ بَاعَ شَيْئًا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ صَحَّ بَيْعُهُ اهـ. فَقَوْلُهُ شَيْئًا نَكِرَةً فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ فَيَعُمُّ الْمَنْقُولَ وَالْعَقَارَ وَالدُّورَ وَالْأَرَاضِيَ اهـ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 114 بِهِ وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ مُهِمَّةٌ وَقَعَ النِّزَاعُ فِيهَا فِي زَمَانِنَا فِي تَفْتِيشٍ وَقَعَ مِنْ نَائِبِ مِصْرَ عَلَى الرِّزْقِ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ وَتِسْعِمِائَةٍ حَتَّى ادَّعَى بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الْمُبَايَعَاتِ لِلْأَرَاضِيِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ غَيْرُ صَحِيحَةٍ لِيَتَوَصَّلَ بِذَلِكَ إلَى إبْطَالِ الْأَوْقَافِ وَالْخَيْرَاتِ وَهُوَ مَرْدُودٌ بِمَا ذَكَرْنَاهُ ثُمَّ قَدِمَ بَعْدَ ذَلِكَ بِيَسِيرٍ شَخْصٌ وَلَّاهُ السُّلْطَانُ أَمْرَ الْأَوْقَافِ فَطَلَبَ أَنْ يُحْدِثَ عَلَى أَرَاضِي الْأَوْقَافِ خَرَاجًا مُتَمَسِّكًا بِأَنَّ الْخَرَاجَ وَاجِبٌ فِي أَرْضِ الْوَقْفِ وَهُوَ مَرْدُودٌ عَلَيْهِ بِمَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْمُحَقِّقِ ابْنِ الْهُمَامِ مِنْ أَنَّ الْخَرَاجَ ارْتَفَعَ عَنْ أَرَاضِي مِصْرَ إنَّمَا الْمَأْخُوذُ مِنْهَا أُجْرَةٌ فَصَارَتْ الْأَرَاضِي بِمَنْزِلَةِ دُورِ السُّكْنَى لِعَدَمِ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ فَإِذَا اشْتَرَاهَا إنْسَانٌ مِنْ الْإِمَامِ بِشَرْطِهِ شِرَاءً صَحِيحًا مَلَكَهَا وَلَا خَرَاجَ عَلَيْهَا فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ لِأَنَّ الْإِمَامَ قَدْ أَخَذَ الْبَدَلَ لِلْمُسْلِمِينَ فَإِذَا وَقَفَهَا سَالِمَةً مِنْ الْمُؤَنِ فَلَا يَجِبُ الْخَرَاجُ فِيهَا وَتَمَامُهُ فِيمَا كَتَبْنَاهُ فِي تِلْكَ السَّنَةِ الْمُسَمَّى بِالتُّحْفَةِ الْمَرَضِيَّةِ فِي الْأَرَاضِي الْمِصْرِيَّةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ أَحْيَا أَرْضًا مَوَاتًا يُعْتَبَرُ قُرْبُهُ) أَيْ لَوْ أَحْيَا الْمُسْلِمُ وَالْمُرَادُ بِالْقُرْبِ أَنَّهَا إنْ كَانَتْ بِقُرْبِ أَرْضِ الْخَرَاجِ فَهِيَ خَرَاجِيَّةٌ وَإِنْ كَانَتْ بِقُرْبِ أَرْضِ الْعُشْرِ فَهِيَ عُشْرِيَّةٍ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ مَا قَرُبَ مِنْ الشَّيْءِ أَخَذَ حُكْمَهُ كَفِنَاءِ الدَّارِ لِصَاحِبِهَا الِانْتِفَاعُ بِهِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِلْكًا لَهُ وَلِذَا يَجُوزُ إحْيَاءُ مَا قَرُبَ مِنْ الْعَامِرِ وَاعْتَبَرَ مُحَمَّدٌ الْمَاءَ فَإِنْ أَحْيَاهَا بِمَاءِ الْخَرَاجِ فَهِيَ خَرَاجِيَّةٌ وَإِلَّا فَعُشْرِيَّةٌ. قَيَّدْنَا بِالْمُسْلِمِ لِأَنَّ الْكَافِرَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ مُطْلَقًا كَذَا فِي الشَّرْحِ وَقَدَّمْنَاهُ اهـ. (قَوْلُهُ وَالْبَصْرَةُ عُشْرِيَّةٍ) نَصَّ عَلَيْهَا لِأَنَّ مُقْتَضَى مَا سَبَقَ أَنْ تَكُونَ خَرَاجِيَّةً لِأَنَّهَا مِنْ حَيِّزِ أَرْضِ الْخَرَاجِ لَكِنْ تَرْكُ الْقِيَاسِ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - عَلَى تَوْظِيفِ الْعُشْرِ عَلَيْهَا كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْحَيِّزَ إنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي الْأَرْضِ الْمُحْيَاةِ وَالْبَصْرَةُ لَمْ تَكُنْ مُحْيَاةً وَإِنَّمَا فُتِحَتْ عَنْوَةً فَقِيَاسُ مَا مَضَى أَنْ تَكُونَ خَرَاجِيَّةً كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي التَّبْيِينِ كَمَا خَرَجَ عَنْ الْقِيَاسِ مَكَّةُ الْمُشَرَّفَةُ فَإِنَّ الْقِيَاسَ وَضْعُ الْخَرَاجِ عَلَيْهَا لِكَوْنِهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يُوَظِّفْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهَا الْخَرَاجَ تَعْظِيمًا لَهَا وَلِأَهْلِهَا فَكَمَا لَا رِقَّ عَلَى الْعَرَبِ فَكَذَلِكَ لَا خَرَاجَ عَلَى أَرَاضِيهِمْ كَذَا فِي الْبِنَايَةِ (قَوْلُهُ وَخَرَاجُ جَرِيبٍ صَلُحَ لِلزَّارِعَةِ صَاعٌ وَدِرْهَمٌ وَفِي جَرِيبِ الرَّطْبَةِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ وَفِي جَرِيبِ الْكَرْمِ وَالنَّخْلِ الْمُتَّصِلِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ) بَيَانٌ لِلْخَرَاجِ الْمُوَظَّفِ وَهَذَا هُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّهُ بَعَثَ عُثْمَانَ بْنَ حُنَيْفٍ حَتَّى يَمْسَحَ سَوَادَ الْعِرَاقِ وَجَعَلَ حُذَيْفَةَ مُشْرِفًا فَمَسَحَ فَبَلَغَ سِتًّا وَثَلَاثِينَ أَلْفَ أَلْفَ جَرِيبٍ وَوَضَعَ عَلَى ذَلِكَ مَا قُلْنَاهُ وَكَانَ ذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَكَانَ إجْمَاعًا مِنْهُمْ وَلِأَنَّ الْمُؤَنَ مُتَفَاوِتَةٌ فَالْكَرْمُ أَخَفُّهَا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَتَمَامُهُ فِيمَا كَتَبْنَاهُ إلَخْ) حَيْثُ قَالَ وَأَمَّا إذَا بَاعَهَا بَعْدَمَا صَارَتْ لِبَيْتِ الْمَالِ فَإِنَّمَا بَاعَهَا بَعْدَمَا سَقَطَ الْخَرَاجُ عَنْهَا بِعَدَمِ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ يَجِبُ فِي الذِّمَّةِ لَا فِي الْخَارِجِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجِبُ بِالتَّمَكُّنِ مِنْ الزِّرَاعَةِ وَقَدْ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْخَانِيَّةِ إنَّ خَرَاجَ الْوَظِيفَةِ هُوَ أَنْ يَكُونَ الْوَاجِبُ فِيهَا شَيْئًا فِي الذِّمَّةِ يَتَعَلَّقُ بِالتَّمَكُّنِ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِالْأَرْضِ اهـ. لَا يُقَالُ إنَّ الْخَرَاجَ وَظِيفَةُ الْأَرْضِ لَا يَسْقُطُ أَصْلًا لِأَنَّا نَقُولُ هُوَ كَذَلِكَ مَا دَامَتْ الذِّمَّةُ صَالِحَةً لِلْوُجُوبِ فَإِذَا مَاتَ مَالِكُهَا وَلَمْ يُخَلِّفْ وَارِثًا سَقَطَ لِعَدَمِ الْمَحَلِّ وَلَا يُمْكِنُ الْوُجُوبُ عَلَى الْمُشْتَرِي مِنْ السُّلْطَانِ لِأَنَّ الْخَرَاجَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الِالْتِزَامِ حَقِيقَةً وَهُوَ ظَاهِرٌ أَوْ حُكْمًا بِأَنْ انْتَقَلَتْ الْأَرْضُ إلَيْهِ مِمَّنْ وَجَبَ الْخَرَاجُ عَلَيْهِ لِنَفْسِهِ كَبَيْعِهِ أَوْ بَيْعِ السُّلْطَانِ عِنْدَ عَجْزِهِ وَلَمْ يُوجَدْ فِي مَسْأَلَتِنَا وَلَوْ قَبِلَ بِوَضْعِ الْخَرَاجِ الْآنَ عَلَى أَرْضِهِ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَجُوزُ وَضْعُ الْخَرَاجِ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً وَإِنْ جَازَ بَقَاءً بِالْتِزَامِهِ وَإِنَّمَا وَجَبَ الْخَرَاجُ عَلَيْهِ فِيمَا إذَا جَعَلَ دَارِهِ بُسْتَانًا وَسَقَاهُ بِمَاءِ الْخَرَاجِ لِمَا أَنَّ سَقْيَهُ بِمَاءِ الْخَرَاجِ الْتِزَامٌ مِنْهُ كَمَا فِي شُرُوحِ الْهِدَايَةِ مَعَ أَنَّ الْمَذْهَبَ وُجُوبُ الْعُشْرِ مُطْلَقًا دُونَ الْخَرَاجِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ لِمَا ذُكِرَ وَلَوْ قِيلَ بِعَوْدِهِ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ السَّاقِطَ لَا يَعُودُ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ بَابِ زَوَالِ الْمَانِعِ لِأَنَّ الْمُقْتَضَى لَمْ يَبْقَ مَوْجُودًا وَهُوَ الِالْتِزَامُ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا اهـ. مُلَخَّصًا ثُمَّ قَالَ تِلْكَ الرِّسَالَةُ. فَإِنْ قُلْت إنَّ الْأَرَاضِيَ الَّتِي لِلزِّرَاعَةِ لَا تَخْلُو عَنْ مُؤْنَةٍ أَمَّا الْخَرَاجُ أَوْ الْعُشْرُ وَقَدْ حَكَمْت بِسُقُوطِ الْخَرَاجِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ الْعُشْرُ قُلْت نَعَمْ يَنْبَغِي وُجُوبُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهَا وَصَرَّحُوا فِي الْأُصُولِ بِأَنَّ الْعُشْرَ يَجِبُ فِي مَالِ الْوَقْفِ وَصَرَّحَ فِي خِزَانَةِ الْفِقْهِ مِنْ كِتَابِ الْوَقْفِ بِأَنَّ الْمُتَوَلِّيَ إذَا دَفَعَ أَرْضَ الْوَقْفِ مُزَارَعَةً جَازَ عِنْدَ الصَّالِحِينَ وَكَانَ الْعُشْرُ عَلَى أَرْبَابِ الْوَقْفِ فِيمَا كَانَ لَهُمْ وَإِنْ كَانَ الْأَرْبَابُ مَسَاكِينَ انْتَهَتْ وَكَذَا صَرَّحَ بِوُجُوبِ الْعُشْرِ الْخَصَّافُ وَغَيْرُهُ وَإِنَّمَا لَمْ أَجْزِمْ بِهِ فِي الْأَرَاضِي الْمِصْرِيَّةِ الْمَوْقُوفَةِ لِأَنِّي لَمْ أَرَ نَقْلًا فِي وُجُوبِهِ إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ مُشْتَرَاةً مِنْ بَيْتِ الْمَالِ اهـ. (قَوْلُهُ كَمَا خَرَجَ عَنْ الْقِيَاسِ مَكَّةُ الْمُشَرَّفَةُ إلَخْ) فِيهِ أَنَّهَا شَرَّفَهَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَقَدْ أَطْلَقُوا أَنَّهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 115 مُؤْنَةً وَالْمَزَارِعُ أَكْثَرُهَا مُؤْنَةً وَالرِّطَابُ بَيْنَهُمَا وَالْوَظِيفَةُ تَتَفَاوَتُ بِتَفَاوُتِهَا فَجَعَلَ الْوَاجِبَ فِي الْكَرْمِ أَعْلَاهَا وَفِي الزَّرْعِ أَدْنَاهَا وَفِي الرَّطْبَةِ أَوْسَطَهَا وَالْجَرِيبُ أَرْضٌ طُولُهَا سِتُّونَ ذِرَاعًا وَعَرْضُهَا كَذَلِكَ لَكِنْ اُخْتُلِفَ فِي الذِّرَاعِ فَفِي كُتُبِ الْفِقْهِ أَنَّهُ سَبْعُ قَبَضَاتٍ وَهُوَ ذِرَاعُ كِسْرَى يَزِيدُ عَلَى ذِرَاعِ الْعَامَّةِ بِقَبْضَةٍ. وَفِي الْمُغْرِبِ أَنَّهُ سِتُّ قُبْضَانٍ وَالْقَبْضَةُ أَرْبَعُ أَصَابِعَ اهـ. وَفِي الْكَافِي مَا قِيلَ الْجَرِيبُ سِتُّونَ فِي سِتِّينَ حِكَايَةً عَنْ جَرِيبِهِمْ فِي أَرَاضِيهِمْ وَلَيْسَ بِتَقْدِيرٍ لَازِمٍ فِي الْأَرَاضِي كُلِّهَا بَلْ جَرِيبُ الْأَرْضِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْبُلْدَانِ فَيُعْتَبَرُ فِي كُلِّ بَلَدٍ مُتَعَارَفُ أَهْلِهِ اهـ. وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يُعْتَبَرَ فِي مِصْرَ الْفَدَّانُ فَإِنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ غَيْرَهُ لَكِنَّ مَا فِي الْكَافِي مَرْدُودٌ وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّقْدِيرِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقُيِّدَ بِصَلَاحِيَّتِهِ لِأَنَّهُ لَا شَيْءَ فِي غَيْرِ الصَّالِحِ لَهَا وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا زَرَعَهُ صَاحِبُهُ فِي السَّنَةِ مَرَّةً أَوْ مِرَارًا أَوْ لَمْ يَزْرَعْهُ وَلَمْ يَذْكُرْهَا تَقْدِيرُ الصَّاعِ لِلِاكْتِفَاءِ بِمَا قَدَّمَهُ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ مِنْ أَنَّهُ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ كُلَّ مَزْرُوعٍ فِيهِ فَيُؤْخَذُ قَفِيزٌ مِمَّا زُرِعَ حِنْطَةً أَوْ شَعِيرُ أَوْ عَدَسًا أَوْ ذُرَةً وَهُوَ الصَّحِيحُ وَلَمْ يُقَدَّرْ الدِّرْهَمُ لِلِاكْتِفَاءِ بِمَا ذَكَرَهُ فِي الزَّكَاةِ مِنْ أَنَّ الْعَشَرَةَ مِنْهَا بِوَزْنِ سَبْعَةِ مَثَاقِيلَ وَذَكَرَ الْعَيْنِيُّ أَنَّهُ يُعْطِي الدِّرْهَمَ مِنْ أَجْوَدِ النُّقُودِ الرَّطْبَةِ بِفَتْحِ الرَّاءِ الأسفست الرَّطْبَ وَالْجَمْعُ رِطَابٌ وَفِي كِتَابِ الْعُشْرِ الْبُقُولُ غَيْرُ الرِّطَابِ وَإِنَّمَا الْبُقُولُ مِثْلُ الْكُرَّاثِ وَالرِّطَابُ هُوَ الْقِثَّاءُ وَالْبِطِّيخُ وَالْبَاذِنْجَانُ وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهُ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَذْكُورُ فِيمَا عِنْدِي مِنْ كُتُبِ اللُّغَةِ فَحَسْبُ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَفِي الْعَيْنِيِّ الرَّطْبَةُ الْبِرْسِيمُ اهـ. وَيَنْبَغِي أَنْ يُفَسَّرَ بِمَا فِي كِتَابِ الْعُشْرِ كَمَا لَا يَخْفَى وَأَفَادَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ الرَّطْبَةِ شَيْءٌ مِنْ الْخَارِجِ وَقَيَّدَ بِالِاتِّصَالِ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مُتَفَرِّقَةً فِي جَوَانِبِ الْأَرْضِ وَوَسَطُهَا مَزْرُوعَةً فَلَا شَيْءَ فِيهَا وَكَذَا لَوْ غَرَسَ أَشْجَارًا غَيْرَ مُثْمِرَةٍ وَلَوْ كَانَتْ الْأَشْجَارُ مُلْتَفَّةً لَا يُمْكِنُ زِرَاعَةُ أَرْضِهَا فَهِيَ كَرْمٌ ذَكَرَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَوْ أَنْبَتَ أَرْضَهُ كَرْمًا فَعَلَيْهِ خَرَاجُهَا إلَى أَنْ تَطْعَمَ فَإِذَا أَطْعَمَتْ فَإِنْ كَانَ ضِعْفُ وَظِيفَةِ الْكَرْمِ فَفِيهِ وَظِيفَةُ الْكَرْمِ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ فَنِصْفُهُ إلَى أَنْ يَنْقُصَ عَنْ قَفِيزٍ وَدِرْهَمٍ فَإِنْ نَقَصَ فَعَلَيْهِ دِرْهَمٌ وَقَفِيزٌ اهـ. وَفِي الْبِنَايَةِ الْمُتَّصِلُ مَا يَتَّصِلُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ عَلَى وَجْهٍ تَكُونُ كُلُّ الْأَرْضِ مَشْغُولَةً بِهَا وَفِي الْهِدَايَةِ وَفِي دِيَارنَا وَظَّفُوا مِنْ الدَّرَاهِمِ فِي الْأَرَاضِي كُلِّهَا وَتَرَكَ كَذَلِكَ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ بِقَدْرِ الطَّاقَةِ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ كَانَ اهـ قُلْت وَكَذَا فِي غَالِبِ أَرَاضِي مِصْرَ لَا يُؤْخَذُ خَرَاجُهَا إلَّا دَرَاهِمَ بِخِلَافِ أَرَاضِي الصَّعِيدِ فَإِنَّ غَالِبَ خَرَاجِهَا الْقَمْحُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ مَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الْأَصْنَافِ كَالزَّعْفَرَانِ وَالْبُسْتَانِ وَغَيْرِهِ لِأَنَّهُ يُوضَعُ عَلَيْهَا بِحَسَبِ الطَّاقَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَوْظِيفُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَدْ اُعْتُبِرَ فِي ذَلِكَ الطَّاقَةُ فَنَعْتَبِرُهَا فِيمَا لَا تَوْظِيفَ فِيهِ قَالُوا أَوْ نِهَايَةُ الطَّاقَةِ أَنْ يَبْلُغَ الْوَاجِبُ نِصْفَ الْخَارِجِ لَا يُزَادُ عَلَيْهِ لِأَنَّ التَّنْصِيفَ عَيْنُ الْإِنْصَافِ لَمَّا كَانَ لَنَا أَنْ نَقْسِمَ الْكُلَّ بَيْنَ الْغَانِمِينَ وَالْبُسْتَانُ كُلُّ أَرْضٍ يَحُوطُهَا حَائِطٌ وَفِيهَا نَخِيلٌ مُتَفَرِّقَةٌ وَأَشْجَارٌ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ خَرَاجَ الْمَقَّاسَةِ لِظُهُورِهِ فَإِذَا مَنَّ الْإِمَامُ عَلَيْهِمْ جَعَلَ عَلَى أَرَاضِيهمْ نِصْفَ الْخَارِجِ أَوْ ثُلُثَهُ أَوْ رُبْعَهُ. قَالَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ لَا يُزَادُ عَلَى النِّصْفِ وَلَا يَنْقُصُ عَنْ الْخُمْسِ. (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ تُطِقْ مَا وَظَّفَ نَقَصَ بِخِلَافِ الزِّيَادَةِ) أَيْ وَإِنْ لَمْ تُطِقْ الْأَرْضُ مَا جُعِلَ عَلَيْهَا مِنْ الْخَرَاجِ الْمُوَظَّفِ السَّابِقِ نُقِضَ عَنْهَا مَا لَا تُطِيقُهُ وَجَعَلَ عَلَيْهَا مَا تُطِيقُهُ بِخِلَافِ الزِّيَادَةِ عَلَى مَا وَظَّفَهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّهَا لَا تَجُوزُ وَإِنْ طَاقَتْهَا الْأَرْضُ لِقَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِعَامِلَيْهِ لَعَلَّكُمَا حَمَّلْتُمَا الْأَرْضَ مَا لَا تُطِيقُ فَقَالَا بَلْ حَمَّلْنَاهَا مَا تُطِيقُ وَلَوْ زِدْنَا لَأَطَاقَتْ وَهُوَ دَالٌّ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْأَمْرَيْنِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْأَرَاضِيَ الَّتِي صَدَرَ التَّوْظِيفُ فِيهَا مِنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَوْ مِنْ إمَامٍ بِمِثْلِ وَظِيفَةِ عُمَرَ وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَأَمَّا إذَا أَرَادَ الْإِمَامُ   [منحة الخالق] عُشْرِيَّةٍ قَالَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ (قَوْلُهُ فَيُؤْخَذُ قَفِيزٌ مِمَّا زُرِعَ) قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة أَرَادَ بِالْقَفِيزِ الصَّاعَ الَّذِي كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ بِالْعِرَاقِيِّ وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَمْنَاءَ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلَ ثُمَّ رَجَعَ أَبُو يُوسُفَ وَقَالَ هُوَ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثُ رِطْلٍ وَهُوَ صَاعُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ. (قَوْلُهُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ خَرَاجَ الْمُقَاسَمَةِ لِظُهُورِهِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَهُوَ كَالْمُوَظِّفِ مَصْرِفًا وَكَالْعُشْرِ مَأْخَذًا لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الرِّطَابِ وَالزَّرْعِ وَالْكَرْمِ وَالنَّخْلِ الْمُتَّصِلِ وَغَيْرِهِ فَيُقْسَمُ الْجَمِيع عَلَى حَسَبِ مَا تُطِيقُ الْأَرْضُ مِنْ النِّصْفِ أَوْ الثُّلُثِ أَوْ الرُّبْعِ أَوْ الْخُمُسِ وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ خَرَاجَ الْمُقَاسَمَةِ كَالْعُشْرِ لِتَعَلُّقِهِ بِالْخَارِجِ وَلِذَا يَتَكَرَّرُ وَيَتَكَرَّرُ الْخَارِجُ فِي السَّنَةِ وَإِنَّمَا يُفَارِقُهُ فِي الْمَصْرِفِ فَكُلُّ شَيْءٍ يُؤْخَذُ مِنْهُ الْعُشْرُ أَوْ نِصْفُهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ خَرَاجُ الْمُقَاسَمَةِ وَتَجْرِي الْأَحْكَامُ الَّتِي قُرِّرَتْ فِي الْعُشْرِ فِيهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 116 تَوْظِيفَ الْخَرَاجِ عَلَى أَرْضٍ ابْتِدَاءً وَزَادَ عَلَى وَظِيفَةِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يَزِدْ لَمَّا أَخْبَرَاهُ بِزِيَادَةِ الطَّاقَةِ كَذَا فِي الْكَافِي وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْأَرْضَ الَّتِي فُتِحَتْ بَعْدَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَوْ كَانَتْ تُزْرَعُ الْحِنْطَةَ فَأَرَادَ أَنْ يَضَعَ عَلَيْهَا دِرْهَمَيْنِ وَقَفِيزًا وَهِيَ تُطِيقُهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَمَعْنَى عَدَمِ الْإِطَاقَةِ أَنَّ الْخَارِجَ مِنْهَا لَمْ يَبْلُغْ ضِعْفَ الْخَرَاجِ الْمُوَظَّفِ فَيَنْقُصُ مِنْهُ إلَى نِصْفِ الْخَارِجِ كَذَا أَفَادَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَظَاهِرُ مَا فِي الْكِتَابِ أَنَّ النُّقْصَانَ عِنْدَ الْإِطَاقَةِ لَا يَجُوزُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَقَدْ نَقَلَ فِي الْبِنَايَةِ عَنْ الْكَاكِيِّ أَنَّهُ إذَا جَازَ النُّقْصَانُ عِنْدَ قِيَامِ الطَّاقَةِ فَعِنْدَ عَدَمِ الطَّاقَةِ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى. (قَوْلُهُ وَلَا خَرَاجَ إنْ غَلَبَ عَلَى أَرْضِهِ الْمَاءُ أَوْ انْقَطَعَ أَوْ أَصَابَ الزَّرْعَ آفَةٌ) لِأَنَّهُ فَاتَ التَّمَكُّنُ مِنْ الزِّرَاعَةِ وَهُوَ النَّمَاءُ التَّقْدِيرِيُّ الْمُعْتَبَرُ فِي الْخَرَاجِ وَفِيمَا إذَا اصْطَلَمَ الزَّرْعَ آفَةٌ فَاتَ النَّمَاءُ التَّقْدِيرِيُّ بِرَيٍّ فِي بَعْضِ الْحَوْلِ وَكَوْنُهُ نَامِيًا فِي جَمِيعِ الْحَوْلِ شَرْطٌ كَمَا فِي الزَّكَاةِ أَوْ يُدَارُ الْحُكْمُ عَلَى الْحَقِيقَةِ عِنْدَ خُرُوجِ الْخَارِجِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ ذَهَابَ كُلِّ الْخَارِجِ أَوْ بَعْضِهِ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِالْأَوَّلِ أَمَّا فِي الثَّانِي قَالَ مُحَمَّدٌ إنْ بَقِيَ مِقْدَارُ الْخَرَاجِ وَمِثْلُهُ بِأَنْ بَقِيَ مِقْدَارُ دِرْهَمَيْنِ وَقَفِيزَيْنِ يَجِبُ الْخَرَاجُ وَإِنْ بَقِيَ أَقَلُّ مِنْ مِقْدَارِ الْخَرَاجِ يَجِبُ نِصْفُهُ قَالَ مَشَايِخُنَا وَالصَّوَابُ فِي هَذَا أَنْ يُنْظَرَ أَوَّلًا إلَى مَا أَنْفَقَ هَذَا الرَّجُلُ فِي هَذِهِ الْأَرْضِ ثُمَّ يُنْظَرَ إلَى الْخَارِجِ فَيُحْسَبَ مَا أَنْفَقَ أَوَّلًا مِنْ الْخَارِجِ فَإِنْ فَضَلَ مِنْهُ شَيْءٌ أُخِذَ مِنْهُ مِقْدَارُ مَا بَيَّنَّا وَمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ أَنَّ الْخَرَاجَ يَسْقُطُ بِالِاصْطِلَامِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَبْقَ مِنْ السَّنَةِ مِقْدَارُ مَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَزْرَعَ الْأَرْضَ أَمَّا إذَا بَقِيَ ذَلِكَ لَا يَسْقُطُ الْخَرَاجُ كَذَا فِي الْفَوَائِدِ وَأَطْلَقَ الْآفَةَ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِالْآفَةِ السَّمَاوِيَّةِ الَّتِي لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهَا كَالْغَرَقِ وَالِاحْتِرَاقِ وَشِدَّةِ الْبَرْدِ أَمَّا إذَا كَانَتْ غَيْرَ سَمَاوِيَّةٍ وَيُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهَا كَأَكْلِ الْقِرَدَةِ وَالسِّبَاعِ وَالْأَنْعَامِ وَنَحْوِ ذَلِكَ لَا يَسْقُطُ الْخَرَاجُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَسْقُطُ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّ هَلَاكَ الْخَارِجِ قَبْلَ الْحَصَادِ يَسْقُطُ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَمِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّ الدُّودَةَ وَالْفَأْرَةَ إذَا أَكَلَا الزَّرْعَ لَا يُقَسَّطُ الْخَرَاجُ وَقَيَّدَ بِالزَّرْعِ وَهُوَ اسْمٌ لِلْقَائِمِ لِأَنَّهُ لَوْ هَلَكَ بَعْدَ الْحَصَادِ لَا يَسْقُطُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ شَيْخُ الْإِسْلَامِ. وَقَيَّدَ بِالْخَرَاجِ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ تَسْقُطُ بِالْأُولَيَيْنِ وَأَمَّا بِالثَّالِثِ فَذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوَاهُ إذَا اسْتَأْجَرَ أَرْضًا لِلزِّرَاعَةِ سَنَةً ثُمَّ اصْطَلَمَ الزَّرْعَ آفَةٌ قَبْلَ مُضِيِّ السَّنَةِ فَمَا وَجَبَ مِنْ الْأَجْرِ قُبَيْلَ الِاصْطِلَامِ لَا يَسْقُطُ وَمَا وَجَبَ بَعْدَ الِاصْطِلَامِ يَسْقُطُ لِأَنَّ الْأَجْرَ إنَّمَا يَجِبُ بِإِزَاءِ الْمَنْفَعَةِ شَيْئًا فَشَيْئًا فَمَا اسْتَوْفَى مِنْ الْمَنْفَعَةِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْأَجْرُ وَمَا لَمْ يَسْتَوْفِ انْفَسَخَ الْعَقْدُ فِي حَقِّهِ وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ وَالِاعْتِمَادُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فَرَّقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْخَرَاجِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ اهـ. قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَمِمَّا حُمِدَ مِنْ سِيَرِ الْأَكَاسِرَةِ أَنَّهُمْ إذَا أَصَابَ بَعْضَ زَرْعِ الرَّعِيَّةِ آفَةٌ غَرِمُوا لَهُ مَا أَنْفَقَ فِي الزِّرَاعَةِ مِنْ بَيْتِ مَالِهِمْ وَقَالَ: التَّاجِرُ شَرِيكٌ فِي الْخُسْرَانِ كَمَا هُوَ شَرِيكٌ فِي الرِّبْحِ فَإِذَا لَمْ يُعْطِهِ الْإِمَامُ شَيْئًا فَلَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ لَا يُغَرِّمَهُ الْخَرَاجَ اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ عَطَّلَهَا صَاحِبُهَا أَوْ أَسْلَمَ أَوْ اشْتَرَى مُسْلِمٌ أَرْضَ خَرَاجٍ يَجِبُ) أَيْ الْخَرَاجُ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ التَّمَكُّنَ كَانَ ثَابِتًا وَهُوَ الَّذِي فَوَّتَهُ قَالُوا مَنْ انْتَقَلَ إلَى أَحْسَنِ الْأَمْرَيْنِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَعَلَيْهِ خَرَاجُ الْأَعْلَى لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي ضَيَّعَ الزِّيَادَةَ كَمَا إذَا كَانَتْ صَالِحَةً لِلزَّعْفَرَانِ فَزَرَعَ الشَّعِيرَ وَهَذَا يُعْرَفُ وَلَا يَفْنَى بِهِ كَيْ لَا يَتَجَرَّأَ الظَّلَمَةُ عَلَى أَخْذِ أَمْوَالِ النَّاسِ لِأَنَّا لَوْ أَفْتَيْنَا بِذَلِكَ يَدَّعِي كُلُّ ظَالِمٍ فِي أَرْضٍ لَيْسَ هَذَا شَأْنُهَا أَنَّهَا كَانَتْ تَزْرَعُ الزَّعْفَرَانَ فَيَأْخُذُ خَرَاجَهُ فَيَكُونُ ظُلْمًا وَعُدْوَانًا. قَيَّدَ بِكَوْنِهِ الْمُعَطَّلَ لِأَنَّهُ لَوْ مَنَعَهُ   [منحة الخالق] وِفَاقًا وَخِلَافًا ثُمَّ بَحَثَ أَنَّهَا لَوْ لَمْ تُطِقْ الْخُمُسَ لِقِلَّةِ الرِّيعِ وَكَثْرَةِ الْمُؤَنِ يَنْقُص وَأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ الرِّضَى عَلَى دَرَاهِمَ مُعَيَّنَةٍ أَوْ عَلَى عَدَدِ الْأَشْجَارِ يَنْبَغِي الْجَوَازُ ثُمَّ نَقَلَ عَنْ الْكَافِي لَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يُحَوِّلَ الْخَرَاجَ الْمُوَظَّفَ إلَى خَرَاجِ الْمُقَاسَمَةِ اهـ. قَالَ وَكَذَلِكَ عَكْسُهُ فِيمَا يَظْهَرُ مِنْ تَعْلِيلِهِ لِأَنَّهُ قَالَ لِأَنَّ فِيهِ نَقْضَ الْعَهْدِ وَهُوَ حَرَامٌ فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ فَإِنَّهُ مُفْرَدٌ. (قَوْلُهُ كَذَا أَفَادَهُ فِي الْخُلَاصَةِ) حَيْثُ قَالَ فَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ لَا تُطِيقُ أَنْ يَكُونَ الْخَرَاجُ خَمْسَةً بِأَنْ كَانَ الْخَارِجُ لَا يَبْلُغُ عَشْرَةً يَجُوزُ أَنْ يَنْقُصَ حَتَّى يَصِيرَ مِثْلَ نِصْفِ الْخَارِجِ اهـ. وَفِي هَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَرَضِينَ الَّتِي وَظَّفَ عَلَيْهَا عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - ثُمَّ نَقَصَ نُزُلُهَا وَضَعُفَتْ الْآنَ أَوْ غَيْرَهَا كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. (قَوْلُهُ وَمِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّ الدُّودَةَ وَالْفَأْرَةَ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَلْحَقَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ الْجَرَادَ بِمَا لَا يُمْكِنُ دَفْعُهُ وَأَنَّهُ يَسْقُطُ بِأَكْلِهِ الْخَرَاجُ وَلَا شَكَّ أَنَّ الدُّودَةَ وَالْفَأْرَةَ فِي مَعْنَى الْجَرَادِ فِي عَدَمِ إمْكَانِ الدَّفْعِ وَبِمِثْلِ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ صَرَّحَ مُلَّا مِسْكِينٌ وَفِي النَّهْرِ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ قَوْلَهُ وَمِنْهُ يُعْلَمُ إلَخْ وَأَقُولُ: فِي كَوْنِ الدُّودَةِ لَيْسَتْ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ نَظَرٌ ظَاهِرٌ بَلْ لَا يَنْبَغِي التَّرَدُّدُ فِي كَوْنِهَا سَمَاوِيَّةً وَأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 117 إنْسَانٌ مِنْ الزِّرَاعَةِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ لِعَدَمِ التَّمَكُّنِ وَقَيَّدَ بِالْخَرَاجِ الْمُوَظَّفِ لِأَنَّ كَلَامَهُ فِيهِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ خَرَاجَ مُقَاسَمَةٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِالتَّعْطِيلِ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَأَشَارَ بِنِسْبَةِ التَّعْطِيلِ إلَيْهِ إلَى أَنَّهُ كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ الزِّرَاعَةِ وَلَمْ يَزْرَعْ فَلَوْ عَجَزَ الْمَالِكُ عَنْ الزِّرَاعَةِ لِعَدَمِ قُوَّتِهِ وَأَسْبَابِهِ فَلِلْإِمَامِ أَنْ يَدْفَعَهَا إلَى غَيْرِهِ مُزَارَعَةً وَيَأْخُذَ الْخَرَاجَ مِنْ نَصِيبِ الْمَالِكِ وَيُمْسِكَ الْبَاقِيَ لِلْمَالِكِ وَإِنْ شَاءَ أَجَرَهَا وَأَخَذَ الْخَرَاجَ مِنْ الْأُجْرَةِ وَإِنْ شَاءَ زَرَعَهَا بِنَفَقَةٍ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ ذَلِكَ وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يَقْبَلُ ذَلِكَ بَاعَهَا وَأَخَذَ مِنْ ثَمَنِهَا الْخَرَاجَ وَهَذَا بِلَا خِلَافٍ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَدْفَعُ لِلْعَاجِزِ كِفَايَتَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَيَعْمَلُ فِيهَا قَرْضًا وَفِي جَمْعِ الشَّهِيدِ بَاعَ أَرْضًا خَرَاجِيَّةً فَإِنْ بَقِيَ مِنْ السَّنَةِ مِقْدَارُ مَا يَتَمَكَّنُ الْمُشْتَرِي مِنْ الزِّرَاعَةِ فَالْخَرَاجُ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَعَلَى الْبَائِعِ كَذَا فِي الْبِنَايَةِ وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ أَنَّ أَرْضَ مِصْرَ الْآنَ لَيْسَتْ خَرَاجِيَّةً إنَّمَا هِيَ بِالْأُجْرَةِ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْفَلَّاحِ لَوْ عَطَّلَهَا وَلَمْ يَكُنْ مُسْتَأْجِرًا لَهَا وَلَا جَبْرَ عَلَيْهِ بِسَبَبِهَا وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ بَعْضَ الْمُزَارِعِينَ إذَا تَرَكَ الزِّرَاعَةَ وَسَكَنَ فِي مِصْرَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فَمَا يَفْعَلُهُ الظَّلَمَةُ مِنْ الْأَضْرَارِ بِهِ فَحَرَامٌ خُصُوصًا إذَا أَرَادَ الِاشْتِغَالَ بِالْقُرْآنِ وَالْعِلْمِ كَمُجَاوِرِي الْجَامِعِ الْأَزْهَرِ وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ أَنَّ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ الْخَرَاجِ فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ الْخَرَاجُ عَلَى حَالِهِ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْمُؤْنَةِ فَيُعْتَبَرُ مُؤْنَةً فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ فَأَمْكَنَ إبْقَاؤُهُ عَلَى الْمُسْلِمِ وَأَمَّا الثَّالِثُ وَهُوَ إذَا اشْتَرَى مُسْلِمٌ مِنْ ذِمِّيٍّ أَرْضَ خَرَاجٍ فَلَمَّا قُلْنَا وَقَدْ صَحَّ أَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - اشْتَرَوْا أَرَاضِيَ الْخَرَاجِ وَكَانُوا يُؤَدُّونَ خَرَاجَهَا فَدَلَّ عَلَى جَوَازِ الشِّرَاءِ وَأَخْذِ الْخَرَاجِ وَأَدَائِهِ لِلْمُسْلِمِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهِيَةٍ. (قَوْلُهُ وَلَا عُشْرَ فِي خَارِجِ أَرْضِ الْخَرَاجِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا يَجْتَمِعُ عُشْرٌ وَخَرَاجٌ فِي أَرْضِ مُسْلِمٍ» كَمَا رَوَاهُ أَبُو حَنِيفَةَ فِي مُسْنَدِهِ وَلِأَنَّ أَحَدًا مِنْ أَئِمَّةِ الْعَدْلِ وَالْجَوْرِ لَمْ يَجْمَعْ بَيْنَهُمَا وَكَفَى بِإِجْمَاعِهِمْ حُجَّةً وَلِأَنَّ الْخَرَاجَ يَجِبُ فِي أَرْضٍ فُتِحَتْ عَنْوَةً وَقَهْرًا وَالْعُشْرُ يَجِبُ فِي أَرْضٍ أَسْلَمَ أَهْلُهَا طَوْعًا وَالْوَصْفَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ فِي أَرْضٍ وَاحِدَةٍ وَسَبَبُ الْحَقَّيْنِ وَاحِدٌ وَهُوَ الْأَرْضُ النَّامِيَةُ إلَّا أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي الْعُشْرِ تَحْقِيقًا وَفِي الْخَرَاجِ تَقْدِيرًا وَلِهَذَا يُضَافَانِ إلَى الْأَرْضِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الزَّكَاةُ مَعَ أَحَدِهِمَا وَالْحَدُّ وَالْعُقْرُ وَالْجَلْدُ وَالنَّفْيُ وَالرَّجْمُ وَزَكَاةُ التِّجَارَةِ وَصَدَقَةُ الْفِطْرِ وَالْقَطْعُ وَالضَّمَانُ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَكَذَا التَّيَمُّمُ مَعَ الْوُضُوءِ وَكَذَا الْحَبَلُ مَعَ الْحَيْضِ وَالْحَيْضُ مَعَ النِّفَاسِ. (فُرُوعٌ) لَا يَتَكَرَّرُ الْخَرَاجُ بِتَكَرُّرِ الْخَارِجِ فِي سَنَةٍ إذَا كَانَ مُوَظَّفًا وَإِنْ كَانَ خَرَاجَ مُقَاسَمَةٍ تَكَرَّرَ لِتَعَلُّقِهِ بِالْخَارِجِ حَقِيقَةً كَالْعُشْرِ وَلَوْ وَهَبَ السُّلْطَانُ لِإِنْسَانٍ خَرَاجَ أَرْضِهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْبَلَ وَأَنْ   [منحة الخالق] الِاحْتِرَازُ عَنْهَا إلَى آخَرِ كَلَامِهِ وَأَقُولُ: إنْ كَانَ كَثِيرًا غَالِبًا لَا يُمْكِنُ دَفْعُهُ بِحِيلَةٍ يَجِبُ أَنْ يَسْقُطَ بِهِ وَإِنْ أَمْكَنَ دَفْعُهُ لَا يَسْقُطُ هَذَا هُوَ الْمُتَعَيِّنُ لِلصَّوَابِ. (قَوْلُهُ وَقَيَّدَ بِالْخَرَاجِ الْمُوَظَّفِ لِأَنَّ كَلَامَهُ فِيهِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَكَذَلِكَ لَوْ هَلَكَ الْخَارِجُ فِي خَرَاجِ الْمُقَاسَمَةِ قَبْلَ الْحَصَادِ أَوْ بَعْدَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِتَعَلُّقِهِ بِالْخَارِجِ حَقِيقَةً وَحُكْمُهُ حُكْمُ الشَّرِيكِ شَرِكَةَ الْمِلْكِ فَلَا يَضْمَنُ إلَّا بِالتَّعَدِّي فَاعْلَمْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ وَيَكْثُرُ وُقُوعُهُ فِي بِلَادِنَا وَفِي الْخَانِيَّةِ مَا هُوَ صَرِيحٌ فِي سُقُوطِهِ بَعْدَ الْحَصَادِ فِي حِصَّةِ رَبِّ الْأَرْضِ وَوُجُوبُهُ عَلَيْهِ فِي حِصَّةِ الْأَكَّارِ مُعَلِّلًا بِأَنَّ الْأَرْضَ فِي حِصَّتِهِ بِمَنْزِلَةِ الْمُسْتَأْجَرَةِ وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ مَا يُخَالِفُهُ وَمَا فِي الْخَانِيَّةِ أَقْوَى مُدْرَكًا أَوْضَحُ وَجْهًا فَلْيَكُنْ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ فَلَوْ عَجَزَ الْمَالِكُ عَنْ الزِّرَاعَةِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ ثُمَّ لَوْ عَادَتْ قُدْرَتُهُ اسْتَرَدَّهَا الْإِمَامُ مِمَّنْ هِيَ فِي يَدِهِ وَرَدَّهَا عَلَى صَاحِبِهَا إلَّا فِي الْبَيْعِ خَاصَّةً صَرَّحَ بِهِ فِي التَّتَارْخَانِيَّة نَقْلًا عَنْ الذَّخِيرَةِ (قَوْلُهُ وَفِي جَمْعِ الشَّهِيدِ بَاعَ أَرْضًا خَرَاجِيَّةً إلَخْ) قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ فَارِغَةً وَالْجَوَابُ فِيهِ أَنَّهُ إنْ بَقِيَ مِنْ السَّنَةِ مِقْدَارُ مَا يَقْدِرُ الْمُشْتَرِي عَلَى زِرَاعَتِهَا قَبْلَ دُخُولِ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ فَالْخَرَاجُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَإِلَّا فَعَلَى الْبَائِعِ ثُمَّ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ زَرْعُ الْحِنْطَةِ أَوْ الشَّعِيرِ أَوْ أَيِّ زَرْعٍ كَانَ فَالْفَقِيهُ أَبُو نَصْرٍ يَعْتَبِرُ أَيَّ زَرْعٍ كَانَ وَالْفَقِيهُ أَبُو الْقَاسِمِ يَعْتَبِرُ زَرْعَ الْحِنْطَةِ أَوْ الشَّعِيرِ وَكَذَلِكَ اخْتَلَفُوا أَنَّهُ هَلْ يُشْتَرَطُ إدْرَاكُ الرِّيعِ بِكَمَالِهِ. وَفِي وَاقِعَاتِ النَّاطِفِيِّ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ إنْ بَقِيَتْ يَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَإِلَّا فَعَلَى الْبَائِعِ وَهَذَا مِنْهُ اعْتِبَارُ زَرْعِ الدَّخَنِ وَإِدْرَاكُ الرِّيعِ فَإِنَّ رِيعَ الدَّخَنِ يُدْرَكُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمُدَّةِ الْوَجْهُ الثَّانِي إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ مَزْرُوعَةً فَإِنْ كَانَ الزَّرْعُ لَمْ يَبْلُغْ بَعْدُ فَبَاعَهَا مَعَ الزَّرْعِ فَالْخَرَاجُ عَلَى الْمُشْتَرِي عَلَى كُلِّ حَالٍ وَإِنْ كَانَ الزَّرْعُ قَدْ بَلَغَ وَانْعَقَدَ الْحَبُّ فَإِنَّ هَذَا وَمَا لَوْ بَاعَ أَرْضًا فَارِغَةً فِي الْحُكْمِ سَوَاءٌ وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَجُلٌ لَهُ أَرْضُ خَرَاجٍ بَاعَهَا مِنْ رَجُلٍ وَمَكَثَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي شَهْرًا ثُمَّ بَاعَهَا الْمُشْتَرِي مِنْ رَجُلٍ آخَرَ وَمَكَثَتْ عِنْدَهُ شَهْرًا أَيْضًا ثُمَّ يَبِيعُ كُلُّ مُشْتَرٍ بَعْدَ شَهْرٍ حَتَّى مَضَتْ السَّنَةُ وَلَمْ تَكُنْ فِي مِلْكِ أَحَدِهِمْ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ فَلَيْسَ عَلَى وَاحِدٍ خَرَاجٌ وَفِي الْمُحِيطِ وَإِنْ كَانَ لِلْأَرْضِ رُبْعَانِ خَرِيفِيٌّ وَرَبِيعِيٌّ وَسَلَّمَ أَحَدُهُمَا لِلْبَائِعِ وَالْآخَرُ لِلْمُشْتَرِي وَتَمَكَّنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ تَحْصِيلِ أَحَدِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 118 كَانَ مَصْرِفًا لَهُ أَنْ يَقْبَلَ وَلَوْ تَرَكَ السُّلْطَانُ لِإِنْسَانٍ خَرَاجَ أَرْضِهِ جَازَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ إنْ كَانَ صَاحِبُ الْأَرْضِ مَصْرِفًا لَهُ وَلَوْ تَرَكَ لَهُ عُشْرَ أَرْضِهِ لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ وَيُخْرِجُهُ بِنَفْسِهِ وَيُعْطِيه لِلْفُقَرَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) فِي الْجِزْيَةِ. (الْجِزْيَةُ لَوْ وُضِعَتْ بِتَرَاضٍ لَا يَعْدِلُ عَنْهَا) لِأَنَّ الْمُوجِبَ هُوَ التَّرَاضِي فَلَا يَجُوزُ التَّعَدِّي إلَى غَيْرِ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ التَّرَاضِي وَقَدْ صَالَحَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَنِي نَجْرَانَ عَلَى أَلْفٍ وَمِائَتَيْ حُلَّةٍ وَالْجِزْيَةُ اسْمٌ لِمَا يُؤْخَذُ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَالْجَمْعُ جِزًى كَلِحْيَةٍ وَلِحًى لِأَنَّهَا تُجْزِئُ عَنْ الْقَتْلِ أَيْ تَقْضِي وَتَكْفِي فَإِذَا قَبِلَهَا سَقَطَ عَنْهُ الْقَتْلُ (قَوْلُهُ وَإِلَّا تُوضَعُ عَلَى الْفَقِيرِ فِي كُلِّ سَنَةٍ اثْنَا عَشَرَ دِرْهَمًا وَعَلَى وَسَطِ الْحَالِ ضِعْفُهُ وَعَلَى الْمُكْثِرِ ضِعْفُهُ) أَيْ إنْ لَمْ تُوضَعْ بِالتَّرَاضِي وَإِنَّمَا وُضِعَتْ قَهْرًا بِأَنْ غَلَبَ الْإِمَامُ عَلَى الْكُفَّارِ وَأَقَرَّهُمْ عَلَى أَمْلَاكِهِمْ وَمَذْهَبُنَا مَنْقُولٌ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ أَحَدٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَلِأَنَّهُ وَجَبَ نُصْرَةٌ لِلْمُقَاتِلَةِ فَيَجِبُ عَلَى التَّفَاوُتِ بِمَنْزِلَةِ خَرَاجِ الْأَرْضِ وَهَذَا لِأَنَّهُ وَجَبَ بَدَلًا عَنْ النُّصْرَةِ بِالنَّفْسِ وَالْمَالِ وَذَلِكَ يَتَفَاوَتُ بِكَثْرَةِ الْوَفْدِ وَقَتْلِهِ فَكَذَا مَا هُوَ بَدَلُهُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ حَدَّ الْغِنَى وَالْمُتَوَسِّطِ وَالْفَقْرِ لَمْ يُذْكَرْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَلِذَا اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ وَأَحْسَنُ الْأَقْوَالِ مَا اخْتَارَهُ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ مِنْ أَنَّ مَنْ مَلَكَ عَشَرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ فَصَاعِدًا فَهُوَ غَنِيٌّ وَالْمُتَوَسِّطُ مَنْ يَمْلِكُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَصَاعِدًا وَالْفَقِيرُ الَّذِي يَمْلِكُ مَا دُونَ الْمِائَتَيْنِ أَوْ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ فِي كُلِّ سَنَةٍ إلَى أَنَّ وُجُوبَهَا فِي أَوَّلِ الْحَوْلِ وَإِنَّمَا الْحَوْلُ تَخْفِيفٌ وَتَسْهِيلٌ وَفِي الْهِدَايَةِ أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ الْغَنِيِّ فِي كُلِّ شَهْرٍ أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ وَمِنْ الْمُتَوَسِّطِ دِرْهَمَانِ وَمِنْ الْفَقِيرِ دِرْهَمٌ وَهَذَا الْأَجَلُ التَّسْهِيلُ عَلَيْهِ لَا بَيَانَ لِلْوُجُوبِ لِأَنَّهُ بِأَوَّلِ الْحَوْلِ كَمَا ذَكَرْنَا كَذَا فِي الْبِنَايَةِ. وَأَطْلَقَ الْفَقِيرُ هُنَا اكْتِفَاءً بِمَا ذَكَرَهُ بَعْدَهُ مِنْ أَنَّ الْفَقِيرَ غَيْرُ الْمُعْتَمِلِ لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ وَالْمُعْتَمِلُ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى الْعَمَلِ وَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ حِرْفَةً وَفِي السِّرَاجِ الْمُعْتَمِلُ الْقَادِرُ عَلَى تَحْصِيلِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ وَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ الْحِرْفَةَ وَقَالَ الْكَاكِيُّ وَالْمُعْتَمِلُ هُوَ الْمُكْتَسَبُ وَالِاعْتِمَالُ الِاضْطِرَابُ فِي الْعَمَلِ وَهُوَ الِاكْتِسَابُ فَلَوْ كَانَ مَرِيضًا فِي السَّنَةِ كُلِّهَا أَوْ نِصْفِهَا أَوْ أَكْثَرِهَا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ وَلَوْ تَرَكَ الْعَمَلَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ فَهُوَ كَالْمُعْتَمِلِ كَمَنْ قَدَرَ عَلَى الزِّرَاعَةِ وَلَمْ يَزْرَعْ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُخْتَصَرِ أَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى الْعَمَلِ شَرْطٌ فِي حَقِّ الْفَقِيرِ فَقَطْ لِقَوْلِهِ وَفَقِيرٌ غَيْرُ مُعْتَمِلٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ شَرْطٌ فِي حَقِّ الْكُلِّ وَلِذَا قَالَ فِي الْبِنَايَةِ وَغَيْرِهَا لَا يَلْزَمُ الزَّمَنُ مِنْهُمْ وَإِنْ كَانَ مُفَرِّطًا فِي الْيَسَارِ وَكَذَا لَوْ مَرِضَ نِصْفُهَا كَمَا فِي الشَّرْحِ فَلَوْ حَذَفَ الْفَقِيرُ لَكَانَ أَوْلَى وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَيُعْتَبَرُ وُجُودُ هَذِهِ الصِّفَاتِ فِي آخِرِ السَّنَةِ اهـ. وَيَنْبَغِي اعْتِبَارُهَا فِي أَوَّلِهَا لِأَنَّهُ وَقْتُ الْوُجُوبِ (قَوْلُهُ وَتُوضَعُ عَلَى كِتَابِيٍّ وَمَجُوسِيٍّ   [منحة الخالق] الرُّبْعَيْنِ لِنَفْسِهِ فَالْخَرَاجُ عَلَيْهِمَا اهـ. مُلَخَّصًا وَنَحْوُهُ فِي التَّجْنِيسِ مِنْ كِتَابِ الزَّكَاةِ. [فُرُوعٌ لَا يَتَكَرَّرُ الْخَرَاجُ بِتَكَرُّرِ الْخَارِجِ فِي سَنَةٍ] (قَوْلُهُ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ إنْ كَانَ صَاحِبُ الْأَرْضِ مُصَرِّفًا لَهُ) أَيْ خِلَافًا لِمَا فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ كَمَا سَيَأْتِي آخَرَ الْفَصْلِ الْآتِي. [فَصْلٌ فِي الْجِزْيَةِ] (قَوْلُهُ فَلَوْ حُذِفَ الْفَقِيرُ لَكَانَ أَوْلَى) قَالَ فِي النَّهْرِ مَمْنُوعٌ إذْ لَوْ اُقْتُصِرَ عَلَى قَوْلِهِ وَمُعْتَمِلٍ لَمَا أَفَادَ اشْتِرَاطَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْعَمَلِ فِي حَقِّ الْغَنِيِّ وَقَدْ قَابَلَهُ بِهِ فَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَيْهِ فِي وَسَطِ الْحَالِ وَالْغَنِيُّ مَعْلُومَةٌ مِنْ قَوْلِهِ بَعْدُ لَا تَجِبُ عَلَى زَمِنٍ اهـ. وَلَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّ قَوْلَ الْمُؤَلِّفِ فَلَوْ حُذِفَ الْفَقِيرُ أَيْ مِمَّا سَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَفَقِيرٌ غَيْرُ مُعْتَمِلٍ بِأَنْ يَقُولَ وَغَيْرُ مُعْتَمِلٌ فَيَشْمَلُ الْغَنِيَّ وَالْفَقِيرَ فَيَنْدَفِعُ حِينَئِذٍ تَوَهُّمُ تَقْيِيدِ الْفَقِيرِ فِيمَا مَرَّ بِالْمُعْتَمِلِ وَتَوَهُّمُ أَنَّ الْعَمَلَ شَرْطٌ فِي الْفَقِيرِ فَقَطْ وَهَذَا كَلَامٌ ظَاهِرٌ وَكَانَ صَاحِبُ النَّهْرِ ظَنَّ أَنَّ الْمُرَادَ حَذْفُ الْمُعْتَمِلِ مِمَّا كَمَا يُشْعِرُ بِهِ قَوْلُهُ إذْ لَوْ اُقْتُصِرَ عَلَى قَوْلِهِ وَمُعْتَمِلٍ وَقَوْلُهُ وَقَدْ قَابَلَهُ بِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الْمُعْتَمِلَ فِيمَا مَرَّ (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي اعْتِبَارُهَا فِي أَوَّلِهَا) قَالَ فِي النَّهْرِ إنَّمَا اعْتَبَرُوا وُجُودَهَا فِي آخِرِهَا لِأَنَّهُ وَقْتُ وُجُوبِ الْأَدَاءِ وَمِنْ ثَمَّ قَالُوا لَوْ كَانَ فِي أَكْثَرِ السَّنَةِ غَنِيًّا أُخِذَ مِنْهُ جِزْيَةُ الْأَغْنِيَاءِ أَوْ فَقِيرًا أُخِذَتْ مِنْهُ جِزْيَةُ الْفَقْرِ وَلَوْ اُعْتُبِرَ الْأَوَّلُ لَوَجَبَ إذَا كَانَ فِي أَوَّلِهَا غَنِيًّا فَقِيرًا فِي أَكْثَرِهَا أَنْ يَجِبَ جِزْيَةُ الْأَغْنِيَاءِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَنَعَمْ الْأَكْثَرُ كَالْكُلِّ اهـ. وَفِي حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ مَا أَوْرَدَهُ عَلَى اعْتِبَارِ الْأَوَّلِ مُشْتَرَكٌ الْإِلْزَامِ إذْ هُوَ وَارِدٌ أَيْضًا عَلَى اعْتِبَارِ الْآخَرِ لِاقْتِضَائِهِ وُجُوبَ جِزْيَةِ الْأَغْنِيَاءِ إذَا كَانَ غَنِيًّا فِي آخِرِهَا فَقِيرًا فِي أَكْثَرِهَا اهـ. قُلْت الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ مَا نَقَلَهُ فِي النَّهْرِ قَوْلٌ آخَرُ لَيْسَ مَبْنِيًّا عَلَى اعْتِبَارِ أَوَّلِ السَّنَةِ أَوْ آخِرِهَا وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْخَانِيَّةِ وَنَصُّهُ الذِّمِّيُّ إذَا كَانَ غَنِيًّا فِي بَعْضِ السَّنَةِ فَقِيرًا فِي الْبَعْضِ قَالُوا إنْ كَانَ غَنِيًّا فِي أَكْثَرِ السَّنَةِ تُؤْخَذُ مِنْهُ جِزْيَةُ الْأَغْنِيَاءِ وَإِنْ كَانَ عَلَى الْعَكْسِ تُؤْخَذُ مِنْهُ جِزْيَةُ الْفُقَرَاءِ وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا فِي النِّصْفِ فَقِيرًا فِي النِّصْفِ تُؤْخَذُ مِنْهُ جِزْيَةٌ وَسَطِ الْحَالِ اهـ. إذْ هُوَ شَامِلٌ لِمَا إذَا كَانَتْ هَذِهِ الصِّفَاتُ فِي الْأَوَّلِ أَوْ الْآخِرِ فَلَا يَنْبَغِي إيرَادُ هَذَا عَلَى الْفَتْحِ وَلَا عَلَى الْمُؤَلِّفِ نَعَمْ رُبَّمَا يَرُدُّ عَلَى الْمُؤَلِّفِ مَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَسَيَأْتِي مِنْ أَنَّ الْفَقِيرَ لَوْ أَيْسَرَ فِي آخَرِ السَّنَةِ أُخِذَتْ مِنْهُ وَمِمَّا يُؤَيِّدُ مَا قُلْنَاهُ مِنْ التَّوْفِيقِ مَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 119 وَوَثَنِيٍّ عَجَمِيٍّ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ} [التوبة: 29] الْآيَةُ وَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْجِزْيَةَ عَلَى الْمَجُوسِ وَأَمَّا عَبَدَةُ الْأَوْثَانِ مِنْ الْعَجَمِ فَلِأَنَّهُ يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُهُمْ فَيَجُوزُ ضَرْبُ الْجِزْيَةِ عَلَيْهِمْ إذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَشْتَمِلُ عَلَى سَلْبِ النَّفْسِ مِنْهُمْ فَإِنَّهُ يَكْتَسِبُ وَيُؤَدِّي إلَى الْمُسْلِمِينَ وَنَفَقَتُهُ فِي كَسْبِهِ وَإِنْ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ قَبْلَ وَضْعِ الْجِزْيَةِ فَهُمْ وَنِسَاؤُهُمْ وَصِبْيَانُهُمْ فَيْءٌ لِجَوَازِ اسْتِرْقَاقِهِمْ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ وَأَشَارَ بِتَقْيِيدِ الْوَثَنِيِّ بِالْعَجَمِيِّ دُونَ الْأَوَّلِينَ إلَى أَنَّ الْكِتَابِيَّ وَالْمَجُوسِيَّ لَا فَرْقَ فِيهِمَا بَيْنَ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ أَيْضًا وَالْكِتَابِيُّ شَامِلٌ لِلْيَهُودِ وَالنَّصَارَى. وَيَدْخُلُ فِي الْيَهُودِ السَّامِرَةِ لِأَنَّهُمْ يَدِينُونَ بِشَرِيعَةِ مُوسَى - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ - إلَّا أَنَّهُمْ يُخَالِفُونَهُمْ فِي فُرُوعٍ وَيَدْخُلُ فِي النَّصَارَى الْفِرِنْجِ وَالْأَرْمَنِ وَفِي الْخَانِيَّةِ وَتُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ مِنْ الصَّابِئَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - خِلَافًا لَهُمَا وَالْمَجُوس عَبَدَةُ النَّارِ وَالْوَثَنُ مَا لَهُ جُثَّةٌ مِنْ خَشَبٍ أَوْ حَجَرٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ جَوْهَرٍ يُنْحَتُ وَالْجَمْعُ أَوْثَانٌ وَكَانَتْ الْعَرَبُ تَنْصِبُهَا وَتَعْبُدُهَا وَالْعَجَمُ جَمْعُ الْعَجَمِيِّ وَهُوَ خِلَافُ الْعَرَبِيِّ وَإِنْ كَانَ فَصِيحًا وَالْأَعْجَمِيُّ الَّذِي فِي لِسَانِهِ عُجْمَةٌ أَيْ عَدَمُ إفْصَاحٍ بِالْعَرَبِيَّةِ وَإِنْ كَانَ عَرَبِيًّا كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَفِي السِّرَاجِ الْوَثَنُ مَا كَانَ مَنْقُوشًا فِي حَائِطٍ وَلَا شَخْصَ لَهُ وَالصَّنَمُ اسْمٌ لِمَا كَانَ عَلَى صُورَةِ الْإِنْسَانِ وَالصَّلِيبُ مَا لَا نَقْشَ فِيهِ وَلَا صُورَةَ تُعْبَدُ. (قَوْلُهُ لَا عَرَبِيٌّ وَمُرْتَدٌّ وَصَبِيٌّ وَامْرَأَةٌ وَعَبْدٌ وَمُكَاتَبٌ وَزَمِنٌ وَأَعْمَى وَفَقِيرٌ غَيْرُ مُعْتَمِلٍ وَرَاهِبٌ لَا يُخَالِطُ) أَيْ لَا تُوضَعُ الْجِزْيَةُ عَلَى هَؤُلَاءِ أَمَّا مُشْرِكُو الْعَرَبِ فَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَشَأَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ وَالْقُرْآنُ نَزَلَ بِلُغَتِهِمْ فَالْمُعْجِزَةُ فِي حَقِّهِمْ أَظْهَرُ وَالْمُرَادُ بِالْعَرَبِيِّ فِي عِبَارَتِهِ عَرَبِيُّ الْأَصْلِ وَهُمْ عَبَدَةُ الْأَوْثَانِ وَأَنَّهُمْ أُمِّيُّونَ كَمَا وَصَفَهُمْ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي كِتَابِهِ فَخَرَجَ الْكِتَابِيُّ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَأَهْلُ الْكِتَابِ وَإِنْ سَكَنُوا فِيمَا بَيْنَ الْعَرَبِ وَتَوَالَدُوا فَهُمْ لَيْسُوا بِعَرَبِيِّ الْأَصْلِ وَأَمَّا الْمُرْتَدُّ عَرَبِيًّا كَانَ أَوْ أَعْجَمِيًّا فَلِأَنَّهُ كَفَرَ بِرَبِّهِ بَعْدَمَا هُدِيَ إلَى الْإِسْلَامِ وَوَقَفَ عَلَى مَحَاسِنِهِ فَلَا يُقْبَلُ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ إلَّا الْإِسْلَامُ أَوْ السَّيْفُ زِيَادَةً فِي الْعُقُوبَةِ وَإِذَا ظَهَرَ عَلَيْهِمْ فَنِسَاؤُهُمْ وَصِبْيَانُهُمْ فَيْءٌ لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اسْتَرَقَّ نِسَاءَ بَنِي حَنِيفَةَ وَصِبْيَانَهُمْ لَمَّا ارْتَدُّوا وَقَسَمَهُمْ بَيْنَ الْغَانِمِينَ إلَّا أَنَّ نِسَاءَهُمْ وَذَرَارِيَّهُمْ يُجْبَرُونَ عَلَى الْإِسْلَامِ بِخِلَافِ ذَرَارِيِّ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ وَنِسَائِهِمْ وَمَنْ لَمْ يُسْلِمْ مِنْ رِجَالِهِمْ قُتِلَ لِمَا ذَكَرْنَا وَأَمَّا عَدَمُ وَضْعِهَا عَلَى الصَّبِيِّ وَالْمَرْأَةِ فَلِأَنَّهَا وَجَبَتْ بَدَلًا عَنْ الْقَتْلِ أَوْ الْقِتَالِ وَهُمَا لَا يُقْتَلَانِ وَلَا يُقَاتِلَانِ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ. وَأَمَّا عَدَمُ وَضْعِهَا عَلَى الْمَمْلُوكِ فَلِأَنَّهَا بَدَلٌ عَنْ الْقَتْلِ فِي حَقِّهِمْ وَعَنْ النُّصْرَةِ فِي حَقِّنَا وَعَلَى اعْتِبَارِ الثَّانِي لَا يَجِبُ فَلَا يَجِبُ بِالشَّكِّ وَشَمِلَ الْعَبْدُ الْمُدَبَّرَ وَأُمَّ الْوَلَدِ وَقَدْ وَقَعَ فِي الْهِدَايَةِ ذِكْرُ أُمِّ الْوَلَدِ وَلَا يَنْبَغِي فَإِنَّ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنْ لَا جِزْيَةَ عَلَى النِّسَاءِ الْأَحْرَارِ فَكَيْفَ بِأُمِّ الْوَلَدِ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ ابْنُ أُمِّ الْوَلَدِ وَأَفَادَ أَنَّهُ لَا يُؤَدِّي عَنْهُمْ الْمَوْلَى لِأَنَّهُمْ تَحَمَّلُوا الزِّيَادَةَ بِسَبَبِهِمْ لِأَنَّهُمْ صَارُوا أَغْنِيَاءَ بِهِ فَلَوْ أَدُّوا عَنْهُمْ لَكَانَ وُجُوبُهَا مَرَّتَيْنِ بِسَبَبِ شَيْءٍ وَاحِدٍ وَأَمَّا عَدَمُهَا عَلَى الْعَاجِزِ فَلِأَنَّهَا وَجَبَتْ بَدَلًا عَنْ الْقِتَالِ كَمَا ذَكَرْنَا   [منحة الخالق] الْمُحِيطِ يَسْقُطُ الْبَاقِي فِي جِزْيَةِ السَّنَةِ إذَا صَارَ شَيْخًا كَبِيرًا أَوْ فَقِيرًا أَوْ مَرِيضًا نِصْفٌ أَوْ أَكْثَرُ اهـ. (قَوْلُهُ فَلِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَشَأَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ كَذَا قَالُوا وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا يَأْتِي فِي الْعَرَبِيِّ إذَا كَانَ كِتَابِيًّا (قَوْلُهُ فَهُمْ لَيْسُوا بِعَرَبِيِّ الْأَصْلِ) قَالَ فِي النَّهْرِ فِيهِ نَظَرٌ إذْ الْكَلَامُ فِيمَنْ كَانَ عَرَبِيَّ الْأَصْلِ وَقَدْ تَهَوَّدَ أَوْ تَنَصَّرَ كَوَرَقَةِ بْنِ نَوْفَلٍ وَيَكْفِي فِي رَدِّهِ مَا مَرَّ فِي أَهْلِ نَجْرَانَ وَبَنِي تَغْلِبَ فَتَدَبَّرْهُ وَمُرَادُهُ بِمَا مَرَّ كَوْنُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صَالَحَ أَهْلَ نَجْرَانَ وَعُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَخَذَ مِنْ بَنِي تَغْلِبَ وَهُمْ نَصَارَى الْعَرَبِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ تَعْلِيلَهُمْ يَشْمَلُ الْعَرَبِيَّ الْأَصْلَ إذَا كَانَ كِتَابِيًّا. وَقَوْلُ الْمُؤَلِّفِ فَأَهْلُ الْكِتَابِ إلَخْ مَمْنُوعٌ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ كَوْنُهُ كِتَابِيًّا عَدَمَ كَوْنِهِ عَرَبِيًّا وَالْجَوَابُ أَنَّ الْعَرَبِيَّ حَيْثُ أُطْلِقَ انْصَرَفَ إلَى عَرَبِيِّ الْأَصْلِ وَهُمْ عَبَدَةُ الْأَوْثَانِ فَهَؤُلَاءِ لَا تُؤْخَذُ مِنْهُمْ الْجِزْيَةُ أَمَّا مَنْ صَارَ مِنْهُمْ كِتَابِيًّا فَتُؤْخَذُ مِنْهُ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْكِتَابِيِّ بَيْنَ كَوْنِهِ عَرَبِيًّا أَوْ عَجَمِيًّا كَمَا مَرَّ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى {مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [التوبة: 29] فَلَمْ يَشْمَلْهُ التَّعْلِيلُ السَّابِقُ لِمُعَارَضَتِهِ لِلنَّصِّ ثُمَّ رَأَيْت فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة مَا نَصُّهُ وَفِي الْعِنَايَةِ وَتَرْكُ الْقِيَاسِ فِي الْكِتَابِيِّ الْعَرَبِيِّ بِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ نَصِّ الْآيَةِ وَلَوْلَاهُ لَدَخَلَ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَوْ كَانَ يَجْرِي عَلَى عَرَبِيٍّ رِقٌّ» الْحَدِيثُ اهـ. وَتَمَامُهُ لَكَانَ الْيَوْمَ وَإِنَّمَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 120 فَدَخَلَ الْمَفْلُوجُ وَالشَّيْخُ الْكَبِيرُ وَلَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَلِذَا لَمْ تَجِبْ عَلَى الرَّاهِبِ الَّذِي لَا يُخَالِطُ النَّاسَ وَلَوْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْعَمَلِ لِأَنَّهُ لَا يُقْتَلُ وَالْجِزْيَةُ لِإِسْقَاطِهِ وَفِي الْبِنَايَةِ الزَّمِنُ مِنْ زَمِنَ الرَّجُلُ يَزْمَنُ زَمَانَةً وَهُوَ عَدَمُ بَعْضِ أَعْضَائِهِ أَوْ تَعْطِيلُ قُوَاهُ اهـ. وَأَمَّا عَدَمُ وَضْعِهَا عَنْ الْفَقِيرِ الَّذِي لَا يَعْمَلُ فَلِأَنَّ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يُوَظِّفْهَا عَلَيْهِ وَذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كَالْأَرْضِ الَّتِي لَا طَاقَةَ لَهَا فَإِنَّ الْخَرَاجَ سَاقِطٌ عَنْهَا وَغَيْرُ الْمُعْتَمِلِ هُوَ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى الْعَمَلِ وَالْمُعْتَمِلُ الْمُكْتَسِبُ الَّذِي يَقْدِرُ عَلَى الْعَمَلِ وَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ حِرْفَةً وَيَكْتَفِي بِصِحَّتِهِ فِي أَكْثَرِ السَّنَةِ فَإِنْ مَرِضَ نِصْفَهَا فَلَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ وَلَوْ أَدْرَكَ الصَّبِيُّ أَوْ أَفَاقَ الْمَجْنُونُ أَوْ عَتَقَ الْعَبْدُ أَوْ بَرِئَ الْمَرِيضُ قَبْلَ وَضْعِ الْإِمَامِ الْجِزْيَةَ وُضِعَ عَلَيْهِمْ وَبَعْدَ وَضْعِ الْجِزْيَةِ لَا يُوضَعُ عَلَيْهِمْ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ أَهْلِيَّتُهُمْ وَقْتَ الْوَضْعِ بِخِلَافِ الْفَقِيرِ إذَا أَيْسَرَ بَعْدَ الْوَضْعِ حَيْثُ تُوضَعُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أَهْلٌ لِلْجِزْيَةِ وَإِنَّمَا سَقَطَتْ عَنْهُ لِعَجْزِهِ وَقَدْ زَالَ كَذَا فِي الِاخْتِيَارِ. (قَوْلُهُ وَتَسْقُطُ بِالْإِسْلَامِ وَالْمَوْتِ وَالتَّكَرُّرِ) لِأَنَّهَا عُقُوبَةٌ عَلَى الْكُفْرِ وَعُقُوبَةُ الْكُفْرِ تَسْقُطُ بِالْإِسْلَامِ وَلَا تُقَامُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَلَا فَرْقَ فِي الْمُسْقِطِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ تَمَامِ السَّنَةِ أَوْ فِي بَعْضِهَا وَكَذَا تَسْقُطُ إذَا عَمِيَ أَوْ زَمِنَ أَوْ أُقْعِدَ أَوْ صَارَ شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَسْتَطِيعُ الْعَمَلَ أَوْ افْتَقَرَ بِحَيْثُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَالْعُقُوبَاتُ إذَا اجْتَمَعَتْ تَدَاخَلَتْ كَالْحُدُودِ فَلِذَا إذَا اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ حَوْلَانِ تَدَاخَلَتْ وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَى التَّكْرَارِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إذَا دَخَلَتْ السَّنَةُ الثَّانِيَةُ سَقَطَتْ جِزْيَةُ السَّنَةِ الْأُولَى لِأَنَّ الْوُجُوبَ بِابْتِدَاءِ الْحَوْلِ بِخِلَافِ خَرَاجِ الْأَرْضِ فَإِنَّهُ بِآخِرِهِ لِسَلَامَةِ الِانْتِفَاعِ وَفِي الْجَوْهَرَةِ الْجِزْيَةُ تَجِبُ فِي أَوَّلِ الْحَوْلِ عِنْدَ الْإِمَامِ إلَّا أَنَّهَا تُؤْخَذُ فِي آخِرِهِ قَبْلَ تَمَامِهِ بِحَيْثُ يَبْقَى مِنْهُ يَوْمٌ أَوْ يَوْمَانِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ تُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ حِينَ تَدْخُلُ السَّنَةُ وَيَمْضِي شَهْرَانِ مِنْهَا قَيَّدَ بِالْجِزْيَةِ لِأَنَّ الدُّيُونَ وَالْأُجْرَةَ وَالْخَرَاجَ لَا يَسْقُطُ بِإِسْلَامِ الذِّمِّيِّ وَمَوْتِهِ اتِّفَاقًا وَاخْتُلِفَ فِي الْخَرَاجِ هَلْ يَسْقُطُ بِالتَّدَاخُلِ فَقِيلَ عَلَى الْخِلَافِ فَعِنْدَ الْإِمَامِ يَسْقُطُ وَعِنْدَهُمَا لَا وَقِيلَ لَا تَدَاخُلَ فِيهِ بِالِاتِّفَاقِ كَالْعُشْرِ لِأَنَّهَا مُؤْنَةُ الْأَرْضِ وَيَنْبَغِي تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْخَرَاجَ عُقُوبَةٌ بِخِلَافِ الْعُشْرِ. (فُرُوعٌ) فِي الْجِزْيَةِ صَرَّحَ فِي الْهِدَايَةِ بِأَنَّهَا لَا تُقْبَلُ مِنْ الذِّمِّيِّ لَوْ بَعَثَهَا عَلَى يَدِ نَائِبِهِ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَاتِ بَلْ يُكَلَّفُ أَنْ يَأْتِيَ بِنَفْسِهِ فَيُعْطِي قَائِمًا وَالْقَابِضُ مِنْهُ قَاعِدًا وَفِي رِوَايَةٍ يَأْخُذُ بِتَلْبِيبِهِ وَيَهُزُّهُ هَزًّا وَيَقُولُ أُعْطِ الْجِزْيَةَ يَا ذِمِّيُّ اهـ. أَوْ يَقُولُ يَا يَهُودِيُّ أَوْ يَا نَصْرَانِيُّ أَوْ يَا عَدُوَّ اللَّهِ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَلَا يُقَالُ لَهُ يَا كَافِرُ وَيَأْثَمُ الْقَائِلُ إنْ آذَاهُ بِهِ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ وَفِي بَعْضِ الْكُتُبِ أَنَّهُ يُصْفَعُ فِي عُنُقِهِ حِينَ أَدَاءِ الْجِزْيَةِ. (قَوْلُهُ وَلَا تُحْدَثُ بِيعَةٌ وَلَا كَنِيسَةٌ فِي دَارِنَا) أَيْ لَا يَجُوزُ إحْدَاثُهُمَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا إخْصَاءَ فِي الْإِسْلَامِ وَلَا كَنِيسَةَ» وَالْمُرَادُ إحْدَاثُهُمَا وَفِي الْبِنَايَةِ يُقَالُ كَنِيسَةُ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى لِمُتَعَبَّدِهِمْ وَكَذَلِكَ الْبِيعَةُ كَانَ مُطْلَقًا فِي الْأَصْلِ ثُمَّ غَلَبَ اسْتِعْمَالُ الْكَنِيسَةِ لِمُتَعَبَّدِ الْيَهُودِ وَالْبِيعَةِ لِمُتَعَبَّدِ النَّصَارَى وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي دِيَارِ مِصْرَ لَا يُسْتَعْمَلُ لَفْظُ الْبِيعَةِ بَلْ الْكَنِيسَةُ لِمُتَعَبَّدِ الْفَرِيقَيْنِ وَلَفْظُ الدَّيْرِ لِلنَّصَارَى خَاصَّةً وَالْبِيَعُ بِكَسْرِ الْبَاءِ أَطْلَقَ عُمُومَ دَارِ الْإِسْلَامِ فَشَمِلَ الْأَمْصَارَ وَالْقُرَى وَهُوَ الْمُخْتَارُ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقَيَّدَهُ فِي الْهِدَايَةِ بِالْأَمْصَارِ دُونَ الْقُرَى لِأَنَّ الْأَمْصَارَ هِيَ الَّتِي تُقَامُ فِيهَا الشَّعَائِرُ فَلَا يُعَارَضُ بِإِظْهَارِ مَا يُخَالِفُهَا وَقِيلَ فِي دِيَارِنَا يَمْنَعُونَ مِنْ ذَلِكَ فِي الْقُرَى أَيْضًا لِأَنَّ فِيهَا بَعْضَ الشَّعَائِرِ وَالْمَرْوِيُّ عَنْ صَاحِبِ الْمُذْهَبِ فِي قُرَى الْكُوفَةِ لِأَنَّ أَكْثَرَ أَهْلِهَا أَهْلُ الذِّمَّةِ وَفِي أَرْضِ الْعَرَبِ يُمْنَعُونَ مِنْ ذَلِكَ فِي أَمْصَارِهَا وَقُرَاهَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا يَجْتَمِعُ دِينَانِ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ» اهـ. وَشَمِلَ كَلَامُهُ الْمَوَاضِعَ كُلَّهَا وَفِي الْبِنَايَةِ قَبْلَ أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ ثَلَاثَةً أَحَدُهَا مَا مَصَّرَهُ الْمُسْلِمُونَ مِنْهَا كَالْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ وَبَغْدَادَ وَوَاسِطَ فَلَا يَجُوزُ فِيهَا إحْدَاثُ بِيعَةٍ وَلَا كَنِيسَةٍ وَلَا مُجْتَمَعٍ   [منحة الخالق] الْإِسْلَامُ أَوْ السَّيْفُ ثُمَّ قَالَ قَوْلُهُ أَمَّا وَثَنِيُّ الْعَرَبِ فَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَشَأَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ هُوَ وَإِنْ شَمِلَ الْكِتَابِيَّ فَقَدْ خُصَّ بِالْكِتَابِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ اهـ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 121 لِصَلَاتِهِمْ وَلَا صَوْمَعَةٍ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ وَلَا يُمَكَّنُونَ فِيهِ مِنْ شُرْبِ الْخَمْرِ وَاتِّخَاذِ الْخِنْزِيرِ وَضَرْبِ النَّاقُوسِ وَثَانِيهَا مَا فَتَحَهُ الْمُسْلِمُونَ عَنْوَةً فَلَا يَجُوزُ إحْدَاثُ شَيْءٍ فِيهَا بِالْإِجْمَاعِ وَثَالِثُهَا مَا فُتِحَ صُلْحًا فَإِنْ صَالَحَهُمْ عَلَى أَنَّ الْأَرْضَ لَهُمْ وَلَنَا الْخَرَاجَ جَازَ إحْدَاثُهُمْ وَإِنْ صَالَحَهُمْ عَلَى أَنَّ الدَّارَ لَنَا وَيُؤَدُّونَ الْجِزْيَةَ فَالْحُكْمُ فِي الْكَنَائِسِ عَلَى مَا يُوقَعُ عَلَيْهِ الصُّلْحُ فَإِنْ صَالَحَهُمْ عَلَى شَرْطِ تَمْكِينِ الْإِحْدَاثِ لَا نَمْنَعُهُمْ وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يُصَالِحَهُمْ عَلَيْهِ وَإِنْ وَقَعَ الصُّلْحُ مُطْلَقًا لَا يَجُوزُ الْإِحْدَاثُ وَلَا يَتَعَرَّضُ لِلْقَدِيمَةِ اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمْ يُمْنَعُونَ مِنْ الْإِحْدَاثِ مُطْلَقًا إلَّا إذَا وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى الْإِحْدَاثِ أَوْ عَلَى أَنَّ الْأَرْضَ لَهُمْ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَلَا اسْتِثْنَاءَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُمْ يُمْنَعُونَ مِنْ إحْدَاثِ بَيْتِ النَّارِ بِالْأَوْلَى وَالصَّوْمَعَةِ كَالْكَنِيسَةِ لِأَنَّهَا تُبْتَنَى لِلتَّخَلِّي لِلْعِبَادَةِ بِخِلَافِ مَوْضِعِ الصَّلَاةِ فِي الْبَيْتِ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلسُّكْنَى وَالصَّوْمَعَةُ بَيْتٌ مَبْنِيٌّ بِرَأْسٍ طَوِيلٍ لِيَتَعَبَّدَ فِيهَا بِالِانْقِطَاعِ عَنْ النَّاسِ (قَوْلُهُ وَيُعَادُ الْمُنْهَدِمُ) مُفِيدٌ لِشَيْئَيْنِ الْأَوَّلُ عَدَمُ التَّعَرُّضِ لِلْقَدِيمَةِ لِأَنَّهُ قَدْ جَرَى التَّوَارُثُ مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى يَوْمِنَا هَذَا بِتَرْكِ الْبِيَعِ وَالْكَنَائِسِ فِي دَارِنَا وَالْمُرَادُ بِالْقَدِيمَةِ مَا كَانَتْ قَبْلَ فَتْحِ الْإِمَامِ بَلَدَهُمْ وَمُصَالَحَتُهُمْ عَلَى إقْرَارِهِمْ عَلَى بَلَدِهِمْ وَأَرَاضِيهِمْ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَا مَحَالَةَ كَذَا فِي الْبِنَايَةِ وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ ضَرَبُوا النَّاقُوسَ فِي جَوْفِ كَنَائِسِهِمْ لَا يُمْنَعُونَ. الثَّانِي جَوَازُ بِنَاءِ مَا انْهَدَمَ مِنْ الْقَدِيمَةِ لِأَنَّ الْأَبْنِيَةَ لَا تَبْقَى دَائِمًا وَلَمَّا أَقَرَّهُمْ الْإِمَامُ فَقَدْ عَهِدَ إلَيْهِمْ الْإِعَادَةَ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى الْبِنَاءِ الْأَوَّلِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَإِلَى أَنَّهُمْ لَا يُمَكَّنُونَ مِنْ نَقْلِهَا لِأَنَّهُ إحْدَاثٌ فِي الْحَقِيقَةِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْبِيَعَ وَالْكَنَائِسَ الْقَدِيمَةَ فِي السَّوَادِ لَا تُهْدَمُ عَلَى الرَّاوِيَاتِ كُلِّهَا وَأَمَّا فِي الْأَمْصَارِ فَاخْتَلَفَ كَلَامُ مُحَمَّدٍ فَذَكَرَ فِي الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ تُهْدَمُ الْقَدِيمَةُ وَذَكَرَ فِي الْإِجَارَةِ أَنَّهَا لَا تُهْدَمُ وَعَمَلُ النَّاسِ عَنْ هَذَا فَإِنَّا رَأَيْنَا كَثِيرًا مِنْهَا تَوَلَّتْ عَلَيْهَا أَئِمَّةٌ وَأَزْمَانٌ وَهِيَ بَاقِيَةٌ لَمْ يَأْمُرْ إمَامٌ بِهَدْمِهَا فَكَانَ مُتَوَارَثًا مِنْ عَهْدِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَعَلَى هَذَا لَوْ مَصَّرْنَا بَرِّيَّةً فِيهَا دَيْرٌ أَوْ كَنِيسَةٌ فَوَقَعَ دَاخِلَ السُّور يَنْبَغِي أَنْ لَا يُهْدَمَ لِأَنَّهُ كَانَ مُسْتَحِقًّا لِلْأَمَانِ قَبْلَ وَضْعِ السُّورِ فَيُحْمَلُ مَا فِي جَوْفِ الْقَاهِرَةِ مِنْ الْكَنَائِسِ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّهَا كَانَتْ فَضَاءً فَأَدَارَ الْعَبِيدِيُّونَ عَلَيْهَا السُّوَرَ ثُمَّ فِيهَا الْآنَ كَنَائِسُ وَيَبْعُدُ مِنْ إمَامٍ تَمْكِينُ الْكُفَّارِ مِنْ إحْدَاثِهَا جِهَارًا فِي جَوْفِ الْمُدُنِ الْإِسْلَامِيَّةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا كَانَتْ فِي الضَّوَاحِي فَأُدِيرَ السُّوَرُ فَأَحَاطَ بِهَا وَعَلَى هَذَا أَيْضًا فَالْكَنَائِسُ الْمَوْجُودَةُ الْآنَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ غَيْرِ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ كُلُّهَا يَنْبَغِي أَنْ لَا تُهْدَمَ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ فِي الْأَمْصَارِ قَدِيمَةً فَلَا شَكَّ أَنَّ الصَّحَابَةَ أَوْ التَّابِعِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَجْمَعِينَ حِينَ فَتَحُوا الْمَدِينَةَ عَلِمُوا بِهَا وَبَقُّوهَا وَبَعْدَ ذَلِكَ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَتْ الْبَلْدَةُ فُتِحَتْ عَنْوَةً حَكَمْنَا بِأَنَّهُمْ بَقُّوهَا مَسَاكِنَ لَا مَعَابِدَ فَلَا تُهْدَمُ وَلَكِنْ يُمْنَعُونَ مِنْ الِاجْتِمَاعِ فِيهَا لِلتَّقَرُّبِ وَإِنْ عُرِفَ أَنَّهَا فُتِحَتْ صُلْحًا حَكَمْنَا بِأَنَّهُمْ أَقَرُّوهَا مَعَابِدَ فَلَا يُمْنَعُونَ مِنْ ذَلِكَ فِيهَا بَلْ مِنْ الْإِظْهَارِ وَانْظُرْ إلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ إذَا حَضَرَ لَهُمْ عِيدٌ يُخْرِجُونَ فِيهِ صُلْبَانَهُمْ وَغَيْرَ ذَلِكَ فَلْيَصْنَعُوا فِي كَنَائِسِهِمْ الْقَدِيمَةِ مِنْ ذَلِكَ مَا أَحَبُّوا فَأَمَّا أَنْ يُخْرِجُوا ذَلِكَ مِنْ الْكَنَائِسِ حَتَّى يَظْهَرَ فِي الْمِصْرِ فَلَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ وَلَكِنْ لِيَخْرُجُوا خُفْيَةً مِنْ كَنَائِسِهِمْ اهـ. وَصَحَّحَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة رِوَايَةَ كِتَابِ الْإِجَازَةِ مِنْ عَدَمِ هَدْمِ الْقَدِيمَةِ. (قَوْلُهُ وَيُمَيَّزُ الذِّمِّيُّ فِي الزِّيِّ وَالْمَرْكَبِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ) أَيْ الَّذِي قَدَّمَهُ عَنْ الْبِنَايَةِ وَقَوْلُهُ وَلَا اسْتِثْنَاءَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُمْ يُمْنَعُونَ مِنْ الْإِحْدَاثِ وَإِنْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَيْهِ قَالَ السَّرَخْسِيُّ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ وَلَوْ طَلَبَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ الصُّلْحَ عَلَى شَرْطِ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ إنْ اتَّخَذُوا مِصْرًا فِي أَرْضِهِمْ لَمْ يَمْنَعُوهُمْ مِنْ أَنْ يُحْدِثُوا فِيهِ بِيعَةً أَوْ كَنِيسَةً لَا يَنْبَغِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ أَعْطَاهُ الدَّنِيَّةَ فِي الدِّينِ وَالِاسْتِخْفَافَ بِالْمُسْلِمِينَ فَلَا يَجُوزُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ إلَّا عِنْدَ تَحَقُّقِ الضَّرُورَةِ فَإِنْ أَعْطَاهُمْ الْإِمَامُ ذَلِكَ لَا يَفِي بِهِ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِحُكْمِ الشَّرْعِ اهـ. (قَوْلُهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُهْدَمَ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ بَحْثٌ لَهُ وَقَدْ ذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ مَا يُفِيدُهُ أَوْ يُصَرِّحُ بِهِ حَيْثُ قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة نَاقِلًا عَنْهَا وَإِنْ اتَّخَذَ الْمُسْلِمُونَ مِصْرًا فِي أَرْضٍ مَوَاتٍ لَا يَمْلِكُهَا أَحَدٌ فَإِنْ كَانَ بِقُرْبِ ذَلِكَ الْمِصْرِ قُرًى لِأَهْلِ الذَّمَّةِ فَعَظُمَ الْمِصْرُ حَتَّى مَلَكَ الْقُرَى وَجَاوَزَهَا فَقَدْ صَارَتْ مِنْ جُمْلَةِ الْمِصْرِ يَعْنِي تِلْكَ الْقُرَى لِإِحَاطَةِ الْمِصْرِ بِجَوَانِبِهَا فَإِنْ كَانَ لَهُمْ فِي تِلْكَ الْقُرَى بِيَعٌ وَكَنَائِسُ قَدِيمَةٌ تُرِكَ عَلَى حَالِهِ وَإِنْ أَرَادُوا أَنْ يُحْدِثُوا فِي شَيْءٍ مِنْ تِلْكَ الْقُرَى بِيعَةً أَوْ كَنِيسَةً أَوْ بَيْتَ نَارٍ بَعْدَ مَا صَارَتْ مِصْرًا لِلْمُسْلِمِينَ مُنِعُوا مِنْ ذَلِكَ اهـ. وَمِثْلُهُ شَرْحُ السِّيَرِ الْكَبِيرِ لِلسَّرَخْسِيِّ (قَوْلُهُ وَبَعْدَ ذَلِكَ يُنْظَرُ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ فَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا مَا يَفْعَلُ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ يُنْظَرُ لِمَا كَانُوا عَلَيْهِ فِيهَا قَدِيمًا لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْأَئِمَّةَ الْمُتَقَدِّمِينَ عَلِمُوا بِذَلِكَ فَأَبْقُوهُمْ عَلَيْهِ تَأَمَّلْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 122 وَالسَّرْجِ فَلَا يَرْكَبُ خَيْلًا وَلَا يَعْمَلُ بِالسِّلَاحِ وَيُظْهِرُ الْكُسْتِيجُ وَيَرْكَبُ سَرْجًا كَالْأُكُفِ) إظْهَارًا لِلصَّغَارِ عَلَيْهِمْ وَصِيَانَةً لِضَعَفَةِ الْمُسْلِمِينَ وَلِأَنَّ الْمُسْلِمَ يُكَرَّمُ وَالذِّمِّيُّ يُهَانُ فَلَا يُبْتَدَأُ بِالسَّلَامِ وَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ فِي الطَّرِيقِ فَلَوْ لَمْ تَكُنْ عَلَامَةً مُمَيِّزَةً فَلَعَلَّهُ يُعَامَلُ مُعَامَلَةَ الْمُسْلِمِينَ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ بِخِلَافِ يَهُودِ الْمَدِينَةِ لَمْ يَأْمُرْهُمْ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا مَعْرُوفِينَ بِأَعْيَانِهِمْ لِجَمِيعِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ زِيٌّ عَالٍ عَنْ الْمُسْلِمِينَ وَإِذَا وَجَبَ التَّمْيِيزُ وَجَبَ بِمَا فِيهِ صَغَارٌ لَا إعْزَازٌ لِأَنَّ إذْلَالَهُمْ لَازِمٌ بِغَيْرِ أَذًى مِنْ ضَرْبٍ أَوْ صَفْعٍ بِلَا سَبَبٍ يَكُونُ مِنْهُ بَلْ الْمُرَادُ اتِّصَافُهُ بِهَيْئَةٍ وَضِيعَةٍ وَالزِّيُّ بِالْكَسْرِ اللِّبَاسُ وَالْهَيْئَةُ وَأَصْلُهُ زِوْيٌ كَذَا فِي الصِّحَاحِ وَفِي الدِّيوَانِ الزِّيُّ الزِّينَةُ وَالْكُسْتِيجُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ خَيْطٌ غَلِيظٌ بِقَدْرِ الْأُصْبُعِ يَشُدُّهُ الذِّمِّيُّ فَوْقَ ثِيَابِهِ دُونَ مَا يَتَزَيَّنُونَ بِهِ مِنْ الزَّنَانِيرِ الْمُتَّخَذَةِ مِنْ الْإِبْرَيْسَمِ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَقَيَّدَهُ فِي الْمُجْمَعِ بِالصُّوفِ وَقَيَّدَ بِالْخَيْلِ لِأَنَّ لَهُمْ أَنْ يَرْكَبُوا الْحُمُرَ عِنْدَ الْمُتَقَدِّمِينَ عَلَى سُرُوجٍ كَهَيْئَةِ الْأُكُفِ وَهُوَ جَمْعُ إكَافٍ وَهُوَ مَعْرُوفٌ وَالسَّرْجُ الَّذِي عَلَى هَيْئَتِهِ هُوَ مَا يُجْعَلُ عَلَى مُقَدِّمِهِ شِبْهُ الرُّمَّانَةِ وَالْوِكَافُ لُغَةً وَمِنْهُ أَوَكَفَ الْحِمَارُ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَالْإِكَافُ الْبَرْذَعَةُ ذَكَرَهُ الْعَيْنِيُّ وَاخْتَارَ الْمُتَأَخِّرُونَ أَنْ لَا يَرْكَبُوا أَصْلًا إلَّا إذَا خَرَجُوا إلَى قَرْيَةٍ وَنَحْوِهَا أَوْ كَانَ مَرِيضًا وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا يَرْكَبُ إلَّا لِضَرُورَةٍ فَيَرْكَبُ ثُمَّ يَنْزِلُ فِي مَجَامِعِ الْمُسْلِمِينَ إذَا مَرَّ بِهِمْ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِيهِ وَإِذَا عُرِفَ أَنَّ الْمَقْصُودَ الْعَلَامَةُ فَلَا يَتَعَيَّنُ مَا ذُكِرَ بَلْ يُعْتَبَرُ فِي كُلِّ بَلْدَةٍ مَا يَتَعَارَفُهُ أَهْلُهُ. وَفِي بِلَادِنَا جُعِلَتْ الْعَلَامَةُ فِي الْعِمَامَةِ فَأَلْزَمُوا النَّصَارَى الْعِمَامَةَ الزَّرْقَاءَ وَالْيَهُودَ بِالْعِمَامَةِ الصَّفْرَاءِ وَاخْتَصَّ الْمُسْلِمُونَ بِالْبَيْضَاءِ اهـ. لَكِنَّ فِي الظَّهِيرِيَّةِ مَا يُفِيدُ مَنْعَ الْعِمَامَةِ لَهُمْ فَإِنَّهُ قَالَ وَكُسْتِيجَانِ النَّصَارَى قَلَنْسُوَةٌ سَوْدَاءُ مِنْ اللِّبْدِ مُضَرَّبَةٌ وَزُنَّارٌ مِنْ الصُّوفِ وَأَمَّا لِبْسُ الْعِمَامَةِ وَزُنَّارُ الْإِبْرَيْسَمِ فَجَفَاءٌ فِي حَقِّ أَهْلِ الْإِسْلَامِ وَمَكْسَرَةٌ لِقُلُوبِهِمْ اهـ. أَطْلَقَ الذِّمِّيُّ فَشَمِلَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى وَلِذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَيَجِبُ أَنْ تَتَمَيَّزَ نِسَاؤُهُمْ عَنْ نِسَائِنَا فِي الطُّرُقَاتِ وَالْحَمَّامَاتِ وَيُجْعَلُ عَلَى دُورِهِمْ عَلَامَاتٌ كَيْ لَا يَقِفَ عَلَيْهَا سَائِلٌ يَدْعُو لَهُمْ بِالْمَغْفِرَةِ وَيُمْنَعُونَ عَنْ لِبَاسٍ يَخْتَصُّ بِهِ أَهْلُ الْعِلْمِ وَالزُّهْدِ وَالشَّرَفِ اهـ. وَصَرَّحَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِمَنْعِهِمْ مِنْ الثِّيَابِ الْفَاخِرَةِ حَرِيرًا أَوْ غَيْرَهُ كَالصُّوفِ الْمُرَبَّعِ وَالْجُوخِ الرَّفِيعِ وَالْأَبْرَادِ الرَّفِيعَةِ قَالَ وَلَا شَكَّ فِي وُقُوعِ خِلَافِ هَذَا فِي هَذِهِ الدِّيَارِ وَلَا شَكَّ فِي مَنْعِ اسْتِكْتَابِهِمْ وَإِدْخَالِهِمْ فِي الْمُبَاشَرَةِ الَّتِي يَكُونُ بِهَا مُعَظَّمًا عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ بَلْ رُبَّمَا يَقِفُ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ خِدْمَةً لَهُ خَوْفًا مِنْ أَنْ يَتَغَيَّرَ خَاطِرُهُ مِنْهُ فَيَسْعَى بِهِ عِنْدَ مُسْتَكْتِبِهِ سِعَايَةً تُوجِبُ لَهُ مِنْهُ الضَّرَرَ اهـ. وَفِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ وَيَنْبَغِي أَنْ يُلَازِمَ الذِّمِّيُّ الصَّغَارَ فِيمَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِ فِي كُلِّ شَيْءٍ اهـ. فَعَلَى هَذَا يُمْنَعُ مِنْ الْقُعُودِ حَالَ قِيَامِ الْمُسْلِمِ عِنْدَهُ وَاخْتَارَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بَحْثًا أَنَّهُ إذَا اسْتَعْلَى عَلَى الْمُسْلِمِينَ حَلَّ لِلْإِمَامِ قَتْلُهُ وَاسْتَثْنَى فِي الذَّخِيرَةِ مِنْ مَنْعِ الْخَيْلِ مَا إذَا وَقَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى ذَلِكَ بِأَنْ اسْتَعَانَ بِهِمْ الْإِمَامُ فِي الْمُحَارَبَةِ وَالذَّبِّ عَنْ الْمُسْلِمِينَ وَأَلْحَقَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة الْبَغْلَ بِالْحِمَارِ فِي جَوَازِ رُكُوبِهِ لَهُمْ وَصَرَّحَ بِمَنْعِهِمْ مِنْ الْقَلَانِسِ الصِّغَارِ وَإِنَّمَا تَكُونُ طَوِيلَةً مِنْ كِرْبَاسٍ مَصْبُوغَةٍ بِالسَّوَادِ مُضَرَّبَةٍ مُبَطَّنَةٍ وَيَجِبُ تَمْيِيزُهُمْ فِي النِّعَالِ أَيْضًا فَيَلْبَسُونَ الْمَكَاعِبَ الْخَشِنَةَ الْفَاسِدَةَ اللَّوْنِ تَحْقِيرًا لَهُمْ وَشَرْطٌ فِي الْخَيْطِ الَّذِي يَعْقِدُهُ عَلَى وَسَطِهِ أَنْ يَكُونَ غَلِيظًا غَيْرَ مَنْقُوشٍ وَأَنْ لَا يَجْعَلَ لَهُ حَلْقَةً وَإِنَّمَا يَعْقِدُهُ عَلَى الْيَمِينِ أَوْ الشِّمَالِ وَشَرْطٌ فِي الْقَمِيصِ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ ذَيْلُهُ قَصِيرًا وَأَنْ يَكُونَ جَيْبُهُ عَلَى صَدْرِهِ كَمَا يَكُونُ لِلنِّسَاءِ وَفِي الْخَانِيَّةِ لَا يُؤْخَذُ عَبِيدُ أَهْلِ الذِّمَّةِ بِالْكُسْتِيجَانِ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة وَهَذَا كُلُّهُ إذَا وَقَعَ الظُّهُورُ عَلَيْهِمْ. فَأَمَّا إذَا وَقَعَ مَعَهُمْ الصُّلْحُ لِلْمُسْلِمِينَ عَلَى بَعْضِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَإِنَّهُمْ يُتْرَكُونَ عَلَى ذَلِكَ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ بَعْدَ هَذَا أَنَّ الْمُخَالَفَةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ تُشْتَرَطُ بِعَلَامَةٍ   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 123 وَاحِدَةٍ أَوْ بِعَلَامَتَيْنِ أَوْ بِالثَّلَاثِ قَالَ بَعْضُهُمْ بِعَلَامَةٍ وَاحِدَةٍ أَمَّا عَلَى الرَّأْسِ كَالْقَلَنْسُوَةِ الطَّوِيلَةِ الْمَضْرَبَةِ أَوْ عَلَى الْوَسَطِ كَالْكُسْتِيجُ أَوْ عَلَى الرِّجْلِ كَالنَّعْلِ وَالْمُكَعَّبُ عَلَى خِلَافِ نِعَالِنَا أَوْ مَكَاعِبِنَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا بُدَّ مِنْ الثَّلَاثِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ فِي النَّصْرَانِيِّ يَكْتَفِي بِعَلَامَةٍ وَاحِدَةٍ وَفِي الْيَهُودِيِّ بِعَلَامَتَيْنِ وَفِي الْمَجُوسِ بِالثَّلَاثِ وَإِلَيْهِ مَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ وَفِي الذَّخِيرَةِ وَبِهِ كَانَ يُفْتِي بَعْضُهُمْ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَالْأَحْسَنُ أَنْ يَكُونَ فِي الْكُلِّ ثَلَاثُ عَلَامَاتٍ وَكَانَ الْحَاكِمُ الْإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ يَقُولُ إنْ صَالَحَهُمْ الْإِمَامُ وَأَعْطَاهُمْ الذِّمَّةَ بِعَلَامَةٍ وَاحِدَةٍ لَا يُزَادُ عَلَيْهَا وَأَمَّا إذَا فَتَحَ بَلَدًا عَنْوَةً وَقَهْرًا كَانَ لِلْإِمَامِ أَنْ يُلْزِمَهُمْ الْعَلَامَاتِ وَهُوَ الصَّحِيحُ اهـ. وَإِذَا وَجَبَ عَلَيْهِمْ إظْهَارُ الذُّلِّ وَالصَّغَارِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ وَجَبَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ عَدَمُ تَعْظِيمِهِمْ لَكِنْ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ إذَا دَخَلَ يَهُودِيٌّ الْحَمَّامَ هَلْ يُبَاحُ لِلْخَادِمِ الْمُسْلِمِ أَنْ يَخْدُمَهُ إنْ خَدَمَهُ طَمَعًا فِي فُلُوسِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ تَعْظِيمًا لَهُ إنْ كَانَ لِمَيْلِ قَلْبِهِ إلَى الْإِسْلَامِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ تَعْظِيمًا لَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْوِيَ شَيْئًا مِمَّا ذَكَرْنَاهُ كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ وَكَذَا أُدْخِلَ ذِمِّيٌّ عَلَى مُسْلِمٍ فَقَامَ لَهُ إنْ قَامَ طَمَعًا فِي مَيْلِهِ إلَى الْإِسْلَامِ فَلَا بَأْسَ وَبِهِ وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ تَعْظِيمًا لَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْوِيَ مَا ذَكَرْنَا أَوْ قَامَ تَعْظِيمًا لِغِنَاهُ كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ اهـ. قَالَ الطَّرَسُوسِيُّ إنْ قَامَ تَعْظِيمًا لِذَاتِهِ وَمَا هُوَ عَلَيْهِ كَفَرَ لِأَنَّ الرِّضَا بِالْكُفْرِ كُفْرٌ فَكَيْفَ يَتَعَظَّمُ الْكُفْرُ اهـ كَذَا فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ وَفِي الْخَانِيَّةِ الذِّمِّيُّ إذَا اشْتَرَى دَارًا فِي الْمِصْرِ ذَكَرَ فِي الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُبَاعَ مِنْهُ وَإِنْ اشْتَرَاهَا يُجْبَرُ عَلَى بَيْعِهَا مِنْ الْمُسْلِمِ وَذَكَرَ فِي الْإِجَارَاتِ أَنَّهُ يَجُوزُ الشِّرَاءُ وَلَا يُجْبَرُ عَلَى الْبَيْعِ وَلَا يَتْرُكُ الذِّمِّيُّ أَنْ يَتَّخِذَ بَيْتَهُ صَوْمَعَةً فِي الْمِصْرِ يُصَلِّي فِيهِ اهـ. وَفِي الصُّغْرَى وَذَكَرَ فِي الْإِجَارَاتِ أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْبَيْعِ إلَّا إذَا كَثُرَ فَحِينَئِذٍ يُجْبَرُ اهـ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة يُمَكَّنُونَ مِنْ الْمُقَامِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ عَلَى رِوَايَةٍ عَامَّةٍ الْكُتُب إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ أَمْصَارِ الْعَرَبِ كَأَرْضِ الْحِجَازِ وَعَلَى رِوَايَةِ الْعُشْرِ كَمَا يُجْبَرُ عَلَى بَيْعِ دَارِهِ يُخْرَجُونَ مِنْ الْمِصْرِ وَبِهِ أَخَذَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ وَفِي الذَّخِيرَةِ وَإِذَا تَكَارَى أَهْلُ الذِّمَّةِ دُورًا فِيمَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ لِيَسْكُنُوا فِيهَا جَازَ لِأَنَّهُمْ إذَا أُسْكِنُوا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ رَأَوْا مَعَالِمَ الْإِسْلَامِ وَمَحَاسِنَهُ وَشَرَطَ الْحَلْوَانِيُّ قِلَّتَهُمْ بِحَيْثُ يُمَكَّنُونَ مِنْ الْمُقَامِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ إلَّا فِي أَمْصَارِ الْعَرَبِ كَأَرْضِ الْحِجَازِ أَمَّا إذَا كَثُرُوا بِحَيْثُ تَعَطَّلَ بِسَبَبِ سُكْنَاهُمْ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ أَوْ تَقَلَّلُوا يُمْنَعُونَ مِنْ السُّكْنَى فِيمَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَيُأْمَرُونَ بِأَنْ يَسْكُنُوا نَاحِيَةً لَيْسَ فِيهَا الْمُسْلِمُونَ وَهُوَ مَحْفُوظٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ يُمَكَّنُونَ أَنْ يَسْكُنُوا فِي أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ يَبِيعُونَ وَيَشْتَرُونَ وَفِي أَسْوَاقِهِمْ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ ذَلِكَ تَعُودُ إلَى الْمُسْلِمِينَ اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا يَنْتَقِضُ عَهْدُهُ بِالْإِبَاءِ عَنْ الْجِزْيَةِ وَالزِّنَا بِمُسْلِمَةٍ وَقَتْلِ مُسْلِمٍ وَسَبِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) لِأَنَّ الْغَايَةَ الَّتِي يَنْتَهِي بِهَا الْقِتَالُ الْتِزَامُ الْجِزْيَةِ لَا أَدَاؤُهَا وَالِالْتِزَامُ بَاقٍ فَيَأْخُذُهَا الْإِمَامُ مِنْهُ جَبْرًا وَالْإِبَاءُ الِامْتِنَاعُ وَأَمَّا الزِّنَا فَيُقِيمُ الْحَدَّ عَلَيْهِ وَفِي الْقَتْلِ يُسْتَوْفَى الْقِصَاصُ مِنْهُ وَأَمَّا السَّبُّ فَكُفْرٌ وَالْمُقَارِنُ لَهُ لَا يَمْنَعُهُ فَالطَّارِئُ لَا يَرْفَعُهُ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا يُنْتَقَضُ إذَا نَكَحَ مُسْلِمَةً وَلَوْ وَقَعَ ذَلِكَ فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ وَيُعَزَّرَانِ وَكَذَا السَّاعِي بَيْنَهُمَا وَلَوْ أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ النِّكَاحُ لِوُقُوعِهِ بَاطِلًا كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ مِنْ بَابِ نِكَاحِ الْكَافِرِ وَذَكَرَ الْعَيْنِيُّ وَفِي رِوَايَةٍ مَذْكُورَةٍ وَفِي وَاقِعَاتِ حُسَامٍ أَنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ امْتَنَعُوا عَنْ أَدَاءِ الْجِزْيَةِ يُنْتَقَضُ الْعَهْدُ وَيُقَاتَلُونَ وَهُوَ قَوْلُ الثَّلَاثَةِ اهـ. وَلَا يَخْفَى ضَعْفُهَا رِوَايَةً وَدِرَايَةً كَمَا أَنَّ قَوْلَ الْعَيْنِيِّ وَاخْتِيَارِي   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَفِي الْخَانِيَّةِ الذِّمِّيُّ إذَا اشْتَرَى إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ حَاصِلُهُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ خِلَافِيَّةٌ وَاَلَّذِي يَجِبُ أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ التَّفْضِيلُ فَلَا نَقُولُ بِالْمَنْعِ مُطْلَقًا وَلَا بِعَدَمِهِ مُطْلَقًا بَلْ يَدُورُ الْحُكْمُ عَلَى الْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ وَالضَّرَرِ وَالْمَنْفَعَةِ وَهَذَا هُوَ الْمُوَافِقُ لِلْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ كَمَا أَنَّ قَوْلَ الْعَيْنِيِّ وَاخْتِيَارِي إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ عِبَارَةُ الْعَيْنِيِّ قَالَ الشَّافِعِيُّ يُنْتَقَضُ بِهِ لِأَنَّهُ يَنْقُضُ الْإِيمَانَ فَالْأَمَانُ أَوْلَى وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَاخْتِيَارِي هَذَا فَقَوْلُهُ هَذَا إشَارَةٌ إلَى النَّقْضِ لَا إلَى الْقَتْلِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ النَّقْضِ عَدَمُ الْقَتْلِ وَقَوْلُهُ لَا أَصْلَ لَهُ فِي الرَّاوِيَةِ فَاسِدٌ إذَا صَرَّحُوا قَاطِبَةً بِأَنَّهُ يُعَزَّرُ عَلَى ذَلِكَ وَيُؤَدَّبُ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ قَتْلِهِ زَجْرًا لِغَيْرِهِ إذْ يَجُوزُ التَّرَقِّي فِي التَّعْزِيرِ إلَى الْقَتْلِ إذَا عَظُمَ مُوجِبُهُ. وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَدَمُ النَّقْضِ بِهِ كَمَذْهَبِنَا عَلَى الْأَصَحِّ قَالَ ابْنُ السُّبْكِيّ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُفْهَمَ مِنْ عَدَمِ الِانْتِقَاضِ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُ وَقَدْ حَقَّقَ ذَلِكَ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي كِتَابِهِ السَّيْفِ الْمَسْلُولِ عَلَى مَنْ سَبَّ الرَّسُولَ وَصَحَّحَ أَنَّهُ يُقْتَلُ وَإِنْ قُلْنَا بِعَدَمِ انْتِقَاضِ الْعَهْدِ اهـ. كَلَامُ ابْنِ السُّبْكِيّ فَانْظُرْ إلَى قَوْلِهِ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُفْهَمَ مِنْ عَدَمِ الِانْتِقَاضِ أَنْ لَا يُقْتَلَ وَلَيْسَ فِي الْمَذْهَبِ مَا يَنْفِي قَتْلَهُ خُصُوصًا إذَا أَظْهَرَ مَا هُوَ الْغَايَةُ فِي التَّمَرُّدِ وَعَدَمِ الِاكْتِرَاثِ وَالِاسْتِخْفَافِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 124 أَنْ يُقْتَلَ بِسَبِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا أَصْلَ لَهُ فِي الرِّوَايَةِ وَكَذَا وَقَعَ لِابْنِ الْهُمَامِ بَحْثٌ هُنَا خَالَفَ فِيهِ أَهْلَ الْمَذْهَبِ وَقَدْ أَفَادَ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ فِي فَتَاوِيهِ أَنَّهُ لَا يَعْمَلُ بِأَبْحَاثِ شَيْخِهِ ابْنِ الْهُمَامِ الْمُخَالِفَةِ لِلْمَذْهَبِ نَعَمْ نَفْسُ الْمُؤْمِنِ تَمِيلُ إلَى قَوْلِ الْمُخَالِفِ فِي مَسْأَلَةِ السَّبِّ لَكِنَّ اتِّبَاعَنَا لِلْمَذْهَبِ وَاجِبٌ وَفِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ وَيُؤَدَّبُ الذِّمِّيُّ وَيُعَاقَبُ عَلَى سَبِّهِ دِينَ الْإِسْلَامِ أَوْ النَّبِيَّ أَوْ الْقُرْآنَ اهـ. (قَوْلُهُ بَلْ بِاللَّحَاقِ ثَمَّةَ أَوْ بِالْغَلَبَةِ عَلَى مَوْضِعٍ لِلْحِرَابِ) أَيْ بَلْ يُنْتَقَضُ عَهْدُهُ بِاللَّحَاقِ بِدَارِ الْحَرْبِ وَنَحْوِهِ لِأَنَّهُمْ صَارُوا حَرْبًا عَلَيْنَا فَيَعْرَى عَقْدُ الذِّمَّةِ عَنْ الْفَائِدَةِ وَهُوَ دَفْعُ شَرِّ الْحِرَابِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يُنْتَقَضُ إلَّا بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ وَقَدْ ذُكِرَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ بَابِ نِكَاحِ الْمُشْرِكِ أَنَّ الذِّمِّيَّ لَوْ جَعَلَ نَفْسَهُ طَلِيعَةً لِلْمُشْرِكِينَ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ لِأَنَّهُ مُحَارِبٌ مَعْنًى فَحِينَئِذٍ هِيَ ثَلَاثٌ لَكِنْ فِي الْمُحِيطِ هُنَا الذِّمِّيُّ إذَا وَقَفَ مِنْهُ عَلَى أَنَّهُ يُخْبِرُ الْمُشْرِكِينَ بِعُيُوبِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ يُقَاتِلُ رَجُلًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَيَقْتُلَهُ لَا يَكُونُ نَقْضًا لِلْعَهْدِ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ حَاطِبَ بْنَ أَبِي بَلْتَعَةَ كَتَبَ إلَى مَكَّةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُرِيدُ حَرْبَكُمْ فَخُذُوا حِذْرَكُمْ وَجَعَلَ الْكِتَابَ فِي قَرْنِ امْرَأَةٍ لِتَذْهَبَ بِهِ إلَى مَكَّةَ فَنَزَلَ قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} [الممتحنة: 1] فَبَعَثَ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَأَخَذَهُ وَجَاءَ بِهِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لِحَاطِبٍ مَا حَمَلَك عَلَى هَذَا فَقَالَ إنَّ لِي عِيَالَاتٍ وَقَرَابَاتٍ بِمَكَّةَ فَأَرَدْت أَنْ يَكُونَ لِي عِنْدَهُمْ عَهْدٌ وَإِنِّي أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَاصِرُك وَمُمَكِّنُك وَلَا يَضُرُّك مَا صَنَعْتُ فَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ائْذَنْ لِي حَتَّى أَضْرِبَ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَهْلًا يَا عُمَرُ لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَإِنِّي غَفَرْت لَكُمْ» لِأَنَّهُ لَوْ فَعَلَهُ الْمُسْلِمُ لَا يَكُونُ نَقْضًا لِلْإِسْلَامِ فَكَذَلِكَ إذَا فَعَلَهُ الذِّمِّيُّ غَيْرَ أَنَّهُ يُعَاقَبُ وَيُحْبَسُ لِأَنَّهُ ارْتَكَبَ مَحْظُورًا اهـ. إلَّا أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ الطَّلِيعَةِ وَبَيْنَ مَا فِي الْمُحِيطِ لِمَا فِي الْمُغْرِبِ الطَّلِيعَةُ وَاحِدَةُ الطَّلَائِعِ فِي الْحَرْبِ وَهُمْ الَّذِينَ يُبْعَثُونَ لِيَطَّلِعُوا عَلَى أَخْبَارِ الْعَدُوِّ وَيَتَعَرَّفُونَهَا قَالَ صَاحِبُ الْعَيْنِ وَقَدْ يُسَمَّى الرَّجُلُ الْوَاحِدُ فِي ذَلِكَ طَلِيعَةً وَالْجَمِيعُ أَيْضًا إذَا كَانُوا مَعًا وَفِي كَلَامِ مُحَمَّدٍ الطَّلِيعَةُ الثَّلَاثَةُ وَالْأَرْبَعَةُ وَهِيَ فَوْقَ السَّرِيَّةِ اهـ. فَيُحْمَلُ مَا فِي الْمُحِيطِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَبْعَثْهُ أَهْلُ الْحَرْبِ لِيَطَّلِعَ عَلَى أَخْبَارِ الْمُسْلِمِينَ وَمَا فِي الْفَتْحِ ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا بَعَثُوهُ لِذَلِكَ وَاسْتِدْلَالُهُ فِي الْمُحِيطِ بِوَاقِعَةِ حَاطِبٍ بَعِيدٌ لِأَنَّ كَلَامَهُ فِي الذِّمِّيِّ وَحَاطِبٌ كَانَ مُؤْمِنًا وَلِذَا قَالَ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [الممتحنة: 1] إلَخْ وَقَالَ تَعَالَى {وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ} [الممتحنة: 1] وَلِذَا قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَدَقْت وَأَفَادَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْعَهْدَ لَا يُنْقَضُ بِالْقَوْلِ وَلِذَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ عَقْدُ الذِّمَّةِ يُنْتَقَضُ بِالْفِعْلِ وَهُوَ الِالْتِحَاقُ وَلَا يُنْتَقَضُ بِالْقَوْلِ وَأَمَانُ الْحَرْبِيِّ يُنْتَقَضُ بِالْقَوْلِ اهـ. (قَوْلُهُ وَصَارُوا كَالْمُرْتَدِّينَ) أَيْ صَارَ أَهْلُ الذِّمَّةِ بِالِالْتِحَاقِ أَوْ بِالْغَلَبَةِ كَالْمُرْتَدِّينَ فِي قَتْلِهِمْ وَدَفْعِ مَا لَهُمْ لِوَرَثَتِهِمْ لِأَنَّهُ الْتَحَقَ بِالْأَمْوَاتِ لِتَبَايُنِ الدَّارِ قَيَّدْنَا التَّشْبِيهَ فِي الشِّينِ لِأَنَّ بَيْنَهُمَا فَرْقًا مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى وَهُوَ أَنَّ الذِّمِّيَّ بَعْدَ الِالْتِحَاقِ يُسْتَرَقُّ وَلَا يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِ الذِّمَّةِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى كَمَا فِي الْمُحِيطِ بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ حَيْثُ لَا يُسْتَرَقُّ وَيُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ لِأَنَّ كُفْرَ الْمُرْتَدِّ أَغْلَظُ وَسَيَأْتِي أَنَّ الْمُرْتَدَّةَ تُسْتَرَقُّ بَعْدَ اللَّحَاقِ رِوَايَةً وَاحِدَةً وَقَبْلَهُ فِي رِوَايَةٍ وَأَفَادَ بِالتَّشْبِيهِ أَنَّ الْمَالَ الَّذِي أُلْحِقَ بِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ فَيْءٌ كَالْمُرْتَدِّ لَيْسَ لِوَرَثَتِهِمَا أَخْذُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا رَجَعَ إلَى دَارِ   [منحة الخالق] وَاسْتَعْلَى عَلَى الْمُسْلِمِينَ عَلَى وَجْهٍ صَارَ مُسْتَمِرًّا عَلَيْهِمْ فَمَا بَحَثَهُ فِي الْفَتْحِ فِي النَّقْضِ مُسَلَّمٌ مُخَالَفَتُهُ لِلْمَذْهَبِ وَأَمَّا مَا بَحَثَهُ فِي الْقَتْلِ فَغَيْرُ مُسَلَّمٍ مُخَالَفَتُهُ لِلْمَذْهَبِ تَأَمَّلْ اهـ. قُلْت وَفِي شَرْحِ الْمَقْدِسِيَّ بَعْدَ نَقْلِهِ كَلَامَ الْعَيْنِيِّ وَالْفَتْحِ مَا نَصُّهُ وَهُوَ مِمَّا يَمِيلُ إلَيْهِ كُلُّ مُسْلِمٍ وَالْمُتُونُ وَالشُّرُوحُ خِلَافُ ذَلِكَ أَقُولُ: وَلَنَا أَنْ نُؤَدِّبَ الذِّمِّيَّ تَعْزِيرًا شَدِيدًا بِحَيْثُ لَوْ مَاتَ كَانَ دَمُهُ هَدَّارٌ كَمَا عُرِفَ أَنَّ مَنْ مَاتَ فِي تَعْزِيرٍ أَوْ حَدٍّ لَا شَيْءَ فِيهِ اهـ. (قَوْلُهُ وَكَذَا وَقَعَ لِابْنِ الْهُمَامِ بَحْثٌ إلَخْ) حَيْثُ قَالَ وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّ سَبَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَوْ نِسْبَتَهُ مَا لَا يَنْبَغِي إلَى اللَّهِ تَعَالَى إنْ كَانَ مِمَّا لَا يَعْتَقِدُونَهُ كَنِسْبَةِ الْوَلَدِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَتَقَدَّسَ عَنْ ذَلِكَ أَنْ أَظْهَرَهُ يُقْتَلُ بِهِ وَيُنْتَقَضُ عَهْدُهُ وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ وَلَكِنْ عُثِرَ عَلَيْهِ وَهُوَ يَكْتُمُهُ فَلَا وَتَمَامُهُ فِيهِ قُلْت وَفِي حَاشِيَةِ السَّيِّدِ أَبِي السُّعُودِ عَنْ الذَّخِيرَةِ مَا يُؤَيِّدُهُ حَيْثُ قَالَ وَفِي الذَّخِيرَةِ إذَا ذَكَرَهُ بِسُوءٍ يَعْتَقِدُهُ وَيَتَدَيَّنُ بِهِ بِأَنْ قَالَ إنَّهُ لَيْسَ بِرَسُولٍ أَوْ قَتَلَ الْيَهُودَ بِغَيْرِ حَقٍّ أَوْ نَسَبَهُ إلَى الْكَذِبِ فَعِنْدَ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ لَا يُنْتَقَضُ عَهْدُهُ أَمَّا إذَا ذَكَرَهُ بِمَا لَا يَعْتَقِدُهُ وَلَا يَتَدَيَّنُ بِهِ كَمَا لَوْ نَسَبَهُ إلَى الزِّنَا أَوْ طَعَنَ فِي نَسَبِهِ يُنْتَقَضُ اهـ (قَوْلُهُ وَاسْتِدْلَالُهُ فِي الْمُحِيطِ إلَخْ) قُلْت يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ قَصَدَ الِاسْتِدْلَالَ بِمَفْهُومِ الدَّلَالَةِ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ لَوْ فَعَلَهُ الْمُسْلِمُ إلَخْ تَأَمَّلْ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 125 الْإِسْلَامِ بَعْدَ اللَّحَاقِ وَأَخَذَ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَإِنَّهُ يَكُونُ لِوَرَثَتِهِ لِأَنَّهُ مَا لَهُمْ بِاللَّحَاقِ الْأَوَّلِ وَالْأَحْسَنُ أَنْ لَا يُقَيِّدَ التَّشْبِيهَ بِالشِّينِ فَقَطْ كَمَا فَعَلَ الشَّارِحُونَ وَإِنَّمَا يَبْقَى عَلَى إطْلَاقِهِ وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ مَسْأَلَةُ الِاسْتِرْقَاقِ وَعَدَمُ الْجَبْرِ لِمَا عَلِمْت مِنْ مَسْأَلَةِ الْمَالِ الَّذِي لَحِقَ بِهِ دَارَ الْحَرْبِ وَلِمَا فِي الْمُحِيطِ أَنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ إذَا انْتَقَضَ عَهْدُهُمْ ثُمَّ عَادُوا إلَى الذِّمَّةِ أَخَذُوا بِحُقُوقٍ كَانَتْ قَبْلَ النَّقْضِ مِنْ الْقِصَاصِ وَالْمَالِ لِأَنَّهُ حَقٌّ الْتَزَمَهُ بِعَقْدِ الذِّمَّةِ فَلَا يَسْقُطُ بِصَيْرُورَتِهِ حَرْبًا عَلَيْنَا وَلَمْ يُؤْخَذُوا بِمَا أَصَابُوا فِي الْمُحَارَبَةِ وَكَذَلِكَ الْمُرْتَدُّونَ لِأَنَّهُمْ بِنَقْضِ الْعَهْدِ وَالرِّدَّةِ الْتَحَقُوا بِسَائِرِ أَهْلِ الْحَرْبِ وَمَا أَصَابَ أَهْلُ الْحَرْبِ مِنْ دِمَائِنَا وَأَمْوَالِنَا لَا يُؤَاخَذُونَ بِذَلِكَ مَتَى أَسْلَمُوا كَذَا هَذَا اهـ. وَلِمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّهُ كَالْمُرْتَدِّ فِي الْحُكْمِ بِمَوْتِهِ بِاللَّحَاقِ وَإِذَا تَابَ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ وَتَعُودُ ذِمَّتُهُ وَلَا يَبْطُلُ أَمَانُ ذُرِّيَّتِهِ بِنَقْضِ عَهْدِهِ وَتَبِينُ مِنْهُ زَوْجَتُهُ الذِّمِّيَّةُ الَّتِي خَلَّفَهَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ إجْمَاعًا وَيَقْسِمُ مَالَهُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا أَخَذَ أَسِيرًا بَعْدَ الظُّهُورِ فَقَدْ اُسْتُرِقَّ وَلَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ جِزْيَةٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ آخِرًا وَإِذَا جَاءَ مِنْ نَفْسِهِ نَائِبًا عَادَتْ ذِمَّتُهُ كَمَا أَفَادَهُ أَوَّلًا وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَيْضًا فَإِنْ عَادَ بَعْدَ الْحُكْمِ بِاللَّحَاقِ فَفِي رِوَايَةٍ يَكُونُ فَيْئًا وَفِي رِوَايَةٍ لَا اهـ. وَيُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَعُدْ تَائِبًا فَقَدْ عَلِمْت أَنَّ التَّشْبِيهَ فِي سَبْعَةِ أَشْيَاءَ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ وَيُؤْخَذُ مِنْ تَغْلِبِيٍّ وَتَغْلَبِيَّةٍ ضِعْفُ زَكَاتِنَا) أَيْ الْمُسْلِمِينَ وَتَغْلِبُ بْنُ وَائِلٍ مِنْ الْعَرَبِ وَمِنْ رَبِيعَةَ تَنَصَّرُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ ثُمَّ زَمَنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - دَعَاهُمْ عُمَرُ إلَى الْجِزْيَةِ فَأَبَوْا وَأَنِفُوا وَقَالُوا نَحْنُ عَرَبٌ خُذْ مِنَّا كَمَا يَأْخُذُ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ الصَّدَقَةَ فَقَالَ لَا آخُذُ مِنْ مُشْرِكٍ صَدَقَةً فَلَحِقَ بَعْضُهُمْ بِالرُّومِ فَقَالَ النُّعْمَانُ بْنُ زُرْعَةَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّ الْقَوْمَ لَهُمْ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَهُمْ عَرَبٌ يَأْنَفُونَ مِنْ الْجِزْيَةِ فَلَا تُعِنْ عَلَيْك عَدُوًّا بِهِمْ وَخُذْ مِنْهُمْ الْجِزْيَةَ بِاسْمِ الصَّدَقَةِ فَبَعَثَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي طَلَبِهِمْ وَضَعَّفَ عَلَيْهِمْ فَأَجْمَعَتْ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ الْفُقَهَاءُ فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاتَانِ وَلَا زِيَادَةَ حَتَّى تَبْلُغَ مِائَةً وَعِشْرِينَ فَفِيهَا أَرْبَعُ شِيَاهٍ وَعَلَى هَذَا فِي الْبَقَرِ وَالْإِبِلِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَفَادَ بِتَسْوِيَتِهِ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى إلَى أَنَّ الْمَأْخُوذَ وَإِنْ كَانَ جِزْيَةً فِي الْمَعْنَى فَهُوَ وَاجِبٌ بِشَرَائِطِ الزَّكَاةِ وَأَسْبَابِهَا إذْ الصُّلْحُ وَقَعَ عَلَى ذَلِكَ فَلَا يُرَاعَى فِيهِ شَرَائِطُ الْجِزْيَةِ مِنْ وَصْفِ اللُّقُطَاتِ فَتُقْبَلُ مِنْ النَّائِبِ وَيُعْطِي جَالِسًا إنْ شَاءَ وَلَا يُؤْخَذُ بِتَلْبِيبِهِ وَلَا يَهُزُّ وَالْمَصْرِفُ مَصَالِحُ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهُ مَالُ بَيْتِ الْمَالِ وَذَلِكَ لَا يَخُصُّ الْجِزْيَةَ وَخَرَجَ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ لَا يُؤْخَذُ مِنْ مَوَاشِيهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ لِعَدَمِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ عَلَيْهِمْ عِنْدَنَا بِخِلَافِ أَرْضِهِمْ فَيُؤْخَذُ خَرَاجُهَا لِأَنَّهَا وَظِيفَةُ الْأَرْضِ وَلَيْسَتْ عِبَادَةً. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة مَعْزِيًّا إلَى الْحُجَّةِ لَوْ حَدَثَ وَلَدٌ ذَكَرٌ بَيْنَ نَجْرَانِيٍّ وَبَيْنَ تَغْلِبِيٍّ مِنْ جَارِيَةٍ بَيْنَهُمَا وَادَّعَيَاهُ جَمِيعًا مَعًا فَمَاتَ الْأَبَوَانِ وَكَبِرَ الْوَلَدُ لَمْ تُؤْخَذْ مِنْهُ الْجِزْيَةُ وَذُكِرَ فِي السِّيَرِ إنْ مَاتَ التَّغْلِبِيَّ أَوَّلًا تُؤْخَذُ مِنْهُ جِزْيَةُ أَهْلِ نَجْرَانَ وَإِنْ مَاتَ النَّجْرَانِيُّ أَوَّلًا تُؤْخَذُ مِنْهُ جِزْيَةُ بَنِي تَغْلِبَ وَإِنْ مَاتَا مَعًا يُؤْخَذُ النِّصْفُ مِنْ هَذَا وَالنِّصْفُ مِنْ ذَاكَ اهـ. وَاقْتَصَرَ فِي الْخَانِيَّةِ عَلَى مَا فِي السِّيَرِ وَالتَّغْلِبِيُّ بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ وَالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَفِي كِتَابِ الْخَرَاجِ لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حِينَ صَالَحَهُمْ شَرَطَ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يَغْمِسُوا أَحَدًا مِنْ أَوْلَادِهِمْ فِي النَّصْرَانِيَّةِ (قَوْلُهُ وَمَوْلَاهُ كَمَوْلَى الْقُرَشِيِّ) أَيْ وَمُعْتَقُ التَّغْلِبِيَّ وَمُعْتَقُ الْقُرَشِيِّ وَاحِدٌ فِي عَدَمِ التَّبَعِيَّةِ لِلْأَصْلِ فَيُوضَعُ الْخَرَاجُ وَالْجِزْيَةُ عَلَى مُعْتِقِهِمَا لِأَنَّ الصَّدَقَةَ لِمُضَاعَفَةِ تَخْفِيفٍ وَالْمُعْتَقُ لَا يَلْحَقُ بِالْأَصْلِ فِيهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْإِسْلَامَ أَعْلَى أَسْبَابِ التَّخْفِيفِ وَلَا تَبَعِيَّةَ فِيهِ. قَيَّدَ بِهِمَا لِأَنَّ مَوْلَى الْهَاشِمِيِّ كَالْهَاشِمِيِّ فِي حُرْمَةِ الصَّدَقَةِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ تَخْفِيفًا بَلْ تَحْرِيمٌ وَالْحُرُمَاتُ تَثْبُتُ بِالشُّبُهَاتِ فَالْحَقُّ مَوْلَى الْهَاشِمِيِّ بِهِ وَبِهِ بَطَلَ قِيَاسُ زُفَرَ مَوْلَى التَّغْلِبِيَّ عَلَى مَوْلَى الْهَاشِمِيِّ لَكِنْ نُقِضَ بِمَوْلَى الْغَنِيِّ تَحْرُمُ الصَّدَقَةُ عَلَيْهِ وَلَمْ تَنْفُذْ إلَى مَوْلَاهُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَلَا يُنْتَقَضُ بِالْقَوْلِ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَيَشْكُلُ عَلَيْهِ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ لَوْ امْتَنَعَ مِنْ قَبُولِ الْجِزْيَةِ نَقَضَ عَهْدَهُ وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا بِالْقَوْلِ اهـ (قَوْلُهُ حَتَّى تَبْلُغَ مِائَةً وَعِشْرِينَ) هَكَذَا فِي النُّسَخِ وَأُرِيته كَذَلِكَ فِي الْفَتْحِ وَالْعِنَايَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ فِيهِ سَقْطًا وَالْأَصْلُ مِائَةٌ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا قُرِّرَ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ وَعِبَارَةُ غَايَةِ الْبَيَانِ إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَإِذَا زَادَتْ شَاةٌ فَفِيهَا أَرْبَعٌ مِنْ الْغَنَمِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 126 الْفَقِيرِ وَدُفِعَ بِأَنَّ الْغَنِيَّ أَهْلٌ لِلصَّدَقَةِ فِي الْجُمْلَةِ وَإِنَّمَا الْغَنِيُّ مَانِعٌ عَنْ الْإِسْقَاطِ عَنْ الْمُعْطِي وَلَمْ يَتَحَقَّقْ الْمَانِعُ فِي حَقِّ مَوْلَاهُ فَخُصَّ السَّيِّدُ أَمَّا الْهَاشِمِيُّ فَلَيْسَ أَهْلًا لِهَذِهِ الصَّدَقَةِ أَصْلًا لِشَرَفِهِ وَلِذَا لَا يُعْطَى لَوْ كَانَ عَامِلًا بِخِلَافِ الْغَنِيِّ فَالْحَقُّ مَوْلَاهُ بِهِ لِأَنَّ التَّكْرِيمَ أَنْ لَا تُنْسَبَ إلَيْهِ الْأَوْسَاخُ بِنِسْبَةٍ وَأَمَّا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ فَإِنَّمَا هُوَ فِي حُكْمٍ خَاصٍّ وَهُوَ عَدَمُ الزَّكَاةِ إلَيْهِ بِدَلِيلِ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ مَوْلَى الْهَاشِمِيِّ لَا يَنْزِلُ مَنْزِلَهُ فِي الْكَفَاءَةِ لِلْهَاشِمِيَّةِ وَالْإِمَامَةِ (قَوْلُهُ وَالْجِزْيَةُ وَالْخَرَاجُ وَمَالُ التَّغْلِبِيَّ وَهَدِيَّةُ أَهْلِ الْحَرْبِ وَمَا أَخَذْنَا مِنْهُمْ بِلَا قِتَالٍ يُصْرَفُ فِي مَصَالِحِنَا كَسَدِّ الثُّغُورِ وَبِنَاءِ الْقَنَاطِرِ وَالْجُسُورِ وَكِفَايَةِ الْقُضَاةِ وَالْعُلَمَاءِ وَالْعُمَّالِ وَالْمُقَاتِلَةِ وَذَرَارِيِّهِمْ) لِأَنَّهُ مَالُ بَيْتِ الْمَالِ فَإِنَّهُ وَصَلَ لِلْمُسْلِمِينَ بِغَيْرِ قِتَالٍ وَهُوَ مُعَدٌّ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَهَؤُلَاءِ عَمَلَتُهُمْ وَنَفَقَةُ الذَّرَارِيِّ عَلَى الْآبَاءِ فَلَوْ لَمْ يُعْطَوْا كِفَايَتَهُمْ لَاحْتَاجُوا إلَى الِاكْتِسَابِ وَفَائِدَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُخَمَّسُ وَلَا يُقْسَمُ بَيْنَ الْغَانِمِينَ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَفِيهَا مَعْزِيًّا إلَى الذَّخِيرَةِ إنَّمَا يَقْبَلُ الْإِمَامُ هَدِيَّةَ أَهْلِ الْحَرْبِ إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ الْمُشْرِكَ وَقَعَ عِنْدَهُ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ يُقَاتِلُونَ لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ وَإِعْزَازِ الدِّينِ لَا لِطَلَبِ الدُّنْيَا أَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ يَظُنُّ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ يُقَاتِلُونَ طَمَعًا لَا يَقْبَلُ هَدِيَّتَهُ وَإِنَّمَا يَقْبَلُ مِنْ شَخْصٍ لَا يَطْمَعُ فِي إيمَانِهِ لَوْ رُدَّتْ هَدِيَّتُهُ أَمَّا مَنْ طَمِعَ فِي إيمَانِهِ إذَا رُدَّتْ هَدِيَّتُهُ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ اهـ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ ظَاهِرَ الْمُتُونِ أَنَّ الذَّرَارِيَّ يُعْطَوْنَ بَعْدَ مَوْتِ آبَائِهِمْ كَمَا يُعْطَوْنَ فِي حَيَاتِهِمْ وَتَعْلِيلُ الْمَشَايِخِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِحَيَاةِ آبَائِهِمْ وَلَمْ أَرَ نَقْلًا صَرِيحًا فِي الْإِعْطَاءِ بَعْدَ مَوْتِ آبَائِهِمْ حَالَةَ الصِّغَرِ. وَالثُّغُورُ جَمْعُ ثَغْرٍ وَهُوَ مَوْضِعٌ بِحَافَةِ الْبُلْدَانِ وَالْقَنْطَرَةُ مَا لَا يُرْفَعُ وَالْجِسْرُ مَا يُرْفَعُ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ مِنْهُمْ يَعُودُ إلَى الْكُفَّارِ فَيَشْمَلُ مَا يَأْخُذُهُ الْعَاشِرُ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ وَأَهْلِ الذِّمَّةِ إذَا مَرُّوا عَلَيْهِ وَمَالُ نَجْرَانَ وَمَا صُولِحَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْحَرْبِ عَلَى تَرْكِ الْقِتَالِ قَبْلَ نُزُولِ الْعَسْكَرِ بِسَاحَتِهِمْ وَأَفَادَ بِالتَّمْثِيلِ إلَى أَنَّهُ يُصْرَفُ أَيْضًا هَذَا النَّوْعُ لِنَحْوِ الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ وَالْعُدَّةِ لِلْعَدُوِّ وَحَفْرِ أَنْهَارِ الْعَامَّةِ وَبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ وَالنَّفَقَةِ عَلَيْهَا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ مِنْ كِتَابِ الزَّكَاةِ فَقَدْ أَفَادَ مِنْ أَنَّ الْمَصَالِحَ بِنَاءُ الْمَسَاجِدِ وَالنَّفَقَةُ عَلَيْهَا فَيَدْخُلُ فِيهِ الصَّرْفُ عَلَى إقَامَةِ شَعَائِرِهَا مِنْ وَظَائِفِ الْإِمَامَةِ وَالْأَذَانِ وَنَحْوِهِمَا وَفِي الْمُحِيطِ أَنَّ هَذَا النَّوْعَ يُصْرَفُ إلَى أَرْزَاقِ الْوُلَاةِ وَأَعْوَانِهِمْ وَأَرْزَاقِ الْقُضَاةِ وَالْمُفْتِينَ وَالْمُحْتَسِبِينَ وَالْمُسْلِمِينَ وَكُلِّ مَنْ تَقَلَّدَ شَيْئًا مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ وَإِلَى مَا فِيهِ صَلَاحُ الْمُسْلِمِينَ اهـ. وَفِي التَّجْنِيسِ ذَكَرَ مِنْ الْمَصَارِفِ الْمُعَلِّمِينَ وَالْمُتَعَلِّمِينَ فَقَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَبِهَذَا يَدْخُلُ طَلَبَةُ الْعِلْمِ بِخِلَافِ الْمَذْكُورِينَ هُنَا لِأَنَّهُ قَبْلَ أَنْ يَتَأَهَّلَ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ لَكِنْ لِيَعْمَلَ بَعْدَهُ لِلْمُسْلِمِينَ اهـ. وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ مِنْ الْخَطَرِ وَالْإِبَاحَةِ سُئِلَ عَلِيٌّ الرَّازِيّ عَنْ بَيْتِ الْمَالِ هَلْ لِلْأَغْنِيَاءِ فِيهِ نَصِيبٌ قَالَ لَا إلَّا أَنْ يَكُونَ عَامِلًا أَوْ قَاضِيًا وَلَيْسَ لِلْفُقَهَاءِ فِيهِ نَصِيبٌ إلَّا فَقِيهٌ فَرَّغَ نَفْسَهُ لِتَعْلِيمِ النَّاسِ الْفِقْهَ أَوْ الْقُرْآنَ اهـ. فَيُحْمَلُ مَا فِي التَّجْنِيسِ عَلَى مَا إذَا فَرَّغَ نَفْسَهُ لِذَلِكَ بِأَنْ صَرَفَ غَالِبَ أَوْقَاتِهِ فِي الْعِلْمِ وَلَيْسَ مُرَادُ الرَّازِيّ الِاقْتِصَارَ عَلَى الْعَامِلِ أَوْ الْقَاضِي بَلْ أَشَارَ بِهِمَا إلَى كُلِّ مَنْ فَرَّغَ نَفْسَهُ لِعَمَلِ الْمُسْلِمِينَ فَيَدْخُلُ الْجُنْدِيُّ وَالْمُفْتِي فَيَسْتَحِقَّانِ الْكِفَايَةَ مَعَ الْغَنِيِّ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ كِتَابِ الزَّكَاةِ وَيَبْدَأُ مِنْ الْخَرَاجِ بِأَرْزَاقِ الْمُقَاتِلَةِ وَأَرْزَاقِ عِيَالِهِمْ فَإِذَا فَضَلَ شَيْءٌ يَجُوزُ أَنْ يُصْرَفَ إلَى الْفُقَرَاءِ وَيَجُوزُ صَرْفُ الْخَرَاجِ إلَى نَفَقَةِ الْكَعْبَةِ وَفِي الْمُنْتَقَى أَنَّ تَرِكَةَ أَهْلِ الذِّمَّةِ كَالْخَرَاجِ اهـ. وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ وَذَرَارِيِّهِمْ يَعُودُ إلَى الْكُلِّ مِنْ الْقُضَاةِ وَالْعُلَمَاءِ وَالْمُقَاتِلَةِ لِأَنَّ الْعِلَّةَ تَشْمَلُ الْكُلَّ كَمَا ذَكَرَهُ مِسْكِينٌ وَفِي عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ مَا يُوهِمُ اخْتِصَاصَهُ بِالْمُقَاتِلَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَفِي الْمُحِيطِ مِنْ الزَّكَاةِ وَالرَّأْيُ إلَى الْإِمَامِ مِنْ تَفْضِيلٍ وَتَسْوِيَةٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمِيلَ فِي ذَلِكَ إلَى هَوًى وَلَا يَحِلُّ لَهُمْ إلَّا مَا يَكْفِيهِمْ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَلَمْ أَرَ نَقْلًا صَرِيحًا فِي الْإِعْطَاءِ إلَخْ) قَالَ بَعْضُ مُحَشِّي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ نَقَلَ الشَّيْخُ عِيسَى الصَّفَنِيُّ فِي رِسَالَتِهِ مَا نَصُّهُ قَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي كِتَابِ الْخَرَاجِ أَنَّ مَنْ كَانَ مُسْتَحِقًّا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَفُرِضَ لَهُ اسْتِحْقَاقُهُ فِيهِ فَإِنَّهُ يُفْرَضُ لِذُرِّيَّتِهِ أَيْضًا تَبَعًا لَهُ وَلَا يَسْقُطُ بِمَوْتِهِ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي الْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ يُفْرَضُ لِذَرَارِيِّ الْعُلَمَاءِ وَالْفُقَهَاءِ وَالْمُقَاتِلَةِ وَمَنْ كَانَ مُسْتَحِقًّا فِي بَيْتِ الْمَالِ وَلَا يَسْقُطُ مَا فُرِضَ لِذَرَارِيِّهِمْ بِمَوْتِهِمْ اهـ. قُلْت وَلَمْ أَرَ ذَلِكَ فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ فَلَعَلَّهُ الْحَاوِي الزَّاهِدِيُّ وَجَعَلَ الْمَقْدِسِيَّ إعْطَاءَهُمْ بِالْأَوْلَى قَالَ لِشِدَّةِ احْتِيَاجِهِمْ سِيَّمَا إذَا كَانُوا يَجْتَهِدُونَ فِي سَلُّوك طَرِيقِ آبَائِهِمْ. (قَوْلُهُ كَمَا ذَكَرَهُ مِسْكِينٌ) صَوَابُهُ الْعَيْنِيُّ فَإِنَّ عِبَارَةَ مِسْكِينٍ نَصُّهَا أَيْ ذَرَارِيِّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 127 وَيَكْفِي أَعْوَانَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَإِنْ فَضَلَ مِنْ الْمَالِ شَيْءٌ بَعْدَ إيصَالِ الْحُقُوقِ إلَى أَرْبَابِهَا قَسَمُوهُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فَإِنْ قَصَّرُوا فِي ذَلِكَ وَقَعَدُوا عَنْهُ كَانَ اللَّهُ حَسِيبًا عَلَيْهِمْ اهـ. وَفِي مَآلِ الْفَتَاوَى لِكُلِّ قَارِئٍ فِي كُلِّ سَنَةٍ مِائَتَا دِينَارٍ أَوْ أَلْفَا دِرْهَمٍ إنْ أَخَذَهَا فِي الدُّنْيَا وَإِلَّا يَأْخُذُهَا فِي الْآخِرَةِ اهـ. وَالْمُرَادُ بِالْقَارِئِ الْمُفْتِي لِمَا فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ وَلَمْ يُقَدِّرْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ قَدْرَ الْأَرْزَاقِ وَالْأُعْطِيَةِ سِوَى قَوْلِهِ مَا يَكْفِيهِمْ وَذَرَارِيَّهِمْ وَسِلَاحَهُمْ وَأَهَالِيَهُمْ وَمَا ذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ لِحَافِظِ الْقُرْآنِ وَهُوَ الْمُفْتِي الْيَوْمَ مِائَتَا دِينَارٍ وَعَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ زَادَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى قَدْرِ الْكِفَايَةِ اهـ. وَفِي الْقُنْيَةِ وَمِنْ كِتَابِ الْوَقْفِ كَانَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُسَوِّي فِي الْعَطَاءِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَكَانَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُعْطِيهِمْ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ وَالْفِقْهُ وَالْفَضْلُ وَالْأَخْذُ بِمَا فَعَلَهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي زَمَانِنَا أَحْسَنُ فَتُعْتَبَرُ الْأُمُورُ الثَّلَاثَةُ اهـ. وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْهَا لَهُ حَظٌّ فِي بَيْتِ الْمَالِ ظَفِرَ بِمَا هُوَ وَجْهٌ لِبَيْتِ الْمَالِ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ دِيَانَةً وَلِلْإِمَامِ الْخِيَارُ فِي الْمَنْعِ وَالْإِعْطَاءِ فِي الْحُكْمِ اهـ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ السُّلْطَانُ إذَا جَعَلَ خَرَاجَ الْأَرْضِ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ وَتَرَكَهُ لَهُ جَازَ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ إذَا كَانَ صَاحِبُ الْأَرْضِ مِنْ أَهْلِ الْخَرَاجِ وَعَلَى هَذَا التَّسْوِيغِ لِلْقُضَاةِ وَالْفُقَهَاءِ وَلَوْ جَعَلَ الْعُشْرَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ لَمْ يَجُزْ فِي قَوْلِهِمْ وَفِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ مَا يُخَالِفُهُ وَأَنَّهُ قَالَ وَإِذَا تَرَكَ الْإِمَامُ خَرَاجَ أَرْضِ رَجُلٍ أَوْ كَرْمِهِ أَوْ بُسْتَانِهِ وَلَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِصَرْفِ الْخَرَاجِ إلَيْهِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَحِلُّ لَهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَحِلُّ لَهُ وَعَلَيْهِ رَدُّهُ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْجَاهِلَ إذَا أَخَذَ مِنْ الْجَوَّالِيِّ شَيْئًا يَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّهُ لِقَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَحِلُّ وَعَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُ إلَى بَيْتِ الْمَالِ أَوْ إلَى مَنْ هُوَ لِذَلِكَ كَالْمُفْتِي وَالْقَاضِي وَالْجُنْدِيِّ وَإِنْ لَمْ يُفْعَلْ إثْمٌ اهـ. وَمِنْ هُنَا يُعْلَمُ حُكْمُ الْإِقْطَاعَاتِ مِنْ أَرَاضِي بَيْتِ الْمَالِ فَإِنَّ حَاصِلَهَا أَنَّ الرَّقَبَةَ لِبَيْتِ الْمَالِ وَالْخَرَاجُ لِمَنْ أَقْطَعَ لَهُ فَلَا مِلْكَ لِلْمُقْطَعِ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَوَقْفُهُ وَإِخْرَاجُهُ عَنْ الْمِلْكِ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٍ فِي فَتَاوِيهِ وَأَنَّ لَهُ الْإِجَارَةَ تَخْرِيجًا عَلَى إجَارَةِ الْمُسْتَأْجِرِ وَإِجَارَةِ الْعَبْدِ الَّذِي صُولِحَ عَلَى خِدْمَتِهِ مُدَّةً مَعْلُومَةً وَإِجَارَةُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ الْغَلَّةُ وَإِجَارَةُ الْعَبْدُ الْمَأْذُونِ وَإِنْ لَمْ يَمْلِكُوا الرَّقَبَةَ لِمِلْكِ الْمَنْفَعَةِ وَصَرَّحَ بِأَنَّهُ إذَا مَاتَ الْجُنْدِيُّ أَوْ أَخْرَجَ السُّلْطَانُ الْإِقْطَاعَ عَنْهُ تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ اهـ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ أَمْوَالَ بَيْتِ الْمَالِ أَرْبَعَةٌ أَحَدُهَا مَا ذَكَرْنَاهُ الثَّانِي وَالْعُشْرُ وَمَصْرِفُهُمَا مَا بَيَّنَ فِي بَابِ الْمَصْرِفِ مِنْ الزَّكَاةِ الثَّالِثُ خُمُسُ الْغَنَائِمِ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَصْرِفُهُ فِي كِتَابِ السِّيَرِ وَالرَّابِعُ اللُّقَطَاتُ وَالتَّرِكَاتُ الَّتِي لَا وَارِثَ لَهَا وَدِيَاتُ مَقْتُولٍ لَا وَلِيَّ لَهُ وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ قَالُوا مَصْرِفُهُ اللَّقِيطُ الْفَقِيرُ وَالْفُقَرَاءُ الَّذِينَ لَا أَوْلِيَاءَ لَهُمْ يُعْطُونَ مِنْهُ نَفَقَتَهُمْ وَأَدْوِيَتَهُمْ وَيُكَفَّنُ بِهِ مَوْتَاهُمْ وَيُعْقَلُ بِهِ جِنَايَتُهُمْ وَعَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَجْعَلَ لِكُلِّ نَوْعٍ مِنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ بَيْتًا يَخُصُّهُ فَلَا يَخْلِطُ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ لِأَنَّ لِكُلِّ نَوْعٍ حُكْمًا يَخْتَصُّ بِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي بَعْضِهَا شَيْءٌ فَلِلْإِمَامِ أَنْ يَسْتَقْرِضَ عَلَيْهِ مِنْ النَّوْعِ الْآخَرِ وَيَصْرِفَهُ إلَى أَهْلِ ذَلِكَ ثُمَّ إذَا حَصَلَ مِنْ ذَلِكَ النَّوْعِ شَيْءٌ رَدَّهُ إلَى الْمُسْتَقْرَضِ مِنْهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَصْرُوفُ مِنْ الصَّدَقَاتِ أَوْ مِنْ خُمُسِ الْغَنِيمَةِ عَلَى أَهْلِ الْخَرَاجِ وَهُمْ فُقَرَاءُ فَإِنَّهُ لَا يَرُدُّ فِيهِ شَيْئًا لِأَنَّهُمْ مُسْتَحِقُّونَ لِلصَّدَقَاتِ بِالْفَقْرِ وَكَذَا فِي غَيْرِهِ إذَا صَرَفَهُ لِلْمُسْتَحِقِّ وَيَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَتَّقِيَ اللَّهَ تَعَالَى وَيَصْرِفَ إلَى كُلِّ مُسْتَحَقٍّ قَدْرَ حَاجَتِهِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ فَإِنْ قَصَّرَ فِي ذَلِكَ كَانَ اللَّهُ عَلَيْهِ حَسِيبًا كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَفِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ وَالْمُحِيطِ وَلَا شَيْءَ لِأَهْلِ الذَّمَّةِ فِي بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذِمِّيًّا يَهْلِكُ لِضَعْفِهِ فَيُعْطِيهِ الْإِمَامُ مِنْهُ قَدْرَ مَا يَسُدُّ جَوْعَتَهُ اهـ. (قَوْلُهُ وَمَنْ مَاتَ فِي نِصْفِ السَّنَةِ حَرُمَ عَنْ الْعَطَاءِ) لِأَنَّهُ نَوْعُ صِلَةٍ وَلَيْسَ بِدَيْنٍ فَلِهَذَا يُسَمَّى عَطَاءً فَلَا يَمْلِكُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَيَسْقُطُ بِالْمَوْتِ وَأَهْلُ الْعَطَاءِ فِي زَمَانِنَا مِثْلُ الْقَاضِي وَالْمُدَرِّسِ وَالْمُفْتِي وَالْمُرَادُ بِالْحِرْمَانِ عَدَمُ الْإِعْطَاءِ لَهُ وُجُوبًا   [منحة الخالق] الْمُقَاتِلَةِ وَنَصُّ عِبَارَةِ الْعَيْنِيِّ الظَّاهِرُ أَنَّ ضَمِيرَ ذَرَارِيِّهِمْ يَرْجِعُ إلَى الْكُلِّ لِأَنَّ التَّعْلِيلَ فِي الْمُقَاتِلَةِ مَوْجُودٌ فِي الْكُلِّ وَنَحْوُهُ فِي شَرْحِ القراحصاري كَمَا فِي حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ (قَوْلُهُ أَنَّهُ زَادَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى قَدْرِ الْكِفَايَةِ) كَذَا فِي النُّسَخِ وَاَلَّذِي رَأَيْته فِي الْحَاوِي أَنَّهُ زَادَ فِيهِ بِدُونِ مَا بَعْدَهُ مِنْ قَوْلِهِ دَلِيلٌ إلَخْ (قَوْلُهُ وَفِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ مَا يُخَالِفُهُ) قَالَ فِي النَّهْرِ مَا نَقَلَهُ فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ مُخَالِفٌ لِمَا نَقَلَهُ الْعَامَّةُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ اهـ. وَقَالَ الرَّمْلِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّ فِي عِبَارَةِ الْحَاوِي سَقْطًا وَأَصْلُهَا لَا يَحِلُّ وَإِنْ كَانَ أَهْلًا لِصَرْفِ الْخَرَاجِ إلَيْهِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَحِلُّ لَهُ إلَخْ وَذَلِكَ لِأَنَّ النُّقُولَ مُتَظَاهِرَةٌ عَلَى تَقْيِيدِهِ بِالْأَهْلِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 128 وَاسْتِحْبَابًا وَقَيَّدَ بِنِصْفِ السَّنَةِ لِأَنَّهُ لَوْ مَاتَ فِي آخِرِهَا يُسْتَحَبُّ الصَّرْفُ إلَى قَرِيبِهِ لِأَنَّهُ قَدْ أَوْفَى تَعَبَهُ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ الْوَفَاءُ ثُمَّ قِيلَ رِزْقُ الْقَاضِي وَمَنْ فِي مَعْنَاهُ يُعْطَى فِي آخِرِ السَّنَةِ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا أَخَذَهُ أَوَّلَهَا ثُمَّ مَاتَ أَوْ عُزِلَ قَبْلَ مُضِيِّهَا قِيلَ يَجِبُ رَدُّ مَا بَقِيَ وَقِيلَ لَا يَجِبُ عِنْدَ هُمَا كَالنَّفَقَةِ الْمُعَجَّلَةِ إلَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. . [بَابُ أَحْكَامِ الْمُرْتَدِّينَ] شُرُوعٌ فِي بَيَانِ الْكُفْرِ الطَّارِئِ بَعْدَ الْأَصْلِيِّ وَالْمُرْتَدُّ فِي اللُّغَةِ الرَّاجِعُ مُطْلَقًا وَفِي الشَّرِيعَةِ الرَّاجِعُ عَنْ دِينِ الْإِسْلَامِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي الْبَدَائِعِ رُكْنُ الرِّدَّةِ إجْرَاءُ كَلِمَةِ الْكُفْرِ عَلَى اللِّسَانِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ بَعْدَ وُجُودِ الْإِيمَانِ وَشَرَائِطُ صِحَّتِهَا الْعَقْلُ فَلَا تَصِحُّ رِدَّةُ الْمَجْنُونِ وَلَا الصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ وَأَمَّا مَنْ جُنُونُهُ مُتَقَطِّعٌ فَإِنْ ارْتَدَّ حَالَ الْجُنُونِ لَمْ يَصِحَّ وَإِنْ ارْتَدَّ حَالَ إفَاقَتِهِ صَحَّتْ وَكَذَا لَا تَصِحُّ رِدَّةُ السَّكْرَانِ الذَّاهِبِ الْعَقْلِ وَالْبُلُوغُ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّتِهَا مِنْ الصَّبِيِّ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَكَذَا الذُّكُورَةُ لَيْسَتْ شَرْطًا وَمِنْهَا الطَّوْعُ فَلَا تَصِحُّ رِدَّةُ الْمُكْرَهِ عَلَيْهَا اهـ. وَالْإِيمَانُ التَّصْدِيقُ بِجَمِيعِ مَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مِمَّا عُلِمَ مَجِيئُهُ بِهِ ضَرُورَةً وَهَلْ هُوَ فَقَطْ أَوْ هُوَ مَعَ الْإِقْرَارِ قَوْلَانِ فَأَكْثَرُ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى الثَّانِي وَالْمُحَقِّقُونَ عَلَى الْأَوَّلِ وَالْإِقْرَارُ شَرْطُ إجْرَاءِ أَحْكَامِ الدُّنْيَا بَعْدَ الِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهُ يَعْتَقِدُ مَتَى طُولِبَ بِهِ أَتَى بِهِ فَإِنْ طُولِبَ بِهِ فَلَمْ يُقِرَّ فَهُوَ كُفْرُ عِنَادٍ وَالْكُفْرُ لُغَةً السَّتْرُ وَشَرْعًا تَكْذِيبُ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي شَيْءٍ مِمَّا يَثْبُتُ عَنْهُ ادِّعَاؤُهُ ضَرُورَةً وَفِي الْمُسَايَرَةِ وَلِاعْتِبَارِ التَّعْظِيمِ الْمُنَافِي لِلِاسْتِخْفَافِ كَفَّرَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَلْفَاظٍ كَثِيرَةٍ وَأَفْعَالٍ تَصْدُرُ مِنْ الْمُتَهَتِّكِينَ لِدَلَالَتِهَا عَلَى الِاسْتِخْفَافِ بِالدِّينِ كَالصَّلَاةِ بِلَا وُضُوءٍ عَمْدًا بَلْ بِالْمُوَاظَبَةِ عَلَى تَرْكِ سُنَّةٍ اسْتِخْفَافًا بِهَا بِسَبَبِ أَنَّهُ إنَّمَا فَعَلَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زِيَادَةً أَوْ اسْتِقْبَاحَهَا كَمَنْ اسْتَقْبَحَ مِنْ آخَرَ جَعْلَ بَعْضِ الْعِمَامَةِ تَحْتَ حَلْقِهِ أَوْ إحْفَاءَ شَارِبِهِ اهـ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَمَنْ هَزَلَ بِلَفْظِ كُفْرٍ ارْتَدَّ وَإِنْ لَمْ يَعْتَقِدْهُ لِلِاسْتِخْفَافِ فَهُوَ كَكُفْرِ الْعِنَادِ وَالْأَلْفَاظُ الَّتِي يَكْفُرُ بِهَا تُعْرَفُ فِي الْفَتَاوَى اهـ. فَهَذَا وَمَا قَبْلَهُ صَرِيحٌ فِي أَنَّ أَلْفَاظَ التَّكْفِيرِ الْمَعْرُوفَةَ فِي الْفَتَاوَى مُوجِبَةٌ لِلرِّدَّةِ عَنْ الْإِسْلَامِ حَقِيقَةً وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَيُحْكَى عَنْ بَعْضِ مَنْ لَا سَلَفَ لَهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ مَا ذُكِرَ فِي الْفَتَاوَى أَنَّهُ يَكْفُرُ بِكَذَا وَكَذَا فَذَاكَ لِلتَّخْوِيفِ وَالتَّهْوِيلِ لَا لِحَقِيقَةِ الْكُفْرِ وَهَذَا كَلَامٌ بَاطِلٌ إلَى آخِرِهِ. وَالْحَقُّ أَنَّ مَا صَحَّ عَنْ الْمُجْتَهِدِ فَهُوَ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَأَمَّا مَا ثَبَتَ عَنْ غَيْرِهِ فَلَا يُفْتَى بِهِ فِي مِثْلِ التَّكْفِيرِ وَلِذَا قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ بَابِ الْبُغَاةِ أَنَّ الَّذِي صَحَّ عَنْ الْمُجْتَهِدِينَ فِي الْخَوَارِجِ عَدَمُ تَكْفِيرِهِمْ وَيَقَعُ فِي كَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ تَكْفِيرُ كَثِيرٍ لَكِنْ لَيْسَ مِنْ كَلَامِ الْفُقَهَاءِ الَّذِينَ هُمْ الْمُجْتَهِدُونَ بَلْ مِنْ غَيْرِهِمْ وَلَا عِبْرَةَ بِغَيْرِ الْفُقَهَاءِ اهـ. فَيَكْفُرُ إذَا وَصَفَ اللَّهَ تَعَالَى بِمَا لَا يَلِيقُ بِهِ أَوْ سَخِرَ بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَائِهِ أَوْ بِأَمْرٍ مِنْ أَوَامِرِهِ وَأَنْكَرَ وَعْدَهُ أَوْ وَعِيدَهُ أَوْ جَعَلَ لَهُ شَرِيكًا أَوْ وَلَدًا أَوْ زَوْجَةً أَوْ نَسَبَهُ إلَى الْجَهْلِ أَوْ الْعَجْزِ أَوْ النَّقْصِ وَاخْتَلَفُوا فِي قَوْلِهِ فُلَانٌ فِي عَيْنِي كَالْيَهُودِيِّ فِي عَيْنِ اللَّهِ فَكَفَّرَهُ الْجُمْهُورُ وَقِيلَ لَا إنْ عَنَى بِهِ اسْتِقْبَاحَ فِعْلِهِ وَقِيلَ يَكْفُرُ إنْ عَنَى الْجَارِحَةَ لَا الْقُدْرَةَ وَالْأَصَحُّ مَذْهَبُ الْمُتَقَدِّمِينَ فِي الْمُتَشَابِهِ كَالْيَدِ وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ أَنْ يُقَالَ بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ وَيَكْفُرُ بِقَوْلٍ يَجُوزُ أَنْ يَفْعَلَ اللَّهُ فِعْلًا لَا حِكْمَةَ فِيهِ وَبِإِثْبَاتِ الْمَكَانِ لِلَّهِ تَعَالَى فَإِنْ قَالَ اللَّهُ فِي السَّمَاءِ فَإِنْ قَصَدَ حِكَايَةَ مَا جَاءَ فِي ظَاهِرِ الْأَخْبَارِ لَا يَكْفُرُ وَإِنْ أَرَادَ الْمَكَانَ كَفَرَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ كَفَرَ عِنْدَ الْأَكْثَرِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَيَكْفُرُ إنْ اعْتَقَدَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَرْضَى بِالْكُفْرِ وَبِقَوْلِهِ لَوْ أَنْصَفَنِي اللَّهُ تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ انْتَصَفْت مِنْك أَوْ إنْ قَضَى اللَّهُ يَوْمَ   [منحة الخالق] (بَابُ أَحْكَامِ الْمُرْتَدِّينَ) (قَوْلُهُ وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ أَنْ يُقَالَ بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ تَعَالَى) قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ قِيلَ لَا تَجُوزُ هَذِهِ اللَّفْظَةُ وَقِيلَ تَجُوزُ فَإِنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ «يُوقَفُ بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الصِّرَاطِ» قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا اللَّفْظُ مُوَسَّعٌ بِالْعَرَبِيَّةِ وَالْفَارِسِيَّةِ يُطْلَقُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ كَانَ تَعَالَى مُنَزَّهًا عَنْ الْجِهَةِ وَجَوَّزَهُ السَّرَخْسِيُّ أَيْضًا وَمَنْ يَتَحَرَّزُ عَنْ إطْلَاقِهِ بِالْفَارِسِيَّةِ فَإِنَّمَا ذَلِكَ مَخَافَةَ فِتْنَةِ الْجُهَّالِ فَأَمَّا مِنْ حَيْثُ الدِّينِ فَلَا بَأْسَ بِهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 129 الْقِيَامَةِ أَوْ إذَا أَنْصَفَ وَبِقَوْلِهِ بَارَكَ اللَّهُ فِي كَذِبِك وَبِقَوْلِهِ اللَّهُ جَلَسَ لِلْإِنْصَافِ أَوْ قَامَ لَهُ وَبِقَوْلِهِ هَذَا لَا يَمْرَضُ هَذَا مِمَّنْ نَسِيَهُ اللَّهُ أَوْ مُنْسَى اللَّهِ عَلَى الْأَصَحِّ وَبِوَصْفِهِ تَعَالَى بِالْفَوْقِ أَوْ بِالتَّحْتِ وَبِظَنِّهِ أَنَّ الْجَنَّةَ وَمَا فِيهَا لِلْفَنَاءِ عِنْدَ الْبَعْضِ وَبِقَوْلِهِ لِامْرَأَتِهِ أَنْت أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ اللَّهِ وَقِيلَ لَا وَبِقَوْلِهِ لَا أَخَافُ اللَّهَ أَوْ لَا أَخْشَاهُ عِنْدَ الْبَعْضِ. وَمَحَلُّ الِاخْتِلَافِ عِنْدَ عَدَمِ قَصْدِ الِاسْتِهْزَاءِ وَبِقَوْلِهَا لَا جَوَابًا لِقَوْلِهِ أَمَا تَعْرِفِينَ اللَّهَ عَلَى الظَّاهِرِ وَبِقَوْلِهِ لَا أُرِيدُ الْيَمِينَ بِاَللَّهِ وَإِنَّمَا أُرِيدُ الْيَمِينَ بِالطَّلَاقِ أَوْ بِالْعَتَاقِ عِنْدَ الْبَعْضِ خِلَافًا لِلْعَامَّةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَبِقَوْلِهِ رَأَيْت اللَّهَ فِي الْمَنَامِ وَبِقَوْلِهِ الْمَعْدُومُ لَيْسَ بِمَعْلُومِ اللَّهِ تَعَالَى وَبِقَوْلِ الظَّالِمِ أَنَا أَفْعَلُ بِغَيْرِ تَقْدِيرِ اللَّهِ تَعَالَى وَبِإِدْخَالِهِ الْكَافَ فِي آخِرِ اللَّهِ عِنْدَ نِدَائِهِ مَنْ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ وَإِنْ كَانَ عَالِمًا عَلَى الْأَصَحِّ وَبِتَصْغِيرِ الْخَالِقِ عَمْدًا عَالِمًا وَبِقَوْلِهِ لَيْتَنِي لَمْ أُسْلِمْ إلَى هَذَا الْوَقْتِ حَتَّى أَرِثَ أَبِي وَبِقَوْلِهِ إنْ كُنْت فَعَلْت كَذَا أَمْسِ فَهُوَ كَافِرٌ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ قَدْ فَعَلَهُ إذَا كَانَ عِنْدَهُ أَنَّهُ يَكْفُرُ بِهِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَبِقَوْلِهِ اللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْت كَذَا وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ مَا فَعَلَ عِنْدَ الْعَامَّةِ إنْ كَانَ اخْتِيَارًا لَا مَخَافَةً وَبِقَوْلِهِ إنْ كُنْت قُلْته فَأَنَا كَافِرٌ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ قَالَهُ وَبِقَوْلِهِ أَنَا بَرِيءٌ مِنْ اللَّهِ لَوْلَا وَلَمْ يُتِمَّ تَعْلِيقَهُ خِلَافًا لِلْبَعْضِ قِيَاسًا عَلَى أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لَوْلَا لَمْ يَقَعْ وَبِقَوْلِهَا نَعَمْ جَوَابًا لِقَوْلِهِ أَتَعْلَمِينَ الْغَيْبَ وَبِتَزَوُّجِهِ بِشَهَادَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَبِقَوْلِهِ فُلَانٌ يَمُوتُ بِهَذَا الْمَرَضِ عِنْدَ الْبَعْضِ وَبِقَوْلِهِ عِنْدَ رِقَاءِ الْهَامَّةِ يَمُوتُ أَحَدٌ عِنْدَ الْبَعْضِ وَالْأَصَحُّ عَدَمُهُ وَبِقَوْلِهِ عِنْدَ رُؤْيَةِ الدَّائِرَةِ الَّتِي تَكُونُ حَوْلَ الْقَمَرِ يَكُونُ مَطَرٌ مُدَّعِيًا عِلْمَ الْغَيْبِ وَبِرُجُوعِهِ مِنْ سَفَرِهِ عِنْدَ سَمَاعِ صِيَاحِ الْعَقْعَقِ عِنْدَ الْبَعْضِ وَبِإِتْيَانِ الْكَاهِنِ وَتَصْدِيقِهِ وَبِقَوْلِهِ أَنَا أَعْلَمُ الْمَسْرُوقَاتِ وَبِقَوْلِهِ أَنَا أُخْبِرُ عَنْ إخْبَارِ الْجِنِّ إيَّايَ وَبِعَدَمِ الْإِقْرَارِ بِبَعْضِ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - أَوْ عَيْبُهُ نَبِيًّا بِشَيْءٍ أَوْ عَدَمُ الرِّضَا بِسُنَّةٍ مِنْ سُنَنِ الْمُرْسَلِينَ وَبِقَوْلِهِ لَا أَعْلَمُ أَنَّ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَبِيٌّ أَوْ لَا. وَلَوْ قَالَ آمَنْت بِجَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - وَبِعَدَمِ مَعْرِفَةِ أَنَّ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - آخِرُ الْأَنْبِيَاءِ عِنْدَ الْبَعْضِ وَبِنِسْبَتِهِ نَبِيًّا إلَى الْفَوَاحِشِ كَعَزْمِهِ عَلَى الزِّنَا وَقِيلَ لَا وَبِقَوْلِهِ إنَّ الْأَنْبِيَاءَ عَصَوْا وَإِنَّ كُلَّ مَعْصِيَةٍ كُفْرٌ وَبِقَوْلِهِ لَمْ تَعْصِ الْأَنْبِيَاءُ حَالَ النُّبُوَّةِ وَقَبْلَهَا لِرَدِّهِ النُّصُوصَ لَا بِقَوْلِهِ لَا أَقْبَلُ شَفَاعَةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْإِمْهَالِ فَكَيْفَ أَقْبَلُهَا مِنْك وَلَا بِإِنْكَارِهِ نُبُوَّةَ الْخَضِرِ وَذِي الْكِفْلِ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - لِعَدَمِ الْإِجْمَاعِ عَلَى نُبُوَّتِهِمَا وَيَكْفُرُ مَنْ أَرَادَ بُغْضَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَلْبِهِ وَبِقَوْلِهِ لَوْ كَانَ فُلَانٌ نَبِيًّا لَا أُؤْمِنُ بِهِ لَا بِقَوْلِهِ لَوْ كَانَ صِهْرِي رَسُولَ اللَّهِ لَا أَأْتَمِرُ بِأَمْرِهِ وَيَكْفُرُ بِقَوْلِهِ إنْ كَانَ مَا قَالَ الْأَنْبِيَاءُ حَقًّا أَوْ صِدْقًا وَبِقَوْلِهِ أَنَا رَسُولُ اللَّهِ وَبِطَلَبِهِ الْمُعْجِزَةَ حِينَ ادَّعَى رَجُلٌ الرِّسَالَةَ وَقِيلَ إذَا أَرَادَ إظْهَارَ عَجْزِهِ لَا يَكْفُرُ وَاخْتُلِفَ فِي تَصْغِيرِهِ شَعْرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا إذَا أَرَادَ الْإِهَانَةَ فَيَكْفُرُ أَمَّا إذَا أَرَادَ التَّعْظِيمَ فَلَا وَبِقَوْلِهِ لَا أَدْرِي أَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنْسِيًّا أَوْ جِنِّيًّا وَبِشَتْمِهِ رَجُلًا اسْمُهُ مُحَمَّدٌ وَكُنْيَتُهُ أَبُو الْقَاسِمِ ذَاكِرًا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ الْبَعْضِ وَبِشَتْمِهِ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ أُكْرِهَ عَلَى شَتْمِهِ قَائِلًا قَصَدْته وَبِقَوْلِهِ جُنَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَاعَةً لَا بِقَوْلِهِ أُغْمِيَ عَلَيْهِ وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ قَالَ لَوْ لَمْ يَأْكُلْ آدَمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْحِنْطَةَ مَا صِرْنَا أَشْقِيَاءَ وَبِرَدِّهِ حَدِيثًا مَرْوِيًّا إنْ كَانَ مُتَوَاتِرًا أَوْ قَالَ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِخْفَافِ سَمِعْنَاهُ كَثِيرًا وَبِتَمَنِّيهِ أَنْ لَا يَكُونَ بَعْضُ الْأَنْبِيَاءِ نَبِيًّا مُرِيدًا بِهِ الِاسْتِخْفَافَ بِهِ أَوْ عَدَاوَتَهُ لَا بِقَوْلِهِ لَوْ لَمْ يَبْعَثْ اللَّهُ نَبِيًّا لَمْ يَكُنْ خَارِجًا عَنْ الْحِكْمَةِ. وَبِقَوْلِهِ أَنَا لَا أُحِبُّهُ حِينَ قِيلَ لَهُ إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُحِبُّ الْقَرْعَ وَقِيلَ إنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْإِهَانَةِ وَبِقَوْلِهَا نَعَمْ حِينَ قَالَ لَهَا لَوْ شَهِدَ عِنْدَك الْأَنْبِيَاءُ وَالْمَلَائِكَةُ لَا تُصَدِّقِيهِمْ حِينَ قَالَتْ لَهُ لَا تَكْذِبُ وَبِاسْتِخْفَافِهِ بِسُنَّةٍ مِنْ السُّنَنِ وَبِقَوْلِهِ لَا أَدْرِي أَنَّ النَّبِيَّ فِي الْقَبْرِ مُؤْمِنٌ أَمْ كَافِرٌ وَبِقَوْلِهِ مَا كَانَ عَلَيْنَا نِعْمَةٌ مِنْ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَبِقَوْلِهِ أَنَا أُخْبِرُ عَنْ إخْبَارِ الْجِنِّ إيَّايَ) قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ لِأَنَّ الْجِنَّ كَالْإِنْسِ لَا تَعْلَمُ الْغَيْبَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ {لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ} [سبأ: 14] الْآيَةَ فِي الْجِنِّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 130 النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِأَنَّ الْبَعْثَةَ مِنْ أَعْظَمِ النِّعَمِ وَبِقَذْفِهِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - مِنْ نِسَائِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَطْ وَبِإِنْكَارِهِ صُحْبَةَ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِخِلَافِ غَيْرِهِ وَبِإِنْكَارِهِ إمَامَةَ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى الْأَصَحِّ كَإِنْكَارِهِ خِلَافَةَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى الْأَصَحِّ لَا بِقَوْلِهِ لَوْلَا نَبِيُّنَا لَمْ يُخْلَقْ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَهُوَ خَطَأٌ وَيَكْفُرُ بِقَوْلِهِ لَوْ أَمَرَنِي اللَّهُ بِكَذَا لَمْ أَفْعَلْ وَلَوْ صَارَتْ الْقِبْلَةُ إلَى هَذِهِ الْجِهَةِ مَا صَلَّيْت أَوْ لَوْ أَعْطَانِي اللَّهُ الْجَنَّةَ لَا أُرِيدُهَا دُونَك أَوْ لَا أَدْخُلُهَا مَعَ فُلَانٍ أَوْ لَوْ أَعْطَانِي اللَّهُ الْجَنَّةَ لِأَجْلِك أَوْ لِأَجْلِ هَذَا الْعَمَلِ لَا أُرِيدُهَا وَأُرِيدُ رُؤْيَتَهُ وَبِقَوْلِهِ لَا أَتْرُكُ النَّقْدَ لِأَجْلِ النَّسِيئَةِ جَوَابًا لِقَوْلِهِ دَعْ الدُّنْيَا لِلْآخِرَةِ وَبِقَوْلِهِ لَوْ أَمَرَنِي اللَّهُ بِالزَّكَاةِ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسَةِ دَرَاهِمَ أَوْ بِالصَّوْمِ أَكْثَرَ مِنْ شَهْرٍ لَا أَفْعَلُ وَبِقَوْلِهِ الْإِيمَانُ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ وَبِقَوْلِهِ لَا أَدْرِي الْكَافِرُ فِي الْجَنَّةِ أَوْ فِي النَّارِ أَوْ لَا أَدْرِي أَيْنَ يَصِيرُ الْكَافِرُ. وَيُقْتَلُ بِقَوْلِهِ أَنَا أَلْعَنُ الْمَذْهَبَيْنِ جَوَابًا لِقَوْلِهِ عَلَى أَيِّ الْمَذْهَبَيْنِ أَنْت أَبِي حَنِيفَةَ أَوْ الشَّافِعِيِّ وَإِنْ تَابَ عُزِّرَ وَيَكْفُرُ بِإِنْكَارِهِ أَصْلَ الْوِتْرِ وَالْأُضْحِيَّةَ وَبِاسْتِحْلَالِ وَطْءِ الْحَائِضِ لَا بِقَوْلِهِ لَيْسَ لِي مَوْضِعُ شِبْرٍ فِي الْجَنَّةِ لِاسْتِقْلَالِهِ الْعَمَلَ وَلَا بِقَوْلِهِ لَا تَكْتُبُ الْحَفَظَةُ عَلَى هَذَا الرَّجُلِ وَلَا بِقَوْلِهِ هَذَا مَكَانٌ لَا إلَهَ فِيهِ وَلَا رَسُولَ إلَّا إذَا قَصَدَ بِهِ إنْكَارَ الدِّينِ وَلَا بِقَوْلِ الْمَرْأَةِ لَا أَتَعَلَّمُ وَلَا أُصَلِّي جَوَابًا لِقَوْلِ الزَّوْجِ تَعَلَّمِي وَلَا بِإِنْكَارِ الْعُشْرِ أَوْ الْخَرَاجِ وَلَا يَفْسُقُ خُصُوصًا فِي هَذَا الزَّمَانِ وَلَا بِقَوْلِهِ مَنْ أَكَلَ حَرَامًا فَقَدْ أَكَلَ مَا رَزَقَهُ اللَّهُ لَكِنَّهُ أَثِمَ وَيَكْفُرُ بِاسْتِحْلَالِهِ حَرَامًا عُلِمَتْ حُرْمَتُهُ مِنْ الدِّينِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ لَا بِفِعْلِهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِحْلَالٍ خِلَافًا لِمَا عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي أَكْلِ الْخِنْزِيرِ وَلِمَا عَنْ أَبِي حَفْصٍ فِي الْخَمْرِ وَالْفَتْوَى عَلَى الْأَوَّلِ وَيَكْفُرُ بِقَوْلِهِ لِلْقَبِيحِ إنَّهُ حَسَنٌ وَبِقَوْلِهِ لِغَيْرِهِ رُؤْيَتِي إيَّاكَ كَرُؤْيَةِ مَلَكِ الْمَوْتِ عِنْدَ الْبَعْضِ خِلَافًا لِلْأَكْثَرِ وَقِيلَ بِهِ إنْ قَالَهُ لِعَدَاوَتِهِ لَا لِكَرَاهَةِ الْمَوْتِ وَبِقَوْلِهِ لَا أَسْمَعُ شَهَادَةَ فُلَانٍ وَإِنْ كَانَ جِبْرِيلُ أَوْ مِيكَائِيلَ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - وَبِعَيْبِهِ مَلَكًا مِنْ الْمَلَائِكَةِ أَوْ الِاسْتِخْفَافِ بِهِ لَا بِقَوْلِهِ أَنَا أَظُنُّ أَنَّ مَلَكَ الْمَوْتِ تُوُفِّيَ وَلَا يَقْبِضُ رُوحِي مَجَازًا عَنْ طُولِ عُمْرِهِ إلَّا أَنْ يَعْنِيَ بِهِ الْعَجْزَ عَنْ تَوَفِّيهِ وَيَكْفُرُ إذَا أَنْكَرَ آيَةً مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ سَخِرَ بِآيَةٍ مِنْهُ إلَّا الْمُعَوِّذَتَيْنِ فَفِي إنْكَارِهِمَا اخْتِلَافٌ. وَالصَّحِيحُ كُفْرُهُ وَقِيلَ لَا وَقِيلَ إنْ كَانَ عَامِّيًّا يَكْفُرُ وَإِنْ كَانَ عَالِمًا لَا وَبِوَضْعِ رِجْلِهِ عَلَى الْمُصْحَفِ عِنْدَ الْحَلِفِ مُسْتَخِفًّا وَبِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ عَلَى ضَرْبِ الدُّفِّ أَوْ الْقَضِيبِ وَبِاعْتِقَادِ أَنَّ الْقُرْآنَ مَخْلُوقٌ حَقِيقَةً وَالْمِزَاحِ بِالْقُرْآنِ كَقَوْلِهِ {وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ} [القيامة: 29] أَوْ مَلَأَ قَدَحًا وَجَاءَ بِهِ وَقَالَ {وَكَأْسًا دِهَاقًا} [النبأ: 34] أَوْ قَالَ عِنْدَ الْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ {وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ} [المطففين: 3] وَقِيلَ إنْ كَانَ جَاهِلًا لَا يَكْفُرُ وَبِقَوْلِهِ الْقُرْآنُ أَعْجَمِيٌّ وَلَوْ قَالَ فِيهِ كَلِمَةٌ أَعْجَمِيَّةٌ فَفِي أَمْرِهِ نَظَرٌ وَفِي تَسْمِيَتِهِ آلَةَ الْفَسَادِ كُرَّاسَتَهُ وَبِقِرَاءَةِ الْقَارِئِ {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ} [النساء: 174] مُرِيدًا مُدَرِّسًا اسْمُهُ إبْرَاهِيمُ وَبِنَظْمِهِ الْقُرْآنَ بِالْفَارِسِيَّةِ وَبِبَرَاءَتِهِ مِنْ الْقُرْآنِ لِأَمْرٍ خَافَهُ لَكِنْ قَالَ الْوَبَرِيُّ أَخَافُ كُفْرَهُ وَبِإِنْكَارِهِ الْقِرَاءَةَ فِي الصَّلَاةِ وَقِيلَ لَا وَبِقَوْلِ الْمَرِيضِ لَا أُصَلِّي أَبَدًا جَوَابًا لِمَنْ قَالَ لَهُ صَلِّي وَقِيلَ لَا وَكَذَا قَوْلُهُ لَا أُصَلِّي حِينَ أُمِرَ بِهَا وَقِيلَ إنَّمَا يَكْفُرُ إذَا قَصَدَ نَفْيَ الْوُجُوبِ وَبِقَوْلِ الْعَبْدِ لَا أُصَلِّي فَإِنَّ الثَّوَابَ يَكُونُ لِلْمَوْلَى وَبِقَوْلِهِ جَوَابًا لِصَلِّ إنَّ اللَّهَ نَقَصَ مِنْ مَالِي فَأَنَا أُنْقِصُ مِنْ حَقِّهِ وَبِقَوْلِ مُصَلِّي رَمَضَانَ فَقَطْ إنَّ الصَّلَاةَ فِي رَمَضَانَ تُسَاوِي سَبْعِينَ صَلَاةً وَبِتُرْكِ الصَّلَاةِ مُتَعَمِّدًا غَيْرَ نَاوٍ لِلْقَضَاءِ وَغَيْرَ خَائِفٍ مِنْ الْعِقَابِ وَبِصَلَاتِهِ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ مُتَعَمِّدًا أَوْ فِي ثَوْبٍ نَجِسٍ أَوْ بِغَيْرِ وُضُوءٍ عَمْدًا.   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَبِقَذْفِهِ عَائِشَةَ إلَخْ) قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَلَوْ قَذَفَ سَائِرَ نِسَاءِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَكْفُرُ وَيَسْتَحِقُّ اللَّعْنَةَ إلَّا عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا وَعَنْهُنَّ (قَوْلُهُ لَا بِقَوْلِهِ لَوْلَا نَبِيُّنَا لَمْ يُخْلَقْ آدَمَ) قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَفِي جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى هَلْ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ لَوْلَا نَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَا خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى آدَمَ قَالَ هَذَا شَيْءٌ يَذْكُرُهُ الْوُعَّاظُ عَلَى رُءُوسِ الْمَنَابِرِ يُرِيدُونَ بِهِ تَعْظِيمَ مُحَمَّدٍ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَالْأَوْلَى أَنْ يَحْتَرِزُوا عَنْ أَمْثَالِ هَذَا فَإِنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَإِنْ كَانَ عَظِيمَ الْمَنْزِلَةِ وَالْمَرْتَبَةِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى كَانَ لِكُلِّ نَبِيٍّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - مَنْزِلَةٌ وَمَرْتَبَةٌ وَخَاصِّيَّتُهُ لَيْسَتْ لِغَيْرِهِ فَيَكُونُ كُلُّ نَبِيٍّ أَصْلًا بِنَفْسِهِ (قَوْلُهُ وَلَا بِقَوْلِهِ مَنْ أَكَلَ حَرَامًا فَقَدْ أَكَلَ مَا رَزَقَهُ اللَّهُ لَكِنَّهُ أَثِمَ) الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الْفَرْعَ مَبْنِيٌّ عَلَى رَأْيِ الْمُعْتَزِلَةِ لِأَنَّ الرِّزْقَ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ مَا يَسُوقُهُ اللَّهُ تَعَالَى إلَى الْحَيَوَانِ فَيَأْكُلُهُ وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ أَكْلًا أَوْ لُبْسًا أَوْ غَيْرَهُمَا وَأَنَّ ذَلِكَ الْمُنْسَاقَ قَدْ يَكُونُ حَلَالًا وَقَدْ يَكُونُ حَرَامًا وَعِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ الْحَرَامُ لَيْسَ بِرِزْقٍ لِأَنَّهُمْ فَسَرُّوهُ بِمَمْلُوكٍ يَأْكُلُهُ الْمَالِكُ. وَمَبْنَى الِاخْتِلَافِ عَلَى أَنَّ الْإِضَافَةَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مُعْتَبَرَةٌ فِي مَفْهُومِ الرِّزْقِ وَأَنَّهُ لَا رَازِقَ إلَّا اللَّهُ تَعَالَى وَحْدَهُ وَأَنَّ الْعَبْدَ يَسْتَحِقُّ الذَّمَّ وَالْعِقَابَ عَلَى أَكْلِ الْحَرَامِ وَمَا يَكُونُ مُسْتَنِدًا إلَى اللَّهِ تَعَالَى لَا يَكُونُ قَبِيحًا وَمُرْتَكِبُهُ لَا يَسْتَحِقُّ الذَّمَّ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِمْ الْفَاسِدِ وَتَمَامِ مَبْحَثِهِ وَالْجَوَابُ عَنْهُ مَذْكُورٌ فِي كُتُبِ الْعَقَائِدِ فَتَأَمَّلْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 131 وَالْمَأْخُوذُ بِهِ الْكُفْرُ فِي الْأَخِيرَةِ فَقَطْ وَقِيلَ لَا فِي الْكُلِّ وَمَحَلُّ الِاخْتِلَافِ إذَا لَمْ يَكُنْ اسْتِخْفَافًا بِالدِّينِ لَا بِسُجُودِهِ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ وَيَكْفُرُ بِإِتْيَانِهِ عِيدَ الْمُشْرِكِينَ مَعَ تَرْكِ الصَّلَاةِ تَعْظِيمًا لَهُمْ وَبِقَوْلِهِ لَا أُؤَدِّي الزَّكَاةَ بَعْدَ الْأَمْرِ بِأَدَائِهَا عَلَى قَوْلٍ وَلَوْ تَمَنَّى أَنْ لَا يُفْرَضَ رَمَضَانُ فَالصَّوَابُ أَنَّهُ عَلَى نِيَّتِهِ وَيَكْفُرُ بِقَوْلِهِ جَاءَ الشَّهْرُ الثَّقِيلُ إلَّا إذَا أَرَادَ التَّعَبَ لِنَفْسِهِ وَبِاسْتِهَانَتِهِ لِلشُّهُورِ الْمُفَضَّلَةِ وَبِقَوْلِهِ إنَّ هَذِهِ الطَّاعَاتِ جَعَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى عَذَابًا عَلَيْنَا بِلَا تَأْوِيلٍ أَوْ قَالَ لَوْ لَمْ يَفْرِضْ اللَّهُ هَذِهِ الطَّاعَاتِ لَكَانَ خَيْرًا لَنَا وَبِالِاسْتِهْزَاءِ بِالْأَذْكَارِ وَبِتَسْمِيَتِهِ عِنْدَ أَكْلِ الْحَرَامِ أَوْ فِعْلِ حَرَامٍ كَالزِّنَا وَاخْتَلَفَ فِي تَحْمِيدِهِ عِنْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُ وَبِقَوْلِهِ لَا أَقُولُ: عِنْدَ أَمْرِهِ بِقَوْلِهِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَقِيلَ لَا إنْ عَنَى أَنِّي لَا أَقُولُ: بِأَمْرِك وَلَا يَكْفُرُ الْمَرِيضُ إذَا قِيلَ لَهُ قُلْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَقَالَ لَا أَقُولُ: وَيَكْفُرُ بِالِاسْتِهْزَاءِ بِالْأَذَانِ لَا بِالْمُؤَذِّنِ وَبِإِنْكَارِهِ الْقِيَامَةَ أَوْ الْبَعْثَ أَوْ الْجَنَّةَ أَوْ النَّارَ أَوْ الْمِيزَانَ أَوْ الْحِسَابَ أَوْ الصِّرَاطَ أَوْ الصَّحَائِفَ الْمَكْتُوبَ فِيهَا أَعْمَالُ الْعِبَادِ لَا إذَا أَنْكَرَ بَعْثَ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ وَاخْتُلِفَ فِي تَكْفِيرِ امْرَأَةٍ لَا تَعْرِفُ أَنَّ الْيَهُودَ يُبْعَثُونَ. وَسُئِلَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ امْرَأَةٍ لَا تَعْرِفُ أَنَّ الْكُفَّارَ يَدْخُلُونَ النَّارَ فَقَالَ تَعْلَمُ وَلَا تَكْفُرُ وَيَكْفُرُ بِإِنْكَارِهِ رُؤْيَةَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بَعْدَ دُخُولِ الْجَنَّةِ وَبِإِنْكَارِهِ عَذَابَ الْقَبْرِ وَبِقَوْلِهِ لَا أَعْلَمُ أَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى إذَا بُعِثُوا هَلْ يُعَذَّبُونَ بِالنَّارِ وَبِإِنْكَارِ حَشْرِ بَنِي آدَمَ أَوْ غَيْرِهِمْ وَلَا بِقَوْلِهِ أَنَّ الْمُثَابَ وَالْمُعَاقَبَ الرُّوحُ فَقَطْ وَلَا بِقَوْلِهِ سَلَّمْتهَا إلَى مَنْ لَا يَمْنَعُ السَّارِقَ جَوَابًا لِمَنْ وَضَعَ ثِيَابَهُ وَقَالَ سَلَّمْتهَا إلَى اللَّهِ وَيُخَافُ الْكُفْرُ عَلَى مَنْ قَالَ لِلْآمِرِ بِالْمَعْرُوفِ غَوْغًا عَلَى وَجْهِ الرَّدِّ وَالْإِنْكَارِ وَيَكْفُرُ بِقَوْلِهِ لَهُ فُضُولِيٌّ وَيُخَافُ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ أَيُّهُمَا أَسْرَعُ وُصُولًا جَوَابًا لِمَنْ قَالَ لَهُ حَلَالٌ وَاحِدٌ أَحَبُّ إلَيْك أَمْ حَرَامَانِ وَيَكْفُرُ بِتَصَدُّقِهِ عَلَى فَقِيرٍ بِشَيْءٍ حَرَامٍ يَرْجُو الثَّوَابَ وَبِدُعَاءِ الْفَقِيرِ لَهُ عَالِمًا بِهِ وَبِتَأْمِينِ الْمُعْطَى وَبِقَوْلِهِ الْحَرَامُ أَحَبُّ إلَيَّ جَوَابًا بِالْقَوْلِ الْقَائِلِ لَهُ كُلْ مِنْ الْحَلَالِ لَا بِقَوْلِهِ إنِّي أَحْتَاجُ إلَى كَثْرَةِ الْمَالِ وَالْحَلَالُ وَالْحَرَامُ عِنْدِي سَوَاءٌ وَلَا بِقَوْلِهِ لِحَرَامٍ هَذَا حَلَالٌ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْتَقِدَهُ فَلَا يَكْفُرُ السُّوقِيُّ بِقَوْلِهِ هَذَا حَلَالٌ لِلْحَرَامِ تَرْوِيجًا لِشِرَائِهِ وَالْأَصْلُ أَنَّ مَنْ اعْتَقَدَ الْحَرَامَ حَلَالًا فَإِنْ كَانَ حَرَامًا لِغَيْرِهِ كَمَالِ الْغَيْرِ لَا يَكْفُرُ. وَإِنْ كَانَ لِعَيْنِهِ فَإِنْ كَانَ دَلِيلُهُ قَطْعِيًّا كَفَرَ وَإِلَّا فَلَا وَقِيلَ التَّفْصِيلُ فِي الْعَالِمِ أَمَّا الْجَاهِلُ فَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ لِعَيْنِهِ وَلِغَيْرِهِ وَإِنَّمَا الْفَرْقُ فِي حَقِّهِ إنَّمَا كَانَ قَطْعِيًّا كَفَرَ بِهِ وَإِلَّا فَلَا فَيَكْفُرُ إذَا قَالَ الْخَمْرُ لَيْسَ بِحَرَامٍ وَقَيَّدَهُ بَعْضُهُمْ بِمَا إذَا كَانَ يَعْلَمُ حُرْمَتَهَا لَا بِقَوْلِهِ حَرَامٌ وَلَكِنْ لَيْسَتْ هَذِهِ الَّتِي تَزْعُمُونَ أَنَّهَا حَرَامٌ وَيَكْفُرُ مَنْ قَالَ إنَّ حُرْمَةَ الْخَمْرِ لَمْ تَثْبُتْ بِالْقُرْآنِ وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ الصَّغَائِرَ وَالْكَبَائِرَ حَلَالٌ وَبِاسْتِحْلَالِهِ الْجِمَاعَ لِلْحَائِضِ لَا فِي الِاسْتِبْرَاءِ وَقِيلَ لَا فِي الْأَوَّلِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَلَا بِاسْتِحْلَالِ سُؤْرِ كَلْبٍ أَوْ رَبْعِ أَرْضٍ غُصِبَ وَبِاسْتِحْلَالِ اللِّوَاطَةِ إنْ عَلِمَ حُرْمَتَهُ مِنْ الدِّينِ وَبِقَوْلِهِ هِيَ لِي حَلَالٌ حِينَ نُهِيَ عَنْ تَقْبِيلِهِ أَجْنَبِيَّةً وَبِقَوْلِهِ الشَّرِيعَةُ كُلُّهَا تَلْبِيسٌ أَوْ حِيَلٌ إنْ قَالَ فِي كُلِّ الشَّرَائِعِ لَا فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْمُعَامَلَاتِ مِمَّا تَصِحُّ فِيهِ الْحِيَلُ الشَّرْعِيَّةُ وَقِيلَ يَكْفُرُ فِي الْأَوَّلِ مُطْلَقًا وَيُخَافُ عَلَيْهِ الْكُفْرُ إذَا شَتَمَ عَالِمًا أَوْ فَقِيهًا مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ وَيَكْفُرُ بِقَوْلِهِ لِعَالِمٍ ذَكَرُ الْحِمَارِ فِي إسْتِ عِلْمِك مُرِيدًا بِهِ عِلْمَ الدِّينِ وَبِجُلُوسِهِ عَلَى مَكَان مُرْتَفِعٍ وَالتَّشَبُّهِ بِالْمُذَكِّرِينَ وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ يَسْأَلُونَ مِنْهُ الْمَسَائِلَ وَيَضْحَكُونَ مِنْهُ ثُمَّ يَضْرِبُونَهُ بِالْمِحْرَاقِ وَكَذَا يَكْفُرُ الْجَمِيعُ لِاسْتِخْفَافِهِمْ بِالشَّرْعِ. وَكَذَا لَوْ لَمْ يَجْلِسْ عَلَى مَكَان مُرْتَفِعٍ وَلَكِنْ يَسْتَهْزِئُ بِالْمُذَكِّرِينَ وَيَتَمَشَّى وَالْقَوْمُ يَضْحَكُونَ وَبِإِلْقَاءِ الْفَتْوَى عَلَى الْأَرْضِ حِينَ أَتَى بِهَا خَصْمُهُ وَبِقَوْلِهِ لَا تَذْهَبْ وَإِنْ ذَهَبْت تَطْلُقُ امْرَأَتُك اسْتِهْزَاءً بِالْعِلْمِ وَالْعُلَمَاءِ جَوَابًا لِمَنْ قَالَ إلَى مَجْلِسِ الْعِلْمِ جَوَابًا لِقَوْلِهِ أَيْنَ تَذْهَبُ وَبِقَوْلِهِ قَصْعَةٌ مِنْ ثَرِيدٍ خَيْرٌ مِنْ الْعِلْمِ لَا بِقَوْلِهِ خَيْرٌ مِنْ اللَّهِ لِإِرَادَتِهِ أَنَّهَا نِعْمَةٌ مِنْ اللَّهِ وَالْأَوَّلُ لَا تَأْوِيلَ لَهُ سِوَى الِاسْتِخْفَافِ بِالْعِلْمِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَيَكْفُرُ بِتَصَدُّقِهِ عَلَى فَقِيرٍ) قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ بَعْدَ كَلَامٍ فَعُلِمَ أَنَّ مَسْأَلَةَ التَّصَدُّقِ أَيْضًا مَحْمُولَةٌ عَلَى مَا إذَا تَصَدَّقَ بِالْحَرَامِ الْقَطْعِيِّ أَمَّا إذَا أَخَذَ مِنْ إنْسَانٍ مِائَةً وَمِنْ آخَرَ مِائَةً وَخَلَطَهُمَا ثُمَّ تَصَدَّقَ لَا يَكْفُرُ لِأَنَّهُ قَبْلَ أَدَاءِ الضَّمَانِ وَإِنْ كَانَ حَرَامَ التَّصَرُّفِ لَكِنَّهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ بِعَيْنِهِ بِالْقَطْعِ (قَوْلُهُ وَبِاسْتِحْلَالِهِ الْجِمَاعَ لِلْحَائِضِ) قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْبَلْخِيّ الْجِمَاعُ فِي الْحَيْضِ كُفْرٌ وَفِي الِاسْتِبْرَاءِ بِدْعَةٌ وَضَلَالٌ وَلَيْسَ بِكُفْرٍ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ رُسْتُمَ أَنَّهُ قَالَ إنْ اسْتَحَلَّ الْجِمَاعَ فِي الْحَيْضِ مُتَأَوِّلًا أَنَّ النَّهْيَ لَيْسَ لِلتَّحْرِيمِ أَوْ لَمْ يَعْرِفْ النَّهْيَ لَمْ يَكْفُرْ وَإِنْ عَرَفَ النَّهْيَ وَاعْتَقَدَ أَنَّ النَّهْيَ لِلتَّحْرِيمِ وَمَعَ ذَلِكَ اسْتَحَلَّ كَانَ كَافِرًا وَعَنْ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ إنَّ اسْتِحْلَالَ الْجِمَاعِ فِي الْحَيْضِ كُفْرٌ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 132 وَبِقَوْلِ الْمَرِيضِ الْمُشْتَدِّ مَرَضُهُ إنْ شِئْت تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَإِنْ شِئْت كَافِرًا وَبِقَوْلِ الْمُبْتَلَى أَخَذْت مَالِي وَأَخَذْت وَلَدِي وَأَخَذْت كَذَا وَكَذَا فَمَاذَا تَفْعَلُ وَمَاذَا بَقِيَ وَبِقَوْلِهِ عَمْدًا لَا جَوَابًا لِمَنْ قَالَ لَهُ أَلَسْت مُسْلِمًا حِينَ ضَرَبَ عَبْدَهُ أَوْ وَلَدَهُ ضَرْبًا شَدِيدًا لَا إنْ غَلِطَ أَوْ قَصَدَ الْجَوَابَ وَبِقَوْلِ الزَّوْجِ لَيْسَ لِي حَمِيَّةٌ وَلَا دِينُ الْإِسْلَامِ حِينَ قَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ ذَلِكَ وَبِقَوْلِهِ لِمُسْلِمٍ يَا كَافِرُ عِنْدَ الْبَعْضِ وَلَوْ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ وَالْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى أَنْ يَكْفُرُ إنْ اعْتَقَدَهُ كَافِرًا لَا إنْ أَرَادَ شَتْمَهُ وَبِقَوْلِهِ لَبَّيْكَ جَوَابًا لِمَنْ قَالَ يَا كَافِرُ يَا يَهُودِيُّ يَا مَجُوسِيُّ وَبِقَوْلِهِ أَنَا مُلْحِدٌ لِأَنَّ الْمُلْحِدَ كَافِرٌ وَلَوْ قَالَ مَا عَلِمْته لَا يُعْذَرُ وَبِقَوْلِهِ الْمُعْتَذِرُ لِغَيْرِهِ كُنْت كَافِرًا فَأَسْلَمْت عِنْدَ بَعْضِهِمْ وَقِيلَ لَا وَبِقَوْلِهِ كُنْت مَجُوسِيًّا أَسْلَمْت الْآنَ وَبِنِسْيَانِ الْعَاصِي التَّوْبَةَ وَتَحْقِيرِ الذَّنْبِ وَعَدَمِ رُؤْيَةِ الْعُقُوبَةِ بِالذَّنْبِ وَعَدَمِ رُؤْيَةِ الْمَعَاصِي قَبِيحَةً وَبِعَدَمِ رُؤْيَةِ الطَّاعَةِ حُسْنًا وَبِعَدَمِ رُؤْيَتِهِ الثَّوَابَ عَلَى الطَّاعَةِ وَبِعَدَمِ رُؤْيَتِهِ وُجُوبَ الطَّاعَاتِ وَبِقَوْلِهِ كَفَرْت حِينَ تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ زَعَمَ الْقَوْمُ أَنَّهَا كُفْرٌ وَلَيْسَتْ بِكُفْرٍ فَقِيلَ لَهُ كَفَرْت وَطَلَّقْت زَوْجَتَك وَتَكْفُر الْمَرْأَةُ إذَا تَكَلَّمَتْ بِالْكُفْرِ لِقَصْدِ أَنْ تَحْرُمَ عَلَى زَوْجِهَا وَالْإِيمَانُ مُسْتَقِرٌّ فِي قَلْبِهَا وَقَوْلُهَا أَصِيرُ كَافِرَةً حَتَّى أَتَخَلَّصُ مِنْ الزَّوْجِ وَمَنْ قَصَدَ الْكُفْرَ سَاعَةً أَوْ يَوْمًا فَهُوَ كَافِرٌ فِي جَمِيعِ الْعُمْرِ وَبِتَمَنِّيهِ الْكُفْرَ أَنْ لَوْ كَانَ كَافِرًا فَأَسْلَمَ حِينَ أَسْلَمَ كَافِرًا فَأُعْطِيَ شَيْئًا وَبِتَمَنِّيهِ أَنْ لَمْ يُحَرَّمْ الظُّلْمُ وَالزِّنَا وَالْقَتْلُ بِغَيْرِ حَقٍّ وَكُلُّ حَرَامٍ لَا يَكُونُ حَلَالًا فِي وَقْتٍ بِخِلَافِ الْخَمْرِ وَمُنَاكَحَةِ الْمَحَارِمِ وَبِتَمَنِّيهِ أَنْ لَوْ كَانَ نَصْرَانِيًّا حَتَّى يَتَزَوَّجَ نَصْرَانِيَّةً سَمِينَةً رَآهَا وَبِوَضْعِ قَلَنْسُوَةِ الْمَجُوسِيِّ عَلَى رَأْسِهِ عَلَى الصَّحِيحِ إلَّا لِضَرُورَةِ دَفْعِ الْحَرِّ أَوْ الْبَرْدِ وَبِشَدِّ الزُّنَّارِ فِي وَسَطِهِ إلَّا إذَا فَعَلَ ذَلِكَ خَدِيعَةً فِي الْحَرْبِ وَطَلِيعَةً لِلْمُسْلِمِينَ وَبِقَوْلِهِ مُعَلِّمُ صِبْيَانِ الْيَهُودِ خَيْرٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِكَثِيرٍ فَإِنَّهُمْ يَقْضُونَ حُقُوقَ مُعَلِّمِي صِبْيَانِهِمْ وَبِقَوْلِهِ الْمَجُوسِيَّةُ خَيْرٌ مِمَّا أَنَا فِيهِ يَعْنِي فِعْلَهُ وَبِقَوْلِهِ النَّصْرَانِيَّةُ خَيْرٌ مِنْ الْمَجُوسِيَّةِ لَا بِقَوْلِهِ الْمَجُوسِيَّةُ شَرٌّ مِنْ النَّصْرَانِيَّةِ وَبِقَوْلِهِ النَّصْرَانِيَّةُ خَيْرٌ مِنْ الْيَهُودِيَّةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ النَّصْرَانِيَّةُ شَرٌّ مِنْ الْيَهُودِيَّةِ وَبِقَوْلِهِ لَمُعَامَلَةُ الْكُفْرِ خَيْرٌ مِمَّا أَنْتَ تَفْعَلُ عِنْدَ بَعْضِهِمْ مُطْلَقًا. وَقَيَّدَهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ بِأَنْ يَقْصِدَ تَحْسِينَ الْكُفْرِ لَا تَقْبِيحَ مُعَامَلَتِهِ وَبِخُرُوجِهِ إلَى نَيْرُوزِ الْمَجُوسِ وَالْمُوَافَقَةِ مَعَهُمْ فِيمَا يَفْعَلُونَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَبِشِرَائِهِ يَوْمَ النَّيْرُوزِ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ يَشْتَرِيهِ قَبْلَ ذَلِكَ تَعْظِيمًا لِلنَّيْرُوزِ لَا لِلْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَبِإِهْدَائِهِ ذَلِكَ الْيَوْمَ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ بَيْضَةً تَعْظِيمًا لِذَلِكَ الْيَوْمِ لَا بِإِجَابَتِهِ دَعْوَةَ مَجُوسِيٍّ حَلَقَ رَأْسَ وَلَدِهِ وَبِتَحْسِينِ أَمْرِ الْكُفَّارِ اتِّفَاقًا حَتَّى قَالُوا لَوْ قَالَ تَرْكُ الْكَلَامِ عِنْدَ أَكْلِ الطَّعَامِ مِنْ الْمَجُوسِيِّ حَسَنٌ أَوْ تَرْكُ الْمُضَاجَعَةِ حَالَةَ الْحَيْضِ مِنْهُمْ حَسَنٌ فَهُوَ كَافِرٌ وَبِذَبْحِهِ شَيْئًا فِي وَجْهِ إنْسَانٍ وَقْتَ الْخُلْعَةِ أَوْ لِلْقَادِمِ مِنْ الْحَجِّ أَوْ الْغَزْوِ وَالْمَذْبُوحُ مَيْتَةٌ وَقِيلَ لَا يَكْفُرُ وَقَوْلُهُ لِسُلْطَانِ زَمَانِنَا عَادِلٌ وَقِيلَ لَا وَعَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ قَوْلُ الْخُطَبَاءِ فِي أَلْقَابِ السُّلْطَانِ الْعَادِلُ الْأَعْظَمُ مَالِكُ رِقَابِ الْأُمَمِ سُلْطَانُ أَرْضِ اللَّهِ مَالِكُ بِلَادِ اللَّهِ وَبِقَوْلِهِ لَا تَقُلْ لِلسُّلْطَانِ هَذَا حِينَ عَطَسَ السُّلْطَانُ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ يَرْحَمُك اللَّهُ وَيَسْقِي وَلَدَهُ الْخَمْرَ فَجَاءَ أَقْرِبَاؤُهُ وَنَثَرُوا الدَّرَاهِمَ وَالسُّكَّرَ كَفَرَ الْكُلُّ وَكَذَا لَوْ لَمْ يَنْثُرُوا الدَّرَاهِمَ وَلَكِنَّهُمْ قَالُوا مُبَارَكٌ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا قَالَ أُحِبُّ الْخَمْرَ فَلَا أَصْبِرُ عَنْهَا وَيَكْفُرُ بِتَلْقِينِ كَلِمَةِ الْكُفْرِ لِيَتَكَلَّمَ بِهَا وَلَوْ عَلَى وَجْهِ اللَّعِبِ وَبِأَمْرِهِ امْرَأَةً بِالِارْتِدَادِ لِتَبِينَ مِنْ زَوْجِهَا وَبِالْإِفْتَاءِ بِذَلِكَ وَإِنْ لَمْ تَكْفُرْ الْمَرْأَةُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الرِّضَا بِكُفْرِ غَيْرِهِ كُفْرٌ وَقِيلَ لَا وَبِعَزْمِهِ عَلَى أَنْ يَأْمُرَ بِالْكُفْرِ وَبِقَوْلِهِ لِمَنْ يُنَازِعُهُ أَفْعَلُ كُلَّ يَوْمٍ عَشَرَةَ أَمْثَالِك مِنْ الطِّينِ أَوْ لَمْ يَقُلْ مِنْ الطِّينِ قَاصِدًا مِنْ حَيْثُ الْخِلْقَةِ لَا مِنْ حَيْثُ بَيَانِ صَنْعَتِهِ وَلَا بِقَوْلِهِ قَدْ خَلَقْت هَذِهِ الشَّجَرَةَ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ عَادَةُ الْفُرْسِ حَتَّى لَوْ عَنَى بِهِ حَقِيقَةَ الْخَلْقِ يَكْفُرُ وَلَا بِقَوْلِهِ لِغَيْرِهِ يَنْبَغِي لَك أَنْ تَسْجُدَ لِي سَجْدَةً لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ الشُّكْرُ وَالْمِنَّةُ. وَيَكْفُرُ بِقَوْلِهِ أَيُّ شَيْءٍ أَصْنَعُ إذَا لَزِمَنِي الْكُفْرُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَبِنِسْيَانِ الْعَاصِ التَّوْبَةَ إلَى قَوْلِهِ وَبِعَدَمِ رُؤْيَتِهِ الطَّاعَةَ حَسْنَاءَ) أَيْ يَكْفُرُ بِرُؤْيَتِهِ مَجْمُوعَ ذَلِكَ وَلِذَا لَمْ يُكَرِّرْ حَرْفَ الْجَرِّ (قَوْلُهُ بِنَاءً عَلَى الرِّضَا بِكُفْرِ غَيْرِهِ كَفَرَ) قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَفِي النِّصَابِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ بِالرِّضَا بِكُفْرِ الْغَيْرِ وَفِي غَرَرِ الْمَعَانِي لَا خِلَافَ بَيْنَ مَشَايِخِنَا أَنَّ الْأَمْرَ بِالْكُفْرِ كُفْرٌ وَفِي شَرْحِ السِّيرَتَانِ الرِّضَا بِكُفْرِ الْغَيْرِ إنَّمَا يَكُونُ كُفْرًا إذَا كَانَ يَسْتَخِفُّ الْكُفْرَ وَيَسْتَحْسِنُهُ أَمَّا إذَا أَحَبَّ الْمَوْتَ أَوْ الْقَتْلَ عَلَى الْكُفْرِ لِمَنْ كَانَ شَدِيدًا مُؤْذِيًا بِطَبْعِهِ حَتَّى يَنْتَقِمَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ فَهَذَا لَا يَكُونُ كُفْرًا وَقَدْ عَثَرْنَا عَلَى رِوَايَةِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الرِّضَا بِكُفْرِ الْغَيْرِ كُفْرٌ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ. . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 133 جَوَابًا لِمَنْ قَالَ لَهُ أَيُّ شَيْءٍ تَصْنَعُ قَدْ لَزِمَك الْكُفْرُ وَبِإِبْدَالِهِ حَرْفًا أَوْ آيَةً مِنْ الْقُرْآنِ عَمْدًا وَبِاعْتِقَادِ أَنَّ الْخَرَاجَ مِلْكُ السُّلْطَانِ لَا بِقَوْلِهِ أَنَا فِرْعَوْنُ أَوْ إبْلِيسُ إلَّا إذَا قَالَ اعْتِقَادِي كَاعْتِقَادِ فِرْعَوْنَ وَمَنْ حَسَّنَ كَلَامَ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَقَالَ مَعْنَوِيٌّ أَوْ كَلَامٌ لَهُ مَعْنًى صَحِيحٌ إنْ كَانَ ذَلِكَ كُفْرًا مِنْ الْقَائِلِ كَفَرَ الْمُحَسِّنُ وَكَذَا مَنْ حَسَّنَ رُسُومَ الْكَفَرَةِ وَاخْتَلَفُوا فِي تَكْفِيرِ مَنْ قَالَ إنَّ إبْرَاهِيمَ بْنَ أَدْهَمَ رَأَوْهُ بِالْبَصْرَةِ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَفِي ذَلِكَ الْيَوْمِ بِمَكَّةَ وَمَسْأَلَةُ ثُبُوتِ النَّسَبِ بَيْنَ الْمَشْرِقِيِّ وَبَيْنَ الْمَغْرِبِيَّةِ تُؤَيِّدُ الْقَائِلَ بِعَدَمِهِ وَيُخَافُ الْكُفْرُ عَلَى مَنْ قَالَ بِحَيَاتِي وَحَيَاتِك وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَنْ شَكَّ فِي إيمَانِهِ فَهُوَ كَافِرٌ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مُصَدِّقًا لَكِنْ يَشُكُّ أَنَّ هَذَا التَّصْدِيقَ إيمَانٌ أَوْ كُفْرٌ وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَا مُؤْمِنٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ هَذَا كُلُّهُ حَاصِلُ مَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة مِنْ الْفُصُولِ مِنْ بَابِ أَلْفَاظِ التَّكْفِيرِ سِوَى الْفَارِسِيُّ وَفِي الْخُلَاصَةِ يَكْفُرُ بِقَوْلِهِ أَنَا بَرِيءٌ مِنْ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ وَبِقَوْلِهِ لَوْ عَاقَبَنِي اللَّهُ مَعَ مَا بِي مِنْ الْمَرَضِ وَمَشَقَّةِ الْوَلَدِ فَقَدْ ظَلَمَنِي وَبِشَدِّ الْمَرْأَةِ حَبْلًا فِي وَسَطِهَا وَقَالَتْ هَذَا زُنَّارٌ وَمَنْ أَبْغَضَ عَالِمًا مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ ظَاهِرٍ خِيفَ عَلَيْهِ الْكُفْرُ وَلَوْ صَغَّرَ الْفَقِيهَ أَوْ الْعَلَوِيَّ قَاصِدًا الِاسْتِخْفَافَ بِالدِّينِ كَفَرَ لَا إنْ لَمْ يَقْصِدْهُ وَالسُّجُودُ لِلْجَبَابِرَةِ كُفْرٌ إنْ أَرَادَ بِهِ الْعِبَادَةَ لَإِنْ أَرَادَ بِهِ التَّحِيَّةَ عَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ قَالَ عُلَمَاؤُنَا مَنْ قَالَ أَرْوَاحُ الْمَشَايِخِ حَاضِرَةٌ تَعْلَمُ يَكْفُرُ وَمَنْ قَالَ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ فَهُوَ كَافِرٌ. وَمَنْ قَالَ إنَّ الْإِيمَانَ مَخْلُوقٌ فَهُوَ كَافِرٌ كَذَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْفَتَاوَى وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ بِمَعْنَى هِدَايَةِ الرَّبِّ وَأَمَّا فِعْلُ الْعَبْدِ فَهُوَ مَخْلُوقٌ وَإِذَا أَخَذَ أَحَدٌ الْمَكْسَ مُقَاطَعَةً فَقَالُوا لَهُ مُبَارَكٌ كَفَرُوا وَوَقَعَتْ بِسَرَايِ الْجَدِيدَةِ وَاقِعَةٌ وَهِيَ أَنَّ وَاحِدًا قَاطَعَ عَلَى مَالٍ مَعْلُومٍ احْتِسَابًا بِهَا أَعْنِي الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنْ الْمُنْكَرِ فَضَرَبُوا عَلَى بَابِهِ طُبُولَاتٍ وَبُوقَاتٍ وَنَادَوْا مُبَارَكٌ بَادٍ لِمُقَاطَعَتِهِ الِاحْتِسَابَ وَكَانَ إمَامَ الْجَامِعِ فَامْتَنَعْنَا مِنْ الصَّلَاةِ خَلْفَهُ حَتَّى عَرَضَ عَلَى نَفْسِهِ الْإِسْلَامَ أَخْذًا مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَالَ لِرَجُلٍ يَا أَحْمَرَ قَالَ خَلَقَنِي اللَّهُ مِنْ سَوِيقِ التُّفَّاحِ وَخَلَقَك مِنْ طِينٍ كَفَرَ قَالَ وَاحِدٌ مِنْ الْفَسَقَةِ لَوْ وَضَعْت هَذِهِ الْخَمْرَةَ بَيْنَ يَدَيْ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَرَفَعَهَا عَلَى جَنَاحِهِ يَكْفُرُ وَلَا يَكْفُرُ بِقَوْلِهِ يَا حَاضِرُ يَا نَاظِرُ وَلَا بِقَوْلِهِ دَرْوِيشُ دَرْوِيشَانِ وَالْقَوْلُ بِالْكُفْرِ بِكُلٍّ مِنْهُمَا بَاطِلٌ وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ رَوَى الطَّحَاوِيُّ عَنْ أَصْحَابِنَا لَا يُخْرِجُ الرَّجُلَ مِنْ الْإِيمَانِ إلَّا جُحُودُ مَا أَدْخَلَهُ فِيهِ مَا تَيَقَّنَ أَنَّهُ رِدَّةٌ يَحْكُمُ بِهَا بِهِ وَمَا يَشُكُّ أَنَّهُ رِدَّةٌ لَا يَحْكُمُ بِهَا إذْ الْإِسْلَامُ الثَّابِتُ لَا يَزُولُ بِشَكٍّ مَعَ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَعْلُو وَيَنْبَغِي لِلْعَالِمِ إذَا رُفِعَ إلَيْهِ هَذَا أَنْ لَا يُبَادِرَ بِتَكْفِيرِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ مَعَ أَنَّهُ يَقْضِي بِصِحَّةِ إسْلَامِ الْمُكْرَهِ أَقُولُ: قَدَّمْت هَذِهِ لِتَصِيرَ مِيزَانًا فِيمَا نَقَلْته فِي هَذَا الْفَصْلِ مِنْ الْمَسَائِلِ فَإِنَّهُ قَدْ ذُكِرَ فِي بَعْضِهَا أَنَّهُ كَفَرَ مَعَ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ عَلَى قِيَاسِ هَذِهِ الْمُقَدِّمَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ. وَفِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى الْكُفْرُ شَيْءٌ عَظِيمٌ فَلَا أَجْعَلُ الْمُؤْمِنَ كَافِرًا مَتَى وَجَدْت رِوَايَةً أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ اهـ. وَقَالَ قَبْلَهُ وَفِي الْجَامِعِ الْأَصْغَرِ إذَا أَطْلَقَ الرَّجُلُ كَلِمَةَ الْكُفْرِ عَمْدًا لَكِنَّهُ لَمْ يَعْتَقِدْ الْكُفْرَ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا لَا يَكْفُرُ لِأَنَّ الْكُفْرَ يَتَعَلَّقُ بِالضَّمِيرِ وَلَمْ يَعْقِدْ الضَّمِيرَ عَلَى الْكُفْرِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَكْفُرُ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدِي لِأَنَّهُ اسْتَخَفَّ بِدِينِهِ اهـ. وَفِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا إذَا كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ وُجُوهٌ تُوجِبُ التَّكْفِيرَ وَوَجْهٌ وَاحِدٌ يَمْنَعُ التَّكْفِيرَ فَعَلَى الْمُفْتِي أَنْ يَمِيلَ إلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَمْنَعُ التَّكْفِيرَ تَحْسِينًا لِلظَّنِّ بِالْمُسْلِمِ زَادَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ إلَّا إذَا صَرَّحَ بِإِرَادَةِ مُوجِبِ الْكُفْرِ فَلَا يَنْفَعُهُ التَّأْوِيلُ حِينَئِذٍ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة لَا يَكْفُرُ بِالْمُحْتَمَلِ لِأَنَّ الْكُفْرَ نِهَايَةٌ فِي الْعُقُوبَةِ فَيَسْتَدْعِي نِهَايَةً فِي الْجِنَايَةِ وَمَعَ الِاحْتِمَالِ لَا نِهَايَةَ اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَنْ تَكَلَّمَ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ هَازِلًا أَوْ لَاعِبًا كَفَرَ عِنْدَ الْكُلِّ وَلَا اعْتِبَارَ بِاعْتِقَادِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ وَمَنْ تَكَلَّمَ بِهَا مُخْطِئًا أَوْ مُكْرَهًا لَا يَكْفُرُ عِنْدَ الْكُلِّ وَمَنْ تَكَلَّمَ بِهَا عَالِمًا عَامِدًا كَفَرَ عِنْدَ الْكُلِّ   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 134 وَمَنْ تَكَلَّمَ بِهَا اخْتِيَارًا جَاهِلًا بِأَنَّهَا كُفْرٌ فَفِيهِ اخْتِلَافٌ وَاَلَّذِي تَحَرَّرَ أَنَّهُ لَا يُفْتَى بِتَكْفِيرِ مُسْلِمٍ أَمْكَنَ حَمْلُ كَلَامِهِ عَلَى مَحْمَلٍ حَسَنٍ أَوْ كَانَ فِي كُفْرِهِ اخْتِلَافٌ وَلَوْ رِوَايَةً ضَعِيفَةً فَعَلَى هَذَا فَأَكْثَرُ أَلْفَاظِ التَّكْفِيرِ الْمَذْكُورَةِ لَا يُفْتَى بِالتَّكْفِيرِ بِهَا وَلَقَدْ أَلْزَمْت نَفْسِي أَنْ لَا أُفْتِيَ بِشَيْءٍ مِنْهَا وَأَمَّا مَسْأَلَةُ تَكْفِيرِ أَهْلِ الْبِدَعِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْفَتَاوَى فَقَدْ تَرَكْتهَا عَمْدًا لِأَنَّ مَحَلَّهَا أُصُولُ الدِّينِ وَقَدْ أَوْضَحَهَا الْمُحَقِّقُ فِي الْمُسَايَرَةِ. (قَوْلُهُ بِعَرْضِ الْإِسْلَامِ عَلَى الْمُرْتَدِّ) أَيْ يَعْرِضُهُ الْإِمَامُ وَالْقَاضِي وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِأَنَّ رَجَاءَ الْعَوْدِ إلَى الْإِسْلَامِ ثَابِتٌ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الرِّدَّةَ كَانَتْ بِاعْتِرَاضِ شُبْهَةٍ لَمْ يُبَيِّنْ صِفَتَهُ وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ اسْتِحْبَابُهُ فَقَطْ وَلَا يَجِبُ لِأَنَّ الدَّعْوَةَ قَدْ بَلَغَتْهُ وَعَرْضُ الْإِسْلَامِ هُوَ الدَّعْوَةُ إلَيْهِ وَدَعْوَةُ مَنْ بَلَغَتْهُ الدَّعْوَى غَيْرُ وَاجِبَةٍ وَلَمْ يَذْكُرْ تَكْرَارَ الْعَرْضِ عَلَيْهِ وَفِي الْخَانِيَّةِ يُعْرَضُ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ التَّأْجِيلِ (قَوْلُهُ وَتُكْشَفُ شُبْهَتُهُ) بَيَانٌ لِفَائِدَةِ الْعَرْضِ أَيْ فَإِنْ كَانَ لَهُ شُبْهَةٌ أَبْدَاهَا كُشِفَتْ عَنْهُ لِأَنَّهُ عَسَاهُ اعْتَرَضَتْ لَهُ شُبْهَةٌ فَتُزَاحُ عَنْهُ (قَوْلُهُ وَيُحْبَسُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنْ أَسْلَمَ وَإِلَّا قُتِلَ) لِأَنَّهَا مُدَّةٌ ضُرِبَتْ لِإِبْدَاءِ الْأَعْذَارِ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَطْلَقَهُ فَأَفَادَ أَنَّهُ يُمْهَلُ وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْهُ وَهُوَ رِوَايَةٌ وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ لَا يُمْهَلُ بِدُونِ اسْتِمْهَالٍ بَلْ يُقْتَلُ مِنْ سَاعَتِهِ كَمَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إلَّا إذَا كَانَ الْإِمَامُ يَرْجُو إسْلَامَهُ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَإِذَا اُسْتُمْهِلَ فَظَاهِرُ الْمَبْسُوطِ الْوُجُوبُ فَإِنَّهُ قَالَ إذَا طَلَبَ التَّأْجِيلَ كَانَ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُمْهِلَهُ وَعَنْ الْإِمَامِ الِاسْتِحْبَابُ مُطْلَقًا وَأَفَادَ بِإِطْلَاقِهِ أَنَّهُ يَفْعَلُ بِهِ ذَلِكَ إذَا ارْتَدَّ ثَانِيًا إلَّا أَنَّهُ إذَا تَابَ ضَرَبَهُ الْإِمَامُ وَخَلَّى سَبِيلَهُ وَإِنْ ارْتَدَّ ثَالِثًا ثُمَّ تَابَ ضَرَبَهُ الْإِمَامُ ضَرْبًا وَجِيعًا وَحَبَسَهُ حَتَّى تَظْهَرَ عَلَيْهِ التَّوْبَةُ وَيَرَى أَنَّهُ مُسْلِمٌ مُخْلِصٌ ثُمَّ خَلَّى سَبِيلَهُ فَإِنْ عَادَ فَعَلَ بِهِ هَكَذَا كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة. وَأَفَادَ بِإِطْلَاقِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ رِدَّةٍ وَرِدَّةٍ مِنْ أَنَّهُ إذَا أَسْلَمَ وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ مَسَائِلُ الْأُولَى الرِّدَّةُ بِسَبِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ كُلُّ مَنْ أَبْغَضَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَلْبِهِ كَانَ مُرْتَدًّا فَالسَّابُّ بِطَرِيقِ أَوْلَى ثُمَّ يُقْتَلُ حَدًّا عِنْدَنَا فَلَا   [منحة الخالق] قَوْلُهُ لَمْ يُبَيِّنْ صِفَتَهُ) أَيْ صِفَةَ الْعَرْضِ وَذَكَرَ فِي النَّهْرِ أَنَّ قَوْلَهُ يُعْرَضُ ظَاهِرٌ فِي وُجُوبِهِ كَمَا فِي الْفَتْحِ فَقَوْلُهُ لَمْ يُبَيِّنْ صِفَتَهُ مَمْنُوعٌ نَعَمْ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ مَنْدُوبٌ فَقَطْ (قَوْلُهُ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ كُلُّ مَنْ أَبْغَضَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَخْ) قَالَ تِلْمِيذُ الْمُؤَلِّفِ فِي مِنَحِ الْغَفَّارِ بَعْدَ نَقْلِهِ ذَلِكَ وَجَعْلِهِ إيَّاهُ مَتْنًا مَا نَصُّهُ وَبِمِثْلِهِ صَرَّحَ الْإِمَامُ الْبَزَّازِيُّ وَبِهَذَا جَزَمَ شَيْخُنَا فِي فَوَائِدِهِ لَكِنْ سَمِعْت مِنْ مَوْلَانَا شَيْخِ الْإِسْلَامِ أَمِينِ الدِّينِ بْنِ عَبْدِ الْعَالِ مُفْتِي الْحَنَفِيَّةِ بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ أَنَّ صَاحِبَ الْفَتْحِ تَبِعَ الْبَزَّازِيُّ فِي ذَلِكَ وَأَنَّ الْبَزَّازِيَّ تَبِعَ صَاحِبَ الصَّارِمِ الْمَسْلُولِ فَإِنَّهُ عَزَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ مَا نَقَلَهُ مِنْ ذَلِكَ إلَيْهِ وَلَمْ يَعْزُهُ إلَى أَحَدٍ مِنْ عُلَمَاءِ الْحَنَفِيَّةِ اهـ. وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ أَفْلَاطُونَ زَادَهُ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِمُعِينِ الْحُكَّامِ أَنَّهَا رِدَّةٌ حَيْثُ قَالَ مَعْزِيًّا إلَى شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ مَا صُورَتُهُ مَنْ سَبَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَوْ بَغَضَهُ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ رِدَّةً وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُرْتَدِّينَ اهـ. وَفِي النَّتْفِ مَنْ سَبَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ مُرْتَدٌّ وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُرْتَدِّ وَيُفْعَلُ بِهِ مَا يُفْعَلُ بِالْمُرْتَدِّ اهـ. فَقَوْلُهُ وَيُفْعَلُ بِهِ مَا يُفْعَلُ بِالْمُرْتَدِّ ظَاهِرٌ فِي قَبُولِ تَوْبَتِهِ كَمَا لَا يَخْفَى وَمِمَّنْ نَقَلَ أَنَّهَا رِدَّةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِالشِّفَاءِ وَنَصُّ عِبَارَتِهِ قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْمُنْذِرِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَجْمَعَ عَوَامُّ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ مَنْ سَبَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقْتَلُ وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَاللَّيْثُ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْفَضْلِ وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ عِنْدَ هَؤُلَاءِ وَبِمِثْلِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَالثَّوْرِيُّ وَأَهْلُ الْكُوفَةِ وَالْأَوْزَاعِيُّ فِي الْمُسْلِمِ لَكِنَّهُمْ قَالُوا هِيَ رِدَّةٌ وَرَوَى مِثْلَهُ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَحَكَى الطَّبَرِيُّ مِثْلَهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ فِيمَنْ يُنْقِصُهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ بَرِئَ مِنْهُ أَوْ كَذَّبَهُ اهـ. إلَى هُنَا كَلَامُ صَاحِبِ الْمِنَحِ. لَكِنْ قَالَ بَعْدَمَا يَأْتِي عَنْ الْجَوْهَرَةِ فِي سَابِّ الشَّيْخَيْنِ أَقُولُ: يَقْوَى الْقَوْلُ بِعَدَمِ قَبُولِ تَوْبَةِ مَنْ سَبَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ الشَّرِيفَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ فِي الْإِفْتَاءِ وَالْقَضَاءِ رِعَايَةً لِحَضْرَةِ صَاحِبِ الرِّسَالَةِ الْمَخْصُوصِ بِكَمَالِ الْفَضْلِ وَالْبَسَالَةِ اهـ. وَفِيهِ كَلَامٌ تَعَرَّفْهُ وَقَدْ حَرَّرْت الْمَسْأَلَةَ فِي تَنْقِيحِ الْحَامِدِيَّةِ فَرَاجِعْهَا ثُمَّ جَمَعْت فِي ذَلِكَ كِتَابًا سَمَّيْته تَنْبِيهَ الْوُلَاةِ وَالْحُكَّامِ عَلَى أَحْكَامِ شَاتِمِ خَيْرِ الْأَنَامِ أَوْ أَحَدِ أَصْحَابِهِ الْكِرَامِ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَبَيَّنْت فِيهِ أَنَّ قَوْلَ الشِّفَاءِ لَكِنَّهُمْ قَالُوا هِيَ رِدَّةٌ إلَخْ صَرِيحٌ فِي قَبُولِ تَوْبَتِهِ لِأَنَّهُ اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِهِ قَبْلَهُ يُقْتَلُ وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ عِنْدَ هَؤُلَاءِ فَعُلِمَ أَنَّ قَوْلَهُ وَبِمِثْلِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أَيْ قَالَ أَنَّهُ يُقْتَلُ لَكِنْ قَالُوا أَنَّهُ رِدَّةٌ فَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يُقْتَلُ إنْ لَمْ يَتُبْ كَمَا هُوَ حُكْمُ الرِّدَّةِ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِلِاسْتِدْرَاكِ الْمَذْكُورِ فَائِدَةٌ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِقَبُولِ تَوْبَتِهِ عِنْدَنَا الْإِمَامُ السُّبْكِيُّ فِي السَّيْفِ الْمَسْلُولِ وَقَالَ إنَّهُ لَمْ يَجِدْ لِلْحَنَفِيَّةِ إلَّا قَبُولَ التَّوْبَةِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 135 تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ فِي إسْقَاطِهِ الْقَتْلَ قَالُوا هَذَا مَذْهَبُ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَمَالِكٍ وَنُقِلَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَجِيءَ تَائِبًا مِنْ نَفْسِهِ أَوْ شُهِدَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْمُكَفِّرَاتِ فَإِنَّ الْإِنْكَارَ فِيهَا تَوْبَةٌ فَلَا تَعْمَلُ الشَّهَادَةُ مَعَهُ حَتَّى قَالُوا يُقْتَلُ وَإِنْ سَبَّ سَكْرَانُ وَلَا يُعْفَى عَنْهُ وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِهِ بِمَا إذَا كَانَ سُكْرُهُ بِسَبَبٍ مَحْظُورٍ بَاشَرَهُ مُخْتَارًا بِلَا إكْرَاهٍ وَإِلَّا فَهُوَ كَالْمَجْنُونِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا خَالَفَ فِي وُجُوبِ قَتْلِهِ وَأَمَّا مِثْلُهُ فِي حَقِّهِ تَعَالَى فَتُقْبَلُ تَوْبَتُهُ فِي إسْقَاطِ قَتْلِهِ اهـ. وَعَلَّلَهُ الْبَزَّازِيُّ بِأَنَّهُ حَقٌّ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْعَبْدِ فَلَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ كَسَائِرِ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ وَكَحَدِّ الْقَذْفِ لَا يَزُولُ بِالتَّوْبَةِ وَصَرَّحَ بِأَنَّ سَبَّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ كَذَلِكَ وَقَوْلُهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فِي إسْقَاطِ الْقَتْلِ يُفِيدُ أَنَّ تَوْبَتَهُ مَقْبُولَةٌ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ. الثَّانِيَةُ الرِّدَّةُ بِسَبِّ الشَّيْخَيْنِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ بِأَنَّ الرَّافِضِيَّ إذَا سَبَّ الشَّيْخَيْنِ وَطَعَنَ فِيهِمَا كَفَرَ وَإِنْ فَضَّلَ عَلِيًّا عَلَيْهِمَا فَمُبْتَدِعٌ وَلَمْ يَتَكَلَّمَا عَلَى عَدَمِ قَبُولِ تَوْبَتِهِ وَفِي الْجَوْهَرَةِ مَنْ سَبَّ الشَّيْخَيْنِ أَوْ طَعَنَ فِيهِمَا كَفَرَ وَيَجِبُ قَتْلُهُ ثُمَّ إنْ رَجَعَ وَتَابَ وَجَدَّدَ الْإِسْلَامَ هَلْ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ أَمْ لَا قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ وَإِسْلَامُهُ وَنَقْتُلُهُ وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ السَّمَرْقَنْدِيُّ وَأَبُو نَصْرٍ الدَّبُوسِيُّ وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى اهـ. وَحَيْثُ لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ عُلِمَ أَنَّ سَبَّ الشَّيْخَيْنِ كَسَبِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا يُفِيدُ الْإِنْكَارُ مَعَ الْبَيِّنَةِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ فَتْحِ الْقَدِيرِ لِأَنَّا نَجْعَلُ إنْكَارَ الرِّدَّةِ تَوْبَةً إنْ كَانَتْ مَقْبُولَةً كَمَا لَا يَخْفَى. الثَّالِثَةُ لَا تُقْبَل ُ تَوْبَةُ الزِّنْدِيقِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَهُوَ مَنْ لَا يَتَدَيَّنُ بِدِينٍ وَأَمَّا مَنْ يُبْطِنُ الْكُفْرَ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَيُظْهِرُ الْإِسْلَامَ فَهُوَ الْمُنَافِقُ وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ فِي عَدَمِ قَبُولِنَا تَوْبَتَهُ كَالزِّنْدِيقِ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي الزِّنْدِيقِ لِعَدَمِ الِاطْمِئْنَانِ إلَى مَا يُظْهِرُ مِنْ التَّوْبَةِ إذَا كَانَ قَدْ يُخْفِي كُفْرَهُ الَّذِي هُوَ عَدَمُ اعْتِقَادِهِ دِينًا وَالْمُنَافِقُ مِثْلُهُ فِي الْإِخْفَاءِ وَعَلَى هَذَا فَطَرِيقُ الْعِلْمِ بِحِيَالِهِ إمَّا بِأَنْ يَعْثُرَ بَعْضُ النَّاسِ عَلَيْهِ أَوْ يُسِرَّهُ إلَى مَنْ أَمِنَ إلَيْهِ وَالْحَقُّ أَنَّ الَّذِي يُقْتَلُ وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ هُوَ الْمُنَافِقُ فَالزِّنْدِيقُ إنْ كَانَ حُكْمُهُ ذَلِكَ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُبْطِنًا كُفْرَهُ الَّذِي هُوَ عَدَمُ التَّدَيُّنِ بِدِينٍ وَيُظْهِرُ تَدَيُّنَهُ بِالْإِسْلَامِ أَوْ غَيْرِهِ إلَى أَنْ ظَفِرْنَا بِهِ وَهُوَ عَرَبِيٌّ وَإِلَّا لَوْ فَرَضْنَاهُ مُظْهِرًا لِذَلِكَ حَتَّى تَابَ يَجِبُ أَنْ لَا يُقْتَلَ وَتُقْبَلُ تَوْبَتُهُ كَسَائِرِ الْكُفَّارِ الْمُظْهِرِينَ لِكُفْرِهِمْ إذَا أَظْهَرُوا التَّوْبَةَ وَكَذَا مَنْ عُلِمَ أَنَّهُ يُنْكِرُ فِي الْبَاطِنِ بَعْضَ الضَّرُورِيَّاتِ كَحُرْمَةِ الْخَمْرِ وَيُظْهِرُ اعْتِقَادَ حُرْمَتِهِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي الْخَانِيَّةِ قَالُوا إنْ جَاءَ الزِّنْدِيقُ قَبْلَ أَنْ يُؤْخَذَ فَأَقَرَّ أَنَّهُ زِنْدِيقٌ فَتَابَ عَنْ ذَلِكَ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ وَإِنْ أُخِذَ ثُمَّ تَابَ لَمْ تُقْبَلْ تَوْبَتُهُ وَيُقْتَلُ اهـ. [تَوْبَةُ السَّاحِرِ] وَتَفْصِيلٌ حَسَنٌ مُوَافِقٌ لِمَا بَحَثَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ هُوَ الرَّابِعَةُ تَوْبَةُ السَّاحِرِ جَعَلَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ كَالزِّنْدِيقِ لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ وَفِي الْخَانِيَّةِ مِنْ كِتَابِ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ السَّاحِرُ إذَا تَابَ فَهُوَ عَلَى وُجُوهٍ إنْ كَانَ يَعْتَقِدُ نَفْسَهُ خَالِقًا لِمَا يَفْعَلُ فَإِنْ تَابَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى وَتَبَرَّأَ عَمَّا كَانَ يَقُولُ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ وَلَا يُقْتَلُ وَإِنْ كَانَ السَّاحِرُ يَسْتَعْمِلُ السِّحْرَ بِالتَّجْرِبَةِ وَالِامْتِحَانِ وَلَا يَعْتَقِدُ لِذَلِكَ أَثَرًا لَا يُقْتَلُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِكَافِرٍ وَسَاحِرٌ يَجْحَدُ السِّحْرَ وَلَا يَدْرِي كَيْفَ يَفْعَلُ وَلَا يَقْرَبُهُ قَالُوا لَا يُسْتَتَابُ بَلْ يُقْتَلُ إذَا ثَبَتَ أَنَّهُ يَسْتَعْمِلُ السِّحْرَ وَفِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ ذُكِرَ أَنَّ الِاسْتِتَابَةَ أَحْوَطُ وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ إذَا تَابَ السَّاحِرُ قَبْلَ أَنْ يُؤْخَذَ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ وَلَا يُقْتَلُ وَإِنْ أُخِذَ ثُمَّ تَابَ لَمْ تُقْبَلْ تَوْبَتُهُ وَيُقْتَلُ وَكَذَا الزِّنْدِيقُ الْمَعْرُوفُ الدَّاعِي وَالْفَتْوَى عَلَى هَذَا الْقَوْلِ اهـ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَتُقْبَلُ الشَّهَادَةُ بِالرِّدَّةِ مِنْ عَدْلَيْنِ وَلَا يُعْلَمُ مُخَالِفٌ إلَّا الْحَسَنُ قَالَ لَا يُقْبَلُ فِي الْقَتْلِ إلَّا أَرْبَعَةٌ قِيَاسًا عَلَى الزِّنَا وَإِذَا شَهِدُوا عَلَى مُسْلِمٍ بِالرِّدَّةِ وَهُوَ مُنْكِرٌ لَا يُتَعَرَّضُ لَهُ لَا لِتَكْذِيبِ الشُّهُودِ الْعُدُولِ بَلْ لِأَنَّ إنْكَارَهُ تَوْبَةٌ وَرُجُوعٌ اهـ.   [منحة الخالق] وَسَبَقَهُ إلَى ذَلِكَ أَيْضًا شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ أُمَيَّةَ الْحَنْبَلِيُّ فِي كِتَابِهِ الصَّارِمِ الْمَسْلُولِ فَصَرَّحَ فِيهِ فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ بِقَبُولِ التَّوْبَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَأَنَّهُ لَا يُقْتَلُ. (قَوْلُهُ وَفِي الْجَوْهَرَةِ مَنْ سَبَّ الشَّيْخَيْنِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ هَذَا لَا وُجُودَ لَهُ فِي أَصْلِ الْجَوْهَرَةِ وَإِنَّمَا وُجِدَ عَلَى هَامِشِ بَعْضِ النُّسَخِ فَالْحَقُّ بِالْأَصْلِ مَعَ أَنَّهُ لَا ارْتِبَاطَ لَهُ مَعَ مَا قَبْلَهُ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 136 وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ فِيمَا نَقَلْنَاهُ آنِفًا عَنْهُ أَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تَعْمَلُ مَعَ الْإِنْكَارِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ رِدَّتَهُ لَا تَثْبُتُ بِالشَّهَادَةِ مَعَ الْإِنْكَارِ بَلْ تَثْبُتُ وَيُحْكَمُ بِهَا حَتَّى تَبِينَ زَوْجَتُهُ مِنْهُ وَيَجِبُ تَجْدِيدُ النِّكَاحِ وَإِنَّمَا يَمْتَنِعُ الْقَتْلُ فَقَطْ لِلتَّوْبَةِ بِالْإِنْكَارِ وَقَدْ رَأَيْت مَنْ يَغْلَطُ فِي هَذَا الْمَحَلِّ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ لِلرِّدَّةِ أَحْكَامًا أَرْبَعَةً الْعَرْضُ وَالْكَشْفُ وَالْحَبْسُ وَالْقَتْلُ إنْ لَمْ يُسْلِمْ وَقَدْ بَقِيَ لَهَا أَحْكَامٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا حَبْطُ الْعَمَلِ عِنْدَنَا بِنَفْسِ الرِّدَّةِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ بِشَرْطِ الْمَوْتِ عَلَيْهَا كَذَا فِي الْبَدَائِعِ أَيْ إبْطَالُ الْعِبَادَاتِ وَفِي الْخُلَاصَةِ مَنْ ارْتَدَّ ثُمَّ أَسْلَمَ وَهُوَ قَدْ حَجَّ مَرَّةً فَعَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ ثَانِيًا وَلَيْسَ عَلَيْهِ إعَادَةُ الصَّلَوَاتِ وَالزَّكَوَاتِ وَالصِّيَامَاتِ لِأَنَّ بِالرِّدَّةِ كَأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ كَافِرًا فَإِذَا أَسْلَمَ وَهُوَ غَنِيٌّ فَعَلَيْهِ الْحَجُّ وَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءُ سَائِرِ الْعِبَادَاتِ اهـ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة مَعْزِيًّا إلَى الْيَتِيمَةِ قِيلَ لَهُ لَوْ تَابَ أَتَعُودُ حَسَنَاتُهُ قَالَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُخْتَلِفَةٌ فَعِنْدَ أَبِي عَلِيٍّ وَأَبِي هَاشِمٍ وَأَصْحَابِنَا أَنَّهَا تَعُودُ وَعِنْدَ أَبِي قَاسِمٍ الْكَعْبِيِّ أَنَّهَا لَا تَعُودُ وَنَحْنُ نَقُولُ أَنَّهُ لَا يَعُودُ مَا بَطَلَ مِنْ ثَوَابِهِ لَكِنَّهُ تَعُودُ طَاعَاتُهُ الْمُتَقَدِّمَةُ مُؤَثِّرَةً فِي الثَّوَابِ بَعْدُ اهـ. وَفِيهَا مَعْزِيًّا إلَى السِّرَاجِيَّةِ مَنْ ارْتَدَّ ثُمَّ أَسْلَمَ ثُمَّ ارْتَدَّ وَمَاتَ فَإِنَّهُ يُؤَاخَذُ بِعُقُوبَةِ الْكُفْرِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي وَهُوَ قَوْلُ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ وَمِنْ الْعِبَادَاتِ الَّتِي بَطَلَتْ بِرِدَّتِهِ وَقْفُهُ الَّذِي وَقَفَهُ حَالَ إسْلَامِهِ سَوَاءٌ كَانَ عَلَى قُرْبَةٍ ابْتِدَاءً أَوْ عَلَى ذُرِّيَّتِهِ ثُمَّ عَلَى الْمَسَاكِينِ لِأَنَّهُ قُرْبَةٌ وَلَا بَقَاءَ لَهَا مَعَ وُجُودِ الرِّدَّةِ وَإِذَا عَادَ مُسْلِمًا لَا يَعُودُ وَقْفُهُ إلَّا بِتَجْدِيدٍ مِنْهُ وَإِذَا مَاتَ أَوْ قُتِلَ أَوْ لَحِقَ كَانَ الْوَقْفُ مِيرَاثًا بَيْنَ وَرَثَتِهِ كَمَا أَوْضَحَهُ الْخَصَّافِ فِي آخِرِ أَوْقَافِهِ وَمِنْهَا بَقَاءُ الْمَعْصِيَةِ مَعَ الرِّدَّةِ وَلِذَا قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ إذَا كَانَ عَلَى الْمُرْتَدِّ قَضَاءُ صَلَوَاتٍ أَوْ صِيَامَاتٍ تَرَكَهَا فِي الْإِسْلَامِ ثُمَّ أَسْلَمَ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا تَرَكَ فِي الْإِسْلَامِ لِأَنَّ تَرْكَ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ مَعْصِيَةٌ وَالْمَعْصِيَةُ تَبْقَى بَعْدَ الرِّدَّةِ اهـ. وَمِنْهَا أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْعِبَادَاتِ عِنْدَنَا لِعَدَمِ خِطَابِ الْكُفَّارِ بِالشَّرَائِعِ عِنْدَنَا فَلَا يَقْضِي مَا فَاتَهُ زَمَنَ رِدَّتِهِ بَعْدَ إسْلَامِهِ وَمِنْهَا مَا فِي الْخَانِيَّةِ مُسْلِمٌ أَصَابَ مَالًا أَوْ شَيْئًا يَجِبُ بِهِ الْقِصَاصُ أَوْ حَدُّ قَذْفٍ ثُمَّ ارْتَدَّ وَأَصَابَ ذَلِكَ وَهُوَ مُرْتَدٌّ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ لَحِقَ بِدَارُ الْحَرْبِ وَحَارَبَ الْمُسْلِمِينَ زَمَانًا ثُمَّ جَاءَ   [منحة الخالق] [تَوْبَةُ الزِّنْدِيقِ] (قَوْلُهُ لَكِنَّهُ تَعُودُ طَاعَتُهُ الْمُتَقَدِّمَةُ مُؤَثِّرَةً فِي الثَّوَابِ بَعْدُ) أَيْ بَعْدَ تَوْبَتِهِ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِعَوْدِهَا مُؤَثِّرَةً فِي الثَّوَابِ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ يُثِيبُهُ عَلَيْهَا ثَوَابًا جَدِيدًا غَيْرَ الثَّوَابِ الَّذِي حَبَطَ أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالثَّوَابِ عَدَمُ مُطَالَبَتِهِ بِإِعَادَتِهَا وَإِنْ بَطَلَتْ بِالرِّدَّةِ فَإِنَّ الِاعْتِدَادَ بِهَا وَعَدَمَ مُطَالَبَتِهِ بِإِعَادَتِهَا فَضْلٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى تَأَمَّلْ ثُمَّ رَأَيْت فِي شَرْحِ الْمَقَاصِدِ لِلسَّعْدِ التَّفْتَازَانِيُّ فِي بَحْثِ التَّوْبَةِ ثُمَّ اخْتَلَفَتْ الْمُعْتَزِلَةُ فِي أَنَّهُ إذَا سَقَطَ اسْتِحْقَاقُ الْعِقَابِ لِلْمَعْصِيَةِ بِالتَّوْبَةِ هَلْ يَعُودُ اسْتِحْقَاقُ ثَوَابِ الطَّاعَةِ الَّذِي أَبْطَلَتْهُ تِلْكَ الْمَعْصِيَةُ فَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ وَأَبُو هَاشِمٍ لَا لِأَنَّ الطَّاعَةَ تَنْعَدِمُ فِي الْحَالِ وَإِنَّمَا يَبْقَى اسْتِحْقَاقُ الثَّوَابِ وَقَدْ سَقَطَ وَالسَّاقِطُ لَا يَعُودُ وَقَالَ الْكَعْبِيُّ نَعَمْ لِأَنَّ الْكَبِيرَةَ لَا تُزِيلُ الطَّاعَةَ وَإِنَّمَا تَمْنَعُ حُكْمَهَا وَهُوَ الْمَدْحُ وَالتَّعْظِيمُ فَلَا تُزِيلُ ثَمَرَتَهَا فَإِذَا صَارَتْ بِالتَّوْبَةِ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ ظَهَرَتْ ثَمَرَةُ الطَّاعَةِ كَنُورِ الشَّمْسِ إذَا زَالَ الْغَيْمُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُتَأَخِّرِينَ لَا يَعُودُ ثَوَابُ السَّابِقِ لَكِنْ تَعُودُ طَاعَتُهُ السَّالِفَةُ مُؤَثِّرَةً فِي اسْتِحْقَاقِ ثَمَرَاتِهِ وَهُوَ الْمَدْحُ وَالثَّوَابُ فِي الْمُسْتَقْبِلِ بِمَنْزِلَةِ شَجَرَةٍ احْتَرَقَتْ بِالنَّارِ أَغْصَانُهَا وَثِمَارُهَا ثُمَّ انْطَفَأَتْ النَّارُ فَإِنَّهُ تَعُودُ أَصْلُ الشَّجَرَةِ وَعُرُوقُهَا إلَى خُضْرَتِهَا وَثَمَرَتِهَا اهـ. وَهَذَا يُفِيدُ مَا قُلْنَا وَيُفِيدُ أَنَّ الْخِلَافَ بَيْنَ الْكَعْبِيِّ وَغَيْرِهِ عَلَى عَكْسِ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّف وَأَنَّ الْخِلَافَ الْمَذْكُورَ عِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ فِي بُطْلَانِ ثَوَابِ الطَّاعَةِ بِالْمَعَاصِي الْكَبَائِرُ لِأَنَّهَا عِنْدَ هُمْ تُخْرِجُ صَاحِبَهَا مِنْ الْإِيمَانِ بِمَنْزِلَةِ الرِّدَّةِ لَكِنْ لَا تُدْخِلُهُ فِي الْكُفْرِ نَعَمْ إذَا مَاتَ مُصِرًّا عَلَيْهَا كَانَ مُخَلَّدًا فِي النَّارِ كَالْكُفَّارِ (قَوْلُهُ وَمِنْهَا بَقَاءُ الْمَعْصِيَةِ مَعَ الرِّدَّةِ) قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ الْمَعْصِيَةُ بِالرِّدَّةِ لَا تَرْتَفِعُ كَمَا فِي قَاضِي خَانْ وَغَيْرِهِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ صَوْمُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ ثُمَّ ارْتَدَّ ثُمَّ تَابَ سَقَطَ عَنْهُ الْقَضَاءُ كَمَا فِي التَّتِمَّةِ وَذَكَرَ التُّمُرْتَاشِيُّ أَنَّهُ يَسْقُطُ عِنْدَ الْعَامَّةِ مَا وَقَعَ حَالَ الرِّدَّةِ وَقَبْلَهَا مِنْ الْمَعَاصِي وَلَا يَسْقُطُ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ اهـ. وَتَمَامُهُ فِيهِ وَأَقُولُ: الَّذِي يَظْهَرُ لِي وَيَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ أَنَّ مَا وَقَعَ مِنْ الْمَعَاصِي قَبْلَ الرِّدَّةِ لَا يَسْقُطُ بِالرِّدَّةِ أَصْلًا وَإِنَّمَا يَسْقُطُ بَعْدَ إسْلَامِهِ كَمَا يَسْقُطُ مَا وَقَعَ مِنْهُ حَالَ الرِّدَّةِ لِأَنَّ «الْإِسْلَامَ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ» كَمَا فِي الْحَدِيثِ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ بِإِسْلَامِهِ وَتَبَرِّيهِ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ يَصِيرُ تَائِبًا عَمَّا صَدَرَ مِنْهُ قَبْلَ الْإِسْلَامِ الْمَذْكُورِ فَقَدْ ظَهَرَ بِهَذَا أَنَّ الْمُرْتَدَّ فِي حَالِ رِدَّتِهِ تَحْبَطُ طَاعَاتُهُ وَهَلْ تَعُودُ عَلَى الْخِلَافِ وَأَنَّهُ فِي حَالِ رِدَّتِهِ لَا تَسْقُطُ مَعَاصِيهِ إذْ لَا وَجْهَ لِسُقُوطِهَا بَلْ قَدْ ازْدَادَ فَوْقَهَا أَعْظَمُ الْآثَامِ وَإِنَّمَا تَسْقُطُ مَعَاصِيهِ الْمَاضِيَةُ بِإِسْلَامِهِ أَوْ لَا فِيهِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ نَفْسَ الْإِسْلَامِ يَكُونُ تَوْبَةً مِنْ الْمَعَاصِي أَيْضًا أَوْ لَا وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ حَدِيثِ «الْإِسْلَامِ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ» مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْعَامَّةُ مِنْ سُقُوطِ الْمَعَاصِي أَيْ بِالْإِسْلَامِ لَا بِالرِّدَّةِ كَمَا عَلِمْت تَحْقِيقَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا كُلَّهُ فِي غَيْرِ الَّذِي يُطَالَبُ بِأَدَائِهِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ كَحُقُوقِ الْعِبَادِ وَقَضَاءِ مَا تَرَكَهُ مِنْ صَلَاةٍ وَصِيَامٍ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 137 مُسْلِمًا فَهُوَ مَأْخُوذٌ بِجَمِيعِ ذَلِكَ وَلَوْ أَصَابَ ذَلِكَ بَعْدَمَا لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا وَأَسْلَمَ فَذَلِكَ كُلُّهُ مَوْضُوعٌ عَنْهُ لِأَنَّهُ أَصَابَهُ وَهُوَ حَرْبِيٌّ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَالْحَرْبِيُّ لَا يُؤَاخَذُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ بِمَا كَانَ أَصَابَهُ حَالَ كَوْنِهِ مُحَارِبًا وَمَا أَصَابَ الْمُسْلِمُ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى كَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَقَطْعِ الطَّرِيقِ ثُمَّ ارْتَدَّ أَوْ أَصَابَ ذَلِكَ بَعْدَ الرِّدَّةِ ثُمَّ لَحِقَ بِدَارُ الْحَرْبِ ثُمَّ جَاءَ مُسْلِمًا فَكُلُّ ذَلِكَ يَكُونُ مَوْضُوعًا عَنْهُ إلَّا أَنَّهُ يَضْمَنُ الْمَالَ فِي السَّرِقَةِ وَإِذَا أَصَابَ دَمًا فِي الطَّرِيقِ كَانَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ لِأَنَّ مَا كَانَ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ كَانَ الْمُرْتَدُّ مَأْخُوذًا بِذَلِكَ وَمَا أَصَابَ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ مِنْ الْقَتْلِ خَطَأً فَفِيهِ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ إنْ أَصَابَهُ قَبْلَ الرِّدَّةِ وَفِي مَالِهِ إنْ أَصَابَهُ بَعْدَ الرِّدَّةِ. وَإِنْ وَجَبَ عَلَى الْمُسْلِمِ حَدُّ الشُّرْبِ مِنْ الْخَمْرِ أَوْ الْمُسْكِرِ ثُمَّ ارْتَدَّ ثُمَّ أَسْلَمَ قَبْلَ اللُّحُوقِ بِدَارِ الْحَرْبِ فَإِنَّهُ لَا يُؤَاخَذُ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْكُفْرَ يَمْنَعُ وُجُوبَ هَذَا الْحَدِّ ابْتِدَاءً حَتَّى لَا يَجِبَ عَلَى الذِّمِّيِّ وَالْمُسْتَأْمَنِ فَإِذَا اعْتَرَضَ الْكُفْرُ بَعْدَ الْوُجُوبِ يَمْنَعُ الْبَقَاءَ وَإِنْ أَصَابَ ذَلِكَ وَالْمُرْتَدُّ مَحْبُوسٌ فِي يَدِ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ لَا يُؤَاخَذُ بِحَدِّ الْخَمْرِ وَالسُّكْرِ وَهُوَ مُؤَاخَذٌ بِمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى وَيَتَمَكَّنُ الْإِمَامُ مِنْ إقَامَةِ هَذَا الْحَدِّ إذَا كَانَ فِي يَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ حِينَ أَصَابَ ذَلِكَ ثُمَّ أَسْلَمَ قَبْلَ اللُّحُوقِ بِدَارِ الْحَرْبِ فَذَلِكَ مَوْضُوعٌ عَنْهُ أَيْضًا اهـ. وَسَيَأْتِي حُكْمُ تَصَرُّفَاتِهِ وَأَمْلَاكِهِ وَجِنَايَتِهِ وَأَوْلَادِهِ فِي الْكِتَابِ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ وَإِلَّا قُتِلَ إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُهُ وَإِنْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ لِأَنَّهُ لَمْ يُشَرَّعُ فِيهِ إلَّا الْإِسْلَامُ أَوْ السَّيْفُ وَفِي الْخَانِيَّةِ لَا يُتْرَكُ عَلَى رِدَّتِهِ بِإِعْطَاءِ الْجِزْيَةِ وَلَا بِأَمَانٍ مُوَقَّتٍ وَلَا بِأَمَانٍ مُؤَبَّدٍ وَلَا يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُهُ بَعْدَ اللَّحَاقِ مُرْتَدًّا إذَا أَخَذَهُ الْمُسْلِمُونَ أَسِيرًا وَيَجُوزُ اسْتِرْقَاقُ الْمُرْتَدَّةِ بَعْدَ اللِّحَاقِ اهـ. وَمِنْ أَحْكَامِهِ أَنَّهُ لَا عَاقِلَةَ لَهُ لِأَنَّهَا لِلْمَعُونَةِ وَهُوَ لَا يُعَاوَنُ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَقَدْ مَضَى فِي بَابِ نِكَاحِ الْكَافِرِ وُقُوعُ الْفُرْقَةِ بِرِدَّةِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ وَفِي الْمُحَرَّمَاتِ أَنَّهُ لَا يَنْكِحُ وَلَا يُنْكِحْ وَسَيَأْتِي أَنَّهُ لَا يَرِثُ مِنْ أَحَدٍ لِانْعِدَامِ الْمِلَّةِ وَالْوِلَايَةِ فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ الرِّدَّةَ أَفْحَشُ مِنْ الْكُفْرِ الْأَصْلِيِّ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَطْلَقَ فِي الْقَتْلِ فَشَمِلَ الْحُرَّ وَالْعَبْدَ فَوِلَايَةُ قَتْلِ الْعَبْدِ الْمُرْتَدِّ لِلْإِمَامِ لَا لِلْمَوْلَى لِإِطْلَاقِ النُّصُوصِ وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ إذَا بَاعَ عَبْدَهُ الْمُرْتَدَّ أَوْ أَمَتَهُ الْمُرْتَدَّةَ جَازَ وَالرِّدَّةُ عَيْبٌ لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ لَهُ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ وَفِي حَقِّ الْعَبْدِ يُوجِبُ اسْتِحْقَاقَ الْقَتْلِ عَلَيْهِ فَيَكُونُ عَيْبًا وَرِدَّةُ الْأَمَةِ تُفَوِّتُ عَلَى الْمُشْتَرِي مَنْفَعَةَ الْوَطْءِ فَيَكُونُ عَيْبًا أَيْضًا اهـ. وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ مَعْزِيًّا إلَى الْحَقَائِقِ وَلَا تُجَالَسُ وَلَا تَوَاكَلُ وَلَا تُبَاعُ اهـ. وَيُشْتَرَطُ فِي جَوَازِ قَتْلِ الْمُرْتَدِّ أَنْ لَا يَكُونَ إسْلَامُهُ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ وَلِذَا قَالَ فِي الْبَدَائِعِ صَبِيٌّ أَبَوَيْهِ مُسْلِمَانِ حَتَّى حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا لِأَبَوَيْهِ فَبَلَغَ كَافِرًا وَلَمْ يُسْمَعْ مِنْهُ إقْرَارٌ بِاللِّسَانِ بَعْدَ الْبُلُوغِ لَا يُقْتَلُ لِانْعِدَامِ الرِّدَّةِ مِنْهُ إذْ هِيَ اسْمٌ لِلتَّكْذِيبِ بَعْدَ سَابِقَةِ التَّصْدِيقِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ التَّصْدِيقُ بَعْدَ الْبُلُوغِ حَتَّى لَوْ أَقَرَّ بِالْإِسْلَامِ ثُمَّ ارْتَدَّ يُقْتَلُ وَلَكِنَّهُ فِي الْأُولَى يُحْبَسُ لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ حُكْمُ الْإِسْلَامِ قَبْلَ الْبُلُوغِ تَبَعًا وَالْحُكْمُ فِي إكْسَابِهِ كَالْحُكْمِ فِي إكْسَابِ الْمُرْتَدِّ لِأَنَّهُ مُرْتَدٌّ حُكْمًا اهـ. وَأَنْ لَا يَكُونَ فِي إسْلَامِهِ شُبْهَةٌ لِأَنَّ السَّكْرَانَ لَوْ أَسْلَمَ صَحَّ إسْلَامُهُ فَإِنْ رَجَعَ مُرْتَدًّا لَا يُقْتَلُ كَالصَّبِيِّ الْعَاقِلِ إذَا ارْتَدَّ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة. . (قَوْلُهُ وَإِسْلَامُهُ أَنْ يَتَبَرَّأَ عَنْ الْأَدْيَانِ كُلِّهَا أَوْ عَمَّا انْتَقَلَ إلَيْهِ) أَيْ إسْلَامُ الْمُرْتَدِّ بِذَلِكَ وَمُرَادُهُ أَنْ يَتَبَرَّأَ عَنْ الْأَدْيَانِ كُلِّهَا سِوَى دِينِ الْإِسْلَامِ وَتَرْكُهُ لِظُهُورِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ الشَّهَادَتَيْنِ وَصَرَّحَ فِي الْعِنَايَةِ بِأَنَّ التَّبَرُّؤَ بَعْدَ الْإِتْيَانِ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ سَأَلَ أَبُو يُوسُفَ كَيْفَ يُسْلِمُ فَقَالَ أَنْ يَقُولَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَيُقِرُّ بِمَا جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَتَبَرَّأُ مِنْ الَّذِي انْتَحَلَهُ وَقَالَ لَمْ أَدْخُلْ فِي هَذَا الدِّينِ قَطُّ وَأَنَا بَرِيءٌ مِنْهُ وَقَوْلُهُ قَطُّ يُرِيدُ مِنْهُ مَعْنَى أَبَدًا لِأَنَّ قَطُّ ظَرْفٌ لِمَا مَضَى لَا لِمَا يُسْتَقْبَلُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْإِقْرَارُ بِالْبَعْثِ وَالنُّشُورِ مُسْتَحَبٌّ وَقَوْلُهُ عَمَّا انْتَحَلَهُ أَيْ ادَّعَاهُ لِنَفْسِهِ كَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَأَفَادَ بِاشْتِرَاطِ   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 138 التَّبَرِّي أَنَّهُ لَوْ أَتَى بِالشَّهَادَتَيْنِ عَلَى وَجْهِ الْعَادَةِ لَمْ يَنْفَعْهُ مَا لَمْ يَرْجِعْ عَمَّا قَالَ إذْ لَا يَرْتَفِعُ بِهِمَا كُفْرُهُ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَجَامِعِ الْفُصُولَيْنِ. وَقَيَّدَ بِإِسْلَامِ الْمُرْتَدِّ لِأَنَّ فِي إسْلَامِ غَيْرِهِ مِنْ الْكُفَّارِ تَفْصِيلًا فَإِنْ كَانَ الْكَافِرُ جَاحِدًا لِلْبَارِي سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ أَوْ مُقِرًّا بِالْبَارِي مُشْرِكًا غَيْرَهُ مَعَهُ كَالثَّنَوِيَّةِ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُسْلِمًا بِإِحْدَى الشَّهَادَتَيْنِ وَكَذَا إذَا قَالَ أَنَا عَلَى دِينِ الْإِسْلَامِ أَوْ عَلَى الْحَنِيفِيَّةِ وَإِنْ كَانَ مُوَحِّدًا جَاحِدًا لِلرِّسَالَةِ فَلَا يَصِيرُ مُسْلِمًا بِكَلِمَةِ التَّوْحِيدِ حَتَّى يَقُولَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَفِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ قَالَ مَجُوسِيٌّ صَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ لَا يَكُونُ مُسْلِمًا وَلَوْ قَالَ أَسْلَمْت فَهُوَ إسْلَامٌ وَفِي الرَّوْضَةِ لَوْ قَالَ الْكَافِرُ آمَنْت بِمَا آمَنَ بِهِ الرُّسُلُ صَارَ مُسْلِمًا وَفِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ إذَا قَالَ الْكَافِرُ اللَّهُ وَاحِدٌ يَصِيرُ مُسْلِمًا وَلَوْ قَالَ لِمُسْلِمٍ دِينُك حَقٌّ لَا يَصِيرُ مُسْلِمًا وَقِيلَ يَصِيرُ مُسْلِمًا إلَّا إذَا قَالَ حَقٌّ وَلَكِنْ لَا أُؤْمِنُ بِهِ وَلَوْ قَالَ بَرِئْت مِنْ الْيَهُودِيَّةِ وَلَمْ يَقُلْ دَخَلْت فِي دِينِ الْإِسْلَامِ لَا يَكُونُ مُسْلِمًا وَفِي التَّجْرِيدِ لَوْ قَالَ الْيَهُودِيُّ أَوْ النَّصْرَانِيُّ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَتَبَرَّأَ مِنْ النَّصْرَانِيَّةِ فَلَيْسَ بِإِسْلَامٍ وَلَوْ قَالَ مَعَ ذَلِكَ وَدَخَلْت فِي دِينِ الْإِسْلَامِ أَوْ دِينِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ مُسْلِمًا الْكُلُّ مِنْ الْخُلَاصَةِ وَفِي الْمُحِيطِ مَنْ يُقِرُّ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى بِرِسَالَةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَكِنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ رَسُولٌ إلَى الْعَرَبِ لَا إلَى بَنِي إسْرَائِيلَ كَمَا فِي بِلَادِ الْعِرَاقِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ مُسْلِمًا بِإِقْرَارِهِ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ حَتَّى يَتَبَرَّأَ مِنْ دِينِهِ ذَلِكَ أَوْ يُقِرَّ بِأَنَّهُ دَخَلَ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ اهـ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَكُونُ بِالْفِعْلِ أَيْضًا كَالصَّلَاةِ بِجَمَاعَةٍ أَوْ الْإِقْرَارِ بِهَا أَوْ الْأَذَانِ فِي بَعْضِ الْمَسَاجِدِ أَوْ الْحَجِّ وَشُهُودِ الْمَنَاسِكِ لَا الصَّلَاةِ وَحْدَهُ وَمُجَرَّدِ الْإِحْرَامِ. (قَوْلُهُ وَكُرِهَ قَتْلُهُ قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ عَرْضِ الْإِسْلَامِ لِأَنَّ إسْلَامَهُ مَرْجُوٌّ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَمَعْنَى الْكَرَاهَةِ هُنَا تَرْكُ الْمُسْتَحَبِّ اهـ. يَعْنِي: فَهِيَ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِاسْتِحْبَابِ الْعَرْضِ وَأَمَّا مَنْ قَالَ بِوُجُوبِهِ فَهِيَ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ قَتْلَ الْإِمَامِ وَغَيْرِهِ لَكِنْ إنْ قَتَلَهُ غَيْرُهُ أَوْ قَطَعَ عُضْوًا مِنْهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ أَدَّبَهُ الْإِمَامُ كَمَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ (قَوْلُهُ وَلَمْ يَضْمَنْ قَاتِلُهُ لِأَنَّ الْكُفْرَ مُبِيحٌ لِلْقَتْلِ) وَكُلُّ جِنَايَةٍ عَلَى الْمُرْتَدِّ فَهِيَ هَدَرٌ. [وَلَا تُقْتَلُ الْمُرْتَدَّةُ بَلْ تُحْبَسُ حَتَّى تُسْلِمَ] (قَوْلُهُ وَلَا تُقْتَلُ الْمُرْتَدَّةُ بَلْ تُحْبَسُ حَتَّى تُسْلِمَ) لِنَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ تَأْخِيرُ الْأَجْزِيَةِ إلَى دَارِ الْآخِرَةِ إذْ تَعْجِيلُهَا يُخِلُّ بِمَعْنَى الِابْتِلَاءِ وَإِنَّمَا عَدَلَ عَنْهُ دَفْعًا لِشَرِّ نَاجِزٍ وَهُوَ الْحِرَابُ وَلَا يَتَوَجَّهُ ذَلِكَ مِنْ النِّسَاءِ لِعَدَمِ صَلَاحِيَّةِ الْبِنْيَةِ بِخِلَافِ الرِّجَالِ فَصَارَتْ كَالْمُرْتَدَّةِ الْأَصْلِيَّةِ أَطْلَقَهَا فَشَمِلَ الْحُرَّةَ وَالْأَمَةَ وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ الْمُرْتَدَّةُ بِالسِّحْرِ لِمَا فِي الْمُحِيطِ وَالسَّاحِرَةُ تُقْتَلُ إذَا كَانَتْ تَعْتَقِدُ أَنَّهَا هِيَ الْخَالِقَةُ لِذَلِكَ لِتَصِيرَ مُرْتَدَّةً وَإِنْ كَانَتْ الْمُرْتَدَّةُ لَا تُقْتَلُ لِمَا جَاءَ مِنْ الْأَثَرِ مِنْ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَتَبَ إلَى عُمَّالِهِ أَنْ اُقْتُلُوا السَّاحِرَ وَالسَّاحِرَةَ وَذُكِرَ فِي الْمُنْتَقَى أَنَّ السَّاحِرَةَ لَا تُقْتَلُ وَلَكِنَّهَا تُحْبَسُ وَتُضْرَبُ كَالْمُرْتَدَّةِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّ ضَرَرَ كُفْرِهَا وَهُوَ سِحْرُهَا يَتَعَدَّى إلَى الْحَيِّ الْمَعْصُومِ بِفَوَاتِ حَيَاتِهِ فَتُقْتَلُ كَالرَّجُلِ اهـ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ إذَا ارْتَدَّ لَمْ يُقْتَلْ وَيُحْبَسُ وَيُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ اهـ. وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ قَاتِلِهَا قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَوْ قَتَلَهَا قَاتِلٌ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ اهـ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة مَعْزِيًّا إلَى الْعَتَّابِيَّةِ وَفِي الْأَمَةِ يَضْمَنُ لِمَوْلَاهَا اهـ. وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَإِنْ قَتَلَهَا قَاتِلٌ لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا لِأَنَّ قِيمَةَ الدَّمِ بِالْإِسْلَامِ وَقَدْ زَالَ وَيُؤَدَّبُ عَلَى ذَلِكَ لِارْتِكَابِهِ مَا لَا يَحِلُّ اهـ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ فِي عَدَمِ الضَّمَانِ فَإِنَّهُ قَالَ أَوَّلًا وَمَنْ قَتَلَ حُرَّةً مُرْتَدَّةً لَمْ يَضْمَنْ ثُمَّ قَالَ وَكَذَا الْأَمَةُ وَأَطْلَقَ فِي حَبْسِهَا فَشَمِلَ الْأَمَةَ لَكِنَّ الْأَمَةَ تُدْفَعُ إلَى مَوْلَاهَا فَيَجْعَلُ حَبْسَهَا بَيْتَ السَّيِّدِ سَوَاءٌ طَلَبَ هُوَ ذَلِكَ أَمْ لَا فِي الصَّحِيحِ وَيَتَوَلَّى هُوَ جَبْرَهَا جَمْعًا بَيْنَ حَقِّ اللَّهِ وَحَقِّ السَّيِّدِ فِي الِاسْتِخْدَامِ فَإِنَّهُ   [منحة الخالق] [إسْلَامُ الْمُرْتَدِّ] (قَوْلُهُ لِأَنَّ فِي إسْلَامِ غَيْرِهِ مِنْ الْكُفَّارِ تَفْصِيلًا) قَدْ ذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ أَقْسَامَ الْكُفَّارِ وَمَا يَصِيرُ بِهِ الْكَافِرُ مُسْلِمًا مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْجِهَادِ (قَوْلُهُ كَالثَّنَوِيَّةِ) هُمْ الْمَجُوسُ الْقَائِلُونَ بِإِلَهَيْنِ النُّورِ الْمُسَمَّى بزدان وَشَأْنُهُ خَلْقُ الْخَيْرِ وَالظُّلْمَةِ الْمُسَمَّاةِ هُرْمُزَ وَشَأْنُهَا خَلْقُ الشَّرِّ كَذَا قَالَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ وَعَلَيْهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ فِي عِبَارَةِ الْمُؤَلِّفِ قَلْبًا فَإِنَّ الْمَجُوسِيَّ جَاحِدٌ لِلْبَارِي تَعَالَى بِخِلَافِ الْوَثَنِيِّ فَإِنَّ عَبَدَةَ الْأَوْثَانِ هُمْ الْمُشْرِكُونَ. [قَتْلُ الْمُرْتَدّ قَبْلَ عَرْضِ الْإِسْلَامِ] (قَوْلُهُ فَصَارَتْ كَالْمُرْتَدَّةِ الْأَصْلِيَّةِ) كَذَا فِي النُّسَخِ وَلَعَلَّهُ كَالْكَافِرَةِ تَأَمَّلْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 139 لَا مُنَافَاةَ بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمُرْتَدِّ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي دَفْعِهِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ يُقْتَلُ. وَيُسْتَثْنَى مِنْ خِدْمَتِهِ لَهَا وَطْؤُهَا فَقَدْ صَرَّحَ الْإِسْبِيجَابِيُّ بِأَنَّهُ لَا يَطَؤُهَا وَقَدَّمْنَا عَنْ الْوَلْوَالِجِيِّ مَا يُفِيدُهُ وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ تُحْبَسُ أَنَّهَا لَا تُسْتَرَقُّ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَقَدَّمْنَا فِيهِ رِوَايَةً فِي بَابِ نِكَاحِ الْكَافِرِ مَعَ بَقِيَّةِ أَحْكَامِ رِدَّتِهَا فَارْجِعْ إلَيْهِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ أَنَّهَا تُضْرَبُ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَلَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَقَدْ نَقَلَ الشَّارِحُونَ فِي بَابِ نِكَاحِ الْكَافِرِ أَنَّهَا إذَا ارْتَدَّتْ تُضْرَبُ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ وَهُوَ اخْتِيَارٌ لِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِي نِهَايَةِ التَّعْزِيرِ وَهُوَ الْمَأْخُوذُ بِهِ فِي كُلِّ تَعْزِيرٍ بِالضَّرْبِ كَمَا فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ وَذُكِرَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ هُنَا وَيُرْوَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا تُضْرَبُ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَقَدَّرَهَا بَعْضُهُمْ بِثَلَاثَةٍ وَعَنْ الْحَسَنِ تُضْرَبُ فِي كُلِّ يَوْمٍ تِسْعَةً وَثَلَاثِينَ سَوْطًا إلَى أَنْ تَمُوتَ أَوْ تُسْلِمَ وَلَمْ يَخُصَّهُ بِحُرَّةٍ وَلَا أَمَةٍ وَهَذَا قَتْلٌ مَعْنًى لِأَنَّ مُوَالَاةَ الضَّرْبِ تُفْضِي إلَيْهِ اهـ. وَأَطْلَقَ فِي حَبْسِهَا فَشَمِلَ مَا إذَا لَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ سُبِيَتْ وَاسْتُرِقَّتْ فَإِنَّهَا تُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ بِالضَّرْبِ وَالْحَبْسِ وَلَا تُقْتَلُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ وَلَا يَكُونُ اسْتِرْقَاقُهَا مُسْقِطًا عَنْهَا الْجَبْرَ عَلَى الْإِسْلَامِ كَمَا لَوْ ارْتَدَّتْ الْأَمَةُ ابْتِدَاءً فَإِنَّهَا تُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ وَشَمِلَ مَا إذَا كَانَتْ صَغِيرَةً عَاقِلَةً لِمَا فِي الْمُحِيطِ مِنْ بَابِ مَا يَجِبُ لِلْمُطَلَّقَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ مَا يَجِبُ جَزَاءً عَلَى الرِّدَّةِ يَجُوزُ أَنْ تُؤَاخَذَ الصَّغِيرَةُ بِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهَا تُحْبَسُ عَلَى الرِّدَّةِ كَمَا تُحْبَسُ الْكَبِيرَةُ وَالْحَبْسُ جَزَاءُ الرِّدَّةِ اهـ. (قَوْلُهُ وَيَزُولُ مِلْكُ الْمُرْتَدِّ عَنْ مَالِهِ زَوَالًا مَوْقُوفًا فَإِنْ أَسْلَمَ عَادَ مِلْكُهُ) قَالُوا وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَزُولُ مِلْكُهُ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ مُحْتَاجٌ فَإِلَى أَنْ يُقْتَلَ يَبْقَى مِلْكُهُ كَالْمَحْكُومِ عَلَيْهِ بِالرَّجْمِ وَالْقِصَاصِ وَلَهُ أَنَّهُ حَرْبِيٌّ مَقْهُورٌ تَحْتَ أَيْدِينَا حَتَّى يُقْتَلَ وَلَا يُقْتَلُ إلَّا بِالْحِرَابِ وَهَذَا يُوجِبُ زَوَالَ مِلْكِهِ وَمَالِكِيَّتِهِ غَيْرَ أَنَّهُ مَدْعُوٌّ إلَى الْإِسْلَامِ بِالْإِجْبَارِ عَلَيْهِ وَيُرْجَى عَوْدُهُ إلَيْهِ فَتَوَقَّفْنَا فِي أَمْرِهِ فَإِنْ أَسْلَمَ جُعِلَ الْعَارِضُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ فِي حَقِّ هَذَا الْحُكْمِ فَصَارَ كَأَنْ لَمْ يَزَلْ مُسْلِمًا وَلَمْ يَعْمَلْ بِالسَّبَبِ وَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَحُكِمَ بِلِحَاقِهِ اسْتَقَرَّ أَمْرُهُ فَعَمِلَ السَّبَبُ عَمَلَهُ وَزَالَ مِلْكُهُ ثُمَّ اخْتَلَفَ الشَّيْخَانِ فِي حُكْمِ تَبَرُّعَاتِهِ فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ كَتَصَرُّفِ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَرِيضِ فَتَكُونُ مِنْ الثُّلُثِ لِكَوْنِهِ عَلَى شَرَفِ التَّلَفِ وَفِي الْبَدَائِعِ لَا خِلَافَ أَنَّهُ إذَا أَسْلَمَ أَنَّ أَمْوَالَهُ بَاقِيَةٌ عَلَى حُكْمِ مِلْكِهِ وَأَنَّهُ إذَا مَاتَ أَوْ قُتِلَ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ أَنَّهَا تَزُولُ عَنْ مِلْكِهِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي زَوَالِهَا بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ مَقْصُورًا عَلَى الْحَالِ وَهُوَ قَوْلُهُمَا أَوْ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ وُجُودِ الرِّدَّةِ وَهُوَ قَوْلُهُ وَثَمَرَتُهُ تَظْهَرُ فِي تَصَرُّفَاتِهِ فَعِنْدَهُمَا نَافِذَةٌ قَبْلَ الْإِسْلَامِ وَعِنْدَهُ مَوْقُوفَةٌ لِوُقُوفِ أَمْلَاكِهِ اهـ. قَيَّدَ بِالْمِلْكِ لِأَنَّهُ لَا تَوَقُّفَ فِي إحْبَاطِ طَاعَاتِهِ وَوُقُوعِ الْفُرْقَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ وَتَجْدِيدِ الْإِيمَانِ فَإِنَّ الِارْتِدَادَ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا قَدْ عَمِلَ عَمَلَهُ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَذَكَرَ فِي الْخَانِيَّةِ إذَا اسْتَأْجَرَ الْمُسْلِمُ دَارًا أَوْ عَقَارًا أَوْ مَنْقُولًا ثُمَّ ارْتَدَّ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَقَضَى الْقَاضِي بِلِحَاقِهِ تَبْطُلُ إجَارَتُهُ كَأَنَّهُ مَاتَ وَكَذَا إذَا اسْتَأْجَرَ ثُمَّ ارْتَدَّ. وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِثُلُثِ مَالِهِ ثُمَّ ارْتَدَّ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ أَوْ لَمْ يَلْحَقْ بَطَلَتْ وَصِيَّتُهُ وَكَذَا لَوْ أَوْصَى إلَى رَجُلٍ وَجَعَلَهُ قَيِّمًا فِي مَالِهِ ثُمَّ ارْتَدَّ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ أَوْ لَمْ يَلْحَقْ بَطَلَ إيصَاؤُهُ وَإِنْ وَكَّلَ رَجُلًا ثُمَّ ارْتَدَّ الْمُوَكِّلُ وَلَحِقَ بِدَارَ الْحَرْبِ يَنْعَزِلُ وَكِيلُهُ فِي قَوْلِهِمْ وَإِنْ عَادَ إلَيْنَا مُسْلِمًا هَلْ يَعُودُ وَكِيلًا ذَكَرَ فِي الْوَكَالَةِ أَنَّهُ لَا يَعُودُ وَذَكَرَ فِي السِّيَرِ أَنَّهُ يَعُودُ وَلَوْ ارْتَدَّ الْوَكِيلُ وَلَحِقَ وَقَضَى بِهِ ثُمَّ عَادَ مُسْلِمًا قَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَعُودُ وَكِيلًا وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَعُودُ اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا تَوَقُّفَ فِي إبْطَالِ عِبَادَاتِهِ وَبَيْنُونَةِ امْرَأَتِهِ وَإِيجَارِهِ وَاسْتِئْجَارِهِ وَوَصِيَّتِهِ وَإِيصَائِهِ وَتَوْكِيلِهِ وَوَكَالَتِهِ وَقَدَّمْنَا أَنَّ مِنْ عِبَادَاتِهِ الَّتِي يُطْلَبُ بِرِدَّتِهِ وَقْفَهُ وَأَنَّهُ لَا يَعُودُ بِإِسْلَامِهِ وَقَيَّدَ بِالْمُرْتَدِّ لِأَنَّ الْمُرْتَدَّةَ لَا يَزُولُ مِلْكُهَا عَنْ مَالِهَا بِلَا خِلَافٍ فَيَجُوزُ تَصَرُّفَاتُهَا فِي مَالِهَا بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهَا لَا تُقْتَلُ فَلَمْ تَكُنْ رِدَّتُهَا سَبَبًا لِزَوَالِ   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 140 مِلْكِهَا كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَلْحَقَ بِهَا الْمُرْتَدُّ إذَا لَمْ يُقْتَلْ وَهُوَ مَنْ كَانَ فِي إسْلَامِهِ شُبْهَةٌ كَمَا قَدَّمْنَاهُ بِجَامِعِ عَدَمِ الْقَتْلِ وَلَمْ أَرَهُ صَرِيحًا وَفِي الزِّيَادَاتِ الْمُرْتَدَّةُ إذَا تَصَرَّفَتْ إنْ كَانَ تَصَرُّفًا يَنْفُذُ مِنْ الْمُسْلِمِ يَنْفُذُ مِنْهَا وَإِنْ كَانَ تَصَرُّفًا لَا يَنْفُذُ مِنْ الْمُسْلِمِ لَكِنْ يَصِحُّ مِمَّنْ هُوَ عَلَى مِلَّةٍ انْتَحَلَتْ إلَيْهَا كَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى نَفَذَ تَصَرُّفَاتُهَا عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ قَالَ بَعْضُهُمْ يَصِحُّ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَصِحُّ مِنْهَا إلَّا مَا يَصِحُّ مِنْ الْمُسْلِمِ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَثَمَرَتُهُ فِي بَيْعِهَا الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ مِلْكُ الْمُرْتَدِّ عَنْ مَالِهِ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْحُرِّ فَلَا يَزُولُ مَا مَلَكَهُ الْمُكَاتَبُ مِنْ الْيَدِ بِرِدَّتِهِ وَلِذَا قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ وَتَصَرُّفَاتُ الْمُكَاتَبِ فِي رِدَّتِهِ نَافِذَةٌ فِي قَوْلِهِمْ اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ وَرِثَ كَسْبَ إسْلَامِهِ وَارِثُهُ الْمُسْلِمُ بَعْدَ قَضَاءِ دَيْنِ إسْلَامِهِ وَكَسْبُ رِدَّتِهِ فَيْءٌ بَعْدَ قَضَاءِ دَيْنِ رِدَّتِهِ) بَيَانٌ لِمِيرَاثِ الْمُرْتَدِّ بَعْدَ مَوْتِهِ حَقِيقَةً وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَا كَانَ كَسْبًا لَهُ زَمَنَ إسْلَامِهِ فَهُوَ مِيرَاثٌ لِوَرَثَتِهِ الْمُسْلِمِينَ اتِّفَاقًا وَلَا يَكُونُ فَيْئًا عِنْدَنَا خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّهُ مَاتَ كَافِرًا وَالْمُسْلِمُ لَا يَرِثُ الْكَافِرَ وَهُوَ مَالٌ حَرْبِيٌّ لَا أَمَانَ لَهُ فَكَانَ فَيْئًا وَلَنَا أَنَّ مِلْكَهُ بَعْدَ الرِّدَّةِ بَاقٍ فَيَنْتَقِلُ بِمَوْتِهِ إلَى وَرَثَتِهِ مُسْتَنِدًا إلَى مَا قُبَيْلَ رِدَّتِهِ إذْ الرِّدَّةُ سَبَبٌ لِلْمَوْتِ فَيَكُونُ تَوْرِيثُ الْمُسْلِمِ مِنْ الْمُسْلِمِ وَالِاسْتِنَادُ لَازِمٌ لَهُ عَلَى قَوْلِ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ أَيْضًا لِأَنَّ أَخْذَ الْمُسْلِمِينَ لَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ بِطَرِيقِ الْوِرَاثَةِ وَهُوَ يُوجِبُ الْحُكْمَ بِاسْتِنَادِهِ شَرْعًا إلَى مَا قُبَيْلَ رِدَّتِهِ وَإِلَّا كَانَ تَوْرِيثًا لِلْكَافِرِ مِنْ الْمُسْلِمِ وَمَحْمَلُ الْحَدِيثِ الْكَافِرُ الْأَصْلِيُّ الَّذِي لَمْ يَسْبِقْ لَهُ إسْلَامٌ فَسَاوَتْ قَرَابَتُهُ الْمُسْلِمِينَ فِي ذَلِكَ فَتَرَجَّحَتْ قَرَابَتُهُ بِجِهَةِ الْقَرَابَةِ وَتَمَامُهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَاسْتَدَلَّ فِي الْبَدَائِعِ بِأَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا قَتَلَ الْمُسْتَوْرِدَ الْعِجْلِيّ بِالرِّدَّةِ قَسَمَ مَالَهُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ لِلْمُسْلِمِينَ وَكَانَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مِنْ غَيْرِ إنْكَارٍ فَكَانَ إجْمَاعًا وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ وَارِثُهُ إلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ وُجُودُ الْوَارِثِ عِنْدَ الْمَوْتِ أَوْ الْقَتْلِ أَوْ الْحُكْمِ بِاللِّحَاقِ وَهُوَ رِوَايَةُ مُحَمَّدٍ عَنْ الْإِمَامِ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَفَتْحِ الْقَدِيرِ لِأَنَّ الْحَادِثَ بَعْدَ انْعِقَادِ السَّبَبِ قَبْلَ تَمَامِهِ كَالْحَادِثِ قَبْلَ انْعِقَادِهِ بِمَنْزِلَةِ الْوَلَدِ الْحَادِثِ مِنْ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ فِيهِ ثَلَاثَ رِوَايَاتٍ. وَحَاصِلُهُ كَمَا فِي النِّهَايَةِ أَنَّ عَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ يُشْتَرَطُ الْوَصْفَانِ وَهُمَا كَوْنُهُ وَارِثًا وَقْتَ الرِّدَّةِ وَكَوْنُهُ بَاقِيًا إلَى وَقْتِ الْمَوْتِ أَوْ الْقَتْلِ حَتَّى لَوْ كَانَ وَارِثًا وَقْتَ الرِّدَّةِ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ مَوْتِ الْمُرْتَدِّ أَوْ حَدَثَ وَارِثٌ بَعْدَ الرِّدَّةِ فَإِنَّهُمَا لَا يَرِثَانِ وَعَلَى رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ يُشْتَرَطُ الْوَصْفُ الْأَوَّلُ دُونَ الثَّانِي وَعَلَى رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ يُشْتَرَطُ الْوَصْفُ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ اهـ. فَعَلَى الْأَصَحِّ لَوْ كَانَ مَنْ بِحَيْثُ يَرِثُهُ كَافِرًا أَوْ عَبْدًا يَوْمَ ارْتَدَّ فَعَتَقَ بَعْدَ الرِّدَّةِ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ أَوْ يَلْحَقَ أَوْ أَسْلَمَ وَرِثَهُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَكَذَا لَوْ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ مِنْ عُلُوقٍ حَادِثٍ بَعْدَ الرِّدَّةِ إذَا كَانَ مُسْلِمًا تَبَعًا لِأُمِّهِ بِأَنْ عَلِقَ مِنْ أَمَةٍ مُسْلِمَةٍ لَهُ وَفِي الْخَانِيَّةِ مُسْلِمٌ ارْتَدَّ أَبُوهُ فَمَاتَ الِابْنُ وَلَهُ مُعْتِقٌ ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ وَلَهُ مُعْتِقٌ مُسْلِمٌ فَإِنَّ مِيرَاثَ الْأَبِ لِمُعْتِقِهِ لَا لِمُعْتِقِ ابْنِهِ لِأَنَّ الِابْنَ إنَّمَا يَرِثُ مِنْ أَبِيهِ الْمُرْتَدِّ عِنْدَ مَوْتِ الْمُرْتَدِّ فَإِذَا مَاتَ الِابْنُ قَبْلَ مَوْتِ الْأَبِ لَمْ يَرِثْهُ الِابْنُ اهـ. وَهُوَ مُفَرَّعٌ عَلَى غَيْرِ رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ أَمَّا عَلَيْهَا فَالْمَالُ لِمُعْتِقِ الِابْنِ كَمَا لَا يَخْفَى وَأَطْلَقَ الْوَارِثَ فَشَمِلَ الْمَرْأَةَ فَتَرِثُهُ امْرَأَتُهُ الْمُسْلِمَةُ إذَا مَاتَ أَوْ قُتِلَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ فَارًّا إنْ كَانَ صَحِيحًا وَقْتَ الرِّدَّةِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَالتَّحْقِيقُ أَنْ يُقَالَ أَنَّهُ بِالرِّدَّةِ كَأَنَّهُ مَرِضَ مَرَضَ الْمَوْتِ بِاخْتِيَارِهِ بِسَبَبِ الْمَرَضِ ثُمَّ هُوَ بِإِصْرَارِهِ عَلَى الْكُفْرِ مُخْتَارًا فِي الْإِصْرَارِ الَّذِي هُوَ سَبَبُ الْقَتْلِ حَتَّى قُتِلَ بِمَنْزِلَةِ الْمُطْلَقِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ ثُمَّ يَمُوتُ قَتْلًا أَوْ حَتْفَ أَنْفِهِ أَوْ بِلِحَاقِهِ فَيَثْبُتُ حُكْمُ   [منحة الخالق] [مِلْكُ الْمُرْتَدِّ] قَوْلُهُ وَإِلَّا كَانَ تَوْرِيثًا لِلْكَافِرِ مِنْ الْمُسْلِمِ) كَذَا رَأَيْته فِي الْفَتْحِ وَالْعِبَارَةُ مَقْلُوبَةٌ تَأَمَّلْ (قَوْلَهُ فَسَاوَتْ قَرَابَتُهُ الْمُسْلِمِينَ فِي ذَلِكَ) كَذَا فِي النَّسْخِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ سَقَطَ قَبْلَ هَذَا كَلَامٌ وَعِبَارَةُ فَتْحِ الْقَدِيرِ وَمَحْمَلُ الْحَدِيثِ الْكَافِرُ الْأَصْلِيُّ الَّذِي لَمْ يَسْبِقْ لَهُ إسْلَامٌ أَوْ نَقُولُ اسْتِحْقَاقُ الْمُسْلِمِينَ لَهُ بِسَبَبِ الْإِسْلَامِ وَالْوَرَثَةِ سَاوَوْا الْمُسْلِمِينَ فِي ذَلِكَ وَتُرَجَّحُوا بِجِهَةِ الْقَرَابَةِ (قَوْلُهُ عِنْدَ الْمَوْتِ أَوْ الْقَتْلِ أَوْ الْحُكْمِ بِلِحَاقِهِ) سَيَأْتِي قُبَيْلَ قَوْلِ الْمَتْنِ وَتُوقَفُ مُبَايَعَتُهُ إلَخْ أَنَّ اعْتِبَارَ كَوْنِهِ وَارِثًا عِنْدَ الْحُكْمِ بِاللِّحَاقِ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَأَنَّ مُحَمَّدًا اعْتَبَرَ وَقْتَ اللِّحَاقِ تَأَمَّلْ وَفِي شَرْحِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يُعْتَبَرُ مَنْ كَانَ وَارِثًا لَهُ يَوْمَ لِحَاقِهِ ثُمَّ قَالَ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يُعْتَبَرُ مَنْ كَانَ وَارِثًا لَهُ يَوْمَ قَضَاءِ الْقَاضِي بِلِحَاقِهِ وَالْأَصَحُّ مَا ذُكِرَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ (قَوْلُهُ بِمَنْزِلَةِ الْوَلَدِ الْحَادِثِ مِنْ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ) قَالَ فِي الْفَتْحِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَلَدَ الَّذِي يَحْدُثُ مِنْ الْمَبِيعِ بَعْدَ الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ يُجْعَلُ كَالْمَوْجُودِ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ فِي أَنَّهُ يَصِيرُ مَعْقُودًا عَلَيْهِ وَيَكُونُ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ إلَّا أَنَّهَا غَيْرُ مَضْمُونَةٍ حَتَّى لَوْ هَلَكَ فِي يَدِ الْبَائِعِ قَبْلَ الْقَبْضِ بِغَيْرِ فِعْلِ أَحَدٍ هَلَكَ بِغَيْرِ شَيْءٍ وَبَقِيَ الثَّمَنُ كُلُّهُ عَلَى الْبَائِعِ (قَوْلُهُ الْوَصْفُ الْأَوَّلُ) وَهُوَ كَوْنُهُ وَارِثًا وَقْتَ الرِّدَّةِ وَقَوْلُهُ الْوَصْفُ الثَّانِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 141 الْفِرَارِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ اشْتِرَاطَ قِيَامِ الْعِدَّةِ لِإِرْثِهَا إنَّمَا هُوَ عَلَى غَيْرِ رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ أَمَّا عَلَيْهَا فَتَرِثُهُ وَإِنْ كَانَتْ مُنْقَضِيَةَ الْعِدَّةِ لِكَوْنِهَا وَارِثَةً وَقْتَ الرِّدَّةِ وَهُوَ مَرْوِيٌّ أَيْضًا ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ اشْتِرَاطَ قِيَامِ الْعِدَّةِ يَقْتَضِي أَنَّهَا مَوْطُوءَةٌ فَلَا تَرِثُ غَيْرُ الْمَدْخُولَةِ وَهُوَ كَذَلِكَ وَذَلِكَ لِأَنَّ بِمُجَرَّدِ الرِّدَّةِ تَبِينُ غَيْرُ الْمَدْخُولَةِ لَا إلَى عِدَّةٍ فَتَصِيرُ أَجْنَبِيَّةً وَلَمَّا لَمْ تَكُنْ الرِّدَّةُ مَوْتًا حَقِيقِيًّا حَتَّى أَنَّ الْمَدْخُولَةَ إنَّمَا تَعْتَدُّ فِيهَا بِالْحَيْضِ لَا بِالْأَشْهُرِ لَمْ تَنْتَهِضْ سَبَبًا لِلْإِرْثِ إذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَ مَوْتِ الزَّوْجِ أَوْ لِحَاقِهِ أَثَرٌ مِنْ آثَارِ النِّكَاحِ لِأَنَّ الْإِرْثَ وَإِنْ اسْتَنَدَ إلَى الرِّدَّةِ لَكِنْ يَتَقَرَّرُ عِنْدَ الْمَوْتِ وَبِهَذَا أَيْضًا لَا تَرِثُ الْمُنْقَضِيَةُ عِدَّتُهَا كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُفَرَّعًا أَيْضًا عَلَى غَيْرِ رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ أَمَّا عَلَيْهَا فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَدْخُولَةِ وَغَيْرِهَا وَقَيَّدَ الْوَارِثَ بِالْإِسْلَامِ لِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يَرِثُ الْمُرْتَدَّ وَفِي الْبَدَائِعِ وَلَوْ ارْتَدَّ الزَّوْجَانِ مَعًا ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ ثُمَّ قُتِلَ الْأَبُ عَلَى رِدَّتِهِ فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الرِّدَّةِ يَرِثُهُ لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّ الْعُلُوقَ حَصَلَ فِي حَالَةِ الْإِسْلَامِ قَطْعًا وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا مِنْ وَقْتِ الرِّدَّةِ لَمْ يَرِثْهُ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ عَلِقَ فِي حَالَةِ الرِّدَّةِ فَلَا يَرِثُ مَعَ الشَّكِّ وَلَوْ ارْتَدَّ الزَّوْجُ دُونَ الْمَرْأَةِ أَوْ كَانَتْ لَهُ أُمُّ وَلَدٍ مُسْلِمَةٌ وَرِثَهُ مَعَ وَرَثَتِهِ الْمُسْلِمِينَ. وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لِأَنَّ الْأُمَّ مُسْلِمَةٌ فَكَانَ الْوَلَدُ عَلَى حُكْمِ الْإِسْلَامِ تَبَعًا لِأُمِّهِ فَيَرِثُ أَبَاهُ اهـ. وَأَمَّا مَا كَانَ كَسْبًا لَهُ زَمَنَ رِدَّتِهِ فَفِيهِ اخْتِلَافٌ فَقَالَا هُوَ كَالْأَوَّلِ مِيرَاثٌ لِأَنَّ مِلْكَهُ بَاقٍ بَعْدَ الرِّدَّةِ فَيَنْتَقِلُ بِمَوْتِهِ إلَى وَرَثَتِهِ مُسْتَنِدًا إلَى مَا قُبَيْلَ رِدَّتِهِ وَقَالَ الْإِمَامُ أَنَّهُ فَيْءٌ يُوضَعُ فِي بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ كَاللُّقَطَةِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُمْكِنُ الِاسْتِنَادُ فِي كَسْبِ الْإِسْلَامِ لِوُجُودِهِ قَبْلَ الرِّدَّةِ وَلَا يُمْكِنُ الِاسْتِنَادُ فِي كَسْبِ الرِّدَّةِ لِعَدَمِهِ قَبْلَهَا وَمِنْ شَرْطِ اسْتِنَادِ التَّوْرِيثِ وُجُودُهُ قَبْلَهَا وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ فِيمَا اكْتَسَبَهُ زَمَنَ رِدَّتِهِ حَيْثُ مَاتَ أَوْ قُتِلَ وَمَا لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ لَهُ لَا يُورَثُ عَنْهُ وَهُمَا لَمَّا قَالَا بِأَنَّ أَمْلَاكَهُ لَا تَزُولُ بِرِدَّتِهِ قَالَا بِأَنَّ كَسْبَهُ زَمَنَهَا مَمْلُوكٌ لَهُ فَيُورَثُ عَنْهُ فَالْخِلَافُ هُنَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ فِي زَوَالِ أَمْلَاكِهِ بِالرِّدَّةِ وَفِي الْقَامُوسِ الْفَيْءُ مَا كَانَ شَمْسًا فَيَنْسَخُهُ الظِّلُّ وَالْغَنِيمَةُ وَالْخَرَاجُ وَالْقِطْعَةُ مِنْ الطَّيْرِ وَالرُّجُوعُ اهـ. فَلَهُ خَمْسَةُ مَعَانٍ لُغَةً وَأَمَّا اصْطِلَاحًا فَمَا يُوضَعُ فِي بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ. وَأَمَّا حُكْمُ دُيُونِهِ فَأَفَادَ أَنَّ دُيُونَ إسْلَامِهِ تُقْضَى مِنْ كَسْبِ إسْلَامِهِ وَأَنَّ دَيْنَ رِدَّتِهِ يُقْضَى مِنْ كَسْبِ رِدَّتِهِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ عَلَى قَوْلِهِمَا تُقْضَى دُيُونُهُ مِنْ الْكَسْبَيْنِ لِأَنَّهُمَا جَمِيعًا مِلْكُهُ حَتَّى يَجْرِيَ الْإِرْثُ فِيهِمَا وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ فَفِي رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ عَنْهُ أَنَّهُ فِي كَسْبِ الرِّدَّةِ إلَّا أَنْ لَا يَفِي بِهِ فَيَقْضِي الْبَاقِي مِنْ كَسْبِ الْإِسْلَامِ وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْهُ أَنَّهُ فِي كَسْبِ الْإِسْلَامِ إلَّا أَنْ لَا يَفِي بِهِ فَيَقْضِي الْبَاقِي مِنْ كَسْبِ الرِّدَّةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ دَيْنَ الْإِنْسَانِ يُقْضَى مِنْ مَالِهِ لَا مِنْ مَالِ غَيْرِهِ وَكَذَا دَيْنُ الْمَيِّتِ يُقْضَى مِنْ مَالِهِ لَا مِنْ مَالِ وَارِثِهِ وَمَالُهُ كَسْبُ الْإِسْلَامِ فَأَمَّا كَسْبُ الرِّدَّةِ فَمَالُ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ فَلَا يُقْضَى مِنْهُ الدَّيْنُ إلَّا لِضَرُورَةٍ فَإِذَا لَمْ يَفِ بِهِ كَسْبُ الْإِسْلَامِ تَحَقَّقَتْ الضَّرُورَةُ فَيُقْضَى الْبَاقِي مِنْهُ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَهَكَذَا صَحَّحَ الْوَلْوَالِجِيُّ فَقَدْ عَلِمْت أَنَّ مَا فِي الْمَتْنِ لَيْسَ عَلَى قَوْلٍ مِنْ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ فِي الْبَدَائِعِ قَوْلًا لِلْحَسَنِ وَزُفَرَ فَقَالَ وَقَالَ الْحَسَنُ دَيْنُ الْإِسْلَامِ فِي كَسْبِ الْإِسْلَامِ وَدَيْنُ الرِّدَّةِ فِي كَسْبِ الرِّدَّةِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ اهـ. وَالْحَقُّ أَنَّهَا رِوَايَةُ زُفَرَ عَنْ الْإِمَامِ أَيْضًا كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَقَوْلُهُ فِي الْهِدَايَةِ أَنَّهَا رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْ رِوَايَةُ زُفَرَ عَنْهُ لَكِنَّهَا ضَعِيفَةٌ كَمَا عَلِمْت وَظَاهِرُ الْوَلْوَالِجيَّةِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا أَحَدُ النَّوْعَيْنِ يَقْضِي الدَّيْنَانِ مِنْهُ اتِّفَاقًا وَسَنُوَضِّحُهُ مِنْ بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْكَلَامَ إنَّمَا هُوَ فِي الْحُرِّ. وَأَنَّ الْمُكَاتَبَ خَارِجٌ عَنْ هَذِهِ الْأَحْكَامِ فَلِذَا قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ أَنَّ مَا اكْتَسَبَهُ الْمُكَاتَبُ فِي حَالِ رِدَّتِهِ لَا يَكُونُ فَيْئًا وَإِنَّمَا يَكُونُ لِمَوْلَاهُ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِهِ وَسَنُوَضِّحُهُ مِنْ بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَيَّدَ بِالْمُرْتَدِّ لِأَنَّ الْمُرْتَدَّةَ كَسْبَاهَا لِوَرَثَتِهَا   [منحة الخالق] وَهُوَ كَوْنُهُ وَارِثًا عِنْدَ مَوْتِ الْمُرْتَدِّ أَوْ قَتْلِهِ أَوْ الْقَضَاءِ بِلِحَاقِهِ وَقَوْلُهُ فَعَلَى الْأَصَحِّ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 142 لِأَنَّهُ لَا حِرَابَ مِنْهَا فَلَمْ يُوجَدْ سَبَبُ الْفَيْءِ بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيَرِثُهَا زَوْجُهَا الْمُسْلِمُ إنْ ارْتَدَّتْ وَهِيَ مَرِيضَةٌ لِقَصْدِهَا إبْطَالَ حَقِّهِ وَإِنْ كَانَتْ صَحِيحَةً لَا يَرِثُهَا لِأَنَّهَا لَا تُقْتَلُ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ حَقُّهُ بِمَا لَهَا بِالرِّدَّةِ بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ زَوْجَةَ الْمُرْتَدِّ تَرِثُ مِنْهُ مُطْلَقًا وَزَوْجَ الْمُرْتَدَّةِ لَا يَرِثُهَا إلَّا إذَا ارْتَدَّتْ مَرِيضَةً وَالْكَسْبُ بِفَتْحِ الْكَافِ وَكَسْرِهَا الْجَمْعُ كَسَبَةٌ جَمْعُهُ كَذَا فِي الْقَامُوسِ وَقَدْ قَدَّمْنَا حُكْمَ الْمُرْتَدَّةِ فِي النِّكَاحِ وَالْعِدَّةِ بِأَنَّ نِكَاحَ الْكَافِرِ. (قَوْلُهُ وَإِنْ حُكِمَ بِلِحَاقِهِ عَتَقَ مُدَبَّرُوهُ وَأُمُّ وَلَدِهِ وَحَلَّ دَيْنُهُ) لِأَنَّهُ بِاللِّحَاقِ صَارَ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ وَهُمْ أَمْوَاتٌ فِي حَقِّ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ لِانْقِطَاعِ وِلَايَةِ الْإِلْزَامِ كَمَا هِيَ مُنْقَطِعَةٌ عَنْ الْمَوْتَى فَصَارَ كَالْمَوْتِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَسْتَقِرُّ لِحَاقُهُ إلَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي لِاحْتِمَالِ الْعَوْدِ إلَيْنَا فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَضَاءِ وَهُوَ بِاتِّفَاقِ الْإِمَامِ وَصَاحِبَيْهِ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَإِذَا تَقَرَّرَ مَوْتُهُ تَثْبُتُ الْأَحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِهِ مِنْ عِتْقِ الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَسُقُوطِ الْأَجَلِ كَمَا فِي الْمَوْتِ الْحَقِيقِيِّ وَالْمُرْتَدَّةُ إذَا لَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ فَهِيَ عَلَى هَذَا مِنْ عِتْقِ مُدَبَّرَيْهَا وَحُلُولِ دَيْنٍ عَلَيْهَا وَلَمْ يَذْكُرْ قِسْمَةَ مَالِهِ بَيْنَ وَرَثَتِهِ لِظُهُورِهِ وَلِمَا سَيُشِيرُ إلَيْهِ عِنْدَ قَوْلِهِ فَمَا وَجَدَهُ فِي يَدِ وَارِثِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ مُكَاتَبِهِ وَحُكْمُهُ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ أَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الْوَرَثَةِ فَيُعْتَقُ وَإِذَا عَتَقَ فَوَلَاؤُهُ لِلْمُرْتَدِّ لِأَنَّهُ الْمُعْتِقُ اهـ. وَفِي الْمُجْتَبَى بِعَلَامَةِ حس ظ الْقَضَاءُ بِاللَّحَاقِ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ قَضَاؤُهُ بِشَيْءٍ مِنْ أَحْكَامِ الْمَوْتَى وَعَامَّتِهِمْ عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الْقَضَاءُ بِاللِّحَاقِ سَابِقًا عَلَى قَضَائِهِ بِهَذِهِ الْأَحْكَامِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ مُحَمَّدٌ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَوَاضِعِ اهـ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَإِذَا صَارَ اللِّحَاقُ كَالْمَوْتِ لَا أَنَّهُ حَقِيقَةُ الْمَوْتِ لَا يَسْتَقِرُّ حَتَّى يَقْضِيَ بِهِ سَابِقًا عَلَى الْقَضَاءِ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ فِي الصَّحِيحِ لَا أَنَّ الْقَضَاءَ بِشَيْءٍ مِنْهَا يَكْفِي بَلْ يَسْبِقُ الْقَضَاءُ بِاللِّحَاقِ ثُمَّ تَثْبُتُ الْأَحْكَامُ الْمَذْكُورَةُ اهـ. وَظَاهِرُهُمَا أَنَّ الْقَضَاءَ بِاللِّحَاقِ قَصْدًا صَحِيحٌ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ إلَّا فِي ضِمْنِ دَعْوَى حَقٍّ لِلْعَبْدِ وَقَدْ قَالُوا أَنَّ يَوْمَ الْمَوْتِ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْقَضَاءِ وَيَوْمَ الْقَتْلِ يَدْخُلُ كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَالْبَزَّازِيَّةِ وَاللِّحَاقُ مَوْتٌ حُكْمًا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَدْخُلَ تَحْتَ الْقَضَاءِ قَصْدًا فَيَنْبَغِي أَنَّهُ لَوْ حُكِمَ بِعِتْقِ مُدَبَّرِهِ لِثُبُوتِ لِحَاقِهِ مُرْتَدًّا بِبَيِّنَةٍ عَادِلَةٍ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ وَلَا يُشْتَرَطُ لَهُ تَقَدُّمُ الْحُكْمِ بِلِحَاقِهِ وَلَمْ أَرَ إلَى الْآنَ مَنْ أَوْضَحَ هَذَا الْمَحَلَّ وَقَوْلُهُ عَتَقَ مُدَبَّرُوهُ مَعْنَاهُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ وَإِنَّمَا لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ لِمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ التَّدْبِيرِ وَقَوْلُهُ فِي الْجَوْهَرَةِ بَعْدَ عِتْقِ الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ يَعْنِي مِنْ الثُّلُثِ تَسَامُحٌ لِأَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ تُعْتَقُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ كَمَا عُلِمَ فِي بَابِهَا ثُمَّ اخْتَلَفَ الشَّيْخَانِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يُعْتَبَرُ فِيهِ كَوْنُهُ وَارِثًا لَهُ فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُقْضَى بِهِ لِمَنْ كَانَ وَارِثًا وَقْتَ الْقَضَاءِ بِلِحَاقِهِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَصِيرُ مَوْتًا وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُعْتَبَرُ وَقْتُ لِحَاقِهِ لِأَنَّهُ السَّبَبُ كَذَا فِي الْمُجْتَبَى وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة وَإِذَا ارْتَدَّ الْأَبُ مَعَ بَعْضِ أَوْلَادِهِ وَلَحِقُوا بِدَارِ الْحَرْبِ فَرَفَعَ مِيرَاثَ الْمُرْتَدِّ إلَى الْإِمَامِ فَإِنَّهُ يَقْسِمُ مِيرَاثَهُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا شَيْءَ مِنْ مِيرَاثِهِ لِلَّذِي ارْتَدَّ مِنْ أَوْلَادِهِ هَذَا فِي كَسْبِ الْإِسْلَامِ وَأَمَّا كَسْبُ الرِّدَّةِ فَفَيْءٌ عِنْدَ الْإِمَامِ وَأَمَّا مَا اكْتَسَبَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَهُوَ لِلِابْنِ الَّذِي ارْتَدَّ وَلَحِقَ مَعَهُ إذَا مَاتَ مُرْتَدًّا فَإِنْ لَحِقَ أَحَدٌ مِنْ أَوْلَادِهِ مُسْلِمًا مَعَهُ فَإِنَّهُ يَرِثُ كَسْبَ إسْلَامِهِ فَقَطْ اهـ. (قَوْلُهُ وَتُوقَفُ مُبَايَعَتُهُ وَعِتْقُهُ وَهِبَتُهُ فَإِنْ آمَنَ نَفَذَ وَإِنْ هَلَكَ بَطَلَ) بَيَانٌ لِتَصَرُّفِهِ حَالَ رِدَّتِهِ بَعْدَ بَيَانِ حُكْمِ إمْلَاكِهِ قَبْلَ رِدَّتِهِ وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ وَقَالَا هُوَ جَائِزٌ مُطْلَقًا لِأَنَّ الصِّحَّةَ تَعْتَمِدُ الْأَهْلِيَّةَ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ لِكَوْنِهِ مُخَاطَبًا وَالنَّفَاذُ يَعْتَمِدُ الْمِلْكَ وَهُوَ مَوْجُودٌ لِقِيَامِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ إلَّا أَنَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَصِحُّ كَمَا تَصِحُّ مِنْ الصَّحِيحِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ عَوْدُهُ إلَى الْإِسْلَامِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ كَمَا تَصِحُّ مِنْ الْمَرِيضِ لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى الْقَتْلِ ظَاهِرًا وَلَهُ أَنَّهُ حَرْبِيٌّ مَقْهُورٌ تَحْتَ أَيْدِينَا عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ فِي تَوَقُّفِ الْمِلْكِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَظَاهِرُهُمَا أَنَّ الْقَضَاءَ بِاللِّحَاقِ قَصْدًا صَحِيحٌ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَيْسَ مَعْنَى الْحُكْمِ بِلِحَاقِهِ سَابِقًا عَلَى هَذِهِ الْأُمُورِ أَنْ يَقُولَ ابْتِدَاءً حَكَمْت بِلِحَاقِهِ بَلْ إذَا ادَّعَى مُدَبَّرٌ مَثَلًا عَلَى وَارِثِهِ أَنَّهُ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا وَأَنَّهُ عَتَقَ بِسَبَبِهِ وَثَبَتَ ذَلِكَ عِنْدَ الْقَاضِي حُكِمَ أَوَّلًا بِلِحَاقِهِ ثُمَّ بِعِتْقِ ذَلِكَ الْمُدَبَّرِ كَمَا يُعْرَفُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِهِمْ تَدَبَّرْ اهـ. قَالَ أَبُو السُّعُودِ وَمُقْتَضَى قَوْلِهِ حُكِمَ أَوَّلًا بِلِحَاقِهِ إلَخْ أَنَّ الْحُكْمَ بِعِتْقِ الْمُدَبَّرِ لَا يَكْفِي عَنْ الْحُكْمِ بِاللِّحَاقِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْحُكْمِ بِاللِّحَاقِ قَبْلَ الْحُكْمِ بِعِتْقِ الْمُدَبَّرِ وَهُوَ خِلَافُ مَا فِي الْبَحْرِ اهـ. ثُمَّ رَأَيْت فِي شَرْحِ الْمَقْدِسِيَّ مَا يُؤَيِّدُ مَا فِي النَّهْرِ حَيْثُ قَالَ مَا قَالَهُ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فِي غَايَةِ التَّحْرِيرِ وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَا فِي الْمُجْتَبَى فَالْمُرَادُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ الْقَضَاءِ بِاللِّحَاقِ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لِتِلْكَ الْأَحْكَامِ وَالشَّرْطُ لَا بُدَّ مِنْ تَحَقُّقِهِ لِيَتَحَقَّقَ الْمَشْرُوطُ فَإِذَا أَرَادَ الْقَاضِي الْحُكْمَ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَحْكَامِ بِدَعْوَى مِمَّنْ يَتَعَلَّقُ بِهِ الْحُكْمُ كَالْمُدَبَّرِ مَثَلًا فَيُقْضَى أَوَّلًا بِاللِّحَاقِ ثُمَّ بِالْحُكْمِ الْمُدَّعَى لِوُجُودِ تَقَدُّمِ الشَّرْطِ عَلَى الْمَشْرُوطِ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ مَا يُتَوَهَّمُ ظَاهِرًا أَنَّهُ يُقْضَى أَوَّلًا بِاللِّحَاقِ مُسْتَقِلًّا بِلَا دَعْوَى حُكْمٍ مِنْ أَحْكَامِهِ وَلَهُ نَظِيرٌ مَذْكُورٌ فِي مَحَلِّهِ اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُعْتَبَرُ وَقْتُ لِحَاقِهِ) قَدَّمْنَا عَنْ شَرْحِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 143 وَتَوَقُّفُ التَّصَرُّفَاتِ بِنَاءً عَلَيْهِ فَصَارَ كَالْحَرْبِيِّ يَدْخُلُ دَارَنَا بِغَيْرِ أَمَانٍ فَيُؤْسَرُ فَتَتَوَقَّفُ تَصَرُّفَاتُهُ لِتَوَقُّفِ حَالِهِ حَيْثُ كَانَ لِلْإِمَامِ الْخِيَارُ بَيْنَ اسْتِرْقَاقِهِ وَقَتْلِهِ فَإِنْ قُتِلَ أَوْ أُسِرَ لَمْ تَنْفُذْ مِنْهُ هَذِهِ أَوْ أَسْلَمَ لَمْ يُؤْخَذْ لَهُ مَالٌ فَكَذَا هَذَا وَفِي الْأَهْلِيَّةِ خَلَلٌ لِاسْتِحْقَاقِهِ الْقَتْلَ لِبُطْلَانِ سَبَبِ الْعِصْمَةِ بِخِلَافِ الزَّانِي وَقَاتِلِ الْعَمْدِ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْقَتْلِ جَزَاءٌ عَلَى الْجِنَايَةِ قَالَ أَبُو الْيُسْرِ مَا قَالَاهُ أَحْسَنُ لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ لَا يَقْبَلُ الرِّقَّ وَالْقَهْرَ يَكُونُ حَقِيقِيًّا لَا حُكْمِيًّا وَالْمِلْكُ يَبْطُلُ بِالْقَهْرِ الْحُكْمِيِّ لَا الْحَقِيقِيِّ وَلِهَذَا الْمَعْنَى لَا يَبْطُلُ مِلْكُ الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ بِالرَّجْمِ وَحَاصِلُ مُرَادِهِ أَنَّ الْمُنَافِي لِلْمِلْكِ الِاسْتِرْقَاقُ لَيْسَ غَيْرَ لَكِنَّهُ مَمْنُوعٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بَلْ نَقُولُ إنَّمَا أَوْجَبَ اسْتِرْقَاقَ ذَلِكَ فِي الْأَصْلِ لِلْقَهْرِ الْكَائِنِ بِسَبَبِ حِرَابَتِهِ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي الْمُرْتَدِّ فَيَثْبُتُ فِيهِ ذَلِكَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى لِأَنَّ الرِّقَّ يُتَصَوَّرُ مَعَهُ مِلْكُ النِّكَاحِ بِخِلَافِ قَهْرِ الْمُرْتَدِّ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَطْلَقَ الْمُبَايَعَةَ فَشَمِلَتْ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ وَالْإِجَارَةَ لِأَنَّهَا بَيْعُ الْمَنَافِعِ وَأَشَارَ بِالْعِتْقِ إلَى مَا هُوَ مِنْ حُقُوقِهِ كَالتَّدْبِيرِ وَالْكِتَابَةِ فَهُمَا مَوْقُوفَانِ أَيْضًا لَكِنْ لَا يَدْخُلُ الِاسْتِيلَادُ لِأَنَّهُ مِنْهُ نَافِذٌ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ لَا يَفْتَقِرُ إلَى حَقِيقَةِ الْمِلْكِ حَتَّى صَحَّ فِي جَارِيَةِ الِابْنِ وَأَشَارَ بِالْهِبَةِ إلَى كُلِّ تَمْلِيكٍ هُوَ تَبَرُّعٌ فَدَخَلَتْ الْوَصِيَّةُ فَإِنَّهَا مَوْقُوفَةٌ أَيْضًا. وَلَمَّا كَانَ الرَّهْنُ مِنْ الْمُعَاوَضَاتِ فِي الْمَالِ كَالْبَيْعِ كَانَ دَاخِلًا فَتَوَقَّفَ رَهْنُهُ أَيْضًا وَلَمَّا كَانَ قَبْضُ الدَّيْنِ مُبَادَلَةً حُكْمًا دَخَلَ تَحْتَ الْمُبَايَعَةِ فَتَوَقَّفَ قَبْضُهُ الدَّيْنَ أَيْضًا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا يَعْتَمِدُ الْمِلَّةَ لَا يَصِحُّ مِنْهُ اتِّفَاقًا وَهِيَ خَمْسَةٌ النِّكَاحُ وَالذَّبِيحَةُ وَالصَّيْدُ بِالْكَلْبِ وَالْبَازِي وَالرَّمْيُ وَالْإِرْثُ وَالشَّهَادَةُ وَمَا لَا يَعْتَمِدُ الْمِلَّةَ وِلَايَةً وَلَا حَقِيقَةَ مِلْكٍ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ مِنْهُ اتِّفَاقًا وَهِيَ خَمْسٌ أَيْضًا الِاسْتِيلَادُ وَالطَّلَاقُ وَقَبُولُ الْهِبَةِ وَتَسْلِيمُ الشُّفْعَةِ وَالْحَجْرُ عَلَى عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ وَصُورَةُ الِاسْتِيلَادِ مَا فِي الْخَانِيَّةِ إذَا جَاءَتْ جَارِيَتُهُ بِوَلَدٍ فَادَّعَى الْوَلَدَ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ وَيَرِثُ ذَلِكَ الْوَلَدُ مَعَ وَرَثَتِهِ وَتَصِيرُ الْجَارِيَةُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ اهـ. وَأَوْرَدَ كَيْفَ يَقَعُ طَلَاقُهُ وَقَدْ بَانَتْ بِرِدَّتِهِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُقُوعِ الْبَيْنُونَةِ امْتِنَاعُ الطَّلَاقِ وَقَدْ سَلَف أَنَّ الْمُبَانَةَ يَلْحَقُهَا الصَّرِيحُ فِي الْعِدَّةِ وَأَوْرَدَ طَلَبَ الْفَرْقِ بَيْنَ طَلَاقِهِ وَعِتْقِهِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَعْتَمِدُ كَمَالَ الْوِلَايَةِ بِخِلَافِ الْعِتْقِ بِدَلِيلِ وُقُوعِ طَلَاقِ الْعَبْدِ دُونَ عِتْقِهِ وَفِي الْخَانِيَّةِ وَإِذَا أَعْتَقَ الْمُرْتَدُّ عَبْدَهُ ثُمَّ أَعْتَقَهُ ابْنُهُ الْمُسْلِمُ وَلَيْسَ لَهُ وَارِثٌ سِوَاهُ لَا يَجُوزُ عِتْقُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِأَنَّ الِابْنَ إنَّمَا يَرِثُ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا قَبْلَهُ وَإِعْتَاقُهُ سَابِقٌ عَلَى مِلْكِهِ فَلَا يُعْتِقُ وَهُوَ بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ الرَّجُلُ وَتَرَكَ عَبْدًا وَتَرِكَتُهُ مُسْتَغْرَقَةٌ بِالدَّيْنِ فَأَعْتَقَهُ الْوَارِثُ ثُمَّ سَقَطَ دَيْنُ الْغُرَمَاءِ فَإِنَّهُ يَنْفُذُ إعْتَاقُ الْوَارِثِ لِأَنَّ ثَمَّةَ سَبَبَ الْمِلْكِ لِلْوَارِثِ تَامٌّ وَإِنَّمَا تَوَقَّفَ الْمِلْكُ لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ فَإِذَا سَقَطَ حَقُّ الْغُرَمَاءِ فَإِنَّ إعْتَاقَ الْوَارِثِ يَنْفُذُ وَأَمَّا فِي الْمُرْتَدِّ سَبَبُ الْمِلْكِ لِلْوَارِثِ إنَّمَا يَتِمُّ بَعْدَ مَوْتِ الْمُرْتَدِّ اهـ. وَلَا يُمْكِنُ تَوَقُّفُ التَّسْلِيمِ لِأَنَّهَا بَطَلَتْ بِهِ مُطْلَقًا وَأَمَّا الْحَجْرُ فَيَصِحُّ بِحَقِّ الْمِلْكِ فَبِحَقِيقَةِ الْمِلْكِ الْمَوْقُوفِ أَوْلَى وَفِي الْمُحِيطِ فِي مَسْأَلَةِ عِتْقِهِ وَإِعْتَاقِ ابْنِهِ أَنَّهُ عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُعْتَبَرُ كَوْنُهُ وَارِثًا وَقْتَ الرِّدَّةِ فَيَجِبُ أَنْ يَنْفُذَ عِتْقُهُ لِأَنَّهُ يَمْلِكُهُ مِنْ وَقْتِ الرِّدَّةِ اهـ. وَقَدْ يُقَالُ أَنَّهُ إنَّمَا يَمْلِكُهُ مِنْ وَقْتِ الرِّدَّةِ عَلَى تِلْكَ الرِّوَايَةِ إذَا مَاتَ أَوْ قُتِلَ وَالْكَلَامُ هُنَا قَبْلَهُ وَأَمَّا مَا يَعْتَبِرُ الْمُسَاوَاةَ مِنْ التَّصَرُّفِ أَوْ وِلَايَةً مُتَعَدِّيَةً فَإِنَّهُ لَا يَنْفُذُ مِنْهُ اتِّفَاقًا فَالْأَوَّلُ الْمُفَاوَضَةُ فَإِذَا فَاوَضَ مُسْلِمًا تَوَقَّفَتْ اتِّفَاقًا إنْ أَسْلَمَ نَفَذَتْ وَإِنْ هَلَكَ بَطَلَتْ وَتَصِيرُ عِنَانًا مِنْ الْأَصْلِ عِنْدَهُمَا وَتَبْطُلُ عِنْدَهُ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالثَّانِي التَّصَرُّفُ عَلَى وَلَدِهِ الصَّغِيرِ وَفِي مَالِ وَلَدِهِ   [منحة الخالق] أَنَّ هَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَأَنَّهُ الْأَصَحُّ. [مُبَايَعَة الْمُرْتَدّ وَعِتْقُهُ وَهِبَتُهُ] (قَوْلُهُ فَدَخَلَتْ الْوَصِيَّةُ فِي حَالِ رِدَّتِهِ) قَالَ فِي الْفَتْحِ وَأَمَّا مَا أَوْصَى بِهِ فِي حَالِ إسْلَامِهِ فَالْمَذْكُورُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مِنْ الْمَبْسُوطِ وَغَيْرِهِ أَنَّهَا تَبْطُلُ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ مَا هُوَ قُرْبَةٌ وَغَيْرُ قُرْبَةٍ وَمِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافٍ وَذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ أَنَّ الْإِطْلَاقَ قَوْلُهُ وَقَوْلُهُمَا أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِغَيْرِ الْقُرْبَةِ لَا تَبْطُلُ لِأَنَّ لِبَقَاءِ الْوَصِيَّةِ حُكْمَ الِابْتِدَاءِ وَابْتِدَاءُ الْوَصِيَّةِ بِغَيْرِ الْقُرْبَةِ بَعْدَ الرِّدَّةِ عِنْدَهُمَا يَصِحُّ وَعِنْدَهُ يَتَوَقَّفُ فَكَذَا هُنَا قِيلَ أَرَادَ بِالْوَصِيَّةِ بِغَيْرِ الْقُرْبَةِ الْوَصِيَّةَ لِلنَّائِحَةِ وَالْمُغَنِّيَةِ وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ لَا تَبْطُلُ فِيمَا لَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنْهُ وَحَمَلَ إطْلَاقَ مُحَمَّدٍ لِبُطْلَانِ الْوَصِيَّةِ عَلَى وَصِيَّةٍ يَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنْهَا وَوَجْهُ الْبُطْلَانِ مُطْلَقًا أَنَّ تَنْفِيذَ الْوَصِيَّةِ لِحَقِّ الْمَيِّتِ وَلَا حَقَّ لَهُ بَعْدَ مَا قُتِلَ عَلَى الرِّدَّةِ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَكَانَ رِدَّتُهُ كَرُجُوعِهِ عَنْ الْوَصِيَّةِ فَلَا يَبْطُلُ مَا لَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنْهُ كَالتَّدْبِيرِ (قَوْلُهُ وَتَسْلِيمُ الشُّفْعَةِ) مَفْهُومُهُ أَنَّهُ يَثْبُتُ لَهُ طَلَبُ الشُّفْعَةِ وَفِي شَرْحِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ وَلَوْ بِيعَ دَارٌ بِجَنْبِ دَارِ الْمُرْتَدِّ قَبْلَ لُحُوقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ وَطَلَبَ أَخْذَهَا بِالشُّفْعَةِ فَلَهُ ذَلِكَ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَفِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَا شُفْعَةَ لَهُ حَتَّى يُسْلِمَ بِخِلَافِ الْمُرْتَدَّةِ وَلَوْ عَلِمَ بِالْبَيْعِ فِي حَالِ رِدَّتِهِ فَلَمْ يُسْلِمْ وَلَمْ يَطْلُبْ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ لِتَرْكِهِ الطَّلَبَ بَعْدَ التَّمَكُّنِ بِأَنْ يُسْلِمَ اهـ. (قَوْلُهُ يَلْحَقُهَا الصَّرِيحُ فِي الْعِدَّةِ) أَيْ وَلَوْ كَانَ بَائِنًا مَعْنًى كَالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ أَوْ عَلَى مَالٍ (قَوْلُهُ وَلَا يُمْكِنُ تَوَقُّفُ التَّسْلِيمِ) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 144 مَوْقُوفٌ اتِّفَاقًا فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ تَصَرُّفَاتِهِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ وَلَمْ أَرَ حُكْمَ الْتِقَاطِهِ لَقِيطًا أَوْ لُقَطَةً وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ مِنْ بَابِ الِاسْتِيلَادِ الْجَدُّ إذَا وَطِئَ جَارِيَةَ ابْنِ ابْنِهِ وَالْأَبُ مُرْتَدٌّ فَادَّعَاهُ الْجَدُّ بَعْدَ الْوِلَادَةِ لَمْ تَصْلُحْ دَعْوَى الْجَدِّ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مَوْقُوفَةٌ فَإِنْ أَسْلَمَ الْأَبُ لَمْ تَصِحَّ دَعْوَى الْجَدِّ وَإِنْ مَاتَ عَلَى الرِّدَّةِ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَحُكِمَ بِلِحَاقِهِ تَصِحُّ اهـ. وَهَذِهِ لَا تُرَدُّ عَلَى مَا فِي الْكِتَابِ لِأَنَّهَا تَصَرُّفُ الْمُسْلِمِ وَهُوَ الْجَدُّ لَا تَصَرُّفُ الْمُرْتَدِّ وَقَيَّدَ بِالْمُرْتَدِّ لِأَنَّ تَصَرُّفَاتِ الْمُرْتَدَّةِ نَافِذَةٌ عِنْدَ الْكُلِّ لِأَنَّهَا لَا تُقْتَلُ وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ مَعَ بَيَانِ تَصَرُّفَاتِ الْمُكَاتَبِ الْمُرْتَدِّ وَأَطْلَقَ الْهَلَاكَ فَشَمِلَ الْحَقِيقِيَّ بِالْمَوْتِ أَوْ الْقَتْلِ وَالْحُكْمِيَّ بِالْقَضَاءِ بِلِحَاقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَعَبَّرَ بِالْإِيمَانِ فِي قَوْلِهِ فَإِنْ آمَنَ وَأَرَادَ الْإِسْلَامَ فَإِنَّهُ الْمُرَادُ هُنَا كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْخَانِيَّةِ فَإِنَّهُ الِانْقِيَادُ الظَّاهِرُ الَّذِي تُبْتَنَى عَلَيْهِ الْأَحْكَامُ. (قَوْلُهُ وَإِنْ عَادَ مُسْلِمًا بَعْدَ الْحُكْمِ بِلِحَاقِهِ فَمَا وَجَدَهُ فِي يَدِ وَارِثِهِ أَخَذَهُ وَإِلَّا لَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ قَائِمًا فِي يَدِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَخْذُ بَدَلِهِ مِنْهُ لِأَنَّ الْوَارِثَ إنَّمَا يَخْلُفُهُ فِيهِ لِاسْتِغْنَائِهِ وَإِذَا عَادَ مُسْلِمًا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ وَعَلَى هَذَا لَوْ أَحْيَا اللَّهُ مَيِّتًا حَقِيقَةً وَأَعَادَهُ إلَى دَارِ الدُّنْيَا كَانَ لَهُ أَخْذُ مَا فِي يَدِ وَرَثَتِهِ وَأَطْلَقَ فِي قَوْلِهِ وَإِلَّا لَا فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ هَالِكًا أَوْ أَزَالَهُ الْوَارِثُ عَنْ مِلْكِهِ وَهُوَ قَائِمٌ سَوَاءٌ كَانَ بِسَبَبٍ يَقْبَلُ الْفَسْخَ كَبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ يَقْبَلُهُ كَعِتْقٍ وَتَدْبِيرٍ وَاسْتِيلَادٍ فَإِنَّهُ يَمْضِي وَلَا عَوْدَ لَهُ فِيهِ وَلَا يَضْمَنُهُ وَشَمِلَ مَا لَمْ يَدْخُلْ فِي يَدِ وَارِثِهِ أَصْلًا كَمُدَبَّرِيهِ وَأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ الْمَحْكُومِ بِعِتْقِهِمْ بِسَبَبِ الْحُكْمِ بِلِحَاقِهِ فَإِنَّهُمْ لَا يَعُودُونَ فِي الرِّقِّ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِعِتْقِهِمْ قَدْ صَحَّ بِدَلِيلٍ مُصَحِّحٍ لَهُ وَالْعِتْقُ بَعْدَ نَفَاذِهِ لَا يَقْبَلُ الْبُطْلَانَ وَوَلَاؤُهُمْ لِمَوْلَاهُمْ أَعْنِي الْمُرْتَدَّ الَّذِي عَادَ مُسْلِمًا وَكَذَلِكَ مُكَاتَبُهُ إذَا كَانَ أَدَّى الْمَالَ إلَى الْوَرَثَةِ لَا سَبِيلَ عَلَيْهِ أَيْضًا لِأَنَّهُ عَتَقَ بِأَدَاءِ الْمَالِ وَالْعِتْقُ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ وَمَا أَدَّى إلَى الْوَرَثَةِ إنْ كَانَ قَائِمًا أَخَذَهُ وَإِنْ زَالَ مِلْكُهُمْ عَنْهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ كَسَائِرِ أَمْوَالِهِ وَإِنْ كَانَ لَمْ يُؤَدِّ بَدَلَ الْكِتَابَةِ يَأْخُذُهَا مِنْهُ وَإِنْ عَجَزَ عَادَ رَقِيقًا لَهُ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَفِي الْخَانِيَّةِ إذَا عَادَ مُسْلِمًا بَعْدَ الْحُكْمِ بِحَلِّ دُيُونِهِ وَعِتْقِ مُدَبَّرِيهِ وَأُمِّ وَلَدِهِ لَا يَمْلِكُ أَنْ يُبْطِلَ شَيْئًا إلَّا شَيْئَانِ الْأَوَّلُ الْمِيرَاثُ يُبْطِلُهُ وَيَسْتَرِدُّ مَالَهُ إنْ كَانَ قَائِمًا وَالثَّانِي إذَا كَاتَبَ وَرَثَتُهُ عَبْدًا مِنْ مَالِهِ ثُمَّ رَجَعَ فَإِنْ رَجَعَ بَعْدَمَا أَدَّى بَدَلَ الْكِتَابَةِ لَا يَمْلِكُ إبْطَالَهَا فَإِنْ رَجَعَ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ جَمِيعَ بَدَلِ الْكِتَابَةِ كَانَ لَهُ أَنْ يُبْطِلَ الْكِتَابَةَ اهـ. وَظَاهِرُ الْكِتَابِ أَنَّهُ يَأْخُذُ مَا فِي يَدِ الْوَارِثِ بِغَيْرِ قَضَاءٍ وَلَا رِضًا وَالْمَنْقُولَ لِأَنَّهُ قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَمَا كَانَ قَائِمًا فِي يَدِ الْوَرَثَةِ إنَّمَا يَعُودُ إلَى مِلْكِهِ بِقَضَاءٍ أَوْ رِضًا فَإِنَّهُ ذُكِرَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ أَنَّ وَارِثَ الْمُرْتَدِّ إذَا تَصَرَّفَ فِي الْمَالِ الَّذِي وَرِثَهُ بَعْدَمَا عَادَ الْمُرْتَدُّ مُسْلِمًا نَفَذَ تَصَرُّفُهُ اهـ. وَجَزَمَ بِهِ الزَّيْلَعِيُّ مُعَلَّلًا بِأَنَّهُ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ فَلَا يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ إلَّا بِطَرِيقِهِ اهـ. وَقَدْ يُقَالُ طَرِيقُهُ عَوْدُهُ مُسْلِمًا فَإِنَّ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ عَلَى الْمُوجِبِ لِدُخُولِ الْحُكْمِ بِخِلَافَتِهِ عَنْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ حُكْمًا وَقَدْ بَطَلَتْ فَبَطَلَ مَا ابْتَنَى عَلَيْهِ وَقَدْ قَدَّمْنَا عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة أَنَّ كَسْبَ رِدَّتِهِ فَيْءٌ بَعْدَ الْحُكْمِ بِلِحَاقِهِ كَمَوْتِهِ حَقِيقَةً لَكِنْ لَمْ أَرَ حُكْمَ مَا إذَا عَادَ مُسْلِمًا وَوَجَدَ كَسْبَ رِدَّتِهِ قَائِمًا عِنْدَ الْإِمَامِ فَهَلْ يَسْتَرِدُّهُ كَمَا يَسْتَرِدُّ مِنْ وَارِثِهِ كَسْبَ إسْلَامِهِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَسْتَرِدُّهُ لِأَنَّ أَخْذَهُ لَيْسَ بِطَرِيقِ الْخِلَافَةِ بَلْ لِكَوْنِهِ مَالَ حَرْبِيٍّ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَصَارَ لِبَيْتِ الْمَالِ فَلَا يَسْتَرِدُّهُ كَمَا أَنَّ الْحَرْبِيَّ الْحَقِيقِيَّ لَا يَسْتَرِدُّ مَالَهُ بَعْدَ إسْلَامِهِ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ بَعْدَ الْحُكْمِ بِلِحَاقِهِ لِأَنَّهُ لَوْ عَادَ مُسْلِمًا قَبْلَهُ فَحُكْمُهُ كَمَا إذَا لَمْ يَرْتَدَّ فَلَا يُعْتِقُ مُدَبَّرَهُ وَأُمَّ وَلَدِهِ وَلَا   [منحة الخالق] أَيْ تَسْلِيمِ الشُّفْعَةِ وَقَوْلُهُ لِأَنَّهَا أَيْ الشُّفْعَةَ بَطَلَتْ بِهِ أَيْ بِالتَّسْلِيمِ مُطْلَقًا أَيْ وَلَوْ غَيْرَ مُرْتَدٍّ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ تَصَرُّفَاتِهِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ) نَظَمَهَا الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِهِ فَقَالَ وَبِاتِّفَاقٍ صَحَّ دَعْوَى وَلَدِهْ ... كَذَا طَلَاقُهُ وَحَجْرُ عَبْدِهِ وَهَكَذَا قَبُولُهُ لِهِبَتِهْ ... وَهَكَذَا تَسْلِيمُهُ لِشُفْعَتِهْ وَبَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ نَكْحُهُ ... وَهَكَذَا مِيرَاثُهُ وَذَبْحُهُ وَأَوْقَفُوا مُفَاوَضَاتِ شِرْكَتِهْ ... تَصْرِيفُهُ لِطِفْلِهِ وَطِفْلَتِهْ انْتَهَى وَلَعَلَّهُ سَقَطَ بَيْتٌ إذْ لَمْ يَسْتَوْفِ الْبَاطِلَ بِأَقْسَامِهِ الْخَمْسَةِ وَقَدْ غَيَّرْت بَيْتَهُ الثَّالِثَ فَقُلْت وَبَاطِلٌ نِكَاحُهُ شَهَادَتُهُ وَصَيْدُهُ وَارِثه ذَبِيحَتُهُ (قَوْلُهُ وَلَمْ أَرَ حُكْمَ الْتِقَاطِهِ لَقِيطًا) أَوْ لُقَطَةً قَالَ فِي النَّهْرِ وَبَقِيَ إيدَاعُهُ وَاسْتِيدَاعُهُ وَأَمَانُهُ وَعَقْلُهُ وَلَا شَكَّ فِي عَدَمِ صِحَّةِ أَمَانِهِ إذْ أَمَانُ الذِّمِّيِّ يَصِحُّ فَهَذَا أَوْلَى وَكَذَا عَقْلُهُ لِأَنَّ التَّنَاصُرَ لَا يَكُونُ بِالْمُرْتَدِّ وَأَمَّا الْتِقَاطُهُ وَلُقَطَتُهُ وَإِيدَاعُهُ وَاسْتِيدَاعُهُ فَلَا يَنْبَغِي التَّرَدُّدُ فِي جَوَازِهَا مِنْهُ. (قَوْلُهُ وَالثَّانِي إذَا كَاتَبَ إلَخْ) سَيَأْتِي مَا يُخَالِفُهُ كَمَا يُنَبَّهُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَقَدْ يُقَالُ طَرِيقُهُ عَوْدُهُ مُسْلِمًا) قَالَ فِي النَّهْرِ مَمْنُوعٌ اهـ. (قَوْلُهُ فَحُكْمُهُ كَمَا إذَا لَمْ يَرْتَدَّ) لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ لِأَنَّهُ لَا يَنْفُذُ مَا تَصَرَّفَ فِيهِ فِي مَالِهِ بِنَفْسِهِ بَعْدَ لِحَاقِهِ فَفِي شَرْحِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ وَلَوْ لَحِقَ فَلَمْ يُقْضَ بِلِحَاقِهِ حَتَّى أَعْتَقَ عَبْدَهُ الَّذِي فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ بَاعَهُ مِنْ مُسْلِمٍ كَانَ مَعَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ رَجَعَ تَائِبًا قَبْلَ الْقَضَاءِ بِلِحَاقِهِ فَمَالُهُ مَرْدُودٌ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 145 تَحِلُّ دُيُونُهُ وَلَهُ إبْطَالُ مَا تَصَرَّفَ فِيهِ الْوَارِثُ لِكَوْنِهِ فُضُولِيًّا. (قَوْلُهُ وَلَوْ وَلَدَتْ أَمَةٌ لَهُ نَصْرَانِيَّةٌ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ ارْتَدَّ فَادَّعَاهُ فَهِيَ أُمُّ وَلَدِهِ وَهُوَ ابْنُهُ حُرٌّ وَلَا يَرِثُهُ وَلَوْ مُسْلِمَةً وَرِثَهُ الِابْنُ إنْ مَاتَ عَلَى الرِّدَّةِ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ) أَمَّا صِحَّةُ الِاسْتِيلَادِ فَلِمَا قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَا يَفْتَقِرُ إلَى حَقِيقَةِ الْمِلْكِ وَأَمَّا الْإِرْثُ فَلِأَنَّ الْأُمَّ إذَا كَانَتْ نَصْرَانِيَّةً فَالْوَلَدُ تَبَعٌ لَهُ لِقُرْبِهِ إلَى الْإِسْلَامِ لِلْجَبْرِ عَلَيْهِ فَصَارَ فِي حُكْمِ الْمُرْتَدِّ وَالْمُرْتَدُّ لَا يَرِثُ أَحَدًا وَلَمْ يُجْعَلْ مُسْلِمًا تَبَعًا لِلدَّارِ لِأَنَّهَا عِنْدَ عَدَمِ الْأَبَوَيْنِ فَقَطْ أَمَّا إذَا كَانَتْ مُسْلِمَةً فَالْوَلَدُ مُسْلِمٌ تَبَعًا لَهَا لِأَنَّهَا خَيْرُهُمَا دِينًا وَالْمُسْلِمُ يَرِثُ الْمُرْتَدَّ أَرَادَ بِالنَّصْرَانِيَّةِ الْكِتَابِيَّةَ وَلَوْ يَهُودِيَّةً وَالتَّقْيِيدُ بِالسِّتَّةِ لِنَفْيِ الْأَقَلِّ فَإِنَّهَا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْهَا فَالْوَلَدُ يَرِثُ مِنْ أَبِيهِ الْمُرْتَدِّ لِلتَّيَقُّنِ بِوُجُودِهِ فِي الْبَطْنِ قَبْلَ الرِّدَّةِ فَيَكُونُ مُسْلِمًا تَبَعًا لِلْأَبِ بِخِلَافِهِ لِلسِّتَّةِ لِعَدَمِ التَّيَقُّنِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ لَا لِنَفْيِ الْأَكْثَرِ وَلِذَا عَبَّرَ فِي الْهِدَايَةِ بِالْأَكْثَرِ زَادَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَوْ إلَى عَشْرِ سِنِينَ. [لَحِقَ الْمُرْتَدُّ بِمَالِهِ فَظُهِرَ عَلَيْهِ] (قَوْلُهُ وَإِنْ لَحِقَ الْمُرْتَدُّ بِمَالِهِ فَظُهِرَ عَلَيْهِ فَهُوَ فَيْءٌ) أَيْ مَالُهُ غَنِيمَةٌ يُوضَعُ فِي بَيْتِ الْمَالِ بِالْإِجْمَاعِ لَا لِوَرَثَتِهِ لِسُقُوطِ عِصْمَةِ مَالِهِ تَبَعًا لِعِصْمَةِ نَفْسِهِ وَقَيَّدَ بِالْمَالِ لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ بَعْدَ الظُّهُورِ لَا يُسْتَرَقُّ وَإِنَّمَا يُقْتَلُ إنْ لَمْ يُسْلِمْ وَلَا يُشْكِلُ كَوْنُ مَالِهِ فَيْئًا دُونَ نَفْسِهِ لِأَنَّ مُشْرِكِي الْعَرَبِ كَذَلِكَ وَفِي الْمُغْرِبِ ظُهِرَ عَلَيْهِ غُلِبَ وَظَهَرَ عَلَى اللِّصِّ غَلَبَ وَهُوَ مِنْ قَوْلِهِمْ ظَهَرَ فُلَانٌ السَّطْحَ إذَا عَلَاهُ وَحَقِيقَتُهُ صَارَ عَلَى ظَهْرِهِ اهـ. فَعَلَى هَذَا ظَهَرَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (قَوْلُهُ فَإِنْ رَجَعَ وَذَهَبَ بِمَالِهِ وَظُهِرَ عَلَيْهِ فَلِوَارِثِهِ) لِأَنَّهُ انْتَقَلَ إلَيْهِمْ بِقَضَاءِ الْقَاضِي بِلِحَاقِهِ فَكَانَ الْوَارِثُ مَالِكًا قَدِيمًا وَحُكْمُهُ أَنَّهُ إنْ وَجَدَهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ أَخَذَهُ بِغَيْرِ بَدَلٍ وَإِنْ وَجَدَهُ بَعْدَهَا أَخَذَهُ بِقِيمَتِهِ إنْ شَاءَ وَإِنْ كَانَ مِثْلِيًّا فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْمِثْلِيُّ وَارِدٌ عَلَى الْمُصَنِّفِ مَعَ أَنَّ فِي عِبَارَتِهِ إيهَامًا أَنْ يَأْخُذَهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ مُطْلَقًا وَلَمْ يُقَيِّدْ الْمُصَنِّفُ أَنْ يَكُونَ رُجُوعُهُ بَعْدَ الْحُكْمِ بِلِحَاقِهِ تَبَعًا لِلْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَأَفَادَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بَعْدَهُ أَوْ قَبْلَهُ أَمَّا إذَا كَانَ بَعْدَهُ فَظَاهِرٌ لِتَقَرُّرِ الْمِلْكِ لِلْوَارِثِ بِالْقَضَاءِ بِلِحَاقِهِ وَأَمَّا قَبْلَهُ فَلِأَنَّ عَوْدَهُ وَأَخْذَهُ وَلِحَاقَهُ ثَانِيًا يُرَجِّحُ جَانِبَ عَدَمِ الْعَوْدِ وَيُؤَكِّدُهُ فَيَتَقَرَّرُ مَوْتُهُ وَمَا اُحْتِيجَ لِلْقَضَاءِ بِاللِّحَاقِ لِصَيْرُورَتِهِ مِيرَاثًا إلَّا لِيَتَرَجَّحَ عَدَمُ عَوْدِهِ فَيَتَقَرَّرُ إقَامَتُهُ ثَمَّةَ فَيَتَقَرَّرُ مَوْتُهُ فَكَانَ رُجُوعُهُ ثُمَّ عَوْدُهُ ثَانِيًا بِمَنْزِلَةِ الْقَضَاءِ وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِ السِّيَرِ جَعَلَهُ فَيْئًا لِأَنَّ بِمُجَرَّدِ اللِّحَاقِ لَا يَصِيرُ الْمَالُ مِلْكًا لِلْوَرَثَةِ وَالْوَجْهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ تَبَعًا لِمَا فِي النِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ وَهُمَا تَبَعًا فَخْرَ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيَّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مِنْ أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ الْإِطْلَاقُ وَقَيَّدَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِأَنْ يَكُونَ الرُّجُوعُ بَعْدَ الْقَضَاءِ أَمَّا قَبْلَهُ فَفَيْءٌ وَحُمِلَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ إطْلَاقُ الْكِتَابِ عَلَى مَذْهَبِ مُحَمَّدٍ وَمَا فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ السِّيَرِ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي يُوسُفَ وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ سَقَطَ إشْكَالُ الزَّيْلَعِيِّ عَلَى النِّهَايَةِ لِأَنَّهُ حَيْثُ كَانَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ الْإِطْلَاقَ وَكَانَ لَهُ وَجْهٌ ظَاهِرٌ فَلَا مَحَلَّ لِلْإِشْكَالِ فَلِذَا قَالَ فِي الْفَتْحِ وَالْوَجْهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَاعْتَمَدَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي. (قَوْلُهُ وَإِنْ لَحِقَ وَقَضَى بِعَبْدِهِ لِابْنِهِ فَكَاتَبَهُ فَجَاءَ مُسْلِمًا فَالْمُكَاتَبَةُ وَالْوَلَاءُ لِمُوَرِّثِهِ) وَهُوَ الْمُرْتَدُّ الَّذِي عَادَ مُسْلِمًا لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ إلَى إبْطَالِ الْكِتَابَةِ لِنُفُوذِهَا بِدَلِيلٍ مُنَفَّذٍ وَهُوَ الْقَضَاءُ بِلِحَاقِهِ فَجَعَلْنَا الْوَارِثَ الَّذِي هُوَ خَلْفَهُ كَالْوَكِيلِ مِنْ جِهَتِهِ وَحُقُوقُ الْعَقْدِ فِيهِ تَرْجِعُ إلَى الْمُوَكِّلِ وَالْوَلَاءُ لِمَنْ يَقَعُ الْعِتْقُ عَنْهُ نَظِيرُهُ الْمُكَاتَبُ إذَا كَاتَبَ عَبْدَهُ ثُمَّ عَجَزَ وَفُسِخَتْ الْكِتَابَةُ الْأُولَى تَبْقَى الثَّانِيَةُ عَلَى حَالِهَا وَيَكُونُ بَدَلُ الْكِتَابَةِ وَوَلَاؤُهُ لِمَوْلَاهُ وَلَيْسَ انْتِقَالُ الْكِتَابَةِ إلَى الْمُرْتَدِّ الَّذِي أَسْلَمَ بِسَبَبِ انْتِقَالِ الْمُكَاتَبِ مِنْ مِلْكِ الِابْنِ إلَيْهِ وَإِنَّمَا هُوَ لِسُقُوطِ وِلَايَةِ الْخَلَفِ عِنْدَ ظُهُورِ وِلَايَةِ الْأَصْلِ وَأَشَارَ بِفَاءِ التَّعْقِيبِ فِي قَوْلِهِ فَجَاءَ مُسْلِمًا إلَى أَنَّ مَجِيئَهُ عُقَيْبَ كِتَابَتِهِ يَعْنِي مِنْ غَيْرِ أَدَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ إلَى الِابْنِ فَلَوْ أَدَّاهَا إلَيْهِ ثُمَّ جَاءَ مُسْلِمًا   [منحة الخالق] عَلَيْهِ كُلُّهُ وَجَمِيعُ مَا صَنَعَ فِيهِ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ بِاللِّحَاقِ زَالَ مِلْكُهُ وَإِنَّمَا تَوَقَّفَ عَلَى الْقَضَاءِ دُخُولُهُ فِي مِلْكِ وَرَثَتِهِ فَتَصَرُّفُهُ بَعْدَ اللِّحَاقِ صَادَفَ مَالًا غَيْرَ مَمْلُوكٍ لَهُ فَلَا يَنْفُذُ وَإِنْ عَادَ إلَى مِلْكِهِ بَعْدُ كَالْبَائِعِ بِشَرْطِ خِيَارِ الْمُشْتَرِي إذَا تَصَرَّفَ فِي الْمَبِيعِ ثُمَّ عَادَ إلَى مِلْكِهِ بِفَسْخِ الْمُشْتَرِي لَمْ يَنْفُذْ تَصَرُّفُهُ وَلَوْ أَقَرَّ بِحُرِّيَّةِ عَبْدِهِ أَوْ بِأَنَّهُ لِفُلَانٍ جَازَ إذَا عَادَ مُسْلِمًا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِإِنْشَاءِ التَّصَرُّفِ بَلْ هُوَ إقْرَارٌ وَالْإِقْرَارُ لَازِمٌ فِي حَقِّ الْمُقِرِّ وَإِنْ لَمْ يُصَادِفْ مِلْكَهُ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِعَبْدِ الْغَيْرِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ اهـ. مُلَخَّصًا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 146 فَإِنَّهُ عَتَقَ عَلَى الِابْنِ حِينَ أَدَّى وَكَانَ الْوَلَاءُ لَهُ فَلَا يَنْتَقِلُ بَعْدَهُ إلَى أَبِيهِ كَمَا لَوْ أَعْتَقَ الِابْنُ عَبْدَهُ ثُمَّ جَاءَ مُسْلِمًا وَالْمُكَاتَبَةُ بَدَلُ الْكِتَابَةِ وَقَيَّدَ بِالْكِتَابَةِ لِأَنَّ الِابْنَ إذَا دَبَّرَهُ ثُمَّ جَاءَ الْأَبُ مُسْلِمًا فَإِنَّ الْوَلَاءَ لَا يَكُونُ لِلْأَبِ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَأَشَارَ بِكَوْنِ الْبَدَلِ وَالْوَلَاءِ فَقَطْ لِلْأَبِ إلَى أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ فَسْخُ الْكِتَابَةِ لِصُدُورِهَا عَنْ وِلَايَةٍ شَرْعِيَّةٍ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الشَّارِحُ وَقَدَّمْنَا عَنْ الْخَانِيَّةِ أَنَّهُ يَمْلِكُ إبْطَالَ كِتَابَةِ الْوَارِثِ قَبْلَ أَدَاءِ جَمِيعِ الْبَدَلِ إلَّا أَنْ يُقَالَ أَنَّ مُرَادَهُمْ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ فَسْخُهَا بِمُجَرَّدِ مَجِيئِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَفْسَخَهَا أَمَّا إذَا فَسَخَهَا انْفَسَخَتْ إلَّا أَنَّ جَعْلَهُمْ الْوَارِثَ كَالْوَكِيلِ مِنْ جِهَتِهِ يَأْبَاهُ وَقَدَّمْنَا حُكْمَ مَا إذَا كَاتَبَ ثُمَّ ارْتَدَّ ثُمَّ لَحِقَ. [قَتَلَ مُرْتَدٌّ رَجُلًا خَطَأً وَلَحِقَ أَوْ قُتِلَ] (قَوْلُهُ فَإِنْ قَتَلَ مُرْتَدٌّ رَجُلًا خَطَأً وَلَحِقَ أَوْ قُتِلَ فَالدِّيَةُ فِي كَسْبِ الْإِسْلَامِ خَاصَّةً) بَيَانٌ لِحُكْمِ جِنَايَتِهِ وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ وَقَالَا الدِّيَةُ فِيمَا اكْتَسَبَهُ فِي الْإِسْلَامِ وَالرِّدَّةِ لِأَنَّ الْكَسْبَيْنِ مَالُهُ لِنُفُوذِ تَصَرُّفِهِ فِي الْمَالَيْنِ وَلِذَا يَجْرِي الْإِرْثُ فِيهِمَا عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ مَالُهُ هُوَ الْمُكْتَسَبُ فِي الْإِسْلَامِ لِنُفُوذِ تَصَرُّفِهِ فِيهِ دُونَ الْمَكْسُوبِ فِي الرِّدَّةِ لِتَوَقُّفِ تَصَرُّفِهِ وَلِذَا كَانَ الْأَوَّلُ مِيرَاثًا عَنْهُ وَالثَّانِي فَيْئًا وَاتَّفَقُوا أَنَّهُ لَا عَاقِلَةَ لَهُ لِانْعِدَامِ النُّصْرَةِ فَتَكُونُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ قَيَّدَ بِلِحَاقِهِ أَوْ قَتْلِهِ يَعْنِي عَلَى الرِّدَّةِ لِأَنَّهُ لَوْ أَسْلَمَ تَكُونُ الدِّيَةُ فِي الْكَسْبَيْنِ جَمِيعًا مَاتَ أَوْ لَمْ يَمُتْ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ خَاصَّةً إلَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ كَسْبُ إسْلَامٍ وَإِنَّمَا لَهُ كَسْبُ الرِّدَّةِ فَإِنَّ الْجِنَايَةَ هَدَرٌ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِيهِ نَظَرٌ وَالصَّوَابُ أَنَّ الدِّيَةَ فِي كَسْبِ الرِّدَّةِ لِأَنَّهَا كَالدَّيْنِ وَقَدَّمْنَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الدَّيْنِ ثَلَاثَ رِوَايَاتٍ فِي رِوَايَةٍ يَقْضِي دَيْنَ الْإِسْلَامِ مِنْ كَسْبِهِ وَدَيْنَ الرِّدَّةِ مِنْ كَسْبِهَا وَفِي رِوَايَةٍ يَقْضِي مِنْ كَسْبِ الرِّدَّةِ إلَّا أَنْ لَا يَفِي فَمِنْ كَسْبِ الْإِسْلَامِ وَفِي رِوَايَةٍ عَكْسُهُ وَهِيَ الصَّحِيحَةُ فَلَمْ يَرِدْ أَنَّ دَيْنَ الرِّدَّةِ هَدَرٌ فَكَيْفَ يُقَالُ فِي جِنَايَتِهِ مَعَ وُجُودِ كَسْبِ الرِّدَّةِ أَنَّهَا هَدَرٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ سَهْوٌ وَلِذَا قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة والولوالجية فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا كَسْبُ الْإِسْلَامِ أَوْ إلَّا كَسْبُ الرِّدَّةِ تُسْتَوْفَى الدِّيَةُ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ لَهُ الْكَسْبَانِ قَالَا يَسْتَوْفِي مِنْهُمَا وَقَالَ الْإِمَامُ تُسْتَوْفَى مِنْ كَسْبِ الْإِسْلَامِ أَوَّلًا فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ اسْتَوْفَى الْفَضْلَ مِنْ كَسْبِ الرِّدَّةِ اهـ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَعَلَى هَذَا لَوْ غَصَبَ مَالًا فَأَفْسَدَهُ يَجِبُ ضَمَانُهُ فِي مَالِ الْإِسْلَامِ وَعِنْدَهُمَا فِي الْكُلِّ اهـ وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّ حُكْمَ مَا اغْتَصَبَهُ أَوْ أَتْلَفَهُ كَذَلِكَ عِنْدَهُ فِي كَسْبِ الْإِسْلَامِ فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ كَانَ فِي كَسْبِ الرِّدَّةِ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة هَذَا إذَا ثَبَتَ الْغَصْبُ وَالْإِتْلَافُ بِالْمُعَايَنَةِ فَإِنْ ثَبَتَ بِإِقْرَارِ الْمُرْتَدِّ فَعِنْدَهُمَا يَسْتَوْفِي مِنْ الْكَسْبَيْنِ وَعِنْدَهُ مِنْ كَسْبِ الرِّدَّةِ كَذَا ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ اهـ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْقَتْلُ خَطَأً كَذَلِكَ لِكَوْنِهِ مِنْهُمَا فِي إقْرَارِهِ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ والولوالجية وَجِنَايَةُ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ وَالْمُكَاتَبِ الْمُرْتَدِّينَ كَجِنَايَتِهِمْ فِي غَيْرِ الرِّدَّةِ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِمَا قَائِمٌ بَعْدَ الرِّدَّةِ وَالْمُكَاتَبُ يَمْلِكُ أَكْسَابَهُ فِي الرِّدَّةِ فَيَكُونُ مُوجِبُ جِنَايَتِهِ فِي كَسْبِهِ وَالْجِنَايَةُ عَلَى الْمَمَالِيكِ الْمُرْتَدِّينَ هَدَرٌ اهـ. وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ الْجِنَايَةِ عَلَى الْمُرْتَدِّ بِقَطْعِ يَدِهِ أَوْ رِجْلِهِ لِكَوْنِهِ قَدْ عَلِمَ مِنْ قَوْلِهِ أَوَّلًا لَا يَضْمَنُ قَاتِلُهُ بِالْأَوْلَى وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ أَنَّ الْجَانِي لَا يَضْمَنُ سَوَاءٌ مَاتَ الْمُرْتَدُّ مِنْ ذَلِكَ الْقَطْعِ عَلَى الرِّدَّةِ أَوْ مَاتَ مُسْلِمًا حَيْثُ كَانَ الْقَطْعُ وَهُوَ مُرْتَدٌّ وَأَمَّا إذَا كَانَ الْقَطْعُ وَهُوَ مُسْلِمٌ وَالسِّرَايَةُ إلَى النَّفْسِ وَهُوَ مُرْتَدٌّ فَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الْآتِيَةُ وَالْوَاوُ فِي قَوْلِهِ وَلَحِقَ بِمَعْنَى ثُمَّ وَقَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُ لَوْ قُتِلَ فِي دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ جَاءَ تَائِبًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَكَذَا لَوْ غَصَبَ أَوْ قَذَفَ لِأَنَّ فِعْلَهُ لَمْ يَنْعَقِدْ مُوجِبًا لِصَيْرُورَتِهِ فِي حُكْمِ أَهْلِ الْحَرْبِ وَأَمَّا إذَا فَعَلَ شَيْئًا قَبْلَ اللِّحَاقِ ثُمَّ لَحِقَ فَمَا كَانَ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ كَالْقَتْلِ وَالْغَصْبِ وَالْقَذْفِ يُؤْخَذُ بِهِ وَمَا كَانَ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى كَبَقِيَّةِ الْحُدُودِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ لِأَنَّ اللِّحَاقَ كَالْمَوْتِ يُورِثُ شُبْهَةً كَذَا فِي الْبَدَائِعِ. (قَوْلُهُ وَلَوْ ارْتَدَّ بَعْدَ الْقَطْعِ عَمْدًا أَوْ مَاتَ أَوْ لَحِقَ وَجَاءَ مُسْلِمًا فَمَاتَ مِنْهُ ضَمِنَ الْقَاطِعُ نِصْفَ الدِّيَةِ فِي مَالِهِ لِوَرَثَتِهِ) بَيَانُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة هَذَا إذَا ثَبَتَ إلَخْ) أَقُولُ: عِبَارَةُ التَّتَارْخَانِيَّة هَكَذَا وَأَمَّا مَا اغْتَصَبَ الْمُرْتَدُّ مِنْ شَيْءٍ أَوْ أَفْسَدَهُ فَضَمَانُ ذَلِكَ فِي مَالِهِ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ قَالَ وَوَجَبَ بَدَلُ الْإِتْلَافِ وَالْغَصْبِ فِي الْكَسْبَيْنِ جَمِيعًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُرَتِّبَ كَسْبَ الرِّدَّةِ عَلَى كَسْبِ الْإِسْلَامِ هَذَا إذَا ثَبَتَ الْإِتْلَافُ وَالْغَصْبُ بِالْمُعَايَنَةِ إلَخْ وَنَقَلَ مِثْلَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ فَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 147 الْمَسْأَلَتَيْنِ إحْدَاهُمَا إذَا قُطِعَتْ يَدُ الْمُسْلِمِ عَمْدًا ثُمَّ ارْتَدَّ الْمَقْطُوعَةُ يَدُهُ ثُمَّ سَرَى الْقَطْعُ إلَى النَّفْسِ ثَانِيهِمَا إذَا لَحِقَ الْمَقْطُوعُ يَدُهُ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ عَادَ مُسْلِمًا ثُمَّ سَرَى الْقَطْعُ إلَى النَّفْسِ وَالْحُكْمُ فِيهِمَا ضَمَانُ دِيَةِ الْيَدِ فَقَطْ وَلَا يَضْمَنُ الْقَاطِعُ بِالسِّرَايَةِ إلَى النَّفْسِ شَيْئًا أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّ السِّرَايَةَ حَلَّتْ مَحَلًّا غَيْرَ مَعْصُومٍ فَانْهَدَرَتْ بِخِلَافِ مَا إذَا قَطَعَ يَدَ الْمُرْتَدِّ ثُمَّ أَسْلَمَ فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ شَيْئًا لِأَنَّ الْإِهْدَارَ لَا يَلْحَقُهُ الِاعْتِبَارُ أَمَّا الْمُعْتَبَرُ قَدْ يَهْدُرُ بِالْإِبْرَاءِ وَبِالْإِعْتَاقِ وَبِالْبَيْعِ كَمَا لَوْ قَطَعَ يَدَ عَبْدٍ ثُمَّ بَاعَهُ مَوْلَاهُ ثُمَّ رُدَّ عَلَيْهِ بِالْعَيْبِ ثُمَّ مَاتَ الْعَبْدُ مِنْ الْقَطْعِ فَإِنَّ الْجَانِي لَا يَضْمَنُ لِلْبَائِعِ ضَمَانَ النَّفْسِ فَلِذَا يَهْدُرُ بِالرِّدَّةِ وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ مَعْنَاهُ إذَا قَضَى بِلِحَاقِهِ لِأَنَّهُ صَارَ مَيِّتًا تَقْدِيرًا وَالْمَوْتُ يَقْطَعُ السِّرَايَةَ وَإِسْلَامُهُ حَيَاةٌ حَادِثَةٌ فِي التَّقْدِيرِ فَلَا يَعُودُ حُكْمُ الْجِنَايَةِ الْأُولَى وَإِنْ لَمْ يُقْضَ بِلِحَاقِهِ حَتَّى عَادَ مُسْلِمًا فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ الْآتِي فِي الْآتِيَةِ عَلَى الصَّحِيحِ فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَجِبُ نِصْفُ الدِّيَةِ وَعِنْدَهُمَا دِيَةٌ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ بَعْدَ اللِّحَاقِ قَبْلَ الْقَضَاءِ كَمَا قَبْلَ اللِّحَاقِ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ عَمْدًا لِيَكُونَ ضَمَانُ دِيَةِ الْيَدِ فِي مَالِهِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ خَطَأً فَهُوَ عَلَى الْعَاقِلَةِ كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ. (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَلْحَقْ وَأَسْلَمَ وَمَاتَ ضَمِنَ الدِّيَةَ) أَيْ كَامِلَةً عِنْدَهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ النِّصْفُ لِأَنَّ اعْتِرَاضَ الرِّدَّةِ أَهْدَرَ السِّرَايَةَ فَلَا يَنْقَلِبُ بِالْإِسْلَامِ إلَى الضَّمَانِ كَمَا إذَا قَطَعَ يَدَ مُرْتَدٍّ فَأَسْلَمَ وَلَهُمَا أَنَّ الْجِنَايَةَ وَرَدَتْ عَلَى مَحَلٍّ مَعْصُومٍ وَتَمَّتْ فِيهِ فَيَجِبُ ضَمَانُ النَّفْسِ كَمَا إذَا لَمْ تَتَخَلَّلْ الرِّدَّةُ وَهَذَا لِأَنَّهُ لَا مُعْتَبَرَ لِقِيَامِ الْعِصْمَةِ فِي حَالِ بَقَاءِ الْجِنَايَةِ وَإِنَّمَا الْمُعْتَبَرُ قِيَامُهَا فِي حَالِ انْعِقَادِ السَّبَبِ وَفِي حَالِ ثُبُوتِ الْحُكْمِ وَحَالَةُ الْبَقَاءِ بِمَعْزِلٍ مِنْ ذَلِكَ وَصَارَ كَقِيَامِ الْمِلْكِ فِي حَالِ بَقَاءِ الْيَمِينِ قَيَّدَ بِكَوْنِ الْمَقْطُوعِ هُوَ الْمُرْتَدُّ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَرْتَدَّ وَإِنَّمَا ارْتَدَّ الْقَاطِعُ بَعْدَ الْقَطْعِ ثُمَّ قُتِلَ الْقَاطِعُ أَوْ مَاتَ ثُمَّ سَرَى الْقَطْعُ إلَى النَّفْسِ فَإِنْ كَانَ الْقَطْعُ عَمْدًا فَلَا شَيْءَ عَلَى أَحَدٍ لِفَوْتِ مَحَلِّ الْقِصَاصِ وَإِنْ كَانَ خَطَأً وَجَبَتْ الدِّيَةُ بِتَمَامِهَا عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاطِعِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ مِنْ يَوْمِ قَضَاءِ الْقَاضِي عَلَيْهِمْ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ لِأَنَّهُ حِينَ الْقَطْعِ كَانَ مُسْلِمًا وَتَبَيَّنَ أَنَّ الْجِنَايَةَ قَتْلٌ بِخِلَافِ مَا إذَا قَطَعَهَا وَهُوَ مُرْتَدٌّ فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَى الْعَاقِلَةِ لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ لَا عَاقِلَةَ لَهُ وَأَشَارَ بِإِضَافَةِ الضَّمَانِ إلَيْهِ إلَى أَنَّهُ فِي مَالِهِ لِأَنَّهُ عَمْدٌ وَالْعَاقِلَةُ لَا تَعْقِلُهُ فَلَوْ كَانَ الْقَطْعُ خَطَأً وَجَبَتْ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ كَذَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ [ارْتَدَّ مُكَاتَبٌ وَلَحِقَ وَأُخِذَ بِمَالِهِ وَقُتِلَ] (قَوْلُهُ وَلَوْ ارْتَدَّ مُكَاتَبٌ وَلَحِقَ وَأُخِذَ بِمَالِهِ وَقُتِلَ فَمُكَاتَبَتُهُ لِمَوْلَاهُ وَمَا بَقِيَ لِوَرَثَتِهِ) أَمَّا عَلَى أَصْلِهِمَا فَظَاهِرٌ لِأَنَّ كَسْبَ الرِّدَّةِ مِلْكُهُ إذَا كَانَ حُرًّا فَكَذَا إذَا كَانَ مُكَاتَبًا وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَلِأَنَّ الْمُكَاتَبَ إنَّمَا يَمْلِكُ أَكْسَابَهُ بِالْكِتَابَةِ وَالْكِتَابَةُ لَا تَتَوَقَّفُ بِالرِّدَّةِ فَكَذَا أَكْسَابُهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ تَصَرُّفُهُ بِالْأَقْوَى وَهُوَ الرِّقُّ فَكَذَا بِالْأَدْنَى وَهُوَ الرِّدَّةُ وَمَعْنَى قَوْلِهِ أُخِذَ بِمَالِهِ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَنَّهُ أُسِرَ مَعَ مَالِهِ وَأَبَى أَنْ يُسْلِمَ فَقُتِلَ وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ إذَا وُفِّيَتْ كِتَابَتُهُ حُكِمَ بِحُرِّيَّتِهِ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ فَيَتَبَيَّنُ أَنَّ كَسْبَهُ كَسْبُ مُرْتَدٍّ حُرٍّ فَيَكُونُ فَيْئًا عِنْدَهُ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْحُكْمَ بِحُرِّيَّتِهِ إنَّمَا هُوَ فِي الْحُقُوقِ الْمُسْتَحَقَّةِ بِالْكِتَابَةِ وَهِيَ حُرِّيَّةُ نَفْسِهِ وَأَوْلَادِهِ وَمِلْكُ كَسْبِهِ رَقَبَةٌ وَفِيمَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ يُعْتَبَرُ عَبْدًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ وَإِنْ تَرَكَ وَفَاءً لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَيْسَتْ مِنْ الْحُقُوقِ الْمُسْتَحَقَّةِ بِالْكِتَابَةِ فَكَذَا كَسْبُهُ لَا يَكُونُ فَيْئًا لِأَنَّ كَسْبَ الْعَبْدِ الْمُرْتَدِّ لَا يَكُونُ فَيْئًا فَلَا يُجْعَلُ حُرًّا فِي حَقِّهِ وَالْمُكَاتَبَةُ بَدَلُ الْكِتَابَةِ وَفِي الْقَامُوسِ الْمُكَاتَبَةُ التَّكَاتُبُ وَأَنْ يُكَاتِبَك عَبْدُك عَلَى نَفْسِهِ بِثَمَنِهِ فَإِذَا أَدَّاهُ عَتَقَ اهـ. فَإِطْلَاقُ الْمُكَاتَبَةِ عَلَى الْبَدَلِ مَجَازٌ كَمَا لَا يَخْفَى. [ارْتَدَّ الزَّوْجَانِ وَلَحِقَا فَوَلَدَتْ وَلَدًا وَوُلِدَ لَهُ وَلَدٌ فَظُهِرَ عَلَيْهِمْ] (قَوْلُهُ وَلَوْ ارْتَدَّ الزَّوْجَانِ وَلَحِقَا فَوَلَدَتْ وَلَدًا وَوُلِدَ لَهُ وَلَدٌ فَظُهِرَ عَلَيْهِمْ فَالْوَلَدَانِ فَيْءٌ وَيُجْبَرُ الْوَلَدُ عَلَى الْإِسْلَامِ لَا وَلَدُ الْوَلَدِ) بَيَانٌ لِحُكْمِ وَلَدِ الْمُرْتَدَّةِ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا مُنْفَصِلًا حِينَ الرِّدَّةِ أَوْ لَا فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ مُرْتَدًّا بِرِدَّتِهِمَا مَعًا لِأَنَّهُ ثَبَتَ لَهُ حُكْمُ الْإِسْلَامِ بِالتَّبَعِيَّةِ فَلَا تَزُولُ   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 148 بِرِدَّتِهِمَا إلَّا إذَا لَحِقَا بِهِ أَوْ أَحَدُهُمَا إلَى دَارِ الْحَرْبِ فَإِنَّهُ خَرَجَ عَنْ الْإِسْلَامِ لِأَنَّهُ كَانَ بِالتَّبَعِيَّةِ لَهُمَا أَوْ لِلدَّارِ وَقَدْ انْعَدَمَ الْكُلُّ فَيَكُونُ الْوَلَدُ فَيْئًا وَيُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ إذَا بَلَغَ كَمَا تُجْبَرُ الْأُمُّ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ الْأَبُ ذَهَبَ بِهِ وَحْدَهُ وَالْأُمُّ مُسْلِمَةٌ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لَمْ يَكُنْ الْوَلَدُ فَيْئًا لِأَنَّهُ بَقِيَ مُسْلِمًا تَبَعًا لِأُمِّهِ وَإِنْ كَانَ الثَّانِي بِأَنْ وُلِدَ لَهُمَا وَلَدٌ بَعْدَ لُحُوقِهِمَا فَحُكْمُهُ حُكْمُهُمَا مِنْ كَوْنِهِ فَيْئًا وَمِنْ الْجَبْرِ عَلَى الْإِسْلَامِ سَوَاءٌ كَانَ الْحَبَلُ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَلِذَا أَطْلَقَهُ الْمُصَنِّفُ وَتَقْيِيدُهُ فِي الْهِدَايَةِ بِكَوْنِ الْحَبَلِ فِي دَارِ الْحَرْبِ اتِّفَاقِيٌّ لِيُعْلَمَ حُكْمُ مَا إذَا حَبِلَتْ بِهِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ بِالْأَوْلَى لِأَنَّهُ إذَا أُجْبِرَ عَلَى الْإِسْلَامِ مَعَ بُعْدِهِ عَنْهُ بِبُعْدِهِ عَنْ دَارِهِ فَمَعَ كَوْنِهِ أَقْرَبَ إلَيْهِ أَوْلَى كَمَا فِي النِّهَايَةِ لَكِنْ لَيْسَ حُكْمُ هَذَا الْوَلَدِ كَحُكْمِهِمَا مِنْ جِهَةِ الْقَتْلِ وَلِذَا قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ لَا يُقْتَلُ لَوْ أَبَى كَوَلَدِ الْمُسْلِمِ إذَا بَلَغَ وَلَمْ يَصِفْ الْإِسْلَامَ يُجْبَرُ عَلَيْهِ وَلَا يُقْتَلُ وَإِنَّمَا لَمْ يُجْبَرْ وَلَدُ الْوَلَدِ لِأَنَّهُ إمَّا بِالتَّبَعِيَّةِ لِجَدِّهِ أَوْ لِأَبِيهِ لَا سَبِيلَ إلَى الْأَوَّلِ مَعَ وُجُودِ أَبِيهِ وَلَا إلَى الثَّانِي لِأَنَّ رِدَّةَ أَبِيهِ كَانَتْ تَبَعًا وَالتَّبَعُ لَا يَسْتَتْبِعُ خُصُوصًا وَأَصْلُ التَّبَعِيَّةِ ثَابِتَةٌ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْتَدَّ حَقِيقَةً وَلِذَا يُجْبَرُ بِالْحَبْسِ لَا بِالْقَتْلِ بِخِلَافِ أَبِيهِ وَإِذَا لَمْ يَتْبَعْ الْجَدَّ فَيُسْتَرَقُّ أَوْ تُوضَعُ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ أَوْ يُقْتَلُ لِأَنَّ حُكْمَهُ حِينَئِذٍ حُكْمُ سَائِرِ أَهْلِ الْحَرْبِ إذَا أُسِرُوا وَأَمَّا الْجَدُّ فَيُقْتَلُ لَا مَحَالَةَ لِأَنَّهُ الْمُرْتَدُّ بِالْأَصَالَةِ أَوْ يُسْلِمُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْجَدَّ لَيْسَ كَالْأَبِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فِي ثَمَانِ مَسَائِلَ أَرْبَعَةٌ فِي الْفَرَائِضِ وَأَرْبَعَةٌ فِي غَيْرِهَا أَمَّا الثَّانِي فَالْأَوْلَى أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِ جَدِّهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ يَتْبَعُهُ وَهَذِهِ وَهُوَ أَنَّ وَلَدَ الْوَلَدِ لَا يُجْبَرُ كَجَدِّهِ مَبْنِيَّةٌ عَلَيْهَا وَالثَّانِيَةُ صَدَقَةُ الْفِطْرِ لِلْوَلَدِ الصَّغِيرِ إذَا كَانَ جَدُّهُ مُوسِرًا أَوْ لَا أَبَ لَهُ أَوْ لَهُ أَبٌ مُعْسِرٌ أَوْ عَبْدٌ لَا تَجِبُ عَلَى الْجَدِّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ تَجِبُ عَلَيْهِ وَالثَّالِثَةُ جَرُّ الْوَلَاءِ صُورَتُهَا مُعْتَقَةٌ تَزَوَّجَتْ بِعَبْدٍ وَلَهُ أَبٌ عَبْدٌ فَوَلَدَتْ مِنْهُ فَالْوَلَدُ حُرٌّ تَبَعًا لِأُمِّهِ وَوَلَاؤُهُ لِمَوْلَى أُمِّهِ فَإِذَا عَتَقَ جَدُّهُ لَا يَجُرُّ وَلَاءَ حَافِدِهِ إلَى مَوَالِيهِ عَنْ مَوَالِي أُمِّهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ يَجُرُّهُ كَمَا لَوْ أَعْتَقَ أَبُوهُ وَالرَّابِعَةُ الْوَصِيَّةُ لِلْقَرَابَةِ لَا يَدْخُلُ الْوَلَدَانِ وَيَدْخُلُ الْجَدُّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ لَا يَدْخُلُ كَالْأَبِ وَأَمَّا الْأَرْبَعَةُ الَّتِي فِي الْفَرَائِضِ فَرَدُّ الْأُمِّ إلَى ثُلُثِ مَا بَقِيَ وَحَجْبُ أُمِّ الْأَبِ وَالْإِخْوَةِ لَا تَسْقُطُ بِالْجَدِّ عِنْدَهُمَا وَتَسْقُطُ بِالْأَبِ اتِّفَاقًا وَالرَّابِعَةُ ابْنُ الْمُعْتِقِ يَحْجُبُ الْجَدَّ عَنْ مِيرَاثِ الْمُعْتِقِ اتِّفَاقًا وَلَا يَحْجُبُ الْأَبَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَلَهُ السُّدُسُ وَالْبَاقِي لِلِابْنِ ذَكَرَ هَذِهِ الْأَرْبَعَةَ الْأَكْمَلُ فِي شَرْحِ السِّرَاجِيَّةِ وَذَكَرُوا هُنَا الْأَرْبَعَةَ الْأُولَى وَيَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ مَسْأَلَتَنَا مَذْكُورَتَانِ فِي النَّفَقَاتِ الْأُولَى الْأُمُّ تُشَارِكُ الْجَدَّ فِي نَفَقَةِ الصَّغِيرِ أَثْلَاثًا بِخِلَافِ الْأَبِ، الثَّانِيَةُ لَا تُفْرَضُ النَّفَقَةُ عَلَى الْجَدِّ الْمُعْسِرِ بِخِلَافِ الْأَبِ فَصَارَتْ الْمَسَائِلُ عَشْرًا وَقَدْ يُزَادُ أُخْرَى هِيَ أَنَّ الصَّغِيرَ لَا يَتَّصِفُ بِعَدَمِ الْيُتْمِ بِحَيَاةِ جَدِّهِ وَيَتَّصِفُ بِهِ بِحَيَاةِ أَبِيهِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ الْوَقْفِ. قَيَّدَ بِرِدَّتِهِمَا لِمَا فِي الْبَدَائِعِ لَوْ مَاتَ مُسْلِمٌ عَنْ امْرَأَتِهِ وَهِيَ حَامِلٌ فَارْتَدَّتْ وَلَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ فَوَلَدَتْ هُنَاكَ ثُمَّ ظُهِرَ عَلَى الدَّارِ فَإِنَّهُ لَا يُسْتَرَقُّ وَيَرِثُ أَبَاهُ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ تَبَعًا لِأَبِيهِ وَلَوْ لَمْ تَكُنْ وَلَدَتْهُ حَتَّى سُبِيَتْ ثُمَّ وَلَدَتْهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَهُوَ مُسْلِمٌ تَبَعًا لِأَبِيهِ مَرْقُوقٌ تَبَعًا لِأُمِّهِ وَلَا يَرِثُ أَبَاهُ لِأَنَّ الرِّقَّ مِنْ أَسْبَابِ الْحِرْمَانِ اهـ. (قَوْلُهُ وَارْتِدَادُ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ صَحِيحٌ كَإِسْلَامِهِ وَيُجْبَرُ عَلَيْهِ وَلَا يُقْتَلُ) بَيَانٌ لِإِسْلَامِ الصَّبِيِّ وَرِدَّتِهِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ نَظَرًا إلَى أَنَّهُ فِي الْإِسْلَامِ تَبَعٌ لِأَبَوَيْهِ فِيهِ فَلَا يُجْعَلُ أَصْلًا وَلَا نُلْزِمُهُ أَحْكَامًا يَشُوبُهَا الْمَضَرَّةُ فَلَا يُؤَهَّلُ لَهُ وَلَنَا أَنَّ «عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَسْلَمَ فِي صِبَاهُ وَصَحَّحَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إسْلَامَهُ» وَافْتِخَارُهُ بِذَلِكَ مَشْهُورٌ وَلِأَنَّهُ أَتَى بِحَقِيقَةِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ التَّصْدِيقُ وَالْإِقْرَارُ مَعَهُ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ عَنْ طَوْعٍ دَلِيلٌ عَلَى الِاعْتِقَادِ عَلَى مَا عُرِفَ وَالْحَقَائِقُ لَا تُرَدُّ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ سَعَادَةٌ أَبَدِيَّةٌ وَنَجَاةٌ عَقْبَاوِيَّةٌ وَهُوَ مِنْ أَجْلِ الْمَنَافِعِ وَهُوَ الْحُكْمُ   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 149 الْأَصْلِيُّ ثُمَّ يُبْتَنَى عَلَيْهِ غَيْرُهَا فَلَا يُبَالِي بِمَا يَشُوبُهُ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ فَيَجِبُ الْقَصْدُ إلَى تَصْدِيقٍ وَإِقْرَارٍ يَسْقُطُ بِهِ وَلَا يَكْفِيهِ اسْتِصْحَابُ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ التَّصْدِيقِ وَالْإِقْرَارِ غَيْرِ الْمَنْوِيِّ بِهِ إسْقَاطُ الْفَرْضِ كَمَا أَنَّهُ لَوْ كَانَ يُوَاظِبُ عَلَى الصَّلَاةِ قَبْلَ بُلُوغِهِ لَا يَكُونُ كَمَا كَانَ يَفْعَلُهُ بَلْ لَا يَكْفِيهِ بَعْدَ بُلُوغِهِ مِنْهَا إلَّا مَا قَرَنَهُ بِنِيَّةِ أَدَاءِ الْوَاجِبِ امْتِثَالًا لَكِنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ بَلْ يَقَعُ فَرْضًا قَبْلَ الْبُلُوغِ أَمَّا عِنْدَ فَخْرِ الْإِسْلَامِ فَلِأَنَّهُ يَثْبُتُ أَصْلُ الْوُجُوبِ عَلَى الصَّبِيِّ بِالسَّبَبِ وَهُوَ حَدَثُ الْعَالِمِ وَعَقْلِيَّةُ دَلَالَتِهِ دُونَ وُجُوبِ الْأَدَاءِ لِأَنَّهُ بِالْخِطَابِ وَهُوَ غَيْرُ مُخَاطَبٍ فَإِذَا وُجِدَ بَعْدَ السَّبَبِ وَقَعَ الْفَرْضُ كَتَعْجِيلِ الزَّكَاةِ. وَأَمَّا عِنْدَ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ لَا وُجُوبَ أَصْلًا لِعَدَمِ حُكْمِهِ وَهُوَ وُجُوبُ الْأَدَاءِ فَإِذَا وُجِدَ كَالْمُسَافِرِ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ فَيَسْقُطُ فَرْضُهُ وَلَيْسَتْ الْجُمُعَةُ فَرْضًا عَلَيْهِ لَكِنَّ ذَلِكَ لِلتَّرْفِيَةِ عَلَيْهِ بَعْدَ سَبَبِهَا فَإِذَا فَعَلَهَا تَمَّ وَلَا نَعْلَمُ خِلَافًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي عَدَمِ وُجُوبِ نِيَّةِ فَرْضِ الْإِيمَانِ بَعْدَ الْبُلُوغِ عَلَى قَوْلِ مَنْ حُكِمَ بِصِحَّةِ إسْلَامِهِ صَبِيًّا تَبَعًا لِأَبَوَيْهِ الْمُسْلِمَيْنِ أَوْ لِإِسْلَامِهِ وَأَبَوَاهُ كَافِرَانِ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ فَرْضًا لَمْ يَنْقُلْهُ أَهْلُ الْإِجْمَاعِ عَنْ آخِرِهِمْ اهـ. وَلَمْ يَذْكُرْ الْقَوْلَ الثَّالِثَ الْمُخْتَارَ عِنْدَ أَبِي مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيِّ وَهُوَ أَنَّ الصَّبِيَّ الْعَاقِلَ مُخَاطَبٌ بِأَدَاءِ الْإِيمَانِ كَالْبَالِغِ حَتَّى لَوْ مَاتَ بَعْدَهُ بِلَا إيمَانٍ خَلَدَ فِي النَّارِ ذَكَرَهُ فِي التَّجْرِيدِ وَأَمَّا الثَّانِي أَعْنِي رِدَّتَهُ فَفِيهَا خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ نَظَرًا إلَى أَنَّهَا مَضَرَّةٌ مَحْضَةٌ وَلَهُمَا أَنَّهَا مَوْجُودَةٌ حَقِيقَةً وَلَا مَرَدَّ لِلْحَقِيقَةِ كَمَا قُلْنَا فِي الْإِسْلَامِ وَالْخِلَافُ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ مُرْتَدٌّ فِي أَحْكَامِ الْآخِرَةِ كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي شَرْحِ الْمَنَارِ الْمُسَمَّى بِتَعْلِيقِ الْأَنْوَارِ فِي أُصُولِ الْمَنَار مَعْزِيًّا إلَى التَّلْوِيحِ وَبِهِ ظَهَرَ مَا فِي النِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ وَفَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهُ إذَا ارْتَدَّ كَانَ مُعَذَّبًا فِي الْآخِرَةِ مُخَلَّدًا وَنَقَلُوهُ عَنْ الْأَسْرَارِ وَالْمَبْسُوطِ وَجَامِعِ التُّمُرْتَاشِيِّ وَأَحَالَ التُّمُرْتَاشِيُّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ إلَى التَّبْصِرَةِ. وَإِنَّمَا لَا يُقْتَلُ إذَا أَبَى عَنْ الْإِسْلَامِ لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي صِحَّةِ إسْلَامِهِ لَكِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ لِمَا فِيهِ مِنْ النَّفْعِ الْمُتَيَقَّنِ وَهُنَا مَسَائِلُ لَا يُقْتَلُ فِيهَا الْمُرْتَدُّ الْأُولَى هَذِهِ وَالثَّانِيَةُ الَّذِي إسْلَامُهُ بِالتَّبَعِيَّةِ لِأَبَوَيْهِ إذَا بَلَغَ مُرْتَدًّا اسْتِحْسَانًا لِأَنَّ إسْلَامَهُ لَمَّا كَانَ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ صَارَ شُبْهَةً فِي إسْقَاطِ الْقَتْلِ الثَّالِثَةُ إذَا أَسْلَمَ فِي صِغَرِهِ ثُمَّ بَلَغَ مُرْتَدًّا اسْتِحْسَانًا لِقِيَامِ الشُّبْهَةِ بِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي إسْلَامِهِ الرَّابِعَةُ الْمُكْرَهُ عَلَى الْإِسْلَامِ إذَا ارْتَدَّ لَا يُقْتَلُ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّ الشُّبْهَةَ بِالْإِكْرَاهِ مُسْقِطَةٌ لِلْقَتْلِ وَفِي الْكُلِّ يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ وَلَوْ قَتَلَهُ قَاتِلٌ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَزَادَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ خَامِسَةٌ اللَّقِيطُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ مَحْكُومٌ بِإِسْلَامِهِ وَلَوْ بَلَغَ كَافِرًا أُجْبِرَ عَلَى الْإِسْلَامِ وَلَا يُقْتَلُ كَالْمَوْلُودِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إذَا بَلَغَ كَافِرًا اهـ. وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ السَّكْرَانَ إذَا أَسْلَمَ ثُمَّ ارْتَدَّ لَا يُقْتَلُ قَيَّدَ بِالْعَاقِلِ لِأَنَّ ارْتِدَادَ الصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ غَيْرُ صَحِيحٍ كَإِسْلَامِهِ لِأَنَّ إقْرَارَهُ لَا يَدُلُّ عَلَى تَغْيِيرِ الْعَقِيدَةِ وَكَذَا الْمَجْنُونُ وَالسَّكْرَانُ الَّذِي لَا يَعْقِلُ وَقَدَّمْنَا حُكْمَ مَنْ جُنُونُهُ مُتَقَطِّعٌ وَخَرَجَ عَنْ هَذَا إسْلَامُ السَّكْرَانِ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (بَابُ الْبُغَاةِ) أَخَّرَهُ لِقِلَّةِ وُجُودِهِ وَلِبَيَانِ حُكْمِ مَنْ يُقْتَلُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بَعْدَ مَنْ يُقْتَلُ مِنْ الْكُفَّارِ وَالْبُغَاةُ جَمْعُ بَاغٍ مَنْ بَغَى عَلَى النَّاسِ ظَلَمَ وَاعْتَدَى وَبَغَى سَعَى بِالْفَسَادِ وَمِنْهُ الْفِرْقَةُ الْبَاغِيَةُ لِأَنَّهَا عَدَلَتْ عَنْ الْقَصْدِ وَأَصْلُهُ مِنْ بَغَى الْجُرْحُ إذَا تَرَامَى إلَى الْفَسَادِ وَبَغَتْ الْمَرْأَةُ تَبْغِي بِغَاءً بِالْكَسْرِ وَالْمَدِّ فَجَرَتْ فَهِيَ بَغِيٌّ وَالْجَمْعُ الْبَغَايَا وَهُوَ وَصْفٌ يَخْتَصُّ بِالْمَرْأَةِ وَلَا يُقَالُ لِلرَّجُلِ بَغِيٌّ قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ وَفِي الْقَامُوسِ الْبَاغِي الطَّالِبُ وَالْجَمْعُ بُغَاةٌ وَبُغْيَانُ وَفِئَةٌ بَاغِيَةٌ خَارِجَةٌ عَنْ طَاعَةِ الْإِمَامِ الْعَادِلِ اهـ. فَقَوْلُهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ   [منحة الخالق] قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا جَاءَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ وَلَيْسَ فِي الْمَزِيدِ مَا ذَكَرَهَا فِي الْهِدَايَةِ هُوَ التَّحْقِيقُ. [ارْتِدَادُ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ] (قَوْلُهُ وَأَمَّا الثَّانِي أَعْنِي رِدَّتَهُ) قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَفِي الْمُنْتَقَى ذَكَرَ ابْنُ مَالِكٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ فِي رِدَّةِ الْمُرَاهِقِ وَقَالَ رِدَّتُهُ لَا تَكُونُ رِدَّةً وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْفَتْحِ. [بَابُ الْبُغَاةِ] الجزء: 5 ¦ الصفحة: 150 الْبَاغِي فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ الْخَارِجُ عَنْ الْإِمَامِ الْحَقِّ تَسَاهُلٌ لِمَا عَلِمْت أَنَّهُ فِي اللُّغَةِ أَيْضًا وَالْخَارِجُونَ عَنْ طَاعَتِهِ ثَلَاثَةٌ قُطَّاعُ الطَّرِيقِ وَقَدْ عُلِمَ حُكْمُهُمْ وَخَوَارِجُ وَبُغَاةٌ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّ الْخَوَارِجَ قَوْمٌ لَهُمْ مَنَعَةٌ وَحَمِيَّةٌ خَرَجُوا عَلَيْهِ بِتَأْوِيلٍ يَرَوْنَ أَنَّهُ عَلَى بَاطِلٍ كُفْرٍ أَوْ مَعْصِيَةٍ تُوجِبُ قِتَالَهُ بِتَأْوِيلِهِمْ يَسْتَحِلُّونَ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ وَأَمْوَالَهُمْ وَيَسْبُونَ نِسَاءَهُمْ وَيُكَفِّرُونَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحُكْمُهُمْ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ حُكْمُ الْبُغَاةِ وَذَهَبَ بَعْضُ الْمُحَدِّثِينَ إلَى كُفْرِهِمْ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا وَافَقَ أَهْلَ الْحَدِيثِ عَلَى تَكْفِيرِهِمْ وَهَذَا يَقْتَضِي نَقْلَ إجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ وَذُكِرَ فِي الْمُحِيطِ أَنَّ بَعْضَ الْفُقَهَاءِ لَا يُكَفِّرُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ وَبَعْضُهُمْ يُكَفِّرُونَ بَعْضَ أَهْلِ الْبِدَعِ وَهُوَ مَنْ خَالَفَ بِبِدْعَتِهِ دَلِيلًا قَطْعِيًّا وَنَسَبَهُ إلَى أَكْثَرِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالنَّقْلُ الْأَوَّلُ أَثْبَتُ نَعَمْ يَقَعُ فِي كَلَامِ أَهْلِ الْمَذَاهِبِ تَكْفِيرُ كَثِيرٍ لَكِنْ لَيْسَ مِنْ كَلَامِ الْفُقَهَاءِ الَّذِينَ هُمْ الْمُجْتَهِدُونَ بَلْ مِنْ غَيْرِهِمْ وَلَا عِبْرَةَ بِغَيْرِ الْفُقَهَاءِ وَالْمَنْقُولُ عَنْ الْمُجْتَهِدِينَ مَا ذَكَرْنَا وَابْنُ الْمُنْذِرِ أَعْرَفُ بِنَقْلِ مَذَاهِبِ الْمُجْتَهِدِينَ وَمَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ مِنْ حَدِيثِ الْحَضْرَمِيِّ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ تَكْفِيرِ الْخَوَارِجِ وَأَمَّا الْبُغَاةُ فَقَوْمٌ مُسْلِمُونَ خَرَجُوا عَلَى الْإِمَامِ الْعَدْلِ وَلَمْ يَسْتَبِيحُوا مَا اسْتَبَاحَهُ الْخَوَارِجِ مِنْ دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَسَبْيِ ذَرَارِيِّهِمْ اهـ. فَمَا فِي الْبَدَائِعِ مِنْ تَفْسِيرِ الْبُغَاةِ بِالْخَوَارِجِ فِيهِ قُصُورٌ وَإِنَّمَا لَا نُكَفِّرُ الْخَوَارِجَ بِاسْتِحْلَالِ الدِّمَاءِ وَالْأَمْوَالِ لِتَأْوِيلِهِمْ وَإِنْ كَانَ بَاطِلًا بِخِلَافِ الْمُسْتَحِلِّ بِلَا تَأْوِيلٍ. (قَوْلُهُ خَرَجَ قَوْمٌ مُسْلِمُونَ عَنْ طَاعَةِ الْإِمَامِ وَغَلَبُوا عَلَى بَلَدٍ دَعَاهُمْ إلَيْهِ وَكَشَفَ شُبْهَتَهُمْ) بِأَنْ يَسْأَلَهُمْ عَنْ سَبَبِ خُرُوجِهِمْ فَإِنْ كَانَ لِظُلْمٍ مِنْهُ أَزَالَهُ وَإِنْ قَالُوا الْحَقُّ مَعَنَا وَالْوِلَايَةُ لَنَا فَهُمْ بُغَاةٌ لِأَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَعَلَ ذَلِكَ بِأَهْلِ حَرُورَاءَ قَبْلَ قِتَالِهِمْ وَلِأَنَّهُ أَهْوَنُ الْأَمْرَيْنِ وَلَعَلَّ الشَّرَّ يَنْدَفِعُ بِهِ فَيَبْدَأُ بِهِ اسْتِحْبَابًا لَا وُجُوبًا فَإِنَّ أَهْلَ الْعَدْلِ لَوْ قَاتَلُوهُمْ مِنْ غَيْرِ دَعْوَةٍ إلَى الْعَوْدِ إلَى الْجَمَاعَةِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ شَيْءٌ لِأَنَّهُمْ عَلِمُوا مَا يُقَاتِلُونَ عَلَيْهِ فَحَالُهُمْ كَالْمُرْتَدِّينَ وَأَهْلِ الْحَرْبِ بَعْدَ بُلُوغِ الدَّعْوَةِ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ فَلَوْ أَبْدَوْا مَا يُجَوِّزُ لَهُمْ الْقِتَالَ كَأَنْ ظَلَمَهُمْ أَوْ ظَلَمَ غَيْرَهُمْ ظُلْمًا لَا شُبْهَةَ فِيهِ لَا يَكُونُونَ بُغَاةً وَلَا يَجُوزُ مُعَاوَنَةُ الْإِمَامِ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَجِبَ عَلَى   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَحُكْمُهُمْ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَالْمُحْدِثِينَ حُكْمُ الْبُغَاةِ) قَالَ الْعَلَّامَةُ إبْرَاهِيمُ الْحَلَبِيُّ فِي بَابِ الْإِمَامَةِ مِنْ شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَالْمُرَادُ بِالْمُبْتَدِعِ مَنْ يَعْتَقِدُ شَيْئًا عَلَى خِلَافِ مَا يَعْتَقِدُهُ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةُ وَإِنَّمَا يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ مَعَ الْكَرَاهَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَا يَعْتَقِدُهُ يُؤَدِّي إلَى الْكُفْرِ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ أَمَّا لَوْ كَانَ مُؤَدِّيًا إلَى الْكُفْرِ فَلَا يَجُوزُ أَصْلًا كَالْغُلَاةِ مِنْ الرَّوَافِضِ الَّذِينَ يَدَّعُونَ الْأُلُوهِيَّةَ لِعَلِيٍّ أَوْ أَنَّ النُّبُوَّةَ لَهُ فَغَلَّطَ جِبْرِيلُ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ كُفْرٌ وَكَذَا مَنْ يَقْذِفُ الصِّدِّيقَةَ أَوْ يُنْكِرُ صُحْبَةَ الصِّدِّيقِ أَوْ خِلَافَتَهُ أَوْ يَسُبُّ الشَّيْخَيْنِ وَكَالْجَهْمِيَّةِ وَالْقَدَرِيَّةِ وَالْمُشَبِّهَةِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّهُ تَعَالَى جِسْمٌ كَالْأَجْسَامِ وَمَنْ يُنْكِرُ الشَّفَاعَةَ أَوْ الرُّؤْيَةَ أَوْ عَذَابَ الْقَبْرِ أَوْ الْكِرَامَ الْكَاتِبِينَ أَمَّا مَنْ يُفَضِّلُ عَلِيًّا فَحَسْبُ فَهُوَ مُبْتَدِعٌ مِنْ الْمُبْتَدِعَةِ الَّذِينَ يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِهِمْ مَعَ الْكَرَاهَةِ وَكَذَا مَنْ يَقُولُ أَنَّهُ تَعَالَى جِسْمٌ لَا كَالْأَجْسَامِ وَمَنْ قَالَ أَنَّهُ تَعَالَى لَا يُرَى لِجَلَالِهِ وَعَظَمَتِهِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْحُكْمَ بِكُفْرِ مَنْ ذَكَرْنَا مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَنَحْوِهِمْ مَعَ مَا ثَبَتَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ مِنْ عَمْدِ تَكْفِيرِ أَهْلِ الْقِبْلَةِ مِنْ الْمُبْتَدِعَةِ كُلِّهِمْ مَحْمَلُهُ أَنَّ ذَلِكَ الْمُعْتَقَدَ نَفْسَهُ كُفْرٌ فَالْقَائِلُ بِهِ قَائِلٌ بِمَا هُوَ كُفْرٌ وَإِنْ لَمْ يَكْفُرْ بِنَاءً عَلَى كَوْنِ قَوْلِهِ ذَلِكَ عَنْ اسْتِفْرَاغِ وُسْعِهِ مُجْتَهِدًا فِي طَلَبِ الْحَقِّ لَكِنَّ جَزْمَهُمْ بِبُطْلَانِ الصَّلَاةِ خَلْفَهُمْ لَا يُصَحِّحُ هَذَا الْجَمْعَ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِعَدَمِ الْجَوَازِ عَدَمُ الْحِلِّ مَعَ الصِّحَّةِ وَإِلَّا فَهُوَ مُشْكِلٌ هَكَذَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ كَمَالُ الدِّينِ بْنُ الْهُمَامِ وَعَلَى هَذَا يَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ الْمَنْقُولُ عَلَى مَا عَدَا غُلَاةِ الرَّوَافِضِ وَمَنْ ضَاهَاهُمْ فَإِنَّ أَمْثَالَهُمْ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُمْ بَذْلُ وُسْعٍ فِي الِاجْتِهَادِ فَإِنَّ مَنْ يَقُولُ بِأَنَّ عَلِيًّا هُوَ الْإِلَهُ أَوْ بِأَنَّ جِبْرِيلَ غَلِطَ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ السُّخْفِ إنَّمَا هُوَ مُتَّبَعٌ مَحْضَ الْهَوَى وَهُوَ أَسْوَأُ حَالًا مِمَّنْ قَالَ {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: 3] فَلَا يَتَأَتَّى مِنْ مِثْلِ الْإِمَامَيْنِ الْعَظِيمَيْنِ أَنْ لَا يَحْكُمَا بِأَنَّهُمْ مِنْ أَكْفَرِ الْكَفَرَةِ وَإِنَّمَا كَلَامُهُمَا فِي مِثْلِ مَنْ لَهُ شُبْهَةٌ فِيمَا ذَهَبَ إلَيْهِ وَإِنْ كَانَ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ عِنْدَ التَّحْقِيقِ فِي حَدِّ ذَاتِهِ كُفْرًا كَمُنْكِرِ الرُّؤْيَةِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ نَحْوُ ذَلِكَ فَإِنَّ فِيهِ إنْكَارَ حُكْمِ النُّصُوصِ الْمَشْهُورَةِ وَالْإِجْمَاعِ إلَّا أَنَّ لَهُمْ شُبْهَةَ قِيَاسِ الْغَائِبِ عَلَى الشَّاهِدِ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا عُلِمَ فِي الْكَلَامِ وَكَمُنْكِرِ خِلَافَةِ الشَّيْخَيْنِ وَالسَّابِّ لَهُمَا فَإِنَّ فِيهِ إنْكَارَ حُكْمِ الْإِجْمَاعِ الْقَطْعِيِّ إلَّا أَنَّهُمْ يُنْكِرُونَ حُجِّيَّةَ الْإِجْمَاعِ بِإِتْهَامِهِمْ الصَّحَابَةَ فَكَانَ لَهُمْ شُبْهَةٌ فِي الْجُمْلَةِ وَإِنْ كَانَتْ ظَاهِرَةَ الْبُطْلَانِ بِالنَّظَرِ إلَى الدَّلِيلِ فَبِسَبَبِ تِلْكَ الشُّبْهَةِ الَّتِي أَدَّى إلَيْهَا اجْتِهَادُهُمْ لَمْ يُحْكَمْ بِكُفْرِهِمْ مَعَ أَنَّ مُعْتَقَدَهُمْ كُفْرٌ احْتِيَاطًا بِخِلَافِ مِثْلِ مَنْ ذَكَرْنَا مِنْ الْغُلَاةِ فَتَأَمَّلْ اهـ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 151 الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُعِينُوهُمْ حَتَّى يُنْصِفَهُمْ وَيَرْجِعَ عَنْ جَوْرِهِمْ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْحَالُ مُشْتَبِهًا أَنَّهُ ظُلْمٌ مِثْلَ تَحْمِيلِ بَعْضِ الْجِبَايَاتِ الَّتِي لِلْإِمَامِ أَخْذُهَا وَإِلْحَاقِ الضَّرَرِ بِهَا لِدَفْعِ ضَرَرٍ أَعَمَّ مِنْهُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ قَيَّدَ بِإِسْلَامِهِمْ لِأَنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ إذَا غَلَبُوا عَلَى مَوْضِعٍ لِلْحِرَابِ صَارُوا أَهْلَ حَرْبٍ كَمَا قَدَّمْنَاهُ لَكِنْ لَوْ اسْتَعَانَ أَهْلُ الْبَغْيِ بِأَهْلِ الذِّمَّةِ فَقَاتَلُوا مَعَهُمْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْهُمْ نَقْضًا لِلْعَهْدِ كَمَا أَنَّ هَذَا الْفِعْلَ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ لَيْسَ نَقْضًا لِلْإِيمَانِ فَحُكْمُهُمْ حُكْمُ الْبُغَاةِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ يَعْنِي بِالتَّبَعِيَّةِ لِلْمُسْلِمِينَ فَلَا يَرُدُّ عَلَى التَّقْيِيدِ بِالْإِسْلَامِ وَالْمُرَادُ بِالْإِمَامِ السُّلْطَانُ أَوْ نَائِبُهُ قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ السِّيَرِ قَالَ عُلَمَاؤُنَا السُّلْطَانُ مَنْ يَصِيرُ سُلْطَانًا بِأَمْرَيْنِ بِالْمُبَايَعَةِ مَعَهُ وَيُعْتَبَرُ فِي الْمُبَايَعَةِ أَشْرَافُهُمْ وَأَعْيَانُهُمْ وَالثَّانِي أَنْ يَنْفُذَ حُكْمُهُ فِي رَعِيَّتِهِ خَوْفًا مِنْ قَهْرِهِ وَجَبَرُوتِهِ فَإِنْ بَايَعَ النَّاسَ وَلَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُ فِيهِمْ لِعَجْزِهِ عَنْ قَهْرِهِمْ لَا يَصِيرُ سُلْطَانًا فَإِذَا صَارَ سُلْطَانًا بِالْمُبَايَعَةِ فَجَازَ إنْ كَانَ لَهُ قَهْرٌ وَغَلَبَةٌ لَا يَنْعَزِلُ لِأَنَّهُ لَوْ انْعَزَلَ يَصِيرُ سُلْطَانًا بِالْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ فَلَا يُفِيدُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَهْرٌ وَغَلَبَةٌ يَنْعَزِلُ اهـ. وَقَيَّدَ بِغَلَبَتِهِمْ عَلَى بَلَدٍ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ حُكْمُ الْبَغْيِ مَا لَمْ يَتَغَلَّبُوا وَيَجْتَمِعُوا وَيَصِيرُ لَهُمْ مَنَعَةٌ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَلَمْ يُقَيِّدْ الْمُصَنِّفُ الْإِمَامَ بِالْعَادِلِ وَقَيَّدَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنْ يَكُونَ النَّاسُ بِهِ فِي أَمَانٍ وَالطُّرُقَاتُ آمِنَةٌ. (قَوْلُهُ وَبَدَأَ بِقِتَالِهِمْ) يَعْنِي إذَا تَعَسْكَرُوا وَاجْتَمَعُوا وَهُوَ اخْتِيَارٌ لِمَا نَقَلَهُ خواهر زاده عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّا نَبْدَؤُهُمْ قَبْلَ أَنْ يَبْدَؤُنَا لِأَنَّ الْحُكْمَ يُدَارُ عَلَى الدَّلِيلِ وَهُوَ الِاجْتِمَاعُ وَالِامْتِنَاعُ وَهَذَا لِأَنَّهُ لَوْ انْتَظَرَ الْإِمَامُ حَقِيقَةَ قِتَالِهِمْ رُبَّمَا لَا يُمْكِنُهُ الدَّفْعُ فَيُدَارُ عَلَى الدَّلِيلِ ضَرُورَةَ دَفْعِ شَرِّهِمْ وَنَقَلَ الْقُدُورِيُّ أَنَّهُ لَا يَبْدَؤُهُمْ حَتَّى يَبْدَؤُهُ فَإِنْ بَدْؤُهُ قَاتَلَهُمْ حَتَّى يُفَرِّقَ جَمْعَهُمْ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْمَذْهَبَ الْأَوَّلَ وَفِي الْبَدَائِعِ يَجِبُ عَلَى كُلِّ مَنْ دَعَاهُمْ الْإِمَامُ إلَى قِتَالِهِمْ أَنْ يُجِيبَ وَلَا يَسَعُهُمْ التَّخَلُّفُ إذَا كَانَ لَهُ غِنًى وَقُدْرَةٌ لِأَنَّ طَاعَةَ الْإِمَامِ فِيمَا لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ فَرْضٌ فَكَيْفَ فِيمَا هُوَ طَاعَةٌ وَمَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ الِاعْتِزَالِ فِي الْفِتْنَةِ وَلُزُومِ الْبَيْتِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَدْعُهُ أَمَّا إذَا دَعَاهُ الْإِمَامُ فَالْإِجَابَةُ فَرْضٌ اهـ. وَأَمَّا تَخَلُّفُ بَعْضِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - عَنْهَا فَمَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ قُدْرَةٌ وَرُبَّمَا كَانَ بَعْضُهُمْ فِي تَرَدُّدٍ مِنْ حِلِّ الْقِتَالِ وَمَا رُوِيَ «إذَا الْتَقَى الْمُؤْمِنَانِ بِسُيُوفِهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ» مَحْمُولٌ عَلَى اقْتِتَالِهِمَا حَمِيَّةً وَعَصَبَةً كَمَا يُتَّفَقُ بَيْنَ أَهْلِ قَرْيَتَيْنِ أَوْ مَحَلَّتَيْنِ أَوْ لِأَجْلِ الدُّنْيَا وَالْمَمْلَكَةِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي الْمُحِيطِ طَلَبَ أَهْلُ الْبَغْيِ الْمُوَادَعَةَ أَجِيبُوا إنْ كَانَ خَيْرًا لِلْمُسْلِمِينَ كَمَا فِي أَهْلِ الْحَرْبِ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ شَيْءٌ فَلَوْ أَخَذْنَا مِنْهُمْ رُهُونًا وَأَخَذُوا مِنَّا رُهُونًا ثُمَّ غَدَرُوا بِنَا وَقَتَلُوا رُهُونَنَا لَا يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَقْتُلَ رُهُونَهُمْ لِأَنَّ الرُّهُونَ صَارُوا آمِنِينَ فِي أَيْدِينَا وَشَرْطُ إبَاحَةِ دَمِهِمْ بَاطِلٌ وَلَكِنَّهُمْ يُحْبَسُونَ إلَى أَنْ يَهْلَكَ أَهْلُ الْبَغْيِ أَوْ يَتُوبُوا وَكَذَلِكَ أَهْلُ الشِّرْكِ إذَا فَعَلُوا بِرُهُونِنَا لَا نَفْعَلُ بِرُهُونِهِمْ فَيُجْبَرُونَ عَلَى الْإِسْلَامِ أَوْ يَصِيرُوا ذِمَّةً وَفِي الْهِدَايَةِ وَإِذَا بَلَغَهُ أَنَّهُمْ يَشْتَرُونَ السِّلَاحَ وَيَتَأَهَّبُونَ لِلْقِتَالِ يَنْبَغِي أَنْ يَأْخُذَهُمْ وَيَحْبِسَهُمْ حَتَّى يُقْلِعُوا عَنْ ذَلِكَ وَيُحْدِثُوا تَوْبَةً دَفْعًا لِلشَّرِّ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ. (قَوْلُهُ وَلَوْ لَهُمْ فِئَةٌ أَجْهَزَ عَلَى جَرِيحِهِمْ وَأُتْبِعَ مُوَلِّيَهُمْ وَإِلَّا لَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِئَةٌ لَا يُجْهَزُ عَلَى الْجَرِيحِ وَلَا يُتْبَعُ الْمُوَلَّى لِدَفْعِ شَرِّهِمْ بِالْأَوَّلِ كَيْ لَا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَلِانْدِفَاعِ الشَّرِّ دُونَهُ فِي الثَّانِي وَالْفِئَةُ الطَّائِفَةُ وَالْجَمْعُ فُئُونٌ وَفِئَاتٌ وَجَهَزَ عَلَى الْجَرِيحِ كَمَنَعَ وَأَجْهَزَ ثَبَّتَ قَتْلَهُ وَأَسْرَعَهُ وَتَمَّمَ عَلَيْهِ وَمَوْتٌ مُجْهَزٌ وَجَهِيزٌ سَرِيعٌ كَذَا فِي الْقَامُوسِ وَأُتْبِعَ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ لِلْقَتْلِ وَالْأَسْرِ وَمُوَلِّيَهُمْ بِالنَّصْبِ مَفْعُولٌ ثَانٍ وَهُوَ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ وَلَّى تَوْلِيَةً أَدْبَرَ كَتَوَلَّى وَلَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ أَسِرْهُمْ وَفِي الْبَدَائِعِ إنْ شَاءَ الْإِمَامُ قَتَلَهُ وَإِنْ شَاءَ حَبَسَهُ لِانْدِفَاعِ شَرِّهِ بِهِ وَيُقَاتَلُ أَهْلُ الْبَغْيِ بِالْمَنْجَنِيقِ وَالْغَرَقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ كَأَهْلِ الْحَرْبِ وَكُلُّ مَنْ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ مِنْ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَالشُّيُوخِ وَالْعُمْيَانِ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ إلَّا إذَا قَاتَلُوا   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 152 فَيُقْتَلُونَ حَالَ الْقِتَالِ وَبَعْدَ الْفَرَاغِ إلَّا الصِّبْيَانَ وَالْمَجَانِينِ وَلَا يَجُوزُ لِلْعَادِلِ أَنْ يَبْتَدِئَ بِقَتْلِ مَحْرَمِهِ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ مُبَاشَرَةً إلَّا إذَا أَرَادَ قَتْلَهُ فَلَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ وَلَوْ بِقَتْلِهِ وَلَهُ أَنْ يَتَسَبَّبَ لِيَقْتُلَهُ غَيْرُهُ كَعَقْرِ دَابَّتِهِ بِخِلَافِ أَهْلِ الْحَرْبِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَقْتُلَ مَحْرَمَهُ مِنْهُمْ مُبَاشَرَةً إلَّا الْوَالِدَيْنِ اهـ. (قَوْلُهُ وَلَمْ تُسْبَ ذُرِّيَّتُهُمْ وَحَبَسَ أَمْوَالَهُمْ حَتَّى يَتُوبُوا) لِقَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَوْمَ الْجَمَلِ وَلَا يُقْتَلُ أَسِيرٌ وَلَا يُكْشَفُ سِتْرٌ وَلَا يُؤْخَذُ مَالٌ وَهُوَ الْقُدْوَةُ فِي هَذَا الْبَابِ وَقَوْلُهُ فِي الْأَسِيرِ مُؤَوَّلٌ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِئَةٌ وَمَعْنَى لَا يُكْشَفُ لَهُمْ سِتْرٌ لَا تُسْبَى نِسَاؤُهُمْ أَطْلَقَ الْمَالَ فَشَمِلَ الْعَبِيدَ فَلِذَا قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَأَمَّا الْعَبْدُ الْمَأْسُورُ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ فَإِنْ كَانَ قَاتَلَ مَعَ مَوْلَاهُ يَجُوزُ قَتْلُهُ وَإِنْ كَانَ يَخْدُمُ مَوْلَاهُ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُ وَلَكِنْ يُحْبَسُ حَتَّى يَتُوبَ اهـ. وَظَاهِرُ مَا فِي الْكِتَابِ حَبْسُ عَيْنِ الْكُرَاعِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا فِي الْهِدَايَةِ وَأَمَّا الْكُرَاعُ فَلَا يُمْسَكُ وَلَكِنَّهُ يُبَاعُ وَيُحْبَسُ ثَمَنُهُ لِمَالِكِهِ لِأَنَّهُ أَنْفَعُ لَهُ وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ الدَّوَابَّ بَدَلَ الْكُرَاعِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَا يُنْفَقُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِتَتَوَفَّرَ مُؤْنَتُهَا عَلَيْهِ وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْإِمَامِ بِهَا حَاجَةٌ اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ احْتَاجَ قَاتَلَ بِسِلَاحِهِمْ وَخَيْلِهِمْ) لِأَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَسَمَ السِّلَاحَ فِيمَا بَيْنَ أَصْحَابِهِ بِالْبَصْرَةِ وَكَانَتْ قِسْمَتُهُ لِلْحَاجَةِ لَا لِلتَّمْلِيكِ وَلِأَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ فِي مَالِ الْعَادِلِ عِنْدَ الْحَاجَةِ فَفِي مَالِ الْبَاغِي أَوْلَى وَالْمَعْنَى فِيهِ إلْحَاقُ الضَّرَرِ الْأَدْنَى لِدَفْعِ الْأَعْلَى قَيَّدَ بِالسِّلَاحِ وَالْخَيْلِ لِأَنَّ غَيْرَهُمَا مِنْ الْأَمْوَالِ يُنْتَفَعُ بِهِ مُطْلَقًا كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَفِي الْمُحِيطِ قَالَ الْبَاغِي تُبْت وَأَلْقَى السِّلَاحَ كُفَّ عَنْهُ لِأَنَّ تَوْبَةَ الْبَاغِي بِمَنْزِلَةِ الْإِسْلَامِ مِنْ الْحَرْبِيِّ فِي إفَادَةِ الْعِصْمَةِ وَالْحُرْمَةِ وَلَوْ قَالَ كُفَّ عَنِّي لِأَنْظُرَ فِي أَمْرِي لَعَلِّي أُلْقِي السِّلَاحَ يُكَفُّ عَنْهُ وَلَوْ قَالَ أَنَا عَلَى دِينِك وَمَعَهُ السِّلَاحُ لَمْ يُكَفَّ عَنْهُ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِتَوْبَةٍ اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ قَتَلَ بَاغٍ مِثْلَهُ فَظَهَرَ عَلَيْهِمْ لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ) لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِإِمَامِ الْعَدْلِ حِينَ الْقَتْلِ فَلَمْ يَنْعَقِدْ مُوجِبًا كَالْقَتْلِ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَلَا قِصَاصَ وَلَا دِيَةَ وَلِذَا عَبَّرَ بِالشَّيْءِ الْمُنْكَرِ فِي النَّفْيِ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَأْثَمُ أَيْضًا وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فَإِنَّهُ عُلِّلَ بِأَنَّهُ قَتَلَ نَفْسًا يُبَاحُ قَتْلُهَا أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَادِلَ إذَا قَتَلَهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَلَمَّا كَانَ مُبَاحَ الْقَتْلِ لَمْ يَجِب بِهِ شَيْءٌ اهـ. وَفِي الْبَدَائِعِ يَصْنَعُ بِقَتْلَى أَهْلِ الْعَدْلِ مَا يُصْنَعُ بِسَائِرِ الشُّهَدَاءِ لِأَنَّهُمْ شُهَدَاءُ وَأَمَّا قَتْلَى أَهْلِ الْبَغْيِ فَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِمْ وَلَكِنَّهُمْ يُغَسَّلُونَ وَيُكَفَّنُونَ وَيُدْفَنُونَ وَيُكْرَهُ أَنْ تُؤْخَذَ رُءُوسُهُمْ وَتُبْعَثَ إلَى الْآفَاقِ وَكَذَلِكَ رُءُوسُ أَهْلِ الْحَرْبِ لِأَنَّهُ مُثْلَةٌ اهـ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَجَوَّزَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ إذَا كَانَ فِيهِ طُمَأْنِينَةُ قُلُوبِ أَهْلِ الْعَدْلِ أَوْ كَسْرِ شَوْكَتِهِمْ اهـ. وَمَنَعَهُ فِي الْمُحِيطِ فِي رُءُوسِ الْبُغَاةِ وَجَوَّزَهُ فِي رُءُوسِ أَهْلِ الْحَرْبِ. (قَوْلُهُ وَإِنْ غَلَبُوا عَلَى مِصْرَ فَقَتَلَ مِصْرِيٌّ مِثْلَهُ فَظَهَرَ عَلَى الْمِصْرِ قُتِلَ بِهِ) يَعْنِي بِشَرْطَيْنِ الْأَوَّلُ إنْ كَانَ عَمْدًا الثَّانِي أَنْ لَا يَجْرِيَ عَلَى أَهْلِهِ أَحْكَامُ أَهْلِ الْبَغْيِ وَأَزْعَجُوا مِنْ الْمِصْرِ قَبْلَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَمْ تَنْقَطِعْ وِلَايَةُ الْإِمَامِ وَبَعْدَ إجْرَاءِ أَحْكَامِهِمْ تَنْقَطِعُ فَلَا يَجِبُ. [قَتَلَ عَادِلٌ بَاغِيًا أَوْ قَتَلَهُ بَاغٍ وَقَالَ أَنَا عَلَى حَقٍّ] (قَوْلُهُ وَإِنْ قَتَلَ عَادِلٌ بَاغِيًا أَوْ قَتَلَهُ بَاغٍ وَقَالَ أَنَا عَلَى حَقٍّ وَرِثَهُ وَإِنْ قَالَ أَنَا عَلَى بَاطِلٍ لَا) أَيْ لَا يَرِثُهُ بَيَانٌ لِمَسْأَلَتَيْنِ الْأُولَى إذَا قَتَلَ عَادِلٌ بَاغِيًا فَإِنَّهُ يَرِثُهُ وَلَا تَفْصِيلَ فِيهِ لِأَنَّهُ قَتَلَ بِحَقٍّ فَلَا يَمْنَعُ الْإِرْثَ وَأَصْلُهُ أَنَّ الْعَادِلَ إذَا أَتْلَفَ نَفْسَ الْبَاغِي أَوْ مَالَهُ لَا يَضْمَنُ وَلَا يَأْثَمُ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِقِتَالِهِمْ دَفْعًا لِشَرِّهِمْ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَصَرَّحَ فِي الْبَدَائِعِ بِأَنَّ الْعَادِلَ لَا يَضْمَنُ مَا أَصَابَ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ مِنْ دَمٍ أَوْ جِرَاحَةٍ أَوْ مَالٍ اسْتَهْلَكَهُ وَفِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ قَالَ مُحَمَّدٌ إذَا تَابُوا أُفْتِيهِمْ أَنْ يَغْرَمُوا وَلَا أُجْبِرُهُمْ وَفِي الْمُحِيطِ الْعَادِلُ لَوْ أَتْلَفَ مَالَ الْبَاغِي يُؤْخَذُ بِالضَّمَانِ لِأَنَّ مَالَ الْبَاغِي مَعْصُومٌ فِي حَقِّنَا وَأَمْكَنَ إلْزَامُ الضَّمَانِ لَهُ فَكَانَ فِي إيجَابِهِ فَائِدَةٌ وَوَفَّقَ الشَّارِحُ فَحُمِلَ عَدَمَ وُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَى مَا إذَا أَتْلَفَهُ حَالَ الْقِتَالِ بِسَبَبِ الْقِتَالِ إذْ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَقْتُلَهُمْ إلَّا بِإِتْلَافِ شَيْءٍ مِنْ أَمْوَالِهِمْ   [منحة الخالق] [خَرَجَ قَوْمٌ مُسْلِمُونَ عَنْ طَاعَةِ الْإِمَامِ وَغَلَبُوا عَلَى بَلَدٍ] (قَوْلُهُ وَظَاهِرُ مَا فِي الْكِتَابِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ قَالَ فِي الْفَتْحِ وَإِذَا حَبَسَهَا كَانَ بَيْعُ الْكُرَاعِ أَوْلَى لِأَنَّ حَبْسَ الثَّمَنِ أَنْظَرُ وَلَا يُنْفِقُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِتَتَوَفَّرَ مُؤْنَتُهَا وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي الْبَحْرِ لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ لَهُ حَبْسَهُ وَإِنْ خَالَفَ الْأَوْلَى. (قَوْلُهُ وَفِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ قَالَ مُحَمَّدٌ إلَخْ) مُقْتَضَاهُ أَنَّ كَلَامَ مُحَمَّدٍ فِي تَغْرِيمِ الْعَادِلِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ تَمَامُ كَلَامِهِ الْمَنْقُولِ فِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ وَهُوَ قَوْلُهُ بَعْدَمَا ذَكَرَهُ هُنَا لِأَنَّهُمْ أَتْلَفُوهُ بِغَيْرِ حَقٍّ فَسَقَطَ الْمُطَالَبَةُ وَلَا يَسْقُطُ الضَّمَانُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى اهـ. وَقَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إذَا تَابَ أَهْلُ الْبَغْيِ تَقَدَّمَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 153 كَالْخَيْلِ وَأَمَّا إذَا أَتْلَفُوهَا فِي غَيْرِ هَذِهِ الْحَالَةِ فَلَا مَعْنَى لِمَنْعِ الضَّمَانِ لِعِصْمَةِ أَمْوَالِهِمْ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَوْ دَخَلَ بَاغٍ بِأَمَانٍ فَقَتَلَهُ عَادِلٌ كَانَ عَلَيْهِ الدِّيَةُ كَمَا لَوْ قَتَلَ الْمُسْلِمُ مُسْتَأْمَنًا فِي دَارِنَا وَهَذَا لِبَقَاءِ شُبْهَةِ الْإِبَاحَةِ فِي دَمِهِ الثَّانِيَةُ إذَا قَتَلَ بَاغٍ عَادِلًا فَمَنَعَ أَبُو يُوسُفَ إرْثَهُ لِأَنَّهُ قَتَلَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَكَذَا إذَا أَتْلَفَ مَالَهُ ضَمِنَهُ لِعِصْمَةِ دَمِهِ وَمَالِهِ وَقَالَا إنْ قَالَ الْبَاغِي كُنْت عَلَى حَقٍّ وَأَنَا الْآنَ عَلَى حَقٍّ وَرِثَهُ وَإِنْ قَالَ قَتَلْته وَأَنَا أَعْلَمُ أَنِّي عَلَى الْبَاطِلِ لَمْ يَرِثْهُ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ عَنْ تَأْوِيلٍ فَاسِدٍ وَالْفَاسِدُ مِنْهُ مُلْحَقٌ بِالصَّحِيحِ إذَا ضُمَّتْ إلَيْهِ الْمَنَعَةُ فِي حَقِّ الدَّفْعِ كَمَا فِي مَنَعَةِ أَهْلِ الْحَرْبِ وَتَأْوِيلِهِمْ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ نَفْيَ الضَّمَانِ مَنُوطٌ بِالْمَنَعَةِ مَعَ التَّأْوِيلِ فَإِنْ تَجَرَّدَتْ الْمَنَعَةُ عَنْ التَّأْوِيلِ كَقَوْمٍ تَغَلَّبُوا عَلَى بَلْدَةٍ فَقَتَلُوا وَاسْتَهْلَكُوا الْأَمْوَالَ بِلَا تَأْوِيلٍ ثُمَّ ظُهِرَ عَلَيْهِمْ أُخِذُوا بِجَمِيعِ ذَلِكَ وَلَوْ انْفَرَدَ التَّأْوِيلُ عَنْ الْمَنَعَةِ بِأَنْ انْفَرَدَ وَاحِدٌ أَوْ اثْنَانِ فَقُتِلُوا وَأُخِذُوا عَنْ تَأْوِيلٍ ضَمِنُوا إذَا تَابُوا أَوْ قُدِرَ عَلَيْهِمْ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي الْهِدَايَةِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا مَاتَ الْمُرْتَدُّ وَقَدْ أَتْلَفَ نَفْسًا أَوْ مَالًا اهـ. وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ ظَهَرَ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ وَقَالَ أَنَا عَلَى حَقٍّ عَائِدٌ إلَى الْبَاغِي لَا إلَى الْقَاتِلِ الشَّامِلِ لِلْعَادِلِ وَالْبَاغِي وَفِي الْهِدَايَةِ الْبَاغِي إذَا قَتَلَ الْعَادِلَ لَا يَجِبُ الضَّمَانُ وَيَأْثَمُ فِي الْبَدَائِعِ لَا يَضْمَنُ مَا أَصَابَ مِنْ دَمٍ أَوْ جِرَاحَةٍ أَوْ مَالٍ وَلَوْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ قَبْلَ الْخُرُوجِ وَظُهُورِ الْمَنَعَةِ أَوْ بَعْدَ الِانْهِزَامِ وَتَفَرَّقَ الْجَمْعُ يُؤْخَذُ بِهِ اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ رُبَاعِيَّةٌ لِأَنَّ الْجَانِي وَالْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ إمَّا أَنْ يَكُونَا عَادِلَيْنِ أَوْ بَاغِيَيْنِ أَوْ مُخْتَلِفَيْنِ فَإِنْ كَانَا بَاغِيَيْنِ بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ وَإِنْ قَتَلَ بَاغٍ مِثْلَهُ وَإِنْ كَانَا مُخْتَلِفَيْنِ فَقَدْ بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ وَإِنْ قَتَلَ عَادِلٌ بَاغِيًا أَوْ قَتَلَهُ بَاغٍ وَإِنْ كَانَا عَادِلَيْنِ فَإِنْ كَانَا فِي مُعَسْكَرِ أَهْلِ الْبَغْيِ فَلَا قِصَاصَ لِأَنَّ دَارَ الْبَغْيِ كَدَارِ الْحَرْبِ وَإِنْ كَانَا فِي مِصْرٍ فِيهَا الْبُغَاةُ لَكِنْ لَمْ تَجْرِ أَحْكَامُهَا فِيهَا فَقَدْ بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ وَإِنْ غَلَبُوا عَلَى مِصْرٍ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ فِي صَفِّ أَهْلِ الْبَغْيِ فَقَتَلَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ لَمْ تَكُنْ عَلَيْهِ دِيَةٌ كَمَا لَوْ كَانَ فِي صَفِّ أَهْلِ الْحَرْبِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ سَكَتَ عَنْ أَحْكَامٍ مِنْهَا حُكْمُ قُضَاتِهِمْ وَفِي الْبَدَائِعِ الْخَوَارِجُ لَوْ وَلَّوْا قَاضِيًا فَإِنْ كَانَ بَاغِيًا وَقَضَى بِقَضَاءٍ ثُمَّ رُفِعَتْ إلَى أَهْلِ الْعَدْلِ لَا يُنْفِذُهَا لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ كَوْنَهَا حَقًّا لِأَنَّهُمْ يَسْتَحِلُّونَ دِمَاءَنَا وَأَمْوَالَنَا وَلَوْ كَتَبَ الْقَاضِي الْبَاغِي إلَى الْقَاضِي الْعَادِلِ كِتَابًا فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ قَضَى بِشَهَادَةِ أَهْلِ الْعَدْلِ نَفَّذَهُ وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ كَانَ قَاضِيهِمْ عَادِلًا نَفَّذْنَا قَضَاءَهُ لِصِحَّةِ تَوْلِيَتِهِ وَالظَّاهِرُ قَضَاؤُهُ عَلَى رَأْيِ أَهْلِ الْعَدْلِ وَمِنْهَا أَنَّ أَمَانَ الْبَاغِي لِأَهْلِ الْحَرْبِ صَحِيحٌ لِإِسْلَامِهِ فَإِنْ غَدَرَ بِهِمْ الْبُغَاةُ فَسُبُوا لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُمْ وَمِنْهَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَنَا الِاسْتِعَانَةُ بِأَهْلِ الشِّرْكِ عَلَى أَهْلِ الْبَغْيِ إذَا كَانَ حُكْمُ أَهْلِ الشِّرْكِ هُوَ الظَّاهِرُ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَسْتَعِينَ أَهْلُ الْعَدْلِ بِالْبُغَاةِ وَالذِّمِّيِّينَ عَلَى الْخَوَارِجِ إذَا كَانَ حُكْمُ أَهْلِ الْعَدْلِ هُوَ الظَّاهِرُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. (قَوْلُهُ وَكُرِهَ بَيْعُ السِّلَاحِ مِنْ أَهْلِ الْفِتْنَةِ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى الْمَعْصِيَةِ) قَيَّدَ بِالسِّلَاحِ لِأَنَّ بَيْعَ مَا يُتَّخَذُ مِنْهُ السِّلَاحُ كَالْحَدِيدِ وَنَحْوِهِ لَا يُكْرَهُ لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ سِلَاحًا إلَّا بِالصَّنْعَةِ نَظِيرُهُ بَيْعُ الْمَزَامِيرِ يُكْرَهُ وَلَا يُكْرَهُ بَيْعُ مَا يُتَّخَذُ مِنْهُ الْمَزَامِيرُ وَهُوَ الْقَصْبُ وَالْخَشَبُ وَكَذَا بَيْعُ الْخَمْرِ بَاطِلٌ وَلَا يَبْطُلُ بَيْعُ مَا يُتَّخَذُ مِنْهُ وَهُوَ الْعِنَبُ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَذَكَرَ الشَّارِحُ أَنَّ بَيْعَ الْحَدِيدِ لَا يَجُوزُ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ وَيَجُوزُ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ وَالْفَرْقُ أَنَّ أَهْلَ الْبَغْيِ لَا يَتَفَرَّغُونَ لِعَمَلِهِ سِلَاحًا لِأَنَّ فَسَادَهُمْ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ بِخِلَافِ أَهْلِ الْحَرْبِ اهـ. وَقَدْ اُسْتُفِيدَ مِنْ كَلَامِهِمْ هُنَا أَنَّ مَا قَامَتْ الْمَعْصِيَةُ بِعَيْنِهِ يُكْرَهُ   [منحة الخالق] أَنَّهُمْ لَا يَضْمَنُونَ مَا أَتْلَفُوا وَفِي الْمَبْسُوطِ وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ أُفْتِيهِمْ بِأَنْ يَضْمَنُوا مَا أَتْلَفُوا مِنْ النُّفُوسِ وَالْأَمْوَالِ وَلَا أُلْزِمُهُمْ بِذَلِكَ فِي الْحُكْمِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَهَذَا صَحِيحٌ فَإِنَّهُمْ كَانُوا مُعْتَقِدِينَ الْإِسْلَامَ وَقَدْ ظَهَرَ لَهُمْ خَطَؤُهُمْ إلَّا أَنَّ وِلَايَةَ الْإِلْزَامِ كَانَتْ مُنْقَطِعَةً لِلْمَنْفَعَةِ فَيُفْتُوا بِهِ (قَوْلُهُ وَفِي الْهِدَايَةِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ وَالْبَاغِي إذَا قَتَلَ الْعَادِلُ بَعْدَ قِيَامِ مَنَعَتِهِمْ وَشَوْكَتِهِمْ لَا يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا بَلْ يَأْثَمُ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَالشَّافِعِيُّ فِي قَوْلِهِ الْجَدِيدِ وَلَوْ قَتَلَهُ قَبْلَ ذَلِكَ اُقْتُصَّ مِنْهُ اتِّفَاقًا وَكَذَا يَضْمَنُونَ الْمَالَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ يَضْمَنُ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ لِأَنَّهَا نُفُوسٌ وَأَمْوَالٌ مَعْصُومَةٌ فَتُضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ ظُلْمًا وَعُدْوَانًا وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا مَاتَ الْمُرْتَدُّ وَقَدْ أَتْلَفَ نَفْسًا أَوْ مَالًا وَلَنَا أَنَّهُ إتْلَافٌ مِمَّنْ لَا يَعْتَقِدُ وُجُوبَ الضَّمَانِ فِي حَالِ عَدَمِ وِلَايَةِ الْإِلْزَامِ عَلَيْهِ فَلَا يُؤَاخَذُ بِهِ قِيَاسًا عَلَى أَهْلِ الْحَرْبِ اهـ. (قَوْلُهُ لَا يَجُوزُ لَنَا الِاسْتِعَانَةُ بِأَهْلِ الشِّرْكِ عَلَى أَهْلِ الْبَغْيِ) يُوجَدُ فِي عَامَّةِ النُّسَخِ بَعْدَهُ إذَا كَانَ حُكْمُ أَهْلِ الْعَدْلِ هُوَ الظَّاهِرُ وَفِي بَعْضِهَا أَهْلِ الشِّرْكِ وَهُوَ فِي الْفَتْحِ كَذَلِكَ وَعِبَارَتُهُ بِتَمَامِهَا وَلَوْ ظَهَرَ أَهْلُ الْعَدْلِ فَأَلْجَأَهُمْ إلَى دَارِ الشِّرْكِ لَمْ يَحِلَّ لَهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوا الْبُغَاةَ مَعَ أَهْلِ الشِّرْكِ لِأَنَّ حُكْمَ أَهْلِ الشِّرْكِ ظَاهِرٌ عَلَيْهِمْ وَلَا يَحِلُّ لَهُمْ أَنْ يَسْتَعِينُوا بِأَهْلِ الشِّرْكِ عَلَى أَهْلِ الْبَغْيِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 154 بَيْعُهُ وَمَا لَا فَلَا وَلِذَا قَالَ الشَّارِحُ إنَّهُ لَا يُكْرَهُ بَيْعُ الْجَارِيَةِ الْمُغَنِّيَةِ وَالْكَبْشِ النَّطُوحِ وَالدِّيكِ الْمُقَاتِلِ وَالْحَمَامَةِ الطَّيَّارَةِ اهـ. وَذَكَرَ الشَّارِحُ مِنْ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ بَيْعُ جَارِيَةٍ لِمَنْ لَا يَسْتَبْرِئُهَا أَوْ يَأْتِيهَا مِنْ دُبُرِهَا أَوْ بَيْعُ غُلَامٍ مِنْ لُوطِيٍّ اهـ. وَفِي الْخَانِيَّةِ مِنْ الْبُيُوعِ وَيُكْرَهُ بَيْعُ الْأَمْرَدِ مِنْ فَاسِقٍ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَعْصِي بِهِ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى الْمَعْصِيَةِ اهـ. وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ تَمَامُهُ أَطْلَقَ فِي أَهْلِ الْفِتْنَةِ فَشَمِلَ الْبُغَاةَ وَقُطَّاعَ الطَّرِيقِ وَاللُّصُوصَ (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَدْرِ أَنَّهُ مِنْهُمْ لَا) أَيْ لَا يُكْرَهُ الْبَيْعُ لِأَنَّ الْغَلَبَةَ فِي الْأَمْصَارِ لِأَهْلِ الصَّلَاحِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ فِي الْأَوَّلِ أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَحْرِيمِيَّةٌ لِتَعْلِيلِهِمْ بِالْإِعَانَةِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. [كِتَابُ اللَّقِيطِ] لَمَّا كَانَ فِي الِالْتِقَاطِ دَفْعُ الْهَلَاكِ عَنْ نَفْسِ اللَّقِيطِ ذَكَرَهُ عَقِيبَ الْجِهَادِ الَّذِي فِيهِ دَفْعُ الْهَلَاكَ عَنْ نَفْسِ عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ قَالَ فِي الْقَامُوسِ لَقَطَهُ أَخَذَهُ مِنْ الْأَرْضِ فَهُوَ مَلْقُوطٌ وَلَقِيطٌ وَاللَّقِيطُ الْمَوْلُودُ الَّذِي يُنْبَذُ كَالْمَلْقُوطِ اهـ. وَفِي الْمُغْرِبِ اللَّقِيطُ مَا يُلْقَطُ أَيْ يُرْفَعُ عَنْ الْأَرْضِ وَقَدْ غَلَبَ عَلَى الصَّبِيِّ الْمَنْبُوذِ لِأَنَّهُ عَلَى عَرْضٍ أَنْ يُلْقَطَ وَهُوَ فِي الشَّرِيعَةِ اسْمٌ لِحَيٍّ مَوْلُودٍ طَرَحَهُ أَهْلُهُ خَوْفًا مِنْ الْعِيلَةِ أَوْ فِرَارًا مِنْ تُهْمَةِ الرِّيبَةِ مُضَيِّعُهُ آثِمٌ وَمُحْرِزُهُ غَانِمٌ. (قَوْلُهُ نُدِبَ الْتِقَاطُهُ) لِمَا فِيهِ مِنْ إحْيَائِهِ وَهُوَ مِنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ (قَوْلُهُ وَوَجَبَ إنْ خِيفَ الضَّيَاعُ) أَيْ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ هَلَاكُهُ لَوْ لَمْ يَرْفَعْهُ بِأَنْ وَجَدَهُ فِي مَفَازَةٍ وَنَحْوِهَا مِنْ الْمَهَالِكِ صِيَانَةً لَهُ وَدَفْعًا لِلْهَلَاكِ عَنْهُ كَمَنْ رَأَى أَعْمَى يَقَعُ فِي الْبِئْرِ افْتَرَضَ عَلَيْهِ حِفْظُهُ مِنْ الْوُقُوعِ وَإِنَّمَا افْتَرَضَ عَلَى الْكِفَايَةِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْبَعْضِ وَهُوَ صِيَانَتُهُ وَيَتَعَيَّنُ إنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ غَيْرُهُ وَفِي الْقَامُوسِ ضَاعَ يَضِيعُ ضَيْعًا وَيُكْسَرُ وَضَيْعَةً وَضَيَاعًا هَلَكَ اهـ. فَالضَّادُ مَفْتُوحَةٌ وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ الْوُجُوبِ مَا اصْطَلَحْنَا عَلَيْهِ بَلْ الِافْتِرَاضُ فَلَا خِلَافَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ بَاقِي الْأَئِمَّةِ كَمَا قَدْ تُوُهِّمَ وَيَنْبَغِي أَنْ يَحْرُمَ طَرْحُهُ بَعْدَ الْتِقَاطِهِ لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ بِالْتِقَاطِهِ حِفْظُهُ فَلَا يَمْلِكُ رَدَّهُ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ وَهُوَ حُرٌّ) لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي بَنِي آدَمَ إنَّمَا هُوَ الْحُرِّيَّةُ وَكَذَا الدَّارُ دَارُ الْأَحْرَارِ وَلِأَنَّ الْحُكْمَ لِلْغَالِبِ فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْأَحْرَارِ مِنْ أَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ وَالْإِعْتَاقِ وَتَوَابِعِهِ وَحَدِّ قَاذِفِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِ الْأَحْرَارِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُحَدُّ قَاذِفُ أُمِّهِ لِأَنَّ إحْصَانَ الْمَقْذُوفِ شَرْطٌ وَلَمْ يَعْرِفْ إحْصَانَهَا وَسَيَأْتِي أَنَّهُ لَا يُرَقُّ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَسَنُبَيِّنُ حُكْمَ إقْرَارِهِ بِالرِّقِّ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الْوَاجِدُ حُرًّا أَوْ عَبْدًا أَوْ مُكَاتَبًا وَلَا يَكُونُ تَبَعًا لِلْوَاجِدِ كَذَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَفِي الْمُحِيطِ وَجَدَ الْعَبْدُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ لَقِيطًا وَلَا يُعْرَفُ إلَّا بِقَوْلِهِ وَقَالَ الْمَوْلَى كَذَبْت بَلْ هُوَ عَبْدِي فَالْقَوْلُ لِلْمَوْلَى لِأَنَّ مَا فِي يَدِ الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ فِي يَدِ الْمَوْلَى لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ يَدٌ عَلَى نَفْسِهِ وَلِهَذَا لَوْ ادَّعَى إنْسَانٌ مَا فِي يَدِهِ لَا يَنْتَصِبُ خَصْمًا لَهُ وَلَوْ أَقَرَّ بِمَا فِي يَدِهِ لَمْ يَصِحَّ وَإِنْ كَانَ مَأْذُونًا فَالْقَوْلُ لَهُ لِأَنَّ لِلْمَأْذُونِ يَدًا وَلِهَذَا يَنْتَصِبُ خَصْمًا لِمَنْ ادَّعَى مَا فِي يَدِهِ وَلَوْ أَقَرَّ بِمَا فِي يَدِهِ صَحَّ فَصَحَّ إقْرَارُهُ بِأَنَّهُ لَقِيطٌ مِنْ حَيْثُ إنَّ مَا فِي يَدِهِ لَيْسَ لَهُ كَمَا فِي مَالِ آخَرَ فِي يَدِهِ لَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَقَرَّ بِالْحُرِّيَّةِ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْإِقْرَارَ بِالْحُرِّيَّةِ وَتَثْبُتُ حُرِّيَّتُهُ بِاعْتِبَارِ الْأَصْلِ فَإِنَّهَا أَصْلٌ فِي بَنِي آدَمَ لَا بِإِقْرَارِهِ اهـ. (قَوْلُهُ وَنَفَقَتُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ) هُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَلِأَنَّهُ مُسْلِمٌ عَاجِزٌ عَنْ الْكَسْبِ وَلَا مَالَ لَهُ وَلَا قَرَابَةَ فَأَشْبَهَ الْمُقْعَدَ الَّذِي لَا مَالَ لَهُ وَلَا قَرَابَةَ وَسَيَأْتِي فِي اللُّقَطَةِ أَنَّ الْمُلْتَقِطَ مُتَبَرِّعٌ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِمَا وَبِإِذْنِ الْقَاضِي يَكُونُ دَيْنًا وَنُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَفِي الْخَانِيَّةِ وَإِنْ أَمَرَهُ الْقَاضِي أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ وَشَرَطَ لَهُ الرُّجُوعَ عَلَى اللَّقِيطِ فَادَّعَى الْمُلْتَقِطُ عَلَيْهِ بَعْدَ بُلُوغِهِ أَنَّهُ أَنْفَقَ عَلَيْهِ بِأَمْرِ الْقَاضِي كَذَا إنْ صَدَّقَهُ اللَّقِيطُ رَجَعَ بِذَلِكَ   [منحة الخالق] إذَا كَانَ حُكْمُ أَهْلِ الشِّرْكِ هُوَ الظَّاهِرُ. [بَيْعُ السِّلَاحِ مِنْ أَهْلِ الْفِتْنَةِ] (كِتَابُ اللَّقِيطِ) (قَوْلُهُ وَيَتَعَيَّنُ إلَخْ) أَيْ يَكُونُ فَرْضُهُ عَيْنَ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 155 عَلَيْهِ وَإِنْ كَذَّبَهُ فِي الْإِنْفَاقِ لَا يَرْجِعُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ اهـ. أَطْلَقَ النَّفَقَةَ فَشَمِلَ الْكِسْوَةَ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَلَوْ قَالَ وَمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي بَيْتِ الْمَالِ لَكَانَ أَوْلَى لِمَا فِي الْمُحِيطِ أَنَّ مَهْرَهُ إذَا زَوَّجَهُ السُّلْطَانُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ فَفِي مَالِهِ اهـ. وَلَوْ أَبَى الْمُلْتَقِطُ الْإِنْفَاقَ عَلَيْهِ وَسَأَلَ الْقَاضِي أَخْذَهُ مِنْهُ فَهُوَ مُخَيَّرٌ وَالْأَوْلَى قَبُولُهُ بِالْبَيِّنَةِ إذَا عَلِمَ عَجْزَهُ عَنْهُ فَلَوْ قَبِلَهُ الْقَاضِي وَدَفَعَهُ إلَى آخَرَ وَأَمَرَهُ بِالْإِنْفَاقِ لِيَرْجِعَ ثُمَّ طَلَبَ الْأَوَّلَ رَدَّهُ خُيِّرَ الْقَاضِي كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالْمُحِيطِ. (قَوْلُهُ كَإِرْثِهِ وَجِنَايَتِهِ) فَإِنَّ إرْثَهُ لِبَيْتِ الْمَالِ وَجِنَايَتَهُ فِيهِ لِأَنَّ الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ فَلَوْ وَجَدَ اللَّقِيطُ قَتِيلًا فِي مَحَلَّةٍ كَانَ عَلَى أَهْلِ تِلْكَ الْمَحَلَّةِ دِيَتُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ وَعَلَيْهِمْ الْقَسَامَةُ وَكَذَا إذَا قَتَلَهُ الْمُلْتَقِطُ أَوْ غَيْرُهُ خَطَأً فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ لِبَيْتِ الْمَالِ وَلَوْ قَتَلَهُ عَمْدًا فَالْخِيَارُ لِلْإِمَامِ بَيْنَ الْقَتْلِ وَالصُّلْحِ عَلَى الدِّيَةِ وَلَيْسَ لَهُ الْعَفْوُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِ الْقَاتِلِ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَفِي الْبَدَائِعِ أَنَّ وَلَاءَهُ لِبَيْتِ الْمَالِ كَعَقْلِهِ وَلَهُ أَنْ يُوَالِيَ مَنْ شَاءَ إذَا بَلَغَ إلَّا إذَا عَقَلَ عَنْهُ بَيْتُ الْمَالِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُوَالِيَ أَحَدًا وَوَلِيُّهُ السُّلْطَانُ فِي مَالِهِ وَنَفْسِهِ لِلْحَدِيثِ «السُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ» فَيُزَوِّجُهُ وَيَتَصَرَّفُ فِي مَالِهِ دُونَ الْمُلْتَقِطِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ جَعَلَ الْإِمَامُ وَلَاءَ اللَّقِيطِ لِلْمُلْتَقِطِ جَازَ لَهُ لِأَنَّهُ قَضَاءٌ فِي فَصْلٍ مُجْتَهَدٍ فِيهِ. [لَا يَأْخُذُ اللَّقِيطَ مِنْ الْمُلْتَقِطِ أَحَدٌ بِغَيْرِ رِضَاهُ] (قَوْلُهُ وَلَا يَأْخُذُهُ مِنْهُ أَحَدٌ) أَيْ لَا يَأْخُذُ اللَّقِيطَ مِنْ الْمُلْتَقِطِ أَحَدٌ بِغَيْرِ رِضَاهُ لِأَنَّهُ ثَبَتَ حَقُّ الْحِفْظِ لَهُ لِسَبْقِ يَدِهِ عَمَّمَهُ فَشَمِلَ الْإِمَامَ الْأَعْظَمَ فَلَا يَأْخُذُهُ مِنْهُ بِالْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ إلَّا بِسَبَبٍ يُوجِبُ ذَلِكَ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقَيَّدْنَا بِالْجَبْرِ لِأَنَّهُ لَوْ دَفَعَهُ إلَى غَيْرِهِ بِاخْتِيَارِهِ جَازَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ الثَّانِي لِأَنَّهُ أَبْطَلَ حَقَّ نَفْسِهِ عَنْ اخْتِيَارٍ وَأَفَادَ بِأَنَّهُ لَا يَأْخُذُ أَحَدٌ أَنَّهُ لَوْ انْتَزَعَهُ أَحَدٌ فَاخْتَصَمَ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي إلَى الْقَاضِي قَالَ فَإِنَّ الْقَاضِي يَدْفَعُهُ إلَى الْأَوَّلِ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُنْتَزَعَ مِنْهُ إذَا لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِحِفْظِهِ كَمَا قَالُوا فِي الْحَاضِنَةِ وَكَمَا أَفَادَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِقَوْلِهِ إلَّا بِسَبَبٍ يُوجِبُ ذَلِكَ وَفِي الْخَانِيَّةِ وَلِلْمُلْتَقِطِ أَنْ يَنْقُلَهُ إلَى حَيْثُ شَاءَ اهـ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَوْ وَجَدَهُ مُسْلِمٌ وَكَافِرٌ فَتَنَازَعَا فِي كَوْنِهِ عِنْدَ أَحَدِهِمَا قُضِيَ بِهِ لِلْمُسْلِمِ لِأَنَّهُ مَحْكُومٌ لَهُ بِالْإِسْلَامِ فَكَانَ الْمُسْلِمُ أَوْلَى بِحِفْظِهِ وَلِأَنَّهُ يُعَلِّمُهُ أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ بِخِلَافِ الْكَافِرِ اهـ. وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّ الْمُلْتَقِطَ إذَا كَانَ مُتَعَدِّدًا فَإِنْ أَمْكَنَ التَّرْجِيحُ اخْتَصَّ بِهِ الرَّاجِحُ وَلَمْ أَرَ حُكْمَ مَا إذَا اسْتَوَيَا وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الرَّأْيُ فِيهِ إلَى الْقَاضِي وَفِي رَوْضِ الشَّافِعِيَّةِ يُشْتَرَطُ فِي الْمُلْتَقِطِ تَكْلِيفٌ وَحُرِّيَّةٌ وَرُشْدٌ وَإِسْلَامٌ وَعَدَالَةٌ فَلَا يَصِحُّ مِنْ عَبْدٍ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ أَوْ تَقْرِيرِهِ وَيَكُونُ السَّيِّدُ الْمُلْتَقِطُ وَإِلَّا انْتَزَعَ مِنْ الْعَبْدِ وَلَا مِنْ مُكَاتَبٍ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ وَيُنْزَعُ مِنْ سَفِيهٍ وَفَاسِقٍ وَكَافِرٍ وَكَذَا مَنْ لَمْ يُخْتَبَرْ وَظَاهِرُهُ الْأَمَانَةُ فَإِنْ تَنَازَعَ فِيهِ مُلْتَقِطَانِ قَبْلَ أَخْذِهِ اخْتَارَ الْحَاكِمُ وَلَوْ غَيْرَهُمَا أَوْ بَعْدَ الْأَخْذِ وَهُمَا أَهْلٌ لِلِالْتِقَاطِ فَالسَّابِقُ بِالْأَخْذِ فَإِنْ اسْتَوَيَا قُدِّمَ الْغَنِيُّ وَظَاهِرُ الْعَدَالَةِ عَلَى فَقِيرٍ وَمَسْتُورٍ ثُمَّ يُقْرَعُ وَلَا يُقَدَّمُ مُسْلِمٌ عَلَى ذِمِّيٍّ فِي كَافِرٍ وَالرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ سَوَاءٌ فَيُقْرَعُ اهـ. وَلَمْ أَرَ مِثْلَ هَذَا الْبَيَانِ لِأَصْحَابِنَا. (قَوْلُهُ وَيَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ وَاحِدٍ) اسْتِحْسَانًا لِاحْتِيَاجِهِ إلَيْهِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْمُلْتَقِطَ وَغَيْرَهُ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَقْبَلَ دَعْوَى غَيْرِهِ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ إبْطَالَ حَقِّ الْمُلْتَقِطِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ إقْرَارٌ لِلصَّبِيِّ بِمَا يَنْفَعُهُ لِأَنَّهُ يَتَشَرَّفُ بِالنَّسَبِ وَيُعَيَّرُ بِعَدَمِهِ وَلَوْ ادَّعَاهُ الْمُلْتَقِطُ قِيلَ يَصِحُّ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ عَلَى الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ لَكِنَّ وَجْهَ الْقِيَاسِ هُنَا غَيْرُ وَجْهِ الْقِيَاسِ فِي دَعْوَى غَيْرِ الْمُلْتَقِطِ فَوَجْهُهُ فِي دَعْوَى غَيْرِ الْمُلْتَقِطِ تَضَمُّنُ إبْطَالِ حَقِّ الْمُلْتَقِطِ وَوَجْهُهُ فِي دَعْوَى الْمُلْتَقِطِ تَنَاقُضُ كَلَامِهِ وَتَمَامُهُ فِي النِّهَايَةِ وَأَفَادَ بِثُبُوتِ النَّسَبِ بِدَعْوَى غَيْرِ الْمُلْتَقِطِ أَنْ يَكُونَ أَحَقَّ بِحِفْظِهِ مِنْ الْمُلْتَقِطِ ضَرُورَةَ ثُبُوتِ النَّسَبِ وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَثْبُتُ ضِمْنًا وَلَا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ عَمَّمَهُ فَشَمِلَ الْإِمَامَ الْأَعْظَمَ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَقُولُ: الْمَذْكُورُ فِي الْمَبْسُوطِ لِلْإِمَامِ الْأَعْظَمِ أَنْ يَأْخُذَهُ بِحُكْمِ الْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لَهُ ذَلِكَ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْفَتْحِ أَيْضًا وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا أَنْ نُقِلَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ جِيءَ لَهُ بِلَقِيطٍ فَقَالَ هُوَ حُرٌّ وَلَأَنْ أَكُونَ وَلِيت مِنْ أَمْرِهِ مِثْلَ الَّذِي وَلِيت أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ كَذَا وَكَذَا فَحَرَّضَ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَأْخُذْهُ مِنْهُ لِأَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ الْمُلْتَقِطِ إلَّا بِسَبَبٍ يُوجِبُ ذَلِكَ لِأَنَّ يَدَهُ سَبَقَتْ إلَيْهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ اهـ. (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَنْتَزِعَ مِنْهُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَنْزِعَ مِنْهُ لَا أَنْ يَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ ذَلِكَ لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْخَانِيَّةِ فِيمَا إذَا عَلِمَ الْقَاضِي عَجْزَهُ عَنْ حِفْظِهِ بِنَفْسِهِ وَأَتَى بِهِ إلَيْهِ فَإِنَّ الْأَوْلَى لَهُ أَنْ يَقْبَلَهُ اهـ. (قَوْلُهُ وَلَمْ أَرَ مِثْلَ هَذَا الْبَيَانِ لِأَصْحَابِنَا) قَالَ فِي النَّهْرِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَوَجَبَ إنْ خَافَ الضَّيَاعَ أَيْ لَزِمَ وَفِيهِ إيمَاءٌ إلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْمُلْتَقِطِ كَوْنُهُ مُكَلَّفًا فَلَا يَصِحُّ الْتِقَاطُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا عَدْلًا رَشِيدًا لِمَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّ الْتِقَاطَ الْكَافِرِ صَحِيحٌ وَالْفَاسِقُ أَوْلَى وَأَنَّ الْعَبْدَ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ يَصِحُّ الْتِقَاطُهُ أَيْضًا فَالْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِالسَّفَهِ أَوْلَى. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 156 يَثْبُتُ قَصْدًا وَهُوَ الْأَصَحُّ وَأَطْلَقَهُ عَنْ الْبَيِّنَةِ فَشَمِلَ مَا إذَا لَمْ يُبَرْهِنْ اسْتِحْسَانًا لِمَا فِيهِ مِنْ النَّظَرِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَثْبُتَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَهَذَا إذَا لَمْ يَظْهَرْ كَذِبُهُ وَلِذَا قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ انْفَرَدَ رَجُلٌ بِالدَّعْوَى وَقَالَ هُوَ غُلَامٌ فَإِذَا هُوَ جَارِيَةٌ أَوْ قَالَ هُوَ جَارِيَةٌ فَإِذَا هُوَ غُلَامٌ لَا يُقْضَى لَهُ أَصْلًا اهـ. وَهَذَا كُلُّهُ حَالَةَ الْحَيَاةِ أَمَّا بَعْدَ الْمَوْتِ فَقَالَ فِي الْخَانِيَّةِ وَإِذَا مَاتَ اللَّقِيطُ وَتَرَكَ مَالًا أَوْ لَمْ يَتْرُكْ فَادَّعَى رَجُلٌ بَعْدَ مَوْتِهِ أَنَّهُ ابْنُهُ لَا يُصَدَّقُ إلَّا بِحُجَّةٍ اهـ. (قَوْلُهُ وَمِنْ اثْنَيْنِ) أَيْ وَيَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ اثْنَيْنِ إذَا ادَّعَيَاهُ مَعًا وَلَا مُرَجِّحَ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي السَّبَبِ وَقَيَّدَهُ فِي الْخَانِيَّةِ بِأَنْ يَقُولَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا هُوَ وَلَدِي مِنْ جَارِيَةٍ مُشْتَرِكَةٍ بَيْنَهُمَا قَيَّدَ بِالِاثْنَيْنِ لِأَنَّ فِيمَا زَادَ عَلَى الِاثْنَيْنِ اخْتِلَافًا فَرُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ جَوَّزَ إلَى خَمْسَةٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَثْبُتُ مِنْ اثْنَيْنِ وَلَا يَثْبُتُ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ أُجَوِّزُ الثَّلَاثَةَ وَلَا أُجَوِّزُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ كَذَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَلَمْ أَرَ تَوْجِيهَ هَذِهِ الْأَقْوَالِ وَقَيَّدَ بِدَعْوَى الرَّجُلِ لِأَنَّ الْمُدَّعِي لَوْ كَانَ امْرَأَةً ادَّعَتْ أَنَّهُ ابْنُهَا فَإِنْ صَدَّقَهَا زَوْجُهَا أَوْ شَهِدَتْ لَهَا الْقَابِلَةُ أَوْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ صَحَّتْ دَعْوَتُهَا وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّ فِيهِ حَمْلَ نَسَبِ الْغَيْرِ عَلَى الْغَيْرِ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَلَوْ ادَّعَتْ امْرَأَتَانِ وَأَقَامَتْ إحْدَاهُمَا الْبَيِّنَةَ فَهِيَ أَوْلَى بِهِ وَإِنْ أَقَامَتَا جَمِيعًا فَهُوَ ابْنُهُمَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَكُونُ لِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَعَنْ مُحَمَّدٍ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ يُجْعَلُ ابْنَهُمَا وَفِي رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ لَا يُجْعَلُ ابْنَ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا كَذَا فِي الْبَدَائِعِ. وَاعْلَمْ أَنَّ شَهَادَةَ الْقَابِلَةِ إنَّمَا يُكْتَفَى بِهَا فِيمَا إذَا كَانَ لَهَا زَوْجٌ مُنْكِرٌ لِلْوِلَادَةِ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا زَوْجٌ فَلَا بُدَّ مِنْ شَهَادَةِ رَجُلَيْنِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْخَانِيَّةِ وَفِيهَا لَوْ أَقَامَتْ إحْدَاهُمَا رَجُلَيْنِ وَالْأُخْرَى امْرَأَتَيْنِ يَجْعَلُ ابْنًا لِلَّذِي شَهِدَ لَهَا رَجُلَانِ وَلَوْ ادَّعَتْ امْرَأَتَانِ اللَّقِيطَ أَنَّهُ ابْنُهُمَا كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تُقِيمُ الْبَيِّنَةَ عَلَى رَجُلٍ عَلَى حِدَةٍ بِعَيْنِهِ أَنَّهَا وَلَدَتْهُ مِنْهُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَصِيرُ وَلَدُهُمَا مِنْ الرَّجُلَيْنِ جَمِيعًا وَقَالَا لَا يَصِيرُ وَلَدَهُمَا وَلَا وَلَدَ الرَّجُلَيْنِ اهـ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ رَجُلَانِ ادَّعَيَا نَسَبَ اللَّقِيطِ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ وَأُرِّخَتْ بَيِّنَةُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا يُقْضَى لِمَنْ يَشْهَدُ لَهُ سِنُّ الصَّبِيِّ فَإِنْ كَانَ سِنُّ الصَّبِيِّ مُشْتَبِهًا لَمْ يُوَافِقْ كُلًّا مِنْ التَّارِيخَيْنِ فَعَلَى قَوْلِهِمَا يَسْقُطُ اعْتِبَارُ التَّارِيخِ وَيُقْضَى بِهِ بَيْنَهُمَا بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَقَدْ ذَكَرَ خواهر زاده أَنَّهُ يُقْضَى بِهِ بَيْنَهُمَا فِي رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ يُقْضَى لِأَقْدَمْهُمَا تَارِيخًا اهـ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة أَنَّهُ يُقْضَى بِهِ بَيْنَهُمَا فِي عَامَّةِ الرِّوَايَاتِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقَيَّدْنَا بِكَوْنِهِمَا ادَّعَيَاهُ مَعًا لِأَنَّهُ لَوْ سَبَقَتْ دَعْوَةُ أَحَدِهِمَا فَهُوَ ابْنُهُ لِعَدَمِ النِّزَاعِ وَلَوْ ادَّعَى الْآخَرُ بَعْدَهُ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ أَقْوَى كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَلَا اعْتِبَارَ بِالْوَصْفِ مِنْ الثَّانِي مَعَ سَبْقِ الْأَوَّلِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقَيَّدْنَا بِعَدَمِ الْمُرَجِّحِ لِأَحَدِهِمَا لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا مُرَجِّحٌ فَهُوَ أَوْلَى فَيُقَدَّمُ الْمُلْتَقِطُ عَلَى الْخَارِجِ وَلَوْ كَانَ الْمُلْتَقِطُ ذِمِّيًّا وَالْخَارِجُ مُسْلِمٌ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الدَّعْوَى وَلِأَحَدِهِمَا يَدٌ فَيُحْكَمُ لِلذِّمِّيِّ وَبِإِسْلَامِ الْوَلَدِ وَيُقَدَّمُ مَنْ يُقِيمُ الْبَيِّنَةَ عَلَى مَنْ لَمْ يُبَرْهِنْ مِنْ الْخَارِجِينَ وَالْمُسْلِمُ عَلَى الذِّمِّيِّ وَالْحُرُّ عَلَى الْعَبْدِ وَالذِّمِّيُّ الْحُرُّ عَلَى الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ وَلَمْ يَذْكُرُوا مِنْ الْمُرَجِّحِ تَقْدِيمَ الْأَبِ عَلَى الِابْنِ وَذَكَرُوهُ فِي وَلَدِ الْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَكَةِ وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ وَأَمَّا التَّرْجِيحُ بِالْعَلَامَةِ فَسَيَأْتِي (قَوْلُهُ وَإِنْ وَصَفَ أَحَدُهُمَا عَلَامَةً بِهِ) أَيْ بِالْوَلَدِ (فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ) يَعْنِي إذَا وَافَقَهَا لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لَهُ لِمُوَافَقَةِ الْعَلَامَةِ كَلَامَهُ قَيَّدَ بِاللَّقِيطِ لِأَنَّ صَاحِبَ الْعَلَامَةِ فِي اللُّقَطَةِ لَا يَتَرَجَّحُ عِنْدَ التَّنَازُعِ لِأَنَّ التَّرْجِيحَ عِنْدَ وُجُودِ سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ وَقَدْ وُجِدَ فِي اللَّقِيطِ وَهُوَ الدَّعْوَةُ دُونَ اللُّقَطَةِ وَكَذَا لَوْ تَنَازَعَ خَارِجَانِ عَيْنًا فِي يَدِ ثَالِثٍ وَذَكَرَ أَحَدُهُمَا عَلَامَةً فَإِنَّهُ لَا تَرْجِيحَ لَهُ وَقَيَّدْنَا بِالْمُوَافَقَةِ لِأَنَّهُ لَوْ وَصَفَ أَحَدُهُمَا الْعَلَامَةَ وَلَمْ يُصِبْ فَلَا تَرْجِيحَ وَهُوَ ابْنُهُمَا وَكَذَا لَوْ وَصَفَ أَحَدُهُمَا وَأَصَابَ فِي الْبَعْضِ وَأَخْطَأَ فِي الْبَعْضِ فَهُوَ ابْنُهُمَا وَإِنْ وَصَفَا وَلَمْ يُصِبْ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَقَيَّدَهُ فِي الْخَانِيَّةِ بِأَنْ يَقُولَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَا وُجُودَ لِهَذَا التَّقْيِيدِ فِي الْخَانِيَّةِ فَإِنَّ الَّذِي فِيهَا لَوْ ادَّعَى رَجُلَانِ مَعًا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَقُولُ هُوَ وَلَدِي مِنْ جَارِيَةٍ مُشْتَرَكَةٍ بَيْنَهُمَا ثَبَتَ نَسَبُهُ وَصَارَ وَلَدًا لَهُمَا وَهَذَا كَمَا تَرَى لَا يُفِيدُ تَقْيِيدًا أَصْلًا ثُمَّ رَأَيْت فِي التَّتَارْخَانِيَّة لَوْ عَيَّنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا امْرَأَةً أُخْرَى قُضِيَ بِالْوَلَدِ بَيْنَهُمَا وَهَلْ يَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْ الْمَرْأَتَيْنِ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يَثْبُتُ وَعَلَى قَوْلِهِمَا لَا يَثْبُتُ وَقَالَ قَبْلَهُ لَوْ ادَّعَتْهُ امْرَأَتَانِ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تُقِيمُ الْبَيِّنَةَ عَلَى رَجُلٍ عَلَى حِدَةٍ مُعَيِّنَةً أَنَّهَا وَلَدَتْهُ مِنْهُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَصِيرُ وَلَدُهُمَا مِنْ الرَّجُلَيْنِ جَمِيعًا وَقَالَا يَصِيرُ وَلَدُهُمَا لَا وَلَدَ الرَّجُلَيْنِ اهـ. وَهَذَا كَمَا تَرَى صَرِيحٌ فِي أَنَّ اتِّحَادَ الْوَالِدَةِ لَيْسَ شَرْطًا فِي ثُبُوتِهِ مِنْ مُتَعَدِّدٍ نَعَمْ الْمَذْكُورُ فِي الْخَانِيَّةِ عَنْهُمَا أَنَّهُ لَا يَصِيرُ وَلَدَهُمَا وَلَا وَلَدَ الرَّجُلَيْنِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 157 وَاحِدٌ مِنْهُمَا فَهُوَ ابْنُهُمَا وَلَوْ وَصَفَا وَأَصَابَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ قَضَى لِلَّذِي أَصَابَ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْعَلَامَةَ مُرَجِّحَةٌ عِنْدَ عَدَمِ مُرَجِّحٍ أَقْوَى مِنْهَا فَيُقَدَّمُ ذُو الْبُرْهَانِ عَلَى ذِي الْعَلَامَةِ وَالْمُسْلِمُ عَلَى الذِّمِّيِّ ذِي الْعَلَامَةِ وَظَاهِرُ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ تَقْدِيمُ ذِي الْيَدِ عَلَى الْخَارِجِ ذِي الْعَلَامَةِ وَيَنْبَغِي تَقْدِيمُ الْحُرِّ عَلَى الْعَبْدِ ذِي الْعَلَامَةِ فَعُلِمَ أَنَّهَا أَضْعَفُ الْمُرَجِّحَاتِ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة وَإِذَا ادَّعَى اللَّقِيطَ رَجُلَانِ ادَّعَى أَحَدُهُمَا أَنَّهُ ابْنُهُ وَالْآخَرُ أَنَّهُ ابْنَتُهُ فَإِذَا هُوَ خُنْثَى فَإِنْ كَانَ مُشْكِلًا قُضِيَ بِهِ بَيْنَهُمَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُشْكِلًا حُكِمَ بِهِ لِمَنْ ادَّعَى أَنَّهُ ابْنُهُ اهـ. وَفِيهَا عَنْ الْقُدُورِيِّ لَوْ شَهِدَ لِلْمُسْلِمِ ذِمِّيَّانِ وَلِلذِّمِّيِّ مُسْلِمَانِ قُضِيَ بِهِ لِلْمُسْلِمِ (قَوْلُهُ وَمِنْ ذِمِّيٍّ وَهُوَ مُسْلِمٌ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي مَكَانِ أَهْلِ الذِّمَّةِ) أَيْ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْ ذِمِّيٍّ عِنْدَ عَدَمِ دَعْوَى مُسْلِمٍ وَيَكُونُ اللَّقِيطُ مُسْلِمًا إنْ لَمْ يَكُنْ فِي مَكَانِ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ لِأَنَّ دَعْوَاهُ تَضْمَنُ النَّسَبَ وَهُوَ نَافِعٌ لِلصَّغِيرِ وَإِبْطَالُ الْإِسْلَامِ الثَّابِتِ بِالدَّارِ وَهُوَ يَضُرُّهُ فَصَحَّتْ دَعْوَتُهُ فِيمَا يَنْفَعُهُ دُونَ مَا يَضُرُّهُ وَالْمُرَادُ مِنْ مَكَانِ أَهْلِ الذِّمَّةِ قَرْيَةٌ مِنْ قُرَاهُمْ أَوْ بِيعَةٌ أَوْ كَنِيسَةٌ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَهَذَا الْجَوَابُ فِيمَا إذَا كَانَ الْوَاجِدُ ذِمِّيًّا رِوَايَةً وَاحِدَةً. وَإِنْ كَانَ الْوَاجِدُ مُسْلِمًا فِي هَذَا الْمَكَانِ أَوْ ذِمِّيًّا فِي مَكَانِ الْمُسْلِمِينَ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِيهِ فَفِي كِتَابِ اللَّقِيطِ اُعْتُبِرَ الْمَكَانُ لِسَبْقِهِ وَفِي كِتَابِ الدَّعْوَى فِي بَعْضِ النُّسَخِ اُعْتُبِرَ الْوَاجِدُ وَهُوَ رِوَايَةُ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ لِقُوَّةِ الْيَدِ أَلَا تَرَى أَنَّ تَبَعِيَّةَ الْأَبَوَيْنِ فَوْقَ تَبَعِيَّةِ الدَّارِ حَتَّى إذَا سَبَى مَعَ الصَّغِيرِ أَحَدَهُمَا يُعْتَبَرُ كَافِرًا وَفِي بَعْضِ نُسَخِهِ اُعْتُبِرَ الْإِسْلَامُ نَظَرًا لِلصَّغِيرِ وَفِي النِّهَايَةِ حَاصِلُهَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا أَنْ يَجِدَهُ مُسْلِمٌ فِي مَكَانِ الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ مُسْلِمٌ ثَانِيهَا أَنْ يَجِدَهُ كَافِرٌ فِي مَكَانِهِمْ فَهُوَ كَافِرٌ ثَالِثُهَا أَنْ يَجِدَهُ كَافِرٌ فِي مَكَانِ الْمُسْلِمِينَ رَابِعُهَا عَكْسُهُ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ فَفِي كِتَابِ اللَّقِيطِ الْعِبْرَةُ لِلْمَكَانِ فِيهِمَا وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ الْعِبْرَةُ لِلْوَاجِدِ فِيهِمَا وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَعْدِلَ عَمَّا فِي بَعْضِ النُّسَخِ مِنْ اعْتِبَارِ الْإِسْلَامِ أَيْ مَا يَصِيرُ الْوَلَدُ بِهِ مُسْلِمًا نَظَرًا لِلصَّغِيرِ اهـ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ إنَّمَا يُعْتَبَرُ مَكَانُ أَهْلِ الذِّمَّةِ إذَا كَانَ الْوَاجِدُ ذِمِّيًّا وَمَفْهُومُهُ أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ ذِمِّيًّا فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَا يَعْدِلُ عَنْهُ كَمَا ذَكَرْنَا وَفِي كِفَايَةِ الْبَيْهَقِيّ قِيلَ يُعْتَبَرُ بِالسِّيمَا وَالزِّيِّ لِأَنَّهُ حُجَّةٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ} [البقرة: 273] وَقَالَ {يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ} [الرحمن: 41] وَفِي الْمَبْسُوطِ كَمَا لَوْ اخْتَلَطَ الْكُفَّارُ يَعْنِي مَوْتَانَا بِمَوْتَاهُمْ فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ بِالزِّيِّ وَالْعَلَامَةِ وَلَوْ فُتِحَتْ الْقُسْطَنْطِينِيَّة فَوُجِدَ فِيهَا شَيْخٌ يُعَلِّمُ صِبْيَانًا حَوْلَهُ الْقُرْآنَ يَزْعُمُ أَنَّهُ مُسْلِمٌ يَجِبُ أَنْ يُؤْخَذَ بِقَوْلِهِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. وَذَكَرَ فِي الْخَانِيَّةِ الرِّوَايَاتِ الْأَرْبَعَ وَصَرَّحَ فِي الْمُخْتَارِ بِأَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ اعْتِبَارُ الْمَكَانِ وَفِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ أَدْرَكَ اللَّقِيطُ كَافِرًا فَإِنْ كَانَ الْمُلْتَقِطُ وَجَدَهُ فِي مِصْرٍ مِنْ أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهُ يُحْبَسُ وَيُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ اسْتِحْسَانًا وَاخْتَلَفُوا فِي مَوْضِعِ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ قَالَ بَعْضُهُمْ الْقِيَاسُ وَالِاسْتِحْسَانُ فِي قَتْلِهِ إذَا لَمْ يُسْلِمْ فِي الْقِيَاسِ يُقْتَلُ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا يُقْتَلُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ الِاسْتِحْسَانُ وَالْقِيَاسُ فِي الْجَبْرِ عَلَى الْإِسْلَامِ فِي الْقِيَاسِ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ وَتُرِكَ عَلَى الْكُفْرِ بِالْحُرِّيَّةِ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ وَلَا يُتْرَكُ عَلَى الْكُفْرِ وَهُوَ الصَّحِيحُ اهـ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ ابْنَ الذِّمِّيِّ اللَّقِيطَ إنَّمَا يَكُونُ مُسْلِمًا إذَا لَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً أَنَّهُ ابْنُهُ فَإِنْ بَرْهَنَ بِشُهُودٍ مُسْلِمِينَ قُضِيَ لَهُ بِهِ وَصَارَ تَبَعًا لَهُ فِي دِينِهِ وَإِنْ أَقَامَ بَيِّنَةً مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ لَا يَكُونُ ذِمِّيًّا لِأَنَّا حَكَمْنَا بِإِسْلَامِهِ فَلَا يَبْطُلُ هَذَا الْحُكْمُ بِهَذِهِ الْبَيِّنَةِ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ قَامَتْ فِي حُكْمِ الدِّينِ عَلَى مُسْلِمٍ فَلَا تُقْبَلُ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ. (قَوْلُهُ وَمِنْ عَبْدٍ وَهُوَ حُرٌّ) أَيْ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ عَبْدٍ ادَّعَى أَنَّهُ ابْنُهُ لِأَنَّهُ يَنْفَعُهُ وَكَانَ حُرًّا لِأَنَّ الْمَمْلُوكَ قَدْ تَلِدُ لَهُ الْحُرَّةُ فَلَا تَبْطُلُ الْحُرِّيَّةُ الظَّاهِرُ بِالشَّكِّ وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْحُرَّ فِي دَعْوَتِهِ اللَّقِيطَ أَوْلَى مِنْ الْعَبْدِ كَمَا أَنَّ الْمُسْلِمَ أَوْلَى مِنْ الذِّمِّيِّ تَرْجِيحًا لِمَا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُشْكِلًا حُكِمَ بِهِ لِمَنْ ادَّعَى أَنَّهُ ابْنُهُ) قَالَ الْمَقْدِسِيَّ يَنْبَغِي إنْ وَافَقَ وَإِلَّا فَلِمَنْ وَافَقَ اهـ. قُلْتُ: وَاَلَّذِي رَأَيْته فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُشْكِلًا وَحُكِمَ بِكَوْنِهِ ابْنًا فَهُوَ لِلَّذِي ادَّعَى أَنَّهُ ابْنُهُ اهـ. وَعَلَيْهِ فَلَا إشْكَالَ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 158 هُوَ الْأَنْظَرُ فِي حَقِّهِ أَطْلَقَ فِي قَوْلِهِ وَهُوَ حُرٌّ فَشَمِلَ مَا إذَا قَالَ الْعَبْدُ هُوَ ابْنِي مِنْ زَوْجَتِي وَهِيَ أَمَةٌ فَصَدَّقَهُ مَوْلَاهَا لِأَنَّهُ حُرٌّ بِاعْتِبَارِ الْأَصْلِ فَلَا تَبْطُلُ الْحُرِّيَّةُ بِتَصَادُقِ الْعَبْدِ وَسَيِّدهَا وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَكُونُ عَبْدًا لِسَيِّدِهَا لِأَنَّ الْأَمَةَ أُمُّهُ فَإِذَا ثَبَتَ النَّسَبُ مِنْهَا ثَبَتَ مَا هُوَ مِنْ ضَرُورَاتِهِ وَهُوَ الرِّقُّ إذْ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ الْمَوْلُودُ بَيْنَ رَقِيقَيْنِ حُرًّا بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ عَلَى مَا بَيَّنَّا قُلْنَا لَا يَسْتَحِيلُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَجُوزُ عِتْقُهُ قَبْلَ الِانْفِصَالِ وَبَعْدَهُ فَلَا تَبْطُلُ الْحُرِّيَّةُ الثَّابِتَةُ بِالدَّارِ بِالشَّكِّ كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَظَاهِرُهُ تَرْجِيحُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَفِي آخِرِ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ قِيلَ قَدْ يَكُونُ الْوَلَدُ حُرًّا مِنْ زَوْجَيْنِ قِنَّيْنِ بِلَا تَحْرِيرٍ وَوَصِيَّةٍ وَصُورَتُهُ أَنْ يَكُونَ لِلْحُرِّ وَلَدٌ وَهُوَ قِنٌّ لِأَجْنَبِيٍّ فَزَوَّجَ الْأَبُ أَمَتَهُ مِنْ وَلَدِهِ بِرِضَا مَوْلَاهُ فَوَلَدَتْ الْأَمَةُ وَلَدًا فَهُوَ حُرٌّ لِأَنَّهُ وَلَدُ وَلَدِ الْمَوْلَى اهـ. وَفِي التَّبْيِينِ وَلَوْ ادَّعَاهُ حُرَّانِ أَحَدَهُمَا أَنَّهُ ابْنُهُ مِنْ هَذِهِ الْحُرَّةِ وَالْآخَرُ مِنْ الْأَمَةِ فَاَلَّذِي يَدَّعِي أَنَّهُ مِنْ الْحُرَّةِ أَوْلَى لِكَوْنِهِ أَكْثَرَ إثْبَاتًا لِكَوْنِهِ يُثْبِتُ جَمِيعَ أَحْكَامِ النَّسَبِ وَلَوْ كَانَتْ الْأَمَةُ سُرِّيَّةً لَهُ لِأَنَّهُ يُثْبِتُ الْأَحْكَامَ مِنْ جَانِبٍ وَالْآخَرُ مِنْ جَانِبَيْنِ فَكَانَ أَوْلَى. [وَلَا يُرَقُّ اللَّقِيط إلَّا بِبَيِّنَةٍ] (قَوْلُهُ وَلَا يُرَقُّ إلَّا بِبَيِّنَةٍ) لِأَنَّهُ حُرٌّ ظَاهِرًا فَإِذَا أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهُ عَبْدُهُ قُبِلَتْ وَكَانَ عَبْدَهُ لَا يُقَالُ هَذِهِ الْبَيِّنَةُ لَيْسَتْ عَلَى خَصْمٍ فَلَا تُقْبَلُ لِأَنَّ الْمُلْتَقِطَ خَصْمٌ لِأَنَّهُ أَحَقُّ بِثُبُوتِ يَدِهِ عَلَيْهِ فَلَا تَزُولُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ هُنَا وَإِنَّمَا قُلْنَا هُنَا كَيْ لَا يُنْقَضَ بِمَا إذَا ادَّعَى خَارِجٌ نَسَبَهُ فَإِنَّ يَدَهُ تَزُولُ بِلَا بَيِّنَةٍ عَلَى الْأَوْجَهِ وَالْفَرْقُ أَنَّ يَدَهُ اُعْتُبِرَتْ لِمَنْفَعَةِ الْوَلَدِ وَفِي دَعْوَى النَّسَبِ مَنْفَعَةٌ تَفُوقُ الْمَنْفَعَةَ الَّتِي أَوْجَبَتْ اعْتِبَارَ يَدِ الْمُلْتَقِطِ فَتُزَالُ لِحُصُولِ مَا يَفُوقُ الْمَقْصُودَ مِنْ اعْتِبَارِهَا وَهُنَا لَيْسَ دَعْوَى الْعَبْدِيَّةِ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ بِمَا يَضُرُّهُ لِتَبْدِيلِ صِفَةِ الْمَالِكِيَّةِ بِالْمَمْلُوكِيَّةِ فَلَا تُزَالُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَيُشْتَرَطُ فِي قَبُولِهَا إسْلَامُهُمْ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ بِالدَّارِ وَبِالْيَدِ فَلَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِشَهَادَةِ الْكُفَّارِ إلَّا إذَا اُعْتُبِرَ كَافِرًا بِوُجُودِهِ فِي مَوْضِعِ أَهْلِ الذِّمَّةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَفِي الْمُحِيطِ وَإِنْ ادَّعَى الْمُلْتَقِطُ أَنَّهُ عَبْدُهُ إنْ لَمْ يُقِرَّ بِأَنَّهُ لَقِيطٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ لِأَنَّ الصَّغِيرَ فِي يَدِهِ وَإِنْ أَقَرَّ أَنَّهُ لَقِيطٌ لَا يُصَدَّقُ فِي دَعْوَاهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ قَيَّدَ بِالْبَيِّنَةِ لِأَنَّهُ لَا يُرَقُّ بِإِقْرَارِهِ لِمُدَّعِيهِ فَلَوْ صَدَّقَهُ اللَّقِيطُ قَبْلَ الْبُلُوغِ لَا يُسْمَعُ تَصْدِيقُهُ لِأَنَّهُ يَضُرُّ بِهِ نَفْسَهُ بَعْدَ الْحُكْمِ بِالْحُرِّيَّةِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ صَغِيرًا فِي يَدِ رَجُلٍ فَادَّعَى أَنَّهُ عَبْدُهُ وَصَدَّقَهُ الْغُلَامُ فَإِنَّهُ يَكُونُ عَبْدًا لَهُ وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْرِفْ إلَّا فِي يَدِهِ وَإِنْ رُدَّ لَا يَصِحُّ لِقِيَامِ يَدِهِ مِنْ وَجْهٍ وَإِنْ بَلَغَ فَأَقَرَّ أَنَّهُ عَبْدُ فُلَانٍ وَفُلَانٌ يَدَّعِيهِ إنْ كَانَ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ عَلَيْهِ بِمَا لَا يُقْضَى بِهِ إلَّا عَلَى الْأَحْرَارِ كَالْحَدِّ الْكَامِلِ وَنَحْوِهِ صَحَّ إقْرَارُهُ وَصَارَ عَبْدًا لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِيهِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِنَحْوِ ذَلِكَ لَا يُقْبَلُ وَلَا يَصِيرُ بِهِ عَبْدًا لِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ حُكْمِ الْحَاكِمِ وَلِأَنَّهُ مُكَذِّبٌ فِي ذَلِكَ شَرْعًا فَهُوَ كَمَا لَوْ كَذَّبَهُ الَّذِي أَقَرَّ لَهُ بِالرِّقِّ. وَلَوْ كَانَ اللَّقِيطُ امْرَأَةً فَأَقَرَّتْ بِالرِّقِّ بَعْدَمَا كَبِرَتْ أَوْ كَانَ بَعْدَ التَّزَوُّجِ صَحَّ وَكَانَتْ أَمَةً لِلْمُقَرِّ لَهُ وَلَا تُصَدَّقُ فِي إبْطَالِ النِّكَاحِ لِأَنَّ الرِّقَّ لَا يُنَافِي النِّكَاحَ ابْتِدَاءً وَلَا بَقَاءَ فَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ الْحُكْمِ بِرِقِّهَا انْتِفَاءُ النِّكَاحِ وَإِنْ بَلَغَ فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً ثُمَّ أَقَرَّ أَنَّهُ عَبْدٌ لِفُلَانٍ وَلِامْرَأَتِهِ عَلَيْهِ صَدَاقٌ فَصَدَاقُهَا لَازِمٌ عَلَيْهِ لَا يُصَدَّقُ فِي إبْطَالِهِ لِأَنَّهُ دَيْنٌ ظَهَرَ وُجُوبُهُ فَهُوَ مُتَّهَمٌ فِي إقْرَارِهِ وَكَذَا إذَا اسْتَدَانَ دَيْنًا أَوْ بَايَعَ إنْسَانًا أَوْ كَفَلَ كَفَالَةً أَوْ وَهَبَ أَوْ تَصَدَّقَ وَسَلَّمَ أَوْ دَبَّرَ أَوْ كَاتَبَ أَوْ أَعْتَقَ ثُمَّ أَقَرَّ أَنَّهُ عَبْدُ فُلَانٍ لَا يُصَدَّقُ فِي إبْطَالِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْخَانِيَّةِ وَزَادَ فِيهَا فَإِذَا أَعْتَقَهَا الْمُقَرُّ لَهُ وَهِيَ تَحْتَ زَوْجٍ لَمْ يَكُنْ لَهَا خِيَارُ الْعِتْقِ وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً فَأَقَرَّتْ بِالرِّقِّ يَصِيرُ طَلَاقُهَا ثِنْتَيْنِ لَا يَمْلِكُ الزَّوْجُ عَلَيْهَا بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا طَلْقَةً وَاحِدَةً وَلَوْ كَانَ طَلَّقَهَا ثِنْتَيْنِ ثُمَّ أَقَرَّتْ بِالرِّقِّ كَانَ لَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا وَكَذَلِكَ حُكْمُ الْمُعْتَدَّةِ إذَا أَقَرَّتْ بِالرِّقِّ بَعْدَمَا حَاضَتْ حَيْضَتَيْنِ كَانَ لَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا فِي الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ اهـ. وَهَكَذَا ذُكِرَ فِي الْمُحِيطِ وَزَادَ فِيهِ لَوْ دَبَّرَ اللَّقِيطُ عَبْدًا ثُمَّ أَقَرَّ بِالرِّقِّ لِآخَرَ ثُمَّ مَاتَ عَتَقَ الْمُدَبَّرُ مِنْ ثُلُثِهِ وَيَسْعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ لِمَوْلَاهُ لِأَنَّ   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 159 الْمُقِرَّ بِالرِّقِّ بَقِيَ حُرًّا فِي حَقِّ الْمُدَبَّرِ وَقَدْ مَاتَ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُ الْمُدَبَّرِ فَيَسْعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ لِمَوْلَاهُ لِأَنَّهُ يُقِرُّ بِذَلِكَ لِمَوْلَاهُ وَلَوْ أَنَّ مَوْلَاهُ أَعْتَقَهُ كَانَ الْمُدَبَّرُ عَلَى حَالِهِ غَيْرَ أَنَّ خِدْمَتَهُ لِلْمَوْلَى وَسِعَايَتَهُ بَعْدَ مَوْتِ اللَّقِيطِ لِلْمَوْلَى لِأَنَّ الْمُدَبَّرَ يُقِرُّ بِالْخِدْمَةِ وَالسِّعَايَةِ لِلَّقِيطِ وَهُوَ يُقِرُّ بِذَلِكَ لِمَوْلَاهُ فَصَارَ كَمَنْ يُقِرُّ لِلْمُقَرِّ لَهُ اهـ. وَذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ مِنْ كِتَابِ الْإِقْرَارِ أَيْضًا وَزَادَ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ بِالرِّقِّ أَنَّ مَا وَلَدَتْ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَهُوَ حُرٌّ لِأَنَّهُ عَرَفَ عُلُوقَهُ قَبْلَ الْإِقْرَارِ فَلَا يُصَدَّقُ فِي إبْطَالِ حُرِّيَّتِهِ فَإِنْ وَلَدَتْهُ لِأَكْثَرَ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ هُوَ عَبْدٌ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ لِأَنَّ الزَّوْجَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهَا حُرِّيَّةَ الْأَوْلَادِ فَلَا يَبْطُلُ هَذَا الِاسْتِحْقَاقُ بِإِقْرَارِهَا وَذَكَرَ فِي الزِّيَادَاتِ لَوْ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ تَطْلِيقَتَيْنِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِإِقْرَارِهَا مَلَكَ عَلَيْهَا الرَّجْعَةَ وَلَوْ عَلِمَ لَا يَمْلِكُ وَذَكَرَ فِي الْجَامِعِ لَا يَمْلِكُ عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ قِيلَ مَا ذَكَرَهُ فِي الْجَامِعِ قِيَاسٌ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الزِّيَادَاتِ اسْتِحْسَانٌ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَلَوْ اشْتَرَى مَجْهُولُ الْحُرِّيَّةِ عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ ثُمَّ أَقَرَّ بِالرِّقِّ فَجَحَدَ الْمُعْتِقُ وَلِلْمُقِرِّ ابْنٌ كَبِيرٌ يَجْحَدُ أَيْضًا يَصِيرُ الْمُقِرُّ عَبْدًا وَالْمُعْتَقُ حُرٌّ عَلَى حَالِهِ فَإِنْ مَاتَ الْمُعْتَقُ وَتَرَكَ مَالًا وَعَصَبَةً فَمَالُهُ لِعَصَبَتِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ غَيْرُ الَّذِي أَعْتَقَهُ فَمَا لَهُ لِلْمُقَرِّ لَهُ فَإِنْ كَانَ لِلْمَيِّتِ بِنْتٌ فَالنِّصْفُ لَهَا وَالنِّصْفُ لِلْمُقَرِّ لَهُ فَإِنْ جَنَى هَذَا الْعَتِيقُ فَأَرْشُهُ عَلَيْهِ وَإِنْ جَنَى عَلَيْهِ فَهِيَ كَالْجِنَايَةِ عَلَى الْمَمْلُوكِ وَهُوَ كَالْمَمْلُوكِ فِي الشَّهَادَةِ لِأَنَّ حُرِّيَّتَهُ ثَابِتَةٌ بِالظَّاهِرِ لَا بِالدَّلِيلِ فَصَلَحَ لِلدَّفْعِ لَا لِلِاسْتِحْقَاقِ وَلَوْ أَعْتَقَ الْمُقَرُّ لَهُ الْمُقِرَّ ثُمَّ مَاتَ الْعَتِيقُ الْأَوَّلُ وَلَا عَصَبَةَ لَهُ كَانَ مِيرَاثُهُ لِلْمُقَرِّ لَهُ اهـ. وَفِيهِ أَيْضًا لَوْ أَقَرَّتْ الْمَنْكُوحَةُ بِالرِّقِّ فَإِنْ أَعْطَاهَا الزَّوْجُ الْمَهْرَ قَبْلَ إقْرَارِهَا بَرِئَ بَعْدَ إقْرَارِهَا لَمْ يَبْرَأْ لِأَنَّ الْمَهْرَ صَارَ لِلْمُقَرِّ لَهُ اهـ. وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّهَا أَمَةٌ فِي حَقِّ الْقَسْمِ فِي النِّكَاحِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ تَسْلِيمُهَا لِلزَّوْجِ كَتَسْلِيمِ الْحَرَائِرِ فَلَا يَمْلِكُ الْمُقَرُّ لَهُ اسْتِخْدَامَهَا وَمَنْعَهَا مِنْ السُّكْنَى مَعَ الزَّوْجِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ فَتَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ بِلَا تَبْوِئَةٍ وَقَيَّدَ فِي الْمُحِيطِ بِجَحْدِ الْعَتِيقِ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِمَفْهُومِهِ وَصَرَّحَ فِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ بِأَنَّهُ لَوْ صَدَّقَ الْعَتِيقُ مَوْلَاهُ فِي إقْرَارِهِ بِالرِّقِّ يَبْطُلُ عِتْقُهُ لِأَنَّ الْمَنْعَ لَحِقَهُ إذْ الْوَلَاءُ يَقْبَلُ الْبُطْلَانَ بِدَلِيلِ الْعَتِيقَةِ تَرْتَدُّ فَتُسْبَى. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ عَبْدٌ لَا يُصَدَّقُ عَلَى إبْطَالِ شَيْءٍ كَانَ فَعَلَهُ إلَّا النِّكَاحَ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَرَّ بِالرِّقِّ فَقَدْ زَعَمَ أَنَّ النِّكَاحَ لَمْ يَصِحَّ لِعَدَمِ إذْنِ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّهُ مَوْلَاهُ فَيَجِبُ أَنْ يُؤَاخَذَ بِزَعْمِهِ بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ لَوْ أَقَرَّتْ بِالرِّقِّ لَا يَبْطُلُ نِكَاحُهَا اهـ. [وُجِدَ مَعَ اللَّقِيط مَالٌ] (قَوْلُهُ وَإِنْ وُجِدَ مَعَهُ مَالٌ فَهُوَ لَهُ) اعْتِبَارًا لِلظَّاهِرِ وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَكْفِي لِلدَّفْعِ لَا لِلِاسْتِحْقَاقِ فَلَوْ ثَبَتَ الْمِلْكُ لِلَّقِيطِ بِهَذَا الظَّاهِرِ كَانَ الظَّاهِرُ مُثْبَتًا قُلْنَا يَدْفَعُ بِهَذَا الظَّاهِرِ دَعْوَى الْغَيْرِ ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنْ تَكُونَ الْأَمْلَاكُ فِي يَدِ الْمُلَّاكِ وَكَذَا الظَّاهِرُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ وَضَعَهُ مَعَهُ إنَّمَا وَضَعَهُ لِيُنْفِقَ عَلَيْهِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الْمَالُ مَشْدُودًا عَلَيْهِ أَوْ دَابَّةً هُوَ مَشْدُودٌ عَلَيْهَا وَإِنْ وُجِدَ اللَّقِيطُ عَلَى دَابَّةٍ فَهِيَ لَهُ وَحُكِيَ أَنَّ لَقِيطَةً وُجِدَتْ بِبَغْدَادَ وَعِنْدَ صَدْرِهَا رَقٌّ مَنْشُورٌ فِيهِ هَذِهِ بِنْتُ شَقِيٍّ وَشَقِيَّةٍ بِنْتُ الطباهجة والقلية وَمَعَهَا أَلْفُ دِينَارٍ جَعْفَرِيَّةٍ يُشْتَرَى بِهَا جَارِيَةٌ هِنْدِيَّةٌ وَهَذَا جَزَاءُ مَنْ لَمْ يُزَوِّجْ بِنْتَه وَهِيَ كَبِيرَةٌ وَفِي رِوَايَةٍ وَهِيَ صَغِيرَةٌ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَفِيهَا لَوْ كَانَ الْمَالُ مَوْضُوعًا بِقُرْبِهِ لَمْ يَحْكُمُوا لَهُ بِهِ وَيَكُونُ لُقَطَةً اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ الْمَوْضُوعَةَ عَلَيْهِ لَهُ لِدُخُولِهَا تَحْتَ قَوْلِهِمْ مَعَهُ مَالٌ وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الدَّرَاهِمُ الَّتِي فَوْقَ فِرَاشِهِ أَوْ تَحْتَهُ لَهُ كَلِبَاسِهِ وَمِهَادِهِ وَدِثَارِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مَدْفُونًا تَحْتَهُ وَلَمْ أَرَهُ كَمَا لَمْ أَرَ حُكْمَ مَا إذَا وُجِدَ فِي دَارٍ فِيهَا وَحْدَهُ أَوْ بُسْتَانٍ هَلْ يَكُونَانِ لَهُ وَصَرَّحَ فِي رَوْضِ الشَّافِعِيَّةِ بِأَنَّ الدَّارَ لَهُ وَفِي الْبُسْتَانِ وَجْهَانِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ إنْفَاقَ الْمُلْتَقِطِ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ ثُمَّ يَصْرِفُهُ الْوَاجِدُ إلَيْهِ بِأَمْرِ الْقَاضِي لِأَنَّهُ مَالٌ ضَائِعٌ وَلِلْقَاضِي وِلَايَةُ صَرْفِ مِثْلِهِ إلَيْهِ وَقِيلَ يَصْرِفُهُ بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي لِأَنَّهُ لِلَّقِيطِ ظَاهِرًا وَلَهُ وِلَايَةُ الْإِنْفَاقِ وَشِرَاءُ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ كَالطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ لِأَنَّهُ مِنْ الْإِنْفَاقِ اهـ. وَكَذَا الْغَيْرُ الْوَاجِدُ بِأَمْرِ الْقَاضِي وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي نَفَقَةِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ هَلْ يَكُونَانِ لَهُ) قَالَ فِي النَّهْرِ بَعْدَمَا مَرَّ عَنْ الْجَوْهَرَةِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمَالُ بِقُرْبِهِ لَا يَكُونُ لَهُ وَبِهِ عُرِفَ أَنَّ الدَّارَ الَّتِي هُوَ فِيهَا وَكَذَا الْبُسْتَانُ لَا يَكُونُ لَهُ بِالْأَوْلَى. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 160 مِثْلِهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَشْتَرِطَ إذْنَ الْقَاضِي إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا يَكْفِي الْإِشْهَادُ. (قَوْلُهُ وَلَا يَصِحُّ لِلْمُلْتَقَطِ عَلَيْهِ نِكَاحٌ وَبَيْعٌ وَإِجَارَةٌ) أَمَّا النِّكَاحُ فَلِانْعِدَامِ سَبَبِ الْوِلَايَةِ مِنْ الْقَرَابَةِ وَالْمِلْكِ وَالسَّلْطَنَةِ وَأَمَّا تَصَرُّفُهُ فِي مَالِهِ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ فَبِالْقِيَاسِ عَلَى الْأُمِّ لِأَنَّ وِلَايَةَ التَّصَرُّفِ لِتَثْمِيرِ الْمَالِ وَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ بِالرَّأْيِ الْكَامِلِ وَالشَّفَقَةِ الْوَافِرَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ اجْتِمَاعِهِمَا وَالْمَوْجُودُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَحَدُهُمَا وَأَمَّا الْإِجَارَةُ فَفِيهَا رِوَايَتَانِ فَرِوَايَةُ الْقُدُورِيِّ أَنَّهُ يُؤَجِّرُهُ وَفِي رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَجِّرَهُ كَذَا ذَكَرَهُ فِي الْكَرَاهِيَةِ وَهِيَ الْأَصَحُّ وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى تَثْقِيفِهِ وَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إتْلَافَ مَنَافِعِهِ فَأَشْبَهَ الْعَمَّ بِخِلَافِ الْأُمِّ فَإِنَّهَا تَمْلِكُ الِاسْتِخْدَامَ فَتَمْلِكُ الْإِجَارَةَ وَقَدَّمْنَا أَنَّ وِلَايَةَ التَّصَرُّفِ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ وَنَفْسِهِ لِلسُّلْطَانِ وَأَنَّهُ لَوْ جَعَلَ الْوِلَايَةَ لِلْمُلْتَقِطِ جَازَ وَفِي مَنْظُومَةِ ابْنِ وَهْبَانَ لَوْ قَرَّرَ الْقَاضِي وَلَاءً لِلْمُلْتَقِطِ صَحَّ التَّقْرِيرُ (قَوْلُهُ وَيُسَلِّمُهُ فِي حِرْفَةٍ) لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ تَثْقِيفِهِ وَحِفْظِ مَالِهِ وَالْحِرْفَةُ الصَّنْعَةُ وَالتَّثْقِيفُ تَقْوِيمُ الْمُعْوَجِّ بِالثِّقَافِ وَهُوَ مَا يُسَوَّى بِهِ الرِّمَاحُ وَيُسْتَعَارُ لِلتَّأْدِيبِ وَالتَّهْذِيبِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ (قَوْلُهُ وَيَقْبِضُ هِبَتَهُ) لِأَنَّهُ نَفْعٌ مَحْضٌ وَلِهَذَا يَمْلِكُهُ الصَّغِيرُ بِنَفْسِهِ إذَا كَانَ عَاقِلًا وَتَمْلِكُهُ الْأُمُّ وَوَصِيُّهَا وَلَمْ يَذْكُرْ خِتَانَهُ قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَخْتِنَهُ فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ وَهَلَكَ كَانَ ضَامِنًا اهـ. وَفِي الذَّخِيرَةِ لَوْ أَمَرَ الْمُلْتَقِطُ الْخَتَّانَ فَخَتَنَهُ ضَمِنَ الْمُلْتَقِطُ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ خِتَانِهِ فَصَارَ بِهَذَا الْأَمْرِ جَانِيًا وَلَا يَضْمَنُ الْخِتَانَ قِيلَ هَذَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْخِتَانَ بِكَوْنِهِ مُلْتَقِطًا فَإِنْ عَلِمَ ضَمِنَ اهـ. وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ لَهُ وِلَايَةُ نَقْلِهِ إلَى حَيْثُ شَاءَ وَيَنْبَغِي أَنْ لَيْسَ لَهُ نَقْلُهُ مِنْ مِصْرَ إلَى قَرْيَةٍ أَوْ بَادِيَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (كِتَابُ اللُّقَطَةِ) . وَجْهُ تَأْخِيرِهَا ظَاهِرٌ قَالَ فِي الْقَامُوسِ لَقَطَهُ أَخَذَهُ مِنْ الْأَرْضِ فَهُوَ مَلْقُوطٌ وَاللُّقَطَةُ مُحَرَّكَةٌ كَهُمَزَةٍ مَا اُلْتُقِطَ اهـ. وَفِي الْمُغْرِبِ اللُّقَطَةُ الشَّيْءُ الَّذِي تَجِدُهُ مُلْقًى فَتَأْخُذُهُ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَلَمْ أَسْمَعْ اللُّقَطَةَ بِالسُّكُونِ لِغَيْرِ اللَّيْثِ اهـ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ هِيَ فُعَّلَةٌ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَصْفُ مُبَالَغَةٍ لِلْفَاعِلِ كَهُمَزَةٍ وَلُمَزَةٍ وَلُعَنَةٍ وَضُحَكَةٍ لِلْكَثِيرِ الْهَمْزِ وَغَيْرِهِ وَبِسُكُونِهَا لِلْمَفْعُولِ كَضُحْكَةٍ وَهَمْزَةٍ لِلَّذِي يُضْحَكُ مِنْهُ وَيُهْزَأُ بِهِ. وَإِنَّمَا قِيلَ لِلْمَالِ لُقَطَةً بِالْفَتْحِ لِأَنَّ طَابِعَ النُّفُوسِ تَتَبَادَرُ إلَى الْتِقَاطِهِ لِأَنَّهُ مَالٌ فَصَارَ الْمَالُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ دَاعٍ إلَى أَخْذِهِ لِمَعْنًى فِيهِ نَفْسِهِ كَأَنَّهُ الْكَثِيرُ الِالْتِقَاطُ مَجَازًا وَإِلَّا فَحَقِيقَتُهُ الْمُلْتَقِطُ الْكَثِيرُ الِالْتِقَاطُ وَمَا عَنْ الْأَصْمَعِيِّ وَابْنِ الْأَعْرَابِيِّ أَنَّهُ بِفَتْحِ الْقَافِ اسْمٌ لِلْمَالِ أَيْضًا مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا يَعْنِي يُطْلَقُ الِالْتِقَاطُ عَلَى الْمَالِ أَيْضًا اهـ. وَلَمْ يَذْكُرْ أَكْثَرُ الشَّارِحِينَ تَعْرِيفَهَا اصْطِلَاحًا وَعَرَّفَهَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة مَعْزِيًّا إلَى الْمُضْمَرَاتِ بِأَنَّهَا مَالٌ يُوجَدُ وَلَا يُعْرَفُ لَهُ مَالِكٌ وَلَيْسَ بِمُبَاحٍ اهـ. فَخَرَجَ مَا عُرِفَ مَالِكُهُ فَإِنَّهُ أَمَانَةٌ لَا لُقَطَةٌ وَلِأَنَّ حُكْمَهَا التَّعْرِيفُ وَهَذَا لَا يُعَرَّفُ بَلْ يُدْفَعُ إلَى مَالِكِهِ وَخَرَجَ بِالْأَخِيرِ مَالُ الْحَرْبِيِّ لَكِنْ يَرُدُّ عَلَيْهِ مَا كَانَ مُحْرَزًا بِمَكَانٍ أَوْ حَافِظٍ فَإِنَّهُ لَيْسَ لُقَطَةٌ وَهُوَ دَاخِلٌ فِي التَّعْرِيفِ فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ هِيَ مَالٌ مَعْصُومٌ مُعَرَّضٌ لِلضَّيَاعِ وَعَرَّفَهَا فِي الْمُحِيطِ بِأَنَّهَا رَفْعُ شَيْءٍ ضَائِعٍ لِلْحِفْظِ عَلَى الْغَيْرِ لَا لِلتَّمْلِيكِ وَجَعَلَ عَدَمَ الْحَافِظِ لَهَا مِنْ شَرَائِطِهَا ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِ الْبَابِ أَخَذَ الثَّوْبَ مِنْ السَّكْرَانِ الْوَاقِعِ النَّائِمِ عَلَى الْأَرْضِ لِيَحْفَظَهُ فَهَلَكَ فِي يَدِهِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مَتَاعٌ ضَائِعٌ كَاللُّقَطَةِ فَإِنْ كَانَ الثَّوْبُ تَحْتَ رَأْسِهِ أَوْ كَانَتْ دَرَاهِمُهُ فِي كُمِّهِ فَأَخَذَهَا لِيَحْفَظَهَا فَهُوَ ضَامِنٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِضَائِعٍ لِأَنَّهُ مَحْفُوظٌ بِمَالِكِهِ اهـ. وَالْكَلَامُ فِيهَا فِي مَوَاضِعَ فِي الِالْتِقَاطِ وَالْمُلْتَقِطِ وَاللُّقَطَةِ أَمَّا الْأَوَّلُ وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ فَفِي الْخُلَاصَةِ فَإِنْ خَافَ ضَيَاعَهَا يُفْتَرَضُ الرَّفْعُ وَإِنْ لَمْ يَخَفْ يُبَاحُ رَفْعُهَا أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَيْهِ وَالْأَفْضَلُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَجِّرَهُ) قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ أَيْ لِيَأْخُذَ الْأُجْرَةَ لِنَفْسِهِ اعْتِبَارًا بِالْعَمِّ بِخِلَافِ الْأُمِّ فَإِنَّ لَهَا إجَارَتَهُ اهـ. وَفِي حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ الَّذِي يَظْهَرُ حَمْلُ الْمَنْعِ مِنْ إجَارَتِهِ عَلَى مَا إذَا أَجَّرَهُ الْمُلْتَقِطُ لِتَكُونَ الْأُجْرَةُ لِنَفْسِهِ فَلَا يُنَافِي مَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ لِحَمْلِهِ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ الْأُجْرَةُ لِلَّقِيطِ وَمَا سَبَقَ عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ يُشِيرُ إلَى ذَلِكَ وَكَذَا تَعْلِيلُهُمْ الْمَنْعَ بِإِتْلَافِ الْمَنَافِعِ يُشِيرُ إلَيْهِ أَيْضًا فَلَا خِلَافَ فِي الْحَقِيقَةِ اهـ. فَلْيُتَأَمَّلْ وَلْيُرَاجَعْ مَا ذَكَرَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ. [كِتَابُ اللُّقَطَةِ] (قَوْلُهُ لَكِنْ يَرُدُّ عَلَيْهِ مَا كَانَ مُحَرَّزًا إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ الْحِرْزُ بِالْمَكَانِ وَنَحْوِهِ خَرَجَ بِقَوْلِهِ يُوجَدُ أَيْ فِي الْأَرْضِ ضَائِعًا إذْ لَا يُقَالُ فِي الْمُحْرَزِ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ فِي الْمُحِيطِ جَعَلَ عَدَمَ الْإِحْرَازِ مِنْ شَرَائِطِهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 161 الرَّفْعُ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ اهـ. وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي الْبَدَائِعِ أَنَّهُ مَنْدُوبُ الْأَخْذِ وَمُبَاحُهُ وَحَرَامُهُ فَالْأَوَّلُ أَنْ يَخَافَ عَلَيْهَا الضَّيَاعَ لَوْ تَرَكَهَا لِأَنَّهُ إحْيَاءٌ لِمَالِ الْمُسْلِمِ فَكَانَ مُسْتَحَبًّا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إذَا خَافَ الضَّيَاعَ وَجَبَ أَخْذُهَا وَإِلَّا اُسْتُحِبَّ لِأَنَّ التَّرْكَ عِنْدَ الْخَوْفِ تَضْيِيعٌ وَالتَّضْيِيعُ حَرَامٌ وَهَذَا غَيْرُ سَدِيدٍ لِأَنَّ التَّرْكَ لَا يَكُونُ تَضْيِيعًا بَلْ امْتِنَاعٌ عَنْ حِفْظٍ غَيْرِ مُلْتَزَمٍ وَهُوَ لَيْسَ بِتَضْيِيعٍ كَالِامْتِنَاعِ عَنْ قَبُولِ الْوَدِيعَةِ وَأَمَّا حَالَةُ الْإِبَاحَةِ فَأَنْ لَا يَخَافَ الضَّيَاعَ وَأَمَّا حَالَةُ الْحُرْمَةِ فَهُوَ أَنْ يَأْخُذَهَا لِنَفْسِهِ لَا لِصَاحِبِهَا فَتَكُونُ فِي مَعْنَى الْغَصْبِ اهـ. فَقَدْ عَلِمْت أَنَّ مَا فِي الْخُلَاصَةِ لَيْسَ مَذْهَبُنَا وَفِي الْمُحِيطِ أَنَّ الْأَخْذَ مَنْدُوبٌ إنْ أَمِنَ عَلَى نَفْسِهِ التَّعْرِيفَ وَالرَّدَّ عَلَى صَاحِبِهَا وَإِنْ خَافَ الضَّيَاعَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَهَا صِيَانَةً لِحَقِّ الْمُسْلِمِ لِأَنَّ لِمَالِهِ حُرْمَةً كَمَا لِنَفْسِهِ وَإِنْ كَانَ لَا يَأْمَنُ عَلَى نَفْسِهِ فَالتَّرْكُ أَوْلَى اهـ. وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَمِثْلُهُ فِي الْمُجْتَبَى وَأَشَارَ فِي الْهِدَايَةِ إلَى التَّبَرِّي مِنْهُ بِقَوْلِهِ وَهُوَ وَاجِبٌ إذَا خَافَ الضَّيَاعَ عَلَى مَا قَالُوا وَلَمْ أَرَ حُكْمَ مَا إذَا ضَاعَتْ بَعْدَمَا خَافَ الضَّيَاعَ وَلَمْ يَلْتَقِطْهَا وَمُقْتَضَى الْقَوْلِ بِافْتِرَاضِ رَفْعِهَا الضَّمَانُ لَوْ لَمْ يَرْفَعْ وَضَاعَتْ لَكِنْ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ فِي الْفَصْلِ الثَّالِثِ وَالثَّلَاثِينَ لَوْ انْفَتَحَ زِقٌّ فَمَرَّ بِهِ رَجُلٌ فَلَوْ لَمْ يَأْخُذْهُ بَرِئَ وَلَوْ أَخَذَهُ ثُمَّ تَرَكَهُ ضَمِنَ لَوْ مَالِكُهُ غَائِبًا لَا لَوْ حَاضِرًا وَكَذَا لَوْ رَأَى مَا وَقَعَ مِنْ كَمْ رَجُلٍ اهـ. فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الِافْتِرَاضِ إلَّا أَنْ يُقَالَ أَنَّ فَائِدَةَ الِافْتِرَاضِ الْإِثْمُ بِالتَّرْكِ لَا الضَّمَانُ فِي الدُّنْيَا بِدَلِيلِ أَنَّهُمْ قَالُوا لَوْ مَنَعَ الْمَالِكَ عَنْ أَمْوَالِهِ حَتَّى هَلَكَتْ يَأْثَمُ وَلَا يَضْمَنُ وَأَمَّا الْمُلْتَقِطُ فَلَمْ أَرَ مَنْ بَيَّنَ شَرَائِطَهُ وَلَا يُشْتَرَطُ بُلُوغُهُ بِدَلِيلِ مَا فِي الْمُجْتَبَى التَّعْرِيفُ إلَى وَلِيِّ الصَّبِيِّ وَالْوَارِثِ اهـ. فَدَلَّ عَلَى صِحَّةِ الْتِقَاطِهِ وَأَمَّا حُرِّيَّةُ الْمُلْتَقِطِ فَلَيْسَتْ بِشَرْطٍ لِأَنَّ لِلْعَبْدِ يَدًا صَحِيحَةً بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ الْوَدِيعَةِ لَيْسَ لِلْمَالِكِ أَنْ يَأْخُذَ وَدِيعَةَ عَبْدِهِ مَأْذُونًا أَمْ لَا مَا لَمْ يَحْضُرْ وَيُظْهِرْ أَنَّهُ مِنْ كَسْبِهِ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ وَدِيعَةَ الْغَيْرِ فِي يَدِ الْعَبْدِ فَإِنْ بَرْهَنَ أَنَّهُ لِلْعَبْدِ تُدْفَعُ إلَيْهِ اهـ. لَكِنْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَوْ الْتَقَطَ لَقِيطًا فَقَالَ الْمَوْلَى هُوَ عَبْدِي وَقَالَ الْعَبْدُ الْتَقَطْته فَإِنْ مَحْجُورًا فَالْقَوْلُ لِلْمَوْلَى وَإِنْ مَأْذُونًا فَلِلْعَبْدِ وَلَمْ أَرَ حُكْمَ اللُّقَطَةِ إذَا تَنَازَعَا فِيهَا وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ وَلَمْ أَرَ حُكْمَ تَعْرِيفِ لُقَطَتِهِ هَلْ إلَيْهِ أَوْ إلَى مَوْلَاهُ وَإِذَا عُرِّفَتْ فَهَلْ يَتَمَلَّكُهَا الْمَوْلَى إنْ كَانَ فَقِيرًا وَهَلْ يَتَوَقَّفُ الِالْتِقَاطُ عَلَى إذْنِ الْمَوْلَى وَهَلْ الْإِذْنُ فِي التِّجَارَةِ إذْنٌ فِي الِالْتِقَاطِ وَهَلْ الْمُكَاتَبُ كَالْحُرِّ أَوْ الْعَبْدِ فِيهِ ثُمَّ رَأَيْت فِي الْكَافِي لِلْحَاكِمِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَوْلَى أَبِي رَشِيدٍ قَالَ وَجَدْت خَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ بِالْحِيرَةِ وَأَنَا مُكَاتَبٌ قَالَ فَذَكَرْت ذَلِكَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالَ اعْمَلْ بِهَا وَعَرِّفْهَا قَالَ فَعَمِلْت بِهَا حَتَّى أَدَّيْت مُكَاتَبَتِي ثُمَّ أَتَيْته فَأَخْبَرْته فَقَالَ ادْفَعْهَا إلَى خَزَائِنِ بَيْتِ الْمَالِ اهـ. وَسَيَأْتِي أَنَّ الْعَبْدَ لَوْ رَدَّ الْآبِقَ فَالْجُعْلُ لِمَوْلَاهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ أَهْلًا لِلِالْتِقَاطِ وَأَنَّ الْمَوْلَى يُعَرِّفُهَا ثُمَّ يَتَمَلَّكُهَا إنْ كَانَ فَقِيرًا. وَأَمَّا إسْلَامُ الْمُلْتَقِطِ فَلَيْسَ بِشَرْطٍ بِدَلِيلِ مَا فِي الْكَافِي لِلْحَاكِمِ لَوْ أَقَامَ مُدَّعِيهَا شُهُودًا كُفَّارًا عَلَى مُلْتَقِطٍ كَافِرٍ قُبِلَتْ اهـ. فَدَلَّ عَلَى صِحَّةِ الْتِقَاطِ الْكَافِرِ وَعَلَى هَذَا تَثْبُتُ الْأَحْكَامُ مِنْ التَّعْرِيفِ وَالتَّصْدِيقِ بَعْدَهُ أَوْ الِانْتِفَاعُ وَلَمْ أَرَهُ صَرِيحًا وَلَمْ أَرَ حُكْمَ الْتِقَاطِ الْمُرْتَدِّ لَقِيطًا أَوْ لُقَطَةً وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَشَايِخَنَا إنَّمَا لَمْ يُقَيِّدُوا الْمُلْتَقِطَ بِشَيْءٍ لِإِطْلَاقِهِ عِنْدَنَا وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الْمُلْتَقِطَ أَحَقُّ بِإِمْسَاكِهَا مِنْ غَيْرِهِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ فَقَدْ عَلِمْت أَنَّ مَا فِي الْخُلَاصَةِ لَيْسَ مَذْهَبَنَا) قَالَ فِي النَّهْرِ مَا فِي الْبَدَائِعِ شَاذٌّ وَمَا فِي الْخُلَاصَةِ يَجْرِي عَلَيْهِ فِي الْمُحِيطِ والتتارخانية وَالِاخْتِيَارِ وَارْتَضَاهُ فِي الْفَتْحِ وَقَيَّدَهُ فِي السِّرَاجِيَّةِ بِأَنْ يَأْمَنَ عَلَى نَفْسِهِ رَدَّهَا (قَوْلُهُ وَلَمْ أَرَ حُكْمَ مَا إذَا ضَاعَتْ بَعْدَ مَا خَافَ الضَّيَاعَ إلَخْ) أَقُولُ: ذُكِرَ فِي الْخَانِيَّةِ مَا هُوَ كَالصَّرِيحِ فِي عَدَمِ ضَمَانِهِ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ حَيْثُ قَالَ رَجُلٌ الْتَقَطَ لُقَطَةً لِيُعَرِّفَهَا ثُمَّ أَعَادَهَا إلَى الْمَكَانٍ الَّذِي وَجَدَهَا فِيهِ ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ أَنَّهُ يَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ مَا إذَا تَحَوَّلَ عَنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ ثُمَّ أَعَادَهَا إلَيْهِ وَبَيْنَ مَا إذَا أَعَادَهَا قَبْلَ أَنْ يَتَحَوَّلَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ إنَّمَا يَبْرَأُ إذَا أَعَادَهَا قَبْلَ التَّحَوُّلِ أَمَّا إذَا أَعَادَهَا بَعْدَ مَا تَحَوَّلَ يَكُونُ ضَامِنًا وَإِلَيْهِ أَشَارَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْمُخْتَصَرِ هَذَا إذَا أَخَذَ اللُّقَطَةَ لِيُعَرِّفَهَا فَإِنْ كَانَ أَخَذَهَا لِيَأْكُلَهَا لَمْ يَبْرَأْ عَنْ الضَّمَانِ مَا لَمْ يَدْفَعْ إلَى صَاحِبِهَا لِأَنَّهُ إذَا أَخَذَ لِيَأْكُلَهَا يَصِيرُ غَاصِبًا وَالْغَاصِبُ لَا يَبْرَأُ إلَّا بِالرَّدِّ عَلَى الْمَالِكِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَقِيلَ عَلَى قَوْلِ زُفَرَ يَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ وَهُوَ كَمَا لَوْ كَانَتْ دَابَّةٌ فَرَكِبَهَا ثُمَّ نَزَلَ عَنْهَا وَتَرَكَهَا فِي مَكَانِهَا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يَكُونُ ضَامِنًا وَعَلَى قَوْلِ زُفَرَ لَا يَكُونُ اهـ. وَتَمَامُهُ فِيهَا وَسَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ أَيْضًا وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ يَشْمَلُ مَا إذَا خَافَ ضَيَاعَهَا بَعْدَ الرَّدِّ وَإِذَا لَمْ يَضْمَنْ حِينَئِذٍ بَعْدَ رَفْعِهَا فَكَيْفَ قَبْلَهُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ إلَخْ) قَالَ الْحَمَوِيُّ وَلَا حَاجَةَ إلَى هَذَا فَقَدْ قَالَ فِي الْبِنَايَةِ وَلَوْ الْتَقَطَ الْعَبْدُ شَيْئًا بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ يَجُوزُ عِنْدَهُ وَعِنْدَ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ فِي قَوْلٍ اهـ. قَالَهُ أَبُو السُّعُودِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 162 وَذَكَرَ فِي اللَّقِيطِ أَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَخْذُهُ مِنْهُ وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ رَجُلٌ الْتَقَطَ لُقَطَةً فَضَاعَتْ مِنْهُ ثُمَّ وَجَدَهَا فِي يَدِ رَجُلٍ فَلَا خُصُومَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذَلِكَ الرَّجُلِ فَرَّقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْوَدِيعَةِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الثَّانِي فِي أَخْذِ اللُّقَطَةِ كَالْأَوَّلِ وَلَيْسَ الثَّانِي فِي أَخْذِ الْوَدِيعَةِ كَالْأَوَّلِ وَلَوْ الْتَقَطَ الرَّجُلُ لَقِيطًا فَأَخَذَهُ مِنْهُ رَجُلٌ ثُمَّ اخْتَصَمَا فِيهِ فَالْأَوَّلُ أَحَقُّ بِهِ لِأَنَّ الْأَوَّلَ صَارَ أَحَقَّ بِإِمْسَاكِهِ بِحُكْمِ الْيَدِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مُسْتَحَقٌّ آخَرُ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ مُسْتَحَقٌّ لَمَا وَجَدَهُ مَطْرُوحًا مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرِ وَلَا كَذَلِكَ اللُّقَطَةُ لِأَنَّ لَهَا مُسْتَحَقًّا آخَرَ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرِ فَلَا يَثْبُتُ الِاسْتِحْقَاقُ لِصَاحِبِ الْيَدِ الْأَوَّلِ فَكَانَ الثَّانِي فِي إثْبَاتِ الْيَدِ كَالْأَوَّلِ اهـ. فَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمُلْتَقِطَ لَيْسَ أَحَقَّ بِهَا وَهُوَ مُشْكِلٌ لَوْ انْتَزَعَهَا إنْسَانٌ مِنْهُ غَصْبًا فَإِنَّهُ يَثْبُتُ لِلْأَوَّلِ حَقُّ أَنْ يَتَمَلَّكَهَا بَعْدَ التَّعْرِيفِ لَوْ كَانَ فَقِيرًا فَكَيْفَ يُبْطِلُهُ الثَّانِي نَعَمْ لَوْ ضَاعَتْ مِنْ الْأَوَّلِ وَالْتَقَطَهَا آخَرُ فَإِنَّ الْأَوَّلَ لَا يُخَاصِمُهُ لِأَنَّهَا لُقَطَةٌ لِلثَّانِي وَالْأَوَّلُ لَا يَمْلِكُ الْخُصُومَةَ وَلَا يُقَالُ إنَّ كَلَامَهُمْ فِيمَا إذَا ضَاعَتْ لِأَنَّا نَقُولُ قَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُمَا مَسْأَلَتَانِ الْأُولَى فِيمَا إذَا ضَاعَتْ وَفَرَّقُوا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْوَدِيعَةِ الثَّانِيَةِ فِيمَا إذَا أَخَذَهَا رَجُلٌ مِنْهُ وَفَرَّقُوا بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّقِيطِ وَأَمَّا اللُّقَطَةُ فَلَا فَرْقَ عِنْدَنَا بَيْنَ لُقَطَةٍ وَلُقَطَةٍ كَمَا أَفَادَهُ بِقَوْلِهِ وَصَحَّ الْتِقَاطُ الْبَهِيمَةِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَكَان وَمَكَانٍ كَمَا أَفَادَهُ بِقَوْلِهِ (لُقَطَةُ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ أَمَانَةٌ إنْ أَخَذَهَا لِيَرُدَّهَا عَلَى رَبِّهَا وَأَشْهَدَ) لِإِطْلَاقِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «اعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً» وَأَمَّا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الْحَرَمِ «وَلَا تَحِلُّ لُقَطَتُهُ إلَّا لِمُنْشِدِهَا» فَتَأْوِيلُهُ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ الِالْتِقَاطُ إلَّا لِلتَّعْرِيفِ وَالتَّخْصِيصُ بِالْحَرَمِ لِبَيَانِ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ التَّعْرِيفُ فِيهِ لِمَكَانٍ أَنَّهُ لِلْغُرَبَاءِ ظَاهِرًا. وَأَمَّا كَوْنُهَا أَمَانَةً فَلِأَنَّ الْأَخْذَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مَأْذُونٌ فِيهِ شَرْعًا بَلْ هُوَ الْأَفْضَلُ عِنْدَ الْعَامَّةِ قَيَّدَ بِأَخْذِهَا لِيَرُدَّهَا لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ أَخَذَهَا لِنَفْسِهِ يَضْمَنُ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ أَخَذَ مَالَ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَبِغَيْرِ إذْنِ الشَّرْعِ وَلَوْ تَصَادَقَا عَلَى أَنَّهُ أَخَذَهَا لِلْمَالِكِ فَلَا ضَمَانَ إجْمَاعًا لِأَنَّ تَصَادُقَهُمَا حُجَّةٌ فِي حَقِّهِمَا كَالْبَيِّنَةِ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الْإِشْهَادَ إنَّمَا هُوَ شَرْطٌ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ بِأَنْ قَالَ الْمُلْتَقِطُ أَخَذْته لِلْمَالِكِ وَكَذَّبَهُ الْمَالِكُ فَإِنَّهُ ضَامِنٌ عِنْدَهُمَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَضْمَنُ وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لَهُ لِاخْتِيَارِهِ الْحَسَنَةَ دُونَ الْمَعْصِيَةِ وَلَهُمَا أَنَّهُ أَقَرَّ بِسَبَبِ الضَّمَانِ وَهُوَ أَخْذُ مَالِ الْغَيْرِ وَادَّعَى مَا يُبَرِّئُهُ وَهُوَ الْأَخْذُ لِمَالِكِهِ وَفِيهِ وَقَعَ الشَّكُّ فَلَا يُبَرَّأُ وَمَا ذُكِرَ مِنْ الظَّاهِرِ مُعَارَضٌ بِمِثْلِهِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنْ يَكُونَ الْمُتَصَرِّفُ عَامِلًا لِنَفْسِهِ وَرَجَّحَ فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ قَالَ وَبِهِ نَأْخُذُ اهـ. وَيَكْفِيهِ فِي الْإِشْهَادِ أَنْ يَقُولَ مَنْ سَمِعْتُمُوهُ يَنْشُدُ لُقَطَةً فَدُلُّوهُ عَلَيْهَا وَاحِدَةً كَانَتْ اللُّقَطَةُ أَوْ أَكْثَرَ لِأَنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَفِي الْيَنَابِيعِ ذُكِرَ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مَعَ أَبِي يُوسُفَ اهـ. وَيَكْفِيهِ فِي الْإِشْهَادِ أَيْضًا أَنْ يَقُولَ عِنْدِي لُقَطَةً كَمَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَا يُشْتَرَطُ التَّصْرِيحُ بِكَوْنِهِ لُقَطَةً لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ عِنْدِي شَيْءٌ فَمَنْ سَمِعْتُمُوهُ يَسْأَلُ فَدُلُّوهُ عَلَى كَفَاهُ كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَمَحَلُّ اشْتِرَاطِ الْإِشْهَادِ عِنْدَ الْإِمْكَانِ فَلَوْ لَمْ يَجِدْ مِنْ يُشْهِدُهُ عِنْدَ الرَّفْعِ أَوْ خَافَ أَنَّهُ لَوْ أَشْهَدَ عِنْدَ الرَّفْعِ يَأْخُذُهُ مِنْهُ الظَّالِمُ فَتَرَكَ الْإِشْهَادَ لَا يَضْمَنُ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ كَوْنِي مَنَعَنِي مِنْ الْإِشْهَادِ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ فَإِنْ وَجَدَ مَنْ يُشْهِدُهُ فَجَاوَزَهُ ضَمِنَ وَفِي الْقُنْيَةِ وَجَدَ الصَّبِيُّ لُقَطَةً وَلَمْ يُشْهِدْ يَضْمَنُ كَالْبَائِعِ اهـ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ صِحَّةِ الْتِقَاطِهِ وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ مَحَلُّ الِاخْتِلَافِ فِيمَا إذَا اتَّفَقَا عَلَى كَوْنِهَا لُقَطَةً لَكِنْ اخْتَلَفَا هَلْ الْتَقَطَهَا لِلْمَالِكِ أَوْ لَا أَمَّا إذَا اخْتَلَفَا فِي كَوْنِهَا لُقَطَةً فَقَالَ صَاحِبُ الْمَالِ أَخَذْتهَا غَصْبًا وَقَالَ الْمُلْتَقِطُ لُقَطَةً وَقَدْ أَخَذْتهَا لَك فَالْمُلْتَقِطُ ضَامِنٌ بِالْإِجْمَاعِ اهـ. وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ مَا إذَا رَدَّهَا إلَى مَكَانِهَا وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَغَيْرِهَا وَإِذَا أَخَذَ الرَّجُلُ لُقَطَةً لِيُعَرِّفَهَا ثُمَّ أَعَادَهَا فِي الْمَكَانِ الَّذِي أَخَذَهَا مِنْهُ فَقَدْ بَرِئَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ فَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمُلْتَقِطَ لَيْسَ أَحَقَّ بِهَا) قَالَ فِي النَّهْرِ بَعْدَ ذِكْرِ مَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ لَكِنْ فِي السِّرَاجِ الصَّحِيحُ أَنَّ لَهُ الْخُصُومَةَ لِأَنَّ يَدَهُ أَحَقُّ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 163 عَنْ الضَّمَانِ هَذَا إذَا أَعَادَهَا قَبْلَ أَنْ يَتَحَوَّلَ عَنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ أَمَّا إذَا أَعَادَهَا بَعْدَمَا تَحَوَّلَ يَضْمَنُ وَلَوْ كَانَتْ دَابَّةٌ فَرَكِبَهَا ثُمَّ نَزَلَ عَنْهَا فَتَرَكَهَا فِي مَكَانِهَا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ هُوَ ضَامِنٌ وَعَلَى قَوْلِ زُفَرَ لَا وَكَذَا إذَا أَخَذَ الْخَاتَمَ مِنْ أُصْبُعِ نَائِمٍ ثُمَّ أَعَادَهُ إلَى أُصْبُعِهِ بَعْدَمَا انْتَبَهَ وَلَوْ أَعَادَهُ قَبْلَ أَنْ يَنْتَبِهَ مِنْ تِلْكَ النَّوْمَةِ بَرِئَ عَنْ الضَّمَانِ اتِّفَاقًا اهـ. وَالتَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ خِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَإِنَّهَا عَدَمُ الضَّمَانِ مُطْلَقًا وَهُوَ الْوَجْهُ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَرَجَّحَهُ فِي الْبَدَائِعِ أَيْضًا وَأَطْلَقَ فِي الْإِشْهَادِ فَانْصَرَفَ إلَى مَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَهُوَ عَدْلَانِ وَلِذَا قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَظَاهِرُ الْمَبْسُوطِ اشْتِرَاطُ عَدْلَيْنِ اهـ. (قَوْلُهُ وَعَرَّفَ إلَى أَنْ عَلِمَ أَنَّ رَبَّهَا لَا يَطْلُبُهَا) مَعْطُوفٌ عَلَى أَشْهَدَ فَظَاهِرُهُ أَنَّ التَّعْرِيفَ شَرْطٌ أَيْضًا وَأَنَّ الْإِشْهَادَ لَا يَكْفِي لِنَفْيِ الضَّمَانِ وَهَكَذَا شُرِطَ فِي الْمُحِيطِ لِنَفْيِ الضَّمَانِ الْإِشْهَادُ وَإِشَاعَةُ التَّعْرِيفِ وَحُكِيَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ فِيهِ اخْتِلَافًا فَقَالَ قَالَ الْحَلْوَانِيُّ أَدْنَى مَا يَكُونُ مِنْ التَّعْرِيفِ أَنْ يُشْهِدَ عِنْدَ الْأَخْذِ وَيَقُولَ آخُذُهَا لِأَرُدَّهَا فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ ثُمَّ لَمْ يُعَرِّفْهَا بَعْدَ ذَلِكَ كَفَى وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ يَأْتِي عَلَى أَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ وَيُنَادِي اهـ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَعَلَى هَذَا لَا يَلْزَمُ الْإِشْهَادُ أَيْ التَّعْرِيفُ وَقْتَ الْأَخْذِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْهُ قَبْلَ هَلَاكِهَا لِيَعْرِفَ أَنَّهُ أَخَذَهَا لِيَرُدَّهَا لَا لِنَفْسِهِ اهـ. وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ الْإِشْهَادَ لَا بُدَّ مِنْهُ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ عِنْدَ الْأَخْذِ بِاتِّفَاقِ الْمَشَايِخِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا هَلْ يَكْفِي هَذَا الْإِشْهَادُ عِنْدَ الْأَخْذِ عَنْ التَّعْرِيفِ بَعْدَهُ أَوْ لَا وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ أَنَّ التَّعْرِيفَ بَعْدَ الْأَخْذِ يَكْفِي عَنْ الْإِشْهَادِ وَقْتَ الْأَخْذِ فَلْيُتَأَمَّلْ وَلَمْ يَجْعَلْ لِلتَّعْرِيفِ مُدَّةً اتِّبَاعًا لِشَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ فَإِنَّهُ بَنَى الْحُكْمَ عَلَى غَالِبِ الرَّأْيِ فَيُعَرِّفُ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ إلَى أَنْ يَغْلِبَ عَلَى رَأْيِهِ أَنَّ صَاحِبَهُ لَا يَطْلُبُهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَصَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَقَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَالْجَوْهَرَةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَإِنَّهُ التَّقْدِيرُ بِالْحَوْلِ فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ كَمَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ ثُمَّ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَدَّرَ بِحَوْلٍ اُخْتُلِفَ فِيهِ قِيلَ يُعَرِّفُهَا كُلَّ جُمُعَةٍ وَقِيلَ كُلَّ شَهْرٍ وَقِيلَ كُلَّ سِتَّةِ أَشْهُرٍ قَالَ السَّرَخْسِيُّ حُكِيَ أَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ بِبَلْخٍ وَجَدَ لُقَطَةً وَكَانَ مُحْتَاجًا إلَيْهَا وَقَدْ قَالَ فِي نَفْسِهِ لَا بُدَّ مِنْ تَعْرِيفِهَا وَلَوْ عَرَّفْتهَا فِي الْمِصْرِ رُبَّمَا يَظْهَرُ صَاحِبُهَا فَخَرَجَ مِنْ الْمِصْرِ حَتَّى انْتَهَى إلَى رَأْسِ بِئْرٍ فَدَلَّى رَأْسَهُ فِي الْبِئْرِ وَجَعَلَ يَقُولُ وَجَدْت كَذَا فَمَنْ سَمِعْتُمُوهُ يَنْشُدُ ذَلِكَ فَدُلُّوهُ عَلَيَّ وَبِجَنْبِ الْبِئْرِ رَجُلٌ يُرَقِّعُ شَمْلَتَهُ وَكَانَ صَاحِبَ اللُّقَطَةِ فَتَعَلَّقَ بِهِ حَتَّى أَخَذَهَا مِنْهُ لِيَعْلَمَ أَنَّ الْمَقْدُورَ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتْرُكَ مَا لَزِمَهُ شَرْعًا وَهُوَ إظْهَارُ التَّعْرِيفِ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَكْثُرُ هَمُّك مَا يُقَدَّرُ يَكُونُ وَمَا تُرْزَقُ يَأْتِيك» اهـ. وَهُوَ خَطَأٌ مِنْ هَذَا الْمُلْتَقِطِ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِتَعْرِيفٍ اتِّفَاقًا. قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ ثُمَّ التَّعْرِيفُ إنَّمَا يَكُونُ جَهْرًا فِي الْأَسْوَاقِ وَفِي أَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ وَفِي الْمَوْضِعِ الَّذِي وَجَدَهَا فِيهِ وَفِي الْجَامِعِ وَإِنْ كَانَتْ شَيْئًا لَا يَبْقَى عَرَّفَهُ حَتَّى يَخَافَ فَسَادَهُ فَيَتَصَدَّقُ بِهِ اهـ. كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَإِنْ وَجَدَ اللُّقَطَةَ رَجُلَانِ عَرَّفَاهَا جَمِيعًا وَاشْتَرَكَا فِي حُكْمِهَا اهـ. وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْمُلْتَقِطَ إذَا كَانَ صَبِيًّا عَرَّفَهَا وَلِيُّهُ زَادَ فِي الْقُنْيَةِ أَوْ وَصِيُّهُ ثُمَّ لَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا وَسَكَتَ عَنْ حُكْمِ تَمْلِيكِهَا لِلصَّبِيِّ لَوْ كَانَ فَقِيرًا لِأَنَّهُ يَعْلَمُ بِالْأُولَى وَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَجُوزَ الصَّدَقَةُ بِهَا مِنْ وَلِيِّهِ أَوْ وَصِيِّهِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْإِضْرَارِ عَلَى احْتِمَال أَنْ لَا يُجِيزَ مَالِكُهَا إذَا حَضَرَ وَالْعَيْنُ هَالِكَةٌ مِنْ يَدِ الْفَقِيرِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهَا مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ وَلَيْسَ فِي إمْسَاكِهَا أَوْ تَمْلِيكِهَا ضَرَرٌ ثُمَّ رَأَيْت بَعْدَ ذَلِكَ فِي شَرْحِ مَنْظُومَةِ ابْنِ وَهْبَانَ لِلْمُصَنِّفِ أَنَّهُ قَالَ يَنْبَغِي عَلَى قَوْلِ أَصْحَابِنَا إذَا تَصَدَّقَ بِهَا الْأَبُ أَوْ الْوَصِيُّ ثُمَّ ظَهَرَ صَاحِبُ اللُّقَطَةِ وَضَمِنَهَا أَنْ يَكُونَ الضَّمَانُ فِي مَالِهِمَا دُونَ الصَّبِيِّ اهـ. وَإِذَا صَحَّ هَذَا الْبَحْثُ فَلَا إشْكَالَ فِي جَوَازِ تَصَدُّقِهِمَا حِينَئِذٍ وَفِي الْقَامُوسِ التَّعْرِيفُ الْإِعْلَامُ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة قَالَ أَبُو الْحَسَنِ لَهُ أَنْ يَأْمُرَ غَيْرَهُ وَيُعْطِيَهَا حَتَّى يُعَرِّفَهَا يُرِيدُ إذَا عَجَزَ عَنْ التَّعْرِيفِ بِنَفْسِهِ اهـ. فَأَفَادَ جَوَازَ الِاسْتِنَابَةِ   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 164 فِي التَّعْرِيفِ لَكِنَّ فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ لَوْ دَفَعَهَا إلَى غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِ الْقَاضِي ضَمِنَ اهـ. وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْرِيفِهَا وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا فِي الْهِدَايَةِ فَإِنْ كَانَتْ اللُّقَطَةُ شَيْئًا يَعْلَمُ أَنَّ صَاحِبَهَا لَا يَطْلُبُهَا كَالنَّوَاةِ وَقِشْرِ الرُّمَّانِ يَكُونُ إلْقَاؤُهُ إبَاحَةً حَتَّى جَازَ الِانْتِفَاعُ بِهِ مِنْ غَيْرِ تَعْرِيفٍ وَلَكِنَّهُ يَبْقَى عَلَى مِلْكِ مَالِكِهِ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ مِنْ الْمَجْهُولِ لَا يَصِحُّ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ لَوْ وَجَدَهَا مَالِكُهَا فِي يَدِهِ لَهُ أَخْذُهَا إلَّا إذَا قَالَ عِنْدَ الرَّمْيِ مَنْ أَخَذَهَا فَهِيَ لَهُ لِقَوْمٍ مَعْلُومِينَ وَلَمْ يَذْكُرْ السَّرَخْسِيُّ هَذَا التَّفْصِيلَ وَكَذَا الْحُكْمُ فِي الْتِقَاطِ السَّنَابِلِ لَكِنَّ أَخْذَهُ بَعْدَ جَمْعِ غَيْرِهِ يُعَدُّ دَنَاءَةً وَأَطْلَقَ فِي الْهِدَايَةِ فِي النَّوَاةِ وَقُشُورِ الرُّمَّانِ وَقَيَّدَهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ بِأَنْ يَكُونَ فِي مَوَاضِعَ مُتَفَرِّقَةٍ قَالَ أَمَّا الْمُجْتَمِعَةُ فَهِيَ مِنْ قَبِيلِ مَا يَطْلُبُهُ صَاحِبُهُ فَيَحْفَظُهُ وَإِنْ وَجَدَ جَوْزَةً ثُمَّ وَثُمَّ حَتَّى بَلَغَ الْمُتَقَوِّمَ إنْ مُجْتَمِعًا فَهُوَ مِنْ الثَّانِي وَإِنْ مُتَفَرِّقًا لَهُ قِيمَةٌ اخْتَلَفُوا قِيلَ مِنْ الْأَوَّلِ وَقِيلَ مِنْ الثَّانِي وَهُوَ الْأَحْوَطُ وَذَكَرَ فِي الْفَتَاوَى الْمُخْتَار أَنَّهُ مِنْ النَّوْعِ الْأَوَّلِ التُّفَّاحُ وَالْكُمَّثْرَى إنْ وُجِدَ فِي الْمَاءِ يَجُوزُ أَخْذُهُ وَإِنْ كَثِيرًا لِأَنَّهُ يَفْسُدُ بِالْمَاءِ وَالْحَطَبُ فِي الْمَاءِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قِيمَةٌ يَأْخُذُهُ وَإِنْ لَهُ قِيمَةٌ فَهُوَ لُقَطَةٌ وَجَعَلَ فِي الْفَتَاوَى الْحَطَبَ كَالتُّفَّاحِ بِالْمَاءِ أَصَابُوا بَعِيرًا مَذْبُوحًا فِي الْبَادِيَةِ قَرِيبًا مِنْ الْمَاءِ وَوَقَعَ فِي ظَنِّهِ أَنَّ مَالِكَهُ أَبَاحَهُ لَا بَأْسَ بِالْأَخْذِ وَالْأَكْلِ وَعَنْ الثَّانِي لَوْ طَرَحَ مَيْتَةً فَجَاءَ آخَرُ وَأَخَذَ صُوفَهَا لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ وَلَوْ جَاءَ مَالِكُهَا لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الصُّوفَ مِنْهُ وَلَوْ سَلَخَهَا وَدَبَغَ الْجِلْدَ يَأْخُذُهُ الْمَالِكُ وَيَرُدُّ عَلَيْهِ مَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ أَنَاخَ رَجُلٌ إبِلَهُ فِي دَارِ رَجُلٍ يُؤَاجِرُهَا وَاجْتَمَعَ مِنْ ذَلِكَ بَعْرٌ كَثِيرٌ فَإِنْ كَانَ مِنْ رَأْيِ صَاحِبِ الدَّارِ أَنْ يَجْمَعَ ذَلِكَ لَهُ فَهُوَ لَهُ لِأَنَّهُ أَعَدَّ الدَّارَ لِلْإِحْرَازِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ رَأْيِهِ أَنْ يَجْمَعَهُ بَلْ يَتْرُكُ ذَلِكَ عَلَى حَالِهِ فَهُوَ مُبَاحٌ فَكُلُّ مَنْ أَخَذَهُ فَهُوَ أَوْلَى وَلَوْ سَيَّبَ دَابَّتَهُ فَأَخَذَهَا إنْسَانٌ فَأَصْلَحَهَا ثُمَّ جَاءَ صَاحِبُهَا فَإِنْ كَانَ قَالَ عِنْدَ التَّسْيِيبِ جَعَلْتهَا لِمَنْ أَخَذَهَا فَلَا سَبِيلَ لِصَاحِبِهَا عَلَيْهَا لِأَنَّهُ أَبَاحَ التَّمْلِيكَ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ أَنْ يَأْخُذَهَا وَكَذَلِكَ مَنْ أَرْسَلَ صَيْدًا لَهُ هَكَذَا اخْتَارَهُ بَعْضُ مَشَايِخِنَا فَإِنْ اخْتَلَفَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِهَا مَعَ يَمِينِهِ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ هُوَ لِمَنْ أَخَذَهَا لِأَنَّهُ يُنْكِرُ إبَاحَةَ التَّمَلُّكِ وَإِنْ بَرْهَنَ الْآخِذُ أَوْ نَكَلَ الْمَالِكُ عَنْ الْيَمِينِ سُلِّمَتْ لِلْآخِذِ وَذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي نَوَازِلِهِ إذَا اجْتَمَعَ لِلدَّهَّانِينَ مَا يَقْطُرُ مِنْ الْأَوْعِيَةِ فِي إنَائِهِ فَإِنْ كَانَ يَسِيلُ مِنْ خَارِجِ الْأَوْعِيَةِ يَطِيبُ لَهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّ مَا انْفَصَلَ عَنْهَا لَا يَدْخُلُ الْبَيْعَ وَإِنْ سَالَ مِنْ الدَّاخِلِ أَوْ مِنْ الدَّاخِلِ وَالْخَارِجِ جَمِيعًا أَوْ لَا يَعْلَمُ يَنْظُرُ إنْ زَادَ الدِّهَانُ مِنْ عِنْدِهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُشْتَرِي طَابَ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَزِدْ لَا يَطِيبُ لَهُ وَيَتَصَدَّقُ بِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُحْتَاجًا لِأَنَّ سَبِيلَهُ سَبِيلُ اللُّقَطَةِ اهـ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة سَأَلَ رَجُلٌ عَطَاءً عَنْ رَجُلٍ بَاتَ فِي الْمَسْجِدِ وَاسْتَيْقَظَ وَفِي يَدِهِ صُرَّةٌ فِيهَا دَنَانِيرُ قَالَ إنَّ الَّذِي صَرَّهَا فِي يَدِك لَمْ يَصُرَّهَا إلَّا وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَجْعَلَهَا لَك اهـ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَمَنْ أَخَذَ بَازِيًا أَوْ شِبْهَهُ فِي مِصْرٍ أَوْ سَوَادٍ وَفِي رِجْلَيْهِ سَيْرٌ أَوْ جَلَاجِلُ فَعَلَيْهِ أَنْ يُعَرِّفَهُ لِلتَّيَقُّنِ بِثُبُوتِ يَدِ الْغَيْرِ عَلَيْهِ قَبْلَهُ وَكَذَا لَوْ أَخَذَ ظَبْيًا وَفِي عُنُقِهِ قِلَادَةٌ أَوْ حَمَامَةً فِي الْمِصْرِ يُعَرِّفُ إذْ مِثْلُهَا لَا يَكُونُ وَحْشِيَّةً بِأَنْ كَانَتْ مُسَرْوَلَةً فَعَلَيْهِ أَنْ يُعَرِّفَهَا اهـ. (قَوْلُهُ ثُمَّ تَصَدَّقَ) أَيْ إنْ لَمْ يَجِئْ صَاحِبُهَا فَلَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا عَلَى الْفُقَرَاءِ إيصَالًا لِلْحَقِّ إلَى الْمُسْتَحِقِّ وَهُوَ وَاجِبٌ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ وَذَلِكَ بِإِيصَالِ عَيْنِهَا عِنْدَ الظَّفَرِ بِصَاحِبِهَا وَإِيصَالِ الْعِوَضِ وَهُوَ الثَّوَابُ عَلَى اعْتِبَارِ إجَازَتِهِ التَّصَدُّقَ بِهَا وَسَيَأْتِي أَنَّ لَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهَا فَعُلِمَ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَهُمَا وَسَكَتَ عَنْ إمْسَاكِهَا وَلَهُ ذَلِكَ رَجَاءَ الظَّفَرِ بِصَاحِبِهَا كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَعَنْ دَفْعِهَا لِلْإِمَامِ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ يَرْفَعُ الْأَمْرَ إلَى الْإِمَامِ وَالْإِمَامُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَبِلَ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَقْبَلْ فَإِنْ قَبِلَ إنْ شَاءَ عَجَّلَ صَدَقَتَهَا وَإِنْ شَاءَ أَقْرَضَهَا مِنْ رَجُلٍ مَلِيءٍ وَإِنْ شَاءَ دَفَعَهَا مُضَارَبَةً وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا عَلَى الْمُلْتَقِطِ ثُمَّ هُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَدَامَ الْحِفْظَ وَإِنْ شَاءَ تَصَدَّقَ عَلَى أَنْ يَكُونَ   [منحة الخالق] [التَّعْرِيفَ بِاللُّقَطَةِ] (قَوْلُهُ فَأَفَادَ جَوَازَ الِاسْتِنَابَةِ فِي التَّعَرُّفِ إلَخْ) قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ عِنْدَ قَوْلِهِ وَعُرِّفَتْ وَفِي لَفْظِ الْمَجْهُولِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ لَوْ عَرَّفَهَا غَيْرُهُ بِأَمْرِهِ جَازَ إذَا عَجَزَ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ وَجَازَ دَفْعُهَا إلَى أَمِينٍ وَلَهُ اسْتِرْدَادُهَا مِنْهُ وَإِنْ هَلَكَتْ فِي يَدِهِ لَمْ يَضْمَنْ كَمَا فِي الْمُنْيَةِ (قَوْلُهُ وَلَوْ سَيَّبَ دَابَّتَهُ إلَخْ) قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا ثَاقِبٌ عَلَيْهِ دَابَّتَهُ وَلَا قِيمَةَ لَهَا مِنْ الْهُزَالِ وَلَمْ يَقُلْ وَقْتَ التَّرْكِ فَلْيَأْخُذْهَا مَنْ شَاءَ فَأَخَذَهَا رَجُلٌ وَأَصْلَحَهَا فَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ لِآخِذِهَا كَقُشُورِ الرُّمَّانِ الْمَطْرُوحَةِ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ تَكُونُ لِصَاحِبِهَا قَالَ مُحَمَّدٌ لِأَنَّا لَوْ جَوَّزْنَا ذَلِكَ فِي الْحَيَوَانِ وَجَعَلْنَاهُ لِلْأَخْذِ لَجَوَّزْنَا فِي الْجَارِيَةِ وَالْعَبْدِ تُرْمَى فِي الْأَرْضِ مَرِيضَةٌ لَا قِيمَةَ لَهَا فَيَأْخُذُهُ رَجُلٌ وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ حَتَّى يَصِيرَ مِلْكًا لَهُ فَيَطَأُ الْجَارِيَةَ وَيَجِدُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ شِرَاءٍ وَلَا هِبَةٍ وَلَا إرْثٍ وَلَا صَدَقَةٍ وَيَصِحُّ إعْتَاقُ الْغُلَامِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمْلِكَهُ الْمَالِكُ وَهَذَا أَمْرٌ قَبِيحٌ اهـ. وَبِهِ عُلِمَ حُكْمُ مَا ذَكَرَهُ الرَّمْلِيُّ مِمَّا كَثُرَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 165 الثَّوَابُ لِصَاحِبِهَا وَإِنْ شَاءَ بَاعَهَا إنْ لَمْ تَكُنْ دَارَهُمْ أَوْ دَنَانِيرَ وَأَمْسَكَ ثَمَنَهَا ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ إنْ حَضَرَ مَالِكُهَا لَيْسَ لَهُ نَقْضُ الْبَيْعِ إنْ كَانَ الْبَيْعُ بِأَمْرِ الْقَاضِي وَإِنْ بَاعَ بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي وَهِيَ قَائِمَةٌ فَإِنْ شَاءَ أَجَازَ الْبَيْعَ وَأَخَذَ الثَّمَنَ وَإِنْ شَاءَ أَبْطَلَ الْبَيْعَ وَأَخَذَ عَيْنَ مَالِهِ وَإِنْ هَلَكَتْ إنْ شَاءَ ضَمِنَ الْبَائِعَ وَعِنْدَ ذَلِكَ يَنْفُذُ الْبَيْعُ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَبِهِ أَخَذَ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ وَذَكَرَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ أَنَّ الْمُودِعَ إذَا بَاعَ الْوَدِيعَةَ وَهَلَكَتْ وَضَمِنَهُ الْمَالِكُ فَهُوَ كَالْمُلْتَقِطِ اهـ. وَفِي الذَّخِيرَةِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْإِمَامَ يَصِيرُ نَاظِرًا فَيَفْعَلُ مَا يَرَاهُ أَصْلَحَ فِي حَقِّ صَاحِبِ اللُّقَطَةِ اهـ. وَفِي الْحَاوِي الدَّفْعُ بَعْدَ الْإِشْهَادِ إلَى الْقَاضِي أَجْوَدُ لِيَفْعَلَ الْقَاضِي الْأَصْلَحَ وَفِي الْمُجْتَبَى وَالتَّصَدُّقُ بِيَدِهِ فِي زَمَانِنَا أَوْلَى مِنْ الدَّفْعِ إلَى الْحَاكِمِ وَقَدْ مَرَّ فِي كِتَابِ التَّوْبَةِ لِقَاضِي الْقُضَاةِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الْمُتَكَلِّمِ أَنَّ الْوَاجِبَ فِيهَا أَنْ يَتَصَدَّقَ بِنَفْسِهِ وَلَا يُلْقِيهِ فِي يَدِ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ هَلْ يُؤَدِّيهَا إلَى مُسْتَحِقِّهَا أَوْ لَا اهـ. وَقَيَّدْنَا بِالتَّصَدُّقِ عَلَى الْفُقَرَاءِ لِمَا فِي الْهِدَايَةِ أَنَّهُ لَا يَتَصَدَّقُ بِاللُّقَطَةِ عَلَى غَنِيٍّ زَادَ فِي الْحَاوِي وَلَا مَمْلُوكِ غَنِيٍّ وَلَا وَلَدِ غَنِيٍّ صَغِيرٍ وَاسْتَثْنَى مِنْ التَّصَدُّقِ بِاللُّقَطَةِ مَا إذَا عَرَفَ أَنَّهَا لِذِمِّيٍّ فَلَا يَتَصَدَّقُ بِهَا وَكَانَتْ فِي بَيْتِ الْمَالِ لِلنَّوَائِبِ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَفِي الْقُنْيَةِ وَمَا يَتَصَدَّقُ بِهِ الْمُلْتَقِطُ بَعْدَ التَّعْرِيفِ وَغَلَبَةِ ظَنِّهِ أَنَّهُ لَا يُوجَدُ صَاحِبُهُ لَا يَجِبُ إيصَاؤُهُ وَإِنْ كَانَ يَرْجُو وُجُودَ الْمَالِكِ وَجَبَ الْإِيصَاءُ اهـ. وَإِذَا أَمْسَكَهَا وَخَشَى الْمَوْتَ يُوصِي بِهَا كَيْ لَا تَدْخُلَ فِي الْمِيرَاثِ ثُمَّ الْوَرَثَةُ أَيْضًا يُعَرِّفُونَهَا وَمُقْتَضَى النَّظَرِ أَنَّهُمْ لَوْ لَمْ يُعَرِّفُوهَا حَتَّى هَلَكَتْ وَجَاءَ صَاحِبُهَا أَنْ يَضْمَنُوا لِأَنَّهُمْ وَضَعُوا أَيْدِيَهُمْ عَلَى لُقَطَةٍ وَلَمْ يُشْهِدُوا أَيْ لَمْ يُعَرِّفُوا وَيَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ بِذَلِكَ أَنَّ قَصْدَهُمْ تَعْمِيَتُهَا وَيَجْرِي فِيهِمْ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقَدْ يُقَالُ أَنَّ التَّعْرِيفَ عَلَيْهِمْ غَيْرُ وَاجِبٍ حَيْثُ عَرَّفَهَا الْمُلْتَقِطُ. (قَوْلُهُ فَإِنْ جَاءَ رَبُّهَا نَفَّذَهُ أَوْ ضَمِنَ الْمُلْتَقِطُ) أَيْ إنْ جَاءَ مَالِكُهَا بَعْدَ تَصَدُّقِ الْمُلْتَقِطِ خُيِّرَ بَيْنَ إمْضَاءِ الصَّدَقَةِ وَالثَّوَابِ لَهُ وَبَيْنَ تَضْمِينِ الْمُلْتَقِطِ لِأَنَّ التَّصَدُّقَ وَإِنْ حَصَلَ بِإِذْنِ الشَّرْعِ لَمْ يَحْصُلْ بِإِذْنِهِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهِ أَطْلَقَ فِي التَّنْفِيذِ فَشَمِلَ مَا بَعْدَ هَلَاكِ الْعَيْنِ لِأَنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ لِلْفَقِيرِ قَبْلَ الْإِجَارَةِ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قِيَامِ الْمَحَلِّ بِخِلَافِ بَيْعِ الْفُضُولِيِّ فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ إجَازَتِهِ قِيَامُ الْعَيْنِ لِثُبُوتِ الْمِلْكِ بَعْدَ الْإِجَازَةِ فِيهِ وَأَمَّا تَضْمِينُ الْمُلْتَقِطِ فَلِكَوْنِهِ سَلَّمَ مَالَهُ إلَى غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ إلَّا أَنَّهُ بِإِبَاحَةٍ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ وَهَذَا لَا يُنَافِي الضَّمَانَ حَقًّا لِلْعَبْدِ كَمَا فِي تَنَاوُلِ مَالِ الْغَيْرِ حَالَةَ الْمَخْمَصَةِ وَأَطْلَقَ فِيهِ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ التَّصَدُّقُ بِأَمْرِ الْقَاضِي وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ أَمْرَهُ لَا يَكُونُ أَعْلَى مِنْ فِعْلِهِ وَالْقَاضِي لَوْ تَصَدَّقَ بِهَا كَانَ لَهُ أَنْ يَضْمَنَهُ فَكَذَا لَهُ أَنْ يَضْمَنَ مَنْ أَمَرَهُ الْقَاضِي. وَلِذَا أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُلْتَقِطِ فَشَمِلَ الْقَاضِي وَلِذَا قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَإِذَا مَالَ الْقَاضِي أَوْ الْإِمَامُ إلَى التَّصَدُّقِ وَتَصَدَّقَ كَانَ فِي ذَلِكَ كَوَاحِدٍ مِنْ الرَّعَايَا وَهَذَا لِأَنَّ التَّصَدُّقَ بِهَا غَيْرُ دَاخِلٍ فِي وِلَايَةِ الْإِمَامِ وَالْقَاضِي لِأَنَّهُ تَصَدَّقَ بِمَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ اهـ. وَهُوَ شَامِلٌ لِمَا إذَا كَانَا مُلْتَقِطَيْنِ أَوْ الْتَقَطَ غَيْرُهُمَا وَدَفَعَهَا إلَيْهِمَا وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ تَضْمِينَ الْمِسْكِينِ قَالُوا أَنَّهُ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ ضَمِنَ الْمُلْتَقِطُ وَإِنْ شَاءَ ضَمِنَ الْمِسْكِينُ وَأَيُّهُمَا ضَمِنَ لَا يَرْجِعُ عَلَى صَاحِبِهِ فَإِنْ ضَمِنَ الْمُلْتَقِطُ مَلَكَهَا الْمُلْتَقِطُ مِنْ وَقْتِ الْأَخْذِ وَيَكُونُ الثَّوَابُ لَهُ وَإِنْ كَانَتْ الْعَيْنُ قَائِمَةً أَخَذَهَا مِنْ يَدِ الْفَقِيرِ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الثَّوَابَ مَوْقُوفٌ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ أَنَّ لِلْمُلْتَقِطِ شَيْئًا إذَا رَدَّهَا إلَى صَاحِبِهَا لِمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَلَوْ الْتَقَطَ لُقَطَةً أَوْ وَجَدَ ضَالَّةً أَوْ صَبِيًّا حُرًّا ضَالًّا فَرَدَّهُ عَلَى أَهْلِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ جُعْلٌ وَإِنْ عَوَّضَهُ شَيْئًا فَحَسَنٌ اهـ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة لَوْ قَالَ مَنْ وَجَدَهُ فَلَهُ كَذَا فَأَتَى بِهِ إنْسَانٌ يَسْتَحِقُّ أَجْرَ مِثْلِهِ اهـ. وَعَلَّلَهُ فِي الْمُحِيطِ بِأَنَّهَا إجَارَةٌ فَاسِدَةٌ وَعَزَاهُ إلَى الْكَرْخِيِّ لَكِنَّ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَا قَبُولَ لِهَذِهِ الْإِجَارَةِ فَلَا إجَارَةَ أَصْلًا وَفِي الْقَامُوسِ الرَّبُّ بِاللَّامِ لَا يُطْلَقُ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَمَّا   [منحة الخالق] السُّؤَالُ عَنْهُ وَهُوَ أَنَّ الْحَاجَّ وَغَيْرَهُ إذَا أَعْيَا بَعِيرَهُ تَرَكَهُ فَيَأْخُذُهُ غَيْرُهُ حَتَّى عَادَ لِحَالِهِ. (قَوْلُهُ وَفِي الْمُجْتَبَى وَالتَّصَدُّقُ بِيَدِهِ فِي زَمَانِنَا أَوْلَى) قَالَ فِي النَّهْرِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَفْصِلَ فِي الْقَاضِي إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ وَرَعُهُ وَعَدَمُ طَمَعِهِ رَفَعَ الْأَمْرَ إلَيْهِ وَإِلَّا لَا. [جَاءَ مَالِكُ اللَّقْطَة بَعْدَ تَصَدُّقِ الْمُلْتَقِطِ بِهَا] (قَوْلُهُ لَكِنْ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَا قَبُولَ إلَخْ) قَالَ الْمَقْدِسِيَّ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ قَالَ بِجَمْعٍ حَضَرَ فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ لِلنَّظَرِ وَتَحْصِيلِهَا فَهَذَا قَبُولٌ مِنْهُ كَمَا ذَكَرُوا فِي الْوَكَالَةِ لَوْ وَكَّلَهُ فَبَاعَ كَانَ قَبُولًا اهـ. قُلْتُ: فِي إجَارَاتِ الْوَلْوَالِجيَّةِ رَجُلٌ ضَاعَ لَهُ شَيْءٌ فَقَالَ مَنْ دَلَّنِي عَلَيْهِ فَلَهُ كَذَا فَالْإِجَارَةُ بَاطِلَةٌ لِأَنَّ الْمُسْتَأْجَرَ لَهُ لَيْسَ مَعْلُومًا وَالدَّلَالَةُ وَالْإِشَارَةُ لَيْسَتَا بِعَمَلٍ يُسْتَحَقُّ بِهِ الْأَجْرُ فَلَا يَجِبُ الْأَجْرُ وَإِنْ قَالَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْخُصُوصِ بِأَنْ قَالَ لِرَجُلٍ بِعَيْنِهِ إنْ دَلَلْتنِي عَلَيْهِ فَلَكَ كَذَا إنْ مَشَى لَهُ وَدَلَّهُ يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ فِي الْمَشْيِ لِأَنَّ ذَلِكَ عَمَلٌ يَسْتَحِقُّ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ مُقَدَّرٍ بِقَدْرٍ فَيَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ وَإِنْ دَلَّهُ بِغَيْرِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 166 بِالْإِضَافَةِ فَمَالِكُ الشَّيْءِ وَمُسْتَحِقُّهُ أَوْ صَاحِبُهُ وَأَنْفَذَ الْأَمْرَ قَضَاهُ وَالنَّافِذُ الْمَاضِي فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ. (قَوْلُهُ وَصَحَّ الْتِقَاطُ الْبَهِيمَةِ) أَيْ نُدِبَ الْتِقَاطُهَا لِأَنَّهَا لُقَطَةٌ يُتَوَهَّمُ ضَيَاعُهَا فَيُسْتَحَبُّ أَخْذُهَا وَتَعْرِيفُهَا صِيَانَةً لِأَمْوَالِ النَّاسِ وَأَمَّا مَا فِي الصَّحِيحِ حِينَ سُئِلَ عَنْ ضَالَّةِ الْإِبِلِ قَالَ مَالِكٌ وَلَهَا مَعَهَا حِذَاؤُهَا وَسِقَاؤُهَا تَرِدُ الْمَاءَ وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ فَذَرْهَا حَتَّى يَجِدَهَا رَبُّهَا فَأَجَابَ عَنْهُ فِي الْمَبْسُوطِ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ إذْ ذَاكَ لِغَلَبَةِ أَهْلِ الصَّلَاحِ وَالْأَمَانَةِ لَا تَصِلُ إلَيْهَا يَدٌ خَائِنَةٌ فَإِذَا تَرَكَهَا وَجَدَهَا وَأَمَّا فِي زَمَانِنَا فَلَا يَأْمَنُ مِنْ وُصُولِ يَدٍ خَائِنَةٍ إلَيْهَا بَعْدَهُ فَفِي أَخْذِهَا إحْيَاؤُهَا وَإِنَّمَا فَسَّرْنَا الصِّحَّةَ بِالنَّدْبِ لِأَنَّ خِلَافَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ إنَّمَا هُوَ فِي نَدْبِ الْتِقَاطِهَا فَإِنَّهُمْ قَالُوا تَرْكُهَا أَفْضَلُ لَا أَنَّهُمْ قَالُوا بِعَدَمِ الْجَوَازِ وَإِنَّمَا يَكُونُ مَنْدُوبًا عِنْدَنَا إذَا لَمْ يَخَفْ الضَّيَاعَ وَإِلَّا لَمْ يَسَعْهُ تَرْكُهُ كَذَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ قَالَ وَلَا فَرْقَ عِنْدَنَا بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الْبَهِيمَةُ فِي الْقَرْيَةِ أَوْ فِي الصَّحْرَاءِ وَمَحَلُّ الِاخْتِلَافِ الثَّانِي وَالْحِذَاءُ النَّعْلُ وَالسِّقَاءُ الْقِرْبَةُ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا مَشَافِرُهَا وَبِالْأَوَّلِ فَرَاسِنُهَا كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة وَإِنْ كَانَ مَعَ اللُّقَطَةِ مَا يَدْفَعُ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ كَالْقَرْنِ لِلْبَقَرَةِ وَزِيَادَةُ الْقُوَّةِ فِي الْبَعِيرِ بِكَدْمِهِ وَنَفْحِهِ يُقْضَى بِكَرَاهِيَةِ الْأَخْذِ اهـ. وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الْتِقَاطَ الْبَهِيمَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ لَكِنَّ ظَاهِرَ الْهِدَايَةِ أَنَّ صُورَةَ الْكَرَاهَةِ إنَّمَا هِيَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا عِنْدَنَا وَفِي الْقَامُوسِ الْبَهِيمَةُ كُلُّ ذَاتِ أَرْبَعٍ وَلَوْ فِي الْمَاءِ أَوْ كُلُّ حَيٍّ لَا يُمَيِّزُ وَالْجَمْعُ بَهَائِمُ اهـ. فَشَمِلَ الدَّوَابَّ وَالطُّيُورَ وَالْإِبِلَ وَالْبَقَرَ وَالْغَنَمَ وَالدَّجَاجَ وَالْحَمَامَ الْأَهْلِيَّ كَمَا فِي الْحَاوِي وَفِيهِ وَمَنْ رَأَى دَابَّةً فِي غَيْرِ عِمَارَةٍ أَوْ بَرِّيَّةً لَا يَأْخُذُهَا مَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهَا ضَالَّةٌ بِأَنْ كَانَتْ فِي مَوْضِعٍ لَمْ يَكُنْ بِقُرْبِهِ بَيْتٌ مَدَرًا وَشَعْرًا وَقَافِلَةٌ نَازِلَةٌ أَوْ دَوَابُّ فِي مَرْعَاهَا اهـ. فَلَوْ وَصَفَ الْمُصَنِّفُ الْبَهِيمَةَ بِالضَّالَّةِ لَكَانَ أَوْلَى. (قَوْلُهُ وَهُوَ مُتَبَرِّعٌ فِي الْإِنْفَاقِ عَلَى اللَّقِيطِ وَاللُّقَطَةِ) أَيْ الْمُلْتَقِطُ لِقُصُورِ وِلَايَتِهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ قَضَى دَيْنَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ قَيَّدَ بِالْمُلْتَقِطِ لِأَنَّ الْوَصِيَّ لَوْ أَنْفَقَ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ وَمَالُ الْيَتِيمِ غَائِبٌ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ إلَّا أَنْ يَشْهَدَ أَنَّهُ قَرْضٌ عَلَيْهِ أَوْ أَنَّهُ يَرْجِعُ وَلَوْ اشْتَرَى لَهُ الْوَصِيُّ طَعَامًا أَوْ كِسْوَةً بِشَهَادَةِ شُهُودٍ رَجَعَ وَلَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا أَوْ خَادِمًا لِوَلَدِهِ وَنَقَدَ ثَمَنَهُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لَا يَرْجِعُ إلَّا أَنْ يُشْهِدَ أَنَّهُ شَرَاهُ لَهُ لِيَرْجِعَ كَذَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مِنْ الْفَصْلِ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ وَقَيَّدَ حُكْمَ قَضَاءِ مَدْيُونِ الْمَيِّتِ دَيْنَهُ بِغَيْرِ أَمْرِ وَصِيِّهِ وَقَضَاءِ الْمُودِعِ دَيْنَ مُودِعِهِ بِلَا أَمْرٍ وَقَضَاءِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ عَنْ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ لِمُوَكِّلِهِ بِلَا أَمْرِهِ. [الْقَاضِي لَوْ جَعَلَ وَلَاءَ اللَّقِيطِ لِلْمُلْتَقِطِ] (قَوْلُهُ وَبِإِذْنِ الْقَاضِي يَكُونُ دَيْنًا) لِأَنَّ لِلْقَاضِي وِلَايَةً فِي مَالِ الْغَائِبِ وَعَلَى اللَّقِيطِ نَظَرًا لَهُمَا وَقَدْ يَكُونُ النَّظَرُ بِالْإِنْفَاقِ وَصُورَةُ إذْنِ الْقَاضِي أَنْ يَقُولَ لَهُ أَنْفِقْ عَلَى أَنْ تَرْجِعَ فَلَوْ أَمَرَهُ بِهِ وَلَمْ يَقُلْ عَلَى أَنْ تَرْجِعَ لَا يَكُونُ دَيْنًا وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ الْأَمْرَ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْحِسْبَةِ وَالرُّجُوعِ فَلَا يَكُونُ دَيْنًا بِالشَّكِّ وَعِبَارَةُ الْمَجْمَعِ أَحْسَنُ وَهِيَ فَإِنْ أَنْفَقَ الْمُلْتَقِطُ كَانَ مُتَبَرِّعًا إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ الْقَاضِي بِشَرْطِ الرُّجُوعِ أَوْ يُصَدِّقَهُ اللَّقِيطُ إذَا بَلَغَ اهـ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَعْنَى التَّصْدِيقِ تَصْدِيقُهُ أَنَّهُ أَنْفَقَ عَلَيْهِ بِأَمْرِ الْقَاضِي عَلَى أَنْ يَرْجِعَ لَا تَصْدِيقُهُ عَلَى الْإِنْفَاقِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بِلَا أَمْرِ الْقَاضِي لَا رُجُوعَ عَلَيْهِ لَهُ فَتَصْدِيقُهُ وَعَدَمُهُ سَوَاءٌ وَفِي شَرْحِهِ لِابْنِ الْمَلَكِ خِلَافُهُ فَإِنَّهُ قَالَ يَعْنِي إذَا لَمْ يَأْمُرْ الْقَاضِي بِإِنْفَاقِهِ فَصَدَّقَهُ اللَّقِيطُ بَعْدَ الْبُلُوغِ أَنَّهُ أَنْفَقَهُ لِلرُّجُوعِ عَلَيْهِ فَلَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ لِإِقْرَارِهِ بِحَقِّهِ اهـ. وَلَوْ صَحَّ هَذَا لَزِمَ أَنْ يُقَالَ فِي الْجَوَابِ فَهُوَ مُتَبَرِّعٌ إلَّا أَنْ يَشْهَدَ أَنَّهُ أَنْفَقَ لِيَرْجِعَ أَوْ يُصَدِّقَهُ عَلَى ذَلِكَ وَحِينَئِذٍ لَا اعْتِبَارَ بِأَمْرِ الْقَاضِي وَهُمْ قَدْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إذْنِ الْقَاضِي لِعَدَمِ وِلَايَةِ الْمُلْتَقِطِ فَلَا يَكْفِيهِ الْإِشْهَادُ بِخِلَافِ الْوَصِيِّ لَوْ أَنْفَقَ مِنْ مَالِهِ وَأَشْهَد يَرْجِعُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةً فِي مَالِ الْيَتِيمِ وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَى هَذَا الْمَحَلِّ لَكِنِّي فَهِمْته مِمَّا نَقَلْته عَنْ الْخَانِيَّةِ فِي بَابِ اللَّقِيطِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَنَفَقَتُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَلَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ الْمَدْيُونَ لِتَعَدُّدِهِ فَفِي اللُّقَطَةِ صَاحِبُهَا وَفِي   [منحة الخالق] مَشْيٍ فَهُوَ وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا فَسَّرْنَا الصِّحَّةَ بِالنَّدْبِ) قَالَ فِي النَّهْرِ بَعْدَ أَنْ فَسَّرَ الصِّحَّةَ بِالْجَوَازِ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ اسْتِعْمَالَ لَفْظِ الصِّحَّةِ بِمَعْنَى الْمَنْدُوبِ مِمَّا لَا يُعْرَفُ فِي كَلَامِهِمْ وَعَلَى مَا قَرَّرْنَا جَرَى الشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ اهـ. قُلْتُ: لَا يَخْفَى أَنَّ الصِّحَّةَ تُجَامِعُ الْإِبَاحَةَ وَالنَّدْبَ وَغَيْرَهُمَا فَلَمَّا كَانَتْ كَذَلِكَ بَيَّنَ الْمُؤَلِّفُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهَا هُنَا النَّدْبُ لِمَا قَالَهُ وَلَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ الْمُرَادَ تَفْسِيرُهُ مَعْنَى الصِّحَّةِ بِمَا ذَكَرَهُ تَفْسِيرًا لُغَوِيًّا أَوْ عُرْفِيًّا. (قَوْلُهُ فَلَوْ وَصَفَ الْمُصَنِّفُ الْبَهِيمَةَ بِالضَّالَّةِ لَكَانَ أَوْلَى) قَالَ فِي النَّهْرِ وَعِنْدِي أَنَّ لَفْظَ الِالْتِقَاطِ يُغْنِي عَنْهُ. [الْإِنْفَاقِ عَلَى اللَّقِيطِ وَاللُّقَطَةِ] (قَوْلُهُ وَأَشْهَدَ يَرْجِعُ) أَيْ وَإِنْ فُقِدَ إذْنُ الْقَاضِي. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 167 اللَّقِيطِ الْأَبُ إنْ ظَهَرَ لَهُ أَبٌ وَاللَّقِيطُ بَعْدَ بُلُوغِهِ إنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ أَبٌ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَمَالِكُهُ إنْ ظَهَرَ لَهُ سَيِّدٌ بِإِقْرَارِهِ كَمَا فِي الْحَاوِي وَالْعَجَبُ مِنْ الشَّارِحِ أَنَّهُ جَعَلَهُ صَاحِبَهَا وَسَهَا عَنْ اللَّقِيطِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ مِنْ الْمُلْتَقِطِ قَبْلَ إذْنِ الْقَاضِي وَشَرَطَهُ فِي الْأَصْلِ وَصَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ غَصْبًا فِي يَدِهِ وَلَا يَأْمُرُ فِيهِ بِالْإِنْفَاقِ وَإِنَّمَا يَأْمُرُهُ فِي الْوَدِيعَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْبَيِّنَةِ لِكَشْفِ الْحَالِ وَلَيْسَتْ تُقَامُ لِلْقَضَاءِ حَتَّى يُشْتَرَطَ لَهَا خَصْمٌ لَكِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ فِي اللُّقَطَةِ وَأَمَّا فِي اللَّقِيطِ فَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ كَذَلِكَ وَصَرَّحَ بِهِ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَإِنْ قَالَ الْمُلْتَقِطُ لَا بَيِّنَةَ لِي يَقُولُ لَهُ أَنْفِقْ عَلَيْهَا إنْ كُنْت صَادِقًا وَفِي الذَّخِيرَةِ يَقُولُ لَهُ ذَلِكَ بَيْنَ يَدَيْ الثِّقَاتِ وَكَذَا لَوْ كَانَتْ اللُّقَطَةُ شَيْئًا يَخَافُ عَلَيْهِ الْهَلَاكَ مَتَى لَمْ يُنْفِقْ عَلَيْهِ إلَى إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْقَاضِي لَوْ جَعَلَ وَلَاءَ اللَّقِيطِ لِلْمُلْتَقِطِ جَازَ لِأَنَّهُ قَضَاءٌ فِي فَصْلٍ مُجْتَهَدٍ فِيهِ فَإِنَّ مِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ قَالَ بِأَنَّ الْمُلْتَقِطَ يُشْبِهُ الْمُعْتِقَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَحْيَاهُ كَالْمُعْتِقِ فَعَلَى هَذَا لَا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا بِالْإِنْفَاقِ بِغَيْرِ إذْنِ الْقَاضِي إذَا أَشْهَدَ لِيَرْجِعَ كَالْوَصِيِّ. (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ لَهَا نَفْعٌ أَجَّرَهَا وَأَنْفَقَ عَلَيْهَا) أَيْ اللُّقَطَةِ وَالْمُرَادُ الضَّالَّةُ الْبَهِيمَةُ لِأَنَّ فِيهِ إبْقَاءَ الْعَيْنِ عَلَى مَالِكِهِ مِنْ غَيْرِ إلْزَامِ الدَّيْنِ عَلَيْهِ قَيَّدَ بِاللُّقَطَةِ لِأَنَّ الْعَبْدَ الْآبِقَ لَا يُؤَجِّرُهُ الْقَاضِي لِأَنَّهُ يَخَافُ أَنْ يَأْبَقَ كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَفِي الْهِدَايَةِ سَوَّى بَيْنَهُمَا بِقَوْلِهِ وَكَذَلِكَ يُفْعَلُ بِالْعَبْدِ الْآبِقِ وَلَمْ أَرَ حُكْمَ اللَّقِيطِ إذَا صَارَ مُمَيِّزًا وَلَا مَالَ لَهُ هَلْ يُؤَجِّرُهُ الْقَاضِي لِلنَّفَقَةِ أَوْ لَا (قَوْلُهُ وَإِلَّا بَاعَهَا) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا نَفْعٌ بَاعَهَا الْقَاضِي وَحَفِظَ ثَمَنَهَا لِصَاحِبِهَا إبْقَاءً لَهُ يَعْنِي عِنْدَ تَعَذُّرِ إبْقَائِهِ صُورَةً وَظَاهِرُ الْكِتَابِ أَنَّ الْقَاضِي يَفْعَلُ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ مِنْ الْإِجَارَةِ إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا فَالْبَيْعُ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نَفْعٌ لَا بِإِذْنٍ لَهُ فِي الْإِنْفَاقِ وَفِي الْهِدَايَةِ وَإِنْ كَانَ الْأَصْلَحُ الْإِنْفَاقَ عَلَيْهَا أَذِنَ فِي ذَلِكَ وَجَعَلَ النَّفَقَةَ دَيْنًا عَلَى مَالِكِهَا قَالُوا إنَّمَا يَأْمُرُ بِالْإِنْفَاقِ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً عَلَى قَدْرِ مَا يَرَى رَجَاءَ أَنْ يَظْهَرَ مَالِكُهَا فَإِذَا لَمْ يَظْهَرْ يَأْمُرُ بِبَيْعِهَا لِأَنَّ دَارَّةَ النَّفَقَةِ مُسْتَأْصَلَةً فَلَا نَظَرَ فِي الْإِنْفَاقِ مُدَّةً مَدِيدَةً اهـ. وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ لَا نَظَرَ إلَى آخِرِهِ أَنَّهُ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ لَا يَنْفُذُ مِنْ الْقَاضِي لِلتَّيَقُّنِ بِعَدَمِ النَّظَرِ وَقَدْ فَهِمَهُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ أَيْضًا وَإِذَا بِيعَتْ أَخَذَ الْمُلْتَقِطُ مَا أَنْفَقَ بِإِذْنِ الْقَاضِي وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ مَا إذَا حَضَرَ الْمَالِكُ بَعْدَ الْبَيْعِ وَلَمْ يُجِزْهُ وَقَدَّمْنَا عَنْ الْخُلَاصَةِ أَنَّ الْبَيْعَ نَافِذٌ مِنْ الْقَاضِي مَوْقُوفٌ مِنْ غَيْرِهِ عَلَى إجَازَتِهِ وَبَيْعُ الْمُلْتَقِطِ بِإِذْنِ الْقَاضِي كَبَيْعِ الْقَاضِي فَلَوْ كَانَ عَبْدًا بَاعَهُ الْقَاضِي فَلَمَّا جَاءَ الْمَوْلَى قَالَ هُوَ مُدَبَّرٌ أَوْ مُكَاتَبٌ لَا يُصَدَّقُ فِي نَقْضِ الْبَيْعِ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَهُوَ مُشْكِلٌ لِأَنَّهُ لَوْ بَاعَ بِنَفْسِهِ ثُمَّ قَالَ هُوَ مُدَبَّرٌ أَوْ مُكَاتَبٌ أَوْ أُمُّ وَلَدٍ وَبَرْهَنَ قَبْلُ كَمَا ذَكَرَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ بَابِ الِاسْتِحْقَاقِ مُصَوِّرًا لَهُ فِي الْوَاهِبِ وَعَلَّلُوا لَهُ بِأَنَّ التَّنَاقُضَ فِي دَعْوَى الْحُرِّيَّةِ وَفُرُوعِهَا لَا يَمْنَعُ. (قَوْلُهُ وَمَنَعَهَا مِنْ رَبِّهَا حَتَّى يَأْخُذَ النَّفَقَةَ) أَيْ مَنَعَ اللُّقَطَةَ لِأَنَّهُ حَيٌّ بِنَفَقَتِهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ اسْتَفَادَ الْمِلْكَ مِنْ جِهَتِهِ فَأَشْبَهَ الْمَبِيعَ وَأَقْرَبُ مِنْ ذَلِكَ رَادُّ الْآبِقِ فَإِنَّ لَهُ الْحَبْسَ لِاسْتِيفَاءِ الْجُعْلِ لِمَا ذَكَرْنَا ثُمَّ لَا يَسْقُطُ دَيْنُ النَّفَقَةِ بِهَلَاكِهِ عِنْدَ الْمُلْتَقِطِ قَبْلَ حَبْسِهِ وَيَسْقُطُ إذَا هَلَكَ بَعْدَ الْحَبْسِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بِالْحَبْسِ شَبِيهَ الرَّهْنِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي وَهُوَ الْمَذْهَبُ فَانْدَفَعَ بِهِ مَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ مِنْ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَفِي الْهِدَايَةِ سَوَّى بَيْنَهُمَا) قَالَ فِي حَوَاشِي مِسْكِينٍ وَاعْلَمْ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي الْآبِقِ هَلْ يُؤَجَّرُ كَالضَّالِّ أَوْ لَا فَفِي الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي نَعَمْ قَالَ فِي الدُّرَرِ وَلَمْ أَجِدْهُ فِي غَيْرِهِمَا بَلْ وَجَدْت فِي الْمُحِيطِ وَالْبَدَائِعِ وَالْخُلَاصَةِ خِلَافَهُ حَيْثُ قَالُوا لَا يَجُوزُ إجَارَةُ الْآبِقِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَأْبَقَ وَوَفَّقَ بِحَمْلِ مَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي عَلَى مَا إذَا كَانَ الْمُسْتَأْجِرُ ذَا قُوَّةٍ وَمَنَعَةٍ لَا يَخَافُ عَلَيْهِ عِنْدَهُ وَمَا فِي غَيْرِهِمَا عَلَى خِلَافِهِ أَوْ بِحَمْلِ كَلَامِهِمَا عَلَى الْإِيجَارِ مَعَ إعْلَامِ الْمُسْتَأْجِرِ بِحَالِهِ لِيَحْفَظَ غَايَةَ الْحِفْظِ وَمَا فِي غَيْرِهِمَا عَلَى الْإِيجَارِ مَعَ جَهْلِهِ بِحَالِهِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ عَنْ الْمَقْدِسِيَّ (قَوْلُهُ وَلَمْ أَرَ حُكْمَ اللَّقِيطِ إذَا صَارَ مُمَيِّزًا إلَخْ) قَالَ أَبُو السُّعُودِ أَقُولُ: إذَا جَازَ لِلْمُلْتَقِطِ أَنْ يُؤَجِّرَهُ لِتَكُونَ الْأُجْرَةُ لِلَّقِيطِ كَمَا يُسْتَفَادُ مِمَّا سَبَقَ عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ حَيْثُ قَالَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَجِّرَهُ لِيَأْخُذَ الْأُجْرَةَ لِنَفْسِهِ فَكَذَا الْقَاضِي وَتَعْلِيلُهُمْ الْمَنْعَ بِإِتْلَافِ الْمَنَافِعِ يُشِيرُ إلَى مَا ذَكَرَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ مِنْ التَّقْيِيدِ (قَوْلُهُ وَهُوَ مُشْكِلٌ لِأَنَّهُ لَوْ بَاعَ إلَخْ) قَالَ الْمَقْدِسِيَّ قُلْتُ: مُرَادُهُمْ لَا يُقْبَلُ مُجَرَّدُ قَوْلِهِ وَمَا فِي الْفَتْحِ مُقَيَّدٌ بِالْبُرْهَانِ فَتَوَافَقَ الْقَوْلَانِ. [مَنَعَ اللُّقَطَةَ مِنْ رَبِّهَا حَتَّى يَأْخُذَ النَّفَقَةَ] (قَوْلُهُ فَانْدَفَعَ بِهِ مَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ إلَخْ) أَيْ فَإِنَّ كَلَامَ الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي يُفِيدُ أَنَّ السُّقُوطَ قَوْلُ أَئِمَّتِنَا فَيَنْدَفِعُ بِهِ قَوْلُ الْقُدُورِيِّ أَنَّهُ قَوْلُ زُفَرَ وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ قَوْلُهُ فَإِنْ هَلَكَتْ بَعْدَ حَبْسِهِ سَقَطَتْ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الرَّهْنِ هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَتَبِعَهُ جَمَاعَةٌ مِمَّنْ صَنَّفَ وَلَيْسَ بِمَذْهَبٍ لِأَحَدٍ مِنْ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ وَإِنَّمَا هُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَلَا يُسَاعِدُهُ الْوَجْهُ قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي التَّقْرِيبِ قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ أَنْفَقَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 168 عَدَمِ السُّقُوطِ بِالْهَلَاكِ بَعْدَ الْحَبْسِ وَإِنَّمَا السُّقُوطُ هُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَهَكَذَا فِي الْيَنَابِيعِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُؤَلِّفُ بَيْعَ الْقَاضِي لَهَا بَعْدَ حُضُورِ مَالِكِهَا لِلْإِنْفَاقِ إذَا امْتَنَعَ مِنْ دَفْعِهِ لِلْمُلْتَقِطِ قَالَ فِي الْحَاوِي فَإِنْ امْتَنَعَ صَاحِبُهَا مِنْ أَدَاءِ مَا أَنْفَقَ بِأَمْرِ الْقَاضِي بَاعَهَا الْقَاضِي وَأَعْطَى نَفَقَتَهُ مِنْ ثَمَنِهَا وَرَدَّ عَلَيْهِ الْبَاقِي اهـ. وَلَا فَرْقَ فِي مَنْعِهَا مِنْ رَبِّهَا لِلْإِنْفَاقِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُلْتَقِطُ أَنْفَقَ مِنْ مَالِهِ أَوْ اسْتَدَانَ بِأَمْرِ الْقَاضِي لِيَرْجِعَ عَلَى صَاحِبِهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْحَاوِي لَكِنْ لَمْ أَرَ أَنَّ لِلْمُلْتَقِطِ أَنْ يُحِيلَ الدَّائِنَ عَلَى صَاحِبِهَا بِدَيْنِهِ بِغَيْرِ رِضَاهُ وَقَدْ صَرَّحُوا فِي نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ الْمُسْتَدَانَةِ بِإِذْنِ الْقَاضِي أَنَّ الْمَرْأَةَ تَتَمَكَّنُ مِنْ الْحَوَالَةُ عَلَيْهِ بِغَيْرِ رِضَاهُ وَقِيَاسُهُ هُنَا كَذَلِكَ بِجَامِعِ إذْنِ الْقَاضِي بِالِاسْتِدَانَةِ. (قَوْلُهُ وَلَا يَدْفَعُهَا إلَى مُدَّعِيهَا بِلَا بَيِّنَةٍ) أَيْ اللُّقَطَةَ لِلْحَدِيثِ «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي» وَلِأَنَّ الْيَدَ حَقٌّ مَقْصُودٌ حَتَّى وَجَبَ عَلَى الْغَاصِبِ الضَّمَانُ بِإِزَالَتِهِ فَلَا يُزَالُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَلَا يَسْتَحِقُّ إلَّا بِهَا كَالْمِلْكِ وَلِذَا وَجَبَ الضَّمَانُ عَلَى غَاصِبِ الْمُدَبَّرِ وَفِي الْخَانِيَّةِ الْمُلْتَقِطُ إذَا أَقَرَّ بِلُقَطَةٍ لِرَجُلٍ وَأَقَامَ رَجُلٌ آخَرُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا لَهُ يُقْضَى بِهَا لِصَاحِبِ الْبَيِّنَةِ فَإِذَا أَقَرَّ بِهَا لِرَجُلٍ وَدَفَعَهَا إلَيْهِ فَاسْتَهْلَكَهَا ثُمَّ أَقَامَ آخَرُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا لَهُ فَإِنْ كَانَ دَفَعَ إلَى الْأَوَّلِ بِقَضَاءٍ أَوْ بِغَيْرِ قَضَاءٍ كَانَ لِصَاحِبِ الْبَيِّنَةِ أَنْ يُضَمِّنَ الْقَابِضَ لِأَنَّهُ قَبَضَ مَالَهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ عَنْ اخْتِيَارٍ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ غَاصِبِ الْغَاصِبِ وَإِذَا ضَمِنَهُ صَاحِبُ الْبَيِّنَةِ لَا يَرْجِعُ هُوَ عَلَى الْمُقِرِّ كَالْغَاصِبِ الْغَاصِبُ إذَا ضَمِنَ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْغَاصِبِ وَإِنْ اخْتَارَ صَاحِبُ الْبَيِّنَةِ تَضْمِينَ الدَّافِعِ فَإِنْ كَانَ الدَّفْعُ بِغَيْرِ قَضَاءٍ كَانَ لَهُ أَنْ يَضْمَنَهُ وَإِنْ كَانَ الدَّفْعُ بِقَضَاءٍ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْكِتَابِ قَالُوا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْمَسْأَلَةُ عَلَى الِاخْتِلَافِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لَهُ ذَلِكَ اهـ. أَرَادَ بِعَدَمِ الدَّفْعِ عَدَمَ لُزُومِهِ لِأَنَّهُ لَوْ صَدَّقَ مُدَّعِيهَا بِلَا بَيَانٍ جَازَ الدَّفْعُ بِلَا جَبْرٍ وَأَرَادَ بِالْبَيِّنَةِ الْقَضَاءَ بِهَا وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ فَإِنْ كَانَتْ اللُّقَطَةُ فِي يَدِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ فَادَّعَاهَا رَجُلٌ فَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَوْ أَقَرَّ الْمُلْتَقِطُ بِذَلِكَ وَلَكِنْ قَالَ لَا أَرُدُّهَا عَلَيْك إلَّا عِنْدَ الْقَاضِي فَلَهُ ذَلِكَ وَإِنْ مَاتَ فِي يَدِهِ عِنْدَ ذَلِكَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ اهـ. وَفِي الْكَافِي لِلْحَاكِمِ وَإِذَا كَانَتْ اللُّقَطَةُ فِي يَدِ مُسْلِمٍ فَادَّعَاهَا رَجُلٌ وَوَصَفَهَا فَأَبَى الَّذِي فِي يَدِهِ أَنْ يُعْطِيَهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ فَأَقَامَ شَاهِدَيْنِ كَافِرَيْنِ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُمَا لِأَنَّ الَّذِي فِي يَدِهِ مُسْلِمٌ فَإِنْ كَانَتْ فِي يَدِ كَافِرٍ فَكَذَلِكَ الْقِيَاسُ أَيْضًا لَعَلَّهَا لِمُسْلِمٍ وَلَكِنِّي أَسْتَحْسِنُ فَاقْضِي لَهُ فَإِنْ كَانَتْ فِي يَدِ مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ لَمْ تَجُزْ شَهَادَةُ الْكَافِرِ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي الْقِيَاسِ وَلَكِنِّي أَسْتَحْسِنُ أَنْ أُجِيزَهُ عَلَى مَا فِي يَدِ الْكَافِرِ مِنْهُمَا اهـ. (قَوْلُهُ فَإِنَّ بَيَّنَ عَلَامَتَهَا حَلَّ الدَّفْعُ بِلَا جَبْرٍ) لِلْحَدِيثِ «فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَعَرَّفَ عِفَاصَهَا وَعَدَدَهَا فَادْفَعْهَا إلَيْهِ» وَهَذَا لِلْإِبَاحَةِ عَمَلًا بِالْمَشْهُورِ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي» الْحَدِيثَ وَلِمَا قَدَّمْنَا أَنَّ الْيَدَ حَقٌّ مَقْصُودٌ كَالْمِلْكِ فَلَا يَسْتَحِقُّ إلَّا بِالْبَيِّنَةِ وَالْعَلَامَةُ مِثْلُ أَنْ يُسَمِّيَ وَزْنَ الدَّرَاهِمِ وَعَدَدَهَا وَوِكَاءَهَا وَوِعَاءَهَا كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْعِفَاصُ كَكِتَابِ الْوِعَاءُ فِيهِ النَّفَقَةُ جِلْدًا أَوْ خِرْقَةً وَغِلَافُ الْقَارُورَةِ وَالْجِلْدُ يُغَطَّى بِهِ رَأْسُهَا وَالْوِكَاءُ كَكِسَاءِ رِبَاطُ الْقِرْبَةِ وَغَيْرِهَا وَقَدْ وَكَأَهَا وَأَوْكَأَهَا وَعَلَيْهَا وَكُلُّ مَا شُدَّ رَأْسُهُ مِنْ وِعَاءٍ وَنَحْوِهِ وِكَاءٌ كَذَا فِي الْقَامُوسِ وَظَاهِرُ مَفْهُومِ الشَّرْطِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُبَيِّنْ عَلَامَتَهَا لَا يَحِلُّ الدَّفْعُ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُصَدِّقْهُ فَإِنْ صَدَّقَهُ حَلَّ الدَّفْعُ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فَإِنْ صَدَّقَهُ مَعَ الْعَلَامَةِ أَوْ لَا مَعَهَا فَلَا شَكَّ فِي جَوَازِ دَفْعِهِ إلَيْهِ لَكِنْ هَلْ يُجْبَرُ قِيلَ يُجْبَرُ كَمَا لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً وَقِيلَ لَا يُجْبَرُ كَالْوَكِيلِ بِقَبْضِ الْوَدِيعَةِ إذَا صَدَّقَهُ الْمُودِعُ لَا يُجْبِرُهُ الْقَاضِي عَلَى دَفْعِهَا إلَيْهِ وَدَفَعَ بِالْفَرْقِ بِأَنَّ الْمَالِكَ هُنَا غَيْرُ ظَاهِرٍ أَيْ الْمَالِكُ الْآخَرُ وَالْمُودِعُ فِي مَسْأَلَةِ الْوَدِيعَةِ ظَاهِرٌ اهـ. وَقَدَّمْنَا حُكْمَ مَا إذَا دَفَعَهَا بِلَا بَيِّنَةٍ ثُمَّ أَثْبَتَهَا آخَرُ وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ دَفْعِهَا بِالْعَلَامَةِ أَوْ بِالتَّصْدِيقِ فَقَطْ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ أَخْذَ الْكَفِيلِ عِنْدَ دَفْعِهَا بِبَيَانِ الْعَلَامَةِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَيَأْخُذُ مِنْهُ كَفِيلًا إنْ كَانَ يَدْفَعُهَا   [منحة الخالق] عَلَى اللُّقَطَةِ بِأَمْرِ الْقَاضِي وَحَبَسَهَا بِالنَّفَقَةِ وَهَلَكَتْ لَمْ تَسْقُطْ النَّفَقَةُ خِلَافًا لِزُفَرَ لِأَنَّهَا دَيْنٌ غَيْرُ بَدَلٍ مِنْ الْعَيْنِ وَلَا عَنْ عَمَلٍ مِنْهُ فِيهَا وَلَا يَتَنَاوَلُهَا عَقْدٌ يُوجِبُ الضَّمَانَ وَبِهَذَا الْقَيْدِ الْأَخِيرِ خَرَجَ الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِ زُفَرَ عَلَى الْمُرْتَهِن وَهُوَ الْوَجْهُ الْمَذْكُورُ هُنَا وَفِي الْهِدَايَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَقَالَ فِي الْيَنَابِيعِ وَلَوْ أَنْفَقَ الْمُلْتَقِطُ عَلَى اللُّقَطَةِ بِأَمْرِ الْحَاكِمِ وَحَبَسَهَا لِيَأْخُذَ مَا أَنْفَقَ عَلَيْهَا فَهَلَكَتْ لَمْ تَسْقُطْ النَّفَقَةُ عِنْدَ عُلَمَائِنَا خِلَافًا لِزُفَرَ اهـ. مِنْ خَطِّ الشَّيْخِ قَاسِمٍ كَذَا بِخَطِّ الشَّيْخِ عَلِيٍّ الْمَقْدِسِيَّ وَكَتَبَ بَعْدَهُ أَقُولُ: إنْ خَرَجَ الْجَوَابُ بِمَا ذُكِرَ عَنْ قِيَاسِهِ بِالرَّهْنِ لَا يَخْرُجُ الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِ بِجَعْلِ الْآبِقِ وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَنَصَّ أَنَّهُ إلَيْهِ أَقْرَبُ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ عَنْ عُلَمَائِنَا فِيهِ رِوَايَتَانِ أَوْ اخْتَارَ قَوْلَ زُفَرَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فَتَأَمَّلْهُ انْتَهَى إلَى هُنَا كَلَامُ الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ. . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 169 إلَيْهِ اسْتِيثَاقًا وَهَذَا بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ الْكَفِيلَ لِنَفْسِهِ بِخِلَافِ الْكَفِيلِ لِوَارِثٍ غَائِبٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ. وَصَحَّحَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّهُ لَا يَأْخُذُ كَفِيلًا مَعَ إقَامَةِ الْحَاضِرِ الْبَيِّنَةَ وَالْمُرَادُ بِبَيَانِ الْعَلَامَةِ بَيَانُهَا مَعَ الْمُطَابَقَةِ وَقَدَّمْنَا فِي اللَّقِيطِ أَنَّ الْإِصَابَةَ فِي بَعْضِ الْعَلَامَاتِ لَا تَكْفِي وَصَرَّحَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة فِي التَّصْوِيرِ بِأَنَّهُ أَصَابَ فِي عَلَامَاتِ اللُّقَطَةِ كُلِّهَا فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ شَرْطٌ وَلَمْ أَرَ حُكْمَ مَا إذَا بَيَّنَ كُلٌّ مِنْ الْمُدَّعِيَيْنِ لَهَا عَلَامَاتِهَا وَأَصَابَا وَيَنْبَغِي أَنْ يَحِلَّ لَهُ الدَّفْعُ لَهُمَا. (قَوْلُهُ وَيَنْتَفِعُ بِهَا لَوْ فَقِيرًا وَإِلَّا تَصَدَّقَ عَلَى أَجْنَبِيٍّ وَلِأَبَوَيْهِ وَزَوْجَتِهِ وَوَلَدِهِ لَوْ فَقِيرًا) أَيْ يَنْتَفِعُ الْمُلْتَقِطُ بِاللُّقَطَةِ بِأَنْ يَتَمَلَّكَهَا بِشَرْطِ كَوْنِهِ فَقِيرًا نَظَرًا مِنْ الْجَانِبَيْنِ كَمَا جَازَ الدَّفْعُ إلَى فَقِيرٍ آخَرَ وَأَمَّا الْغَنِيُّ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهَا فَإِنْ كَانَ غَيْرَ الْمُلْتَقِطِ فَظَاهِرٌ لِلْحَدِيثِ فَإِنْ لَمْ يَجِئْ صَاحِبُهَا فَلِيَتَصَدَّقْ بِهَا وَالصَّدَقَةُ إنَّمَا تَكُونُ عَلَى الْفَقِيرِ كَالصَّدَقَةِ الْمَفْرُوضَةِ وَإِنْ كَانَ الْمُلْتَقِطُ فَكَذَلِكَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي حَدِيثِ أُبَيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَادْفَعْهَا إلَيْهِ وَإِلَّا فَانْتَفِعْ بِهَا» وَكَانَ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ وَلِأَنَّهُ إنَّمَا يُبَاحُ لِلْفَقِيرِ حَمْلًا لَهُ عَلَى رَفْعِهَا صِيَانَةً لَهَا وَالْغَنِيُّ يُشَارِكُهُ فِيهِ وَلَنَا أَنَّهُ مَالُ الْغَيْرِ فَلَا يُبَاحُ الِانْتِفَاعُ بِهِ إلَّا بِرِضَاهُ لِإِطْلَاقِ النُّصُوصِ وَالْإِبَاحَةُ لِلْفَقِيرِ لِمَا رَوَيْنَا أَوْ بِالْإِجْمَاعِ فَبَقِيَ مَا وَرَاءَهُ عَلَى الْأَصْلِ وَالْغِنَى مَحْمُولٌ عَلَى الْأَخْذِ لِاحْتِمَالِ افْتِقَارِهِ فِي مُدَّةِ التَّعْرِيفِ وَالْفَقِيرُ قَدْ يَتَوَانَى لِاحْتِمَالِ اسْتِغْنَائِهِ فِيهَا وَانْتِفَاعُ أُبَيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ بِإِذْنِ الْإِمَامِ وَهُوَ جَائِزٌ بِإِذْنِهِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ فَقَدْ أَفَادَ أَنَّ الْغَنِيَّ يَجُوزُ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِإِذْنِ الْإِمَامِ لَكِنْ عَلَى وَجْهِ الْقَرْضِ كَمَا قَيَّدَهُ بِهِ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ مُتُونًا وَشُرُوحًا أَنَّ الْحِلَّ لِلْفَقِيرِ بَعْدَ التَّعْرِيفِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إذْنِ الْقَاضِي وَيُخَالِفُهُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ فَإِنَّهُ قَالَ لَوْ أَرَادَ الْمُلْتَقِطُ أَنْ يَصْرِفَهَا إلَى نَفْسِهِ بَعْدَمَا عَرَّفَهَا هَذِهِ الْمُدَّةَ فَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ كَانَ الْمُلْتَقِطُ غَنِيًّا لَا يَجُوزُ لَهُ الِانْتِفَاعُ عِنْدَنَا سَوَاءٌ فَعَلَ ذَلِكَ بِأَمْرِ الْقَاضِي أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ وَإِنْ كَانَ الْمُلْتَقِطُ فَقِيرًا إنْ أَذِنَ لَهُ الْقَاضِي أَنْ يُنْفِقَهَا عَلَى نَفْسِهِ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُنْفِقَ وَلَا يَحِلُّ بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ بِشْرٌ يَحِلُّ اهـ وَإِنَّمَا فَسَّرْنَا الِانْتِفَاعَ بِالتَّمَلُّكِ لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ الِانْتِفَاعَ بِدُونِهِ كَالْإِبَاحَةِ وَلِذَا مَلَكَ بَيْعَهَا وَصَرْفَ الثَّمَنِ إلَى نَفْسِهِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ أَطْلَقَ فِي عَدَمِ الِانْتِفَاعِ لِلْغَنِيِّ فَشَمِلَ الْقَرْضَ وَلِذَا قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَيْسَ لِلْمُلْتَقِطِ إذَا كَانَ غَنِيًّا أَنْ يَتَمَلَّكَهَا بِطَرِيقِ الْقَرْضِ إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا فَلَهُ أَنْ يَصْرِفَهَا إلَى نَفْسِهِ صَدَقَةً لَا قَرْضًا اهـ. وَأَطْلَقَ فِي وَلَدِهِ فَشَمِلَ الصَّغِيرَ وَالْحَاصِلُ أَنَّ أَقَارِبَ الْمُلْتَقِطِ وَأُصُولَهُ وَفُرُوعَهُ وَزَوْجَتَهُ كَالْأَجْنَبِيِّ لِأَنَّ الْجَوَازَ لِلْفَقْرِ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي الْكُلِّ وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُ الصَّغِيرِ بِأَنْ يَكُونَ الْمُلْتَقِطُ فَقِيرًا لِأَنَّ الْوَلَدَ يُعَدُّ غَنِيًّا بِغَنَاءِ أَبِيهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الزَّكَاةِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ مَا إذَا انْتَفَعَ بِهَا الْمُلْتَقِطُ ثُمَّ حَضَرَ الْمَالِكُ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ مِنْ حُكْمِ مَا إذَا تَصَدَّقَ بِهَا الْمُلْتَقِطُ ثُمَّ حَضَرَ الْمَالِكُ بِالْأَوْلَى فَلَهُ أَنْ يُجِيزَ وَأَنْ يَضْمَنَ وَفِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ وَجَدَ عَرْضًا لُقَطَةً فَعَرَّفَهَا وَلَمْ يَجِدْ صَاحِبَهَا وَهُوَ فَقِيرٌ ثُمَّ أَنْفَقَ عَلَى نَفْسِهِ ثُمَّ أَصَابَ مَالًا قَالُوا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَى الْفُقَرَاءِ بِمِثْلِ مَا أَنْفَقَ عَلَى نَفْسِهِ زَادَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ فَأَفَادَ الِاخْتِلَافَ. وَفِي الْخَانِيَّةِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ بِأَنْ يَتَمَلَّكَهَا) قَالَ فِي النَّهْرِ مَعْنَى الِانْتِفَاعِ بِهَا صَرْفُهَا إلَى نَفْسِهِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَهَذَا لَا يَتَحَقَّقُ مَا بَقِيَتْ فِي يَدِهِ لَا تَمَلُّكهَا كَمَا تَوَهَّمَهُ فِي الْبَحْرِ لِمَا أَنَّهَا بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهَا مَا لَمْ يَتَصَرَّفْ فِيهَا حَتَّى لَوْ كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ نِصَابٍ وَعِنْدَهُ مَا تَصِيرُ بِهِ نِصَابًا حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ تَحْتَ يَدِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ زَكَاةٌ اهـ. وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ عَيْنًا فَانْتَفَعَ بِهَا بِلُبْسٍ وَنَحْوِهِ لَا يَمْلِكُهَا مَعَ أَنَّهُ يُصَدَّقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ صَرَفَهَا إلَى نَفْسِهِ وَمُرَادُ الْمُؤَلِّفِ بِالتَّمَلُّكِ الِاحْتِرَازُ عَنْ الْإِبَاحَةِ كَمَا يُنَبِّهُ عَلَيْهِ أَيْ يَنْتَفِعُ بِهَا وَهِيَ مِلْكُهُ حَالَ الِانْتِفَاعِ لَا أَنَّهُ يُبَاحُ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهَا بَاقِيَةً عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهَا وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيْعُهَا فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ مُتُونًا وَشُرُوحًا إلَخْ) يُخَالِفُهُ مَا فِي مَتْنِ مَوَاهِبِ الرَّحْمَنِ وَيَنْتَفِعُ بِهَا بِإِذْنِ الْقَاضِي وَقِيلَ بِدُونِهِ وَعَزَا الْأَوَّلَ فِي شَرْحِهِ الْبُرْهَانَ إلَى الْأَكْثَرِ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُ الصَّغِيرِ بِأَنْ يَكُونَ الْمُلْتَقِطُ فَقِيرًا) قَالَ فِي النَّهْرِ هَذَا سَهْوٌ بَلْ الْمُرَادُ الْكَبِيرُ إذْ مَوْضُوعُ الْمَسْأَلَةِ مَا إذَا كَانَ الْمُلْتَقِطُ غَنِيًّا وَلَهُ ابْنٌ فَقِيرٌ وَهَذَا لَا يَتَأَتَّى فِي الصَّغِيرِ فَكَيْفَ يَشْمَلُهُ الْإِطْلَاقُ وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ لَا يَتَصَدَّقُ بِهَا عَلَى وَلَدٍ غَنِيٍّ قَالَ أَبُو السُّعُودِ وَقَدْ تَبِعَهُ الْحَمَوِيُّ وَوَجْهُ عَدَمِهِ الشُّمُولَ أَنَّ ابْنَ الْغَنِيِّ الصَّغِيرَ يُعَدُّ غَنِيًّا بِغَنَاءِ أَبِيهِ بِخِلَافِ ابْنِهِ الْكَبِيرِ حَيْثُ لَا يُعَدُّ غَنِيًّا بِغَنَاءِ أَبِيهِ وَأَقُولُ: تَسْهِيَةُ صَاحِبِ الْبَحْرِ إنَّمَا تَتَّجِهُ أَنْ لَوْ كَانَ تَصَدُّقُ الْمُلْتَقِطِ بِهَا عَلَى غَيْرِهِ يَنْحَصِرُ فِيمَا لَوْ كَانَ غَنِيًّا مَعَ أَنَّهُ لَا يَنْحَصِرُ إذْ لِلْفَقِيرِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا أَيْضًا كَالْغَنِيِّ وَإِنْ جَازَ لَهُ أَنْ يَصْرِفَهَا إلَى نَفْسِهِ لِفَقْرِهِ فَيُحْمَلُ كَلَامُ الْبَحْرِ عَلَيْهِ وَكَوْنُ مَوْضُوعِ الْمَسْأَلَةِ مَا إذَا كَانَ الْمُلْتَقِطُ غَنِيًّا لَا يَقْدَحُ فِي صِحَّتِهِ اهـ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 170 امْرَأَةٌ وَضَعَتْ مِلَاءَتَهَا وَجَاءَتْ امْرَأَةٌ أُخْرَى وَوَضَعَتْ مِلَاءَتَهَا ثُمَّ جَاءَتْ الْأُولَى وَأَخَذَتْ مِلَاءَةَ الثَّانِيَةِ وَذَهَبَتْ لَا يَنْبَغِي لِلثَّانِيَةِ أَنْ تَنْتَفِعَ بِمِلَاءَةِ الْأُولَى لِأَنَّهُ انْتِفَاعٌ بِمِلْكِ الْغَيْرِ فَإِنْ أَرَادَتْ أَنْ تَنْتَفِعَ بِهَا قَالُوا يَنْبَغِي أَنْ تَتَصَدَّقَ هِيَ بِهَذِهِ الْمِلَاءَةِ عَلَى ابْنَتِهَا إنْ كَانَتْ فَقِيرَةً عَلَى نِيَّةِ أَنْ يَكُونَ ثَوَابُ الصَّدَقَةِ لِصَاحِبَتِهَا إنْ رَضِيَتْ ثُمَّ تَهَبُ الِابْنَةُ الْمِلَاءَةَ مِنْهَا فَيَسَعُهَا الِانْتِفَاعُ بِهَا لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ اللُّقَطَةِ فَكَانَ سَبِيلُهَا التَّصَدُّقَ وَإِنْ كَانَتْ غَنِيَّةً لَا يَحِلُّ لَهَا الِانْتِفَاعُ بِهَا وَكَذَلِكَ الْجَوَابُ فِي الْمُكَعَّبِ إذَا سَرَقَ اهـ. وَقَيَّدَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنْ يَكُونَ الْمُكَعَّبُ الثَّانِي مِثْلَ الْأَوَّلِ أَوْ أَجْوَدَ أَمَّا إذَا كَانَ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ فَلَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ مِنْ غَيْرِ هَذَا التَّكَلُّفِ لِأَنَّ أَخْذَ الْأَجْوَدِ وَتَرْكَ الْأَدْوَنِ دَلِيلُ الرِّضَا بِالِانْتِفَاعِ بِالْأَدْوَنِ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَفِيهِ مُخَالَفَةُ اللُّقَطَةِ مِنْ جِهَةِ جَوَازِ التَّصَدُّقِ بِهَا قَبْلَ التَّعْرِيفِ وَكَأَنَّهُ لِلضَّرُورَةِ وَكَذَلِكَ جَوَّزُوا الِانْتِفَاعَ لِلْحَالِ فِي مَسْأَلَةٍ مَذْكُورَةٍ فِي الْخُلَاصَةِ وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ هِيَ لَوْ مَاتَ غَرِيبٌ فِي دَارِ رَجُلٍ وَمَعَهُ قَدْرُ خَمْسَةِ دَرَاهِمَ فَأَرَادَ صَاحِبُ الْبَيْتِ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَى نَفْسِهِ إنْ كَانَ فَقِيرًا فَلَهُ ذَلِكَ كَاللُّقَطَةِ اهـ. وَلَمْ يُصَرِّحَا بِمَا زَادَ عَلَى الْخَمْسَةِ وَفِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ وَإِذَا مَاتَ الْغَرِيبُ فِي بَيْتِ إنْسَانٍ وَلَيْسَ لَهُ وَارِثٌ مَعْرُوفٌ كَانَ حُكْمُ تَرِكَتِهِ كَحُكْمِ اللُّقَطَةِ إلَّا إذَا كَانَ مَالًا كَثِيرًا يَكُونُ لِبَيْتِ الْمَالِ بَعْدَ الْبَحْثِ وَالْفَحْصِ عَنْ وَرَثَتِهِ سِنِينَ اهـ. وَفِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ غَرِيبٌ مَاتَ فِي دَارِ رَجُلٍ وَلَيْسَ لَهُ وَارِثٌ مَعْرُوفٌ وَخَلَفَ مَا يُسَاوِي خَمْسَةَ دَرَاهِمَ وَصَاحِبُ الدَّارِ فَقِيرٌ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَذَا الْمَالِ عَلَى نَفْسِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَنْزِلَةِ اللُّقَطَةِ اهـ. وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرْنَا هـ وَالْأَوَّلُ أَثْبَتَ وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحِيطِ وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْحَمَامِ فَقَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ رَجُلٌ لَهُ مُحْصَنَةُ حَمَامٍ اخْتَلَطَ بِهَا أَهْلِيٌّ لِغَيْرِهِ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ فَإِنْ أَخَذَهُ طَلَبَ صَاحِبَهُ لِيَرُدَّهُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى اللُّقَطَةِ فَإِنْ فَرَّخَ عِنْدَهُ فَإِنْ كَانَتْ الْأُمُّ غَرِيبَةً لَا يَتَعَرَّضُ لِفَرْخِهَا وَإِنْ كَانَتْ الْأُمُّ لِصَاحِبِ الْمُحْصَنَةِ وَالْغَرِيبُ ذَكَرٌ فَالْفَرْخُ لَهُ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ مَنْ اتَّخَذَ بُرْجَ حَمَامٍ فَأَوْكَرَتْ فِيهِ حَمَامُ النَّاسِ فَمَا يَأْخُذُ مِنْ أَفْرَاخِهَا لَا يَحِلُّ لَهُ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ اللُّقَطَةِ فِي يَدِهِ فَإِنْ كَانَ فَقِيرًا لَهُ أَنْ يَتَنَاوَلَ لِحَاجَتِهِ وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا عَلَى فَقِيرٍ ثُمَّ يَشْتَرِي وَيَحِلُّ لَهُ التَّنَاوُلُ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَهَكَذَا كَانَ يَفْعَلُ شَيْخُنَا شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ وَكَانَ مُولَعًا بِأَكْلِ الْجَوَازِلِ وَمُحْصَنَةُ الْحَمَامِ بُرْجُهُ وَأَوْكَرَتْ اتَّخَذَتْ وَكْرًا وَهُوَ بَيْتُ الْحَمَامِ وَغَيْرِهِ وَالْمُولَعُ الْحَرِيصُ وَالْجَوَازِلُ جَمْعُ جَوْزَلٍ وَهُوَ فَرْخُ الْحَمَامِ اهـ. وَفِي الْقُنْيَةِ يَمْشِي فِي السُّوقِ وَيَنْفُخُ فِي التُّرَابِ فَوَجَدَ عَدْلِيَّةً أَوْ فَلْسًا أَوْ ذَهَبًا لَا يَحِلُّ لَهُ إلَّا بَعْدَ التَّعْرِيفِ ثُمَّ التَّصَدُّقُ عَلَيْهِ إنْ كَانَ فَقِيرًا ثُمَّ رَقَّمَ لِآخَرَ أَمَّا الْفَلْسُ وَالْعَدْلِيَّةُ فَيُبَاحُ لَهُ إذَا كَانَ فَقِيرًا وَفِي الزِّيَادَةِ لَا وَيَجُوزُ التَّصَدُّقُ فِي الْعَدْلِيَّةِ وَالْفَلْسِ قَبْلَ التَّعْرِيفِ اهـ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ الْمَأْخُوذُ بِهِ أَنَّ لِلْمَأْمُورِ بِالنِّثَارِ سُكَّرًا أَوْ غَيْرَهُ أَنْ يَحْبِسَ لِنَفْسِهِ مِقْدَارَ مَا يَحْبِسُهُ النَّاسُ وَأَنْ يَلْتَقِطَ وَمَنْ وَقَعَ فِي حِجْرِهِ أَوْ ذَيْلِهِ شَيْءٌ فَأَخَذَهُ مِنْهُ غَيْرُهُ إنْ هَيَّأَهُ لِذَلِكَ لَا يَكُونُ لِلْآخِذِ وَإِلَّا كَانَ لَهُ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة سَارِقٌ دَفَعَ لِرَجُلٍ مَتَاعًا فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ إنْ لَمْ يَعْرِفَ صَاحِبَهُ وَإِلَّا رَدَّهُ وَلَا يُرَدُّ إلَى السَّارِقِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. . (كِتَابُ الْإِبَاقِ) كُلٌّ مِنْ الْإِبَاقِ وَاللَّقِيطِ وَاللُّقَطَةِ مُتَحَقِّقٌ فِيهِ عُرْضَةُ الزَّوَالِ وَالتَّلَفِ إلَّا أَنَّ التَّعَرُّضَ لَهُ بِفِعْلِ فَاعِلٍ مُخْتَارٌ فِي الْإِبَاقِ، فَكَانَ الْأَنْسَبُ تَعْقِيبَ الْجِهَادِ بِهِ بِخِلَافِ اللُّقَطَةِ وَاللَّقِيطِ، وَكَذَا الْأَوْلَى فِيهِ وَفِي اللُّقَطَةِ التَّرْجَمَةُ بِالْبَابِ لَا بِالْكِتَابِ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ خَوْفَ التَّلَفِ مِنْ حَيْثُ الذَّاتُ فِي اللَّقِيطِ أَكْثَرُ   [منحة الخالق] [كِتَابُ الْإِبَاقِ] الجزء: 5 ¦ الصفحة: 171 مِنْ اللُّقَطَةِ فَنَاسَبَ ذِكْرُهُ عَقِيبَ الْجِهَادِ، وَأَمَّا التَّلَفُ فِي الْآبِقِ فَإِنَّمَا هُوَ مِنْ حَيْثُ الِانْتِفَاعُ لِلْمَوْلَى لَا مِنْ حَيْثُ الذَّاتُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَعُدْ إلَى مَوْلَاهُ لَا يَمُوتُ بِخِلَافِ اللَّقِيطِ فَإِنَّهُ لِصِغَرِهِ إنْ لَمْ يُرْفَعْ يَمُوتُ، فَالْأَنْسَبُ تَرْتِيبُ الْمَشَايِخِ كَمَا لَا يَخْفَى، وَكَذَا تَعْبِيرُهُمْ بِالْكِتَابِ لِكُلٍّ مِنْ الثَّلَاثَةِ أَنْسَبُ مِنْ الْبَابِ لِمَا أَنَّ مَسَائِلَ كُلٍّ مِنْهَا مُسْتَقِلَّةٌ لَمْ تَدْخُلْ فِي شَيْءٍ قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا، وَفِي الْقَامُوسِ أَبَقَ الْعَبْدُ كَسَمِعَ وَضَرَبَ وَمَنَعَ أَبْقًا وَيُحَرَّكُ وَإِبَاقًا كَكِتَابٍ ذَهَبَ بِلَا خَوْفٍ وَلَا كَدِّ عَمَلٍ أَوْ اسْتَخْفَى، ثُمَّ ذَهَبَ فَهُوَ آبِقٌ وَأَبُوقٌ، وَجَمْعُهُ كَكُفَّارٍ وَرُكَّعٍ. اهـ. وَفِي الْمِصْبَاحِ الْأَكْثَرُ أَنَّهُ مِنْ بَابِ ضَرَبَ. اهـ. وَلَمَّا كَانَ الْهَرَبُ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِالْقَصْدِ لَمْ يَحْتَجْ إلَى زِيَادَتِهِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ، وَأَمَّا الضَّالُّ فَلَيْسَ فِيهِ قَصْدُ التَّغَيُّبِ، بَلْ هُوَ الْمُنْقَطِعُ عَنْ مَوْلَاهُ لِجَهْلِهِ بِالطَّرِيقِ إلَيْهِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. قَوْلُهُ (: أَخْذُهُ أَحَبُّ إنْ يَقْوَ عَلَيْهِ) أَيْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ لِمَا فِيهِ مِنْ إحْيَائِهِ؛ لِأَنَّهُ هَالِكٌ فِي حَقِّ الْمَوْلَى فَيَكُونُ الرَّدُّ إحْيَاءً لَهُ قَيَّدَ بِقُدْرَتِهِ عَلَى أَخْذِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقْدِرْ فَلَا اسْتِحْبَابَ وَلَمْ يَذْكُرْ مَا إذَا خَافَ هَلَاكَهُ لَوْ لَمْ يَأْخُذْهُ، وَصَرَّحَ فِي الْبَدَائِعِ بِأَنَّ حُكْمَ أَخْذِهِ حُكْمُ أَخْذِ اللُّقَطَةِ فَعَلَى هَذَا يُفْتَرَضُ أَخْذُهُ إنْ خَافَ ضَيَاعَهُ وَيُنْدَبُ إنْ لَمْ يَخَفْ وَيَحْرُمُ أَخْذُهُ لِنَفْسِهِ وَيُسْتَحَبُّ تَرْكُهُ إنْ لَمْ يَأْمَنْ عَلَى نَفْسِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ كَثِيرًا مِنْ أَحْكَامِهِ بَعْدَ أَخْذِهِ، قَالَ فِي الْبَدَائِعِ إنْ شَاءَ الْآخِذُ أَمْسَكَهُ حَتَّى يَجِيءَ صَاحِبُهُ وَإِنْ شَاءَ ذَهَبَ بِهِ إلَى صَاحِبِهِ فَإِنْ ادَّعَى إنْسَانٌ أَنَّهُ عَبْدُهُ وَبَرْهَنَ دَفَعَهُ إلَيْهِ وَاسْتَوْثَقَ بِكَفِيلٍ إنْ شَاءَ لِجَوَازِ أَنْ يَدَّعِيَهُ آخَرُ، وَإِنْ لَمْ يُبَرْهِنْ وَأَقَرَّ الْعَبْدُ لِمُدَّعِيهِ دَفَعَهُ إلَيْهِ أَيْضًا لِعَدَمِ الْمُنَازِعِ وَيَأْخُذُ كَفِيلًا فَإِنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ بَاعَهُ الْقَاضِي وَحَفِظَ ثَمَنَهُ لِصَاحِبِهِ فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهُ بَعْدَهُ وَبَرْهَنَ دَفَعَ الثَّمَنَ إلَيْهِ وَلَيْسَ لَهُ نَقْضُ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْقَاضِي بِوِلَايَةٍ شَرْعِيَّةٍ، وَلَوْ زَعَمَ الْمُدَّعِي أَنَّهُ دَبَّرَهُ وَكَاتَبَهُ لَمْ يُصَدَّقْ فِي نَقْضِ الْبَيْعِ. اهـ. وَسَيَأْتِي حُكْمُ نَفَقَتِهِ آخِرًا. وَيَسْتَحْلِفُ الْقَاضِي مُدَّعِيَهُ مَعَ الْبُرْهَانِ بِاَللَّهِ أَنَّهُ بَاقٍ إلَى الْآنِ فِي مِلْكِك لَمْ يَخْرُجْ بِبَيْعٍ وَلَا هِبَةٍ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ يَنْبَغِي لِلرَّادِّ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ إلَى الْإِمَامِ عِنْدَ السَّرَخْسِيِّ وَخَيَّرَهُ الْحَلْوَانِيُّ، وَإِذَا جَاءَ بِهِ إلَى الْقَاضِي هَلْ يُصَدِّقُهُ الْقَاضِي بِلَا بَيِّنَةٍ؟ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ كَمَا اخْتَلَفُوا فِي نَصْبِ الْقَاضِي خَصْمًا لِمُدَّعِيهِ حَتَّى تُقْبَلَ بَيِّنَتُهُ وَلَمْ يَذْكُرْهُ مُحَمَّدٌ كَمَا اخْتَلَفُوا فِي أَخْذِ الْكَفِيلِ مِنْ مُدَّعِيهِ بَعْدَ الْبُرْهَانِ كَمَا اخْتَلَفُوا فِي أَخْذِ الضَّالِّ، وَإِذَا أَبَقَ الْعَبْدُ وَذَهَبَ بِمَالِ الْمَوْلَى فَجَاءَ بِهِ رَجُلٌ، وَقَالَ لَمْ أَجِدْ مَعَهُ شَيْئًا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَا يَكُونُ وُصُولُ يَدِهِ إلَى الْعَبْدِ دَلِيلًا عَلَى وُصُولِ يَدِهِ إلَى الْمَالِيَّةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ رَدَّهُ مِنْ مُدَّةِ سَفَرٍ فَلَهُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا) جُعْلًا لَهُ اسْتِحْسَانًا يَسْتَحِقُّهَا عَلَى مَوْلَاهُ بِلَا شَرْطٍ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - اتَّفَقُوا عَلَى أَصْلِ وُجُوبِ الْجُعْلِ إلَّا أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ أَرْبَعِينَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَوْجَبَ دُونَهُ فَأَوْجَبَ الْأَرْبَعِينَ فِي مَسِيرَةِ السَّفَرِ وَمَا دُونَهَا فِيمَا دُونَهُ تَوْفِيقًا وَتَلْفِيقًا فَلَوْ جَاءَ بِالْآبِقِ رَجُلٌ فَأَنْكَرَ مَوْلَاهُ إبَاقَهُ فَالْقَوْلُ لَهُ فَإِنْ بَرْهَنَ أَنَّهُ أَبَقَ أَوْ أَنَّ مَوْلَاهُ أَقَرَّ بِذَلِكَ قُبِلَتْ. كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ قَيَّدَ بِالْآبِقِ؛ لِأَنَّهُ لَا جُعْلَ لِرَادِّ الضَّالِّ؛ لِأَنَّهُ بِالسَّمْعِ وَلَا سَمْعَ فِي الضَّالِّ فَامْتَنَعَ؛ وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى صِيَانَةِ الضَّالِّ دُونَهَا فِي الْآبِقِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَوَارَى وَالْآبِقُ يَخْتَفِي، وَهَذَا مِمَّا فَارَقَ فِيهِ الْآبِقُ فِيهِ، وَكَذَا فِي حَبْسِهِ فَإِنَّ الْآبِقَ إذَا رُفِعَ إلَى الْإِمَامِ يَحْبِسُهُ وَلَا يَحْبِسُ الضَّالَّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ عَلَى الْآبِقِ مِنْ الْإِبَاقِ ثَانِيًا بِخِلَافِ الضَّالِّ، وَكَذَا لَا يَأْخُذُهُ الْوَاجِدُ، بَلْ تَرْكُهُ أَفْضَلُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْرَحُ مِنْ مَكَانِهِ فَيَجِدُهُ الْمَالِكُ بِخِلَافِ الْآبِقِ، وَكَذَا لَا جُعْلَ لِرَادِّ الصَّبِيِّ الْحُرِّ. أَطْلَقَ الرَّادَّ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ اثْنَيْنِ فَيَشْتَرِكَانِ فِي الْأَرْبَعِينَ إذَا رَدَّاهُ لِمَوْلَاهُ كَمَا فِي الْحَاوِي وَشَمِلَ مَا إذَا رَدَّهُ مَحْرَمُهُ إلَيْهِ فَهُوَ كَالْأَجْنَبِيِّ لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ مَا إذَا رَدَّهُ مَنْ فِي عِيَالِ سَيِّدِهِ إلَيْهِ وَأَنَّهُ لَا جُعْلَ لَهُ، وَكَذَا يَرِدُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ فَعَلَى هَذَا يُفْتَرَضُ أَخْذُهُ إنْ خَافَ ضَيَاعَهُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: هَذَا غَلَطٌ فَاحِشٌ وَذَلِكَ أَنَّهُ قَدَّمَ عَنْ الْبَدَائِعِ أَنَّ أَخْذَ اللُّقَطَةِ مَعَ خَوْفِ الضَّيَاعِ لَيْسَ بِفَرْضٍ وَأَنَّ الْقَوْلَ بِالْفَرْضِيَّةِ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فَكَيْفَ يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ إنَّ حُكْمَ أَخْذِهِ حُكْمُ أَخْذِ اللُّقَطَةِ أَنَّهُ يَكُونُ فَرْضًا فَسُبْحَانَ مَنْ تَنَزَّهَ عَنْ السَّهْوِ وَالنِّسْيَانِ نَعَمْ فِي الْفَتْحِ يُمْكِنُ أَنَّهُ يَجْرِي فِيهِ التَّفْصِيلُ فِي اللُّقَطَةِ بَيْنَ أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ تَلَفُهُ عَلَى الْمَوْلَى إنْ لَمْ يَأْخُذْهُ مَعَ قُدْرَةٍ تَامَّةٍ عَلَيْهِ فَيَجِبُ أَخْذُهُ وَإِلَّا فَلَا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 172 عَلَيْهِ مَا إذَا رَدَّهُ الْأَبَوَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يَكُنْ فِي عِيَالِهِ لَا جُعْلَ لَهُ، وَكَذَا يَرِدُ عَلَيْهِ لَوْ رَدَّهُ الِابْنُ إلَى أَبِيهِ وَلَيْسَ فِي عِيَالِهِ أَوْ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ إلَى الْآخَرِ، وَكَذَا يَرِدُ عَلَيْهِ لَوْ رَدَّهُ الْوَصِيُّ إلَى الْيَتِيمِ، وَكَذَا مَنْ يَعُولُ الْيَتِيمَ إذَا رَدَّ آبِقَهُ وَلَيْسَ بِوَصِيٍّ، وَكَذَا يَرِدُ عَلَيْهِ لَوْ كَانَ مَالِكُهُ قَدْ اسْتَعَاذَ بِهِ كَمَا لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ إنَّ عَبْدِي قَدْ أَبَقَ فَإِذَا وَجَدْته فَخُذْهُ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَشَرَطَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة أَنْ يَقُولَ لَهُ نَعَمْ مُعَلِّلًا بِأَنَّهُ قَدْ وَعَدَ لَهُ الْإِعَانَةَ، وَكَذَا يَرِدُ عَلَيْهِ لَوْ رَدَّهُ السُّلْطَانُ أَوْ الشِّحْنَةُ أَوْ الْخَفِيرُ لِوُجُوبِ الْفِعْلِ عَلَيْهِمْ فَالْوَارِدُ إحْدَى عَشْرَةَ فَلَوْ قَالَ إذَا كَانَ الرَّادُّ يَحْفَظُ مَالَ السَّيِّدِ أَوْ يَخْدُمُهُ أَوْ اسْتَعَانَ بِهِ لَسَلِمَ مِنْ الْإِيرَادِ كَمَا لَا يَخْفَى وَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الرَّادُّ بَالِغًا أَوْ صَبِيًّا حُرًّا أَوْ عَبْدًا؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ مِنْ أَهْلِ اسْتِحْقَاقِ الْأَجْرِ بِالْعَمَلِ. وَكَذَا الْعَبْدُ إلَّا أَنَّ الْجُعْلَ لِمَوْلَاهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ مِلْكِ الْمَالِ، كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَشَمِلَ مَا إذَا رَدَّهُ بِنَفْسِهِ أَوْ نَائِبِهِ. قَالَ فِي الْمُحِيطِ أَخَذَ آبِقًا مِنْ مَسِيرَةِ سَفَرٍ فَدَفَعَهُ إلَى رَجُلٍ وَأَمَرَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ إلَى مَوْلَاهُ وَأَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ الْجُعْلَ جَازَ وَذَكَرَ فِي آخِرِ الْبَابِ لَوْ أَخَذَ عَبْدًا آبِقًا فَاغْتَصَبَهُ مِنْهُ رَجُلٌ وَجَاءَ بِهِ لِمَوْلَاهُ فَدَفَعَهُ إلَيْهِ وَأَخَذَ جُعْلَهُ، ثُمَّ جَاءَ الَّذِي أَخَذَهُ فَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ مَسِيرَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ مِنْ مَوْلَاهُ الْجُعْلَ ثَانِيًا وَيَرْجِعُ الْمَوْلَى عَلَى الْغَاصِبِ بِمَا دَفَعَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ. اهـ. وَأَطْلَقَ فِي السَّيِّدِ فَشَمِلَ الْبَالِغَ وَالصَّبِيَّ فَيُجْعَلُ الْجُعْلُ فِي مَالِهِ وَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ مُتَعَدِّدًا فَالْجُعْلُ عَلَى قَدْرِ النَّصِيبِ فَلَوْ كَانَ الْبَعْضُ غَائِبًا فَلَيْسَ لِلْحَاضِرِ أَنْ يَأْخُذَهُ حَتَّى يُعْطِيَ تَمَامَ الْجُعْلِ وَلَا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا بِنَصِيبِ الْغَائِبِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ وَأَطْلَقَ فِي الْمَرْدُودِ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ صَغِيرًا فَهُوَ كَالْكَبِيرِ، ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ فِي الْكَافِي لَكِنْ ذَكَرَ بَعْدَهُ، وَإِذَا أَبَقَتْ الْأَمَةُ وَلَهَا صَبِيٌّ رَضِيعٌ فَرَدَّهُمَا رَجُلٌ كَانَ لَهُ جُعْلٌ وَاحِدٌ فَإِنْ كَانَ ابْنُهَا غُلَامًا قَدْ قَارَبَ الْحُلُمَ فَلَهُ الْجُعْلُ ثَمَانُونَ دِرْهَمًا. اهـ. قَيَّدَ وَلَدَ الْآبِقَةِ بِالْمُرَاهِقِ وَلَمْ يُقَيِّدْ أَوَّلًا فَالظَّاهِرُ أَنَّ الصَّغِيرَ إنْ لَمْ يَكُنْ تَبَعًا لِأَحَدِ أَبَوَيْهِ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مُرَاهِقًا وَإِلَّا فَهُوَ شَرْطٌ لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِهِ بِالْعَقْلِ، قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَمَا ذُكِرَ مِنْ الْجَوَابِ فِي الصَّغِيرِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ يَعْقِلُ الْإِبَاقَ أَمَّا إذَا كَانَ لَا يَعْقِلُ فَهُوَ ضَالٌّ لَا يَسْتَحِقُّ لَهُ الْجُعْلَ. اهـ. وَفِي الْمِصْبَاحِ الْجُعْلُ بِالضَّمِّ الْأَجْرُ يُقَالُ جَعَلْت لَهُ جُعْلَك وَالْجِعَالَةُ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَبَعْضُهُمْ يَحْكِي التَّثْلِيثَ وَالْجَعِيلَةُ مِثْلُ الْكَرِيمَةِ لُغَاتٌ فِي الْجُعْلِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْهُ) أَيْ وَلَوْ كَانَتْ قِيمَةُ الْمَرْدُودِ أَقَلَّ مِنْ الْأَرْبَعِينَ فَالْوَاجِبُ الْأَرْبَعُونَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ بِهَا ثَبَتَ بِالنَّصِّ فَلَا يَنْقُصُ عَنْهَا وَلِذَا لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ عَلَى الزِّيَادَةِ بِخِلَافِ الصُّلْحِ عَلَى الْأَقَلِّ؛ لِأَنَّهُ حَطَّ مِنْهُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَقْضِي بِقِيمَتِهِ إلَّا دِرْهَمًا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إحْيَاءُ مَالِ الْمَالِكِ فَلَا بُدَّ أَنْ يُسَلَّمَ لَهُ شَيْءٌ تَحْقِيقًا لِلْفَائِدَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْهِدَايَةِ فِيهِ قَوْلًا لِلْإِمَامِ وَذَكَرَهُ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ والإسبيجابي مَعَ مُحَمَّدٍ فَكَانَ هُوَ الْمَذْهَبَ وَلِذَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ، وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة لَوْ مَاتَ الْعَبْدُ بَعْدَ الرَّدِّ لَمْ يَبْطُلْ حَقُّهُ فِي الْجُعْلِ. [رَدَّ الْآبِقَ لِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ] (قَوْلُهُ وَإِنْ رَدَّهُ لِأَقَلَّ مِنْهَا فَبِحِسَابِهِ) إلَخْ أَيْ لَوْ رَدَّ الْآبِقَ لِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ تُقْسَمُ الْأَرْبَعُونَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: أَمَّا إذَا رَدَّهُ الْأَبَوَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يَكُنْ فِي عِيَالِهِ لَا جُعْلَ لَهُ) تَبِعَهُ فِي هَذَا تِلْمِيذُهُ الشَّيْخُ مُحَمَّدٌ الْغَزِّيِّ فِي مِنَحِهِ، وَاَلَّذِي رَأَيْته فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَفَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْعِنَايَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ وَالْقُهُسْتَانِيِّ وَالنَّهْرِ أَنَّ الْأَبَ كَبَقِيَّةِ الْمَحَارِمِ إنْ كَانَ فِي عِيَالِهِ لَا جُعْلَ لَهُ وَإِلَّا فَلَهُ الْجُعْلُ، وَعِبَارَةُ الْمِعْرَاجِ وَالْجُمْلَةُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الرَّادَّ إذَا كَانَ فِي عِيَالِ مَالِكِ الْعَبْدِ أَيْ فِي مُؤْنَتِهِ وَنَفَقَتِهِ لَا جُعْلَ لَهُ سَوَاءٌ كَانَ الرَّادُّ أَبًا لِلْمَالِكِ أَوْ ابْنًا لَهُ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي عِيَالِهِ فَعَلَى التَّفْصِيلِ إنْ كَانَ الرَّادُّ ابْنَ الْمَالِكِ فَلَا جُعْلَ لَهُ أَيْضًا وَإِنْ كَانَ أَبَاهُ فَلَهُ الْجُعْلُ إلَيْهِ، أَشَارَ فِي الذَّخِيرَةِ وَشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَفِي الْمَبْسُوطِ جَوَابُ الْقِيَاسِ أَنَّ الرَّادَّ ذَا الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ يَسْتَحِقُّ الْجُعْلَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي عِيَالِهِ وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ فَقَالَ إذَا وَجَدَ الِابْنُ عَبْدَ أَبِيهِ فَلَا جُعْلَ لَهُ مِنْهُ سَوَاءٌ كَانَ فِي عِيَالِهِ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ رَدَّهُ عَلَى أَبِيهِ مِنْ جُمْلَةِ خِدْمَتِهِ، وَخِدْمَةُ الْأَبِ مُسْتَحَقَّةٌ عَلَى الِابْنِ أَمَّا لَوْ كَانَ الرَّادُّ أَبًا فَإِنْ كَانَ فِي عِيَالِهِ ابْنُهُ لَا جُعْلَ لَهُ؛ لِأَنَّ آبِقَ الرَّجُلِ إنَّمَا يَطْلُبُهُ مَنْ فِي عِيَالِهِ عَادَةً وَلِهَذَا يُنْفِقُ عَلَيْهِمْ فَلَا يَسْتَوْجِبُ مَعَ جُعْلِ آخَرَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْأَبُ فِي عِيَالِهِ فَلَهُ الْجُعْلُ؛ لِأَنَّ خِدْمَةَ الِابْنِ غَيْرَ مُسْتَحَقَّةٍ عَلَى الْأَبِ. اهـ. ثُمَّ رَأَيْت فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ مَا نَصُّهُ، وَإِذَا كَانَ الرَّادُّ مِمَّنْ فِي عِيَالِ مَالِكِ الْغُلَامِ لَا جُعْلَ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي عِيَالِهِ فَلَهُ الْجُعْلُ سَوَاءٌ كَانَ أَجْنَبِيًّا أَوْ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ إلَّا الْوَالِدَيْنِ وَالْمَوْلُودِينَ اهـ. فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَشَرَطَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة أَنْ يَقُولَ لَهُ نَعَمْ) قَالَ الْمَقْدِسِيَّ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْهُ التَّبَرُّعُ بِالْعَمَلِ حَيْثُ لَمْ يَشْرِطْ عَلَيْهِ جُعْلًا. (قَوْلُهُ فَالْوَارِدُ إحْدَى عَشْرَةَ) أَيْ بَعْدَ الْأَبَوَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا صُورَتَيْنِ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى مَا قَدَّمَهُ أَمَّا عَلَى مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ شُرُوحِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا فَهُمَا دَاخِلَانِ فِيمَنْ كَانَ فِي عِيَالِ الْمَوْلَى، وَزَادَ فِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ نَقْلًا عَنْ النَّتْفِ الشَّرِيكَ وَيُصَوَّرُ فِي الْوَارِثِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 173 عَلَى الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ لِكُلِّ يَوْمٍ ثَلَاثَةَ عَشَرَ وَثُلُثٌ إذْ هِيَ أَقَلُّ مُدَّةِ السَّفَرِ، وَقَدْ اُسْتُفِيدَ مِنْهُ أَنَّ مَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ كَالثَّلَاثَةِ بِخِلَافِ مَا نَقَصَ عَنْهَا، وَظَاهِرُ مَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا تَضْعِيفُ مَا فِي الْكِتَابِ وَأَنَّ الْمَذْهَبَ الرَّضْخُ لَهُ بِاصْطِلَاحِهِمَا أَوْ يُفَوَّضُ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي وَفِي الْيَنَابِيعِ الْعَرْضُ إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ وَهُوَ الْأَشْبَهُ بِالِاعْتِبَارِ وَفِي الْإِبَانَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَفِي الْغِيَاثِيَّةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَفِي الْمُحِيطِ رَجُلَانِ أَتَيَا بِهِ فَبَرْهَنَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ مَسِيرَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَالثَّانِي أَنَّهُ مِنْ مَسِيرَةِ يَوْمَيْنِ فَعَلَى الْمَوْلَى جُعْلٌ تَامٌّ وَيَكُونُ لِلْأَوَّلِ جُعْلُ يَوْمٍ خَاصَّةً وَيَكُونُ جُعْلُ يَوْمَيْنِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَلَوْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ أَخَذَهُ بِالْكُوفَةِ وَأَقَامَ آخَرُ أَنَّهُ أَخَذَهُ فِي طَرِيقِ الْبَصْرَةِ عَلَى مَسِيرَةِ يَوْمَيْنِ فَقَدْ عَلِمْت أَنَّ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ كَاذِبَةٌ فَعَلَى الْمَوْلَى جُعْلٌ تَامٌّ وَيَكُونُ لِلَّذِي أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ أَخَذَهُ بِالْكُوفَةِ ثُلُثُ الْجُعْلِ وَيَكُونُ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ اهـ. وَفِي الْقَامُوسِ رَضَخَ لَهُ كَمَنَعَ وَضَرَبَ أَعْطَاهُ عَطَاءً غَيْرَ كَثِيرٍ اهـ. أَطْلَقَ فِي الْأَقَلِّ فَشَمِلَ مَا إذَا رَدَّهُ فِي الْمِصْرِ فَإِنَّهُ يَرْضَخُ لَهُ كَمَا لَوْ رَدَّهُ مِنْ خَارِجٍ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْأَصْلِ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا شَيْءَ لَهُ فِي الْمِصْرِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة قَوْلُهُ (: وَأُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرُ كَالْقِنِّ) لِمَا فِيهِ مِنْ إحْيَاءِ مِلْكِهِ وَقَيَّدَهُ فِي الْهِدَايَةِ بِأَنْ يَكُونَ الرَّدُّ فِي حَيَاةِ الْمَوْلَى وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُمَا يَعْتِقَانِ بِمَوْتِهِ وَلَا شَيْءَ فِي رَدِّ الْحُرِّ، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي أُمِّ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ لَا سِعَايَةَ عَلَيْهَا بَعْدَ مَوْتِهِ، وَكَذَا فِي الْمُدَبَّرِ الَّذِي لَا سِعَايَةَ عَلَيْهِ بِأَنْ يَكُونَ لِلْمَوْلَى مَالٌ سِوَاهُ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ غَيْرُهُ فَكَذَلِكَ لَا جُعْلَ لِلرَّادِّ؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ عِنْدَهُمَا مُسْتَسْعًى عِنْدَهُ وَهُوَ كَالْمُكَاتَبِ وَلَا جُعْلَ لِرَادِّ الْمُكَاتَبِ وَلِذَا قَيَّدَ بِأُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ أَحَقُّ بِمَكَاسِبِهِ فَلَا يُوجَدُ فِيهِ إحْيَاءُ مَالِ الْمَوْلَى، وَلَوْ رَدَّ الْقِنَّ بَعْدَ مَوْتِ مَوْلَاهُ وَجَبَ الْجُعْلُ إنْ كَانَ الرَّادُّ أَجْنَبِيًّا وَإِنْ كَانَ وَارِثًا يُنْظَرُ فَإِنْ أَخَذَهُ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ يَقَعُ فِي مَحَلٍّ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ وَإِنْ أَخَذَهُ فِي حَيَاتِهِ، ثُمَّ مَاتَ اسْتَحَقَّهُ فِي حِصَّةِ غَيْرِهِ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ، وَالرَّادُّ أَحَقُّ بِالْعَبْدِ مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ حَتَّى يُعْطَى الْجُعْلُ فَيُقَدَّمُ عَلَى سَائِرِ الدُّيُونِ وَيُعْطَى مِنْ ثَمَنِهِ، ثُمَّ يُقْسَمُ الْبَاقِي بَيْنَ الْغُرَمَاءِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الْآبِقُ مَأْذُونًا فِي التِّجَارَةِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مُحِيطٌ فَالْجُعْلُ عَلَى مَوْلَاهُ فَإِنْ امْتَنَعَ بِيعَ فِي الْجُعْلِ وَمَا فَضَلَ يُصْرَفُ لِلْغُرَمَاءِ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة قَوْلُهُ (: وَإِنْ أَبَقَ مِنْ الرَّادِّ لَا يَضْمَنُ) ؛ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ إذَا أَشْهَدَ أَنَّهُ أَخَذَهُ لِيَرُدَّهُ كَمَا سَيَأْتِي وَلَمْ يَذْكُرْ سُقُوطَ الْجُعْلِ قَالُوا وَلَا جُعْلَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْبَائِعِ مِنْ الْمَالِكِ وَلِهَذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَ الْآبِقَ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْجُعْلَ بِمَنْزِلَةِ الْبَائِعِ يَحْبِسُ الْمَبِيعَ لِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ، وَكَذَا إذَا مَاتَ فِي يَدِهِ لَا شَيْءَ لَهُ وَلَا عَلَيْهِ، وَلَوْ أَعْتَقَهُ الْمَوْلَى كَمَا لَقِيَهُ صَارَ قَابِضًا بِالِاتِّفَاقِ كَمَا فِي الْعَبْدِ الْمُشْتَرَى، وَكَذَا إذَا بَاعَهُ مِنْ الرَّادِّ لِسَلَامَةِ الْبَدَلِ لَهُ. وَالرَّدُّ وَإِنْ كَانَ لَهُ حُكْمُ الْبَيْعِ لَكِنَّهُ بَيْعٌ مِنْ وَجْهٍ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ النَّهْيِ الْوَارِدِ عَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يُقْبَضْ فَجَازَ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ. وَقَوْلُهُ كَمَا لَقِيَهُ لَيْسَ بِقَيْدٍ، بَلْ لَوْ أَعْتَقَهُ بَعْدَمَا سَارَ بِهِ الرَّادُّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ أَكْثَرَ لِيَرُدَّهُ، ثُمَّ أَبَقَ بَعْدَهُ فَإِنَّ الْجُعْلَ لَا يَسْقُطُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحِيطِ، بِخِلَافِ مَا إذَا سَارَ بِهِ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ كَانَ الْمَوْلَى دَبَّرَهُ، ثُمَّ هَرَبَ فَلَا جُعْلَ لَهُ؛ لِأَنَّ بِالتَّدْبِيرِ لَمْ يَزُلْ الرِّقُّ وَسَبَبُ الِاسْتِحْقَاقِ هُوَ الرَّدُّ إلَى الْمَوْلَى فِي حَالَةِ الرِّقِّ وَلَمْ يَرُدَّهُ. اهـ. وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ مَا إذَا رَدَّهُ آخَرُ بَعْدَمَا أَبَقَ مِنْ الْأَوَّلِ، وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ أَنَّ الْأَوَّلَ إذَا أَدْخَلَهُ الْمِصْرَ فَهَرَبَ مِنْهُ فَأَخَذَهُ آخَرُ وَرَدَّهُ إلَى مَوْلَاهُ فَلَا جُعْلَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَإِنْ خَرَجَ مِنْ الْمِصْرِ وَرَدَّهُ الثَّانِي مِنْ مَسِيرَةِ سَفَرٍ فَلَهُ الْجُعْلُ، وَلَوْ أَخَذَ الْآبِقَ مِنْ مَسِيرَةِ سَفَرٍ فَسَارَ بِهِ يَوْمًا، ثُمَّ أَبَقَ مِنْهُ مُتَوَجِّهًا إلَى بَلَدِ مَوْلَاهُ وَلَا يُرِيدُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى مَوْلَاهُ فَإِنْ أَخَذَهُ الَّذِي كَانَ أَخَذَهُ ثَانِيًا فَسَارَ بِهِ الْيَوْمَ الثَّالِثَ فَرَدَّهُ فَلَهُ ثُلُثَا الْجُعْلِ   [منحة الخالق] عِنْدَ قَوْلِهِ وَأُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرُ كَالْقِنِّ (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ وَارِثًا يُنْظَرُ إلَخْ) فِي كَافِي الْحَاكِمِ الشَّهِيدِ فَإِنْ كَانَ الَّذِي جَاءَ بِهِ هُوَ وَارِثُ الْمَيِّتِ وَقَدْ أَخَذَهُ وَسَارَ بِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي حَيَاتِهِ، ثُمَّ مَاتَ وَلَيْسَ الْوَارِثُ مِنْ عِيَالِهِ، قَالَ لَهُ الْجُعْلُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ أَمَّا أَنَا فَلَا أَرَى لِلْوَارِثِ جُعْلًا إذَا جَاءَ بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَإِنْ كَانَ أَخَذَهُ فِي حَيَاتِهِ اهـ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 174 جُعْلُ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ فَإِنْ أَخَذَهُ مَوْلَاهُ أَوْ رَجَعَ الْعَبْدُ إلَى مَوْلَاهُ فَلَا جُعْلَ لِلْآخِذِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْفَعْهُ إلَى مَوْلَاهُ، وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ لَمْ يَأْبَقْ مِنْ الْآخِذِ وَلَكِنْ فَارَقَهُ وَجَاءَ إلَى مَوْلَاهُ مُتَوَجِّهًا لَا يُرِيدُ الْإِبَاقَ فَلِلْآخِذِ جُعْلُ يَوْمٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَمَرَّدْ مِنْ الْآخِذِ، بَلْ مُنْقَادٌ لَهُ فَلَمْ تَنْقَطِعْ يَدُهُ عَنْهُ فَصَارَ كَأَنَّهُ رَدَّهُ إلَى مَوْلَاهُ، وَلَوْ أَخَذَ عَبْدًا آبِقًا مِنْ مَسِيرَةِ سَفَرٍ فَسَارَ بِهِ يَوْمًا، ثُمَّ دَفَعَهُ إلَى آخَرَ أَوْ بَاعَهُ مِنْهُ أَوْ وَهَبَهُ وَسَلَّمَهُ وَأَمَرَ أَنْ يَدْفَعَهُ إلَى مَوْلَاهُ فَدَفَعَهُ أَوْ سَارَ الْعَبْدُ بِنَفْسِهِ فَلِلْآخِذِ جُعْلُ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَلَا شَيْءَ لِلْمَدْفُوعِ إلَيْهِ. اهـ. . (قَوْلُهُ وَيُشْهِدُ أَنَّهُ أَخَذَهُ لِيَرُدَّهُ) أَيْ يُشْهِدُ الْآخِذُ لِلْآبِقِ، وَلَوْ قَالَ أَنْ أَشْهَدَ أَنَّهُ أَخَذَهُ لِيَرُدَّهُ لَكَانَ أَوْلَى لِيَكُونَ شَرْطًا لِعَدَمِ ضَمَانِهِ بِإِبَاقِهِ مِنْ يَدِهِ فَإِنَّ الْإِشْهَادَ لِنَفْيِ الضَّمَانِ عَنْ آخِذِهِ شَرْطٌ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي اللُّقَطَةِ لَكِنْ لَمْ يُعَلِّقْهُ بِهِ لِيُفِيدَ أَنَّ الْإِشْهَادَ شَرْطٌ لِاسْتِحْقَاقِ الْجُعْلِ أَيْضًا حَتَّى لَوْ رَدَّهُ مَنْ لَمْ يُشْهِدْ وَقْتَ الْأَخْذِ لَا جُعْلَ لَهُ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ تَرْكَهُ الْإِشْهَادَ أَمَارَةٌ أَنَّهُ أَخَذَهُ لِنَفْسِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا اشْتَرَاهُ مِنْ الْآخِذِ أَوْ اتَّهَبَهُ أَوْ وَرِثَهُ فَرَدَّهُ عَلَى مَوْلَاهُ لَا جُعْلَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ لِنَفْسِهِ إلَّا إذَا أَشْهَدَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ لِيَرُدَّهُ فَيَكُونُ لَهُ الْجُعْلُ وَهُوَ مُتَبَرِّعٌ فِي أَدَاءِ الثَّمَنِ وَاتَّفَقُوا أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ أَخَذَهُ لِنَفْسِهِ فَلَا جُعْلَ لَهُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ أَشْهَدَ أَنَّهُ أَخَذَهُ لِيَرُدَّهُ اسْتَحَقَّ الْجُعْلَ وَانْتَفَى الضَّمَانُ عَنْهُ بِمَوْتِهِ وَإِبَاقِهِ وَإِلَّا لَا لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْإِشْهَادُ شَرْطًا لَهُمَا عِنْدَ التَّمَكُّنِ أَمَّا إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْهُ فَلَا اتِّفَاقًا كَمَا تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي اللُّقَطَةِ وَأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ فِي أَنَّهُ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْهُ، ثُمَّ رَأَيْت التَّصْرِيحَ بِهِ فِي التَّتَارْخَانِيَّة. [الْمَأْذُونَ الْمَدْيُونَ لَوْ أَبَقَ] (قَوْلُهُ وَجُعْلُ الرَّهْنِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ) لِأَنَّهُ أَحْيَا مَالِيَّتَهُ بِالرَّدِّ وَهِيَ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ إذْ الِاسْتِيفَاءُ مِنْهَا وَالْجُعْلُ فِي مُقَابَلَةِ إحْيَاءِ الْمَالِيَّةِ فَيَكُونُ عَلَيْهِ أَطْلَقَهُ فَأَفَادَ أَنَّ الرَّدَّ فِي حَيَاةِ الرَّاهِنِ وَبَعْدَهُ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ لَا يَبْطُلُ بِالْمَوْتِ لَكِنْ يَرِدُ عَلَى إطْلَاقِهِ مَا إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ فَلَيْسَ الْكُلُّ عَلَيْهِ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ بِقَدْرِ دَيْنِهِ وَالْبَاقِي عَلَى الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الْقَدْرِ الْمَضْمُونِ فَصَارَ كَثَمَنِ الدَّوَاءِ وَتَخْلِيصِهِ مِنْ الْجِنَايَةِ بِالْفِدَاءِ وَأَشَارَ بِوُجُوبِهِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ الَّذِي لَيْسَ بِمَالِكٍ لِلرَّقَبَةِ لِكَوْنِ الْمَنْفَعَةِ عَائِدَةً إلَيْهِ لِكَوْنِهِ مَضْمُونًا عَلَيْهِ إلَى أَنَّ الْعَبْدَ الْمُوصَى بِرَقَبَتِهِ لِإِنْسَانٍ وَبِخِدْمَتِهِ لِآخَرَ إذَا أَبَقَ فَالْجُعْلُ عَلَى صَاحِبِ الْخِدْمَةِ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَهُ فَإِذَا انْقَضَتْ الْخِدْمَةُ رَجَعَ صَاحِبُ الْخِدْمَةِ عَلَى صَاحِبِ الرَّقَبَةِ أَوْ بِيعَ الْعَبْدُ فِيهِ وَإِلَى أَنَّ الْمَأْذُونَ الْمَدْيُونَ لَوْ أَبَقَ فَأَدَاءُ الْجُعْلِ عَلَى مَنْ يَقَعُ الرَّدُّ لَهُ وَهُوَ مَنْ يَسْتَقِرُّ الْمِلْكُ لَهُ فَإِنْ اخْتَارَ الْمَوْلَى قَضَاءَ دَيْنِهِ كَانَ الْجُعْلُ عَلَيْهِ وَإِنْ اخْتَارَ بَيْعَهُ كَانَ الْجُعْلُ فِي الثَّمَنِ يُبْتَدَأُ بِهِ كَمَا أَسْلَفْنَاهُ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُشْتَرِي وَإِلَى أَنَّ الْآبِقَ لَوْ كَانَ جَنَى خَطَأً لَا فِي يَدِ الْآخِذِ فَإِنَّهُ عَلَى مَنْ سَيَصِيرُ لَهُ إنْ اخْتَارَ الْمَوْلَى فِدَاءَهُ فَهُوَ عَلَيْهِ لِعَوْدِ مَنْفَعَتِهِ إلَيْهِ وَإِنْ اخْتَارَ دَفْعَهُ إلَى الْأَوْلِيَاءِ فَعَلَيْهِمْ لِعَوْدِهَا إلَيْهِمْ فَلَوْ دَفَعَ الْمَوْلَى الْجُعْلَ وَأَخَذَهُ، ثُمَّ قَضَى عَلَيْهِ بِدَفْعِهِ إلَى الْأَوْلِيَاءِ فَلَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ بِالْجُعْلِ كَمَا لَوْ بَاعَهُ الْقَاضِي فِي الدَّيْنِ فَإِنَّ الْمَوْلَى يَأْخُذُ جُعْلَهُ الَّذِي دَفَعَهُ مِنْ ثَمَنِهِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ قَيَّدْنَا بِكَوْنِهِ خَطَأً؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ قَتَلَ عَمْدًا، ثُمَّ رَدَّهُ فَلَا جُعْلَ لَهُ عَلَى أَحَدٍ وَقَيَّدَ بِكَوْنِ الْجِنَايَةِ لَمْ تَكُنْ وَهِيَ فِي يَدِهِ إذْ لَوْ جَنَى الْآبِقُ فِي يَدِ الْآخِذِ فَلَا جُعْلَ لَهُ عَلَى أَحَدٍ، وَلَوْ جَنَى إبَاقَهُ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَهُ فَإِنْ قُتِلَ فَلَا شَيْءَ لَهُ وَإِنْ دُفِعَ إلَى الْوَلِيِّ فَعَلَيْهِ الْجُعْلُ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ. فَجِنَايَتُهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ كَمَا عَلِمْت وَإِلَى أَنَّ الْعَبْدَ الْمَغْصُوبَ لَوْ أَبَقَ مِنْ غَاصِبِهِ فَالْجُعْلُ عَلَى الْغَاصِبِ وَدَلَّ بِمَفْهُومِهِ أَنَّهُ لَوْ رَدَّ الْمَوْهُوبَ فَالْجُعْلُ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ سَوَاءٌ رَجَعَ الْوَاهِبُ فِي الْهِبَةِ بَعْدَ الرَّدِّ أَوْ لَمْ يَرْجِعْ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ لَهُ وَقْتَ الرَّدِّ الْمُنْتَفِعَ بِهِ إنَّمَا هُوَ الْمَوْهُوبُ لَهُ، وَلَوْ وَهَبَهُ لِلْآخِذِ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ قَبْضِ الْمَوْلَى فَلَا جُعْلَ وَإِلَّا فَعَلَى الْمَوْلَى بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَهُ مِنْهُ فَإِنَّ الْجُعْلَ لَهُ مُطْلَقًا كَذَا فِي الْمُحِيطِ. [نَفَقَةِ الْآبِقِ] (قَوْلُهُ وَأَمْرُ نَفَقَتِهِ كَاللُّقَطَةِ) أَيْ وَحُكْمُ نَفَقَةِ الْآبِقِ   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 175 كَحُكْمِ نَفَقَةِ اللُّقَطَةِ؛ لِأَنَّهُ لُقَطَةٌ حَقِيقَةً فَلَوْ أَنْفَقَ عَلَيْهِ الْآخِذُ بِلَا أَمْرِ الْقَاضِي كَانَ مُتَبَرِّعًا وَبِإِذْنِهِ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ بِشَرْطِ أَنْ يَقُولَ عَلَى أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْأَصَحِّ وَلَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ لِلنَّفَقَةِ الدَّيْنِ فَإِنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ وَلَمْ يَجِئْ صَاحِبُهُ بَاعَهُ الْقَاضِي وَحَفِظَ ثَمَنَهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَأَسْلَفْنَا أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يُؤَجِّرُهُ بِخِلَافِ اللُّقَطَةِ وَأَنَّهُ يَحْبِسُهُ تَعْزِيرًا لَهُ بِخِلَافِ الضَّالِّ وَقَدَّرَ التَّتَارْخَانِيَّة مُدَّةَ حَبْسِهِ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ، ثُمَّ يَبِيعُهُ بَعْدَهَا قَالَ وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ مُدَّةَ الْحَبْسِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَسَيَأْتِي حُكْمُ بَيْعِ الْآبِقِ وَهِبَتِهِ فِي الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ وَإِعْتَاقُهُ جَائِزٌ، وَلَوْ عَنْ كَفَّارَةِ ظِهَارٍ وَلَا تُقْطَعُ يَدُهُ بِسَرِقَةٍ تَثْبُتُ عَلَيْهِ حَتَّى يَحْضُرَ مَوْلَاهُ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَإِنْ أَجَّرَهُ رَجُلٌ فَالْأَجْرُ لَهُ وَيَتَصَدَّقُ بِهِ وَإِنْ دَفَعَهُ إلَى الْمَوْلَى كَانَ لَهُ حَلَالًا اسْتِحْسَانًا، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ [كِتَابُ الْمَفْقُودِ] (كِتَابُ الْمَفْقُودِ) مِنْ فَقَدَهُ يَفْقِدُهُ فَقْدًا وَفِقْدَانًا وَفَقْدًا عَدِمَهُ فَهُوَ فَقِيدٌ وَمَفْقُودٌ كَذَا فِي الْقَامُوسِ. قَوْلُهُ (وَهُوَ غَائِبٌ لَمْ يَدْرِ مَوْضِعَهُ) يَعْنِي لَمْ تُدْرَ حَيَاتُهُ وَلَا مَوْتُهُ فَالْمَدَارُ إنَّمَا هُوَ عَلَى الْجَهْلِ بِحَيَاتِهِ وَمَوْتِهِ لَا عَلَى الْجَهْلِ بِمَكَانِهِ فَإِنَّهُمْ جَعَلُوا مِنْهُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ الْمُسْلِمَ الَّذِي أَسَرَهُ الْعَدُوُّ وَلَا يُدْرَى أَحَيٌّ أَمْ مَيِّتٌ مَعَ أَنَّ مَكَانَهُ مَعْلُومٌ وَهُوَ دَارُ الْحَرْبِ فَإِنَّهُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ عَرَفَ أَنَّهُ فِي بَلْدَةٍ مُعَيَّنَةٍ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ أَوْ لَا وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَحْكَامِهِ أَنَّ لَهُ حُكْمَيْنِ حُكْمًا فِي الْحَالِ وَحُكْمًا فِي الْمَآلِ، فَالْأَصْلُ فِي الْأَوَّلِ أَنَّهُ حَيٌّ فِي حَقِّ نَفْسِهِ حَتَّى لَا يُورَثَ عَنْهُ مَالُهُ وَلَا تَتَزَوَّجَ نِسَاؤُهُ وَمَيِّتٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِ حَتَّى لَا يَرِثَ مِنْ أَحَدٍ وَلَا يُقْسَمُ مَالُهُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ مَا لَمْ يَثْبُتْ مَوْتُهُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ يَبْلُغُ سِنًا سَيُبَيِّنُهُ الْمُصَنِّفُ، وَأَمَّا الْحُكْمُ الْمَآلِيُّ فَهُوَ الْحُكْمُ بِمَوْتِهِ بِمُضِيِّ مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ (قَوْلُهُ: فَيَنْصِبُ الْقَاضِي مَنْ يَأْخُذَ حَقَّهُ وَيَحْفَظُ مَالَهُ وَيَقُومُ عَلَيْهِ) لِأَنَّ الْقَاضِيَ نُصِبَ نَاظِرًا لِكُلِّ عَاجِزٍ عَنْ النَّظَرِ لِنَفْسِهِ وَالْمَفْقُودُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَصَارَ كَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَفِي نَصْبِ الْحَافِظِ لِمَالِهِ وَالْقَائِمِ عَلَيْهِ نَظَرٌ لَهُ لَكِنْ عِنْدَ الْحَاجَةِ فَلَوْ كَانَ لَهُ وَكِيلٌ، ثُمَّ فُقِدَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَنْصِبَ الْقَاضِي وَكِيلًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ بِفَقْدِ مُوَكِّلِهِ إذَا كَانَ وَكِيلًا فِي الْحِفْظِ لِمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَالتَّجْنِيسِ رَجُلٌ غَابَ وَجَعَلَ دَارِهِ فِي يَدِ رَجُلٍ لِيَعْمُرَهَا أَوْ دَفَعَ مَالَهُ لِيَحْفَظَهُ وَفُقِدَ الدَّافِعُ فَلَهُ أَنْ يَحْفَظَهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْمُرَ الدَّارَ إلَّا بِإِذْنِ الْحَاكِمِ؛ لِأَنَّهُ لَعَلَّهُ مَاتَ وَلَا يَكُونُ الرَّجُلُ وَصِيًّا اهـ. أَطْلَقَ الْحَقَّ فَشَمِلَ الْأَعْيَانَ وَالدُّيُونَ مِنْ الْغَلَّاتِ وَغَيْرِهَا مَا كَانَ فِي بَيْتِهِ أَوْ عِنْدَ أُمَنَائِهِ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ يَقْبِضُ غَلَّاتِهِ وَالدُّيُونَ الْمُقَرَّ بِهَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْحِفْظِ فَيُخَاصِمُ فِي دَيْنٍ وَجَبَ بِعَقْدِهِ؛ لِأَنَّهُ أَصِيلٌ فِي حُقُوقِهِ وَلَا يُخَاصِمُ فِي الَّذِي تَوَلَّاهُ الْمَفْقُودُ وَلَا فِي نَصِيبٍ لَهُ فِي عَقَارٍ أَوْ فِي عُرُوضٍ فِي يَدِ رَجُلٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالِكٍ وَلَا نَائِبٍ عَنْهُ إنَّمَا هُوَ وَكِيلٌ فِي الْقَبْضِ مِنْ جِهَةِ الْقَاضِي وَأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْخُصُومَةَ بِلَا خِلَافٍ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْوَكِيلِ بِالْقَبْضِ مِنْ جِهَةِ الْمَالِكِ فِي الدَّيْنِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ تَضَمَّنَ الْحُكْمَ بِهِ قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا رَدَّهُ الْقَاضِي وَقَضَى بِهِ؛ لِأَنَّهُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ. وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ الْمُجْتَهَدَ فِيهِ نَفْسُ الْقَضَاءِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَوَقَّفَ نَفَاذُهُ عَلَى إمْضَاءِ قَاضٍ آخَرَ كَمَا لَوْ كَانَ الْقَاضِي مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ أُجِيبُ بِأَنَّ الْمُجْتَهَدَ فِيهِ سَبَبُ الْقَضَاءِ وَهُوَ أَنَّ الْبَيِّنَةَ هَلْ تَكُونُ حُجَّةً مِنْ غَيْرِ خَصْمٍ حَاضِرٍ أَوْ لَا فَإِذَا رَآهَا الْقَاضِي حُجَّةً وَقَضَى بِهَا نَفَذَ قَضَاؤُهُ كَمَا لَوْ قَضَى بِشَهَادَةِ الْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ وَاسْتَشْكَلَهُ الشَّارِحُ بِأَنَّ الِاخْتِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي نَفْسِ الْقَضَاءِ وَإِلَّا لَمْ يُتَصَوَّرْ الِاخْتِلَافُ فِي نَفْسِ الْقَضَاءِ فَلَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ إلَّا بِتَنْفِيذِ قَاضٍ آخَرَ وَلِهَذَا قَالَ الشَّارِحُ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ إنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ إلَّا بِتَنْفِيذِ قَاضٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي نَفْسِ الْقَضَاءِ   [منحة الخالق] (كِتَابُ الْمَفْقُودِ) (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ بِفَقْدِ مُوَكِّلِهِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ قَبْضَ دُيُونِهِ الَّتِي أَقَرَّ بِهَا غُرَمَاؤُهُ وَلَا غَلَّاتِهِ وَحِينَئِذٍ فَيَحْتَاجُ إلَى النَّصْبِ وَكَانَ هَذَا هُوَ السِّرُّ فِي إطْلَاقِهِمْ نَصَّ الْوَكِيلِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. (قَوْلُهُ: تَضَمَّنَ الْحُكْمَ بِهِ قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ) قَالَ فِي الْحَوَاشِي السُّغْدِيَّةِ فِيهِ شَيْءٌ وَالظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ قَضَاءً لِلْغَائِبِ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ مَا نَصُّهُ فِي فَصْلِ الْقَضَاءِ بِالْمَوَارِيثِ مِنْ شَرْحِ الْأَتْقَانِيِّ وَأَحَالَ عَلَى الْمُخْتَلِفِ أَنَّهُ قِيلَ يَجُوزُ الْقَضَاءُ لِلْغَائِبِ عِنْدَهُمَا وَلَا يَجُوزُ عِنْدَهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 176 وَتَبِعَهُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ هُنَاكَ لَكِنْ ذُكِرَ هُنَا عَنْ الْخُلَاصَةِ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى النَّفَاذِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ فِي نَفَاذِ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ رِوَايَتَيْنِ فَصَحَّحُوا فِي بَابِ الْمَفْقُودِ رِوَايَةَ النَّفَاذِ وَفِي كِتَابِ الْقَضَاءِ رِوَايَةَ عَدَمِهِ لَكِنْ وَقَعَ الِاشْتِبَاهُ بَيْنَ أَهْلِ الْعَصْرِ فِي الْمُرَادِ بِالْقَاضِي عَلَى الْغَائِبِ هَلْ الْمُرَادُ بِهِ الْأَعَمُّ مِنْ الْحَنَفِيِّ وَغَيْرِهِ أَوْ الْمُرَادُ غَيْرُ الْحَنَفِيِّ، وَمَنْشَؤُهُ فَهْمُ عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا هُنَا حَيْثُ قَالُوا إذَا رَآهُ الْقَاضِي نَفَذَ هَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ رَأْيٌ لَهُ وَاعْتِقَادٌ فَيَخْرُجُ الْحَنَفِيُّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرَى الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ أَوْ الْمُرَادُ إذَا رَآهُ الْقَاضِي مَصْلَحَةً فَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ إلَّا إذَا رَآهُ الْقَاضِي أَيْ جَعَلَ ذَلِكَ رَأْيًا لَهُ وَحَكَمَ بِهِ، وَقَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَيْ رَأَى الْقَاضِي الْمَصْلَحَةَ فِي الْحُكْمِ عَلَى الْغَائِبِ أَوْ لَهُ اهـ. وَقَالَ الشَّارِحُونَ وَصَاحِبُ الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ فِي تَوْجِيهِ الْجَوَابِ عَمَّا أَوْرَدَ أَنَّ الْمُجْتَهَدَ فِيهِ نَفْسُ الْقَضَاءِ رَآهَا الْقَاضِي حُجَّةً وَقَضَى بِهَا نَفَذَ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا فِي الْعِنَايَةِ الْمُقْتَضِي لِتَخْصِيصِ الْقَاضِي بِغَيْرِ الْحَنَفِيِّ وَمِنْ الْعَجَبِ مَا فِي الْخُلَاصَةِ مِنْ نَقْلِ الْإِجْمَاعِ عَلَى نَفَاذِ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ لَوْ فَعَلَ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي أَنَّهُ هَلْ يَقْضِي وَيَنْصِبُ وَكِيلًا عَنْ الْغَائِبِ أَمْ لَا وَسَتَزْدَادُ وُضُوحًا فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى وَلَا تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ فِيمَا لَوْ ادَّعَى إنْسَانٌ عَلَى الْمَفْقُودِ دَيْنًا أَوْ وَدِيعَةً أَوْ شَرِكَةً فِي عَقَارٍ أَوْ رَقِيقٍ أَوْ رَدًّا بِعَيْبٍ أَوْ مُطَالَبَةً لِاسْتِحْقَاقٍ لِعَدَمِ الْخَصْمِ؛ لِأَنَّ مَنْصُوبَ الْقَاضِي لَيْسَ بِخَصْمٍ، وَكَذَا وَرَثَتُهُ؛ لِأَنَّهُمْ يَرِثُونَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَلَمْ يَثْبُتْ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ بَيْعَ شَيْءٍ مِنْ مَالِهِ وَفِي الْهِدَايَةِ، ثُمَّ مَا كَانَ يَخَافُ عَلَيْهِ الْفَسَادَ يَبِيعُهُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ حِفْظُ صُورَتِهِ وَمَعْنَاهُ فَيَنْظُرُ لَهُ بِحِفْظِ الْمَعْنَى وَلَا يَبِيعُ مَا لَا يَخَافُ عَلَيْهِ الْفَسَادَ فِي نَفَقَةٍ وَلَا غَيْرِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى الْغَائِبِ إلَّا فِي حِفْظِ مَالِهِ فَلَا يَسُوغُ لَهُ تَرْكُ حِفْظِ الصُّورَةِ وَهُوَ مُمْكِنٌ قَوْلُهُ (: وَيُنْفِقُ عَلَى قَرِيبِهِ وِلَادٌ أَوْ زَوْجَتُهُ) يَعْنِي مِنْ مَالِ الْمَفْقُودِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ كُلَّ مَنْ يَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ فِي مَالِهِ حَالَ حَضْرَتِهِ بِغَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي يُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ فِي غَيْبَتِهِ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ حِينَئِذٍ يَكُونُ إعَانَةً وَكُلُّ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّهَا فِي حَضْرَتِهِ إلَّا بِالْقَضَاءِ لَا يُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ فِي غَيْبَتِهِ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ حِينَئِذٍ تَجِبُ بِالْقَضَاءِ وَالْقَضَاءُ عَلَى الْغَائِبِ مُمْتَنِعٌ فَمِنْ الْأَوَّلِ الْأَوْلَادُ الصِّغَارُ وَالْإِنَاثُ مِنْ الْكِبَارِ وَأَلْزَمَنِّي مِنْ الذُّكُورِ الْكِبَارُ وَمِنْ الثَّانِي الْأَخُ وَالْأُخْتُ وَالْخَالُ وَالْخَالَةُ وَكُلُّ مَحْرَمٍ لِمَا قَدَّمْنَاهُ فِي النَّفَقَاتِ، أَطْلَقَ فِي الْإِنْفَاقِ مِنْ مَالِهِ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ فِي الْمَلْبُوسِ وَالْمَطْعُومِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِي مَالِهِ يَحْتَاجُ إلَى الْقَضَاءِ بِالْقِيمَةِ وَهِيَ النَّقْدَانِ وَالتِّبْرُ بِمَنْزِلَتِهِمَا فِي هَذَا الْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُ يَصْلُحُ قِيمَةً كَالْمَضْرُوبِ وَتَقَدَّمَ فِي النَّفَقَاتِ اسْتِثْنَاءُ الْأَبِ فَإِنَّ لَهُ بَيْعَ الْعُرُوضِ، وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة وَيُبَاعُ فِي النَّفَقَةِ مَا سِوَى الْعَقَارِ وَلَمْ يُقَيِّدْ بِفَقْرِهِمْ لِمَا عُلِمَ فِي النَّفَقَاتِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ إلَّا الزَّوْجَةَ فَإِنَّهَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ وَإِنْ كَانَتْ غَنِيَّةً وَلَمْ يُبَيِّنْ مَنْ تَحْتَ يَدِهِ الْمَالُ لِمَا قَدَّمَهُ فِي النَّفَقَاتِ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمَالُ وَدِيعَةً أَوْ دَيْنًا يُنْفِقُ عَلَيْهِمْ مِنْهُمَا إذَا كَانَ الْمُودَعُ وَالْمَدْيُونُ مُقِرَّيْنِ بِالدَّيْنِ الْوَدِيعَةِ وَالنِّكَاحِ وَالنَّسَبِ. وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُونَا ظَاهِرَيْنِ عِنْدَ الْقَاضِي فَإِنْ كَانَا ظَاهِرَيْنِ لَا حَاجَةَ إلَى الْإِقْرَارِ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا ظَاهِرًا الْوَدِيعَةُ وَالدَّيْنُ أَوْ النِّكَاحُ وَالنَّسَبُ يُشْتَرَطُ الْإِقْرَارُ بِمَا لَيْسَ بِظَاهِرٍ، هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَإِنْ دَفَعَ الْمُودَعُ بِنَفْسِهِ أَوْ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي يَضْمَنُ الْمُودَعُ وَلَا يَبْرَأُ الْمَدْيُونُ؛ لِأَنَّهُ مَا أَدَّى إلَى صَاحِبِ الْحَقِّ وَلَا إلَى نَائِبِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا دَفَعَ بِأَمْرِ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ نَائِبٌ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ الْمُودَعُ وَالْمَدْيُونُ جَاحِدَيْنِ أَصْلًا أَوْ كَانَا جَاحِدَيْنِ الزَّوْجِيَّةَ وَالنَّسَبَ لَمْ يَنْتَصِبْ أَحَدٌ مِنْ مُسْتَحَقِّي النَّفَقَةِ خَصْمًا فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَا يَدَّعِيهِ لِلْغَائِبِ لَمْ يَتَعَيَّنْ سَبَبًا لِثُبُوتِ حَقِّهِ وَهُوَ النَّفَقَةُ؛ لِأَنَّهَا كَمَا تَجِبُ فِي هَذَا الْمَالِ تَجِبُ فِي مَالٍ آخَرَ لِلْمَفْقُودِ، وَأَمَّا إذَا نَصَبَ الْقَاضِي مَنْ يُخَاصِمُ فِي ذَلِكَ فَلَهُ ذَلِكَ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ أَخْذَ الْكَفِيلِ مِنْهُمْ لِمَا قَدَّمَهُ أَنَّهُ يَأْخُذُ كَفِيلًا. (قَوْلُهُ   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 177 وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا) أَيْ وَبَيْنَ زَوْجَتِهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ «إنَّهَا امْرَأَتُهُ حَتَّى يَأْتِيَهَا الْبَيَانُ» وَقَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِيهَا هِيَ امْرَأَةٌ اُبْتُلِيَتْ فَلْتَصْبِرْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ مَوْتٌ أَوْ طَلَاقٌ خَرَجَ بَيَانًا لِلْبَيَانِ الْمَذْكُورِ فِي الْمَرْفُوعِ؛ وَلِأَنَّ النِّكَاحَ عُرِفَ ثُبُوتُهُ وَالْغَيْبَةُ لَا تُوجِبُ الْفُرْقَةَ وَالْمَوْتُ فِي حَيِّزِ الِاحْتِمَالِ فَلَا يَزَالُ النِّكَاحُ بِالشَّكِّ وَعُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَجَعَ إلَى قَوْلِ عَلِيٍّ وَلَا مُعْتَبَرَ بِالْإِيلَاءِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ طَلَاقًا مُعَجَّلًا فَاعْتُبِرَ فِي الشَّرْعِ مُؤَجَّلًا فَكَانَ مُوجِبًا لِلْفُرْقَةِ؛ لِأَنَّ الْغُرْبَةَ تَعْقُبُ الْأَوْبَةَ وَالْعُنَّةُ قَلَّمَا تَنْحَلُّ بَعْدَ اسْتِمْرَارِهَا سَنَةً (قَوْلُهُ: وَحُكِمَ بِمَوْتِهِ بَعْدَ تِسْعِينَ سَنَةً) لِأَنَّهُ الْغَايَةُ فِي زَمَانِنَا وَالْحَيَاةُ بَعْدَهَا نَادِرٌ فَلَا عِبْرَةَ لِلنَّادِرِ، وَقَدْ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي هَذِهِ وَاخْتَلَفَ التَّرْجِيحُ، فَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِمَوْتِ الْأَقْرَانِ فِي السِّنِّ؛ لِأَنَّ مِنْ النَّوَادِرِ أَنْ يَعِيشَ الْإِنْسَانُ بَعْدَ مَوْتِ أَقْرَانِهِ فَلَا يَنْبَنِي الْحُكْمُ عَلَيْهِ فَإِذَا بَقِيَ مِنْهُمْ وَاحِدٌ لَا يُحْكَمُ بِمَوْتِهِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ بِمَوْتِ أَقْرَانِهِ فَقِيلَ مِنْ جَمِيعِ الْبِلَادِ، وَقِيلَ مِنْ بَلَدِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ. وَاخْتَارَ الْمُؤَلِّفُ التَّقْدِيرَ بِالتِّسْعِينَ بِتَقْدِيمِ التَّاءِ عَلَى السِّينِ تَبَعًا لِابْنِ الْفَضْلِ وَهُوَ الْأَرْفَقُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَفِي الذَّخِيرَةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ تَقْدِيرُهُ بِمِائَةِ سَنَةٍ وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ حَامِدٍ وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ الْإِمَامِ بِمِائَةٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً وَاخْتَارَهُ الْقُدُورِيُّ وَاخْتَارَ الْمُتَأَخِّرُونَ سِتِّينَ سَنَةً وَاخْتَارَ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ سَبْعِينَ سَنَةً وَاخْتَارَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ أَنْ لَا يُقَدِّرَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ أَلْيَقُ بِطَرِيقِ النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّ نَصْبَ الْمَقَادِيرِ بِالرَّأْيِ لَا تَكُونُ وَفِي الْهِدَايَةِ أَنَّهُ الْأَقْيَسُ وَفَوَّضَهُ بَعْضُهُمْ إلَى الْقَاضِي فَأَيُّ وَقْتٍ رَأَى الْمَصْلَحَةَ حَكَمَ بِمَوْتِهِ، قَالَ الشَّارِحُ وَهُوَ الْمُخْتَارُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الِاخْتِلَافَ مَا جَاءَ إلَّا مِنْ اخْتِلَافِ الرَّأْيِ أَيْ فِي أَنَّ الْغَالِبَ هَذَا فِي الطُّولِ أَوْ مُطْلَقًا وَالْعَجَبُ مِنْ الْمَشَايِخِ كَيْفَ يَخْتَارُونَ خِلَافَ ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ مَعَ أَنَّهُ وَاجِبُ الِاتِّبَاعِ عَلَى مُقَلِّدِي أَبِي حَنِيفَةَ وَالْإِمَامُ مُحَمَّدٌ لَمْ يَعْتَبِرْ السِّنِينَ وَإِنَّمَا اعْتَبَرَهُ الْمُتَقَدِّمُونَ بَعْدَهُ، وَقَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي شَرْحِهِ مَا قَالَ مُحَمَّدٌ أَحْوَطُ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَلَقَدْ صَدَقَ مَنْ قَالَ كَثْرَةُ الْمَقَالَاتِ تُؤْذِنُ بِكَثْرَةِ الْجَهَالَاتِ وَمِنْ الْغَرِيبِ مَا نَقَلَهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة أَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِثَمَانِينَ سَنَةً وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. (قَوْلُهُ وَتَعْتَدُّ امْرَأَتُهُ وَوُرِثَ مِنْهُ حِينَئِذٍ لَا قَبْلَهُ) أَيْ حِينَ حُكِمَ بِمَوْتِهِ بِمُضِيِّ هَذِهِ الْمُدَّةِ وَالظَّرْفُ قَيْدٌ لِلْحُكْمَيْنِ كَأَنَّهُ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ مُعَايَنَةً إذْ الْحُكْمِيُّ مُعْتَبَرٌ بِالْحَقِيقِيِّ، وَكَذَا يُحْكَمُ بِعِتْقِ مُدَبَّرِيهِ وَأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ كَمَا فِي الْحَاوِي [وَلَا يَرِثُ الْمَفْقُودُ مِنْ أَحَدٍ مَاتَ أَيْ قَبْلَ الْحُكْمِ بِمَوْتِهِ] قَوْلُهُ (: وَلَا يَرِثُ مِنْ أَحَدٍ مَاتَ) أَيْ قَبْلَ الْحُكْمِ بِمَوْتِهِ؛ لِأَنَّ بَقَاءَهُ حَيًّا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ وَهُوَ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً لِلِاسْتِحْقَاقِ وَلِذَلِكَ لَوْ أَوْصَى لِلْمَفْقُودِ وَمَاتَ الْمُوصِي لَا يَسْتَحِقُّ الْوَصِيَّةَ لَكِنْ قَالَ مُحَمَّدٌ لَا أَقْضِي بِهَا وَلَا أُبْطِلُهَا حَتَّى يَظْهَرَ حَالُ الْمَفْقُودِ يَعْنِي يُوقَفُ نَصِيبُ الْمَفْقُودِ الْمُوصَى لَهُ بِهِ إلَى أَنْ يَقْضِيَ بِمَوْتِهِ فَإِذَا قَضَى بِمَوْتِهِ جُعِلَ كَأَنَّهُ مَاتَ الْآنَ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ حَيٌّ فِي مَالِ نَفْسِهِ فَلَا يُورَثُ مَيِّتٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِ فَلَا يَرِثُ، وَهَذَا إذَا لَمْ تُعْلَمْ حَيَاتُهُ إلَى أَنْ يُحْكَمَ بِمَوْتِهِ وَإِنْ عَلِمَ حَيَاتَهُ فِي وَقْتٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ يَرِثُ مَنْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ الْوَقْتِ مِنْ أَقَارِبِهِ كَمَا فِي الْحَمْلِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ حَيًّا فَيَرِثُ فَإِنْ تَبَيَّنَ حَيَاتَهُ فِي وَقْتٍ مَاتَ فِيهِ قَرِيبُهُ وَإِلَّا يَرُدُّ الْمَوْقُوفَ لِأَجَلِهِ إلَى وَارِثِ مُوَرِّثِهِ الَّذِي وَقَفَ مِنْ مَالِهِ [كَانَ مَعَ الْمَفْقُودِ وَارِثٌ يُحْجَبُ بِهِ] قَوْلُهُ (: وَلَوْ كَانَ مَعَ الْمَفْقُودِ وَارِثٌ يُحْجَبُ بِهِ لَمْ يُعْطَ شَيْئًا وَإِنْ انْتَقَصَ حَقُّهُ بِهِ يُعْطَى أَقَلَّ النَّصِيبَيْنِ) بَيَانُهُ رَجُلٌ مَاتَ عَنْ ابْنَتَيْنِ وَابْنٍ مَفْقُودٍ وَابْنِ ابْنٍ أَوْ بِنْتِ ابْنٍ وَالْمَالُ فِي يَدِ الْأَجْنَبِيِّ وَتَصَادَقُوا عَلَى فَقْدِ الِابْنِ وَطَلَبَتْ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَالْحَاصِلُ إلَخْ) هَذَا الْحَاصِلُ ذَكَرَهُ فِي الْفَتْحِ وَبَيَانُهُ أَنَّ اخْتِلَافَهُمْ فِي تَقْدِيرِهِ بِتِسْعِينَ أَوْ بِمِائَةٍ أَوْ بِمِائَةٍ وَعِشْرِينَ مَبْنِيٌّ عَلَى اخْتِلَافِ الرَّأْيِ فِي الْغَالِبِ فِي طُولِ الْعُمُرِ فَبَعْضُهُمْ رَأَى أَنَّ الْغَالِبَ فِي طُولِ الْعُمُرِ أَيْ الْغَالِبُ فِي نِهَايَةِ مَا يَعِيشُ إلَيْهِ الْإِنْسَانُ تِسْعُونَ فَقَدَّرَهُ بِهَا وَبَعْضُهُمْ رَأَى أَنَّ الْغَالِبَ فِيهِ الْمِائَةُ فَقَدَّرَ بِهَا وَهَكَذَا وَبَعْضُهُمْ نَظَرَ إلَى الْغَالِبِ مُطْلَقًا أَيْ لَا مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ أَطْوَلَ مَا يَعِيشُ إلَيْهِ الْإِنْسَانُ، بَلْ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ الْغَالِبَ فِي أَصْلِ الطُّولِ وَهُوَ السِّتُّونَ فَإِنَّ مَنْ يَعِيشُ إلَى السِّتِّينَ أَكْثَرَ مِمَّنْ يَعِيشُ إلَى التِّسْعِينَ أَوْ أَكْثَرَ قَالَ فِي الْفَتْحِ وَعِنْدِي الْأَحْسَنُ سَبْعِينَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أَعْمَارُ أُمَّتِي مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إلَى السَّبْعِينَ» فَكَانَتْ الْمُنْتَهَى غَالِبًا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْعَجَبُ مِنْ الْمَشَايِخِ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ التَّفَحُّصَ عَنْ مَوْتِ الْأَقْرَانِ غَيْرُ مُمْكِنٍ أَوْ فِيهِ حَرَجٌ فَعَنْ هَذَا اخْتَارَ الْمَشَايِخُ تَقْدِيرَهُ بِالسِّنِّ اهـ. قُلْتُ: وَقَدْ يَكُونُ هَذَا التَّقْدِيرُ تَفْسِيرًا لِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ الْأَقْرَانُ غَالِبًا لَكِنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي الْغَالِبِ هَلْ الْمُرَادُ أَطْوَلُ مَا يَعِيشُ إلَيْهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 178 الْبِنْتَانِ الْمِيرَاثَ يُعْطَيَانِ النِّصْفَ؛ لِأَنَّهُ مُتَيَقَّنٌ بِهِ وَيُوقَفُ النِّصْفُ الْآخَرُ وَلَا يُعْطَى أَوْلَادُ الِابْنِ؛ لِأَنَّهُمْ يُحْجَبُونَ بِالْمَفْقُودِ لَوْ كَانَ حَيًّا فَلَا يَسْتَحِقُّونَ الْمِيرَاثَ بِالشَّكِّ وَلَا يُنْزَعُ مِنْ يَدِ الْأَجْنَبِيِّ إلَّا إذَا ظَهَرَتْ مِنْهُ خِيَانَةٌ بِأَنْ كَانَ أَنْكَرَ أَنَّ الْمَيِّتَ عِنْدَهُ مَالٌ حَتَّى أَقَامَتْ الْبِنْتَانِ الْبَيِّنَةَ فَقَضَى بِهَا؛ لِأَنَّ أَحَدَ الْوَرَثَةِ يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ الْبَاقِينَ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يُؤْخَذُ الْفَضْلُ الْبَاقِي مِنْهُ وَيُوضَعُ عَلَى يَدِ عَدْلٍ لِظُهُورِ خِيَانَتِهِ، وَلَوْ لَمْ يَتَصَادَقُوا عَلَى فَقْدِ الِابْنِ، فَقَالَ الْأَجْنَبِيُّ الَّذِي فِي يَدِهِ الْمَالُ مَاتَ الْمَفْقُودُ قَبْلَ أَبِيهِ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى دَفْعِهِ الثُّلُثَيْنِ لِلْبِنْتَيْنِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ مُعْتَبَرٌ فِيمَا فِي يَدِهِ، وَقَدْ أَقَرَّ أَنَّ ثُلُثَيْهِ لِلْبِنْتَيْنِ فَيُجْبَرُ عَلَى دَفْعِهِ لَهُمَا وَلَا يَمْنَعُ إقْرَارُهُ قَوْلَ أَوْلَادِ الِابْنِ أَبُونَا أَوْ عَمُّنَا مَفْقُودٌ؛ لِأَنَّهُمْ بِهَذَا الْقَوْلِ لَا يَدَّعُونَ لِأَنْفُسِهِمْ شَيْئًا وَيُوقَفُ الثُّلُثُ الْبَاقِي فِي يَدِهِ، وَتَمَامُهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ كِتَابِ الدَّعْوَى مَاتَ عَنْ ابْنَيْنِ أَحَدُهُمَا مَفْقُودٌ فَزَعَمَ وَرَثَةُ الْمَفْقُودِ أَنَّهُ حَيٌّ وَلَهُ مِيرَاثٌ وَالِابْنُ الْآخَرُ يُزْعَمُ مَوْتُهُ لَا خُصُومَةَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ وَرَثَةَ الْمَفْقُودِ اعْتَرَفُوا أَنَّهُمْ لَا حَقَّ لَهُمْ فِي التَّرِكَةِ فَكَيْفَ يُخَاصِمُونَ عَمَّهُمْ اهـ. (قَوْلُهُ كَالْحَمْلِ) أَيْ الْحَمْلُ نَظِيرُهُ فِي الْمِيرَاثِ عِنْدَ الشَّكِّ فِي نَصِيبِ الْحَمْلِ فَإِنَّهُ يُوقَفُ لَهُ مِيرَاثُ ابْنٍ وَاحِدٍ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْفَتْوَى فَلَوْ كَانَ مَعَ الْحَمْلِ وَارِثٌ آخَرُ لَا يَسْقُطُ بِحَالٍ وَلَا يَتَغَيَّرُ بِالْحَمْلِ يُعْطَى كُلَّ نَصِيبِهِ لِلتَّيَقُّنِ بِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَكَذَا إذَا تَرَكَ ابْنًا وَامْرَأَةً حَامِلًا تُعْطَى الْمَرْأَةُ الثُّمُنَ وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَسْقُطُ بِالْحَمْلِ لَا يُعْطَى شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَتَغَيَّرُ يُعْطَى الْأَقَلَّ لِلتَّيَقُّنِ بِهِ، مِثَالُهُ تَرَكَ امْرَأَةً حَامِلًا وَجَدَّةً تُعْطَى السُّدُسَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَغَيَّرُ بِهَا، وَلَوْ تَرَكَ حَامِلًا وَأَخًا أَوْ عَمًّا لَا يُعْطَى شَيْئًا؛ لِأَنَّ الْأَخَ يَسْقُطُ بِالِابْنِ وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ الْحَمْلُ ابْنًا وَكَانَ بَيْنَ أَنْ يَسْقُطَ وَلَا يَسْقُطَ فَكَانَ أَصْلُ الِاسْتِحْقَاقِ مَشْكُوكًا فِيهِ فَلَا يُعْطَى شَيْئًا، وَلَوْ تَرَكَ حَامِلًا وَأُمًّا وَزَوْجَةً تَأْخُذُ الْأُمُّ السُّدُسَ وَالزَّوْجَةُ الثُّمُنَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَيِّتًا أَخَذَتْ الْأُمُّ الثُّلُثَ أَوْ حَيًّا أَخَذَتْ السُّدُسَ وَالزَّوْجَةُ الثُّمُنَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَيِّتًا أَخَذَتْ الرُّبُعَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [كِتَابُ الشَّرِكَةِ] أَوْلَاهَا لِلْمَفْقُودِ لِتَنَاسُبِهِمَا بِوَجْهَيْنِ: كَوْنُ مَالِ أَحَدِهِمَا أَمَانَةً فِي يَدِ الْآخَرِ كَمَا أَنَّ مَالَ الْمَفْقُودِ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْحَاضِرِ، وَكَوْنُ الِاشْتِرَاكِ قَدْ يَتَحَقَّقُ فِي مَالِ الْمَفْقُودِ كَمَا لَوْ مَاتَ مُوَرِّثُهُ وَلَهُ وَارِثٌ آخَرُ وَالْمَفْقُودُ حَيٌّ وَالشَّرِكَةُ لُغَةً خَلْطُ النَّصِيبَيْنِ بِحَيْثُ لَا يَتَمَيَّزُ أَحَدُهُمَا وَمَا قِيلَ إنَّهُ اخْتِلَاطُ النَّصِيبَيْنِ تَسَاهُلٌ فَإِنَّ الشَّرِكَةَ اسْمُ الْمَصْدَرِ وَالْمَصْدَرُ الشِّرْكُ مَصْدَرُ شَرِكْت الرَّجُلَ أُشْرِكُهُ شِرْكًا فَظَهَرَ أَنَّهَا فِعْلُ الْإِنْسَانِ وَفِعْلُهُ الْخَلْطُ، وَأَمَّا الِاخْتِلَاطُ فَصِفَةٌ لِلْمَالِ تَثْبُتُ عَنْ فِعْلِهِمَا لَيْسَ لَهَا اسْمٌ مِنْ الْمَادَّةِ وَلَا يُظَنُّ أَنَّ اسْمَهُ الِاشْتِرَاكُ؛ لِأَنَّ الِاشْتِرَاكَ فِعْلُهُمَا أَيْضًا مَصْدَرُ اشْتَرَكَ الرَّجُلَانِ افْتِعَالٌ مِنْ الشَّرِكَةِ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَذُكِرَ أَنَّهَا بِإِسْكَانِ الرَّاءِ فِي الْمَعْرُوفِ وَسَكَتَ عَنْ الْأَوَّلِ، وَفِي الْقَامُوسِ الشِّرْكُ وَالشَّرِكَةُ بِكَسْرِهِمَا وَضَمِّ الثَّانِي بِمَعْنًى، وَقَدْ اشْتَرَكَا وَشَارَكَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ وَالشِّرْكُ بِالْكَسْرِ وَكَأَمِيرٍ الْمُشَارِكُ وَالْجَمْعُ إشْرَاكٌ وَشُرَكَاءُ. اهـ. وَفِي التَّبْيِينِ إطْلَاقُ الشَّرِكَةِ عَلَى الْعَقْدِ مَجَازٌ لِكَوْنِهِ سَبَبًا لَهُ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَرُكْنُهَا فِي شَرِكَةِ الْعَيْنِ اخْتِلَاطُهُمَا وَفِي شَرِكَةِ الْعَقْدِ اللَّفْظُ الْمُفِيدُ لَهُ وَيُقَالُ الشَّرِكَةُ عَلَى الْعَقْدِ نَفْسِهِ فَإِذَا قِيلَ شَرِكَةُ الْعَقْدِ بِالْإِضَافَةِ فَهِيَ إضَافَةٌ بَيَانِيَّةٌ وَشَرْعِيَّتُهَا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْمَعْقُولِ أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء: 12] ، وَهُوَ خَاصٌّ بِشَرِكَةِ الْعَيْنِ، وَأَمَّا السُّنَّةُ فَمَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ السَّائِبِ أَنَّهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُنْت شَرِيكِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ» كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي الْمُحِيطِ شَرْطُ جَوَازِهَا كَوْنُ الْوَاحِدِ قَابِلًا لِلشَّرِكَةِ وَحُكْمُهَا فِي شَرِكَةِ الْمِلْكِ صَيْرُورَةُ الْمُجْتَمِعِ مِنْ النَّصِيبَيْنِ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا وَفِي شَرِكَةِ الْعَقْدِ   [منحة الخالق] الْأَقْرَانُ أَوْ أَغْلَبُ مَا يَعِيشُونَ إلَيْهِ كَالسِّتِّينَ كَمَا بَيَّنَّاهُ آنِفًا. (كِتَابُ الشَّرِكَةِ) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 179 صَيْرُورَةُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ أَوْ مَا يُسْتَفَادُ بِهِ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا [شَرِكَةُ الْمِلْكِ] (قَوْلُهُ: شَرِكَةُ الْمِلْكِ أَنْ يَمْلِكَ اثْنَانِ عَيْنًا إرْثًا أَوْ شِرَاءً) بَيَانٌ لِلنَّوْعِ الْأَوَّلِ مِنْهَا وَقَوْلُهُ إرْثًا أَوْ شِرَاءً مِثَالٌ لَا قَيْدٌ فَلَا يَرِدُ أَنَّ ظَاهِرَهُ الْقَصْرُ عَلَيْهِمَا مَعَ أَنَّهُ لَا يُقْصَرُ عَلَيْهِمَا، بَلْ تَكُونُ فِيمَا إذَا مَلَكَاهَا هِبَةً أَوْ صَدَقَةً أَوْ اسْتِيلَاءً بِأَنْ اسْتَوْلَيَا عَلَى مَالِ حَرْبِيٍّ أَوْ اخْتِلَاطًا كَمَا إذَا اخْتَلَطَ مَالُهُمَا مِنْ غَيْرِ صُنْعٍ مِنْ أَحَدِهِمَا أَوْ اخْتَلَطَ بِخَلْطِهِمَا خَلْطًا يَمْنَعُ التَّمْيِيزَ أَوْ يَتَعَسَّرُ كَالْحِنْطَةِ مَعَ الشَّعِيرِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهَا نَوْعَانِ جَبْرِيَّةٌ وَاخْتِيَارِيَّةٌ فَأَشَارَ إلَى الْجَبْرِيَّةِ بِالْإِرْثِ وَإِلَى الِاخْتِيَارِيَّةِ بِالشِّرَاءِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ، وَذَكَرَ أَنَّ مِنْ الِاخْتِيَارِيَّةِ أَنْ يُوصِيَ لَهُمَا بِمَالٍ فَيَقْبَلَانِ وَظَاهِرُ قَوْلِهِمْ عَيْنًا يَدُلُّ عَلَى إخْرَاجِ الدَّيْنِ فَقِيلَ إنَّ الشَّرِكَةَ فِيهِ مَجَازٌ؛ لِأَنَّهُ وَصْفٌ شَرْعِيٌّ لَا يُمْلَكُ، وَقَدْ يُقَالُ: بَلْ يُمْلَكُ شَرْعًا، وَقَدْ جَازَتْ هِبَتُهُ مِمَّنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ وَدُفِعَ بِأَنَّهَا مَجَازٌ عَنْ الْإِسْقَاطِ وَلِذَا لَمْ تَجُزْ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْحَقُّ مَا ذَكَرُوا مِنْ مِلْكِهِ وَلِذَا مَلَكَ مَا عَنْهُ مِنْ الْعَيْنِ عَلَى الِاشْتِرَاكِ حَتَّى إذَا دَفَعَ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ إلَى أَحَدِهِمَا كَانَ لِلْآخَرِ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِنِصْفِ مَا أَخَذَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقُولَ هَذَا الَّذِي أَخَذْته حِصَّتِي وَمَا بَقِيَ عَلَى الْمَدْيُونِ حِصَّتُك وَلَا يَصِحُّ مِنْ الْمَدْيُونِ أَيْضًا أَنْ يُعْطِيَهُ شَيْئًا عَلَى أَنَّهُ قَضَاهُ وَأَخَّرَ الْآخَرَ وَسَيَأْتِي فِي الصُّلْحِ أَنَّ مِنْ الْحِيلَةِ فِي اخْتِصَاصِ الْآخِذِ بِمَا أَخَذَ دُونَ شَرِيكِهِ أَنْ يَهَبَهُ مَنْ عَلَيْهِ مِقْدَارَ حِصَّتِهِ وَيُبْرِئَهُ هُوَ مِنْ حِصَّتِهِ، فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ أَنْ يَمْلِكَ مُتَعَدِّدٌ عَيْنًا أَوْ دَيْنًا لَكَانَ أَوْلَى قَوْلُهُ (: وَكُلُّ أَجْنَبِيٍّ فِي قِسْطِ صَاحِبِهِ) أَيْ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ مَمْنُوعٌ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ لِغَيْرِ الشَّرِيكِ إلَّا بِإِذْنِهِ لِعَدَمِ تَضَمُّنِهَا الْوَكَالَةَ، وَالْقِسْطُ بِالْكَسْرِ الْحِصَّةُ وَالنَّصِيبُ كَذَا فِي الْقَامُوسِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ بَيْعِ أَحَدِهِمَا حِصَّتَهُ وَحُكْمَ الِانْتِفَاعِ بِهَا بِلَا بَيْعٍ أَمَّا الْأَوَّلُ فَقَالُوا يَجُوزُ بَيْعُ أَحَدِهِمَا نَصِيبَهُ مِنْ شَرِيكِهِ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ وَمِنْ غَيْرِ شَرِيكِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ إلَّا فِي صُورَةِ الْخَلْطِ وَالِاخْتِلَاطِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا بِإِذْنِهِ. وَالْفَرْقُ أَنَّ الشَّرِكَةَ إذَا كَانَتْ بَيْنَهُمَا مِنْ الِابْتِدَاءِ بِأَنْ اشْتَرَيَا حِنْطَةً أَوْ وَرِثَاهَا كَانَتْ كُلُّ حَبَّةٍ مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمَا فَبَيْعُ كُلٍّ مِنْهُمَا نَصِيبَهُ شَائِعًا جَائِزٌ مِنْ الشَّرِيكِ وَالْأَجْنَبِيِّ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ بِالْخَلْطِ أَوْ الِاخْتِلَاطِ كَانَ كُلُّ حَبَّةٍ مَمْلُوكَةٍ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا لَيْسَ لِلْآخَرِ فِيهَا شَرِكَةٌ فَإِذَا بَاعَ نَصِيبَهُ مِنْ غَيْرِ الشَّرِيكِ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ إلَّا مَخْلُوطًا بِنَصِيبِ الشَّرِيكِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى إذْنِهِ بِخِلَافِ بَيْعِهِ مِنْ الشَّرِيكِ لِلْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ وَالتَّسَلُّمِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْبَيْعَ لَيْسَ بِقَيْدٍ، بَلْ الْمُرَادُ الْإِخْرَاجُ عَنْ الْمِلْكِ بِهِبَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ إمْهَارٍ أَوْ بَدَلِ خُلْعٍ وَسَيَأْتِي بَيَانُ إجَارَةِ الْمُشْتَرَكِ فِي قَوْلِهِ فِيهَا وَفَسَدَ إجَارَةُ الْمَشَاعِ إلَّا مِنْ الشَّرِيكِ. وَأَمَّا الثَّانِي فَفِيهِ تَفْصِيلٌ فَفِي الدَّابَّةِ الْمُشْتَرَكَةِ لَا يَرْكَبُهَا بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ وَفِي الْبَيْتِ لَهُ أَنْ يَسْكُنَ كُلَّهُ فِي غَيْبَةِ شَرِيكِهِ، وَكَذَا الْخَادِمُ وَلَا يَلْزَمُهُ أُجْرَةُ حِصَّةِ شَرِيكِهِ، وَلَوْ كَانَتْ الدَّارُ مُعَدَّةً لِلِاسْتِغْلَالِ وَفِي الْأَرْضِ لَهُ أَنْ يَزْرَعَهَا كُلَّهَا عَلَى الْمُفْتَى بِهِ إنْ كَانَ الزَّرْعُ يَنْفَعُهَا فَإِذَا جَاءَ شَرِيكُهُ زَرَعَهَا مِثْلَ تِلْكَ الْمُدَّةِ وَإِنْ كَانَ الزَّرْعُ يُنْقِصُهَا أَوْ التَّرْكُ يَنْفَعُهَا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَزْرَعَهَا وَفِي الْكَيْلِيِّ وَالْوَزْنِيِّ لَهُ أَنْ يَعْزِلَ حِصَّتَهُ بِغَيْبَةِ شَرِيكِهِ وَيَنْتَفِعَ بِهَا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إنْ سَلَّمَ الْبَاقِيَ فَإِنْ هَلَكَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ إلَى شَرِيكِهِ هَلَكَ عَلَيْهِمَا. وَتَمَامُهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مِنْ الْفَصْلِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَتَمَامُهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ إلَخْ) أَقُولُ: أَوْضَحَهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مِنْ الْخَامِسِ وَالثَّلَاثِينَ فِي التَّصَرُّفَاتِ فِي الْأَعْيَانِ الْمُشْتَرَكَةِ فَقَالَ أَرْضٌ أَوْ كَرْمٌ بَيْنَ حَاضِرٍ وَغَائِبٍ أَوْ بَيْنَ بَالِغٍ وَيَتِيمٍ فَالْحَاضِرُ أَوْ الْبَالِغُ يَرْفَعُ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي، وَلَوْ لَمْ يَرْفَعْ فَفِي الْأَرْضِ يَزْرَعُ بِحِصَّتِهِ وَيَطِيبُ لَهُ ذَلِكَ وَيَقُومُ عَلَى الْكَرْمِ فَيَبِيعُ ثَمَرَهُ وَيَأْخُذُ حِصَّتَهُ وَيُوقِفُ حِصَّةَ الْغَائِبِ وَيَبِيعُ لَهُ ذَلِكَ، وَإِذَا قَدِمَ الْغَائِبُ ضَمَّنَهُ الْقِيمَةَ أَوْ أَجَازَ بَيْعَهُ وَذُكِرَ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَوْ أَخَذَ الشَّرِيكُ نَصِيبَهُ مِنْ الثَّمَنِ وَأَكَلَهُ جَازَ وَيَبِيعُ نَصِيبَ الْغَائِبِ وَيَحْفَظُ ثَمَنَهُ فَلَوْ حَضَرَ صَاحِبُهُ يُخَيَّرُ كَمَا مَرَّ فَلَوْ لَمْ يَحْضُرْ فَهُوَ كَلُقَطَةٍ. قَالَ ت هَذَا اسْتِحْسَانٌ وَبِهِ أُخِذَ، وَلَوْ أَدَّى الْخَرَاجَ كَانَ مُتَبَرِّعًا وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي فَصْلٍ غَابَ أَحَدُ شَرِيكَيْ الدَّارِ فَأَرَادَ الْحَاضِرُ أَنْ يُسْكِنَهَا رَجُلًا أَوْ يُؤَجِّرَهَا لَا يَنْبَغِي أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ دِيَانَةً؛ إذْ التَّصَرُّفُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ حَرَامٌ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى وَلِلْمَالِكِ وَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ قَضَاءً؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُمْنَعُ عَنْ التَّصَرُّفِ فِيمَا فِي يَدِهِ لَوْ لَمْ يُنَازِعْهُ أَحَدٌ فَلَوْ أَجَّرَ وَأَخَذَ الْأَجْرَ يَرُدُّ عَلَى شَرِيكِهِ نَصِيبَهُ لَوْ قَدَرَ وَإِلَّا تَصَدَّقَ بِهِ لِتَمَكُّنِ الْخُبْثِ فِيهِ لِحَقِّ شَرِيكِهِ فَكَانَ كَغَاصِبِ أَجْرٍ يَتَصَدَّقُ بِالْأَجْرِ أَوْ يَرُدُّهُ عَلَى الْمَالِكِ. وَأَمَّا نَصِيبُهُ فَيَطِيبُ لَهُ؛ إذْ لَا خُبْثَ فِيهِ هَذَا لَوْ أَسْكَنَ غَيْرَهُ أَمَّا لَوْ سَكَنَ بِنَفْسِهِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ دِيَانَةً قِيَاسًا وَلَهُ ذَلِكَ اسْتِحْسَانًا إذْ لَهُ أَنْ يَسْكُنَهَا بِلَا إذْنِ شَرِيكِهِ حَالَ حُضُورِهِ إذْ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ الِاسْتِئْذَانُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ عَلَى هَذَا أَمْرُ الدُّورِ فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَسْكُنَ حَالَ غَيْبَتِهِ بِخِلَافِ إسْكَانِ غَيْرِهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 180 الثَّالِثِ وَالثَّلَاثِينَ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِالْمُشْتَرَكِ وَفِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا شَرِكَةٌ فِي مَالٍ خَلَطَاهُ لَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُسَافِرَ بِالْمَالِ بِغَيْرِ إذْنِ الشَّرِيكِ فَإِنْ سَافَرَ بِهِ فَهَلَكَ فَإِنْ كَانَ لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ ضَمِنَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ لَا يَضْمَنُ اهـ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَوْ قَالَ الْآخَرُ مَا اشْتَرَيْت الْيَوْمَ مِنْ أَنْوَاعِ التِّجَارَاتِ فَهُوَ بَيْنِي وَبَيْنَك، وَقَالَ الْآخَرُ نَعَمْ فَهُوَ جَائِزٌ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ شَرِكَةٌ فِي الشِّرَاءِ وَالشَّرِكَةُ فِي الشِّرَاءِ جَائِزَةٌ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَبِيعَ حِصَّةَ الْآخَرِ مِمَّا اشْتَرَى إلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّهُمَا اشْتَرَكَا فِي الشِّرَاءِ لَا فِي الْبَيْعِ، وَلَوْ اشْتَرَى رَجُلٌ عَبْدًا فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ أَشْرِكْنِي فِيهِ فَأَشْرَكَهُ، ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَقَالَ أَشْرِكْنِي فِيهِ فَأَشْرَكَهُ فَإِنْ كَانَ الثَّانِي يَعْلَمُ بِمُشَارَكَةِ الْأَوَّلِ إيَّاهُ فَلَهُ رُبُعُ جَمِيعِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ طَلَبَ مِنْهُ الِاشْتِرَاكَ فِي نَصِيبِهِ وَنَصِيبُهُ النِّصْفُ وَإِنْ كَانَ الثَّانِي لَمْ يَعْلَمْ بِمُشَارَكَةِ الْأَوَّلِ إيَّاهُ فَلَهُ نِصْفُ جَمِيعِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ طَلَبَ مِنْهُ الِاشْتِرَاكَ فِي كُلِّ الْعَبْدِ فَيَكُونُ طَالِبًا لِلنِّصْفِ، وَلَوْ كَانَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ عَبْدٌ فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِثَالِثٍ أَشْرَكْتُك فِي هَذَا الْعَبْدِ وَلَمْ يُجِزْ صَاحِبُهُ صَارَ نَصِيبُهُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَلَوْ كَانَ مَكَانَ الشَّرِكَةِ بَيْعٌ بِأَنْ بَاعَ نِصْفَ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ نَفَذَ الْبَيْعُ فِي جَمِيعِ نَصِيبِهِ؛ لِأَنَّ فِي الْأُولَى نَصَّا عَلَى الشَّرِكَةِ، وَلَوْ صَارَ جَمِيعُ نَصِيبِهِ لَهُ لَا تَتَحَقَّقُ الشَّرِكَةُ وَلَا كَذَلِكَ الْبَيْعُ رَجُلٌ اشْتَرَى حِنْطَةً وَطَحَنَهَا فَأَشْرَكَ فِي طَحْنِهَا رَجُلًا فَإِنْ طَحَنَهَا بِنَفْسِهِ فَعَلَى الَّذِي أَشْرَكَهُ فِيهِ نِصْفُ الثَّمَنِ لَا غَيْرُ وَإِنْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَطْحَنَهَا فَعَلَى الَّذِي أَشْرَكَهُ نِصْفُ الثَّمَنِ وَنِصْفُ أَجْرِ الطَّحْنِ؛ لِأَنَّهُ يَجْعَلُهُ شَرِيكًا فِيهِ بِنِصْفِ مَا قَامَ عَلَيْهِ، وَقَدْ قَامَ عَلَيْهِ بِهَذَا الْقَدْرِ فَيَقْضِي عَلَيْهِ بِنِصْفِهِ اهـ. وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُشْرِكَ فِيمَا اشْتَرَاهُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ فَهُوَ بَيْنَهُمَا عَلَى السَّوَاءِ وَإِنْ أَشْرَكَ فِيهِ اثْنَيْنِ كَانَ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا، وَإِذَا لَمْ يَعْرِفْ الدَّخِيلُ مِقْدَارَ الثَّمَنِ جَازَ وَلَهُ الْخِيَارُ، وَلَوْ قَالَ لَك شَرِكَةٌ يَا فُلَانُ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَأَبْطَلَهُ مُحَمَّدٌ قَالَ أَشْرَكْت فُلَانًا فِي نِصْفِ هَذَا الْعَبْدِ فَلَهُ الرُّبُعُ قِيَاسًا وَالنِّصْفُ اسْتِحْسَانًا، وَلَوْ اشْتَرَيَا عَبْدًا فَأَشْرَكَا فِيهِ آخَرَ فَإِنْ أَشْرَكَاهُ عَلَى التَّعَاقُبِ فَلَهُ النِّصْفُ وَلَهُمَا النِّصْفُ وَإِنْ أَشْرَكَاهُ مَعًا فَلَهُ الثُّلُثُ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ الْإِشْرَاكَ يَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ وَإِنْ أَشْرَكَهُ أَحَدُهُمَا فِي نَصِيبِهِ وَنَصِيبِ صَاحِبِهِ فَإِنْ أَجَازَ صَاحِبُهُ فَلَهُ النِّصْفُ وَلِلشَّرِيكَيْنِ النِّصْفُ وَتَمَامُهُ فِي الْمُحِيطِ مِنْ بَابِ مَنْ يَشْتَرِي شَيْئًا فَيُشْرِكُ فِيهِ غَيْرَهُ (قَوْلُهُ: وَشَرِكَةُ الْعَقْدِ أَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا شَارَكْتُك فِي كَذَا وَيَقْبَلَ الْآخَرُ) بَيَانٌ لِلنَّوْعِ الثَّانِي وَمَقْصُودُهُ بَيَانُ رُكْنِهَا مِنْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ الدَّالَّيْنِ عَلَيْهَا لَا خُصُوصُ شَارَكْتُك؛ لِأَنَّهَا عَقْدٌ مِنْ الْعُقُودِ فَيَنْعَقِدُ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَلِهَذَا لَوْ دَفَعَ أَلْفًا إلَى رَجُلٍ، وَقَالَ أَخْرِجْ مِثْلَهَا وَاشْتَرِ وَمَا كَانَ مِنْ رِبْحٍ فَهُوَ بَيْنَنَا وَقَبِلَ الْآخَرُ وَأَخَذَهَا وَفَعَلَ انْعَقَدَتْ الشَّرِكَةُ وَقَوْلُهُ فِي كَذَا أَيْ فِي شَيْءٍ؛ لِأَنَّ كَذَا كِنَايَةٌ عَنْ الشَّيْءِ، كَذَا فِي الْقَامُوسِ وَذَلِكَ الشَّيْءُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ خَاصًّا كَالْبَزِّ وَالْبَقْلِ أَوْ عَامًّا كَمَا إذَا شَارَكَهُ فِي عُمُومِ التِّجَارَاتِ وَتَخْصِيصُ الْعُمُومِ بِالْمُفَاوَضَةِ وَالْخُصُوصُ بِالْعَنَانِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ لَا وَجْهَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْعَنَانَ قَدْ تَكُونُ عَامَّةً أَيْضًا وَلِذَا قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ شَرِكَةُ الْعَنَانِ عَامَّةٌ بِأَنْ يَشْتَرِكَا فِي أَنْوَاعِ التِّجَارَاتِ كُلِّهَا وَخَاصَّةٌ وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِكَا فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ كَالثِّيَابِ وَالرَّقِيقِ. اهـ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة مِنْ شَرَائِطِ الْمُفَاوَضَةِ أَنْ تَكُونَ عَامَّةً فِي عُمُومِ التِّجَارَاتِ إلَيْهِ أَشَارَ مُحَمَّدٌ فِي الْكِتَابِ وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي   [منحة الخالق] إذْ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ حَالَ حَضْرَتِهِ بِلَا إذْنِهِ فَكَذَا حَالُ غَيْبَتِهِ (غن) دَارٍ بَيْنَهُمَا غَيْرُ مَقْسُومَةٍ غَابَ أَحَدُهُمَا وَسِعَ الْحَاضِرَ أَنْ يَسْكُنَ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ فَيَسْكُنُ الدَّارَ كُلَّهَا وَكَذَا الْخَادِمُ بَيْنَهُمَا غَابَ أَحَدُهُمَا فَلِلْحَاضِرِ أَنْ يَسْتَخْدِمَهُ بِحِصَّتِهِ وَفِي الدَّابَّةِ لَا يَرْكَبُهَا الْحَاضِرُ لِتَفَاوُتِ النَّاسِ فِي الرُّكُوبِ لَا السُّكْنَى وَالِاسْتِخْدَامِ فَيَتَضَرَّرُ الْغَائِبُ بِرُكُوبِهَا لَا بِهِمَا ن عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِلْحَاضِرِ أَنْ يَسْكُنَ كُلَّ الدَّارِ لَوْ خَافَ خَرَابَهَا لَوْ لَمْ يَسْكُنْهَا وَعَنْ ح - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَيْسَ لِلْحَاضِرِ فِي الْأَرْضِ أَنْ يَزْرَعَ بِقَدْرِ نَصِيبِهِ وَفِي الدَّارِ لَهُ أَنْ يَسْكُنَهَا (بِرّ) أَنَّ لَهُ ذَلِكَ فِي الْوَجْهَيْنِ فَلَوْ سَكَنَ الدَّارَ أَحَدُ شَرِيكَيْهِمَا بِغَيْبَةِ الْآخَرِ لَا يَلْزَمُهُ الْأَجْرُ. وَلَوْ أُعِدَّتْ لِلِاسْتِغْلَالِ، وَالْأَصْلُ أَنَّ الدَّارَ الْمُشْتَرَكَةَ فِي حَقِّ السُّكْنَى وَتَوَابِعِهِ تُجْعَلُ كَمِلْكٍ لِكُلٍّ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ عَلَى الْكَمَالِ إذْ لَوْ تُجْعَلُ كَذَلِكَ يَمْتَنِعُ كُلٌّ مِنْهُمَا مِنْ دُخُولٍ وَقُعُودٍ وَوَضْعِ أَمْتِعَةٍ فَيَتَعَطَّلُ عَلَيْهِمَا مَنَافِعُ مِلْكِهِمَا وَهُوَ لَمْ يَجُزْ فَصَارَ الْحَاضِرُ سَاكِنًا فِي مِلْكِ نَفْسِهِ فَكَيْفَ يَلْزَمُ الْأَجْرَ اهـ. وَهَذِهِ الْمَسَائِلُ كَثِيرَةُ الْوُقُوعِ فَلْتُحْفَظْ، وَفِي الْخَانِيَّةِ قُبَيْلَ كِتَابِ الْإِقْرَارِ، ثُمَّ فِي الدَّارِ الْمُشْتَرَكَةِ إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا غَائِبًا فَإِنَّ لِلْحَاضِرِ أَنْ يَسْكُنَ كُلَّ الدَّارِ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ أَنْ يَسْكُنَ مِنْ الدَّارِ قَدْرَ حِصَّتِهِ، وَلَوْ خَافَ أَنْ تَخْرَبَ الدَّارُ بِتَرْكِ السُّكْنَى كَانَ لَهُ أَنْ يَسْكُنَ كُلَّ الدَّارِ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَأَشْرَكَ فِي طَحْنِهَا) مَصْدَرٌ بِمَعْنَى اسْمِ الْمَفْعُولِ أَيْ مَطْحُونِهَا. (قَوْلُهُ: جَازَ وَلَهُ الْخِيَارُ) مُقْتَضَاهُ أَنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 181 آخِرِ بَابِ شَرِكَةِ الْمُفَاوَضَةِ أَنَّهَا تَجُوزُ فِي نَوْعٍ خَاصٍّ أَيْضًا. اهـ. وَيُنْدَبُ الْإِشْهَادُ عَلَيْهَا وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ كَيْفِيَّةَ كِتَابَتِهَا فَقَالَ هَذَا مَا اشْتَرَكَ عَلَيْهِ فُلَانٌ وَفُلَانٌ اشْتَرَكَا عَلَى تَقْوَى اللَّهِ تَعَالَى وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ، ثُمَّ يُبَيِّنُ قَدْرَ رَأْسِ مَالِ كُلٍّ مِنْهُمَا وَيَقُولُ وَذَلِكَ كُلُّهُ فِي أَيْدِيهِمَا يَشْتَرِيَانِ وَيَبِيعَانِ جَمِيعًا وَشَتَّى وَيَعْمَلُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِرَأْيِهِ وَيَبِيعُ بِالنَّقْدِ وَالنَّسِيئَةِ، وَهَذَا وَإِنْ مَلَكَهُ كُلٌّ بِمُطْلَقِ عَقْدِ الشَّرِكَةِ إلَّا أَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ يَقُولُ لَا يَمْلِكُهُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا إلَّا بِالتَّصْرِيحِ بِهِ فَلِلتَّحَرُّزِ عَنْهُ يَكْتُبُ هَذَا، ثُمَّ يَقُولُ فَمَا كَانَ مِنْ رِبْحٍ فَهُوَ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ رُءُوسِ أَمْوَالِهِمَا وَمَا كَانَ مِنْ وَضِيعَةٍ أَوْ تَبِعَةٍ فَكَذَلِكَ وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرِكَةِ الْعَقْدِ أَنَّهَا مُفَاوَضَةٌ وَعَنَانٌ وَتَقَبُّلٌ وَوُجُوهٌ، وَذَكَرَ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهَا سِتَّةٌ بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا شَرِكَةٌ بِالْمَالِ وَشَرِكَةٌ بِالْأَعْمَالِ وَشَرِكَةُ الْوُجُوهِ وَكُلٌّ يَنْقَسِمُ إلَى قِسْمَيْنِ مُفَاوَضَةٍ وَعَنَانٍ وَهُوَ الْأَوْجَهُ وَهُوَ الْمَذْكُورُ لِلشَّيْخَيْنِ الطَّحَاوِيِّ وَالْكَرْخِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ؛ وَلِأَنَّ الْأَوَّلَ يُوهِمُ أَنَّ الْأَخِيرَيْنِ لَا يَكُونَانِ مُفَاوَضَةً وَلَا عَنَانًا قَوْلُهُ (: وَهِيَ مُفَاوَضَةٌ إنْ تَضَمَّنَتْ وَكَالَةً وَكَفَالَةً وَتَسَاوَيَا مَالًا وَتَصَرُّفًا وَدَيْنًا) بَيَانٌ لِلنَّوْعِ الْأَوَّلِ مِنْ النَّوْعِ الثَّانِي، قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْمُفَاوَضَةُ الِاشْتِرَاكُ فِي كُلِّ شَيْءٍ وَالْمُسَاوَاةُ. اهـ. وَلِذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ؛ لِأَنَّهَا شَرِكَةٌ عَامَّةٌ فِي جَمِيعِ التِّجَارَاتِ يُفَوِّضُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَمْرَ الشَّرِكَةِ إلَى صَاحِبِهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ إذْ هِيَ مِنْ الْمُسَاوَاةِ قَالَ قَائِلُهُمْ لَا يَصْلُحُ النَّاسُ فَوْضَى لَا سَرَاةَ لَهُمْ ... وَلَا سَرَاةَ إذَا جُهَّالُهُمْ سَادُوا أَيْ مُتَسَاوِينَ فَلَا بُدَّ مِنْ تَحْقِيقِ الْمُسَاوَاةِ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً وَذَلِكَ بِالْمَالِ وَالْمُرَادُ بِهِ مَا تَصِحُّ الشَّرِكَةُ فِيهِ وَلَا يُعْتَبَرُ التَّفَاضُلُ فِيمَا لَا تَصِحُّ فِيهِ الشَّرِكَةُ، وَكَذَا فِي التَّصَرُّفِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ مَلَكَ أَحَدُهُمَا تَصَرُّفًا لَا يَمْلِكُهُ الْآخَرُ فَاتَ التَّسَاوِي، وَكَذَا فِي الدَّيْنِ. اهـ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، قَوْلُهُ إذْ هِيَ مِنْ الْمُسَاوَاةِ تَسَاهُلٌ إذْ هِيَ مَادَّةٌ أُخْرَى فَكَيْفَ يَتَحَقَّقُ الِاشْتِقَاقُ، بَلْ هِيَ مِنْ التَّفْوِيضِ أَوْ مِنْ الْفَوْضِ الَّذِي مِنْهُ فَاضَ الْمَاءُ إذَا عَمَّ وَانْتَشَرَ وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّ مَعْنَاهَا الْمُسَاوَاةُ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ التَّنْصِيصُ عَلَى الْمُفَاوَضَةِ فَإِنْ صَرَّحَا بِهَا ثَبَتَ أَحْكَامُهَا إقَامَةً لِلَّفْظِ مَقَامِ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّهُ صَارَ عَلَمًا عَلَى تَمَامِ الْمُسَاوَاةِ فِي أَمْرِ الشَّرِكَةِ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرَاهَا فَلَا بُدَّ أَنْ يَذْكُرَ إتْمَامَ مَعْنَاهَا بِأَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا وَهُمَا حُرَّانِ بَالِغَانِ مُسْلِمَانِ أَوْ ذِمِّيَّانِ شَارَكْتُك فِي جَمِيعِ مَا أَمْلِكُ مِنْ نَقْدٍ، وَقَدْرِ مَا تَمْلِكُ عَلَى وَجْهِ التَّفْوِيضِ الْعَامِّ مِنْ كُلٍّ مِنَّا لِلْآخَرِ فِي التِّجَارَاتِ وَالنَّقْدِ وَالنَّسِيئَةِ وَعَلَى أَنَّ كُلًّا ضَامِنٌ عَنْ الْآخَرِ مَا يَلْزَمُهُ مِنْ أَمْرِ كُلِّ بَيْعٍ وَقَدَّمْنَا أَنَّهَا تَصِحُّ خَاصَّةً أَيْضًا لَكِنَّ قَوْلَهُ إنْ تَضَمَّنَتْ وَكَالَةً زَائِدٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخُصُّ الْمُفَاوَضَةَ؛ لِأَنَّ كُلَّ عَقْدِ شَرِكَةٍ يَتَضَمَّنُهَا وَلَا تَصِحُّ إلَّا بِهَا وَالْمُرَادُ إنَّمَا هُوَ بَيَانُ خَصَائِصِهَا، وَلِذَا ذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ أَنَّ حُكْمَهَا صَيْرُورَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَكِيلًا عَنْ صَاحِبِهِ فِي التِّجَارَةِ فِي النِّصْفِ، وَإِذَا كَانَ لِأَحَدِهِمَا دَنَانِيرُ وَالْآخَرِ دَرَاهِمُ أَوْ لِأَحَدِهِمَا سُودٌ وَلِلْآخَرِ بِيضٌ جَازَتْ الْمُفَاوَضَةُ إذَا اسْتَوَتْ قِيمَتُهُمَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهُمَا مُتَّحِدَا الْجِنْسِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى وَرَوَى الْحَسَنُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ بَيْنَهُمَا لَا تُعْرَفُ إلَّا بِالْقِيمَةِ وَهِيَ مَجْهُولَةٌ وَإِنْ تَفَاضَلَا فِي الْقِيمَةِ لَا تَجُوزُ الْمُفَاوَضَةُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ. (قَوْلُهُ فَلَا تَصِحُّ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ وَصَبِيٍّ وَبَالِغٍ) تَفْرِيعٌ عَلَى اشْتِرَاطِ الْمُسَاوَاةِ فِي التَّصَرُّفِ؛ لِأَنَّ الْحُرَّ الْبَالِغَ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ وَالْكَفَالَةَ وَالْمَمْلُوكَ لَا يَمْلِكُ وَاحِدًا مِنْهُمَا إلَّا بِإِذْنِ الْمَوْلَى وَالصَّبِيَّ لَا يَمْلِكُ الْكَفَالَةَ وَلَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ إلَّا بِإِذْنِ الْوَلِيِّ، أَطْلَقَ الْعَبْدَ فَشَمِلَ الْمُكَاتَبَ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهَا لَا تَصِحُّ بَيْنَ الْعَبْدَيْنِ وَالْمُكَاتَبَيْنِ وَالصَّبِيَّيْنِ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّيْنِ لَيْسَا أَهْلًا لِلْكَفَالَةِ، وَلَوْ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ، وَأَمَّا الْعَبْدَانِ وَإِنْ كَانَا أَهْلًا لَهَا بِإِذْنِ الْمَوْلَى لَكِنْ يَتَفَاضَلَانِ فِيهَا؛ لِأَنَّهُمَا يَتَفَاوَتَانِ فِي الْقِيمَةِ، وَقَضِيَّةُ الْمُفَاوَضَةِ صَيْرُورَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلًا بِجَمِيعِ مَا لَزِمَ صَاحِبَهُ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ كَذَا فِي الْمُحِيطِ. [شِرْكَة الْمُفَاوَضَة بَيْن وَمُسْلِمٍ وَكَافِرٍ] (قَوْلُهُ وَمُسْلِمٍ وَكَافِرٍ) أَيْ لَا تَصِحُّ بَيْنَهُمَا لِعَدَمِ الْمُسَاوَاةِ فِي   [منحة الخالق] يَجُوزَ عَلَى أَنَّهُ بَيْعٌ وَيُشْكِلُ ذَلِكَ بِأَنَّ الْبَيْعَ بِلَا مَعْرِفَةِ الثَّمَنِ كَيْفَ يَجُوزُ فَلْيُتَأَمَّلْ ذَلِكَ [شَرِكَة الْعَقْدِ] (قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إلَخْ) أَقُولُ: فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ مَا نَصُّهُ وَلَا تَصِحُّ الشَّرِكَةُ إلَّا بِلَفْظِ الْمُفَاوَضَةِ لِيَكُونَ اللَّفْظُ دَلِيلًا عَلَى مَعْنَى الْعُمُومِ. اهـ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 182 الدَّيْنِ، وَهَذَا قَوْلُهُمَا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ تَجُوزُ لِلتَّسَاوِي بَيْنَهُمَا فِي الْوَكَالَةِ وَالْكَفَالَةِ وَلَا مُعْتَبَرَ بِزِيَادَةِ تَصَرُّفٍ يَمْلِكُهُ أَحَدُهُمَا كَالْمُفَاوَضَةِ بَيْنَ الشَّفْعَوِيِّ وَالْحَنَفِيِّ فَإِنَّهَا جَائِزَةٌ وَيَتَفَاوَتَانِ فِي التَّصَرُّفِ فِي مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ؛ لِأَنَّ الذِّمِّيَّ لَا يَهْتَدِي إلَى الْجَائِزِ مِنْ الْعُقُودِ وَلَهُمَا أَنَّهُ لَا تَسَاوِيَ فِي التَّصَرُّفِ فَإِنَّ الذِّمِّيَّ لَوْ اشْتَرَى بِرَأْسِ الْمَالِ خُمُورًا أَوْ خَنَازِيرَ صَحَّ، وَلَوْ اشْتَرَاهَا الْمُسْلِمُ لَا يَصِحُّ أَطْلَقَ الْكَافِرَ فَشَمِلَ الْمُرْتَدَّ وَلِذَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ: شَارَكَ الْمُسْلِمُ الْمُرْتَدَّ مُفَاوَضَةً أَوْ عَنَانًا لَمْ تَجُزْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إنْ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَإِنْ أَسْلَمَ جَازَتْ، وَعِنْدَهُمَا تَجُوزُ الْعَنَانُ دُونَ الْمُفَاوَضَةِ وَإِنْ شَارَكَ الْمُسْلِمُ مُرْتَدَّةً صَحَّتْ عَنَانًا لَا مُفَاوَضَةً وَيَنْبَغِي أَنْ تَجُوزَ الْمُفَاوَضَةُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَتُكْرَهُ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَاتِ الْمُرْتَدَّةِ نَافِذَةٌ بِالْإِجْمَاعِ فَسَاوَتْ الْمُسْلِمَ فِي التِّجَارَاتِ وَضَمَانِهَا كَالْمُسْلِمِ مَعَ الذِّمِّيِّ عِنْدَهُ لَهُمَا أَنَّهَا وَإِنْ سَاوَتْ الْمُسْلِمَ فِي التِّجَارَاتِ لَكِنَّهَا أَدْوَنُ مِنْ الْمُسْلِمِ فِي بَعْضِ مَا يُسْتَفَادُ بِالتِّجَارَةِ فَإِنَّ الْمُرْتَدَّةَ لَوْ اشْتَرَتْ عَبْدًا مُسْلِمًا أَوْ مُصْحَفًا فَإِنَّهُ لَا يَبْقَى بِيَدِهَا وَلَا يَقَرُّ عَلَى مِلْكِهَا بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ. وَغَيْرُ الْمُتَقَرَّرِ لَا يُسَاوِي الْمُتَقَرَّرَ وَقَيَّدَ بِالْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ؛ لِأَنَّهَا تَجُوزُ بَيْنَ الذِّمِّيَّيْنِ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا كِتَابِيًّا وَالْآخَرُ مَجُوسِيًّا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي التِّجَارَةِ وَضَمَانِهَا؛ لِأَنَّ الْكِتَابِيَّ لَوْ أَجَّرَ نَفْسَهُ لِلذَّبْحِ يُطَالَبُ بِهِ الْمَجُوسِيُّ وَإِنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الذَّبْحِ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَيْهِ بِالْمُعِينِ أَوْ الْأَجِيرِ، وَهَذَا الْمَجُوسِيُّ لَوْ آجَرَ نَفْسَهُ لِلذَّبْحِ صَحَّ كَالْقَصَّارِ مَعَ الْخَيَّاطِ إذَا تَفَاوَضَا صَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُطَالَبًا بِمَا عَلَى الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَيْهِ بِمُعِينٍ أَوْ أَجِيرٍ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَلَوْ ارْتَدَّ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ بَطَلَتْ الْمُفَاوَضَةُ أَصْلًا، وَقَالَا تَصِيرُ عَنَانًا، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة مَعْزِيًّا إلَى السِّرَاجِيَّةِ وَذَكَرَ قَبْلَهُ أَنَّهَا مَوْقُوفَةٌ عِنْدَهُ وَأَنَّهُ يُكْرَهُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُشَارِكَ الذِّمِّيَّ اهـ. يَعْنِي: شَرِكَةَ عَنَانٍ، وَفِي الْهِدَايَةِ وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَمْ تَصِحَّ الْمُفَاوَضَةُ لِفَقْدِ شَرْطِهَا وَلَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِي الْعَنَانِ كَانَ عَنَانًا لِاسْتِجْمَاعِ شَرَائِطِ الْعَنَانِ إذْ هُوَ قَدْ يَكُونُ خَاصًّا، وَقَدْ يَكُونُ عَامًّا اهـ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ بِخِلَافِ الْمُفَاوَضَةِ فَإِنَّهَا عَامٌّ لَا غَيْرُ. اهـ. وَفِيهِ مَا عَلِمْت سَابِقًا. (قَوْلُهُ: وَمَا يَشْتَرِيهِ كُلٌّ يَقَعُ مُشْتَرَكًا إلَّا طَعَامَ أَهْلِهِ وَكِسْوَتَهُمْ) لِأَنَّ مُقْتَضَى الْعَقْدِ الْمُسَاوَاةُ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَائِمٌ مَقَامَ صَاحِبِهِ فِي التَّصَرُّفِ فَكَانَ شِرَاءُ أَحَدِهِمَا كَشِرَائِهِمَا إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَثْنًى عَنْ الْمُفَاوَضَةِ لِلضَّرُورَةِ فَإِنَّ الْحَاجَةَ الرَّاتِبَةَ مَعْلُومَةُ الْوُقُوعِ فَلَا يُمْكِنُ إيجَابُهُ عَلَى صَاحِبِهِ وَلَا الصَّرْفُ مِنْ مَالِهِ وَلَا بُدَّ مِنْ الشِّرَاءِ فَيَخْتَصُّ بِهِ ضَرُورَةً، وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الشَّرِكَةِ لِمَا بَيَّنَّا أَرَادَ بِالْمُسْتَثْنَى مَا كَانَ مِنْ حَوَائِجِهِ فَشَمِلَ شِرَاءَ بَيْتٍ لِلسُّكْنَى أَوْ الِاسْتِئْجَارَ لِلسُّكْنَى أَوْ الرُّكُوبَ لِحَاجَتِهِ كَالْحَجِّ وَغَيْرِهِ، وَكَذَا الْإِدَامُ وَالْجَارِيَةُ الَّتِي يَطَؤُهَا بِإِذْنِ الشَّرِيكِ فَلَيْسَ الْكُلُّ عَلَى الشَّرِكَةِ لِمَا ذَكَرْنَا وَإِنَّمَا اسْتَثْنَى الطَّعَامَ وَمَا مَعَهُ مِنْ الشَّرِكَةِ دُونَ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الشَّرِكَةِ فَالْآخَرُ كَفِيلٌ عَنْهُ حَتَّى كَانَ لِبَائِعِ الطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ لَهُ وَلِعِيَالِهِ أَنْ يُطَالِبَ الْآخَرَ وَيَرْجِعَ الْآخَرُ بِمَا أَدَّى عَلَى الْمُشْتَرِي وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا فِي الْجَارِيَةِ بِإِذْنِ الشَّرِيكِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اشْتَرَاهَا لِلْوَطْءِ أَوْ لِلْخِدْمَةِ لِنَفْسِهِ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ فَهِيَ عَلَى الشَّرِكَةِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَسَنُبَيِّنُهُ فِي آخِرِ الْبَابِ، وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ اشْتَرَيَا بِالْمَالَيْنِ شَيْئَيْنِ صَفْقَتَيْنِ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ نِصْفُ رَأْسِ مَالِهِ دَيْنًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ صَارَ مُشْتَرِيًا بِالنِّصْفِ لِنَفْسِهِ وَالنِّصْفِ لِصَاحِبِهِ بِحُكْمِ الْوَكَالَةِ وَلَا يَلْتَقِيَانِ قِصَاصًا؛ لِأَنَّ صِفَةَ الْمَالَيْنِ مُخْتَلِفَةٌ بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَرَيَا بِالْمَالَيْنِ شَيْئَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَمْ يَصِرْ وَكِيلًا عَنْ صَاحِبِهِ فِي ذَلِكَ وَتَمَامُهُ فِيهِ. (قَوْلُهُ وَكُلُّ دَيْنٍ لَزِمَ أَحَدَهُمَا بِتِجَارَةٍ وَغَصْبٍ وَكَفَالَةٍ لَزِمَ الْآخَرَ) لِأَنَّهُ كَفِيلٌ فَدَخَلَتْ تَحْتَ التِّجَارَةِ ثَمَنُ الْمُشْتَرَى فِي الْبَيْعِ الْجَائِزِ وَقِيمَتُهُ فِي الْفَاسِدِ سَوَاءٌ كَانَ مُشْتَرَكًا أَوْ لِنَفْسِهِ   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 183 وَأُجْرَةُ مَا اسْتَأْجَرَهُ سَوَاءٌ كَانَ اسْتَأْجَرَهُ لِنَفْسِهِ أَوْ لِحَاجَةِ التِّجَارَةِ، وَالْمُرَادُ بِالْغَصْبِ مَا يُشْبِهُ ضَمَانَ التِّجَارَةِ فَيَدْخُلُ ضَمَانُ الِاسْتِهْلَاكِ الْوَدِيعَةِ الْمَجْحُودَةِ أَوْ الْمُسْتَهْلَكَةِ، وَكَذَا الْعَارِيَّةُ؛ لِأَنَّ تَقَرُّرَ الضَّمَانِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ يُفِيدُ لَهُ تَمَلُّكَ الْأَصْلِ فَيَصِيرُ فِي مَعْنَى التِّجَارَةِ. وَأَمَّا لُزُومُ صَاحِبِهِ بِكَفَالَتِهِ فَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ، وَقَالَا لَا يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ مِنْ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ وَالْمُكَاتَبِ، وَلَوْ صَدَرَ مِنْ الْمَرِيضِ يَصِحُّ مِنْ الثُّلُثِ وَصَارَ كَالْإِقْرَاضِ وَالْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ تَبَرُّعٌ ابْتِدَاءً وَمُعَاوَضَةٌ انْتِهَاءً؛ لِأَنَّهُ يَسْتَوْجِبُ الضَّمَانَ بِمَا يُؤَدِّي عَنْ الْمَكْفُولِ عَنْهُ إذَا كَانَ الْكَفَالَةُ بِأَمْرِهِ فَبِالنَّظَرِ إلَى الْبَقَاءِ تَتَضَمَّنُهُ الْمُفَاوَضَةُ وَبِالنَّظَرِ إلَى الِابْتِدَاءِ لَمْ يَصِحَّ مِمَّنْ ذَكَرَهُ وَيَصِحُّ مِنْ الثُّلُثِ مِنْ الْمَرِيضِ بِخِلَافِ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً، أَمَّا الْإِقْرَاضُ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَلْزَمُ صَاحِبَهُ، وَلَوْ سَلَّمَ فَهُوَ إعَادَةٌ فَيَكُونُ لِمِثْلِهَا حُكْمُ عَيْنِهَا لَا حُكْمُ الْبَدَلِ حَتَّى لَا يَصِحَّ فِيهِ الْأَجَلُ فَلَا تَتَحَقَّقُ مُفَاوَضَةً، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ اسْتَقْرَضَ أَحَدُهُمَا لَزِمَ الْآخَرَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا الْإِقْرَاضُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَلَوْ كَانَتْ الْكَفَالَةُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَمْ يَلْزَمْ صَاحِبَهُ فِي الصَّحِيحِ لِانْعِدَامِ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ وَمُطْلَقُ الْجَوَابِ فِي الْكِتَابِ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَهُوَ الْكَفَالَةُ بِأَمْرِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ وَقَيَّدَ بِالثَّلَاثِ احْتِرَازًا عَنْ أَرْشِ الْجِنَايَاتِ عَلَى بَنِي آدَمَ وَالْمَهْرِ فِي النِّكَاحِ وَبَدَلِ الْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ، وَعَنْ النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَا يَصِحُّ فِيهَا الِاشْتِرَاكُ بِخِلَافِ الثَّلَاثَةِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ فِيهَا الِاشْتِرَاكُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ عَلَى الشَّرِكَةِ كَطَعَامِ أَهْلِهِ، وَفِي الْقَامُوسِ التَّاجِرُ الَّذِي يَبِيعُ وَيَشْتَرِي وَالْجَمْعُ تُجَّارٌ وَتِجَارٌ وَتَجْرٌ، وَتَجْرٌ كَرِجَالٍ وَعُمَّالٍ وَصَحْبٍ وَكُتُبٍ، وَقَدْ تَجَرَ تَجْرًا وَتِجَارَةً اهـ. وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَكُلُّ شَيْءٍ دُونَ أَنْ يَقُولَ كُلَّ دَيْنٍ لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ مَا إذَا آجَرَ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ عَبْدًا فَإِنَّ لِلْمُسْتَأْجِرِ مُطَالَبَةَ الْآخَرِ بِتَسْلِيمِ الْعَبْدِ كَمَا أَنَّ لِلْآخَرِ أَخْذَ الْأُجْرَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا آجَرَ عَبْدًا مِنْ مِيرَاثٍ أَوْ شَيْئًا لَهُ خَاصَّةً لَيْسَ لِشَرِيكِهِ أَخْذُ الْأُجْرَةِ وَلَا لِلْمُسْتَأْجِرِ مُطَالَبَتُهُ بِتَسْلِيمِ الْمُسْتَأْجَرِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَكِيلٌ عَنْ صَاحِبِهِ فِي قَبْضِ الدُّيُونِ الْوَاجِبَةِ فِي التِّجَارَةِ وَكَفِيلٌ بِمَا وَجَبَ عَلَيْهِ بِسَبَبِ التِّجَارَةِ وَإِجَارَةُ الْعَبْدِ مِنْ تِجَارَتِهِمَا مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ فَصَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مُطَالَبًا وَمُطَالِبًا فَأَمَّا إجَارَةُ عَبْدٍ لَهُ خَاصَّةً خَرَجَتْ عَنْ الْمُفَاوَضَةِ لِلضَّرُورَةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَجَّرَ أَحَدُهُمَا نَفْسَهُ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهُ دَاخِلَةٌ تَحْتَ الْمُفَاوَضَةِ وَلَا تَبْطُلُ الْمُفَاوَضَةُ إذَا آجَرَ عَبْدَ الْمِيرَاثِ وَإِنْ كَانَتْ الْأُجْرَةُ نَقْدًا إلَّا إذَا قَبَضَهَا؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَا تَصِحُّ الشَّرِكَةُ فِيهِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَأَطْلَقَ فِي لُزُومِ الثَّلَاثَةِ فَشَمِلَ مَا إذَا لَزِمَ أَحَدَهُمَا بِإِقْرَارِهِ فَإِنَّهُ يَكُونُ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ أَمْرٍ يَمْلِكُ اسْتِئْنَافَهُ. كَذَا فِي الْمُحِيطِ إلَّا إذَا أَقَرَّ لِمَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ خَاصَّةً كَأُصُولِهِ وَفُرُوعِهِ وَامْرَأَتِهِ، وَعِنْدَهُمَا يَلْزَمُ شَرِيكَهُ أَيْضًا إلَّا لِعَبْدِهِ وَمُكَاتَبِهِ، وَلَوْ أَقَرَّ لِمُعْتَدَّتِهِ الْمُبَانَةِ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَرَوَى الْحَسَنُ أَنَّهُ يَصِحُّ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِمُعْتَدَّتِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ تُقْبَلُ، وَلَوْ أَعْتَقَ أُمَّ وَلَدِهِ، ثُمَّ أَقَرَّ لَهَا بِدَيْنٍ يَلْزَمُهُمَا وَإِنْ كَانَتْ فِي عِدَّتِهِ بِخِلَافِ الْمُبَانَةِ الْمُعْتَدَّةِ وَالْفَرْقُ أَنَّ شَهَادَتَهُ لِأُمِّ وَلَدِهِ الْمُعْتَقَةِ جَائِزَةٌ بِخِلَافِ الْمُعْتَدَّةِ عَنْ نِكَاحٍ وَتَمَامُهُ فِي الْمُحِيطِ، وَإِذَا بَاعَ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ مِنْ صَاحِبِهِ ثَوْبًا مِنْ شَرِيكِهِ لِيَقْطَعَهُ قَمِيصًا لِنَفْسِهِ جَازَ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ أَحَدُهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ شَيْئًا مِنْ الشَّرِكَةِ لِأَجْلٍ التِّجَارَةِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ، وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ جَارِيَةً لِيَطَأَهَا أَوْ طَعَامًا لِيَجْعَلَهُ رِزْقًا لِأَهْلِهِ جَازَ الْبَيْعُ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ. وَهَذَا يُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِ مَا لَزِمَ أَحَدَهُمَا بِالتِّجَارَةِ لَزِمَ الْآخَرَ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ مِنْ شَرِيكِهِ فِي صُورَةِ جَوَازِ الْبَيْعِ لَزِمَهُ الثَّمَنُ وَلَمْ يَلْزَمْ شَرِيكَهُ فَيُقَالُ إلَّا إذَا كَانَ الدَّائِنُ الشَّرِيكَ كَمَا لَا يَخْفَى وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِلُزُومِ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ إلَى أَنَّ الدَّعْوَى إذَا وَقَعَتْ عَلَى أَحَدِهِمَا فَأَرَادَ الْمُدَّعِي اسْتِحْلَافَ الْآخَرِ فَإِنَّ لَهُ ذَلِكَ.   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: احْتِرَازًا عَنْ أَرْشِ الْجِنَايَاتِ عَلَى بَنِي آدَمَ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَمَّا الْجِنَايَةُ عَلَى الدَّابَّةِ أَوْ الثَّوْبِ فَتَلْزَمُهُ فِي قَوْلِ الْإِمَامِ وَمُحَمَّدٍ لِمَا أَنَّهُ يَمْلِكُ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ بِالضَّمَانِ قَالَهُ الْحَدَّادِيُّ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 184 قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوَاهُ لَوْ ادَّعَى عَلَى أَحَدِ الْمُتَفَاوِضَيْنِ فَجَحَدَ فَاسْتُحْلِفَ فَأَرَادَ الْمُدَّعِي اسْتِخْلَافَ الْآخَرِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَسْتَخْلِفُهُ عَلَى عَمَلِهِ؛ لِأَنَّ الدَّعْوَى عَلَى أَحَدِهِمَا دَعْوَى عَلَيْهِمَا، وَلَوْ ادَّعَى عَلَيْهِمَا شَيْئًا كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَحْلِفَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَلْبَتَّةَ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُسْتَحْلَفُ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ فَأَيُّهُمَا نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ يَمْضِي الْأَمْرُ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ إقْرَارَ أَحَدِهِمَا كَإِقْرَارِهِمَا، وَلَوْ ادَّعَى عَلَى أَحَدِهِمَا وَهُوَ غَائِبٌ كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ الْحَاضِرَ عَلَى عَمَلِهِ؛ لِأَنَّهُ فِعْلُ غَيْرِهِ فَإِنْ حَلَفَ، ثُمَّ قَدِمَ الْغَائِبُ كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَحْلِفَهُ أَلْبَتَّةَ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحْلِفُهُ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ، وَلَوْ ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى أَحَدِ الْمُتَفَاوِضَيْنِ جِرَاحَةً خَطَأً لَهَا أَرْشٌ وَاسْتَحْلَفَهُ أَلْبَتَّةَ فَحَلَفَ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَسْتَحْلِفَ شَرِيكَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ الْمَهْرُ وَالْخُلْعُ وَالصُّلْحُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ غَيْرُ دَاخِلَةٍ تَحْتَ الشَّرِكَةِ فَلَا يَكُونُ فِعْلُ أَحَدِهِمَا كَفِعْلِهِمَا اهـ. وَشَمِلَ قَوْلُهُ بِتِجَارَةٍ مَهْرَ الْمُشْتَرَاةِ الْمَوْطُوءَةِ إذَا اُسْتُحِقَّتْ، قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ: وَإِذَا وَطِئَ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ الْجَارِيَةَ الْمُشْتَرَاةَ، ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ الْجَارِيَةُ فَلِلْمُسْتَحِقِّ أَنْ يَأْخُذَ أَيَّهُمَا شَاءَ بِالْعُقْرِ وَلَيْسَ ذَلِكَ كَالْمَهْرِ فِي النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ الْعُقْرَ هَا هُنَا وَجَبَ بِسَبَبِ التِّجَارَةِ بِخِلَافِ الْمَهْرِ. اهـ. وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ هَذِهِ الْكُلِّيَّةِ وَكُلُّ شَيْءٍ ثَبَتَ لِأَحَدِهِمَا بِتِجَارَةٍ وَنَحْوِهَا فَلِلْآخَرِ قَبْضُهُ وَالْمُطَالَبَةُ بِهِ لَكَانَ أَفْوَدَ لِمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ فَإِنْ بَاعَ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ أَوْ أَدَانَ رَجُلًا أَوْ كَفَلَ لَهُ رَجُلٌ بِدَيْنٍ أَوْ غَصَبَ مَالًا فَلِشَرِيكِهِ الْآخَرِ أَنْ يُطَالِبَ وَكُلُّ شَيْءٍ هُوَ لِأَحَدِهِمَا خَاصَّةً إذَا بَاعَهُ لَمْ يَكُنْ لِشَرِيكِهِ أَنْ يُطَالَبَ بِالثَّمَنِ وَلَا لِلْمُشْتَرِي أَنْ يُطَالِبَ الشَّرِيكَ بِتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ. (قَوْلُهُ: وَبَطَلَتْ إنْ وُهِبَ لِأَحَدِهِمَا أَوْ وَرِثَ مَا تَصِحُّ فِيهِ الشَّرِكَةُ) أَيْ الْمُفَاوَضَةُ لِفَوَاتِ الْمُسَاوَاةِ فِيمَا يَصْلُحُ رَأْسَ الْمَالِ إذْ هِيَ شَرْطٌ فِيهِ ابْتِدَاءً وَبَقَاءً، وَهَذَا لِأَنَّ الْآخَرَ لَا يُشَارِكُهُ فِيمَا أَصَابَهُ لِانْعِدَامِ السَّبَبِ فِي حَقِّهِ إلَّا أَنَّهَا تَنْقَلِبُ عَنَانًا لِلْإِمْكَانِ فَإِنَّ الْمُسَاوَاةَ لَيْسَتْ شَرْطًا فِيهَا وَلِدَوَامِهِ حُكْمُ الِابْتِدَاءِ لِكَوْنِهِ غَيْرَ لَازِمٍ وَسَيَأْتِي أَنَّ مَا تَصِحُّ فِيهِ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ وَالْفُلُوسُ النَّافِقَةُ وَأَرَادَ بِالْهِبَةِ الْهِبَةَ مَعَ الْقَبْضِ وَالصَّدَقَةُ كَالْهِبَةِ، وَكَذَا الْوَصِيَّةُ، وَكَذَا لَوْ زَادَتْ قِيمَةُ دَرَاهِمِ أَحَدِهِمَا الْبِيضِ عَلَى دَرَاهِمِ الْآخَرِ السُّودِ أَوْ دَنَانِيرِهِ قَبْلَ الشِّرَاءِ قَيَّدَ بِالزِّيَادَةِ فِي الْقَدْرِ احْتِرَازًا عَنْ الزِّيَادَةِ فِي الْقِيمَةِ فَإِنَّهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ فَإِنْ حَصَلَ الْفَضْلُ قَبْلَ الشِّرَاءِ بِالْمَالَيْنِ فَسَدَتْ وَإِنْ حَصَلَ الْفَضْلُ بَعْدَ الشِّرَاءِ بِالْمَالَيْنِ وَبَعْدَ التَّسْلِيمِ إلَى الْبَائِعِ لَا تَفْسُدُ الْمُفَاوَضَةُ وَإِنْ حَصَلَ بَعْدَ الشِّرَاءِ بِالْمَالَيْنِ وَقَبْلَ التَّسْلِيمِ إلَى الْبَائِعِ لَا تَفْسُدُ اسْتِحْسَانًا وَإِنْ حَصَلَ الشِّرَاءُ بِأَحَدِ الْمَالَيْنِ، ثُمَّ فَضَلَ أَحَدُ الْمَالَيْنِ فَإِنْ فَضَلَ الْمَالُ الَّذِي حَصَلَ بِهِ الشِّرَاءُ لَا تَفْسُدُ الْمُفَاوَضَةُ، وَإِنْ فَضَلَ الْمَالُ الَّذِي لَمْ يَحْصُلْ بِهِ الشِّرَاءُ فَسَدَتْ وَالْفَرْقُ أَنَّهُ فِي الْقَدْرِ إنَّمَا هُوَ فَضْلُ أَحَدِهِمَا صَاحِبُهُ فِيمَا يَصْلُحُ رَأْسَ مَالِ الْمُفَاوَضَةِ فَإِنَّ الْمُشْتَرَى بَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرِكَةِ وَلِأَحَدِهِمَا زِيَادَةُ دَرَاهِمَ بِخِلَافِ الزِّيَادَةِ مِنْ حَيْثُ الْقِيمَةُ بَعْدَ الشِّرَاءِ فَإِنَّهَا حَصَلَتْ فِي مَالِ الْغَيْرِ لَا فِي مَالِ أَحَدِهِمَا فَلَمْ يَفُتْ التَّسَاوِي فِي مَالِهِمَا كَذَا فِي الْمُحِيطِ [شَرِكَة الْمُفَاوَضَة بِمِلْكِ الْعَرْضِ] قَوْلُهُ (: لَا الْعَرْضِ) أَيْ لَا تَبْطُلُ بِمِلْكِ الْعَرْضِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَصِحُّ فِيهِ الشَّرِكَةُ فَلَا تُشْتَرَطُ الْمُسَاوَاةُ فِيهِ، وَلَوْ قَالَ لَا مَا لَا تَصِحُّ فِيهِ لَكَانَ أَوْلَى لِيَدْخُلَ الْعَقَارُ وَالدُّيُونُ فَإِنَّهَا لَا تَبْطُلُ بِهِمَا إلَّا إذَا قَبَضَ الدُّيُونَ [شَرِكَة مُفَاوَضَةٌ وَعَنَانٌ بِغَيْرِ النَّقْدَيْنِ وَالتِّبْرِ وَالْفُلُوسِ] (قَوْلُهُ: وَلَا تَصِحُّ مُفَاوَضَةٌ وَعَنَانٌ بِغَيْرِ النَّقْدَيْنِ وَالتِّبْرِ وَالْفُلُوسِ) وَقَالَ مَالِكٌ تَجُوزُ بِالْعُرُوضِ وَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ أَيْضًا إذَا كَانَ الْجِنْسُ وَاحِدًا؛ لِأَنَّهَا عُقِدَتْ عَلَى رَأْسِ مَالٍ مَعْلُومٍ فَأَشْبَهَ النُّقُودَ بِخِلَافِ الْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ يَأْبَاهَا لِمَا فِيهَا مِنْ رِبْحِ مَا لَمْ يَضْمَنْ فَيَقْتَصِرُ عَلَى مَوْرِدِ الشَّرْعِ وَلَنَا أَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ؛ لِأَنَّهُ إذَا بَاعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رَأْسَ مَالِهِ وَتَفَاضَلَ الثَّمَنَانِ فَمَا يَسْتَحِقُّهُ أَحَدُهُمَا مِنْ الزِّيَادَةِ فِي مَالِ صَاحِبِهِ رِبْحُ مَا لَمْ يَمْلِكْ وَمَا لَمْ يَضْمَنْ بِخِلَافِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ؛ لِأَنَّ ثَمَنَ مَا يَشْتَرِيهِ فِي ذِمَّتِهِ إذْ هِيَ لَا تَتَعَيَّنُ فَكَانَ رِبْحَ مَا ضَمِنَ؛ وَلِأَنَّ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: يَسْتَحْلِفُ كُلَّ وَاحِدٍ أَلْبَتَّةَ) أَيْ الْيَمِينُ أَلْبَتَّةَ فَأَلْبَتَّةَ قَائِمٌ مَقَامَ الْمَفْعُولِ الْمُطْلَقِ الْمَحْذُوفِ قِيَامَ الصِّفَةِ مَقَامَ الْمَوْصُوفِ قَالَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 185 أَوَّلَ التَّصَرُّفِ فِي الْعَرْضِ الْبَيْعُ وَفِي النُّقُودِ الشِّرَاءُ وَبَيْعُ أَحَدِهِمَا مَالَهُ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْآخَرُ شَرِيكًا فِي ثَمَنِهِ لَا يَجُوزُ وَشِرَاءُ أَحَدِهِمَا شَيْئًا بِمَالِهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ جَائِزٌ وَجَعَلَ الْمُصَنِّفُ التِّبْرَ كَالنَّقْدَيْنِ، رِوَايَةُ كِتَابِ الصَّرْفِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ حَتَّى لَا يَنْفَسِخَ الْعَقْدُ بِهَلَاكِهِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَا تَكُونُ الْمُفَاوَضَةُ بِمَثَاقِيلِ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ وَمُرَادُهُ التِّبْرُ فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ التِّبْرُ سِلْعَةٌ وَيَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فَلَا يَصْلُحُ رَأْسَ مَالٍ فِي الْمُضَارَبَاتِ وَالشَّرِكَاتِ، وَصَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ؛ لِأَنَّهَا وَإِنْ خُلِقَتْ لِلتِّجَارَةِ فِي الْأَصْلِ لَكِنْ الثَّمَنِيَّةُ تَخْتَصُّ بِالضَّرْبِ الْمَخْصُوصِ؛ لِأَنَّ عِنْدَ ذَلِكَ لَا يُصْرَفُ إلَى شَيْءٍ آخَرَ ظَاهِرٍ إلَّا أَنْ يَجْرِيَ التَّعَامُلُ بِاسْتِعْمَالِهَا ثَمَنًا فَيَنْزِلُ التَّعَامُلُ بِمَنْزِلَةِ الضَّرْبِ فَتَكُونُ ثَمَنًا وَتَصْلُحُ رَأْسَ الْمَالِ. اهـ. فَيُحْمَلُ مَا فِي الْكِتَابِ عَلَى مَا إذَا جَرَى التَّعَامُلُ بِاسْتِعْمَالِ التِّبْرِ ثَمَنًا وَهُوَ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الرِّوَايَةِ الضَّعِيفَةِ، وَالتِّبْرُ مَا لَيْسَ بِمَضْرُوبٍ مِنْ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ وَأَطْلَقَ الْفُلُوسَ وَأَرَادَ بِهَا الرَّائِجَةَ؛ لِأَنَّهَا تَرُوجُ رَوَاجَ الْأَثْمَانِ فَأُلْحِقَتْ بِهَا قَالُوا هَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهَا مُلْحَقَةٌ بِالنُّقُودِ عِنْدَهُ حَتَّى لَا تَتَعَيَّنَ بِالتَّعْيِينِ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ اثْنَيْنِ بِوَاحِدٍ بِأَعْيَانِهِمَا عَلَى مَا عُرِفَ أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لَا تَجُوزُ الشَّرِكَةُ وَالْمُضَارَبَةُ بِهَا؛ لِأَنَّ ثَمَنِيَّتَهَا تَتَبَدَّلُ سَاعَةً فَسَاعَةً وَتَصِيرُ سِلْعَةً وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ مِثْلُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَالْأَوَّلُ أَقْيَسُ وَأَظْهَرُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا جَائِزَةٌ بِالْفُلُوسِ عِنْدَهُمَا أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا أَثْمَانٌ بِاصْطِلَاحِ الْكُلِّ فَلَا تَبْطُلُ مَا لَمْ يُصْطَلَحْ عَلَى ضِدِّهِ ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَلِذَا اخْتَارَهُ فِي الْكِتَابِ وَشَمِلَ قَوْلُهُ بِغَيْرِ النَّقْدَيْنِ الْمَكِيلَ وَالْمَوْزُونَ وَالْمَعْدُودَ الْمُتَقَارِبَ وَلَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَنَا قَبْلَ الْخَلْطِ؛ لِأَنَّهَا عُرُوضٌ مَحْضَةٌ، وَكَذَا إنْ خَلَطَا، ثُمَّ اشْتَرَكَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا مَتَاعُهُ بِحِصَّةِ رِبْحِهِ وَوَضِيعَتِهِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تَصِحُّ وَتَصِيرُ شَرِكَةَ عَقْدٍ إذَا كَانَ الْمَخْلُوطُ جِنْسًا وَاحِدًا، وَثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ تَظْهَرُ فِي اشْتِرَاطِ التَّفَاضُلِ فِي الرِّبْحِ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا تَصِحُّ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تَلْزَمُ وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فَكَانَ عَرْضًا مَحْضًا، وَلَوْ اخْتَلَفَا جِنْسًا كَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالزَّيْتِ وَالسَّمْنِ فَخَلَطَا لَا تَنْعَقِدُ الشَّرِكَةُ بِهَا بِالِاتِّفَاقِ، وَالْفَرْقُ لِمُحَمَّدٍ أَنَّ الْمَخْلُوطَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ وَمِنْ جِنْسَيْنِ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ فَتَتَمَكَّنُ الْجَهَالَةُ كَمَا فِي الْعُرُوضِ، وَإِذَا لَمْ تَصِحَّ الشَّرِكَةُ فَحُكْمُ الْخَلْطِ سَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْوَدِيعَةِ وَلَمْ يُقَيِّدْ الْمُصَنِّفُ الْمَالَ بِالْحَضْرَةِ وَلَا بُدَّ مِنْهُ، قَالَ فِي الْقُنْيَةِ عَقَدَا شَرِكَةَ عَنَانٍ بِالدَّنَانِيرِ وَرَأْسُ مَالِ أَحَدِهِمَا غَائِبٌ لَا تَصِحُّ، وَلَوْ دَفَعَهُ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ عَنْ الْمَجْلِسِ لِيَشْتَرِيَ الشَّرِيكُ بِالْمَالَيْنِ عَلَى ذَلِكَ الْعَقْدِ تَنْعَقِدُ الشَّرِكَةُ بِالدَّفْعِ. اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ لَا تَصِحُّ بِمَالٍ غَائِبٍ أَوْ دَيْنٍ وَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ حَاضِرًا مُفَاوَضَةً كَانَتْ أَوْ عَنَانًا وَأَرَادَ عِنْدَ عَقْدِ الشِّرَاءِ لَا عِنْدَ عَقْدِ الشَّرِكَةِ فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ يُوجَدْ عِنْدَ عَقْدِهَا تَجُوزُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفًا، وَقَالَ أَخْرِجْ مِثْلَهَا أَوْ اشْتَرِ بِهَا وَبِعْ وَالْحَاصِلَ بَيْنَنَا أَنْصَافًا وَلَمْ يَكُنْ الْمَالُ حَاضِرًا وَقْتَ الشَّرِكَةِ فَبَرْهَنَ الْمَأْمُورُ عَلَى أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ وَأَحْضَرَ الْمَالَ وَقْتَ الشِّرَاءِ جَازَ. اهـ. وَفِي الذَّخِيرَةِ إذَا قَالَ لِغَيْرِهِ أَقْرِضْنِي أَلْفًا أَتَّجِرُ بِهَا وَيَكُونُ الرِّبْحُ بَيْنَنَا فَأَقْرَضَهُ أَلْفًا فَاتَّجَرَ بِهَا وَرَبِحَ فَالرِّبْحُ كُلُّهُ لِلْمُسْتَقْرِضِ لَا شَرِكَةَ لِلْمُقْرِضِ فِيهِ، وَلَوْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفًا، وَقَالَ اشْتَرِ بِهَا بَيْنِي وَبَيْنَك نِصْفَيْنِ وَالرِّبْحُ لَنَا وَالْوَضِيعَةُ عَلَيْنَا فَهَلَكَ الْمَالُ قَبْلَ أَنْ يَشْتَرِيَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَهَذَا لَيْسَ بِقَرْضٍ وَإِنَّمَا هُوَ شَرِكَةٌ، وَلَوْ اشْتَرَى بِالْمَالِ، ثُمَّ هَلَكَ الْمَالُ فَعَلَى الْآمِرِ ضَمَانُ نِصْفِ الْمَالِ وَعَلَى الْمُشْتَرِي نِصْفُ ذَلِكَ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ بَاعَ كُلَّ عَرْضِهِ بِنِصْفِ عَرْضِ الْآخَرِ وَعَقَدَا الشَّرِكَةَ صَحَّ) بَيَانٌ لِلْحِيلَةِ فِي صِحَّةِ الشَّرِكَةِ بِالْعُرُوضِ فَإِنَّ فَسَادَهُ بِهَا لَيْسَ لِذَاتِهَا، بَلْ لِلَازِمِ الْبَاطِلِ مِنْ أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا لُزُومِ رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ، وَالثَّانِي جَهَالَةُ رَأْسِ مَالِ كُلٍّ مِنْهُمَا عِنْدَ الْقِسْمَةِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُنْتَفٍ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَيَكُونُ كُلُّ مَا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: تَنْعَقِدُ الشَّرِكَةُ بِالدَّفْعِ) ظَاهِرُهُ أَنَّهَا تَنْعَقِدُ بِالدَّفْعِ بَعْدَ فَسَادِهَا بِالِافْتِرَاقِ بِلَا دَفْعٍ، وَظَاهِرُ مَا يَأْتِي عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ يُفِيدُ جَوَازَهَا مَوْقُوفًا عَلَى إحْضَارِ الْمَالِ وَقْتَ الشِّرَاءِ تَأَمَّلْ، وَاَلَّذِي فِي الْفَتْحِ مُوَافِقٌ لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ فَإِنَّهُ قَالَ وَلَمْ يَشْتَرِطْ حُضُورَ الْمَالِ وَقْتَ الْعَقْدِ وَهُوَ صَحِيحٌ، بَلْ الشَّرْطُ وُجُودُهُ وَقْتَ الشِّرَاءِ، ثُمَّ ذَكَرَ مَسْأَلَةَ مَا لَوْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفًا وَقَالَ أَخْرِجْ مِثْلَهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 186 يَرْبَحُهُ الْآخَرُ رِبْحَ مَا هُوَ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ وَلَا تَحْصُلُ جَهَالَةٌ فِي رَأْسِ مَالِ كُلٍّ مِنْهُمَا عِنْدَ الْقِسْمَةِ حَتَّى يَكُونَ ذَلِكَ بِالْحِرْزِ فَتَقَعُ الْجَهَالَةُ؛ لِأَنَّهُمَا مُسْتَوِيَانِ فِي الْمَالِ شَرِيكَانِ فِيهِ فَبِالضَّرُورَةِ يَكُونُ كُلُّ مَا يَحْصُلُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَفِي قَوْلِهِ وَعَقَدَا الشَّرِكَةَ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ بِالْبَيْعِ صَارَتْ شَرِكَةَ مِلْكٍ حَتَّى لَا يَجُوزَ لِكُلِّ وَاحِدٍ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ، ثُمَّ بِالْعَقْدِ بَعْدَهُ صَارَتْ شَرِكَةَ عَقْدٍ فَيَجُوزُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ، كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَصَرَّحَ فِي الْهِدَايَةِ بِأَنَّ هَذَا شَرِكَةُ مِلْكٍ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّهُ مُشْكِلٌ وَلَعَلَّهُ فَهِمَ أَنَّ الْإِشَارَةَ عَائِدَةٌ إلَى الْكُلِّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا هِيَ عَائِدَةٌ إلَى الْبَيْعِ فَقَطْ وَأَطْلَقَ فِي قِيمَةِ مُبْتَاعَيْهِمَا وَقَيَّدَهُ فِي الْهِدَايَةِ بِأَنْ تَسْتَوِيَ الْقِيمَتَانِ، وَلَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ يَبِيعُ صَاحِبُ الْأَقَلِّ بِقَدْرِ مَا تَثْبُتُ بِهِ الشَّرِكَةُ وَأَوْضَحَهُ فِي النِّهَايَةِ بِأَنْ تَكُونَ قِيمَةُ عَرْضِ أَحَدِهِمَا أَرْبَعَمِائَةٍ وَقِيمَةُ عَرْضِ الْآخَرِ مِائَةً فَإِنَّهُ يَبِيعُ صَاحِبُ الْأَقَلِّ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِ عَرْضِهِ بِخُمُسِ عَرْضِ الْآخَرِ فَيَصِيرُ الْمَتَاعُ كُلُّهُ أَخْمَاسًا وَيَكُونُ الرِّبْحُ كُلُّهُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ رَأْسِ مَالَيْهِمَا. اهـ. وَرَدَّهُ فِي التَّبْيِينِ بِأَنَّ هَذَا الْحَمْلَ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَ مَالِهِ بِنِصْفِ مَالِ الْآخَرِ وَإِنْ تَفَاوَتَتْ قِيمَتُهَا حَتَّى يَصِيرَ الْمَالُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَكَذَا الْعَكْسُ جَائِزٌ وَهُوَ مَا إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُمَا مُتَسَاوِيَةً فَبَاعَاهُ عَلَى التَّفَاوُتِ بِأَنْ بَاعَ أَحَدُهُمَا رُبُعَ مَالِهِ بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ مَالِ الْآخَرِ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ بَاعَ نِصْفَ مَالِهِ بِنِصْفِ مَالِ الْآخَرِ وَقَعَ اتِّفَاقًا أَوْ قَصْدًا لِيَكُونَ شَامِلًا لِلْمُفَاوَضَةِ وَالْعَنَانِ؛ لِأَنَّ الْمُفَاوَضَةَ شَرْطُهَا التَّسَاوِي بِخِلَافِ الْعَنَانِ وَقَوْلُهُ بِنِصْفِ عَرْضِ الْآخَرِ وَقَعَ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ بَاعَهُ بِالدَّرَاهِمِ، ثُمَّ عَقَدَ الشَّرِكَةَ فِي الْعَرْضِ الَّذِي بَاعَهُ جَازَ أَيْضًا اهـ. وَفِي الذَّخِيرَةِ وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ عَبْدٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ اشْتَرَكَا فِيهِ شَرِكَةَ عَنَانٍ أَوْ مُفَاوَضَةٍ جَازَ. اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ رَجُلَانِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا طَعَامٌ فَاشْتَرَكَا بِمَالَيْهِمَا وَخَلَطَاهُمَا وَأَحَدُهُمَا أَجْوَدُ مِنْ الْآخَرِ فَالشَّرِكَةُ جَائِزَةٌ وَالثَّمَنُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ؛ لِأَنَّ هَذَا يُشْبِهُ الْبَيْعَ حِينَ خَلَطَهُ عَلَى أَنَّهُ بَيْنَهُمَا، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ نَصَّ فِي هَذَا الْكِتَابِ يُقْسَمُ الثَّمَنُ عَلَى قِيمَةِ الْجَيِّدِ وَقِيمَةِ الرَّدِيءِ يَوْمَ بَاعَا اهـ. هَذَا يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ شَرِكَةَ مِلْكٍ لَا عَقْدٍ قَوْلُهُ (: وَعَنَانٌ إنْ تَضَمَّنَتْ وَكَالَةً فَقَطْ) بِالرَّفْعِ عَطْفٌ عَلَى مُفَاوَضَةٍ بَيَانٌ لِلنَّوْعِ الثَّانِي مِنْ شَرِكَةِ الْعَقْدِ، وَفِي الْقَامُوسِ أَنَّهَا عَلَى وَزْنِ كِتَابٍ فِي الشَّرِكَةِ أَنْ يَكُونَ فِي شَيْءٍ خَاصٍّ دُونَ سَائِرِ مَالِهِمَا أَوْ هُوَ أَنْ يُعَارِضَ رَجُلًا بِالشِّرَاءِ فَيَقُولَ أَشْرِكْنِي مَعَك أَوْ هُوَ أَنْ يَكُونَا سَوَاءً فِي الشَّرِكَةِ؛ لِأَنَّ عَنَانَ الدَّابَّةِ طَاقَتَانِ مُتَسَاوِيَتَانِ. اهـ. وَإِنَّمَا انْعَقَدَتْ عَلَى الْوَكَالَةِ لِتَحْقِيقِ مَقْصُودِهِ كَمَا بَيَّنَّا وَمَعْنَى قَوْلِهِ فَقَطْ أَنَّهَا لَا تَنْعَقِدُ عَلَى الْكَفَالَةِ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ مُشْتَقٌّ مِنْ الِاعْتِرَاضِ، يُقَالُ عَنَّ لَهُ أَيْ اعْتَرَضَ، وَهَذَا لَا يُنْبِئُ عَنْ الْكَفَالَةِ وَحُكْمُ التَّصَرُّفِ لَا يَثْبُتُ بِخِلَافِ مُقْتَضَى اللَّفْظِ فَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُمَا لَوْ عَقَدَاهَا عَلَى الْكَفَالَةِ لَا تَكُونُ عَنَانًا لَكِنَّهُ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَتْ بَاقِي شُرُوطِ الْمُفَاوَضَةِ مُتَوَفِّرَةً فَحِينَئِذٍ تَكُونُ مُفَاوَضَةً وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُتَوَفِّرَةً يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ عَنَانًا وَأَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِمْ لَا تَنْعَقِدُ عَلَى الْكَفَالَةِ أَنَّ ذِكْرَ الْكَفَالَةِ فِيهَا لَيْسَ بِشَرْطٍ لَا أَنَّ عَدَمَ ذِكْرِهَا شَرْطٌ لَكِنْ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، ثُمَّ هَلْ تَبْطُلُ الْكَفَالَةُ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ تَبْطُلُ؛ لِأَنَّ الْعَنَانَ مُعْتَبَرٌ فِيهَا عَدَمُ الْكَفَالَةِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لَا تَبْطُلُ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهَا عَدَمُ اعْتِبَارِ الْكَفَالَةِ لَا اعْتِبَارُ عَدَمِهَا فَتَصِحُّ عَنَانًا، ثُمَّ كَفَالَةُ الْآخَرِ زِيَادَةٌ عَلَى نَفْس الشَّرِكَةِ كَمَا أَنَّهَا تَكُونُ عَنَانًا مَعَ الْعُمُومِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الثَّابِتَ فِيهَا عَدَمُ اعْتِبَارِ الْعُمُومِ لَا اعْتِبَارُ عَدَمِ الْعُمُومِ إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ قَدْ يُرَجَّحُ بِأَنَّ هَذِهِ الْكَفَالَةَ لِمَجْهُولٍ فَلَا تَصِحُّ إلَّا ضِمْنًا فَإِذَا لَمْ تَكُنْ مِمَّا تَضْمَنُهَا الشَّرِكَةُ لَمْ يَكُنْ ثُبُوتُهَا إلَّا قَصْدًا فَلَا تَصِحُّ. اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَلِكَوْنِهَا لَا تَقْتَضِي الْكَفَالَةَ تَنْعَقِدُ مِمَّنْ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْكَفَالَةِ بِأَنْ كَانَ أَحَدُهُمَا صَبِيًّا   [منحة الخالق] [بَاعَ كُلَّ عَرْضِهِ بِنِصْفِ عَرْضِ الْآخَرِ وَعَقَدَا الشَّرِكَةَ] (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا هِيَ عَائِدَةٌ إلَى الْبَيْعِ فَقَطْ) قَالَ فِي النَّهْرِ كَيْفَ يَصِحُّ هَذَا مَعَ قَوْلِهِ فِي الْهِدَايَةِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْعَرْضَ لَا يَصْلُحُ مَالَ الشَّرِكَةِ. (قَوْلُهُ: هَذَا يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ شَرِكَةَ مِلْكٍ لَا عَقْدٍ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَالْإِشَارَةُ إلَى قَوْلِ الْمُحِيطِ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَفِي النَّهْرِ بَعْدَ ذِكْرِ مَا فِي الْمُحِيطِ وَالثَّانِي بِالْقَوَاعِدِ أَلْيَقُ. [شَرِكَة الْعَنَان] (قَوْلُهُ: يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ عَنَانًا) قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ وَلَا يَكُونُ فِي شَرِكَةِ الْعِنَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلًا عَنْ صَاحِبِهِ إذَا لَمْ يَذْكُرْ الْكَفَالَةَ بِخِلَافِ الْمُفَاوَضَةِ. (قَوْلُهُ: إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ قَدْ يُرَجَّحُ إلَخْ) قَدْ عَلِمْت مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْخَانِيَّةِ فَإِنَّ مُقْتَضَاهُ صِحَّةُ الْكَفَالَةِ، وَإِنْ كَانَتْ لِمَجْهُولٍ وَلَيْسَتْ ضِمْنًا وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ الْعَنَانَ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تَقْتَضِي الْكَفَالَةَ أَيْ لَا تَسْتَلْزِمُهَا لِعَدَمِ مَا يُوجِبُهَا فَذَلِكَ لَا يُوجِبُ عَدَمَ لُزُومِهَا فِيهَا مَعَ التَّصْرِيحِ بِهَا، بَلْ هِيَ جَائِزَةٌ فِيهَا فَثَبَتَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 187 مَأْذُونًا فِي التِّجَارَةِ أَوْ كِلَاهُمَا أَوْ أَحَدُهُمَا مَعْتُوهًا يَعْقِلُ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ أَوْ كِلَاهُمَا أَوْ أَحَدُهُمَا مَأْذُونًا اهـ. وَأَطْلَقَهَا فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَتْ خَاصَّةً أَوْ عَامَّةً وَمَا إذَا كَانَتْ مُطْلَقَةً عَنْ التَّقْيِيدِ بِوَقْتٍ أَوْ مُقَيَّدَةً بِهِ؛ لِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْوَكَالَةِ وَهِيَ تَصِحُّ عَامًّا وَخَاصًّا مُطْلَقًا وَمُؤَقَّتًا فَكَذَا الشَّرِكَةُ وَهَلْ تَتَوَقَّتُ هَذِهِ الشَّرِكَةُ بِالْوَقْتِ رَوَى بِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا تَتَوَقَّتُ حَتَّى لَا تَبْقَى الشَّرِكَةُ بَعْدَ مُضِيِّ الْوَقْتِ، وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ هَذِهِ الرِّوَايَةُ مِمَّا لَا تَكَادُ تَصِحُّ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْهُمْ فِي الْوَكَالَةِ أَنَّ مَنْ وَكَّلَ رَجُلًا بِشِرَاءِ عَبْدٍ أَوْ بِبَيْعِهِ الْيَوْمَ لَا تَتَوَقَّتُ الْوَكَالَةُ بِالْيَوْمِ فَإِذَا لَمْ تَتَوَّقَتْ الْوَكَالَةُ لَا تَتَوَقَّتُ الشَّرِكَةُ ضَرُورَةً، وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْ مَشَايِخِنَا بِأَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ صَحِيحَةٌ فِي الشَّرِكَةِ فَصَارَتْ الشَّرِكَةُ وَالْوَكَالَةُ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي رِوَايَةٍ يَتَوَقَّتَانِ؛ لِأَنَّهُمَا يَقْبَلَانِ الْخُصُوصَ فِي النَّوْعِ فَيَقْبَلَانِ التَّوْقِيتَ بِالْوَقْتِ وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَتَوَقَّتَانِ؛ لِأَنَّ ذِكْرَهُ قَدْ يَكُونُ لِقَصْرِهِمَا عَلَيْهِ، وَقَدْ يَكُونُ لِاسْتِعْجَالِ الْعَمَلِ فِيمَا لَا يَحْتَاجُ إلَى التَّوْقِيتِ وَهُمَا ثَابِتَانِ لِلْحَالِ بِيَقِينٍ وَوَقَعَ الشَّكُّ فِي ارْتِفَاعِهِمَا بِمُضِيِّ الْوَقْتِ فَلَا يَرْتَفِعَانِ بِالشَّكِّ وَلِهَذَا لَا يَتَوَقَّتُ الْإِذْنُ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ. (قَوْلُهُ وَتَصِحُّ مَعَ التَّسَاوِي فِي الْمَالِ دُونَ الرِّبْحِ وَعَكْسِهِ) وَهُوَ التَّفَاضُلُ فِي الْمَالِ وَالتَّسَاوِي فِي الرِّبْحِ، وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ التَّفَاضُلَ فِيهِ يُؤَدِّي إلَى رِبْحِ مَا لَمْ يَضْمَنْ فَإِنَّ الْمَالَ إذَا كَانَ نِصْفَيْنِ وَالرِّبْحُ أَثْلَاثًا فَصَاحِبُ الزِّيَادَةِ يَسْتَحِقُّهَا بِلَا ضَمَانٍ إذْ الضَّمَانُ بِقَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ عِنْدَهُمَا فِي الرِّبْحِ كَالشَّرِكَةِ فِي الْأَصْلِ وَلِهَذَا يَشْتَرِطَانِ الْخَلْطَ فَصَارَ رِبْحُ الْمَالِ بِمَنْزِلَةِ نَمَاءِ الْأَعْيَانِ فَيَسْتَحِقُّ بِقَدْرِ الْمِلْكِ فِي الْأَصْلِ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الرِّبْحُ عَلَى مَا شَرَطَا وَالْوَضِيعَةُ عَلَى قَدْرِ الْمَالَيْنِ» وَلَمْ يَفْصِلْ؛ وَلِأَنَّ الرِّبْحَ كَمَا يُسْتَحَقُّ بِالْمَالِ يُسْتَحَقُّ بِالْعَمَلِ كَمَا فِي الْمُضَارَبَةِ. وَقَدْ يَكُونُ أَحَدُهُمَا أَحْذَقَ وَأَهْدَى أَوْ أَكْثَرَ عَمَلًا فَلَا يَرْضَى بِالْمُسَاوَاةِ فَمَسَّتْ الْحَاجَةُ إلَى التَّفَاضُلِ قَيَّدَ بِالشَّرِكَةِ فِي الرِّبْحِ؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الرِّبْحِ كُلِّهِ لِأَحَدِهِمَا غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ يَخْرُجُ الْعَقْدُ بِهِ مِنْ الشَّرِكَةِ وَمِنْ الْمُضَارَبَةِ أَيْضًا إلَى قَرْضٍ بِاشْتِرَاطِهِ لِلْعَامِلِ أَوْ إلَى بِضَاعَةٍ بِاشْتِرَاطِهِ لِرَبِّ الْمَالِ، وَهَذَا الْعَقْدُ يُشْبِهُ الْمُضَارَبَةَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَعْمَلُ فِي مَالِ الشَّرِيكِ وَيُشْبِهُ الشَّرِكَةَ اسْمًا وَعَمَلًا فَإِنَّهُمَا يَعْمَلَانِ مَعًا فَعَمِلْنَا بِشَبَهِ الْمُضَارَبَةِ وَقُلْنَا يَصِحُّ اشْتِرَاطُ الرِّبْحِ مِنْ غَيْرِ ضَمَانٍ وَبِشَبَهِ الشَّرِكَةِ حَتَّى لَا تَبْطُلَ بِاشْتِرَاطِ الْعَمَلِ عَلَيْهِمَا. وَقَدْ أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِلْهِدَايَةِ جَوَازَ التَّفَاضُلِ فِي الرِّبْحِ مَعَ التَّسَاوِي فِي الْمَالِ وَقَيَّدَهُ فِي التَّبْيِينِ وَفَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنْ يَشْتَرِطَا الْأَكْثَرَ لِلْعَامِلِ مِنْهُمَا أَوْ لِأَكْثَرِهِمَا عَمَلًا أَمَّا إنْ شَرَطَاهُ لِلْقَاعِدَةِ أَوْ لِأَقَلِّهِمَا عَمَلًا فَلَا يَجُوزُ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْمُصَنِّفُ لِاسْتِحْقَاقِ الرِّبْحِ الْمَشْرُوطِ اجْتِمَاعَهُمَا عَلَى الْعَمَلِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ شَرْطٍ لِتَضَمُّنِهَا الْوَكَالَةَ، وَلِذَا قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ اشْتَرَكَا وَعَمِلَ أَحَدُهُمَا فِي غَيْبَةِ الْآخَرِ، فَلَمَّا حَضَرَ أَعْطَاهُ حِصَّتَهُ، ثُمَّ غَابَ الْآخَرُ وَعَمِلَ الْآخَرُ، فَلَمَّا حَضَرَ الْغَائِبُ أَبَى أَنْ يُعْطِيَهُ حِصَّتَهُ مِنْ الرِّبْحِ إنْ كَانَ الشَّرْطُ أَنْ يَعْمَلَا جَمِيعًا وَشَتَّى فَمَا كَانَ مِنْ تِجَارَتِهِمَا مِنْ الرِّبْحِ فَبَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرْطِ عَمِلَا أَوْ عَمِلَ أَحَدُهُمَا فَإِنْ مَرِضَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يَعْمَلْ وَعَمِلَ الْآخَرُ فَهُوَ بَيْنَهُمَا، وَفِي الْمُحِيطِ. ثُمَّ الْمَسْأَلَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ، الْأَوَّلُ أَنْ يَشْتَرِطَا الْعَمَلَ عَلَيْهِمَا وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَالْوَضِيعَةُ   [منحة الخالق] صَرِيحًا أَوْ دَلَالَةً فَالتَّصْرِيحُ بِهَا تَصْرِيحٌ بِمَا هُوَ جَائِزٌ فِيهَا فَيَثْبُتُ تَبَعًا لَهَا كَمَا تَثْبُتُ الْكَفَالَةُ فِي الْمُفَاوَضَةِ إذَا لَمْ يُصَرِّحْ بِلَفْظِ الْمُفَاوَضَةِ، بَلْ صَرَّحَ بِتَمَامِ مَعْنَاهَا كَمَا مَرَّ وَلَا يَخْفَى أَنَّ فِيهِ التَّصْرِيحَ بِالْكَفَالَةِ فَقَدْ ثَبَتَتْ الْكَفَالَةُ فِيهِ مَعَ التَّصْرِيحِ بِهَا وَلَمْ تُجْعَلْ قَصْدًا، بَلْ ضِمْنًا (قَوْلُهُ: أَمَّا إنْ شَرَطَاهُ لِلْقَاعِدِ إلَخْ) لَمْ يَذْكُرْ مَا لَوْ اشْتَرَطَاهُ لِلْقَاعِدِ وَكَانَ مَالُهُ أَكْثَرَ كَمَا لَوْ وَضَعَ الْقَاعِدُ تِسْعَةَ آلَافٍ مَثَلًا وَوَضَعَ الْعَامِلُ أَلْفًا وَاشْتَرَطَا ثُلُثَيْ الرِّبْحِ لِلْقَاعِدِ وَالثُّلُثَ لِلْعَامِلِ وَهَذِهِ تَقَعُ كَثِيرًا وَيُؤْخَذُ عَدَمُ الْجَوَازِ مِنْ قَوْلِ الْمُحِيطِ الْآتِي قَرِيبًا، وَإِنْ شَرَطَا الْعَمَلَ عَلَى أَقَلِّهِمَا رِبْحًا خَاصَّةً لَا يَجُوزُ وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ رَأْسِ مَالِهِمَا فَإِنَّهُ يُفِيدُ أَنَّهُ إذَا اخْتَلَفَ رَأْسُ الْمَالِ وَكَانَ الْعَامِلُ هُوَ الْأَقَلُّ رِبْحًا لَا يَجُوزُ الشَّرْطُ، بَلْ يَكُونُ الرِّبْحُ عَلَى قَدْرِ الْمَالِ وَحِينَئِذٍ فَيَحْصُلُ عَلَى الْعَامِلِ إجْحَاف زَائِدٌ؛ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ فِي صُورَتِنَا الْمَذْكُورَةِ عُشْرُ الرِّبْحِ مَعَ تَعَبِهِ فِي الْعَمَلِ لَكِنْ مَا نَنْقُلُهُ قَرِيبًا عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ فِيهِ مَا يُفِيدُ الْجَوَازَ فَتَأَمَّلْهُ. (قَوْلُهُ: وَفِي الْمُحِيطِ ثُمَّ الْمَسْأَلَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ إلَخْ) ذَكَرَ ذَلِكَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ بَيَانُ مَا ذَكَرْنَا فِيمَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ إذَا جَاءَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفَيْنِ وَاشْتَرَكَا عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَالْعَمَلُ عَلَيْهِمَا فَهُوَ جَائِزٌ وَيَصِيرُ صَاحِبُ الْأَلْفِ فِي مَعْنَى الْمُضَارِبِ إلَّا أَنَّ مَعْنَى الْمُضَارَبَةِ تَتْبَعُ لِمَعْنَى الشَّرِكَةِ، وَالْعِبْرَةُ لِلْأَصْلِ دُونَ التَّبَعِ فَلَا يَضُرُّهُمَا اشْتِرَاطُ الْعَمَلِ عَلَيْهِمَا، وَإِنْ اشْتَرَطَا الْعَمَلَ عَلَى صَاحِبِ الْأَلْفِ فَهُوَ جَائِزٌ، وَإِنْ اشْتَرَطَا الْعَمَلَ عَلَى صَاحِبِ الْأَلْفَيْنِ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ اشْتَرَطَا الرِّبْحَ عَلَى قَدْرِ رَأْسِ مَالِهِمَا أَثْلَاثًا وَالْعَمَلُ مِنْ أَحَدِهِمَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 188 عَلَى قَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ فَإِنْ عَمِلَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ فَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا وَإِنْ شَرَطَا الْعَمَلَ عَلَى أَحَدِهِمَا يُنْظَرُ إنْ شَرَطَا الْعَمَلَ عَلَى أَكْثَرِهِمَا رِبْحًا جَازَ وَإِنْ شَرَطَاهُ عَلَى أَقَلِّهِمَا رِبْحًا خَاصَّةً لَا يَجُوزُ وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ رَأْسِ مَالِهِمَا. اهـ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ قَالَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ لِصَاحِبِهِ لَا أَعْمَلُ مَعَك بِالشَّرِكَةِ فَهَذَا بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ فَاسَخْتُك. اهـ. (قَوْلُهُ: وَبِبَعْضِ الْمَالِ) يَعْنِي يَصِحُّ أَنْ يَعْقِدَهَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِبَعْضِ مَالِهِ دُونَ الْبَعْضِ؛ لِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ فِي الْمَالِ لَيْسَ بِشَرْطٍ إذْ اللَّفْظُ لَا يَقْتَضِيهِ وَقَدَّمْنَا مَا تَصِحُّ بِهِ الشَّرِكَةُ مِنْ الْأَمْوَالِ مُفَاوَضَةً أَوْ عَنَانًا (قَوْلُهُ وَبِخِلَافِ الْجِنْسِ) بِأَنْ يَكُونَ مِنْ أَحَدِهِمَا دَنَانِيرُ وَمِنْ الْآخَرِ دَرَاهِمُ لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الْخَلْطِ عِنْدَنَا فَجَازَتْ فِي مُتَّحِدِ الْجِنْسِ وَمُخْتَلِفِهِ وَتَجُوزُ مَعَ اخْتِلَافِ الْوَصْفِ فَقَطْ بِالْأَوْلَى كَمَا إذَا كَانَ مِنْ أَحَدِهِمَا دَرَاهِمُ سُودٌ وَمِنْ الْآخَرِ دَرَاهِمُ بِيضٌ وَإِنْ تَفَاوَتَتْ قِيمَتُهُمَا وَالرِّبْحُ عَلَى مَا شَرَطَا. [شَرِكَة الْعَنَان وَإِنْ لَمْ يَخْلِطَا الْمَالَيْنِ] (قَوْلُهُ وَعَدَمِ الْخَلْطِ) أَيْ تَصِحُّ وَإِنْ لَمْ يَخْلِطَا الْمَالَيْنِ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ فِي الرِّبْحِ مُسْتَنِدَةٌ إلَى الْعَقْدِ دُونَ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يُسَمَّى شَرِكَةً وَلَا بُدَّ مِنْ تَحْقِيقِ مَعْنَى هَذَا الِاسْمِ فِيهِ فَلَمْ يَكُنْ الْخَلْطُ شَرْطًا؛ وَلِأَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ لَا يَتَعَيَّنَانِ فَلَا يُسْتَفَادُ الرِّبْحُ بِرَأْسِ الْمَالِ وَإِنَّمَا يُسْتَفَادُ بِالتَّصَرُّفِ؛ لِأَنَّهُ فِي النِّصْفِ أَصِيلٌ وَفِي النِّصْفِ وَكِيلٌ، وَإِذَا تَحَقَّقَتْ الشَّرِكَةُ فِي التَّصَرُّفِ بِدُونِ الْخَلْطِ تَحَقَّقَتْ فِي الْمُسْتَفَادِ بِهِ وَهُوَ الرِّبْحُ بِدُونِهِ وَصَارَتْ كَالْمُضَارَبَةِ. قَوْلُهُ (وَطُولِبَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ فَقَطْ) أَيْ دُونَ صَاحِبِهِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهَا تَتَضَمَّنُ الْوَكَالَةَ دُونَ الْكَفَالَةِ، وَالْوَكِيلُ الْأَصِيلُ هُوَ فِي الْحُقُوقِ. قَوْلُهُ (: وَرَجَعَ عَلَى شَرِيكِهِ بِحِصَّتِهِ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الثَّمَنِ إذَا أَدَّى مِنْ مَالِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ مِنْ جِهَتِهِ فِي حِصَّتِهِ فَإِذَا فَقَدَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ رَجَعَ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِقَوْلِهِ فَعَلَيْهِ الْحُجَّةُ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي وُجُوبَ الْمَالِ فِي ذِمَّةِ   [منحة الخالق] كَانَ جَائِزًا، وَإِنْ شَرَطَا أَنْ يَكُونَ الرِّبْحُ وَالْوَضِيعَةُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَشَرْطُ الْوَضِيعَةِ نِصْفَيْنِ فَاسِدٌ وَلَكِنْ بِهَذَا لَا تَبْطُلُ الشَّرِكَةُ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ اهـ. أَقُولُ: وَقَوْلُهُ وَإِنْ اشْتَرَطَا الرِّبْحَ عَلَى قَدْرِ رَأْسِ مَالِهِمَا إلَخْ يُفِيدُ الْجَوَازَ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا قَرِيبًا؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: وَالْعَمَلُ مِنْ أَحَدِهِمَا يَشْمَلُ مَا لَوْ كَانَ الْعَامِلُ صَاحِبَ الْأَلْفِ الَّذِي رِبْحُهُ أَقَلُّ مِنْ صَاحِبِ الْأَلْفَيْنِ فَيُفِيدُ صِحَّةَ اشْتِرَاطِ كَوْنِ الرِّبْحِ أَكْثَرَ لِلْقَاعِدِ إذَا كَانَ رَأْسُ مَالِهِ أَكْثَرَ مِنْ رَأْسِ مَالِ الْعَامِلِ تَأَمَّلْ هَذَا وَقَدْ ذَكَرَ الشَّارِحُ الزَّيْلَعِيُّ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْمُضَارَبَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَالْمُضَارِبُ أَمِينٌ إلَخْ مَا نَصُّهُ وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَجْعَلَهُ عَلَيْهِ مَضْمُونًا أَقْرَضَهُ رَأْسَ الْمَالِ كُلَّهُ وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ، ثُمَّ يَأْخُذُهُ مِنْهُ مُضَارَبَةً، ثُمَّ يَدْفَعُهُ إلَى الْمُسْتَقْرِضِ يَسْتَعِينُ بِهِ فِي الْعَمَلِ فَإِذَا عَمِلَ وَرَبِحَ كَانَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرْطِ وَأَخَذَ رَأْسَ الْمَالِ عَلَى أَنَّهُ بَدَلُ الْقَرْضِ، وَإِنْ لَمْ يَرْبَحْ أَخَذَ رَأْسَ الْمَالِ بِالْقَرْضِ، وَإِنْ هَلَكَ هَلَكَ عَلَى الْمُسْتَقْرِضِ وَهُوَ الْعَامِلُ أَوْ أَقْرَضَهُ كُلَّهُ إلَّا دِرْهَمًا مِنْهُ وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ عَقَدَا شَرِكَةَ الْعَنَانِ، ثُمَّ يَدْفَعُ إلَيْهِ الدِّرْهَمَ وَيَعْمَلُ فِيهِ الْمُسْتَقْرِضُ فَإِنْ رَبِحَ كَانَ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا، وَإِنْ هَلَكَ هَلَكَ عَلَيْهِ اهـ. كَلَامُ الزَّيْلَعِيِّ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ اشْتِرَاطَ الْعَمَلِ عَلَى الْأَكْثَرِ مَالًا جَائِزٌ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْأَصْلِ مِنْ قَوْلِهِ، وَإِنْ اشْتَرَطَا الْعَمَلَ عَلَى صَاحِبِ الْأَلْفَيْنِ لَا يَجُوزُ، تَأَمَّلْ، ثُمَّ رَأَيْت فِي كِتَابِ الشَّرِكَةِ مِنْ الْخَانِيَّةِ مَا نَصُّهُ: وَلَوْ تَفَاوَتَا فِي الْمَالِ فِي شَرِكَةِ الْعِنَانِ وَشَرَطَا الرِّبْحَ وَالْوَضِيعَةَ نِصْفَيْنِ، قَالَ فِي الْكِتَابِ الشَّرِكَةُ فَاسِدَةٌ قَالُوا لَمْ يُرِدْ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِهَذَا فَسَادَ الْعَقْدِ إنَّمَا أَرَادَ بِهِ فَسَادَ شَرْطِ الْوَضِيعَةِ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ. اهـ. فَهَذَا بِإِطْلَاقِهِ يَشْمَلُ مَا إذَا كَانَ الْعَمَلُ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا سَوَاءٌ كَانَ صَاحِبَ الْأَكْثَرِ أَوْ الْأَقَلِّ وَاَلَّذِي يَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ فِي التَّوْفِيقِ هُوَ أَنْ يُقَالَ إذَا اشْتَرَطَا الْعَمَلَ عَلَى أَحَدِهِمَا لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْأَقَلُّ رِبْحًا، بَلْ يَكُونُ الرِّبْحُ عَلَى قَدْرِ مَالَيْهِمَا أَمَّا إذَا شَرَطَا الْعَمَلَ عَلَيْهِمَا وَشَرَطَا التَّفَاضُلَ فِي الرِّبْحِ وَكَانَ مَالُ أَحَدِهِمَا أَكْثَرَ أَوْ لَا يَصِحُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ عَمِلَا أَوْ عَمِلَ أَحَدُهُمَا مُتَبَرِّعًا، فَيُحْمَلُ كَلَامُ الْمُحِيطِ عَلَى مَا إذَا شَرَطَا الْعَمَلَ عَلَى أَحَدِهِمَا كَمَا هُوَ صَرِيحُ عِبَارَتِهِ وَيُحْمَلُ كَلَامُ الزَّيْلَعِيِّ عَلَى مَا إذَا شَرَطَاهُ عَلَيْهِمَا، ثُمَّ يَعْمَلُ أَحَدُهُمَا مُتَبَرِّعًا بِلَا شَرْطٍ، ثُمَّ رَأَيْت الْمُؤَلِّفَ صَرَّحَ بِمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قُبَيْلَ بَابِ الْكَفَالَةِ فِي بَحْثِ مَا لَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ حَيْثُ قَالَ مَا نَصُّهُ قَوْلُهُ وَالشَّرِكَةُ بِأَنْ قَالَ شَارَكْتُك عَلَى أَنْ تُهْدِيَنِي كَذَا، وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ مَا فِي شَرِكَةِ الْبَزَّازِيَّةِ لَوْ شَرَطَا الْعَمَلَ عَلَى أَكْثَرِهِمَا مَالًا وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لَمْ يَجُزْ الشَّرْطُ وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا اهـ. وَقَدْ وَقَعَتْ حَادِثَةٌ تَوَهَّمَ بَعْضُ حَنَفِيَّةِ الْعَصْرِ أَنَّهَا مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ هِيَ تَفَاضُلُهُمَا فِي الْمَالِ، وَشَرَطَا الرِّبْحَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، ثُمَّ تَبَرَّعَ أَفْضَلُهُمَا مَالًا بِالْعَمَلِ، وَأَجَبْت بِأَنَّ الشَّرْطَ صَحِيحُ اشْتِرَاطِ الْعَمَلِ عَلَى أَكْثَرِهِمَا مَالًا وَالتَّبَرُّعُ لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ الشَّرْطِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 189 الْآخَرِ وَهُوَ يُنْكِرُ وَالْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ هَذَا إذَا أَدَّى مِنْ مَالِهِ مَعَ بَقَاءِ مَالٍ مِنْ الشَّرِكَةِ، وَلِذَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ مَالٌ نَاضٌّ وَصَارَ مَالُ الشَّرِكَةِ أَعْيَانًا أَوْ مُتْعَةً فَاشْتَرَى بِدَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ نَسِيئَةً فَالشِّرَاءُ لَهُ خَاصَّةً دُونَ شَرِيكِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ عَلَى الشَّرِكَةِ صَارَ مُسْتَدِينًا عَلَى مَالِ الشَّرِكَةِ وَأَحَدُ شَرِيكَيْ الْعَنَانِ لَا يَمْلِكُ الِاسْتِدَانَةَ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي ذَلِكَ، وَعَنْ الْإِمَامِ إذَا كَانَ فِي يَدِهِ دَنَانِيرُ فَاشْتَرَى بِدَرَاهِمَ جَازَ، وَلَوْ اشْتَرَى مِنْ جِنْسِ تِجَارَتِهِمَا وَأَشْهَدَ عِنْدَ الشِّرَاءِ أَنَّهُ يَشْتَرِيهِ لِنَفْسِهِ فَهُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ فِي النِّصْفِ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ بِشِرَاءِ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ، وَلَوْ اشْتَرَى مَا لَيْسَ مِنْ تِجَارَتِهِمَا فَهُوَ لَهُ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ هَذَا النَّوْعَ مِنْ التِّجَارَةِ لَمْ يَنْطَوِ عَلَيْهِ عَقْدُ الشَّرِكَةِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَتَبْطُلُ بِهَلَاكِ الْمَالَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا قَبْلَ الشِّرَاءِ) لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِي عَقْدِ الشَّرِكَةِ الْمَالُ فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ فِيهِ كَمَا فِي الْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَبِهَلَاكِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ يَبْطُلُ الْعَقْدُ كَمَا فِي الْبَيْعِ بِخِلَافِ الْمُضَارَبَةِ وَالْوَكَالَةِ الْمُفْرَدَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ الثَّمَنَانِ فِيهِمَا بِالتَّعْيِينِ وَإِنَّمَا يَتَعَيَّنَانِ بِالْقَبْضِ عَلَى مَا عُرِفَ، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا هَلَكَ الْمَالَانِ، وَكَذَا إذَا هَلَكَ أَحَدُهُمَا؛ لِأَنَّهُ مَا رَضِيَ بِشَرِكَةِ صَاحِبِهِ فِي مَالِهِ إلَّا بِشَرِكَتِهِ فِي مَالِهِ، وَإِذَا فَاتَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ رَاضِيًا بِشَرِكَتِهِ فَبَطَلَ الْعَقْدُ لِعَدَمِ فَائِدَتِهِ وَأَيُّهُمَا هَلَكَ هَلَكَ مِنْ مَالِ صَاحِبِهِ إنْ هَلَكَ فِي يَدِهِ فَظَاهِرٌ، وَكَذَا إذَا كَانَ فِي يَدِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْخَلْطِ حَيْثُ يَهْلِكُ عَلَى الشَّرِكَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَيَّزُ فَيُجْعَلُ الْهَلَاكُ مِنْ الْمَالَيْنِ. [اشْتَرَى أَحَدُهُمَا بِمَالِهِ وَهَلَكَ مَالُ الْآخَرِ فِي شَرِكَة الْعَنَان] (قَوْلُهُ وَإِنْ اشْتَرَى أَحَدُهُمَا بِمَالِهِ وَهَلَكَ مَالُ الْآخَرِ فَالْمُشْتَرَى بَيْنَهُمَا) يَعْنِي عَلَى مَا شَرَطَا؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ حِينَ وَقَعَ وَقَعَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا لِقِيَامِ الشَّرِكَةِ وَقْتَ الشِّرَاءِ فَلَا يَتَغَيَّرُ الْحُكْمُ بِهَلَاكِ مَالِ الْآخَرِ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ عَلَى مَا شَرَطَا لِلِاخْتِلَافِ فِي هَذِهِ الشَّرِكَةِ فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ هِيَ شَرِكَةُ عَقْدٍ فَيَكُونُ الرِّبْحُ عَلَى مَا شَرَطَا وَأَيُّهُمَا بَاعَ جَازَ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ قَدْ تَمَّتْ فِي الْمُشْتَرَى فَلَا تُنْقَضُ بِهَلَاكِ الْمَالِ بَعْدَ تَمَامِهَا، وَعِنْدَ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ هِيَ شَرِكَةُ مِلْكٍ؛ لِأَنَّ شَرِكَةَ الْعَقْدِ قَدْ بَطَلَتْ بِهَلَاكِ الْمَالِ كَمَا لَوْ هَلَكَ قَبْلَ الشِّرَاءِ وَإِنَّمَا بَقِيَ مَا هُوَ حُكْمُ الشِّرَاءِ وَهُوَ الْمِلْكُ وَاعْلَمْ أَنَّ الْوَاوَ فِي قَوْلِهِ وَهَلَكَ بِمَعْنَى ثُمَّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ هَلَكَ مَالُ أَحَدِهِمَا، ثُمَّ اشْتَرَى الْآخَرُ بِالْمَالِ الْآخَرِ إنْ صَرَّحَا بِالْوَكَالَةِ فِي عَقْدِ الشَّرِكَةِ فَالْمُشْتَرَى مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ إنْ بَطَلَتْ وَالْوَكَالَةُ الْمُصَرَّحُ بِهَا قَائِمَةٌ وَكَانَ مُشْتَرَكًا بِحُكْمِ الْوَكَالَةِ وَتَكُونُ شَرِكَةَ مِلْكٍ وَيَرْجِعُ عَلَى شَرِيكِهِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَإِنْ ذَكَرَا مُجَرَّدَ الشَّرِكَةِ وَلَمْ يَنُصَّا عَلَى الْوَكَالَةِ فِيهَا كَانَ الْمُشْتَرَى لِلَّذِي اشْتَرَاهُ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ الْوُقُوعَ عَلَى الشَّرِكَةِ حُكْمُ الْوَكَالَةِ الَّتِي تَضَمَّنَتْهَا الشَّرِكَةُ فَإِذَا بَطَلَتْ يَبْطُلُ مَا فِي ضِمْنِهَا بِخِلَافِ مَا إذَا صَرَّحَا بِالْوَكَالَةِ؛ لِأَنَّهَا مَقْصُودَةٌ وَلِهَذَا جَمَعَ فِي الْمَبْسُوطِ بَيْنَ التَّنَاقُضِ الْوَاقِعِ فِي جَوَابِ الْمَسْأَلَةِ حَيْثُ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ فَاشْتَرَى بِالْمَالِ الْبَاقِي بَعْدَ ذَلِكَ يَكُونُ لِصَاحِبِهَا وَفِي بَعْضِهَا إذَا اشْتَرَى الْآخَرُ بِمَالِهِ بَعْدَ ذَلِكَ يَكُونُ بَيْنَهُمَا فَجَعَلَ مَحْمَلَ الْأَوَّلِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الشَّرِكَةِ وَكَالَةٌ مُصَرَّحٌ بِهَا وَمَحْمَلَ الثَّانِي إذَا صَرَّحَ بِهَا عَلَى مَا ذُكِرَ. (قَوْلُهُ: وَرَجَعَ عَلَى شَرِيكِهِ بِحِصَّتِهِ   [منحة الخالق] وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا فِي بُيُوعِ الذَّخِيرَةِ اشْتَرَى حَطَبًا فِي قَرْيَةٍ شِرَاءً صَحِيحًا وَقَالَ مَوْصُولًا بِالشِّرَاءِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ فِي الشِّرَاءِ أَحْمِلُهُ إلَى مَنْزِلِي لَا يَفْسُدُ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الْبَيْعِ، بَلْ هُوَ كَلَامٌ مُبْتَدَأٌ بَعْدَ تَمَامِ الْبَيْعِ فَلَا يُوجِبُ فَسَادَهُ اهـ. إلَى هُنَا كَلَامُ الْمُؤَلِّفِ صَاحِبِ الْبَحْرِ وَهُوَ صَرِيحٌ فِيمَا قُلْنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ: وَأَحَدُ شَرِيكَيْ الْعَنَانِ لَا يَمْلِكُ الِاسْتِدَانَةَ إلَخْ) أَقُولُ: وَفِي الْخَانِيَّةِ وَإِذَا اشْتَرَكَا شَرِكَةَ عَنَانٍ فَاشْتَرَى أَحَدُهُمَا مَتَاعًا فَقَالَ الشَّرِيكُ الْآخَرُ هُوَ مِنْ شَرِكَتِنَا وَقَالَ الْمُشْتَرِي هُوَ لِي خَاصَّةً اشْتَرَيْته بِمَالِي لِنَفْسِي قَبْلَ الشَّرِكَةِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ يَعْمَلُ لِنَفْسِهِ فِيمَا اشْتَرَى فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ بِاَللَّهِ تَعَالَى مَا هُوَ مِنْ شَرِكَتِهِمَا. اهـ. أَقُولُ: وَقَدْ وَقَعَتْ حَادِثَةُ الْفَتْوَى اشْتَرَى أَحَدُهُمَا مَتَاعًا وَقَالَ هُوَ لِلشَّرِكَةِ وَقَدْ دَفَعْت ثَمَنَهُ مِنْ مَالِي لِأَرْجِعَ عَلَيْك بِحِصَّتِك مِنْ الثَّمَنِ فَقَالَ الْآخَرُ دَفَعْت ثَمَنَهُ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ وَلَا رُجُوعَ لَك عَلَيَّ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُشْتَرِي لِمَا ذَكَرَ قَاضِي خَانْ أَنَّهُ حُرٌّ إلَخْ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا صَدَّقَهُ فِي الشِّرَاءِ ثَبَتَ الشِّرَاءُ لِلشَّرِكَةِ وَبِهِ يَثْبُتُ نِصْفُ الثَّمَنِ بِذِمَّتِهِ، وَقَوْلُهُ دَفَعْت مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ دَعْوَى وَفَائِهِ فَلَا يُقْبَلُ بِلَا بَيِّنَةٍ وَلِذَلِكَ قَالُوا فَإِنْ كَانَ شِرَاؤُهُ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِقَوْلِهِ فَعَلَيْهِ الْحُجَّةُ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي وُجُوبَ الْمَالِ فِي ذِمَّةِ الْآخَرِ وَهُوَ يُنْكِرُ وَهُنَا لَيْسَ مُنْكِرًا، بَلْ مُقِرٌّ بِالشِّرَاءِ الْمُوجِبِ لِتَعَلُّقِ الثَّمَنِ بِذِمَّتِهِ، وَإِذَا طَلَبَ الْيَمِينَ أَنَّهُ مَا دَفَعَهُ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ فَلَهُ ذَلِكَ تَأَمَّلْ رَمْلِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ اشْتَرَى مِنْ جِنْسِ تِجَارَتِهِمَا وَأَشْهَدَ إلَخْ) أَقُولُ: فِي فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ مَا نَصُّهُ إذَا اشْتَرَى أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ عَيْنًا وَنَقَدَ الثَّمَنَ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ، ثُمَّ ادَّعَى مُشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ خَاصَّةً فَهَلْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ أَوْ لَا؟ أَجَابَ إنْ كَانَتْ شَرِكَةَ عَنَانٍ وَلَهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 190 مِنْهُ) أَيْ مِنْ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ فِي حِصَّةِ شَرِيكِهِ، وَقَدْ قَضَى الثَّمَنَ مِنْ مَالِهِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِحِسَابِهِ لِعَدَمِ الرِّضَا بِدُونِ ضَمَانِهِ وَفِي الْمُحِيطِ لِأَحَدِهِمَا مِائَةُ دِينَارٍ قِيمَتُهَا أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ وَلِلْآخَرِ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَاشْتَرَكَا عَنَانًا وَشَرَطَا الرِّبْحَ وَالْوَضِيعَةَ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ فَاشْتَرَى صَاحِبُ الدَّرَاهِمِ جَارِيَةً، ثُمَّ هَلَكَتْ الدَّنَانِيرُ فَالْجَارِيَةُ بَيْنَهُمَا وَرِبْحُهَا أَخْمَاسًا ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِهِ لِصَاحِبِ الدَّنَانِيرِ وَخُمُسَانِ لِصَاحِبِ الدَّرَاهِمِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ حَالَ شِرَائِهَا كَانَتْ الشَّرِكَةُ قَائِمَةً وَبِهَلَاكِ أَحَدِ الْمَالَيْنِ لَا تُنْتَقَضُ الشَّرِكَةُ وَالرِّبْحُ يُقْسَمُ عَلَى قَدْرِ مَالَيْهِمَا يَوْمَ الشِّرَاءِ وَمِقْدَارُ رَأْسِ مَالَيْهِمَا يَوْمَ الشِّرَاءِ عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ خُمُسَانِ لِأَحَدِهِمَا وَثَلَاثَةُ أَخْمَاسِهِ لِلْآخَرِ وَيَرْجِعُ صَاحِبُ الدَّرَاهِمِ عَلَى الْآخَرِ بِثَلَاثَةِ أَخْمَاسِ الْأَلْفِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ وَكِيلًا عَنْ صَاحِبِهِ بِالشِّرَاءِ فِي ثَلَاثَةِ أَخْمَاسِ الْجَارِيَةِ، وَقَدْ نَقَدَ ثَمَنَ ذَلِكَ مِنْ مَالِهِ، وَلَوْ كَانَ عَلَى عَكْسِهِ رَجَعَ صَاحِبُ الدَّنَانِيرِ عَلَيْهِ بِخُمُسَيْ الثَّمَنِ أَرْبَعُونَ دِينَارًا لِمَا عُرِفَ فَإِنْ اشْتَرَى صَاحِبُ الدَّنَانِيرِ بِهَا غُلَامًا وَالْآخَرُ بِأَلْفِهِ جَارِيَةً وَقَبَضَا وَهَلَكَا يَهْلِكَانِ مِنْ مَالِهِمَا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ حِينَمَا اشْتَرَى كَانَتْ الشَّرِكَةُ بَيْنَهُمَا قَائِمَةً وَتَمَامُهُ فِيهِ. (قَوْلُهُ وَتَفْسُدُ إنْ شَرَطَ لِأَحَدِهِمَا دَرَاهِمَ مُسَمَّاةً مِنْ الرِّبْحِ) ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ يُوجِبُ انْقِطَاعَ حَقِّ الشَّرِكَةِ فَعَسَاهُ لَا يُخْرِجُ إلَّا الْقَدْرَ الْمُسَمَّى لِأَحَدِهِمَا وَنَظِيرُهُ فِي الْمُزَارَعَةِ إذَا اشْتَرَطَ لِأَحَدِهِمَا قُفْزَانًا مُسَمَّاةً وَفِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ تَفَاوَتَا فِي الْمَالِ فِي شَرِكَةِ الْعِنَانِ وَشَرَطَا الرِّبْحَ وَالْوَضِيعَةَ نِصْفَيْنِ، قَالَ فِي الْكِتَابِ الشَّرِكَةُ فَاسِدَةٌ قَالُوا لَمْ يُرِدْ مُحَمَّدٌ بِهَذَا فَسَادَ الْعَقْدِ وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ فَسَادَ شَرْطِ الْوَضِيعَةِ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ، وَكَذَا لَوْ شَرَطَا الْوَضِيعَةَ عَلَى الْمُضَارِبِ كَانَ فَاسِدًا. اهـ. وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الَّذِي يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ إنَّمَا هُوَ الشَّرْطُ لَا الشَّرِكَةُ قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى وَذَكَرَ خواهر زاده فِي أَوَّلِ الْمُضَارَبَةِ الشَّرِكَاتُ لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ؛ لِأَنَّ فِيهَا مَعْنَى الْوَكَالَةِ وَالْوَكَالَاتُ لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ، وَإِذَا شَرَطَ فِي الْمُضَارَبَةِ رِبْحَ عَشَرَةٍ أَوْ فِي الشَّرِكَةِ تَبْطُلُ لَا؛ لِأَنَّهُ فَاسِدٌ بَلْ لِأَنَّهُ شَرْطٌ تَنْتَفِي بِهِ الشَّرِكَةُ وَعَسَى أَنْ يَجْرِيَ عَلَى إطْلَاقِهِ مِنْ أَنَّ الشَّرِكَاتِ وَالْمُضَارَبَاتِ لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ. اهـ. [لِكُلِّ مِنْ شَرِيكَيْ الْعَنَانِ وَالْمُفَاوَضَةِ أَنْ يُبْضِعَ وَيَسْتَأْجِرَ] (قَوْلُهُ: وَلِكُلٍّ مِنْ شَرِيكَيْ الْعِنَانِ وَالْمُفَاوَضَةِ أَنْ يُبْضِعَ وَيَسْتَأْجِرَ وَيُودِعَ وَيُضَارِبَ وَيُوَكِّلَ) بَيَانٌ لِمَا لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَنْ يَفْعَلَهُ أَمَّا الْبِضَاعَةُ فَلِأَنَّهَا مُعْتَادَةٌ فِي عَقْدِ الشَّرِكَةِ وَفِي الْقَامُوسِ الْبَاضِعُ الشَّرِيكُ وَالْجَمْعُ بَضْعٌ مِنْ بَضَعَ كَمَنَعَ بُضُوعًا اهـ. وَالْمُرَادُ هُنَا دَفْعُ الْمَالِ لِآخَرَ لِيَعْمَلَ فِيهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الرِّبْحُ لِرَبِّ الْمَالِ وَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ، وَأَمَّا الِاسْتِئْجَارُ فَلِكَوْنِهِ مُعْتَادًا بَيْنَ التُّجَّارِ وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَتَّجِرَ لَهُ أَوْ لِيَحْفَظَ الْمَالَ، وَأَمَّا الْإِيدَاعُ فَجَوَازُهُ بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ اسْتِحْفَاظٌ بِغَيْرِ أَجْرٍ، وَأَمَّا الْمُضَارَبَةُ فَلِكَوْنِهَا دُونَ الشَّرِكَةِ فَتَتَضَمَّنَهَا، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ نَوْعُ شَرِكَةٍ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَهُوَ رِوَايَةُ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ تَحْصِيلُ الرِّبْحِ كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَهُ بِأَجْرٍ، بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ تَحْصِيلٌ بِدُونِ ضَمَانٍ فِي ذِمَّتِهِ بِخِلَافِ الشَّرِكَةِ حَيْثُ لَا يَمْلِكُهَا؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَسْتَتْبِعُ مِثْلَهُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ لِلشَّرِيكِ أَنْ يُشَارِكَ بِخِلَافِ الْمُضَارَبَةِ وَلِذَا قَالَ وَيُضَارِبُ وَلَمْ يَقُلْ وَيُشَارِكُ قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ إلَّا بِإِذْنِ شَرِيكِهِ، وَأَمَّا التَّوْكِيلُ فَلِأَنَّهُ مِنْ تَوَابِعِ التِّجَارَةِ، وَالشَّرِكَةُ انْعَقَدَتْ لِلتِّجَارَةِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ حَيْثُ لَا يَمْلِكُ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ خَاصٌّ طَلَبَ مِنْهُ تَحْصِيلَ الْمُعَيَّنِ فَلَا يَسْتَتْبِعُ مِثْلَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ بَقِيَّةَ أَحْكَامِ الشَّرِيكِ وَهِيَ مُهِمَّةٌ فَمِنْهَا الْعَارِيَّةُ، قَالَ الْحَاكِمُ فِي الْكَافِي لَيْسَ لَهُ أَنْ يُعِيرَ فِي الْقِيَاسِ فَإِنْ فَعَلَ فَإِنْ أَعَارَ دَابَّةً فَعَطِبَتْ تَحْتَ الْمُسْتَعِيرِ فَالْقِيَاسُ فِيهِ أَنَّ الْمُعِيرَ ضَامِنٌ لِنِصْفِ قِيمَةِ الدَّابَّةِ لِشَرِيكِهِ وَلَكِنِّي أَسْتَحْسِنُ أَنْ لَا أُضَمِّنَهُ، وَهَذَا قِيَاسُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَعَارَ ثَوْبًا   [منحة الخالق] بَيِّنَةٌ تَشْهَدُ أَنَّهُ عِنْدَ الْعَقْدِ صَرَّحَ بِالشِّرَاءِ لِنَفْسِهِ خُصُوصًا فَالْمُشْتَرَى لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ فَإِنْ نَقَدَ مِنْ مَالِ شَرِيكِهِ فَالْمُشْتَرَى عَلَى الشَّرِكَةِ. اهـ. فَتَأَمَّلْ وَرَأَيْت بِخَطِّ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ قَارِئُ الْهِدَايَةِ لَمْ يَسْتَنِدْ فِيهِ إلَى نَقْلٍ فَلَا يُعَارِضُ مَا فِي الْمُحِيطِ. اهـ. وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِحَمْلِ مَا فِي فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ جِنْسِ تِجَارَتِهِمَا فَيَحْصُلُ التَّوْفِيقُ تَأَمَّلْ [مَا تَبْطُلُ بِهِ شَرِكَة الْعَنَان] (قَوْلُهُ: وَبِهَذَا اعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ لِلشَّرِيكِ أَنْ يُشَارِكَ) لَيْسَ هَذَا عَلَى إطْلَاقِهِ كَمَا سَيُنَبِّهُ عَلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ بَعْدَ وَرَقَةٍ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 191 أَوْ دَارًا أَوْ خَادِمًا. اهـ. وَمِنْهَا الرَّهْنُ فَإِنْ كَانَ شَرِيكَ عَنَانٍ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ إذَا رَهَنَ أَحَدُ شَرِيكَيْ الْعِنَانِ مَتَاعًا مِنْ الشَّرِكَةِ بِدَيْنٍ عَلَيْهِمَا لَمْ يَجُزْ وَكَانَ ضَامِنًا لِلرَّهْنِ، وَلَوْ ارْتَهَنَ بِدَيْنٍ لَهُمَا أَدَانَاهُ وَقَبَضَ لَمْ يَجُزْ عَلَى شَرِيكِهِ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ لَمْ يُسَلِّطْهُ أَنْ يَرْتَهِنَ فَإِنْ هَلَكَ الرَّهْنُ وَقِيمَتُهُ وَالدَّيْنُ سَوَاءٌ ذَهَبَ بِحِصَّتِهِ وَيَرْجِعُ شَرِيكُهُ بِحِصَّتِهِ عَلَى الْمَطْلُوبِ وَيَرْجِعُ الْمَطْلُوبُ بِنِصْفِ قِيمَةِ الرَّهْنِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَإِنْ شَاءَ شَرِيكُ الْمُرْتَهِنِ ضَمِنَ شَرِيكُهُ حِصَّتَهُ مِنْ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ هَلَاكَ الرَّهْنِ فِي يَدِهِ بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِيفَاءِ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ وَيَجُوزُ لِأَحَدِ الْمُتَفَاوِضَيْنِ أَنْ يَرْهَنَ وَيَرْتَهِنَ عَلَى شَرِيكِهِ، كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَفِي الْمُحِيطِ لَا يَرْهَنُ أَحَدُهُمَا شَيْئًا مِنْ الشَّرِكَةِ بِدَيْنٍ عَلَيْهِ إلَّا بِإِذْنِ شَرِيكِهِ، وَكَذَا لَا يَرْتَهِنُ رَهْنًا بِدَيْنٍ مِنْ الشَّرِكَةِ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ إلَّا إذَا وَلِيَ عَقْدَهُ أَوْ يَأْمُرُ مَنْ يُوَلِّيهِ اهـ. وَفِي الْخَانِيَّةِ وَلِمَنْ وَلِيَ الْمُبَايَعَةَ أَنْ يَرْهَنَ بِالثَّمَنِ وَمِنْهَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُكَاتِبَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ عَادَةِ التُّجَّارِ، كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ، وَكَذَا لَيْسَ لَهُ تَزْوِيجُ الْأَمَةِ وَقَضَاءُ الدَّيْنِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَمِنْهَا إذَا أَخَذَ أَحَدُهُمَا مَالًا مُضَارَبَةً فَالرِّبْحُ لَهُ خَاصَّةً أَطْلَقَ الْجَوَابَ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ عَلَى التَّفْصِيلِ إنْ أَخَذَ مَالًا مُضَارَبَةً لِيَتَصَرَّفَ فِيمَا لَيْسَ مِنْ تِجَارَتِهِمَا فَالرِّبْحُ لَهُ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ عَقْدِ الشَّرِكَةِ، وَكَذَلِكَ إنْ أَخَذَ الْمَالَ مُضَارَبَةً بِحَضْرَةِ صَاحِبِهِ لِيَتَصَرَّفَ فِيمَا هُوَ مِنْ تِجَارَتِهِمَا، وَأَمَّا إذَا أَخَذَ الْمَالَ مُضَارَبَةً لِيَتَصَرَّفَ فِيمَا كَانَ مِنْ تِجَارَتِهِمَا أَوْ مُطْلَقًا حَالَ غَيْبَةِ شَرِيكِهِ يَكُونُ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا مُشْتَرَكًا نِصْفُهُ لِشَرِيكِهِ وَنِصْفُهُ بَيْنَ الْمُضَارِبِ وَرَبِّ الْمَالِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ فَقَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ يُضَارِبُ مَعْنَاهُ يَدْفَعُ الْمَالَ مُضَارَبَةً. وَأَمَّا أَخْذُهُ الْمَالَ مُضَارَبَةً فَفِيهِ التَّفْصِيلُ كَمَا عَلِمْت وَمِنْهَا تَأْجِيلُ أَحَدِهِمَا الدَّيْنَ قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَإِنْ كَانَ لَهُمَا دَيْنٌ عَلَى آخَرَ فَأَجَّلَهُ أَحَدُهُمَا فَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ إنْ أَجَّلَهُ الْعَاقِدُ جَازَ فِي النَّصِيبَيْنِ وَلَا يَضْمَنُ نَصِيبَ شَرِيكِهِ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ فِي نَصِيبِهِ وَلَا يَجُوزُ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ وَأَصْلُهُ الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ إذَا أَبْرَأَ عَنْ الثَّمَنِ أَوْ حَطَّ أَوْ أَجَّلَهُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ إلَّا أَنَّ هُنَاكَ يَضْمَنُ مِنْ مَالِهِ لِمُوَكِّلِهِ عِنْدَهُمَا وَهُنَا لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الْعَاقِدَ هُنَا لَوْ أَقَالَ الْعَقْدَ، ثُمَّ بَاعَهُ بِنَفْسِهِ جَازَ، فَلَمَّا مَلَكَ إنْشَاءَ الْبَيْعِ بِثَمَنٍ إلَى أَجَلٍ فَلَأَنْ يَمْلِكَ التَّأْجِيلَ فِيهِ أَوْلَى، وَلَوْ أَجَّلَ غَيْرُ الْعَاقِدِ أَوْ عَقَدَا جَمِيعًا فَأَجَّلَهُ أَحَدُهُمَا لَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ فِي نَصِيبِهِ وَمِنْهَا أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْإِقْرَاضَ، وَلَوْ مُفَاوِضًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهُ إعَادَةٌ حُكْمًا وَعُرْفًا فَهِيَ تَبَرُّعٌ فَلَا يَمْلِكُهُ أَحَدُهُمَا، كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْعَارِيَّةَ مَمْنُوعَةٌ قِيَاسًا جَائِزَةٌ اسْتِحْسَانًا وَهُوَ يَقْتَضِي جَوَازَ الْإِقْرَاضِ؛ لِأَنَّهُ إمَّا عَارِيَّةٌ وَإِمَّا مُعَاوَضَةٌ وَكُلٌّ مِنْهُمَا يَمْلِكُهُ أَحَدُهُمَا فَلِذَا رَوَى الْحَسَنُ أَنَّهُ يَمْلِكُ الْإِقْرَاضَ وَمِنْهَا أَنَّهُ يَمْلِكُ السَّفَرَ بِالْمَالِ هُوَ وَالْمُسْتَبْضِعُ وَالْمُضَارِبُ وَالْمُودِعُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ سَوَاءٌ كَانَ لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ مَا يَلْحَقُهُ مِنْ الْمُؤْنَةِ فَهُوَ مُلْحَقٌ بِرَأْسِ الْمَالِ وَلَا يَعُدُّهُ التُّجَّارُ مِنْ بَابِ الْغَرَامَةِ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُفَاوِضِ مَا لَا يَجُوزُ لِشَرِيكِ الْعَنَانِ فَيَجُوزُ لَهُ كِتَابَةُ الْعَبْدِ وَالْإِذْنُ بِالتِّجَارَةِ وَتَزْوِيجُ الْأَمَةِ دُونَ شَرِيكِ الْعَنَانِ وَلَا يَجُوزُ لِلْكُلِّ تَزْوِيجُ الْعَبْدِ وَلَا الْإِعْتَاقُ عَلَى الْمَالِ وَقَبُولُ هَدِيَّةِ الْمُفَاوِضِ وَأَكْلُ طَعَامِهِ وَالِاسْتِعَارَةُ مِنْهُ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ جَائِزٌ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْآكِلِ وَالْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ اسْتِحْسَانًا، وَلَوْ كُسِيَ ثَوْبًا أَوْ وُهِبَهُ لَمْ يَجُزْ فِي حِصَّةِ شَرِيكِهِ. وَإِنَّمَا يَجُوزُ فِي الْفَاكِهَةِ وَالْخُبْزِ وَاللَّحْمِ وَأَشْبَاهِهِ، وَلَوْ وَكَّلَ الْمُفَاوِضُ رَجُلًا بِشِرَاءِ شَيْءٍ فَنَهَاهُ الْآخَرُ صَحَّ نَهْيُهُ وَإِنْ لَمْ يَنْهَهُ حَتَّى اشْتَرَى يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ عَلَى أَيِّهِمَا شَاءَ وَلِغَيْرِ الْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّ الْمَبِيعَ بِالْعَيْبِ، وَلَوْ شَارَكَ أَحَدُهُمَا آخَرَ عَنَانًا جَازَ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ شَرِكَةَ الْعَنَانِ أَخَصُّ وَأَدْوَنُ مِنْ الْمُفَاوَضَةِ وَإِنْ شَارَكَ مُفَاوَضَةً جَازَ بِإِذْنِ شَرِيكِهِ وَبِدُونِ إذْنِهِ تَنْعَقِدُ عَنَانًا. كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَبِهِ تَبَيَّنَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَقَبُولُ هَدِيَّةِ الْمُفَاوِضِ) يَنْبَغِي تَقْيِيدُ الْهَدِيَّةِ بِالْمَأْكُولِ لَيْلًا، ثُمَّ قَوْلُهُ: وَلَوْ كُسِيَ ثَوْبًا أَوْ وُهِبَهُ لَمْ يَجُزْ، وَأَمَّا تَقْيِيدُهُ بِالْمُفَاوِضِ فَاتِّفَاقِيٌّ، وَلَوْ أَبْدَلَهُ بِالشَّرِيكِ لَكَانَ أَوْلَى قَالَهُ أَبُو السُّعُودِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 192 أَنَّ قَوْلَهُمْ كَمَا كَتَبْنَاهُ أَوَّلًا أَنَّ الشَّرِيكَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُشَارِكَ عَلَى إطْلَاقِهِ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ لِكُلٍّ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يَبِيعَ بِالنَّقْدِ وَالنَّسِيئَةِ وَإِنْ اشْتَرَى إنْ كَانَ فِي يَدِهِ مَالُ الشَّرِكَةِ فَهُوَ عَلَى الشَّرِكَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَإِنْ اشْتَرَى بِدَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ فَالشِّرَاءُ لَهُ خَاصَّةً دُونَ شَرِيكِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ صَارَ عَلَى الشَّرِكَةِ يَصِيرُ مُسْتَدِينًا وَأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ وَإِنْ قَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ بِعْ جَازَتْ، وَإِنْ بَاعَ أَحَدُهُمَا مَتَاعًا وَرُدَّ عَلَيْهِ فَقَبِلَهُ جَازَ، وَلَوْ بِلَا قَضَاءٍ، وَكَذَا لَوْ حَطَّ أَوْ أَخَّرَ مِنْ عَيْبٍ وَإِنْ بِلَا عَيْبٍ جَازَ فِي حِصَّتِهِ، وَكَذَا لَوْ وَهَبَ، وَلَوْ أَقَرَّ بِعَيْبٍ فِي مَتَاعٍ بَاعَهُ جَازَ عَلَيْهِمَا. وَلَوْ قَالَ كُلٌّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ اعْمَلْ بِرَأْيِك فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا أَنْ يَعْمَلَ مَا يَقَعُ فِي التِّجَارَةِ كَالرَّهْنِ وَالِارْتِهَانِ وَالسَّفَرِ وَالْخَلْطِ بِمَالِهِ وَالشَّرِكَةِ بِالْغَيْرِ لَا الْهِبَةِ وَالْقَرْضِ وَمَا كَانَ إتْلَافًا لِلْمَالِ أَوْ تَمْلِيكًا بِغَيْرِ عِوَضٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ وَإِنْ قَالَ لَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِك مَا لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ نَصًّا وَإِنْ أَذِنَ كُلٌّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ بِالِاسْتِقْرَاضِ لَا يَرْجِعُ الْمُقْرِضُ عَلَى الْآخَرِ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِهِ لَا يَصِحُّ، وَلَوْ بَاعَ أَحَدُهُمَا لَمْ يَكُنْ لِلْآخَرِ قَبْضُ الثَّمَنِ. وَكَذَا دَيْنٌ وَلِيَهُ أَحَدُهُمَا وَلِلْمَدْيُونِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ الدَّفْعِ إلَيْهِ وَإِنْ دَفَعَ إلَى الشَّرِيكِ بَرِئَ مِنْ نَصِيبِهِ وَلَمْ يَبْرَأْ مِنْ حِصَّةِ الدَّائِنِ اسْتِحْسَانًا، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَبْرَأَ مِنْ حِصَّةِ الْقَابِضِ أَيْضًا. اهـ. ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ بَيْعُ الْمُفَاوِضِ مِمَّنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ يَنْفُذُ عَلَى الْمُفَاوَضَةِ إجْمَاعًا أَمَّا الْإِقْرَارُ بِالدَّيْنِ لَا يَنْفُذُ، وَفِي الْخَانِيَّةِ لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يُخَاصِمَ فِيمَا بَاعَ صَاحِبُهُ وَقَبَضَ الَّذِي بَاعَ وَتَوْكِيلُهُ جَائِزٌ عَلَيْهِ وَعَلَى شَرِيكِهِ، وَلَوْ وَكَّلَ أَحَدُهُمَا رَجُلًا فِي بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ وَأَخْرَجَهُ الْآخَرُ عَنْ الْوَكَالَةِ صَارَ خَارِجًا عَنْهَا فَإِنْ وَكَّلَ الْبَائِعُ رَجُلًا بِتَقَاضِي ثَمَنِ مَا بَاعَ لَيْسَ لِلْآخَرِ أَنْ يُخْرِجَهُ عَنْ الْوَكَالَةِ، وَلَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ اُخْرُجْ إلَى نَيْسَابُورَ وَلَا تُجَاوِزْ فَجَاوَزَ فَهَلَكَ الْمَالُ ضَمِنَ حِصَّةَ الشَّرِيكِ، وَلَوْ شَارَكَ أَحَدُهُمَا رَجُلًا شَرِكَةَ عَنَانٍ فَمَا اشْتَرَى الشَّرِيكُ الثَّالِثُ كَانَ النِّصْفُ لِلْمُشْتَرِي وَالنِّصْفُ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ وَمَا اشْتَرَاهُ الشَّرِيكُ الَّذِي لَمْ يُشَارِكْ فَهُوَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ شَرِيكِهِ نِصْفَيْنِ وَلَا شَيْءَ مِنْهُ لِلشَّرِيكِ الثَّالِثِ، وَلَوْ اسْتَقْرَضَ أَحَدُ شَرِيكَيْ الْعِنَانِ مَالًا لِلتِّجَارَةِ لَزِمَهُمَا؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكُ مَالٍ بِمَالٍ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الصَّرْفِ، وَلَوْ أَقَرَّ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ أَنَّهُ اسْتَقْرَضَ مِنْ فُلَانٍ أَلْفًا مِنْ تِجَارَتِهِمَا تَلْزَمُهُ خَاصَّةً   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَوْ صَارَ عَلَى الشَّرِكَةِ يَصِيرُ فَيَضُرُّهَا وَأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ) تَقَدَّمَ قَبْلَ وَرَقَتَيْنِ عَنْ الْمُحِيطِ زِيَادَةٌ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي ذَلِكَ وَبِهِ يُشْعِرُ قَوْلُهُ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ مُشْتَرَكًا تَضَمَّنَ إيجَابَ مَالٍ زَائِدٍ عَلَى الشَّرِكَةِ وَهُوَ لَمْ يَرْضَ بِالزِّيَادَةِ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ حَطَّ أَوْ أَخَّرَ إلَخْ) أَيْ حَطَّ عَنْ الْمُشْتَرِي بَعْضَ الثَّمَنِ بِمُقَابَلَةِ الْعَيْبِ أَوْ أَخَّرَ عَنْهُ الثَّمَنَ أَيْ أَجَّلَهُ عَلَيْهِ لِلْعَيْبِ وَمَا ذَكَرَهُ هُنَا ذَكَرَ مِثْلَهُ فِي الْخُلَاصَةِ والولوالجية، وَذَكَرَ فِي الْخَانِيَّةِ فِي فَصْلِ شَرِكَةِ الْعَنَانِ، وَلَوْ بَاعَ أَحَدُهُمَا فَرُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ بِغَيْرِ قَضَاءٍ جَازَ عَلَيْهِمَا وَكَذَا لَوْ حَطَّ الثَّمَنَ أَوْ وَهَبَ بَعْضَ الثَّمَنِ. اهـ. فَيُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا كَانَ ذَلِكَ بِمُقَابَلَةِ الْعَيْبِ بِقَرِينَةِ صَدْرِ الْمَسْأَلَةِ، وَذَكَرَ فِي الْخَانِيَّةِ أَيْضًا وَلَوْ أَبْرَأَ أَحَدُهُمَا صَحَّ إبْرَاؤُهُ عَنْ نَصِيبِهِ اهـ. وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ بِمُقَابَلَةِ عَيْبٍ وَبِهِ يَحْصُلُ التَّوْفِيقُ بَيْنَ كَلَامِهِمْ تَأَمَّلْ، ثُمَّ هَذَا فِي شَرِكَةِ الْعَنَانِ أَمَّا فِي شَرِكَةِ الْمُفَاوَضَةِ فَقَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: وَلَوْ بَاعَ أَحَدُهُمَا شَيْئًا، ثُمَّ وُهِبَ الثَّمَنَ مِنْ الْمُشْتَرِي أَوْ أَبْرَأَهُ جَازَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَيَضْمَنُ نَصِيبَ صَاحِبِهِ كَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ. اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ كَمَا سَيَنْقُلُهُ الْمُؤَلِّفُ عَنْهَا. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِهِ لَا يَصِحُّ) قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ إلَّا أَنْ يَقُولَ الْوَكِيلُ لِلْمُقْرِضِ إنَّ فُلَانًا يَسْتَقْرِضُ مِنْك أَلْفَ دِرْهَمٍ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْمَالُ عَلَى الْمُوَكِّلِ لَا عَلَى الْوَكِيلِ. (قَوْلُهُ وَفِي الْخَانِيَّةِ لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا إلَخْ) ذَكَرَ فِي الْخَانِيَّةِ هَذِهِ الْمَسَائِلَ فِي فَصْلِ شَرِكَةِ الْعَنَانِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ اسْتَقْرَضَ أَحَدُ شَرِيكَيْ الْعَنَانِ مَالًا إلَخْ) لَا يُنَافِي مَا مَرَّ قَرِيبًا مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَذِنَ كُلٌّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ بِالِاسْتِقْرَاضِ لَا يَرْجِعُ الْمُقْرِضُ عَلَى الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ مَا اسْتَقْرَضَهُ أَحَدُهُمَا يَلْزَمُهَا أَنْ يَرْجِعَ الْمُقْرِضُ عَلَى الْآخَرِ نَظِيرُهُ مَا لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا طُولِبَ الْمُشْتَرِي فَقَطْ كَمَا مَرَّ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَقَرَّ إلَخْ) قَالَ فِي جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى مِنْ أَوَّلِ بَابِ الشَّرِكَةِ: تَصَرَّفَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ فِي الْبَلَدِ وَالْآخَرُ فِي السَّفَرِ فَلَمَّا أَرَادَا الْقِسْمَةَ قَالَ الَّذِي فِي يَدِهِ الْمَالُ قَدْ اسْتَقْرَضْت مِائَةَ دِينَارٍ وَآخُذُ عِوَضَهَا إنْ كَانَ الْمَالُ فِي يَدِ الْمُقِرِّ فَالْإِقْرَارُ صَحِيحٌ وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْمِائَةَ اهـ. وَبِمِثْلِهِ أَفْتَى الْعَلَّامَةُ خَيْرُ الدِّينِ وَقَالَ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْمِنَحِ مَا نَصُّهُ أَقُولُ: وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمَالُ فِي يَدِهِ وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّهُ أَمِينٌ فَقَدْ ادَّعَى أَنَّ مِائَةَ دِينَارٍ مِنْهَا حَقُّ الْغَيْرِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي دَيْنًا عَلَيْهِ فَلَا يُقْبَلُ وَأَقُولُ: لَوْ قَالَ لِي فِي هَذَا الْمَالِ الَّذِي فِي يَدِي كَذَا يُقْبَلُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ ذُو الْيَدِ وَالْقَوْلُ قَوْلُ ذِي الْيَدِ فِيمَا بِيَدِهِ أَنَّهُ لَهُ كَمَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ أَنَّهُ لِلْغَيْرِ تَأَمَّلْ وَهِيَ وَاقِعَةُ الْفَتْوَى وَبِهِ أَفْتَيْت اهـ. كَلَامُهُ. لَكِنْ يَرِدُ عَلَى مَا فِي الْجَوَاهِرِ عِبَارَةُ الْخَانِيَّةِ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِحَمْلِ مَا فِي الْخَانِيَّةِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْمَالُ فِي يَدِهِ وَمَا فِي الْجَوَاهِرِ عَلَى مَا إذَا كَانَ فِي يَدِهِ كَمَا يُسْتَفَادُ مِنْ عِبَارَةِ الْجَوَاهِرِ وَتَعْلِيلِ الشَّيْخِ خَيْرِ الدِّينِ وَالْمُطْلَقُ يُحْمَلُ عَلَى الْمُقَيَّدِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 193 اهـ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ إذَا بَاعَ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ شَيْئًا مِنْ تِجَارَتِهِمَا، ثُمَّ إنَّ الْبَائِعَ وُهِبَ الثَّمَنَ مِنْ الْمُشْتَرِي أَوْ أَبْرَأَهُ مِنْهُ جَازَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، وَلَوْ وُهِبَ غَيْرُ الْبَائِعِ جَازَ فِي حِصَّتِهِ فَقَطْ إجْمَاعًا قَوْلُهُ (: وَيَدُهُ فِي الْمَالِ أَمَانَةٌ) أَيْ الشَّرِيكِ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَ الْمَالَ بِإِذْنِ الْمَالِكِ لَا عَلَى وَجْهِ الْبَدَلِ وَالْوَثِيقَةِ فَصَارَ كَالْوَدِيعَةِ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ. وَخَرَجَ بِالْأَوَّلِ الْمَقْبُوضُ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ وَبِالثَّانِي الرَّهْنُ كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ هُنَا أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى دَفْعَ الْمَالِ إلَى شَرِيكِهِ فَالْقَوْلُ لَهُ مَعَ الْيَمِينِ سَوَاءٌ كَانَ فِي حَيَاتِهِ أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْوَلْوَالِجِيِّ فِي الْوَكَالَةِ يُفِيدُهُ فَإِنَّهُ قَالَ إذَا ادَّعَى الْأَمِينُ بَعْدَ الْمَوْتِ الدَّفْعَ فِي الْحَيَاةِ وَأَنْكَرَ الْوَارِثُ فَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ نَفْيَ الضَّمَانِ عَنْ نَفْسِهِ كَالْوَكِيلِ بِقَبْضِ الْوَدِيعَةِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ إيجَابَ الضَّمَانِ عَلَى الْمَيِّتِ كَالْوَكِيلِ بِقَبْضِ الدَّيْنِ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ بَابِ التَّحْلِيفِ، وَلَوْ ادَّعَى الْمُضَارِبُ أَوْ الشَّرِيكُ دَفْعَ الْمَالِ وَأَنْكَرَهُ رَبُّ الْمَالِ يَحْلِفُ الْمُضَارِبُ أَوْ الشَّرِيكُ الَّذِي كَانَ فِي يَدِهِ الْمَالُ. اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ إذَا تَعَدَّى صَارَ ضَامِنًا؛ لِأَنَّهُ حُكْمُ الْأَمَانَاتِ قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: التَّقْيِيدُ بِالْمَكَانِ صَحِيحٌ حَتَّى لَوْ قَالَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ لِصَاحِبِهِ اُخْرُجْ إلَى خُوَارِزْمَ وَلَا تَتَجَاوَزْ عَنْهُ صَحَّ فَلَوْ جَاوَزَ عَنْهُ ضَمِنَ حِصَّةَ شَرِيكِهِ، وَالتَّقْيِيدُ بِالنَّقْدِ صَحِيحٌ حَتَّى لَوْ قَالَ لَا تَبِعْ بِالنَّسِيئَةِ صَحَّ، وَلَوْ اشْتَرَكَا عَنَانًا عَلَى أَنْ يَبِيعَا بِالنَّقْدِ وَالنَّسِيئَةِ، ثُمَّ نَهَى أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ عَنْ الْبَيْعِ نَسِيئَةً صَحَّ. اهـ. وَقَدْ وَقَعَتْ حَادِثَتَانِ أَفْتَيْت فِيهِمَا الْأُولَى نَهَاهُ عَنْ الْبَيْعِ نَسِيئَةً فَبَاعَ فَأَفْتَيْت بِنَفَاذِهِ فِي حِصَّتِهِ وَبِتَوَقُّفِهِ فِي حِصَّةِ شَرِيكِهِ فَإِنْ أَجَازَ قُسِمَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا، الثَّانِيَةُ نَهَاهُ عَنْ الْإِخْرَاجِ فَخَرَجَ، ثُمَّ رَبِحَ فَأَجَبْت بِأَنَّهُ غَاصِبٌ حِصَّةَ شَرِيكِهِ بِالْإِخْرَاجِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ الرِّبْحُ عَلَى الشَّرْطِ وَلَمْ أَرَ فِيهِمَا إلَّا مَا قَدَّمْنَاهُ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ ذَكَرَ النَّاطِفِيُّ أَنَّ الْأَمَانَاتِ تَنْقَلِبُ مَضْمُونَةً بِالْمَوْتِ عَنْ تَجْهِيلٍ إلَّا فِي ثَلَاثٍ: أَحَدُهَا مُتَوَلِّي الْمَسْجِدِ إذَا أَخَذَ مِنْ غَلَّاتِ الْمَسْجِدِ وَمَاتَ مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ لَا يَكُونُ ضَامِنًا. وَالثَّانِيَةُ السُّلْطَانُ إذَا خَرَجَ إلَى الْغَزْوِ وَغَنِمُوا وَأَوْدَعَ بَعْضَ الْغَنِيمَةِ عِنْدَ بَعْضِ الْغَانِمِينَ وَمَاتَ وَلَمْ يُبَيِّنْ عِنْدَ مَنْ أَوْدَعَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. وَالثَّالِثَةُ الْقَاضِي إذَا أَخَذَ مَالَ الْيَتِيمِ وَأَوْدَعَ غَيْرَهُ وَمَاتَ وَلَمْ يُبَيِّنْ عِنْدَ مَنْ أَوْدَعَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَأَمَّا أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ إذَا كَانَ الْمَالُ عِنْدَهُ وَلَمْ يُبَيِّنْ حَالَ الْمَالِ الَّذِي كَانَ عِنْدَهُ ذَكَرَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ   [منحة الخالق] إذَا اتَّحَدَتْ الْحَادِثَةُ وَالْحُكْمُ كَذَا فِي الْمَجْمُوعَةِ الصَّغِيرَةِ بِخَطِّ مُلَّا عَلَيَّ التُّرْكُمَانِيِّ أَمِينِ الْفَتْوَى بِدِمَشْقَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. (قَوْلُهُ: وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ إذَا بَاعَ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ شَيْئًا إلَخْ) اُنْظُرْهُ مَعَ مَا مَرَّ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ قَوْلِهِ وَمَا كَانَ إتْلَافًا لِلْمَالِ أَوْ تَمْلِيكًا بِغَيْرِ عِوَضٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ، ثُمَّ رَاجَعْت الظَّهِيرِيَّةَ فَرَأَيْته قَالَ وَيَضْمَنُ نَصِيبَ صَاحِبِهِ بَعْدَ قَوْلِهِ جَازَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَكَذَا قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهَا. (قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْوَلْوَالِجِيِّ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ لَيْسَتْ هَذِهِ عِبَارَتُهُ وَإِنَّمَا عِبَارَتُهُ، وَلَوْ وَكَّلَ بِقَبْضِ وَدِيعَةٍ، ثُمَّ مَاتَ الْمُوَكِّلُ فَقَالَ الْوَكِيلُ قَبَضْت فِي حَيَاتِهِ وَهَلَكَ وَأَنْكَرَتْ الْوَرَثَةُ أَوْ قَالَ دَفَعْته إلَيْهِ صُدِّقَ، وَلَوْ كَانَ دَيْنًا لَمْ يُصَدَّقْ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ حَكَى أَمْرًا لَا يَمْلِكُ اسْتِئْنَافَهُ لَكِنْ مَنْ حَكَى أَمْرًا لَا يَمْلِكُ اسْتِئْنَافَهُ إنْ كَانَ فِيهِ إيجَابُ الضَّمَانِ عَلَى الْغَيْرِ لَا يُصَدَّقُ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ نَفْيُ الضَّمَانِ عَنْ نَفْسِهِ صُدِّقَ، وَالْوَكِيلُ يَقْبِضُ الْوَدِيعَةَ فِيمَا يَحْكِي بِنَفْيِ الضَّمَانِ عَنْ نَفْسِهِ فَصُدِّقَ وَالْوَكِيلُ يَقْبِضُ الدَّيْنَ فِيمَا يُحْكَى يُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَى الْمُوَكِّلِ وَهُوَ ضَمَانُ مِثْلِ الْمَقْبُوضِ فَلَا يُصَدَّقُ. اهـ. فَكَلَامُ الْوَلْوَالِجِيِّ فِي دَعْوَى الْقَبْضِ وَإِنْكَارِ الْوَرَثَةِ ذَلِكَ لَا فِي دَعْوَى الدَّفْعِ فِي الدَّفْعِ إذْ لَوْ صَدَّقَتْهُ الْوَرَثَةُ فِي الْقَبْضِ وَأَنْكَرَتْ الدَّفْعَ يُقْبَلُ قَوْلُهُ بِلَا شُبْهَةٍ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ نَقْلَ ذَلِكَ بِالْمَعْنَى فَتَصَرَّفَ فِي الْعِبَارَةِ فَأَفْسَدَهُ. (قَوْلُهُ: الثَّانِيَةُ نَهَاهُ عَنْ الْإِخْرَاجِ) فِي مُضَارَبَةِ الْجَوْهَرَةِ مَا يُؤَيِّدُهُ وَنَصُّهُ عِنْدَ قَوْلِ الْقُدُورِيِّ وَإِنْ خَصَّ لَهُ رَبُّ الْمَالِ التَّصَرُّفَ فِي بَلَدٍ بِعَيْنِهِ أَوْ فِي سِلْعَةٍ بِعَيْنِهَا لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَتَجَاوَزَ ذَلِكَ فَإِنْ خَرَجَ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ الْبَلَدِ أَوْ دَفَعَ الْمَالَ إلَى مَنْ أَخْرَجَهُ لَا يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ الْإِخْرَاجِ حَتَّى يَشْتَرِيَ بِهِ خَارِجَ الْبَلَدِ فَإِنْ هَلَكَ الْمَالُ قَبْلَ التَّصَرُّفِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَكَذَا لَوْ أَعَادَهُ إلَى الْبَلَدِ عَادَتْ الْمُضَارَبَةُ كَمَا كَانَتْ عَلَى شَرْطِهَا، وَإِنْ اشْتَرَى بِهِ قَبْلَ الْعَوْدِ صَارَ مُخَالِفًا ضَامِنًا وَيَكُونُ ذَلِكَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِ الْمَالِ فَيَكُونُ لَهُ رِبْحُهُ وَعَلَيْهِ وَضِيعَتُهُ لَا يَطِيبُ لَهُ الرِّبْحُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، وَإِنْ اشْتَرَى بِبَعْضِهِ وَأَعَادَ بَقِيَّتَهُ إلَى الْبَلَدِ ضَمِنَ قَدْرَ مَا اشْتَرَى بِهِ وَلَا يَضْمَنُ قَدْرَ مَا أَعَادَ. اهـ. وَفِيهَا أَيْضًا وَأَلْفَاظُ التَّخْصِيصِ وَالتَّقْيِيدِ أَنْ يَقُولَ خُذْ هَذَا مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ عَلَى أَنْ تَعْمَلَ بِهِ فِي الْكُوفَةِ أَوْ فَاعْمَلْ بِهِ فِي الْكُوفَةِ أَمَّا إذَا قَالَ وَاعْمَلْ بِهِ فِي الْكُوفَةِ بِالْوَاوِ لَا يَكُونُ تَقْيِيدًا إذْ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِيهَا وَفِي غَيْرِهَا؛ لِأَنَّ الْوَاوَ حَرْفُ عَطْفٍ وَمَشُورَةٍ وَلَيْسَتْ مِنْ حُرُوفِ الشَّرْطِ. (قَوْلُهُ: أَحَدُهَا مُتَوَلِّي الْمَسْجِدَ) التَّقْيِيدُ بِمُتَوَلِّي الْمَسْجِدِ أَخْرَجَ غَيْرَهُ كَمُتَوَلِّي وَقْفٍ عَلَى جَمَاعَةٍ وَقَدْ أَوْضَحَ الْمَقَامَ الْعَلَّامَةُ الْبِيرِيُّ فِي حَاشِيَةِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 194 لَا يَضْمَنُ وَأَحَالَهُ إلَى شَرِكَةِ الْأَصْلِ وَذَلِكَ غَلَطٌ، بَلْ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَضْمَنُ نَصِيبَ صَاحِبِهِ، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ مِنْ كِتَابِ الْوَقْفِ وَبِهِ تَبَيَّنَ أَنَّ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَبَعْضِ الْفَتَاوَى ضَعِيفٌ وَأَنَّ الشَّرِيكَ ضَامِنٌ بِالْمَوْتِ عَنْ تَجْهِيلٍ عَنَانًا أَوْ مُفَاوَضَةً. . قَوْلُهُ (وَتَقَبُّلٌ إنْ اشْتَرَكَ خَيَّاطَانِ أَوْ خَيَّاطٌ وَصَبَّاغٌ عَلَى أَنْ يَتَقَبَّلَا الْأَعْمَالَ وَيَكُونُ الْكَسْبُ بَيْنَهُمَا) بِالرَّفْعِ عَطْفٌ عَلَى مُفَاوَضَةٌ بَيَانٌ لِشَرِكَةِ الصَّنَائِعِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ التَّقَبُّلَ وَالْوُجُوهَ غَيْرُ الْمُفَاوَضَةِ وَالْعَنَانِ وَقَدَّمْنَا خِلَافَهُ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَشَرِكَةُ التَّقَبُّلِ وَالْوُجُوهِ قَدْ تَكُونُ مُفَاوَضَةً وَعَنَانًا فَالْعَنَانُ مَا يَكُونُ فِي تِجَارَةٍ خَاصَّةٍ، وَالْمُفَاوَضَةُ مَا تَكُونُ فِي كُلِّ التِّجَارَاتِ. اهـ. وَسَيَأْتِي بَيَانُ فَائِدَةِ كَوْنِهَا مُفَاوَضَةً وَإِنَّمَا جَازَ هَذَا النَّوْعُ مِنْ الشَّرِكَةِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ التَّحْصِيلُ وَهُوَ مُمْكِنٌ بِالتَّوْكِيلِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ وَكِيلًا فِي النِّصْفِ أَصِيلًا فِي النِّصْفِ تَحَقَّقَتْ الشَّرِكَةُ فِي الْمَالِ الْمُسْتَفَادِ وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ أَوْ خَيَّاطٌ وَصَبَّاغٌ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ اتِّحَادُ الْعَمَلِ قَالُوا وَلَا يُشْتَرَطُ أَيْضًا اتِّحَادُ الْمَكَانِ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى الْمُجَوِّزَ لَهَا وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا لَا يَتَفَاوَتُ، فَالْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ إنْ اشْتَرَكَ خَيَّاطَانِ صَانِعَانِ، وَلَوْ حُكْمًا اتَّحَدَ عَمَلُهُمَا أَوْ اخْتَلَفَ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ عَمَلًا حَلَالًا يُمْكِنُ اسْتِحْقَاقُهُ فَشَمِلَ مَا إذَا اشْتَرَكَ مُعَلِّمَانِ لِحِفْظِ الصِّبْيَانِ وَتَعْلِيمِ الْكِتَابَةِ وَالْقُرْآنِ فَإِنَّ الْمُخْتَارَ جَوَازُهُ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَمَا إذَا كَانَ لَهُ آلَةُ الْقِصَارَةِ وَلِآخَرَ بَيْتٌ اشْتَرَكَا عَلَى أَنْ يَعْمَلَا فِي بَيْتِ هَذَا عَلَى أَنْ يَكُونَ الْكَسْبُ بَيْنَهُمَا فَإِنَّهُ جَائِزٌ، وَكَذَا سَائِرُ الصِّنَاعَاتِ، وَلَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا أَدَاةُ الْقِصَارَةِ وَالْعَمَلُ مِنْ الْآخَرِ فَسَدَتْ وَالرِّبْحُ لِلْعَامِلِ وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ مِثْلِ الْأَدَاةِ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَفِي الْقُنْيَةِ اشْتَرَكَ ثَلَاثَةٌ مِنْ الْجَمَّالِينَ عَلَى أَنْ يَمْلَأَ أَحَدُهُمْ الْجُوَالِقَ وَيَأْخُذَ الثَّانِي فَمَهَا وَيَحْمِلَهَا عَلَى الثَّالِثِ فَيَنْقُلَهُ إلَى بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ وَالْأَجْرُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ فَهِيَ فَاسِدَةٌ، قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَسَادُهَا لِهَذِهِ الشُّرُوطِ فَإِنَّ شَرِكَةَ الْحَمَّالِينَ صَحِيحَةٌ إذَا اشْتَرَكَ الْحَمَّالُونَ فِي التَّقَبُّلِ وَالْعَمَلِ جَمِيعًا، وَلَوْ اشْتَرَكَا فِي تَقَبُّلِ كُتُبِ الْحُجَّاجِ عَلَى أَنَّ مَا رَزَقَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى فَبَيْنَهُمَا نِصْفَانِ فَهَذِهِ شَرِكَةٌ جَائِزَةٌ. اهـ. وَقُلْنَا: وَلَوْ كَانَ حُكْمًا لِيَشْمَلَ مَا إذَا اشْتَرَكَا فِي صَنْعَةٍ وَلَمْ يُحْسِنْهَا أَحَدُهُمَا فَإِنَّهَا صَحِيحَةٌ كَمَا سَيَأْتِي وَقَيَّدْنَا بِكَوْنِ الْعَمَلِ حَلَالًا لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ لَوْ اشْتَرَكَا فِي عَمَلٍ حَرَامٍ لَمْ يَصِحَّ. اهـ. وَقَيَّدْنَا بِإِمْكَانِ اسْتِحْقَاقِهِ لِمَا فِي الْقُنْيَةِ وَلَا تَجُوزُ شَرِكَةُ الدَّلَّالِينَ فِي عَمَلِهِمْ وَلَا شَرِكَةُ الْقُرَّاءِ فِي الْقِرَاءَةِ بِالزَّمْزَمَةِ فِي الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُسْتَحَقَّةٍ عَلَيْهِمْ وَلَا شَرِكَةُ السُّؤَالِ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِالسُّؤَالِ لَا يَصِحُّ وَلِمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَلَوْ أَنَّ ثَلَاثَةً مِنْ الْقُرَّاءِ اشْتَرَكُوا فِي الْمَجْلِسِ وَالْمَعَازِي بِالزَّمْزَمَةِ وَالْأَلْحَانِ فَهَذِهِ الشَّرِكَةُ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّ مَا اشْتَرَكُوا فِيهِ لَا يَكُونُ مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِمْ وَلَا عَلَى أَحَدِهِمْ اهـ. وَقَوْلُهُ عَلَى أَنْ يَتَقَبَّلَا الْأَعْمَالَ لَيْسَ بِقَيْدٍ؛ لِأَنَّهُمَا لَوْ اشْتَرَكَا عَلَى أَنْ يَتَقَبَّلَ أَحَدُهُمَا الْمَتَاعَ وَيَعْمَلَ الْآخَرُ أَوْ يَقْبَلَ أَحَدُهُمَا الْمَتَاعَ وَيَقْطَعَهُ، ثُمَّ يَدْفَعَهُ إلَى الْآخَرِ لِلْخِيَاطَةِ بِالنِّصْفِ جَازَ، كَذَا فِي الْقُنْيَةِ لَكِنْ مَنْ شُرِطَ عَلَيْهِ الْعَمَلُ فَقَطْ لَوْ تَقَبَّلَ جَازَ فَلَوْ شَرَطَ عَلَى الصَّانِعِ أَنْ لَا يَتَقَبَّلَ وَإِنَّمَا عَلَيْهِ الْعَمَلُ فَقَطْ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ السُّكُوتِ جَعَلَ إثْبَاتَهَا اقْتِضَاءً وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ مَعَ النَّفْيِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ. وَشَمِلَ قَوْلُهُ وَالْكَسْبُ بَيْنَهُمَا مَا إذَا شَرَطَاهُ عَلَى السَّوَاءِ أَوْ شَرَطَا الرِّبْحَ لِأَحَدِهِمَا   [منحة الخالق] الْأَشْبَاهِ فِي الْوَدِيعَةِ. [اشْتَرَكَ خَيَّاطٌ وَصَبَّاغٌ عَلَى أَنْ يَتَقَبَّلَا الْأَعْمَالَ وَيَكُونُ الْكَسْبُ بَيْنَهُمَا] (قَوْلُهُ: قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَسَادُهَا لِهَذِهِ الشُّرُوطِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قُدِّمَ أَنَّهَا لَا تَفْسُدُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ الشَّرِكَةُ تَبْطُلُ بِبَعْضِ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ حَتَّى لَوْ شَرَطَ التَّفَاضُلَ فِي الْوَضِيعَةِ لَا تَبْطُلُ الشَّرِكَةُ وَتَبْطُلُ بِاشْتِرَاطِ عَشَرَةٍ لِأَحَدِهِمَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ بِأَكْثَرِ الشُّرُوطِ. اهـ. وَبِهِ يَحْصُلُ الْجَوَابُ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَقُلْنَا وَلَوْ كَانَ حُكْمًا لِيَشْمَلَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ إذْ الْمُشْتَرَكُ فِيهِ إنَّمَا هُوَ الْعَمَلُ لَا خُصُوصُ الْخِيَاطَةِ وَلِذَا قَالُوا مِنْ صُوَرِ هَذِهِ الشَّرِكَةِ أَنْ يَجْلِسَ آخَرُ عَلَى دُكَّانِهِ فَيَطْرَحَ عَلَيْهِ الْعَمَلَ بِالنِّصْفِ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَجُوزَ؛ لِأَنَّ مِنْ أَحَدِهِمَا الْعَمَلَ وَمِنْ الْآخَرِ الْحَانُوتَ وَاسْتُحْسِنَ جَوَازُهَا؛ لِأَنَّ التَّقَبُّلَ مِنْ صَاحِبِ الْحَانُوتِ عَمَلٌ. (قَوْلُهُ: وَلَا تَجُوزُ شَرِكَةُ الدَّلَّالِينَ) لِأَنَّ عَمَلَ الدَّلَّالَةِ لَا يُمْكِنُ اسْتِحْقَاقُهُ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ حَتَّى لَوْ اسْتَأْجَرَ دَلَّالًا يَبِيعُ لَهُ أَوْ يَشْتَرِي فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ إذَا لَمْ يُبَيِّنْ لَهُ أَجَلًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي إجَارَةِ الْمُجْتَبَى. (قَوْلُهُ: وَالْمَعَازِي بِالزَّمْزَمَةِ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْعِزُّ الصَّبْرُ أَوْ حُسْنُهُ كَالتَّعْزُوَةِ وَالزَّمْزَمَةُ الصَّوْتُ الْبَعِيدُ لَهُ دَوِيُّ وَتَتَابُعُ صَوْتِ الرَّعْدِ وَالْمُرَادُ الْقِرَاءَةُ فِي الْمَأْتَمِ الَّذِي يُصْنَعُ لِلْأَمْوَاتِ مَعَ التَّمْطِيطِ، قَالَ ابْنُ الشِّحْنَةِ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ وَالْمُؤَلِّفُ بَالَغَ فِي النَّكِيرِ عَلَى إقْرَارِهِمْ عَلَى هَذَا فِي زَمَانِهِ وَعَلَى الْقِرَاءَةِ بِالتَّمْطِيطِ وَمَنَعَ جَوَازَهَا وَجَوَازَ سَمَاعِهَا وَقَالَ بِوُجُوبِ إنْكَارِهَا وَأَطْنَبَ فِي إنْكَارِهَا وَذَلِكَ فِيمَا إذَا مَطَّطَ تَمْطِيطًا يُؤَدِّي إلَى زِيَادَةِ حَرْفٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، أَمَّا الْقِرَاءَةُ بِالْأَلْحَانِ إذَا سَلِمَتْ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّهَا مَنْدُوبٌ إلَيْهَا اهـ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 195 أَكْثَرَ مِنْ الْآخَرِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَزَّازِيَّةِ مُعَلِّلًا بِأَنَّ الْعَمَلَ مُتَفَاوِتٌ، وَقَدْ يَكُونُ أَحَدُهُمَا أَحْذَقَ فَإِنْ شَرَطَا الْأَكْثَرَ لِأَدْنَاهُمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ. اهـ. وَالصَّحِيحُ الْجَوَازُ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ بِضَمَانِ الْعَمَلِ لَا بِحَقِيقَتِهِ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي الْقَامُوسِ، وَقَدْ قَبِلَ بِهِ كَنَصَرَ وَسَمِعَ وَضَرَبَ قُبَالَةً وَقَبَّلْت الْعَامِلَ الْعَمَلَ تَقَبُّلًا نَادِرٌ وَالِاسْمُ الْقُبَالَةُ وَتَقَبَّلَهُ الْعَامِلُ تَقْبِيلًا نَادِرٌ أَيْضًا اهـ. (قَوْلُهُ وَكُلُّ مَا يَتَقَبَّلُهُ أَحَدُهُمَا يَلْزَمُهُمَا) يَعْنِي فَيُطَالِبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْعَمَلِ وَيُطَالِبُ بِالْأَجْرِ وَيَبْرَأُ الدَّافِعُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَتْ مُفَاوَضَةً وَهُوَ ظَاهِرٌ وَمَا إذَا أَطْلَقَاهَا أَوْ صَرَّحَا بِالْعَنَانِ وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ خِلَافُهُ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ تَقْتَضِي الْمُفَاوَضَةَ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذِهِ الشَّرِكَةَ مُقْتَضِيَةٌ لِلضَّمَانِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَا يَتَقَبَّلُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الْعَمَلِ مَضْمُونٌ عَلَى الْآخَرِ وَلِذَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ بِسَبَبِ نَفَاذِ تَقَبُّلِهِ عَلَيْهِ فَجَرَى مَجْرَى الْمُفَاوَضَةِ فِي ضَمَانِ الْعَمَلِ وَاقْتِضَاءِ الْبَدَلِ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَإِنَّمَا قَيَّدَ جَرَيَانَهُ مَجْرَى الْمُفَاوَضَةِ بِهَذَيْنِ السَّبَبَيْنِ؛ لِأَنَّ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ لَمْ يَجْرِ هَذَا الْعَقْدُ مَجْرَى الْمُفَاوَضَةِ حَتَّى قَالُوا إذَا أَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِدَيْنٍ مِنْ ثَمَنِ صَابُونٍ أَوْ أُشْنَانٍ مُسْتَهْلَكٍ أَوْ أَجَّرَ أَجِيرًا، وَأُجْرَةُ بَيْتٍ لِمُدَّةٍ مَضَتْ لَمْ يُصَدَّقْ عَلَى صَاحِبِهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَيَلْزَمُهُ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ التَّنْصِيصَ عَلَى الْمُفَاوَضَةِ لَمْ يُوجَدْ وَنَفَاذُ الْإِقْرَارِ مُوجِبُ الْمُفَاوَضَةِ. كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَبِهِ عُلِمَ فَائِدَةَ كَوْنِهَا مُفَاوَضَةً لَوْ صَرَّحَ بِهَا لِيَلْزَمَ كُلَّ وَاحِدٍ مَا أَقَرَّ بِهِ صَاحِبُهُ مُطْلَقًا وَتَقْيِيدُهُ بِالِاسْتِهْلَاكِ وَبِمُضِيِّ الْمُدَّةِ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ لَمْ يُسْتَهْلَكْ وَمُدَّةُ الْإِجَارَةِ لَمْ تَمْضِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُمَا كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَفِي الْخَانِيَّةِ وَلَا يُشْتَرَطُ لِهَذِهِ الشَّرِكَةِ بَيَانُ الْمُدَّةِ وَحُكْمُهَا أَنْ يَصِيرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَكِيلًا عَنْ صَاحِبِهِ بِتَقَبُّلِ الْأَعْمَالِ، وَالتَّوْكِيلُ بِتَقَبُّلِ الْأَعْمَالِ جَائِزٌ سَوَاءٌ كَانَ الْوَكِيلُ يُحْسِنُ مُبَاشَرَةَ ذَلِكَ الْعَمَلِ أَوْ لَا يُحْسِنُ، وَهَذَا النَّوْعُ مِنْ الشَّرِكَةِ قَدْ يَكُونُ عَنَانًا، وَقَدْ يَكُونُ مُفَاوَضَةً عِنْدَ اسْتِجْمَاعِ شَرَائِطِ الْمُفَاوَضَةِ فَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُطَالَبًا بِحُكْمِ الْكَفَالَةِ بِمَا وَجَبَ عَلَى صَاحِبِهِ وَمَتَى كَانَ عَنَانًا فَإِنَّمَا يُطَالَبُ بِهِ مَنْ بَاشَرَ السَّبَبَ دُونَ صَاحِبِهِ بِقَضِيَّةِ الْوَكَالَةِ فَإِنْ أُطْلِقَتْ هَذِهِ الشَّرِكَةُ كَانَتْ عَنَانًا وَإِنْ شَرَطَا الْمُفَاوَضَةَ كَانَتْ مُفَاوَضَةً فَإِذَا عَمِلَ أَحَدُهُمَا دُونَ صَاحِبِهِ وَالشَّرِكَةُ عَنَانٌ أَوْ مُفَاوَضَةٌ كَانَ الْأَجْرُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا، وَلَوْ شَرَطَا لِأَحَدِهِمَا فَضْلًا فِيمَا يَحْصُلُ مِنْ الْأُجْرَةِ جَازَ إذَا كَانَا شَرَطَا التَّفَاضُلَ فِي ضَمَانِ مَا يَتَقَبَّلَانِهِ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مَا جَنَتْ يَدُ أَحَدِهِمَا كَانَ الضَّمَانُ عَلَيْهِمَا يَأْخُذُ أَيَّهُمَا شَاءَ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا مَرِضَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ أَوْ سَافَرَ أَوْ بَطَلَ فَعَمِلَ الْآخَرُ كَانَ الْأَجْرُ بَيْنَهُمَا وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَأْخُذَ الْأَجْرَ وَإِلَى أَيِّهِمَا دَفَعَ الْأَجْرَ بَرِئَ وَإِنْ لَمْ يَتَقَاصَّا، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ؛ لِأَنَّ تَقَبُّلَ أَحَدِهِمَا الْعَمَلَ جُعِلَ كَتَقَبُّلِ الْآخَرِ فَصَارَ فِي مَعْنَى الْمُفَاوَضَةِ فِي بَابِ ضَمَانِ الْعَمَلِ، وَلَوْ ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى أَحَدِهِمَا أَنَّهُ دَفَعَ إلَيْهِ ثَوْبًا لِلْخِيَاطَةِ وَأَقَرَّ بِهِ الْآخَرُ صَحَّ إقْرَارُهُ بِدَفْعِ الثَّوْبِ وَيَأْخُذُ الْأَجْرَ؛ لِأَنَّهُمَا كَالْمُتَفَاوِضِينَ فَإِقْرَارُ أَحَدِهِمَا يَصِحُّ فِي حَقِّ الْآخَرِ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ الْمُقِرُّ فِي حَقِّ الشَّرِيكِ وَأَخَذَ هُوَ بِالْقِيَاسِ، وَلَوْ أَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِدَيْنٍ مِنْ ثَمَنِ صَابُونٍ وَنَحْوِهِ لَا يَلْزَمُ الْآخَرَ اهـ. وَفِيهَا قَبْلَهُ فَإِذَا كَانَ الشَّرْطُ عَلَى الْخَيَّاطِ أَنَّهُ يَخِيطُ بِنَفْسِهِ لَا يُطَالَبُ الْآخَرُ بِحُكْمِ الْكَفَالَةِ اهـ. وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ قَوْلَهُمْ مَا لَزِمَ أَحَدَهُمَا مِنْ الْعَمَلِ يَلْزَمُ الْآخَرَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ الْمُسْتَأْجِرُ عَمَلَهُ بِنَفْسِهِ، فَإِنْ قُلْتُ: مَا صُورَةُ اسْتِجْمَاعِ شَرَائِطِ الْمُفَاوَضَةِ فِيهَا؟ قُلْتُ: قَالَ فِي الْمُحِيطِ بِأَنْ اشْتَرَطَ الصَّانِعَانِ عَلَى أَنْ يَتَقَبَّلَا جَمِيعًا الْأَعْمَالَ وَأَنْ يَضْمَنَا الْعَمَلَ جَمِيعًا عَلَى التَّسَاوِي وَأَنْ يَتَسَاوَيَا فِي الرِّبْحِ وَالْوَضِيعَةِ وَأَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا كَفِيلًا عَنْ صَاحِبِهِ فِيمَا لَحِقَهُ بِسَبَبِ الشَّرِكَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَكَسْبُ أَحَدِهِمَا بَيْنَهُمَا) يَعْنِي إذَا عَمِلَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ قُسِمَ الْأَجْرُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا أَمَّا الْعَامِلُ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَلِأَنَّهُ لَزِمَهُ الْعَمَلُ   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 196 بِالتَّقَبُّلِ فَيَكُونُ ضَامِنًا لَهُ فَيَسْتَحِقُّهُ بِالضَّمَانِ وَهُوَ لُزُومُ الْعَمَلِ وَعَلَّلَهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ بِأَنَّ الْعَامِلَ مُعِينُ الْقَابِلِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ مُطْلَقُ الْعَمَلِ لَا عَمَلُ الْقَابِلِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْقَصَّارَ إذَا اسْتَعَانَ بِغَيْرِهِ أَوْ اسْتَأْجَرَهُ اسْتَحَقَّ الْأَجْرَ. اهـ. أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا عَمِلَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ لِعُذْرٍ بِالْآخَرِ كَسَفَرٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ بِغَيْرِ عُذْرٍ كَمَا لَوْ امْتَنَعَ عَنْهُ بِغَيْرِ عُذْرٍ بِهِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَرْتَفِعُ بِمُجَرَّدِ امْتِنَاعِهِ وَاسْتِحْقَاقُهُ الرِّبْحَ بِحُكْمِ الشَّرْطِ فِي الْعَقْدِ لَا الْعَمَلِ، كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ ثَلَاثَةٌ لَمْ يَعْقِدُوا بَيْنَهُمْ شَرِكَةَ تَقَبُّلٍ تَقَبَّلُوا عَمَلًا فَجَاءَ أَحَدُهُمْ فَعَمِلَهُ كُلَّهُ فَلَهُ ثُلُثُ الْأُجْرَةِ وَلَا شَيْءَ لِلْآخَرَيْنِ؛ لِأَنَّهُمْ لَمَّا لَمْ يَكُونُوا شُرَكَاءَ كَانَ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمْ ثُلُثُ الْعَمَلِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمْ ثُلُثُهُ بِثُلُثِ الْأَجْرِ فَإِذَا عَمِلَ الْكُلُّ كَانَ مُتَطَوِّعًا فِي الثُّلُثَيْنِ فَلَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ. اهـ. وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ قَوْلَهُ اشْتَرَكَ خَيَّاطَانِ إلَى آخِرِهِ مَعْنَاهُ إنْ عَقَدَا عَقْدَ الشَّرِكَةِ فَلَوْ تَقَبَّلَا وَلَمْ يَعْقِدَا لَمْ تَكُنْ شَرِكَةً [اشْتَرَكَا بِلَا مَالٍ عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَا بِوُجُوهِهِمَا وَيَبِيعَا] قَوْلُهُ (: وَوُجُوهٌ إنْ اشْتَرَكَا بِلَا مَالٍ عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَا بِوُجُوهِهِمَا وَيَبِيعَا) بِالرَّفْعِ عَطْفٌ عَلَى مُفَاوَضَةٍ بَيَانٌ لِلنَّوْعِ الرَّابِعِ مِنْ شَرِكَةِ الْعَقْدِ وَقَدَّمْنَا أَنَّهَا كَالصَّنَائِعِ تَكُونُ مُفَاوَضَةً وَعَنَانًا، فَقَالَ فِي النِّهَايَةِ: الْمُفَاوَضَةُ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلَانِ مِنْ أَهْلِ الْكَفَالَةِ وَأَنْ يَكُونَ ثَمَنُ الْمُشْتَرِي بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَأَنْ يَتَلَفَّظَا بِلَفْظِ الْمُفَاوَضَةِ زَادَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَأَنْ يَتَسَاوَيَا فِي الرِّبْحِ، وَإِذَا ذَكَرَ مُقْتَضَيَاتِ الْمُفَاوَضَةِ كَفَى عَنْ التَّلَفُّظِ بِهَا كَمَا سَلَف، وَإِذَا أُطْلِقَتْ كَانَتْ عَنَانًا؛ لِأَنَّ مُطْلَقَهُ يَنْصَرِفُ إلَيْهِ لِكَوْنِهِ مُعْتَادًا وَهِيَ جَائِزَةٌ عِنْدَنَا لِمَا بَيَّنَّاهُ فِي شَرِكَةِ الصَّنَائِعِ وَسُمِّيَتْ شَرِكَةَ وُجُوهٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَشْتَرِي بِالنَّسِيئَةِ إلَّا مَنْ لَهُ وَجَاهَةٌ عِنْدَ النَّاسِ، وَقِيلَ؛ لِأَنَّهُمَا يَشْتَرِيَانِ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي لَا يُعْرَفُ، وَقِيلَ لِأَنَّهُمَا إذَا جَلَسَا لِيُدَبَّرَ أَمْرَهُمَا يَنْظُرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى وَجْهِ صَاحِبِهِ وَعَلَى الْآخَرَيْنِ فَالتَّسْمِيَةُ ظَاهِرَةٌ وَعَلَى الْأَوَّلِ مِنْ أَنَّهَا مِنْ الْوَجَاهَةِ أَوْ الْجَاهِ، فَقَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ؛ لِأَنَّ الْجَاهَ مَقْلُوبُ الْوَجْهِ لِمَا عُرِفَ غَيْرَ أَنَّ الْوَاوَ انْقَلَبَتْ حِينَ وُضِعَتْ مَعَ الْعَيْنِ لِلْمُوجِبِ لِذَلِكَ وَلِذَا كَانَ وَزْنُهُ عَفَلَ اهـ. وَفِي الْخَانِيَّةِ وَهُمَا فِيمَا يَجِبُ لَهُمَا وَعَلَيْهِمَا بِمَنْزِلَةِ الْعَنَانِ، وَلَوْ اشْتَرَكَا بِوُجُوهِهِمَا شَرِكَةَ مُفَاوَضَةٍ كَانَ جَائِزًا وَيَثْبُتُ التَّسَاوِي بَيْنَهُمَا فِيمَا يَجِبُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَعَلَيْهِ مَا يَجِبُ فِي شَرِكَةِ الْمُفَاوَضَةِ بِالْمَالِ اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَإِذَا وَقَّتَا شَرِكَةَ الْوُجُوهِ تَصِحُّ وَهَلْ تَتَوَقَّفُ فِيهِ رِوَايَتَانِ فَعَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي لَا تَتَوَقَّفُ كَانَ شَرْطًا مُفْسِدًا وَمَعَ هَذَا لَا تَفْسُدُ وَاعْتَبَرَ بِالْوَكَالَةِ اهـ. وَحَذَفَ مَفْعُولَ يَشْتَرِيَا بِالتَّقَيُّدِ أَنَّهَا تَكُونُ عَامَّةً وَخَاصَّةً كَالْبُرِّ. (قَوْلُهُ وَتَتَضَمَّنُ الْوَكَالَةَ) يَعْنِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَكِيلُ الْآخَرِ فِيمَا اشْتَرَاهُ؛ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ عَلَى الْغَيْرِ لَا يَجُوزُ إلَّا بِوَكَالَةٍ أَوْ وِلَايَةٍ وَلَا وِلَايَةَ فَتَعَيَّنَ الْأُولَى وَلَمْ يَذْكُرْ تَضَمُّنَهَا لِلْكَفَالَةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ كَذَلِكَ إلَّا إذَا كَانَتْ مُفَاوَضَةً كَمَا قَدَّمْنَاهُ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ شَرَطَا مُنَاصَفَةَ الْمُشْتَرِي أَوْ مُثَالَثَتَهُ فَالرِّبْحُ كَذَلِكَ وَبَطَلَ شَرْطُ الْفَضْلِ) بَيَانٌ لِمَا فَارَقَتْ فِيهِ الْوُجُوهُ الْعَنَانَ وَهِيَ أَنَّ الرِّبْحَ فِيهَا عَلَى قَدْرِ الْمِلْكِ فِي الْمُشْتَرَى بِفَتْحِ الرَّاءِ بِخِلَافِ الْعَنَانِ فَإِنَّ التَّفَاضُلَ فِي الرِّبْحِ فِيهَا مَعَ التَّسَاوِي فِي الْمَالِ صَحِيحٌ، وَهَذَا لِأَنَّ الرِّبْحَ لَا يُسْتَحَقُّ إلَّا بِالْمَالِ أَوْ بِالْعَمَلِ أَوْ بِالضَّمَانِ فَرَبُّ الْمَالِ يَسْتَحِقُّهُ بِالْمَالِ وَالْمُضَارِبُ بِالْعَمَلِ وَالْأُسْتَاذُ الَّذِي يَتَلَقَّى الْعَمَلَ عَلَى التِّلْمِيذِ بِالنِّصْفِ بِالضَّمَانِ وَلَا يَسْتَحِقُّ بِمَا سِوَاهَا أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ تَصَرَّفْ فِي مَالِكِ عَلَى أَنَّ لِي رِبْحَهُ لَا يَجُوزُ لِعَدَمِ هَذِهِ الْمَعَانِي، وَاسْتِحْقَاقُ الرِّبْحِ فِي شَرِكَةِ الْوُجُوهِ بِالضَّمَانِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ وَالضَّمَانُ عَلَى قَدْرِ الْمِلْكِ فِي الْمُشْتَرَى فَكَانَ الرِّبْحُ الزَّائِدُ عَلَيْهِ رِبْحَ مَا لَمْ يَضْمَنْ فَلَا يَصِحُّ اشْتِرَاطُهُ إلَّا فِي الْمُضَارَبَةِ وَالْوُجُوهُ لَيْسَتْ فِي مَعْنَاهَا بِخِلَافِ الْعَنَانِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهَا مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَعْمَلُ فِي مَالِ صَاحِبِهِ فَيَلْحَقُ بِهَا [فَصْلٌ فِي الشَّرِكَةِ الْفَاسِدَةِ] (قَوْلُهُ وَلَا تَصِحُّ شَرِكَةٌ فِي احْتِطَابٍ وَاصْطِيَادٍ وَاسْتِقَاءٍ) ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ مُتَضَمِّنَةٌ مَعْنَى الْوَكَالَةِ وَالتَّوْكِيلُ فِي أَخْذِ الْمُبَاحِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ أَمْرَ الْمُوَكِّلِ بِهِ غَيْرُ صَحِيحٍ وَالْوَكِيلُ يَمْلِكُهُ   [منحة الخالق] (فَصْلٌ فِي الشَّرِكَةِ الْفَاسِدَةِ) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 197 بِدُونِ أَمْرِهِ فَلَا يَصْلُحُ نَائِبًا عَنْهُ أَشَارَ بِالثَّلَاثَةِ إلَى أَنَّ أَخْذَ كُلِّ شَيْءٍ مُبَاحٌ كَالِاحْتِشَاشِ وَاجْتِنَاءِ الثِّمَارِ مِنْ الْجِبَالِ وَالتَّكَدِّي وَسُؤَالِ النَّاسِ وَنَقْلِ الطِّينِ وَبَيْعِهِ مِنْ أَرْضٍ مُبَاحَةٍ أَوْ الْجِصِّ أَوْ الْمِلْحِ أَوْ الثَّلْجِ أَوْ الْكُحْلِ أَوْ الْمَعْدِنِ أَوْ الْكُنُوزِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَذَا إذَا اشْتَرَكَا عَلَى أَنْ يَبْنِيَا مِنْ طِينٍ غَيْرِ مَمْلُوكٍ أَوْ يَطْبُخَا آجُرًّا، وَلَوْ كَانَ الطِّينُ مَمْلُوكًا أَوْ سَهْلَةَ الزُّجَاجِ فَاشْتَرَكَا عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَا وَيَطْبُخَا وَيَبِيعَا جَازَ وَهُوَ شَرِكَةُ الصَّنَائِعِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَذَكَرَ الْبَزَّازِيُّ أَنَّهَا شَرِكَةُ الْوُجُوهِ. (قَوْلُهُ: وَالْكَسْبُ لِلْعَامِلِ وَعَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِ مَا لِلْآخَرِ) لِوُجُودِ السَّبَبِ مِنْهُ وَهُوَ الْأَخْذُ وَالْإِحْرَازُ أَفَادَ أَنَّهُمَا لَوْ أَخَذَاهُ مَعًا فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ وَأَنَّهُ لَوْ أَخَذَهُ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يَعْمَلْ الْآخَرُ شَيْئًا فَهُوَ لِلْعَامِلِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِلْآخَرِ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَلِكُلٍّ مَا أَخَذَ وَإِنْ أَخَذَاهُ مُنْفَرِدَيْنِ وَخَلَطَا وَبَاعَا قُسِمَ الثَّمَنُ عَلَى قَدْرِ مِلْكَيْهِمَا وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ الْمِقْدَارَ صُدِّقَ كُلٌّ مِنْهُمَا إلَى النِّصْفِ وَفِيمَا زَادَ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ وَعَبَّرَ بِمَا الْمُفِيدَةِ لِلْعُمُومِ لِيَشْمَلَ أُجْرَةَ عَمَلِهِ كَمَا إذَا سَاعَدَهُ بِالْقَلْعِ وَجَمَعَهُ الْآخَرُ أَوْ قَلَعَهُ وَحَمَلَهُ الْآخَرُ فَلِلْمُعِينِ أَجْرُ مِثْلِهِ بَالِغًا مَا بَلَغَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يُجَاوِزُ بِهِ نِصْفَ ثَمَنِ ذَلِكَ وَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ لِلْآخَرِ بَغْلٌ أَوْ رَاوِيَةٌ فَإِنَّ كَسْبَ الْمَاءِ لِلَّذِي اسْتَقَى وَعَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِ الرَّاوِيَةِ إنْ كَانَ الْمُسْتَقِي صَاحِبَ الْبَغْلِ وَإِنْ كَانَ صَاحِبَ الرَّاوِيَةِ فَعَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِ الْبَغْلِ وَمَا إذَا دَفَعَ لَهُ شَبَكَةً لِيَصِيدَ بِهَا السَّمَكَ عَلَى أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا فَالصَّيْدُ لِلصَّائِدِ وَلِصَاحِبِ الشَّبَكَةِ أَجْرُ مِثْلِهَا، كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ اشْتَرَكَا فِي الِاصْطِيَادِ وَنَصَبَا شَبَكَةً أَوْ أَرْسَلَا كَلْبًا لَهُمَا فَالصَّيْدُ بَيْنَهُمَا أَنْصَافًا، وَلَوْ لِأَحَدِهِمَا وَأَرْسَلَا، فَالصَّيْدُ لِصَاحِبِ الْكَلْبِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ إرْسَالَ غَيْرِ الْمَالِكِ مَعَ الْمَالِكِ لَا يُعْتَبَرُ وَإِنْ أَصَابَ أَحَدُ الْكَلْبَيْنِ صَيْدًا فَأَثْخَنَهُ، ثُمَّ أَدْرَكَهُ الْآخَرُ فَالصَّيْدُ لِمَنْ أَثْخَنَهُ كَلْبُهُ لِإِخْرَاجِهِ عَنْ أَنْ يَكُونَ صَيْدًا وَإِنْ أَثْخَنَاهُ فَبَيْنَهُمَا أَنْصَافًا لِلِاشْتِرَاكِ فِي السَّبَبِ. اهـ. [الرِّبْحُ فِي الشَّرِكَةِ الْفَاسِدَةِ] (قَوْلُهُ: وَالرِّبْحُ فِي الشَّرِكَةِ الْفَاسِدَةِ بِقَدْرِ الْمَالِ وَإِنْ شُرِطَ الْفَضْلُ) لِأَنَّ الرِّبْحَ فِيهِ تَابِعٌ لِلْمَالِ فَيُقَدَّرُ بِقَدْرِهِ كَمَا أَنَّ الرَّيْعَ تَابِعٌ لِلزَّرْعِ فِي الْمُزَارَعَةِ، وَالزِّيَادَةُ إنَّمَا تُسْتَحَقُّ بِالتَّسْمِيَةِ، وَقَدْ فَسَدَتْ فَبَقِيَ الِاسْتِحْقَاقُ عَلَى قَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ أَفَادَ بِقَوْلِهِ بِقَدْرِ الْمَالِ أَنَّهَا شَرِكَةٌ فِي الْأَمْوَالِ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَحَدِهِمَا مَالٌ وَكَانَتْ فَاسِدَةً فَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ الرِّبْحِ؛ وَلِذَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ دَفَعَ دَابَّتَهُ إلَى رَجُلٍ يُؤَاجِرُهَا عَلَى أَنَّ الْأَجْرَ بَيْنَهُمَا فَالشَّرِكَةُ فَاسِدَةٌ وَالْأَجْرُ لِصَاحِبِ الدَّابَّةِ وَلِلْآخَرِ أَجْرُ مِثْلِهِ، وَكَذَلِكَ السَّفِينَةُ وَالْبَيْتُ، وَلَوْ دَفَعَ دَابَّتَهُ إلَى رَجُلٍ لِيَبِيعَ عَلَيْهَا الْبُرَّ عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ بَيْنَهُمَا فَالرِّبْحُ لِصَاحِبِ الْبُرِّ وَلِصَاحِبِ الدَّابَّةِ أَجْرُ مِثْلِهَا؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الدَّابَّةِ لَا تَصْلُحُ مَالًا لِلشَّرِكَةِ كَالْعُرُوضِ، وَلَوْ اشْتَرَكَا وَلِأَحَدِهِمَا دَابَّةٌ وَلِلْآخَرِ إكَافٌ وَجُوَالِقٌ عَلَى أَنْ يُؤَجِّرَ الدَّابَّةَ وَالْأَجْرُ بَيْنَهُمَا فَالشَّرِكَةُ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّهَا وَقَعَتْ عَلَى الْعَيْنِ فَكَانَتْ بِمَعْنَى الشَّرِكَةِ فِي الْعُرُوضِ فَإِنَّ أَجْرَ الدَّابَّةِ مَعَ الْجُوَالِقِ وَالْإِكَافِ، فَالْأَجْرُ كُلُّهُ لِصَاحِبِ الدَّابَّةِ وَلِلدَّخِيلِ مَعَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ بَالِغًا مَا بَلَغَ، وَلَوْ اشْتَرَكَا وَلِأَحَدِهِمَا بَغْلٌ وَلِلْآخَرِ بَعِيرٌ عَلَى أَنْ يُؤَجِّرَاهُمَا وَالْأُجْرَةُ بَيْنَهُمَا لَا تَصِحُّ فَإِنْ أَجَّرَاهُمَا قُسِمَ الْأَجْرُ بَيْنَهُمَا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ أَوْ سَهْلَةُ الزُّجَاجِ) مَعْطُوفٌ عَلَى الطِّينِ أَيْ أَوْ كَانَتْ سَهْلَةُ الزُّجَاجِ مَمْلُوكَةً (قَوْلُهُ: وَلِذَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ دَفَعَ دَابَّتَهُ إلَى رَجُلٍ إلَخْ) أَقُولُ: لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ الدَّابَّةَ الْمُشْتَرَكَةَ بَيْنَ اثْنَيْنِ إذَا دَفَعَهَا أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ عَلَى أَنْ يُؤَجِّرَهَا وَيَعْمَلَ عَلَيْهَا وَمَا حَصَلَ فَهُوَ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا الثُّلُثَانِ لِلْعَامِلِ وَالثُّلُثُ لِلْآخَرِ وَلَا شَكَّ فِي فَسَادِ الشَّرِكَةِ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ كَالْعُرُوضِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْخَانِيَّةِ فَكَمَا لَا تَصِحُّ فِي الْعُرُوضِ لَا تَصِحُّ فِيهَا، وَإِذَا قُلْنَا بِفَسَادِهَا فَالْأَجْرُ مَقْسُومٌ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ مِلْكِهِمَا لِلْعَامِلِ مِنْهُمَا أَجْرُ مِثْلِ عَمَلِهِ وَلَا يُشْبِهُ الْعَمَلَ فِي الْمُشْتَرَكِ حَتَّى نَقُولَ لَا أَجْرَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ فِيمَا يُحْمَلُ وَهُوَ لِغَيْرِهِمَا فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَهَذِهِ كَثِيرَةُ الْوُقُوعِ بِبِلَادِنَا وَغَيْرِهَا وَأَنَا فِي عَجَبٍ مِنْ سُكُوتِهِمْ عَنْهَا، وَإِنْ أُخِذَتْ مِنْ فَحْوَى كَلَامِهِمْ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. قَالَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: وَإِنْ اشْتَرَكَا وَلِأَحَدِهِمَا بَغْلٌ وَلِلْآخَرِ بَعِيرٌ عَلَى أَنْ يُؤَجِّرَا ذَلِكَ فَمَا رَزَقَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ فَهَذَا فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ هَذِهِ شَرِكَةٌ وَقَعَتْ عَلَى إجَارَةِ الدَّوَابِّ لَا تَقْبَلُ الْعَمَلَ؛ لِأَنَّ تَقْدِيرَ هَذَا أَنْ يَقُولَ لِصَاحِبِهِ بِعْ مَنَافِعَ دَابَّتِك لِيَكُونَ ثَمَنُهُ بَيْنَنَا، وَلَوْ صَرَّحَا بِهَذَا كَانَتْ الشَّرِكَةُ فَاسِدَةً، ثُمَّ إذَا فَسَدَتْ هَذِهِ الشَّرِكَةُ فَبَعْدَ ذَلِكَ الْمَسْأَلَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ إنْ أَجَّرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَابَّتَهُ خَاصَّةً كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَجْرُ دَابَّتِهِ خَاصَّةً كَمَا قَبْلَ الشَّرِكَةِ، وَإِنْ أَجَّرَاهُمَا بِأَعْيَانِهِمَا صَفْقَةً وَاحِدَةً وَلَمْ يَشْتَرِطَا فِي الْإِجَارَةِ عَمَلَ أَحَدِهِمَا كَانَ الْأَجْرُ مَقْسُومًا بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ أَجْرِ مِثْلِ دَابَّتِهِمَا كَمَا قَبْلَ الشَّرِكَةِ، وَإِنْ أَجَّرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَابَّتَهُ وَشَرَطَا عَمَلَهُمَا فِي الدَّابَّةِ أَوْ عَمَلَ أَحَدِهِمَا مِنْ السُّوقِ وَالْحَمْلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ كَانَ الْأَجْرُ مَقْسُومًا بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ أَجْرِ مِثْلِ دَابَّتِهِمَا وَعَلَى مِقْدَارِ أَجْرِ عَمَلِهِمَا كَمَا قَبْلَ الشَّرِكَةِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 198 عَلَى مِثْلِ أَجْرِ الْبَغْلِ وَمِثْلِ أَجْرِ الْبَعِيرِ اهـ. وَفِي الْقُنْيَةِ لَهُ سَفِينَةٌ فَاشْتَرَكَ مَعَ أَرْبَعَةٍ عَلَى أَنْ يَعْمَلُوا بِسَفِينَتِهِ وَآلَاتِهَا، وَالْخُمُسُ لِصَاحِبِ السَّفِينَةِ وَالْبَاقِي بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ فَهِيَ فَاسِدَةٌ وَالْحَاصِلُ لِصَاحِبِ السَّفِينَةِ وَعَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِهِمْ. اهـ. (قَوْلُهُ وَتَبْطُلُ الشَّرِكَةُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا، وَلَوْ حُكْمًا) لِأَنَّهَا تَتَضَمَّنُ الْوَكَالَةَ وَلَا بُدَّ مِنْهَا لِتَحَقُّقِ الشَّرِكَةِ عَلَى مَا مَرَّ وَالْوَكَالَةُ تَبْطُلُ بِالْمَوْتِ، وَالْمَوْتُ الْحُكْمِيُّ الِالْتِحَاقُ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا إذَا قَضَى الْقَاضِي بِهِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَوْتِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَلَوْ عَادَ مُسْلِمًا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا شَرِكَةٌ وَإِنْ لَمْ يَقْضِ بِلَحَاقِهِ انْقَطَعَتْ عَلَى سَبِيلِ التَّوَقُّفِ بِالْإِجْمَاعِ فَإِنْ عَادَ مُسْلِمًا قَبْلَ أَنْ يُحْكَمَ بِلَحَاقِهِ فَهُمَا عَلَى الشَّرِكَةِ وَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَطَعَتْ، وَلَوْ لَمْ يَلْحَقْ بِدَارِ الْحَرْبِ وَانْقَطَعَتْ الْمُفَاوَضَةُ عَلَى التَّوَقُّفِ هَلْ تَصِيرُ عَنَانًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا، وَعِنْدَهُمَا تَبْقَى عَنَانًا ذَكَرَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا عَلِمَ الشَّرِيكُ بِمَوْتِ صَاحِبِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ؛ لِأَنَّهُ عَزْلٌ حُكْمِيٌّ فَلَا يُشْتَرَطُ لَهُ الْعِلْمُ، وَفِي الْمُحِيطِ وَلَوْ أَبْضَعَ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ أَلْفًا لَهُ وَلِشَرِيكٍ لَهُ شَرِكَةُ عَنَانٍ بِرِضَا شَرِيكِ الْعِنَانِ لِيَشْتَرِيَ لَهُمَا مَتَاعًا، ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمْ فَإِنْ مَاتَ الْمُبْضِعُ، ثُمَّ اشْتَرَى الْمُسْتَبْضِعُ فَالْمَتَاعُ لِلْمُشْتَرِي وَيَضْمَنُ الْمَالَ وَيَكُونُ نِصْفُهُ لِشَرِيكِ الْعَنَانِ وَنِصْفُهُ لِلْمُفَاوِضِ الْحَيِّ وَلِوَرَثَةِ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهُ انْعَزَلَ الْمُسْتَبْضِعُ فِي حَقِّ الْكُلِّ بِمَوْتِهِ؛ لِأَنَّهُ انْقَطَعَ أَمْرُ الْمَيِّتِ عَلَى نَفْسِهِ وَشُرَكَائِهِ وَإِنْ مَاتَ شَرِيكُ الْعِنَانِ، ثُمَّ اشْتَرَى الْمُسْتَبْضِعُ فَالْمُشْتَرَى كُلُّهُ لِلْمُتَفَاوِضَيْنِ؛ لِأَنَّهُ انْفَسَخَتْ الشَّرِكَةُ بِمَوْتِهِ فَانْعَزَلَ الْمُسْتَبْضِعُ فِي حَقِّهِ وَبَقِيَ الْإِبْضَاعُ صَحِيحًا فِي حَقِّ الْمُتَفَاوِضَيْنِ، ثُمَّ وَرَثَةُ الْمَيِّتِ إنْ شَاءُوا رَجَعُوا بِحِصَّتِهِمْ عَلَى أَيِّهِمْ شَاءُوا، وَإِذَا لَزِمَ أَحَدَ الْمُتَفَاوِضَيْنِ ضَمَانٌ لَزِمَ الْآخَرَ وَإِنْ شَاءُوا ضَمَّنُوا الْمُسْتَبْضِعَ وَيَرْجِعُ بِهِ الْمُسْتَبْضِعُ عَلَى أَيِّهِمَا شَاءَ وَإِنْ مَاتَ الْمُفَاوِضُ الَّذِي لَمْ يُبْضِعْ، ثُمَّ اشْتَرَى الْمُسْتَبْضِعُ فَنِصْفُهُ لِلْآمِرِ وَنِصْفُهُ لِشَرِيكِ الْعَنَانِ وَيَضْمَنُ الْمُفَاوِضُ الْحَيُّ لِوَرَثَةِ الْمَيِّتِ حِصَّتَهُمْ وَإِنْ شَاءُوا ضَمَّنُوا الْمُبْضِعَ وَيَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْآمِرِ. اهـ. وَفِيهِ أَيْضًا بَاعَ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ شَيْئًا نَسِيئَةً، ثُمَّ مَاتَ لَيْسَ لِصَاحِبِهِ أَنْ يُخَاصِمَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا كَانَ لَهُ مُطَالَبَةُ الْمُشْتَرِي وَمُخَاصَمَتُهُ بِحُكْمِ الْوَكَالَةِ، وَقَدْ انْقَطَعَتْ بِالْمَوْتِ فَإِنْ أَعْطَاهُ الْمُشْتَرِي نِصْفَ الثَّمَنِ بَرِئَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ دَفَعَ الْمِلْكَ إلَى مَالِكِهِ. اهـ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَوْ كَانَ الشُّرَكَاءُ ثَلَاثَةً فَمَاتَ أَحَدُهُمْ حَتَّى انْفَسَخَتْ الشَّرِكَةُ فِي حَقِّهِ لَا تَنْفَسِخُ فِي حَقِّ الْبَاقِينَ، ثُمَّ قَالَ وَإِذَا مَاتَ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ وَالْمَالُ فِي يَدِ الْحَيِّ فَادَّعَى وَرَثَةُ الْمَيِّتِ الْمُفَاوَضَةَ وَجَحَدَ ذَلِكَ فَأَقَامَ وَرَثَةُ الْمَيِّتِ بَيِّنَةً أَنَّ أَبَاهُمْ كَانَ شَرِيكُهُ مُفَاوَضَةً لَمْ يَقْضِ لَهُمْ بِشَيْءٍ مِمَّا فِي يَدِ الْحَيِّ إلَّا أَنْ يَشْهَدَ الشُّهُودُ أَنَّ الْمَالَ كَانَ فِي يَدِهِ حَالَ حَيَاةِ الْمَيِّتِ وَأَنَّهُ مِنْ شَرِكَةٍ بَيْنَهُمَا. اهـ. وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ مَا إذَا فَسَخَهَا أَحَدُهُمَا، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ إنْكَارُهَا فَسْخٌ وَإِنْ فَسَخَهَا أَحَدُهُمَا لَا تَنْفَسِخُ مَا لَمْ يَعْلَمْ الْآخَرُ وَإِنْ فَسَخَهَا أَحَدُهُمَا وَرَأْسُ مَالِهَا نَقْدٌ صَحَّ وَإِنْ عُرُوضًا وَضَالًّا رِوَايَةٌ فِيهَا إنَّمَا الرِّوَايَةُ فِي الْمُضَارَبَةِ وَالطَّحَاوِيُّ جَعَلَهَا كَالْمُضَارَبَةِ فِي عَدَمِ الِانْفِسَاخِ، وَذَكَرَ بَكْرٌ أَنَّهُمَا إذَا فَسَخَا الْمُضَارَبَةَ وَالْمَالُ عُرُوضٌ يَصِحُّ وَإِنْ أَحَدُهُمَا لَا، وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ الْفَرْقُ بَيْنَ الشَّرِكَةِ وَالْمُضَارَبَةِ يَصِحُّ فَسْخُهَا لَوْ عُرُوضًا لَا الْمُضَارَبَةُ، وَاخْتَارَهُ الصَّدْرُ وَصُورَتُهُ اشْتَرَكَا وَاشْتَرَيَا أَمْتِعَةً، ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا لَا أَعْمَلُ مَعَك بِالشَّرِكَةِ وَغَابَ فَبَاعَ الْحَاضِرُ الْأَمْتِعَةَ فَالْحَاصِلُ لِلْبَائِعِ وَعَلَيْهِ قِيمَةُ الْمَتَاعِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَا أَعْمَلُ مَعَك فَسْخٌ لِلشَّرِكَةِ مَعَهُ وَأَحَدُهُمَا يَمْلِكُ فَسْخَهَا وَإِنْ كَانَ الْمَالُ عُرُوضًا بِخِلَافِ الْمُضَارَبَةِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ نَهَاهُ رَبُّ الْمَالِ عَنْ التَّصَرُّفِ إنْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ مِنْ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ فَلَهُ أَنْ يَسْتَبْدِلَهُ بِالنَّقْدِ الْآخَرِ وَلَا يَعْمَلُ النَّهْيُ وَإِنْ عُرُوضًا لَا يَصِحُّ النَّهْيُ وَالْحَقُّ الشَّرِكَةُ بِالْمُضَارَبَةِ وَالْحَقُّ الْمُخْتَارُ مَا ذَكَرْنَا قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ أُرِيدُ شِرَاءَ هَذِهِ الْجَارِيَةِ لِنَفْسِي فَسَكَتَ الْآخَرُ فَاشْتَرَاهَا فَعَلَى الشَّرِكَةِ مَا لَمْ يَقُلْ نَعَمْ، وَلَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ   [منحة الخالق] اهـ. وَهُوَ مُؤَيِّدٌ لِمَا قُلْنَا خَيْرُ الدِّينِ الرَّمْلِيُّ عَلَى الْمِنَحِ. [وَتَبْطُلُ الشَّرِكَةُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا] (قَوْلُهُ: الْمُصَنِّفُ وَتَبْطُلُ الشَّرِكَةُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا) أَيْ تَبْطُلُ شَرِكَةُ الْمَيِّتِ قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ: وَلَوْ كَانَ الشُّرَكَاءُ ثَلَاثَةً مَاتَ أَحَدُهُمْ حَتَّى انْفَسَخَتْ الشَّرِكَةُ فِي حَقِّهِ لَا تَنْفَسِخُ فِي حَقِّ الْبَاقِينَ. اهـ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 199 جَارِيَةٍ بِعَيْنِهَا فَقَالَ ذَلِكَ فَسَكَتَ الْمُوَكِّلُ فَالْمُشْتَرَى لِلْوَكِيلِ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ عَزْلَ نَفْسِهِ رَضِيَ بِهِ الْمُوَكِّلُ أَمْ لَا وَأَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ لَا يَمْلِكُ فَسْخَهَا بِلَا رِضَا الْآخَرِ اهـ. وَهَكَذَا ذَكَرَ فِي الْخُلَاصَةِ أَنَّ أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ لَا يَمْلِكُ فَسْخَهَا بِلَا رِضَا الْآخَرِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ هَذَا غَلَطٌ، وَقَدْ صَحَّحَ هُوَ انْفِرَادَ الشَّرِيكِ بِالْفَسْخِ وَالْمَالُ عُرُوضٌ وَالتَّعْلِيلُ الصَّحِيحُ مَا ذَكَرَهُ فِي التَّجْنِيسِ أَنَّ أَحَدَ الْمُتَفَاوِضَيْنِ لَا يَمْلِكُ تَغْيِيرَ مُوجَبِهَا إلَّا بِرِضَا صَاحِبِهِ وَفِي الرِّضَا احْتِمَالٌ يَعْنِي إذَا كَانَ سَاكِتًا وَالْمُرَادُ بِمُوجَبِهَا وُقُوعُ الْمُشْتَرَى عَلَى الِاخْتِصَاصِ وَلَا يُشْكِلُ عَلَى هَذَا مَا ذَكَرَهُ فِي الْخُلَاصَةِ فِي ثَلَاثَةٍ اشْتَرَكُوا شَرِكَةً صَحِيحَةً عَلَى قَدْرِ رُءُوسِ أَمْوَالِهِمْ فَخَرَجَ وَاحِدٌ إلَى نَاحِيَةٍ مِنْ النَّوَاحِي لِشَرِكَتِهِمْ فَشَارَكَ الْحَاضِرَانِ آخَرَ عَلَى أَنَّ ثُلُثَ الرِّبْحِ لَهُ وَالثُّلُثَيْنِ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا ثُلُثَاهُ لِلْحَاضِرَيْنِ وَثُلُثُهُ لِلْغَائِبِ فَعَمِلَ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ بِذَلِكَ الْمَالِ سِنِينَ مَعَ الْحَاضِرَيْنِ، ثُمَّ جَاءَ الْغَائِبُ فَلَمْ يَتَكَلَّمْ بِشَيْءٍ فَاقْتَسَمُوا وَلَمْ يَزَلْ يَعْمَلُ مَعَهُمْ هَذَا الرَّابِعُ حَتَّى خَسِرَ الْمَالَ أَوْ اسْتَهْلَكَهُ فَأَرَادَ الْغَائِبُ أَنْ يُضَمِّنَ شَرِيكَيْهِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا وَعَمَلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ رِضَا بِالشَّرِكَةِ؛ لِأَنَّ هَذَا أَخَصُّ مِنْ السُّكُوتِ السَّابِقِ لِمَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ الْعَمَلِ. اهـ. وَقَدْ ظَهَرَ لِي أَنْ لَا غَلَطَ فِي كَلَامِهِمْ لِإِمْكَانِ التَّوْفِيقِ فَقَوْلُهُمْ يَمْلِكُ فَسْخَهَا بِلَا رِضَا الْآخَرِ حَيْثُ أَعْلَمُهُ مَعْنَاهُ رَفْعُ عَقْدِ الشَّرِكَةِ بِالْكُلِّيَّةِ وَقَوْلُهُمْ فِي تَعْلِيلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ أَحَدَهُمَا لَا يَمْلِكُ فَسْخَهَا بِلَا رِضَا الْآخَرِ مَعْنَاهُ رَفْعُهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُشْتَرِي فَقَطْ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ أَحَدَهُمَا إذَا أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ شَيْئًا وَيَخْتَصَّ بِهِ وَلَا يَكُونُ عَلَى الشَّرِكَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ رِضَا صَاحِبِهِ وَلَا يَكْفِي عِلْمُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا فَسَخَهَا بِالْكُلِّيَّةِ، وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ لِمَنْ أَنْصَفَ مِنْ نَفْسِهِ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ مُتَفَاوِضُونَ غَابَ أَحَدُهُمْ وَأَرَادَ الْآخَرُ أَنْ يَتَنَاقَضَا لَيْسَ لَهُمَا ذَلِكَ بِدُونِ الْغَائِبِ وَلَا يُنْتَقَضُ الْبَعْضُ دُونَ الْبَعْضِ اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ جَحَدَ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ وَضَمِنَ نِصْفَ جَمِيعِ مَا فِي يَدِهِ إذَا ظَهَرَتْ الْمُفَاوَضَةُ بِالْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ جَحَدَ الْأَمَانَةَ فَصَارَ غَاصِبًا، وَكَذَلِكَ جُحُودُ وَارِثِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ بَاعَ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ شَيْئًا، ثُمَّ افْتَرَقَا وَالْمُشْتَرِي لَا يَعْلَمُ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ قَبْضُ الْمَالِ كُلِّهِ فَإِلَى أَيِّهِمَا دَفَعَ بَرِئَ وَإِنْ عَلِمَ بِالْفُرْقَةِ لَمْ يَدْفَعْ إلَّا إلَى الْعَاقِدِ، وَلَوْ دَفَعَ إلَى شَرِيكِهِ لَا يَبْرَأُ عَنْ نَصِيبِ الْعَاقِدِ، وَكَذَا لَوْ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا لَا يُخَاصِمُ بِهِ إلَّا الْبَائِعَ، وَلَوْ رَدَّ عَلَيْهِ بِالْعَيْبِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ وَحُكِمَ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ هَذَا غَلَطٌ إلَخْ) قَالَ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِهِ: حَاصِلُهُ أَنَّهُ لَوْ أَبْقَى كَلَامَ الْخُلَاصَةِ عَلَى ظَاهِرِهِ كَانَ غَلَطًا لِمَا أَنَّهُ صَرَّحَ بِخِلَافِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَأْوِيلِ عِبَارَتِهِ إلَى مَا ذَكَرَ فِي التَّجْنِيسِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ تَغْيِيرَ مُوجِبِهَا وَهُوَ اشْتِرَاكُ كُلِّ مُشْتَرِي بِأَنْ يَجْعَلَ بَعْضَ الْمُشْتَرَيَاتِ خَاصًّا مَعَ بَقَاءِ عَقْدِ الشَّرِكَةِ لَا يَمْلِكُهُ أَحَدُهُمَا بِدُونِ رِضَا الْآخَرِ، وَكَوْنُهُ يَمْلِكُ بِانْفِرَادِهِ الْفَسْخَ وَرَفْعُ الْعَقْدِ لَا يُنَافِي ذَلِكَ وَأَقُولُ: مِنْ هُنَا يَتَّضِحُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْوَكِيلِ وَبَيْنَ الشَّرِيكِ فَإِنَّ سُكُوتَ الْمُوَكِّلِ حِينَ قَالَ الْوَكِيلُ أُرِيدُ شِرَاءَ الْأَمَةِ لِنَفْسِي يَكْفِي؛ لِأَنَّهُ كَأَنَّهُ عَزَلَ نَفْسَهُ مِنْ الْوَكَالَةِ بِعِلْمِ الْمُوَكِّلِ فَصَحَّ وَأَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ لَمَّا سَكَتَ مَعَ بَقَاءِ حُكْمِ الْوَكَالَةِ الْمُتَضَمِّنَةِ لِلشَّرِكَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ مُعْتَمِدٌ عَلَى الشَّرِكَةِ الْبَاقِيَةِ وَأَنَّ حُكْمَهَا اشْتِرَاكُ كُلِّ مُشْتَرِي وَأَنَّ الشَّرْطَ الْمُفْسِدَ لَا يُفْسِدُهَا فَلَمْ يَتِمَّ رِضَاهُ، وَالْوَكَالَةُ الْحُكْمِيَّةُ بَاقِيَةٌ بِخِلَافِ الْوَكَالَةِ الْمُفْرَدَةِ؛ لِأَنَّهَا ارْتَفَعَتْ بِقَوْلِ الْوَكِيلِ أُرِيدُ شِرَاءَهَا لِنَفْسِي أَيْ لَا لَك وَقَدْ سَكَتَ فَلَوْ كَانَ لَهُ غَرَضٌ فِي بَقَائِهِ لَمَنَعَهُ بِمَا يُشَاهَدُ، وَهَذَا فَرْقٌ لَطِيفٌ ظَهَرَ لِلْعَبْدِ الضَّعِيفِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالتَّعْلِيلُ الصَّحِيحُ إلَخْ) أَيْ فِي مَسْأَلَةِ الْجَارِيَةِ السَّابِقَةِ أَيْ لَا يُعَلَّلُ بِأَنَّ الْوَكِيلَ يَمْلِكُ عَزْلَ نَفْسِهِ رَضِيَ الْمُوَكِّلُ أَمْ لَا وَالشَّرِيكُ لَا يَمْلِكُ فَسْخَهَا بِلَا رِضَا الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا صَحَّحَهُ مِنْ انْفِرَادِ الشَّرِيكِ بِالْفَسْخِ وَالْمَالُ عُرُوضٌ، قَالَ فِي النَّهْرِ: وَلَوْ حُمِلَ فَرْقُ الْخُلَاصَةِ عَلَى مَا اخْتَارَهُ الطَّحَاوِيُّ لَكَانَ أَوْلَى مِنْ نِسْبَةِ الْغَلَطِ إلَيْهِ. (قَوْلُهُ: وَقَدْ ظَهَرَ لِي أَنْ لَا غَلَطَ فِي كَلَامِهِمْ إلَخْ) حَاصِلُ هَذَا التَّوْفِيقِ إرْجَاعُ تَعْلِيلِهِمْ الْمَسْأَلَةَ السَّابِقَةَ إلَى مَا ذَكَرَهُ فِي التَّجْنِيسِ وَقَدْ جَعَلَهُ فِي شَرْحِ الْمَقْدِسِيَّ مُؤَدَّى كَلَامِ الْفَتْحِ كَمَا عَلِمْته وَهُوَ بَعِيدٌ، بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَ صَاحِبِ الْفَتْحِ بَيَانُ الْمُخَالَفَةِ لِمَا فِي التَّجْنِيسِ وَالْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَفَّقَ بَيْنَهُمَا بِعَدَمِهَا لَكِنْ قَالَ فِي النَّهْرِ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ تَغْيِيرَ مُوجِبِهَا لَا يُسَمَّى فَسْخًا. اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ لَا يُسَمَّى فَسْخًا لِلْعَقْدِ بِالْكُلِّيَّةِ فَمُسَلَّمٌ وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ، وَإِنْ أَرَادَ لَا يُسَمَّى فَسْخًا لِلِاشْتِرَاكِ فِي ذَلِكَ الْمُشْتَرَى الْخَاصِّ فَمَمْنُوعٌ، نَعَمْ الْمُتَبَادَرُ مِنْ قَوْلِهِمْ فِي التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ وَأَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ لَا يَمْلِكُ فَسْخَهَا بِلَا رِضَا الْآخَرِ أَنَّ الْمُرَادَ فَسْخُ عَقْدِ الشَّرِكَةِ بِالْكُلِّيَّةِ لَا فَسْخُهَا فِي ذَلِكَ الْمُشْتَرَى الْخَاصِّ؛ وَلِذَا جَزَمَ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّهُ غَلَطٌ لَكِنَّ كَلَامَ الْمُؤَلِّفِ فِي إمْكَانِ التَّوْفِيقِ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ مُمْكِنٌ بِمَا ذُكِرَ، وَإِنْ كَانَ خِلَافَ الْمُتَبَادَرِ وَتَعْبِيرُهُ بِالْإِمْكَانِ مُشِيرٌ إلَى ذَلِكَ وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ الْحَمْلِ عَلَى الْغَلَطِ وَكَذَا مَنْ حَمَلَهُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ؛ لِأَنَّهُ يُنَاقِضُهُ تَقْدِيمُ تَصْحِيحِ خِلَافِهِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 200 ثُمَّ افْتَرَقَا لَهُ أَنْ يَأْخُذَ أَيَّهُمَا شَاءَ، وَلَوْ اُسْتُحِقَّ الْعَبْدُ قَبْلَ الْفُرْقَةِ وَقَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ أَيَّهمَا شَاءَ. اهـ. وَفِيهِ قَبْلَهُ، وَلَوْ أَبْضَعَ أَحَدُهُمَا رَجُلًا فَاشْتَرَى الْمُسْتَبْضَعُ بِالْبِضَاعَةِ شَيْئًا بَعْدَ تَفَرُّقِهِمَا فَإِنْ عَلِمَ بِتَفَرُّقِهِمَا فَالْمُشْتَرَى لِلْمُبْضِعِ خَاصَّةً وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ مَدْفُوعًا إلَى الْمُسْتَبْضَعِ نَفَذَ الشِّرَاءُ عَلَيْهِمَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَدْفُوعًا إلَيْهِ فَالْمُشْتَرَى لِلْمُبْضِعِ اهـ. وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ حُكْمَهَا إذَا جُنَّ أَحَدُهُمَا، وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة سُئِلَ أَبُو بَكْرٍ عَنْ شَرِيكَيْنِ جُنَّ أَحَدُهُمَا وَعَمِلَ الْآخَرُ بِالْمَالِ حَتَّى رَبِحَ أَوْ وَضَعَ، قَالَ الشَّرِكَةُ بَيْنَهُمَا قَائِمَةٌ إلَى أَنْ يَتِمَّ إطْبَاقُ الْجُنُونِ عَلَيْهِ فَإِذَا قَضَى ذَلِكَ الْوَقْتَ تَنْفَسِخُ الشَّرِكَةُ بَيْنَهُمَا فَإِذَا عَمِلَ بِالْمَالِ بَعْدَ ذَلِكَ فَالرِّبْحُ كُلُّهُ لِلْعَامِلِ وَالْوَضِيعَةُ عَلَيْهِ وَهُوَ كَالْغَصْبِ لِمَالِ الْمَجْنُونِ فَيَطِيبُ لَهُ رِبْحُ مَالِهِ وَلَا يَطِيبُ لَهُ مَا رَبِحَ مِنْ مَالِ الْمَجْنُونِ فَيَتَصَدَّقُ بِهِ. اهـ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الشَّرِيكَيْنِ إذَا اشْتَرَيَا بِالْمَالِ مَتَاعًا، ثُمَّ أَرَادَا الْقِسْمَةَ فَإِنَّهُ يُقَوَّمُ ذَلِكَ يَوْمَ اشْتَرَيَاهُ وَيَكُونُ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِهِ، وَلَوْ اشْتَرَكَا فِي الْعُرُوضِ عَلَى أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ حِصَّةَ مَالِهِ فَاشْتَرَيَا بِهَا مَتَاعًا، ثُمَّ بَاعَاهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَإِنَّهُمَا يَقْتَسِمَانِ الدَّرَاهِمَ عَلَى قِيمَةِ الْعُرُوضِ يَوْمَ اشْتَرَيَاهُ، كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ اخْتِلَافِهِمَا وَلَا بَأْسَ بِبَيَانِهِ تَتْمِيمًا لِلْفَائِدَةِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ ادَّعَى أَنَّهُ شَارَكَهُ مُفَاوَضَةً وَالْمَالُ فِي يَدِ الْجَاحِدِ، فَالْقَوْلُ لِلْجَاحِدِ وَالْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي فَإِنْ أَقَامَهَا فَإِنْ شَهِدُوا أَنَّهُ مُفَاوَضَةٌ وَأَنَّ الْمَالَ الَّذِي فِي يَدِهِ بَيْنَهُمَا أَوْ مِنْ شَرِكَتِهِمَا قُبِلَتْ وَقَضَى بِهِ بَيْنَهُمَا وَإِنْ شَهِدُوا أَنَّهُ مُفَاوَضَةٌ فَقَطْ ذَكَرَ السَّرَخْسِيُّ قَبُولَهَا وَذَكَرَ خواهر زاده قَبُولَهَا إنْ شَهِدُوا فِي مَجْلِسِ الدَّعْوَى وَإِنْ بَعْدَمَا تَفَرَّقَا لَا يَقْضِي مَا لَمْ يَشْهَدُوا أَنَّهُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ أَوْ أَنَّهُ مِنْ شَرِكَتِهِمَا أَوْ يُقِرُّ الْجَاحِدُ أَنَّ الْمَالَ كَانَ فِي يَدِهِ يَوْمَئِذٍ، ثُمَّ إذَا قَضَى بِهِ بَيْنَهُمَا فَادَّعَى ذُو الْيَدِ شَيْئًا مِمَّا فِي يَدِهِ لِنَفْسِهِ مِيرَاثًا أَوْ هِبَةً أَوْ صَدَقَةً مِنْ غَيْرِ جِهَةِ الْمُدَّعِي فَإِنْ كَانَ شُهُودُ مُدَّعِي الْمُفَاوَضَةِ شَهِدُوا أَنَّهُ مُفَاوَضَةٌ وَأَنَّ الْمَالَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ أَوْ شَهِدُوا أَنَّهُ مُفَاوَضَةٌ وَأَنَّ الْمَالَ مِنْ شَرِكَتِهِمَا فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ وَإِنْ شَهِدُوا أَنَّهُ مُفَاوَضَةٌ وَأَنَّ الْمَالَ فِي يَدِهِ أَوْ شَهِدُوا أَنَّهُ مُفَاوَضَةٌ وَلَمْ يَزِيدُوا قُبِلَتْ عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، وَلَوْ ادَّعَى شَيْئًا مِمَّا فِي يَدِهِ بِطَرِيقِ التَّلَقِّي مِنْ الْمُدَّعِي تُسْمَعُ وَتُقْبَلُ مُطْلَقًا، وَإِذَا افْتَرَقَ الْمُتَفَاوِضَانِ، ثُمَّ ادَّعَى أَحَدُهُمَا أَنَّ شَرِيكَهُ كَانَ بِالنِّصْفِ وَادَّعَى الْآخَرُ بِالثُّلُثِ، وَقَدْ اتَّفَقَا عَلَى الْمُفَاوَضَةِ فَجَمِيعُ الْمَالِ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ وَتَمَامُهُ فِيهَا. (قَوْلُهُ وَلَمْ يُزَكَّ مَالُ الْآخَرِ إلَّا بِإِذْنِهِ) أَيْ أَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ التِّجَارَةِ فَلَا يَكُونُ وَكِيلًا عَنْهُ فِي أَدَائِهَا إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ. (قَوْلُهُ فَإِنْ أَذِنَ كُلٌّ وَأَدَّيَا مَعًا ضَمِنَا، وَلَوْ مُتَعَاقِبًا ضَمِنَ الثَّانِي) أَيْ إنْ أَذِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ بِأَدَاءِ الزَّكَاةِ عَنْهُ فَأَدَّيَا مَعًا ضَمِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَصِيبَ صَاحِبِهِ وَإِنْ أَدَّيَا عَلَى التَّعَاقُبِ كَانَ الثَّانِي ضَامِنًا لِلْأَوَّلِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا عَلِمَ بِأَدَاءِ صَاحِبِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ فِي الْوَجْهَيْنِ، وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ، وَعِنْدَهُمَا لَا ضَمَانَ إذَا لَمْ يَعْلَمْ وَعَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ الْمَأْمُورُ بِأَدَاءِ الزَّكَاةِ إذَا تَصَدَّقَ عَلَى الْفُقَرَاءِ بَعْدَمَا أَدَّى الْآمِرُ بِنَفْسِهِ لَهُمَا أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالتَّمْلِيكِ مِنْ الْفَقِيرِ، وَقَدْ أَتَى بِهِ فَلَا يَضْمَنُ لِلْمُوَكِّلِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ فِي وُسْعِهِ التَّمْلِيكَ لَا وُقُوعَهُ زَكَاةً لِتَعَلُّقِهِ بِنِيَّةِ الْمُوَكِّلِ وَإِنَّمَا يَطْلُبُ مِنْهُ مَا فِي وُسْعِهِ وَصَارَ كَالْمَأْمُورِ بِذَبْحِ دَمِ الْإِحْصَارِ إذَا ذَبَحَ بَعْدَمَا زَالَ الْإِحْصَارُ وَحَجَّ الْآمِرُ لَمْ يَضْمَنْ الْمَأْمُورُ عَلِمَ أَوْ لَا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِأَدَاءِ الزَّكَاةِ وَالْمُؤَدَّى لَمْ يَقَعْ زَكَاةً فَصَارَ مُخَالِفًا، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْآمِرِ إخْرَاجُ النَّفْسِ عَنْ عُهْدَةِ الْوَاجِبِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا يَلْتَزِمُ الضَّرَرَ إلَّا لِدَفْعِ الضَّرَرِ، وَهَذَا الْمَقْصُودُ حَصَلَ بِأَدَائِهِ فَعَرَى أَدَاءُ الْمَأْمُورِ عَنْهُ فَصَارَ مَعْزُولًا عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ؛ لِأَنَّهُ عَزْلٌ حُكْمِيٌّ، وَأَمَّا دَمُ الْإِحْصَارِ فَقَدْ قِيلَ إنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ، وَقِيلَ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ وَوَجْهُهُ أَنَّ الدَّمَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ وَأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَصْبِرَ حَتَّى يَزُولَ الْإِحْصَارُ وَفِي مَسْأَلَتِنَا الْأَدَاءُ وَاجِبٌ   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 201 فَاعْتُبِرَ الْإِسْقَاطُ مَقْصُودًا فِيهِ دُونَ دَمِ الْإِحْصَارِ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَنَقَلَ الْوَلْوَالِجِيُّ أَنَّ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ لَا يَضْمَنُ عِنْدَهُمَا وَإِنْ عَلِمَ بِأَدَاءِ الْمَالِكِ وَنَصَّ فِي زِيَادَاتِ الْعَتَّابِيِّ أَنَّ عِنْدَهُمَا لَا يَضْمَنُ عَلِمَ بِأَدَائِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَهُمَا كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ [أَذِنَ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ بِشِرَاءِ أَمَةٍ لِيَطَأَ فَفَعَلَ] قَوْلُهُ (وَإِنْ أَذِنَ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ بِشِرَاءِ أَمَةٍ لِيَطَأَ فَفَعَلَ فَهِيَ لَهُ بِلَا شَيْءٍ) أَيْ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَقَالَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى دَيْنًا عَلَيْهِ خَاصَّةً مِنْ مَالٍ مُشْتَرَكٍ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ بِنَصِيبِهِ كَمَا فِي شِرَاءِ الطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ وَقَعَ لَهُ خَاصَّةً وَالثَّمَنَ بِمُقَابَلَةِ الْمِلْكِ وَلَهُ أَنَّ الْجَارِيَةَ دَخَلَتْ فِي الشَّرِكَةِ عَلَى الْبَتَاتِ جَرْيًا عَلَى مُقْتَضَى الشَّرِكَةِ إذْ هُمَا لَا يَمْلِكَانِ تَغْيِيرَهُ فَأَشْبَهَ حَالَ عَدَمِ الْإِذْنِ، غَيْرَ أَنَّ الْإِذْنَ يَتَضَمَّنُ هِبَةَ نَصِيبِهِ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ لَا يَحِلُّ إلَّا بِالْمِلْكِ وَلَا وَجْهَ إلَى إثْبَاتِهِ بِالْبَيْعِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ يُخَالِفُ مُقْتَضَى الشَّرِكَةِ فَأَثْبَتْنَاهُ بِالْهِبَةِ الثَّانِيَةِ فِي ضِمْنِ الْإِذْنِ بِخِلَافِ الطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُسْتَثْنًى عَنْهَا لِلضَّرُورَةِ فَيَقَعُ الْمِلْكُ لَهُ خَاصَّةً بِنَفْسِ الْعَقْدِ فَكَانَ مُؤَدِّيًا دَيْنًا عَلَيْهِ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ وَفِي مَسْأَلَتِنَا قَضَى دَيْنًا عَلَيْهِمَا وَلِلْبَائِعِ أَنْ يَأْخُذَ بِالثَّمَنِ أَيَّهُمَا شَاءَ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ وَجَبَ بِسَبَبِ التِّجَارَةِ، وَالْمُفَاوَضَةُ تَضَمَّنَتْ الْكَفَالَةَ فَصَارَ كَالطَّعَامِ وَالْكِسْوَةُ قَيْدٌ بِالْإِذْنِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اشْتَرَاهَا لِلْوَطْءِ بِلَا إذْنٍ كَانَتْ مُشْتَرَكَةً لِمَا قَدَّمْنَاهُ وَقَدَّمْنَا أَنَّ السُّكُوتَ عِنْدَ الِاسْتِئْذَانِ لَا يَكُونُ إذْنًا فَلَا يَكُونُ لَهُ خَاصَّةً، وَقَدْ بَيَّنَّا الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سُكُوتِ الْمُوَكِّلِ. [كِتَابُ الْوَقْفِ] [شَرَائِطُ الْوَقْف] (كِتَابُ الْوَقْفِ) . مُنَاسَبَتُهُ لِلشَّرِكَةِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا الِانْتِفَاعُ بِمَا يَزِيدُ عَلَى أَصْلِ الْمَالِ وَلَهُ مَعْنًى لُغَوِيٌّ وَشَرْعِيٌّ وَسَبَبٌ وَمَحَلٌّ وَشَرَائِطُ وَرُكْنٌ وَأَحْكَامٌ وَمَحَاسِنُ وَصِفَةٌ فَمَعْنَاهُ فِي اللُّغَةِ الْحَبْسُ قَالَ فِي الْقَامُوسِ وَقَفَ الدَّارَ حَبَسَهُ كَأَوْقَفَهُ وَهَذِهِ لُغَةٌ رَدِيئَةٌ. اهـ. وَأَمَّا مَعْنَاهُ شَرْعًا فَمَا أَفَادَهُ (قَوْلُهُ حَبْسُ الْعَيْنِ عَلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ وَالتَّصَدُّقُ بِالْمَنْفَعَةِ) يَعْنِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعِنْدَهُمَا هُوَ حَبْسُ الْعَيْنِ عَلَى حُكْمِ مِلْكِ اللَّهِ تَعَالَى وَزَادَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ عَلَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَوْ صَرْفُ مَنْفَعَتِهَا عَلَى مَنْ أَحَبَّ قَالَ لِأَنَّ الْوَقْفَ يَصِحُّ لِمَنْ يُحِبُّ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ بِلَا قَصْدِ الْقُرْبَةِ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ فِي آخِرِهِ مِنْ الْقُرْبَةِ كَشَرْطِ التَّأْبِيدِ وَهُوَ بِذَلِكَ كَالْفُقَرَاءِ وَمَصَالِحِ الْمَسْجِدِ لَكِنَّهُ يَكُونُ وَقْفًا قَبْلَ انْقِرَاضِ الْأَغْنِيَاءِ بِلَا تَصَدُّقٍ اهـ. وَقَدْ يُقَالُ إنَّ الْوَقْفَ عَلَى الْغَنِيِّ تَصَدُّقٌ بِالْمَنْفَعَةِ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ كَمَا تَكُونُ عَلَى الْفُقَرَاءِ تَكُونُ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ وَإِنْ كَانَ التَّصَدُّقُ عَلَى الْغَنِيِّ مَجَازًا عَنْ الْهِبَةِ عِنْدَ بَعْضِهِمْ وَصَرَّحَ فِي الذَّخِيرَةِ بِأَنَّ فِي التَّصَدُّقِ عَلَى الْغَنِيِّ نَوْعَ قُرْبَةٍ دُونَ قُرْبَةِ الْفَقِيرِ وَعَرَّفَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ بِأَنَّهُ حَبْسُ الْمَمْلُوكِ عَنْ التَّمْلِيكِ مِنْ الْغَيْرِ وَسَبَبُهُ إرَادَةُ مَحْبُوبِ النَّفْسِ فِي الدُّنْيَا بِبِرِّ الْأَحْبَابِ وَفِي الْآخِرَةِ بِالتَّقَرُّبِ إلَى رَبِّ الْأَرْبَابِ جَلَّ وَعَزَّ وَمَحَلُّهُ الْمَالُ الْمُتَقَوِّمُ وَشَرَائِطُهُ أَهْلِيَّةُ الْوَاقِفِ لِلتَّبَرُّعِ مِنْ كَوْنِهِ حُرًّا عَاقِلًا بَالِغًا وَأَنْ يَكُونَ مُنْجَزًا غَيْرَ مُعَلَّقٍ فَإِنَّهُ مِمَّا لَا يَصْلُحُ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ فَلَوْ قَالَ إنْ قَدِمَ وَلَدِي فَدَارِي صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ عَلَى الْمَسَاكِينِ فَجَاءَ وَلَدُهُ لَا تَصِيرُ وَقْفًا وَذَكَرَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ الْوَقْفُ فِيمَا لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ فِي رِوَايَةٍ فَأَشَارَ أَنَّ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ وَجَزَمَ بِصِحَّةِ إضَافَتِهِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَتَعْلِيقُ الْوَقْفِ بِالشَّرْطِ بَاطِلٌ. وَفِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ قَالَ إذَا جَاءَ غَدٌ فَأَرْضِي صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ أَوْ قَالَ إذَا مَلَكْتُ هَذِهِ الْأَرْضَ فَهِيَ صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ وَالْوَقْفُ لَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالْخَطَرِ لِأَنَّهُ لَا يُحْلَفُ بِهِ فَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ كَمَا لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ الْهِبَةِ بِخِلَافِ النَّذْرِ لِأَنَّهُ يُحْلَفُ بِهِ وَيَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ اهـ. فَإِذَا جَاءَ غَدٌ تَعْلِيقٌ وَوَقَفْتُهُ غَدًا إضَافَةٌ وَقَدْ بَيَّنَّا الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي شَرْحِنَا عَلَى الْمَنَارِ وَفِي لُبِّ الْأُصُولِ وَلَوْ قَالَ وَقَفْتُهُ إنْ شِئْتُ ثُمَّ قَالَ شِئْتُ كَانَ بَاطِلًا لِلتَّعْلِيقِ   [منحة الخالق] (كِتَابُ الْوَقْفِ) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 202 أَمَّا لَوْ قَالَ شِئْتُ وَجَعَلْتُهَا صَدَقَةً صَحَّ هَذَا الْكَلَامُ الْمُتَّصِلُ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ إنْ كَانَتْ هَذِهِ الدَّارُ فِي مِلْكِي فَهِيَ صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ فَظَهَرَ أَنَّهَا كَانَتْ فِي مِلْكِهِ وَقْتَ التَّكَلُّمِ فَإِنَّهَا تَصِيرُ وَقْفًا لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ عَلَى أَمْرٍ كَائِنٍ وَهُوَ تَنْجِيزٌ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَسَيَأْتِي تَعْلِيقُهُ بِالْمَوْتِ. الْخَامِسُ مِنْ شَرَائِطِهِ الْمِلْكُ وَقْتَ الْوَقْفِ حَتَّى لَوْ غَصَبَ أَرْضًا فَوَقَفَهَا ثُمَّ اشْتَرَاهَا مِنْ مَالِكِهَا وَدَفَعَ الثَّمَنَ إلَيْهِ أَوْ صَالَحَ عَلَى مَالٍ دَفَعَهُ إلَيْهِ لَا تَكُونُ وَقْفًا لِأَنَّهُ إنَّمَا مَلَكَهَا بَعْدَ أَنْ وَقَفَهَا هَذَا عَلَى أَنَّهُ هُوَ الْوَاقِفُ أَمَّا لَوْ وَقَفَ ضَيْعَةَ غَيْرِهِ عَلَى جِهَاتٍ فَبَلَغَ الْغَيْرَ فَأَجَازَهُ جَازَ بِشَرْطِ الْحُكْمِ وَالتَّسْلِيمِ أَوْ عَدَمِهِ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي سَنَذْكُرُهُ وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِجَوَازِ وَقْفِ الْفُضُولِيِّ فَلَوْ اُسْتُحِقَّ الْوَقْفُ بَطَلَ وَكَذَا لَوْ جَاءَ شَفِيعُهَا بَعْدَ وَقْفِ الْمُشْتَرِي وَكَذَا لَوْ وَقَفَ الْمَرِيضُ الْمَدْيُونُ الَّذِي أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ فَإِنَّهُ يُبَاعُ وَيَنْقُضُ الْوَقْفُ وَلَوْ وَقَفَ الْمَبِيعَ فَاسِدًا بَعْدَ الْقَبْضِ صَحَّ وَعَلَيْهِ الْقِيمَةُ لِلْبَائِعِ وَكَذَا لَوْ اتَّخَذَهَا مَسْجِدًا وَكَذَا لَوْ جَعَلَهَا مَسْجِدًا وَجَاءَ شَفِيعُهَا نَقَضَ الْمَسْجِدِيَّةَ وَلَوْ وَقَفَهَا الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبْضِ إنْ نَقَدَ الثَّمَنَ جَازَ الْوَقْفُ وَإِلَّا فَهُوَ مَوْقُوفٌ وَلَوْ اشْتَرَى أَرْضًا فَوَقَفَهَا ثُمَّ جَاءَ مُسْتَحِقٌّ فَاسْتَحَقَّهَا وَأَجَازَ الْبَيْعَ بَطَلَ الْوَقْفُ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَلَوْ ضَمَّنَ الْمُسْتَحِقُّ الْبَائِعَ جَازَ الْوَقْفُ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ الْكُلُّ فِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ وُهِبَتْ لَهُ أَرْضٌ هِبَةً فَاسِدَةً فَقَبَضَهَا ثُمَّ وَقَفَهَا صَحَّ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا. وَلَوْ اشْتَرَى أَرْضًا فَوَقَفَهَا ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ رَجَعَ بِالنُّقْصَانِ وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ بَدَلًا لِعَدَمِ دُخُولِ نُقْصَانِ الْعَيْبِ فِي الْوَقْفِ كَذَا فِي الْإِسْعَافِ وَفِي الذَّخِيرَةِ لَوْ اشْتَرَى عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ بِالْخِيَارِ فِيهَا فَوَقَفَهَا ثُمَّ أَجَازَ الْبَائِعُ الْبَيْعَ لَمْ يَجُزْ الْوَقْفُ. اهـ. وَيَتَفَرَّعُ عَلَى اشْتِرَاطِ الْمِلْكِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَقْفُ الْإِقْطَاعَاتِ إلَّا إذَا كَانَ الْأَرْضُ مَوَاتًا فَأَقْطَعَهَا الْإِمَامُ رَجُلًا أَوْ كَانَتْ مِلْكًا لِلْإِمَامِ فَأَقْطَعَهَا رَجُلًا وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَقْفُ أَرْضِ الْحَوْزِ لِلْإِمَامِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالِكٍ لَهَا زَادَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَلَا لِمَالِكِهَا قَالَ وَتَفْسِيرُ أَرْضِ الْحَوْزِ أَرْضٌ عَجَزَ صَاحِبُهَا عَنْ زِرَاعَتِهَا وَأَدَاءِ خَرَاجِهَا فَدَفَعَهَا إلَى الْإِمَامِ لِتَكُونَ مَنَافِعُهَا جَبْرًا لِلْخَرَاجِ. اهـ. وَتَمَامُهُ فِي الْخَصَّافِ وَذَكَرَ أَيْضًا أَنَّ الْمَوْهُوبَ لَهُ لَا يَصِحُّ وَقْفُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَلَوْ قَبَضَ بَعْدُ هُوَ الْمُوصَى لَهُ كَذَلِكَ قَبْلَ الْمَوْتِ السَّادِسُ عَدَمُ الْجَهَالَةِ فَلَوْ وَقَفَ مِنْ أَرْضِهِ شَيْئًا وَلَمْ يُسَمِّهِ كَانَ بَاطِلًا لِأَنَّ الشَّيْءَ يَتَنَاوَلُ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ وَلَوْ بَيَّنَ بَعْدَ ذَلِكَ رُبَّمَا يُبَيِّنُ شَيْئًا قَلِيلًا لَا يُوقَفُ عَادَةً فَلَوْ وَقَفَ جَمِيعَ حِصَّتِهِ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يُسَمِّ السِّهَامَ جَازَ اسْتِحْسَانًا كَذَا فِي الْإِسْعَافِ وَلَوْ وَقَفَ هَذِهِ الْأَرْضَ أَوْ هَذِهِ الْأَرْضَ وَبَيَّنَ وَجْهَ الصَّرْفِ كَانَ بَاطِلًا لِمَكَانِ الْجَهَالَةِ. وَلَوْ قَالَ جَعَلْتُ نَصِيبِي مِنْ هَذِهِ الدَّارِ وَقْفًا وَهُوَ ثُلُثُ جَمِيعِ الدَّارِ فَإِذَا هِيَ النِّصْفُ كَانَ الْكُلُّ وَقْفًا وَتَمَامُهُ فِي الْخَانِيَّةِ السَّابِعُ عَدَمُ الْحَجْرِ عَلَى الْوَاقِفِ لِسَفَهٍ أَوْ دَيْنٍ كَذَا أَطْلَقَهُ الْخَصَّافُ وَيَنْبَغِي أَنَّهُ إذَا وَقَفَهَا فِي الْحَجْرِ لِلسَّفَهِ عَلَى نَفْسِهِ ثُمَّ لِجِهَةٍ لَا تَنْقَطِعُ أَنْ يَصِحَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ وَعِنْدَ الْكُلِّ إذَا حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهُوَ مَدْفُوعٌ بِأَنَّ الْوَقْفَ تَبَرُّعٌ وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ الثَّامِنُ أَنْ لَا يَذْكُرَ مَعَ الْوَقْفِ اشْتِرَاطَ بَيْعِهِ فَلَوْ وَقَفَ بِشَرْطِ أَنْ يَبِيعَهَا وَيَصْرِفَ ثَمَنَهَا إلَى حَاجَتِهِ لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ فِي الْمُخْتَارِ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَهُوَ قَوْلُ هِلَالٍ وَالْخَصَّافِ وَجَوَّزَهُ يُوسُفُ بْنُ خَالِدٍ السَّمْتِيُّ إلْحَاقًا لِلْوَقْفِ بِالْعِتْقِ. وَأَمَّا اشْتِرَاطُ الِاسْتِبْدَالِ فَلَا يُبْطِلُهُ كَمَا سَيَأْتِي فِي مَحَلِّهِ التَّاسِعُ أَنْ لَا يَلْحَقَ بِهِ خِيَارُ شَرْطٍ فَلَوْ وَقَفَ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَعِنْدَ الْكُلِّ إذَا حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ) فِيهِ إشْكَالٌ وَهُوَ أَنَّ الْحَجْرَ عَلَى السَّفِيهِ لَا يَنْفُذُ عِنْدَهُ بَلْ عِنْدَهُمَا فَلَوْ حَجَرَ الْقَاضِي عَلَيْهِ لَا يَنْحَجِرُ وَيَبْقَى تَصَرُّفُهُ قَبْلَ الْحَجْرِ وَبَعْدَهُ سَوَاءً وَلَيْسَ الْحَجْرُ بِحُكْمٍ عِنْدَهُ بَلْ هُوَ فَتْوَى وَهِيَ لَا تَرْفَعُ الْخِلَافَ وَعِنْدَهُمَا تَصَرُّفُهُ غَيْرُ نَافِذٍ فَلِهَذَا لَا يَصِحُّ وَقْفُهُ وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ الْوَقْفَ عِنْدَهُ لَا يَلْزَمُ وَحِينَئِذٍ فَصِحَّتُهُ بِالْحُكْمِ غَيْرُ ظَاهِرَةٍ عِنْدَ الْكُلِّ فَإِنَّ الْوَقْفَ صَحِيحٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَالْحُكْمَ بِنَفَاذِ تَصَرُّفِ الْمَحْجُورِ غَيْرُ صَحِيحٍ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِالْعَكْسِ فَيَكُونُ الْحُكْمُ بِصِحَّةِ هَذَا الْوَقْفِ مُرَكَّبًا مِنْ الْمَذْهَبَيْنِ وَقَدْ اسْتَشْكَلَهُ الْإِمَامُ الطَّرَسُوسِيُّ حِينَ وَقَفَ عَلَى وَقْفِيَّةٍ سُطِّرَ فِيهَا حُكْمٌ بِصِحَّةِ الْوَقْفِ الْمَذْكُورِ وَلَوْ كَانَ الْوَاقِفُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ لِلسَّفَهِ ثُمَّ قَالَ وَلَكِنْ رَأَيْت فِي الْمُنْيَةِ مِثْلَ هَذِهِ الْوَاقِعَةِ الْمُرَكَّبَةِ مِنْ مَذْهَبَيْنِ حَيْثُ قَالَ لَوْ قَضَى الْقَاضِي بِشَهَادَةِ الْفُسَّاقِ عَلَى غَائِبٍ أَوْ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ فِي النِّكَاحِ عَلَى غَائِبٍ فَإِنَّهُ يَنْفُذُ وَإِنْ كَانَ مَنْ يُجَوِّزُ الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ يَقُولُ لَيْسَ لِلْفَاسِقِ شَهَادَةٌ وَلَا لِلنِّسَاءِ فِي بَابِ النِّكَاحِ شَهَادَةٌ اهـ. فَقَدْ جَعَلَ الْحُكْمَ وَإِنْ كَانَ مُرَكَّبًا مِنْ مَذْهَبَيْنِ جَائِزًا فَكَذَا نَقُولُ هُنَا وَإِنْ كَانَ مَنْ قَالَ بِأَنَّ تَصَرُّفَ الْمَحْجُورِ نَافِذٌ لَا يَقُولُ بِصِحَّةِ الْوَقْفِ وَمَنْ قَالَ بِصِحَّةِ الْوَقْفِ يَقُولُ تَصَرُّفُهُ بَعْدَ الْحَجْرِ غَيْرُ نَافِذٍ فَانْدَفَعَ الْإِشْكَالُ اهـ. (قَوْلُهُ وَهُوَ مَدْفُوعٌ بِأَنَّ الْوَقْفَ تَبَرُّعٌ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ يُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ عَدَمَ أَهْلِيَّتِهِ لِلتَّبَرُّعِ يَعْنِي عَلَى غَيْرِهِ لَا عَلَى نَفْسِهِ كَمَا هُنَا وَاسْتِحْقَاقُ الْغَيْرِ لَهُ إنَّمَا هُوَ بَعْدَ مَوْتِهِ وَلَوْ وَقَفَ بِإِذْنِ الْقَاضِي عَلَى وَلَدِهِ صَحَّ عِنْدَ الْبَلْخِيّ خِلَافًا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 203 مُحَمَّدٍ مَعْلُومًا كَانَ الْوَقْتُ أَوْ مَجْهُولًا وَاخْتَارَهُ هِلَالٌ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ كَانَ الْوَقْتُ مَعْلُومًا جَازَ الْوَقْفُ وَالشَّرْطُ كَالْبَيْعِ وَإِلَّا بَطَلَ الْوَقْفُ وَصَحَّحَهُ السَّمْتِيُّ مُطْلَقًا وَأَبْطَلَ الشَّرْطَ وَظَاهِرُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ أَنَّهُ لَوْ جَعَلَ دَارِهِ مَسْجِدًا عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ صَحَّ الْوَقْفُ وَبَطَلَ الشَّرْطُ بِلَا خِلَافٍ وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ يَنْبَغِي عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِيمَا إذَا كَانَ الْوَقْتُ مَجْهُولًا أَنْ يَصِحَّ الْوَقْفُ وَيَبْطُلَ الشَّرْطُ الْعَاشِرُ أَنْ لَا يَكُونَ مُؤَقَّتًا قَالَ الْخَصَّافُ لَوْ وَقَفَ دَارِهِ يَوْمًا أَوْ شَهْرًا لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْهُ مُؤَبَّدًا وَكَذَا لَوْ قَالَ عَلَى فُلَانٍ مِنْهُ كَانَ بَاطِلًا وَفَصَّلَ هِلَالٌ بَيْنَ أَنْ يَشْتَرِطَ رُجُوعَهَا إلَيْهِ بَعْدَ الْوَقْتِ فَيَبْطُلَ الْوَقْفُ أَوْ لَا فَلَا وَظَاهِرُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ اعْتِمَادُهُ الْحَادِيَ عَشَرَ أَنْ يَكُونَ لِلْوَاقِفِ مِلَّةٌ فَلَا يَصِحُّ وَقْفُ الْمُرْتَدِّ إنْ قُتِلَ أَوْ مَاتَ عَلَى رِدَّتِهِ وَإِنْ أَسْلَمَ صَحَّ وَيَبْطُلُ وَقْفُ الْمُسْلِمِ إنْ ارْتَدَّ وَيَصِيرُ مِيرَاثًا سَوَاءٌ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ أَوْ مَاتَ أَوْ عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ إلَّا إنْ أَعَادَ الْوَقْفَ بَعْدَ عَوْدِهِ إلَى الْإِسْلَامِ كَمَا أَوْضَحَهُ الْخَصَّافُ آخِرَ الْكِتَابِ وَيَصِحُّ وَقْفُ الْمُرْتَدَّةِ لِأَنَّهَا لَا تُقْتَلُ وَأَمَّا الْإِسْلَامُ فَلَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ فَصَحَّ وَقْفِ الذِّمِّيِّ بِشَرْطِ كَوْنِهِ قُرْبَةً عِنْدَنَا وَعِنْدَهُمْ كَمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ أَوْ عَلَى الْفُقَرَاءِ أَوْ عَلَى فُقَرَاءِ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَإِنْ عَمَّمَ جَازَ الصَّرْفُ إلَى كُلِّ فَقِيرٍ مُسْلِمٍ أَوْ كَافِرٍ وَإِنْ خَصَّصَ فُقَرَاءَ أَهْلِ الذِّمَّةِ اُعْتُبِرَ شَرْطُهُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْخَصَّافُ كَالْمُعْتَزِلِيِّ إذَا خَصَّ أَهْلَ الِاعْتِزَالِ وَلَوْ شَرَطَ أَنَّ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ وَلَدِهِ أُخْرِجَ اُعْتُبِرَ شَرْطُهُ أَيْضًا كَشَرْطِ الْمُعْتَزِلِيِّ أَنَّ مَنْ صَارَ سُنِّيًّا أُخْرِجَ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ قَبِيلِ اشْتِرَاطِ الْمَعْصِيَةِ لِأَنَّ التَّصَدُّقَ عَلَى الْكَافِرِ غَيْرِ الْحَرْبِيِّ قُرْبَةٌ وَلَوْ وَقَفَ عَلَى بِيعَةٍ فَإِذَا خُرِّبَتْ كَانَ لِلْفُقَرَاءِ لَمْ يَصِحَّ وَكَانَ مِيرَاثًا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ عِنْدَنَا كَالْوَقْفِ عَلَى الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ عِنْدَهُمْ بِخِلَافِ مَا لَوْ وَقَفَ عَلَى مَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ لِأَنَّهُ قُرْبَةٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُمْ. وَفِي الْقُنْيَةِ وَقَفَ الْمَجُوسِيُّ ضَيْعَةً عَلَى فُقَرَاءِ الْمَجُوسِ لَا يَجُوزُ ثُمَّ رَقَمَ بَعْدَهُ بِحَرْفِ الطَّاءِ مَجُوسِيٌّ وَقَفَ أَرْضَهُ عَلَى أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِ مَا تَنَاسَلُوا وَمِنْ بَعْدِهِ عَلَى فُقَرَاءِ الْيَهُودِ أَوْ الْمَجُوس يَجُوزُ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ عَلَى فُقَرَاءِ الْمَجُوسِ ابْتِدَاءً اهـ. وَفِي الْحَاوِي وَقْفُ الْمَجُوسِيِّ عَلَى بَيْتِ النَّارِ وَالْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ   [منحة الخالق] لِأَبِي الْقَاسِمِ الصَّفَّارِ (قَوْلُهُ بِشَرْطِ كَوْنِهِ قُرْبَةً عِنْدَنَا وَعِنْدَهُمْ) الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا شَرْطٌ فِي وَقْفِ الذِّمِّيِّ فَقَطْ لِيَخْرُجَ مَا لَوْ كَانَ قُرْبَةً عِنْدَنَا فَقَطْ كَوَقْفِهِ عَلَى الْحَجِّ وَالْمَسْجِدِ وَمَا كَانَ قُرْبَةً عِنْدَهُمْ فَقَطْ كَالْوَقْفِ عَلَى الْبِيعَةِ بِخِلَافِ الْوَقْفِ عَلَى مَسْجِدِ الْقُدْسِ فَإِنَّهُ قُرْبَةٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُمْ فَيَصِحُّ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ شَرْطًا لِكُلِّ وَقْفٍ لَزِمَ أَنْ لَا يَصِحَّ وَقْفُ الْمُسْلِمِ عَلَى الْحَجِّ وَالْمَسَاجِدِ لِأَنَّهُ قُرْبَةٌ عِنْدَنَا فَقَطْ وَلِذَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ فَصَحَّ وَقْفُ الذِّمِّيِّ بِشَرْطٍ إلَخْ فَجَعَلَ الشَّرْطَ الْمَذْكُورَ لِوَقْفِ الذِّمِّيِّ لَا مُطْلَقًا (قَوْلُهُ لَمْ يَصِحَّ وَكَانَ مِيرَاثًا) يُخَالِفُ مَا فِي الْخَصَّافِ وَنَصُّهُ قُلْتُ: وَكُلُّ وَقْفٍ وَقَفَهُ الذِّمِّيُّ فَجَعَلَ غَلَّةَ ذَلِكَ فِيمَا لَا يَجُوزُ مِثْلُ قَوْلِهِ فِي عِمَارَةِ الْبِيَعِ وَالْكَنَائِسِ وَبُيُوتِ النِّيرَانِ وَالْإِسْرَاجِ فِيهَا وَمَرَمَّتِهَا أَلَيْسَ ذَلِكَ بَاطِلًا قَالَ بَلَى قُلْتُ: فَإِنْ قَالَ يَكُونُ آخِرَ غَلَّةِ هَذَا الْوَقْفِ لِلْفُقَرَاءِ قَالَ تَكُونُ الْغَلَّةُ لِلْفُقَرَاءِ وَيَبْطُلُ مَا قَالَ فِي مَرَمَّةِ الْبِيَعِ وَالْكَنَائِسِ وَبُيُوتِ النِّيرَانِ وَالْأَسْرَاجِ فِيهَا تَأَمَّلْ اهـ. وَفِي الْإِسْعَافِ وَلَوْ وَقَفَهَا عَلَى مَصَالِحِ بَيْعَةِ كَذَا مِنْ عِمَارَةٍ وَمَرَمَّةٍ وَأَسْرَاجٍ وَإِذَا خُرِّبَتْ وَاسْتَغْنَى عَنْهَا تَكُونُ الْغَلَّةُ لِإِسْرَاجِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ أَوْ قَالَ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ يَجُوزُ الْوَقْفُ وَتَكُونُ الْغَلَّةُ لِلْإِسْرَاجِ أَوْ الْفُقَرَاءِ أَوْ الْمَسَاكِينِ وَلَا يُنْفَقُ عَلَى الْبِيعَةِ مِنْهَا شَيْءٌ. اهـ. وَقَوْلُ الْمُؤَلِّفِ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ عِنْدَنَا مُسَلَّمٌ فِي ابْتِدَائِهِ إمَّا فِي انْتِهَائِهِ فَهُوَ قُرْبَةٌ فَيُبْطِلُ غَيْرَ الْقُرْبَةِ وَيُصَحِّحُ مَا كَانَ قُرْبَةً وَهُوَ صَرْفُهُ لِلْفُقَرَاءِ كَمَا عَلِمْت التَّصْرِيحَ بِهِ عَلَى أَنَّهُ قَدْ يُقَالُ إنَّ التَّصْرِيحَ بِذِكْرِ الْفُقَرَاءِ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ مِنْ اشْتِرَاطِ التَّأْبِيدِ أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فَيَنْبَغِي صِحَّتُهُ لِلْفُقَرَاءِ وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِهِمْ تَأَمَّلْ ثُمَّ رَأَيْتُ فِي الْفَتْحِ قَالَ فَلَوْ وَقَفَ عَلَى بِيعَةٍ مَثَلًا فَإِذَا خَرِبَتْ يَكُونُ لِلْفُقَرَاءِ كَانَ لِلْفُقَرَاءِ ابْتِدَاءً وَلَوْ لَمْ يَجْعَلْ آخِرَهُ لِلْفُقَرَاءِ كَانَ مِيرَاثًا عَنْهُ نَصَّ عَلَيْهِ الْخَصَّافُ فِي وَقْفِهِ وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا اهـ. تَأَمَّلْ. وَيَظْهَرُ مِمَّا نَقَلْنَاهُ عَنْ هَذِهِ الْكُتُبِ أَنَّ فِي عِبَارَةِ الْمُؤَلِّفِ سَقْطًا وَالْأَصْلُ وَلَوْ وَقَفَ عَلَى بِيعَةٍ فَإِذَا خَرِبَتْ كَانَ آخِرُهُ لِلْفُقَرَاءِ كَانَ لِلْفُقَرَاءِ وَلَوْ لَمْ يَجْعَلْ آخِرَهُ لِلْفُقَرَاءِ لَمْ يَصِحَّ وَكَانَ مِيرَاثًا (قَوْلُهُ كَالْوَقْفِ عَلَى الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ) هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِمُعَيِّنٍ قَالَ فِي الْإِسْعَافِ وَلَوْ أَوْصَى الذِّمِّيُّ أَنْ تُبْنَى دَارُهُ مَسْجِدًا لِقَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ أَوْ لِأَهْلِ مَحَلَّةٍ بِعَيْنِهَا جَازَ اسْتِحْسَانًا لِكَوْنِهِ وَصِيَّةً لِقَوْمٍ بِأَعْيَانِهَا وَكَذَلِكَ يَصِحُّ الْإِيصَاءُ بِمَالٍ لِرَجُلٍ بِعَيْنِهِ لِيَحُجَّ بِهِ لِكَوْنِهِ وَصِيَّةً لِمُعَيِّنٍ ثُمَّ إنْ شَاءَ حَجَّ بِذَلِكَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ اهـ. [وَقَفَ الْمَجُوسِيُّ ضَيْعَةً عَلَى فُقَرَاءِ الْمَجُوسِ] (قَوْلُهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ عَلَى فُقَرَاءِ الْمَجُوسِ ابْتِدَاءً) يُؤَيِّدُ مَا فِي الْإِسْعَافِ وَلَوْ كَانَ الْوَاقِفُ نَصْرَانِيًّا مَثَلًا وَقَالَ عَلَى الْمَسَاكِينِ أَهْلِ الذِّمَّةِ جَازَ صَرْفُهَا لِمَسَاكِينِ الْيَهُودِ وَالْمَجُوس لِكَوْنِهِمْ مِنْ مَسَاكِينِ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَلَوْ عَيَّنَ مَسَاكِينَ أَهْلِ دِينِهِ تَعَيَّنُوا وَلَا يَجُوزُ صَرْفُهَا لِغَيْرِهِمْ فَإِنْ فَرَّقَهَا الْقَيِّمُ فِي غَيْرِهِمْ يَكُونُ ضَامِنًا لِمَا فَرَّقَ لِمُخَالِفَتِهِ الشَّرْطَ وَإِنْ كَانَ أَهْلُ الذِّمَّةِ مِلَّةً وَاحِدَةً لِتَعَيُّنِ الْوَقْفِ بِمَنْ يُعَيِّنُهُ الْوَاقِفُ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 204 عَلَى الْبِيعَةِ وَالْكَنِيسَةِ بَاطِلٌ إذَا كَانَ فِي عَهْدِ الْإِسْلَامِ وَمَا كَانَ مِنْهَا فِي أَيَّامِ الْجَاهِلِيَّةِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إذَا دَخَلَ فِي عَهْدِ عَقْدِ الذِّمَّةِ لَا يُتَعَرَّضُ اهـ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهِ عَدَمُ تَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِهِ فَلَوْ وَقَفَ مَا فِي إجَارَةِ الْغَيْرِ صَحَّ وَلَا تَبْطُلُ الْإِجَارَةُ فَإِذَا انْقَضَتْ أَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا صُرِفَتْ إلَى جِهَاتِ الْوَقْفِ وَأَمَّا وَقْفُ الْمَرْهُونِ فَإِنْ افْتَكَّهُ أَوْ مَاتَ عَنْ وَفَاءٍ عَادَ إلَى الْجِهَةِ وَإِنْ مَاتَ عَنْ غَيْرِ وَفَاءٍ بِيعَ وَبَطَلَ الْوَقْفُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَسَكَتَ عَنْ حُكْمِهِ حَالَ الْحَيَاةِ لَوْ كَانَ مُعْسِرًا وَفِي الْإِسْعَافِ لَوْ وَقَفَ الْمَرْهُونَ بَعْدَ تَسْلِيمِهِ صَحَّ وَأَجْبَرَهُ الْقَاضِي عَلَى دَفْعِ مَا عَلَيْهِ إنْ كَانَ مُوسِرًا فَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا أَبْطَلَ الْوَقْفَ وَبَاعَهُ فِيمَا عَلَيْهِ. اهـ. وَهَكَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَالْمُحِيطِ وَأَمَّا شَرْطُهُ الْخَاصُّ لِخُرُوجِهِ عَنْ الْمِلْكِ عِنْدَ الْإِمَامِ فَالْإِضَافَةُ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَهُوَ الْوَصِيَّةُ بِهِ أَوْ يَلْحَقُهُ حُكِمَ بِهِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يُشْتَرَطُ سِوَى كَوْنِ الْمَحَلِّ قَابِلًا لَهُ مِنْ كَوْنِهِ عَقَارًا أَوْ دَارًا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ ذَلِكَ مَعَ كَوْنِهِ مُؤَبَّدًا مَقْسُومًا غَيْرَ مُشَاحٍّ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ وَمُسْلَمًا إلَى مُتَوَلٍّ وَسَيَأْتِي أَنَّ أَكْثَرَهُمْ أَفْتَى بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ وَإِنَّ بَعْضَهُمْ أَفْتَى بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمَا أَفْتَى أَحَدٌ بِقَوْلِ الْإِمَامِ. وَأَمَّا رُكْنُهُ فَالْأَلْفَاظُ الْخَاصَّةُ الدَّالَّةُ عَلَيْهِ وَهِيَ سِتَّةٌ وَعِشْرُونَ لَفْظًا الْأَوَّلُ أَرْضِي هَذِهِ صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ مُؤَبَّدَةٌ عَلَى الْمَسَاكِينِ وَلَا خِلَافَ فِيهِ الثَّانِي صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ فَهِلَالٌ وَأَبُو يُوسُفَ وَغَيْرُهُمَا عَلَى صِحَّتِهِ لِأَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ صَدَقَةً عُرِفَ مَصْرِفُهُ وَانْتَفَى بِقَوْلِهِ مَوْقُوفَةٌ احْتِمَالُ كَوْنِهِ نَذْرًا الثَّالِثُ حَبْسُ صَدَقَةٍ الرَّابِعُ صَدَقَةٌ مُحَرَّمَةٌ وَهُمَا كَالثَّانِي الْخَامِسُ مَوْقُوفَةٌ فَقَطْ لَا يَصِحُّ إلَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَإِنَّهُ يَجْعَلُهَا بِمُجَرَّدِ هَذَا اللَّفْظِ مَوْقُوفَةً عَلَى الْفُقَرَاءِ وَإِذَا كَانَ مُفِيدًا لِخُصُوصِ الْمَصْرِفِ أَعْنِي الْفُقَرَاءَ لَزِمَ كَوْنُهُ مُؤَبَّدًا لِأَنَّ جِهَةَ الْفُقَرَاءِ لَا تَنْقَطِعُ قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَمَشَايِخُ بَلْخٍ يُفْتُونَ بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَنَحْنُ نُفْتِي بِقَوْلِهِ أَيْضًا لِمَكَانِ الْعُرْفِ وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ رَدُّ هِلَالٍ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ بِأَنَّ الْوَقْفَ يَكُونُ عَلَى الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ وَلَمْ يُبَيِّنْ فَيَبْطُلُ لِأَنَّ الْعُرْفَ إذَا كَانَ يَصْرِفُهُ إلَى الْفُقَرَاءِ كَانَ كَالتَّنْصِيصِ عَلَيْهِمْ. السَّادِسُ مَوْقُوفَةٌ عَلَى الْفُقَرَاءِ صَحَّ عِنْدَ هِلَالٍ أَيْضًا لِزَوَالِ الِاحْتِمَالِ بِالتَّنْصِيصِ عَلَى الْفُقَرَاءِ السَّابِعُ مَحْبُوسَةٌ الثَّامِنُ حَبْسٌ وَهُمَا بَاطِلَانِ وَلَوْ كَانَ فِي حَبْسِ مِثْلِ هَذَا الْعُرْفُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ كَقَوْلِهِ مَوْقُوفَةٌ التَّاسِعُ لَوْ قَالَ هِيَ لِلسَّبِيلِ إنْ تَعَارَفُوهُ وَقْفًا مُؤَبَّدًا لِلْفُقَرَاءِ كَانَ كَذَلِكَ وَإِلَّا سُئِلَ فَإِنْ قَالَ أَرَدْتُ الْوَقْفَ صَارَ وَقْفًا لِأَنَّهُ مُحْتَمِلٌ لَفْظَهُ أَوْ قَالَ أَرَدْت مَعْنَى صَدَقَةٍ فَهُوَ نَذْرٌ فَيَتَصَدَّقُ بِهَا أَوْ بِثَمَنِهَا وَإِنْ لَمْ يَنْوِ كَانَتْ مِيرَاثًا ذَكَرَهُ فِي النَّوَازِلِ الْعَاشِرُ جَعَلْتهَا لِلْفُقَرَاءِ إنْ تَعَارَفُوهُ وَقْفًا عُمِلَ بِهِ وَإِلَّا سُئِلَ فَإِنْ أَرَادَ الْوَقْفَ فَهِيَ وَقْفٌ أَوْ الصَّدَقَةَ فَهِيَ نَذْرٌ وَهَذَا عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ لِأَنَّهُ أَدْنَى فَإِثْبَاتُهُ بِهِ عِنْدَ الِاحْتِمَالِ أَوْلَى وَاعْتَرَضَهُ فِي فَتَاوَى الْخَاصِّيِّ بِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَذَكَرَ فِي إحْدَاهُمَا إذَا لَمْ تَكُنْ نِيَّةٌ يَكُونُ مِيرَاثًا وَلَا يَخْفَى أَنَّ كَوْنَهُ مِيرَاثًا لَا يُنَافِي كَوْنَهُ نَذْرًا لِأَنَّ الْمَنْذُورَ بِهِ إذَا مَاتَ النَّاذِرُ وَلَمْ يُوفِ بِنَذْرِهِ يَكُونُ مِيرَاثًا إلَّا أَنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى تَمَامِ التَّفْصِيلِ فِي إحْدَاهُمَا وَإِلَّا فَلَا شَكَّ أَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ يَكُونُ نَذْرًا فَإِنْ مَاتَ وَلَمْ يَتَصَدَّقْ بِهِ وَلَا يُقِيمُهُ يَكُونُ مِيرَاثًا الْحَادِيَ عَشَرَ مُحَرَّمَةٌ الثَّانِيَ عَشَرَ وَقْفٌ وَهُوَ صَحِيحٌ وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحِجَازِ الثَّالِثَ عَشَرَ حَبْسٌ مَوْقُوفَةٌ وَهُوَ كَالِاقْتِصَارِ عَلَى " مَوْقُوفَةٌ " الرَّابِعَ عَشَرَ جَعَلْتُ نُزُلَ كَرْمِي وَقْفًا صَارَ وَقْفًا فِيهِ ثَمَرَةٌ أَوْ لَا الْخَامِسَ عَشَرَ جَعَلْتُ غَلَّتَهُ وَقْفًا كَذَلِكَ الْخَامِسَ عَشَرَ مَوْقُوفَةٌ لِلَّهِ بِمَنْزِلَةِ صَدَقَةٍ مَوْقُوفَةٍ الْكُلُّ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْبَزَّازِيَّةِ بِصِحَّةِ الْوَقْفِ بِقَوْلِهِ وَقْفٌ أَوْ مَوْقُوفَةٌ السَّادِسَ عَشَرَ صَدَقَةٌ فَقَطْ كَانَتْ صَدَقَةً فَإِنْ لَمْ يَتَصَدَّقْ حَتَّى مَاتَ كَانَتْ مِيرَاثًا كَذَا فِي الْخَصَّافِ. السَّابِعَ عَشَرَ هَذِهِ مَوْقُوفَةٌ عَلَى وَجْهِ الْخَيْرِ أَوْ عَلَى وَجْهِ الْبِرِّ تَكُونُ وَقْفًا عَلَى الْفُقَرَاءِ الثَّامِنَ عَشَرَ صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ فِي الْحَجِّ عَنِّي وَالْعُمْرَةُ عَنِّي يَصِحُّ الْوَقْفُ   [منحة الخالق] [رُكْنُ الْوَقْف] (قَوْلُهُ الْخَامِسُ مَوْقُوفَةٌ فَقَطْ) أَيْ بِدُونِ ذِكْرِ صَدَقَةٍ وَكَذَا بِدُونِ تَعْيِينِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ لِأَنَّ تَعْيِينَهُ يَمْنَعُ إرَادَةَ غَيْرِهِ فَلَا يَكُونُ مُؤَبَّدًا مَعْنًى وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ عَنْ الْإِسْعَافِ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى التَّأْبِيدِ (قَوْلُهُ وَهَذَا عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ) أَيْ كَوْنُ جَعَلْتُهَا لِلْفُقَرَاءِ إنْ تَعَارَفُوهُ وَقْفًا يُعْمَلُ بِهِ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ لِأَنَّ الْوَقْفَ أَدْنَى مِنْ النَّذْرِ لِأَنَّ النَّذْرَ لَا بُدَّ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَلَا يَحِلُّ لَهُ مِنْهُ شَيْءٌ وَقَوْلُهُ بِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا أَيْ بَيْنَ التَّاسِعَةِ وَالْعَاشِرَةِ حَيْثُ كَانَتْ التَّاسِعَةُ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ مِيرَاثًا بِخِلَافِ هَذِهِ (قَوْلُهُ الْخَامِسَ عَشَرَ) لَعَلَّهُ سَهْوٌ وَأَنْ يَعْطِفَ قَوْلَهُ جَعَلْتُ بِالْوَاوِ عَلَى قَوْلِهِ جَعَلْتُ نُزُلَ كَرْمِي إلَخْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 205 وَلَوْ لَمْ يَقُلْ عَنِّي لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ التَّاسِعَ عَشَرَ صَدَقَةٌ لَا تُبَاعُ تَكُونُ نَذْرًا بِالصَّدَقَةِ لَا وَقْفًا وَلَوْ زَادَ وَلَا تُوهَبُ وَلَا تُورَثُ صَارَتْ وَقْفًا عَلَى الْمَسَاكِينِ وَالثَّلَاثَةُ فِي الْإِسْعَافِ الْعِشْرُونَ اشْتَرُوا مِنْ غَلَّةِ دَارِي هَذِهِ كُلَّ شَهْرٍ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ خُبْزًا وَفَرِّقُوهُ عَلَى الْمَسَاكِينِ صَارَتْ الدَّارُ وَقْفًا الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ هَذِهِ بَعْدَ وَفَاتِي صَدَقَةٌ يُتَصَدَّقُ بِعَيْنِهَا أَوْ تُبَاعُ وَيُتَصَدَّقُ بِثَمَنِهَا ذَكَرَهُمَا فِي الذَّخِيرَةِ الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ أَوْصَى أَنْ يُوقَفَ ثُلُثُ مَالِهِ جَازَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَيَكُونُ لِلْفُقَرَاءِ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَقُولَ لِلَّهِ أَبَدًا كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة. الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ قَالَ هَذَا الدُّكَّانُ مَوْقُوفٌ بَعْدَ مَوْتِي وَمُسَبَّلٌ وَلَمْ يُعَيِّنْ مَصْرِفًا لَا يَصِحُّ الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ دَارِي هَذِهِ مُسَبَّلَةٌ إلَى الْمَسْجِدِ بَعْدَ مَوْتِي يَصِحُّ إنْ خَرَجَتْ مِنْ الثُّلُثِ وَعَيَّنَ الْمَسْجِدَ وَإِلَّا فَلَا. الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ سَبَّلْتُ هَذِهِ الدَّارَ فِي وَجْهِ إمَامِ مَسْجِدِ كَذَا عَنْ جِهَةِ صَلَوَاتِي وَصِيَامَاتِي تَصِيرُ وَقْفًا وَإِنْ لَمْ تَقَعْ عَنْهُمَا وَالثَّلَاثَةُ فِي الْقُنْيَةِ السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ جَعَلْتُ حُجْرَتِي لِدُهْنِ سِرَاجِ الْمَسْجِدِ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ صَارَتْ الْحُجْرَةُ وَقْفًا عَلَى الْمَسْجِدِ كَمَا قَالَ وَلَيْسَ لِلْمُتَوَلِّي أَنْ يَصْرِفَ إلَى غَيْرِ الدُّهْنِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ. السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ ذَكَرَ قَاضِي خَانْ مِنْ كِتَابِ الْوَصَايَا رَجُلٌ قَالَ ثُلُثُ مَالِي وَقْفٌ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ قَالَ أَبُو نَصْرٍ إنْ كَانَ مَالُهُ نَقْدًا فَهَذَا الْقَوْلُ بَاطِلٌ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ هَذِهِ الدَّرَاهِمُ وَقْفٌ وَإِنْ كَانَ مَالُهُ ضِيَاعًا تَصِيرُ وَقْفًا عَلَى الْفُقَرَاءِ اهـ. وَأَمَّا حُكْمُهُ فَمَا ذَكَرَهُ فِي تَعْرِيفِهِ مِنْ أَنَّهُ حَبْسُ الْعَيْنِ عَنْ التَّمْلِيكِ وَالتَّصَدُّقِ بِالْمَنْفَعَةِ وَسَيَأْتِي بَقِيَّةُ أَحْكَامِهِ وَمَحَاسِنُهُ ظَاهِرَةٌ وَهِيَ الِانْتِفَاعُ بِالدَّارِ، الْبَاقِي عَلَى طَبَقَاتِ الْمَحْبُوبِينَ مِنْ الذُّرِّيَّةِ وَالْمُحْتَاجِينَ مِنْ الْأَحْيَاءِ وَالْأَمْوَاتِ لِمَا فِيهِ مِنْ إدَامَةِ الْعَمَلِ الصَّالِحِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْمَعْرُوفِ «إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ» وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ رَجُلٌ جَاءَ إلَى فَقِيهٍ وَقَالَ إنِّي أُرِيدُ أَنْ أَصْرِفَ مَالِي إلَى خَيْرٍ عِتْقُ الْعَبِيدِ أَفْضَلُ أَمْ اتِّخَاذُ الرِّبَاطِ لِلْعَامَّةِ قَالَ بَعْضُهُمْ الرِّبَاطُ أَفْضَلُ وَقَالَ الْفَقِيه أَبُو اللَّيْثِ إنْ جَعَلَ لِلرِّبَاطِ مُسْتَغَلًّا يُصْرَفُ إلَى عِمَارَةِ الرِّبَاطِ فَالرِّبَاطُ أَفْضَلُ وَإِنْ لَمْ يَجْعَلْ إلَّا رِبَاطًا فَالْإِعْتَاقُ أَفْضَلُ وَلَوْ تَصَدَّقَ بِهَذَا الْمَالِ عَلَى الْمُحْتَاجِينَ فَذَاكَ أَفْضَلُ مِنْ الْإِعْتَاقِ. اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَقْفُ الضَّيْعَةِ أَوْلَى مِنْ بَيْعِهَا وَالتَّصَدُّقِ بِثَمَنِهَا اهـ. [صِفَةُ الْوَقْف] وَصِفَتُهُ أَنْ يَكُونَ مُبَاحًا وَقُرْبَةً وَفَرْضًا فَالْأَوَّلُ بِلَا قَصْدِ الْقُرْبَةِ وَلِذَا يَصِحُّ مِنْ الذِّمِّيِّ وَلَا ثَوَابَ لَهُ وَالثَّانِي مَعَ قَصْدِهَا مِنْ الْمُسْلِمِ وَالثَّالِثُ الْمَنْذُورُ كَمَا لَوْ قَالَ إنْ قَدِمَ وَلَدِي فَعَلَيَّ أَنْ أَقِفَ هَذِهِ الدَّارَ عَلَى ابْنِ السَّبِيلِ فَقَدِمَ فَهُوَ نَذْرٌ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ فَإِنْ وَقَفَهُ عَلَى وَلَدِهِ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ لَا يَجُوزُ دَفْعُ زَكَاتِهِ إلَيْهِمْ جَازَ فِي الْحُكْمِ وَنَذْرُهُ بَاقٍ وَإِنْ وَقَفَ عَلَى غَيْرِهِمْ سَقَطَ وَإِنَّمَا صَحَّ النَّذْرُ بِهِ لِأَنَّ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبًا فَإِنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَتَّخِذَ الْإِمَامُ لِلْمُسْلِمِينَ وَقْفًا مَسْجِدًا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أَوْ مِنْ مَالِهِمْ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ بَيْتُ مَالٍ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. [مِلْكُ الْعَيْنِ الْمَوْقُوفَةِ] قَوْلُهُ (وَالْمِلْكُ يَزُولُ بِالْقَضَاءِ لَا إلَى مَالِكٍ) أَيْ مِلْكُ الْعَيْنِ الْمَوْقُوفَةِ يَزُولُ عَنْ مِلْكِ الْمَالِكِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي بِلُزُومِ الْوَقْفِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْتَقِلَ إلَى مِلْكِ أَحَدٍ وَهَذَا أَعْنِي اللُّزُومَ بِالْقَضَاءِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قَضَاءٌ فِي مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ فَيَنْفُذُ وَفِي الْخَانِيَّةِ وَطَرِيقُ الْقَضَاءِ أَنْ يُسْلِمَ الْوَاقِفُ مَا وَقَفَهُ لِلْمُتَوَلِّي ثُمَّ يُرِيدُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْهُ فَيُنَازِعَهُ بِعِلَّةِ عَدَمِ اللُّزُومِ وَيَخْتَصِمَانِ إلَى الْقَاضِي يَقْضِي الْقَاضِي بِلُزُومِهِ اهـ. وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى الدَّعْوَى عِنْدَ الْبَعْضِ وَالصَّحِيحُ أَنَّ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ الْعِشْرُونَ اشْتَرُوا إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ فَرْعٌ يَثْبُتُ الْوَقْفُ بِالضَّرُورَةِ وَصُورَتُهُ أَنْ يُوصِيَ بِغَلَّةِ هَذِهِ الدَّارِ لِلْمَسَاكِينِ أَبَدًا أَوْ لِفُلَانٍ وَبَعْدَهُ لِلْمَسَاكِينِ أَبَدًا فَإِنَّ هَذِهِ الدَّارَ تَصِيرُ وَقْفًا بِالضَّرُورَةِ وَالْوَجْهُ أَنَّهَا كَقَوْلِهِ إذَا مِتَّ فَقَدْ وَقَفْتُ دَارِي عَلَى كَذَا. اهـ. وَفِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ مَسْأَلَةٌ إذَا أَوْصَى أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ رِيعِ دَارِهِ أَوْ حَمَّامِهِ فِي كُلِّ شَهْرٍ كَذَا مِنْ الْخُبْزِ وَيُفَرَّقَ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ فَهَلْ يَكُونُ هَذَا اللَّفْظُ بِمُجَرَّدِهِ وَقْفًا لِلدَّارِ وَالْحَمَّامِ أَمْ لَا ثُمَّ نَقَلَ أَنَّهُ يَصِيرُ وَقْفًا بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ كَلَامٍ وَالْمَسْأَلَةُ مَذْكُورَةٌ فِي الذَّخِيرَةِ وَفَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَفَتَاوَى الْخَاصِّيِّ وَنَصُّوا فِيهَا أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ يُؤَدِّي إلَى مَعْنَى الْوَقْفِ وَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ وَقَفْتُ دَارِي هَذِهِ بَعْدَ مَوْتِي عَلَى الْمَسَاكِينِ وَلَا أَعْلَمُ فِيهَا خِلَافًا بَيْنَ الْأَصْحَابِ وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ. اهـ. قُلْتُ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الدَّارَ كُلَّهَا تَصِيرُ وَقْفًا وَيُصْرَفُ مِنْهَا الْخُبْزُ إلَى مَا عَيَّنَهُ الْوَاقِفُ وَالْبَاقِي إلَى الْفُقَرَاءِ وَقَدْ سُئِلْتُ عَنْ نَظِيرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي رَجُلٍ أَوْصَى بِأَنْ يُؤْخَذَ مِنْ غَلَّةِ دَارِهِ كُلَّ سَنَةٍ كَذَا مِنْ الدَّرَاهِمِ يُشْتَرَى بِهَا زَيْتٌ لِمَسْجِدِ كَذَا ثُمَّ بَاعَ الْوَرَثَةُ الدَّارَ وَشَرَطُوا عَلَى الْمُشْتَرِي دَفْعَ ذَلِكَ الْمَبْلَغِ فِي كُلِّ سَنَةٍ لِلْمَسْجِدِ فَأَفْتَيْتُ بِعَدَمِ صِحَّةِ الْبَيْعِ وَبِأَنَّهَا صَارَتْ وَقْفًا حَيْثُ كَانَتْ تَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ. [حُكْمُ الْوَقْف] (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا يُحْتَاجُ إلَى الدَّعْوَى عِنْدَ الْبَعْضِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ الْكَلَامُ فِي الْحُكْمِ الرَّافِعِ لِلْخِلَافِ لَا الْحُكْمِ بِثُبُوتِ أَصْلِهِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَى الدَّعْوَى عِنْدَ الْبَعْضِ وَأَمَّا الْحُكْمُ بِاللُّزُومِ عِنْدَ دَعْوَى عَدَمِهِ فَلَا يَرْفَعُ الْخِلَافَ إلَّا بَعْدَ تَمَامِ الدَّعْوَى فِيهِ لِيَصِيرَ فِي حَادِثَةٍ إذْ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ حِينَئِذٍ اللُّزُومُ وَعَدَمُهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 206 الشَّهَادَةَ بِالْوَقْفِ بِدُونِ الدَّعْوَى مَقْبُولَةٌ وَلِذَا قَالُوا لَوْ بَاعَ ثُمَّ ادَّعَى الْوَقْفِيَّةَ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ لِلتَّنَاقُضِ وَلَا يَحْلِفُ فَإِنْ بَرْهَنَ تُقْبَلُ قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ لَا لِصِحَّةِ الدَّعْوَى بَلْ لِأَنَّ الْبُرْهَانَ يُقْبَلُ عَلَيْهِ بِلَا دَعْوَى كَالشَّهَادَةِ عَلَى عِتْقِ الْأَمَةِ فِي الْمُخْتَارِ وَلَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى مِنْ غَيْرِ الْمُتَوَلِّي وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. اهـ. وَلِذَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَلَوْ قَضَى بِالْوَقْفِيَّةِ بِالشَّهَادَةِ الْقَائِمَةِ عَلَى الْوَقْفِ مِنْ غَيْرِ دَعْوَى يَصِحُّ لِأَنَّ حُكْمَهُ هُوَ التَّصَدُّقُ بِالْغَلَّةِ وَهُوَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَفِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى يَصِحُّ الْقَضَاءُ بِالشَّهَادَةِ مِنْ غَيْرِ دَعْوَى. اهـ. وَقَيَّدَ بِالْقَضَاءِ لِأَنَّهُمَا لَوْ حَكَّمَا رَجُلًا لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمَا بِلُزُومِ الْوَقْفِ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّ بِحُكْمِ الْمُحَكَّمِ لَا يَرْتَفِعُ الْخِلَافُ وَلِلْقَاضِي أَنْ يُبْطِلَهُ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَهَلْ الْقَضَاءُ بِهِ قَضَاءٌ عَلَى النَّاسِ كَافَّةً كَالْحُرِّيَّةِ أَوْ لَا قَالَ قَاضِي خَانْ أَرْضٌ فِي يَدِ رَجُلٍ ادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهَا وَقْفٌ وَبَيَّنَ شَرَائِطَ الْوَقْفِ وَقَضَى الْقَاضِي بِالْوَقْفِ ثُمَّ جَاءَ آخَرُ وَادَّعَى أَنَّهُ مِلْكٌ قَالُوا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْمُدَّعِي لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالْوَقْفِ بِمَنْزِلَةِ اسْتِحْقَاقِ الْمِلْكِ وَلَيْسَ بِتَحْرِيرٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ جَمَعَ بَيْنَ وَقْفٍ وَمِلْكٍ وَبَاعَهُمَا صَفْقَةً وَاحِدَةً جَازَ بَيْعُ الْمِلْكِ وَلَوْ جَمَعَ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ وَبَاعَهُمَا صَفْقَةً وَاحِدَةً لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْعَبْدِ دَلَّ أَنَّ الْقَضَاءَ بِالْوَقْفِ بِمَنْزِلَةِ الْقَضَاءِ بِالْمِلْكِ وَفِي الْمِلْكِ الْقَضَاءُ يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ وَعَلَى مَنْ يَلْتَقِي الْمِلْكَ مِنْهُ وَلَا يَتَعَدَّى إلَى الْغَيْرِ فَكَذَلِكَ فِي الْوَقْفِ. اهـ. ذَكَرَهُ فِي بَابِ مَا يُبْطِلُ دَعْوَى الْمُدَّعِي وَعَزَاهُ فِي الْخُلَاصَةِ إلَى الْفَتَاوَى الصُّغْرَى ثُمَّ قَالَ بِخِلَافِ الْعَبْدِ إذَا ادَّعَى الْعِتْقَ عَلَى إنْسَانٍ وَقَضَى الْقَاضِي بِالْعِتْقِ ثُمَّ ادَّعَى رَجُلٌ أَنَّ هَذَا الْعَبْدَ مِلْكُهُ لَا تُسْمَعُ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالْعِتْقِ قَضَاءٌ عَلَى جَمِيعِ النَّاسِ بِخِلَافِ الْوَقْفِ قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ لَمْ نَرَ لِهَذَا رِوَايَةً لَكِنْ سَمِعْت أَنَّ فَتْوَى السَّيِّدِ الْإِمَامِ أَبِي شُجَاعٍ عَلَى هَذَا وَفِي فَوَائِدِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ وَرُكْنِ الْإِسْلَامِ عَلِيٍّ السَّعْدِيِّ أَنَّ الْوَقْفَ كَالْعِتْقِ فِي عَدَمِ سَمَاعِ الدَّعْوَى بَعْدَ قَضَاءِ الْقَاضِي بِالْوَقْفِيَّةِ لِأَنَّ الْوَقْفَ بَعْدَمَا صَحَّ بِشَرَائِطِهِ لَا يَبْطُلُ إلَّا فِي مَوَاضِعَ مَخْصُوصَةٍ وَهَكَذَا فِي النَّوَازِلِ. اهـ. وَذَكَرَ الْقَوْلَيْنِ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَهَلْ يُقَدَّمُ الْخَارِجُ عَلَى ذِي الْيَدِ وَلَا تَرْجِيحَ لِلْوَقْفِ عَلَى الْمِلْكِ أَوْ لَا قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَمُتَوَلٍّ ذُو يَدٍ لَوْ بَرْهَنَ عَلَى الْوَقْفِ فَبَرْهَنَ الْخَارِجُ عَلَى الْمِلْكِ يُحْكَمُ بِالْمِلْكِ لِلْخَارِجِ فَلَوْ بَرْهَنَ الْمُتَوَلِّي بَعْدَهُ عَلَى الْوَقْفِ لَا تُسْمَعُ لِأَنَّ الْمُتَوَلِّيَ صَارَ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ مَعَ مَنْ يَدَّعِي تَلَقِّيَ الْوَقْفِ مِنْ جِهَتِهِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تُقْبَلُ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ عَلَى الْوَقْفِ وَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ عَلَى الْمِلْكِ كَمَنْ ادَّعَى قِنًّا وَقَالَ ذُو الْيَدِ هُوَ مِلْكِي وَحَرَّرْته فَإِنَّهُ يَقْضِي بِبَيِّنَةِ ذِي الْيَدِ وِفَاقًا بِقَوْلِهِمَا يُفْتَى. اهـ. فَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمُفْتَى بِهِ تَقْدِيمُ الْخَارِجِ وَفِيهِ   [منحة الخالق] فَيُرْفَعُ الْخِلَافُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ لَا لِصِحَّةِ الدَّعْوَى إلَخْ) يَقُولُ الْفَقِيرُ مُجَرِّدُ هَذِهِ الْحَوَاشِيَ: رَأَيْت بِخَطِّ بَعْضِ الْفُضَلَاءِ عَلَى هَامِشِ الْبَحْرِ فِي هَذَا الْمَحَلِّ مَا نَصُّهُ أَقُول نَعَمْ ذَكَرَ هَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ لَكِنَّهُ ذَكَرَ فِيهَا فِي كِتَابِ الدَّعْوَى الثَّانِيَ عَشَرَ فِي دَعْوَى الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ قَالَ وَفِي الْمُلْتَقِطِ بَاعَ أَرْضًا ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ كَانَ وَقَفَهَا وَفِي الذَّخِيرَةِ أَوْ كَانَ وَقْفًا عَلَيَّ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ وَأَرَادَ تَحْلِيفَ الْبَائِعِ لَا يَحْلِفُ لِعَدَمِ صِحَّةِ الدَّعْوَى لِلتَّنَاقُضِ وَإِنْ بَرْهَنَ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ يُقْبَلُ وَيَبْطُلُ الْبَيْعُ لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الدَّعْوَى فِي الْوَقْفِ كَمَا فِي عِتْقِ الْأَمَةِ وَبِهِ أَخَذَ الصَّدْرُ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْجَوَابَ عَلَى إطْلَاقِهِ غَيْرُ مَرْضِيٍّ فَإِنَّ الْوَقْفَ لَوْ كَانَ حَقَّ اللَّهِ فَالْجَوَابُ مَا قَالَهُ وَإِنْ حَقَّ الْعَبْدِ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الدَّعْوَى. اهـ. كَلَامُ الْبَزَّازِيِّ فِي الثَّانِيَ عَشَرَ مِنْ كِتَابِ الدَّعْوَى فَلْيُتَأَمَّلْ عِنْدَ الْفَتْوَى وَلْيُفْتَ بِالصَّحِيحِ وَهُوَ التَّفْصِيلُ كَمَا عَلِمْتَ لَا مَا فِي كِتَابِ الْوَقْفِ وَقَدْ تَبِعَ صَاحِبَ الْبَحْرِ أَخُوهُ صَاحِبُ النَّهْرِ فَذَكَرَ مَا قَالَهُ الْبَزَّازِيُّ فِي الْوَقْفِ وَعَلِمْت أَنَّهُ ذَكَرَ الصَّحِيحَ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى وَهِيَ وَاقِعَةُ الْفَتْوَى فَلْيُتَأَمَّلْ كَذَا بِخَطِّ شَيْخِ شَيْخِنَا الْمَرْحُومِ عَبْدِ الْحَيِّ. اهـ. مَا رَأَيْتُهُ فِي الْهَامِشِ وَقَدْ أَوْضَحَ الْمَقَامَ سَيِّدِي الْمُحَشِّي فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الدُّرِّ الْمُخْتَارِ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ وَفِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى يَصِحُّ الْقَضَاءُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ هَذَا فِي الْوَقْفِ الْمُتَمَحِّضِ لِلَّهِ تَعَالَى كَالْوَقْفِ عَلَى الْفُقَرَاءِ أَوْ الْمَسْجِدِ أَمَّا فِي الْوَقْفِ عَلَى قَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ لَا تُقْبَلُ بِدُونِ الدَّعْوَى نُصَّ عَلَيْهِ فِي الْخُلَاصَةِ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى وَكَثِيرٍ مِنْ كُتُبِ عُلَمَائِنَا وَقِيلَ تُسْمَعُ بِدُونِهَا لِأَنَّ آخِرَهُ لِجِهَةِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَفِي الْمَسْأَلَةِ كَلَامٌ طَوِيلٌ ذَكَرَهُ فِي مِنَحِ الْغَفَّارِ شَرْحِ تَنْوِيرِ الْأَبْصَارِ فَرَاجِعْهُ إنْ شِئْت وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَالصَّحِيحُ أَنَّ بِحُكْمِ الْمُحَكَّمِ لَا يَرْتَفِعُ الْخِلَافُ) فِي الْجَوْهَرَةِ أَمَّا الْمُحَكَّمُ فَفِيهِ خِلَافُ الْمَشَايِخِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَصِحُّ اهـ. لَكِنَّ الَّذِي فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ هُوَ الْأَوَّلُ وَفِي الْإِسْعَافِ وَاخْتَلَفُوا فِي قَضَاءِ الْمُحَكَّمِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَرْفَعُ الْخِلَافَ وَلَوْ كَانَ الْوَاقِفُ مُجْتَهِدًا يَرَى لُزُومَ الْوَقْفِ فَأَمْضَى رَأْيَهُ فِيهِ وَعَزَمَ عَلَى زَوَالِ مِلْكِهِ عَنْهُ أَوْ مُقَلِّدًا فَسَأَلَ فَأُفْتَى بِالْجِوَازِ فَقَبِلَهُ وَعَزَمَ عَلَى ذَلِكَ الْوَقْفِ وَلَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ فِيهِ وَإِنْ تَبَدَّلَ رَأْيُ الْمُجْتَهِدِ وَأَفْتَى الْمُقَلِّدَ بِعَدَمِ اللُّزُومِ بَعْدَ ذَلِكَ. اهـ. فَهَذَا مِمَّا يُزَادُ عَلَى مَا يَلْزَمُ بِهِ الْوَقْفُ فَلْيُنْتَبَهْ لَهُ لَكِنْ قَالَ فِي النَّهْرِ بَعْدَ نَقْلِهِ لَهُ الظَّاهِرُ ضَعْفُهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 207 ادَّعَى مِلْكًا فِي دَارٍ بِيَدِ مُتَوَلٍّ يَقُولُ وَقَفَهُ زَيْدٌ عَلَى مَسْجِدِ كَذَا وَحَكَمَ بِهِ لِلْمُدَّعِي فَلَوْ ادَّعَى مُتَوَلٍّ آخَرَ عَلَى هَذَا الْمُدَّعِي أَنَّهُ وُقِفَ عَلَى مَسْجِدِ كَذَا مِنْ جِهَةِ بِكْرٍ تُقْبَلُ إذْ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ هُوَ زَيْدٌ الْوَاقِفُ لَا مُطْلَقُ الْوَاقِفِ. اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْقَضَاءَ بِالْوَقْفِيَّةِ لَيْسَ قَضَاءً عَلَى الْكَافَّةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ فَتُسْمَعُ الدَّعْوَى مِنْ غَيْرِ الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ وَأَمَّا الْقَضَاءُ بِالْحُرِّيَّةِ فَقَضَاءٌ عَلَى الْكَافَّةِ فَلَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى بَعْدَهُ بِالْمِلْكِ لِأَحَدٍ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْحُرِّيَّةِ الْأَصْلِيَّةِ وَالْعَارِضِيَّةِ بِالْإِعْتَاقِ بِأَنْ شَهِدُوا بِإِعْتَاقِهِ وَهُوَ يَمْلِكُهُ صَرَّحَ بِهِ قَاضِي خَانْ وَأَمَّا الْقَضَاءُ بِالْمِلْكِ فَلَيْسَ عَلَى الْكَافَّةِ بِلَا شُبْهَةٍ وَفِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى مِنْ فَصْلِ دَعْوَى النِّكَاحِ إذَا قَضَى الْقَاضِي لِإِنْسَانٍ بِنِكَاحِ امْرَأَةٍ أَوْ بِنَسَبٍ أَوْ بِوَلَاءِ عَتَاقَةٍ ثُمَّ ادَّعَاهُ الْآخَرُ لَا تُسْمَعُ. اهـ. فَعَلَى هَذَا الْقَضَاءُ الَّذِي يَكُنْ عَلَى الْكَافَّةِ فِي أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الدَّعْوَى وَفِي الْقُنْيَةِ دَارٌ فِي يَدِ رَجُلٍ أَقَامَ رَجُلٌ بَيِّنَةً أَنَّهَا وُقِفَتْ عَلَيْهِ وَأَقَامَ قَيِّمُ الْمَسْجِدِ بَيِّنَةً أَنَّهَا وَقْفٌ عَلَى الْمَسْجِدِ فَإِنْ أَرَّخَا فَهِيَ لِلسَّابِقِ مِنْهُمَا وَإِنْ لَمْ يُؤَرِّخَا فَهِيَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ. اهـ. وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِلُزُومِهِ طَرِيقًا وَاحِدَةً وَهِيَ الْقَضَاءُ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ لَوْ عَلَّقَهُ بِمَوْتِهِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ قَالَ فِي الْكِتَابِ لَا يَزُولُ مِلْكُ الْوَاقِفِ عَنْ الْوَقْفِ حَتَّى يَحْكُمَ بِهِ الْحَاكِمُ أَوْ يُعَلِّقَهُ بِمَوْتِهِ وَهَذَا فِي حُكْمِ الْحَاكِمِ صَحِيحٌ لِأَنَّهُ قَضَاءٌ فِي فَصْلٍ مُجْتَهَدٍ فِيهِ أَمَّا فِي تَعْلِيقِهِ بِالْمَوْتِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَزُولُ مِلْكُهُ إلَّا أَنَّهُ تَصَدَّقَ بِمَنَافِعِهِ مُؤَبَّدًا فَيَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيَّةِ بِالْمَنَافِعِ مُؤَبَّدًا فَيَلْزَمُهُ اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا عَلَّقَهُ بِمَوْتِهِ كَمَا إذَا قَالَ إذَا مِتُّ فَقَدْ وَقَفْتُ دَارِي عَلَى كَذَا فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ وَصِيَّةٌ لَازِمَةٌ لَكِنْ لَمْ تَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ فَلَا يُتَصَوَّرُ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِبَيْعٍ وَنَحْوِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ لِمَا يَلْزَمُ مِنْ إبْطَالِ الْوَصِيَّةِ وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ قَبْلَ مَوْتِهِ كَسَائِرِ الْوَصَايَا وَإِنَّمَا يَلْزَمُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ وَقْفًا لِمَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّهُ لَا يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ وَكَذَا إذَا قَالَ إذَا مِتُّ مِنْ مَرَضِي هَذَا فَقَدْ وَقَفْتُ أَرْضِي عَلَى كَذَا فَمَاتَ لَمْ تَصِرْ وَقْفًا وَلَهُ أَنْ يَبِيعَهَا قَبْلَ الْمَوْتِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ إذَا مِتُّ فَاجْعَلُوهَا وَقْفًا فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِأَنَّهُ تَعْلِيقُ التَّوْكِيلِ لَا تَعْلِيقُ الْوَقْفِ نَفْسِهِ وَهَذَا لِأَنَّ الْوَقْفَ بِمَنْزِلَةِ تَمْلِيكِ الْهِبَةِ مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ وَالتَّمْلِيكُ غَيْرُ الْوَصِيَّةِ لَا تَتَعَلَّقُ بِالْخَطَرِ وَنَصَّ مُحَمَّدٌ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ أَنَّ الْوَقْفَ إذَا أُضِيفَ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ يَكُونُ بَاطِلًا أَيْضًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَلَى مَا عَرَفْت بِأَنَّ صِحَّتَهُ إذَا أُضِيفَ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ يَكُونُ بِاعْتِبَارِهِ وَصِيَّةً وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ إنْ مِتُّ مِنْ مَرَضِي هَذَا فَقَدْ وَقَفْتُ أَرْضِي هَذِهِ لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ بَرِئَ أَوْ مَاتَ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ قَالَ أَرْضِي بَعْدَ مَوْتِي مَوْقُوفَةٌ سَنَةً جَازَ وَتَصِيرُ الْأَرْضُ مَوْقُوفَةً أَبَدًا لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْوَصِيَّةِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُضِفْ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ بِأَنْ قَالَ أَرْضِي مَوْقُوفَةٌ سَنَةً لِأَنَّ ذَاكَ لَيْسَ بِوَصِيَّةٍ بَلْ هُوَ مَحْضُ تَعْلِيقٍ أَوْ إضَافَةٍ فَالْحَاصِلُ أَنَّ عَلَى قَوْلِ هِلَالٍ إذَا شَرَطَ فِي الْوَقْفِ شَرْطًا يَمْنَعُ التَّأْبِيدَ لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ اهـ. وَفِي التَّبْيِينِ لَوْ عَلَّقَ الْوَقْفَ بِمَوْتِهِ ثُمَّ مَاتَ صَحَّ وَلَزِمَ إذَا خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْمَعْدُومِ جَائِزَةٌ كَالْوَصِيَّةِ بِالْمَنَافِعِ وَيَكُونُ مِلْكُ الْوَاقِفِ بَاقِيًا فِيهِ حُكْمًا يُتَصَدَّقُ مِنْهُ دَائِمًا وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ يَجُوزُ بِقَدْرِ الثُّلُثِ وَيَبْقَى الْبَاقِي إلَى أَنْ يَظْهَرَ لَهُ مَالٌ أَوْ تُجِيزَ الْوَرَثَةُ فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ مَالٌ وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ تُقْسَمُ الْغَلَّةُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا ثُلُثُهُ لِلْوَقْفِ وَثُلُثَاهُ لِلْوَرَثَةِ. اهـ. قَالَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ إذَا خَافَ الْوَاقِفُ إبْطَالَ وَقْفِهِ فَلِلتَّحَرُّزِ عَنْهُ طَرِيقَانِ إحْدَاهُمَا الْقَضَاءُ وَالثَّانِي أَنْ يَذْكُرَ الْوَاقِفُ بَعْدَ الْوَقْفِ وَالتَّسْلِيمِ فَإِنْ أَبْطَلَهُ قَاضٍ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ فَهَذِهِ الْأَرْضُ بِأَصْلِهَا وَجَمِيعِ مَا فِيهَا وَصِيَّةٌ مِنْ فُلَانٍ الْوَاقِفِ تُبَاعُ وَيُتَصَدَّقُ بِثَمَنِهَا عَلَى الْفُقَرَاءِ وَمَتَى فَعَلَ يَنْبَرِمُ الْوَقْفُ لِأَنَّ أَحَدًا مِنْ الْوَرَثَةِ لَا يَسْعَى فِي إبْطَالِهِ لِأَنَّ سَعْيَهُ حِينَئِذٍ يَعْرَى عَنْ الْفَائِدَةِ لِلُزُومِ التَّصَدُّقِ بِهَا أَوْ بِثَمَنِهَا قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ فَهِيَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ) أَيْ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا خَارِجٌ لِكَوْنِهَا فِي يَدِ رَجُلٍ ثَالِثٍ فَلَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا أَرْجَحَ مِنْ الْآخَرِ (قَوْلُهُ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ لَوْ عَلَّقَهُ بِمَوْتِهِ إلَخْ) أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ فِي زَوَالِ الْمِلْكِ لَا فِي اللُّزُومِ لِأَنَّهُ قَالَ وَالْمِلْكُ يَزُولُ بِالْقَضَاءِ وَأَمَّا التَّعْلِيقُ بِالْمَوْتِ فَإِنَّهُ يُفِيدُ اللُّزُومَ لَا زَوَالَ الْمِلْكِ وَزَوَالُ الْمِلْكِ بِهِ خِلَافُ الصَّحِيحِ كَمَا أَفَادَهُ كَلَامُ الْهِدَايَةِ الْمَذْكُورِ وَمَعْنَى اللُّزُومِ هُنَا أَنَّهُ وَصِيَّةٌ لَازِمَةٌ لَا وَقْفٌ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ وَقْفًا لَزَالَ الْمِلْكُ بِهِ (قَوْلُهُ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 208 وَاَلَّذِي جَرَى بِهِ الرَّسْمُ فِي زَمَانِنَا أَنَّهُمْ يَكْتُبُونَ إقْرَارًا لِوَاقِفٍ أَنَّ قَاضِيًا مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ قَضَى بِلُزُومِ هَذَا الْوَقْفِ فَذَاكَ لَيْسَ بِشَيْءٍ وَلَا يَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ لِأَنَّ إقْرَارَهُ لَا يَصِيرُ حُجَّةً عَلَى الْقَاضِي الَّذِي يُرِيدُ إبْطَالَهُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْقَاضِي قَضَى بِلُزُومِ الْوَقْفِ فَإِقْرَارُهُ يَكُونُ كَذِبًا مَحْضًا وَلَا رُخْصَةَ فِي الْكَذِبِ وَبِهِ لَا يَتِمُّ الْمَقْصُودُ وَمِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ قَالَ إذَا كَتَبَ فِي آخِرِ الصَّكِّ وَقَدْ قَضَى بِصِحَّةِ هَذَا الْوَقْفِ وَلُزُومِهِ قَاضٍ مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ وَلَمْ يُسَمِّ الْقَاضِي يَجُوزُ. وَتَمَسَّكَ هَذَا الْقَائِلُ بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي الْكِتَابِ إذَا خَافَ الْوَاقِفُ أَنْ يُبْطِلَهُ الْقَاضِي فَإِنَّهُ يَكْتُبُ فِي صَكِّ الْوَقْفِ إنَّ حَاكِمًا مِنْ حُكَّامِ الْمُسْلِمِينَ قَضَى بِلُزُومِ هَذَا الْوَقْفِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْكَاتِبُ اسْمَ الْقَاضِي وَنَسَبَهُ وَمَتَى عَلِمَ بِتَارِيخِ الْوَقْفِ يَصِيرُ الْقَاضِي فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ مَعْلُومًا كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَقَدْ وَسَّعَ فِي ذَلِكَ قَاضِي خَانْ أَيْضًا وَقَيَّدَ زَوَالَ الْمِلْكِ بِالْقَضَاءِ لِيُفِيدَ عَدَمَهُ قَبْلَهُ وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ لَكِنْ قِيلَ لَا يَجُوزُ الْوَقْفُ عِنْدَهُ أَصْلًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْأَصْلِ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ مَعْدُومَةٌ وَالتَّصَدُّقَ بِالْمَعْدُومِ لَا يَصِحُّ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ جَائِزٌ عِنْدَهُ إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ بِمَنْزِلَةِ الْعَارِيَّةِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَإِذَا لَمْ يَزُلْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ قَبْلَ الْحُكْمِ يَكُونُ مُوجِبُ الْقَوْلِ الْمَذْكُورِ حَبْسَ الْعَيْنِ عَلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ وَالتَّصَدُّقَ بِالْمَنْفَعَةِ وَلَفْظُ حَبَسَ إلَى آخِرِهِ لَا مَعْنَى لَهُ لِأَنَّ لَهُ بَيْعَهُ مَتَى شَاءَ وَمِلْكُهُ مُسْتَمِرٌّ فِيهِ كَمَا لَوْ لَمْ يَتَصَدَّقْ بِالْمَنْفَعَةِ فَلَمْ يُحْدِثْ الْوَاقِفُ إلَّا مَشِيئَةَ التَّصَدُّقِ بِمَنْفَعَتِهِ وَلَهُ أَنْ يَتْرُكَ ذَلِكَ مَتَى شَاءَ وَهَذَا الْقَدْرُ كَانَ ثَابِتًا قَبْلَ الْوَقْفِ بِلَا ذِكْرِ لَفْظِ الْوَقْفِ فَلَمْ يُفِدْ الْوَقْفُ شَيْئًا وَهَذَا مَعْنَى مَا ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ مِنْ قَوْلِهِ كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُجِيزُ الْوَقْفَ وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُ مَنْ أَخَذَ بِظَاهِرِ هَذَا اللَّفْظِ فَقَالَ الْوَقْفُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ صَحِيحٌ لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ بِهِ قَبْلَ الْحُكْمِ حُكْمٌ لَمْ يَكُنْ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَثَرٌ زَائِدٌ عَلَى مَا كَانَ قَبْلَهُ كَانَ كَالْمَعْدُومِ وَالْجَوَازُ وَالنَّفَاذُ وَالصِّحَّةُ فَرْعُ اعْتِبَارِ الْوُجُودِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ قَوْلَهُ لَا يَجُوزُ وَلَا يُجِيزُ لَيْسَ الْمُرَادُ التَّلَفُّظَ بِلَفْظِ الْوَقْفِ بَلْ لَا يُجِيزُ الْأَحْكَامَ الَّتِي ذَكَرَ غَيْرُهُ أَنَّهَا أَحْكَامُ ذِكْرِ الْوَقْفِ فَلَا خِلَافَ إذًا فَأَبُو حَنِيفَةَ قَالَ لَا يَجُوزُ الْوَقْفُ أَيْ لَا تَثْبُتُ الْأَحْكَامُ الَّتِي ذُكِرَتْ لَهُ إلَّا أَنْ يَحْكُمَ بِهِ حَاكِمٌ وَقَوْلُهُ بِمَنْزِلَةِ الْعَارِيَّةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حَقِيقَةُ الْعَارِيَّةِ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يُسْلِمْهُ إلَى غَيْرِهِ فَظَاهِرٌ وَإِنْ أَخْرَجَهُ إلَى غَيْرِهِ فَذَلِكَ الْغَيْرُ لَيْسَ هُوَ الْمُسْتَوْفِي لِمَنَافِعِهِ اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَمْ يُفِدْ الْوَقْفُ شَيْئًا غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّهُ يَصِحُّ الْحُكْمُ بِهِ وَلَوْلَا صِحَّةُ الْوَقْفِ لَمْ يَصِحَّ الْحُكْمُ بِهِ وَيَحِلُّ لِلْفَقِيرِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ وَلَوْلَا صِحَّتُهُ لَمْ يَحِلَّ وَيُثَابُ الْوَاقِفُ عَلَيْهِ وَلَوْلَا صِحَّتُهُ مَا أُثِيبَ فَكَيْفَ يُقَالُ لَمْ يُفِدْ شَيْئًا وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مَعْنَى الْجَوَازِ جَوَازُ صَرْفِ الْغَلَّةِ إلَى تِلْكَ الْجِهَةِ وَيُتَّبَعُ شَرْطُهُ وَيَصِحُّ نَصْبُ الْمُتَوَلِّي عَلَيْهِ فَإِذَا ثَبَتَتْ هَذِهِ الْأَحْكَامُ كَيْفَ يُقَالُ لَمْ يُفِدْ شَيْئًا أَوْ أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ بِهِ حُكْمٌ لَمْ يَكُنْ وَقَوْلُهُ مَنْ أَخَذَ بِظَاهِرِ اللَّفْظِ إلَى آخِرِهِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ عَدَمُ الصِّحَّةِ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ لَا يَصِحَّ الْحُكْمُ بِهِ وَلِذَا رَدَّ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ عَلَى مَنْ ظَنَّ أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ عِنْدَهُ أَخْذًا مِنْ ظَاهِرِ الْمَبْسُوطِ. قَالَ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي صِحَّتِهِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي لُزُومِهِ فَقَالَ بِعَدَمِهِ وَقَالَا بِهِ فَلَا يُبَاعُ وَلَا يُورَثُ وَلَفْظُ الْوَاقِفِ يَنْتَظِمُهُمَا وَالتَّرْجِيحُ بِالدَّلِيلِ وَقَدْ أَكْثَرَ الْخَصَّافُ مِنْ الِاسْتِدْلَالِ لَهُمَا بِوُقُوفِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَقَدْ كَانَ أَبُو يُوسُفَ مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى حَجَّ مَعَ الرَّشِيدِ وَرَأَى وُقُوفَ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - بِالْمَدِينَةِ وَنَوَاحِيهَا رَجَعَ وَأَفْتَى بِلُزُومِهِ وَلَقَدْ اسْتَبْعَدَ مُحَمَّدٌ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْكِتَابِ لِهَذَا وَسَمَّاهُ تَحَكُّمًا عَلَى النَّاسِ مِنْ غَيْرِ حُجَّةٍ وَقَالَ مَا أَخَذَ النَّاسُ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ إلَّا لِتَرْكِهِمْ التَّحَكُّمَ عَلَى النَّاسِ وَلَوْ جَازَ تَقْلِيدُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي هَذَا لَكَانَ مَنْ مَضَى قُبَيْلَ أَبِي حَنِيفَةَ مِثْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ أَحْرَى أَنْ يُقَلَّدُوا وَلَمْ   [منحة الخالق] وَاَلَّذِي جَرَى الرَّسْمُ بِهِ إلَخْ) قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ وَلَا تُشْتَرَطُ الْمُرَافَعَةُ فَإِنَّهُ لَوْ كَتَبَ كَاتِبٌ مِنْ إقْرَارِ الْوَاقِفِ أَنَّ قَاضِيًا مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ قَضَى بِلُزُومِهِ وَصَارَ لَازِمًا وَهَذَا لَيْسَ بِكَذِبٍ مُبْطِلٍ لِحَقٍّ وَمُصَحِّحٍ لِغَيْرِ صَحِيحٍ فَإِنَّهُ مَنَعَ الْمُبْطِلَ عَنْ الْإِبْطَالِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَهَذَا لَمْ يَخْتَصَّ بِالْوَقْفِ فَإِنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى حُكْمِ حَاكِمٍ بِمُجْتَهَدٍ فِيهِ كَإِجَارَةِ الْمُشَاعِ وَغَيْرِهِ جَازَ فِيهِ مِثْلُ هَذِهِ الْكِتَابَةِ كَمَا فِي الْجَوَاهِرِ وَنَظِيرُهُ فِي الْمُضْمَرَاتِ وَغَيْرِهِ. اهـ. وَفِي الدُّرَرِ وَالْغُرَرِ وَمَا يُذْكَرُ فِي صَكِّ الْوَقْفِ أَنَّ قَاضِيًا مِنْ الْقُضَاةِ قَدْ قَضَى بِلُزُومِ هَذَا الْوَقْفِ وَبُطْلَانِ حَقِّ الرُّجُوعِ لَيْسَ بِشَيْءٍ فِي الصَّحِيحِ كَذَا فِي الْكَافِي وَالْخَانِيَّةِ اهـ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 209 يُحْمَدْ مُحَمَّدٌ عَلَى مَا قَالَهُ بِسَبَبِ أُسْتَاذِهِ وَقِيلَ بِسَبَبِ ذَلِكَ انْقَطَعَ خَاطِرُهُ فَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ تَفْرِيعِ مَسَائِلِ الْوَقْفِ كَالْخَصَّافِ وَهِلَالٍ وَلَوْ كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْأَحْيَاءِ حِينَ مَا قَالَ لَزَأَمَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ كَمَا قَالَ مَالِكٌ فِي أَبِي حَنِيفَةَ رَأَيْتُ رَجُلًا لَوْ قَالَ هَذِهِ الْأُسْطُوَانَةُ مِنْ ذَهَبٍ لَدَلَّ عَلَيْهِ وَلَكِنْ كُلُّ مُجَرٍّ بِالْخَلَا يُسَرُّ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَشَايِخَ رَجَّحُوا قَوْلَهُمَا وَقَالَ الْفَتْوَى عَلَيْهِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّهُ الْحَقُّ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ وَمَنْ مَرَّ بَعْدَهُمْ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مُتَوَارَثًا عَلَى خِلَافِ قَوْلِهِ. وَفِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ وَقَفَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ قَالَ الطَّحَاوِيُّ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيَّةِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَلْزَمُ إلَّا أَنَّهُ يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ وَالْوَقْفُ فِي الصِّحَّةِ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ. اهـ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ امْرَأَةٌ وَقَفَتْ مَنْزِلًا فِي مَرَضِهَا عَلَى بَنَاتِهَا ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِنَّ عَلَى أَوْلَادِهِنَّ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِنَّ أَبَدًا مَا تَنَاسَلُوا فَإِذَا انْقَرَضُوا فَلِلْفُقَرَاءِ ثُمَّ مَاتَتْ مِنْ مَرَضِهَا وَخَلَّفَتْ مِنْ الْوَرَثَةِ بِنْتَيْنِ وَأُخْتًا لِأَبٍ وَالْأُخْتُ لَا تَرْضَى بِمَا صَنَعَتْ وَلَا مَالَ لَهَا سِوَى الْمَنْزِلِ جَازَ الْوَقْفُ فِي الثُّلُثِ وَلَمْ يَجُزْ فِي الثُّلُثَيْنِ فَيُقْسَمُ الثُّلُثَانِ بَيْنَ الْوَرَثَةِ عَلَى قَدْرِ سِهَامِهِمْ وَيُوقَفُ الثُّلُثُ فَمَا خَرَجَ مِنْ غَلَّتِهِ قُسِمَ بَيْنَ الْوَرَثَةِ كُلِّهِمْ عَلَى قَدْرِ سِهَامِهِمْ مَا عَاشَتْ الْبِنْتَانِ فَإِذَا مَاتَتَا صُرِفَتْ الْغَلَّةُ إلَى أَوْلَادِهِمَا وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِمَا كَمَا شَرَطَتْ الْوَاقِفَةُ لَا حَقَّ لِلْوَرَثَةِ فِي ذَلِكَ. رَجُلٌ وَقَفَ دَارًا لَهُ فِي مَرَضِهِ عَلَى ثَلَاثِ بَنَاتٍ لَهُ وَلَيْسَ لَهُ وَارِثٌ غَيْرَهُنَّ. قَالَ الثُّلُثُ مِنْ الدَّارِ وَقْفٌ وَالثُّلُثَانِ مُطْلَقٌ لَهُ يَصْنَعْنَ بِهِمَا مَا شِئْنَ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ هَذَا إذَا لَمْ يُجِزْنَ أَمَّا إذَا أَجَزْنَ صَارَ الْكُلُّ وَقْفًا عَلَيْهِنَّ. اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَرِيضَ إذَا وَقَفَ عَلَى بَعْضِ وَرَثَتِهِ ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِمْ عَلَى أَوْلَادِهِمْ ثُمَّ عَلَى الْفُقَرَاءِ. فَإِنْ أَجَازَ الْوَارِثُ الْآخَرُ كَانَ الْكُلُّ وَقْفًا وَاتُّبِعَ الشَّرْطُ وَإِلَّا كَانَ الثُّلُثَانِ مِلْكًا بَيْنَ الْوَرَثَةِ وَالثُّلُثُ وَقْفًا مَعَ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْبَعْضِ لَا تَنْفُذُ فِي شَيْءٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَمَحَّضْ لِلْوَارِثِ لِأَنَّهُ بَعْدَهُ لِغَيْرِهِ فَاعْتُبِرَ الْغَيْرُ بِالنَّظَرِ إلَى الثُّلُثِ وَاعْتُبِرَ الْوَارِثُ بِالنَّظَرِ إلَى غَلَّةِ الثُّلُثِ الَّذِي صَارَ وَقْفًا فَلَا يُتَّبَعُ الشَّرْطُ مَا دَامَ الْوَارِثُ حَيًّا وَإِنَّمَا تُقْسَمُ غَلَّةُ هَذَا الثُّلُثِ بَيْنَ الْوَرَثَةِ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِذَا انْقَرَضَ الْوَارِثُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ اُعْتُبِرَ شَرْطُهُ فِي غَلَّةِ الثُّلُثِ وَإِنْ وُقِفَ عَلَى غَيْرِ الْوَرَثَةِ وَلَمْ يُجِيزُوا كَانَ الثُّلُثُ وَقْفًا وَاعْتُبِرَ شَرْطُهُ فِيهِ وَالثُّلُثَانِ مِلْكٌ فَلَوْ بَاعَ الْوَارِثُ الثُّلُثَيْنِ قَبْلَ ظُهُورِ مَالٍ آخَرَ ثُمَّ ظَهَرَ لَمْ يَبْطُلْ الْبَيْعَ وَيَغْرَمُ الْقِيمَةَ فَيَشْتَرِي بِذَلِكَ أَرْضًا وَتُجْعَلُ وَقْفًا عَلَى جِهَةِ الْأَوَّلِ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ. وَفِيهَا قَالَ أَرْضِي هَذِهِ صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ عَلَى ابْنِي فُلَانٍ فَإِنْ مَاتَ فَعَلَى وَلَدِي وَوَلَدِ وَلَدِي وَنَسْلِي وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ فَهِيَ إرْثٌ بَيْنَ كُلِّ الْوَرَثَةِ مَا دَامَ الِابْنُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ حَيًّا فَإِنْ مَاتَ صَارَ كُلُّهَا لِلنَّسْلِ. اهـ. وَهِيَ عِبَارَةٌ غَيْرُ صَحِيحَةٍ   [منحة الخالق] [وَقَفَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ] (قَوْلُهُ قَالَ الثُّلُثُ مِنْ الدَّارِ وَقْفٌ إلَخْ) أَيْ لِأَنَّ الْوَقْفَ فِي الْمَرَضِ وَصِيَّةٌ فَتَنْفُذُ مِنْ الثُّلُثِ فَقَطْ إلَّا بِإِجَازَةٍ لَكِنْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْوَارِثِ لَا تَجُوزُ وَلَعَلَّ مُرَادَهُمْ أَنَّهَا لَا تَجُوزُ حَيْثُ وُجِدَ الْمُنَازِعُ وَهُوَ الْوَارِثُ الْآخَرُ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ أَمَّا إذَا لَمْ يُوجَدْ وَارِثٌ غَيْرُ الْمُوصَى لَهُ فَتَجُوزُ بِلَا إجَازَةٍ لِعَدَمِ الْمُنَازِعِ لَكِنْ قَدْ يُقَالُ إذَا لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ فَلِمَ لَا تَجُوزُ فِي الْكُلِّ بَلْ تَوَقَّفَ جَوَازُهَا فِي الثُّلُثَيْنِ عَلَى الْإِجَازَةِ. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الشَّارِعَ لَمْ يَجْعَلْ لِلْمُوصِي حَقًّا فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ فَلَمْ تَجُزْ فِي الزَّائِدِ وَإِنْ كَانَتْ لِلْوَارِثِ بِلَا مُنَازِعٍ إلَّا إذَا أَجَازَهَا هَذَا مَا ظَهَرَ لِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَهِيَ عِبَارَةٌ غَيْرُ صَحِيحَةٍ) لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ جَعَلَ الْأَرْضَ إرْثًا لِلْوَرَثَةِ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ لَهُمْ مَعَ أَنَّ الْمَمْلُوكَ لَهُمْ ثُلُثَاهَا فَقَطْ وَأَيْضًا إذَا كَانَتْ مَمْلُوكَةً لَهُمْ كَيْفَ تَصِيرُ بَعْدَ مَوْتِ الِابْنِ لِلنَّسْلِ وَالْجَوَابُ أَنَّ قَوْلَهُ فَهِيَ إرْثٌ أَيْ حُكْمًا يَعْنِي أَنَّ غَلَّتَهَا تُصْرَفُ بَيْنَهُمْ عَلَى حُكْمِ الْإِرْثِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ نَفْسَ الْأَرْضِ تَكُونُ إرْثًا فَلَيْسَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ مُخَالَفَةٌ ثَانِيهِمَا قَوْلُهُ فَإِنْ مَاتَ صَارَتْ كُلُّهَا لِلنَّسْلِ يُخَالِفُهُ فَإِنَّ الثُّلُثَيْنِ مِلْكُ الْوَارِثِ وَالْمَوْقُوفُ هُوَ الثُّلُثُ فَاَلَّذِي تَصِيرُ غَلَّتُهُ لِلنَّسْلِ هُوَ هَذَا الثُّلُثُ لَا الْأَرْضُ كُلُّهَا. وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا مُرَادُ الْمُؤَلِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ فَهِيَ إرْثٌ رَاجِعٌ إلَى غَلَّةِ الثُّلُثِ الَّذِي صَارَ وَقْفًا وَقَوْلُهُ فَإِنْ مَاتَ صَارَ كُلُّهَا لِلنَّسْلِ أَيْ كُلُّ غَلَّةِ هَذَا الثُّلُثِ وَأَمَّا الثُّلُثَانِ فَهُمَا مَمْلُوكَانِ رَقَبَةً لِلْوَرَثَةِ وَالْقَرِينَةُ عَلَى هَذِهِ الْإِرَادَةِ أَنَّ الَّذِي يَصِيرُ لِلْوَرَثَةِ هُوَ تِلْكَ الْغَلَّةُ الَّتِي لِلثُّلُثِ فَتَأَمَّلْ وَأَجَابَ شَيْخُنَا بِمَا هُوَ الْمُتَعَيِّنُ وَهُوَ أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ الْبَزَّازِيَّةِ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ تَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ فَإِنَّهَا حِينَئِذٍ تَصِيرُ كُلُّهَا وَقْفًا وَحَيْثُ لَمْ يُجِيزُوا تُقْسَمُ غَلَّتُهَا كَالْإِرْثِ ثُمَّ بَعْدَ مَوْتِ الِابْنِ تَصِيرُ كُلُّهَا لِلنَّسْلِ وَيُوَضِّحُهُ الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ الْمَنْقُولَةُ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ أَيْضًا. وَفِي أَوْقَافِ الْإِمَامِ الْخَصَّافِ لَوْ أَنَّ رَجُلًا مَرِيضًا قَالَ أَرْضِي هَذِهِ صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ لِلَّهِ أَبَدًا عَلَى وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ وَنَسْلِهِ وَعَقِبِهِ أَبَدًا مَا تَنَاسَلُوا ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِمْ عَلَى الْمَسَاكِينِ فَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْأَرْضُ تَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ أُخْرِجَتْ وَكَانَتْ مَوْقُوفَةً تُسْتَغَلُّ ثُمَّ تُقْسَمُ غَلَّتُهَا عَلَى جَمِيعِ وَرَثَتِهِ عَلَى قَدْرِ مَوَارِيثِهِمْ عَنْهُ فَإِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ لِصُلْبِهِ وَلَهُ وَلَدُ وَلَدٍ قُسِمَتْ الْغَلَّةُ عَلَى عَدَدِ وَلَدِهِ لِصُلْبِهِ وَعَلَى عَدَدِ وَلَدِ وَلَدِهِ فَمَا أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ وَلَدَهُ قُسِمَ بَيْنَ وَرَثَتِهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 210 لِمَا قَدَّمْنَا عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّ الثُّلُثَيْنِ مِلْكٌ وَالثُّلُثُ وَقْفٌ وَأَنَّ غَلَّةَ الثُّلُثِ تُقْسَمُ عَلَى الْوَرَثَةِ مَا دَامَ الْوَارِثُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ حَيًّا وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا مَا ذَكَرَهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ بَعْدَهُ وَقَفَ أَرْضَهُ فِي مَرَضِهِ عَلَى وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ وَلَا مَالَ لَهُ سِوَاهُ فَثُلُثُهَا وَقْفٌ عَلَى وَلَدِ الْوَلَدِ بِلَا تَوَقُّفٍ عَلَى إجَازَةِ الْوَرَثَةِ وَالثُّلُثَانِ لِلْوَرَثَةِ إنْ لَمْ يُجِيزُوا وَإِنْ أَجَازُوا كَانَ بَيْنَ الصُّلْبِيِّ وَوَلَدِ الْوَلَدِ عَلَى السَّوَاءِ وَقَفَ أَرْضِهِ فِي مَرَضِهِ وَهِيَ تَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ فَتَلِفَ الْمَالُ قَبْلَ مَوْتِهِ وَصَارَ لَا يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ أَوْ تَلِفَ الْمَالُ بَعْدَ مَوْتِهِ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَى الْوَرَثَةِ فَثُلُثُهَا وَقْفٌ وَثُلُثَاهَا لِلْوَرَثَةِ وَقَفَ أَرْضَهُ فِي مَرَضِهِ عَلَى بَعْضِ وَرَثَتِهِ فَإِنْ أَجَازُوا الْوَرَثَةُ فَهُوَ كَمَا قَالُوا فِي الْوَصِيَّةِ لِبَعْضِ وَرَثَتِهِ وَإِلَّا فَإِنْ كَانَتْ تَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ صَارَتْ الْأَرْضُ وَقْفًا وَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ فَمِقْدَارُ مَا يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ يَصِيرُ وَقْفًا ثُمَّ تُقْسَمُ جَمِيعُ غَلَّةِ الْأَرْضِ مَا جَازَ فِيهِ الْوَقْفُ وَمَا لَمْ يَجُزْ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى مَا دَامَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ أَوْ أَحَدُهُمْ فِي الْأَحْيَاءِ فَإِذَا انْقَرَضُوا كُلُّهُمْ تُصْرَفُ غَلَّةُ الْأَرْضِ إلَى الْفُقَرَاءِ إنْ لَمْ يُوصِ الْوَاقِفُ إلَى وَاحِدٍ مِنْ الْوَرَثَةِ وَلَوْ مَاتَ أَحَدٌ مِنْهُمْ مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ مِنْ الْوَرَثَةِ وَبَقِيَ الْآخَرُ فَإِنَّ الْمَيِّتَ فِي قِسْمَةِ الْغَلَّةِ مَا دَامَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِمْ أَحْيَاءَ يُجْعَلُ كَأَنَّهُ حَيٌّ فَيُقْسَمُ ثُمَّ يُجْعَلُ سَهْمُهُ مِيرَاثًا لِوَرَثَتِهِ الَّذِينَ لَا حِصَّةَ لَهُمْ مِنْ الْوَقْفِ. اهـ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ لَوْ وَقَفَهَا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ وَلَا وَارِثَ لَهُ إلَّا زَوْجَتُهُ وَلَمْ تُجِزْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لَهَا مِنْ السُّدُسِ وَالْخَمْسَةُ الْأَسْدَاسُ تَكُونُ وَقْفًا لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ كِتَابِ الْوَصَايَا مَاتَ وَلَمْ يَدَعْ إلَّا امْرَأَةً وَاحِدَةً وَأَوْصَى بِكُلِّ مَالِهِ لِرَجُلٍ إنْ أَجَازَتْ فَكُلُّ الْمَالِ لَهُ وَإِلَّا فَالسُّدُسُ لَهَا وَخَمْسَةُ الْأَسْدَاسِ لَهُ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ يَأْخُذُ الثُّلُثَ أَوَّلًا بَقِيَ أَرْبَعَةٌ تَأْخُذُ الرُّبْعَ وَالثَّلَاثَةَ الْبَاقِيَةَ لِلْمُوصَى لَهُ فَحَصَلَ لَهُ خَمْسَةٌ مِنْ سِتَّةٍ. اهـ. وَلَا شَكَّ أَنَّ الْوَقْفَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ وَصِيَّةٌ وَفِي الْمُحِيطِ وَقْفُ الْمَرِيضِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ الْأَوَّلُ أَنْ يَقِفَ عَلَى الْفُقَرَاءِ فَإِنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ جَازَ فِي الْجَمِيعِ وَإِلَّا فَإِنْ أَجَازَ الْوَرَثَةُ جَازَ فِي الْكُلِّ وَإِلَّا جَازَ فِي الثُّلُثِ الثَّانِي لَوْ وَقَفَ عَلَى وَارِثٍ بِعَيْنِهِ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ فَإِنْ لَمْ يُجِيزُوا جَازَ فِي الثُّلُثِ وَذَكَرَ هِلَالٌ وَالْخَصَّافُ تُقْسَمُ جَمِيعُ غَلَّةِ الْأَرْضِ بَيْنَ الْوَرَثَةِ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يُعْطَى لِلْفُقَرَاءِ شَيْءٌ مَا دَامَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ حَيًّا فَإِذَا مَاتَ صُرِفَ لِلْفُقَرَاءِ فَإِنْ كَانَ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ يَكُونُ الْكُلُّ لِلْفُقَرَاءِ وَإِلَّا فَلَهُمْ بِقَدْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ لِأَنَّ هَذَا وَقْفٌ عَلَى الْفُقَرَاءِ بَعْدَ مَوْتِ الْوَارِثِ لَا قَبْلَهُ فَمَا دَامَ الْوَارِثُ حَيًّا لَا يَكُونُ وَقْفًا عَلَى الْفُقَرَاءِ فَلَا يَكُونُ لَهُمْ حَقٌّ فِي تِلْكَ الْغَلَّةِ وَالْوَصِيَّةُ لِلْوَارِثِ قَدْ بَطَلَتْ فَيُقْسَمُ الْكُلُّ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُعْطِي حِصَّةَ الْوَقْفِ مِنْ الْغَلَّةِ لِلْفُقَرَاءِ لِلْحَالِ وَلَا يَكُونُ لِلْوَرَثَةِ مِنْهَا شَيْءٌ لِأَنَّ الْوَقْفَ حَصَلَ عَلَى الْفُقَرَاءِ لِلْحَالِ لِأَنَّ هَذَا الْوَقْفَ وَصِيَّةٌ بِالْغَلَّةِ لِلْوَارِثِ فَإِذَا لَمْ يُجِزْ الْبَاقُونَ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ لِلْوَارِثِ فَبَقِيَ هَذَا وَقْفًا عَلَى الْفُقَرَاءِ. فَأَمَّا إذَا أَجَازَ الْوَرَثَةُ قِيلَ تَكُونُ حِصَّةُ الْوَقْفِ لِلْفُقَرَاءِ لِلْحَالِ وَقِيلَ مِقْدَارُ الثُّلُثِ لِلْفُقَرَاءِ وَمَا وَرَاءَ الثُّلُثِ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ مَا دَامَ حَيًّا فَإِذَا مَاتَ رَجَعَ إلَى الْوَرَثَةِ وَالثَّالِثُ لَوْ وَقَفَ عَلَى الْمُحْتَاجِينَ مِنْ وَلَدِهِ وَنَسْلِهِ ثُمَّ عَلَى الْفُقَرَاءِ فَإِنْ كَانَ الْأَوْلَادُ وَالنَّسْلُ كُلُّهُمْ أَغْنِيَاءَ فَالْغَلَّةُ لِلْفُقَرَاءِ وَإِنْ كَانُوا كُلُّهُمْ فُقَرَاءَ أَوْ كَانَ فِي كُلِّ فَرِيقٍ بَعْضُهُمْ فُقَرَاءَ فَإِنَّهُ تُقْسَمُ الْغَلَّةُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ فُقَرَاءِ الْفَرِيقَيْنِ بِالسَّوِيَّةِ فَمَا أَصَابَ الْفُقَرَاءَ مِنْ أَوْلَادِ الصُّلْبِ قُسِمَ بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ وَالْفُقَرَاءِ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَا أَصَابَ الْفُقَرَاءَ مِنْ النَّسْلِ قُسِمَ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ دُونَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْهُمْ وَإِنْ كَانَ أَوْلَادُ الصُّلْبِ كُلُّهُمْ أَغْنِيَاءَ وَنَسْلُهُ فُقَرَاءُ فَالْغَلَّةُ كُلُّهَا لِلنَّسْلِ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ. وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى الْعَكْسِ أَوْ بَعْضُ أَوْلَادِ الصُّلْبِ فُقَرَاءَ فَالْغَلَّةُ كُلُّهَا لِأَوْلَادِ الصُّلْبِ تُقْسَمُ بَيْنَهُمْ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ مَا أَصَابَ النَّسْلَ أَصَابُوهُ عَلَى سَبِيلِ الْوَصِيَّةِ لِأَنَّهُمْ لَا يَكُونُوا وَرَثَةً فَيَكُونُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ وَمَا أَصَابَ الْأَوْلَادُ بِطَرِيقِ الْإِرْثِ   [منحة الخالق] جَمِيعًا عَلَى عَدَدِ مَوَارِيثِهِمْ مِنْ قِبَلِ أَنَّ هَذِهِ وَصِيَّةٌ وَالْوَصِيَّةُ لِلْوَارِثِ لَا تَجُوزُ فَمَا أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ مَنْ يَرِثُهُ مِنْ وَلَدِهِ مِنْ غَلَّةِ هَذَا الْوَقْفِ قُسِمَ ذَلِكَ بَيْنَ جَمِيعِ وَرَثَةِ الْوَاقِفِ عَلَى قَدْرِ مَوَارِيثِهِمْ عَنْهُ وَمَا أَصَابَ مَنْ لَا يَرِثُهُ مِنْ وَلَدِ وَلَدِهِ مِنْ هَذِهِ الْغَلَّةِ كَانَ ذَلِكَ لَهُمْ فَإِذَا انْقَرَضَ وَلَدُهُ لِصُلْبِهِ قُسِمَتْ غَلَّةُ هَذِهِ الصَّدَقَةِ بَيْنَ وَلَدِ وَلَدِهِ وَنَسْلِهِ عَلَى مَا قَالَ وَلَا يَكُونُ لِزَوْجَتِهِ وَلَا لِأَبَوَيْهِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ. فَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْأَرْضُ لَا تَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ مَالِ الْوَاقِفِ قَالَ يَكُونُ ثُلُثَاهَا مِيرَاثًا بَيْنَ جَمِيعِ وَرَثَتِهِ عَلَى قَدْرِ مَوَارِيثِهِمْ عَنْهُ وَيَكُونُ ثُلُثُهَا مَوْقُوفًا تُقْسَمُ غَلَّتُهُ إذَا جَاءَتْ عَلَى وَلَدِهِ لِصُلْبِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ جَمِيعًا إنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ وَوَلَدُ وَلَدٍ فَمَا أَصَابَ وَلَدَهُ لِصُلْبِهِ يُقْسَمُ ذَلِكَ بَيْنَ سَائِرِ وَرَثَتِهِ عَلَى قَدْرِ مَوَارِيثِهِمْ فَإِذَا انْقَرَضُوا أُنْفِذَتْ الْغَلَّةُ عَلَى مَا سَبَّلَهَا الْوَاقِفُ. اهـ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 211 إذْ «لَا وَصِيَّةَ لِلْوَارِثِ» فَيَكُونُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ مَوَارِيثِهِمْ. وَالرَّابِعُ لَوْ أَوْصَى بِأَنْ تُوقَفَ أَرْضُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ عَلَى فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنْ خَرَجَتْ مِنْ الثُّلُثِ أَوْ لَمْ تَخْرُجْ وَلَكِنْ أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ فَإِنَّهَا تُوقَفُ كُلُّهَا وَإِنْ لَمْ يُجِيزُوا فَمِقْدَارُ الثُّلُثِ يُوقَفُ اعْتِبَارًا لِلْبَعْضِ بِالْكُلِّ وَإِنْ خَرَجَتْ كُلُّهُ مِنْ ثُلُثِهِ وَفِيهَا نَخْلٌ فَأَثْمَرَتْ بَعْدَ الْمَوْتِ قَبْلَ وَقْفِ الْأَرْضِ دَخَلَتْ الثَّمَرَةُ فِي الْوَقْفِ لِأَنَّهَا خَرَجَتْ مِنْ أَصْلٍ مَشْغُولٍ بِحَقِّ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ وَإِنْ أَثْمَرَتْ قَبْلَ الْمَوْتِ فَتِلْكَ الثَّمَرَةُ تَكُونُ مِيرَاثًا. اهـ. وَتَمَامُهُ فِي الْإِسْعَافِ مَعَ بَيَانِ حُكْمِ إقْرَارِ الْمَرِيضِ بِالْوَقْفِ قَوْلُهُ (وَلَا يَتِمُّ حَتَّى يَقْبِضَ وَيُفْرِزَ وَيَجْعَلَ آخِرَهُ لِجِهَةٍ لَا تَنْقَطِعُ) بَيَانٌ لِشَرَائِطِهِ الْخَاصَّةِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَقَدْ مَشَى الْمُؤَلِّفُ أَوَّلًا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ عَدَمِ لُزُومِهِ إلَّا بِالْقَضَاءِ وَثَانِيًا فِي الشَّرَائِطِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَهُوَ مِمَّا لَا يَنْبَغِي لِأَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا فِي لُزُومِهِ بِلَا قَضَاءٍ كَمَا قَدَّمْنَا وَإِذَا لَزِمَ عِنْدَهُمَا فَإِنَّهُ يَلْزَمُ بِمُجَرَّدِ الْقَوْلِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بِمَنْزِلَةِ الْإِعْتَاقِ بِجَامِعِ إسْقَاطِ الْمِلْكِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا بُدَّ مِنْ التَّسْلِيمِ إلَى الْمُتَوَلِّي وَالْإِفْرَازِ وَالتَّأْبِيدِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى إنَّمَا يَثْبُتُ فِيهِ فِي ضِمْنِ التَّسْلِيمِ إلَى الْعَبْدِ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ مَالِكُ الْأَشْيَاءِ لَا يَتَحَقَّقُ مَقْصُودًا وَقَدْ يَكُونُ تَبَعًا لِغَيْرِهِ فَيَأْخُذُ حُكْمَهُ فَيَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الزَّكَاةِ وَالصَّدَقَةِ فَلَوْ قَالَ هَذِهِ الشَّجَرَةُ لِلْمَسْجِدِ لَا تَكُونُ لَهُ مَا لَمْ يُسْلِمْهَا إلَى قَيِّمِ الْمَسْجِدِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَمَشَايِخِ بَلْخٍ يُفْتُونَ بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ أَكْثَرُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ أَخَذُوا بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ وَالْفَتْوَى عَلَيْهِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَوْجَهُ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ وَفِي الْمُنْيَةِ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَهَذَا قَوْلُ مَشَايِخِ بَلْخٍ وَأَمَّا الْبُخَارِيُّونَ فَأَخَذُوا بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ وَفِي الْمَبْسُوطِ كَانَ الْقَاضِي أَبُو عَاصِمٍ يَقُولُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى أَقْوَى إلَّا أَنَّهُ قَالَ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ أَقْرَبُ إلَى مُوَافَقَةِ الْآثَارِ يَعْنِي مَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جَعَلَ وَقْفَهُ فِي يَدِ حَفْصَةَ وَغَيْرُ ذَلِكَ وَرَدَّهُ فِي الْمَبْسُوطِ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ كَوْنُهُ لِيَتِمَّ الْوَقْفُ بَلْ لِشُغْلِهِ وَخَوْفِ التَّقْصِيرِ إلَى آخِرِهِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَالْإِمَامُ الثَّانِي فِي قَوْلِهِ الْأَوَّلِ ضَيَّقَ ثُمَّ وَسَّعَ كُلَّ التَّوَسُّعِ حَتَّى قَالَ يَتِمُّ بِقَوْلِهِ وَقَفْت وَمَشَايِخُ خُوَارِزْمَ أَخَذُوا بِقَوْلِهِ عَلَى مَا حَكَاهُ نَجْمٌ الزَّاهِدُ فِي شَرْحِهِ لِلْمُخْتَصَرِ وَمُحَمَّدٌ تَوَسَّطَ وَبِقَوْلِهِ أَخَذَ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ عَلَى مَا حَكَاهُ فِي الْفَتَاوَى اهـ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّرْجِيحَ قَدْ اخْتَلَفَ وَالْأَخْذُ بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَحْوَطُ وَأَسْهَلُ وَلِذَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَمَشَايِخُنَا أَخَذُوا بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ تَرْغِيبًا لِلنَّاسِ فِي الْوَقْفِ وَيَبْتَنِي عَلَى هَذَا الْخِلَافِ مَسَائِلُ الْأُولَى لَوْ عَزَلَ الْوَاقِفُ الْقَيِّمَ وَأَخْرَجَهُ إلَى غَيْرِهِ بِلَا شَرْطٍ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ قَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَنْعَزِلُ وَالْوِلَايَةُ لِلْقِيَمِ. الثَّانِيَةُ لَوْ مَاتَ وَلَهُ وَصِيٌّ فَلَا وِلَايَةَ لِوَصِيِّهِ وَالْوِلَايَةُ لِلْقَيِّمِ الثَّالِثَةُ لَوْ تَوَلَّاهُ الْوَاقِفُ بِنَفْسِهِ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ الْوِلَايَةُ لِلْوَاقِفِ وَلَهُ أَنْ يَعْزِلَ الْقَيِّمَ فِي حَيَاتِهِ وَيُوَلِّيَ غَيْرَهُ أَوْ يَرُدَّ النَّظَرَ إلَى نَفْسِهِ وَإِذَا مَاتَ الْوَاقِفُ بَطَلَ وِلَايَةُ الْقَيِّمِ عِنْدَهُ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ وَكِيلِهِ وَأَمَّا إذَا جَعَلَهُ قَيِّمًا فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ مَوْتِهِ فَإِنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ بِمَوْتِهِ اتِّفَاقًا وَكَذَا لَوْ شَرَطَ الْوِلَايَةَ فِي عَزْلِ الْقُوَّامِ وَالِاسْتِبْدَالِ بِهِمْ لِنَفْسِهِ أَوْ لِأَوْلَادِهِ وَأَخْرَجَهُ مِنْ يَدِهِ وَسَلَّمَهُ إلَى الْمُتَوَلِّي فَإِنَّهُ جَائِزٌ اتِّفَاقًا نَصَّ عَلَيْهِ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ لِأَنَّ هَذَا شَرْطٌ لَا يُخِلُّ بِشَرَائِطِ الْوَاقِفِ. وَفِي الْخُلَاصَةِ إذَا شَرَطَ الْوَاقِفُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُتَوَلِّي فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الْوَقْفُ وَالشَّرْطُ كِلَاهُمَا صَحِيحَانِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَهِلَالٍ الْوَقْفُ وَالشَّرْطُ بَاطِلَانِ. اهـ. وَسَيَأْتِي آخِرَ الْبَابِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمُتَوَلِّي نَصْبًا وَتَصَرُّفًا وَأَمَّا الثَّانِي أَعْنِي اشْتِرَاطَ الْإِفْرَازِ فَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ فَلَا يَجُوزُ وَقْفُ الْمُشَاعِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ هُوَ جَائِزٌ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الشَّرْطِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ مِنْ تَمَامِ الْقَبْضِ فَمَنْ شَرَطَهُ لَمْ يُجَوِّزْ وَقْفَ الْمُشَاعِ وَمَنْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ جَوَّزَهُ وَالْخِلَافُ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ أَمَّا مَا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ فَهُوَ جَائِزٌ اتِّفَاقًا اعْتِبَارًا عِنْدَ مُحَمَّدٍ بِالْهِبَةِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَقَدْ مَشَى الْمُؤَلِّفُ أَوَّلًا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ) قَالَ فِي النَّهْرِ الْأَوْلَى أَنْ يُحْمَلَ مَا قَالَهُ أَوَّلًا عَلَى بَيَانِ مَسْأَلَةٍ إجْمَاعِيَّةٍ هِيَ أَنَّ الْمِلْكَ بِالْقَضَاءِ يَزُولُ أَمَّا إذَا خَلَا عَنْ الْقَضَاءِ فَلَا يَزُولُ بَعْدَ هَذِهِ الشُّرُوطِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِعَامَّةِ الْمَشَايِخِ (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ الْوِلَايَةُ لِلْوَاقِفِ إلَخْ) سَيَأْتِي ذِكْرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْوَرَقَةِ الْعِشْرِينَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 212 وَالصَّدَقَةِ الْمُنَفَّذَةِ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ وَالْمَقْبَرَةِ فَإِنَّهُ لَا يَتِمُّ الشُّيُوعُ فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَيْضًا لِأَنَّ بَقَاءَ الشَّرِكَةِ يَمْنَعُ الْخُلُوصَ لِلَّهِ تَعَالَى وَلِأَنَّ الْمُهَايَأَةَ فِي هَذَا فِي غَايَةِ الْقُبْحِ بِأَنْ يُقْبَرَ فِيهَا الْمَوْتَى سَنَةً وَتُزْرَعَ سَنَةً وَيُصَلَّى لِلَّهِ فِيهِ فِي وَقْتٍ وَيُتَّخَذَ إصْطَبْلًا فِي وَقْتٍ بِخِلَافِ الْوَقْفِ لِإِمْكَانِ الِاسْتِغْلَالِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ وَقْفَ الْمُشَاعِ مَسْجِدًا أَوْ مَقْبَرَةً غَيْرُ جَائِزٍ مُطْلَقًا اتِّفَاقًا وَفِي غَيْرِهِمَا إنْ كَانَ مِمَّا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ جَازَ اتِّفَاقًا. وَالْخِلَافُ فِيمَا يَحْتَمِلُهَا وَمَنْ أَخَذَ بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِي خُرُوجِهِ بِمُجَرَّدِ اللَّفْظِ وَهُمْ مَشَايِخُ بَلْخٍ أَخَذَ بِقَوْلِهِ فِي هَذِهِ وَمَنْ أَخَذَ بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي الْقَبْضِ وَهُمْ مَشَايِخُ بُخَارَى أَخَذَ بِقَوْلِهِ فِي وَقْفِ الْمُشَاعِ وَصَرَّحَ فِي الْخُلَاصَةِ مِنْ الْإِجَارَةِ وَالْوَقْفِ بِأَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي وَقْفِ الْمُشَاعِ وَكَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ والولوالجية وَشَرْحِ الْمَجْمَعِ لِابْنِ الْمَلَكِ وَفِي التَّجْنِيسِ وَبِقَوْلِهِ يُفْتَى وَتَبِعَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَسَيَأْتِي بَيَانُ مَا إذَا قَضَى بِجِوَارِهِ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَإِذَا وَقَفَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نَصِيبَهُ الْمُشَاعَ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ ثُمَّ اقْتَسَمَا فَوَقَعَ نَصِيبُ الْوَاقِفِ فِي مَوْضِعٍ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَقِفَهُ ثَانِيًا لِأَنَّ الْقِسْمَةَ تُعَيِّنُ الْمَوْقُوفَ وَإِذَا أَرَادَ الِاجْتِنَابَ عَنْ الْخِلَافِ يَقِفُ الْمَقْسُومَ ثَانِيًا وَلَوْ كَانَ الْأَرْضُ لَهُ فَوَقَفَ نِصْفَهَا ثُمَّ أَرَادَ الْقِسْمَةَ فَالْوَجْهُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَبِيعَ مَا بَقِيَ ثُمَّ يَقْتَسِمَانِ وَإِنْ لَمْ يَبِعْ وَرَفَعَ إلَى الْقَاضِي لِيَأْمُرَ إنْسَانًا بِالْقِسْمَةِ مَعَهُ جَازَ. كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ أَيْضًا وَفِيهَا حَانُوتٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَقَفَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ وَأَرَادَ أَنْ يَضْرِبَ لَوْحَ الْوَقْفِ عَلَى بَابِهِ فَمَنَعَهُ الشَّرِيكُ الْآخَرُ لَيْسَ لَهُ الضَّرْبُ إلَّا إذَا أَمَرَهُ الْقَاضِي بِذَلِكَ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَمَّا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فَلَا يَتَأَتَّى هَذَا. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَوْ كَانَتْ لَهُ أَرْضُونَ وَدُورٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ فَوَقَفَ نَصِيبَهُ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُقَاسِمَ شَرِيكَهُ وَيَجْمَعَ الْوَقْفَ كُلَّهُ فِي أَرْضٍ وَاحِدَةٍ وَدَارٍ وَاحِدَةٍ فَإِنَّهُ جَائِزٌ فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَهِلَالٍ وَإِذَا قَاسَمَ الْوَاقِفُ شَرِيكَهُ وَبَيْنَهُمَا دَرَاهِمُ فَإِنْ كَانَ الْوَاقِفُ هُوَ الَّذِي أَعْطَى الدَّرَاهِمَ جَازَ لِأَنَّهُ فِي حِصَّةِ الْوَقْفِ قَاسَمَ شَرِيكَهُ وَاشْتَرَى أَيْضًا مَا لَمْ يَقِفْ مِنْ نَصِيبِ شَرِيكِهِ فَجَازَ ذَلِكَ كُلُّهُ ثُمَّ حِصَّةُ الْوَقْفِ لِلْوَاقِفِ وَمَا اشْتَرَاهُ بِالدَّرَاهِمِ فَذَلِكَ لَهُ وَلَيْسَ بِوَقْفٍ. اهـ. وَلَوْ وَقَفَ جَمِيعَ أَرْضِهِ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ جُزْءٌ مِنْهُ بَطَلَ فِي الْبَاقِي عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِأَنَّ الشُّيُوعَ مُقَارِنٌ كَمَا فِي الْهِبَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا رَجَعَ الْوَاهِبُ فِي الْبَعْضِ أَوْ رَجَعَ الْوَارِثُ فِي الثُّلُثَيْنِ بَعْدَ مَوْتِ الْمَرِيضِ وَقَدْ وَهَبَ أَوْ وَقَفَ فِي مَرَضِهِ وَفِي الْمَالِ ضَيَّقَ لِأَنَّ الشُّيُوعَ فِي ذَلِكَ طَارِئٌ وَلَوْ اُسْتُحِقَّ جُزْءٌ مُمَيَّزٌ بِعَيْنِهِ لَمْ يَبْطُلْ فِي الْبَاقِي لِعَدَمِ الشُّيُوعِ وَلِهَذَا جَازَ فِي الِابْتِدَاءِ. وَعَلَى هَذَا الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ الْمَمْلُوكَةُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ كَانَتْ الْأَرْضُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَوَقَفَاهَا عَلَى بَعْضِ الْوُجُوهِ وَدَفَعَاهَا إلَى وَالٍ يَقُومُ عَلَيْهَا كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ تَمَامِ الصَّدَقَةِ شُيُوعٌ فِي الْمَحَلِّ الْمُتَصَدَّقِ بِهِ وَلَا شُيُوعَ هُنَا لِأَنَّ الْكُلَّ صَدَقَةٌ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ ذَلِكَ مَعَ كَثْرَةِ الْمُتَصَدِّقِينَ وَالْقَبْضُ مِنْ الْوَالِي فِي الْكُلِّ وُجِدَ جُمْلَةً وَاحِدَةً فَهُوَ كَمَا لَوْ تَصَدَّقَ بِهَا رَجُلٌ وَاحِدٌ بِخِلَافِ مَا لَوْ وَقَفَ كُلٌّ مِنْهُمَا نِصْفَهَا شَائِعًا عَلَى حِدَةٍ وَجَعَلَ لَهَا وَالِيًا عَلَى حِدَةٍ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُمَا صَدَقَتَانِ وَلَوْ وَقَفَ كُلٌّ مِنْهُمَا نَصِيبَهُ وَجَعَلَا الْوَالِيَ فَسَلَّمَاهَا إلَيْهِ جَمِيعًا جَازَ لِأَنَّ تَمَامَهَا بِالْقَبْضِ وَالْقَبْضُ يَجْتَمِعُ. كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْمُشَاعُ غَيْرُ الْمَقْسُومِ مِنْ شَاعَ يَشِيعُ شَيْعًا وَشُيُوعًا وَمَشَاعًا كَذَا فِي الْقَامُوسِ وَأَمَّا الثَّالِثُ وَهُوَ أَنْ يَجْعَلَ آخِرَهُ لِجِهَةٍ لَا تَنْقَطِعُ فَهُوَ قَوْلُهُمَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إذَا سَمَّى فِيهِ جِهَةً تَنْقَطِعُ جَازَ وَصَارَ بَعْدَهَا لِلْفُقَرَاءِ وَلَوْ لَمْ يُسَمِّهِمْ لَهُمَا أَنَّ مُوجِبَ الْوَقْفِ زَوَالُ الْمِلْكِ بِدُونِ التَّمْلِيكِ وَأَنَّهُ يَتَأَبَّدُ كَالْعِتْقِ وَإِذَا كَانَتْ الْجِهَةُ يُتَوَهَّمُ انْقِطَاعُهَا لَا يَتَوَفَّرُ عَلَيْهِ مُقْتَضَاهُ وَلِهَذَا كَانَ التَّوْقِيتُ مُبْطِلًا لَهُ كَالتَّوْقِيتِ فِي الْبَيْعِ وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ التَّقَرُّبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ مُوَفَّرٌ عَلَيْهِ لِأَنَّ التَّقَرُّبَ تَارَةً يَكُونُ بِالصَّرْفِ إلَى جِهَةٍ تَنْقَطِعُ وَمَرَّةً بِالصَّرْفِ إلَى جِهَةٍ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَصَارَ بَعْدَهَا لِلْفُقَرَاءِ وَلَوْ لَمْ يُسَمِّهِمْ) هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ كَمَا يَأْتِي كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الْفَتْحِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 213 تَتَأَبَّدُ فَصَحَّ فِي الْوَجْهَيْنِ وَقِيلَ التَّأْبِيدُ شَرْطٌ بِالْإِجْمَاعِ إلَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ التَّأْبِيدِ لِأَنَّ لَفْظَةَ الْوَقْفِ وَالصَّدَقَةِ مُنْبِئَةٌ عَنْهُ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ إزَالَةُ الْمِلْكِ بِدُونِ التَّمْلِيكِ كَالْعِتْقِ. وَلِهَذَا قَالَ فِي الْكِتَابِ فِي بَيَانِ قَوْلِهِ وَصَارَ بَعْدَهَا لِلْفُقَرَاءِ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِمْ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ ذِكْرُ التَّأْبِيدِ شَرْطٌ لِأَنَّ هَذَا صَدَقَةٌ بِالْمَنْفَعَةِ وَبِالْغَلَّةِ وَذَلِكَ قَدْ يَكُونُ مُوَقَّتًا فَمُطْلَقُهُ لَا يَنْصَرِفُ إلَى التَّأْبِيدِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّنْصِيصِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي التَّأْبِيدِ رِوَايَتَيْنِ فِي رِوَايَةٍ لَا بُدَّ مِنْهُ وَذِكْرُهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَصَحَّحَهُ وَفِي رِوَايَةٍ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَتَفَرَّعَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ مَا لَوْ وَقَفَ عَلَى إنْسَانٍ بِعَيْنِهِ أَوْ عَلَيْهِ وَعَلَى أَوْلَادِهِ أَوْ عَلَى قَرَابَتِهِمْ وَهُمْ يُحْصَوْنَ أَوْ عَلَى أُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ فَمَاتَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ فَعَلَى الْأَوَّلِ يَعُودُ إلَى وَرَثَةِ الْوَاقِفِ قَالَ النَّاطِفِيُّ فِي الْأَجْنَاسِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَعَلَى الثَّانِي تُصْرَفُ إلَى الْفُقَرَاءِ وَهِيَ رِوَايَةِ الْبَرَامِكَةِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَظَاهِرُ مَا فِي الْمُجْتَبَى وَالْخُلَاصَةِ أَنَّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ فِيمَا إذَا ذَكَرَ لَفْظَ الصَّدَقَةِ أَمَّا إذَا ذَكَرَ لَفْظَ الْوَقْفِ فَقَطْ فَلَا يَجُوزُ اتِّفَاقًا إذَا كَانَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ مُعَيَّنًا ثُمَّ قَالَ مَتَى ذَكَرَ مَوْضِعَ الْحَاجَةِ عَلَى وَجْهٍ يَتَأَبَّدُ يَكْفِيهِ عَنْ ذِكْرِ الصَّدَقَةِ وَكَذَا عَلَى أَبْنَاءِ السَّبِيلِ أَوْ الزَّمْنَى وَيَكُونُ لِلْفُقَرَاءِ مِنْهُمْ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا وَقَفَ مَالًا لِبِنَاءِ الْقَنَاطِرِ أَوْ لِإِصْلَاحِ الطَّرِيقِ أَوْ لِحَفْرِ الْقُبُورِ أَوْ لِاتِّخَاذِ السِّقَايَاتِ أَوْ لِشِرَاءِ الْأَكْفَانِ لِفُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ لَا يَجُوزُ بِخِلَافِ الْوَقْفِ لِلْمَسَاجِدِ لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِالثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ وَقَفَ عَلَى فُقَرَاءِ مَكَّةَ أَوْ فُقَرَاءِ قَرْيَةٍ مَعْرُوفَةٍ إنْ كَانُوا لَا يُحْصَوْنَ يَجُوزُ فِي الْحَيَاةِ وَبَعْدَ الْمَمَاتِ لِأَنَّهُ مُؤَبَّدٌ وَإِنْ كَانُوا لَا يُحْصَوْنَ يَجُوزُ بَعْدَ الْمَوْتِ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ وَالْوَصِيَّةُ لِقَوْمٍ يُحْصَوْنَ تَجُوزُ حَتَّى إذَا انْقَرَضُوا صَارَ مِيرَاثًا مِنْهُمْ وَإِنْ كَانَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ قَالَ النَّاطِفِيُّ فِي الْأَجْنَاسِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى) مُخَالِفٌ لِمَا صَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا لَكِنْ قَالَ الرَّمْلِيُّ ارْجِعْ إلَى النَّهْرِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ رِوَايَةٌ ضَعِيفَةٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ اهـ. قُلْتُ: وَفِي الْإِسْعَافِ وَلَوْ قَالَ وَقَفْتُ أَرْضِي هَذِهِ عَلَى وَلَدِ زَيْدٍ وَذَكَرَ جَمَاعَةً بِأَعْيَانِهِمْ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَيْضًا لِأَنَّ تَعَيُّنَ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ يَمْنَعُ إرَادَةَ غَيْرِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُعَيِّنْ لِجَعْلِهِ إيَّاهُ عَلَى الْفُقَرَاءِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ قَوْلِهِ أَرْضِي هَذِهِ مَوْقُوفَةٌ وَبَيْنَ قَوْلِهِ مَوْقُوفَةٌ عَلَى وَلَدِي فَصَحَّحَ الْأَوَّلَ دُونَ الثَّانِي لِأَنَّ مُطْلَقَ قَوْلِهِ مَوْقُوفَةٌ يُصْرَفُ إلَى الْفُقَرَاءِ عُرْفًا فَإِذَا ذَكَرَ الْوَلَدَ صَارَ مُقَيَّدًا فَلَا يَبْقَى الْعُرْفُ فَظَهَرَ بِهَذَا أَنَّ الْخِلَافَ بَيْنَهُمَا فِي اشْتِرَاطِ ذِكْرِ التَّأْبِيدِ وَعَدَمِهِ إنَّمَا هُوَ فِي التَّنْصِيصِ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى مَا يَقُومُ مَقَامَهُ كَالْفُقَرَاءِ وَنَحْوِهِمْ وَأَمَّا التَّأْبِيدُ مَعْنًى فَشَرْطٌ اتِّفَاقًا عَلَى الصَّحِيحِ وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ مُحَقِّقُو الْمَشَايِخِ. اهـ. مَا فِي الْإِسْعَافِ لَكِنْ تَعْيِينُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ إذَا كَانَ مَسْجِدًا لَا يَضُرُّ لِأَنَّهُ مُؤَبَّدٌ لِمَا فِي الْإِسْعَافِ أَيْضًا قُبَيْلَ مَا مَرَّ لَوْ قَالَ وَقَفْتُ أَرْضِي هَذِهِ عَلَى عِمَارَةِ الْمَسْجِدِ الْفُلَانِيِّ يَصِحُّ عِنْدَهُ أَيْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَزِدْ عَلَى قَوْلِهِ وَقَفْتُ يَجُوزُ عِنْدَهُ فَبِالْأَوْلَى إذَا عَيَّنَ جِهَتَهُ وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِاحْتِمَالِ خَرَابِ مَا حَوْلَهُ فَلَا يَكُونُ مُؤَبَّدًا وَتَمَامُهُ فِيهِ (قَوْلُهُ وَظَاهِرُ مَا فِي الْمُجْتَبَى وَالْخُلَاصَةِ إلَخْ) يُؤَيِّدُهُ مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْإِسْعَافِ لَكِنْ يُخَالِفُهُ مَا سَيَذْكُرُهُ بَعْدُ فِي آخِرِ الْمَقُولَةِ عَنْ الْمُحِيطِ وَيُؤَيِّدُ مَا هُنَا أَيْضًا مَا فِي الْخَانِيَّةِ لَوْ قَالَ أَرْضِي هَذِهِ صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ عَلَى فُلَانٍ صَحَّ وَيَصِيرُ تَقْدِيرُهُ صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ عَلَى الْفُقَرَاءِ لِأَنَّ مَحَلَّ الصَّدَقَةِ الْفُقَرَاءُ إلَّا أَنَّ غَلَّتَهَا تَكُونُ لِفُلَانٍ مَا دَامَ حَيًّا ثُمَّ قَالَ بَعْدَ أَسْطُرٍ وَلَوْ قَالَ أَرْضِي مَوْقُوفَةٌ عَلَى فُقَرَاءِ قَرَابَتِي لَا يَصِحُّ وَكَذَا لَوْ قَالَ عَلَى وَلَدِي لِأَنَّهُمْ يَنْقَطِعُونَ فَلَا يَتَأَبَّدُ الْوَقْفُ وَبِدُونِ التَّأْبِيدِ لَا يَصِحُّ إلَّا أَنْ يُجْعَلَ آخِرُهُ لِلْفُقَرَاءِ فَرَّقَ أَبُو يُوسُفَ بَيْنَ قَوْلِهِ أَرْضِي مَوْقُوفَةٌ وَبَيْنَ قَوْلِهِ أَرْضِي مَوْقُوفَةٌ عَلَى وَلَدِي فَإِنَّ الْأَوَّلَ يَصِحُّ وَالثَّانِي لَا يَصِحُّ. اهـ. فَانْظُرْ كَيْفَ قَالَ فِي صَدَقَةٍ مَوْقُوفَةٍ عَلَى فُلَانٍ إنَّهُ يَصِحُّ وَعَلَّلَ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ مَحَلَّ الصَّدَقَةِ الْفُقَرَاءُ أَيْ فَهُوَ تَأْبِيدٌ مَعْنًى بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَأْتِ بِلَفْظِ " صَدَقَةٌ " وَاقْتَصَرَ عَلَى لَفْظِ " مَوْقُوفَةٌ " مَعَ تَعْيِينِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ فَإِنَّ التَّعْيِينَ يُنَافِي التَّأْبِيدَ حَيْثُ لَمْ يَذْكُرْ التَّأْبِيدَ وَلَا مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا أَطْلَقَ مَوْقُوفَةٌ وَلَمْ يُعَيِّنْ فَإِنَّهُ يَنْصَرِفُ إلَى التَّأْبِيدِ بِعَدَمِ الْمُنَافِي وَمِمَّا يُؤَيِّدُ الْفَرْقَ بَيْنَ ذِكْرِ الصَّدَقَةِ وَعَدَمِهِ مَا فِي الْخَانِيَّةِ أَيْضًا لَوْ قَالَ أَرْضِي مَوْقُوفَةٌ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ عِنْدَ عَامَّةِ مُجِيزِي الْوَقْفِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَجُوزُ وَيَكُونُ وَقْفًا عَلَى الْمَسَاكِينِ وَلَوْ قَالَ مَوْقُوفَةٌ صَدَقَةٌ أَوْ صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ جَازَ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَهِلَالٍ الرَّائِي وَيَكُونُ وَقْفًا عَلَى الْفُقَرَاءِ وَقَالَ يُوسُفُ بْنُ خَالِدٍ السَّمْتِيُّ لَا يَجُوزُ مَا لَمْ يَقُلْ وَآخِرُهَا لِلْمَسَاكِينِ أَبَدًا وَالصَّحِيحُ قَوْلُ أَصْحَابِنَا لِأَنَّ مَحَلَّ الصَّدَقَةِ فِي الْأَصْلِ الْفُقَرَاءُ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِ الْفُقَرَاءِ وَلَا انْقِطَاعَ لِلْفُقَرَاءِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِ الْأَبَدِ أَيْضًا. اهـ. فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ لَفْظَ صَدَقَةٌ تَأْبِيدٌ (قَوْلُهُ يَكْفِيهِ عَنْ ذِكْرِ الصَّدَقَةِ) أَيْ يَكْفِي الِاقْتِصَارُ عَلَى لَفْظِ وَقَفْتُ عَنْ ذِكْرِ الصَّدَقَةِ مَعَهُ لِأَنَّ ذِكْرَ مَوْضِعِ الْحَاجَةِ كَالْفُقَرَاءِ مَثَلًا فِي مَعْنَى ذِكْرِ الصَّدَقَةِ [وَقَفَ مَالًا لِبِنَاءِ الْقَنَاطِرِ أَوْ لِإِصْلَاحِ الطَّرِيقِ أَوْ لِحَفْرِ الْقُبُورِ] (قَوْلُهُ أَوْ لِشِرَاءِ الْأَكْفَانِ إلَخْ) سَيَأْتِي أَنَّهُ يُفْتَى بِالْجَوَازِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 214 فِي الْحَيَاةِ لَا يَجُوزُ وَقْفُ أَرْضِهِ عَلَى عِمَارَةِ مَصَاحِفَ مَوْقُوفَةٍ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ لَا عُرْفَ فِيهِ وَقَفَ عَلَى أُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ وَعَبِيدِهِ فَالْوَقْفُ بَاطِلٌ فِي قَوْلِ هِلَالٍ. وَفِي الْفَتَاوَى وَقَفَ عَلَى أُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ إلَّا مَنْ تَزَوَّجَ فَلَا شَيْءَ لَهَا فَإِنْ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا لَا يَعُودُ حَقُّهَا السَّاقِطُ إلَّا إذَا كَانَ الْوَاقِفُ اسْتَثْنَى وَقَالَ مَنْ طَلُقَتْ فَلَهَا أَيْضًا قِسْطٌ مِنْ الْوَقْفِ وَذَكَرَ الْخَصَّافُ قَالَ أَرْضِي هَذِهِ صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى النَّاسِ أَوْ عَلَى بَنِي آدَمَ أَوْ عَلَى أَهْلِ بَغْدَادَ أَبَدًا فَإِذَا انْقَرَضُوا فَعَلَى الْمَسَاكِينِ أَوْ عَلَى الْعُمْيَانِ أَوْ عَلَى الزَّمْنَى فَالْوَقْفُ بَاطِلٌ وَذَكَرَ الْخَصَّافُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مَسْأَلَةَ الْعُمْيَانِ وَالزَّمْنَى وَقَالَ الْغَلَّةُ لِلْمَسَاكِينِ لَا لَهُمَا وَلَوْ وَقَفَ عَلَى قُرَّاءِ الْقُرْآنِ وَالْفُقَرَاءِ فَالْوَقْفُ بَاطِلٌ. وَذَكَرَ هِلَالٌ الْوَقْفَ عَلَى الزَّمْنَى الْمُنْقَطِعِينَ صَحِيحٌ وَقَالَ الْمَشَايِخُ الْوَقْفُ عَلَى مُعَلِّمِ الْمَسْجِدِ الَّذِي يُعَلِّمُ الصِّبْيَانَ غَيْرُ صَحِيحٍ وَقِيلَ يَصِحُّ لِأَنَّ الْفَقْرَ غَالِبٌ فِيهِمْ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فَعَلَى هَذَا إذَا وَقَفَ عَلَى طَلَبَةِ عِلْمِ بَلْدَةِ كَذَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْفَقْرَ غَالِبٌ فِيهِمْ فَكَانَ الِاسْمُ مُنْبِئًا عَنْ الْحَاجَةِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ مَتَى ذَكَرَ مَصْرِفًا فِيهِ نَصٌّ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْحَاجَةِ فَالْوَقْفُ صَحِيحٌ يُحْصَوْنَ أَمْ لَا وَقَوْلُهُ يُحْصَوْنَ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ التَّأْبِيدَ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَمَتَى ذَكَرَ مَصْرِفًا يَسْتَوِي فِيهِ الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ إنْ كَانُوا يُحْصَوْنَ صَحَّ بِطَرِيقِ التَّمْلِيكِ وَإِنْ كَانُوا لَا يُحْصَوْنَ فَهُوَ بَاطِلٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي لَفْظِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْحَاجَةِ كَالْيَتَامَى فَحِينَئِذٍ إنْ كَانُوا يُحْصَوْنَ فَالْأَغْنِيَاءُ وَالْفُقَرَاءُ سَوَاءٌ وَإِنْ لَا يُحْصَوْنَ فَالْوَقْفُ صَحِيحٌ وَيُصْرَفُ إلَى فُقَرَائِهِمْ لَا إلَى أَغْنِيَائِهِمْ وَكَذَا لَوْ وَقَفَ عَلَى الزَّمْنَى فَهُوَ عَلَى فُقَرَائِهِمْ وَفِي الْفَتَاوَى لَوْ وَقَفَ عَلَى الْجِهَادِ وَالْغَزْوِ أَوْ فِي أَكْفَانِ الْمَوْتَى أَوْ حَفْرِ الْقُبُورِ يُفْتَى بِالْجَوَازِ وَهَذَا عَلَى خِلَافِ مَا تَقَدَّمَ وَلَوْ وَقَفَ عَلَى أَبْنَاءِ السَّبِيلِ يَجُوزُ وَيُصْرَفُ إلَى فُقَرَائِهِمْ وَقَفَ عَلَى أَصْحَابِ الْحَدِيثِ لَا يَدْخُلُ فِيهِ شَفْعَوِيُّ الْمَذْهَبِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي طَلَبِ الْحَدِيثِ وَيَدْخُلُ الْحَنَفِيُّ إذَا كَانَ فِي طَلَبِهِ. وَذَكَرَ بَكْرٌ أَنَّ الْوَقْفَ عَلَى أَقْرِبَاءِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ الصَّدَقَةُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْفَتَاوَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَلَا يَصِيرُ وَقْفًا لِعَدَمِ جَوَازِ صَرْفِ الصَّدَقَةِ لِبَنِي هَاشِمٍ لَكِنْ فِي جَوَازِ الْوَقْفِ وَصَدَقَةِ النَّفْلِ عَلَيْهِمْ رِوَايَتَانِ الْوَقْفُ عَلَى الصُّوفِيَّةِ وَصُوفِي خَانَهُ لَا يَجُوزُ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ يَجُوزُ عَلَى الصُّوفِيَّةِ. اهـ. وَفِي الْإِسْعَافِ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ مَا لَا يُحْصَى عَشَرَةٌ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ مِائَةٌ وَهُوَ الْمَأْخُوذُ عِنْدَ الْبَعْضِ وَقِيلَ أَرْبَعُونَ وَقِيلَ ثَمَانُونَ وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْحَاكِمِ اهـ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ وَقَفَ عَلَى كُلِّ مُؤَذِّنٍ وَإِمَامٍ فِي مَسْجِدٍ مُعَيَّنٍ قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ الزَّاهِدُ لَا تَجُوزُ لِأَنَّهَا قُرْبَةٌ وَقَعَتْ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ وَقَدْ يَكُونَانِ غَنِيَّيْنِ أَوْ فَقِيرَيْنِ وَإِنْ كَانَ الْمُؤَذِّنُ فَقِيرًا لَا يَجُوزُ أَيْضًا وَالْحِيلَةُ أَنْ يَقُولَ عَلَى كُلِّ مُؤَذِّنٍ فَقِيرٍ بِهَذَا الْمَسْجِدِ أَوْ الْمَحَلَّةِ فَإِذَا خَرِبَ كَانَ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَلَوْ قَالَ عَلَى كُلِّ مُؤَذِّنٍ فَقِيرٍ لَا يَجُوزُ لِلْجَهَالَةِ وَلَوْ وَقَفَهُ عَلَى وَلَدِ عَبْدِ اللَّهِ وَنَسْلِهِ فَلَمْ يَقْبَلُوا كَانَتْ الْغَلَّةُ لِلْفُقَرَاءِ وَلَوْ حَدَثَتْ الْغَلَّةُ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَبِلُوا كَانَتْ الْغَلَّةُ لَهُمْ فَإِنْ أَخَذُوهَا سَنَةً ثُمَّ قَالُوا لَا نَقْبَلُ فَلَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ. قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ هَذَا الْجَوَابُ يَسْتَقِيمُ فِي حَقِّ الْغَلَّةِ الْمَأْخُوذَةِ لِأَنَّهَا صَارَتْ لَهُمْ فَلَا يَمْلِكُونَ الرَّدَّ أَمَّا الَّتِي تَحْدُثُ فَلَهُمْ الرَّدُّ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُمْ فِيهَا إنَّمَا الثَّابِتُ لَهُمْ مُجَرَّدُ الْحَقِّ وَمُجَرَّدُ الْحَقِّ يَقْبَلُ الرَّدَّ وَإِنْ قَالَ أَقْبَلُ سَنَةً وَلَا أَقْبَلُ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ أَوْ عَلَى الْعَكْسِ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ وَلَوْ قَالَ أَرْضِي هَذِهِ صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ لَا أَقْبَلُ فَالْوَقْفُ جَائِزٌ وَالْغَلَّةُ لِلْفُقَرَاءِ وَلَوْ قَالَ صَدَقَةٌ عَلَى وَلَدِ عَبْدِ اللَّهِ وَنَسْلِهِ فَأَبَى رَجُلٌ مِنْ وَلَدِهِ أَنْ يَقْبَلَ فَالْغَلَّةُ لِمَنْ قَبِلَ مِنْهُمْ وَيُجْعَلُ مَنْ لَمْ يَقْبَلْ بِمَنْزِلَةِ الْمَيِّتِ. هَكَذَا ذَكَرَ هِلَالٌ وَالْخَصَّافُ وَلَوْ قَالَ عَلَى زَيْدٍ وَعَمْرٍ مَا عَاشَا وَمِنْ بَعْدِهِمْ عَلَى الْمَسَاكِينِ فَقَالَ زَيْدٌ قَبِلْتُ وَقَالَ عَمْرٌو لَا أَقْبَلُ فَلِزَيْدٍ نِصْفُ الْغَلَّةِ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ لِلْمَسَاكِينِ وَعَلَى قِيَاسِ مَا قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ فَالْوَقْفُ بَاطِلٌ) لِأَنَّهُ لِلْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ وَهُمْ لَا يُحْصَوْنَ وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ جَائِزًا وَتَكُونُ الْغَلَّةُ لِلْمَسَاكِينِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِهَا الْمَسَاكِينَ بِخِلَافِ قَوْلِهِ عَلَى وَلَدِ زَيْدٍ فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِزَيْدٍ وَلَدٌ تَكُونُ لِلْمَسَاكِينِ ثُمَّ إذَا حَدَثَ لَهُ وَلَدٌ رُدَّتْ الْغَلَّةُ إلَيْهِمْ لِأَنَّ زَيْدًا رَجُلٌ بِعَيْنِهِ فَالْوَقْفُ عَلَى وَلَدِهِ جَائِزٌ أَمَّا أَهْلُ بَغْدَادَ وَقُرَيْشٍ وَنَحْوُهُمْ فَإِنَّهُمْ مَوْجُودُونَ وَلَكِنْ يَدْخُلُ فِيهِمْ الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ وَهُمْ لَا يُحْصَوْنَ فَلِذَا بَطَلَ الْوَقْفُ عَلَيْهِمْ وَكَذَا لَوْ قَالَ عَلَى أَهْلِ بَغْدَادَ ثُمَّ عَلَى الْمَسَاكِينِ لِأَنَّ أَهْلَ بَغْدَادَ لَا يَنْقَرِضُونَ وَلَا يَكُونُ لِلْمَسَاكِينِ إلَّا بَعْدَ انْقِرَاضِهِمْ. اهـ. مُلَخَّصًا مِنْ الْخَصَّافِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 215 كُلُّ الْغَلَّةِ لِزَيْدٍ وَلَكِنْ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنْ نَقُولَ إنَّ فِيمَا تَقَدَّمَ أَوْجَبَ الْوَقْفَ بِاسْمِ الْوَلَدِ وَاسْمُ الْوَلَدِ يَنْتَظِمُ الْوَاحِدَ فَصَاعِدًا فَحَازَ الْفَرْدُ الْوَاحِدُ اسْتِحْقَاقَ الْكُلِّ وَلَا كَذَلِكَ مَا نَحْنُ فِيهِ لِأَنَّ اسْمَ زَيْدٍ لَا يَنْتَظِمُ الْمَذْكُورِينَ وَاسْمَ الْمَذْكُورِينَ لَا يَنْتَظِمُ زَيْدًا فَلَا يَكُونُ لِهَذَا اسْتِحْقَاقُ الْكُلِّ وَتَمَامُهُ فِيهَا. وَفِي الْمُحِيطِ لَا يَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ وَحْدَهُمْ وَلَوْ شَرَطَ بَعْدَهُمْ لِلْفُقَرَاءِ جَازَ وَلَوْ وَقَفَ عَلَى مُعَيَّنٍ وَلَمْ يَذْكُرْ آخِرَهُ لِلْفُقَرَاءِ فَهُوَ عَلَى سِتَّةٍ الْأَوَّلُ هَذِهِ صَدَقَةٌ لِلَّهِ أَوْ مَوْقُوفَةٌ لِلَّهِ أَوْ صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى صَارَ وَقْفًا عَلَى الْفُقَرَاءِ ذَكَرَ الْأَبَدَ أَوْ لَا الثَّانِي مَوْقُوفَةٌ صَدَقَةٌ عَلَى وُجُوهِ الْبِرِّ أَوْ الْخَيْرِ أَوْ الْيَتَامَى جَازَ مُؤَبَّدًا كَالْفُقَرَاءِ. وَالثَّالِثُ مَوْقُوفَةٌ عَلَى فُلَانٍ بِعَيْنِهِ أَوْ عَلَى وَلَدِي أَوْ فُقَرَاءِ قَرَابَتِي لَا يَصِيرُ وَقْفًا عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَيَصِحُّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَالرَّابِعُ صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ عَلَى فُلَانٍ جَازَ عِنْدَ الْكُلِّ الْخَامِسُ وَقْفٌ عَلَى الْمَسَاكِينِ جَازَ بِلَا ذِكْرِ الْأَبَدِ السَّادِسُ عَلَى الْعِمَارَةِ لِمَسْجِدٍ بِعَيْنِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ آخِرَهُ لِلْمَسَاكِينِ قِيلَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ وَقِيلَ يَجُوزُ اتِّفَاقًا وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِمَكَانِ الْعُرْفِ اهـ. (قَوْلُهُ وَصَحَّ وَقْفُ الْعَقَارِ بِبَقَرِهِ وَأُكْرَتِهِ) أَمَّا الْعَقَارُ مُنْفَرِدًا فَلِأَنَّ جَمَاعَةً مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَقَفُوهُ وَأَمَّا جَوَاز ُ وَقْفِ الْمَنْقُولِ تَبَعًا لِلْعَقَارِ فَإِطْلَاقُ قَوْلِ الْإِمَامِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَقْفُ الْمَنْقُولِ يَمْنَعُهُ كَوَقْفِهِ قَصْدًا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إذَا وَقَفَ ضَيْعَةً بِبَقَرِهَا وَأَكَرَتِهَا وَهُمْ عَبِيدُهُ وَكَذَلِكَ فِي سَائِرِ آلَاتِ الْحِرَاثَةِ لِأَنَّهَا تَبَعٌ لِلْأَرْضِ فِي تَحْصِيلِ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ. وَقَدْ يَثْبُتُ مِنْ الْحُكْمِ تَبَعًا مَا لَا يَحْصُلُ مَقْصُودًا كَالشُّرْبِ فِي الْبَيْعِ وَالْبِنَاءِ فِي الْوَقْفِ وَمُحَمَّدٌ مَعَهُ فِيهِ لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ إفْرَادُ بَعْضِ الْمَنْقُولِ بِالْوَقْفِ عِنْدَهُ فَلَأَنْ يَجُوزَ الْوَقْفُ فِيهِ تَبَعًا أَوْلَى وَالْعَقَارُ الْأَرْضُ مَبْنِيَّةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَ مَبْنِيَّةٍ. كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي الْقَامُوسِ الْعَقَارُ الضَّيْعَةُ كَالْعُقْرَى بِالضَّمِّ وَيَدْخُلُ الشِّرْبُ وَالطَّرِيقُ وَالْمَسِيلُ وَالشَّجَرُ وَالْبِنَاءُ فِي وَقْفِ الْأَرْضِ بِلَا ذِكْرٍ وَلَا يَدْخُلُ الزَّرْعُ وَالرَّيَاحِينُ وَالْخُلَّافُ وَالْآسُ وَالثَّمَرُ وَالْبَقْلُ وَالطَّرْفَاءُ وَمَا فِي الْأَجَمَةِ مِنْ حَطَبٍ وَالْوَرْدُ وَالْيَاسَمِينُ وَوَرَقُ الْحِنَّاءِ وَالْقُطْنُ وَالْبَاذِنْجَانُ. وَأَمَّا الْأُصُولُ الَّتِي تَبْقَى وَالشَّجَرُ الَّذِي لَا يُقْطَعُ إلَّا بَعْدَ عَامَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ فَإِنَّهَا تَدْخُلُ تَبَعًا وَالْبَقَرُ وَالْعَبِيدُ بِلَا ذِكْرٍ وَلَا تَدْخُلُ الْأَشْجَارُ الْعِظَامُ وَالْأَبْنِيَةُ فِيمَا إذَا جَعَلَ أَرْضَهُ أَوْ دَارِهِ مَقْبَرَةً وَتَكُونُ لَهُ وَلِوَرَثَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ وَلَدٌ وَقَفَ أَرْضَهُ بِحُقُوقِهَا وَجَمِيعِ مَا فِيهَا وَمِنْهَا وَعَلَى الشَّجَرَةِ ثَمَرَةٌ قَائِمَةٌ يَوْمَ الْوَقْفِ. قَالَ هِلَالٌ فِي الْقِيَاسِ تَكُونُ الثَّمَرَةُ لَهُ وَلَا تَدْخُلُ فِي الْوَقْفِ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَلْزَمُهُ التَّصَدُّقُ بِهَا عَلَى الْفُقَرَاءِ عَلَى وَجْهِ النَّذْرِ لَا عَلَى وَجْهِ الْوَقْفِ وَلَوْ وَقَفَ دَارًا بِجَمِيعِ مَا فِيهَا وَفِيهَا حَمَامَاتٌ يَطِرْنَ أَوْ بَيْتًا وَفِيهَا كُورَاتُ عَسَلٍ يَدْخُلُ الْحَمَامُ وَالنَّحْلُ تَبَعًا لِلدَّارِ وَالْعَسَلِ كَذَا فِي الْإِسْعَافِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْوَقْفَ كَالْبَيْعِ لَا يَدْخُلُ فِيهِمَا الزَّرْعُ وَالثَّمَرُ إلَّا بِالذِّكْرِ وَفِي الْإِقْرَارِ بِأَرْضٍ فِي يَدِهِ لِرَجُلٍ وَفِيهَا ثَمَرَةٌ قَائِمَةٌ كَانَتْ الثَّمَرَةُ لِلْمُقَرِّ لَهُ بِالْأَرْضِ إذَا كَانَتْ مُتَّصِلَةً بِالْأَرْضِ وَفِي الْهِبَةِ قَالَ هِلَالٌ لَا تَدْخُلُ الثَّمَرَةُ فِي الْهِبَةِ وَالْهِبَةُ بَاطِلَةٌ لِمَكَانِ الشُّيُوعِ. وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ هَذَا الْحُكْمُ فِي الْهِبَةِ إنَّمَا عُرِفَ بِقَوْلِ هِلَالٍ لَيْسَ فِيهَا رِوَايَةٌ ظَاهِرَةٌ عَنْ أَصْحَابِنَا وَفِي رَهْنِ الْأَرْضِ يَدْخُلُ الشَّجَرُ وَالْكَرْمُ وَالْبِنَاءُ وَالزَّرْعُ وَالثَّمَرُ فِي قَوْلِ أَصْحَابِنَا وَيَجُوزُ الرَّهْنُ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَفِيهَا لَوْ وَقَفَهَا بِحُقُوقِهَا فَالثَّمَرَةُ الَّتِي تَكُونُ عَلَى الْأَشْجَارِ تَدْخُلُ فِي الْوَقْفِ وَفِي الْبَيْعِ لَا تَدْخُلُ وَلَوْ قَالَ بِكُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ تَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ اهـ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَقَصَبُ السُّكَّرِ لَا يَدْخُلُ وَشَجَرُ الْوَرْدِ وَالْيَاسَمِينِ يَدْخُلُ وَالرَّحَى تَدْخُلُ فِي وَقْفِ الضَّيْعَةِ وَرَحَى الْمَاءِ وَرَحَى الْيَدِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ وَكَذَلِكَ الدَّوَالِيبُ تَدْخُلُ وَالدَّوَالِي لَا تَدْخُلُ وَفِي وَقْفِ الْحَمَّامِ تَدْخُلُ قُدُورُ الْحَمَّامِ وَفِي وَقْفِ الْحَانُوتِ يَدْخُلُ مَا كَانَ يَدْخُلُ فِي بَيْعِهَا وَخَوَابِي الدَّبَّاسِينَ وَقُدُورُ الدَّبَّاغِينَ لَا تَدْخُلُ سَوَاءٌ كَانَتْ فِي الْبِنَاءِ أَوْ لَمْ تَكُنْ اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ فَهُوَ عَلَى سِتَّةٍ إلَخْ) يَظْهَرُ مِنْهُ إنَّهُ إنْ أَرَادَ بِالْمُعَيَّنِ مَا يَشْمَلُ الْمَوْقُوفَ لِأَجْلِهِ وَهُوَ اللَّهُ تَعَالَى أَوْ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ عَامًّا كَوُجُوهِ الْبِرِّ أَوْ خَاصًّا كَفُلَانٍ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ التَّسَامُحِ (قَوْلُهُ وَالثَّالِثُ إلَخْ) يُخَالِفُهُ مَا قَدَّمَهُ قَبْلَ وَرَقَةٍ عَنْ ظَاهِرِ الْمُجْتَبَى وَالْخُلَاصَةِ وَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْإِسْعَافِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ جَازَ عِنْدَ الْكُلِّ) لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ صَدَقَةٌ صَارَ كَأَنَّهُ ذَكَرَ الْفُقَرَاءَ وَهُوَ تَأْبِيدٌ مَعْنًى بِخِلَافِ مَا إذَا اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ مَوْقُوفَةٌ فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ التَّأْبِيدَ لَا لَفْظًا وَلَا مَعْنًى فَيَجْرِي فِيهِ الْخِلَافُ [وَقْفُ الْعَقَارِ بِبَقَرِهِ وَأُكَرَتِهِ] (قَوْلُهُ فَإِنَّهَا تَدْخُلُ تَبَعًا وَالْبَقَرُ وَالْعَبِيدُ بِلَا ذِكْرٍ) الظَّاهِرُ أَنَّ فِي الْعِبَارَةِ سَقْطًا فَإِنَّ عِبَارَةَ الْإِسْعَافِ بَعْدَ قَوْلِهِ الْآتِي تَبَعًا لِلدَّارِ وَالْعَسَلِ نَصُّهَا كَمَا لَوْ وَقَفَ ضَيْعَةً وَذَكَرَ مَا فِيهَا مِنْ الْعَبِيدِ وَالدَّوَالِيبِ وَآلَاتِ الْحِرَاثَةِ فَإِنَّهَا تَصِيرُ وَقْفًا تَبَعًا لَهَا. اهـ. فَقَوْلُهُ وَذَكَرَ مَا فِيهَا يُفِيدُ أَنَّهَا لَا تَدْخُلُ بِلَا ذِكْرٍ وَهُوَ مُفَادُ قَوْلِ الْمَتْنِ وَصَحَّ وَقْفُ الْعَقَارِ بِبَقَرِهِ وَأَكَرَتِهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 216 وَقَفَ أَرْضًا فِيهَا أَشْجَارٌ وَاسْتَثْنَى الْأَشْجَارَ لَا يَجُوزُ الْوَقْفُ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَثْنِيًا لِلْأَشْجَارِ بِمَوَاضِعِهَا فَيَصِيرُ الدَّاخِلُ تَحْتَ الْوَقْفِ مَجْهُولًا. اهـ. وَالْأَكَرَةُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْكَافِ الْحَرَّاثُونَ مِنْ أَكَرْت الْأَرْضَ حَرَثْتهَا وَاسْمُ الْفَاعِلِ أَكَّارٌ لِلْمُبَالَغَةِ وَالْجَمْعُ أَكَرَةٌ كَأَنَّهُ جَمْعُ آكِرٍ وِزَانُ كَفَرَةٍ جَمْعُ كَافِرٍ كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ وَفِي الْعِنَايَةِ الْأَكَرَةُ جَمْعُ أَكَّارٍ وَهُوَ الزَّرَّاعُ كَأَنَّهَا جَمْعُ آكِرٍ تَقْدِيرًا وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْمُصَنِّفُ لِصِحَّةِ وَقْفِ الْعَقَارِ تَحْدِيدَهُ وَإِنَّمَا الشَّرْطُ كَوْنُ الْمَوْقُوفِ مَعْلُومًا وَلِذَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ وَلَوْ قَالَا أَشْهَدَنَا عَلَى أَرْضِهِ أَنَّهُ وَقَفَهَا وَهُوَ فِيهَا وَلَمْ يَذْكُرْ لَنَا حُدُودَهَا جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا لِأَنَّهُمَا شَهِدَا عَلَى وَقْفِ أَرْضٍ بِعَيْنِهَا إلَّا أَنَّهُمَا لَا يَعْرِفَانِ جِيرَانَ الْحُدُودِ فَلَمْ يَتَمَكَّنْ الْخَلَلُ فِي شَهَادَتِهِمَا وَلَوْ شَهِدَا عَلَى أَنَّ الْوَاقِفَ وَقَفَ أَرْضَهُ وَذَكَرَ حُدُودَهَا وَلَكِنَّا لَا نَعْرِفُ تِلْكَ الْأَرْضَ فِي أَنَّهَا فِي أَيِّ مَكَان جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا وَيُكَلَّفُ الْمُدَّعِي إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ أَنَّ الْأَرْضَ الَّتِي يَدَّعِيهَا هَذِهِ الْأَرْضُ وَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ وَقَفَ أَرْضَهُ وَلَمْ يُحَدِّدْهَا لَنَا وَلَكِنَّا نَعْرِفُ أَرْضَهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا لَعَلَّ لِلْوَاقِفِ أَرْضًا أُخْرَى وَكَذَا لَوْ قَالَا لَا نَعْرِفُ لَهُ أَرْضًا أُخْرَى لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا لَعَلَّ لِلْوَاقِفِ أَرْضًا أُخْرَى وَهُمَا لَا يَعْلَمَانِ. اهـ. وَظَاهِرُ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ اشْتِرَاطُ تَحْدِيدِهَا فَإِنَّهُ قَالَ إذَا كَانَتْ الدَّارُ مَشْهُورَةً مَعْرُوفَةً صَحَّ وَقْفُهَا وَإِنْ لَمْ تُحَدَّدْ اسْتِغْنَاءً بِشُهْرَتِهَا عَنْ تَحْدِيدِهَا. اهـ. وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ إنَّمَا ذَلِكَ الشَّرْطُ لِقَبُولِ الشَّهَادَةِ بِوَقْفِيَّتِهَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَفِي الْقُنْيَةِ وَقَفَ ضَيْعَةً يَذْكُرُ حُدُودَ الْمُسْتَثْنَيَاتِ مِنْ الْمَقَابِرِ وَالطُّرُقَاتِ وَالْمَسَاجِدِ وَالْحِيَاضِ الْعَامَّةِ ثُمَّ رَقَمَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْحُدُودِ إنْ أَمْكَنَ ثُمَّ رَقَمَ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ بِدُونِ التَّحْدِيدِ اهـ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقَفَ عَقَارًا عَلَى مَسْجِدٍ أَوْ مَدْرَسَةٍ هَيَّأَ مَكَانًا لِبِنَائِهَا قَبْلَ أَنْ يَبْنِيَهَا اخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ وَالصَّحِيحُ الْجَوَازُ وَتُصْرَفُ غَلَّتُهَا إلَى الْفُقَرَاءِ إلَى أَنْ تُبْنَى فَإِذَا بُنِيَتْ رُدَّتْ إلَيْهَا الْغَلَّةُ أَخْذًا مِنْ الْوَقْفِ عَلَى أَوْلَادِ فُلَانٍ وَلَا أَوْلَادَ لَهُ حَكَمُوا بِصِحَّتِهِ وَتُصْرَفُ غَلَّتُهُ إلَى الْفُقَرَاءِ إلَى أَنْ يُولَدَ لِفُلَانٍ اهـ. وَقَدْ أَفَادَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الْعَبِيدَ يَصِحُّ وَقْفُهُمْ تَبَعًا لِلضَّيْعَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ أَحْكَامَهُمْ فِي الْبَقَاءِ مِنْ التَّزْوِيجِ وَالْجِنَايَةِ وَغَيْرِهِمَا وَحُكْمُهُمْ عَلَى الْعُمُومِ حُكْمُ الْأَرِقَّاءِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ بِنْتَه بِلَا إذْنٍ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَلَوْ زَوَّجَ الْحَاكِمُ جَارِيَةَ الْوَقْفِ جَازَ وَعَبْدَهُ لَا يَجُوزُ وَلَوْ مِنْ أَمَةِ الْوَقْفِ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْمَهْرُ وَالنَّفَقَةُ اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُتَوَلِّيَ لَا يَمْلِكُهُ إلَّا بِإِذْنِ الْقَاضِي وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَاضِي وَالسُّلْطَانِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَفِي الْإِسْعَافِ وَإِنْ جَنَى أَحَدٌ مِنْهُمْ جِنَايَةً فَعَلَى الْمُتَوَلِّي مَا هُوَ الْأَصْلَحُ مِنْ الدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ وَلَوْ فَدَاهُ بِأَكْثَرَ مِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ كَانَ مُتَطَوِّعًا فِي الزَّائِدِ فَيَضْمَنُهُ مِنْ مَالِهِ وَإِنْ فِدَاهُ أَهْلُ الْوَقْفِ كَانُوا مُتَطَوِّعِينَ وَيَبْقَى الْعَبْدُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْعَمَلِ فِي الصَّدَقَةِ. اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَجِنَايَةُ عَبْدِ الْوَقْفِ فِي مَالِ الْوَقْفِ وَأَمَّا حُكْمُ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ فَفِي الْبَزَّازِيَّةِ قَتَلَ عَبْدَ الْوَقْفِ عَمْدًا لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ. اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ إذَا لَمْ يَجِبْ الْقِصَاصُ تَجِبُ قِيمَتُهُ كَمَا لَوْ قُتِلَ خَطَأً وَيَشْتَرِي بِهِ الْمُتَوَلِّي عَبْدًا وَيَصِيرُ وَقْفًا كَمَا لَوْ قُتِلَ الْمُدَبَّرُ خَطَأً وَأَخَذَ الْمَوْلَى قِيمَتَهُ فَإِنَّهُ يَشْتَرِي بِهَا عَبْدًا وَيَصِيرُ مُدَبَّرًا وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي الذَّخِيرَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْخَصَّافِ وَأَمَّا نَفَقَتُهُ فَمِنْ مَالِ الْوَقْفِ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ الْوَاقِفُ وَفِي الْإِسْعَافِ لَوْ شَرَطَ نَفَقَتَهُمْ مِنْ غَلَّتِهَا ثُمَّ مَرِضَ بَعْضُهُمْ يَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ إنْ قَالَ عَلَى أَنْ يَجْرِيَ عَلَيْهِمْ نَفَقَاتُهُمْ مِنْ غَلَّتِهَا أَبَدًا مَا كَانُوا أَحْيَاءً وَإِنْ قَالَ لِعَمَلِهِمْ فِيهَا لَا يَجْرِي شَيْءٌ مِنْ الْغَلَّةِ عَلَى مَنْ تَعَطَّلَ مِنْهُمْ عَنْ الْعَمَلِ وَلَوْ بَاعَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ اعْتِرَاضٌ عَلَى الْفَتْحِ وَبَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ إنَّمَا ذَلِكَ إلَخْ) وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ كَلَامِ الْفَتْحِ حَيْثُ قَيَّدَ بِالْمَشْهُورَةِ أَنَّ غَيْرَهَا لَا يَصِحُّ وَقْفُهَا مَا لَمْ تُحَدَّدْ وَفِيهِ مُخَالَفَةٌ لِمَا مَرَّ فَإِنَّ ذَلِكَ شَرْطٌ لِقَبُولِ الشَّهَادَةِ لَا لِصِحَّةِ الْوَقْفِ لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ مَا فِي الْقُنْيَةِ مُوَافِقٌ لِمَا فُهِمَ مِنْ الْفَتْحِ وَكَوْنُ ذَاكَ فِي الشَّهَادَةِ لَا يُنَافِي هَذَا تَأَمَّلْ وَفِي أَوْقَافِ الْخَصَّافِ قُلْتُ: فَمَا تَقُولُ إذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ أَقَرَّ عِنْدَهُمَا أَنَّهُ وَقَفَ أَرْضَهُ الَّتِي فِي مَوْضِعِ كَذَا وَقَالَا لَمْ يُحَدِّدْهَا لَنَا قَالَ الْوَقْفُ بَاطِلٌ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ مَشْهُورَةً تُغْنِي شُهْرَتُهَا عَنْ تَحْدِيدِهَا فَإِنْ كَانَتْ كَذَلِكَ قَضَيْت بِأَنَّهَا وَقْفٌ. اهـ. ثُمَّ رَأَيْت فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ بَعْدَمَا قَسَّمَ مَسْأَلَةَ التَّحْدِيدِ إلَى سَبْعَةِ صُوَرٍ قَالَ وَأَمَّا الصُّورَةُ الثَّالِثَةُ أَيْ مَا لَوْ لَمْ يُحَدِّدْهَا أَصْلًا وَهُمْ لَا يَعْرِفُونَهَا فَقَالَ الْخَصَّافُ فِيهَا الْوَقْفُ بَاطِلٌ إلَّا أَنْ تَكُونَ مَشْهُورَةً إلَخْ وَقَالَ هِلَالٌ الشَّهَادَةُ بَاطِلَةٌ وَلَا شَكَّ أَنَّ الَّذِي قَالَهُ الْخَصَّافُ يَحْتَاجُ إلَى تَأْوِيلٍ وَلَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِظَاهِرِهِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْوَقْفَ لَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهِ التَّحْدِيدُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بَلْ يَصِحُّ بِقَوْلِ الْوَاقِفِ وَقَفْتُ دَارِي عَلَى كَذَا وَلَا يَجُوزُ الْحُكْمُ بِإِبْطَالِ الْوَقْفِ بِمُجَرَّدِ قَوْلِ الشُّهُودِ لَمْ يُحَدِّدْهَا لَنَا وَلَا نَعْرِفُهَا وَلَا هِيَ مَشْهُورَةٌ. فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ وَجَبَ تَأْوِيلُ قَوْلِ الْخَصَّافِ الْوَقْفُ بَاطِلٌ بِمَعْنَى: الشَّهَادَةُ بَاطِلَةٌ كَمَا قَالَ هِلَالٌ وَغَيْرُهُ وَهَذَا مِمَّا يَجِبُ الِاعْتِنَاءُ بِهِ وَالتَّيَقُّظُ لِفَهْمِهِ إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 217 الْعَاجِزَ وَاشْتَرَى بِثَمَنِهِ عَبْدًا مَكَانَهُ جَازَ. اهـ. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ أَكَرَتُهُ دُونَ عَبِيدِهِ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعَبِيدَ إنَّمَا يَصِحُّ وَقْفُهُمْ تَبَعًا لِضَيْعَةٍ لِأَجْلِ زِرَاعَتِهَا وَكَذَا قَوْلُهُ فِي الْهِدَايَةِ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْأَرْضِ فِي تَحْصِيلِ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ وَقَفَ دَارًا فِيهَا عَبْدٌ وَجَعَلَ الْعَبْدَ تَبَعًا لَهَا لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ لِلتَّبَعِيَّةِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الدَّارِ سُكْنَاهَا وَهُوَ يَحْصُلُ بِدُونِ الْعَبْدِ بِخِلَافِ زِرَاعَةِ الْأَرْضِ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالْحِرَاثَةِ وَأَمَّا وَقْفُ الْعَبِيدِ تَبَعًا لِلْمَدْرَسَةِ وَالرِّبَاطِ فَسَيَأْتِي أَنَّ بَعْضَ الْمَشَايِخِ جَوَّزَهُ وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ رِبَاطٌ كَثُرَتْ دَوَابُّهُ وَعَظُمَتْ مُؤْنَاتُهَا هَلْ لِلْقَيِّمِ أَنْ يَبِيعَ شَيْئًا مِنْهَا وَيُنْفِقَ ثَمَنَهَا فِي عَلَفِهَا أَوْ مَرَمَّةِ الرِّبَاطِ فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ صَارَتْ الْبَعْضُ مِنْهَا إلَى حَدٍّ لَا يَصْلُحُ لِمَا رُبِطَ لَهُ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ إمْسَاكُهَا وَحِفْظُهَا وَإِنْ لَمْ تَصِرْ بِهَذِهِ الْحَالَةِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ يُمْسِكُ فِي هَذَا الرِّبَاطِ مِقْدَارَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا وَيَرْبِطُ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فِي أَدْنَى الرِّبَاطِ. اهـ. قَوْلُهُ (وَمُشَاعٍ قَضَى بِجَوَازِهِ) أَيْ وَصَحَّ وَقْفُ الْمُشَاعِ إذَا قَضَى بِصِحَّتِهِ لِأَنَّهُ قَضَاءٌ فِي فَصْلٍ مُجْتَهَدٍ فِيهِ وَلَا خِلَافَ فِيهِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ قَبْلَ الْقَضَاءِ أَطْلَقَ الْقَاضِي فَشَمَلَ الْحَنَفِيَّ وَغَيْرَهُ فَإِنَّ لِلْحَنَفِيِّ الْمُقَلِّدِ أَنْ يَحْكُمَ بِصِحَّةِ وَقْفِ الْمُشَاعِ وَبِبُطْلَانِهِ لِاخْتِلَافِ التَّرْجِيحِ وَإِذَا كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ مُصَحَّحَانِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ الْقَضَاءُ وَالْإِفْتَاءُ بِأَحَدِهِمَا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ. [وَقْفُ الْمَنْقُولِ] قَوْلُهُ (وَمَنْقُولٍ فِيهِ تَعَامُلٌ) أَيْ وَصَحَّ وَقْفُ الْمَنْقُولِ مَقْصُودًا إذَا تَعَامَلَ النَّاسُ وَقْفَهُ وَأَمَّا الْكُرَاعُ وَالسِّلَاحُ فَلَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الشَّيْخَيْنِ وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ مِنْ أَنَّ التَّأْبِيدَ شَرْطٌ وَهُوَ لَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ الْآثَارُ الْمَشْهُورَةُ فِيهِ مِنْهَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «فَأَمَّا خَالِدٌ فَقَدْ حَبَسَ أَدْرُعًا لَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى وَطَلْحَةُ حَبَسَ أَدْرُعًا لَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى» وَيُرْوَى كُرَاعُهُ وَفِي الْمُجْتَبَى وَالْمُرَادُ مِنْ الْكُرَاعِ الْخَيْلُ وَالْحَمِيرُ وَالْبِغَالُ وَالْإِبِلُ وَالثِّيرَانُ الَّتِي يُحْمَلُ عَلَيْهَا وَالْمُرَادُ مِنْ السِّلَاحِ مَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْحَرْبِ وَيَكُونُ مُعَدًّا لِلْقِتَالِ. اهـ. وَفِي الْمِصْبَاحِ دِرْعُ الْحَدِيدِ مُؤَنَّثَةٌ فِي الْأَكْثَرِ وَيُصَغَّرُ عَلَى دُرَيْعٍ بِغَيْرِ هَاءٍ عَلَى قِيَاسٍ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ التَّصْغِيرُ عَلَى لُغَةِ مَنْ ذَكَّرَ وَرُبَّمَا قِيلَ دُرَيْعَةٌ بِالْهَاءِ وَجَمْعُهَا أَدْرُعٌ وَدُرُوعٌ وَأَدْرَاعٌ قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ هِيَ الزَّرَدِيَّةُ ذَكَرَهُ فِي الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَأَمَّا مَا سِوَى الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجُوزُ وَقْفُهُ لِأَنَّ الْقِيَاسَ إنَّمَا يُتْرَكُ بِالنَّصِّ وَالنَّصُّ وَرَدَ فِيهِمَا فَيَقْتَصِرُ عَلَيْهِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَجُوزُ وَقْفُ مَا فِيهِ تَعَامُلٌ مِنْ الْمَنْقُولَاتِ وَاخْتَارَهُ أَكْثَرُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْإِسْعَافِ وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ لِأَنَّ الْقِيَاسَ قَدْ يُتْرَكُ بِالتَّعَامُلِ كَمَا فِي الِاسْتِصْنَاعِ وَقَدْ حَكَى فِي الْمُجْتَبَى هَذَا الْخِلَافُ فِي الْمَنْقُولِ عَلَى خِلَافِ هَذَا وَعَزَاهُ إلَى السِّيَرِ فَنَقَلَ قَوْلَ مُحَمَّدٍ بِجَوَازِهِ مُطْلَقًا جَرَى التَّعَارُفُ بِهِ أَوْ لَا وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ بِجَوَازِهِ إنْ جَرَى فِيهِ تَعَامُلٌ اهـ. وَمَثَّلَ فِي الْهِدَايَةِ مَا فِيهِ تَعَامُلٌ بِالْفَأْسِ وَالْمَرِّ وَالْمِنْشَارِ وَالْجِنَازَةِ وَثِيَابِهَا وَالْقُدُورِ وَالْمَرَاجِلِ وَالْمَصَاحِفِ قَالَ وَعَنْ نُصَيْرِ بْنِ يَحْيَى أَنَّهُ وَقَفَ كُتُبَهُ إلْحَاقًا لَهَا بِالْمَصَاحِفِ وَهَذَا صَحِيحٌ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يُمْسَكُ لِلدِّينِ تَعْلِيمًا وَتَعَلُّمًا وَقِرَاءَةً. اهـ. وَجَوَّزَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَقْفَ الْكُتُبِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَلَمْ يُجَوِّزْهُ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَفِي الْخُلَاصَةِ إذَا وَقَفَ مُصْحَفًا عَلَى أَهْلِ مَسْجِدٍ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ إنْ كَانُوا يُحْصَوْنَ جَازَ وَإِنْ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَأَمَّا وَقْفُ الْعَبِيدِ تَبَعًا لِلْمَدْرَسَةِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ سَيَأْتِي قَرِيبًا وَفِي الْخُلَاصَةِ أَيْضًا يَجُوزُ وَقْفُ الْغِلْمَانِ وَالْجَوَارِي عَلَى مَصَالِحِ الرِّبَاطِ وَكَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي جَوَازِهِ أَصَالَةً فَلَعَلَّهُ أَيْ قَوْلَهُ: تَبَعًا سَهْوٌ وَلَوْ قَالَ عَلَى الْمَدْرَسَةِ وَالرِّبَاطِ لَكَانَ مُنَاسِبًا لِقَوْلِهِ فَسَيَأْتِي. وَكَيْفَ يَصِحُّ مَعَ أَنَّ قَوْلَ الْمَتْنِ وَصَحَّ وَقْفُ الْعَقَارِ بِبَقَرِهِ وَأَكَرَتِهِ صَرِيحٌ فِي جَوَازِ وَقْفِهِمْ تَبَعًا إذْ الْعَقَارُ شَامِلٌ لِلْأَرْضِ الْمَبْنِيَّةِ وَغَيْرِ الْمَبْنِيَّةِ تَأَمَّلْ. [وَقْفُ الْمُشَاعِ] (قَوْلُهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَجُوزُ وَقْفُ مَا فِيهِ تَعَامُلٌ مِنْ الْمَنْقُولَاتِ إلَخْ) وَإِذَا عَرَفْتَ أَنَّ وَقْفَ الْمَنْقُولِ إنَّمَا هُوَ عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - رَاعَيْتَ الشُّرُوطَ الَّتِي اشْتَرَطَهَا فِي الْوَقْفِ فِيهَا أَيْضًا كَكَوْنِهِ مُقَوَّمًا غَيْرَ مُشَاعٍ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ مُسَلَّمًا إلَى مُتَوَلٍّ وَإِنْ سَقَطَ التَّأْبِيدُ لَكِنْ ذَكَرَ الطَّرَسُوسِيُّ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ مَسْأَلَةً حَرَّرَ فِيهَا جَوَازَ الْوَقْفِ وَالْحُكْمَ بِهِ وَإِنْ كَانَ مُرَكَّبًا مِنْ مَذْهَبَيْنِ وَاسْتَشْهَدَ عَلَيْهَا بِكَلَامِ الْمُنْيَةِ وَسَنُشِيرُ إلَيْهِ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى النَّاظِرِ (قَوْلُهُ وَفِي الْخُلَاصَةِ إذَا وَقَفَ مُصْحَفًا إلَخْ) تَقَدَّمَ قَبْلَ وَرَقَتَيْنِ تَفْسِيرُ مَا لَا يُحْصَى وَأَنَّ الْفَتْوَى عَلَى تَفْوِيضِهِ إلَى رَأْيِ الْحَاكِمِ وَفِي النَّهْرِ وَبِهَذَا عُرِفَ حُكْمُ نَقْلِ كُتُبِ الْأَوْقَافِ مِنْ مَحَالِّهَا لِلِانْتِفَاعِ بِهَا وَالْفُقَهَاءُ بِذَلِكَ مُبْتَلُونَ فَإِنْ كَانَ الْوَاقِفُ وَقَفَهَا عَلَى الْمُسْتَحَقِّينَ فِي وَقْفِهِ لَا يَجُوزُ نَقْلُهَا وَلَا سِيَّمَا إذَا كَانَ النَّاقِلُ لَيْسَ مِنْهُمْ وَإِنْ عَلَى طَلَبَةِ الْعِلْمِ وَجَعَلَ مَقَرَّهَا فِي خِزَانَتِهِ الَّتِي فِي مَكَانِ كَذَا فَفِي جَوَازِ النَّقْلِ تَرَدُّدٌ. اهـ. قُلْتُ: وَفِي بِلَادِنَا يَشْتَرِطُ الْوَاقِفُ أَنْ لَا يُخْرَجَ مِنْ مَوْضِعِهِ إلَّا لِمُرَاجَعَةٍ فَلَا تَرَدُّدَ حِينَئِذٍ فِي عَدَمِ الْجَوَازِ إلَّا لِلْمُرَاجَعَةِ فَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الطَّالِبِ مِنْهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 218 وَقَفَ عَلَى الْمَسْجِدِ جَازَ وَيُقْرَأُ فِي ذَلِكَ الْمَسْجِدِ وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَلَا يَكُونُ مَقْصُورًا عَلَى هَذَا الْمَسْجِدِ. اهـ. وَذَكَرَ فِي التَّحْرِيرِ فِي بَحْثِ الْحَقِيقَةِ التَّعَامُلُ هُوَ الْأَكْثَرُ اسْتِعْمَالًا فَلِذَا اقْتَصَرَ الْإِمَامُ مُحَمَّدٌ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَخَرَجَ مَا لَا تَعَامُلَ فِيهِ كَالثِّيَابِ وَالْحَيَوَانِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلَوْ حُلِيًّا لِأَنَّ الْوَقْفَ فِيهِ لَا يَتَأَبَّدُ وَلَا بُدَّ مِنْهُ بِخِلَافِ الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ لِوُرُودِ النَّصِّ بِهِمَا وَمَا ذَكَرْنَاهُ لِلتَّعَامُلِ فَبَقِيَ مَا عَدَا ذَلِكَ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ. وَقَدْ زَادَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ أَشْيَاءَ مِنْ الْمَنْقُولِ عَلَى مَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ لَمَّا رَأَوْا مِنْ جَرَيَانِ التَّعَامُلِ بِهَا فَفِي الْخُلَاصَةِ وَقَفَ بَقَرَةً عَلَى أَنَّ مَا يَخْرُجُ مِنْ لَبَنِهَا وَسَمْنِهَا يُعْطَى لِأَبْنَاءِ السَّبِيلِ قَالَ إنْ كَانَ ذَلِكَ فِي مَوْضِعٍ غَلَبَ ذَلِكَ فِي أَوْقَافِهِمْ رَجَوْت أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ جَائِزًا وَعَنْ الْأَنْصَارِيِّ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ زُفَرَ فِي مَنْ وَقَفَ الدَّرَاهِمَ أَوْ الدَّنَانِيرَ أَوْ الطَّعَامَ أَوْ مَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ أَيَجُوزُ قَالَ نَعَمْ قِيلَ وَكَيْفَ قَالَ تُدْفَعُ الدَّرَاهِمُ مُضَارَبَةً ثُمَّ يُتَصَدَّقُ بِهَا فِي الْوَجْهِ الَّذِي وَقَفَ عَلَيْهِ وَمَا يُكَالُ وَمَا يُوزَنُ يُبَاعُ وَيُدْفَعُ ثَمَنُهُ مُضَارَبَةً أَوْ بِضَاعَةً قَالَ فَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ إذَا وَقَفَ هَذَا الْكُرَّ مِنْ الْحِنْطَةِ عَلَى شَرْطِ أَنْ يُقْرَضَ لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ لَا بَذْرَ لَهُمْ لِيَزْرَعُوهُ لِأَنْفُسِهِمْ ثُمَّ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ بَعْدَ الْإِدْرَاكِ قَدْرُ الْقَرْضِ ثُمَّ يُقْرَضُ لِغَيْرِهِمْ مِنْ الْفُقَرَاءِ أَبَدًا عَلَى هَذَا السَّبِيلِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ جَائِزًا قَالَ وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ فِي الرَّيِّ وَنَاحِيَةِ دوبناوند وَالْأَكْسِيَةُ أَسْتِرَةُ الْمَوْتَى إذَا وُقِفَتْ صَدَقَةً أَبَدًا جَازَ وَتُدْفَعُ الْأَكْسِيَةُ لِلْفُقَرَاءِ فَيَنْتَفِعُونَ بِهَا فِي أَوْقَاتِ لُبْسِهَا وَلَوْ وَقَفَ ثَوْرًا لِإِنْزَاءِ بَقَرِهِمْ لَا يَصِحُّ ثُمَّ إذَا عُرِفَ جَوَازُ وَقْفِ الْفَرَسِ وَالْجَمَلِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى. فَلَوْ وَقَفَهُ عَلَى أَنْ يُمْسِكَهُ مَا دَامَ حَيًّا إنْ أَمْسَكَهُ لِلْجِهَادِ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ كَانَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ لِجَاعِلِ فَرَسِ السَّبِيلِ أَنْ يُجَاهِدَ عَلَيْهِ وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَصَحَّ جَعْلُهُ لِلسَّبِيلِ يَعْنِي يَبْطُلُ الشَّرْطُ وَيَصِحُّ وَقْفُهُ وَلَا يُؤَاجَرُ فَرَسُ السَّبِيلِ إلَّا إذَا اُحْتِيجَ إلَى نَفَقَتِهِ فَيُؤَاجَرُ بِقَدْرِ مَا يُنْفَقُ عَلَيْهِ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَسْجِدَ إذَا احْتَاجَ إلَى نَفَقَتِهِ تُؤَاجَرُ قِطْعَةٌ مِنْهُ بِقَدْرِ مَا يُنْفَقُ عَلَيْهِ اهـ. وَهَذَا عِنْدِي غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّهُ يَعُودُ إلَى الْقُبْحِ الَّذِي لِأَجْلِهِ اسْتَثْنَى أَبُو يُوسُفَ الْمَسْجِدَ مِنْ وَقْفِ الْمُشَاعِ وَهُوَ أَنْ يَتَّخِذَ مَسْجِدًا يُصَلَّى فِيهِ عَامًا وَإِصْطَبْلًا تُرْبَطُ فِيهِ الدَّوَابُّ عَامًا وَلَوْ قَالَ إنَّمَا يُؤَجَّرُ لِغَيْرِ ذَلِكَ فَنَقُولُ غَايَةُ مَا يَكُونُ لِلسُّكْنَى وَيَسْتَلْزِمُ جَوَازَ الْمُجَامَعَةِ فِيهِ وَإِقَامَةَ الْحَائِضِ وَالْجُنُبِ فِيهِ وَلَوْ قَالَ لَا يُؤَاجَرُ لِذَلِكَ فَكُلُّ عَمَلٍ يُؤَاجَرُ لَهُ تَغْيِيرُ أَحْكَامِهِ الشَّرْعِيَّةِ وَلَا شَكَّ أَنَّ بِاحْتِيَاجِهِ إلَى النَّفَقَةِ لَا تَتَغَيَّرُ أَحْكَامُهُ الشَّرْعِيَّةُ وَلَا يَخْرُجُ بِهِ عَنْ أَنْ يَكُونَ مَسْجِدًا نَعَمْ إنْ خَرِبَ مَا حَوْلَهُ وَاسْتَغْنَى عَنْهُ فَحِينَئِذٍ لَا يَصِيرُ مَسْجِدًا عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَتَجِبُ عِمَارَتُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّهُ مِنْ حَاجَةِ الْمُسْلِمِينَ وَفِي الْخُلَاصَةِ أَيْضًا يَجُوزُ وَقْفُ الْغِلْمَانِ وَالْجَوَارِي عَلَى مَصَالِحِ الرِّبَاطِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَمْ يَذْكُرْ وَقْفَ السَّفِينَةِ وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهَا وَلَا شَكَّ فِي دُخُولِهَا تَحْتَ الْمَنْقُولِ الَّذِي لَا تَعَامُلَ فِيهِ فَلَا يَجُوزُ وَقْفُهَا وَقَدْ وَقَفَ بَعْضُهُمْ سَفِينَةً عَلَى مَقَامِ الشَّافِعِيِّ فَسَأَلَنِي عَنْهُ فَأَجَبْتُ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ بِنَاءً عَلَى هَذَا وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَقَفَ بُسْتَانًا بِمَا فِيهِ مِنْ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالرَّقِيقِ يَجُوزُ وَلَوْ وَقَفَ دَابَّةً عَلَى رِبَاطٍ فَخَرِبَ الرِّبَاطُ وَاسْتَغْنَى النَّاسُ عَنْهُ فَإِنَّهَا تُرْبَطُ فِي أَقْرَبِ الرِّبَاطَاتِ إلَيْهِ. وَفِي الْقُنْيَةِ وَقْفُ الْأَدْوِيَةِ بالتيمارخانة لَا يَجُوزُ إذْ لَمْ يَذْكُرْ الْفُقَرَاءَ بَقِيَ مَسْأَلَتَانِ الْأُولَى وَقْفُ الْبِنَاءِ بِدُونِ الْأَرْضِ فَجَزَمَ هِلَالٌ بِعَدَمِ الْجَوَازِ وَنَقَلَهُ فِي الْخَانِيَّةِ عَنْ الْأَصْلِ ثُمَّ قَالَ وَلَا يَجُوزُ وَقْفُ الْبِنَاءِ فِي أَرْضٍ هِيَ عَارِيَّةٌ أَوْ إجَارَةٌ وَإِنْ كَانَتْ مِلْكًا لِوَاقِفِ الْبِنَاءِ جَازَ عِنْدَ الْبَعْضِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ إذَا كَانَ الْبِنَاءُ فِي أَرْضِ وَقْفٍ جَازَ عَلَى الْجِهَةِ الَّتِي تَكُونُ الْأَرْضُ وَقْفًا عَلَيْهَا. اهـ. وَيُسْتَثْنَى مِنْ الْإِجَارَةِ مَا ذَكَرَ الْخَصَّافُ مِنْ أَنَّ الْأَرْضَ إذَا كَانَتْ مُتَقَرِّرَةً لِلِاحْتِكَارِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ فِي وَقْفِ الْبِنَاءِ وَحْدَهُ   [منحة الخالق] كُرَّاسَةً وَلَا جُزْءًا بِالْأَوْلَى مُرَاعَاةً لِشَرْطِ الْوَاقِفِ مَعَ أَنَّ الطَّلَبَةَ يَأْخُذُونَهُ إلَى بُيُوتِهِمْ وَيَقْرَءُونَ وَيُطَالِعُونَ فِيهِ مَعَ أَنَّ مُرَادَ الْوَقْفِ حِفْظُ الْكُتُبِ عَنْ الضَّيَاعِ وَلَمْ نَرَ مَنْ يَتَجَنَّبُ عَنْ ذَلِكَ فِي زَمَانِنَا وَلَعَلَّهُ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ ثُبُوتِ ذَلِكَ الشَّرْطِ عَنْ الْوَاقِفِ عِنْدَهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْتُوبًا بِأَعْلَى ظَهْرِ الْكِتَابِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ زِيَادَةِ الْكَاتِبِ أَوْ لِيُجْعَلَ حِيلَةً لِمَنْعِ مَنْ يَخَافُ مِنْ الضَّيَاعِ كَمَا أَخْبَرَنِي بَعْضُ قُوَّامِ الْكُتُبِ أَنَّ وَاقِفَهَا كَتَبَ ذَلِكَ الشَّرْطَ لِذَلِكَ (قَوْلُهُ وَهَذَا عِنْدِي غَيْرُ صَحِيحٍ إلَخْ) هُوَ مِنْ كَلَامِ فَتْحِ الْقَدِيرِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 219 اخْتِلَافًا إذَا لَمْ يَكُنْ مَوْقُوفًا عَلَى الْجِهَةِ الَّتِي وُقِفَتْ الْأَرْضُ عَلَيْهَا لِمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ إذَا كَانَ أَصْلُ الْبُقْعَةِ وَقْفًا عَلَى جِهَةِ قُرْبَةٍ فَبَنَى عَلَيْهَا بِنَاءً وَوَقَفَهُ عَلَى جِهَةٍ أُخْرَى اخْتَلَفُوا فِيهِ وَأَمَّا إذَا وَقَفَهُ عَلَى الْجِهَةِ الَّتِي كَانَتْ الْبُقْعَةُ وَقْفًا عَلَيْهَا جَازَ اتِّفَاقًا تَبَعًا لِلْبُقْعَةِ. اهـ. وَفِي الذَّخِيرَةِ وَقَفَ الْبِنَاءَ مِنْ غَيْرِ وَقْفِ الْأَصْلِ لَمْ يَجُزْ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ مَنْقُولٌ وَقْفُهُ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ وَإِذَا كَانَ أَصْلُ الْبُقْعَةِ مَوْقُوفًا عَلَى جِهَةِ قُرْبَةٍ فَبَنَى عَلَيْهَا بِنَاءً وَوَقَفَ بِنَاءَهَا عَلَى جِهَةِ قُرْبَةٍ أُخْرَى اخْتَلَفُوا فِيهِ اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ الصَّحِيحَ عَدَمُ الْجَوَازِ مُطْلَقًا وَقَدْ نَقَلْنَا الِاتِّفَاقَ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ وَقْفًا وَوَقَفَ الْبِنَاءَ عَلَى تِلْكَ الْجِهَةِ فَبَقِيَ مَا عَدَا هَذِهِ الصُّورَةَ دَاخِلًا تَحْتَ الصَّحِيحِ وَهُوَ شَامِلٌ لِمَا إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ وَقْفًا عَلَى جِهَةٍ أُخْرَى وَقَصَرَهُ الطَّرَسُوسِيُّ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ مِلْكًا وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ وَاسْتَخْرَجَ الطَّرَسُوسِيُّ جَوَازَ وَقْفِ بِنَاءٍ وَضَعَهُ صَاحِبُهُ عَلَى أَرْضِ وَقْفٍ اسْتَأْجَرَهَا وَلَوْ كَانَ عَلَى جِهَةٍ أُخْرَى وَكَذَا لَوْ بَنَى فِي الْأَرْضِ الْمَوْقُوفَةِ الْمُسْتَأْجَرَةِ مَسْجِدًا وَوَقَفَهُ لِلَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ يَجُوزُ قَالَ وَإِذَا جَازَ فَعَلَى مَنْ يَكُونُ حِكْرُهُ الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَكُونُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ مَا دَامَتْ الْمُدَّةُ بَاقِيَةً فَإِذَا انْقَضَتْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي بَيْتِ الْمَالِ. اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَقَفَ الْبِنَاءَ بِدُونِ الْأَرْضِ لَمْ يُجَوِّزْهُ هِلَالٌ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَمَلُ أَئِمَّةِ خُوَارِزْمَ عَلَى خِلَافِهِ. اهـ. وَفِي الْمُجْتَبَى لَا يَجُوزُ وَقْفُ الْبِنَاءِ بِدُونِ الْأَصْلِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ. اهـ. وَفِي الْفَتَاوَى السِّرَاجِيَّةِ سُئِلَ هَلْ يَجُوزُ وَقْفُ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ دُونَ الْأَرْضِ أَجَابَ الْفَتْوَى عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ. اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ مِلْكًا أَوْ وَقْفًا وَفِي الْقُنْيَةِ مِنْ كِتَابِ الْإِجَارَاتِ يُفْتَى بِرِوَايَةِ جَوَازِ اسْتِئْجَارِ الْبِنَاءِ إذَا كَانَ مُنْتَفَعًا بِهِ كَالْجُدْرَانِ مَعَ السَّقْفِ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَا يُنْتَفَعُ بِالْبِنَاءِ وَحْدَهُ اهـ. وَأَمَّا الْحَكْرُ فَقَالَ الْمَقْرِيزِيُّ فِي الْخُطَطِ أَنَّ أَصْلَهُ الْمَنْعُ فَقَوْلُ أَهْلِ مِصْرَ حَكَرَ فُلَانٌ يَعْنُونَ بِهِ مَنَعَ غَيْرَهُ مِنْ الْبِنَاءِ اهـ. الثَّانِيَةُ: وَقْفُ الشَّجَرِ قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَإِذَا غَرَسَ شَجَرَةً وَوَقَفَهَا إنْ غَرَسَهَا فِي أَرْضٍ غَيْرِ مَوْقُوفَةٍ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَقِفَهَا بِمَوْضِعِهَا مِنْ الْأَرْضِ أَوْ لَا فَإِنْ وَقَفَهَا بِمَوْضِعِهَا مِنْ الْأَرْضِ صَحَّ تَبَعًا لِلْأَرْضِ بِحُكْمِ الِاتِّصَالِ وَإِنْ وَقَفَهَا دُونَ أَصْلِهَا لَا يَصِحُّ وَإِنْ كَانَتْ فِي أَرْضٍ مَوْقُوفَةٍ فَوَقَفَهَا عَلَى تِلْكَ الْجِهَةِ جَازَ كَمَا فِي الْبِنَاءِ وَإِنْ وَقَفَهَا عَلَى جِهَةٍ أُخْرَى فَعَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ آنِفًا. اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ رَجُلٌ غَرَسَ فِي الْمَسْجِدِ يَكُونُ لِلْمَسْجِدِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْبِنَاءِ بِالْمَسْجِدِ وَكَذَا لَوْ بَنَى فِي أَرْضِ الْوَقْفِ أَوْ نَصَبَ فِيهَا بَابًا فَإِنْ نَوَى عِنْدَ الْبِنَاءِ أَنَّهُ بَنَى لِلْوَقْفِ يَصِيرُ وَقْفًا لِأَنَّهُ جَعَلَهُ وَقْفًا وَوَقْفُ الْبِنَاءِ تَبَعًا لِغَيْرِهِ يَجُوزُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ ذَلِكَ لَا يَصِيرُ وَقْفًا لِأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْهُ وَقْفًا وَلَوْ غَرَسَ فِي أَرْضٍ مَوْقُوفَةٍ عَلَى الرِّبَاطِ يُنْظَرُ إنْ تَوَلَّى الْغَارِسُ تَعَاهُدَ الْأَرْضِ الْمَوْقُوفَةِ فَالْأَشْجَارُ لِلْوَقْفِ لِأَنَّ هَذَا مِنْ جُمْلَةِ التَّعَاهُدِ وَإِنْ لَمْ يَتَوَلَّ فَهِيَ لِلْغَارِسِ وَعَلَيْهِ قَلْعُهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ هَذِهِ الْوِلَايَةُ وَلَوْ غَرَسَ عَلَى طَرِيقِ الْعَامَّةِ أَوْ عَلَى شَطِّ نَهْرِ الْعَامَّةِ أَوْ عَلَى شَطِّ حَوْضِ الْقَرْيَةِ فَالشَّجَرَةُ لِلْغَارِسِ وَلَهُ قَلْعُهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَى الْعَامَّةِ. اهـ. وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ غَرَسَ الْوَاقِفُ لِلْأَرْضِ شَجَرًا فِيهَا قَالُوا إنْ غَرَسَ مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ أَوْ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لَكِنْ ذَكَرَ أَنَّهُ غَرَسَ لِلْوَقْفِ يَكُونُ لِلْوَقْفِ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ شَيْئًا وَقَدْ غَرَسَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ يَكُونُ لَهُ وَلِوَرَثَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ وَلَا يَكُونُ وَقْفًا وَإِذَا صَحَّ وَقْفُ الشَّجَرَةِ تَبَعًا لِأَصْلِهَا فَإِنْ كَانَ يُنْتَفَعُ بِأَوْرَاقِهَا وَأَثْمَارِهَا فَإِنَّهُ لَا يُقْطَعُ أَصْلُهَا إلَّا أَنْ تَفْسُدَ أَغْصَانُهَا وَلَوْ كَانَ لَا يَنْتَفِعُ بِأَوْرَاقِهَا وَلَا بِأَثْمَارِهَا فَإِنَّهُ يُقْطَعُ وَيُتَصَدَّقُ بِهَا مَسْجِدٌ فِيهِ شَجَرَةُ التُّفَّاحِ   [منحة الخالق] [وَقْفُ الْبِنَاءِ بِدُونِ الْأَرْضِ] (قَوْلُهُ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الصَّحِيحَ إلَخْ) أَيْ ظَاهِرُ قَوْلِهِ لَمْ يَجُزْ هُوَ الصَّحِيحُ أَنَّ الصَّحِيحَ عَدَمُ الْجَوَازِ مُطْلَقًا أَيْ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ سِوَى مَسْأَلَةِ الِاتِّفَاقِ فَصَارَ تَصْحِيحُ عَدَمِ الْجَوَازِ مَقْصُورًا عَلَى مَا إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ مِلْكًا أَوْ وَقْفًا عَلَى جِهَةٍ أُخْرَى وَقَصَرَهُ الطَّرَسُوسِيُّ عَلَى الْأَرْضِ الْمِلْكِ فَقَطْ وَهُوَ غَيْرُ ظَاهِرٍ (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ بَنَى فِي الْأَرْضِ الْمَوْقُوفَةِ الْمُسْتَأْجَرَةِ مَسْجِدًا إلَخْ) هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُؤَلِّفُ فِي أَوَائِلِ فَصْلِ الْمَسْجِدِ مِنْ اشْتِرَاطِ كَوْنِ أَرْضِهِ مَمْلُوكَةً. [غَرَسَ شَجَرَةً وَوَقَفَهَا أَوْ غَرَسَ فِي أَرْضٍ مَوْقُوفَةٍ عَلَى الرِّبَاطِ] (قَوْلُهُ وَأَمَّا الْحَكْرُ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَفِي الْقَامُوسِ الْحَكْرُ الظُّلْمُ وَإِسَاءَةُ الْمُعَاشَرَةِ وَالْفِعْلُ كَضَرَبَ ثُمَّ قَالَ وَبِالتَّحْرِيكِ مَا اُحْتُكِرَ أَيْ اُحْتُبِسَ وَفَاعِلُهُ حَكِرٌ كَفَرِحٍ وَأَقُولُ: وَالْأَرْضُ الْمُحْتَكَرَةُ هِيَ الَّتِي وُقِفَ بِنَاؤُهَا وَلَمْ تُوقَفْ هِيَ كَأَنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا لِلْبِنَاءِ عَلَيْهَا وَبَنَى فِيهَا ثُمَّ وَقَفَ الْبِنَاءَ كَذَا رَأَيْت لِبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ وَأَقُولُ: الْأَرْضُ هِيَ الْمُقَرَّرَةُ لِلِاحْتِكَارِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ تَكُونَ وَقْفًا أَوْ مِلْكًا وَالِاحْتِكَارُ فِي الْعُرْفِ إجَارَةٌ يُقْصَدُ بِهَا مَنْعُ الْغَيْرِ وَاسْتِيفَاءُ الِانْتِفَاعِ بِالْأَرْضِ قَالُوا لَوْ بَنَى عَلَى أَرْضٍ مُقَرَّرَةٍ لِلِاحْتِكَارِ فَبَاعَ الْبِنَاءَ لَا شُفْعَةَ فِيهِ لِأَنَّهُ مِنْ قِسْمِ الْمَنْقُولِ (قَوْلُهُ إنْ تَوَلَّى الْغَارِسُ تَعَاهُدَ الْأَرْضِ) أَيْ بِأَنْ كَانَ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَيْهَا وَعِبَارَةُ الْإِسْعَافِ أَظْهَرُ وَهِيَ فَلَوْ غَرَسَ رِبَاطِيٌّ شَجَرَةً فِي وَقْفِ الرِّبَاطِ وَتَعَاهَدَهَا حَتَّى كَبُرَتْ وَلَمْ يَذْكُرْ وَقْتَ الْغَرْسِ أَنَّهَا لِلرِّبَاطِ. قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ إنْ كَانَ إلَيْهِ وِلَايَةُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 220 قَالَ بَعْضُهُمْ يُبَاحُ لِلْقَوْمِ أَنْ يُفْطِرُوا بِهَذَا التُّفَّاحِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُبَاحُ لِأَنَّ ذَلِكَ صَارَ وَقْفًا لِلْمَسْجِدِ يُصْرَفُ إلَى عِمَارَتِهِ شَجَرَةٌ عَلَى طَرِيقِ الْمَارَّةِ جُعِلَتْ وَقْفًا عَلَى الْمَارَّةِ يُبَاحُ تَنَاوُلُ ثَمَرِهَا لِلْمَارَّةِ وَيَسْتَوِي فِيهِ الْفَقِيرُ وَالْغَنِيُّ وَلَوْ كَانَتْ الثِّمَارُ عَلَى أَشْجَارِ رِبَاطِ الْمَارَّةِ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ أَرْجُو أَنْ يَكُونَ النِّزَالُ فِي سَعَةٍ مِنْ تَنَاوُلِهَا إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ غَارِسَهَا جَعَلَهَا لِلْفُقَرَاءِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ إذَا لَمْ يَكُنْ الرَّجُلُ مِنْ سَاكِنِي الرِّبَاطِ فَالْأَحْوَطُ لَهُ أَنْ يَحْتَرِزَ مِنْ تَنَاوُلِهَا إلَّا أَنْ تَكُونَ ثِمَارًا لَا قِيمَةَ لَهَا كَالتُّوتِ. اهـ. وَقَدْ وَقَعَتْ حَادِثَةٌ هِيَ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ لِلدَّارِ الْمَوْقُوفَةِ الْمُشْتَمِلَةُ عَلَى الْأَشْجَارِ هَلْ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ ثِمَارِهَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ شَرْطَ الْوَاقِفِ فِيهَا وَفِي الْحَاوِي وَمَا غُرِسَ فِي الْمَسَاجِدِ مِنْ الْأَشْجَارِ الْمُثْمِرَةِ إنْ غُرِسَ لِلسَّبِيلِ وَهُوَ الْوَقْفُ عَلَى الْعَامَّةِ كَانَ لِكُلِّ مَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا وَإِنْ غُرِسَ لِلْمَسْجِدِ لَا يَجُوزُ صَرْفُهَا إلَّا إلَى مَصَالِحِ الْمَسْجِدِ الْأَهَمِّ فَالْأَهَمِّ كَسَائِرِ الْوَقْفِ وَكَذَا إنْ لَمْ يَعْلَمْ غَرَضَ الْغَارِسِ. اهـ. وَمُقْتَضَاهُ فِي الْبَيْتِ الْمَوْقُوفِ إذَا لَمْ يَعْرِفْ الشَّرْطَ أَنْ يَأْخُذَهَا الْمُتَوَلِّي لِيَبِيعَهَا وَيَصْرِفَهَا فِي مَصَالِحِ الْوَقْفِ وَلَا يَجُوزُ لِلْمُسْتَأْجِرِ الْأَكْلُ مِنْهَا وَفِي الْقَنِيَّةِ يَجُوزُ لِلْمُسْتَأْجَرَيْنِ غَرْسُ الْأَشْجَارِ وَالْكُرُومِ فِي الْأَرَاضِيِ الْمَوْقُوفَةِ إذَا لَمْ يَضُرَّ بِالْأَرْضِ بِدُونِ صَرِيحِ الْإِذْنِ مِنْ الْمُتَوَلِّي دُونَ حَفْرِ الْحِيَاضِ وَإِنَّمَا يَحِلُّ لِلْمُتَوَلِّي الْإِذْنُ فِيمَا يَزِيدُ الْوَقْفُ بِهِ خَيْرًا قَالَ مُصَنِّفُهَا قُلْتُ: وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ حَقُّ قَرَارِ الْعِمَارَةِ فِيهَا أَمَّا إذَا كَانَ لَا يُحَرَّمُ الْحَفْرُ وَالْغَرْسُ لِوُجُودِ الْإِذْنِ فِي مِثْلِهَا. اهـ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَسُئِلَ أَبُو الْقَاسِمِ الصَّفَّارُ عَنْ شَجَرَةِ وَقْفٍ يَبِسَ بَعْضُهَا وَبَقِيَ بَعْضُهَا فَقَالَ مَا يَبِسَ مِنْهَا فَسَبِيلُهُ سَبِيلُ غَلَّتِهَا وَمَا بَقِيَ مَتْرُوكٌ عَلَى حَالِهَا. اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَقَالَ الْفَضْلِيُّ وَبَيْعُ الْأَشْجَارِ الْمَوْقُوفَةِ مَعَ الْأَرْضِ لَا يَجُوزُ قَبْلَ الْقَلْعِ كَبَيْعِ الْأَرْضِ وَقَالَ أَيْضًا إنْ لَمْ تَكُنْ مُثْمِرَةً يَجُوزُ بَيْعُهَا قَبْلَ الْقَلْعِ أَيْضًا لِأَنَّهُ غَلَّتُهَا وَالْمُثْمِرَةُ لَا تُبَاعُ إلَّا بَعْدَ الْقَلْعِ كَبِنَاءِ الْوَقْفِ اهـ. قَوْلُهُ (وَلَا يُمْلَكُ الْوَقْفُ) بِإِجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ كَمَا نَقَلَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «تَصَدَّقْ بِأَصْلِهَا لَا تُبَاعُ وَلَا تُورَثُ» وَلِأَنَّهُ بِاللُّزُومِ خَرَجَ عَنْ مِلْكِ الْوَاقِفِ وَبِلَا مِلْكٍ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْبَيْعِ أَفَادَ بِمَنْعِ تَمْلِيكِهِ وَتَمَلُّكِهِ مَنْعُ رَهْنِهِ فَلَا يَجُوزُ لِلْمُتَوَلِّي رَهْنُهُ قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ الْمُتَوَلِّي إذَا رَهَنَ أَرْضَ الْوَقْفِ بِدَيْنٍ لَا يَصِحُّ وَكَذَلِكَ أَهْلُ الْجَمَاعَةِ إذَا رَهَنُوا فَإِنْ سَكَنَ الْمُرْتَهِنُ الدَّارَ قَالَ بَعْضُهُمْ عَلَيْهِ أَجْرُ الْمِثْلِ سَوَاءٌ كَانَتْ الدَّارُ مُعَدَّةً لِلِاسْتِغْلَالِ أَوْ لَمْ تَكُنْ نَظَرًا لِلْوَقْفِ وَكَذَلِكَ مُتَوَلِّي الْمَسْجِدِ إذَا بَاعَ مَنْزِلًا مَوْقُوفًا عَلَى الْمَسْجِدِ فَسَكَنَهَا الْمُشْتَرِي ثُمَّ عُزِلَ هَذَا الْمُتَوَلِّي وَوُلِّيَ غَيْرُهُ فَادَّعَى الثَّانِي الْمَنْزِلَ عَلَى الْمُشْتَرِي وَأَبْطَلَ الْقَاضِي بَيْعَ الْمُتَوَلِّي وَسَلَّمَ الدَّارَ إلَى الْمُتَوَلِّي الثَّانِي فَعَلَى الْمُشْتَرِي أَجْرُ الْمِثْلِ. اهـ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْبَائِعُ الْمُتَوَلِّيَ أَوْ غَيْرَهُ بَلْ وُجُوبُ أَجْرِ الْمِثْلِ فِيمَا إذَا بَاعَهُ غَيْرُ الْمُتَوَلِّي بِالْأَوْلَى وَذَكَرَ فِي الْقُنْيَةِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ وَهُوَ ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ وَإِنْ سَكَنَ بِتَأْوِيلِ الْمِلْكِ يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ مُرَاعَاةً لِلْوَقْفِ وَفِي الْقُنْيَةِ سَكَنَهَا ثُمَّ بَانَ أَنَّهَا وَقْفٌ أَوْ لِصَغِيرٍ يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ بِخِلَافِ مَا مَرَّ وَفِي الْمُحِيطِ فَإِنْ هَدَمَ الْمُشْتَرِي الْبِنَاءَ فَالْقَاضِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْبَائِعَ قِيمَةَ الْبِنَاءِ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُشْتَرِيَ فَإِنْ ضَمَّنَ الْبَائِعَ   [منحة الخالق] الْأَرْضِ الْمَوْقُوفَةِ فَالشَّجَرَةُ وَقْفٌ وَإِلَّا فَهِيَ لَهُ وَلَهُ رَفْعُهَا (قَوْلُهُ وَمُقْتَضَاهُ فِي الْبَيْتِ الْمَوْقُوفِ إلَى قَوْلِهِ لِيَبِيعَهَا) أَيْ لِيَبِيعَ الْأَثْمَارَ لَا الْأَشْجَارَ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا لِاحْتِمَالِ أَنَّ غَرَضَ الْغَارِسِ وَقْفُهَا وَسَيَأْتِي فِي الْمَسْأَلَةِ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ شَجَرَةُ وَقْفٍ فِي دَارِ وَقْفٍ خَرِبَتْ لَيْسَ لِلْمُتَوَلِّي أَنْ يَبِيعَ الشَّجَرَةَ وَيُعَمِّرَ الدَّارَ وَلَكِنْ يُكْرِي الدَّارَ وَيَسْتَعِينُ بِالْكِرَاءِ عَلَى عِمَارَةِ الدَّارِ لَا بِالشَّجَرَةِ اهـ. وَهَذَا مَعَ خَرَابِ الدَّارِ فَكَيْفَ يَجُوزُ بَيْعُهَا مَعَ عِمَارَتِهَا ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَدْفَعُهَا لِلْمُسْتَأْجِرِ مُعَامَلَةً قَالَ فِي الْإِسْعَافِ وَلَوْ كَانَ فِي أَرْضِ الْوَقْفِ شَجَرٌ فَدَفَعَهُ مُعَامَلَةً بِالنِّصْفِ مَثَلًا جَازَ اهـ. فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ فَسَكَنَهَا الْمُشْتَرِي) قَالَ الْمَقْدِسِيَّ لَعَلَّهُ اتِّفَاقِيٌّ بَلْ وَضْعُ يَدِهِ عَلَيْهِ كَافٍ (قَوْلُهُ وَذَكَرَ فِي الْقُنْيَةِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ) وَنَصُّهُ سم مح سَكَنَ الدَّارَ سِنِينَ يَدَّعِي الْمِلْكَ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ لِلْوَقْفِ بِالْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَجْرُ مَا مَضَى اهـ. قَالَ الرَّمْلِيُّ مَا فِي الْقُنْيَةِ مَذْهَبُ الْمُتَقَدِّمِينَ وَوُجُوبُ الْأُجْرَةِ قَوْلُ الْمُتَأَخِّرِينَ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْإِسْعَافِ وَصَاحِبُ الْقُنْيَةِ نَقَلَ الْقَوْلَيْنِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا مَرَّ) الْإِشَارَةُ إلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ فِي الْعِبَارَةِ الَّتِي نَقَلْنَاهَا عَنْهُ (قَوْلُهُ فَإِنْ هَدَمَ الْمُشْتَرِي الْبِنَاءَ إلَخْ) فِي فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ سُئِلَ إذَا اسْتَأْجَرَ شَخْصٌ دَارًا وَقْفًا مِنْ مُؤَجِّرٍ شَرْعِيٍّ ثُمَّ أَنَّهُ هَدَمَهَا بِيَدِهِ الْعَادِيَةِ وَغَيَّرَ مَعَالِمَهَا وَجَعَلَهَا طَاحُونًا أَوْ فُرْنًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ فَهَلْ يَلْزَمُ الْمُسْتَأْجِرَ هَدْمُ مَا بَنَاهُ وَإِعَادَةُ الْعَيْنِ الْمَوْقُوفَةِ كَمَا كَانَتْ أَوْ لَا أَجَابَ يَنْظُرُ الْقَاضِي فِي ذَلِكَ إنْ كَانَ مَا غَيَّرَهَا إلَيْهِ أَنْفَعَ لِجِهَةِ الْوَقْفِ وَأَكْثَرَ رِيعًا أَخَذَ مِنْهُ الْأُجْرَةَ وَبَقِيَ مَا عَمَّرَ لِجِهَةِ الْوَقْفِ وَهُوَ مُتَبَرِّعٌ بِمَا أَنْفَقَهُ فِي الْعِمَارَةِ وَلَا يُحْسَبُ لَهُ مِنْ الْأُجْرَةِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَنْفَعَ لِجِهَةِ الْوَقْفِ وَلَا أَكْثَرَ رِيعًا أُلْزِمَ بِهَدْمِ مَا صَنَعَ وَإِعَادَةِ الْوَقْفِ إلَى الصِّفَةِ الَّتِي كَانَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 221 نَفَذَ بَيْعُهُ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالضَّمَانِ فَصَارَ كَأَنَّهُ بَاعَ مِلْكَ نَفْسِهِ وَإِنْ ضَمِنَ الْمُشْتَرِي لَا يَنْفُذُ الْبَيْعُ وَيَمْلِكُ الْمُشْتَرِي الْبِنَاءَ بِالضَّمَانِ وَيَكُونُ الضَّمَانُ لِلْوَقْفِ لَا لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ. اهـ. فَإِنْ قُلْتُ: قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ وَفِي فَوَائِدِ شَمْسِ الْإِسْلَامِ الْوَاقِفُ إذَا افْتَقَرَ وَاحْتَاجَ إلَى الْوَقْفِ يَرْفَعُ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي حَتَّى يَفْسَخَ إنْ لَمْ يَكُنْ مُسَجَّلًا. اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ وَلَوْ وَقَفَ مَحْدُودًا ثُمَّ بَاعَهُ وَكَتَبَ الْقَاضِي شَهَادَتَهُ فِي صَكِّ الْبَيْعِ وَكَتَبَ فِي الصَّكِّ بَاعَ فُلَانٌ مَنْزِلَ كَذَا أَوْ كَانَ كَتَبَ وَأَقَرَّ الْبَائِعُ بِالْبَيْعِ لَا يَكُونُ حُكْمًا بِصِحَّةِ الْبَيْعِ وَنَقْضِ الْوَقْفِ وَلَوْ كَتَبَ بَاعَ بَيْعًا جَائِزًا صَحِيحًا كَانَ حُكْمًا بِصِحَّةِ الْبَيْعِ وَبُطْلَانِ الْوَقْفِ وَإِذَا أَطْلَقَ الْحَاكِمُ وَأَجَازَ بَيْعَ وَقْفٍ غَيْرِ مُسَجَّلٍ إنْ أَطْلَقَ ذَلِكَ لِلْوَارِثِ كَانَ حُكْمًا بِصِحَّةِ بَيْعِ الْوَقْفِ وَإِنْ أَطْلَقَهُ لِغَيْرِ الْوَارِثِ لَا يَكُونُ ذَلِكَ نَقْضًا لِلْوَقْفِ أَمَّا إذَا بِيعَ الْوَقْفُ وَحَكَمَ بِصِحَّتِهِ قَاضٍ كَانَ حُكْمًا بِبُطْلَانِ الْوَقْفِ. اهـ. وَفِي الْقُنْيَةِ وَقْفٌ قَدِيمٌ لَا يُعْرَفُ صِحَّتُهُ وَلَا فَسَادُهُ بَاعَهُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ لِضَرُورَةٍ وَقَضَى الْقَاضِي بِصِحَّةِ الْبَيْعِ يَنْفُذُ إذَا كَانَ وَارِثَ الْوَاقِفِ ثُمَّ رَقَمَ: بَاعَهُ الْوَارِثُ لِضَرُورَةٍ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ وَلَوْ قَضَى الْقَاضِي بِصِحَّتِهِ وَلَا يُفْتَحُ هَذَا الْبَابُ. اهـ. قُلْتُ: إنَّهُ فِي وَقْفٍ لَمْ يُحْكَمْ بِصِحَّتِهِ وَلُزُومِهِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِي الْخُلَاصَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ مُسَجَّلًا أَيْ مَحْكُومًا بِهِ وَمَعَ ذَلِكَ الْحَمْلِ أَيْضًا فَهُوَ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ الْمَرْجُوحِ وَعَلَى قَوْلِهِمَا الرَّاجِحُ الْمُفْتَى بِهِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ الْحُكْمِ بِلُزُومِهِ لَا لِلْوَارِثِ وَلَا لِغَيْرِهِ وَلَوْ قَضَى قَاضٍ بِصِحَّةِ بَيْعِهِ فَإِنْ كَانَ حَنَفِيًّا مُقَلِّدًا فَحُكْمُهُ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ إلَّا بِالصَّحِيحِ الْمُفْتَى بِهِ فَهُوَ مَعْزُولٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ وَلِذَا قَالَ فِي الْقُنْيَةِ تَفْرِيعًا عَلَى الصَّحِيحِ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ وَلَوْ قَضَى الْقَاضِي بِصِحَّتِهِ وَقَدْ أَفْتَى بِهِ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ وَأَمَّا مَا أَفْتَى بِهِ الْعَلَّامَةُ سِرَاجُ الدِّينِ قَارِئُ الْهِدَايَةِ مِنْ صِحَّةِ الْحُكْمِ بِبَيْعِهِ قَبْلَ الْحُكْمِ بِوَقْفِهِ فَمَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الْقَاضِيَ مُجْتَهِدٌ أَوْ سَهْوٌ مِنْهُ وَظَاهِرُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَأَصْحَابِ الْمُتُونِ وَالْهِدَايَةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِبْدَالُهُ وَلَوْ خَرِبَ وَأَنَّهُ   [منحة الخالق] عَلَيْهَا بَعْدَ تَعْزِيرِهِ بِمَا يَلِيقُ بِحَالِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ قُلْتُ: إنَّهُ فِي وَقْفٍ لَمْ يُحْكَمْ بِصِحَّتِهِ وَلُزُومِهِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَقُولُ: الَّذِي يَظْهَرُ الْإِطْلَاقُ لِأَنَّ بَيْعَهُ اسْتِبْدَالٌ لَا فَسْخٌ وَالِاسْتِبْدَالُ لَيْسَ فِيهِ فَسْخُ الْقَضَاءِ السَّابِقِ حَتَّى يَمْتَنِعُ فَإِذَا رَآهُ حَاكِمٌ وَقَضَى بِهِ بَعْدَ اسْتِكْمَالِ شَرَائِطِهِ فَهُوَ قَضَاءٌ فِي مَحَلٍّ مُجْتَهَدٍ فِيهِ وَالْقَضَاءُ فِي مِثْلِهِ يَرْفَعُ الْخِلَافَ فَتَأَمَّلْ الْفَرْقَ يَظْهَرْ لَك الْحَقُّ وَفَرِّقْ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالْإِبْطَالِ وَبَيْنَ الْبَيْعِ وَالِاسْتِبْدَالِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَأَمَّا مَا أَفْتَى بِهِ الْعَلَّامَةُ سِرَاجُ الدِّينِ إلَخْ) أَقُولُ: قَدْ وَافَقَ الْمُؤَلِّفُ فِي فَتَاوَاهُ مَا أَفْتَى بِهِ سِرَاجُ الدِّينِ فَأَفْتَى بِالْجَوَازِ ثُمَّ قَالَ وَبِهَذَا أَفْتَى سِرَاجُ الدِّينِ قَارِئُ الْهِدَايَةِ وَهُوَ شَاهِدٌ لِصِحَّةِ مَا أَفْتَيْتُ بِهِ أَنَّ الْوَاقِفَ لَوْ بَاعَ الْوَقْفَ غَيْرَ الْمُسَجَّلِ وَحَكَمَ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ حَاكِمٌ نَفَذَ الْبَيْعُ وَإِنْ صَحَّحَ الْمَشَايِخُ قَوْلَهُمَا فِي الْوَقْفِ لِوُقُوعِ الْقَضَاءِ فِي مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْإِمَامُ الْبَزَّازِيُّ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ فَلْيُرَاجَعْ اهـ. وَعِبَارَةُ الْبَزَّازِيَّةِ نَصُّهَا وَذَكَرَ شَمْسُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - افْتَقَرَ الْوَاقِفُ وَاحْتَاجَ إلَى الْوَقْفِ يَرْفَعُ إلَى الْحَاكِمِ حَتَّى يَفْسَخَ إنْ لَمْ يَكُنْ مُسَجَّلًا وَهَذَا ظَاهِرٌ عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَمَّا عَلَى مَذْهَبِهِمَا فَيَصِحُّ أَيْضًا لِوُقُوعِهِ فِي فَصْلٍ مُجْتَهَدٍ. اهـ. وَعَلَى هَذَا مَشَى تِلْمِيذُ الْمُؤَلِّفِ فِي مَتْنِ التَّنْوِيرِ وَشَرْحِهِ وَقَالَ بِهِ يَنْدَفِعُ مَا ذَكَرَهُ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ وَمَنْ تَبِعَهُ لِمَا فِي السِّرَاجِيَّةِ مِنْ تَصْحِيحِ أَنَّ الْمُفْتِيَ يُفْتِي بِقَوْلِ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى الْإِطْلَاقِ ثُمَّ بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ ثُمَّ بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ ثُمَّ بِقَوْلِ زُفَرَ وَالْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ وَلَا يَتَخَيَّرُ إذَا لَمْ يَكُنْ مُجْتَهِدًا وَقَوْلُ الْإِمَامِ مُصَحَّحٌ أَيْضًا فَقَدْ جَزَمَ بِهِ بَعْضُ أَصْحَابِ الْمُتُونِ وَلَمْ يُعَوِّلُوا عَلَى غَيْرِهِ اهـ. وَعَزَا مِثْلَهُ فِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ إلَى الْمَوْلَى أَبِي السُّعُودِ مُفْتِي الرُّومِ قُلْتُ: وَقَدْ أَفْتَى الشَّيْخُ سِرَاجُ الدِّينِ بِخِلَافِ فَتْوَاهُ الْأُولَى فَإِنَّهُ ذَكَرَ بَعْدَهَا سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ وَقَفَ وَقْفًا عَلَى جِهَاتٍ وَلَمْ يَحْكُمْ بِهِ حَاكِمٌ ثُمَّ رَجَعَ وَوَقَفَ عَلَى جِهَاتٍ غَيْرِ الْأُوَلِ وَحَكَمَ بِهَذَا حَنَفِيٌّ هَلْ يَصِحُّ أَوْ لَا أَجَابَ مَذْهَبُ الْإِمَامِ إنَّ الْوَقْفَ لَا يَلْزَمُ إلَّا بِالْحُكْمِ أَوْ تَعْلِيقِهِ بِمَوْتِهِ ثُمَّ يَمُوتُ قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ عَمَّا عَلَّقَهُ فَعَلَى هَذَا يَبْطُلُ الْوَقْفُ وَيَصِحُّ الثَّانِي لَكِنَّ الْفَتْوَى فِي الْوَقْفِ عَلَى قَوْلِهِمَا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لِلُزُومِهِ شَيْءٌ مِمَّا شَرَطَهُ أَبُو حَنِيفَةَ فَعَلَى هَذَا: الْوَقْفُ هُوَ الْأَوَّلُ وَمَا فَعَلَهُ ثَانِيًا لَا اعْتِبَارَ بِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ شَرَطَ فِي وَقْفِهِ الْأَوَّلِ أَنَّ لَهُ أَنْ يُغَيِّرَهُ بِمَا شَاءَ مِنْ الْجِهَاتِ وَالْمَصَارِفِ غَيْرِ الْأَوَّلِ فَيَصِحُّ ذَلِكَ. اهـ. وَفِي فَتَاوَى الْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ مَا نَصُّهُ وَسُئِلَ عَنْ رَجُلٍ وَقَفَ شَيْئًا مُعَيَّنًا مِنْ مَالِهِ عَلَى نَفْسِهِ ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ عَلَى جِهَةٍ مُعَيَّنَةٍ وَلَمْ يَتَّصِلْ بِحَاكِمٍ شَرْعِيٍّ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ وَقَفَ ذَلِكَ الشَّيْءَ بِعَيْنِهِ عَلَى نَفْسِهِ ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ عَلَى جِهَةٍ أُخْرَى غَيَّرَ وَحَكَمَ بِصِحَّةِ هَذَا الْوَقْفِ الثَّانِي وَلُزُومِهِ حَاكِمٌ حَنَفِيٌّ فِي وَجْهِ الْوَاقِفِ فِي سَاعَةِ الْوَقْفِ وَلَمْ يَتَّصِلْ الْوَقْفُ الْأَوَّلُ بِحَاكِمٍ أَصْلًا ثُمَّ بَعْدَ مَوْتِ الْوَاقِفِ وَاتِّصَالِ الْعَيْنِ الْمَوْقُوفَةِ إلَى الْجِهَةِ الثَّانِيَةِ حَكَمَ حَاكِمٌ حَنَفِيٌّ بِصِحَّةِ الْوَقْفِ الْأَوَّلِ لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِالْوَقْفِ الثَّانِي وَالْحُكْمِ بِهِ فَأَيُّ الْوَقْفَيْنِ هُوَ الصَّحِيحُ الْمَعْمُولُ بِهِ أَجَابَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْوَقْفُ الْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ لِاتِّفَاقِ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا بِلُزُومِ الْوَقْفِ وَحَيْثُ كَانَ لَازِمًا لَا يَصِحُّ تَغْيِيرُهُ بِلَا شَرْطٍ مِنْهُ وَلَا يَضُرُّ فِي لُزُومِهِ عَدَمُ اتِّصَالِهِ بِحَاكِمِ لِأَنَّ الْحَاكِمَ مَمْنُوعٌ شَرْعًا مِنْ الْحُكْمِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 222 لَا يَعُودُ مِلْكًا لِلْوَاقِفِ وَلَا لِوَرَثَتِهِ لِعَدَمِ اسْتِثْنَائِهِمْ شَيْئًا مِنْ قَوْلِهِمْ لَا يُمْلَكُ وَظَاهِرُ قَوْلِهِمْ أَنَّ الْوَقْفَ لَا يُمْلَكُ وَلَا يُبَاعُ يَقْتَضِي أَنَّ الْوَقْفِيَّةَ لَا تَبْطُلُ بِالْخَرَابِ وَلَا تَعُودُ إلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ وَوَارِثِهِ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ وَلِذَا قَالَ الْإِمَامُ قَاضِي خَانْ وَلَوْ كَانَ الْوَقْفُ مُرْسَلًا لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ شَرْطُ الِاسْتِبْدَالِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا وَيَسْتَبْدِلَ بِهَا وَإِنْ كَانَتْ أَرْضَ الْوَقْفِ سَبْخَةً لَا يُنْتَفَعُ بِهَا لِأَنَّ سَبِيلَ الْوَقْفِ أَنْ يَكُونَ مُؤَبَّدًا لَا يُبَاعُ وَإِنَّمَا تَثْبُتُ وِلَايَةُ الِاسْتِبْدَالِ بِالشَّرْطِ وَبِدُونِ الشَّرْطِ لَا تَثْبُتُ فَهُوَ كَالْبَيْعِ الْمُطْلَقِ عَنْ شَرْطِ الْخِيَارِ لَا يَمْلِكُ الْمُشْتَرِي رَدَّهُ وَإِنْ لَحِقَهُ فِي ذَلِكَ غَبْنٌ اهـ. وَفِي الْخُلَاصَةِ وَفِي فَتَاوَى النَّسَفِيِّ بَيْعُ عَقَارِ الْمَسْجِدِ لِمَصْلَحَةِ الْمَسْجِدِ لَا يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ بِأَمْرِ الْقَاضِي وَإِنْ كَانَ خَرَابًا فَأَمَّا بَيْعُ النَّقْضِ فَيَصِحُّ وَنَقَلَ عَنْ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْقَاضِي وَلِلْمُتَوَلِّي أَنْ يَبِيعَهُ وَيَشْتَرِيَ مَكَانَهُ آخَرَ وَإِنْ لَمْ يَنْقَطِعْ وَلَكِنْ يُؤْخَذُ بِثَمَنِهِ مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ لِلْمَسْجِدِ لَا يُبَاعُ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ إذَا ضَعُفَتْ الْأَرْضُ الْمَوْقُوفَةُ عَنْ الِاسْتِغْلَالِ وَالْقَيِّمُ يَجِدُ بِثَمَنِهَا أُخْرَى هِيَ أَكْثَرُ رِيعًا كَانَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا وَيَشْتَرِيَ بِثَمَنِهَا مَا هُوَ أَكْثَرُ رِيعًا وَفِي الْفَتَاوَى قَيِّمُ وَقْفٍ خَافَ مِنْ السُّلْطَانِ أَوْ مِنْ وَارِثٍ يَغْلِبُ عَلَى أَرْضِ وَقْفٍ يَبِيعُهَا وَيَتَصَدَّقُ بِثَمَنِهَا وَكَذَا كُلُّ قَيِّمٍ إذَا خَافَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ وَيَتَصَدَّقَ بِثَمَنِهَا قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ لَا يَبِيعُ وَمَا يُوَافِقُ هَذَا مَا رَوَى الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ فِي بَابَيْ الْأَسِيرِ فِي الدَّفْتَرِ الثَّانِي ذَكَرَ مَسْأَلَةً ثُمَّ قَالَ وَبِهَذَا تَبَيَّنَ خَطَأُ مَنْ يُجَوِّزُ اسْتِبْدَالَ الْوَقْفِ وَالشَّيْخُ الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ كَانَ يُفْتِي بِجَوَازِ الِاسْتِبْدَالِ ثُمَّ رَجَعَ اهـ. مَا فِي الْخُلَاصَةِ وَفِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ يُجَوِّزُ الِاسْتِبْدَالَ فِي الْوَقْفِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ إذَا ضَعُفَتْ الْأَرْضُ مِنْ الرِّيعِ وَنَحْنُ لَا نُفْتِي بِهِ وَقَدْ شَاهَدْنَا فِي الِاسْتِبْدَالِ مِنْ الْفَسَادِ مَا لَا يُعَدُّ وَلَا يُحْصَى فَإِنَّ ظَلَمَةَ الْقُضَاةِ جَعَلُوهُ حِيلَةً إلَى إبْطَالِ أَكْثَرِ أَوْقَافِ الْمُسْلِمِينَ وَفَعَلُوا مَا فَعَلُوا. اهـ. وَفِي الذَّخِيرَةِ سُئِلَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ عَنْ أَوْقَافِ الْمَسْجِدِ إذَا تَعَطَّلَتْ وَتَعَذَّرَ اسْتِغْلَالُهَا هَلْ لِلْمُتَوَلِّي أَنْ يَبِيعَهَا وَيَشْتَرِيَ مَكَانَهَا أُخْرَى قَالَ نَعَمْ قِيلَ إنْ لَمْ تَتَعَطَّلْ وَلَكِنْ يُؤْخَذُ بِثَمَنِهَا مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهَا هَلْ لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا قَالَ لَا وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ لَمْ يُجَوِّزْ بَيْعَهُ تَعَطَّلَ أَوْ لَمْ يَتَعَطَّلْ وَكَذَا لَمْ يُجَوِّزْ الِاسْتِبْدَالَ بِالْوَقْفِ وَهَكَذَا فَتْوَى شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ وَقَدْ رَوَيْنَا عَنْ مُحَمَّدٍ فِي فَصْلِ الْعِمَارَةِ إذَا ضَعُفَتْ الْأَرْضُ الْمَوْقُوفَةُ عَنْ الِاسْتِغْلَالِ وَالْقَيِّمُ يَجِدُ بِثَمَنِهَا أَرْضًا أُخْرَى أَكْثَرَ رِيعًا لَهُ أَنْ يَبِيعَ هَذِهِ الْأَرْضَ وَيَشْتَرِيَ وَفِي الْمُنْتَقَى قَالَ هِشَامٌ سَمِعْتُ مُحَمَّدًا يَقُولُ الْوَقْفُ إذَا صَارَ بِحَيْثُ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ الْمَسَاكِينُ فَلِلْقَاضِي أَنْ يَبِيعَهُ وَيَشْتَرِيَ بِثَمَنِهِ غَيْرَهُ وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا لِلْقَاضِي وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ مَسْأَلَةً تَدُلُّ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الِاسْتِبْدَالِ بِالْوَقْفِ وَصُورَتُهَا الْكُفَّارُ إذَا اسْتَوْلَوْا عَلَى بَلْدَةٍ مِنْ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ ظَهَرَ عَلَيْهَا الْمُسْلِمُونَ وَقَسَمُوهَا فِيمَا بَيْنَهُمْ فَأَصَابَ رَجُلٌ مِنْ الْغَانِمِينَ أَرْضًا فَجَعَلَهَا صَدَقَةً مَوْقُوفَةً لِلْمَسَاكِينِ وَدُفَعه اإلَى قَيِّمٍ يَقُومُ عَلَيْهَا ثُمَّ حَضَرَ الْمَالِكُ الْقَدِيمُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا قَالُوا وَهَذَا لِأَنَّهُ زَالَ عَنْ مِلْكِ الْوَاقِفِ وَصَارَ بِحَالٍ لَا يَقْبَلُ النَّقْلَ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ فَلَا يَكُونُ لِلْمَالِكِ الْقَدِيمِ حَقُّ الْمِلْكِ أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الْوَقْفُ بَاطِلٌ حَتَّى كَانَ لِلْوَاقِفِ أَنْ يَبِيعَ الْوَقْفَ حَالَ حَيَاتِهِ فَإِذَا مَاتَ يَصِيرُ مِيرَاثًا عَنْهُ فَكَانَ لِلْمَالِكِ الْقَدِيمِ حَقُّ الْأَخْذِ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ خَاصَّةً فَإِنَّ اتِّخَاذَ الْمَسْجِدِ عِنْدَهُ صَحِيحٌ وَيَزُولُ عَنْ مُلَيْكَةِ مُتَّخَذِهِ فَلَا يَكُونُ لِلْمَالِكِ الْقَدِيمِ حَقُّ الْأَخْذِ فِيهِ. اهـ. وَأَمَّا مَا فِي الذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهَا حَانُوتٌ احْتَرَقَ فِي السُّوقِ وَصَارَ بِحَيْثُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ وَلَا يُسْتَأْجَرُ أَلْبَتَّةَ وَحَوْضُ مَحَلَّةٍ خَرِبَ وَصَارَ بِحَالٍ لَا يُمْكِنُ عِمَارَتُهُ فَهُوَ لِلْوَاقِفِ وَلِوَرَثَتِهِ فَإِنْ كَانَ وَاقِفُهُ وَوَرَثَتُهُ لَا تُعْرَفُ فَهُوَ لُقَطَةٌ زَادَ فِي فَتَاوَى الْخَاصِّيِّ إذَا كَانَ كَاللُّقَطَةِ يَتَصَدَّقُونَ بِهِ عَلَى فَقِيرٍ ثُمَّ يَبِيعُهُ الْفَقِيرُ   [منحة الخالق] بِخِلَافِ مَا عَلَيْهِ الْفَتْوَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ فَلِلْقَاضِي أَنْ يَبِيعَهُ وَيَشْتَرِيَ بِثَمَنِهِ غَيْرَهُ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ لَا تَنْسَ مَا قَدَّمَهُ بِأَسْطُرٍ عَنْ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ بِنَقْلِ الذَّخِيرَةِ حِينَ سُئِلَ عَنْ أَوْقَافِ الْمَسْجِدِ إذَا تَعَطَّلَتْ هَلْ لِلْمُتَوَلِّي أَنْ يَبِيعَهَا وَيَشْتَرِيَ مَكَانَهَا أُخْرَى قَالَ نَعَمْ وَلَا قَوْلُهُمْ الْوِلَايَةُ الْخَاصَّةُ أَقْوَى مِنْ الْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ وَلَا اتِّفَاقُ الْمَشَايِخِ الْمُتَأَخِّرِينَ عَلَى أَنَّ الْأَفْضَلَ لِأَهْلِ الْمَسْجِدِ أَنْ يَنْصِبُوا مُتَوَلِّيًا وَلَا يُعْلِمُوا الْقَاضِيَ فِي زَمَانِنَا لِمَا عُلِمَ مِنْ طَمَعِ الْقُضَاةِ فِي أُمُورِ الْأَوْقَافِ صَرَّحَ بِهِ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَغَيْرِهَا فِي كَثِيرٍ مِنْ كُتُبِ الْمَذْهَبِ (قَوْلُهُ وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ مَسْأَلَةً إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ يَجِبُ تَقْيِيدُ الْمَسْأَلَةِ بِمَا إذَا كَانَ اسْتِيلَاءُ الْكُفَّارِ يُوجِبُ مِلْكَهُمْ عَلَى الْبَلْدَةِ بِأَنْ كَانَتْ مُتَّصِلَةً بِدَارِهِمْ أَمَّا إذَا كَانَتْ بَيْنَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ لَا يَمْلِكُونَهَا بِذَلِكَ فَلَا يَصِحُّ لِلْمُقَاتِلِينَ قِسْمَتُهَا بَيْنَهُمْ فَيَبْطُلُ مَا تَرَتَّبَ عَلَيْهَا وَيَأْخُذُهَا مَالِكُهَا وَلَوْ اُتُّخِذَتْ مَسْجِدًا وَصَارَ كَمَا لَوْ غَصَبَ أَرْضَ الْغَيْرِ وَاتَّخَذَهَا مَسْجِدًا تَأَمَّلْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 223 فَيَنْتَفِعُ بِثَمَنِهِ فَقَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ نَظَرٌ يَعْنِي لِأَنَّ الْوَقْفَ بَعْدَمَا خَرَجَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لَا يَعُودُ إلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ فِي بَيَانِ شُرُوطِ الْوَاقِفِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَإِنْ شَرَطَ الْوِلَايَةَ لِنَفْسِهِ وَفِي الْخَانِيَّةِ الْمُتَوَلِّي إذَا اشْتَرَى مِنْ غَلَّةِ الْمَسْجِدِ حَانُوتًا أَوْ دَارًا أَوْ مُسْتَغَلًّا آخَرَ جَازَ لِأَنَّ هَذَا مِنْ مَصَالِحِ الْمَسْجِدِ فَإِنْ أَرَادَ الْمُتَوَلِّي أَنْ يَبِيعَ مَا اشْتَرَى أَوْ بَاعَ اخْتَلَفُوا فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجُوزُ هَذَا الْبَيْعُ لِأَنَّ هَذَا صَارَ مِنْ أَوْقَافِ الْمَسْجِدِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَجُوزُ هَذَا الْبَيْعُ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَمْ يَذْكُرْ شَيْئًا مِنْ شَرَائِطِ الْوَقْفِ فَلَا يَكُونُ مَا اشْتَرَى مِنْ جُمْلَةِ أَوْقَافِ الْمَسْجِدِ. اهـ. وَفِي الْقُنْيَةِ إنَّمَا يَجُوزُ الشِّرَاءُ بِإِذْنِ الْقَاضِي لِأَنَّهُ لَا يُسْتَفَادُ الشِّرَاءُ مِنْ مُجَرَّدِ تَفْوِيضِ الْقِوَامَةِ إلَيْهِ فَلَوْ اسْتَدَانَ فِي ثَمَنِهِ وَقَعَ الشِّرَاءُ لَهُ اهـ. قَوْلُهُ (وَلَا يُقْسَمُ وَإِنْ وَقَفَهُ عَلَى أَوْلَادِهِ) أَيْ لَا يُقْسَمُ الْمَوْقُوفُ بَيْنَ مُسْتَحِقِّيهِ وَلَوْ كَانُوا أَوْلَادَ الْوَاقِفِ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُمْ فِي الْعَيْنِ وَإِنَّمَا حَقُّهُمْ فِي الْغَلَّةِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَأَجْمَعُوا أَنَّ الْكُلَّ لَوْ كَانَ وَقْفًا عَلَى الْأَرْبَابِ وَأَرَادُوا الْقِسْمَةَ لَا يَجُوزُ التَّهَايُؤُ وَعَلَيْهِ فُرِّعَ مَا لَوْ وَقَفَ دَارِهِ عَلَى سُكْنَى قَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ أَوْ وَلَدِهِ وَنَسْلِهِ أَبَدًا مَا تَنَاسَلُوا فَإِذَا انْقَرَضُوا كَانَتْ غَلَّتُهَا لِلْمَسَاكِينِ فَإِنَّ هَذَا الْوَقْفَ جَائِزٌ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ وَإِذَا انْقَرَضُوا تُكْرَى وَتُوضَعُ غَلَّتُهَا لِلْمَسَاكِينِ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ السُّكْنَى أَنْ يَكْتَرِيَهَا وَلَوْ زَادَتْ عَلَى قَدْرِ حَاجَةِ سُكْنَاهُ نَعَمْ لَهُ الْإِعَارَةُ لَا غَيْرُ وَلَوْ كَثُرَ أَوْلَادُ هَذَا الْوَاقِفِ وَوَلَدُ وَلَدِهِ وَنَسْلُهُ حَتَّى ضَاقَتْ الدَّارُ عَلَيْهِمْ لَيْسَ لَهُمْ إلَّا سُكْنَاهَا تُقَسَّطُ عَلَى عَدَدِهِمْ وَلَوْ كَانُوا ذُكُورًا وَإِنَاثًا إنْ كَانَ فِيهَا حَجْرٌ وَمَقَاصِيرُ كَانَ لِلذُّكُورِ أَنْ يُسْكِنُوا نِسَاءَهُمْ مَعَهُمْ وَلِلنِّسَاءِ أَنْ يُسْكِنَّ أَزْوَاجَهُنَّ مَعَهُنَّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا حَجْرٌ لَا يَسْتَقِيمُ أَنْ تُقْسَمَ بَيْنَهُمْ وَلَا يَقَعُ فِيهَا مُهَايَأَةٌ إنَّمَا سُكْنَاهَا لِمَنْ جَعَلَ الْوَاقِفُ لَهُ ذَلِكَ لَا لِغَيْرِهِمْ وَعَنْ هَذَا يُعْرَفُ أَنَّهُ لَوْ سَكَنَ بَعْضُهُمْ فَلَمْ يَجِدْ الْآخَرُ مَوْضِعًا يَكْفِيهِ لَا يَسْتَوْجِبُ الْآخَرُ أُجْرَةَ حِصَّتِهِ عَلَى السَّاكِنِينَ بَلْ إنْ أَحَبَّ أَنْ يَسْكُنَ مَعَهُ فِي بُقْعَةٍ مِنْ تِلْكَ الدَّارِ بِلَا زَوْجَةٍ أَوْ زَوْجٍ إنْ كَانَ لِأَحَدِهِمْ ذَلِكَ وَإِلَّا تَرَكَ الْمُتَضَيِّقُ وَخَرَجَ أَوْ جَلَسُوا مَعًا كُلٌّ فِي بُقْعَةٍ إلَى جَنْبِ الْآخَرِ وَالْأَصْلُ الْمَذْكُورُ فِي الشُّرُوحِ وَالْفَرْعُ فِي أَوْقَافِ الْخَصَّافِ وَلَمْ يُخَالِفْهُ أَحَدٌ فِيمَا عَلِمْت وَكَيْفَ يُخَالِفُ وَقَدْ نَقَلُوا إجْمَاعَهُمْ عَلَى الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ. اهـ. وَفِي الْإِسْعَافِ وَلَوْ قَسَمَهُ الْوَاقِفُ بَيْنَ أَرْبَابِهِ لِيَزْرَعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ نَصِيبَهُ وَلِيَكُونَ الْمَزْرُوعُ لَهُ دُونَ شُرَكَائِهِ تُوقَفُ عَلَى رِضَاهُمْ وَلَوْ فَعَلَ أَهْلُ الْوَقْفِ ذَلِكَ فِيمَا بَيْنَهُمْ جَازَ وَلِمَنْ أَبَى مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ إبْطَالُهُ اهـ. قَيَّدْنَا بِقِسْمَتِهِ بَيْنَ مُسْتَحِقِّيهِ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ لِيَتَمَيَّزَ الْوَقْفُ عَنْ الْمِلْكِ جَائِزَةٌ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي قَوْلِهِ وَلَا يَتِمُّ حَتَّى يَقْبِضَ وَيُفْرِزَ وَفِي الْقُنْيَةِ ضَيْعَةٌ مَوْقُوفَةٌ عَلَى الْمَوَالِي فَلَهُمْ قِسْمَتُهَا قِسْمَةُ حِفْظٍ وَعِمَارَةٍ لَا قِسْمَةُ تَمَلُّكٍ. اهـ. وَفِي الْقُنْيَةِ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ إذَا اسْتَعْمَلَ الْوَقْفَ بِالْغَلَبَةِ بِدُونِ إذْنِ الْآخَرِ فَعَلَيْهِ أَجْرُ حِصَّةِ الشَّرِيكِ سَوَاءٌ كَانَتْ وَقْفًا عَلَى سُكْنَاهُمَا أَوْ مَوْقُوفَةً لِلِاسْتِغْلَالِ وَفِي الْمِلْكِ الْمُشْتَرَكِ لَا يَلْزَمُ الْأَجْرُ عَلَى الشَّرِيكِ إذَا اسْتَعْمَلَ كُلَّهُ وَإِنْ كَانَ مُعَدًّا لِلْإِجَارَةِ وَلَيْسَ لِلشَّرِيكِ الَّذِي لَمْ يَسْتَعْمِلْ الْوَقْفَ أَنْ يَقُولَ لِلْآخَرِ أَنَا أَسْتَعْمِلُهُ بِقَدْرِ مَا اسْتَعْمَلْتَ لِأَنَّ الْمُهَايَأَةَ إنَّمَا تَكُونُ بَعْدَ الْخُصُومَةِ اهـ. فَعَلَى هَذَا قَوْلُ الْخَصَّافِ لَا يَسْتَوْجِبُ الْآخَرَ أُجْرَةٌ مَعْنَاهُ قَبْلَ السُّكْنَى لَوْ طَلَبَ أَنْ يَجْعَلَ عَلَيْهِ شَيْئًا أَمَّا بَعْدَ السُّكْنَى   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَفِي الْخَانِيَّةِ الْمُتَوَلِّي إذَا اشْتَرَى إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ بَعْدَ ذِكْرِ مَا تَقَدَّمَ وَذَكَرَ أَبُو اللَّيْثِ فِي الِاسْتِحْسَانِ يَصِيرُ وَقْفًا وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ الْمُخْتَارُ. اهـ. قُلْتُ: وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهَا إنْ احْتَاجُوا إلَيْهِ قَالَ الْفَقِيهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِأَمْرِ الْحَاكِمِ احْتِيَاطًا فِي مَوْضِعِ الْخِلَافِ. [لَا يُقْسَمُ الْمَوْقُوفُ بَيْنَ مُسْتَحِقِّيهِ] (قَوْلُهُ لَا يَسْتَوْجِبُ الْآخَرُ أُجْرَةً) قَالَ الرَّمْلِيُّ سَيَأْتِي فِي آخِرِ الْمَقُولَةِ تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا لَمْ يَسْكُنْ بِالْغَلَبَةِ أَمَّا إذَا سَكَنَ بِهَا اسْتَوْجَبَ أُجْرَةَ حِصَّتِهِ (قَوْلُهُ وَالْأَصْلُ الْمَذْكُورُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ يَعْنِي أَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِمْ السُّكْنَى لَيْسَ لَهُمْ إلَّا السُّكْنَى. اهـ. قُلْتُ: وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ مَا قَدَّمَهُ مِنْ قَوْلِهِ وَأَجْمَعُوا أَنَّ الْكُلَّ لَوْ كَانَ وَقْفًا عَلَى الْأَرْبَابِ إلَخْ (قَوْلُهُ وَفِي الْإِسْعَافِ وَلَوْ قَسَمَهُ الْوَاقِفُ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ يَعْنِي أَنَّهُ يُخَالِفُ مَا تَقَدَّمَ وَأَقُولُ: قَدْ يُوَفَّقُ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ بِمَا فِي الْقُنْيَةِ مِنْ قَوْلِهِ ضَيْعَةٌ مَوْقُوفَةٌ عَلَى الْمَوَالِي فَلَهُمْ قِسْمَتُهَا قِسْمَةَ حِفْظٍ وَعِمَارَةٍ لَا قِسْمَةَ تَمَلُّكٍ فَيُحْمَلُ مَا فِي الْخَصَّافِ عَلَى قِسْمَةِ التَّمَلُّكِ وَمَا فِي الْإِسْعَافِ عَلَى قِسْمَةِ الْحِفْظِ وَالْعِمَارَةِ وَقَدْ ذَكَرَ فِي فَتَاوَى الْحَلَبِيِّ أَنَّ قِسْمَةَ التَّنَاوُبِ فِيهِ جَائِزَةٌ وَمَثَّلَ لَهُ بِمَسْأَلَةِ الْأَرْضِ الْمَذْكُورَةِ فَهُوَ مُؤَيِّدٌ لِمَا قُلْته تَأَمَّلْ. اهـ. قُلْتُ: وَقَدْ يُوَافَقُ أَيْضًا بِأَنَّ مَا فِي الْخَصَّافِ مَحْمُولٌ عَلَى قِسْمَةِ الْجَبْرِ وَمَا فِي الْإِسْعَافِ عَلَى قِسْمَةِ التَّرَاضِي بِلَا لُزُومٍ وَلِذَا قَالَ وَلِمَنْ أَبَى مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ إبْطَالُهُ (قَوْلُهُ فَعَلَى هَذَا قَوْلُ الْخَصَّافِ لَا يَسْتَوْجِبُ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ كَانَ يُخَالِجُ خَاطِرِي أَنَّ هَذَا سَهْوٌ لَكِنِّي كُنْتُ أَمْسِكُ نَفْسِي عَنْ الْكِتَابَةِ عَلَيْهِ حَتَّى طَلَبْتُ مِنْ بَعْضِ الْإِخْوَانِ نُسْخَةَ النَّهْرِ مِنْ هَذَا الْمَكَانِ فَرَأَيْته قَالَ وَعِنْدِي أَنَّ هَذَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 224 فَالْأُجْرَةُ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ وَأَفَادَ الْمُصَنِّفُ مِنْ عَدَمِ جَوَازِ الْقِسْمَةِ أَنَّ أَرْضَ الْوَقْفِ لَوْ كَانَتْ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَاقْتَسَمَاهَا فَلِأَحَدِهِمَا إبْطَالُهَا وَأَنَّهُ لَوْ أَجَّرَ أَحَدُهُمَا حِصَّتَهُ فَالْأَجْرُ بَيْنَهُمَا وَقِيلَ لِلْمُؤَجِّرِ وَالْمَسْأَلَتَانِ فِي الْقُنْيَةِ. قَوْلُهُ (وَيُبْدَأُ مِنْ غَلَّتِهِ بِعِمَارَتِهِ بِلَا شَرْطٍ) لِأَنَّ قَصْدَ الْوَاقِفِ صَرْفُ الْغَلَّةِ مُؤَبَّدًا وَلَا تَبْقَى دَائِمًا إلَّا بِالْعِمَارَةِ ثَبَتَ شَرْطُ الْعِمَارَةِ اقْتِضَاءً وَلِأَنَّ الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ وَصَارَ كَنَفَقَةِ الْعَبْدِ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ فَإِنَّهَا عَلَى الْمُوصَى لَهُ بِهَا ثُمَّ إنْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى الْفُقَرَاءِ لَا يُؤْخَذُونَ بِهِ لِعَدَمِ تَعَيُّنِهِمْ وَأَقْرَبُ أَمْوَالِهِمْ هَذِهِ الْغَلَّةُ فَتَجِبُ الْعِمَارَةُ فِيهَا وَلَوْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى رَجُلٍ بِعَيْنِهِ وَآجَرَهُ لِلْفُقَرَاءِ فَهِيَ فِي مَالِهِ أَيِّ مَالٍ شَاءَ إذَا كَانَ حَيًّا وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ الْغَلَّةِ لِأَنَّهُ مُعَيَّنٌ يُمْكِنُ مُطَالَبَتُهُ وَإِنَّمَا تُسْتَحَقُّ الْعِمَارَةُ عَلَيْهِ بِقَدْرِ مَا يَبْقَى الْمَوْقُوفُ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي وَقَفَهُ فَإِنْ خَرِبَ يُبْنَى عَلَى ذَلِكَ الْوَصْفِ لِأَنَّهَا بِصِفَتِهَا صَارَتْ غَلَّتُهَا مَصْرُوفَةً إلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ. فَأَمَّا الزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ فَلَيْسَتْ بِمُسْتَحَقَّةٍ فَتُقْلَعُ وَالْغَلَّةُ مُسْتَحَقَّةٌ فَلَا يَجُوزُ صَرْفُهُ إلَى شَيْءٍ آخَرَ إلَّا بِرِضَاهُ وَلَوْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى الْفُقَرَاءِ فَكَذَلِكَ عِنْدَ الْبَعْضِ وَعِنْدَ الْآخَرِينَ يَجُوزُ ذَلِكَ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّ الصَّرْفَ إلَى الْعِمَارَةِ ضَرُورَةُ إبْقَاءِ مَقْصُودِ الْوَاقِفِ وَلَا ضَرُورَةَ فِي الزِّيَادَةِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ عِمَارَةَ الْأَوْقَافِ زِيَادَةٌ عَلَى مَا كَانَتْ الْعَيْنُ عَلَيْهِ زَمَنَ الْوَاقِفِ لَا يَجُوزُ إلَّا بِرِضَا الْمُسْتَحِقِّينَ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ بِقَدْرِ مَا يَبْقَى الْمَوْقُوفُ عَلَى الصِّفَةِ مُنِعَ الْبَيَاضُ وَالْحُمْرَةُ عَلَى الْحِيطَانِ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ إنْ لَمْ يَكُنْ فَعَلَهُ الْوَاقِفُ وَإِنْ فَعَلَهُ فَلَا مَنْعَ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ التَّعْمِيرَ إنَّمَا يَكُونُ مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ إذَا لَمْ يَكُنْ الْخَرَابُ بِصُنْعِ أَحَدٍ وَلِذَا قَالَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ رَجُلٌ أَجَّرَ دَارًا مَوْقُوفَةً فَجَعَلَ الْمُسْتَأْجِرُ رُوَاقَهَا مِرْبَطًا يُرْبَطُ فِيهِ الدَّوَابُّ وَخَرَّبَهَا يَضْمَنُ لِأَنَّهُ فَعَلَ بِغَيْرِ الْإِذْنِ اهـ. وَمِمَّا اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَصْحَابُ الْفَتَاوَى أَنَّ الْقَيِّمَ إذَا اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا لِلْعِمَارَةِ بِدِرْهَمٍ وَدَانَقٍ وَأَجْرُ مِثْلِهِ دِرْهَمٌ فَاسْتَعْمَلَهُ فِي الْعِمَارَةِ وَنَقَدَ الْأُجْرَةَ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ يَضْمَنُ جَمِيعَ مَا نَقَدَ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ وَقَعَتْ لَهُ لَا لِلْوَقْفِ. اهـ. وَصَرَّحُوا فِي نَقْشِ الْمَسْجِدِ بِالْجِصِّ وَمَاءِ الذَّهَبِ أَنَّ الْمُتَوَلِّيَ لَوْ فَعَلَهُ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ ضَمِنَ وَقَدَّمْنَاهُ. [وَقَفَ ضَيْعَةً عَلَى مَوَالِيهِ وَمَاتَ] وَهَا هُنَا مَسَائِلُ مُهِمَّةٍ فِي الْعِمَارَةِ الْأُولَى قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَا تُؤَخَّرُ الْعِمَارَةُ إذَا اُحْتِيجَ إلَيْهَا وَفِي الْخَانِيَّةِ إذَا اجْتَمَعَ مِنْ غَلَّةِ الْأَرْضِ فِي يَدِ الْقَيِّمِ فَظَهَرَ لَهُ وَجْهٌ مِنْ وُجُوهِ الْبِرِّ وَالْوَقْفُ مُحْتَاجٌ إلَى الْإِصْلَاحِ وَالْعِمَارَةِ أَيْضًا وَيَخَافُ الْقَيِّمُ أَنَّهُ لَوْ صَرَفَ الْغَلَّةَ إلَى الْعِمَارَةِ يَفُوتُ ذَلِكَ الْبِرُّ فَإِنَّهُ يُنْظَرُ إنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي تَأْخِيرِ إصْلَاحِ الْأَرْضِ وَمَرَمَّتِهِ إلَى الْغَلَّةِ الثَّانِيَةِ ضَرَرٌ بَيِّنٌ يُخَافُ خَرَابُ الْوَقْفِ فَإِنَّهُ يَصْرِفُ الْغَلَّةَ إلَى ذَلِكَ الْبِرِّ وَتُؤَخَّرُ الْمَرَمَّةُ إلَى الْغَلَّةِ الثَّانِيَةِ وَإِنْ كَانَ فِي تَأْخِيرِ الْمَرَمَّةِ ضَرَرٌ بَيِّنٌ فَإِنَّهُ يَصْرِفُ الْغَلَّةَ إلَى الْمَرَمَّةِ فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ يُصْرَفُ إلَى ذَلِكَ الْبِرِّ. وَالْمُرَادُ مِنْ وَجْهِ الْبِرِّ هَاهُنَا وَجْهٌ فِيهِ تَصَدُّقٌ بِالْغَلَّةِ عَلَى نَوْعٍ مِنْ الْفُقَرَاءِ نَحْوُ فَكِّ أُسَارَى الْمُسْلِمِينَ أَوْ إعَانَةِ الْغَازِي الْمُنْقَطِعِ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ مِنْ أَهْلِ التَّصَدُّقِ عَلَيْهِمْ فَجَازَ صَرْفُ الْغَلَّةِ إلَيْهِمْ فَأَمَّا عِمَارَةُ مَسْجِدٍ أَوْ رِبَاطٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلتَّمْلِيكِ لَا يَجُوزُ صَرْفُ الْغَلَّةِ إلَيْهِ لِأَنَّ التَّصَدُّقَ عِبَارَةٌ عَنْ التَّمْلِيكِ فَلَا يَصِحُّ إلَّا مِمَّنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ التَّمْلِيكِ اهـ. وَظَاهِرٌ أَنَّهُ يَجُوزُ الصَّرْفُ عَلَى الْمُسْتَحِقِّينَ وَتَأْخِيرُ الْعِمَارَةِ إلَى الْغَلَّةِ الثَّانِيَةِ إذَا لَمْ يُخَفْ ضَرَرٌ بَيِّنٌ الثَّانِيَةُ لَوْ صَرَفَ الْمُتَوَلِّي عَلَى الْمُسْتَحَقِّينَ وَهُنَاكَ عِمَارَةٌ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا فَإِنَّهُ يَكُونُ ضَامِنًا لِمَا فِي الذَّخِيرَةِ إذَا كَانَتْ فِي تِلْكَ السَّنَةِ غَلَّةٌ فَفَرَّقَ الْقَيِّمُ الْغَلَّةَ عَلَى الْمَسَاكِينِ وَلَمْ يُمْسِكْ لِلْخَرَاجِ شَيْئًا فَإِنَّهُ يَضْمَنُ حِصَّةَ الْخَرَاجِ لِأَنَّ بِقَدْرِ الْخَرَاجِ وَمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْوَقْفُ مِنْ الْعِمَارَةِ وَالْمُؤْنَةِ مُسْتَثْنًى عَنْ حَقِّ الْفُقَرَاءِ فَإِذَا دَفَعَ إلَيْهِمْ ذَلِكَ ضَمِنَ. اهـ. وَإِذَا ضَمِنَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَرْجِعَ عَلَى الْمُسْتَحَقِّينَ بِمَا دَفَعَهُ إلَيْهِمْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ قِيَاسًا عَلَى مُودَعِ الِابْنِ إذَا أَنْفَقَ عَلَى الْأَبَوَيْنِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَبِغَيْرِ إذْنِ الْقَاضِي فَإِنَّهُمْ قَالُوا يَضْمَنُ وَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْأَبَوَيْنِ قَالُوا لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالضَّمَانِ   [منحة الخالق] سَهْوٌ لِاخْتِلَافِ الْمَوْضُوعِ وَذَلِكَ أَنَّ مَا فِي الْقُنْيَةِ فِيمَا إذَا اسْتَعْمَلَهُ بِالْغَلَبَةِ وَمَا فِي الْخَصَّافِ فِيمَا إذَا لَمْ يَجِدْ الْآخَرُ مَوْضِعًا يَكْفِيهِ فَتَدَبَّرْهُ اهـ. (قَوْلُهُ وَإِذَا ضَمِنَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَرْجِعَ عَلَى الْمُسْتَحَقِّينَ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَالَ فِي النَّهْرِ أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ بَلْ مَا دَامَ الْمَدْفُوعُ قَائِمًا فِي يَدِهِ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهِ لَا مَا إذَا هَلَكَ إذْ قُصَارَى الْأَمْرِ أَنَّهُ هِبَةٌ وَفِيهَا لَهُ الرُّجُوعُ مَا دَامَتْ الْعَيْنُ قَائِمَةً بِالتَّرَاضِي أَوْ بِقَضَاءِ الْقَاضِي إلَّا لِمَانِعٍ فَتَدَبَّرْهُ اهـ. أَقُولُ: لَا وَجْهَ لِجَعْلِهِ هِبَةً بَلْ هُوَ دَفْعُ مَالٍ يَسْتَحِقُّهُ غَيْرُ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ فَيَنْبَغِي الرُّجُوعُ قَائِمًا أَوْ مُسْتَهْلَكًا وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفَقَةِ مُودَعِ الِابْنِ عَلَى الْأَبَوَيْنِ بِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْحِفْظِ وَإِنْفَاقُهُ عَلَيْهِمَا ضِدُّهُ إذْ هُوَ إتْلَافٌ بِخِلَافِ الدَّفْعِ لِلْمُسْتَحِقِّينَ فَإِنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ مَا هُوَ دَاخِلٌ تَحْتَ تَصَرُّفِ الْمُتَوَلِّي فِي الْجُمْلَةِ وَالْمُودَعُ لَا تَصَرُّفَ لَهُ فِي الْوَدِيعَةِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ فَإِذَا ضَمِنَ مَلَكَ الْمَدْفُوعَ مِنْهُ لَهُمَا عَلَى جِهَةِ الْإِنْفَاقِ بِخِلَافِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 225 فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ دَفَعَ مَالَ نَفْسِهِ وَأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ وَلَا رُجُوعَ فِيهِ ذَكَرُوهُ فِي آخِرِ النَّفَقَاتِ وَعَلَى هَذَا فَيَنْبَغِي أَنَّهُ إذَا صَرَفَ عَلَى الْمُسْتَحَقِّينَ وَهُنَاكَ تَعْمِيرٌ وَاجِبٌ فَعَمَّرَ مِنْ مَالِهِ أَنْ لَا يَكُونَ مُتَبَرِّعًا بِالتَّعْمِيرِ وَيَكُونُ عِوَضًا عَمَّا لَزِمَهُ بِالضَّمَانِ الثَّالِثَةُ فِي قَطْعِ مَعَالِيمِ الْمُسْتَحَقِّينَ لِأَجْلِ الْعِمَارَةِ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَتُقْطَعُ الْجِهَاتُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهَا لِلْعِمَارَةِ إنْ لَمْ يُخَفْ ضَرَرٌ بَيِّنٌ فَإِنْ خِيفَ قُدِّمَ وَأَمَّا النَّاظِرُ فَإِنْ كَانَ الْمَشْرُوطُ لَهُ مِنْ الْوَاقِفِ فَهُوَ كَأَحَدِ الْمُسْتَحَقِّينَ فَإِذَا قَطَعُوا لِلْعِمَارَةِ قَطَعَ إلَّا أَنْ يَعْمَلَ فَيَأْخُذَ قَدْرَ أُجْرَتِهِ وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ لَا يَأْخُذُ شَيْئًا قَالَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ قَاضِي خَانْ وَقَفَ ضَيْعَةً عَلَى مَوَالِيهِ وَمَاتَ فَجَعَلَ الْقَاضِي الْوَقْفَ فِي يَدِ قَيِّمٍ وَجَعَلَ لَهُ عُشْرَ الْغَلَّاتِ مَثَلًا وَفِي الْوَقْفِ طَاحُونَةٌ فِي يَدِ رَجُلٍ بِالْمُقَاطَعَةِ لَا حَاجَةَ فِيهَا إلَى الْقَيِّمِ وَأَصْحَابُ هَذِهِ الطَّاحُونَةِ يَقْسِمُونَ غَلَّتَهَا لَا يَجِبُ لِلْقَيِّمِ فِيهَا ذَلِكَ الْعُشْرُ لِأَنَّ الْقَيِّمَ لَا يَأْخُذُ مَا يَأْخُذُهُ إلَّا بِطَرِيقِ الْأَجْرِ فَلَا يَسْتَوْجِبُ الْأَجْرَ بِلَا عَمَلٍ اهـ. فَهَذَا عِنْدَنَا فِيمَنْ لَمْ يَشْرِطْ لَهُ الْوَاقِفُ أَمَّا إذَا شَرَطَ كَانَ مِنْ جُمْلَةِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ اهـ. فَظَاهِرُهُ أَنَّ مَنْ عَمِلَ مِنْ الْمُسْتَحَقِّينَ زَمَنَ الْعِمَارَةِ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ قَدْرَ أُجْرَتِهِ لَكِنْ إذَا كَانَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ تَرْكُ عَمَلِهِ إلَّا بِضَرَرٍ بَيِّنٍ كَالْإِمَامِ وَالْخَطِيبِ وَلَا يُرَاعِي الْمَعْلُومَ الْمَشْرُوطَ زَمَنَ الْعِمَارَةِ فَعَلَى هَذَا إذَا عَمِلَ الْمُبَاشِرُ وَالشَّادُّ زَمَنَ الْعِمَارَةِ يُعْطَيَانِ بِقَدْرِ أُجْرَةِ عَمَلِهِمَا فَقَطْ وَأَمَّا مَا لَيْسَ فِي قَطْعِهِ ضَرَرٌ بَيِّنٌ فَإِنَّهُ لَا يُعْطَى شَيْئًا أَصْلًا زَمَنَ الْعِمَارَةِ. الرَّابِعَةُ فِي الِاسْتِدَانَةِ لِأَجْلٍ الْعِمَارَةِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ غَلَّةٌ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ قَالَ هِلَالٌ إذَا احْتَاجَتْ الصَّدَقَةُ إلَى الْعِمَارَةِ وَلَيْسَ فِي يَدِ الْقَيِّمِ   [منحة الخالق] الْمَدْفُوعِ عَلَى جِهَةِ أَنَّهُ حَقُّهُ فَإِنَّهُ إذَا اسْتَهْلَكَهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَلَمْ يَكُنْ حَقِيقَةً ضَمِنَهُ كَالدَّيْنِ الْمَظْنُونِ مُلَخَّصُهُ أَنَّ مُودَعَ الِابْنِ دَفَعَ لِلْإِنْفَاقِ وَلَمْ يُؤْمَرْ بِهِ فَضَمِنَ وَلَا يَرْجِعُ لِإِذْنِهِ لَهُ بِهَا وَالنَّاظِرُ دَفَعَ عَلَى أَنَّهُ اسْتِحْقَاقُهُ وَهُوَ آخِذُهُ عَلَى ذَلِكَ هَذَا وَقَدْ ذَكَرَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ فِي الثَّالِثِ وَالثَّلَاثِينَ فِي بَيَانِ الْغَصْبِ أَوْدَعَهُ ثِيَابًا فَجَعَلَ الْمُودَعُ ثَوْبَهُ فِيهَا ثُمَّ طَلَبَ الْوَدِيعَةَ رَبُّهَا فَدَفَعَ الْكُلَّ إلَيْهِ فَرَبُّ الْوَدِيعَةِ يَضْمَنُ ثَوْبَ الْمُودَعِ إذْ مَنْ أَخَذَ شَيْئًا عَلَى أَنَّهُ لَهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ضَمِنَهُ اهـ. وَمُقْتَضَى مَا ذَكَرَ أَنَّهُ يَضْمَنُهُ الْمُسْتَحِقُّ هَالِكًا أَيْضًا لِأَنَّهُ أَخَذَهُ عَلَى أَنَّهُ لَهُ وَلَيْسَ لَهُ فَيَضْمَنُهُ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ دَفَعَ الثَّوْبَ نَاسِيًا لَهُ فَلَمْ يُعْتَبَرْ دَفْعُهُ لَهُ فَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ دَفْعِهِ لَهُ فَكَانَ مُتَعَدِّيًا فِي أَخْذِهِ لِذَلِكَ فَكَانَتْ أَمَانَةً فِي يَدِهِ تَأَمَّلْ. اهـ. وَفِي شَرْحِ الْمَقْدِسِيَّ مَا يُوَافِقُهُ حَيْثُ قَالَ وَيَنْبَغِي أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِمْ لِأَخْذِهِمْ مَا لَا يَسْتَحِقُّونَهُ وَهُوَ لَمْ يَدْفَعْهُ مُتَبَرِّعًا بَلْ لِيُوَفِّيَهُمْ مَعْلُومَهُ مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ كَمَا لَوْ دَفَعَ لِزَوْجَتِهِ نَفَقَةً لَا تَسْتَحِقُّهَا لِنُشُوزٍ أَوْ غَيْرِهِ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهَا (قَوْلُهُ إنْ لَمْ يُخَفْ ضَرَرٌ بَيِّنٌ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ كَتَرْكِ الْإِمَامَةِ وَالْخُطْبَةِ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ (قَوْلُهُ وَأَمَّا النَّاظِرُ فَإِنْ كَانَ إلَخْ) مُقْتَضَاهُ أَنَّ النَّاظِرَ لَيْسَ مِمَّنْ يُخَافُ بِقَطْعِهِ ضَرَرٌ بَيِّنٌ وَالْمَفْهُومُ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ مَنْ يُخَافُ بِقَطْعِهِ ضَرَرٌ بَيِّنٌ كَالْإِمَامِ وَالْخَطِيبِ لَا يُقْطَعُ مَعْلُومُهُ وَأَنَّهُ يَأْخُذُ الْمُوَظَّفَ لَهُ بِتَمَامِهِ وَأَنَّ غَيْرَهُ يُقْطَعُ إلَّا أَنْ يَعْمَلَ فَيَسْتَحِقَّ أَجْرَ عَمَلِهِ لَا الْمَشْرُوطَ لَهُ مِنْ الْوَاقِفِ وَهَذَا مُسْتَفَادٌ مِنْ قَوْلِهِ تُقْطَعُ الْجِهَاتُ إلَخْ فَمَنْ خِيفَ بِقَطْعِهِ ضَرَرٌ بَيِّنٌ لَا يُقْطَعُ فَيَبْقَى عَلَى حَالِهِ الْقَدِيمِ مِنْ أَخْذِهِ الْمَشْرُوطَ وَمَنْ لَا يُخَافُ بِقَطْعِهِ الضَّرَرُ يُقْطَعُ فَلَا يَأْخُذُ الْمَشْرُوطَ وَلَوْ عَمِلَ بَلْ لَهُ أَجْرُ عَمَلِهِ إذَا عَمِلَ وَقَدْ صَرَّحَ بِهَذَا فِي النَّهْرِ وَجَعَلَهُ مِمَّا أَفَادَهُ الْمُؤَلِّفُ مَعَ أَنَّ كَلَامَ الْمُؤَلِّفِ الْآتِي عَقِيبَ كَلَامِ الْفَتْحِ يُخَالِفُ هَذَا فَتَأَمَّلْهُ (قَوْلُهُ قُطِعَ إلَّا أَنْ يَعْمَلَ) أَيْ يُبَاشِرَ الْعَمَلَ الَّذِي نُصِبَ لِأَجْلِهِ وَأَمَّا عَمَلُهُ فِي الْعِمَارَةِ كَعَمَلِ الْأَجِيرِ فَسَيَأْتِي حُكْمُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ وَسَيَأْتِي قُبَيْلَ قَوْلِ الْمَتْنِ وَيَنْزِعُ لَوْ حَائِنًا بَيَانُ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْعَمَلِ وَهُوَ الْقِيَامُ بِمَصَالِحِهِ مِنْ عِمَارَةٍ وَاسْتِغْلَالٍ وَبَيْعِ غَلَّاتٍ وَصَرْفِ مَا اجْتَمَعَ عِنْدَهُ فِيمَا شَرَطَهُ الْوَاقِفُ وَأَنَّهُ لَا يُكَلَّفُ مِنْ الْعَمَلِ بِنَفْسِهِ إلَّا مِثْلَ مَا يَفْعَلُ أَمْثَالُهُ ثُمَّ ظَهَرَ لِي أَنَّ الظَّاهِرَ حَمْلُ قَوْلِ الْفَتْحِ هُنَا إلَّا أَنْ يَعْمَلَ الْمُرَادَ بِهِ عَمَلُهُ فِي الْعِمَارَةِ كَعَمَلِ الْأَجِيرِ وَيَكُونُ الْمُرَادُ أَنَّهُ عَمِلَ بِأَمْرِ الْحَاكِمِ فَيَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ فَلَا يُنَافِي مَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّهُ وَفِي الْفُصُولَيْنِ لَوْ عَمِلَ فِي الْوَقْفِ بِأَجْرٍ جَازَ وَيُفْتَى بِعَدَمِهِ إذْ لَا يَصْلُحُ مُؤَجِّرًا وَمُسْتَأْجِرًا وَصَحَّ لَوْ أَمَرَهُ الْحَاكِمُ. اهـ. وَيُؤَيِّدُ مَا قُلْنَا آخِرًا إنَّ قَوْلَهُ إلَّا أَنْ يَعْمَلَ إذَا كَانَ الْمُرَادُ بِهِ الْعَمَلَ الَّذِي نُصِبَ لِأَجْلِهِ وَجُعِلَ اسْتِحْقَاقُهُ بِسَبَبِهِ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا بِدُونِهِ وَقْتَ التَّعْمِيرِ وَبَعْدَهُ فَلَا يَبْقَى فَائِدَةٌ لِقَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَعْمَلَ تَأَمَّلْ ثُمَّ رَأَيْتُ فِي عِبَارَةِ مَا يُعَيَّنُ فَإِنَّهُ قَالَ إلَّا أَنْ يَعْمَلَ كَالْفَاعِلِ وَالْبَنَّاءِ وَنَحْوِهِمَا فَيَأْخُذَ قَدْرَ أُجْرَتِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَهَذَا عِنْدَنَا إلَخْ) الْإِشَارَةُ إلَى مَا قَالَهُ فَخْرُ الدِّينِ مِنْ مَسْأَلَةِ الطَّاحُونِ يَعْنِي أَنَّ مَا ذَكَرَ مِنْ عَدَمِ وُجُوبِ الْعُشْرِ لَهُ إذَا لَمْ يَعْمَلْ إنَّمَا هُوَ فِيمَنْ جَعَلَ لَهُ الْقَاضِي الْعُشْرَ نَظِيرَ عَمَلِهِ أَمَّا لَوْ جَعَلَهُ لَهُ الْوَاقِفُ فَيَسْتَحِقُّ بِلَا عَمَلٍ يَعْنِي إنْ لَمْ يَجْعَلْهُ الْوَاقِفُ بِمُقَابَلَةِ عَمَلِهِ (قَوْلُهُ فَإِنْ يَأْخُذْ قَدْرَ أُجْرَتِهِ) مُخَالِفٌ لِمَا يَأْتِي فِي السَّادِسَةِ عَنْ الْحَاوِي أَنَّهُ يَصْرِفُ إلَى الْإِمَامِ وَالْمُدَرِّسِ لِلْمَدْرَسَةِ إلَى قَدْرِ كِفَايَتِهِمْ اهـ. نَعَمْ إنْ حُمِلَ كَلَامُ الْفَتْحِ عَلَى الْعَمَلِ فِي التَّعْمِيرِ لَمْ يُنَافِ مَا فِي الْحَاوِي تَأَمَّلْ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 226 مَا يُعَمِّرُهَا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَدِينَ عَلَيْهَا لِأَنَّ الدَّيْنَ لَا يَجِبُ ابْتِدَاءً إلَّا فِي الذِّمَّةِ وَلَيْسَ لِلْوَقْفِ ذِمَّةٌ وَالْفُقَرَاءُ وَإِنْ كَانَتْ لَهُمْ ذِمَّةٌ إلَّا أَنَّهُمْ لِكَثْرَتِهِمْ لَا تُتَصَوَّرُ مُطَالَبَتُهُمْ فَلَا يَثْبُتُ الدَّيْنُ بِاسْتِدَانَةِ الْقَيِّمِ إلَّا عَلَيْهِ وَدَيْنٌ يَجِبُ عَلَيْهِ لَا يَمْلِكُ قَضَاءَهُ مِنْ غَلَّةٍ هِيَ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَعَنْ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ أَنَّ الْقِيَاسَ هَذَا لَكِنْ يُتْرَكُ الْقِيَاسُ فِيمَا فِيهِ ضَرُورَةٌ نَحْوُ أَنْ يَكُونَ فِي أَرْضِ الْوَقْفِ زَرْعٌ يَأْكُلُهُ الْجَرَادُ وَيَحْتَاجُ إلَى النَّفَقَةِ لِجَمْعِ الزَّرْعِ أَوْ طَالَبَهُ السُّلْطَانُ بِالْخَرَاجِ جَازَ لَهُ الِاسْتِدَانَةُ لِأَنَّ الْقِيَاسَ يُتْرَكُ لِلضَّرُورَةِ. قَالَ وَالْأَحْوَطُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ كَوْنُهَا بِأَمْرِ الْحَاكِمِ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْحَاكِمِ أَعَمُّ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ وِلَايَتِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ بَعِيدًا عَنْ الْحَاكِمِ وَلَا يُمْكِنُهُ الْحُضُورُ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَسْتَدِينَ بِنَفْسِهِ وَهَذَا الَّذِي رُوِيَ عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ مُشْكِلٌ لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ أَكْلِ الْجَرَادِ وَالزَّرْعِ وَبَيْنَ الْخَرَاجِ وَتُتَصَوَّرُ الِاسْتِدَانَةُ فِي أَكْلِ الْجَرَادِ الزَّرْعَ لِأَنَّ الزَّرْعَ مَالٌ لِلْفُقَرَاءِ وَهَذَا الدَّيْنُ إنَّمَا يُسْتَدَانُ لِحَاجَتِهِمْ فَأَمْكَنَ إيجَابُ الدَّيْنِ فِي مَالِهِمْ وَأَمَّا بَابُ الْخَرَاجِ فَلَا يُتَصَوَّرُ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ فِي الْأَرْضِ غَلَّةٌ فَلَا ضَرُورَةَ إلَى الِاسْتِدَانَةِ لِأَنَّ الْغَلَّةَ تُبَاعُ وَيُؤَدَّى مِنْهَا الْخَرَاجُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْأَرْضِ غَلَّةٌ فَلَيْسَ هُنَا إلَّا رَقَبَةُ الْوَقْفِ وَرَقَبَةُ الْوَقْفِ لَيْسَتْ لِلْفُقَرَاءِ. وَلَا يَسْتَقِيمُ إيجَابُ دَيْنٍ يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْفُقَرَاءُ فِي مَالٍ لَيْسَ لَهُمْ فَهَذَا الْفَصْلُ مُشْكِلٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ تَصْوِيرُ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا كَانَ فِي الْأَرْضِ غَلَّةٌ وَكَانَ بَيْعُهَا مُتَعَذِّرًا فِي الْحَالِ وَقَدْ طُولِبَ بِالْخَرَاجِ قَالُوا لَيْسَ قَيِّمُ الْوَقْفِ فِي الِاسْتِدَانَةِ عَلَى الْوَقْفِ كَالْوَصِيِّ فِي الِاسْتِدَانَةِ عَلَى الْيَتِيمِ لِأَنَّ الْيَتِيمَ لَهُ ذِمَّةٌ صَحِيحَةٌ وَهُوَ مَعْلُومٌ فَتُتَصَوَّرُ مُطَالَبَتُهُ. أَلَا تَرَى أَنَّ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَشْتَرِيَ لِلْيَتِيمِ شَيْئًا بِنَسِيئَةٍ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَفِي فَتَاوَى أَبِي اللَّيْثِ قَيِّمُ وَقْفٍ طُلِبَ مِنْهُ الْجِبَايَاتُ وَالْخَرَاجُ وَلَيْسَ فِي يَدِهِ مِنْ مَالِ الْوَاقِفِ شَيْءٌ وَأَرَادَ أَنْ يَسْتَدِينَ فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ أَمَرَ الْوَاقِفُ بِالِاسْتِدَانَةِ فَلَهُ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَأْمُرْهُ بِالِاسْتِدَانَةِ فَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَالْمُخْتَارُ مَا قَالَهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلِاسْتِدَانَةِ بُدٌّ يُرْفَعُ الْأَمْرُ إلَى الْقَاضِي حَتَّى يَأْمُرَهُ بِالِاسْتِدَانَةِ ثُمَّ يَرْجِعَ فِي الْغَلَّةِ لِأَنَّ لِلْقَاضِي هَذِهِ الْوِلَايَةَ وَإِنْ كَانَ لَهَا بُدٌّ لَيْسَ لِلْقَاضِي هَذِهِ الْوِلَايَةُ وَفِي وَاقِعَاتِ النَّاطِفِيِّ الْمُتَوَلِّي إذَا أَرَادَ أَنْ يَسْتَدِينَ عَلَى الْوَقْفِ لِيَجْعَلَ ذَلِكَ فِي ثَمَنِ الْبَذْرِ إنْ أَرَادَ ذَلِكَ بِأَمْرِ الْقَاضِي فَلَهُ ذَلِكَ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ الْقَاضِيَ يَمْلِكُ الِاسْتِدَانَةَ عَلَى الْوَقْفِ فَيَمْلِكُ الْمُتَوَلِّي ذَلِكَ بِإِذْنِ الْقَاضِي وَإِنْ أَرَادَ ذَلِكَ بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي فَفِيهِ رِوَايَتَانِ. وَصَرَّحَ فِي الْخُلَاصَةِ بِأَنَّ الْأَصَحَّ مَا قَالَهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَفِي الْخَانِيَّةِ قَيِّمُ الْوَقْفِ إذَا اشْتَرَى شَيْئًا لِمَرَمَّةِ الْمَسْجِدِ بِدُونِ إذْنِ الْقَاضِي قَالُوا لَا يَرْجِعُ بِذَلِكَ فِي مَالِ الْمَسْجِدِ وَلَهُ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى الْمَرَمَّةِ مِنْ مَالِهِ كَالْوَصِيِّ فِي مَالِ الصَّغِيرِ وَإِنْ أَدْخَلَ الْمُتَوَلِّي جِذْعًا مِنْ مَالِهِ فِي الْوَقْفِ جَازَ وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي غَلَّةِ الْوَقْفِ. اهـ. وَفِي الْخُلَاصَةِ فِي مَسْأَلَةِ الْجِذْعِ وَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يَبِيعَ الْجِذْعَ مِنْ آخَرَ ثُمَّ يَشْتَرِيَهُ لِأَجْلِ الْوَقْفِ ثُمَّ يُدْخِلَهُ فِي دَارِ الْوَقْفِ اهـ. وَفَسَّرَ قَاضِي خَانْ الِاسْتِدَانَةَ   [منحة الخالق] [الِاسْتِدَانَةِ لِأَجْلِ الْعِمَارَةِ فِي الْوَقْفِ] (قَوْلُهُ نَحْوُ أَنْ يَكُونَ فِي أَرْضِ الْوَقْفِ زَرْعٌ يَأْكُلُهُ الْجَرَادُ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَقُولُ: وَبِالْأَوْلَى إذَا غَصَبَ الْأَرْضَ غَاصِبٌ وَعَجَزَ عَنْ اسْتِرْدَادِهَا إلَّا بِمَالٍ فَلَهُ الِاسْتِدَانَةُ بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ لِلضَّرُورَةِ فَهُوَ وَإِنْ خَالَفَ الْقِيَاسَ لَكِنْ يُتْرَكُ لِلضَّرُورَةِ وَبِهِ يَنْدَفِعُ الْإِشْكَالُ الْآتِي (قَوْلُهُ بِأَنَّ الْأَصَحَّ مَا قَالَهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ) أَيْ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِإِذْنِ الْقَاضِي فِيمَا لَا بُدَّ مِنْهُ رَمْلِيٌّ (قَوْلُهُ وَفِي الْخَانِيَّةِ قَيِّمُ الْوَقْفِ إلَخْ) أَقُولُ: فِي فَتَاوَى الْحَانُوتِيِّ إذَا أَشْهَدَ عِنْدَ الْإِنْفَاقِ أَنَّهُ أَنْفَقَ لِيَرْجِعَ عَلَى الْوَقْفِ يَرْجِعُ. اهـ. وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ مَنْقُولًا عَنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ رَمْلِيٌّ (قَوْلُهُ ثُمَّ يَشْتَرِيهِ لِأَجْلِ الْوَقْفِ) أَيْ بِإِذْنِ الْقَاضِي لِيُوَافِقَ مَا قَبْلَهُ عَنْ الْخَانِيَّةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَفَسَّرَ قَاضِي خَانْ الِاسْتِدَانَةَ إلَخْ) أَقُولُ: عِبَارَةُ قَاضِي خَانْ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَنَّ الْقَيِّمَ لَا يَمْلِكُ الِاسْتِدَانَةَ إلَّا بِأَمْرِ الْقَاضِي وَتَفْسِيرُ الِاسْتِدَانَةِ أَنْ يَشْتَرِيَ لِلْوَقْفِ شَيْئًا وَلَيْسَ فِي يَدِهِ شَيْءٌ مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ لِيَرْجِعَ بِذَلِكَ فِيمَا يَحْدُثُ مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ أَمَّا إذَا كَانَ فِي يَدِهِ شَيْءٌ مِنْ غَلَّاتِ الْوَقْفِ فَاشْتَرَى لِلْوَقْفِ شَيْئًا وَنَقَدَ الثَّمَنَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ يَنْبَغِي أَنْ يَرْجِعَ بِذَلِكَ فِي غَلَّةِ الْمَسْجِدِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِأَمْرِ الْقَاضِي ثُمَّ قَالَ بَعْدَ وَرَقَةٍ وَلَيْسَ لِلْقَيِّمِ أَنْ يَسْتَدِينَ بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي وَتَفْسِيرُ الِاسْتِدَانَةِ أَنْ لَا يَكُونَ لِلْوَقْفِ غَلَّةٌ فَيَحْتَاجَ إلَى الْقَرْضِ وَالِاسْتِدَانَةِ أَمَّا إذَا كَانَ لِلْوَقْفِ غَلَّةٌ فَأَنْفَقَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لِإِصْلَاحِ الْوَقْفِ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِذَلِكَ فِي غَلَّةِ الْوَقْفِ. اهـ. قُلْتُ وَيُؤْخَذُ مِنْ مَجْمُوعِ كَلَامَيْهِ أَنَّهُ لَوْ أَنْفَقَ مِنْ مَالِهِ أَوْ اشْتَرَى مَعَ وُجُودِ مَالٍ لِلْوَقْفِ يَرْجِعُ وَلَوْ بِلَا أَمْرِ قَاضٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مَالٌ لِلْوَقْفِ فَاشْتَرَى أَوْ أَنْفَقَ لَا يَرْجِعُ إلَّا بِأَمْرٍ وَيَظْهَرُ مِنْهُ أَنَّ مُرَادَهُ بِالْقَرْضِ الْإِقْرَاضَ لَا الِاسْتِقْرَاضَ لِدُخُولِهِ فِي الِاسْتِدَانَةِ وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ قَبْلَ هَذَا قَيِّمُ الْوَقْفِ إذَا اشْتَرَى إلَخْ أَيْ عِنْدَ عَدَمِ مَالٍ فِي يَدِهِ لِلْوَقْفِ وَقَوْلُهُ وَلَهُ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى الْمَرَمَّةِ مِنْ مَالِهِ أَيْ إذَا كَانَ لِلْوَقْفِ مَالٌ وَحِينَئِذٍ لَهُ الرُّجُوعُ إنْ أَشْهَدَ أَنَّهُ أَنْفَقَ لِيَرْجِعَ فَيُوَافِقُ مَا سَيَأْتِي عَنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْإِشْهَادَ لَازِمٌ قَضَاءً لَا دِيَانَةً فَلَا يُخَالِفُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 227 عَلَى الْوَقْفِ بِتَفْسِيرَيْنِ فَقَالَ فِي الثَّانِي وَتَفْسِيرُ الِاسْتِدَانَةِ بِمَا ذُكِرَ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ شَيْءٌ مِنْ الْغَلَّةِ وَأَمَّا إذَا كَانَ فِي يَدِهِ شَيْءٌ مِنْهَا وَاشْتَرَى شَيْئًا لِلْوَقْفِ وَنَقَدَ الثَّمَنَ مِنْ مَالِهِ جَازَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِذَلِكَ مِنْ غَلَّتِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِأَمْرِ الْقَاضِي كَالْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ إذَا نَقَدَ الثَّمَنَ مِنْ مَالِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الرُّجُوعُ بِهِ عَلَى مُوَكِّلِهِ وَقَالَ فِي الْأَوَّلِ أَنْ لَا يَكُونَ لِلْوَقْفِ غَلَّةٌ فَيَحْتَاجُ إلَى الْقَرْضِ وَالِاسْتِدَانَةِ أَمَّا إذَا كَانَ لِلْوَقْفِ غَلَّةٌ فَأَنْفَقَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لِإِصْلَاحِ الْوَقْفِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي غَلَّةِ الْوَقْفِ. اهـ. وَفِي الْقُنْيَةِ بِرَقْمِ (يو) قَيِّمٌ أَنْفَقَ فِي عِمَارَةِ الْمَسْجِدِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ ثُمَّ رَجَعَ بِمِثْلِهِ فِي غَلَّةِ الْوَقْفِ جَازَ سَوَاءٌ كَانَتْ غَلَّتُهُ مُسْتَوْفَاةً أَوْ غَيْرَ مُسْتَوْفَاةٍ. اهـ. ثُمَّ قَالَ وَلِلْقَيِّمِ الِاسْتِدَانَةُ عَلَى الْوَقْفِ لِضَرُورَةِ الْعِمَارَةِ لَا لِتَقْسِيمِ ذَلِكَ عَلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ ثُمَّ رَقَمَ (بَنْك) اسْتَقْرَضَ الْقَيِّمُ لِمَصَالِحِ الْمَسَاجِدِ فَهُوَ عَلَى نَفْسِهِ وَبِرَقْمِ (عك) لَا أُصَدِّقُهُ فِي زَمَانِنَا وَبِرَقْمِ (حم) لَهُ ذَلِكَ وَبِرَقْمِ (بق) لَا يَسْتَدِينُ إلَّا بِأَمْرِ الْقَاضِي ثُمَّ ذَكَرَ مَا اخْتَارَهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ. اهـ. وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مِنْ الْفَصْلِ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ وَلَوْ أَخَذَ الْمُتَوَلِّي دَرَاهِمَ الْوَقْفِ وَصَرَفَ دَنَانِيرَ إلَى عِمَارَةِ الْوَقْفِ صَحَّ لَوْ خَيْرًا وَلَوْ أَنْفَقَ عَلَيْهِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ يَرْجِعُ وَلَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ كَوَصِيٍّ ثُمَّ رَقَمَ (مق) يَرْجِعُ لَوْ شَرَطَ وَإِلَّا لَا ثُمَّ قَالَ وَذَكَرَ فِي الْعِدَّةِ الِاسْتِدَانَةَ لِضَرُورَةِ مَصَالِحِ الْوَقْفِ تَجُوزُ لَوْ أَمَرَ الْوَاقِفُ وَإِلَّا فَالْمُخْتَارُ أَنْ يَرْفَعَ إلَى الْقَاضِي لِيَأْمُرَ بِهَا ثُمَّ رَقَمَ (فط) الْأَحْوَطُ أَنْ يَرْفَعَ الْأَمْرَ إلَيْهِ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ الْحُضُورُ لِبُعْدِهِ فَيَسْتَدِينُ بِنَفْسِهِ وَقِيلَ يَصِحُّ بِلَا رَفْعٍ وَلَوْ أَمْكَنَ اهـ. وَفِي الرَّابِعِ وَالثَّلَاثِينَ قَيِّمُ الْوَقْفِ لَوْ أَنْفَقَ مِنْ مَالِهِ فِي عِمَارَةِ الْوَقْفِ فَلَوْ أَشْهَدَ أَنَّهُ أَنْفَقَ لِيَرْجِعَ فَلَهُ الرُّجُوعُ وَإِلَّا فَلَا اهـ. وَفِي الْحَاوِي وَيَجُوزُ لِلْمُتَوَلِّي إذَا احْتَاجَ إلَى الْعِمَارَةِ أَنْ يَسْتَدِينَ عَلَى الْوَقْفِ وَيَصْرِفَ ذَلِكَ فِيهَا وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ. اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ هِلَالًا مَانِعٌ مِنْ الِاسْتِدَانَةِ مُطْلَقًا وَحَمَلَهُ ابْنُ وَهْبَانَ عَلَى مَا إذَا كَانَ بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي وَادَّعَى أَنَّهُ إذَا كَانَ بِأَمْرِ الْقَاضِي فَلَا خِلَافَ فِيهِ وَالظَّاهِرُ كَمَا ذَكَرَهُ الطَّرَسُوسِيُّ خِلَافُهُ لِمَا عَلِمْتَ مِنْ تَعْلِيلِهِ وَأَمَّا غَيْرُ هِلَالٍ فَمِنْهُمْ مَنْ جَوَّزَ الِاسْتِدَانَةَ مُطْلَقًا لِلْعِمَارَةِ كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَالْمُعْتَمَدُ فِي الْمَذْهَبِ إنْ كَانَ لَهُ مِنْهُ بُدٌّ لَا يَسْتَدِينُ مُطْلَقًا وَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ لَهُ فَإِنْ كَانَ بِأَمْرِ الْقَاضِي جَازَ وَإِلَّا فَلَا وَالْعِمَارَةُ لَا بُدَّ لَهَا فَيَسْتَدِينُ لَهَا بِأَمْرِ الْقَاضِي وَأَمَّا غَيْرُ الْعِمَارَةِ فَإِنْ كَانَ لِلصَّرْفِ عَلَى الْمُسْتَحَقِّينَ لَا تَجُوزُ الِاسْتِدَانَةُ وَلَوْ بِإِذْنِ الْقَاضِي لِأَنَّ لَهُ مِنْهُ بُدًّا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْقُنْيَةِ بِقَوْلِهِ لَا لِتَقْسِيمِ ذَلِكَ عَلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ وَأَنَّ الِاسْتِدَانَةَ أَعَمُّ مِنْ الْقَرْضِ وَالشِّرَاءِ بِالنَّسِيئَةِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ كِتَابِ الْوَصَايَا لَوْ اسْتَقْرَضَ الْمُتَوَلِّي إنْ شَرَطَ الْوَاقِفُ لَهُ لَهُ ذَلِكَ وَإِلَّا رَفَعَ إلَى الْحَاكِمِ إنْ احْتَاجَ اهـ. لَكِنْ وَقَعَ الِاشْتِبَاهُ فِي مَسَائِلَ مِنْهَا هَلْ يَسْتَدِينُ لِلْإِمَامِ وَالْخَطِيبِ وَالْمُؤَذِّنِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ ذَلِكَ فَيَكُونُ بِإِذْنِ الْقَاضِي فَقَطْ أَوْ لَا الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَسْتَدِينُ لَهُمْ إلَّا بِإِذْنِ الْقَاضِي لِقَوْلِهِ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ لِضَرُورَةِ مَصَالِحِ الْمَسْجِدِ وَقَالَ فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ لَوْ وَقَفَ عَلَى مَصَالِحِ الْمَسْجِدِ يَجُوزُ دَفْعُ غَلَّتِهِ إلَى الْإِمَامِ وَالْمُؤَذِّنِ وَالْقَيِّمِ. اهـ. وَلَمْ يَذْكُرْ الْخَطِيبُ قَالَ فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ فِي الْجَامِعِ نَظِيرُ مَنْ ذُكِرَ فِي الْمَسْجِدِ. اهـ. فَعَلَى هَذَا تَخْرُجُ الْأَرْبَعَةُ مِنْ قَوْلِ الْقُنْيَةِ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِمْ وَمِنْهَا هَلْ يَسْتَدِينُ بِإِذْنِ الْقَاضِي لِلْحُصْرِ وَالزَّيْتِ بِالْمَسْجِدِ أَمْ لَا فَعَلَى أَنَّهُمَا مِنْ الْمَصَالِحِ لَهُ ذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي كَوْنِهِمَا مِنْ الْمَصَالِحِ فَفِي الْقُنْيَةِ رَقْمٌ لِرُكْنِ الدِّينِ الصَّبَّاغِيِّ وَقَالَ كَتَبْتُ إلَى الْمَشَايِخِ وَرَمَزَ لِلْقَاضِي عَبْدِ الْجَبَّارِ وَشِهَابِ الدِّينِ الْإِمَامِيِّ هَلْ لِلْقَيِّمِ شِرَاءُ الْمِرْوَاحِ مِنْ مَصَالِحِ الْمَسْجِدِ فَقَالَا لَا ثُمَّ رَمَزَ لِلْعَلَاءِ التَّرْجُمَانِيِّ فَقَالَ الدُّهْنُ وَالْحَصِيرُ وَالْمَرَاوِحُ لَيْسَ مِنْ مَصَالِحِ الْمَسْجِدِ وَإِنَّمَا مَصَالِحُهُ عِمَارَتُهُ ثُمَّ رَمَزَ لِأَبِي حَامِدٍ وَقَالَ الدُّهْنُ وَالْحَصِيرُ مِنْ مَصَالِحِهِ دُونَ الْمَرَاوِحِ قَالَ يَعْنِي مَوْلَانَا بَدِيعَ الدِّينِ وَهُوَ أَشْبَهُ لِلصَّوَابِ وَأَقْرَبُ إلَى غَرَضِ الْوَاقِفِ. اهـ. فَقَدْ تَحَرَّرَ   [منحة الخالق] كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ (قَوْلُهُ سَوَاءٌ كَانَتْ غَلَّتُهُ مُسْتَوْفَاةً أَوْ غَيْرَ مُسْتَوْفَاةٍ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى رِوَايَةِ عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْأَمْرِ مِنْ قَاضٍ (قَوْلُهُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ هِلَالًا مَنَعَ مِنْ الِاسْتِدَانَةِ مُطْلَقًا) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ بِإِذْنٍ وَبِغَيْرِ إذْنٍ (قَوْلُهُ لِمَا عَلِمْتَ مِنْ تَعْلِيلِهِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ تَعْلِيلِ هَذَا بِقَوْلِهِ وَلَيْسَ لِلْوَقْفِ ذِمَّةٌ. اهـ. قُلْتُ: لَكِنْ مَا مَرَّ عَنْ الْوَاقِعَاتِ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيمَا إذَا كَانَ بِأَمْرِ الْقَاضِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 228 أَنَّ الرَّاجِحَ كَوْنُهُمَا مِنْ الْمَصَالِحِ فَيَسْتَدِينُ بِإِذْنِ الْقَاضِي وَمِنْهَا أَنَّ الْمُتَوَلِّيَ لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ اسْتَدَانَ بِإِذْنِ الْقَاضِي هَلْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ بِلَا بَيِّنَةٍ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ وَإِنْ كَانَ الْمُتَوَلِّي مَقْبُولَ الْقَوْلِ لِمَا أَنَّهُ يُرِيدُ الرُّجُوعَ فِي الْغَلَّةِ وَهُوَ إنَّمَا قُبِلَ قَوْلُهُ فِيمَا بِيَدِهِ وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ الْوَاقِعُ أَنَّهُ لَمْ يَسْتَأْذِنْ الْقَاضِيَ يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْغَلَّةِ لِمَا أَنَّهُ بِغَيْرِ الْإِذْنِ مُتَبَرِّعٌ. اهـ. وَقَدْ عَلِمْت مِمَّا نَقَلْنَاهُ عَنْ قَاضِي خَانْ أَنَّهُ لَوْ أَنْفَقَ مِنْ مَالِهِ أَوْ أَدْخَلَ جِذْعًا لَهُ فِي الْوَقْفِ لَا يَكُونُ مِنْ بَابِ الِاسْتِدَانَةِ لِأَنَّهَا مَحْصُورَةٌ فِي الْقَرْضِ وَالشِّرَاءِ بِالنَّسِيئَةِ وَعَلَى هَذَا فَلَوْ صَرَفَ الْمُتَوَلِّي لِلْمُسْتَحِقِّينَ مِنْ مَالِهِ لَا يَكُونُ مِنْ الِاسْتِدَانَةِ وَلَهُ الرُّجُوعُ وَلَكِنْ قَاضِي خَانْ قَيَّدَهُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَى الْمَرَمَّةِ وَقَيَّدَهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ بِأَنْ يُشْهِدَ أَنَّهُ أَنْفَقَ لِيَرْجِعَ فَوَقَعَ الِاشْتِبَاهُ فِي الصَّرْفِ عَلَى الْمُسْتَحَقِّينَ وَعَلَى هَذَا وَقَعَ الِاشْتِبَاهُ فِي زَمَانِنَا فِي نَاظِرٍ أَذِنَ إنْسَانًا فِي الصَّرْفِ عَلَى الْمُسْتَحِقِّينَ مِنْ مَالِهِ قَبْلَ مَجِيءِ الْغَلَّةِ لِيَرْجِعَ بِهِ إذَا جَاءَتْ الْغَلَّةُ هَلْ يَكُونُ مِنْ بَابِ الِاسْتِدَانَةِ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ فَلَا تَجُوزُ وَلَا رُجُوعَ لَهُ أَوْ أَنَّهُ كَصَرْفِ النَّاظِرِ عَلَيْهِمْ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ فَلَهُ الرُّجُوعُ إنْ قُلْنَا بِرُجُوعِهِ فَإِنْ قُلْتَ إنَّهُ دَفَعَ لَهُمْ بِشَرْطِ أَنْ يَأْخُذَ مَعَالِيمَهُمْ فَقَامَ مَقَامَهُمْ قُلْتُ قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مِنْ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ الْوَكِيلُ لَوْ لَمْ يَقْبِضْ ثَمَنَهُ حَتَّى لَقِيَ الْآمِرَ فَقَالَ بِعْتُ ثَوْبَكَ مِنْ فُلَانٍ فَأَنَا أَقْضِيكَ عَنْهُ ثَمَنَهُ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَلَوْ قَالَ أَنَا أَقْضِيكَهُ عَنْهُ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمَالُ الَّذِي عَلَى الْمُشْتَرِي لِي لَمْ يَجُزْ وَرَجَعَ الْوَكِيلُ عَلَى مُوَكِّلِهِ بِمَا دَفَعَ وَفِي الْعُدَّةِ يُبَاعُ عِنْدَهُ بَضَائِعُ لِلنَّاسِ أَمَرُوهُ بِبَيْعِهَا فَبَاعَهَا بِثَمَنٍ مُسَمًّى فَعَجَّلَ الثَّمَنَ مِنْ مَالِهِ إلَى أَصْحَابِهَا عَلَى أَنَّ أَثْمَانَهَا لَهُ إذَا قَبَضَهَا فَأَفْلَسَ الْمُشْتَرِي فَلِلْبَائِعِ أَنْ يَسْتَرِدَّ مَا دَفَعَ إلَى أَصْحَابِ الْبَضَائِعِ اهـ. قَالَ فِي الْقُنْيَةِ إذَا قَالَ الْقَيِّمُ أَوْ الْمَالِكُ لِمُسْتَأْجِرِهَا أَذِنْتُ لَكَ فِي عِمَارَتِهَا فَعَمَّرَهَا بِإِذْنِهِ يَرْجِعُ عَلَى الْقَيِّمِ وَالْمَالِكِ وَهَذَا إذَا كَانَ يَرْجِعُ مُعْظَمُ مَنْفَعَتِهِ إلَى الْمَالِكِ أَمَّا إذَا رَجَعَ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَفِيهِ ضَرَرٌ بِالدَّارِ كَالْبَالُوعَةِ أَوْ شَغَلَ بَعْضَهَا كَالتَّنُّورِ فَلَا مَا لَمْ يَشْتَرِطْ الرُّجُوعَ. اهـ. وَيَدُلُّ لَهُ بِالْأَوْلَى مَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ الْمُتَوَلِّي صَرَفَ الْعِمَارَةَ مِنْ خَشَبٍ مَمْلُوكٍ لَهُ وَدَفَعَ قِيمَتَهُ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ كَانَ لَهُ إذْ يَمْلِكُ الْمُعَاوَضَةَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ كَوَصِيٍّ يَمْلِكُ صَرْفَ ثَوْبٍ مَمْلُوكٍ إلَى الصَّبِيِّ وَدَفَعَ ثَمَنَهُ مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ وَلَكِنْ لَوْ ادَّعَى لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَوْ أَنْفَقَ لِيَرْجِعَ لَهُ الرُّجُوعُ فِي مَالِ الْوَقْفِ وَالْيَتِيمِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَدَّعِيَ عِنْدَ الْقَاضِي أَمَّا لَوْ ادَّعَى عِنْدَ الْقَاضِي وَقَالَ أَنْفَقْتُ مِنْ مَالِي كَذَا فِي الْوَقْفِ وَالْيَتِيمِ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ ثُمَّ رَقَمَ بِعَلَامَةِ (بق) ادَّعَى وَصِيٌّ أَوْ قَيِّمٌ أَنَّهُ أَنْفَقَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ وَأَرَادَ الرُّجُوعَ فِي مَالِ الْيَتِيمِ وَالْوَقْفُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إذْ يَدَّعِي دَيْنًا لِنَفْسِهِ عَلَى الْيَتِيمِ وَالْوَقْفِ فَلَا يَصِحُّ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى ذَكَرَهُ فِي أَحْكَامِ الْعِمَارَةِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ قَيِّمُ الْوَقْفِ أَنْفَقَ مِنْ مَالِهِ فِي الْوَقْفِ لِيَرْجِعَ فِي غَلَّتِهِ لَهُ الرُّجُوعُ وَكَذَا الْوَصِيُّ مَعَ مَالِ الْمَيِّتِ وَلَكِنْ لَوْ ادَّعَى لَا يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ الْمُتَوَلِّي إذَا أَنْفَقَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لِيَرْجِعَ فِي مَالِ الْوَقْفِ لَهُ ذَلِكَ فَإِنْ شَرَطَ الرُّجُوعَ يَرْجِعُ وَإِلَّا فَلَا. اهـ. وَفِيهَا أَيْضًا قَيِّمُ الْمَسْجِدِ اشْتَرَى شَيْئًا لِمُؤْنَةِ الْمَسْجِدِ بِلَا إذْنِ الْحَاكِمِ بِمَالِهِ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْوَقْفِ. اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا رُجُوعَ لَهُ مُطْلَقًا إلَّا بِإِذْنِ الْقَاضِي سَوَاءٌ كَانَ أَنْفَقَ لِيَرْجِعَ أَوْ لَا سَوَاءٌ رَفَعَ إلَى الْقَاضِي أَوْ لَا سَوَاءٌ بَرْهَنَ عَلَى ذَلِكَ أَوْ لَا الْخَامِسَةُ يُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِمْ لَا يُقَدَّمُ عَلَى الْعِمَارَةِ أَحَدٌ مَا فِي الْمُحِيطِ لَوْ شَرَطَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ إلَخْ) يُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إذَا ادَّعَى أَنَّهُ أَنْفَقَ مِنْ مَالِهِ لِيَرْجِعَ كَمَا سَيَأْتِي عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ فَدَعْوَى الِاسْتِدَانَةِ بِالْأَوْلَى تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أَوْ أَنَّهُ كَصَرْفِ النَّاظِرِ عَلَيْهِمْ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْوَجْهُ أَنَّهُ كَصَرْفٍ بِنَفْسِهِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ إذْ هُوَ مُسْتَقْرِضٌ مِنْهُ وَقَدْ أَمَرَهُ بِالصَّرْفِ عَلَيْهِمْ تَأَمَّلْ. اهـ. أَقُولُ: إذَا كَانَ مُسْتَقْرِضًا لَا يَكُونُ كَصَرْفِهِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لِأَنَّ الِاسْتِقْرَاضَ اسْتِدَانَةٌ فَلَا رُجُوعَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ إنْ قُلْنَا بِرُجُوعِهِ) أَقُولُ: فِي فَتَاوَى الْحَانُوتِيِّ بَعْدَ ذِكْرِ السُّؤَالِ عَنْ ذَلِكَ مَا نَصُّهُ الَّذِي وَقَفْتُ عَلَيْهِ فِي كَلَامِ أَصْحَابِنَا أَنَّ النَّاظِرَ إذَا أَنْفَقَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ عَلَى عِمَارَةِ الْوَقْفِ لِيَرْجِعَ فِي غَلَّتِهِ لَهُ الرُّجُوعُ دِيَانَةً لَكِنْ لَوْ ادَّعَى ذَلِكَ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُشْهِدَ أَنَّهُ أَنْفَقَ لِيَرْجِعَ كَمَا فِي الرَّابِعِ وَالثَّلَاثِينَ مِنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَكَلَامُهُمْ هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ الِاسْتِدَانَةِ عَلَى الْوَقْفِ وَإِلَّا لِمَا جَازَ إلَّا بِإِذْنِ الْقَاضِي وَلَمْ يَكْفِ الْإِشْهَادُ وَحَيْثُ لَمْ يَكُنْ مِنْ الِاسْتِدَانَةِ فَلَا مَانِعَ أَنْ يَكُونَ الصَّرْفُ عَلَى الْمُسْتَحِقِّ مِنْ مَالِهِ مُسَاوِيًا لِلصَّرْفِ عَلَى الْعِمَارَةِ مِنْ مَالِهِ نَعَمْ الِاسْتِدَانَةُ عَلَى الْوَقْفِ لِأَجْلِ الصَّرْفِ عَلَى الْمُسْتَحِقِّ لَا تَجُوزُ وَإِنَّمَا جَوَّزُوهَا لِمَا لَا بُدَّ لِلْوَقْفِ مِنْهُ كَالْعِمَارَةِ هَذَا مَا ظَهَرَ. اهـ. قُلْتُ اُنْظُرْ مَا قَدَّمْنَا فِي التَّوْفِيقِ بَيْنَ كَلَامِ الْخَانِيَّةِ وَجَامِعِ الْفُصُولَيْنِ (قَوْلُهُ مَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ) أَيْ ذَكَرَهُ فِي الرَّابِعِ وَالثَّلَاثِينَ (قَوْلُهُ الْخَامِسَةُ يَسْتَثْنِي إلَخْ) قِيلَ لَا مَحَلَّ لِهَذَا الِاسْتِثْنَاءِ لِأَنَّ مَحَلَّ قَوْلِهِمْ الَّذِي يُبْدَأُ بِهِ مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ تَعْمِيرُهُ مَا إذَا كَانَ فِي تَرْكِ الْعِمَارَةِ ضَرَرٌ بَيِّنٌ وَمَحَلُّ مَسْأَلَةِ الْخَصَّافِ مَا إذَا لَمْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 229 الْعِمَارَةَ فِي الْوَقْفِ فَإِنَّهُ تُقَدَّمُ الْعِمَارَةُ عَلَى صَاحِبِ الْغَلَّةِ إلَّا إذَا جُعِلَتْ غَلَّتُهَا لِفُلَانٍ سَنَةً أَوْ سَنَتَيْنِ ثُمَّ بَعْدَهُ لِلْفُقَرَاءِ أَوْ شَرَطَ الْعِمَارَةَ مِنْ الْغَلَّةِ فَإِنَّهُ يُؤَخِّرُ الْعِمَارَةَ عَنْ حَقِّ صَاحِبِ الْغَلَّةِ لِأَنَّا لَوْ صَرَفْنَا الْغَلَّةَ إلَى الْعِمَارَةِ أَوَّلًا أَدَّى إلَى إبْطَالِ حَقِّ صَاحِبِ الْغَلَّةِ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الْغَلَّةِ فِي مُدَّةٍ مَخْصُوصَةٍ فَتَنْتَهِي بِمُضِيِّهَا وَلَوْ صَرَفْنَاهَا إلَيْهِ أَوَّلًا لَا يُؤَدِّي إلَى فَوَاتِ عِمَارَةِ الْوَقْفِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ عِمَارَتُهُ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ إلَّا إذَا كَانَ فِي تَأْخِيرِ الْعِمَارَةِ ضَرَرٌ بَيِّنٌ بِالْوَقْفِ فَحِينَئِذٍ تُقَدَّمُ الْعِمَارَةُ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى إبْطَالِ مَقْصُودِ الْوَاقِفِ. اهـ. وَقَيَّدَ بِالسَّنَتَيْنِ لِمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَأَمَّا الْمَشْرُوطُ لَهُ الْغَلَّةُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ يُؤْخَذُ بِالْعِمَارَةِ اهـ. السَّادِسَةُ فِي بَيَانِ مَنْ يُقَدَّمُ مَعَ الْعِمَارَةِ وَهُوَ الْمُسَمَّى فِي زَمَانِنَا بِالشَّعَائِرِ وَلَمْ أَرَهُ إلَّا فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ قَالَ وَاَلَّذِي يُبْتَدَأُ بِهِ مِنْ ارْتِفَاعِ الْوَقْفِ عِمَارَتُهُ شَرَطَ الْوَاقِفُ أَوْ لَا ثُمَّ مَا هُوَ أَقْرَبُ إلَى الْعِمَارَةِ وَأَعَمُّ لِلْمَصْلَحَةِ كَالْإِمَامِ لِلْمَسْجِدِ وَالْمُدَرِّسِ لِلْمَدْرَسَةِ يُصْرَفُ إلَيْهِمْ إلَى قَدْرِ كِفَايَتِهِمْ ثُمَّ السِّرَاجُ وَالْبِسَاطُ كَذَلِكَ إلَى آخِرِ الْمَصَالِحِ. اهـ. وَظَاهِرُهُ تَقْدِيمُ الْإِمَامِ وَالْمُدَرِّسِ عَلَى جَمِيعِ الْمُسْتَحِقِّينَ بِلَا شَرْطٍ وَالتَّسْوِيَةُ بِالْعِمَارَةِ   [منحة الخالق] يَكُنْ فِي تَرْكِ تَعْمِيرِ الْوَقْفِ هَلَاكُ الْوَقْفِ يُشْعِرُ بِذَلِكَ قَوْلُ الْخَصَّافِ عَلَى وَجْهِ التَّعْلِيلِ لِلْحُكْمِ الَّذِي ذَكَرَهُ لِأَنَّ تَأْخِيرَ الْعِمَارَةِ سَنَةً لَيْسَ مِمَّا يُخْرِجُ الْوَقْفَ عَنْ حَالِهِ (قَوْلُهُ وَلَمْ أَرَهُ إلَّا فِي الْحَاوِي) فِيهِ أَنَّهُ قَدَّمَ فِي الثَّالِثَةِ عَنْ الْفَتْحِ بَيَانَ ذَلِكَ وَمُفَادُهُ مُسَاوَاةُ مَنْ خِيفَ بِقَطْعِهِ الضَّرَرُ لِلتَّعْمِيرِ (قَوْلُهُ إلَى آخِرِ الْمَصَالِحِ) تَمَامُ عِبَارَةِ الْحَاوِي هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُعَيَّنًا فَإِنْ كَانَ الْوَقْفُ مُعَيَّنًا عَلَى شَيْءٍ يُصْرَفُ إلَيْهِ بَعْدَ عِمَارَةِ الْبِنَاءِ (قَوْلُهُ وَظَاهِرُهُ تَقْدِيمُ الْإِمَامِ وَالْمُدَرِّسِ عَلَى جَمِيعِ الْمُسْتَحِقِّينَ بِلَا شَرْطٍ) أَيْ بِلَا شَرْطٍ مِنْ الْوَاقِفِ أَنَّ الْإِمَامَ وَالْمُدَرِّسَ يُقَدَّمَانِ عَلَى غَيْرِهِمْ وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ كَلَامَ الْحَاوِي فِيهِ حَيْثُ قَالَ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُعَيَّنًا (قَوْلُهُ وَالتَّسْوِيَةُ بِالْعِمَارَةِ تَقْتَضِي تَقْدِيمَهَا إلَخْ) الْمُرَادُ بِالتَّسْوِيَةِ الْمُسْتَفَادَةِ مِنْ قَوْلِهِ مَا هُوَ أَقْرَبُ لِلْعِمَارَةِ مَعَ أَنَّهَا مَعْطُوفَةٌ بِثُمَّ الْمُفِيدَةِ لِلتَّرْتِيبِ لَكِنْ مَا قَرُبَ مِنْ الشَّيْءِ يُعْطَى حُكْمَهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِالتَّسْوِيَةِ الْمُسْتَفَادَةِ مِنْ كَلَامِ الْفَتْحِ السَّابِقِ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ ثُمَّ إنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ تَقْدِيمِ مَنْ ذُكِرَ وَلَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ الِاسْتِوَاءَ عِنْدَ الضِّيقِ قَالَ فِي النَّهْرِ نَازَعَهُ فِيهِ بَعْضُ الْمَوَالِي بِقَوْلِ الْحَاوِي هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُعَيَّنًا. اهـ. وَعَلَى مَا قُلْنَا مِنْ احْتِمَالِ أَنَّ الْمُرَادَ التَّسْوِيَةُ الْمُسْتَفَادَةُ مِنْ كَلَامِ الْفَتْحِ تَنْدَفِعُ الْمُنَازَعَةُ تَأَمَّلْ يَقُولُ الْفَقِيرُ جَامِعُ هَذِهِ الْحَوَاشِي رَأَيْت بِخَطِّ شَيْخِنَا الْمُحَشِّي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي هَذَا الْمَحَلِّ مَا نَصُّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَكَفَى وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى وَبَعْدُ فَقَدْ رُفِعَ لِعُلَمَاءِ الْإِسْلَامِ الْأَئِمَّةِ الْأَعْلَامِ سُؤَالٌ عَلَى لِسَانِ أَهْلِ الْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ وَالْمَقَامَيْنِ الْمُنِيفَيْنِ وَهُوَ مَا يُفِيدُ مَوَالِينَا مَشَايِخُ الْإِسْلَامِ أَدَامَ اللَّهَ تَعَالَى الِانْقِيَادَ إلَيْهِمْ وَالِاسْتِسْلَامَ فِي وَاقِفٍ شَرَطَ فِي كِتَابِ وَقْفِهِ خَطِيبًا وَإِمَامًا وَمُؤَذِّنِينَ وَبَوَّابِينَ وَخَدَمَةً وَمُدَرِّسِينَ مِنْ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ وَطَلَبَةً وَقُرَّاءَ وَغَيْرَ ذَلِكَ ثُمَّ شَرَطَ فِي كِتَابِ وَقْفِهِ الْمَذْكُورِ أَنَّهُ إذَا ضَاقَ رِيعُ الْوَقْفِ عَنْ الْمَصَارِفِ قُدِّمَ مَا هُوَ مُرَتَّبٌ عَلَى جِهَةِ الْوَقْفِ لِلْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ وَالْحَالُ أَنَّ الْوَاقِفَ عَيَّنَ لِكُلٍّ مِنْ الْمَذْكُورِينَ قَدْرًا مُعَيَّنًا وَشَرَطَ لِلْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ قَدْرًا مُعَيَّنًا فَهَلْ إذَا ضَاقَ رِيعُ الْوَقْفِ عَلَى الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ تُقَدَّمُ جِهَةُ الْحَرَمَيْنِ بِمَا شُرِطَ لَهُمْ عَمَلًا بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ أَوْ يُلْغَى هَذَا الشَّرْطُ وَيُسَوَّى فِي هَذَا الْوَقْفِ بَيْنَ جَمِيعِ الْمُسْتَحِقِّينَ مِنْ أَهْلِ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرِهِمْ أَمْ تُقَدَّمُ أَرْبَابُ الشَّعَائِرِ بِمَا شَرَطَ لَهُمْ وَإِنْ شَرَطَ الْوَاقِفُ تَقْدِيمَ الْحَرَمَيْنِ أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ أَثَابَكُمْ اللَّهُ تَعَالَى الْجَنَّةَ آمِينَ فَكَتَبَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا قَالَ فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ مِنْ كِتَابِ الْوَقْفِ بِمَا لَفْظُهُ الَّذِي يُبْدَأُ بِهِ مِنْ ارْتِفَاعِ الْوَقْفِ عِمَارَتُهُ شُرِطَ أَوْ لَا ثُمَّ مَا هُوَ أَقْرَبُ لِلْعِمَارَةِ وَأَعَمُّ لِلْمَصْلَحَةِ كَالْإِمَامِ لِلْمَسْجِدِ وَالْمُدَرِّسِ لِلْمُدَرِّسَةِ يُصْرَفُ إلَيْهِمْ قَدْرُ كِفَايَتِهِمْ ثُمَّ السِّرَاجُ وَالْبِسَاطُ كَذَلِكَ اهـ. قَالَ شَيْخُنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِالْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ مِنْ كِتَابِ الْوَقْفِ ظَاهِرُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ أَنَّ الْمُقَدَّمَ فِي الصَّرْفِ الْإِمَامُ وَالْمُدَرِّسُ وَالْوَقَّادُ وَالْفَرَّاشُ وَمَنْ كَانَ بِمَعْنَاهُمْ لِتَعْبِيرِهِ بِالْكَافِ وَظَاهِرُهَا يُفِيدُ أَيْضًا تَقْدِيمَ مَا ذَكَرْنَاهُ وَلَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ الِاسْتِوَاءَ عِنْدَ الضِّيقِ لَا جَعْلُهُمْ كَالْعِمَارَةِ وَلَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ اسْتِوَاءَ الْعِمَارَةِ بِالْمُسْتَحَقِّينَ لَمْ يُعْتَبَرْ شَرْطُهُ وَإِنَّمَا تُقَدَّمُ عَلَيْهِمْ فَكَذَا هُمْ. اهـ. مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَعَلَى مُقْتَضَى مَا أَفَادَهُ مِنْ أَنَّ عِبَارَةَ الْحَاوِي تُفِيدُ أَنَّ أَرْبَابَ الشَّعَائِرِ يُقَدَّمُونَ عَلَى غَيْرِهِمْ مِنْ الْمُسْتَحِقِّينَ وَإِنْ شَرَطَ الْوَاقِفُ الِاسْتِوَاءَ عِنْدَ الضِّيقِ يَجِبُ أَنْ يُقَالَ تُقَدَّمُ أَرْبَابُ الشَّعَائِرِ فِي هَذَا الْوَقْفِ الْمَسْئُولِ عَنْهُ بِالْأَوْلَى لِأَنَّ فِي حَالَةِ شَرْطِ اسْتِوَاءِ أَرْبَابِ الشَّعَائِرِ بِغَيْرِهِمْ لَا تُحْرَمُ أَرْبَابُ الشَّعَائِرِ بِالْكُلِّيَّةِ وَمَعَ ذَلِكَ أُلْغِيَ شَرْطُ الِاسْتِوَاءِ فَإِلْغَاؤُهُ فِي حَالَةٍ قَدْ يُحْرَمُونَ فِيهَا بِالْكُلِّيَّةِ وَهِيَ حَالَةُ شَرْطِ تَقْدِيمِ أَهْلِ الْحَرَمَيْنِ عَلَيْهِمْ بِتَقْدِيرِ أَنْ لَا يَفْضُلَ شَيْءٌ لِأَرْبَابِ الشَّعَائِرِ عَلَيْهِمْ بِالْأَوْلَى ثُمَّ تَوَقَّفَ فِيمَا أَفَادَهُ شَيْخُنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بَعْضُ مَشَايِخِنَا وَحَاصِلُ تَوَقُّفِهِ أَنَّهُ قَالَ لَا نُسَلِّمُ أَوَّلًا أَنْ يُقَاسَ حُكْمُ أَرْبَابِ الشَّعَائِرِ عَلَى حُكْمِ الْعِمَارَةِ لِأَنَّ انْتِظَامَ مَصَالِحِ الْوَقْفِ بِإِقَامَةِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 230 يَقْتَضِيَ تَقْدِيمُهُمَا عِنْدَ شَرْطِ الْوَاقِفِ أَنَّهُ إذَا ضَاقَ رِيعُ الْوَقْفِ قَسَمَ الرِّيعَ عَلَيْهِمْ بِالْحِصَّةِ وَأَنَّ هَذَا الشَّرْطَ لَا يُعْتَبَرُ وَلَكِنْ تَقْدِيمُ الْمُدَرِّسِ إنَّمَا يَكُونُ بِشَرْطِ مُلَازَمَتِهِ لِلْمَدْرَسَةِ لِلتَّدْرِيسِ الْأَيَّامَ الْمَشْرُوطَةَ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ وَلِذَا قَالَ لِلْمَدْرَسَةِ لِأَنَّ مُدَرِّسَهَا إذَا غَابَ تَعَطَّلَتْ بِخِلَافِ مُدَرِّسِ الْجَامِعِ وَفِي الْقُنْيَةِ يُدَرِّسُ بَعْضَ النَّهَارِ فِي مَدْرَسَةٍ وَبَعْضَ النَّهَارِ فِي مَدْرَسَةٍ أُخْرَى وَلَا يَعْلَمُ شَرْطَ الْوَاقِفِ يَسْتَحِقُّ   [منحة الخالق] شَعَائِرِهِ لَيْسَ كَانْتِظَامِهِ بِبَقَاءِ عَيْنِهِ لِيُقَاسَ عَلَيْهِ أَلَا تَرَى إلَى مَا ذَكَرَهُ الْمَشَايِخُ فِي تَوْجِيهِ تَقْدِيمِ الْعِمَارَةِ عَلَى غَيْرِهَا وَإِنْ شَرَطَ تَأْخِيرَهَا مِنْ قَوْلِهِمْ لِأَنَّا لَوْ اعْتَبَرْنَا شَرْطَهُ أَدَّى ذَلِكَ إلَى اضْمِحْلَالِ الْعَيْنِ الْمَوْقُوفَةِ فَيَعُودُ الْأَمْرُ عَلَى مَا قَصَدَ مِنْ الْوَقْفِ بِالْإِبْطَالِ فَقِيَاسُ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الَّذِي ذَكَرَهُ الْوَاقِفُ فِي الْأَشْبَاهِ مِنْ تَقْدِيمِ أَرْبَابِ الشَّعَائِرِ عَلَى غَيْرِهِمْ مِنْ بَقِيَّةِ الْمُسْتَحِقِّينَ إذَا شَرَطَ الْوَاقِفُ الِاسْتِوَاءَ عِنْدَ الضِّيقِ عَلَى حُكْمِ الْعِمَارَةِ قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ ظُهُورُهُ كَالشَّمْسِ وَبَعْدَهُ كَالْيَوْمِ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَمْسِ هَذَا وَبِتَقْدِيرِ تَسْلِيمِهِ فَالشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَدْ اخْتَصَرَ عِبَارَةَ الْحَاوِي وَجَعَلَهَا دَلِيلًا عَلَى مَا ادَّعَاهُ مَعَ أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ تَتِمَّةِ كَلَامِهِ يُنَافِي مَا ادَّعَاهُ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَتَتِمَّةُ عِبَارَةِ الْحَاوِي هُوَ أَنَّهُ قَالَ بَعْدَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ عَنْهُ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُعَيَّنًا فَإِنْ كَانَ الْوَقْفُ مُعَيَّنًا عَلَى شَيْءٍ يُصْرَفُ إلَيْهِ إلَّا بِقَدْرِ عِمَارَةِ الْبِنَاءِ اهـ. كَلَامُ الْحَاوِي وَالظَّاهِرُ مِنْ هَذِهِ التَّتِمَّةِ أَنَّهَا قَيْدٌ رَاجِعٌ لِأَصْلِ الْمَسْأَلَةِ فَيُفِيدُ كَلَامُ الْحَاوِي أَنَّ تَقْدِيمَ أَرْبَابِ الشَّعَائِرِ عَلَى غَيْرِهِمْ إنَّمَا هُوَ فِي حَالَةٍ مَخْصُوصَةٍ وَهِيَ مَا إذَا لَمْ يُعَيِّنْ الْوَاقِفُ قَدْرَ مَا يُعْطَى لِكُلِّ مُسْتَحِقٍّ أَمَّا إذَا عَيَّنَ لِكُلٍّ قَدْرًا مُعَيَّنًا فَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ كَلَامُ الْحَاوِي دَلِيلًا عَلَى هَذَا الْمُدَّعَى هَذَا حَاصِلُ مَا أَفَادَهُ الْمُتَوَقِّفُ فِي كَلَامِهِ أَحْيَا اللَّهُ تَعَالَى مَذْهَبَ إمَامِهِ هَذَا وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْ التَّوَقُّفِ الْأَوَّلِ بِأَنْ يُقَالَ الْمَنْظُورُ إلَيْهِ فِي تَقْدِيمِ أَرْبَابِ الشَّعَائِرِ عَلَى غَيْرِهِمْ مِنْ بَقِيَّةِ الْمُسْتَحِقِّينَ لَيْسَ هُوَ كَوْنَهُمْ كَالْعِمَارَةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ حَيْثِيَّةِ اشْتِرَاكِهِمَا فِي عُمُومِ النَّفْعِ بَيْنَ الْعِمَارَةِ وَأَرْبَابِ الشَّعَائِرِ فَلَمَّا اشْتَرَكَا فِي عُمُومِ النَّفْعِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْغَيْرِ اشْتَرَكَا فِي هَذَا الْحُكْمِ وَهُوَ تَقْدِيمُهُمَا عَلَى الْغَيْرِ وَإِنْ شَرَطَ الْوَاقِفُ خِلَافَ ذَلِكَ مِنْ اسْتِوَاءٍ أَوْ تَقْدِيمٍ وَإِذَا تَأَمَّلْتَ كَلَامَ الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ وَجَدْتَهُ شَاهِدًا عَلَى هَذَا الْمُدَّعَى وَيُجَابُ عَنْ التَّوَقُّفِ الثَّانِي بِأَنَّ اسْمَ الْإِشَارَةِ الْوَاقِعَ تَتِمَّةَ كَلَامِ الْحَاوِي وَهُوَ قَوْلُهُ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُعَيَّنًا إلَى آخِرِهِ لَيْسَ رَاجِعًا لِأَصْلِ الْمَسْأَلَةِ لِيَكُونَ قَيْدًا لَهَا وَإِنَّمَا هُوَ رَاجِعٌ لِأَقْرَبِ مَذْكُورٍ فِي كَلَامِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ تُصْرَفُ إلَيْهِمْ قَدْرُ كِفَايَتِهِمْ وَكَأَنَّهُ يَقُولُ أَنَّ مَحَلَّ تَفْوِيضِ أَمْرِ الصَّرْفِ إلَى الْمُتَوَلِّي إذَا لَمْ يَشْرِطْ الْوَاقِفُ قَدْرًا مُعَيَّنًا لِكُلِّ مُسْتَحِقٍّ أَمَّا إذَا عَيَّنَ فَإِنَّهُ يُتَّبَعُ شَرْطُهُ وَقَدْ أَفْصَحَ عَنْ هَذَا الْإِمَامُ الزَّاهِدِيُّ فِي كِتَابِهِ قُنْيَةٌ الْفَتَاوَى حَيْثُ قَالَ فِي بَابٍ يَحِلُّ لِلْمُدَرِّسِ وَالْمُتَعَلِّمِ وَالْإِمَامِ مَا نَصُّهُ الْأَوْقَافُ بِبُخَارَى عَلَى الْعُلَمَاءِ لَا يُعْرَفُ مِنْ الْوَاقِفِ غَيْرُ هَذَا فَلِلْقَيِّمِ أَنْ يُفَضِّلَ الْبَعْضَ وَيَحْرِمَ الْبَعْضَ إذَا لَمْ يَكُنْ الْوَقْفُ عَلَى قَوْمٍ يُحْصَوْنَ وَكَذَا الْوَقْفُ عَلَى الَّذِينَ يَخْتَلِفُونَ إلَى هَذِهِ الْمَدْرَسَةِ أَوْ عَلَى مُتَعَلِّمِيهَا أَوْ عَلَى عُلَمَائِهَا يَجُوزُ لِلْقَيِّمِ أَنْ يُفَضِّلَ الْبَعْضَ وَيَحْرِمَ الْبَعْضَ إذَا لَمْ يُعَيِّنْ الْوَاقِفُ قَدْرَ مَا يُعْطَى كُلُّ وَاحِدٍ. اهـ. فَهَذِهِ الْعِبَارَةُ وَهِيَ قَوْلُ صَاحِبِ الْقُنْيَةِ إذَا لَمْ يُعَيِّنْ الْوَاقِفُ قَدْرَ مَا يُعْطَى كُلُّ وَاحِدٍ أَزَالَتْ اللَّبْسَ وَأَوْضَحَتْ كُلَّ تَخْمِينٍ وَحَدْسٍ هَذَا وَمِمَّا يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْنَاهُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْمَنْظُورَ إلَيْهِ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى فِي وَجْهِ تَقْدِيمِ أَرْبَابِ الشَّعَائِرِ عَلَى غَيْرِهِمْ إنَّمَا هُوَ عُمُومُ النَّفْعِ الْحَاصِلُ مِنْ انْتِظَامِ مَصَالِحِ الْمَسَاجِدِ بِإِقَامَةِ شَعَائِرِهَا وَهَذَا لَا يَخْتَلِفُ الْحَالُ فِيهِ بَيْنَ مَا إذَا عَيَّنَ الْوَاقِفُ قَدْرًا مُعَيَّنًا لِكُلٍّ وَبَيْنَ مَا إذَا لَمْ يُعَيِّنْ بِخِلَافِ تَفْوِيضِ أَمْرِ الصَّرْفِ لِلْمُتَوَلِّي فَإِنَّ غَرَضَ الْوَاقِفِ يَخْتَلِفُ فِيهِ بَيْنَمَا إذَا عَيَّنَ لِكُلٍّ قَدْرًا مُعَيَّنًا وَبَيْنَ مَا إذَا لَمْ يُعَيِّنْ هَذَا مَا ظَهَرَ قَالَ ذَلِكَ وَكَتَبَهُ الْعَبْدُ الْفَقِيرُ الْوَاقِفُ بِاللُّطْفِ الْخَفِيِّ قَاسِمُ الدَّنَوْشَرِيُّ الْحَنَفِيُّ فِي غُرَّةِ مُحَرَّمٍ الْحَرَامِ افْتِتَاحِ سَنَةِ (1139) هـ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ آمِينَ كَذَا فِي فَتَاوَى مَوْلَانَا الْعَلَّامَةِ حَامِدٍ أَفَنْدِي الْعِمَادِيِّ مُفْتِي دِمَشْقَ الشَّامِ عَفَا عَنْهُ الْمَلِكُ السَّلَامُ (قَوْلُهُ وَلَكِنْ تَقْدِيمُ الْمُدَرِّسِ إنَّمَا يَكُونُ بِشَرْطِ مُلَازَمَتِهِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ فَلَوْ أَنْكَرَ النَّاظِرُ مُلَازَمَتَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُدَرِّسِ مَعَ يَمِينِهِ وَكَذَا لَوْ مَاتَ وَاخْتَلَفَ مَعَ وَرَثَتِهِ فَالْقَوْلُ لِلْوَرَثَةِ مَعَ يَمِينِهِمْ وَقَدْ صَرَّحَ فِي فَتَاوَى الشَّيْخِ شِهَابِ الدِّينِ الْحَلَبِيِّ بِذَلِكَ فِي وَظِيفَةِ الْقِرَاءَةِ بِمَا حَاصِلُهُ لَوْ شَرَطَ الْقِرَاءَةَ فِي مُصْحَفٍ بِجَامِعٍ مُعَيَّنٍ وَتُوُفِّيَ الْقَارِئُ وَالْوَاقِفُ وَأَنْكَرَ مَنْ لَهُ الْوِلَايَةُ عَلَى الْوَقْفِ الْقِرَاءَةَ الْمَذْكُورَةَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَرَثَةِ فِي الْمُبَاشَرَةِ مَعَ الْيَمِينِ لِأَنَّهُمْ قَائِمُونَ مَقَامَ مُوَرِّثِهِمْ وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي الْمُبَاشَرَةِ مَعَ الْيَمِينِ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فَكَذَلِكَ وَرَثَتُهُ اهـ. وَأَقُولُ: وَكَذَا كُلُّ ذِي وَظِيفَةٍ الْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي الْمُبَاشَرَةِ وَهِيَ وَاقِعَةُ الْفَتْوَى فِي مُدَرِّسٍ مَاتَ وَطَلَبَ النَّاظِرُ مِنْ وَرَثَتِهِ الْمَعْلُومَ الْمَشْرُوطَ الَّذِي قَبَضَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ لِيَرُدَّهُ لِلْوَقْفِ لِكَوْنِهِ لَمْ يُدَرِّسْ فَأَفْتَيْتُ بِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُمْ مَعَ الْيَمِينِ فِي الْمُبَاشَرَةِ اهـ. وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ كَاتِبِ الْغَيْبَةِ وَسَيَأْتِي تَوَقُّفُ الْمُؤَلِّفِ فِيهِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مُدَرِّسِ الْجَامِعِ) قَالَ الْمَقْدِسِيَّ أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ مَا ذُكِرَ لَا يَشْهَدُ لِمَا ادَّعَى مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَدْرَسَةِ وَالْجَامِعِ وَغَايَةُ مَا فِيهِ أَنَّ الْجَامِعَ الَّذِي شُرِطَ فِيهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 231 غَلَّةَ الْمُدَرِّسِ فِي الْمَدْرَسَتَيْنِ وَلَوْ كَانَ يُدَرِّسُ بَعْضَ الْأَيَّامِ فِي هَذِهِ الْمَدْرَسَةِ وَبَعْضَهَا فِي الْأُخْرَى لَا يَسْتَحِقُّ غَلَّتَهُمَا بِتَمَامِهَا وَحُكْمُ الْمُتَعَلِّمِ وَالْمُدَرِّسِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ سَوَاءٌ. اهـ. وَاسْتُفِيدَ مِنْ قَوْلِهِ لَا يَسْتَحِقُّ غَلَّتَهُمَا بِتَمَامِهَا أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ بِقَدْرِ عَمَلِهِ وَهِيَ كَثِيرَةُ الْوُقُوعِ فِي أَصْحَابِ الْوَظَائِفِ فِي زَمَانِنَا وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يُنْظَرُ إلَى مَا شَرَطَهُ الْوَاقِفُ لَهُ وَعَلَيْهِ مِنْ الْعَمَلِ وَيُقْسَمُ الْمَشْرُوطُ عَلَى عَمَلِهِ خِلَافًا لِبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ فَإِنَّهُ يَقُولُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْمَشْرُوطَ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْ الْمَشْرُوطِ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ السُّبْكِيّ وَقَوْلُهُ ثُمَّ السِّرَاجُ بِكَسْرِ السِّين أَيْ الْقَنَادِيلُ وَمُرَادُهُ مَعَ زَيْتِهَا وَالْبِسَاطُ بِكَسْرِ الْبَاءِ أَيْ الْحَصِيرُ وَيُلْحَقُ بِهِمَا مَعْلُومُ خَادِمِهَا وَهُوَ الْوَقَّادُ وَالْفَرَّاشُ فَيُقَدَّمَانِ وَتَعْبِيرُهُ بِثُمَّ دُونَ الْوَاوِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمَا مُؤَخَّرَانِ عَنْ الْإِمَامِ وَالْمُدَرِّسِ وَفِي الْقُنْيَةِ لَوْ اشْتَرَى بِسَاطًا نَفِيسًا مِنْ غَلَّتِهِ جَازَ إذَا اسْتَغْنَى الْمَسْجِدُ عَنْ الْعِمَارَةِ. اهـ. وَقَوْلُهُ إلَى آخِرِ الْمَصَالِحِ أَيْ مَصَالِحِ الْمَسْجِدِ فَيَدْخُلُ الْمُؤَذِّنُ وَالنَّاظِرُ لِأَنَّا قَدَّمْنَا أَنَّهُمْ مِنْ الْمَصَالِحِ وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْخَطِيبَ دَاخِلٌ تَحْتَ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ إمَامُ الْجَامِعِ فَتَحَصَّلَ أَنَّ الشَّعَائِرَ الَّتِي تُقَدَّمُ فِي الصَّرْفِ مُطْلَقًا بَعْدَ الْعِمَارَةِ الْإِمَامُ وَالْخَطِيبُ وَالْمُدَرِّسُ وَالْوَقَّادُ وَالْفَرَّاشُ وَالْمُؤَذِّنُ وَالنَّاظِرُ وَثَمَنُ الْقَنَادِيلِ وَالزَّيْتِ وَالْحُصْرِ وَيَلْحَقُ بِثَمَنِ الزَّيْتِ وَالْحُصْرِ ثَمَنُ مَاءِ الْوُضُوءِ أَوْ أُجْرَةُ حَمْلِهِ أَوْ كُلْفَةُ نَقْلِهِ مِنْ الْبِئْرِ إلَى الْمِيضَأَةِ فَلَيْسَ الْمُبَاشِرُ وَالشَّاهِدُ وَالْجَابِي وَالشَّادُّ وَخَازِنُ الْكُتُبِ مِنْ الشَّعَائِرِ وَقَدْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِمِصْرَ فِي دِيوَانِ الْمُحَاسَبَةِ بِتَقْدِيمِهِمْ مَعَ الْمَذْكُورِينَ أَوَّلًا وَلَيْسَ شَرْعِيًّا وَيَقَعُ الِاشْتِبَاهُ فِي الْبَوَّابِ والمزملاتي وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ جَعَلَ حُجْرَتَهُ لِدُهْنِ سِرَاجِ الْمَسْجِدِ وَلَمْ يَزِدْ صَارَتْ وَقْفًا عَلَى الْمَسْجِدِ إذَا سَلَّمَهَا إلَى الْمُتَوَلِّي وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَلَيْسَ لِلْمُتَوَلِّي أَنْ يَصْرِفَ الْغَلَّةَ إلَى غَيْرِ الدُّهْنِ اهـ. فَعَلَى هَذَا الْمَوْقُوفُ عَلَى إمَامِ الْمَسْجِدِ لَا يُصْرَفُ لِغَيْرِهِ وَفِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِأَعْمَالِ الْبِرِّ هَلْ يَجُوزُ أَنْ يُسْرَجَ الْمَسْجِدُ مِنْهُ قَالَ الْفَقِيه أَبُو بَكْرٍ يَجُوزُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُزَادَ عَلَى سِرَاجِ الْمَسْجِدِ لِأَنَّ ذَلِكَ إسْرَافٌ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ فِي رَمَضَانَ أَوْ غَيْرِهِ وَلَا يُزَيِّنُ الْمَسْجِدَ بِهَذِهِ الْوَصِيَّةِ. اهـ. وَمُقْتَضَاهُ مَنْعُ الْكَثْرَةِ الْوَاقِعَةِ فِي رَمَضَانَ فِي مَسَاجِدِ الْقَاهِرَةِ وَلَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ لِأَنَّ شَرْطَهُ لَا يُعْتَبَرُ فِي الْمَعْصِيَةِ وَفِي الْقُنْيَةِ وَإِسْرَاجُ السُّرُجِ الْكَثِيرَةِ فِي السِّكَكِ وَالْأَسْوَاقِ لَيْلَةَ الْبَرَاءَةِ بِدْعَةٌ وَكَذَا فِي الْمَسَاجِدِ وَيَضْمَنُ الْقَيِّمُ وَكَذَا يَضْمَنُ إذَا أَسْرَفَ فِي السُّرُجِ فِي رَمَضَانَ وَلَيْلَةِ الْقَدْرِ وَيَجُوزُ الْإِسْرَاجُ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ فِي السِّكَّةِ أَوْ السُّوقِ وَلَوْ اشْتَرَى مِنْ مَالِ الْمَسْجِدِ شَمْعًا فِي رَمَضَانَ يَضْمَنُ قُلْتُ: وَهَذَا إذَا لَمْ يَنُصَّ الْوَاقِفُ عَلَيْهِ وَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ أَنْ يُنْفَقَ عَلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ جَازَ وَيُنْفَقُ فِي سِرَاجِهِ وَنَحْوِهِ قَالَ هِشَامٌ فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُنْفَقَ مِنْ مَالِ الْمَسْجِدِ عَلَى قَنَادِيلِهِ وَسُرُجِهِ وَالنَّفْطِ وَالزَّيْتِ اهـ. السَّابِعَةُ إذَا احْتَاجَ الْوَقْفُ إلَى الْعِمَارَةِ وَلَيْسَ عِنْدَهُ غَلَّةٌ وَلَمْ يَتَيَسَّرْ لَهُ الْقَرْضُ إلَّا بِرِبْحٍ قَالَ فِي الْقُنْيَةِ رَامِزًا لِيُوسُفَ التَّرْجُمَانِيِّ الصَّغِيرِ قَالَ الْبُصَرَاءُ لِلْقَيِّمِ إنْ لَمْ تَهْدِمْ الْمَسْجِدَ الْعَامَّ يَكُونُ ضَرَرُهُ فِي الْقَابِلِ أَعْظَمَ فَلَهُ هَدْمُهُ وَإِنْ خَالَفَهُ بَعْضُ أَهْلِ مَحَلَّتِهِ وَلَيْسَ لَهُ التَّأْخِيرُ إذَا أَمْكَنَهُ الْعِمَارَةُ فَلَوْ هَدَمَهُ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ غَلَّةٌ لِلْعِمَارَةِ فِي الْحَالِ فَاسْتَقْرَضَ الْعَشَرَةَ بِثَلَاثَةَ عَشَرَ فِي السَّنَةِ وَاشْتَرَى مِنْ الْمُقْرِضِ شَيْئًا يَسِيرًا بِثَلَاثَةِ دَنَانِيرَ يَرْجِعُ فِي غَلَّتِهِ بِالْعَشَرَةِ وَعَلَيْهِ الزِّيَادَةُ اهـ. وَبِهِ انْدَفَعَ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ وَهْبَانَ مِنْ أَنَّهُ   [منحة الخالق] تَدْرِيسٌ إذَا غَابَ مُدَرِّسُهُ لَمْ يُقْطَعْ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ جَامِعًا وَيَتَعَطَّلُ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ مَدْرَسَةً فَيَجِبُ تَقْدِيمُهُ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ (قَوْلُهُ وَالشَّادُّ) قِيلَ هُوَ الدَّعْجِيُّ قُلْتُ وَيَشْهَدُ لَهُ مَا فِي الْقَامُوسِ الْإِشَادَةُ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالشَّيْءِ وَتَعْرِيفُ الضَّالَّةِ وَالْإِهْلَالُ وَالشِّيَادُ الدُّعَاءُ بِالْإِبِلِ وَدَلْكُ الطِّيبِ بِالْجِلْدِ (قَوْلُهُ وَيَقَعُ الِاشْتِبَاهُ فِي الْبَوَّابِ والمزملاتي) قَالَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى الْمُزَمِّلَاتِيُّ هُوَ الشَّاوِي بِعُرْفِ أَهْلِ الشَّامِ وَذَكَرَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ أَنَّ ظُهُورَ شُمُولِ تَقْدِيمِ الْبَوَّابِ والمزملاتي وَخَادِمِ الْمَطْهَرَةِ مِمَّا لَا يُتَرَدَّدُ فِيهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَيْسَ لِلْمُتَوَلِّي أَنْ يَصْرِفَ الْغَلَّةَ إلَى غَيْرِ الدُّهْنِ) سَيَأْتِي لِهَذَا زِيَادَةٌ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّادِسَةَ عَشْرَةَ (قَوْلُهُ قَالَ هِشَامٌ إلَخْ) فِي الْإِسْعَافِ وَلَوْ أَرَادَ الْمُتَوَلِّي أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ غَلَّةِ وَقْفِ الْمَسْجِدِ دُهْنًا أَوْ حُصْرًا أَوْ آجُرًّا أَوْ حَصًى لِيُفْرَشَ فِيهِ يَجُوزُ إنْ وَسَّعَ الْوَاقِفُ فِي ذَلِكَ لِلْقَيِّمِ بِأَنْ قَالَ يَفْعَلُ مَا يَرَاهُ مِنْ مَصْلَحَةِ الْمَسْجِدِ وَإِنْ لَمْ يُوَسِّعْ بَلْ وَقَفَهُ لِبِنَاءِ الْمَسْجِدِ وَعِمَارَتِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ مَا ذَكَرْنَا لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْعِمَارَةِ وَالْبِنَاءِ وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ شَرْطُهُ فِي ذَلِكَ يَنْظُرْ هَذَا الْقَيِّمُ إلَى مَنْ كَانَ قَبْلَهُ فَإِنْ كَانَ يَشْتَرِي مِنْ الْغَلَّةِ مَا ذَكَرْنَا جَازَ لَهُ الشِّرَاءُ وَإِلَّا فَلَا اهـ. (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ الزِّيَادَةُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ وَهَلْ يَجُوزُ لِلْمُتَوَلِّي أَنْ يَشْتَرِيَ مَتَاعًا بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ وَيَبِيعَهُ وَيَصْرِفَهُ عَلَى الْعِمَارَةِ وَيَكُونَ الرِّبْحُ عَلَى الْوَقْفِ الْجَوَابُ نَعَمْ كَمَا حَرَّرَهُ ابْنُ وَهْبَانَ. اهـ. أَقُولُ: بَيْنَهُمَا مَا يُشْبِهُ الْمُخَالَفَةُ إلَّا أَنْ يُقَالَ لَمَّا لَمْ يَلْزَمْ الْأَجَلُ فِي مَسْأَلَةِ الْقَرْضِ بَقِيَ مُجَرَّدُ شِرَاءِ الْيَسِيرِ بِثَمَنٍ كَثِيرٍ فَتَمَحَّضَ ضَرَرًا عَلَى الْوَقْفِ فَلَمْ تَلْزَمْهُ الزِّيَادَةُ فَكَانَتْ عَلَى الْقَيِّمِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ شِرَاءِ الْمَتَاعِ وَبَيْعِهِ لِلُزُومِ الْأَجَلِ فِي جُمْلَةِ الثَّمَنِ فَتَأَمَّلْ. اهـ. لَكِنْ قَالَ الْمَقْدِسِيَّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 232 لَا جَوَابَ لِلْمَشَايِخِ فِيهَا الثَّامِنَةُ فِي وَقْفِ الْمَسْجِدِ أَيَجُوزُ أَنْ يُبْنَى مِنْ غَلَّتِهِ مَنَارَةً قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ مَعْزِيًّا إلَى أَبِي بَكْرٍ الْبَلْخِيّ إنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ مَصْلَحَةِ الْمَسْجِدِ بِأَنْ كَانَ أَسْمَعَ لَهُمْ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَإِنْ كَانَ بِحَالٍ يَسْمَعُ الْجِيرَانُ الْأَذَانَ بِغَيْرِ مَنَارَةٍ فَلَا أَرَى لَهُمْ أَنْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ التَّاسِعَةُ وَقَفَ عَلَى عِمَارَةِ الْمَسْجِدِ عَلَى أَنَّ مَا فَضَلَ مِنْ عِمَارَتِهِ فَهُوَ لِلْفُقَرَاءِ فَاجْتَمَعَتْ الْغَلَّةُ وَالْمَسْجِدُ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَى الْعِمَارَةِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو بَكْرٍ تُحْبَسُ الْغَلَّةُ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَحْدُثُ بِالْمَسْجِدِ حَدَثٌ وَتَصِيرُ الْأَرْضُ بِحَالٍ لَا تَغُلُّ وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ الْجَوَابُ كَمَا قَالَ وَعِنْدِي لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ لَوْ اجْتَمَعَ مِنْ الْغَلَّةِ مِقْدَارُ مَا يَحْتَاجُ الْأَرْضُ وَالْمَسْجِدُ إلَى الْعِمَارَةِ يُمْكِنُ الْعِمَارَةُ بِهَا وَيَفْضُلُ تُصْرَفُ الزِّيَادَةُ عَلَى الْفُقَرَاءِ عَلَى مَا شَرَطَ الْوَاقِفُ وَفِي الْقُنْيَةِ لَيْسَ لِلْقَيِّمِ أَنْ يَأْخُذَ مَا فَضَلَ مِنْ وَجْهِ عِمَارَةِ الْمَدْرَسَةِ دَيْنًا لِيَصْرِفَهَا إلَى الْفُقَرَاءِ وَإِنْ احْتَاجُوا إلَيْهِ وَفِي الْخَانِيَّةِ وَالصَّحِيحُ مَا قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ أَنَّهُ يَنْظُرُ إنْ اجْتَمَعَ مِنْ الْغَلَّةِ مِقْدَارُ مَا لَوْ احْتَاجَ الضَّيْعَةُ وَالْمَسْجِدُ إلَى الْعِمَارَةِ بَعْدَ ذَلِكَ يُمْكِنُ الْعِمَارَةُ مِنْهَا وَيَبْقَى شَيْءٌ تُصْرَفُ تِلْكَ الزِّيَادَةُ إلَى الْفُقَرَاءِ وَرِيعُ غَلَّةِ الْوَقْفِ لِلْعِمَارَةِ وَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا لِلْفُقَرَاءِ لَمْ يَجُزْ لِلْقَيِّمِ أَنْ يَصْرِفَ رِيعَ الْعِمَارَةِ إذَا اسْتَغْنَى عَنْهَا إلَى الْفُقَرَاءِ لِيَسْتَرِدَّ ذَلِكَ مِنْ حِصَّتِهِمْ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ. اهـ. الْعَاشِرَةُ مَسْجِدٌ تَهَدَّمَ وَقَدْ اجْتَمَعَ مِنْ غَلَّتِهِ مَا يَحْصُلُ بِهِ الْبِنَاءُ قَالَ الْخَصَّافُ لَا يُنْفِقُ الْغَلَّةَ فِي الْبِنَاءِ لِأَنَّ الْوَاقِفَ وَقَفَ عَلَى مَرَمَّتِهَا وَلَمْ يَأْمُرْ بِأَنْ يُبْنَى هَذَا الْمَسْجِدُ وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ الْبِنَاءُ بِتِلْكَ الْغَلَّةِ وَلَوْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى عِمَارَةِ الْمَسْجِدِ هَلْ لِلْقَيِّمِ أَنْ يَشْتَرِيَ سُلَّمًا لِيَرْتَقِيَ عَلَى السَّطْحِ لِكَنْسِ السَّطْحِ وَتَطْيِينِهِ أَوْ يُعْطَى مِنْ غَلَّةِ الْمَسْجِدِ أَجْرُ مَنْ يَكْنُسُ السَّطْحَ وَيَطْرَحُ الثَّلْجَ وَيُخْرِجُ التُّرَابَ الْمُجْتَمِعَ مِنْ الْمَسْجِدِ. قَالَ أَبُو نَصْرٍ لِلْقَيِّمِ أَنْ يَفْعَلَ مَا فِي تَرْكِهِ خَرَابُ الْمَسْجِدِ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ حَوَانِيتُ مَالَ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ وَالْأَوَّلُ مِنْهَا وَقْفٌ وَالْبَاقِي مِلْكٌ وَالْمُتَوَلِّي لَا يُعَمِّرُ الْوَقْفَ قَالَ أَبُو قَاسِمٍ إنْ كَانَ لِلْوَقْفِ غَلَّةٌ كَانَ لِأَصْحَابِ الْحَوَانِيتِ أَنْ يَأْخُذُوا الْقَيِّمَ لِيُسَوِّيَ الْحَائِطَ الْمَائِلَ مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْوَقْفِ غَلَّةٌ فِي يَدِ الْقَيِّمِ رَفَعُوا الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي لِيَأْمُرَ الْقَاضِي الْقَيِّمَ بِالِاسْتِدَانَةِ عَلَى الْوَقْفِ فِي إصْلَاحِ الْوَقْفِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَدِينَ بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي. كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ لَوْ وَقَفَ عَلَى الْمَسَاكِينِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْعِمَارَةَ يَبْدَأُ مِنْ الْغَلَّةِ بِالْعِمَارَةِ وَبِمَا يُصْلِحُهَا وَبِخَرَاجِهَا وَمُؤَنِهَا ثُمَّ يُقْسَمُ الْبَاقِي عَلَى الْمَسَاكِينِ فَإِنْ كَانَ فِي الْأَرْضِ نَخْلٌ وَيَخَافُ الْقَيِّمُ هَلَاكَهَا كَانَ لِلْقَيِّمِ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ فَسِيلًا فَيَغْرِسَهُ كَيْ لَا يَنْقَطِعَ فَلَوْ كَانَتْ قِطْعَةٌ مِنْهَا سَبْخَةً تَحْتَاجُ إلَى رَفْعِ وَجْهِهَا وَإِصْلَاحِهَا حَتَّى تَنْبُتَ كَانَ لِلْقَيِّمِ أَنْ يَبْدَأَ مِنْ جُمْلَةِ غَلَّةِ الْأَرْضِ فِي ذَلِكَ وَيُصْلِحَ الْقِطْعَةَ. وَلَوْ أَرَادَ الْقَيِّمُ أَنْ يَبْنِيَ فِي الْأَرْضِ الْمَوْقُوفَةِ قَرْيَةً لِأَكَرَتِهَا وَحُفَّاظِهَا لِيَحْفَظَ فِيهَا الْغَلَّةَ وَيَجْمَعَهَا كَانَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ وَكَذَا لَوْ كَانَ الْوَقْفُ خَانًا عَلَى الْفُقَرَاءِ وَاحْتَاجَ إلَى خَادِمٍ يَكْسَحُ الْخَانَ وَيَقُومُ بِهِ وَيَفْتَحُ بَابَهُ وَيَسُدُّهُ فَسَلَّمَ بَعْضَ الْبُيُوتِ إلَى رَجُلٍ أُجْرَةً لَهُ لِيَقُومَ بِذَلِكَ كَانَ لَهُ ذَلِكَ وَإِنْ أَرَادَ قَيِّمُ الْوَقْفِ أَنْ يَبْنِيَ فِي الْأَرْضِ الْمَوْقُوفَةِ بُيُوتًا يَسْتَغِلُّهَا بِالْإِجَارَةِ لَا يَكُونُ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ اسْتِغْلَالَ أَرْضِ الْوَقْفِ يَكُونُ بِالزَّرْعِ وَلَوْ كَانَتْ الْأَرْضُ مُتَّصِلَةً بِبُيُوتِ الْمِصْرِ يَرْغَبُ النَّاسُ فِي اسْتِئْجَارِ بُيُوتِهَا وَتَكُونُ غَلَّةُ ذَلِكَ فَوْقَ غَلَّةِ الزَّرْعِ وَالنَّخْلِ كَانَ لِلْقَيِّمِ أَنْ يَبْنِيَ فِيهَا بُيُوتًا فَيُؤَاجِرَهَا لِأَنَّ الِاسْتِغْلَالَ بِهَذَا الْوَجْهِ يَكُونُ أَنْفَعَ لِلْفُقَرَاءِ. كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ لَوْ بَنَى خَانًا وَاحْتَاجَ إلَى الْمَرَمَّةِ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُعْزَلُ مِنْهُ بَيْتٌ أَوْ بَيْتَانِ فَتُؤَاجَرُ وَيُنْفَقُ مِنْ غَلَّتِهَا عَلَيْهِ وَعَنْهُ رِوَايَةٌ أُخْرَى إجَارَةُ الْكُلِّ سَنَةً وَيَسْتَرِمُّ مِنْهَا قَالَ النَّاطِفِيُّ قِيَاسُهُ فِي الْمَسْجِدِ أَنْ يَجُوزَ إجَارَةُ سَطْحِهِ لِمَرَمَّتِهِ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ فِي فَتَاوَى سَمَرْقَنْدَ شَجَرَةُ وَقْفٍ فِي دَارِ وَقْفٍ خَرِبَتْ لَيْسَ لِلْمُتَوَلِّي أَنْ يَبِيعَ الشَّجَرَةَ وَيُعَمِّرَ الدَّارَ وَلَكِنْ يُكْرِي الدَّارَ وَيَسْتَعِينُ بِالْكِرَاءِ عَلَى عِمَارَةِ   [منحة الخالق] أَنَّ مَا فِي الْقُنْيَةِ يَرُدُّ مَا قَالَهُ ابْنُ وَهْبَانَ. [وَقْفِ الْمَسْجِدِ أَيَجُوزُ أَنْ يُبْنَى مِنْ غَلَّتِهِ مَنَارَةً] (قَوْلُهُ فَسِيلًا) قَالَ فِي الصِّحَاحِ وَالْفَسِيلَةُ وَالْفَسِيلُ الْوِدِّيُّ وَهُوَ صِغَارُ النَّخْلِ وَالْجَمْعُ الْفُسْلَانُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 233 الدَّارِ لَا بِالشَّجَرَةِ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ. الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ هَلْ يَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْ طَعَامِ الْعَمَلَةِ يَوْمَ الْعِمَارَةِ قَالُوا إنْ حَضَرُوا لِلْإِرْشَادِ وَالْحَثِّ عَلَى الْعَمَلِ جَازَ الْأَكْلُ وَإِلَّا فَإِنْ كَانُوا قَلِيلًا جَازَ وَإِلَّا فَلَا ذَكَرَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ فِي قَوْمٍ جَمَعُوا الدَّرَاهِمَ لِعِمَارَةِ الْقَنْطَرَةِ وَبِهَذَا يُعْلَمُ جَوَازُ أَكْلِ الشَّادِّ وَالْمُهَنْدِسِ مَعَهُمْ السَّادِسَةَ عَشْرَةَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي فَتَاوَى خُوَارِزْمَ أَنَّ الْوَاقِفَ وَمَحَلَّ الْوَقْفِ أَعْنِي الْجِهَةَ إنْ اتَّحَدَتْ بِأَنْ كَانَ وَقْفًا عَلَى الْمَسْجِدِ أَحَدُهُمَا إلَى الْعِمَارَةِ وَالْآخَرُ إلَى إمَامِهِ أَوْ مُؤَذِّنِهِ وَالْإِمَامُ وَالْمُؤَذِّنُ لَا يَسْتَقِرُّ لِقِلَّةِ الْمَرْسُومِ لِلْحَاكِمِ الدَّيِّنِ أَنْ يَصْرِفَ مِنْ فَاضِلِ وَقْفِ الْمَصَالِحِ وَالْعِمَارَةِ إلَى الْإِمَامِ وَالْمُؤَذِّنِ بِاسْتِصْوَابِ أَهْلِ الصَّلَاحِ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ إنْ كَانَ الْوَاقِفُ مُتَّحِدًا لِأَنَّ غَرَضَ الْوَاقِفِ إحْيَاءُ وَقْفِهِ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِمَا قُلْنَا أَمَّا إذَا اخْتَلَفَ الْوَاقِفُ أَوْ اتَّحَدَ الْوَاقِفُ وَاخْتَلَفَتْ الْجِهَةُ بِأَنْ بَنَى مَدْرَسَةً وَمَسْجِدًا وَعَيَّنَ لِكُلٍّ وَقْفًا وَفَضَلَ مِنْ غَلَّةِ أَحَدِهِمَا لَا يُبَدِّلُ شَرْطَ الْوَاقِفِ. وَكَذَا إذَا اخْتَلَفَ الْوَاقِفُ لَا الْجِهَةُ يُتَّبَعُ شَرْطُ الْوَاقِفِ وَقَدْ عُلِمَ بِهَذَا التَّقْرِيرِ إعْمَالُ الْغَلَّتَيْنِ إحْيَاءً لِلْوَقْفِ وَرِعَايَةً لِشَرْطِ الْوَاقِفِ هَذَا هُوَ الْحَاصِلُ مِنْ الْفَتَاوَى. اهـ. وَقَدْ عُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِمُتَوَلِّي الشَّيْخُونِيَّةِ بِالْقَاهِرَةِ صَرْفُ أَحَدِ الْوَقْفَيْنِ لِلْآخَرِ وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ مَسْجِدٌ لَهُ أَوْقَافٌ مُخْتَلِفَةٌ لَا بَأْسَ لِلْقَيِّمِ أَنْ يَخْلِطَ غَلَّتَهَا كُلَّهَا وَإِنْ خَرِبَ حَانُوتٌ مِنْهَا فَلَا بَأْسَ بِعِمَارَتِهِ مِنْ غَلَّةِ حَانُوتٍ آخَرَ لِأَنَّ الْكُلَّ لِلْمَسْجِدِ هَذَا إذَا كَانَ الْوَاقِفُ وَاحِدًا وَإِنْ كَانَ الْوَاقِفُ مُخْتَلِفًا فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ لِأَنَّ الْمَعْنَى يَجْمَعُهُمَا اهـ. السَّابِعَةَ عَشْرَةَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَإِذَا انْهَدَمَ رِبَاطُ الْمُخْتَلِفَةِ وَبَنَى بِنَاءً جَدِيدًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لَا يَكُونُ الْأَوَّلُونَ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِمْ وَإِنْ لَمْ يُغَيِّرْ تَرْتِيبَهُ الْأَوَّلَ إلَّا أَنَّهُ إنْ زِيدَ أَوْ نُقِصَ فَالْأَوَّلُونَ أَوْلَى اهـ. الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ بَنَى الْمُتَوَلِّي فِي عَرْصَةِ الْوَقْفِ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ أَوْ مِنْ مَالِهِ لِلْوَقْفِ أَوْ لَمْ يَذْكُرْ شَيْئًا كَانَ وَقْفًا بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ وَإِنْ أَشْهَدَ أَنَّهُ بَنَاهُ لِنَفْسِهِ كَانَ مِلْكًا لَهُ وَإِنْ مُتَوَلِّيًا كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَغَيْرِهَا وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ قَوْلَ النَّاسِ الْعِمَارَةُ فِي الْوَقْفِ وَقْفٌ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ إذَا عَمِلَ الْقَيِّمُ فِي عِمَارَةِ الْمَسْجِدِ وَالْوَقْفِ كَعَمَلِ الْأَجِيرِ لَا يَسْتَحِقُّ أَجْرًا لِأَنَّهُ لَا يَجْتَمِعُ لَهُ أَجْرُ الْقِوَامَةِ وَأَجْرُ الْعَمَلِ كَذَا فِي الْقُنْيَةِ وَسَيَأْتِي أَيْضًا الْعِشْرُونَ لَوْ انْكَشَفَ سَقْفُ السُّوقِ فَغَلَبَ الْحَرُّ عَلَى الْمَسْجِدِ الصَّيْفِيِّ لِوُقُوعِ الشَّمْسِ فِيهِ فَلِلْقَيِّمِ سَتْرُ سَقْفِ السُّوقِ مِنْ مَالِ الْمَسْجِدِ بِقَدْرِ مَا يَنْدَفِعُ بِهِ هَذَا الْقَدْرُ كَذَا فِي الْقُنْيَةِ. قَوْلُهُ (وَلَوْ دَارًا فَعِمَارَتُهُ عَلَى مَنْ لَهُ السُّكْنَى) أَيْ لَوْ كَانَ الْمَوْقُوفُ دَارًا فَعِمَارَةُ الْمَوْقُوفِ عَلَى مَنْ لَهُ سُكْنَاهُ لِأَنَّ الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ وَصَارَ كَنَفَقَةِ الْعَبْدِ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ فَإِنْ كَانَ الْمَشْرُوطُ لَهُ السُّكْنَى رَمَّ حِيطَانَ الدَّارِ الْمَوْقُوفَةِ بِالْآجُرِّ وَجَصَّصَهَا أَوْ أَدْخَلَ فِيهَا أَجْذَاعًا ثُمَّ مَاتَ وَلَا يُمْكِنُ نَزْعُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إلَّا بِتَضَرُّرٍ بِالْبِنَاءِ فَلَيْسَ لِلْوَرَثَةِ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَلَكِنْ يُقَالُ لِلْمَشْرُوطِ لَهُ السُّكْنَى بَعْدَهُ اضْمَنْ لِوَرَثَتِهِ قِيمَةَ الْبِنَاءِ وَلَكَ السُّكْنَى فَإِنْ أَبَى أُوجِرَتْ الدَّارُ وَصُرِفَتْ الْغَلَّةُ إلَى وَرَثَةِ الْمَيِّتِ بِقَدْرِ قِيمَةِ الْبِنَاءِ فَإِذَا وَفَّتْ غَلَّتُهُ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ أُعِيدَ السُّكْنَى إلَى مَنْ لَهُ السُّكْنَى وَلَيْسَ لِصَاحِبِ السُّكْنَى أَنْ يَرْضَى بِقَلْعِ ذَلِكَ وَهَدْمِهِ وَإِنْ كَانَ مَا رَمَّ الْأَوَّلُ مِثْلَ تَجْصِيصِ الْحِيطَانِ أَوْ تَطْيِينِ السُّطُوحِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ ثُمَّ مَاتَ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يَرْجِعُوا بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا لَوْ اشْتَرَى دَارًا وَجَصَّصَهَا وَطَيَّنَ سُطُوحَهَا ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ الدَّارُ لَا يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْبَائِعِ بِقِيمَةِ الْجِصِّ وَالطِّينِ وَإِنَّمَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِقِيمَةِ مَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَنْقُضَهُ وَيُسَلِّمَ نَقْضَهُ إلَيْهِ. اهـ. وَجَعَلَ فِي الْمُجْتَبَى مَسْأَلَةَ مَا إذَا عَمَّرَهَا وَمَاتَ نَظِيرَ مَا إذَا عَمَّرَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ لِلْحَاكِمِ الدَّيْنُ إلَخْ) اُنْظُرْ مَا كَتَبْنَاهُ عَنْ الْإِسْعَافِ فِي السَّادِسَةِ (قَوْلُهُ أَوْ اتَّحَدَ الْوَاقِفُ وَاتَّحَدَتْ الْجِهَةُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَمِنْ اخْتِلَافِ الْجِهَةِ مَا إذَا كَانَ الْوَقْفُ مَنْزِلَيْنِ أَحَدُهُمَا لِلسُّكْنَى وَالْآخَرُ لِلِاسْتِغْلَالِ فَلَا يُصْرَفُ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ وَهِيَ وَاقِعَةُ الْفَتْوَى تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا اخْتَلَفَ الْوَاقِفُ لَا الْجِهَةُ) كَذَا رَأَيْتُهُ فِي عِبَارَةِ الْبَزَّازِيَّةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تَحْرِيفُ وَالْأَصْلُ وَالْجِهَةُ بِوَاوِ الْعَطْفِ لِأَنَّهُ مُكَرَّرٌ بِقَوْلِهِ أَمَّا إذَا اخْتَلَفَ الْوَاقِفُ لِأَنَّ مَعْنَاهُ مَعَ اتِّحَادِ الْجِهَةِ (قَوْلُهُ وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ مَسْجِدٌ لَهُ أَوْقَافٌ) قَالَ الرَّمْلِيُّ لَا مُخَالَفَةَ بَيْنَ مَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ لِأَنَّ مَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ ضِدُّ اتِّحَادِ الْجِهَةِ وَتَوَافُقُ الشَّرْطَيْنِ مِنْ الْوَاقِفِينَ تَأَمَّلْ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ فِي الرَّابِعِ فِي الْمَسْجِدِ وَمَا يَتَّصِلُ بِهِ مَسْجِدٌ لَهُ أَوْقَافٌ مُخْتَلِفَةٌ لَا بَأْسَ لِلْقَيِّمِ أَنْ يَخْلِطَ غَلَّتَهَا وَإِنْ خَرِبَ حَانُوتٌ فِيهَا لَا بَأْسَ بِعِمَارَتِهِ مِنْ غَلَّةِ حَانُوتٍ آخَرَ اتَّحَدَ الْوَاقِفُ أَوْ لَا. اهـ. فَهُوَ كَمَا تَرَاهُ عَيْنُ مَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ اهـ. وَانْظُرْ هَذَا التَّوْفِيقُ مَعَ قَوْلِ الْبَزَّازِيَّةِ الَّذِي قَدَّمَهُ الْمُؤَلِّفُ وَكَذَا إذَا اخْتَلَفَ الْوَاقِفُ لَا الْجِهَةُ يُتَّبَعُ شَرْطُ الْوَاقِفِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ) قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَوَلِّيًا فَإِنَّهُ بِإِذْنِ الْمُتَوَلِّي لِيَرْجِعَ فَهُوَ وَقْفٌ وَإِلَّا فَإِنْ بَنَى لِلْوَقْفِ فَوَقَفَ وَإِنْ لِنَفْسِهِ أَوْ أَطْلَقَ رَفَعَهُ لَوْ لَمْ يَضُرَّ وَإِنْ أَخَّرَ فَهُوَ الْمُضَيِّعُ لِمَالِهِ فَلْيَتَرَبَّصْ إلَى خَلَاصِهِ وَفِي بَعْضِ الْكُتُبِ لِلنَّاظِرِ تَمَلُّكُهُ بِأَقَلِّ الْقِيمَتَيْنِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 234 دَارَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ ثُمَّ قَالَ مُسْتَأْجِرُ حَانُوتِ الْوَقْفِ بَنَى فِيهِ بِغَيْرِ إذْنِ الْقَيِّمِ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ وَيَرْفَعُ بِنَاءَهُ إنْ لَمْ يَضُرَّ بِالْوَقْفِ وَإِلَّا يَتَمَلَّكُهُ الْقَيِّمُ بِأَقَلِّ الْقِيمَتَيْنِ مَنْزُوعًا وَغَيْرَ مَنْزُوعٍ فَإِنْ أَبَى يَتَرَبَّصُ إلَى أَنْ يَخْلُصَ مَالُهُ ثُمَّ قَالَ مُسْتَأْجِرُ الْوَقْفِ بَنَى غُرْفَةً عَلَى الْحَانُوتِ إنْ لَمْ يَضُرَّ بِأَصْلِهِ وَيَزِيدَ فِي أُجْرَتِهِ أَوْ لَا يَسْتَأْجِرُ إلَّا بِالْغُرْفَةِ يَجُوزُ وَإِلَّا فَلَا. اهـ. وَفِي الْقُنْيَةِ لَوْ وَقَفَ دَارًا عَلَى رَجُلٍ وَأَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِ أَبَدًا مَا تَنَاسَلُوا فَإِذَا انْقَطَعُوا فَإِلَى الْفُقَرَاءِ ثُمَّ بَنَى وَاحِدٌ مِنْ أَوْلَادِ أَوْلَادِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ بَعْضَ الدَّارِ الْمَوْقُوفَةِ وَطَيَّنَ الْبَعْضَ وَجَصَّصَ الْبَعْضَ وَبَسَطَ فِيهِ الْآجُرَّ فَطَلَبَ الْآخَرُ مِنْهُ حِصَّتَهُ لِيَسْكُنَ فِيهَا فَمَنَعَهُ مِنْهَا حَتَّى يَدْفَعَ لَهُ حِصَّةَ مَا أَنْفَقَ فِيهَا لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَالتَّطْيِينُ وَالْجِصُّ صَارَ تَبَعًا لِلْوَقْفِ وَلَهُ أَنْ يَنْقُضَ الْآجُرَّ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَإِنَّمَا يَنْقُضُ الْآجُرَّ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي نَقْضِهِ ضَرَرٌ بِالْوَقْفِ كَمَنْ بَنَى فِي الْحَانُوتِ الْمُسَبَّلِ فَلَهُ رَفْعُهُ إذَا لَمْ يَضُرَّ بِالْبِنَاءِ الْقَدِيمِ وَإِلَّا فَلَا. اهـ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ أَنَّ مَنْ لَهُ الِاسْتِغْلَالُ لَا تَكُونُ الْعِمَارَةُ عَلَيْهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَنْ لَهُ الِاسْتِغْلَالُ لَا يَمْلِكُ السُّكْنَى وَمَنْ لَهُ السُّكْنَى لَا يَمْلِكُ الِاسْتِغْلَالَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِقَوْلِهِ وَلَيْسَ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ الدَّارُ سُكْنَاهَا بَلْ الِاسْتِغْلَالُ كَمَا لَيْسَ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ السُّكْنَى الِاسْتِغْلَالُ. اهـ. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُمْ إجَارَةُ الْعَيْنِ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ صَحِيحَةٌ وَمَعْلُومٌ أَنَّ اسْتِئْجَارَ دَارٍ مِمَّنْ لَهُ حَقُّ السُّكْنَى لَا يَجُوزُ فَجَوَازُهَا دَلَّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَلَمْ أَرَ حُكْمَ مَا إذَا سَكَنَ مَنْ لَهُ الِاسْتِغْلَالُ وَفَعَلَ مَا لَا يَجُوزُ هَلْ تَجِبُ الْأُجْرَةُ عَلَيْهِ وَيَأْخُذُهَا الْمُتَوَلِّي ثُمَّ يَدْفَعُهَا إلَيْهِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْوَقْفَ إنْ كَانَ مُحْتَاجًا إلَى الْعِمَارَةِ وَجَبَتْ الْأُجْرَةُ عَلَيْهِ فَيَأْخُذُهَا الْمُتَوَلِّي لِيُعَمِّرَ بِهَا وَإِلَّا فَلَا فَائِدَةَ فِي وُجُوبِهَا حَيْثُ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْغَلَّةِ وَإِنَّمَا لَمْ تَكُنْ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْمُتَوَلِّيَ عَلَيْهَا يُؤَجِّرُهَا وَيُعَمِّرُهَا بِأُجْرَتِهَا كَمَا لَوْ أَبَى مَنْ لَهُ السُّكْنَى لَكِنْ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَإِذَا صَحَّ الْوَقْفُ وَاحْتَاجَ إلَى الْعِمَارَةِ فَالْعِمَارَةُ عَلَى مَنْ يَسْتَحِقُّ الْغَلَّةَ اهـ. وَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى فَالْعِمَارَةُ فِي غَلَّتِهَا وَلَمَّا كَانَتْ غَلَّتُهَا لَهُ صَارَ كَأَنَّ الْعِمَارَةَ عَلَيْهِ قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَإِنْ كَانَ الْمَشْرُوطُ لَهُ غَلَّةُ الْأَرْضِ جَمَاعَةً رَضِيَ بَعْضُهُمْ بِأَنْ يَرُمَّهُ الْمُتَوَلِّي مِنْ مَالِ الْوَقْفِ وَأَبَى الْبَعْضُ فَمَنْ أَرَادَ الْعِمَارَةَ عَمَّرَ الْمُتَوَلِّي حِصَّتَهُ بِحِصَّتِهِ وَمَنْ أَبَى تُؤَجَّرُ حِصَّتُهُ وَتُصْرَفُ غَلَّتُهَا إلَى الْعِمَارَةِ إلَى أَنْ تَحْصُلَ الْعِمَارَةُ ثُمَّ تُعَادُ إلَيْهِ. اهـ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة وَلَوْ كَانَ الْوَاقِفُ حِينَ شَرَطَ الْغَلَّةَ لِفُلَانٍ مَا عَاشَ شَرَطَ عَلَى فُلَانٍ مَرَمَّتَهَا وَإِصْلَاحَهَا فِيمَا لَا بُدَّ لَهَا مِنْهُ فَالْوَقْفُ جَائِزٌ مَعَ هَذَا الشَّرْطِ. اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى عِمَارَتِهَا وَقِيَاسُهُ أَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ السُّكْنَى   [منحة الخالق] مَنْزُوعًا وَغَيْرَ مَنْزُوعٍ بِمَالِ الْوَقْفِ. اهـ. وَفِي حَاشِيَةِ الْحَمَوِيِّ قَوْلُهُ فَلْيَتَرَبَّصْ إلَى خَلَاصِهِ قِيلَ وَإِذَا تَرَبَّصَ عَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ عَلَى اخْتِيَارِ الْمُتَأَخِّرِينَ. (قَوْلُهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَنْ لَهُ الِاسْتِغْلَالُ لَا يَمْلِكُ السُّكْنَى إلَخْ) قَدْ سَوَّى بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَالثَّانِيَةُ مِنْهُمَا وِفَاقِيَّةٌ وَالْأُولَى خِلَافِيَّةٌ وَالرَّاجِحُ فِيهَا أَنَّهُ يَمْلِكُ السُّكْنَى كَمَا حَقَّقَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي رِسَالَةٍ سَمَّاهَا تَحْقِيقَ السُّؤْدُدِ فَارْجِعْ إلَيْهَا أَقُولُ: وَقَدْ ذَكَرَ الْخَصَّافُ أَوَّلًا التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي بَابٍ آخَرَ مُعَلِّلًا بِأَنَّ سُكْنَى مَنْ لَهُ الِاسْتِغْلَالُ كَسُكْنَى غَيْرِهِ بِخِلَافِ الْعَكْسِ لِأَنَّهُ يُوجِبُ فِيهَا حَقًّا لِغَيْرِهِ وَمَنْ لَهُ الِاسْتِغْلَالُ إذَا سَكَنَ لَا يُوجِبُ حَقًّا لِغَيْرِهِ (قَوْلُهُ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِقَوْلِهِ وَلَيْسَ إلَخْ) هَذِهِ الْعِبَارَةُ تُفِيدُ أَنَّهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فِي الْوَقْفِ يَكُونُ لِلِاسْتِغْلَالِ وَفِي النَّظْمِ الْوَهْبَانِيِّ وَمَنْ وُقِفَتْ دَارٌ عَلَيْهِ فَمَالُهُ سِوَى الْأَجْرِ وَالسُّكْنَى بِهَا لَا تُقَرَّرُ وَتَمَامُهُ فِي حَاشِيَةِ الرَّمْلِيِّ (قَوْلُهُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى أَنَّ مَنْ لَهُ الِاسْتِغْلَالُ لَيْسَ لَهُ السُّكْنَى وَبَيَانُ الدَّلَالَةِ أَنَّ قَوْلَهُمْ يَصِحُّ أَنْ تُؤَجَّرَ الدَّارُ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ مَنْ لَهُ الِاسْتِغْلَالُ إذْ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ مَنْ لَهُ حَقُّ السُّكْنَى لَمَا صَحَّ فَجَوَازُ إجَارَتِهَا لِمَنْ لَهُ الِاسْتِغْلَالُ فَقَطْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ السُّكْنَى إذْ لَا يَسْتَأْجِرُ الْإِنْسَانُ شَيْئًا يَسْتَحِقُّهُ وَعِبَارَةُ الْبَزَّازِيَّةِ هَكَذَا وَلَا يَمْلِكُ الْمَصْرِفُ السُّكْنَى فِي دَارٍ أَوْ حَانُوتٍ وُقِفَتْ عَلَيْهِمْ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرَهُ أَبُو جَعْفَرٍ أَنَّ إجَارَتَهُ مِنْ الْمَصْرِفِ يَجُوزُ وَمَعْلُومٌ أَنَّ اسْتِئْجَارَ دَارٍ لَهُ السُّكْنَى لَا يَجُوزُ فَجَوَازُهَا دَلَّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا اهـ. وَقَوْلُهُ لَهُ السُّكْنَى أَلْ فِيهِ بَدَلٌ عَنْ الضَّمِيرِ الْمُضَافِ إلَيْهِ أَيْ لَهُ سُكْنَاهَا هَذَا وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ عَقِبَ مَا قَدَّمْنَاهُ مَا نَصُّهُ وَفِي النَّوَازِلِ وَقَفَ عَلَيْهِ غَلَّةَ دَارٍ لَيْسَ لَهُ السُّكْنَى وَإِنْ وَقَفَ عَلَيْهِ لِلسُّكْنَى لَمْ يَكُنْ لَهُ الِاسْتِغْلَالُ. اهـ. وَهَذَا هُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا نَقَلَهُ الْمُؤَلِّفُ أَوَّلًا وَوَقَعَ فِي رِسَالَةِ الشُّرُنْبُلَالِيُّ بِدُونِ لَيْسَ فَقَالَ عَازِيًا إلَى الْبَزَّازِيَّةِ وَقَفَ عَلَيْهِ غَلَّةَ دَارٍ لَهُ السُّكْنَى وَجَعَلَهُ مِنْ جُمْلَةِ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَا فِي النَّوَازِلِ ذَكَرَهُ الْبَزَّازِيُّ بَعْدَمَا قَدَّمَهُ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ إظْهَارًا لِمُخَالَفَتِهِ وَعَلَى مَا عَلِمْته لَيْسَ فِيهِ مُخَالَفَةٌ لَهُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى عِمَارَتِهَا) قَالَ فِي النَّهْرِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ وَسَيَأْتِي قَرِيبًا مَا يُؤَيِّدُهُ ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَا يُجْبَرُ الْمُمْتَنِعُ عَلَى الْعِمَارَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ إتْلَافِ مَالِهِ فَأَشْبَهَ صَاحِبَ الْبَذْرِ فِي الْمُزَارَعَةِ وَلَا يَكُونُ امْتِنَاعُهُ رِضًا مِنْهُ بِبُطْلَانِ حَقِّهِ لِأَنَّهُ فِي حَيِّزِ التَّرَدُّدِ. اهـ. وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا بِإِطْلَاقِهِ يَشْمَلُ مَا لَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ عَلَيْهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 235 كَذَلِكَ فَإِنْ قُلْتَ هَلْ يَصِحُّ بَيْعُ الْعِمَارَةِ فِي الْأَرْضِ الْمَوْقُوفَةِ قُلْتُ قَالَ فِي الْقُنْيَةِ مِنْ الْوَقْفِ وَيَجُوزُ شِرَاءُ عِمَارَةِ أَرْضٍ أَوْ دَارٍ لِلْمَسْجِدِ إذَا كَانَتْ الرَّقَبَةُ وَقْفًا وَإِلَّا فَلَا اهـ. وَمِنْ الْبُيُوعِ وَيُشْتَرَطُ لِجَوَازِ بَيْعِ الْعِمَارَةِ فِي الْحَانُوتِ وَالْأَشْجَارِ فِي الْأَرْضِ أَنْ لَا يَلْحَقَهَا ضَرَرٌ بِالْقَلْعِ لِأَمْلَاكِ الْبَاعَةِ وَفِي الْوَقْفِ لَا يُشْتَرَطُ وَلَوْ بَاعَ بِنَاءً وَاسْتَثْنَى مَا فِيهِ مِنْ الْخَشَبِ أَوْ اسْتَثْنَى مَا فِيهِ مِنْ اللَّبِنِ وَالتُّرَابِ يَجُوزُ إذَا اشْتَرَاهُ لِلنَّقْضِ. اهـ. وَفِي الْقُنْيَةِ دَارٌ لِسُكْنَى الْإِمَامِ هَدَمَهَا وَبَنَاهَا لِنَفْسِهِ وَسَقْفُهَا مِنْ الْخَشَبِ الْقَدِيمِ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيْعُ الْبِنَاءِ إنْ بَنَاهَا كَمَا كَانَتْ وَفِيهَا أَيْضًا وَقَفَ دَارًا عَلَى إمَامِ مَسْجِدٍ لِيَسْكُنَهُ بِشَرَائِطِهِ ثُمَّ أَخَذَ يَؤُمُّ بِنَفْسِهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ أُجْرَتَهَا اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ أَبَى أَوْ عَجَزَ عَمَّرَ الْحَاكِمُ بِأُجْرَتِهَا) يَعْنِي أَجَّرَهَا الْحَاكِمُ مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ أَوْ غَيْرِهِ وَعَمَّرَهَا بِأُجْرَتِهَا ثُمَّ يَرُدُّهَا بَعْدَ التَّعْمِيرِ إلَى مَنْ لَهُ السُّكْنَى لِأَنَّ فِي ذَلِكَ رِعَايَةً لِلْحَقَّيْنِ حَقِّ الْوَقْفِ وَحَقِّ صَاحِبِ السُّكْنَى لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُعَمِّرْهَا تَفُوتُ السُّكْنَى أَصْلًا أَفَادَ أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ الْمُمْتَنِعُ عَلَى الْعِمَارَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ إتْلَافِ مَالِهِ فَأَشْبَهَ امْتِنَاعَ صَاحِبِ الْبَذْرِ فِي الْمُزَارَعَةِ وَلَا يَكُونُ امْتِنَاعُهُ رِضًا مِنْهُ بِبُطْلَانِ حَقِّهِ لِأَنَّهُ فِي حَيِّزِ التَّرَدُّدِ. وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ عَمَّرَ الْحَاكِمُ بِأُجْرَتِهَا أَنَّ مَنْ لَهُ السُّكْنَى لَا تَصِحُّ إجَارَتُهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَالِكٍ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ إنْ أَرَادَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَالِكٍ لِلْمَنْفَعَةِ وَإِنَّمَا أُبِيحَ لَهُ الِانْتِفَاعُ كَمَا اخْتَارَهُ فِي الْعِنَايَةِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ لَزِمَ أَنْ لَا يَمْلِكَ الْإِعَارَةَ وَالْمَنْقُولُ فِي الْخَصَّافِ أَنَّهُ يَمْلِكُهَا فَلَوْلَا أَنَّهُ مَالِكٌ لِلْمَنْفَعَةِ لَمَا مَلَكَهَا لِأَنَّهَا تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَالِكٍ لِلْعَيْنِ. وَالْإِجَارَةُ تَتَوَقَّفُ عَلَى مِلْكِ الْعَيْنِ لَزِمَ أَنْ لَا تَصِحَّ إجَارَةُ الْمُسْتَأْجِرِ فِيمَا لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمِلِ وَأَنْ لَا تَصِحَّ إعَارَتُهُ وَهُمَا صَحِيحَانِ فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْمَنَافِعَ بِلَا بَدَلٍ فَلَا يَمْلِكُ تَمْلِيكَهَا بِبَدَلٍ وَهُوَ الْإِجَارَةُ وَإِلَّا لَمَلَكَ أَكْثَرَ مِمَّا مَلَكَ بِخِلَافِ الْإِعَارَةِ وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا الْحُكْمِ أَعْنِي عَدَمَ الْإِجَارَةِ بَيْنَ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ السُّكْنَى وَغَيْرِهِ فَلَا يَمْلِكُهَا الْمُسْتَحِقُّ لِلْغَلَّةِ أَيْضًا. وَنَصَّ الْأُسْرُوشَنِيُّ أَنَّ إجَارَةَ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ لَا تَجُوزُ وَإِنَّمَا يَمْلِكُ الْإِجَارَةَ الْمُتَوَلِّي أَوْ الْقَاضِي وَنُقِلَ عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ إنْ كَانَ الْأَجْرُ كُلُّهُ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ الْوَقْفُ لَا يَسْتَرِمُّ تَجُوزُ إجَارَتُهُ وَهَذَا فِي الدُّورِ وَالْحَوَانِيتِ وَأَمَّا الْأَرَاضِي فَإِنْ كَانَ الْوَاقِفُ شَرَطَ تَقْدِيمَ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ وَسَائِرِ الْمُؤَنِ فَلَيْسَ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ أَنْ يُؤَاجِرَ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يَجُوزَ وَيَكُونُ الْخَرَاجُ وَالْمُؤْنَةُ عَلَيْهِ وَالدَّعْوَى مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ غَيْرُ مَسْمُوعَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ وَبِهِ يُفْتَى كَذَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ فَإِنْ قُلْتَ إذَا لَمْ يَصِحَّ إيجَارُهُ مَا حُكْمُ الْأُجْرَةِ الَّتِي آجَرَهَا قُلْتُ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ لِلْوَقْفِ وَلَمْ أَرَهُ صَرِيحًا وَلَوْ قَالُوا عَمَّرَهَا الْمُتَوَلِّي أَوْ الْقَاضِي لَكَانَ أَوْلَى. فَظَاهِرُ قَوْلِهِمْ إنَّمَا يَمْلِكُ الْإِجَارَةَ الْمُتَوَلِّي أَوْ الْقَاضِي أَنَّ لِلْقَاضِي الِاسْتِقْلَالَ بِالْإِجَارَةِ وَلَوْ أَبَى الْمُتَوَلِّي إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ التَّوْزِيعَ فَالْقَاضِي يُؤَجِّرُهَا إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مُتَوَلٍّ أَوْ كَانَ لَهَا وَأَبَى الْأَصْلَحُ وَأَمَّا مَعَ حُضُورِ الْمُتَوَلِّي فَلَيْسَ لِلْقَاضِي ذَلِكَ وَسَتَزْدَادُ وُضُوحًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدُ وَلَمْ يَذْكُرْ الشَّارِحُونَ حُكْمَ الْعِمَارَةِ مِنْ الْمُتَوَلِّي أَوْ الْقَاضِي هَلْ هِيَ مَمْلُوكَةٌ لِمَنْ لَهُ السُّكْنَى أَوْ لَا وَفِي الْمُحِيطِ فَإِنْ أَجَّرَ الْقَيِّمُ وَأَنْفَقَ الْأُجْرَةَ فِي الْعِمَارَةِ فَتِلْكَ الْعِمَارَةُ الْمُحْدَثَةُ تَكُونُ لِصَاحِبِ السُّكْنَى لِأَنَّ الْأُجْرَةَ بَدَلُ الْمَنْفَعَةِ وَمِلْكُ الْمَنْفَعَةِ كَانَتْ مُسْتَحَقَّةً لِصَاحِبِ السُّكْنَى. فَكَذَا بَدَلُ الْمَنْفَعَةِ تَكُونُ لَهُ وَالْقَيِّمُ إنَّمَا أَجَّرَ لِأَجْلِهِ اهـ. وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ تَكُونُ مِيرَاثًا كَمَا لَوْ عَمَّرَهَا بِنَفْسِهِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَوْ لَمْ يَرْضَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ السُّكْنَى بِالْعِمَارَةِ وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يَسْتَأْجِرُهَا لَمْ أَرَ حُكْمَ هَذِهِ فِي الْمَنْقُولِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَالْحَالُ فِيهَا يُؤَدِّي إلَى أَنْ تَصِيرَ نَقْضًا عَلَى الْأَرْضِ كَوْمًا تَسْفُوهُ الرِّيَاحُ وَخَطَرَ لِي أَنَّهُ يُخَيِّرُهُ الْقَاضِي بَيْنَ أَنْ يُعَمِّرَهَا لِيَسْتَوْفِيَ مَنْفَعَتَهَا وَبَيْنَ أَنْ يَرُدَّهَا إلَى وَرَثَةِ الْوَاقِفِ   [منحة الخالق] الْمَرَمَّةَ لِأَنَّهَا حَيْثُ كَانَتْ عَلَيْهِ كَانَ فِي إجْبَارِهِ إتْلَافُ مَالِهِ وَبِهَذَا اتَّضَحَ مَا مَرَّ اهـ. (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلَوْ أَبَى أَوْ عَجَزَ عَمَّرَ الْحَاكِمُ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمُتَوَلِّيَ لَهُ ذَلِكَ أَيْضًا وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْحَاوِي. اهـ. وَسَيَأْتِي (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالُوا) قَالَ الرَّمْلِيُّ يَعْنِي أَصْحَابَ الْمُتُونِ (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ التَّوْزِيعَ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَهُوَ الظَّاهِرُ (قَوْلُهُ وَأَمَّا مَعَ حُضُورِ الْمُتَوَلِّي فَلَيْسَ لِلْقَاضِي ذَلِكَ) قَالَ الرَّمْلِيُّ سَيَأْتِي قَرِيبًا أَنَّ لَهُ ذَلِكَ مَعَ وُجُودِ الْمُتَوَلِّي فَتَأَمَّلْهُ وَقَدْ قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ فِي الْقَاعِدَةِ السَّادِسَةَ عَشْرَةَ الْوِلَايَةُ الْخَاصَّةُ أَقْوَى مِنْ الْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ فُرُوعًا وَعَلَى هَذَا لَا يَمْلِكُ الْقَاضِي التَّصَرُّفَ فِي الْوَقْفِ مَعَ وُجُودِ نَاظِرٍ وَلَوْ مِنْ قِبَلِهِ. اهـ. وَالْإِجَارَةُ تَصَرُّفٌ فِيهِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ التَّوْزِيعُ يَعْنِي إنْ أَبَى الْمُتَوَلِّي أَوْ غَابَ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مُتَوَلٍّ يُؤَجِّرُهَا الْقَاضِي وَسَيَأْتِي أَنَّ وِلَايَةَ الْقَاضِي مُتَأَخِّرَةٌ عَنْ الْمَشْرُوطِ وَعَنْ وَصِيِّهِ تَنَبَّهْ وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 236 اهـ. وَهُوَ عَجِيبٌ لِأَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِاسْتِبْدَالِ الْوَقْفِ إذَا خَرِبَ وَصَارَ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ وَهُوَ شَامِلٌ لِلْأَرْضِ وَالدَّارِ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَفِي الْمُنْتَقَى قَالَ هِشَامٌ سَمِعْت مُحَمَّدًا يَقُولُ الْوَقْفُ إذَا صَارَ بِحَيْثُ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ الْمَسَاكِينُ فَلِلْقَاضِي أَنْ يَبِيعَهُ وَيَشْتَرِيَ بِثَمَنِهِ غَيْرَهُ وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا لِلْقَاضِي. اهـ. وَأَمَّا عَوْدُ الْوَقْفِ بَعْدَ خَرَابِهِ إلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ أَوْ وَرَثَتِهِ فَقَدْ قَدَّمْنَا ضَعْفَهُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ السُّكْنَى إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْعِمَارَةِ وَلَمْ يُوجَدْ مُسْتَأْجِرٌ بَاعَهَا الْقَاضِي وَاشْتَرَى بِثَمَنِهَا مَا يَكُونُ وَقْفًا وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ خَانٌ أَوْ رِبَاطُ سَبِيلٍ أَرَادَ أَنْ يَخْرَبَ يُؤَاجِرُهُ الْمُتَوَلِّي وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ فَإِذَا صَارَ مَعْمُورًا لَا يُؤَاجِرُهُ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُؤَاجِرْهُ يَنْدَرِسُ. اهـ. لَكِنْ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمَشَايِخِ أَنَّ مَحَلَّ الِاسْتِبْدَالِ عِنْدَ التَّعَذُّرِ إنَّمَا هُوَ الْأَرْضُ لَا الْبَيْتُ وَقَدْ حَقَّقْنَاهُ فِي رِسَالَةٍ فِي الِاسْتِبْدَالِ. قَوْلُهُ (وَيُصْرَفُ نَقْضُهُ إلَى عِمَارَتِهِ إنْ احْتَاجَ وَإِلَّا حَفِظَهُ لِلِاحْتِيَاجِ وَلَا يَقْسِمُهُ بَيْنَ مُسْتَحِقِّي الْوَقْفِ) بَيَانٌ لِمَا انْهَدَمَ مِنْ بِنَاءِ الْوَقْفِ وَخَشَبِهِ وَالنَّقْضُ بِالضَّمِّ الْبِنَاءُ الْمَنْقُوضُ وَالْجَمْعُ نُقُوضٌ وَعَنْ الْوَبَرِيِّ النِّقْضُ بِالْكَسْرِ لَا غَيْرُ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَذَكَرَ فِي الْقَامُوسِ أَوَّلًا أَنَّ النِّقْضَ بِالْكَسْرِ الْمَنْقُوضُ وَثَانِيًا أَنَّهُ بِالضَّمِّ مَا اُنْتُقِضَ مِنْ الْبُنْيَانِ وَذَكَرَ أَنَّ الْجَمْعَ أَنْقَاضٌ وَنُقُوضٌ وَفَاعِلُ يَصْرِفُ الْحَاكِمُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ لِأَنَّهُ الْمُحَدَّثُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ عَمَّرَهَا الْحَاكِمُ وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُتَوَلِّي وَالْحَاكِمِ فِي الْإِجَارَةِ وَالتَّعْمِيرِ فَكَذَا فِي النِّقْضِ وَقَدْ سَوَّى بَيْنَ الْقَاضِي وَالْمُتَوَلِّي فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ فَإِنْ احْتَاجَ الْوَقْفُ إلَى عَوْدِ النِّقْضِ أَعَادَهُ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ وَإِنْ اسْتَغْنَى عَنْهُ أَمْسَكَهُ إلَى أَنْ يَحْتَاجَ إلَى عِمَارَتِهِ وَلَا يَجُوزُ قِسْمَتُهُ بَيْنَ مُسْتَحِقِّي الْوَقْفِ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ الْعَيْنِ وَلَا حَقَّ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ فِيهَا وَإِنَّمَا حَقُّهُمْ فِي الْمَنَافِعِ وَالْعَيْنُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يُصْرَفُ لَهُمْ غَيْرُ حَقِّهِمْ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ بَيْعَهُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَإِنْ تَعَذَّرَ إعَادَةُ عَيْنِهِ إلَى مَوْضِعِهِ بِيعَ وَصُرِفَ ثَمَنُهُ إلَى الْمَرَمَّةِ صَرْفًا لِلْبَدَلِ إلَى مَصْرِفِ الْمُبْدَلِ. اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ حَيْثُ أَمْكَنَ إعَادَتُهُ وَهَلْ يَفْسُدُ الْبَيْعُ أَوْ يَصِحُّ مَعَ إثْمِ الْمُتَوَلِّي لَمْ أَرَهُ صَرِيحًا وَيَنْبَغِي الْفَسَادُ وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِ الْمَوْقُوفِ لِمَرَمَّةِ الْبَاقِي بِثَمَنِ مَا بَاعَ زَادَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَوْ هَدَمَ الْبِنَاءَ يَنْبَغِي عَزْلُ النَّاظِرِ وَلَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَأْتَمِنَ الْخَائِنَ وَسَبِيلُهُ أَنْ يَعْزِلَهُ. اهـ. وَفِي الْحَاوِي فَإِنْ خِيفَ هَلَاكُ النَّقْضِ بَاعَهُ الْحَاكِمُ وَأَمْسَكَ ثَمَنَهُ لِعِمَارَتِهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ. اهـ. فَعَلَى هَذَا يُبَاعُ النَّقْضُ فِي مَوْضِعَيْنِ عِنْدَ تَعَذُّرِ عَوْدِهِ وَعِنْدَ خَوْفِ هَلَاكِهِ وَالْمُرَادُ مَا انْهَدَمَ مِنْ الْوَقْفِ فَلَوْ انْهَدَمَ الْوَقْفُ كُلُّهُ فَقَدْ سُئِلَ عَنْهُ قَارِئُ الْهِدَايَةِ بِقَوْلِهِ سُئِلَ عَنْ وَقْفٍ تَهَدَّمَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ يُعَمَّرُ مِنْهُ وَلَا أَمْكَنَ إجَارَتُهُ وَلَا تَعْمِيرُهُ هَلْ تُبَاعُ أَنْقَاضُهُ مِنْ حَجَرٍ وَطُوبٍ وَخَشَبٍ أَجَابَ إنْ كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ صَحَّ بَيْعُهُ بِأَمْرِ الْحَاكِمِ أَوْ يُشْتَرَى بِثَمَنِهِ وَقْفٌ مَكَانَهُ فَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ رَدَّهُ إلَى وَرَثَةِ الْوَاقِفِ إنْ وُجِدُوا وَإِلَّا صُرِفَ إلَى الْفُقَرَاءِ اهـ. قَوْلُهُ (وَإِنْ جَعَلَ الْوَاقِفُ غَلَّةَ الْوَقْفِ لِنَفْسِهِ أَوْ جَعَلَ الْوِلَايَةَ إلَيْهِ صَحَّ) أَيْ لَوْ شَرَطَ عِنْدَ الْإِيقَافِ ذَلِكَ اُعْتُبِرَ شَرْطُهُ أَمَّا الْأَوَّلُ فَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَلَا يَجُوزُ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ   [منحة الخالق] عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْوَرَقَةِ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ (قَوْلُهُ وَهُوَ عَجِيبٌ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ كَلَامُ الْفَتْحِ. اهـ. مِنْ أَنْ يَجِدَ مُسْتَبْدَلًا أَوْ لَا وَيُحْمَلُ عَلَى الثَّانِي إنْ رَأَى الِاسْتِبْدَالَ أَوْ عَلَيْهِمَا إنْ لَمْ يَرَهُ فَلَا يَجِبُ تَأَمَّلْ وَقَدْ فَرَّقَ الشَّيْخُ الْمُؤَلِّفُ فِي رِسَالَةٍ فِي الِاسْتِبْدَالِ بَيْنَ الْأَرْضِ فَأَجَازَهُ فِيهَا وَبَيْنَ الدَّارِ فَلَمْ يُجِزْهُ وَأَتَى بِأَشْيَاءَ لَا تَدُلُّ عَلَى دَعْوَاهُ وَقَوْلُهُ الْآتِي لَكِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْمَشَايِخِ أَنَّ مَحَلَّ الِاسْتِبْدَالِ الْأَرْضُ لَا الْبَيْتُ غَيْرُ ظَاهِرٍ وَكَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ وَكَلَامُ الْمُنْتَقَى شَامِلٌ لَهُمَا فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْأَرْضِ وَالدَّارِ غَيْرُ صَحِيحٍ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا لِلْقَاضِي) قَالَ الرَّمْلِيُّ عَلَيْكَ أَنْ تَتَأَمَّلَ وَتُرَاجِعَ كُتُبَ الْأَوْقَافِ فَقَدْ قَدَّمَ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَلَا يَمْلِكُ إلَخْ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ إذَا ضَعُفَتْ الْأَرْضُ الْمَوْقُوفَةُ عَنْ الِاسْتِبْدَالِ وَالْقَيِّمُ يَجِدُ بِثَمَنِهَا أُخْرَى أَكْثَرَ رِيعًا كَانَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا وَيَشْتَرِيَ بِثَمَنِهَا مَا هُوَ أَكْثَرُ رِيعًا وَقِيلَ هَذَا إذَا بَاعَهُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ لِضَرُورَةٍ وَقَضَى الْقَاضِي بِصِحَّةِ الْبَيْعِ يَنْفُذُ وَتَقَدَّمَ أَيْضًا وَفِي الذَّخِيرَةِ سُئِلَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ عَنْ أَوْقَافِ الْمَسْجِدِ إذَا تَعَطَّلَتْ وَتَعَذَّرَ اسْتِغْلَالُهَا هَلْ لِلْمُتَوَلِّي أَنْ يَبِيعَهَا وَيَشْتَرِيَ بِثَمَنِهَا مَكَانَهَا أُخْرَى قَالَ نَعَمْ وَقَدْ أَشْبَعَ الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ فَرَاجِعْهُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِ الْمَوْقُوفِ لِمَرَمَّةِ الْبَاقِي) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَقُولُ: قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ بَيْعُ عَقَارِ الْمَسْجِدِ لِمَصْلَحَتِهِ لَا يَجُوزُ وَإِنْ بِأَمْرِ الْقَاضِي وَإِنْ بَاعَ بَعْضَهُ لِإِصْلَاحِ بَاقِيهِ لِخَرَابِ كُلِّهِ جَازَ اهـ. وَتَمَامُهُ فِيهِ (قَوْلُهُ فَعَلَى هَذَا) يُبَاعُ النِّقْضُ فِي مَوْضِعَيْنِ يُزَادُ عَلَيْهِمَا مَا فِي الْفَتْحِ حَيْثُ قَالَ وَاعْلَمْ أَنَّ عَدَمَ جَوَازِ بَيْعِهِ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ الِانْتِفَاعُ بِهِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا وَرَدَ عَلَيْهِ وَقْفُ الْوَاقِفِ أَمَّا فِيمَا اشْتَرَاهُ الْمُتَوَلِّي مِنْ مُسْتَغَلَّاتِ الْوَقْفِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ بِلَا هَذَا الشَّرْطِ وَهَذَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 237 مُحَمَّدٍ مِنْ اشْتِرَاطِ التَّسْلِيمِ إلَى الْمُتَوَلِّي عِنْدَهُ وَقِيلَ إنَّ الِاخْتِلَافَ بَيْنَهُمَا بِنَاءً عَلَى اشْتِرَاطِ الْقَبْضِ وَالْإِفْرَازِ وَقِيلَ هِيَ مَسْأَلَةٌ مُبْتَدَأَةٌ فَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا شَرَطَ الْبَعْضَ لِنَفْسِهِ فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ مَوْتِهِ لِلْفُقَرَاءِ وَفِيمَا إذَا شَرَطَ الْكُلَّ لِنَفْسِهِ فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَهُ لِلْفُقَرَاءِ. وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ إنَّ الْوَقْفَ شُرِعَ عَلَى وَجْهِ التَّمْلِيكِ بِالطَّرِيقِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ فَاشْتِرَاطُهُ الْكُلَّ أَوْ الْبَعْضَ لِنَفْسِهِ يُبْطِلُهُ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ مِنْ نَفْسِهِ لَا يَتَحَقَّقُ فَصَارَ كَالصَّدَقَةِ الْمُنَفَّذَةِ وَشَرْطِ بَعْضِ بُقْعَةِ الْمَسْجِدِ لِنَفْسِهِ وَلِأَبِي يُوسُفَ مَا رَوَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَأْكُلُ مِنْ صَدَقَتِهِ وَالْمُرَادُ مِنْهَا صَدَقَتُهُ الْمَوْقُوفَةُ وَلَا يَحِلُّ الْأَكْلُ مِنْهُ إلَّا بِالشَّرْطِ فَدَلَّ عَلَى صِحَّتِهِ وَلِأَنَّ الْوَقْفَ إزَالَةُ الْمِلْكِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فَإِذَا شَرَطَ الْبَعْضَ أَوْ الْكُلَّ لِنَفْسِهِ فَقَدْ جَعَلَ مَا صَارَ مَمْلُوكًا لِلَّهِ تَعَالَى لِنَفْسِهِ لَا أَنْ يَجْعَلَ مِلْكَ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ وَهَذَا جَائِزٌ كَمَا إذَا بَنَى خَانًا أَوْ سِقَايَةً أَوْ جَعَلَ أَرْضَهُ مَقْبَرَةً وَشَرَطَ أَنْ يَنْزِلَهُ أَوْ يَشْرَبَ مِنْهُ أَوْ يُدْفَنَ فِيهِ وَلِأَنَّ مَقْصُودَهُ الْقُرْبَةُ وَفِي الصَّرْفِ إلَى نَفْسِهِ ذَلِكَ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «نَفَقَةُ الرَّجُلِ عَلَى نَفْسِهِ صَدَقَةٌ» . وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فَقَدْ تَرَجَّحَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَنَحْنُ أَيْضًا نُفْتِي بِقَوْلِهِ تَرْغِيبًا لِلنَّاسِ فِي الْوَقْفِ وَاخْتَارَهُ مَشَايِخُ بَلْخٍ وَكَذَا ظَاهِرُ الْهِدَايَةِ حَيْثُ أَخَّرَ وَجْهَهُ وَلَمْ يَدْفَعْهُ وَمِنْ صُوَرِ الِاشْتِرَاطِ لِنَفْسِهِ مَا لَوْ قَالَ أَنْ يَقْضِيَ دَيْنَهُ مِنْ غَلَّتِهِ وَكَذَا إذَا قَالَ إذَا حَدَثَ عَلَيَّ الْمَوْتُ وَعَلَيَّ دَيْنٌ يُبْدَأُ مِنْ غَلَّةِ هَذَا الْوَقْفِ بِقَضَاءِ مَا عَلَيَّ فَمَا فَضَلَ فَعَلَى سَبِيلِهِ كُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَفِي وَقْفِ الْخَصَّافِ فَإِذَا شَرَطَ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَحَشَمِهِ وَعِيَالِهِ مِنْ غَلَّةِ هَذَا الْوَقْفِ فَجَاءَتْ غَلَّتُهُ فَبَاعَهَا وَقَبَضَ ثَمَنَهَا ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُنْفِقَ ذَلِكَ هَلْ يَكُونُ ذَلِكَ لِوَرَثَتِهِ أَوْ لِأَهْلِ الْوَقْفِ قَالَ يَكُونُ لِوَرَثَتِهِ لِأَنَّهُ قَدْ حَصَّلَ ذَلِكَ وَكَانَ لَهُ فَقَدْ عُرِفَ أَنَّ شَرْطَ بَعْضِ الْغَلَّةِ لَا يَلْزَمُ كَوْنُهُ بَعْضًا مُعَيَّنًا كَالنِّصْفِ وَالرُّبْعِ. وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ إنْ حَدَثَ عَلَى فُلَانٍ الْمَوْتُ يَعْنِي الْوَاقِفَ نَفْسَهُ أُخْرِجَ مِنْ غَلَّةِ هَذَا الْوَقْفِ فِي كُلِّ سَنَةٍ مِنْ عَشَرَةِ أَسْهُمٍ مَثَلًا سَهْمٌ يُجْعَلُ فِي الْحَجِّ عَنْهُ أَوْ فِي كَفَّارَةِ أَيْمَانِهِ وَفِي كَذَا وَكَذَا وَسَمَّى أَشْيَاءَ أَوْ قَالَ أُخْرِجُ مِنْ هَذِهِ الصَّدَقَةِ فِي كُلِّ سَنَةٍ كَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا لِيُصْرَفَ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ وَيُصْرَفَ الْبَاقِي فِي كَذَا وَكَذَا عَلَى مَا سَبَّلَهُ. اهـ. وَفِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ تَرْغِيبًا لِلنَّاسِ فِي الْوَقْفِ وَتَكْثِيرًا لِلْخَيْرِ وَيَتَفَرَّعُ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ أَيْضًا مَا لَوْ وَقَفَ عَلَى عَبِيدِهِ وَإِمَائِهِ فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ كَشَرْطِهِ لِنَفْسِهِ وَفَرَّعَ بَعْضُهُمْ عَلَيْهِ أَيْضًا اشْتِرَاطَ الْغَلَّةِ لِمُدَبَّرِيهِ وَأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ صَحِيحٌ اتِّفَاقًا وَالْفَرْقُ لِمُحَمَّدٍ أَنَّ حُرِّيَّتَهُمْ ثَبَتَتْ بِمَوْتِهِ فَيَكُونُ الْوَقْفُ عَلَيْهِمْ كَالْوَقْفِ عَلَى الْأَجَانِبِ وَيَكُونُ ثُبُوتُهُ لَهُمْ حَالَ حَيَاتِهِ تَبَعًا لِمَا بَعْدَ مَوْتِهِ فَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُجْتَبَى مِنْ تَصْحِيحِ أَنَّهَا عَلَى الْخِلَافِ ضَعِيفٌ قُيِّدَ بِجَعْلِ الْغَلَّةِ لِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ لَوْ وَقَفَ عَلَى نَفْسِهِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْكَافُ لَا يَجُوزُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ جَوَازُهُ وَإِذَا مَاتَ صَارَ إلَى الْمَسَاكِينِ وَلَوْ قَالَ أَرْضِي صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ عَلَى أَنَّ لِي غَلَّتَهَا مَا عِشْتُ قَالَ هِلَالٌ لَا يَجُوزُ هَذَا الْوَقْفُ وَذَكَرَ الْأَنْصَارِيُّ جَوَازَهُ وَإِذَا مَاتَ يَكُونُ لِلْفُقَرَاءِ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَفِيهَا لَوْ وَقَفَ وَقْفًا وَاسْتَثْنَى لِنَفْسِهِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ مَا دَامَ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ وَعِنْدَهُ مِنْ هَذَا الْوَقْفِ مَعَالِيقُ عِنَبٍ أَوْ زَبِيبٍ فَذَلِكَ كُلُّهُ مَرْدُودٌ إلَى الْوَقْفِ وَلَوْ كَانَ عِنْدَهُ خُبْزٌ مِنْ بُرِّ ذَلِكَ الْوَقْفِ يَكُونُ مِيرَاثًا لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ الْوَقْفِ حَقِيقَةً. اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ صِحَّةُ الْوَقْفِ عَلَى النَّفْسِ وَاشْتِرَاطُ أَنْ تَكُونَ الْغَلَّةُ لَهُ فَمَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ وَقَفَ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى فُلَانٍ صَحَّ نِصْفُهُ وَهُوَ حِصَّةُ فُلَانٍ وَبَطَلَ حِصَّةُ نَفْسِهِ وَلَوْ قَالَ عَلَى نَفْسِي ثُمَّ عَلَى فُلَانٍ أَوْ قَالَ عَلَى فُلَانٍ ثُمَّ عَلَى نَفْسِي لَا يَصِحُّ شَيْءٌ مِنْهُ وَلَوْ قَالَ عَلَى عَبْدِي وَعَلَى فُلَانٍ صَحَّ فِي النِّصْفِ وَبَطَلَ فِي النِّصْفِ وَلَوْ قَالَ عَلَى نَفْسِي وَوَلَدِي وَنَسْلِي فَالْوَقْفُ كُلُّهُ بَاطِلٌ لِأَنَّ حِصَّةَ النَّسْلِ مَجْهُولَةٌ اهـ.   [منحة الخالق] لِأَنَّ صَيْرُورَتَهُ وَقْفًا خِلَافًا وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ وَقْفًا فَلِلْقَيِّمِ أَنْ يَبِيعَهُ مَتَى شَاءَ لِمَصْلَحَةٍ عَرَضَتْ اهـ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 238 مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ وَالْعَجَبُ مِنْهُ كَيْفَ جَزَمَ بِهِ وَسَاقَهُ عَلَى طَرِيقَةِ الِاتِّفَاقِ أَوْ الصَّحِيحِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي الشُّرُوطِ لِمَا تَكَلَّمَ بِهِ الْوَاقِفُ لَا لِمَا كَتَبَ فِي مَكْتُوبِ الْوَقْفِ فَلَوْ أُقِيمَتْ بَيِّنَةٌ بِشَرْطٍ تَكَلَّمَ بِهِ الْوَاقِفُ وَلَمْ يُوجَدْ فِي الْمَكْتُوبِ عُمِلَ بِهِ لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَقَدْ أَشَرْنَا أَنَّ الْوَقْفَ عَلَى مَا تَكَلَّمَ بِهِ لَا عَلَى مَا كَتَبَ الْكَاتِبُ فَيَدْخُلُ فِي الْوَقْفِ الْمَذْكُورُ وَغَيْرُ الْمَذْكُورِ فِي الصَّكِّ أَعْنِي كُلَّ مَا تَكَلَّمَ بِهِ اهـ. وَلَا خِلَافَ فِي اشْتِرَاطِ الْغَلَّةِ لِوَلَدِهِ فَإِذَا وَقَفَ عَلَى وَلَدِهِ شَمَلَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى وَإِنْ قَيَّدَهُ بِالذَّكَرِ لَا تَدْخُلُ الْأُنْثَى كَالِابْنِ وَلَا شَيْءَ لِوَلَدِ الْوَلَدِ مَعَ وُجُودِ الْوَلَدِ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ لَهُ وَلَدٌ كَانَتْ لِوَلَدِ الِابْنِ وَلَا يَدْخُلُ وَلَدُ الْبِنْتِ فِي الْوَقْفِ عَلَى الْوَلَدِ مُفْرَدًا وَجَمْعًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمُفْتَى بِهِ وَلَوْ وَقَفَ عَلَى وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ اشْتَرَكَ وَلَدُهُ وَوَلَدُ ابْنِهِ وَصَحَّحَ قَاضِي خَانْ دُخُولَ أَوْلَادِ الْبَنَاتِ فِيمَا إذَا وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِ وَصَحَّحَ عَدَمَهُ فِي وَلَدِي وَلَوْ قَالَ عَلَى وَلَدِي فَمَاتَ كَانَتْ لِلْفُقَرَاءِ وَلَا تُصْرَفُ إلَى وَلَدِ وَلَدِهِ فِي كُلِّ بَطْنٍ إلَّا بِالشَّرْطِ إلَّا إذَا ذَكَرَ الْبُطُونَ الثَّلَاثَةَ فَإِنَّهَا لَا تُصْرَفُ إلَى الْفُقَرَاءِ مَا بَقِيَ أَحَدٌ مِنْ أَوْلَادِهِ وَإِنْ سَفَلَ وَلَوْ وَقَفَ عَلَى وَلَدَيْهِ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمَا فَمَاتَ أَحَدُهُمَا كَانَ لِلْآخَرِ النِّصْفُ وَنِصْفُ الْمَيِّتِ لِلْفُقَرَاءِ لَا لِوَلَدِهِ فَإِذَا مَاتَ الْآخَرُ صُرِفَ الْكُلُّ إلَى أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ وَلَوْ وَقَفَ عَلَى وَلَدِهِ وَلَيْسَ لَهُ إلَّا وَلَدُ ابْنٍ كَانَتْ لَهُ فَإِنْ حَدَثَ لَهُ وَلَدٌ كَانَتْ لَهُ وَلَوْ وَقَفَ عَلَى مُحْتَاجِي وَلَدِهِ وَلَيْسَ لَهُ إلَّا وَلَدٌ مُحْتَاجٌ كَانَ النِّصْفُ لَهُ وَالْآخَرُ لِلْفُقَرَاءِ وَلَوْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ فَمَاتُوا إلَّا وَاحِدًا كَانَ الْكُلُّ لَهُ لَا لِلْفُقَرَاءِ إلَّا بَعْدَ مَوْتِهِ. وَلَوْ عَيَّنَ الْأَوْلَادَ فَكُلُّ مَنْ مَاتَ كَانَ نَصِيبُهُ لِلْفُقَرَاءِ لَا لِأَخَوَاتِهِ بِغَيْرِ شَرْطٍ وَلَوْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ وَلَيْسَ لَهُ إلَّا وَاحِدًا أَوْ عَلَى بَنِيهِ وَلَيْسَ لَهُ إلَّا ابْنٌ وَاحِدٌ كَانَ النِّصْفُ لَهُ وَالنِّصْفُ لِلْفُقَرَاءِ هَكَذَا سَوَّى بَيْنَ الْأَوْلَادِ وَالْأَبْنَاءِ فِي الْخَانِيَّةِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فَقَالَ فِي الْأَوْلَادِ يَسْتَحِقُّ الْوَاحِدُ الْكُلَّ وَفِي الْبَنِينَ لَا يَسْتَحِقُّ الْكُلَّ وَقَالَ كَأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْعُرْفِ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمَنْقُولَ خِلَافُهُ وَلَوْ وَقَفَ عَلَى بَنِيهِ لَا تَسْتَحِقُّ الْبَنَاتُ كَعَكْسِهِ وَبَقِيَّةُ التَّفَارِيعِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْوَقْفِ عَلَى الْأَوْلَادِ وَالْأَقَارِبِ مَعْلُومَةٌ فِي الْخَصَّافِ وَغَيْرِهِ وَفَرَّعَ فِي الْهِدَايَةِ عَلَى الِاخْتِلَافِ بَيْنَ الشَّيْخَيْنِ شَرَطَ الِاسْتِبْدَالَ لِنَفْسِهِ فَجَوَّزَهُ أَبُو يُوسُفَ وَأَبْطَلَ مُحَمَّدٌ الشَّرْطَ وَصَحَّحَ الْوَقْفَ وَفِي الْخَانِيَّةِ الصَّحِيحُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يُبْطِلُ حُكْمَ الْوَقْفِ لِأَنَّ الْوَقْفَ يَحْتَمِلُ الِانْتِقَالَ مِنْ أَرْضٍ إلَى أَرْضٍ أُخْرَى وَيَكُونُ الثَّانِي قَائِمًا مَقَامَ الْأُولَى فَإِنَّ أَرْضَ الْوَقْفِ إذَا غَصَبَهَا غَاصِبٌ وَأَجْرَى عَلَيْهَا الْمَاءَ حَتَّى صَارَتْ بَحْرًا لَا تَصْلُحُ لِلزِّرَاعَةِ يَضْمَنُ قِيمَتَهَا وَيَشْتَرِي بِقِيمَتِهَا أَرْضًا أُخْرَى فَتَكُونُ الثَّانِيَةُ وَقْفًا عَلَى وَجْهِ الْأُولَى وَكَذَلِكَ أَرْضُ الْوَقْفِ إذَا قَلَّ نُزُلُهَا لِآفَةٍ وَصَارَتْ بِحَيْثُ لَا تَصْلُحُ لِلزِّرَاعَةِ أَوْ لَا تَفْضُلُ غَلَّتُهَا عَنْ مُؤَنِهَا وَيَكُونُ صَلَاحُ الْوَقْفِ فِي الِاسْتِبْدَالِ بِأَرْضٍ أُخْرَى فَيَصِحُّ شَرْطُ وِلَايَةِ الِاسْتِبْدَالِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْحَالِ ضَرُورَةٌ دَاعِيَةٌ إلَى الِاسْتِبْدَالِ. وَلَوْ شَرَطَ بَيْعَهَا بِمَا بَدَا لَهُ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ أَنْ يَشْتَرِيَ بِثَمَنِهَا عَبْدًا أَوْ يَبِيعَهَا وَلَمْ يَزِدْ فَسَدَ الْوَقْفُ لِأَنَّهُ شَرَطَ وِلَايَةَ الْإِبْطَالِ بِخِلَافِ شَرْطِ الِاسْتِبْدَالِ لِأَنَّهُ نَقْلٌ وَتَحْوِيلٌ وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ إذَا شَرَطَ الِاسْتِبْدَالَ لِنَفْسِهِ فِي أَصْلِ الْوَقْفِ أَنَّ الشَّرْطَ وَالْوَقْفَ صَحِيحَانِ وَيَمْلِكُ الِاسْتِبْدَالَ   [منحة الخالق] [جَعَلَ الْوَاقِفُ غَلَّةَ الْوَقْفِ لِنَفْسِهِ أَوْ جَعَلَ الْوِلَايَةَ إلَيْهِ] (قَوْلُهُ وَالْعَجَبُ مِنْهُ كَيْفَ جَزَمَ بِهِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَقُولُ: كَيْفَ يُتَّجَهُ لَهُ الْقَطْعُ بِكَوْنِهِ ضَعِيفًا وَقَدْ قَدَّمَ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَلَا يَتِمُّ أَنَّ أَكْثَرَ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ أَخَذُوا بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَيْهِ فَالْعَجَبُ مِمَّنْ وَصَفَهُ بِالضَّعْفِ مَعَ مَا يَقْضِي بِوَصْفِ الْقُوَّةِ تَأَمَّلْ. اهـ. قُلْتُ: لَا يَلْزَمُ مِنْ إفْتَائِهِمْ بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ بِلُزُومِ الْقَبْضِ وَالْإِفْرَازِ إفْتَاؤُهُمْ بِقَوْلِهِ بِعَدَمِ صِحَّةِ الْوَقْفِ عَلَى النَّفْسِ وَلَا سِيَّمَا إنْ قُلْنَا إنَّهُ مَسْأَلَةٌ مُبْتَدَأَةٌ غَيْرُ مَبْنِيَّةٍ عَلَى اشْتِرَاطِ الْقَبْضِ وَالْإِفْرَازِ لَكِنْ لَمْ يَذْكُرْ الْمُؤَلِّفُ مَا يَدُلُّ عَلَى تَصْحِيحِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِي صِحَّةِ الْوَقْفِ عَلَى النَّفْسِ وَلَعَلَّهُ جَعَلَ التَّصْحِيحَ الْمَنْقُولَ فِي اشْتِرَاطِ الْغَلَّةِ لِنَفْسِهِ تَصْحِيحًا لِهَذَا تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ إذَا شَرَطَ الِاسْتِبْدَالَ لِنَفْسِهِ إلَخْ) مُخَالِفٌ لِمَا مَرَّ عَنْ الْهِدَايَةِ مِنْ تَفْرِيعِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى الِاخْتِلَافِ بَيْنَ الشَّيْخَيْنِ ثُمَّ رَأَيْت فِي رِسَالَةِ الْعَلَّامَةِ قنلي زَادَهُ فِي الِاسْتِبْدَالِ مَا نَصُّهُ وَأَمَّا قَوْلُنَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ فَلِأَنَّ فِيهِ خِلَافَ أَبِي يُوسُفَ بْنِ خَالِدٍ السَّمْتِيِّ حَيْثُ ذَهَبَ إلَى أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ الْوَقْفُ بِهَذَا الْوَجْهِ صَحِيحًا وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّ الْوَقْفَ وَالشَّرْطَ كِلَاهُمَا بَاطِلَانِ كَمَا نَقَلَهُ قَاضِي خَانْ وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ دَعْوَاهُ الْإِجْمَاعَ فِي الْمَسْأَلَةِ غَيْرُ صَحِيحَةٍ وَأَنَّ الْمَسْأَلَةَ فِيهَا خِلَافٌ لَكِنْ الصَّحِيحُ رِوَايَةً وَدِرَايَةً جَوَازُ الِاسْتِبْدَالِ. اهـ. وَرَأَيْتُ فِي رِسَالَةِ تَحْرِيرِ الْمَقَالِ فِي مَسْأَلَةِ الِاسْتِبْدَالِ لِلشَّيْخِ الْمُؤَلِّفِ ذَكَرَ أَنَّ بَيْنَهُمَا مُخَالَفَةً ظَاهِرًا ثُمَّ قَالَ إلَّا أَنَّهُ أَيْ قَاضِي خَانْ صَوَّرَ الْمَسْأَلَةَ الْمُخْتَلَفَ فِيهَا بِمَا إذَا قَالَ أَرْضِي هَذِهِ صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ عَلَى أَنْ أَبِيعَهَا وَأَشْتَرِيَ بِثَمَنِهَا أَرْضًا أُخْرَى فَتَكُونَ وَقْفًا عَلَى شُرُوطِ الْأُولَى فَقَدْ يُوَفَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ مَحَلَّ الْإِجْمَاعِ مَا إذَا قَالَ عَلَى أَنْ أَسْتَبْدِلَهَا بِأَرْضٍ أَوْ دَارٍ وَصَرَّحَ بِالِاسْتِبْدَالِ وَمَحَلُّ الْخِلَافِ مَا إذَا قَالَ عَلَى أَنْ أَبِيعَهَا وَأَشْتَرِيَ بِثَمَنِهَا أَرْضًا إلَخْ وَإِلَّا فَهُوَ مُشْكِلٌ وَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 239 أَمَّا بِدُونِ الشَّرْطِ أَشَارَ فِي السِّيَرِ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الِاسْتِبْدَالَ إلَّا الْقَاضِي إذَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي ذَلِكَ وَلَوْ شَرَطَ أَنْ يَبِيعَهَا وَيَشْتَرِيَ بِثَمَنِهَا أَرْضًا أُخْرَى وَلَمْ يَزِدْ صَحَّ اسْتِحْسَانًا وَصَارَتْ الثَّانِيَةُ وَقْفًا بِشَرَائِطِ الْأُولَى وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إيقَافِهَا كَالْعَبْدِ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ إذَا قُتِلَ خَطَأً وَاشْتَرَى الْمَوْلَى بِقِيمَتِهِ عَبْدًا آخَرَ ثَبَتَ حَقُّ الْمُوصَى لَهُ فِي خِدْمَتِهِ وَالْمُدَبَّرِ إذَا قُتِلَ خَطَأً فَاشْتَرَى الْمَوْلَى بِقِيمَتِهِ آخَرَ صَارَ مُدَبَّرًا وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَبْدِلَ الثَّانِيَةَ بِأَرْضٍ ثَالِثَةٍ لِأَنَّ الشَّرْطَ وُجِدَ فِي الْأُولَى فَقَطْ وَلَوْ شَرَطَ اسْتِبْدَالَهَا بِدَارٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ اسْتِبْدَالُهَا بِأَرْضٍ فَلَيْسَ لَهُ الِاسْتِبْدَالُ بِدَارٍ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ تَغْيِيرَ الشَّرْطِ وَلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ أَرْضَ الْخَرَاجِ لِأَنَّ أَرْضَ الْوَقْفِ لَا تَخْلُو عَنْ وَظِيفَةٍ إمَّا الْعُشْرَ وَإِمَّا الْخَرَاجَ وَلَوْ شَرَطَ اسْتِبْدَالَهَا بِدَارٍ فَلَيْسَ لَهُ اسْتِبْدَالُهَا بِأَرْضٍ وَلَوْ قَيَّدَ بِأَرْضِ الْبَصْرَةِ تَقَيَّدَ وَلَيْسَ لَهُ اسْتِبْدَالُهَا بِأَرْضِ الْحَوْزِ لِأَنَّ مَنْ فِي يَدِهِ أَرْضُ الْحَوْزِ بِمَنْزِلَةِ الْأَكَّارِ لَا يَمْلِكُ الْبَيْعَ وَلَوْ أَطْلَقَ الِاسْتِبْدَالَ فَبَاعَهَا بِثَمَنٍ مَلَكَ الِاسْتِبْدَالَ بِجِنْسِ الْعَقَارِ مِنْ دَارٍ أَوْ أَرْضٍ فِي أَيِّ بَلَدٍ شَاءَ وَلَوْ بَاعَهَا بِغَبْنٍ فَاحِشٍ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَهِلَالٍ لِأَنَّ الْقَيِّمَ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ فَلَا يَمْلِكُ الْبَيْعَ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ. وَلَوْ كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يُجِيزُ الْوَقْفَ بِشَرْطِ الِاسْتِبْدَالِ لَأَجَازَ بَيْعَ الْقَيِّمِ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ كَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ وَلَوْ بَاعَهُ بِثَمَنٍ مَقْبُوضٍ وَمَاتَ مُجْهَلًا كَانَ دَيْنًا فِي تَرِكَتِهِ وَلَوْ وَهَبَ الثَّمَنَ صَحَّتْ وَضَمِنَ فِي قَوْلِ الْإِمَامِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا تَصِحُّ الْهِبَةُ وَلَوْ بَاعَهَا بِعُرُوضٍ فَفِي قِيَاسِ قَوْلِ الْإِمَامِ يَصِحُّ ثُمَّ يَبِيعُهَا بِنَقْدٍ ثُمَّ يَشْتَرِي عَقَارًا أَوْ يَبِيعُهَا بِعَقَارٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَهِلَالٌ لَا يَمْلِكُهُ إلَّا بِالنَّقْدِ كَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ وَلَوْ عَادَتْ إلَيْهِ بَعْدَ بَيْعِهَا إنْ عَادَتْ إلَيْهِ بِمَا هُوَ عَقْدٌ جَدِيدٌ لَا يَمْلِكُ بَيْعَهَا ثَانِيًا وَإِنْ بِمَا هُوَ فَسْخٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ مَلَكَ بَيْعَهَا ثَانِيًا. وَلَوْ بَاعَ وَاشْتَرَى بِثَمَنِهَا أُخْرَى ثُمَّ رُدَّتْ الْأُولَى عَلَيْهِ بِعَيْبٍ بِالْقَضَاءِ كَانَ لَهُ أَنْ يَصْنَعَ بِالْأُخْرَى مَا شَاءَ وَالْأُولَى تَعُودُ وَقْفًا وَلَوْ بِغَيْرِ قَضَاءٍ لَمْ يَنْفَسِخْ الْبَيْعُ فِي الْأُولَى وَلَا تَبْطُلُ الْوَقْفِيَّةُ فِي الثَّانِيَةِ وَيَصِيرُ مُشْتَرِيًا بِالْأُولَى لِنَفْسِهِ وَلَوْ اشْتَرَى بِثَمَنِهَا أَرْضًا أُخْرَى فَاسْتُحِقَّتْ الْأُولَى لَا تَبْقَى الثَّانِيَةُ وَقْفًا اسْتِحْسَانًا لِبُطْلَانِ الْمُبَادَلَةِ وَلَوْ شَرَطَ الِاسْتِبْدَالَ لِنَفْسِهِ ثُمَّ أَوْصَى بِهِ إلَى وَصِيِّهِ لَا يَمْلِكُ وَصِيُّهُ الِاسْتِبْدَالَ وَلَوْ وَكَّلَ وَكِيلًا فِي حَيَاتِهِ صَحَّ وَلَوْ شَرَطَهُ لِكُلِّ مُتَوَلٍّ صَحَّ وَمَلَكَهُ كُلُّ مُتَوَلٍّ وَلَوْ شَرَطَ أَنَّ لِفُلَانٍ وِلَايَةَ الِاسْتِبْدَالِ فَمَاتَ الْوَاقِفُ لَا يَكُونُ لِفُلَانٍ وِلَايَتُهُ بَعْدَ مَوْتِ الْوَاقِفِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ لَهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَهِلَالٍ بِنَاءً عَلَى جَوَازِ عَزْلِ الْوَاقِفِ الْمُتَوَلِّي فَكَانَ وَكِيلُهُ فَانْعَزَلَ بِمَوْتِهِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا تَبْطُلُ وِلَايَتُهُ بِوَفَاتِهِ لِأَنَّهُ وَكِيلُ الْفُقَرَاءِ لَا الْوَاقِفِ وَلَوْ شَرَطَ الِاسْتِبْدَالَ لِرَجُلٍ آخَرَ مَعَ نَفْسِهِ مَلَكَ الْوَاقِفُ الِاسْتِبْدَالَ وَحْدَهُ وَلَا يَمْلِكُهُ فُلَانٌ وَحْدَهُ الْكُلُّ مِنْ الْخَانِيَّةِ. وَقَدْ اخْتَلَفَ كَلَامُ قَاضِي خَانْ فِي مَوْضِعٍ جَوَّزَهُ لِلْقَاضِي بِلَا شَرْطِ الْوَاقِفِ حَيْثُ رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِيهِ وَفِي مَوْضِعٍ مِنْهُ وَلَوْ صَارَتْ الْأَرْضُ بِحَالٍ لَا يُنْتَفَعُ بِهَا وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ بِلَا شَرْطٍ يَجُوزُ لِلْقَاضِي بِشَرْطِ أَنْ يَخْرُجَ عَنْ الِانْتِفَاعِ بِالْكُلِّيَّةِ وَأَنْ   [منحة الخالق] مِمَّا يَتَرَاءَى أَنَّهُ تَوْفِيقٌ فَبَعِيدٌ لِلْمُتَأَمِّلِ (قَوْلُهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَبْدِلَ الثَّانِيَةَ بِأَرْضٍ ثَالِثَةٍ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ إلَّا أَنْ يَذْكُرَ عِبَارَةً تُفِيدُ لَهُ ذَلِكَ. اهـ. (قَوْلُهُ بِأَرْضِ الْحَوْزِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَرْضُ الْحَوْزِ مَا حَازَهُ السُّلْطَانُ عِنْدَ عَجْزِ أَصْحَابِهَا عَنْ زِرَاعَتِهَا وَأَدَاءِ مُؤَنِهَا بِدَفْعِهِمْ إيَّاهَا إلَيْهِ لِتَكُونَ مَنْفَعَتُهَا لِلْمُسْلِمِينَ مَقَامَ الْخَرَاجِ وَرَقَبَةِ الْأَرْضِ عَلَى مِلْكِ أَرْبَابِهَا فَلَوْ وَقَفَهَا مَنْ أَدْخَلَهُ السُّلْطَانُ لِعِمَارَتِهَا لَا يَصِحُّ لِكَوْنِهِ مُزَارِعًا اهـ. كَذَا فِي الْإِسْعَافِ لِلطَّرَابُلُسِيِّ وَقَدَّمَ هَذَا الشَّارِحُ أَوَّلَ كِتَابِ الْوَقْفِ أَيْضًا (قَوْلُهُ وَلَوْ عَادَتْ إلَيْهِ بَعْدَ بَيْعِهَا إلَخْ) قَالَ فِي الْإِسْعَافِ وَلَوْ بَاعَ مَا شَرَطَ اسْتِبْدَالَهُ ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ إنْ عَادَ بِمَا هُوَ فَسْخٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ قَبْلَ الْقَبْضِ مُطْلَقًا وَبَعْدَهُ بِقَضَاءٍ أَوْ بِفَسَادِ الْبَيْعِ أَوْ خِيَارِ الشَّرْطِ أَوْ الرُّؤْيَةِ جَازَ لَهُ بَيْعُهَا ثَانِيًا لِأَنَّ الْبَيْعَ الْأَوَّلَ صَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَإِنْ عَادَ بِمَا هُوَ كَعَقْدٍ جَدِيدٍ كَالْإِقَالَةِ بَعْدَ الْقَبْضِ لَا يَمْلِكُ بَيْعَهَا ثَانِيًا لِأَنَّهُ صَارَ كَأَنَّهُ اشْتَرَاهَا جَدِيدًا فَيَصِيرُ وَقْفًا فَيَمْتَنِعُ بَيْعُهَا وَكَمَا لَوْ اشْتَرَى أَرْضًا أُخْرَى بَدَلَهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ شَرَطَ الِاسْتِبْدَالَ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى. اهـ. (قَوْلُهُ بِشَرْطِ أَنْ يَخْرُجَ إلَخْ) حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ هُنَا لِجَوَازِ الِاسْتِبْدَالِ خَمْسَةُ شُرُوطٍ وَفِي الْخَامِسِ كَلَامٌ سَتَعْرِفُهُ وَيُؤْخَذُ مِمَّا مَرَّ زِيَادَةُ شَرْطٍ آخَرَ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ وَهُوَ كَوْنُهُمَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ قَالَ الْعَلَّامَةُ قنلي زَادَهُ فِي رِسَالَتِهِ فِي شَرَائِطِ الِاسْتِبْدَالِ مِنْهَا أَنْ يَكُونَ الْبَدَلُ وَالْمُبْدَلُ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَهَذَا ذَكَرُوهُ فِيمَا شَرَطَ الِاسْتِبْدَالَ لِنَفْسِهِ فَلَمَّا كَانَ شَرْطًا فِيهِ فَلَأَنْ يَكُونَ شَرْطًا فِيمَا لَمْ يَشْتَرِطْ بِكِتَابِ الْوَقْفِ أَوْلَى ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ الْخَانِيَّةِ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ شَرَطَ لِنَفْسِهِ اسْتِبْدَالَهَا بِأَرْضٍ وَبِالْعَكْسِ أَوْ بِأَرْضِ الْبَصْرَةِ تُفِيدُ ثُمَّ قَالَ وَإِذَا كَانَتْ مَوْقُوفَةً لِلِاسْتِغْلَالِ فَالظَّاهِرُ عَدَمُ اشْتِرَاطِ اتِّحَادِ الْجِنْسِ عَلَى الْمَنْظُورِ فِيهَا كَثْرَةُ الرِّيعِ وَقِلَّةُ الْمَرَمَّةِ وَالْمُؤْنَةِ وَقَابِلِيَّةُ الْبَقَاءِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ اسْتَبْدَلَ الْحَانُوتَ أَوْ الدَّارَ الْمَوْقُوفَةَ لِلِاسْتِغْلَالِ بِأَرْضٍ تُزْرَعُ وَتَحْصُلُ مِنْهَا الْغَلَّةُ قَدْرَ إجَارَةِ الْأُولَى كَانَ أَحْسَنَ وَأَوْلَى لِاحْتِمَالِ الْمُسَقَّفَاتِ لِلْفِنَاءِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 240 لَا يَكُونُ هُنَاكَ رِيعٌ لِلْوَقْفِ يُعَمَّرُ بِهِ وَأَنْ لَا يَكُونَ الْبَيْعُ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ وَشَرَطَ فِي الْإِسْعَافِ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَبْدِلُ قَاضِيَ الْجَنَّةِ الْمُفَسَّرِ بِذِي الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ كَيْ لَا يَحْصُلَ التَّطَرُّقُ إلَى إبْطَالِ أَوْقَافِ الْمُسْلِمِينَ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ فِي زَمَانِنَا. اهـ. وَيَجِبُ أَنْ يُزَادَ آخَرُ فِي زَمَانِنَا وَهُوَ أَنْ يُسْتَدَلَّ بِعَقَارٍ لَا بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فَإِنَّا قَدْ شَاهَدْنَا النُّظَّارَ يَأْكُلُونَهَا وَقَلَّ أَنْ يُشْتَرَى بِهَا بَدَلٌ وَلَمْ نَرَ أَحَدًا مِنْ الْقُضَاةِ يُفَتِّشُ عَلَى ذَلِكَ مَعَ كَثْرَةِ الِاسْتِبْدَالِ فِي زَمَانِنَا مَعَ أَنِّي نَبَّهْتُ بَعْضَ الْقُضَاةِ عَلَى ذَلِكَ وَهَمَّ بِالتَّفْتِيشِ ثُمَّ تَرَكَ فَإِنْ قُلْتَ كَيْفَ زِدْتَ هَذَا الشَّرْطَ وَالْمَنْقُولُ السَّابِقُ عَنْ قَاضِي خَانْ يَرُدُّهُ قُلْتُ لِمَا فِي السِّرَاجِيَّةِ سُئِلَ عَنْ مَسْأَلَةِ اسْتِبْدَالِ الْوَقْفِ مَا صُورَتُهُ وَهَلْ هُوَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ أَجَابَ الِاسْتِبْدَالُ إذَا تَعَيَّنَ بِأَنْ كَانَ الْمَوْقُوفُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ وَثَمَّ مَنْ يَرْغَبُ فِيهِ وَيُعْطِي بَدَلَهُ أَرْضًا أَوْ دَارًا لَهَا رِيعٌ يَعُودُ نَفْعُهُ عَلَى جِهَةِ الْوَقْفِ فَالِاسْتِبْدَالُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَإِنْ كَانَ لِلْوَقْفِ رِيعٌ وَلَكِنْ يَرْغَبُ شَخْصٌ فِي اسْتِبْدَالِهِ إنْ أَعْطَى مَكَانَهُ بَدَلًا أَكْثَرَ رِيعًا مِنْهُ فِي صُقْعٍ أَحْسَنَ مِنْ صُقْعِ الْوَقْفِ جَازَ عِنْدَ الْقَاضِي أَبِي يُوسُفَ وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ اهـ. فَقَدْ عَيَّنَ الْعَقَارَ لِلْبَدَلِ فَدَلَّ عَلَى مَنْعِ الِاسْتِبْدَالِ بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَفِي الْقُنْيَةِ مُبَادَلَةُ دَارِ الْوَقْفِ بِدَارٍ أُخْرَى إنَّمَا يَجُوزُ إذَا كَانَتَا فِي مَحَلَّةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ تَكُونُ الْمَحَلَّةُ مَمْلُوكَةً خَيْرًا مِنْ الْمَحَلَّةِ الْمَوْقُوفَةِ وَعَلَى عَكْسِهِ لَا يَجُوزُ وَإِنْ كَانَتْ الْمَمْلُوكَةُ أَكْثَرَ مِسَاحَةً وَقِيمَةً وَأُجْرَةً لِاحْتِمَالِ خَرَابِهَا فِي أَدْوَنِ الْمَحَلَّتَيْنِ لِدَنَاءَتِهَا وَقِلَّةِ رَغَبَاتِ النَّاسِ فِيهَا اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ ضَاعَ الثَّمَنُ مِنْ الْمُسْتَبْدِلِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ أَمِينًا كَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ. اهـ. وَفِي شَرْحِ مَنْظُومَةِ ابْنِ وَهْبَانَ لَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ أَنْ لَا يَسْتَبْدِلَ أَوْ يَكُونَ النَّاظِرُ مَعْزُولًا قَبْلَ الِاسْتِبْدَالِ أَوْ إذَا هَمَّ بِالِاسْتِبْدَالِ انْعَزَلَ هَلْ يَجُوزُ اسْتِبْدَالُهُ قَالَ الطَّرَسُوسِيُّ إنَّهُ لَا نَقْلَ فِيهِ وَمُقْتَضَى قَوَاعِدِ الْمَذْهَبِ أَنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يَسْتَبْدِلَ إذَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي الِاسْتِبْدَالِ لِأَنَّهُمْ قَالُوا إذَا شَرَطَ الْوَاقِفُ أَنْ لَا يَكُونَ لِلْقَاضِي أَوْ السُّلْطَانِ كَلَامٌ فِي الْوَقْفِ أَنَّهُ شَرْطٌ بَاطِلٌ وَلِلْقَاضِي الْكَلَامُ لِأَنَّ نَظَرَهُ أَعْلَى وَهَذَا شَرْطٌ فِيهِ تَفْوِيتُ الْمَصْلَحَةِ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ وَتَعْطِيلٌ لِلْوَقْفِ فَيَكُونُ شَرْطًا لَا فَائِدَةَ فِيهِ لِلْوَقْفِ وَلَا مَصْلَحَةَ فَلَا يُقْبَلُ. اهـ. وَفِيهِ أَيْضًا فَرْعٌ مُهِمٌّ وَقَعَ السُّؤَالُ بِالْقَاهِرَةِ بَعْدَ سَنَةِ سَبْعِينَ أَنَّ الْوَاقِفَ إذَا جَعَلَ لِنَفْسِهِ التَّبْدِيلَ وَالتَّغْيِيرَ وَالْإِخْرَاجَ وَالْإِدْخَالَ وَالزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ ثُمَّ فَسَّرَ التَّبْدِيلَ بِاسْتِبْدَالِ الْوَقْفِ هَلْ يَكُونُ صَحِيحًا   [منحة الخالق] بِالْحَرِيقِ وَانْهِدَامِ الْبِنَاءِ وَاحْتِيَاجِهَا إلَى التَّرْمِيمِ وَالتَّعْمِيرِ فِي الْبَقَاءِ بِخِلَافِ الْأَرَاضِيِ الْمَزْرُوعَةِ فَإِنَّهَا أَدْوَمُ وَأَبْقَى وَأَغْنَى عَنْ الْكُلْفَةِ وَالْخَرَاجُ عَلَيْهَا اهـ. قُلْتُ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمَوْقُوفَةَ لِلِاسْتِغْلَالِ مُرَادُ الْوَاقِفِ مِنْهَا انْتِفَاعُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ بِغَلَّتِهَا وَإِذَا جَازَ الِاسْتِبْدَالُ لِلْقَاضِي لَا يَتَقَيَّدُ ذَلِكَ بِكَوْنِهَا مِنْ جِنْسِ الْأُولَى فَيَكُونُ نَظِيرَ مَا لَوْ شَرَطَ الِاسْتِبْدَالَ وَأَطْلَقَ وَقَدْ مَرَّ أَنَّهُ لَوْ بَاعَهَا بِثَمَنٍ يَسْتَبْدِلُهَا بِجِنْسِ الْعَقَارِ مِنْ دَارٍ أَوْ أَرْضٍ فِي أَيِّ بَلَدٍ شَاءَ أَمَّا الْمَوْقُوفَةُ لِلسَّكَنِ إذَا جَازَ لِلْقَاضِي اسْتِبْدَالُهَا يَكُونُ نَظِيرَ مَا لَوْ شَرَطَ اسْتِبْدَالَ الدَّارِ بِدَارٍ لِظُهُورِ أَنَّ قَصْدَ الْوَاقِفِ الْمَنْفَعَةُ بِالسُّكْنَى فَيَظْهَرُ اشْتِرَاطُ كَوْنِ مَا اسْتَبْدَلَهُ الْقَاضِي مِمَّا فِيهِ تِلْكَ الْمَنْفَعَةُ الْمُرَادَةُ لِلْوَاقِفِ وَحِينَئِذٍ يَظْهَرُ اشْتِرَاطُ شَرْطٍ آخَرَ وَهُوَ اتِّحَادُ الْمَحَلَّةِ أَوْ كَوْنُ الثَّانِيَةِ أَحْسَنَ كَمَا يُسْتَفَادُ مِمَّا يَذْكُرُهُ الْمُؤَلِّفُ قَرِيبًا عَنْ الْقُنْيَةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَالْمَنْقُولُ السَّابِقُ بِرَدِّهِ إلَى قَوْلِهِ. اهـ.) قَالَ الرَّمْلِيُّ كَيْفَ يُخَالِفُ قَاضِي خَانْ مَعَ صَرَاحَتِهِ بِالْجَوَازِ بِمَا فِي السِّرَاجِيَّةِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَعَرُّضٌ لِلِاسْتِبْدَالِ بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ لَا بِنَفْيٍ وَلَا إثْبَاتٍ فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى مُدَّعَاكَ أَصْلًا وَالْمَنْقُولُ السَّابِقُ عَنْ قَاضِي خَانْ قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَهِلَالٌ لَا يَمْلِكُهُ إلَّا بِالنَّقْدِ كَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ. اهـ. قُلْتُ وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْمُؤَلِّفَ لَمْ يُنْكِرْ مُخَالَفَتَهُ لِقَاضِي خَانْ وَإِنَّمَا مَنَعَ الِاسْتِبْدَالَ بِالدَّرَاهِمِ فِي زَمَانِهِ لِمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْعِلَّةِ إذْ لَا شَكَّ أَنَّ قَاضِي خَانْ وَمَنْ قَبْلَهُ لَوْ عَلِمُوا بِمَا حَدَثَ مِنْ أَكْلِ مَالِ الْبَدَلِ لَمَنَعُوهُ أَشَدَّ الْمَنْعِ (قَوْلُهُ فَقَدْ عَيَّنَ الْعَقَارَ لِلْبَدَلِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ كَأَنَّهُ اسْتَفَادَ مِنْ قَوْلِهِ وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ يَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى التَّمْثِيلِ تَوْفِيقًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ كَلَامِ قَاضِي خَانْ وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا كَثُرَ إيرَادُهُ وَنَقَلَهُ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ عَنْ نَوَادِرِ هِشَامٍ الْوَقْفُ إذَا صَارَ بِحَيْثُ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ الْمَسَاكِينُ فَلِلْقَاضِي أَنْ يَبِيعَهُ وَيَشْتَرِيَ بِثَمَنِهِ آخَرَ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ إلَّا لِلْقَاضِي. اهـ. فَهَذَا كَمَا تَرَى صَرِيحٌ فِي جَوَازِ بَيْعِهِ بِالدَّرَاهِمِ وَكَذَا مَا فِي الْمُحِيطِ مِنْ قَوْلِهِ لَوْ ضَاعَ الثَّمَنُ مِنْ الْمُسْتَبْدِلِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَكَذَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ قَالَ فِي النَّهْرِ وَرَأَيْتُ بَعْضَ الْمَوَالِي يَمِيلُ إلَى هَذَا أَيْ تَعْيِينِ الْعَقَارِ لِلْبَدَلِ وَيَعْتَمِدُهُ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الْمُسْتَبْدِلَ إذَا كَانَ هُوَ قَاضِي الْجَنَّةِ فَالنَّفْسُ بِهِ مُطْمَئِنَّةٌ وَلَا يُخْشَى الضَّيَاعُ مَعَهُ وَلَوْ بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَاَللَّهُ تَعَالَى هُوَ الْمُوَفِّقُ وَقَدْ أَوْضَحْنَا الْمَسْأَلَةَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فِي كِتَابِنَا إجَابَةِ السَّائِلِ بِاخْتِصَارِ أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ فَعَلَيْكَ بِهِ مُسْتَغْفِرًا لِمُؤَلِّفِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَهَذَا شَرْطٌ إلَى قَوْلِهِ فَلَا يُقْبَلُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ هَذَا صَرِيحٌ فِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 241 وَهَلْ تَكُونُ لَهُ وِلَايَةُ الِاسْتِبْدَالِ وَالشَّيْخُ الْإِمَامُ الْوَالِدُ سَقَى اللَّهَ عَهْدَهُ صَوْبَ الرِّضْوَانِ أَفْتَى بِصِحَّةِ ذَلِكَ وَأَنَّهُ يَكُونُ لَهُ وِلَايَةُ الِاسْتِبْدَالِ لِأَنَّ الْكَلَامَ مَا أَمْكَنَ حَمْلُهُ عَلَى التَّأْسِيسِ لَا يُحْمَلُ عَلَى التَّأْكِيدِ وَلَفْظُ التَّبْدِيلِ مُحْتَمِلٌ لِلْمَعْنَى الْمَذْكُورِ وَحَمْلُهُ عَلَى مَعْنًى يُغَايِرُهُ فِيهِ مَا بَعْدَهُ أَوْلَى مِنْ جَعْلِهِ مُؤَكَّدًا بِهِ وَبَلَغَنِي مُوَافَقَةُ بَعْضِ أَصْحَابِنَا مِنْ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى ذَلِكَ وَمُخَالَفَةُ الْبَعْضِ ثُمَّ رُفِعَ سُؤَالٌ آخَرُ عَنْ الْوَاقِفِ إذَا شَرَطَ لِنَفْسِهِ مَا ذَكَرْنَا ثُمَّ اشْتَرَطَ بِمُقْتَضَى ذَلِكَ الشَّرْطِ أَنَّهُ شَرَطَ لِنَفْسِهِ أَنْ يَسْتَبْدِلَ بِوَقْفِهِ إذَا رَأَى مَا هُوَ أَنْفَعُ مِنْهُ لِجِهَةِ الْوَقْفِ فَهَلْ يَصِحُّ الِاشْتِرَاطُ الثَّانِي وَيُعْمَلُ بِهِ لِأَنَّهُ مِنْ مُقْتَضَى الشَّرْطِ الْأَوَّلِ أَمْ لَا فَاضْطَرَبَ فِيهِ إفْتَاءُ أَصْحَابِنَا وَكُنْتُ مِمَّنْ أَفْتَى بِصِحَّتِهِ وَكَوْنُهُ مِنْ مُقْتَضَى الشَّرْطِ الْأَوَّلِ وَأَظُنُّ أَنَّ الشَّيْخَ الْإِمَامَ وَافَقَنِي عَلَى ذَلِكَ وَقَضَى بِهِ فِي التَّارِيخِ الْمَذْكُورِ سِيَّمَا إذَا قَالَ الْوَاقِفُ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ وَأَنْ يَشْتَرِطَ لِنَفْسِهِ مَا شَاءَ مِنْ الشُّرُوطِ الْمُخَالِفَةِ لِذَلِكَ. اهـ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ لَوْ بَاعَ وَقَبَضَ الثَّمَنَ ثُمَّ مَاتَ مُجْهَلًا فَإِنَّهُ يَكُونُ ضَامِنًا. اهـ. وَقَدْ وَقَعَتْ حَادِثَتَانِ لِلْفَتْوَى إحْدَاهُمَا بَاعَ الْوَقْفَ مِنْ ابْنِهِ الصَّغِيرِ فَأَجَبْتُ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ اتِّفَاقًا كَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ بَاعَ مِنْ ابْنِهِ الصَّغِيرِ وَلَوْ بَاعَ مِنْ ابْنِهِ الْكَبِيرِ فَكَذَلِكَ عِنْدَ الْإِمَامِ خِلَافًا لَهُمَا كَمَا عُرِفَ فِي الْوَكَالَةِ ثَانِيَتُهُمَا بَاعَ مِنْ رَجُلٍ لَهُ دَيْنٌ عَلَى الْمُسْتَبْدِلِ وَبَاعَهُ الْوَقْفَ بِالدَّيْنِ وَلَمْ أَرَ فِيهِمَا نَقْلًا وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَهِلَالٍ لِأَنَّهُمَا لَا يُجَوِّزَانِ الْبَيْعَ بِالْعُرُوضِ فَالدَّيْنُ أَوْلَى وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ عَلَى وِزَانِ شَرْطِ الِاسْتِبْدَالِ لَوْ شَرَطَ لِنَفْسِهِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ الْمَعَالِيمِ إذَا شَاءَ وَيَزِيدَ وَيُخْرِجَ مَنْ شَاءَ وَيَسْتَبْدِلَ بِهِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ وَلَيْسَ لِقَيِّمِهِ إلَّا أَنْ يَجْعَلَ لَهُ وَإِذَا أَدْخَلَ وَأَخْرَجَ مَرَّةً لَيْسَ لَهُ ثَانِيًا إلَّا بِشَرْطِهِ وَفِي وَقْفِ الْخَصَّافِ لَوْ شَرَطَ أَنْ لَا تُبَاعَ ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِهِ عَلَى أَنَّ لَهُ الِاسْتِبْدَالَ كَانَ لَهُ الِاسْتِبْدَالُ لِأَنَّ الْآخَرَ نَاسِخٌ لِلْأَوَّلِ وَكَذَا لَوْ شَرَطَ الِاسْتِبْدَالَ أَوَّلًا ثُمَّ قَالَ لَا تُبَاعُ امْتَنَعَ الِاسْتِبْدَالُ وَإِذَا شَرَطَ الزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ وَالْإِدْخَالَ وَالْإِخْرَاجَ كُلَّمَا بَدَا لَهُ كَانَ ذَلِكَ مُطْلَقًا لَهُ غَيْرَ مَحْظُورٍ عَلَيْهِ وَيَسْتَقِرُّ الْوَقْفُ عَلَى الْحَالِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهَا يَوْمَ مَوْتِهِ وَمَا شَرَطَهُ لِغَيْرِهِ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ لَهُ وَلَوْ شَرَطَ لِنَفْسِهِ مَا دَامَ حَيًّا ثُمَّ لِلْمُتَوَلِّي مِنْ بَعْدِهِ صَحَّ وَلَوْ جَعَلَهُ لِلْمُتَوَلِّي مَا دَامَ الْوَاقِفُ حَيًّا مَلَكَاهُ مُدَّةَ حَيَاتِهِ فَإِذَا مَاتَ الْوَاقِفُ بَطَلَ وَلَيْسَ لِلْمَشْرُوطِ لَهُ ذَلِكَ أَنْ يَجْعَلَهُ لِغَيْرِهِ أَوْ يُوصِيَ بِهِ لَهُ وَلَوْ شَرَطَ لِنَفْسِهِ الِاسْتِبْدَالَ وَالزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ وَالْإِدْخَالَ وَالْإِخْرَاجَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ لِلْمُتَوَلِّي وَإِنَّمَا لَهُ ذَلِكَ مَا دَامَ حَيًّا اهـ. مُلَخَّصًا وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ شَرَطَ أَنْ يُعْطِيَ غَلَّتَهَا مَنْ شَاءَ لَهُ الْمَشِيئَةُ فِي صَرْفِهَا إلَى مَنْ شَاءَ وَإِذَا مَاتَ انْقَطَعَتْ وَإِنْ شَاءَ نَفْسَهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ عَلَى قَوْلِ مَانِعِي الْوَقْفِ عَلَى النَّفْسِ وَإِنْ شَاءَ غَنِيًّا مُعَيَّنًا جَازَ كَفَقِيرٍ مُعَيَّنٍ وَامْتَنَعَ التَّحْوِيلُ إلَى غَيْرِهِ وَإِنْ شَاءَ الصَّرْفَ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ دُونَ الْفُقَرَاءِ بَطَلَتْ الْمَشِيئَةُ وَإِنْ شَاءَ صَرْفَهَا إلَى الْفُقَرَاءِ دُونَ الْأَغْنِيَاءِ جَازَتْ وَلَوْ شَرَطَ أَنْ يُعْطِيَهَا مَنْ شَاءَ مِنْ بَنِي فُلَانٍ فَشَاءَ وَاحِدًا مِنْهُمْ جَازَ وَلَوْ شَاءَ كُلَّهُمْ بَطَلَتْ وَتَكُونُ لِلْفُقَرَاءِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ قِيَاسًا وَعِنْدَهُمَا جَازَتْ وَتَكُونُ لِبَنِي فُلَانٍ اسْتِحْسَانًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ كَلِمَةَ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ عِنْدَهُ وَلِلْبَيَانِ عِنْدَهُمَا وَلَوْ شَرَطَ أَنْ يُفَضِّلَ مَنْ شَاءَ فَلَهُ مَشِيئَةُ التَّفْضِيلِ دُونَ مَشِيئَةِ التَّخْصِيصِ وَلَوْ وَقَفَ عَلَى بَنِي فُلَانٍ عَلَى أَنَّ لِي إخْرَاجَ مَنْ شِئْتُ مِنْهُمْ فَإِنْ أَخْرَجَ مُعَيَّنًا صَحَّ ثُمَّ إنْ كَانَ فِي الْوَقْفِ غَلَّةٌ وَقْتَ الْإِخْرَاجِ ذَكَرَ هِلَالٌ أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْهَا خَاصَّةً وَعَلَى قِيَاسِ مَا ذَكَرَ فِي وَصَايَا الْأَصْلِ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ يُخْرِجُ عَنْ الْغَلَّةِ أَبَدًا فَإِنَّهُ لَوْ أَوْصَى بِغَلَّةِ بُسْتَانِهِ وَفِي الْبُسْتَانِ غَلَّةٌ يَوْمَ مَوْتِ الْمُوصِي فَلَهُ الْغَلَّةُ الْمَوْجُودَةُ وَمَا يَحْدُثُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ أَبَدًا وَعَلَى رِوَايَةِ هِلَالٍ لَهُ الْمَوْجُودُ فَقَطْ وَهُوَ الْمَحْكِيُّ عَنْ أَصْحَابِنَا وَإِنْ أَخْرَجَ وَاحِدًا مُبْهَمًا بِأَنْ قَالَ أَخْرَجْتُ فُلَانًا أَوْ فُلَانًا جَازَ وَالْبَيَانُ إلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ حَتَّى مَاتَ فَالْغَلَّةُ تُقْسَمُ عَلَى رُءُوسِ الْبَاقِينَ وَيَضْرِبُ لِهَذَيْنِ بِسَهْمٍ فَإِنْ اصْطَلَحَا أَخَذَاهُ بَيْنَهُمَا وَإِنْ أَبَيَا أَوْ أَبَى أَحَدُهُمَا وَقَفَ الْأَمْرُ   [منحة الخالق] أَنَّ كُلَّ شَرْطٍ كَذَلِكَ لَا يُقْبَلُ وَنَرَى كَثِيرًا مِنْ هَذَا فِي شُرُوطِ الْوَاقِفِينَ فَيُحْكَمُ بِعَدَمِ قَبُولِهِ (قَوْلُهُ كَانَ ذَلِكَ مُطْلَقًا لَهُ غَيْرُ مَحْظُورٍ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَبِدُونِ هَذَا الشَّرْطِ لَا يُطْلَقُ لَهُ ذَلِكَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 242 حَتَّى يَصْطَلِحَا وَإِنْ أَخْرَجَهُمْ جَمِيعًا فَإِنْ كَانَ مِنْ غَلَّةِ هَذِهِ السَّنَةِ صَحَّ وَكَانَتْ لِلْفُقَرَاءِ وَبَعْدَهَا لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ وَإِنْ أَخْرَجَهُمْ مِنْ الْغَلَّةِ مُطْلَقًا لَمْ يَصِحَّ قِيَاسًا لِأَنَّ الشَّرْطَ لِلْبَعْضِ وَيَصِحُّ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ الْإِيثَارُ فِي الْمُسْتَأْنَفِ وَمَا يَبْدُو لَهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَتَكُونُ لِلْفُقَرَاءِ اهـ. وَقَدْ وَقَعَتْ حَوَادِثُ الْفَتْوَى فِي مَسْأَلَةِ الْإِدْخَالِ وَالْإِخْرَاجِ إلَى آخِرِهِ مِنْهَا لَوْ قَالَ مَنْ لَهُ ذَلِكَ بَعْدَمَا أَدْخَلَ إنْسَانًا أَسْقَطْتُ حَقِّي مِنْ إخْرَاجِهِ ثُمَّ أَخْرَجَهُ هَلْ يَخْرُجُ وَمِنْهَا لَوْ قَالَ مَنْ لَهُ ذَلِكَ أَسْقَطْتُ حَقِّي مِنْهُ هَلْ يَسْقُطُ وَلَيْسَ لَهُ فِعْلُ شَيْءٍ وَمِنْهَا لَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ لِنَفْسِهِ الْإِدْخَالَ إلَى آخِرِهِ كُلَّمَا بَدَا لَهُ وَشَرَطَ أَنْ يَشْتَرِطَهُ لِمَنْ شَاءَ فَشَرَطَهُ لِغَيْرِهِ وَشَرَطَ لَهُ مَا شَرَطَهُ لِنَفْسِهِ فَشَرَطَهُ الْمَشْرُوطُ لَهُ لِآخَرَ فَأَرَادَ مَنْ شَرَطَهُ الْوَاقِفُ لَهُ أَنْ يُخْرِجَ مَنْ جُعِلَ هَذَا الشَّرْطُ لَهُ وَأَرَادَ الْمَجْعُولُ لَهُ أَنْ يُخْرِجَ الْجَاعِلَ فَهَلْ هُوَ لِلْأَوَّلِ أَوْ لِلثَّانِي بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَشْرُوطَ لَهُ ذَلِكَ إذَا جَعَلَهُ لِغَيْرِهِ هَلْ يَبْطُلُ مَا كَانَ لَهُ أَوْ يَبْقَى لَهُ وَلِمَنْ جَعَلَهُ لَهُ وَمِنْهَا أَنَّهُ لَوْ شَرَطَ ذَلِكَ لَهُ وَلِفُلَانٍ فَهَلْ لِأَحَدِهِمَا الِانْفِرَادُ أَوْ لَا وَلَمْ أَرَ نَقْلًا صَرِيحًا فِيهَا وَظَاهِرُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ الشُّرْبِ أَنَّ الْحَقَّ يَقْبَلُ الْإِسْقَاطَ أَنَّهُ يَسْقُطُ حَقُّهُ فَإِنَّهُ صَرَّحَ بِأَنَّ حَقَّ الْغَانِمِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَحَقَّ الْمَسِيلِ الْمُجَرَّدِ وَحَقَّ الْمُوصَى لَهُ بِالسُّكْنَى وَحَقَّ الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَحَقَّ الْوَارِثِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ يَسْقُطُ وَصَرَّحَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مِنْ الْفَصْلِ الثَّامِنِ وَالْعِشْرِينَ لَوْ قَالَ وَارِثٌ تَرَكْتُ حَقِّي لَا يَبْطُلُ حَقُّهُ إذْ الْمِلْكُ لَا يَبْطُلُ بِالتَّرْكِ وَالْحَقُّ يَبْطُلُ بِهِ حَتَّى لَوْ أَنَّ أَحَدَ الْغَانِمِينَ قَالَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ تَرَكْتُ حَقِّي بَطَلَ حَقُّهُ وَكَذَا لَوْ قَالَ الْمُرْتَهِنُ تَرَكْتُ حَقِّي فِي حَبْسِ الرَّهْنِ يَبْطُلُ اهـ. فَقَوْلُهُ وَالْحَقُّ يَبْطُلُ بِهِ يَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فَإِنْ قُلْتَ ذَكَرَ فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ مَنْ كَانَ فَقِيرًا مِنْ أَصْحَابِ الْمَدْرَسَةِ يَكُونُ مُسْتَحِقًّا لِلْوَقْفِ اسْتِحْقَاقًا لَا يَبْطُلُ بِإِبْطَالِهِ فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ أَبْطَلْتُ حَقِّي كَانَ لَهُ أَنْ يَطْلُبَ وَيَأْخُذَ بَعْدَ ذَلِكَ اهـ. قُلْتُ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ لِأَنَّ كَلَامَنَا فِيمَا إذَا كَانَ الْحَقُّ لِمُعَيَّنٍ أَسْقَطَهُ وَأَمَّا مَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ الشَّهَادَاتِ فَالْحَقُّ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ فَإِنَّهُ وَقْفٌ مُطْلَقٌ عَلَى فُقَرَاءِ الْمَدْرَسَةِ وَغَيْرُ مُعَيَّنٍ لَا يَصِحُّ إبْطَالُهُ وَإِنَّمَا خَرَجَ عَنْ هَذَا الْأَصْلِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْحَقُّ لِمُعَيَّنٍ وَمِثْلُهُ فِي الْهِبَةِ قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ لَوْ قَالَ الْوَاهِبُ أَسْقَطْتُ حَقِّي فِي الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ لَا يَسْقُطُ اهـ. فَإِنْ قُلْتَ إذَا قَالَ مَنْ لَهُ الشَّرْطُ لَا حَقَّ لِي فِيهَا وَلَا اسْتِحْقَاقَ وَلَا دَعْوَى فَهَلْ لَهُ وِلَايَةُ الْإِدْخَالِ وَالْإِخْرَاجِ مَعَ شَرْطِ الْوَاقِفِ قُلْتُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ مُقِرًّا بِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ وَهُوَ مُؤَاخَذٌ بِإِقْرَارِهِ وَلِذَا قَالَ الْخَصَّافُ لَوْ وَقَفَ عَلَى وَلَدِهِ فَأَقَرَّ بِأَنَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى زَيْدٍ عُمِلَ بِإِقْرَارِهِ مَا دَامَ حَيًّا حَمْلًا عَلَى أَنَّ الْوَاقِفَ رَجَعَ عَنْ اخْتِصَاصِهِ وَأَشْرَكَ مَعَهُ زَيْدًا إلَى آخِرِهِ وَعَلَى هَذَا سُئِلْتُ فِيمَنْ لَهُ الْإِدْخَالُ وَالْإِخْرَاجُ كُلَّمَا بَدَا لَهُ فَأَدْخَلَ إنْسَانًا فَمَا الْحِيلَةُ فِي عَدَمِ جَوَازِ إخْرَاجِهِ فَأَجَبْتُ بِأَنَّهُ يُقِرُّ بِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي إخْرَاجِهِ وَلَا تَمَسُّكَ لَهُ بِمَا فِي شَرْطِ الْوَاقِفِ فَلَا يَقْدِرُ عَلَى إخْرَاجِهِ بَعْدَهُ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ مَسْأَلَةَ شَرْطِ الْإِدْخَالِ وَالْإِخْرَاجِ إلَى آخِرِهِ عَلَى وِزَانِ مَسْأَلَةِ الِاسْتِبْدَالِ أَنَّ لِلْوَاقِفِ الِانْفِرَادَ وَلَيْسَ لِلْآخَرِ الِانْفِرَادُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ الْخَانِيَّةِ فِي مَسْأَلَةِ مَا إذَا شَرَطَ الِاسْتِبْدَالَ لِنَفْسِهِ وَلِفُلَانٍ مُعَلِّلًا بِأَنَّ الْوَاقِفَ هُوَ الَّذِي شَرَطَ لِذَلِكَ الرَّجُلِ وَمَا شَرَطَ لِغَيْرِهِ فَهُوَ مَشْرُوطٌ لِنَفْسِهِ. اهـ. وَقَدْ يُقَالُ لَا فَائِدَةَ حِينَئِذٍ فِي اشْتِرَاطِهِ مَعَهُ لِأَنَّ الْوَاقِفَ يَصِحُّ انْفِرَادُهُ فَكَانَ كَالْعَدَمِ وَظَاهِرُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ أَنَّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ بِجَوَازِ عَزْلِ الْمُتَوَلِّي بِلَا شَرْطٍ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فَالْوَاقِفُ كَالْأَجْنَبِيِّ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَمْلِكَ الْوَاقِفُ الِاسْتِبْدَالَ وَحْدَهُ وَكَذَا الْإِدْخَالُ وَالْإِخْرَاجُ وَلَمْ يَظْهَرْ لِي وَجْهُ الثَّالِثَةِ وَأَمَّا الثَّانِيَةُ أَعْنِي اشْتِرَاطَ الْوِلَايَةِ لِلْوَاقِفِ فَالْمَذْكُورُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ قَوْلُ هِلَالٍ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَذَكَرَ هِلَالٌ فِي وَقْفِهِ وَقَالَ أَقْوَامٌ إنْ شَرَطَ الْوَاقِفُ الْوِلَايَةَ لِنَفْسِهِ كَانَتْ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ لَمْ تَكُنْ لَهُ وِلَايَةٌ قَالَ مَشَايِخُنَا وَالْأَشْبَهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا قَوْلُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَظَاهِرُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ الشُّرْبِ إلَخْ) يُسْتَفَادُ مِنْهُ الْجَوَابُ عَنْ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ وَقَوْلُهُ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إلَخْ يُسْتَفَادُ مِنْهُ الْجَوَابُ عَنْ الرَّابِعَةِ وَبَقِيَ التَّوَقُّفُ فِي الثَّالِثَةِ. وَلِذَا قَالَ بَعْدَهُ وَلَمْ يَظْهَرْ لِي وَجْهُ الثَّالِثَةِ (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ قَالَ الْمُرْتَهِنُ تَرَكْت حَقِّي إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ سَيَأْتِي فِي هَذَا الشَّرْحِ فِي بَابِ مَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَمَنْ لَا تُقْبَلُ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَالشَّرِيكُ لِشَرِيكِهِ بَعْدَ تَقَدُّمِ كَلَامٍ فَالْحَقُّ أَنَّ مَنْ أَسْقَطَ حَقَّهُ فِي وَظِيفَةٍ تَقَرَّرَ فِيهَا أَنَّهُ يَسْقُطُ حَقُّهُ فَرَاجِعْهُ إنْ شِئْت (قَوْلُهُ فِيمَا إذَا كَانَ الْحَقُّ لِمُعَيَّنٍ أَسْقَطَهُ) . ظَاهِرُ هَذَا بَلْ صَرِيحُهُ أَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ كَالْأَوْلَادِ مَثَلًا إذَا أَسْقَطَ حَقَّهُ يَسْقُطُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ الشَّارِحَ لَهُ رِسَالَةٌ صَرَّحَ فِيهَا بِعَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَ فُقَرَاءِ الْمَدْرَسَةِ وَبَيْنَ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ الْمُعَيَّنِ فَتَدَبَّرْ وَكَذَا الشَّيْخُ خَيْرُ الدِّينِ فِي فَتْوَاهُ مَشَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 243 مُحَمَّدٍ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّ التَّسْلِيمَ لِلْقَيِّمِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْوَقْفِ فَإِذَا سَلَّمَ لَمْ يَبْقَ لَهُ وِلَايَةٌ فِيهِ وَلَنَا أَنَّ الْمُتَوَلِّيَ إنَّمَا يَسْتَفِيدُ فِيهِ الْوِلَايَةَ مِنْ جِهَتِهِ بِشَرْطِهِ فَيَسْتَحِيلُ أَنْ لَا تَكُونَ لَهُ الْوِلَايَةُ وَغَيْرُهُ يَسْتَفِيدُ الْوِلَايَةَ مِنْهُ وَلِأَنَّهُ أَقْرَبُ النَّاسِ إلَى هَذَا الْوَقْفِ فَيَكُونُ أَوْلَى بِوِلَايَتِهِ كَمَنْ اتَّخَذَ مَسْجِدًا يَكُونُ أَوْلَى بِعِمَارَتِهِ وَنَصْبِ الْمُؤَذِّنِ فِيهِ وَكَمَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا كَانَ الْوَلَاءُ لَهُ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ النَّاسِ إلَيْهِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَفِي الْخُلَاصَةِ إذَا شَرَطَ الْوَاقِفُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُتَوَلِّيَ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الْوَقْفُ وَالشَّرْطُ كِلَاهُمَا صَحِيحَانِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَهِلَالٍ الْوَقْفُ وَالشَّرْطُ كِلَاهُمَا بَاطِلَانِ اهـ. فَقَدْ اخْتَلَفَ النَّقْلُ عَنْ هِلَالٍ وَفِي الْخُلَاصَةِ إذَا شَرَطَ فِي الْوَقْفِ الْوِلَايَةَ لِنَفْسِهِ وَأَوْلَادِهِ فِي عَزْلِ الْقَيِّمِ وَاسْتِبْدَالِهِ لَهُمْ وَمَا هُوَ مِنْ نَوْعِ الْوِلَايَةِ وَأَخْرَجَهُ مِنْ يَدِ الْمُتَوَلِّي جَازَ وَلَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ الْوِلَايَةَ لِنَفْسِهِ وَأَخْرَجَهُ مِنْ يَدِهِ قَالَ مُحَمَّدٌ لَا وِلَايَةَ لِلْوَاقِفِ وَالْوِلَايَةُ لِلْقَيِّمِ وَكَذَا لَوْ مَاتَ وَلَهُ وَصِيٌّ لَا وِلَايَةَ لِوَصِيِّهِ وَالْوِلَايَةُ لِلْقَيِّمِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ الْوِلَايَةُ لِلْوَاقِفِ وَلَهُ أَنْ يَعْزِلَ الْقَيِّمَ فِي حَيَاتِهِ وَإِذَا مَاتَ الْوَاقِفُ بَطَلَتْ وِلَايَةُ الْقَيِّمِ وَمَشَايِخُ بَلْخٍ يُفْتُونَ بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ. اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ لَمَّا لَمْ يَشْتَرِطْ التَّسْلِيمَ إلَى الْمُتَوَلِّي جَازَ عِنْدَهُ ابْتِدَاءُ شَرْطِ التَّوْلِيَةِ إلَى نَفْسِهِ وَإِذَا وَلَّى غَيْرَهُ كَانَ وَكِيلًا عَنْهُ فَلَهُ عَزْلُهُ وَإِذَا مَاتَ الْوَاقِفُ بَطَلَتْ وِلَايَتُهُ ومُحَمَّدٌ لَمَّا شَرَطَهُ انْعَكَسَتْ الْأَحْكَامُ عِنْدَهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. وَالْكَلَامُ هُنَا فِي النَّاظِرِ يَقَعُ فِي مَوَاضِعَ الْأَوَّلُ فِي أَهْلِهِ وَفِيهِ بَيَانُ عَزْلِهِ وَعَزْلِ أَرْبَابِ الْوَظَائِفِ الثَّانِي فِي النَّاظِرِ بِالشَّرْطِ الثَّالِثُ فِي النَّاظِرِ مِنْ الْقَاضِي الرَّابِعُ فِي تَصَرُّفَاتِهِ وَفِيهِ بَيَانُ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْعَمَلِ وَمَالَهُ مِنْ الْأُجْرَةِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَقَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الصَّالِحُ لِلنَّظَرِ مَنْ لَمْ يَسْأَلْ الْوِلَايَةَ لِلْوَقْفِ وَلَيْسَ فِيهِ فِسْقٌ يُعْرَفُ قَالَ وَصَرَّحَ بِأَنَّهُ مِمَّا يَخْرُجُ بِهِ النَّاظِرُ مَا إذَا ظَهَرَ بِهِ فِسْقٌ كَشُرْبِهِ الْخَمْرَ وَنَحْوِهِ. اهـ. وَفِي الْإِسْعَافِ لَا يُوَلَّى إلَّا أَمِينٌ قَادِرٌ بِنَفْسِهِ أَوْ بِنَائِبِهِ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ مُقَيَّدَةٌ بِشَرْطِ النَّظَرِ وَلَيْسَ مِنْ النَّظَرِ تَوْلِيَةُ الْخَائِنِ لِأَنَّهُ يُخِلُّ بِالْمَقْصُودِ وَكَذَا تَوْلِيَةُ الْعَاجِزِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ لَا يَحْصُلُ بِهِ وَيَسْتَوِي فِيهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى وَكَذَا الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَكَذَا الْمَحْدُودُ فِي قَذْفٍ إذَا تَابَ لِأَنَّهُ أَمِينٌ. رَجُلٌ طَلَبَ التَّوْلِيَةَ عَلَى الْوَقْفِ قَالُوا لَا يُعْطَى لَهُ وَهُوَ كَمَنْ طَلَبَ الْقَضَاءَ لَا يُقَلَّدُ اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا شَرَائِطُ الْأَوْلَوِيَّةِ لَا شَرَائِطُ الصِّحَّةِ وَأَنَّ النَّاظِرَ إذَا فَسَقَ اسْتَحَقَّ الْعَزْلَ وَلَا يَنْعَزِلُ لِأَنَّ الْقَضَاءَ أَشْرَفُ مِنْ التَّوْلِيَةِ وَيُحْتَاطُ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ التَّوْلِيَةِ وَالْعَدَالَةُ فِيهِ شَرْطُ الْأَوْلَوِيَّةِ حَتَّى يَصِحَّ تَقْلِيدُ الْفَاسِقِ وَإِذَا فَسَقَ الْقَاضِي لَا يَنْعَزِلُ عَلَى الصَّحِيحِ الْمُفْتَى بِهِ فَكَذَا النَّاظِرُ وَيُقِرُّ أَيُخْرَجُ فِي عِبَارَةِ ابْنِ الْهُمَامِ بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ أَيْ يَجِبُ إخْرَاجُهُ وَلَا يَنْعَزِلُ وَيُشْتَرَطُ لِلصِّحَّةِ بُلُوغُهُ وَعَقْلُهُ لِمَا فِي الْإِسْعَافِ وَلَوْ أَوْصَى إلَى صَبِيٍّ تَبْطُلُ فِي الْقِيَاسِ مُطْلَقًا وَفِي الِاسْتِحْسَانِ هِيَ بَاطِلَةٌ مَا دَامَ صَغِيرًا فَإِذَا كَبِرَ تَكُونُ   [منحة الخالق] عَلَى عَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا كَذَا بِخَطِّ شَيْخِ شَيْخِنَا عَبْدِ الْحَيِّ ثُمَّ رَأَيْت لِلْعَلَّامَةِ الطُّورِيِّ رِسَالَةً مَشَى فِيهَا أَنَّ الْحَقَّ إذَا كَانَ لِمُعَيَّنٍ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ بِالْإِسْقَاطِ فَرَاجِعْهُ يَقُولُ الْفَقِيرُ جَامِعُ هَذِهِ الْحَوَاشِي كَذَا بِخَطِّ بَعْضِ الْفُضَلَاءِ فِي هَامِشِ الْبَحْرِ فِي هَذَا الْمَحَلِّ وَرَأَيْت بَعْدَهُ بِخَطِّ شَيْخِنَا الْمُحَشِّي مَا نَصُّهُ قُلْتُ: وَقَدْ ذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ تَحْقِيقًا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي بَابِ مَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَمَنْ لَا تُقْبَلُ عِنْدَ قَوْلِهِ وَالشَّرِيكُ لِشَرِيكِهِ فَرَاجِعْهُ مِنْ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ. (قَوْلُهُ وَإِذَا وَلَّى غَيْرَهُ كَانَ وَكِيلًا عَنْهُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ هَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ يَصِحُّ عَزْلُهُ بِجُنْحَةٍ وَغَيْرِ جُنْحَةٍ عِنْدَهُ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ عَنْهُ وَلِلْمُوَكِّلِ عَزْلُ الْوَكِيلِ مُطْلَقًا وَسَيَذْكُرُهُ قَرِيبًا (قَوْلُهُ بَطَلَتْ وِلَايَتُهُ) إلَّا إذَا جَعَلَهُ قَيِّمًا فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ مَمَاتِهِ كَمَا مَرَّ قَبْلَ عِشْرِينَ وَرَقَةً (قَوْلُهُ وَمُحَمَّدٌ لَمَّا شَرَطَهُ انْعَكَسَتْ الْأَحْكَامُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ فَلَا يَجُوزُ شَرْطُ التَّوْلِيَةِ لِنَفْسِهِ وَإِذَا وَلَّى غَيْرَهُ لَا يَكُونُ وَكِيلًا عَنْهُ فَلَيْسَ لَهُ عَزْلُهُ وَلَا تَبْطُلُ وِلَايَتُهُ بِمَوْتِهِ عِنْدَهُ. (قَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ الْعَدَالَةَ فِي النَّاظِرِ. اهـ. وَالظَّاهِرُ عَوْدُهُ لِجَمِيعِ مَا مَرَّ بِقَرِينَةِ جَمْعِهِ الشَّرَائِطَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَيُشْتَرَطُ لِلنَّظَرِ بُلُوغُهُ إلَخْ) أَفْتَى بِهِ الْعَلَّامَةُ ابْنُ الْحَلَبِيِّ فَقَالَ فِي فَتَاوَاهُ وَأَمَّا الْإِسْنَادُ لِلصَّغِيرِ فَلَا يَصِحُّ بِحَالٍ لَا عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِقْلَالِ بِالنَّظَرِ وَلَا عَلَى سَبِيلِ الْمُشَارَكَةِ لِغَيْرِهِ لِأَنَّ النَّظَرَ عَلَى الْوَقْفِ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ وَالصَّغِيرُ يُوَلَّى عَلَيْهِ لِقُصُورِهِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُوَلَّى عَلَى غَيْرِهِ. اهـ. لَكِنْ قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ فِي أَحْكَامِ الصِّبْيَانِ وَيَصْلُحُ وَصِيًّا وَنَاظِرًا وَيُقِيمُ الْقَاضِي مَكَانَهُ بَالِغًا إلَى بُلُوغِهِ كَمَا فِي مَنْظُومَةِ ابْنِ وَهْبَانَ مِنْ الْوَصَايَا. اهـ. أَقُولُ: وَرَأَيْتُ فِي أَحْكَامِ الصِّغَارِ لِلْإِمَامِ الْأُسْرُوشَنِيُّ مَا نَصُّهُ وَفِي فَتَاوَى رَشِيدِ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْقَاضِي إذَا فَوَّضَ التَّوْلِيَةَ إلَى صَبِيٍّ يَجُوزُ إذَا كَانَ أَهْلًا لِلْحِفْظِ وَيَكُونُ لَهُ وِلَايَةُ التَّصَرُّفِ كَمَا أَنَّ الْقَاضِيَ يَمْلِكُ إذْنَ الصَّبِيِّ وَإِنْ كَانَ الْوَلِيُّ لَا يَأْذَنُ وَكَذَلِكَ التَّوْلِيَةُ وَتَجُوزُ التَّوْلِيَةُ إلَى الْعَبْدِ الْغَيْرِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْمَانِعَ حَقُّ الْمَوْلَى وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ بِالْإِذْنِ. اهـ. وَيُؤْخَذُ مِنْهُ التَّوْفِيقُ بِحَمْلِ مَا فِي الْإِسْعَافِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِلْحِفْظِ بِأَنْ كَانَ صَغِيرًا لَا يَعْقِلُ وَمَا فِي الْأَشْبَاهِ عَلَى مَا إذَا كَانَ أَهْلًا فَتَدَبَّرْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 244 الْوِلَايَةُ لَهُ وَحُكْمُ مَنْ لَمْ يُخْلَقْ مِنْ وَلَدِهِ وَنَسْلِهِ فِي الْوِلَايَةِ كَحُكْمِ الصَّغِيرِ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا. اهـ. وَلَا تُشْتَرَطُ الْحُرِّيَّةُ وَالْإِسْلَامُ لِلصِّحَّةِ لِمَا فِي الْإِسْعَافِ وَلَوْ كَانَ وَلَدُهُ عَبْدًا يَجُوزُ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا لِأَهْلِيَّتِهِ فِي ذَاتِهِ بِدَلِيلِ أَنَّ تَصَرُّفَهُ الْمَوْقُوفَ لِحَقِّ الْمَوْلَى يَنْفُذُ عَلَيْهِ بَعْدَ الْعِتْقِ لِزَوَالِ الْمَانِعِ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ وَالذِّمِّيِّ فِي الْحُكْمِ كَالْعَبْدِ فَلَوْ أَخْرَجَهُمَا الْقَاضِي ثُمَّ أَعْتَقَ الْعَبْدَ وَأَسْلَمَ الذِّمِّيُّ لَا تَعُودُ الْوِلَايَةُ إلَيْهِمَا اهـ. وَأَمَّا عَزْلُهُ فَقَدَّمْنَا أَنَّ أَبَا يُوسُفَ جَوَّزَ عَزْلَهُ لِلْوَاقِفِ بِغَيْرِ جُنْحَةٍ وَشَرْطٍ لِأَنَّهُ وَكِيلُهُ وَخَالَفَهُ مُحَمَّدٌ وَأَمَّا عَزْلُ الْقَاضِي لَهُ فَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ بِجُنْحَةٍ قَالَ فِي الْإِسْعَافِ وَلَوْ جَعَلَهَا لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ أَهْلًا أَخْرَجَهُ الْقَاضِي وَإِنْ كَانَتْ الْغَلَّةُ لَهُ وَوَلِيُّ عَيْنِهِ مَأْمُونًا لِأَنَّ مَرْجِعَ الْوَقْفِ لِلْمَسَاكِينِ وَغَيْرُ الْمَأْمُونِ لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهِ مِنْ تَخْرِيبٍ أَوْ بَيْعٍ فَيَمْتَنِعُ وُصُولُهُ إلَيْهِمْ وَلَوْ أَوْصَى الْوَاقِفُ إلَى جَمَاعَةٍ وَكَانَ بَعْضُهُمْ غَيْرَ مَأْمُونٍ بَدَّلَهُ الْقَاضِي بِمَأْمُونٍ وَإِنْ رَأَى إقَامَةَ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَقَامَهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ. اهـ. وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مِنْ الثَّالِثَ عَشَرَ الْقَاضِي لَا يَمْلِكُ نَصْبَ وَصِيٍّ وَقَيِّمٍ مَعَ بَقَاءِ وَصِيِّ الْمَيِّتِ وَقَيِّمِهِ إلَّا عِنْدَ ظُهُورِ الْخِيَانَةِ مِنْهُمَا وَمِنْ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ مَعْزِيًّا إلَى فَوَائِدِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ بُرْهَانِ الدِّينِ شَرَطَ الْوَاقِفُ أَنْ يَكُونَ الْمُتَوَلِّي مِنْ أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِ هَلْ لِلْقَاضِي أَنْ يُوَلِّيَ غَيْرَهُ بِلَا خِيَانَةٍ وَلَوْ وَلَّاهُ هَلْ يَصِيرُ مُتَوَلِّيًا قَالَ لَا. اهـ. فَقَدْ أَفَادَ حُرْمَةَ تَوْلِيَةِ غَيْرِهِ وَعَدَمَ صِحَّتِهَا لَوْ فَعَلَ وَفِي الْقُنْيَةِ نَصَّبَ الْقَاضِي قَيِّمًا آخَرَ لَا يَنْعَزِلُ الْأَوَّلُ إنْ كَانَ مَنْصُوبَ الْوَاقِفِ. اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ تَصَرُّفَ الْقَاضِي فِي الْأَوْقَافِ مُقَيَّدٌ بِالْمَصْلَحَةِ لَا أَنَّهُ يَتَصَرَّفُ كَيْفَ شَاءَ فَلَوْ فَعَلَ مَا يُخَالِفُ شَرْطَ الْوَاقِفِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ إلَّا لِمَصْلَحَةٍ ظَاهِرَةٍ وَلِذَا قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهَا الْقَاضِي إذَا قَرَّرَ فَرَّاشًا فِي الْمَسْجِدِ بِغَيْرِ شَرْطِ الْوَاقِفِ وَجَعَلَ لَهُ مَعْلُومًا فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لِلْقَاضِي ذَلِكَ وَلَا يَحِلُّ لِلْفَرَّاشِ تَنَاوُلُ الْمَعْلُومِ. اهـ. فَإِنْ قُلْتُ: فِي تَقْرِيرِ الْفَرَّاشِ مَصْلَحَةٌ قُلْتُ: يُمْكِنُ خِدْمَةُ الْمَسْجِدِ بِدُونِ تَقْرِيرِهِ بِأَنْ يَسْتَأْجِرَ الْمُتَوَلِّي فَرَّاشًا لَهُ وَالْمَمْنُوعُ تَقْرِيرُهُ فِي وَظِيفَةٍ تَكُونُ حَقًّا لَهُ وَلِذَا صَرَّحَ قَاضِي خَانْ بِأَنَّ لِلْمُتَوَلِّي أَنْ يَسْتَأْجِرَ خَادِمًا لِلْمَسْجِدِ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ وَاسْتُفِيدَ مِنْهُ عَدَمُ صِحَّةِ تَقْرِيرِ الْقَاضِي فِي بَقِيَّةِ الْوَظَائِفِ بِغَيْرِ شَرْطِ الْوَاقِفِ كَشَهَادَةٍ وَمُبَاشَرَةٍ وَطَلَبٍ بِالْأَوْلَى وَحُرْمَةِ الْمُرَتَّبَاتِ بِالْأَوْقَافِ بِالْأَوْلَى وَاسْتُفِيدَ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ عَزْلِ النَّاظِرِ بِغَيْرِ جُنْحَةٍ عَدَمُهَا لِصَاحِبِ وَظِيفَةٍ فِي وَقْفٍ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَغَيْرِهَا غَابَ الْمُتَوَلِّي الْمُتَعَلِّمُ عَنْ الْبَلَدِ أَيَّامًا ثُمَّ رَجَعَ وَطَلَبَ وَظِيفَتَهُ فَإِنْ خَرَجَ مَسِيرَةَ سَفَرٍ لَيْسَ لَهُ طَلَبُ مَا مَضَى وَكَذَا إذَا خَرَجَ وَأَقَامَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَإِنْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ لِأَمْرٍ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ كَطَلَبِ الْقُوتِ وَالرِّزْقِ فَهُوَ عَفْوٌ وَلَا يَحِلُّ لِغَيْرِهِ أَنْ يَأْخُذَ حُجْرَتَهُ وَتَبْقَى حُجْرَتُهُ وَوَظِيفَتُهُ عَلَى حَالِهَا إذَا كَانَتْ غَيْبَتُهُ مِقْدَارَ شَهْرٍ إلَى ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ فَإِذَا زَادَ كَانَ لِغَيْرِهِ أَخْذُ حُجْرَتِهِ وَوَظِيفَتِهِ وَإِنْ كَانَ فِي الْمِصْرِ وَلَا يَخْتَلِفُ لِلتَّعَلُّمِ فَإِنْ اشْتَغَلَ بِشَيْءٍ مِنْ الْكِتَابَةِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهَا كَالْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ تَحِلُّ لَهُ الْوَظِيفَةُ وَإِنْ لِعَمَلٍ آخَرَ لَا تَحِلُّ لَهُ وَيَجُوزُ أَنْ تُؤْخَذَ حُجْرَتُهُ وَوَظِيفَتُهُ. اهـ. لِقَوْلِهِ وَلَا يَحِلُّ لِغَيْرِهِ أَنْ يَأْخُذَ حُجْرَتَهُ وَوَظِيفَتَهُ فَإِذًا حَرُمْ الْأَخْذُ مَعَ الْغَيْبَةِ فَكَيْفَ مَعَ الْحَضْرَةِ وَالْمُبَاشَرَةِ فَلَا يَحِلُّ عَزْلُ الْقَاضِي لِصَاحِبِ وَظِيفَةٍ بِغَيْرِ جُنْحَةٍ وَعَدَمِ أَهْلِيَّةٍ وَلَوْ فَعَلَ لَمْ يَصِحَّ وَاسْتُفِيدَ مِنْ الْبَزَّازِيَّةِ جَوَازُ إخْرَاجِ الْوَظَائِفِ بِحُكْمِ الشُّغُورِ لِقَوْلِهِ وَإِنْ لِعَمَلٍ آخَرَ لَا تَحِلُّ وَيَجُوزُ أَخْذُ وَظِيفَتِهِ وَحُجْرَتِهِ وَإِنَّ الشُّغُورَ إنَّمَا هُوَ بِخُرُوجِهِ عَنْ الْمِصْرِ وَإِقَامَتِهِ زَائِدًا عَلَى ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ أَوْ بِتَرْكِهِ الْمُبَاشِرَ وَهُوَ فِي الْمِصْرِ بِشَرْطِ أَنْ يَشْتَغِلَ بِعَمَلٍ آخَرَ وَذَكَرَ ابْنُ وَهْبَانَ فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ أَنَّ فِي قَوْلِهِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَأَمَّا عَزْلُهُ فَقَدْ قَدَّمْنَا إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ سَيَأْتِي أَنَّ لِلْقَاضِي عَزْلَ مَنْصُوبِ قَاضٍ آخَرَ بِلَا جُنْحَةٍ إذَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ. اهـ. فَانْظُرْهُ قَرِيبًا فِي كَلَامِ هَذَا الشَّارِحِ (قَوْلُهُ وَأَمَّا عَزْلُ الْقَاضِي لَهُ إلَخْ) سَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ قُبَيْلَ الْمَوْضِعِ الرَّابِعِ (قَوْلُهُ إذَا قَرَّرَ فَرَّاشًا فِي الْمَسْجِدِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ هَذَا إذَا لَمْ يَقُلْ وَقَفْتُ عَلَى مَصَالِحِهِ فَكُلُّ مَا هُوَ مِنْ مَصَالِحِهِ يَفْعَلُهُ الْقَاضِي وَلَنَا كِتَابَةٌ حَسَنَةٌ عَلَى الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَرَاجِعْهَا إنْ شِئْتَ (قَوْلُهُ وَاسْتُفِيدَ مِنْهُ إلَخْ) فِي حَاشِيَةِ الْأَشْبَاهِ لِلسَّيِّدِ أَبِي السُّعُودِ وَاعْلَمْ أَنَّ عَدَمَ جَوَازِ الْإِحْدَاثِ يَعْنِي فِي الْأَوْقَافِ الْحَقِيقَةِ مُقَيَّدٌ بِعَدَمِ الضَّرُورَةِ كَمَا فِي فَتَاوَى الشَّيْخِ قَاسِمٍ أَمَّا مَا دَعَتْ إلَيْهِ الضَّرُورَةُ وَاقْتَضَتْهُ الْمَصْلَحَةُ كَخِدَامَةِ الرَّبْعَةِ الشَّرِيفَةِ وَقِرَاءَةِ الْعَشْرِ وَالْجِبَايَةِ وَشَهَادَةِ الدِّيوَانِ فَيَرْفَعُ إلَى الْقَاضِي وَيُثْبِتُ عِنْدَهُ الْحَاجَةَ فَيُقَرِّرُ مَنْ يَصْلُحُ لِذَلِكَ وَيُقَدِّرُ لَهُ أَجْرَ مِثْلِهِ أَوْ يَأْذَنُ لِلنَّاظِرِ فِي ذَلِكَ قَالَ الشَّيْخُ قَاسِمٌ وَالنَّصُّ فِي مِثْلِ هَذَا فِي الْفَتَاوَى الْوَلْوَالِجيَّةِ كَذَا بِخَطِّ شَيْخِنَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَاسْتُفِيدَ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ عَزْلِ النَّاظِرِ إلَخْ) أَيْ الْمَشْرُوطِ لَهُ النَّظَرُ بِخِلَافِ النَّاظِرِ الَّذِي وَلَّاهُ الْقَاضِي فَإِنَّ لَهُ عَزْلَهُ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْمَوْضِعِ الثَّالِثِ وَيَأْتِي تَقْيِيدُهُ أَيْضًا بِمَا إذَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ وَإِنَّ لَهُ عَزْلَ مَنْ وَلَّاهُ قَاضٍ آخَرُ لِلْمَصْلَحَةِ (قَوْلُهُ فَإِذَا زَادَ كَانَ لِغَيْرِهِ أَخْذُ حُجْرَتِهِ وَوَظِيفَتِهِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ كُلُّ هَذَا إذَا لَمْ يَنْصِبْ نَائِبًا يَنُوبُ عَنْهُ أَمَّا إذَا نَصَّبَ نَائِبًا يُبَاشِرُ عَنْهُ فَلَيْسَ لِغَيْرِهِ أَخْذُ حُجْرَتِهِ وَوَظِيفَتِهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 245 لَيْسَ لَهُ أَنْ يَطْلُبَ الْوَظِيفَةَ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ عَنْهَا وَفِي قَوْلِهِ لَا يُؤْخَذُ بَيْتُهُ إنْ غَابَ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يُؤْخَذُ إذَا كَانَ أَكْثَرَ وَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ تُؤْخَذَ الْوَظِيفَةُ أَيْضًا لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ مُدَرِّسًا إذْ الْمَقْصُودُ يَقُومُ بِهِ بِخِلَافِ الطَّالِبِ فَإِنَّ الدَّرْسَ يَقُومُ بِغَيْرِهِ قَالَ ابْنُ الشِّحْنَةِ فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ فُهِمَ مِنْ الْوَظِيفَةِ مَا هُوَ الْمُتَعَارَفُ فِي زَمَانِنَا وَلَيْسَ هُوَ الْمُرَادَ بَلْ الْمُرَادُ بِالْوَظِيفَةِ مَا يَخُصُّهُ مِنْ رِيعِ وَقْفِ الْمَدْرَسَةِ فَإِنَّ أَصْلَ الْمَسْأَلَةِ فِي قَاضِي خَانْ فِي الْوَقْفِ عَلَى سَاكِنِي دَارِ الْمُخْتَلِفَةِ فَالْمُرَادُ سُقُوطُ سَهْمِهِ فَيُعْطَى لِذَلِكَ ثُمَّ إنَّهُ قَالَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْغَيْبَةُ الْمُسْقِطَةُ لِلْمَعْلُومِ الْمُقْتَضِيَةُ لِلْعَزْلِ فِي غَيْرِ فَرْضٍ كَالْحَجِّ وَصِلَةِ الرَّحِمِ وَأَمَّا فِيهِمَا فَلَا يَسْتَحِقُّ الْعَزْلَ وَلَا يَأْخُذُ الْمَعْلُومَ وَهَذَا كُلُّهُ مَفْهُومٌ مِنْ عِبَارَةِ قَاضِي خَانْ لَا يُقَالُ فِيهِ يَنْبَغِي بَلْ هُوَ مَفْهُومُ عِبَارَةِ الْأَصْحَابِ وَهَذَا كُلُّهُ فِيمَا إذَا كَانَ الْوَقْفُ عَلَى سَاكِنِي دَارِ الْمُخْتَلِفَةِ أَمَّا إذَا شَرَطَ الْوَاقِفُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ شُرُوطًا اُتُّبِعَتْ اهـ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَبِهَذَا ظَهَرَ غَلَطُ مَنْ يَسْتَدِلُّ مِنْ الْمُدَرِّسِينَ أَوْ الطَّلَبَةِ بِمَا فِي الْفَتَاوَى عَلَى اسْتِحْقَاقِهِ الْمَعْلُومَ بِلَا حُضُورِ الدَّرْسِ لِاشْتِغَالِهِ بِالْعِلْمِ فِي غَيْرِ تِلْكَ الْمَدْرَسَةِ فَإِنَّ الْوَاقِفَ إذَا شَرَطَ عَلَى الْمُدَرِّسِينَ وَالطَّلَبَةِ حُضُورَ الدَّرْسِ فِي الْمَدْرَسَةِ أَيَّامًا مَعْلُومَةً فِي كُلِّ جُمُعَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْمَعْلُومَ إلَّا مَنْ بَاشَرَ خُصُوصًا إذَا قَالَ الْوَاقِفُ إنَّ مَنْ غَابَ عَنْ الْمَدْرَسَةِ يُقْطَعُ مَعْلُومُهُ فَإِنَّهُ يَجِبُ اتِّبَاعُهُ وَلَا يَجُوزُ لِلنَّاظِرِ الصَّرْفُ إلَيْهِ زَمَنَ غَيْبَتِهِ. وَعَلَى هَذَا لَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ أَنَّ مَنْ زَادَتْ غَيْبَتُهُ عَلَى كَذَا أَخْرَجَهُ النَّاظِرُ وَقَرَّرَ غَيْرَهُ اُتُّبِعَ شَرْطُهُ فَلَوْ لَمْ يَعْزِلْهُ النَّاظِرُ وَبَاشَرَ لَا يَسْتَحِقُّ الْمَعْلُومَ فَإِنْ قُلْتُ: إذَا كَانَ لَهُ دَرْسٌ فِي جَامِعٍ وَلَازَمَهُ بِنِيَّةِ أَنْ يَكُونَ عَمَّا عَلَيْهِ فِي مَدْرَسَةٍ هَلْ يَسْتَحِقُّ مَعْلُومَ الْمَدْرَسَةِ قُلْتُ: لَا يَسْتَحِقُّ إلَّا إذَا بَاشَرَ فِي الْمَكَانِ الْمُعَيَّنِ بِكِتَابِ الْوَقْفِ لِقَوْلِهِ فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ أَمَّا لَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ فِي ذَلِكَ شُرُوطًا اُتُّبِعَتْ فَإِنْ قُلْتُ: قَالَ فِي الْقُنْيَةِ وَقَفَ وَشَرَطَ أَنْ يُقْرَأَ عِنْدَ قَبْرِهِ فَالتَّعْيِينُ بَاطِلٌ وَصَرَّحُوا فِي الْوَصَايَا بِأَنَّهُ لَوْ أَوْصَى بِشَيْءٍ لِمَنْ يَقْرَأُ عِنْدَ قَبْرِهِ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمَكَانَ لَا يَتَعَيَّنُ وَبِهِ تَمَسَّكَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ مِنْ أَهْلِ الْعَصْرِ. قُلْتُ: لَا يَدُلُّ لِأَنَّ صَاحِبَ الِاخْتِيَارِ عَلَّلَهُ بِأَنَّ أَخْذَ شَيْءٍ لِلْقِرَاءَةِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ كَالْأُجْرَةِ فَأَفَادَ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى غَيْرِ الْمُفْتَى بِهِ فَإِنَّ الْمُفْتَى بِهِ جَوَازُ الْأَخْذِ عَلَى الْقِرَاءَةِ فَيَتَعَيَّنُ الْمَكَانُ وَاَلَّذِي ظَهَرَ لِي أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ بِكَرَاهَةِ الْقِرَاءَةِ عِنْدَ الْقَبْرِ فَلِذَا يَبْطُلُ التَّعْيِينُ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ مِنْ عَدَمِ كَرَاهَةِ الْقِرَاءَةِ عِنْدَهُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ فَيَلْزَمُ التَّعْيِينُ وَقَدْ سَمِعْتُ بَعْضَ الْمُدَرِّسِينَ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ يَتَمَسَّكُ عَلَى عَدَمِ تَعْيِينِ الْمَكَانِ بِقَوْلِهِمْ لَوْ نَذَرَ الصَّلَاةَ فِي الْحَرَمِ لَا يَتَعَيَّنُ الْمَكَانُ فَكَذَا إذَا عَيَّنَهُ الْوَاقِفُ وَهَذِهِ غَفْلَةٌ عَظِيمَةٌ لِأَنَّ النَّاذِرَ لَوْ عَيَّنَ فَقِيرًا لَا يَتَعَيَّنُ وَالْوَاقِفُ لَوْ عَيَّنَ إنْسَانًا لِلصَّرْفِ تَعَيَّنَ حَتَّى لَوْ صَرَفَ النَّاظِرُ لِغَيْرِهِ كَانَ ضَامِنًا فَكَيْفَ يُقَاسُ الْوَقْفُ عَلَى النَّذْرِ. فَإِنْ قُلْتَ قَدْ قَدَّمْتَ عَنْ الْخُلَاصَةِ أَنَّهُ لَوْ وَقَفَ مُصْحَفًا عَلَى الْمَسْجِدِ جَازَ وَيُقْرَأُ فِي ذَلِكَ الْمَسْجِدِ وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَلَا يَكُونُ مَقْصُورًا عَلَى هَذَا الْمَسْجِدِ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ تَعْيِينِ الْمَكَانِ قُلْتُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ شَرَطَ أَنْ يُقْرَأَ فِيهِ فِي ذَلِكَ الْمَسْجِدِ وَإِنَّمَا أَطْلَقَ وَكَلَامُنَا عِنْدَ الِاشْتِرَاطِ وَفِي الْقُنْيَةِ سَبَّلَ مُصْحَفًا فِي مَسْجِدٍ بِعَيْنِهِ لِلْقِرَاءَةِ لَيْسَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَدْفَعَهُ إلَى آخَرَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ تِلْكَ الْمَحَلَّةِ لِلْقِرَاءَةِ اهـ. فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى تَعْيِينِ الْمَحَلَّةِ وَأَهْلِهَا فَإِنْ قُلْتَ مَا يَأْخُذُهُ صَاحِبُ الْوَظِيفَةِ أُجْرَةٌ أَوْ صَدَقَةٌ أَوْ صِلَةٌ قُلْتُ قَالَ الطَّرَسُوسِيُّ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ إنَّ فِيهِ شَوْبَ الْأُجْرَةِ وَالصِّلَةِ وَالصَّدَقَةِ فَاعْتَبَرْنَا شَائِبَةَ الْأُجْرَةِ فِي اعْتِبَارِ زَمَنِ الْمُبَاشَرَةِ وَمَا يُقَابِلُهُ مِنْ الْمَعْلُومِ وَاعْتَبَرْنَا شَائِبَةَ الصِّلَةِ بِالنَّظَرِ إلَى الْمُدَرِّسِ إذَا قَبَضَ مَعْلُومَهُ وَمَاتَ أَوْ عُزِلَ فِي أَنَّهُ لَا يَسْتَرِدُّ مِنْهُ حِصَّةَ مَا بَقِيَ مِنْ السَّنَةِ وَأَعْمَلْنَا شَائِبَةَ الصَّدَقَةِ فِي تَصْحِيحِ أَصْلِ الْوَقْفِ فَإِنَّ الْوَقْفَ لَا يَصِحُّ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ ابْتِدَاءً لِأَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ ابْتِدَاءِ قُرْبَةٍ وَلَا يَكُونُ إلَّا مُلَاحَظَةُ جَانِبِ الصَّدَقَةِ ثُمَّ قَالَ قَبْلَهُ إنَّ الْمَأْخُوذَ فِي مَعْنَى الْأُجْرَةِ وَإِلَّا لَمَا جَازَ لِلْغَنِيِّ فَإِذَا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ قُلْتُ لَا يَدُلُّ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَقُولُ: الْمُفْتَى بِهِ جَوَازُ الْأَخْذِ اسْتِحْسَانًا عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ لَا عَلَى الْقِرَاءَةِ الْمُجَرَّدَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّتَارْخَانِيَّة حَيْثُ قَالَ لَا مَعْنَى لِهَذِهِ الْوَصِيَّةِ وَلِصِلَةِ الْقَارِئِ بِقِرَاءَتِهِ لِأَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْأُجْرَةِ وَالْإِجَارَةُ فِي ذَلِكَ بَاطِلَةٌ وَهِيَ بِدْعَةٌ وَلَمْ يَفْعَلْهَا أَحَدٌ مِنْ الْخُلَفَاءِ وَقَدْ ذَكَرْنَا مَسْأَلَةَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ عَلَى اسْتِحْسَانٍ. اهـ. يَعْنِي لِلضَّرُورَةِ وَلَا ضَرُورَةَ فِي الِاسْتِئْجَارِ عَلَى الْقِرَاءَةِ عَلَى الْقَبْرِ وَفِي الزَّيْلَعِيِّ وَكَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ لَوْ لَمْ يُفْتَحْ لَهُمْ بَابُ التَّعْلِيمِ بِالْأَجْرِ لَذَهَبَ الْقُرْآنُ فَأَفْتَوْا بِجَوَازِهِ لِذَلِكَ وَرَأَوْهُ حَسَنًا فَتَنَبَّهْ. اهـ. قُلْتُ وَهَذَا هُوَ الْمُوَافِقُ لِتَعْلِيلِ الِاخْتِيَارِ فَقَوْلُهُ فَإِنَّ الْمُفْتَى بِهِ جَوَازُ الْأَخْذِ عَلَى الْقِرَاءَةِ لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ لِأَنَّ الْمُفْتَى بِهِ جَوَازُهُ عَلَى التَّعْلِيمِ لَا عَلَى الْقِرَاءَةِ الْمُجَرَّدَةِ كَمَا مَرَّ وَبِهَذَا تَعْلَمُ حُكْمَ مَا اُعْتِيدَ فِي زَمَانِنَا مِمَّا يَأْخُذُونَهُ عَلَى الذِّكْرِ وَالْقِرَاءَةِ فِي التَّهَالِيلِ وَالْخُتُومَةِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ كَوْنِهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 246 مَاتَ الْمُدَرِّسُ فِي أَثْنَاءِ السَّنَةِ قَبْلَ مَجِيءِ الْغَلَّةِ وَقَبْلَ ظُهُورِهَا مِنْ الْأَرْضِ وَقَدْ بَاشَرَ مُدَّةً ثُمَّ مَاتَ أَوْ عُزِلَ يَنْبَغِي أَنْ يُنْظَرَ وَقْتَ قِسْمَةِ الْغَلَّةِ إلَى مُدَّةِ مُبَاشَرَتِهِ وَإِلَى مُبَاشَرَةِ مَنْ جَاءَ بَعْدَهُ وَيَبْسُطَ الْمَعْلُومَ عَلَى الْمُدَرِّسِينَ وَيَنْظُرَ كَمْ يَكُونُ مِنْهُ لِلْمُدَرِّسِ الْمُنْفَصِلِ وَالْمُتَّصِلِ فَيُعْطَى بِحِسَابِهِ مُدَّتَهُ وَلَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّهِ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي اعْتِبَارِ زَمَنِ مَجِيءِ الْغَلَّةِ وَإِدْرَاكِهَا كَمَا اُعْتُبِرَ فِي حَقِّ الْأَوْلَادِ فِي الْوَقْفِ عَلَيْهِمْ بَلْ يَفْتَرِقُ الْحُكْمُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُدَرِّسِ وَالْفَقِيهِ وَصَاحِبِ وَظِيفَةٍ مَا فِي جِهَاتِ الْبِرِّ. وَهَذَا هُوَ الْأَشْبَهُ بِالْفِقْهِ وَالْأَعْدَلُ إلَى آخِرِهِ وَقَدْ كَثُرَ وُقُوعُ هَذِهِ الْحَادِثَةِ بِالْقَاهِرَةِ فَأَفْتَى بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ بِمَا قَالُوهُ فِي حَقِّ الْأَوْلَادِ مِنْ اعْتِبَارِ مَجِيءِ الْغَلَّةِ حَتَّى إنَّ بَعْضَهُمْ يَفْرُغُ عَنْ وَظِيفَتِهِ قَبْلَ مَجِيءِ الْغَلَّةِ بِشَهْرٍ أَوْ جُمُعَةٍ وَقَدْ كَانَ بَاشَرَ غَالِبَ السَّنَةِ فَيُنَازِعُهُ الْمَنْزُولُ لَهُ وَيَتَمَسَّكُ بِمَا ذَكَرْنَا وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِمَا عَلِمْتَهُ مِنْ كَلَامِ الطَّرَسُوسِيِّ مِنْ قِسْمَتِهِ الْمَعْلُومِ بَيْنَهُمَا بِقَدْرِ الْمُبَاشَرَةِ وَلَكِنْ بِالْقَاهِرَةِ إنَّمَا تُعْتَبَرُ الْأَقْسَاطُ فَإِنَّهُمْ يُؤَجِّرُونَ الْأَوْقَافَ بِأُجْرَةٍ تُسْتَحَقُّ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَاطٍ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فَيُقْسَمُ الْقِسْطُ بَيْنَهُمَا بِقَدْرِ الْمُبَاشَرَةِ. فَإِنْ قُلْتَ قَالَ ابْنُ الشِّحْنَةِ مَعْزِيًّا إلَى التَّعْلِيقَةِ فِي الْمَسَائِلِ الدَّقِيقَةِ لِابْنِ الصَّائِغِ وَهُوَ بِخَطِّهِ قَالَ وَمَا يَأْخُذُهُ الْفُقَهَاءُ مِنْ الْمَدَارِسِ لَيْسَ بِأُجْرَةٍ لِعَدَمِ شُرُوطِ الْإِجَارَةِ وَلَا صَدَقَةٍ لِأَنَّ الْغَنِيَّ يَأْخُذُهَا بَلْ إعَانَةٌ لَهُمْ عَلَى حَبْسِ أَنْفُسِهِمْ لِلِاشْتِغَالِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَحْضُرُوا الدَّرْسَ بِسَبَبِ اشْتِغَالٍ وَتَعْلِيقٍ جَازَ أَخْذُهُمْ الْجَامِكِيَّةَ وَلَمْ يَعْزُهَا إلَى كِتَابٍ لَكِنْ فِيمَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا عَنْ قَاضِي خَانْ مَا يَشْهَدُ لَهُ حَيْثُ عَلَّلَ بِأَنَّ الْكِتَابَةَ مِنْ جُمْلَةِ التَّعْلِيمِ قُلْتُ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْأَوْقَافِ عَلَى الْفُقَهَاءِ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ حُضُورِ دَرْسٍ أَيَّامًا مُعَيَّنَةً عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ ابْنِ الشِّحْنَةِ وَلِذَا قَالَ فِي الْقُنْيَةِ الْأَوْقَافُ بِبُخَارَى عَلَى الْعُلَمَاءِ لَا يُعْرَفُ مِنْ الْوَاقِفِ شَيْءٌ غَيْرُ ذَلِكَ فَلِلْقَيِّمِ أَنْ يُفَضِّلَ الْبَعْضَ وَيَحْرِمَ الْبَعْضَ إذَا لَمْ يَكُنْ الْوَقْفُ عَلَى قَوْمٍ يُحْصَوْنَ وَكَذَا الْوَقْفُ عَلَى الَّذِينَ يَخْتَلِفُونَ إلَى هَذِهِ الْمَدْرَسَةِ أَوْ عَلَى مُتَعَلِّمِي هَذِهِ الْمَدْرَسَةِ أَوْ عَلَى عُلَمَائِهَا يَجُوزُ لِلْقَيِّمِ أَنْ يُفَضِّلَ الْبَعْضَ وَيَحْرِمَ الْبَعْضَ إنْ لَمْ يُبَيِّنْ الْوَاقِفُ مَا يُعْطِي كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثُمَّ رَقَمَ الْأَوْقَافَ الْمُطْلَقَةَ عَلَى الْفُقَهَاءِ قِيلَ التَّرْجِيحُ   [منحة الخالق] فِي بَيْتِ الْيَتَامَى وَمِنْ مَالِهِمْ عِنْدَ عَدَمِ الْوَصِيَّةِ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ. وَقَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ الْعَلَّامَةُ الرَّمْلِيُّ فِي وَصَايَا فَتَاوَاهُ الْمَشْهُورَةِ حَيْثُ أَفْتَى بِبُطْلَانِ الْوَصِيَّةِ لِمَنْ يَقْرَأُ وَيُهْدِي ثَوَابَ ذَلِكَ إلَى رُوحِ الْمُوصِي وَكَذَلِكَ الْعَلَّامَةُ الْبِرْكَوِيُّ صَرَّحَ بِبُطْلَانِ ذَلِكَ فِي آخِرِ الطَّرِيقَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ (قَوْلُهُ وَلَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّهِ مَا قَدَّمْنَاهُ إلَخْ) يُوَضِّحُ ذَلِكَ مَا فِي الْفَتَاوَى الْخَيْرِيَّةِ سُئِلَ فِيمَا إذَا مَاتَ الْمُدَرِّسُ بَعْدَ تَمَامِ سَنَةٍ مُدَرِّسًا هَلْ يَسْتَحِقُّ مَا هُوَ الْمَشْرُوطُ فِي وَظِيفَةِ التَّدْرِيسِ أَمْ لَا أَجَابَ نَعَمْ يَسْتَحِقُّ الْمَشْرُوطَ بِعَمَلِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ وَتَبِعَهُ فِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ قَالَ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ بَعْدَ نُقُولٍ رَمَزَ لَهَا صَاحِبُ الْقُنْيَةِ فَهَذِهِ الْفُرُوعُ الَّتِي ذَكَرَهَا صَاحِبُ الْقُنْيَةِ فِيهَا مَا هُوَ صَرِيحٌ وَذَلِكَ أَنَّ الْمُدَرِّسَ وَالْإِمَامَ وَالْمُؤَذِّنَ لَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّهِمْ وَقْتُ خُرُوجِ الْغَلَّةِ وَمَا ذَاكَ إلَّا لِأَنَّ لِهَذِهِ الْوَظَائِفِ شَوْبَ الْإِجَارَةِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُدَرِّسَ يَتَرَدَّدُ إلَى مَكَان مُعَيَّنٍ وَيَقْرَأُ وَيُفِيدُ الطَّلَبَةَ وَيُهْدِي ثَوَابَ قِرَاءَتِهِ إلَى الْوَاقِفِ وَكَذَا الْفَقِيهُ وَالْإِمَامُ وَهَذَا كُلُّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ فِعْلُهُ فَكَانَ الْقَدْرُ الَّذِي يَتَنَاوَلُهُ مِنْ الْوَقْفِ الَّذِي هُوَ فِي مُقَابَلَةِ هَذَا الْعَمَلِ فِي مَعْنَى الْأُجْرَةِ وَقَالَ فِي الْأَشْبَاهِ فَإِذَا مَاتَ الْمُدَرِّسُ فِي أَثْنَاءِ السَّنَةِ مَثَلًا قَبْلَ مَجِيءِ الْغَلَّةِ وَقَبْلَ ظُهُورِهَا وَقَدْ بَاشَرَ مُدَّةً ثُمَّ مَاتَ أَوْ عُزِلَ يَنْبَغِي أَنْ يَنْظُرَ وَقْتَ قِسْمَةِ الْغَلَّةِ إلَى مُدَّةِ مُبَاشَرَتِهِ وَإِلَى مُبَاشَرَةِ مَنْ جَاءَ بَعْدَهُ وَيَبْسُطَ الْمَعْلُومَ عَلَى الْمُدَرِّسِينَ وَيَنْظُرَ كَمْ يَكُونُ لِلْمُدَرِّسِ الْمُنْفَصِلِ وَالْمُتَّصِلِ فَيُعْطِي بِحِسَابِهِ مُدَّتَهُ وَلَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّهِ زَمَانُ الْغَلَّةِ وَإِدْرَاكُهَا كَمَا اُعْتُبِرَ فِي حَقِّ الْأَوْلَادِ فِي الْوَقْفِ بَلْ يَفْتَرِقُ الْحُكْمُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُدَرِّسِ وَالْفَقِيهِ وَصَاحِبِ وَظِيفَةٍ مَا وَهَذَا هُوَ الْأَشْبَهُ بِالْفِقْهِ وَالْأَعْدَلُ كَذَا حَرَّرَهُ الطَّرَسُوسِيُّ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. اهـ. مَا فِي الْخَيْرِيَّةِ وَفِيهَا سُئِلَ فِي كَرْمٍ مَوْقُوفٍ عَلَى أَوْلَادِ الْوَاقِفِ مَاتَ وَلَدٌ مِنْهُمْ بَعْدَ خُرُوجِ زَهْرِهِ وَصَيْرُورَتِهِ حِصْرِمًا هَلْ حِصَّتُهُ مِيرَاثٌ عَنْهُ أَمْ لِمَنْ آلَ إلَيْهِ الْوَقْفُ بَعْدَهُ أَجَابَ هِيَ مِيرَاثٌ عَنْهُ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِطُلُوعِ الْغَلَّةِ أَوْ خُرُوجِهَا أَوْ مَجِيئِهَا فِي كَلَامِهِمْ صَيْرُورَتُهَا ذَاتَ قِيمَةٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْحِصْرِمَ لَهُ قِيمَةٌ وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ إذَا مَاتَ بَعْدَ خُرُوجِ الْغَلَّةِ فَحِصَّتُهُ مِيرَاثٌ عَنْهُ بَلْ صَرِيحُ كَلَامِهِ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ أَنَّهُ مِيرَاثٌ وَلَوْ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ قَالَهُ بَعْدَ كَلَامٍ كَثِيرٍ فَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ كَلَامُ هِلَالٍ يَوْمَ تَجِيءُ الْغَلَّةِ وَتَأْتِي الْغَلَّةُ عَلَى ظُهُورِ الزَّرْعِ مِنْ الْأَرْضِ وَالزَّهْرِ مِنْ الْغُصُونِ لِأَنَّ لَهُ قِيمَةً فِي الْجُمْلَةِ كَمَا قَالُوا فِي جَوَازِ بَيْعِ مَا لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ. اهـ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قُلْتُ وَبِهَذَا تَعْلَمُ عَدَمَ صِحَّةِ مَا بَحَثَ الْمُؤَلِّفُ فِي الْجِهَادِ فِي بَابِ الْغَنَائِمِ مِنْ أَنَّهُ إنْ خَرَجَتْ الْغَلَّةُ وَأَحْرَزَهَا النَّاظِرُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ يُورَثُ نَصِيبُ الْمُسْتَحِقِّ لِتَأَكُّدِ الْحَقِّ فِيهِ وَإِنْ قَبْلَ الْإِحْرَازِ فِي يَدِ الْمُتَوَلِّي لَا يُورَثُ قِيَاسًا عَلَى الْغَنِيمَةِ فَإِنَّهَا إذَا أُخْرِجَتْ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ وَمَاتَ أَحَدُ الْمُقَاتِلِينَ يُورَثُ نَصِيبُهُ وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ لَا يُورَثُ وَظَاهِرُهُ أَيْضًا عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ كَوْنِ الْمُسْتَحِقِّ مِثْلَ الْمُدَرِّسِ وَالْإِمَامِ أَوْ مِنْ الْأَوْلَادِ وَقَدْ عَلِمْتَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 247 بِالْحَاجَةِ وَقِيلَ بِالْفَضْلِ. اهـ. فَإِنْ قُلْتَ كَيْفَ فَرَّقَ الطَّرَسُوسِيُّ بَيْنَ الْأَوْلَادِ وَبَيْنَ أَرْبَابِ الْوَظَائِفِ وَصَرِيحُ مَا فِي الْفَتَاوَى يُخَالِفُهُ قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ إمَامُ الْمَسْجِدِ رَفَعَ الْغَلَّةَ وَذَهَبَ قَبْلَ مُضِيِّ السَّنَةِ لَا يَسْتَرِدُّ مِنْهُ غَلَّةَ بَعْضِ السَّنَةِ وَالْعِبْرَةُ لِوَقْتِ الْحَصَادِ فَإِنْ كَانَ يَؤُمُّ فِي الْمَسْجِدِ وَقْتَ الْحَصَادِ يَسْتَحِقُّهُ وَصَارَ كَالْجِزْيَةِ وَمَوْتُ الْحَاكِمِ فِي خِلَالِ السَّنَةِ وَكَذَا حُكْمُ الطَّلَبَةِ فِي الْمَدَارِسِ. اهـ. قُلْتُ إنَّ قَوْلَهُ وَالْعِبْرَةُ لِوَقْتِ الْحَصَادِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا قَبَضَ مَعْلُومَ السَّنَةِ بِتَمَامِهَا وَذَهَبَ قَبْلَ مُضِيِّهَا لَا لِاسْتِحْقَاقِهِ مِنْ غَيْرِ قَبْضٍ مَعَ أَنَّهُ فِي الْقُنْيَةِ نَقَلَ عَنْ بَعْضِ الْكُتُبِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَرِدَّ مِنْ الْإِمَامِ حِصَّةً مَا لَمْ يَؤُمَّ فِيهِ. اهـ. فَإِنْ قُلْتُ: هَلْ تَجُوزُ النِّيَابَةُ فِي الْوَظَائِفِ مُطْلَقًا أَوْ بِعُذْرٍ أَمْ لَا مُطْلَقًا قُلْتُ لَمْ أَرَ فِيهَا نَقْلًا عَنْ أَصْحَابِنَا إلَّا مَا ذَكَرَهُ الطَّرَسُوسِيُّ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ فَهُمَا مِنْ كَلَامِ الْخَصَّافِ فَإِنَّهُ قَالَ قُلْتُ أَرَأَيْتَ إنْ حَلَّتْ بِهَذَا الْقَيِّمِ آفَةٌ مِنْ الْآفَاتِ مِثْلُ الْخَرَسِ وَالْعَمَى وَذَهَابِ الْعَقْلِ وَالْفَالِجِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ هَلْ يَكُونُ لَهُ الْأَجْرُ الْقَيِّم عَلَى الْوَقْف قَائِمًا أَمْ لَا قَالَ إذَا حَلَّ بِهِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ يُمْكِنُهُ مَعَهُ الْكَلَامُ وَالْأَمْرُ وَالنَّهْيُ فَالْأَجْرُ لَهُ قَائِمٌ وَإِنْ كَانَ لَا يُمْكِنُهُ مَعَهُ الْكَلَامُ وَالْأَمْرُ وَالنَّهْيُ وَالْأَخْذُ وَالْإِعْطَاءُ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْ هَذَا الْأَجْرِ شَيْءٌ. اهـ. قَالَ الطَّرَسُوسِيُّ فَاسْتَنْبَطْنَا مِنْهُ جَوَابَ مَسْأَلَةٍ وَاقِعَةٍ وَهِيَ أَنَّ الْمُدَرِّسَ أَوْ الْفَقِيهَ أَوْ الْمُعِيدَ أَوْ الْإِمَامَ أَوْ مَنْ كَانَ مُبَاشِرًا شَيْئًا مِنْ وَظَائِفِ الْمَدَارِسِ إذَا مَرِضَ أَوْ حَجَّ وَحَصَلَ لَهُ مَا يُسَمُّونَهُ النَّاسُ عُذْرًا شَرْعِيًّا عَلَى اصْطِلَاحِهِمْ الْمُتَعَارَفِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ لَا يُحْرَمُ مَرْسُومَهُ الْمُعَيَّنَ بَلْ يُصْرَفُ إلَيْهِ وَلَا تُكْتَبُ عَلَيْهِ غَيْبَةٌ وَمُقْتَضَى مَا ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْ الْمَعْلُومِ مُدَّةَ ذَلِكَ الْعُذْرِ. فَالْمُدَرِّسُ إذَا مَرِضَ أَوْ الْفَقِيهُ أَوْ أَحَدٌ مِنْ أَرْبَابِ الْوَظَائِفِ فَإِنَّهُ عَلَى مَا قَالَ الْخَصَّافُ إنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يُبَاشِرَ ذَلِكَ اسْتَحَقَّ وَإِنْ كَانَ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُبَاشِرَ ذَلِكَ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْ الْمَعْلُومِ وَمَا جَعَلَ هَذِهِ الْعَوَارِضَ عُذْرًا فِي عَدَمِ مَنْعِهِ عَنْ مَعْلُومِهِ الْمُقَرَّرِ لَهُ بَلْ أَدَارَ الْحُكْمَ فِي الْمَعْلُومِ عَلَى نَفْسِ الْمُبَاشِرِ فَإِنْ وُجِدَتْ اسْتَحَقَّ الْمَعْلُومَ وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ لَا يَكُونُ لَهُ مَعْلُومٌ وَهَذَا هُوَ الْفِقْهُ وَاسْتَخْرَجْنَا أَيْضًا مِنْ هَذَا الْبَحْثِ وَالتَّقْرِيرِ جَوَابَ مَسْأَلَةٍ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّ الِاسْتِنَابَةَ لَا تَجُوزُ سَوَاءٌ كَانَ لِعُذْرٍ أَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ فَإِنَّ الْخَصَّافَ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ أَنْ يَسْتَنِيبَ مَعَ قِيَامِ الْأَعْذَارِ الَّتِي ذَكَرَهَا وَلَوْ كَانَتْ الِاسْتِنَابَةُ تَجُوزُ كَأَنْ قَالَ وَيَجْعَلُ لَهُ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ إلَى أَنْ يَزُولَ عُذْرُهُ وَهَذَا أَيْضًا ظَاهِرُ الدَّلِيلِ وَهُوَ فِقْهٌ حَسَنٌ اهـ. وَقَدَّمْنَا عَنْ ابْن وَهْبَانَ أَنَّهُ إذَا سَافَرَ لِلْحَجِّ أَوْ صِلَةِ الرَّحِمِ لَا يَنْعَزِلُ وَلَا يَسْتَحِقُّ الْمَعْلُومَ مَعَ أَنَّهُمَا فَرْضَانِ عَلَيْهِ وَإِلَّا مَا ذَكَرَ فِي الْقُنْيَةِ اسْتَخْلَفَ الْإِمَامُ خَلِيفَةً فِي   [منحة الخالق] الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا (قَوْلُهُ قُلْتُ إنَّ قَوْلَهُ إلَخْ) أَقُولُ: فِي حَوَاشِي الْأَشْبَاهِ لِلْحَمَوِيِّ مَا قَالَهُ الطَّرَسُوسِيُّ قَوْلُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَأَمَّا قَوْلُ الْمُتَقَدِّمِينَ فَالْمُعْتَبَرُ وَقْتُ الْحَصَادِ فَمَنْ كَانَ يُبَاشِرُ الْوَظِيفَةَ وَقْتَ الْحَصَادِ اسْتَحَقَّ وَمَنْ لَا فَلَا وَقَدْ كَتَبَ الْمَوْلَى أَبُو السُّعُودِ مُفْتِي السَّلْطَنَةِ السُّلَيْمَانِيَّةِ رِسَالَةً فِي هَذَا وَحَاصِلُهَا أَنَّ الْمُتَقَدِّمِينَ يَعْتَبِرُونَ وَقْتَ الْحَصَادِ وَالْمُتَأَخِّرِينَ يَعْتَبِرُونَ زَمَنَ الْمُبَاشَرَةِ وَالتَّوْزِيعِ (قَوْلُهُ قُلْتُ لَمْ أَرَ فِيهَا نَقْلًا إلَخْ) قَالَ الْعَلَّامَةُ الْبِيرِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ رَأَيْتُ بِخَطِّ الْعَلَّامَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ بَدْرِ الدِّينِ الشَّهَاوِيِّ الْحَنَفِيِّ الْمِصْرِيِّ وَتَجُوزُ الِاسْتِنَابَةُ وَبِذَلِكَ جَرَتْ الْعَادَةُ فِي الْأَعْصَارِ وَالْأَمْصَارِ «وَمَا رَآهُ الْمُؤْمِنُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ» وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ مَا ذَكَرَ فِي الْقُنْيَةِ وَالْخُلَاصَةِ وَفَتَاوَى الصَّيْرَفِيَّةِ وَغَيْرِهَا قَالَ فِي الْقُنْيَةِ اسْتَخْلَفَ الْإِمَامُ فِي الْمَسْجِدِ خَلِيفَةً لِيَؤُمَّ فِي زَمَانِ غَيْبَتِهِ لَا يَسْتَحِقُّ الْخَلِيفَةُ مِنْ أَوْقَافِ الْإِمَامِ شَيْئًا إنْ كَانَ الْإِمَامُ أَمَّ أَكْثَرَ السَّنَةِ اهـ. وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ إمَامُ الْجَامِعِ لَهُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ وَإِنْ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي الِاسْتِخْلَافِ اهـ. وَعِبَارَةُ الصَّيْرَفِيَّةِ فِي الْكَرَاهِيَةِ مَا نَصُّهُ حَانُوتٌ وُقِفَ عَلَى إمَامِ الْمَسْجِدِ وَغَابَ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ وَخَلَّفَ خَلِيفَةً يَؤُمُّهُمْ ثُمَّ حَضَرَ فَأُجْرَةُ الْحَانُوتِ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ الَّتِي غَابَ يَجُوزُ أَخْذُهَا أَمْ لَا قَالَ يَجُوزُ إنْ كَانَ هُوَ أَوْ رَجُلٌ آخَرَ أَجَّرَ الْحَانُوتَ بِأَمْرِهِ وَلَكِنْ سَبِيلُهُ التَّصَدُّقُ احْتِيَاطًا اهـ. فَاسْتَفَدْنَا مِنْ مَنْطُوقِ الْقُنْيَةِ أَنَّ الِاسْتِنَابَةَ جَائِزَةٌ وَمِنْ مَفْهُومِهِ أَنَّ الْغَائِبَ يَسْتَحِقُّ الْمَعْلُومَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمُسْتَنِيبُ أَمَّ أَكْثَرَ السَّنَةِ وَمِنْ عِبَارَةِ الْخُلَاصَةِ جَوَازُ الِاسْتِنَابَةِ مُطْلَقًا وَمِنْ عِبَارَةِ الصَّيْرَفِيَّةِ جَوَازُهَا وَأَخْذُ الْأُجْرَةِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَنِيبُ أَوْ رَجُلٌ آجَرَ الْحَانُوتَ بِأَمْرِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِلَّا مَا ذَكَرَهُ فِي الْقُنْيَةِ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ إلَّا مَا ذَكَرَهُ الطَّرَسُوسِيُّ قَالَ الرَّمْلِيُّ وَفِي الْقُنْيَةِ فِي بَابِ الْإِمَامَةِ إمَامٌ يَتْرُكُ الْإِمَامَةَ لِزِيَارَةِ أَقْرِبَائِهِ فِي الرَّسَاتِيقِ أُسْبُوعًا أَوْ نَحْوَهُ أَوْ لِمُصِيبَةٍ أَوْ لِاسْتِرَاحَةٍ لَا بَأْسَ بِهِ وَمِثْلُهُ عَفْوٌ فِي الْعَادَةِ وَالشَّرْعِ. اهـ. وَقَدْ نَقَلَهُ عَنْهُ الشَّارِحُ فِي الْأَشْبَاهِ فِي بَحْثِ الْعَادَةُ مُحَكَّمَةٌ وَالْحَاصِلُ أَنَّ مُقْتَضَى كَلَامِ الْخَصَّافِ يُخَالِفُ مُقْتَضَى كَلَامِ الْقُنْيَةِ وَأَنْتَ عَلَى عِلْمٍ أَنَّ كَلَامَهُ لَا يُصَادِمُ كَلَامَ الْخَصَّافِ وَلِذَلِكَ نَصَّ ابْنُ وَهْبَانَ أَنَّهُ يَسْقُطُ مَعْلُومُ مَنْ حَجَّ مُدَّةَ غَيْبَتِهِ تَأَمَّلْ. اهـ. قُلْتُ: قَدْ يُقَالُ إنَّ كَلَامَ الْخَصَّافِ فِي الْقَيِّمِ إذَا أَصَابَهُ شَيْءٌ مِنْ تِلْكَ الْآفَاتِ الَّتِي تَمْنَعُهُ عَنْ الْقِيَامِ بِمَا نُصِبَ لِأَجْلِهِ بِالْكُلِّيَّةِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 248 الْمَسْجِدِ لِيَؤُمَّ فِيهِ زَمَانَ غَيْبَتِهِ لَا يَسْتَحِقُّ الْخَلِيفَةُ مِنْ أَوْقَافِ الْإِمَامَةِ شَيْئًا إنْ كَانَ الْإِمَامُ أَمَّ أَكْثَرَ السَّنَةِ. اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ النَّائِبَ لَا يَسْتَحِقُّ مِنْ الْوَقْفِ شَيْئًا لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ بِالتَّقْرِيرِ لَمْ يُوجَدْ وَيَسْتَحِقُّ الْأَصِيلُ الْكُلَّ إنْ عَمِلَ أَكْثَرَ السَّنَةِ وَسَكَتَ عَمَّا يُعَيِّنُهُ الْأَصِيلُ لِلنَّائِبِ كُلَّ شَهْرٍ فِي مُقَابَلَةِ عَمَلِهِ هَلْ يَسْتَحِقُّهُ النَّائِبُ عَلَيْهِ أَوْ لَا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ لِأَنَّهَا إجَارَةٌ وَقَدْ وَفَّى الْعَمَلَ بِنَاءً عَلَى قَوْلِ الْمُتَأَخِّرِينَ الْمُفْتَى بِهِ مِنْ جَوَازِ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى الْإِمَامَةِ وَالتَّدْرِيسِ وَتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَعَلَى هَذَا إذَا لَمْ يَعْمَلْ الْأَصِيلُ وَعَمِلَ النَّائِبُ كَانَتْ الْوَظِيفَةُ شَاغِرَةً وَلَا يَجُوزُ لِلنَّاظِرِ الصَّرْفُ إلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَيَجُوزُ لِلْقَاضِي عَزْلُهُ وَعَمَلُ النَّاسِ بِالْقَاهِرَةِ عَلَى جَوَازِ الِاسْتِنَابَاتِ فِي الْوَظَائِفِ وَعَدَمِ اعْتِبَارِهَا شَاغِرَةً مَعَ وُجُودِ النِّيَابَةِ. ثُمَّ رَأَيْتُ فِي الْخُلَاصَةِ مِنْ كِتَابِ الْقَضَاءِ أَنَّ الْإِمَامَ يَجُوزُ اسْتِخْلَافُهُ بِلَا إذْنٍ بِخِلَافِ الْقَاضِي وَعَلَى هَذَا لَا تَكُونُ وَظِيفَتُهُ شَاغِرَةً وَتَصِحُّ النِّيَابَةُ وَمِمَّا يَرِدُ عَلَى الطَّرَسُوسِيِّ أَنَّ الْخَصَّافَ صَرَّحَ بِأَنَّ لِلْقَيِّمِ أَنْ يُوَكِّلَ وَكِيلًا يَقُومُ مَقَامَهُ وَلَهُ أَنْ يَجْعَلَ لَهُ مِنْ مَعْلُومِهِ شَيْئًا وَكَذَا فِي الْإِسْعَافِ وَهَذَا كَالتَّصْرِيحِ بِجَوَازِ الِاسْتِنَابَةِ لِأَنَّ النَّائِبَ وَكِيلٌ بِالْأُجْرَةِ كَمَا لَا يَخْفَى فَاَلَّذِي تَحَرَّرَ جَوَازُ الِاسْتِنَابَةِ فِي الْوَظَائِفِ فَإِنْ قُلْتُ: هَلْ لِلنَّاظِرِ قَطْعُ مَعْلُومِ صَاحِبِ الْوَظِيفَةِ بِقَوْلِ كَاتِبِ الْغَيْبَةِ وَحْدَهُ مَعَ دَعْوَى الْمُسْتَحِقِّ حُضُورَهُ. قُلْتُ: لَمْ أَرَ فِيهَا نَقْلًا لِأَصْحَابِنَا وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ السُّبْكِيُّ فِي فَتَاوَاهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْقَطْعُ بِقَوْلِ كَاتِبِ الْغَيْبَةِ وَحْدَهُ وَصَرَّحَ بِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِكَاتِبِ الْغَيْبَةِ أَنْ يَكْتُبَ عَلَيْهِ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ غَيْبَتَهُ كَانَتْ لِغَيْرِ عُذْرٍ لَكِنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَذْهَبِهِ مِنْ أَنَّ الْغَيْبَةَ لِعُذْرٍ لَا تُوجِبُ الْحِرْمَانَ وَأَمَّا عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ عَدَمِ الِاسْتِحْقَاقِ فَلَا وَسَيَأْتِي شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِ الْوَظَائِفِ فِي بَيَانِ تَصَرُّفَاتِ النَّاظِرِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. الْمَوْضِعُ الثَّانِي فِي النَّاظِرِ بِالشَّرْطِ قَدَّمْنَا أَنَّ الْوِلَايَةَ لِلْوَاقِفِ ثَابِتَةٌ مُدَّةَ حَيَاتِهِ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْهَا وَأَنَّ لَهُ عَزْلَ الْمُتَوَلِّي وَأَنَّ مَنْ وَلَّاهُ لَا يَكُونُ لَهُ النَّظَرُ بَعْدَ مَوْتِهِ إلَّا بِالشَّرْطِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَلَوْ نَصَبَ الْوَاقِفُ عِنْدَ مَوْتِهِ وَصِيًّا وَلَمْ يَذْكُرْ مِنْ أُمُورِ الْوَاقِفِ شَيْئًا تَكُونُ وِلَايَةُ الْوَقْفِ إلَى الْوَصِيِّ وَلَوْ جَعَلَهُ وَصِيًّا فِي أَمْرِ الْوَقْفِ فَقَطْ كَانَ وَصِيًّا فِي الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَهِلَالٍ. وَلَيْسَ لِأَحَدِ النَّاظِرِينَ التَّصَرُّفُ بِغَيْرِ   [منحة الخالق] وَمَا فِي الْقُنْيَةِ لَيْسَ كَذَلِكَ وَقَدْ مَرَّ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ أَنَّهُ لَوْ خَرَجَ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا مِنْ غَيْرِ سَفَرٍ لِأَمْرٍ لَا بُدَّ مِنْهُ فَهُوَ عَفْوٌ تَأَمَّلْ ثُمَّ إنَّ مَا فِي الْقُنْيَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْأَشْبَاهِ حَمَلَهُ الشَّيْخُ الْحَلَبِيُّ فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي عَلَى مَا إذَا كَانَ التَّرْكُ الْمَذْكُورُ فِي سَنَةٍ خِلَافًا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي الْأَشْبَاهِ مِنْ قَوْلِهِ يُسَامَحُ فِي كُلِّ شَهْرٍ أُسْبُوعًا إلَخْ إذْ لَيْسَ فِي الْقُنْيَةِ مَا يُفِيدُهُ (قَوْلُهُ وَحَاصِلُهُ أَنَّ النَّائِبَ لَا يَسْتَحِقُّ إلَخْ) أَقُولُ: قَالَ الْعَلَّامَةُ الْبِيرِيُّ بَعْدَ الْعِبَارَةِ الَّتِي نَقَلْنَاهَا عَنْهُ آنِفًا مَا نَصُّهُ وَسُئِلَ مُفْتِي الرُّومِ مَوْلَانَا الْعَلَّامَةُ أَبُو السُّعُودِ الْعِمَادِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ الِاسْتِنَابَةِ فَأَجَابَ الِاسْتِنَابَةُ إنْ كَانَتْ فِيمَا لَا يَقْبَلُهَا أَصْلًا كَطَالِبِ الْعِلْمِ وَإِقْرَائِهِ فَلَا يُشْتَبَهُ بُطْلَانُهَا عَلَى أَحَدٍ وَإِنْ كَانَتْ فِيمَا يَقْبَلُهَا كَالتَّدْرِيسِ وَالْإِفْتَاءِ وَنَظَائِرِهِمَا فَإِنْ كَانَتْ بِعُذْرٍ شَرْعِيٍّ وَكَانَ النَّائِبُ فِي إقَامَةِ الْخَدَمِ مِثْلَ الْأَصْلِ وَخَيْرًا مِنْهُ فَهِيَ جَائِزَةٌ إلَى أَنْ يَزُولَ مَا اعْتَرَاهُ مِنْ الْعُذْرِ خَلَا أَنَّ الْمَعْلُومَ بِتَمَامِهِ يَكُونُ لِلنَّائِبِ لَيْسَ لِلْأَصِيلِ مَعَهُ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَتَبَرَّعَ بِهِ النَّائِبُ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ وَرِضًا كَامِلٍ لَا يَحُومُ حَوْلُهُ شَيْءٌ مِنْ الْخَوْفِ وَالْحَيَاءِ وَهَيْهَاتَ اهـ. وَأَفْتَى شَيْخُ مَشَايِخِنَا الْقَاضِي عَلِيُّ بْنُ جَارِ اللَّهِ الْحَنَفِيُّ بِجَوَازِ النِّيَابَةِ بِشَرْطِ الْعُذْرِ الشَّرْعِيِّ أَقُولُ: وَالْحَقُّ التَّفْصِيلُ كَمَا أَفْتَى بِهِ مَوْلَانَا أَبُو السُّعُودِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. اهـ. كَلَامُ الْبِيرِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَتَأَمَّلْ وَقَدْ أَفْتَى الشَّيْخُ خَيْرُ الدِّينِ الرَّمْلِيُّ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ هُنَا (قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ عَلَى عَدَمِ الْقَوْلِ بِعَدَمِ جَوَازِ الِاسْتِنَابَةِ (قَوْلُهُ لِلْقَيِّمِ أَنْ يُوَكِّلَ وَكِيلًا إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ سَتَأْتِي أَيْضًا مَسْأَلَةُ تَوْكِيلِ الْقَيِّمِ فِي آخِرِ شَرْحِ هَذِهِ الْمَقُولَةِ. اهـ. وَقَالَ فِي فَتَاوَاهُ الْخَيْرِيَّةِ بَعْدَ نَقْلِ حَاصِلِ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ هُنَا وَالْمَسْأَلَةُ وُضِعَ فِيهَا رَسَائِلُ وَيَجِبُ الْعَمَلُ بِمَا عَلَيْهِ النَّاسُ وَخُصُوصًا مَعَ قِيَامِ الْعُذْرِ وَعَلَى ذَلِكَ جَمِيعُ الْمَعْلُومِ لِلْمُسْتَنِيبِ وَلَيْسَ لِلنَّائِبِ إلَّا الْأُجْرَةُ الَّتِي اسْتَأْجَرَهُ بِهَا فِي مُدَّةِ إنَابَتِهِ عَنْهُ لَا غَيْرُ وَاسْتِحْقَاقُهُ الْأُجْرَةَ لِكَوْنِهِ وَفَّى الْعَمَلَ الَّذِي اسْتَأْجَرَهُ عَلَيْهِ فِيهَا وَذَلِكَ بِنَاءً عَلَى مَا قَالَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى أَنَّ الِاسْتِئْجَارَ عَلَى الْإِمَامَةِ وَالتَّدْرِيسِ وَتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ جَائِزٌ. اهـ. (قَوْلُهُ لَمْ أَرَ فِيهَا نَقْلًا لِأَصْحَابِنَا إلَخْ) تَقَدَّمَ أَنَّ النَّاظِرَ لَوْ أَنْكَرَ مُلَازَمَتَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُدَرِّسِ بِيَمِينِهِ وَكَذَا لَوْ مَاتَ وَاخْتَلَفَ مَعَ وَرَثَتِهِ فَالْقَوْلُ لِلْوَرَثَةِ مَعَ يَمِينِهِمْ وَكَذَا كُلُّ وَظِيفَةٍ الْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ فِي الْمُبَاشَرَةِ إلَى آخِرِ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الرَّمْلِيِّ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّادِسَةِ مِنْ الْمَسَائِلِ الْعِشْرِينَ. [النَّاظِرِ بِالشَّرْطِ فِي الْوَقْف] (قَوْلُهُ قَدَّمْنَا) أَيْ قَبْلَ ثَلَاثَةِ أَوْرَاقٍ (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُف يَجُوزُ) قَالَ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْفَتْوَى عَلَيْهِ إمَّا لِأَنَّهُ أَخَذَ بِالِاسْتِحْسَانِ وَالْأَصْلُ أَنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْقِيَاسِ إلَّا فِي مَسَائِلَ لَيْسَ هَذِهِ مِنْهَا وَإِمَّا لِأَنَّ الْفَتْوَى فِي الْوَقْفِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ ثُمَّ بَحَثَ أَنَّ نَاظِرَ الْوَقْفِ كَذَلِكَ وَتَمَامُهُ فِيهِ فَرَاجِعْهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 249 رَأْيِ الْآخَرِ وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ وَلَوْ أَوْصَى أَحَدُهُمَا الْآخَرَ عِنْدَ مَوْتِهِ وَكَانَ لِلْبَاقِي الِانْفِرَادُ وَلَوْ شَرَطَ أَنْ لَا يُوصِيَ بِهِ الْمُتَوَلِّي عِنْدَ مَوْتِهِ امْتَنَعَ الْإِيصَاءُ وَلَوْ جَعَلَهَا الرَّجُلَيْنِ فَقَبِلَ أَحَدُهُمَا وَرَدَّ الْآخَرُ ضَمَّ الْقَاضِي إلَى مَنْ قَبِلَ رَجُلًا أَوْ فَوَّضَ لِلْقَابِلِ بِمُفْرَدِهِ وَلَوْ جَعَلَهَا لِفُلَانٍ إلَى أَنْ يُدْرِكَ وَلَدِي فَإِذَا أَدْرَكَ كَانَ شَرِيكًا لَهُ لَا يَجُوزُ مَا جَعَلَهُ لِابْنِهِ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَجُوزُ وَلَوْ أَوْصَى إلَى رَجُلٍ بِأَنْ يَشْتَرِيَ بِمَالٍ سَمَّاهُ أَرْضًا وَيَجْعَلَهَا وَقْفًا سَمَّاهَا لَهُ وَأَشْهَدَ عَلَى وَصِيَّتِهِ جَازَ وَيَكُونُ مُتَوَلِّيًا وَلَهُ الْإِيصَاءُ بِهِ لِغَيْرِهِ وَلَوْ نَصَبَ مُتَوَلِّيًا عَلَى وَقْفِهِ ثُمَّ وَقَفَ وَقْفًا آخَرَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ مُتَوَلِّيًا لَا يَكُونُ مُتَوَلِّي الْأَوَّلِ مُتَوَلِّيًا عَلَى الثَّانِي إلَّا بِأَنْ يَقُولَ أَنْتَ وَصِيِّي وَلَوْ وَقَفَ أَرَضِينَ وَجَعَلَ لِكُلٍّ مُتَوَلِّيًا لَا يُشَارِكُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ. وَلَوْ جَعَلَ وِلَايَةَ وَقْفِهِ لِرَجُلٍ ثُمَّ جَعَلَ رَجُلًا آخَرَ وَصِيَّهُ يَكُونُ شَرِيكًا لِلْمُتَوَلِّي فِي أَمْرِ الْوَقْفِ إلَّا أَنْ يَقُولَ وَقَفْتُ أَرْضِي عَلَى كَذَا وَكَذَا وَجَعَلْتُ وِلَايَتَهَا لِفُلَانٍ وَجَعَلْتُ فُلَانًا وَصِيًّا فِي تَرِكَاتِي وَجَمِيعِ أُمُورِي فَحِينَئِذٍ يَنْفَرِدُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِمَا فُوِّضَ إلَيْهِ كَذَا فِي الْإِسْعَافِ وَمِنْهُ يُعْلَمُ جَوَابُ حَادِثَةٍ وُجِدَ مَكْتُوبَانِ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَنَّ الْمُتَوَلِّيَ فُلَانٌ وَشَهِدَ الْآخَرُ بِأَنَّ الْمُتَوَلِّيَ رَجُلٌ غَيْرُهُ وَالثَّانِي مُتَأَخِّرُ التَّارِيخِ فَأَجَبْتُ بِأَنَّهُمَا يَشْتَرِكَانِ وَلَا يُقَالُ إنَّ الثَّانِيَ نَاسِخٌ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْخَصَّافِ فِي الشَّرَائِطِ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّ التَّوْلِيَةَ مِنْ الْوَاقِفِ خَارِجَةٌ عَنْ حُكْمِ سَائِرِ الشَّرَائِطِ لِأَنَّ لَهُ فِيهَا التَّغْيِيرَ وَالتَّبْدِيلَ كُلَّمَا بَدَا لَهُ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ فِي عُقْدَةِ الْوَقْفِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَأَمَّا بَاقِي الشَّرَائِطِ فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهَا فِي أَصْلِ الْوَقْفِ. ثُمَّ قَالَ فِي الْإِسْعَافِ وَلَوْ جَعَلَ الْوِلَايَةَ لِأَفْضَلِ أَوْلَادِهِ وَكَانُوا فِي الْفَضْلِ سَوَاءً تَكُونُ لِأَكْبَرِهِمْ سِنًّا ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى وَلَوْ قَالَ الْأَفْضَلُ فَالْأَفْضَلُ مِنْ أَوْلَادِي فَأَبَى أَفْضَلُهُمْ الْقَبُولَ أَوْ مَاتَ يَكُونُ لِمَنْ يَلِيهِ فِيهِ وَهَكَذَا عَلَى التَّرْتِيبِ كَذَا ذَكَرَ الْخَصَّافُ وَقَالَ هِلَالٌ الْقِيَاسُ أَنْ يُدْخِلَ الْقَاضِي بَدَلَهُ رَجُلًا مَا كَانَ حَيًّا فَإِذَا مَاتَ صَارَتْ الْوِلَايَةُ إلَى الَّذِي يَلِيهِ فِي الْفَضْلِ وَلَوْ كَانَ الْأَفْضَلُ غَيْرَ مَوْضِعٍ أَقَامَ الْقَاضِي رَجُلًا يَقُومُ بِأَمْرِ الْوَقْفِ مَا دَامَ الْأَفْضَلُ حَيًّا فَإِذَا مَاتَ يَنْتَقِلُ إلَى مَنْ يَلِيهِ فِيهِ فَإِذَا صَارَ أَهْلًا بَعْدَ ذَلِكَ تُرَدُّ الْوِلَايَةُ إلَيْهِ وَهَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ أَحَدٌ أَهْلًا لَهَا. فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُقِيمُ أَجْنَبِيًّا إلَى أَنْ يَصِيرَ مِنْهُمْ أَحَدٌ أَهْلًا فَتُرَدُّ إلَيْهِ وَلَوْ صَارَ الْمَفْضُولُ مِنْ أَوْلَادِهِ أَفْضَلَ مِمَّنْ كَانَ أَفْضَلَهُمْ تَنْتَقِلُ الْوِلَايَةُ إلَيْهِ بِشَرْطِهِ إيَّاهَا لِأَفْضَلِهِمْ فَيَنْظُرُ فِي كُلِّ وَقْتٍ إلَى أَفْضَلِهِمْ كَالْوَقْفِ عَلَى الْأَفْقَرِ فَالْأَفْقَرِ مِنْ وَلَدِهِ فَإِنَّهُ يُعْطَى الْأَفْقَرُ مِنْهُمْ. وَإِذَا صَارَ غَيْرُهُ أَفْقَرَ مِنْهُ يُعْطَى الثَّانِي وَيُحْرَمُ الْأَوَّلُ وَلَوْ جَعَلَهَا لِاثْنَيْنِ مِنْ أَوْلَادِهِ وَكَانَ فِيهِمْ ذَكَرٌ وَأُنْثَى صَالِحَيْنِ لِلْوِلَايَةِ تُشَارِكُهُ فِيهَا لِصِدْقِ الْوَلَدِ عَلَيْهَا أَيْضًا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ الرَّجُلَيْنِ مِنْ أَوْلَادِي فَإِنَّهُ لَا حَقَّ لَهَا حِينَئِذٍ وَلَوْ جَعَلَهَا الرَّجُلَ ثُمَّ عِنْدَ وَفَاتِهِ قَالَ قَدْ أَوْصَيْتُ إلَى فُلَانٍ وَرَجَعْتُ عَنْ كُلِّ وَصِيَّةٍ لِي بَطَلَتْ وِلَايَةُ الْمُتَوَلِّي وَصَارَتْ لِلْوَصِيِّ وَلَوْ قَالَ رَجَعْتُ عَمَّا أَوْصَيْت بِهِ وَلَمْ يُوصِ إلَى أَحَدٍ يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يُوَلِّيَ غَيْرَهُ مَنْ يُوثَقُ بِهِ لِبُطْلَانِ الْوَصِيَّةِ بِرُجُوعِهِ. اهـ. مَا فِي الْإِسْعَافِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ إذَا شَرَطَهَا لِأَفْضَلِهِمْ وَاسْتَوَى اثْنَانِ فِي الدِّيَانَةِ وَالسَّدَادِ وَالْفَضْلِ وَالرَّشَادِ فَالْأَعْلَمُ بِأَمْرِ الْوَقْفِ أَوْلَى وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ وَرَعًا وَصَلَاحًا وَالْآخَرُ أَوْفَرَ عِلْمًا بِأُمُورِ الْوَقْفِ فَالْأَوْفَرُ عِلْمًا أَوْلَى بَعْدَ أَنْ يَكُونَ بِحَالٍ تُؤْمَنُ خِيَانَتُهُ وَغَائِلَتُهُ وَلَوْ جَعَلَ الْوِلَايَةَ إلَى عَبْدِ اللَّهِ حَتَّى يَقْدَمَ زَيْدٌ فَهُوَ كَمَا قَالَ فَإِذَا قَدِمَ زَيْدٌ فَكِلَاهُمَا وَالِيَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ الْمُتَوَلِّي إذَا أَرَادَ أَنْ يُفَوِّضَ إلَى غَيْرِهِ عِنْدَ الْمَوْتِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ فَحِينَئِذٍ يَنْفَرِدُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِمَا فُوِّضَ إلَيْهِ) لَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ أَمْرَ الْوَقْفِ لَيْسَ مِنْ أُمُورِ الْوَاقِفِ فَلَا يَشْمَلُهُ قَوْلُهُ فِي تَرِكَاتِي وَجَمِيعِ أُمُورِي فَكَانَ تَخْصِيصًا بِمَا عَدَا الْوَقْفَ فَلَا يُشَارِكُ الْأَوَّلَ بِخِلَافِ الصُّورَةِ الْأُولَى فَإِنَّ الْوِصَايَةَ فِيهَا مُطْلَقَةٌ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْخَصَّافِ) أَيْ قَبْلَ هَذَا بِخَمْسَةِ أَوْرَاقٍ مِنْ أَنَّهُ لَوْ شَرَطَ أَنْ لَا تُبَاعَ ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِهِ عَلَى أَنَّ لَهُ الِاسْتِبْدَالَ كَانَ لَهُ لِأَنَّ الثَّانِيَ نَاسِخٌ لِلْأَوَّلِ (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ الْأَفْضَلُ غَيْرَ مَوْضِعٍ) أَيْ غَيْرَ قَادِرٍ عَلَى التَّصَرُّفِ فِي الْوَقْفِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ الْمُتَوَلِّي إذَا أَرَادَ أَنْ يُفَوِّضَ إلَى غَيْرِهِ إلَخْ) قَالَ الطَّرَسُوسِيُّ الَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّهُ إنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْوَقْفَ يَبْقَى فِي حَيَاةِ الْوَاقِفِ وَبَعْدَ مَوْتِهِ عَلَى حَالِهِ فَإِذَا وَلَّاهُ النَّظَرَ بَقِيَ بِالنَّظَرِ إلَى أَنَّهُ اسْتَفَادَ الْوِلَايَةَ مِنْ الْوَاقِفِ كَالْوَكِيلِ عَنْهُ فَيَبْطُلُ بِمَوْتِهِ وَلَهُ عَزْلُهُ كُلَّمَا بَدَا لَهُ وَبِالنَّظَرِ إلَى بَقَاءِ الَّذِي وَكَّلَهُ لِأَجْلِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ. وَهُوَ الْمَوْقُوفُ جُعِلَ كَالْوَصِيِّ حَتَّى كَانَ لَهُ أَنْ يُسْنِدَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ فَعَلِمْنَا بِالشَّبَهَيْنِ وَقُلْنَا إنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُفَوِّضَ النَّظَرَ فِي حَيَاتِهِ كَالْوَكِيلِ وَعِنْدَ مَوْتِهِ قُلْنَا لَهُ ذَلِكَ كَالْوَصِيِّ لِمُشَابِهَتِهِ الْوَكِيلَ مِنْ وَجْهٍ وَالْوَصِيَّ مِنْ وَجْهٍ وَأَمَّا قَوْلُهُ إلَّا إذَا كَانَ التَّفْوِيضُ إلَيْهِ عَلَى سَبِيلِ الْعُمُومِ هَذَا الِاسْتِنَابُ مَخْصُوصٌ بِالْأَخِيرِ وَهُوَ التَّفْوِيضُ فِي حَالِ الْحَيَاةِ بِمَعْنَى أَنَّهُ وَلَّاهُ وَأَقَامَهُ مَقَامَ نَفْسِهِ وَجَعَلَ لَهُ أَنْ يُسْنِدَهُ وَيُوصِيَ بِهِ إلَى مَنْ شَاءَ فَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَجُوزُ التَّفْوِيضُ مِنْهُ فِي حَالِ الْحَيَاةِ وَفِي حَالَةِ الْمَرَضِ الْمُتَّصِلِ بِالْمَوْتِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 250 إنْ كَانَ الْوِلَايَةُ بِالْإِيصَاءِ يَجُوزُ وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُقِيمَ غَيْرَهُ مَقَامَ نَفْسِهِ فِي حَيَاتِهِ وَصِحَّتِهِ لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا كَانَ التَّفْوِيضُ إلَيْهِ عَلَى سَبِيلِ التَّعْمِيمِ اهـ. فَإِنْ قُلْتُ: لَوْ شَرَطَهُ لِلرَّشِيدِ الصَّالِحِ مِنْ وَلَدِهِ فَمَنْ يَسْتَحِقُّهُ قُلْتُ فَسَّرَ الْخَصَّافُ الصَّالِحَ بِمَنْ كَانَ مَسْتُورًا لَيْسَ بِمَهْتُوكٍ وَلَا صَاحِبِ رِيبَةٍ وَكَانَ مُسْتَقِيمَ الطَّرِيقَةِ سَلِيمَ النَّاحِيَةِ كَامِنَ الْأَذَى قَلِيلَ السُّوءِ لَيْسَ بِمُعَاقِرٍ لِلنَّبِيذِ وَلَا يُنَادِمُ عَلَيْهِ الرِّجَالَ وَلَيْسَ بِقَذَّافِ الْمُحْصَنَاتِ وَلَا مَعْرُوفًا بِالْكَذِبِ فَهَذَا عِنْدَنَا مِنْ أَهْلِ الصَّلَاحِ وَكَذَا إذَا قَالَ مِنْ أَهْلِ الْعَفَافِ أَوْ الْفَضْلِ أَوْ الْخَيْرِ فَالْكُلُّ سَوَاءٌ. اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الرُّشْدَ صَلَاحُ الْمَالِ وَهُوَ حُسْنُ التَّصَرُّفِ. الْمَوْضِعُ الثَّالِثُ فِي النَّاظِرِ الْمَوْلَى مِنْ الْقَاضِي يَنْصِبُهُ الْقَاضِي فِي مَوَاضِعَ الْأَوَّلُ إذَا مَاتَ الْوَاقِفُ وَلَمْ يَجْعَلْ وِلَايَتَهُ إلَى أَحَدٍ وَلَا يَجْعَلُهُ مِنْ الْأَجَانِبِ مَا دَامَ يَجِدُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ الْوَاقِفِ مَنْ يَصْلُحُ لِذَلِكَ إمَّا لِأَنَّهُ أَشْفَقُ أَوْ لِأَنَّ مِنْ قَصْدِ الْوَاقِفِ نِسْبَةَ الْوَقْفِ إلَيْهِ وَذَلِكَ فِيمَا ذَكَرْنَا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَمَنْ يَصْلُحُ مِنْ الْأَجَانِبِ فَإِنْ أَقَامَ أَجْنَبِيًّا ثُمَّ صَارَ مِنْ وَلَدِهِ مَنْ يَصْلُحُ صَرَفَهُ إلَيْهِ كَذَا فِي الْإِسْعَافِ الثَّانِي إذَا مَاتَ الْمُتَوَلِّي الْمَشْرُوطُ لَهُ بَعْدَ الْوَاقِفِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَنْصِبُ غَيْرَهُ وَشَرَطَ فِي الْمُجْتَبَى أَنْ لَا يَكُونَ الْمُتَوَلِّي أَوْصَى بِهِ إلَى رَجُلٍ عِنْدَ مَوْتِهِ فَإِنْ كَانَ أَوْصَى لَا يَنْصِبُ الْقَاضِي وَقَيَّدْنَا بِمَوْتِهِ بَعْدَ الْوَاقِفِ لِأَنَّهُ لَوْ مَاتَ قَبْلَ الْوَاقِفِ قَالَ فِي الْمُجْتَبَى وِلَايَةُ النَّصْبِ إلَى الْوَاقِفِ وَفِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ قَالَ مُحَمَّدٌ النَّصْبُ إلَى الْقَاضِي. اهـ. وَفِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى إذَا مَاتَ الْمُتَوَلِّي وَالْوَاقِفُ حَيٌّ فَالرَّأْيُ فِي نَصْبِ قَيِّمٍ آخَرَ إلَى الْوَاقِفِ لَا إلَى الْقَاضِي فَإِنْ كَانَ الْوَاقِفُ مَيِّتًا فَوَصِيُّهُ أَوْلَى مِنْ الْقَاضِي فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَوْصَى إلَى أَحَدٍ فَالرَّأْيُ فِي ذَلِكَ إلَى الْقَاضِي اهـ. فَأَفَادَ أَنَّ وِلَايَةَ الْقَاضِي مُتَأَخِّرَةٌ عَنْ الْمَشْرُوطِ لَهُ وَوَصِيِّهِ فَيُسْتَفَادُ مِنْهُ عَدَمُ صِحَّةِ تَقْرِيرِ الْقَاضِي فِي الْوَظَائِفِ فِي الْأَوْقَافِ إذَا كَانَ الْوَاقِفُ شَرَطَ التَّقْرِيرَ لِلْمُتَوَلِّي وَهُوَ خِلَافُ الْوَاقِعِ فِي الْقَاهِرَةِ فِي زَمَانِنَا وَقَبْلَهُ بِيَسِيرٍ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَغَيْرِهِ وَأَمَّا نَصْبُ الْمُؤَذِّنِ وَالْإِمَامِ فَقَالَ أَبُو نَصْرٍ لِأَهْلِ الْمَحَلَّةِ وَلَيْسَ الْبَانِي لِلْمَسْجِدِ أَحَقَّ مِنْهُمْ بِذَلِكَ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْكَافُ الْبَانِي أَحَقُّ بِنَصْبِهِمَا مِنْ غَيْرِهِ كَالْعِمَارَةِ قَالَ أَبُو اللَّيْثِ وَبِهِ نَأْخُذُ إلَّا أَنْ يُرِيدَ إمَامًا وَمُؤَذِّنًا وَالْقَوْمُ يُرِيدُونَ الْأَصْلَحَ فَلَهُمْ أَنْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ اهـ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة الْوَقْفُ إذَا كَانَ عَلَى أَرْبَابٍ مَعْلُومِينَ يُحْصَى عَدَدُهُمْ إذَا نَصَبُوا مُتَوَلِّيًا بِدُونِ اسْتِطْلَاعِ رَأْيِ الْقَاضِي يَصِحُّ إذَا كَانُوا مِنْ أَهْلِ الصَّلَاحِ وَالْمُتَقَدِّمُونَ قَالُوا الْأَوْلَى أَنْ يَرْفَعُوا إلَى الْقَاضِي وَمَشَايِخُنَا الْمُتَأَخِّرُونَ قَالُوا الْأَوْلَى أَنْ لَا يَرْفَعُوا إلَى الْقَاضِي ثُمَّ قَالَ فِيهَا أَيْضًا سُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَنْ أَهْلِ مَسْجِدٍ اتَّفَقُوا عَلَى نَصْبِ رَجُلٍ مُتَوَلِّيًا لِمَصَالِحِ الْمَسْجِدِ فَتَوَلَّى ذَلِكَ بِاتِّفَاقِهِمْ هَلْ يَصِيرُ مُتَوَلِّيًا وَيُطْلَقُ لَهُ التَّصَرُّفُ فِي مَالِ الْمَسْجِدِ كَمَا لَوْ قَلَّدَهُ الْقَاضِي قَالَ نَعَمْ قَالَ وَمَشَايِخُنَا الْمُتَقَدِّمُونَ يُجِيبُونَ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَيَقُولُونَ نَعَمْ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِإِذْنِ الْقَاضِي ثُمَّ اتَّفَقَ الْمَشَايِخُ الْمُتَأَخِّرُونَ وَأُسْتَاذُونَا أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَنْصِبُوا مُتَوَلِّيًا وَلَا يُعْلِمُوا الْقَاضِيَ فِي زَمَانِنَا لِمَا عُرِفَ مِنْ طَمَعِ الْقُضَاةِ فِي أَمْوَالِ الْأَوْقَافِ. اهـ. وَهَاهُنَا تَنْبِيهٌ لَا بُدَّ مِنْهُ وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْقَاضِي   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَلَا يَجْعَلُهُ مِنْ الْأَجَانِبِ إلَخْ) هَذَا عَلَى وَجْهِ الْأَفْضَلِيَّةِ لِمَا فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ عَنْ التَّهْذِيبِ الْوَاقِفُ جَعَلَ لِلْوَقْفِ قَيِّمًا فَلَوْ مَاتَ الْقَيِّمُ لَهُ أَنْ يَنْصِبَ آخَرَ وَبَعْدَ مَوْتِهِ لِلْقَاضِي أَنْ يَنْصِبَ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَنْصِبَ مِنْ أَوْلَادِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ أَوْ أَقَارِبِهِ مَا دَامَ يُوجَدُ مِنْهُمْ أَحَدٌ يَصْلُحُ لِذَلِكَ. اهـ. تَأَمَّلْ وَلَا يُنَافِي هَذَا مَا قَدَّمَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي أَوَائِلِ الْمَوْضِعِ الْأَوَّلِ عَنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ كَوْنَ الْمُتَوَلِّي مِنْ أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِهِمْ لَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يُوَلِّيَ غَيْرَهُمْ بِلَا خِيَانَةٍ وَلَوْ فَعَلَ لَا يَصِيرُ مُتَوَلِّيًا. اهـ. لِأَنَّهُ فِيمَا إذَا شَرَطَ الْوَاقِفُ وَهُنَا عِنْدَ عَدَمِ الشَّرْطِ وَقَدْ خَفِيَ هَذَا عَلَى الرَّمْلِيِّ فِي فَتَاوَاهُ (قَوْلُهُ إذَا كَانَ الْوَاقِفُ شَرَطَ التَّقْرِيرَ لِلْمُتَوَلِّي) قَالَ الرَّمْلِيُّ بِخِلَافِ مَا لَوْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ الشَّرْطِ وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّهُ يُعْمَلُ بِمَفَاهِيمِ التَّصَانِيفِ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ بِغَيْرِ شَرْطٍ لَهُ فَلَا يَمْلِكُهُ فَلَمْ يَدْخُلْ فِي قَوْلِهِمْ الْوِلَايَةُ الْخَاصَّةُ أَقْوَى مِنْ الْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَغَيْرِهِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ الظَّاهِرُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ بَانَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ وَلَدِهِ وَعَشِيرَتِهِ كَمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ قَرِيبًا فَأَهْلُ الْمَحَلَّةِ أَوْلَى بِنَصْبِهِمَا (قَوْلُهُ وَهَاهُنَا تَنْبِيهٌ لَا بُدَّ مِنْهُ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَقُولُ: وَفِي فَتَاوَى شَيْخِنَا مُحَمَّدِ بْنِ سِرَاجِ الدِّينِ الْحَانُوتِيِّ سُؤَالٌ فِي قَوْلِهِمْ إنَّ الِاسْتِبْدَالَ إنَّمَا يَكُونُ مِنْ الْقَاضِي حَيْثُ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ شَرْطُ وَاقِفٍ هَلْ الْمُرَادُ قَاضِي الْقُضَاةِ أَمْ لَا يَخْتَصُّ بِهِ وَهَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ كَتَبَ فِي مَنْشُورِهِ ذَلِكَ أَمْ لَا. الْجَوَابُ لَمْ نَرَ مَنْ قَيَّدَ بِاشْتِرَاطِ أَنْ يَكُونَ فِي مَنْشُورِهِ كَمَا قَيَّدُوا بِهِ فِي وِلَايَةِ إنْكَاحِ الصَّغَائِرِ وَفِي الِاسْتِخْلَافِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُعْمَلَ بِالْإِطْلَاقِ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ اخْتِصَاصِ قَاضِي الْقُضَاةِ بِالِاسْتِبْدَالِ بَلْ كَمَا يَكُونُ مِنْهُ يَكُونُ مِنْ نَائِبِهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِخْلَافُهُ لِنَائِبِهِ إلَّا إنْ فُوِّضَ إلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ السُّلْطَانِ وَحَيْثُ فُوِّضَ إلَيْهِ ذَلِكَ كَانَتْ وِلَايَةُ نَائِبِهِ مُسْتَنِدَةً إلَى إذْنِ السُّلْطَانِ فَيَكُونُ قَائِمًا مَقَامَ مُسْتَنِيبِهِ الَّذِي هُوَ قَاضِي الْقُضَاةِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي الِاسْتِخْلَافِ وَلِذَا كَانَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 251 الَّذِي يَمْلِكُ نَصْبَ الْوَصِيِّ وَالْمُتَوَلِّي وَيَكُونُ لَهُ النَّظَرُ عَلَى الْأَوْقَافِ قُلْتُ وَهُوَ قَاضِي الْقُضَاةِ لَا كُلُّ قَاضٍ لِمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مِنْ الْفَصْلِ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ لَوْ كَانَ الْوَصِيُّ أَوْ الْمُتَوَلِّي مِنْ جِهَةِ الْحَاكِمِ فَالْأَوْثَقُ أَنْ يَكْتُبَ فِي الصُّكُوكِ وَالسِّجِلَّاتِ وَهُوَ الْوَصِيُّ مِنْ جِهَةِ حَاكِمٍ لَهُ وِلَايَةُ نَصْبِ الْوَصِيِّ وَالتَّوْلِيَةُ لِأَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ وَهُوَ الْوَصِيُّ مِنْ جِهَةِ الْحَاكِمِ رُبَّمَا يَكُونُ مِنْ حَاكِمٍ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ نَصْبِ الْوَصِيِّ فَإِنَّ الْقَاضِيَ لَا يَمْلِكُ نَصْبَ الْوَصِيِّ وَالْمُتَوَلِّي إلَّا إذَا كَانَ ذِكْرُ التَّصَرُّفِ فِي الْأَوْقَافِ وَالْأَيْتَامِ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ فِي مَنْشُورِهِ فَصَارَ كَحُكْمِ نَائِبِ الْقَاضِي فَإِنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِ أَنْ يَذْكُرُوا أَنَّ فُلَانًا الْقَاضِيَ مَأْذُونٌ بِالْإِنَابَةِ تَحَرُّزًا عَنْ هَذَا الْوَهْمِ. اهـ. وَلَا شَكَّ أَنَّ قَوْلَ السُّلْطَانِ جَعَلْتُكَ قَاضِيَ الْقُضَاةِ كَالتَّنْصِيصِ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فِي الْمَنْشُورِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ فِي مَسْأَلَةِ اسْتِخْلَافِ الْقَاضِي وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُمْ فِي الِاسْتِدَانَةِ بِأَمْرِ الْقَاضِي الْمُرَادُ بِهِ قَاضِي الْقُضَاةِ وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ ذُكِرَ وَالْقَاضِي فِي أُمُورِ الْأَوْقَافِ بِخِلَافِ قَوْلِهِمْ وَإِذَا رُفِعَ إلَيْهِ حُكْمُ قَاضٍ أَمْضَاهُ فَإِنَّهُ أَعَمُّ كَمَا لَا يَخْفَى الثَّالِثُ إذَا ظَهَرَتْ خِيَانَتُهُ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَعْزِلُهُ وَيَنْصِبُ أَمِينًا قَالَ فِي آخِرِ أَوْقَافِ الْخَصَّافِ مَا تَقُولُ إنْ طَعَنَ عَلَيْهِ فِي الْأَمَانَةِ فَرَأَى الْحَاكِمُ أَنْ يُدْخِلَ مَعَهُ آخَرَ أَوْ يُخْرِجَهُ مِنْ يَدِهِ وَيُصَيِّرَهُ إلَى غَيْرِهِ قَالَ أَمَّا إخْرَاجُهُ فَلَيْسَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ إلَّا بِخِيَانَةٍ ظَاهِرَةٍ مُبَيِّنَةٍ فَإِذَا جَاءَ مِنْ ذَلِكَ مَا يَصِحُّ وَاسْتَحَقَّ إخْرَاجَ الْوَقْفِ مِنْ يَدِهِ قَطَعَ عَنْهُ مَا كَانَ أَجْرَى لَهُ الْوَاقِفُ. وَأَمَّا إذَا أَدْخَلَ مَعَهُ رَجُلًا فِي الْقِيَامِ بِذَلِكَ فَالْأَجْرُ لَهُ قَائِمٌ فَإِنْ رَأَى الْحَاكِمُ أَنْ يَجْعَلَ لِلرَّجُلِ الَّذِي أَدْخَلَ مَعَهُ شَيْئًا مِنْ هَذَا الْمَالِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَإِنْ كَانَ الْمَالُ الَّذِي سُمِّيَ لَهُ قَلِيلًا ضَيِّقًا فَرَأَى الْحَاكِمُ أَنْ يَجْعَلَ لِلرَّجُلِ الَّذِي أَدْخَلَهُ مَعَهُ رِزْقًا مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَيَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ يَقْتَصِدَ فِيمَا يُجْرِيهِ مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ مَا تَقُولُ إنْ كَانَ الْحَاكِمُ أَخْرَجَهُ مِنْ الْقِيَامِ بِأَمْرِ هَذَا الْوَقْفِ وَقَطَعَ عَنْهُ مَا كَانَ أَجْرَاهُ لَهُ الْوَاقِفُ ثُمَّ جَاءَ حَاكِمٌ آخَرُ فَتَقَدَّمَ إلَيْهِ هَذَا الرَّجُلُ وَقَالَ إنَّ الْحَاكِمَ الَّذِي كَانَ قَبْلَكَ إنَّمَا أَخْرَجَنِي مِنْ الْقِيَامِ بِأَمْرِ هَذَا الْوَقْفِ بِتَحَامُلٍ مِنْ قَوْمٍ سَعَوْا بِهِ إلَيْهِ وَلَمْ يَصِحَّ عَلَيَّ شَيْءٌ اسْتَحَقَّ بِهِ إخْرَاجِي مِنْ الْقِيَامِ بِأَمْرِ هَذَا الْوَقْفِ قَالَ أُمُورُ الْحَاكِمِ عِنْدَنَا إنَّمَا تَجْرِي عَلَى الصِّحَّةِ وَالِاسْتِقَامَةِ وَلَا يَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ يَقْبَلَ قَوْلَ هَذَا الرَّجُلِ فِيمَا ادَّعَاهُ عَلَى الْحَاكِمِ الْمُتَقَدِّمِ وَلَكِنْ يَقُولُ صَحِّحْ أَنَّكَ مَوْضِعٌ لِلْقِيَامِ بِأَمْرِ هَذَا الْوَقْفِ أَرُدّكَ إلَى الْقِيَامِ بِذَلِكَ فَإِنْ صَحَّ عِنْدَ هَذَا الْحَاكِمِ أَنَّهُ مَوْضِعٌ لِذَلِكَ رَدَّهُ وَأَجْرَى ذَلِكَ الْمَالَ لَهُ وَكَذَلِكَ لَوْ أَنَّ الْحَاكِمَ الَّذِي كَانَ أَخْرَجَهُ صَحَّ عِنْدَهُ أَنَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَابَ وَرَجَعَ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ وَصَارَ مَوْضِعًا لِلْقِيَامِ بِهِ وَجَبَ أَنْ يَرُدَّهُ إلَى ذَلِكَ وَيَرُدَّ عَلَيْهِ الْمَالَ الَّذِي كَانَ الْوَاقِفُ جَعَلَهُ لَهُ اهـ. وَقَدْ عَلِمْتَ فِيمَا سَبَقَ أَنَّهُ لَوْ عَزَلَهُ بِغَيْرِ جُنْحَةٍ لَا يَنْعَزِلُ فَإِنْ قُلْتَ كَيْفَ يُعِيدُ الطَّالِبَ لِلتَّوَلِّيَةِ بَعْدَ عَزْلِهِ إذَا أَنَابَ وَرَجَعَ مَعَ قَوْلِهِمْ طَالِبُ التَّوْلِيَةِ لَا يُوَلَّى قُلْتُ مَحْمُولٌ عَلَى طَلَبِهَا ابْتِدَاءً وَأَمَّا طَلَبُ الْعَوْدِ بَعْدَ الْعَزْلِ فَلَا جَمْعًا بَيْنَ كَلَامِهِمْ وَمِنْ الْخِيَانَةِ امْتِنَاعُهُ مِنْ الْعِمَارَةِ قَالَ فِي الْخَصَّافِ إذَا امْتَنَعَ   [منحة الخالق] مَفْهُومُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا شَرَطَ فِي مَنْشُورِهِ تَزْوِيجَ الصِّغَارِ وَالصَّغَائِرِ كَانَ لَهُ وِلَايَةُ ذَلِكَ ثُمَّ لِمَنْصُوبِهِ فَجَلَعُوا إذْنَ السُّلْطَانِ لِلْقَاضِي فِي التَّزْوِيجِ كَافِيًا فِي مُبَاشَرَتِهِ وَمَنْصُوبُهُ كَذَلِكَ لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ. وَإِذَا جَازَ لِلنَّائِبِ مُبَاشَرَةُ الْأَنْكِحَةِ مَعَ تَنْصِيصِهِمْ أَنْ يَكُونَ اشْتَرَطَ لِلْقَاضِي فِي مَنْشُورِهِ فَكَيْفَ بِغَيْرِهِ وَعِبَارَةُ ابْنِ الْهُمَامِ فِي تَرْتِيبِ الْأَوْلِيَاءِ فِي النِّكَاحِ هَكَذَا ثُمَّ السُّلْطَانُ ثُمَّ الْقَاضِي إذَا شَرَطَ فِي عُهْدَةِ تَزْوِيجِ الصَّغَائِرِ وَالصِّغَارِ ثُمَّ مَنْ نَصَّبَهُ الْقَاضِي فَجَعَلَ الشَّرْطَ أَعْنِي قَوْلَهُ الَّذِي شَرَطَ فِي عُهْدَةٍ إلَخْ رَاجِعًا إلَى الْقَاضِي فَقَطْ وَلَمْ يَجْعَلْ رَاجِعًا لَهُ وَلِمَنْصُوبِهِ حَيْثُ لَمْ يُؤَخِّرْهُ عَنْهُمَا نَعَمْ قَدْ وَقَعَ فِي عِبَارَةِ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ أَخَّرَ الشَّرْطَ عَنْ الْقَاضِي وَمَنْ نَصَّبَهُ فَكَانَتْ عِبَارَتُهُ مُحْتَمَلَةً لِرُجُوعِهِ إلَى الْقَاضِي لِكَوْنِهِ الْأَصْلَ أَوْ لَهُمَا. اهـ. لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْخَيْرِيَّةُ أَوَّلَ الْوَقْفِ عِبَارَةَ الْبَحْرِ الْمَذْكُورَةِ هُنَا ثُمَّ قَالَ فَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ نَائِبَ الْقَاضِي لَا يَمْلِكُ إبْطَالَ الْوَقْفِ وَإِنَّمَا ذَلِكَ خَاصٌّ بِالْأَصْلِ الَّذِي ذَكَرَ لَهُ السُّلْطَانُ فِي مَنْشُورِهِ نَصْبَ الْوُلَاةِ وَالْأَوْصِيَاءِ وَفَوَّضَ لَهُ أُمُورَ الْأَوْقَافِ وَيَنْبَغِي الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ وَإِنْ بَحَثَ فِيهِ شَيْخُنَا الشَّيْخُ مُحَمَّدُ بْنُ سِرَاجِ الدِّينِ الْحَانُوتِيُّ لِمَا فِي إطْلَاقِ مِثْلِهِ لِلنُّوَّابِ فِي هَذَا الزَّمَانِ مِنْ الِاخْتِلَالِ وَالْمَسْأَلَةُ لَا نَصَّ فِيهَا بِخُصُوصِهَا فِيمَا اطَّلَعْنَا عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ فِيمَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ شَيْخُنَا الْمَذْكُورُ وَالشَّيْخُ زَيْنٌ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَإِنَّمَا اسْتَخْرَجَهَا تَفَقُّهًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ قُلْتُ مَحْمُولٌ عَلَى طَلَبِهَا ابْتِدَاءً) قَالَ فِي النَّهْرِ الْحَقُّ أَنَّ مَا فِي الْخَصَّافِ فِي الْمَشْرُوطِ لَهُ التَّوْلِيَةُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَهُ وَقَوْلُهُمْ طَالِبُ التَّوْلِيَةِ لَا يُوَلَّى فِي غَيْرِهِ وَبِهِ عُرِفَ أَنَّ الْمَشْرُوطَ لَهُ النَّظَرُ لَوْ طَلَبَ مِنْ الْقَاضِي تَقْرِيرَهُ فِيهِ إجَابَةً فِيهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُرِيدُ التَّنْفِيذَ لَا أَصْلَ التَّوْلِيَةِ لِأَنَّهُ مُوَلًّى وَهَذَا فِقْهٌ حَسَنٌ فَاحْفَظْهُ. اهـ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 252 مِنْ الْعِمَارَةِ وَلَهُ غَلَّةٌ أُجْبِرَ عَلَيْهَا فَإِنْ فَعَلَ فِيهَا وَإِلَّا أَخْرَجَهُ مِنْ يَدِهِ وَمِنْ الْخِيَانَةِ الْمُجَوِّزَةِ لِعَزْلِهِ أَنْ يَبِيعَ الْوَقْفَ أَوْ بَعْضَهُ لَكِنْ ظَاهِرُ مَا فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ هَدْمِ الْمُشْتَرِي الْبِنَاءَ فَإِنَّهُ قَالَ وَإِذَا خَرِبَتْ أَرْضُ الْوَقْفِ وَأَرَادَ الْقَيِّمُ أَنْ يَبِيعَ بَعْضَهَا مِنْهَا لِيَرُمَّ الْبَاقِيَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ فَإِنْ بَاعَهُ فَهُوَ بَاطِلٌ فَإِنْ هَدَمَ الْمُشْتَرِي الْبِنَاءَ أَوْ صَرَمَ النَّخْلَ فَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يُخْرِجَ الْقَيِّمَ عَنْ هَذَا الْوَقْفِ لِأَنَّهُ صَارَ خَائِنًا وَلَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَأْمَنَ الْخَائِنَ بَلْ سَبِيلُهُ أَنْ يَعْزِلَهُ اهـ. ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ قَرْيَةٌ وَقْفٌ عَلَى أَرْبَابٍ مُسَمَّيْنَ فِي يَدِ الْمُتَوَلِّي بَاعَ الْمُتَوَلِّي وَرَقَ أَشْجَارِ التُّوتِ جَازَ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْغَلَّةِ فَلَوْ أَرَادَ الْمُشْتَرِي قَطْعَ قَوَائِمِ الشَّجَرِ يُمْنَعُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَبِيعَةٍ وَلَوْ امْتَنَعَ الْمُتَوَلِّي مِنْ مَنْعِ الْمُشْتَرِي عَنْ قَطْعِ الْقَوَائِمِ كَانَ ذَلِكَ خِيَانَةً مِنْهُ وَاسْتُفِيدَ مِنْهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَمْنَعْ مَنْ يُتْلِفُ شَيْئًا لِلْوَقْفِ كَانَ خَائِنًا وَيُعْزَلُ وَفِي الْقُنْيَةِ قَيِّمٌ يَخْلِطُ غَلَّةَ الدُّهْنِ بِغَلَّةِ الْبَوَارِي فَهُوَ سَارِقٌ خَائِنٌ اهـ. فَاسْتُفِيدَ مِنْهُ إذَا تَصَرَّفَ بِمَا لَا يَجُوزُ كَانَ خَائِنًا يَسْتَحِقُّ الْعَزْلَ وَلْيُقَسْ مَا لَمْ يَقُلْ فَإِنْ قُلْتَ إذَا ثَبَتَتْ خِيَانَتُهُ هَلْ لِلْقَاضِي أَنْ يَضُمَّ إلَيْهِ ثِقَةً مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْزِلَهُ قُلْتُ نَعَمْ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ حَصَلَ بِضَمِّ الثِّقَةِ إلَيْهِ قَالَ فِي الْقُنْيَةِ مُتَوَلِّي الْوَقْفِ بَاعَ شَيْئًا مِنْهُ أَوْ أَرْضِهِ فَهُوَ خِيَانَةٌ فَيُعْزَلُ أَوْ يُضَمُّ إلَيْهِ ثِقَةٌ. اهـ. وَمِنْ أَحْكَامِ الْمُتَوَلِّي مِنْ الْقَاضِي مَا فِي الْقُنْيَةِ لِلْمُتَوَلِّي أَنْ يُوَكِّلَ فِيمَا فُوِّضَ إلَيْهِ إنْ عَمَّمَ الْقَاضِي التَّفْوِيضَ إلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ مَاتَ الْقَاضِي أَوْ عُزِلَ يَبْقَى مَا نَصَبَهُ عَلَى حَالِهِ. اهـ. فَإِنْ قُلْتَ مَا حُكْمُ تَوْلِيَةِ الْقَاضِي النَّاظِرَ حِسْبَةً مَعَ وُجُودِ النَّاظِرِ الْمَشْرُوطِ لَهُ قُلْتُ صَحِيحَةٌ إذَا شَكَّ النَّاظِرُ أَوْ ارْتَابَ الْقَاضِي فِي أَمَانَتِهِ لِقَوْلِ الْخَصَّافِ كَمَا نَقَلْنَاهُ عَنْهُ وَأَمَّا إذَا أَدْخَلَ مَعَهُ رَجُلًا إلَخْ لَا يَأْخُذُ مِنْ مَعْلُومِ الْمُتَوَلِّي وَلَا مِنْ الْوَقْفِ شَيْئًا لِأَنَّهُ إنَّمَا وَلَّاهُ الْقَاضِي حِسْبَةً أَيْ بِغَيْرِ مَعْلُومٍ الرَّابِعُ إذَا عَزَلَ نَفْسَهُ عِنْدَ الْقَاضِي فَإِنَّهُ يَنْصِبُ غَيْرَهُ وَهَلْ يَنْعَزِلُ بِعَزْلِ نَفْسِهِ فِي غَيْبَةِ الْقَاضِي الْجَوَابُ لَا يَنْعَزِلُ حَتَّى يَبْلُغَ الْقَاضِيَ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي الْوَصِيِّ وَالْقَاضِي وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ أَنَّهُ يَنْعَزِلُ إذَا عَلِمَ الْقَاضِي سَوَاءٌ عَزَلَهُ الْقَاضِي أَوْ لَمْ يَعْزِلْهُ وَفِي الْقُنْيَةِ لَوْ قَالَ الْمُتَوَلِّي مِنْ جِهَةِ الْوَاقِفِ عَزَلْتُ نَفْسِي لَا يَنْعَزِلُ إلَّا أَنْ يَقُولَ لَهُ أَوْ لِلْقَاضِي فَيُخْرِجَهُ. اهـ. وَمِنْ عَزْلِ نَفْسِهِ الْفَرَاغُ عَنْ وَظِيفَةِ النَّظَرِ لِرَجُلٍ عِنْدَ الْقَاضِي وَهَلْ يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يُقَرِّرَ الْمَنْزُولَ لَهُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ لَكِنْ ظَاهِرُ مَا فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ لَا بُدَّ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَالظَّاهِرُ الْإِطْلَاقُ لِمَا فِي الْقُنْيَةِ بَاعَ شَيْئًا مِنْهُ أَوْ رَهَنَهُ فَهُوَ خِيَانَةٌ (قَوْلُهُ وَفِي الْقُنْيَةِ قَيِّمٌ يَخْلِطُ غَلَّةَ الدُّهْنِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ يَعْنِي الْغَلَّةَ الْمَوْقُوفَةَ عَلَى شِرَاءِ الدُّهْنِ بِالْغَلَّةِ الْمَوْقُوفَةِ عَلَى شِرَاءِ الْبَوَارِي أَيْ الْحُصْرِ اهـ. قُلْتُ: وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّادِسَةَ عَشْرَةَ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ مَسْجِدٌ لَهُ أَوْقَافٌ مُخْتَلِفَةٌ لَا بَأْسَ لِلْقَيِّمِ أَنْ يَخْلِطَ غَلَّتَهَا كُلَّهَا (قَوْلُهُ قُلْتُ: نَعَمْ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ حَصَلَ إلَخْ) سَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ وَيُنْزَعُ لَوْ خَائِنًا إنَّ عَزْلَ الْخَائِنِ وَاجِبٌ عَلَى الْقَاضِي فَيُنَافِي مَا هُنَا وَقَدْ يُقَالُ إنَّ الْمُرَادَ مِنْ عَزْلِهِ إزَالَةُ ضَرَرِهِ عَنْ الْوَقْفِ وَذَلِكَ حَاصِلٌ بِضَمِّ ثِقَةٍ إلَيْهِ وَقَدْ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ حَصَلَ (قَوْلُهُ وَأَمَّا إذَا أَدْخَلَ مَعَهُ رَجُلًا إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا أَنَّهُ إذَا أَدْخَلَ مَعَهُ رَجُلًا وَرَأَى الْحَاكِمُ أَنْ يَجْعَلَ لَهُ شَيْئًا فَلَا بَأْسَ إلَخْ (قَوْلُهُ وَمَنْ عَزَلَ نَفْسَهُ الْفَرَاغَ عَنْ وَظِيفَتِهِ لِرَجُلٍ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ فَائِدَةٌ أَخَذَ السُّبْكِيُّ مِنْ صِحَّةِ خَلْعِ الْأَجْنَبِيِّ جَوَازُ بَذْلِ مَالٍ لِمَنْ بِيَدِهِ وَظِيفَةٌ يَسْتَنْزِلُهُ عَنْهَا لِنَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ وَيَحِلُّ لَهُ حِينَئِذٍ أَخْذُ الْعِوَضِ وَيَسْقُطُ حَقُّهُ مِنْهَا وَيَبْقَى الْأَمْرُ بَعْدَ ذَلِكَ لِنَاظِرِ الْوَظِيفَةِ يَفْعَلُ مَا تَقْتَضِيهِ الْمَصْلَحَةُ شَرْعًا كَذَا فِي شَرْحِ الْخَطِيبِ عَلَى الْمِنْهَاجِ أَقُولُ: وَقَوْلُ هَذَا الشَّارِحِ هُنَا وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ وَيَنْبَغِي الْإِبْرَاءُ الْعَامُّ بَعْدَهُ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ جَوَازِهِ وَحُرْمَةِ الْأَخْذِ وَهُوَ مَحَلٌّ يَحْتَاجُ إلَى التَّحْرِيرِ وَفِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ فِي الْفَنِّ الْأَوَّلِ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى الْعُرْفِ الْخَاصِّ أَقُولُ: عَلَى اعْتِبَارِ الْعُرْفِ الْخَاصِّ قَدْ تَعَارَفَ الْفُقَهَاءُ بِالْقَاهِرَةِ النُّزُولَ عَنْ الْوَظَائِفِ بِمَالٍ يُعْطَى لِصَاحِبِهَا وَتَعَارَفُوا ذَلِكَ فَيَنْبَغِي الْجَوَازُ وَأَنَّهُ لَوْ نَزَلَ لَهُ وَقَبَضَ الْمَبْلَغَ مِنْهُ ثُمَّ أَرَادَ الرُّجُوعَ عَلَيْهِ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ. اهـ. وَرَأَيْت بَعْضَ الْفُضَلَاءِ كَتَبَ عَلَى هَذَا الْمَحَلِّ الْفَتْوَى عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الِاعْتِيَاضِ عَنْ الْوَظَائِفِ وَمَا قَالَهُ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ مِمَّا سَيَأْتِي الْحُقُوقُ الْمُجَرَّدَةُ لَا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهَا كَالِاعْتِيَاضِ عَنْ حَقِّ الشُّفْعَةِ وَمَسَائِلَ أُخَرَ سَرَدَهَا فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ تَرُدُّ هَذَا. اهـ. تَأَمَّلْ. اهـ. كَلَامُ الرَّمْلِيِّ. أَقُولُ: بَقِيَ هُنَا شَيْءٌ وَهُوَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ مِنْ صِحَّةِ الْفَرَاغِ عَنْ وَظِيفَةِ النَّظَرِ مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمَهُ قَبْلَ وَرَقَةٍ وَنِصْفٍ نَقْلًا عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ بِقَوْلِهِ الْمُتَوَلِّي إذَا أَرَادَ أَنْ يُفَوِّضَ إلَى غَيْرِهِ عِنْدَ الْمَوْتِ إنْ كَانَ الْوِلَايَةُ بِالْإِيصَاءِ يَجُوزُ وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُقِيمَ غَيْرَهُ مَقَامَ نَفْسِهِ فِي صِحَّتِهِ وَحَيَاتِهِ لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا كَانَ التَّفْوِيضُ إلَيْهِ عَلَى سَبِيلِ التَّعْمِيمِ. اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْقَيِّمَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْزِلَ عَنْ وَظِيفَةِ النَّظَرِ إلَّا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ عَلَى سَبِيلِ الْإِيصَاءِ وَأَمَّا فِي صِحَّتِهِ فَلَا إلَّا إذَا كَانَ الْوَاقِفُ أَذِنَ لَهُ بِذَلِكَ وَمَرَّ بَيَانُهُ فِيمَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الطَّرَسُوسِيِّ وَعَنْ هَذَا قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْإِقْرَارِ وَنَقَلَهُ عَنْ الْعَلَائِيِّ أَيْضًا مَا نَصُّهُ الْفِعْلُ فِي الْمَرَضِ أَحَطُّ رُتْبَةً مِنْ الْفِعْلِ فِي الصِّحَّةِ إلَّا فِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 253 وَهَكَذَا فِي سَائِرِ الْوَظَائِفِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَنْزُولُ لَهُ أَهْلًا لَا شَكَّ أَنَّهُ لَا يُقَرِّرُهُ وَإِنْ كَانَ أَهْلًا فَكَذَلِكَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَأَفْتَى الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ بِأَنَّ مَنْ فَرَغَ لِإِنْسَانٍ عَنْ وَظِيفَتِهِ سَقَطَ حَقُّهُ مِنْهَا سَوَاءٌ قَرَّرَ النَّاظِرُ الْمَنْزُولَ لَهُ أَوْ لَا اهـ. فَالْقَاضِي بِالْأَوْلَى وَقَدْ جَرَى التَّعَارُفُ بِمِصْرَ الْفَرَاغُ بِالدَّرَاهِمِ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ وَيَنْبَغِي الْإِبْرَاءُ الْعَامُّ بَعْدَهُ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ الْمُتَوَلِّي مِنْ جِهَةِ الْحَاكِمِ امْتَنَعَ مِنْ الْعَمَلِ وَلَمْ يَرْفَعْ الْأَمْرَ بِعَزْلِ نَفْسِهِ إلَى الْحَاكِمِ لَا يَخْرُجُ عَنْ التَّوْلِيَةِ. اهـ. فَإِنْ قُلْتَ هَلْ لِلْقَاضِي عَزْلُ مَنْ وَلَّاهُ بِغَيْرِ جُنْحَةٍ. قُلْتُ نَعَمْ قَالَ فِي الْقُنْيَةِ نَصَبَ الْقَاضِي قَيِّمًا آخَرَ لَا يَنْعَزِلُ الْأَوَّلُ إنْ كَانَ مَنْصُوبَ الْوَاقِفِ وَإِنْ كَانَ مَنْصُوبَهُ وَيَعْلَمُهُ وَقْتَ نَصَبَ الثَّانِي يَنْعَزِلُ بِخِلَافِ مَا إذَا نَصَبَ السُّلْطَانُ قَاضِيًا فِي بَلْدَةٍ لَا يَنْعَزِلُ الْأَوَّلُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ لِأَنَّهُ قَدْ تَكْثُرُ الْقُضَاةُ فِي بَلْدَةٍ دُونَ الْقُوَّامِ فِي الْوَقْفِ فِي مَسْجِدٍ وَاحِدٍ. اهـ. وَسَيَأْتِي عَنْ الْخَانِيَّةِ أَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ. الْمَوْضِعُ الرَّابِعُ فِي تَصَرُّفَاتِ النَّاظِرِ وَفِيهِ بَيَانُ مَا عَلَيْهِ وَلَهُ مِنْ الْمَعْلُومِ أَوَّلُ مَا يَفْعَلُهُ الْقَيِّمُ فِي غَلَّةِ الْوَقْفِ الْبُدَاءَةُ بِالْعِمَارَةِ وَأُجْرَةِ الْقُوَّامِ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْهَا الْوَاقِفُ وَيَتَحَرَّى فِي تَصَرُّفَاتِهِ النَّظَرَ لِلْوَقْفِ وَالْغِبْطَةَ حَتَّى لَوْ آجَرَ الْوَقْفَ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ سَكَنَهُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ لَا يَجُوزُ وَكَذَا إذَا آجَرَهُ مِنْ ابْنِهِ أَوْ أَبِيهِ أَوْ عَبْدِهِ أَوْ مُكَاتَبِهِ لِلتُّهْمَةِ وَلَا نَظَرَ مَعَهَا كَذَا فِي الْإِسْعَافِ وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ الْمُتَوَلِّي لَوْ آجَرَ دَارَ الْوَقْفِ مِنْ ابْنِهِ الْبَالِغِ أَوْ أَبِيهِ لَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا بِأَكْثَرَ مِنْ أَجْرِ الْمِثْلِ كَبَيْعِ الْوَصِيِّ لَوْ بِقِيمَتِهِ صَحَّ عِنْدَهُمَا وَلَوْ خَيْرًا لِلْيَتِيمِ صَحَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَكَذَا مُتَوَلٍّ أَجَّرَ مِنْ نَفْسِهِ لَوْ خَيْرٌ صَحَّ وَإِلَّا لَا وَمَعْنَى الْخَيْرِيَّةِ مَرَّ فِي بَيْعِ الْوَصِيِّ مِنْ نَفْسِهِ وَبِهِ يُفْتَى. اهـ. فَعُلِمَ أَنَّ مَا فِي الْإِسْعَافِ ضَعِيفٌ وَلَا تَجُوزُ إجَارَتُهُ لِأَجْنَبِيٍّ إلَّا بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ لِأَنَّ مَا نَقَصَ يَكُونُ إضْرَارًا بِالْفُقَرَاءِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَفِي الْقُنْيَةِ فِي الدُّورِ وَالْحَوَانِيتِ الْمُسَبَّلَةِ فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ يُمْسِكُهَا بِغَبَنٍ فَاحِشٍ نِصْفُ الْمِثْلِ أَوْ نَحْوُهُ لَا يُعْذَرُ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ فِي   [منحة الخالق] مَسْأَلَةِ إسْنَادِ النَّاظِرِ النَّظَرَ لِغَيْرِهِ بِلَا شَرْطٍ فَإِنَّهُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ صَحِيحٌ لَا فِي الصِّحَّةِ كَمَا فِي التَّتِمَّةِ وَغَيْرِهَا. اهـ. فَهَذَا هُوَ الْمَنْقُولُ فِي مَسْأَلَةِ النَّاظِرِ فَلْيُحْمَلْ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ هُنَا مِنْ جَوَازِ النُّزُولِ عَنْ الْوَظَائِفِ عَلَى غَيْرِ وَظِيفَةِ النَّظَرِ كَوَظِيفَةِ تَدْرِيسٍ وَإِمَامَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَإِنَّ حَمْلَ جَوَازِ النُّزُولِ عَنْ النَّظَرِ عَلَى مَا إذَا كَانَ عِنْدَ الْقَاضِي يَحْتَاجُ إلَى نَقْلٍ صَرِيحٍ يُخَصَّصُ بِهِ كَلَامُهُمْ وَالْمُؤَلِّفُ لَمْ يَنْقُلْ ذَلِكَ هُنَا تَأَمَّلْ هَذَا وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْأَشْبَاهِ أَوَائِلَ كِتَابِ الْوَقْفِ أَنَّ الْوَاقِفَ إذَا شَرَطَ عَزْلَ النَّاظِرِ حَالَ الْوَقْفِ صَحَّ اتِّفَاقًا وَإِلَّا لَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَيَصِحُّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ثُمَّ قَالَ وَلَمْ أَرَ حُكْمَ عَزْلِهِ لِلْمُدَرِّسِ وَالْإِمَامِ الَّذِي وَلَّاهُمَا وَلَا يُمْكِنُ الْإِلْحَاقُ بِالنَّاظِرِ لِتَعْلِيلِهِمْ لِصِحَّةِ عَزْلِهِ عِنْدَ الثَّانِي بِكَوْنِهِ وَكِيلًا عَنْهُ وَلَيْسَ صَاحِبُ الْوَظِيفَةِ وَكِيلًا عَنْ الْوَاقِفِ إلَخْ فَهَذَا يُفِيدُ الْفَرْقَ بَيْنَ النَّاظِرِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِ الْوَظَائِفِ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَأَفْتَى الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ بِأَنَّ مَنْ فَرَّغَ لِإِنْسَانٍ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ هَذَا صَرِيحٌ فِي صِحَّةِ تَقْرِيرِ النَّاظِرِ لِغَيْرِهِ سَوَاءٌ عَلِمَ بِفَرَاغِهِ لَدَى الْقَاضِي أَمْ لَا لِأَنَّهُ عَزَلَهُ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَقْرِيرُهُ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ ذُو وَظِيفَةٍ فَقَرَّرَ النَّاظِرُ آخَرَ فَبَانَ أَنَّهُ نَزَلَ عَنْهَا الْآخَرُ لَمْ يَقْدَحْ ذَلِكَ فِي التَّقْرِيرِ كَمَا أَفْتَى بِهِ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ بَلْ لَوْ قَرَّرَهُ مَعَ عِلْمِهِ بِذَلِكَ فَكَذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ بَعْضُهُمْ. وَقَوَاعِدُنَا تَقْتَضِي ذَلِكَ وَلِأَنَّهُ حَيْثُ كَانَ عَزْلًا فَقَدْ شَغَرَتْ الْوَظِيفَةُ لِعَدَمِ تَقْرِيرِ الْقَاضِي فَيَجِبُ التَّقْيِيدُ بِمَا إذَا لَمْ يُقَرِّرْ الْقَاضِي الْمَنْزُولَ لَهُ لِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ التَّقْرِيرُ الثَّانِي كَانَ عَزْلًا بِغَيْرِ جُنْحَةٍ عَنْ وَظِيفَةٍ صَارَتْ حَقَّهُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ مِنْ عَدَمِ الْجَوَازِ إذْ هُوَ حَقٌّ مُجَرَّدٌ لَا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ فَلَا طَرِيقَ لِجَوَازِهِ وَقِيَاسُهُ عَلَى الْخُلْعِ قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ إذْ الْمَالُ فِي الْخُلْعِ مُقَابَلٌ بِإِزَاءِ مِلْكِ النِّكَاحِ بِلَفْظِ الْخُلْعِ صَرَّحَ بِهِ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ وَلَا مِلْكَ لِلْفَارِغِ عَنْ الْوَظِيفَةِ حَتَّى يَكُونَ أَخْذُهُ لَهُ مُقَابَلًا بِهِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ قُلْتُ: نَعَمْ قَالَ فِي الْقُنْيَةِ إلَخْ) سَيَأْتِي قُبَيْلَ قَوْلِهِ فَإِنْ قُلْتُ: هَلْ لِأَحَدِ النَّاظِرَيْنِ أَنْ يُؤَاجِرَ الْآخَرَ أَنَّ لِلْقَاضِي عَزْلَ مَنْصُوبِ قَاضٍ آخَرَ بِلَا خِيَانَةٍ إذَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ وَمَا ذَكَرَهُ هُنَا عَنْ الْقُنْيَةِ قَالَ أَبُو السُّعُودِ تَعَقَّبَهُ الْمَرْحُومُ الشَّيْخُ شَاهِينُ بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فِي الْفَصْلِ الْأَخِيرِ مِنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَنَصُّهُ إذَا كَانَ لِلْوَقْفِ مُتَوَلٍّ مِنْ جِهَةِ الْوَاقِفِ أَوْ مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِ مِنْ الْقُضَاةِ لَا يَمْلِكُ الْقَاضِي نَصْبَ مُتَوَلٍّ آخَرَ بِلَا سَبَبٍ مُوجِبٍ لِذَلِكَ وَهُوَ ظُهُورُ خِيَانَةِ الْأَوَّلِ أَوْ شَيْءٍ آخَرَ. اهـ. ثُمَّ قَالَ بَعْدَ نَقْلِهِ فَلْيَكُنْ مَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مُقَدَّمًا عَلَى مَا فِي الْقُنْيَةِ. اهـ. قُلْتُ: التَّعَقُّبُ مَدْفُوعٌ بِقَوْلِ الْمُؤَلِّفِ هُنَا وَسَيَأْتِي عَنْ الْخَانِيَّةِ أَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ وَقَوْلُ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَوْ شَيْءٍ آخَرَ يَشْمَلُ مَا إذَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ فَلَا مُنَافَاةَ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ مَا فِي الْقُنْيَةِ مُقَيَّدٌ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ فَتَدَبَّرْ لَكِنْ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ مَا يُخَالِفُ هَذَا حَيْثُ قَالَ فِي أَثْنَاءِ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى مَسْأَلَةِ الِاسْتِبْدَالِ مَعَ شَرْطِ الْوَاقِفِ عَدَمَهُ وَنَصُّهُ وَلِأَنَّ مَا قُلْنَاهُ لَا يَكُونُ أَبْلَغَ مِمَّا قَالُوا فِي أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا عَزَلَ الْوَصِيَّ الْعَدْلَ الْكَافِيَ يَصِحُّ وَلَهُ أَنْ يُوَلِّيَ غَيْرَهُ وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ خِيَانَةٌ فِي الظَّاهِرِ اهـ. إلَّا أَنْ يُقَيِّدَ كَلَامَهُ بِالْمَصْلَحَةِ وَهُوَ الظَّاهِرُ تَأَمَّلْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 254 السُّكُوتِ عَنْهُ إذَا أَمْكَنَهُمْ دَفْعُهُ وَيَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ أَنْ يَأْمُرَهُ بِالِاسْتِئْجَارِ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَمَا لَمْ يَفْسَخْ كَانَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ الْأَجْرُ الْمُسَمَّى. اهـ. وَشَرْطُ الزِّيَادَةِ أَنْ تَكُونَ عِنْدَ الْكُلِّ أَمَّا لَوْ زَادَهَا وَاحِدٌ أَوْ اثْنَانِ تَعَنُّتًا فَإِنَّهَا غَيْرُ مَقْبُولَةٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَحَاصِلُ كَلَامِهِمْ فِي الزِّيَادَةِ أَنَّ السَّاكِنَ لَوْ كَانَ غَيْرَ مُسْتَأْجِرٍ أَوْ مُسْتَأْجِرًا إجَارَةً فَاسِدَةً فَإِنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ وَتُقْبَلُ الزِّيَادَةُ وَيُخْرَجُ وَيُسَلِّمُ الْمُتَوَلِّي الْعَيْنَ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَإِنْ كَانَ مُسْتَأْجِرًا صَحِيحَةً فَإِنْ كَانَ تَعَنُّتًا فَهِيَ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ أَصْلًا وَإِنْ كَانَتْ لِزِيَادَةِ أَجْرِ الْمِثْلِ عِنْدَ الْكُلِّ عَرَضَ الْمُتَوَلِّي الزِّيَادَةَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ فَإِنْ قَبِلَهَا فَهُوَ الْأَحَقُّ وَإِلَّا آجَرَهَا مِنْ الثَّانِي فَإِنْ كَانَتْ أَرْضًا فَهِيَ كَغَيْرِهَا لَكِنْ إنْ كَانَتْ الْأَرْضُ خَالِيَةً عَنْ الزِّرَاعَةِ أَجَّرَهَا لِلثَّانِي وَإِلَّا وَجَبَتْ الزِّيَادَةُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ الْأَوَّلِ مِنْ وَقْتِهَا. وَوَجَبَ تَسْلِيمُ السِّنِينَ الْمَاضِيَةِ وَالْمُسَمَّى بِحِسَابِهِ قَبْلَهَا لِأَنَّ الزَّرْعَ مَانِعٌ مِنْ صِحَّةِ الْإِجَارَةِ حَيْثُ كَانَ مَزْرُوعًا بِحَقٍّ وَهَذَا كَذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَزْرُوعًا بِحَقٍّ كَالْغَاصِبِ وَالْمُسْتَأْجِرِ إجَارَةً فَاسِدَةً فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِجَارَةِ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالسِّرَاجِيَّةِ لِكَوْنِهِ لَا يَمْنَعُ التَّسْلِيمَ فَإِنْ كَانَ الْمُتَوَلِّي سَاكِنًا مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الرَّفْعِ لَا غَرَامَةَ عَلَيْهِ وَقَدْ وَقَعَتْ حَوَادِثُ الْفَتْوَى مِنْهَا اسْتَأْجَرَ أَرْضَ الْوَقْفِ بِأَجْرِ الْمِثْلِ ثُمَّ آجَرَهَا لِآخَرَ بِأَقَلَّ بِنُقْصَانٍ فَاحِشٍ فَأَجَبْتُ بِالصِّحَّةِ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ الْمَمْلُوكَةَ لِلْمُسْتَأْجِرِ لَيْسَتْ كَالْوَقْفِ وَإِنَّمَا هِيَ كَالْمِلْكِ. وَلِذَا مِلْكُ الْإِعَارَةِ وَمِنْهَا لَوْ زَادَ أَجْرُ الْمِثْلِ بَعْدَمَا أَجَّرَ الْمُسْتَأْجِرُ هَلْ يُعْرَضُ الْأَمْرُ عَلَى الْأَوَّلِ أَمْ الثَّانِي فَأَجَبْتُ عَلَى الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ الْمُتَوَلِّي وَمِنْهَا لَوْ لَمْ يَقْبَلْ وَنُقِضَتْ وَأَجَّرَهَا الْمُتَوَلِّي مِمَّنْ زَادَ هَلْ تَنْتَقِضُ الثَّانِيَةُ فَأَجَبْتُ تَنْتَقِضُ لِكَوْنِهَا مَبْنِيَّةً عَلَى الْأُولَى فَإِذَا انْتَقَضَ الْأَصْلُ انْتَقَضَ مَا ابْتَنَى عَلَيْهِ كَمَا فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى مِنْ الْإِجَارَةِ الطَّوِيلَةِ وَعَلَى هَذَا لَوْ فُسِخَتْ الْأُولَى بِخِيَارِ رُؤْيَةٍ أَوْ عَيْبٍ بِقَضَاءٍ بَطَلَتْ الثَّانِيَةُ وَمِنْهَا لَوْ أَجَّرَ الْمُتَوَلِّي جَمِيعَ جِهَاتِ الْوَقْفِ الْخَرَاجِيِّ وَالْهِلَالِيِّ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ فَزَادَ أَجْرَ مِثْلِ بَعْضِهَا وَزَادَ فِيهَا غَيْرُهُ هَلْ تُؤَجَّرُ مِنْ الْآخَرِ بَعْدَ الْعَرْضِ عَلَى الْأَوَّلِ أَوْ لَا فَأَجَبْتُ يَنْبَغِي أَنْ لَا تُقْبَلَ الزِّيَادَةُ لِأَنَّهُ حَيْثُ اسْتَأْجَرَ الْجَمِيعَ إجَارَةً وَاحِدَةً إنَّمَا يُنْظَرُ إلَى زِيَادَةِ أُجْرَةِ الْجَمِيعِ لَا كُلِّ وَاحِدَةٍ وَمِنْهَا أَنَّهُ كَيْفَ يَعْلَمُ الْقَاضِي أَنَّ الزِّيَادَةَ بِسَبَبِ زِيَادَةِ أَجْرِ الْمِثْلِ وَهَلْ يَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِ ذَلِكَ. قُلْتُ: نَعَمْ لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ كِتَابِ الْوَصَايَا وَصِيٌّ بَاعَ شَيْئًا مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ ثُمَّ طَلَبَ مِنْهُ بِأَكْثَرَ مِمَّا بَاعَ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَرْجِعُ إلَى أَهْلِ الْبَصَرِ إنْ أَخْبَرَهُ اثْنَانِ مِنْ أَهْلِ الْبَصَرِ وَالْأَمَانَةِ أَنَّهُ بَاعَ بِقِيمَتِهِ وَأَنَّ قِيمَتَهُ ذَلِكَ فَإِنَّ الْقَاضِيَ لَا يُلْتَفَتُ إلَى مَنْ يَزِيدُ وَإِنْ كَانَ فِي الْمُزَايَدَةِ يَشْتَرِي بِأَكْثَرَ وَفِي السُّوقِ بِأَقَلَّ لَا يَنْتَقِضُ بَيْعُ الْوَصِيِّ لِأَجْلِ تِلْكَ الزِّيَادَةِ بَلْ يَرْجِعُ إلَى أَهْلِ الْبَصَرِ وَالْأَمَانَةِ وَإِنْ اجْتَمَعَ رَجُلَانِ مِنْهُمْ عَلَى شَيْءٍ يُؤْخَذُ بِقَوْلِهِمَا مَعًا وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ أَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا قَوْلُ الْوَاحِدِ يَكْفِي كَمَا فِي التَّزْكِيَةِ وَنَحْوِهَا   [منحة الخالق] [تَصَرُّفَاتِ النَّاظِرِ فِي الْوَقْف] (قَوْلُهُ وَيَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ أَنْ يَأْمُرَهُ بِالِاسْتِئْجَارِ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ) يُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ بَعْدَ هَذَا وَلَوْ كَانَ الْقَيِّمُ سَاكِتًا مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الدَّفْعِ لَا غَرَامَةَ عَلَيْهِ وَقَدْ وَقَعَتْ حَوَادِثُ الْفَتْوَى إلَى قَوْلِهِ وَفِي الْحَاوِي ثُمَّ بَعْدَ هَذَا وَشَرْطُ الزِّيَادَةِ أَنْ تَكُونَ عِنْدَ الْكُلِّ إلَى قَوْلِهِ لِكَوْنِهِ لَا يَمْنَعُ التَّسْلِيمَ بَعْدَهُ وَفِي الْحَاوِي وَيُفْتَى بِالضَّمَانِ إلَخْ (قَوْلُهُ فَإِنْ قَبِلَهَا فَهُوَ الْأَحَقُّ) . أَقُولُ: وَجْهُ كَوْنِهِ أَحَقَّ أَنَّهُ بِزِيَادَةِ أَجْرِ الْمِثْلِ يُثْبِتُ لِلْمُتَوَلِّي فَسْخَ الْإِجَارَةِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُؤَلِّفُ عَنْ الْخَانِيَّةِ فَإِذَا رَضِيَ الْمُسْتَأْجِرُ بِدَفْعِ الزِّيَادَةِ لِلْمُتَوَلِّي زَالَتْ عِلَّةُ الْفَسْخِ فَيَبْقَى عَقْدُ الْإِجَارَةِ بِحَالِهِ وَلَا يَكُونُ لِلْمُتَوَلِّي الْفَسْخُ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ حَقُّ الْفَسْخِ إلَّا لِعِلَّةِ الزِّيَادَةِ وَبِالْتِزَامِ الْمُسْتَأْجِرِ الزِّيَادَةَ تَزُولُ الْعِلَّةُ وَبِهَذَا ظَهَرَ غَلَطُ مَنْ يَعْتَقِدُ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ الْأَوَّلَ أَحَقُّ بِالْإِيجَارِ مُطْلَقًا كَمَا أَدْرَكْنَا عَلَيْهِ أَهْلَ زَمَانِنَا حَتَّى إنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُ إذَا فَرَغَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ وَأَرَادَ الْمُؤَجِّرُ أَنْ يُؤَجِّرَهَا لِآخَرَ يُفْتُونَهُ بِالْمَنْعِ. وَيَقُولُونَ إنَّ الْمُسْتَأْجِرَ الْأَوَّلَ أَحَقُّ أَخْذًا مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ الْمَذْكُورَةِ هُنَا وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ قِيَاسٌ فَاسِدٌ لِمَا عَلِمْتَ مِنْ أَنَّهُ إنَّمَا كَانَ أَحَقَّ هُنَا لِبَقَاءِ مُدَّتِهِ وَلِالْتِزَامِهِ مَا هُوَ عِلَّةُ الْفَسْخِ أَعْنِي الزِّيَادَةَ الْعَارِضَةَ فَإِذَا رَضِيَ بِدَفْعِ الزِّيَادَةِ تَزُولُ الْعِلَّةُ فَيَبْقَى الْمَأْجُورُ بِيَدِهِ إلَى انْتِهَاءِ مُدَّتِهِ أَمَّا إذَا فَرَغَتْ مُدَّتُهُ فَمَا وَجْهُ كَوْنِهِ أَحَقَّ بِالْإِيجَارِ مِنْ غَيْرِهِ نَعَمْ قَدْ يَكُونُ أَحَقَّ بِعِلَّةٍ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمَأْجُورُ أَرْضًا لَهُ عَلَيْهَا بِنَاءٌ أَوْ غِرَاسٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ وَكَانَ يَرْضَى بِدَفْعِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ لِتِلْكَ الْأَرْضِ خَالِيَةً عَنْ الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْأَرْضِ الْمُحْتَكَرَةِ لِأَنَّ فِي إبْقَائِهَا بِيَدِهِ دَفْعَ الضَّرَرِ عَنْهُ مَعَ عَدَمِ ضَرَرِ الْوَقْفِ عَلَى أَنَّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ كَلَامًا فَإِنَّ مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْمُتُونِ فِي كِتَابِ الْإِجَارَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فَإِنَّهُ سَيَأْتِي فِي الْمَتْنِ هُنَاكَ. قَوْلُهُ وَصَحَّ الْبِنَاءُ وَالْغِرَاسُ فَإِنْ مَضَتْ الْمُدَّةُ قَلَعَهُمَا وَسَلَّمَهَا فَارِغَةً إلَّا أَنْ يَغْرَمَ لَهُ الْمُؤَجِّرُ قِيمَتَهُ مَقْلُوعًا وَيَتَمَلَّكَهُ أَوْ يَرْضَى بِتَرْكِهِ فَيَكُونَ الْبِنَاءُ وَالْغِرَاسُ لِهَذَا وَالْأَرْضُ لِهَذَا اهـ. وَقَدْ أَفْتَى بِذَلِكَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ وَتَارَةً أَفْتَى بِالْأَوَّلِ نَظَرًا لِلْمُسْتَأْجِرِ لِمَا فِيهِ مِنْ رَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 255 وَعَلَى هَذَا قَيِّمُ الْوَقْفِ إذَا أَجَّرَ مُسْتَغَلَّ الْوَقْفِ وَجَاءَ آخَرُ يَزِيدُ فِي الْأُجْرَةِ. اهـ. وَصَرَّحَ قَاضِي خَانْ مِنْ كِتَابِ الْإِجَارَةِ بِأَنَّهُ إذَا أَجَّرَ بِأَقَلَّ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ فَإِنْ كَانَ بِنُقْصَانٍ يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ فَهِيَ صَحِيحَةٌ وَلَيْسَ لِلْمُتَوَلِّي فَسْخُهَا وَإِنْ كَانَ بِنُقْصَانٍ لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ فَهِيَ فَاسِدَةٌ وَلَهُ أَنْ يُؤَاجِرَهَا إجَارَةً صَحِيحَةً إمَّا مِنْ الْأَوَّلِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ بِأَجْرِ الْمِثْلِ وَبِالزِّيَادَةِ عَلَى قَدْرِ مَا يَرْضَى بِهِ الْمُسْتَأْجِرُ فَإِنْ سَكَنَ الْمُسْتَأْجِرُ الْأَوَّلُ وَجَبَ أَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَإِنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ الْأُولَى بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ ثُمَّ ازْدَادَ أَجْرُ مِثْلِهِ كَانَ لِلْمُتَوَلِّي أَنْ يَفْسَخَ الْإِجَارَةَ وَمَا لَمْ يُفْسَخْ كَانَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ الْأَجْرُ الْمُسَمَّى اهـ. وَفِي الْحَاوِي وَيُفْتَى بِالضَّمَانِ فِي غَصْبِ عَقَارِ الْوَقْفِ وَغَصْبِ مَنَافِعِهِ وَكَذَا كُلُّ مَا هُوَ أَنْفَعُ لِلْوَقْفِ فِيمَا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ حَتَّى نُقِضَتْ الْإِجَارَةُ عِنْدَ الزِّيَادَةِ الْفَاحِشَةِ نَظَرًا لِلْوَقْفِ وَصِيَانَةً لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَإِبْقَاءً لِلْخَيْرَاتِ اهـ. وَتَقْيِيدُهُ بِالْفَاحِشَةِ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ نَقْضِهَا بِالْيَسِيرِ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِالْفَاحِشَةِ مَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهَا كَمَا فِي طَرَفِ النُّقْصَانِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ عَنْ أَجْرِ الْمِثْلِ إذَا كَانَ يَسِيرًا وَالْوَاحِدُ فِي الْعَشَرَةِ يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ كَمَا ذَكَرُوهُ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ وَهَذَا قَيْدٌ حَسَنٌ يَجِبُ حِفْظُهُ فَإِذَا كَانَتْ أُجْرَةُ دَارٍ عَشَرَةً مَثَلًا وَزَادَ أَجْرُ مِثْلِهَا وَاحِدًا فَإِنَّهَا لَا تُنْقَضُ كَمَا لَوْ أَجَّرَهَا الْمُتَوَلِّي بِتِسْعَةٍ فَإِنَّهَا لَا تُنْقَضُ بِخِلَافِ الدِّرْهَمَيْنِ فِي الطَّرَفَيْنِ وَيَجُوزُ النُّقْصَانُ عَنْ أَجْرِ الْمِثْلِ نَقْصًا فَاحِشًا لِلضَّرُورَةِ. قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ حَانُوتٌ وَقْفٌ وَعِمَارَتُهُ مِلْكٌ لِرَجُلٍ أَبَى صَاحِبُ الْعِمَارَةِ أَنْ يُسْتَأْجَرَ بِأَجْرِ مِثْلِهِ يُنْظَرُ إنْ كَانَتْ الْعِمَارَةُ لَوْ رُفِعَتْ يُسْتَأْجَرُ بِأَكْثَرَ مِمَّا يُسْتَأْجَرُ صَاحِبُ الْعِمَارَةِ كُلِّفَ رَفْعَ الْعِمَارَةِ وَيُؤَجَّرُ مِنْ غَيْرِهِ لِأَنَّ النُّقْصَانَ عَنْ أَجْرِ الْمِثْلِ لَا يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَإِنْ كَانَ لَا يُسْتَأْجَرُ بِأَكْثَرَ مِمَّا يَسْتَأْجِرُهُ لَا يُكَلَّفُ وَيُتْرَكُ فِي يَدِهِ بِذَلِكَ الْأَجْرِ لِأَنَّ فِيهِ ضَرُورَةً. اهـ. فَإِنْ قُلْتُ: إذَا اسْتَأْجَرَ أَرْضَ الْوَقْفِ سِنِينَ عَلَى عُقُودٍ كَثِيرَةٍ لِلْبِنَاءِ وَحَكَمَ بِصِحَّتِهَا ثُمَّ بَنَى فَزَادَ إنْسَانٌ عَلَيْهِ هَلْ تَنْتَقِضُ الْإِجَارَةُ قُلْتُ: قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ وَلَوْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا مَوْقُوفَةً وَبَنَى فِيهَا حَانُوتًا وَسَكَنَهَا فَأَرَادَ غَيْرُهُ أَنْ يَزِيدَ فِي الْغَلَّةِ وَيُخْرِجَهُ مِنْ الْحَانُوتِ يُنْظَرُ إنْ كَانَتْ أُجْرَتُهُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ الْإِجَارَةُ الْأُولَى بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ ثُمَّ ازْدَادَ أَجْرَ مِثْلِهِ إلَخْ) أَقُولُ: فِي التَّجْنِيسِ وَالْمَزِيدِ لِصَاحِبِ الْهِدَايَةِ رَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَرْضَ وَقْفٍ ثَلَاثَ سِنِينَ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ هِيَ أَجْرُ الْمِثْلِ فَلَمَّا دَخَلَتْ السَّنَةُ الثَّانِيَةُ كَثُرَتْ الرَّغَبَاتُ فَزَادَتْ أُجْرَةُ الْأَرْضِ لَيْسَ لِلْمُتَوَلِّي أَنْ يَنْقُضَ هَذِهِ الْإِجَارَةَ لِنُقْصَانِ أَجْرِ الْمِثْلِ لِأَنَّ أَجْرَ الْمِثْلِ يُعْتَبَرُ وَقْتَ الْعَقْدِ وَوَقْتُ الْعَقْدِ الْمُسَمَّى أَجْرُ الْمِثْلِ. اهـ. ثُمَّ رَأَيْت فِي رِسَالَةِ الْعَلَّامَةِ قنلي زَادَهُ أَنَّ فِي مَسْأَلَةِ زِيَادَةِ أَجْرِ الْمِثْلِ زِيَادَةً فَاحِشَةً بِزِيَادَةِ الرَّغَبَاتِ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فَفِي رِوَايَةِ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ تُفْسَخُ الْإِجَارَةُ السَّابِقَةُ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تَنْعَقِدُ شَيْئًا فَشَيْئًا وَالْوَقْفُ يَجِبُ لَهُ النَّظَرُ وَفِي رِوَايَةِ فَتَاوَى أَهْلِ سَمَرْقَنْدَ لَا تُفْسَخُ قَالَ وَالنُّقُولُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا كَثِيرَةٌ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ سَرْدِ النُّقُولِ مِنْ الطَّرَفَيْنِ فَتَحَرَّرَ مِنْ هَذِهِ النُّقُولِ أَنَّ إجَارَةَ الْوَقْفِ إنْ كَانَ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ لَمْ تَصِحَّ ابْتِدَاءً وَإِنْ كَانَ بِأَجْرِ الْمِثْلِ أَوْ بِغَبْنٍ يَسِيرٍ صَحَّتْ. فَإِنْ لَمْ تَزْدَدْ الْأُجْرَةُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَكِنْ جَاءَ رَجُلٌ وَقَبِلَ الْوَقْفَ بِأُجْرَةٍ زَائِدَةٍ لَا تُفْسَخُ الْأُولَى بَلْ لَا بُدَّ أَنْ تَزْدَادَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بِزِيَادَةِ الرَّغَبَاتِ وَيَثْبُتُ ذَلِكَ عِنْدَ الْقَاضِي بِخَبَرِ عَدْلَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ أَوْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَفْسَخُ الْقَاضِي الْإِجَارَةَ وَإِلَى وَقْتِ الْفَسْخِ يَجِبُ الْمُسَمَّى الْأَوَّلُ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَأْجُورِ مَا يَمْنَعُ الْفَسْخَ كَزَرْعٍ لَمْ يُسْتَحْصَدْ بَعْدُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ ذَلِكَ تَبْقَى الْإِجَارَةُ إلَى أَنْ يَزُولَ لَكِنْ يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ مِنْ وَقْتِ الزِّيَادَةِ إلَى أَنْ يَزُولَ هَذَا فِي رِوَايَةِ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. وَفِي رِوَايَةِ أَهْلِ سَمَرْقَنْدَ لَا تُفْسَخُ بِالزِّيَادَةِ الْعَارِضَةِ إنْ وَقَعَتْ عَلَى أَجْرِ الْمِثْلِ ابْتِدَاءً وَالرِّوَايَتَانِ قَرِيبَتَانِ مِنْ التَّسَاوِي فِي الْقُوَّةِ وَالرُّجْحَانِ فَإِنِّي لَمْ أَرَ التَّرْجِيحَ الصَّرِيحَ إلَّا فِيمَا نُقِلَ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ عَنْ فَتَاوَى بُرْهَانِ الدِّينِ أَنَّهُ يُفْتَى بِأَنَّ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ الْعَقْدَ لَكِنْ إذَا تَرَافَعَ الْمُتَوَلِّي وَالْمُسْتَأْجِرُ الْأَوَّلُ وَأَثْبَتَ زِيَادَةَ الْأَجْرِ بِزِيَادَةِ الرَّغَبَاتِ لَكِنْ إنْ حَكَمَ الْحَاكِمُ الْحَنَفِيُّ بِرِوَايَةِ أَهْلِ سَمَرْقَنْدَ أَوْ تَرَافَعَا إلَى غَيْرِ الْحَنَفِيِّ فَحَكَمَ بِإِلْغَاءِ اعْتِبَارِ الزِّيَادَةِ الْعَارِضَةِ كَانَ مُجْمَعًا عَلَيْهِ وَلَيْسَ لِحَنَفِيٍّ آخَرَ الْفَسْخُ ذَاهِبًا إلَى رِوَايَةِ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. وَهَلْ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تُفْسَخُ الْإِجَارَةُ إذَا زَادَتْ الرَّغَبَاتُ أَنَّهُ يَفْسَخُهَا الْقَاضِي بِنَفْسِهِ أَوْ الْمُتَوَلِّي عِنْدَ الْقَاضِي وَبِإِذْنِهِ وَيَحْكُمُ الْقَاضِي بِذَلِكَ لَمْ يُحَرِّرْهُ الْمُتَقَدِّمُونَ وَإِنَّمَا تَعَرَّضَ لَهُ الطَّرَسُوسِيُّ وَجَزَمَ بِالْأَوَّلِ وَإِنَّمَا يَفْسَخُ الْقَاضِي إذَا امْتَنَعَ النَّاظِرُ عَنْهُ اهـ. مُلَخَّصًا. قُلْتُ: وَسَيَأْتِي قَرِيبًا عَنْ الْحَاوِي تَرْجِيحُ رِوَايَةِ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ (قَوْلُهُ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِالْفَاحِشَةِ إلَخْ) ذَكَرَ الْعَلَّامَةُ قنلي زَادَهُ عَنْ الْحَاوِي الْحَصِيرِيِّ أَنَّ الزِّيَادَةَ الْفَاحِشَةَ مُقَدَّرَةٌ بِضَعْفِ الَّذِي أَجَّرَهُ أَوَّلًا ثُمَّ قَالَ وَهَذَا قَوْلٌ لَمْ نَرَهُ لِغَيْرِهِ وَالْحَقُّ أَنَّ كُلَّ مَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ فَهُوَ زِيَادَةٌ فَاحِشَةٌ نِصْفًا كَانَتْ أَوْ رُبْعًا وَهُوَ مَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ تَقْوِيمِ الْمُتَقَوِّمَيْنِ فِي الْمُخْتَارِ ثُمَّ رَدَّدَ أَنَّهُ هَلْ هَذَا رِوَايَتَانِ أَوْ مُرَادُ الْعَامَّةِ أَيْضًا بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ مَا ذُكِرَ لَمْ يُحَرِّرْهُ أَحَدٌ قَبْلَنَا وَعَزَا إلَى الذَّخِيرَةِ مِثْلَ مَا فِي الْحَاوِي اهـ. وَيُؤَيِّدُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 256 مُشَاهَرَةً إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ كَانَ لِلْقَيِّمِ فَسْخُ الْإِجَارَةِ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ إذَا كَانَتْ مُشَاهَرَةً تَنْعَقِدُ فِي رَأْسِ كُلِّ شَهْرٍ ثُمَّ يَنْظُرُ إنْ كَانَ رَفْعُ الْبِنَاءِ لَا يَضُرُّ بِالْوَقْفِ فَلَهُ رَفْعُهُ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ وَإِنْ كَانَ يَضُرُّ بِهِ فَلَيْسَ لَهُ رَفْعُهُ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مِلْكُهُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَضُرَّ بِالْوَقْفِ. ثُمَّ إنْ رَضِيَ الْمُسْتَأْجِرُ أَنْ يَتَمَلَّكَهُ الْقَيِّمُ لِلْوَقْفِ بِالْقِيمَةِ مَبْنِيًّا أَوْ مَنْزُوعًا أَيُّهُمَا مَا كَانَ أَخَفَّ يَتَمَلَّكُهُ الْقَيِّمُ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ لَا يَتَمَلَّكُ لِأَنَّ التَّمَلُّكَ بِغَيْرِ رِضَاهُ لَا يَجُوزُ فَيَبْقَى إلَى أَنْ يَخْلُصَ مِلْكُهُ. اهـ. وَلَمْ يَذْكُرْ مَا إذَا كَانَ اسْتَأْجَرَهُ مُسَانَهَةً أَوْ مُدَّةً طَوِيلَةً وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ وَلَا ضَرَرَ عَلَى الْوَقْفِ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ إنَّمَا كَانَتْ بِسَبَبِ الْبِنَاءِ لَا لِزِيَادَةٍ فِي نَفْسِ الْأَرْضِ وَإِذَا عُلِمَ حُرْمَةُ إيجَارِ الْوَقْفِ بِأَقَلَّ مِنْ أَجْرِ الْمِثْلِ عُلِمَ حُرْمَةُ إعَارَتِهِ بِالْأَوْلَى   [منحة الخالق] مَا فِي الْحَاوِي مَا قَدَّمَهُ الْمُؤَلِّفُ قَبْلَ صَفْحَةٍ عَنْ الْقُنْيَةِ مِنْ قَوْلِهِ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ نِصْفُ الْمِثْلِ وَنَحْوُهُ فَإِنَّ الْغَبْنَ مُقَابِلُ الزِّيَادَةِ فَاعْتُبِرَ فِيهِ النِّصْفُ وَنَحْوُهُ فَكَذَا فِي الزِّيَادَةِ (قَوْلُهُ ثُمَّ يُنْظَرُ إنْ كَانَ رَفَعَ الْبِنَاءَ إلَخْ) قَالَ الْعَلَّامَةُ قنلي زَادَهْ فِي رِسَالَتِهِ بَعْدَ نَقْلِهِ نَحْوَ ذَلِكَ وَفِي فَتَاوَى أَبِي اللَّيْثِ وَهَذَا إذَا كَانَ الْبِنَاءُ مِنْ الْبَانِي بِغَيْرِ إذْنِ الْمُتَوَلِّي فَأَمَّا إنْ كَانَ الْبِنَاءُ بِأَمْرِ الْمُتَوَلِّي كَانَ الْبِنَاءُ لِلْوَقْفِ وَيَرْجِعُ الْبَانِي عَلَى الْمُتَوَلِّي بِمَا أَنْفَقَ. اهـ. قَالَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّ إذْنَ الْمُتَوَلِّي بِالْبِنَاءِ لِأَجْلِ الْوَقْفِ أَمَّا إذَا أَذِنَ لَهُ بِالْبِنَاءِ لِنَفْسِهِ فَبَنَى لِنَفْسِهِ وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ فَلَا يَكُونُ الْبِنَاءُ لِلْوَقْفِ (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ لَا يَتَمَلَّكُهُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَكَذَلِكَ لَوْ رَضِيَ وَلَمْ يَرْضَ الْقَيِّمُ لَا يُجْبَرُ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ وَتَمَلُّكٌ فَلَا بُدَّ مِنْ الرِّضَا مِنْ الْجَانِبَيْنِ ثُمَّ إذَا لَمْ يَرْضَ الْقَيِّمُ هَلْ عَلَيْهِ أُجْرَةٌ لِبِنَائِهِ الظَّاهِرُ لَا لِأَنَّهُ إنَّمَا بَقِيَ لِمَصْلَحَةِ الْوَقْفِ لَا لِمَصْلَحَتِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ رَضِيَ الْقَيِّمُ وَلَمْ يَرْضَ هُوَ لِأَنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى بَيْعِ مِلْكِهِ وَإِبْقَاءِ الْبِنَاءِ فِي أَرْضِ الْوَقْفِ لَا لِمَصْلَحَتِهِ بَلْ لِمَصْلَحَةِ الْوَقْفِ جَبْرًا عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ لَوْ أُلْزِمَ بِالْأُجْرَةِ لَزِمَ عَلَيْهِ ضَرَرَانِ ضَرَرُ إجْبَارِهِ عَلَى التَّرَبُّصِ إلَى وَقْتِ التَّخَلُّصِ وَإِلْزَامِهِ بِالْأُجْرَةِ وَلَمْ يُعْهَدْ نَظِيرُهُ فِي الشَّرْعِ وَلِأَنَّهُ إذَا أَخَذَ بِالْأُجْرَةِ أَخَذَ بِرَفْعِ مِلْكِهِ وَتَخْلِيصِهِ عَنْ الْوَقْفِ هَذَا وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا فِي حَانُوتٍ وُقِفَ وَعِمَارَتُهُ لِغَيْرِهِ أَبَى صَاحِبُ الْعِمَارَةِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الْعَرْصَةَ بِأُجْرَةِ مِثْلِهَا إنْ كَانَتْ بِحَالٍ لَوْ رُفِعَتْ الْعِمَارَةُ تُسْتَأْجَرُ يُكَلَّفُ لِرَفْعِ الْعِمَارَةِ وَلَوْ أَجَّرَهُ مِنْ غَيْرِهِ مَعَ الْعِمَارَةِ لَا يَجُوزُ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَجُوزَ الْإِجَارَةُ هُنَا أَيْضًا إلَّا إذَا أَجَّرَ الْعَرْصَةَ مَعَ الْعِمَارَةِ فَأَجَازَ صَاحِبُ الْعِمَارَةِ فَيَجُوزُ وَيَنْقَسِمُ الْأُجْرَةُ عَلَيْهِمَا قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَلَوْ كَانَ الْبِنَاءُ مِلْكًا وَالْعَرْصَةُ وَقْفًا وَأَجَّرَ الْمُتَوَلِّي بِإِذْنِ مَالِكِ الْبِنَاءِ فَالْأَجْرُ يَنْقَسِمُ عَلَى الْبِنَاءِ وَالْعَرْصَةِ وَيُنْظَرُ بِكَمْ يُسْتَأْجَرُ كُلٌّ فَمَا أَصَابَ الْبِنَاءَ فَهُوَ لِمَالِكِ الْبِنَاءِ. اهـ. وَمِثْلُهُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ. اهـ. كَلَامُ الرَّمْلِيِّ. قُلْتُ: وَفِي إجَارَاتِ مِنَحِ الْغَفَّارِ أَنَّ الْبِنَاءَ يَتَمَلَّكُهُ النَّاظِرُ لِجِهَةِ الْوَاقِفِ قَهْرًا عَلَى صَاحِبِهِ إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ تَنْقُصُ بِالْقَلْعِ وَإِلَّا فَلَا بُدَّ مِنْ رِضَاهُ هَكَذَا ذَكَرَهُ عَامَّةُ الشَّارِحُونَ مِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ مَوْلَانَا صَاحِبُ الْبَحْرِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُعَوَّلَ عَلَى مَا فِي الشُّرُوحِ الْمَوْضُوعَةِ لِنَقْلِ الْمَذْهَبِ بِخِلَافِ نَقْلِ الْفَتَاوَى وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ الزِّيَادَةُ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ الظَّاهِرُ خِلَافُ هَذَا الظَّاهِرِ وَهُوَ إلْحَاقُهَا بِالْمُشَاهَرَةِ فَإِذَا جَاءَ رَأْسُ السَّنَةِ كَانَ لِلْقَيِّمِ فَسْخُ الْإِجَارَةِ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا مِنْ جِهَةِ الِانْعِقَادِ كَذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ اكْتِفَاءً بِالْأَوَّلِ لِأَنَّهُ يُعْلَمُ حُكْمُهُ مِنْهُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ الزِّيَادَةُ فِي كُلِّ الصُّوَرِ حَيْثُ لَمْ تَزِدْ أُجْرَةُ مِثْلِهِ فِي ذَاتِهَا لِلُزُومِ الْعَقْدِ وَعَدَمِ مُوجِبِ الْفَسْخِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ وَالظَّاهِرُ إلَخْ أَنَّهَا مِثْلَ الْمُشَاهَرَةِ فِي عَدَمِ قَبُولِ الزِّيَادَةِ فَإِنَّهَا فِي الْمُشَاهَرَةِ لَا تُقْبَلُ بَلْ يَصِيرُ حَتَّى يَنْقَضِيَ الشَّهْرُ وَبِهِ يَصِحُّ كَلَامُهُ وَلَكِنَّهُ لَوْ قَالَ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُسَانَهَةَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا كَذَلِكَ لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَوْلَى تَأَمَّلْ. اهـ. قُلْتُ: وَهَذَا الْفَهْمُ بَعِيدٌ مِنْ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ بَلْ الظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِهِ التَّفْرِقَةُ بَيْنَهُمَا وَأَنَّهَا فِي الْمُسَانَهَةِ لَا تُنْزَعُ مِنْ يَدِهِ وَلَوْ تَمَّتْ السَّنَةُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ إلَخْ وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ حِينَئِذٍ بَيْنَ الْمُشَاهَرَةِ وَالْمُسَانَهَةِ وَفِي رِسَالَةِ الْعَلَّامَةِ قنلي زَادَهْ مَسَائِلُ الْبِنَاءِ عَلَى أَرْضِ الْوَقْفِ وَالْغِرَاسِ عَلَيْهَا كَثِيرُ الْوُقُوعِ فِي الْبُلْدَانِ خُصُوصًا فِي دِمَشْقَ فَإِنَّ بَسَاتِينَهَا كَثِيرَةٌ وَأَكْثَرُهَا أَرَاضِي أَوْقَافٍ غَرَسَ عَلَيْهَا الْمُسْتَأْجِرُونَ وَجَعَلُوهَا أَمْلَاكًا وَأَكْثَرُ إجَارَاتِهَا بِأَقَلَّ مِنْ أَجْرِ الْمِثْلِ إمَّا ابْتِدَاءً وَإِمَّا بِزِيَادَةِ الرَّغَبَاتِ وَكَذَلِكَ حَوَانِيتُ الْبُلْدَانِ فَإِذَا طَلَبَ الْمُتَوَلِّي أَوْ الْقَاضِي رَفْعَ إجَارَاتِهَا إلَى أَجْرِ الْمِثْلِ يَتَظَلَّمُ سُكَّانُهَا وَمُسْتَأْجِرُوهَا وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُ ظُلْمٌ عَلَيْهِمْ وَهُمْ ظَالِمُونَ. وَبَعْضُ الصُّدُورِ وَالْأَكَابِرِ أَيْضًا قَدْ يُعَاوِنُونَهُمْ وَيَزْعُمُونَ أَنَّ هَذَا تَحْرِيكَ فِتْنَةٍ فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ قَاضٍ عَادِلٍ عَالِمٍ وَكُلِّ قَيِّمٍ أَمِينٍ غَيْرِ ظَالِمٍ أَنْ يَنْظُرَ فَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ إذَا رَفَعَ الْمُسْتَأْجِرُ بِنَاءَهُ وَغَرْسَهُ لَا يَسْتَأْجِرُهُ النَّاسُ بِأَكْثَرَ فَلْيُبْقِهَا وَإِذَا كَانَ بِحَيْثُ لَوْ رَفَعَ وَتَبْقَى الْأَرْضُ بَيْضَاءَ نَقِيَّةً يَسْتَأْجِرُهَا الْمُسْتَأْجِرُونَ بِأَكْثَرَ بِزِيَادَةٍ لَا يَتَغَابَنُ فِيهَا النَّاسُ وَثَبَتَ هَذَا بِخَبَرِ اثْنَيْنِ خَبِيرَيْنِ نَقُولُ لِصَاحِبِ الْبِنَاءِ إمَّا أَنْ تَفْسَخَ وَتَرْفَعَ الْبِنَاءَ وَالْغِرَاسَ أَوْ تَقْبَلَهَا بِهَذِهِ الْإِجَارَةِ فَإِنْ قَبِلَهَا تَبْقَى الْإِجَارَةُ عَلَيْهِ وَلَا يَرْفَعُ بِنَاءَهُ وَغَرْسَهُ. وَقَلَّمَا يَضُرُّ رَفْعُهُ بِالْأَرْضِ فَلَا يُبَالِي بِهِ وَإِنْ ضَرَّ بِهَا ضَرَرًا بَيِّنًا يَأْذَنُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 257 وَيَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ خِيَانَةً مِنْ النَّاظِرِ وَكَذَا إجَارَتُهُ بِالْأَقَلِّ عَالِمًا بِذَلِكَ وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّ الْوَاقِفَ أَيْضًا إذَا أَجَّرَ بِالْأَقَلِّ مِمَّا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ فَإِنَّهَا غَيْرُ جَائِزَةٍ وَيُبْطِلُهَا الْقَاضِي فَإِنْ كَانَ الْوَاقِفُ مَأْمُونًا وَفَعَلَ ذَلِكَ عَلَى طَرِيقِ السَّهْوِ وَالْغَفْلَةِ أَقَرَّهُ الْقَاضِي فِي يَدِهِ وَأَمَرَهُ بِإِجَارَتِهَا بِالْأَصْلَحِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَأْمُونٍ أَخْرَجَهَا مِنْ يَدِهِ وَجَعَلَهَا فِي يَدِ مَنْ يَثِقُ بِدِينِهِ وَكَذَا إذَا أَجَّرَهَا الْوَاقِفُ سِنِينَ كَثِيرَةً مِمَّنْ يَخَافُ أَنْ تَتْلَفَ فِي يَدِهِ قَالَ يُبْطِلُ الْقَاضِي الْإِجَارَةَ وَيُخْرِجُهَا مِنْ يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ اهـ. فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي الْوَاقِفِ فَالْمُتَوَلِّي أَوْلَى وَفِي الْإِسْعَافِ لَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ أَنْ لَا يُؤَجِّرَ الْمُتَوَلِّي الْوَقْفَ وَلَا شَيْئًا مِنْهُ وَأَنْ لَا يَدْفَعَهُ مُزَارَعَةً أَوْ عَلَى أَنْ لَا يَعْمَلَ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ الْأَشْجَارِ أَوْ شَرَطَ أَنْ لَا يُؤَجِّرَ إلَّا ثَلَاثَ سِنِينَ ثُمَّ لَا يَعْقِدُ عَلَيْهِ إلَّا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ كَانَ شَرْطُهُ مُعْتَبَرًا وَلَا تَجُوزُ مُخَالَفَتُهُ اهـ. وَسَيَأْتِي فِي بَيَانِ الشُّرُوطِ مَا لَا يُعْتَبَرُ مِنْهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَسَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْإِجَارَاتِ بَيَانُ مُدَّتِهَا فِي الْأَوْقَافِ وَحُكْمُ الْإِجَارَةِ الطَّوِيلَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّهُ لَوْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ يَخَافُ مِنْهُ عَلَى رَقَبَةِ الْوَقْفِ يَفْسَخُ الْقَاضِي الْإِجَارَةَ وَيُخْرِجُهُ مِنْ يَدِهِ وَلَوْ كَانَ الْمُسْتَأْجِرُ أَمِينَ الْقَاضِي ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُتَوَلِّيَ إذَا آجَرَ بِأَقَلَّ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ بِنُقْصَانٍ فَاحِشٍ حَتَّى فَسَدَتْ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يَلْزَمُ الْمُسْتَأْجِرَ أُجْرَةُ الْمِثْلِ وَقَدْ تَوَهَّمَ بَعْضُ مَنْ لَا خِبْرَةَ لَهُ وَلَا دُرْبَةَ أَنَّهُ يَكُونُ ضَامِنًا مَا نَقَصَ وَهُوَ غَلَطٌ صَرَّحَ بِهِ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ فِي فَتَاوَاهُ مُسْتَنِدًا إلَى النُّقُولِ الصَّرِيحَةِ وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَلَوْ اسْتَبَاعَ مَالَ الْيَتِيمِ بِأَلْفٍ وَآخَرَ بِأَلْفٍ وَمِائَةٍ وَالْأَوَّلُ أَمْلَأُ يَبِيعُ الْوَصِيُّ مِنْ الْأَوَّلِ وَكَذَا الْإِجَارَةُ تُؤَجَّرُ بِثَمَانِيَةٍ لِلْأَمْلَأِ لَا بِعَشَرَةٍ لِغَيْرِهِ وَكَذَا مُتَوَلِّي الْوَقْفِ. اهـ. فَإِنْ قُلْتُ: هَلْ لِلْقَاضِي وِلَايَةُ الْإِيجَارِ مَعَ وُجُودِ الْمُتَوَلِّي قُلْتُ: نَعَمْ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ عِنْدَ قَوْلِهِ أَجَّرَهَا الْحَاكِمُ وَسَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْإِجَارَاتِ أَنَّ التَّمَكُّنَ فِي الْفَاسِدَةِ لَا يَكْفِي   [منحة الخالق] الْقَاضِي لِلْمُسْتَأْجِرِ بِرَفْعِ بِنَائِهِ صِيَانَةً لِلْوَقْفِ عَنْ الضَّرَرِ فَيَأْمُرُ الْمُتَوَلِّيَ بِتَمَلُّكِهِ مَقْلُوعًا إنْ رَضِيَ صَاحِبُ الْبِنَاءِ وَإِلَّا فَيُؤَجِّرُ الْمُتَوَلِّي الْأَرْضَ مِنْ الْغَيْرِ وَيَبْقَى الْبَانِي إلَى أَنْ يَتَخَلَّصَ مِلْكُهُ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مَانِعًا مِنْ الْإِجَارَةِ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَلَبَّانِي عَلَيْهِ حَتَّى لَا يَمْلِكَ رَفْعَهُ فَكَأَنَّهَا غَيْرُ مَشْغُولَةٍ هَكَذَا قَالُوا وَلَكِنْ مَنْ يَسْتَأْجِرُ الْأَرْضَ مَعَ بِنَاءِ الْحَانُوتِ فِيهَا إذْ لَا يُمْكِنُهُ التَّمَتُّعُ فِيهَا. فَالْوَجْهُ أَنْ يَرْضَى بِضَرَرِ الْقَلْعِ وَيُؤْمَرُ بِهِ وَهُوَ يَسِيرٌ غَالِبًا فَيُؤْخَذُ الْبِنَاءُ غَيْرَ مَقْلُوعٍ بِقِيمَتِهِ مَقْلُوعًا وَيَحْصُلُ لِلْوَقْفِ غِبْطَةٌ عَظِيمَةٌ هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ بِدُونِ أَجْرِ الْمِثْلِ ابْتِدَاءً أَوْ الْآنَ وَإِلَّا فَلَا تُفْسَخُ بِزِيَادَةِ أَحَدٍ وَإِنْ زَادَ ضَعْفَ الْأُجْرَةِ إلَّا أَنْ تَنْقَضِيَ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ فَيُعْطِيَهَا لِلطَّالِبِ بِالزِّيَادَةِ أَمَّا إذَا زَادَ أُجْرَةُ الْأَرْضِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ يَفْسَخُهَا فِي خِلَالِ الْمُدَّةِ أَيْضًا وَلَا يَجُوزُ إبْقَاؤُهَا بِحَالٍ. اهـ. مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ فَإِنْ قُلْتُ: إلَخْ) سُئِلَ هَلْ لِلْقَاضِي أَنْ يُؤَجِّرَ مَعَ بَقَاءِ النَّاظِرِ فَأَجَابَ نَصَّ الْأُسْرُوشَنِيُّ عَلَى أَنَّ إجَارَةَ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ لَا تَجُوزُ وَإِنَّمَا يَمْلِكُ الْإِجَارَةَ الْمُتَوَلِّي أَوْ الْقَاضِي وَهَذَا بِإِطْلَاقِهِ يَقْتَضِي أَنَّ لِلْقَاضِي ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ لِلْوَقْفِ مُتَوَلٍّ لَكِنْ نَصُّهُمْ عَلَى أَنَّ الْقَاضِيَ مَحْجُورٌ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِ الْيَتِيمِ عِنْدَ وَصِيِّ الْمَيِّتِ وَعِنْدَ مَنْ نَصَّبَهُ الْقَاضِي عَنْ الْمَيِّتِ يَقْتَضِي بِالْقِيَاسِ عَلَيْهِ أَنَّ الْقَاضِيَ إنَّمَا يُؤَجِّرُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْوَقْفِ مُتَوَلٍّ أَوْ كَانَ لَهُ مُتَوَلٍّ لَكِنْ امْتَنَعَ مِنْ الْإِيجَارِ وَيَكُونُ هَذَا مَحْمَلَ كَلَامِ الْأُسْرُوشَنِيُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَتَاوَى حَانُوتِيٍّ. (قَوْلُهُ قُلْتُ: نَعَمْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ الَّذِي قَدَّمَهُ لَا يُفِيدُ الْقَطْعَ بِالْحُكْمِ بَلْ التَّرَدُّدَ فِيهِ وَأَقُولُ: الظَّاهِرُ لَا وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُمْ الْوِلَايَةُ الْخَاصَّةُ أَقْوَى مِنْ الْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ فَيُحْمَلُ مَا هُنَا عَلَى مَا إذَا أَبَى الْمُتَوَلِّي إجَارَتَهَا فَتَأَمَّلْ وَقَدْ قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ بَعْدَمَا فَرَّعَ عَلَى الْقَاعِدَةِ الْمَذْكُورَةِ وَعَلَى هَذَا لَا يَمْلِكُ الْقَاضِي التَّصَرُّفَ فِي الْوَقْفِ مَعَ وُجُودِ نَاظِرٍ وَلَوْ مِنْ قِبَلِهِ وَالْإِجَارَةُ تَصَرُّفٌ فِي تَوَقُّفٍ بِخِلَافِ تَقْرِيرِ الْوَظَائِفِ لِغَيْرِ الْمَشْرُوطِ لَهُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ تَأَمَّلْ وَفِي أَوْقَافِ هِلَالٍ أَرَأَيْت الْقَاضِيَ إذَا أَجَّرَ الدَّارَ الْوَقْفَ. قَالَ الْإِجَارَةُ جَائِزَةٌ قُلْتُ: وَكَذَلِكَ لَوْ أَجَّرَهَا وَكِيلُ الْقَاضِي بِأَمْرِهِ قَالَ نَعَمْ وَظَاهِرُهُ إطْلَاقُ الْجَوَازِ مَعَ وُجُودِ الْمُتَوَلِّي وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ اهـ. كَلَامُ الرَّمْلِيِّ مُلَخَّصًا قُلْتُ: وَجَدْتُ فِي التَّجْنِيسِ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ جَوَابُ الْمَسْأَلَةِ وَنَصُّهُ أَرْضُ وَقْفٍ بِدِرْعَمَ وَهِيَ نَاحِيَةٌ مِنْ نَوَاحِي سَمَرْقَنْدَ وَلَهَا مُتَوَلٍّ مِنْ جِهَةِ قَاضِي سَمَرْقَنْدَ فَاسْتَأْجَرَهَا رَجُلٌ مِنْ حَاكِمٍ بِدَرَاهِمَ مَعْلُومَةٍ فَزَرَعَهَا فَلَمَّا حَصَلَتْ الْغَلَّةُ طَلَبَ الْمُتَوَلِّي الْحِصَّةَ مِنْ الْغَلَّةِ كَمَا جَرَى الْعُرْفُ فِي الْمُزَارَعَةِ بِدِرْعَمَ فَقَالَ الرَّجُلُ عَلَى الْأُجْرَةِ كَانَ لِلْمُتَوَلِّي أَنْ يَأْخُذَ الْحِصَّةَ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِلْحَاكِمِ لِأَنَّ تَوْلِيَةَ الْقَاضِي لِهَذَا الْمُتَوَلِّي إنْ كَانَ قَبْلَ تَقْلِيدِ الْحَاكِمِ لَمْ يَدْخُلْ ذَلِكَ فِي تَقْلِيدِهِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ تَقْلِيدِهِ خَرَجَ الْحَاكِمُ عَنْ وِلَايَةِ تِلْكَ الْأَرْضِ فَلَمْ تَصِحَّ إجَارَتُهُ فَإِذَا زَرَعَهَا. وَقَدْ جَرَى الْعُرْفُ بِالْمُزَارَعَةِ عَلَى النِّصْفِ أَوْ عَلَى الثُّلُثِ صَارَ كَأَنَّ الْمُتَوَلِّيَ دَفَعَهَا إلَيْهِ مُزَارَعَةً عَلَى ذَلِكَ اهـ. وَنَحْوُهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَقَدْ ذَكَرَهَا فِي الْإِسْعَافِ أَيْضًا فِي فَصْلِ إجَارَةِ الْوَقْفِ بِأَوْضَحَ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ وَصَرَّحَ بِأَنَّ الْحَاكِمَ مِنْ جِهَةِ قَاضِي الْبَلْدَةِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْعُدُولَ عَنْ التَّعْلِيلِ بِأَنَّ الْقَاضِيَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 258 وَهُوَ بِعُمُومِهِ يَتَنَاوَلُ الْوَقْفَ وَقَدْ صَرَّحَ الْخَصَّافُ بِأَنَّ الْمُتَوَلِّيَ إذَا أَجَّرَهُ إجَارَةً فَاسِدَةً وَتَمَكَّنَ الْمُسْتَأْجِرُ وَلَمْ يَنْتَفِعْ حَقِيقَةً فَإِنَّهُ لَا أَجْرَ عَلَيْهِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَتَجُوزُ إجَارَةُ الْقَيِّمِ الْوَقْفَ بِعَرَضٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا وَالْأَبُ وَالْوَصِيُّ إذَا أَجَّرَ دَارًا لِلْيَتِيمِ بِعَرَضٍ جَازَ بِلَا خِلَافٍ وَفِي الْقُنْيَةِ وَلَا يَجُوزُ لِلْقَيِّمِ شِرَاءُ شَيْءٍ مِنْ مَالِ الْمَسْجِدِ لِنَفْسِهِ وَلَا الْبَيْعُ لَهُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَنْفَعَةٌ ظَاهِرَةٌ لِلْمَسْجِدِ. اهـ. فَإِنْ قُلْتُ: إذَا أَمَرَ الْقَاضِي بِشَيْءٍ فَفَعَلَهُ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْعِيٍّ أَوْ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الْوَقْفِ هَلْ يَكُونُ الْقَيِّمُ ضَامِنًا قُلْتُ: قَالَ فِي الْقُنْيَةِ طَالَبَ الْقَيِّمَ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ أَنْ يُقْرِضَ مِنْ مَالِ الْمَسْجِدِ لِلْإِمَامِ فَأَبَى فَأَمَرَهُ الْقَاضِي بِهِ فَأَقْرَضَهُ ثُمَّ مَاتَ الْإِمَامُ مُفْلِسًا لَا يَضْمَنُ الْقَيِّمُ. اهـ. مَعَ أَنَّ الْقَيِّمَ لَيْسَ لَهُ إقْرَاضُ مَالِ الْمَسْجِدِ قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ لَيْسَ لِلْمُتَوَلِّي إيدَاعُ مَالِ الْوَقْفِ وَالْمَسْجِدِ إلَّا مِمَّنْ فِي عِيَالِهِ وَلَا إقْرَاضُهُ فَلَوْ أَقْرَضَهُ ضَمِنَ وَكَذَا الْمُسْتَقْرِضُ وَذَكَرَ أَنَّ الْقَيِّمَ لَوْ أَقْرَضَ مَالَ الْمَسْجِدِ لِيَأْخُذَهُ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَهُوَ أَحْرَزُ مِنْ إمْسَاكِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَفِي الْعُدَّةِ يَسَعُ الْمُتَوَلِّيَ إقْرَاضُ مَا فَضَلَ مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ لَوْ أَحْرَزَ. اهـ. فَإِنْ قُلْتُ: إذَا قَصَّرَ الْمُتَوَلِّي فِي شَيْءٍ مِنْ مَصَالِحِ الْوَقْفِ هَلْ يَضْمَنُ قُلْتُ: إنْ كَانَ فِي عَيْنٍ ضَمِنَهَا وَإِنْ كَانَ فِيمَا فِي الذِّمَّةِ لَا يَضْمَنُ قَالَ فِي الْقُنْيَةِ انْهَدَمَ الْمَسْجِدُ فَلَمْ يَحْفَظْهُ الْقَيِّمُ حَتَّى ضَاعَتْ خَشَبَةٌ يَضْمَنُ اشْتَرَى الْقَيِّمُ مِنْ الدَّهَّانِ دُهْنًا وَدَفَعَ الثَّمَنَ ثُمَّ أَفْلَسَ الدَّهَّانُ بَعْدُ لَمْ يَضْمَنْ. اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ امْتَنَعَ الْمُتَوَلِّي عَنْ تَقَاضِي مَا عَلَى الْمُتَقَبِّلِينَ لَا يَأْثَمُ فَإِنْ هَرَبَ بَعْضُ الْمُتَقَبِّلِينَ بَعْدَمَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ مَالٌ كَثِيرٌ بِحَقِّ الْقَبَالَةِ لَا يَضْمَنُ الْمُتَوَلِّي. اهـ. وَفِي الْقُنْيَةِ أَجَّرَ الْقَيِّمُ ثُمَّ عُزِلَ وَنُصِّبَ قَيِّمٌ آخَرُ فَقِيلَ أَخْذُ الْأَجْرِ لِلْمَعْزُولِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لِلْمَنْصُوبِ لِأَنَّ الْمَعْزُولَ أَجَّرَهَا لِلْوَقْفِ لَا لِنَفْسِهِ وَلَوْ بَاعَ الْقَيِّمُ دَارًا اشْتَرَاهَا بِمَالِ الْوَقْفِ فَلَهُ أَنْ يُقِيلَ الْبَيْعَ مَعَ الْمُشْتَرِي إذَا لَمْ يَكُنْ الْبَيْعُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ وَكَذَا إذَا عُزِلَ وَنُصِبَ غَيْرُهُ فَلِلْمَنْصُوبِ إقَالَتُهُ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ أَذِنَ الْقَاضِي لِلْقَيِّمِ فِي خَلْطِ مَالِ الْوَقْفِ بِمَالِهِ تَخْفِيفًا عَلَيْهِ جَازَ وَلَا يَضْمَنُ وَكَذَا الْقَاضِي إذَا خَلَطَ مَالَ الصَّغِيرِ بِمَالِهِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ الْوَصِيُّ إذَا خَلَطَ مَالَ الصَّغِيرِ بِمَالِهِ لَا يَضْمَنُ وَلِلْقَيِّمِ فَسْخُ الْإِجَارَةِ مَعَ الْمُسْتَأْجِرِ قَبْلَ قَبْضِ الْأَجْرِ وَيَنْفُذُ فَسْخُهُ عَلَى الْوَقْفِ وَبَعْدَ الْقَبْضِ لَا وَلَوْ أَبْرَأَ الْقَيِّمُ الْمُسْتَأْجِرَ عَنْ الْأُجْرَةِ بَعْدَ تَمَامِ الْمُدَّةِ تَصِحُّ الْبَرَاءَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَيَضْمَنُ لِلْقَيِّمِ صَرْفَ شَيْءٍ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ إلَى كَتَبَةِ الْفَتْوَى وَمَحَاضِرِ الدَّعْوَى لِاسْتِخْلَاصِ الْوَقْفِ وَالْمُتَوَلِّي إذَا أَجَّرَ نَفْسَهُ فِي عَمَلِ الْمَسْجِدِ وَأَخَذَ الْأُجْرَةَ لَمْ يَجُزْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَبِهِ يُفْتَى. اهـ. وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ إذْ لَا يَصْلُحُ مُؤَاجِرًا وَمُسْتَأْجِرًا وَصَحَّ لَوْ أَمَرَهُ الْحَاكِمُ بِعَمَلٍ فِيهِ ثُمَّ قَالَ وَفِي الْقُنْيَةِ الْقَيِّمُ ضَمِنَ مَالَ الْوَقْفِ بِالِاسْتِهْلَاكِ ثُمَّ صَرَفَ قَدْرَ الضَّمَانِ إلَى الْمَصْرِفِ بِدُونِ إذْنِ الْقَاضِي يَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ. اهـ. وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ لِلْمُتَوَلِّي أَنْ يَحْتَالَ بِمَالِ الْوَقْفِ عَلَى إنْسَانٍ إذَا كَانَ مَلِيًّا وَإِنْ أَخَذَ كَفِيلًا كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ الْمُتَوَلِّي يَمْلِكُ الْإِجَارَةَ لَوْ خَيْرًا لِلْوَقْفِ فَإِنْ قُلْتُ: حَلَّ لِلْمُتَوَلِّي أَنْ يَصْرِفَ غَلَّةَ سَنَةٍ عَنْ سَنَةٍ قَبْلَهَا قُلْتُ: لَا لِمَا فِي الْحَاوِي الْحَصِيرِيِّ وَغَيْرِهِ سُئِلَ أَبُو جَعْفَرٍ عَنْ قَيِّمٍ جَمَعَ الْغَلَّةَ فَقَسَمَهَا عَلَى أَهْلِ الْوَقْفِ وَحَرَمَ وَاحِدًا مِنْهُمْ فَلَمْ يُعْطِهِ وَصَرَفَ نَصِيبَهُ إلَى حَاجَةِ نَفْسِهِ فَلَمَّا خَرَجَتْ الْغَلَّةُ الثَّانِيَةُ طَلَبَ الْمَحْرُومُ نَصِيبَهُ هَلْ لَهُ ذَلِكَ قَالَ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْقَيِّمَ وَإِنْ شَاءَ اتَّبَعَ شُرَكَاءَهُ فَشَارَكَهُمْ فِيمَا أَخَذُوا فَإِنْ اخْتَارَ تَضْمِينَ الْقَيِّمِ سَلِمَ لَهُمْ مَا أَخَذُوا وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ غَلَّةِ هَذَا الْعَامِ أَكْثَرَ مِنْ نَصِيبِهِ اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إذَا اخْتَارَ اتِّبَاعَ الشُّرَكَاءِ فَإِنَّهُ لَا مُطَالَبَةَ لَهُ عَلَى الْمُتَوَلِّي وَإِنَّ الْمُتَوَلِّي لَا يَدْفَعُ لِلْمَحْرُومِ مِنْ غَلَّةِ الثَّانِيَةِ شَيْئًا سَوَاءٌ اخْتَارَ تَضْمِينَهُ أَوْ اتِّبَاعَ الشُّرَكَاءِ لَكِنْ فِي الذَّخِيرَةِ وَإِنْ اخْتَارَ اتِّبَاعَ الشُّرَكَاءِ وَالشَّرِكَةَ فِيمَا أَخَذُوا كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ ذَلِكَ مِنْ نَصِيبِ الشُّرَكَاءِ مِنْ الْغَلَّةِ الثَّانِيَةِ لِأَنَّهُ لَمَّا اخْتَارَ اتِّبَاعَ الشُّرَكَاءِ تَبَيَّنَ أَنَّهُمْ أَخَذُوا   [منحة الخالق] أَوْ مَأْمُورَهُ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ الْإِيجَارِ مَعَ حُضُورِ الْمُتَوَلِّي إلَى التَّعْلِيلِ بِمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي تَعْلِيلِهِ أَوْ خَارِجٌ عَنْهُ يُفِيدُ مِلْكَ الْقَاضِي لِذَلِكَ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَفِي الْقُنْيَةِ أَجَّرَ الْقَيِّمُ ثُمَّ عُزِلَ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَدْ أَفْتَى الشَّارِحُ بِأَنَّ أَخْذَهَا لِلْمَعْزُولِ وَهِيَ فِي فَتَاوَاهُ وَلَمْ يُنْقَلْ خِلَافُهُ وَقَدْ عُلِمَ بِمَا ذُكِرَ أَنَّهُ إفْتَاءٌ بِخِلَافِ الْأَصَحِّ (قَوْلُهُ لِلْقَيِّمِ صَرْفُ شَيْءٍ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ إلَى كَتَبَةِ الْفَتْوَى) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَمِثْلُهُ لَوْ اسْتَوْلَى عَلَيْهِ ظَالِمٌ وَلَمْ يُمْكِنُهُ دَفْعُهُ عَنْهُ إلَّا بِصَرْفِ مَالِهِ فَصَرَفَ لَا يَضْمَنُ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ مَسْأَلَةِ الْوَصِيِّ إذَا طَمَعَ السُّلْطَانُ فِي مَالِ الْيَتِيمِ وَلَمْ يُمْكِنْ دَفْعُهُ عَنْهُ إلَّا بِدَفْعِ شَيْءٍ مِنْ مَالِهِ وَكَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ شَيْءٌ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ وَعَرَضَ لَهُ مِثْلُ هَذَا الْأَمْرِ فَاسْتَدَانَ بِأَمْرِ الْقَاضِي أَوْ اسْتَأْذَنَ الْقَاضِيَ فِي بَذْلِ ذَلِكَ مِنْ مَالِهِ لِيَرْجِعَ بِهِ فِي مَالِ الْوَقْفِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كِتَابِ الْوَصَايَا أَيْضًا تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْقَيِّمَ) قَالَ الرَّمْلِيُّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 259 نَصِيبَهُ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ أَنْصِبَائِهِمْ مِثْلَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ جِنْسُ حَقِّهِ فَمَتَى أَخَذَ رَجَعُوا جَمِيعًا عَلَى الْقَيِّمِ بِمَا اسْتَهْلَكَ الْقَيِّمُ مِنْ حِصَّةِ الْمَحْرُومِ فِي السَّنَةِ الْأُولَى لِأَنَّهُ بَقِيَ ذَلِكَ حَقًّا لِلْجَمِيعِ اهـ. فَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُتَوَلِّيَ يَدْفَعُ لَهُ مِنْ غَلَّةِ الثَّانِيَةِ شَاءُوا أَوْ أَبَوْا حَيْثُ اخْتَارَ اتِّبَاعَهُمْ وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَصْرِفْ حِصَّةَ الْمَحْرُومِ إلَى نَفْسِهِ وَإِنَّمَا صَرَفَ الْغَلَّةَ إلَيْهِمْ وَحَرَمَ وَاحِدًا إمَّا لِعَدَمِ حُضُورِهِ وَقْتَ الْقِسْمَةِ أَوْ عِنَادًا أَنَّهُ يُشَارِكُهُمْ وَلَا يَضْمَنُ الْمُتَوَلِّي وَإِنَّهُ يَدْفَعُ إلَيْهِ مِنْ غَلَّةِ الثَّانِيَةِ مِنْ أَنْصِبَائِهِمْ وَظَاهِرُ مَا فِي الْحَاوِي أَنَّهُ يَتَّبِعُهُمْ فِيمَا أَخَذُوا وَلَا يُعْطَى مِنْ الثَّانِيَةِ أَكْثَرَ مِنْ حِصَّتِهِ وَهُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّ حَقَّهُ صَارَ فِي ذِمَّتِهِمْ وَالْمُتَوَلِّي لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ قَضَاءِ دُيُونِهِمْ وَمُقْتَضَى الْقَوَاعِدِ أَنَّ الْمَحْرُومَ فِي صُورَةِ صَرْفِ الْجَمِيعِ إلَيْهِمْ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُتَوَلِّي لِكَوْنِهِ مُتَعَدِّيًا كَمَا لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُسْتَحِقِّينَ فَإِنْ قُلْتُ: هَلْ لِلْمُتَوَلِّي تَفْضِيلُ الْبَعْضِ عَلَى الْبَعْضِ قَدْرًا وَتَعْجِيلًا قُلْتُ: فِيهِ تَفْصِيلٌ فَالتَّفْضِيلُ فِي الْقَدْرِ رَاجِعٌ إلَى شَرْطِ الْوَاقِفِ قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَقَفَ ضَيْعَةً عَلَى فُقَرَاءِ قَرَابَتِهِ أَوْ فُقَرَاءِ قَرْيَتِهِ وَجَعَلَ آخِرَهُ لِلْمَسَاكِينِ جَازَ يُحْصَوْنَ أَوْ لَا وَإِنْ أَرَادَ الْقَيِّمُ تَفْضِيلَ الْبَعْضِ عَلَى الْبَعْضِ فَالْمَسْأَلَةُ عَلَى وُجُوهٍ إنَّ الْوَقْفَ عَلَى فُقَرَاءِ قَرَابَتِهِ وَقَرْيَتِهِ وَهُمْ يُحْصَوْنَ أَوْ لَا يُحْصَوْنَ أَوْ أَحَدُ الْفَرِيقَيْنِ يُحْصَوْنَ وَالْآخَرُ لَا فَفِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لِلْقَيِّمِ أَنْ يَجْعَلَ نِصْفَ الْغَلَّةِ لِفُقَرَاءِ الْقَرَابَةِ وَنِصْفَهَا لِفُقَرَاءِ الْقَرْيَةِ ثُمَّ يُعْطَى كُلُّ فَرِيقٍ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ وَيُفَضِّلُ الْبَعْضَ عَلَى الْبَعْضِ كَمَا شَاءَ لِأَنَّ قَصْدَهُ الْقُرْبَةُ وَفِي الصَّدَقَةِ الْحُكْمُ كَذَلِكَ وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي تُصْرَفُ الْغَلَّةُ إلَى الْفَرِيقَيْنِ بِعَدَدِهِمْ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُفَضِّلَ الْبَعْضَ عَلَى الْبَعْضِ لِأَنَّ قَصْدَهُ الْوَصِيَّةُ وَفِي الْوَصِيَّةِ الْحُكْمُ كَذَلِكَ وَفِي الثَّالِثِ تُجْعَلُ الْغَلَّةُ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ أَوَّلًا فَتُصْرَفُ إلَى الَّذِينَ يُحْصَوْنَ بِعَدَدِهِمْ وَإِلَى الَّذِينَ لَا يُحْصَوْنَ سَهْمٌ وَاحِدٌ لِأَنَّ مَنْ يُحْصَى لَهُمْ وَصِيَّةٌ وَلِمَنْ لَا يُحْصَى صَدَقَةٌ وَالْمُسْتَحِقُّ لِلصَّدَقَةِ وَاحِدٌ ثُمَّ يُعْطِي هَذَا السَّهْمَ مِنْ الَّذِينَ لَا يُحْصَوْنَ مَنْ شَاءَ وَيُفَضِّلُ الْبَعْضَ عَلَى الْبَعْضِ فِي هَذَا السَّهْمِ. اهـ. وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْأَوْقَافَ الْمُطْلَقَةَ عَلَى الْفُقَهَاءِ لِلْمُتَوَلِّي التَّفْضِيلُ وَاخْتَلَفُوا هَلْ هُوَ بِالْحَاجَةِ أَوْ بِالْفَضِيلَةِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا صَحِيحٌ وَأَمَّا التَّعْجِيلُ لِلْبَعْضِ فَلَمْ أَرَ فِيهِ نَقْلًا صَرِيحًا وَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ اسْتِنْبَاطًا مِمَّا فِي الْبَزَّازِيَّةِ الْمُصَدِّقُ إذَا أَخَذَ عِمَالَتَهُ قَبْلَ الْوُجُوبِ أَوْ الْقَاضِي اسْتَوْفَى رِزْقَهُ قَبْلَ الْمُدَّةِ جَازَ وَالْأَفْضَلُ عَدَمُ التَّعْجِيلِ لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا يَعِيشَ إلَى الْمُدَّةِ. اهـ. فَإِنْ قِيلَ لَا يُقَاسُ عَلَيْهِ لِأَنَّ مَالَ الْوَقْفِ حَقُّ الْمُسْتَحِقِّينَ عَلَى الْخُصُوصِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُخَصِّصَ أَحَدًا وَمَالُ بَيْتِ الْمَالِ حَقُّ الْعَامَّةِ قُلْتُ: غَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ كَدَيْنٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَجَبَ لَهُمَا بِسَبَبٍ وَاحِدٍ وَالدَّائِنُ إذَا دَفَعَ لِأَحَدِهِمَا نَصِيبَهُ جَازَ لَهُ ذَلِكَ غَايَتُهُ أَنَّ الشَّرِيكَ الْغَائِبَ إذَا حَضَرَ خُيِّرَ إنْ شَاءَ اتَّبَعَهُ شَرِيكُهُ وَشَارَكَهُ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ مِنْ الْمَدْيُونِ فَكَذَلِكَ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ يُخَيَّرُ الْمُسْتَحِقُّ كَذَلِكَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي مَسْأَلَةِ الْمَحْرُومِ ثُمَّ رَأَيْتُ فِي الْقُنْيَةِ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَسْجِدِ إمَامٌ وَلَا مُؤَذِّنٌ وَاجْتُمِعَتْ غَلَّاتُ الْإِمَامَةِ وَالتَّأْذِينِ سِنِينَ ثُمَّ نُصِبَ إمَامٌ وَمُؤَذِّنٌ لَا يَجُوزُ صَرْفُ شَيْءٍ مِنْ تِلْكَ الْغَلَّاتِ إلَيْهِمَا وَقَالَ بُرْهَانُ الدِّينِ صَاحِبُ الْمُحِيطِ لَوْ عَجَّلُوهُ لِلْمُسْتَقْبَلِ كَانَ حَسَنًا إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ الْمُتَوَلِّي لَوْ أُمِّيًّا فَاسْتَأْجَرَ الْكَاتِبَ لِحِسَابِهِ   [منحة الخالق] أَيْ لِصَرْفِهِ نَصِيبَ الْغَيْرِ إلَى حَاجَةِ نَفْسِهِ فَصَارَ مُتَعَدِّيًا وَقَوْلُهُ وَإِنْ شَاءَ اتَّبَعَ شُرَكَاءَهُ أَيْ لِأَخْذِهِمْ نَصِيبَهُ (قَوْلُهُ فَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُتَوَلِّيَ يَدْفَعُ لَهُ مِنْ غَلَّةِ الثَّانِيَةِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ إنْ أَرَادَ مِنْ أَنْصِبَائِهِمْ فَقَدْ صَرَّحَ بِأَنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ وَيَرْجِعُوا جَمِيعًا عَلَى الْقَيِّمِ فَمَا مَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ وَإِنْ أَرَادَ مِنْ غَيْرِ أَنْصِبَائِهِمْ فَالظَّاهِرُ خِلَافُ هَذَا الظَّاهِرِ وَلَا يَظْهَرُ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ أَيْ كَلَامِ الْحَاوِي وَكَلَامِ الْخَانِيَّةِ مُخَالَفَةٌ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلَا يَضْمَنُ الْمُتَوَلِّي) . قَالَ الرَّمْلِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّ لَهُ تَضْمِينَهُ إذْ لَيْسَ لَهُ دَفْعُ اسْتِحْقَاقِهِ لَهُمْ فَكَانَ مُتَعَدِّيًا فَيَضْمَنُ فَقَوْلُهُ وَصُرِفَ نَصِيبُهُ إلَى حَاجَةِ نَفْسِهِ اتِّفَاقِيٌّ لَا احْتِرَازِيٌّ تَأَمَّلْ. [وَقَفَ ضَيْعَةً عَلَى فُقَرَاءِ قَرَابَتِهِ أَوْ فُقَرَاءِ قَرْيَتِهِ وَجَعَلَ آخِرَهُ لِلْمَسَاكِينِ] (قَوْلُهُ وَهُمْ يُحْصَوْنَ أَوْ لَا يُحْصَوْنَ) هَكَذَا فِي النُّسَخِ وَهُوَ كَذَلِكَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَالصَّوَابُ الْعَكْسُ كَمَا فِي الْفَصْلِ الثَّالِثِ مِنْ التَّتَارْخَانِيَّة حَيْثُ قَالَ وَهُمْ لَا يُحْصَوْنَ أَوْ يُحْصَوْنَ وَعَلَى هَذَا يَصِحُّ التَّفْرِيعُ بِقَوْلِهِ فَفِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ كَمَا لَا يَخْفَى. (قَوْلُهُ تُقْسَمُ الْغَلَّةُ إلَى الْفَرِيقَيْنِ بِعَدَدِهِمْ) أَيْ تُقْسَمُ عَلَى الرُّءُوسِ فَلَوْ كَانَ فُقَرَاءُ الْقَرَابَةِ عِشْرِينَ مَثَلًا وَفُقَرَاءُ الْقَرْيَةِ عَشَرَةً تُقْسَمُ عَلَى ثَلَاثِينَ مِنْ غَيْرِ تَفْضِيلٍ بِخِلَافِ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهَا تُقْسَمُ نِصْفَيْنِ عَلَى الْفَرِيقَيْنِ لَا عَلَى الرُّءُوسِ لِكَوْنِهِمْ لَا يُحْصَوْنَ وَأَمَّا فِي الْوَجْهِ الثَّالِثِ فَتُقْسَمُ الْغَلَّةُ نِصْفَيْنِ أَيْضًا ثُمَّ يُقْسَمُ نِصْفُ مَنْ يُحْصَوْنَ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِهِمْ بِلَا تَفْضِيلٍ وَنِصْفُ مَنْ لَا يُحْصَوْنَ يُعْطَى لِمَنْ شَاءَ مِنْهُمْ وَبِهِ يَتَّضِحُ مَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي مَسْأَلَةِ الْمَحْرُومِ) . قَالَ الرَّمْلِيُّ قُدِّمَ فِي مَسْأَلَةِ الْمَحْرُومِ أَنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يَتَّبِعَ الْمُتَوَلِّيَ فَيُضَمِّنَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَتَّبِعَهُمْ لَكِنَّهُ خَصَّ ذَلِكَ بِمَا إذَا حَرَمَهُ وَصَرَفَ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ لَا مُطْلَقًا مَعَ أَنَّهُ خِلَافُ الْفِقْهِ لِأَنَّ حَاصِلَهُ أَنَّهُ دَفَعَ مَالَ الْغَيْرِ بِلَا إذْنِ الْغَيْرِ وَالدَّافِعُ مُتَعَدٍّ بِالدَّفْعِ وَالْآخِذُ بِالْأَخْذِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا تَأَمَّلْ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 260 لَا يَجُوزُ لَهُ إعْطَاءُ الْأُجْرَةِ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ وَلَوْ اسْتَأْجَرَ لِكَنْسِ الْمَسْجِدِ وَفَتْحِهِ وَإِغْلَاقِهِ بِمَالِ الْمَسْجِدِ يَجُوزُ اهـ. وَلَيْسَ لِأَحَدِ النَّاظِرَيْنِ التَّصَرُّفُ دُونَ الْآخَرِ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ. وَفِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ أَنَّ قَيِّمَيْنِ فِي وَقْفٍ أَقَامَ كُلَّ قَيِّمٍ قَاضِي بَلْدَةٍ غَيْرُ قَاضِي بَلْدَةٍ أُخْرَى هَلْ يَجُوزُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَتَصَرَّفَ بِدُونِ الْآخَرِ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ إسْمَاعِيلُ الزَّاهِدُ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ تَصَرُّفُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَوْ أَنَّ وَاحِدًا مِنْ هَذَيْنِ الْقَاضِيَيْنِ أَرَادَ أَنْ يَعْزِلَ الْقَيِّمَ الَّذِي أَقَامَهُ الْقَاضِي الْآخَرُ فَإِنْ رَأَى الْقَاضِي الْمَصْلَحَةَ فِي عَزْلِ الْآخَرِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا. اهـ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لِلْقَاضِي عَزْلَ مَنْصُوبِ قَاضٍ آخَرَ بِغَيْرِ خِيَانَةٍ إذَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ. اهـ. فَإِنْ قُلْتُ: هَلْ لِأَحَدِ النَّاظِرَيْنِ أَنْ يُؤَجِّرَ الْآخَرَ قُلْتُ: لَا يَجُوزُ لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ كِتَابِ الْوَصَايَا لَوْ بَاعَ أَحَدُ الْوَصِيِّينَ لِصَاحِبِهِ شَيْئًا مِنْ التَّرِكَةِ لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لِأَنَّ عِنْدَهُمَا لَا يَنْفَرِدُ أَحَدُ الْوَصِيِّينَ بِالتَّصَرُّفِ. اهـ. وَالنَّاظِرُ إمَّا وَصِيٌّ أَوْ وَكِيلٌ وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ لَيْسَ لِلْوَصِيِّ فِي هَذَا الزَّمَانِ أَخْذُ مَالِ الْيَتِيمِ مُضَارَبَةً وَلَا لِلْقَيِّمِ أَنْ يَزْرَعَ فِي أَرْضِ الْوَقْفِ. اهـ. فَإِذَا ثَبَتَ عِنْدَ الْقَاضِي أَنَّهُ زَرَعَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ خِيَانَةً يَسْتَحِقُّ بِهَا الْعَزْلَ وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَلَوْ أَذِنَ قَيِّمٌ مُؤَذِّنًا لِيَخْدُمَ مَسْجِدًا وَقَطَعَ لَهُ الْأَجْرَ وَجَعَلَ ذَلِكَ أُجْرَةَ الْمَنْزِلِ وَهُوَ أَجْرُ الْمِثْلِ جَازَ وَفِي الْخَانِيَّةِ الْمُتَوَلِّي إذَا اسْتَأْجَرَ رَجُلًا فِي عِمَارَةِ الْمَسْجِدِ بِدِرْهَمٍ وَدَانِقٍ وَأَجْرُ مِثْلِهِ دِرْهَمٌ فَاسْتَعْمَلَهُ فِي عِمَارَةِ الْمَسْجِدِ وَنَقَدَ الْأَجْرَ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ قَالُوا يَكُونُ ضَامِنًا جَمِيعَ مَا نُقِدَ لِأَنَّهُ لَمَّا زَادَ فِي الْأَجْرِ أَكْثَرَ مِمَّا يَتَغَابَنُ فِيهِ النَّاسُ يَصِيرُ مُسْتَأْجِرًا لِنَفْسِهِ دُونَ الْمَسْجِدِ فَإِذَا نَقَدَ الْأَجْرَ مِنْ مَالِ الْمَسْجِدِ كَانَ ضَامِنًا الْمُتَوَلِّي إذَا أَمَرَ الْمُؤَذِّنُ أَنْ يَخْدُمَ الْمَسْجِدَ وَسَمَّى لَهُ أَجْرًا مَعْلُومًا لِكُلِّ سَنَةٍ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَصِحُّ الْإِجَارَةُ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الِاسْتِئْجَارَ لِخِدْمَةِ الْمَسْجِدِ ثُمَّ يَنْظُرُ إنْ كَانَ ذَلِكَ أَجْرَ عَمَلِهِ أَوْ زِيَادَةً يَتَغَابَنُ فِيهِ النَّاسُ كَانَتْ الْإِجَارَةُ لِلْمَسْجِدِ فَإِذَا نَقَدَ الْأَجْرَ مِنْ مَالِ الْمَسْجِدِ حَلَّ لِلْمُؤَذِّنِ أَخْذُهُ وَإِنْ كَانَ فِي الْأَجْرِ زِيَادَةٌ عَلَى مَا يَتَغَابَنُ فِيهِ النَّاسُ كَانَتْ الْإِجَارَةُ لِلْمُتَوَلِّي لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الِاسْتِئْجَارَ لِلْمَسْجِدِ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ فَإِذَا أَدَّى الْأَجْرَ مِنْ مَالِ الْمَسْجِدِ كَانَ ضَامِنًا وَإِنْ عَلِمَ الْمُؤَذِّنُ بِذَلِكَ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِ الْمَسْجِدِ اهـ. ثُمَّ قَالَ فَقِيرٌ سَكَنَ دَارًا مَوْقُوفَةً عَلَى الْفُقَرَاءِ بِأَجْرٍ وَتَرَكَ الْمُتَوَلِّي مَا عَلَيْهِ مِنْ الْأَجْرِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الْوَقْفِ عَلَى الْفُقَرَاءِ جَازَ كَمَا لَوْ تَرَكَ الْإِمَامُ خَرَاجَ الْأَرْضِ لِمَنْ لَهُ حَقٌّ فِي بَيْتِ الْمَالِ بِحِصَّتِهِ. اهـ. وَذَكَرَ فِيهَا ثَلَاثَ مَسَائِلَ فِي غَصْبِ الْوَقْفِ مُنَاسِبَةً لِتَصَرُّفِ الْمُتَوَلِّي الْأُولَى لَوْ غُصِبَ الْوَقْفُ وَاسْتَرَدَّهُ الْقَيِّمُ وَكَانَ الْغَاصِبُ زَادَ فِيهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَالًا مُتَقَوِّمًا بِأَنْ كَرَبَ الْأَرْضَ أَوْ حَفَرَ النَّهْرَ أَوْ أَلْقَى فِي ذَلِكَ السِّرْقِينَ وَاخْتَلَطَ ذَلِكَ بِالتُّرَابِ اسْتَرَدَّهَا بِغَيْرِ شَيْءٍ وَإِنْ كَانَتْ مَالًا مُتَقَوِّمًا كَالْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ أَمَرَ الْغَاصِبَ بِرَفْعِهِ إنْ لَمْ يَضُرَّ بِالْأَرْضِ وَإِنْ أَضَرَّ بِأَنْ خَرَّبَهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ الرَّفْعُ وَيَضْمَنُ الْقَيِّمُ لَهُ مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ قِيمَةَ الْغِرَاسِ مَقْلُوعًا وَقِيمَةَ الْبِنَاءِ مَرْفُوعًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْوَقْفِ غَلَّةٌ أَجَّرَ الْوَقْفَ وَأَعْطَى الضَّمَانَ مِنْ الْأُجْرَةِ وَإِنْ اخْتَارَ الْغَاصِبُ قَلْعَ الْأَشْجَارِ مِنْ أَقْصَى مَوْضِعٍ لَا تَخْرَبُ الْأَرْضُ فَلَهُ ذَلِكَ وَلَا يُجْبَرُ عَلَى أَخْذِ الْقِيمَةِ ثُمَّ يَضْمَنُ الْقَيِّمُ مَا بَقِيَ فِي الْأَرْضِ مِنْ الشَّجَرِ إنْ كَانَتْ لَهُ قِيمَةٌ الثَّانِيَةُ لَوْ اسْتَوْلَى عَلَى الْوَقْفِ غَاصِبٌ وَعَجَزَ الْمُتَوَلِّي عَنْ اسْتِرْدَادِهِ وَأَرَادَ الْغَاصِبُ أَنْ يَدْفَعَ قِيمَتَهَا كَانَ لِلْمُتَوَلِّي أَخْذَ الْقِيمَةِ أَوْ الصُّلْحُ عَلَى شَيْءٍ ثُمَّ يَشْتَرِي بِالْمَأْخُوذِ مِنْ الْغَاصِبِ أَرْضًا أُخْرَى فَيَجْعَلُهُ وَقْفًا عَلَى شَرَائِطِ الْأُولَى لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ صَارَ بِمَنْزِلَةِ الْمُسْتَهْلِكِ فَيَجُوزُ أَخْذُ الْقِيمَةِ الثَّالِثَةُ رَجُلٌ غَصَبَ أَرْضًا مَوْقُوفَةً قِيمَتُهَا أَلْفٌ ثُمَّ غَصَبَ مِنْ الْغَاصِبِ رَجُلٌ آخَرُ بَعْدَمَا زَادَتْ قِيمَةُ الْأَرْضِ وَصَارَتْ تُسَاوِي أَلْفَيْ دِرْهَمٍ فَإِنَّ الْمُتَوَلِّيَ يَتَّبِعُ الْغَاصِبَ الثَّانِيَ إنْ كَانَ مَلِيًّا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى جَعْلَ الْعَقَارِ مَضْمُونًا بِالْغَصْبِ لِأَنَّ تَضْمِينَ الثَّانِي أَنْفَعُ لِلْوَقْفِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ فَإِنْ قُلْتُ: هَلْ لِأَحَدِ النَّاظِرَيْنِ أَنْ يُؤَجِّرَ الْآخَرَ احْتِرَازٌ عَنْ النَّاظِرِ وَالْقَاضِي) قَالَ فِي الْإِسْعَافِ وَلَوْ تَقَبَّلَ الْمُتَوَلِّي الْوَقْفَ لِنَفْسِهِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْوَاحِدَ لَا يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ إلَّا إذَا تَقَبَّلَهُ مِنْ الْقَاضِي لِنَفْسِهِ فَحِينَئِذٍ يَتِمُّ لِقِيَامِهِ بِاثْنَيْنِ. اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ مِنْ أَحَدِ النَّاظِرَيْنِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ خِيَانَةً) أَقُولُ: صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ الْخَصَّافُ فِي بَابِ الرَّجُلِ يَجْعَلُ أَرْضًا صَدَقَةً مَوْقُوفَةً ثُمَّ يَزْرَعُهَا وَنَصُّهُ قُلْتُ: فَمَا تَقُولُ فِي وَالِي هَذِهِ الصَّدْقَةِ إنْ زَرَعَ أَرْضَ الْوَقْفِ ثُمَّ اخْتَلَفَ هُوَ وَأَهْلُ الْوَقْفِ فِي الزَّرْعِ فَقَالَ وَالِيهَا إنَّمَا زَرَعْتُهَا لِنَفْسِي بِبَذْرِي وَنَفَقَتِي وَقَالَ أَهْلُ الْوَقْفِ بَلْ زَرَعْتَهَا لَنَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْبَذْرَ لَهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 261 وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ أَمْلَأَ مِنْ الثَّانِي يَتَّبِعُ الْأَوَّلَ لِأَنَّ تَضْمِينَ الْأَوَّلِ يَكُونُ أَنْفَعَ لِلْوَقْفِ وَإِذَا اتَّبَعَ الْقَيِّمُ أَحَدَهُمَا بَرِئَ الْآخَرُ عَنْ الضَّمَانِ كَالْمَالِكِ إذَا اخْتَارَ تَضْمِينَ الْغَاصِبِ الْأَوَّلِ أَوْ الثَّانِي بَرِئَ الْآخَرُ. اهـ. وَمِنْهَا أَكَّارٌ تَنَاوَلَ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ فَصَالَحَهُ الْمُتَوَلِّي عَلَى شَيْءٍ وَالْأَكَّارُ غَنِيٌّ لَا يَجُوزُ الْحَطُّ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ وَإِنْ كَانَ الْأَكَّارُ فَقِيرًا جَازَ ذَلِكَ. اهـ. وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْوَقْفُ عَلَى الْفُقَرَاءِ كَمَا قَيَّدَهُ بِهِ فِيمَا إذَا سَكَنَ الْفَقِيرُ دَارَ الْوَقْفِ وَسَامَحَهُ الْمُتَوَلِّي بِالْأَجْرِ وَأَمَّا إذَا كَانَ عَلَى أَرْبَابٍ مَعْلُومِينَ وَمُسْتَحِقِّينَ مَخْصُوصِينَ لَا تَجُوزُ الْمُسَامَحَةُ وَالْحَطُّ بِالصُّلْحِ مُطْلَقًا وَعَلَى هَذَا لَا تَجُوزُ الْإِجَارَةُ بِأَقَلَّ مِنْ أَجْرٍ الْمِثْلِ بِغَبَنٍ فَاحِشٍ مِنْ فَقِيرٍ إذَا كَانَ الْوَقْفُ عَلَى مُعَيَّنِينَ وَإِنْ كَانَ وَقْفَ الْفُقَرَاءِ جَازَ وَفِي الْإِسْعَافِ وَلَوْ اشْتَرَى بِغَلَّتِهِ ثَوْبًا وَدَفَعَهُ إلَى الْمَسَاكِينِ يَضْمَنُ مَا نَقَدَ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ لِوُقُوعِ الشِّرَاءِ لَهُ حَائِطٌ بَيْنَ دَارَيْنِ إحْدَاهُمَا وَقْفٌ وَالْأُخْرَى مِلْكٌ فَانْهَدَمَ وَبَنَاهُ صَاحِبُ الْمِلْكِ فِي حَدِّ دَارِ الْوَقْفِ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ يَرْفَعُ الْقَيِّمُ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي لِيُجْبِرَهُ عَلَى نَقْضِهِ ثُمَّ يَبْنِيهِ حَيْثُ كَانَ فِي الْقَدِيمِ وَلَوْ قَالَ الْقَيِّمُ لَلَبَّانِي أَنَا أُعْطِيكَ قِيمَةَ الْبِنَاءِ وَأُقِرُّهُ حَيْثُ بَنَيْتَ وَابْنِ أَنْت لِنَفْسِكَ حَائِطًا آخَرَ فِي حَدِّكَ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ لَيْسَ لِلْقَيِّمِ ذَلِكَ بَلْ يَأْمُرُهُ بِنَقْضِهِ وَبِنَائِهِ حَيْثُ كَانَ فِي الْقَدِيمِ. اهـ. وَلَوْ أَخَذَ مُتَوَلِّي الْوَقْفِ مِنْ غَلَّتِهِ شَيْئًا ثُمَّ مَاتَ بِلَا بَيَانٍ لَا يَكُونُ ضَامِنًا هَكَذَا قَالُوا وَقَيَّدَهُ الطَّرَسُوسِيُّ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ بَحْثًا بِمَا إذَا لَمْ يُطَالِبْ الْمُسْتَحِقُّ أَمَّا إذَا طَالَبَهُ الْمُسْتَحِقُّ وَلَمْ يَدْفَعْ لَهُ ثُمَّ مَاتَ بِلَا بَيَانٍ فَإِنَّهُ يَكُونُ ضَامِنًا. اهـ. وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى فِي حَيَاتِهِ الْهَلَاكَ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ صَارَ ضَامِنًا بِمَنْعِ الْمُسْتَحِقِّ بَعْدَ الطَّلَبِ وَفِي الْقُنْيَةِ وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يُحَاسِبَ أُمَنَاءَهُ فِيمَا فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ أَمْوَالِ الْيَتَامَى لِيَعْرِفَ الْخَائِنَ فَيَسْتَبْدِلَهُ وَكَذَا الْقُوَّامُ عَلَى الْأَوْقَافِ وَيُقْبَلُ قَوْلُهُمْ فِي مِقْدَارِ مَا حَصَلَ فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ مِقْدَارِ الْغَلَّاتِ الْوَصِيُّ وَالْقَيِّمُ فِيهِ سَوَاءٌ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْقَابِضِ فِي مِقْدَارِ الْمَقْبُوضِ وَفِيمَا يُخْبِرُ مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَى الْيَتِيمِ أَوْ عَلَى الضَّيْعَةِ وَمُؤْنَاتِ الْأَرَاضِيِ وَفِي أَدَبِ الْقَاضِي لِلْخَصَّافِ وَيُقْبَلُ قَوْلُ الْوَصِيِّ فِي الْمُحْتَمَلِ دُونَ الْقَيِّمِ لِأَنَّ الْوَصِيَّ مَنْ فُوِّضَ إلَيْهِ الْحِفْظُ وَالتَّصَرُّفُ وَالْقَيِّمُ مَنْ فُوِّضَ إلَيْهِ الْحِفْظُ دُونَ التَّصَرُّفِ وَكَثِيرٌ مِنْ مَشَايِخِنَا سَوَّوْا بَيْنَ الْوَصِيِّ وَالْقَيِّمِ فِيمَا لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْإِنْفَاقِ وَقَالُوا يُقْبَلُ قَوْلُهُمَا فِيهِ وَقَاسُوهُ عَلَى قَيِّمِ الْمَسْجِدِ أَوْ وَاحِدٌ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ إذَا اشْتَرَى لِلْمَسْجِدِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ كَالْحَصِيرِ وَالْحَشِيشِ وَالدُّهْنِ وَأَجَّرَ الْخَادِمَ وَنَحْوَهُ لَا يَضْمَنُ لِلْأُذُنِ دَلَالَةً وَلَا يَتَعَطَّلُ الْمَسْجِدُ كَذَا هَذَا وَبِهِ يُفْتَى فِي زَمَانِنَا قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالصَّحِيحُ وَالصَّوَابُ فِي عُرْفِنَا بِخُوَارِزْمَ هَذَا أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا (ط) وَإِنْ اتَّهَمَهُ الْقَاضِي يُحَلِّفُهُ وَإِنْ كَانَ أَمِينًا كَالْمُودَعِ يَدَّعِي هَلَاكَ الْوَدِيعَةِ أَوْ رَدَّهَا قِيلَ إنَّمَا يُسْتَحْلَفُ إذَا ادَّعَى عَلَيْهِ شَيْئًا مَعْلُومًا وَقِيلَ يَحْلِفُ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَإِنْ أَخْبَرُوا أَنَّهُمْ أَنْفَقُوا عَلَى الْيَتِيمِ وَالضَّيْعَةِ مِنْ إنْزَالِ الْأَرْضِ كَذَا وَبَقِيَ فِي أَيْدِينَا كَذَا فَإِنْ عُرِفَ بِالْأَمَانَةِ يَقْبَلُ الْقَاضِي الْإِجْمَالَ وَلَا يُجْبِرُهُ عَلَى التَّفْسِيرِ شَيْئًا فَشَيْئًا وَإِنْ كَانَ مُتَّهَمًا يُجْبِرُهُ الْقَاضِي عَلَى التَّفْسِيرِ شَيْئًا فَشَيْئًا وَلَا يَحْبِسُهُ وَلَكِنْ يُحْضِرُهُ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً أَوْ يُخَوِّفُهُ وَيُهَدِّدُهُ إنْ لَمْ يُفَسِّرْهُ فَإِنْ فَعَلَ وَإِلَّا يَكْتَفِي مِنْهُ بِالْيَمِينِ وَلَوْ عُزِلَ الْقَاضِي وَنُصِّبَ غَيْرُهُ فَقَالَ الْوَصِيُّ لِلْمَنْصُوبِ حَاسَبَنِي الْمَعْزُولُ لَا يُقْبَلُ   [منحة الخالق] فَمَا حَدَثَ مِنْ الزَّرْعِ مِنْ هَذَا الْبَذْرِ فَهُوَ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ وَهُوَ فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْوَاقِفِ فِيمَا يُزْرَعُ لَهُ قُلْتُ: فَتَرَى إخْرَاجَهُ مِنْ يَدِهِ بِمَا فَعَلَ قَالَ نَعَمْ وَيَضْمَنُ نُقْصَانَ الْأَرْضِ اهـ. (قَوْلُهُ وَقَيَّدَهُ الطَّرَسُوسِيُّ إلَخْ) نَصُّ عِبَارَتِهِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ التَّفْصِيلُ فِيهَا أَنَّهُ إنْ حَصَلَ طَلَبُ الْمُسْتَحِقِّينَ مِنْهُ الْمَالَ وَأَخَّرَ ثُمَّ مَاتَ مُجْهَلًا أَنَّهُ يَضْمَنُ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ طَلَبٌ مِنْهُمْ وَمَاتَ مُجْهَلًا فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ أَيْضًا إنْ كَانَ مَحْمُودًا بَيْنَ النَّاسِ مَعْرُوفًا بِالدِّيَانَةِ وَالْأَمَانَةِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ وَمَضَى زَمَنٌ وَالْمَالُ بِيَدِهِ وَلَمْ يُفَرِّقْهُ وَلَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ ذَلِكَ مَانِعٌ شَرْعِيٌّ أَنَّهُ يَضْمَنُ. اهـ. وَكَانَ قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ التَّفْصِيلُ إلَخْ سَقَطَ مِنْ نُسْخَةِ الرَّمْلِيِّ فَاعْتَرَضَ عَلَى الْمُؤَلِّفِ بِأَنَّهُ غَيْرُ مُطَابِقٍ لِمَا نَقَلَهُ عَنْهُ ثُمَّ قَالَ وَالْعَمَلُ بِإِطْلَاقِهِمْ مُتَعَيِّنٌ وَلَا نَظَرَ لِمَا قَالَهُ الطَّرَسُوسِيُّ بَحْثًا وَيَكْفِي الْمَانِعَ احْتِمَالُهُ وَقَدْ قِيلَ فِي حَقِّ الطَّرَسُوسِيِّ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ وَالْقَائِلُ فِيهِ ذَلِكَ الْكَمَالُ بْنُ الْهُمَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. اهـ. تَأَمَّلْ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْبِيرِيَّ فِي شَرْحِ الْأَشْبَاهِ ذَكَرَ أَنَّ قَوْلَهُ غَلَّاتُ الْوَقْفِ وَقَعَ هَكَذَا مُطْلَقًا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ وَقَيَّدَهُ قَاضِي خَانْ بِمُتَوَلِّي الْمَسْجِدِ إذَا أَخَذَ غَلَّاتِ الْمَسْجِدِ وَمَاتَ مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ اهـ. أَقُولُ: أَمَّا إذَا كَانَتْ الْغَلَّةُ مُسْتَحَقَّةً لِقَوْمٍ بِالشَّرْطِ فَيَضْمَنُ مُطْلَقًا ثُمَّ ذَكَرَ الِاسْتِدْلَالَ عَلَيْهِ فَرَاجِعْهُ قُلْتُ: وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُمْ إنَّ غَلَّةَ الْوَقْفِ يَمْلِكُهَا الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ وَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ دَعْوَى الرَّجُلَيْنِ مِنْ أَنَّ دَعْوَى الْغَلَّةِ مِنْ قَبِيلِ دَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ وَحِينَئِذٍ فَتَكُونُ فِي حُكْمِ سَائِرِ الْأَمَانَاتِ فَتَنْقَلِبُ مَضْمُونَةً بِالْمَوْتِ عَنْ تَجْهِيلٍ كَشَرِيكٍ وَمُفَاوَضٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 262 مِنْهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَفِي وَقْفِ النَّاصِحِي إذَا أَجَّرَ الْوَاقِفُ أَوْ قَيِّمُهُ أَوْ وَصِيُّهُ أَوْ أَمِينُهُ ثُمَّ قَالَ قَبَضْتُ الْغَلَّةَ فَضَاعَتْ أَوْ فَرَّقْتُهُ عَلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ وَأَنْكَرُوا فَالْقَوْلُ لَهُ مَعَ يَمِينِهِ. اهـ. مَا فِي الْقُنْيَةِ فَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ مَشْرُوعِيَّةَ الْمُحَاسَبَاتِ لِلنُّظَّارِ إنَّمَا هِيَ لِيَعْرِفَ الْقَاضِي الْخَائِنَ مِنْ الْأَمِينِ لَا لِأَخْذِ شَيْءٍ مِنْ النُّظَّارِ لِلْقَاضِي وَأَتْبَاعِهِ وَالْوَاقِعُ بِالْقَاهِرَةِ فِي زَمَانِنَا الثَّانِي وَقَدْ شَاهَدْنَا فِيهَا مِنْ الْفَسَادِ لِلْأَوْقَافِ كَثِيرًا بِحَيْثُ يُقَدِّمُ كُلْفَةَ الْمُحَاسَبَةِ عَلَى الْعِمَارَةِ وَالْمُسْتَحَقِّينَ وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الْمُصَدِّقَةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْعِلْمِ «إذَا وُسِّدَ الْأَمْرُ لِغَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرُوا السَّاعَةَ» فَإِنْ قُلْتُ: هَلْ يُبَاحُ لِلْقَاضِي أَخْذُ الْأَجْرِ عَلَى الْمُحَاسَبَاتِ مِنْ مَالِ الْأَوْقَافِ قُلْتُ: قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ كِتَابِ الْقَضَاءِ وَإِنْ كَتَبَ الْقَاضِي سِجِلًّا أَوْ تَوَلَّى قِسْمَةً وَأَخَذَ أُجْرَةَ الْمِثْلِ لَهُ ذَلِكَ وَلَوْ تَوَلَّى نِكَاحَ صَغِيرَةٍ لَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُ شَيْءٍ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ وَكُلَّمَا وَجَبَ عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأَجْرِ عَلَيْهِ وَمَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ يَجُوزُ أَخْذُ الْأَجْرِ وَذَكَرَ عَنْ الْبَقَّالِيِّ فِي الْقَاضِي يَقُولُ إذَا عَقَدْتُ عَقْدَ الْبِكْرِ فَلِي دِينَارٌ وَإِنْ ثَيِّبًا فَلِي نِصْفُهُ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلِيٌّ فَلَوْ كَانَ وَلِيٌّ غَيْرُهُ يَحِلُّ بِنَاءً عَلَى مَا ذَكَرُوا وَلَوْ بَاعَ مَالَ الْيَتِيمِ لَا يَأْخُذُ شَيْئًا وَلَوْ أَخَذَ وَأَذِنَ فِي الْبَيْعِ لَا يَنْفُذُ بَيْعُهُ. اهـ. فَقَدْ اُسْتُفِيدَ مِنْهُ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْأَخْذُ عَلَى نَفْسِ الْكِتَابَةِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ الْأَخْذُ عَلَى نَفْسِ الْمُحَاسَبَاتِ لِأَنَّ الْحِسَابَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فَهُوَ كَمَا لَوْ تَوَلَّى نِكَاحَ يَتِيمَةٍ أَوْ بَيْعَ مَالِ الْيَتِيمِ وَقَدَّمْنَا عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ أَنَّ الْمُتَوَلِّيَ لَوْ اسْتَأْجَرَ كَاتِبًا لِلْحِسَابِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ أُجْرَتَهُ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ وَفِي الْقُنْيَةِ وَلَوْ أَبْرَأَ صَاحِبُ الْحَقِّ الْقَيِّمَ عَنْ نَصِيبِهِ بَعْدَمَا اسْتَهْلَكَهُ لَا يَصِحُّ. اهـ. قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ وَقْفٌ لَهُ مُتَوَلٍّ وَمُشْرِفٌ لَيْسَ لِلْمُشْرِفِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مَالِ الْوَاقِفِ لِأَنَّ ذَاكَ مُفَوَّضٌ إلَى الْمُتَوَلِّي وَالْمُشْرِفُ مَأْمُورٌ بِالْحِفْظِ لَا غَيْرُ اهـ. وَهَذَا يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الْعُرْفِ فِي مَعْنَى الْمُشْرِفِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَأَمَّا بَيَانُ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْعَمَلِ فَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ أَنَّ مَا يَجْعَلُهُ الْوَاقِفُ لِلْمُتَوَلِّي لَيْسَ لَهُ حَدٌّ مُعَيَّنٌ وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى مَا تَعَارَفَهُ النَّاسُ مِنْ الْجُعْلِ عِنْدَ عُقْدَةِ الْوَاقِفِ لِيَقُومَ بِمَصَالِحِهِ مِنْ عِمَارَةٍ وَاسْتِغْلَالٍ وَبَيْعِ غَلَّاتٍ وَصَرْفِ مَا اجْتَمَعَ عِنْدَهُ فِيمَا شَرَطَهُ الْوَاقِفُ وَلَا يُكَلَّفُ مِنْ الْعَمَلِ بِنَفْسِهِ إلَّا مِثْلَ مَا يَفْعَلُهُ أَمْثَالُهُ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُقَصِّرَ عَنْهُ وَأَمَّا مَا تَفْعَلُهُ الْأُجَرَاءُ وَالْوُكَلَاءُ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ جَعَلَ الْوِلَايَةَ إلَى امْرَأَةٍ وَجَعَلَ لَهَا أَجْرًا مَعْلُومًا لَا تُكَلَّفُ إلَّا مِثْلَ مَا يَفْعَلُهُ النِّسَاءُ عُرْفًا وَلَوْ نَازَعَ أَهْلُ الْوَقْفِ الْقَيِّمَ وَقَالُوا لِلْحَاكِمِ إنَّ الْوَاقِفَ إنَّمَا جُعِلَ لَهُ هَذَا فِي مُقَابَلَةِ الْعَمَلِ وَهُوَ لَا يَعْمَلُ شَيْئًا لَا يُكَلِّفُهُ الْحَاكِمُ مِنْ الْعَمَلِ مَا لَا تَفْعَلُهُ الْوُلَاةُ فَإِنْ قُلْتُ: إذَا شَرَطَ الْوَاقِفُ نَاظِرًا وَجَابِيًا وَصَيْرَفِيًّا فَمَا عَمَلُ كُلٍّ مِنْهُمْ قُلْتُ: الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ وَالتَّدْبِيرُ وَالْعُقُودُ وَقَبْضُ الْمَالِ وَظِيفَةُ النَّاظِرِ وَجَمْعُ الْمَالِ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِينَ هِلَالِيًّا وَخَرَاجِيًّا وَظِيفَةُ الْجَابِي وَنَقْدُ الْمَالِ وَوَزْنُهُ وَظِيفَةُ الصَّيْرَفِيِّ فَإِنْ قُلْتُ: هَلْ لِلْجَابِي الدَّعْوَى عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَفِي وَقْفِ النَّاصِحِيِّ إلَخْ) . قَالَ الرَّمْلِيُّ سُئِلَ مَوْلَانَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ الشَّيْخُ مُحَمَّدٌ الْغَزِّيِّ عَنْ الْمُتَوَلِّي إذَا قَبَضَ غَلَّاتِ الْوَقْفِ وَصَرَفَهَا فِي مَصَالِحِهِ فَهَلْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ أَمْ لَا وَهَلْ يَحْلِفُ أَمْ لَا فَأَجَابَ نَعَمْ الْقَوْلُ قَوْلُهُ فِيمَا صَرَفَهُ فِي مَصَالِحِ الْوَقْفِ مِنْ النَّفَقَةِ إذَا وَافَقَ الظَّاهِرَ وَكَذَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيمَا يَدَّعِيهِ مِنْ الصَّرْفِ عَلَى الْمُسْتَحِقِّينَ بِلَا بَيِّنَةٍ لِأَنَّ هَذَا مِنْ جُمْلَةِ عَمَلِهِ فِي الْوَقْفِ وَاخْتَلَفُوا فِي تَحْلِيفِهِ وَاعْتَمَدَ شَيْخُنَا فِي الْفَوَائِدِ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ ثُمَّ بَعْدَ كِتَابَةِ هَذَا الْجَوَابِ وَقَفْتُ عَلَى جَوَابِ فَتْوَى شَيْخِ الْإِسْلَامِ أَبِي السُّعُودِ الْعِمَادِيِّ مُفْتِي الدِّيَارِ الرُّومِيَّةِ صُورَتُهَا إذَا ادَّعَى الْمُتَوَلِّي دَفْعَ غَلَّةِ الْوَقْفِ لِمَنْ يَسْتَحِقُّهَا شَرْعًا هَلْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ أَمْ لَا فَكَتَبَ جَوَابَهُ إنْ ادَّعَى الدَّفْعَ لِمَنْ عَيَّنَهُ الْوَاقِفُ فِي وَقْفِهِ كَأَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِ يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَإِنْ ادَّعَى الدَّفْعَ إلَى الْإِمَامِ بِالْجَامِعِ وَالْبَوَّابِ وَنَحْوِهِمَا لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ شَخْصًا لِلْبِنَاءِ فِي الْجَامِعِ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ ثُمَّ ادَّعَى تَسْلِيمَ الْأُجْرَةِ إلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَهُوَ تَفْصِيلٌ فِي غَايَةِ الْحُسْنِ فَلْيُعْمَلْ بِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ فِي تُحْفَةِ الْأَقْرَانِ غَيْرَ أَنَّ عُلَمَاءَنَا عَلَى الْإِفْتَاءِ بِخِلَافِهِ أَقُولُ: وَالْجَوَابُ عَمَّا تَمَسَّكَ بِهِ الْعِمَادِيُّ أَنَّهَا لَيْسَ لَهَا حُكْمُ الْأُجْرَةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ فِيهَا شَوْبُ الْأُجْرَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالصِّلَةِ وَمُقْتَضَى مَا قَالَهُ أَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي حَقِّ بَرَاءَةِ نَفْسِهِ لَا فِي حَقِّ صَاحِبِ الْوَظِيفَةِ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فِيمَا فِي يَدِهِ فَيَلْزَمُ الضَّمَانُ فِي الْوَقْفِ لِأَنَّهُ عَامِلٌ لَهُ وَفِيهِ ضَرَرٌ بِالْوَقْفِ فَالْإِفْتَاءُ بِمَا قَالَهُ الْعُلَمَاءُ مُتَعَيِّنٌ وَقَوْلُ الْغَزِّيِّ هُوَ تَفْصِيلٌ فِي غَايَةِ الْحُسْنِ فَلْيُعْمَلْ بِهِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ إذْ يَلْزَمُ مِنْهُ تَضْمِينُ النَّاظِرِ لَهُ إذَا دَفَعَ لَهُمْ بِلَا بَيِّنَةٍ لِتَعَدِّيهِ فَافْهَمْ وَقَوْلُهُ آنِفًا وَاعْتَمَدَ شَيْخُنَا إلَخْ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ يَحْلِفُ فِي هَذَا الزَّمَانِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. اهـ. (قَوْلُهُ هَلْ لِلْجَابِي الدَّعْوَى إلَخْ) . قَالَ الرَّمْلِيُّ صَرَّحَ مَوْلَانَا الشَّيْخُ مُحَمَّدُ بْنُ سِرَاجِ الدِّينِ فِي فَتَاوَاهُ أَنَّ الْجَابِيَ الْمَنْصُوبَ مِنْ جَانِبِ النَّاظِرِ وَكِيلٌ عَنْ النَّاظِرِ فِي الْقَبْضِ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ يَمْلِكُ الْخُصُومَةَ مَعَ الْمُسْتَأْجِرِ فِي دَعْوَى الِاسْتِيفَاءِ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ وَكِيلَ الْقَبْضِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 263 وَهَلْ لَهُ إجَارَةُ الْمُسَقَّفِ قُلْتُ: لَا إلَّا بِتَوْكِيلِ النَّاظِرِ وَهَذِهِ الْوَظَائِفُ إنَّمَا يَبْتَنِي حُكْمُهَا عَلَى الْعُرْفِ فِيهَا كَمَا ذَكَرَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فِي الْمُشْرِفِ وَأَمَّا بَيَانُ مَا لَهُ فَإِنْ كَانَ مِنْ الْوَاقِفِ فَلَهُ الْمَشْرُوطُ وَلَوْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ وَإِنْ كَانَ مَنْصُوبَ الْقَاضِي فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ وَاخْتَلَفُوا هَلْ يَسْتَحِقُّهُ بِلَا تَعْيِينِ الْقَاضِي فَنَقَلَ فِي الْقُنْيَةِ أَوَّلًا أَنَّ الْقَاضِيَ لَوْ نَصَبَ قَيِّمًا مُطْلَقًا وَلَمْ يُعَيِّنْ لَهُ أَجْرًا فَسَعَى فِيهِ سَنَةً فَلَا شَيْءَ لَهُ وَثَانِيًا أَنَّ الْقَيِّمَ يَسْتَحِقُّ أَجْرَ مِثْلِ سَعْيِهِ سَوَاءٌ شَرَطَ لَهُ الْقَاضِي أَوْ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ أَجْرًا أَوْ لَا لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الْقِوَامَةَ ظَاهِرًا إلَّا بِأَجْرٍ وَالْمَعْهُودُ كَالْمَشْرُوطِ قَالَ وَقَالُوا إذَا عَمِلَ الْقَيِّمُ فِي عِمَارَةِ الْمَسْجِدِ وَالْوَقْفِ كَعَمَلِ الْأَجِيرِ لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ لَهُ أَجْرَ الْقِوَامَةِ وَأَجْرَ الْعَمَلِ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ بِالْقِوَامَةِ أَجْرًا اهـ. وَإِذَا لَمْ يَعْمَلْ النَّاظِرُ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ وَقَفَ أَرْضَهُ عَلَى مَوَالِيهِ مَثَلًا ثُمَّ مَاتَ فَجَعَلَ الْقَاضِي لِلْوَقْفِ قَيِّمًا وَجَعَلَ لَهُ عُشْرَ الْغَلَّةِ فِي الْوَقْفِ وَلِلْوَقْفِ طَاحُونَةٌ فِي يَدِ رَجُلٍ بِالْمُقَاطَعَةِ لَا يَحْتَاجُ فِيهَا إلَى الْقَيِّمِ وَأَصْحَابُ الْوَقْفِ يَقْبِضُونَ غَلَّتَهَا مِنْهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْقَيِّمُ عُشْرَ غَلَّتِهَا لِأَنَّ مَا يَأْخُذُهُ بِطَرِيقِ الْأُجْرَةِ وَلَا أُجْرَةَ بِدُونِ الْعَمَلِ. اهـ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بَعْدَ نَقْلِهِ فَهَذَا عِنْدَنَا فِيمَنْ لَمْ يَشْتَرِطْ لَهُ الْوَاقِفُ أَمَّا إذَا شَرَطَ كَانَ مِنْ جُمْلَةِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ عَائِدٌ إلَى قَطْعِ الْمَعْلُومِ فِي زَمَنِ التَّعْمِيرِ وَأَمَّا عَدَمُ الِاسْتِحْقَاقِ عِنْدَ عَدَمِ الْعَمَلِ فَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ نَاظِرٍ وَنَاظِرٍ وَقَدْ تَمَسَّكَ بَعْضُ مَنْ لَا خِبْرَةَ لَهُ بِقَوْلِ قَاضِي خَانْ وَجَعَلَ لَهُ عُشْرَ الْغَلَّةِ فِي الْوَقْفِ عَلَى أَنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يَجْعَلَ لِلْمُتَوَلِّي عُشْرَ الْغَلَّاتِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ وَهُوَ غَلَطٌ قَالَ فِي الْقُنْيَةِ عُزِلَ الْقَاضِي فَادَّعَى الْقَيِّمُ أَنَّهُ قَدْ أَجْرَى لَهُ كَذَا مُشَاهَرَةً أَوْ مُسَانَهَةً وَصَدَّقَهُ الْمَعْزُولُ فِيهِ لَا يُقْبَلُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ ثُمَّ إنْ كَانَ مَا عَيَّنَهُ أَجْرَ مِثْلِ عَمَلِهِ أَوْ دُونَهُ يُعْطِيهِ الثَّانِي وَإِلَّا يَحُطُّ الزِّيَادَةَ وَيُعْطِيهِ الْبَاقِيَ. اهـ. فَقَدْ أَفَادَ أَنَّ الْقَاضِيَ الثَّانِيَ يَحُطُّ مَا زَادَ عَلَى أَجْرِ الْمِثْلِ فَأَفَادَ عَدَمَ صِحَّةِ تَقْرِيرِ الْقَاضِي لِلنَّاظِرِ مَعْلُومًا أَكْثَرَ مِنْ أَجْرِ الْمِثْلِ فَإِنْ قُلْتُ: إذَا كَانَ الْوَقْفُ هِلَالِيًّا وَقَدْ أَحَالَ النَّاظِرُ الْمُسْتَحِقِّينَ عَلَى الْحَوَانِيتِ وَالْبُيُوتِ وَهُمْ يَأْخُذُونَ مِنْ السُّكَّانِ هَلْ يَسْتَحِقُّ النَّاظِرُ مَعْلُومًا قُلْتُ: لَا يَسْتَحِقُّ مَعْلُومًا لِأَجْلِ الْهِلَالِيِّ لِعَدَمِ عَمَلِهِ فِيهِ إلَّا لِأَجْلِ التَّعْمِيرِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ قَاضِي خَانْ فِي مَسْأَلَةِ الطَّاحُونَةِ وَلِلْقَيِّمِ التَّوْكِيلُ وَعَزْلُ وَكِيلِهِ وَلَهُ أَنْ يَجْعَلَ لِلْوَكِيلِ مِنْ مَعْلُومِهِ شَيْئًا وَلَهُ قَطْعُهُ عَنْهُ. وَلَوْ شَرَطَ   [منحة الخالق] خَصْمٌ فِي ذَلِكَ فَمَا هُنَا مُقَيَّدٌ بِالْجَابِي الْمَنْصُوبِ مِنْ جَانِبِ الْوَاقِفِ مَعَ النَّاظِرِ كَمَا إذَا شَرَطَ نَاظِرًا وَجَابِيًا فَلَيْسَ لِلْجَابِي الدَّعْوَى وَالْحَالَةُ هَذِهِ وَفِي كَلَامِ هَذَا الشَّارِحِ إشَارَةٌ إلَيْهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَأَمَّا بَيَانُ مَا لَهُ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ فَلَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ لَهُ الْوَاقِفُ شَيْئًا لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا إلَّا إذَا جَعَلَ لَهُ الْقَاضِي أُجْرَةَ مِثْلِ عَمَلِهِ فِي الْوَقْفِ فَيَأْخُذُهُ عَلَى أَنَّهُ أُجْرَةٌ كَمَا يُفْهَمُ مِمَّا كَتَبْنَا فِيمَا يَأْتِي قَرِيبًا. (قَوْلُهُ وَالْمَعْهُودُ كَالْمَشْرُوطِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ فَيُحْمَلُ مَا نَقَلَهُ أَوَّلًا عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَعْهُودًا (قَوْلُهُ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ بِالْقِوَامَةِ أَجْرًا) قَالَ الرَّمْلِيُّ يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا شُرِطَ لَهُ شَيْءٌ أَوْ كَانَ مَعْهُودًا تَوْفِيقًا (قَوْلُهُ وَجَعَلَ لَهُ عُشْرَ الْغَلَّةِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ فِي مُقَابَلَةِ عَمَلِهِ فِي الْوَقْفِ (قَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ عَائِدٌ إلَى قَطْعِ الْمَعْلُومِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ الْمُتَعَيِّنُ خِلَافُ هَذَا الظَّاهِرِ إذْ لَوْ حَمَلَ عَلَيْهِ لَفَسَدَ الْمَعْنَى إذْ يَرْجِعُ وَالْحَالُ هَذِهِ إلَى أَنَّهُ يَقْطَعُ إذَا شَرَطَ لَهُ الْوَاقِفُ لَا فِي غَيْرِهِ وَهَذَا فَاسِدٌ تَأَمَّلْ وَأَقُولُ: أَيْضًا كَيْفَ يُقَالُ هَذَا وَقَدْ قَدَّمَ أَوَّلًا قَوْلَهُ فِيهِ وَلَا تُؤَخَّرُ الْعِمَارَةُ إذَا اُحْتِيجَ إلَيْهَا وَتُقْطَعُ الْجِهَاتُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهَا لَهَا إنْ لَمْ يُخَفْ ضَرَرٌ بَيِّنٌ فَإِنْ خِيفَ قُدِّمَ. وَأَمَّا النَّاظِرُ فَإِنْ كَانَ الْمَشْرُوطُ لَهُ مِنْ الْوَاقِفِ فَهُوَ كَأَحَدِ الْمُسْتَحِقِّينَ فَإِذَا قَطَعُوا لِلْعِمَارَةِ قَطَعَ إلَّا أَنْ يَعْمَلَ فَيَأْخُذَ قَدْرَ أُجْرَتِهِ وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ لَا يَأْخُذُ شَيْئًا. اهـ. ثُمَّ نَقَلَ مَسْأَلَةَ الطَّاحُونِ بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ ثُمَّ أَعْقَبَهَا بِقَوْلِهِ فَهَذَا عِنْدَنَا فِيمَنْ لَمْ يَشْتَرِطْ لَهُ الْوَاقِفُ إلَخْ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الْمُتَوَلِّيَ يَقْطَعُ فِي زَمَنِ التَّعْمِيرِ مُطْلَقًا اشْتَرَطَ لَهُ الْوَاقِفُ أَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ إلَّا أَنْ يَعْمَلَ فَيَأْخُذَ قَدْرَ أُجْرَتِهِ وَلَا تَعَرُّضَ فِي مَسْأَلَةِ الطَّاحُونِ لِلتَّعْمِيرِ فَعَوْدُهُ لِذَلِكَ غَيْرُ مُتَّجَهٍ بَلْ الْمُتَّجَهُ الْفَرْقُ بَيْنَ نَاظِرٍ وَنَاظِرٍ فَتَحَرَّرَ أَنَّ الْوَاقِفَ إنْ عَيَّنَ لَهُ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ كَثِيرًا كَانَ أَوْ قَلِيلًا عَلَى حَسَبِ مَا شَرَطَهُ عَمِلَ أَوْ لَمْ يَعْمَلْ حَيْثُ لَمْ يَشْرِطْهُ فِي مُقَابَلَةِ الْعَمَلِ كَمَا هُوَ مَفْهُومٌ مِنْ قَوْلِنَا عَلَى حَسَبِ مَا شَرَطَهُ وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ لَهُ الْوَاقِفُ وَعَيَّنَ لَهُ الْقَاضِي أُجْرَةَ مِثْلِهِ جَازَ وَإِنْ عَيَّنَ أَكْثَرَ يُمْنَعُ عَنْهُ الزَّائِدُ عَنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ. هَذَا إنْ عَمِلَ وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ لَا يَسْتَحِقُّ أُجْرَةً وَبِمِثْلِهِ صَرَّحَ فِي الْأَشْبَاهِ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى وَإِنْ نَصَّبَهُ الْقَاضِي وَلَمْ يُعَيِّنْ لَهُ شَيْئًا يُنْظَرُ إنْ كَانَ الْمَعْهُودُ أَنْ لَا يَعْمَلَ إلَّا بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ فَلَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِأَنَّ الْمَعْهُودَ كَالْمَشْرُوطِ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهُ فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ فَإِنَّهُ يَجِبُ إلَيْهِ الْمَصِيرُ لِأَنَّهُ الْمَفْهُومُ مِنْ عِبَارَاتِهِمْ وَالْمُتَبَادِرُ مِنْ كَلِمَاتِهِمْ وَقَوْلُهُ فِي الْفَتْحِ فَهَذَا إشَارَةٌ إلَى الْحُكْم الْمَذْكُورِ فِي مَسْأَلَةِ الطَّاحُونِ وَقَوْلُهُ كَانَ مِنْ جُمْلَةِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ أَيْ فَيَسْتَحِقُّ الرِّيعَ بِالشَّرْطِ لَا بِالْعَمَلِ كَاسْتِحْقَاقِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ فَإِنَّهُ بِالشَّرْطِ لَا بِالْعَمَلِ وَهَذَا هُوَ الْمُتَعَيِّنُ فِي فَهْمِ عِبَارَتِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 264 الْوَاقِفُ لِلْقَيِّمِ تَفْوِيضَ أَمْرِهِ بَعْدَ مَمَاتِهِ مِثْلَ مَا شَرَطَهُ لَهُ فِي حَيَاتِهِ فَجَعَلَ الْقَيِّمُ بَعْضَ مَعْلُومِهِ لِرَجُلٍ أَقَامَهُ قَيِّمًا وَسَكَتَ عَنْ الْبَاقِي ثُمَّ مَاتَ يَكُونُ لِوَصِيِّهِ مَا سُمِّيَ لَهُ فَقَطْ وَيَرْجِعُ الْبَاقِي إلَى أَصْلِ الْغَلَّةِ وَلَوْ شَرَطَ الْمَعْلُومَ وَلَمْ يُشْرَطْ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ لِغَيْرِهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُوصِيَ بِهِ وَلَا بِشَيْءٍ مِنْهُ لِأَحَدٍ وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يُوصِيَ بِأَمْرِ الْوَقْفِ وَيَنْقَطِعُ الْمَعْلُومُ عَنْهُ بِمَوْتِهِ وَلَوْ وَكَّلَ هَذَا الْقَيِّمُ وَكِيلًا فِي الْوَقْفِ أَوْ أَوْصَى بِهِ إلَى رَجُلٍ وَجَعَلَ لَهُ كُلَّ الْمَعْلُومِ أَوْ بَعْضَهُ ثُمَّ جُنَّ جُنُونًا مُطْبِقًا يَبْطُلُ تَوْكِيلُهُ وَوِصَايَتُهُ وَمَا جُعِلَ لِلْوَصِيِّ أَوْ الْوَكِيلِ مِنْ الْمَالِ وَيَرْجِعُ إلَى غَلَّةِ الْوَقْفِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَاقِفُ عَيَّنَهُ لِجِهَةٍ أُخْرَى عِنْدَ انْقِطَاعِهِ عَنْ الْقَيِّمِ فَيَنْفُذُ فِيهَا حِينَئِذٍ وَقُدِّرَ الْجُنُونُ الْمُطْبِقُ بِمَا يَبْقَى حَوْلًا لِسُقُوطِ الْفَرَائِضِ كُلِّهَا عَنْهُ وَلَوْ عَادَ عَقْلُهُ عَادَتْ الْوِلَايَةُ إلَيْهِ لِأَنَّهَا زَالَتْ بِعَارِضٍ فَإِذَا زَالَ عَادَ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ كَذَا فِي الْإِسْعَافِ. قَوْلُهُ (وَيُنْزَعُ لَوْ خَائِنًا كَالْوَصِيِّ وَإِنْ شَرَطَ أَنْ لَا يُنْزَعَ) أَيْ وَيَعْزِلُ الْقَاضِي الْوَاقِفَ الْمُتَوَلِّيَ عَلَى وَقْفِهِ لَوْ كَانَ خَائِنًا كَمَا يَعْزِلُ الْوَصِيَّ الْخَائِنَ نَظَرًا لِلْوَقْفِ وَالْيَتِيمِ وَلَا اعْتِبَارَ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ أَنْ لَا يَعْزِلَهُ الْقَاضِي وَالسُّلْطَانُ لِأَنَّهُ شَرْطٌ مُخَالِفٌ لِحُكْمِ الشَّرْعِ فَبَطَلَ وَاسْتُفِيدَ مِنْهُ أَنَّ لِلْقَاضِي عَزْلَ الْمُتَوَلِّي الْخَائِنِ غَيْرِ الْوَاقِفِ بِالْأَوْلَى وَصَرَّحَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ أَنَّ عَزْلَ الْقَاضِي لِلْخَائِنِ وَاجِبٌ عَلَيْهِ وَمُقْتَضَاهُ الْإِثْمُ بِتَرْكِهِ وَالْإِثْمُ بِتَوْلِيَةِ الْخَائِنِ وَلَا شَكَّ فِيهِ وَفِي الْمِصْبَاحِ وَفَرَّقُوا بَيْنَ الْخَائِنِ وَالسَّارِقِ وَالْغَاصِبِ بِأَنَّ الْخَائِنَ هُوَ الَّذِي خَانَ مَا جُعِلَ عَلَيْهِ أَمِينًا وَالسَّارِقُ مَنْ أَخَذَ خُفْيَةً مِنْ مَوْضِعٍ كَانَ مَمْنُوعًا مِنْ الْوُصُولِ إلَيْهِ وَرُبَّمَا قِيلَ كُلُّ سَارِقٍ خَائِنٍ دُونَ عَكْسِهِ وَالْغَاصِبُ مَنْ أَخَذَ جِهَارًا مُعْتَمِدًا عَلَى قُوَّتِهِ اهـ. وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ لَا يَعْزِلُهُ الْقَاضِي بِمُجَرَّدِ الطَّعْنِ فِي أَمَانَتِهِ وَلَا يُخْرِجُهُ إلَّا بِخِيَانَةٍ ظَاهِرَةٍ بِبَيِّنَةٍ وَإِنَّ لَهُ إدْخَالَ غَيْرِهِ مَعَهُ إذَا طَعَنَ فِي أَمَانَتِهِ وَأَنَّهُ إذَا أَخْرَجَهُ ثُمَّ تَابَ وَأَنَابَ أَعَادَهُ وَأَنَّ امْتِنَاعَهُ مِنْ التَّعْمِيرِ خِيَانَةٌ وَكَذَا لَوْ بَاعَ الْوَقْفَ أَوْ بَعْضَهُ أَوْ تَصَرَّفَهُ تَصَرُّفًا غَيْرَ جَائِزٍ لِمَا بِهِ وَبَيَّنَّاهُ غَايَةَ الْبَيَانِ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى نَصْبِ الْقَاضِي الْمُتَوَلِّي وَإِنَّمَا الْكَلَامُ الْآنَ فِي شُرُوطِ الْوَاقِفِينَ فَقَدْ أَفَادُوا هُنَا أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ شَرْطٍ يَجِبُ اتِّبَاعُهُ فَقَالُوا هُنَا إنَّ اشْتِرَاطَهُ أَنْ لَا يَعْزِلَهُ الْقَاضِي شَرْطٌ بَاطِلٌ مُخَالِفٌ لِلشَّرْعِ وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ قَوْلَهُمْ شَرْطُ الْوَاقِفِ كَنَصِّ الشَّارِعِ لَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ قَالَ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ فِي فَتَاوَاهُ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ أَنَّ مِنْ شُرُوطِ الْوَاقِفِينَ مَا هُوَ صَحِيحٌ مُعْتَبَرٌ يُعْمَلُ بِهِ وَمِنْهَا مَا لَيْسَ كَذَلِكَ وَنَصَّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الدِّمَشْقِيُّ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ عَنْ شَيْخِهِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ: قَوْلُ الْفُقَهَاءِ: نُصُوصُهُ كَنَصِّ الشَّارِعِ يَعْنِي فِي الْفَهْمِ وَالدَّلَالَةِ لَا فِي وُجُوبِ الْعَمَلِ مَعَ أَنَّ التَّحْقِيقَ أَنَّ لَفْظَهُ وَلَفْظَ الْمُوصِي وَالْحَالِفِ وَالنَّاذِرِ وَكُلِّ عَاقِدٍ يُحْمَلُ عَلَى عَادَتِهِ فِي خِطَابِهِ وَلُغَتِهِ الَّتِي يَتَكَلَّمُ بِهَا وَافَقَتْ لُغَةَ الْعَرَبِ وَلُغَةَ الشَّرْعِ أَمْ لَا وَلَا خِلَافَ أَنَّ مَنْ وَقَفَ عَلَى صَلَاةٍ أَوْ صِيَامٍ أَوْ قِرَاءَةٍ أَوْ جِهَادٍ غَيْرِ شَرْعِيٍّ وَنَحْوَهُ لَمْ يَصِحَّ. اهـ. قَالَ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ قُلْتُ: وَإِذَا كَانَ الْمَعْنَى مَا ذَكَرَ فَمَا كَانَ مِنْ عِبَارَةِ الْوَاقِفِ مِنْ قَبِيلِ الْمُفَسَّرِ لَا يَحْتَمِلُ تَخْصِيصًا وَلَا تَأْوِيلًا يُعْمَلُ بِهِ وَمَا كَانَ مِنْ قَبِيلِ الظَّاهِرِ كَذَلِكَ وَمَا اُحْتُمِلَ وَفِيهِ قَرِينَةٌ حُمِلَ عَلَيْهَا وَمَا كَانَ مُشْتَرَكًا لَا يُعْمَلُ بِهِ لِأَنَّهُ لَا عُمُومَ لَهُ عِنْدَنَا وَلَمْ يَقَعْ فِيهِ نَظَرُ الْمُجْتَهِدِ لِتَرَجُّحِ أَحَدِ مَدْلُولَيْهِ وَكَذَلِكَ مَا كَانَ مِنْ قَبِيلِ الْمُجْمَلِ إذَا مَاتَ الْوَاقِفُ وَإِنْ كَانَ حَيًّا يَرْجِعُ إلَى بَيَانِهِ هَذَا مَعْنَى مَا أَفَادَهُ. اهـ. قُلْتُ: فَعَلَى هَذَا إذَا تَرَكَ صَاحِبُ الْوَظِيفَةِ مُبَاشَرَتَهَا فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ الْمَشْرُوطِ عَلَيْهِ فِيهَا الْعَمَلُ لَا يَأْثَمُ عِنْدَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَمُقْتَضَاهُ الْإِثْمُ بِتَرْكِهِ) مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمَهُ فِي الْمَوْضِعِ الثَّالِثِ عَنْ الْخَصَّافِ أَنَّهُ يُخْرِجُهُ أَوْ يَضُمُّ إلَيْهِ آخَرَ وَقَدَّمْنَا الْجَوَابَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِعَزْلِهِ إزَالَةُ ضَرَرِهِ عَنْ الْوَقْفِ فَإِذَا حَصَلَ ذَلِكَ بِضَمِّ ثِقَةٍ إلَيْهِ حَصَلَ الْمَقْصُودُ (قَوْلُهُ وَإِنَّ امْتِنَاعَهُ مِنْ التَّعْمِيرِ خِيَانَةٌ) قَالَ الرَّمْلِيُّ إذَا كَانَ هُنَاكَ مَا يُعَمَّرُ بِهِ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ وَخِيفَ ضَرَرٌ بَيِّنٌ بِتَأْخِيرِ الْعِمَارَةِ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ. [شُرُوطِ الْوَاقِفِينَ] (قَوْلُهُ قُلْتُ: فَعَلَى هَذَا إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ بَعْدَ نَقْلِهِ كَلَامَ الْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ وَأَرَادَ بِشَيْخِ الْإِسْلَامِ تَقِيَّ الدِّينِ بْنَ تَيْمِيَّةَ الْحَنْبَلِيَّ فَإِنَّهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ عَزَا هَذَا إلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الدِّمَشْقِيِّ عَنْ شَيْخِهِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَأَبُو دَاوُد عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُفْلِحٍ وَشَيْخُهُ هُوَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ وَهَذَا كَمَا تَرَى لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ رَأْيًا لِلْحَنَفِيَّةِ وَأَيُّ مَانِعٍ مِنْ أَنَّهُ كَنَصِّ الشَّارِعِ فِي وُجُوبِ الْعَمَلِ بِهِ فَإِذَا شَرَطَ عَلَيْهِ أَدَاءَ خِدْمَةٍ كَقِرَاءَةٍ أَوْ تَدْرِيسٍ وَجَبَ عَلَيْهِ أَمَّا الْعَمَلُ أَوْ التَّرْكُ لِمَنْ يَعْمَلُ حَتَّى لَوْ لَمْ يَعْمَلْ أَوْ لَمْ يَتْرُكْ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَتَرَدَّدَ فِي إثْمِهِ وَلَا سِيَّمَا إنْ كَانَتْ الْخِدْمَةُ مِمَّا يَلْزَمُ بِتَعْطِيلِهَا تَرْكُ شَعِيرَةٍ مِنْ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ كَالْأَذَانِ وَنَحْوِهِ فَتَدَبَّرْهُ. اهـ. وَقَالَ الرَّمْلِيُّ قَالَ هَذَا الشَّارِحُ فِي فَتَاوَاهُ وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ التَّشْبِيهُ فِي وُجُوبِ الْعَمَلِ أَيْضًا مِنْ جِهَةِ أَنَّ الصَّرْفَ فِي الْوَقْفِ عَلَى اتِّبَاعِ شَرْطِهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَوْصَى بِمِلْكِهِ فَهَذِهِ الشُّرُوطُ لَا بُدَّ مِنْ مُرَاعَاتِهَا وَذَكَرَ الشَّارِحُ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ وَإِذَا رُفِعَ إلَيْهِ حُكْمُ قَاضٍ إمْضَاءً إلَخْ نَقْلًا عَنْ الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ لِلْأَسْيُوطِيِّ مُعَزِّيًا إلَى فَتَاوَى السُّبْكِيّ أَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي يُنْقَضُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ إذَا كَانَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 265 اللَّهِ تَعَالَى غَايَتُهُ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْمَعْلُومَ وَمِنْ الشُّرُوطِ الْمُعْتَبَرَةِ مَا صَرَّحَ بِهِ الْخَصَّافُ لَوْ شَرَطَ أَنْ لَا يُؤَجِّرَ الْمُتَوَلِّي الْأَرْضَ فَإِنَّ إجَارَتَهَا بَاطِلَةٌ وَكَذَا اشْتَرَطَ أَنْ لَا يُعَامَلَ عَلَى مَا فِيهَا مِنْ نَخْلٍ وَأَشْجَارٍ وَكَذَا إذَا شَرَطَ أَنَّ الْمُتَوَلِّيَ إذَا أَجَّرَهَا فَهُوَ خَارِجٌ عَنْ التَّوْلِيَةِ فَإِذَا خَالَفَ الْمُتَوَلِّي صَارَ خَارِجًا وَيُوَلِّيهَا الْقَاضِي مَنْ يَثِقُ بِأَمَانَتِهِ وَكَذَا إذَا شَرَطَ أَنَّهُ إنْ أَحْدَثَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ هَذَا الْوَقْفِ حَدَثًا فِي الْوَقْفِ يُرِيدُ إبْطَالَهُ كَانَ خَارِجٌ اُعْتُبِرَ فَإِنْ نَازَعَ الْبَعْضُ وَقَالَ أَرَدْتُ تَصْحِيحَ الْوَقْفِ وَقَالَ سَائِرُ أَهْلِ الْوَقْفِ إنَّمَا أَرَدْتَ إبْطَالَهُ نَظَرَ الْقَاضِي فِي الْقَوْمِ الَّذِينَ تَنَازَعُوا فَإِنْ كَانُوا يُرِيدُونَ تَصْحِيحَهُ فَلَهُمْ ذَلِكَ وَإِنْ كَانُوا يُرِيدُونَ إبْطَالَهُ أَخْرَجَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى إخْرَاجِهِمْ. وَلَوْ شَرَطَ أَنَّ مَنْ نَازَعَ الْقَيِّمَ وَتَعَرَّضَ لَهُ وَلَمْ يَقُلْ لِإِبْطَالِهِ فَنَازَعَهُ الْبَعْضُ وَقَالَ مَنَعَنِي حَقِّي صَارَ خَارِجًا وَلَوْ كَانَ طَالِبًا حَقَّهُ اتِّبَاعًا لِلشَّرْطِ كَمَا لَوْ شَرَطَ أَنَّ مَنْ طَالَبَهُ بِحَقِّهِ فَلِلْمُتَوَلِّي إخْرَاجُهُ فَلَوْ أَخْرَجَهُ لَيْسَ لَهُ إعَادَتُهُ بِدُونِ الشَّرْطِ وَمِنْهَا مَا لَوْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ وَشَرَطَ أَنَّ مَنْ انْتَقَلَ إلَى مَذْهَبِ الْمُعْتَزِلَةِ صَارَ خَارِجًا فَانْتَقَلَ مِنْهُمْ وَاحِدٌ صَارَ خَارِجًا فَإِنْ ادَّعَى عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِأَنَّهُ صَارَ مُعْتَزِلِيًّا فَالْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ وَكَذَا لَوْ كَانَ الْوَاقِفُ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ وَشَرَطَ أَنَّ مَنْ انْتَقَلَ إلَى مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ صَارَ خَارِجًا اُعْتُبِرَ شَرْطُهُ وَلَوْ شَرَطَ أَنَّ مَنْ انْتَقَلَ مِنْ مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ إلَى غَيْرِهِ فَصَارَ خَارِجِيًّا أَوْ رَافِضِيًّا خَرَجَ فَلَوْ ارْتَدَّ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى عَنْ الْإِسْلَامِ خَرَجَ الْمَرْأَةُ وَالرَّجُلُ سَوَاءٌ فَلَوْ شَرَطَ أَنَّ مَنْ خَرَجَ مِنْ مَذْهَبِ الْإِثْبَاتِ إلَى غَيْرِهِ خَرَجَ فَخَرَجَ وَاحِدٌ ثُمَّ عَادَ إلَى مَذْهَبِ الْإِثْبَاتِ لَا يَعُودُ إلَى الْوَقْفِ إلَّا بِالشَّرْطِ وَكَذَلِكَ لَوْ عَيَّنَ الْوَاقِفُ مَذْهَبًا مِنْ الْمَذَاهِبِ وَشَرَطَ أَنَّهُ إنْ انْتَقَلَ عَنْهُ خَرَجَ اُعْتُبِرَ شَرْطُهُ. وَكَذَا لَوْ شَرَطَ أَنَّ مَنْ انْتَقَلَ مِنْ قَرَابَتِهِ مِنْ بَغْدَادَ فَلَا حَقَّ لَهُ اُعْتُبِرَ لَكِنْ هُنَا إذَا عَادَ إلَى بَغْدَادَ رُدَّ إلَى الْوَقْفِ وَلَوْ شَرَطَ وَقْفَهُ عَلَى الْعُمْيَانِ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ وَتَكُونُ الْغَلَّةُ لِلْمَسَاكِينِ لِأَنَّ فِيهِمْ الْغَنِيَّ وَالْفَقِيرَ وَهُمْ لَا يُحْصَوْنَ وَكَذَا عَلَى الْعُورَانِ وَالْعُرْجَانِ وَالزَّمْنَى. اهـ. مُخْتَصَرًا وَمِنْهَا مَا فِي قَاضِي خَانْ لَوْ وَقَفَ عَلَى أُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ وَشَرَطَ عَدَمَ تَزَوُّجِهِنَّ كَانَ الشَّرْطُ صَحِيحًا فَعَلَى هَذَا لَوْ شَرَطَ فِي حَقِّ الصُّوفِيَّةِ بِالْمَدْرَسَةِ عَدَمَ التَّزَوُّجِ كَمَا بِالْمَدْرَسَةِ الشَّيْخُونِيَّةِ بِالْقَاهِرَةِ اُعْتُبِرَ شَرْطُهُ وَمِنْهَا مَا فِي الْفَتَاوَى أَيْضًا لَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ أَنْ لَا تُؤَاجَرَ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ وَالنَّاسُ لَا يَرْغَبُونَ فِي اسْتِئْجَارِهَا وَكَانَتْ إجَارَتُهَا أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ أَنْفَعَ لِلْفُقَرَاءِ فَلَيْسَ لِلْقَيِّمِ أَنْ يُؤَاجِرَهَا أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ وَلَكِنَّهُ يَرْفَعُ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي حَتَّى يُؤَاجِرَهَا الْقَاضِي أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ لِأَنَّ لِلْقَاضِي وِلَايَةَ النَّظَرِ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَعَلَى الْمَيِّتِ أَيْضًا وَلَوْ شَرَطَ أَنْ لَا تُؤَجَّرَ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ إلَّا إذَا كَانَ أَنْفَعَ لِلْفُقَرَاءِ كَانَ لِلْقَيِّمِ أَنْ يُؤَاجِرَهَا بِنَفْسِهِ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ إذَا كَانَ رَأَى ذَلِكَ خَيْرًا وَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْقَاضِي. اهـ. وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ الشَّرَائِطَ الرَّاجِعَةَ إلَى الْغَلَّةِ وَتَحْصِيلَهَا لَا يَقْدِرُ الْمُتَوَلِّي عَلَى مُخَالَفَتِهَا وَلَوْ كَانَ أَصْلَحَ لِلْوَقْفِ وَإِنَّمَا يُخَالِفُهَا الْقَاضِي وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَمْ تَرْجِعْ إلَى الْغَلَّةِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ مُخَالَفَةُ الْقَاضِي كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي تَقْرِيرِ الْقَاضِي فَرَّاشًا لِلْمَسْجِدِ بِغَيْرِ شَرْطِ الْوَاقِفِ فَإِنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ وَفِي الْقُنْيَةِ وَقَفَ عَلَى الْمُتَفَقِّهَةِ حِنْطَةً فَيَدْفَعُهَا الْقَيِّمُ دَنَانِيرَ   [منحة الخالق] حُكْمًا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ قَالَ وَمَا خَالَفَ شَرْطَ الْوَاقِفِ فَهُوَ مُخَالِفٌ لِلنَّصِّ وَهُوَ حُكْمٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ نَصَّهُ فِي الْوَاقِفِ نَصًّا أَوْ ظَاهِرًا. اهـ. قَالَ هَذَا الشَّارِحُ وَهَذَا مُوَافِقٌ لِقَوْلِ مَشَايِخِنَا كَغَيْرِهِمْ شَرْطُ الْوَاقِفِ كَنَصِّ الشَّارِعِ فَيَجِبُ اتِّبَاعُهُ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِلْمُصَنِّفِ اهـ. فَهَذَا يُؤَيِّدُ قَوْلَهُ وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ التَّشْبِيهُ فِي وُجُوبِ الْعَمَلِ أَيْضًا تَأَمَّلْ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ اهـ. قُلْتُ: اسْتَثْنَى الْمُؤَلِّفُ فِي أَشْبَاهِهِ مِنْ هَذَا الْأَصْلِ مَسَائِلَ الْأُولَى شَرَطَ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَعْزِلُ النَّاظِرَ فَلَهُ عَزْلُ غَيْرِ الْأَهْلِ الثَّانِيَةُ شَرَطَ أَنْ لَا يُؤَجَّرَ وَقْفُهُ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ وَالنَّاسُ لَا يَرْغَبُونَ فِي اسْتِئْجَارِهِ سَنَةً أَوْ كَانَ فِي الزِّيَادَةِ نَفْعٌ لِلْفُقَرَاءِ فَلِلْقَاضِي الْمُخَالَفَةُ دُونَ النَّاظِرِ الثَّالِثَةُ لَوْ شَرَطَ أَنْ يُقْرَأَ عَلَى قَبْرِهِ فَالتَّعْيِينُ بَاطِلٌ الرَّابِعَةُ شَرَطَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِفَاضِلِ الْغَلَّةِ عَلَى مَنْ يَسْأَلُ فِي مَسْجِدِ كَذَا كُلَّ يَوْمٍ لَمْ يُرَاعَ شَرْطُهُ وَلِلْقَيِّمِ التَّصَدُّقُ عَلَى سَائِلِ غَيْرِ ذَلِكَ الْمَسْجِدِ أَوْ خَارِجَ الْمَسْجِدِ أَوْ عَلَى مَنْ لَا يَسْأَلُهُ الْخَامِسَةُ لَوْ شَرَطَ لِلْمُسْتَحِقِّينَ خُبْزًا وَلَحْمًا مُعَيَّنًا كُلَّ يَوْمٍ فَلِلْقَيِّمِ أَنْ يَدْفَعَ الْقِيمَةَ مِنْ النَّقْدِ وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ لَهُمْ طَلَبُ الْعَيْنِ وَأَخْذُ الْقِيمَةِ السَّادِسَةُ تَجُوزُ الزِّيَادَةُ مِنْ الْقَاضِي عَلَى مَعْلُومِ الْإِمَامِ إذَا كَانَ لَا يَكْفِيهِ وَكَانَ عَالِمًا تَقِيًّا السَّابِعَةُ شَرَطَ الْوَاقِفُ عَدَمَ الِاسْتِبْدَالِ فَلِلْقَاضِي الِاسْتِبْدَالُ إذَا كَانَ أَصْلَحَ. اهـ. كَلَامُهُ (قَوْلُهُ لَكِنْ هُنَا إذَا عَادَ إلَخْ) لِأَنَّ النَّظَرَ هَاهُنَا إلَى حَالِهِمْ يَوْمَ الْقِسْمَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ وَقَفَ عَلَى فُقَرَاءِ قَرَابَتِهِ وَكَانَ فِيهِمْ فُقَرَاءُ وَأَغْنِيَاءُ تَكُونُ الْغَلَّةُ لِلْفُقَرَاءِ ثُمَّ لَوْ افْتَقَرَ الْأَغْنِيَاءُ وَاسْتَغْنَى الْفُقَرَاءُ تَكُونُ الْغَلَّةُ لِمَنْ افْتَقَرَ دُونَ مَنْ اسْتَغْنَى وَلَوْ لَمْ يُنْظَرْ إلَى حَالِهِمْ يَوْمَ الْقِسْمَةِ لَرُبَّمَا لَزِمَهُ دَفْعُ الْغَلَّةِ إلَى الْأَغْنِيَاءِ دُونَ الْفُقَرَاءِ إسْعَافٌ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 266 فَلَهُمْ طَلَبُ الْحِنْطَةِ وَلَهُمْ أَخْذُ الدَّنَانِيرِ إنْ شَاءُوا. اهـ. وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ الْخِيَارَ لَلْمُسْتَحِقِّينَ فِي أَخْذِ الْخُبْزِ الْمَشْرُوطِ لَهُمْ أَوْ قِيمَتِهِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا خِيَارَ لِلْمُتَوَلِّي وَأَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى دَفْعِ مَا شَاءُوا وَفِي الْقُنْيَةِ يَجُوزُ صَرْفُ شَيْءٍ مِنْ وُجُوهِ مَصَالِحِ الْمَسْجِدِ إلَى الْإِمَامِ إذَا كَانَ يَتَعَطَّلُ لَوْ لَمْ يَصْرِفْ إلَيْهِ يَجُوزُ صَرْفُ الْفَاضِلِ عَنْ الْمَصَالِحِ إلَى الْإِمَامِ الْفَقِيرِ بِإِذْنِ الْقَاضِي لَا بَأْسَ بِأَنْ يُعَيِّنَ شَيْئًا مِنْ مُسَبَّلَاتِ الْمَصَالِحِ لِلْإِمَامِ زَيْدٍ فِي وَجْهِ الْإِمَامِ مِنْ مَصَالِحِ الْمَسْجِدِ ثُمَّ نُصِبَ إمَامٌ آخَرُ فَلَهُ أَخْذُهُ إنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ لِقِلَّةِ وُجُودِ الْإِمَامِ وَإِنْ كَانَ لِمَعْنًى فِي الْإِمَامِ الْأَوَّلِ نَحْوُ فَضِيلَةٍ أَوْ زِيَادَةِ حَاجَةٍ فَلَا تَحِلُّ لِلثَّانِي قَالَ الْإِمَامُ لِلْقَاضِي إنَّ مَرْسُومِي الْمُعَيَّنِ لَا يَفِي بِنَفَقَتِي وَنَفَقَةِ عِيَالِي فَزَادَ الْقَاضِي فِي مَرْسُومِهِ مِنْ أَوْقَافِ الْمَسْجِدِ بِغَيْرِ رِضَا أَهْلِ الْمَحَلَّةِ وَالْإِمَامُ مُسْتَغْنٍ وَغَيْرُهُ يَؤُمُّ بِالْمَرْسُومِ الْمَعْهُودِ تَطِيبُ لَهُ الزِّيَادَةُ إذَا كَانَ عَالِمًا تَقِيًّا. اهـ. ثُمَّ قَالَ إذَا شَرَطَ الْوَاقِفُ أَنْ يُعْطِيَ غَلَّتَهَا مَنْ شَاءَ أَوْ قَالَ عَلَى أَنْ يَضَعَهَا حَيْثُ شَاءَ فَلَهُ أَنْ يُعْطِيَ الْأَغْنِيَاءَ وَفِيهَا مِنْ بَابِ الْوَقْفِ الَّذِي مَضَى زَمَنُ صَرْفِهِ وَلَمْ يَصْرِفْهُ إلَى الْمَصْرِفِ مَاذَا يَصْنَعُ بِهِ وَقَفَ مُسْتَغَلًّا عَلَى أَنْ يُضَحِّيَ عَنْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ مِنْ غَلَّتِهِ كَذَا شَاةً كُلَّ سَنَةٍ وَقْفًا صَحِيحًا وَلَمْ يُضَحِّ الْقَيِّمُ عَنْهُ حَتَّى مَضَتْ أَيَّامُ النَّحْرِ يَتَصَدَّقُ بِهِ وَفِيهَا بَابُ تَصَرُّفَاتِ الْقَيِّمِ مِنْ التَّبْدِيلِ وَتَغْيِيرِ الشُّرُوطِ وَنَحْوِهَا قَالَ أَبُو نَصْرٍ الدَّبُوسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا جَعَلَ الْوَقْفَ عَلَى شِرَاءِ الْخُبْزِ وَالثِّيَابِ وَالتَّصَدُّقِ بِهَا عَلَى الْفُقَرَاءِ يَجُوزُ عِنْدِي بِأَنْ يَتَصَدَّقَ بِعَيْنِ الْغَلَّةِ مِنْ غَيْرِ شِرَاءِ خُبْزٍ وَلَا ثَوْبٍ لِأَنَّ التَّصَدُّقَ هُوَ الْمَقْصُودُ حَتَّى جَازَ التَّقَرُّبُ بِالتَّصَدُّقِ دُونَ الشِّرَاءِ. وَلَوْ وَقَفَ عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا الْخَيْلَ وَالسِّلَاحَ عَلَى مُحْتَاجِي الْمُجَاهِدِينَ جَازَ التَّصَدُّقُ بِعَيْنِ الْغَلَّةِ كَالْخُبْزِ وَالثِّيَابِ وَإِنْ شَرَطَ أَنْ يُسَلِّمَهُ الْخَيْلَ وَالسِّلَاحَ فَيُجَاهِدَ مِنْ غَيْرِ تَمْلِيكٍ وَيَسْتَرِدَّ مِمَّنْ أَحَبَّ ثُمَّ يَدْفَعَ إلَى مَنْ أَحَبَّ جَازَ الْوَقْفُ وَيَسْتَوِي فِيهِ الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ وَلَا يَجُوزُ التَّصَدُّقُ بِعَيْنِ الْغَلَّةِ وَلَا بِالسِّلَاحِ بَلْ يَشْتَرِي الْخَيْلَ وَالسِّلَاحَ وَيَبْذُلُهَا لِأَهْلِهَا عَلَى وَجْهِهَا لِأَنَّ الْوَقْفَ وَقَعَ لِلْإِبَاحَةِ لَا لِلتَّمْلِيكِ وَكَذَا لَوْ وَقَفَ عَلَى شِرَاءِ النَّسَمِ وَعِتْقِهَا جَازَ وَلَمْ يَجُزْ إعْطَاءُ الْغَلَّةِ وَكَذَا لَوْ وَقَفَ لِيُضَحِّيَ أَوْ لِيُهْدِيَ إلَى مَكَّةَ فَيَذْبَحَ عَنْهُ فِي كُلِّ سَنَةٍ جَازَ وَهُوَ دَائِمٌ أَبَدًا وَكَذَا كُلُّ مَا كَانَ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ يُرَاعَى فِيهِ شَرْطُ الْوَاقِفِ كَمَا لَوْ نَذَرَ بِعِتْقِ عَبْدِهِ أَوْ بِذَبْحِ شَاتِهِ أُضْحِيَّةً لَمْ يَتَصَدَّقْ بِقِيمَتِهِ وَعَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِمَا سَمَّى وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِعَبْدِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ أَوْ شَاتِه أَوْ ثَوْبِهِ جَازَ التَّصَدُّقُ بِعَيْنِهِ أَوْ بِقِيمَتِهِ. وَلَوْ وَقَفَ عَلَى مُحْتَاجِي أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُمْ الثِّيَابَ وَالْمِدَادَ وَالْكَاغَدَ وَنَحْوَهَا مِنْ مَصَالِحِهِمْ جَازَ الْوَقْفُ وَهُوَ دَائِمٌ لِأَنَّ لِلْعُلُومِ طُلَّابًا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَيَجُوزُ مُرَاعَاةُ الشَّرْطِ وَيَجُوزُ التَّصَدُّقُ عَلَيْهِمْ بِعَيْنِ الْغَلَّةِ وَلَوْ وَقَفَ لِيَشْتَرِيَ بِهِ الْكُتُبَ وَيَدْفَعَ إلَى أَهْلِ الْعِلْمِ فَإِنْ كَانَ تَمْلِيكًا جَازَ التَّصَدُّقُ بِعَيْنِ الْغَلَّةِ وَإِنْ كَانَ إبَاحَةً وَإِعَارَةً فَلَا وَقَفَ عَلَى مَنْ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كُلَّ يَوْمٍ مَنًّا مِنْ الْخُبْزِ وَرُبْعًا مِنْ اللَّحْمِ فَلِلْقَيِّمِ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِمْ قِيمَةَ ذَلِكَ وَرِقًا وَلَوْ وَقَفَ عَلَى أَنْ يَتَصَدَّقَ بِفَاضِلِ غَلَّةِ الْوَقْفِ عَلَى مَنْ يَسْأَلُ فِي مَسْجِدِ كَذَا كُلَّ يَوْمٍ. فَلِلْقَيِّمِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ عَلَى السُّؤَالِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَسْجِدِ أَوْ خَارِجَ الْمَسْجِدِ أَوْ عَلَى فَقِيرٍ لَا يَسْأَلُ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْأَوْلَى عِنْدِي أَنْ يُرَاعَى فِي هَذَا الْأَخِيرِ شَرْطُ الْوَاقِفِ. اهـ. فَإِنْ قُلْتُ: هَلْ الْوَصْفُ فِي الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ كَصَرِيحِ الشَّرْطِ كَمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى إمَامٍ حَنَفِيٍّ قُلْتُ: نَعَمْ فَلَا يَجُوزُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَبِهَذَا يُعْلَمُ إلَخْ) أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ ثُبُوتَ طَلَبِ الْحِنْطَةِ لَهُمْ لِكَوْنِهَا أَصْلَ الْمَشْرُوطِ لَهُمْ وَأَمَّا أَنَّ لَهُمْ أَخْذَ الدَّنَانِيرِ فَهُوَ لِكَوْنِ الْقَيِّمِ رَضِيَ بِذَلِكَ فَإِذَا رَضُوا أَيْضًا بِأَخْذِهَا بَدَلًا عَنْ أَصْلِ الْمَشْرُوطِ لَهُمْ جَازَ ذَلِكَ وَلَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ لَهُمْ اسْتِبْدَالَ الْمَشْرُوطِ لَهُمْ بِالدَّنَانِيرِ سَوَاءٌ رَضِيَ الْقَيِّمُ أَوْ لَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَفِي الْقُنْيَةِ يَجُوزُ صَرْفُ شَيْءٍ إلَخْ) أَيْ إذَا اتَّحَدَ الْوَاقِفُ وَالْجِهَةُ كَمَا مَرَّ فِي آخِرِ قَوْلِهِ وَيُبْدَأُ مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ بِعِمَارَتِهِ فِي قَوْلِهِ السَّادِسَ عَشَرَ (قَوْلُهُ قَالَ الْإِمَام لِلْقَاضِي إنَّ مَرْسُومِي إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ (عت) فِي وُجُوهِ الْإِمَامَةِ قِلَّةٌ فَزَادَ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ دَارًا لَهُ مِنْ مُسَبَّلَاتِ الْمَسْجِدِ وَحَكَمَ الْحَاكِمُ بِهِ لَا يَنْفُذُ نَقَلَهُ الزَّاهِدِيُّ فِي قُنْيَتِهِ وَكَذَا فِي حَاوِيهِ قَالَ الْمُؤَلِّفُ فِي رِسَالَتِهِ الْقَوْلُ النَّفْيُ نَاقِلًا عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة وَلَوْ كَانَ لِلْإِمَامِ مَعْلُومٌ فَزَادُوهُ وَحَكَمَ بِذَلِكَ حَاكِمٌ هَلْ يَنْفُذُ حُكْمُهُ قَالَ لَا. اهـ. وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا فِي الْحَاوِي قَالَ فِي الرِّسَالَةِ الْمَذْكُورَةِ فَهَذَا يُفِيدُ مَنْعَ الزِّيَادَةِ فِي الْمَعَالِيمِ الْوَاقِعَةِ فِي زَمَانِنَا إذَا كَانَتْ خَارِجَةً عَنْ شَرْطِ الْوَاقِفِينَ وَأَنَّ حُكْمَ الْقَاضِي لَيْسَ بِنَافِذٍ فِيهَا فَمَنْ جَعَلَ الْأَمْرَ لِلْقَاضِي مُطْلَقًا فَقَدْ زَادَ فِي الشَّرِيعَةِ بِرَأْيِهِ وَأَفْسَدَ الدِّينَ بِسُوءِ فَهْمِهِ فَالْوَاجِبُ عَلَى كُلِّ حَاكِمٍ رَوْعُهُ وَعَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ مَنْعُهُ اهـ. أَقُولُ: يَجِبُ تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا لَمْ يَتَعَطَّلْ الْمَسْجِدُ بِقُلِّ الْمَرْسُومِ عَنْ الْإِمَامَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا كَانَ الَّذِي يَقْبَلُ الْقَلِيلَ عَالِمًا تَقِيًّا أَمَّا مَنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ بِأَنْ كَانَ جَاهِلًا فَاسِقًا فَهُوَ كَالْعَدَمِ وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْأَشْبَاهِ بِجَوَازِ الزِّيَادَةِ بِقَوْلِهِ تَجُوزُ الزِّيَادَةُ مِنْ الْقَاضِي عَلَى مَعْلُومِ الْإِمَامِ إذَا كَانَ لَا يَكْفِيهِ وَكَانَ عَالِمًا تَقِيًّا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 267 تَقْرِيرُ غَيْرِ الْحَنَفِيِّ. قَالَ فِي الْقُنْيَةِ وَقَفَ ضَيْعَتَهُ عَلَى أَوْلَادِهِ الْفُقَهَاءِ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِ إنْ كَانُوا فُقَهَاءَ ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمْ عَنْ ابْنٍ صَغِيرٍ تَفَقَّهَ بَعْدَ سِنِينَ لَا يُوقَفُ نَصِيبُهُ وَلَا يَسْتَحِقُّ قَبْلَ حُصُولِ تِلْكَ الصِّفَةِ وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ الْفَقِيهُ وَإِنْ كَانَ وَاحِدًا. اهـ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. {فَصْلٌ} لَمَّا اخْتَصَّ الْمَسْجِدُ بِأَحْكَامٍ تُخَالِفُ أَحْكَامَ مُطْلَقِ الْوَقْفِ أَفْرَدَهُ بِفَصْلٍ عَلَى حِدَةٍ وَأَخَّرَهُ قَوْلُهُ (وَمَنْ بَنَى مَسْجِدًا لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ حَتَّى يُفْرِزَهُ عَنْ مِلْكِهِ بِطَرِيقِهِ وَيَأْذَنَ بِالصَّلَاةِ فِيهِ وَإِذَا صَلَّى فِيهِ وَاحِدٌ زَالَ مِلْكُهُ) أَمَّا الْإِفْرَازُ فَإِنَّهُ لَا يَخْلُصُ لِلَّهِ تَعَالَى إلَّا بِهِ وَأَمَّا الصَّلَاةُ فِيهِ فَلِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّسْلِيمِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ فَيُشْتَرَطُ تَسْلِيمُ نَوْعِهِ وَذَلِكَ فِي الْمَسْجِدِ بِالصَّلَاةِ فِيهِ أَوْ لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ الْقَبْضُ يُقَامُ تَحَقُّقُ الْمَقْصُودِ مَقَامَهُ ثُمَّ يُكْتَفَى بِصَلَاةِ الْوَاحِدِ لِأَنَّ فِعْلَ الْجِنْسِ يَتَعَذَّرُ فَيُشْتَرَطُ أَدْنَاهُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ تُشْتَرَطُ الصَّلَاةُ بِالْجَمَاعَةِ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ مَبْنِيٌّ لِذَلِكَ فِي الْغَالِبِ وَصَحَّحَهَا الزَّيْلَعِيُّ تَبَعًا لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ لِأَنَّ قَبْضَ كُلِّ شَيْءٍ وَتَسْلِيمَهُ يَكُونُ بِحَسَبِ مَا يَلِيقُ بِهِ وَذَلِكَ فِي الْمَسْجِدِ بِأَدَاءِ الصَّلَاةِ بِالْجَمَاعَةِ أَمَّا الْوَاحِدُ يُصَلِّي فِي كُلِّ مَكَان. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَزُولُ مِلْكُهُ بِقَوْلِهِ جَعَلْتُهُ مَسْجِدًا لِأَنَّ التَّسْلِيمَ عِنْدَهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ لِمِلْكِ الْعَبْدِ فَيَصِيرُ خَالِصًا لِلَّهِ تَعَالَى بِسُقُوطِ حَقِّ الْعَبْدِ وَصَارَ كَالْإِعْتَاقِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَسْجِدَ مُخَالِفٌ لِمُطْلَقِ الْوَقْفِ عِنْدَ الْكُلِّ أَمَّا عِنْدَ الْأَوَّلِ فَلَا يُشْتَرَطُ الْقَضَاءُ وَلَا التَّعْلِيقُ بِالْمَوْتِ وَأَمَّا عِنْدَ الثَّانِي فَلَا يَجُوزُ فِي الْمُشَاعِ وَأَمَّا عِنْدَ الثَّالِثِ فَلَا يُشْتَرَطُ التَّسْلِيمُ إلَى الْمُتَوَلِّي أَطْلَقَ الْوَاحِدَ فَشَمِلَ الْبَانِيَ وَهُوَ قَوْلُ الْبَعْضِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَكْفِي لِأَنَّ الصَّلَاةَ إنَّمَا تُشْتَرَطُ لِأَجْلِ الْقَبْضِ عَلَى الْعَامَّةِ وَقَبْضُهُ لَا يَكْفِي فَكَذَا صَلَاتُهُ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَشَمِلَ مَا إذَا صَلَّى وَاحِدٌ بِغَيْرِ أَذَانٍ وَإِقَامَةٍ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ. وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَنْ جَعَلَ أَرْضَهُ مَسْجِدًا بَدَلَ قَوْمِهِ وَمَنْ بَنَى لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ سَاحَةٌ لَا بِنَاءَ فِيهَا فَأَمَرَ قَوْمَهُ أَنْ يُصَلُّوا فِيهَا بِجَمَاعَةٍ قَالُوا إنْ أَمَرَهُمْ بِالصَّلَاةِ فِيهَا أَبَدًا أَوْ أَمَرَهُمْ بِالصَّلَاةِ فِيهَا بِالْجَمَاعَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ أَبَدًا إلَّا أَنَّهُ أَرَادَ بِهَا الْأَبَدَ ثُمَّ مَاتَ لَا يَكُونُ مِيرَاثًا عَنْهُ وَإِنْ أَمَرَهُمْ بِالصَّلَاةِ شَهْرًا أَوْ سَنَةً ثُمَّ مَاتَ تَكُونُ مِيرَاثًا عَنْهُ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّأْبِيدِ وَالتَّوْقِيتُ يُنَافِي التَّأْبِيدَ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَأَفَادَ بِاشْتِرَاطِ الصَّلَاةِ فِيهِ أَنَّهُ لَوْ بَنَى مَسْجِدًا وَسَلَّمَهُ إلَى الْمُتَوَلِّي لَا يَصِيرُ مَسْجِدًا بِالتَّسْلِيمِ إلَى الْمُتَوَلِّي وَهُوَ قَوْلُ الْبَعْضِ وَاخْتَارَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ لِأَنَّ قَبْضَ كُلِّ شَيْءٍ يَكُونُ بِمَا يَلِيقُ بِهِ كَقَبْضِ الْخَانِ يَكُونُ بِنُزُولِ وَاحِدٍ مِنْ الْمَارَّةِ فِيهِ بِإِذْنِهِ وَفِي الْحَوْضِ وَالْبِئْرِ وَالسِّقَايَةِ بِالِاسْتِقَاءِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَصِيرُ مَسْجِدًا كَسَائِرِ الْأَوْقَافِ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. وَالْوَجْهُ الصِّحَّةُ لِأَنَّ بِالتَّسْلِيمِ إلَى الْمُتَوَلِّي أَيْضًا يَحْصُلُ تَمَامُ التَّسْلِيمِ إلَيْهِ تَعَالَى لِرَفْعِ يَدِهِ عَنْهُ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى تَصْحِيحٍ وَفِي الِاخْتِيَارِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَصِيرُ مَسْجِدًا وَكَذَا إذَا سَلَّمَهُ إلَى الْقَاضِي أَوْ نَائِبِهِ كَذَا فِي الْإِسْعَافِ وَقَيَّدَ بِإِذْنِ الْبَانِي لِأَنَّ مُتَوَلِّي الْمَسْجِدِ إذَا جَعَلَ الْمَنْزِلَ الْمَوْقُوفَ عَلَى الْمَسْجِدِ مَسْجِدًا وَصَلَّى فِيهِ سِنِينَ ثُمَّ تَرَكَ الصَّلَاةَ فِيهِ وَأُعِيدَ مَنْزِلًا مُسْتَغَلًّا جَازَ لِأَنَّ الْمُتَوَلِّيَ وَإِنْ جَعَلَهُ مَسْجِدًا لَا يَصِيرُ مَسْجِدًا كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَأَطْلَقَ فِي الْمَسْجِدِ فَشَمَلَ الْمُتَّخَذَ لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ أَوْ الْعِيدِ وَفِي الْخَانِيَّةِ مَسْجِدًا اُتُّخِذَ لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ أَوْ لِصَلَاةِ الْعِيدِ هَلْ يَكُونُ لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ يَكُونُ مَسْجِدًا حَتَّى لَوْ مَاتَ لَا يُورَثُ عَنْهُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ مَا اُتُّخِذَ لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ فَهُوَ مَسْجِدٌ لَا يُورَثُ عَنْهُ وَمَا اُتُّخِذَ لِصَلَاةِ الْعِيدِ لَا يَكُونُ مَسْجِدًا مُطْلَقًا وَإِنَّمَا يُعْطَى لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ فِي صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ بِالْإِمَامِ وَإِنْ كَانَ مُنْفَصِلًا عَنْ الصُّفُوفِ وَأَمَّا فِيمَا سِوَى ذَلِكَ فَلَيْسَ لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ حَالَ أَدَاءِ الصَّلَاةِ لَا غَيْرُ وَهُوَ وَالْجَبَّانَةُ سَوَاءٌ وَيُجَنَّبُ هَذَا الْمَكَانُ كَمَا يُجَنَّبُ الْمَسْجِدُ احْتِيَاطًا. اهـ. فَأَفَادَ بِالِاقْتِصَارِ عَلَى الشُّرُوطِ الثَّلَاثَةِ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ فِي جَعْلِهِ مَسْجِدًا إلَى   [منحة الخالق] [فَصْلٌ اخْتَصَّ الْمَسْجِدُ بِأَحْكَامٍ تُخَالِفُ أَحْكَامَ مُطْلَقِ الْوَقْفِ] (فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ الْمَسَاجِدِ) (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَزُولُ مِلْكُهُ بِقَوْلِهِ جَعَلْتُهُ مَسْجِدًا) يَعْنِي وَبِالصَّلَاةِ فِيهِ فَفِي الذَّخِيرَةِ مَا نَصُّهُ وَبِالصَّلَاةِ بِجَمَاعَةٍ يَقَعُ التَّسْلِيمُ بِلَا خِلَافٍ حَتَّى إنَّهُ إذَا بَنَى مَسْجِدًا وَأَذِنَ لِلنَّاسِ بِالصَّلَاةِ فِيهِ جَمَاعَةً فَإِنَّهُ يَصِيرُ مَسْجِدًا (قَوْلُهُ وَأَفَادَ إلَخْ) دَفَعَ هَذَا فِي النَّهْرِ بِأَنَّ الصَّلَاةَ فِيهِ نَائِبَةٌ عَنْ تَسْلِيمِهِ إلَى الْمُتَوَلِّي فَإِذَا صَارَ مَسْجِدًا بِالنَّائِبِ فَبِالْأَصْلِ وَهُوَ التَّسْلِيمُ أَوْلَى فَلْيُرَاجَعْ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 268 قَوْلِهِ وَقَفْتُهُ وَنَحْوِهِ لِأَنَّ الْعُرْفَ جَارٍ بِالْإِذْنِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى وَجْهِ الْعُمُومِ وَالتَّخْلِيَةِ بِكَوْنِهِ وَقْفًا عَلَى هَذِهِ الْجِهَةِ فَكَانَ كَالتَّعْبِيرِ بِهِ فَكَانَ كَمَنْ قَدَّمَ طَعَامًا إلَى ضَيْفِهِ أَوْ نَثَرَ نُثَارًا كَانَ إذْنًا فِي أَكْلِهِ وَالْتِقَاطِهِ بِخِلَافِ الْوَقْفِ عَلَى الْفُقَرَاءِ لَمْ تَجْرِ عَادَةٌ فِيهِ بِالتَّخْلِيَةِ وَالْإِذْنِ بِالِاسْتِغْلَالِ وَلَوْ جَرَتْ بِهِ فِي عُرْفٍ اكْتَفَيْنَا بِذَلِكَ كَمَسْأَلَتِنَا وَبِقَوْلِنَا قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَأَفَادَ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ قَالَ وَقَفْتُهُ مَسْجِدًا وَلَمْ يَأْذَنْ بِالصَّلَاةِ فِيهِ وَلَمْ يُصَلِّ فِيهِ أَحَدٌ لَا يَصِيرُ مَسْجِدًا بِلَا حُكْمٍ وَهُوَ بَعِيدٌ ذَكَرَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ هَذَا مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ وَلَمْ يَعْزُهُ إلَى النَّقْلِ وَفِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ وَمَنْ بَنَى مَسْجِدًا فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ لَهُ إلَى آخِرِهِ فَأَفَادَ أَنَّ مِنْ شَرْطِهِ مِلْكَ الْأَرْضِ وَلِذَا قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ أَنَّ سُلْطَانًا أَذِنَ لِقَوْمٍ أَنْ يَجْعَلُوا أَرْضًا مِنْ أَرَاضِيِ الْبَلْدَةِ حَوَانِيتَ مَوْقُوفَةً عَلَى الْمَسْجِدِ أَوْ أَمَرَهُمْ أَنْ يَزِيدُوا فِي مَسْجِدِهِمْ قَالُوا إنْ كَانَتْ الْبَلْدَةُ فُتِحَتْ عَنْوَةً وَذَلِكَ لَا يَضُرُّ بِالْمَارَّةِ وَالنَّاسِ يَنْفُذُ أَمْرُ السُّلْطَانِ فِيهَا وَإِنْ كَانَتْ الْبَلْدَةُ فُتِحَتْ صُلْحًا لَا يَنْفُذُ أَمْرُ السُّلْطَانِ لِأَنَّ فِي الْأَوَّلِ تَصِيرُ مِلْكًا لِلْغَانِمِينَ فَجَازَ أَمْرُ السُّلْطَانِ فِيهَا وَفِي الثَّانِي تَبْقَى عَلَى مِلْكِ مُلَّاكِهَا فَلَا يَنْفُذُ أَمْرُهُ فِيهَا اهـ. وَلِذَا قَالُوا لَوْ اشْتَرَى دَارًا لَهَا شَفِيعٌ فَجَعَلَهَا مَسْجِدًا كَانَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ وَكَذَا إذَا كَانَ لِلْبَائِعِ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ كَانَ لَهُ أَنْ يُبْطِلَ الْمَسْجِدَ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَأَشَارَ بِإِطْلَاقِ قَوْلِهِ وَيَأْذَنُ لِلنَّاسِ فِي الصَّلَاةِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَقُولَ أَذِنْتُ فِيهِ بِالصَّلَاةِ جَمَاعَةً أَبَدًا بَلْ الْإِطْلَاقُ كَافٍ لَكِنْ لَوْ قَالَ صَلُّوا فِيهِ جَمَاعَةً صَلَاةً أَوْ صَلَاتَيْنِ يَوْمًا أَوْ شَهْرًا لَا يَكُونُ مَسْجِدًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الذَّخِيرَةِ وَقَدَّمْنَاهُ عَنْ الْخَانِيَّةِ فِي الرَّحْبَةِ وَفِي الْقُنْيَةِ اُخْتُلِفَ فِي مَسْجِدِ الدَّارِ وَالْخَانِ وَالرِّبَاطِ أَنَّهُ مَسْجِدُ جَمَاعَةٍ أَمْ لَا وَالْأَصَحُّ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا أَغْلَقَ بَابَ الدَّارِ فَهُوَ مَسْجِدُ جَمَاعَةٍ لِلْجَمَاعَةِ الَّتِي فِي الدَّارِ إذَا لَمْ يَمْنَعُوا غَيْرَهُمْ مِنْ الصَّلَاةِ فِيهِ فِي سَائِرِ الْأَوْقَاتِ لِأَنَّ مَسْجِدَ الزُّقَاقِ الَّذِي لَيْسَ بِنَافِذٍ مَسْجِدُ جَمَاعَةٍ فَإِنْ صَلَّوْا فِيهِ فِي وَقْتٍ أَغْلَقُوا بَابَ الزُّقَاقِ كَذَا هَذَا وَعَنْهُ إنْ كَانَ فِيهِ جَمَاعَةٌ مِمَّنْ فِي الدَّارِ بَعْدَ الْإِغْلَاقِ لَا يَمْنَعُونَ غَيْرَهُمْ فِي الْأَوْقَاتِ الْأُخَرِ فَهُوَ مَسْجِدُ جَمَاعَةٍ وَإِلَّا فَلَا (فخ) مِثْلُهُ. وَعَنْ مَحْمُودٍ الْأُوزْجَنْدِيِّ لَا يَجُوزُ الِاعْتِكَافُ فِي مَسْجِدِ زُقَاقٍ غَيْرِ نَافِذٍ لِأَنَّ طَرِيقَهُ مَمْلُوكٌ لِأَهْلِهِ إلَّا إذَا كَانَ لَهُ حَائِطٌ إلَى طَرِيقٍ نَافِذٍ فَحِينَئِذٍ يُمْكِنُ التَّطَرُّقُ إلَيْهِ مِنْ حَقِّ الْعَامَّةِ فَيَخْلُصُ لِلَّهِ تَعَالَى فَيَصِيرُ مَسْجِدًا قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَاَلَّذِي اخْتَارَهُ (فخ) أَصَحُّ وَقَدْ رَأَيْنَا بِبُخَارَى وَغَيْرِهَا فِي دُورٍ وَسِكَكٍ فِي أَزِقَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ مِنْ غَيْرِ شَكِّ الْأَئِمَّةِ وَالْعَوَامِّ فِي كَوْنِهَا مَسَاجِدَ فَعَلَى هَذَا الْمَسَاجِدُ الَّتِي فِي الْمَدَارِسِ بِجُرْجَانِيَّةَ خَوَارِزْم مَسَاجِدُ لِأَنَّهُمْ لَا يَمْنَعُونَ النَّاسَ مِنْ الصَّلَاةِ فِيهَا وَإِذَا أُغْلِقَتْ يَكُونُ فِيهَا جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِهَا. اهـ. وَقَدْ قَدَّمْنَا شَيْئًا مِنْ أَحْكَامِ الْمَسْجِدِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَا نَقْشُهُ بِالْجِصِّ وَمَاءِ الذَّهَبِ مِنْ مَكْرُوهَاتِ الصَّلَاةِ وَفِي الْمُجْتَبَى لَا يَجُوزُ لِقَيِّمِ الْمَسْجِدِ أَنْ يَبْنِيَ حَوَانِيتَ فِي حَدِّ الْمَسْجِدِ أَوْ فِنَائِهِ قَيِّمٌ يُبِيحُ فِنَاءَ الْمَسْجِدِ لِيَتَّجِرَ فِيهِ الْقَوْمُ أَوْ يَضَعُ فِيهِ سُرَرًا أَجَّرَهَا لِيَتَّجِرَ فِيهَا النَّاسُ فَلَا بَأْسَ إذَا كَانَ لِصَلَاحِ الْمَسْجِدِ وَيُعْذَرُ الْمُسْتَأْجِرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى إذَا لَمْ يَكُنْ مَمَرَّ الْعَامَّةِ، وَفِنَاءُ الْمَسْجِدِ مَا كَانَ عَلَيْهِ ظُلَّةُ الْمَسْجِدِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَمَرًّا لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا يَجُوزُ صَرْفُ تِلْكَ الْأُجْرَةِ إلَى نَفْسِهِ وَلَا إلَى الْإِمَامِ بَلْ يَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَلَا بَأْسَ لِلْقَيِّمِ أَنْ يَخْلِطَ غَلَّةَ أَوْقَافِ الْمَسْجِدِ الْمُخْتَلِفَةِ اتَّحَدَ الْوَاقِفُ أَوْ اخْتَلَفَ عَنْ مَشَايِخِ بَلْخٍ مَسْجِدٌ لَهُ أَوْقَافٌ وَلَا قَيِّمَ فِيهِ فَجَمَعَ بَعْضُ أَهْلِ مَحَلَّتِهِ غَلَّاتِهَا وَأَنْفَقَهَا فِي حُصْرِهِ وَإِدْهَانِهِ وَحَشِيشِهِ لَمْ يَضْمَنْ دِيَانَةً اسْتِحْسَانًا وَلَوْ ثَبَتَ عِنْدَ الْحَاكِمِ ضَمَّنَهُ وَفِي تَوْلِيَةِ أَهْلِ الْمَحَلِّ قَيِّمًا عَلَى أَوْقَافِهِ بِدُونِ إذْنِ الْقَاضِي اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ فِي فَتَاوَى الْفَضْلِيِّ وَأَفْتَى مَشَايِخُنَا الْمُتَقَدِّمُونَ أَنَّهُ يَصِيرُ مُتَوَلِّيًا ثُمَّ اتَّفَقَ الْمُتَأَخِّرُونَ وَأُسْتَاذُونَا أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَنْصِبُوا مُتَوَلِّيًا وَلَا يُعْلِمُوا بِهِ الْقَاضِيَ فِي زَمَانِنَا لِطَمَعِ الْقُضَاةِ فِي أَمْوَالِ الْأَوْقَافِ تَنَازَعَ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ وَالْبَانِي فِي عِمَارَتِهِ   [منحة الخالق] [قَالَ وَقَفْتُهُ مَسْجِدًا وَلَمْ يَأْذَنْ بِالصَّلَاةِ فِيهِ وَلَمْ يُصَلِّ فِيهِ أَحَدٌ] (قَوْلُهُ لَا يَصِيرُ مَسْجِدًا بِلَا حُكْمٍ وَهُوَ بَعِيدٌ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إذَا قَالَ جَعَلْتُهُ مَسْجِدًا فَالْعُرْفُ قَاضٍ وَمَاضٍ بِزَوَالِهِ عَنْ مِلْكِهِ أَيْضًا غَيْرُ مُتَوَقِّفٍ عَلَى الْقَضَاءِ وَهَذَا هُوَ الَّذِي لَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَرَدَّدَ فِيهِ (قَوْلُهُ فَأَفَادَ أَنَّ مِنْ شَرْطِهِ مِلْكَ الْأَرْضِ) مُخَالِفٌ لِمَا نَقَلَهُ عَنْ الطَّرَسُوسِيِّ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَمَنْقُولٌ فِيهِ تَعَامُلٌ مِنْ أَنَّهُ يَجُوزُ بِنَاؤُهُ فِي الْأَرْضِ الْمَوْقُوفَةِ الْمُسْتَأْجَرَةِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ فِي الْأَوَّلِ إلَخْ) مُفَادُ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَوَّلِ أَيْ الْمَفْتُوحِ عَنْوَةً مَا إذَا كَانَ لَمْ يُقْسَمْ بَيْنَ الْغَانِمِينَ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ لِجُمْلَتِهِمْ أَمَّا بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَكُلُّ مَنْ وَقَعَ لَهُ شَيْءٌ مَلَكَهُ مِلْكًا حَقِيقَةً فَصَارَ مِثْلَ الثَّانِي وَهُوَ مَا لَوْ فُتِحَتْ صُلْحًا وَأُقِرَّ أَهْلُهَا عَلَيْهَا هَذَا مَا ظَهَرَ لِي (قَوْلُهُ لَكِنْ لَوْ قَالَ صَلُّوا فِيهِ جَمَاعَةً صَلَاةً أَوْ صَلَاتَيْنِ يَوْمًا أَوْ شَهْرًا لَا يَكُونُ مَسْجِدًا) قَالَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 269 أَوْ نَصْبِ الْمُؤَذِّنِ أَوَالْإِمَامِ فَالْأَصَحُّ أَنَّ الْبَانِيَ أَوْلَى بِهِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ الْقَوْمُ مَا هُوَ أَصْلَحُ مِنْهُ وَقِيلَ الْبَانِي بِالْمُؤَذِّنِ أَوْلَى وَإِنْ كَانَ فَاسِقًا بِخِلَافِ الْإِمَامِ، وَالْبَانِي أَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ وَالْآذَانِ وَوَلَدُهُ مِنْ بَعْدِهِ وَعَشِيرَتُهُ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِهِمْ وَفِي الْمُجَرَّدِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ الْبَانِيَ أَوْلَى بِجَمِيعِ مَصَالِحِ الْمَسْجِدِ وَنَصْبِ الْإِمَامِ وَالْمُؤَذِّنِ إذَا تَأَهَّلَ لِلْإِمَامَةِ. اهـ. وَفِي الْقُنْيَةِ مِنْ آخِرِ الْوَقْفِ بَعَثَ شَمْعًا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ إلَى مَسْجِدٍ فَاحْتَرَقَ وَبَقِيَ مِنْهُ ثُلُثُهُ أَوْ دُونَهُ لَيْسَ لِلْإِمَامِ وَلَا لِلْمُؤَذِّنِ أَنْ يَأْخُذَ بِغَيْرِ إذْنِ الدَّافِعِ وَلَوْ كَانَ الْعُرْفُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ أَنَّ الْإِمَامَ وَالْمُؤَذِّنَ يَأْخُذُهُ مِنْ غَيْرِ صَرِيحِ الْإِذْنِ فِي ذَلِكَ فَلَهُ ذَلِكَ اهـ. وَفِيهَا وَكَرِهُوا إحْدَاثَ الطَّاقَاتِ فِي الْمَسَاجِدِ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. قَيِّمُ الْجَامِعِ الْقَدِيمِ أَجَّرَ مَوْضِعًا تَحْتَ ظُلَّةِ الْبَابِ لِبَعْضِ الصَّكَّاكِينَ لَا يَصِحُّ وَلَا يَجُوزُ إزَالَةُ الْحَائِطِ الَّتِي بَيْنَ الْمَسْجِدَيْنِ لِيَجْعَلَهُمَا وَاحِدًا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَصْلَحَةٌ ظَاهِرَةٌ وَكَذَا رَفْعُ صِفَتِهِ وَيَضْمَنُ الْقَيِّمُ مَا أَنْفَقَ فِيهِ مِنْ مَالِ الْمَسْجِدِ بَنَى فِي فِنَائِهِ فِي الرُّسْتَاقِ دُكَّانًا لِأَجْلٍ الصَّلَاةِ يُصَلُّونَ فِيهِ بِجَمَاعَةٍ كُلَّ وَقْتٍ فَلَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ وَلَا يُوضَعُ الْجِذْعُ عَلَى جِدَارِ الْمَسْجِدِ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَوْقَافِهِ. اهـ. . [كَانَ إلَى الْمَسْجِدِ مَدْخَلٌ مِنْ دَارٍ مَوْقُوفَةٍ] وَفِيهَا مِنْ الْكَرَاهِيَةِ وَلَوْ كَانَ إلَى الْمَسْجِدِ مَدْخَلٌ مِنْ دَارٍ مَوْقُوفَةٍ لَا بَأْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَدْخُلَ لِلصَّلَاةِ مِنْ هَذَا الْبَابِ لِأَنَّهُ رُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَدْخُلُ مِنْ حُجْرَتِهِ إلَى الْمَسْجِدِ» . لَهُ فِي الْمَسْجِدِ مَوْضِعٌ مُعَيَّنٌ يُوَاظِبُ عَلَيْهِ وَقَدْ شَغَلَهُ غَيْرُهُ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ لَهُ أَنْ يُزْعِجَهُ وَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ عِنْدَنَا وَيُكْرَهُ تَخْصِيصُ مَكَان فِي الْمَسْجِدِ لِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ يُخِلُّ بِالْخُشُوعِ لَا حُرْمَةَ لِتُرَابِ الْمَسْجِدِ إذَا جُمِعَ وَلَهُ حُرْمَةٌ إذَا بُسِطَ لَهُ مَتَاعٌ فِي الْمَسْجِدِ يَخَافُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ وَيَدْخُلُ فِي الصَّلَاةِ وَإِذَا ضَاقَ الْمَسْجِدُ كَانَ لِلْمُصَلِّي أَنْ يُزْعِجَ الْقَاعِدَ مِنْ مَوْضِعِهِ لِيُصَلِّيَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ مُشْتَغِلًا بِالذِّكْرِ أَوْ الدَّرْسِ أَوْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ أَوْ الِاعْتِكَافِ وَكَذَا لِأَهْلِ الْمَحَلَّةِ أَنْ يَمْنَعُوا مَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ عَنْ الصَّلَاةِ فِيهِ إذَا ضَاقَ بِهِمْ الْمَسْجِدُ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ قَسَمُوا الْمَسْجِدَ وَضَرَبُوا فِيهِ حَائِطًا وَلِكُلٍّ مِنْهُمْ إمَامٌ عَلَى حِدَةٍ وَمُؤَذِّنُهُمْ وَاحِدٌ لَا بَأْسَ لَهُ وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ طَائِفَةٍ مُؤَذِّنٌ كَمَا يَجُوزُ لِأَهْلِ الْمَحَلَّةِ أَنْ يَجْعَلُوا الْمَسْجِدَ الْوَاحِدَ مَسْجِدَيْنِ فَلَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوا الْمَسْجِدَيْنِ وَاحِدًا لِإِقَامَةِ الْجَمَاعَةِ أَمَّا لِلتَّذْكِيرِ أَوْ لِلتَّدْرِيسِ فَلَا لِأَنَّهُ مَا بُنِيَ لَهُ وَإِنْ جَازَ فِيهِ وَفِي شَرْحِ الْآثَارِ أَنَّ الْبَيْعَ وَخَصْفَ النَّعْلِ وَإِنْشَادَ الشَّعْرِ مِمَّا كَانَ لَا يَعُمُّ الْمَسْجِدَ مِنْ هَذَا غَيْرُ مَكْرُوهٍ وَمَا يَعُمُّهُ مِنْهُ أَوْ يَغْلِبُهُ فَمَكْرُوهٌ وَيَجُوزُ الدَّرْسُ فِي الْمَسْجِدِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ اسْتِعْمَالُ اللُّبُودِ وَالْبَوَارِي الْمُسَبَّلَةِ لِأَجْلِ الْمَسْجِدِ لَوْ عَلَّمَ الصِّبْيَانَ الْقُرْآنَ فِي الْمَسْجِدِ لَا يَجُوزُ وَيَأْثَمُ وَكَذَا التَّأْدِيبُ فِيهِ أَيْ لَا يَجُوزُ التَّأْدِيبُ فِيهِ إذَا كَانَ بِأَجْرٍ وَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ بِغَيْرِ أَجْرٍ وَأَمَّا الصِّبْيَانُ فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «جَنِّبُوا مَسَاجِدَكُمْ صِبْيَانَكُمْ وَمَجَانِينَكُمْ» وَكَذَا لَا يَجُوزُ التَّعْلِيمُ فِي دُكَّانٍ فِي فِنَاءِ الْمَسْجِدِ هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ إذَا لَمْ يَضُرَّ بِالْعَامَّةِ أَصَابَهُ الْبَرْدُ الشَّدِيدُ فِي الطَّرِيقِ فَدَخَلَ مَسْجِدًا فِيهِ خَشَبُ الْغَيْرِ وَلَوْ لَمْ يُوقِدْ نَارًا يَهْلِكُ فَخَشَبُ الْمَسْجِدِ فِي الْإِيقَادِ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ بِجَوَازِ إدْخَالِ الْحُبُوبِ وَأَثَاثِ الْبَيْتِ فِي الْمَسْجِدِ لِلْخَوْفِ فِي الْفِتْنَةِ الْعَامَّةِ اهـ. وَفِيهَا مِنْ الْوَقْفِ اتَّخَذَا مَسْجِدًا عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ جَازَ الْمَسْجِدُ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ جَعَلَ وَسَطَ دَارِهِ مَسْجِدًا وَأَذِنَ لِلنَّاسِ فِي الدُّخُولِ وَالصَّلَاةِ فِيهِ إنْ شَرَطَ مَعَهُ الطَّرِيقَ صَارَ مَسْجِدًا فِي قَوْلِهِمْ وَإِلَّا فَلَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا يَصِيرُ مَسْجِدًا وَيَصِيرُ الطَّرِيقُ مِنْ حَقِّهِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ كَمَا لَوْ أَجَّرَ أَرْضَهُ وَلَمْ يَشْتَرِطْ الطَّرِيقَ. اهـ. وَفِي الْإِسْعَافِ وَلَيْسَ لِمُتَوَلِّي الْمَسْجِدِ أَنْ يَحْمِلَ سِرَاجَ الْمَسْجِدِ إلَى بَيْتِهِ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَتْرُكَ سِرَاجَ الْمَسْجِدِ فِيهِ مِنْ الْمَغْرِبِ إلَى وَقْتِ الْعِشَاءِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتْرُكَ فِيهِ كُلَّ اللَّيْلِ إلَّا فِي مَوْضِعٍ جَرَتْ الْعَادَةُ فِيهِ بِذَلِكَ كَمَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَمَسْجِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ   [منحة الخالق] الشَّيْخُ عَلَاءُ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى لَعَلَّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى أَنَّ التَّوْقِيتَ مُبْطِلٌ وَقَدْ خَالَفَ فِيهِ قَاضِي خَانْ كَمَا مَرَّ فَتَدَبَّرْ. اهـ. وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الْإِسْعَافِ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّأْبِيدِ وَالتَّوْقِيتُ يُنَافِيهِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 270 تَرْكَهُ فِيهِ كُلَّ اللَّيْلِ كَمَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ فِي زَمَانِنَا وَيَجُوزُ الدَّرْسُ بِسِرَاجِ الْمَسْجِدِ إنْ كَانَ مَوْضُوعًا فِيهِ لَا لِلصَّلَاةِ بِأَنْ فَرَغَ الْقَوْمُ مِنْ الصَّلَاةِ وَذَهَبُوا إلَى بُيُوتِهِمْ وَبَقِيَ السِّرَاجُ فِيهِ قَالُوا لَا بَأْسَ بِأَنْ يَدْرُسَ بِنُورِهِ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ لِأَنَّهُمْ لَوْ أَخَّرُوا الصَّلَاةَ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ لَا بَأْسَ بِهِ فَلَا يَبْطُلُ حَقُّهُ بِتَعْجِيلِهِمْ وَفِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ لَيْسَ لَهُمْ تَأْخِيرُهَا فَلَا يَكُونُ لَهُمْ حَقُّ الدَّرْسِ وَلَوْ أَنَّ قَوْمًا بَنَوْا مَسْجِدًا وَفَضَلَ مِنْ خَشَبِهِمْ شَيْءٌ قَالُوا يُصْرَفُ الْفَاضِلُ فِي بِنَائِهِ وَلَا يُصْرَفُ إلَى الدُّهْنِ وَالْحُصْرِ هَذَا إذَا سَلَّمُوهُ إلَى الْمُتَوَلِّي لِيَبْنِيَ بِهِ الْمَسْجِدَ وَإِلَّا يَكُونُ الْفَاضِلُ لَهُمْ يَصْنَعُونَ بِهِ مَا شَاءُوا وَلَوْ جَمَعَ مَالًا لِيُنْفِقَهُ فِي بِنَاءِ الْمَسْجِدِ فَأَنْفَقَ بَعْضَهُ فِي حَاجَتِهِ ثُمَّ رَدَّ بَدَلَهُ فِي نَفَقَةِ الْمَسْجِدِ لَا يَسَعُهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ فَإِذَا فَعَلَهُ وَكَانَ يَعْرِفُ صَاحِبَهُ ضَمِنَ لَهُ بَدَلَهُ أَوْ اسْتَأْذَنَهُ فِي صَرْفِ عِوَضِهِ فِي الْمَسْجِدِ وَإِنْ كَانَ لَا يَعْرِفُهُ رَفَعَ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي لِيَأْمُرَهُ بِإِنْفَاقِ بَدَلِهِ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ الرَّفْعُ إلَيْهِ قَالُوا نَرْجُو لَهُ فِي الِاسْتِحْسَانِ الْجَوَازَ إذَا أَنْفَقَ مِثْلَهُ فِي الْمَسْجِدِ وَيَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى. اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ أَرَادُوا نَقْضَ الْمَسْجِدِ وَبِنَاؤُهُ أَحْكَمُ مِنْ الْأَوَّلِ إنْ لَمْ يَكُنْ الْبَانِي مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ لَهُمْ ذَلِكَ اهـ. وَفِي الْحَاوِي وَلَا بَأْسَ أَنْ يَدْخُلَ الْكَافِرُ وَأَهْلُ الذِّمَّةِ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَبَيْتَ الْمَقْدِسِ وَسَائِرَ الْمَسَاجِدِ لِمَصَالِحِ الْمَسْجِدِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْمُهِمَّاتِ وَيُكْرَهُ أَنْ يَكُونَ مِحْرَابُ الْمَسْجِدِ نَحْوَ الْمَقْبَرَةِ أَوْ الْمِيضَأَةِ أَوْ الْحَمَّامِ وَيُكْرَهُ التَّوَضُّؤُ فِي الْمَسْجِدِ كَالْبَزْقِ وَالْمَخْطِ لِمَا فِيهِ مِنْ الِاسْتِخْفَافِ وَكَذَا يُكْرَهُ أَنْ يُتَّخَذَ طَرِيقًا وَيُحَدِّثَ فِيهِ حَدِيثَ الدُّنْيَا أَوْ يُشْهَرَ فِيهِ السِّلَاحُ فَإِنْ كَانَ مَعَهُ شَيْءٌ مِنْهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْخُذَ بِنَصْلِهِ وَيُكْرَهُ الدُّخُولُ فِيهِ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ وَإِذَا رَأَى حَشِيشَ الْمَسْجِدِ فَرَفَعَهُ إنْسَانٌ جَازَ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قِيمَةٌ فَإِنْ كَانَ لَهُ أَدْنَى قِيمَةٍ لَا يَأْخُذُهُ إلَّا بَعْدَ الشِّرَاءِ مِنْ الْمُتَوَلِّي أَوْ الْقَاضِي أَوْ أَهْلِ الْمَسْجِدِ أَوْ الْإِمَامِ وَكَذَا الْجَنَائِزُ الْعُتَّقُ أَوْ الْحُصْرُ الْمُقَطَّعَةُ وَالْمَنَابِرُ وَالْقَنَادِيلُ الْمُكَسَّرَةُ وَالْأَوْلَى أَنْ تَكُونَ حِيطَانُ الْمَسْجِدِ أَبْيَضَ غَيْرَ مَنْقُوشَةٍ وَلَا مَكْتُوبٍ عَلَيْهَا وَيُكْرَهُ أَنْ تَكُونَ مَنْقُوشَةً بِصُوَرٍ أَوْ كِتَابَةٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَمَنْ جَعَلَ مَسْجِدًا تَحْتَهُ سِرْدَابٌ أَوْ فَوْقَهُ بَيْتٌ وَجَعَلَ بَابَهُ إلَى الطَّرِيقِ وَعَزَلَهُ أَوْ اتَّخَذَ وَسَطَ دَارِهِ مَسْجِدًا وَأَذِنَ لِلنَّاسِ بِالدُّخُولِ فَلَهُ بَيْعُهُ وَيُورَثُ عَنْهُ) لِأَنَّهُ لَمْ يَخْلُصْ لِلَّهِ تَعَالَى لِبَقَاءِ حَقِّ الْعَبْدِ مُتَعَلِّقًا بِهِ وَالسِّرْدَابُ بَيْتٌ يُتَّخَذُ تَحْتَ الْأَرْضِ لِغَرَضِ تَبْرِيدِ الْمَاءِ وَغَيْرِهِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي الْمِصْبَاحِ السِّرْدَابُ الْمَكَانُ الضَّيِّقُ يُدْخَلُ فِيهِ وَالْجَمْعُ سَرَادِيبُ. اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ شَرْطَ كَوْنِهِ مَسْجِدًا أَنْ يَكُونَ سُفْلُهُ وَعُلْوُهُ مَسْجِدًا لِيَنْقَطِعَ حَقُّ الْعَبْدِ عَنْهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ} [الجن: 18] بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ السِّرْدَابُ أَوْ الْعُلْوُ مَوْقُوفًا لِمَصَالِحِ الْمَسْجِدِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ إذْ لَا مِلْكَ فِيهِ لِأَحَدٍ بَلْ هُوَ مِنْ تَتْمِيمِ مَصَالِحِ الْمَسْجِدِ فَهُوَ كَسِرْدَابِ مَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ هَذَا هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَهُنَاكَ رِوَايَاتٌ ضَعِيفَةٌ مَذْكُورَةٌ فِي الْهِدَايَةِ وَبِمَا ذَكَرْنَاهُ عُلِمَ أَنَّهُ لَوْ بَنَى بَيْتًا عَلَى سَطْحِ الْمَسْجِدِ لِسُكْنَى الْإِمَامِ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ فِي كَوْنِهِ مَسْجِدًا لِأَنَّهُ مِنْ الْمَصَالِحِ فَإِنْ قُلْتُ: لَوْ جَعَلَ مَسْجِدًا ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَبْنِيَ فَوْقَهُ بَيْتًا لِلْإِمَامِ أَوْ غَيْرِهِ هَلْ لَهُ ذَلِكَ قُلْتُ: قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة إذَا بَنَى مَسْجِدًا وَبَنَى غَرْفَةً وَهُوَ فِي يَدِهِ فَلَهُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ حِينَ بَنَاهُ خَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ ثُمَّ جَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ يَبْنِي لَا يَتْرُكُهُ وَفِي جَامِعِ الْفَتْوَى إذَا قَالَ عَنَيْت ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يُصَدَّقُ. اهـ. فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي الْوَاقِفِ فَكَيْفَ بِغَيْرِهِ فَمَنْ بَنَى بَيْتًا عَلَى جِدَارِ الْمَسْجِدِ وَجَبَ هَدْمُهُ وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَلَا يَجُوزُ لِلْقَيِّمِ أَنْ يَجْعَلَ شَيْئًا مِنْ الْمَسْجِدِ مُسْتَغَلًّا وَلَا مَسْكَنًا وَقَدَّمْنَاهُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ الْمَسْجِدِ بَعْدَ خَرَابِهِ وَقَدْ اخْتَلَفَ فِيهِ الشَّيْخَانِ فَقَالَ مُحَمَّدٌ إذَا خَرِبَ وَلَيْسَ لَهُ مَا يُعَمَّرُ بِهِ وَقَدْ اسْتَغْنَى النَّاسُ عَنْهُ لِبِنَاءِ مَسْجِدٍ آخَرَ أَوْ لِخَرَابِ الْقَرْيَةِ أَوْ لَمْ يَخْرَبْ لَكِنْ خَرِبَتْ الْقَرْيَةُ بِنَقْلِ أَهْلِهَا وَاسْتَغْنَوْا عَنْهُ فَإِنَّهُ يَعُودُ إلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ أَوْ وَرَثَتِهِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ أَنْ يَكُونَ مِحْرَابُ الْمَسْجِدِ نَحْوَ الْمَقْبَرَةِ إلَخْ) هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ حَائِلٌ كَجِدَارٍ أَمَّا مَعَهُ فَلَا كَرَاهَةَ كَمَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 271 هُوَ مَسْجِدٌ أَبَدًا إلَى قِيَامِ السَّاعَةِ لَا يَعُودُ مِيرَاثًا وَلَا يَجُوزُ نَقْلُهُ وَنَقْلُ مَالِهِ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ سَوَاءٌ كَانُوا يُصَلُّونَ فِيهِ أَوْ لَا وَهُوَ الْفَتْوَى كَذَا فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ وَفِي الْمُجْتَبَى وَأَكْثَرُ الْمَشَايِخِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَرَجَّحَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ بِأَنَّهُ الْأَوْجَهُ قَالَ وَأَمَّا الْحُصْرُ وَالْقَنَادِيلُ فَالصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَعُودُ إلَى مِلْكِ مُتَّخِذِهِ بَلْ يُحَوَّلُ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ أَوْ يَبِيعُهُ قَيِّمُ الْمَسْجِدِ لِلْمَسْجِدِ وَفِي الْخُلَاصَةِ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْفَرَسِ إذَا جَعَلَهُ حَبِيسًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَصَارَ بِحَيْثُ لَا يُسْتَطَاعُ أَنْ يُرْكَبَ يُبَاعُ وَيُصْرَفُ ثَمَنُهُ إلَى صَاحِبِهِ أَوْ وَرَثَتِهِ كَمَا فِي الْمَسْجِدِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ صَاحِبَهُ يَشْتَرِي بِثَمَنِهِ فَرَسًا آخَرَ يُغْزَى عَلَيْهِ وَلَا حَاجَةَ إلَى الْحَاكِمِ وَلَوْ جَعَلَ جِنَازَةً وَمُلَاءَةً وَمُغْتَسَلًا وَقْفًا فِي مَحَلَّةٍ وَمَاتَ أَهْلُهَا كُلُّهُمْ لَا تُرَدُّ إلَى الْوَرَثَةِ بَلْ تُحْمَلُ إلَى مَكَان آخَرَ فَإِنْ صَحَّ هَذَا عَنْ مُحَمَّدٍ فَهُوَ رِوَايَةٌ فِي الْبَوَارِي وَالْحُصْرُ أَنَّهَا لَا تَعُودُ إلَى الْوَرَثَةِ. وَهَكَذَا نُقِلَ عَنْ الشَّيْخ الْإِمَامِ الْحَلْوَانِيِّ فِي الْمَسْجِدِ وَالْحَوْضِ إذَا خَرِبَ وَلَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِتَفَرُّقِ النَّاسِ عَنْهُ أَنَّهُ تُصْرَفُ أَوْقَافُهُ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ أَوْ حَوْضٍ آخَرَ وَاعْلَمْ أَنَّهُ يَتَفَرَّعُ عَلَى الْخِلَافِ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِيمَا إذَا اسْتَغْنَى عَنْ الْمَسْجِدِ لِخَرَابِ الْمَحَلَّةِ وَالْقَرْيَةِ وَتَفَرُّقِ أَهْلِهَا مَا إذَا انْهَدَمَ الْوَقْفُ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ الْغَلَّةِ مَا يُمْكِنُ بِهِ عِمَارَتُهُ بِهِ أَنَّهُ يَبْطُلُ الْوَقْفُ وَيَرْجِعُ النَّقْضُ إلَى بَانِيهِ أَوْ وَرَثَتِهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ. وَكَذَا حَانُوتٌ فِي سُوقٍ احْتَرَقَ وَصَارَ بِحَيْثُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ وَلَا يُسْتَأْجَرُ بِشَيْءٍ أَلْبَتَّةَ يَخْرُجُ عَنْ الْوَقْفِيَّةِ وَكَذَا فِي حَوْضِ مَحَلَّةٍ خَرِبَ وَلَيْسَ لَهُ مَا يُعَمَّرُ بِهِ عَادَ لِوَرَثَتِهِ فَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ فَهُوَ لُقَطَةٌ وَكَذَا الرِّبَاطُ إذَا خَرِبَ يَبْطُلُ الْوَقْفُ وَيَصِيرُ مِيرَاثًا وَلَوْ بَنَى رَجُلٌ فِي هَذِهِ الْأَرْضِ فَالْبِنَاءُ لِلْبَانِي وَأَصْلُ الْوَقْفِ لِوَرَثَةِ الْوَاقِفِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَقَوْلُ مَنْ قَالَ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ نَظَرٌ فَلْيُتَأَمَّلْ عِنْدَ الْفَتْوَى غَيْرُ وَاقِعٍ مَوْقِعَهُ. اهـ. وَأَرَادَ الرَّدَّ عَلَى الصَّدْرِ الشَّهِيدِ وَأَقُولُ: بَلْ النَّظَرُ وَاقِعٌ مَوْقِعَهُ لِأَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِي الْمَسْجِدِ فَكَذَا فِيمَا يَبْتَنِي عَلَيْهِ وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ بِجَوَازِ الِاسْتِبْدَالِ عِنْدَ الْخَرَابِ فَكَيْفَ يُنْقَلُ عَنْهُ الْقَوْلُ بِبُطْلَانِ الْوَقْفِيَّةِ فِي مَسْأَلَةِ الْحَانُوتِ وَلَقَدْ رَجَعَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إلَى الْحَقِّ حَيْثُ قَالَ وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ سُئِلَ الْحَلْوَانِيُّ عَنْ أَوْقَافِ الْمَسْجِدِ إذَا تَعَطَّلَتْ وَتَعَذَّرَ اسْتِغْلَالُهَا هَلْ لِلْمُتَوَلِّي أَنْ يَبِيعَهَا وَيَشْتَرِيَ بِثَمَنِهَا أُخْرَى قَالَ نَعَمْ وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ إذَا صَارَ الْوَقْفُ بِحَيْثُ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ الْمَسَاكِينُ فَلِلْقَاضِي أَنْ يَبِيعَهُ وَيَشْتَرِيَ بِثَمَنِهِ غَيْرَهُ وَعَلَى هَذَا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُفْتَى عَلَى قَوْلِهِ بِرُجُوعِهِ إلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ وَوَرَثَتِهِ بِمُجَرَّدِ تَعَطُّلِهِ أَوْ خَرَابِهِ بَلْ إذَا صَارَ بِحَيْثُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ يُشْتَرَى بِثَمَنِهِ وَقْفٌ يُسْتَغَلُّ   [منحة الخالق] [جَعَلَ مَسْجِدًا تَحْتَهُ سِرْدَابٌ أَوْ فَوْقَهُ بَيْتٌ وَجَعَلَ بَابَهُ إلَى الطَّرِيقِ] (قَوْلُهُ وَأَمَّا الْحَصِيرُ وَالْقَنَادِيلُ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَقَالَ مُحَمَّدٌ كُلُّ ذَلِكَ لِلَّذِي وَقَفَهُ وَبَسَطَهُ يَتَصَرَّفُ فِي ذَلِكَ كَيْفَ شَاءَ قَالَ بَعْضُهُمْ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ الْوَاقِفُ وَلَا وَارِثُهُ لَا بَأْسَ لِأَهْلِ الْمَسْجِدِ أَنْ يَدْفَعُوهُ إلَى فَقِيرٍ وَلَهُمْ أَنْ يَبِيعُوهُ ثُمَّ يَبْتَاعُوا بِثَمَنِهِ حُصْرًا أُخَرَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُمْ إلَّا بِإِذْنِ الْقَاضِي فَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ قَاضٍ جَازَ بَيْعُهُمْ أَقُولُ: قَوْلُهُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَخْ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجُوزُ بِغَيْرِ إذْنٍ لِمَا عُلِمَ مِنْ فَسَادِ قُضَاةِ هَذَا الزَّمَانِ فَإِنَّهُ رُبَّمَا بَاعَهُ الْقَاضِي وَأَكَلَ ثَمَنَهُ وَقَدْ شَاهَدْنَا مِنْهُمْ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ هَذَا وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ (قَوْلُهُ فَقَوْلُ مَنْ قَالَ جِنْسُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ نَظَرٌ) بَيَّنَ الْمُؤَلِّفِ وَجْهَ النَّظَرِ قُبَيْلَ قَوْلِ الْمَتْنِ وَلَا يُقْسَمُ بِأَنَّ الْوَقْفَ بَعْدَمَا خَرَجَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لَا يَعُودُ إلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ (قَوْلُهُ غَيْرُ وَاقِعٍ مَوْقِعَهُ اهـ.) أَيْ اهـ. كَلَامُ الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ وَأَقُولُ: بَلْ النَّظَرُ وَاقِعٌ مَوْقِعَهُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ مَا ادَّعَاهُ مِنْ التَّدَافُعِ بَيْنَ كَلَامِ مُحَمَّدٍ غَيْرُ وَاقِعٍ لِأَنَّ بَيْعَهُ إنَّمَا هُوَ رِوَايَةُ هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدٍ وَعَدَمُ جَوَازِ الْبَيْعِ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ وَعَلَيْهِ تَفَرَّعَ عَوْدُهُ إلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ أَوْ وَرَثَتِهِ فَلَا تَدَافُعَ نَعَمْ الْمَعْمُولُ بِهِ مَا رَوَاهُ هِشَامٌ كَمَا مَرَّ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى هُوَ الْمُوَفِّقُ كَذَا فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ وَلَقَدْ رَجَعَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إلَى الْحَقِّ) . اُنْظُرْ مَا الْمُرَادُ بِهَذَا الْحَقِّ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ وَمَا الْبَاطِلُ الَّذِي رَجَعَ عَنْهُ وَلَعَلَّ الْمُؤَلِّفَ فَهِمَ مِنْ قَوْلِ الْفَتْحِ وَاعْلَمْ أَنَّهُ يَتَفَرَّعُ عَلَى الْخِلَافِ إلَى قَوْلِهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ جَرَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ رَدُّهُ عَلَى الصَّدْرِ الشَّهِيدِ حَيْثُ نَظَرَ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ فِي الْفَتْحِ رَجَّحَ أَوَّلًا قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ بِأَنَّهُ أَوْجَهُ وَلَكِنْ يَبْقَى الْكَلَامُ فِي قَوْلِهِ وَلَقَدْ رَجَعَ إلَى الْحَقِّ فَإِنَّ مَا ذَكَرَهُ هُنَا هُوَ أَيْضًا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ بَلْ إذَا صَارَ بِحَيْثُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ) . حَاصِلُ هَذَا كَمَا يُعْلَمُ مِنْ سَابِقِ كَلَامِهِ وَلَاحِقِهِ أَنَّ الْأَرْضَ إذَا كَانَتْ لِلْغَلَّةِ لَا تَخْرُجُ عَنْ الِانْتِفَاعِ بِالْكُلِّيَّةِ بِالْخَرَابِ بَلْ الِاسْتِغْلَالُ حَاصِلٌ بَعْدَهُ بِإِيجَارِهَا لِلْبِنَاءِ أَوْ الْغِرَاسِ بِخِلَافِ الْمُعَدَّةِ لِلسُّكْنَى وَنَحْوِ الرِّبَاطِ وَالْحَانُوتِ فَإِنَّهَا بِالْخَرَابِ تَخْرُجُ عَمَّا قَصَدَهُ الْوَاقِفُ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُفْتَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ بِرُجُوعِ الْوَقْفِ إلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ أَوْ وَرَثَتِهِ مُطْلَقًا لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ مُحَمَّدًا الْقَائِلَ بِعَوْدِ الْمَسْجِدِ بَعْدَ خَرَابِهِ أَوْ تَفَرُّقِ أَهْلِ الْقَرْيَةِ إلَى الْمِلْكِ مَعَ أَنَّ احْتِمَالَ عَوْدِ الْعِمَارَةِ قَائِمٌ وَقَدْ يُصَلِّي فِيهِ الْمُجْتَازُونَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 272 وَلَوْ كَانَتْ غَلَّتُهُ دُونَ غَلَّةِ الْأُولَى فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَقْفٌ عَلَى مُسَمَّيْنَ خَرِبَ وَلَا يُنْتَفَعُ بِهِ وَلَا يُسْتَأْجَرُ أَصْلُهُ يَبْطُلُ الْوَقْفُ وَيَجُوزُ بَيْعُهُ وَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ يُسْتَأْجَرُ بِشَيْءٍ قَلِيلٍ يَبْقَى أَصْلُهُ وَقْفًا. اهـ. وَيَجِبُ حِفْظُ هَذَا فَإِنَّهُ قَدْ تَخْرَبُ الدَّارُ وَتَصِيرُ كَوْمًا وَهِيَ بِحَيْثُ لَوْ نُقِلَ نَقْضُهَا اسْتَأْجَرَ أَرْضَهَا مَنْ يَبْنِي أَوْ يَغْرِسُ وَلَوْ بِقَلِيلٍ فَيَغْفُلُ عَنْ ذَلِكَ وَتُبَاعُ كُلُّهَا لِلْوَاقِفِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ مِنْهَا إلَيْهِ إلَّا النِّقْضُ فَإِنْ قُلْتُ: عَلَى هَذَا تَكُونُ مَسْأَلَةُ الرِّبَاطِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا مُقَيَّدَةً بِمَا إذَا لَمْ تَكُنْ أَرْضُهُ بِحَيْثُ تُسْتَأْجَرُ قُلْنَا لَا لِأَنَّ الرِّبَاطَ مَوْقُوفٌ لِلسُّكْنَى وَامْتَنَعَتْ بِانْهِدَامِهِ بِخِلَافِ هَذِهِ فَإِنَّ الْمُرَادَ وَقْفٌ لِاسْتِغْلَالِ الْجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ. اهـ. مَا فِي الْفَتْحِ وَفِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ بَسَطَ مِنْ مَالِهِ حَصِيرًا لِلْمَسْجِدِ فَخَرِبَ الْمَسْجِدُ وَوَقَعَ الِاسْتِغْنَاءُ عَنْهُ فَإِنَّ ذَلِكَ يَكُونُ لَهُ إنْ كَانَ حَيًّا وَلِوَرَثَتِهِ إنْ كَانَ مَيِّتًا وَإِنْ بَلَى ذَلِكَ كَانَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ وَيَشْتَرِيَ بِثَمَنِهِ حَصِيرًا آخَرَ وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى حَشِيشًا أَوْ قِنْدِيلًا فَوَقَعَ الِاسْتِغْنَاءُ عَنْهُ كَانَ ذَلِكَ لَهُ إنْ كَانَ حَيًّا وَلِوَرَثَتِهِ إنْ كَانَ مَيِّتًا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُبَاعُ ذَلِكَ وَيُصْرَفُ ثَمَنُهُ إلَى حَوَائِجِ الْمَسْجِدِ فَإِنْ اسْتَغْنَى عَنْهُ هَذَا الْمَسْجِدُ يُحَوَّلُ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَلَوْ كَفَّنَ مَيِّتًا فَافْتَرَسَهُ سَبُعٌ فَإِنَّ الْكَفَنَ يَكُونُ لِلْمُكَفِّنِ إنْ كَانَ حَيًّا وَلِوَارِثِهِ إنْ كَانَ مَيِّتًا وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْمَسْجِدِ بَاعُوا حَشِيشَ الْمَسْجِدِ أَوْ جِنَازَةً أَوْ نَعْشًا صَارَ خَلَقًا وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ غَائِبٌ اخْتَلَفُوا فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ يَجُوزُ وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ بِإِذْنِ الْقَاضِي وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجُوزُ إلَّا بِإِذْنِ الْقَاضِي وَهُوَ الصَّحِيحُ. اهـ. وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي آلَاتِ الْمَسْجِدِ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِي تَأْبِيدِ الْمَسْجِدِ وَأَمَّا قِيَاسُهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الْحَصِيرَ عَلَى الْجِنَازَةِ وَالنَّعْشِ فَغَيْرُ صَحِيحٍ لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ إذَا وَقَفَ جِنَازَةً أَوْ نَعْشًا أَوْ مُغْتَسَلًا وَهُوَ التَّوْرُ الْعَظِيمُ فِي مَحَلَّةٍ خَرِبَتْ الْمَحَلَّةُ وَلَمْ يَبْقَ أَهْلُهَا قَالُوا لَا تُرَدُّ إلَى وَرَثَةِ الْوَاقِفِ بَلْ تُحَوَّلُ إلَى مَحَلَّةٍ أُخْرَى أَقْرَبَ إلَى هَذِهِ الْمَحَلَّةِ فَرَّقُوا بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْمَسْجِدِ إذَا خَرِبَ مَا حَوْلَهُ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ يَصِيرُ مِيرَاثًا لِأَنَّ الْمَسْجِدَ مِمَّا لَا يُنْقَلُ إلَى مَكَان آخَرَ وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ مِمَّا تُنْقَلُ اهـ. وَفِي الْقُنْيَةِ حَوْضٌ أَوْ مَسْجِدٌ خَرِبَ وَتَفَرَّقَ النَّاسُ عَنْهُ فَلِلْقَاضِي أَنْ يَصْرِفَ أَوْقَافَهُ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ وَلَوْ خَرِبَ أَحَدُ الْمَسْجِدَيْنِ فِي قَرْيَةٍ وَاحِدَةٍ فَلِلْقَاضِي صَرْفُ خَشَبِهِ إلَى عِمَارَةِ الْمَسْجِدِ   [منحة الخالق] كَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ جِهَةِ أَبِي يُوسُفَ إيرَادًا عَلَى مُحَمَّدٍ. (قَوْلُهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجُوزُ إلَّا بِإِذْنِ الْقَاضِي وَهُوَ الصَّحِيحُ) لَا تَنْسَ مَا قَدَّمْنَا آنِفًا عَنْ الرَّمْلِيِّ (قَوْلُهُ وَأَمَّا قِيَاسُهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الْحَصِيرَ إلَخْ) أَيْ حَيْثُ قَالَ فِيمَا سَبَقَ فَإِنْ صَحَّ هَذَا عَنْ مُحَمَّدٍ فَهُوَ رِوَايَةٌ فِي الْبَوَارِي وَالْحُصْرُ أَنَّهَا لَا تَعُودُ إلَى الْوَارِثِ وَالْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ فَإِنْ صَحَّ هَذَا إلَى الْجِنَازَةِ وَالْمِلْأَةِ وَالْمُغْتَسَلِ فَقَدْ جَعَلَ الرِّوَايَةَ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ رِوَايَةً فِي الْحَصِيرِ وَقَدْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي الْخَانِيَّةِ فَأَنَّهُ فِيمَا مَرَّ آنِفًا جَعَلَ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي آلَاتِ الْمَسْجِدِ إذَا خَرِبَ مِنْ أَنَّهَا تَعُودُ إلَى الْمِلْكِ. وَفِي الْجِنَازَةِ وَنَحْوِهَا مَشَى عَلَى أَنَّهَا لَا تَعُودُ لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ التَّعْلِيلَ بِكَوْنِهِ مِمَّا يُنْقَلُ يَشْمَلُ الْكُلَّ فَلْيُتَأَمَّلْ ثُمَّ رَأَيْتُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْفَتْحِ مَذْكُورًا فِي الذَّخِيرَةِ عَنْ وَاقِعَاتِ الصَّدْرِ الشَّهِيدِ حَيْثُ نَقَلَ أَوَّلًا مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ هُنَا عَنْ الْخَانِيَّةِ مَعَ الْفَرْقِ الْمَذْكُورِ ثُمَّ قَالَ وَفِي هَذِهِ الْفُصُولِ نَوْعُ إشْكَالٍ وَيَنْبَغِي أَنْ يَعُودَ إلَى مِلْكِ الْوَارِثِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ عَلَى قِيَاسِ مَسْأَلَةِ الْحُصْرِ وَالْبَوَارِي وَلَئِنْ صَحَّ هَذَا عَنْ مُحَمَّدٍ تَصِيرُ هَذِهِ الْمَسَائِلُ رِوَايَةً فِي الْحَصِيرِ وَالْبَوَارِي أَنَّهُ لَا يَعُودُ إلَى مِلْكِ الْوَارِثِ. (قَوْلُهُ وَفِي الْقُنْيَةِ حَوْضٌ إلَخْ) وَفِي الْخَانِيَّةِ رِبَاطٌ بَعِيدٌ اسْتَغْنَى عَنْهُ الْمَارَّةُ وَبِجَنْبِهِ رِبَاطٌ آخَرُ قَالَ السَّيِّدُ الْإِمَامُ أَبُو شُجَاعٍ تُصْرَفُ غَلَّتُهُ إلَى الرِّبَاطِ الثَّانِي كَالْمَسْجِدِ إذَا خَرِبَ وَاسْتَغْنَى عَنْهُ أَهْلُ الْقَرْيَةِ فَرُفِعَ ذَلِكَ إلَى الْقَاضِي فَبَاعَ الْخَشَبَ وَصَرَفَ الثَّمَنَ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ جَازَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إذَا خَرِبَ الرِّبَاطُ أَوْ الْمَسْجِدُ وَاسْتَغْنَى النَّاسُ عَنْهُمَا يَصِيرُ مِيرَاثًا وَكَذَا حَوْضُ الْعَامَّةِ إذَا خَرِبَ. اهـ. لَكِنْ ذَكَرَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي رِسَالَتِهِ أَنَّ هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا مَرَّ عَنْ الْحَاوِي وَغَيْرِهِ فَهُوَ خِلَافُ الْمُفْتَى بِهِ وَخِلَافُ الصَّحِيحِ الْمَذْكُورِ فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ قَالَ وَبِذَلِكَ تَعْلَمُ فَتْوَى بَعْضِ الْمَشَايِخِ فِي عَصْرِنَا بِمَا يُخَالِفُ ذَلِكَ مِمَّا ذَكَرَهُ فِي الْقُنْيَةِ وَغَيْرِهَا بَلْ وَمَنْ كَانَ قَبْلَهُمْ كَالشَّيْخِ الْإِمَام أَمِينِ الدِّينِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَالِ وَالشَّيْخِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ الشَّلَبِيِّ وَالشَّيْخِ زَيْنِ بْنِ نُجَيْمٍ وَالشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْوَفَائِيِّ فَمِنْهُمْ مَنْ أَفْتَى بِنَقْلِ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ وَمِنْهُمْ مَنْ أَفْتَى بِنَقْلِهِ وَنَقْلِ مَالِهِ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ وَقَدْ مَشَى الشَّيْخُ الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ سِرَاجِ الدِّينِ الْحَانُوتِيُّ عَلَى الْقَوْلِ الْمُفْتَى بِهِ مِنْ عَدَمِ نَقْلِ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ وَلَمْ يُوَافِقْ الْمَذْكُورِينَ اهـ. لَكِنَّ الشُّرُنْبُلَالِيُّ جَعَلَ مَا ذُكِرَ خَاصًّا بِالْمَسْجِدِ أَمَّا الْحَوْضُ وَالْبِئْرُ وَنَحْوُهُمَا فَقَالَ يَجُوزُ نَقْلُهُ إلَى آخَرَ كَالْحَصِيرِ تَأَمَّلْ هَذَا وَقَدْ وَقَعَتْ هَذِهِ الْحَادِثَةُ سُئِلْت عَنْهَا فِي أَمِيرٍ أَرَادَ نَقْلَ أَحْجَارٍ مِنْ مَسْجِدٍ خَرَابٍ فِي سَفْحِ جَبَلِ قَاسِيُونَ فِي دِمَشْقَ وَأَرَادَ أَنْ يُبَلِّطَ بِهَا صَحْنَ الْجَامِعِ الْأُمَوِيِّ فَأَفْتَيْت بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ ثُمَّ بَلَغَنِي أَنَّ بَعْضَ الْمُتَغَلِّبِينَ نَقَلَ الْأَحْجَارَ الْمَذْكُورَةَ إلَى عِمَارَةِ دَارِهِ فَنَدِمْتُ عَلَى مَا أَفْتَيْتُ بِهِ ثُمَّ رَأَيْتُ الْآنَ فِي الذَّخِيرَةِ قَالَ وَفِي فَتَاوَى النَّسَفِيِّ سُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 273 الْآخَرِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بَانِيهِ وَلَا وَارِثُهُ وَإِنْ عَلِمَ يَصْرِفُهَا هُوَ بِنَفْسِهِ قُلْتُ: إنْ شَاءَ وَلَوْ خَرِبَ الْحَوْضُ الْعَامُّ فَكَبَسَهُ إنْسَانٌ وَبَنَى عَلَيْهِ حَوَانِيتَ فَلِلْقَاضِي أَنْ يَأْخُذَ أَجْرَ مِثْلِ الْأَرْضِ وَيَصْرِفَهُ إلَى حَوْضٍ آخَرَ مِنْ تِلْكَ الْقَرْيَةِ اهـ. (قَوْلُهُ وَمَنْ بَنَى سِقَايَةً أَوْ خَانًا أَوْ رِبَاطًا أَوْ مَقْبَرَةً لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْهُ حَتَّى يَحْكُمَ بِهِ حَاكِمٌ) يَعْنِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْقَطِعْ عَنْهُ حَقُّ الْعَبْدِ أَلَا تَرَى أَنَّ لَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ وَيَسْكُنَ فِي الْخَانِ وَيَنْزِلَ فِي الرِّبَاطِ وَيَشْرَبَ مِنْ السِّقَايَةِ وَيُدْفَنَ فِي الْمَقْبَرَةِ فَيُشْتَرَطُ حُكْمُ الْحَاكِمِ أَوْ الْإِضَافَةُ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ كَمَا فِي الْوَقْفِ عَلَى الْفُقَرَاءِ بِخِلَافِ الْمَسْجِدِ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لَهُ حَقُّ الِانْتِفَاعِ بِهِ فَخَلَصَ لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ غَيْرِ حُكْمِ الْحَاكِمِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَزُولُ مِلْكُهُ بِالْقَوْلِ كَمَا هُوَ أَصْلُهُ إذْ التَّسْلِيمُ عِنْدَهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَالْوَقْفُ لَازِمٌ. وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَنَأْخُذُ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ إذَا اسْتَقَى النَّاسُ مِنْ السِّقَايَةِ وَسَكَنُوا الْخَانَ وَالرِّبَاطَ وَدُفِنُوا فِي الْمَقْبَرَةِ زَالَ الْمِلْكُ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ عِنْدَهُ شَرْطٌ وَالشَّرْطُ تَسْلِيمُ نَوْعِهِ وَذَلِكَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ وَيُكْتَفَى بِالْوَاحِدِ لِتَعَذُّرِ فِعْلِ الْجِنْسِ كُلِّهِ وَعَلَى هَذَا الْبِئْرُ وَالْحَوْضُ وَلَوْ سَلَّمَ إلَى الْمُتَوَلِّي صَحَّ التَّسْلِيمُ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ وَفِعْلُ النَّائِبِ كَفِعْلِ الْمَنُوبِ عَنْهُ وَأَمَّا فِي الْمَسْجِدِ فَقَدَّمْنَا الْخِلَافَ فِيمَا إذَا سَلَّمَهُ إلَى الْمُتَوَلِّي وَالْمَقْبَرَةُ فِي هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْمَسْجِدِ عَلَى مَا قِيلَ لِأَنَّهُ لَا مُتَوَلِّيَ لَهُ عُرْفًا. وَقَدْ قِيلَ إنَّهُ بِمَنْزِلَةِ السِّقَايَةِ وَالْخَانِ فَيَصِحُّ التَّسْلِيمُ إلَى الْمُتَوَلِّي لِأَنَّهُ لَوْ نَصَبَ الْمُتَوَلِّي يَصِحُّ وَإِنْ كَانَ عَلَى خِلَافِ الْعَادَةِ وَلَوْ جَعَلَ دَارًا لَهُ بِمَكَّةَ سُكْنَى لِحَاجِّ بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ وَالْمُعْتَمِرِينَ أَوْ جَعَلَ دَارِهِ فِي غَيْرِ مَكَّةَ سُكْنَى لِلْمَسَاكِينِ أَوْ جَعَلَهَا فِي ثَغْرٍ مِنْ الثُّغُورِ سُكْنَى لِلْغُزَاةِ وَالْمُرَابِطِينَ أَوْ جَعَلَ غَلَّةَ أَرْضِهِ لِلْغُزَاةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى وَدَفَعَ ذَلِكَ إلَى وَالٍ يَقُومُ عَلَيْهِ فَهُوَ جَائِزٌ وَلَا رُجُوعَ فِيهَا لِمَا بَيَّنَّا إلَّا أَنَّ فِي الْغَلَّةِ تَحِلُّ لِلْفُقَرَاءِ دُونَ الْأَغْنِيَاءِ وَفِيمَا سِوَاهُ مِنْ سُكْنَى الْخَانِ وَالِاسْتِقَاءِ مِنْ الْبِئْرِ وَالسِّقَايَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ يَسْتَوِي فِيهِ الْفَقِيرُ وَالْغَنِيُّ وَالْفَارِقُ هُوَ الْعُرْفُ بَيْنَ الْفَصْلَيْنِ فَإِنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ يُرِيدُونَ بِذَلِكَ فِي الْغَلَّةِ لِلْفُقَرَاءِ وَفِي غَيْرِهَا التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ تَشْمَلُ الْغَنِيَّ وَالْفَقِيرَ فِي النُّزُولِ وَالشُّرْبِ وَالْغَنِيُّ لَا يَحْتَاجُ إلَى صَرْفِ هَذِهِ الْغَلَّةِ لِغِنَاهُ. كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ عُلِمَ أَنَّ اقْتِصَارَ الْمُصَنِّفِ عَلَى حُكْمِ الْحَاكِمِ لَيْسَ بِجَيِّدٍ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ كَالْحُكْمِ وَهِيَ وَصِيَّةٌ فَلَا تَلْزَمُ إلَّا بَعْدَ الْمَوْتِ وَلَهُ الرُّجُوعُ عَنْهَا فِي حَيَاتِهِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَظَاهِرُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ فِي الْمَقْبَرَةِ قَبْلَ الْحُكْمِ وَبَعْدَ الدَّفْنِ بِهَا عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ ثُمَّ رَوَى الْحَسَنُ عَنْهُ أَنَّهُ إذَا رَجَعَ بَعْدَ الدَّفْنِ لَا يَرْجِعُ فِي الْمَحَلِّ الَّذِي دُفِنَ فِيهِ وَيَرْجِعُ فِيمَا سِوَاهُ ثُمَّ إذَا رَجَعَ فِي الْمَقْبَرَةِ بَعْدَ الدَّفْنِ لَا يَنْبُشُهَا لِأَنَّ النَّبْشَ حَرَامٌ وَلَكِنْ يُسَوِّي وَيَزْرَعُ وَهَذَا عَلَى غَيْرِ رِوَايَةِ الْحَسَنِ وَالْفَتْوَى فِي ذَلِكَ كُلِّهِ خِلَافُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لِلتَّعَامُلِ الْمُتَوَارَثِ هَذَا وَتُفَارِقُ الْمَقْبَرَةُ غَيْرَهَا بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي الْمَقْبَرَةِ أَشْجَارٌ وَقْتَ الْوَقْفِ كَانَ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يَقْطَعُوهَا لِأَنَّ مَوْضِعَهَا لَمْ يَدْخُلْ فِي الْوَقْفِ لِأَنَّهُ مَشْغُولٌ بِهَا كَمَا لَوْ جَعَلَ دَارِهِ مَقْبَرَةً لَا يَدْخُلُ مَوْضِعُ الْبِنَاءِ فِي الْوَقْفِ بِخِلَافِ غَيْرِ الْمَقْبَرَةِ فَإِنَّ الْأَشْجَارَ وَالْبِنَاءَ إذَا كَانَتْ فِي عَقَارٍ وَقَفَهُ دَخَلَتْ فِي الْوَقْفِ تَبَعًا وَلَوْ نَبَتَتْ فِيهَا بَعْدَ الْوَقْفِ إنْ عَلِمَ غَارِسُهَا كَانَتْ لِلْغَارِسِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَالرَّأْيُ فِيهَا إلَى الْقَاضِي إنْ رَأَى بَيْعَهَا وَصَرْفَ ثَمَنِهَا عَلَى عِمَارَةِ الْمَقْبَرَةِ فَلَهُ ذَلِكَ وَيَكُونُ فِي الْحُكْمِ كَأَنَّهُ وَقْفٌ وَلَوْ كَانَتْ قَبْلَ الْوَقْفِ لَكِنَّ الْأَرْضَ مَوَاتٌ لَيْسَ لَهَا مَالِكٌ فَاتَّخَذَهَا أَهْلُ الْقَرْيَةِ مَقْبَرَةً فَالْأَشْجَارُ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ قَبْلَ جَعْلِهَا مَقْبَرَةً وَلَوْ بَنَى رَجُلٌ بَيْتًا فِي الْمَقْبَرَةِ لِحِفْظِ اللَّبِنِ وَنَحْوِهِ إنْ كَانَ فِي الْأَرْضِ سَعَةٌ جَازَ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ بِذَلِكَ أَهْلُ الْمَقْبَرَةِ لَكِنْ إذَا اُحْتِيجَ إلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ بِدَفْعِ الْبِنَاءِ لِيَقْبُرَ فِيهِ وَمَنْ حَفَرَ لِنَفْسِهِ قَبْرًا فَلِغَيْرِهِ أَنْ يَقْبُرَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ فِي الْأَرْضِ سَعَةٌ إلَّا أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ لَا يُوحِشَهُ إنْ كَانَ فِيهِ سَعَةٌ. كَمَنْ بَسَطَ سَجَّادَةً   [منحة الخالق] عَنْ أَهْلِ قَرْيَةٍ رَحَلُوا وَتَدَاعَى مَسْجِدُ الْقَرْيَةِ إلَى الْخَرَابِ وَبَعْضُ الْمُتَغَلِّبَةِ يُسْتَوْلَوْنَ عَلَى خَشَبِ الْمَسْجِدِ وَيَنْقُلُونَهُ إلَى دُورِهِمْ هَلْ لِوَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ أَنْ يَبِيعَ الْخَشَبَ بِأَمْرِ الْقَاضِي وَيُمْسِكَ الثَّمَنَ لِيَصْرِفَهُ إلَى بَعْضِ الْمَسَاجِدِ أَوْ إلَى هَذَا الْمَسْجِدِ قَالَ نَعَمْ وَحَكَى أَنَّهُ وَقَعَ (قَوْلُهُ قُلْتُ: إنْ شَاءَ) هُوَ مِنْ كَلَامِ الْقُنْيَةِ وَفَائِدَتُهُ أَنَّهُ إذَا عَادَ إلَى مِلْكِ بَانِيهِ أَوْ وَارِثِهِ لَا يُلْزَمُ بِصَرْفِهِ بَلْ إنْ شَاءَ صَرَفَهُ وَإِنْ شَاءَ أَبْقَاهُ وَهَذَا بِنَاءً عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ نَقْلُهُ وَلَا نَقْلُ مَالِهِ إلَى آخَرَ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَذُرِّيَّتِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا آمِينَ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 274 فِي الْمَسْجِدِ أَوْ نَزَلَ فِي الرِّبَاطِ فَجَاءَ آخَرُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُوحِشَ الْأَوَّلَ إنْ كَانَ فِي الْمَكَانِ سَعَةٌ وَذَكَرَ النَّاطِفِيُّ أَنَّهُ يَضْمَنُ قِيمَةَ الْحَفْرِ لِيَجْمَعَ بَيْنَ الْحَقَّيْنِ وَلَا يَجُوزُ لِأَهْلِ الْقَرْيَةِ الِانْتِفَاعُ بِالْمَقْبَرَةِ الدَّائِرَةِ فَلَوْ كَانَ فِيهَا حَشِيشٌ يُحَشُّ وَيُرْسَلُ إلَى الدَّوَابِّ وَلَا تُرْسَلُ الدَّوَابُّ فِيهَا. اهـ. وَفِي الْخَانِيَّةِ امْرَأَةٌ جَعَلَتْ قِطْعَةَ أَرْضٍ مَقْبَرَةً وَأَخْرَجَتْهَا مِنْ يَدِهَا وَدُفِنَ فِيهِ ابْنُهَا وَهَذِهِ الْأَرْضُ غَيْرُ صَالِحَةٍ لِلْقَبْرِ لِغَلَبَةِ الْمَاءِ عَلَيْهَا قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ إنْ كَانَتْ الْأَرْضُ بِحَالٍ يَرْغَبُ النَّاسُ عَنْ دَفْنِ الْمَوْتَى فِيهَا لِفَسَادِهَا لَمْ تَصِرْ مَقْبَرَةً وَكَانَ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَبِيعَهَا وَإِذَا بَاعَتْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرْفَعَ الْمَيِّتَ عَنْهَا أَوْ يَأْمُرَ بِرَفْعِ الْمَيِّتِ عَنْهَا وَلَوْ جَعَلَ أَرْضَهُ مَقْبَرَةً أَوْ خَانًا لِلْغَلَّةِ أَوْ مَسْكَنًا سَقَطَ الْخَرَاجُ عَنْهُ إنْ كَانَتْ خَرَاجِيَّةً وَقِيلَ لَا تَسْقُطُ وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ. وَلَوْ بَنَى رِبَاطًا عَلَى أَنْ يَكُونَ فِي يَدِهِ مَا دَامَ حَيًّا قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ يُقَرُّ فِي يَدِهِ مَا لَمْ يَسْتَوْجِبْ الْإِخْرَاجَ عَنْ يَدِهِ. قَوْمٌ عَمَّرُوا أَرْضَ مَوَاتٍ عَلَى شَطِّ جَيْحُونٍ وَكَانَ السُّلْطَانُ يَأْخُذُ الْعُشْرَ مِنْهُمْ لِأَنَّ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ مَاءُ الْجَيْحُونِ لَيْسَ مَاءَ الْخَرَاجِ وَبِقُرْبِ ذَلِكَ رِبَاطٌ فَقَامَ مُتَوَلِّي الرِّبَاطِ إلَى السُّلْطَانِ فَأَطْلَقَ السُّلْطَانُ لَهُ ذَلِكَ الْعُشْرَ هَلْ يَكُونُ لِلْمُتَوَلِّي أَنْ يَصْرِفَ ذَلِكَ الْعُشْرَ إلَى مُؤَذِّنٍ يُؤَذِّنُ فِي هَذَا الرِّبَاطِ يَسْتَعِينُ بِهَذَا عَلَى طَعَامِهِ وَكِسْوَتِهِ هَلْ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ وَهَلْ يَكُونُ لِلْمُؤَذِّنِ أَنْ يَأْخُذَ ذَلِكَ الْعُشْرَ الَّذِي أَبَاحَ السُّلْطَانُ لِلرِّبَاطِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ لَوْ كَانَ الْمُؤَذِّنُ مُحْتَاجًا يَطِيبُ لَهُ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَصْرِفَ ذَلِكَ الْعُشْرَ إلَى عِمَارَةِ الرِّبَاطِ وَإِنَّمَا يُصْرَفُ إلَى الْفُقَرَاءِ لَا غَيْرُ وَلَوْ صَرَفَ إلَى الْمُحْتَاجِينَ ثُمَّ إنَّهُمْ أَنْفَقُوا فِي عِمَارَةِ الرِّبَاطِ جَازَ وَيَكُونُ ذَلِكَ حَسَنًا. رِبَاطٌ عَلَى بَابِهِ قَنْطَرَةٌ عَلَى نَهْرٍ عَظِيمٍ خَرِبَتْ الْقَنْطَرَةُ وَلَا يُمْكِنُ الْوُصُولُ إلَى الرِّبَاطِ إلَّا بِمُجَاوَزَةِ النَّهْرِ وَبِدُونِ الْقَنْطَرَةِ لَا يُمْكِنُ الْمُجَاوَزَةُ هَلْ تَجُوزُ عِمَارَةُ الْقَنْطَرَةِ بِغَلَّةِ الرِّبَاطِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ إنْ كَانَ الْوَاقِفُ عَلَى مَصَالِحِ الرِّبَاطِ لَا بَأْسَ بِهِ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّ الرِّبَاطَ لِلْعَامَّةِ وَالْقَنْطَرَةَ كَذَلِكَ. مُتَوَلِّي الرِّبَاطِ إذَا صَرَفَ فَضْلَ غَلَّةِ الرِّبَاطِ فِي حَاجَةِ نَفْسِهِ قَرْضًا لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَفْعَلَ وَلَوْ فَعَلَ ثُمَّ أَنْفَقَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ فِي الرِّبَاطِ رَجَوْتُ لَهُ أَنْ يَبْرَأَ وَإِنْ أَقْرَضَ لِيَكُونَ أَحْرَزَ مِنْ الْإِمْسَاكِ عِنْدَهُ قَالَ رَجَوْتُ أَنْ يَكُونَ وَاسِعًا لَهُ ذَلِكَ. رِبَاطٌ اسْتَغْنَى عَنْهُ الْمَارَّةُ وَبِقُرْبِهِ رِبَاطٌ آخَرُ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ تُصْرَفُ غَلَّةُ الرِّبَاطِ الْأَوَّلِ إلَى الرِّبَاطِ الثَّانِي وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِقُرْبِهِ رِبَاطٌ يَعُودُ الْوَقْفُ إلَى وَرَثَةِ مَنْ بَنَى الرِّبَاطَ رَجُلٌ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِلرِّبَاطِ فَإِلَى مَنْ يُصْرَفُ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ إنْ كَانَ هُنَاكَ دَلَالَةٌ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْمُقِيمِينَ يُصْرَفُ إلَيْهِمْ وَإِلَّا يُصْرَفُ إلَى عِمَارَةِ الرِّبَاطِ. اهـ. وَفِي الْمِصْبَاحِ السِّقَايَةُ بِالْكَسْرِ الْمَوْضِعُ يُتَّخَذُ لِسَقْيِ النَّاسِ وَالرِّبَاطُ اسْمٌ مِنْ رَابَطَ مُرَابَطَةً مِنْ بَابِ قَاتَلَ إذَا لَازَمَ ثَغْرَ الْعَدُوِّ وَالرِّبَاطُ الَّذِي يُبْنَى لِلْفُقَرَاءِ مُوَلَّدٌ وَيُجْمَعُ فِي الْقِيَاسِ عَلَى رُبُطٍ بِضَمَّتَيْنِ وَرِبَاطَاتٍ وَفِي الْمُجْتَبَى اتَّخَذَ مَشْرَعَةً أَوْ مَكْتَبًا لَا يَتِمُّ حَتَّى يَشْرَعَ فِيهَا إنْسَانٌ أَوْ يَقْرَأَ فِيهَا إنْسَانٌ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ الْإِشْهَادُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ يَكْفِي وَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْرَبَ مِنْ الْحَوْضِ وَالْبِئْرِ وَيَسْقِيَ دَابَّتَهُ وَيَتَوَضَّأَ مِنْهُ وَفِي التَّوَضُّؤِ مِنْ السِّقَايَةِ إذَا اتَّخَذَهَا لِلشُّرْبِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ وَلَوْ اتَّخَذَهَا لِلتَّوَضُّؤِ لَا يَجُوزُ الشُّرْبُ مِنْهُ بِالْإِجْمَاعِ وَفِي الِاسْتِقَاءِ مِنْ السِّقَايَةِ وَإِسْقَاءِ الدَّوَابِّ اخْتِلَافٌ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا الِاسْتِقَاءُ لِلشُّرْبِ إذَا كَانَ قَلِيلًا لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الشُّرْبِ وَالْأَصَحُّ عَدَمُ جَوَازِ أَخْذِ الْجَمْدِ إلَى بَيْتِهِ لِأَنَّ الْجَمْدَ لِتَبْرِيدِ مَاءِ السِّقَايَةِ لَا لِلْأَخْذِ مَقْبَرَةٌ لِلْمُشْرِكِينَ أَرَادَ أَنْ يَتَّخِذَهَا مَقْبَرَةً لِلْمُسْلِمِينَ لَا بَأْسَ بِهِ إنْ كَانَتْ قَدْ انْدَرَسَتْ آثَارُهُمْ فَإِنْ بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ عِظَامِهِمْ تُنْبَشُ وَتُقْبَرُ ثُمَّ تُجْعَلُ مَقْبَرَةً لِلْمُسْلِمِينَ فَإِنَّ مَوْضِعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ مَقْبَرَةً لِلْمُشْرِكِينَ فَنَبَشَهُ وَاتَّخَذَهُ مَسْجِدًا اُسْتُغْنِيَ عَنْ مَسْجِدٍ لَا يَجُوزُ اتِّخَاذُهُ مَقْبَرَةً وَلَوْ وَقَفَ أَرْضًا عَلَى الْمَقْبَرَةِ أَوْ عَلَى صُوفِي خَانَهُ بِشَرَائِطِهِ لَا يَصِحُّ. اهـ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَإِذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ مَوْضِعًا وَجَعَلَهُ طَرِيقًا لِلْمُسْلِمِينَ وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ صَحَّ وَيُشْتَرَطُ لِإِتْمَامِهِ مُرُورُ وَاحِدٍ   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 275 مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَشْتَرِطُ التَّسْلِيمَ فِي الْأَوْقَافِ وَفِي النَّوَادِرِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ أَجَازَ وَقْفَ الْمَقَابِرِ وَالطُّرُقِ قَالَ هِلَالٌ وَكَذَلِكَ الْقَنْطَرَةُ يَتَّخِذُهَا الرَّجُلُ لِلْمُسْلِمِينَ وَيَتَطَرَّقُونَ فِيهَا لَا يَكُونُ بِنَاؤُهَا مِيرَاثًا لِلْوَرَثَةِ وَقَدْ صَارَ وَقْفًا وَدَلَّتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى جَوَازِ وَقْفِ الْبِنَاءِ وَفِي الْقُنْيَةِ صَغِيرٌ كَانَ يَأْخُذُ مِنْ السِّقَايَةِ مَاءً لِإِصْلَاحِ الدَّوَاةِ أَوْ قَصْعَةً لِلشُّرْبِ ثُمَّ بَلَغَ فَنَدِمَ لَا يَكْفِيهِ النَّدَمُ بَلْ يَرُدُّ الضَّمَانَ إلَى الْقَيِّمِ وَلَا يَجْزِيهِ صَبُّ مِثْلِهِ فِي السِّقَايَةِ أَخَذَ مِنْ السِّقَايَةِ مَاءً مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى حَتَّى بَلَغَ جَرَّةً مَثَلًا وَكَانَ الْقَيِّمُ قَدْ صَبَّ فِي تِلْكَ السِّقَايَةِ خَمْسِينَ جَرَّةً فَصَبَّ هُوَ جَرَّةً قَضَاءً لِلْحَقِّ بَعْدَ إذْنِ الْقَيِّمِ صَارَ ضَامِنًا لِلْكُلِّ دَارٌ مَوْقُوفَةٌ لِلْمَاءِ وَالْجَمَدِ لَيْسَ لِلْقَيِّمِ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ غَلَّتِهَا خَابِيَةً لِيَسْقِيَ الْمَاءَ وَقَفَ أَرْضًا عَلَى أَنْ يُدْفَنَ فِيهَا أَقْرِبَاؤُهُ فَإِذَا انْقَطَعُوا فَأَخَّرَهُ لِلْفُقَرَاءِ وَدَفَنَ فِيهَا مِنْ أَقْرِبَائِهِ حَالَ حَيَاتِهِ صَحَّ الْوَقْفُ. وَلَوْ وَقَفَ مَقْبَرَةً أَوْ خَانًا بَعْدَ مَوْتِهِ فَلِوَارِثِهِ أَنْ يَدْفِنَ فِيهَا أَوْ يُنْزِلَ فِيهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ جُعِلَ شَيْءٌ مِنْ الطَّرِيقِ مَسْجِدًا صَحَّ كَعَكْسِهِ) يَعْنِي إذَا بَنَى قَوْمٌ مَسْجِدًا وَاحْتَاجُوا إلَى مَكَان لِيَتَّسِعَ فَأَدْخَلُوا شَيْئًا مِنْ الطَّرِيقِ لِيَتَّسِعَ الْمَسْجِدُ وَكَانَ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ بِأَصْحَابِ الطَّرِيقِ جَازَ ذَلِكَ وَكَذَا إذَا ضَاقَ الْمَسْجِدُ عَلَى النَّاسِ وَبِجَنْبِهِ أَرْضٌ لِرَجُلٍ تُؤْخَذُ أَرْضُهُ بِالْقِيمَةِ كَرْهًا لِمَا رُوِيَ عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَمَّا ضَاقَ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ أَخَذُوا أَرْضِينَ بِكُرْهٍ مِنْ أَصْحَابِهَا بِالْقِيمَةِ وَزَادُوا فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ كَعَكْسِهِ أَنَّهُ إذَا جَعَلَ فِي الْمَسْجِدِ مَمَرًّا فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِتَعَارُفِ أَهْلِ الْأَمْصَارِ فِي الْجَوَامِعِ وَجَازَ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَمُرَّ فِيهِ حَتَّى الْكَافِرِ إلَّا الْجُنُبَ وَالْحَائِضَ وَالنُّفَسَاءَ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يُدْخِلُوا فِيهِ الدَّوَابَّ. كَذَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِي الْخَانِيَّةِ طَرِيقٌ لِلْعَامَّةِ وَهِيَ وَاسِعَةٌ فَبَنَى فِيهِ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ مَسْجِدًا لِلْعَامَّةِ وَلَا يَضُرُّ ذَلِكَ بِالطَّرِيقِ قَالُوا لَا بَأْسَ بِهِ وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لِأَنَّ الطَّرِيقَ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمَسْجِدُ لَهُمْ أَيْضًا وَإِنْ أَرَادَ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ أَنْ يُدْخِلُوا شَيْئًا مِنْ الطَّرِيقِ فِي دُورِهِمْ وَذَلِكَ لَا يَضُرُّ بِالطَّرِيقِ لَا يَكُونُ لَهُمْ ذَلِكَ وَلِأَهْلِ الْمَحَلَّةِ تَحْوِيلُ بَابِ الْمَسْجِدِ مِنْ مَوْضِعٍ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ. قَوْمٌ بَنَوْا مَسْجِدًا وَاحْتَاجُوا إلَى مَكَان لِيَتَّسِعَ الْمَسْجِدُ فَأَخَذُوا مِنْ الطَّرِيقِ وَأَدْخَلُوهُ فِي الْمَسْجِدِ إنْ كَانَ ذَلِكَ يَضُرُّ بِالطَّرِيقِ لَا يَجُوزُ وَإِلَّا فَلَا بَأْسَ بِهِ وَلَوْ ضَاقَ الْمَسْجِدُ عَلَى النَّاسِ وَبِجَنْبِهِ أَرْضٌ لِرَجُلٍ تُؤْخَذُ أَرْضُهُ بِالْقِيمَةِ كَرْهًا وَلَوْ كَانَ بِجَنْبِ الْمَسْجِدِ أَرْضُ وَقْفٍ عَلَى الْمَسْجِدِ فَأَرَادُوا أَنْ يَزِيدُوا شَيْئًا فِي الْمَسْجِدِ مِنْ الْأَرْضِ جَازَ ذَلِكَ بِأَمْرِ الْقَاضِي. اهـ. وَقَدَّمْنَا حُكْمَ مَا إذَا أَمَرَ السُّلْطَانُ بِزِيَادَةِ الْمَسْجِدِ مِنْ الطَّرِيقِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ. (كِتَابُ الْبَيْعِ) قَدَّمْنَا فِي الطَّهَارَةِ أَنَّ الْمَشْرُوعَاتِ أَرْبَعَةٌ: حُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى خَالِصَةٌ وَحُقُوقُ الْعِبَادِ خَالِصَةٌ وَمَا اجْتَمَعَا وَغَلَبَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَمَا اجْتَمَعَا وَغَلَبَ حَقُّ الْعَبْدِ وَقَدَّمَ الْأَوَّلَ؛ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ مِنْ خَلْقِ الثَّقَلَيْنِ، ثُمَّ شَرَعَ فِي الْمُعَامَلَاتِ فَبَدَأَ بِالنِّكَاحِ وَمَا يَتْبَعُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْعِبَادَةِ، وَذَكَرَ الْعَتَاقَ لِمُنَاسَبَةِ الطَّلَاقِ فِي الْإِسْقَاطِ، ثُمَّ الْأَيْمَانَ لِمُنَاسَبَتِهَا لِكِلَيْهِمَا، ثُمَّ الْحُدُودَ لِمُنَاسَبَتِهَا لِلْيَمِينِ مِنْ جِهَةِ الْكَفَّارَةِ، فَإِنَّهَا دَائِرَةٌ بَيْنَ الْعِبَادَةِ وَالْعُقُوبَةِ وَالْحُدُودُ عُقُوبَاتٌ، ثُمَّ ذَكَرَ السِّيَرَ بَعْدَهَا لِلِاشْتِرَاكِ فِي الْمَقْصُودِ وَهُوَ إخْلَاءُ الْعَالَمِ عَنْ الْفَسَادِ وَقَدَّمَ الْأَوَّلَ؛ لِأَنَّهُ مُعَامَلَةٌ مَعَ الْمُسْلِمِينَ. وَالثَّانِي مَعَ الْكُفَّارِ، ثُمَّ اللَّقِيطَ لِلِاشْتِرَاكِ فِي كَوْنِ النُّفُوسِ عُرْضَةٌ لِلْفَوَاتِ، ثُمَّ اللُّقَطَةَ لِلِاشْتِرَاكِ فِي كَوْنِ الْأَمْوَالِ كَذَلِكَ، وَكَذَا فِي الْإِبَاقِ وَالْمَفْقُودِ، ثُمَّ ذَكَرَ الشَّرِكَةَ؛ لِأَنَّ الْمَالَ لَمَّا كَانَ فِيهَا أَمَانَةٌ فِي يَدِ الشَّرِيكِ كَانَ بِعَرْضِيَّةِ التَّوَى، ثُمَّ الْوَقْفَ بَعْدَهَا   [منحة الخالق] وَإِنْ جُعِلَ شَيْءٌ مِنْ الطَّرِيقِ مَسْجِدًا صَحَّ كَعَكْسِهِ [كِتَابُ الْبَيْعِ] الجزء: 5 ¦ الصفحة: 276 لِلِاشْتِرَاكِ فِي اسْتِيفَاءِ الْأَصْلِ مَعَ الِانْتِفَاعِ بِالزِّيَادَةِ، ثُمَّ الْبُيُوعَ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ إزَالَةُ الْمِلْكِ لَا إلَى مَالِكٍ وَفِي الْبُيُوعِ إلَيْهِ فَكَانَ الْوَقْفُ بِمَنْزِلَةِ الْبَسِيطِ وَالْبَيْعُ كَالْمُرَكَّبِ وَالْكَلَامُ فِيهِ يَقَعُ فِي عَشَرَةِ مَوَاضِعَ: الْأَوَّلُ فِي مَعْنَاهُ لُغَةً وَشَرِيعَةً فَالْمَقْصُودُ مُقَابَلَةُ شَيْءٍ بِشَيْءٍ سَوَاءٌ كَانَ مَالًا أَوْ لَا، وَلِذَا قَالَ تَعَالَى {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ} [يوسف: 20] كَمَا فِي الْمُحِيطِ، وَقَالَ فِي الْمِصْبَاحِ بَاعَهُ يَبِيعُهُ بَيْعًا وَمَبِيعًا فَهُوَ بَائِعٌ وَبَيِّعٌ وَالْبَيْعُ مِنْ الْأَضْدَادِ مِثْلُ الشِّرَاءِ وَيُطْلَقُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ أَنَّهُ بَائِعٌ لَكِنْ إذَا أُطْلِقَ الْبَائِعُ فَالْمُتَبَادِرُ إلَى الذِّهْنِ بَاذِلُ السِّلْعَةِ وَيُطْلَقُ الْبَيْعُ عَلَى الْمَبِيعِ فَيُقَالُ بَيْعٌ جَيِّدٌ وَيُجْمَعُ عَلَى بُيُوعٍ وَأَبَعْته بِالْأَلِفِ لُغَةً قَالَ ابْنُ الْقَطَّاعِ وَبِعْت زَيْدًا الدَّارَ يَتَعَدَّى إلَى مَفْعُولَيْنِ وَقَدْ تَدْخُلُ مِنْ عَلَى الْمَفْعُولِ الْأَوَّلُ عَلَى وَجْهِ التَّأْكِيدِ فَيُقَالُ بِعْت مِنْ زَيْدٍ الدَّارَ وَرُبَّمَا دَخَلَتْ اللَّامُ مَكَانَ مِنْ فَيُقَالُ بِعْتُك الشَّيْءَ وَبِعْت لَك فَهِيَ زَائِدَةٌ وَابْتَاعَ زَيْدٌ الدَّارَ بِمَعْنَى اشْتَرَاهَا وَبَاعَ عَلَيْهِ الْقَاضِي أَيْ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ وَفِي الْحَدِيثِ «لَا يَبِعْ أَحَدُكُمْ» أَيْ لَا يَشْتَرِي؛ لِأَنَّ النَّهْيَ فِيهِ عَلَى الْمُشْتَرِي لَا عَلَى الْبَائِعِ بِدَلِيلِ رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ «لَا يَبْتَاعُ أَحَدُكُمْ» وَيُرِيدُ يَحْرُمُ سَوْمُ الرَّجُلِ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ وَالْأَصْلُ فِي الْبَيْعِ مُبَادَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ لِقَوْلِهِمْ بَيْعٌ رَابِحٌ وَبَيْعٌ خَاسِرٌ وَذَلِكَ حَقِيقَةٌ فِي وَصْفِ الْأَعْيَانِ لَكِنَّهُ أُطْلِقَ عَلَى الْعَقْدِ مَجَازًا؛ لِأَنَّهُ سَبَبُ التَّمْلِيكِ وَالتَّمَلُّكِ وَقَوْلُهُمْ صَحَّ الْبَيْعُ أَوْ بَطَلَ أَيْ صِيغَتُهُ لَكِنَّهُ لَمَّا حُذِفَ الْمُضَافُ وَأُقِيمَ الْمُضَافُ إلَيْهِ مَقَامَهُ وَهُوَ مُذْكَرٌ أُسْنِدَ الْفِعْلُ إلَيْهِ اهـ. وَفِي الْقَامُوسِ بَاعَهُ يَبِيعُهُ بَيْعًا أَوْ مَبِيعًا وَالْقِيَاسُ مُبَاعًا إذَا بَاعَهُ، وَإِذَا اشْتَرَاهُ ضِدُّ وَهُوَ مَبِيعٌ وَمَبْيُوعٌ وَبِيعَ الشَّيْءُ قَدْ تُضَمُّ بَاؤُهُ فَيُقَالُ بُوعَ اهـ. وَفِي الشَّرِيعَة مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ (هُوَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ بِالتَّرَاضِي) مِنْ اسْتَبْدَلْت الثَّوْبَ بِغَيْرِهِ أَوْ بَدَّلْت الثَّوْبَ بِغَيْرِهِ أَبْدَلَهُ مِنْ بَابِ قَتَلَ، كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ وَفِي الْمِعْرَاجِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا بِمَعْنَى التَّمْلِيكِ؛ لِأَنَّ بَعْضَهُمْ زَادَ عَلَى جِهَةِ التَّمْلِيكِ، فَقَالَ فِيهِ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمُبَادَلَةَ تَدُلُّ عَلَيْهِ وَالْمَالُ فِي اللُّغَةِ مَا مَلَكْته مِنْ شَيْءٍ وَالْجَمْعُ أَمْوَالٌ، كَذَا فِي الْقَامُوسِ وَفِي الْكَشْفِ الْكَبِيرِ الْمَالُ مَا يَمِيلُ إلَيْهِ الطَّبْعُ وَيُمْكِنُ ادِّخَارُهُ لِوَقْتِ الْحَاجَةِ وَالْمَالِيَّةُ إنَّمَا ثَبَتَ بِتَمَوُّلِ النَّاسِ كَافَّةً أَوْ بِتَقَوُّمِ الْبَعْضِ وَالتَّقَوُّمُ يَثْبُتُ بِهَا وَبِإِبَاحَةِ الِانْتِفَاعِ لَهُ شَرْعًا فَمَا يَكُونُ مُبَاحَ الِانْتِفَاعِ بِدُونِ تَمَوُّلِ النَّاسِ لَا يَكُونُ مَالًا كَحَبَّةِ حِنْطَةٍ وَمَا يَكُونُ مَالًا بَيْنَ النَّاسِ وَلَا يَكُونُ مُبَاحَ الِانْتِفَاعِ لَا يَكُونُ مُتَقَوِّمًا كَالْخَمْرِ، وَإِذَا عُدِمَ الْأَمْرُ إنْ لَمْ يَثْبُتْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا كَالدَّمِ. اهـ. وَصَرَّحَ فِي الْمُحِيطِ بِأَنَّ الْخَمْرَ لَيْسَ بِمَالٍ وَأَنَّ الْعَقْدَ عَلَيْهِ لَمْ يَنْعَقِدْ بِخِلَافِ مَا لَوْ بَاعَ شَيْئًا بِخَمْرٍ، فَإِنَّهُ يَنْعَقِدُ فِي ذَلِكَ الشَّيْءِ بِالْقِيمَةِ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَفِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ. الْمَالُ اسْمٌ لِغَيْرِ الْآدَمِيِّ خُلِقَ لِمَصَالِحِ الْآدَمِيِّ وَأَمْكَنَ إحْرَازُهُ وَالتَّصَرُّفُ فِيهِ عَلَى وَجْهِ الِاخْتِيَارِ وَالْعَبْدُ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَعْنَى الْمَالِيَّةِ وَلَكِنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ حَقِيقَةً حَتَّى لَا يَجُوزَ قَتْلُهُ وَإِهْلَاكُهُ. اهـ. وَفِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ لَمْ يَقُلْ عَلَى سَبِيلِ التَّرَاضِي لِيَشْمَلَ مَا لَا يَكُونُ بِتَرَاضٍ كَبَيْعِ الْمُكْرَهِ، فَإِنَّهُ يَنْعَقِدُ اهـ. وَأَجَابَ عَنْهُ فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ بِأَنَّ مَنْ ذَكَرَهُ أَرَادَ تَعْرِيفَ الْبَيْعِ النَّافِذِ وَمَنْ تَرَكَهُ أَرَادَ تَعْرِيفَ الْبَيْعِ مُطْلَقًا نَافِذًا كَانَ أَوْ غَيْرَ نَافِذٍ وَأَقُولُ: بَيْعُ الْمُكْرَهِ فَاسِدٌ مَوْقُوفٌ لَا أَنَّهُ مَوْقُوفٌ فَقَطْ كَبَيْعِ الْفُضُولِيِّ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِ، وَقَدْ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ لَا يَكُونُ مُتَقَوِّمًا كَالْخَمْرِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ رُبَّمَا يُفِيدُ عَدَمَ جَوَازِ بَيْعِ الْحَشِيشَةِ؛ لِأَنَّهَا، وَإِنْ كَانَتْ مَالًا لَكِنْ لَا يُبَاحُ فِي الشَّرْعِ الِانْتِفَاعُ بِهَا وَبِهِ أَفْتَى مَوْلَانَا صَاحِبُ الْبَحْرِ اهـ. غَزِّيٌّ وَأَقُولُ: لَا نُسَلِّمُ عَدَمَ جَوَازِ الِانْتِفَاعِ بِهَا لِغَيْرِ الْأَكْلِ لِكَوْنِهَا طَاهِرَةً بِخِلَافِ الْخَمْرِ لِكَوْنِهَا نَجِسَةً فَتَأَمَّلْ اهـ. (قَوْلُهُ وَصَرَّحَ فِي الْمُحِيطِ بِأَنَّ الْخَمْرَ لَيْسَ بِمَالٍ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْمَالِ الْمُتَقَوِّمَ وَإِلَّا فَلَوْ لَمْ تَكُنْ مَالًا لَزِمَ أَنْ لَا يَنْعَقِدَ الْبَيْعُ بِجَعْلِهَا ثَمَنًا مَعَ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ فَاسِدًا وَفِي التَّلْوِيحِ فِي فَصْلِ النَّهْيِ أَنَّ الْبَيْعَ بِالْخَمْرِ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ جُعِلَتْ ثَمَنًا وَهُوَ غَيْرُ مَقْصُودٍ بَلْ وَسِيلَةٌ إلَى الْمَقْصُودِ إذْ الِانْتِفَاعُ بِالْأَعْيَانِ لَا بِالْأَثْمَانِ، وَلِهَذَا اُشْتُرِطَ وُجُودُ الْمَبِيعِ دُونَ الثَّمَنِ فَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ صَارَ الثَّمَنُ مِنْ جُمْلَةِ الشُّرُوطِ بِمَنْزِلَةِ آلَاتِ الصُّنَّاعِ فَيَفْسُدُ الْبَيْعُ لِكَوْنِ أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ غَيْرَ مُتَقَوِّمٍ إذْ الْمُتَقَوِّمُ مَا يَجِبُ إبْقَاؤُهُ بِعَيْنِهِ أَوْ بِمِثْلِهِ أَوْ بِقِيمَتِهِ وَالْخَمْرُ وَاجِبٌ اجْتِنَابُهَا بِالنَّصِّ لِعَدَمِ تَقَوُّمِهَا لَكِنَّهَا تَصْلُحُ لِلثَّمَنِ؛ لِأَنَّهَا مَالٌ؛ لِأَنَّ الْمَالَ مَا يَمِيلُ إلَيْهِ الطَّبْعُ وَيُدَّخَرُ لِوَقْتِ الْحَاجَةِ أَوْ مَا خُلِقَ لِمَصَالِحِ الْآدَمِيِّ وَيَجْرِي فِيهِ الشُّحُّ وَالضِّنَةُ اهـ. (قَوْلُهُ وَأَقُولُ: بَيْعُ الْمُكْرَهِ فَاسِدٌ مَوْقُوفٌ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ سَيَأْتِي قَرِيبًا أَنَّ تَفْسِيرَ الْمَوْقُوفِ عِنْدَنَا الَّذِي لَا حُكْمَ لَهُ ظَاهِرٌ أَوْ أَقُولُ: كَيْفَ يَكُونُ مَوْقُوفًا مَعَ فَسَادِهِ وَالْمَوْقُوفُ مِنْ قَبِيلِ الصَّحِيحِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَنْفُذْ كَمَا لَا يَخْفَى، وَقَدْ صَرَّحَ هُوَ بِنَفْسِهِ أَنَّ الْمَوْقُوفَ مِنْ قِسْمِ الصَّحِيحِ أَوْ هُوَ قِسْمٌ بِنَفْسِهِ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ قِسْمِ الْفَاسِدِ هَكَذَا وَجَدْت مَكْتُوبًا عَلَى نُسْخَةِ بَعْضِ أَهْلِ الْفَضْلِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَى قِسْمَيْنِ: فَاسِدٌ وَصَحِيحٌ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ. قُلْتُ: سَيَذْكُرُ الْمُؤَلِّفُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 277 عَرَّفَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ بِأَنَّهُ فِي اللُّغَةِ وَالشَّرِيعَةِ الْمُبَادَلَةُ وَزِيدَ فِيهَا التَّرَاضِي وَرَدَّهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهُ إذَا فَقَدَ الرِّضَا لَا يُسَمَّى فِي اللُّغَةِ بَيْعًا بَلْ غَصْبًا، وَلَوْ أَعْطَاهُ شَيْئًا آخَرَ مَكَانَهُ وَعَرَّفَهُ فِي الْبَدَائِعِ بِأَنَّهُ مُبَادَلَةُ شَيْءٍ مَرْغُوبٍ فِيهِ بِشَيْءٍ مَرْغُوبٍ فِيهِ وَذَلِكَ قَدْ يَكُونُ بِالْقَوْلِ، وَقَدْ يَكُونُ بِالْفِعْلِ فَالْأَوَّلُ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ. وَالثَّانِي التَّعَاطِي اهـ. وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ قَوْلِهِمْ أَنَّ مَعْنَاهُ الْمُبَادَلَةُ وَبَيْنَ قَوْلِهِمْ أَنَّ رُكْنَهُ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ وَمَا فِي الْمُسْتَصْفَى مِنْ أَنَّهُ مَعْنًى شَرْعِيٌّ يَظْهَرُ أَثَرُهُ فِي الْمَحَلِّ عِنْدَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فَرَدَّهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهُ نَفْسُ حُكْمِهِ وَهُوَ الْمِلْكُ، فَإِنَّهُ الْقُدْرَةُ عَلَى التَّصَرُّفِ ابْتِدَاءً إلَّا لِمَانِعٍ فَخَرَجَ بِالِابْتِدَاءِ قُدْرَةُ الْوَكِيلِ وَالْوَصِيِّ وَالْمُتَوَلِّي وَبِقَوْلِنَا إلَّا لِمَانِعِ الْمَبِيعِ الْمَنْقُولِ قَبْلَ الْقَبْضِ، فَإِنَّ عَدَمَ الْقُدْرَةِ عَلَى بَيْعِهِ لِمَانِعِ النَّهْيِ وَفِي الْحَاوِي الْمِلْكُ الِاخْتِصَاصُ الْحَاجِزُ وَأَنَّهُ حُكْمُ الِاسْتِيلَاءِ؛ لِأَنَّهُ بِهِ ثَبَتَ لَا غَيْرُ إذْ الْمَمْلُوكُ لَا يَمْلِكُ؛ لِأَنَّ اجْتِمَاعَ الْمِلْكَيْنِ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ مُحَالٌ فَلَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ الْمَحَلُّ الَّذِي ثَبَتَ الْمِلْكُ فِيهِ خَالِيًا عَنْ الْمِلْكِ وَالْخَالِي عَنْ الْمِلْكِ هُوَ الْمُبَاحُ وَالْمُثْبِتُ لِلْمِلْكِ فِي الْمُبَاحِ الِاسْتِيلَاءُ لَا غَيْرُ. وَهُوَ طَرِيقُ الْمِلْكِ فِي جَمِيعِ الْأَمْوَالِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْإِبَاحَةُ فِيهَا وَبِالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَنَحْوِهِمَا يَنْتَقِلُ الْمِلْكُ الْحَاصِلُ بِالِاسْتِيلَاءِ إلَيْهِ فَمِنْ شَرْطِ الْبَيْعِ شُغْلُ الْمَبِيعِ بِالْمِلْكِ حَالَةَ الْبَيْعِ حَتَّى لَمْ يَصِحَّ فِي مُبَاحٍ قَبْلَ الِاسْتِيلَاءِ، وَمِنْ شَرْطِ الِاسْتِيلَاءِ خُلُوُّ الْمَحَلِّ عَنْ الْمِلْكِ وَقْتَهُ وَبِالْإِرْثِ وَالْوَصِيَّةِ تَحْصُلُ الْخِلَافَةُ عَنْ الْمَيِّتِ حَتَّى كَأَنَّهُ حَيٌّ لَا الِانْتِقَالُ حَتَّى مَلَكَ الْوُرَّاثُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ دُونَ الْمُشْتَرِي فَالْأَسْبَابُ ثَلَاثَةٌ مُثْبِتٌ لِلْمِلْكِ وَهُوَ الِاسْتِيلَاءُ وَنَاقِلٌ لِلْمِلْكِ وَهُوَ الْبَيْعُ وَنَحْوُهُ وَخِلَافَةٌ وَهُوَ الْمِيرَاثُ وَالْوَصِيَّةُ وَمَا أُرِيدَ لِأَجْلِهِ حُكْمُ التَّصَرُّفِ حِكْمَةً وَثَمَرَةً فَحُكْمُ الْبَيْعِ الْمِلْكُ وَحِكْمَتُهُ إطْلَاقُ الِانْتِفَاعِ وَالْعُقُودُ تَبْطُلُ إذَا خَلَتْ عَنْ الْأَحْكَامِ وَلَا تَبْطُلُ بِخُلُوِّهَا عَنْ الْحُكْمِ اهـ. وَمِمَّا ظَهَرَتْ فِيهِ فَائِدَةُ الْخِلَافَةِ جَوَازُ إقَالَةِ الْوَارِثِ وَالْمُوصَى لَهُ، وَمِنْهَا الْخُصُومَةُ فِي إثْبَاتِ الدَّيْنِ كَمَا فِي دَعْوَى الْبَزَّازِيَّةِ وَعَرَّفَهُ فِي الْإِيضَاحِ بِأَنَّهُ عَقْدٌ مُتَضَمِّنٌ مُبَادَلَةَ مَالٍ بِمَالٍ وَلَا حَاجَةَ إلَى زِيَادَتِهِ شَرْعًا لِمَا سَمِعْت مِنْ أَنَّ الْمُبَادَلَةَ تَكُونُ بِالْقَوْلِ وَبِالْفِعْلِ، وَإِنَّمَا زَادَ لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْمِصْبَاحِ أَنَّ الْمُبَادَلَةَ حَقِيقَةً لِلْأَعْيَانِ وَلِلْعَقْدِ مَجَازٌ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْبَيْعَ، وَإِنْ كَانَ مَبْنَاهُ عَلَى الْبَدَلَيْنِ لَكِنَّ الْأَصْلَ فِيهِ الْمَبِيعُ دُونَ الثَّمَنِ، وَلِذَا تُشْتَرَطُ الْقُدْرَةُ عَلَى الْمَبِيعِ دُونَ الثَّمَنِ وَيَنْفَسِخُ بِهَلَاكِ الْمَبِيعِ دُونَ الثَّمَنِ. وَأَمَّا رُكْنُهُ فَفِي الْبَدَائِعِ رُكْنُهُ الْمُبَادَلَةُ الْمَذْكُورَةُ وَهُوَ مَعْنَى مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ أَنَّ رُكْنَهُ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ الدَّالَّانِ عَلَى التَّبَادُلِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُمَا مِنْ التَّعَاطِي فَرُكْنُ الْفِعْلِ الدَّالِّ عَلَى الرِّضَا بِتَبَادُلِ الْمِلْكَيْنِ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ. وَأَمَّا شَرَائِطُهُ فَأَنْوَاعٌ أَرْبَعَةٌ: شَرْطُ انْعِقَادٍ وَشَرْطُ صِحَّةٍ وَشَرْطُ نَفَاذٍ وَشَرْطُ لُزُومٍ فَالْأَوَّلُ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ فِي الْعَاقِدِ وَفِي نَفْس الْعَقْدِ وَفِي مَكَانِ الْعَقْدِ وَفِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَشَرَائِطُ الْعَاقِدِ: الْعَقْلُ فَلَا يَنْعَقِدُ بَيْعُ الْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ، وَالْعَدَدُ فِي الْعَاقِدِ فَلَا يَنْعَقِدُ بِالْوَكِيلِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ إلَّا فِي الْأَبِ وَوَصِيِّهِ، وَالْقَاضِي فَإِنَّهُ يَتَوَلَّى الطَّرَفَيْنِ فِي مَالِ الصَّغِيرِ إذَا بَاعُوا أَمْوَالَهُمْ مِنْهُ أَوْ اشْتَرَوْا بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ نَفْعٌ ظَاهِرٌ لِلْيَتِيمِ فِي الْوَصِيِّ وَزَادَ فِي الْمِعْرَاجِ شِرَاءَ الْعَبْدِ نَفْسَهُ مِنْ مَوْلَاهُ بِأَمْرِهِ. وَأَمَّا الْقَاضِي، فَإِنَّهُ لَا يَعْقِدُ لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ قَضَاءٌ وَقَضَاؤُهُ لِنَفْسِهِ لَا يَجُوزُ. كَذَا فِي الْخِزَانَةِ وَغَيْرِهَا وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْبَدَائِعِ وَفِي الْخَانِيَّةِ مِنْ الْوَكَالَةِ الْوَاحِدُ لَا يَتَوَلَّى الْعَقْدَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ إلَّا فِي الْأَبِ فَإِنَّهُ يُكْتَفَى بِلَفْظٍ وَاحِدٍ، وَقَالَ خواهر زاده هَذَا إذَا أَتَى بِلَفْظٍ يَكُونُ أَصِيلًا فِي ذَلِكَ اللَّفْظِ بِأَنْ قَالَ بِعْت هَذَا مِنْ وَلَدِي فَيُكْتَفَى بِهِ. وَأَمَّا إذَا أَتَى بِلَفْظٍ لَا يَكُونُ أَصْلًا فِيهِ بِأَنْ قَالَ اشْتَرَيْت هَذَا الْمَالَ لِوَلَدِي لَا يُكْتَفَى بِقَوْلِهِ اشْتَرَيْت وَلَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ   [منحة الخالق] فِي أَوَّلِ بَابِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ أَنَّ لِلْمَشَايِخِ طَرِيقَيْنِ فَمِنْهُمْ مَنْ يُدْخِلُ الْمَوْقُوفَ تَحْتَ الصَّحِيحِ فَهُوَ قِسْمٌ مِنْهُ وَهُوَ الْحَقُّ لِصِدْقِ التَّعْرِيفِ وَحُكْمِهِ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ مَا أَفَادَ الْمِلْكَ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى الْقَبْضِ وَلَا يَضُرُّ تَوَقُّفُهُ عَلَى الْإِجَازَةِ كَتَوَقُّفِ الْبَيْعِ الَّذِي فِيهِ الْخِيَارُ عَلَى إسْقَاطِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ قِسْمًا لِلصَّحِيحِ وَعَلَيْهِ مَشَى الشَّارِحُ الزَّيْلَعِيُّ، فَإِنَّهُ قَسَّمَهُ إلَى صَحِيحٍ وَبَاطِلٍ وَفَاسِدٍ وَمَوْقُوفٍ اهـ. وَلَا يُمْكِنُ جَعْلُ بَيْعِ الْمُكْرَهِ مَوْقُوفًا بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ لِمَا يَأْتِي مَتْنًا فِي كِتَابِ الْإِكْرَاهِ أَنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يُمْضِيَ الْبَيْعَ أَوْ يَفْسَخَ وَأَنَّهُ يَثْبُتُ بِهِ الْمِلْكُ عِنْدَ الْقَبْضِ لِلْفَسَادِ فَفِيهِ التَّصْرِيحُ بِكَوْنِهِ فَاسِدًا نَعَمْ يُخَالِفُ بَقِيَّةَ الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ فِي صُوَرٍ أَرْبَعَةٍ مَذْكُورَةٍ فِي إكْرَاهِ التَّنْوِيرِ، وَقَدْ أَفَادَ فِي الْمَنَارِ وَشَرْحِهِ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ فَاسِدًا لِعَدَمِ الرِّضَا الَّذِي هُوَ شَرْطُ النَّفَاذِ وَأَنَّهُ بِالْإِجَازَةِ يَصِحُّ وَيَزُولُ الْفَسَادُ وَحِينَئِذٍ فَالْمَوْقُوفُ عَلَى الْإِجَازَةِ صِحَّتُهُ فَصَحَّ كَوْنُهُ فَاسِدًا مَوْقُوفًا وَظَهَرَ كَوْنُ الْمَوْقُوفِ مِنْهُ فَاسِدًا، وَمِنْهُ صَحِيحٌ (قَوْلُهُ وَرَدَّهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ التَّرَاضِيَ لَيْسَ خَاصًّا بِمَفْهُومِهِ الشَّرْعِيِّ كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَزِيدَ فِيهَا أَيْ فِي الشَّرِيعَةِ التَّرَاضِي بَلْ هُوَ مَأْخُوذٌ فِي مَفْهُومِهِ اللُّغَوِيِّ أَيْضًا (قَوْلُهُ وَلَا حَاجَةَ إلَى زِيَادَتِهِ شَرْعًا) أَيْ إلَى زِيَادَةِ قَوْلِهِ عَقْدٌ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 278 بِعْت وَهُوَ فِي الْوَجْهَيْنِ يَتَوَلَّى الْعَقْدَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ. وَمِنْهَا الْوَصِيُّ لِنَفْسِهِ، وَمِنْهَا الْوَصِيُّ يَبِيعُ لِلْقَاضِي، وَمِنْهَا الْعَبْدُ يَشْتَرِي نَفْسَهُ مِنْ مَوْلَاهُ بِأَمْرِهِ اهـ. فَيُحْمَلُ مَا فِي الْبَدَائِعِ عَلَى أَنَّ الْقَاضِيَ بَاعَ مَالَ يَتِيمٍ مِنْ آخَرَ أَوْ اشْتَرَى تَوْفِيقًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا فِي الْخِزَانَةِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَلَوْ أَمَرَ إنْسَانٌ الْوَصِيّ أَنْ يَشْتَرِي لَهُ مَالَ الْيَتِيمِ فَاشْتَرَى لَمْ يَجُزْ بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى لِنَفْسِهِ مَعَ النَّفْعِ وَفِي وَصَايَا الْخَانِيَّةِ فَسَّرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ الْخَيْرِيَّةَ، فَقَالَ إذَا اشْتَرَى الْوَصِيُّ مَالَ الْيَتِيمِ لِنَفْسِهِ مَا يُسَاوِي عَشَرَةً بِخَمْسَةَ عَشَرَ يَكُونُ خَيْرًا لِلْيَتِيمِ، وَإِذَا بَاعَ مَالَ نَفْسِهِ مِنْ الْيَتِيمِ مَا يُسَاوِي خَمْسَةَ عَشَرَ بِعَشَرَةٍ كَانَ خَيْرًا لِلْيَتِيمِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنْ بَاعَ مَا يُسَاوِي عَشَرَةً بِثَمَانِيَةٍ أَوْ اشْتَرَى مَا يُسَاوِي ثَمَانِيَةً بِعَشَرَةٍ كَانَ خَيْرًا لِلْيَتِيمِ. وَالْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ أَوْ بِالشِّرَاءِ إذَا اشْتَرَى لِنَفْسِهِ أَوْ بَاعَ مَالَ الْمُوَكِّلِ لَمْ يَجُزْ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا سَوَاءٌ كَانَ شَرًّا أَوْ خَيْرًا أَوْ فِي الْأَبِ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ خَيْرًا اهـ. وَإِلَّا فِي الرَّسُولِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ. وَلَيْسَ مِنْ شَرَائِطِ الْعَاقِدِ الْبُلُوغُ فَانْعَقَدَ بَيْعُ الصَّبِيِّ وَشِرَاؤُهُ مَوْقُوفًا عَلَى إجَازَةِ وَلِيِّهِ إنْ كَانَ شِرَاؤُهُ لِنَفْسِهِ وَنَافِذًا بِلَا عُهْدَةٍ عَلَيْهِ إنْ كَانَ لِغَيْرِهِ وَلَيْسَ مِنْ شَرَائِطِهِ الْحُرِّيَّةُ فَانْعَقَدَ بَيْعُ الْعَبْدِ كَالصَّبِيِّ فِي النَّوْعَيْنِ وَلَيْسَ مِنْهُ الْإِسْلَامُ وَالنُّطْقُ وَالصَّحْوُ. [شَرْطُ الْعَقْدِ] وَأَمَّا شَرْطُ الْعَقْدِ فَمُوَافَقَةُ الْقَبُولِ لِلْإِيجَابِ بِأَنْ يَقْبَلَ الْمُشْتَرِي مَا أَوْجَبَهُ الْبَائِعُ بِمَا أَوْجَبَهُ، فَإِنْ خَالَفَهُ بِأَنْ قَبِلَ غَيْرَ مَا أَوْجَبَهُ أَوْ بَعْضَ مَا أَوْجَبَهُ أَوْ بِغَيْرِ مَا أَوْجَبَهُ أَوْ بِبَعْضِ مَا أَوْجَبَهُ لَمْ يَنْعَقِدْ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ، وَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا فِي الشُّفْعَةِ بِأَنْ بَاعَ عَبْدًا وَعَقَارًا فَطَلَبَ الشَّفِيعُ أَخْذَ الْعَقَارِ وَحْدَهُ فَلَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ تَفَرَّقَتْ الصَّفْقَةُ عَلَى الْبَائِعِ كَمَا فِي الْفَتَاوَى الْوَلْوَالِجيَّةِ مِنْ الشُّفْعَةِ وَسَتَأْتِي تَفَارِيعُهُ إلَّا فِيمَا إذَا كَانَ الْإِيجَابُ مِنْ الْمُشْتَرِي فَقَبِلَ الْبَائِعُ بِأَنْقَصَ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ كَانَ مِنْ الْبَائِعِ فَقَبِلَ الْمُشْتَرِي بِأَزْيَدَ انْعَقَدَ، فَإِنْ قَبِلَ الْبَائِعُ الزِّيَادَةَ فِي الْمَجْلِسِ جَازَتْ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة، وَفِي الْآلَةِ أَنْ تَكُونَ بِلَفْظِ الْمَاضِي إنْ عُقِدَ بِالْقَوْلِ، كَذَا فِي الْبَدَائِعِ. وَأَمَّا شَرْطُ مَكَانِهِ فَوَاحِدٌ وَهُوَ اتِّحَادُ الْمَجْلِسِ بِأَنْ كَانَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، فَإِنْ اخْتَلَفَ لَمْ يَنْعَقِدْ. وَأَمَّا شَرَائِطُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَأَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا مَالًا مُتَقَوِّمًا مَمْلُوكًا فِي نَفْسِهِ وَأَنْ يَكُونَ مِلْكَ الْبَائِعِ فِيمَا يَبِيعُهُ لِنَفْسِهِ وَأَنْ يَكُونَ مَقْدُورَ التَّسْلِيمِ فَلَمْ يَنْعَقِدْ بَيْعِ الْمَعْدُومِ وَمَا لَهُ خَطَرُ الْعَدَمِ كَنِتَاجِ النِّتَاجِ وَالْحَمْلِ وَاللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ وَالثَّمَرِ وَالزَّرْعِ قَبْلَ الظُّهُورِ وَالْبَزْرِ فِي الْبِطِّيخِ وَالنَّوَى فِي التَّمْرِ وَاللَّحْمُ فِي الشَّاةِ الْحَيَّةِ وَالشَّحْمُ وَالْأَلْيَةُ فِيهَا وَأَكَارِعُهَا وَرَأْسُهَا وَالسَّجِيرُ فِي السِّمْسِمِ، وَهَذَا الْفَصُّ عَلَى أَنَّهُ يَاقُوتٌ فَإِذَا هُوَ زُجَاجٌ أَوْ هَذَا الثَّوْبُ الْهَرَوِيُّ فَإِذَا هُوَ مَرْوِيٌّ أَوْ هَذَا الْعَبْدُ فَإِذَا هُوَ جَارِيَةٌ أَوْ دَارٌ عَلَى أَنَّ بِنَاءَهَا آجُرٌّ فَإِذَا هُوَ لَبِنٌ أَوْ ثَوْبٌ عَلَى أَنَّهُ مَصْبُوغٌ بِعُصْفُرٍ فَإِذَا هُوَ بِزَعْفَرَانٍ أَوْ هُوَ حِنْطَةٌ فِي جَوَالِقَ فَإِذَا هِيَ دَقِيقٌ أَوْ دَقِيقٌ فَإِذَا هِيَ خُبْزٌ أَوْ هَذَا الثَّوْبُ الْقَزُّ فَإِذَا لُحْمَتُهُ مِنْ مُلْحَمٍ. وَلَوْ كَانَ سُدَاهُ مِنْ قَزٍّ وَصَحَّ لَوْ كَانَ عَكْسَهُ مَعَ الْخِيَارِ إذَا اللُّحْمَةُ هِيَ الْأَصْلُ أَوْ هَذَا الثَّوْبُ عَلَى أَنَّ ظِهَارَتَهُ وَبِطَانَتَهُ وَحَشْوَهُ مِنْ كَذَا فَإِذَا الظِّهَارَةُ مِنْ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْبِطَانَةُ مِنْ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ، فَإِنَّهُ يَنْعَقِدُ مَعَ الْخِيَارِ وَمِمَّا تَسَامَحُوا فِيهِ وَأَخْرَجُوهُ عَنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ مَا فِي الْقُنْيَةِ الْأَشْيَاءُ الَّتِي تُؤْخَذُ مِنْ الْبَيَّاعِ عَلَى وَجْهِ الْخَرْجِ كَمَا هُوَ الْعَادَةُ مِنْ غَيْرِ بَيْعٍ كَالْعَدَسِ وَالْمِلْحِ وَالزَّيْتِ وَنَحْوِهَا، ثُمَّ اشْتَرَاهَا بَعْدَمَا انْعَدَمَتْ صَحَّ اهـ. فَيَجُوزُ بَيْعُ الْمَعْدُومِ هُنَا، وَلَمْ يَنْعَقِدْ بَيْعُ مَا لَيْسَ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ كَبَيْعِ الْحُرِّ وَالْمُدَبَّرِ   [منحة الخالق] [شَرَائِطُ الْبَيْع] (قَوْلُهُ وَأَنْ يَكُونَ مِلْكُ الْبَائِعِ فِيمَا يَبِيعُهُ لِنَفْسِهِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ هَذَا عَلَى الرِّوَايَةِ الضَّعِيفَةِ فِي بَيْعِ الْفُضُولِيِّ أَنَّهُ إذَا بَاعَهُ لِنَفْسِهِ يَكُونُ بَاطِلًا وَالصَّحِيحُ خِلَافُهُ وَسَيَأْتِي تَحْقِيقُ ذَلِكَ فِي مَحَلِّهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى تَأَمَّلْ وَأَنْتَ عَلَى عِلْمٍ بِأَنَّ تَعْرِيفَهُ يَعُمُّ النَّافِذَ وَالْمَوْقُوفَ اهـ. وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ إذَا بَاعَهُ لِنَفْسِهِ أَيْ لِأَجْلِ نَفْسِهِ لَا لِأَجْلِ مَالِكِهِ فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ الضَّعِيفَةِ لَا يَنْعَقِدُ بَيْعُ الْفُضُولِيِّ إلَّا إذَا بَاعَهُ لِمَالِكِهِ وَإِلَّا بَطَلَ وَلَا يَتَوَقَّفُ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ (قَوْلُهُ الْأَشْيَاءُ الَّتِي تُؤْخَذُ مِنْ الْبَيَّاعِ) قَالَ فِي النَّهْرِ بَعْدَ ذِكْرِهِ لِهَذَا الْفَرْعِ وَلِلْفَرْعِ الْآتِي عَنْ الْقُنْيَةِ أَيْضًا وَهُوَ بَيْعُ الْبَرَاءَاتِ، وَذَكَرَهُ لِكَلَامِ الْمُؤَلِّفِ أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ مَا فِي الْقُنْيَةِ ضَعِيفٌ لِاتِّفَاقِ كَلِمَتِهِمْ عَلَى أَنَّ بَيْعَ الْمَعْدُومِ لَا يَصِحُّ، وَكَذَا غَيْرُ الْمَمْلُوكِ وَمَا الْمَانِعُ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْمَأْخُوذُ مِنْ الْعَدَسِ وَنَحْوِهِ بَيْعًا بِالتَّعَاطِي وَلَا يَحْتَاجُ فِي مِثْلِهِ إلَى بَيَانِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ كَمَا سَيَأْتِي وَحَطُّ الْإِمَامِ لَا يُمْلَكُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَأَنَّى يَصِحُّ بَيْعُهُ وَكُنْ عَلَى ذِكْرٍ مِمَّا قَالَهُ ابْنُ وَهْبَانَ فِي كِتَابِ الشِّرْبِ مَا فِي الْقُنْيَةِ إذَا كَانَ مُخَالِفًا لِلْقَوَاعِدِ لَا الْتِفَاتَ إلَيْهِ مَا لَمْ يَعْضُدْهُ نَقْلٌ اهـ. قَالَ الْحَمَوِيُّ فِي كَوْنِ الْمَأْخُوذِ مِنْ الْعَدَسِ وَنَحْوِهِ بَيْعًا بِالتَّعَاطِي وَأَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ فِي مِثْلِهِ إلَى بَيَانِ الثَّمَنِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ أَثْمَانَ هَذِهِ تَخْتَلِفُ فَيُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ اهـ. وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ مَا فِي النَّهْرِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْعِلْمِ بِهِ فَحِينَئِذٍ يُقَالُ إنْ كَانَ مَعْلُومًا يَكُونُ بَيْعًا بِالتَّعَاطِي وَانْظُرْ مَا يَأْتِي عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ قَدْرِ وَوَصْفِ ثَمَنٍ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 279 الْمُطْلَقِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبِ وَمُعْتَقِ الْبَعْضِ وَأَوْلَادِهِمْ إلَّا وَلَدَ الْمُكَاتَبِ الْمُشْتَرَى فِي كِتَابَتِهِ وَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَذَبِيحَةِ الْمَجُوسِيِّ وَالْمُرْتَدِّ وَالْمُشْرِكِ وَالصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ وَالْمَجْنُونِ وَمَذْبُوحِ صَيْدِ الْمُحْرِمِ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الْحِلِّ أَوْ الْحَرَمِ وَمَذْبُوحِ صَيْدِ الْحَرَمِ وَصَيْدِ الْمُحْرِمِ إلَّا بَيْعُ وَكِيلِهِ، وَجِلْدِ الْمَيْتَةِ قَبْلَ الدَّبْغِ وَجِلْدِ الْخِنْزِيرِ مُطْلَقًا وَعَظْمِهِ وَشَعْرَهُ وَعَصَبِهِ عَلَى الصَّحِيحِ كَشَعْرِ الْآدَمِيِّ وَعَظْمِهِ وَفِي عَظْمِ الْكَلْبِ رِوَايَتَانِ، وَلَمْ يَنْعَقِدْ بَيْعُ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ. وَأَمَّا فِي حَقِّ الذِّمِّيِّ فَيَنْعَقِدُ وَلَكِنْ اخْتَلَفُوا فِي كَوْنِهِ مُبَاحًا لَهُ أَوْ مُحَرَّمًا وَالصَّحِيحُ الثَّانِي كَمَا فِي الْبَدَائِعِ لِكَوْنِهِمْ يَتَمَوَّلُونَهَا، وَإِنْ تَبَايَعَا، ثُمَّ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ انْفَسَخَ الْبَيْعُ. وَلَوْ تَقَارَضَا، ثُمَّ أَسْلَمَ الْمُقْرِضُ فَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ الْخَمْرِ، وَإِنْ أَسْلَمَ الْمُسْتَقْرِضُ كَانَ عَلَيْهِ الْقِيمَةُ فِي رِوَايَةٍ وَفِي أُخْرَى كَالْأَوَّلِ، وَلَمْ يَنْعَقِدْ بَيْعُ النَّحْلِ وَدُودِ الْقَزِّ إلَّا تَبَعًا وَلَا بَيْعُ الْعَذِرَةِ الْخَالِصَةِ بِخِلَافِ السِّرْقِينِ وَالْمَخْلُوطَةِ بِتُرَابٍ، وَكَذَا بَيْعُ آلَاتِ الْمَلَاهِي عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِلْإِمَامِ، وَلَمْ يَنْعَقِدْ بَيْعُ الْمَلَاقِيحِ وَالْمَضَامِينِ وَعَسْبِ الْفَحْلِ وَلَبَنِ الْمَرْأَةِ وَفِي التَّلْوِيحِ الْمُتَقَوِّمُ مَا يَجِبُ إبْقَاؤُهُ بِعَيْنِهِ أَوْ بِمِثْلِهِ أَوْ بِقِيمَتِهِ وَالْخَمْرُ يَجِبُ اجْتِنَابُهَا بِالنَّصِّ فَلَمْ تَكُنْ مُتَقَوِّمَةً اهـ. وَفِي الْقُنْيَةِ أَدْنَى الْقِيمَةِ الَّتِي تُشْتَرَطُ لِجَوَازِ الْبَيْعِ فَلْسٌ، وَلَوْ كَانَتْ كِسْرَةَ خُبْزٍ لَا يَجُوزُ شِرَاءُ الْبَرَاءَاتِ الَّتِي يَكْتُبُهَا الدِّيوَانُ عَلَى الْعُمَّالِ لَا يَصِحُّ قِيلَ لَهُ أَئِمَّةُ بُخَارَى جَوَّزُوا بَيْعَ حُظُوظِ الْأَئِمَّةِ قَالَ؛ لِأَنَّ مَالَ الْوَقْفِ قَائِمٌ ثَمَّةَ وَلَا كَذَلِكَ هُنَا اهـ. فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ لِلْمُسْتَحِقِّ فِي الْمَدَارِسِ بَيْعُ خُبْزِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ مِنْ الْمُشْرِفِ بِخِلَافِ الْجُنْدِيّ إذَا بَاعَ الشَّعِيرَ الْمُعَيَّنَ لِعَلَفِ دَابَّتِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَخَرَجَ بِالْمَمْلُوكِ بَيْعُ مَا لَا يَمْلِكُهُ فَلَمْ يَنْعَقِدْ بَيْعُ الْكَلَأِ، وَلَوْ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ لَهُ وَالْمَاءُ فِي نَهْرِهِ أَوْ فِي بِئْرِهِ وَبَيْعُ الصَّيْدِ وَالْحَطَبِ وَالْحَشِيشِ قَبْلَ الْإِحْرَازِ وَبَيْعُ أَرْضِ مَكَّةَ عِنْدَ الْإِمَامِ وَأَرْضٌ أَحْيَاهَا بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَام عِنْدَ الْإِمَامِ وَحَوَانِيتِ السُّوقِ الَّتِي عَلَيْهَا غَلَّةٌ لِلسُّلْطَانِ لِعَدَمِ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّ السُّلْطَانَ إنَّمَا أَذِنَ لَهُمْ فِي الْبِنَاءِ، وَلَمْ يَجْعَلْ الْبُقْعَةَ لَهُمْ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَفِي الْقُنْيَةِ حَفَرَ مَوْضِعًا مِنْ الْمَعْدِنِ، ثُمَّ بَاعَ تِلْكَ الْحَفِيرَةَ أَوْ أَجَّرَهَا لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا مَلَكَ مِنْ الْمَعْدِنِ مَا يُخْرَجُ وَيُؤْخَذُ وَمَا بَقِيَ فِيهِ بَقِيَ عَلَى الْإِبَاحَةِ. قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَهَذِهِ رِوَايَةٌ فِي وَاقِعَةٍ بَلَغَتْنِي عَنْ بَعْضِ الْمُفْتِينَ الْمُجَازِفِينَ أَنَّهُ أَفْتَى فِيمَنْ حَفَرَ فِي جَبَلٍ حَجَرًا يُتَّخَذُ مِنْهُ الْقُدُورُ، ثُمَّ مَاتَ وَنَحَتَ غَيْرُهُ مِنْهُ قُدُورًا بِأَنَّ لِوَرَثَةِ الْحَافِرِ الْمَنْعَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَيْنَا وَهَدَاهُ وَإِيَّانَا. وَالصَّوَابُ لَيْسَ لَهُمْ الْمَنْعُ؛ لِأَنَّ الْحَجَرَ الْبَاقِيَ، وَإِنْ ظَهَرَ بِحَفْرِهِ بَقِيَ عَلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ. اهـ. وَخَرَجَ بِقَوْلِنَا وَأَنْ يَكُونَ مِلْكًا لِلْبَائِعِ مَا لَيْسَ كَذَلِكَ فَلَمْ يَنْعَقِدْ بَيْعُ مَا لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ لَهُ، وَإِنْ مَلَكَهُ بَعْدَهُ إلَّا السَّلَمَ وَالْمَغْصُوبَ لَوْ بَاعَهُ الْغَاصِبُ، ثُمَّ ضَمِنَ الْغَاصِبُ قِيمَتَهُ نَفَذَ بَيْعُهُ لِاسْتِنَادِ الْمِلْكِ إلَى وَقْتِ الْبَيْعِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ بَاعَ مِلْكَ نَفْسِهِ وَقُلْنَا فِيمَا يَبِيعُهُ لِنَفْسِهِ لِيَخْرُجَ النَّائِبُ وَالْفُضُولِيُّ فَالْأَوَّلُ نَافِذٌ. وَالثَّانِي مُنْعَقِدٌ مَوْقُوفًا وَقُلْنَا وَأَنْ يَكُونَ مَقْدُورَ التَّسْلِيمِ فَلَمْ يَنْعَقِدْ بَيْعُ مَعْجُوزِ التَّسْلِيمِ عِنْدَ الْبَائِعِ كَبَيْعِ الْآبِقِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، فَإِنْ حَضَرَ اُحْتِيجَ إلَى تَجْدِيدِ الرُّكْنِ قَوْلًا أَوْ فِعْلًا، وَكَذَا بَيْعُ الطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ بَعْدَ أَنْ كَانَ فِي يَدِهِ وَطَارَ وَالسَّمَكُ بَعْدَ الصَّيْدِ وَالْإِلْقَاءِ فِي الْحَظِيرَةِ إذَا كَانَ لَا يُمْكِنُ أَخْذُهُ إلَّا بِصَيْدٍ وَلَا يَنْعَقِدُ بَيْعُ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ. وَيَجُوزُ مِنْ الْمَدْيُونِ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى التَّسْلِيمِ، وَلَمْ يَنْعَقِدْ بَيْعُ الْمَغْصُوبِ مِنْ غَيْرِ الْغَاصِبِ إذَا كَانَ الْغَاصِبُ مُنْكِرًا لَهُ وَلَا بَيِّنَةَ وَإِلَى هُنَا صَارَتْ شَرَائِطُ الِانْعِقَادِ أَحَدَ عَشَرَ اثْنَانِ فِي الْعَاقِدِ وَاثْنَانِ فِي الْعَقْدِ وَوَاحِدٌ فِي مَكَانِهِ وَسِتَّةٌ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ. وَأَمَّا شَرَائِطُ النَّفَاذِ فَالْمِلْكُ أَوْ الْوِلَايَةُ فَلَمْ يَنْعَقِدْ بَيْعُ الْفُضُولِيِّ عِنْدَنَا. وَأَمَّا شِرَاؤُهُ فَنَافِذٌ كَمَا سَيَأْتِي وَالْوِلَايَةُ أَمَّا بِإِنَابَةِ الْمَالِكِ أَوْ الشَّارِعِ فَالْأَوَّلُ الْوَكَالَةُ. وَالثَّانِي وِلَايَةُ الْأَبِ وَمَنْ قَامَ مَقَامَهُ بِشَرْطِ إسْلَامِ الْوَلِيِّ وَحُرِّيَّتِهِ وَعَقْلِهِ وَبُلُوغِهِ وَصِغَرِ الْمَوْلَى عَلَيْهِ وَأَوْلَى الْأَوْلِيَاءِ فِي الْمَالِ الْأَبُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ أَحَدَ عَشَرَ) صَوَابُهُ تِسْعَةٌ. [شَرَائِطُ النَّفَاذِ] (قَوْلُهُ فَلَمْ يَنْعَقِدْ بَيْعُ الْفُضُولِيِّ عِنْدَنَا) صَوَابُهُ فَلَمْ يَنْفُذْ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بَيْعَ الْفُضُولِيِّ لِنَفْسِهِ، فَإِنَّهُ بَاطِلٌ لَكِنْ قَدْ عَلِمْت مِمَّا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الرَّمْلِيُّ أَنَّهُ عَلَى الرِّوَايَةِ الضَّعِيفَةِ وَالصَّحِيحُ خِلَافُهَا (قَوْلُهُ وَصِغَرُ الْمَوْلَى عَلَيْهِ) يَرِدُ عَلَى التَّقَيُّدِ الْمَجْنُونُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 280 ثُمَّ وَصِيُّهُ، ثُمَّ وَصِيُّ وَصِيِّهِ، ثُمَّ الْجَدُّ أَبُو الْأَبِ، ثُمَّ وَصِيُّهُ، ثُمَّ وَصِيُّ وَصِيِّهِ، ثُمَّ الْقَاضِي، ثُمَّ مَنْ نَصَبَهُ الْقَاضِي وَلَيْسَ لِمَنْ سِوَاهُمْ وِلَايَةٌ فِي الْمَالِ مِنْ الْأُمِّ وَالْأَخِ وَالْعَمِّ وَلِوَصِيِّهِمْ وِلَايَةُ بَيْعِ الْمَنْقُولِ لِلْحِفْظِ وَالْعَقَارِ لِقَضَاءِ دَيْنِ الْمَيِّتِ خَاصَّةً وَلَيْسَ لَهُ التَّصَرُّفُ. وَأَمَّا وَصِيُّ الْمُكَاتَبِ فَلَا يَمْلِكُ إلَّا قَضَاءَ دَيْنِ الْمُكَاتَبِ فَيَبِيعُ لَهُ وَلَا يَمْلِكُ بَعْدَهُ إلَّا الْحِفْظَ فِي رِوَايَةِ الزِّيَادَاتِ وَفِي رِوَايَةِ كِتَابِ الْقِسْمَةِ جَعَلَهُ كَوَصِيِّ الْأَبِ هَذَا إذَا مَاتَ قَبْلَ الْأَدَاءِ. وَأَمَّا بَعْدَهُ فَوَصِيُّهُ كَوَصِيِّ الْأَحْرَارِ فَانْعَقَدَ بَيْعُ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ عِنْدَنَا مَوْقُوفًا إنْ كَانَ مَحْجُورًا وَنَافِذًا إنْ كَانَ مَأْذُونًا الثَّانِي أَنْ لَا يَكُونَ فِي الْمَبِيعِ حَقٌّ لِغَيْرِ الْبَائِعِ، فَإِنْ كَانَ لَا يَنْفُذُ كَالْمَرْهُونِ وَالْمُسْتَأْجَرِ وَاخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُ الْكُتُبِ فِيهَا فَفِي بَعْضِهَا أَنَّهُ فَاسِدٌ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ وَيُحْمَلُ الْفَسَادُ عَلَى أَنَّهُ لَا حُكْمَ لَهُ ظَاهِرٌ أَوْ هُوَ تَفْسِيرُ الْمَوْقُوفِ عِنْدَنَا وَيَمْلِكَانِ الْإِجَازَةَ دُونَ الْفَسْخِ وَيَفْسَخُهُ الْمُشْتَرِي إنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ أَوَّلًا. وَأَمَّا بَيْعُ عَبْدٍ وَجَبَ عَلَيْهِ قَوَدٌ فَنَافِذٌ كَبَيْعِ الْمُرْتَدِّ وَالْجَانِي وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ حَدٌّ. وَأَمَّا شَرَائِطُ الصِّحَّةِ فَعَامَّةٌ وَخَاصَّةٌ فَالْعَامَّةُ لِكُلِّ بَيْعٍ مَا هُوَ شَرْطُ الِانْعِقَادِ؛ لِأَنَّ مَا لَا يَنْعَقِدُ لَمْ يَصِحَّ وَلَا يَنْعَكِسُ، فَإِنَّ الْفَاسِدَ عِنْدَنَا مُنْعَقِدٌ نَافِذٌ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْقَبْضُ، وَمِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ مُؤَقَّتًا، فَإِنْ أَقَّتَهُ لَمْ يَصِحَّ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ، فَإِنَّ التَّأْقِيتَ شَرْطُهَا، وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ مَعْلُومًا وَالثَّمَنُ مَعْلُومًا عِلْمًا يَمْنَعُ مِنْ الْمُنَازَعَةِ فَالْمَجْهُولُ جَهَالَةً مُفْضِيَةً إلَيْهَا غَيْرُ صَحِيحٍ كَشَاةٍ مِنْ هَذَا الْقَطِيعِ وَبَيْعُ الشَّيْءِ بِقِيمَتِهِ وَبِحُكْمِ فُلَانٍ، وَمِنْهَا خُلُوُّهُ عَنْ شَرْطٍ مُفْسِدٍ وَهُوَ أَنْوَاعٌ شُرِطَ فِي وُجُودِهِ غَرَرٌ كَاشْتِرَاطِ حَمْلِ الْبَهِيمَةِ وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ فِي اشْتِرَاطِ حَمْلِ الْجَارِيَةِ. وَرَجَّحَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الشَّارِطَ لَهُ إنْ كَانَ الْبَائِعُ صَحَّ وَكَانَ تَبَرِّيًا مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي لِيَتَّخِذَهَا ظِئْرًا فَسَدَ، وَمِنْهُ مَا إذَا اشْتَرَى كَبْشًا عَلَى أَنَّهُ نَطَّاحٌ، وَمِنْهُ شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لِأَحَدَيْهِمَا وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ، وَمِنْهُ شَرْطُ الْأَجَلِ فِي الْمَبِيعِ الْمُعَيَّنِ وَالثَّمَنِ الْمُعَيَّنِ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ فِي الدَّيْنِ، وَمِنْهُ شَرْطُ خِيَارٍ مُؤَبَّدٍ، وَمِنْهُ شَرْطُ خِيَارٍ مُؤَقَّتٍ مَجْهُولٍ، وَمِنْهُ شَرْطُ خِيَارٍ مُطْلَقٍ، وَمِنْهُ شَرْطُ خِيَارٍ مُؤَقَّتٍ مَعْلُومٍ زَائِدٍ عَلَى الثَّلَاثَةِ، وَمِنْهُ اسْتِثْنَاءُ حَمْلِ الْجَارِيَةِ. وَمِنْهُ الرِّضَا فَفَسَدَ بَيْعُ الْمُكْرَهِ وَشِرَاؤُهُ، وَكَذَا الْبَيْعُ تَلْجِئَةً يَمْلِكُ الْأَوَّلَ بِالْقَبْضِ دُونَ الثَّانِي، وَمِنْهَا الْفَائِدَةُ فَبَيْعُ مَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ وَشِرَاؤُهُ فَاسِدٌ فَفَسَدَ بَيْعُ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمٍ اسْتَوَيَا وَزْنًا وَصِفَةً، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ. وَأَمَّا الْخَاصَّةُ فَمِنْهَا مَعْلُومِيَّةُ الْأَجَلِ فِي الْبَيْعِ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ فَفَسَدَ إنْ كَانَ مَجْهُولًا، وَمِنْهَا الْقَبْضُ فِي بَيْعِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ الثَّانِي أَنْ لَا يَكُونَ فِي الْمَبِيعِ حَقٌّ لِغَيْرِ الْبَائِعِ) أَيْ الثَّانِي مِنْ شَرَائِطِ النَّفَاذِ وَالْأَوَّلِ هُوَ قَوْلُهُ الْمِلْكُ أَوْ الْوِلَايَةُ (قَوْلُهُ كَالْمَرْهُونِ وَالْمُسْتَأْجَرِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ، فَإِنْ أَرَادَ الْمُسْتَأْجِرُ أَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْفَسْخَ وَفِي الزَّيْلَعِيِّ فِي بَيْعِ الْمَرْهُونِ وَفِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ لَا يَنْفَسِخُ بِفَسْخِهِ وَمِثْلُهُ فِي الْكَافِي وَالْهِدَايَةِ وَالْجَوْهَرَةِ وَأَكْثَرُ الْكُتُبِ الْمُعْتَبَرَةِ فَكَانَ عَلَيْهِ الْمُعَوَّلُ، وَعِبَارَةُ الْكَافِي صَرِيحَةٌ فِي أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَمْلِكُ الْفَسْخَ بِدُونِ طَلَبِ الْمُشْتَرِي قَالَ بَعْدَ ذِكْرِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ عَدَمِ جَوَازِ فَسْخِ الرَّاهِنِ وَالْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ صَبَرَ حَتَّى يُفْتَكَّ الرَّهْنُ، وَإِنْ شَاءَ رَفَعَ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي لِيُفْسَخَ بِحُكْمِ الْعَجْزِ عَنْ التَّسْلِيمِ إذْ وِلَايَةُ الْفَسْخِ لِلْقَاضِي لَا إلَيْهِ (قَوْلُهُ وَلَا يَنْعَكِسُ) أَيْ بِأَنْ يُقَالَ مَا لَا يَصِحُّ لَمْ يَنْعَقِدْ؛ لِأَنَّ مَا لَا يَصِحُّ مِنْهُ مُنْعَقِدٌ كَالْفَاسِدِ، وَمِنْهُ غَيْرُهُ كَالْبَاطِلِ وَفِي قَوْلِهِ مُنْعَقِدٌ نَافِذٌ نَظَرٌ، فَإِنَّ بَيْعَ الْمُكْرَهِ مِنْ الْفَاسِدِ كَمَا قَدَّمَهُ وَهُوَ مُنْعَقِدٌ مَوْقُوفٌ وَكَانَ الظَّاهِرُ أَنْ يَقُولَ مُنْعَقِدٌ مَمْلُوكٌ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَمِنْهُ شَرْطُ الْأَجَلِ فِي الْبَيْعِ الْمُعَيَّنِ وَالثَّمَنِ الْمُعَيَّنِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَقُولُ: فِي جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى رَجُلٌ لَهُ عَلَى آخَرَ حِنْطَةٌ غَيْرُ السَّلَمِ فَبَاعَهَا مِنْهُ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ إلَى شَهْرٍ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ هَذَا بَيْعُ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ، وَقَدْ نُهِينَا عَنْهُ، وَإِنْ بَاعَهَا مِمَّنْ عَلَيْهِ وَنَقَدَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ فِي الْمَجْلِسِ جَازَ فَيَكُونُ دَيْنًا بِعَيْنٍ اهـ. وَقَدْ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ فِي مِنَحِ الْغَفَّارِ فِي بَابِ الْقَرْضِ قَبْلَ بَابِ الرِّبَا نَقْلًا عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ وَسَيَأْتِي فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَيُبَاعُ الطَّعَامُ كَيْلًا وَجُزَافًا نَقْلًا عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ لَهُ عَلَيْهِ حِنْطَةً أَكَلَهَا فَبَاعَهَا مِنْهُ نَسِيئَةً لَا يَجُوزُ أَقُولُ: وَمِثْلُهُ الزَّيْتِ وَكُلُّ مَكِيلٍ وَمَوْزُونٍ وَمِثْلُ الْبَيْعِ الصُّلْحُ قَالَ فِي الْفَصْلِ الثَّلَاثِينَ مِنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، وَلَوْ غَصَبَ كُرَّ بُرٍّ فَصَالَحَهُ وَهُوَ قَائِمٌ عَلَى دَرَاهِمَ مُؤَجَّلَةٍ جَازَ، وَكَذَا الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ وَسَائِرُ الْمَوْزُونَاتِ، وَلَوْ صَالَحَهُ عَلَى كَيْلٍ مُؤَجَّلٍ لَمْ يَجُزْ إذْ الْجِنْسُ بِانْفِرَادِهِ يُحَرِّمُ النَّسَاءُ، وَلَوْ كَانَ الْبُرُّ هَالِكًا لَمْ يَجُزْ الصُّلْحُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ هَذَا نَسِيئَةً؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ بِدَيْنٍ إلَّا إذَا صَالَحَ عَلَى بُرٍّ مِثْلِهِ أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ مُؤَجَّلًا جَازَ؛ لِأَنَّهُ عَيَّنَ حَقَّهُ وَالْحَطُّ جَائِزٌ لَا لَوْ عَلَى أَكْثَرَ لِلرِّبَا وَالصُّلْحُ عَلَى بَعْضِ حَقِّهِ فِي الْكَيْلِيِّ وَالْوَزْنِيِّ حَالَ قِيَامِهِ لَمْ يَجُزْ اهـ. وَذَكَرَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ الْحِيلَةُ فِي جَوَازِ بَيْعِ الْحِنْطَةِ الْمُسْتَهْلَكَةِ بِالنَّسِيئَةِ أَنَّهُ يَبِيعُهَا بِثَوْبٍ وَيَقْبِضُ الثَّوْبَ، ثُمَّ يَبِيعُهُ بِدَرَاهِمَ إلَى أَجَلٍ أَقُولُ: وَتَجْرِي هَذِهِ الْحِيلَةُ فِي الصُّلْحِ أَيْضًا وَهِيَ وَاقِعَةُ الْفَتْوَى وَيَكْثُرُ وُقُوعُ ذَلِكَ فَاسْتَفِدْهُ اهـ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 281 الْمُشْتَرَى الْمَنْقُولِ وَفِي الدَّيْنِ فَبَيْعُ الدَّيْنِ قَبْلَ قَبْضِهِ فَاسِدٌ كَالْمُسْلَمِ فِيهِ وَرَأْسِ الْمَالِ، وَلَوْ بَعْدَ الْإِقَالَةِ وَبَيْعُ شَيْءٍ بِالدَّيْنِ الَّذِي عَلَى فُلَانٍ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ عَلَى الْبَائِعِ، وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ الْبَدَلُ مُسَمًّى فِي أَحَدِ نَوْعَيْ الْمُبَادَلَةِ وَهِيَ الْقَوْلِيَّةُ، فَإِنْ سَكَتَ عَنْهُ فَسَدَ وَمَلَكَ بِالْقَبْضِ، وَإِنْ نَفَاهُ قِيلَ فَسَدَ وَقِيلَ بَطَلَ فَلَا يَمْلِكُ بِالْقَبْضِ وَفِي التَّتِمَّةِ بَاعَهُ بِدَيْنٍ عَلَيْهِ وَهُمَا يَعْلَمَانِ أَنْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ لَمْ يَصِحَّ، وَمِنْهَا الْمُمَاثَلَةُ بَيْنَ الْبَدَلَيْنِ فِي أَمْوَالِ الرِّبَا وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ فِي بَابِهِ. وَمِنْهَا الْخُلُوُّ عَنْ شُبْهَةِ الرِّبَا، وَمِنْهَا وُجُودُ شَرَائِطَ السَّلَمِ الْآتِيَةِ، وَمِنْهَا الْقَبْضُ فِي الصَّرْفِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ، وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ الْأَوَّلُ مَعْلُومًا فِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ وَالتَّوْلِيَةِ وَالْإِشْرَاكِ وَالْوَضِيعَةِ. وَأَمَّا شَرَائِطُ اللُّزُومِ بَعْدَ الِانْعِقَادِ وَالنَّفَاذِ فَخُلُوُّهُ مِنْ الْخِيَارَاتِ الْأَرْبَعَةِ الْمَشْهُورَةِ وَيُزَادُ خِيَارُ الْكَمِّيَّةِ وَخِيَارُ الْغَبْنِ إذَا كَانَ فِيهِ غُرُورٌ وَخِيَارُ اسْتِحْقَاقِ بَعْضِ الْمَبِيعِ الْقِيَمِيِّ مُطْلَقًا وَالْمِثْلِيِّ قَبْلَ الْقَبْضِ وَخِيَارُ الْخِيَانَةِ فِي الْمُرَابَحَةِ وَخِيَارُ نَقْدِ الثَّمَنِ وَعَدَمِهِ وَخِيَارُ كَشْفِ الْحَالِ وَخِيَارُ فَوَاتِ وَصْفٍ مَرْغُوبٍ فِيهِ وَخِيَارُ إجَازَةِ بَيْعِ الْفُضُولِيِّ وَخِيَارُ هَلَاكِ بَعْضِ الْمَبِيعِ فَهِيَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ، وَقَدْ صَارَتْ جُمْلَةُ الشَّرَائِطَ سِتَّةً وَسَبْعِينَ فَشَرَائِطُ الِانْعِقَادِ أَحَدَ عَشَرَ وَشَرَائِطُ النَّفَاذِ اثْنَانِ وَشَرَائِطُ الصِّحَّةِ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ وَشَرْطُ اللُّزُومِ وَاحِدٌ بَعْدَ اجْتِمَاعِ الْكُلِّ فَعَلَى هَذَا شَرَائِطُ اللُّزُومِ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ وَالْكُلُّ مِنْ غَيْرِ تَدَاخُلٍ ثَمَانِيَةٌ وَسَبَبُ شَرْعِيَّتِهِ تَعَلُّقُ الْبَقَاءِ الْمَعْلُومِ فِيهِ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى وَجْهٍ جَمِيلٍ. وَأَمَّا أَحْكَامُهُ فَالْأَصْلِيُّ لَهُ الْمِلْكُ فِي الْبَدَلَيْنِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا فِي بَدَلٍ وَهُوَ فِي اللُّغَةِ الْقُوَّةُ وَالْقُدْرَةُ وَشَرْعًا مَا قَدَّمْنَاهُ وَالتَّابِعُ وُجُوبُ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ وَوُجُوبُ اسْتِبْرَاءِ الْجَارِيَةِ عَلَى الْمُشْتَرِي وَمُلْكُ الِاسْتِمْتَاعِ بِالْجَارِيَةِ وَثُبُوتُ الشُّفْعَةِ لَوْ كَانَ عَقَارًا وَعِتْقُ الْمَبِيعِ لَوْ كَانَ مَحْرَمًا مِنْ الْبَائِعِ. وَأَمَّا صِفَةُ ذَلِكَ الْحُكْمِ فَاللُّزُومُ عِنْدَ عَدَمِ خِيَارٍ فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا فَسْخُهُ فَالْبَيْعُ عِنْدَ عَدَمِ الْخِيَارِ مِنْ الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ وَالْعُقُودُ ثَلَاثَةٌ لَازِمٌ مِنْ الطَّرَفَيْنِ وَهُوَ الْبَيْعُ وَالسَّلَمُ وَالْإِجَارَةُ، وَإِنْ قُلْنَا بِفَسْخِهَا بِالْأَعْذَارِ وَالصُّلْحِ وَالْحَوَالَةِ وَالْمُسَاقَاةِ وَالْوَصِيَّةِ بَعْدَ الْقَبُولِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وَالنِّكَاحِ وَالصَّدَاقِ وَالصَّدَقَةِ الْمَقْبُوضَةِ وَالْهِبَةِ الْمَقْبُوضَةِ إذَا وُجِدَ مَانِعٌ مِنْ الْمَوَانِعِ السَّبْعَةِ الْآتِيَةِ وَلَازِمٌ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ وَهُوَ الرَّهْنُ، فَإِنَّهُ لَازِمٌ مِنْ جِهَةِ الرَّاهِنِ بَعْدَ التَّسْلِيمِ دُونَ الْمُرْتَهِنِ وَجَائِزٌ مِنْ الطَّرَفَيْنِ فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا فَسْخُهُ وَهُوَ الشَّرِكَةُ وَالْوَكَالَةُ وَالْعَارِيَّةُ لِغَيْرِ الرَّاهِنِ وَالْمُضَارِبَةِ الْوَدِيعَةِ وَالْقَضَاءِ وَالْوِصَايَةِ قَبْلَ قَبُولِ الْوَصِيِّ. وَأَمَّا بَعْدَهُ فَلَازِمَةٌ وَالْوَصِيَّةُ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي. وَأَمَّا أَنْوَاعُهُ فَبِالنَّظَرِ إلَى مُطْلَقِ الْبَيْعِ أَرْبَعَةٌ نَافِذٌ وَمَوْقُوفٌ وَفَاسِدٌ وَبَاطِلٌ فَالنَّافِذُ مَا أَفَادَ الْحُكْمَ لِلْحَالِ وَالْمَوْقُوفُ مَا أَفَادَهُ عِنْدَ الْإِجَازَةِ وَالْفَاسِدُ مَا أَفَادَهُ عِنْدَ الْقَبْضِ وَالْبَاطِلُ مَا لَمْ يُفِدْهُ أَصْلًا، كَذَا فِي الْحَاوِي وَغَيْرِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْمَوْقُوفَ لَيْسَ مِنْ الْفَاسِدِ، وَإِنَّمَا هُوَ إمَّا مَنْ قِسْمِ الصَّحِيحِ أَوْ قِسْمٌ بِرَأْسِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ وَبِالنَّظَرِ إلَى الْمَبِيعِ أَرْبَعَةٌ مُقَايَضَةٌ وَهِيَ بَيْعُ الْعَيْنِ بِالْعَيْنِ وَبَيْعُ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ وَهُوَ الصَّرْفُ وَبَيْعُ الدَّيْنِ بِالْعَيْنِ وَهُوَ السَّلَمُ وَعَكْسُهُ وَهُوَ بَيْعُ الْعَيْنِ بِالدَّيْنِ كَأَكْثَرِ الْبِيَاعَاتِ وَبِالنَّظَرِ إلَى الثَّمَنِ خَمْسَةٌ مُرَابَحَةٌ وَتَوْلِيَةٌ وَإِشْرَاكٌ وَوَضِيعَةٌ وَمُسَاوَمَةٌ وَسَتَأْتِي الْبُيُوعُ الْمَكْرُوهَةُ. وَأَمَّا مَحَاسِنُهُ فَمِنْهَا التَّوَصُّلُ إلَى الْأَغْرَاضِ وَإِخْلَاء الْعَالِمَ عَنْ الْفَسَادِ وَفِي آخِرِ بُيُوعِ الْبَزَّازِيَّةِ قِيلَ لِلْإِمَامِ مُحَمَّدٍ أَلَا تُصَنِّفُ فِي الزُّهْدِ قَالَ حَسْبُكُمْ كِتَابُ الْبُيُوعِ وَكَانَ التُّجَّارُ فِي الْقَدِيمِ إذَا سَافَرُوا اسْتَصْحَبُوا مَعَهُمْ فَقِيهًا يَرْجِعُونَ إلَيْهِ وَعَنْ أَئِمَّةِ خُوَارِزْمَ أَنَّهُ لَا بُدَّ لِلتَّاجِرِ مِنْ فَقِيهٍ صَدِيقٍ اهـ. قَالَ الشُّمُنِّيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَقَدْ صَحَّ عِنْدَ أَصْحَابِ السِّيَرِ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اتَّجَرَ لِخَدِيجَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -» لَكِنْ قَبْلَ الْبِعْثَةِ بَخَمْسَةَ عَشَرَ سَنَةً، فَإِنَّهُ بُعِثَ عَلَى رَأْسِ الْأَرْبَعِينَ وَخَرَجَ تَاجِرًا إلَى الشَّامِ لِخَدِيجَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - لَمَّا بَلَغَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِشَهْرَيْنِ وَخَمْسَةٍ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ سِتَّةً وَسَبْعِينَ) فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ شَرَائِطَ الِانْعِقَادِ وَالنَّفَاذِ وَالصِّحَّةِ ثَمَانِيَةٌ وَثَلَاثُونَ وَشَرَائِطُ اللُّزُومِ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتُ مَعَ زِيَادَةِ الْخُلُوِّ مِنْ الْخِيَارَاتِ فَصَارَتْ سَبْعَةً وَسَبْعِينَ لَكِنْ عَلِمْتَ أَنَّ الصَّوَابَ أَنَّ شَرَائِطَ الِانْعِقَادِ تِسْعَةٌ فَيَسْقُطُ مِنْهَا اثْنَانِ، وَمِنْ شَرَائِطِ الصِّحَّةِ اثْنَانِ أَيْضًا، وَمِنْ شَرَائِطِ اللُّزُومِ أَرْبَعَةٌ فَتَبْقَى الْجُمْلَةُ تِسْعَةً وَسِتِّينَ (قَوْلُهُ وَالْكُلُّ مِنْ غَيْرِ تَدَاخُلٍ ثَمَانِيَةٌ) لَمْ يَظْهَرْ لِي مُرَادُهُ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ لَوْ كَانَ مُحَرَّمًا مِنْ الْبَائِعِ) صَوَابُهُ مِنْ الْمُشْتَرِي. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 282 وَعِشْرِينَ يَوْمًا وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - تَاجِرًا فِي الْبَزِّ وَكَانَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي الطَّعَامِ وَعُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي التَّمْرِ وَالْبَزِّ وَعَبَّاسٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْعِطْرِ، وَمِنْ هُنَا قَالَ أَصْحَابُنَا أَفْضَلُ الْكَسْبِ بَعْدَ الْجِهَادِ التِّجَارَةُ، ثُمَّ الْحِرَاثَةُ، ثُمَّ الصِّنَاعَةُ اهـ. وَأَمَّا دَلِيلُهُ فَالْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ وَالْمَعْقُولُ وَهُوَ الْعَاشِرُ مِنْ مَوَاضِعِهِ. (فَرْعٌ حَسَنٌ) مِنْ خِزَانَةِ الْفَتَاوَى بَيْعُ مَا يُسَاوِي دِرْهَمًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ يَجُوزُ وَلَا يَلْزَمُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُكْرَهُ اهـ. (قَوْلُهُ الْبَيْعُ يَلْزَمُ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ) أَيْ حُكْمُ الْبَيْعِ يَلْزَمُ بِهِمَا؛ لِأَنَّهُ جَعَلَهُمَا غَيْرَهُ وَأَنَّهُ يَلْزَمُ بِهِمَا مَعَ أَنَّ الْبَيْعَ لَيْسَ إلَّا هُمَا؛ لِأَنَّهُمَا رُكْنَاهُ عَلَى مَا حَقَّقْنَاهُ وَمَا قِيلَ إنَّهُ مَعْنًى شَرْعِيٌّ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَلَيْسَ هُوَ إلَّا الْحُكْمَ فَالْمُتَحَقِّقُ مِنْ الشَّرْعِ لَيْسَ إلَّا ثُبُوتَ الْحُكْمِ الْمَعْلُومِ مِنْ تَبَادُلِ الْمِلْكَيْنِ عِنْدَ وُجُودِ الْفِعْلَيْنِ أَعْنِي الشَّطْرَيْنِ بِوَضْعِهِمَا سَبَبًا لَهُ شَرْعًا وَلَيْسَ هُنَا شَيْءٌ ثَالِثٌ. كَذَا حَقَّقَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَقَدْ يُقَالُ لَا حَاجَةَ إلَى هَذَا التَّكَلُّفِ إذْ يُصَحُّ الْكَلَامُ بِدُونِهِ؛ لِأَنَّ الِانْعِقَادَ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ تَعَلَّقَ كَلَامُ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ بِالْآخَرِ شَرْعًا فِي الْبِنَايَةِ أَنَّهُ انْضِمَامُ كَلَامِ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ عَلَى وَجْهٍ يَظْهَرُ أَثَرُهُ فِي الْمَحَلِّ اهـ. وَهُوَ أَمْرٌ ثَالِثٌ غَيْرُ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَالْبَيْعُ مَجْمُوعُ الثَّلَاثَةِ فَصَحَّ التَّرْكِيبُ وَفِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ فَالْعَقْدُ رَبْطُ أَجْزَاءِ التَّصَرُّفِ أَيْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ شَرْعًا لَكِنْ هُنَا أُرِيدَ بِالْعَقْدِ الْحَاصِلُ بِالْمَصْدَرِ وَهُوَ الِارْتِبَاطُ لَكِنَّ النِّكَاحَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ مَعَ ذَلِكَ الِارْتِبَاطِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا هَذَا؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ يَعْتَبِرُ الْإِيجَابَ وَالْقَبُولَ أَرْكَانَ عَقْدِ النِّكَاحِ لَا أُمُورًا خَارِجِيَّةً كَالشَّرَائِطِ وَنَحْوِهَا، وَقَدْ ذَكَرْت فِي شَرْحِ التَّنْقِيحِ فِي فَصْلِ النَّهْيِ كَالْبَيْعِ، فَإِنَّ الشَّرْعَ يَحْكُمُ بِأَنَّ الْإِيجَابَ وَالْقَبُولَ الْمَوْجُودَيْنِ حِسًّا يَرْتَبِطَانِ ارْتِبَاطًا حُكْمِيًّا فَيَحْصُلُ مَعْنًى شَرْعِيٌّ يَكُونُ مِلْكُ الْمُشْتَرِي أَثَرًا لَهُ فَذَلِكَ الْمَعْنَى هُوَ الْبَيْعُ فَالْمُرَادُ بِذَلِكَ الْمَعْنَى الْمَجْمُوعُ الْمُرَكَّبُ مِنْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ مَعَ ذَلِكَ الِارْتِبَاطِ لِلشَّيْءِ لَا أَنَّ الْبَيْعَ مُجَرَّدُ ذَلِكَ الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ وَالْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ آلَةٌ لَهُ كَمَا تَوَهَّمَ الْبَعْضُ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُمَا أَرْكَانًا يُنَافِي ذَلِكَ اهـ. وَهُوَ تَقْرِيرٌ حَسَنٌ. وَقَالَ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ الْمُبَادَلَةُ عِلَّةٌ صُورِيَّةٌ لِلْبَيْعِ وَالْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ وَالتَّعَاطِي عِلَّةٌ مَادِّيَّةٌ وَالْمُبَادَلَةُ تَكُونُ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَهِيَ الْعِلَّةُ الْفَاعِلِيَّةُ وَسَكَتَ عَنْ الْعِلَّةِ الْغَائِيَّةِ هُنَا، وَذَكَرَهَا فِي النِّكَاحِ وَهِيَ هُنَا الْمِلْكُ وَثَمَّةَ الْمَصَالِحُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالنِّكَاحِ، وَذَكَرَ الشُّمُنِّيُّ أَنَّ الْمَعْنَى أَنَّهُ يَنْعَقِدُ بِمَجْمُوعِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ اهـ. وَفِي الْقَامُوسِ عَقَدْت الْحَبْلَ وَالْعَهْدَ وَالْبَيْعَ فَانْعَقَدَ اهـ. فَإِنْ قُلْتُ: فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ الْبَيْعُ يَنْعَقِدُ، وَكَذَا أَمْثَالُهُ، فَإِنَّ الْمَعْنَى الْعَقْدُ يَنْعَقِدُ قُلْتُ: الْمَعْنَى الْعَقْدُ الشَّرْعِيُّ الْخَاصُّ يَثْبُتُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَفِي الْقَامُوسِ عَقَدَ الْحَبْلَ وَالْبَيْعَ وَالْعَهْدَ يَعْقِدُهُ شَدَّهُ وَفِي تَفْسِيرِ الْفَخْرِ الرَّازِيّ الْعَقْدُ وَصْلُ الشَّيْءِ بِالشَّيْءِ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِثْبَاتِ وَالِاسْتِحْكَامِ اهـ. وَفِي تَفْسِيرِ الْقَاضِي وَأَصْلُ الْعَقْدِ الْجَمْعُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ بِحَيْثُ يَعْسُرُ الِانْفِصَالُ بَيْنَهُمَا اهـ. وَالْعَقْدُ شَرْعًا عَلَى مَا فِي التَّوْضِيحِ رَبْطُ الْقَبُولِ بِالْإِيجَابِ. وَأَمَّا حَمْلُ كَلَامِ الْمُسْتَصْفَى عَلَى الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ الْمِلْكُ فَلَيْسَ بِظَاهِرٍ؛ لِأَنَّهُ قَالَ الْبَيْعُ عِبَارَةٌ عَنْ أَثَرٍ شَرْعِيٍّ يَظْهَرُ فِي الْمَحَلِّ عِنْدَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ حَتَّى يَكُونَ الْعَاقِدُ قَادِرًا عَلَى التَّصَرُّفِ اهـ. وَلَا يَصِحُّ حَمْلُهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ لَا يَظْهَرُ عِنْدَهُمَا إنَّمَا يَظْهَرُ بِهِمَا عَقِيبَهُمَا؛ لِأَنَّ حُكْمَ الشَّيْءِ يَعْقُبُهُ وَلِأَنَّهُ جَعَلَ الْقُدْرَةَ عَلَى التَّصَرُّفِ غَايَةً لِذَلِكَ الْأَثَرِ وَالْقُدْرَةُ هِيَ الْمِلْك فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِذَلِكَ الْأَثَرِ الْمِلْكُ؛ لِأَنَّ الْمُغَيَّا غَيْرُ الْغَايَةِ فَافْهَمْ هَذَا التَّقْرِيرَ، فَإِنَّهُ دَقِيقٌ وَالْإِيجَابُ لُغَةً الِالْتِزَامُ وَالْإِثْبَاتُ وَفِي الْفِقْهِ فِي الْمُعَامَلَاتِ مَا يُذْكَرُ أَوَّلًا مِنْ كَلَامِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ الدَّالِّ عَلَى الرِّضَا وَسُمِّيَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ خِيَارُ الْقَبُولِ لِلْآخَرِ وَسَوَاءٌ وَقَعَ مِنْ الْبَائِعِ كَبِعْتُ أَوْ مِنْ الْمُشْتَرِي كَأَنْ يَبْدَأَ الْمُشْتَرِي؛ وَالْقَبُولُ فِي اللُّغَةِ مِنْ قَبِلْت الْعَقْدَ أَقْبَلُهُ مِنْ بَابِ تَعِبَ قَبُولًا بِالْفَتْحِ   [منحة الخالق] [أَنْوَاعُ الْبَيْع] (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ) أَيْ الْمُصَنِّفَ جَعَلَهُمَا أَيْ الْإِيجَابَ وَالْقَبُولَ غَيْرَهُ أَيْ غَيْرَ الْبَيْعِ. (قَوْلُهُ وَمَا قِيلَ إنَّهُ مَعْنًى شَرْعِيٌّ) قَائِلُهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُسْتَصْفَى كَمَا مَرَّ. (قَوْلُهُ: وَقَدْ يُقَالُ لَا حَاجَةَ إلَى هَذَا التَّكَلُّفِ) أَيْ تَقْدِيرُ الْمُضَافِ قَبْلَ الْبَيْعِ وَهُوَ لَفْظُ حُكْمٍ وَمُرَادُهُ الرَّدُّ عَلَى الْفَتْحِ ثُمَّ إنَّ قَوْلَهُ؛ لِأَنَّ الِانْعِقَادَ إلَخْ إنَّمَا يَظْهَرُ عَلَى عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ حَيْثُ عَبَّرَ فِيهَا بِيَنْعَقِدُ بَدَلَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ يَلْزَمُ وَفَرَّقَ مَا بَيْنَهُمَا، ثُمَّ إنَّ مَا بَنَى عَلَيْهِ كَلَامَهُ مِنْ أَنَّ الْبَيْعَ مَجْمُوعُ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ مَعَ الِارْتِبَاطِ لَا يُفِيدُ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى يُصَيِّرُ الْبَيْعَ الَّذِي هُوَ مَجْمُوعُ الثَّلَاثَةِ يَنْعَقِدُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ أَيْ يَرْتَبِطُ نَعَمْ يَتَّضِحُ تَفْسِيرُ يَنْعَقِدُ بِيَحْصُلُ تَأَمَّلْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 283 وَالضَّمِّ لُغَةً حَكَاهَا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ. كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ وَفِي الْفِقْهِ اللَّفْظُ الصَّادِرُ ثَانِيًا الْوَاقِعُ جَوَابًا لِلْأَوَّلِ، وَلِذَا سُمِّيَ قَبُولًا هَكَذَا عَرَّفَهُ الْجُمْهُورُ وَخَالَفَهُمْ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فَعَرَّفَهُ بِأَنَّهُ الْفِعْلُ الصَّادِرُ ثَانِيًا، قَالَ: وَإِنَّمَا قُلْنَا بِأَنَّهُ الْفِعْلُ الْأَعَمُّ مِنْهُ، وَمِنْ الْقَبُولِ ، فَإِنَّ مِنْ الْفُرُوعِ مَا لَوْ قَالَ كُلْ هَذَا الطَّعَامَ بِدِرْهَمٍ فَأَكَلَهُ تَمَّ الْبَيْعُ وَأَكْلُهُ حَلَالٌ وَالرُّكُوبُ وَاللُّبْسُ بَعْدَ قَوْلِ الْبَائِعِ ارْكَبْهَا بِمِائَةٍ وَالْبَسْهُ بِكَذَا رِضًا بِالْبَيْعِ، وَكَذَا إذَا قَالَ بِعْته بِأَلْفٍ فَقَبَضَهُ، وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا كَانَ قَبْضُهُ قَبُولًا بِخِلَافِ بَيْعِ التَّعَاطِي، فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إيجَابٌ بَلْ قُبِضَ بَعْدَ مَعْرِفَةِ الثَّمَنِ فَقَطْ فَفِي جَعْلِ مَسْأَلَةِ الْقَبْضِ بَعْدَ قَوْلِهِ بِعْتُك بِأَلْفٍ مِنْ صُوَرِ التَّعَاطِي كَمَا فَعَلَ بَعْضُهُمْ أَيْ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ نَظَرٌ كَمَا لَا يَخْفَى اهـ. وَلَا حَاجَةَ إلَى تَغْيِيرِ كَلَامِ الْقَوْمِ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْفُرُوعِ إنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ أَنَّ الْقَبُولَ يَقُومُ مَقَامَهُ فِعْلٌ. وَلِهَذَا قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ يَقُومُ الْقَبْضُ مَقَامَ الْقَبُولِ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة اشْتَرَيْت طَعَامَك هَذَا بِأَلْفٍ فَتَصَدَّقْ بِهِ فَفَعَلَ فِي الْمَجْلِسِ، وَلَمْ يَتَكَلَّمْ جَازَ، وَإِنْ تَفَرَّقَا لَا وَقُيِّدَ اللُّزُومُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّ الْبَائِعَ إذَا بَاعَ وَقَبِلَ الْمُشْتَرِي لَا يَحْتَاجُ بَعْدَهُمَا إلَى إجَازَةِ الْبَائِعِ، قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ ذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ مَسْأَلَةً تَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ بِعْت مِنْك هَذَا الْعَبْدَ بِكَذَا، فَقَالَ الْمُشْتَرِي قَبِلْتُ أَنَّ الْبَيْعَ لَا يَنْعَقِدُ بَيْنَهُمَا مَا لَمْ يَقُلْ الْبَائِعُ بَعْدَ ذَلِكَ أَجَزْت وَبِهِ قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْبَائِعَ لَمَّا قَالَ بِعْت مِنْك فَقَدْ مَلَكَ الْعَبْدَ مِنْ الْمُشْتَرِي فَإِذَا قَالَ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْت فَقَدْ تَمَلَّكَ الْعَبْدَ وَمَلَّكَهُ الثَّمَنَ فَلَا بُدَّ مِنْ إجَازَةِ الْبَائِعِ بَعْدَ ذَلِكَ لِيَمْلِكَ الثَّمَنَ وَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى إجَازَةِ الْبَائِعِ بَعْدَ ذَلِكَ اهـ. وَهُوَ الصَّحِيحُ وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ اهـ. وَيَنْبَغِي حِفْظُهُ لِغَرَابَتِهِ وَلِأَنَّهُ إذَا أَوْجَبَ أَحَدَهُمَا فَلِلْآخَرِ أَنْ لَا يَقْبَلَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ حُكْمُ الْعَقْدِ بِدُونِ رِضَاهُ وَلِلْمُوجِبِ أَنْ يَرْجِعَ لِخُلُوِّهِ عَنْ إبْطَالِ حَقِّ الْغَيْرِ؛ لِأَنَّ الْمُوجِبَ أَثْبَتَ لَهُ حَقَّ أَنْ يَتَمَلَّكَ مَعَ ثُبُوتِ حَقِيقَةِ الْمِلْكِ لَهُ وَالْحَقِيقَةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْحَقِّ وَلَا بُدَّ مِنْ سَمَاعِ الْآخَرِ رُجُوعَ الْمُوجِبِ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَفِي التَّتِمَّةِ يَصِحُّ الرُّجُوعُ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْآخَرُ، وَإِنَّمَا يَمْتَدُّ خِيَارُ الْقَبُولِ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ لِكَوْنِهِ جَامِعًا لِلْمُتَفَرِّقَاتِ فَاعْتُبِرَتْ سَاعَاتُهُ سَاعَةً وَاحِدَةً دَفْعًا لِلْعُسْرِ وَتَحْقِيقًا لِلْيُسْرِ وَسَيَأْتِي بَيَانُ مَا يُبْطِلُهُ وَأَشَارَ بِاللُّزُومِ بِهِمَا إلَى أَنَّهُمَا لَوْ أَقَرَّا بِبَيْعٍ، وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا حَقِيقَةً لَمْ يَنْعَقِدْ كَمَا فِي الصَّيْرَفِيَّةِ وَإِلَى نَفْيِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ عِنْدَنَا، وَلَوْلَا هَذِهِ الْإِشَارَةُ لَكَانَ التَّعْبِيرُ بِالِانْعِقَادِ تَبَعًا لِلْقَوْمِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمُتَرَتِّبَ عَلَيْهِمَا إنَّمَا هُوَ الِانْعِقَادُ. وَأَمَّا اللُّزُومُ فَمَوْقُوفٌ عَلَى شَرَائِطَ أُخَرَ مَخْصُوصَةٍ كَمَا فِي إيضَاحِ الْإِصْلَاحِ وَأَثْبَتَهُ الشَّافِعِيُّ عَمَلًا بِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مَرْفُوعًا «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا» وَأَوَّلَهُ أَبُو يُوسُفَ بِتَفَرُّقِ الْأَبْدَانِ بَعْدَ الْإِيجَابِ قَبْلَ الْقَبُولِ وَأَوَّلَهُ مُحَمَّدٌ تَبَعًا لِإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ بِتَفَرُّقِ الْأَقْوَالِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْخِيَارِ فِيهِ خِيَارُ الْقَبُولِ وَاعْتَمَدَهُ فِي الْهِدَايَةِ بِأَنَّ فِي الْحَدِيثِ إشَارَةً إلَيْهِ، فَإِنَّهُمَا مُتَبَايِعَانِ حَالَةَ الْمُبَاشَرَةِ لَا بَعْدَهَا وَيُؤَيِّدُهُ قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلا مِنْ سَعَتِهِ} [النساء: 130] ، فَإِنَّ الْفُرْقَةَ تَحْصُلُ بِقَوْلِهِمَا، وَإِنْ دَامَا جَالِسَيْنِ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ حَقِيقَةً فِي الْحَالِ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ تَسْمِيَتَهُمَا مُتَبَايِعَيْنِ قَبْلَ تَمَامِ الْعَقْدِ مَجَازٌ آخَرُ، وَإِذَا تَعَذَّرَ الْحَمْلُ عَلَى الْحَقِيقَةِ تَعَيَّنَ الْمَجَازُ، وَإِذَا تَعَارَضَ الْمَجَازَانِ فَالْأَقْرَبُ إلَى الْحَقِيقَةِ أَوْلَى، كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي. وَقَالَ الْبَيْضَاوِيُّ وَمَنْ نَفَى خِيَارَ الْمَجْلِسِ ارْتَكَبَ مَجَازَيْنِ حَمْلُهُ التَّفَرُّقَ عَلَى الْأَقْوَالِ وَحَمْلُهُ الْمُتَبَايِعَيْنِ عَلَى الْمُتَسَاوِمَيْنِ وَأَيْضًا فَكَلَامُ الشَّارِعِ يُصَانُ عَنْ الْحَمْلِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ التَّقْدِيرُ أَنَّ الْمُتَسَاوِمَيْنِ إنْ شَاءَا عَقَدَا أَوْ إنْ شَاءَا لَمْ يَعْقِدَا أَوْ هُوَ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ اهـ. وَقَدْ اسْتَدَلَّ فِي الْبِنَايَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] وَالْبَيْعُ عَقْدٌ فَيَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة: 282] أَمَرَ بِالْإِشْهَادِ لِلتَّوَثُّقِ فَلَوْ كَانَ لَهُ الْخِيَارُ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَعْنًى «وَبِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ إذَا أَوْجَبَ أَحَدَهُمَا إلَخْ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّ الْبَائِعَ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 284 لِحِبَّانَ بْنِ مُنْقِذٍ إذَا بَايَعْت فَقُلْ لَا خِلَابَةَ» ، وَلَوْ كَانَ لَهُ خِيَارٌ لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِ اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْكُلُّ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ لَا قَبْلَهُ وَرَجَّحَ عِيسَى بْنُ أَبَانَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ الْمَعْهُودَ فِي الشَّرْعِ أَنَّ الْفُرْقَةَ بِالْبَدَنِ مُوجِبَةٌ لِلْفَسَادِ كَمَا فِي الصَّرْفِ حَالَ الْقَبْضِ وَاخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي مَعْنَى التَّفَرُّقِ بِالْأَقْوَالِ فَفِي الْمُسْتَصْفَى وَفَتْحِ الْقَدِيرِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ الْآخَرُ بَعْدَ الْإِيجَابِ لَا أَقْبَلُ فَالتَّفَرُّقُ رَدُّ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ كَتَفَرُّقِ بَنِي إسْرَائِيلَ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً بِمَعْنَى اخْتِلَافِ عَقَائِدِهِمْ. وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ هُوَ قَبُولُ الْآخَرِ بَعْدَ الْإِيجَابِ فَإِذَا قَبِلَهُ فَقَدْ تَفَرَّقَا وَانْقَطَعَ الْخِيَارُ كَتَفَرُّقِ الزَّوْجَيْنِ فَعَلَى الْأَوَّلِ إذَا وُجِدَ التَّفَرُّقُ لَمْ يَبْقَ الْبَيْعُ أَصْلًا وَعَلَى الثَّانِي لَمْ يَبْقَ الْخِيَارُ وَلَزِمَ الْبَيْعُ وَقَدْ فَهِمَ الرَّاوِي أَعْنِي ابْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - خِيَارَ الْمَجْلِسِ مِنْ الْحَدِيثِ فَكَانَ كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ إذَا اشْتَرَى شَيْئًا يُعْجِبُهُ فَارَقَ صَاحِبَهُ لَكِنَّ تَأْوِيلَ الرَّاوِي لَا يَكُونُ حُجَّةً عِنْدَنَا عَلَى غَيْرِهِ وَفِي فَتْحِ الْبَارِي عَنْ ابْنِ حَزْمٍ أَنَّ خِيَارَ الْمَجْلِسِ ثَابِتٌ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَوَاءٌ قُلْنَا التَّفَرُّقُ بِالْكَلَامِ أَوْ بِالْأَبْدَانِ، فَإِنْ قُلْنَا بِالْأَبْدَانِ فَوَاضِحٌ، وَكَذَا إنْ قُلْنَا بِالْأَقْوَالِ؛ لِأَنَّ قَوْلَ أَحَدِهِمَا بِعْتُكَهُ بِعَشَرَةٍ وَقَوْلَ الْآخَرِ لَا بَلْ بِعِشْرِينَ افْتِرَاقٌ فِي الْكَلَامِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ اشْتَرَيْتُهُ بِعَشَرَةٍ، فَإِنَّهُمَا مُتَوَافِقَانِ فَيَتَعَيَّنُ ثُبُوتُ الْخِيَارِ لَهُمَا فَعَلَى هَذَا إذَا وُجِدَ التَّفَرُّقُ انْقَطَعَ الْبَيْعُ لَا أَنَّهُ يَنْقَطِعُ الْخِيَارُ. وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ انْقِطَاعُ الْخِيَارِ بِهِ مَعَ بَقَاءِ الْعَقْدِ، وَإِذَا احْتَمَلَ فَلَمْ يَبْقَ حُجَّةً عَلَى مُعَيَّنٍ، وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ رِوَايَةً أُخْرَى عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا «إذَا تَبَايَعَ الرَّجُلَانِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا أَوْ يُخَيِّرُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ» وَكَانَا جَمِيعًا، وَإِنْ تَفَرَّقَا بَعْدَ أَنْ تَبَايَعَا، وَلَمْ يَتْرُكْ أَحَدُهُمَا الْبَيْعَ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي انْفِسَاخِ الْبَيْعِ بِفَسْخِ أَحَدِهِمَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هُوَ أَوْضَحُ شَيْءٍ فِي ثُبُوتِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ مُبْطِلٌ لِكُلِّ تَأْوِيلٍ مُخَالِفٍ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي آخِرِهِ، وَإِنْ تَفَرَّقَا بَعْدَ أَنْ تَبَايَعَا فِيهِ الْبَيَانُ الْوَاضِحُ عَلَى أَنَّ التَّفَرُّقَ بِالْأَبْدَانِ، وَلَوْ كَانَ مَعْنَاهُ بِالْقَوْلِ لَخَلَا الْحَدِيثُ عَنْ الْفَائِدَةِ، كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي وَأَطْلَقَ فِي الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، وَلَمْ يُقَيِّدْهُمَا بِالْمَاضِي كَمَا فِي الْهِدَايَةِ؛ لِأَنَّ التَّحْقِيقَ أَنَّهُ لَا يَتَقَيَّدُ بِذَلِكَ لِانْعِقَادِهِ بِكُلِّ لَفْظَيْنِ يُنْبِئَانِ عَنْ مَعْنَى التَّمَلُّكِ وَالتَّمْلِيكِ مَاضِيَيْنِ أَوْ حَالَيْنِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ لَكِنْ يَنْعَقِدُ بِالْمَاضِي بِلَا نِيَّةٍ وَبِالْمُضَارِعِ بِهَا عَلَى الْأَصَحِّ، كَذَا فِي الْبَدَائِعِ، وَإِنَّمَا اُحْتِيجَ إلَيْهَا مَعَ كَوْنِهِ حَقِيقَةً لِلْحَالِ عِنْدَنَا عَلَى الْأَصَحِّ لِغَلَبَةِ اسْتِعْمَالِهِ فِي الِاسْتِقْبَالِ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا، كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بِالنِّيَّةِ وَفِي الْقُنْيَةِ إنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ إذَا لَمْ يَكُنْ أَهْلُ الْبَلَدِ يَسْتَعْمِلُونَ الْمُضَارِعَ لِلْحَالِ لَا لِلْوَعْدِ وَالِاسْتِقْبَالِ، فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ كَأَهْلِ خُوَارِزْمَ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا. وَإِنَّمَا قَيَّدَهُ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ لِإِخْرَاجِ الْمُسْتَقْبَلِ فَقَطْ أَمْرًا أَوْ مُضَارِعًا مَبْدُوءًا بِالسِّينِ أَوْ سَوْفَ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ مَا لَمْ يُؤَدِّ مَعْنَاهُمَا فَيُقَالُ إنْ دَلَّ الْأَمْرُ عَلَى الْمَعْنَى الْمَذْكُورِ انْعَقَدَ بِهِ كَخُذْهُ بِكَذَا، فَقَالَ أَخَذْته، فَإِنَّهُ كَالْمَاضِي يَسْتَدْعِي سَابِقَةَ الْبَيْعِ إلَّا أَنَّ اسْتِدْعَاءَ الْمَاضِي سَبَقَ الْبَيْعَ يُحْسَبُ الْوَضْعُ وَاسْتِدْعَاءُ خُذْهُ بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاءِ كَمَا لَوْ قَالَ بِعْتُك فَخُذْ عَبْدِي هَذَا بِأَلْفٍ، فَقَالَ فَهُوَ حُرٌّ عَتَقَ وَيَثْبُتُ اشْتَرَيْت اقْتِضَاءً وَيَصِيرُ قَابِضًا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ وَهُوَ حُرٌّ فَلَا يُعْتَقُ كَقَوْلِهِ هُوَ حُرٌّ. وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ قَالَ بَعْدَ الْإِيجَابِ أَنَا آخُذُهُ لَا يَكُونُ بَيْعًا، وَلَوْ قَالَ أَخَذْتُهُ جَازَ، وَلَوْ قَالَ لِقَصَّابٍ زِنْ مِنْ هَذَا اللَّحْمِ كَذَا بِدِرْهَمٍ فَفَعَلَ لَا يَكُونُ بَيْعًا وَكَانَ لِلْآمِرِ الِامْتِنَاعُ مِنْ أَخْذِهِ، وَلَوْ قَالَ زِنْ لِي مِنْ مَوْضِعِ كَذَا مِنْ هَذَا اللَّحْمِ بِكَذَا دِرْهَمًا فَوَزَنَهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ كَانَ بَيْعًا وَلَيْسَ لَهُ الِامْتِنَاعُ اهـ. وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ مَا فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ مِنْ أَنَّ الْمُضِيَّ مِنْهُمَا شَرْطٌ فِي كُلِّ عَقْدٍ إلَّا النِّكَاحَ تَسَاهُلٌ. وَالْحَاصِلُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي هَذِهِ الْعُقُودِ هُوَ الْمَعْنَى أَلَا تَرَى إلَى مَا قَالُوا لَوْ قَالَ وَهَبْتُك أَوْ وَهَبْت لَك هَذِهِ الدَّارَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ أَوْ قَالَ هَذَا الْعَبْدُ بِثَوْبِك هَذَا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي هَذِهِ الْعُقُودِ هُوَ الْمَعْنَى) قَالَ الرَّمْلِيُّ سَيَأْتِي فِي مَسْأَلَةِ التَّعَاطِي أَنَّ الْإِشَارَةَ إلَى الْعُقُودِ التَّمْلِيكِيَّةِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 285 فَرَضِيَ كَانَ بَيْعًا إجْمَاعًا، وَلَوْ قَالَ أَتَبِيعُنِي عَبْدَك هَذَا بِأَلْفٍ، فَقَالَ نَعَمْ، فَقَالَ أَخَذْته فَهُوَ بَيْعٌ لَازِمٌ فَوَقَعَتْ كَلِمَةُ نَعَمْ إيجَابًا، وَكَذَا تَقَعُ قَبُولًا فِيمَا لَوْ قَالَ اشْتَرَيْت مِنْك هَذَا بِأَلْفٍ، فَقَالَ نَعَمْ بِخِلَافِ النِّكَاحِ، فَإِنَّهُ يَنْعَقِدُ بِالْأَمْرِ كَقَوْلِهِ زَوِّجْنِي؛ لِأَنَّ الْمُسَاوَمَةَ لَا تَلِيقُ بِهِ فَيَكُونُ إيجَابًا وَقِيلَ تَوْكِيلٌ وَالْوَاحِدُ يَتَوَلَّاهُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ إلَّا فِي الْأَبِ وَمَنْ ذَكَرْنَاهُ مَعَهُ. وَقَدْ ذَكَرَ فِي النِّكَاحِ أَنَّ فَائِدَةَ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا صَدَرَ الْأَمْرُ مِنْ الْوَكِيلِ فَعَلَى الْأَوَّلِ يَصِحُّ الْقَبُولُ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى قَبُولِ الْوَكِيلِ، وَعَلَى الثَّانِي لَا حَتَّى يَقْبَلَ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ لَا يَمْلِكُ التَّوْكِيلَ لَا يَمْلِكُ التَّوْكِيلَ بِلَا إذْنِ أَوْ تَعْمِيمٍ، وَهَذِهِ ثَمَانِيَةُ مَوَاضِعَ مِنْهَا الْبَيْعُ وَالْإِقَالَةُ لَا يُكْتَفَى بِالْأَمْرِ فِيهِمَا عَنْ الْإِيجَابِ. وَمِنْهَا النِّكَاحُ وَالْخُلْعُ يَقَعُ فِيهِمَا إيجَابًا الْخَامِسَةُ إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ اشْتَرِ نَفْسَك مِنِّي بِأَلْفٍ، فَقَالَ فَعَلْت عَتَقَ. السَّادِسَةُ فِي الْهِبَةِ إذَا قَالَ: هَبْ لِي هَذَا، فَقَالَ وَهَبْتُهُ مِنْك تَمَّتْ الْهِبَةُ. السَّابِعَةُ قَالَ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ أَبْرِئْنِي عَمَّا لَك عَلَيَّ مِنْ الدَّيْنِ، فَقَالَ أَبْرَأْتُك تَمَّتْ الْبَرَاءَةُ. الثَّامِنَةُ الْكَفَالَةُ قَالَ اُكْفُلْ بِنَفْسِ فُلَانٍ لِفُلَانٍ، فَقَالَ كَفَلْت تَمَّتْ فَإِذَا كَانَ غَائِبًا فَقَدِمَ وَأَجَازَ كَفَالَتَهُ جَازَ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي تَصْوِيرِ الْكَفَالَةِ نَظَرٌ وَالصَّوَابُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ اُكْفُلْ لِي بِمَا لِي عَلَى زَيْدٍ اُكْفُلْ لِي بِنَفْسِ زَيْدٍ، فَقَالَ كَفَلْت تَمَّتْ وَلَكِنْ فِي الْخُلْعِ تَفْصِيلٌ، فَإِنْ قَالَتْ اخْلَعْنِي، فَقَالَ خَلَعْتُك عَلَى كَذَا لَمْ يَقَعْ مَا لَمْ تَقْبَلْ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَتْ اخْلَعْنِي عَلَى كَذَا، فَقَالَ قَدْ فَعَلْت، كَذَا فِي الصَّيْرَفِيَّةِ وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ مَا فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ مِنْ أَنَّ الْمُضِيَّ فِيهِمَا شَرْطٌ فِي كُلِّ عَقْدٍ إلَّا النِّكَاحَ تَسَاهُلٌ، وَحَاصِلُ مَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة مِمَّا يُنَاسِبُ الْمَقَامَ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الرَّدِّ وَبِبَيْعٍ مُعَلَّقٍ بِفِعْلِ قَلْبٍ كَإِنْ أَرَدْتَ، فَقَالَ أَرَدْتَ أَوْ إنْ أَعْجَبَكَ، فَقَالَ أَعْجَبَنِي أَوْ إنْ وَافَقَكَ، فَقَالَ وَافَقَنِي. وَأَمَّا إذَا قَالَ إنْ أَدَّيْت إلَيَّ ثَمَنَ هَذَا الْعَبْدِ فَقَدْ بِعْتُك، فَإِنْ أَدَّى فِي الْمَجْلِسِ صَحَّ، وَلَوْ قَالَ بِعْتُ مِنْك بِأَلْفٍ إنْ شِئْتَ يَوْمًا إلَى اللَّيْلِ كَانَ تَنْجِيزًا لَا تَعْلِيقًا وَبِأَجَزْتُ بَعْد قَوْلُهُ بِعْت وَبِقَوْلِهِ أَقَلْتُك هَذَا، فَقَالَ قَبِلْتُ عَلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ الْإِسْكَافِ، وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ لَا يَكُونُ بَيْعًا وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَتَصِحُّ إضَافَةُ الْبَيْعِ إلَى عُضْوٍ تَصِحُّ إضَافَةُ الْعِتْقِ إلَيْهِ وَمَا لَا فَلَا وَقَدْ فَعَلْتُ وَنَعَمْ وَهَاتِ الثَّمَنَ قَبُولٌ عَلَى الْأَصَحِّ. وَلَوْ قَالَ بِعْنِي هَذَا بِكَذَا، فَقَالَ طَابَتْ نَفْسِي لَا يَنْعَقِدُ وَيَصِحُّ الْإِيجَابُ بِلَفْظِ الْهِبَةِ وَأَشْرَكْتُك فِيهِ وَأَدْخَلْتُك فِيهِ إيجَابٌ. وَإِذَا تَعَدَّدَ الْإِيجَابُ فَكُلُّ إيجَابٍ بِمَالٍ انْصَرَفَ قَبُولُهُ إلَى الْإِيجَابِ الثَّانِي وَيَكُونُ بَيْعًا بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ وَفِي الْإِعْتَاقِ وَالطَّلَاقِ عَلَى مَالٍ إذَا قَبِلَ بَعْدَهُمَا لَزِمَهُ الْمَالَانِ وَلَا يَبْطُلُ الثَّانِي الْأَوَّلُ، وَإِذَا تَعَدَّدَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ انْعَقَدَ الثَّانِي وَانْفَسَخَ الْأَوَّلُ إنْ كَانَ الثَّانِي بِأَزْيَدَ مِنْ الْأَوَّلِ أَوْ أَنْقَصَ، وَإِنْ كَانَ مِثْلَهُ لَمْ يَنْفَسِخْ الْأَوَّلُ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الرَّدِّ) قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة، وَلَوْ قَالَ أَرُدُّ عَلَيْك هَذِهِ الْأَمَةَ بِخَمْسِينَ دِينَارًا وَقَبِلَ الْآخَرُ ثَبَتَ الْبَيْعُ (قَوْلُهُ قَبُولٌ عَلَى الْأَصَحِّ) أَيْ إذَا كَانَ مِنْ طَرَفِ الْبَائِعِ إلَّا فِي قَدْ فَعَلْتُ فَهُوَ قَبُولٌ مِنْهُمَا قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة إذَا قَالَ لِآخَرَ بِعْت مِنْك عَبْدِي هَذَا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، فَقَالَ الْمُشْتَرِي قَدْ فَعَلْت فَهَذَا بَيْعٌ، وَلَوْ قَالَ نَعَمْ لَا يَكُونُ بَيْعًا ذُكِرَ فِي فَتَاوَى أَهْلِ سَمَرْقَنْدَ أَنَّ مَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ اشْتَرَيْت عَبْدَك هَذَا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، فَقَالَ الْبَائِعُ قَدْ فَعَلْت أَوْ قَالَ نَعَمْ أَوْ قَالَ هَاتِ الثَّمَنَ صَحَّ الْبَيْعُ وَهُوَ الْأَصَحُّ اهـ. وَسَيَذْكُرُ الْمُؤَلِّفُ فِي الصَّفْحَةِ الْآتِيَةِ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ الْفَرْقَ فِي نَعَمْ لَكِنْ تَقَدَّمَ قَرِيبًا أَنَّ نَعَمْ تَقَعُ إيجَابًا وَقَبُولًا. [تَعَدَّدَ الْإِيجَابُ فِي الْبَيْع] (قَوْلُهُ: وَإِذَا تَعَدَّدَ الْإِيجَابُ إلَخْ) قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة إذَا قَالَ الرَّجُلُ لِغَيْرِهِ بِعْتُك عَبْدِي هَذَا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ بِعْتُك عَبْدِي هَذَا بِمِائَةِ دِينَارٍ، فَقَالَ الْمُشْتَرِي قَبِلْت يَنْصَرِفُ قَبُولُهُ إلَى الْإِيجَابِ الثَّانِي وَيَكُونُ هَذَا بَيْعًا بِمِائَةِ دِينَارٍ، وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْت حُرٌّ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ أَنْت حُرٌّ عَلَى مِائَةِ دِينَارٍ، فَقَالَ الْعَبْدُ قَبِلْت لَزِمَهُ الْمَالَانِ، وَلَوْ قَالَ بِعْت مِنْك هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَقَبِلَ الْمُشْتَرِي، ثُمَّ قَالَ بِعْت مِنْك بِمِائَةِ دِينَارٍ فِي الْمَجْلِسِ أَوْ مَجْلِسٍ آخَرَ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْت يَنْعَقِدُ الثَّانِي وَيَنْفَسِخُ الْأَوَّلُ، وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَهُ بِجِنْسِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ بِأَقَلَّ أَوْ بِأَكْثَرَ نَحْوُ أَنْ يَبِيعَهُ مِنْهُ بِعَشَرَةٍ، ثُمَّ بَاعَهُ بِتِسْعَةٍ أَوْ بِأَحَدَ عَشَرَ، فَإِنْ بَاعَ بِعَشَرَةٍ لَا يَنْعَقِدُ الثَّانِي وَيَبْقَى الْأَوَّلُ بِحَالِهِ اهـ. وَبِهَذَا يَظْهَرُ أَنَّ قَوْلَ الْمُؤَلِّفِ وَيَكُونُ بَيْعًا بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ صَوَابُهُ بِالثَّمَنِ الثَّانِي. (قَوْلُهُ إنْ كَانَ الثَّانِي بِأَزْيَدَ مِنْ الْأَوَّلِ أَوْ أَنْقَصَ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَوْ كَانَ بِخِلَافِ جِنْسِهِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ مِثْلُهُ لَمْ يَنْفَسِخْ الْأَوَّلُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ الظَّاهِرُ فِي وَجْهِهِ أَنَّهُ لِعَدَمِ فَائِدَتِهِ وَقَعَ لَغْوًا وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ الثَّانِي فَاسِدًا يَنْفَسِخُ الْأَوَّلُ لِإِفَادَتِهِ أَحْكَامًا غَيْرَ أَحْكَامِ الصَّحِيحِ مِنْ وُجُوبِ رَدِّ الْمَبِيعِ قَائِمًا وَضَمَانِ قِيمَتِهِ أَوْ مِثْلِهِ هَالِكًا فَتَغَيُّرُ الْأَحْكَامِ فِيهِمَا يُوجِبُ انْفِسَاخَ الْأَوَّلِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا كَانَ الثَّانِي فَاسِدًا إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَمُقْتَضَى النَّظَرِ أَنَّ الْأَوَّلَ لَا يَنْفَسِخُ اهـ. قَالَ الرَّمْلِيُّ جَزَمَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَالْبَزَّازِيَّةِ بِأَنَّهُ يَنْفَسِخُ وَفِي الْحَاوِي الزَّاهِدِيُّ نَظَرٌ فِي عَدَمِ فَسْخِهِ حَيْثُ قَالَ وَفِيهِ نَظَرٌ وَنَصَّ شت بِخِلَافِهِ، وَكَذَا قَالَ صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ، فَإِنَّ الثَّانِيَ، وَإِنْ كَانَ فَاسِدًا أَنَّهُ يَتَضَمَّنُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 286 إذَا كَانَ الثَّانِي فَاسِدًا هَلْ يَتَضَمَّنُ فَسْخَ الْأَوَّلِ وَالصُّلْحُ بَعْدَ الصُّلْحِ الثَّانِي بَاطِلٌ وَالْأَوَّلُ صَحِيحٌ. وَكَذَا الصُّلْحُ بَعْدَ الشِّرَاءِ صُلْحٌ بَاطِلٌ، وَلَوْ كَانَ الشِّرَاءُ بَعْدَ الصُّلْحِ فَالشِّرَاءُ صَحِيحٌ وَالصُّلْحُ بَاطِلٌ، كَذَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَفِي فُرُوقِ الْكَرَابِيسِيِّ الْكَفَالَةُ بَعْدَ الْكَفَالَةِ صَحِيحَةٌ وَالْحَوَالَةُ بَعْدَ الْحَوَالَةِ بَاطِلَةٌ وَالنِّكَاحُ بَعْدَ النِّكَاحِ الثَّانِي بَاطِلٌ فَلَا يَلْزَمُهُ الْمَهْرُ الْمُسَمَّى فِيهِ إلَّا إذَا جَدَّدَهُ لِلزِّيَادَةِ فِي الْمَهْرِ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ. وَأَمَّا الْإِجَارَةُ بَعْدَ الْإِجَارَةُ لِلْمُسْتَأْجِرِ الْأَوَّلِ فَلَمْ أَرَهَا وَيَنْبَغِي أَنَّ الْمُدَّةَ إذَا اتَّحَدَتْ فِيهِمَا وَاتَّحَدَ الْأَجْرُ أَنْ لَا تَصِحَّ الثَّانِيَةُ كَالْبَيْعِ. وَأَمَّا الْهِبَةُ بَعْدَ الشِّرَاءِ فَلَا تَفْسَخُهُ دُونَ الصَّدَقَةِ كَالرَّهْنِ بَعْدَهُ وَالشِّرَاءُ بَعْدَ الصَّدَقَةِ يَفْسَخُهَا وَالشِّرَاءُ بَعْدَ الْقَرْضِ بَاطِلٌ، كَذَا فِي الْقُنْيَةِ وَالْهِبَةُ إنَّمَا لَمْ تَفْسَخْهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْوَلَدِ مِنْهُمَا أَيْضًا وَهِبَةُ الثَّمَنِ بَعْدَ الْإِيجَابِ قَبْلَ الْقَبُولِ مُبْطِلٌ لِلْإِيجَابِ وَقِيلَ لَا وَيَكُونُ إبْرَاءً وَسُكُوتُ الْمُشْتَرِي عَنْ الثَّمَنِ مُفْسِدٌ لِلْبَيْعِ وَإِيجَابُ الْبَيْعِ بِلَا ثَمَنٍ نَفْيًا غَيْرُ صَحِيحٍ وَيَصِحُّ الْإِيجَابُ بِلَفْظِ الْجُعْلِ كَقَوْلِهِ جَعَلْت لَك هَذَا بِأَلْفٍ لِمَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ مِنْ أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا قَالَ لِلدَّائِنِ جَعَلْت لَك هَذَا بِدَيْنِك كَانَ بَيْعًا وَهُوَ الصَّحِيحُ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ هَذَا الشَّيْءُ بِيعَ بِدَيْنِك فَقَبِلَ انْعَقَدَ كَقَوْلِهِ هَذَا الْعَبْدُ عَلَيْك بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَصَحَّ الْإِيجَابُ بِقَوْلِهِ رَضِيت. وَإِنْكَارُ الْإِيجَابِ بَعْدَ الْإِقْرَارِ بِهِ لَا يُبْطِلُهُ حَتَّى لَوْ أَقَرَّ بِهِ بَعْدَمَا افْتَرَقَا جَازَ، وَكَذَا النِّكَاحُ، وَإِذَا أَوْجَبَ فِي عَقْدَيْنِ كَبِعْتُك هَذَا وَزَوَّجْتُك هَذِهِ بِأَلْفٍ فَقَبِلَهُمَا جَازَ وَانْقَسَمَ الْأَلْفُ عَلَى مَهْرِ مِثْلِ هَذِهِ وَقِيمَةِ هَذِهِ، وَإِنْ قَبِلَ الْبَيْعَ وَحْدَهُ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ قَبِلَ النِّكَاحَ وَحْدَهُ جَازَ بِحِصَّةِ مَهْرِ مِثْلِهَا مِنْ الْأَلْفِ، وَلَوْ قَالَ بِعْتُك هَذِهِ الدَّارَ وَأَجَّرْتُك هَذِهِ الْأَرْضَ، فَقَالَ قَبِلْتُ يَكُونُ جَوَابًا لَهُمَا، وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ بِعْتُك هَذَا بِأَلْفٍ فَسَبَقَ لِسَانُهُ لِغَيْرِهِ فَهُوَ عَلَى الْمَذْكُورِ فِي الْقَضَاءِ وَفِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَوْ قَالَ بِعْتُ هَذَا الْعَبْدَ فُلَانًا فَبَلَّغَهُ الرَّسُولُ، فَقَالَ اشْتَرَيْت لَا يَصِحُّ وَقَيَّدَهُ السِّغْنَاقِيُّ فِي الْمَجْلِسِ. وَيَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنْ الرِّسَالَةِ قَبْلَ التَّبْلِيغِ إلَّا فِي رِوَايَةٍ، وَلَوْ قَالَ بِعْتُ مِنْهُ فَبَلِّغْهُ يَا فُلَانُ فَبَلَّغَهُ غَيْرُهُ جَازَ، وَهَذَا مِمَّا يُحْفَظُ جِدًّا، وَلَوْ قَالَ بِعْته مِنْ فُلَانٍ الرَّسُولِ، فَقَالَ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْته لَا يَصِحُّ، وَلَوْ قَالَ بِعُتِّهِ مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ لَمْ يَجُزْ إلَّا إذَا قَبِلَ مِنْهُ فُضُولِيٌّ أَوْ يَقُولُ بَلِّغْهُ، وَلَوْ أَوْجَبَ الْبَيْعَ، فَقَالَ الْمُخَاطَبُ لِآخَرَ قُلْ اشْتَرَيْتُ، فَقَالَ الْآخَرُ اشْتَرَيْت إنْ أَخْرَجَهُ مَخْرَجَ الرِّسَالَةِ صَحَّ، وَإِنْ أَخْرَجَهُ مَخْرَجَ الْوَكَالَةِ لَا يَصِحُّ. وَكَذَا   [منحة الخالق] فَسْخَ الْأَوَّلِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى قَلْبَ فِضَّةٍ وَزْنُهَا عَشَرَةٌ بِعَشَرَةٍ وَتَقَابَضَا، ثُمَّ اشْتَرَاهُ مِنْهُ بِتِسْعَةٍ يَتَضَمَّنُ فَسْخَ الْأَوَّلِ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَاسِدًا وَعَلَّلَ الْبَزَّازِيُّ وَصَاحِبُ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ بِأَنَّهُ مُلْحَقٌ بِالصَّحِيحِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَالصُّلْحُ بَعْدَ الصُّلْحِ الثَّانِي بَاطِلٌ) يَعْنِي إذَا كَانَ الصُّلْحُ عَلَى سَبِيلِ الْإِسْقَاطِ لِمَا فِي الْخُلَاصَةِ قُبَيْلَ الثَّالِثِ مِنْ الْبُيُوعِ أَنَّ الْمُرَادَ الصُّلْحُ الَّذِي هُوَ إسْقَاطٌ أَمَّا إذَا كَانَ الصُّلْحُ عَلَى عِوَضٍ، ثُمَّ اصْطَلَحَا عَلَى عِوَضٍ آخَرَ فَالثَّانِي هُوَ الْجَائِزُ وَلَا يُفْسَخُ الْأَوَّلُ كَالْبَيْعِ حَمَوِيٌّ عَلَى الْأَشْبَاهِ. (قَوْلُهُ وَأَمَّا الْإِجَارَةُ بَعْدَ الْإِجَارَةِ إلَخْ) قَالَ الْمُؤَلِّفُ فِي الْأَشْبَاهِ. وَأَمَّا الْإِجَارَةُ بَعْدَ الْإِجَارَةِ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ الْأَوَّلِ فَالثَّانِيَةُ فَسْخٌ لِلْأُولَى كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ اهـ. وَكَأَنَّهُ رَآهَا بَعْدُ، فَإِنَّ تَأْلِيفَ الْأَشْبَاهِ مُتَأَخِّرٌ عَنْ هَذَا الشَّرْحِ. (قَوْلُهُ وَهِبَةُ الثَّمَنِ بَعْدَ الْإِيجَابِ إلَخْ) قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَفِي الْفَتَاوَى الْأَصِيلُ إذَا قَالَ لِغَيْرِهِ بِعْت مِنْك هَذَا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَهَبْت مِنْك الْأَلْفَ، فَقَالَ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْت صَحَّ الْبَيْعُ وَلَا تَجُوزُ الْبَرَاءَةُ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ لَمْ يَجِبْ بَعْدُ وَفِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ الْبَيْعُ لَا يَصِحُّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ؛ لِأَنَّ هَذَا فِي مَعْنَى الْبَيْعِ بِلَا ثَمَنٍ اهـ. وَقَالَ قَبْلَ هَذَا بِصَفْحَةٍ وَفِي الْفَتَاوَى الْخُلَاصَةِ رَجُلٌ قَالَ لِآخَرَ بِعْت مِنْك عَبْدِي هَذَا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَوَهَبْت مِنْك الْعَشَرَةَ، وَقَالَ الْآخَرُ اشْتَرَيْت لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ، أَمَّا إذَا بَاعَ بِكَذَا مِنْ الثَّمَنِ وَقَبِلَ الْمُشْتَرِي، ثُمَّ أَبْرَأَهُ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ وَهَبَهُ أَوْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ صَحَّ، وَلَوْ بَاعَهُ فَسَكَتَ عَنْ الثَّمَنِ ثَبَتَ الْمِلْكُ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْقَبْضُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَلَوْ قَالَ بِعْت بِغَيْرِ ثَمَنٍ لَمْ يَمْلِكْ الْمَبِيعَ، وَإِنْ قُبِضَ. (قَوْلُهُ: وَإِنْكَارُ الْإِيجَابِ بَعْدَ الْإِقْرَارِ بِهِ لَا يُبْطِلُهُ إلَخْ) الَّذِي رَأَيْته فِي التَّتَارْخَانِيَّة هَكَذَا رَجُلٌ قَالَ لِآخَرَ كُنْت بِعْت مِنْك هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، وَقَالَ الْآخَرُ لَمْ أَشْتَرِهِ مِنْك فَسَكَتَ الْبَائِعُ حَتَّى قَالَ الْمُشْتَرِي فِي الْمَجْلِسِ أَوْ بَعْدَمَا افْتَرَقَا قَدْ اشْتَرَيْت بِأَلْفٍ مِنْك جَازَ، وَكَذَا النِّكَاحُ اهـ. فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَقَيَّدَهُ السِّغْنَاقِيُّ فِي الْمَجْلِسِ) ، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة، وَلَمْ يَظْهَرْ وَجْهُهُ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ بِعْته مِنْ فُلَانٍ الرَّسُولِ) ، كَذَا فِي النُّسَخِ وَفِيهِ سَقْطٌ وَعِبَارَةُ التَّتَارْخَانِيَّة، وَلَوْ قَالَ بِعْتُهُ مِنْ فُلَانٍ فَبَلَّغَهُ الرَّسُولُ، فَقَالَ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْت لَا يَصِحُّ انْتَهَتْ وَقَوْلُهُ لَا يَصِحُّ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ قَبْلَهُ جَازَ لَكِنَّ صَاحِبَ التَّتَارْخَانِيَّة عَزَا الْحُكْمَيْنِ إلَى كِتَابَيْنِ لَا كَمَا فَعَلَ الْمُؤَلِّفُ مِنْ تَرْكِهِ الْعَزْوَ، وَعِبَارَةُ الْخُلَاصَةِ رَجُلٌ قَالَ لِآخَرَ بِعْتُ هَذَا الْعَبْدَ مِنْ فُلَانٍ فَبَلَّغَهُ الرَّسُولُ، فَقَالَ اشْتَرَيْتُ جَازَ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الرَّسُولِ كَقَوْلِ الْمُرْسِلِ، وَلَوْ لَمْ يَقُلْ بَلِّغْهُ فَبَلَّغَهُ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْت لَا يَصِحُّ اهـ. ثُمَّ رَاجَعْت نُسْخَةً أُخْرَى مِنْ التَّتَارْخَانِيَّة فَرَأَيْتهَا مِثْلَ مَا نَقَلَهُ الْمُؤَلِّفُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 287 الْجَوَابُ فِي الْإِجَارَةِ وَالْهِبَةِ وَالْكِتَابَةِ فَأَمَّا الْخُلْعُ وَالْعِتْقُ عَلَى مَالٍ، فَإِنَّهُ يَتَوَقَّفُ شَطْرُ الْعَقْدِ مِنْ الزَّوْجِ وَالْمَوْلَى عَلَى قَبُولِ الْآخَرِ وَرَاءَ الْمَجْلِسِ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِذَا قَبِلَ الْمُشْتَرِي فَلَمْ يَسْمَعْهُ الْبَائِعُ لَمْ يَنْعَقِدْ فَسَمَاعُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ كِلَاهُمَا فِي الْبَيْعِ شَرْطٌ لِلِانْعِقَادِ إجْمَاعًا، فَإِنْ سَمِعَ أَهْلُ الْمَجْلِسِ كَلَامَ الْمُشْتَرِي وَالْبَائِعِ يَقُولُ لَمْ أَسْمَعْ وَلَا وَقْرَ فِي أُذُنِهِ لَمْ يُصَدَّقْ قَضَاءً وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَكَذَا السَّمَاعُ شَرْطٌ فِي النِّكَاحِ وَالْخُلْعِ فِي الْمُخْتَارِ وَفِي الْمُحِيطِ وَيَنْعَقِدُ بِلَفْظِ بَذَلْته بِكَذَا وَشَرَطَ فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ السَّمَاعَ وَالْفَهْمَ وَفَرَّقَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ فِي الْقَبُولِ بِنَعَمْ بَيْنَ أَنْ يَبْدَأَ الْبَائِعُ بِالْإِيجَابِ أَوْ الْمُشْتَرِي، فَإِنْ بَدَأَ الْبَائِعُ، فَقَالَ بِعْت عَبْدِي هَذَا بِأَلْفٍ، فَقَالَ الْمُشْتَرِي نَعَمْ لَمْ يَنْعَقِدْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَحْقِيقٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا قَالَ الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ اخْتَارِي نَفْسَك، فَقَالَتْ قَدْ فَعَلْتُ كَانَ هَذَا اخْتِيَارًا، وَلَوْ قَالَتْ نَعَمْ لَا يَكُونُ اخْتِيَارًا، ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ قَالَ لِآخَرَ اشْتَرَيْت عَبْدَك هَذَا بِأَلْفٍ، وَقَالَ الْآخَرُ نَعَمْ صَحَّ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ جَوَابٌ اهـ. وَتَحْقِيقُهُ فِيمَا كَتَبْنَاهُ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ. وَذُكِرَ فِي الْقُنْيَةِ أَنَّ نَعَمْ بَعْدَ الِاسْتِفْهَامِ هَلْ بِعْتَ مِنِّي بِكَذَا أَوْ هَلْ اشْتَرَيْتَ مِنِّي بِكَذَا بِيعَ إذَا نَقَدَ الثَّمَنَ؛ لِأَنَّ النَّقْدَ دَلِيلُ التَّحْقِيقِ وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ قَالَ أَبِيعُهُ بَخَمْسَةَ عَشَرَ، فَقَالَ لَا آخُذُهُ إلَّا بِعَشَرَةٍ فَذَهَبَ بِهِ، وَلَمْ يَقُلْ الْبَائِعُ شَيْئًا فَهُوَ بَخَمْسَةَ عَشَرَ إنْ كَانَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي حِينَ سَاوَمَهُ، وَإِنْ كَانَ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَأَخَذَهُ مِنْهُ الْمُشْتَرِي، وَلَمْ يَمْنَعْهُ الْبَائِعُ فَهُوَ بِعَشَرَةٍ، وَلَوْ كَانَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي، وَقَالَ الْمُشْتَرِي لَا آخُذُهُ إلَّا بِعَشَرَةٍ، وَقَالَ الْبَائِعُ لَا أَبِيعُهُ إلَّا بَخَمْسَةَ عَشَرَ فَرَدَّ عَلَيْهِ الْمُشْتَرِي، ثُمَّ تَنَاوَلَهُ مِنْ يَدِ الْبَائِعِ فَدَفَعَهُ الْبَائِعُ إلَيْهِ، وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا فَذَهَبَ بِهِ الْمُشْتَرِي فَهُوَ بِعَشَرَةٍ. وَلَوْ أَخَذَ ثَوْبًا مِنْ رَجُلٍ، فَقَالَ الْبَائِعُ هُوَ بِعِشْرِينَ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي لَا أَزِيدُك عَلَى الْعَشَرَةِ فَأَخَذَهُ وَذَهَبَ بِهِ وَضَاعَ عِنْدَهُ قَالَ أَبُو يُوسُفَ هُوَ بِعِشْرِينَ، وَلَوْ أَخَذَ ثَوْبًا عَلَى الْمُسَاوَمَةِ فَدَفَعَهُ إلَيْهِ الْبَائِعُ وَهُوَ يُسَاوِمُهُ، فَقَالَ الْبَائِعُ هُوَ بِعَشَرَةٍ فَهُوَ عَلَى الثَّمَنِ الَّذِي قَالَ الْبَائِعُ اهـ. وَفِي الْمُجْتَبَى إذَا مَضَيَا عَلَى الْعَقْدِ بَعْدَ اخْتِلَافِ كَلِمَتَيْهِمَا يُنْظَرُ إلَى آخِرِهِمَا كَلَامًا فَيُحْكَمُ بِذَلِكَ اهـ. وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ الْقَبُولِ فِي مَجْلِسِ الْإِيجَابِ فَلَوْ قَامَ أَحَدُهُمَا قَبْلَهُ بَطَلَ وَقِيلَ لَا مَا دَامَ فِي مَكَانِهِ، وَلَوْ تَكَلَّمَ الْبَائِعُ مَعَ إنْسَانٍ فِي حَاجَةٍ لَهُ، فَإِنَّهُ يَبْطُلُ وَفِي الْمُجْتَبَى لَوْ أَوْجَبَ الْمُشْتَرِي، فَقَالَ الْبَائِعُ هُوَ لَك أَوْ عَبْدُك فَهُوَ بَيْعٌ وَلَا بُدَّ مِنْ حَيَاةِ الْمُوجِبِ إلَى الْقَبُولِ فَلَوْ مَاتَ بَطَلَ إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ ذَكَرَهَا قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوَاهُ لَوْ أَوْصَى بِبَيْعِ دَارِهِ مِنْ رَجُلٍ، فَقَالَ دَارِي بِيعَ مِنْهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَمَاتَ فَقَبِلَ الْمُوصَى لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ جَازَ، كَذَا ذَكَرَهُ أَبُو يُوسُفَ فِي النَّوَادِرِ وَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْقَبُولُ قَبْلَ رُجُوعِ الْمُوجِبِ فَلَوْ رَجَعَ فِي كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ بَطَلَ وَعَلَيْهِ تَفَرَّعَ مَا فِي الْخَانِيَّةِ لَوْ قَالَ بِعْتُك هَذَا بِأَلْفٍ، ثُمَّ قَالَ لِآخَرَ بِعْتُك نِصْفَهُ بِخَمْسِمِائَةٍ فَقَبِلَ الثَّانِي، قَالَ أَبُو يُوسُفَ يَصِحُّ قَبُولُ الثَّانِي وَلَا يَصِحُّ قَبُولُ الْأَوَّلِ بَعْدَ رُجُوعِ الْبَائِعِ عَنْ النِّصْفِ اهـ. وَلَوْ خَرَجَ الْقَبُولُ وَرُجُوعُ الْمُوجِبِ مَعًا كَانَ الرُّجُوعُ أَوْلَى كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ. وَلَوْ صَدَرَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ مَعًا صَحَّ الْبَيْعُ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَشْتَمِلَ الْقَبُولُ عَلَى الْخِطَابِ بَعْدَمَا صَدَرَ الْإِيجَابُ بِالْخِطَابِ فَلَوْ قَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ بِعْتُكَ اشْتَرَيْتُ، وَلَمْ يَقُلْ مِنْك   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ إلَّا فِي الْمَسْأَلَةِ ذَكَرَهَا قَاضِي خَانْ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ هَذَا سَهْوٌ ظَاهِرٌ مَنْشَؤُهُ فَهْمُ أَنَّ الْمُرَادَ جَازَ الْبَيْعُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ جَازَ قَبُولُ الْوَصِيَّةِ وَعَلَى الْمُوصِي أَنْ يَبِيعَهُ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ، ثُمَّ رَأَيْت الْمَسْأَلَةَ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ فِي شُفْعَةِ الْمُحِيطِ طِبْقَ مَا فَهِمْت حَيْثُ قَالَ أُوصِي بِأَنْ تُبَاعَ دَارُهُ مِنْ رَجُلٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَقَبِلَ الْمُوصَى لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ، وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْهَا؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِشَرْطِ الْعِوَضِ وَأَنَّهَا لَا تُفِيدُ الْمِلْكَ إلَّا بَعْدَ الْقَبْضِ، وَهَذَا إذَا أَوْجَبَ الْوَارِثُ أَوْ الْوَصِيُّ الْبَيْعَ بَعْدَ مَوْتِهِ وَقَبِلَ الْمُوصَى لَهُ اهـ. (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ تَفَرَّعَ مَا فِي الْخَانِيَّةِ إلَخْ) رُبَّمَا يُخَالِفُهُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ أَيْضًا فِي بَابِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ رَجُلٌ بَاعَ ثَوْبًا بِرَقْمِهِ، ثُمَّ إنَّ الْبَائِعَ بَاعَهُ مِنْ آخَرَ قَبْلَ أَنْ يُبَيِّنَ الثَّمَنَ جَازَ بَيْعُهُ مِنْ الثَّانِي، وَلَوْ أَنَّ الْبَائِعَ أَخْبَرَ الْأَوَّلَ بِالثَّمَنِ فَلَمْ يَجُزْ حَتَّى بَاعَهُ الْبَائِعُ مِنْ آخَرَ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ مِنْ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَمَّا بَيَّنَ الثَّمَنَ تَوَقَّفَ الْبَيْعُ عَلَى إجَازَةِ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَوْ اسْتَهْلَكَهُ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالثَّمَنِ كَانَ عَلَيْهِ الثَّمَنُ، وَلَوْ اسْتَهْلَكَهُ قَبْلَ الْعِلْمِ بِالثَّمَنِ كَانَ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ اهـ. فَلْيُتَأَمَّلْ. ثُمَّ ظَهَرَ الْجَوَابُ بِأَنَّ هَذَا بَعْدَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ مِنْ الْمُشْتَرِي وَقَبْلَ الْعِلْمِ بِالثَّمَنِ وَمَا نَحْنُ فِيهِ قَبْلَ الْقَبُولِ اهـ. [صَدَرَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ مَعًا فِي الْبَيْعُ] (قَوْلُهُ: وَلَوْ صَدَرَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ مَعًا صَحَّ الْبَيْعُ) عَزَاهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة إلَى الْخُلَاصَةِ قَالَ هَكَذَا كَأَنْ يَقُولَ وَالِدِي لَكِنْ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْوَاوُ فِي قَوْلِهِ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ بِمَعْنَى الْفَاءِ، فَإِنَّهُمَا لَوْ كَانَا مَعًا لَمْ يَنْعَقِدْ كَمَا قَالُوا فِي السَّلَمِ اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ قَاسَ الْبَيْعَ عَلَى السَّلَمِ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي التَّجْنِيسِ بِخُصُوصِ مَسْأَلَتِنَا، فَقَالَ رَجُلٌ قَالَ لِآخَرَ بِعْتُك هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، فَقَالَ الْآخَرُ قَبِلْت، وَقَالَ الْبَائِعُ رَجَعْت وَخَرَجَ الْكَلَامَانِ مِنْهُمَا مَعًا لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ قَارَنَ الْقَبُولَ مَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْقَبُولِ وَهُوَ رُجُوعُ الْبَائِعِ اهـ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 288 صَحَّ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَلَوْ قَالَ بِعْتُكَهُ بِأَلْفٍ، فَقَالَ اشْتَرَيْته بِأَلْفٍ إلَى سَنَةٍ أَوْ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَمْ يَتِمَّ إلَّا إذَا رَضِيَ فِي الْمَجْلِسِ، كَذَا فِي الْمُجْتَبَى وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ الْقَبُولِ قَبْلَ تَغَيُّرِ الْمَبِيعِ وَعَلَيْهِ تَفَرَّعَ مَا فِي الْخَانِيَّةِ لَوْ قُطِعَتْ يَدُ الْجَارِيَةِ بَعْدَ الْإِيجَابِ وَأَخَذَ الْبَائِعُ أَرْشَهَا أَوْ وَلَدَتْ الْجَارِيَةُ أَوْ تَخَمَّرَ الْعَصِيرُ، ثُمَّ صَارَ خَلًّا لَمْ يَصِحَّ قَبُولُ الْمُشْتَرِي اهـ. وَكَذَا لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ عَبْدَيْنِ فَقُتِلَ أَحَدُهُمَا خَطَأً وَأَخَذَ الْبَائِعُ الْأَرْشَ لَمْ يَجُزْ الْقَبُولُ، كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ رَدِّ الْمُخَاطَبِ الْإِيجَابَ فَلَوْ قَالَ بِعْتُك بِأَلْفٍ، فَقَالَ لَا أَقْبَلُ بَلْ أَعْطَتْهُ بِخَمْسِمِائَةٍ، ثُمَّ قَالَ أَخَذْته بِأَلْفٍ قَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ دَفَعَهُ إلَيْهِ فَهُوَ رِضًا وَإِلَّا فَلَا، كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَقَدَّمْنَا فِي بَيَانِ الشَّرَائِطِ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْقَبُولُ فِي جَمِيعِ مَا أَوْجَبَ بِجَمِيعِ مَا أَوْجَبَهُ فَلَمْ يَصِحَّ الْقَبُولُ فِي الْبَعْضِ أَوْ بِالْبَعْضِ حَيْثُ كَانَتْ الصَّفْقَةُ مُتَّحِدَةً لِلُزُومِ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ الْمُقْتَضِي لِعَيْبِ الشَّرِكَةِ لَا مِنْ جِهَةِ جَرَيَانِ الْعَادَةِ بِضَمِّ الْجَيِّدِ إلَى الرَّدِيءِ لِيَرُوجَ كَمَا وَقَعَ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ، فَإِنَّهُ لَا يَشْمَلُ مَا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ وَاحِدًا فَقَبِلَ فِي الْبَعْضِ كَمَا فِي الْغَايَةِ وَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ مَا يُوجِبُ اتِّحَادَهَا وَتَفْرِيقَهَا، وَحَاصِلُ مَا ذَكَرُوهُ أَنَّ الْمُوجِبَ إذَا اتَّحَدَ وَتَعَدَّدَ الْمُخَاطَبُ لَمْ يَجُزْ التَّفْرِيقُ بِقَبُولِ أَحَدِهِمَا بَائِعًا كَانَ الْمُوجِبُ أَوْ مُشْتَرِيًا وَعَلَى عَكْسِهِ لَمْ يَجُزْ الْقَبُولُ فِي حِصَّةِ أَحَدِهِمَا، وَإِنْ اتَّحَدَا لَمْ يَصِحَّ قَبُولُ الْمُخَاطَبِ فِي الْبَعْضِ فَلَمْ يَصِحَّ تَفْرِيقُهَا مُطْلَقًا فِي الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ أَعْنِي مَا إذَا اتَّحَدَ الْمُوجِبُ أَوْ تَعَدَّدَ أَوْ اتَّحَدَ الْقَابِلُ أَوْ تَعَدَّدَ لِاتِّحَادِ الصَّفْقَةِ فِي الْكُلِّ. وَكَذَا إذَا اتَّحَدَ الْعَاقِدَانِ وَتَعَدَّدَ الْمَبِيعُ كَأَنْ يُوجِبَ فِي مِثْلِيَّيْنِ أَوْ قِيَمِيٍّ وَمِثْلِيٍّ لَمْ يَجُزْ تَفْرِيقُهَا بِالْقَبُولِ فِي أَحَدِهِمَا إلَّا أَنْ يَرْضَى الْآخَرُ بِذَلِكَ بَعْدَ قَبُولِهِ فِي الْبَعْضِ وَيَكُونُ الْمَبِيعُ مِمَّا يَنْقَسِمُ الثَّمَنُ عَلَيْهِ بِالْأَجْزَاءِ كَعَبْدٍ وَاحِدٍ أَوْ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ فَيَكُونُ الْقَبُولُ إيجَابًا وَالرِّضَا قَبُولًا وَبَطَلَ الْإِيجَابُ الْأَوَّلُ، فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَنْقَسِمُ إلَّا بِالْقِيمَةِ كَثَوْبَيْنِ وَعَبْدَيْنِ لَا يَجُوزُ فَلَوْ بَيَّنَ ثَمَنَ كُلِّ وَاحِدٍ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ بِلَا تَكْرَارِ لَفْظِ الْبَيْعِ أَوْ بِتَكْرَارِهِ فَفِيمَا إذَا كَرَّرَهُ فَالِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّهُ صَفْقَتَانِ فَإِذَا قَبِلَ فِي أَحَدِهِمَا يَصِحُّ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ بِعْتُك هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ بِعْتُك هَذَا بِأَلْفٍ وَبِعْتُك هَذَا بِأَلْفٍ وَصُوَرُهُ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ أَنْ يَقُولَ بِعْتُك هَذَيْنِ بِعْتُك هَذَا بِأَلْفٍ، وَهَذَا بِأَلْفَيْنِ وَفِيمَا إذَا لَمْ يُكَرِّرْهُ وَفَصَلَ الثَّمَنَ. فَظَاهِرُ الْهِدَايَةِ التَّعَدُّدُ وَبِهِ قَالَ بَعْضُهُمْ وَمَنَعَهُ الْآخَرُونَ وَحَمَلُوا كَلَامَهُ عَلَى مَا إذَا كَرَّرَ لَفْظَ الْبَيْعِ وَقِيلَ إنَّ اشْتِرَاطَ تَكْرَارِ لَفْظِ الْبَيْعِ لِلتَّعَدُّدِ اسْتِحْسَانٌ وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ وَعَدَمُهُ قِيَاسٌ وَهُوَ قَوْلُهُمَا. وَرَجَّحَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ قَوْلَهُمَا بِقَوْلِهِ وَالْوَجْهُ الِاكْتِفَاءُ بِمُجَرَّدِ تَفْرِيقِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْفَائِدَةَ لَيْسَ إلَّا قَصَدَهُ بِأَنْ يَبِيعَ مِنْهُ أَيَّهُمَا شَاءَ وَإِلَّا فَلَا كَانَ غَرَضُهُ أَنْ لَا يَبِيعَهَا مِنْهُ إلَّا جُمْلَةً لَمْ تَكُنْ فَائِدَةٌ لِتَعْيِينِ ثَمَنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا اهـ. وَاعْلَمْ أَنَّ تَفْصِيلَ الثَّمَنِ إنَّمَا يَجْعَلُهُمَا عَقْدَيْنِ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ إذَا كَانَ الثَّمَنُ مُنْقَسِمًا عَلَيْهِمَا بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ أَمَّا إذَا كَانَ مُنْقَسِمًا عَلَيْهِمَا بِاعْتِبَارِ الْأَجْزَاءِ كَالْقَفِيزَيْنِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، فَإِنَّ التَّفْصِيلَ لَا يَجْعَلُهُ فِي حُكْمِ عَقْدَيْنِ لِلِانْقِسَامِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ فَلَمْ يُعْتَبَرْ التَّفْصِيلُ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِلْمُصَنِّفِ وَهُوَ تَقْيِيدٌ حَسَنٌ، وَإِذَا كَانَتْ الصَّفْقَةُ مُتَّحِدَةً لَمْ يَجُزْ التَّفْرِيقُ فِي الْقَبْضِ أَيْضًا فَلَوْ تَعَدَّدَ الْمَبِيعُ وَنَقَدَ بَعْضَ الثَّمَنِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَقْبِضَ بَعْضَ الْمَبِيعِ، فَإِنْ تَعَدَّدَ الصَّفْقَةُ جَازَ وَحُكْمُ الْإِبْرَاءِ عَنْ الْبَعْضِ كَالِاسْتِيفَاءِ. وَكَذَا إذَا أَجَّلَ ثَمَنَ بَعْضِ الْمَبِيعِ دُونَ الْبَعْضِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَقْبِضَ شَيْئًا مِنْ الْمَبِيعِ حَتَّى يَنْقُدَ الْحَالَ، وَكَذَا لَوْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ دَيْنٌ أَقَلُّ مِنْ الثَّمَنِ فَالْتَقَيَا قِصَاصًا بِقَدْرِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَقْبِضَ شَيْئًا مِنْ الْمَبِيعِ حَتَّى يَأْخُذَ الْبَاقِيَ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة. وَيَتَفَرَّعُ أَيْضًا مَا لَوْ حَضَرَ أَحَدُ الْمُشْتَرِيَيْنِ وَغَابَ الْآخَرُ فَنَقَدَ الْحَاضِرُ حِصَّتَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَبْضُ شَيْءٍ مِنْ الْمَبِيعِ حَتَّى يَنْقُدَ الْغَائِبُ أَوْ هُوَ الْجَمِيعَ وَقَامَ الشَّرِيكُ مَقَامَ الْغَائِبِ فِي حَبْسِ حِصَّةِ الْغَائِبِ حَتَّى يَدْفَعَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَأَخَذَ الْبَائِعُ أَرْشَهَا) قَالَ فِي النَّهْرِ الظَّاهِرُ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِأَخْذِ الْأَرْشِ اتِّفَاقِيٌّ اهـ. قُلْتُ: يُؤَيِّدُهُ مَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ حَيْثُ قَالَ وَدَفَعَ أَرْشَ الْيَدِ إلَى الْبَائِعِ أَوْ لَمْ يَدْفَعْ (قَوْلُهُ بَلْ أَعْطَيْته بِخَمْسِمِائَةٍ) بِحَذْفِ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ وَفَتْحِ تَاءِ الْمُخَاطَبِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 289 لَهُ مَا عَلَيْهِ، فَإِنْ هَلَكَ الْمَبِيعُ قَبْلَ طَلَبِ الْغَائِبِ هَلَكَ أَمَانَةً فَإِذَا حَضَرَ الْغَائِبُ رَجَعَ عَلَيْهِ، وَإِنْ هَلَكَ بَعْدَ طَلَبِهِ وَحَبَسَهُ لِلِاسْتِيفَاءِ هَلَكَ أَمَانَةً بِثَمَنِهِ فَلَا رُجُوعَ عَلَى الْغَائِبِ، وَلَوْ أَبْرَأَ الْبَائِعُ أَحَدَهُمَا عَنْ حِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ أَخَّرَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَقْبِضَ حِصَّتَهُ مِنْ الْمَبِيعِ حَتَّى يَنْقُدَ الْآخَرُ. وَأَمَّا إذَا تَعَدَّدَتْ الصَّفْقَةُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ انْعَكَسَتْ الْأَحْكَامُ، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْإِجَارَةَ وَالْقِسْمَةَ كَالْبَيْعِ لَا يَجُوزُ فِيهِمَا تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ حَتَّى لَوْ أَجَّرَ عَبْدَهُ شَهْرَيْنِ بِكَذَا فَقَبِلَ فِي أَحَدِهِمَا لَمْ يَجُزْ، وَكَذَا لَوْ قَالَ قَاسَمْتُك هَذَا الرَّقِيقَ الْأَرْبَعَةَ عَلَى أَنَّ هَذَيْنِ لِي، وَهَذَيْنِ لَك، فَقَالَ الْآخَرُ سَلَّمْت لَك هَذَا وَلَا أُسَلِّمُ لَك هَذَا الْآخَرَ لَمْ يَجُزْ وَيَجُوزُ هَذَا فِي النِّكَاحِ وَالْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ وَالْعِتْقِ عَلَى مَالٍ، وَلَوْ جَمَعَ بَيْنَ النِّكَاحِ وَالْبَيْعِ فَقَيْلَ أَحَدَهُمَا إنْ قَبِلَ النِّكَاحَ جَازَ، وَإِنْ قَبِلَ الْبَيْعَ لَمْ يَجُزْ، وَلَوْ جَمَعَ عِتْقًا وَطَلَاقًا أَوْ عِتْقًا وَنِكَاحًا أَوْ طَلَاقًا وَنِكَاحًا جَازَ قَبُولُ أَحَدِهِمَا، وَلَوْ جَمَعَ مُكَاتَبَةً وَعِتْقًا وَبَيَّنَ حِصَّةَ الْمُكَاتَبَةِ جَازَ أَيُّهُمَا قَبِلَ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ لَمْ يَجُزْ قَبُولُ الْكِتَابَةِ. وَلَوْ كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ دَمُ عَمْدٍ بِأَنْ قَتَلَ أَخَوَيْهِ، فَقَالَ لِمَنْ عَلَيْهِ صَالَحْتُك مِنْهُمَا عَلَى عَشَرَةِ آلَافٍ، فَقَالَ رَضِيت عَنْ دَمِ فُلَانٍ بِخَمْسَةِ آلَافٍ صَحَّ وَلَهُ أَنْ يَقْتُلَ الْآخَرَ، وَلَوْ قَالَ مَنْ عَلَيْهِ صَالَحْتُك عَنْهُمَا عَلَى عَشَرَةِ آلَافٍ فَقَبِلَ عَنْ أَحَدِهِمَا لَمْ يَجُزْ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَيُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِ يَلْزَمُ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ مَا إذَا حَصَلَا بَعْدَ عَقْدٍ فَاسِدٍ لَمْ يَتْرُكَاهُ، فَإِنَّ الْبَيْعَ لَيْسَ بِلَازِمٍ وَيَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ مَا فِي الْخَانِيَّةِ لَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا شِرَاءً فَاسِدًا، ثُمَّ لَقِيَهُ غَدًا، فَقَالَ قَدْ بِعْتنِي ثَوْبَك هَذَا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، فَقَالَ بَلَى، فَقَالَ قَدْ أَخَذْته فَهُوَ بَاطِلٌ، وَهَذَا عَلَى مَا كَانَ قَبْلَهُ مِنْ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، فَإِنْ كَانَا تَتَارَكَا الْبَيْعَ الْفَاسِدَ فَهُوَ جَائِزٌ الْيَوْمَ، وَلَوْ بَاعَ عَبْدًا مِنْ رَجُلٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، وَقَالَ إنْ جِئْتنِي الْيَوْمَ بِالثَّمَنِ فَهُوَ لَك، وَإِنْ لَمْ تَجِئْنِي الْيَوْمَ بِالثَّمَنِ فَلَا بَيْعَ بَيْنِي وَبَيْنَك فَقَبِلَ الْمُشْتَرِي، وَلَمْ يَأْتِهِ بِالثَّمَنِ فَلَقِيَهُ غَدًا، فَقَالَ الْمُشْتَرِي قَدْ بِعْتَنِي عَبْدَك هَذَا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، فَقَالَ نَعَمْ. فَقَالَ قَدْ أَخَذَتْهُ فَهُوَ شِرَاءُ السَّاعَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الشِّرَاءَ قَدْ انْتَقَضَ، وَلَمْ يُشْبِهْ هَذَا الْبَيْعَ الْفَاسِدَ اهـ. مَعَ أَنَّ الْبَيْعَ يَفْسُدُ إذَا كَانَ فِيهِ خِيَارُ نَقْدٍ، وَلَمْ يَنْقُدْ حَتَّى مَضَى الْوَقْتُ حَتَّى قَالُوا بِفَسَادِهِ وَعَدَمِ انْفِسَاخِهِ حَتَّى لَوْ كَانَ عَبْدًا فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَأَعْتَقَهُ صَحَّ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا فَرْقَ؛ لِأَنَّ الْفَرْعَ الثَّانِي مِنْ أَفْرَادِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْبَائِعَ إذَا قَبِلَ بِأَقَلَّ مِمَّا أَوْجَبَهُ الْمُشْتَرِي صَحَّ وَكَانَ حَطًّا، وَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا قَبِلَ بِأَزْيَدَ صَحَّ كَانَ زِيَادَةً إنْ قَبِلَهَا فِي الْمَجْلِسِ لَزِمَتْ وَشَمِلَ كَلَامُهُ الْإِيجَابَ وَالْقَبُولَ بِالْكِتَابَةِ وَالرِّسَالَةِ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْكِتَابُ كَالْخِطَابِ، وَكَذَا الْإِرْسَالُ حَتَّى اُعْتُبِرَ مَجْلِسُ بُلُوغِ الْكِتَابِ وَأَدَاءِ الرِّسَالَةِ وَصُورَةِ الْكِتَابِ أَنْ يَكْتُبَ أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ بِعْت عَبْدِي فُلَانًا مِنْك بِكَذَا فَلَمَّا بَلَغَهُ الْكِتَابُ قَالَ فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ اشْتَرَيْتُ تَمَّ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا وَصُورَةُ الْإِرْسَالِ أَنْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيَقُولُ الْبَائِعُ بِعْت هَذَا مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَاذْهَبْ يَا فُلَانُ فَقُلْ لَهُ فَذَهَبَ الرَّسُولُ فَأَخْبَرَهُ بِمَا قَالَ فَقَبِلَ الْمُشْتَرِي فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ وَفِي النِّهَايَةِ. وَكَذَا هَذَا الْجَوَابُ فِي الْإِجَارَةِ وَالْهِبَةِ وَالْكِتَابَةِ فَأَمَّا فِي الْخُلْعِ وَالْعِتْقِ عَلَى مَالٍ، فَإِنَّهُ يَتَوَقَّفُ شَطْرُ الْعَقْدِ مِنْ الزَّوْجِ وَالْمَوْلَى عَلَى قَبُولِ الْآخَرِ وَرَاءَ الْمَجْلِسِ بِالْإِجْمَاعِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، فَإِنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ، فَإِنَّ مَنْ قَالَ بِعْتُ عَبْدِي هَذَا مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ بِكَذَا وَبَلَغَهُ الْخَبَرُ فَقَبِلَ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ شَطْرَ الْعَقْدِ لَا يَتَوَقَّفُ فِيهِ بِالْإِجْمَاعِ فَأَمَّا فِي النِّكَاحِ فَلَا يَتَوَقَّفُ الشَّطْرُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، ثُمَّ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَا يَتَوَقَّفُ شَطْرُ الْعَقْدِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ مِنْ الْعَاقِدِ الرُّجُوعُ عَنْهُ وَلَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ بِالشُّرُوطِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ يَتَوَقَّفُ كَالْخُلْعِ لَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ وَيَصِحُّ التَّعْلِيقُ بِالشَّرْطِ لِكَوْنِهِ يَمِينًا مِنْ جَانِبِ الزَّوْجِ وَالْمَوْلَى مُعَاوَضَةً مِنْ جَانِبِ الزَّوْجَةِ وَالْعَبْدِ اهـ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَيَصِحُّ الرُّجُوعُ مِنْ الْمُكَاتَبِ وَالْمُرْسِلِ قَبْلَ الْوُصُولِ سَوَاءٌ عَلِمَ الْآخَرُ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ مَعَ أَنَّ الْبَيْعَ يَفْسُدُ إلَخْ) أَيْ بِنَاءً عَلَى مَا صَحَّحَهُ فِي الْخَانِيَّةِ أَيْضًا مِنْ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَنْقُدْ فِي الْمُدَّةِ يَفْسُدُ وَلَا يَنْفَسِخُ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُؤَلِّفُ فِي بَابِ خِيَارِ الشَّرْطِ وَحِينَئِذٍ فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْفَرْعَيْنِ؛ لِأَنَّ الْفَرْعَ الثَّانِي مَبْنِيٌّ عَلَى مُقَابِلِ الصَّحِيحِ مِنْ أَنَّهُ يَنْفَسِخُ وَلَا يَفْسُدُ، وَلِهَذَا قَالَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الشِّرَاءَ قَدْ انْتَقَضَ إلَخْ تَأَمَّلْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 290 وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ مَعْزِيًّا إلَى مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ الْخِطَابُ وَالْكِتَابُ سَوَاءٌ إلَّا فِي فَصْلٍ وَاحِدٍ وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ حَاضِرًا يُخَاطِبُهَا بِالنِّكَاحِ فَلَمْ تُجِبْ فِي مَجْلِسِ الْخِطَابِ، ثُمَّ أَجَابَتْهُ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ، فَإِنَّ النِّكَاحَ لَا يَصِحُّ وَفِي الْكِتَابِ إذَا بَلَغَهَا وَقَرَأَتْ الْكِتَابَ، وَلَمْ تُزَوِّجْ نَفْسَهَا مِنْهُ فِي هَذَا الْمَجْلِسِ، ثُمَّ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْهُ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ عِنْدَ الشُّهُودِ، وَقَدْ سَمِعُوا كَلَامَهَا وَمَا فِي الْكِتَابِ يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْغَائِبَ إنَّمَا صَارَ مُخَاطِبًا لَهَا بِالْكِتَابِ وَهُوَ بَاقٍ فِي الْمَجْلِسِ الثَّانِي اهـ. وَفِي الْخَبَّازِيَّةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمَبْسُوطِ لَوْ كَتَبَ إلَيْهِ بِعْنِي بِكَذَا، فَقَالَ بِعْتُ تَمَّ الْبَيْعُ، وَقَدْ طَعَنُوا فِيهِ بِأَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ بِالْأَمْرِ مِنْ الْحَاضِرِ فَكَيْفَ بِالْأَمْرِ مِنْ الْغَائِبِ وَأَجَابَ فِي الْمُعَرِّجِ بِأَنَّ مُرَادَ مُحَمَّدٍ بَيَانُ الْفَرْقِ بَيْنَ النِّكَاحِ وَالْبَيْعِ فِي شَرْطِ الشُّهُودِ لَا بَيَانُ اللَّفْظِ أَوْ يُقَالُ بِعْنِي مِنْ الْحَاضِرِ اسْتِيَامٌ، وَمِنْ الْغَائِبِ إيجَابٌ وَفِيهِ نَوْعُ تَأَمُّلٍ اهـ. وَفِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَيَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنْ الرِّسَالَةِ عَلِمَ الرَّسُولُ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ اهـ. وَفِي وَكَالَةِ الْبَزَّازِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ لَا يَصِحُّ عَزْلُ الرَّسُولِ بِدُونِ عَمَلِهِ اهـ. فَعَلَى هَذَا يُفَرَّقُ بَيْنَ الرُّجُوعِ وَالْعَزْلِ. (قَوْلُهُ وَبِتَعَاطٍ) أَيْ وَيَلْزَمُ الْبَيْعُ بِالتَّعَاطِي أَيْضًا؛ لِأَنَّ جَوَازَهُ بِاعْتِبَارِ الرِّضَا، وَقَدْ وُجِدَ، وَقَدْ بَنَاهُ فِي الْهِدَايَةِ عَلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي هَذِهِ الْعُقُودِ هُوَ الْمَعْنَى وَالْإِشَارَةُ إلَى الْعُقُودِ التَّمْلِيكِيَّةِ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ فَخَرَجَ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ، فَإِنَّ اللَّفْظَ فِيهِمَا يُقَامُ مَقَامَ الْمَعْنَى قَالَ وَلَا يَلْزَمُ عَلَى أَصْحَابِنَا شَرِكَةُ الْمُفَاوَضَةِ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا إنَّهَا تَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْمُفَاوَضَةِ فَقَطْ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْمُفَاوَضَةِ لَمَّا تَوَقَّفَ عَلَى شُرُوطٍ لَا يَهْتَدِي إلَى اسْتِيفَائِهَا الْعَوَامُّ فِي مُعَامَلَاتِهِمْ حَتَّى لَوْ كَانَا عَالِمَيْنِ بِشُرُوطِهَا فَعَقَدُوهَا بِلَفْظٍ آخَرَ مَعَ اسْتِيفَاءِ الشُّرُوطِ صَحَّ، كَذَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ اهـ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بَعْدَ نَقْلِ مَا فِي الْمِعْرَاجِ وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ إقَامَةَ اللَّفْظِ مَقَامَ الْمَعْنَى أَثَرٌ فِي ثُبُوتِ حُكْمِهِ بِلَا نِيَّةٍ لَيْسَ غَيْرَ فَإِذَا قَارَنَتْ هَذِهِ الْعُقُودُ ذَلِكَ اقْتَضَى أَنْ لَا يَثْبُتَ بِمُجَرَّدِ اللَّفْظِ بِلَا نِيَّةٍ فَلَا يَثْبُتُ بِلَفْظِ الْبَيْعِ حُكْمُهُ إلَّا إذَا أَرَادَهُ بِهِ وَحِينَئِذٍ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ بِعْت وَأَبِيعُ فِي تَوَقُّفِ الِانْعِقَادِ بِهِ عَلَى النِّيَّةِ، وَلِذَا لَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ بِعْت هَزْلًا فَلَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْمَاضِي وَلَا يَنْعَقِدُ الْمُسْتَقْبَلُ اهـ. وَهَذَا سَهْوٌ، فَإِنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْبَيْعَ لَا يَخْتَصُّ بِلَفْظٍ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ إذَا وُجِدَ مَعْنَى التَّمْلِيكِ وَالتَّمَلُّكِ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، فَإِنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ الْمَعْنَى فِيهِمَا، وَإِنَّمَا تُعْتَبَرُ الْأَلْفَاظُ الْمَوْضُوعَةُ لَهُمَا صَرِيحًا كَانَ أَوْ كِنَايَةً، وَلِذَا قَالُوا لَوْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا وَاحِدَةً لَمْ يَقَعْ، وَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ لَا يَتَجَزَّأُ، وَإِذَا قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا فَطَلَّقَتْ عَشْرًا لَا يَقَعُ، وَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ لَا مَزِيدَ لَهُ عَلَى الثَّلَاثَةِ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمَعْنَى، وَإِنْ كَانَ مُعْتَبَرًا فِي الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ خَاصَّةً لَا بُدَّ مِنْ صِحَّةِ الِاسْتِعَارَةِ إذَا كَانَ اللَّفْظُ مَجَازًا، وَلِذَا قَالُوا لَوْ قَالَ بِعْتُك هَذَا بِغَيْرِ ثَمَنٍ كَانَ بَاطِلًا وَلَا يَكُونُ مَجَازًا عَنْ الْهِبَةِ مَعَ أَنَّهُ أَتَى بِمَعْنَاهَا. وَكَذَا لَوْ قَالَ أَجَّرْتُك دَارِي شَهْرًا بِغَيْرِ شَيْءٍ لَا يَكُونُ عَارِيَّةً مَعَ أَنَّهُ أَتَى مَعْنَاهَا، وَكَذَا لَوْ قَالَ اشْتَرَيْت مِنْك خِدْمَةَ عَبْدِك هَذَا شَهْرًا بِكَذَا، وَكَذَا فَهُوَ إجَارَةٌ فَاسِدَةٌ، وَكَذَا لَوْ قَالَ بِعْت مِنْك مَنَافِعَ هَذِهِ الدَّارِ شَهْرًا بِكَذَا فَهِيَ إجَارَةٌ فَاسِدَةٌ فَلَمْ تُعْتَبَرْ الْمَعْنَى وَالْمَسَائِلُ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْخَانِيَّةِ مَا إذَا قَالَ أَعَرْتُك دَارِي شَهْرًا بِكَذَا فَهِيَ إجَارَةٌ، وَكَذَا وَهَبْتُك مَنَافِعَهَا شَهْرًا بِكَذَا اعْتِبَارًا لِلْمَعْنَى وَحَقِيقَةُ التَّعَاطِي وَضْعُ الثَّمَنِ وَأَخْذُ الْمُثَمَّنِ عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا مِنْ غَيْرِ لَفْظٍ وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْإِعْطَاءِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْمُعَاطَاةِ وَهِيَ مُفَاعَلَةٌ فَتَقْتَضِي حُصُولَهَا مِنْ الْجَانِبَيْنِ كَالْمُضَارَبَةِ وَالْمُقَاسَمَةِ وَالْمُخَاصَمَةِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ كَمَا ذَكَرَهُ الطَّرَسُوسِيُّ وَأَفْتَى بِهِ الْحَلْوَانِيُّ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ أَنَّهُ الْمُخْتَارُ وَصَحَّحَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ إعْطَاءَ أَحَدِهِمَا كَافٍ وَنَصَّ مُحَمَّدٍ عَلَى أَنَّ بَيْعَ التَّعَاطِي يَثْبُتُ بِقَبْضِ أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ. وَهَذَا يَنْتَظِمُ الْمَبِيعُ وَالثَّمَنُ وَنَصُّهُ فِي الْجَامِعِ عَلَى أَنَّ تَسْلِيمَ الْمَبِيعِ يَكْفِي لَا يَنْفِي الْآخَرَ وَاكْتَفَى الْكَرْمَانِيُّ بِتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْغَائِبَ إنَّمَا صَارَ مُخَاطَبًا لَهَا بِالْكِتَابِ) الَّذِي فِي غَايَةِ الْبَيَانِ خَاطِبًا مِنْ الْخِطْبَةِ وَتَمَامُ الْعِبَارَةِ بَعْدَ قَوْلِهِ وَهُوَ بَاقٍ فِي الْمَجْلِسِ الثَّانِي فَصَارَ بَقَاءُ الْكِتَابِ فِي مَجْلِسِهِ، وَقَدْ سَمِعَ الشُّهُودُ مَا فِي الْكِتَابِ فِي الْمَجْلِسِ الثَّانِي بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ تَكَرَّرَ الْخِطَابُ مِنْ الْحَاضِرِ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ فَأَمَّا إذَا كَانَ حَاضِرًا، فَإِنَّمَا صَارَ خَاطِبًا لَهَا بِالْكَلَامِ وَمَا وُجِدَ مِنْ الْكَلَامِ فِي الْمَجْلِسِ الْأَوَّلِ لَا يَبْقَ إلَى الْمَجْلِسِ الثَّانِي، فَإِنَّمَا سَمِعَ الشُّهُودُ فِي الْمَجْلِسِ الثَّانِي أَحَدَ شَطْرَيْ الْعَقْدِ، وَسَمَاعُ الشَّاهِدِ شَطْرَيْ الْعَقْدِ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ شَرْطٌ لِجَوَازِ النِّكَاحِ اهـ. . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 291 مَعَ بَيَانِ الثَّمَنِ أَمَّا إذَا دَفَعَ الثَّمَنَ، وَلَمْ يَقْبِضْ الْمَبِيعَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ أَصْلٌ إلَّا إذَا كَانَ بِيعَ مُقَايَضَةً. كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ فَقَدْ تَحَرَّرَ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ وَفِي الْقَامُوسِ التَّعَاطِي التَّنَاوُلُ وَهَكَذَا فِي الصِّحَاحِ وَالْمِصْبَاحِ وَهُوَ إنَّمَا يَقْتَضِي الْإِعْطَاءَ مِنْ جَانِبٍ وَالْأَخْذَ مِنْ جَانِبٍ لَا الْإِعْطَاءَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ كَمَا فَهِمَ الطَّرَسُوسِيُّ وَأَصْلُ الِاخْتِلَافِ إنَّمَا نَشَأَ مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ بَيْعَ التَّعَاطِي فِي مَوَاضِعَ فَصَوَّرَهُ فِي مَوْضِعٍ بِالْإِعْطَاءِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَفَهِمَ الْبَعْضُ أَنَّهُ شَرْطٌ وَصَوَّرَهُ فِي مَوْضِعٍ بِالْإِعْطَاءِ مِنْ أَحَدِهِمَا فَفَهِمَ الْبَعْضُ بِأَنَّهُ يُكْتَفَى بِهِ وَصَوَّرَهُ فِي مَوْضِعٍ بِتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ فَفَهِمَ الْبَعْضُ عَلَى أَنَّ تَسْلِيمَ الثَّمَنِ لَا يَكْفِي كَمَا ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَصُورَتُهُ مِنْ أَحَدِهِمَا أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى الثَّمَنِ، ثُمَّ يَأْخُذُ الْمُشْتَرِي الْمَتَاعَ وَيَذْهَبُ بِهِ بِرِضَا صَاحِبِهِ مِنْ غَيْرِ دَفْعِ الثَّمَنِ أَوْ يَدْفَعُ الثَّمَنَ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ، ثُمَّ يَذْهَبُ مِنْ غَيْرِ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ، فَإِنَّ الْبَيْعَ لَازِمٌ عَلَى الصَّحِيحِ حَتَّى لَوْ امْتَنَعَ أَحَدُهُمَا بَعْدَهُ أَجْبَرَهُ الْقَاضِي. وَهَذَا فِيمَا ثَمَنُهُ غَيْرُ مَعْلُومٍ أَمَّا الْخُبْزُ وَاللَّحْمُ فَلَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى بَيَانِ الثَّمَنِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَمِنْ بَيْعِ التَّعَاطِي حُكْمًا مَا إذَا جَاءَ الْمُودِعُ بِأَمَةٍ غَيْرِ الْمُودَعَةِ، وَقَالَ هَذِهِ أَمَتُك وَالْمَالِكُ يَعْلَمُ أَنَّهَا لَيْسَتْ إيَّاهَا وَحَلَفَ فَأَخَذَهَا حَلَّ الْوَطْءُ لِلْمُودِعِ وَكَانَ بَيْعًا بِالتَّعَاطِي وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَوْ قَالَ لِلْخَيَّاطِ لَيْسَتْ هَذِهِ بِطَانَتِي فَحَلَفَ الْخَيَّاطُ أَنَّهَا هِيَ وَسِعَهُ أَخْذُهَا وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْعَيْنُ مِلْكًا لِلدَّافِعِ أَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ مِلْكًا لَهُ فَلَا، وَمِنْهُ قَوْلُ الدَّلَّالِ لِلْبَزَّازِ إنَّ هَذَا الثَّوْبَ بِدِرْهَمٍ، فَقَالَ ضَعْهُ، وَكَذَا بِكَمْ تَبِيعُ قَفِيزَ حِنْطَةٍ، فَقَالَ بِدِرْهَمٍ، فَقَالَ اعْزِلْهُ فَعَزَلَهُ فَهُوَ بَيْعٌ، وَكَذَا لَوْ قَالَ لِلْقَصَّابِ مِثْلَهُ. وَمِنْهُ لَوْ رَدَّهَا بِخِيَارِ عَيْبٍ وَالْبَائِعُ مُتَيَقِّنٌ أَنَّهَا لَيْسَتْ لَهُ فَأَخَذَهَا وَرَضِيَ فَهُوَ بَيْعٌ بِالتَّعَاطِي كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. وَعَلَى هَذَا لَا بُدَّ مِنْ الرِّضَا فِي جَارِيَةِ الْوَدِيعَةِ وَبِطَانَةِ الْخَيَّاطِ وَعَلَى هَذَا فَالْأَمْرُ بِالْعَزْلِ أَوْ الْوَزْنِ يَكْفِي عَنْ الْقَبْضِ فَهَذَا بَيْعُ مُعَاطَاةٍ وَلَا قَبْضَ فِيهِ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ لِكَوْنِ الْأَمْرِ بِالْعَزْلِ وَالْوَزْنِ قَائِمًا مَقَامَ الْقَبْضِ وَيَجِبُ أَنْ يُقَامَ الْإِيجَابُ لِاقْتِضَائِهِ سَابِقَةً اشْتَرَيْت كَاقْتِضَاءِ خُذْ سَابِقَةَ الْبَيْعِ وَوَزْنُ الْمُخَاطَبِ قَبُولٌ لِمَا قَدَّمْنَا أَنَّهُ يَكُونُ بِالْفِعْلِ فَالْوَزْنُ وَالْعَزْلُ فِعْلٌ هُوَ قَبُولٌ فَلَا يَنْبَغِي إدْخَالُهُ هُنَا كَمَا فَعَلَ ابْنُ الْهُمَامِ وَقَدَّمْنَا فِي الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ أَنَّهُمَا بَعْدَ عَقْدٍ فَاسِدٍ لَا يَنْعَقِدُ بِهِمَا الْبَيْعُ قَبْلِ مُتَارَكَةِ الْفَاسِدِ فَفِي بَيْعِ التَّعَاطِي بِالْأَوْلَى وَهُوَ صَرِيحُ الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ أَنَّ التَّعَاطِيَ بَعْدَ عَقْدٍ فَاسِدٍ أَوْ بَاطِلٍ لَا يَنْعَقِدُ بِهِ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ بِنَاءً عَلَى السَّابِقِ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْخَسِيسَ وَالنَّفِيسَ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى يَشْمَلُ الْكُلَّ وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمُعْتَمَدُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا وَفِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي نَفَائِسِ الْأَشْيَاءِ اهـ. قُلْتُ: وَمَا ادَّعَاهُ مِنْ الْمَشْهُورِ فَخِلَافُ الْمَشْهُورِ وَالنَّفِيسِ مَا كَثُرَ ثَمَنُهُ كَالْعَبْدِ وَالْخَسِيسُ مَا قَلَّ ثَمَنُهُ كَالْخُبْزِ، وَمِنْهُمْ مَنْ حَدَّ النَّفِيسَ بِنِصَابِ السَّرِقَةِ فَأَكْثَرَ وَالْخَسِيسَ بِمَا دُونَهُ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ اشْتَرَى وِقْرًا بِثَمَانِيَةٍ، ثُمَّ قَالَ ائْتِ بِوِقْرٍ آخَرَ وَأَلْقِهِ هُنَا فَفَعَلَ لَهُ طُلِبَ الثَّمَنُ قَالَ لِقَصَّابٍ كَمْ مِنْ هَذَا اللَّحْمِ بِدِرْهَمٍ، فَقَالَ مَنَوَانِ فَأَعْطَى الدِّرْهَمَ وَأَخَذَهُ فَهُوَ بَيْعٌ جَائِزٌ وَلَا يُعِيدُ الْوَزْنَ، وَإِنْ وَزَنَهُ   [منحة الخالق] [الْبَيْعُ بِالتَّعَاطِي] (قَوْلُهُ فَفِي بَيْعِ التَّعَاطِي بِالْأَوْلَى) أَقُولُ: ذُكِرَ فِي النِّهَايَةِ وَالْكِفَايَةِ وَفَتْحِ الْقَدِيرِ عِنْدَ قَوْلِ الْهِدَايَةِ وَمَنْ بَاعَ صُبْرَةَ طَعَامٍ كُلَّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ جَازَ الْبَيْعُ فِي قَفِيزٍ وَاحِدٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنْ يُسَمِّيَ جَمِيعَ قُفْزَانِهَا، وَقَالَا يَجُوزُ فِي الْوَجْهَيْنِ اهـ. لَهُمَا أَنَّ الْجَهَالَةَ بِيَدِهِمَا إزَالَتُهَا وَمِثْلُهَا غَيْرُ مَانِعٍ، فَإِنْ قِيلَ بَلْ مِثْلُهَا مَانِعٌ أَيْضًا كَمَا فِي الْبَيْعِ بِالرَّقْمِ، فَإِنَّهُ فَاسِدٌ، وَإِنْ كَانَتْ إزَالَةُ الْجَهَالَةِ بِيَدِهِمَا قُلْنَا إنَّمَا فَسَدَ الْبَيْعُ بِالرَّقْمِ؛ لِأَنَّ فِيهِ زِيَادَةَ جَهَالَةٍ تَمَكَّنَتْ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ وَهُوَ جَهَالَةُ الثَّمَنِ بِسَبَبِ رَقْمٍ لَا يَعْلَمُهُ الْمُشْتَرِي فَصَارَ هُوَ بِسَبَبِهِ بِمَنْزِلَةِ الْقِمَارِ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُبَيِّنَ الْبَائِعُ قَدْرَ الرَّقْمِ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ وَعَنْ هَذَا قَالَ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ، وَإِنْ عَلِمَ بِالرَّقْمِ فِي الْمَجْلِسِ لَا يَنْقَلِبُ ذَلِكَ الْعَقْدُ جَائِزًا وَلَكِنْ إنْ كَانَ الْبَائِعُ دَائِمًا عَلَى الرِّضَا فَرَضِيَ بِهِ الْمُشْتَرِي يَنْعَقِدُ بَيْنَهُمَا عَقْدٌ ابْتِدَاءً بِالتَّرَاضِي اهـ. وَعَبَّرَ فِي الْفَتْحِ بِقَوْلِهِ بِالتَّعَاطِي وَتَارَةً بِالتَّرَاضِي وَالتَّعَاطِي فَالْمُرَادُ وَاحِدٌ وَحِينَئِذٍ يَظْهَرُ تَقْيِيدُ الْمَسْأَلَةِ أَعْنِي عَدَمَ انْعِقَادِ الْبَيْعِ بِالتَّعَاطِي بَعْدَ عَقْدٍ فَاسِدٍ قَبْلَ الْمُتَارَكَةِ بِمَا إذَا كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ الْمَجْلِسِ أَمَّا لَوْ تَرَاضَيَا فِيهِ يَنْعَقِدُ بِدُونِ مُتَارَكَةِ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ الْفَاسِدِ كَمَا هُوَ صَرِيحُ عِبَارَةِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ إلَّا إنْ تَقَيَّدَ بِمَا إذَا كَانَ بَعْدَ مُتَارَكَةِ الْأَوَّلِ فَلْيُتَأَمَّلْ وَانْظُرْ مَا يَأْتِي فِي شَرْحِ قَوْلِهِ، وَلَوْ بَاعَ ثَلَّةً أَوْ ثَوْبًا وَلَعَلَّ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ. (قَوْلُهُ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ) أَيْ مِنْ أَنَّ عَدَمَ الِانْعِقَادِ قَبْلَ مُتَارَكَةِ الْأَوَّلِ وَعِبَارَةُ الْخُلَاصَةِ اشْتَرَى رَجُلٌ مِنْ وَسَائِدِي وَسَائِدَ وَوُجُوهَ الطَّنَافِسِ وَهِيَ غَيْرُ مَنْسُوجَةٍ بَعْدُ، وَلَمْ يَضْرِبَا لَهُ أَجَلًا لَمْ يَجُزْ فَلَوْ نَسَجَ الْوَسَائِدَ وَوُجُوهَ الطَّنَافِسِ وَسَلَّمَ إلَى الْمُشْتَرِي لَا يَصِيرُ هَذَا بَيْعًا بِالتَّعَاطِي؛ لِأَنَّهُمَا يَعْلَمَانِ بِحُكْمِ ذَلِكَ الْبَيْعِ السَّابِقِ وَأَنَّهُ وَقَعَ بَاطِلًا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 292 فَوَجَدَهُ أَنْقَصَ رَجَعَ بِقَدْرِهِ مِنْ الدِّرْهَمِ لَا مِنْ اللَّحْمِ؛ لِأَنَّ الِانْعِقَادَ بِقَدْرِ الْمَبِيعِ الْمُعْطَى قَالَ كَيْفَ تَبِيعُ اللَّحْمَ قَالَ ثَلَاثَةُ أَرْطَالٍ بِدِرْهَمٍ، فَقَالَ أَخَذْتُ فَزِنْ فَلَهُ أَنْ يَزِنَ وَلَا يَلْزَمُ، وَإِنْ وَزَنَ فَلَهُ أَنْ لَا يُعْطِيَ وَلِلْمُشْتَرِي أَنْ لَا يَأْخُذَ، وَإِنْ قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي أَوْ جَعَلَهُ الْبَائِعُ فِي وِعَاءٍ بِإِذْنِ الْمُشْتَرِي تَمَّ الْبَيْعُ وَفِيهِ انْعِقَادُهُ بِالْإِعْطَاءِ مِنْ جَانِبٍ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي أَوْ لَا يَبِيعُ فَبَاعَ أَوْ اشْتَرَى بِالتَّعَاطِي قِيلَ وَقِيلَ اهـ. وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ لَوْ أَمَرَهُ بِالْوَزْنِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ مَوْضِعًا فَوَزَنَ لَهُ لَا يَكُونُ بَيْعًا، وَلَوْ بَيَّنَ لَهُ كَانَ بَيْعًا، وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ هُنَا عَلَى الْعَكْسِ فَلْيُتَأَمَّلْ وَاعْلَمْ أَنَّ الْإِقَالَةَ تَنْعَقِدُ بِالتَّعَاطِي أَيْضًا مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ عَلَى الصَّحِيحِ كَالْبَيْعِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ. وَفِي الْقُنْيَةِ دَفَعَ إلَى بَائِعِ حِنْطَةٍ خَمْسَةَ دَنَانِيرَ لِيَأْخُذَ مِنْهُ حِنْطَةً، وَقَالَ لَهُ بِكَمْ تَبِيعُهَا، فَقَالَ مِائَةٌ بِدِينَارٍ فَسَكَتَ الْمُشْتَرِي، ثُمَّ طَلَبَ مِنْهُ الْحِنْطَةَ لِيَأْخُذَهَا، فَقَالَ الْبَائِعُ غَدًا أَدْفَعُ إلَيْك، وَلَمْ يَجْرِ بَيْنَهُمَا بَيْعٌ وَذَهَبَ الْمُشْتَرِي فَجَاءَ غَدًا لِيَأْخُذَ الْحِنْطَةَ وَقَدْ تَغَيَّرَ السِّعْرُ فَلَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْهُ بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَهَا بِالسِّعْرِ الْأَوَّلِ. قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَفِي هَذِهِ الْوَاقِعَةِ أَرْبَعَةُ مَسَائِلَ: أَحَدُهَا الِانْعِقَادُ بِالتَّعَاطِي. الثَّانِيَةُ الِانْعِقَادُ بِهِ فِي الْخَسِيسِ وَالنَّفِيسِ وَهُوَ الصَّحِيحُ. الثَّالِثَةُ الِانْعِقَادُ بِهِ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ. وَالرَّابِعَةُ كَمَا يَنْعَقِدُ بِإِعْطَاءِ الْمَبِيعِ يَنْعَقِدُ بِإِعْطَاءِ الثَّمَنِ اهـ. قُلْتُ: وَفِيهَا مَسْأَلَةٌ خَامِسَةٌ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ بِهِ، وَلَوْ تَأَخَّرَتْ مَعْرِفَةُ الْمُثَمَّنِ لِكَوْنِ دَفْعِ الثَّمَنِ قَبْلَ مَعْرِفَتِهِ وَفِي الْمُجْتَبَى مَعْزِيًّا إلَى النِّصَابِ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَطَالَبَ رَبُّ الدَّيْنِ بِهِ فَبَعَثَ إلَيْهِ شَعِيرًا قَدْرًا مَعْلُومًا، وَقَالَ خُذْهُ بِسِعْرِ الْبَلَدِ وَالسِّعْرُ لَهُمَا مَعْلُومٌ كَانَ بَيْعًا، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمَاهُ فَلَا، وَمِنْ بَيْعِ التَّعَاطِي تَسْلِيمُ الْمُشْتَرِي مَا اشْتَرَى إلَى مَنْ يَطْلُبُهُ بِالشُّفْعَةِ فِي مَوْضِعٍ لَا شُفْعَةَ فِيهِ، وَكَذَا تَسْلِيمُ الْوَكِيلِ بَعْدَمَا صَارَ شِرَاؤُهُ لِنَفْسِهِ إلَى الْمُوَكِّلِ إذَا قَبَضَهُ الْآمِرُ وَأَنْكَرَ الْأَمْرَ، وَقَدْ اشْتَرَى لَهُ، كَذَا فِي الْمُجْتَبَى، وَذَكَرَ مَسْأَلَتَيْ الْوَدِيعَةِ وَالْخَيَّاطِ الْمُتَقَدِّمَتَيْنِ، وَمِنْهُ لَوْ ادَّعَى بَيْعًا وَبَرْهَنَ بِشُهُودِ زُورٍ وَالْقَضَاءُ إذَا رَضِيَ الْآخَرُ بِهِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، كَذَا فِي الْمُجْتَبَى يَعْنِي، وَإِنْ قَالَا بِأَنَّ الْقَضَاءَ بِشَهَادَةِ الزُّورِ لَا يَنْفُذُ بَاطِنًا يَقُولَا بِالِانْعِقَادِ بِالتَّعَاطِي بَعْدَهُ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ إنَّمَا يَنْعَقِدُ بِالتَّعَاطِي بِشَرْطِ أَنْ لَا يُصَرِّحَ مَعَهُ بِعَدَمِ الرِّضَا فَلَوْ قَبَضَ الدَّرَاهِمَ الثَّمَنَ وَأَخَذَ صَاحِبُهَا الْبَطَاطِيخَ وَالْبَائِعُ يَقُولُ لَا أُعْطِيكهَا أَوْ حَلَفَ، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ وَتَمَامُهُ فِي الْقُنْيَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ وَأَيْ قَامَ عَنْ الْمَجْلِسِ قَبْلَ الْقَبُولِ بَطَلَ الْإِيجَابُ) لِكَوْنِهِ امْتِنَاعًا عَنْ إتْمَامِ الْعِلَّةِ لَا إبْطَالًا لَهَا، وَهَذَا؛ لِأَنَّ إيجَابَ الْبَائِعِ أَحَدُ شَطْرَيْ الْعِلَّةِ وَالْحُكْمُ إذَا تَعَلَّقَ بِعِلَّةٍ ذَاتِ وَصْفَيْنِ كَانَ لِلْأَوَّلِ حُكْمُ السَّبَبِ وَلِلثَّانِي حُكْمُ الْعِلَّةِ فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ لِلْأَوَّلِ قَبْلَ الْقَبُولِ حُكْمُ الْعِلَّةِ لَا يَكُونُ إبْطَالُ الْإِيجَابِ بِالْقِيَامِ إبْطَالًا لِلْعِلَّةِ فَيَجُوزُ، وَلِأَنَّ الْقِيَامَ دَلِيلُ الْإِعْرَاضِ فَعَمِلَتْ الدَّلَالَةُ عَمَلَهَا مِنْ الْإِبْطَالِ فَبَعْدَ ذَلِكَ لَا يُعَارِضُهَا صَرِيحُ قَبُولٍ يَأْتِي بَعْدَهَا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُقَدَّمُ عَلَيْهَا إذَا لَمْ تَعْمَلْ عَمَلَهَا وَفِي الْمُجْتَبَى الْمَجْلِسُ الْمُتَّحِدُ أَنْ لَا يَشْتَغِلَ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بِعَمَلٍ غَيْرِ مَا عُقِدَ لَهُ الْمَجْلِسُ أَوْ مَا هُوَ دَلِيلُ الْإِعْرَاضِ عَنْ الْعَقْدِ أَطْلَقَ الْقِيَامَ، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالِانْتِقَالِ عَنْ الْمَجْلِسِ بِنَاءً عَلَى ظَاهِرِ مَا فِي الْهِدَايَةِ وَمَشَى عَلَيْهِ جَمْعٌ وَاخْتَارَهُ قَاضِي خَانْ مُعَلَّلًا بِأَنَّهُ دَلِيلُ الْإِعْرَاضِ وَقَيَّدَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ بِالذَّهَابِ وَشَمِلَ مَا إذَا قَامَ أَحَدُهُمَا لِحَاجَةٍ كَمَا فِي الْحَاوِي. وَلَكِنْ فِي الْقُنْيَةِ لَوْ قَامَ لِحَاجَةٍ لَا مُعْرِضًا، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ اهـ. فَعَلَى هَذَا الْقِيَامِ مُبْطِلٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَلِيلَ الْإِعْرَاضِ، وَأَشَارَ بِالْقِيَامِ إلَى أَنَّ الْمَجْلِسَ يَتَبَدَّلُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ كَالِاشْتِغَالِ بِعَمَلٍ آخَرَ كَالْأَكْلِ إلَّا إذَا كَانَ لُقْمَةً أَوْ شَرِبَ إلَّا إذَا كَانَ الْقَدَحُ فِي يَدِهِ فَشَرِبَ وَنَوْمٍ إلَّا النَّوْمَ جَالِسًا وَصَلَاةٍ إلَّا إتْمَامَ فَرِيضَةٍ أَوْ إتْمَامَ شَفْعٍ نَفْلًا فَلَوْ أَتَمَّهُ أَرْبَعًا بَطَلَ وَكَلَامٍ، وَلَوْ لِحَاجَةٍ، وَمِنْهُ إيجَابٌ لِإِنْسَانٍ بَعْدَ الْإِيجَابِ الْأَوَّلِ فَإِذَا قَبِلَا كَانَ لِلثَّانِي لِبُطْلَانِ الْأَوَّلِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ أَوْ مَشَى إلَّا خُطْوَةً وَخُطْوَتَيْنِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَفِي جَمْعِ التَّفَارِيقِ وَبِهِ نَأْخُذُ وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَفِي   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَتَمَامُهُ فِي الْقُنْيَةِ) قَالَ فِيمَا دَفَعَ إلَيْهِ دَرَاهِمَ يَشْتَرِي الْبَطَاطِيخَ الْمُعَيَّنَةَ فَأَخَذَهَا وَيَقُولُ لَا أُعْطِيهَا بِهَا وَأَخَذَ الْمُشْتَرِي مِنْهُ الْبَطَاطِيخَ فَلَمْ يَسْتَرِدَّهَا وَيَعْلَمُ عَادَةَ السُّوقَةِ أَنَّ الْبَائِعَ إذْ الَمْ يَرْضَ يَرُدُّ الثَّمَنَ أَوْ يَسْتَرِدُّ الْمَتَاعَ وَإِلَّا يَكُونُ رَاضِيًا بِهِ وَيَصِيحُ خَلْفَهُ لَا أُعْطِيهَا تَطْيِيبًا لِقَلْبِ الْمُشْتَرِي، فَقَالَ مَعَ هَذَا لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ مِثْلُهُ اهـ. . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 293 الْمِعْرَاجِ. وَقِيلَ قَوْلُهُ قَامَ عَنْ الْمَجْلِسِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الذَّهَابَ عَنْهُ شَرْطُهُ؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ عَنْهُ يَتَحَقَّقُ بِالذَّهَابِ أَمَّا لَوْ لَمْ يَذْهَبْ لَا يُقَالُ قَامَ عَنْهُ، وَإِنَّمَا يُقَالُ قَالَ فِيهِ، وَلِذَا قَالَ فِي الْإِصْلَاحِ أَوْ قَامَ، وَقَالَ فِي الْإِيضَاحِ لَمْ يَقُلْ عَنْ الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّ الْإِيجَابَ يَبْطُلُ بِمُجَرَّدِ الْقِيَامِ، وَإِنْ لَمْ يَذْهَبْ عَنْ الْمَجْلِسِ وَفِي الْبِنَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى بَعْضِهِمْ أَنَّ قَوْلَهُمْ قَامَ عَنْهُ يَدُلُّ عَلَى الذَّهَابِ وَإِلَّا كَأَنْ يَقُولَ قَامَ فِيهِ وَلَبِسَ ثَوْبًا إلَّا إذَا فَعَلَ الْقَابِلُ بِالْمَبِيعِ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ وَاللُّبْسَ فَقَبُولٌ وَفِي الْجَوْهَرَةِ لَوْ كَانَ قَائِمًا فَقَعَدَ لَمْ يَبْطُلْ. وَعَلَى اشْتِرَاطِ اتِّحَادِ الْمَجْلِسِ تَفَرَّعَ لَوْ تَبَايَعَا وَهُمَا يَمْشِيَانِ أَوْ يَسِيرَانِ، وَلَوْ كَانَا عَلَى دَابَّةٍ وَاحِدَةٍ لَمْ يَصِحَّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِاخْتِلَافِ الْمَجْلِسِ وَاخْتَارَ غَيْرُ وَاحِدٍ كَالطَّحَاوِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ إنْ أَجَابَ عَلَى فَوْرِ كَلَامِهِ مُتَّصِلًا جَازَ وَصَحَّحَهُ فِي الْمُحِيطِ، ثُمَّ قَالَ وَقِيلَ يَصِحُّ، وَإِنْ فَصَلَا بِسُكُوتٍ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا بِأَبْدَانِهِمَا اهـ. وَفِي الْمُجْتَبَى مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا بِدَابَّتَيْهِمَا وَهُوَ أَحْسَنُ وَعَلَى الِاخْتِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَقِفْ أَمَّا إذَا وَقَفَ بَعْدَمَا سَارَ فَقَبِلَ الْآخَرُ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَالسَّفِينَةُ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْتِ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَمْلِكَانِ إيقَافَهَا فَجَرَيَانُهَا لَمْ يُصَفْ إلَيْهِمَا فَلَا يَنْقَطِعُ مَجْلِسُهُمَا بِجَرَيَانِهَا بِخِلَافِ الدَّابَّةِ، فَإِنَّهُمَا يَمْلِكَانِ الْإِيقَافَ قُيِّدَ بِالْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْخُلْعَ وَالْعِتْقَ عَلَى مَالٍ لَا يُبْطِلُ الْإِيجَاب فِيهِ بِقِيَامِ الزَّوْج وَالْمَوْلَى لِكَوْنِهِ يَمِينًا وَيَبْطُلُ بِقِيَامِ الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ لِكَوْنِهِ مُعَاوَضَةً فِي حَقِّهِمَا كَمَا فِي النِّهَايَةِ. وَأَمَّا فِي خِيَارِ الْمُخَبَّرَةِ، فَإِنَّهُ إذَا خَيَّرَهَا وَهِيَ وَاقِفَةٌ وَسَارَ الزَّوْجُ أَوْ مَشَى قَبْلَ أَنْ تَخْتَارَ، ثُمَّ اخْتَارَتْ وَقَعَ بِخِلَافِ مَا إذَا سَارَتْ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَصِرُ عَلَى مَجْلِسِهَا خَاصَّةً بِخِلَافِ الْبَيْعِ، فَإِنَّهُ يَقْتَصِرُ عَلَى مَجْلِسِهِمَا، كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَفِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ وَيَبْطُلُ مَجْلِسُ الْبَيْعِ بِمَا يَبْطُلُ بِهِ خِيَارُ الْمُخَيَّرَةِ. اهـ. . وَفِي الْقُنْيَةِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُنَادِيَهُ مِنْ بَعِيدٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جِدَارٍ رَجُلٌ فِي الْبَيْتِ، فَقَالَ لِلَّذِي فِي السَّطْحِ بِعْته مِنْك بِكَذَا، فَقَالَ اشْتَرَيْت صَحَّ إذَا كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا يَرَى صَاحِبَهُ وَلَا يَلْتَبِسُ الْكَلَامُ لِلْبُعْدِ، وَلَوْ تَعَاقَدَ الْبَيْعُ وَبَيْنَهُمَا النَّهْرُ المزدحصائي يَصِحُّ الْبَيْعُ قُلْتُ: وَإِنْ كَانَ نَهْرًا عَظِيمًا تَجْرِي فِيهِ السُّفُنُ، قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَقَدْ تَقَرَّرَ رَأْيُ (بح) فِي أَمْثَالِ هَذِهِ الصُّورَةِ عَلَى أَنَّهُ إنْ كَانَ الْبُعْدُ بِحَالٍ يُوجِبُ الْتِبَاسَ مَا يَقُولُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ يَمْنَعُ وَإِلَّا فَلَا فَعَلَى هَذَا السَّتْرِ بَيْنَهُمَا الَّذِي لَا يَمْنَعُ الْفَهْمَ وَالسَّمَاعُ لَا يَمْنَعُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْإِيجَابَ يَبْطُلُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ وَبِرُجُوعِ أَحَدِهِمَا عَنْهُ وَبِمَوْتِ أَحَدِهِمَا، وَلِذَا قُلْنَا إنَّ خِيَارَ الْقَبُولِ لَا يُورَثُ وَقَدَّمْنَا اسْتِثْنَاءَ مَسْأَلَةٍ وَبِتَغْيِيرِ الْمَبِيعِ بِقَطْعِ يَدٍ وَتَخَلُّلِ عَصِيرٍ وَزِيَادَةٍ بِوِلَادَةٍ وَهَلَاكِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بَعْدَ قَلْعِ عَيْنِهِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَوْ بَعْدَمَا وُهِبَ لِلْمَبِيعِ هِبَةً كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ يَبْطُلُ بِهِبَةِ الثَّمَنِ قَبْلَ قَبُولِهِ فَأَصْلُ مَا يُبْطِلُهُ سَبْعَةٌ فَلْيُحْفَظْ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ بِعْت مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ فَحَضَرَ فِي الْمَجْلِسِ وَقَبِلَ صَحَّ اهـ. وَهُوَ مُشْكِلٌ لِعَدَمِ سَمَاعِ الْغَائِبِ كَلَامَ الْحَاضِرِ وَلِعَدَمِ اتِّحَادِ الْمَجْلِسِ وَحَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا أَعَادَ الْإِيجَابَ بَعْدَ حُضُورِهِ بَعِيدٌ كَمَا لَا يَخْفَى. وَفِي الذَّخِيرَةِ لَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي فِي الدَّارِ فَخَرَجَ مِنْهَا، ثُمَّ قَبِلَ لَمْ يَصِحَّ وَقُيِّدَ بِالْبَيْعِ؛ لِأَنَّ إجَازَةَ بَيْعِ الْفُضُولِيِّ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى مَجْلِسِ بُلُوغِ خَبَرِهِ حَتَّى لَوْ قَامَ الْمَالِكُ فَأَجَازَ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ جَازَ كَمَا فِي الصَّيْرَفِيَّةِ وَلَا يَضُرُّ فِي الْإِيجَابِ الْأَوَّلِ وُجُودُ إيجَابٍ ثَانٍ بِشَيْءٍ آخَرَ غَيْرِ الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبُولِ لِلْأَوَّلِ، وَلِذَا قَدَّمْنَا مَا لَوْ أَوْجَبَ بَيْعًا وَنِكَاحًا فَقَبِلَهُمَا جَازَ، وَكَذَا لَوْ قَالَ أَبِيعُك هَذَا وَأَهَبُ لَك هَذَا فَقَبِلَ جَازَ الْكُلُّ كَمَا فِي الصَّيْرَفِيَّةِ. (قَوْلُهُ وَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ قَدْرِ وَوَصْفِ ثَمَنٍ غَيْرِ مُشَارٍ لَا مُشَارٍ) أَيْ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ إلَّا بِمَعْرِفَةِ قَدْرِ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ وَوَصْفِ الثَّمَنِ إذَا كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا غَيْرُ مُشَارٍ إلَيْهِ أَمَّا الْمُشَارُ إلَيْهِ فَغَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ وَالتَّسَلُّمَ وَاجِبٌ بِالْعَقْدِ فَهَذِهِ الْجَهَالَةُ مُفْضِيَةٌ إلَى الْمُنَازَعَةِ فَيَمْتَنِعُ التَّسْلِيمُ وَالتَّسَلُّمُ وَكُلُّ جَهَالَةٍ هَذِهِ صِفَتُهَا تَمْنَعُ الْجَوَازَ أَطْلَقَ فِي مَعْرِفَةِ الْقَدْرِ فَشَمِلَ الْمَبِيعَ وَالثَّمَنَ فَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ الْقَدْرِ فِيهِمَا فَلَوْ بَاعَ عَبْدًا لَهُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ، وَلِذَا قَالَ فِي الْإِصْلَاحِ) تَأْيِيدٌ لِلْفَرْقِ بَيْنَ قَامَ وَبَيْنَ قَامَ عَنْهُ. (قَوْلُهُ فَلَوْ بَاعَ عَبْدًا إلَخْ) أَفَادَ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْقَدْرِ مَا قَالُوا فِي الرِّبَا لَا بُدَّ مِنْ اتِّحَادِ الْقَدْرِ وَالْجِنْسِ، فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ هُنَاكَ مَا يُقَدَّرُ بِكَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ وَهُنَا أَعَمُّ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ قَدْ يَكُونُ نَحْوَ الْعَبْدِ وَالدَّابَّةِ فَالْمُرَادُ بِالْقَدْرِ مَا يُخَصِّصُهُ عَنْ إنْظَارِهِ بِإِضَافَةٍ إلَى الْبَائِعِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَيْرُهُ أَوْ بَيَانُ مَكَانِهِ الْخَاصِّ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ فِيهِ غَيْرُهُ أَوْ بِذِكْرِ حُدُودِ أَرْضٍ أَوْ بَيَانِ مِقْدَارِهِ كَكُرِّ حِنْطَةٍ وَكَانَ يَمْلِكُهُ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 294 وَلَمْ يَصِفْ، وَلَمْ يُشِرْ إلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ لَهُ عَبْدٌ وَاحِدٌ يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ لَهُ عَبْدَانِ أَوْ أَكْثَرُ لَا يَجُوزُ وَفِي الْعَبْدِ الْوَاحِدِ لَا بُدَّ أَنْ يُضِيفَهُ إلَى نَفْسِهِ بِأَنْ يَقُولَ بِعْتُ عَبْدِي مِنْك أَمَّا لَوْ قَالَ بِعْتُ سَالِمًا وَاسْمُهُ سَالِمٌ لَا يَجُوزُ، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَفِي الْقُنْيَةِ بِعْت عَبْدًا لِي فَفِيهِ اخْتِلَافٌ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ، وَلَوْ بَاعَهُ كُرًّا مِنْ حِنْطَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ فِي مِلْكِهِ الْبَعْضُ بَطَلَ فِي الْمَعْدُومِ وَفَسَدَ فِي الْمَوْجُودِ، وَإِنْ كَانَ فِي مِلْكِهِ، فَإِنْ كَانَتْ فِي مَوْضِعَيْنِ أَوْ مِنْ نَوْعَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُضِفْ الْبَيْعَ إلَى تِلْكَ الْحِنْطَةِ لَكِنْ قَالَ بِعْت مِنْك كُرًّا مِنْ حِنْطَةٍ جَازَ الْبَيْعُ، وَإِنْ عَلِمَ الْمُشْتَرِي بِمَكَانِهَا كَانَ لَهُ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ أَخَذَهَا فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ بِذَلِكَ الثَّمَنِ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهَا. اهـ. وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْهَا، وَلَوْ لَمْ يُضِفْهَا إلَى نَفْسِهِ جَازَ الْبَيْعُ وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ، وَإِنْ كَانَتْ فِي مَوْضِعَيْنِ، كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَذَكَرَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ بَعْدَ هَذَا الْفَرْعِ، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يُعْتَبَرُ مَكَانُ الْبَيْعِ لَا مَكَانُ الْمَبِيعِ. وَفَرَّعَ فِي الْخَانِيَّةِ عَلَى جَهَالَةِ الْمَبِيعِ الْمُفْسِدَةِ مَا لَوْ قَالَ بِعْت مِنْك جَمِيعَ مَا لِي فِي هَذِهِ الدَّارِ مِنْ الرَّقِيقِ وَالدَّوَابِّ وَالثِّيَابِ وَالْمُشْتَرِي لَا يَعْلَمُ مَا فِيهَا كَانَ فَاسِدًا؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ مَجْهُولٌ، وَلَوْ جَازَ هَذَا لَجَازَ إذَا بَاعَ مَا فِي هَذِهِ الْمَدِينَةِ أَوْ فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ وَلَجَازَ إذَا بَاعَ مَا فِي الدُّنْيَا، وَلَوْ قَالَ بِعْت مِنْك جَمِيعَ مَا لِي فِي هَذَا الْبَيْتِ بِكَذَا جَازَ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي بِهِ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ فِي الْبَيْتِ يَسِيرَةٌ وَفِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ الدَّارِ وَغَيْرِهَا كَثِيرَةٌ فَإِذَا جَازَ فِي الْبَيْتِ جَازَ فِي الصُّنْدُوقِ وَالْجَوَالِقِ اهـ. وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ الْجَهَالَةَ الْيَسِيرَةَ فِي الْمَبِيعِ لَا تَمْنَعُ وَفِيهَا أَيْضًا رَجُلٌ قَالَ لِغَيْرِهِ عِنْدِي جَارِيَةٌ بَيْضَاءُ بِعْتهَا مِنْك بِكَذَا، فَقَالَ الْمُشْتَرِي قَبِلْت لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بَيْعًا إلَّا أَنْ يُبَيِّنَ الْمَوْضِعَ أَوْ غَيْرَهُ فَيَقُولُ أَبِيعُك جَارِيَةً فِي هَذَا الْبَيْتِ أَوْ يَقُولُ جَارِيَةً اشْتَرَيْتهَا مِنْ فُلَانٍ فَحِينَئِذٍ يَتِمُّ الْبَيْع، وَذَكَرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ إذَا قَالَ بِعْتُك جَارِيَةً جَازَ الْبَيْعُ إذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ إلَّا جَارِيَةٌ، وَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ جَارِيَتَانِ فَسَدَ الْبَيْعُ. وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ إذَا أَضَافَ الْجَارِيَةَ إلَى نَفْسِهِ، فَقَالَ بِعْتُك جَارِيَتِي صَحَّ الْبَيْعُ، وَإِنْ لَمْ يُضِفْ إلَى نَفْسِهِ لَا يَصِحُّ اهـ. وَفِيهَا رَجُلٌ اشْتَرَى مِنْ السِّقَاءِ كَذَا، وَكَذَا قِرْبَةً مِنْ مَاءِ الْفُرَاتِ، قَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ كَانَتْ الْقِرْبَةُ بِعْنِيهَا جَازَ لِمَكَانِ التَّعَامُلِ، وَكَذَا الرَّاوِيَةُ وَالْجَرَّةُ، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَجُوزُ إذَا كَانَ لَا يَعْرِفُ قَدْرَهَا وَهُوَ وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. وَظَاهِرُهُ تَرْجِيحُ الْجَوَازِ فَيُقَالُ الْجَهَالَةُ لَا تَضُرُّ إذَا جَرَى الْعُرْفُ فِيهَا كَمَا لَا تَضُرُّ إذَا كَانَتْ يَسِيرَةً. وَفِي الْخَانِيَّةِ أَيْضًا إذَا كَانَتْ الشَّجَرَةُ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَبَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ بَاعَ مِنْ شَرِيكِهِ جَازَ، وَإِنْ كَانَتْ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ فَبَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ بَاعَ مِنْ شَرِيكَيْهِ جَازَ، وَإِنْ كَانَتْ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ فَبَاعَ أَحَدُهُمْ نَصِيبَهُ مِنْ أَحَدِ شَرِيكَيْهِ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ بَاعَ مِنْهُمَا جَازَ اهـ. وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ إذَا بَاعَ نَصِيبًا لَهُ مِنْ شَجَرَةٍ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ بِغَيْرِ أَرْضٍ فَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ كَانَتْ الْأَشْجَارُ قَدْ بَلَغَتْ أَوْ إنْ قَطَعَهَا فَالْبَيْعُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَتَضَرَّرُ بِالْقِسْمَةِ، وَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَتَضَرَّرُ بِالْقِسْمَةِ وَعَلَى هَذَا إذَا كَانَ الزَّرْعُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَبَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ مِنْ رَجُلٍ فَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ اهـ. وَفِي الْمَجْمَعِ، وَلَوْ بَاعَ نَصِيبَهُ مِنْ دَارٍ فَعِلْمُ الْعَاقِدَيْنِ شَرْطٌ وَيُجِيزُهُ مُطْلَقًا وَشُرِطَ عِلْمُ الْمُشْتَرِي وَحْدَهُ اهـ. وَفِي عُمْدَةِ الْفَتَاوَى رَجُلٌ قَالَ لِرَجُلٍ بِعْت مِنْك مَا لِي فِي هَذِهِ الدَّارِ مِنْ الْمَتَاعِ إنْ كَانَ مَعْلُومًا جَازَ، وَلَوْ قَالَ بِعْت مِنْك مَا تَجِدُ لِي فِي هَذَا الْبَيْتِ أَوْ فِي هَذَا الصُّنْدُوقِ أَوْ فِي هَذِهِ الْجَوَالِقِ إنْ كَانَ مَعْلُومًا لِلْمُشْتَرِي فَهُوَ جَائِزٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعْلُومًا وَالْجَهَالَةُ يَسِيرَةٌ جَازَ اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِعِلْمِ الْمُشْتَرِي وَالْهِبَةُ فِي هَذَا كَالْبَيْعِ لِمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ مِنْهَا لَوْ قَالَ وَهَبْت نَصِيبِي مِنْ هَذَا الْعَبْدِ مِنْك وَالْمَوْهُوبُ لَهُ لَا يَعْلَمُ نَصِيبَهُ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْمَوْهُوبَ مَجْهُولٌ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ الْجَهَالَةَ الْيَسِيرَةَ فِي الْمَبِيعِ لَا تَمْنَعُ الْجَوَازَ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ لَا تَمْنَعُ الْجَوَازَ بِخِلَافِ الْفَاحِشَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ جَهَالَةَ الثَّمَنِ مُفْسِدَةٌ مُطْلَقًا تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ مِنْ مَاءِ الْفُرَاتِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قُيِّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَطْلَقَ الْمَاء لَا يَجُوزُ لِلْجَهَالَةِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ فَعِلْمُ الْعَاقِدَيْنِ شَرْطٌ) أَتَى بِالْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ إشَارَةً إلَى قَوْلِ الْإِمَامِ مُخَالِفًا لِصَاحِبَيْهِ وَبِقَوْلِهِ وَيُجِيزُهُ بِالْمُضَارِعِ الْمُسْتَتِرِ فَاعِلُهُ إشَارَةً إلَى قَوْلِ الثَّانِي مُخَالِفًا لِلطَّرَفَيْنِ وَبِقَوْلِهِ وَشَرَطَ بِالْمَاضِي الْمُسْتَتِرِ فَاعِلُهُ إلَى قَوْلِ الثَّالِثِ مُخَالِفًا لِشَيْخَيْهِ كَمَا هُوَ اصْطِلَاحُ الْمَجْمَعِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 295 وَهَذِهِ الْجَهَالَةُ عَسَى أَنْ تُفْضِيَ إلَى الْمُنَازَعَةِ فَصَارَ كَمَا إذَا اشْتَرَى حَقًّا فِي دَارٍ وَلَا يَعْلَمَانِ كَمْ ذَلِكَ الْحَقُّ لَا يَجُوزُ لِمَا قُلْنَا كَذَا هَذَا هـ. وَفِي الْقُنْيَةِ بَيْعُ مَا لَمْ يَعْلَمْ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي مِقْدَارُهُ جَوَازُ إذَا لَمْ يَحْتَجْ فِيهِ إلَى التَّسْلِيمِ وَالتَّسَلُّمِ كَمَنْ أَقَرَّ أَنَّ فِي يَدِهِ مَتَاعَ فُلَانٍ غَصْبًا أَوْ وَدِيعَةً، ثُمَّ اشْتَرَاهُ الْمُقِرُّ مِنْ الْمُقَرِّ لَهُ جَازَ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفَا مِقْدَارَهُ اهـ. وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ فِي الْمَسَائِلِ الْخَمْسِ وَهِيَ بَيْعُ جَمِيعِ مَا فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ أَوْ هَذِهِ الدَّارِ أَوْ هَذَا الْبَيْتِ أَوْ هَذَا الصُّنْدُوقِ أَوْ الْجَوَالِقِ، فَإِنْ عَلِمَ الْمُشْتَرِي مَا فِيهَا جَازَ وَإِلَّا فَفِي الْأَوَّلَيْنِ لَا يَجُوزُ لِفُحْشِ الْجَهَالَةِ وَفِي الثَّلَاثَةِ الْأَخِيرَةِ؛ يَجُوزُ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ يَسِيرَةٌ اهـ. وَفِيهَا قَالَ الْآخَرُ إنَّ لَك فِي يَدِي أَرْضًا خَرِبَةً لَا تُسَاوِي شَيْئًا فِي مَوْضِعِ كَذَا فَبِعْهَا مِنِّي بِسِتَّةِ دَرَاهِمَ، فَقَالَ بِعْتهَا، وَلَمْ يَعْرِفْهَا الْبَائِعُ وَهِيَ تُسَاوِي أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ جَازَ الْبَيْعُ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بَيْعَ الْمَجْهُولِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ لَك فِي يَدِي أَرْضٌ صَارَ كَأَنَّهُ قَالَ أَرْضُ كَذَا فَإِذَا أَجَابَهُ جَازَ أَيْضًا اهـ. وَفِيهِمَا أَيْضًا رَجُلٌ دَفَعَ دَرَاهِمَ إلَى خَبَّازٍ، فَقَالَ اشْتَرَيْت مِنْك مِائَةَ مَنٍّ مِنْ خُبْزٍ وَجَعَلَ يَأْخُذُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَةَ أَمْنَاءٍ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ وَمَا أَكَلَ فَهُوَ مَكْرُوهٌ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى خُبْزًا غَيْرُ مُشَارٍ إلَيْهِ بِعَقْدِ الْبَيْعِ فَكَانَ الْبَيْعُ مَجْهُولًا فَإِذَا أَكَلَ كَانَ الْأَكْلُ بِحُكْمِ عَقْدٍ فَاسِدٍ، وَلَوْ أَعْطَاهُ الدَّرَاهِمَ وَجَعَلَ يَأْخُذُ مِنْهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ خَمْسَةَ أَمْنَاءٍ، وَلَمْ يَقُلْ فِي الِابْتِدَاءِ اشْتَرَيْت مِنْك يَجُوزُ، وَهَذَا حَلَالٌ، وَإِنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ وَقْتَ الدَّفْعِ الشِّرَاءُ؛ لِأَنَّ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ لَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ، وَإِنَّمَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ الْآنَ بِالتَّعَاطِي وَالْآنَ الْمَبِيعُ مَعْلُومٌ فَيَنْعَقِدُ الْبَيْعُ صَحِيحًا اهـ. وَفَسَدَ بَيْعُ شَاةٍ مِنْ قَطِيعٍ وَثَوْبٍ مِنْ عَدْلٍ. وَكَذَا إذَا بَاعَ عَدَدِيًّا مُتَفَاوِتًا عَدَدًا بِثَمَنٍ وَاحِدٍ فَوَجَدَ أَكْثَرَ لِجَهَالَةِ الْمَبِيعِ، وَكَذَا إذَا اشْتَرَى مِنْ هَذَا اللَّحْمِ ثَلَاثَةَ أَرْطَالٍ بِدِرْهَمٍ، وَلَمْ يُبَيِّنْ الْمَوْضِعَ، وَكَذَا إذَا بَيَّنَهُ، فَقَالَ مِنْ الْجَنْبِ أَوْ هَذَا الْفَخِذِ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ الْإِمَامِ فِي السَّلَمِ وَعُلِمَ قِيَاسُ قَوْلِهِمَا يَجُوزُ وَالْمَرْوِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ الْجَوَازُ، كَذَا فِي الْبَدَائِعِ. وَفِيهَا وَبَيْعُ الطَّرِيقِ وَهِبَتُهُ مُنْفَرِدًا جَائِزٌ وَهِبَتُهُ مُنْفَرِدًا فَاسِدٌ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ الْمُشْتَرِي أَرْضًا، وَذَكَرَ حُدُودَهَا لَا ذَرْعَهَا طُولًا وَعَرْضًا جَازَ، وَإِذَا عَرَفَ الْمُشْتَرِي الْحُدُودَ لَا الْجِيرَانُ يَصِحُّ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الْحُدُودَ، وَلَمْ يَعْرِفْهُ الْمُشْتَرِي جَازَ الْبَيْعُ إذَا لَمْ يَقَعْ بَيْنَهُمَا تَجَاحُدٌ وَجَهِلَ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ لَا يَمْنَعُ وَجَهْلُ الْمُشْتَرِي يَمْنَعُ دَارٌ بَيْنَهُمَا بَاعَ أَحَدُهُمَا نِصْفَهُ انْصَرَفَ إلَى قِسْطِهِ، وَلَوْ عَيَّنَ، وَقَالَ بِعْت هَذَا النِّصْفَ لَا يَجُوزُ. وَأَمَّا جَهَالَةُ الثَّمَنِ فَمَانِعَةٌ أَيْضًا كَمَا إذَا بَاعَ شَيْئًا بِقِيمَتِهِ أَوْ بِحُكْمِ الْمُشْتَرِي أَوْ فُلَانٍ وَبِعْتُك هَذَا بِقَفِيزِ حِنْطَةٍ أَوْ بِقَفِيزَيْ شَعِيرٍ، وَهَذَا بِأَلْفٍ إلَى سَنَةٍ أَوْ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ إلَى سَنَتَيْنِ أَوْ بَاعَ شَيْئًا بِرِبْحِ ده يازده، وَلَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي رَأْسَ الْمَالِ حَتَّى افْتَرَقَا وَبِيعَ الشَّيْءُ بِرَقْمِهِ أَوْ بِرَأْسِ مَالِهِ، وَلَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي كَذَلِكَ، كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَالرَّقْمُ بِسُكُونِ الْقَافِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ جَازَ الْبَيْعُ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بَيْعَ الْمَجْهُولِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ لَمْ يَذْكُرْ خِيَارَ الْغَبْنِ لِلْبَائِعِ وَلَا شَكَّ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْفَتْوَى حَيْثُ كَانَ الْغَبْنُ فَاحِشًا لِلتَّغْرِيرِ وَقَدْ أَفْتَيْت بِهِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ مِرَارًا، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ وَبَيْعُ الطَّرِيقِ وَهِبَتُهُ مُنْفَرِدًا جَائِزٌ وَهِبَتُهُ مُنْفَرِدًا فَاسِدٌ) ، كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا وَبَيْعُ الطَّرِيقِ وَهِبَتُهُ مُنْفَرِدًا فَاسِدٌ وَعَلَيْهَا كَتَبَ الرَّمْلِيُّ، فَقَالَ هُنَا غَلَطٌ وَلَعَلَّ صَوَابَ الْعِبَارَةِ وَبَيْعُ الطَّرِيقِ وَهِبَتُهُ مُنْفَرِدًا جَائِزٌ وَبَيْعُ مَسِيلِ الْمَاءِ وَهِبَتُهُ مُنْفَرِدًا فَاسِدٌ اهـ. قُلْتُ: وَفِي الْخَانِيَّةِ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ مَسِيلُ الْمَاءِ وَهِبَتُهُ وَلَا بَيْعُ الطَّرِيقِ بِدُونِ الْأَرْضِ، وَكَذَلِكَ بَيْعُ الشِّرْبِ، وَقَالَ مَشَايِخُ بَلْخٍ بَيْعُ الشِّرْبِ جَائِزٌ. (قَوْلُهُ وَأَمَّا جَهَالَةُ الثَّمَنِ فَمَانِعَةٌ) قَالَ الرَّمْلِيُّ يَعْنِي مَانِعَةً مِنْ الْجَوَازِ، وَهَلْ تُفِيدُ الْمِلْكَ أَقُولُ: سَيَأْتِي فِي أَحْكَامِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ أَنَّهُ مَعَ نَفْيِ الثَّمَنِ بَاطِلٌ وَمَعَ السُّكُوتِ عَنْهُ فَاسِدٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْجَهَالَةَ تُوجِبُ الْفَسَادَ لَا الْبُطْلَانَ تَأَمَّلْ اهـ. قُلْتُ: سَيَأْتِي فِي الْمُرَابَحَةِ مَتْنًا، وَلَوْ وَلَّى رَجُلًا شَيْئًا بِمَا قَامَ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي بِكَمْ قَامَ عَلَيْهِ فَسَدَ وَعَلَّلَهُ الْمُؤَلِّفُ بِقَوْلِهِ لِجَهَالَةِ الثَّمَنِ، ثُمَّ قَالَ فِي الْمَتْنِ، وَلَوْ عَلِمَ فِي الْمَجْلِسِ خُيِّرَ قَالَ الْمُؤَلِّفُ؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ لَمْ يَتَقَرَّرْ فَإِذَا حَصَلَ الْعِلْمُ فِي الْمَجْلِسِ جُعِلَ كَابْتِدَاءِ الْعَقْدِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ فَاسِدُهُ بِعَرْضِيَّةِ الصِّحَّةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ خِلَافًا لِلْمَرْوِيِّ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ صَحِيحٌ لَهُ عَرْضِيَّةُ الْفَسَادِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ بِقَفِيزَيْ شَعِيرٍ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَوْ فِيهِ لِلتَّخْيِيرِ اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَوْ فِيهِ لِلتَّخْيِيرِ. (قَوْلُهُ وَبَيْعُ الشَّيْءِ بِرَقْمِهِ أَوْ رَأْسِ مَالِهِ) إذَا اشْتَرَى شَيْئًا بِرَقْمِهِ، وَلَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي رَقْمَهُ فَالْعَقْدُ فَاسِدٌ، وَإِنْ عَلِمَ ذَلِكَ فِي الْمَجْلِسِ جَازَ الْعَقْدُ، وَإِنْ تَفَرَّقَا قَبْلَ الْعِلْمِ بَطَلَ وَكَانَ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ يَقُولُ، وَإِنْ عَلِمَ بِالرَّقْمِ فِي الْمَجْلِسِ لَا يَنْقَلِبُ ذَلِكَ الْعَقْدُ جَائِزًا وَلَكِنْ إنْ كَانَ الْبَائِعُ دَائِمًا عَلَى ذَلِكَ الرِّضَا وَرَضِيَ بِهِ الْمُشْتَرِي يَنْعَقِدُ بَيْنَهُمَا عَقْدٌ ابْتِدَاءً بِالتَّرَاضِي وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَإِذَا كَانَ الْبَيْعُ بِالتَّوْلِيَةِ أَوْ بِرَقْمِهِ، وَلَمْ يَعْلَمْ مَا رَأْسُ مَالِهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ فِي حُكْمِ الضَّمَانِ وَفِي حُكْمِ النَّقْضِ إلَّا أَنَّهُ يُخَالِفُ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ مِنْ وَجْهٍ، فَإِنَّ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ إذَا قَالَ الْبَائِعُ لَا أُسَلِّمُ الْمَبِيعَ لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ وَهُنَا لَوْ قَالَ لَا أُخْبِرُك بِالثَّمَنِ أَجْبَرَهُ عَلَيْهِ، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 296 عَلَامَةٌ يُعْلَمُ بِهَا مِقْدَارُ مَا وَقَعَ الْبَيْعُ بِهِ مِنْ الثَّمَنِ، كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَكَذَا لَوْ بَاعَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ إلَّا دِينَارًا أَوْ بِمِائَةِ دِينَارٍ إلَّا دِرْهَمًا؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَكُونُ بِالْقِيمَةِ وَهِيَ مَجْهُولَةٌ، وَكَذَا لَوْ بَاعَ بِمِثْلِ مَا بَاعَهُ فُلَانٌ، وَلَمْ يَعْلَمَا بِهِ حَتَّى افْتَرَقَا لَا إنْ عَلِمَا بِهِ فِي الْمَجْلِسِ مَعَ الْخِيَارِ، وَلَوْ اشْتَرَى بِوَزْنِ هَذَا الْحَجَرِ ذَهَبًا لَمْ يَجُزْ لِجَهَالَتِهِ، فَإِنْ عَلِمَ بِوَزْنِهِ فَلَهُ الْخِيَارُ، وَلَوْ كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ، فَقَالَ بِعْنِي هَذَا الثَّوْبَ بِبَعْضِ الْعَشَرَةِ وَبِعْنِي هَذَا الْآخَرَ بِمَا بَقِيَ فَبَاعَهُ وَقَبِلَهُ الْمُشْتَرِي صَحَّ لِعَدَمِ إفْضَاءِ الْجَهَالَةِ إلَى الْمُنَازَعَةِ. وَلَوْ قَالَ هَذَا بِبَعْضِ الْعَشَرَةِ، وَهَذَا بِبَعْضٍ لَا يَجُوزُ لِوُجُودِهَا، وَلَوْ قَالَ بِعْتُك هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفٍ إلَّا نِصْفَهُ بِخَمْسِمِائَةٍ فَالْعَبْدُ لِلْمُشْتَرِي بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ؛ لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى بَيْعَ نِصْفِهِ مِنْ الْبَيْعِ الْأَوَّلِ فَيَكُونُ النِّصْفُ الْأَوَّلُ بِأَلْفٍ وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ. كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَأَطْلَقَ فِي اشْتِرَاطِ مَعْرِفَةِ قَدْرِ الثَّمَنِ فَشَمِلَ الْمَعْرِفَةَ صَرِيحًا وَعُرْفًا، وَلِذَا قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ لَوْ قَالَ اشْتَرَيْت هَذِهِ الدَّارَ أَوْ هَذَا الثَّوْبَ أَوْ هَذِهِ الْبِطِّيخَةَ بِعَشَرَةٍ وَفِي الْبَلَدِ يُبْتَاعُ بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْفُلُوسِ، وَلَمْ يَذْكُرْ وَاحِدًا مِنْهُمْ فَفِي الدَّارِ يَنْعَقِدُ عَلَى الدَّنَانِيرِ وَفِي الثَّوْبِ يَنْعَقِدُ عَلَى الدَّرَاهِمِ وَفِي الْبِطِّيخَةِ عَلَى الْفُلُوسِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَبْتَاعُ إلَّا بِوَاحِدٍ فَيُصْرَفُ إلَى مَا يَبْتَاعُ النَّاسُ بِذَلِكَ النَّقْدِ اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا صَرَّحَ بِالْعَدَدِ فَتَعْيِينُ الْمَعْدُودِ مِنْ كَوْنِهِ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ أَوْ فُلُوسًا يَثْبُتُ عَلَى مَا يُنَاسِبُ الْمَبِيعَ، وَلَوْ وَقَعَ شَكٌّ فِيمَا يُنَاسِبُ وَجَبَ أَنْ لَا يَتِمَّ الْبَيْعُ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي الْقُنْيَةِ لَهُ عَلَيْهِ نِصْفُ دِينَارٍ وَيَظُنُّ الْمَدْيُونُ أَنَّهُ ثُلُثَا دِينَارٍ فَبَاعَهُ مِنْهُ شَيْئًا بِمَا عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا أَعْلَمَهُ بِذَلِكَ فِي الْمَجْلِسِ وَقَوْلُهُ غَيْرُ مُشَارٍ قَيْدٌ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ الْمُشَارَ إلَيْهِ بَيْعًا كَانَ أَوْ ثَمَنًا لَا يَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ قَدْرِهِ وَوَصْفِهِ فَلَوْ قَالَ بِعْتُك هَذِهِ الصُّبْرَةَ مِنْ الْحِنْطَةِ أَوْ هَذِهِ الْكَوْرَجَةَ مِنْ الْأَرُزِّ وَالشَّاشَاتِ وَهِيَ مَجْهُولَةُ الْعَدَدِ بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ الَّتِي فِي يَدِك وَهِيَ مَرْئِيَّةٌ لَهُ فَقِيلَ جَازَ وَلَزِمَ؛ لِأَنَّ الْبَاقِيَ جَهَالَةُ الْوَصْفِ يَعْنِي الْقَدْرَ وَهُوَ لَا يَضُرُّ إذْ لَا يَمْنَعُ مِنْ التَّسْلِيمِ وَلَا يَرِدُ عَلَى إطْلَاقِهِ الْأَمْوَالُ الرِّبَوِيَّةُ إذَا قُوبِلَتْ بِجِنْسِهَا وَبِيعَتْ مُجَازَفَةً مُشَارًا إلَيْهَا، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ لِاحْتِمَالِ الرِّبَا وَاحْتِمَالُهُ مَانِعٌ كَحَقِيقَتِهِ لِمَا سَيَذْكُرُهُ فِي بَابِهِ. وَكَذَا لَا يُرَدُّ السَّلَمُ، وَإِنَّ الْإِشَارَةَ فِيهِ لَا تَكْفِي لِرَأْسِ الْمَالِ وَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ قَدْرِهِ عِنْدَ الْإِمَامِ لِمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ فِي بَابِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ صِفَةَ الْمَبِيعِ، وَإِنَّمَا اشْتَرَطَ مَعْرِفَةَ قَدْرِ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ. وَأَمَّا مَعْرِفَةُ الْوَصْفِ فَخَصَّهُ بِالثَّمَنِ وَمَفْهُومُهُ أَنَّ مَعْرِفَةَ وَصْفِ الْمَبِيعِ لَيْسَتْ شَرْطًا، وَلِهَذَا قَالَ فِي الْبَدَائِعِ. وَأَمَّا مَعْرِفَةُ أَوْصَافِ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ، فَقَالَ أَصْحَابُنَا لَيْسَتْ شَرْطًا وَالْجَهْلُ بِهَا لَيْسَ بِمَانِعٍ مِنْ الصِّحَّةِ لَكِنْ شَرْطُ اللُّزُومِ فَيَصِحُّ بَيْعُ مَا لَمْ يَرَهُ اهـ. وَظَاهِرُ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ مَعْرِفَةَ الْوَصْفِ فِي الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ شَرْطُ الصِّحَّةِ كَمَعْرِفَةِ الْقَدْرِ، فَإِنَّهُ قَالَ وَالصِّفَةُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ بُخَارِيَّةٌ أَوْ سَمَرْقَنْدِيَّةٌ وَكُرُّ حِنْطَةٍ بَحْرِيَّةٍ أَوْ صَعِيدِيَّةٍ، وَهَذَا لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ الصِّفَةُ مَجْهُولَةً تَتَحَقَّقُ الْمُنَازَعَةُ فَالْمُشْتَرِي يُرِيدُ دَفْعَ الْأَدْوَنِ وَالْبَائِعُ يَطْلُبُ الْأَرْفَعَ فَلَا يَحْصُلُ مَقْصُودُ شَرْعِيَّةِ الْعَقْدِ وَهُوَ دَفْعُ الْحَاجَةِ بِلَا مُنَازَعَةٍ اهـ. فَالْمُصَنِّفُ اقْتَصَرَ عَلَى مَعْرِفَةِ وَصْفِ الثَّمَنِ وَصَاحِبُ الْبَدَائِعِ نَفَاهُ فِيهِمَا وَالْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ اشْتَرَطَهُ فِيهِمَا، وَقَالَ فِي الْقُدُورِيِّ وَالْأَثْمَانُ الْمُطْلَقَةُ لَا تَصِحُّ إلَّا أَنْ تَكُونَ مَعْرُوفَةَ الْقَدْرِ وَالصِّفَةِ وَالْحَقُّ أَنَّ مَعْرِفَةَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ لِعَدَمِ إفْضَاءِ الْجَهَالَةِ إلَى الْمُنَازَعَةِ) ؛ لِأَنَّهُ بِضَمِّ الثَّانِي إلَى الْأَوَّلِ يَصِيرُ ثَمَنُهُمَا عَشَرَةً قَالَ فِي النَّهْرِ، وَلَمْ أَرَ مَا لَوْ وَجَدَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي حُكْمِ صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ فَيَرُدَّهُمَا أَوْ يَأْخُذَهُمَا. (قَوْلُهُ وَظَاهِرُ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ هَذَا وَهْمٌ فَاحِشٌ وَذَلِكَ أَنَّ الْقُدُورِيَّ قَالَ وَالْأَثْمَانُ الْمُطْلَقَةُ لَا تَصِحُّ إلَّا أَنْ تَكُونَ مَعْرُوفَةَ الْقَدْرِ وَالصِّفَةِ فَبَيَّنَ الصِّفَةَ فِي الْفَتْحِ بِمَا قَالَ إذْ الْكَلَامُ فِي الثَّمَنِ لَا فِي الْمَبِيعِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْحِنْطَةَ تَصْلُحُ ثَمَنًا إذَا وُصِفَتْ كَمَا سَيَأْتِي وَلَيْسَ فِي الْكَلَامِ مَا يُوهِمُ مَا ذَكَرَهُ بِوَجْهٍ. (قَوْلُهُ وَالْأَثْمَانُ الْمُطْلَقَةُ إلَخْ) فِي الْيَنَابِيعِ هَذَا مِثْلُ قَوْلِهِ بِعْت هَذَا بِثَمَنٍ يُسَاوِيهِ فَيَقُولُ الْآخَرُ اشْتَرَيْت فَهَذَا لَا يَصِحُّ إلَّا أَنْ تَكُونَ مَعْرُوفَةَ الْقَدْرِ وَالصِّفَةِ فَالْقَدْرُ أَنْ يَكُونَ عَدَدًا مَعْلُومًا كَالْعَشَرَةِ وَالْمِائَةِ، وَالصِّفَةُ أَنْ يَكُونَ جَيِّدًا أَوْ وَسَطًا أَوْ رَدِيئًا، ثُمَّ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ إذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ مِنْ آخَرَ شَيْئًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ أَوْ بِمِائَةِ دِينَارٍ، وَلَمْ يُسَمِّ ثَمَنًا فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ فِي الْبَلَدِ نَقْدٌ وَاحِدٌ مَعْرُوفٌ وَفِي هَذَا الْوَجْهِ جَازَ الْعَقْدُ وَيَنْصَرِفُ إلَى نَقْدِ الْبَلَدِ بِحُكْمِ الْعُرْفِ لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ كَالْمَشْرُوطِ الْوَجْهُ الثَّانِي إذَا كَانَ فِي الْبَلَدِ نُقُودٌ مُخْتَلِفَةٌ وَأَنَّهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ الْكُلُّ فِي الرَّوَاجِ عَلَى السَّوَاءِ وَلَا فَضْلَ لِبَعْضِهَا عَلَى الْبَعْضِ وَفِي هَذَا الْوَجْهِ جَازَ الْعَقْدُ، وَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ مَجْهُولًا، وَلَمْ يَصِرْ نَقْدٌ مِنْ النُّقُودِ مَعْلُومًا لَا بِحُكْمِ الْعُرْفِ وَلَا بِحُكْمِ التَّسْمِيَةِ إلَّا أَنَّ هَذِهِ جَهَالَةٌ لَا تُوقِعُهُمَا فِي مُنَازَعَةٍ مَانِعَةٍ مِنْ التَّسَلُّمِ وَالتَّسْلِيمِ، وَإِنْ كَانَ لِبَعْضِهَا شَرَفٌ عَلَى الْبَعْضِ وَالْكُلُّ فِي الرَّوَاجِ عَلَى السَّوَاءِ كَمَا فِي الْغَطَارِفَةِ مَعَ الْعَلَالِيِّ فِي الزَّمَانِ السَّابِقِ لَا يَجُوزُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 297 وَصْفِ الْمَبِيعِ لَيْسَتْ شَرْطًا بَعْدَ الْإِشَارَةِ إلَيْهِ أَوْ إلَى مَكَانِهِ وَهُوَ مُرَادُ صَاحِبِ الْبَدَائِعِ؛ لِأَنَّ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ إنَّمَا يَثْبُتُ فِي مَبِيعٍ أُشِيرَ إلَيْهِ وَهُوَ مَسْتُورٌ وَلَكِنْ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُضَمَّ الثَّمَنُ إلَيْهِ، فَإِنَّ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ لَا يَدْخُلُ فِي الْأَثْمَانِ. وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ مُشَارًا إلَيْهِ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ وَصْفِهِ كَحِنْطَةٍ مُطْلَقَةٍ وَهُوَ مُرَادُ الْمُحَقِّقِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ، وَلَوْ اشْتَرَى لُؤْلُؤَةً فِي صَدَفَةٍ قَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَجُوزُ الْبَيْعُ وَلَهُ الْخِيَارُ إذَا رَأَى، وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَجُوزُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ. وَهَكَذَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ مُعَلِّلًا لِلْفَتْوَى بِأَنَّهَا مِنْهُ خِلْقَةً وَيُرَدُّ عَلَى الْمُحَقِّق لَوْ قَالَ بِعْتُك بِعَشَرَةٍ دَرَاهِمَ، وَلَمْ يَذْكُرْ وَصْفًا، فَإِنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ كَمَا فِي الْإِيضَاحِ يَعْنِي وَيَنْصَرِفُ إلَى الْجِيَادِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ بُخَارِيَّةٌ أَوْ سَمَرْقَنْدِيَّةٌ فَبَيَانٌ لِلنَّوْعِ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ. وَفِي الْهِدَايَةِ وَالْأَعْوَاضُ الْمُشَارُ إلَيْهَا لَا يُحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ مِقْدَارِهَا فِي جَوَازِ الْبَيْعِ، فَقَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالتَّقْيِيدُ بِمِقْدَارِهَا فِي قَوْلِهِ لَا يَحْتَاجُ احْتِرَازٌ عَنْ الصِّفَةِ، فَإِنَّهُ لَوْ أَرَادَ دَرَاهِمَ، فَقَالَ اشْتَرَيْته بِهَذِهِ فَوَجَدَهَا زُيُوفًا أَوْ نَبَهْرَجَةً كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِالْجِيَادِ؛ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ إلَى الدَّرَاهِمِ كَالتَّنْصِيصِ عَلَيْهَا وَهُوَ يَنْصَرِفُ إلَى الْجِيَادِ، وَلَوْ وَجَدَهَا سَتُّوقَةً أَوْ رَصَاصًا فَسَدَ الْبَيْعُ وَعَلَيْهِ الْقِيمَةُ إنْ كَانَ أَتْلَفَهَا. وَلَوْ قَالَ اشْتَرَيْتهَا بِهَذِهِ الصُّرَّةِ مِنْ الدَّرَاهِمِ فَوَجَدَ الْبَائِعُ مَا فِيهَا خِلَافَ نَقْدِ الْبَلَدِ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِنَقْدِ الْبَلَدِ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الدَّرَاهِمِ فِي الْبَيْعِ يَنْصَرِفُ إلَى نَقْدِ الْبَلَدِ، وَإِنْ وَجَدَهَا نَقْدَ الْبَلَدِ جَازَ وَلَا خِيَارَ لِلْبَائِعِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ اشْتَرَيْتُ بِمَا فِي هَذِهِ الْخَابِيَةِ، ثُمَّ رَأَى الدَّرَاهِمَ الَّتِي كَانَتْ فِيهَا كَانَ لَهُ الْخِيَارُ، وَإِنْ كَانَتْ نَقْدَ الْبَلَدِ؛ لِأَنَّ الصُّرَّةَ يُعْرَفُ مِقْدَارُ مَا فِيهَا مِنْ خَارِجِهَا وَفِي الْخَانِيَّةِ لَا يُعْرَفُ ذَلِكَ مِنْ خَارِجِهَا فَكَانَ لَهُ الْخِيَارُ، وَهَذَا يُسَمَّى خِيَارَ الْكَمِّيَّةِ لَا خِيَارَ الرُّؤْيَةِ؛ لِأَنَّ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ لَا يَثْبُتُ فِي النُّقُودِ اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْمِقْدَارِ اتِّفَاقِيٌّ وَمَا ذَكَرَهُ فِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ أَمْرٌ آخَرُ لَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الِاحْتِيَاجِ إلَى الصِّحَّةِ لَا لِلُزُومٍ وَلِأَنَّهُ مَعَ الْإِشَارَةِ إذَا كَانَ لَا يُحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ الْمِقْدَارِ لَا يُحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ الْوَصْفِ بِالْأَوْلَى وَالْمَعْرِفَةُ فِي اللُّغَةِ مِنْ عَرَفْته عَلِمْته بِحَاسَّةٍ مِنْ الْحَوَاسِّ الْخَمْسِ عِرْفَةً وَعِرْفَانًا وَالْمَعْرِفَةُ   [منحة الخالق] الْبَيْعُ، وَإِنْ كَانَ لِبَعْضِهَا فَضْلٌ عَلَى الْبَعْضِ إلَّا أَنَّ وَاحِدًا مِنْهَا أَرْوَجُ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة. (قَوْلُهُ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ مُشَارًا إلَيْهِ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ وَصْفِهِ) الَّذِي تَحْصُلُ مِنْ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ هُنَا وَأَوَّلُ الْمَقُولَةِ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ الْغَيْرِ الْمُشَارِ إلَيْهِمَا مِنْ مَعْرِفَةِ الْقَدْرِ وَالْوَصْفِ وَلِلْعَلَّامَةِ الشُّرُنْبُلَالِيُّ رِسَالَةٌ سَمَّاهَا نَفِيسَ الْمَتْجَرِ بِشِرَاءِ الدُّرَرِ حَقَّقَ فِيهَا أَنَّ جَهَالَةَ قَدْرِ الْمَبِيعِ الَّذِي سُمِّيَ جِنْسُهُ، وَجَهَالَةُ وَصْفِهِ لَا تَمْنَعُ سَوَاءٌ كَانَ الْمَبِيعُ مُشَارًا إلَيْهِ أَوْ لَا قَالَ؛ لِأَنَّ الْمُشَارَ إلَيْهِ عُلِمَ بِالْإِشَارَةِ وَالْغَائِبُ يَثْبُتُ فِيهِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ فَانْتَفَتْ الْجَهَالَةُ الْمَانِعَةُ مِنْ الصِّحَّةِ فَلَمْ يَحْتَجْ إلَى بَيَانِ قَدْرِهِ وَلَا بَيَانِ وَصْفِهِ لِصِحَّةِ بَيْعِهِ. وَكَذَا قَوْلُهُ فِي بَابِ الرُّؤْيَةِ شِرَاءُ مَا لَمْ يَرَهُ جَائِزٌ أَيْ صَحِيحٌ وَجَهَالَتُهُ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُوَافِقْهُ يَرُدُّهُ فَصَارَ كَجَهَالَةِ الْوَصْفِ أَوْ الْقَدْرِ فِي الْمَعْنَى الْمُشَارِ إلَيْهِ، وَإِطْلَاقُ الْكِتَابِ يَقْتَضِي جَوَازَ الْبَيْعِ سَوَاءٌ سُمِّيَ جِنْسُ الْمَبِيعِ أَوْ لَا وَسَوَاءٌ أَشَارَ إلَى مَكَانِهِ أَوْ إلَيْهِ وَهُوَ حَاضِرٌ مَسْتُورًا، وَلَا مِثْلَ أَنْ يَقُولَ بِعْت مِنْك مَا فِي كُمِّي، وَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ قَالُوا إطْلَاقُ الْجَوَابِ يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ عِنْدَهُ وَطَائِفَةٌ قَالُوا لَا يَجُوزُ لِجَهَالَةِ الْمَبِيعِ قَالَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ وَلَا يُخَالِفُهُ قَوْلُ الْكَنْزِ وَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ قَدْرِ وَوَصْفِ ثَمَنٍ غَيْرِ مُشَارٍ؛ لِأَنَّ التَّنْوِينَ فِي قَدْرِ بَدَلٍ عَنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ وَهُوَ الثَّمَنُ أَوْ بِدُونِ تَنْوِينٍ عَلَى نِيَّةِ إضَافَتِهِ لِلثَّمَنِ الْمَذْكُورِ عَلَى حَدِّ قَوْلِ بَعْضِ الْعَرَبِ بِعْتُهُ بِنِصْفِ وَرُبْعِ دِرْهَمٍ وَبِمِثْلِ هَذَا شَرَحَهُ مُنْلَا مِسْكِينٌ وَتَمَامُ الْكَلَامِ فِي تِلْكَ الرِّسَالَةِ فَرَاجِعْهَا. قُلْتُ: لَكِنَّ الظَّاهِرَ مَا قَالَهُ الْمُؤَلِّفُ هُنَا؛ لِأَنَّ الِاكْتِفَاءَ بِالْجِنْسِ وَحْدَهُ يَلْزَمُ مِنْهُ صِحَّةُ الْبَيْعِ فِي، نَحْوُ بِعْتُك حِنْطَةً بِدِرْهَمٍ مَثَلًا وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ مَا لَمْ يَذْكُرْ لَهَا قَدْرًا وَيَلْزَمُ صِحَّتُهُ أَيْضًا فِي نَحْوِ بِعْتُك عَبْدًا أَوْ دَارًا. وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ مِنْ أَنَّ الْجَهَالَةَ بِثُبُوتِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ فَيَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ قَدْ يَبْطُلُ قَبْلَهَا بِنَحْوِ بَيْعٍ وَرَهْنٍ، وَقَدْ يَسْقُطُ بِرُؤْيَةِ بَعْضِ مَكِيلٍ وَمَوْزُونٍ فَتَبْقَى الْجَهَالَةُ عَلَى حَالِهَا فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ مَا يَنْفِي الْجَهَالَةَ حَتَّى يَصِحَّ الْبَيْعُ، ثُمَّ بَعْدَ صِحَّتِهِ يَثْبُتُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ انْتَفَتْ الْجَهَالَةُ الْفَاحِشَةُ وَبَقِيَ نَوْعُ جَهَالَةٍ تَنْدَفِعُ بِالرُّؤْيَةِ وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَدْرِ مَا يُخَصِّصُ الْمَبِيع، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ فَوَجَدَهَا زُيُوفًا) فِي الظَّهِيرِيَّةِ الدَّرَاهِمُ أَنْوَاعٌ أَرْبَعَةٌ: جِيَادٌ وَنَبَهْرَجَةٌ وَزُيُوفٌ وَسَتُّوقَةٌ وَاخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِ النَّبَهْرَجَةِ، قَالَ بَعْضُهُمْ هِيَ الَّتِي تُضْرَبُ فِي غَيْرِ دَارِ السُّلْطَانِ وَالزُّيُوفُ هِيَ الدَّرَاهِمُ الْمَغْشُوشَةُ وَالسَّتُّوقَةُ صُفْرٌ سَمَّوْهُ بِالْفِضَّةِ، وَقَالَ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ الْجِيَادُ فِضَّةٌ خَالِصَةٌ تَرُوجُ فِي التِّجَارَاتِ وَتُوضَعُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَالزُّيُوفُ مَا يَرُدُّهُ بَيْتُ الْمَالِ وَلَكِنْ تَأْخُذُهُ التُّجَّارُ فِي التِّجَارَاتِ لَا بَأْسَ بِالشِّرَاءِ بِهَا لَكِنْ يُبَيِّنُ الْبَائِعُ أَنَّهَا زُيُوفٌ وَالنَّبَهْرَجَةُ مَا يَرُجُّهُ التُّجَّارُ أَيْ رَدَّهُ، وَالسَّتُّوقَةُ مُعَرَّبٌ مَعْنَاهُ سَمَّتْهُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الطَّاقُ الْأَعْلَى فِضَّةً وَالْأَسْفَلُ كَذَلِكَ وَبَيْنَهُمَا صُفْرٌ وَلَيْسَ لَهَا حُكْمُ الدَّرَاهِمِ، كَذَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 298 اسْمٌ مِنْهُ. كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ وَبَعْضُهُمْ فَرَّقَ بَيْنَ الْمَعْرِفَةِ وَالْعِلْمِ فَخَصَّهَا بِإِدْرَاكِ الْجُزْئِيَّاتِ وَاسْتَعْمَلَهُ فِي الْأَعَمِّ مِنْ إدْرَاكِ الْجُزْئِيَّاتِ وَالْكُلِّيَّاتِ كَمَا فِي التَّلْوِيحِ وَأَشَارَ بِالْمَعْرِفَةِ إلَى أَنَّ الشَّرْطَ الْعِلْمُ دُونَ ذِكْرِهِمَا كَمَا فِي الْإِيضَاحِ وَاعْلَمْ أَنَّهُ يُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إذَا وَجَدَ الدَّرَاهِمَ زُيُوفًا مَسْأَلَةٌ هِيَ مَا إذَا اسْتَقْرَضَ دَرَاهِمَ وَقَبَضَهَا، ثُمَّ اشْتَرَى مَا فِي ذِمَّتِهِ بِدَنَانِيرَ مَقْبُوضَةٍ فِي الْمَجْلِسِ حَتَّى صَحَّ، ثُمَّ وَجَدَ دَرَاهِمَ الْقَرْضِ زُيُوفًا أَوْ نَبَهْرَجَةً، فَإِنَّهُ لَا رُجُوعَ لَهُ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْقَرْضَ عَارِيَّةٌ وَهُوَ يُنَافِي الضَّمَانَ، وَإِنْ وَجَدَهَا سَتُّوقَةً رَدَّهَا عَلَى الْمُقْرِضِ لِعَدَمِ صِحَّةِ اسْتِقْرَاضِهَا لِكَوْنِهَا مِنْ الْقِيَمِيَّاتِ فَيَرْجِعُ بِالْجِيَادِ إنْ رَدَّهَا قَبْلَ التَّفَرُّقِ عَنْ الْمَجْلِسِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ تَفَرُّقِهِمَا يَرْجِعُ بِدِينَارِهِ لِبُطْلَانِ الصَّرْفِ، وَتَمَامُهُ فِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ فِي بَابِ بَيْعِ الْقُرُوضِ قَالَ فِي أَوَّلِهِ جَازَ شِرَاءُ مَا عَلَيْهِ لَا مَا اسْتَقْرَضَ عَكْسُ الْمُقْرِضِ إلَخْ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْأَعْوَاضَ فِي الْبَيْعِ إمَّا دَرَاهِمُ أَوْ دَنَانِيرُ أَوْ أَعْيَانٌ قِيَمِيَّةٌ أَوْ مِثْلِيَّةٌ فَالْأَوَّلُ. وَالثَّانِي ثَمَنٌ سَوَاءٌ قُوبِلَتْ بِجِنْسِهَا أَوْ بِغَيْرِهَا، وَالثَّالِثُ مَبِيعَةٌ أَبَدًا وَلَا يَجُوزُ الْبَيْعُ فِيهَا إلَّا عَيْنًا إلَّا فِيمَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ كَالثِّيَابِ وَكَمَا ثَبَتَ مَبِيعًا فِي الذِّمَّةِ سَلَمًا يَثْبُتُ دَيْنًا مُؤَجَّلًا فِي الذِّمَّةِ عَلَى أَنَّهَا سَلَمٌ وَحِينَئِذٍ يُشْتَرَطُ الْأَجَلُ؛ لِأَنَّهَا ثَمَنٌ بَلْ لِكَوْنِهَا مُلْحَقَةً بِالسَّلَمِ فِي كَوْنِهَا دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ فَلِذَا قُلْنَا إذَا بَاعَ عَبْدًا بِثَوْبٍ مَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ إلَى أَجَلٍ جَازَ وَيَكُونُ بَيْعًا فِي حَقِّ الْعَبْدِ حَتَّى لَا يُشْتَرَطُ قَبْضُهُ فِي الْمَجْلِسِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَسْلَمَ الدَّرَاهِمَ فِي الثَّوْبِ، وَإِنَّمَا ظَهَرَتْ أَحْكَامُ الْمُسْلَمِ فِيهِ فِي الثَّوْبِ حَتَّى شُرِطَ فِيهِ الْأَجَلُ وَامْتَنَعَ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ لِإِلْحَاقِهِ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ وَالرَّابِعُ كَيْلِيٌّ أَوْ وَزْنِيٌّ أَوْ عَدَدِيٌّ مُتَقَارِبٌ كَالْبَيْضِ، فَإِنْ قُوبِلَتْ بِالنُّقُودِ فَهِيَ مَبِيعَاتٌ أَوْ بِأَمْثَالِهَا مِنْ الْمِثْلِيَّاتِ فَمَا كَانَ مَوْصُوفًا فِي الذِّمَّةِ فَهُوَ ثَمَنٌ وَمَا كَانَ مُعَيَّنًا فَمَبِيعٌ، فَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا مُعَيَّنًا فَمَا صَحِبَهُ حَرْفُ الْبَاءِ أَوْ عَلَى كَانَ ثَمَنًا وَالْآخَرُ مَبِيعًا، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَغَيْرِهِ وَالْفُلُوسُ كَالنَّقْدَيْنِ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ وَدَخَلَ الْمَصُوغُ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ كَالْآنِيَةِ تَحْتَ الْقِيَمِيَّاتِ فَتَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ لِلصِّفَةِ. وَأَمَّا الْمِثْلِيُّ إذَا قُوبِلَ بِقِيَمِيٍّ فَلَمْ يَدْخُلْ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ، وَقَالَ الْإِمَامُ خواهر زاده أَنَّهُ ثَمَنٌ، وَمِنْ حُكْمِ النُّقُودِ أَنَّهَا لَا تَتَعَيَّنُ، وَلَوْ عُيِّنَتْ فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ وَفُسُوخِهَا فِي حَقِّ الِاسْتِحْقَاقِ فَلَا يُسْتَحَقُّ عَيْنُهَا فَلِلْمُشْتَرِي إمْسَاكُهَا وَدَفْعُ مِثْلِهَا قَدْرًا وَوَصْفًا وَيَتَعَيَّنَانِ فِي الْغُصُوبِ وَالْأَمَانَاتِ وَالْوَكَالَاتِ عَلَى تَفْصِيلٍ فِيهَا، وَكَذَا فِي كُلِّ عَقْدٍ لَيْسَ مُعَاوَضَةً وَلَا يَتَعَيَّنُ فِي الْمَهْرِ قَبْلَ الطَّلَاقِ وَبَعْدَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَفِي تَعْيِينِهَا فِي الْمُعَاوَضَاتِ الْفَاسِدَةِ رِوَايَتَانِ وَلَا تَتَعَيَّنُ فِي الْكِتَابَةِ وَتَتَعَيَّنُ فِي الْعِتْقِ الْمُعَلَّقِ بِالْأَدَاءِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ الْمُكَاتَبِ وَتَمَامِهِ فِيمَا كَتَبْنَاهُ مِنْ الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ. وَفِي الْقُنْيَة ِ دَفَعَ إلَى بَقَّالٍ ثَمَنًا لِيَشْتَرِيَ بِهِ شَيْئًا فَوَزَنَهُ فَضَاعَ مِنْهُ شَيْءٌ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْهُ، فَإِنْ وَزَنَهُ بِإِذْنِ الدَّافِعِ ضَاعَ مِنْ مَالِ الدَّافِعِ وَمَا وَزَنَهُ ضَاعَ مِنْ مَالِ الْبَقَّالِ الشِّرَاءُ بِالْحِنْطَةِ لَا يَصِحُّ مَا لَمْ يُبَيِّنْ أَنَّهَا جَيِّدَةٌ أَوْ وَسَطٌ أَوْ رَدِيئَةٌ بِعْتُك عَبْدِي بِمَنَافِعِ دَارِك سَنَةً لَا يَجُوزُ، ثُمَّ رَقَمَ هَذَا بَيْعٌ فِي حَقِّ الْعَبْدِ إجَارَةً فِي حَقِّ الدَّارِ، فَإِنَّهُ جَائِزٌ بَاعَ ضَيْعَةً بِأَرْبَعِينَ فَقَبَضَ خَمْسَةً وَثَلَاثِينَ وَاشْتَرَى بِالْخَمْسَةِ الْبَاقِيَةِ مِنْ الْمُشْتَرِي شَيْئًا مُحَقَّرًا قِيمَتُهُ قَلِيلَةٌ، ثُمَّ تَبَيَّنَ بُطْلَانَ الْبَيْعِ أَوْ رَدَّهَا الْمُشْتَرِي بِعَيْبٍ أَوْ شَرْطٍ أَوْ خِيَارٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَطْلُبَ الْخَمْسَةَ الَّتِي بَاعَ ذَلِكَ الشَّيْءَ بِهَا، وَلَوْ بَاعَ بِسُدُسٍ مَتَاعًا، وَقَالَ لِلْمُشْتَرِي هَذَا سُدُسٌ وَهُوَ زَيْفٌ وَتَجَوَّزَ بِهِ الْبَائِعُ وَأَخَذَهُ يَجُوزُ اشْتَرَاهُ بِسُدُسٍ وَزَادَ فِي الزُّيُوفِ بِقَدْرِ شَعِيرَةٍ بِمَا يَدْخُلُ بَيْنَ الْوَزْنَيْنِ لَا يَجُوزُ اهـ. وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ مِنْ الشُّفْعَةِ الزُّيُوفُ مِنْ الدَّرَاهِمِ بِمَنْزِلَةِ الْجِيَادِ فِي خَمْسِ مَسَائِلَ: الْأُولَى مَسْأَلَةُ الشُّفْعَةِ إذَا اشْتَرَى بِالْجِيَادِ وَنَقَدَ الزُّيُوفَ أَخَذَ الشَّفِيعُ بِالْجِيَادِ. الثَّانِيَةِ الْكَفِيلَ إذَا كُفِلَ بِالْجِيَادِ وَنَقَدَ لِلْبَائِعٍ الزُّيُوفَ يَرْجِعُ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ بِالْجِيَادِ. الثَّالِثَةِ إذَا اشْتَرَى شَيْئًا بِالْجِيَادِ وَنَقَدَ الْبَائِعُ الزُّيُوفَ، ثُمَّ   [منحة الخالق] فِي التَّتَارْخَانِيَّة. [الْأَعْوَاضَ فِي الْبَيْعِ] (قَوْلُهُ تَثْبُتُ دَيْنًا مُؤَجَّلًا فِي الذِّمَّةِ عَلَى أَنَّهَا سَلَمٌ) ، كَذَا فِي النُّسَخِ وَالصَّوَابُ مَا فِي الْفَتْحِ عَلَى أَنَّهَا ثَمَنٌ. (قَوْلُهُ وَمَا وَزْنُهُ ضَاعَ مِنْ الْبَقَّالِ) كَذَا فِي النُّسَخِ، وَهَذَا قَوْلٌ آخَرَ رَمَزَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ عك وَهُوَ لِعَيْنِ الْأَئِمَّةِ الْكَرَابِيسِيِّ فَكَانَ الصَّوَابُ ذِكْرَ الرَّمْزِ أَوْ يَقُولُ، ثُمَّ رَقَّمَ مَا وَزَنَهُ إلَخْ كَمَا قَالَ فِي تِلْوِهِ. (قَوْلُهُ وَزَادَ فِي الزُّيُوفِ بِقَدْرِ شَعِيرَةٍ) كَذَا فِي عَامَّةِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا وَزَادَ فِي الْوَزْنِ بَدَلَ قَوْلِهِ فِي الزُّيُوفِ وَهُوَ الْمَوْجُودُ فِي الْقُنْيَةِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 299 بَاعَهُ مُرَابَحَةً، فَإِنَّ رَأْسَ الْمَالِ هُوَ الْجِيَادُ. الرَّابِعَةُ حَلَفَ لَيَقْضِيَنه حَقَّهُ الْيَوْمَ وَكَانَ عَلَيْهِ جِيَادٌ فَقَضَاهُ الزُّيُوفَ لَا يَحْنَثُ. الْخَامِسَةُ لَهُ عَلَى آخَرَ دَرَاهِمُ جِيَادٌ فَقَبَضَ الزُّيُوفَ وَأَنْفَقَهَا فَلَمْ يَعْلَمْ إلَّا بَعْدَ الْإِنْفَاقِ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالْجِيَادِ فِي قَوْلِهِمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ اهـ. وَيُزَادُ سَادِسَةٌ هِيَ مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ تَلْخِيصِ الْجَامِعِ اسْتَقْرَضَ دَرَاهِمَ وَقَبَضَهَا، ثُمَّ اشْتَرَى مَا فِي ذِمَّتِهِ بِدَنَانِيرَ مَقْبُوضَةٍ فِي الْمَجْلِسِ، ثُمَّ وَجَدَ دَرَاهِمَ الْقَرْضَ زُيُوفًا لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ فَفِيهَا الزُّيُوفُ كَالْجِيَادِ وَفِي الْقُنْيَةِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَبْدَانِ لِرَجُلَيْنِ لَمْ يَعْرِفْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَبْدَهُ مِنْ عَبْدِ صَاحِبِهِ فَبَاعَهُمَا أَحَدُ الْمَوْلَيَيْنِ بِإِجَازَةِ الْآخَرِ وَأَحَدُهُمَا أَكْثَرُ قِيمَةً مِنْ الْآخَرِ فَالثَّمَنُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ. وَكَذَا الْبُيُوتُ، فَإِنَّمَا أَنْظُرُ إلَى عَدَدِهَا لَا إلَى فَضْلِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ اشْتَرَى بِمَا فِي هَذَا الْكِيسِ مِنْ الدَّرَاهِمِ فَإِذَا فِيهِ دَنَانِيرُ جَازَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهَا جِنْسٌ فِي حَقِّ الزَّكَاةِ وَعَلَيْهِ مِلْءُ هَذَا الْكِيسِ مِنْ الدَّرَاهِمِ نَقْدِ بَلَدِهِ، وَكَذَا عِنْدَ تَفَاوُتِ النَّقْدَيْنِ اهـ. وَقَدْ ظَهَرَ بِهَذَا الْفَرْعِ الْأَخِيرِ أَنَّ قَوْلَ الْعِمَادِيِّ فِي فُصُولِهِ إنَّ الدَّرَاهِمَ أُجْرِيَتْ مَجْرَى الدَّنَانِيرِ فِي سَبْعَةِ مَوَاضِعَ: الْأُولَى بَيْعُ الْقَاضِي دَنَانِيرَهُ لِقَضَاءِ دَيْنِهِ الدَّرَاهِمَ وَعَكْسُهُ. الثَّانِيَةُ يَصْرِفُهَا الْمُضَارِبُ إذَا مَاتَ رَبُّ الْمَالِ أَوْ عُزِلَ لِتَصِيرَ كَرَأْسِ الْمَالِ. الثَّالِثَةُ لَوْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ فِي يَدِ الْمُضَارِبِ دَرَاهِمَ فَاشْتَرَى بِدَنَانِيرَ كَانَ لِلْمُضَارِبِ. الرَّابِعَةُ بَاعَهُ بِدَرَاهِمَ، ثُمَّ اشْتَرَاهُ قَبْلَ النَّقْدِ بِدَنَانِيرَ أَقَلَّ قِيمَةً لَمْ يَجُزْ. الْخَامِسَةُ لَوْ شَرَاهُ بِدَرَاهِمَ فَبَاعَهُ بِرِبْحٍ، ثُمَّ شَرَاهُ بِدَنَانِيرَ لَا يُرَابِحْ. السَّادِسَةُ أُخْبِرَ الشَّفِيعُ أَنَّهُ شَرَاهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَسَلَّمَ، ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ الْبَيْعَ بِدَنَانِيرَ أَقَلَّ قِيمَةً أَوْ أَكْثَرَ بَطَلَتْ. السَّابِعَةُ أُكْرِهَ عَلَى الْبَيْعِ بِدَرَاهِمَ فَبَاعَ بِدَنَانِيرَ مُسَاوِيَةٍ يَصِيرُ مُكْرَهًا اهـ. مُخْتَصَرًا. لَيْسَ لِلْحَصْرِ وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ بِرَقْمِ (قش) لَوْ جَعَلَ الْكَيْلِيَّ أَوْ الْوَزْنِيَّ ثَمَنًا بِأَنْ جَعَلَ الْعِنَبَ مَثَلًا ثَمَنًا فَانْقَطَعَ يَفْسُدُ الْبَيْعُ، ثُمَّ رَقَمَ (ط) قَوْلَهُمْ بِأَنَّهُ يَفْسُدُ بِانْقِطَاعِهِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، فَإِنَّ مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا بِقَفِيزِ رَطْبٍ فِي الذِّمَّةِ فَانْقَطَعَ أَوْ أَنَّهُ لَا يُنْتَقَضُ الْبَيْعُ، وَلَوْ جَعَلَ الْكَيْلِيَّ أَوْ الْوَزْنِيَّ ثَمَنًا فِي الذِّمَّةِ يُشْتَرَطُ بَيَانُ مَحَلِّ الْإِيفَاءِ حَتَّى لَوْ بَاعَ قِنًّا بِكُرِّ بُرٍّ فِي الذِّمَّةِ، فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ بَيَانُ مَحَلِّ إيفَائِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعِنْدَهُمَا يَتَعَيَّنُ مَحَلُّ الْعَقْدِ لِلْإِيفَاءِ وَمَا يَصْلُحُ ثَمَنًا يَصْلُحُ أُجْرَةً وَمَا لَا يَصْلُحُ ثَمَنًا يَصْلُحُ أُجْرَةً أَيْضًا كَالْأَعْيَانِ اهـ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة مَعْزِيًّا إلَى النَّوَازِلِ سُئِلَ وَالِدِي عَمَّنْ بَاعَ شَيْئًا مِنْ آخَرَ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ، وَقَدْ اسْتَقَرَّتْ الْعَادَةُ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ أَنَّهُمْ يَصْرِفُونَ الْأَثْمَانَ فِيمَا بَيْنَهُمْ فَيُعْطُونَ كُلَّ خَمْسَةِ أَسْدَاسٍ مَكَانَ الدِّينَارِ وَاشْتُهِرَتْ تِلْكَ الِعَادَةٍ فِيمَا بَيْنَهُمْ هَلْ لِبَائِعِ ذَلِكَ الْعَيْنِ أَنْ يُطَالِبَ الْمُشْتَرِيَ بِالْوَزْنِ أَمْ يَنْعَقِدُ الْعَقْدُ عَلَى الَّذِي تَعَارَفَهُ الْمُسْلِمُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ، فَقَالَ يَنْصَرِفُ إلَى مَا تَعَارَفَهُ النَّاسُ فِيمَا بَيْنَهُمْ اهـ. وَهَاهُنَا مَسَائِلُ مُنَاسِبَةٌ لِلثَّمَنِ لَا بَأْسَ بِذِكْرِهَا تَكْثِيرًا لِلْفَوَائِدِ لَوْ اسْتَوْفَى الدَّلَّالُ الثَّمَنَ، ثُمَّ كَسَدَ فِي يَدِهِ فَلَا مُطَالَبَةَ عَلَى الْمُشْتَرِي حَيْثُ بَاعَ بِإِذْنِ الْمَالِكِ، وَلَوْ دَفَعَ الْمُشْتَرِي إلَى الْبَائِعِ أَكْثَرَ مِنْ حَقِّهِ غَلَطًا فَالزَّائِدُ أَمَانَةٌ، فَإِنْ ضَاعَ نِصْفُ الْمَدْفُوعِ فَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرِكَةِ وَالْأَصْلُ أَنَّ الْمَالَ الْمُشْتَرَكَ إذَا هَلَكَ مِنْهُ شَيْءٌ فَالْهَالِكُ عَلَى الشَّرِكَةِ وَالْبَاقِي يَبْقَى عَلَى الشَّرِكَةِ، فَإِنْ عَزَلَ مِنْهَا الزَّائِدَ فَضَاعَ قَبْلَ الرَّدِّ كَانَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ لَوْ جَعَلَ الْكَيْلِيَّ أَوْ الْوَزْنِيَّ ثَمَنًا إلَخْ) قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة كُلُّ مَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ إذَا كَانَ ثَمَنًا بِغَيْرِ عَيْنِهِ، وَقَدْ انْقَطَعَ عَنْ أَيْدِي النَّاسِ أَنَّ الطَّالِبَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَّرَهُ إلَى الْجَدِيدِ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ قِيمَتَهُ مَبِيعَةً فَقَدْ حَكَمَ بِفَسَادِ الْعَقْدِ حَتَّى أَوْجَبَ قِيمَةَ الْمَبِيعِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ شَاءَ أَخَّرَهُ إلَى الْجَدِيدِ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ قِيمَةَ الثَّمَنِ قَبْلَ الِانْقِطَاعِ بِلَا فَصْلٍ وَلِأَبِي يُوسُفَ فِي هَذَا قَوْلٌ آخَرُ أَنَّ عَلَيْهِ قِيمَةَ الثَّمَنِ يَوْمَ دَفْعِ الْمَبِيعِ وَهُوَ قَوْلُهُ الْآخَرُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَكَذَلِكَ الدَّرَاهِمُ وَالْفُلُوسُ إذَا انْقَطَعَ عَنْ أَيْدِي النَّاسِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلِلْبَائِعِ قِيمَةُ الدَّرَاهِمِ وَالْفُلُوسِ يَوْمَ وَقَعَ الْبَيْعُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. [دَفَعَ إلَى بَقَّالٍ ثَمَنًا لِيَشْتَرِيَ بِهِ شَيْئًا فَوَزَنَهُ فَضَاعَ مِنْهُ شَيْءٌ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْهُ] (قَوْلُهُ يَنْصَرِفُ إلَى مَا تَعَارَفَهُ النَّاسُ إلَخْ) يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا جَوَازُ مَا فِي زَمَانِنَا مِنْ الْبَيْعِ بِالْقِرْشِ وَهُوَ فِي الْأَصْلِ اسْمٌ لِقِطْعَةٍ مَعْلُومَةٍ مِنْ الْفِضَّةِ لَكِنْ جَرَى الْعُرْفُ أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ بِالشِّرَاءِ بِمِائَةِ قِرْشٍ مَثَلًا مَا يَكُونُ قِيمَتُهُ مِائَةَ قِرْشٍ مِنْ أَيِّ نَوْعٍ كَانَ مِنْ أَنْوَاعِ النُّقُودِ الرَّائِجَةِ فِضَّةً أَوْ ذَهَبًا لَا نَفْسَ الْقُرُوشِ الْمَضْرُوبَةِ مِنْ الْفِضَّةِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ دَفَعَ الْمُشْتَرِي إلَى الْبَائِعِ أَكْثَرَ مِنْ حَقِّهِ غَلَطًا إلَخْ) عِبَارَةُ التَّتَارْخَانِيَّة رَجُلٌ بَاعَ مِنْ آخَرَ شَيْئًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَوَزَنَ لَهُ الْمُشْتَرِي أَلْفًا وَمِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَقَبَضَهَا الْبَائِعُ وَضَاعَتْ مِنْ يَدِهِ فَهُوَ مُسْتَوْفِي الثَّمَنِ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ بِقَدْرِ الْأَلْفِ اسْتَوْفَى حِصَّتَهُ وَفِيمَا زَادَ عَلَى الْأَلْفِ فَهُوَ مُؤْتَمَنٌ فِيهِ، فَإِنْ ضَاعَ نِصْفُهَا فَالنِّصْفُ الْبَاقِي عَلَى سِتَّةِ أَسْهُمٍ، وَالْأَصْلُ أَنَّ الْمَالَ الْمُشْتَرَكَ إذَا هَلَكَ مِنْهُ شَيْءٌ فَالْهَالِكُ عَلَى الشَّرِكَةِ وَالْبَاقِي يَبْقَى عَلَى الشَّرِكَةِ فَلَوْ عَزَلَ مِنْهَا مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَضَاعَتْ الْمِائَتَانِ قَبْلَ أَنْ يَرُدَّهَا كَانَ الْأَلْفُ بَيْنَهُمَا عَلَى سِتَّةٍ، وَلَوْ ضَاعَتْ الْأَلْفُ فَلِلْبَائِعِ أَنْ يَرْجِعَ فِي الْمِائَتَيْنِ بِخَمْسَةِ أَسْدَاسِهَا انْتَهَتْ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 300 الْبَاقِي بَيْنَهُمَا، وَلَوْ ضَاعَ قَدْرُ الثَّمَنِ دُونَ الزَّائِدِ فَلِلْبَائِعِ أَنْ يَرْجِعَ فِي الزَّائِدِ بِحِسَابِهِ، وَلَوْ جَعَلَ الْأَلْفَ فِي كُمِّهِ وَدَفَعَ الْمِائَتَيْنِ إلَى غُلَامِهِ فَسَرَقَ الْكُلَّ لَا رُجُوعَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلَوْ دَفَعَ الْمُشْتَرِي إلَيْهِ كِيسًا عَلَى أَنَّ فِيهِ الثَّمَنَ دَرَاهِمَ فَذَهَبَ بِهِ إلَى مَنْزِلِهِ فَإِذَا فِيهِ دَنَانِيرُ فَحَمَلَهَا لِيَرُدَّهَا فَضَاعَتْ فِي الطَّرِيقِ فَلَا ضَمَانَ فِي الْكُلِّ مِنْ التَّتَارْخَانِيَّة. وَفِي الْوَاقِعَاتِ شَرَى الدَّجَاجَةَ بِالْبَيْضَاتِ اشْتَرَى دَجَاجَةً بِخَمْسِ بَيْضَاتٍ فَلَمْ يَقْبِضْهَا حَتَّى بَاضَتْ خَمْسًا، فَإِنْ كَانَ الشِّرَاءُ بِخَمْسِ بَيْضَاتٍ بِعَيْنِهَا، وَلَمْ يَسْتَهْلِكْ الْبَائِعُ الْبَيْضَاتِ الَّتِي بَاضَتْهَا عِنْدَهُ يَأْخُذُ الْمُشْتَرِي الدَّجَاجَةَ وَالْبَيْضَاتِ وَيَدْفَعُ إلَيْهِ الثَّمَنَ وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي التَّصَدُّقُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ اشْتَرَى دَجَاجَةً وَخَمْسَ بَيْضَاتٍ بِخَمْسِ بَيْضَاتٍ وَذَلِكَ جَائِزٌ، فَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ اسْتَهْلَكَ الْبَيْضَاتِ أَخَذَ الْمُشْتَرِي الدَّجَاجَةَ بِثَلَاثِ بَيْضَاتٍ وَثُلُثِ بَيْضَةٍ إنْ كَانَتْ قِيمَةُ الدَّجَاجَةِ عَشْرَ بَيْضَاتٍ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ يَنْقَسِمُ عَلَى قِيمَةِ الدَّجَاجَةِ وَعَلَى خَمْسِ بَيْضَاتٍ اسْتَهْلَكَهَا الْبَائِعُ، فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الدَّجَاجَةِ عَشْرَ بَيْضَاتٍ يَنْقَسِمُ الثَّمَنُ أَثْلَاثًا فَمَا أَصَابَ خَمْسَ بَيْضَاتٍ سَقَطَ وَمَا أَصَابَ الدَّجَاجَةَ وَهُوَ الثَّلَاثُ وَالثُّلُثُ لَزِمَ، فَإِنْ كَانَتْ بِغَيْرِ أَعْيَانِهَا، وَإِنْ لَمْ يَسْتَهْلِكْ الْبَائِعُ الْبَيْضَاتِ الَّتِي بَاضَتْ عِنْدَهُ يَتَصَدَّقُ الْمُشْتَرِي بِالْفَضْلِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى دَجَاجَةً وَخَمْسَ بَيْضَاتٍ بِغَيْرِ عَيْنِهَا لَا يَجُوزُ فَكَذَا هُنَا، فَإِنْ اسْتَهْلَكَهَا الْبَائِعُ فَالْحُكْمُ كَمَا لَوْ كَانَتْ بِعَيْنِهَا اهـ. وَفِي الْوَاقِعَاتِ اشْتَرَى شَيْئًا وَدَفَعَ إلَى الْبَائِعِ دَرَاهِمَ صِحَاحًا فَكَسَرَهَا الْبَائِعُ فَوَجَدَهَا نَبَهْرَجَةً فَرَدَّهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُتْلِفْ عَلَيْهِ شَيْئًا، وَكَذَا لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ إنْسَانٌ لِيَنْظُرَ إلَيْهِ فَكَسَرَهُ بَاعَ بِدَرَاهِمَ جِيَادٍ فَدَفَعَ إلَيْهِ الْمُشْتَرِي فَأَرَاهَا الْبَائِعُ رَجُلًا فَانْتَقَدَهَا فَوَجَدَهَا قَلِيلَ نَبَهْرَجَةٍ فَاسْتَبْدَلَ فَأَرَادَ أَنْ يَصْرِفَ فِي شِرَاءِ الْحَوَائِجِ فَلَمْ يَأْخُذْهَا أَحَدٌ، وَقَالُوا كُلُّهَا نَبَهْرَجَةٌ إنْ كَانَ أَقَرَّ لِلْبَائِعِ أَنَّهَا جِيَادٌ لَا يُرَدُّ؛ لِأَنَّهُ مُتَنَاقِضٌ إلَّا إذَا صَدَّقَهُ الْمُشْتَرِي، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَقَرَّ بِذَلِكَ يُرَدُّ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَنَاقِضٍ اهـ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. . (قَوْلُهُ وَصَحَّ بِثَمَنٍ حَالٍّ وَبِأَجَلٍ مَعْلُومٍ) أَيْ الْبَيْعُ لِإِطْلَاقِ النُّصُوصِ وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ إنَّ الْحُلُولَ مُقْتَضَى الْعَقْدِ وَمُوجِبُهُ وَالْأَجَلُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالشَّرْطِ اهـ. قُيِّدَ بِعِلْمِ الْأَجَلِ؛ لِأَنَّ جَهَالَتَهُ تُفْضِي إلَى النِّزَاعِ فَالْبَائِعُ يُطَالِبُهُ فِي مُدَّةٍ قَرِيبَةٍ وَالْمُشْتَرِي يَأْبَاهَا فَيَفْسُدُ وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِلْمُصَنِّفِ مِنْ بَابِ خِيَارِ الشَّرْطِ لَوْ بَاعَ مُؤَجَّلًا، وَلَمْ يَقُلْ إلَى رَمَضَانَ لَا يَكُونُ مُؤَبَّدًا بَلْ يَكُونُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ عِنْدَ بَعْضٍ وَيُفْتِي بِأَنْ يَتَأَجَّلَ إلَى شَهْرٍ اهـ. كَأَنَّهُ؛ لِأَنَّهُ الْمَعْهُودُ فِي الشَّرْعِ فِي السَّلَمِ وَالْيَمِينِ لَيَقْضِيَن دَيْنَهُ أَجَلًا وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ بَاعَ، ثُمَّ أَجَّلَ الثَّمَنَ إلَى الْحَصَادِ فَسَدَ عِنْدَ الْإِمَامِ خِلَافًا لَهُمَا، وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي الْأَجَلِ فَالْقَوْلُ لِمَنْ يَنْفِيهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ، وَكَذَا إذَا اخْتَلَفَا فِي قَدْرِهِ فَالْقَوْلُ لِمُدَّعِي الْأَقَلِّ وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمُشْتَرِي فِي الْوَجْهَيْنِ، وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى قَدْرِهِ وَاخْتَلَفَا فِي مُضِيِّهِ فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي أَنَّهُ لَمْ يَمْضِ وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَتُهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الدَّعْوَى، كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَقَيَّدْنَا بِتَأْجِيلِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ تَأْجِيلَ الْمَبِيعِ الْمُعَيَّنِ لَا يَجُوزُ وَيُفْسِدُهُ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَلَا يُرَدُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ السَّلَمُ مَعَ أَنَّهُ دَيْنٌ لِمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ فِي بَابِهِ مِنْ أَنَّ مِنْ شَرَائِطِهِ الْأَجَلُ كَمَا لَا يُرَدُّ مَا بِيعَ بِجِنْسِهِ، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ مُؤَجَّلًا لِمَا سَنَذْكُرُهُ فِي بَابِ الرِّبَا وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَمِنْ جَهَالَةِ الْأَجَلِ مَا إذَا بَاعَهُ بِأَلْفٍ عَلَى أَنْ يُؤَدِّيَ إلَيْهِ الثَّمَنَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ لَيَقْضِيَنَّ دَيْنَهُ آجِلًا) بَدَلٌ مِنْ الْيَمِينِ. (قَوْلُهُ وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ بَاعَهُ، ثُمَّ أَجَّلَ الثَّمَنَ إلَخْ) قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ بَاعَ شَيْئًا بَيْعًا جَائِزًا وَأَخَّرَ الثَّمَنَ إلَى الْحَصَادِ أَوْ الدِّيَاسِ قَالَ يَفْسُدُ الْبَيْعُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ الْبَيْعُ وَيَصِحُّ التَّأْخِيرُ؛ لِأَنَّ التَّأْخِيرَ بَعْدَ الْبَيْعِ تَبَرُّعٌ فَيُقْبَلُ التَّأْجِيلُ إلَى الْوَقْتِ الْمَجْهُولِ كَمَا لَوْ كَفَلَ بِمَالٍ إلَى الْحَصَادِ أَوْ الدِّيَاسِ، وَقَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ النَّسَفِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا يُشْكَلُ بِمَا إذَا أَقْرَضَ رَجُلًا وَشَرَطَ فِي الْقَرْضِ أَنْ يَكُونَ مُؤَجَّلًا لَا يَصِحُّ التَّأْجِيلُ، وَلَوْ أَقْرَضَ، ثُمَّ أَخَّرَ لَا يَصِحُّ أَيْضًا فَكَانَ الصَّحِيحُ مِنْ الْجَوَابِ مَا قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ إنَّهُ يَفْسُدُ الْبَيْعُ أَجَّلَهُ إلَى هَذِهِ الْأَوْقَاتِ فِي الْبَيْعِ أَوْ بَعْدَهُ اهـ. قُلْتُ: سَيَذْكُرُ الْمُؤَلِّفُ عَنْ السِّرَاجِ فِي هَذِهِ الْمَقُولَةِ أَنَّ تَأْجِيلَ الثَّمَنِ الدَّيْنِ الْمَجْهُولِ بِنَوْعَيْهِ لَا يَجُوزُ وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ شَامِلٌ لِلتَّأْجِيلِ بَعْدَ الْعَقْدِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ عَدَمَ الْجَوَازِ لِلتَّأْجِيلِ نَفْسِهِ لَا لِلْعَقْدِ وَفِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي مَنْ بَاعَ بِثَمَنٍ حَالٍّ، ثُمَّ أَجَّلَهُ أَجَلًا مَعْلُومًا أَوْ مَجْهُولًا مُتَقَارِبًا كَالْحَصَادِ وَالدِّيَاسِ وَالنَّيْرُوزِ وَنَحْوِهَا صَارَ مُؤَجَّلًا اهـ. وَهَذَا بِنَاءً عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ كَمَا تَقَدَّمَ وَيَبْقَى النَّظَرُ فِي كَلَامِ السِّرَاجِ فَتَأَمَّلْهُ وَفِي غُرَرِ الْأَفْكَارِ شَرْحِ دُرَرِ الْبِحَارِ لَا يَجُوزُ تَأْجِيلُ ثَمَنِ دَيْنٍ إلَى النَّيْرُوزِ وَالْمِهْرَجَانِ وَصَوْمِ النَّصَارَى وَفِطْرِهِمْ وَالْحَصَادِ وَالدِّيَاسِ وَقُدُومِ الْحَاجِّ لِجَهَالَةِ الْأَجَلِ حَتَّى لَوْ كَانَ كِلَاهُمَا مَعْلُومًا عِنْدَهُمْ أَيْ الْعَاقِدَيْنِ صَحَّ الْبَيْعُ وَالْأَجَلُ، وَكَذَا لَوْ شَرَعَ النَّصْرَانِيُّ فِي الصَّوْمِ فَأَجَّلَ إلَى الْفِطْرِ، وَلَوْ بَاعَ مُطْلَقًا ثُمَّ أَجَّلَ الثَّمَنَ إلَى هَذِهِ الْأَوْقَاتِ صَحَّ الْبَيْعُ فَقَطْ اهـ. وَهَذَا لَا يُنَاسِبُ كُلًّا مِنْ الْقَوْلَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي الْخَانِيَّةِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 301 فِي بَلَدٍ آخَرَ، وَلَوْ قَالَ إلَى شَهْرٍ عَلَى أَنْ يُؤَدِّيَ الثَّمَنَ فِي بَلَدٍ آخَرَ جَازَ بِأَلْفٍ إلَى شَهْرٍ وَيَبْطُلُ شَرْطُ الْإِيفَاءِ فِي بَلَدٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ تَعْيِينَ مَكَانِ الْإِيفَاءِ فِيمَا لَا حَمْلَ لَهُ وَلَا مُؤْنَةَ غَيْرُ صَحِيحٍ فَلَوْ كَانَ لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ صَحَّ، وَمِنْ الْأَجَلِ الْمَجْهُولِ اشْتِرَاطُ أَنْ يُعْطِيَهُ الثَّمَنَ عَلَى التَّفَارِيقِ أَوْ كُلَّ أُسْبُوعٍ الْبَعْضَ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ شَرَطَا فِي الْبَيْعِ. وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ بَعْدَهُ لَمْ يَفْسُدْ وَكَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْكُلَّ جُمْلَةً، وَلَوْ كَانَ حَالًّا فَطَالَبَهُ، ثُمَّ قَالَ اذْهَبْ فَاعْطِنِي كُلَّ شَهْرٍ كَذَا لَا يَكُونُ تَأْجِيلًا، وَلَوْ قَالَ الْمَدْيُونُ بَرِئْت مِنْ الْأَجَلِ أَوْ لَا حَاجَةَ لِي بِهِ لَا يَبْطُلُ، وَلَوْ قَالَ تَرَكْته أَوْ أَبْطَلْته أَوْ جَعَلْت الْمَالَ حَالًا بَطَلَ الْأَجَلُ، وَلَوْ عَجَّلَ الدَّيْنَ قَبْلَ الْحُلُولِ، ثُمَّ اسْتَحَقَّ الْمَقْبُوضَ أَوْ وَجَدَهُ زُيُوفًا فَرَدَّهُ عَادَ الْأَجَلُ، وَلَوْ اشْتَرَى مِنْ الدُّيُونِ شَيْئًا، ثُمَّ تَقَايَلَا لَا يَعُودُ الْأَجَلُ، وَلَوْ رَدَّهُ بِعَيْبٍ بِقَضَاءٍ عَادَ، وَلَوْ كَانَ لِهَذَا الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ كَفِيلٌ لَا تَعُودُ الْكَفَالَةُ فِي الْوَجْهَيْنِ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَإِذَا رَضِيَ الْبَائِعُ بِالتَّأْجِيلِ فَقَدْ أَسْقَطَ حَقَّهُ فِي حَبْسِ الْمَبِيعِ فَلَوْ حَلَّ الْأَجَلُ قَبْلَ قَبْضِهِ فَلِلْمُشْتَرِي قَبْضُهُ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَسَيَأْتِي مَسَائِلُ حَبْسِ الْمَبِيعِ آخِرَ الْبَابِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ لَهُ عَلَى آخَرَ أَلْفٌ مِنْ ثَمَنٍ مَبِيعٍ، فَقَالَ أَعْطِهِ كُلَّ شَهْرٍ مِائَةَ دِرْهَمٍ لَا يَكُونُ تَأْجِيلًا وَيَمْلِكُ طَلَبَهُ فِي الْحَالِ وَفِي الْمُلْتَقِطِ عَلَيْهِ أَلْفٌ ثَمَنٌ جَعَلَهُ الطَّالِبُ نُجُومًا إنْ أَخَلَّ بِنَجْمٍ حَلَّ الْبَاقِي فَالْأَمْرُ كَمَا شَرَطَا اهـ. وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لَوْ مَاتَ الْبَائِعُ لَا يَبْطُلُ الْأَجَلُ، وَلَوْ مَاتَ الْمُشْتَرِي حَلَّ الْمَالُ؛ لِأَنَّ فَائِدَةَ التَّأْجِيلِ أَنْ يَتَّجِرَ فَيُؤَدِّيَ الثَّمَنَ مِنْ نَمَاءِ الْمَالِ فَإِذَا مَاتَ مَنْ لَهُ الْأَجَلُ تَعَيَّنَ الْمَتْرُوكُ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ فَلَا يُفِيدُ التَّأْجِيلُ اهـ. وَفِي الْمَجْمَعِ وَلِلْمُشْتَرِي أَجَلُ سَنَةٍ ثَانِيَةٍ لِمَنْعِ الْبَائِعِ السِّلْعَةَ سَنَةَ الْأَجَلِ اهـ. فَابْتِدَاؤُهُ مِنْ وَقْتِ التَّسْلِيمِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ فِيهِ خِيَارٌ يُعْتَبَرُ الْأَجَلُ مِنْ حِينِ سُقُوطِ الْخِيَارِ عِنْدَهُ، كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَفِي التَّجْنِيسِ فَرَّقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا إذَا اشْتَرَى إلَى رَمَضَانَ فَمَنَعَهُ حَتَّى دَخَلَ رَمَضَانُ كَانَ الْمَالُ حَالًّا فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا اهـ. وَهَكَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَلَا خُصُوصَ لِرَمَضَانَ، وَإِنَّمَا خِلَافُ الصَّاحِبَيْنِ فِي السَّنَةِ الْمُنْكَرَةِ أَمَّا فِي السَّنَةِ الْمُعَيَّنَةِ فَلَا يَبْقَى الْأَجَلُ بَعْدَ مُضِيِّهَا وَالْمُرَادُ بِمَنْعِهِ عَدَمُ قَبْضِ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ مَجَازًا لِكَوْنِ مَنْعِهِ سَبَبًا لَهُ. كَذَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَفِي الْخَانِيَّةِ وَالتَّجْنِيسِ رَجُلٌ قَالَ لِآخَرَ بِعْت مِنْك هَذَا الثَّوْبَ بِعَشَرَةٍ عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي كُلَّ يَوْمٍ دِرْهَمًا وَكُلَّ يَوْمٍ دِرْهَمَيْنِ يُعْطِيهِ عَشَرَةً فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ دِرْهَمًا وَثَلَاثَةً فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَدِرْهَمًا فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ وَثَلَاثَةً فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ وَدِرْهَمًا فِي الْيَوْمِ الْخَامِسِ وَدِرْهَمًا فِي الْيَوْمِ السَّادِسِ أَمَّا فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ يُعْطِيهِ دِرْهَمًا ظَاهِرٌ وَفِي الْيَوْم الثَّانِي يُعْطِيهِ ثَلَاثَةً؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْيَوْمَ أَجَلًا لِلدِّرْهَمِ الْوَاحِدِ بِكَلِمَةِ كُلَّ الْمُوجِبَةِ لِلتَّكْرَارِ فَكُلَّمَا جَاءَ يَوْمٌ يَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ وَفِي الْيَوْمِ الثَّانِي يَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ بِمَجِيءِ الْيَوْمِ الثَّانِي وَدِرْهَمَانِ بِمَجِيءِ يَوْمَيْنِ وَدِرْهَمٌ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ لِحُلُولِ نَجْمٍ آخَرَ، وَلَمْ يَحِلَّ لِلدِّرْهَمَيْنِ أَجَلٌ آخَرُ وَفِي الرُّبْعِ يَلْزَمُهُ ثَلَاثَةٌ وَاحِدٌ بِمُضِيِّ الرَّابِعِ وَدِرْهَمَانِ بِمَجِيءِ أَجَلٍ آخَرَ لِلدِّرْهَمَيْنِ، وَفِي الْخَامِسِ يَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ بِمَجِيءِ الْخَامِسِ، وَلَمْ يَحِلَّ لِلدِّرْهَمَيْنِ أَجَلٌ آخَرُ بَقِيَ مِنْ الْعَشَرَةِ وَاحِدٌ يُعْطِيهِ فِي الْيَوْمِ السَّادِسِ اهـ. وَفِي الْوَاقِعَاتِ اشْتَرَى شَيْئًا وَدَفَعَ إلَى الْبَائِعِ دَرَاهِمَ صِحَاحًا فَكَسَرَهَا الْبَائِعُ فَوَجَدَهَا نَبَهْرَجَةً فَرَدَّهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتْلَفْ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَكَذَا لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ إنْسَانٌ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ لَمْ يَفْسُدْ وَكَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْكُلَّ جُمْلَةً) الَّذِي قَدَّمَهُ الْمُؤَلِّفُ عَنْ الْخَانِيَّةِ وَنَقَلْنَاهُ عَنْهَا أَيْضًا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْخِلَافَ فِي فَسَادِ الْبَيْعِ وَعَدَمِهِ وَفِي أَنَّ فَسَادَ الْأَجَلِ مِمَّا الْخِلَافُ فِيهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا هُنَا عَلَى قَوْلِ غَيْرِ الْإِمَامِ وَأَنَّهُ غَيْرُ الْمُصَحَّحِ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْمُصَحَّحَ قَوْلُ الْإِمَامِ بِفَسَادِ الْبَيْعِ بِالتَّأْجِيلِ إلَى الْحَصَادِ وَالدِّيَاسِ قَبْلَ الْبَيْعِ أَوْ بَعْدَهُ. [لَهُ عَلَى آخَرَ أَلْفٌ مِنْ ثَمَنٍ مَبِيعٍ فَقَالَ أَعْطِهِ كُلَّ شَهْرٍ مِائَةَ دِرْهَمٍ] (قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ بِمَنْعِهِ عَدَمُ قَبْضِ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ إذَا مَضَتْ سَنَةُ التَّأْجِيلِ قَبْلَ الْقَبْضِ يَكُونُ لَهُ سَنَةٌ أُخْرَى سَوَاءٌ وَجَدَ الطَّلَبَ مِنْ الْمُشْتَرِي فَامْتَنَعَ الْبَائِعُ أَمْ لَا فَتَدَبَّرْ أَبُو السُّعُودِ لَكِنْ نَقَلَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَنْ الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ أَنَّ مَحَلَّ الِاخْتِلَافِ فِيمَا إذَا امْتَنَعَ الْبَائِعُ مِنْ التَّسْلِيمِ أَمَّا إذَا لَمْ يَمْتَنِعْ فَابْتِدَاؤُهُ مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ إجْمَاعًا اهـ. قَالَ إذَا عَلِمْت ذَلِكَ تَعْلَمُ أَنَّ مَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لَا وَجْهَ لَهُ قُلْتُ: وَمَا نَقَلَهُ عَنْ الْهِنْدِيَّةِ سَيَذْكُرُهُ الْمُؤَلِّفُ قَبْلَ بَابِ خِيَارِ الشَّرْطِ عِنْدَ قَوْلِ الْمَاتِنِ وَمَنْ بَاعَ سِلْعَةً بِثَمَنٍ سَلَّمَهُ أَوْ لَا. (قَوْلُهُ عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي كُلَّ يَوْمٍ دِرْهَمًا وَكُلَّ يَوْمٍ دِرْهَمَيْنِ) ، كَذَا فِي عَامَّةِ النُّسَخِ وَفِي نُسْخَةٍ وَكُلَّ يَوْمَيْنِ دِرْهَمَيْنِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي رَأَيْته فِي الْخَانِيَّةِ وَالتَّجْنِيسِ وَغَيْرِهِمَا. (قَوْلُهُ بِكَلِمَةِ كُلَّمَا الْمُوجِبَةِ لِلتَّكْرَارِ) صَوَابُهُ بِكَلِمَةِ كُلَّ وَاَلَّذِي فِي الْخَانِيَّةِ بِكَلِمَةِ تُوجِبُ التَّكْرَارَ وَقَدْ عُلِّلَ فِي التَّجْنِيسِ والولوالجية بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الْيَوْمَ الثَّانِي مِنْ كُلِّ يَوْمٍ، وَمِنْ كُلِّ يَوْمَيْنِ فَيُعْطَى فِيهِ ثَلَاثَةً، وَالْيَوْمُ الرَّابِعُ بِمَنْزِلَةِ الْيَوْمِ الثَّانِي بَقِيَ فِي الْيَوْمِ السَّادِسِ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ فَيُعْطِيهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 302 وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ الْآجَالُ عَلَى ضَرْبَيْنِ مَعْلُومَةٍ وَمَجْهُولَةٍ وَالْمَجْهُولَةُ عَلَى ضَرْبَيْنِ مُتَقَارِبَةٍ وَمُتَفَاوِتَةٍ فَالْمَعْلُومَةُ السُّنُونَ وَالشُّهُورُ وَالْأَيَّامُ وَالْمَجْهُولَةُ مُتَقَارِبَةٌ كَالْحَصَادِ وَالدِّيَاسِ وَالنَّيْرُوزِ وَالْمِهْرَجَانِ وَقُدُومِ الْحَاجِّ وَخُرُوجِهِمْ وَالْجِذَاذِ وَالْقِطَافِ وَصَوْمِ النَّصَارَى وَفِطْرِهِمْ وَالْمُتَفَاوِتَةُ كَهُبُوبِ الرِّيحِ وَإِلَى أَنْ تُمْطِرَ السَّمَاءُ وَإِلَى قُدُومِ فُلَانٍ وَإِلَى الْمَيْسَرَةِ فَتَأْجِيلُ الثَّمَنِ الدَّيْنِ الْمَجْهُولِ بِنَوْعَيْهِ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ عَيْنًا فَسَدَ بِالتَّأْجِيلِ، وَلَوْ مَعْلُومًا، وَإِذَا أَجَّلَ الدَّيْنَ أَجَلًا مَجْهُولًا بِجَهَالَةٍ مُتَقَارِبَةٍ، ثُمَّ أَبْطَلَهُ الْمُشْتَرِي قَبْلَ مَحَلِّهِ وَقَبْلَ فَسْخِهِ لِلْفَسَادِ انْقَلَبَ جَائِزًا، وَإِنْ مَضَتْ الْمُدَّةُ قَبْلَ إبْطَالِهِ تَأَكَّدَ فَسَادُهُ، وَإِنْ كَانَتْ جَهَالَتُهُ مُتَفَاوِتَةً، فَإِنْ أَبْطَلَهُ الْمُشْتَرِي قَبْلَ التَّفَرُّقِ انْقَلَبَ جَائِزًا اهـ. وَهُنَا مَسَائِلُ فِي الْوَاقِعَاتِ مُتَعَلِّقَةٌ بِالثَّمَنِ أَحْبَبْت ذِكْرَهَا هُنَا الْأُولَى الْمَأْذُونُ لَهُ فِي الْبَيْعِ إذَا بَاعَ وَمَاتَ فَجَاءَ الْمَالِكُ فَلَيْسَ لَهُ مُطَالَبَةُ وَارِثِ الْبَائِعِ مَا لَمْ يَثْبُتْ قَبْضُهُ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ وَلَا مُطَالَبَةَ لَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي إلَّا بِرِضَا الْوَارِثِ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِالْبَيْعِ إذَا مَاتَ لَا يَنْتَقِلُ حَقُّ الْمُطَالَبَةِ بِالثَّمَنِ إلَى مُوَكِّلِهِ، وَإِنَّمَا يَنْتَقِلُ إلَى وَارِثِهِ أَوْ وَصِيِّهِ إنْ كَانَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَصَبَ الْقَاضِي عَنْهُ وَصِيًّا لِيَقْبِضَ وَكَأَحَدِ الْمُتَفَاوِضَيْنِ إذَا مَاتَ كَانَ قَبْضُ الثَّمَنِ إلَى وَصِيِّهِ الثَّانِيَةُ بَيَّاعٌ عِنْدَهُ بَضَائِعُ لِلنَّاسِ أَمَرُوهُ بِبَيْعِهَا فَبَاعَهَا وَنَقَدَ الثَّمَنَ مِنْ مَالِهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ لَهُ فَأَفْلَسَ الْمُشْتَرِي كَانَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَسْتَرِدَّ مِنْ الْمَالِكِ مَا دَفَعَهُ إلَيْهِ. الثَّالِثَةُ بَايَعَ أَقْوَامًا، ثُمَّ مَاتَ وَعَلَيْهِمْ دُيُونٌ، وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُ وَارِثٌ فَأَخَذَ السُّلْطَانُ دُيُونَهُ، ثُمَّ ظَهَرَ لَهُ وَارِثٌ لَا يَبْرَأُ الْغُرَمَاءُ وَعَلَيْهِمْ الْأَدَاءُ ثَانِيًا إلَى الْوَارِثِ اهـ. وَفِي الْمِصْبَاحِ حَلَّ الدَّيْنُ يَحِلُّ بِالْكَسْرِ حُلُولًا انْتَهَى أَجَلُهُ فَهُوَ حَالٌّ وَأَجَلُ الشَّيْءِ مُدَّتُهُ وَوَقْتُهُ الَّذِي يَحِلُّ فِيهِ وَهُوَ مَصْدَرُ أَجِلَ الشَّيْءُ أَجَلًا مِنْ بَابِ تَعِبَ وَأَجَلَ أُجُولًا مِنْ بَابِ قَعَدَ لُغَةً وَأَجَّلْته تَأْجِيلًا جَعَلْت لَهُ أَجَلًا اهـ. فَظَاهِرُهُ لَا يُقَالُ حَلَّ إلَّا بَعْدَ تَأْجِيلٍ وَلَيْسَ بِمُرَادٍ فِي الْكِتَابِ وَفِي الْقَامُوسِ حَلَّ الدَّيْنُ صَارَ حَالًّا، وَذَكَرَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ بَابِ الِاخْتِلَافَاتِ بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي مَسْأَلَةٌ لَطِيفَةٌ. (قَوْلُهُ وَمُطْلَقُهُ عَلَى النَّقْدِ الْغَالِبِ) أَيْ مُطْلَقُ الثَّمَنِ بِبَيَانِ قَدْرِهِ وَنَوْعِهِ دُونَ وَصْفِهِ وَالتَّقْيِيدُ بِبَلَدٍ بِأَنْ وَقَعَ الْبَيْعُ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ يَنْصَرِفُ إلَى غَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَعَارَفُ فَيَنْصَرِفُ الْمُطْلَقُ إلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ إطْلَاقُ اسْمِ الدَّرَاهِمِ فِي الْعُرْفِ يَخْتَصُّ بِهَا مَعَ وُجُودِ دَرَاهِمَ غَيْرِهَا فَهُوَ تَخْصِيصُ الدَّرَاهِمِ بِالْعُرْفِ الْقَوْلِيِّ وَهُوَ مِنْ إفْرَادِ تَرْكِ الْحَقِيقَةِ بِدَلَالَةِ الْعُرْفِ، وَإِنْ كَانَ التَّعَامُلُ بِهَا فِي الْغَالِبِ كَانَ مَنْ تَرَكَهَا بِدَلَالَةِ الْعَادَةِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا وَاجِبٌ تَحَرِّيًا لِلْجَوَازِ وَعَدَمِ إهْدَارِ كَلَامِ الْعَاقِلِ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ لَكِنَّهُ جَزَمَ فِي التَّحْرِيرِ بِأَنَّ الْعَادَةَ هِيَ الْعُرْفُ الْعَمَلِيُّ، وَإِنَّ مَسْأَلَةَ الدَّرَاهِمِ مِنْ الْعُرْفِ الْقَوْلِيِّ وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لَوْ بَاعَهُ إلَى أَجَلٍ مُعَيَّنٍ وَشَرَطَ أَنْ يُعْطِيَهُ الْمُشْتَرِي أَيَّ نَقْدٍ يَرُوجُ يَوْمئِذٍ كَانَ الْبَيْعُ فَاسِدًا، وَذَكَرَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ أَنَّ الْمُرَاد بِالْبَلَدِ الْبَلَدُ الَّذِي جَرَى فِيهَا الْبَيْعُ لَا بَلَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ اخْتَلَفَتْ النُّقُودُ فَسَدَ إنْ لَمْ يُبَيِّنْ) أَيْ فَسَدَ الْبَيْعُ لِوُجُودِ الْجَهَالَةِ الْمُفْضِيَةِ إلَى الْمُنَازَعَةِ فَإِذَا ارْتَفَعَتْ بِبَيَانِ أَحَدِهِمَا فِي الْمَجْلِسِ وَرَضِيَ الْآخَرُ صَحَّ لِارْتِفَاعِ الْمُفْسِدِ قَبْلَ تَقَرُّرِهِ فَصَارَ كَالْبَيَانِ الْمُقَارِنِ وَالْمُرَادُ بِالْبَيَانِ فِي كَلَامِهِ الْبَيَانُ التَّأَخُّرُ؛ لِأَنَّ الْمُقَارِنَ يَخْرُجُ عَنْ مَوْضُوعِ الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّ مَوْضُوعَهَا مُطْلَقُهُ فَافْهَمْ وَالْمُرَادُ بِاخْتِلَافِ النُّقُودِ اخْتِلَافُ مَالِيَّتِهَا مَعَ الِاسْتِوَاءِ فِي الرَّوَاجِ كَالْبُنْدُقِيِّ وَالْقَايِتْبايِي وَالسُّلَيْمِيِّ وَالْمَغْرِبِيِّ وَالْغُورِيِّ فِي الْقَاهِرَةِ الْآنَ. فَالْحَاصِلُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَالنَّيْرُوزِ وَالْمِهْرَجَانِ) قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ اشْتَرَى شَيْئًا بِثَمَنٍ إلَى النَّيْرُوزِ ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَالُوا هَذَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي بِمَا بَقِيَ إلَى النَّيْرُوزِ، فَإِنْ عَلِمَا جَازَ اهـ. وَسَيَأْتِي مَتْنًا فِي بَابِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ. [مَسَائِلُ مُتَعَلِّقَةٌ بِالثَّمَنِ] (قَوْلُهُ لَا يَبْرَأُ الْغُرَمَاءُ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَتَرْجِعُ الْغُرَمَاءُ عَلَى السُّلْطَانِ، فَإِنْ لَمْ يَدْفَعْ لَهُمْ فَقَدْ ظَلَمَ وَلَهُمْ الْمُطَالَبَةُ فِي الْآخِرَةِ. (قَوْلُهُ فَظَاهِرُهُ لَا يُقَالُ حَلَّ إلَّا بَعْدَ تَأْجِيلٍ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ فِيهِ نَظَرٌ لِلْفَرْقِ الْبَيِّنِ بَيْنَ حَلَّ الدَّيْنُ وَبَاعَهُ بِحَالٍ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي الْمَغْرِبِ حَلَّ الدَّيْنُ وَجَبَ وَلَزِمَ وَالدَّيْنُ الْحَالُّ خِلَافُ الْمُؤَجَّلِ. (قَوْلُهُ وَذُكِرَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ بَابِ الِاخْتِلَافِ إلَخْ) هِيَ عَلَى مَا فِي مُنْتَخَبِ الظَّهِيرِيَّةِ لِلْإِمَامِ الْعَيْنِيِّ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي رَجُلَيْنِ تَبَايَعَا شَيْئًا وَاخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ، فَقَالَ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْته بِخَمْسِينَ دِرْهَمًا إلَى عِشْرِينَ شَهْرًا عَلَى أَنْ أُؤَدِّيَ إلَيْك كُلَّ شَهْرٍ دِرْهَمَيْنِ وَنِصْفًا، وَقَالَ الْبَائِعُ بِعْتُك بِمِائَةِ دِرْهَمٍ إلَى عَشَرَةِ أَشْهُرٍ عَلَى أَنْ تُؤَدِّيَ إلَيَّ كُلَّ شَهْرٍ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ قَالَ مُحَمَّدٌ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا وَيَأْخُذُ الْبَائِعُ مِنْ الْمُشْتَرِي سِتَّةَ أَشْهُرٍ كُلَّ شَهْرٍ عَشَرَةً وَفِي الشَّهْرِ السَّابِعِ سَبْعَةً وَنِصْفًا، ثُمَّ يَأْخُذُ بَعْدَ ذَلِكَ كُلَّ شَهْرٍ دِرْهَمَيْنِ وَنِصْفًا إلَى أَنْ يَتِمَّ لَهُ مِائَةٌ، وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ عَجِيبَةٌ اهـ. وَسَيَذْكُرُ الْمُؤَلِّفُ عِبَارَةَ الظَّهِيرِيَّةِ بِأَبْسَطِ مِنْ هَذَا فِي كِتَابِ الدَّعْوَى عِنْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ فِي فَصْلِ التَّخَالُفِ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْأَجَلِ أَوْ فِي شَرْطِ الْخِيَارِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 303 أَنَّ الْمَسْأَلَةَ رُبَاعِيَّةٌ؛ لِأَنَّهَا إمَّا أَنْ تَسْتَوِيَ فِي الرَّوَاجِ وَالْمَالِيَّةِ مَعًا أَوْ يَخْتَلِفَ فِيهِمَا أَوْ يَسْتَوِيَ فِي أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ وَالْفَسَادُ فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ الِاسْتِوَاءُ فِي الرَّوَاجِ وَالِاخْتِلَافِ فِي الْمَالِيَّةِ وَالصِّحَّةِ فِي ثَلَاثِ صُوَرٍ: فِيمَا إذَا كَانَتْ مُخْتَلِفَةً فِي الرَّوَاجِ وَالْمَالِيَّةِ فَيَنْصَرِفُ إلَى الْأَرْوَجِ وَفِيمَا إذَا كَانَتْ مُخْتَلِفَةً فِي الرَّوَاجِ مُسْتَوِيَةً فِي الْمَالِيَّةِ فَيَنْصَرِفُ إلَى الْأَرْوَجِ أَيْضًا وَفِيمَا إذَا اسْتَوَتْ فِيهِمَا، وَإِنَّمَا الِاخْتِلَافُ فِي الِاسْمِ كَالْمِصْرِيِّ وَالدِّمَشْقِيِّ فَيَتَخَيَّرُ فِي دَفْعِ أَيِّهِمَا شَاءَ فَلَوْ طَلَبَ الْبَائِعُ أَحَدَهُمَا لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَدْفَعَ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَ الْبَائِعِ مِنْ قَبُولِ مَا دَفَعَهُ الْمُشْتَرِي وَلَا فَضْلَ تَعَنُّتٌ، وَلِذَا قُلْنَا إنَّ النَّقْدَ لَا يَتَعَيَّنُ فِي الْمُعَاوَضَاتِ وَمِثْلَ فِي الْهِدَايَةِ مَسْأَلَةَ الِاسْتِوَاءِ فِي الْمَالِيَّةِ بِالثُّنَائِيِّ وَالثُّلَاثِيِّ وَتَعَقَّبَهُ فِي الْعِنَايَةِ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِثَالًا؛ لِأَنَّ مَا كَانَ اثْنَانِ مِنْهُ دَانَقًا وَمَا كَانَ ثَلَاثَةٌ مِنْهُ دَانَقًا لَا يَكُونُ فِي الْمَالِيَّةِ سَوَاءً لَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ فِي الرَّوَاجِ سَوَاءً وَفَسَّرَ الثُّنَائِيَّ وَالثُّلَاثِيَّ فِي الْمِعْرَاجِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الثُّنَائِيُّ وَالثُّلَاثِيُّ أَسْمَاءُ دَرَاهِمَ كَانَتْ فِي بِلَادِهِمْ مُخْتَلِفَةَ الْمَالِيَّةِ، وَكَذَا الرُّكْنِيُّ وَالْخَلِيفَتِيُّ فِي الذَّهَبِ كَانَ الْخَلِيفَتِيُّ أَفْضَلَ مَالِيَّةً عِنْدَهُمْ وَالْعَدَالَى اسْمٌ لِدَرَاهِمَ اهـ. وَفَسَّرَهَا الزَّيْلَعِيُّ بِأَنَّ الثُّنَائِيَّ مَا كَانَ اثْنَانِ بِدِرْهَمٍ وَالثُّلَاثِيَّ مَا كَانَ ثَلَاثَةً مِنْهَا بِدِرْهَمٍ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الثُّنَائِيَّ قِطْعَتَانِ مِنْ فِضَّةٍ إمَّا بِدَانَقٍ أَوْ بِدِرْهَمٍ، وَالثُّلَاثِيَّ ثَلَاثُ قِطَعٍ مِنْهَا إمَّا بِدَانَقٍ أَوْ بِدِرْهَمٍ، وَإِذَا بَاعَ سِلْعَةً بِدِرْهَمٍ فِي بَلْدَةٍ فِيهَا دِرْهَمٌ قِطْعَتَانِ وَدِرْهَمٌ ثَلَاثَةٌ خُيِّرَ الْمُشْتَرِي إنْ شَاءَ دَفَعَ قِطْعَتَيْنِ مِنْ الثُّنَائِيِّ أَوْ ثَلَاثًا مِنْ الثُّلَاثِيِّ، فَالْحَقُّ مَا فِي الْهِدَايَةِ مِنْ الِاسْتِوَاءِ فِي الْمَالِيَّةِ؛ لِأَنَّ قِيمَةَ الثُّنَائِيِّ بِقَدْرِ قِيمَةِ الثُّلَاثِيِّ وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْقِطْعَةَ حَتَّى يَكُونَ مِنْ بَابِ اخْتِلَافِ الْمَالِيَّةِ نَعَمْ لَوْ بَاعَ شَيْئًا بِقِطْعَةٍ فَسَدَ؛ لِأَنَّ قِطْعَةَ الثُّنَائِيِّ نِصْفُ دِرْهَمٍ وَقِطْعَةَ الثُّلَاثِيِّ ثُلُثَ دِرْهَمٍ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي حَلِّ هَذَا الْمَحَلِّ، وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِي قُيِّدَ بِالْبَيْعِ؛ لِأَنَّ فِي الْوَصِيَّةِ إذَا كَانَتْ مُخْتَلِفَةً فِي الْمَالِيَّةِ مُتَسَاوِيَةً فِي الرَّوَاجِ فَتَنْفُذُ وَصَايَاهُ بِأَقَلِّ النُّقُودِ، وَإِنْ كَانَتْ مُتَفَاوِتَةً فِي الرَّوَاجِ مُسْتَوِيَةً فِي الْمَالِيَّةِ انْصَرَفَتْ الْوَصِيَّةُ إلَى النَّقْدِ الْغَالِبِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ كِتَابِ الدَّعْوَى، وَإِنْ ادَّعَى وَزْنِيًّا ذَكَرَ الْجِنْسَ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً، وَلَوْ مَضْرُوبًا بِقَوْلٍ كَذَا دِينَارًا خُوَارِزْمِيًّا أَوْ بُخَارِيًّا جَيِّدًا أَوْ رَدِيئًا وَيَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِ الصِّفَةِ عِنْدَ اخْتِلَافِ النُّقُودِ، وَلَوْ نَقْدًا وَاحِدًا لَا، وَلَوْ نُقُودًا وَالْكُلُّ عَلَى الرَّوَاجِ وَلَا مَزِيَّةَ لِلْبَعْضِ فِيهِ عَلَى الْآخَرِ يَجُوزُ الْبَيْعُ وَيُعْطِي الْمُشْتَرِي أَيًّا شَاءَ لَكِنْ فِي الدَّعْوَى لَا بُدَّ مِنْ التَّعْيِينِ، فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَرْوَجَ يَنْصَرِفُ الْبَيْعُ إلَى الْأَرْوَجِ وَعِنْدَ ذِكْرِ النَّيْسَابُورِيِّ إلَى ذِكْرِ كَوْنِهِ أَحْمَرَ وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْجَوْدَةِ عِنْدَ الْعَامَّةِ، وَقَالَ الْإِمَامُ النَّسَفِيُّ إنْ ذَكَرَ أَحْمَرَ خَالِصًا، وَلَمْ يَذْكُرْ الْجَوْدَةَ كَفَاهُ وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ ضَرْبِ أَيِّ دَارٍ وَقِيلَ لَا يُشْتَرَطُ، وَإِذَا ذَكَرَ أَنَّهَا مُنْتَقَدَةٌ لَا يُحْتَاجُ إلَى ذِكْرِ الْجَوْدَةِ فِي الصَّحِيحِ. وَذَكَرَ اللَّامِشِيُّ إذَا كَانَتْ النُّقُودُ فِي الْبَلَدِ مُخْتَلِفَةً أَحَدُهَا أَرْوَجُ لَا تَصِحُّ الدَّعْوَى مَا لَمْ يُبَيِّنْ، وَكَذَا إذَا أَقَرَّ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ حُمْرٍ وَفِي الْبَلَدِ نُقُودٌ مُخْتَلِفَةٌ حُمْرٌ لَا يَصِحُّ بِلَا بَيَانٍ بِخِلَافِ الْبَيْعِ، فَإِنَّهُ يَنْصَرِفُ إلَى الْأَرْوَجِ وَفِي الذَّخِيرَةِ عِنْدَ اخْتِلَافِ النُّقُودِ فِي الْبَلَدِ وَالتَّسَاوِي فِي الرَّوَاجِ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ وَلَا الدَّعْوَى بِلَا بَيَانٍ، وَإِنْ لَاحَ فَضْلُ الرَّوَاجِ يَنْصَرِفُ إلَيْهِ وَيُعْتَبَرُ كَاللَّفْظِ فِي الدَّعْوَى فَلَا حَاجَةَ إلَى الْبَيَانِ إلَّا إذَا طَالَ الزَّمَانُ مِنْ وَقْتِ الْخُصُومَةِ إلَى وَقْتِ الدَّعْوَى بِحَيْثُ لَا يُعْلَمُ الْأَرْوَجُ فَحِينَئِذٍ لَا بُدَّ مِنْ الْبَيَانِ لِمَا هُوَ الْأَرْوَجُ وَقْتَ الْعَقْدِ إلَى هُنَا مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ الدَّعْوَى. وَذَكَرَ فِي الصُّلْحِ، وَلَوْ كَانَ الْبَدَلُ دَرَاهِمَ يَحْتَاجُ إلَى بَيَانِ الْقَدْرِ وَالصِّفَةِ وَيَقَعُ عَلَى نَقْدِ الْبَلَدِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ النُّقُودُ فَعَلَى الْأَغْلَبِ، وَإِنْ اسْتَوَتْ لَا يَصِحُّ بِلَا بَيَانٍ اهـ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة مِنْ بَابِ الْمَهْرِ مَعْزِيًّا إلَى الْحُجَّةِ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى أَلْفٍ وَفِي الْبَلَدِ نُقُودٌ مُخْتَلِفَةٌ يَنْصَرِفُ إلَى الْغَالِبِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يُنْظَرُ إلَى مَهْرِ مِثْلِهَا فَأَيُّ ذَلِكَ وَافَقَ مَهْرَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ فَالْحَقُّ مَا فِي الْهِدَايَةِ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ مُرَادَ الْهِدَايَةِ أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى بِدِرْهَمٍ وَأَطْلَقَ لَفْظَ الدِّرْهَمِ وَكَانَتْ الدَّرَاهِمُ بَعْضُهَا ثُنَائِيَّةٌ وَبَعْضُهَا ثُلَاثِيَّةٌ صَحَّ وَخُيِّرَ الْمُشْتَرِي وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا مُرَادُ الْهِدَايَةِ مَا فِي الْجَوْهَرَةِ مِنْ قَوْلِهِ فَالثُّنَائِيُّ مَا كَانَ مِنْهُ اثْنَانِ دَانَقًا وَالثَّلَاثُ مَا كَانَ الثَّلَاثَةُ مِنْهُ دَانَقًا فَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَجُوزُ الْبَيْعُ إذَا أَطْلَقَ اسْمَ الدَّرَاهِمِ؛ لِأَنَّهُ لَا مُنَازَعَةَ وَلَا اخْتِلَافَ فِي الْمَالِيَّةِ اهـ. قُلْتُ: وَمِثْلُهُ فِي زَمَانِنَا الذَّهَبُ، فَإِنَّهُ يَكُونُ كَلَامًا وَيَكُونُ نِصْفَيْنِ بِذَهَبٍ وَيَكُونُ أَرْبَاعًا كُلُّ أَرْبَعَةٍ بِذَهَبٍ وَكُلٌّ مِنْ الْكَامِلِ وَالنِّصْفَيْنِ وَالْأَرْبَعَةِ الْأَرْبَاعِ مُتَسَاوِيَةٌ فِي الْمَالِيَّةِ فَإِذَا اشْتَرَى بِذَهَبٍ فَلَهُ دَفْعُ الْكَامِلِ وَالْمُكَسَّرِ. (قَوْلُهُ لَا يَصِحُّ بِلَا بَيَانٍ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ لَا يَثْبُتُ شَيْءٌ بِغَيْرِهِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ، فَإِنَّ فِيهِ يَثْبُتُ الْأَرْوَجُ بِلَا بَيَانٍ وَسَيَأْتِي فِي الْإِقْرَارِ أَنَّهُ يَصِحُّ بِالْمَجْهُولِ وَيَلْزَمُهُ الْبَيَانُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 304 مِثْلِهَا يُحْكَمُ لَهَا بِهِ اهـ. وَقَدْ عُلِمَ بَابُ الْبَيْعِ وَالْوَصِيَّةِ وَالصُّلْحِ وَالدَّعْوَى وَالْإِقْرَارِ وَالْمَهْرِ بَقِيَ الْخُلْعُ لَوْ خَالَعَهَا عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَلَمْ يُبَيِّنْ وَبَقِيَ الْوَاقِفُ لَوْ شَرَطَ لَهُ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ وَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَحِقَّ الْأَقَلَّ وَيَنْبَغِي أَيْضًا فِي الْهِبَةِ كَذَلِكَ وَلَكِنْ فِي الْهِبَةِ لَا تَتِمُّ إلَّا بِالْقَبْضِ فَهُوَ السَّبَبُ لِلْمِلْكِ وَبِهِ يَزُولُ الِاشْتِبَاهُ وَبَقِيَ الْإِجَارَةُ قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ الْإِجَارَاتِ وَهُوَ عَلَى غَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْغَلَبَةُ فَسَدَتْ كَالْبَيْعِ اهـ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْبَيْعَ وَالْإِجَارَةَ وَالصُّلْحَ سَوَاءٌ فِي الدَّعْوَى لَا بُدَّ مِنْ الْبَيَانِ فِي جَمِيعِ الْوُجُوهِ كَالْإِقْرَارِ وَفِي الْمَهْرِ يَقْضِي بِمَا وَافَقَ مَهْرَ الْمِثْلِ وَفِي الْوَصِيَّةِ يَكُونُ لَهُ الْأَقَلُّ وَفِي كِتَابَةِ الْخَانِيَّةِ مَا صَلُحَ مَهْرًا صَلُحَ بَدَلًا فِي الْكِتَابَةِ وَمُقْتَضَاهُ لَوْ كَاتَبَهُ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ وَفِي الْبَلَدِ نُقُودٌ مُسْتَوِيَةٌ أَنْ يَقْضِيَ بِمَا وَافَقَ الْقِيمَةَ وَفِي الْمُجْتَبَى لَوْ اشْتَرَى بِمِائَةِ مِثْقَالِ فِضَّةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ أَوْ ذَهَبٍ لَا يَجُوزُ حَتَّى يَصِفَهُ جَيِّدًا أَوْ غَيْرَهُ، وَلَوْ قَالَ بِأَلْفِ نَبَهْرَجَةٍ أَوْ زُيُوفٍ لَا يَصِحُّ إلَّا إذَا كَانَتْ مَعْرُوفَةً فِي الْبَلَدِ اهـ. وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ لَوْ أَشَارَ إلَى دَرَاهِمَ مَسْتُورَةٍ فَلَمَّا كَشَفَ عَنْهَا ظَهَرَ أَنَّهَا زُيُوفٌ أَوْ خِلَافُ نَقْدِ الْبَلَدِ اسْتَحَقَّ الْجِيَادَ مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ. . (قَوْلُهُ وَيُبَاعُ الطَّعَامُ كَيْلًا وَجُزَافًا) لِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ «فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ» وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ بَيْعُ الْجِنْسِ بِالْجِنْسِ مِنْ الرِّبَا مُجَازَفَةً لِمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ الرِّبَا مِنْ أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ إلَّا إذَا كَانَ قَلِيلًا وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ بَيْعُ الْحِنْطَةِ بِالْحِنْطَةِ مُجَازَفَةً لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا ظَهَرَ تَسَاوِيهِمَا اهـ. يَعْنِي: فِي الْمَجْلِس كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ الرِّبَا وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ شِرَاءُ قَصِيلِ الْبُرِّ بِالْبُرِّ كَيْلًا وَجُزَافًا جَازَ لِعَدَمِ الْجِنَاسِ اهـ. وَلِأَنَّ احْتِمَالَ الرِّبَا كَحَقِيقَتِهِ حَتَّى لَوْ لَمْ يُحْتَمَلْ كَانَ بَاعَ كِفَّةَ مِيزَانٍ مِنْ فِضَّةٍ بِكِفَّةٍ مِنْهَا، فَإِنَّهُ يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ مُجَازَفَةً لِعَدَمِ احْتِمَالِ التَّفَاضُلِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهَكَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَفِي الصَّيْرَفِيَّةِ جَعَلَ فِي كِفَّةِ الْمِيزَانِ تِبْرًا وَفِي الْأُخْرَى ذَهَبًا مَضْرُوبًا وَأَخَذَ الْمِيزَانَ حَتَّى تَعَادَلَتْ الْكِفَّتَانِ فَأَخَذَ صَاحِبُ التِّبْرِ الذَّهَبَ وَصَاحِبُ الذَّهَبِ التِّبْرَ لَا يَجُوزُ مَا لَمْ يَعْلَمَا وَزْنَ الذَّهَبِ؛ لِأَنَّ الذَّهَبَ وَزْنِيٌّ وَأَحَالَهُ إلَى الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي بَابِ مَا يُكَالُ وَمَا يُوزَنُ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَيْضًا وَالطَّعَامُ فِي الْعُرْفِ الْمَاضِي الْحِنْطَةُ وَدَقِيقُهَا وَفِي الْمِصْبَاحِ الطَّعَامُ عِنْدَ أَهْلِ الْحِجَازِ الْبُرُّ خَاصَّةً وَفِي الْعُرْفِ الطَّعَامُ اسْمٌ لِمَا يُؤْكَلُ مِثْلُ الشَّرَابِ اسْمٌ لِمَا يُشْرَبُ وَجَمْعُهُ أَطْعِمَةٌ اهـ. وَالْمُرَادُ بِهِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الْحُبُوبُ كُلُّهَا لَا الْبُرُّ وَحْدَهُ وَلَا كُلُّ مَا يُؤْكَلُ بِقَرِينَةِ قَوْلُهُ كَيْلًا وَجُزَافًا. وَأَمَّا فِي بَابِ الْأَيْمَانِ، فَقَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ طَعَامًا يَنْصَرِفُ إلَى كُلِّ مَأْكُولٍ مَطْعُومٍ حَتَّى لَوْ أَكَلَ الْخَلَّ يَحْنَثُ، وَإِذَا عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى مَا هُوَ مَأْكُولٌ بِعَيْنِهِ يَنْصَرِفُ إلَى مَا هُوَ مَأْكُولٌ بِعَيْنِهِ، وَإِذَا عَقَدَ عَلَى مَا لَيْسَ مَأْكُولًا بِعَيْنِهِ أَوْ عَلَى مَا يُؤْكَلُ بِعَيْنِهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ كَذَلِكَ عَادَةً يَنْصَرِفُ إلَى الْمُتَّخَذِ مِنْهُ اهـ. وَأَمَّا فِي بَابِ الْوَكَالَةِ، فَقَالَ الْمُصَنِّفُ وَبِشِرَاءِ طَعَامٍ يَقَعُ عَلَى الْبُرِّ وَدَقِيقِهِ اهـ. وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ الطَّعَامُ فِي عُرْفِنَا يَنْصَرِفُ إلَى مَا يُمْكِنُ أَكْلُهُ يَعْنِي الْمُعْتَادَ لِلْأَكْلِ كَاللَّحْمِ الْمَطْبُوخِ وَالْمَشْوِيِّ وَنَحْوِهِ، وَقَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى فَلَا تَدْخُلُ الْحِنْطَةُ وَالدَّقِيقُ وَالْخُبْزُ كَمَا فِي النِّهَايَةِ. وَالْجُزَافُ بَيْعُ شَيْءٍ لَا يُعْلَمُ كَيْلُهُ وَلَا وَزْنُهُ وَهُوَ اسْمٌ مِنْ جَازَفَ مُجَازَفَةً مِنْ بَابِ قَاتَلَ وَالْجُزَافُ بِالضَّمِّ خَارِجٌ عَنْ الْقِيَاسِ وَهِيَ فَارِسِيَّةٌ مُعَرَّبُ كزاف، وَمِنْ هُنَا قِيلَ أَصْلُ الْكَلِمَةِ وَصَلَ إلَى الْعَرَبِيَّةِ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّاعِ جَزَفَ فِي الْكَيْلِ جَزْفًا أَكْثَرَ مِنْهُ، وَمِنْهُ الْجُزَافُ وَالْمُجَازَفَةُ فِي الْبَيْعِ وَهِيَ الْمُسَاهَلَةُ وَالْكَلِمَةُ دَخِيلَةٌ فِي الْعَرَبِيَّةِ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ ابْنِ فَارِسٍ الْجَزْفُ الْأَخْذُ بِكَثْرَةٍ كَلِمَةٌ فَارِسِيَّةٌ وَيُقَالُ لِمَنْ يُرْسِلُ كَلَامَهُ إرْسَالًا مِنْ غَيْرِ قَانُونٍ جَازَفَ فِي كَلَامِهِ فَأُقِيمَ نَهْجُ الصَّوَابِ مُقَامَ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ اهـ. وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ الْقِسْمَةُ كَالْبَيْعِ إذَا وَقَعَتْ فِيمَا يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا مُجَازَفَةً لَا تَصِحُّ وَفِي الْعُمْدَةِ اشْتَرَى حِنْطَةَ رَجُلٍ قَبْلَ أَنْ تُحْصَدَ مُكَايَلَةً جَازَ؛ لِأَنَّ الْحِنْطَةَ مَوْجُودَةٌ، وَكَذَلِكَ الْقَوَائِمُ   [منحة الخالق] [تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى أَلْفٍ وَفِي الْبَلَدِ نُقُودٌ مُخْتَلِفَةٌ] (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَحِقَّ الْأَقَلَّ) قَالَ فِي النَّهْرِ يَنْبَغِي أَنْ يُقَيِّدَ هَذَا بِمَا إذَا لَمْ يُعْرَفْ عُرْفُ الْوَاقِفِ، فَإِنْ عُرِفَ صُرِفَتْ الدَّرَاهِمُ إلَيْهِ. [بَيْعُ الْحِنْطَةِ بِالْحِنْطَةِ مُجَازَفَةً] (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ احْتِمَالَ الرِّبَا كَحَقِيقَتِهِ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ لِمَا سَيَأْتِي. (قَوْلُهُ وَفِي الصَّيْرَفِيَّةِ جَعَلَ فِي كِفَّةِ الْمِيزَانِ تِبْرًا إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ بَعْدَ نَقْلِهِ مَا فِي الْفَتْحِ وَلَا يُنَافِيهِ مَا فِي الصَّيْرَفِيَّةِ؛ لِأَنَّ الذَّهَبَ الْخَالِصَ أَقَلُّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْطَبِعُ بِنَفْسِهِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 305 وَالتِّبْنُ قَبْلَ الْكُدْسِ قَبْلَ التَّذْرِيَةِ. [بَيْعُ الْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا مُكَايَلَةً أَوْ مُوَازَنَةً] وَفِي الْقُنْيَةِ يَجُوزُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا مُكَايَلَةً أَوْ مُوَازَنَةً، وَإِنْ لَمْ تَشْتَدَّ الْحُبُوبُ بَعْدُ اهـ. وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَيَجُوزُ بَيْعُ الْحُبُوبِ كَيْلًا وَوَزْنًا وَجُزَافًا بِغَيْرِ جِنْسِهِ لَكَانَ أَوْلَى كَمَا لَا يَخْفَى. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَبَيْعُ الْحِنْطَةِ بِالدَّرَاهِمِ وَزْنًا يَجُوزُ، وَيَجُوزُ بَيْعُ كُلِّ مَا لَا يَتَفَاوَتُ كَالْبُرِّ بِلَا إشَارَةٍ وَلَا إضَافَةٍ لَوْ كَانَ فِي مِلْكِهِ قَدْرُ الْمَبِيعِ كُلِّهِ، وَلَوْ قَالَ بِعْتُك مِائَةَ مَنٍّ مِنْ هَذِهِ الْحِنْطَةِ وَأَعْطَاهَا مِنْ كُدْسٍ آخَرَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ غَيْرَ النَّقْدَيْنِ يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ لَهُ عَلَيْهِ حِنْطَةٌ أَكَلَهَا فَبَاعَهَا مِنْهُ نَسِيئَةً لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ الضَّمَانِ وَالْحِيلَةُ أَنْ يَبِيعَهَا بِثَوْبٍ وَيَقْبِضُ الثَّوْبَ، ثُمَّ يَبِيعُهُ بِدَرَاهِمَ إلَى أَجَلٍ اهـ. وَالْكُدْسُ وِزَانُ قُفْلٍ مَا يُجْمَعُ مِنْ الطَّعَامِ فِي الْبَيْدَرِ فَإِذَا دِيسَ وَدُقَّ فَهُوَ الْعَرَمَةُ وَالصُّبْرَةُ، كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ رَجُلٌ لَهُ زَرْعٌ قَدْ اُسْتُحْصِدَ فَبَاعَ حِنْطَتَهُ جَازَ؛ لِأَنَّهُ بَاعَ مَوْجُودًا مَقْدُورَ التَّسْلِيمِ، وَلَوْ بَاعَ تِبْنَهَا لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ التِّبْنَ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ الدَّوْسِ وَالتَّذْرِيَةِ فَكَانَ بَيْعَ الْمَعْدُومِ؛ وَاسْتِحْصَادُ الزَّرْعِ إدْرَاكُهُ وَفِي الذَّخِيرَةِ ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى غَيْرِهِ شَيْئًا مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ أَوْ يُعَدُّ فَاشْتَرَاهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ الْمُدَّعِي بِمِائَةِ دِينَارٍ، ثُمَّ تَصَادَقَا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِلْمُدَّعِي عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فَالْعَقْدُ بَاطِلٌ تَفَرَّقَا أَوْ لَمْ يَتَفَرَّقَا؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَتَعَلَّقُ بِالْكُرِّ فِي ذِمَّتِهِ بِالْإِضَافَةِ إلَيْهِ فَإِذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الذِّمَّةِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ بَاعَ الْمَعْدُومَ وَبَيْعُ الْمَعْدُومِ بَاطِلٌ، وَلَوْ ادَّعَى دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ أَوْ فُلُوسًا اشْتَرَاهَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِدَرَاهِمَ وَنَقَدَ الدَّرَاهِمَ، ثُمَّ تَصَادَقَا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَفِي مَسْأَلَةِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ إذَا لَمْ يَتَفَرَّقَا وَرَجَعَ بِمِثْلِ مَا اشْتَرَى يَصِحُّ الْعَقْدُ، ثُمَّ يَتَعَلَّقُ بِالْمُسَمَّى فِي الذِّمَّةِ، وَلَوْ تَفَرَّقَا بَطَلَ الْعَقْدُ وَفِي الْفُلُوسِ لَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ، وَإِنْ تَفَرَّقَا قَبْلَ قَبْضِ مَا اشْتَرَى؛ لِأَنَّ فِي بَيْعِ الْفُلُوسِ بِالدَّرَاهِمِ يُكْتَفَى بِقَبْضِ أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ حَقِيقَةً، وَإِذَا اشْتَرَى شَيْئًا بِدَرَاهِمِ دَيْنٍ وَهُمَا يَعْلَمَانِ أَنْ لَا دَيْنَ لَمْ يَجُزْ، وَمِنْ الْمَسَائِلِ الْحِنْطَةُ وَدَعْوَاهَا قَالَ فِي دَعْوَى الْبَزَّازِيَّةِ ادَّعَى عَشَرَةَ أَقْفِزَةِ حِنْطَةً لَا يَصِحُّ بِلَا بَيَانِ السَّبَبِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ سَلَّمَا يُطَالَبُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي عُيِّنَ عِنْدَهُ، وَإِنْ قَرْضًا أَوْ ثَمَنَ مَبِيعٍ تَعَيَّنَ مَكَانُ الْبَيْعِ وَالْقَرْضِ، وَإِنْ غَصْبًا وَاسْتِهْلَاكًا تَعَيَّنَ مَكَانُ الْغَصْبِ وَالِاسْتِهْلَاكِ اهـ. . [الْمُشْتَرِي إذَا قَالَ بِعْنِي هَذَا الْكُرَّ الْحِنْطَةَ فَبَاعَهُ] وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَالْمُنْتَقَى الْمُشْتَرِي إذَا قَالَ بِعْنِي هَذَا الْكُرَّ الْحِنْطَةَ فَبَاعَهُ فَهُوَ عَلَى الْكَيْلِ، فَإِنَّهُ قَبَضَهُ بِغَيْرِ كَيْلٍ، ثُمَّ كَالَهُ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْ الْبَائِعِ جَازَ إلَّا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يُصَدَّقُ عَلَى مَا يَدَّعِي مِنْ النُّقْصَانِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَدَّقَ عَلَى وَفَاءِ الْكَيْلِ، وَإِنَّمَا كَيْلُهُ تَحْلِيلٌ لِمُوَافَقَةِ السُّنَّةِ اهـ. وَلَعَلَّهُ إنَّمَا لَا يُصَدَّقُ مَعَ أَنَّ الْقَوْلَ لِلْقَابِضِ لِإِقْرَارِهِ بِقَوْلِهِ بِعْنِي هَذَا الْكُرَّ. . (قَوْلُهُ وَبِإِنَاءٍ أَوْ حَجَرٍ لَا يُعْرَفُ قَدْرُهُ) ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْجَهَالَةَ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يُوجِبُ التَّسْلِيمَ فِي الْحَالِ وَهَلَاكُهُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ نَادِرٌ وَبِهِ انْدَفَعَ مَا رَوَاهُ الْحَسَنُ مِنْ عَدَمِ الْجَوَازِ لِلْجَهَالَةِ وَمَا فِي الْكِتَابِ هُوَ الْأَصَحُّ وَلَا يُرِدُ عَلَيْهِ السَّلَمُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِمَا سَيَأْتِي، فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ مِقْدَارِ الْمُسْلَمِ فِيهِ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ لَا يَكُونُ فِيهِ إلَّا بَعْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ وَالْهَلَاكُ قَبْلَهُ غَيْرُ نَادِرٍ وَاحْتِمَالُ الْفَسَادِ فِيهِ مُلْحَقٌ بِحَقِيقَتِهِ وَأَطْلَقَهُ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَحْتَمِلْ الْحَجَرُ التَّفَتُّتَ وَالْإِنَاءُ النُّقْصَانُ كَأَنْ يَكُونَ مِنْ خَشَبٍ أَوْ حَدِيدٍ، فَإِنْ احْتَمَلَهُمَا لَمْ يَجُزْ كَالزِّنْبِيلِ وَالْغَرَائِرِ وَالْخِيَارِ وَالْبِطِّيخِ وَعَلَى هَذَا مِلْءُ قِرْبَةٍ بِعَيْنِهَا أَوْ رَاوِيَةٍ مِنْ النِّيلِ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ لَيْسَ عِنْدَهُ وَلَا يُعْرَفُ قَدْرُ الْقِرْبَةِ لَكِنْ أَطْلَقَ فِي الْمُجَرَّدِ جَوَازَهُ وَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ الْقِرَبِ الْمُتَعَارِفَةِ فِي الْبَلَدِ مَعَ غَالِبِ السَّقَّايِينَ فَلَوْ مَلَأَ لَهُ بِأَصْغَرَ مِنْهَا لَا يُقْبَلُ، وَكَذَا رَاوِيَةٌ مِنْهُ يُوفِيهِ فِي مَنْزِلِهِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا مَلَأَهَا، ثُمَّ تَرَاضَيَا جَازَ كَمَا قَالُوا إذَا بَاعَ الْحَطَبَ وَنَحْوَهُ أَحْمَالًا لَا يَجُوزُ، وَلَوْ حَمَلَهُ عَلَى الدَّابَّةِ، ثُمَّ بَاعَهُ الْحَمْلَ جَازَ لِتَعْيِينِ قَدْرِ الْمَبِيعِ فِي الثَّانِي وَفِي الْمُحِيطِ بَيْعُ الْمَاءِ فِي الْحِيَاضِ وَالْآبَارِ لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا جَعَلَهُ فِي إنَاءٍ وَفِي الْخُلَاصَةِ خِلَافُهُ قَالَ اشْتَرَى كَذَا كَذَا قِرْبَةً مِنْ مَاءِ الْفُرَاتِ جَازَ اسْتِحْسَانًا إذَا كَانَتْ الْقِرْبَةُ مُعَيَّنَةً وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ فِي الْقِرَبِ مُطْلَقًا وَمُرَادُ   [منحة الخالق] [اشْتَرَى حِنْطَةَ رَجُلٍ قَبْلَ أَنْ تُحْصَدَ مُكَايَلَةً] (قَوْلُهُ وَفِي الْقُنْيَةِ يَجُوزُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا مُكَايَلَةً إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ نَحْوَ عَشَرَةِ أَمْدَادٍ مَثَلًا مِنْهَا بِكَذَا مِنْ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ مَبِيعٌ مَوْجُودٌ مُغَطًّى بِسُنْبُلِهِ فَلَا مَانِعَ مِنْ جَوَازِهِ. [بَيْعُ الْحِنْطَةِ بِالدَّرَاهِمِ وَزْنًا] (قَوْلُهُ عَلَيْهِ حِنْطَةٌ أَكَلَهَا فَبَاعَهَا مِنْهُ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ تَقَدَّمَ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ هُوَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ زِيَادَةُ بَحْثٍ فِي الْمَسْأَلَةِ وَمَقَالٍ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 306 الْمُصَنِّفِ جَوَازُ الْبَيْعِ بِالْإِنَاءِ وَالْحَجَرِ لَا لُزُومُهُ فَفِي الْمِعْرَاجِ عَنْ جَمْعِ التَّفَارِيقِ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارَ. [اشْتَرَى بِوَزْنِ هَذَا الْحَجَرِ ذَهَبًا ثُمَّ عِلْم بِهِ] وَفِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ لَوْ اشْتَرَى بِوَزْنِ هَذَا الْحَجَرِ ذَهَبًا، ثُمَّ عَلِمَ بِهِ جَازَ وَلَهُ الْخِيَارُ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بَعْدَ نَقْلِهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا مَحْمَلَ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي الْبَيْعِ أَيْضًا كَالسَّلَمِ أَيْ لَا يَلْزَمُ اهـ. وَهُوَ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ بَلْ ظَاهِرُ الْهِدَايَةِ أَنَّهُ عَلَى حَقِيقَتِهِ، وَلِذَا قَالَ إنَّ الْجَوَازَ أَصَحُّ وَأَظْهَرُ وَشَرْطٌ فِي الْمَبْسُوطِ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ أَنْ يَكُونَ يَدًا بِيَدٍ فَلَا يَصِحُّ إلَّا بِشَرْطِ تَعْجِيلِ التَّسْلِيمِ، وَمِنْ هُنَا طَعَنَ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ عَلَى مَنْ اشْتَرَطَ فِيمَا يُوزَنُ بِهِ أَنْ لَا يُحْتَمَلَ النُّقْصَانُ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا جَفَافَ يُوجِبُ النُّقْصَانَ وَمَا قَدْ يَعْرِضُ مِنْ تَأَخُّرِهِ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ مَمْنُوعٌ بَلْ لَا يَجُوزُ كَمَا لَا يَجُوزُ فِي السَّلَمِ إلَى آخِرِ مَا حَقَّقَهُ وَهُوَ حَسَنٌ جِدًّا، وَهَذَا الْخِيَارُ خِيَارُ كَشْفِ الْحَالِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي مَسْأَلَةِ الْحَفِيرَةِ وَالْمَطْمُورَةِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ بَاعَهُ مِنْ هَذِهِ الْحِنْطَةِ قَدْرَ مَا يَمْلَأُ هَذَا الطَّشْتَ جَازَ، وَلَوْ بَاعَهُ قَدْرَ مَا يَمْلَأُ هَذَا الْبَيْتَ لَا يَجُوزُ اهـ. وَذَكَرَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ الْقَصَعَةُ مَعَ الطَّشْتِ وَقَدَّمْنَا مَا إذَا بَاعَهُ جَمِيعَ مَا فِي هَذَا الْبَيْتِ أَوْ الدَّارِ أَوْ الصُّنْدُوقِ أَوْ الْقِرْبَةِ وَيُشْتَرَطُ لِبَقَاءِ عَقْدِ الْبَيْعِ عَلَى الصِّحَّةِ بَقَاءُ الْإِنَاءِ وَالْحَجَرِ عَلَى حَالِهِمَا فَلَوْ تَلِفَا قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَسَدَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ مَبْلَغُ مَا بَاعَهُ مِنْهُ، كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ. . (قَوْلُهُ وَمَنْ بَاعَ صُبْرَةً كُلَّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ صَحَّ فِي صَاعٍ) يَعْنِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنْ يُسَمِّيَ جَمِيعَ قُفْزَانِهَا أَوْ جَمِيعَ ثَمَنِهَا، وَقَالَا يَصِحُّ مُطْلَقًا لَهُ أَنَّهُ تَعَذَّرَ الصَّرْفُ إلَى الْكُلِّ لِجَهَالَةِ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ فَيَنْصَرِفُ إلَى الْأَقَلِّ وَهُوَ مَعْلُومٌ إلَّا أَنْ تَزُولَ الْجَهَالَةُ بِتَسْمِيَةِ جَمِيعِ الْقُفْزَانِ أَوْ بِالْكَيْلِ فِي الْمَجْلِسِ وَلَهُمَا أَنَّ الْجَهَالَةَ بِيَدِهِمَا إزَالَتُهَا وَمِثْلُهَا غَيْرُ مَانِعٍ كَمَا إذَا بَاعَ عَبْدًا مِنْ عَبْدَيْنِ عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ بِالْخِيَارِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الْخِيَارَ عَلَى قَوْلِهِ قَالُوا لَهُ الْخِيَارُ فِي الْوَاحِدِ كَمَا إذَا رَآهُ، وَلَمْ يَكُنْ رَآهُ وَقْتَ الْبَيْعِ. وَظَاهِرُ مَا فِي الْهِدَايَةِ تَرْجِيحُ قَوْلِهِمَا لِتَأْخِيرِهِ دَلِيلُهُمَا كَمَا هُوَ عَادَتُهُ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْخُلَاصَةِ فِي نَظِيرِهِ بِأَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا، فَقَالَ رَجُلٌ اشْتَرَى الْعِنَبَ كُلَّ وِقْرٍ بِكَذَا وَالْوِقْرُ عِنْدَهُمْ مَعْرُوفٌ إنْ كَانَ الْعِنَبُ عِنْدَهُمْ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ يَجِبُ أَنْ يَجُوزَ فِي وِقْرٍ وَاحِدٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا فِي بَيْعِ الصُّبْرَةِ كُلَّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ، وَإِنْ كَانَ الْعِنَبُ عِنْدَهُمْ أَجْنَاسًا مُخْتَلِفَةً لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ أَصْلًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَبَيْعِ قَطِيعِ الْغَنَمِ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ إذَا   [منحة الخالق] [رَجُلٌ لَهُ زَرْعٌ قَدْ اُسْتُحْصِدَ فَبَاعَ حِنْطَتَهُ] (قَوْلُهُ بَلْ ظَاهِرُ الْهِدَايَةِ أَنَّهُ عَلَى حَقِيقَتِهِ) أَيْ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ لَا يَجُوزُ نَفْيُ الْجَوَازِ حَقِيقَةً لَا نَفْيُ اللُّزُومِ بِقَرِينَةِ تَصْحِيحِهِ لِقَابِلِهِ، وَإِذَا كَانَ الْأَصَحُّ خِلَافَهُ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْحَمْلِ الْمَذْكُورِ وَلَكِنْ لَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّ بِالْحَمْلِ الْمَذْكُورِ تَتَّفِقُ الرِّوَايَتَانِ وَهُوَ خَيْرٌ مِنْ اخْتِلَافِهِمَا فَلَا يَدْفَعُهُ مَا فِي الْهِدَايَةِ نَعَمْ الْأَوْلَى مَا فِي النَّهْرِ حَيْثُ قَالَ عِبَارَتُهُ فِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ اشْتَرَى طَعَامًا بِإِنَاءٍ لَا يَعْرِفُ قَدْرَهُ قَالُوا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُكَايَلَةٍ وَلَا مُجَازَفَةٍ اهـ. وَهَذَا التَّعْلِيلُ يَمْنَعُ هَذَا الْحَمْلَ فَتَدَبَّرْهُ اهـ. (قَوْلُهُ، وَمِنْ هُنَا طَعَنَ الْمُحَقِّقُ إلَخْ) وَذَلِكَ حَيْثُ قَالَ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ اشْتِرَاطُ كَوْنِ مَا يُوزَنُ بِهِ لَا يَحْتَمِلُ النُّقْصَانَ حَتَّى لَا يَجُوزَ بِوَزْنِ هَذِهِ الْبِطِّيخَةِ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّهَا تَنْتَقِصُ بِالْجَفَافِ وَعَوَّلَ بَعْضُهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ، فَإِنَّ الْبَيْعَ بِوَزْنٍ بِعَيْنِهِ لَا يَصِحُّ إلَّا بِشَرْطِ تَعَجُّلِ التَّسْلِيمِ وَلَا جَفَافَ يُوجِبُ نَقْصًا فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ وَمَا قَدْ يَعْرِضُ مِنْ تَأَخُّرِهِ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ مَمْنُوعٌ بَلْ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ كَمَا لَا يَجُوزُ الْإِسْلَامُ فِي وَزْنِ ذَلِكَ الْحَجَرِ لِخَشْيَةِ الْهَلَاكِ فَيَتَعَذَّرُ التَّسْلِيمُ وَتَقَعُ الْمُنَازَعَةُ الْمَانِعَةُ مِنْهُ وَالْغَرَضُ أَنَّ أَقَلَّ مُدَّةِ السَّلَمِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَلَا شَكَّ أَنَّ تَأَخُّرَ التَّسْلِيمِ فِيهِ إلَى مَجْلِسٍ آخَرَ يُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ؛ لِأَنَّ هَلَاكَهُ إنْ نَدَرَ فَالِاخْتِلَافُ فِي أَنَّهُ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ وَالتُّهْمَةُ فِيهِ لَيْسَ بِنَادِرٍ وَكُلُّ الْعِبَارَاتِ تُفِيدُ تَقَيُّدَ صِحَّةِ الْبَيْعِ فِي ذَلِكَ بِالتَّعْجِيلِ كَمَا فِي عِبَارَةِ الْمَبْسُوطِ حَيْثُ قَالَ لَوْ اشْتَرَى بِهَذَا الْإِنَاءِ يَدًا بِيَدٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ، ثُمَّ إنَّ فِي الْمُعَيَّنِ الْبَيْعَ مُجَازَفَةً يَجُوزُ فَبِمِكْيَالٍ غَيْرِ مَعْرُوفٍ أَوْلَى، وَهَذَا؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ عَقِبَ الْبَيْعِ إلَى آخِرِ مَا ذُكِرَ اهـ. كَلَامُ الْمُحَقِّقِ سَقَى اللَّهُ ضَرِيحَهُ صَيِّبَ الْعَفْوِ وَالرِّضْوَانَ. [بَاعَ صُبْرَةً كُلَّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ] (قَوْلُهُ: وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْخُلَاصَةِ فِي نَظِيرِهِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَفِي عُيُونِ الْمَذَاهِبِ بِهِ يُفْتَى لَا لِضَعْفِ دَلِيلِ الْإِمَامِ بَلْ تَيْسِيرًا عَلَى النَّاسِ وَكَأَنَّهُ فِي الْبَحْرِ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى هَذَا، فَقَالَ رُجِّحَ قَوْلُهُمَا فِي الْخُلَاصَةِ فِي نَظِيرِهِ اهـ. وَعَزَا فِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ مِثْلَ مَا فِي النَّهْرِ إلَى الشرنبلالية عَنْ الْبُرْهَانِ وَالْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ قُلْتُ: لَكِنْ قُرِّرَ فِي الْفَتْحِ دَلِيلُ قَوْلِهِ وَدَلِيلُ قَوْلِهِمَا، ثُمَّ قَالَ وَحِينَئِذٍ تَرَجَّحَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، ثُمَّ قَالَ وَتَأْخِيرُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ دَلِيلَهُمَا ظَاهِرٌ فِي تَرْجِيحِهِ قَوْلَهُمَا وَهُوَ مَمْنُوعٌ اهـ. وَفِي تَصْحِيحِ الشَّيْخِ قَاسِمٍ قَالَ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ يُرَجَّحُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَكَذَا رَجَّحَهُ فِي الْكَافِي وَاعْتَمَدَهُ الْمَحْبُوبِيُّ وَالنَّسَفِيُّ وَصَدْرُ الشَّرِيعَةِ، وَكَذَا فِي بَيْعِ الْقَطِيعِ وَالزَّرْعِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ اهـ. وَقَدْ يُقَالُ إنَّ هَذَا تَرْجِيحٌ لَهُ مِنْ حَيْثُ قُوَّةُ الدَّلِيلِ وَالْأَوَّلُ تَرْجِيحٌ لَهُ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ أَيْسَرَ عَلَى النَّاسِ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ كَلَامُ عُيُونِ الْمَذَاهِبِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 307 كَانَ جِنْسًا وَاحِدًا فِي كُلِّ الْعِنَبِ كُلَّ وِقْرٍ بِمَا قَالَ: وَكَذَا إذَا كَانَ الْجِنْسُ مُخْتَلِفًا هَكَذَا أَوْرَدَهُ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَالْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ جَعَلَ الْجَوَابَ بِالْجَوَازِ فِيمَا إذَا كَانَ الْعِنَبُ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَجْنَاسٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا تَيْسِيرًا لِلْأَمْرِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ اهـ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَتَفْرِيعُ الصَّدْرِ الشَّهِيدِ أَوْجَهُ اهـ. وَفِي الْمِعْرَاجِ أَنَّ أَبَا اللَّيْثِ هَذَا هُوَ الْخُوَارِزْمِيَّ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَيْسَ هُوَ الْفَقِيهَ الْمَشْهُورَ، قُيِّدَ بِقَوْلِهِ كُلُّ قَفِيزٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ بِعْتُك هَذِهِ الصُّبْرَةَ عَلَى أَنَّهَا قَفِيزٌ أَوْ بِعْتُك قَفِيزًا مِنْهَا فَهُمَا سَوَاءٌ وَالْبَيْعُ وَاقِعٌ عَلَى قَفِيزٍ وَاحِدٍ، فَإِنْ وَجَدَهُ أَقَلَّ مِنْ قَفِيزٍ فَبِهِ الْخِيَارُ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ كَمَا إذَا قَالَ بِعْتُك عَلَى أَنَّهُ كُرٌّ كُلَّ قَفِيزٍ بِكَذَا فَوَجَدَهُ أَنْقَصَ فَلَهُ الْخِيَارُ. كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَفِيهَا أَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا الْخِيَارَ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ قَبْلَ الْكَيْلِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ قَائِمَةٌ أَوْ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ وَاسْتُشْكِلَ الْقَوْلُ بِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ بِانْصِرَافِهِ إلَى الْوَاحِدِ فَلَا تَفْرِيقَ وَأَجَابَ فِي الْمِعْرَاجِ بِأَنَّ انْصِرَافَهُ إلَى الْوَاحِدِ مُجْتَهَدٌ فِيهِ وَالْعَوَامُّ لَا عِلْمَ لَهُمْ بِالْمَسَائِلِ الِاجْتِهَادِيَّةِ فَلَا يَنْزِلُ عَالِمًا فَلَا يَكُونُ رَاضِيًا، كَذَا فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ وَفِيهِ نَوْعُ تَأَمُّلٍ اهـ. وَصَرَّحَ فِي الْبَدَائِعِ بِلُزُومِ الْبَيْعِ فِي الْوَاحِدِ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَعِنْدَهُمَا الْبَيْعُ فِي الْكُلِّ لَازِمٌ وَلَا خِيَارَ وَصُبْرَةُ الطَّعَامِ مِثَالٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ أَوْ مَعْدُودٍ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ إذَا لَمْ يَكُنْ مُخْتَلِفَ الْقِيمَةِ كَذَلِكَ، وَكَذَا قَوْلُهُ كُلَّ صَاعٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ كُلَّ صَاعَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ بِقَدْرِ مَا سُمِّيَ عِنْدَهُ وَقَيَّدْنَا بِعَدَمِ تَسْمِيَةِ ثَمَنِ الْجَمِيعِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ بَيَّنَهُ، وَلَمْ يُبَيِّنْ جُمْلَةَ الصُّبْرَةِ كَمَا لَوْ قَالَ بِعْتُك هَذِهِ الصُّبْرَةَ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ كُلَّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ فِي الْجَمِيعِ اتِّفَاقًا. وَفِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ مِنْ بَابِ الْكَيْلِ يَزِيدُ أَوْ يَنْقُصُ اشْتَرَى عَلَى أَنَّهُ كُرٌّ فَابْتَلَّ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ جَفَّ وَأَمْضَى فَالْفَضْلُ وَالنَّقْصُ لَهُ وَعَلَيْهِ إنْ كَانَا بَعْدَ الْكَيْلِ لِمِلْكِ الْأَصْلِ كَالْوَلَدِ وَالْعَمَى وَلِلْبَائِعِ وَعَلَيْهِ إنْ كَانَا قَبْلَهُ إذْ الْكَيْلُ كَالْإِنْشَاءِ لِإِبْهَامِ قَبْلِهِ وَالْمَكِيلُ كَالْجُزَافِ وَفَاءً بِالْإِشَارَةِ وَالشَّرْطِ، وَلَوْ اشْتَرَى قَفِيزًا مِنْهُ فَمَا بَعْدَ الْكَيْلِ كَمَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ مُبْهَمٌ مَا لَمْ يُقْبَضْ حَتَّى لَمْ يَنْقُصْهُ التَّلَفُ مَا أَبْقَى مِنْ الْكُرِّ وَجَازَ التَّبْدِيلُ مَا لَمْ يُجَاوِزْهُ فَلَا يُعْلَمُ الْحُدُوثُ فِي الْمِلْكِ، فَإِنَّهُ قَابَلَهُ الْجِنْسُ أَفْسَدَهُ مُحَمَّدٌ فِي الطَّارِئِ حَالَ الْإِبْهَامِ إذْ التَّعْيِينُ كَالْإِنْشَاءِ وَلَا يَرَى مُبِيحًا بِالْغَيْرِ وَالْمِثْلِ مُلْحَقًا بِالرُّطَبِ وَالتَّمْرِ مَا يَتَفَاوَتُ فِي الْمَالِ حَتَّى الْمُنْقَعِ دَافِعًا لِلرُّطَبِ بِالرُّطَبِ إذْ التَّفَاوُتُ فِي غَيْر الْمَبِيعِ إلَى آخِرِهِ وَقُيِّدَ بِالْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْإِجَارَة وَالْإِقْرَارُ يَنْصَرِفُ إلَى الْوَاحِدِ اتِّفَاقًا كَمَا إذَا قَالَ أَجَّرْتُك دَارِي كُلَّ شَهْرٍ بِكَذَا وَكُلَّ شَهْرٍ سَكَنَ أَوَّلَهُ لَزِمَهُ. وَإِذَا كَفَلَ إنْسَانٌ بِهَذِهِ الْأُجْرَةِ كُلَّ شَهْرٍ بِكَذَا فَكُلُّ شَيْءٍ لَزِمَ الْمُسْتَأْجِرَ لَزِمَ كَفِيلَهُ كَمَا فِي كَفَالَةِ الْخَانِيَّةِ وَلَك عَلِيَّ كُلِّ دِرْهَمٍ وَفِي إقْرَارِ الْخَانِيَّةِ لَوْ قَالَ عَلِيَّ كُلِّ دِرْهَمٍ مِنْ الدَّرَاهِمِ يَلْزَمُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَفِي قِيَاسِ قَوْلِهِ أَبِي حَنِيفَةَ يَلْزَمُهُ عَشَرَةٌ، وَلَوْ قَالَ عَلَى مَعَ كُلِّ دِرْهَمٍ دِرْهَمٌ أَوْ عَلَى دِرْهَمٌ مَعَ كُلِّ دِرْهَمٍ يَلْزَمُهُ دِرْهَمَانِ اهـ. [قَالَ كُلَّمَا اشْتَرَيْت هَذَا الثَّوْبَ أَوْ ثَوْبًا فَهُوَ صَدَقَةٌ] وَأَمَّا فِي التَّعْلِيقِ فَلِلْكُلِّ اتِّفَاقًا كَمَا إذَا قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا، وَكَذَا لَوْ قَالَ كُلَّمَا اشْتَرَيْت هَذَا الثَّوْبَ أَوْ ثَوْبًا فَهُوَ صَدَقَةٌ أَوْ كُلَّمَا رَكِبْت هَذِهِ الدَّابَّةَ أَوْ دَابَّةً وَفَرَّقَ أَبُو يُوسُفَ بَيْنَ الْمُنَكَّرِ وَالْمُعَرَّفِ فِي الْكُلِّ، وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الزَّيْلَعِيِّ مِنْ التَّعْلِيقِ. [قَالَ كُلَّمَا أَكَلْت اللَّحْمَ فَعَلَيَّ دِرْهَمٌ] وَفِي الْخَانِيَّةِ كُلَّمَا أَكَلْت اللَّحْمَ فَعَلَيَّ دِرْهَمٌ فَعَلَيْهِ بِكُلِّ لُقْمَةٍ دِرْهَمٌ. وَأَمَّا فِي الْكَفَالَةِ، فَإِنْ صَدَرَ الْقَوْلُ مِنْ الْكَفِيلِ كَانَ لِلْوَاحِدِ كَمَا إذَا ضَمِنَ لَهَا نَفَقَتَهَا كُلَّ شَهْرٍ أَوْ كُلَّ يَوْمٍ لَزِمَهُ نَفَقَةٌ وَاحِدَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ كَمَا فِي نَفَقَاتِ الْخُلَاصَةِ، وَإِنْ صَدَرَ مِنْ الْآمِرِ كَمَا إذَا قَالَ ادْفَعْ عَنِّي كُلَّ شَهْرٍ كَذَا فَدَفَعَ الْمَأْمُورُ أَكْثَرَ مِنْ شَهْرٍ لَزِمَ الْآمِرَ كَمَا فِي كَفَالَةِ الْخَانِيَّةِ وَقَدْ وَضَعْت ضَابِطًا فِقْهِيًّا لَمْ أُسْبَقْ إلَيْهِ لِكَلِمَةِ كُلَّ بَعْدَ تَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّهَا لِاسْتِغْرَاقِ أَفْرَادِ مَا دَخَلَتْهُ   [منحة الخالق] [اشْتَرَى عَلَى أَنَّهُ كُرٌّ فَابْتَلَّ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ جَفَّ وَأَمْضَى] (قَوْلُهُ بِأَنَّهَا لِاسْتِغْرَاقِ إفْرَادِ مَا دَخَلْته إلَخْ) بَنَوْا عَلَى ذَلِكَ الْأَصْلِ صِحَّةَ قَوْلِك كُلُّ رُمَّانٍ مَأْكُولٌ دُونَ كُلُّ الرُّمَّانِ مَأْكُولٌ؛ لِأَنَّ مِنْ أَجْزَاءِ الْمُعَرَّفِ قِشْرَهُ وَهُوَ لَا يُؤْكَلُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 308 فِي الْمُنَكَّرِ وَأَجْزَائِهِ فِي الْمُعَرَّفِ هُوَ أَنَّ الْأَفْرَادَ إنْ كَانَتْ مِمَّا لَا تُعْلَمُ نِهَايَتُهَا، فَإِنْ لَمْ تُفْضِ الْجَهَالَةُ إلَى الْمُنَازَعَةِ، فَإِنَّهَا تَكُونُ عَلَى أَصْلِهَا مِنْ الِاسْتِغْرَاقِ كَمَسْأَلَةِ التَّعْلِيقِ وَالْأَمْرِ بِالدَّفْعِ عَنْهُ وَإِلَّا. فَإِنْ كَانَ لَا يُمْكِنُ مَعْرِفَتُهَا فِي الْمَجْلِسِ فَهِيَ عَلَى الْوَاحِدِ اتِّفَاقًا كَالْإِجَارَةِ وَالْإِقْرَارِ وَالْكَفَالَةِ وَإِلَّا، فَإِنْ كَانَتْ الْأَفْرَادُ مُتَفَاوِتَةً لَمْ تَصِحَّ فِي شَيْءٍ عِنْدَهُ كَبَيْعِ قَطِيعِ كُلِّ شَاةٍ وَصَحَّ فِي الْكُلِّ عِنْدَهُمَا كَالصُّبْرَةِ وَالْأَصَحُّ فِي وَاحِدٍ عِنْدَهُ كَالصُّبْرَةِ. وَفِي إقْرَارِ الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا الْوَصِيُّ إذَا قَالَ قَبَضْت كُلَّ مَالٍ لِفُلَانٍ الْمَيِّتِ عَلَى النَّاسِ فَجَاءَ غَرِيمٌ، وَقَالَ لِلْوَصِيِّ إنِّي دَفَعْت إلَيْك كَذَا كَذَا دِرْهَمًا، وَقَالَ الْوَصِيُّ مَا قَبَضْت مِنْك شَيْئًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَصِيِّ مَعَ يَمِينِهِ اهـ. ثُمَّ رَأَيْت بَعْدَ ذَلِكَ فِي آخِرِ غَصْبِ الْخَانِيَّةِ مِنْ مَسَائِلِ الْإِبْرَاءِ لَوْ قَالَ كُلُّ غَرِيمٍ لِي فَهُوَ فِي حِلٍّ قَالَ ابْنُ مُقَاتِلٍ لَا يَبْرَأُ غُرَمَاؤُهُ؛ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ إيجَابُ الْحَقِّ لِلْغُرَمَاءِ وَإِيجَابُ الْحُقُوقِ لَا يَجُوزُ إلَّا لِقَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ. وَأَمَّا كَلِمَةُ كُلُّ فِي بَابِ الْإِبَاحَةِ، فَقَالَ فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ ذَلِكَ الْبَابِ لَوْ قَالَ كُلُّ إنْسَانٍ تَنَاوَلَ مِنْ مَالِي فَهُوَ حَلَالٌ لَهُ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ لَا يَجُوزُ وَمَنْ تَنَاوَلَ ضَمِنَ، وَقَالَ أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَّامٍ هُوَ جَائِزٌ نَظَرًا إلَى الْإِبَاحَةِ وَالْإِبَاحَةُ لِلْمَجْهُولِ جَائِزَةٌ وَمُحَمَّدٌ جَعَلَهُ إبْرَاءً عَمَّا تَنَاوَلَهُ وَالْإِبْرَاءُ لِلْمَجْهُولِ بَاطِلٌ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ نُصَيْرٍ اهـ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِي الضَّابِطِ بَعْدَ قَوْلِهِ فَهِيَ عَلَى الْوَاحِدِ اتِّفَاقًا إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إيجَابُ حَقٍّ لِأَحَدٍ، فَإِنْ كَانَ لَمْ يَصِحَّ وَلَا فِي وَاحِدٍ كَمَسْأَلَةِ الْإِبْرَاءِ وَقَدَّمْنَا فِي الطَّلَاقِ الْفَرْقَ بَيْنَ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ كُلَّ تَطْلِيقَةٍ وَكُلَّ التَّطْلِيقَةِ، وَفِي بَابِ الظِّهَارِ الْفَرْقُ بَيْنَ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي كُلَّ يَوْمٍ وَفِي كُلِّ يَوْمٍ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَفْهُومَ قَوْلِهِ صَحَّ فِي وَاحِدٍ أَنَّهُ فَاسِدٌ فِيمَا عَدَاهُ وَيَرْتَفِعُ الْفَسَادُ بِكَيْلِهِ فِي الْمَجْلِسِ لِارْتِفَاعِ الْجَهَالَةِ، فَإِنْ تَفَرَّقَا قَبْلَ الْكَيْلِ وَكِيلَ بَعْدَ ذَلِكَ تَقَرَّرَ الْفَسَادُ فَلَا يَصِحُّ إلَّا بِاسْتِئْنَافِ الْعَقْدِ عَلَيْهِ، كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ، وَلَوْ أَشَارَ إلَى نَوْعَيْنِ حِنْطَةٍ وَشَعِيرٍ، فَقَالَ أَبِيعُك هَاتَيْنِ الصُّبْرَتَيْنِ كُلَّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي قَفِيزٍ وَاحِدٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ فِي الصُّبْرَتَيْنِ جَمِيعًا، كَذَا فِي الْكَرْخِيِّ وَفِي الْمَنْظُومَةِ فَاسِدٌ فِي الْجَمِيعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَفِي الْمُجْتَبَى بِعْتُك نَصِيبِي مِنْ هَذَا الطَّعَامِ بَطَلَ، وَإِنْ بَيَّنَ بَعْدَ ذَلِكَ. وَكَذَا فِي الدَّارِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ، وَلَوْ بَاعَ جُزْءًا مِنْ خَمْسَةِ أَسْهُمٍ أَوْ سَهْمًا مِنْ خَمْسَةٍ أَوْ نَصِيبِي مِنْ خَمْسَةِ أَسْهُمٍ أَوْ سَهْمًا مِنْ خَمْسَةِ أَنْصِبَاءٍ أَوْ جُزْءًا أَوْ نَصِيبًا مِنْهُ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - اسْتِحْسَانًا لَا قِيَاسًا اهـ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ بَابِ الِاسْتِحْقَاقِ رَجُلٌ لَهُ ثَلَاثَةُ أَقْفِزَةِ حِنْطَةٍ بَاعَ مِنْهَا قَفِيزًا، ثُمَّ بَاعَ مِنْهَا قَفِيزًا مِنْ رَجُلٍ آخَرَ، ثُمَّ بَاعَ مِنْهَا قَفِيزًا مِنْ ثَالِثٍ، ثُمَّ كَالَ لَهُمْ الْأَقْفِزَةَ الثَّلَاثَةَ، ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ وَاسْتَحَقَّ مِنْ الْكُلِّ قَفِيزًا، فَإِنَّ الْمُسْتَحِقَّ يَأْخُذُ الْقَفِيزَ الثَّالِثَ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْيَدِ حِينَ بَاعَ الْقَفِيزَ الْأَوَّلَ. وَالثَّانِي فَقَدْ بَاعَ مَا يَمْلِكُهُ. وَأَمَّا الثَّالِثُ فَقَدْ بَاعَ مَا لَا يَمْلِكُهُ اهـ. [رَجُلٌ فِي يَدِهِ كُرَّانِ فَبَاعَ أَحَدَهُمَا مِنْ رَجُلٍ وَلَمْ يُسَلِّمْ حَتَّى بَاعَ مِنْ آخَرَ كُرًّا] وَفِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ فِي يَدِهِ كُرَّانِ فَبَاعَ أَحَدَهُمَا مِنْ رَجُلٍ، وَلَمْ يُسَلِّمْ حَتَّى بَاعَ مِنْ آخَرَ كُرًّا وَدَفَعَ إلَيْهِ، ثُمَّ بَاعَ الْكُرَّ الْآخَرَ مِنْ رَجُلٍ آخَرَ وَدَفَعَهُ إلَيْهِ، ثُمَّ حَضَرَ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ وَوَجَدَ الْمُشْتَرِيَيْنِ جَمِيعًا، فَإِنَّهُ يَأْخُذُ مَا كَانَ فِي يَدِ الثَّالِثِ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ بَعْدَمَا بَاعَ الْأَوَّلَ كَانَ يَمْلِكُ الْكُرَّ الثَّانِي فَإِذَا بَاعَ الْآخَرَ لِثَالِثٍ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْمُشْتَرِيَ الثَّالِثَ وَوَجَدَ الثَّانِيَ أَخَذَ مِنْ الثَّانِي نِصْفَ مَا فِي يَدِهِ، فَإِنْ حَضَرَ الثَّالِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَخَذَ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي جَمِيعَ مَا فِي يَدِهِ، وَلَوْ وَجَدَ الْأَوَّلُ الثَّالِثَ أَخَذَ جَمِيعَ مَا فِي يَدِهِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ مَكَانَ الْكُرَّيْنِ عَبْدٌ اهـ. ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ، وَلَوْ كَانَ مَعَهُ قَفِيزَا حِنْطَةٍ. وَأَمَّا إذَا بَاعَهَا لِثَلَاثَةٍ، ثُمَّ كَالَهَا فَوَجَدَهَا نَاقِصَةً فَهَلْ يَكُونُ النُّقْصَانُ مِنْ حِصَّةِ الثَّالِثِ أَوْ عَلَى الثَّلَاثَةِ، فَقَالَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ رَجُلٌ لَهُ سِلْعَةٌ وَزْنِيَّةٌ ظَنَّ أَنَّهَا أَرْبَعَةُ آلَافِ مَنٍّ فَبَاعَهَا مِنْ أَرْبَعَةِ أَنْفُسٍ لِكُلِّ مِنْهُمْ أَلْفُ مَنٍّ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ فَلَمَّا وَزَنُوا وَجَدُوا ذَلِكَ نَاقِصًا مِنْ الْمِقْدَارِ الْمُقَدَّرِ بِكَثِيرٍ فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ بَاعَ مِنْهُمْ مَعًا لَهُمْ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ أَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ إنْ كَانَتْ مِمَّا لَا تُعْلَمُ نِهَايَتُهَا إلَخْ) قَالَ الْعَلَّامَةُ الْوَانِيُّ فِي حَاشِيَةِ الدُّرَرِ وَالْغَرَرُ الْأَصْلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إنَّ كَلِمَةَ كُلَّ مَتَى أُضِيفَتْ إلَى مَا لَا يُعْلَمُ مُنْتَهَاهُ يَتَنَاوَلُ أَدْنَاهُ وَهُوَ الْوَاحِدُ كَمَا لَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَى كُلُّ دِرْهَمٍ يَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ وَعِنْدَهُمَا هُوَ كَذَلِكَ فِيمَا لَا يَكُونُ مُنْتَهَاهُ مَعْلُومًا بِالْإِشَارَةِ إلَيْهِ وَاعْتُرِضَ عَلَى أَصْلِ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ بِأَنَّهُ إذَا قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا أَوْ كُلُّ عَبْدٍ اشْتَرَيْته فَهُوَ حُرٌّ، فَإِنَّهُ يَنْصَرِفُ إلَى كُلِّ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا وَإِلَى كُلِّ عَبْدٍ يَشْتَرِيهِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ هَذَا عَلَى ذَلِكَ الْأَصْلِ وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ نَحْنُ نَدَّعِي ذَلِكَ فِيمَا لَا يَجْرِي فِيهِ النِّزَاعُ وَزُيِّفَ هَذَا الْجَوَابُ بِأَنَّ فِي عَدَمِ جَرَيَانِ النِّزَاعِ فِي صُورَةِ النَّقْضِ كَلَامًا وَأُجِيبَ ثَانِيًا بِأَنَّ النَّكِرَةَ فِي صُورَةِ النَّقْضِ مُتَّصِفَةٌ بِصِفَةٍ عَامَّةٍ وَهُوَ التَّزَوُّجُ وَالشِّرَاءُ فَيَكُونُ الْمَعْنَى مَعْلُومًا بِاعْتِبَارِ الصِّفَةِ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ فَظَهَرَ الْفَرْقُ اهـ. وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْجَوَابَ أَيْضًا لَا يَشْفِي غَلِيلًا، فَإِنَّ الْبَائِعَ إذَا قَالَ كُلُّ صَاعٍ أَبِيعُهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 309 مِنْهُمْ مَا يَخُصُّهُ مِنْ الثَّمَنِ، وَإِنْ شَاءُوا تَرَكُوا وَرَجَعُوا بِالثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ تَغَيَّرَ شَرْطُهُمْ، فَإِنْ بَاعَ مِنْهُمْ عَلَى التَّعَاقُبِ فَالنُّقْصَانُ عَلَى الْآخِرِ اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الشَّيْءَ الْكَيْلِيَّ كَالْوَزْنِيِّ وَفِي الْمِصْبَاحِ الصُّبْرَةُ مِنْ الطَّعَامِ جَمْعُهَا صُبَرٌ كَغُرْفَةٍ وَغُرَفٍ وَعَنْ ابْنِ دُرَيْدٍ اشْتَرَيْت صُبْرَةً أَيْ بِلَا كَيْلٍ وَلَا وَزْنٍ اهـ. وَالْقَفِيزُ مِكْيَالٌ يَسَعُ ثَمَانِيَةَ مَكَايِيكَ وَالْجَمْعُ أَقْفِزَةٌ وَقُفْزَانٌ وَالْقَفِيزُ مِنْ الْأَرْضِ عُشْرُ الْجَرِيبِ اهـ. وَالْوِقْرُ بِالْكَسْرِ حِمْلُ الْبَعِيرِ وَيُسْتَعْمَلُ فِي الْبَعِيرِ وَبِالْفَتْحِ ثِقَلُ السَّمْعِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ بَاعَ ثُلَّةً أَوْ ثَوْبًا كُلَّ شَاةٍ بِدِرْهَمٍ أَوْ كُلَّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ فَسَدَ فِي الْكُلِّ) يَعْنِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا؛ لِأَنَّ رَفْعَ هَذِهِ الْجَهَالَةِ بِيَدِهِمَا وَلَهُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْأَفْرَادَ إذَا كَانَتْ مُتَفَاوِتَةً لَمْ يَصِحَّ فِي شَيْءٍ وَقَطْعُ ذِرَاعٍ مِنْ الثَّوْبِ وَجَبَ لِلضَّرَرِ فَلَمْ يَجُزْ كَبَيْعِ جِزْعٍ مِنْ سَقْفٍ وَعَلَى هَذَا كُلُّ عَدَدِيٍّ مُتَفَاوِتٌ كَالْبَقَرِ وَالْإِبِلِ وَالْعَبِيدِ وَالْبِطِّيخِ وَالرُّمَّانِ وَالسَّفَرْجَلِ وَفِي الْمِعْرَاجِ الْبَيْضُ كَالرُّمَّانِ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا كَالْقُفْزَانِ اهـ. وَفِي الْقُنْيَةِ بَاعَ نِصْفَ خَشَبَةٍ مَقْلُوعَةٍ أَوْ نِصْفَ عِمَارَةٍ مُشَاعًا جَازَ، وَإِنْ كَانَ فِي قِسْمَتِهِ ضَرَرٌ اهـ. فَلَيْسَ كُلُّ ضَرَرٍ يُفْسِدُ الْبَيْعَ فَلَوْ عُلِمَ بِالْعَدَدِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ فَلَهُ الْخِيَارُ قُيِّدَ بِعَدَمِ ثَمَنِ تَسْمِيَةِ الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ سَمَّى ثَمَنَ الْكُلِّ كَمَا إذَا قَالَ بِعْتُك هَذَا الثَّوْبَ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ كُلَّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ، فَإِنَّهُ جَائِزٌ فِي الْكُلِّ اتِّفَاقًا كَمَا لَوْ سَمَّى جُمْلَةَ الذُّرْعَانِ أَوْ الْقَطِيعِ وَأَطْلَقَ الثَّوْبَ وَقَيَّدَهُ الْعَتَّابِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِثَوْبٍ يَضُرُّهُ التَّبْعِيضُ أَمَّا فِي ثَوْبِ الْكِرْبَاسِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ عِنْدَهُ فِي ذِرَاعٍ وَاحِدٍ كَمَا فِي الطَّعَامِ الْوَاحِدِ. كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَفِي الْقُنْيَةِ اشْتَرَى ذِرَاعًا مِنْ خَشَبَةٍ أَوْ ثَوْبٍ مِنْ جَانِبٍ مَعْلُومٍ لَا يَجُوزُ، وَلَوْ قَطَعَهُ وَسَلَّمَهُ أَيْضًا لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يُقْبَلَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ جَوَازُهُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ فَاسِدٌ وَلَكِنْ لَوْ قُطِعَ وَسُلِّمَ فَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي الِامْتِنَاعُ وَعَلَى هَذَا لَوْ بَاعَ غُصْنًا مِنْ شَجَرَةٍ مِنْ مَوْضِعٍ مَعْلُومٍ حَتَّى لَوْ اشْتَرَى الْأَوْرَاقَ بِأَغْصَانِهَا وَكَانَ مَوْضِعُ قَطْعِهَا مَعْلُومًا وَمَضَى وَقْتُهَا فَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَسْتَرِدَّ الثَّمَنَ اهـ. وَقُيِّدَ بِقَوْلِهِ كُلَّ شَاةٍ بِدِرْهَمٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى الرَّجُلُ غَنَمًا أَوْ بَقَرًا أَوْ عَدْلَ زُطِّيٍّ كُلَّ اثْنَيْنِ مِنْ ذَلِكَ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَهُوَ بَاطِلٌ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ كُلَّ شَاةٍ لَا يُعْرَفُ ثَمَنُهَا إلَّا بِانْضِمَامِ غَيْرِهَا إلَيْهَا وَأَنَّهُ مَجْهُولٌ لَا يُدْرَى، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ أَوْ عَدَدِيٍّ مُتَقَارِبٍ جَازَ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَفِي الْقَامُوسِ الثَّلَّةُ جَمَاعَةُ الْغَنَمِ أَوْ الْكَثِيرَةُ مِنْهَا أَوْ مِنْ الضَّأْنِ خَاصَّةً وَالْجَمْعُ كَبِدَرٍ وَسِلَالٍ اهـ. وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ قَالَ الْحَلْوَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْأَصَحُّ أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا أَحَاطَ عِلْمُهُ بِعَدَدِ الْأَغْنَامِ فِي الْمَجْلِسِ لَا يَنْقَلِبُ الْعَقْدُ صَحِيحًا لَكِنْ لَوْ كَانَ الْبَائِعُ عَلَى رِضَاهُ وَرَضِيَ الْمُشْتَرِي يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا بِالتَّرَاضِي، كَذَا فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ وَنَظِيرُهُ الْبَيْعُ بِالرَّقْمِ. اهـ. وَفِي الْبَدَائِعِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْوَزْنِيُّ الَّذِي فِي تَبْعِيضِهِ ضَرَرٌ كَالْمَصُوغِ مِنْ الْأَوَانِي وَالْعُلَبِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ سَمَّى الْكُلَّ فِي الْكُلِّ صَحَّ) أَيْ لَوْ سَمَّى جُمْلَةَ الْمَبِيعِ صَحَّ فِي الْمِثْلِيِّ وَالْقِيَمِيِّ لِزَوَالِ الْمَانِعِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا سَمَّى فِي الْعَقْدِ أَوْ بَعْدَهُ بِشَرْطِ الْمَجْلِسِ وَبَعْدَهُ لَا؛ لِأَنَّ سَاعَاتِ الْمَجْلِسِ تُعْتَبَرُ سَاعَةً وَاحِدَةً دَفْعًا لِلسِّعْرِ فَالْعِلْمُ فِي الْمَجْلِسِ كَالْعِلْمِ حَالَةَ الْعَقْدِ وَلَا يَنْقَلِبُ جَائِزًا بِالْعِلْمِ بَعْدَ الْمَجْلِسِ لِتَقَرُّرِ الْفَسَادِ لِلْجَهَالَةِ وَمَا فِي الْمُحِيطِ عَنْ بَعْضِ الْمَشَايِخِ أَنَّ عِنْدَهُ يَصِحُّ فِي الْكُلِّ، وَإِنْ عُلِمَ بَعْدَ الْمَجْلِسِ بَعِيدٌ لِمَا قَرَّرْنَاهُ وَشَمِلَ تَسْمِيَةَ جَمِيعِ الثَّمَنِ وَجَمِيعِ الْمَبِيعِ لِمَا قَدَّمْنَا أَنَّ تَسْمِيَةَ جُمْلَةِ الثَّمَن كَافِيَةٌ لِلصِّحَّةِ كَتَسْمِيَةِ الْمَبِيعِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَفِي الْقُنْيَةِ اشْتَرَى مِنْ الْبُقُولِ عَشَرَةَ أَمْنَاءٍ مِنْ الْجَزَرِ مِنْ جَزَرٍ لَهُ كَثِيرٌ صَحَّ كَعَشَرَةِ أَقْفِزَةٍ مِنْ الْحِنْطَةِ؛ لِأَنَّ الْمُشَاحَّةَ لَا تَجْرِي فِيهِ، وَلَوْ قَالَ عَلَى أَنْ اخْتَارَ مِنْهَا لَا يَصِحُّ قَالَ اشْتَرَيْت مِنْك أَلْفَ مَنٍّ مِنْ هَذِهِ الْحِنْطَةِ فَوُزِنَتْ، وَإِذَا هِيَ خَمْسُمِائَةٍ قِيلَ صَحَّ فِي الْمَوْجُودِ وَقِيلَ لَا؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ قَوِيٌّ فَيَتَعَدَّى إلَيْهِ سس صَحَّ فِي الْمَوْجُودِ اتِّفَاقًا، وَكَذَا فِي الْعَدَدِيَّاتِ الْمُتَقَارِبَةِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْعَدَدِيَّاتِ   [منحة الخالق] فَهُوَ بِدِرْهَمٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ بِحَالِهَا فَالْجَوَابُ الْحَقُّ أَنْ يُقَالَ إنَّ صُورَةَ النَّقْصِ مِنْ قَبِيلِ التَّعْلِيقِ وَالْيَمِينِ فَوَقَعَ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَهُوَ التَّزَوُّجُ وَالِاشْتِرَاءُ لَا لِتَنَاوُلِ أَدَاةِ السُّورِ فِيمَا لَا يَنْتَهِي وَالْحَالُ فِي الْمَسْأَلَةِ لَيْسَ كَذَلِكَ فَافْتَرَقَا اهـ. (قَوْلُهُ فَلَا يَصِحُّ إلَّا بِاسْتِئْنَافِ الْعَقْدِ عَلَيْهِ) أَيْ بَعْدَ مُتَارَكَةِ الْعَقْدِ الْفَاسِدِ لِمَا قَدَّمَهُ الْمُؤَلِّفُ مِنْ قَوْلِهِ وَيُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِ يَلْزَمُ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ مَا إذَا حَصَلَا بَعْدَ عَقْدٍ فَاسِدٍ لَمْ يَتْرُكَاهُ، فَإِنَّ الْبَيْعَ لَيْسَ بِلَازِمٍ. (قَوْلُهُ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْمُشْتَرِي إلَخْ) أَيْ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلَ. [بَاعَ ثُلَّةً أَوْ ثَوْبًا كُلَّ شَاةٍ بِدِرْهَمٍ أَوْ كُلَّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ] (قَوْلُهُ أَوْ نِصْفَ عِمَارَةٍ مُشَاعًا جَازَ) قَالَ الرَّمْلِيُّ هَذَا لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ فَأَرْجِعْ إلَى أَنْفَعْ الْوَسَائِلِ إنْ أَرَدْت تَحْرِيرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَإِنَّهَا مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي حَرَّرَهَا. (قَوْلُهُ يَنْعَقِدُ الْمَبِيعُ بَيْنَهُمَا بِالتَّرَاخِي إلَخْ) هَذَا يُنَافِي مَا قَدَّمَهُ مِنْ أَنَّ بَيْعَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 310 الْمُتَفَاوِتَةِ إذَا وَجَدَهَا أَنْقَصَ وَفِي الْبَدَائِعِ لَوْ قَالَ بِعْت مِنْك هَذَا الْقَطِيعَ كُلَّ شَاتَيْنِ بِعِشْرِينَ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ فِي الْكُلِّ إجْمَاعًا، وَإِنْ عَلِمَ الْمُشْتَرِي الْعَدَدَ فِي الْمَجْلِسِ وَاخْتَارَ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ نَقَصَ كَيْلٌ أُخِذَ بِحِصَّتِهِ أَوْ تُرِكَ، وَإِنْ زَادَ فَلِلْبَائِعِ) مُتَفَرِّعٌ عَلَى قَوْلِهِ، وَإِنْ سَمَّى الْكُلَّ يَعْنِي إذَا سَمَّى الْجُمْلَةَ لَوْ نَقَصَ عَمَّا سَمَّاهُ فِي الْمِثْلِيَّاتِ خُيِّرَ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ فَلَمْ يَتِمَّ رِضَاؤُهُ بِالْمَوْجُودِ، وَإِنْ زَادَ شَيْءٌ عَلَيْهِ فَهُوَ لِلْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ وَقَعَ عَلَى مِقْدَارٍ مُعَيَّنٍ وَالْقَدْرُ لَيْسَ بِوَصْفٍ وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَكَذَا الْحُكْمُ فِي كُلِّ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ لَيْسَ فِي تَبْعِيضِهِ ضَرَرٌ قُيِّدَ بِكَوْنِهِ بَيْعَ مُكَايَلَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى حِنْطَةً مُجَازَفَةً فِي الْبَيْتِ فَوَجَدَ تَحْتَهَا دُكَّانًا فَلَهُ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ أَخَذَهَا بِجَمِيعِ الثَّمَنِ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهَا، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى بِئْرًا مِنْ حِنْطَةٍ عَلَى أَنَّهَا كَذَا، وَكَذَا ذِرَاعًا فَإِذَا هِيَ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ فَلَهُ الْخِيَارُ، وَلَوْ كَانَ طَعَامًا فِي حُبٍّ فَإِذَا نِصْفُهُ تِبْنٌ يَأْخُذُهُ بِنِصْفِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الْحُبَّ وِعَاءٌ يُكَالُ فِيهِ فَصَارَ الْبَيْعُ حِنْطَةً مُقَدَّرَةً وَالْبَيْتُ وَالْبِئْرُ لَا يُكَالُ بِهِمَا فَصَارَ الْمَبِيعُ حِنْطَةً غَيْرَ مُقَدَّرَةٍ وَلَكِنَّ الْبَائِعَ أَطْعَمَهُ فِي شَيْءٍ فَوُجِدَ بِخِلَافِهِ، وَإِذًا يُوجِبُ الْخِيَارَ، وَلَوْ اشْتَرَى سَمَكَةً عَلَى أَنَّهَا عَشَرَةُ أَرْطَالٍ وَوَزَنَ الْبَائِعُ عَلَيْهِ فَوَجَدَ الْمُشْتَرِي فِي بَطْنِهَا حَجَرًا يَزِنُ ثَلَاثَةَ أَرْطَالٍ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهَا بِجَمِيعِ الثَّمَنِ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ؛ لِأَنَّ الْوَزْنَ هَاهُنَا جَارٍ مَجْرَى الْجَوْدَةِ وَالْوَزْنُ قَدْ يَجْرِي مَجْرَى الصِّفَةِ فِي بَعْضِ الْأَشْيَاءِ كَمَا فِي اللَّآلِئِ وَالْجَوَاهِرِ وَهَاهُنَا كَذَلِكَ وَفَوَاتُ الْوَزْنِ بِمَنْزِلَةِ الْعَيْبِ، فَإِنْ شَوَاهَا قَبْل أَنْ يَعْلَمَ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا تُقَوَّمُ السَّمَكَةُ عَشَرَةَ أَرْطَالٍ وَتُقَوَّمُ سَبْعَةً فَيَرْجِعُ بِحِصَّةِ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ فَيَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَمَسْأَلَةُ السَّمَكَةِ خَارِجَةٌ عَنْ حُكْمِ الْمَوْزُونَاتِ، فَإِنَّ الْحُكْمَ فِي الْمَوْزُونَاتِ التَّخَيُّرُ عِنْدَ النُّقْصَانِ إنْ شَاءَ أَخَذَ الْمَوْجُودَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ وَحُكْمُهَا التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْأَخْذِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ أَوْ الْفَسْخِ وَلَا خُصُوصِيَّةَ لِلسَّمَكَةِ بَلْ كُلُّ مَوْزُونٍ فِي تَبْعِيضِهِ ضَرَرٌ كَذَلِكَ، وَلِذَا قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ بَاعَ لُؤْلُؤَةً عَلَى أَنَّهَا تَزِنُ مِثْقَالًا فَوَجَدَهَا أَكْثَرَ سُلِّمَتْ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْوَزْنَ فِيمَا يَضُرُّهُ التَّبْعِيضُ وَصْفٌ بِمَنْزِلَةِ الذُّرْعَانِ فِي الثَّوْبِ اهـ. [اشْتَرَى طَسْتًا عَلَى أَنَّهُ عَشَرَةُ أَمْنَاءٍ فَبَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ أَنَّهُ خَمْسَةُ أَمْنَاءٍ] وَفِي الْخُلَاصَةِ اشْتَرَى طَسْتًا عَلَى أَنَّهُ عَشَرَةُ أَمْنَاءٍ فَبَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ أَنَّهُ خَمْسَةُ أَمْنَاءٍ خُيِّرَ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْعَيْبِ، فَإِنْ حَدَثَ بِهِ عَيْبٌ عِنْدَهُ وَأَبَى الْبَائِعُ قَبُولَهُ قُوِّمَ طَشْتٌ مِنْ عَشَرَةِ أَمْنَاءٍ مَثَلًا بِعِشْرِينَ وَقُوِّمَ مِنْ خَمْسَةِ أَمْنَاءٍ بِعَشَرَةِ أَمْنَاءٍ فَالْعَيْبُ يَنْقُصُ خَمْسَةً اهـ. وَالْقَوْلُ لِلْقَابِضِ فِي الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ وَعَلَيْهَا يَتَفَرَّعُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَلَوْ بَاعَ مِنْ آخَرَ إبْرَيْسَمًا فَوَزَنَهُ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي فَذَهَبَ بِهِ الْمُشْتَرِي، ثُمَّ جَاءَ بَعْدَ مُدَّةٍ، وَقَالَ وَجَدْته نَاقِصًا إنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ انْتَقَصَ مِنْ الْهَوَاءِ لَا شَيْءَ عَلَى الْبَائِعِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ النُّقْصَانُ مِمَّا يَجْرِي بَيْنَ الْوَزْنَيْنِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ النُّقْصَانُ مِنْ الْهَوَاءِ وَلَا يَجْرِي بَيْنَ الْوَزْنَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمُشْتَرِي أَقَرَّ أَنَّهُ قَبَضَ كَذَا أَمْنَاءٍ فَلَهُ أَنْ يَمْنَعَ حِصَّةَ النُّقْصَانِ مِنْ الثَّمَنِ إنْ كَانَ لَمْ يَنْقُدْهُ الثَّمَنَ، فَإِنْ كَانَ نَقَدَهُ الثَّمَنَ رَجَعَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ الْقَدْرِ، وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي أَقَرَّ أَنَّهُ قَبَضَ كَذَا أَمْنَاءٍ، ثُمَّ قَالَ وَجَدْته أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَ مِنْ الْبَائِعِ شَيْئًا مِنْ الثَّمَنِ وَلَا يَسْتَرِدَّهُ اهـ. وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الْمُسَمَّى مَشْرُوطًا بِاللَّفْظِ أَوْ بِالْعَادَةِ لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ اتَّفَقَ أَهْلُ الْبَلْدَةِ عَلَى سِعْرِ الْخُبْزِ وَاللَّحْمِ وَشَاعَ عَلَى وَجْهٍ لَا يَتَفَاوَتُ فَأَعْطَى رَجُلٌ ثَمَنًا وَاشْتَرَاهُ وَأَعْطَاهُ أَقَلَّ مِنْ الْمُتَعَارَفِ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْبَلْدَةِ يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ فِيهِمَا مِنْ الثَّمَنِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا رَجَعَ فِي الْخُبْزِ؛ لِأَنَّ التَّسْعِيرَ فِيهِ مُتَعَارَفٌ فَيَلْزَمُ الْكُلُّ لَا فِي اللَّحْمِ فَلَا يَعُمُّ اهـ. [اشْتَرَى عِنَبَ كَرْمٍ عَلَى أَنَّهُ أَلْفُ مَنٍّ فَظَهَرَ أَنَّهُ تِسْعُمِائَةٍ] وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ أَيْضًا اشْتَرَى عِنَبَ كَرْمٍ عَلَى أَنَّهُ أَلْفُ مَنٍّ فَظَهَرَ أَنَّهُ تِسْعُمِائَةٍ طَالَبَ الْبَائِعَ بِحِصَّةِ مِائَةِ مَنٍّ مِنْ الثَّمَنِ وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ الْإِمَامِ يَفْسُدُ الْعَقْدُ فِي الْبَاقِي وَكَانَ قَاضِي الْحَرَمَيْنِ يَرْوِي عَنْ الْإِمَامِ مِنْ جِنْسِ هَذَا وَأَفْتَى الْحَلْوَانِيُّ وَالسَّرَخْسِيُّ عَلَى أَنَّ الْعَقْدَ يَصِحُّ فِيمَا وُجِدَ وَبِهِ أَفْتَى الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَفِي الْمُحِيطِ   [منحة الخالق] التَّعَاطِي لَا يَنْعَقِدُ بَعْدَ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ بِدُونِ مُتَارَكَةٍ، وَكَذَا بَعْدَ الْبَاطِلِ وَفِي الْمُجْتَبَى، وَلَوْ اشْتَرَى عَشْرَ شِيَاهٍ مِنْ مِائَةِ شَاةٍ أَوْ عَشْرَ بِطِّيخَاتٍ مِنْ وِقْرٍ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ، وَكَذَا الرُّمَّانُ، وَلَوْ عَزَلَهَا الْبَائِعُ وَقَبِلَهَا الْمُشْتَرِي جَازَ اسْتِحْسَانًا وَالْعَزْلُ وَالْقَبُولُ بِمَنْزِلَةِ إيجَابٍ وَقَبُولٍ. اهـ. وَمِثْلُهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَغَيْرِهَا وَانْظُرْ مَا كَتَبْنَاهُ هُنَاكَ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 311 اشْتَرَى نِصْفَ مَا فِي الْكَرْمِ الْمُعَيَّنِ مِنْ الْعِنَبِ الَّذِي عَلَى الْكَرْمِ عَلَى أَنَّهُ خَمْسُمِائَةِ مَنٍّ يَجُوزُ وَجَدَ ذَلِكَ الْقَدْرَ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ، وَذَكَرَ اللَّامِشِيُّ إنَّمَا يَجُوزُ إذَا وَجَدَ خَمْسَمِائَةٍ، وَلَوْ قَالَ بِعْت أَلْفَ مَنٍّ مِنْ هَذَا الْكَرْمِ إنْ كَانَ الْعِنَبُ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ يَجُوزُ وَفِي الْمُلْتَقَطِ جَوَازُ شِرَاءِ الْعِنَبِ مِنْ الْكَرْمِ إذَا سَمَّى أَنَّهُ كَذَا كَذَا كِوَارَة، وَذَكَرَهَا وَيَنْظُرُ الْمُقَوِّمُونَ لِتَقْدِيرِ الْقِيمَةِ، فَإِنْ شَرَطَ أَنَّهَا كَذَا كَذَا كُوَّارَةً يَجُوزُ فِيهَا بِشَرَائِطَ السَّلَمِ وَإِلَّا فَلَا وَعَلَى الْمُشْتَرِي ضَمَانُ مَا أَتْلَفَهُ وَلَا شَيْءَ مِنْ ثَمَنِ الْبَاقِي إذَا كَانَ الْعَقْدُ جَائِزًا وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ ذِكْرُهَا وَعَدَدُهَا فَإِذَا وَجَدَهُ زَائِدًا أَوْ نَاقِصًا لَا شَيْءَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى الْجُمْلَةَ بِلَا تَقْدِيرٍ اهـ. [اشْتَرَى كُرًّا عَلَى أَنَّهُ عَشَرَةُ أَقْفِزَةٍ فَكَالَهُ فَوَجَدَهُ أَكْثَرَ مِنْ عَشَرَةٍ] وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ اشْتَرَى كُرًّا عَلَى أَنَّهُ عَشَرَةُ أَقْفِزَةٍ فَكَالَهُ فَوَجَدَهُ أَكْثَرَ مِنْ عَشَرَةٍ فَالزِّيَادَةُ لِلْبَائِعِ؛ لِأَنَّ قَدْرَ الْمَبِيعِ عَشَرَةُ أَقْفِزَةٍ فَإِذَا كَالَهُ ثَانِيًا فَوَجَدَهُ أَنْقَصَ لَا يُكْمِلُهَا؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ قَدْرُ الْمَبِيعِ بِالْكَيْلِ الْأَوَّلِ وَصَارَ مُسْلَمًا فَلَا يُعْتَبَرُ الْكَيْلُ الثَّانِي، وَإِنْ كَالَهُ فَوَجَدَهُ أَنْقَصَ مِنْ عَشَرَةٍ يُطْرَحُ مِنْ ثَمَنِهِ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْبَاقِيَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ، فَإِنْ كَالَهُ ثَانِيًا فَوَجَدَهُ عَشَرَةً لَا يَزِيدُ عَلَى الثَّمَنِ وَلَا يَبْطُلُ خِيَارُهُ وَالْعِبْرَةُ لِلْكَيْلِ الْأَوَّلِ. اهـ. وَيُعْلَمُ مِنْهُ حُكْمُ الْمَوْزُونَاتِ. [اشْتَرَى زِقَّ زَيْتٍ بِمَا فِيهِ عَلَى أَنَّهُمَا مِائَةُ رِطْلٍ فَإِذَا الزِّقُّ أَثْقَلُ مِنْ الْمُعْتَادِ] وَفِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ بَابُ شِرَاءِ الظَّرْفِ بِمَا فِيهِ وَالطَّعَامِ وَالْقِيَمِيِّ اشْتَرَى زِقَّ زَيْتٍ بِمَا فِيهِ عَلَى أَنَّهُمَا مِائَةُ رِطْلٍ فَإِذَا الزِّقُّ أَثْقَلُ مِنْ الْمُعْتَادِ خُيِّرَ لِلتَّقْدِيرِ، وَلَوْ كَانَ عِشْرِينَ حُطَّ ثَمَنُ مَا خَصَّ الزَّيْتَ إنْ كَانَ الزَّيْتُ سَبْعِينَ بَعْدَ قِسْمَةِ الثَّمَنِ عَلَى قِيمَةِ الزَّيْتِ أَوْ قِيمَةِ ثَمَانِينَ رِطْلِ زَيْتٍ وَالتَّخْيِيرُ وَرَدُّ عِشْرِينَ إنْ كَانَ مِائَةً صَرْفًا لِلنَّقْصِ وَالْفَضْلِ إلَى الزَّيْت إذْ الْقَدْرُ أَصْلٌ فِيهِ دُونَ الزِّقِّ كَأَنَّهُ قَالَ وَالزِّقُّ مَا وُجِدَ وَالزَّيْتُ تَكْمِلَةُ الْمِائَةِ، وَلَوْ كَانَ مَكَانَ الزِّقِّ سَمْنٌ حُطَّ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسٍ مَا خَصَّهُ وَرَدَّ سُبْعَيْ الزَّيْتِ بَعْدَ قِسْمَةِ الثَّمَنِ عَلَى قِيمَةِ خَمْسِينَ مِنْ كُلِّ فَرْدٍ؛ لِأَنَّ الْقَدْرَ أَصْلٌ فِيهِمَا فَاقْتَسَمَاهُ كَمَا فِي الْبَيْعِ بِأَلْفِ مِثْقَالِ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ. وَلَوْ كَانَ الزِّقُّ مِائَةً وَالزَّيْتُ خَمْسِينَ فَسَدَ لِجَهَالَةِ الثَّمَنِ أَوْ شَرَطَ الْمَعْدُومَ إذْ لَا تَنْقِيصَ فِي الزِّقِّ وَلَا عَقْدَ فِي غَيْرِ الْمِائَةِ، وَلَوْ اشْتَرَى الْأَغْنَامَ الْعَشْرَ وَالْقُفْزَانَ الْعَشَرَةَ عَلَى أَنَّ كُلَّ شَاةٍ وَقَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ فَإِذَا الْقُفْزَانُ تِسْعَةٌ رَدَّ الْكُلَّ إذْ لَمْ تَتِمَّ الصَّفْقَةُ أَوْ حَطَّ عَشَرَةً قَسَّطَ الطَّعَامَ بَعْدَ قِسْمَةِ كُلِّ دِرْهَمٍ عَلَى شَاةٍ وَقَفِيزٍ وَأَمْضَى لِزَوَالِ الْجَهْلِ بِفَرْضِ التَّسَاوِي، وَلَوْ كَانَتْ الْأَغْنَامُ تِسْعَةً فَسَدَ فِي قَفِيزٍ عِنْدَهُمَا وَفِي الْكُلِّ عِنْدَهُ لِشَرْطِ الرِّبَا إذَا لَمْ يُقَابِلْ قِسْطَ مَا فَاتَ مَالًا وَتَمَامُهُ فِيهِ وَالزِّقُّ بِالْكَسْرِ الظَّرْفِ. كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ أَطْلَقَ فِي تَخْيِيرِهِ عِنْدَ النُّقْصَانِ عَمَّا سَمَّاهُ وَقَيَّدَهُ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوَاهُ، فَقَالَ: وَإِنْ اشْتَرَى مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا عَلَى أَنَّهُ كَذَا فَوَجَدَهُ أَقَلَّ جَازَ الْبَيْعُ فِيمَا وَجَدَ وَهَلْ يُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي إنْ كَانَ لَمْ يَقْبِضْ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ أَوْ قَبَضَ الْبَعْضَ كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ، وَإِنْ كَانَ قَبَضَ الْكُلَّ لَا يُخَيَّرُ اهـ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ فِي صُورَةِ النُّقْصَانِ إنَّمَا يَسْقُطُ حِصَّةُ النُّقْصَانِ إذَا لَمْ يَكُنْ الْمَبِيعُ مُشَاهَدًا لَهُ، فَإِنْ كَانَ مُشَاهَدًا لَهُ انْتَفَى الْغُرُورُ، وَلِهَذَا قَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوَاهُ اشْتَرَى سَوِيقًا عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ لَتَّهُ بِمَنٍّ مِنْ السَّمْنِ وَتَقَابَضَا وَالْمُشْتَرِي يَنْظُرُ إلَيْهِ فَظَهَرَ أَنَّهُ لَتَّهُ بِنِصْفِ مَنٍّ جَازَ الْبَيْعُ وَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا يُعْرَفُ بِالْعِيَانِ فَإِذَا عَايَنَهُ انْتَفَى الْغُرُورُ وَهُوَ كَمَا لَوْ اشْتَرَى صَابُونًا عَلَى أَنَّهُ مُتَّخَذٌ مِنْ كَذَا جَرَّةً مِنْ الدُّهْنِ فَظَهَرَ أَنَّهُ مُتَّخَذٌ مِنْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ وَالْمُشْتَرِي يَنْظُرُ إلَى الصَّابُونِ وَقْتَ الشِّرَاءِ، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى قَمِيصًا عَلَى أَنَّهُ اُتُّخِذَ مِنْ عَشَرَةِ أَذْرُعٍ وَهُوَ يَنْظُرُ إلَيْهِ فَإِذَا هُوَ مِنْ تِسْعَةٍ جَازَ الْبَيْعُ وَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي لِمَا قُلْنَا اهـ. وَأَطْلَقَ فِي الزِّيَادَاتِ وَقَيَّدَهَا فِي الْمُجْتَبَى بِمَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْكَيْلَيْنِ أَوْ الْوَزْنَيْنِ وَمَا يَدْخُلُ بَيْنَهُمَا لَا يَجِبُ رَدُّهُ وَاخْتُلِفَ فِي قَدْرِ مَا يَدْخُلُ بَيْنَهُمَا فَقِيلَ نِصْفُ دِرْهَمٍ فِي مِائَةٍ وَقِيلَ دَانَقٌ فِي مِائَةٍ لَا حُكْمَ لَهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ دَانَقٌ فِي عَشَرَةٍ كَثِيرٍ وَقِيلَ مَا دُونَ حَبَّةٍ عَفْوٌ فِي الدِّينَارِ وَفِي الْقَفِيزِ الْمُعْتَادِ فِي زَمَانِنَا نِصْفُ مَنٍّ. اهـ. وَقُيِّدَ بِكَوْنِ الزِّيَادَةِ كَانَتْ مُخْتَلِطَةً فِي   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَقَيَّدَهُ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوَاهُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الْمُوجِبَ لِلتَّخْيِيرِ إنَّمَا هُوَ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ، وَهَذَا الْقَدْرُ ثَابِتٌ فِيمَا لَوْ وَجَدَهُ بَعْدَ الْقَبْضِ نَاقِصًا إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ بِالْقَبْضِ صَارَ رَاضِيًا بِذَلِكَ فَتَدَبَّرْهُ اهـ. قُلْتُ: وَانْظُرْ قَوْلَ الْمُؤَلِّفِ السَّابِقَ وَالْمَنْقُولُ لِلْقَابِضِ فِي الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ إلَى آخِرِ مَا نَقَلَهُ عَنْ الْخَانِيَّةِ هُنَاكَ، فَإِنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ مُجَرَّدَ الْقَبْضِ بِدُونِ الْإِقْرَارِ لَا يُفِيدُ مَنْعَ التَّخْيِيرِ لَكِنْ قَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ مَا مَرَّ فِيمَا إذَا أَنْكَرَ الْبَائِعُ النُّقْصَانَ بِخِلَافِ مَا هُنَا وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنْ عَلِمَ الْمُشْتَرِي بِالنُّقْصَانِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَمْ يَكُنْ لَهُ الرَّدُّ لِرِضَاهُ بِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ إلَّا بَعْدَهُ كَانَ لَهُ الرَّدُّ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ قَبَضَ الْكُلَّ لَا يُخَيَّرُ) قَالَ فِي النَّهْرِ يَعْنِي، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ فِي صُورَةِ النُّقْصَانِ إلَخْ) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 312 الْمَبِيعِ وَقْتَ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ حَدَثَتْ فِي الْمَبِيعِ كَمَا إذَا زَادَتْ الْحِنْطَةُ بِالْبَلِّ. فَإِنْ كَانَ مُشَارًا إلَيْهِ بِيعَ بِشَرْطِ الْكَيْلِ تَكُونُ لِلْبَائِعِ إنْ حَدَثَتْ قَبْلَ الْكَيْلِ، وَإِنْ بَعْدَهُ فَلِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ قَدْرَ الْمَبِيعِ لَا يَظْهَرُ إلَّا بِالْكَيْلِ فَتَكُونُ الزِّيَادَةُ قَبْلَ الْكَيْلِ حَادِثَةً عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ وَبَعْدَهُ حَادِثَةً عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُشَارًا إلَيْهِ فَالْحَادِثَةُ بَعْدَ الْكَيْلِ قَبْلَ الْقَبْضِ لِلْبَائِعِ وَبَعْدَ الْقَبْضِ لِلْمُشْتَرِي وَتَمَامُ تَفْرِيعَاتِهِ فِي الْمُحِيطِ وَسَيَأْتِي أَنَّ الْقِيَمِيَّ إذَا وَجَدَهُ نَاقِصًا أَوْ زَائِدًا فَسَدَ الْبَيْعُ إنْ لَمْ يُبَيِّنْ ثَمَنَ كُلٍّ. وَفِي الْخَانِيَّةِ بَاعَ أَرْضًا عَلَى أَنَّ فِيهَا كَذَا كَذَا نَخْلَةً فَوَجَدَهَا الْمُشْتَرِي نَاقِصَةً جَازَ الْبَيْعُ وَيُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي إنْ شَاءَ أَخَذَهَا بِجَمِيعِ الثَّمَنِ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ؛ لِأَنَّ الشَّجَرَ يَدْخُلُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ تَبَعًا وَلَا يَكُونُ لَهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ، وَكَذَا لَوْ بَاعَ دَارًا عَلَى أَنَّ فِيهَا كَذَا كَذَا بَيْتًا فَوَجَدَهَا نَاقِصَةً جَازَ الْبَيْعُ وَيُخَيَّرُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ. وَكَذَا لَوْ بَاعَ دَارًا عَلَى أَنَّ فِيهَا كَذَا كَذَا نَخْلَةً عَلَيْهَا ثِمَارُهَا فَبَاعَ الْكُلَّ بِثِمَارِهَا وَكَانَ فِيهَا نَخْلَةٌ غَيْرُ مُثْمِرَةٍ فَسَدَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ الثَّمَرَ لَهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ فَإِذَا كَانَتْ الْوَاحِدَةُ غَيْرَ مُثْمِرَةٍ لَمْ يَدْخُلْ الْمَعْدُومُ فِي الْبَيْعِ فَصَارَتْ حِصَّةُ الْبَاقِي مَجْهُولَةً فَيَكُونُ هَذَا ابْتِدَاءَ عَقْدٍ فِي الْبَاقِي بِثَمَنٍ مَجْهُولٍ فَيَفْسُدُ الْبَيْعُ كَمَا لَوْ بَاعَ شَاةً مَذْبُوحَةً فَإِذَا رِجْلُهَا مِنْ الْفَخِذِ مَقْطُوعَةٌ فَسَدَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ الْفَخِذَ لَهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ اهـ. وَقُيِّدَ بِكَوْنِهِ سَمَّى جُمْلَةَ الْقُفْزَانِ عَلَى التَّعْيِينِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ سَمَّاهَا عَلَى الْإِبْهَامِ كَمَا لَوْ بَاعَ صُبْرَةً عَلَى أَنَّهَا أَكْثَرُ مِنْ عَشَرَةِ أَقْفِزَةٍ، فَإِنْ وَجَدَهَا كَذَلِكَ جَازَ الْبَيْعُ، وَإِنْ وَجَدَهَا عَشَرَةً أَوْ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةٍ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ، وَلَوْ بَاعَهَا عَلَى أَنَّهَا أَقَلُّ مِنْ عَشَرَةٍ فَوَجَدَهَا كَذَلِكَ جَازَ، وَإِنْ وَجَدَهَا عَشَرَةً أَوْ أَكْثَرَ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجُوزُ الْبَيْعُ، وَلَوْ اشْتَرَى دَارًا عَلَى أَنَّهَا عَشَرَةُ أَذْرُعٍ جَازَ الْبَيْعُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا، كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَفِي الْقُنْيَةِ عَدَّ الْكَوَاغِدَ فَظَنَّهَا أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ وَأَخْبَرَ الْبَائِعُ بِهِ، ثُمَّ أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى عَيْنِهَا، وَلَمْ يَذْكُرْ الْعَدَدَ، ثُمَّ ازْدَادَتْ عَلَى مَا ظَنَّهُ فَهِيَ حَلَالٌ لِلْمُشْتَرِي وَفِي فَتَاوَى صَاعِدٍ سَاوَمَهُ الْحِنْطَةَ كُلَّ قَفِيزٍ بِثَمَنٍ مُعَيَّنٍ وَحَاسَبُوا فَبَلَغَ سِتَّمِائَةِ دِرْهَمٍ فَغَلِطُوا وَحَاسَبُوا الْمُشْتَرِيَ بِخَمْسِمِائَةٍ وَبَاعُوهَا مِنْهُ بِخَمْسِمِائَةٍ، ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ فِيهَا غَلَطًا لَا يَلْزَمُهُ إلَّا خَمْسُمِائَةٍ أَفْرَزَ الْقَصَّابُ أَرْبَعَ شِيَاهٍ، فَقَالَ بَائِعُهَا هِيَ بِخَمْسَةٍ كُلِّ وَاحِدَةٍ بِدِينَارٍ وَرُبْعٍ فَذَهَبَ الْقَصَّابُ فَجَاءَ بِأَرْبَعِ دَنَانِيرَ، فَقَالَ لِلْبَائِعِ هَلْ بِعْت هَذِهِ بِهَذَا الْقَدْرِ وَالْبَائِعُ يَعْتَقِدُ أَنَّهَا خَمْسَةٌ قَالَ صَحَّ الْبَيْعُ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يَصِحُّ بِأَرْبَعَةٍ وَلَا يُعْتَبَرُ مَا سَبَقَ إنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ بِدِينَارٍ وَرُبْعٍ اهـ. (فَرْعٌ) لَطِيفٌ مِنْ أَيْمَانِ خِزَانَةِ الْفَتَاوَى مُنَاسِبٌ لِلْوَزْنِيَّاتِ اشْتَرَى مَنًّا مِنْ اللَّحْمِ، فَقَالَتْ هَذَا أَقَلُّ مِنْ مَنٍّ وَحَلَفَتْ عَلَيْهِ، وَقَالَ الزَّوْجُ إنْ لَمْ يَكُنْ مَنًّا فَأَنْت طَالِقٌ فَالْحِيلَةُ فِيهِ أَنْ يُطْبَخَ قَبْلَ أَنْ يُوزَنَ فَلَا يَحْنَثَانِ اهـ. [اشْتَرَاهُ عَلَى أَنَّهُ كَاتِبٌ فَوَجَدَهُ غَيْرَ كَاتِبٍ] (قَوْلُهُ: وَإِنْ نَقَصَ ذِرَاعٌ أُخِذَ بِكُلِّ الثَّمَنِ أَوْ تُرِكَ، وَإِنْ زَادَ فَلِلْمُشْتَرِي وَلَا خِيَارَ لِلْبَائِعِ) ؛ لِأَنَّ الذَّرْعَ فِي الْمَذْرُوعِ وَصْفٌ؛ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ الطُّولِ فِيهِ لَكِنَّهُ وَصْفٌ يَسْتَلْزِمُ زِيَادَةَ أَجْزَاءٍ، فَإِنْ لَمْ يُفْرَدْ بِثَمَنٍ كَانَ تَابِعًا مَحْضًا فَلَا يُقَابَلُ بِشَيْءٍ مِنْ الثَّمَنِ فَإِذَا قَالَ عَلَى أَنَّهَا مِائَةُ ذِرَاعٍ بِمِائَةٍ، وَلَمْ يَزِدْ فَوَجَدَهَا أَنْقَصَ كَانَ عَلَيْهِ جَمِيعُ الثَّمَنِ، وَإِنَّمَا يَتَخَيَّرُ لِفَوَاتِ الْوَصْفِ الْمَشْرُوطِ الْمَرْغُوبِ فِيهِ كَمَا إذَا اشْتَرَاهُ عَلَى أَنَّهُ كَاتِبٌ فَوَجَدَهُ غَيْرَ كَاتِبٍ، وَإِنْ وَجَدَهَا أَزْيَدَ فَلِلْمُشْتَرِي الزِّيَادَةُ وَلَا خِيَارَ لِلْبَائِعِ كَمَا إذَا بَاعَهُ عَلَى أَنَّهُ مَعِيبٌ فَإِذَا هُوَ سَلِيمٌ. وَقَدْ ذَكَرَ الْمَشَايِخُ فِي التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْقَدْرِ وَهُوَ الْأَصْلُ وَالْوَصْفِ حُدُودًا فَقِيلَ مَا يَتَعَيَّبُ بِالتَّبْعِيضِ وَالتَّشْقِيصِ فَالزِّيَادَةُ وَالنُّقْصَانُ فِيهِ وَصْفٌ وَمَا لَا يَتَعَيَّبُ بِهِمَا فَالزِّيَادَةُ وَالنُّقْصَانُ فِيهِ أَصْلٌ وَقِيلَ الْوَصْفُ مَا لِوُجُودِهِ تَأْثِيرٌ فِي تَقَوُّمِ غَيْرِهِ وَلِعَدَمِهِ تَأْثِيرٌ فِي نُقْصَانِ غَيْرِهِ وَالْأَصْلُ مَا لَا يَكُونُ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ وَقِيلَ مَا لَا يَنْقُصُ بِالْبَاقِي لِفَوَاتِهِ فَهُوَ أَصْلٌ وَمَا يَنْقُصُ الْبَاقِي بِفَوَاتِهِ فَهُوَ وَصْفٌ، وَهَذَا مَعَ الثَّانِي مُتَقَارِبَانِ   [منحة الخالق] قَالَ فِي النَّهْرِ بَعْدَ نَقْلِهِ لِهَذَا وَلَمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَيْهِ مِنْ كَلَامِ الْخَانِيَّةِ وَأَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ إذْ الْكَلَامُ فِي مَبِيعٍ يَنْقَسِمُ أَجْزَاءُ الثَّمَنِ فِيهِ عَلَى أَجْزَاءِ الْمَبِيعِ وَمَا فِي الْخَانِيَّةِ لَيْسَ مِنْهُ لِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّ السَّوِيقَ قِيَمِيٌّ لِمَا بَيْنَ السَّوِيقِ وَالسَّوِيقِ مِنْ التَّفَاوُتِ الْفَاحِشِ بِسَبَبِ الْقَلْيِ، وَكَذَا الصَّابُونُ كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ. وَأَمَّا الثَّوْبُ فَظَاهِرٌ وَعَلَى هَذَا فَمَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّهُ يُخَيَّرُ فِي نَقْصِ الْقِيَمِيِّ بَيْنَ أَخْذِهِ بِكُلِّ الثَّمَنِ أَوْ تَرْكِهِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُشَاهَدًا فَتَدَبَّرْهُ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 313 فَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ الْقَدْرَ فِي الْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ أَصْلٌ وَالذَّرْعَ فِي الْمَذْرُوعَاتِ وَصْفٌ وَثَمَرَةُ كَوْنِ الذَّرْعِ وَصْفًا وَالْقَدْرُ أَصْلًا تَظْهَرُ فِي مَوَاضِعَ مِنْهَا مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ. وَمِنْهَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي التَّصَرُّفُ فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ إذَا اشْتَرَاهُ بِشَرْطِ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ وَيَجُوزُ بِهِ فِي الْمَذْرُوعِ قَبْلَ الذَّرْعِ سَوَاءٌ اشْتَرَاهُ مُجَازَفَةً أَوْ بِشَرْطِ الذَّرْعِ، وَمِنْهَا أَنَّ بَيْعَ الْوَاحِدِ بِاثْنَيْنِ لَا يَجُوزُ فِي الْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ وَيَجُوزُ فِي الْمَذْرُوعَاتِ، كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ إلَّا إذَا بَيَّنَ لِكُلِّ ذِرَاعٍ ثَمَنًا، فَإِنَّهُ لَا يَتَصَرَّفُ قَبْلَ الذَّرْعِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَفِيهِ الْوَصْفُ لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ كَمَا إذَا أَعْوَرَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْبَائِعِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ لَمْ يَسْقُطْ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ، وَكَذَا إذَا أَعْوَرَتْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَلَهُ الْبَيْعُ مُرَابَحَةً بِلَا بَيَانٍ إلَّا إذَا كَانَ مَقْصُودًا بِالتَّنَاوُلِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا إمَّا حَقِيقَةً بِأَنْ قَطَعَ الْبَائِعُ يَدَ الْعَبْدِ قَبْلَ الْقَبْضِ، فَإِنَّهُ يَسْقُطُ نِصْفُ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَقْصُودًا بِالْقَطْعِ وَالْحُكْمِيُّ بِأَنْ يَمْتَنِعَ الرَّدُّ لِحَقِّ الْبَائِعِ كَمَا إذَا تَعَيَّبَ الْمَبِيعُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي أَوْ لِحَقِّ الشَّرْعِ كَمَا إذَا خَاطَ الْمَبِيعَ بِأَنْ كَانَ ثَوْبًا، ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَالْوَصْفُ مَتَى كَانَ مَقْصُودًا بِأَحَدِ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ يَأْخُذُ قِسْطًا مِنْ الثَّمَنِ. كَذَا فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ وَفِي إيضَاحِ الْإِصْلَاحِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ الْوَصْفِ مَا يُوجِبُ الْحُسْنَ وَالْقُبْحَ فِيمَا قَامَ بِهِ يُفْصِحُ عَنْ هَذَا قَوْلُهُمْ إنَّ الْوَزْنَ فِيمَا يَضُرُّهُ التَّبْعِيضُ وَصْفٌ وَفِيمَا لَا يَضُرُّهُ قَدْرٌ مَعَ عَدَمِ الِاخْتِلَافِ فِي الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ اهـ. وَظَاهِرُ قَوْلِهِ، وَإِنْ زَادَ فَلِلْمُشْتَرِي أَنَّ الزِّيَادَةَ تُسْلَمُ لَهُ قَضَاءً وَدِيَانَةً وَحَكَى خِلَافًا فِيهِ فِي الْمِعْرَاجِ، فَقَالَ فِي فَتَاوَى النَّسَفِيِّ وَأَمَالِي قَاضِي خَانْ لَا تُسَلَّمُ لَهُ الزِّيَادَةُ دِيَانَةً وَفِي شَرْحِ أَبِي ذَرٍّ وَالْجَامِعِ الْأَصْغَرِ عَنْ أَسَدٍ وَأَبِي حَفْصٍ وَأَبِي اللَّيْثِ لَا يَرُدُّهَا دِيَانَةً وَفِي الْعُمْدَةِ لَوْ اشْتَرَى حَطَبًا عَلَى أَنَّهُ عِشْرُونَ وِقْرًا فَوَجَدَهُ ثَلَاثِينَ طَابَتْ لَهُ الزِّيَادَةُ كَمَا فِي الذُّرْعَانِ اهـ. وَفَرْعُ الْحَطَبِ مُشْكِلٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِنْ قَبِيلِ الْقَدْرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّبُ بِالتَّبْعِيضِ فَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الزِّيَادَةُ لِلْبَائِعِ خُصُوصًا إنْ كَانَ مِنْ الطَّرْفَاءِ الَّتِي تُعُورِفَ وَزْنُهَا بِالْقَاهِرَةِ وَفِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ قَالَ أَبِيعُك هَذَا الثَّوْبَ مِنْ هَذَا الطَّرَفِ إلَى هَذَا الطَّرَفِ وَهُوَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ ذِرَاعًا فَإِذَا هُوَ خَمْسَةَ عَشَرَ، فَقَالَ الْبَائِعُ غَلِطْت لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ وَيَكُونُ الثَّوْبُ لِلْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ الْمُسَمَّى قَضَاءً وَفِي الدِّيَانَةِ لَا تُسَلَّمُ لَهُ الزِّيَادَةُ اهـ. [اشْتَرَى ثَوْبَيْنِ هَرَوِيَّيْنِ فَإِذَا أَحَدُهُمَا مَرْوِيٌّ] (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ كُلُّ ذِرَاعٍ بِكَذَا وَنَقَصَ أُخِذَ بِحِصَّتِهَا أَوْ تُرِكَ، وَإِنْ زَادَ أُخِذَ كُلُّهُ كُلُّ ذِرَاعٍ بِكَذَا أَوْ فُسِخَ) لِمَا قَدَّمْنَا أَنَّهُ، وَإِنْ كَانَ وَصْفًا إذَا أُفْرِدَ بِثَمَنٍ صَارَ أَصْلًا وَارْتَفَعَ عَنْ التَّبَعِيَّةِ فَنُزِّلَ كُلُّ ذِرَاعٍ مَنْزِلَةَ ثَوْبٍ فَإِذَا وَجَدَهَا نَاقِصَةً خُيِّرَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَخَذَهَا بِكُلِّ الثَّمَنِ لَمْ يَكُنْ آخِذًا كُلَّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ، وَلَوْ وَجَدَهَا زَائِدَةً لَمْ تُسْلَمْ لَهُ لِصَيْرُورَتِهَا أَصْلًا فَخُيِّرَ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ الزَّائِدَ بِحِصَّتِهِ وَبَيْنَ أَنْ يَفْسَخَ لِرَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْتِزَامِ الزَّائِدِ وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ يَنْبَغِي فَسَادُ الْعَقْدِ فِي صُورَةِ النُّقْصَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا هُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْمَوْجُودِ وَالْمَعْدُومِ كَمَا إذَا اشْتَرَى ثَوْبَيْنِ هَرَوِيَّيْنِ فَإِذَا أَحَدُهُمَا مَرْوِيٌّ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الذَّرْعَ، وَإِنْ صَارَ أَصْلًا بِإِفْرَادِ الثَّمَنِ هُوَ وَصْفٌ حَقِيقَةً فَكَانَ أَصْلًا مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَصْلٌ لَا تُسْلَمُ لَهُ الزِّيَادَةُ، وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ وَصْفٌ لَمْ يَفْسُدْ الْعَقْدُ فِيمَا إذَا وُجِدَ نَاقِصًا بِخِلَافِ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ، فَإِنَّ الثَّوْبَيْنِ أَصْلٌ مِنْ وَجْهٍ. وَبِهَذَا الْجَوَابِ انْدَفَعَ مَا أَوْرَدَ مِنْ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ أَصْلًا، وَإِنْ لَمْ يُفْرَدْ لِكُلِّ ذِرَاعٍ ثَمَنٌ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَابَلَ عَشَرَةً بِعَشَرَةٍ مَثَلًا انْقَسَمَ الْآحَادُ عَلَى الْآحَادِ فَيَصِيرُ بِسَبَبِ الْمُقَابَلَةِ كَأَنَّهُ أُفْرِدَ، وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّهُ لَمَّا اُجْتُمِعَ فِيهِ الْأَصَالَةُ وَالْوَصْفِيَّةُ جَعَلْنَاهُ أَصْلًا عِنْدَ الْإِفْرَادِ وَوَصْفًا عِنْدَ تَرْكِهِ صَرِيحًا عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ، كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ وَأَوْرَدَ أَيْضًا عَلَى الْقَوْلِ بِأَصَالَتِهِ عِنْدَ إفْرَادِ ثَمَنِهِ لُزُومَ امْتِنَاعِ دُخُولِ الزِّيَادَةِ فِي الْعَقْدِ كَمَا فِي الصُّبْرَةِ مَعَ أَنَّكُمْ جَوَّزْتُمْ أَخْذَ الْجَمِيعِ بِحُكْمِ الْبَيْعِ وَأُجِيبَ عَنْهُ لِلْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَهُوَ أَنَّ الزِّيَادَةَ لَوْ لَمْ تَدْخُلْ فِي الْعَقْدِ فَسَدَ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بَعْضَ الثَّوْبِ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بِخِلَافِ الصُّبْرَةِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ لَمْ تَدْخُلْ لَمْ يَفْسُدْ   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 314 الْعَقْدُ كَمَا فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ أَطْلَقَ فِي الْمَذْرُوعِ فَشَمِلَ الثَّوْبَ وَالْأَرْضَ وَالْحَطَبَ وَالدَّارَ، فَلَوْ قَالَ بِعْتُك هَذِهِ الْأَرْضَ عَلَى أَنَّهَا أَلْفُ ذِرَاعٍ بِأَلْفٍ فَوَجَدَهَا زَائِدَةً أَوْ نَاقِصَةً فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ وَلَهُ الزِّيَادَةُ بِلَا خِيَارٍ وَلَهُ الْخِيَارُ مَعَ النُّقْصَانِ، وَإِنْ أَفْرَدَ لِكُلِّ ذِرَاعٍ ثَمَنًا خُيِّرَ فِي صُورَةِ الزِّيَادَةِ وَسَقَطَتْ حِصَّةُ النُّقْصَانِ، كَذَا فِي الْبَدَائِعِ قَالَ وَعَلَى هَذَا الْمَوْزُونَاتِ الَّتِي فِي تَبْعِيضِهَا ضَرَرٌ بِأَنْ قَالَ بِعْت مِنْك هَذِهِ السَّبِيكَةَ مِنْ الذَّهَبِ عَلَى أَنَّهَا مِثْقَالَانِ بِكَذَا جَازَ الْبَيْعُ، فَإِنْ وَجَدَهَا أَزْيَدَ أَوْ أَنْقَصَ فَهُوَ كَالْمَذْرُوعَاتِ. وَكَذَا إذَا بَاعَ مَصُوغًا مِنْ نُحَاسٍ أَوْ صُفْرٍ فَهُوَ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّ الْوَزْنَ فِي مِثْلِهِ يَكُونُ مُلْحَقًا بِالصِّفَةِ؛ لِأَنَّ تَبْعِيضَهُ يُوجِبُ تَعْيِيبَ الْبَاقِي، وَهَذَا حَدُّ الصِّفَةِ، وَلَوْ بَاعَ مَصُوغًا مِنْ الْفِضَّةِ وَزْنُهُ مِائَةٌ بِدَنَانِيرَ، وَلَمْ يُسَمِّ لِكُلِّ عَشَرَةٍ ثَمَنًا عَلَى حِدَةٍ وَتَقَابَضَا جَازَ، فَإِنْ وَجَدَهُ أَزْيَدَ فَالْكُلُّ لِلْمُشْتَرِي، وَإِنْ وَجَدَهُ أَقَلَّ خُيِّرَ، وَإِنْ سَمَّى لِكُلِّ عَشْرٍ ثَمَنًا عَلَى حِدَةٍ بِأَنْ قَالَ وَكُلُّ وَزْنِ عَشَرَةٍ بِدِينَارٍ، فَإِنْ وَجَدَهُ أَزْيَدَ، فَإِنْ عَلِمَ قَبْلَ التَّفْرِيقِ خُيِّرَ إنْ شَاءَ زَادَ فِي الثَّمَنِ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ، وَإِنْ عَلِمَ بَعْدَهُ بَطَلَ بِقَدْرِ الزِّيَادَةِ وَلَهُ الْخِيَارُ فِيمَا بَقِيَ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ فِيهِ عَيْبٌ إنْ وَجَدَهُ نَاقِصًا خُيِّرَ قَبْلَ التَّفَرُّقِ وَبَعْدَهُ إنْ شَاءَ رَدَّهُ، وَإِنْ شَاءَ رَضِيَ بِهِ بِقِسْطِهِ مِنْ الثَّمَنِ، وَكَذَا لَوْ بَاعَ مَصُوغًا مِنْ ذَهَبٍ بِدَرَاهِمَ فَهُوَ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ، وَلَوْ بَاعَ مَصُوغًا بِجِنْسِهِ مِثْلُ وَزْنِهِ فَوَجَدَهُ أَزْيَدَ، فَإِنْ عَلِمَ بِهَا قَبْلَ التَّفَرُّقِ فَلَهُ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ زَادَ فِي الثَّمَنِ قَدْرَهَا، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ، وَإِنْ عَلِمَ بِهَا بَعْدَ التَّفَرُّقِ بَطَلَ لِفَقْدِ الْقَبْضِ فِي قَدْرِهَا، وَإِنْ وَجَدَهُ أَقَلَّ فَلَهُ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ رَضِيَ بِهِ وَاسْتَرَدَّ الْفَضْلَ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّ الْكُلَّ سَوَاءٌ سَمَّى لِكُلِّ وَزْنِ دِرْهَمٍ دِرْهَمًا أَوْ لَا؛ لِأَنَّ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ لَا بُدَّ مِنْ الْمُسَاوَاةِ اهـ. وَفِي دَعْوَى الْبَزَّازِيَّةِ ادَّعَى زَنْدَبِيجًا طُولُهُ بِذُرْعَانِ خُوَارِزْمَ كَذَا وَشَهِدَا بِذَلِكَ كَذَلِكَ بِحَضْرَةِ الزَّنْدَبِيجِيِّ فَذُرِعَ فَإِذَا هُوَ أَزْيَدُ أَوْ أَنْقَصُ بَطَلَتْ الشَّهَادَةُ وَالدَّعْوَى كَمَا إذَا خَالَفَ سِنُّ الدَّابَّةِ الدَّعْوَى أَوْ الشَّهَادَةَ وَقَوْلُهُمْ الذَّرْعُ وَصْفٌ فَيَلْغُو فِي الْحَاضِرِ ذَلِكَ فِي الْأَثْمَانِ وَالْبَيْعِ لَا فِي الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ، فَإِنَّهُمَا إذَا شَهِدَا بِوَصْفٍ فَظَهَرَ بِخِلَافِهِ لَمْ يُقْبَلْ، وَذَكَرَ أَيْضًا ادَّعَى حَدِيدًا مُشَارًا إلَيْهِ، وَذَكَرَ أَنَّهُ عَشَرَةَ أَمْنَاءٍ فَإِذَا هُوَ عِشْرُونَ أَوْ ثَمَانِيَةٌ تُقْبَلُ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةُ؛ لِأَنَّ الْوَزْنَ فِي الْمُشَارِ إلَيْهِ لَغْوٌ اهـ. [بَيْعُ الشَّائِعِ] (قَوْلُهُ وَفَسَدَ بَيْعُ عَشَرَةِ أَذْرُعٍ مِنْ دَارٍ لَا أَسْهُمٍ) ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا هُوَ جَائِزٌ كَمَا لَوْ بَاعَ عَشَرَةَ أَسْهُمٍ مِنْ دَارٍ وَمَبْنَى الْخِلَافِ فِي مُؤَدَّى التَّرْكِيبِ فَعِنْدَهُمَا شَائِعٌ كَأَنَّهُ بَاعَ عُشْرَ مِائَةٍ وَبَيْعُ الشَّائِعِ جَائِزٌ اتِّفَاقًا وَعِنْدَهُ مُؤَدَّاهُ قَدْرٌ مُعَيَّنٌ وَالْجَوَانِبُ مُخْتَلِفَةُ الْجَوْدَةِ فَتَقَعُ الْمُنَازَعَةُ فِي تَعْيِينِ مَكَانِ الْعَشَرَةِ فَيَفْسُدُ الْبَيْعُ فَلَوْ اتَّفَقُوا عَلَى مُؤَدَّاهُ لَمْ يَخْتَلِفُوا فَهُوَ نَظِيرُ اخْتِلَافِهِمْ فِي نِكَاحِ الصَّابِئَةِ. فَالشَّأْنُ فِي تَرْجِيحِ الْمَبْنَى هُوَ يَقُولُ الذِّرَاعُ اسْمٌ لِمَا يُذْرَعُ بِهِ فَاسْتُعِيرَ لِمَا يَحِلُّهُ وَمُعَيَّنٌ بِخِلَافِ عَشَرَةِ أَسْهُمٍ؛ لِأَنَّ السَّهْمَ اسْمٌ لِلْجُزْءِ الشَّائِعِ فَكَانَ الْمَبِيعُ عَشَرَةَ أَجْزَاءٍ شَائِعَةٍ مِنْ مِائَةِ سَهْمٍ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا بَيَّنَ جُمْلَةَ الذُّرْعَانِ كَأَنْ يَقُولَ مِنْ مِائَةِ ذِرَاعٍ أَوْ لَمْ يُبَيِّنْ وَبِهِ انْدَفَعَ قَوْلُ الْخَصَّافِ إنَّ مَحَلَّ الْفَسَادِ عِنْدَهُ فِيمَا إذَا لَمْ يُبَيِّنْ جُمْلَتَهَا وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، وَلِهَذَا صَوَّرَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْهِدَايَةِ فِيمَا إذَا سَمَّى جُمْلَتَهَا لَكِنْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ عَلَى قَوْلِهِمَا فِيمَا إذَا لَمْ يُسَمِّ جُمْلَتَهَا وَالصَّحِيحُ الْجَوَازُ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهَا جَهَالَةٌ بِأَيْدِيهِمَا إزَالَتُهَا وَقَوْلُهُ لَا أَسْهُمٍ مَعْنَاهُ لَا يَفْسُدُ بَيْع عَشَرَةِ أَسْهُمٍ مِنْ دَارٍ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا سَمَّى جُمْلَتَهَا؛ لِأَنَّ عِنْدَ عَدَمِهَا يَفْسُدُ الْبَيْعُ لِلْجَهَالَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ نِسْبَتَهُ إلَى جَمِيعِ الدَّارِ فَلَوْ قَالَ وَفَسَدَ بَيْعُ عَشَرَةِ أَذْرُعٍ مِنْ مِائَةِ ذِرَاعٍ مِنْ دَارٍ لَا أَسْهُمٍ لَكَانَ أَوْلَى وَلِفَهْمِ الْفَسَادِ فِي الذُّرْعَانِ عِنْدَ عَدَمِ التَّسْمِيَةِ لِلْكُلِّ بِالْأَوْلَى وَلَكِنَّ اخْتِصَارَهُ أَدَّاهُ إلَى الْإِجْحَافِ وَالْحَمَّامُ وَالْأَرْضُ كَالدَّارِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَفِي الْمِعْرَاجِ قَالَ بِعْتُك ذِرَاعًا مِنْ هَذِهِ الدَّارِ إنْ عَيَّنَ مَوْضِعَهُ بِأَنْ قَالَ مِنْ هَذَا الْجَانِبِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُمَيَّزُ بَعْدُ وَالْعَقْدُ غَيْرُ نَافِذٍ حَتَّى لَا يُجْبَرَ الْبَائِعُ عَلَى التَّسْلِيمِ، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 315 وَعَلَى قَوْلِهِمَا يَجُوزُ وَتُذْرَعُ، فَإِنْ كَانَتْ عَشَرَةَ أَذْرُعٍ صَارَ شَرِيكًا بِمِقْدَارِ عُشْرِ الدَّارِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَلَوْ بَاعَ سَهْمًا مِنْ دَارٍ فَلَهُ تَعْيِينُ مَوْضِعِهِ. وَذَكَرَ الْحَلْوَانِيُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إجْمَاعًا وَفِي نُسْخَةٍ فِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ عَلَى قَوْلِهِمَا وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَجُوزُ، كَذَا فِي الْمُغْنِي اهـ. وَفِي الْخَانِيَّةِ، وَلَوْ اشْتَرَى عَشَرَةَ أَجْرِبَةٍ مِنْ مِائَةِ جَرِيبٍ مِنْ هَذِهِ الْأَرْضِ أَوْ عَشَرَةَ أَذْرُعٍ مِنْ مِائَةِ ذِرَاعٍ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ لَا يَجُوزُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. [اشْتَرَى عَدْلًا عَلَى أَنَّهُ عَشَرَةُ أَثْوَابٍ فَنَقَصَ أَوْ زَادَ] (قَوْلُهُ وَمَنْ اشْتَرَى عَدْلًا عَلَى أَنَّهُ عَشَرَةُ أَثْوَابٍ فَنَقَصَ أَوْ زَادَ فَسَدَ) لِجَهَالَةِ الْمَبِيعِ فِي الزِّيَادَةِ وَجَهَالَةِ الثَّمَنِ فِي النُّقْصَانِ لِاحْتِيَاجِهِ إلَى إسْقَاطِ ثَمَنِ الْمَعْدُومِ وَالْمُرَادُ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ اشْتَرَى عَدَدًا مِنْ قِيَمِيٍّ ثِيَابًا أَوْ غَنَمًا كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى أَرْضًا عَلَى أَنَّ فِيهَا كَذَا نَخْلًا مُثْمِرًا فَوَجَدَ فِيهَا نَخْلَةً لَا تُثْمِرُ فَسَدَ الْبَيْعُ وَفِي الْمَغْرِبِ عَدْلُ الشَّيْءِ مِثْلُهُ مِنْ جِنْسِهِ وَفِي الْمِقْدَارِ أَيْضًا، وَمِنْهُ عَدْلَا الْحَمْلِ وَعَدْلُهُ بِالْفَتْحِ مِثْلُهُ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ اشْتَرَى غَنَمًا أَوْ عَدْلَ زُطِّيٍّ وَاسْتَثْنَى مِنْهُ شَاةً أَوْ ثَوْبًا بِغَيْرِ عَيْنِهِ لَا يَجُوزُ، وَلَوْ اسْتَثْنَى وَاحِدًا بِعَيْنِهِ جَازَ اهـ. وَفِيهَا أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ فِي الدَّارِ إذَا بَاعَ بَيْتًا مُعَيَّنًا مِنْ الْجُمْلَةِ لَا يَجُوزُ كَبَيْعِ نِصْفِ بَيْتٍ مُعَيَّنٍ شَائِعًا، وَكَذَا لَوْ بَاعَ مِنْ الْأَغْنَامِ الْمُشْتَرَكَةِ نِصْفَ وَاحِدٍ مُعَيَّنٍ لَا يَجُوزُ، وَكَذَا لَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا أَرْضٌ وَنَخْلٌ فَبَاعَ أَحَدُهُمَا قِطْعَةً مُعَيَّنَةً مِنْ رَجُلٍ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي عَدَدِ الثِّيَابِ الْمَبِيعَةِ عِنْدَ زِيَادَتِهِ تَحَالَفَا كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ بَيَّنَ ثَمَنَ كُلِّ ثَوْبٍ وَنَقَصَ صَحَّ بِقَدْرِهِ وَخُيِّرَ، وَإِنْ زَادَ فَسَدَ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَالَ ثَوْبٌ بِكَذَا فَلَا جَهَالَةَ مَعَ النُّقْصَانِ وَلَكِنْ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَجُزْ فِي الزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّ جَهَالَةَ الْمَبِيعِ لَا تَرْتَفِعُ بِهِ لِوُقُوعِ الْمُنَازَعَةِ فِي تَعْيِينِ الْعَشَرَةِ الْمَبِيعَةِ مِنْ الْأَحَدَ عَشَرَ وَقِيلَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ فِي فَصْلِ النُّقْصَانِ أَيْضًا وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى ثَوْبَيْنِ عَلَى أَنَّهُمَا مَرْوِيَّانِ فَإِذَا أَحَدُهُمَا مَرْوِيٌّ وَالْآخَرُ هَرَوِيٌّ حَيْثُ لَا يَجُوزُ فِيهِمَا، وَإِنْ بَيَّنَ ثَمَنَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْقَبُولَ فِي الْمَرْوِيِّ شَرْطًا فِي الْعَقْدِ فِي الْهَرَوِيِّ وَهُوَ شَرْطٌ فَاسِدٌ وَلَا قَبُولَ يُشْتَرَطُ فِي الْمَعْدُومِ فَافْتَرَقَا وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ اشْتَرَى عَدْلًا عَلَى أَنَّهُ كَذَا فَوَجَدَهُ أَزْيَدَ وَالْبَائِعُ غَائِبٌ يَعْزِلُ الزَّائِدَ وَيَسْتَعْمِلُ الْبَاقِيَ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ. اهـ. وَكَأَنَّهُ اسْتِحْسَانٌ وَإِلَّا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ لِجَهَالَةِ الْمَزِيدِ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْخَانِيَّةِ وَالْقُنْيَةِ بِأَنَّ مُحَمَّدًا قَالَ فِيهِ أَسْتَحْسِنُ أَنْ يَعْزِلَ ثَوْبًا مِنْ ذَلِكَ وَيَسْتَعْمِلَ الْبَقِيَّةَ وَفِيهَا قَبْلَهُ اشْتَرَى شَيْئًا فَوَجَدَهُ أَزْيَدَ فَدَفَعَ الزِّيَادَةَ إلَى بَائِعِ فَالْبَاقِي حَلَالٌ لَهُ فِي الْمِثْلِيَّاتِ وَفِي ذَوَاتِ الْقِيَمِ لَا يَحِلُّ لَهُ حَتَّى يَشْتَرِيَ مِنْهُ الْبَاقِيَ إلَّا إذَا كَانَتْ تِلْكَ الزِّيَادَةُ مِمَّا لَا تَجْرِي فِيهَا الضِّنَةُ فَحِينَئِذٍ يُعْذَرُ اهـ. وَهُوَ يَقْتَضِي عَدَمَ الْحِلِّ عِنْدَ غَيْبَةِ الْبَائِعِ بِالْأَوْلَى فَهُوَ مُعَارِضٌ لِلنَّقْلِ الْآخَرِ فِي الثِّيَابِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ وَمَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا عَلَى أَنَّهُ عَشَرَةُ أَذْرُعٍ كُلُّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ أَخَذَهُ بِعَشَرَةٍ فِي عَشَرَةٍ وَنِصْفٍ بِلَا خِيَارٍ وَبِتِسْعَةٍ فِي تِسْعَةٍ وَنِصْفٍ بِخِيَارٍ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَأْخُذُهُ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ بِأَحَدَ عَشَرَ إنْ شَاءَ وَفِي الثَّانِي بِعَشَرَةٍ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَوَّلِ يَأْخُذُهُ بِعَشَرَةٍ وَنِصْفٍ إنْ شَاءَ وَفِي الثَّانِي بِتِسْعَةٍ وَنِصْفٍ وَيُخَيَّرُ؛ لِأَنَّ مِنْ ضَرُورَةِ مُقَابَلَةِ الذِّرَاعِ بِالدِّرْهَمِ مُقَابَلَةُ نِصْفِهِ فَيَجْرِي عَلَيْهِ وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَمَّا أَفْرَدَ كُلَّ ذِرَاعٍ بِبَدَلٍ نُزِّلَ كُلُّ ذِرَاعٍ مَنْزِلَةَ ثَوْبٍ عَلَى حِدَةٍ، وَقَدْ انْتَقَصَ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الذِّرَاعَ وَصْفٌ فِي الْأَصْلِ، وَإِنَّمَا أَخَذَ حُكْمَ الْمِقْدَارِ بِالشِّرَاءِ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِالذِّرَاعِ فَعِنْدَ عَدَمِهِ عَادَ الْحُكْمُ إلَى الْأَصْلِ وَقِيلَ فِي الْكِرْبَاسِ الَّذِي لَا يَتَفَاوَتُ جَوَانِبُهُ لَا يَطِيبُ لِلْمُشْتَرِي مَا زَادَ عَلَى الْمَشْرُوطِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَوْزُونِ حَيْثُ لَا يَضُرُّهُ الْفَصْلُ وَعَلَى هَذَا قَالُوا يَجُوزُ بَيْعُ ذِرَاعٍ مِنْهُ. كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَفِي الذَّخِيرَةِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ أَصَحُّ، وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ اخْتَارَ قَوْلَ مُحَمَّدٍ وَهُوَ أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ كَمَا لَا يَخْفَى وَالْكِرْبَاسُ بِكَسْرِ الْكَافِ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ وَالْجَمْعُ الْكَرَابِيسُ وَهُوَ الثِّيَابُ، وَمِنْهُ سُمِّيَ الْإِمَامُ النَّاصِحِيُّ بِالْكَرَابِيسِيِّ صَاحِبِ الْفُرُوقِ.   [منحة الخالق] [بَاعَ أَرْضًا عَلَى أَنَّ فِيهَا كَذَا كَذَا نَخْلَةً فَوَجَدَهَا الْمُشْتَرِي نَاقِصَةً] (قَوْلُهُ وَيَسْتَعْمِلُ الْبَاقِيَ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَيْ بِالْقَبْضِ، وَإِنْ كَانَ فَاسِدًا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 316 [فَصْلٌ يَدْخُلُ الْبِنَاءُ وَالْمَفَاتِيحُ فِي بَيْعِ الدَّارِ] لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ مَا كَانَ فِي الدَّارِ مِنْ الْبِنَاءِ أَوْ مُتَّصِلًا بِالْبِنَاءِ تَبَعًا لَهَا فَهُوَ دَاخِلٌ فِي بَيْعِهَا فَيَدْخُلُ السَّلَمُ الْمُتَّصِلُ وَالسَّرِيرُ وَالدَّرَجُ الْمُتَّصِلَةُ وَالْحَجَرُ الْأَسْفَلُ مِنْ الرَّحَا، وَكَذَا الْأَعْلَى اسْتِحْسَانًا إذَا كَانَتْ مُرَكَّبَةً فِي الدَّارِ الْمَنْقُولَةِ وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ اشْتَرَى بَيْتَ الرَّحَا بِكُلِّ حَقٍّ هُوَ لَهُ أَوْ بِكُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ هُوَ فِيهِ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الشُّرُوطِ أَنَّ لَهُ الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلَ، وَكَذَا لَوْ كَانَ فِيهِ قَدْرُ النُّحَاسِ مَوْصُولًا بِالْأَرْضِ وَقِيلَ الْأَعْلَى لَا يَدْخُلُ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ إذَا كَانَ الْمَبِيعُ دَارًا فَرَحَا الْإِبِلِ لِلْبَائِعٍ، وَإِنْ كَانَ ضَيْعَةً كَانَ الرَّحَا لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بَعُدَ مِنْ تَوَابِعِ الضَّيْعَةِ اهـ. وَذُكِرَ قَبْلَهُ إنَّ رَحَى الْإِبِلِ وَآلَاتِهَا لِلْبَائِعِ، وَلَوْ ذَكَرَ الْحُقُوقَ. وَأَمَّا رَحَى الْمَاءِ فَلِلْمُشْتَرِي إذَا بَاعَهَا بِحُقُوقِهَا وَتَدْخُلُ الْبِئْرُ الْكَائِنَةُ فِي الدَّارِ وَبَكَرَتُهَا الَّتِي عَلَيْهَا لَا الدَّلْوُ وَالْحَبْلُ إلَّا إذَا قَالَ بِمَرَافِقِهَا. وَأَمَّا الْبَكَرَةُ فَدَاخِلَةٌ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهَا مُرَكَّبَةٌ بِالْبِئْرِ، وَلَوْ بَاعَ نِصْفَ دِهْلِيزٍ مِنْ شَرِيكِهِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ يَدْخُلُ نِصْفُ الْبَابِ كَذَا فِي الْقُنْيَةِ وَيَدْخُلُ الْبَابُ الْمُرَكَّبُ لَا الْمَوْضُوعُ فَلَوْ اخْتَلَفَا فِي بَابِ الدَّارِ فَادَّعَاهُ كُلٌّ مِنْهُمَا، فَإِنْ كَانَ مُرَكَّبًا مُتَّصِلًا بِالْبِنَاءِ فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي سَوَاءٌ كَانَتْ الدَّارُ فِي يَدِهِ أَوْ فِي يَدِ الْبَائِعِ، فَإِنْ كَانَ مَقْلُوعًا، فَإِنْ كَانَتْ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَالْقَوْلُ لَهُ وَإِلَّا فَلِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ كَالْمَتَاعِ الْمَوْضُوعِ فِيهَا فَالْقَوْلُ فِيهِ لِذِي الْيَدِ، كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ بِخِلَافِ الْبَكَرَةِ فِي الْحَمَّامِ لِانْفِصَالِهَا. كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَيَدْخُلُ مَا فِيهَا مِنْ الْبُسْتَانِ، وَلَوْ كَبِيرًا لَا الْخَارِجُ عَنْهَا، وَلَوْ كَانَ لَهُ بَابٌ وَتَدْخُلُ الْأَرْضُ الَّتِي تَحْتَ الْحَائِطِ فِيمَا إذَا اشْتَرَاهَا كَالْأَسَاسِ وَتَدْخُلُ الْقُدُورُ فِي بَيْعِ الْحَمَّامِ دُونَ الْقِصَاعِ، وَإِنْ ذَكَرَ الْمَرَافِقَ بِخِلَافِ قُدُورِ الصَّبَّاغِ وَالْقَصَّارِ وَإِجَّانَةِ الْغَسَّالِ وَخَابِيَةِ الزَّيَّاتِ وَحِبَالِهِمْ وَدِنَانِهِمْ، وَلَوْ كَانَتْ مَدْفُونَةً كَالصُّنْدُوقِ الْمُثَبَّتِ فِي الْبِنَاءِ وَجِذْعِ الْقَصَّارِ الَّذِي يَدُقُّ عَلَيْهِ لَا يَدْخُلُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ، وَإِنْ قَالَ بِحُقُوقِهَا كَالسُّلَّمِ الْمُنْفَصِلِ فِي عُرْفِهِمْ وَفِي عُرْفِ الْقَاهِرَةِ يَنْبَغِي دُخُولُهُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ بُيُوتَهُمْ طَبَقَاتٌ لَا يُنْتَفَعُ بِهَا بِدُونِهِ وَلَا يُرَدُّ عَدَمُ دُخُولِ الطَّرِيقِ مَعَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ إلَّا بِهِ؛ لِأَنَّ مِلْكَ رَقَبَتِهَا قَدْ يُقْصَدُ لِلْأَخْذِ بِشُفْعَةِ الْجِوَارِ، وَلِهَذَا دَخَلَ فِي الْإِجَارَةِ بِلَا ذِكْرٍ كَمَا سَيَأْتِي وَأَرَادَ بِالْمَفَاتِيحِ الْإِغْلَاقَ، فَإِنَّهَا تَدْخُلُ تَبَعًا، فَإِنَّ الْمَفَاتِيحَ تَبَعٌ لِلْغَلَقِ وَهُوَ لَا يَدْخُلُ إلَّا إذَا كَانَ مُرَكَّبًا كَالضَّبَّةِ وَالْكَيْلُونِ وَإِلَّا فَلَا كَالْقُفْلِ وَمِفْتَاحِهِ كَالثَّوْبِ الْمَوْضُوعِ فِيهَا سَوَاءٌ ذَكَرَ الْحُقُوقَ أَوْ لَا وَسَوَاءٌ كَانَ الْبَابُ مُغْلَقًا أَوْ لَا وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَبِيعُ حَانُوتًا أَوْ بَيْتًا أَوْ دَارًا كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ. وَفِي الْمُحِيطِ وَمِقْلَاةُ السَّوَّاقِينَ وَهِيَ الَّتِي يُقْلَى فِيهَا السَّوِيقُ إذَا كَانَتْ مِنْ حَدِيدٍ أَوْ مِنْ نُحَاسٍ فَهِيَ لِلْبَائِعٍ، وَإِنْ كَانَتْ فِي الْبِنَاءِ؛ لِأَنَّهَا جُعِلَتْ فِي الْبِنَاءِ لِلْعَمَلِ فَلَمْ تَكُنْ مِنْ جُمْلَةِ الْبِنَاءِ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ خَزَفٍ فَلِلْمُشْتَرِي اهـ. وَفِي الْخَانِيَّةِ يَدْخُلُ كَوْرُ الْحَدَّادِ فِي بَيْعِ حَانُوتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الْمَرَافِقَ وَكَوْرُ الصَّائِغِ لَا يَدْخُلُ، وَلَوْ ذَكَرَ الْمَرَافِقَ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ مُرَكَّبٌ مُتَّصِلٌ. وَالثَّانِي مُنْفَصِلٌ وَلَا يَدْخُلُ زِقُّ الْحَدَّادِ الَّذِي يَنْفُخُ فِيهِ اهـ. وَفِيهَا أَيْضًا قَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ إذَا بَاعَ بِكُلِّ كَثِيرٍ وَقَلِيلٍ هُوَ فِيهَا، وَلَمْ يَقُلْ مِنْهَا يَدْخُلُ الْعَبِيدُ وَالْجَوَارِي فِي الْبَيْعِ وَمَا كَانَ فِيهَا مِنْ الْحَيَوَانَاتِ وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الْأَحْرَارُ، وَقَالَ زُفَرُ يَدْخُلُ فِيهِ الْأَحْرَارُ أَيْضًا وَيَفْسُدُ الْبَيْعُ، وَلَوْ قَالَ مِنْهَا لَا يَدْخُلُ وَفِي رِوَايَةِ هِشَامٍ لَا يَدْخُلُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ اهـ. وَفِي الْقُنْيَةِ لَوْ اشْتَرَى دَارًا فَذَهَبَ   [منحة الخالق] [اشْتَرَى ثَوْبًا عَلَى أَنَّهُ عَشَرَةُ أَذْرُعٍ كُلُّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ] (فَصْلٌ يَدْخُلُ الْبِنَاءُ وَالْمَفَاتِيحُ فِي بَيْعِ الدَّارِ) . (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ مَا كَانَ فِي الدَّارِ مِنْ الْبِنَاءِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَأَمَّا الْأَحْجَارُ الْمُكَوَّمَةُ وَالْمَدْفُونَةُ الْمُودَعَةُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ بِنَاءٍ لَا تَدْخُلُ كَالْأَمْتِعَةِ الْمَدْفُونَةِ بِهَا وَقَدْ كَتَبْنَا فِي حَاشِيَةِ تَنْوِيرِ الْأَبْصَارِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا يُبْهِجُ الْإِبْصَارَ. (قَوْلُهُ لَا يُنْتَفَعُ بِهَا بِدُونِهِ) أَخْذُهُ مِنْ قَوْلِ الْهِدَايَةِ فِي دُخُولِ الْمِفْتَاحِ تَبَعًا لِلْغَلَقِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ إلَّا بِهِ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ مُلْكَ رَقَبَتَهَا) أَيْ رَقَبَةَ الدَّارِ، وَقَوْلُهُ: وَلِهَذَا دَخَلَ أَيْ الطَّرِيقُ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ رَقَبَةَ الدَّارِ قَدْ يُقْصَدُ تَمَلُّكُهَا لِغَيْرِ الِانْتِفَاعِ بِعَيْنِهَا فَلِهَذَا لَمْ يَدْخُلْ الطَّرِيقُ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا الْمَنْفَعَةُ فَيَدْخُلُ الطَّرِيقُ تَبَعًا وَلَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْجَوَابَ غَيْرُ ظَاهِرٍ فِي دَفْعِ الْإِيرَادِ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّ السَّلَمَ لَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ وَإِنْ كَانَ لَا يُنْتَفَعُ بِالْبَيْتِ إلَّا بِهِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَأَرَادَ بِالْمَفَاتِيحِ الْإِغْلَاقَ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ الْمُرَادُ بِالْغَلَقِ مَا نُسَمِّيهِ ضَبَّةً، وَهَذَا إذَا كَانَتْ مُرَكَّبَةً؛ لِأَنَّهَا تُرَكَّبُ لِلْبَقَاءِ لَا إذَا كَانَتْ مَوْضُوعَةً فِي الدَّارِ، وَلِهَذَا لَا تَدْخُلُ الْأَقْفَالُ فِي بَيْعِ الْحَوَانِيتِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُرَكَّبُ، وَإِنَّمَا تَدْخُلُ الْأَلْوَاحُ وَإِنْ كَانَتْ مُنْفَصِلَةً؛ لِأَنَّهَا فِي الْعُرْفِ كَالْأَبْوَابِ الْمُرَكَّبَةِ وَالْمُرَادُ بِهَذِهِ الْأَلْوَاحِ مَا تُسَمَّى فِي عُرْفِنَا بِمِصْرَ دَرَارِيبَ الدُّكَّانِ، وَقَدْ ذَكَرَ فِيهَا عَدَمَ الدُّخُولِ فَلَا مُعَوِّلَ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ يَدْخُلُ كَوْرُ الْحَدَّادِ) سَيُذْكَرُ فِي آخِرِ الْقَوْلَةِ الْآتِيَةِ تَفْسِيرَ الْكَوْرِ بِأَنَّهُ الْمَبْنِيُّ مِنْ الطِّينِ. (قَوْلُهُ وَفِي رِوَايَةِ هِشَامٍ لَا يَدْخُلُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ) قَالَ فِي الْمُجْتَبَى وَلَوْ بَاعَهَا بِكُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ هُوَ لَهَا وَفِيهَا، وَمِنْهَا وَفِيهَا خَشَبٌ مَوْضُوعٌ أَوْ لَبِنٌ أَوْ آجُرٌّ أَوْ أَمْتِعَةٌ، فَإِنَّهَا لَا تَدْخُلُ عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ اهـ. قُلْتُ: وَوَجْهُهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 317 بِنَاؤُهَا لَمْ يَسْقُطْ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ، وَإِنْ اسْتَحَقَّ أَخَذَ الدَّارَ بِالْحِصَّةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ سَوَّى بَيْنَهُمَا بِخِلَافِ صُوفِ الشَّاةِ، فَإِنَّهُ لَا يَأْخُذُ قِسْطًا مِنْ الثَّمَنِ إلَّا بِالتَّسْمِيَةِ لَهُ أَوْ لِلْبِنَاءِ أَوْ لِلشَّجَرِ ثَمَنًا. (قَوْلُهُ وَيَدْخُلُ الْبِنَاءُ وَالشَّجَرُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ بِلَا ذِكْرٍ) لِكَوْنِهِ مُتَّصِلًا بِهَا لِلْقَرَارِ فَيَدْخُلُ تَبَعًا أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الشَّجَرَةَ الْمُثْمِرَةَ وَغَيْرَ الْمُثْمِرَةِ وَالصَّغِيرَةَ وَالْكَبِيرَةَ إلَّا الْيَابِسَةَ، فَإِنَّهَا عَلَى شَرَفِ الْقَطْعِ فَهِيَ كَالْحَطَبِ الْمَوْضُوعِ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقَيَّدْنَا بِكَوْنِهَا مُتَّصِلَةً لِلْقَرَارِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَتْ فِيهَا أَشْجَارٌ صِغَارٌ تُحَوَّلَ فِي فَصْلِ الرَّبِيعِ وَتُبَاعُ، فَإِنَّهَا إنْ كَانَتْ تُقْلَعُ مِنْ أَصْلِهَا تَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ، وَإِنْ كَانَتْ تُقْطَعُ مِنْ وَجْهِ الْأَرْضِ فَهِيَ لِلْبَائِعِ إلَّا بِالشَّرْطِ، كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ بَاعَ أَرْضًا فِيهَا قُطْنٌ لَمْ يَدْخُلْ كَالثَّمَرِ. وَأَمَّا أَصْلُهُ فَقَدْ قَالُوا لَا يَدْخُلُ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَدْخُلُ وَشَجَرَةُ الْبَاذِنْجَانِ لَا تَدْخُلُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ فَهِيَ لِلْبَائِعِ إلَّا بِالشَّرْطِ، كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ هَكَذَا ذَكَرَ الْحَاكِمُ السَّمَرْقَنْدِيُّ وَالْكُرَّاثُ بِمَنْزِلَةِ الرَّطْبَةِ، وَذَكَرَ الْخَصَّافُ فِي الْحَطَبِ وَالْقَصَبِ وَالطَّرْفَاءِ وَأَنْوَاعِ الْخَشَبِ أَنَّهَا لِلْبَائِعِ اهـ. وَفِيهَا إذَا اشْتَرَى شَجَرَةً لِلْقَلْعِ، فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ بِقَلْعِهَا بِعُرُوقِهَا وَلَيْسَ لَهُ حَفْرُ الْأَرْضِ إلَى انْتِهَاءِ الْعُرُوقِ بَلْ يُقْلِعُهَا عَلَى الْعَادَةِ إلَّا إنْ شَرَطَ لِلْبَائِعِ الْقَطْعَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ أَوْ يَكُونَ فِي الْقَلْعِ مِنْ الْأَصْلِ مَضَرَّةٌ عَلَى الْبَائِعِ كَمَا إذَا كَانَتْ بِقُرْبِ حَائِطٍ أَوْ بِئْرٍ، فَإِنَّهُ يَقْطَعُهَا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، فَإِنْ قَطَعَهَا أَوْ قَلَعَهَا فَنَبَتَ مَكَانَهَا أُخْرَى فَالنَّابِتُ لِلْبَائِعِ إلَّا إذَا قَطَعَ مِنْ أَعْلَاهَا فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي، كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ، وَلَوْ اشْتَرَى نَخْلَةً، وَلَمْ يُبَيِّنْ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا لِلْقَطْعِ أَوْ لِلْقَرَارِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَمْلِكُ أَرْضَهَا وَأَدْخَلَ مُحَمَّدٌ مَا تَحْتَهَا وَهُوَ الْمُخْتَارُ، وَإِنْ اشْتَرَاهَا لِلْقَطْعِ لَا تَدْخُلُ الْأَرْضُ اتِّفَاقًا، وَإِنْ اشْتَرَاهَا لِلْقَرَارِ تَدْخُلُ اتِّفَاقًا، كَذَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَفِي الْإِقْرَارِ تَدْخُلُ وَيَجُوزُ شِرَاءُ الشَّجَرَةِ بِشَرْطِ الْقَطْعِ فَأَمَّا شِرَاؤُهَا بِشَرْطِ الْقَلْعِ فَفِيهِ اخْتِلَافٌ وَالصَّحِيحُ الْجَوَازُ. وَإِذَا بَاعَ نَصِيبًا لَهُ مِنْ شَجَرَةٍ بِغَيْرِ إذْنِ الشَّرِيكِ بِغَيْرِ أَرْضٍ، فَإِنْ كَانَتْ الْأَشْجَارُ قَدْ بَلَغَتْ أَوْ إنْ قَطَعَهَا فَالْبَيْعُ جَائِزٌ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ، وَلَوْ اشْتَرَيَا أَرْضًا فِيهَا نَخِيلٌ عَلَى أَنَّ لِأَحَدِهِمَا الْأَرْضَ وَلِلْآخَرِ النَّخِيلَ فَلِصَاحِبِ الشَّجَرِ أَنْ يُقْلِعَهُ، فَإِنْ كَانَ فِي قَلْعِهِ ضَرَرٌ فَهُوَ بَيْنَهُمَا اهـ. وَلَوْ اشْتَرَى نَخْلَةً فِي أَرْضِ إنْسَانٍ وَلَهَا طَرِيقٌ فَلَمْ يُبَيِّنْهُ فَالشِّرَاءُ جَائِزٌ وَيَأْخُذُ إلَى النَّخْلَةِ طَرِيقًا مِنْ أَيِّ النَّوَاحِي شَاءَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَفَاوَتُ حَتَّى لَوْ كَانَ مُتَفَاوِتًا بَطَلَ الْبَيْعُ. وَيَدْخُلُ الْعِذَارُ فِي بَيْعِ الْفَرَسِ وَالزِّمَامُ فِي بَيْعِ الْبَعِيرِ وَالْحَبْلُ الْمَشْدُودُ فِي عُنُقِ الْحِمَارِ وَالْبَرْذَعَةُ وَالْإِكَافُ لَا يَدْخُلَانِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ سَوَاءٌ كَانَ مُوكَفًا أَوْ لَا وَهُوَ الظَّاهِرُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ بَاعَ حِمَارًا مُوكَفًا يَدْخُلُ الْإِكَافُ وَالْبَرْذعَةُ فِي الْبَيْعِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُوكَفٍ فَكَذَلِكَ وَهُوَ الْمُخْتَارُ لَكِنْ إذَا دَخَلَ فَأَيُّ بَرْذعَةٍ وَأَيُّ إكَافٍ يَدْخُلُ فَالْجَوَابُ فِيهِ كَالْجَوَابِ فِي ثِيَابِ الْجَارِيَةِ وَلَا يَدْخُلُ الْمِقْوَدُ فِي بَيْعِ الْحِمَارِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ؛ لِأَنَّ الْفَرَسَ وَالْبَعِيرَ لَا يَنْقَادَانِ إلَّا بِهِ بِخِلَافِ الْحِمَارِ وَالسَّرْجُ لَا يَدْخُلُ إلَّا بِالتَّنْصِيصِ لِعَدَمِ الْعُرْفِ حَتَّى لَوْ جَرَى الْعُرْفُ بِدُخُولِهِ دَخَلَ أَوْ كَانَ الثَّمَنُ كَثِيرًا كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَفَصِيلُ النَّاقَةِ وَفَلُوُّ الرَّمَكَةِ وَجَحْشُ الْأَتَانِ وَالْعِجْلُ لِلْبَقَرَةِ وَالْحَمْلُ لِلشَّاةِ إنْ ذَهَبَ بِهِ مَعَ الْأُمِّ إلَى مَوْضِعِ الْبَيْعِ دَخَلَ فِيهِ لِلْعُرْفِ وَإِلَّا فَلَا وَفَرَّقَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ، فَقَالَ إنَّ الْعِجْلَ يَدْخُلُ وَالْجَحْشُ لَا يَدْخُلُ؛ لِأَنَّ الْبَقَرَةَ لَا يُنْتَفَعُ بِهَا إلَّا بِالْعِجْلِ وَلَا كَذَلِكَ الْأَتَانُ اهـ. وَفِي الْقُنْيَةِ يَدْخُلُ الْوَلَدُ الرَّضِيعُ فِي الْكُلِّ دُونَ الْفَطِيمِ، وَلَوْ بَاعَ عَبْدًا لَهُ مَالٌ إنْ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْبَيْعِ فَهُوَ لِلْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ كَسْبُ عَبْدِهِ، وَإِنْ بَاعَهُ مَعَ مَالِهِ بِكَذَا، وَلَمْ يُبَيِّنْ الْمَالَ فَسَدَ الْبَيْعُ، وَكَذَا لَوْ سَمَّاهُ وَهُوَ دَيْنٌ عَلَى   [منحة الخالق] أَنَّ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا لَكِنَّهُ لَيْسَ مِنْهَا. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ صُوفِ الشَّاةِ لَا يَأْخُذُ قِسْطًا مِنْ الثَّمَنِ إلَّا بِالتَّسْمِيَةِ لَهُ أَوْ لِلْبِنَاءِ أَوْ لِلشَّجَرِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَوْ طَرَأَ عَلَيْهِ الْقَبْضُ وَظَهَرَ مَا اشْتَرَاهُ نَاقِصًا كَاسْتِحْقَاقِ الْبَعْضِ فِي وُجُوهِهِ، كَذَا فِي الْحَاوِي لِصَاحِبِ الْقُنْيَةِ وَعِبَارَتُهُ فِي الْحَاوِي إلَّا إذَا سَمَّى لَهُ أَوْ لِلْبِنَاءِ إلَخْ. (قَوْلُهُ وَأَدْخَلَ مُحَمَّدٌ مَا تَحْتَهَا وَهُوَ الْمُخْتَارُ) قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ كَمَا لَوْ أَقَرَّ لِإِنْسَانٍ بِشَجَرَةٍ يَدْخُلُ فِي الْإِقْرَارِ مَا تَحْتَهَا مِنْ الْأَرْضِ، وَكَذَا فِي الْقِسْمَةِ، وَإِذَا دَخَلَ مَا تَحْتَهَا مِنْ الْأَرْضِ فِي الْبَيْعِ يَدْخُلُ مِقْدَارُ غِلَظِ الشَّجَرَةِ وَقْتَ الْبَيْعِ وَوَقْتَ الْإِقْرَارِ وَوَقْتَ الْقِسْمَةِ حَتَّى لَوْ ازْدَادَ غِلَظُهَا بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ أَنْ يَأْمُرَهُ بِنَحْتِ الزِّيَادَةِ وَلَا يَدْخُلُ مِنْ الْأَرْضِ مَا تَنَاهَى إلَيْهِ الْعُرُوقُ وَالْأَغْصَانُ اهـ. (قَوْلُهُ وَيَجُوزُ شِرَاءُ الشَّجَرَةِ بِشَرْطِ الْقَطْعِ) قِيلَ هَذَا إذَا بَيَّنَ مَوْضِعَ الْقَطْعِ، فَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ لَمْ يَجُزْ وَفِي ظَاهِرِ الْجَوَابِ يَجُوزُ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ، وَإِذَا جَازَ كَانَ لَهُ أَنْ يُقَلِّعَهَا مِنْ الْأَصْلِ عِنْدَ الْبَعْضِ وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ يَقْطَعُهَا مِنْ وَجْهِ الْأَرْضِ وَلَا يَقْلَعُ وَإِنْ اشْتَرَاهَا مُطْلَقًا فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ اشْتَرَاهَا بِشَرْطِ الْقَطْعِ كَانَ لَهُ أَنْ يَقْلَعَهَا بِأَصْلِهَا، كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ. (قَوْلُهُ إنْ ذَهَبَ بِهِ مَعَ الْأُمِّ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ هَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْأُمَّ لَوْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 318 النَّاسِ أَوْ بَعْضُهُ، وَإِنْ كَانَ عَيْنًا جَازَ إنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ الْأَثْمَانِ، وَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ مِنْ جِنْسِ مَالِ الْعَبْدِ بِأَنْ كَانَ الثَّمَنُ دَرَاهِمَ وَمَالُ الْعَبْدِ دَرَاهِمَ، فَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ أَكْثَرَ جَازَ، وَإِنْ كَانَ مِثْلَهُ أَوْ أَقَلَّ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ الْعَبْدِ بِلَا ثَمَنٍ، وَإِنْ كَانَ مِنْهَا، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ جِنْسِهِ بِأَنْ كَانَ دَرَاهِمَ وَمَالُ الْعَبْدِ دَنَانِيرَ وَعَلَى الْعَكْسِ جَازَ إذَا تَقَابَضَا فِي الْمَجْلِسِ، وَكَذَا لَوْ قَبَضَ مَالَ الْعَبْدِ وَنَقَدَ حِصَّتَهُ مِنْ الثَّمَنِ، وَإِنْ افْتَرَقَا قَبْلَ الْقَبْضِ بَطَلَ الْعَقْدُ فِي مَالِ الْعَبْدِ. وَلَوْ اشْتَرَى سَمَكَةً فَوَجَدَ فِي بَطْنِهَا لُؤْلُؤَةً، فَإِنْ كَانَتْ فِي الصَّدَفِ فَهِيَ لِلْمُشْتَرِي وَإِلَّا، فَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ اصْطَادَ السَّمَكَةَ يَرُدُّهَا الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ وَتَكُونُ عِنْدَ الْبَائِعِ بِمَنْزِلَةِ اللُّقَطَةِ يُعَرِّفُهَا حَوْلًا، ثُمَّ يَتَصَدَّقُ بِهَا، وَإِنْ اشْتَرَى دَجَاجَةً فَوَجَدَ فِي بَطْنِهَا لُؤْلُؤَةً يَرُدُّهَا عَلَى الْبَائِعِ، وَإِنْ اشْتَرَى سَمَكَةً فَوَجَدَ فِي بَطْنِهَا سَمَكَةً فَهِيَ لِلْمُشْتَرِي، كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَلَوْ اشْتَرَى دَارًا فَوَجَدَ فِي بَعْضِ جُذُوعِهَا مَالًا إنْ قَالَ الْبَائِعُ هُوَ لِي كَانَ لَهُ فَيَرُدُّهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا وَصَلَتْ إلَى الْمُشْتَرِي مِنْهُ، وَإِنْ قَالَ لَيْسَ لِي كَانَ كَاللُّقَطَةِ، كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَقُيِّدَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ كَوْنُهُ لِلْبَائِعِ بِحَلِفِهِ. وَلَوْ بَاعَ عَبْدًا أَوْ جَارِيَةً كَانَ عَلَى الْبَائِعِ مِنْ الْكِسْوَةِ مَا يُوَارِي عَوْرَتَهُ، فَإِنْ بِيعَتْ فِي ثِيَابِ مِثْلِهَا دَخَلَتْ فِي الْبَيْعِ وَلِلْبَائِعِ أَنْ يُمْسِكَ تِلْكَ الثِّيَابَ وَيَدْفَعَ غَيْرَهَا مِنْ ثِيَابِ مِثْلِهَا يُسْتَحَقُّ ذَلِكَ عَلَى الْبَائِعِ وَلَا يَكُونُ لَهَا قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ حَتَّى لَوْ اسْتَحَقَّ الثَّوْبَ أَوْ وَجَدَ بِالثَّوْبِ عَيْبًا لَا يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِشَيْءٍ وَلَا يَرُدُّ عَلَيْهِ الثَّوْبَ، وَلَوْ هَلَكَتْ الثِّيَابُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي أَوْ تَعَيَّبَتْ، ثُمَّ رَدَّ الْجَارِيَةَ بِعَيْبٍ رَدَّهَا بِجَمِيعِ الثَّمَنِ، وَذَكَرَ الشَّارِحُ أَنَّهُ لَوْ وَجَدَ بِالْجَارِيَةِ عَيْبًا كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا بِدُونِ تِلْكَ الثِّيَابِ اهـ. أَيْ إذَا هَلَكَتْ. وَأَمَّا مَعَ قِيَامِهَا فَلَا بُدَّ مِنْ رَدِّهَا، وَإِنْ كَانَتْ تَبِعَا وَإِلَّا لَزِمَ حُصُولُهَا لِلْمُشْتَرِي مِنْ غَيْرِ مُقَابِلٍ وَهُوَ لَا يَجُوزُ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ بَاعَ جَارِيَةً وَعَلَيْهَا قُلْبُ فِضَّةٍ وَقُرْطَانِ، وَلَمْ يَشْتَرِطَا ذَلِكَ وَالْبَائِعُ يُنْكِرُ قَالَ لَا يَدْخُلُ شَيْءٌ مِنْ الْحُلِيِّ فِي الْبَيْعِ، وَإِنْ سَلَّمَ الْبَائِعُ الْحُلِيَّ لَهَا فَهُوَ لَهَا، وَإِنْ سَكَتَ عَنْ طَلَبِهَا وَهُوَ بَرَاهَا فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ التَّسْلِيمِ اهـ. وَفِي الْكَافِي رَجُلٌ لَهُ أَرْضٌ بَيْضَاءُ وَلِآخَرَ فِيهَا نَخْلٌ فَبَاعَهُمَا رَبُّ الْأَرْضِ بِإِذْنِ الْآخَرِ بِأَلْفٍ وَقِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ خَمْسُمِائَةٍ فَالثَّمَنُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، فَإِنْ هَلَكَ النَّخْلُ قَبْلَ الْقَبْضِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ خُيِّرَ الْمُشْتَرِي بَيْنَ التَّرْكِ وَأَخْذِ الْأَرْضِ بِكُلِّ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ النَّخْلَ كَالْوَصْفِ وَالثَّمَنُ بِمُقَابَلَةِ الْأَصْلِ لَا الْوَصْفِ، وَلِذَا لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ. اهـ. وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ كُلَّ مَا دَخَلَ تَبَعًا لَمْ يُقَابِلْهُ شَيْءٌ كَمَا فِي ثِيَابِ الْعَبْدِ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَسْأَلَةَ الْكَافِي مُقَيَّدَةٌ بِمَا إذَا لَمْ يُفَصِّلْ ثَمَنَ كُلٍّ أَمَّا إذَا فَصَّلَ بِأَنْ عَيَّنَ الْبَائِعُ ثَمَنَ الْأَرْضِ عَلَى حِدَةٍ وَثَمَنَ النَّخْلِ عَلَى حِدَةٍ سَقَطَ قِسْطُ النَّخْلِ بِهَلَاكِهَا لِمَا صَرَّحَ بِهِ فِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ فِي بَابِ الثَّمَنِ صَارَ لَهُ وَكَانَ لَهُمَا، وَقَالَ فِي آخِرِهِ لِهَذَا لَوْ بَاعَ حَامِلًا حَمَلَهَا لِلْغَيْرِ فَوَلَدَتْ فَالثَّمَنُ لَهُمَا إنْ عَاشَ الْوَلَدُ وَلِرَبِّ الْأُمِّ إنْ مَاتَ قَبْلَ الْقَبْضِ اهـ. وَفِي الْعُمْدَةِ اشْتَرَى أَرْضًا وَفِيهَا بُقُولٌ أَوْ حَطَبٌ أَوْ رَيَاحِينُ فَهِيَ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يُشْتَرَطَ وَالشَّجَرُ يَدْخُلُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ بِلَا ذِكْرٍ، وَكَذَا كُلُّ مَا لَهُ سَاقٌ وَالْآسُ وَالزَّعْفَرَانُ لِلْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الثَّمَرِ، وَإِنَّهُ يُقْطَعُ اهـ.   [منحة الخالق] كَانَتْ غَائِبَةً هِيَ وَوَلَدُهَا وَبَاعَهَا سَاكِتًا عَنْهُ لَا يَدْخُلُ لِفَقْدِ الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ وَهِيَ وَاقِعَةُ الْفَتْوَى فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ لَا يُرْجَعُ عَلَى الْبَائِعِ بِشَيْءٍ) يَعْنِي مِنْ الثَّمَنِ. وَأَمَّا رُجُوعُهُ بِكِسْوَةِ مِثْلِهَا فَثَابِتٌ لَهُ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِهِمْ شَيْخُنَا قَالَهُ أَبُو السُّعُودِ فِي حَاشِيَةِ مِسْكِينٍ. (قَوْلُهُ أَيْ إذَا هَلَكَتْ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَوْ اُسْتُهْلِكَتْ كَمَا إذَا تَقَايَلَا الْبَيْعَ وَكَانَتْ مُسْتَهْلَكَةً تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ كُلَّ مَا دَخَلَ تَبَعًا إلَخْ) فَرَّعَ فِي النَّهْرِ عَلَى الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ أَعْنِي مَا دَخَلَ تَبَعًا لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ، وَإِنْ اسْتَحَقَّ أَخْذَ الدَّارِ بِالْحِصَّةِ إلَخْ قَالَ شَيْخُنَا فَيَكُونُ الِاسْتِحْقَاقُ بِمَنْزِلَةِ الْإِتْلَافِ اهـ. فَمُفَادُهُ أَنَّ التَّبَعَ بِالْإِتْلَافِ يَكُونُ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ حَتَّى لَوْ رَدَّ الْأَمَةَ الْمَبِيعَةَ بِحُكْمِ خِيَارِ الْعَيْبِ بَعْدَ إتْلَافِ ثِيَابِهَا يَسْقُطُ عَنْ الْبَائِعِ مَا قَابَلَ الثِّيَابَ مِنْ الثَّمَنِ، فَإِنْ قُلْتُ: أَخْذُهُ الدَّارَ بِالْحِصَّةِ فِيمَا إذَا اسْتَحَقَّ الْبِنَاءَ يُشْكِلُ بِمَا سَبَقَ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ مِنْ عَدَمِ رُجُوعِ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِشَيْءٍ إذَا اُسْتُحِقَّتْ ثِيَابُ الْأَمَةِ قُلْتُ: الْمَسْأَلَةُ مُخْتَلَفٌ فِيهَا فَمِنْهُمْ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الِاسْتِحْقَاقِ وَالْهَلَاكِ، وَمِنْهُمْ مَنْ سَوَّى بَيْنَهُمَا كَمَا فِي الْقُنْيَةِ وَاسْتَظْهَرَهُ فِي النَّهْرِ فَكَلَامُ الزَّيْلَعِيِّ يَتَمَشَّى عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّسْوِيَةِ. (تَتِمَّةٌ) اُسْتُفِيدَ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ إذَا كَانَ لِبَابِ الدَّارِ الْمَبِيعَةِ كِيلُونٌ مِنْ فِضَّةٍ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَنْقُدَ مِنْ الثَّمَنِ مَا يُقَابِلُهُ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ لِدُخُولِهِ فِي الْبَيْعِ تَبَعًا وَلَا يُشْكَلُ بِمَا سَيَأْتِي فِي الصَّرْفِ مِنْ مَسْأَلَةِ الْأَمَةِ مَعَ الطَّوْقِ وَالسَّيْفِ الْمُحَلَّى؛ لِأَنَّ دُخُولَ الطَّوْقِ وَالْحِلْيَةِ فِي الْبَيْعِ لَمْ يَكُنْ عَلَى وَجْهِ التَّبَعِيَّةِ، أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلطَّوْقِ فَلِكَوْنِهِ غَيْرَ مُتَّصِلٍ بِالْأَمَةِ، وَكَذَا الْحِلْيَةُ، وَإِنْ اتَّصَلَتْ بِالسَّيْفِ؛ لِأَنَّ السَّيْفَ اسْمٌ لِلْحِلْيَةِ أَيْضًا كَمَا فِي الدُّرِّ مِنْ الصَّرْفِ فَكَانَتْ الْحِلْيَةُ مِنْ مُسَمَّى السَّيْفِ إذَا عُلِمَ هَذَا ظَهَرَ أَنَّهُ فِي بَيْعِ الشَّاشِ وَنَحْوِهِ إذَا كَانَ بِهِ عَلَمٌ لَا يُشْتَرَطُ نَقْدُ مَا قَابَلَ الْعِلْمَ مِنْ الثَّمَنِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ خِلَافًا لِمَنْ تَوَهَّمَ ذَلِكَ مِنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعَصْرِ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ لَمْ يَكُنْ مِنْ مُسَمَّى الْمَبِيعِ فَكَانَ دُخُولُهُ فِي الْبَيْعِ عَلَى وَجْهِ التَّبَعِيَّةِ فَلَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 319 وَسَيَأْتِي فِي بَابِ الْحُقُوقِ دُخُولُ الْعُلُوِّ فِي الدَّارِ وَالْمَنْزِلِ وَالْبَيْتِ وَعَدَمِهِ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ بَاعَ سُفْلَ دَارِهِ عَلَى أَنَّ لَهُ حَقَّ قَرَارِ الْعُلُوِّ عَلَيْهِ جَازَ. وَأَمَّا الطَّرِيقُ فَلَا يَدْخُلُ بِلَا ذِكْرٍ، فَإِنْ قَالَ بِحُقُوقِهَا وَمَرَافِقِهَا أَوْ قَالَ بِكُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ لَهُ فِيهَا وَخَارِجٍ عَنْهَا كَانَ لَهُ الطَّرِيقُ وَالْإِقْرَارُ بِالدَّارِ وَالصُّلْحُ عَلَيْهَا وَالْوَصِيَّةُ بِهَا كَالْبَيْعِ، كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالْقِسْمَةُ وَالرَّهْنُ وَالْوَقْفُ وَالصَّدَقَةُ كَالْإِجَارَةِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَفِي الْمُجْتَبَى وَالْحَقُّ فِي الْعَادَةِ يَذْكُرُ فِيمَا هُوَ تَبَعٌ لِلْمَبِيعِ وَلَا بُدَّ لِلْمَبِيعِ مِنْهُ وَلَا يُقْصَدُ إلَيْهِ إلَّا لِأَجْلِهِ كَالشِّرْبِ وَالطَّرِيق وَمَسِيلِ الْمَاءِ وَالْمَرَافِقِ مَا يُرْتَفَقُ بِهِ وَيَخْتَصُّ بِمَا هُوَ مِنْ التَّوَابِعِ كَالشِّرْبِ وَالْمَسِيلِ وَقَوْلُهُ كُلُّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ مُبَالَغَةٌ فِي حَقِّ الْبَائِعِ فِي الْمَبِيعِ وَبِمَا هُوَ مُتَّصِلٌ بِهِ اهـ. وَظَاهِرُ مَا فِي الْمُجْتَبَى أَنَّ ذِكْرَ الْحُقُوقِ أَوْ الْمَرَافِقِ كَافٍ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا لِإِدْخَالِ الطَّرِيقِ وَالشِّرْبِ وَقَوْلُهُمْ أَوْ مِنْهَا تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِمْ فِيهَا، كَذَا فِي الْمُحِيطِ فَأَحَدُهُمَا يُغْنِي عَنْ الْآخَرِ أَيْضًا. وَفِي الْخَانِيَّةِ اشْتَرَى أَرْضًا بِشِرْبِهَا جَازَ الْبَيْعُ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ مِقْدَارَ الشِّرْبِ؛ لِأَنَّ الشُّرْبَ تَبَعُ الْأَرْضِ فَإِذَا كَانَتْ الْأَرْضُ مَعْلُومَةً فَجَهَالَةُ التَّبَعِ لَا تَمْنَعُ الْجَوَازَ اهـ. وَفِي الْقُنْيَةِ اشْتَرَى كَرْمًا تَدْخُلُ الْوَثَائِلُ الْمَشْدُودَةُ عَلَى الْأَوْتَادِ الْمَضْرُوبَةِ فِي الْأَرْضِ، وَكَذَا عُمَدُ الزَّرَاجِينِ الْمَدْفُونَةُ فِي الْأَرْضِ أُصُولُهَا مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ. وَلَوْ بَاعَ أَرْضًا فِيهَا تُرَابٌ مَنْقُولٌ مِنْ أَرْضٍ أُخْرَى لَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ إذَا كَانَتْ مَجْمُوعَةً شِبْهَ التَّلِّ. وَلَوْ بَاعَ أَرْضًا فِيهَا مَقَابِرُ صَحَّ الْبَيْعُ فِيمَا وَرَاءَ الْمَقَابِرِ أَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا تَدْخُلُ أَرْضُ الْقَبْرِ فِي الْمَبِيعِ وَمَطْرَحُ الْحَصَائِدِ لَيْسَ مِنْ مَرَافِقِ الْأَرْضِ فَلَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ بِلَا ذِكْرِ الْمَرَافِقِ اهـ. وَفِي الْمُجْتَبَى قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ بَاعَ دَارًا بِفِنَائِهَا لَمْ يَصِحَّ كَمَنْ جَمَعَ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ وَفِي بَيْعِهَا بِحُقُوقِهَا تَدْخُلُ الْحُقُوقُ وَقْتَ الْبَيْعِ لَا مَا قَبْلَهُ وَفِي الْبَدَائِعِ الطَّرِيقُ الْأَعْظَمُ أَوْ فِي سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ بِلَا تَنْصِيصٍ وَلَا قَرِينَةٍ إنَّمَا الْكَلَامُ فِي الطَّرِيقِ الْخَاصِّ فِي مِلْكِ إنْسَانٍ فَإِذَا كَانَ يَلِي الطَّرِيقَ الْأَعْظَمَ فَتَحَ لَهُ بَابًا إلَيْهِ وَإِلَّا اسْتَأْجَرَ الطَّرِيقَ أَوْ اسْتَعَارَهُ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ اشْتَرَى أَشْجَارًا لِلْقَطْعِ فَلَمْ يَقْطَعْ حَتَّى جَاءَ الصَّيْفُ إنْ أَضَرَّ الْقَطْعُ بِالْأَرْضِ وَأُصُولِ الشَّجَرِ يُعْطِي الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي قِيمَةَ شَجَرٍ قَائِمٍ جَبْرًا، وَقَالَ الصَّدْرُ قِيمَةَ مَقْطُوعٍ، وَإِنْ لَمْ يَضُرَّ بِوَاحِدٍ قَطَعَ، وَإِنْ اشْتَرَى الشَّجَرَ مُطْلَقًا لَهُ الْقَطْعُ مِنْ الْأَصْلِ ادَّعَى الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي كَسْرَ أَغْصَانِ الْأَشْجَارِ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي مَا تَعَمَّدْت وَلَكِنَّهُ مَا كَانَ بُدٌّ مِنْهُ يُرْجَعُ فِيهِ إلَى أَهْلِ الْعِلْمِ بِهِ إنْ قَالُوا إنَّهُ مِمَّا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ ضَمِنَ النُّقْصَانَ، وَإِنْ قَالُوا مِمَّا لَا يُمْكِنُ لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا؛ وَتَدْخُلُ الْأَقْتَابُ فِي بَيْعِ الْجِمَالِ. وَلَوْ وَجَدَ فِي بَطْنِ السَّمَكَةِ سَمَكَةً أُخْرَى كَانَتْ لِلْمُشْتَرِي، وَكَذَا الْعَنْبَرُ الْمَوْجُودُ فِي بَطْنِهَا؛ لِأَنَّهُ حَشِيشٌ فِي الْبَحْرِ هُوَ طَعَامُهَا، وَكَذَا كُلُّ مَا كَانَ غِذَاءً لِلسَّمَكِ وَفِي الصِّحَاحِ مَرَافِقُ الدَّارِ مَصَابُّ الْمَاءِ وَنَحْوِهَا وَالْمَرْفِقُ مِنْ الْأَمْرِ مَا ارْتَفَقْت وَانْتَفَعْت بِهِ اهـ. وَفِي الْمِصْبَاحِ. وَأَمَّا مِرْفَقُ الدَّارِ كَالْمَطْبَخِ وَالْكَنِيفِ وَنَحْوِهِ فَبِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْفَاءِ لَا غَيْرُ عَلَى التَّشْبِيهِ بِاسْمِ الْآلَةِ وَجَمْعُهُ مَرَافِقُ اهـ. وَالْكَوْرُ لِلْحَدَّادِ الْمَبْنِيُّ مِنْ الطِّينِ مُعَرَّبٌ وَفِي   [منحة الخالق] يُقَابِلُهُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ، كَذَا فِي حَاشِيَةِ السَّيِّدِ أَبِي السُّعُودِ. (قَوْلُهُ وَالْوَصِيَّةُ بِهَا كَالْبَيْعِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ يَعْنِي فَلَا يَدْخُلُ الطَّرِيقُ فِيهَا وَيَجِبُ إلْحَاقُ الْهِبَةِ بِالْوَصِيَّةِ وَلَا تُقَاسُ بِالصَّدَقَةِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهَا مَنْفَعَةُ الْفَقِيرِ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ مُبَالَغَةٌ فِي حَقِّ الْبَائِعِ إلَخْ) هُنَا سَقْطٌ وَتَحْرِيفٌ وَعِبَارَةُ الْمُجْتَبَى مُبَالَغَةٌ فِي إسْقَاطِ حَقِّ الْبَائِعِ عَنْ الْمَبِيعِ وَعَمَّا هُوَ مُتَّصِلٌ بِهِ. (قَوْلُهُ وَقَوْلُهُمْ أَوْ مِنْهَا تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِمْ فِيهَا) الظَّاهِرُ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى رِوَايَةِ هِشَامٍ لَا عَلَى مَا قَالَهُ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ إذْ عِنْدَهُ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ كَمَا مَرَّ فِي آخِرِ الْقَوْلَةِ السَّابِقَةِ وَانْظُرْ مَا كَتَبْنَاهُ عَنْ الْمُجْتَبَى هُنَاكَ. (قَوْلُهُ تَدْخُلُ الْوَثَائِلُ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ الْوَثَائِلُ جَمْعُ وَثَلٍ مُحَرَّكَةٌ وَهُوَ الْحَبْلُ مِنْ اللِّيفِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ (قَوْلُهُ: وَكَذَا عُمَدُ الزَّرَاجِينِ الْمَدْفُونَةُ أُصُولُهَا فِي الْأَرْضِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ الْمُرَادُ بِالزَّرَاجِينِ الْكَرْمُ هُنَا قَالَ فِي مُخْتَارِ اللُّغَةِ الزَّرَجُونُ بِالتَّحْرِيكِ الْخَمْرُ وَقِيلَ الْكَرْمُ فَارِسِيَّةٌ مُعَرَّبَةٌ وَأَرَادَ بِالْأَعْمِدَةِ مَا يُحْمَلُ عَلَيْهَا أَغْصَانُ الْكَرْمِ زَمَنَ الصَّيْفِ وَتَقْيِيدُهُ بِالْمَدْفُونَةِ يُفِيدُ أَنَّ الْمَوْضُوعَةَ عَلَى الْأَرْضِ لَا تَدْخُلُ بِمَنْزِلَةِ الْحَطَبِ الْمَوْضُوعِ فِي الْكَرْمِ وَصَارَتْ الْمَسْأَلَةُ وَاقِعَةً الْفَتْوَى وَيَنْبَغِي بِنَاءً عَلَى مَا فِي الْقُنْيَةِ أَنْ يُفْتَى بِدُخُولِهَا فِي الْبَيْعِ إنْ كَانَتْ مَدْفُونَةً وَإِلَّا فَلَا كَذَا رَأَيْت بِخَطِّ شَيْخِ الْإِسْلَامِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْغَزِّيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ لَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ إذَا كَانَتْ مَجْمُوعَةً شِبْهَ التَّلِّ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ إلَّا إذَا كَانَتْ بِزِيَادَةِ إلَّا وَاَلَّذِي رَأَيْته فِي الْقُنْيَةِ بِدُونِهَا. (قَوْلُهُ فَلَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ بِلَا ذِكْرِ الْمَرَافِقِ) ، كَذَا فِي عَامَّةِ النُّسَخِ وَفِي نُسْخَةٍ بِذِكْرِ بِدُونِ لَا وَهُوَ الَّذِي فِي الْقُنْيَةِ. (قَوْلُهُ وَفِي الْبَدَائِعِ الطَّرِيقُ الْأَعْظَمُ إلَخْ) ذُكِرَ مِثْلُهُ فِي الْمُجْتَبَى، وَقَالَ: وَكَذَا حَقُّ تَسْيِيلِ الْمَاءِ وَحَقُّ إلْقَاءِ الثَّلْجِ فِي مِلْكٍ خَاصٍّ لَا يَدْخُلُ إلَّا نَصًّا أَوْ بِذِكْرِ الْحُقُوقِ أَوْ الْمَرَافِقِ، وَلَوْ لَمْ يَذْكُرْ الْحُقُوقَ وَالْمَرَافِقَ لَمْ يَدْخُلْ الطَّرِيقُ وَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّ إذَا قَالَ ظَنَنْت أَنَّ لَهُ مِفْتَحًا إلَى الطَّرِيقِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 320 الْقَامُوسِ إكَافُ الْحِمَارِ كَكِتَابٍ وَغُرَابٍ وَوِكَافُهُ بَرْدَعَتُه وَالْأَكَّافُ صَانِعُهُ وَآكَفَ الْحِمَارَ إيكَافًا وَوَكَّفَهُ تَوْكِيفًا شَدَّهُ عَلَيْهِ وَأَكَّفَ الْإِكَافَ تَأْكِيفًا اتَّخَذَهُ اهـ. فَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْإِكَافَ الْبَرْدَعَةُ. وَظَاهِرُ قَوْلِ الْفُقَهَاءِ أَنَّهَا غَيْرُهُ لِلْعَطْفِ وَلَكِنْ قَالَ فِي الْقَامُوسِ فِي بَابِ الْعَيْنِ الْبَرْدَعَةُ الْحِلْسُ تَحْتَ الرَّجُلِ وَبِلَا لَامٍ، وَقَدْ تُنْقَطُ دَالُهُ اهـ. فَعَلَى هَذَا الْإِكَافُ الرَّحْلُ وَالْبَرْدَعَةُ مَا تَحْتَهُ وَلَكِنَّهُ فِي الْعُرْفِ الْإِكَافُ خَشَبَتَانِ فَوْقَ الْبَرْدَعَةِ وَقَوْلُهُ بِلَا ذِكْرٍ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَسْأَلَتَيْنِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ أَمَرَ غَيْرَهُ بِبَيْعِ أَرْضٍ فِيهَا أَشْجَارٌ فَبَاعَ الْوَكِيلُ الْأَرْضَ بِأَشْجَارِهَا، فَقَالَ الْمُوَكِّلُ مَا أَمَرَتْهُ بِبَيْعِ الْأَشْجَارِ قَالَ الْفَضْلِيُّ الْقَوْلُ لِلْمُوَكِّلِ فِيمَا أَمَرَ وَالْمُشْتَرِي يَأْخُذُ الْأَرْضَ بِحِصَّتِهَا مِنْ الثَّمَنِ إنْ شَاءَ، وَكَذَا لَوْ كَانَ مَكَانَ الْأَشْجَارِ بِنَاءٌ اهـ. وَفِيهَا اشْتَرَى كَرْمًا فِيهَا أَشْجَارُ الْفِرْصَادِ وَشَجَرُ الْوَرْدِ وَعَلَى شَجَرِ الْفِرْصَادِ تُوتٌ وَأَوْرَاقٌ وَعَلَى شَجَرِ الْوَرْدِ وَرْدٌ، وَقَالَ بِكُلِّ حَقٍّ هُوَ لَهُ لَا يَدْخُلُ التُّوتُ وَأَوْرَاقُ الْفِرْصَادِ فِي الْبَيْعِ، وَكَذَا الْوَرْدُ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الثَّمَرِ اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا يَدْخُلُ الزَّرْعُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ بِلَا تَسْمِيَةٍ) ؛ لِأَنَّهُ مُتَّصِلٌ بِالْأَرْضِ لِلْفَصْلِ فَشَابَهُ الْمَتَاعَ الَّذِي هُوَ فِيهَا وَلَا يُرَدُّ حَمْلُ الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ فَصْلُ الْآدَمِيِّ وَالْحَمْلُ بِفَصْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَلِأَنَّهُ كَالْجُزْءِ لِلْمُجَانَسَةِ بِخِلَافِ الزَّرْعِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا نَبَتَ أَوَّلًا وَاخْتَارَهُ فِي الْهِدَايَةِ؛ لِأَنَّهُ مُودَعٌ فِيهَا وَشَمِلَ مَا إذَا نَبَتَ، وَلَمْ يَصِرْ لَهُ قِيمَةٌ وَفِيهِ قَوْلَانِ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ فِي الْهِدَايَةِ وَصَحَّ فِي التَّجْنِيسِ بِأَنَّ الصَّوَابَ الدُّخُولُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْقُدُورِيُّ والإسبيجابي. وَفَصَّلَ فِي الذَّخِيرَةِ فِي غَيْرِ النَّابِتِ بَيْنَ مَا إذَا لَمْ يُعَفِّنْ أَوْ لَا، فَإِنْ عَفَّنَ فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْعَفَنَ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ عَلَى الِانْفِرَادِ فَصَارَ كَجُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ وَفِي الْمِصْبَاحِ عَفِنَ الشَّيْءُ عَفَنًا مِنْ بَابِ تَعِبَ فَسَدَ مِنْ نَدْوَةٍ أَصَابَتْهُ فَهُوَ يَتَمَزَّقُ عِنْدَ مَسِّهِ وَعَفِنَ اللَّحْمُ تَغَيَّرَتْ رَائِحَتُهُ اهـ. وَفِي الْخَانِيَّةِ، وَإِنَّمَا تُعْرَفُ قِيمَتُهُ بِأَنْ تُقَوَّمَ الْأَرْضُ مَبْذُورَةً وَغَيْرَ مَبْذُورَةٍ، فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا مَبْذُورَةً أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهَا غَيْرَ مَبْذُورَةٍ عُلِمَ أَنَّهُ صَارَ مُتَقَوِّمًا اهـ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ كَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ تُقَوَّمُ الْأَرْضُ بِلَا زَرْعٍ وَبِهِ، فَإِنْ زَادَ فَالزَّائِدُ قِيمَتُهُ. وَأَمَّا تَقْوِيمُهَا مَبْذُورَةً وَغَيْرَ مَبْذُورَةٍ، فَإِنَّمَا يُنَاسِبُ مَنْ يَقُولُ إذَا عَفِنَ الْبَذْرُ يَدْخُلُ وَيَكُونُ لِلْمُشْتَرِي مُعَلَّلًا بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَحْدَهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ قِيمَةٌ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَكَانَ هَذَا بِنَاءً عَلَى جَوَازِ بَيْعِهِ قَبْلَ أَنْ تَنَالَهُ الْمَشَافِرُ وَالْمَنَاجِلُ اهـ. يَعْنِي مَنْ قَالَ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَالَ يَدْخُلُ وَمَنْ قَالَ يَجُوزُ قَالَ لَا يَدْخُلُ وَلَا يَخْفَى أَنَّ كُلًّا مِنْ الِاخْتِلَافَيْنِ مَبْنِيٌّ عَلَى سُقُوطِ تَقَوُّمِهِ وَعَدَمِهِ، فَإِنَّ الْقَوْلَ بِعَدَمِ جَوَازِ بَيْعِهِ وَبِعَدَمِ دُخُولِهِ فِي الْبَيْعِ كِلَاهُمَا مَبْنِيٌّ عَلَى سُقُوطِ تَقَوُّمِهِ وَالْأَوْجَهُ جَوَازُ بَيْعِهِ عَلَى رَجَاءِ تَرْكِهِ كَمَا يَجُوزُ بَيْعُ الْجَحْشِ كَمَا وُلِدَ رَجَاءَ حَيَاتِهِ فَيُنْتَفَعُ بِهِ فِي ثَانِي الْحَالِ اهـ. وَمِشْفَرُ الْبَعِيرِ شَفَتُهُ وَالْجَمْعُ الْمَشَافِرُ وَالْمِنْجَلُ مَا يُحْصَدُ بِهِ الزَّرْعُ وَالْجَمْعُ الْمَنَاجِلُ كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَفِي الْمِصْبَاحِ الشَّفَةُ لَا تَكُونُ إلَّا مِنْ الْأَسْنَانِ وَالْمِشْفَرُ مِنْ ذَوِي الْخُفِّ وَالْحَفَلَةُ مِنْ ذِي الْحَافِرِ وَالْمِقَمَّةُ مِنْ ذِي الظِّلْفِ وَالْخَطْمُ وَالْخُرْطُومُ مِنْ السِّبَاعِ وَالْمَنْسَرُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا وَالسِّينُ مَفْتُوحَةٌ فِيهِمَا مِنْ ذَوِي الْجَنَاحِ الصَّائِدِ وَالْمِنْقَارُ مِنْ غَيْرِ الصَّائِدِ وَالْفِنْطِسَةُ مِنْ الْخِنْزِيرِ اهـ. وَصُحِّحَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ عَدَمُ الدُّخُولِ فِي الْبَيْعِ إلَّا بِالتَّسْمِيَةِ وَصُحِّحَ جَوَازُ الْبَيْعِ وَهُوَ مِنْ بَابِ التَّلْفِيقِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّ الْقَائِلَ بِعَدَمِ الدُّخُولِ قَائِلٌ بِعَدَمِ الْجَوَازِ وَعَكْسُهُ فِيهِمَا وَصُحِّحَ فِي الْمُحِيطِ دُخُولُ الزَّرْعِ قَبْلَ النَّبَاتِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ تَبَعًا لِلْأَرْضِ فَالْحَاصِلُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ فَشَمِلَ مَا إذَا نَبَتَ أَوْ لَا) أَيْ أَوْ لَمْ يَنْبُتْ قَالَ فِي النَّهْرِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يُمْكِنُ أَخْذُهُ بِالْغِرْبَالِ. (قَوْلُهُ وَاخْتَارَهُ فِي الْهِدَايَةِ) أَيْ اخْتَارَ عَدَمَ الدُّخُولِ فِيمَا إذَا لَمْ يَنْبُتْ وَعِبَارَتُهُ إذَا بِيعَتْ الْأَرْضُ، وَقَدْ بَذَرَ فِيهَا صَاحِبُهَا، وَلَمْ يَنْبُتْ لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مَوْدُوعٌ فِيهَا كَالْمَتَاعِ. (قَوْلُهُ وَفَصَّلَ فِي الذَّخِيرَةِ إلَخْ) تَقْيِيدٌ لِمَا اخْتَارَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَنُقِلَ فِي الْفَتْحِ مِثْلُ مَا فِي الذَّخِيرَةِ عَنْ فَتَاوَى الْفَضْلِيِّ، وَقَالَ وَاخْتَارَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ بِكُلِّ حَالٍ كَمَا هُوَ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ يَعْنِي صَاحِبَ الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَكَانَ هَذَا إلَخْ) يَعْنِي الِاخْتِلَافَ فِي دُخُولِ الزَّرْعِ الَّذِي لَيْسَتْ لَهُ قِيمَةٌ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقَوْلُهُ قَبْلَ أَنْ تَنَاوَلَهُ الْمَشَافِرُ وَالْمَنَاجِلُ أَيْ لَا يُمْكِنُ أَخْذُهُ بِهَا لِقَصْرِهِ تَأَمَّلْ وَسَيَأْتِي تَفْسِيرُ الْمِشْفَرِ وَالْمِنْجَلِ قَرِيبًا. (قَوْلُهُ يَعْنِي مَنْ قَالَ إلَخْ) مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ وَالْأَوْجَهُ جَوَازُ بَيْعِهِ) مُقْتَضَى هَذَا أَنَّهُ اخْتَارَ عَدَمَ الدُّخُولِ خِلَافَ مَا اسْتَصْوَبَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ. (قَوْلُهُ وَصُحِّحَ فِي السِّرَاجِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَفِي السِّرَاجِ لَوْ بَاعَهُ بَعْدَ مَا نَبَتَ، وَلَمْ تَنَلْهُ الْمَشَافِرُ وَالْمَنَاجِلُ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ إلَّا بِالتَّسْمِيَةِ وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ هَلْ يَجُوزُ بَيْعُهُ أَوْ لَا الصَّحِيحُ الْجَوَازُ. (قَوْلُهُ لِمَا قَدَّمْنَا أَنَّ الْقَائِلَ بِعَدَمِ الدُّخُولِ قَائِلٌ بِعَدَمِ الْجَوَازِ إلَخْ) الَّذِي قَدَّمَهُ خِلَافُ هَذَا وَهُوَ أَنَّ مَنْ قَالَ بِعَدَمِ الدُّخُولِ بِجَوَازِ بَيْعِهِ وَبِالْعَكْسِ فَلَيْسَ مَا فِي السِّرَاجِ مِنْ التَّلْفِيقِ بَلْ هُوَ مُوَافِقٌ لِمَا قَدَّمَهُ، ثُمَّ رَأَيْت فِي النَّهْرِ اعْتَرَضَهُ بِذَلِكَ حَيْثُ قَالَ هَذَا سَهْوٌ ظَاهِرٌ بَلْ الْقَائِلُ بِعَدَمِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 321 أَنَّ الْمُصَحَّحَ عَدَمُ الدُّخُولِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قِيمَةٌ إلَّا إذَا كَانَ قَبْلَ النَّبَاتِ فَالصَّوَابُ دُخُولُ مَا لَا قِيمَةَ لَهُ فَاخْتَلَفَ التَّرْجِيحُ فِيمَا لَا قِيمَةَ لَهُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الثَّمَرُ الَّذِي لَا قِيمَةَ لَهُ وَقِيلَ يَحْكُمُ الثَّمَنُ فِي الْكُلِّ، فَإِنْ كَانَ مِثْلَ الْأَرْضِ وَالزَّرْعِ وَالثَّمَرِ يَدْخُلُ تَبَعًا وَإِلَّا فَلَا. كَذَا فِي الْمُجْتَبَى قُيِّدَ بِالْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ فِي رَهْنِ الْأَرْضِ بِلَا ذِكْرٍ كَالشَّجَرِ وَالثَّمَرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ بِدُونِهِ فَيَدْخُلُ فِي رَهْنِ الْأَرْضِ تَبَعًا، كَذَا فِي رَهْنِ الْخَانِيَّةِ. وَأَمَّا فِي الْوَقْفِ، فَقَالَ فِي الْإِسْعَافِ يَدْخُلُ الْبِنَاءُ وَالشَّجَرُ فِي وَقْفِ الْأَرْضِ تَبَعًا وَلَا يَدْخُلُ الزَّرْعُ النَّابِتُ فِيهَا حِنْطَةً كَانَ أَوْ شَعِيرًا أَوْ غَيْرَهُ، وَكَذَلِكَ الْبَقْلُ وَالْآسُ وَالرَّيَاحِينُ وَالْخِلَافُ وَالطَّرْفَاءُ وَمَا فِي الْجَمَّةِ مِنْ حَطَبٍ، وَلَوْ زَادَ بِحُقُوقِهَا تَدْخُلُ الثَّمَرَةُ الْقَائِمَةُ فِي الْوَقْفِ إلَخْ. وَأَمَّا فِي الْإِقْرَارِ فَفِي الْبَزَّازِيَّةِ أَقَرَّ بِأَرْضٍ عَلَيْهَا زَرْعٌ أَوْ شَجَرٌ دَخَلَ فِي الْإِقْرَارِ، وَلَوْ بَرْهَنَ قَبْلَ الْقَضَاءِ أَوْ بَعْدَهُ أَنَّ الزَّرْعَ لَهُ صُدِّقَ الْمُقِرُّ فِي الزَّرْعِ وَلَا يُصَدَّقُ فِي الشَّجَرِ اهـ. وَأَمَّا فِي الْهِبَةِ فَفِي الْخَانِيَّةِ لَا يَدْخُلُ الْحُلِيُّ وَالثِّيَابُ فِي هِبَةِ الْجَارِيَةِ. وَأَمَّا فِي الْإِقَالَةِ فَلَا يَدْخُلُ الزَّرْعُ فِي إقَالَةِ الْأَرْضِ، كَذَا فِي الْقُنْيَةِ وَلَا يَدْخُلُ الْغَلَقُ وَالسُّرُرُ وَالسَّلَالِمُ الْمُغْرَزَةُ؛ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْمَتَاعِ إلَّا إذَا قَالَ بِمَرَافِقِهِ قَالُوا تَدْخُلُ وَالزَّرْعُ يَدْخُلُ فِيهَا. وَفِي الْخَانِيَّةِ أَرْضٌ فِيهَا زَرْعٌ فَبَاعَ الْأَرْضَ بِدُونِ الزَّرْعِ أَوْ الزَّرْعَ بِدُونِ الْأَرْضِ جَازَ، وَكَذَا لَوْ بَاعَ نِصْفَ الْأَرْضِ بِدُونِ الزَّرْعِ، وَإِنْ بَاعَ نِصْفَ الزَّرْعِ بِدُونِ الْأَرْضِ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الزَّرْعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَكَّارِ فَيَبِيعُ الْأَكَّارُ نَصِيبَهُ مِنْ صَاحِبِ الْأَرْضِ جَازَ، وَإِنْ بَاعَ صَاحِبُ الْأَرْضِ نَصِيبَهُ مِنْ الْأَكَّارِ لَا يَجُوزُ هَذَا إذَا كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ صَاحِبِ الْأَرْضِ، فَإِنْ كَانَ مِنْ قِبَلِ الْأَكَّارِ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ، وَلَوْ بَاعَ نِصْفَ الْأَرْضِ مَعَ نِصْفِ الزَّرْعِ جَازَ اهـ. وَفِي الْخَانِيَّةِ بَاعَ أَرْضًا فِيهَا رَطْبَةٌ أَوْ زَعْفَرَانٌ أَوْ خِلَافٌ يُقْلَعُ فِي كُلِّ ثَلَاثِ سِنِينَ أَوْ رَيَاحِينُ أَوْ بُقُولٌ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْبَيْعِ مَا فِيهَا قَالَ الْفَضْلِيُّ مَا عَلَا مِنْهَا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الثَّمَرِ لَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ وَمَا كَانَ مِنْ أُصُولِهَا فِي الْأَرْضِ يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ أُصُولَهَا تَكُونُ لِلْبَقَاءِ بِمَنْزِلَةِ الْبِنَاءِ. وَكَذَا لَوْ كَانَ فِيهَا قَصَبٌ أَوْ حَشِيشٌ أَوْ حَطَبٌ نَابِتٌ مَا هُوَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ لَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ وَأُصُولُهَا فِي الْأَرْضِ تَدْخُلُ وَاخْتَلَفُوا فِي قَوَائِمِ الْخِلَافِ قَالَ بَعْضُهُمْ تَدْخُلُ؛ لِأَنَّهَا شَجَرٌ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهَا لَا تَدْخُلُ؛ لِأَنَّهَا تُعَدُّ مِنْ الثَّمَرِ، وَإِنْ كَانَ فِي الْأَرْضِ شَجَرَةُ قُطْنٍ فَبِيعَتْ الْأَرْضُ لَا يَدْخُلُ مَا فِيهَا مِنْ الْقُطْنِ وَاخْتَلَفُوا فِي أَصْلِ الْقُطْنِ وَهُوَ الشَّجَرُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ، وَإِنْ كَانَ فِي الْأَرْضِ كُرَّاثٌ فَبِيعَتْ الْأَرْضُ مُطْلَقًا مَا كَانَ عَلَى ظَاهِرِ الْأَرْضِ لَا يَدْخُلُ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا كَانَ مُغَيَّبًا وَالصَّحِيحُ الدُّخُولُ. (قَوْلُهُ وَلَا يَدْخُلُ الثَّمَرُ فِي بَيْعِ الشَّجَرِ إلَّا بِشَرْطٍ) أَيْ وَلَا يَدْخُلُ إلَّا بِشَرْطِ دُخُولِهِ فِي الْبَيْعِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ بِيعَ الشَّجَرُ مَعَ الْأَرْضِ أَوْ وَحْدَهُ كَانَ لَهُ قِيمَةٌ أَوْ لَا وَقَدَّمْنَا الِاخْتِلَافَ وَالرَّاجِحُ مِنْ الْقَوْلَيْنِ فِي دُخُولِ الزَّرْعِ وَالثَّمَرِ وَصُحِّحَ فِي الْهِدَايَةِ هُنَا إطْلَاقُ عَدَمِ الدُّخُولِ وَيَكُونُ لِلْبَائِعِ فِي الْحَالَيْنِ؛ لِأَنَّ بَيْعَهُ يَجُوزُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ فَلَا يَدْخُلُ فِي بَيْعِ الشَّجَرِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ بَيْعِ الشَّجَرِ مَعَ الْأَرْضِ أَوْ وَحْدَهُ. فَإِنْ قُلْتُ: الْكِتَابُ مَبْنِيٌّ عَلَى الِاخْتِصَارِ وَكَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَقُولَ وَلَا يَدْخُلُ الزَّرْعُ وَالثَّمَرُ فِي الْبَيْعِ بِلَا شَرْطٍ فَلِمَ أَفْرَدَ كُلَّ وَاحِدٍ قُلْتُ: لِاخْتِلَافِ الْمَبِيعِ فَالْمَبِيعُ فِي الْأُولَى الْأَرْضُ فَلَا يَدْخُلُ الزَّرْعُ تَبَعًا وَفِي الثَّانِيَةِ النَّخْلُ وَالشَّجَرُ فَلَا يَدْخُلُ الثَّمَرُ تَبَعًا وَالثَّمَرَةُ تُجْمَعُ عَلَى ثِمَارٍ وَتُجْمَعُ عَلَى ثَمَرٍ وَثَمَرَاتٍ وَالثَّمَرُ هُوَ الْحَمْلُ الَّذِي تُخْرِجُهُ الشَّجَرَةُ أُكِلَ أَوْ لَمْ يُؤْكَلْ فَيُقَالُ ثَمَرُ الْأَرَاكِ وَثَمَرُ الْعَوْسَجِ وَثَمَرُ الْعِنَبِ وَقِيلَ لِمَا لَا نَفْعَ فِيهِ لَيْسَ لَهُ ثَمَرَةٌ، كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ وَأَطْلَقَ الشَّجَرَةَ فَشَمِلَ الْمُؤَبَّرَةَ وَغَيْرَ الْمُؤَبَّرَةِ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ إنْ لَمْ تَكُنْ أُبِّرَتْ فَهِيَ لِلْمُشْتَرِي وَالتَّأْبِيرُ التَّلْقِيحُ وَهُوَ إنْ يُشَقَّ الْكُمُّ وَيَذُرَّ فِيهَا مِنْ طَلْعِ الْفَحْلِ، فَإِنَّهُ يُصْلِحُ ثَمَرَ إنَاثِ النَّخْلِ لِحَدِيثِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ مَرْفُوعًا «مَنْ   [منحة الخالق] الدُّخُولِ قَائِلٌ بِالْجَوَازِ كَمَا قَدْ عَلِمْت؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَمْ يَجْعَلْهُ تَابِعًا وَمَنْ قَالَ بِالدُّخُولِ جَعَلَهُ تَابِعًا. (قَوْلُهُ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الصَّحِيحَ عَدَمُ الدُّخُولِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قِيمَةٌ) شَامِلٌ لِأَرْبَعِ صُوَرٍ مَا إذَا كَانَ قَبْلَ النَّبَاتِ أَوْ بَعْدَهُ وَمَا إذَا كَانَ لَهُ قِيمَةٌ فِيهِمَا أَوْ لَا، ثُمَّ أَخْرَجَ بِقَوْلِهِ إلَّا إذَا كَانَ إلَخْ مَا إذَا كَانَ قَبْلَ النَّبَاتِ وَلَا قِيمَةَ لَهُ بِأَنْ عَفِنَ فَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ الصَّوَابُ دُخُولُهُ فِي الْبَيْعِ وَفِيمَا عَدَاهَا وَهُوَ مَا إذَا كَانَ قَبْلَ النَّبَاتِ وَلَهُ قِيمَةٌ أَوْ بَعْدَهُ وَلَهُ قِيمَةٌ أَوْ لَا الصَّحِيحُ عَدَمُ الدُّخُولِ هَذَا هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الَّذِي قَدَّمَهُ أَنَّ الَّذِي نَبَتَ وَلَهُ قِيمَةٌ فَالصَّحِيحُ عَدَمُ دُخُولِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْمَتْنِ وَالْهِدَايَةِ وَاَلَّذِي نَبَتَ، وَلَمْ تَصِرْ لَهُ قِيمَةٌ فَالصَّوَابُ أَنَّهُ يَدْخُلُ. وَأَمَّا مَا لَمْ يَنْبُتْ فَظَاهِرُ الْهِدَايَةِ تَرْجِيحُ عَدَمِ دُخُولِهِ مُطْلَقًا وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي اللَّيْثِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْفَتْحِ. وَظَاهِرُ الذَّخِيرَةِ يَقْتَضِي تَرْجِيحَ الدُّخُولِ إذَا لَمْ يَصِرْ لَهُ قِيمَةٌ فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ قَوْلَهُ إلَّا إذَا كَانَ قَبْلَ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 322 بَاعَ نَخْلًا مُؤَبَّرًا فَالثَّمَرَةُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ» . وَفِي لَفْظِ الْبُخَارِيِّ «مَنْ ابْتَاعَ نَخْلًا بَعْدَ أَنْ تُؤَبَّرَ فَثَمَرَتُهَا لِلَّذِي بَاعَهَا إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهَا الْمُبْتَاعُ» . وَاسْتَدَلَّ الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ عَلَى الْإِطْلَاقِ بِالْحَدِيثِ «مَنْ اشْتَرَى أَرْضًا فِيهَا نَخْلٌ فَالثَّمَرَةُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ» مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ الْمُؤَبَّرَةِ وَغَيْرِهَا وَأَجَابُوا عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ حَاصِلَهُ اسْتِدْلَالٌ بِمَفْهُومِ الصِّفَةِ فَمَنْ قَالَ بِهِ يَلْزَمُهُ وَأَهْلُ الْمَذْهَبِ يَنْفُونَ حُجِّيَّتَهُ وَمَا قِيلَ إنَّ فِي مَرْوِيِّهِمْ تَخْصِيصَ الشَّيْءِ بِالذِّكْرِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ إنَّمَا يَلْزَمُهُمْ لَوْ كَانَ لَقَبًا لِيَكُونَ مَفْهُومَ لَقَبٍ لَكِنَّهُ صِفَةٌ وَهُوَ حُجَّةٌ عِنْدَهُمْ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. وَلَوْ صَحَّ حَدِيثُ مُحَمَّدٍ فَهُمْ يَحْمِلُونَ الْمُطْلَقَ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَعَلَى أُصُولِ الْمَذْهَبِ أَيْضًا يَجِبُ؛ لِأَنَّهُ فِي حَادِثَةٍ وَاحِدَةٍ فِي حُكْمٍ وَاحِدٍ وَاَلَّذِي يَلْزَمُهُمْ مِنْ الْوَجْهِ الْقِيَاسُ عَلَى الزَّرْعِ الْمَفْهُومِ إذَا تَعَارَضَا وَحِينَئِذٍ فَيَجِبُ حَمْلُ الْإِبَارِ عَلَى الْإِثْمَارِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُؤَخِّرُونَهُ عَنْهُ وَكَانَتْ الْإِبَارُ عَلَامَةَ الْإِتْمَامِ فَعَلَّقَ بِهِ الْحُكْمَ بِقَوْلِهِ نَخْلًا مُؤَبَّرًا يَعْنِي مُثْمِرًا وَمَا نُقِلَ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى مِنْ أَنَّ الثَّمَرَةَ مُطْلَقًا لِلْمُشْتَرِي بَعِيدٌ إذْ يُضَادُّ الْأَحَادِيثَ الْمَشْهُورَةَ اهـ. فَظَاهِرُهُ أَنَّ عِنْدَهُ تَرَدَّدَا فِي صِحَّةِ دَلِيلِ مُحَمَّدٍ وَقَدْ أَخَذَهُ مِنْ قَوْلِهِ الزَّيْلَعِيُّ الْمُخَرِّجُ لِأَحَادِيثِ الْهِدَايَةِ أَنَّهُ غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ وَالْمَنْقُولُ فِي الْأُصُولِ حَتَّى فِي تَحْرِيرِ الْمُعْتَرِضِ أَنَّ الْمُجْتَهِدَ إذَا اسْتَدَلَّ بِحَدِيثٍ كَانَ تَصْحِيحًا فَلَا يَحْتَاجُ إلَى شَيْءٍ بَعْدَهُ وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إمَّا مُجْتَهِدٌ أَوْ نَاقِلُ أَدِلَّةِ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ فَاسْتِدْلَالُهُ تَصْحِيحٌ وَقَوْلُهُ وَعَلَى أُصُولِ الْمَذْهَبِ يَجِبُ قُلْنَا ضَعِيفٌ، وَإِنْ كَانَ مَذْكُورًا فِي بَعْضِ كُتُبِ الْأُصُولِ لِمَا فِي النِّهَايَةِ مِنْ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ حَمْلُ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ عِنْدَنَا لَا فِي حَادِثَةٍ وَلَا فِي حَادِثَتَيْنِ حَتَّى جَوَّزَ أَبُو حَنِيفَةَ التَّيَمُّمَ بِجَمِيعِ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ عَمَلًا بِقَوْلِهِ «- عَلَيْهِ السَّلَامُ - جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا» ، وَلَمْ يُحْمَلْ هَذَا الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَهُوَ قَوْلُهُ «- عَلَيْهِ السَّلَامُ - التُّرَابُ طَهُورُ الْمُسْلِمِ» إلَى آخِرِ مَا فِيهَا. فَإِنْ قُلْتُ: ذُكِرَ فِي الزَّرْعِ إلَّا بِالتَّسْمِيَةِ وَذُكِرَ فِي الثَّمَرِ إلَّا بِالشَّرْطِ فَهَلْ لِلْمُغَايَرَةِ نُكْتَةٌ قُلْتُ: لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا مِنْ جِهَةِ الْحُكْمِ، وَإِنَّمَا غَايَرَ بَيْنَهُمَا لِيُفِيدَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُسَمِّيَ الزَّرْعَ وَالثَّمَرَ بِأَنْ يَقُولَ بِعْتُك الْأَرْضَ وَزَرْعَهَا أَوْ مَعَ زَرْعِهَا أَوْ بِزَرْعِهَا أَوْ الشَّجَرَ وَثَمَرَهُ أَوْ مَعَهُ أَوْ بِهِ أَوْ يُخْرِجَهُ مَخْرَجَ الشَّرْطِ فَيَقُولُ بِعْتُك الْأَرْضَ عَلَى أَنْ يَكُونَ زَرْعُهَا لَك وَبِعْتُك الشَّجَرَ عَلَى أَنْ يَكُونَ الثَّمَرُ لَك، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ مَسْأَلَةَ الْحُقُوقِ وَالْمَرَافِقِ وَكُلُّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ هُوَ فِيهَا أَوْ مِنْهَا، وَقَدْ ذَكَرَهَا فِي الْهِدَايَةِ وَفِي الْمِعْرَاجِ. وَحَاصِلُ ذَلِكَ أَنَّ الْأَلْفَاظَ ثَلَاثَةٌ: أَحَدُهَا إنْ بَاعَ أَرْضًا مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ شَيْءٍ مِنْهَا وَالثَّانِي إنْ بَاعَ أَرْضًا بِكُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ مَعَ ذِكْرِ الْحُقُوقِ وَالْمَرَافِقِ فَفِي هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ لَا يَدْخُلُ الزَّرْعُ وَالثَّمَرُ وَالثَّالِثُ إنْ بَاعَ أَرْضًا بِكُلِّ كَثِيرٍ وَقَلِيلٍ مِنْهَا أَوْ فِيهَا بِدُونِ ذِكْرِ الْحُقُوقِ وَالْمَرَافِقِ فَيَدْخُلَانِ فِيهِ اهـ. وَقَدَّمْنَا حُكْمَ الطَّرِيقِ وَالْمَسِيلِ وَالشِّرْبِ مِنْ أَنَّهُمَا يَدْخُلَانِ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ أَنَّ ذِكْرَ الْمَرَافِقِ وَالْحُقُوقِ مُقْتَصِرٌ أَوْ إنْ زَادَ بِكُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ لَمْ يَدْخُلَا فِيهِمَا عَلَى عَكْسِ الزَّرْعِ وَالثِّمَارِ وَفِي الْمِعْرَاجِ وَقَوْلُهُ بِكُلِّ كَثِيرٍ وَقَلِيلٍ يُذْكَرُ عَلَى وَجْهِ الْمُبَالَغَةِ فِي إسْقَاطِ حَقِّ الْبَائِعِ عَنْ الْمَبِيعِ، أَمَّا الثَّمَرُ الْمَجْدُودُ وَالزَّرْعُ الْمَحْصُودُ فِيهَا فَلَا يَدْخُلَانِ إلَّا بِالتَّنْصِيصِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ، وَلَوْ اشْتَرَى أَرْضًا فِيهَا أَشْجَارٌ عَلَيْهَا ثِمَارٌ، وَقَالَ فِي الْبَيْعِ بِثِمَارِهَا فَأَكَلَ الْبَائِعُ الثِّمَارَ سَقَطَتْ حِصَّةُ الثِّمَارِ مِنْ الثَّمَنِ وَهَلْ يُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي فِي أَخْذِ الْبَاقِي ذُكِرَ فِي الْبُيُوعِ أَنَّهُ يُخَيَّرُ إنْ شَاءَ أَخَذَ الْبَاقِيَ بِمَا بَقِيَ مِنْ الثَّمَنِ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ ذُكِرَ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ أَنَّهُ لَا يُخَيَّرُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا لَوْ اشْتَرَى شَاةً بِعَشَرَةٍ فَوَلَدَتْ عِنْدَ الْبَائِعِ وَلَدًا قِيمَتُهُ خَمْسَةٌ فَأَكَلَهُ الْبَائِعُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ تَلْزَمُهُ الشَّاةُ بِخَمْسَةٍ وَلَا خِيَارَ لَهُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُخَيَّرُ فِي مَسْأَلَةِ الثِّمَارِ؛ لِأَنَّ الثَّمَرَ صَارَ مَبِيعًا مَقْصُودًا فَإِذَا أَكَلَ الْبَائِعُ تَفَرَّقَتْ الصَّفْقَةُ عَلَيْهِ فَيُخَيَّرُ اهـ. وَفِي الْقُنْيَةِ اشْتَرَى أَرْضًا مَعَ الزَّرْعِ فَأَدْرَكَ الزَّرْعَ فِي يَدِهِ، ثُمَّ تَقَايَلَا   [منحة الخالق] النَّبَاتِ صَوَابُهُ بَعْدَ النَّبَاتِ وَقَوْلُهُ فَاخْتَلَفَ التَّرْجِيحُ صَوَابُهُ إبْدَالُ الْفَاءِ بِالْوَاوِ وَتَقْيِيدُهُ بِمَا قَبْلَ النَّبَاتِ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَاَلَّذِي يَلْزَمُهُمْ مِنْ الْوَجْه الْقِيَاسِ عَلَى الْمَفْهُومِ) وَعِبَارَةُ الْفَتْحِ وَاَلَّذِي يَلْزَمُهُمْ مِنْ الْوَجْهِ الْقِيَاسُ عَلَى الزَّرْعِ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ بِقَوْلِهِ إنَّهُ مُتَّصِلٌ لِلْقَطْعِ لَا لِلْبَقَاءِ فَصَارَ كَالزَّرْعِ وَهُوَ قِيَاسٌ صَحِيحٌ وَهُمْ يُقَدِّمُونَ الْقِيَاسَ عَلَى الْمَفْهُومِ إذَا تَعَارَضَا. (قَوْلُهُ: وَلَمْ يُحْمَلْ هَذَا الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ) أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْمُقَيَّدَ هُنَا لَا يَنْفِي الْحُكْمَ عَمَّا عَدَاهُ؛ لِأَنَّ التُّرَابَ لَقَبٌ وَلَا مَفْهُومَ لَهُ فَلَيْسَ مِمَّا يَجِبُ فِيهِ الْحَمْلُ فَلَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُحْمَلُ فِي حَادِثَةٍ عِنْدَنَا وَالْحَمْلُ فِيهَا مَعَ اتِّحَادِ الْحُكْمِ مَشْهُورٌ عِنْدَنَا مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الْمَنَارِ وَالتَّوْضِيحِ وَالتَّلْوِيحِ وَغَيْرِهَا. (قَوْلُهُ وَقَدَّمْنَا حُكْمَ الطَّرِيقِ وَالْمَسِيلِ وَالشِّرْبِ إلَخْ) الَّذِي قَدَّمَهُ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَيَدْخُلُ الْبِنَاءُ وَالشَّجَرُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ لَيْسَ كَمَا ذَكَرَهُ هُنَا فَرَاجِعْهُ. (قَوْلُهُ أَمَّا الثَّمَرُ الْمَجْدُودُ) يَعْنِي مَا مَرَّ مِنْ التَّفْصِيلِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 323 لَا تَجُوزُ الْإِقَالَةُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ إنَّمَا وَرَدَ عَلَى الْفَصِيلِ دُونَ الْحِنْطَةِ، وَلَوْ حَصَدَ الْمُشْتَرِي الزَّرْعَ، ثُمَّ تَقَايَلَا صَحَّتْ الْإِقَالَةُ بِحِصَّتِهَا مِنْ الثَّمَنِ، وَلَوْ اشْتَرَى أَرْضًا فِيهَا أَشْجَارٌ فَقَطَعَهَا، ثُمَّ تَقَايَلَا صَحَّتْ الْإِقَالَةُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَلَا شَيْءَ لِلْبَائِعِ مِنْ قِيمَةِ الْأَشْجَارِ وَتُسَلَّمُ الْأَشْجَارُ إلَى الْمُشْتَرِي هَذَا إذَا عَلِمَ الْبَائِعُ بِقَطْعِ الْأَشْجَارِ، وَإِذَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ وَقْتَ الْإِقَالَةِ يُخَيَّرُ إنْ شَاءَ أَخَذَهَا بِجَمِيعِ الثَّمَنِ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ اهـ. (قَوْلُهُ وَيُقَالُ لِلْبَائِعِ اقْطَعْهَا وَسَلِّمْ الْمَبِيعَ) أَيْ فِي الصُّورَتَيْنِ وَالْمُرَادُ بِالْمَبِيعِ الْأَرْضُ وَالشَّجَرُ وَقَيَّدَهُ فِي الْخَانِيَّةِ بِأَنْ يَنْقُدَ الثَّمَنَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْمُشْتَرِي مَشْغُولٌ بِمِلْكِ الْبَائِعِ فَكَانَ عَلَيْهِ تَفْرِيغُهُ وَتَسْلِيمُهُ كَمَا إذَا كَانَ فِيهَا مَتَاعٌ قُيِّدَ بِالْمَبِيعِ؛ لِأَنَّ الْمُدَّةَ إذَا انْقَضَتْ فِي الْإِجَارَةِ وَفِي الْأَرْضِ زَرْعٌ، فَإِنَّ الْمُسْتَأْجِرَ لَا يُؤْمَرُ بِقَلْعِ زَرْعِهِ، وَإِنَّمَا يَبْقَى بِأَجْرِ الْمِثْلِ إلَى انْتِهَائِهِ؛ لِأَنَّهَا لِلِانْتِفَاعِ وَذَلِكَ بِالتَّرْكِ دُونَ الْقَلْعِ بِخِلَافِ الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ الرَّقَبَةَ فَلَا يُرَاعَى فِيهِ إمْكَانُ الِانْتِفَاعِ وَلِأَنَّ التَّسْلِيمَ، وَإِنْ وَجَبَ عَلَيْهِ فَارِغَةً لَكِنَّ تَسْلِيمَ الْعِوَضِ تَسْلِيمٌ لِلْمُعَوِّضِ فَافْتَرَقَا فَلَا يُقَاسُ الْبَيْعُ عَلَى الْإِجَارَةِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الثَّلَاثَةِ وَفِي الِاخْتِيَارِ، وَلَوْ بَاعَ قُطْنًا فِي فِرَاشٍ فَعَلَى الْبَائِعِ فَتْقُهُ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ تَسْلِيمَهُ إمَّا جِذَاذُ الثَّمَرَةِ وَقَطْعُ الرَّطْبَةِ وَقَلْعُ الْجَزَرِ وَالْبَطَلِ وَأَمْثَالِهِ عَلَى الْمُشْتَرِي لَا الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ يَعْمَلُ فِي مِلْكِهِ وَلِلْعُرْفِ اهـ. وَفِي الْقُنْيَةِ اشْتَرَى ثِمَارَ الْكَرْمِ وَالْأَشْجَارِ وَهِيَ عَلَيْهَا يَتِمُّ تَسْلِيمُهَا بِالتَّخْلِيَةِ، وَإِنْ كَانَتْ مُتَّصِلَةً بِمِلْكِ الْبَائِعِ كَالْمُشَاعِ بِخِلَافِ الْهِبَةِ، وَلَوْ بَاعَ قُطْنًا فِي فِرَاشٍ أَوْ حِنْطَةً فِي سُنْبُلٍ وَسَلَّمَ كَذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ إذْ لَمْ يُمْكِنْهُ الْقَبْضُ إلَّا بِالْفَتْقِ وَالدَّقِّ يَصِحُّ تَسْلِيمُ دَارٍ فِيهَا مَتَاعٌ لِغَيْرِ الْمُشْتَرِي وَأَرْضٌ فِيهَا أَشْجَارٌ لِغَيْرِهِ بِحُكْمِ الشِّرَاءِ لَا بِحُكْمِ الْهِبَةِ اهـ. وَفِيهَا، وَإِنْ اشْتَرَى الزَّرْعَ فِي الْأَرْضِ فَاحْتَرَقَ أَخَذَهَا بِحِصَّتِهَا إنْ شَاءَ اهـ. وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ رَجُلٌ بَاعَ مِنْ آخَرَ شَجَرًا وَعَلَيْهِ ثَمَرٌ قَدْ أَدْرَكَ أَوْ لَمْ يُدْرِكْ جَازَ وَعَلَى الْبَائِعِ قَطْعُ الثَّمَرِ مِنْ سَاعَتِهِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ مَلَكَ الشَّجَرَ فَيُجْبَرُ الْبَائِعُ عَلَى تَسْلِيمِهِ فَارِغًا، وَكَذَلِكَ إذَا أَوْصَى بِنَخْلٍ لِرَجُلٍ وَعَلَيْهِ بُسْرٌ أُجْبِرَ الْوَرَثَةُ عَلَى قَطْعِ الْبُسْرِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ مِنْ الرِّوَايَةِ رَجُلٌ بَاعَ عِنَبًا جُزَافًا فَعَلَى الْمُشْتَرِي قَطْعُهُ، وَكَذَلِكَ كُلُّ شَيْءٍ بَاعَهُ جُزَافًا مِثْلُ الثُّومِ فِي الْأَرْضِ وَالْجَزَرِ وَالْبَصَلِ إذَا خَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ لَوْ وَجَبَ عَلَى الْبَائِعِ إنَّمَا يَجِبُ إذَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْكَيْلُ أَوْ الْوَزْنُ، وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْكَيْلُ وَالْوَزْنُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبِعْ مُكَايَلَةً وَلَا مُوَازَنَةً وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ آخِرَ الْبَابِ. (قَوْلُهُ وَمَنْ بَاعَ ثَمَرَةً بَدَا صَلَاحُهَا أَوْ لَا صَحَّ) أَيْ ظَهَرَ صَلَاحُهَا، وَإِنَّمَا صَحَّ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ إمَّا لِكَوْنِهِ مُنْتَفَعًا بِهِ فِي الْحَالِ أَوْ فِي الْمَآلِ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَقَوْلُهُ ثَمَرَةٌ أَيْ ظَاهِرَةٌ قَيَّدْنَا بِهِ؛ لِأَنَّ بَيْعَهَا قَبْلَ الظُّهُورِ لَا يَصِحُّ اتِّفَاقًا وَقَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ بِشَرْطِ الْقَطْعِ فِي الْمُنْتَفَعِ بِهِ صَحِيحٌ اتِّفَاقًا وَقَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ بَعْدَ الظُّهُورِ بِشَرْطِ التَّرْكِ غَيْرُ صَحِيحٍ اتِّفَاقًا وَبَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ صَحِيحٌ اتِّفَاقًا وَبَعْدَمَا تَنَاهَتْ صَحِيحٌ اتِّفَاقًا إذَا أُطْلِقَ. وَأَمَّا بِشَرْطِ التَّرْكِ فَفِيهِ اخْتِلَافٌ سَيَأْتِي فَصَارَ مَحَلُّ الْخِلَافِ الْبَيْعُ بَعْدَ الظُّهُورِ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ مُطْلَقًا أَيْ لَا بِشَرْطِ الْقَطْعِ وَلَا بِشَرْطِ التَّرْكِ فَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لَا يَجُوزُ وَعِنْدَنَا يَجُوزُ وَلَكِنْ اخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا كَانَ غَيْرَ مُنْتَفَعٍ بِهِ الْآنَ أَكْلًا وَعَلَفًا لِلدَّوَابِّ فَقِيلَ بِعَدَمِ الْجَوَازِ وَنَسَبَهُ قَاضِي خَانْ لِعَامَّةِ مَشَايِخِنَا وَالصَّحِيحُ الْجَوَازُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ، فَإِنَّهُ قَالَ لَوْ بَاعَ الثِّمَارَ فِي أَوَّلِ مَا تَطْلُعُ وَتَرَكَهَا بِإِذْنِ الْبَائِعِ حَتَّى أَدْرَكَ فَالْعُشْرُ عَلَى الْمُشْتَرِي فَلَوْ لَمْ يَكُنْ جَائِزًا لَمْ يُوجَبْ فِيهِ عَلَى الْمُشْتَرِي الْعُشْرُ، وَصِحَّةُ الْبَيْعِ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ بِنَاءً عَلَى التَّعْوِيلِ عَلَى إذْنِ الْبَائِعِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ قَرِيبٍ وَإِلَّا فَلَا انْتِفَاعَ بِهِ مُطْلَقًا فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَالْحِيلَةُ فِي جَوَازِهِ بِاتِّفَاقِ الْمَشَايِخِ أَنْ يَبِيعَ الْكُمَّثْرَى أَوَّلَ مَا يَخْرُجُ مَعَ أَوْرَاقِ الشَّجَرِ فَيَجُوزُ فِيهَا تَبَعًا لِلْأَوْرَاقِ كَأَنَّهُ وَرَقٌ كُلُّهُ، وَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ يُنْتَفَعُ بِهِ، وَلَوْ عَلَفًا لِلدَّوَابِّ فَالْبَيْعُ   [منحة الخالق] فِي الْأَلْفَاظِ الثَّلَاثَةِ فِي الْمُتَّصِلِ بِالْأَرْضِ وَالشَّجَرِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَفِيهِ أَيْضًا وَالْمَجْدُودُ بِدَالَيْنِ مُهْمَلَتَيْنِ وَمُعْجَمَتَيْنِ بِمَعْنَى أَيْ الْمَقْطُوعِ غَيْرَ أَنَّ الْمُهْمَلَتَيْنِ هُنَا أَوْلَى لِيُنَاسِبَ الْمَحْصُودَ اهـ. (قَوْلُهُ أَيْ ظَهَرَ صَلَاحُهَا) قَالَ الرَّمْلِيُّ هُوَ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ بَدَا. (قَوْلُهُ وَصِحَّةُ الْبَيْعِ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ بِنَاءً إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ حَاصِلُهُ أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِتِلْكَ الْإِشَارَةِ لَا يَتِمُّ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعَى عَامٌّ وَهِيَ فِي خَاصٍّ لَكِنْ قَدْ عُلِمَ مِنْ دَلَالَةِ الِاتِّفَاقِ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الْمَهْرِ وَالْجَحْشِ جَوَازُ بَيْعِ الثِّمَارِ الَّتِي لَا يُنْتَفَعُ بِهَا الْآنَ فَذَكَرَ مُحَمَّدٌ التَّرْكَ بِإِذْنِ الْبَائِعِ فِي التَّصْوِيرِ إنَّمَا هُوَ لِوُجُوبِ الْعُشْرِ لَا لِجَوَازِ الْبَيْعِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 324 جَائِزٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ إذَا بَاعَ بِشَرْطِ الْقَطْعِ أَوْ مُطْلَقًا وَيَجِبُ قَطْعُهُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا بِمَا اسْتَدَلَّ بِهِ مُحَمَّدٌ سَابِقًا؛ لِأَنَّهُ بِعُمُومِهِ شَامِلٌ لِمَا قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَالْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا وَعَنْ بَيْعِ النَّخْلِ حَتَّى تَزْهُوَ قَالَ تَحْمَارُّ أَوْ تَصْفَارُّ» . وَأَجَابَ عَنْهُ الْإِمَامُ الْحَلْوَانِيُّ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا قَبْلَ الظُّهُورِ وَغَيْرُهُ عَلَى مَا إذَا كَانَ بِشَرْطِ التَّرْكِ، فَإِنَّهُمْ تَرَكُوا ظَاهِرَهُ فَأَجَازُوا الْبَيْعَ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ بِشَرْطِ الْقَطْعِ وَهِيَ مُعَارَضَةٌ صَرِيحَةٌ لِمَنْطُوقِهِ فَقَدْ اتَّفَقْنَا عَلَى أَنَّهُ مَتْرُوكٌ الظَّاهِرُ وَهُوَ لَا يَحِلُّ إنْ لَمْ يَكُنْ لِمُوجِبٍ وَهُوَ عِنْدَهُمْ تَعْلِيلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِقَوْلِهِ «أَرَأَيْت إنْ مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ فِيمَا يَسْتَحِلُّ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ» ، فَإِنَّهُ يَسْتَلْزِمُ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِهَا مُدْرِكَةً قَبْلَ الْإِدْرَاكِ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ النَّاسَ يَبِيعُونَ الثِّمَارَ قَبْلَ أَنْ تُقْطَعَ فَنَهَى عَنْ هَذَا الْبَيْعِ قَبْلَ أَنْ تُوجَدَ الصِّفَةُ الْمَذْكُورَةُ فَصَارَ مَحَلُّ النَّهْيِ بَيْعَ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ بِشَرْطِ التَّرْكِ إلَى أَنْ يَبْدُوَ الصَّلَاحُ وَالْبَيْعُ بِشَرْطِ الْقَطْعِ لَا يُتَوَهَّمُ فِيهِ ذَلِكَ فَلَمْ يَكُنْ مُتَنَاوِلًا لِلنَّهْيِ، وَإِذَا صَارَ مَحَلُّهُ بَيْعَهَا بِشَرْطِ تَرْكِهَا إلَى أَنْ تَصْلُحَ فَقَدْ قَضَيْنَا عُهْدَةَ هَذَا النَّهْي، فَإِنَّا قَدْ قُلْنَا بِفَسَادِ هَذَا الْبَيْعِ فَبَقِيَ بَيْعُهَا مُطْلَقًا غَيْرَ مُتَنَاوِلٍ لِلنَّهْيِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ إلَى آخِرِ مَا حَقَّقَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَحَمَلَهُ فِي الْمِعْرَاجِ عَلَى السَّلَمِ وَظُهُورُ الصَّلَاحِ عِنْدَنَا أَنْ يَأْمَنَ الْعَاهَةَ وَالْفَسَادَ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ ظُهُورُ النَّضْحِ وَبُدُوُّ الْحَلَاوَةِ، وَلَوْ اشْتَرَاهَا مُطْلَقًا فَأَثْمَرَتْ ثَمَرًا آخَرَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَسَدَ الْبَيْعُ لِتَعَذُّرِ التَّمْيِيزِ، وَلَوْ أَثْمَرَتْ بَعْدَهُ اشْتَرَكَا لِلِاخْتِلَاطِ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ فِي مِقْدَارِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي يَدِهِ. وَكَذَا فِي بَيْعِ الْبَاذِنْجَانِ وَالْبِطِّيخِ إذَا حَدَثَ بَعْدَ الْقَبْضِ خُرُوجُ بَعْضِهَا اشْتَرَكَا وَكَانَ الْحَلْوَانِيُّ يُفْتِي بِجَوَازِهِ فِي الْكُلِّ وَزَعَمَ أَنَّهُ مَرْوِيٌّ عَنْ أَصْحَابِنَا وَهَكَذَا حُكِيَ عَنْ الْإِمَامِ الْفَضْلِيِّ وَكَانَ يَقُولُ الْمَوْجُودُ وَقْتَ الْعَقْدِ أَصْلٌ وَمَا يَحْدُثُ تَبَعٌ لَهُ نَقَلَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ عَنْهُ، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ عَنْهُ بِكَوْنِ الْمَوْجُودِ وَقْتَ الْعَقْدِ يَكُونُ أَكْثَرَ بَلْ قَالَ عَنْهُ اجْعَلْ الْمَوْجُودَ أَصْلًا فِي الْعَقْدِ وَمَا يَحْدُثُ بَعْدَ ذَلِكَ تَبَعًا، وَقَالَ اُسْتُحْسِنَ فِيهِ لِتَعَامُلِ النَّاسِ، فَإِنَّهُمْ تَعَامَلُوا بَيْعَ ثِمَارِ الْكَرْمِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَلَهُمْ فِي ذَلِكَ عَادَةٌ ظَاهِرَةٌ وَفِي نَزْعِ النَّاسِ عَنْ عَادَاتِهِمْ حَرَجٌ، وَقَدْ رَأَيْت فِي هَذَا رِوَايَةً عَنْ مُحَمَّدٍ وَهُوَ فِي بَيْعِ الْوَرْدِ عَلَى الْأَشْجَارِ، فَإِنَّ الْوَرْدَ مُتَلَاحِقٌ، ثُمَّ جَوَّزَ الْمَبِيعَ فِي الْكُلِّ بِهَذَا الطَّرِيقِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالْمُخَلِّصُ مِنْ هَذِهِ اللَّوَازِمِ الصَّعْبَةِ أَنْ يَشْتَرِيَ أُصُولَ الْبَاذِنْجَانِ وَالْبِطِّيخِ وَالرَّطْبَةِ لِيَكُونَ مَا يَحْدُثُ عَلَى مِلْكِهِ وَفِي الزَّرْعِ وَالْحَشِيشِ يَشْتَرِي الْمَوْجُودَ بِبَعْضِ الثَّمَنِ وَيَسْتَأْجِرُ الْأَرْضَ مُدَّةً مَعْلُومَةً يَعْلَمُ غَايَةَ الْإِدْرَاكِ وَانْقِضَاءَ الْغَرَضِ فِيهَا بِبَاقِي الثَّمَنِ وَفِي ثِمَارِ الْأَشْجَارِ يَشْتَرِي الْمَوْجُودَ وَيَحِلُّ لَهُ الْبَائِعُ مَا يُوجَدُ، فَإِنْ خَافَ أَنْ يَرْجِعَ يَفْعَلُ كَمَا قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي الْإِذْنِ فِي تَرْكِ الثَّمَرِ عَلَى الشَّجَرِ عَلَى أَنَّهُ مَتَى رَجَعَ عَنْ الْإِذْنِ كَانَ مَأْذُونًا فِي التَّرْكِ بِإِذْنٍ جَدِيدٍ فَيَحِلُّ لَهُ عَلَى مِثْلِ هَذَا الشَّرْطِ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَا فَرْقَ فِي كَوْنِ الْخَارِجِ بَعْدَ الْعَقْدِ لِلْبَائِعِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ التَّرْكُ بِإِذْنِ الْبَائِعِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَالْأَصَحُّ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ السَّرَخْسِيُّ مِنْ عَدَمِ الْجَوَازِ فِي الْمَعْدُومِ وَهُوَ. وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ وَفِي الْخَانِيَّةِ وَيُقَدِّمُ بَيْعَ الْأَشْجَارِ وَيُؤَخِّرُ الْإِجَارَةَ، فَإِنْ قَدَّمَ الْإِجَارَةَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ تَكُونُ مَشْغُولَةً بِأَشْجَارِ الْأَجْرِ قَبْلَ الْبَيْعِ فَلَا تَصِحُّ الْإِجَارَةُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَشْتَرِيَ الْأَشْجَارَ بَعْدَ أُصُولِهَا لِهَذَا، وَلَوْ بَاعَ أَشْجَارَ الْبِطِّيخِ وَأَعَارَ الْأَرْضَ يَجُوزُ أَيْضًا إلَّا أَنَّ الْإِعَارَةَ لَا تَكُونُ لَازِمَةً وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بَعْدَهَا اهـ. وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ لَوْ اشْتَرَى التَّمْرَ عَلَى رُءُوسِ النَّخِيلِ فَجَذُّهُ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى الْجَزَرَ فَقَلْعُهُ عَلَى الْمُشْتَرِي اهـ. وَتَسْلِيمُ الثِّمَارِ عَلَى رُءُوسِ الْأَشْجَارِ بِالتَّخْلِيَةِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ. وَفِي   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَثْمَرَتْ بَعْدَهُ اشْتَرَكَا لِلِاخْتِلَاطِ) قَالَ فِي النَّهْرِ، فَإِنْ قُلْتُ: قَدْ مَرَّ أَنَّ التَّرْكَ إنْ كَانَ بِإِذْنِ الْبَائِعِ يَطِيبُ لَهُ الْفَضْلُ وَإِلَّا تَصَدَّقَ بِالْفَضْلِ فَمَتَى يَشْتَرِكَانِ قُلْتُ: مَعْنَى الْأَوَّلِ أَنَّ الزِّيَادَةَ إنَّمَا وَقَعَتْ فِي ذَاتِ الْمَبِيعِ كَمَا مَرَّ وَمَعْنَى الثَّانِيَةِ إنَّ الْعَيْنَ الزَّائِدَةَ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا بَيْعٌ، وَإِنَّمَا حَدَثَتْ بَعْدَهُ، وَقَدْ خَفِيَ هَذَا عَلَى بَعْضِ طَلَبَةِ الدَّرْسِ إلَى أَنَّ بَيَّنْتُهُ لَهُ بِذَلِكَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ. (قَوْلُهُ بِبَاقِي الثَّمَنِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ وَيَسْتَأْجِرُ. (قَوْلُهُ وَفِي ثِمَارِ الْأَشْجَارِ يَشْتَرِي الْمَوْجُودَ وَيَحِلُّ لَهُ الْبَائِعُ مَا يُوجَدُ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَقُولُ: قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَقُولُ: كَتَبْت فِي لَطَائِفِ الْإِشَارَاتِ أَنَّهُمْ قَالُوا لَوْ قَالَ وَكَّلْتُك بِكَذَا عَلَى أَنِّي كُلَّمَا عَزَلْتُك فَأَنْت وَكِيلِي صَحَّ وَقِيلَ لَا فَإِذَا صَحَّ يَبْطُلُ الْعَزْلُ عَنْ الْمُعَلَّقَةِ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَجَوَّزَهُ مُحَمَّدٌ فَيَقُولُ فِي عَزْلِهِ رَجَعْت عَنْ الْوَكَالَةِ الْمُعَلَّقَةِ وَعَزَلْتُك عَنْ الْوَكَالَةِ الْمُنَجَّزَةِ اهـ. (قَوْلُهُ وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ لَوْ اشْتَرَى الثَّمَرَ عَلَى رُءُوسِ النَّخِيلِ فَجَذُّهُ عَلَى الْمُشْتَرِي) قَالَ الرَّمْلِيُّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 325 الْحَاوِي لَوْ شَرَطَ قَطْعَ الثَّمَرَةِ عَلَى الْبَائِعِ فَسَدَ الْبَيْعُ اهـ. وَفِي الْبَدَائِعِ إذَا سَمَّى الثَّمَرَ مَعَ الشَّجَرِ صَارَ بَيْعًا مَقْصُودًا فَلَوْ هَلَكَ الثَّمَرُ قَبْلَ الْقَبْضِ مُطْلَقًا تَسْقُطُ حِصَّتُهُ مِنْ الثَّمَنِ كَالشَّجَرِ وَخُيِّرَ الْمُشْتَرِي، وَلَوْ جَذَّهُ الْبَائِعُ وَهُوَ قَائِمٌ، فَإِنْ جَذَّهُ فِي حِينِهِ، وَلَمْ يَنْقُصْ فَلَا خِيَارَ وَيَقْبِضُهُمَا، وَلَوْ قَبَضَهُمَا بَعْدَ جِذَاذِ الْبَائِعِ فَوَجَدَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا رَدَّ الْمَعِيبَ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُمَا مُتَفَرِّقَيْنِ بِخِلَافِ مَا إذَا جَذَّهُ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْقَبْضِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ الْمَعِيبَ وَحْدَهُ لِاجْتِمَاعِهِمَا عِنْدَ الْبَيْعِ وَالْقَبْضِ، وَإِنْ نَقَصَهُ جِذَاذُ الْبَائِعِ سَقَطَ عَنْ الْمُشْتَرِي حِصَّةُ النُّقْصَانِ وَلَهُ الْخِيَارُ اهـ. وَفِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ اشْتَرَى الثِّمَارَ عَلَى رُءُوسِ الْأَشْجَارِ فَرَأَى مِنْ كُلِّ شَجَرَةٍ بَعْضَهَا يَثْبُتُ لَهُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ حَتَّى لَوْ رَضِيَ بَعْدَهُ يَلْزَمُهُ، وَإِنْ بَاعَ مَا هُوَ مُغَيَّبٌ فِي الْأَرْضِ كَالْجَزَرِ وَالْبَصَلِ وَأُصُولِ الزَّعْفَرَانِ وَالثُّومِ وَالشَّلْجَمِ وَالْفُجْلِ إنْ بَاعَ بَعْدَمَا أُلْقِيَ فِي الْأَرْضِ قَبْلَ النَّبَاتِ أَوْ نَبَتَ إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ مَعْلُومٍ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ، فَإِنْ بَاعَ بَعْدَمَا نَبَتَ نَبَاتًا مَعْلُومًا يُعْلَمُ وُجُودُهُ تَحْتَ الْأَرْضِ يَجُوزُ الْبَيْعُ وَيَكُونُ مُشْتَرِيًا شَيْئًا لَمْ يَرَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، ثُمَّ لَا يَبْطُلُ خِيَارُهُ مَا لَمْ يَرَ الْكُلَّ وَيَرْضَى بِهِ وَعَلَى قَوْلِ صَاحِبَيْهِ لَا يَتَوَقَّفُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ عَلَى رُؤْيَةِ الْكُلِّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، فَإِنْ كَانَ مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ بَعْدَ الْقَطْعِ كَالْجَزَرِ وَالثُّومِ وَالْبَصَلِ فَإِذَا قَلَعَ الْبَائِعُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ أَوْ قَلَعَ الْمُشْتَرِي بِإِذْنِ الْبَائِعِ يُنْظَرُ إنْ كَانَ الْمَقْلُوعُ يَدْخُلُ تَحْتَ الْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ يَثْبُتُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ حَتَّى لَوْ رَضِيَ بِهِ يَلْزَمُهُ الْكُلُّ، وَإِنْ رَدَّ بَطَلَ الْبَيْعُ، وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي قَلَعَهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْبَائِعِ، فَإِنْ كَانَ الْمَقْلُوعُ شَيْئًا لَهُ قِيمَةٌ لَزِمَهُ الْكُلُّ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ الْقَلْعِ كَانَ يَنْمُو وَبَعْدَ الْقَلْعِ لَا يَنْمُو وَالْعَيْبُ الْحَادِثُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي يَمْنَعُ الرَّدَّ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ، وَإِنْ كَانَ الْمَقْلُوعُ شَيْئًا يَسِيرًا لَا قِيمَةَ لَهُ لَا يُعْتَبَرُ وَالْقَلْعُ وَعَدَمُهُ سَوَاءٌ، وَإِنْ كَانَ الْمُغَيَّبُ يُبَاعُ بَعْدَ الْقَلْعِ عَدَدًا كَالْفُجْلِ قَطَعَ الْبَائِعُ بَعْضَهُ أَوْ قَلَعَ الْمُشْتَرِي بِإِذْنِ الْبَائِعِ لَا يَلْزَمُهُ مَا لَمْ يَرَ الْكُلَّ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْعَدَدِيَّاتِ الْمُتَفَاوِتَةِ بِمَنْزِلَةِ الثِّيَابِ وَالْعَبِيدِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَإِنْ قَلَعَ الْمُشْتَرِي بِغَيْرِ إذْنِ الْبَائِعِ لَزِمَهُ الْكُلُّ إلَّا أَنَّهُ يَكُونُ ذَلِكَ شَيْئًا يَسِيرًا، وَإِنْ اخْتَصَمَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَلْعِ، فَقَالَ الْمُشْتَرِي أَخَافُ إنْ قَلَعْتُهُ لَا يَصْلُحُ لِي فَيَلْزَمُنِي، وَقَالَ الْبَائِعُ أَخَافُ إنْ قَلَعْتُهُ لَا تَرْضَى بِهِ وَتَرُدُّهُ فَأَتَضَرَّرَ بِذَلِكَ يَتَطَوَّعُ إنْسَانٌ بِالْقَلْعِ وَإِلَّا يَفْسَخْ الْقَاضِي الْعَقْدَ بَيْنَهُمَا اهـ. وَفِي الْقُنْيَةِ اشْتَرَى أَوْرَاقَ الثُّومِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ مَوْضِعَ الْقَطْعِ وَكَانَ مَوْضِعُ قَطْعِهَا مَعْلُومًا وَمَضَى وَقْتُهَا لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَسْتَرِدَّ الثَّمَنَ اشْتَرَى أَوْرَاقَ التُّوتِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ مَوْضِعَ الْقَطْعِ لَكِنَّهُ مَعْلُومٌ عُرْفًا صَحَّ، وَلَوْ تَرَكَ الْأَغْصَانَ فَلَهُ أَنْ يَقْطَعَهَا فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ، وَلَوْ تَرَكَهَا مُدَّةً، ثُمَّ أَرَادَ قَطْعَهَا فَلَهُ ذَلِكَ إنْ لَمْ يَضُرَّ ذَلِكَ بِالشَّجَرَةِ، وَلَوْ بَاعَ أَوْرَاقَ تُوتٍ لَمْ تُقْطَعْ قَبْلَهُ بِسَنَةٍ يَجُوزُ وَبِسَنَتَيْنِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ بِسَنَةٍ يُعْلَمُ مَوْضِعُ قَطْعِهَا عُرْفًا بَاعَ أَوْرَاقَ التُّوتِ دُونَ ثَمَرِ التُّوتِ صَحَّ وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ اشْتَرَى رَطْبَةً مِنْ الْبُقُولِ أَوْ قِثَّاءً وَشَيْئًا يَنْمُو سَاعَةً فَسَاعَةً لَا يَجُوزُ كَبَيْعِ الصُّوفِ وَبَيْعُ قَوَائِمِ الْخِلَافِ يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ يَنْمُو؛ لِأَنَّ نُمُوَّهَا مِنْ الْأَعْلَى بِخِلَافِ الرَّطْبَاتِ لَا الْكُرَّاثِ لِلتَّعَامُلِ وَمَا لَا تَعَامُلَ فِيهِ لَا يَجُوزُ اهـ. وَفِي الْمُنْتَقَى وَبَيْعُ الْحِصْرِمِ أَوْ التُّفَّاحِ قَبْلَ الْإِدْرَاكِ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ يُنْتَفَعُ بِهِ وَالْخَوْخُ وَالْكُمَّثْرَى وَنَحْوِهَا غَيْرُ جَائِزٍ، وَإِنْ كَانَ ثَمَرُ بَعْضِ الْأَشْجَارِ مُدْرِكًا دُونَ الْبَعْضِ جَازَ فِي الْمُدْرِكِ دُونَ غَيْرِهِ؛ تِينٌ قَدْ أَدْرَكَ بَعْضُهُ دُونَ الْبَعْضِ إنْ بَاعَ الْمَوْجُودَ مِنْهُ جَازَ، فَإِنْ لَمْ يَقْبِضْهَا الْمُشْتَرِي حَتَّى خَرَجَ الْبَاقِي فَسَدَ الْبَيْعُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ تَعْرِيفًا عَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ الْمُشْتَرَطِ لِبُدُوِّ الصَّلَاحِ وَفِيهِ مَنْ سَرَقَ مَاءً فَسَقَى أَرْضَهُ أَوْ كَرْمَهُ يَطِيبُ لَهُ مَا خَرَجَ كَمَا لَوْ غَصَبَ شَعِيرًا أَوْ تِبْنًا وَسَمَّنَ بِهِ دَابَّتَهُ فَيَطِيبُ لَهُ مَا زَادَ فِي الدَّابَّةِ فَعَلَيْهِ قِيمَةُ الْعَلَفِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَيَقْطَعُهَا الْمُشْتَرِي تَفْرِيغًا لِمِلْكِ الْبَائِعِ) وَقَدَّمْنَا أَنَّ أُجْرَةَ الْقَطْعِ عَلَى الْمُشْتَرِي وَأَنَّ تَسْلِيمَ الثَّمَرَةِ بِالتَّخْلِيَةِ. (قَوْلُهُ   [منحة الخالق] وَفِي نَوَازِلِ أَبِي اللَّيْثِ سُئِلَ أَبُو بَكْرٍ عَنْ رَجُلٍ بَاعَ الْعِنَبَ فِي الْكَرْمِ عَلَى مَنْ قَطْفُ الْعِنَبِ وَوَزْنُهُ قَالَ إذَا بَاعَ مُجَازَفَةً فَالْقَطْفُ وَالْجَمْعُ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَإِذَا بَاعَ مُوَازَنَةً فَعَلَى الْبَائِعِ الْقَطْفُ وَالْوَزْنُ اهـ. وَسَيَذْكُرُهُ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَأُجْرَةُ الْكَيْلِ إلَخْ وَقَدَّمَهُ قَرِيبًا قُبَيْلَ هَذَا بِيَسِيرٍ. (قَوْلُهُ وَالشَّلْجَمِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَالَ فِي الْقَامُوسِ الشَّلْجَمُ كَجَعْفَرٍ نَبْتٌ مَعْرُوفٌ وَلَا تَقُلْ سَلْجَمَ وَلَا ثَلْجَمَ أَوْ لُغَةً وَذُكِرَ فِي مَادَّةِ " لِفْت " وَاللِّفْتُ بِالْكَسْرِ الشَّلْجَمُ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 326 وَإِنْ شَرَطَ تَرْكَهَا عَلَى النَّخْلِ فَسَدَ) أَيْ الْبَيْعُ لِمَا قَدَّمْنَا أَنَّهُ مَحَلُّ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا وَلِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَهُوَ شَغْلُ مِلْكِ الْغَيْرِ أَوْ؛ لِأَنَّهُ صَفْقَةٌ فِي صَفْقَةٍ؛ لِأَنَّهُ إجَارَةٌ فِي بَيْعٍ إنْ كَانَ لِلْمَنْفَعَةِ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ إعَارَةٌ فِي بَيْعٍ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ وَتَعَقَّبَهُمْ فِي النِّهَايَةِ بِأَنَّكُمْ قُلْتُمْ إنَّ كُلًّا مِنْ الْإِجَارَةِ وَالْإِعَارَةِ غَيْرُ صَحِيحٍ فَكَيْفَ يُقَالُ إنَّهُ صَفْقَةٌ فِي صَفْقَةٍ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ صَفْقَةٌ فَاسِدَةٌ فِي صَفْقَةٍ صَحِيحَةٍ فَفَسَدَتَا جَمِيعًا، وَكَذَا لَوْ شَرَطَ تَرْكَ الزَّرْعِ عَلَى الْأَرْضِ لِمَا قُلْنَا أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا تَنَاهَى عِظَمُهُمَا أَوْ لَا فِي الْأَوَّلِ خِلَافُ مُحَمَّدٍ، فَإِنَّهُ يَقُولُ اُسْتُحْسِنَ أَنْ لَا يَفْسُدَ بِشَرْطِ التَّرْكِ لِلْعَادَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَتَنَاهَ؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ فِيهِ الْجُزْءَ الْمَعْدُومَ وَهُوَ مَا يَزْدَادُ بِمَعْنًى فِي الْأَرْضِ وَالشَّجَرِ وَفِي الْأَسْرَارِ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَبِهِ أَخَذَ الطَّحَاوِيُّ وَفِي الْمُنْتَقَى ضَمَّ إلَيْهِ أَبَا يُوسُفَ وَفِي التُّحْفَةِ وَالصَّحِيحُ قَوْلُهُمَا وَقُيِّدَ بِاشْتِرَاطِ التَّرْكِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اشْتَرَاهَا مُطْلَقًا وَتَرَكَهَا، فَإِنْ كَانَ بِإِذْنِ الْبَائِعِ طَابَ لَهُ الْفَضْلُ، وَإِنْ تَرَكَهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ تَصَدَّقَ بِمَا زَادَ فِي ذَاتِهِ لِحُصُولِهِ بِجِهَةٍ مَحْظُورَةٍ، وَإِنْ تَرَكَهَا بَعْدَ مَا تَنَاهَى لَمْ يَتَصَدَّقْ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ هَذَا تَغَيُّرُ حَالَةٍ لَا تَتَحَقَّقُ زِيَادَةٌ، وَإِنْ اشْتَرَاهَا مُطْلَقًا أَوْ بِشَرْطِ الْقَطْعِ وَتَرَكَهَا عَلَى النَّخْلِ وَقَدْ اسْتَأْجَرَ النَّخِيلَ إلَى وَقْتِ الْإِدْرَاكِ طَلَبَ لَهُ الْفَضْلَ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ بَاطِلَةٌ لِعَدَمِ التَّعَارُفِ وَالْحَاجَةِ فَبَقِيَ الْإِذْنُ مُعْتَبَرًا؛ لِأَنَّ الْبَاطِلَ لَا وُجُودَ لَهُ فَكَانَ إذْنًا مَقْصُودًا بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى الزَّرْعَ وَاسْتَأْجَرَ الْأَرْضَ إلَى أَنْ يُدْرِكَ وَتُرِكَ حَيْثُ لَا يَطِيبُ لَهُ الْفَضْلُ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ فَاسِدَةٌ لِلْجَهَالَةِ. وَإِذَا فَسَدَ الْمُتَضَمَّنُ فَسَدَ الْمُتَضَمِّنُ فَأَوْرَثَتْ خَبَثًا، وَقَدْ ذَكَرَ أَصْحَابُنَا هُنَا أَنَّ الشَّمْسَ تُنْضِحُهَا بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى وَبِتَقْدِيرِهِ وَيَأْخُذُ اللَّوْنَ مِنْ الْقَمَرِ وَالطَّعْمَ مِنْ الْكَوَاكِبِ فَلَمْ يَبْقَ فِيهِ إلَّا عَمَلُ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالْكَوَاكِب، كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ قَتَادَةَ وَفِي الْمِعْرَاجِ مَعْزِيًّا إلَى الْفُصُولِ لَوْ أَرَادَ إجَارَةَ الْأَشْجَارِ وَالْكُرُومِ فَالْحِيلَةُ فِيهِ أَنْ يَكْتُبَ إنَّ لِهَذَا الْمُشْتَرِي حَقَّ تَرْكِ الثِّمَارِ عَلَى الْأَشْجَارِ فِي مُدَّةِ كَذَا بِأَمْرٍ لَازِمٍ وَاجِبٍ وَعَسَى أَنْ تَكُونَ الثِّمَارُ وَالْأَشْجَارُ لِآخَرَ وَلَهُ حَقُّ التَّرْكِ فِيهَا إلَى وَقْتِ الْإِدْرَاكِ فَإِذَا ذُكِرَ هَذَا حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ بِحَقٍّ لَازِمٍ، كَذَا فِي شَرْحِ ظَهِيرِ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيِّ اهـ. وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ بَاعَ شَجَرًا عَلَيْهِ ثَمَرٌ وَكَرْمًا فِيهِ عِنَبٌ لَا يَدْخُلُ الثَّمَرُ فَلَوْ اسْتَأْجَرَ الشَّجَرَ مِنْ الْمُشْتَرِي لِيَتْرُكَ عَلَيْهِ الثَّمَرَ لَمْ يَجُزْ وَلَكِنْ يُعَارُ إلَى الْإِدْرَاكِ فَلَوْ أَبَى الْمُشْتَرِي يُخَيَّرُ الْبَائِعُ إنْ شَاءَ أَبْطَلَ الْبَيْعَ أَوْ قَطَعَ الثَّمَرَ، وَلَوْ بَاعَ أَرْضًا بِدُونِ الزَّرْعِ فَهُوَ لِلْبَائِعِ بِأَجْرِ مِثْلِهَا إلَى الْإِدْرَاكِ اهـ. وَفِيهِ أَيْضًا شَرَى قَصِيلًا فَلَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى صَارَ حَبًّا بَطَلَ الْبَيْعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ. اهـ. وَيَنْبَغِي عَلَى قِيَاسِ هَذَا أَنَّهُ لَوْ بَاعَ ثَمَرَةً بِدُونِ الشَّجَرَةِ، وَلَمْ يُدْرِكْ، وَلَمْ يَرْضَ الْبَائِعُ بِإِعَارَةَ الشَّجَرِ أَنْ يَتَخَيَّرَ الْمُشْتَرِي إنْ شَاءَ أَبْطَلَ الْبَيْعَ، وَإِنْ شَاءَ قَطَعَهَا وَوَجْهُهُ فِيهِمَا إنَّ فِي الْقَطْعِ إتْلَافَ الْمَالِ إذْ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ وَقَوْلُهُ لَوْ بَاعَ أَرْضًا بِدُونِ الزَّرْعِ فَهُوَ لِلْبَائِعِ بِأَجْرِ مِثْلِهَا مُشْكِلٌ لِمَا قَدَّمْنَا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ قَطْعُهُ وَتَسْلِيمُ الْأَرْضِ فَارِغَةً، وَلَيْسَ هَذَا مَذْهَبَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ مِنْ أَنَّهُ يُؤَخِّرُ التَّسْلِيمَ إلَى الْإِدْرَاكِ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُوجِبُوا أَجْرَ الْمِثْلِ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ اسْتَثْنَى مِنْهَا أَرْطَالًا مَعْلُومَةً صَحَّ) أَيْ الْبَيْعُ وَالِاسْتِثْنَاءُ؛ لِأَنَّ مَا جَازَ إيرَادُ الْعَقْدِ عَلَيْهِ بِانْفِرَادِهِ صَحَّ اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْهُ وَبَيْعُ قَفِيزٍ مِنْ صُبْرَةٍ جَائِزٌ فَكَذَا اسْتِثْنَاؤُهُ بِخِلَافِ اسْتِثْنَاءِ الْحَمْلِ مِنْ الْجَارِيَةِ الْحَامِلِ أَوْ الشَّاةِ وَأَطْرَافِ الْحَيَوَانِ، فَإِنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ كَمَا إذَا بَاعَ هَذِهِ الشَّاةَ إلَّا أَلْيَتَهَا أَوْ هَذَا الْعَبْدَ إلَّا يَدَهُ، وَهَذَا هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَهُوَ أَقْيَسُ بِمَذْهَبِ الْإِمَامِ فِي   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ صَفْقَةٌ فَاسِدَةٌ فِي صَفْقَةٍ صَحِيحَةٍ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَأَنْتَ قَدْ عَلِمْت أَنَّ إجَارَةَ النَّخْلِ بَاطِلَةٌ وَفِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ يَنْبَغِي أَنْ تَجُوزَ الْإِعَارَةُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا نَقَلَهُ الْعَلَّامَةُ الْكَاكِيُّ عَنْ الْجَامِعِ الْأَصْغَرِ اهـ. وَأَقُولُ: وَبِهِ صَرَّحَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ حَيْثُ قَالَ بَاعَ شَجَرًا عَلَيْهِ ثَمَرٌ أَوْ كَرْمًا عَلَيْهِ عِنَبٌ لَا يَدْخُلُ الثَّمَرُ فَلَوْ اسْتَأْجَرَ الشَّجَرَةَ مِنْ الْمُشْتَرِي لِيَتْرُكَ عَلَيْهِ الثَّمَرَ لَمْ يَجُزْ وَلَكِنْ يُعَارُ إلَى الْإِدْرَاكِ فَلَوْ أَبَى الْمُشْتَرِي يُخَيَّرُ الْبَائِعُ إنْ شَاءَ أَبْطَلَ الْبَيْعَ أَوْ قَطَعَ الثَّمَرَ اهـ. فَلَا فَرْقَ يَظْهَرُ بَيْنَ الْمُشْتَرِي وَالْبَائِعِ اهـ. وَسَيَذْكُرُ الْمُؤَلِّفُ آخِرَ الْقَوْلَةِ. (قَوْلُهُ: وَقَدْ ذَكَرَ أَصْحَابُنَا هُنَا) قَالَ الرَّمْلِيُّ يُنَاسِبُ ذِكْرَ هَذَا بَعْدَ قَوْلِهِ وَفِي الْأَوَّلِ خِلَافُ مُحَمَّدٍ، فَإِنَّهُ يَقُولُ أَسْتَحْسِنُ أَنْ لَا يَفْسُدَ بِشَرْطِ التَّرْكِ لِلْعَادَةِ إلَخْ. (قَوْلُهُ وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ قَتَادَةَ) قَالَ الرَّمْلِيُّ هُنَا سَقْطٌ وَفِي نُسْخَةٍ غَيْرِ هَذِهِ بَيَاضٌ مَتْرُوكٌ لِلْحَدِيثِ. (قَوْلُهُ مُشْكِلٌ لِمَا قَدَّمْنَا إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ ذَلِكَ بِرِضَا الْمُشْتَرِي. (قَوْلُهُ وَهُوَ أَقْيَسُ بِمَذْهَبِ الْإِمَامِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ يُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْفَسَادَ عِنْدَهُ فِي بَيْعِ الصُّبْرَةِ بِنَاءً عَلَى جَهَالَةِ الثَّمَنِ إذْ الْمَبِيعُ مَعْلُومٌ بِالْإِشَارَةِ وَفِيهَا لَا يَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ الْقَدْرِ وَالثَّمَنِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ مَعْلُومٌ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 327 مَسْأَلَةِ بَيْعِ صُبْرَةِ طَعَامٍ كُلِّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ، فَإِنَّهُ أَفْسَدَ الْبَيْعَ بِجَهَالَةِ قَدْرِ الْمَبِيعِ وَقْتَ الْعَقْدِ وَهُوَ لَازِمٌ فِي اسْتِثْنَاءِ أَرْطَالٍ مَعْلُومَةٍ مِمَّا عَلَى الْأَشْجَارِ، وَإِنْ لَمْ تُفْضِ إلَى الْمُنَازَعَةِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ جَهَالَةٍ تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ مُبْطِلَةٌ فَلَيْسَ يَلْزَمُ أَنَّ مَا لَا يُفْضِي إلَيْهَا يَصِحُّ مَعَهَا بَلْ لَا بُدَّ مَعَ عَدَمِ الْإِفْضَاءِ إلَيْهَا فِي الصِّحَّةِ مِنْ كَوْنِ الْمَبِيعِ عَلَى حُدُودِ الشَّرْعِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ قَدْ يَتَرَاضَيَا عَلَى شَرْطٍ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَعَلَى الْبَيْعِ بِأَجَلٍ مَجْهُولٍ كَقُدُومِ الْحَاجِّ وَنَحْوِهِ وَلَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ مُصَحِّحًا. كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي الْمِعْرَاجِ وَقِيلَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ وَالطَّحَاوِيِّ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ الثَّمَرُ مُنْتَفَعًا بِهِ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يُصِيبُهُ آفَةٌ وَلَيْسَ فِيهِ إلَّا قَدْرُ الْمُسْتَثْنَى فَيَتَطَرَّقُ فِيهِ الضَّرَرُ اهـ. وَمَحَلُّ الِاخْتِلَافِ مَا إذَا اسْتَثْنَى مُعَيَّنًا، فَإِنَّ اسْتَثْنَى جُزْءًا كَرُبْعٍ وَثُلُثٍ، فَإِنَّهُ صَحِيحٌ اتِّفَاقًا، كَذَا فِي الْبَدَائِعِ، وَلِذَا قَالَ فِي الْكِتَابِ أَرْطَالًا مَعْلُومَةً وَقُيِّدَ بِقَوْلِهِ مِنْهَا أَيْ مِنْ الثَّمَرَةِ عَلَى رُءُوسِ النَّخِيلِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَجْذُوذًا وَاسْتَثْنَى مِنْهُ أَرْطَالًا جَازَ اتِّفَاقًا وَقُيِّدَ بِالْأَرْطَالِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اسْتَثْنَى رِطْلًا وَاحِدًا جَازَ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ اسْتِثْنَاءُ الْقَلِيلِ مِنْ الْكَثِيرِ بِخِلَافِ الْأَرْطَالِ لِجَوَازِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا ذَلِكَ الْقَدْرُ فَيَكُونُ اسْتِثْنَاءُ الْكُلِّ مِنْ الْكُلِّ، كَذَا فِي الْبِنَايَةِ وَسَيَأْتِي فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ الْإِيرَادُ عَلَى الْقَاعِدَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي اسْتِثْنَاءِ الْحَمْلِ وَهُوَ أَنَّ الْإِيصَاءَ بِالْخِدْمَةِ مُنْفَرِدَةً جَائِزٌ وَاسْتِثْنَاؤُهَا لَا، وَكَذَلِكَ الْغَلَّةُ. وَنَذْكُرُ جَوَابَهُ وَهِيَ قَاعِدَةٌ مُطَّرِدَةٌ مُنْعَكِسَةٌ كَمَا فِي الْبِنَايَةِ، وَلَوْ بَاعَ صُبْرَةً بِمِائَةٍ إلَّا عُشْرَهَا فَلَهُ تِسْعَةُ أَعْشَارِهَا بِجَمِيعِ الثَّمَنِ، وَلَوْ قَالَ عَلَى أَنَّ عُشْرَهَا لِي فَلَهُ تِسْعَةُ أَعْشَارِهَا بِتِسْعَةِ أَعْشَارِ الثَّمَنِ خِلَافًا لِمَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ فِيهَا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَوْ قَالَ أَبِيعُك هَذِهِ الْمِائَةَ شَاةٍ بِمِائَةٍ عَلَى أَنَّ هَذِهِ لِي أَوْ وَلِي هَذِهِ فَسَدَ، وَلَوْ قَالَ إلَّا هَذِهِ كَانَ مَا بَقِيَ بِمِائَةٍ، وَلَوْ قَالَ وَلِي نِصْفُهَا كَانَ النِّصْفُ بِخَمْسِينَ، وَلَوْ قَالَ بِعْتُك هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفٍ إلَّا نِصْفَهُ بِخَمْسِمِائَةٍ عَنْ مُحَمَّدٍ جَازَ فِي كُلِّهِ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى بَاعَ نِصْفَهُ بِأَلْفٍ؛ لِأَنَّهُ الْبَاقِي بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ فَالنِّصْفُ الْمُسْتَثْنَى عَيْنُ بَيْعِهِ بِخَمْسِمِائَةٍ، وَلَوْ قَالَ عَلَى أَنَّ لِي نِصْفَهُ بِثَلَاثِمِائَةٍ أَوْ مِائَةِ دِينَارٍ فَسَدَ لِإِدْخَالِ صَفْقَةٍ فِي صَفْقَةٍ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَيَّدْنَا بِاسْتِثْنَاءِ بَعْضِ الثِّمَارِ أَوْ الصُّبْرَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اسْتَثْنَى شَاةً مِنْ قَطِيعٍ بِغَيْرِ عَيْنِهَا أَوْ ثَوْبًا مِنْ عَدْلِ بِغَيْرِ عَيْنِهِ لَا يَجُوزُ، وَلَوْ اسْتَثْنَى وَاحِدًا بِعَيْنِهِ جَازَ. كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَفِيهَا أَبِيعُك دَارًا عَلَى أَنَّ لِي طَرِيقًا مِنْ هَذَا الْمَوْضِعِ إلَى بَابِ الدَّارِ يَكُونُ فَاسِدًا، وَكَذَا لَوْ شُرِطَ الطَّرِيقُ لِلْأَجْنَبِيِّ وَبَيَّنَ مَوْضِعَهُ وَطُولَهُ وَعَرْضَهُ كَانَ فَاسِدًا، وَلَوْ قَالَ أَبِيعُك هَذِهِ الدَّارَ إلَّا طَرِيقًا مِنْهَا مِنْ هَذَا الْمَوْضِعِ إلَى بَابِ الدَّارِ وَوَصَفَ الطُّولَ وَالْعَرْضَ جَازَ الْبَيْعُ بِشَرْطِ الطَّرِيقِ لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ تَكَلُّمٌ بِالْبَاقِي بَعْدَ الثُّنْيَا فَيَكُونُ جَمِيعُ الثَّمَنِ يُقَابِلُهُ غَيْرُ الْمُسْتَثْنَى فَلَا يَفْسُدُ الْبَيْعُ أَمَّا فِي الْأَوَّلِ جَعَلَ الثَّمَنَ مُقَابَلًا بِجَمِيعِ الدَّارِ فَإِذَا شَرَطَ مِنْهَا طَرِيقًا لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ يُسْقِطُ حِصَّتهُ مِنْ الثَّمَنِ وَهُوَ مَجْهُولٌ فَيَصِيرُ الْبَاقِي مَجْهُولًا، وَلَوْ قَالَ أَبِيعُك دَارِي هَذِهِ بِأَلْفٍ عَلَى أَنَّ لِي هَذَا الْبَيْتَ بِعَيْنِهِ لَا يَصِحُّ، وَلَوْ قَالَ إلَّا هَذَا الْبَيْتَ جَازَ الْبَيْعُ. وَلَوْ قَالَ بِعْتُك هَذِهِ الدَّارَ إلَّا بِنَاءَهَا جَازَ الْبَيْعُ وَلَا يَدْخُلُ الْبِنَاءُ فِي الْبَيْعِ، وَلَوْ بَاعَ أَرْضًا إلَّا هَذِهِ الشَّجَرَةَ بِعَيْنِهَا بِقَرَارِهَا جَازَ الْبَيْعُ وَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْ تَدَلِّي أَغْصَانِ الشَّجَرَةِ فِي مِلْكِهِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى مِقْدَارُ غِلَظِ الشَّجَرَةِ دُونَ الزِّيَادَةِ. رَجُلَانِ اشْتَرَيَا سَيْفًا وَتَوَاضَعَا عَلَى أَنْ يَكُونَ الْحِلْيَةُ لِأَحَدِهِمَا وَلِلْآخَرِ النَّصْلُ كَانَ السَّيْفُ الْمُحَلَّى بَيْنَهُمَا وَالْخَاتَمُ مَعَ الْفَصِّ كَذَلِكَ، وَلَوْ اشْتَرَيَا دَارًا عَلَى أَنَّ لِأَحَدِهِمَا الْأَرْضَ وَلِلْآخَرِ الْبِنَاءَ جَازَ كَذَلِكَ، وَلَوْ اشْتَرَيَا بَعِيرًا وَتَوَاضَعَا عَلَى أَنْ يَكُونَ لِأَحَدِهِمَا رَأْسُهُ وَجِلْدُهُ وَقَوَائِمُهُ وَلِلْآخَرِ بَدَنُهُ تَوَاضَعَا فِي ذَلِكَ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْبَائِعُ شَيْئًا فَالْكُلُّ لِصَاحِبِ الْبَدَنِ؛ لِأَنَّ الْبَدَنَ أَصْلٌ وَغَيْرَهُ بِمَنْزِلَةِ التَّبَعِ، وَلَوْ تَوَاضَعَا عَلَى أَنَّ لِأَحَدِهِمَا رَأْسَهُ وَجِلْدَهُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَمَحَلُّ الِاخْتِلَافِ مَا إذَا اسْتَثْنَى مُعَيَّنًا إلَخْ) وَجْهُ كَوْنِ الْأَرْطَالِ الْمَعْلُومَةِ مُعَيَّنَةً أَنَّ الْمُرَادَ بِالرِّطْلِ مَا يَكُونُ قَدْرُهُ فِي الْوَزْنِ مِنْ الثَّمَرَةِ لَا الْقِطْعَةِ الَّتِي هِيَ آلَةُ الْوَزْنِ وَمَا يُوضَعُ فِي الْمِيزَانِ وَيُقَدَّرُ بِالرِّطْلِ شَيْءٌ مُعَيَّنٌ لَيْسَ جَزَاءً شَائِعًا فِي جَمِيعِ الثَّمَرَةِ بِخِلَافِ الرُّبْعِ وَالثُّلُثِ مَثَلًا كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا مَرَّ فِي قَوْلِهِ وَيَفْسُدُ بَيْعُ عَشَرَةِ أَذْرُعٍ مِنْ دَارٍ لَا أَسْهُمٍ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ اسْتِثْنَاءُ الْقَلِيلِ مِنْ الْكَثِيرِ) مُفَادُهُ أَنَّهُ لَوْ عَلِمَ أَنَّ الثَّمَرَةَ تَبْلُغُ قَدْرًا كَثِيرًا زَائِدًا عَلَى ثَلَاثَةِ أَرْطَالٍ أَوْ عَشَرَةً مَثَلًا بِحَيْثُ يَكُونُ الْبَاقِي أَكْثَرَ مِنْ الْمُسْتَثْنَى أَنَّهُ يَصِحُّ تَأَمُّلٌ وَفِي الْفَتْحِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ. (قَوْلُهُ عَلَى الْقَاعِدَةِ الْمَذْكُورَةِ) أَيْ قَوْلُهُ مَا جَازَ إيرَادُ الْعَقْدِ عَلَيْهِ بِانْفِرَادِهِ صَحَّ اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْهُ. (قَوْلُهُ وَوَصْفَ الطُّولِ وَالْعَرْضِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ سَيَأْتِي فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَأَمَةً عَلَى أَنْ يُعْتِقَ الْمُشْتَرِي إلَى آخِرِهِ مَا يَقْتَضِي عَدَمَ اشْتِرَاطِ وَصْفِ الطُّولِ وَالْعَرْضِ وَيَكُونُ طَرِيقُهُ عَرْضَ بَابِ الدَّارِ الْخَارِجَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَيْنِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 328 وَقَوَائِمَهُ وَلِلْآخَرِ لَحْمَهُ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ ذَلِكَ لَا يَحْتَمِلُ الْإِفْرَادَ بِالْبَيْعِ وَأَحَدُهُمَا لَيْسَ بِأَصْلٍ فَكَانَ الْكُلُّ بَيْنَهُمَا. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة لَوْ قَالَ أَبِيعُك هَذَا الطَّعَامَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ إلَّا عَشَرَةَ أَقْفِزَةٍ مِنْهَا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْبَيْعُ جَائِزٌ وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ إذَا عَزَلَ مِنْهُ عَشَرَةَ أَقْفِزَةٍ، وَلَوْ بَاعَ بِمِائَةٍ إلَّا دِينَارًا كَانَ الْبَيْعُ بِتِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ اشْتَرَى أَمَةً وَفِي بَطْنِهَا وَلَدٌ لِغَيْرِ الْبَائِعِ بِالْوَصِيَّةِ لِرَجُلٍ فَأَجَازَ صَاحِبُ الْوَلَدِ بَيْعَ الْجَارِيَةِ جَازَ وَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ الثَّمَنِ، وَإِنْ لَمْ يَجُزْ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْجَنِينَ بِمَنْزِلَةِ أَجْزَاءِ الْجَارِيَةِ. [تَتِمَّةٌ لِبَاب الْبَيْع] (تَتِمَّةٌ) مِنْهَا لَوْ بَاعَ نِصْفَ عَبْدٍ مُشْتَرَكٍ جَازَ وَانْصَرَفَ إلَى نَصِيبِهِ، وَلَوْ أَقَرَّ بِنِصْفِهِ انْصَرَفَ إلَى النِّصْفَيْنِ اهـ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْفَرْعُ الْأَوَّلُ مِنْهَا أَعْنِي مَسْأَلَةَ الِاسْتِثْنَاءِ الْعَشَرَةِ الْأَقْفِزَةِ مُفَرَّعًا عَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ مِنْ عَدَمِ جَوَازِ الْبَيْعِ إذَا اسْتَثْنَى مِنْ الثَّمَرِ أَرْطَالًا مَعْلُومَةً وَإِلَّا فَهُوَ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ إيرَادُ الْعَقْدِ عَلَيْهِ بِانْفِرَادِهِ فَكَيْفَ لَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ حَاصِلَ مَا نَقَلْنَاهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَدُورُ عَلَى أَرْبَعِ قَوَاعِدَ: الْأُولَى مَا صَحَّ إيرَادُ الْعَقْدِ عَلَيْهِ بِانْفِرَادِهِ صَحَّ اسْتِثْنَاؤُهُ سَوَاءٌ دَخَلَ فِي الْمَبِيعِ تَبَعًا كَالْبِنَاءِ وَالشَّجَرِ أَوْ لَا وَمَا لَا فَلَا. الثَّانِيَةُ مَا صَحَّ اسْتِثْنَاؤُهُ صَحَّ اشْتِرَاطُهُ لِلْبَائِعِ إذَا كَانَ مِنْ الْمُقَدَّرَاتِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْقِيَمِيَّاتِ فَلَا. الثَّالِثَةُ مَا صَحَّ إيرَادُ الْعَقْدِ عَلَيْهِ بِانْفِرَادِهِ صَحَّ اتِّفَاقُهُمَا بَعْدَ الْعَقْدِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْبَعْضُ لِهَذَا وَالْبَعْضُ لِهَذَا كَالْبِنَاءِ مَعَ الْأَرْضِ وَمَا لَا فَلَا كَالسَّيْفِ. وَالْحِيلَةُ الرَّابِعَةُ إذَا اسْتَثْنَى مَا يَصِحُّ، فَإِنْ ذَكَرَ لِلْمُسْتَثْنَى ثَمَنًا لَوْ يَكُنْ لِلْإِخْرَاجِ وَكَانَ الثَّمَنُ الْأَوَّلُ. وَالثَّانِي كَبِعْتُك هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفٍ إلَّا نِصْفَهُ بِخَمْسِمِائَةٍ وَإِلَّا كَانَ لِلْإِخْرَاجِ مِنْ الْمَبِيعِ وَلَا يَسْقُطُ مِنْ الثَّمَنِ شَيْءٌ، وَإِنْ كَانَ شَرْطًا فِي الْمُقَدَّرَاتِ سَقَطَ مَا قَابَلَهُ وَقَدَّمْنَا عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ سُفْلَ دَارِهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ حَقُّ قَرَارِ الْعُلُوِّ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ. (قَوْلُهُ كَبَيْعِ بُرٍّ فِي سُنْبُلِهِ وَبَاقِلَّا فِي قِشْرِهِ) أَيْ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ مُنْتَفَعٌ بِهِ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ فِي قِشْرِهِ كَالشَّعِيرِ وَفِي الْبِنَايَةِ وَمَنْ أَكَلَ الْفُولِيَّةَ يَشْهَدُ بِذَلِكَ، وَكَذَا الْأَرُزُّ وَالسِّمْسِمُ وَالْجَوْزُ وَاللَّوْزُ وَالْفُسْتُقُ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِمِثْلِهِ مِنْ سُنْبُلِ الْحِنْطَةِ لِاحْتِمَالِ الرِّبَا كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ قَصِيلِ الْبُرِّ بِحِنْطَةٍ وَالْقَصِيلُ الشَّعِيرُ يُجَزُّ أَخْضَرَ لِعَلَفِ الدَّوَابِّ، كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ وَأَوْرَدَ الْمُطَالَبَةَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ مَا إذَا بَاعَ حَبَّ قُطْنٍ فِي قُطْنٍ بِعَيْنِهِ أَوْ نَوَى تَمْرٍ فِي تَمْرٍ بِعَيْنِهِ أَيْ بَاعَ مَا فِي هَذَا الْقُطْنِ مِنْ الْحَبِّ أَوْ مَا فِي هَذَا التَّمْرِ مِنْ النَّوَى، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ مَعَ أَنَّهُ أَيْضًا فِي غِلَافِهِ. وَأَشَارَ أَبُو يُوسُفَ إلَى الْفَرْقِ بِأَنَّ النَّوَى هُنَالِكَ مُعْتَبَرٌ عَدَمًا هَالِكًا فِي الْعُرْفِ، فَإِنَّهُ يُقَالُ هَذَا تَمْرٌ وَقُطْنٌ وَلَا يُقَالُ هَذَا نَوًى فِي ثَمَرِهِ وَلَا حَبٌّ فِي قُطْنِهِ وَيُقَالُ هَذِهِ حِنْطَةٌ فِي سُنْبُلِهَا، وَهَذَا لَوْزٌ وَفُسْتُقٌ وَلَا يُقَالُ هَذِهِ قُشُورٌ فِيهَا لَوْزٌ وَلَا يَذْهَبُ إلَيْهِ وَهْمٌ بِخِلَافِ تُرَابِ الصَّاغَةِ، فَإِنَّهُ إنَّمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِجِنْسِهِ لِاحْتِمَالِ الرِّبَا حَتَّى لَوْ بَاعَ بِخِلَافِ جِنْسِهِ جَازَ وَفِي مَسْأَلَتِنَا لَوْ بَاعَ بِجِنْسِهِ لَا يَجُوزُ لِشُبْهَةِ الرِّبَا وَالصَّاغَةُ جَمْعُ صَائِغٍ. وَالْمُرَادُ بَيْعُ بُرَادَةِ الذَّهَبِ كَمَا فِي الْبِنَايَةِ وَمَا ذَكَرْنَا يُخْرِجُ الْجَوَابَ عَنْ امْتِنَاعِ بَيْعِ اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ وَاللَّحْمِ وَالشَّحْمِ فِي الشَّاةِ وَالْأَلْيَةِ وَالْأَكَارِعِ وَالْجِلْدِ فِيهَا وَالدَّقِيقِ فِي الْحِنْطَةِ وَالزَّيْتِ فِي الزَّيْتُونِ وَالْعَصِيرِ فِي الْعِنَبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ حَيْثُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مُنْعَدِمٌ فِي الْعُرْفِ لَا يُقَالُ هَذَا عَصِيرٌ وَزَيْتٌ فِي مَحَلِّهِ فَكَذَا الْبَاقِي وَاعْلَمْ أَنَّ الْوَجْهَ يَقْتَضِي ثُبُوتَ الْخِيَارِ بَعْدَ الِاسْتِخْرَاجِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرَهُ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ قَيَّدَ بَيْعَ الْحِنْطَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ بَاعَ تِبْنَ الْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا دُونَ الْحِنْطَةِ لَمْ يَنْعَقِدْ لَا؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ تِبْنًا إلَّا بِالْعِلَاجِ وَهُوَ الدَّقُّ فَلَمْ يَكُنْ تِبْنًا قَبْلَهُ فَكَانَ بَيْعُ الْمَعْدُومِ فَلَا يَنْعَقِدُ بِخِلَافِ الْجِذْعِ فِي السَّقْفِ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ حَتَّى لَوْ نَزَعَهُ وَسَلَّمَهُ أُجْبِرَ عَلَى الْأَخْذِ وَهُنَا لَا، كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَالْمُرَادُ بِتُرَابِ الصَّاغَةِ التُّرَابُ الَّذِي فِيهِ ذَرَّاتُ الذَّهَبِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِجِنْسِهِ لِاحْتِمَالِ الرِّبَا وَلَا يَنْصَرِفُ إلَى خِلَافِ الْجِنْسِ تَحَرِّيًا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَقَدَّمْنَا عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَلَا كَذَلِكَ لَوْ بَاعَ عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ حَقُّ الْمُرُورِ مِنْهُ قِيَاسًا عَلَى مَا سَبَقَ قَرِيبًا وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَلَمْ أَرَهُ. [بَيْعُ بُرٍّ فِي سُنْبُلِهِ وَبَاقِلَّا فِي قِشْرِهِ] (قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِمِثْلِهِ مِنْ سُنْبُلِ الْحِنْطَةِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ بَيْعُ الْبُرِّ فِي سُنْبُلِهِ وَسَيَأْتِي فِي الرِّبَا أَنَّ بَيْعَ الْحِنْطَةِ الْخَالِصَةِ بِحِنْطَةٍ فِي سُنْبُلِهَا لَا يَجُوزُ وَيَجِبُ تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا لَمْ تَكُنْ الْحِنْطَةُ الْخَالِصَةُ أَكْثَرَ مِنْ الَّتِي فِي سُنْبُلِهَا، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الْخَانِيَّةِ وَيُعْلَمُ بِذَلِكَ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الَّتِي فِي سُنْبُلِهَا مَعَهُ بِالْأُخْرَى الَّتِي فِي سُنْبُلِهَا مَعَهُ صَرْفًا لِلْجِنْسِ إلَى خِلَافِهِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ قَصِيلِ الْبُرِّ بِحِنْطَةٍ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَدَّمَهُ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَيُبَاعُ الطَّعَامُ كَيْلًا وَجُزَافًا وَأَقُولُ: قَدَّمَ عَنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ شِرَاءُ قَصِيلِ الْبُرِّ بِالْبُرِّ كَيْلًا وَجُزَافًا جَائِزٌ لِعَدَمِ الْجِنَاسِ وَلَعَلَّ حَرْفَ النَّفْيِ مِنْ زِيَادَةِ الْكِتَابِ تَأَمَّلْ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 329 لِلْجَوَازِ كَمَا فِي بَيْعِ دِرْهَمٍ وَدِينَارَيْنِ بِدِينَارٍ وَدِرْهَمَيْنِ؛ لِأَنَّ التُّرَابَ لَيْسَ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ. وَلَوْ اشْتَرَى تُرَابَ الصَّوَّاغِينَ بِعَرْضٍ إنْ وَجَدَ فِي التُّرَابِ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً جَازَ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّهُ بَاعَ مَالًا مُتَقَوِّمًا، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ التُّرَابَ غَيْرُ مَقْصُودٍ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ مَا فِيهِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَنْبَغِي لِلصَّائِغِ أَنْ يَأْكُلَ ثَمَنَ التُّرَابِ الَّذِي بَاعَهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ مَالَ النَّاسِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الصَّائِغُ قَدْ زَادَ النَّاسَ فِي مَتَاعِهِمْ بِقَدْرِ مَا سَقَطَ مِنْهُمْ فِي التُّرَابِ، وَكَذَا الدَّهَّانُ إذَا بَاعَ الدُّهْنَ وَبَقِيَ مِنْ الدُّهْنِ شَيْءٌ فِي الْأَوْعِيَةِ، كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَفِيهَا أَيْضًا لَوْ بَاعَ مِائَةَ مَنٍّ مِنْ حَلِيجِ هَذَا الْقُطْنِ لَا يَجُوزُ، وَلَوْ كَانَتْ الْحِنْطَةُ فِي سُنْبُلِهَا فَبَاعَهَا جَازَ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ النَّوَى فِي التَّمْرِ، وَلَوْ بَاعَ حَبَّ قُطْنٍ بِعَيْنِهِ جَازَ كَذَا اخْتَارَهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ، وَلَوْ اشْتَرَى الْبَزْرَ الَّذِي فِي جَوْفِ الْبِطِّيخِ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ رَضِيَ صَاحِبُهُ بِأَنْ يَقْطَعَ الْبِطِّيخَ، وَلَوْ ذَبَحَ شَاةً فَبَاعَ كَرِشَهَا قَبْلَ السَّلْخِ جَازَ وَكَانَ عَلَى الْبَائِعِ إخْرَاجُهُ وَتَسْلِيمُهُ إلَى الْمُشْتَرِي وَلِلْمُشْتَرِي خِيَارُ الرُّؤْيَةِ، وَلَوْ ابْتَلَعَتْ دَجَاجَةٌ لُؤْلُؤَةً فَبَاعَ حَبَّةَ اللُّؤْلُؤَةِ الَّتِي فِي بَطْنِهَا جَازَ وَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي إنْ كَانَ رَآهَا إلَّا إذَا تَغَيَّرَتْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمُشْتَرِي رَأَى اللُّؤْلُؤَةَ فَلَهُ الْخِيَارُ إذَا رَآهَا، وَلَوْ اشْتَرَى لُؤْلُؤَةً فِي صَدَفٍ، قَالَ أَبُو يُوسُفَ يَجُوزُ الْبَيْعُ وَلَهُ الْخِيَارُ إذَا رَأَى، وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَالْبَاقِلَّا الْفُولُ وَالْحَلِيجُ بِمَعْنَى الْمَحْلُوجِ وَهُوَ مَا خُلِّصَ حَبُّهُ مِنْ قُطْنِهِ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ لَوْ بَاعَ حِنْطَةً فِي سُنْبُلِهَا لَزِمَ الْبَائِعَ الدَّرْسُ وَالتَّذْرِيَةُ، وَكَذَا لَوْ أَطْلَقَ وَلَهُ حِنْطَةٌ فِي سُنْبُلِهَا فَصَارَ حَاصِلُ مَا نَقَلْنَاهُ أَنَّهُ إذَا بَاعَ شَيْئًا مَسْتُورًا، فَإِنْ كَانَ مَسْتُورًا بِمَا هُوَ خِلْقِيٌّ فِيهِ أَوْ لَا. وَالثَّانِي شِرَاءُ مَا لَمْ يَرَهُ جَائِزٌ عِنْدَنَا وَالْأَوَّلُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ مَوْجُودًا فِي الْعُرْفِ أَوْ مَعْدُومًا، فَإِنْ كَانَ مَوْجُودًا جَازَ كَبَيْعِ حِنْطَةٍ فِي سُنْبُلِهَا وَأَرُزٍّ وَسِمْسِمٍ وَجَوْزٍ، وَلَوْزٍ وَكَرِشِ شَاةٍ مَذْبُوحَةٍ قَبْلَ سَلْخِهَا وَلُؤْلُؤَةٍ فِي بَطْنِ دَجَاجَةٍ، وَإِنْ كَانَ يُقَالُ فِي الْعُرْفِ أَنَّهُ مَعْدُومٌ لَمْ يَجُزْ كَبَيْعِ حَبِّ قُطْنٍ فِيهِ نَوَى تَمْرٍ فِيهِ وَلَبَنٍ فِي ضَرْعٍ وَلَحْمٍ وَشَحْمٍ وَأَلْيَةٍ فِي شَاةٍ وَأَكَارِعَ وَجِلْدٍ فِيهَا وَدَقِيقٍ فِي حِنْطَةٍ وَزَيْتٍ فِي زَيْتُونٍ وَعَصِيرٍ فِي عِنَبٍ وَمَحْلُوجِ قُطْنٍ فِيهِ وَلُؤْلُؤَةٍ فِي صَدَفٍ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ وَتِبْنِ حِنْطَةٍ فِي سُنْبُلِهَا. . (قَوْلُهُ وَأُجْرَةُ الْكَيْلِ عَلَى الْبَائِعِ) يَعْنِي إذَا بِيعَ مُكَايَلَةً، وَكَذَا أُجْرَةُ الْوَزَّانِ وَالْعَدَّادِ عَلَيْهِ وَالذَّرَّاعِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَمَامِ التَّسْلِيمِ وَتَسْلِيمُ الْمَبِيعِ عَلَيْهِ فَكَذَا مَا كَانَ مِنْ تَمَامِهِ قُيِّدَ بِالْكَيْلِ؛ لِأَنَّ صَبَّ الْحِنْطَةَ فِي الْوِعَاءِ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَكَذَا إخْرَاجُ الطَّعَامِ مِنْ السَّفِينَةِ، وَكَذَا قَطْعُ الْعِنَبِ الْمُشْتَرَى جُزَافًا عَلَيْهِ، وَكَذَا كُلُّ شَيْءٍ بَاعَهُ جُزَافًا كَالثُّومِ وَالْبَصَلِ وَالْجَزَرِ إذَا خَلَّى بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمُشْتَرِي، وَكَذَا قَطْعُ الثَّمَرِ إذَا خَلَّى بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمُشْتَرَى، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى حِنْطَةً فِي سُنْبُلِهَا فَعَلَى الْبَائِعِ تَخْلِيصُهَا بِالدَّرْسِ وَالتَّذْرِيَةِ وَدَفْعُهَا إلَى الْمُشْتَرِي وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَفِي الْمِعْرَاجِ وَالتِّبْنُ لِلْبَائِعِ، وَإِذَا اشْتَرَى ثِيَابًا فِي جِرَابٍ فَفَتْحُ الْجِرَابِ عَلَى الْبَائِعِ وَإِخْرَاجُ الثِّيَابِ عَلَى الْمُشْتَرِي وَقِيلَ كَمَا يَجِبُ الْكَيْلُ عَلَى الْبَائِعِ فَالصَّبُّ فِي وِعَاءِ الْمُشْتَرِي يَكُونُ عَلَيْهِ أَيْضًا، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى مَاءً مِنْ سَقَّاءٍ فِي قِرْبَةٍ كَانَ صَبُّ الْمَاءِ عَلَى السَّقَّاءِ وَالْمُعْتَبَرُ فِي هَذَا الْعُرْفُ، كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَفِي الْمُجْتَبَى لَوْ اشْتَرَى وِقْرَ حَطَبٍ فِي الْمِصْرِ فَالْحَمْلُ عَلَى الْبَائِعِ. . (قَوْلُه ُ وَأُجْرَةُ نَقْدِ الثَّمَنِ وَوَزْنُهُ عَلَى الْمُشْتَرِي) لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْوَزْنَ مِنْ تَمَامِ التَّسْلِيمِ وَتَسْلِيمُ الثَّمَنِ عَلَى الْمُشْتَرِي فَكَذَا مَا يَكُونُ مِنْ تَمَامِهِ، وَكَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَسْلِيمُ الْجَيِّدِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْبَائِعِ تَعَلَّقَ بِهِ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي نَقْدِ الثَّمَنِ هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَبِهِ كَانَ يُفْتِي الصَّدْرُ الشَّهِيدُ قَالَ وَبِهِ يُفْتَى إلَّا إذَا قَبَضَ الْبَائِعُ الثَّمَنَ، ثُمَّ جَاءَ يَرُدُّهُ بِعَيْبِ الزِّيَافَةِ، فَإِنَّهُ عَلَى الْبَائِعِ. وَأَمَّا أُجْرَةُ نَقْدِ الدَّيْنِ، فَإِنَّهُ عَلَى الْمَدْيُونِ إلَّا إذَا قَبَضَ رَبُّ الدَّيْنِ الدَّيْنَ، ثُمَّ ادَّعَى عَدَمَ النَّقْدِ فَالْأُجْرَةُ عَلَى رَبِّ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ بِالْقَبْضِ دَخَلَ فِي ضَمَانِهِ فَالنَّاقِدُ إنَّمَا يُمَيِّزُ مِلْكَهُ لِيَسْتَوْفِيَ   [منحة الخالق] [اشْتَرَى تُرَابَ الصَّوَّاغِينَ بِعَرْضٍ] (قَوْلُهُ: وَلَوْ بَاعَ حَبَّ قُطْنٍ بِعَيْنِهِ جَازَ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَتَقَدَّمَ نَقْلُ عَدَمِ جَوَازِهِ وَسَيَأْتِي أَيْضًا [لَوْ بَاعَ حِنْطَةً فِي سُنْبُلِهَا لَزِمَ الْبَائِعَ الدَّرْسُ وَالتَّذْرِيَةُ] (قَوْلُهُ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ لَوْ بَاعَ حِنْطَةً فِي سُنْبُلِهَا إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بَاعَ الْحِنْطَةَ بِعَيْنِهَا وَمَا فِي الْمَتْنِ فِي بَيْعِهَا مَعَ السُّنْبُلِ لَا بِعَيْنِهَا تَأَمَّلْ. [قَطْعُ الْعِنَبِ الْمُشْتَرَى جُزَافًا عَلَى الْبَائِع] (قَوْلُهُ: كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ الَّذِي فِي الْخُلَاصَةِ لَوْ اشْتَرَى حِنْطَةً مُكَايَلَةً فَالْكَيْلُ عَلَى الْبَائِعِ وَصَبُّهَا فِي وِعَاءِ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ أَيْضًا هُوَ الْمُخْتَارُ اهـ. كَذَا رَأَيْت بِخَطِّ شَيْخِ الْإِسْلَامِ مُحَمَّدٍ الْغَزِّيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - اهـ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 330 بِذَلِكَ حَقًّا لَهُ فَالْأُجْرَةُ عَلَيْهِ وَأَطْلَقَ فِي أُجْرَةِ النَّاقِدِ فَشَمِلَ مَا إذَا قَالَ الْمُشْتَرِي دَرَاهِمِي مُنْتَقَدَةٌ أَوْ لَا وَهُوَ الصَّحِيحُ خِلَافًا لِمَنْ فَصَّلَ، كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ. وَأَمَّا حُكْمُ الصَّيْرَفِيِّ إذَا نَقَدَ، ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ فِيهَا زُيُوفًا، فَقَالَ فِي إجَارَاتِ الْبَزَّازِيَّةِ اسْتَأْجَرَهُ لِيَنْقُدَ الدَّرَاهِمَ فَنَقَدَ، ثُمَّ وَجَدَهُ زُيُوفًا يَرُدُّ الْأُجْرَةَ، وَإِنْ وَجَدَ الْبَعْضَ زُيُوفًا يَرُدُّ بِقَدْرِهِ اهـ. (قَوْلُهُ وَمَنْ بَاعَ سِلْعَةً بِثَمَنٍ سَلَّمَهُ أَوَّلًا) أَيْ سَلَّمَ الثَّمَنَ أَنْ يَتَسَلَّمَ الْمَبِيعَ لِاقْتِضَاءِ الْعَقْدِ الْمُسَاوَاةَ، وَقَدْ تَعَيَّنَ حَقُّ الْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيعِ فَيُسَلَّمُ الثَّمَنُ أَوَّلًا لِيَتَعَيَّنَ حَقُّ الْبَائِعِ تَحْقِيقًا لِلْمُسَاوَاةِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ بَاعَ بِشَرْطِ أَنْ يَدْفَعَ الْمَبِيعَ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ فَسَدَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَصِحُّ لِجَهَالَةِ الْأَجَلِ حَتَّى لَوْ سَمَّى الْوَقْتَ الَّذِي يُسَلَّمُ فِيهِ الْبَيْعُ جَازَ اهـ. وَلَا بُدَّ مِنْ إحْضَارِ السِّلْعَة لِيُعْلَمَ قِيَامُهَا فَإِذَا أَحْضَرَهَا الْبَائِعُ أَمَرَ الْمُشْتَرِيَ بِتَسْلِيمِ الثَّمَنِ وَلَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْ دَفْعِهِ إذَا كَانَ الْمَبِيعُ غَائِبًا، وَلَوْ عَنْ الْمِصْرِ وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ بِخِلَافِ الرَّهْنِ إذَا كَانَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ غَيْرِ مَوْضِعِ الْمُتَرَاهِنَيْنِ مِنْ حَيْثُ تَلْحَقُهُ الْمُؤْنَةُ بِالْإِحْضَارِ، فَإِنَّهُ لَا يُؤْمَرُ الْمُرْتَهِنُ بِإِحْضَارِهِ بَلْ يُسَلِّمُ الرَّاهِنُ الدَّيْنَ إذَا أَقَرَّ الْمُرْتَهِنُ بِقِيَامِ الرَّهْنِ، فَإِنْ ادَّعَى الرَّاهِنُ هَلَاكَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ أَنَّهُ لَمْ يَهْلِكْ لِكَوْنِ الرَّهْنِ أَمَانَةً فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ كَالْوَدِيعَةِ فَلَا يُؤْمَرُ بِإِحْضَارِهِ إذَا لَحِقَهُ مُؤْنَةٌ. وَأَمَّا فِي الْبَيْعِ فَالثَّمَنُ بَدَلٌ إلَخْ اهـ. وَفِي آخَرَ رَهْنُ الْخَانِيَّةِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا لَقِيَ الْبَائِعَ فِي غَيْرِ مِصْرِهِمَا وَطَلَبَ مِنْهُ تَسْلِيمَ الْمَبِيعِ، وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ يَأْخُذُ الْمُشْتَرِي مِنْهُ كَفِيلًا أَوْ يَبْعَثُ وَكِيلًا يَنْقُدُ الثَّمَنَ لَهُ، ثُمَّ يَتَسَلَّمُ الْمَبِيعَ وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ الثَّمَنِ حَالًّا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُؤَجَّلًا لَا يَلْزَمُهُ دَفْعُهُ أَوْ لَا وَقَدَّمْنَا أَوَّلَ الْكِتَابِ بَعْضَ مَسَائِلِ التَّأْجِيلِ وَلَا بُدَّ أَنْ لَا يَكُونَ فِي الْبَيْعِ خِيَارٌ لِلْمُشْتَرِي فَلَوْ كَانَ لَهُ لَيْسَ لِلْبَائِعِ مُطَالَبَتُهُ بِالثَّمَنِ قَبْلَ سُقُوطِهِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي خِيَارِ الرُّؤْيَةِ مِنْ الْقُنْيَةِ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ خِيَارِ الشَّرْطِ وَقَدْ اُسْتُفِيدَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ لِلْبَائِعِ حَقَّ حَبْسِ الْمَبِيعِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ كُلَّهُ، وَلَوْ بَقِيَ مِنْهُ دِرْهَمٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُؤَجَّلًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَلَوْ كَانَ بَعْضُهُ حَالًّا وَبَعْضُهُ مُؤَجَّلًا فَلَهُ حَبْسُ الْمَبِيعِ إلَى اسْتِيفَاءِ الْحَالِ، وَلَوْ بَاعَهُ شَيْئَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً وَسَمَّى لِكُلِّ وَاحِدٍ ثَمَنًا فَدَفَعَ الْمُشْتَرِي حِصَّةَ أَحَدِهِمَا كَانَ لِلْبَائِعِ حَبْسُهُمَا حَتَّى يَسْتَوْفِيَ حِصَّةَ الْآخَرِ، وَلَوْ أَبْرَأَ الْمُشْتَرِيَ عَنْ بَعْضِ الثَّمَنِ كَانَ لَهُ الْحَبْسُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْبَاقِيَ؛ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ كَالِاسْتِيفَاءِ وَلَا يَسْقُطُ حَقُّهُ فِي الْحَبْسِ بِالرَّهْنِ وَلَا بِالْكَفِيلِ وَيَسْقُطُ بِحَوَالَةِ الْبَائِعِ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ اتِّفَاقًا. وَكَذَا بِحَوَالَةِ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ بِهِ عَلَى رَجُلٍ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِلْبَرَاءَةِ كَالْإِيفَاءِ وَفَرَّقَ مُحَمَّدٌ بَيْنَهُمَا بِبَقَاءِ مُطَالَبَةِ الْبَائِعِ فِيمَا إذَا كَانَ مُحْتَالًا وَبِسُقُوطِهَا فِيمَا إذَا كَانَ مُحِيلًا، وَكَذَا فَرَّقَ مُحَمَّدٌ فِي الرَّهْنِ، فَقَالَ إنْ أَحَالَ الْمُرْتَهِنَ بِدَيْنِهِ عَلَى الرَّاهِنِ لَمْ يَبْقَ لَهُ حَقُّ حَبْسِهِ، وَإِنْ احْتَالَ بِهِ عَلَى رَجُلٍ لَمْ يَسْقُطْ وَتَأْجِيلُ الثَّمَنِ بَعْدَ الْبَيْعِ بِالْحَالِ مُسْقِطٌ لِحَقِّهِ فِي الْحَبْسِ، وَكَذَا إذَا كَانَ الثَّمَنُ مُؤَجَّلًا فَلَمْ يَقْبِضْ الْمُشْتَرِي حَتَّى حَلَّ سَقَطَ الْحَبْسُ. وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْأَجَلَ مِنْ وَقْتِ الْقَبْضِ عِنْدَ الْإِمَامِ إنْ لَمْ تَكُنْ السَّنَةُ مُعَيَّنَةً، وَإِنْ كَانَتْ مُعَيَّنَةً وَمَضَتْ فَلَا بَقَاءَ لَهُ إجْمَاعًا وَمَحَلُّ الِاخْتِلَافِ فِيمَا إذَا امْتَنَعَ الْبَائِعُ مِنْ التَّسْلِيمِ أَمَّا إذَا لَمْ يَمْتَنِعْ فَابْتِدَاؤُهُ مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ إجْمَاعًا، وَلَوْ سَلَّمَ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ سَقَطَ حَقُّهُ فَلَيْسَ لَهُ بَعْدَهُ رَدُّهُ إلَيْهِ، وَلَوْ أَعَارَهُ الْبَائِعُ لَهُ أَوْ أَوْدَعَهُ إيَّاهُ عَلَى الْمَشْهُورِ بِخِلَافِ الْمُرْتَهِنِ إذَا أَعَارَ الرَّهْنَ مِنْ الرَّاهِنِ، فَإِنَّهُ لَا يَبْطُلُ الرَّهْن فَلَهُ اسْتِرْجَاعُهُ، وَلَوْ قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي بِغَيْرِ إذْنٍ لَمْ يَسْقُطْ حَقُّهُ فِي الْحَبْسِ. كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَالْإِجَارَةُ كَالْعَارِيَّةِ الْوَدِيعَةِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ الْمُشْتَرِي إذَا قَبَضَ الْمَبِيعَ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ وَالْبَائِعُ يَرَاهُ، وَلَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ الْقَبْضِ كَانَ إذْنًا وَهِيَ مِنْ مَسَائِلِ السُّكُوتِ. وَأَمَّا تَصَرُّفُ الْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ فَعَلَى وَجْهَيْنِ: قَوْلِيٍّ وَحِسِّيٍّ فَالْأَوَّلُ، فَإِنْ أَعَارَهُ أَوْ وَهَبَهُ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ أَوْ رَهَنَهُ وَقَبَضَهُ الْمُرْتَهِنُ جَازَ، وَلَوْ بَاعَ أَوْ آجَرَ لَا يَجُوزُ قَالَ مُحَمَّدٌ   [منحة الخالق] [وَأُجْرَةُ نَقْدِ الثَّمَنِ وَوَزْنُهُ عَلَى الْمُشْتَرِي] (قَوْلُهُ. وَأَمَّا حُكْمُ الصَّيْرَفِيِّ إذَا نَقَدَ، ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ فِيهَا زُيُوفًا إلَخْ) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ سُئِلَ الْإِمَامُ الطُّورِيُّ عَنْ إنْسَانٍ نَقَدَ دَرَاهِمَ عِنْدَ صَيْرَفِيٍّ فَظَهَرَتْ زُيُوفًا هَلْ يَضْمَنُ الصَّيْرَفِيُّ أَمْ لَا أَجَابَ إنْ نَقَدَ بِأَجْرٍ وَظَهَرَتْ كُلُّهَا زُيُوفًا رَجَعَ عَلَيْهِ بِالْأُجْرَةِ قَالَ فِي الْمُحِيطِ الْمُنْتَقَى رَجُلٌ قَالَ لِصَيْرَفِيٍّ اُنْقُدْ لِي أَلْفَ دِرْهَمٍ وَلَك أُجْرَةُ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَانْتَقِدْهَا، ثُمَّ وَجَدَ صَاحِبَهَا مِائَةَ سَتُّوقَةً أَوْ زُيُوفًا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَيَرُدُّ الْعَشَرَةَ الْأُجْرَةَ؛ لِأَنَّ الْمُؤَاجِرَ لَمْ يُوفِ عَمَلَهُ، وَقَالَ فِي جَنَّةِ الْأَحْكَامِ سُئِلَ أَبُو بَكْرٍ عَنْ رَجُلٍ انْتَقَدَ دَرَاهِمَ رَجُلٍ، وَلَمْ يُحْسِنْ الِانْتِقَادَ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ أَمْ لَا؟ وَهَلْ يَجِبُ لَهُ الْأَجْرُ؟ قَالَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَالْبَدَلُ عَلَى مَنْ قَبَضَ مِنْهُ الْمَالَ وَلَا أَجْرَ لِلنَّاقِدِ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ حَيْثُ قَالَ فِي إجَارَةِ الْبَزَّازِيَّةِ إلَخْ قُلْتُ: وَرَأَيْت فِي الْخَانِيَّةِ ذِكْرًا مِثْلَ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ ذَكَرَ ذَلِكَ قَبْلَ بَابِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ. (قَوْلُهُ، وَلَوْ أَعَارَهُ الْبَائِعُ لَهُ) الظَّاهِرُ أَنَّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 331 - رَحِمَهُ اللَّهُ - كُلُّ تَصَرُّفٍ يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ قَبْضٍ إذَا فَعَلَهُ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ وَكُلُّ مَا لَا يَجُوزُ إلَّا بِالْقَبْضِ كَالْهِبَةِ إذَا فَعَلَهُ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبْضِ جَازَ وَيَصِيرُ الْمُشْتَرِي قَابِضًا. كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَلَوْ أَوْدَعَ الْمُشْتَرِي مِنْ الْبَائِعِ أَوْ أَعَارَهُ أَوْ آجَرَهُ لَمْ يَكُنْ قَبْضًا، وَلَوْ أَوْدَعَهُ عِنْدَ أَجْنَبِيٍّ أَوْ أَعَارَهُ وَأَمَرَ الْبَائِعَ بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ كَانَ قَبْضًا، كَذَا فِي الْمُحِيطِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي لِلْغُلَامِ تَعَالَ مَعِي وَامْشِ فَتَخَطَّى مَعَهُ فَهُوَ قَبْضٌ، وَلَوْ قَالَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي بَعْدَ الْبَيْعِ خُذْ لَا يَكُونُ قَبْضًا، وَلَوْ قَالَ خُذْهُ يَكُونُ تَخْلِيَةً إذَا كَانَ يَصِلُ إلَى أَخْذِهِ، وَلَوْ دَفَعَ بَعْضَ الثَّمَنِ، وَقَالَ لِلْبَائِعٍ تَرَكْته عِنْدَك رَهْنًا عَلَى الْبَاقِي أَوْ قَالَ تَرَكْته وَدِيعَةً عِنْدَك لَا يَكُونُ قَبْضًا اهـ. وَإِعْتَاقُ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ قَبْضٌ، وَلَوْ اشْتَرَى حَامِلًا فَأَعْتَقَ مَا فِي بَطْنِهَا لَا يَكُونُ قَبْضًا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ إعْتَاقُهُ فَلَمْ يَصِرْ مُتْلِفًا. وَأَمَّا الثَّانِي فَالْمُشْتَرِي إذَا أَتْلَفَ الْمَبِيعَ أَوْ أَحْدَثَ فِيهِ عَيْبًا قَبْلَ الْقَبْضِ يَصِيرُ قَابِضًا، وَكَذَا لَوْ أَمَرَ الْبَائِعَ بِذَلِكَ فَعَمِلَ الْبَائِعُ، وَإِذَا أَمَرَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ بِطَحْنِ الْحِنْطَةِ فَطَحَنَ صَارَ قَابِضًا وَالدِّقَاقُ لِلْمُشْتَرِي كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَوَطْءُ الْمُشْتَرِي الْجَارِيَةَ قَبْضٌ إنْ حَبِلَتْ وَإِلَّا فَلَهُ حَبْسُهَا، فَإِنْ مَنَعَهَا الْبَائِعُ تَمُوتُ مِنْ مَالِهِ وَلَا عُقْرَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ وَطِئَ مِلْكَ نَفْسِهِ، وَإِنْ نَقَصَهَا الْوَطْءُ تَأَكَّدَ عَلَيْهِ حِصَّةُ النُّقْصَانِ مِنْ الثَّمَنِ، وَلَوْ زَوَّجَهَا الْمُشْتَرِي صَارَ قَابِضًا قِيَاسًا لَا اسْتِحْسَانًا، وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ عَلَيْهِ بِدَيْنٍ، وَلَوْ أَرْسَلَ الْمُشْتَرِي الْعَبْدَ فِي حَاجَتِهِ صَارَ قَابِضًا فَلَوْ أَمَرَ الْبَائِعَ أَنْ يَأْمُرَ الْعَبْدَ بِعَمَلٍ فَأَمَرَهُ صَارَ قَابِضًا كَمَا لَوْ أَمَرَهُ أَنْ يُؤَخِّرَهُ لِإِنْسَانٍ وَمَا يَأْخُذُ الْبَائِعُ مِنْ الْأَجْرِ مَحْسُوبٌ عَلَيْهِ مِنْ الثَّمَنِ، وَلَوْ اشْتَرَى دَابَّةً وَالْبَائِعُ رَاكِبُهَا، فَقَالَ الْمُشْتَرِي احْمِلْنِي مَعَك فَحَمَلَهُ مَعَهُ فَهَلَكَتْ فَهِيَ عَلَى الْمُشْتَرِي وَرُكُوبُهُ قَبْضٌ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ. [قَالَ لِلْبَائِعِ بِعْهَا أَوْ طَأْهَا أَوْ كُلْ الطَّعَامَ فَفَعَلَ] وَأَمَّا أَمْرُهُ لِلْبَائِعِ بِفِعْلِ شَيْءٍ قَبْلَ الْقَبْضِ فَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ قَالَ لِلْبَائِعٍ بِعْهَا أَوْ طَأْهَا أَوْ كُلْ الطَّعَامَ فَفَعَلَ، فَإِنَّهُ يَكُونُ فَسْخًا لِلْبَيْعِ وَمَا لَمْ يَفْعَلْهُ لَا يَنْفَسِخُ وَلَكِنَّ الْبَيْعَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ، فَإِنْ قَالَ بِعْهُ لِنَفْسِك فَبَاعَهُ انْفَسَخَ، وَلَوْ قَالَ بِعْهُ لِي لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ وَلَا يَنْفَسِخُ، وَلَوْ قَالَ بِعْهُ أَوْ بِعْهُ مِمَّنْ شِئْت فَبَاعَهُ انْفَسَخَ وَجَازَ الْبَيْعُ الثَّانِي لِلْمَأْمُورِ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَكُونُ فَسْخًا كَقَوْلِهِ بِعْهُ لِي، وَلَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا أَوْ حِنْطَةً، فَقَالَ لِلْبَائِعٍ بِعْهُ قَالَ الْإِمَامُ الْفَضْلِيُّ إنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَالرُّؤْيَةِ كَانَ فَسْخًا، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ الْبَائِعُ نَعَمْ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَنْفَرِدُ بِالْفَسْخِ فِي خِيَارِ الرُّؤْيَةِ، وَإِنْ قَالَ بِعْهُ لِي أَيْ كُنْ وَكِيلًا فِي الْفَسْخِ فَمَا لَمْ يَقْبَلْ الْبَائِعُ، وَلَمْ يَقُلْ نَعَمْ لَا يَكُونُ فَسْخًا، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ وَالرُّؤْيَةِ لَا يَكُونُ فَسْخًا وَيَكُونُ وَكِيلًا بِالْبَيْعِ سَوَاءٌ قَالَ بِعْهُ أَوْ بِعْهُ لِي اهـ. [اشْتَرَى دُهْنًا وَدَفَعَ قَارُورَةً لِيَزِنَهُ فِيهَا فَوَزَنَهُ فِيهَا بِحَضْرَةِ الْمُشْتَرِي] وَفِي الْبِنَايَةِ اشْتَرَى دُهْنًا وَدَفَعَ قَارُورَةً لِيَزِنَهُ فِيهَا فَوَزَنَهُ فِيهَا بِحَضْرَةِ الْمُشْتَرِي فَهُوَ قَبْضٌ، وَكَذَا بِغَيْبَتِهِ فِي الْأَصَحِّ، وَكَذَا كُلُّ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ إذَا دَفَعَ لَهُ الْوِعَاءَ فَكَالَهُ أَوْ وَزَنَهُ فِي وِعَائِهِ بِأَمْرِهِ، وَلَوْ غَصَبَ شَيْئًا، ثُمَّ اشْتَرَاهُ صَارَ قَابِضًا وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ حَبْسُهُ بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ وَالْعَارِيَّةِ إلَّا إذَا وَصَلَ إلَيْهِ بَعْدَ التَّخْلِيَةِ، وَلَوْ اشْتَرَى حِنْطَةً فِي السَّوَادِ يَجِبُ تَسْلِيمُهَا فِيهِ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ دَفَعَ إلَى قَصَّابٍ دِرْهَمًا، وَقَالَ اعْطِنِي بِهَذَا الدِّرْهَمِ لَحْمًا وَزِنْهُ وَضَعْهُ فِي هَذَا الزِّنْبِيلِ فِي حَانُوتِك حَتَّى أَجِيءَ بَعْدَ سَاعَةٍ فَفَعَلَ الْقَصَّابُ ذَلِكَ فَأَكَلَتْ الْهِرَّةُ اللَّحْمَ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْفَضْلِيُّ إنْ لَمْ يُبَيِّنْ مَوْضِعَ الْقَطْعِ كَانَ الْهَلَاكُ عَلَى الْقَصَّابِ، وَإِنْ بَيَّنَ، فَقَالَ مِنْ الْجَنْبِ أَوْ مِنْ الذِّرَاعِ كَانَ الْهَلَاكُ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا قَدَّمْنَاهُ، فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ إنَّمَا يَصِيرُ قَابِضًا إذَا كَانَ الْوَزْنُ بِحَضْرَتِهِ وَهُنَا قَالَ يَصِيرُ قَابِضًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْوَزْنُ بِحَضْرَتِهِ وَهَكَذَا ذُكِرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَكَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ اهـ. وَأَمَّا مَا يَصِيرُ بِهِ قَابِضًا حَقِيقَةً فَفِي التَّجْرِيدِ تَسْلِيمُ الْمَبِيعِ أَنْ يُخَلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَبِيعِ عَلَى وَجْهٍ يَتَمَكَّنُ مِنْ قَبْضِهِ بِغَيْرِ حَائِلٍ، وَكَذَا تَسْلِيمُ الثَّمَنِ وَفِي الْأَجْنَاسِ يُعْتَبَرُ فِي صِحَّةِ التَّسْلِيمِ ثَلَاثَةُ مَعَانٍ أَنْ يَقُولَ خَلَّيْت بَيْنَك وَبَيْنَ الْمَبِيعِ وَأَنْ يَكُونَ بِحَضْرَةِ الْمُشْتَرِي عَلَى صِفَةٍ يَتَأَتَّى فِيهِ الْفِعْلُ مِنْ غَيْرِ مَانِعٍ وَأَنْ يَكُونَ مُفْرَزًا غَيْرَ مَشْغُولٍ   [منحة الخالق] الصَّوَابَ إبْدَالُ الْبَائِعِ بِالْمُشْتَرِي [الْمُشْتَرِي إذَا قَبَضَ الْمَبِيعَ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ وَالْبَائِعُ يَرَاهُ وَلَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ الْقَبْضِ] (قَوْلُهُ يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ قَبْضٍ) صِفَةٌ لِتَصَرُّفٍ وَذَلِكَ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ، فَإِنَّهُمَا يَجُوزَانِ بِلَا قَبْضٍ فَإِذَا فَعَلَ الْمُشْتَرِي أَحَدَهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ بِخِلَافِ الْهِبَةِ وَنَحْوِهَا، فَإِنَّهَا لَا تَجُوزُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِذَا فَعَلَهَا الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبْضِ جَازَتْ (قَوْلُهُ وَفِي الْبِنَايَةِ اشْتَرَى دُهْنًا إلَخْ) تَمَامُ هَذَا النَّوْعِ مِنْ جِنْسِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْبَزَّازِيَّةِ قُبَيْلَ الثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ الْبُيُوعِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 332 بِحَقِّ غَيْرِهِ فَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ شَاغِلًا كَالْحِنْطَةِ فِي جَوَالِقِ الْبَائِعِ لَمْ يَمْنَعْهُ. وَفِي الْقُنْيَةِ لَوْ بَاعَ حِنْطَةً فِي سُنْبُلِهَا فَسَلَّمَهَا كَذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ كَقُطْنٍ فِي فِرَاشٍ وَيَصِحُّ تَسْلِيمُ ثِمَارِ الْأَشْجَارِ وَهِيَ عَلَيْهَا بِالتَّخْلِيَةِ، وَإِنْ كَانَتْ مُتَّصِلَةً بِمِلْكِ الْبَائِعِ وَعَنْ الْوَبَرِيِّ الْمَتَاعُ لِغَيْرِ الْبَائِعِ لَا يَمْنَعُ فَلَوْ أَذِنَ لَهُ بِقَبْضِ الْمَتَاعِ وَالْبَيْتِ صَحَّ وَصَارَ الْمَتَاعُ وَدِيعَةً عِنْدَهُ وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ الْقَبْضُ أَنْ يَقُولَ خَلَّيْت بَيْنَك وَبَيْنَ الْمَبِيعِ فَاقْبِضْهُ وَيَقُولُ الْمُشْتَرِي وَهُوَ عِنْدَ الْبَائِعِ قَبَضْته فَلَوْ أَخَذَ بِرَأْسِهِ وَصَاحِبُهُ عِنْدَهُ فَقَادَهُ فَهُوَ قَبْضٌ دَابَّةً كَانَتْ أَوْ بَعِيرًا، وَإِنْ كَانَ غُلَامًا أَوْ جَارِيَةً، فَقَالَ لَهُ الْمُشْتَرِي تَعَالَ مَعِي أَوْ امْشِ فَخَطَا مَعَهُ فَهُوَ قَبْضٌ، وَكَذَا لَوْ أَرْسَلَهُ فِي حَاجَتِهِ؛ وَفِي الثَّوْبِ إنْ أَخَذَهُ بِيَدِهِ أَوْ خَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ وَهُوَ مَوْضُوعٌ عَلَى الْأَرْضِ، فَقَالَ خَلَّيْتُ بَيْنَك وَبَيْنَهُ فَاقْبِضْهُ، فَقَالَ قَبَضْتُهُ فَهُوَ قَبْضٌ، وَكَذَا الْقَبْضُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ بِالتَّخْلِيَةِ، وَلَوْ اشْتَرَى حِنْطَةً فِي بَيْتٍ وَدَفَعَ الْبَائِعُ الْمِفْتَاحَ إلَيْهِ، وَقَالَ خَلَّيْت بَيْنَك وَبَيْنَهَا فَهُوَ قَبْضٌ، وَإِنْ دَفَعَهُ، وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا لَا يَكُونُ قَبْضًا، وَلَوْ بَاعَ دَارًا غَائِبَةً، فَقَالَ سَلَّمْتهَا إلَيْك، فَقَالَ قَبَضْتهَا لَمْ يَكُنْ قَبْضًا، وَإِنْ كَانَتْ قَرْيَةً كَانَ قَبْضًا وَهِيَ أَنْ تَكُونَ بِحَالٍ يَقْدِرُ عَلَى إغْلَاقِهَا وَإِلَّا فَهِيَ بَعِيدَةٌ وَأَطْلَقَ فِي الْمُحِيطِ إنَّ بِالتَّخْلِيَةِ يَقَعُ الْقَبْضُ، وَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ بِبُعْدٍ عَنْهُمَا، وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ ذُكِرَ فِي النَّوَادِرِ إذَا بَاعَ ضَيْعَةً وَخَلَّى بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمُشْتَرِي إنْ كَانَ بِقُرْبٍ مِنْهَا يَصِيرُ قَابِضًا، وَإِنْ كَانَ بِبُعْدٍ لَا يَصِيرُ قَابِضًا قَالَ وَالنَّاسُ عَنْهُ غَافِلُونَ، فَإِنَّهُمْ يَشْتَرُونَ الضَّيْعَةَ بِالسَّوَادِ وَيُقِرُّونَ بِالتَّسْلِيمِ وَالْقَبْضِ وَهُوَ لَا يَصِحُّ بِهِ الْقَبْضُ وَفِي جَامِعِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ يَصِحُّ الْقَبْضُ، وَإِنْ كَانَ الْعَقَارُ غَائِبًا عَنْهُمَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا. [دَفْعُ الْمِفْتَاحِ فِي بَيْعِ الدَّارِ تَسْلِيمٌ] وَفِي جَمْعِ النَّوَازِلِ دَفْعُ الْمِفْتَاحِ فِي بَيْعِ الدَّارِ تَسْلِيمٌ إذَا تَهَيَّأَ لَهُ فَتْحُهُ مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفٍ، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى بَقَرًا فِي السَّرْحِ، فَقَالَ الْبَائِعُ اذْهَبْ فَاقْبِضْ إنْ كَانَ يَرَى بِحَيْثُ يُمْكِنُهُ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ يَكُونُ قَبْضًا، وَلَوْ بَاعَ خَيْلًا وَنَحْوَهُ فِي دَنٍّ وَخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُشْتَرِي فِي دَارِ الْمُشْتَرِي وَخَتَمَ الْمُشْتَرِي عَلَى الدَّنِّ فَهُوَ قَبْضٌ، وَلَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا فَأَمَرَهُ الْبَائِعُ بِقَبْضِهِ فَلَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى أَخَذَهُ إنْسَانٌ إنْ كَانَ حِينَ أَمَرَهُ بِقَبْضِهِ أَمْكَنَهُ مِنْ غَيْرِ قِيَامٍ صَحَّ التَّسْلِيمُ، وَإِنْ كَانَ لَا يُمْكِنُهُ إلَّا بِقِيَامٍ لَا يَصِحُّ، وَلَوْ اشْتَرَى طَيْرًا فِي بَيْتٍ وَالْبَابُ مُغْلَقٌ فَأَمَرَهُ الْبَائِعُ بِالْقَبْضِ فَلَمْ يَقْبِضْ حَتَّى هَبَّتْ الرِّيحُ فَفَتَحَتْ الْبَابَ فَطَارَ لَا يَصِحُّ التَّسْلِيمُ، وَإِنْ فَتَحَهُ الْمُشْتَرِي فَطَارَ صَحَّ التَّسْلِيمُ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ التَّسْلِيمُ بِأَنْ يَحْتَاطَ فِي الْفَتْحِ، وَلَوْ اشْتَرَى فَرَسًا فِي حَظِيرَةٍ، فَقَالَ الْبَائِعُ سَلَّمْتهَا إلَيْهِ فَفَتَحَ الْمُشْتَرِي الْبَابَ فَذَهَبَتْ الْفَرَسُ إنْ أَمْكَنَهُ أَخْذُهَا مِنْ غَيْرِ عَوْنٍ كَانَ قَبْضًا وَهُوَ تَأْوِيلُ مَسْأَلَةِ الطَّيْرِ وَفِي مَكَان آخَرَ مِنْ غَيْرِ عَوْنٍ وَلَا حَبْلٍ، وَإِنْ اشْتَرَى دَابَّةً وَالْبَائِعُ رَاكِبُهَا، فَقَالَ الْمُشْتَرِي احْمِلْنِي مَعَك فَحَمَلَهُ فَعَطِبَتْ هَلَكَتْ عَلَى الْمُشْتَرِي قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الدَّابَّةِ سَرْجٌ، فَإِنْ كَانَ عَلَيْهَا سَرْجٌ وَرَكِبَ الْمُشْتَرِي فِي السَّرْجِ يَكُونُ قَابِضًا وَإِلَّا فَلَا، وَلَوْ كَانَا رَاكِبَيْنِ فَبَاعَ الْمَالِكُ مِنْهُمَا الْآخَرَ لَا يَصِيرُ قَابِضًا كَمَا إذَا بَاعَ الدَّارَ وَالْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي فِيهَا. اهـ. كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْإِمَامُ الْحَلْوَانِيُّ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ تَخْلِيَةِ الْبَعِيدِ هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ وَفِي الْخَانِيَّةِ وَالصَّحِيحُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالِاعْتِمَادُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ زَادَ فِي الْخَانِيَّةِ، وَكَذَا الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ اهـ. فَقَدْ عَلِمْت ضَعْفَ مَا فِي الْمُحِيطِ وَجَامِعِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَعَلَى هَذَا تَخْلِيَةُ الْبَعِيدِ فِي الْإِجَارَةِ غَيْرُ صَحِيحَةٍ فَكَذَا الْإِقْرَارُ بِتَسَلُّمِهَا وَفِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْغَايَةِ أَنَّ الْقَبْضَ فِي الْعَقَارِ بِالتَّخْلِيَةِ وَفِي الْمَنْقُولِ بِالنَّقْلِ إلَى مَكَان لَا يَخْتَصُّ بِالْبَائِعِ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ عَشَرَةُ أَشْيَاءَ لَوْ فَعَلَهَا الْبَائِعُ بِإِذْنِ الْمُشْتَرِي كَانَ قَابِضًا الْأَمْرُ بِخِتَانِ الْغُلَامِ وَالْجَارِيَةِ وَالْفَصْدُ وَقَطْعُ عُرْفِ الْفَرَسِ أَوْ كَانَ ثَوْبًا فَأَمَرَهُ بِالْقِصَارَةِ أَوْ الْغُسْلِ أَوْ مُكَعَّبًا فَأَمَرَهُ بِنَعْلِهِ أَوْ نَعْلًا فَأَمَرَهُ بِحِذَائِهِ أَوْ طَعَامًا فَأَمَرَهُ بِالطَّبْخِ أَوْ دَارًا فَآجَرَهَا مِنْ الْبَائِعِ أَوْ جَارِيَةً فَأَمَرَهُ بِتَزْوِيجِهَا فَزَوَّجَهَا وَدَخَلَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَأَمَّا مَا يَصِيرُ بِهِ قَابِضًا حَقِيقَةً) فِيهِ نَظَرٌ وَالظَّاهِرُ أَنْ يَقُولَ حُكْمًا بَدَلَ قَوْلِهِ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْقَبْضِ التَّسَلُّمُ بِالْيَدِ وَالتَّخْلِيَةُ الْمَذْكُورَةُ لَيْسَتْ كَذَلِكَ بَلْ غَايَتُهَا التَّمَكُّنُ مِنْ حَقِيقَةِ الْقَبْضِ. (قَوْلُهُ وَأَنْ يَكُونَ مُفْرَزًا غَيْرَ مَشْغُولٍ بِحَقِّ غَيْرِهِ) فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي وَالثَّلَاثِينَ بَاعَ الْمُسْتَأْجِرُ وَرَضِيَ الْمُشْتَرِي أَنْ لَا يَفْسَخَ الشِّرَاءَ إلَى مُضِيِّ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ، ثُمَّ يَقْبِضَهُ مِنْ الْبَائِعِ فَلَيْسَ لَهُ مُطَالَبَةُ الْبَائِعِ بِالتَّسْلِيمِ قَبْلَ مُضِيِّهَا وَلَا لِلْبَائِعِ مُطَالَبَةُ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ مَا لَمْ يَجْعَلْ الْمَبِيعَ بِمَحَلِّ التَّسْلِيمِ، وَكَذَا لَوْ شَرَى غَائِبًا لَا يُطَالِبُهُ بِثَمَنِهِ مَا لَمْ يَتَهَايَأْ الْمَبِيعُ لِلتَّسْلِيمِ اهـ. [بَاعَ حِنْطَةً فِي سُنْبُلِهَا فَسَلَّمَهَا كَذَلِكَ] (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى بَقَرًا فِي السَّرْحِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ يَجِب أَنْ يُقَيَّدَ بِإِمْكَانِ أَخْذِهِ مِنْ غَيْرِ عَوْنٍ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 333 بِهَا الزَّوْجُ صَارَ قَابِضًا وَبِلَا دُخُولٍ لَا يَصِيرُ قَابِضًا، وَكَذَا لَوْ زَوَّجَهَا الْمُشْتَرِي لَا يَصِيرُ قَابِضًا وَدُخُولُ الزَّوْجِ وَفِعْلُ الْمُشْتَرِي وَاحِدًا مِنْ هَذِهِ الْعَشَرَةِ بَعْدَ عِلْمِهِ بِالْعَيْبِ يَمْنَعُ الرَّدَّ وَالرُّجُوعَ بِالنَّقْصِ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ لِغُسْلِ الثَّوْبِ أَوْ قَطْعِهِ إنْ كَانَ ذَلِكَ يُنْقِصُ الْمَبِيعَ صَارَ قَابِضًا، وَإِنْ قَالَ لَهُ اعْتِقْهُ فَأَعْتَقَهُ الْبَائِعُ قَبْلَ قَبْضِهِ عَنْهُ جَازَ عِنْدَ الْإِمَامِ وَمُحَمَّدٍ خِلَافًا لِلثَّانِي، وَلَوْ أَمَرَ الْبَائِعَ أَنْ يَطْرَحَهُ فِي الْمَاءِ فَطَرَحَهُ صَارَ قَابِضًا بِخِلَافِ مَا إذَا أَمَرَ الْمَدْيُونَ أَنْ يَطْرَحَ الدَّيْنَ فِي الْمَاءِ فَطَرَحَهُ لَا يَكُونُ مُؤَدِّيًا، وَكَذَا لَوْ اسْتَقْرَضَهُ كَذَا فَجَاءَ بِهِ فَأَمَرَهُ بِصَبِّهِ فِي الْمَاءِ فَصَبَّهُ الْمُقْتَرِضُ كَانَ لَهُ مِنْهُ، وَلَوْ دَفَعَ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ لِمَنْكُوحَةِ الْمُشْتَرِي لَا يَكُونُ قَابِضًا اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ أَيْضًا قَبَضَ الْمُشْتَرِي بِلَا إذْنِ الْبَائِعِ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ وَبَنَى أَوْ غَرَسَ أَوْ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ مَلَكَ الِاسْتِرْدَادَ، وَإِنْ تَلِفَ عِنْدَ الْبَائِعِ ضَمِنَ مَا زَادَ الْبِنَاءُ وَالصَّبْغُ الْمُشْتَرَى؛ الْمُفْلِسُ دَبَّرَ أَوْ أَعْتَقَ الْمُشْتَرِي قَبْلَ قَبْضِهِ جَازَ وَلَا سِعَايَةَ عَلَى الْغُلَامِ إلَّا عِنْدَ الثَّانِي، فَإِنْ كَاتَبَهُ أَوْ آجَرَهُ أَوْ رَهَنَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ وَنَقَدَ الثَّمَنَ أَبْطَلَ الْقَاضِي هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ إنْ شَاءَ الْبَائِعُ، فَإِنْ نَقَدَهُ قَبْلَ الْإِبْطَالِ جَازَتْ الْكِتَابَةُ وَبَطَلَ الرَّهْنُ وَالْإِجَارَةُ، وَلَوْ جَارِيَةً فَوَطِئَهَا الْمُشْتَرِي فَحَبِلَتْ أَوْ وَلَدَتْ لَا يَتَمَكَّنُ الْبَائِعُ مِنْ الْحَبْسِ، وَإِنْ لَمْ تَلِدْ، وَلَمْ تَحْبَلْ لَهُ الْحَبْسُ، فَإِنْ مَاتَتْ فِي يَدِ الْبَائِعِ إنْ أَخَذَتْ بَيْعًا فَمِنْ الْبَائِعِ وَإِلَّا فَمِنْ الْمُشْتَرِي لِعَدَمِ نَقْصِ الْقَبْضِ قَالَ عَبْدٌ لِمَوْلَاهُ اشْتَرَيْت نَفْسِي مِنْك فَبَاعَ الْمَوْلَى صَحَّ وَلَا يَمْلِكُ الْمَوْلَى حَبْسَهُ لِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ قَابِضًا بِنَفْسِ الْعَقْدِ كَمَنْ اشْتَرَى دَارًا وَهُوَ سَاكِنٌ فِيهِ يَصِيرُ قَابِضًا بِالشِّرَاءِ وَلَا يَمْلِكُ الْبَائِعُ الْحَبْسَ، وَكَذَا لَوْ وَكَّلَ أَجْنَبِيٌّ الْعَبْدَ لِيَشْتَرِيَهُ مِنْ مَوْلَاهُ لَهُ فَأَعْلَمَ الْمَوْلَى وَاشْتَرَى نَفْسَهُ لَهُ لَا يَمْلِكُ الْبَائِعُ حَبْسَهُ لِلثَّمَنِ لِعَوْدِ الْحُقُوقِ إلَى الْعَبْدِ الْوَكِيلِ اهـ. وَفِيهَا أَيْضًا قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمُشْتَرَى قَبْلَ نَقْدِهِ بِلَا إذْنِهِ فَطَلَبَهُ مِنْهُ فَخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَائِعِ لَا يَكُونُ قَبْضًا حَتَّى يَقْبِضَهُ بِيَدِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا خَلَّى الْبَائِعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُشْتَرَى. اهـ. وَسَنَتَكَلَّمُ عَلَى هَلَاكِ الْمَبِيعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي خِيَارِ الشَّرْطِ وَمَحَلُّهُ هُنَا وَلَكِنْ تَرَكْنَاهُ خَوْف الْإِطَالَةِ وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ بَاعَهُ حَبًّا فِي بَيْتٍ وَلَا يُمْكِنُ إخْرَاجُهُ إلَّا بِقَلْعِ الْبَابِ أُجْبِرَ الْبَائِعُ عَلَى تَسْلِيمِهِ خَارِجًا مِنْ الْبَيْتِ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ وَاجِبٌ فَيُجْبَرُ عَلَيْهِ، وَلَوْ أَمَرَهُ بِقَبْضِ الْفَرَسِ وَالْبَائِعُ مُمْسِكٌ بِعِنَانِهِ فَفَرَّ مِنْ يَدِهِمَا كَانَ عَلَى الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ تَسْلِيمَ الْفَرَسِ كَذَلِكَ يَكُونُ. (قَوْلُهُ وَإِلَّا مَعًا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَبِيعُ عَيْنًا وَالثَّمَنُ دَيْنًا، فَإِنَّ الْبَائِعَ يُسَلِّمُ الْمَبِيعَ مَعَ تَسْلِيمِ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ وَهُوَ صَادِقٌ بِثَلَاثِ صُوَرٍ: إحْدَاهَا أَنْ يَكُونَا ثَمَنَيْنِ. الثَّانِيَةُ أَنْ يَكُونَا عَيْنَيْنِ. الثَّالِثَةُ أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ دَيْنًا وَالثَّمَنُ سِلْعَةً وَهُوَ لَيْسَ بِمُرَادٍ هُنَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ السَّلَمِ، فَإِنَّ الْمَبِيعَ فِيهِ هُوَ الْمُسْلَمُ فِيهِ وَهُوَ دَيْنٌ وَالْوَاجِبُ أَوَّلًا تَسْلِيمُ الْعَيْنِ وَهُوَ رَأْسُ الْمَالِ كَمَا إنَّ الْبَيْعَ إذَا وَقَعَ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ فَالْوَاجِبُ أَوَّلًا تَسْلِيمُ الْعَيْنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ تَمَّ. [بَابٌ خِيَارُ الشَّرْطِ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَفِي الْمَنْقُولِ بِالنَّقْلِ إلَى مَكَان لَا يَخْتَصُّ بِالْبَائِعِ) هَذَا مُخَالِفٌ لِكَثِيرٍ مِنْ الْفُرُوعِ الْمَارَّةِ. [عَشَرَةُ أَشْيَاءَ لَوْ فَعَلَهَا الْبَائِعُ بِإِذْنِ الْمُشْتَرِي كَانَ قَابِضًا] (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَمَرَ الْبَائِعَ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ عِبَارَةُ الْبَزَّازِيَّةِ جَاءَ بِالْمَبِيعِ إلَى الْمُشْتَرِي فَأَمَرَ الْبَائِعَ أَنْ يَطْرَحَهُ فِي الْمَاءِ إلَخْ يُعْلَمُ بِقَوْلِهِ جَاءَ بِالْمَبِيعِ إلَى الْمُشْتَرِي أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجِئْ بِهِ إلَيْهِ لَا يَصِيرُ قَابِضًا تَنَبَّهْ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 334 (بَابٌ خِيَارُ الشَّرْطِ) مِنْ إضَافَةِ الشَّيْءِ إلَى سَبَبِهِ لِأَنَّ الشَّرْطَ سَبَبٌ لِلْخِيَارِ وَفِي الْمِصْبَاحِ الْخِيَارُ الِاخْتِيَارُ وَفَسَّرَهُ فِي فَتْحِ الْبَارِي بِالتَّخْيِيرِ بَيْنَ الْإِمْضَاءِ وَالْفَسْخِ وَهُوَ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ عَلَى غَيْرِ الْقِيَاسِ وَحِينَ وَرَدَ بِالنَّصِّ بِهِ جَعَلْنَاهُ دَاخِلًا عَلَى الْحُكْم مَانِعًا لَهُ تَقْلِيلًا لِعَمَلِهِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ وَلَمْ نَجْعَلْهُ دَاخِلًا عَلَى أَصْلِ الْبَيْعِ لِلنَّهْيِ عَنْ بَيْعِ بِشَرْطِ الْبَيْعُ الَّذِي شُرِطَ فِيهِ الْخِيَارُ يُقَالُ فِيهِ عِلَّةٌ اسْمًا وَمَعْنًى لَا حُكْمًا وَلِلْخَالِي عَنْهُ عِلَّةٌ اسْمًا وَمَعْنًى وَحُكْمًا قَالَ أَهْلُ الْأُصُولِ الْمَوَانِعُ خَمْسَةٌ مَانِعٌ يَمْنَعُ انْعِقَادَ الْعِلَّةِ وَهُوَ حُرِّيَّةُ الْمَبِيعِ فَلَمْ يَنْعَقِدْ فِي الْحُرِّ لِعَدَمِ الْمَحَلِّ وَمَانِعٌ يَمْنَعُ تَمَامَهَا كَبَيْعِ مَالِ الْغَيْرِ وَمَانِعٌ يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الْحُكْمِ وَهُوَ خِيَارُ الشَّرْطِ وَمَانِعٌ يَمْنَعُ تَمَامَهُ كَخِيَارِ الرُّؤْيَةِ لِلْمُشْتَرِي وَمَانِعٌ يَمْنَعُ لُزُومَهُ كَخِيَارِ الْعَيْبِ وَقَدْ حَقَّقْنَا فِي شَرْحِنَا عَلَى الْمَنَارِ أَنَّ تَقْسِيمَهُمْ الْمَوَانِعَ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلٍ ضَعِيفٍ لِلْأُصُولِيَّيْنِ وَهُوَ جَوَازُ تَخْصِيصِ الْعِلَلِ وَأَمَّا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَخْصِيصُهَا فَلَا مَانِعَ لَهَا أَصْلًا فَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ عُدِمَ الْحُكْمُ فَإِنَّمَا هُوَ لِعَدَمِ الْعِلَّةِ فَتَخَلُّفُ الْمِلْكِ مَعَ شَرْطِ الْخِيَارِ إنَّمَا هُوَ لِعَدَمِ الْعِلَّةِ لِأَنَّهُ الْبَيْعُ بِلَا خِيَارٍ وَقَوْلُهُمْ فِيمَا فِيهِ خِيَارُ عِلَّةٍ اسْمًا وَمَعْنًى لَا حُكْمًا مَجَازٌ عَلَى الصَّحِيحِ لِأَنَّ الْمَوْجُودَ فِيهِ شَطْرُ الْعِلَّةِ لَا كُلُّهَا لِأَنَّهَا لَا تَتِمُّ إلَّا بِأَوْصَافٍ ثَلَاثَةٍ أَنْ تَكُونَ مَوْضُوعَةً وَأَنْ تَكُونَ مُؤَثِّرَةً وَأَنْ يُوجَدَ الْحُكْمُ عَقِبَهَا بِلَا تَرَاخٍ فَمَا دَامَ الْخِيَارُ بَاقِيًا لَمْ تَتِمَّ الْعِلَّةُ فَإِذَا سَقَطَ تَمَّتْ وَتَمَامُهُ فِي تَقْرِيرِ الْأَكْمَلِ فِي بَحْثِ تَقْسِيمِ الْعِلَّةِ إلَى سَبْعَةٍ وَالْخِيَارَاتُ فِي الْبَيْعِ لَا تَنْحَصِرُ فِي الثَّلَاثَةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ بَلْ هِيَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ خِيَارًا وَالرَّابِعُ خِيَارُ الْغَبْنِ وَسَنَتَكَلَّمُ عَلَيْهِ فِي الْمُرَابَحَةِ حَيْثُ ذَكَرُوهُ هُنَاكَ وَالْخَامِسُ خِيَارُ الْكَمِّيَّةِ وَقَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ الْبُيُوعِ وَالسَّادِسُ خِيَارُ الِاسْتِحْقَاقِ وَسَيَأْتِي   [منحة الخالق] [قَبَضَ الْمُشْتَرِي بِلَا إذْنِ الْبَائِعِ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ وَبَنَى أَوْ غَرَسَ أَوْ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ] (بَابٌ خِيَارُ الشَّرْطِ) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2 فِي بَابِ خِيَارِ الْعَيْبِ وَالسَّابِعُ خِيَارُ كَشْفِ الْحَالِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَالثَّامِنُ خِيَارُ تَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ بِهَلَاكِ الْبَعْضِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَسَيَأْتِي أَيْضًا وَالتَّاسِعُ خِيَارُ إجَازَةِ عَقْدِ الْفُضُولِيِّ وَالْعَاشِرُ خِيَارُ فَوَاتِ الْوَصْفِ الْمَشْرُوطِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْعَقْدِ كَاشْتِرَاطِهِ الْكِتَابَةَ وَالْحَادِيَ عَشَرَ خِيَارُ التَّعْيِينِ الثَّانِيَ عَشَرَ فِي الْمُرَابَحَةِ خِيَارُ الْخِيَانَةِ الثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ الْخِيَارَاتِ خِيَارُ نَقْدِ الثَّمَنِ وَعَدَمِهِ كَمَا يَأْتِي فِي هَذَا الْبَابِ (قَوْلُهُ صَحَّ لِلْمُتَبَايِعَيْنِ أَوْ لِأَحَدِهِمَا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ) أَيْ جَازَ لِلْبَائِعِ وَلِلْمُشْتَرِي مَعًا أَوْ لِأَحَدِهِمَا فِي الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الضَّمِيرَ يَعُودُ إلَى الْخِيَارِ وَفِي الْوِقَايَةِ وَالنُّقَايَةِ صَحَّ خِيَارُ الشَّرْطِ فَأَبْرَزَهُ وَالْأَوْلَى مَا فِي الْإِصْلَاحِ صَحَّ شَرْطُ الْخِيَارِ لِأَنَّ الْمَوْصُوفَ بِالصِّحَّةِ شَرْطُ الْخِيَارِ لَا نَفْسُ الْخِيَارِ وَالْأَصْلُ فِي ثُبُوتِهِ مَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ «أَنَّ حِبَّانَ بْنَ مُنْقِذِ بْنِ عَمْرو كَانَ رَجُلًا قَدْ أَصَابَتْهُ آمَّةٌ فِي رَأْسِهِ فَكَسَرَتْ أَسْنَانَهُ وَكَانَ لَا يَدَعُ عَلَى ذَلِكَ التِّجَارَةَ فَكَانَ لَا يَزَالُ يُغْبَنُ فَأَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ إذَا أَنْتَ بَايَعْتَ فَقُلْ لَا خِلَابَةَ ثُمَّ أَنْتَ فِي كُلِّ سِلْعَةٍ ابْتَعْتَهَا بِالْخِيَارِ ثَلَاثَ لَيَالٍ فَإِذَا رَضِيت فَأَمْسِكْ وَإِنْ سَخِطْتَ فَارْدُدْهَا عَلَى صَاحِبِهَا» وَحَبَّانُ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَالْخِلَابَةُ الْخِدَاعُ وَفَائِدَةُ قَوْلِهِ لَا خِلَابَةَ أَيْ لَا خَدِيعَةَ فِي الدِّينِ لِأَنَّ الدِّينَ النَّصِيحَةُ وَلِلْإِعْلَامِ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ ذَوِي الْبَصَائِر بِالسِّلَعِ فَالْوَاجِبُ نَصِيحَتُهُ فَلَا تَخْدَعُوهُ بِشَيْءٍ اعْتِمَادًا عَلَى مَعْرِفَتِهِ بَلْ انْصَحُوهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَالِمًا بِهَا كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي وَالْآمَّةُ شَجَّةٌ تُصِيبُ أُمَّ الرَّأْسِ وَكَانَ حَبَّانُ أَلْثَغَ بِاللَّامِ فَكَانَ يَقُولُ لَا خِذَابَةَ فَقَوْلُهُ «إذَا بَايَعْت» شَامِلٌ لِلْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي وَبِهِ انْدَفَعَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ إنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا لِلْمُشْتَرِي عَمَلًا بِحَدِيثِ الْحَاكِمِ فَجَعَلَ لَهُ الْخِيَارَ فِيمَا اشْتَرَاهُ وَلِأَنَّهُ إنَّمَا جَازَ لِلْحَاجَةِ إلَى دَفْعِ الْغَبْنِ بِالتَّرَوِّي وَهُمَا فِيهَا سَوَاءٌ وَفِي الْخَانِيَّةِ إذَا شَرَطَ الْخِيَارَ لَهُمَا لَا يَثْبُتُ حُكْمُ الْعَقْدِ أَصْلًا. اهـ. وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ لِلْمُتَبَايِعَيْنِ الدَّالِّ عَلَى أَنَّ الشَّرْطَ كَانَ بَعْدَ الْعَقْدِ أَوْ مُقَارِنًا لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا إذَا كَانَ قَبْلَهُ فَلَوْ قَالَ جَعَلْتُك بِالْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ الَّذِي نَعْقِدُهُ ثُمَّ اشْتَرَى مُطْلَقًا لَمْ يَثْبُتْ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَأَطْلَقَهُ فَشَمَلَ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ فَهُوَ كَالصَّحِيحِ يَثْبُتُ فِيهِ خِيَارُ الشَّرْطِ وَلَمَّا كَانَ خِلَافَ الْأَصْلِ فَإِذَا اخْتَلَفَا فِي اشْتِرَاطِهِ فَالْقَوْلُ لِمَنْ أَنْكَرَهُ عِنْدَ الْإِمَامِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ الْقَوْلُ لِمُدَّعِيهِ وَالْبَيِّنَةُ لِلْآخَرِ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَشَمَلَ مَا إذَا شَرَطَاهُ وَقْتَ الْعَقْدِ أَوْ أَلْحَقَاهُ بِهِ فَلَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْبَيْعِ وَلَوْ بِأَيَّامٍ جَعَلْتُك بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ صَحَّ إجْمَاعًا فَلَوْ شَرَطَاهُ بَعْدَهُ أَزْيَدَ مِنْ الثَّلَاثَةِ فَسَدَ الْعَقْدُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا كَمَا لَوْ أَلْحَقَا بِالْبَيْعِ شَرْطًا فَاسِدًا فَإِنَّهُ يَلْتَحِقُ وَيَفْسُدُ الْعَقْدُ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا لَا يَفْسُدُ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ هُوَ يَصِحُّ فِي ثَمَانِيَةِ أَشْيَاءَ فِي بَيْعٍ وَإِجَارَةٍ وَقِسْمَةٍ وَصُلْحٍ عَنْ مَالٍ بِعَيْنِهِ وَبِغَيْرِ عَيْنِهِ وَكِتَابَةٍ وَخُلْعٍ وَعِتْقٍ عَلَى مَالٍ لَوْ شَرَطَ لِلْمَرْأَةِ وَالْقِنِّ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَالسَّابِعُ خِيَارُ كَشْفِ الْحَالِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَدَّمَهُ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَبَانَا أَوْ حَجَرٍ لَا يُعْرَفُ قَدْرُهُ بِقَوْلِهِ بَعْدَ أَنْ قَالَ لَوْ اشْتَرَى بِوَزْنِ هَذَا الْحَجَرِ ذَهَبًا ثُمَّ أَعْلَمَ بِهِ جَازَ وَلَهُ الْخِيَارُ وَهَذَا الْخِيَارُ خِيَارُ كَشْفِ الْحَالِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي مَسْأَلَةِ الْحَفِيرَةِ وَالْمَطْمُورَةُ (قَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الضَّمِيرَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَقُولُ: الضَّمِيرُ فِي صَحَّ يَعُودُ إلَى الْمُضَافِ إلَيْهِ بِقَرِينَةِ صَحَّ وَلَقَدْ أَفْصَحَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ فِي الْخُلْعِ حَيْثُ قَالَ وَصَحَّ شَرْطُ الْخِيَارِ لَهَا فِي الْخَلْعِ لَا لَهُ وَمَنْ غَفَلَ عَنْ هَذَا قَالَ مَا قَالَ اهـ. وَفِي حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ عَنْ الْحَمَوِيِّ الْأَوْلَى أَنْ يَجْعَلَ الضَّمِيرَ رَاجِعًا إلَى الْخِيَارِ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ مَوْصُوفًا بِالْمَشْرُوطِيَّة قَبْلَ الْإِضَافَةِ فَإِنَّ إضَافَةَ خِيَارٍ إلَى الشَّرْطِ مِنْ إضَافَةِ الْمَوْصُوفِ لَا الصِّفَةِ وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُهُمْ إنَّهُ مِنْ إضَافَةِ الْحُكْمِ إلَى سَبَبِهِ وَالْأَصْلُ بَابُ الْخِيَارِ الْمَشْرُوطِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمَصْدَرُ بِمَعْنَى اسْمِ الْمَفْعُولِ يَدُلُّك عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْمَوْصُوفَ بِالصِّحَّةِ لَيْسَ الْخِيَارُ فَقَطْ كَمَا يُوهِمُهُ كَلَامُ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ وَلَا الشَّرْطُ فَقَطْ كَمَا يُوهِمُهُ كَلَامُ صَاحِبِ الْإِصْلَاحِ (قَوْلُهُ وَالْخِلَابَةُ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ هُنَا فُرُوعًا وَقَوَاعِدُنَا لَا تَأْبَاهَا قَالَ فَرْعٌ قَوْلُهُ أَيْ الْعَاقِدُ لَا خِلَابَةَ بِكَسْرِ الْخَاءِ عِبَارَةٌ فِي الشَّرْعِ عَنْ اشْتِرَاطِ خِيَارِ الثَّلَاثِ وَمَعْنَاهَا لَا غَبْنَ وَلَا خَدِيعَةَ فَإِنْ أَطْلَقَاهَا عَالِمَيْنِ لَا جَاهِلَيْنِ وَلَا جَاهِلٌ أَحَدُهُمَا مَعْنَاهَا صَحَّ أَيْ ثَبَتَ الْخِيَارُ، وَإِنْ أَسْقَطَ مَنْ شَرَطَ لَهُ الْخِيَارَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ خِيَارَ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ بَطَلَ الْكُلُّ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَإِنْ أَسْقَطَ خِيَارَ الثَّالِثِ لَمْ يَسْقُطْ مَا قَبْلَهُ أَوْ خِيَارَ الثَّانِي بِشَرْطِ أَنْ يَبْقَى خِيَارُ الثَّالِثِ سَقَطَ خِيَارُ الْيَوْمَيْنِ جَمِيعًا لِأَنَّهُ كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْرِطَ خِيَارًا مُتَرَاخِيًا عَنْ الْعَقْدِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَبْقِيَ خِيَارًا مُتَرَاخِيًا وَإِنَّمَا أَسْقَطْنَا الْيَوْمَيْنِ تَغْلِيبًا لِلْإِسْقَاطِ لِأَنَّ الْأَصْلَ لُزُومُ الْعَقْدِ وَإِنَّمَا جَوَّزْنَا خِيَارَ الشَّرْطِ رُخْصَةً فَإِذَا عَرَضَ لَهُ خَلَلٌ حُكِمَ بِلُزُومِ الْعَقْدِ اهـ. فَتَأَمَّلْهُ تَجِدْهُ مُوَافِقًا لِمَذْهَبِنَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ اهـ. (قَوْلُهُ فَهُوَ كَالصَّحِيحِ يَثْبُتُ فِيهِ خِيَارُ الشَّرْطِ) قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ حَتَّى لَوْ بَاعَ قِنًّا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَرِطْلِ خَمْرٍ بِخِيَارٍ فَقَبَضَهُ وَحَرَّرَهُ لَمْ يَجُزْ لَا نَافِذًا وَلَا مَوْقُوفًا اهـ. (قَوْلُهُ وَإِجَارَةٍ) قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ لَوْ اسْتَأْجَرَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 3 وَلَوْ شَرَطَ الْخِيَارَ لِلرَّاهِنِ جَازَ لَا لِلْمُرْتَهِنِ إذْ لَهُ نَقْضُ الرَّهْنِ مَتَى شَاءَ بِلَا خِيَارٍ وَلَوْ كَفَلَ بِنَفْسٍ أَوْ مَالٍ وَشَرَطَ الْخِيَارَ لِلْمَكْفُولِ لَهُ أَوْ لِلْكَفِيلِ جَازَ. اهـ. وَيَصِحُّ شَرْطُ الْخِيَارِ فِي الْإِبْرَاءِ بِأَنْ قَالَ أَبْرَأْتُك عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ ذَكَرَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ مِنْ بَحْثِ الْهَزْلِ وَيَصِحُّ أَيْضًا اشْتِرَاطُهُ فِي تَسْلِيمِ الشُّفْعَةِ بَعْدَ طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ ذَكَرَهُ فِيهِ أَيْضًا وَيَصِحُّ اشْتِرَاطُهُ فِي الْحَوَالَةِ أَيْضًا وَفِي الْوَقْفِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَيَنْبَغِي صِحَّتُهُ فِي الْمُزَارَعَةِ وَالْمُعَامَلَةِ لِأَنَّهَا إجَارَةٌ فَهِيَ خَمْسَةَ عَشَرَ مَوْضِعًا وَلَا يَصِحُّ فِي النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالْيَمِينِ وَالنَّذْرِ وَالْإِقْرَارِ بِعَقْدٍ وَالصَّرْفِ وَالسَّلَمِ وَالْوَكَالَةِ عَلَّلَهُ قَاضِي خَانْ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَدْخُلُ فِي لَازِمٍ يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ اشْتَرَى عَبْدًا وَاشْتَرَطَ أَنَّ لِلْمُشْتَرِي خِيَارَ يَوْمَيْنِ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ وَالشِّرَاءُ فِي آخِرِ رَمَضَانَ فَهُوَ جَائِزٌ وَيَكُونُ لَهُ الْخِيَارُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ الْيَوْمَ الْآخِرَ مِنْ رَمَضَانَ وَيَوْمَيْنِ بَعْدَهُ لِأَنَّهُ سَكَتَ عَنْ الْخِيَارِ يَوْمَ الْعَقْدِ وَأَمْكَنَ تَصْحِيحُ هَذَا الْعَقْدِ وَلَعَلَّ تَصْحِيحَ هَذَا الْعَقْدِ بِاشْتِرَاطِ الْخِيَارِ يَوْمَ الْعَقْدِ وَيَوْمَيْنِ بَعْدَ رَمَضَانَ وَلَوْ قَالَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي لَا خِيَارَ لَك فِي رَمَضَانَ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ تَصْحِيحُ الْعَقْدِ. اهـ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ لَوْ قَالَ لَهُ أَنْت بِالْخِيَارِ فَلَهُ خِيَارُ الْمَجْلِسِ فَقَطْ وَلَوْ قَالَ إلَى الظُّهْرِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَسْتَمِرُّ إلَى أَنْ يَخْرُجَ وَقْتُ الظُّهْرِ وَعِنْدَهُمَا لَا تَدْخُلُ الْغَايَةُ اهـ. وَكَذَا إلَى اللَّيْلِ أَوْ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ يَدْخُلُ مَا بَعْدَ إلَى وَشَمَلَ مَا إذَا شَرَطَاهُ فِي كُلِّ الْمَبِيعِ أَوْ بَعْضِهِ لِمَا فِي السِّرَاجِيَّةِ اشْتَرَى مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا أَوْ عَبْدًا وَشَرَطَ الْخِيَارَ لَهُ فِي نِصْفِهِ أَوْ ثُلُثِهِ أَوْ رُبْعِهِ جَازَ مَذْكُورَةٌ فِي الزِّيَادَاتِ. اهـ. وَسَيَأْتِي حُكْمُ مَا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ مُتَعَدِّدًا فَجَعَلَ الْخِيَارَ فِي الْبَعْضِ وَهُوَ خِيَارُ التَّعْيِينِ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة وَإِذَا اشْتَرَطَهُ الْمُشْتَرِي لَهُ فِي الثَّمَنِ أَوْ فِي الْمَبِيعِ كَانَ لَهُ الْخِيَارُ فِيهِمَا. اهـ. وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ بِالْخِيَارِ فَأَعْطَاهُ بِهَا مِائَةَ دِينَارٍ ثُمَّ فَسَخَ الْبَيْعَ فَعَنْ أَبِي يُوسُفَ الصَّرْفُ جَائِزٌ وَيَرُدُّ الدَّرَاهِمَ وَالصَّرْفُ بَاطِلٌ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة فَإِنْ قُلْتُ: قَدْ صَرَّحَ فِيهِ أَنَّهُ لَوْ أَطْلَقَ الْخِيَارَ فَسَدَ الْبَيْعُ وَلَا شَكَّ أَنَّ قَوْلَهُ أَنْتَ بِالْخِيَارِ أَوْ لَك الْخِيَارُ إطْلَاقٌ فَمَا التَّوْفِيقُ قُلْتُ: قَدْ صَوَّرَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ مَسْأَلَةَ أَنْتَ بِالْخِيَارِ أَنَّهُ بَاعَ بِلَا خِيَارٍ ثُمَّ لَقِيَهُ بَعْدَ مُدَّةٍ فَقَالَ لَهُ أَنْت بِالْخِيَارِ فَلَهُ الْخِيَارُ مَا دَامَ فِي الْمَجْلِسِ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ لَك الْإِقَالَةُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَطْلَقَاهُ وَقْتَ الْعَقْدِ وَفِي الْخَانِيَّةِ ابْتِدَاء التَّأْجِيلِ فِي الْبَيْعِ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ بِخِيَارٍ مِنْ وَقْتِ سُقُوطِهِ لَا مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ سَوَاءٌ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ أَوْ لِلْمُشْتَرِي وَلِلشَّفِيعِ الطَّلَبُ وَقْتَ الْعَقْدِ حَيْثُ عَلِمَ لَا وَقْتَ السُّقُوطِ وَيَطْلُبُ فِي بَيْعِ الْفُضُولِيِّ وَقْتَ الْإِجَازَةِ وَفِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ حِينَ انْقِطَاعِ الِاسْتِرْدَادِ وَفِي الْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ يَطْلُبُ عِنْدَ الْقَبْضِ وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَ الْعَقْدِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَلَوْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعٍ فَصَالَحَهُ الْمُشْتَرِي عَلَى مُعَيَّنٍ لِإِمْضَاءِ الْبَيْعِ صَحَّ وَيَكُونُ زِيَادَةً فِي الثَّمَنِ وَكَذَا لَوْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فَصَالَحَهُ الْبَائِعُ عَلَى إسْقَاطِهِ فَحَطَّ عَنْهُ مِنْ الثَّمَنِ كَذَا أَوْ زَادَهُ عَرْضًا جَازَ اهـ. فَلَوْ صَالَحَ الْبَائِعُ عَلَى إبْطَالِ الْبَيْعِ وَيُعْطِيهِ مِائَةً فَفَعَلَ انْفَسَخَ الْبَيْعُ وَلَا شَيْءَ لَهُ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَأَطْلَقَ فِي الْمُتَبَايِعَيْنِ فَشَمَلَ الْأَصِيلَ وَالنَّائِبَ فَصَحَّ لِلْوَكِيلِ وَالْوَصِيِّ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ أَمَرَهُ بِبَيْعٍ مُطْلَقٍ فَعَقَدَ بِخِيَارٍ لَهُ أَوْ لِلْأَمْرِ أَوْ لِأَجْنَبِيٍّ صَحَّحَاهُ وَلَوْ أَمَرَهُ بِبَيْعٍ بِخِيَارٍ لِلْآمِرِ فَشَرَطَ لِنَفْسِهِ لَا يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ اشْتِرَاطُ الْخِيَارِ لِنَفْسِهِ اشْتِرَاطًا لِلْآمِرِ لِأَنَّ الْآمِرَ إذَا أَمَرَهُ بِبَيْعٍ لَا يَكُونُ لِلْمَأْمُورِ فِيهِ رَأْيٌ وَتَدْبِيرٌ وَيَكُونُ لِلْآمِرِ كُلُّهُ وَفِيمَا يَفْعَلُهُ يَكُونُ لَهُ رَأْيٌ وَيَكُونُ لِلْآمِرِ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ فَيَكُونُ مُخَالِفًا وَلَوْ أَمَرَهُ بِشِرَاءٍ بِخِيَارٍ لِلْآمِرِ فَاشْتَرَاهُ بِدُونِ الْخِيَارِ نَفَذَ الشِّرَاءُ عَلَيْهِ دُونَ الْآمِرِ لِلْمُخَالَفَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَمَرَهُ بِبَيْعِ خِيَارٍ فَبَاعَ بَاتًّا حَيْثُ يَبْطُلُ الْبَيْعُ أَصْلًا كَذَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ فَإِنْ قُلْتُ: هَلْ يَصِحُّ تَعْلِيقُ إبْطَالِهِ وَإِضَافَتِهِ قُلْتُ: قَالَ فِي   [منحة الخالق] بِخِيَارٍ لَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ جَازَ كَبَيْعٍ فَلَوْ فُسِخَ فِي الثَّالِثِ هَلْ يَجِبُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ أَجْرُ يَوْمَيْنِ أَفْتَى ضط أَنَّهُ لَا يَجِبُ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِحُكْمِ الْخِيَارِ لِأَنَّهُ لَوْ انْتَفَعَ يَبْطُلُ خِيَارُهُ (قَوْلُهُ فَهِيَ خَمْسَةَ عَشَرَ مَوْضِعًا) زَادَ فِي النَّهْرِ وَاحِدَةً أُخْرَى وَهِيَ الْإِقَالَةُ حَيْثُ قَالَ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ الْإِقَالَةُ كَالْبَيْعِ يَجُوزُ شَرْطُ الْخِيَارِ فِيهَا وَزَادَ عَلَى مَا لَا يَصِحُّ الْوَصِيَّةَ أَخْذًا مِنْ تَعْلِيلِ قَاضِي خَانْ الْآتِي فَقَالَ قِيَاسُهُ أَنْ لَا يَصِحَّ فِي الْوَصِيَّةِ وَنَظَمَ الْقِسْمَيْنِ وَلَمْ يَسْتَوْفِ عَدَّهُمَا بَلْ تَرَكَ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ الْكِتَابَةَ وَالْمُزَارَعَةَ وَالْمُعَامَلَةَ أَيْ الْمُسَاقَاةَ وَمِنْ الثَّانِي الْوَصِيَّةَ وَكَأَنَّهُ تَرَكَ الْكِتَابَةَ سَهْوًا وَمَا عَدَاهَا لِأَنَّهُ غَيْرُ مَنْصُوصٍ وَقَدْ نَظَمَتْ الْجَمِيعَ مُشِيرًا إلَى مَا فِيهِ الْبَحْثُ فَقُلْتُ: يَصِحُّ خِيَارُ الشَّرْطِ فِي تَرْكِ شُفْعَةٍ ... وَبَيْعٍ وَإِبْرَاءٍ وَوَقْفٍ كَفَالَةٍ وَفِي قِسْمَةِ خُلْعٍ وَعِتْقٍ إقَالَةٍ ... وَصُلْحٍ عَنْ الْأَمْوَالِ ثُمَّ الْحَوَالَةِ مُكَاتَبَةٍ رَهْنٍ كَذَاك إجَارَةٍ ... وَزِيدَ مُسَاقَاةٌ مُزَارَعَةٌ لَهُ وَمَا صَحَّ فِي صَرْفٍ نِكَاحٍ إلَيْهِ ... وَفِي سَلَمٍ نَذْرٍ طَلَاقٍ وَكَالَةٍ كَذَلِكَ إقْرَارٌ وَزِيدَ وَصِيَّة ... كَمَا مَرَّ بَحْثُنَا فَاغْتَنِمْ ذِي الْمَقَالَه (قَوْلُهُ عَلَّلَهُ قَاضِي خَانْ إلَخْ) لِيُنْظَرْ ذَلِكَ فِي الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ فَإِنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ وَيَحْتَمِلُ الْفَسْخَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 4 الْخَانِيَّةِ لَوْ قَالَ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ إنْ لَمْ أَفْعَلْ كَذَا الْيَوْمَ فَقَدْ أَبْطَلْتُ خِيَارِي كَانَ بَاطِلًا وَلَا يَبْطُلُ خِيَارُهُ وَكَذَا لَوْ قَالَ فِي خِيَارِ الْعَيْبِ إنْ لَمْ أَرُدَّهُ الْيَوْمَ فَقَدْ أَبْطَلْتُ خِيَارِي وَلَمْ يَرُدَّهُ الْيَوْمَ لَا يَبْطُلُ خِيَارُهُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ وَلَكِنْ قَالَ أَبْطَلْت غَدًا أَوْ قَالَ أَبْطَلْت خِيَارِي إذَا جَاءَ غَدٌ فَجَاءَ غَدٌ ذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى أَنَّهُ يَبْطُلُ خِيَارُهُ قَالَ وَلَيْسَ هَذَا كَالْأَوَّلِ لِأَنَّ هَذَا وَقْتٌ يَجِيءُ لَا مَحَالَةَ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ اهـ. فَقَدْ سَوَّوْا بَيْنَ التَّعْلِيقِ وَالْإِضَافَةِ فِي الْمُحَقَّقِ مَعَ أَنَّهُمْ لَمْ يُسَوُّوا بَيْنَهُمَا فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة لَوْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فَقَالَ إنْ لَمْ أَفْسَخْ الْيَوْمَ فَقَدْ رَضِيتُ وَإِنْ لَمْ أَفْعَلْ كَذَا فَقَدْ رَضِيت لَا يَصِحُّ اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ أَكْثَرَ لَا) أَيْ لَا يَصِحُّ اشْتِرَاطُهُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا يَجُوزُ إذَا سَمَّى مُدَّةً مَعْلُومَةً لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَجَازَ الْخِيَارَ إلَى شَهْرَيْنِ وَلَهُ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ وَهُوَ اللُّزُومُ ثَبَتَ نَصًّا عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فِي الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ لِلتَّرَوِّي وَهُوَ يَحْصُلُ فِيهَا فَلَا حَاجَةَ إلَى مَا زَادَ عَلَيْهَا وَيَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ «أَنَّ رَجُلًا اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ بَعِيرًا وَشَرَطَ عَلَيْهِ الْخِيَارَ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ فَأَبْطَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْبَيْعَ» . وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فَلَمْ يُعْرَفْ وَلِأَنَّهُ جُزْءُ الدَّعْوَى لِأَنَّهَا جَوَازُهُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ طَالَتْ الْمُدَّةُ أَوْ قَصُرَتْ وَهُوَ يُقَيَّدُ بِمُدَّةٍ خَاصَّةٍ وَلِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ خِيَارَ الشَّرْطِ وَخِيَارَ الرُّؤْيَةِ وَالْعَيْبِ فَلَا يَكُونُ حُجَّةً وَإِطْلَاقُ الْمُدَّةِ عِنْدَهُ كَاشْتِرَاطِ الْأَكْثَرِ فِي عَدَمِ الْجَوَازِ وَإِفْسَادِ الْبَيْعِ وَلَوْ قَالَ الْمُؤَلِّفُ وَلَوْ أَكْثَرَ أَوْ مُؤَبَّدًا أَوْ مُطْلَقًا أَوْ مُؤَقَّتًا بِوَقْتٍ مَجْهُولٍ لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّ الْبَيْعَ فَاسِدٌ فِي هَذِهِ كُلِّهَا كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَهَكَذَا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ مِمَّا لَا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ فَإِنْ كَانَ مِمَّا يَتَسَارَعُ فَحُكْمُهُ فِي الْخَانِيَّةِ قَالَ اشْتَرَى شَيْئًا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَالْقِيَاسُ لَا يُجْبَرُ الْمُشْتَرِي عَلَى شَيْءٍ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يُقَالُ لِلْمُشْتَرِي إمَّا أَنْ تَفْسَخَ الْبَيْعَ وَإِمَّا أَنْ تَأْخُذَ الْمَبِيعَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْك مِنْ الثَّمَنِ حَتَّى تُجِيزَ الْبَيْعَ أَوْ يَفْسُدَ الْمَبِيعُ عِنْدَك دَفْعًا لِلضَّرَرِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ ادَّعَى فِي يَدِ رَجُلٍ شِرَاءَ شَيْءٍ يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ كَالسَّمَكَةِ الطَّرِيَّةِ وَجَحَدَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَأَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ وَيَخَافُ فَسَادُهَا فِي مُدَّةِ التَّزْكِيَةِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَأْمُرُ مُدَّعِيَ الشِّرَاءِ أَنْ يَنْقُدَ الثَّمَنَ وَيَأْخُذَ السَّمَكَةَ ثُمَّ الْقَاضِي يَبِيعُهَا مِنْ آخَرَ وَيَأْخُذُ ثَمَنَهَا وَيَضَعُ الثَّمَنَ الْأَوَّلَ وَالثَّانِيَ عَلَى يَدِ عَدْلٍ فَإِنْ عُدِّلَتْ يَقْضِي لِمُدَّعِي الشِّرَاءِ بِالثَّمَنِ الثَّانِي وَيَدْفَعُ الثَّمَنَ الْأَوَّلَ لِلْبَائِعِ وَلَوْ ضَاعَ الثَّمَنَانِ عِنْدَ الْعَدْلِ يَضِيعُ الثَّمَنُ الثَّانِي مِنْ مَالِ مُدَّعِي الشِّرَاءِ لِأَنَّ بَيْعَ الْقَاضِي كَبَيْعِهِ وَإِنْ لَمْ تُعَدَّلْ الْبَيِّنَةُ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ قِيمَةَ السَّمَكَةِ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَمْ يَثْبُتْ وَبَقِيَ أَخْذُ مَالِ الْغَيْرِ بِجِهَةِ الْبَيْعِ فَيَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ اهـ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَوْ اشْتَرَى بَيْضًا أَوْ كَفْرِيًّا عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ بِالْخِيَارِ فَخَرَجَ الْفَرْخُ أَوْ صَارَ الْكُفْرِيُّ ثَمَرًا بَطَلَ الْبَيْعُ لِأَنَّهُ لَوْ بَقِيَ لَبَقِيَ مَعَ الْخِيَارِ وَلَوْ بَقِيَ مَعَهُ لَمْ يَقْدِرْ الْبَائِعُ عَلَى إجَازَتِهِ وَإِنْ أَبَى الْمُشْتَرِي لِكَوْنِ الْمَبِيعِ صَارَ شَيْئًا آخَرَ وَلَوْ بَاعَ قَصِيلًا فَلَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى صَارَ حَبًّا يَبْطُلُ الْبَيْعُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لَا يَبْطُلُ. اهـ. وَفِي الْخَانِيَّةِ اشْتَرَى شَيْئًا فِي رَمَضَانَ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ فَسَدَ الْعَقْدُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ عِنْدَهُ مَا قَبْلَ الشَّهْرِ يَكُونُ دَاخِلًا فِي الْخِيَارِ فَيَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ شَرْطِ الْخِيَارِ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ فَيَفْسُدُ الْعَقْدُ عِنْدَهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَهُ الْخِيَارُ فِي رَمَضَانَ وَثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بَعْدَ رَمَضَانَ وَيَجُوزُ الْبَيْعُ وَكَذَا لَوْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَلَوْ شَرَطَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ فَقَالَ لَا خِيَارَ لَك فِي رَمَضَانَ وَلَك الْخِيَارُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بَعْدَ مُضِيِّ رَمَضَانَ فَسَدَ الْبَيْعُ عِنْدَ الْكُلِّ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ إلَى تَصْحِيحِ هَذَا الْعَقْدِ. اهـ. وَالْإِجَارَةُ كَالْبَيْعِ قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ اسْتَأْجَرَ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ يَجُوزُ وَعَلَى أَكْثَرَ عَلَى الْخِلَافِ. اهـ. وَفِي آخِرِ إجَارَاتِ الذَّخِيرَةِ قُبَيْلَ الشُّفْعَةِ اشْتِرَاطُ الْخِيَارِ فِي غَيْرِ الْعَقْدِ لَا يُفْسِدُهُ وَإِنْ زَادَ عَلَى الثَّلَاثَةِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ كَانَ بَاطِلًا وَلَا يَبْطُلُ خِيَارُهُ) أَقُولُ: سَيَأْتِي فِي شَتَّى الْبُيُوعِ قَبِيلَ بَابِ الصَّرْفِ أَنَّ مِمَّا لَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ تَعْلِيقُ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَبِخِيَارِ الشَّرْطِ وَمَثَّلَ الْمُؤَلِّفُ هُنَاكَ لِلْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ بِأَنْ قَالَ إنْ وَجَدْت بِالْمَبِيعِ عَيْبًا أَرُدُّهُ عَلَيْك إنْ شَاءَ فُلَانٌ وَلِلثَّانِي بِقَوْلِهِ بِأَنْ قَالَ مَنْ لَهُ خِيَارُ الشَّرْطِ فِي الْبَيْعِ رَدَدْتُ الْبَيْعَ أَوْ قَالَ أَسْقَطْت خِيَارِي إنْ شَاءَ فُلَانٌ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ اهـ. فَتَأَمَّلْ وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ الْمُؤَلِّفُ وَلَوْ أَكْثَرَ أَوْ مُؤَبَّدًا إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ إنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى الثَّلَاثِ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْخِلَافِ وَالْفَسَادُ فِيمَا زَادَهُ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا فِي الدِّرَايَةِ اهـ. وَحَقُّ التَّعْبِيرِ أَنْ يُقَالَ إنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى نَفْيِ الزِّيَادَةِ عَلَى الثَّلَاثِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 5 إجْمَاعًا اهـ. فَهَذَا مِمَّا خَالَفَ فِيهِ الْإِجَارَةَ الْبَيْعُ فَإِنَّهُمَا إذَا شَرَطَاهُ بَعْدَ الْعَقْدِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةٍ فَسَدَ الْبَيْعُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَأَمَّا اشْتِرَاطُهُ فِي الْخُلْعِ فَقَدَّمْنَاهُ فِي بَابِهِ أَنَّهُ يَصِحُّ اشْتِرَاطُهُ لَهَا أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ عِنْدَهُ وَيَصِحُّ اشْتِرَاطُهُ فِي الْكَفَالَةِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَيَصِحُّ اشْتِرَاطُهُ لِلْمُحْتَالِ وَهُمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَأَمَّا اشْتِرَاطُهُ فِي الْوَقْفِ فَجَائِزٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ مِنْ اشْتِرَاطِ الْغَلَّةِ لِنَفْسِهِ وَلَمَّا أَفْتَوْا بِقَوْلِهِ هُنَاكَ فَيَنْبَغِي أَنْ يُفْتَى بِهِ أَيْضًا فِي جَوَازِ اشْتِرَاطِهِ وَقَدَّمْنَاهُ فِي الْوَقْفِ وَفِي الْمِعْرَاجِ خُذْهُ وَانْظُرْ إلَيْهِ الْيَوْمَ فَإِنْ رَضِيتَهُ أَخَذْتَهُ بِعَشَرَةٍ فَهُوَ خِيَارٌ وَلَوْ بَاعَ عَلَى أَنَّ لَهُ أَنْ يَغُلَّهُ وَيَسْتَخْدِمَهُ جَازَ وَهُوَ عَلَى خِيَارِهِ وَعَلَى أَنْ يَأْكُلَ مِنْ ثَمَرِهِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الثَّمَرَ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ. اهـ. وَفِي الذَّخِيرَةِ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ هُوَ بَيْعٌ لَك إنْ شِئْت الْيَوْمَ كَانَ بَيْعًا بِخِيَارٍ (قَوْلُهُ فَإِذَا أَجَازَ فِي الثَّلَاثِ صَحَّ) لِزَوَالِ الْمُفْسِدِ قَبْلَ تَقَرُّرِهِ فَانْقَلَبَ صَحِيحًا وَالضَّمِيرُ يَعُودُ إلَى مَنْ لَهُ الْخِيَارُ وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي صِفَةِ الْعَقْدِ فَقِيلَ انْعَقَدَ فَاسِدًا ثُمَّ يَعُودُ صَحِيحًا بِزَوَالِ الْمُفْسِدِ وَهُوَ قَوْلُ الْعِرَاقِيِّينَ وَعِنْدَ الْخُرَاسَانِيِّينَ مَوْقُوفٌ عَلَى إسْقَاطِ الشَّرْطِ فَبِمُضِيِّ جُزْءٍ مِنْ الرَّابِعِ يَفْسُدُ فَلَا يَنْقَلِبُ صَحِيحًا وَهَذَا الطَّرِيقُ هِيَ الْأَوْجَهُ وَاخْتَارَهَا الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ وَغَيْرُهُمَا مِنْ مَشَايِخِ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ كَمَا فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ وَالذَّخِيرَةِ وَلَكِنَّ الْأَوَّلَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَفِي الْخَانِيَّةِ فَإِنْ أَسْقَطَ الْخِيَارَ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ أَوْ أَعْتَقَ الْعَبْدَ أَوْ مَاتَ الْعَبْدُ أَوْ الْمُشْتَرِي أَوْ أَحْدَثَ بِهِ مَا يُوجِبُ لُزُومَ الْبَيْعِ يَنْقَلِبُ الْبَيْعُ جَائِزًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَيَلْزَمُهُ الثَّمَنُ وَإِنْ حَدَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ عَيْبٌ إنْ كَانَ عَيْبًا يَحْتَمِلُ زَوَالُهُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ كَالْمَرَضِ لَا يَبْطُلُ خِيَارُهُ إلَّا أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الرَّدَّ قَبْلَ زَوَالِ الْعَيْبِ وَإِنْ حَدَثَ بِهِ مَا لَا يَحْتَمِلُ الزَّوَالَ لَزِمَهُ الْبَيْعُ. اهـ. وَفِي الْمِعْرَاجِ لَوْ شَرَطَ الْخِيَارَ أَبَدًا أَوْ مُطْلَقًا أَوْ مُؤَقَّتًا بِوَقْتٍ مَجْهُولٍ فَسَدَ بِالْإِجْمَاعِ وَأَمَّا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ وَنَحْوِهَا فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَوْ كَانَ الْخِيَارُ إلَى قُدُومِ فُلَانٍ أَوْ إلَى هُبُوبِ الرِّيحِ فَأَسْقَطَاهُ لَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَلَوْ شَرَطَ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ بَعْدَ شَهْرٍ جَازَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فِي الشَّهْرِ وَلَهُ الْخِيَارُ بَعْدَهُ يَوْمًا كَذَا فِي الْمُجْتَبَى وَلَمْ أَرَهُمْ ذَكَرُوا لِلِاخْتِلَافِ السَّابِقِ ثَمَرَةً وَيَنْبَغِي أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ لَمْ يَصِحَّ عَلَى الْقَوْلِ بِانْعِقَادِهِ فَاسِدًا وَيَصِحُّ عَلَى الْقَوْلِ بِالْوَقْفِ وَظَاهِرُ الْخَانِيَّةِ أَنَّهُ يَنْقَلِبُ جَائِزًا بِالْإِعْتَاقِ فَلَمْ تَظْهَرْ الثَّمَرَةُ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ تَظْهَرُ فِي حِلِّ مُبَاشَرَتِهِ وَحُرْمَتِهَا كَمَا لَا يَخْفَى وَفِي الْإِسْبِيجَابِيِّ الْأَصْلُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ أَنَّ الْفَسَادَ عَلَى ضَرْبَيْنِ فَسَادٍ قَوِيٍّ دَخَلَ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ وَهُوَ الْبَدَلُ أَوْ الْمُبْدَلُ وَفَسَادٍ ضَعِيفٍ لَمْ يَدْخُلْ فِي صُلْبٍ الْعَقْدِ وَإِنَّمَا دَخَلَ فِي شَرْطٍ مُسْتَعَارٍ زَائِدًا عَلَى الْعَقْدِ فَالْأَوَّلُ لَا يَنْقَلِبُ إلَى الْجَوَازِ بِرَفْعِ الْمُفْسِدِ كَمَا إذَا بَاعَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَرِطْلٍ مِنْ خَمْرٍ ثُمَّ حَطَّ عَنْ الْمُشْتَرِي الْخَمْرَ لَا يَنْقَلِبُ إلَى الْجَوَازِ وَأَمَّا الْفَسَادُ الضَّعِيفُ فَكَمَسْأَلَةِ الْكِتَابِ وَأَمَّا إذَا بَاعَ إلَى الْحَصَادِ أَوْ الدِّيَاسِ ثُمَّ أَبْطَلَ صَاحِبُ الْأَجَلِ الْأَجَلَ أَوْ نَقَدَ الثَّمَنَ انْقَلَبَ إلَى الْجَوَازِ وَلَوْ مَضَتْ الْمُدَّةُ الْمَجْهُولَةُ تَأَكَّدَ وَمِنْ الثَّانِي اشْتِرَاطُهُ فِي عَقْدِ السَّلَمِ فَإِنْ أَبْطَلَهُ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ صَحَّ إنْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ قَائِمًا اهـ. (فَرْعٌ) لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ خِيَارِ الشَّرْطِ بِالشَّرْطِ فَلَوْ بَاعَهُ حِمَارًا عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يُجَاوِزْ هَذَا النَّهْرَ فَرَدَّهُ يَقْبَلُهُ وَإِلَّا لَا لَمْ يَصِحَّ وَكَذَا إذَا قَالَ مَا لَمْ يُجَاوِزْ بِهِ إلَى الْغَدِ كَذَا فِي الْقُنْيَةِ. (قَوْلُهُ وَلَوْ بَاعَ عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَلَا بَيْعَ صَحَّ وَإِلَى أَرْبَعَةٍ لَا) أَيْ لَا يَصِحُّ يَعْنِي عِنْدَهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَجُوزُ إلَى مَا سَمَّيَاهُ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ هَذَا فِي مَعْنَى اشْتِرَاطِ الْخِيَارِ إذْ الْحَاجَةُ مَسَّتْ إلَى الِانْفِسَاخِ عِنْدَ عَدَمِ النَّقْدِ تَحَرُّزًا عَنْ الْمُمَاطَلَةِ فِي الْفَسْخِ فَيَكُونُ مُلْحَقًا بِهِ فَالْإِمَامُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَرَّ عَلَى أَصْلِهِ فِي الْمُلْحَقِ بِهِ وَنَفْيِ الزِّيَادَةِ عَلَى الثَّلَاثَةِ. وَكَذَا مُحَمَّدٌ فِي تَجْوِيزِ الزِّيَادَةِ وَأَبُو يُوسُفَ أَخَذَ فِي الْأَصْلِ بِالْأَثَرِ وَفِي هَذَا بِالْقِيَاسِ وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قِيَاسٌ آخَرُ وَإِلَيْهِ مَالَ زُفَرُ وَهُوَ أَنَّهُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ فِي حِلِّ مُبَاشَرَتِهَا وَحُرْمَتِهَا) أَيْ وَحُرْمَةِ الْمُبَاشَرَةِ أَيْ مُبَاشَرَةِ الْعَقْدِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 6 بَيْعٌ بِشَرْطٍ شَرَطَ فِيهِ إقَالَةً فَاسِدَةً لِتَعَلُّقِهَا بِالشَّرْطِ وَاشْتِرَاطُ الصَّحِيحِ مِنْهَا فِيهِ مُفْسِدٌ فَاشْتِرَاطُ الْفَاسِدِ أَوْلَى وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ مَا بَيَّنَّا كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ مَعَ الْإِمَامِ قَوْلُهُ الْأَوَّلُ وَقَدْ رَجَعَ عَنْهُ وَاَلَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ أَنَّهُ مَعَ مُحَمَّدٍ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَكَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ حَكَمُوا عَلَى قَوْلِهِ بِالِاضْطِرَابِ وَظَاهِرُ هَذَا الشَّرْطِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إنْ لَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ فِي الْمُدَّةِ فَإِنَّ الْبَيْعَ يَنْفَسِخُ لِقَوْلِهِ فَلَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا وَلِذَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَيَنْفَسِخُ الْبَيْعُ إنْ لَمْ يَنْقُدْ فَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ عَبْدًا قَدْ أَعْتَقَهُ أَوْ بَاعَهُ ثُمَّ لَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ حَتَّى مَضَتْ الثَّلَاثَةُ نَفَذَ عِتْقُهُ وَبَيْعُهُ لِأَنَّ هَذَا بِمَعْنَى شَرْطِ الْخِيَارِ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ وَالْفَسْخَ تَعَلَّقَا بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي وَهُوَ النَّقْدُ فِي الثَّلَاثَةِ وَتَرْكُ النَّقْدِ فِيهَا وَلَوْ أَعْتَقَهُ أَوْ بَاعَهُ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ يَلْزَمُ الْبَيْعُ فَكَذَا هَذَا وَلَوْ أَعْتَقَهُ بَعْدَ مُضِيِّ الثَّلَاثَةِ وَلَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ. لَمْ يَذْكُرْهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَذَكَرَ فِي النَّوَادِرِ وَقَالَ إنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَنْفُذُ عِتْقُهُ وَبَعْدَ الْقَبْضِ يَنْفُذُ وَيُجْعَلُ الْبَيْعُ فَاسِدًا بِمُضِيِّ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مَتَى تَرَكَ النَّقْدَ وَلَمْ يَجْعَلْهُ مَفْسُوخًا لِأَنَّ قَوْلَهُ إنْ لَمْ أَنْقُدْ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَلَا بَيْعَ بَيْنَنَا تَوْقِيتٌ لِلْبَيْعِ وَلَيْسَ بِفَسْخٍ لَهُ نَصًّا فَمَتَى تَرَكَ النَّقْدَ فِي الثَّلَاثَةِ صَارَ كَأَنَّهُ قَالَ بِعْتُك هَذَا الْعَبْدَ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَيَكُونُ تَوْقِيتًا لِلْبَيْعِ وَهُوَ لَا يَقْبَلُ التَّوْقِيتَ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ شَرْطٍ فَاسِدٍ فَيُفْسِدُ الْبَيْعَ اهـ. وَهَذَا مَا قَالَهُ فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ هُنَا مَسْأَلَةٌ لَا بُدَّ مِنْ حِفْظِهَا هِيَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ يَفْسُدُ الْبَيْعُ وَلَا يَنْفَسِخُ حَتَّى لَوْ أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي وَهُوَ فِي يَدِهِ نَفَذَ لَا إنْ كَانَ فِي يَدِ الْبَائِعِ اهـ. وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهَا رِوَايَةُ النَّوَادِرِ وَفِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ مَضَتْ الثَّلَاثَةُ وَلَمْ يَنْقُدْهُ أَشَارَ فِي الْمَأْذُونِ إلَى أَنَّهُ يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَفْسُدُ وَلَا يَنْفَسِخُ حَتَّى لَوْ أَعْتَقَهُ بَعْدَ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ نَفَذَ إنْ كَانَ فِي يَدِهِ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ لَا إنْ كَانَ فِي يَدِ الْبَائِعِ اهـ. وَالْخِلَافُ السَّابِقُ فِيمَا لَوْ شَرَطَ الْخِيَارَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةٍ ثَابِتٌ هُنَا فَيَفْسُدُ عِنْدَهُ وَيَرْتَفِعُ بِالنَّقْدِ قَبْلَ مُضِيِّ الْيَوْمِ الثَّالِثِ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْعِرَاقِيُّونَ وَمَوْقُوفٌ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْخُرَاسَانِيُّونَ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى جَوَازِ هَذَا الشَّرْطِ لِلْبَائِعِ وَفِي الذَّخِيرَةِ وَإِذَا بَاعَ عَبْدًا وَنَقَدَ الثَّمَنَ عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ إنْ رَدَّ الثَّمَنَ إلَى ثَلَاثَةٍ فَلَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا كَانَ جَائِزًا وَهُوَ بِمَعْنَى شَرْطِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ اهـ. فَإِنْ أَعْتَقَهُ الْبَائِعُ صَحَّ إعْتَاقُهُ وَإِنْ أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي لَا يَصِحُّ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالْعَجَبُ أَنَّ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ الْمُنْتَفِعُ بِهَذَا الشَّرْطِ هُوَ الْبَائِعُ مَعَ أَنَّهُمْ جَعَلُوا الْخِيَارَ لِلْمُشْتَرِي بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ الْمُتَمَكِّنُ مِنْ إمْضَاءِ الْبَيْعِ بِالنَّقْدِ وَمِنْ فَسْخِهِ بِعَدَمِهِ وَفِي عَكْسِهِ الْمُنْتَفَعُ بِهَذَا الشَّرْطِ هُوَ الْمُشْتَرِي مَعَ أَنَّهُمْ جَعَلُوا الْخِيَارَ لِلْبَائِعِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْبَائِعَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ الْفَسْخِ إنْ رَدَّ الثَّمَنَ فِي الْمُدَّةِ وَمِنْ الْإِمْضَاءِ إنْ لَمْ يَرُدَّهُ وَفِي الذَّخِيرَةِ وَالْخَانِيَّةِ وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا وَقَبَضَهُ وَكَّلَ الْمُشْتَرِي رَجُلًا عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ إلَى خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَإِنَّ الْوَكِيلَ يَفْسَخُ الْعَقْدَ بَيْنَهُمَا جَازَ الْبَيْعُ لِأَنَّ الشَّرْطَ لَمْ يَكُنْ فِي الْبَيْعِ فَيَجُوزُ الْبَيْعُ وَيَصِحُّ الشَّرْطُ حَتَّى لَوْ لَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ إلَى خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا كَانَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَفْسَخَ وَفِي الْخَانِيَّةِ اشْتَرَى جَارِيَةً عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَلَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا وَقَبَضَ الْمُشْتَرِي فَبَاعَ وَلَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ حَتَّى مَضَتْ الْأَيَّامُ الثَّلَاثَةُ جَازَ بَيْعُ الْمُشْتَرِي وَلِلْبَائِعِ الْأَوَّلِ عَلَى الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ الثَّمَنُ كَمَا لَوْ بَاعَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَكَذَا لَوْ قَتَلَهَا الْمُشْتَرِي فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ أَوْ مَاتَتْ أَوْ قَتَلَهَا أَجْنَبِيٌّ خَطَأً وَغَرِمَ الْقِيمَةَ لَزِمَ الْبَيْعُ وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي وَطِئَهَا وَهِيَ بِكْرٌ أَوْ ثَيِّبٌ أَوْ جَنَى عَلَيْهَا أَوْ حَدَثَ بِهَا عَيْبٌ لَا بِفِعْلِ أَحَدٍ ثُمَّ مَضَتْ الْأَيَّامُ الثَّلَاثَةُ قَبْلَ أَنْ يَنْقُدَ الثَّمَنَ خُيِّرَ الْبَائِعُ إنْ شَاءَ أَخَذَهَا مَعَ النُّقْصَانِ وَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ وَأَخَذَ ثَمَنَهَا اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ قَطَعَ الْمُشْتَرِي يَدَهَا وَقَبَضَهَا بَعْدَ الثَّلَاثَةِ وَلَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ خُيِّرَ الْبَائِعُ إنْ شَاءَ سَلَّمَهَا لَهُ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَهَا وَنِصْفَ الثَّمَنِ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة   [منحة الخالق] [تَعْلِيقُ خِيَارِ الشَّرْطِ بِالشَّرْطِ] (قَوْلُهُ وَفِي الذَّخِيرَةِ وَالْخَانِيَّةِ وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا إلَخْ) هَذِهِ مِنْ مَسَائِلِ بَيْعِ الْوَفَاءِ وَمَا ذَكَرَ فِيهَا مِنْ الْحُكْمِ عَلَى الْقَوْلِ الْخَامِسِ الْآتِي فِي كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ كَذَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي النَّهْرِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 7 لَوْ قَطَعَهَا أَجْنَبِيٌّ فِي الثَّلَاثَةِ فَقَدْ لَزِمَ الْبَيْعُ اهـ. ثُمَّ قَالَ فِي الْمُحِيطِ فَإِنْ كَانَ أَفْتَضَّهَا ضَمِنَهُ مِنْ الثَّمَنِ مَا نَقَصَهَا وَلَوْ وَلَدَتْ بَعْدَ الثَّلَاثَةِ وَمَاتَتْ كَانَ الْبَائِعُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ الْوَلَدَ وَضَمَّنَهُ حِصَّتَهَا مِنْ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ سَلَّمَ الْوَلَدَ بِالثَّمَنِ مَعَ أُمِّهِ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَا يَنْفَسِخُ لِعَدَمِ النَّقْدِ فِي الثَّلَاثَةِ مَا دَامَ الْوَلَدُ قَائِمًا فِي يَدِ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ الزِّيَادَةَ الْمُنْفَصِلَةَ مَانِعَةٌ مِنْ الِانْفِسَاخِ إلَّا أَنَّهُ مَاتَ الْأَصْلُ وَبَقِيَ التَّبَعُ فَلَهُ أَنْ يَخْتَارَ التَّبَعَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَلَوْ كَانَ الثَّمَنُ عَرْضًا أَوْ عَبْدًا أَوَ حَدَثَ ذَلِكَ كُلُّهُ فِي الثَّلَاثِ ثُمَّ مَضَتْ الثَّلَاثُ فَمَا يَمْنَعُ الْفَسْخَ إذَا كَانَ الثَّمَنُ دَرَاهِمَ يَمْنَعُهُ هُنَا وَمَا لَا فَلَا وَمَا أَثْبَتَ الْخِيَارَ هُنَاكَ أَثْبَتَهُ هُنَا وَلَوْ مَضَتْ الثَّلَاثَةُ ثُمَّ حَدَثَ ذَلِكَ كُلُّهُ فَهُوَ مِثْلُ الْإِقَالَةِ لِأَنَّهُ لَمَّا مَضَتْ الثَّلَاثَةُ انْتَقَضَ الْبَيْعُ وَعَادَ كُلُّ عَرْضٍ إلَى مِلْكِ صَاحِبِهِ اهـ. ثُمَّ اعْلَمْ بِأَنَّ بِالْقَاهِرَةِ بَيْعًا يُسَمَّى بَيْعَ الْأَمَانَةِ كَمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَيُسَمَّى أَيْضًا الرَّهْنُ الْمَعَادُ كَمَا فِي الْمُلْتَقَطِ وَسَمَّاهُ الْفُقَهَاءُ بَيْعَ الْوَفَاءِ وَيَذْكُرُونَهُ فِي مَوْضِعٍ مِنْ ثَلَاثَةٍ فَمِنْهُمْ كَالْبَزَّازِيِّ مَنْ ذَكَرَهُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَمِنْهُمْ مَنْ ذَكَرَهُ هُنَا عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى خِيَارِ النَّقْدِ كَقَاضِي خَانْ وَمِنْهُمْ مَنْ ذَكَرَهُ فِي الْإِكْرَاهِ كَالزَّيْلَعِيِّ وَذِكْرُهُ هُنَا أَنْسَبُ لِأَنَّهُ مِنْ أَفْرَادِ مَسْأَلَةِ خِيَارِ النَّقْدِ. وَصُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي بِعْت مِنْك هَذَا الْعَيْنَ بِدَيْنٍ لَك عَلَيَّ عَلَى أَنِّي مَتَى قَضَيْتُ الدَّيْنَ فَهُوَ لِي أَوْ يَقُولُ الْبَائِعُ بِعْتُك هَذَا بِكَذَا عَلَى أَنِّي مَتَى دَفَعْتُ لَك الثَّمَنَ تَدْفَعُ الْعَيْنَ إلَيَّ فَقَدْ اخْتَلَفُوا فِيهِ عَلَى ثَمَانِيَةِ أَقْوَالٍ مَذْكُورَةٍ فِي الْبَزَّازِيَّةِ الْأَوَّلُ مَا اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمَنْظُومَةِ أَنَّهُ رَهْنٌ حَقِيقَةً فَلَا يَمْلِكُهُ الْمُشْتَرِي وَلَا يَنْتَفِعُ بِهِ إلَّا بِإِذْنِ الْبَائِعِ وَيَضْمَنُ مَا أَكَلَ مِنْ نُزُلِهِ وَمَا أَتْلَفَ مِنْ الشَّجَرَةِ وَيَسْقُطُ الدَّيْنُ بِهَلَاكِهِ وَلَا يَضْمَنُ مَا زَادَ كَالْأَمَانَةِ وَيُسْتَرَدُّ عِنْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ الثَّانِي أَنَّهُ بَيْعٌ صَحِيحٌ بِاتِّفَاقِ مَشَايِخِ الزَّمَانِ لِلْعُرْفِ وَمَا يَفْعَلُهُ الْبَائِعُ مِنْ التَّعْمِيرِ وَأَدَاءِ الْخَرَاجِ فَهُوَ بِطَرِيقِ الرِّضَا لَا الْجَبْرِ كَمَا لَا يُجْبَرُ عَلَى تَرْكِ الْوَفَاءِ وَجَعْلِهِ بَاتًّا وَلِلْمُشْتَرِي الْمُطَالَبَةُ بِالثَّمَنِ فَإِنْ انْهَدَمَتْ الدَّارُ لَا يُجْبَرُ الْبَائِعُ عَلَى رَدِّ الثَّمَنِ. وَكَذَا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ عَيْنًا هَلَكَ فَإِنَّهُ يَتِمُّ الْأَمْرُ وَلَا سَبِيلَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ وَذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ بَيْعٌ جَائِزٌ مُفِيدٌ لِبَعْضِ أَحْكَامِهِ مِنْ حِلِّ الِانْتِفَاعِ بِهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ بَيْعَهُ لِلْغَيْرِ الثَّالِثُ مَا اخْتَارَهُ قَاضِي خَانْ وَقَالَ الصَّحِيحُ أَنَّهُ إنْ وَقَعَ بِلَفْظِ الْبَيْعِ لَا يَكُونُ رَهْنًا ثُمَّ إنْ شَرَطَا فَسْخَهَ فِي الْعَقْدِ أَوْ تَلَفَّظَا بِلَفْظِ الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْوَفَاءِ أَوْ تَلَفَّظَا بِالْبَيْعِ وَعِنْدَهُمَا هَذَا الْبَيْعُ غَيْرُ لَازِمٍ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ وَإِنْ ذَكَرَا الْبَيْعَ بِلَا شَرْطٍ ثُمَّ شَرَطَاهُ عَلَى وَجْهِ الْمُوَاعَدَةِ جَازَ الْبَيْعُ وَلَزِمَ الْوَفَاءُ وَقَدْ يَلْزَمُ الْوَعْدُ لِحَاجَةِ النَّاسِ فِرَارًا مِنْ الرِّبَا فَبَلْخٌ اعْتَادُوا الدَّيْنَ وَالْإِجَارَةَ وَهِيَ لَا تَصِحُّ فِي الْكُرُومِ وَبُخَارَى الْإِجَارَةَ الطَّوِيلَةَ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ فِي الْأَشْجَارِ فَاضْطُرُّوا إلَى بَيْعِهَا وَفَاءً وَمَا ضَاقَ عَلَى النَّاسِ أَمْرٌ إلَّا اتَّسَعَ حُكْمُهُ وَقَدْ نَصَّ فِي غَرِيبِ الرِّوَايَةِ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّ الْبَيْعَ لَا يَكُونُ تَلْجِئَةً حَتَّى يَنُصَّ عَلَيْهَا فِي الْعَقْدِ وَهِيَ وَالْوَفَاءُ وَاحِدٌ الرَّابِعُ مَا قَالَهُ فِي الْعُدَّةِ وَاخْتَارَهُ ظَهِيرُ الدِّينِ أَنَّهُ بَيْعٌ فَاسِدٌ وَلَوْ أَلْحَقَاهُ بِالْبَيْعِ الْتَحَقَ وَأَفْسَدَهُ وَلَوْ بَعْدَ الْمَجْلِسِ عَلَى الصَّحِيحِ وَلَوْ شَرَطَاهُ ثُمَّ عَقَدَا مُطْلَقًا إنْ لَمْ يُقِرَّا بِالْبِنَاءِ عَلَى الْأَوَّلِ فَالْعَقْدُ جَائِزٌ وَلَا عِبْرَةَ بِالسَّابِقِ كَمَا فِي التَّلْجِئَةِ عِنْدَ الْإِمَامِ الْخَامِسُ مَا اخْتَارَهُ أَئِمَّةُ خُوَارِزْمَ أَنَّهُ إذَا أَطْلَقَ الْبَيْعَ لَكِنْ وَكَّلَ الْمُشْتَرِي وَكِيلًا يَفْسَخُ الْبَيْعَ إذَا أَحْضَرَ الْبَائِعُ الثَّمَنَ أَوْ عَهِدَ أَنَّهُ إذَا أَوْفَاهُ يَفْسَخُ الْبَيْعَ وَالثَّمَنُ لَا يُعَادِلُ الْمَبِيعَ وَفِيهِ غَبْنٌ فَاحِشٌ أَوْ وَضَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى أَصْلِ الْمَالِ رِبْحًا بِأَنْ وَضَعَ عَلَى مِائَةٍ عِشْرِينَ دِينَارًا فَرَهْنٌ وَإِلَّا فَبَيْعٌ بَاتٌّ. الْقَوْلُ السَّادِسُ مَا اخْتَارَهُ الْإِمَامُ الزَّاهِدُ أَنَّ الشَّرْطَ إذَا لَمْ يُذْكَرْ فِي الْبَيْعِ كَانَ بَيْعًا صَحِيحًا فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي حَتَّى مَلَكَ الْإِنْزَالَ وَرَهْنًا فِي حَقِّ الْبَائِعِ فَلَمْ يَمْلِكْ الْمُشْتَرِي تَحْوِيلَ يَدِهِ وَمِلْكِهِ إلَى غَيْرِهِ وَأُجْبِرَ عَلَى الرَّدِّ إذَا أَحْضَرَ الدَّيْنَ لِأَنَّهُ كَالزَّرَافَةِ مُرَكَّبٌ مِنْ الْبَيْعِ وَالرَّهْنِ كَكَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ لَهُ حُكْمَانِ كَالْهِبَةِ حَالَ الْمَرَضِ وَبِشَرْطِ الْعِوَضِ فَجَعَلْنَاهُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ مِنْ أَفْرَادِ مَسْأَلَةِ خِيَارِ النَّقْدِ) قَالَ فِي النَّهْرِ إنَّمَا يَكُونُ مِنْ أَفْرَادِهِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِفَسَادِهِ إنْ زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ لَا عَلَى الْقَوْلِ بِصِحَّتِهِ إذْ خِيَارُ النَّقْدِ مُقَيَّدٌ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَبَيْعُ الْوَفَاءِ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِهَا فَأَنَّى يَكُونُ مِنْ أَفْرَادِهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 8 كَذَلِكَ لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهِ فِرَارًا عَنْ الرِّبَا فَبَلْخٌ اعْتَادُوا الدَّيْنَ وَالْإِجَارَةَ وَهِيَ لَا تَصِحُّ فِي الْكُرُومِ. وَأَهْلُ بُخَارَى اعْتَادُوا الْإِجَارَةَ الطَّوِيلَةَ وَلَا تُمْكِنُ فِي الْأَشْجَارِ فَاضْطُرُّوا إلَى بَيْعِهَا وَفَاءً وَمَا ضَاقَ عَلَى النَّاسِ أَمْرٌ إلَّا اتَّسَعَ حُكْمُهُ. وَقَدْ نَصَّ فِي غَرِيبِ الرِّوَايَةِ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّ الْبَيْعَ لَا يَكُونُ تَلْجِئَةً حَتَّى يَنُصَّ عَلَيْهَا فِي الْعُقْدَةِ وَهِيَ وَالْوَفَاءُ وَاحِدٌ وَاخْتَارَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ تَاجُ الْإِسْلَامِ وَالْإِمَامِ الْمَرْغِينَانِيِّ وَالْإِمَامُ عَلَاءُ الدِّينِ الْمَعْرُوفُ بِبَدْرٍ أَنَّ الْبَيْعَ بِشَرْطِ الرَّدِّ عِنْدَ نَقْدِ الثَّمَنِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَمْلِكُهُ وَقَالَ الْإِمَامُ عَلَاءُ الدِّينِ يَمْلِكُهُ انْتِفَاعًا فَإِنْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ غَيْرِهِ أَجَابُوا سِوَى عَلَاءِ الدِّينِ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ الثَّانِي لِأَنَّهُ سَلَّمَهُ الْبَائِعُ الْأَوَّلُ إلَى الْمُشْتَرِي بِرِضَاهُ الْقَوْلُ السَّابِعُ أَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَأَوْلَادُهُ وَمَشَايِخُ زَمَانِنَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى أَعْنِي لَا يَمْلِكُ الْمُشْتَرِي بَيْعَهُ مِنْ الْغَيْرِ كَمَا فِي بَيْعِ الْمُكْرَهِ لَا كَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ بَعْدَ الْقَبْضِ وَسُئِلَ الصَّدْرُ عَنْهُ بِأَنَّهُ يُجْعَلُ فَاسِدًا وَيُمْنَعُ مِنْ الِاسْتِرْدَادِ بَعْدَ الْبَيْعِ مِنْ غَيْرِهِ كَالْفَاسِدِ وَإِنْ قَضَى الدَّيْنَ. قَالَ هَذَا كَبَيْعِ الْمُشْتَرِي مِنْ الْمُكْرَهِ قِيلَ لَهُ فَإِنْ أَكَلَ الْمُشْتَرِي غَلَّةَ الْكَرْمِ وَالْأَرْضِ وَالدَّارِ قَالَ حُكْمُهُ حُكْمُ الزَّوَائِدِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ يَعْنِي أَنَّهُ يَضْمَنُهُ إذَا اسْتَهْلَكَهُ وَلَا يَغْرَمُ إنْ هَلَكَ كَزَوَائِدِ الْمَغْصُوبِ الْقَوْلُ الثَّامِنُ الْجَامِعُ لِبَعْضِ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّهُ فَاسِدٌ فِي حَقِّ بَعْضِ الْأَحْكَامِ حَتَّى مَلَكَ كُلٌّ مِنْهُمَا الْفَسْخَ وَصَحِيحٌ فِي حَقِّ بَعْضِ الْأَحْكَامِ كَحِلِّ الْإِنْزَالِ وَمَنَافِعِ الْبَيْعِ وَرَهْنٌ فِي حَقِّ الْبَعْضِ حَتَّى لَمْ يَمْلِكْ الْمُشْتَرِي بَيْعَهُ مِنْ آخَرَ وَلَا رَهْنَهُ وَلَمْ يَمْلِكْ قَطْعَ الشَّجَرِ وَلَا هَدْمَ الْبِنَاءِ وَسَقَطَ الدَّيْنُ بِهَلَاكِهِ وَانْقَسَمَ الثَّمَنُ إنْ دَخَلَهُ نُقْصَانٌ كَمَا فِي الرَّهْنِ. قُلْتُ: هَذَا الْعَقْدُ مُرَكَّبٌ مِنْ الْعُقُودِ الثَّلَاثَةِ كَالزَّرَافَةِ فِيهَا صِفَةُ الْبَعِيرِ وَالْبَقَرِ وَالنَّمِرِ جُوِّزَ لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهِ بِشَرْطِ سَلَامَةِ الْبَدَلَيْنِ لِصَاحِبِهِمَا اهـ. وَفِي الْمُسْتَطْرَفِ الزَّرَافَةُ حَيَوَانٌ عَجِيبُ الْخِلْقَةِ وَلَمَّا كَانَ مَأْلُوفَهَا الشَّجَرُ خَلَقَ اللَّهُ يَدَيْهَا أَطْوَلَ مِنْ رِجْلَيْهَا وَهِيَ أَلْوَانٌ عَجِيبَةٌ يُقَالُ إنَّهَا مُتَوَلِّدَةٌ مِنْ ثَلَاثِ حَيَوَانَاتٍ النَّاقَةِ الْوَحْشِيَّةِ وَالضَّبُعِ وَالْبَقَرَةِ الْوَحْشِيَّةِ فَيَنْزُو الضَّبُعُ عَلَى النَّاقَةِ فَتَأْتِي بِذَكَرٍ فَيَنْزُو ذَلِكَ الذَّكَرُ عَلَى الْبَقَرَةِ فَتَتَوَلَّدُ مِنْهُ الزَّرَافَةُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ خِلْقَةٌ بِذَاتِهِ ذَكَرٌ وَأُنْثَى كَبَقِيَّةِ الْحَيَوَانَاتِ وَقَدْ فَرَّعَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ فُرُوعًا كَثِيرَةً يُحْتَاجُ إلَيْهَا فِي بَيْعِ الْوَفَاءِ تَرَكْنَاهَا خَوْفًا مِنْ الْإِطَالَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُعْدَلَ فِي الْإِفْتَاءِ عَنْ الْقَوْلِ الْجَامِعِ. (قَوْلُهُ فَإِنْ نَقَدَ فِي الثَّلَاثِ صَحَّ) يَعْنِي فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا وَقَدَّمْنَا صِفَةَ انْعِقَادِهِ فِي الِابْتِدَاءِ إمَّا فَاسِدٌ أَوْ مَوْقُوفٌ كَمَا فِي خِيَارِ الشَّرْطِ وَلَمْ أَرَ ثَمَرَةً لِلِاخْتِلَافِ فَإِنَّهُ إذَا أَسْقَطَهُ قَبْلَ دُخُولِ الرَّابِعِ جَازَ اتِّفَاقًا وَإِنْ دَخَلَ تَقَرَّرَ فَسَادُهُ اتِّفَاقًا وَلَعَلَّ الثَّمَرَةَ تَظْهَرُ فِي حِلِّ الْإِقْدَامِ عَلَيْهِ وَعَدَمِهِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِي ثُبُوتِ الْمِلْكِ بِالْقَبْضِ فَمَنْ قَالَ بِفَسَادِهِ أَثْبَتَهُ وَمَنْ قَالَ بِالْوَقْفِ نَفَاهُ. (قَوْلُهُ وَخِيَارُ الْبَائِعِ يَمْنَعُ خُرُوجَ الْمَبِيعِ عَنْ مِلْكِهِ) لِأَنَّ تَمَامَ هَذَا السَّبَبِ بِالْمُرَاضَاةِ فَلَا يَتِمُّ مَعَ الْخِيَارِ فَيَنْفُذُ عِتْقُ الْبَائِعِ وَلَا يَمْلِكُ الْمُشْتَرِي التَّصَرُّفَ فِيهِ وَإِنْ قَبَضَهُ بِإِذْنِ الْبَائِعِ وَدَلَّ كَلَامُهُ عَلَى أَنَّ خِيَارَ الْمُشْتَرِي يَمْنَعُ خُرُوجَ الثَّمَنِ عَنْ مِلْكِهِ لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ وَأَنَّ الْخِيَارَ إذَا كَانَ لَهُمَا لَمْ يَخْرُجْ الْمَبِيعُ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ وَلَا الثَّمَنُ عَنْ مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَفِي الْبَدَائِعِ إنَّ حُكْمَ الْبَيْعِ بِخِيَارٍ مَوْقُوفٌ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ لَهُ حُكْمٌ لِلْحَالِ وَالْخِيَارُ مَانِعٌ مِنْ انْعِقَادِ الْحُكْمِ وَفِي الْمِعْرَاجِ إلَّا أَنَّ السَّبَبَ الْمُنْعَقِدَ فِي الْأَصْلِ يَسْرِي إلَى الزَّوَائِدِ الْمُتَّصِلَةِ وَالْمُنْفَصِلَةِ لِكَوْنِهِ مَحَلًّا لَهُ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ فَكَمَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ فِي الْأَصْلِ يَثْبُتُ فِي الزَّوَائِدِ اهـ. يَعْنِي فَالْأَصْلُ وَإِنْ بَقِيَ عَلَى مِلْكِ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ لَا يَمْلِكُ الزَّوَائِدَ إذَا أُجِيزَ الْبَيْعُ وَفِي الْخَانِيَّةِ أَنَّ الْأَوْلَادَ وَالْأَكْسَابَ فِيمَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ تَدُورُ مَعَ الْأَصْلِ فَإِنْ أُجِيزَ كَانَتْ لِلْمُشْتَرِي وَإِنْ فُسِخَ كَانَتْ لِلْبَائِعِ وَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فَحَدَثَتْ عِنْدَ الْبَائِعِ فَكَذَا الْجَوَابُ وَإِنْ حَدَثَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي كَانَتْ لَهُ تَمَّ الْبَيْعُ أَوْ انْتَقَضَ قِيلَ هَذَا قَوْلُهُمَا أَمَّا عَلَى قَوْلِهِ فَهِيَ دَائِرَةٌ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ فَبَلْخٌ إلَخْ) هَكَذَا وُجِدَ بِعَامَّةِ النُّسَخِ مُكَرَّرًا مَعَ السَّابِقِ وَلَيْسَ تَكْرَارًا فِي الْحَقِيقَةِ بَلْ دَعَا إلَيْهِ تَعْلِيلُ كُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ فَلْيُتَأَمَّلْ. اهـ. مُصَحِّحُهُ [خِيَارُ الْبَائِعِ يَمْنَعُ خُرُوجَ الْمَبِيعِ عَنْ مِلْكِهِ] (قَوْلُهُ وَفِي الْخَانِيَّةِ أَنَّ الْأَوْلَادَ وَالْإِكْسَابَ إلَخْ) مُقْتَضَى هَذَا أَنَّ الزِّيَادَةَ الْمُنْفَصِلَةَ الْمُتَوَلِّدَةَ كَالْأَوْلَادِ لَا تَمْنَعُ الرَّدَّ وَيَبْقَى الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي مَعَهَا وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا سَيَأْتِي فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَتَمَّ الْعَقْدُ حَيْثُ ذَكَرَ أَنَّهَا تَمْنَعُهُ اتِّفَاقًا وَكَذَا سَيَأْتِي قَرِيبًا فِي شَرْحِ قَوْلِهِ كَتَعَيُّبِهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 9 مَعَ الْأَصْلِ. وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ لَوْ كَانَ الْخِيَارُ إلَى الْبَائِعِ فَسَلَّمَ الْمَبِيعَ إلَى الْمُشْتَرِي فَلَوْ سَلَّمَهُ عَلَى وَجْهِ التَّمْلِيكِ بَطَلَ خِيَارُهُ لَا لَوْ سَلَّمَهُ عَلَى وَجْهِ الِاخْتِيَارِ وَلَوْ حَطَّ عَنْهُ شَيْئًا مِنْ الثَّمَنِ فَعَلَى قِيَاسِ مَسْأَلَةِ الْإِبْرَاءِ يَنْبَغِي أَنْ يَبْطُلَ خِيَارُهُ اهـ. وَقَالَ قَبْلَهُ بَاعَ بِخِيَارٍ فَوَهَبَ ثَمَنَهُ لِلْمُشْتَرِي فِي الْمُدَّةِ أَوْ أَبْرَأهُ عَنْ ثَمَنِهِ أَوْ شَرَى بِهِ شَيْئًا مِنْ الْمُشْتَرِي صَحَّ تَصَرُّفُهُ وَبَطَلَ خِيَارُهُ وَلَوْ اشْتَرَى مِنْ غَيْرِ الْمُشْتَرِي شَيْئًا بِذَلِكَ الثَّمَنِ بَطَلَ خِيَارُهُ وَلَمْ يَجُزْ شِرَاؤُهُ اهـ. وَكَتَبْنَا فِي الْفَوَائِدِ مِنْ الْفَائِدَةِ الرَّابِعَةِ أَنَّ خِيَارَ الشَّرْطِ فِي الْبَيْعِ يَمْنَعُ الْحُكْمَ وَلَا يُبْطِلُ الْبَيْعَ إلَّا فِي مَسْأَلَةِ مَا إذَا شَرَطَ الْخِيَارَ فِي بَيْعِ الْفُضُولِيِّ فَإِنَّهُ مُبْطِلٌ الْبَيْعَ وَلَا يَتَوَقَّفُ لِأَنَّ الْخِيَارَ لَهُ بِدُونِ الشَّرْطِ فَيَكُونُ الشَّرْطُ مُبْطِلًا كَذَا فِي فُرُوقِ الْكَرَابِيسِيِّ وَفِيهَا أَيْضًا مِنْ الْحَادِيَةِ وَالْخَمْسِينَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ لَا يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ عَنْ الدَّيْنِ قَبْلَ لُزُومِ أَدَائِهِ إلَّا فِي مَسَائِلَ فَلْيُنْظَرْ ثَمَّةَ وَإِذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ فَإِنَّهُ يَمْلِكُ مُطَالَبَةَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ لِلْمُشْتَرِي كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ. وَإِنْ هَلَكَ فِي يَدِ الْبَائِعِ انْفَسَخَ الْبَيْعُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا كَمَا فِي الْمُطْلَقِ عَنْهُ وَإِنْ تَعَيَّبَ فِي يَدِ الْبَدَائِعِ فَهُوَ عَلَى خِيَارِهِ لِأَنَّ مَا انْتَقَصَ بِغَيْرِ فِعْلِهِ لَا يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ وَلَكِنَّ الْمُشْتَرِيَ يَتَخَيَّرُ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ كَمَا فِي الْبَيْعِ الْمُطْلَقِ وَإِنْ كَانَ الْعَيْبُ بِفِعْلِ الْبَائِعِ يَنْتَقِصُ الْبَيْعُ فِيهِ بِقَدْرِهِ لِأَنَّ مَا يَحْدُثُ بِفِعْلِهِ يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ وَتَسْقُطُ بِهِ حِصَّتُهُ مِنْ الثَّمَنِ كَذَا ذَكَرَ الشَّارِحُ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْخِيَارَ إذَا كَانَ لِلْبَائِعِ ثُمَّ أَجَازَهُ فَالْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي يَقْتَصِرُ عَلَى وَقْتِ الْإِجَازَةِ وَلَا يَسْتَنِدُ إلَى وَقْتِ الْعَقْدِ لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ اشْتَرَى ابْنَهُ مِنْ رَجُلٍ عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ بِالْخِيَارِ ثُمَّ مَاتَ الْمُشْتَرِي فَأَجَازَ الْبَائِعُ عَتَقَ الِابْنُ وَلَا يَرِثُ أَبَاهُ اهـ. فَعَدَمُ إرْثِهِ دَلِيلٌ عَلَى الِاقْتِصَارِ وَلَكِنْ عِتْقُهُ يَدُلُّ عَلَى الِاسْتِنَادِ وَإِلَّا لَمْ يَعْتِقْ كَمَا لَا يَخْفَى. (قَوْلُهُ وَبِقَبْضِ الْمُشْتَرِي يَهْلِكُ بِالْقِيمَةِ) لِأَنَّ الْبَيْعَ يَنْفَسِخُ بِالْهَلَاكِ لِأَنَّهُ كَانَ مَوْقُوفًا وَلَا نَفَاذَ بِدُونِ الْمَحَلِّ فَبَقِيَ مَقْبُوضًا بِيَدِهِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ وَفِيهِ الْقِيمَةُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُرَادُ بِالْقِيمَةِ فِي الْمُشَبَّهِ وَالْمُشَبَّهِ بِهِ الْبَدَلُ يَشْمَلُ الْمِثْلِيَّ فَإِنَّهُ مَضْمُونٌ بِالْمِثْلِ وَالْقِيَمِيَّ هُوَ الْمَضْمُونُ بِالْقِيمَةِ وَالْكَلَامُ هُنَا فِي مَوْضِعَيْنِ فِي حُكْمِ الْمُشَبَّهِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ هَلَاكِهِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ مَعَ بَقَائِهِ أَوْ بَعْدَمَا فَسَخَ الْبَائِعُ الْبَيْعَ كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَأَمَّا إذَا هَلَكَ فِي يَدِهِ بَعْدَ الْمُدَّةِ مِنْ غَيْرِ فَسْخٍ فِيهَا فَإِنَّهُ يَهْلِكُ بِالثَّمَنِ لِسُقُوطِ الْخِيَارِ وَفِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ إذَا ادَّعَى الْبَائِعُ هَلَاكَهُ فِي يَدِهِ وَوُجُوبَ الْقِيمَةِ لَهُ وَادَّعَى الْمُشْتَرِي أَنَّهُ أَبَقَ مِنْ يَدِهِ فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ حَيَاتُهُ وَيَجُوزُ الْبَيْعُ عَلَى الْبَائِعِ وَيَتِمُّ لِأَنَّ بِمُضِيِّ الثَّلَاثَةِ يَسْقُطُ خِيَارُهُ. وَكَذَا لَوْ كَانَ الْبَائِعُ هُوَ الَّذِي يَدَّعِي الْإِبَاقَ وَالْمُدَّعِي يَدَّعِي الْمَوْتَ فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ مَعَ يَمِينِهِ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ مَا إذَا دَخَلَهُ عَيْبٌ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ إنْ كَانَ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ يَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ مَا نَقَصَ يَوْمَ الْقَبْضِ وَإِنْ كَانَ مِثْلِيًّا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ نُقْصَانَهُ لِشُبْهَةِ الرِّبَا اهـ. وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ بَاعَ أَرْضًا بِخِيَارٍ وَتَقَابَضَا فَنَقَضَ الْبَائِعُ فِي الْمُدَّةِ فَتَبْقَى الْأَرْضُ مَضْمُونَةً بِالْقِيمَةِ عَلَى الْمُشْتَرِي وَلَهُ حَبْسُهَا لِثَمَنٍ دَفَعَهُ إلَى الْبَائِعِ فَلَوْ أَذِنَ الْبَائِعُ بَعْدَهُ لِلْمُشْتَرِي فِي زِرَاعَتِهَا فَزَرَعَهَا تَصِيرُ الْأَرْضُ أَمَانَةً عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَلِلْبَائِعِ أَخْذُهَا مِنْهُ مَتَى شَاءَ قَبْلَ أَدَاءِ الثَّمَنِ وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي حَسْبُهَا بِالثَّمَنِ لِأَنَّهُ لَمَّا زَرَعَهَا صَارَ كَأَنَّهُ سَلَّمَهَا إلَى الْبَائِعِ اهـ. وَأَمَّا الثَّانِي أَعْنِي الْمُشَبَّهَ بِهِ وَهُوَ الْمَقْبُوضُ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ فَأَطْلَقَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَقَيَّدَهُ فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ بِأَنْ يُسَمَّى ثَمَنُهُ وَعِبَارَةُ الصَّدْرِ الشَّهِيدِ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى الْمَقْبُوضُ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ إنَّمَا يَكُونُ مَضْمُونًا إذَا كَانَ الثَّمَنُ مُسَمًّى نَصَّ عَلَيْهِ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي بُيُوعِ الْعُيُونِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ إذَا قَالَ اذْهَبْ بِهَذَا الثَّوْبِ فَإِنْ رَضِيتَهُ اشْتَرَيْتَهُ فَذَهَبَ بِهِ فَهَلَكَ لَا يُضْمَنُ وَإِنْ قَالَ إنْ رَضِيتَهُ اشْتَرَيْته   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ فَعَدَمُ إرْثِهِ دَلِيلٌ عَلَى الِاقْتِصَارِ) قَالَ فِي النَّهْرِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ قَوْلَ الْخَانِيَّةِ الْمَارَّ أَنَّ الْأَوْلَادَ وَالْإِكْسَابَ إلَخْ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا يُعَيِّنُ كَوْنَهُ مُسْتَنِدًا وَبِهِ صَرَّحَ الشَّارِحُ فِي الزَّوَائِدِ وَإِنَّمَا لَمْ يَسْتَنِدْ الْإِرْثُ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا كَالْعِتْقِ إذْ سَبَبُهُ إنَّمَا هُوَ الْقَرَابَةُ فَتَدَبَّرْهُ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 10 بِعَشَرَةٍ فَذَهَبَ بِهِ فَهَلَكَ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ الْقِيمَةَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَذَكَرَ الطَّرَسُوسِيُّ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ بَعْدَ ذِكْرِ مَنْقُولَاتٍ فَتَحَرَّرَ أَنَّهُ مَضْمُونٌ إنْ ذَكَرَ الثَّمَنَ حَالَةَ الْمُسَاوَمَةِ وَالْمُرَادُ بِذِكْرِ الثَّمَنِ فِيهِ مِنْ جَانِبِ الْمُشْتَرِي لَا مِنْ جَانِبِ الْبَائِعِ وَحْدَهُ فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْقُنْيَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ لَهُ هَذَا الثَّوْبُ بِعَشَرَةٍ فَقَالَ هَاتِهِ حَتَّى أَنْظُرَ إلَيْهِ فَإِنْ رَضِيته أَخَذْته بِعَشَرَةٍ فَضَاعَ فَهُوَ عَلَى ذَلِكَ الثَّمَنِ فَجَعَلَ ذِكْرَ الْبَائِعِ وَحْدَهُ لَيْسَ بِمُوجِبٍ لِلضَّمَانِ وَكَذَا فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي ذَكَرَ بَعْدَ هَذِهِ لَوْ قَالَ إنْ رَضِيته أَخَذْته بِعَشَرَةٍ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ وَلَوْ قَالَ صَاحِبُ الثَّوْبِ هُوَ بِعَشْرَةٍ فَقَالَ الْمُسَاوِمُ حَتَّى أَنْظُرَ إلَيْهِ وَقَبَضَهُ وَضَاعَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ فَعَلِمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ ذِكْرُ الثَّمَنِ مِنْ جِهَةِ الْمُسَاوِمِ لَا مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ وَحْدَهُ إلَى آخِرِ مَا أَطَالَ فِيهِ وَقَالَ فَلْيُعْتَنَ بِهَذَا التَّحْرِيرِ فَإِنَّهُ فَائِدَةٌ جَلِيلَةٌ قُلْتُ: هُوَ خَطَأٌ وَبَيَانُ الثَّمَنِ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ وَحْدَهُ إذَا أَخَذَهُ الْمُشْتَرِي بَعْدَهُ عَلَى وَجْهِ السَّوْمِ كَافٍ لِضَمَانِهِ. قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ طَلَبَ مِنْ رَجُلٍ ثَوْبًا لِيَشْتَرِيَ فَأَعْطَاهُ الْبَائِعُ ثَلَاثَةَ أَثْوَابٍ فَقَالَ هَذَا بِعَشَرَةٍ وَهَذَا بِعِشْرِينَ وَهَذَا بِثَلَاثِينَ فَاحْمِلْ الثِّيَابَ إلَى مَنْزِلِك فَأَيَّ ثَوْبٍ تَرْضَى بِعْتُهُ مِنْكَ فَحَمَلَ فَهَلَكَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ إنْ هَلَكَتْ الْكُلُّ جُمْلَةً أَوْ عَلَى التَّعَاقُبِ وَلَا يَدْرِي الَّذِي هَلَكَ أَوَّلًا وَلَا الَّذِي بَعْدَهُ ضَمِنَ الْمُشْتَرِي ثُلُثَ كُلِّ ثَوْبٍ وَإِنْ عَرَفَ الْأَوَّلَ لَزِمَهُ ذَلِكَ الثَّوْبُ وَالثَّوْبَانِ أَمَانَةٌ عِنْدَهُ وَإِنْ هَلَكَتْ الثَّوْبَانِ وَبَقِيَ الثَّالِثُ فَإِنَّهُ يَرُدُّ الثَّالِثَ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ وَأَمَّا الثَّوْبَانِ يَلْزَمُهُ نِصْفُ ثَمَنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إذَا كَانَ لَا يَعْلَمُ أَيَّهَا هَلَكَ أَوَّلًا وَإِنْ هَلَكَ وَاحِدٌ وَبَقِيَ ثَوْبَانِ يَلْزَمُهُ ثَمَنُ الْهَالِكِ وَيَرُدُّ الثَّوْبَيْنِ وَإِنْ احْتَرَقَ الثَّوْبَانِ وَنَقَصَ الثَّالِثُ ثُلُثُهُ أَوْ رُبْعُهُ وَلَا يَعْلَمُ أَيَّهمَا احْتَرَقَ أَوَّلًا يَرُدُّ مَا بَقِيَ مِنْ الثَّالِثِ وَلَا يَضْمَنُ نُقْصَانَ الْحَرْقِ بِقَدْرِهِ وَيَلْزَمُهُ نِصْفُ ثَمَنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الثَّوْبَيْنِ اهـ. فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ بَيَانَ الثَّمَنِ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ يَكْفِي لِلضَّمَانِ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ اذْهَبْ بِهِ إنْ رَضِيَتْهُ اشْتَرَيْت فَذَهَبَ بِهِ فَضَاعَ لَا يَضْمَنُ وَلَوْ قَالَ إنْ رَضِيته اشْتَرَيْته بِعَشَرَةٍ فَذَهَبَ بِهِ وَضَاعَ ضَمِنَ اهـ. وَهَذَا صَرِيحٌ فِيمَا قُلْنَاهُ وَقَدْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ الْمَقْبُوضُ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ بِالْمَقْبُوضِ عَلَى وَجْهِ النَّظَرِ فَإِنْ فِيمَا نَقَلَهُ عَنْ الْقُنْيَةِ إنَّمَا قَالَ الْمُسَاوِمُ حَتَّى أَنْظُرَ إلَيْهِ وَالْمَقْبُوضُ عَلَى وَجْهِ النَّظَرِ أَمَانَةٌ وَمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ أَصْحَابِ الْفَتَاوَى إنَّمَا قَالَ إنْ رَضِيته اشْتَرَيْته وَالدَّلِيلُ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا مَا فِي الْخَانِيَّةِ قَالَ وَلَوْ أَخَذَ ثَوْبًا عَلَى الْمُسَاوَمَةِ فَدَفَعَهُ إلَيْهِ الْبَائِعُ وَهُوَ يُسَاوِمُهُ وَالْبَائِعُ يَقُولُ هُوَ بِعَشَرَةٍ فَهُوَ عَلَى الثَّمَنِ الَّذِي قَالَ الْبَائِع حَتَّى يَرُدَّ عَلَيْهِ الْمُشْتَرِي وَإِنْ سَاوَمَهُ فَقَالَ الْمُشْتَرِي حَتَّى أَنْظُرَ إلَيْهِ فَدَفَعَهُ فَضَاعَ مِنْهُ فَلَيْسَ عَلَى الْمُشْتَرِي شَيْءٌ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَخَذَهُ لِلنَّظَرِ وَإِنْ أَخَذَهُ عَلَى غَيْرِ النَّظَرِ ثُمَّ قَالَ حَتَّى أَنْظُرَ إلَيْهِ فَقَوْلُهُ حَتَّى أَنْظُرَ إلَيْهِ لَا يُخْرِجُهُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَهَذَا صَرِيحٌ فِيمَا قُلْنَاهُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ صَادِرٌ مِنْ الْمُشْتَرِي لَا مِنْ الْبَائِعِ فَكَانَ شَاهِدًا عَلَيْهِ لَا لَهُ نَعَمْ مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْخَانِيَّةِ صَرِيحٌ فِيمَا قَالَهُ فَتَأَمَّلْ. اهـ. قُلْتُ: وَنَقَلَ الطَّرَسُوسِيُّ عَنْ الْخَانِيَّةِ أَيْضًا رَجُلٌ يَبِيعُ سِلْعَةً فَقَالَ لِغَيْرِهِ اُنْظُرْ فِيهَا فَأَخَذَهَا لِيَنْظُرَ فِيهَا فَهَلَكَتْ فِي يَدِهِ لَا يَضْمَنُ وَإِنْ قَالَ النَّاظِرُ بَعْدَمَا نَظَرَ بِكَمْ تَبِيعُ قَالُوا يَكُونُ ضَامِنًا وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ ضَامِنًا إلَّا إذَا قَالَ صَاحِبُ السِّلْعَةِ بِكَذَا. اهـ. وَأَوَّلَهُ الطَّرَسُوسِيُّ بِمَا إذَا قَالَ الْمُشْتَرِي أَيْضًا بِكَذَا لِيُوَافِقَ مَا حَمَلَ عَلَيْهِ كَلَامَهُمْ مِنْ عَدَمِ الِاكْتِفَاءِ بِبَيَانِ الثَّمَنِ مِنْ الْبَائِعِ فَقَطْ وَهَذَا يُبْعِدُ مَا فِي شَرْحِ نَظْمِ الْكَنْزِ لِلْعَلَّامَةِ الْمَقْدِسِيَّ مِنْ أَنَّ الْمُؤَلِّفَ لَمْ يَدْرِ مُرَادَ الطَّرَسُوسِيِّ فَحَمَلَهُ عَلَى الْخَطَأِ وَذَلِكَ أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَسْمِيَةِ الثَّمَنِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا أَمَّا الْأَوَّلُ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا الثَّانِي فَبِأَنْ يُسَمِّيَ أَحَدُهُمَا وَيَصْدُرَ مِنْ الْآخَرِ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا بِهِ كَمَا فِي قَوْلِهِ هَاتِهِ فَإِنْ رَضِيتُهُ أَخَذْتُهُ بِعَشَرَةٍ فَإِنَّ تَسْلِيمَهُ بَعْدَ قَوْلِهِ دَلِيلُ الرِّضَا بِخِلَافِ قَوْلِهِ حَتَّى أَنْظُرَ فَإِنَّهُ لَمْ يُوَافِقْهُ عَلَى مَا سَمَّى بَلْ جَعَلَهُ مُغَيًّا بِالنَّظَرِ وَأَعْرَضَ عَمَّا سَمَّى وَجَمِيعُ مَا ذَكَرُوهُ وَفِيهِ تَسْمِيَةُ أَحَدِهِمَا وَحَكَمُوا بِالضَّمَانِ فَهُوَ مِنْ ذَلِكَ الْقِسْمِ الثَّانِي عِنْدَ التَّأَمُّلِ وَمَنْ نَظَرَ عِبَارَةَ الطَّرَسُوسِيِّ وَجَدَهَا تُنَادِي بِمَا ذَكَرْنَاهُ اهـ. وَلَمْ أَرَ فِي كَلَامِ الطَّرَسُوسِيِّ مَا يُنَادِي بِمَا ذَكَرَهُ بَلْ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ أَنَّ الضَّمَانَ فِيمَا لَوْ ذَكَرَ الْبَائِعُ وَالْمُسَاوِمُ فِي حَالَةِ الْمُسَاوِمَةِ ثَمَنًا أَوْ ذَكَرَهُ الْمُشْتَرِي وَحْدَهُ وَقَالَ أَيْضًا وَلَوْ كَانَ يَكْتَفِي بِذَكَرِ الثَّمَنِ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ وَحْدَهُ لَكَانَ يَجِبُ الضَّمَانُ فِي قَوْلِهِمْ قَالَ صَاحِبُ الثَّوْبِ هُوَ بِعَشَرَةٍ أَوْ خُذْهُ بِعَشَرَةٍ وَقَالَ الْمُسَاوِمُ هَاتِهِ حَتَّى أَنْظُرَ إلَيْهِ وَقَبَضَهُ وَضَاعَ وَهَلَكَ فِي يَدِهِ أَنَّهُ يَضْمَنُ وَقَدْ نَصُّوا فِي جَمِيعِ الْكُتُبِ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ وَنَصُّوا فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ الَّتِي فِيهَا ذِكْرُ الثَّمَنِ مِنْ جِهَةِ الْمُسَاوِمِ وَحْدَهُ أَنَّهُ يَضْمَنُ. اهـ. وَبَعْدَ هَذَا فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ هُوَ مَا قَالَهُ الْمَقْدِسِيَّ وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا مِنْ كَلَامِ الطَّرَسُوسِيِّ وَذَلِكَ أَنَّ التَّسْمِيَةَ إذَا كَانَتْ مِنْ الْمُشْتَرِي تَصِحُّ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْبَائِعَ لَمَّا سَلَّمَهُ الْمَبِيعَ صَارَ رَاضِيًا بِهَا فَكَذَا إذَا كَانَتْ مِنْ الْبَائِعِ وَقَبَضَهُ الْمُشْتَرِي رَاضِيًا بِهَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 11 عَنْ الضَّمَانِ اهـ. فَهَذَا صَرِيحٌ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَفِي الذَّخِيرَةِ مَعْزِيًّا لِأَبِي يُوسُفَ رَجُلٌ سَاوَمَ رَجُلًا بِثَوْبٍ فَقَالَ صَاحِبُ الثَّوْبِ هُوَ بِعَشَرَةٍ فَقَالَ الْمُسَاوِمُ هَاتِهِ حَتَّى أَنْظُرَ إلَيْهِ فَدَفَعَهُ إلَيْهِ عَلَى ذَلِكَ فَضَاعَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ عَلَّلَ فَقَالَ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ عَلَى النَّظَرِ إشَارَةً إلَى أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِمَقْبُوضٍ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ اهـ. فَهَذَا صَرِيحٌ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا أَيْضًا وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ رَجُلٌ قَالَ هَذَا الثَّوْبُ لَك بِعَشَرَةٍ فَقَالَ هَاتِهِ حَتَّى أَنْظُرَ إلَيْهِ أَوْ قَالَ حَتَّى أُرِيَهُ غَيْرِي فَأَخَذَهُ عَلَى ذَلِكَ فَضَاعَ فِي يَدِهِ لَمْ يَضْمَنْ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَلَوْ قَالَ هَاتِهِ فَإِنْ رَضِيتُهُ أَخَذْتُهُ فَضَاعَ كَانَ عَلَيْهِ الثَّمَنُ اهـ. وَهَذَا صَرِيحٌ أَيْضًا فَثَبَتَ بِهَذِهِ النُّقُولِ مِنْ الْكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ بَيْنَ بَيَانِ الثَّمَنِ مِنْ الْبَائِعِ أَوْ مِنْ الْمُشْتَرِي وَحْدَهُ وَلَقَدْ صَدَقَ خِتَامُ الْمُحَقِّقِينَ ابْنُ الْهُمَامِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ حَيْثُ قَالَ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ إنَّ الطَّرَسُوسِيَّ بَعِيدٌ عَنْ الْفِقْه ثُمَّ رَأَيْت الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا أَيْضًا صَرِيحًا فِي فُرُوقِ الْكَرَابِيسِيِّ وَمِنْهَا نَقَلْت قَالَ لَوْ قَالَ هَذَا الثَّوْبُ لَك بِعَشَرَةٍ فَقَالَ هَاتِهِ حَتَّى أَنْظُرَ إلَيْهِ أَوْ حَتَّى أُرِيَهُ غَيْرِي فَأَخَذَهُ فَضَاعَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ يَعْنِي يَهْلِكُ أَمَانَةً وَإِنْ قَالَ هَاتِهِ حَتَّى أَنْظُرَ إلَيْهِ فَإِنْ رَضِيتُهُ أَخَذْتُهُ فَهَلَكَ فَعَلَيْهِ الثَّمَنُ وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ أَمَرَهُ لِيَنْظُرَ إلَيْهِ أَوْ لِيُرِيَهُ غَيْرَهُ وَذَلِكَ لَيْسَ بِبَيْعٍ فَأَمَّا فِي الْفَصْلِ الْآخَرِ أَمَرَهُ بِالْإِتْيَانِ بِهِ لِيَرْضَاهُ وَيَأْخُذَهُ وَذَلِكَ بَيْعٌ بِدُونِ الْأَمْرِ فَمَعَ الْأَمْرِ أَوْلَى. اهـ. وَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْهَلَاكِ أَوْ الِاسْتِهْلَاكِ وَمَا فِي الذَّخِيرَةِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمَقْبُوضَ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ مَضْمُونٌ بِالثَّمَنِ مَحْمُولٌ عَلَى الْقِيمَةِ وَمَا ذَكَرَهُ الطَّرَسُوسِيُّ مِنْ أَنَّهُ إنْ هَلَكَ فَمَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ وَإِنْ اسْتَهْلَكَهُ فَمَضْمُونٌ بِالثَّمَنِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ إذَا أَخَذَ ثَوْبًا عَلَى وَجْهِ الْمُسَاوَمَةِ بَعْدَ بَيَانِ الثَّمَنِ فَهَلَكَ فِي يَدِهِ كَانَ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ. وَكَذَا لَوْ اسْتَهْلَكَهُ وَارِثُ الْمُشْتَرِي بَعْدَ مَوْتِ الْمُشْتَرِي. اهـ. وَالْوَارِثُ كَالْمُوَرِّثِ وَأَمَّا مَقْبُوضُ الْوَكِيلِ بِالسَّوْمِ فَقَالَ فِي الْخَانِيَّةِ الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ إذَا أَخَذَ الثَّوْبَ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ فَأَرَاهُ الْمُوَكِّلَ وَلَمْ يَرْضَ بِهِ وَرَدَّهُ عَلَيْهِ فَهَلَكَ عِنْدَ الْوَكِيلِ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ ضَمِنَ الْوَكِيلُ قِيمَتَهُ وَلَا يَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْمُوَكِّلِ إلَّا أَنْ يَأْمُرَهُ الْوَكِيلُ بِالْأَخْذِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ فَحِينَئِذٍ إذَا ضَمِنَ الْوَكِيلُ رَجَعَ عَلَى الْمُوَكِّلِ اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ غَلِطَ وَسَلَّمَ غَيْرَ الْمَبِيعِ وَهَلَكَ ضَمِنَ الْقِيمَةَ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ عَلَى جِهَةِ الْبَيْعِ بَعَثَ رَسُولًا إلَى الْبَزَّازِ وَقَالَ ابْعَثْ إلَيَّ ثَوْبَ كَذَا فَبَعَثَ إلَيْهِ الْبَزَّازَ مَعَهُ أَوْ مَعَ غَيْرِهِ فَضَاعَ الثَّوْبُ قَبْلَ الْوُصُولِ إلَى الْآمِرِ وَتَصَادَقُوا عَلَيْهِ لَا ضَمَانَ عَلَى الرَّسُولِ ثُمَّ إنْ كَانَ رَسُولَ الْآمِرِ فَالضَّمَانُ عَلَى الْآمِرِ وَإِنْ كَانَ رَسُولَ الْبَزَّازِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى أَحَدٍ لَكِنْ إذَا وَصَلَ إلَى الْآمِرِ ضَمِنَ الْآمِرُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ فَأَمَّا فِي الْفَصْل الْآخَرِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَأَقُولُ: فِي التَّتَارْخَانِيَّة أَخَذَ رَجُلٌ ثَوْبًا وَقَالَ أَذْهَبُ بِهِ فَإِنْ رَضِيتُهُ اشْتَرَيْتُهُ فَذَهَبَ بِهِ وَضَاعَ الثَّوْبُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَوْ قَالَ إنْ رَضِيتُهُ أَخَذْتُهُ بِعَشَرَةٍ فَضَاعَ فَهُوَ ضَامِنٌ قِيمَتَهُ وَفِي النِّصَابِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَقْبُوضَ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ إنَّمَا يَكُونُ مَضْمُونًا إذَا كَانَ الثَّمَنُ مُسَمًّى اهـ. وَهَذَا بِالْقَوَاعِدِ أَمَسُّ مِمَّا فِي فُرُوقِ الْكَرَابِيسِيِّ مِنْ أَنَّهُ فِي الثَّانِي يَكُونُ بَيْعًا اهـ. (قَوْلُهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ إذْ الطَّرَسُوسِيُّ لَمْ يَذْكُرْهُ تَفَقُّهًا بَلْ نَقْلًا عَنْ الْمَشَايِخِ صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُنْتَقَى وَعَلَّلَهُ فِي الْمُحِيطِ بِأَنَّهُ صَارَ رَاضِيًا بِالْمَبِيعِ دَلَالَةً حَمْلًا لِقَوْلِهِ عَلَى الصَّلَاحِ وَالسَّدَادِ وَعَزَاهُ فِي الْخِزَانَةِ أَيْضًا إلَى الْمُنْتَقَى غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ وَفِي الْقِيَاسِ تَجِبُ الْقِيمَةُ قَالَ الطَّرَسُوسِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُزَادَ بِهَا الْمُسَمَّى كَمَا فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ تَجِبَ الْقِيمَةُ بَالِغَةً وَقَدْ صَرَّحُوا بِذَلِكَ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ فَكَذَا هَذَا اهـ. كَلَامُ النَّهْرِ. قُلْتُ: وَلَا يَرِدُ مَا نَقَلَهُ الْمُؤَلِّفُ عَنْ الْخَانِيَّةِ لِأَنَّ الْمُسَاوِمَ إذَا اسْتَهْلَكَ الثَّوْبَ يَكُونُ رَاضِيًا بِالثَّمَنِ الْمَذْكُورِ فَصَحَّ الْبَيْعُ بِالثَّمَنِ بِخِلَافِ اسْتِهْلَاكِ وَارِثِهِ لِأَنَّ الْوَارِثَ غَيْرُ عَاقِدٍ فَقَوْل الْمُؤَلِّفِ وَالْوَارِثُ كَالْمُوَرِّثِ مَمْنُوعٌ يُؤَيِّدُهُ مَا ذَكَرَهُ الطَّرَسُوسِيُّ عَنْ الْمُنْتَقَى لَوْ قَالَ لِآخَرَ خُذْ هَذَا الثَّوْبَ بِعِشْرِينَ فَقَالَ الْمُشْتَرِي آخُذُهُ بِعَشَرَةٍ فَذَهَبَ بِالثَّوْبِ وَهَلَكَهُ فِي يَدِهِ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِجِهَةِ الْبَيْعِ وَقَدْ بَيَّنَ لَهُ ثَمَنًا وَلَوْ اسْتَهْلَكَهُ فَعَلَيْهِ عِشْرُونَ لِأَنَّهُ بِالِاسْتِهْلَاكِ صَارَ الْبَيْعُ بِالْمُسَمَّى دَلَالَةً حَمْلًا لِفِعْلِهِ عَلَى الصَّلَاحِ وَالسَّدَادِ وَلَوْ قَالَ الْبَائِعُ رَجَعْت عَمَّا قُلْتُ: أَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ أَنْ يَقُولَ الْمُشْتَرِي رَضِيتُ انْتَقَضَ جِهَةُ الْبَيْعِ فَإِنْ اسْتَهْلَكَهُ الْمُشْتَرِي بَعْدَ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ كَمَا فِي حَقِيقَةِ الْبَيْعِ لَوْ انْتَقَضَ يَبْقَى الْمَبِيعُ فِي يَدِهِ مَضْمُونًا فَكَذَا هُنَا اهـ. فَحَيْثُ انْتَفَضَ الْبَيْعُ فَكَيْفَ يَكُونُ الْوَارِثُ كَالْمُوَرِّثِ لِأَنَّ الْعَقْدَ صَدَرَ بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُوَرِّثِ وَقَدْ انْتَقَضَ الْبَيْعُ بِمَوْتِهِ فَيَكُونُ الْمَبِيعُ مَحْضَ أَمَانَةٍ فِي يَدِ الْوَارِثِ فَإِذَا اسْتَهْلَكَهُ يَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ بِخِلَافِ اسْتِهْلَاكِ الْمُوَرِّثِ لِأَنَّهُ يَكُونُ رِضًا بِإِمْضَاءِ الْعَقْدِ وَيُفْهَمُ هَذَا مِنْ قَوْلِ الْخَانِيَّةِ وَكَذَا لَوْ اسْتَهْلَكَهُ وَارِثُ الْمُشْتَرِي إلَخْ وَأَنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ الْمُوَرِّثَ لَوْ اسْتَهْلَكَهُ لَا يَكُونُ كَاسْتِهْلَاكِ الْوَارِثِ بَلْ يَلْزَمُهُ الثَّمَنُ لِمَا قُلْنَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 12 وَكَذَا لَوْ أَرْسَلَ إلَى آخَرَ وَقَالَ أَرْسَلَ إلَيَّ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ قَرْضًا فَأَرْسَلَ مَعَهُ فَالْآمِرُ ضَامِنٌ إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ رَسُولُهُ فَإِنْ بَعَثَهُ مَعَ غَيْرِ رَسُولِهِ لَا ضَمَانَ عَلَى الْآمِرِ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ وَكَذَا الدَّائِنُ إذَا بَعَثَ رَسُولًا لِقَبْضِ دَيْنِهِ فَبَعَثَ مَعَهُ وَضَاعَ يَكُونُ مِنْ مَالِ الدَّائِنِ وَإِنْ مَعَ الْآخَرِ لَا حَتَّى يَصِلَ إلَيْهِ اهـ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمَقْبُوضَ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ إذَا بُيِّنَ ثَمَنُهُ مَضْمُونٌ وَإِنْ اشْتَرَطَ أَنْ لَا ضَمَانَ فِيهِ لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ اسْتِبَاع قَوْسًا وَتَقَرَّرَ الثَّمَنُ فَمَدَّهُ بِإِذْنِ الْبَائِعِ أَوْ قَالَ لَهُ إنْ انْكَسَرَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْك فَمَدَّهُ وَانْكَسَرَ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ وَإِنْ لَمْ يَتَقَرَّرْ الثَّمَنُ فَلَا ضَمَانَ وَلَوْ بِالْإِذْنِ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ عَدَمِ الضَّمَانِ فِي الْمَقْبُوضِ عَلَى السَّوْمِ بَاطِلٌ وَعَنْ الْإِمَامِ أَرَاهُ الدِّرْهَمَ لِيَنْظُرَ إلَيْهِ فَغَمَزَهُ أَوْ قَوْسًا فَمَدَّهُ فَانْكَسَرَ أَوْ ثَوْبًا فَتَخَرَّقَ ضَمِنَ إنْ لَمْ يَأْمُرْهُ بِالْغَمْزِ وَالْمَدِّ وَاللُّبْسِ وَقِيلَ إنْ كَانَ لَا يُرَى إلَّا بِالْغَمْزِ لَا يَضْمَنُ إنْ لَمْ يُجَاوِزْ وَيُصَدَّقُ فِي أَنَّهُ لَمْ يُجَاوِزْ اهـ. وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ الْمَقْبُوضُ عَلَى سَوْمِ الرَّهْنِ مَضْمُونٌ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ وَمَا قَبَضَ عَلَى سَوْمِ الْقَرْضِ مَضْمُونٌ بِمَا سَاوَمَ كَمَقْبُوضٍ عَلَى حَقِيقَتِهِ بِمَنْزِلَةِ مَقْبُوضٍ عَلَى سَوْمِ الْبَيْعِ إلَّا أَنَّ فِي الْبَيْعِ يَضْمَنُ الْقِيمَةَ وَهُنَا يَهْلِكُ الرَّهْنُ بِمَا سَاوَمَهُ مِنْ الْقَرْضِ وَمَا قَبَضَ عَلَى سَوْمِ النِّكَاحِ مَضْمُونٌ يَعْنِي لَوْ قَبَضَ أَمَةَ غَيْرِهِ لِيَتَزَوَّجَهَا بِإِذْنِ مَوْلَاهَا فَهَلَكَتْ فِي يَدِهِ ضَمِنَ قِيمَتَهَا وَالْمَهْرُ قَبْلَ تَسْلِيمِهِ مَضْمُونٌ وَكَذَا بَدَلُ الْخُلْعِ فِي يَدِ الْمَرْأَةِ يَعْنِي لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى عَيْنٍ أَوْ خَالَعَهَا فَهَلَكَتْ قَبْلَ قَبْضِهِ يَلْزَمُهُ مِثْلُهُ فِي الْمِثْلِيِّ وَقِيمَتُهُ فِي الْقِيَمِيِّ اهـ ذَكَرَهُ فِي الثَّلَاثِينَ مِنْهُ. (قَوْلُهُ وَخِيَارُ الْمُشْتَرِي لَا يَمْنَعُ وَلَا يُمْلَكُ) أَيْ لَا يَمْنَعُ خُرُوجَ الْمَبِيعِ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ فَيَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ لِلُزُومِهِ مِنْ جِهَةِ مَنْ لَا خِيَارَ لَهُ فَلَوْ أَعْتَقَهُ الْبَائِعُ لَمْ يَصِحَّ إعْتَاقُهُ وَلَوْ كَانَ الْبَائِعُ حَلَفَ وَقَالَ إنْ بِعْتُهُ فَهُوَ حُرٌّ فَبَاعَهُ بِخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي لَمْ يَعْتِقْ لِخُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ وَلَوْ بَاعَهُ بِخِيَارٍ لَهُ عَتَقَ وَلَا يَمْلِكُهُ الْمُشْتَرِي عِنْدَ الْإِمَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَكِنْ يَصِحُّ إعْتَاقُهُ وَيَكُونُ إمْضَاءً كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَفِيهَا بَاعَ عَبْدًا بِجَارِيَةٍ عَلَى أَنَّ بَائِعَ الْعَبْدِ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَأَعْتَقَ الْبَائِعُ الْعَبْدَ فِي الثَّلَاثَةِ أَيَّامٍ نَفَذَ عِتْقُهُ فِي قَوْلِهِمْ وَيَبْطُلُ الْبَيْعُ لِأَنَّهُ أَعْتَقَ مِلْكَ نَفْسِهِ وَإِنْ أَعْتَقَ الْجَارِيَةَ جَازَ وَيَكُونُ إسْقَاطًا لِلْخِيَارِ وَيَتِمُّ وَلَوْ أَعْتَقَهُمَا فِي كَلَامٍ وَاحِدٍ نَفَذَ عِتْقُهُ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ فِيهِمَا وَيَغْرَمُ قِيمَةَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَمَا قُبِضَ عَلَى سَوْمِ الْقَرْضِ) ظَاهِرُهُ أَنَّ هَذَا غَيْرُ مَا قَبْلَهُ مَعَ أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ آخِرِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا قَبْلَهُ فَمَا فِي قَوْلِهِ وَمَا قَبَضَ نَكِرَةٌ بِمَعْنَى رَهْنٍ (قَوْلُهُ وَمَا قَبَضَ عَلَى سَوْمِ النِّكَاحِ مَضْمُونٌ إلَخْ) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَهْرُ مُسَمًّى أَوْ لَا وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ هَذَا إذَا كَانَ الْمَهْرُ مُسَمًّى قِيَاسًا عَلَى الْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ مَضْمُونًا إلَّا بَعْدَ تَسْمِيَةِ الثَّمَنِ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْفَتْوَى فَيَكُونُ الْمَقْبُوضُ عَلَى سَوْمِ النِّكَاحِ مَضْمُونًا إذَا كَانَ الْمَهْرُ مُسَمًّى وَإِلَّا فَلَا وَلَمْ أَرَ فِي الْمَسْأَلَةِ نَقْلًا غَيْرَ أَنَّ إطْلَاقَ الْعِبَارَةُ يَقْتَضِي الضَّمَانَ مُطْلَقًا إلَّا أَنْ يُوجَدَ نَقْلٌ صَرِيحٌ بِخِلَافِهِ وَعَلَيْهِ فَيَحْتَاجُ لِلْفَرْقِ بَيْنَهُمَا فَإِنَّهُ لَا يُضْمَنُ إلَّا بَعْدَ تَسْمِيَةِ الثَّمَنِ. وَكَذَا الْمَقْبُوضُ عَلَى سَوْمِ الرَّهْنِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ مَضْمُونًا إلَّا إذَا سَمَّى مَا يَرْهَنُ بِهِ فِي الْأَصَحِّ فَيَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا أَيْضًا قَالَ وَقَدْ ظَهَرَ لِي فَرْقٌ بَيْنَ الْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ وَالْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الرَّهْنِ وَبَيْنَ الْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ النِّكَاحِ وَهُوَ أَنَّ الْمَهْرَ مُقَدَّرٌ شَرْعًا مِنْ حَيْثُ هُوَ وَالْمُقَدَّرُ شَرْعًا مُسَمًّى شَرْعًا وَالْمُسَمَّى شَرْعًا مُعْتَبَرٌ مُطْلَقًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَ عَلَى أَنْ لَا مَهْرَ صَحَّ وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ وَلَوْ اشْتَرَى عَلَى أَنْ لَا ثَمَنَ كَانَ بَاطِلًا اعْتِبَارًا لِلتَّسْمِيَةِ الشَّرْعِيَّةِ فِي الْمَهْرِ وَلِذَا كَانَ الْمَقْبُوضُ عَلَى سَوْمِ النِّكَاحِ مَضْمُونًا سَوَاءٌ سَمَّى الْمَهْرَ أَوْ لَا لِأَنَّهُ مُسَمًّى شَرْعًا فَاعْتُبِرَ ذَلِكَ لِوُجُوبِ الضَّمَانِ بِخِلَافِ الثَّمَنِ وَمَا يَرْهَنُ بِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُقَدَّرٍ شَرْعًا فَلَا بُدَّ مِنْ التَّسْمِيَةِ لِوُجُوبِ الضَّمَانِ فِيهَا اهـ. وَرَدَّهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ قَائِلًا لَمْ يَظْهَرْ لِي هَذَا الْفَرْقُ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ إنَّمَا وَجَبَتْ الْقِيمَةُ فِيهِ إذَا سُمِّيَ الثَّمَنُ فَيَهْلِكُ الْمَقْبُوضُ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الثَّمَنِ وَالْقِيمَةِ هُوَ بَدَلُ الْعَيْنِ فَلِمَا سُمِّيَ أَحَدُهُمَا وَجَبَ الْآخَرُ وَأَمَّا الْمَهْرُ وَإِنْ كَانَ مُسَمًّى شَرْعًا فَلَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْقِيمَةِ لِأَنَّ الْمَهْرَ بَدَلُ الْمُتْعَةِ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ وَالْقِيمَةُ بَدَلُ الْعَيْنِ فَلَا مُنَاسَبَةَ بَيْنَ الْمَهْرِ وَالْقِيمَةِ فَلَا تُوجِبُ تَسْمِيَةُ أَحَدِهِمَا الْآخَرَ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ فَلَا دَخْلَ لِتَسْمِيَةِ الْمَهْرِ شَرْعًا فِي وُجُوبِ الْقِيمَةِ كَمَا لَا يَخْفَى عَنْ التَّأَمُّلِ قَالَ وَاَلَّذِي ظَهَرَ لِي فِي الْفَرْقِ هُوَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْمَقْصُودُ فِي الْبَيْعِ الْمَالَ كَانَ عَدَمُ ذِكْرِ الثَّمَنِ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ إنَّمَا دَفَعَهُ لِلْمُسْتَامِ عَلَى وَجْهِ الْأَمَانَةِ وَالْمُسْتَامُ إنَّمَا قَبَضَهُ كَذَلِكَ وَأَمَّا إذَا سَمَّى ثَمَنًا فَهُوَ مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ لِأَنَّهُ مَتَى بَيَّنَ ثَمَنًا يَكُونُ الِاسْتِيَامُ أَخْذًا لِلْعَقْدِ فَيَكُونُ وَسِيلَةَ الْعَقْدِ فَأُلْحِقَ بِحَقِيقَةِ الْعَقْدِ فِي حَقِّ الضَّمَانِ لِلضَّرَرِ عَنْ الْمَالِكِ لِأَنَّهُ مَا رَضِيَ بِقَبْضِهِ إلَّا بِعِوَضٍ فَصَارَ الْقَابِضُ مُلْتَزِمًا لِلْعِوَضِ وَعِوَضُهُ الْأَصْلِيُّ هُوَ الْقِيمَةُ مَا لَمْ يَصْطَلِحَا وَيَتَّفِقَا عَلَى الْمُسَمَّى. وَصَرَّحَ فِي الدُّرَرِ مِنْ كِتَابِ الْمُضَارَبَةِ بِأَنَّ الْمَقْبُوضَ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ مَقْبُوضٌ عَلَى وَجْهِ الْمُبَادَلَةِ وَمَتَى لَمْ يُبَيِّنْ ثَمَنًا لَمْ يَكُنْ أَخْذُهُ لِلْعَقْدِ فَلَا يُمْكِنُ إلْحَاقُهُ بِهِ كَذَا فِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 13 الْجَارِيَةِ وَلَا يَنْفُذُ إعْتَاقُ الْمُشْتَرِي فِي الْعَبْدِ وَلَا فِي الْجَارِيَةِ وَلَوْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي انْعَكَسَتْ الْأَحْكَام اهـ. وَقَالَا يَمْلِكُهُ لِأَنَّهُ لَمَّا خَرَجَ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ فَلَوْ لَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي يَكُونُ زَائِلًا لَا إلَى مَالِكٍ وَلَا عَهْدَ لَنَا بِهِ فِي الشَّرْعِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَخْرُجْ الثَّمَنُ عَنْ مِلْكِهِ فَلَوْ قُلْنَا بِأَنَّهُ يَدْخُلُ الْمَبِيعُ فِي مِلْكِهِ لَاجْتَمَعَ الْبَدَلَانِ فِي مِلْكِ رَجُلٍ وَاحِدٍ حُكْمًا لِلْمُعَاوَضَةِ وَلَا أَصْلَ لَهُ فِي الشَّرْعِ لِأَنَّ الْمُعَاوَضَةَ تَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ وَلِأَنَّ الْخِيَارَ شُرِعَ نَظَرًا لِلْمُشْتَرِي لِيَتَرَوَّى فَيَقِفَ عَلَى الْمَصْلَحَةِ فَلَوْ ثَبَتَ الْمِلْكُ رُبَّمَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارِهِ بِأَنْ كَانَ قَرِيبَهُ فَيَفُوتُ النَّظَرُ وَأُورِدَ عَلَى قَوْلِهِ لُزُومُ السَّائِبَةِ وَرُدَّ بِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي لَا مِلْكَ فِيهَا لِأَحَدٍ وَلَا عُلْقَةَ مِلْكٍ وَالْعُلْقَةُ مَوْجُودَةٌ هُنَا وَأُورِدَ أَيْضًا اسْتِحْقَاقُ الشُّفْعَةِ بِمَا بِيعَ بِخِيَارٍ لِلْمُشْتَرِي وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى مِلْكِهِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهَا لَمْ يَنْحَصِرْ فِي الْمِلْكِ بَلْ هُوَ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ كَوْنِهِ أَحَقَّ بِهَا تَصَرُّفًا بِدَلِيلِ صِحَّةِ إعْتَاقِهِ كَاسْتِحْقَاقِ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهَا مَعَ أَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ حَقِيقَةً وَهُوَ تَكَلُّفٌ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِمَا سَيَأْتِي أَنَّ الْبَيْعَ يَنْبَرِمُ فِي ضِمْنِ طَلَبِ الشُّفْعَةِ فَيَثْبُتُ مُقْتَضًى تَصْحِيحًا ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُمَا فِي دَلِيلِهِمَا وَلَا عَهْدَ لَنَا بِهِ فِي الشَّرْعِ مَعْنَاهُ فِي بَابِ التِّجَارَةِ وَالْمُعَاوَضَاتِ فَانْدَفَعَ عَنْهُمَا مَا أُورِدَ مِنْ شِرَاءِ مُتَوَلِّي أَمْرِ الْكَعْبَةِ إذَا اشْتَرَى عَبْدًا لِخِدْمَتِهَا وَعَبْدُ الْوَقْفِ إذَا ضَعُفَ وَبِيعَ وَاشْتَرَى بِبَدَلِهِ آخَرَ لَمْ يَمْلِكْهُ الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْأَوْقَافِ. وَكَذَا لَا تَرِدُ التَّرِكَةُ الْمُسْتَغْرَقَةُ بِالدَّيْنِ فَإِنَّهَا تَخْرُجُ عَنْ مِلْكِ الْمَيِّتِ وَلَا تَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْوَرَثَةِ وَالْغُرَمَاءِ لِلْقَيْدِ الْمَذْكُورِ وَأَمَّا حُكْمُ جِنَايَةِ الْعَبْدِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ فَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ فَأَجَازَ الْبَيْعَ لَمْ يَكُنْ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ وَخُيِّرَ الْمُشْتَرِي بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ وَإِنْ فَسَخَ الْبَيْعَ خُيِّرَ الْبَائِعُ كَذَلِكَ وَفِي الْأَوَّلِ إنَّمَا يُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ إذَا اخْتَارَ إمْضَاءَ الْبَيْعِ فَإِنْ اخْتَارَ الْمُشْتَرِي فَسْخَهُ فَالْخِيَارُ لِلْبَائِعِ لِلْعَيْبِ الْحَادِثِ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَإِنْ كَانَتْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَالْبَائِعُ عَلَى خِيَارِهِ فَإِنْ أَجَازَ ثَبَتَ الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ وَخُيِّرَ بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ فَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فَجَنَى فِي يَدِهِ فِي مُدَّتِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى بَائِعِهِ وَلَوْ بِيعَتْ دَارٌ بِخِيَارٍ لِأَحَدِهِمَا فَوُجِدَ فِيهَا قَتِيلٌ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ ذِي الْيَدِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا عَلَى مَنْ يَصِيرُ الْمِلْكُ لَهُ وَلَا يَكُونُ وُجُودُ الْقَتِيلِ عَيْبًا فَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي بِخِلَافِ جِنَايَةِ الْعَبْدِ الْمَبِيعِ فَإِنَّهَا عَيْبٌ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة. وَقَوْلُ الْإِمَامِ وَلَا أَصْلَ لَهُ فِي الشَّرْعِ مَعْنَاهُ فِي الْمُعَاوَضَةِ فَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ الْمُدَبَّرُ إذَا غُصِبَ وَضَمِنَ الْغَاصِبُ قِيمَتَهُ فَإِنَّهُ يَمْلِكُهُ فَقَدْ اجْتَمَعَ الْعِوَضَانِ فِي مِلْكِ السَّيِّدِ لِأَنَّهُ ضَمَانُ جِنَايَةٍ لَا ضَمَانُ مُعَاوَضَةٍ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ وَفَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ بَابُ السَّلَمِ فَإِنَّ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ مَلَكَ رَأْسَ مَالِ السَّلَمِ وَالْمُسْلَمَ فِيهِ فَقَدْ اجْتَمَعَا فِي الْمُعَاوَضَةِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ دَيْنٌ لِرَبِّ السَّلَمِ فِي ذِمَّةِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ فَهُوَ كَالثَّمَنِ يَمْلِكُهُ الْبَائِعُ فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي وَأُورِدَ الْمَنَافِعُ وَالْأُجْرَةُ الْمُعَجَّلَةُ مَلَكَهُمَا الْمُؤَجِّرُ وَأُجِيبَ بِأَنَّهَا مَعْدُومَةٌ فَلَا مِلْكَ لَهَا وَإِذَا حَدَثَتْ مَلَكَهَا الْمُسْتَأْجِرُ كَذَا فِي الْبِنَايَةِ قَيَّدَ بِالْمَبِيعِ لِأَنَّ الثَّمَنَ لَا يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِ الْمُشْتَرِي إجْمَاعًا كَمَا بَيَّنَّاهُ وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَالنَّفَقَةُ تَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالْإِجْمَاعِ إذَا كَانَ الْخِيَارُ لَهُ بِخُرُوجِ الْمَبِيعِ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ وَلَوْ تَصَرَّفَ الْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيعِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ وَالْخِيَارُ لَهُ جَازَ تَصَرُّفُهُ إجْمَاعًا وَيَكُونُ إجَازَةً مِنْهُ اهـ. وَفِي الْخُلَاصَةِ أَنَّ زَوَائِدَ الْمَبِيعِ مَوْقُوفَةٌ إنْ تَمَّ الْبَيْعُ كَانَتْ لِلْمُشْتَرِي وَإِنْ فَسَخَ لِلْبَائِعِ اهـ. وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ لَوْ رَهَنَ بِالثَّمَنِ رَهْنًا جَازَ الرَّهْنُ بِهِ اهـ. فَإِنْ قُلْتُ: ذَكَرَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَيْضًا أَنَّ الْخِيَارَ إذَا كَانَ لِلْمُشْتَرِي فَأَبْرَأهُ الْبَائِعُ عَنْ الثَّمَنِ لَمْ يَجُزْ إبْرَاؤُهُ. اهـ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ جَوَازُهُ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحُّ الرَّهْنُ أَيْضًا قُلْتُ: الْإِبْرَاءُ يَعْتَمِدُ الدَّيْنَ وَلَا دَيْنَ لَهُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الثَّمَنَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ وَالرَّهْنُ لَا يُشْتَرَطُ لَهُ وُجُودُ الدَّيْنِ حَقِيقَةً بِدَلِيلِ صِحَّتِهِ عَلَى الدَّيْنِ الْمَوْعُودِ بِهِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ   [منحة الخالق] الْحَوَاشِي الْحَمَوِيَّةِ مِنْ النِّكَاحِ أَقُولُ: وَمَا ذَكَرَهُ آخِرًا مِنْ الْفَرْقِ إنَّمَا هُوَ فِي جَانِبِ الْبَيْعِ وَأَمَّا فِي جَانِبِ النِّكَاحِ فَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ مَعَ أَنَّهُ مَحَلُّ الْخَفَاءِ فَلَمْ يَتَحَصَّلْ مِنْ كَلَامِهِ فَائِدَةٌ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ الرَّهْنُ أَيْضًا) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ لَمْ يَجُزْ إبْرَاؤُهُ وَقَوْلُهُ قُلْتُ: إلَخْ جَوَابٌ عَنْهُ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 14 فِيمَا كَتَبْنَاهُ مِنْ حَوَاشِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَلَكِنْ نَقَلَ بَعْدَهُ أَنَّ عَدَمَ صِحَّةِ الْإِبْرَاءِ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَفِي الْمِعْرَاجِ أَنَّ عَدَمَ صِحَّتِهِ قِيَاسٌ وَالِاسْتِحْسَانُ صِحَّتُهُ لِأَنَّهُ إبْرَاءٌ بَعْدَ وُجُودِ السَّبَبِ وَهُوَ الْبَيْعُ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْإِبْرَاءَ يَعْتَمِدُ تَعَلُّقَ الْحَقِّ لَا حَقِيقَةَ الدَّيْنِ لَوْ أَبْرَأ الْبَائِعُ الْمُوَكِّلَ عَنْ ثَمَنِ مَا اشْتَرَاهُ الْوَكِيلُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ مَعَ أَنَّ الثَّمَنَ عَلَى الْوَكِيلِ وَالدَّلِيلُ عَلَى التَّعَلُّقِ بِالْمُوَكِّلِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَوْ أَتَى بِالثَّمَنِ لِلْمُوَكِّلِ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ وَلَوْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي دَيْنٌ عَلَى الْمُوَكِّلِ صَارَ قِصَاصًا بِالثَّمَنِ وَلَوْلَاهُ لَمْ يُجْبَرْ وَلَمْ يَصِرْ قِصَاصًا كَمَا فِي الصَّيْرَفِيَّةِ وَفِي السِّرَاجِيَّةِ اشْتَرَى عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ لَمْ يُجْبَرْ الْبَائِعُ عَلَى تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ وَإِنْ نَقَدَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة. (قَوْلُهُ وَبِقَبْضِهِ يَهْلِكُ بِالثَّمَنِ) أَيْ إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي وَقَبَضَ الْمَبِيعَ وَهَلَكَ فِي يَدِهِ فَإِنَّهُ يَهْلِكُ بِثَمَنِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ وَالْفَرْقُ أَنَّهُ إذَا دَخَلَهُ عَيْبٌ يَمْتَنِعُ الرَّدُّ وَالْهَلَاكُ لَا يَعْرَى عَنْ مُقَدَّمَةِ عَيْبٍ فَيَهْلِكُ وَالْعَقْدُ قَدْ انْبَرَمَ فَيَلْزَمُهُ الثَّمَنُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ لِلْبَائِعِ لِأَنَّ بِدُخُولِ الْعَيْبِ لَا يَمْتَنِعُ الرَّدُّ حُكْمًا بِخِيَارِ الْبَائِعِ فَيَهْلِكُ وَالْعَقْدُ مَوْقُوفٌ وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الثَّمَنِ وَالْقِيمَةِ أَنَّ الثَّمَنَ مَا تَرَاضَى عَلَيْهِ الْمُتَعَاقِدَانِ سَوَاءٌ زَادَ عَلَى الْقِيمَةِ أَوْ نَقَصَ وَالْقِيمَةُ مَا قُوِّمَ بِهِ الشَّيْءُ بِمَنْزِلَةِ الْمِعْيَارِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ وَالِاسْتِهْلَاكُ كَالْهَلَاكِ كَمَا سَيَأْتِي وَأَطْلَقَهُ فَشَمَلَ مَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي وَحْدَهُ أَوْ لَهُمَا وَأَسْقَطَ الْبَائِعُ خِيَارَهُ بِأَنْ أَجَازَ الْبَيْعَ ثُمَّ هَلَكَ فِي مُدَّتِهِ فَإِنَّ الْبَيْعَ يَلْزَمُ بِالثَّمَنِ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة (قَوْلُهُ كَتَعَيُّبِهِ) يَعْنِي إذَا تَعَيَّبَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَالْخِيَارُ لَهُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الثَّمَنُ لِأَنَّهُ صَارَ بِذَلِكَ مُمْسِكًا بِبَعْضِهِ فَلَوْ رَدَّهُ لَتَفَرَّقَتْ الصَّفْقَةُ عَلَى الْبَائِعِ قَبْلَ الْإِتْمَامِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ فَلَزِمَ الْبَيْعُ وَسَقَطَ الْخِيَارُ وَأَطْلَقَهُ فَشَمَلَ مَا إذَا عَيَّبَهُ الْمُشْتَرِي أَوْ أَجْنَبِيٌّ أَوْ تَعَيَّبَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَوْ بِفِعْلِ الْمَبِيعِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَلَكِنْ لَيْسَ بَاقِيًا عَلَى إطْلَاقِهِ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِهِ عَيْبٌ يَلْزَمُ وَلَا يَرْتَفِعُ كَمَا إذَا قُطِعَتْ يَدُهُ وَأَمَّا مَا يَجُوزُ ارْتِفَاعُهُ كَالْمَرَضِ فَهُوَ عَلَى خِيَارِهِ إنْ زَالَ الْمَرَضُ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ وَأَمَّا إذَا مَضَتْ وَالْعَيْبُ قَائِمٌ لَزِمَ الْبَيْعُ لِتَعَذُّرِ الرَّدِّ كَمَا فِي النِّهَايَةِ أَيْضًا وَفِي الصِّحَاحِ عَابَ الْمَتَاعُ أَيْ صَارَ ذَا عَيْبٍ وَعَيَّبَهُ نَسَبَهُ إلَى الْعَيْبِ وَعَيَّبَهُ أَيْضًا إذَا جَعَلَهُ ذَا عَيْبٍ وَتَعَيَّبَ مِثْلُهُ اهـ. وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ هَلَاكِهِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَنُقْصَانِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ زِيَادَتِهِ عِنْدَهُ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الزِّيَادَةَ مُنْفَصِلَةً كَانَتْ أَوْ مُتَّصِلَةً سَوَاءٌ كَانَتْ مُتَوَلِّدَةً مِنْ الْأَصْلِ كَالْوَلَدِ وَالسِّمَنِ وَالْجَمَالِ وَالْبُرْءِ مِنْ الْمَرَضِ وَذَهَابِ الْبَيَاضِ مِنْ الْعَيْنِ أَوْ لَا كَالصَّبْغِ وَالْعُقْرِ وَالْكَسْبِ وَالْبِنَاءِ وَرَشِّ الْأَرْضِ يَمْنَعُ الْفَسْخَ إلَّا فِي الْمُنْفَصِلَةِ الْغَيْرِ الْمُتَوَلِّدَةِ فَإِنَّهَا لَا تَمْنَعُ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَفِي الْبِنَايَةِ أَنَّ التَّعَيُّبَ إذَا كَانَ بِفِعْلِ الْبَائِعِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي لَمْ يَسْقُطْ خِيَارُ الْمُشْتَرِي فَإِنْ أَجَازَ الْبَيْعَ ضَمِنَ بِهِ الْبَائِعُ النُّقْصَانَ اهـ. فَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ مَسْأَلَتَانِ مَا إذَا كَانَ الْعَيْبُ يَرْتَفِعُ وَمَا إذَا كَانَ بِفِعْلِ الْبَائِعِ وَلَكِنْ ذَكَرَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ هَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَأَمَّا عِنْدَهُمَا إذَا تَعَيَّبَ بِفِعْلِ الْبَائِعِ يَلْزَمُ الْبَيْعُ وَقَدْ وَعَدْنَا بِذِكْرِ مَسَائِلِ الْمَبِيعِ إذَا هَلَكَ فِي الْبَيْعِ الَّذِي لَا خِيَارَ فِيهِ أَوْ بِخِيَارٍ فَإِذَا كَانَ فِي يَدِ الْبَائِعِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَوْ بِاسْتِهْلَاكِ الْبَائِعِ أَوْ كَانَ حَيَوَانًا فَقَتَلَ نَفْسَهُ يَبْطُلُ الْبَيْعُ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ بِالثَّمَنِ فَيَسْقُطُ الثَّمَنُ فَلَا يَكُونُ مَضْمُونًا بِالْقِيمَةِ لِأَنَّهُ لَا يَتَوَالَى عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ ضَمَانَانِ وَإِنْ أَتْلَفَهُ الْمُشْتَرِي وَالْبَيْعُ بَاتٌّ أَوْ بِخِيَارٍ لَهُ لَزِمَ الثَّمَنُ وَإِنْ كَانَ لِلْبَائِعِ وَالْبَيْعُ فَاسِدٌ لَزِمَ الْمِثْلُ فِي الْمِثْلِيِّ وَالْقِيمَةُ فِي الْقِيَمِيِّ وَإِنْ بِفِعْلٍ أَجْنَبِيٍّ خُيِّرَ الْمُشْتَرِي فَإِنْ فَسَخَ وَعَادَ إلَى مِلْكِ الْبَائِعِ ضَمِنَ الْجَانِي الْمِثْلَ أَوْ الْقِيمَةَ وَالْمَضْمُونُ إنْ مِنْ جِنْسِ الثَّمَنِ وَفِيهِ فَضْلٌ لَا يَطِيبُ وَإِنْ مِنْ خِلَافِهِ طَابَ وَإِنْ اخْتَارَ الْمُشْتَرِي أَيْضًا الْبَيْعَ اتَّبَعَ الْجَانِيَ بِالْمِثْلِ أَوْ بِالْقِيمَةِ وَحُكْمُ الْفَضْلِ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي جَانِبِ الْبَائِعِ وَاخْتِيَارُهُ اتِّبَاعُ الْجَانِي قَبْضٌ عِنْدَ الثَّانِي خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَأَثَرُهُ فِيمَا   [منحة الخالق] [كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي وَقَبَضَ الْمَبِيعَ وَهَلَكَ فِي يَدِهِ] (قَوْلُهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة) كَذَا فِي نُسْخَةِ الْمُؤَلِّفِ (قَوْلُهُ وَأَمَّا عِنْدَ هُمَا إذَا تَعَيَّبَ بِفِعْلِ الْبَائِعِ يَلْزَمُ الْبَيْعُ) أَيْ وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي بِالْأَرْشِ عَلَى الْبَائِعِ كَمَا يَأْتِي فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَتَمَّ الْعَقْدُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 15 إذَا تَوِيَ عَلَى الْجَانِي وَفِيمَا إذَا أَخَذَ مِنْ الْجَانِي مَكَانَهُ شَيْئًا آخَرَ جَازَ عِنْدَ الثَّانِي وَإِنْ هَلَكَ بَعْدَ الْقَبْضِ فَعَلَى الْمُشْتَرِي إلَّا إذَا أَتْلَفَهُ الْبَائِعُ وَالْقَبْضُ بِلَا إذْنِهِ وَالثَّمَنُ حَالٌّ غَيْرُ مَنْقُودٍ فَالْبَائِعُ يَصِيرُ مُسْتَرِدًّا وَيَبْطُلُ الْبَيْعُ وَسَقَطَ الثَّمَنُ عَنْ الْمُشْتَرِي، وَإِنْ هَلَكَ الْبَعْضُ قَبْلَ قَبْضِهِ سَقَطَ مِنْ الثَّمَنِ قَدْرُ النَّقْصِ سَوَاءٌ كَانَ نُقْصَانَ قَدْرٍ أَوْ وَصْفٍ، وَخُيِّرَ الْمُشْتَرِي بَيْنَ الْفَسْخِ وَالْإِمْضَاءِ، وَإِنْ بِفِعْلِ أَجْنَبِيٍّ. فَالْجَوَابُ فِيهِ كَمَا إذَا هَلَكَ كُلُّهُ وَإِنْ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ إنْ نُقْصَانَ قَدْرٍ طُرِحَ عَنْ الْمُشْتَرِي حِصَّةُ الْفَائِتِ مِنْ الثَّمَنِ وَلَهُ الْخِيَارُ فِي الْبَاقِي وَإِنْ نَقَصَ وَصْفٌ لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ لَكِنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ الْأَخْذِ بِكُلِّ الثَّمَنِ أَوْ التَّرْكِ وَالْوَصْفُ مَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْبَيْعِ بِلَا ذِكْرٍ كَالْأَشْجَارِ وَالْبِنَاءِ فِي الْأَرْضِ وَأَطْرَافِ الْحَيَوَانِ وَالْجَوْدَةِ فِي الْكَيْلِيِّ وَالْوَزْنِيِّ، وَإِنْ بِفِعْلِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَالْجَوَابُ كَذَلِكَ، وَإِنْ بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي صَارَ قَابِضًا مَا أَتْلَفَ بِالْإِتْلَافِ وَالْبَاقِي بِالتَّعَيُّبِ فَإِنْ هَلَكَ الْبَاقِي قَبْلَ حَبْسِهِ فَعَلَى الْمُشْتَرِي وَإِنْ بَعْدَ الْحَبْسِ فَعَلَى الْبَائِعِ وَعَلَى الْمُشْتَرِي حِصَّةُ مَا أَتْلَفَهُ لَا غَيْرُ فَإِنْ حَبَسَ بَعْدَ سُقُوطِ حَقِّهِ مِنْ الْحَبْسِ فَعَلَى الْمُشْتَرِي كُلُّ الثَّمَنِ إلَّا إذَا كَانَ بِفِعْلِ الْبَائِعِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ فَهُوَ وَكَالِاسْتِهْلَاكِ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ وَإِنْ كَانَ لَهُ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ انْفَسَخَ الْبَيْعُ فِي قَدْرِ مَا أَتْلَفَ وَسَقَطَ حِصَّتُهُ مِنْ الثَّمَنِ فَلَوْ هَلَكَ الْبَاقِي فِي يَدِ الْمُشْتَرِي لَزِمَهُ قِسْطُهُ مِنْ الثَّمَنِ إلَّا إذَا هَلَكَ الْبَاقِي مِنْ سِرَايَةِ جِنَايَةِ الْبَائِعِ فَيَكُونُ مُسْتَرِدًّا لَهُ أَيْضًا فَيَسْقُطُ الثَّمَنُ فَإِنْ زَعَمَ الْبَائِعُ أَنَّهُ هَلَكَ بَعْدَ قَبْضِهِ وَالْمُشْتَرِي بِأَنَّهُ قَبْلَ قَبْضِهِ فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي وَأَيُّهُمَا بَرْهَنَ قُبِلَ وَإِنْ بَرْهَنَا فَلِلْبَائِعِ. وَكَذَا لَوْ ادَّعَى الْبَائِعُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ اسْتَهْلَكَهُ وَعَكَسَ الْمُشْتَرِي وَإِنْ أَرَّخَا فَبَيِّنَةُ الْأَسْبَقِ أَوْلَى فِي الْهَلَاكِ وَالِاسْتِهْلَاكِ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتَاوَى الْبَزَّازِيَّةِ. (قَوْلُهُ فَلَوْ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ بِالْخِيَارِ بَقِيَ النِّكَاحُ) أَيْ بِالْخِيَارِ لَهُ وَهَذَا مُفَرَّعٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَلِذَا لَمْ يَبْطُلْ النِّكَاحُ قَبْلَ نَفَاذِ الْبَيْعِ وَإِذَا سَقَطَ الْخِيَارُ بَطَلَ لِلتَّنَافِي وَعِنْدَهُمَا انْفَسَخَ لِدُخُولِهَا فِي مِلْكِ الزَّوْجِ فَإِذَا فَسَخَ الْمُشْتَرِي الْبَيْعَ رَجَعَتْ إلَى مَوْلَاهَا بِلَا نِكَاحٍ عَلَيْهَا عِنْدَ هُمَا وَعِنْدَهُ تَسْتَمِرُّ زَوْجَتُهُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَعَلَى هَذَا لَوْ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ فَاسِدًا وَقَبَضَهَا يَفْسُدُ النِّكَاحُ ثُمَّ فَسْخُ الْبَيْعِ لِلْفَسَادِ لَا يَرْفَعُ فَسَادَ النِّكَاحِ (قَوْلُهُ فَإِنْ وَطِئَهَا لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا) لِأَنَّ الْوَطْءَ بِحُكْمِ مِلْكِ النِّكَاحِ لِبَقَائِهِ لَا بِحُكْمِ مِلْكِ الْيَمِينِ لِعَدَمِهِ وَعِنْدَهُمَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا مُطْلَقًا لِمَا قَدَّمْنَاهُ أَطْلَقَهُ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ تَكُنْ بِكْرًا إذْ لَوْ كَانَتْ بِكْرًا أَوْ نَقَصَهَا الْوَطْءُ امْتَنَعَ الرَّدُّ كَمَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ نَقَصَهَا وَهِيَ ثَيِّبٌ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَكَذَا يَتَفَرَّعُ أَنَّهُ لَوْ رَدَّهَا فَعِنْدَهُ تَعُودُ إلَى سَيِّدِهَا مَنْكُوحَةً وَعِنْدَهُمَا بِلَا نِكَاحٍ وَقَيَّدَ بِزَوْجَتِهِ لِأَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى غَيْرَ زَوْجَتِهِ بِخِيَارٍ فَوَطِئَهَا امْتَنَعَ الرَّدُّ مُطْلَقًا أَيْ وَإِنْ لَمْ يَنْقُصْهَا وَسَقَطَ الْخِيَارُ وَكَذَا فِي الْمِعْرَاجِ وَلَمْ أَرَ حُكْمَ حِلِّ وَطْءِ الْأَمَةِ الْمَبِيعَةِ بِخِيَارٍ إمَّا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ فَيَنْبَغِي حِلُّهُ لَهُ لَا لِلْمُشْتَرِي وَإِنْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحِلَّ لَهُمَا وَنَقَلَهُ فِي الْمِعْرَاجِ عَنْ الشَّافِعِيِّ فَقَالَ وَلِلشَّافِعِيِّ فِي حِلِّ وَطْئِهَا وَجْهَانِ وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ وَهُوَ نَصُّهُ وَفِي انْفِسَاخِ نِكَاحِهَا وَجْهَانِ وَالثَّانِي لَا يَنْفَسِخُ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّهِ أَمَّا لَوْ كَانَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ فَإِنْ حَبَسَ بَعْدَ سُقُوطِ حَقِّهِ مِنْ الْحَبْسِ فَعَلَى الْمُشْتَرِي كُلُّ الثَّمَنِ) سَقَطَ مِنْ هُنَا بَعْضُ عِبَارَةِ الْبَزَّازِيَّةِ وَهُوَ وَعَلَى الْبَائِعِ ضَمَانُهُ وَلَوْ هَلَكَ الْبَعْضُ بَعْدَ الْقَبْضِ فَعَلَى الْمُشْتَرِي إلَّا إذَا كَانَ إلَخْ (قَوْلُهُ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتَاوَى الْبَزَّازِيَّةِ) وَنَصُّهُ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ قَبْضُ الْمُشْتَرِي ظَاهِرًا فَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا وَادَّعَى اسْتِهْلَاكَ الْآخَرِ فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ وَأَيٌّ بَرْهَنَ قُبِلَ وَإِنْ بَرْهَنَا فَلِلْمُشْتَرِي ثُمَّ إنْ كَانَ لِلْبَائِعِ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ لِلْحَبْسِ صَارَ بِهِ مُسْتَرِدًّا وَانْفَسَخَ الْبَيْعُ وَسَقَطَ الثَّمَنُ عَنْ الْمُشْتَرِي وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقُّ الْحَبْسِ فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يُضَمِّنَهُ الْقِيمَةَ وَلَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا اهـ. [اشْتَرَى زَوْجَتَهُ بِالْخِيَارِ] (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَإِنْ وَطِئَهَا لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا) قَالَ الرَّمْلِيُّ إطْلَاقُهُ يُفِيدُ أَنَّهُ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ وَالْعِلَّةُ جَامِعَةٌ تَأَمَّلْ وَفِي شَرْحِ مُنْلَا مِسْكِينٍ فَإِنْ وَطِئَهَا لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا هَذَا إذَا كَانَتْ ثَيِّبًا وَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا امْتَنَعَ الرَّدُّ عِنْدَهُ أَيْضًا وَكَذَا إذَا قَبَّلَهَا أَوْ مَسَّهَا أَوْ مَسَّتْهُ بِشَهْوَةٍ وَكَذَا يَمْتَنِعُ الرَّدُّ لَوْ وَطِئَهَا غَيْرُ الزَّوْجِ فِي يَدِهِ اهـ. قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ إنْ كَانَتْ بِكْرًا يَسْقُطُ الْخِيَارُ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ جُزْءًا مِنْهَا كَقَطْعِ يَدِهَا. اهـ. وَسَيَأْتِي أَنَّ دَوَاعِيَ الْوَطْءِ كَالْوَطْءِ وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّ تَقْبِيلَ الْبِكْرِ وَمَسَّهَا يَمْنَعُ الرَّدَّ لِأَنَّ وَطْأَهَا يَمْنَعُهُ فَكَذَا هُمَا وَهُوَ مَعْنَى كَلَامِ مِسْكِينٍ فَيَفْتَرِقُ الْحُكْمُ بَيْنَ الثَّيِّبِ وَالْبِكْرِ فِي الْوَطْءِ وَدَوَاعِيهِ وَمَا عَلَّلَ بِهِ فِي الْجَوْهَرَةِ لَا يَقْتَضِيهِ إذْ لَيْسَ فِي تَقْبِيلِ الْبِكْرِ وَلَمْسِهَا تَفْوِيتُ جُزْءٍ لَكِنْ يُقَالُ أُلْحِقَتْ الدَّوَاعِي بِالْوَطْءِ لِأَنَّهَا سَبَبُهُ فَأُقِيمَتْ مَقَامَهُ فَإِذَا مَنَعَ الرَّدَّ مَنَعَتْ وَإِذَا لَمْ يَمْنَعْ لَا تَمْنَعُ وَوَطْءُ غَيْرِ الزَّوْجِ فِي يَدِ الزَّوْجِ مَانِعٌ لِوُجُوبِ الْعُقْرِ بِهِ وَهُوَ زِيَادَةٌ مُنْفَصِلَةٌ مُتَوَلِّدَةٌ مِنْ الْمَبِيعِ وَهِيَ تَمْنَعُ إذَا وُجِدَتْ بَعْدَ الْقَبْضِ فَلِذَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ فِي يَدِ الزَّوْجِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 16 الْمَبِيعُ غَيْرَ امْرَأَتِهِ لَمْ يَحِلَّ لِلْمُشْتَرِي وَطْؤُهَا عَلَى الْأَقْوَالِ كُلِّهَا، وَيَحِلُّ لِلْبَائِعِ عَلَى الْأَقْوَالِ كُلِّهَا وَقَالَ أَحْمَدُ لَا يَحِلُّ لِلْبَائِعِ اهـ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ دَوَاعِيَ الْوَطْءِ كَالْوَطْءِ فَإِذَا اشْتَرَى غَيْرَ زَوْجَتِهِ بِالْخِيَارِ فَقَبَّلَهَا بِشَهْوَةٍ أَوْ لَمَسَهَا بِشَهْوَةٍ أَوْ نَظَرَ إلَى فَرْجِهَا بِشَهْوَةٍ سَقَطَ خِيَارُهُ وَحَدُّهَا انْتِشَارُ آلَتِهِ أَوْ زِيَادَتُهَا وَقِيلَ بِالْقَلْبِ وَإِنْ لَمْ تَنْتَشِرْ فَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ لَمْ تَسْقُطْ فِي الْكُلِّ وَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ فَإِنْ كَانَ فِي الْفَمِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ وَإِلَّا قُبِلَ وَإِنْ فَعَلَتْ الْأَمَةُ بِهِ ذَلِكَ وَأَقَرَّ أَنَّهُ كَانَ بِشَهْوَةٍ كَانَ رِضًا كَمَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ. وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُؤَلِّفُ مِمَّا يَظْهَرُ فِيهِ ثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ إلَّا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ أَنَّ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَخَوَاتٌ كُلُّهَا تُبْتَنَى عَلَى وُقُوعِ الْمِلْكِ لِلْمُشْتَرِي بِشَرْطِ الْخِيَارِ وَعَدَمِهِ مِنْهَا عِتْقُ الْمُشْتَرَيْ عَلَى الْمُشْتَرِي إذَا كَانَ قَرِيبًا لَهُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ وَلَوْ كَانَ لِلْبَائِعِ فَمَاتَ الْمُشْتَرِي فَأَجَازَ الْبَائِعُ عَتَقَ الِابْنُ وَلَا يَرِثُ أَبَاهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْخَانِيَّةِ وَمِنْهَا عِتْقُهُ إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي حَلَفَ إنْ مَلَكَ عَبْدًا فَهُوَ حُرٌّ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ إنِّي اشْتَرَيْت لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَالْمُنْشِئِ لِلْعِتْقِ بَعْدَ الشِّرَاءِ فَسَقَطَ الْخِيَارُ. وَمِنْهَا أَنَّ حَيْضَ الْمُشْتَرَاةِ فِي الْمُدَّةِ لَا يُجْتَزَأُ بِهِ مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يُجْتَزَأُ وَلَوْ رُدَّتْ بِحُكْمِ الْخِيَارِ إلَى الْبَائِعِ لَا يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ إذَا رُدَّتْ بَعْدَ الْقَبْضِ وَمِنْهَا إذَا وَلَدَتْ الْمُشْتَرَاةُ فِي الْمُدَّةِ بِالنِّكَاحِ لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا وَمَحَلُّهُ مَا إذَا كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَمَّا بَعْدَهُ فَسَقَطَ الْخِيَارُ اتِّفَاقًا وَتَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّهَا تَعَيَّبَتْ عِنْدَهُ بِالْوِلَادَةِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَفِي الْخَانِيَّةِ إذَا وَلَدَتْ بَطَلَ خِيَارُهُ، وَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ مَيِّتًا وَلَمْ تَنْقُصْهَا الْوِلَادَةُ لَا يَبْطُلُ خِيَارُهُ اهـ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُمْ لَمْ يُقَيِّدُوا بِدَعْوَى الْوَلَدِ وَقَيَّدَهُ بِهَا فِي إيضَاحِ الْإِصْلَاحِ قَالَ لِأَنَّهُ وَلَدَ وَالْفِرَاشُ ضَعِيفٌ. اهـ. وَهُوَ تَقْيِيدٌ لِقَوْلِهِمَا وَمِنْهَا إذَا قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ بِإِذْنِ الْبَائِعِ ثُمَّ أَوْدَعَهُ عِنْدَ الْبَائِعِ فَهَلَكَ فِي يَدِهِ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ هَلَكَ مِنْ مَالِ الْبَائِعِ لِارْتِفَاعِ الْقَبْضِ بِالرَّدِّ لِعَدَمِ الْمِلْكِ وَعِنْدَهُمَا مِنْ مَالِ الْمُشْتَرِي لِصِحَّةِ الْإِيدَاعِ بِاعْتِبَارِ قِيَامِ الْمِلْكِ وَلَوْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ فَسَلَّمَ الْمَبِيعَ إلَى الْمُشْتَرِي فَأَوْدَعَهُ الْبَائِعَ فَهَلَكَ عِنْدَهُ بَطَلَ الْبَيْعُ عِنْدَ الْكُلِّ وَلَوْ كَانَ الْبَيْعُ بَاتًّا فَقَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ بِإِذْنِ الْبَائِعِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ ثُمَّ أَوْدَعَهُ الْبَائِعَ فَهَلَكَ كَانَ عَلَى الْمُشْتَرِي اتِّفَاقًا لِصِحَّةِ الْإِيدَاعِ. كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَمِنْهَا لَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي عَبْدًا مَأْذُونًا فَأَبْرَأهُ الْبَائِعُ عَنْ الثَّمَنِ فِي الْمُدَّةِ بَقِيَ خِيَارُهُ عِنْدَهُ لِأَنَّ الرَّدَّ امْتِنَاعٌ عَنْ التَّمَلُّكِ وَالْمَأْذُونُ لَهُ يَلِيهِ وَعِنْدَهُمَا بَطَلَ خِيَارُهُ لِأَنَّهُ لَمَّا مَلَكَهُ كَانَ الرَّدُّ مِنْهُ تَمْلِيكًا بِغَيْرِ عِوَضٍ وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ وَهَذَا يَقْتَضِي صِحَّةَ الْإِبْرَاءِ وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ قِيَاسًا وَيَصِحُّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ اسْتِحْسَانًا وَنَبَّهَ عَلَيْهِ هُنَا فِي النِّهَايَةِ وَمِنْهَا إذَا اشْتَرَى ذِمِّيٌّ مِنْ ذِمِّيٍّ خَمْرًا عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثُمَّ أَسْلَمَ بَطَلَ الْخِيَارُ عِنْدَهُمَا لِأَنَّهُ مَلَكَهَا فَلَا يَمْلِكُ رَدَّهَا وَهُوَ مُسْلِمٌ وَعِنْدَهُ يَبْطُلُ الْبَيْعُ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهَا فَلَا يَتَمَلَّكُهَا بِإِسْقَاطِ الْخِيَارِ بَعْدَهُ وَهُوَ مُسْلِمٌ. اهـ. وَلَوْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ فَأَسْلَمَ بَطَلَ الْبَيْعُ وَلَوْ أَسْلَمَ الْمُشْتَرِي لَا وَخِيَارَ لِلْبَائِعِ عَلَى حَالِهِ فَإِنْ أَجَازَ صَارَتْ الْخَمْرُ لِلْمُشْتَرِي حُكْمًا وَالْمُسْلِمُ أَهْلٌ لَأَنْ يَتَمَلَّكَهَا حُكْمًا. كَذَا فِي النِّهَايَةِ فَقَدْ ذُكِرَ فِيهَا ثَمَانُ مَسَائِلَ وَقَدْ زَادَ الشَّارِحُونَ مَسَائِلَ أَيْضًا فَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الْأُولَى مَا إذَا تَخَمَّرَ الْعَصِيرُ فِي بَيْعِ مُسْلِمَيْنِ فِي مُدَّتِهِ فَسَدَ الْبَيْعُ عِنْدَهُ لِعَجْزِهِ عَنْ تَمَلُّكِهِ وَعِنْدَهُمَا يَتِمُّ لِعَجْزِهِ عَنْ رَدِّهِ الثَّانِيَةُ اشْتَرَى دَارًا عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَهُوَ سَاكِنُهَا بِإِجَارَةِ أَوْ إعَارَةٍ فَاسْتَدَامَ سُكْنَهَا قَالَ السَّرَخْسِيُّ لَا يَكُونُ اخْتِيَارًا وَهُوَ فِي ابْتِدَاءِ السُّكْنَى وَقَالَ خواهر زاده اسْتِدَامَتُهَا اخْتِيَارٌ عِنْدَهُمَا لِمِلْكِ الْعَيْنِ وَعِنْدَهُ لَيْسَ بِاخْتِيَارٍ، الثَّالِثَةُ حَلَالٌ   [منحة الخالق] تَأَمَّلْ. اهـ. (قَوْلُهُ فَإِذَا اشْتَرَى غَيْرَ زَوْجَتِهِ بِالْخِيَارِ) قَيَّدَ بِغَيْرِ زَوْجَتِهِ لِأَنَّ زَوْجَتَهُ إنْ كَانَتْ ثَيِّبًا لَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ بِذَلِكَ كَالْوَطْءِ وَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا سَقَطَ خِيَارُهُ بِهِ كَالْوَطْءِ وَقَدْ أَوْضَحْنَاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ تَأَمَّلْ وَقَوْلُهُ فَقَبَّلَهَا لِشَهْوَةٍ إلَخْ ظَاهِرُهُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ وَتَعْلِيلُهُمْ بِأَنَّهُ دَلِيلُ الِاسْتِبْقَاءِ دَلِيلٌ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ ثُمَّ أَسْلَمَ) أَيْ الْمُشْتَرِي كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْفَتْحِ وَأَمَّا لَوْ أَسْلَمَ الْبَائِعُ وَالْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فَلَا تَظْهَرُ فِيهِ ثَمَرَةُ الْخِلَافِ أَمَّا عِنْدَهُمَا وَإِنْ مَلَكَهَا الْمُشْتَرِي لَكِنْ يَمْلِكُ رَدَّهَا ثُمَّ رَأَيْته فِي شَرْحِ الزَّيْلَعِيِّ قَالَ وَلَوْ أَسْلَمَ الْبَائِعُ وَالْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي بَقِيَ عَلَى خِيَارِهِ بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ رَدَّهَا الْمُشْتَرِي عَادَتْ إلَى مِلْكِ الْبَائِعِ لِأَنَّ الْعَقْدَ مِنْ جَانِبِ الْبَائِعِ بَاتٌّ فَإِنْ أَجَازَهُ صَارَ لَهُ وَإِنْ فَسَخَ صَارَ الْخَمْرُ لِلْبَائِعِ وَالْمُسْلَمُ مِنْ أَهْلِ أَنْ يَتَمَلَّكَ الْخَمْرَ حُكْمًا كَمَا فِي الْإِرْثِ ثُمَّ ذَكَرَ مَا لَوْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ ثُمَّ قَالَ وَهَذَا كُلُّهُ فِيمَا إذَا أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْقَبْضِ وَالْخِيَارُ لِأَحَدِهِمَا وَإِنْ أَسْلَمَ قَبْلَ الْقَبْضِ بَطَلَ الْبَيْعُ فِي الصُّوَرِ كُلِّهَا سَوَاءٌ كَانَ الْبَيْعُ بَاتًّا أَوْ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِأَحَدِهِمَا أَوْ لَهُمَا لِأَنَّ لِلْقَبْضِ شَبَهًا بِالْعَقْدِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُفِيدُ مِلْكَ التَّصَرُّفِ فَلَا يَمْلِكُهُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ وَإِنْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا بَعْدَ الْقَبْضِ وَكَانَ الْبَيْعُ بَاتًّا لَا يَبْطُلُ لِأَنَّهُ قَدْ تَمَّ بِالْقَبْضِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ عَلَى مَا مَرَّ اهـ. (قَوْلُهُ وَهُوَ ابْتِدَاءُ السُّكْنَى) الضَّمِيرُ لِلِاخْتِيَارِ أَيْ وَالِاخْتِيَارُ إنَّمَا يَكُونُ فِي ابْتِدَاءِ السُّكْنَى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 17 اشْتَرَى ظَبْيًا بِالْخِيَارِ فَقَبَضَهُ ثُمَّ أَحْرَمَ وَالظَّبْيُ فِي يَدِهِ فَيُنْقَضُ الْبَيْعُ عِنْدَهُ وَيُرَدُّ إلَى الْبَائِعِ وَعِنْدَهُمَا يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ وَلَوْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ يُنْتَقَضُ بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي فَأَحْرَمَ الْمُشْتَرِي لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ الرَّابِعَةُ إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي وَفَسَخَ الْعَقْدَ فَالزَّوَائِدُ تُرَدُّ عَلَى الْبَائِعِ عِنْدَهُ لِأَنَّهَا لَمْ تَحْدُثْ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَعِنْدَهُمَا لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّهَا حَدَثَتْ عَلَى مِلْكِهِ اهـ. وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ لَوْ اشْتَرَى بِخِيَارٍ فَدَامَ عَلَى السُّكْنَى لَا يَبْطُلُ خِيَارُهُ وَلَوْ ابْتَدَأَهَا بَطَلَ يُمَاثِلُهُ خِيَارُ الْعَيْبِ وَخِيَارُ الشَّرْطِ فِي الْقِسْمَةِ لَا يَبْطُلُ بِدَوَامِ السُّكْنَى اهـ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة أَنَّ مُحَمَّدًا ذَكَرَ فِي الْبُيُوعِ أَنَّ خِيَارَ الشَّرْطِ يَبْطُلُ بِالسُّكْنَى وَفِي الْقِسْمَةِ ذَكَرَ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ فَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَ مَا فِي الْبُيُوعِ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَمَا فِي الْقِسْمَةِ عَلَى الدَّوَامِ وَمِنْهُمْ مَنْ أَبْقَى مَا فِي الْبُيُوعِ عَلَى إطْلَاقِهِ فَيَبْطُلُ بِالِابْتِدَاءِ وَالدَّوَامِ وَأَبْقَى مَا فِي الْقِسْمَةِ عَلَى إطْلَاقِهِ فَلَا يَبْطُلُ خِيَارُ الشَّرْطِ فِيهَا بِالِابْتِدَاءِ وَالدَّوَامِ وَفِيهَا أَيْضًا لَوْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فَصَالَحَهُ الْبَائِعُ عَلَى مِائَةٍ يَدْفَعُهَا لَهُ عَلَى أَنْ يَبْطُلَ الْبَيْعُ فَفَسَخَهُ انْفَسَخَ وَلَا شَيْءَ لَهُ اهـ. (قَوْلُهُ فَلَوْ أَجَازَ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ بِغَيْبَةِ صَاحِبِهِ صَحَّ وَلَوْ فَسَخَ لَا) أَيْ لَا يَصِحُّ فِي غَيْبَةِ صَاحِبِهِ وَهَذَا عِنْدَهُمَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَجُوزُ الْفَسْخُ أَيْضًا لِأَنَّهُ مُسَلَّطٌ عَلَى الْفَسْخِ مِنْ جِهَةِ صَاحِبِهِ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى عِلْمِهِ كَالْإِجَازَةِ وَلِهَذَا لَا يُشْتَرَطُ رِضَاهُ فَصَارَ كَالْوَكِيلِ وَلَهُمَا أَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي حَقِّ الْغَيْرِ وَهُوَ الْعَقْدُ بِالرَّفْعِ وَلَا يَعْرَى عَنْ الْمَضَرَّةِ لِأَنَّهُ عَسَاهُ يَعْتَمِدُ تَمَامَ الْبَيْعِ السَّابِقِ فَيَتَصَرَّفُ فِيهِ فَيَلْزَمُهُ غَرَامَةُ الْقِيمَةِ بِالْهَلَاكِ فِيمَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ أَوْ لَا يَطْلُبُ لِسِلْعَتِهِ مُشْتَرِيًا فِيمَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي وَهَذَا نَوْعُ ضَرَرٍ يَتَوَقَّفُ عَلَى عَمَلِهِ وَصَارَ كَعَزْلِ الْوَكِيلِ بِخِلَافِ الْإِجَازَةِ لِأَنَّهُ لَا إلْزَامَ فِيهِ وَلَا يُقَالُ إنَّهُ مُسَلَّطٌ وَكَيْفَ يُقَالُ ذَلِكَ وَصَاحِبُهُ لَا يَمْلِكُ الْفَسْخَ وَلَا تَسْلِيطَ فِي غَيْرِ مَا يَمْلِكُهُ الْمُسَلِّطُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَفِي الْمِعْرَاجِ وَكَذَا الْخِلَافُ فِي خِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَلَا خِلَافَ فِي خِيَارِ الْعَيْبِ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ وَالْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي الْفَسْخِ بِالْقَوْلِ أَمَّا إذَا فَسَخَ بِالْفِعْلِ فَإِنَّهُ يَنْفَسِخُ حُكْمًا اتِّفَاقًا فِي الْحَضْرَةِ وَالْغَيْبَةِ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ فِي الْحُكْمِيِّ كَعَزْلِ الْوَكِيلِ وَالْمُضَارِبِ وَالشَّرِيكِ وَحَجْرِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ بِارْتِدَادٍ وَلُحُوقٍ وَجُنُونٍ وَبَحَثَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ الِاخْتِيَارِيُّ كَالْقَوْلِ. وَالْمُرَادُ بِالْغَيْبَةِ عَدَمُ عِلْمِهِ وَبِالْحَضْرَةِ عِلْمُهُ فَلَوْ فُسِخَ فِي غَيْبَتِهِ فَبَلَغَهُ فِي الْمُدَّةِ تَمَّ الْفَسْخُ لِحُصُولِ الْعِلْمِ بِهِ وَلَوْ بَلَغَهُ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ تَمَّ الْعَقْدُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ قَبْلَ الْفَسْخِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَكَذَا إذَا أَجَازَ الْبَائِعُ بَعْدَ فَسْخِهِ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ الْمُشْتَرِي جَازَ وَبَطَلَ فَسْخُهُ كَذَا ذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَفِي الذَّخِيرَةِ وَلَوْ اشْتَرَى عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ لَوْ غَابَ عَنْهُ فَفَسْخُهُ عَلَيْهِ جَائِزٌ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لِأَنَّ هَذَا شَرْطٌ فَاسِدٌ عِنْدَهُمَا وَرَجَّحَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ قَالَ فَعَلَى هَذَا فَالْمَسَائِلُ الْمُورَدَةُ نَقْضًا مُسَلَّمَةٌ لِأَنَّهَا عَلَى وَفْقِ مَا تَرَجَّحَ مِنْ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لَكِنَّا نُورِدُهَا بِنَاءً عَلَى تَسْلِيمِ الدَّلِيلِ فَمِنْهَا أَنَّ الْمُخَيَّرَةَ يَتِمُّ اخْتِيَارُهَا لِنَفْسِهَا بِلَا عِلْمِ زَوْجِهَا وَيَلْزَمُهُ حُكْمُ ذَلِكَ وَأُجِيبَ بِأَنَّ اللُّزُومَ بِإِيجَابِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَمِنْهَا الرَّجْعَةُ يَنْفَرِدُ بِهَا الزَّوْجُ بِلَا عِلْمِهَا حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَتْ بَعْدَهَا بَعْدَ ثَلَاثِ حِيَضٍ فُسِخَ الْعَقْدُ إذَا أَثْبَتَهَا وَأُجِيبَ بِأَنَّ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ لَا يَرْفَعُ النِّكَاحَ فَعَلَيْهَا اسْتِكْشَافُ الْحَالِ وَمِنْهَا الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ وَالْعَفْوُ عَنْ الْقِصَاصِ يَثْبُتُ حُكْمُهَا بِلَا عِلْمِ الْآخَرِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهَا إسْقَاطَاتٌ وَمِنْهَا خِيَارُ الْمُعْتَقَةِ يَصِحُّ بِلَا عِلْمِ زَوْجِهَا وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا رِوَايَةَ فِيهِ وَعَلَى التَّقْدِيرِ فَقَدْ أَثْبَتَهُ الشَّرْعُ مُطْلَقًا وَمِنْهَا خِيَارُ الْمَالِكِ فِي بَيْعِ الْفُضُولِيِّ بِدُونِ عِلْمِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَأُجِيبَ بِكَوْنِ عَقْدِهِمَا لَا وُجُودَ لَهُ فِي حَقِّ الْمَالِكِ وَمِنْهَا الْعِدَّةُ لَازِمَةٌ عَلَيْهَا وَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ بِالطَّلَاقِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ فِي ضِمْنِ الطَّلَاقِ لَا بِسَبَبِهِ اهـ. وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَلَوْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِيَيْنِ فَفَسَخَ أَحَدُهُمَا بِغَيْبَةِ الْآخَرِ لَمْ يَجُزْ بَاعَهُ بِخِيَارٍ فَفَسَخَهُ فِي   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ فَأَحْرَمَ الْمُشْتَرِي لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّهُ وَعَلَيْهِ فَالضَّمِيرُ فِي أَحْرَمَ لِلْبَائِعِ وَهُوَ الصَّوَابُ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي بَعْضِ النُّسَخِ مُوَافَقَةً لِمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ فَالزَّوَائِدُ تُرَدُّ عَلَى الْبَائِعِ إلَخْ) هَذَا خَاصٌّ بِالزِّيَادَةِ الْمُنْفَصِلَةِ الْغَيْرِ الْمُتَوَلِّدَةِ كَالْكَسْبِ أَمَّا غَيْرُهَا فَإِنَّهُ يَمْنَعُ الْفَسْخَ كَمَا قَدَّمَهُ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ كَتَعَيُّبِهِ فَإِذَا كَانَتْ تَمْنَعُ الْفَسْخَ لَا يَتَأَتَّى ثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَظْهَرُ بَعْدَ الْفَسْخِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 18 الْمُدَّةِ انْفَسَخَ فَإِنْ قَالَ بَعْدَهُ أَجَزْتُ وَقَبِلَ الْمُشْتَرِي جَازَ اسْتِحْسَانًا وَلَوْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فَأَجَازَ ثُمَّ فَسَخَ وَقَبِلَ الْبَائِعُ جَازَ وَيَنْفَسِخُ وَمَنْ لَهُ الْخِيَارُ لَوْ اخْتَارَ الرَّدَّ أَوْ الْقَبُولَ بِقَلْبِهِ فَهُوَ بَاطِلٌ لِتَعَلُّقِ الْأَحْكَامِ بِالظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ اهـ. قَالَ فِيهِ شَرَى بِخِيَارٍ فَأَرَادَ رَدَّهُ فَاخْتَفَى بَائِعُهُ قِيلَ لِلْقَاضِي أَنْ يَنْصِبَ عَنْ الْبَائِعِ خَصْمًا لِيَرُدَّهُ عَلَيْهِ وَقِيلَ لَا اهـ. وَهَكَذَا ذُكِرَ الْخِلَافُ فِي الْمِعْرَاجِ وَفَتْحِ الْقَدِيرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَتَمَّ الْعَقْدُ بِمَوْتِهِ وَمُضِيِّ الْمُدَّةِ وَالْإِعْتَاقِ وَتَوَابِعِهِ وَالْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ) أَيْ تَحْصُلُ الْإِجَازَةُ بِوَاحِدٍ مِمَّا ذُكِرَ وَهُوَ كَلَامٌ مُوهِمٌ مُوقِعٌ فِي الْغَلَطِ فَإِنَّ فِي بَعْضِهَا يَكُونُ إجَازَةً سَوَاءٌ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ أَوْ لِلْمُشْتَرِي وَفِي بَعْضِهَا إنَّمَا يَكُونُ إجَازَةً إذَا كَانَ مِنْ الْمُشْتَرِي وَأَمَّا مِنْ الْبَائِعِ فَفَسْخٌ أَمَّا الْمَوْتُ فَإِنَّهُ مُبْطِلٌ لِخِيَارِ الْمَيِّتِ سَوَاءٌ كَانَ بَائِعًا أَوْ مُشْتَرِيًا وَلَا يُورَثُ عِنْدَنَا كَخِيَارِ الرُّؤْيَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ إلَّا مَشِيئَةً وَإِرَادَةً وَلَا يُتَصَوَّرُ انْتِقَالُهُ وَالْإِرْثُ فِيمَا يَقْبَلُ الِانْتِقَالَ لَا فِيمَا لَا يَقْبَلُهُ كَمِلْكِ الْمَنْكُوحَةِ وَالْعُقُودُ الَّتِي عَقَدَهَا الْمُوَرِّثُ لَا تَنْتَقِلُ وَإِنَّمَا مَلَكَ الْوَارِثُ الْإِقَالَةَ لِانْتِقَالِ الْمِلْكِ إلَيْهِ وَلِذَا مَلَكَهَا الْمُوَكِّلُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَاقِدًا كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ وَلَا يَرِدُ عَلَيْنَا خِيَارُ الْعَيْبِ فَإِنَّهُ مَوْرُوثٌ لِكَوْنِ الْمُوَرِّثِ اسْتَحَقَّ الْمَبِيعَ سَلِيمًا فَكَذَا الْوَارِثُ فَفِي التَّحْقِيقِ الْمَوْرُوثُ الْعَيْنُ بِصِفَةِ السَّلَامَةِ مِنْ الْعُيُوبِ فَأَمَّا نَفْسُ الْخِيَارِ فَلَا يُورَثُ وَفِي الْمِعْرَاجِ أَنَّ خِيَارَ الْعَيْبِ يَثْبُتُ لِلْوَارِثِ ابْتِدَاءً بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ تَعَيَّبَ بَعْدَ مَوْتِ الْمُشْتَرِي فِي يَدِ الْبَائِعِ كَانَ لِلْوَارِثِ رَدُّهُ وَأَمَّا خِيَارُ التَّعْيِينِ فَيَثْبُتُ لِلْوَارِثِ ابْتِدَاء لِاخْتِلَاطِ مِلْكِهِ بِمِلْكِ الْغَيْرِ لَا أَنْ يُورَثَ الْخِيَارُ هَكَذَا ذَكَرُوا وَزَادَ فِي الْعِنَايَةِ بِأَنَّ الْوَارِثَ لَا يَمْلِكُ الْفَسْخَ وَلَا يَتَأَقَّتُ خِيَارُهُ بِخِلَافِ الْمُوَرِّثِ اهـ. وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ لِأَنَّ هَذَيْنِ حُكْمَا خِيَارِ الشَّرْطِ وَلَمْ يَتَكَلَّمُوا فِيمَا رَأَيْت عَلَى غَيْرِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ الْخِيَارَاتِ هَلْ تُورَثُ أَوْ لَا إلَّا خِيَارَ فَوَاتِ الْوَصْفِ الْمَرْغُوبِ فِيهِ فَسَيَأْتِي أَنَّهُ يُورَثُ وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ بِمَوْتِهِ عَائِدٌ إلَى مَنْ لَهُ الْخِيَارُ احْتِرَازًا عَنْ مَوْتِ مَنْ لَا خِيَارَ لَهُ لِأَنَّهُ إذَا مَاتَ فَالْخِيَارُ بَاقٍ لِمَنْ شُرِطَ لَهُ فَإِنْ أَمْضَى مَضَى وَإِنْ فَسَخَ انْفَسَخَ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ الْوَكِيلُ إذَا بَاعَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ فَمَاتَ الْوَكِيلُ أَوْ الْمُوَكِّلُ فِي الْمُدَّةِ بَطَلَ الْخِيَارُ وَتَمَّ الْبَيْعُ اهـ. وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَكِيلُ الْبَيْعِ أَوْ الْوَصِيُّ بَاعَ بِخِيَارٍ أَوْ الْمَالِكُ بِنَفْسِهِ بَاعَ بِخِيَارٍ لِغَيْرِهِ فَمَاتَ الْوَكِيلُ أَوْ الْوَصِيُّ أَوْ الْمُوَكِّلُ أَوْ الصَّبِيُّ أَوْ مَنْ بَاعَ بِنَفْسِهِ أَوْ مَنْ شُرِطَ لَهُ الْخِيَارُ قَالَ مُحَمَّدٌ يَتِمُّ الْبَيْعُ فِي كُلِّ ذَلِكَ لِأَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمْ حَقًّا فِي الْخِيَارِ وَالْجُنُونُ كَالْمَوْتِ اهـ. وَفِي الْمِعْرَاجِ وَلَوْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا فَمَاتَ أَحَدُهُمَا لَزِمَ الْبَيْعُ مِنْ جِهَتِهِ وَالْآخَرُ عَلَى خِيَارِهِ اهـ. وَقَدْ أَفَادَ كَلَامُهُ أَنَّ الْخِيَارَ لَا يَنْتَقِلُ عَمَّنْ هُوَ لَهُ إلَى غَيْرِهِ فَلِذَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ إذَا اشْتَرَى الْأَبُ أَوْ الْوَصِيُّ شَيْئًا لِلْيَتِيمِ وَشَرَطَ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ فَبَلَغَ الصَّبِيُّ فِي الْمُدَّةِ تَمَّ الْبَيْعُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ تَوَقَّفَ عَلَى إجَازَةِ الِابْنِ فَكَأَنَّهُ بَاشَرَهُ بَعْدَ بُلُوغِهِ حَتَّى قِيلَ لَا تَتَأَقَّتُ بِالثَّلَاثِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَفْسَخَ بَعْدَ بُلُوغِ الصَّغِيرِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُجِيزَ إلَّا بِرِضَاهُ وَرُوِيَ أَنَّ الْأَبَ أَوْ الْوَصِيَّ إذَا اشْتَرَى عَبْدًا لِلصَّغِيرِ بِدَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ ثُمَّ بَلَغَ الصَّغِيرُ فِي الْمُدَّةِ ثُمَّ أَجَازَ أُنْفِذَ الشِّرَاءُ عَلَيْهِمَا إلَّا أَنْ تَكُونَ الْإِجَازَةُ بِرِضَا الصَّغِيرِ بَعْدَ الْبُلُوغِ فَيَنْفُذُ عَلَيْهِ وَلَوْ حَجَرَ السَّيِّدُ عَلَى عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ تَمَّ الْبَيْعُ وَقِيلَ يَنْتَقِلُ الْخِيَارُ إلَى الْمَوْلَى وَلَوْ اشْتَرَى الْمُكَاتَبُ أَوْ بَاعَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ ثُمَّ عَجَزَ فِي الثَّلَاثِ تَمَّ الْبَيْعُ عِنْدَ هُمْ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ فَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الْخِيَارَ لَا يَنْتَقِلُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ لِأَنَّ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ فِي الْأُولَى هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَلَكِنْ خَرَجَ عَنْهُ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ إذَا بَاعَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ فَإِنَّ لِلْمَوْلَى الْإِجَازَةَ إنْ لَمْ يَكُنْ مَدْيُونًا وَلَا يَجُوزُ فَسْخُهُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَجْعَلَهُ لِنَفْسِهِ ثُمَّ يَفْسَخُ بِحَضْرَةِ الْمُشْتَرِي أَوْ بِمَا يَكُونُ فَسْخًا مِنْ الْأَفْعَالِ فِي غَيْبَةِ الْمُشْتَرِي كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَأَمَّا الْوَكِيلُ إذَا عُزِلَ وَلَهُ الْخِيَارُ فَإِنَّهُ   [منحة الخالق] [أَجَازَ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ بِغَيْبَةِ صَاحِبِهِ] (قَوْلُهُ وَلَمْ يَتَكَلَّمُوا فِيمَا رَأَيْت إلَخْ) نَقَلَ الْبِيرِيُّ فِي شَرْحِ الْأَشْبَاهِ عَنْ خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ غَدًا فَلَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا فَمَاتَ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْغَدِ وَقَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ بَطَلَ الْبَيْعُ وَلَيْسَ لِلْوَرَثَةِ نَقْدُ الْمَالِ اهـ. وَهَذَا حُكْمُ خِيَارِ النَّقْدِ وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي النَّهْرِ بَحْثًا وَذَكَرَ فِي الْمِنَحِ بَحْثًا أَنَّ خِيَارَ التَّعْزِيرِ كَذَلِكَ وَسَيَأْتِي خِلَافُهُ عَنْ الْمُحَشِّي الرَّمْلِيِّ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ خَبَّازٌ وَقَالَ الْبِيرِيُّ أَيْضًا فِي كِتَابِ الْفَرَائِضِ مَا نَصُّهُ وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِابْنِ الضِّيَاءِ وَأَمَّا خِيَارُ الرُّؤْيَةِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُورَثُ وَأَجْمَعُوا أَنَّ خِيَارَ الْقَبُولِ لَا يُورَثُ وَكَذَا خِيَارُ الْإِجَازَةِ فِي بَيْعِ الْفُضُولِيِّ وَكَذَا الْأَجَلُ لَا يُورَثُ اهـ. لَكِنْ مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ يُورَثُ خِلَافُ مَا ذَكَره الْمُؤَلِّفُ هُنَا وَخِلَافُ مَا فِي الْغُرَرِ وَالْوِقَايَةِ وَالْمُنْتَقَى وَمُخْتَصَرِ النُّقَايَةِ وَإِصْلَاحِ الْوِقَايَةِ لِابْنِ كَمَالٍ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 19 لَا يَبْطُلُ اتِّفَاقًا كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَأَمَّا مُضِيُّ الْمُدَّةِ فَمُبْطِلٌ لِلْخِيَارِ سَوَاءٌ كَانَ لِلْبَائِعٍ أَوْ لِلْمُشْتَرِي إذْ لَمْ يَثْبُتْ الْخِيَارُ إلَّا فِيهَا فَلَا بَقَاءَ لَهُ بَعْدَهَا كَالْمُخَيَّرَةِ فِي وَقْتٍ مُقَدَّرٍ وَأَمَّا الْإِعْتَاقُ وَتَوَابِعُهُ وَهِيَ التَّدْبِيرُ وَالْكِتَابَةُ فَإِنَّمَا يَتِمُّ بِهِ إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي وَفَعَلَهَا أَمَّا إذَا كَانَ لِلْبَائِعِ وَفَعَلَهَا كَانَ فَسْخًا وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ السُّقُوطَ بِطَرِيقِ الضَّرُورَةِ وَهُوَ الْمَوْتُ وَمُضِيُّ الْمُدَّةِ وَالسُّقُوطَ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ وَهُوَ الْإِعْتَاقُ وَلَمْ يَذْكُرْ مَا يَكُونُ إجَازَةً بِالْقَوْلِ صَرِيحًا وَلَامَا يَكُونُ إجَازَةً بِالْفِعْلِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إذَا قَالَ أَجَزْت شِرَاءَهُ أَوْ شِئْتُ أَخْذَهُ أَوْ رَضِيتُ أَخْذَهُ بَطَلَ خِيَارُهُ وَلَوْ قَالَ هَوَيْتُ أَخْذَهُ أَوْ أَحْبَبْتُ أَوْ أَرَدْت أَوْ أَعْجَبَنِي أَوْ وَافَقَنِي لَا يَبْطُلُ اهـ. وَفِيهِ لَوْ طَلَبَ الْمُشْتَرِي الْأَجْرَ مِنْ السَّاكِنِ بَطَلَ خِيَارُهُ وَلَوْ دَعَا الْجَارِيَةَ إلَى فِرَاشِهِ لَا يَبْطُلُ سَوَاءٌ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ أَوْ لِلْمُشْتَرِي وَأَمَّا الثَّانِي فَفِيهِ لَوْ حَجَمَ الْعَبْدَ أَوْ سَقَاهُ دَوَاءً أَوْ حَلَقَ رَأْسَهُ كَانَ رِضًا لَا لَوْ أَمَرَ امْرَأَةً بِمَشْطٍ أَوْ دَهْنٍ أَوْ لُبْسٍ وَلَوْ اشْتَرَى أَرْضًا مَعَ حَرْثِهِ فَسَقَى الْحَرْثَ أَوْ فَعَلَ مِنْهُ شَيْئًا أَوْ حَصَدَهُ أَوْ عَرَضَ الْمَبِيعَ لِلْبَيْعِ بَطَلَ خِيَارُهُ لَا لَوْ عَرَضَهُ لِيُقَوَّمَ وَمُشْتَرِي الدَّارِ لَوْ أَسْكَنَهُ بِأَجْرٍ أَوْ بِلَا أَجْرٍ أَوْ رَمَّ مِنْهُ شَيْئًا أَوْ بَنَى أَوْ جَصَّصَ أَوْ طَيَّنَ أَوْ هَدَمَ مِنْهُ شَيْئًا فَهُوَ رِضًا وَلَوْ طَحَنَ فِي الرَّحَى لِيَعْرِفَ قَدْرَ طَحْنِهِ إنْ طَحَنَ أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ بَطَلَ خِيَارُهُ لَا فِيمَا دُونَهُ وَلَوْ قَصَّ حَوَافِرَ الدَّابَّةِ أَوْ أَخَذَ مِنْ عُرْفِهَا لَمْ يَكُنْ رِضًا وَلَوْ وَدَّجَهَا أَوْ بَزَّغَهَا فَهُوَ رِضًا وَالتَّوْدِيجُ شِقُّ الْأَوْدَاجِ جُمْلَةً وَلَوْ اسْتَخْدَمَ الْخَادِمَ مَرَّةً أَوْ لَبِسَ الثَّوْبَ مَرَّةً أَوْ رَكِبَ الدَّابَّةَ مَرَّةً لَمْ يَبْطُلْ خِيَارُهُ وَلَوْ فَعَلَهُ مَرَّتَيْنِ بَطَلَ وَلَوْ شَرَى قِنًّا بِخِيَارِهِ فَرَآهُ يَحْجُمُ النَّاسَ بِأَجْرٍ فَسَكَتَ كَانَ رِضًا لَا لَوْ بِلَا أَجْرٍ لِأَنَّهُ كَالِاسْتِخْدَامِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهُ اُحْجُمْنِي فَحَجَمَهُ لَمْ يَكُنْ رِضَا شَرَى أَمَةً فَأَمَرَهَا بِإِرْضَاعِ وَلَدِهِ لَمْ يَكُنْ رِضًا لِأَنَّهُ اسْتِخْدَامٌ وَلَوْ رَكِبَ دَابَّةً لِيَسْقِيَهَا أَوْ لِيَرُدَّهَا عَلَى الْبَائِعِ بَطَلَ خِيَارُهُ قِيَاسًا لَا اسْتِحْسَانًا اهـ. ثُمَّ قَالَ شَرَى بَقَرَةً بِخِيَارٍ فَحَلَبَهَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ بَطَلَ خِيَارُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا حَتَّى يَشْرَبَ اللَّبَنَ أَوْ يُتْلِفَهُ اهـ. وَذَكَرَ الشَّارِحُ أَنَّ كُلَّ تَصَرُّفٍ لَا يَحِلُّ إلَّا فِي الْمِلْكِ فَإِنَّهُ إجَازَةٌ كَالْوَطْءِ وَالتَّقْبِيلِ لَا مَا يَحِلُّ فِي غَيْرِهِ كَالِاسْتِخْدَامِ وَزَادَ فِي الْمِعْرَاجِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ إغْمَاءَ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ وَلَوْ أَفَاقَ فِي الْمُدَّةِ فَلَهُ الْخِيَارُ وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ الْأَصَحُّ أَنَّهُ عَلَى خِيَارِهِ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْإِغْمَاءَ وَالْجُنُونَ لَا يُسْقِطَانِ إنَّمَا الْمُسْقِطُ لَهُ مُضِيُّ الْمُدَّةِ مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارٍ وَلِذَا لَوْ أَفَاقَ فِيهَا وَفَسَخَ جَازَ وَلَوْ سَكِرَ مِنْ الْخَمْرِ لَا يَبْطُلُ بِخِلَافِ السُّكْرِ مِنْ الْبَنْجِ وَلَوْ ارْتَدَّ فَعَلَى خِيَارِهِ إجْمَاعًا فَلَوْ تَصَرَّفَ بِحُكْمِ خِيَارِهِ تَوَقَّفَ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا. اهـ. وَأَطْلَقَ فِي الْإِعْتَاقِ فَشَمَلَ مَا إذَا عَلَّقَهُ بِشَرْطٍ فَوُجِدَ فِي الْمُدَّةِ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ وَأَشَارَ بِالْإِعْتَاقِ إلَى كُلِّ تَصَرُّفٍ لَا يُفْعَلُ إلَّا فِي الْمِلْكِ كَمَا إذَا بَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ وَسَلَّمَهُ أَوْ رَهَنَ أَوْ آجَرَ وَإِنْ لَمْ يُسَلِّمْ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ وَلَيْسَ مِنْهُ مَا إذَا قُبِضَ الثَّمَنُ مِنْ الْبَائِعِ وَكَذَا هِبَتُهُ وَإِنْفَاقُهُ إلَّا إذَا اسْتَدَانَهُ لِغَيْرِهِ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَلَوْ بَاعَ جَارِيَةً بِعَبْدٍ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فِي الْجَارِيَةِ فَهِبَةُ الْعَبْدِ أَوْ عَرْضُهُ عَلَى الْبَيْعِ إجَازَةٌ وَعَرْضُهَا عَلَى الْبَائِعِ لَيْسَ بِفَسْخٍ عَلَى الْأَصَحِّ وَلَوْ أَبْرَأهُ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ اشْتَرَى مِنْهُ بِهِ شَيْئًا أَوْ سَاوَمَهُ بِهِ فَهُوَ إجَازَةٌ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ وَقَيَّدَ الِاسْتِخْدَامَ ثَانِيًا مِنْ الْمُشْتَرِي بِأَنْ لَا يَكُونَ   [منحة الخالق] وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْفَتْحِ مِنْ بَابِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ هَذَا التَّصْحِيحَ غَرِيبٌ (قَوْلُهُ وَلَا مَا يَكُونُ إجَازَةً بِالْفِعْلِ) حَكَمَ عَلَيْهِ فِي النَّهْرِ بِأَنَّهُ سَهْوٌ لِأَنَّهُ نَبَّهَ عَلَيْهَا بِقَوْلِهِ وَالْإِعْتَاقُ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ السُّكْرِ مِنْ الْبَنْجِ) قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة حَتَّى لَوْ طَالَ السُّكْرُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ بِحُكْمِ الْخِيَارِ هَكَذَا حُكِيَ عَنْ الشَّيْخِ أَحْمَدَ الطَّوَاوِيسِيِّ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ (قَوْلُهُ وَلَوْ ارْتَدَّ فَعَلَى خِيَارِهِ إجْمَاعًا) قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَإِنْ ارْتَدَّ إنْ عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ فِي الْمُدَّةِ فَهُوَ عَلَى خِيَارِهِ إجْمَاعًا وَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ عَلَى الرِّدَّةِ يَبْطُلُ خِيَارُهُ إجْمَاعًا وَإِنْ تَصَرَّفَ بِحُكْمِ الْخِيَارِ إلَخْ. (قَوْلُهُ وَلَيْسَ مِنْهُ مَا إذَا قُبِضَ الثَّمَنُ مِنْ الْبَائِعِ) كَذَا فِي عَامَّةِ النُّسَخِ وَفِي نُسْخَةٍ مِنْ الْمُشْتَرِي وَهُوَ الظَّاهِرُ لَكِنْ الَّذِي رَأَيْته فِي الْمِعْرَاجِ مَا فِي عَامَّةِ النُّسَخِ ذَكَرَهُ بَعْدَ مَسَائِلِ تَصَرُّفَاتِ الْبَائِعِ وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْبَائِعَ فَاعِلُ الْقَبْضِ وَعَلَيْهِ فَقَوْلُهُ مِنْ الْبَائِعِ صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ لَا صِلَةُ قَبَضَ وَيُقْرَأُ قُبِضَ بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ وَالثَّمَنُ نَائِبُ الْفَاعِلِ (قَوْلُهُ وَعَرَضَهَا عَلَى الْبَيْعِ لَيْسَ بِفَسْخٍ عَلَى الْأَصَحِّ) مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمَهُ قَرِيبًا فِي قَوْلِهِ أَوْ عَرَضَ الْمَبِيعَ لِلْبَيْعِ بَطَلَ خِيَارُهُ وَقَدْ ذَكَرَ مَسْأَلَةَ الْجَارِيَةِ هَذِهِ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَذَكَرَ أَنَّ هِبَةَ الْعَبْدِ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهَا أَوْ عَرَضَهُ عَلَى الْبَيْعِ إمْضَاءٌ لِلْبَيْعِ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ صَفْحَةٍ وَإِذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعٍ فَعَرَضَ الْمَبِيعَ عَلَى الْبَيْعِ. ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ إنْ كَانَ بِمَحْضَرٍ مِنْ صَاحِبِهِ يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْ صَاحِبِهِ لَا يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا قَالُوا الْعَرْضُ عَلَى الْبَيْعِ مِنْ الْبَائِعِ لَيْسَ بِفَسْخٍ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَإِلَيْهِ مَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ الطَّوَاوِيسِيُّ وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِهِ أَنَّ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ وَفِي الْمُنْتَقَى عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْبَائِعَ إذَا عَرَضَ الْمَبِيعَ عَلَى الْبَيْعِ لَا يَبْطُلُ خِيَارُهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 20 فِي نَوْعٍ آخَرَ وَالرُّكُوبُ امْتِحَانًا لَيْسَ إجَازَةً لَا ثَانِيًا كَرُكُوبِهَا لِحَاجَةٍ أَوْ شُغْلٍ أَوْ حَمْلٍ عَلَيْهَا إلَّا عَلَفَهَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَالرُّكُوبُ لِلرَّدِّ وَالسَّقْيِ وَالْإِعْلَافِ إجَازَةٌ وَلَوْ نَسَخَ مِنْ الْكِتَابِ لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ لَا يَبْطُلُ وَإِنْ قَلَّبَ الْأَوْرَاقَ وَبِالدَّرْسِ مِنْهُ يَبْطُلُ وَقِيلَ عَلَى عَكْسِهِ وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ اهـ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ سَقَى مِنْ نَهَرِهَا أَرْضًا لَهُ أُخْرَى سَقَطَ وَكَرْيُ النَّهْرِ وَكَبْسُ الْبِئْرِ يُسْقِطُ خِيَارَهُ وَلَوْ انْهَدَمَتْ الْبِئْرُ ثُمَّ بَنَاهَا لَمْ يَعُدْ خِيَارُهُ وَلَوْ وَقَعَتْ فِيهَا فَأْرَةٌ أَوْ نَجَاسَةٌ سَقَطَ وَرُوِيَ أَنَّهُ إذَا نَزَحَ عِشْرِينَ دَلْوًا لَمْ يَسْقُطْ اهـ. وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ إذَا زَوَّجَ الْعَبْدَ أَوْ الْأَمَةَ سَقَطَ خِيَارُهُ وَفِي الْمُحِيطِ بَاعَ عَبْدًا بِخِيَارِ لَهُ فَأَذِنَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ لَمْ يَكُنْ نَقْضًا إلَّا أَنْ يَلْحَقَهُ دَيْنٌ وَلَوْ أَمْضَاهُ بَعْدَمَا لَحِقَهُ دَيْنٌ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ الْغَرِيمَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ الْمُشْتَرِي وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ هُنَا حُكْمَ مَا إذَا زَادَ الْمَبِيعُ أَوْ نَقَصَ فِي الْمُدَّةِ وَذَكَرَ فِيمَا قَبْلَهُ حُكْمَ مَا إذَا تَعَيَّبَ أَمَّا الثَّانِي فَفِي الْمِعْرَاجِ وَلَوْ حَدَثَ بِهِ عَيْبٌ فِي خِيَارِ الْمُشْتَرِي بَطَلَ خِيَارُهُ سَوَاءٌ حَدَثَ بِفِعْلِ الْبَائِعِ أَوْ بِغَيْرِ فِعْلِهِ لِكَوْنِهِ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي حَيْثُ كَانَ فِي يَدِهِ عِنْدَهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَلْزَمُهُ الْعَقْدُ بِجِنَايَةِ الْبَائِعِ وَعَلَى قَوْلِهِمَا يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي بِالْأَرْشِ عَلَى الْبَائِعِ وَلَوْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعٍ فَحَدَثَ بِهِ عَيْبٌ فَهُوَ عَلَى خِيَارِهِ لَكِنَّهُ يَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي وَلَوْ حَدَثَ بِفِعْلِ الْبَائِع انْتَقَضَ الْبَيْعُ لِأَنَّ مَا انْتَقَصَ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ وَقَدَّمْنَاهُ. وَأَمَّا الْأَوَّلُ أَعْنِي الزِّيَادَةَ فَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ شَرَى بِخِيَارٍ فَزَادَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي زِيَادَةً مُتَّصِلَةً مُتَوَلِّدَةً كَسِمَنٍ وَجَمَالٍ وَبُرْءٍ وَانْجِلَاءِ بَيَاضٍ عَنْ الْعَيْنِ يَمْنَعُ الرَّدَّ وَيَلْزَمُ الْبَيْعُ إلَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَإِنْ كَانَتْ مُتَّصِلَةً لَمْ تَتَوَلَّدْ كَصَبْغٍ وَخِيَاطَةٍ وَلَتِّ سَوِيقٍ بِسَمْنٍ وَثَنْيِ أَرْضٍ وَغَرْسِ شَجَرٍ يَمْنَعُ الْفَسْخَ وِفَاقًا وَلَوْ كَانَتْ مُنْفَصِلَةً مُتَوَلِّدَةً كَعُقْرٍ وَوَلَدٍ وَأَرْشٍ وَلَبَنٍ وَثَمَرٍ وَصُوفٍ تَمْنَعُ وِفَاقًا وَإِنْ كَانَتْ مُنْفَصِلَةً لَمْ تَتَوَلَّدْ كَغَلَّةٍ وَكَسْبٍ وَهِبَةٍ وَصَدَقَةٍ لَا يَمْنَعُ وِفَاقًا فَإِنْ أَجَازَ الْمُشْتَرِي فَهُوَ لَهُ وَإِلَّا فَكَذَلِكَ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تُرَدُّ عَلَى الْبَائِعِ اهـ. وَفِي السِّرَاجِ إذَا بَاضَتْ الدَّجَاجَةُ فِي الْمُدَّةِ سَقَطَ الْخِيَارُ إلَّا أَنْ تَكُونَ مَذِرَةً وَإِذَا وَلَدَتْ الْحَيَوَانُ وَلَدًا سَقَطَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ مَيِّتًا. اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهَا مَانِعَةٌ مُطْلَقًا إلَّا مُنْفَصِلَةً لَمْ تَتَوَلَّدْ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ عَنْ الثَّانِي اشْتَرَى عَبْدًا بِخِيَارٍ ثَلَاثًا وَقَبَضَهُ فَوُهِبَ لِلْعَبْدِ مَالٌ أَوْ اكْتَسَبَهُ ثُمَّ اسْتَهْلَكَهُ الْعَبْدُ بِعِلْمِ الْمُشْتَرِي بِغَيْرِ إذْنِهِ أَوْ بِغَيْرِ عِلْمِهِ لَمْ يَبْطُلْ خِيَارُ الْمُشْتَرِي فِي الْعَبْدِ وَلَوْ وُهِبَ لِلْعَبْدِ أُمُّ وَلَدِ الْمُشْتَرِي وَقَبَضَهَا الْعَبْدُ بَطَلَ خِيَارُ الْمُشْتَرِي فِي الْعَبْدِ قَالَ وَلَا يُشْبِهُ الْوَلَدُ أُمَّ الْوَلَدِ مِنْ قِبَلِ أَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ تَبْقَى عَلَى مِلْكِهِ بَعْدَ الرَّدِّ بِحُكْمِ الْخِيَارِ وَالْوَلَدُ لَا يَبْقَى اهـ. وَالْأَخِيرُ يَحْتَاجُ إلَى تَحْرِيرٍ وَأَمَّا الْأَخْذُ بِشُفْعَةٍ فَصُورَتُهُ أَنْ يَشْتَرِيَ دَارًا بِشَرْطِ الْخِيَارِ ثُمَّ تُبَاعُ دَارٌ أُخْرَى بِجَنْبِهَا فَيَأْخُذَهَا الْمُشْتَرِي بِشَرْطِ الْخِيَارِ بِالشُّفْعَةِ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْمِلْكِ فَكَانَ دَلِيلَ الْإِجَازَةِ فَتَضَمَّنَ سُقُوطَ الْخِيَارِ وَقَدَّمْنَا الِاعْتِذَارَ لِأَبِي حَنِيفَةَ عَنْهُ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَا يَمْلِكُ الْمُشْتَرِي وَلَوْ قَالَ الْمُؤَلِّفُ وَطَلَبُ الشُّفْعَةِ بِهَا بَدَلَ الْأَخْذِ لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّ طَلَبَهَا مُسْقِطٌ وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْهَا كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ وَقَيَّدَ بِخِيَارِ الشَّرْطِ لِأَنَّ طَلَبَهَا لَا يُسْقِطُ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ وَالْعَيْبِ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ وَاقْتِصَارُ الشَّارِحِ عَلَى خِيَارِ الرُّؤْيَةِ قُصُورٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ شَرَطَ الْمُشْتَرِي الْخِيَارَ لِغَيْرِهِ صَحَّ وَأَيُّهُمَا أَجَازَ أَوْ نَقَضَ صَحَّ) لِأَنَّ شَرْطَ الْخِيَارِ لِغَيْرِهِ جَائِزٌ اسْتِحْسَانًا لَا قِيَاسًا وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ لِأَنَّهُ مِنْ مَوَاجِبِ الْعَقْدِ فَلَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُهُ لِغَيْرِهِ كَاشْتِرَاطِ الثَّمَنِ عَلَى غَيْرِ الْمُشْتَرِي وَلَنَا أَنَّ الْخِيَارَ لِغَيْرِ الْعَاقِدِ لَا يَثْبُتُ إلَّا نِيَابَةً عَنْ الْعَاقِدِ فَيُقَدَّمُ الْخِيَارُ لَهُ اقْتِضَاءً ثُمَّ يُجْعَلُ هُوَ نَائِبًا عَنْهُ تَصْحِيحًا لِتَصَرُّفِهِ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا الْخِيَارُ فَأَيُّهُمَا أَجَازَ جَازَ وَأَيُّهُمَا نَقَضَ انْتَقَضَ وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَلَوْ شَرَطَ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ الْخِيَارَ لِأَجْنَبِيٍّ صَحَّ لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ مَا إذَا كَانَ الشَّارِطُ الْبَائِعَ أَوْ الْمُشْتَرِيَ وَلِيَخْرُجَ اشْتِرَاطُ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ فَإِنَّ قَوْلَهُ لِغَيْرِهِ صَادِقٌ بِالْبَائِعِ وَلَيْسَ بِمُرَادٍ وَلِذَا قَالَ فِي الْمِعْرَاجِ.   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَلَوْ وُهِبَ لِلْعَبْدِ أُمُّ وَلَدِ الْمُشْتَرِي) هُنَا سَقْطٌ فِيمَا رَأَيْنَاهُ مِنْ النُّسَخِ وَاَلَّذِي رَأَيْته فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَلَوْ وَهِبَ لِلْعَبْدِ ابْنُ الْمُشْتَرِي وَقَبَضَ الْعَبْدُ عَيْنَ الِابْنِ لَا يَبْطُلُ خِيَارُ الْمُشْتَرِي فِي الْعَبْدِ وَلَوْ وَهِبَ لِلْعَبْدِ أُمُّ وَلَدِ الْمُشْتَرِي إلَخْ (قَوْلُهُ وَالْأَخِيرُ يَحْتَاجُ إلَى تَحْرِيرٍ) الْمُرَادُ بِالْأَخِيرِ مَسْأَلَةُ هِبَةِ أُمِّ وَلَدِ الْمُشْتَرِي لِلْعَبْدِ وَاحْتِيَاجُهَا إلَى التَّحْرِيرِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ أُمَّ وَلَدِهِ كَيْفَ تَكُونُ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ حَتَّى يَهَبَهَا لِلْعَبْدِ وَمِنْ جِهَتِهِ أَنَّهَا كَيْفَ تَبْقَى عَلَى مِلْكِهِ بَعْدَ الرَّدِّ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 21 وَالْمُرَادُ مِنْ الْغَيْرِ هُنَا غَيْرُ الْعَاقِدَيْنِ لِيَتَأَتَّى فِيهِ خِلَافُ زُفَرَ قَيَّدَ بِخِيَارِ الشَّرْطِ لِأَنَّ خِيَارَ الْعَيْبِ وَالرُّؤْيَةِ لَا يَثْبُتُ لِغَيْرِ الْعَاقِدَيْنِ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ وَأَفَادَ كَلَامُهُ أَنَّ أَحَدَهُمَا لَوْ أَجَازَ فَقَالَ الْآخَرُ لَا أَرْضَى فَالْبَيْعُ لَازِمٌ وَلَوْ أَمَرَ وَكِيلَهُ بِالْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ فَبَاعَهُ بِلَا شَرْطٍ لَمْ يَجُزْ وَلَوْ بَاعَ وَاشْتَرَطَ كَمَا أَمَرَهُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُجِيزَ عَلَى الْآمِرِ وَلِلْآمِرِ الْإِجَازَةُ وَلَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءٍ بِشَرْطٍ لِلْآمِرِ فَاشْتَرَى وَلَمْ يَشْتَرِطْهُ نَفَذَ عَلَيْهِ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ. (قَوْلُهُ فَإِنْ أَجَازَ أَحَدُهُمَا وَنَقَضَ الْآخَرُ فَالْأَسْبَقُ أَحَقُّ) لِوُجُودِهِ فِي زَمَانٍ لَا يُزَاحِمُهُ فِيهِ غَيْرُهُ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَا مَعًا فَالْفَسْخُ) أَيْ لَوْ فَسَخَ أَحَدُهُمَا وَأَجَازَ الْآخَرُ وَخَرَجَا مِنْهُمَا مَعًا تَرَجَّحَ الْفَسْخُ عَلَى الْإِجَازَةِ لِأَنَّ الْفَسْخَ أَقْوَى لِأَنَّ الْمُجَازَ يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ وَالْمَفْسُوخُ لَا تَلْحَقُهُ الْإِجَازَةُ وَلَمَّا مَلَكَ كُلٌّ مِنْهُمَا التَّصَرُّفَ رَجَّحْنَا بِحَالِ التَّصَرُّفِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمَفْسُوخَ لَا تَلْحَقُهُ الْإِجَازَةُ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّ الْفَسْخَ بِحُكْمِ الْخِيَارِ مُحْتَمَلٌ لِلْفَسْخِ فِي نَفْسِهِ حَتَّى لَوْ تَفَاسَخَا ثُمَّ تَرَاضَيَا عَلَى فَسْخِ الْفَسْخِ وَعَلَى إعَادَةِ الْعَقْدِ بَيْنَهُمَا جَازَ وَفَسْخُ الْفَسْخِ لَيْسَ هُوَ إلَّا إجَازَةَ الْبَيْعِ فِي الْمَفْسُوخِ وَأَجَابَ عَنْهُ فِي الْمِعْرَاجِ بِأَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ لِأَنَّا نَقُولُ الْإِجَازَةُ لَا تَرِدُ عَلَى الْمُنْتَقِضِ وَلَا إجَازَةَ فِيمَا ذَكَرْتُمْ بَلْ هُوَ بَيْعٌ ابْتِدَاءً كَذَا فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ تَرْجِيحِ الْفَسْخِ دُونَ تَصَرُّفِ الْعَاقِدِ صَحَّحَهُ قَاضِي خَانْ مَعْزِيًّا إلَى الْمَبْسُوطِ وَفِي رِوَايَةٍ الرَّاجِحُ تَصَرُّفُ الْعَاقِدِ لِقُوَّتِهِ لِأَنَّ النَّائِبَ يَسْتَفِيدُ الْوِلَايَةَ مِنْهُ وَقِيلَ هُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَمَا فِي الْكِتَابِ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَاسْتَخْرَجَ ذَلِكَ بِمَا إذَا بَاعَ الْوَكِيلُ مِنْ رَجُلٍ وَالْمُوَكِّلُ مِنْ غَيْرِهِ مَعًا فَمُحَمَّدٌ يَعْتَبِرُ فِيهِ تَصَرُّفَ الْمُوَكِّلِ وَأَبُو يُوسُفَ يَعْتَبِرُهُمَا كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَقَيَّدَ بِالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِطَلَاقِهَا لِلسُّنَّةِ إذَا طَلَّقَهَا الْوَكِيلُ وَالْمُوَكِّلُ مَعًا فَالْوَاقِعُ طَلَاقُ أَحَدِهِمَا لَا عَلَى التَّعْيِينِ وَأَجَابَ عَنْهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّ الْوَكِيلَ فِيهِ سَفِيرٌ كَالْوَكِيلِ بِالنِّكَاحِ فَكَانَ الصَّادِرُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَادِرًا عَنْ أَصَالَةٍ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ اهـ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الْمُنْتَقَى وَصِيَّانِ يَشْتَرِيَانِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ فَأَجَازَ أَحَدُهُمَا وَنَقَضَ الْآخَرُ فَإِنَّ الْإِجَازَةَ أَوْلَى اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ وَكِيلٌ اشْتَرَى بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِمُوَكِّلِهِ بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ إذَا ادَّعَى الْبَائِعُ رِضَا الْآمِرِ وَأَنْكَرَ الرَّجُلُ فَالْقَوْلُ لِلْوَكِيلِ بِلَا يَمِينٍ لِأَنَّ الْبَائِعَ يَدَّعِي سُقُوطَ الْخِيَارِ وَوُجُوبَ الثَّمَنِ وَهُوَ يُنْكِرُ وَلَا يَمِينَ لِأَنَّهُ دَعْوَى عَلَى الْآمِرِ دُونَ الْعَاقِدِ وَالْآمِرُ لَوْ أَنْكَرَ لَا يُسْتَحْلَفُ وَكِيلُهُ لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْ الْعَاقِدِ فِي الْحُقُوقِ وَلَيْسَ بِأَصِيلٍ وَإِنْ ادَّعَى الرِّضَا عَلَى الْوَكِيلِ يَحْلِفُ لِأَنَّ الدَّعْوَى تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ وَإِنْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى رِضَا الْآمِرِ قُبِلَتْ لِأَنَّ الْوَكِيلَ يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ الْآمِرِ لِأَنَّهُ ادَّعَى حَقًّا عَلَى الْحَاضِرِ وَهُوَ سُقُوطُ الْخِيَارِ بِسَبَبِ ادِّعَائِهِ عَلَى الْغَائِبِ اهـ. وَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ بِكَوْنِ الِاشْتِرَاطِ لِلْغَيْرِ اشْتِرَاطًا لِنَفْسِهِ إلَى أَنَّهُ لَوْ أَمَرَهُ بِبَيْعِ مَالِهِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَهُ فَبَاعَ وَشَرَطَهُ لِلْآمِرِ لَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا وَعَلَى عَكْسِهِ يَكُونُ مُخَالِفًا لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِبَيْعٍ لَا يُزِيلُ الْمِلْكَ بِدُونِ رِضَاهُ وَأَنْ لَا يَكُونَ لِلْمَأْمُورِ فِيهِ رَأْيٌ وَتَدْبِيرٌ، وَيَكُونُ الرَّأْيُ وَالتَّدْبِيرُ فِيهِ لِلْآمِرِ أَصْلًا وَلَهُ تَبَعًا وَمَا فَعَلَهُ بِعَكْسِهِ فَإِنْ شَرَطَ الْخِيَارَ لِلْآمِرِ ثُمَّ أَجَازَ هُوَ الْبَيْعَ جَازَ عَلَيْهِ دُونَ الْآمِرِ وَخِيَارُ الْآمِرِ بَاقٍ حَتَّى لَوْ أَجَازَ كَانَ لَهُ وَإِنَّهُ فَسْخٌ يَلْزَمُ الْوَكِيلَ لِأَنَّ الْخِيَارَ ثَبَتَ لِلْآمِرِ بِالشَّرْطِ فَصَارَ كَخِيَارِ الْعَيْبِ إذَا ثَبَتَ بِالْعَقْدِ. وَالْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ إذَا وَجَدَ عَيْبًا بِالْمَبِيعِ وَرَضِيَ بِهِ نَفَذَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَائِعِ وَخِيَارُ الْبَائِعِ عَلَى حَالِهِ فَإِنْ رَضِيَ بِهِ لَزِمَهُ وَإِنْ رَدَّ لَزِمَ الْوَكِيلَ فَكَذَا هَذَا كَذَا فِي الْمُحِيطِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ التَّصَرُّفَيْنِ إذَا صَدَرَا مَعًا فَقَدْ عُلِمَ الْحُكْمُ فِي بَابِ الْخِيَارِ وَأَمَّا تَصَرُّفُ الْمُوَكِّلِ مَعَ تَصَرُّفِ الْوَكِيلِ فَظَاهِرُ مَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْوَكِيلُ أَصِيلًا فِي الْحُقُوقِ نَفَذَ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي النِّصْفِ وَإِنْ كَانَ نَائِبًا فِيهَا نَفَذَ وَاحِدٌ لَا عَلَى التَّعْيِينِ وَأَمَّا إذَا صَدَرَا مِنْ فُضُولِيَّيْنِ فَلَا كَلَامَ فِي التَّوَقُّفِ عَلَى إجَازَةِ مَنْ لَهُ الْإِجَازَةُ وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِيمَا لَوْ أُجِيزَا قَالُوا يَثْبُتُ الْأَقْوَى   [منحة الخالق] [شَرَطَ الْمُشْتَرِي الْخِيَارَ لِغَيْرِهِ] (قَوْلُهُ وَخِيَارُ الْبَائِعِ عَلَى حَالِهِ) لَعَلَّهُ الْمُشْتَرِي. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 22 فَلَوْ بَاعَ فُضُولِيٌّ وَزَوَّجَ آخَرُ تَرَجَّحَ الْبَيْعُ فَتَصِيرُ مَمْلُوكَةً لَا زَوْجَةً وَلَوْ اسْتَوَيَا فَإِنْ كَانَا نِكَاحَيْنِ بَطَلَا وَإِنْ كَانَا بَيْعَيْنِ تَنَصَّفَ وَالْبَيْعُ أَقْوَى مِنْ الْهِبَةِ وَالْإِجَازَةِ وَالرَّهْنِ وَالنِّكَاحِ إلَّا هِبَةً لَا تَبْطُلُ بِالشُّيُوعِ فَإِنَّهُمَا سَوَاءٌ وَالْهِبَةُ وَالرَّهْنُ أَقْوَى مِنْ الْإِجَارَةِ وَسَيَأْتِي فِي بَيْعِ الْفُضُولِيِّ بَقِيَّةُ مَسَائِلِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (قَوْلُهُ وَمَنْ بَاعَ عَبْدَيْنِ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فِي أَحَدِهِمَا إنْ فَصَّلَ وَعَيَّنَ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا) شُرُوعٌ فِي بَيَانِ مَا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ مُتَعَدِّدًا وَحَاصِلُهَا أَنَّهَا رَبَاعِيَةٌ فَالصِّحَّةُ فِي وَاحِدَةٍ وَهُوَ مَا إذَا فَصَّلَ لَهُ ثَمَنَ كُلٍّ مِنْهُمَا وَعَيَّنَ مَنْ فِيهِ الْخِيَارُ مِنْهُمَا لِأَنَّ الْمَبِيعَ مَعْلُومٌ وَالثَّمَنَ مَعْلُومٌ وَقَبُولُ الْعَقْدِ فِي الَّذِي فِيهِ الْخِيَارُ وَإِنْ كَانَ شَرْطًا لِانْعِقَادِهِ فِي الْآخَرِ وَلَكِنْ هَذَا غَيْرُ مُفْسِدٍ لِلْعَقْدِ لِكَوْنِهِ مَحِلًّا لِلْبَيْعِ كَمَا إذَا جَمَعَ بَيْنَ قِنٍّ وَمُدَبَّرٍ وَالْفَسَادُ فِي ثَلَاثَةٍ: الْأُولَى إذَا لَمْ يُفَصِّلْ الثَّمَنَ وَلَمْ يُعَيِّنْ مَحَلَّ الْخِيَارِ لِجَهَالَتِهِمَا. الثَّانِيَةُ: فَصَّلَ وَلَمْ يُعَيِّنْ مَحَلَّهُ لِجَهَالَةِ الْمَبِيعِ. وَالثَّالِثَةُ: عَيَّنَ مَحَلَّهُ وَلَمْ يُفَصِّلْ الثَّمَنَ لِجَهَالَةِ الثَّمَنِ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الَّذِي فِيهِ الْخِيَارُ كَالْخَارِجِ عَنْ الْعَقْدِ إذْ الْعَقْدُ مَعَ الْخِيَارِ لَا يَنْعَقِدُ فِي حَقِّ الْحُكْمِ فَبَقِيَ الدَّاخِلُ فِيهِ أَحَدُهُمَا وَهُوَ غَيْرُ مَعْلُومٍ وَإِنَّمَا جَازَ الْبَيْعُ فِي الْقِنِّ إذَا ضُمَّ إلَى مُدَبَّرٍ أَوْ مُكَاتَبٍ أَوْ أُمِّ وَلَدٍ وَبِيعَا صَفْقَةً وَإِنْ لَمْ يُفَصِّلْ الثَّمَنَ عَلَى الْأَصَحِّ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ حُكْمِ الْعَقْدِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ مُقَارِنٌ لِلْعَقْدِ لَفْظًا وَمَعْنًى فَأَثَّرَ الْفَسَادُ وَفِيمَا ذُكِرَ الْمَانِعُ مُقَارِنٌ مَعْنًى لَا لَفْظًا لِدُخُولِهِمْ فِي الْبَيْعِ حَتَّى لَوْ قَضَى بِهِ قَاضٍ يَجُوزُ لَكِنْ لَمْ يَثْبُتْ الْحُكْمُ لِحَقٍّ مُحْتَرَمٍ وَاجِبِ الصِّيَانَةِ فَأَثَّرَ الْفَسَادُ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ وَفِي ضَمِّ أُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبِ إلَى الْمُدَبَّرِ فِي جَوَازِ الْقَضَاءِ بِبَيْعِهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ يَنْفُذُ فِي الْمُدَبَّرِ فَقَطْ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَعَلَى مَا ذُكِرَ هُنَا يَتَفَرَّعُ مَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ بَاعَ عَبْدَيْنِ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فِيهِمَا وَقَبَضَهُمَا الْمُشْتَرِي ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ فِي الْبَاقِي وَإِنْ تَرَاضَيَا عَلَى إجَازَتِهِ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ حِينَئِذٍ بِمَنْزِلَةِ ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ فِي الْبَاقِي بِالْحِصَّةِ وَلَوْ قَالَ الْبَائِعُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَقَضْت الْبَيْعَ فِي هَذَا أَوْ فِي أَحَدِهِمَا كَانَ لَغْوًا كَأَنَّهُ لَمْ يَتَكَلَّمْ وَخِيَارُهُ فِيهِمَا بَاقٍ كَمَا كَانَ كَمَا لَوْ بَاعَ عَبْدًا وَاحِدًا وَشَرَطَ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ فَنَقَضَ الْبَيْعَ فِي نِصْفِهِ اهـ. وَهَكَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَتَقْيِيدُهُ بِالْبَائِعِ اتِّفَاقِيٌّ إذْ لَوْ شَرَطَ لِلْمُشْتَرِي كَانَ كَذَلِكَ صِحَّةً وَفَسَادًا وَأَرَادَ بِالْعَبْدَيْنِ الْقِيَمِيَّيْنِ احْتِرَازًا عَنْ قِيَمِيٍّ وَمِثْلِيَّيْنِ إذْ فِي الْقِيَمِيِّ الْوَاحِدِ إذَا شَرَطَ الْخِيَارَ فِي نِصْفِهِ يَصِحُّ مُطْلَقًا وَفِي الْمِثْلِيَّيْنِ كَذَلِكَ لِعَدَمِ التَّفَاوُتِ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ اهـ. (قَوْلُهُ وَصَحَّ خِيَارُ التَّعْيِينِ فِيمَا دُونَ الْأَرْبَعَةِ) وَهُوَ أَنْ يَبِيعَ أَحَدَ الْعَبْدَيْنِ أَوْ الثَّلَاثَةِ أَوْ أَحَدَ الثَّوْبَيْنِ أَوْ الثَّلَاثَةِ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ الْمُشْتَرِي وَاحِدًا وَالْقِيَاسُ الْفَسَادُ كَالْأَرْبَعَةِ لِجَهَالَةِ الْمَبِيعِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ إنَّ شَرْعَ الْخِيَارِ لِلْحَاجَةِ إلَى دَفْعِ الْغَبَنِ لِيَخْتَارَ مَا هُوَ الْأَرْفَقُ وَالْأَوْفَقُ وَالْحَاجَةُ إلَى هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْبَيْعِ مُتَحَقِّقَةٌ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى اخْتِيَارِ مَنْ يَثِقُ بِهِ أَوْ اخْتِيَارِ مَنْ يَشْتَرِيهِ لِأَجْلِهِ وَلَا يُمَكِّنُهُ الْبَائِعُ مِنْ الْحَمْلِ إلَيْهِ إلَّا بِالْبَيْعِ فَكَانَ فِي مَعْنَى مَا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ غَيْرَ أَنَّ هَذِهِ تَنْدَفِعُ بِالثَّلَاثِ لِوُجُودِ الْجَيِّدِ وَالْوَسَطِ وَالرَّدِيءِ فِيهَا وَالْجَهَالَةُ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ فِي الثَّلَاثَةِ لِتَعْيِينِ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ وَكَذَا فِي الْأَرْبَعَةِ إلَّا أَنَّ الْحَاجَةَ إلَيْهَا غَيْرُ مُتَحَقِّقَةٍ وَالرُّخْصَةُ ثُبُوتُهَا بِالْحَاجَةِ وَكَوْنُ الْجَهَالَةِ مَوْجُودَةً غَيْرُ مُفْضِيَةٍ إلَى الْمُنَازَعَةِ فَلَا يَثْبُتُ بِأَحَدِهِمَا أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ مَا إذَا كَانَ لِلْبَائِعِ أَوْ لِلْمُشْتَرِي وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْمَأْذُونِ وَهُوَ الْأَصَحُّ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ يَجُوزُ خِيَارُ التَّعْيِينِ فِي جَانِبِ الْبَائِعِ كَمَا لَا يَجُوزُ فِي جَانِبِ الْمُشْتَرِي. اهـ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلِلْبَائِعِ أَنْ يُلْزِمَ أَيَّهمَا شَاءَ عَلَى الْمُشْتَرِي فَإِنْ هَلَكَ أَحَدُهُمَا فِي يَدِ الْبَائِعِ فَلَهُ أَنْ يُلْزِمَهُ الْبَاقِيَ لَا الْهَالِكَ وَلَوْ حَدَثَ فِي أَحَدِهِمَا عَيْبٌ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَلَهُ أَنْ يُلْزِمَهُ السَّلِيمَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُلْزِمَهُ الْمَعِيبَ إلَّا بِرِضَا الْمُشْتَرِي فَإِنْ أَلْزَمَهُ الْمَعِيبَ وَلَمْ يَرْضَ بِهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُلْزِمَهُ الْآخَرَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَوْ قَبَضَهُمَا الْمُشْتَرِي وَخِيَارُ التَّعْيِينِ   [منحة الخالق] [بَاعَ عَبْدَيْنِ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فِي أَحَدِهِمَا] (قَوْلُهُ فَأَثَرَ الْفَسَادُ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ لَعَلَّهُ لَمْ يُؤَثِّرْ الْفَسَادُ. اهـ. وَهُوَ الَّذِي فِي الْمِعْرَاجِ فَمَا هُنَا مِنْ تَصْحِيفِ النُّسَّاخِ (قَوْلُهُ وَأَرَادَ بِالْعَبْدَيْنِ الْقِيَمِيَّيْنِ) أَيْ أَرَادَ الْمُصَنِّفُ قَالَ فِي النَّهْرِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا أَيْ الْقِيَمِيَّيْنِ لَيْسَا بِقَيْدٍ إذْ لَوْ كَانَا مِثْلِيَّيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا مِثْلِيًّا وَالْآخَرُ قِيَمِيًّا وَفَصَّلَ وَعَيَّنَ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ فِيمَا يَنْبَغِي اهـ. قُلْتُ: وَهَذَا لَا يَرِدُ عَلَى مَا قَالَهُ الشَّارِحُ هُنَا مِنْ كَوْنِهِ قَيْدًا احْتِرَازِيًّا إذْ الْمُرَادُ الِاحْتِرَازُ عَمَّا عَدَا الْقِيَمِيَّيْنِ لِصِحَّتِهِ مَعَ التَّفْصِيلِ وَالتَّعْيِينِ وَبِدُونِهِمَا وَلِذَا قَالَ يَصِحُّ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ فِي الْقِيَمِيَّيْنِ لَا يَصِحُّ بِدُونِهِمَا فَعُلِمَ أَنَّهُ مَعَ التَّفْصِيلِ وَالتَّعْيِينِ يَصِحُّ فِي الْقِيَمِيَّيْنِ وَغَيْرِهِمَا فَتَدَبَّرْ نَعَمْ يَنْبَغِي تَقْيِيدُ الْمِثْلِيَّيْنِ بِمَا إذَا كَانَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ إذْ لَوْ اخْتَلَفَا كَبُرٍّ وَشَعِيرٍ صَارَا كَالْقِيَمِيَّيْنِ فِي اشْتِرَاطِ التَّفْصِيلِ وَالتَّعْيِينِ لِيَحْصُلَ الْعِلْمُ بِالثَّمَنِ وَالْمَبِيعِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَلِلْبَائِعِ أَنْ يُلْزِمَ إلَخْ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 23 لِلْبَائِعِ فَهَلَكَ فَالْبَيَانُ بِحَالِهِ اهـ. وَأَمَّا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فَالْبَيْعُ لَازِمٌ فِي أَحَدِهِمَا إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُ خِيَارُ شَرْطٍ وَمَا هُوَ مَبِيعٌ مَضْمُونٌ بِالثَّمَنِ وَغَيْرُ الْمَبِيعِ أَمَانَةٌ فَلَوْ اشْتَرَى ثَلَاثَةَ أَثْوَابٍ وَعَيَّنَ لِكُلٍّ ثَمَنًا عَلَى أَنَّ لَهُ خِيَارَ التَّعْيِينِ فَاحْتَرَقَ ثَوْبَانِ وَنِصْفُ الثَّالِثِ رَدَّ النِّصْفَ الْبَاقِيَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ ضَمَانِ النِّصْفِ الْمُحْتَرِقِ وَضَمِنَ نِصْفَ ثَمَنِ الْمُحْتَرِقَيْنِ وَلَوْ كَانَا ثَوْبَانِ فَاحْتَرَقَ نِصْفُ كُلٍّ مَعًا رَدَّ أَيَّهمَا شَاءَ بِغَيْرِ ضَمَانٍ وَضَمِنَ ثَمَنَ الْآخَرِ. وَلَوْ احْتَرَقَ أَحَدُهُمَا وَنِصْفُ الْآخَرِ لَزِمَهُ ثَمَنُ الْمُحْتَرِقِ لِتَعَيُّنِهِ مَبِيعًا وَرَدَّ الْآخَرَ بِغَيْرِ ضَمَانٍ وَيَسْقُطُ خِيَارُ التَّعْيِينِ بِمَا يَسْقُطُ بِهِ خِيَارُ الشَّرْطِ وَإِذَا بِيعَ أَحَدُهُمَا أَوْ هَلَكَ تَعَيَّنَ هُوَ مَبِيعًا وَالْآخَرُ أَمَانَةً وَلَوْ هَلَكَا مَعًا ضَمِنَ نِصْفَ ثَمَنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الْهَالِكِ أَوَّلًا تَحَالَفَا عَلَى الْعِلْمِ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ الْأَوَّلِ ثُمَّ رَجَعَ إلَى قَوْلِهِ الثَّانِي مِنْ أَنَّ الْقَوْلَ لِلْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ وَبَيِّنَةُ الْبَائِعِ أَوْلَى وَلَوْ تَعَيَّبَا مَعًا فَالْخِيَارُ بِحَالِهِ وَإِنْ عَلَى التَّعَاقُبِ تَعَيَّنَ الْأَوَّلُ مَبِيعًا وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْأَوَّلِ فَعَلَى مَا ذَكَرْنَا وَلَوْ بَاعَهُمَا الْمُشْتَرِي ثُمَّ اخْتَارَ أَحَدَهُمَا صَحَّ بَيْعُهُ فِيهِ وَلَوْ صَبَغَ الْمُشْتَرِي أَحَدَهُمَا تَعَيَّنَ هُوَ مَبِيعًا وَرَدَّ الْآخَرَ وَلَوْ أَعْتَقَهُمَا الْبَائِعُ عَتَقَ الَّذِي يُرَدُّ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ أَعْتَقَ مَا اخْتَارَهُ الْمُشْتَرِي لِلْبَيْعِ لَمْ يَصِحَّ إعْتَاقُهُ وَلَوْ اسْتَوْلَدَهُمَا الْمُشْتَرِي تَعَيَّنَتْ الْأُولَى لِلْبَيْعِ وَضَمِنَ عُقْرَ الْأُخْرَى لِلْبَائِعِ. وَلَا يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا مِنْهُ لِعَدَمِ الْمِلْكِ وَيُؤْمَرُ الْمُشْتَرِي بِالْبَيَانِ أَيَّتَهمَا اسْتَوْلَدَهَا أَوَّلًا فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الْبَيَانِ فَخِيَارُ التَّعْيِينِ لِلْوَرَثَةِ فَإِنْ لَمْ تَعْرِفْ الْوَرَثَةُ الْأَوَّلَ مِنْهُمَا ضَمِنَ الْمُشْتَرِي نِصْفَ ثَمَنِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَنِصْفَ عُقْرِهِمَا لِلْبَائِعِ وَيَسْعَيَانِ فِي نِصْفِ قِيمَتِهِمَا لِلْبَائِعِ وَرُوِيَ أَنَّ الْوَلَدَيْنِ يَسْعَيَانِ أَيْضًا فِي نِصْفِ قِيمَتِهِمَا لِلْبَائِعِ وَلَوْ وَطِئَهُمَا الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي فَوَلَدَتَا وَادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْوَلَدَيْنِ صُدِّقَ الْمُشْتَرِي فِي الَّتِي وَطِئَهَا أَوَّلًا وَضَمِنَ عُقْرَ الْأُخْرَى وَيَثْبُتُ نَسَبُ الْأُخْرَى مِنْ الْبَائِعِ لِأَنَّهُ اسْتَوْلَدَ جَارِيَةَ نَفْسِهِ وَيَضْمَنُ الْبَائِعُ عُقْرَ الْأُخْرَى لِلْمُشْتَرِي وَإِنْ مَاتَا قَبْلَ الْبَيَانِ وَلَمْ تَعْلَمْ وَرَثَةُ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلَ مِنْهُمَا لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْ أَحَدٍ لِوُقُوعِ الشَّكِّ وَعَتَقُوا وَضَمِنَ الْمُشْتَرِي نِصْفَ ثَمَنِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَنِصْفَ عُقْرِهَا لِلْبَائِعِ وَالْبَائِعُ يَضْمَنُ نِصْفَ عُقْرِ كُلِّ وَاحِدَةٍ لِلْمُشْتَرِي وَيَتَقَاصَّانِ وَوَلَاؤُهُمْ بَيْنَهُمَا وَقِيلَ لَا وَلَاءَ عَلَى الْوَلَدَيْنِ. كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ وَيَجُوزُ خِيَارُ التَّعْيِينِ فِي الْفَاسِدِ أَيْضًا إلَّا أَنَّ هَاهُنَا مَا يَتَعَيَّنُ لِلْبَيْعِ كَانَ مَضْمُونًا بِالْقِيمَةِ وَالْبَاقِي كَمَا قُلْنَا فِي الْجَائِزِ وَإِنْ مَاتَا مَعًا ضَمِنَ نِصْفَ قِيمَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَوْ أَعْتَقَهُمَا الْمُشْتَرِي عَتَقَ أَحَدُهُمَا وَالتَّعْيِينُ إلَيْهِ وَلَوْ أَعْتَقَ أَحَدَهُمَا الْمُشْتَرِي بِعَيْنِهِ أَوْ بَاعَهُ جَازَ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ وَلَا يَجُوزُ إعْتَاقُ الْمُبْهَمِ لَا مِنْ الْبَائِعِ وَلَا مِنْ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْعِتْقَ الْمُبْهَمَ بَيْنَ الْمَمْلُوكَيْنِ لِلْمُعْتِقِ وَلَمْ يُوجَدْ وَلَوْ أَعْتَقَ الْبَائِعُ أَحَدَهُمَا بِعَيْنِهِ ثُمَّ أَعْتَقَ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ أَوْ عَيَّنَهُ لِلْبَيْعِ أَوْ مَاتَ فَعِتْقُ الْبَائِعِ بَاطِلٌ وَلَوْ رُدَّ ذَلِكَ عَلَى الْبَائِعِ صَحَّ عِتْقُهُ وَلَوْ كَانَ أَعْتَقَهُمَا وَرُدَّا عَلَيْهِ عَتَقَ أَحَدُهُمَا وَالتَّعْيِينُ إلَيْهِ اهـ. وَقَيَّدُوا صُورَةَ خِيَارِ التَّعْيِينِ بِأَنْ يَقُولَ عَلَى أَنْ تَأْخُذَ أَيَّهمَا شِئْت لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَذْكُرْ هَذِهِ الزِّيَادَةَ وَقَالَ بِعْتُك أَحَدَ هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ فَقَبِلَ يَكُونُ فَاسِدًا لِجَهَالَةِ الْمَبِيعِ فَإِنْ قَبَضَهُمَا وَمَاتَا عِنْدَهُ ضَمِنَ نِصْفَ قِيمَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ صَاحِبِهِ لَزِمَهُ قِيمَةُ الْآخَرِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَتَقَدَّمَ تَفَارِيعُهُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُؤَلِّفُ خِيَارَ الشَّرْطِ مَعَ خِيَارِ التَّعْيِينِ لِلِاخْتِلَافِ فَقِيلَ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ خِيَارُ الشَّرْطِ مَعَ خِيَارِ التَّعْيِينِ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ فَإِذَا ذَكَرَا فَلَهُ رَدَّهُمَا فِي الْمُدَّةِ وَإِذَا مَضَتْ لَزِمَ فِي أَحَدِهِمَا وَلَهُ التَّعْيِينُ وَقِيلَ لَا وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَصَحَّحَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فَيَكُونُ ذِكْرُهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وِفَاقًا لَا شَرْطًا وَرَجَّحَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَكِنْ ذَكَرَ قَاضِي خَانْ أَنَّ الِاشْتِرَاطَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْمَشَايِخِ وَإِذَا لَمْ يَذْكُرْ خِيَارَ الشَّرْطِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَأْقِيتِ خِيَارِ التَّعْيِينِ   [منحة الخالق] أَيْ إذَا كَانَ خِيَارُ التَّعْيِينِ مَشْرُوطًا لَهُ (قَوْلُهُ وَيَسْقُطُ خِيَارُ التَّعْيِينِ بِمَا يَسْقُطُ بِهِ خِيَارُ الشَّرْطِ) يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ خِيَارَ الشَّرْطِ يَبْطُلُ بِالْمَوْتِ وَخِيَارُ التَّعْيِينِ لَا يَسْقُطُ اهـ. ذَكَرَهُ الْغَزِّيِّ كَذَا فِي حَاشِيَةِ الرَّمْلِيِّ وَسَيَأْتِي آخِرَ الْقَوْلَةِ تَفْصِيلُ مَا يُبْطِلُهُ عَنْ الْبَدَائِعِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 24 بِالثَّلَاثِ عِنْدَهُ وَبِأَيِّ مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ كَانَتْ عِنْدَهُمَا كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ لَا يَتَأَقَّتُ عِنْدَهُ بِالثَّلَاثِ فَيَجُوزُ إلَى أَرْبَعَةٍ عِنْدَهُ وَفِيهَا ثُمَّ ذَكَرَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ اشْتَرَى ثَوْبَيْنِ وَفِي بَعْضِهَا اشْتَرَى أَحَدَ الثَّوْبَيْنِ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ الْمَبِيعَ فِي الْحَقِيقَةِ أَحَدُهُمَا وَالْآخَرُ أَمَانَةٌ وَالْأَوَّلُ تَجَوُّزٌ وَاسْتِعَارَةٌ اهـ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَإِذَا أَقَّتَ خِيَارَ التَّعْيِينِ وَكَانَ فِيهِ خِيَارُ الشَّرْطِ فَمَضَتْ الْمُدَّةُ حَتَّى انْبَرَمَ فِي أَحَدِهِمَا وَلَزِمَ التَّعْيِينُ أَنْ يَتَقَيَّدَ التَّعْيِينُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَحِينَئِذٍ فَإِطْلَاقُ الطَّحَاوِيِّ قَوْلَهُ: خِيَارُ الشَّرْطِ مُؤَقَّتٌ بِالثَّلَاثِ فِي قَوْلِهِ غَيْرُ مُؤَقَّتٍ بِهَا عِنْدَهُمَا وَخِيَارُ الشَّرْطِ مُؤَقَّتٌ فِيهِ نَظَرٌ اهـ. وَذَكَرَ الشَّارِحُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَذْكُرْ خِيَارَ الشَّرْطِ فَلَا مَعْنَى لِتَأْقِيتِ خِيَارِ التَّعْيِينِ بِخِلَافِ خِيَارِ الشَّرْطِ فَإِنَّ التَّأْقِيتَ فِيهِ يُفِيدُ لُزُومَ الْعَقْدِ عِنْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ وَفِي خِيَارِ التَّعْيِينِ لَا يُمْكِنُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَازِمٌ فِي أَحَدِهِمَا قَبْلَ مُضِيِّ الْوَقْتِ وَلَا يُمْكِنُ تَعْيِينُهُ بِمُضِيِّ الْوَقْتِ بِدُونِ تَعْيِينِهِ فَلَا فَائِدَةَ لِشَرْطِ ذَلِكَ وَاَلَّذِي يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ التَّوْقِيتَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ. اهـ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ قِسْمٌ آخَرُ وَهُوَ ارْتِفَاعُ الْعَقْدِ فِيهِمَا بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ بِخِلَافِ مُضِيِّهَا فِي خِيَارِ الشَّرْطِ فَإِنَّهُ إجَازَةٌ لِيَكُونَ لِكُلِّ خِيَارٍ مَا يُنَاسِبُهُ وَأَطْلَقَ فِي مَحَلِّ الْخِيَارِ وَقَيَّدَهُ فِي الْبَدَائِعِ بِالْأَشْيَاءِ الْمُتَفَاوِتَةِ كَالْعَبِيدِ وَالثِّيَابِ فَعَلَى هَذَا لَا يَدْخُلُ خِيَارُ التَّعْيِينِ فِي الْمِثْلِيَّاتِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ لَهُ لِعَدَمِ التَّفَاوُتِ فِيهَا وَأَمَّا مَا يُبْطِلُ هَذَا الْخِيَارُ وَهُوَ نَوْعَانِ اخْتِيَارِيٌّ وَضَرُورِيٌّ وَالِاخْتِيَارِيُّ نَوْعَانِ صَرِيحٌ وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهُ فَالِاخْتِيَارِيُّ اخْتَرْتُ هَذَا أَوْ شِئْتُهُ أَوْ رَضِيت بِهِ أَوْ أَجَزْته وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهُ وَأَمَّا الِاخْتِيَارِيُّ دَلَالَةً فَهُوَ أَنْ يُوجَدَ مِنْهُ فِعْلٌ فِي أَحَدِهِمَا يَدُلُّ عَلَى تَعْيِينِ الْمِلْكِ فِيهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ وَأَمَّا الضَّرُورِيُّ فَهَلَاكُ أَحَدِهِمَا بَعْدَ الْقَبْضِ وَتَعَيُّبُهُ وَأَمَّا إذَا تَعَيَّبَا لَمْ يَتَعَيَّنْ أَحَدُهُمَا لِلْبَيْعِ وَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَأْخُذَ أَيَّهمَا شَاءَ بِثَمَنِهِ لَكِنْ لَيْسَ لَهُ رَدُّهُمَا لِلُزُومِ الْبَيْعِ فِي أَحَدِهِمَا بِتَعَيُّبِهِمَا فِي يَدِهِ وَبَطَلَ خِيَارُ الشَّرْطِ وَهَذَا يُؤَيِّدُ قَوْلَ مَنْ يَقُولُ بِأَنَّ فِيهِ خِيَارَيْنِ. (قَوْلُهُ وَلَو ْ اشْتَرَيَا عَلَى أَنَّهُمَا بِالْخِيَارِ فَرَضِيَ أَحَدُهُمَا لَا يَرُدُّهُ الْآخَرُ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ خِيَارُ الْعَيْبِ وَالرُّؤْيَةِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَخَصَّهُ فِي الْبِنَايَةِ بِمَا إذَا كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ أَمَّا قَبْلَهُ فَلَيْسَ لَهُ الرَّدُّ يَعْنِي اتِّفَاقًا، لَهُمَا أَنَّ إثْبَاتَ الْخِيَارِ لَهُمَا إثْبَاتُهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَلَا يَسْقُطُ بِإِسْقَاطِ صَاحِبِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّهِ وَلَهُ أَنَّ الْمَبِيعَ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ غَيْرَ مَعِيبٍ بِعَيْبِ الشَّرِكَةِ فَلَوْ رَدَّهُ أَحَدُهُمَا لَرَدَّهُ مَعِيبًا بِهِ وَفِيهِ إلْزَامُ ضَرَرٍ زَائِدٍ وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ إثْبَاتِ الْخِيَارِ لَهُمَا الرِّضَا بِرَدِّ أَحَدِهِمَا لِتَصَوُّرِ اجْتِمَاعِهِمَا عَلَى الرَّدِّ وَقَوْلُهُ رِضَا أَحَدِهِمَا لَا يَرُدُّهُ الْآخَرُ اتِّفَاقِيٌّ إذْ لَوْ رَدَّ أَحَدُهُمَا لَا يُجِيزُهُ الْآخَرُ وَلَمْ أَرَهُ صَرِيحًا وَلَكِنْ قَوْلُهُمْ لَوْ رَدَّهُ أَحَدُهُمَا لَرَدَّهُ مَعِيبًا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَكَذَا قَوْلُهُ اشْتَرَيَا إذْ لَوْ بَاعَا لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا الِانْفِرَادُ إجَازَةً أَوْ رَدًّا لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ اشْتَرَى عَبْدًا مِنْ رَجُلَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً عَلَى أَنَّ الْبَائِعَيْنِ بِالْخِيَارِ فَرَضِيَ أَحَدُهُمَا بِالْبَيْعِ وَلَمْ يَرْضَ الْآخَرُ لَزِمَهُمَا الْبَيْعُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ. وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْبَيْعَ لَوْ كَانَ مُتَعَدِّدًا وَالْخِيَارُ لِأَحَدِهِمَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُجِيزَ فِي الْبَعْضِ وَيَرُدَّ فِي الْبَعْضِ وَكَذَا لَوْ كَانَ وَاحِدًا فَأَجَازَ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ فِي النِّصْفِ وَرَدَّهُ فِي النِّصْفِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْخَانِيَّةِ لَكِنْ ذَكَرُوهُ فِيمَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا. [اشْتَرَى عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ خَبَّازٌ أَوْ كَاتِبٌ فَكَانَ بِخِلَافِهِ] (قَوْلُهُ وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ خَبَّازٌ أَوْ كَاتِبٌ فَكَانَ بِخِلَافِهِ أَخَذَهُ بِكُلِّ الثَّمَنِ أَوْ تَرَكَهُ) لِأَنَّ هَذَا وَصْفٌ مَرْغُوبٌ فِيهِ فَيُسْتَحَقُّ بِالْعَقْدِ بِالشَّرْطِ ثُمَّ فَوَاتُهُ يُوجِبُ التَّخْيِيرَ لِأَنَّهُ مَا رَضِيَ بِهِ دُونَهُ وَهَذَا يَرْجِعُ إلَى اخْتِلَافِ النَّوْعِ لِقِلَّةِ التَّفَاوُتِ فِي الْأَغْرَاضِ وَلَا يَفْسُدُ بِعَدَمِهِ الْعَقْدُ بِمَنْزِلَةِ وَصْفُ الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ فِي الْحَيَوَانَاتِ فَصَارَ كَفَوَاتِ وَصْفِ السَّلَامَةِ وَإِذَا أَخَذَهُ أَخَذَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ لِأَنَّ الْأَوْصَافَ لَا يُقَابِلُهَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ لِكَوْنِهَا تَابِعَةً فِي الْعَقْدِ عَلَى مَا عُرِفَ وَفِي الْمِعْرَاجِ قَوْلُهُ عَلَى أَنَّهُ خَبَّازٌ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَفِيهَا) أَيْ فِي الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ مُؤَقَّتٌ بِالثَّلَاثِ فِي قَوْلِهِ) أَيْ قَوْلِ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ (قَوْلُهُ فِيهِ نَظَرٌ) خَبَرٌ عَنْ قَوْلِهِ فَإِطْلَاقُ الطَّحَاوِيِّ قَالَ فِي النَّهْرِ وَقَدْ يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ تَوْقِيتَ خِيَارِ التَّعْيِينِ لَيْسَ قَدْرًا مُتَّفَقًا عَلَيْهِ بَلْ هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْمَشَايِخِ فَجَازَ أَنَّ الطَّحَاوِيَّ وَافَقَ غَيْرَ الْأَكْثَرِ عَلَى أَنَّ الشَّارِحَ قَالَ الَّذِي يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ التَّوْقِيتَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ إلَخْ ثُمَّ قَالَ فِي النَّهْرِ وَأَبْدَى فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ لَهُ فَائِدَةً هِيَ أَنْ يُجْبَرَ عَلَى التَّعْيِينِ بَعْدَ مُضِيِّ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ قَالَ وَهَذَا هُوَ أَثَرُ تَوْقِيتِ خِيَارِ التَّعْيِينِ كَمَا إذَا لَمْ يَذْكُرْ خِيَارَ الشَّرْطِ مَعَهُ وَوَقَّتَ وَمَضَتْ مُدَّتُهُ بِلَا فَرْقٍ اهـ. وَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يُقَالَ كَمَا إذَا ذَكَرَ خِيَارَ الشَّرْطِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ تَوْقِيتِ خِيَارِ التَّعْيِينِ عِنْدَ خُلُوِّهِ مِنْ خِيَارِ الشَّرْطِ بِالثَّلَاثَةِ وَبَيْنَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 25 أَيْ عَبْدٌ حِرْفَتُهُ هَكَذَا لِأَنَّهُ لَوْ فَعَلَ هَذَا الْفِعْلَ أَحْيَانًا لَا يُسَمَّى خَبَّازًا وَفِي الذَّخِيرَةِ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الزِّيَادَاتِ فَإِنْ قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي فَوَجَدَهُ كَاتِبًا أَوْ خَبَّازًا عَلَى أَدْنَى مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ لَا يَكُونُ لَهُ حَقُّ الرَّدِّ لَا النِّهَايَةِ فِي الْجَوْدَةِ وَمَعْنَى أَدْنَى مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ أَنْ يَفْعَلَ مِنْ ذَلِكَ مَا يُسَمَّى بِهِ الْفَاعِلُ خَبَّازًا أَوْ كَاتِبًا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ لَا يَعْجِزُ فِي الْعَادَةِ مِنْ أَنْ يَكْتُبَ عَلَى وَجْهٍ تَتَبَيَّنُ حُرُوفُهُ وَأَنْ يَخْبِزَ مِقْدَارَ مَا يَدْفَعُ الْهَلَاكَ عَنْ نَفْسِهِ وَبِذَلِكَ لَا يُسَمَّى خَبَّازًا وَلَا كَاتِبًا اهـ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ لَوْ مَاتَ هَذَا الْمُشْتَرِي انْتَقَلَ الْخِيَارُ إلَى وَارِثِهِ إجْمَاعًا لِأَنَّهُ فِي ضِمْنِ مِلْكِ الْعَيْنِ. اهـ. وَفِي الذَّخِيرَةِ فَلَوْ امْتَنَعَ الرَّدُّ بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ رَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ فَيُقَوَّمُ الْعَبْدُ كَاتِبًا أَوْ غَيْرَ كَاتِبٍ وَيُنْظَرُ إلَى تَفَاوُتِ مَا بَيْنَهُمَا فَإِنْ كَانَ بِقَدْرِ الْعُشْرِ رَجَعَ بِعُشْرِ الثَّمَنِ وَفِي رِوَايَةٍ لَا رُجُوعَ بِشَيْءٍ وَلَكِنْ مَا ذَكَرَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَصَحُّ وَلَوْ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بَعْدَمَا مَضَى حِينٌ مِنْ وَقْتِ الْبَيْعِ فَقَالَ الْمُشْتَرِي لَمْ أَجِدْهُ كَاتِبًا وَقَالَ الْبَائِعُ إنِّي سَلَّمْتُهُ إلَيْك كَذَلِكَ وَلَكِنَّهُ نَسِيَ عِنْدَك وَقَدْ يَنْسَى ذَلِكَ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ وَقَعَ فِي وَصْفٍ عَارِضٍ إذْ الْأَصْلُ عَدَمُ الْكِتَابَةِ وَالْخَبْزِ وَالْأَصْلُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ مَنْ يَدَّعِي الْأَصْلَ وَأَنَّ الْعَدَمَ أَصْلٌ فِي الصِّفَاتِ الْعَارِضَةِ وَالْوُجُودُ أَصْلٌ فِي الصِّفَاتِ الْأَصْلِيَّةِ فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي فِي عَدَمِ الْخَبْزِ وَالْكِتَابَةِ لِأَنَّهُمَا مِنْ الصِّفَاتِ الْعَارِضَةِ وَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ فِي أَنَّهَا بِكْرٌ لِأَنَّهَا صِفَةٌ أَصْلِيَّةٌ وَتَمَامُهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَكَتَبْنَاهُ فِي الْقَوَاعِدِ فِي قَاعِدَةِ أَنَّ الْيَقِينَ لَا يَزُولُ بِالشَّكِّ وَفِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ مِنْ بَابِ الْإِقْرَارِ بِالْعَيْبِ لَوْ بَاعَهُ ثَوْبًا عَلَى أَنَّهُ هَرَوِيٌّ ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي كَوْنِهِ هَرَوِيًّا فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَمَّا قَالَ بِعْتُكَهُ عَلَى أَنَّهُ هَرَوِيٌّ فَقَبِلَ الْمُشْتَرِي صَارَ كَأَنَّهُ أَعَادَ فِي الْإِيجَابِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ اشْتَرَيْتُهُ عَلَى أَنَّهُ هَرَوِيٌّ فَكَانَ مُقِرًّا بِكَوْنِهِ هَرَوِيًّا فَدَعْوَاهُ بَعْدُ خِلَافهُ تَنَاقُضٌ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ بِعْتُكَهُ عَلَى أَنَّهُ كَاتِبٌ فَقَبِلَ فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِيهِ فِي الْمَقْبُوضِ وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِهِ لِلْفَارِسِيِّ. وَفِي النَّوَازِلِ اشْتَرَى جَارِيَةً عَلَى أَنَّهَا عَذْرَاءُ فَعَلِمَ الْمُشْتَرِي أَنَّهَا لَيْسَتْ كَذَلِكَ فَإِنْ عَلِمَ بِالْوَطْءِ فَإِنْ زَايَلَهَا عِنْدَ عِلْمِهِ بِلَا لُبْثٍ لَمْ تَلْزَمْهُ وَإِلَّا لَزِمَتْهُ وَلَوْ اشْتَرَى بَقَرَةً عَلَى أَنَّهَا حُبْلَى فَوَلَدَتْ عِنْدَهُ فَشَرِبَ اللَّبَنَ وَأَنْفَقَ عَلَيْهَا فَإِنَّهُ يَرُدُّهَا وَالْوَلَدَ وَمَا شَرِبَ مِنْ اللَّبَنِ وَلَا شَيْءَ لَهُ مِمَّا أَنْفَقَ لِأَنَّ الْبَيْعَ وَقَعَ فَاسِدًا فَكَانَتْ فِي ضَمَانِهِ وَالنَّفَقَةُ عَلَيْهِ وَلَوْ اشْتَرَى شَاةً عَلَى أَنَّهَا نَعْجَةٌ فَإِذَا هِيَ مَعْزٌ يَجُوزُ الْبَيْعُ وَلَهُ الْخِيَارُ لِأَنَّ حُكْمَهُمَا وَاحِدٌ فِي الصَّدَقَاتِ وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى بَقَرَةً فَإِذَا هِيَ جَامُوسٌ. وَفِي الْمُجْتَبَى عَنْ جَمْعٍ الْبُخَارِيِّ الْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْإِشَارَةَ مَعَ التَّسْمِيَةِ إذَا اجْتَمَعَتَا وَإِنْ كَانَ الْمُشَارُ إلَيْهِ مِنْ خِلَافِ جِنْسِ الْمُسَمَّى فَالْعَقْدُ فَاسِدٌ وَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِهِ فَالْعَقْدُ جَائِزٌ ثُمَّ إنْ كَانَ الْمُشَارُ إلَيْهِ دُونَ الْمُسَمَّى كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي وَإِلَّا فَلَا وَالثِّيَابُ أَجْنَاسٌ وَالذَّكَرُ مَعَ الْأُنْثَى فِي بَنِي آدَمَ جِنْسَانِ حُكْمًا وَفِي سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ جِنْسٌ وَاحِدٌ وَإِذَا كَانَ الْمُشَارُ إلَيْهِ مِنْ خِلَافِ جِنْسِ الْمُسَمَّى فَإِنَّهَا يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِالْمُسَمَّى إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي بِهِ أَمَّا إذَا عَلِمَ بِهِ فَالْعَقْدُ يَتَعَلَّقُ بِالْمُشَارِ إلَيْهِ كَمَنْ قَالَ بِعْتُك هَذَا الْحِمَارَ وَأَشَارَ إلَى الْعَبْدِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَلَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا عَلَى أَنَّهُ هَرَوِيٌّ فَإِذَا هُوَ بَلْخِيٌّ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ عِنْدَنَا وَكَذَا عَلَى أَنَّهُ أَبْيَضُ فَإِذَا هُوَ مَصْبُوغٌ أَوْ عَلَى أَنَّهُ مَصْبُوغٌ بِعُصْفُرٍ فَإِذَا هُوَ   [منحة الخالق] مَا لَوْ ذُكِرَ مَعَهُ وَمَضَتْ مُدَّتُهُ حَيْثُ يُجْبَرُ عَلَى التَّعْيِينِ فِيهِمَا فَيَظْهَرُ لِتَقْيِيدِهِ بِالثَّلَاثِ عِنْدَ عَدَمِ ذِكْرِ خِيَارِ الشَّرْطِ. فَائِدَةٌ أَبُو السُّعُودِ عَنْ شَيْخِهِ وَبِهَذِهِ الْفَائِدَةِ يُسْتَغْنَى عَمَّا يَذْكُرُهُ الْمُؤَلِّفُ. [اشْتَرَيَا عَلَى أَنَّهُمَا بِالْخِيَارِ فَرَضِيَ أَحَدُهُمَا] (قَوْلُهُ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ لَوْ مَاتَ هَذَا الْمُشْتَرِي إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ خِيَارَ الْغَبْنِ الْفَاحِشِ مَعَ التَّغْرِير يُورَثُ لِأَنَّهُ أَشْبَهَ بِهِ إذْ هُوَ مَعَهُ اشْتَرَاهُ بِنَاءً عَلَى قَوْلِهِ فَكَانَ شَارِطًا لَهُ اقْتِضَاءً وَصْفًا مَرْغُوبًا فَبَانَ بِخِلَافِهِ. وَقَدْ اخْتَلَفَ تَفَقُّهُ الشَّيْخِ عَلِيٍّ الْمَقْدِسِيَّ وَالشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْغَزِّيِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَرَيَاهَا مَنْقُولَةً وَمَالَ الشَّيْخُ عَلَى مَا قُلْتُهُ لَكِنْ لَمْ يَذْكُرْ وَجْهَهُ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ وَاَلَّذِي أَمِيلُ إلَيْهِ أَنَّهُ مِثْلُ خِيَارِ الْعَيْبِ يَعْنِي فَيُورَثُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَفِي رِوَايَةٍ لَا رُجُوعَ بِشَيْءٍ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَجْهُهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْأَوْصَافَ لَا يُقَابِلُهَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ (قَوْلُهُ فَإِنْ عَلِمَ بِالْوَطْءِ إلَخْ) . اُنْظُرْ مَا كَتَبْنَاهُ فِي بَابِ خِيَارِ الْعَيْبِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَمَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا فَقَطَعَهُ إلَخْ (قَوْلُهُ وَلَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا عَلَى أَنَّهُ هَرَوِيٌّ إلَخْ) إنَّمَا كَانَ الْبَيْعُ فَاسِدًا لِأَنَّ الْمَبِيعَ الْمُشَارَ إلَيْهِ مِنْ خِلَافِ جِنْسِ الْمُسَمَّى وَذَكَرَ فِي الْفَتْحِ قَبْلَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَصْلًا فَقَالَ وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا شَرَطَ فِي الْمَبِيعِ مَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُهُ فَوَجَدَهُ بِخِلَافِهِ فَتَارَةً يَكُونُ الْبَيْعُ فَاسِدًا وَتَارَةً يَسْتَمِرُّ عَلَى الصِّحَّةِ وَيَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ وَتَارَةً يَسْتَمِرُّ صَحِيحًا وَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي وَهُوَ مَا إذَا وَجَدَهُ خَيْرًا مِمَّا شَرَطَهُ وَضَابِطُهُ إنْ كَانَ الْمَبِيعُ مِنْ جِنْسِ الْمُسَمَّى فَفِيهِ الْخِيَارُ وَالثِّيَابُ أَجْنَاسٌ أَعْنِي الْهَرَوِيَّ وَالْإِسْكَنْدَرِيّ وَالْمَرْوِيَّ وَالْكَتَّانَ وَالْقُطْنَ وَالذَّكَرُ مَعَ الْأُنْثَى فِي بَنِي آدَمَ جِنْسَانِ وَفِي سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ جِنْسٌ وَاحِدٌ وَالضَّابِطُ فُحْشُ التَّفَاوُتِ فِي الْأَغْرَاضِ وَعَدَمُهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 26 بِزَعْفَرَانٍ، أَوْ دَارًا عَلَى أَنَّ بِنَاءَهَا آجَرٌّ فَإِذَا هُوَ لَبِنٌ أَوْ عَلَى أَنْ لَا بِنَاءَ أَوْ لَا نَخْلَ فِيهَا فَإِذَا فِيهَا بِنَاءٌ أَوْ نَخْلٌ أَوْ أَرْضًا عَلَى أَنَّ أَشْجَارَهَا كُلَّهَا مُثْمِرَةٌ فَإِذَا فِيهَا غَيْرُ مُثْمِرٍ فَسَدَ الْبَيْعُ وَلَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً عَلَى أَنَّهَا مَوْلُودَةُ الْكُوفَةِ فَإِذَا هِيَ مَوْلُودَةُ بَغْدَادَ أَوْ غُلَامًا عَلَى أَنَّهُ تَاجِرٌ أَوْ كَاتِبٌ أَوْ غَيْرُهُ فَإِذَا هُوَ لَا يُحْسِنُهُ أَوْ عَلَى أَنَّهُ فَحْلٌ فَإِذَا هُوَ خَصِيٌّ أَوْ عَلَى عَكْسِهِ أَوْ عَلَى أَنَّهَا بَغْلَةٌ فَإِذَا هُوَ بَغْلٌ أَوْ عَلَى أَنَّهَا نَاقَةٌ فَإِذَا هُوَ جَمَلٌ أَوْ عَلَى أَنَّهَا لَحْمُ مَعْزٍ فَإِذَا هُوَ لَحْمُ ضَأْنٍ أَوْ عَلَى أَنَّ هَذَا الْحَيَوَانَ حَامِلٌ فَوَجَدَهَا غَيْرَ حَامِلٍ جَازَ الْبَيْعُ وَلَهُ الْخِيَارُ وَكَذَا فِي أَمْثَالِهَا وَلَوْ اشْتَرَى عَلَى أَنَّهُ بَغْلٌ فَإِذَا هِيَ بَغْلَةٌ أَوْ حِمَارٌ ذَكَرٌ فَإِذَا هُوَ أَتَانٌ أَوْ جَارِيَةٌ عَلَى أَنَّهَا رَتْقَاءُ أَوْ ثَيِّبٌ فَوَجَدَهَا خِلَافَ ذَلِكَ إلَى خَيْرٍ جَازَ الْبَيْعُ وَلَا خِيَارَ لَهُ فِيهِ وَلَا فِي أَمْثَالِهِ إذَا وَجَدَهُ عَلَى صِفَةٍ خَيْرٍ مِنْ الْمَشْرُوطَةِ. وَلَوْ بَاعَ دَارًا بِمَا فِيهَا مِنْ الْجُذُوعِ وَالْأَبْوَابِ وَالْخَشَبِ وَالنَّخِيلِ فَإِذَا لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي وَفِي الْمُحِيطِ اشْتَرَى شَاةً أَوْ نَاقَةً أَوْ بَقَرَةً عَلَى أَنَّهَا حَامِلٌ فَسَدَ الْبَيْعُ إلَّا فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ. وَالْأَصَحُّ فِي الْأَمَةِ جَوَازُهُ أَوْ عَلَى أَنَّهَا حَلُوبٌ أَوْ لَبُونٌ أَوْ عَلَى أَنَّهَا تَحْلُبُ كَذَا أَوْ تَضَعُ بَعْدَ شَهْرٍ يَفْسُدُ إلَى هُنَا كَلَامُ الْمِعْرَاجِ. وَذَكَرَ بَعْضَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ ثُمَّ قَالَ وَيَنْبَغِي فِي مَسْأَلَةِ الْبَعِيرِ وَالنَّاقَةِ أَنْ يَكُونَ فِي الْعَرَبِ وَالْبَوَادِي الَّذِينَ يَطْلُبُونَ الدَّرَّ وَالنَّسْلَ أَمَّا أَهْلُ الْمُدُنِ وَالْمُكَارِيَةِ فَالْبَعِيرُ أَفْضَلُ. اهـ. وَصَحَّحَ قَاضِي خَانْ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ جَارِيَةً عَلَى أَنَّهَا حَامِلٌ أَنَّ الْبَيْعَ جَائِزٌ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ شَرْطِ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْعَيْبِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي بَلَدٍ يَرْغَبُونَ فِي شِرَاءِ الْجَوَارِي لِأَجْلِ الْأَوْلَادِ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا بَاعَ جَارِيَةً عَلَى أَنَّهَا ذَاتُ لَبَنٍ فَقِيلَ لَا يَجُوزُ وَالْأَكْثَرُ عَلَى الْجَوَازِ وَلَوْ اشْتَرَى فَرَسًا عَلَى أَنَّهَا هِمْلَاجٌ جَازَ لِأَنَّ الْهِمْلَاجَ لَا يَصِيرُ غَيْرَ هِمْلَاجٍ وَفِي الْبَدَائِعِ اشْتَرَى جَارِيَةً عَلَى أَنَّهَا مُغَنِّيَةٌ إنْ شَرَطَهُ عَلَى وَجْهِ الرَّغْبَةِ فِيهِ فَسَدَ الْبَيْعُ لِكَوْنِهِ شَرَطَ مَا هُوَ مَحْظُورٌ مُحَرَّمٌ وَإِنْ شَرَطَ فِي الْبَيْعِ عَلَى وَجْهِ التَّبَرِّي مِنْ الْعَيْبِ لَا يَفْسُدُ فَإِذَا لَمْ يَجِدْهَا مُغَنِّيَةً لَا خِيَارَ لَهُ لِأَنَّهُ وَجَدَهَا سَالِمَةً مِنْ الْعَيْبِ وَلَوْ بَاعَ جَارِيَةً عَلَى أَنَّهَا مَا وَلَدَتْ فَظَهَرَ أَنَّهَا وَلَدَتْ فَلَهُ رَدُّهَا وَلَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا عَلَى أَنَّهُ مَصْبُوغٌ بِالْعُصْفُرِ فَإِذَا هُوَ أَبْيَضُ جَازَ الْبَيْعُ وَيُخَيَّرُ بِخِلَافِ عَكْسِهِ فَإِنَّهُ يَفْسُدُ وَلَوْ اشْتَرَى كِرْبَاسًا عَلَى أَنَّ سَدَاه أَلْفٌ فَإِذَا هُوَ أَلْفٌ وَمِائَةٌ سَلَّمَ الثَّوْبَ إلَى الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ زِيَادَةُ وَصْفٍ وَلَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا عَلَى أَنَّهُ سُدَاسِيٌّ فَإِذَا هُوَ خُمَاسِيٌّ خُيِّرَ الْمُشْتَرِي إنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ لِأَنَّهُ اخْتِلَافُ نَوْعٍ لَا جِنْسٍ فَلَا يُفْسِدُهُ وَلَوْ بَاعَ ثَوْبًا عَلَى أَنَّهُ خَزٌّ فَإِذَا لُحْمَتُهُ خَزٌّ وَسَدَاهُ قُطْنٌ جَازَ الْبَيْعُ لِأَنَّ السَّدَى تَبَعٌ لِلُّحْمَةِ وَلَوْ اشْتَرَى سَوِيقًا عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ لَتَّهُ بِمَنٍّ مِنْ سَمْنٍ وَتَقَابَضَا وَالْمُشْتَرِي يَنْظُرُ إلَيْهِ فَظَهَرَ أَنَّهُ لَتَّهُ بِنِصْفِ مَنٍّ جَازَ الْبَيْعُ وَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ هَذَا مِمَّا يُعْرَفُ بِالْعِيَانِ فَإِذَا عَايَنَهُ انْتَفَى الْغُرُورُ وَهُوَ كَمَا لَوْ اشْتَرَى صَابُونًا عَلَى أَنَّهُ مُتَّخَذٌ مِنْ كَذَا جَرَّةٍ مِنْ الدُّهْنِ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ مُتَّخَذٌ مِنْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ وَالْمُشْتَرِي كَانَ يَنْظُرُ إلَى الصَّابُونِ وَقْتَ الشِّرَاءِ. وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى قَمِيصًا عَلَى أَنَّهُ اُتُّخِذَ مِنْ عَشَرَةِ أَذْرُعٍ وَهُوَ يَنْظُرُ إلَيْهِ فَإِذَا هُوَ مِنْ تِسْعَةٍ جَازَ الْبَيْعُ وَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي وَلَوْ بَاعَ أَرْضًا عَلَى أَنَّهَا غَيْرُ خَرَاجِيَّةٍ فَإِذَا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَلَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً عَلَى أَنَّهَا مَوْلُودَةُ الْكُوفَةِ إلَخْ) إنَّمَا جَازَ الْبَيْعُ مَعَ الْخِيَارِ لِكَوْنِ الْمُشَارِ إلَيْهِ مِنْ جِنْسِ الْمُسَمَّى لَكِنَّهُ دُونَهُ (قَوْلُهُ أَوْ عَلَى أَنَّ هَذَا الْحَيَوَانَ حَامِلٌ إلَخْ) مُخَالِفٌ لِلْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ وَهِيَ قَوْلُهُ وَلَوْ اشْتَرَى بَقَرَةً عَلَى أَنَّهَا حُبْلَى إلَخْ حَيْثُ ذَكَرَ هُنَاكَ أَنَّ الْبَيْعَ فَاسِدٌ وَهُنَا أَنَّهُ جَائِزٌ وَلَعَلَّهُ عَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ كَمَا يَأْتِي قَرِيبًا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلَوْ اشْتَرَى عَلَى أَنَّهُ بَغْلٌ إلَخْ) . إنَّمَا جَازَ بِدُونِ الْخِيَارِ لِكَوْنِهَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَالْمُشَارُ إلَيْهِ خَيْرٌ مِنْ الْمُسَمَّى عَلَى وَفْقِ مَا قَرَّرَهُ مِنْ الْأَصْلِ فَتَأَمَّلْ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة إذَا بَاعَ مِنْ آخَرَ شَخْصًا عَلَى أَنَّهَا جَارِيَةٌ وَأَشَارَ إلَيْهَا فَإِذَا هُوَ غُلَامٌ فَلَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ أَخَذَ بِهِ عُلَمَاؤُنَا وَالْقِيَاسُ أَنْ يَنْعَقِدَ بِهِ الْبَيْعُ وَيَكُونَ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ ثُمَّ ذَكَرَ الْأَصْلَ الْمَنْقُولَ عَنْ الْمُجْتَبَى وَبَقِيَّةَ التَّفَارِيعِ. (قَوْلُهُ إلَى هُنَا كَلَامُ الْمِعْرَاجِ) أَيْ مِنْ عِنْدِ قَوْلِهِ فِي أَوَّلِ الْمَقُولَةِ وَفِي الْمِعْرَاجِ إلَى هُنَا مِنْ كَلَامِهِ لَكِنْ ذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ مَا لَيْسَ مِنْهُ وَهُوَ قَوْلُهُ وَالْأَصْلُ أَنَّ الْقَوْلَ إلَى قَوْلِهِ وَفِي النَّوَازِلِ وَمَا ذَكَرَهُ هُنَا مِنْ أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَاهَا عَلَى أَنَّهَا حَلُوبٌ يَفْسُدُ ذَكَرَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّهُ رِوَايَةُ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ لِأَنَّ الْمَشْرُوطَ هُنَا أَصْلٌ مِنْ وَجْهٍ وَهُوَ اللَّبَنُ وَنَقَلَ فِي الْمِعْرَاجِ قَبْلَ هَذَا عَنْ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ لِأَنَّهُ وَصْفٌ مَرْغُوبٌ وَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الْفَتْحِ وَقَالَ كَمَا إذَا شَرَطَ فِي الْفَرَسِ أَنَّهُ هِمْلَاجٌ وَفِي الْكَلْبِ أَنَّهُ صَائِدٌ حَيْثُ يَصِحُّ. (قَوْلُهُ وَلَوْ بَاعَ جَارِيَةً عَلَى أَنَّهَا مَا وَلَدَتْ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ اشْتَرَاهَا وَقَبَضَهَا ثُمَّ ظَهَرَ وِلَادَتُهَا عِنْدَ الْبَائِعِ لَا مِنْ الْبَائِعِ وَهُوَ لَمْ يَعْلَمْ فِي رِوَايَةٍ الْمُضَارَبَةُ عَيْبٌ مُطْلَقًا لِأَنَّ التَّكَسُّرَ الْحَاصِلَ بِالْوِلَادَةِ لَا يَزُولُ أَبَدًا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَفِي رِوَايَةٍ إنْ نَقَصَتْهَا الْوِلَادَةُ عَيْبٌ وَفِي الْبَهَائِمِ لَيْسَ بِعَيْبٍ إلَّا أَنْ يُوجِبَ نُقْصَانًا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ. فَظَاهِرُ مَا فِي الْبَدَائِعِ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ إلَّا إذَا شَرَطَ أَنَّهَا مَا وَلَدَتْ وَلَوْ لَمْ يَشْرِطْهُ لَا يَرُدُّ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا عَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا سَمِعْت وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. اهـ. قُلْتُ: ذَكَرَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ أَيْضًا عَنْ النِّهَايَةِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 27 هِيَ خَرَاجِيَّةٌ فَسَدَ الْبَيْعُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ عَلَى التَّفْصِيلِ إنْ عَلِمَ الْمُشْتَرِي أَنَّهَا أَرْضُ خَرَاجٍ فَسَدَ الْبَيْعُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِذَلِكَ جَازَ الْبَيْعُ وَيُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي اشْتَرَى قَلَنْسُوَةً عَلَى أَنَّ حَشْوَهَا قُطْنٌ فَلَمَّا فَتَقَهَا الْمُشْتَرِي وَجَدَهَا صُوفًا اخْتَلَفُوا وَالصَّحِيحُ جَوَازُ الْبَيْعِ وَالرُّجُوعُ بِالنُّقْصَانِ لِأَنَّ الْحَشْوَ تَبَعٌ وَتَغَيُّرُ التَّبَعِ لَا يُفْسِدُ اهـ. مَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالْهِمْلَاجُ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ هَمْلَجَ الْبِرْذَوْنُ هَمْلَجَةً مَشَى مِشْيَةً سَهْلَةً فِي سُرْعَةٍ وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْعَيْنِ الْهَمْلَجَةُ حُسْنُ سَيْرِ الدَّابَّةِ وَكُلُّهُمْ قَالُوا فِي اسْمِ الْفَاعِلِ هِمْلَاجٌ بِكَسْرِ الْهَاءِ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى بِمُقْتَضَى أَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ لَمْ يَجِئْ عَلَى قِيَاسِهِ وَهُوَ مُهَمْلِجٌ اهـ. اعْلَمْ أَنَّ اشْتِرَاطَ الْوَصْفِ الْمَرْغُوبِ فِيهِ إمَّا أَنْ يَكُونَ صَرِيحًا أَوْ دَلَالَةً لِمَا فِي الْبَدَائِعِ فِي خِيَارِ الْعَيْبِ وَالْجَهْلُ بِالطَّبْخِ وَالْخَبْزِ فِي الْجَارِيَةِ لَيْسَ بِعَيْبٍ لِكَوْنِهِ حِرْفَةً كَالْخِيَاطَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ شَرْطًا فِي الْعَقْدِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَشْرُوطًا فِي الْعَقْدِ وَكَانَتْ تُحْسِنُ الطَّبْخَ وَالْخَبْزَ فِي يَدِ الْبَائِعِ ثُمَّ نَسِيَتْ فِي يَدِهِ فَاشْتَرَاهَا فَوَجَدَهَا لَا تُحْسِنُ ذَلِكَ رَدَّهَا لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَمَّا اشْتَرَاهَا رَغْبَةً فِي تِلْكَ الصِّفَةِ فَصَارَتْ مَشْرُوطَةً دَلَالَةً وَهُوَ كَالْمَشْرُوطِ نَصًّا. اهـ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ. (بَابٌ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ) قَدَّمَهُ عَلَى خِيَارِ الْعَيْبِ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ تَمَامَ الْحُكْمِ وَذَلِكَ يَمْنَعُ لُزُومَ الْحُكْمِ وَاللُّزُومُ بَعْدَ التَّمَامِ وَالْإِضَافَةُ مِنْ قَبِيلِ إضَافَةِ الشَّيْءِ إلَى شَرْطِهِ لِأَنَّ الرُّؤْيَةَ شَرْطُ ثُبُوتِ الْخِيَارِ وَعَدَمُ الرُّؤْيَةِ هُوَ السَّبَبُ لِثُبُوتِ الْخِيَارِ عِنْدَ الرُّؤْيَةِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْخِيَارَ يَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي فِي شِرَاءِ الْأَعْيَانِ وَلَا يَثْبُتُ فِي الدُّيُونِ كَالْمُسْلَمِ فِيهِ وَالْأَثْمَانِ وَأَمَّا فِي رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ إنْ كَانَ عَيْنًا فَإِنَّهُ يَثْبُتُ لِلْبَائِعِ أَيْ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ الْخِيَارُ فِيهِ وَلَا يَثْبُتُ فِي كُلِّ عَقْدٍ لَا يَنْفَسِخُ بِالرَّدِّ كَالْمَهْرِ وَبَدَلِ الْخُلْعِ وَبَدَلِ الصُّلْحِ عَنْ الْقِصَاصِ. وَالرَّدُّ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ فَسْخٌ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى قَضَاءٍ وَلَا رِضَا الْبَائِعِ وَيَنْفَسِخُ بِقَوْلِهِ رَدَدْتُ إلَّا أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ الرَّدُّ إلَّا بِعِلْمِ الْبَائِعِ عِنْدَ هُمَا خِلَافًا لِلثَّانِي وَهُوَ يَثْبُتُ حُكْمًا لَا بِالشَّرْطِ وَلَا يَتَوَقَّتُ وَلَا يَمْنَعُ وُقُوعَ الْمِلْكِ لِلْمُشْتَرِي حَتَّى أَنَّهُ لَوْ تَصَرَّفَ فِيهِ جَازَ تَصَرُّفُهُ وَبَطَلَ خِيَارُهُ وَلَزِمَهُ الثَّمَنُ وَكَذَا لَوْ هَلَكَ فِي يَدِهِ أَوْ صَارَ إلَى حَالٍ لَا يَمْلِكُ فَسْخَهُ بَطَلَ خِيَارُهُ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَذَكَرَ فِي الْمِعْرَاجِ أَنَّ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ لَا يَثْبُتُ إلَّا فِي أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ فِي الشِّرَاءِ وَالْإِجَارَةِ وَالْقِسْمَةِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَعْوَى الْمَالِ عَلَى شَيْءٍ بِعَيْنِهِ. وَفِي الْمِعْرَاجِ لَا يُطَالِبُ الْبَائِعُ الْمُشْتَرِيَ بِالثَّمَنِ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ (قَوْلُهُ شِرَاءُ مَا لَمْ يَرَهُ جَائِزٌ) أَيْ صَحِيحٌ لِمَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَالْبَيْهَقِيُّ مُرْسَلًا عَنْ مَكْحُولٍ مَرْفُوعًا «مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا لَمْ يَرَهُ فَلَهُ الْخِيَارُ إذَا رَآهُ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ» وَجَهَالَتُهُ بِعَدَمِ الرُّؤْيَةِ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُوَافِقْهُ بِرَدِّهِ فَصَارَ كَجَهَالَةِ الْوَصْفِ فِي الْمُعَايَنِ الْمُشَارِ إلَيْهِ وَإِطْلَاقُ الْكِتَابِ يَقْتَضِي جَوَازَ الْبَيْعِ سَوَاءٌ سَمَّى جِنْسَ الْمَبِيعِ أَوْ لَا وَسَوَاءٌ أَشَارَ إلَى مَكَانِهِ أَوْ إلَيْهِ وَهُوَ حَاضِرٌ مَسْتُورٌ أَوْ لَا مِثْلُ أَنْ يَقُولَ بِعْت مِنْك مَا فِي كُمِّي وَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ. قَالُوا إطْلَاقُ الْجَوَابِ يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ عِنْدَهُ وَطَائِفَةٌ قَالُوا لَا يَجُوزُ لِجَهَالَةِ الْمَبِيعِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِطْلَاقِ مَا ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَصَاحِبُ الْأَسْرَارِ وَالذَّخِيرَةِ مِنْ أَنَّ الْإِشَارَةَ إلَيْهِ أَوْ إلَى مَكَانِهِ شَرْطُ الْجَوَازِ حَتَّى لَوْ لَمْ يُشِرْ إلَيْهِ وَلَا إلَى مَكَانِهِ لَمْ يَجُزْ بِالْإِجْمَاعِ مِثْلُ أَنْ يَشْتَرِيَ ثَوْبًا فِي جِرَابٍ أَوْ زَيْتًا فِي زِقٍّ أَوْ حِنْطَةً فِي غَرَارَةٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَرَى شَيْئًا وَمِنْهُ أَنْ يَقُولَ بِعْتُك دُرَّةً فِي كُمِّي صِفَتُهَا كَذَا أَوْ لَمْ يَقُلْ صِفَتُهَا كَذَا أَوْ هَذِهِ الْجَارِيَةَ وَهِيَ حَاضِرَةٌ مُتَنَقِّبَةٌ لِبُعْدِ الْقَوْلِ بِجَوَازِ مَا لَمْ يَعْلَمْ جِنْسَهُ أَصْلًا كَأَنْ يَقُولَ بِعْتُك شَيْئًا بِعَشَرَةٍ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. وَأَرَادَ بِمَا عَلِمَ لَمْ يَرَهُ مَا لَمْ يَرَهُ وَقْتَ الْعَقْدِ وَلَا قَبْلَهُ وَالْمُرَادُ بِالرُّؤْيَةِ الْعِلْمُ بِالْمَقْصُودِ مِنْ بَابِ عُمُومِ الْمَجَازِ   [منحة الخالق] [بَابٌ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ] (قَوْله وَأَمَّا فِي رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ إلَخْ) هَكَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا وَأَمَّا السَّلَمُ فَفِي رَأْسِ الْمَالِ إنْ كَانَ إلَخْ (قَوْلُهُ مِثْلُ أَنْ يَشْتَرِيَ ثَوْبًا فِي جِرَابٍ إلَخْ) تَمْثِيلٌ لِمَا وُجِدَ فِيهِ شَرْطُ الْجَوَازِ وَقَدْ مَرَّ فِي عِبَارَةِ الْفَتْحِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 28 فَصَارَتْ الرُّؤْيَةُ مِنْ أَفْرَادِ الْمَعْنَى الْمَجَازِ لِيَشْمَلَ مَا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ مِمَّا يُعْرَفُ بِالشَّمِّ كَالْمِسْكِ وَمَا اشْتَرَاهُ بَعْدَ رُؤْيَتِهِ فَوَجَدَهُ مُتَغَيِّرًا وَمَا اشْتَرَاهُ الْأَعْمَى وَفِي الْقُنْيَةِ اشْتَرَى مَا يُذَاقُ فَذَاقَهُ لَيْلًا وَلَمْ يَرَهُ سَقَطَ خِيَارُهُ. (قَوْلُهُ وَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ إذَا رَآهُ وَإِنْ رَضِيَ قَبْلَهُ) أَيْ لِلْمُشْتَرِي رَدُّهُ وَإِنْ قَالَ رَضِيتُ قَبْلَ الْعِلْمِ بِهِ وَأَعَادَ الضَّمِيرَ مُذَكَّرًا لِلْمَعْنَى لِأَنَّ الْخِيَارَ مُعَلَّقٌ بِالرُّؤْيَةِ لِمَا رَوَيْنَا فَلَا يَثْبُتُ قَبْلَهَا وَأَوْرَدَ طَلَبَ الْفَرْقِ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالْإِجَازَةِ قَبْلَهَا فَإِنَّهَا غَيْرُ لَازِمَةٍ وَهُوَ لَازِمٌ مَعَ اسْتِوَائِهِمَا فِي التَّعَلُّقِ بِالشَّرْطِ وَالْجَوَابُ أَنَّ لِلْفَسْخِ سَبَبًا آخَرَ وَهُوَ عَدَمُ لُزُومِ هَذَا الْعَقْدِ وَمَا كَانَ لَيْسَ بِلَازِمٍ فَلِلْمُشْتَرِي فَسْخُهُ وَلَمْ يَثْبُتْ لَهَا سَبَبٌ آخَرُ فَبَقِيَتْ عَلَى الْعَدَمِ وَمَنَعَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ قَبْلَهَا غَيْرُ لَازِمٍ بَلْ نَقُولُ إنَّهُ بَاتٌّ وَإِنَّمَا يَحْصُلُ لَهُ عَدَمُ اللُّزُومِ عِنْدَهَا فَقَبْلَهَا يَثْبُتُ حُكْمُ السَّبَبِ وَهُوَ اللُّزُومُ اهـ. وَهُوَ مَرْدُودٌ لِأَنَّ اللَّازِمَ مَا لَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ مِنْ أَحَدِهِمَا بِدُونِ رِضَا الْآخَرِ وَهَذَا يَقْبَلُهُ إذَا رَآهُ وَفِي الْمُحِيطِ قِيلَ لَا يَمْلِكُ فَسْخَهُ قَبْلَهَا وَقِيلَ يَمْلِكُهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ الْفَسْخَ كَمَا يُمْلَكُ بِالْخِيَارِ يُمْلَكُ بِسَبَبِ عَدَمِ لُزُومِ الْبَيْعِ كَالْعَارِيَّةِ الْوَدِيعَةِ وَالْوَكَالَةِ وَالشَّرِكَةِ وَعَدَمُ اللُّزُومِ ثَابِتٌ بِسَبَبِ جَهَالَةِ الْمَبِيعِ وَاخْتَلَفُوا هَلْ هُوَ مُطْلَقٌ أَوْ مُؤَقَّتٌ فَقِيلَ مُؤَقَّتٌ بِوَقْتِ إمْكَانِ الْفَسْخِ بَعْدَهَا حَتَّى لَوْ تَمَكَّنَ مِنْهُ وَلَمْ يَفْسَخْ سَقَطَ خِيَارُهُ وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ الْإِجَازَةُ صَرِيحًا وَلَا دَلَالَةً وَقِيلَ يَثْبُتُ الْخِيَارُ لَهُ مُطْلَقًا نَصَّ عَلَيْهِ فِي نَوَادِرِ ابْنِ رُسْتُمَ وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِإِطْلَاقِ النَّصِّ وَالْعِبْرَةُ لِعَيْنِ النَّصِّ لَا لِمَعْنَاهُ اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ بِسَبَبِ جَهَالَةِ الْمَبِيعِ وَإِذَا رَآهُ حَدَثَ لَهُ سَبَبٌ آخَرُ بَعْدَ لُزُومِهِ وَهُوَ الرُّؤْيَةُ وَلَا مَانِعَ مِنْ اجْتِمَاعِ الْأَسْبَابِ عَلَى مُسَبَّبٍ وَاحِدٍ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ فَسْخَهُ إلَّا بِعِلْمِ الْبَائِعِ وَقَيَّدَ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ وَلَهُ خِيَارُ الْعَيْبِ رَضِيتُ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرَاهُ ثُمَّ رَآهُ فَلَا خِيَارَ لَهُ لِأَنَّ سَبَبَ الْخِيَارِ فِيهِ الْعَيْبُ وَهُوَ مَوْجُودٌ قَبْلَ الْعِلْمِ بِخِلَافِهِ هُنَا فَافْتَرَقَا كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ وَفِي إيضَاحِ الْإِصْلَاحِ وَلِمُشْتَرِيهِ الْخِيَارُ عِنْدَهُ إلَى أَنْ يُوجَدَ مُبْطِلُهُ وَإِنْ قَالَ رَضِيتُ قَبْلَهَا لَمْ يَقُلْ وَإِنْ رَضِيَ قَبْلَهَا لِمَا فِيهِ مِنْ إيهَامِ تَحَقُّقِ الرِّضَا قَبْلَهَا وَفَسَادُهُ ظَاهِرٌ اهـ. وَيَرِدُ عَلَيْهِ الْبَيْعُ بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْعُيُوبِ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ وَقَالُوا إنَّهُ رَضِيَ بِجَمِيعِ عُيُوبِهِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهَا حَتَّى لَوْ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ بَاطِنِيٍّ لَا يَعْلَمُهُ إلَّا الْأَطِبَّاءُ لَا يَمْلِكُ رَدَّهُ فَجَازَ تَحَقُّقُ الرِّضَا قَبْلَ الْعِلْمِ وَالرُّؤْيَةِ وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَخِيَارُ الْعَيْبِ لَا يَثْبُتَانِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَفِي الْمُحِيطِ اشْتَرَى رِوَايَةَ مَاءٍ فَلَهُ الْخِيَارُ إذَا رَآهُ لِأَنَّ بَعْضَ الْمَاءِ أَطْيَبُ مِنْ بَعْضٍ اهـ. فَعَلَى هَذَا لَهُ رَدُّ الْمَاءِ بَعْدَ صَبِّهِ فِي الْجُبِّ حَيْثُ لَمْ يَرَهُ قَبْلَهُ أَيْ الزِّيرِ وَلَكِنْ سَيَأْتِي أَنَّ الْبَائِعَ إذَا حَمَلَهُ إلَى مَنْزِلِ الْمُشْتَرِي امْتَنَعَ رَدُّهُ إلَّا إذَا حَمَلَهُ إلَيْهِ وَفِي حِيلَ الْوَلْوَالِجيَّةِ رَجُلٌ بَاعَ ضَيْعَةً وَلَمْ يَرَهَا الْمُشْتَرِي فَأَرَادَ أَنْ يَبِيعَهَا عَلَى وَجْهٍ لَا يَكُونُ لَهُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ فَالْحِيلَةُ أَنْ يُقِرَّ بِثَوْبٍ لِإِنْسَانٍ ثُمَّ يَبِيعَ الثَّوْبَ مَعَ الضَّيْعَةِ ثُمَّ الْمُقَرُّ لَهُ يَسْتَحِقُّ الثَّوْبَ الْمُقَرَّ بِهِ فَيَبْطُلُ خِيَارُ الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ اشْتَرَى شَيْئَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً وَقَدْ اسْتَحَقَّ أَحَدَهُمَا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ الْبَاقِيَ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ لِأَنَّ فِيهِ تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ عَلَى الْبَائِعِ اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا خِيَارَ لِمَنْ بَاعَ مَا لَمْ يَرَهُ) وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ الْمَرْجُوعُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ مُعَلَّقٌ بِالشِّرَاءِ فَلَا يَثْبُتُ دُونَهُ وَرُوِيَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ اشْتَرَى مَا يُذَاقُ فَذَاقَهُ لَيْلًا إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ مَفْهُومُهُ أَنَّ مَا لَا يُذَاقُ لَوْ اشْتَرَاهُ لَيْلًا لَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ إلَّا بِرُؤْيَتِهِ وَلَا يَشُكُّ فِيهِ شَاكٌّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ النَّهَارَ فِيمَا يُذَاقُ كَاللَّيْلِ أَيْضًا فَيَسْقُطُ خِيَارُهُ بِذَوْقِهِ مِنْ غَيْرِ رُؤْيَةٍ فَلَوْ أَسْقَطَ لَفْظَةَ لَيْلًا لَكَانَ أَوْلَى اهـ. قُلْتُ: إنَّمَا قَيَّدَ بِهِ لِيُفِيدَ أَنَّ مُجَرَّدَ الذَّوْقِ فِيمَا يُذَاقُ إذَا حَصَلَ بِهِ الْمَقْصُودُ يَكْفِي وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ رُؤْيَةٌ وَيُفْهَمُ بِالْأَوْلَى أَنَّهُ إذَا ذَاقَهُ نَهَارًا وَهُوَ يَرَاهُ كَفِي (قَوْلُهُ وَأَعَادَ الضَّمِيرَ مُذَكَّرًا لِلْمَعْنَى) أَيْ أَنَّ حَقَّهُ التَّأْنِيثُ لِعَوْدِهِ إلَى الرُّؤْيَةِ لَكِنْ لَمَّا كَانَ الْمُرَادُ بِالرُّؤْيَةِ الْعِلْمُ كَمَا تَقَدَّمَ ذَكَّرَ الضَّمِيرَ مُرَاعَاةً لِلْمَعْنَى (قَوْلُهُ وَمَنَعَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ إلَخْ) مَا بَنَى عَلَيْهِ الْمَنْعَ مِنْ أَنَّهُ بَاتٌّ هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ الْعِنَايَةِ حَيْثُ تَعَقَّبَ الْجَوَابَ الْمَذْكُورَ بِأَنَّ عَدَمَ اللُّزُومِ بِاعْتِبَارِ الْخِيَارِ فَهُوَ مَلْزُومُ الْخِيَارِ وَالْخِيَارُ مُعَلَّقٌ بِالرُّؤْيَةِ لَا يُوجَدُ بِدُونِهَا فَكَذَا مَلْزُومُهُ لِأَنَّ مَا هُوَ شَرْطٌ لِلَّازِمِ فَهُوَ شَرْطٌ لِلْمَلْزُومِ. اهـ. وَأَجَابَ عَنْ هَذَا التَّعَقُّبِ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ عَدَمَ لُزُومِهِ لِلْخِيَارِ بَلْ لِعَدَمِ وُقُوعِهِ مُنْبَرِمًا غَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّ عَدَمَ الِانْبِرَامِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ عِنْدَ الرُّؤْيَةِ وَهَذَا لَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ وُجُودِهِ بِدُونِهَا وَقَوْلُهُ وَالْخِيَارُ إلَخْ مَمْنُوعٌ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ يُوجَدُ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ بِسَبَبٍ آخَرَ. (قَوْلُهُ وَهُوَ مَرْدُودٌ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ مَا ذَكَرَهُ هُوَ بِالرَّدِّ أَلْيَقُ لِأَنَّ الشَّارِعَ حَيْثُ عَلَّقَ إثْبَاتَ قُدْرَةِ الْفَسْخِ وَالْإِجَازَةِ بِالرُّؤْيَةِ لَزِمَ الْقَوْلُ بِلُزُومِهِ قَبْلَهُ اهـ. وَهُوَ مُنْدَفِعٌ بِمَا مَرَّ عَنْ الْحَوَاشِي تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ وَلَهُ خِيَارُ الْعَيْبِ) الْوَاوُ لِلْحَالِ أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ لَهُ خِيَارَ الْعَيْبِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 29 أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بَاعَ أَرْضًا بِالْبَصْرَةِ مِنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَقِيلَ لِطَلْحَةَ إنَّك قَدْ غُبِنْت فَقَالَ لِي الْخِيَارُ لِأَنِّي اشْتَرَيْتُ مَا لَمْ أَرَهُ وَقِيلَ لِعُثْمَانَ إنَّكَ قَدْ غُبِنْت فَقَالَ لِي الْخِيَارُ لِأَنِّي بِعْتُ مَا لَمْ أَرَهُ فَحَكَّمَا بَيْنَهُمَا جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ فَقَضَى بِالْخِيَارِ لِطَلْحَةَ وَكَانَ ذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَهَذَا الْأَثَرُ رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ (فَائِدَةٌ) ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ بْنُ حَجَرٍ فِي تَقْرِيبِ التَّهْذِيبِ جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ بْنِ عَدِيِّ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ الْقُرَشِيُّ النَّوْفَلِيُّ صَحَابِيٌّ عَارِفٌ بِالْأَنْسَابِ مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ أَوْ سَبْعٍ وَخَمْسِينَ وَمُرَادُهُ الْبَيْعُ بِثَمَنٍ أَمَّا إذَا بَاعَ سِلْعَةً بِسِلْعَةٍ وَلَمْ يَرَ كُلٌّ مِنْهُمَا مَا يَحْصُلُ لَهُ مِنْ الْعِوَضِ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْخِيَارُ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُشْتَرٍ لِلْعِوَضِ الَّذِي يَحْصُلُ لَهُ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ فِي الثَّمَنِ لَوْ عَيْنًا وَالْكَيْلِيُّ وَالْوَزْنِيُّ إذَا كَانَا عَيْنًا فَهُمَا كَسَائِرِ الْأَعْيَانِ وَكَذَا التِّبْرُ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ وَالْأَوَانِي وَلَا يَثْبُتُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ فِيمَا مُلِكَ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ كَالسَّلَمِ وَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ عَيْنًا كَانَ أَوْ دَيْنًا وَالْكَيْلِيُّ وَالْوَزْنِيُّ لَوْ لَمْ يَكُنْ عَيْنًا فَهُمَا كَنَقْدَيْنِ لَا يَثْبُتُ فِيهِمَا خِيَارُ الرُّؤْيَةِ إذَا قُبِضَا. اهـ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً بِعَبْدٍ وَأَلْفٍ فَتَقَابَضَا ثُمَّ رَدَّ بَائِعُ الْجَارِيَةِ الْعَبْدَ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ لَمْ يَنْتَقِضْ الْبَيْعُ فِي الْجَارِيَةِ بِحِصَّةِ الْأَلْفِ وَفِي الْمُحِيطِ بَاعَ عَيْنًا بِعَيْنٍ لَمْ يَرَهَا وَبِدَيْنٍ ثُمَّ رَآهَا فَرَدَّهَا يَنْتَقِضُ الْبَيْعُ فِي حِصَّةِ الْعَيْنِ وَلَا يَنْتَقِضُ فِي حِصَّةِ الدَّيْنِ لِأَنَّهُ لَا خِيَارَ فِي حِصَّتِهِ اهـ. (قَوْلُهُ وَيَبْطُلُ بِمَا يَبْطُلُ بِهِ خِيَارُ الشَّرْطِ) أَيْ لِلْمُشْتَرِي يَعْنِي مِنْ صَرِيحٍ وَدَلَالَةٍ وَضَرُورَةٍ فَمَا يَفْعَلُ لِلِامْتِحَانِ لَا يُبْطِلُهُمَا إنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ فَإِنْ تَكَرَّرَ أَبْطَلَهُمَا كَالِاسْتِخْدَامِ مَرَّةً ثَانِيَةً وَمَا لَا يُفْعَلُ لِلِامْتِحَانِ وَلَا يَحِلُّ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ التَّصَرُّفُ لَا يُمْكِنُ رَفْعُهُ كَالْإِعْتَاقِ وَالتَّدْبِيرِ أَوْ تَصَرُّفًا يُوجِبُ حَقًّا لِلْغَيْرِ كَالْبَيْعِ الْمُطْلَقِ أَوْ بِشَرْطِ خِيَارٍ لِلْمُشْتَرِي وَالرَّهْنُ وَالْإِجَارَةُ يُبْطِلُهُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ وَبَعْدَهَا لِأَنَّهُ لَمَّا لَزِمَ تَعَذَّرَ الْفَسْخُ فَبَطَلَ الْخِيَارُ وَإِنْ كَانَ تَصَرُّفًا لَا يُوجِبُ حَقًّا لِلْغَيْرِ كَالْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ وَالْمُسَاوَمَةِ وَالْهِبَةِ مِنْ غَيْرِ تَسْلِيمٍ لَا يُبْطِلُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ لِأَنَّهُ لَا يَرْبُو عَلَى صَرِيحِ الرِّضَا وَيُبْطِلُهُ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ لِوُجُودِ دَلَالَةِ الرِّضَا وَيَرِدُ عَلَيْهِ طَلَبُ الشُّفْعَةِ فَإِنَّهُ مُسْقِطٌ لِخِيَارِ الشَّرْطِ دُونَ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ هُوَ الْمُخْتَارُ كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ لِأَنَّهُ دَلِيلُ الرِّضَا وَصَرِيحُهُ لَا يُبْطِلُهُ فَدَلَالَتُهُ أَوْلَى كَالْعَرْضِ عَلَى الْبَيْعِ وَأَخَوَاتِهِ وَهَذَا هُوَ الْعُذْرُ لِلْمُؤَلِّفِ لِأَنَّهُ قَدَّمَ أَنَّ صَرِيحَ الرِّضَا لَا يُبْطِلُهُ قَبْلَهَا وَلَا يَرِدَانِ عَلَى صَاحِبِ الْهِدَايَةِ لِأَنَّهُ قَالَ مِنْ تَعَيُّبٍ وَتَصَرُّفٍ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ الْإِسْكَانُ بِغَيْرِ أَجْرٍ فَإِنَّهُ مُبْطِلٌ لِخِيَارِ الشَّرْطِ فَقَطْ مَعَ أَنَّهُ تَصَرُّفٌ وَيَرِدُ عَلَيْهِ الزِّيَادَةُ فَإِنَّهَا تُبْطِلُهُمَا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْعِبَارَتَيْنِ لَمْ يَسْلَمْ مِنْ الْإِيرَادِ فَيَرِدُ عَلَى صَاحِبِ الْكَنْزِ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ وَالْعَرْضُ عَلَى الْبَيْعِ وَالْبَيْعُ بِخِيَارِهِ وَالْإِجَارَةُ وَالْإِسْكَانُ بِلَا أَجْرٍ فَإِنَّهَا تُبْطِلُ خِيَارَ الشَّرْطِ دُونَ الرُّؤْيَةِ وَهَذِهِ لَا تَرِدُ عَلَى صَاحِبِ الْهِدَايَةِ إلَّا الْإِسْكَانَ فَإِنَّهُ تَصَرُّفٌ وَلَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ مَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ لَوْ أَسْكَنَ الْمُشْتَرِي فِي الدَّارِ رَجُلًا بِلَا أَجْرِ سَقَطَ خِيَارُ الشَّرْطِ كَمَا لَوْ أَسْكَنَ بِأَجْرٍ وَفِي خِيَارِ الرُّؤْيَةِ لَا يَسْقُطُ إلَّا إنْ أَسْكَنَهُ بِأَجْرٍ. اهـ. وَلَمْ يُقَيِّدْ بِكَوْنِهِ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ وَيَرِدُ عَلَيْهِ عَلَى الْكُلِّيَّةِ أَيْضًا الرِّضَا بِهِ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ لَا يُبْطِلُهُ وَيُبْطِلُ خِيَارَ الشَّرْطِ وَأَمَّا الْعَرْضُ عَلَى الْبَيْعِ. فَقَدَّمْنَا أَنَّهُ لَا يُبْطِلُهُ قَبْلَهَا وَيُبْطِلُهُ بَعْدَهَا وَالْقَبْضُ أَوْ نَقْدُ الثَّمَنِ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ مُسْقِطٌ لَهُ شَرَاهُ وَحَمَلَهُ الْبَائِعُ إلَى بَيْتِ الْمُشْتَرِي فَرَآهُ لَيْسَ لَهُ الرَّدُّ لِأَنَّهُ لَوْ رَدَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الْحَمْلِ فَيَصِيرُ هَذَا كَعَيْبٍ حَدَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَمُؤْنَةُ رَدِّ الْمَبِيعِ بِعَيْبٍ أَوْ بِخِيَارِ شَرْطٍ أَوْ رُؤْيَةٍ عَلَى الْمُشْتَرِي وَلَوْ شَرَى مَتَاعًا وَحَمَلَهُ إلَى مَوْضِعٍ فَلَهُ رَدُّهُ بِعَيْبٍ أَوْ رُؤْيَةٍ لَوْ رَدَّهُ إلَى مَوْضِعِ الْعَقْدِ وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ شَرَى أَرْضًا لَمْ يَرَهَا   [منحة الخالق] [يَبْطُلُ خِيَار الرُّؤْيَة بِمَا يَبْطُلُ بِهِ خِيَارُ الشَّرْطِ] (قَوْلُهُ وَلَا يَرِدَانِ عَلَى صَاحِبِ الْهِدَايَةِ) أَيْ الشُّفْعَةُ وَالْعَرْضُ عَلَى الْبَيْعِ (قَوْلُهُ فَيَرِدُ عَلَى صَاحِبِ الْكَنْزِ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ) فَإِنَّهُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ لَا يُبْطِلُهُ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ وَالْبَيْعُ بِخِيَارٍ أَيْ لَوْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ وَأَمَّا لَوْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فَيُبْطِلُهُ مُطْلَقًا كَالْبَيْعِ الْمُطْلَقِ كَمَا مَرَّ وَالْكَلَامُ فِيمَا فَارَقَ خِيَارَ الشَّرْطِ فَكَانَ الْأَوْلَى تَقْيِيدَ الْبَيْعِ بِمَا فِيهِ خِيَارُ الْبَائِعِ وَقَوْلُهُ وَالْإِجَارَةُ غَيْرُ صَحِيحٍ فَإِنَّهُ يُبْطِلُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ أَيْضًا مُطْلَقًا قَبْلَ الرُّؤْيَةِ وَبَعْدَهَا كَمَا قَدَّمَهُ وَلَعَلَّهُ بِالزَّايِ لَا بِالرَّاءِ لَكِنْ يَبْقَى مُكَرَّرًا مَعَ قَوْلِهِ بَعْدُ وَيَرِدُ عَلَى الْكُلِّيَّةِ الرِّضَا بِهِ إلَخْ تَأَمَّلْ ثُمَّ إنَّ الْإِيرَادَ بِهَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ مُنْدَفِعٌ بِمَا قَدَّمَهُ مِنْ أَنَّ هَذِهِ كُلَّهَا دَلِيلُ الرِّضَا وَصَرِيحُهُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ لَا يُبْطِلُهُ فَدَلَالَتُهُ أَوْلَى أَوْ بِمَا فِي النَّهْرِ حَيْثُ قَالَ وَيُبْطِلُ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ دَلَّ عَلَى هَذَا قَوْلُهُ وَإِنْ رَضِيَ قَبْلَهَا اهـ. (قَوْلُهُ وَلَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ مَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ إلَخْ) أَيْ يَرِدُ عَلَى صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَلَا مَحَلَّ لِلِاسْتِدْرَاكِ هُنَا لِأَنَّهُ بِمَعْنَى مَا قَبْلَهُ فَكَانَ الْوَجْهُ ذِكْرَهُ عَلَى صِيغَةِ التَّعْلِيلِ فَيَقُولُ بَعْدَ قَوْلِهِ فَإِنَّهُ تَصَرُّفٌ لِمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلَوْ شَرَى أَرْضًا لَمْ يَرَهَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 30 فَزَرَعَهَا أَكَّارُهُ بَطَلَ خِيَارُهُ وَكَذَا لَوْ قَالَ الْأَكَّارُ رَضِيت وَتَصَرَّفَ لِيَشْتَرِيَ فِي الْمَبِيعِ يَسْقُطُ خِيَارُهُ إلَّا فِي الْإِعَارَةِ فَإِنَّهُ لَوْ أَعَارَ الْأَرْضَ قَبْلَ أَنْ يَرَاهَا لِيَزْرَعَهَا الْمُسْتَعِيرُ لَا يَسْقُطُ خِيَارَةُ قَبْلَ الزِّرَاعَةِ. كَذَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَذَكَرَ قَبْلَهُ شَرَى شَاةً لَمْ يَرَهَا فَقَالَ لِلْبَائِعٍ أُحْلُبْ لَبَنَهَا فَتَصَدَّقْ بِهِ أَوْ صُبَّهُ عَلَى الْأَرْضِ فَفَعَلَ بَطَلَ خِيَارُهُ فِي الشَّاةِ لِقَبْضِ اللَّبَنِ وَلَوْ تَصَرَّفَ الْمُشْتَرِي وَسَقَطَ خِيَارُهُ ثُمَّ عَادَ إلَى مِلْكِهِ بِسَبَبٍ كَالرَّدِّ بِقَضَاءٍ أَوْ فَكِّ الرَّهْنِ أَوْ فُسِخَتْ الْإِجَارَةُ لَمْ يُرَدَّ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ لِأَنَّهُ بَطَلَ فَلَا يَعُودُ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ وَفِي الْقُنْيَةِ اشْتَرَى قَوْصَرَّةَ سُكَّرٍ لَمْ يَرَهُ ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ الْقَوْصَرَّةِ وَغَرْبَلَهُ فَلَمْ يُعْجِبْهُ سَقَطَ خِيَارُهُ ثُمَّ رَقَمَ أَنَّ خِيَارَهُ بَاقٍ وَقَدَّمْنَا مَسْأَلَةَ مَا إذَا حَمَلَهُ الْمُشْتَرِي إلَى بَلَدٍ آخَرَ وَأَنَّهُ لَا يَرُدُّهُ إذَا أَعَادَهُ إلَى مَكَانِ الْعَقْدِ زَادَ فِي الْقُنْيَةِ سَوَاءٌ ازْدَادَتْ قِيمَتُهُ بِالْحَمْلِ أَوْ انْتَقَصَ وَفِي الْقُنْيَةِ أَيْضًا الْمُشْتَرَى مَضْمُونٌ عَلَى الْمُشْتَرِي بَعْدَ الرَّدِّ بِالثَّمَنِ كَمَا لَوْ كَانَ لَهُ خِيَارُ الشَّرْطِ وَكَذَا الرَّدُّ بِالْعَيْبِ بِقَضَاءٍ وَفِي إيضَاحِ الْإِصْلَاحِ وَمَعْنَى بُطْلَانِهِ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ خُرُوجُهُ عَنْ صَلَاحِيَّةِ أَنْ يَثْبُتَ الْخِيَارُ عِنْدَهُمَا اهـ. وَبِهِ انْدَفَعَ مَا يُقَالُ كَيْفَ قَالُوا بِبُطْلَانِ الْخِيَارِ قَبْلَهَا مَعَ أَنَّهُ مُعَلَّقٌ بِهَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ اشْتَرَى عَبْدَيْنِ فَقَتَلَ أَحَدَ الْعَبْدَيْنِ إنْسَانٌ خَطَأً قَبْلَ الْقَبْضِ فَأَخَذَ الْمُشْتَرِي قِيمَتَهُ مِنْ قَاتِلِهِ لَا يَبْطُلُ خِيَارُهُ فِي الْآخَرِ وَالْوَطْءُ وَالْوِلَادَةُ تُبْطِلُ الْخِيَارَ وَإِنْ مَاتَ الْوَلَدُ عَنْ عِيسَى بْنِ أَبَانَ إذَا زَوَّجَ الْمُشْتَرِي الْجَارِيَةَ قَبْلَ الْقَبْضِ ثُمَّ رَآهَا قَبْلَ دُخُولِ الزَّوْجِ فَلَهُ الرَّدُّ، وَالْمَهْرُ يَصْلُحُ بَدَلًا عَنْ عَيْبِ التَّزْوِيجِ، وَإِنْ كَانَ أَرْشُ الْعَيْبِ أَكْثَرَ مِنْ الْمَهْرِ قِيلَ يَغْرَمُ الْبَاقِيَ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَلَوْ عَرَضَ بَعْضَ الْمَبِيعِ عَلَى الْبَيْعِ أَوْ قَالَ رَضِيتُ بِبَعْضِهِ بَعْدَمَا رَآهُ فَالْخِيَارُ بِحَالِهِ فِي رِوَايَةِ الْمُعَلَّى عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ بَطَلَ خِيَارُهُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَوْ اشْتَرَى شَيْئَيْنِ وَرَآهُمَا ثُمَّ قَبَضَ أَحَدَهُمَا فَهُوَ رِضًا رَوَاهُ ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَرُؤْيَةُ أَحَدِهِمَا لَا تَكُونُ كَرُؤْيَتِهِمَا إلَّا إذَا قَبَضَ الَّذِي رَآهُ وَأَتْلَفَهُ فَحِينَئِذٍ يَلْزَمُهُ وَفِيهِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ اشْتَرَى عِدْلَ ثِيَابٍ فَلَبِسَ وَاحِدًا مِنْهُمْ بَطَلَ خِيَارُهُ فِي الْكُلِّ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ يَمْلِكُ الْفَسْخَ إلَّا ثَلَاثَةً لَا يَمْلِكُونَهُ الْوَكِيلُ وَالْوَصِيُّ وَالْعَبْدُ الْمَأْذُونُ إذَا اشْتَرَوْا شَيْئًا بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ فَإِنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَهُ إذَا كَانَ خِيَارَ عَيْبٍ وَيَمْلِكُونَهُ إذَا كَانَ خِيَارَ رُؤْيَةٍ أَوْ شَرْطٍ كَمَا سَيَأْتِي فِي خِيَارِ الْعَيْبِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ يَبْطُلُ بِمَا يَبْطُلُ بِهِ خِيَارُ الشَّرْطِ غَيْرُ مُنْعَكِسٍ فَلَا يُقَالُ مَا لَا يُبْطِلُ خِيَارَ الشَّرْطِ لَا يُبْطِلُ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ لِانْتِقَاضِهِ بِالْقَبْضِ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ فَإِنَّهُ مُبْطِلٌ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ وَالْعَيْبِ لَا خِيَارَ الشَّرْطِ وَهَلَاكُ بَعْضِ الْمَبِيعِ لَا يُبْطِلُ خِيَارَ الشَّرْطِ وَالْعَيْبِ وَيُبْطِلُ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ ذَكَرَهُمَا فِي التَّلْقِيحِ لِلْمَحْبُوبِيِّ. (قَوْلُهُ وَكَفَتْ رُؤْيَةُ وَجْهِ الصُّبْرَةِ وَالرَّقِيقِ وَالدَّابَّةِ وَكَلَفِهَا وَظَاهِرِ الثَّوْبِ الْمَطْوِيِّ وَدَاخِلِ الدَّارِ) لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ أَنَّ رُؤْيَةَ جَمِيعِ الْمَبِيعِ غَيْرُ مَشْرُوطَةٍ لِتَعَذُّرِهِ فَيَكْتَفِي بِرُؤْيَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْعِلْمِ بِالْمَقْصُودِ فَرُؤْيَةُ وَجْهِ الصُّبْرَةِ مَعْرِفَةٌ لِلْبَقِيَّةِ لِكَوْنِهِ مَكِيلًا يُعْرَضُ بِالنَّمُوذَجِ وَهُوَ الْمَكِيلَاتُ وَالْمَوْزُونَاتُ فَيَكْتَفِي بِرُؤْيَةِ بَعْضِهِ إلَّا إذَا كَانَ الْبَاقِي أَرْدَأَ مِمَّا رَأَى فَحِينَئِذٍ يَكُونُ لَهُ الْخِيَارُ أَيْ خِيَارُ الْعَيْبِ لَا خِيَارُ الرُّؤْيَةِ كَمَا فِي الْيَنَابِيعِ. وَظَاهِرُ مَا فِي الْكَافِي أَنَّهُ خِيَارُ رُؤْيَةٍ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ خِيَارُ عَيْبٍ وَهُوَ مَا إذَا كَانَ اخْتِلَافُ الْبَاقِي يُوَصِّلُهُ إلَى حَدِّ الْعَيْبِ وَخِيَارُ رُؤْيَةٍ إذَا كَانَ الِاخْتِلَافُ لَا يُوَصِّلُهُ إلَى اسْمِ الْعَيْبِ بَلْ الدُّونِ وَقَدْ يَجْتَمِعَانِ فِيمَا إذَا اشْتَرَى لَمْ يَرَهُ فَلَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى ذَكَرَ الْبَائِعُ بِهِ عَيْبًا ثُمَّ أَرَاهُ الْمَبِيعَ فِي الْحَالِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ آحَادُهُ مُتَفَاوِتَةً كَالثِّيَابِ وَالدَّوَابِّ فَلَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَةِ كُلِّ وَاحِدٍ   [منحة الخالق] فَزَرَعَهَا أَكَّارُهُ بَطَلَ خِيَارُهُ) أَقُولُ: وَقَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَفِي الْفَتَاوَى سُئِلَ أَبُو بَكْرٍ عَمَّنْ اشْتَرَى أَرْضًا وَلَهَا أَكَّارٌ فَزَرَعَهَا الْأَكَّارُ بِرِضَا الْمُشْتَرِي بِأَنْ تَرَكَهَا عَلَيْهِ عَلَى الْحَالَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ ثُمَّ رَآهَا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ (قَوْلُهُ وَلَوْ تَصَرَّفَ الْمُشْتَرِي وَسَقَطَ خِيَارُهُ إلَخْ) سَيَأْتِي آخِرَ الْبَابِ كَلَامٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ (قَوْلُهُ اشْتَرَى عِدْلَ ثِيَابٍ فَلَبِسَ وَاحِدًا بَطَلَ خِيَارُهُ فِي الْكُلِّ) قَالَ الرَّمْلِيُّ هَذَا إذَا كَانَ غَيْرُ الْمَرْئِيِّ عَلَى صِفَةِ الْمَرْئِيِّ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَقِيَ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ صَرَّحَ بِهِ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ اهـ. أَقُولُ: لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ فِي الْعَدَدِيِّ الْمُتَقَارِبِ نَعَمْ ذَكَرَ بَعْدَهُ مَا يُوهِمُ شُمُولَ ذَلِكَ لِمَسْأَلَةِ الْعِدْلِ الْمَذْكُورَةِ وَهُوَ غَيْرُ مُرَادٍ لِأَنَّ الثِّيَابَ مُتَفَاوِتَةٌ فَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ غَيْرُ الْمَرْئِيِّ عَلَى صِفَةِ الْمَرْئِيِّ ثُمَّ إنَّ مَسْأَلَةَ الْعِدْلِ سَيَذْكُرُهَا الْمُصَنِّفُ مَتْنًا آخِرَ الْبَابِ. (قَوْلُهُ وَظَاهِرُ مَا فِي الْكَافِي أَنَّهُ خِيَارُ رُؤْيَةٍ) حَيْثُ عَلَّلَهُ بِأَنَّهُ إنَّمَا رَضِيَ بِالصِّفَةِ الَّتِي رَآهَا لَا بِغَيْرِهَا (قَوْلُهُ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ خِيَارُ عَيْبٍ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَعِنْدِي أَنَّ مَا فِي الْكَافِي هُوَ التَّحْقِيقُ وَذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الرُّؤْيَةَ إذَا لَمْ تَكُنْ كَافِيَةً فَمَا الَّذِي أَسْقَطَ خِيَارَ رُؤْيَتِهِ حَتَّى انْتَقَلَ مِنْهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 31 وَالْجَوْزُ وَالْبِيضُ مِمَّا يَتَفَاوَتُ آحَادُهُ فِيمَا ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِثْلَ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ لِكَوْنِهَا مُتَقَارِبَةً وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحِيطِ وَفِي الْمُجَرَّدِ وَهُوَ الْأَصَحُّ ثُمَّ السُّقُوطُ بِرُؤْيَةِ الْبَعْضِ فِي الْمَكِيلِ إذَا كَانَ فِي وِعَاءٍ وَاحِدٍ أَمَّا إذَا كَانَ فِي وِعَاءَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ اخْتَلَفُوا فَمَشَايِخُ الْعِرَاقِ عَلَى أَنَّ رُؤْيَةَ أَحَدِهِمَا كَرُؤْيَةِ الْكُلِّ وَمَشَايِخُ بَلْخٍ لَا يَكْفِي بَلْ لَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَةِ كُلِّ وِعَاءٍ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَبْطُلُ بِرُؤْيَةِ الْبَعْضِ لِأَنَّهُ يُعَرِّفُ الْبَاقِي هَذَا إذَا ظَهَرَ لَهُ أَنَّ مَا فِي الْوِعَاءِ الْآخَرِ مِثْلَهُ أَوْ أَجْوَدَ أَمَّا إذَا كَانَ أَرْدَأَ فَهُوَ عَلَى خِيَارِهِ وَأَمَّا إذَا كَانَ مُتَفَاوِتَ الْآحَادِ كَالْبِطِّيخِ وَالرُّمَّانِ فَلَا تَكْفِي رُؤْيَةُ الْبَعْضِ فِي سُقُوطِ خِيَارِهِ وَلَوْ قَالَ رَضِيتُ وَأَسْقَطْتُ خِيَارِي وَفِي شِرَاءِ الرَّحَا لَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَةِ الْكُلِّ وَكَذَا السِّرَاجُ بِأَدَاتِهِ وَلِبَدِهِ لَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَةِ الْكُلِّ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الرَّقِيقَ وَلَمْ يَذْكُرْ الْجَارِيَةَ لِيَشْمَلَ الْعَبْدَ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ مِنْ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهِمَا النَّظَرُ إلَى الْوَجْهِ وَلَا اعْتِبَارَ بِرُؤْيَةِ مَا عَدَاهُ مِنْ الْأَعْضَاءِ وَلَا يُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ الْكَفَّيْنِ وَاللِّسَانِ وَالْأَسْنَانِ وَالشَّعْرِ عِنْدَنَا وَعَنْ الشَّافِعِيِّ اشْتِرَاطُهُ. وَفِي الْمِصْبَاحِ الْأُنْمُوذَجُ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى صِفَةِ الشَّيْءِ وَهُوَ مُعَرَّبٌ وَفِي لُغَةٍ نَمُوذَجٌ بِفَتْحِ النُّونِ وَالذَّالِ مُعْجَمَةً مَفْتُوحَةً مُطْلَقًا وَقَالَ الصَّغَانِيُّ النَّمُوذَجُ مِثَالُ الشَّيْءِ الَّذِي يُعْمَلُ عَلَيْهِ وَهُوَ تَعْرِيبُ نموذه وَقَالَ الصَّوَابُ النَّمُوذَجُ لِأَنَّهُ لَا تَغْيِيرَ فِيهِ بِزِيَادَةٍ. اهـ. وَقَوْلُهُ وَالدَّابَّةِ بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى الصُّبْرَةِ أَيْ وَكَفَتْ رُؤْيَةُ وَجْهِ الدَّابَّةِ وَكَفَلِهَا لِأَنَّهُ هُوَ الْمَقْصُودُ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ الْقَوَائِمِ وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ وَقِيلَ يُشْتَرَطُ وَخَصَّ مِنْ إطْلَاقِ الدَّابَّةِ الشَّاةَ فَلَا بُدَّ مِنْ الْجَسِّ فِي شَاةِ اللَّحْمِ لِكَوْنِهِ هُوَ الْمَقْصُودَ وَفِي شَاةِ الْقُنْيَةِ لَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَةِ الضَّرْعِ وَشَاةُ الْقُنْيَةِ هِيَ الَّتِي تُحْبَسُ فِي الْبُيُوتِ لِأَجْلِ النَّتَاجِ اقْتَنَيْته اتَّخَذْته لِنَفْسِي قِنْيَةً أَيْ أَخْذُ الْمَالِ لِلنَّسْلِ لَا لِلتِّجَارَةِ وَفِي الْمُجْتَبَى مَعْزِيًّا إلَى الْمُحِيطِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْبِرْذَوْنِ وَالْحِمَارِ وَالْبَغْلِ يَكْفِي أَنْ يَرَى شَيْئًا مِنْهُ إلَّا الْحَافِرَ وَالذَّنَبَ وَالنَّاصِيَةَ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَفِي شَاةِ الْقُنْيَةِ لَا بُدَّ مِنْ النَّظَرِ إلَى ضَرْعِهَا وَسَائِرِ جَسَدِهَا اهـ. فَلْيُحْفَظْ فَإِنَّ فِي بَعْضِ الْعِبَارَاتِ مَا يُوهِمُ الِاقْتِصَارَ عَلَى رُؤْيَةِ ضَرْعِهَا وَالْكَفَلُ بِفَتْحَتَيْنِ الْعَجُزُ كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ وَأَمَّا الثَّوْبُ فَاكْتَفَى الْمُصَنِّفُ بِرُؤْيَةِ ظَاهِرِهِ مَطْوِيًّا لِأَنَّ الْبَادِئَ يَعْرِفُ مَا فِي الطَّيِّ فَلَوْ شَرَطَ فَتْحَهُ لَتَضَرَّرَ الْبَائِعُ بِتَكَسُّرِهِ وَنُقْصَانِ قِيمَتِهِ وَبِذَلِكَ يَنْقُصُ ثَمَنُهُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ وَجْهَانِ فَلَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَةِ كِلَيْهِمَا أَوْ يَكُونُ فِي طَيِّهِ مَا يُقْصَدُ بِالرُّؤْيَةِ كَالْعَلَمِ ثُمَّ قِيلَ هَذَا فِي عُرْفِهِمْ أَمَّا فِي عُرْفِنَا فَمَا لَمْ يَرَ الْبَاطِنَ لَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ لِأَنَّهُ اسْتَقَرَّ اخْتِلَافُ الْبَاطِنِ وَالظَّاهِرِ فِي الثِّيَابِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَفِي الْمَبْسُوطِ الْجَوَابُ عَلَى مَا قَالَ زُفَرُ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ رُؤْيَةُ الظِّهَارَةِ تَكْفِي إلَّا أَنْ تَكُونَ الْبِطَانَةُ مَقْصُودَةً بِأَنْ كَانَتْ بِسَمُّورٍ أَوْ نَحْوِهِ فَتُعْتَبَرُ رُؤْيَتُهُ اهـ. وَأَمَّا الدَّارُ فَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ إذَا رَأَى خَارِجَهَا أَوْ رَأَى أَشْجَارَ الْبُسْتَانِ مِنْ خَارِجٍ فَإِنَّهُ يَكْتَفِي بِهِ وَعِنْدَ زُفَرَ لَا بُدَّ مِنْ دُخُولِ دَاخِلِ الْبُيُوتِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ جَوَابَ الْكِتَابِ عَلَى وِفَاقِ عَادَتِهِمْ فِي الْأَبْنِيَةِ فَإِنَّ دُورَهُمْ لَمْ تَكُنْ مُتَفَاوِتَةً يَوْمَئِذٍ فَأَمَّا الْيَوْمُ فَلَا بُدَّ مِنْ الدُّخُولِ دَاخِلَ الدَّارِ لِلتَّفَاوُتِ فَالنَّظَرُ إلَى ظَاهِرٍ لَا يُوقِعُ الْعِلْمَ بِالدَّاخِلِ وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَبِهِ يُفْتَى فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُؤَلِّفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - اخْتَارَ قَوْلَ زُفَرَ فِي الدَّارِ وَكَانَ يَنْبَغِي لَهُ اخْتِيَارُهُ فِي الثَّوْبِ فَإِنَّ الْمُخْتَارَ قَوْلُهُ فِيهِمَا وَشَرَطَ بَعْضُهُمْ رُؤْيَةَ الْعُلْوِ وَالْمَطْبَخِ وَالْمَزْبَلَةِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَالْأَشْبَهُ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي دِيَارِ مِصْرَ وَالشَّامِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ بَقِيَّةَ أَنْوَاعِ الْمَبِيعَاتِ وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهَا قَالُوا لَا بُدَّ فِي الْبُسْتَانِ مِنْ رُؤْيَةِ ظَاهِرِهِ وَبَاطِنِهِ وَفِي الْكَرْمِ لَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَةِ عِنَبِ الْكَرْمِ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ شَيْئًا وَفِي الرُّمَّانِ لَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَةِ الْحُلْوِ وَالْحَامِضِ وَلَوْ اشْتَرَى دُهْنًا فِي زُجَاجَةٍ فَرُؤْيَتُهُ مِنْ خَارِجِ الزُّجَاجَةِ لَا تَكْفِي حَتَّى يَصُبَّهُ فِي كَفِّهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ لَمْ يَرَ الدُّهْنَ حَقِيقَةً لِوُجُودِ الْحَائِلِ وَفِي التُّحْفَةِ   [منحة الخالق] إلَى خِيَارِ الْعَيْبِ فَتَدَبَّرْهُ (قَوْلُهُ فَلْيُحْفَظْ فَإِنَّ فِي بَعْضِ الْعِبَارَاتِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَأَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى رُؤْيَةِ الضَّرْعِ كَفَاهُ كَمَا جَزَمَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 32 لَوْ نَظَرَ فِي الْمِرْآةِ فَرَأَى الْمَبِيعَ قَالُوا لَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ لِأَنَّهُ مَا رَأَى عَيْنَهُ بَلْ رَأَى مِثَالَهُ وَلَوْ اشْتَرَى سَمَكًا فِي مَاءِ يُمْكِنُ أَخْذُهُ مِنْ غَيْرِ اصْطِيَادٍ فَرَآهُ فِي الْمَاءِ قَالَ بَعْضُهُمْ يَسْقُطُ خِيَارُهُ لِأَنَّهُ رَأَى عَيْنَ الْمَبِيعِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَسْقُطُ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ الْمَبِيعَ لَا يُرَى فِي الْمَاءِ عَلَى حَالِهِ بَلْ يُرَى أَكْبَرَ مِمَّا كَانَ فَهَذِهِ الرُّؤْيَةُ لَا تُعَرِّفُ الْمَبِيعَ وَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ مِمَّا يُطْعَمُ فَلَا بُدَّ مِنْ الذَّوْقِ لِأَنَّهُ الْمُعَرِّفُ الْمَقْصُودُ وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُشَمُّ فَلَا بُدَّ مِنْ شَمِّهِ كَالْمِسْكِ وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ اشْتَرَى نَافِجَةَ مِسْكٍ فَأَخْرَجَ الْمِسْكَ مِنْهَا لَيْسَ لَهُ الرَّدُّ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَلَا بِخِيَارِ الْعَيْبِ لِأَنَّ الْإِخْرَاجَ يُدْخِلُ عَلَيْهِ عَيْبًا ظَاهِرًا حَتَّى لَوْ لَمْ يُدْخِلْ كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ بِخِيَارِ الْعَيْبِ وَالرُّؤْيَةِ جَمِيعًا اهـ. وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ اشْتَرَى دَارًا وَاسْتَثْنَى مِنْهُ بَيْتًا مُعَيَّنًا لَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَةِ الْمُسْتَثْنَى فَكَمَا يُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ الْمَبِيعِ لِسُقُوطِ الْخِيَارِ يُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ الْمُسْتَثْنَى لِأَنَّ جَهَالَةَ وَصْفِ الْمُسْتَثْنَى تُوجِبُ جَهَالَةً فِي الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ. اهـ. وَقَدَّمْنَا عَنْ الْخَانِيَّةِ حُكْمَ مَا إذَا اشْتَرَى مُغَيَّبًا فِي الْأَرْضِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَفِي الثِّمَارِ عَلَى رُءُوسِ الْأَشْجَارِ يُعْتَبَرُ رُؤْيَةُ جَمِيعِهَا بِخِلَافِ الْمَوْضُوعَةِ عَلَى الْأَرْضِ وَفِي تُرَابِ الْمَعْدِنِ وَتُرَابِ الصَّوَّاغِينَ يُعْتَبَرُ رُؤْيَةُ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ وَرُؤْيَةُ أَحَدِ الْمِصْرَاعَيْنِ أَوْ أَحَدِ الْخُفَّيْنِ أَوْ أَحَدِ النَّعْلَيْنِ لَا يَكْفِي وَلَا يَكْفِي أَنْ يَرَى ظَاهِرَ الطَّنْفَسَةِ مَا لَمْ يَرَ وَجْهًا وَمَوْضِعَ الشَّيْءِ مِنْهَا وَمَا كَانَ لَهُ وَجْهَانِ مُخْتَلِفَانِ تُعْتَبَرُ رُؤْيَتُهُمَا اهـ. وَفِي الْمِعْرَاجِ وَفِي الْبِسَاطِ لَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَةِ جَمِيعِهِ وَلَوْ نَظَرَ إلَى ظُهُورِ الْمَكَاعِبِ لَا يَبْطُلُ خِيَارُهُ وَلَوْ نَظَرَ إلَى وَجْهِهَا دُونَ الصَّرْمِ يَبْطُلُ قُلْتُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُشْتَرَطَ رُؤْيَةُ الصَّرْمِ فِي زَمَانِنَا لَتَفَاوَتَهُ وَكَوْنِهِ مَقْصُودًا وَفِي الْوِسَادَةِ الْمَحْشُوَّةِ لَوْ رَأَى ظَاهِرَهَا فَإِنْ كَانَتْ مَحْشُوَّةً مِمَّا يُحْشَى مِثْلُهَا يَبْطُلُ خِيَارُهُ وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُحْشَى مِثْلُهَا فَلَهُ الْخِيَارُ. اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ الْأَصْلُ أَنَّ غَيْرَ الْمَرْئِيِّ إنْ كَانَ تَبَعًا لِلْمَرْئِيِّ فَلَا خِيَارَ لَهُ فِي غَيْرِ الْمَرْئِيِّ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ الْمَرْئِيِّ أَصْلًا فَإِنْ كَانَ رُؤْيَةُ مَا رَأَى لَمْ تُعَرِّفْهُ حَالَ رُؤْيَتِهِ بَقِيَ خِيَارُهُ وَإِنْ كَانَتْ تُعَرِّفْهُ بَطَلَ اهـ. (قَوْلُهُ وَنَظَرُ وَكِيلِهِ بِالْقَبْضِ كَنَظَرِهِ لَا نَظَرِ رَسُولِهِ) أَيْ بِأَنْ قَبَضَ الْوَكِيلُ وَهُوَ يَنْظُرُ إلَيْهِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا هُمَا سَوَاءٌ وَلَهُ الرَّدُّ لِأَنَّهُ تَوَكَّلَ بِالْقَبْضِ دُونَ إسْقَاطِ الْخِيَارِ فَلَا يَمْلِكُ مَا لَمْ يَتَوَكَّلْ بِهِ وَصَارَ كَخِيَارِ الْعَيْبِ وَالشَّرْطِ وَالْإِسْقَاطِ قَصْدًا وَلَهُ أَنَّ الْقَبْضَ نَوْعَانِ تَامٌّ وَهُوَ أَنْ يَقْبِضَهُ وَهُوَ يَرَاهُ وَنَاقِصٌ وَهُوَ أَنْ يَقْبِضَهُ مَسْتُورًا وَهَذَا لِأَنَّ تَمَامَهُ بِتَمَامِ الصَّفْقَةِ، وَلَا يَتِمُّ مَعَ بَقَاءِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَالْمُوَكِّلُ مَلَكَهُ بِنَوْعَيْهِ فَكَذَا الْوَكِيلُ لِإِطْلَاقِ تَوْكِيلِهِ وَإِذَا قَبَضَهُ مَسْتُورًا انْتَهَى التَّوْكِيلُ بِالنَّاقِصِ مِنْهُ فَلَا يَمْلِكُ إسْقَاطَهُ قَصْدًا بَعْدَ ذَلِكَ بِخِلَافِ الْعَيْبِ لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ تَمَامَ الصَّفْقَةِ فَيَتِمُّ الْقَبْضُ مَعَ بَقَائِهِ وَخِيَارُ الشَّرْطِ عَلَى الْخِلَافِ وَلَوْ سُلِّمَ. فَالْمُوَكِّلُ لَا يَمْلِكُ التَّامَّ مِنْهُ فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِقَبْضِهِ فَإِنَّ الِاخْتِيَارَ وَهُوَ الْمَقْصُودُ بِالْخِيَارِ يَكُونُ بَعْدَهُ فَكَذَا لَا يَمْلِكُهُ وَكِيلُهُ وَبِخِلَافِ الرَّسُولِ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا وَإِنَّمَا إلَيْهِ تَبْلِيغُ الرِّسَالَةِ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ الْقَبْضَ إذَا كَانَ رَسُولًا فِي الْبَيْعِ قَيَّدَ الْوَكِيلَ بِالْقَبْضِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ وَكِيلًا بِالشِّرَاءِ فَرُؤْيَتُهُ مُسْقِطَةٌ لِلْخِيَارِ بِالْإِجْمَاعِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُمْ جَعَلُوا الْوَكِيلَ بِالْقَبْضِ كَالرَّسُولِ فِي مَسَائِلَ مِنْهَا لَا يَصِحُّ إبْرَاؤُهُ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ وَمِنْهَا لَا رُجُوعَ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ إذَا رَدَّ الْمَبِيعَ بِعَيْبٍ بَعْدَمَا دَفَعَ إلَى الْمُوَكِّلِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ وَمِنْهَا لَوْ حَلَفَ لَا يَقْبِضُ فَوَكُلِّ بِهِ حَنِثَ بِخِلَافِ لَا يَبِيعُ فَوَكَّلَ لَا يَحْنَثُ وَمِنْهَا تَصِحُّ كَفَالَةُ الْوَكِيلِ بِقَبْضِ الثَّمَنِ الْمُشْتَرَى بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ وَمِنْهَا قَبُولُ شَهَادَةِ الْوَكِيلِ بِقَبْضِ الدَّيْنِ بِهِ وَسَتَأْتِي الْمَسَائِلُ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ تَمَامًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَبِهَذَا يَتَرَجَّحُ قَوْلُهُمَا هُنَا أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الرَّسُولِ وَرُؤْيَةُ الرَّسُولِ بِالشِّرَاءِ لَا تُسْقِطُ الْخِيَارَ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَفِي الْمِعْرَاجِ قِيلَ الْفَرْقُ بَيْنَ الرَّسُولِ وَالْوَكِيلِ أَنَّ الْوَكِيلَ لَا يُضِيفُ الْعَقْدَ إلَى الْمُوَكِّلِ وَالرَّسُولُ لَا يَسْتَغْنِي عَنْ إضَافَتِهِ إلَى الْمُرْسِلِ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ فِي قَوْله تَعَالَى   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ دُونَ الصَّرْمِ) الصَّرْمُ الْجِلْدُ قَامُوسٌ. (قَوْلُهُ وَمِنْهَا تَصِحُّ كَفَالَةُ الْوَكِيلِ بِقَبْضِ الثَّمَنِ الْمُشْتَرِيَ) الْوَكِيلُ فَاعِلُ الْكَفَالَةِ وَالْمُشْتَرِيَ بِالنَّصْبِ مَفْعُولٌ وَفِي النَّهْرِ لِلْمُشْتَرَى بِاللَّامِ فَهِيَ إمَّا لِلتَّقْوِيَةِ أَوْ بِمَعْنَى عَنْ وَإِلَّا فَالْمَكْفُولُ لَهُ بِالثَّمَنِ هُوَ الْبَائِعُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 33 {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ} [المائدة: 67] وقَوْله تَعَالَى {وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ} [الأنعام: 107] {قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ} [الأنعام: 66] نَفَى الْوَكَالَةَ وَأَثْبَتَ الرِّسَالَةَ. وَفِي الْفَوَائِدِ صُورَةُ التَّوْكِيلِ أَنْ يَقُولَ الْمُشْتَرِي لِغَيْرِهِ كُنْ وَكِيلًا فِي قَبْضِ الْمَبِيعِ أَوْ وَكَّلْتُك بِقَبْضِهِ وَصُورَةُ الرَّسُولِ أَنْ يَقُولَ كُنْ رَسُولًا عَنِّي فِي قَبْضِهِ أَوْ أَمَرْتُك بِقَبْضِهِ أَوْ أَرْسَلْتُك لِتَقْبِضَهُ أَوْ قَالَ قُلْ لِفُلَانٍ أَنْ يَدْفَعَ الْمَبِيعَ إلَيْك وَقِيلَ لَا فَرْقَ بَيْنَ الرَّسُولِ وَالْوَكِيلِ فِي فَصْلِ الْأَمْرِ بِأَنْ قَالَ اقْبِضْ الْمَبِيعَ فَلَا يَسْقُطُ الْخِيَارُ اهـ. وَنَقَضَ قَوْلَ الْإِمَامِ إنَّ الْوَكِيلَ كَالْمُوَكِّلِ بِمَسْأَلَتَيْنِ لَمْ يَقُمْ الْوَكِيلُ مَقَامَ الْمُوَكِّلِ فِيهِمَا أَحَدُهُمَا أَنَّ الْوَكِيلَ لَوْ رَأَى قَبْلَ الْقَبْضِ لَمْ يَسْقُطْ بِرُؤْيَتِهِ الْخِيَارُ وَالْمُوَكِّلُ لَوْ رَأَى وَلَمْ يَقْبِضْ سَقَطَ خِيَارُهُ وَالثَّانِيَةُ لَوْ قَبَضَهُ الْمُوَكِّلُ مَسْتُورًا ثُمَّ رَآهُ بَعْدَ الْقَبْضِ فَأَبْطَلَ الْخِيَارَ بَطَلَ وَالْوَكِيلُ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يَبْطُلْ وَأُجِيبَ بِأَنَّ سُقُوطَ الْخِيَارِ بِقَبْضِ الْوَكِيلِ إنَّمَا يَثْبُتُ ضِمْنًا لِتَمَامِ قَبْضِهِ بِسَبَبِ وِلَايَتِهِ بِالْوَكَالَةِ وَلَيْسَ هَذَا ثَابِتًا فِي مُجَرَّدِ رُؤْيَتِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَنَقُولُ بَلْ الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ لِلْمُوَكِّلِ وَهُوَ سُقُوطُ خِيَارِهِ إذَا رَآهُ إنَّمَا يَتَأَتَّى عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ مُجَرَّدَ مُضِيِّ مَا يَتَمَكَّنُ بِهِ مِنْ الْفَسْخِ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ يُسْقِطُ الْخِيَارَ وَلَيْسَ هُوَ بِالصَّحِيحِ وَبِعَيْنِ الْجَوَابِ الْأَوَّلِ يَقَعُ الْفَرْقُ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ. كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَا يَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِإِسْقَاطِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ. اهـ. وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَالتَّوْكِيلُ بِالرُّؤْيَةِ مَقْصُودًا لَا يَصِحُّ وَلَا تَصِيرُ رُؤْيَتُهُ كَرُؤْيَةِ مُوَكِّلِهِ حَتَّى لَوْ شَرَى شَيْئًا لَمْ يَرَهُ فَوَكَّلَ رَجُلًا بِرُؤْيَتِهِ وَقَالَ إنْ رَضِيتَهُ فَخُذْهُ لَمْ يَجُزْ وَالْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ لَوْ شَرَى مَا رَآهُ مُوَكِّلُهُ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْوَكِيلُ فَلَهُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَلَوْ لَمْ يَرَهُ وَهَذَا فِيمَا إذَا وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ شَيْءٍ لَا بِعَيْنِهِ فَفِي الْمُعَيَّنِ لَيْسَ لِلْوَكِيلِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ قِنٍّ بِلَا عِينَةٍ فَشَرَى قِنًّا رَآهُ الْوَكِيلُ فَلَيْسَ لَهُ وَلَا لِمُوَكِّلِهِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَكَذَا خِيَارُ الْعَيْبِ. اهـ. وَإِنَّمَا لَمْ يَصِحَّ التَّوْكِيلُ بِالرُّؤْيَةِ لِأَنَّهَا مِنْ الْمُبَاحَاتِ يَمْلِكُهَا كُلُّ وَاحِدٍ فَلَا تَتَوَقَّفُ عَلَى تَوْكِيلِهِ وَفِي الْمُحِيطِ وَلَوْ وَكَّلَ رَجُلًا بِالنَّظَرِ إلَى مَا اشْتَرَاهُ وَلَمْ يَرَهُ إنْ رَضِيَ يَلْزَمُ الْعَقْدُ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ يَفْسَخُهُ يَصِحُّ التَّوْكِيلُ فَيَقُومُ نَظَرُهُ مَقَامَ نَظَرِ الْمُوَكِّلِ لِأَنَّهُ جَعَلَ الرَّأْيَ وَالنَّظَرَ إلَيْهِ فَيَصِحُّ كَمَا لَوْ فَوَّضَ الْفَسْخَ وَالْإِجَازَةَ إلَيْهِ فِي الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ اهـ. وَهُوَ مُخَصِّصٌ لِإِطْلَاقِ قَوْلِهِمْ لَا يَصِحُّ التَّوْكِيلُ بِالرُّؤْيَةِ مَقْصُودًا فَيُقَالُ إلَّا إذَا فَوَّضَ إلَيْهِ الْفَسْخَ وَالْإِجَازَةَ. (قَوْلُهُ وَصَحَّ عَقْدُ الْأَعْمَى) أَيْ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ وَسَائِرُ عُقُودِهِ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ مُحْتَاجٌ إلَيْهَا فَصَارَ كَالْبَصِيرِ وَلِتَعَامُلِ النَّاسِ لَهُ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الْإِجْمَاعِ وَبِهِ قَالَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ وَقَدْ كَتَبْت فِي الْفَوَائِدِ أَنَّ الْأَعْمَى كَالْبَصِيرِ إلَّا فِي مَسَائِلَ لَا جِهَادَ عَلَيْهِ وَلَا جُمُعَةَ وَلَا جَمَاعَةَ وَلَا حَجَّ وَإِنْ وَجَدَ قَائِدًا فِي الْكُلِّ وَلَا يَصْلُحُ كَوْنُهُ شَاهِدًا وَلَوْ فِيمَا تُقْبَلُ فِيهِ الشَّهَادَةُ بِالتَّسَامُعِ عَلَى الْمَذَاهِبِ وَلَا دِيَةَ فِي عَيْنَيْهِ وَإِنَّمَا الْوَاجِبُ حُكُومَةُ عَدْلٍ وَكُرِهَ أَذَانُهُ وَحْدَهُ وَإِمَامَتُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَعْلَمَ الْقَوْمِ وَلَا يَجُوزُ إعْتَاقُهُ عَنْ الْكَفَّارَاتِ وَلَا كَوْنُهُ إمَامًا أَعْظَمَ وَلَا قَاضِيًا وَيُكْرَهُ ذَبْحُهُ وَلَمْ أَرَ حُكْمَ صَيْدِهِ وَرَمْيِهِ وَاجْتِهَادِهِ فِي الْقِبْلَةِ (قَوْلُهُ وَسَقَطَ خِيَارُهُ إذَا اشْتَرَى بِحَبْسِ الْمَبِيعِ وَشَمِّهِ وَذَوْقِهِ وَفِي الْعَقَارِ بِوَصْفِهِ) لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ تُفِيدُ الْعِلْمَ لِمَنْ اسْتَعْمَلَهَا عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي الْبَصِيرِ وَالْمُرَادُ بِسُقُوطِهِ سُقُوطُهُ إذَا وُجِدَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ قَبْلَ الشِّرَاءِ ثُمَّ اشْتَرَى وَأَمَّا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَفِي الْفَوَائِدِ إلَخْ) هَذَا لَا يُنَافِي مَا قَبْلَهُ لِأَنَّ ذَاكَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الرَّسُولِ وَالْوَكِيلِ وَهَذَا فَرْقٌ بَيْنَ التَّوْكِيلِ وَالْإِرْسَالِ أَيْ مَا يَصِيرُ بِهِ الْوَكِيلُ وَكِيلًا وَمَا يَصِيرُ بِهِ الرَّسُولُ رَسُولًا مِنْ الْأَلْفَاظِ وَحَاصِلُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْأَوَّلَيْنِ أَنَّ الْوَكِيلَ مُبَاشِرٌ، وَالرَّسُولَ مُبَلِّغٌ وَهَذَا مَا سَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ عَنْ تَهْذِيبِ الْقَلَانِسِيِّ الْوَكِيلُ مَنْ يُبَاشِرُ الْعَقْدَ وَالرَّسُولُ مَنْ يُبَلِّغُ الْمُبَاشَرَةَ وَحَاصِلُ الْفَرْقِ بَيْنَ الثَّانِيَيْنِ أَنَّ الْوَكِيلَ يَصِيرُ وَكِيلًا بِأَلْفَاظِ الْوَكَالَةِ وَالرَّسُولُ يَصِيرُ رَسُولًا بِأَلْفَاظِ الرِّسَالَةِ وَبِمُطْلَقِ الْأَمْرِ فَالْأَمْرُ رِسَالَةٌ لَا وَكَالَةٌ وَيُخَالِفُ هَذَا مَا سَيَأْتِي فِي الْوَكَالَةِ عَنْ الْبَدَائِعِ مِنْ أَنَّ الْإِيجَابَ مِنْ الْمُوَكِّلِ أَنْ يَقُولَ وَكَّلْتُك بِكَذَا أَوْ افْعَلْ كَذَا أَوْ أَذِنْت لَك أَنْ تَفْعَلَ كَذَا وَنَحْوُهُ وَقَالَ الْمُؤَلِّفُ هُنَاكَ فَإِنْ قُلْتُ: فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ التَّوْكِيلِ وَالْإِرْسَالِ فَإِنَّ الْإِذْنَ وَالْأَمْرَ تَوْكِيلٌ كَمَا عَلِمْت قُلْتُ: الرَّسُولُ أَنْ يَقُولَ لَهُ أَرْسَلْتُك أَوْ كُنْ رَسُولًا عَنِّي فِي كَذَا وَقَدْ جَعَلَ مِنْهَا الزَّيْلَعِيُّ فِي بَابِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ أَمَرْتُكَ بِقَبْضِهِ وَصَرَّحَ فِي النِّهَايَةِ فِيهِ مَعْزِيًّا إلَى الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّهُ مِنْ التَّوْكِيلِ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا فِي الْبَدَائِعِ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ افْعَلْ كَذَا وَأَمَرْتُك بِكَذَا. اهـ. أَقُولُ: الْمَنْقُولُ هُنَا عَنْ الْفَوَائِدِ أَنَّ الْأَمْرَ إرْسَالٌ لَا تَوْكِيلٌ تَأَمَّلْ لَكِنْ سَيَذْكُرُ الْمُؤَلِّفُ فِي الْوَكَالَةِ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ تَوْكِيلٌ إذَا دَلَّ عَلَى إنَابَةِ الْمَأْمُورِ مَنَابَ الْآمِرِ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ فَلَهُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَلَوْ لَمْ يَرَهُ) الَّذِي فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ لَوْ لَمْ بِدُونِ وَاوٍ. [عَقْدُ الْأَعْمَى أَيْ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ وَسَائِرُ عُقُودِهِ] (قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ ذَبْحُهُ) جَعَلَهُ فِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ مِمَّا لَمْ يَرَ حُكْمَهُ وَتَأْلِيفُهَا مُتَأَخِّرٌ عَنْ هَذَا الشَّرْحِ وَزَادَ فِي الْأَشْبَاهِ عَلَى مَا لَمْ يَرَهُ حَضَانَتَهُ ثُمَّ قَالَ وَيَنْبَغِي أَنْ يُكْرَهَ ذَبْحُهُ وَأَمَّا حَضَانَتُهُ فَإِنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 34 إذَا اشْتَرَى قَبْلَ هَذِهِ فَهَذِهِ مُثْبِتَةٌ لِلْخِيَارِ لَهُ لَا أَنَّهَا مُسْقِطَةٌ وَيَمْتَدُّ إلَى أَنْ يُوجَدَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ فِي الصَّحِيحِ وَعِبَارَةُ الْوَلْوَالِجيَّةِ أَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ بِمَنْزِلَةِ النَّظَرِ مِنْ الْبَصِيرِ وَقَوْلُهُ بِحَبَسَ الْمَبِيعِ مَعْنَاهُ إنْ كَانَ مِمَّا يُجَسُّ وَشَمِّهِ إنْ كَانَ مِمَّا يُشَمُّ كَالْمِسْكِ وَالذَّوْقُ فِيمَا يُذَاقُ بِاللِّسَانِ وَأَمَّا إذَا اشْتَرَى عَقَارًا فَرُؤْيَتُهُ بِوَصْفِهِ لَهُ فِي جَامِعِ الْفَتَاوَى هُوَ أَنْ يُوقَفَ فِي مَكَان لَوْ كَانَ بَصِيرًا لَرَآهُ ثُمَّ يَذْكُرُ صِفَتَهُ وَلَا يَخْفَى أَنَّ إيقَافَهُ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ لَيْسَ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الْوَصْفِ وَسُقُوطِ الْخِيَارِ بِهِ وَلِذَا لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَاكْتَفَى بِذِكْرِ الْوَصْفِ لِأَنَّهُ أُقِيمَ مَقَامَ الرُّؤْيَةِ فِي السَّلَمِ وَمِمَّنْ أَنْكَرَهُ الْكَرْخِيُّ وَقَالَ وُقُوفُهُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَغَيْرِهِ سَوَاءٌ فِي أَنَّهُ لَا يَسْتَفِيدُ بِذَلِكَ عِلْمًا كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. وَظَاهِرُ مَا فِي الْكِتَابِ أَنَّ الْوَصْفَ إنَّمَا يَكْتَفِي بِهِ فِي الْعَقَارِ وَأَنَّ غَيْرَهُ لَا يُوصَفُ لَهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ اعْتِبَارُ الْوَصْفِ فِي غَيْرِ الْعَقَارِ أَيْضًا وَظَاهِرُهُ أَيْضًا أَنَّهُ لَا شَرْطَ مَعَ الْوَصْفِ فِي الْعَقَارِ وَقَالَ مَشَايِخُ بَلْخٍ يَمَسُّ الْحِيطَانَ وَالْأَشْجَارَ وَظَاهِرُهُ أَيْضًا أَنَّ الْجَسَّ فِيمَا عَدَا مَا يُشَمُّ وَيُذَاقُ وَالْعَقَارَ وَاسْتَثْنَى مِنْهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الثَّمَرَ عَلَى رُءُوسِ الْأَشْجَارِ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِيهِ الْوَصْفُ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ جَسُّهُ وَلَا بُدَّ فِي الْوَصْفِ لِلْأَعْمَى مِنْ كَوْنِ الْمَوْصُوفِ عَلَى مَا وُصِفَ لَهُ لِيَكُونَ فِي حَقِّهِ بِمَنْزِلَةِ الرُّؤْيَةِ فِي حَقِّ الْبَصِيرِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ. وَالْحَاصِلُ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ أَنَّ الْخِيَارَ ثَابِتٌ لِلْأَعْمَى لِجَهْلِهِ بِصِفَاتِ الْمَبِيعِ فَإِذَا زَالَ ذَلِكَ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ سَقَطَ خِيَارُهُ وَلِذَا قَالَ فِي الْكَامِلِ عَنْ مُحَمَّدٍ يُعْتَبَرُ اللَّمْسُ فِي الثِّيَابِ وَالْحِنْطَةِ وَحُكِيَ أَنَّ أَعْمَى اشْتَرَى أَرْضًا فَقَالَ قُودُونِي إلَيْهَا فَقَادُوهُ فَجَعَلَ يَمَسُّ الْأَرْضَ حَتَّى انْتَهَى إلَى مَوْضِعٍ مِنْهَا فَقَالَ أَوَ مَوْضِعُ كُدْسٍ هَذَا قَالُوا لَا فَقَالَ هَذِهِ الْأَرْضُ لَا تَصْلُحُ لِأَنَّهَا لَا تَكْسُو نَفْسَهَا فَكَيْفَ تَكْسُونِي وَكَانَ كَمَا قَالَ فَإِذَا كَانَ هَذَا الْأَعْمَى بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَرَضِيَ بِهَا بَعْدَمَا مَسَّهَا سَقَطَ خِيَارُهُ اهـ. وَقَالَ الْحَسَنُ يُوَكِّلُ الْأَعْمَى وَكِيلًا بِقَبْضِهِ وَهُوَ يَرَاهُ يَسْقُطُ خِيَارُهُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَهَذَا أَشْبَهُ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ حَيْثُ جَعَلَ رُؤْيَةَ الْوَكِيلِ رُؤْيَةَ الْمُوَكِّلِ وَلَوْ وُصِفَ لِلْأَعْمَى ثُمَّ أَبْصَرَ فَلَا خِيَارَ لَهُ لِأَنَّهُ قَدْ سَقَطَ فَلَا يَعُودُ إلَّا بِسَبَبٍ جَدِيدٍ وَلَوْ اشْتَرَى الْبَصِيرُ ثُمَّ عَمِيَ انْتَقَلَ الْخِيَارُ إلَى الْوَصْفِ وَفِي الْمِصْبَاحِ جَسَّهُ بِيَدِهِ جَسًّا مِنْ بَابِ قَتَلَ وَاجْتَسَّهُ لِيَتَعَرَّفَهُ اهـ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْجَسَّ يُكْتَفَى بِهِ فِي الرَّقِيقِ وَالثِّيَابِ وَالدَّوَابِّ وَشَاةِ الْقُنْيَةِ وَكُلِّ شَيْءٍ يُمْكِنُ جَسُّهُ وَفِي الْأَصْلِ وَجَسُّ الْأَعْمَى فِي الْمَتَاعِ وَالْمَنْقُولَاتِ مِثْلُ نَظَرِ الْبَصِيرِ لِأَنَّ التَّقْلِيبَ وَالْجَسَّ مِمَّا يُعَرِّفُ بَعْضَ أَوْصَافِ الْمَبِيعِ مِنْ اللِّينِ وَالْخُشُونَةِ وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُعَرِّفُ الْجَمِيعَ فَيُقَامُ مَقَامَ النَّظَرِ حَالَةَ الْعَجْزِ كَمَا تُقَامُ الْإِشَارَةُ مِنْ الْأَخْرَسِ مَقَامَ النُّطْقِ لِلْعَجْزِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَهَلْ يَجُسُّ الْمَوْضِعَ الَّذِي يَرَاهُ الْبَصِيرُ فَيَجُسُّ مِنْ الرَّقِيقِ وَجْهَهُ وَمِنْ الْحَيَوَانِ الْوَجْهَ وَالْكَفَلَ حَتَّى لَوْ مَسَّ غَيْرَهُمَا لَا يَكْتَفِي بِهِ لَمْ أَرَهُ وَالظَّاهِرُ اشْتِرَاطُهُ. (قَوْلُهُ وَمَنْ رَأَى أَحَدَ الثَّوْبَيْنِ فَاشْتَرَاهُمَا ثُمَّ رَأَى الْآخَرَ فَلَهُ رَدُّهُمَا) لِأَنَّ رُؤْيَةَ أَحَدِهِمَا لَا تَكُونُ رُؤْيَةَ الْآخَرِ لِلتَّفَاوُتِ فِي الثِّيَابِ فَبَقِيَ الْخِيَارُ فِيمَا لَمْ يَرَهُ ثُمَّ لَا يَرُدُّهُ وَحْدَهُ كَيْ لَا يَكُونَ تَفْرِيقًا لِلصَّفْقَةِ قَبْلَ   [منحة الخالق] أَمْكَنَ حِفْظُهُ الْمَحْضُونَ كَانَ أَهْلًا وَإِلَّا فَلَا (قَوْلُهُ فِي جَامِعِ الْفَتَاوَى هُوَ أَنْ يُوقَفَ) أَيْ الْوَصْفُ الْمُعْتَبَرُ هُوَ كَذَا وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَاَلَّذِي فِي الْفَتْحِ الْأَوَّلُ (قَوْلُهُ وَهَلْ يَجُسُّ الْمَوْضِعَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَقُولُ: الْمَنْقُولُ فِي السِّرَاجِ مَا لَفْظُهُ وَإِنْ كَانَ ثَوْبًا فَلَا بُدَّ مِنْ صِفَةِ طُولِهِ وَعَرْضِهِ وَدِقَّتِهِ مَعَ الْجَسِّ وَفِي الْحِنْطَةِ لَا بُدَّ مِنْ اللَّمْسِ وَالصِّفَةِ وَفِي الِادِّهَانِ لَا بُدَّ مِنْ الشَّمِّ وَفِي الْعَقَارِ لَا بُدَّ مِنْ وَصْفِهِ قَالَ وَكَذَا الدَّابَّةُ وَالْعَبْدُ وَالْأَشْجَارُ وَجَمِيعُ مَا يُعْرَفُ بِالْجَسِّ وَالذَّوْقِ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة وَفِي الثَّمَرِ عَلَى رُءُوسِ الشَّجَرِ تُعْتَبَرُ الصِّفَةُ وَبِهَذَا بَطَلَ قَوْلُهُ فِي الْبَحْرِ وَهَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَجُسَّ الْمَوْضِعَ الَّذِي يُكْتَفَى بِرُؤْيَةِ الْبَصِيرِ لَهُ إلَخْ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ يُكْتَفَى فِي نَحْوِ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ بِالْوَصْفِ فَلَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِ الْجَسِّ اهـ. قُلْتُ: هَذَا ظَاهِرٌ عَلَى مَا نَقَلَهُ عَنْ السِّرَاجِ أَمَّا عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ مِنْ ظَاهِرِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَصَرِيحِ كَلَامِ الْأَصْلِ مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِالْجَسِّ فَلِاشْتِرَاطِهِ مَعْنًى ظَاهِرٌ كَمَا لَا يَخْفَى وَالظَّاهِرُ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا مَا فِي السِّرَاجِ مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي نَحْوِ الْعَبْدِ وَالدَّابَّةِ مِنْ الْوَصْفِ وَالثَّانِي مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِالْجَسِّ وَكَلَامُهُ مَبْنِيٌّ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَالْإِيرَادُ سَاقِطٌ فَتَدَبَّرْ. وَيُؤَيِّدُهُ مَا قُلْنَا مِنْ الْقَوْلَيْنِ مَا قَدَّمَهُ الْمُؤَلِّفُ مِنْ قَوْلِهِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ اعْتِبَارُ الْوَصْفِ فِي غَيْرِ الْعَقَارِ أَيْضًا وَمَا عَنْ أَئِمَّةِ بَلْخٍ مِنْ أَنَّهُ يَمَسُّ الْحِيطَانَ وَالْأَشْجَارَ وَمَا عَنْ مُحَمَّدٍ مِنْ اعْتِبَارِهِ أَيْضًا فِي الثِّيَابِ وَالْحِنْطَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَ السِّرَاجِ لَا بُدَّ مِنْ الْوَصْفِ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ لَمْ يُدْرِكْ بِالْجَسِّ يُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ بَعْدَمَا ذَكَرَ الرِّوَايَاتِ الَّتِي قَدَّمَهَا الْمُؤَلِّفُ قَالَ وَفِي الْجُمْلَةِ مَا يَقِفُ بِهِ عَلَى صِفَةِ الْمَبِيعِ فَهُوَ الْمُعْتَبَرُ فَحِينَئِذٍ لَا تَخْتَلِفُ هَذِهِ الرِّوَايَاتُ فِي الْمَعْنَى لِأَنَّ الْخِيَارَ ثَابِتٌ لِلْأَعْمَى لِجَهْلِهِ بِصِفَاتِ الْمَبِيعِ فَإِذَا زَالَ ذَلِكَ بِأَيِّ وَجْهٍ زَالَ يَسْقُطُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 35 التَّمَامِ وَهَذَا لِأَنَّ الصَّفْقَةَ لَا تَتِمُّ مَعَ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ وَلِهَذَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الرَّدِّ بِغَيْرِ قَضَاءٍ وَلَا رِضًا فَيَكُونُ فَسْخًا مِنْ الْأَصْلِ وَفِي النِّهَايَةِ الصَّفْقَةُ الْعَقْدُ الَّذِي تَنَاهَى فِي مُوجِبِهِ وَلِذَا قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - الْبَيْعُ إمَّا صَفْقَةٌ أَوْ خِيَارٌ أَيْ إمَّا يَتَنَاهَى فِي اللُّزُومِ أَوْ غَيْرُ لَازِمٍ بِأَنْ كَانَ فِيهِ خِيَارٌ وَوَرَدَ النَّهْيُ عَنْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَإِنَّمَا قُدِّمَ عَلَى حَدِيثِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ لِأَنَّ حَدِيثَ النَّهْيِ مُحْكَمٌ وَحَدِيثُ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ خَصَّ مِنْهُ مَا إذَا تَعَيَّبَ أَوْ أَعْتَقَهُ أَوْ بَاعَهُ أَوْ لِأَنَّهُ مُحَرِّمٌ وَذَلِكَ مُبِيحٌ أَوْ لِكَوْنِهِ مُتَأَخِّرًا لِئَلَّا يَلْزَمَ تَكْرَارُ النُّسَخِ اهـ. وَتُعُقِّبَ الْأَوَّلُ بِأَنَّهُ أَيْضًا مَخْصُوصٌ بِمَا قَبْلَ التَّمَامِ وَمَا أَجَابَ بِهِ فِي الْعِنَايَةِ مِنْ أَنَّهُ إنَّمَا قَيَّدَ بِهِ بِالْقِيَاسِ عَلَى ابْتِدَاءِ الصَّفْقَةِ غَيْرُ دَافِعٍ كَمَا لَا يَخْفَى وَفِي الْمِصْبَاحِ الصَّفْقَةُ الْعَقْدُ وَكَانَ الْعَرَبُ إذَا وَجَبَ الْبَيْعُ ضَرَبَ يَدُهُ عَلَى يَدِ صَاحِبِهِ اهـ. وَالْأَوْلَى مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ أَنَّا عَمِلْنَا بِالْحَدِيثَيْنِ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّا شَرَطْنَا أَنْ يَرُدَّهُمَا جَمِيعًا عَمَلًا بِحَدِيثِ الصَّفْقَةِ جَمْعًا بَيْنَهُمَا. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ رَدُّ الْبَعْضِ، وَإِمْسَاكُ الْبَعْضِ فِي خِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ لِكَوْنِهِ تَفْرِيقًا قَبْلَ التَّمَامِ لِكَوْنِهِ مَانِعًا مِنْ التَّمَامِ فِي الرُّؤْيَةِ وَمِنْ الِابْتِدَاءِ فِي الشَّرْطِ وَلَهُ ذَلِكَ فِي خِيَارِ الْعَيْبِ بَعْدَ الْقَبْضِ لِتَمَامِهَا وَالْخِيَارُ مَانِعٌ مِنْ اللُّزُومِ فَقَطْ لَا قَبْلَهُ لِكَوْنِ الْقَبْضِ مِنْ تَمَامِهَا وَأَمَّا إذَا اُسْتُحِقَّ الْبَعْضُ فَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ وَاحِدًا فَلَهُ الْخِيَارُ مُطْلَقًا قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ وَإِنْ كَانَ مُتَعَدِّدًا فَإِنْ كَانَ قِيَمِيًّا وَقَبَضَ الْبَعْضَ وَلَمْ يَقْبِضْ الْبَعْضَ فَاسْتُحِقَّ الْبَعْضُ لَهُ الْخِيَارُ لِتَفَرُّقِهَا قَبْلَ التَّمَامِ وَلَوْ كَانَ مِثْلِيًّا فَاسْتُحِقَّ بَعْضُهُ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ خُيِّرَ وَإِلَّا فَلَا وَاسْتُفِيدَ مِنْ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ أَنَّهُ لَوْ رَآهُمَا فَرَضِيَ بِأَحَدِهِمَا أَنَّهُ لَا يَرُدُّ الْآخَرَ لِمَا ذَكَرْنَا. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا اُسْتُحِقَّ بَعْضُ الْمَبِيعِ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ قَبْضِ الْكُلِّ أَوْ الْبَعْضِ تَخَيَّرَ مُطْلَقًا مُتَعَدِّدًا أَوْ وَاحِدًا مِثْلِيًّا أَوْ قِيَمِيًّا وَإِنْ كَانَ بَعْدَ قَبْضِ جَمِيعِهِ فَلَا خِيَارَ فِي الْكُلِّ إلَّا فِي قِيَمِيٍّ وَاحِدٍ اُسْتُحِقَّ بَعْضُهُ فَإِنَّهُ يَتَخَيَّرُ وَفِي خِيَارِ الْعَيْبِ إذَا اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ بِالْبَعْضِ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ رَدَّ الْمَعِيبَ وَحْدَهُ إلَّا فِي قِيَمِيٍّ وَاحِدٍ فَيَرُدُّ الْكُلَّ وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ يَرُدُّ الْكُلَّ وَفِي خِيَارِ الشَّرْطِ وَالرُّؤْيَةِ لَا يَرُدُّ إلَّا الْكُلَّ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ. (تَنْبِيهٌ) وَقَعَ فِي الْهِدَايَةِ أَنَّ الصَّفْقَةَ لَا تَتِمُّ مَعَ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ فَحَمَلَهُ بَعْضُ الشَّارِحِينَ عَلَى مَا إذَا قَبَضَهُ مَسْتُورًا أَمَّا إذَا قَبَضَهُ مَكْشُوفًا بَطَلَ خِيَارُهُ وَرَدَّهُ فِي الْمِعْرَاجِ بِأَنَّ الْخِيَارَ يَبْقَى إلَى أَنْ يُوجَدَ مَا يُبْطِلُهُ وَأَقَرَّهُ فِي الْبِنَايَةِ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ وَلَا يُورَثُ كَخِيَارِ الشَّرْطِ) لِأَنَّهُ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ لِلْعَاقِدِ وَهُوَ لَيْسَ بِعَاقِدٍ وَلِأَنَّهُ وَصْفٌ فَلَا يَجْرِي فِيهِ الْإِرْثُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ بِخِلَافِ خِيَارِ الْعَيْبِ وَالتَّعْيِينِ وَقَدْ أَسْلَفْنَاهُ (قَوْلُهُ وَمَنْ اشْتَرَى مَا رَأَى خُيِّرَ إنْ تَغَيَّرَ وَإِلَّا لَا) أَيْ إنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ لَا يُخَيَّرُ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِالْأَوْصَافِ حَاصِلٌ لَهُ بِالرُّؤْيَةِ السَّابِقَةِ وَبِفَوَاتِهِ يَثْبُتُ الْخِيَارُ وَإِنْ وَجَدَهُ مُتَغَيِّرًا فَلَهُ الْخِيَارُ لِأَنَّ تِلْكَ الرُّؤْيَةَ لَمْ تَقَعْ مُعْلِمَةً بِأَوْصَافِهِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَرَهُ وَأَطْلَقَ قَوْلَهُ وَإِلَّا لَا وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِشَيْئَيْنِ الْأَوَّلُ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ مَرْئِيُّهُ وَقْتَ الشِّرَاءِ فَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ لَهُ الْخِيَارُ لِعَدَمِ الرِّضَا بِهِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ الثَّانِي أَنْ تَكُونَ الرُّؤْيَةُ السَّابِقَةُ لِقَصْدِ الشِّرَاءِ فَلَوْ رَآهُ لَا لِقَصْدِ الشِّرَاءِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ فَلَهُ الْخِيَارُ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ مُعَبِّرًا عَنْهُ بِقِيلَ وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ إذَا رَأَى لَا لِقَصْدِ الشِّرَاءِ لَا يَتَأَمَّلُ كُلَّ التَّأَمُّلِ فَلَمْ تَقَعْ مَعْرِفَةٌ وَفِيهَا لَوْ رَأَى ثَوْبَيْنِ ثُمَّ اشْتَرَاهُمَا بِثَمَنٍ مُتَفَاوِتٍ مَلْفُوفَيْنِ فَلَهُ الْخِيَارُ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَكُونُ الْأَرْدَأُ بِأَكْثَرِ الثَّمَنَيْنِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ وَلَوْ رَأَى ثِيَابًا فَرَفَعَ الْبَائِعُ بَعْضَهَا ثُمَّ اشْتَرَى الْبَاقِي وَلَا يَعْرِفُ الْبَاقِيَ فَلَهُ الْخِيَارُ. اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ وَلَوْ سَمَّى لِكُلِّ وَاحِدٍ عَشْرَةً فَلَا خِيَارَ لَهُ لِأَنَّ الثَّمَنَ لَمَّا لَمْ يَخْتَلِفْ اسْتَوَيَا فِي الْأَوْصَافِ. وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَمَنْ اشْتَرَى مَا رَأَى فَلَا خِيَارَ لَهُ إلَّا إذَا تَغَيَّرَ لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيمَا رَآهُ عَدَمُ الْخِيَارِ وَلِذَا لَوْ اخْتَلَفَا فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً لَمْ يَرَهَا فَجَاءَ بِهَا الْبَائِعُ مُتَنَقِّبَةً لَا يَعْرِفُهَا الْمُشْتَرِي فَقَبَضَهَا فَهُوَ   [منحة الخالق] خِيَارُهُ اهـ. بِحُرُوفِهِ. نَعَمْ هَذَا الْكَلَامُ يُفِيدُ عَدَمَ اشْتِرَاطِ جَسِّ الْمَوْضِعِ الَّذِي يَرَاهُ الْبَصِيرُ خِلَافُ مَا بَحَثَهُ الْمُؤَلِّفُ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَرَدَّهُ فِي الْمِعْرَاجِ إلَخْ) مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمَهُ الْمُؤَلِّفُ مِنْ قَوْلِهِ وَالْقَبْضُ أَوْ نَقْدُ الثَّمَنِ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ مُسْقِطٌ لَهُ اهـ. وَمِثْلُهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَجَامِعِ الْفُصُولَيْنِ. [لَا يُورَثُ خِيَار الرُّؤْيَة كَخِيَارِ الشَّرْطِ] (قَوْلُهُ وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ) قَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْمِنَحِ هُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ مِنْ الرِّوَايَةِ وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَيْضًا بِصِيغَةِ قِيلَ وَهِيَ صِيغَةُ التَّمْرِيضِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 36 قَبْضٌ وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى خُفًّا فَأَلْبَسَهُ الْبَائِعُ إيَّاهُ وَهُوَ نَائِمٌ فَقَامَ وَمَشَى وَهُوَ لَا يَعْلَمُ فَهُوَ قَبْضٌ وَلَهُ الْخِيَارُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ إذَا لَمْ يَنْقُصْهُ الْمَشْيُ اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي التَّغَيُّرِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ مَعَ يَمِينِهِ) لِأَنَّ التَّغَيُّرَ حَادِثٌ وَسَبَبُ اللُّزُومِ ظَاهِرٌ أَطْلَقَهُ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا قَرُبَتْ الْمُدَّةُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لَهُ أَمَّا إذَا بَعُدَتْ الْمُدَّةُ فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لَهُ وَفِي الْمَبْسُوطِ فَإِنْ بَعُدَتْ الْمُدَّةُ بِأَنْ رَأَى جَارِيَةً شَابَّةً ثُمَّ اشْتَرَاهَا بَعْدَ عِشْرِينَ سَنَةً وَزَعَمَ الْبَائِعُ أَنَّهَا لَمْ تَتَغَيَّرْ فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي وَبِهِ يُفْتِي الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَالْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيُّ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَلَمْ يَرِدْ التَّحْدِيدُ فِي تَغَيُّرِ كُلِّ مَبِيعٍ فَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَوْ رَأَى شَيْئًا ثُمَّ اشْتَرَاهُ فَلَا خِيَارَ لَهُ إلَّا أَنْ تَطُولَ وَالشَّهْرُ طَوِيلٌ وَمَا دُونَهُ قَلِيلٌ وَلَوْ تَغَيَّرَ فَلَهُ الْخِيَارُ بِكُلِّ حَالٍ وَلَا يُصَدَّقُ فِي دَعْوَى التَّغَيُّرِ إلَّا بِحُجَّةٍ إلَّا إذَا طَالَتْ الْمُدَّةُ اهـ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ جَعَلَ الشَّهْرَ قَلِيلًا. (قَوْلُهُ وَلِلْمُشْتَرِي لَوْ فِي الرُّؤْيَةِ) أَيْ الْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ لَوْ قَالَ الْبَائِعُ لَهُ رَأَيْتَ قَبْلَ الشِّرَاءِ وَقَالَ الْمُشْتَرِي مَا رَأَيْتُ أَوْ قَالَ لَهُ رَأَيْتَ بَعْدَ الشِّرَاءِ ثُمَّ رَضِيتَ فَقَالَ رَضِيتُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ وَلِذَا أَطْلَقَ فِي الْكِتَابِ لِأَنَّ الْبَائِعَ يَدَّعِي أَمْرًا عَارِضًا هُوَ الْعِلْمُ بِالصِّفَةِ وَالْمُشْتَرِي يُنْكِرُهُ فَالْقَوْلُ لَهُ وَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ لِلْبَائِعِ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي الْبِيَاعَاتِ فِي الْأَسْوَاقِ كَوْنُ الْمُشْتَرِينَ رَأَوْا الْمَبِيعَ فَدَعْوَى الْبَائِعِ رُؤْيَةَ الْمُشْتَرِي تَمَسُّكٌ بِالظَّاهِرِ لِأَنَّ الْغَالِبَ هُوَ الظَّاهِرُ وَالْمَذْهَبُ أَنَّ الْقَوْلَ لِمَنْ تَمَسَّكَ بِالظَّاهِرِ لَا بِالْأَصْلِ إلَّا أَنْ يُعَارِضَهُ ظَاهِرٌ آخَرُ اهـ. مَدْفُوعٌ بِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي قَاعِدَةِ أَنَّ الْأَصْلَ الْعَدَمُ فَرَاجِعْهَا إنْ شِئْت وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ أَرَادَ الْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّهُ فَأَنْكَرَ الْبَائِعُ كَوْنَ الْمَرْدُودِ مَبِيعًا فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي وَكَذَلِكَ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ لِأَنَّهُ انْفَسَخَ الْعَقْدُ بِرَدِّهِ وَبَقِيَ مِلْكُ الْبَائِعِ فِي يَدِهِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْقَابِضِ فِي تَعْيِينِ مِلْكِهِ أَمِينًا كَانَ أَوْ ضَمِينًا كَالْمُودَعِ وَالْغَاصِبِ فَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَنْفَسِخُ بِفَسْخِ الْمُشْتَرِي حَتَّى يُلْزِمَهُ الْقَاضِي فَبَقِيَ الْمُشْتَرِي مُدَّعِيًا حَقَّ الْفَسْخِ وَالْبَائِعُ يُنْكِرُ فَيَكُونُ الْقَوْلُ لَهُ اهـ. وَهَذَا مَا كَتَبْنَاهُ فِي الْفَوَائِدِ أَنَّ الْقَوْلَ لِلْقَابِضِ إلَّا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ فِي مَسْأَلَةِ الِاخْتِلَافِ فِي التَّعْيِينِ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ لِلْمُشْتَرِي وَكَانَتْ السِّلْعَةُ غَيْرَ مَقْبُوضَةٍ فَأَرَادَ الْمُشْتَرِي إجَازَةَ الْعَقْدِ فِي عَيْنٍ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَقَالَ الْبَائِعُ مَا بِعْتُك هَذَا وَقَالَ الْمُشْتَرِي بَلْ بِعْتنِي هَذَا لَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ هَذِهِ الصُّورَةَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْكُتُبِ وَقَالُوا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْبَائِعِ كَمَا لَوْ ادَّعَى بَيْعَ هَذِهِ الْعَيْنِ وَأَنْكَرَ الْبَائِعُ الْبَيْعَ أَصْلًا وَأَمَّا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ وَالْعَيْنُ غَيْرُ مَقْبُوضَةٍ فَأَرَادَ الْبَائِعُ إلْزَامَ الْبَيْعِ فِي عَيْنٍ وَقَالَ الْمُشْتَرِي مَا اشْتَرَيْتُ هَذَا ذَكَرَ أَنَّ الْقَوْلَ لِلْمُشْتَرِي. اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْخِلَافَ إنْ كَانَ فِي التَّعْيِينِ مَعَ خِيَارِ الشَّرْطِ وَالسِّلْعَةُ مَقْبُوضَةٌ فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي سَوَاءٌ كَانَ الْخِيَارُ لَهُ أَوْ لِلْبَائِعِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَقْبُوضَةً فَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ وَعَكْسُهُ فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي اشْتِرَاطِ الْخِيَارِ فَالْقَوْلُ لِمُنْكِرِهِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ لِمُدَّعِيهِ كَمَا فِي الْمَجْمَعِ لِأَنَّ مُنْكِرَهُ يَدَّعِي لُزُومَ الْعَقْدِ وَمُدَّعِيهِ يُنْكِرُ اللُّزُومَ فَالْقَوْلُ لَهُ وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَفِي الْقُنْيَةِ اخْتَلَفَا فِي شَرْطِ الْخِيَارِ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَبَيِّنَةُ مُدَّعِي الْخِيَارِ أَوْلَى وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ أَقَرَّ بِقَبْضِ الْمُشْتَرَى ثُمَّ قَالَ لَمْ أَرَ كُلَّهُ لَا يُصَدَّقُ اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ اشْتَرَى عَدْلًا وَبَاعَ مِنْهُ ثَوْبًا أَوْ وَهَبَ رَدَّ بِعَيْبٍ لَا بِخِيَارِ رُؤْيَةٍ أَوْ شَرْطٍ) لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ الرَّدُّ فِيمَا خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ وَفِي رَدِّ مَا بَقِيَ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ لِأَنَّ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ يَمْنَعَانِ تَمَامَهَا بِخِلَافِ خِيَارِ الْعَيْبِ لِتَمَامِهَا مَعَهُ بَعْدَ الْقَبْضِ وَتَرَكَ الْمُصَنِّفُ قَيْدَ التَّسْلِيمِ فِي الْهِبَةِ وَلَا بُدَّ مِنْهُ لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ بِهَا إلَّا مَعَهُ وَلِذَا قَيَّدَهَا بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمَفْعُولُ فِي كَلَامِهِ مُقَدَّرٌ أَيْ رَدَّ مَا بَقِيَ وَالْمَسْأَلَةُ مَوْضُوعَةٌ فِيمَا إذَا كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ كَمَا قَيَّدَهُ بِهِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ بَيْعُ الثَّوْبِ قَبْلَ قَبْضِهِ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ أَمَّا قَبْلَهُ فَالْكُلُّ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ أَمَّا قَبْلَهُ فَالْكُلُّ سَوَاءٌ) أَيْ خِيَارُ الْعَيْبِ وَالرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 37 سَوَاءٌ لَا تَتِمُّ الصَّفْقَةُ مَعَهُ نَعَمْ يَقَعُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَبْضِ وَعَدَمِهِ فِيمَا إذَا اشْتَرَى شَيْئَيْنِ وَلَمْ يَقْبِضْهُمَا ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ بِأَحَدِهِمَا فَإِنَّهُ لَا يَرُدُّ الْمَعِيبَ وَحْدَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بَعْدَ قَبْضِهِمَا فَلَوْ عَادَ إلَيْهِ بِسَبَبٍ هُوَ فَسْخٌ فَهُوَ عَلَى خِيَارِ الرُّؤْيَةِ كَذَا ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يَعُودُ بَعْدَ سُقُوطِهِ لِخِيَارِ الشَّرْطِ وَعَلَيْهِ اعْتَمَدَ الْقُدُورِيُّ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا وَهَبَ عَبْدَهُ الْمَدِينَ مِمَّنْ لَهُ الدَّيْنُ أَوْ عَبْدَهُ الْجَانِيَ مِنْ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ ثُمَّ رَجَعَ فِي الْهِبَةِ حَيْثُ يَعُودَانِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَالْعُذْرُ لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ حَقَّ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ أَضْعَفُ مِنْهَا كَذَا فِي الشَّرْحِ وَالْعَدْلُ الْمِثْلُ وَالْمُرَادُ هُنَا الْغِرَارَةُ الَّتِي هِيَ عَدْلُ غِرَارَةٍ أُخْرَى عَلَى الْجَمَلِ أَوْ نَحْوِهِ أَيْ يُعَادِلُهَا وَفِيهَا أَثْوَابٌ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مَا اعْتَمَدَهُ الْقُدُورِيُّ صَحَّحَهُ قَاضِي خَانْ وَحَقِيقَةُ الْمَلْحَظِ تَخْتَلِفُ فَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ لَحَظَ الْبَيْعَ وَالْهِبَةَ مَانِعًا زَالَ فَيَعْمَلُ الْمُقْتَضِي وَهُوَ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ عَمَلَهُ وَلَحَظَ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ مُسْقِطًا وَإِذَا سَقَطَ لَا يَعُودُ بِلَا سَبَبٍ وَهَذَا أَوْجَهُ لِأَنَّ نَفْسَ هَذَا التَّصَرُّفِ يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا وَيَبْطُلُ الْخِيَارُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ وَبَعْدَهَا. اهـ. . وَالْأَوْجَهُ عِنْدِي مَا ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَقَوْلُهُ لِأَنَّ نَفْسَ هَذَا التَّصَرُّفَ إلَى آخِرِهِ مَمْنُوعٌ وَإِنَّمَا يَدُلُّ لَوْ تَصَرَّفَ فِي جَمِيعِ الْمَبِيعِ وَإِنَّمَا الْكَلَامُ هُنَا فِيمَا إذَا تَصَرَّفَ فِي الْبَعْضِ فَحِينَئِذٍ لَوْ رَدَّ الْبَاقِيَ فَقَطْ لَزِمَ تَفَرُّقُ الصَّفْقَةِ فَكَانَ لُزُومُ تَفَرُّقِهَا مَانِعًا مِنْ رَدِّ الْبَاقِي فَإِذَا زَالَ عَمِلَ الْمُقْتَضِي عَمَلَهُ وَكَأَنَّهُ اخْتَلَطَ عَلَيْهَا بِمَا إذَا بَاعَ الْمَبِيعَ كُلَّهُ وَسَقَطَ خِيَارُهُ ثُمَّ رُدَّ عَلَيْهِ بِمَا هُوَ فَسْخٌ فَإِنَّهُ لَا يَعُودُ خِيَارُهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ لَكِنْ لَمْ يَذْكُرُوا فِيهَا خِلَافًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (بَابُ خِيَارِ الْعَيْبِ) . تَقَدَّمَ وَجْهُ تَرْتِيبِ الْخِيَارَاتِ، وَالْإِضَافَةُ فِي خِيَارِ الْعَيْبِ إضَافَةُ الشَّيْءِ إلَى سَبَبِهِ وَأَمَّا الْعَيْبُ فَهُوَ فِي اللُّغَةِ يُقَالُ عَابَ الْمَتَاعُ عَيْبًا مِنْ بَابِ سَارَ فَهُوَ عَائِبٌ وَعَابَهُ صَاحِبُهُ فَهُوَ مَعِيبٌ يَتَعَدَّى وَلَا يَتَعَدَّى وَالْفَاعِلُ مِنْ هَذَا عَائِبٌ وَعَيَّابٌ مُبَالَغَةٌ وَالِاسْمُ الْعَابُّ وَالْمُعَابُ وَعَيَّبَهُ بِالتَّشْدِيدِ نَسَبَهُ إلَى الْعَيْبِ وَاسْتُعْمِلَ الْعَيْبُ اسْمًا وَجُمِعَ عَلَى عُيُوبٍ كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ وَفَسَّرَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِمَا تَخْلُو عَنْهُ أَصْلُ الْفِطْرَةِ السَّلِيمَةِ وَأَمَّا فِي الشَّرِيعَةِ فَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّهُ مَا أَوْجَبَ نُقْصَانَ الثَّمَنِ عِنْدَ التُّجَّارِ. (تَنْبِيهٌ) كِتْمَانُ عَيْبِ السِّلْعَةِ حَرَامٌ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَفِي الْفَتَاوَى إذَا بَاعَ سِلْعَةً مَعِيبَةً عَلَيْهِ الْبَيَانُ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا يَفْسُقُ وَتُرَدُّ شَهَادَتُهُ قَالَ الصَّدْرُ لَا نَأْخُذُ بِهِ. اهـ. وَقَيَّدَهُ فِي الْخُلَاصَةِ بِأَنْ يَعْلَمَ بِهِ.   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ نَعَمْ يَقَعُ الْفَرْقُ إلَخْ) لَمْ يَظْهَرْ فَرْقٌ فِيمَا ذَكَرَهُ لِأَنَّ الْمُرَادَ إظْهَارُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَلَا رَدَّ لَهُ فِيهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَكَأَنَّهُ اخْتَلَطَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى صَاحِبِ الْفَتْحِ قَالَ فِي النَّهْرِ وَأَقُولُ: هَذَا تَهَجُّمٌ عَلَى مَقَامِ هَذَا الْإِمَامِ مَعَ عَدَمِ التَّدَبُّرِ فِي الْكَلَامِ وَذَلِكَ أَنَّ جَزْمَهُمْ بِعَدَمِ عَوْدِ الْخِيَارِ فِيمَا إذَا بَاعَ كُلَّهُ ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ بِمَا هُوَ فَسْخٌ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافٍ دَلِيلٌ بَيِّنٌ لِمَا اخْتَارَهُ الْقُدُورِيُّ إذْ لَوْ كَانَتْ الْعِلَّةُ الْمُؤَثِّرَةُ وُجُودَ الْمَانِعِ لَلَزِمَ إذَا زَالَ أَنْ يَعُودَ لَكِنَّهُ لَا يَعُودُ لِأَنَّهُ سَقَطَ وَشَأْنُ السَّاقِطِ أَنْ لَا يَعُودَ وَدَعْوَى أَنَّ بَيْعَ الْكُلِّ مُسْقِطٌ وَبَيْعَ الْبَعْضِ مَانِعٌ تَحَكُّمٌ ظَاهِرٌ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ لِأَنَّ نَفْسَ هَذَا التَّصَرُّفِ إلَخْ فَإِنْ قُلْتُ: لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا اُحْتِيجَ إلَى التَّعْلِيلِ بِأَنَّ فِي الرَّدِّ تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ قُلْتُ: لَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يُعَلِّلَ الْحُكْمَ بِعِلَّتَيْنِ الرِّضَا بِالْبَيْعِ وَلُزُومِ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ غَيْرَ أَنَّهُ مَا دَامَ خَارِجًا عَنْ مِلْكِهِ فَالتَّعْلِيلُ بِهِ أَظْهَرُ فَلِهَذَا الْمَعْنَى فَتَدَبَّرْ. [بَابُ خِيَارِ الْعَيْبِ] (قَوْلُهُ وَفَسَّرَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَقُولُ: فَسَّرَهُ بِذَلِكَ كَثِيرٌ (فَائِدَةٌ) سُئِلَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ أَقُولُ: وَهُوَ ابْنُ حَجَرٍ الْهَيْتَمِيُّ وَهِيَ فِي فَتَاوِيهِ عَنْ رَجُلٍ عَجَّانٍ خَبَّازٍ يَعْجِنُ الْخُبْزَ لِلْبَيْعِ وَيَبِيعُهُ عَلَى النَّاسِ وَهُوَ أَبْرَصُ أَجْذَمُ ذُو حَكَّةٍ وَسَوْدَاءُ فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُبَاشِرَ الْخُبْزَ الْمَذْكُورَ وَهُوَ بِتِلْكَ الصِّفَاتِ أَمْ لَا فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ لَا يَجُوزُ بَيْعُ مَا بَاشَرَ نَحْوَ عَجْنِهِ إلَّا أَنْ يُبَيِّنَ لِلْمُشْتَرِي حَقِيقَةَ الْحَالِ لِأَنَّ الْمُشْتَرِي لَوْ اطَّلَعَ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَشْتَرِهِ مِنْهُ فِي الْغَالِبِ وَكُلُّ مَا كَانَ كَذَلِكَ يَكُونُ كَتْمُهُ مِنْ الْغِشِّ الْمُحَرَّمِ وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ غَشَّ أُمَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي» . وَقَدْ نَقَلَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى السُّلْطَانِ أَوْ نَائِبِهِ أَنْ يُخْرِجَ مَنْ بِهِ نَحْوُ جُذَامٍ أَوْ بَرَصٍ مِنْ بَيْنِ أَظْهَرِ النَّاسِ وَيُفْرِدُ لَهُمْ مَحَلًّا خَارِجَ الْبَلَدِ وَيُنْفِقُ عَلَى فُقَرَائِهِمْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ اهـ. وَقَوَاعِدُنَا لَا تَأْبَاهُ وَضَابِطُ الْغِشِّ الْمُحَرَّمِ أَنْ يَشْتَمِلَ الْمَبِيعُ عَلَى وَصْفِ نَقْصٍ لَوْ عَلِمَ بِهِ الْمُشْتَرِي امْتَنَعَ عَنْ شِرَائِهِ فَكُلُّ مَا كَانَ كَذَلِكَ يَكُونُ غِشًّا وَكُلُّ مَا لَا يَكُونُ كَذَلِكَ لَا يَكُونُ غِشًّا مُحَرَّمًا ذَكَرَهُ فِي الْفَتَاوَى الْمَذْكُورَةِ وَلَا مَانِعَ مِنْهُ عِنْدَنَا تَأَمَّلْ اهـ. (قَوْلُهُ قَالَ الصَّدْرُ لَا نَأْخُذُ بِهِ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَيْ لَا نَأْخُذُ بِكَوْنِهِ يَفْسُقُ بِمُجَرَّدِ هَذَا لِأَنَّهُ صَغِيرَةٌ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ الْأُولَى الْمُسْلِمُ فِي دَارِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 38 وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَفِي الْحَدِيثِ «اشْتَرَى عَدَّاءُ بْنُ خَالِدِ بْنِ هَوْذَةَ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْهَاءِ وَسُكُونِ الْوَاوِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَبْدًا لَا دَاءَ فِيهِ وَلَا غَائِلَةَ وَلَا خَبَثَةَ» وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ هِيَ الصَّحِيحَةُ كَذَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ مُشْكِلِ الْآثَارِ بِإِسْنَادِهِ إلَى عَبْدِ الْمَجِيدِ «قَالَ الْعَدَّاءُ بْنُ خَالِدٍ أَلَا أُقْرِئُك كِتَابًا كَتَبَهُ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قُلْتُ: بَلَى فَأَخْرَجَ إلَيَّ كِتَابًا فَإِذَا فِيهِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَذَا مَا اشْتَرَى الْعَدَّاءُ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ» إلَخْ وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ كَانَ الْعَدَّاءُ لَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَفِي عَامَّةِ كُتُبِ الْفِقْهِ هَذَا مَا اشْتَرَى مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ مِنْ الْعَدَّاءِ لَكِنَّ الصَّحِيحَ مَا قُلْنَا اهـ. (قَوْلُهُ مَنْ وَجَدَ بِالْمَبِيعِ عَيْبًا أَخَذَهُ بِكُلِّ الثَّمَنِ أَوْ رَدَّهُ) لِأَنَّ مُطْلَقَ الْعَقْدِ يَقْتَضِي وَصْفَ السَّلَامَةِ فَعِنْدَ فَوَاتِهِ يَتَخَيَّرُ كَيْ لَا يَتَضَرَّرَ بِلُزُومِ مَا لَا يَرْضَى بِهِ دَلَّ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إمْسَاكُهُ وَأَخْذُ النُّقْصَانِ لِأَنَّ الْأَوْصَافَ لَا يُقَابِلُهَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ فِي مُجَرَّدِ الْعَقْدِ وَلِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِزَوَالِهِ عَنْ مِلْكِهِ بِأَقَلَّ مِنْ الْمُسَمَّى فَيَتَضَرَّرُ بِهِ وَدَفْعُ الضَّرَرِ عَنْ الْمُشْتَرِي مُمْكِنٌ بِالرَّدِّ بِدُونِ تَضَرُّرِهِ أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ مَا إذَا كَانَ بِهِ عِنْدَ الْبَيْعِ أَوْ حَدَثَ بَعْدَهُ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَمَا إذَا كَانَ فَاحِشًا أَوْ يَسِيرًا كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَالْمَهْرُ وَبَدَلُ الْخُلْعِ وَبَدَلُ الصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ يُرَدُّ بِفَاحِشِ الْعَيْبِ لَا بِيَسِيرِهِ وَفِي غَيْرِهَا يُرَدُّ بِهِمَا وَالْفَاحِشُ فِي الْمَهْرِ مَا يُخْرِجُهُ مِنْ الْجَيِّدِ إلَى الْوَسَطِ وَمِنْ الْوَسَطِ إلَى الرَّدِيءِ وَإِنَّمَا لَا يُرَدُّ فِي الْمَهْرِ بِيَسِيرِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ كَيْلِيًّا أَوْ وَزْنِيًّا وَأَمَّا هُمَا فَيُرَدُّ بِيَسِيرِهِ أَيْضًا اهـ. وَلَمْ يَتَكَلَّمْ الشَّارِحُونَ عَلَى مَا إذَا رَدَّ الْبَعْضَ هَلْ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ مِثْلَهُ سَلِيمًا قَالَ فِي الْقُنْيَةِ وَفِي الذَّخِيرَةِ اشْتَرَى مَنًّا مِنْ الْفَانِيدِ فَوَجَدَ وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ مِنْهَا أَسْوَدَ فَأَبْدَلَهُ الْبَائِعُ أَبْيَضَ بِغَيْرِ وَزْنٍ جَازَ وَفِي الثَّلَاثِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْوَزْنِ وَلِذَا لَوْ اشْتَرَى الْخُبْزَ وَوَجَدَ خُبْزًا وَاحِدًا مُحْتَرِقًا فَأَبْدَلَهُ الْخَبَّازُ لَمْ يَجُزْ إلَّا بِالْوَزْنِ لِأَنَّهُ مِمَّا يَدْخُلُ تَحْتَ الْوَزْنِ فَإِنَّ خَمْسَةَ أَسَاتِيرَ وَعَشْرَةً وَزْنُ حَجَرٍ فَلَا تَجُوزُ فِيهِ الْمُجَازَفَةُ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَعُرِفَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْ الْمَسَائِلِ وَهُوَ أَنَّ اسْتِبْدَالَ شَيْءٍ بِمِثْلِهِ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ إنَّمَا يَجُوزُ مُجَازَفَةً إذَا لَمْ يَكُنْ لِذَلِكَ الْمِقْدَارِ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ حَجَرٌ يُوزَنُ بِهِ وَإِنْ كَانَ لَهُ مِنْ جِنْسٍ آخَرَ حَجَرٌ فَلَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ جَعَلَ الثَّلَاثَةَ مِنْ الْفَانِيدِ مَوْزُونَةً وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْقَدْرُ مِنْ الْخُبْزِ مَوْزُونًا اهـ. وَلَا بُدَّ لِلْمَسْأَلَةِ مِنْ قُيُودٍ الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ الْعَيْبُ عِنْدَ الْبَائِعِ الثَّانِي أَنْ لَا يَعْلَمَ بِهِ الْمُشْتَرِي عِنْدَ الْبَيْعِ. الثَّالِثُ أَنْ لَا يَعْلَمَ بِهِ عِنْدَ الْقَبْضِ وَهِيَ فِي الْهِدَايَةِ الرَّابِعُ أَنْ لَا يَتَمَكَّنَ مِنْ إزَالَتِهِ بِلَا مَشَقَّةٍ فَإِنْ تَمَكَّنَ فَلَا كَإِحْرَامِ الْجَارِيَةِ فَإِنَّهُ بِسَبِيلٍ مِنْ تَحْلِيلِهَا وَنَجَاسَةِ الثَّوْبِ وَيَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى ثَوْبٍ لَا يَفْسُدُ بِالْغُسْلِ وَلَا يَنْقُصُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَا حَاجَةَ إلَى قَوْلِهِ يَنْبَغِي مَعَ التَّصْرِيحِ قَالَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ اشْتَرَى ثَوْبًا فَوَجَدَ فِيهِ دَمًا إنْ كَانَ إذَا غَسَلَهُ مِنْ الدَّمِ يَنْقُصُ الثَّوْبُ كَانَ عَيْبًا لِوُجُودِ حَدِّهِ وَإِلَّا لَا يَكُونُ عَيْبًا. اهـ. وَلَوْ اشْتَرَى جُبَّةً فَوَجَدَ فِيهَا فَأْرَةً مَيِّتَةً فَهُوَ عَيْبٌ لِوُجُودِ حَدِّهِ فَإِنْ لَبِسَهَا حَتَّى نَقَصَهَا رَجَعَ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ لِتَعَذُّرِ الرَّدِّ اهـ. وَقَيَّدَهَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ بِأَنْ يَضُرَّهَا الْفَتْقُ فَإِنْ ضَرَّهَا يَرُدُّهَا وَإِنْ لَمْ يَضُرَّهَا لَمْ يَرُدَّهَا اهـ. الْخَامِسُ: أَنْ لَا يَشْتَرِطَ الْبَرَاءَةَ مِنْهُ خُصُوصًا أَوْ مِنْ الْعُيُوبِ عُمُومًا وَسَيَأْتِي آخِرُ الْبَابِ السَّادِسِ أَنْ لَا يَزُولَ قَبْلَ الْفَسْخِ فَإِنْ زَالَ لَيْسَ لَهُ الرَّدُّ مِثْلُ بَيَاضِ الْعَيْنِ إذَا انْجَلَى وَالْحُمَّى إذَا زَالَتْ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَيَسْتَثْنِي مِنْ إطْلَاقِهِمْ مَسَائِلَ ذَكَرْنَاهَا فِي الْفَوَائِدِ الْأُولَى بَيْعُ صَيْدٍ بَيْنَ حَلَالَيْنِ ثُمَّ أَحْرَمَا أَوْ أَحَدُهُمَا فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا امْتَنَعَ رَدُّهُ وَإِنَّمَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي جِنَايَاتِ الْإِحْرَامِ الثَّانِيَةِ قَالَ فِي الْبُغْيَةِ وَالْقُنْيَةِ لَوْ كَانَ فِي الدَّارِ بَابٌ فِي الطَّرِيقِ الْأَعْظَمِ وَبَابُهُ فِي سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ أَقَامَ أَهْلُهَا بَيِّنَةً أَنَّهُمْ أَعَارُوا الْبَائِعَ هَذَا الطَّرِيقَ فَأَمَرَ الْقَاضِي بِسَدِّهِ يُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي إنْ شَاءَ رَدَّهُ وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ بِنُقْصَانِ ذَلِكَ الطَّرِيقِ وَالتَّخْيِيرُ هُنَا بِخِلَافِ سَائِرِ الْعُيُوبِ اهـ. الثَّالِثَةُ: اشْتَرَى الذِّمِّيُّ   [منحة الخالق] الْحَرْبِ إذَا اشْتَرَى شَيْئًا وَدَفَعَ الثَّمَنَ عُرُوضًا مَغْشُوشَةً أَوْ دَرَاهِمَ زُيُوفًا جَازَ إنْ كَانَ حُرًّا لَا عَبْدًا كَذَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ الثَّانِيَةُ يَجُوزُ إعْطَاءُ الزُّيُوفِ وَالنَّاقِصِ فِي الْجِبَايَاتِ. اهـ. وَأَقُولُ: قَوْلُهُ إذَا اشْتَرَى شَيْئًا صَوَابُهُ أَسِيرًا بَدَلُ قَوْلِهِ شَيْئًا كَمَا رَأَيْته فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَعَلَّلَ الْفَرْقَ بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ بِأَنَّ شِرَاءَ الْأَحْرَارِ لَيْسَ بِشِرَاءٍ لِيَجِبَ إعْطَاءُ الْمُسَمَّى. (قَوْلُهُ هَذَا مَا اشْتَرَى) قَالَ الرَّمْلِيُّ فِي نُسْخَةٍ مَا اشْتَرَاهُ [وَجَدَ بِالْمَبِيعِ عَيْبًا] (قَوْلُهُ فَاحِشًا أَوْ يَسِيرًا إلَخْ) فِي الْبَزَّازِيَّةِ اشْتَرَى كَرْمًا فَبَانَ أَنَّ شُرْبَهُ مِنْ نَاوِقٍ عَلَى ظَهْرِ نَهْرٍ لَهُ الرَّدُّ لِأَنَّهُ عَيْبٌ فَاحِشٌ وَالْعَيْبُ الْيَسِيرُ مَا يَدْخُلُ تَحْتَ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ وَتَفْسِيرُهُ أَنْ يُقَوَّمَ سَلِيمًا بِأَلْفٍ وَمَعَ الْعَيْبِ بِأَقَلَّ وَقَوَّمَهُ آخَرُ مَعَ الْعَيْبِ بِأَلْفٍ أَيْضًا وَالْفَاحِشُ مَا لَوْ قُوِّمَ سَلِيمًا بِأَلْفٍ وَكُلٌّ قَوَّمُوهُ مَعَ الْعَيْبِ بِأَقَلَّ (قَوْلُهُ عَلَى مَا إذَا رَدَّ الْبَعْضَ) قَالَ الرَّمْلِيُّ فِي نُسْخَةِ الرَّدِيءِ (قَوْلُهُ الثَّالِثُ أَنْ لَا يَعْلَمَ بِهِ عِنْدَ الْقَبْضِ) قَالَ فِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 39 خَمْرًا وَقَبَضَهَا وَبِهِ عَيْبٌ ثُمَّ أَسْلَمَ سَقَطَ خِيَارُ الرَّدِّ كَذَا فِي مَهْرِ فَتْحِ الْقَدِيرِ. الرَّابِعَةُ اشْتَرَى كَفَنًا لِلْمَيِّتِ وَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا لَا يُرَدُّ وَلَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ إنْ تَبَرَّعَ بِهِ أَجْنَبِيٌّ وَلَوْ وَارِثًا رَجَعَ بِالنَّقْصِ إنْ كَانَ مِنْ التَّرِكَةِ اهـ. الْخَامِسَةُ: اشْتَرَى مِنْ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ الْمَدْيُونِ الْمُسْتَغْرَقِ فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا لَا يَرُدُّهُ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى بَائِعِهِ إنْ كَانَ الثَّمَنُ مَنْقُودًا وَإِنْ لَمْ يَنْقُدْهُ الْمَوْلَى وَقَبَضَ الْمَبِيعَ أَوْ لَا وَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا يَرُدُّهُ إنْ كَانَ الثَّمَنُ مِنْ النُّقُودِ أَوْ كَيْلِيًّا أَوْ وَزْنِيًّا بِغَيْرِ عَيْنِهِ لِأَنَّهُ يَدْفَعُ بِالرَّدِّ مُطَالَبَةَ الْمَأْذُونِ مِنْ نَفْسِهِ وَإِنْ كَانَ عَرَضًا لَا يُمْكِنُ الرَّدُّ وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ اشْتَرَى الْمَوْلَى مِنْ مُكَاتَبِهِ فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا لَا يَرُدُّهُ وَلَا يَرْجِعُ وَلَا يُخَاصِمُ بَائِعَهُ لِكَوْنِهِ عَبْدَهُ اهـ. السَّادِسَةُ: بَاعَ نَفْسَ الْعَبْدِ مِنْ الْعَبْدِ بِجَارِيَةٍ ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا رَدَّ الْجَارِيَةَ وَأَخَذَ مِنْ الْعَبْدِ قِيمَةَ نَفْسِهِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْجَارِيَةِ السَّابِعَةُ بَاعَ الْوَارِثُ مِنْ مُورِثِهِ فَمَاتَ الْمُشْتَرِي وَوَرِثَهُ الْبَائِعُ وَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا رَدَّ إلَى الْوَارِثِ الْآخَرَ إنْ كَانَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ سِوَاهُ لَا يَرُدُّ وَلَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ وَكَذَا إذَا اشْتَرَى لِنَفْسِهِ مِنْ ابْنِهِ الصَّغِيرِ شَيْئًا وَقَبَضَهُ وَأَشْهَدَ ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا يَرْفَعُ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي حَتَّى يَنْصِبَ عَنْ ابْنِهِ خَصْمًا يَرُدُّهُ عَلَيْهِ ثُمَّ يَرُدُّ الْأَبُ لِابْنِهِ عَلَى بَائِعِهِ وَكَذَا لَوْ بَاعَ الْأَبُ مِنْ ابْنِهِ وَكَذَا لَوْ بَاعَ مِنْ وَارِثِهِ فَوَرِثَهُ الْمُشْتَرِي وَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا يَرْفَعُ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي فَيَنْصِبُ خَصْمًا فَيَرُدُّهُ الْمُشْتَرِي إلَيْهِ وَيَرُدُّهُ الْقَيِّمُ إلَى الْوَارِثِ نَقَدَهُ الثَّمَنَ أَوْ لَا فِي الصَّحِيحِ الثَّامِنَةُ اشْتَرَى الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ شَيْئًا وَأَبْرَأَهُ الْبَائِعُ عَنْ الثَّمَنِ لَا يَرُدُّهُ بِالْعَيْبِ وَأَنَّ الْمُشْتَرِيَ حُرًّا لَوْ بَعْدَ الْقَبْضِ فَكَذَلِكَ وَإِنْ قَبْلَهُ فَلَهُ الرَّدُّ لِأَنَّهُ امْتِنَاعٌ عَنْ الْقَبُولِ، وَكَذَا خِيَارُ الشَّرْطِ التَّاسِعَةُ لَوْ اصْطَلَحَا عَلَى أَنْ يَدْفَعَ الْبَائِعُ شَيْئًا وَالْمَبِيعُ لِلْمُشْتَرِي جَازَ بِخِلَافِ مَا لَوْ اصْطَلَحَا عَلَى أَنْ يَدْفَعَ الْمُشْتَرِي شَيْئًا وَالْجَارِيَةُ لِلْبَائِعِ لَا لِأَنَّهُ رِبًا وَالْمَسَائِلُ الْمَذْكُورَةُ مِنْ الرَّابِعَةِ إلَى الثَّامِنَةِ فِي الْبَزَّازِيَّةِ الْعَاشِرَةُ اشْتَرَى إنَاءَ فِضَّةٍ مُشَارًا إلَيْهَا فَوَجَدَهُ رَدِيئًا لَيْسَ لَهُ الرَّدُّ إلَّا إذَا كَانَ بِهِ كَسْرٌ أَوْ غِشٌّ وَكَذَا إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً فَوَجَدَهَا سَوْدَاءَ تَامَّ الْخِلْقَةِ لَيْسَ لَهُ الرَّدُّ لِأَنَّ الْقُبْحَ فِي الْجَوَارِي لَيْسَ بِعَيْبٍ. الْحَادِي عَشَرَ قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَصِيٌّ أَوْ وَكِيلٌ أَوْ عَبْدٌ مَأْذُونٌ اشْتَرَى شَيْئًا بِأَلْفٍ وَقِيمَتُهُ ثَلَاثَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ بِالْعَيْبِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِالْيَتِيمِ وَالْمُوَكِّلِ وَالْمَوْلَى وَلَوْ كَانَ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ وَالرُّؤْيَةِ فَلَهُ الرَّدُّ لِعَدَمِ تَمَامِ الصَّفْقَةِ. اهـ (تَنْبِيهَاتٌ مُهِمَّةٌ) الْأَوَّلُ وَجَدَ بِالْمَبِيعِ الَّذِي لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ عَيْبًا وَرَدَّهُ فَمُؤْنَةُ الرَّدِّ عَلَى الْمُشْتَرِي الثَّانِي اشْتَرَى عَبْدًا وَتَقَابَضَا وَضَمِنَ رَجُلٌ لَهُ عُيُوبُهُ فَاطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ وَرَدَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ بَاطِلٌ كَضَمَانِ الْعُهْدَةِ وَلَوْ ضَمِنَ لَهُ ضَمَانَ السَّرِقَةِ أَوْ الْحُرِّيَّةَ فَوَجَدَهُ مَسْرُوقًا أَوْ حُرًّا أَوْ الْجُنُونِ أَوْ الْعَمَى فَوَجَدَهُ كَذَلِكَ رَجَعَ عَلَى الضَّامِنِ بِالثَّمَنِ وَلَوْ مَاتَ عِنْدَهُ وَقَضَى بِالنَّقْصِ رَجَعَ بِهِ عَلَى ضَامِنِ الثَّمَنِ وَلَوْ ضَمِنَ لَهُ حِصَّةَ مَا يَجِدُهُ فِيهِ مِنْ الْعَيْبِ جَازَ عِنْدَ الْإِمَامَيْنِ إنْ رَدَّ رَجَعَ بِالثَّمَنِ كُلِّهِ وَإِنْ تَعَيَّبَ عِنْدَهُ رَجَعَ بِحِصَّةِ الْعَيْبِ عَلَى الضَّامِنِ كَمَا يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ وَإِنْ ضَمِنَ مَا لَحِقَهُ مِنْ الثَّمَنِ مِنْ عُهْدَةِ هَذَا الْبَيْعِ كَانَ كَذَلِكَ عِنْدَ الْإِمَامِ إنْ اسْتَحَقَّ رَجَعَ بِالثَّمَنِ الثَّالِثُ ادَّعَى عَلَيْهِ عَيْبًا فِي الْمَبِيعِ فَاصْطَلَحَا عَلَى أَنْ يَبْذُلَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي مَالًا ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ لَا عَيْبَ أَوْ كَانَ لَكِنَّهُ بَرِئَ اسْتَرَدَّ بَدَلَ الصُّلْحِ اهـ. الرَّابِعُ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ بِالْغُلَامِ أَوْ الدَّابَّةِ فَلَمْ يَجِدْ الْمَالِكَ فَأَطْعَمَهُ وَأَمْسَكَهُ وَلَمْ يَتَصَرَّفْ فِيهِ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا يَرُدُّهُ لَوْ حَضَرَ   [منحة الخالق] الشرنبلالية يَقْتَضِي أَنَّ مُجَرَّدَ الرُّؤْيَةِ رِضًا وَيُخَالِفُهُ قَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْ الْمُشْتَرِي مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا بِهِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ اهـ. وَكَذَا مَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَلَمْ يَرْضَ بِهِ بَعْدَ رُؤْيَتِهِ. (قَوْلُهُ وَكَذَا خِيَارُ الشَّرْطِ) أَقُولُ: تَقَدَّمَ فِي بَابِهِ عِنْدَ ذِكْرِ ثَمَرَةِ الِاخْتِلَافِ بَيْنَ الْإِمَامِ وَصَاحِبَيْهِ فِي دُخُولِ الْمَبِيعِ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَعَدَمِهِ فِيمَا لَوْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُ فَذَكَرَ مِنْ جُمْلَةِ الْمَسَائِلِ لَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي عَبْدًا مَأْذُونًا فَأَبْرَأَهُ الْبَائِعُ عَنْ الثَّمَنِ فِي الْمُدَّةِ بَقِيَ خِيَارُهُ عِنْدَهُ لِأَنَّ الرَّدَّ امْتِنَاعٌ عَنْ التَّمَلُّكِ وَالْمَأْذُونُ لَهُ يَلِيهِ وَعِنْدَهُمَا بَطَلَ خِيَارُهُ لِأَنَّهُ لَمَّا مَلَكَهُ كَانَ الرَّدُّ مِنْهُ تَمْلِيكًا بِغَيْرِ عِوَضٍ وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ اهـ. فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ الْحَادِي عَشَرَ) قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ التَّعْبِيرُ عَنْهَا بِالْعَاشِرَةِ فَذَكَرَ الْعَاشِرَةَ مَرَّتَيْنِ وَبَعْدَ هَذِهِ الْعَاشِرَةِ وَقَعَ ذِكْرُ الْحَادِيَةَ عَشَرَ وَالثَّانِيَةَ عَشَرَ إلَى الْخَامِسَةَ عَشَرَ الْآتِيَةُ فِي التَّنْبِيهَاتِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الرَّمْلِيِّ أَنَّ نُسْخَتَهُ كَذَلِكَ وَهِيَ غَلَطٌ مِنْ الْكَاتِبِ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْمَسَائِلِ الْمُسْتَثْنَاةِ مِنْ إطْلَاقِهِمْ التَّخْيِيرُ بَيْنَ أَخْذِ الْمَعِيبِ بِكُلِّ الثَّمَنِ أَوْ رَدِّهِ وَالْمَسَائِلُ الْخَمْسُ الْآتِيَةُ لَيْسَتْ مِنْ ذَلِكَ مَعَ مَا فِي ذِكْرِ الْعَاشِرِ مَرَّتَيْنِ كَمَا عَلِمْته فَالصَّوَابُ ذِكْرُهَا بَعْدَ الْعَاشِرِ مِنْ التَّنْبِيهَاتِ الْمُهِمَّةُ كَمَا فِي هَذِهِ النُّسْخَةِ الْمُوَافِقَةِ لِأَغْلِب النُّسَخِ فِي كَوْنِ الْمَسَائِلِ الْمُسْتَثْنَاةِ عَشَرَةً وَالتَّنْبِيهَاتُ خَمْسَةَ عَشَرَ لَا بِالْعَكْسِ نَعَمْ كَانَ يَنْبَغِي ذِكْرُ التَّنْبِيهِ الْخَامِسَ عَشَرَ الْمَنْقُولِ عَنْ الصُّغْرَى مَعَ الْمَسَائِلِ الْمُسْتَثْنَاةِ فَإِنَّهُ مِنْهَا وَسَنَذْكُرُ عَنْ الرَّمْلِيِّ اسْتِثْنَاءَ مَسْأَلَةٍ أُخْرَى فَتَكُونُ اثْنَيْ عَشْرَ مَسْأَلَةً تَأَمَّلْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 40 وَيَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ إنْ هَلَكَ وَفِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ أَنَّهُ إذَا أَمْسَكَهُ بَعْدَ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْعَيْبِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الرَّدِّ كَانَ رِضًا وَهُوَ غَرِيبٌ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي الْخَامِسُ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ فَأَعْلَمَ الْقَاضِيَ بِرَهْنٍ عَلَى الشِّرَاءِ وَالْعَيْبِ فَوَضَعَهَا الْقَاضِي عِنْدَ عَدْلٍ وَمَاتَتْ عِنْدَهُ ثُمَّ حَضَرَ الْبَائِعُ إنْ كَانَ لَمْ يَقْضِ بِالرَّدِّ عَلَى الْغَائِبِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ وَإِنْ كَانَ قَضَى رَجَعَ لِأَنَّ لِلْقَضَاءِ نَفَاذًا فِي الْأَظْهَرِ عَنْ أَصْحَابِنَا وَفِي السِّيَرِ اشْتَرَى دَابَّةً فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَخَرَجَ عَلَيْهَا غَازِيًا وَاطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ بِغِيبَةِ الْبَائِعِ لَا يَرْكَبُهَا وَإِنْ فِي دَارِ الْحَرْبِ لِأَنَّهُ رِضًا وَإِنْ أَمَرَهُ الْإِمَامُ لَكِنْ إذَا قَضَى بِأَنَّ الرُّكُوبَ لَيْسَ بِرِضًا نَفَذَ وَأَمْضَاهُ الْقَاضِي الثَّانِي السَّادِسُ خَاصَمَ الْبَائِعُ فِي الْعَيْبِ ثُمَّ تَرَكَ الْخُصُومَةَ زَمَانًا وَزَعَمَ أَنَّ التَّرْكَ كَانَ لِيَنْظُرَ هَلْ هُوَ عَيْبٌ أَمْ لَا لَهُ الرَّدُّ السَّابِعُ أَقَرَّ الْمُشْتَرِي بَعْدَ مَا اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ أَوْ قَبْلَهُ أَنَّ الْمَبِيعَ كَانَ لِفُلَانٍ غَيْرِ الْبَائِعِ وَكَذَّبَهُ فُلَانٌ لَهُ الرَّدُّ عَلَى الْبَائِعِ وَتَمَامُ مَسَائِلِ الْإِقْرَارِ لِلْغَيْرِ بِالْمَبِيعِ مَذْكُورَةٌ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ الثَّامِنُ عَثَرَ عَلَى عَيْبٍ فَقَالَ لِلْبَائِعِ إنْ لَمْ أَرُدُّ إلَيْك الْيَوْمَ رَضِيَتْ بِهِ. قَالَ مُحَمَّدٌ الْقَوْلُ بَاطِلٌ وَلَهُ الرَّدُّ التَّاسِعُ قَالَ الْبَائِعُ رَكِبْتهَا بَعْدَ الْعُثُورِ عَلَى الْعَيْبِ فِي حَاجَتِك وَقَالَ الْمُشْتَرِي بَلْ رَكِبْتهَا لِأَرُدَّهَا عَلَيْك فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي الْعَاشِرُ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ قَبْلَ الْقَبْضِ فَقَالَ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعٍ رَدَّدْته عَلَيْك بَطَلَ الْبَيْعُ قَبْلَ الْبَائِعِ أَوْ لَا وَالْكُلُّ مِنْ الْبَزَّازِيَّةِ وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَإِنْ قَالَ ذَلِكَ بَعْدَ الْقَبْضِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ رَدًّا مَا لَمْ يَقُلْ الْبَائِعُ قَبِلْت أَوْ رَضِيت ثُمَّ إذَا رَدَّهُ بِرِضَا الْبَائِعِ كَانَ فَسْخًا فِي حَقِّهِمَا بَيْعًا فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا اهـ. وَإِنْ رَدَّهُ بِحُكْمٍ فَهُوَ فَسْخٌ عَامٌّ وَكَذَا كُلُّ عَقْدٍ يَنْفَسِخُ بِالرَّدِّ وَيَكُونُ الْمَرْدُودُ مَضْمُونًا بِمَا يُقَابِلُهُ كَذَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَفِي الْقُنْيَةِ اشْتَرَى حِمَارًا وَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا قَدِيمًا فَأَرَادَ الرَّدَّ فَصُولِحَ بَيْنَهُمَا بِدِينَارٍ وَأَخَذَهُ ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا قَدِيمًا آخَرَ فَلَهُ رَدُّهُ مَعَ الدِّينَارِ ثُمَّ رَقَمَ لِآخَرَ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ وَعَنْهُ أَنَّهُ يَرُدُّهُ اهـ. الْحَادِيَ عَشَرَ: بَاعَ بَعِيرًا فَوَجَدَهُ الْمُشْتَرِي مَعِيبًا فَرَدَّهُ فَقَالَ لَهُ الْبَائِعُ اذْهَبْ فَتَعَهَّدْهُ إلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ فَإِنْ بَرِئَ فَلَكَ الْبَعِيرُ وَإِنْ هَلَكَ فَمِنْ مَالِي لَا يَكُونُ رَدًّا كَذَا فِي الْقُنْيَةِ الثَّانِي عَشَرَ الْمُشْتَرِي إذَا رَدَّ الْمَبِيعَ بِالْعَيْبِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ عَلَى بَائِعِهِ إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ فِي الْقُنْيَةِ بَاعَ عَبْدًا وَسَلَّمَهُ ثُمَّ وَكَّلَ وَكِيلًا بِقَبْضِ الثَّمَنِ فَأَقَرَّ الْوَكِيلُ بِقَبْضِهِ وَهَلَاكِهِ وَجَحَدَ الْبَائِعُ الْمُوَكِّلَ بَرِئَ الْمُشْتَرِي وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْوَكِيلِ فَإِنْ وَجَدَ الْمُشْتَرِي بِهِ عَيْبًا رَدَّهُ وَلَا يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ لِإِقْرَارِ الْوَكِيلِ وَلَا عَلَى الْوَكِيلِ لِكَوْنِهِ أَمِينًا وَلَيْسَ بِعَاقِدٍ وَالثَّانِيَةُ فِي الْفَوَائِدِ. الثَّالِثَ عَشَرَ قَالَ الْبَائِعُ بِعْته لَك مَعِيبًا بِهَذَا الْعَيْبِ وَقَالَ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْته سَلِيمًا فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي ثُمَّ رَقَمَ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَحْكُمَ الثَّمَنُ يَعْنِي إنْ كَانَ الثَّمَنُ يَسِيرًا فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ وَإِلَّا فَلِلْمُشْتَرِي اهـ. الرَّابِعَ عَشَرَ: اشْتَرَى حِمَارًا بِثَلَاثَةِ دَنَانِيرَ ذَهَبٍ ثُمَّ أَعْطَاهُ عِوَضَهَا دَرَاهِمَ ثُمَّ رَدَّهُ بَعْدَ شَهْرٍ بِعَيْبٍ وَقَدْ انْتَقَضَ سِعْرُ الدَّرَاهِمِ فَلَهُ أَنْ يَطْلُبَ مِنْ الْبَائِعِ عَيْنَ الذَّهَبِ وَبِمِثْلِهِ أَجَابَ فِي الْإِقَالَةِ إلَّا إذَا دَفَعَ مَكَانَ الذَّهَبِ حِنْطَةً وَهِيَ وَمَا قَبْلَهَا فِي الْقُنْيَةِ الْخَامِسَ عَشَرَ الْمُوصَى لَهُ لَا يَمْلِكُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ إلَّا إذَا لَمْ يَكُنْ وَارِثٌ كَذَا فِي الصُّغْرَى. (قَوْلُهُ وَمَا أَوْجَبَ نُقْصَانَ الثَّمَنِ عِنْدَ التُّجَّارِ فَهُوَ عَيْبٌ) لِأَنَّ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ لِأَنَّ لِلْقَضَاءِ نَفَاذًا فِي الْأَظْهَرِ عَنْ أَصْحَابِنَا) تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ فِي كِتَابِ الْمَفْقُودِ وَيَأْتِي فِي الْقَضَاءِ (قَوْلُهُ وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَإِنْ قَالَ ذَلِكَ بَعْدَ الْقَبْضِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَقُولُ: عِبَارَةُ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَلَوْ رَدَّهُ بَعْدَ قَبْضِهِ لَا يَنْفَسِخُ إلَّا بِرِضَا الْبَائِعِ أَوْ بِحُكْمٍ اهـ. فَقَوْلُهُ إلَّا بِرِضَا الْبَائِعِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ وَجَدَ الرِّضَا بِالْفِعْلِ كَتَسَلُّمِهِ مِنْ الْمُشْتَرِي حِينَ طَلَبِهِ الرَّدَّ يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ وَقَدَّمَ فِي بَيْعِ التَّعَاطِي لَوْ رَدَّهَا بِخِيَارِ عَيْبٍ وَالْبَائِعُ مُتَيَقِّنٌ أَنَّهَا لَيْسَتْ لَهُ فَأَخَذَهَا وَرَضِيَ فَهِيَ بَيْعٌ بِالتَّعَاطِي كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِيهِ أَيْضًا أَنَّ الْمَعْنَى يَقُومُ مَقَامَ اللَّفْظِ فِي الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ وَمِنْ الْمُقَرَّرِ عِنْدَ هُمْ أَنَّ الرِّضَا يَثْبُتُ تَارَةً بِالْقَوْلِ وَتَارَةً بِغَيْرِهِ (قَوْلُهُ بَاعَ بَعِيرًا إلَخْ) . قَالَ الرَّمْلِيُّ يَكْثُرُ فِي بِلَادِنَا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ أَوْ ظَهَرَ غَبْنُهُ فِي الدَّابَّةِ يَأْتِي بِالْمَبِيعِ إلَى بَائِعِهِ وَيُدْخِلُهُ إلَى مَنْزِلِهِ وَيَقُولُ دُونَك دَابَّتُك لَا أُرِيدَهَا وَيَرْجِعُ فَتَهْلَكُ وَلَا شَكَّ أَنَّهَا تَهْلَكُ عَلَى الْمُشْتَرِي لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ رَدًّا وَلَوْ تَعَهَّدَهَا الْبَائِعُ حَيْثُ لَمْ يُوجَدْ بَيْنَهُمَا فَسْخٌ لِلْبَيْعِ قَوْلًا أَوْ فِعْلًا صَرِيحًا أَوْ دَلَالَةً (قَوْلُهُ الْخَامِسَ عَشَرَ الْمُوصَى لَهُ لَا يَمْلِكُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ إلَّا إذَا لَمْ يَكُنْ وَارِثٌ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَارِثًا بِالنَّصْبِ تَأَمَّلْ قَالَ الرَّمْلِيُّ وَقَدْ نَقَلَ بَعْضُهُمْ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة أَنَّ الْقَاضِيَ لَوْ بَاعَ مَالَ الصَّغِيرِ مِنْ رَجُلٍ وَسَلَّمَهُ إلَى الْمُشْتَرِي ثُمَّ وَجَدَ الْمُشْتَرِي عَيْبًا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ الْقَاضِي فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَكَذَلِكَ إذَا بَاعَ بَعْضُ أُمَنَاءِ الْقَاضِي مَالَ الصَّغِيرِ لَا سَبِيلَ لِلْمُشْتَرِي فِي الْخُصُومَةِ فِي الرَّدِّ عَلَى الْبَائِعِ فَإِنَّهُ نَائِبٌ عَنْ الْقَاضِي وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمَنُوبِ اهـ. فَهَذَا مِمَّا اسْتَثْنَى أَيْضًا وَلَمْ يَذْكُرْهُ هَذَا الشَّارِحُ فَتَأَمَّلْهُ اهـ. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي وَعَدَنَا بِهَا وَحَقُّهَا أَنْ تُكْتَبَ هُنَاكَ لَكِنَّهُ كَتَبَهَا هُنَا وَلَمْ يَذْكُرْ هَلْ لَهُ الرَّدُّ عَلَى الصَّغِيرِ إذَا كَبِرَ فَرَاجِعْهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 41 الْمَقْصُودَ نُقْصَانُ الْمَالِيَّةِ وَذَلِكَ بِانْتِقَاصِ الْقِيمَةِ وَالْمَرْجِعُ فِي مَعْرِفَتِهِ عُرْفُ أَهْلِهِ وَهُمْ التُّجَّارُ أَوْ أَرْبَابُ الصَّنَائِعِ إنْ كَانَ الْمَبِيعُ مِنْ الْمَصْنُوعَاتِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فَلَا يَقْتَصِرُ الْحُكْمُ عَلَى التُّجَّارِ أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ مَا إذَا كَانَ يَنْقُصُ الْعَيْنَ أَوْ لَا يَنْقُصُهَا وَلَا يَنْقُصُ مَنَافِعَهَا بَلْ مُجَرَّدُ النَّظَرِ إلَيْهَا كَالظُّفْرِ الْأَسْوَدِ الصَّحِيحِ الْقَوِيِّ عَلَى الْعَمَلِ وَكَمَا فِي جَارِيَةٍ تُرْكِيَّةٍ لَا تَعْرِفُ لِسَانَ التُّرْكِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقَيَّدَ فِي الْمِعْرَاجِ الظُّفْرَ الْأَسْوَدَ لِكَوْنِهِ عَيْبًا بِالْأَتْرَاكِ أَمَّا فِي الْحَبَشِ فَلَا وَقَيَّدَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ عَدَمَ مَعْرِفَةِ اللِّسَانِ بِأَنْ يَعُدَّهُ أَهْلُ الْخِبْرَةِ عَيْبًا وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْمُوَلَّدِ لَا يَكُونُ عَيْبًا وَالتُّجَّارُ بِضَمِّ التَّاءِ مَعَ التَّشْدِيدِ جَمْعُ تَاجِرٍ وَبِكَسْرِهَا مَعَ التَّخْفِيفِ وَلَا يَكَادُ يُوجَدُ تَاءٌ بَعْدَهَا جِيمٌ كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ وَالضَّابِطُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ يَرُدُّ بِكُلِّ مَا فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ مِنْ مُنْقِصِ الْقِيمَةِ أَوْ نُقْصَانٍ يَفُوتُ بِهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْغَالِبُ فِي أَمْثَالِ الْمَبِيعِ عَدَمَهُ قَالُوا وَإِنَّمَا شَرَطْنَا فَوَاتَ غَرَضٍ صَحِيحٍ لِأَنَّهُ لَوْ بَانَ فَوَاتُ قِطْعَةٍ يَسِيرَةٍ مِنْ فَخْذِهِ أَوْ سَاقِهِ لَا رَدَّ وَلَوْ قَطَعَ مِنْ أُذُنِ الشَّاةِ مَا يَمْنَعُ التَّضْحِيَةَ رَدَّهَا وَإِلَّا فَلَا وَشَرَطْنَا الْغَالِبَ لِأَنَّهُ لَا تُرَدُّ الْأَمَةُ إذَا كَانَتْ ثَيِّبًا مَعَ أَنَّ الثِّيَابَةَ مَعْنًى يُنْقِصُ الْقِيمَةَ لَكِنْ لَيْسَ الْغَالِبُ عَدَمِ الثِّيَابَةِ كَذَا فِي شَرْحِ وَجِيزِهِمْ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ وَقَوَاعِدِنَا لَا تَأْبَاهُ لِلْمُتَأَمِّلِ وَفِي خِزَانَةِ الْفِقْهِ الْعَيْبُ مَا نَقَصَ الْعَيْنَ أَوْ الْمَنْفَعَةَ وَإِلَّا فَإِنْ أَعَدَّهُ التُّجَّارُ عَيْبًا كَانَ عَيْبًا وَإِلَّا فَلَا وَهُوَ أَحْسَنُ مِمَّا فِي الْكِتَابِ وَذَكَرَهَا فِي التَّلْخِيصِ مِنْ بَابِ الْإِقْرَارِ بِالْعَيْبِ مِنْ الْبُيُوعِ وَحَاصِلُهَا أَنَّهُ أَرْبَعٌ لَا يَرُدُّهُ فِي مَسْأَلَتَيْنِ وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِهِ لِلْفَارِسِيِّ. (قَوْلُهُ كَالْإِبَاقِ) مِنْ أَبَقَ الْعَبْدُ أَبَقًا مِنْ بَابِ تَعِبَ وَقَتَلَ فِي لُغَةٍ وَالْأَكْثَرُ مِنْ بَابِ ضَرَبَ إذَا هَرَبَ مِنْ سَيِّدِهِ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا كَدٍّ وَالْإِبَاقُ بِالْكَسْرِ اسْمٌ مِنْهُ فَهُوَ آبِقٌ وَالْجَمْعُ أُبَّاقٍ مِثْلُ كَافِرٍ وَكُفَّارٍ كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ وَفِي الْجَوْهَرَةِ مِنْ بَابِهِ قَالَ الثَّعَالِبِيُّ الْآبِقُ الْهَارِبُ مِنْ غَيْرِ ظُلْمِ السَّيِّدِ فَإِنْ هَرَبَ مِنْ الظُّلْمِ لَا يُسَمَّى آبِقًا بَلْ يُسَمَّى هَارِبًا فَعَلَى هَذَا الْإِبَاقُ عَيْبٌ وَالْهُرُوبُ لَيْسَ بِعَيْبٍ. اهـ. وَفِي خِزَانَةِ الْفِقْهِ الْإِبَاقُ الِاسْتِخْفَاءُ عَنْ مَوْلَاهُ تَمَرُّدًا وَفِي الْقَامُوسِ أَنَّهُ مِنْ بَابِ ضَرَبَ وَمَنَعَ وَسَمِعَ اهـ. فَعَلَى هَذَا لَهُ أَبْوَابٌ أَرْبَعَةٌ، الثَّلَاثَةُ وَقَتَلَ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ فَسَّرَهُ فِي الْقَامُوسِ بِالذَّهَابِ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا كَدِّ عَمَلِهِ أَوْ اسْتَخْفَى ثُمَّ ذَهَبَ أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ مَا إذَا أَبَقَ مِنْ الْمَوْلَى أَوْ مِنْ غَيْرِهِ مُسْتَأْجَرًا أَوْ مُسْتَعِيرًا أَوْ مُودَعًا إلَّا مِنْ غَاصِبٍ إلَى الْمَوْلَى أَوْ غَيْرِهِ إنْ لَمْ يَعْرِفْ مَنْزِلَهُ أَوْ لَمْ يَقْوَ عَلَى الرُّجُوعِ إلَيْهِ وَيَرُدُّ عَلَى إطْلَاقِهِمْ مَا إذَا أَبَقَ مِنْ الْمُشْتَرِي إلَى الْبَائِعِ وَلَمْ يَخْتَفِ عِنْدَهُ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِعَيْبٍ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ وَشَمَلَ مَا إذَا كَانَ مَسِيرَةَ سَفَرٍ أَوْ أَقَلَّ وَمَا إذَا خَرَجَ مِنْ الْبَلَدِ أَوْ لَمْ يَخْرُجْ لَكِنَّ الْأَشْبَهَ أَنَّ الْبَلْدَةَ إذَا كَانَتْ كَبِيرَةً كَالْقَاهِرَةِ فَهُوَ عَيْبٌ وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً بِحَيْثُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ أَهْلُهَا وَبُيُوتُهَا لَا يَكُونُ عَيْبًا كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَشَمَلَ الصَّغِيرَ وَالْكَبِيرَ لَكِنْ إذَا كَانَ غَيْرَ مُمَيِّزٍ لَا يَكُونُ عَيْبًا وَالْعُذْرُ لَهُ أَنَّهُ يُسَمَّى ضَالًّا لَا آبِقًا كَمَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ فَلِذَا لَمْ يُقَيِّدْهُ وَسَيَأْتِي أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْمُعَاوَدَةِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَاتِّحَادِ السَّبَبِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ قَالَ لِآخَرَ اشْتَرِهِ لَا عَيْبَ فِيهِ فَاشْتَرَاهُ ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى بَائِعِهِ وَلَوْ قَالَ اشْتَرِ هَذَا الْعَبْدَ فَإِنَّهُ غَيْرُ آبِقٍ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا لَا يُرَدُّ بِعَيْبِ الْإِبَاقِ وَفِي الصُّغْرَى قَوْلُ الْمُشْتَرِي لَيْسَ بِهِ عَيْبٌ لَا يَكُونُ إقْرَارًا بِانْتِفَاءِ الْعُيُوبِ وَلَوْ عَيَّنَ فَقَالَ لَيْسَ بِآبِقٍ لَا يَكُونُ إقْرَارًا بِانْتِفَائِهِ شَهِدَا أَنَّهُ بَاعَهُ بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ أَوْ مِنْ الْإِبَاقِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ الشَّاهِدُ وَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا أَوْ قَالَ إنَّهُ آبِقٌ لَهُ الرَّدُّ عَبْدِي هَذَا آبِقٌ فَاشْتَرَاهُ وَبَاعَ مِنْ آخَرَ فَوَجَدَهُ الثَّانِي آبِقًا وَأَرَادَ الرَّدَّ بِإِقْرَارِ بَائِعِهِ لَا يُقْبَلُ وَإِنْ قَالَ عِنْدَ الْبَيْعِ بِعْته عَلَى أَنَّهُ آبِقٌ أَوْ عَلَى أَنَّهُ بَرِيءٌ مِنْ إبَاقِهِ يَرُدُّهُ وَلَوْ قَالَ إنَّهُ بَرِيءٌ مِنْ   [منحة الخالق] [مَا أَوْجَبَ نُقْصَانَ الثَّمَنِ عِنْدَ التُّجَّارِ فَهُوَ عَيْبٌ] (قَوْلُهُ وَذَلِكَ بِانْتِقَاصِ الْقِيمَةِ) يُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالثَّمَنِ الْقِيمَةُ يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا نَقَلَهُ عَنْ الْمُحِيطِ قُبَيْلَ التَّنْبِيهَاتِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْحَادِيَةَ عَشْرَ (قَوْلُهُ وَكَمَا فِي جَارِيَةٍ تُرْكِيَّةٍ لَا تَعْرِفُ التُّرْكِيَّةَ) أَيْ فَلَهُ الرَّدُّ لِأَنَّ ذَلِكَ عَيْبٌ وَإِذَا اشْتَرَى جَارِيَةً هِنْدِيَّةً فَوَجَدَهَا لَا تُحْسِنُ الْهِنْدِيَّةَ إذَا كَانَ النَّاسُ يُعِدُّونَهُ عَيْبًا فَلَهُ الرَّدُّ وَإِلَّا فَلَا كَذَا فِي النَّهْرِ عَنْ الْمُحِيطِ وَسَوَّى بَيْنَهُمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ فَقَالَ اشْتَرَى تُرْكِيَّةً أَوْ هِنْدِيَّةً لَا تُحْسِنُهَا إنْ عَدَّهُ أَهْلُ الْخِبْرَةِ عَيْبًا فَكَذَلِكَ وَإِلَّا لَا (قَوْلُهُ وَقَيَّدَ فِي الْمِعْرَاجِ الظَّفَرُ الْأَسْوَدُ إلَخْ) . قَالَ فِي النَّهْرِ وَالظَّاهِرُ إطْلَاقُ مَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَهُوَ أَحْسَنُ مِمَّا فِي الْكِتَابِ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَكَانَ وَجْهُهُ أَنَّ نُقْصَانَ الثَّمَنِ بِسَبَبِ نَقْصِ الْعَيْنِ أَوْ الْمَنْفَعَةِ مِمَّا يَعْرِفُهُ كُلُّ أَحَدٍ لَا أَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِالتُّجَّارِ كَمَا يُوهِمُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ وَيَرُدُّ عَلَى إطْلَاقِهِمْ مَا إذَا أَبَقَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ يُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْإِبَاقِ الَّذِي يُوجِبُ نَقْصَ الثَّمَنِ عِنْدَ التُّجَّارِ لِيَصِحَّ كَوْنُهُ جُزْئِيًّا مِنْ هَذَا الْكُلِّيِّ وَهَذَا لَا يُوجِبُهُ (قَوْلُهُ قَالَ لِآخَرَ اشْتَرِهِ لَا عَيْبَ فِيهِ فَاشْتَرَاهُ إلَخْ) أَيْ الْقَائِلُ لِآخَرَ اشْتَرِهِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِ الْفَتَاوَى الصُّغْرَى الْآتِي (قَوْلُهُ وَلَوْ عَيَّنَ فَقَالَ لَيْسَ بِآبِقٍ لَا يَكُونُ إقْرَارًا) كَذَا فِيمَا رَأَيْنَا مِنْ النُّسَخِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ لَفْظَةَ لَا النَّافِيَةَ زَائِدَةٌ مِنْ النُّسَّاخِ فَالصَّوَابُ إسْقَاطُهَا كَمَا رَأَيْته فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَكَذَا سَيَذْكُرُهُ الْمُؤَلِّفُ آخِرَ الْبَابِ (قَوْلُهُ أَوْ قَالَ إنَّهُ آبِقٌ لَهُ الرَّدُّ) الَّذِي رَأَيْته الجزء: 6 ¦ الصفحة: 42 الْإِبَاقِ لَا لِعَدَمِ الْإِضَافَةِ اهـ. وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَلَوْ شَرَاهُ وَأَبَقَ مِنْ عِنْدَهُ وَكَانَ أَبَقَ عِنْدَ الْبَائِعِ لَا يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ مَا دَامَ الْقِنُّ حَيًّا آبِقًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَكَذَا لَوْ سُرِقَ الْمَبِيعُ فَعَلِمَ بِعَيْبِهِ لَا يَرْجِعُ بِنَقْصِهِ لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَطْلُبَ الْبَائِعَ بِثَمَنِهِ قَبْلَ عَوْدِ الْآبِقِ. اهـ. وَفِي الصُّغْرَى قَبْلَ عَوْدِهِ أَوْ مَوْتِهِ وَشَمَلَ إطْلَاقُهُ أَيْضًا إبَاقَ الثَّوْرِ وَلَكِنْ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ فِي الْقُنْيَةِ قِيلَ إذَا أَبَقَ الثَّوْرُ مِنْ قَرْيَةِ الْمُشْتَرِي إلَى قَرْيَةِ الْبَائِعِ لَا يَكُونُ عَيْبًا وَقِيلَ فِي الْغُلَامِ عَيْبٌ وَقِيلَ فِي الثَّوْرِ عَيْبٌ كَخَلْعِ الرَّسَنِ عَيْبٌ فَهَذَا أَوْلَى وَقِيلَ إنْ دَامَ فَعَيْبٌ أَمَّا الْمَرَّتَانِ وَالثَّلَاثَةُ فَلَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَالثَّانِي أَحْسَنُ وَفِيهَا أَيْضًا اشْتَرَى عَبْدًا فَأَبَقَ ثُمَّ وَجَدَهُ وَلَمْ يَأْبَقْ عِنْدَ بَائِعِهِ بَلْ أَبَقَ عِنْدَ بَائِعِ بَائِعِهِ فَلَهُ الرَّدُّ اهـ. (قَوْلُهُ وَالْبَوْلُ فِي الْفِرَاشِ مِنْ الْعُيُوبِ) أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ الْكَبِيرَ وَالصَّغِيرَ وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ غَيْرُ الْمُمَيِّزِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ عَيْبًا وَلَا بُدَّ مِنْ مُعَاوَدَتِهِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنْ بَالَ فِي الصِّغَرِ عِنْدَ الْبَائِعِ ثُمَّ بَعْدَ الْبُلُوغِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي لَا يَرُدُّهُ لِأَنَّهُ فِي الصِّغَرِ لِضَعْفِ الْمَثَانَةِ وَبَعْدَ الْبُلُوغِ لِدَاءٍ فِي بَاطِنِهِ فَهُوَ عَيْبٌ حَادِثٌ بِخِلَافِ مَا إذَا بَالَ عِنْدَ هُمَا فِي الصِّغَرِ أَوْ فِي الْكِبَرِ لِاتِّحَادِ السَّبَبِ. وَفِي الْفَوَائِدِ الظَّهِرِيَّةِ هُنَا مَسْأَلَةٌ عَجِيبَةٌ هِيَ أَنَّ مَنْ اشْتَرَى عَبْدًا صَغِيرًا فَوَجَدَهُ يَبُولُ فِي الْفِرَاشِ كَانَ لَهُ الرَّدُّ وَلَوْ تَعَيَّبَ بِعَيْبٍ آخَرَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ فَإِذَا رَجَعَ بِهِ ثُمَّ كَبِرَ الْعَبْدُ هَلْ لِلْبَائِعِ أَنْ يَسْتَرِدَّ النُّقْصَانَ لِزَوَالِ ذَلِكَ الْعَيْبِ بِالْبُلُوغِ لَا رِوَايَةَ فِيهَا قَالَ وَكَانَ وَالِدِي يَقُولُ يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَرِدَّ اسْتِدْلَالًا بِمَسْأَلَتَيْنِ إحْدَاهُمَا إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً فَوَجَدَهَا ذَاتَ زَوْجٍ كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا وَلَوْ تَعَيَّبَتْ بِعَيْبٍ آخَرَ يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ فَإِذَا رَجَعَ ثُمَّ أَبَانَهَا الزَّوْجُ كَانَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَسْتَرِدَّ النُّقْصَانَ الثَّانِيَةُ اشْتَرَى عَبْدًا فَوَجَدَهُ مَرِيضًا لَهُ الرَّدُّ فَإِذَا تَعَيَّبَ بِعَيْبٍ آخَرَ رَجَعَ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ فَإِذَا رَجَعَ ثُمَّ بَرِئَ بِالْمُدَاوَاةِ لَا يَسْتَرِدُّ وَإِلَّا اسْتَرَدَّ وَالْبُلُوغُ هُنَا لَا بِالْمُدَاوَاةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَرِدَّ. كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ وَالنِّهَايَةِ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ اشْتَرَى جَارِيَةً وَادَّعَى أَنَّهَا لَا تَحِيضُ وَاسْتَرَدَّ بَعْضَ الثَّمَنِ ثُمَّ حَاضَتْ قَالُوا إنْ كَانَ الْبَائِعُ أَعْطَاهُ عَلَى وَجْهِ الصُّلْحِ عَنْ الْعَيْبِ كَانَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَسْتَرِدَّ ذَلِكَ وَفِيهَا أَيْضًا اشْتَرَى عَبْدًا فَقَبَضَهُ وَحُمَّ عِنْدَهُ وَكَانَ يُحَمُّ عِنْدَ الْبَائِعِ. قَالَ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْمَسْأَلَةُ مَحْفُوظَةٌ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ إنْ حُمَّ فِي الْوَقْتِ الَّذِي كَانَ يُحَمُّ عِنْدَ الْبَائِعِ كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ أَوْ فِي غَيْرِهِ فَلَا قَبْلَ لَهُ فَلَوْ اشْتَرَى أَرْضًا فَنَزَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَقَدْ كَانَتْ تَنِزُّ عِنْدَ الْبَائِعِ كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ لِأَنَّ سَبَبَ النَّزِّ وَاحِدٌ وَهُوَ تَسَفُّلُ الْأَرْضِ وَقُرْبُ الْمَاءِ إلَّا أَنْ يَجِيءَ مَاءٌ غَالِبٌ أَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي رَفَعَ مِنْ تُرَابِهَا فَيَكُونُ النَّزُّ غَيْرَ ذَلِكَ أَوْ يَشْتَبِهُ فَلَا يَدْرِي أَنَّهُ عَيْنُهُ أَوْ غَيْرُهُ. قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ يُشْكِلُ مَا فِي الزِّيَادَاتِ اشْتَرَى جَارِيَةً بَيْضَاءَ إحْدَى الْعَيْنَيْنِ وَلَا يَعْلَمُ ذَلِكَ فَانْجَلَى الْبَيَاضُ عِنْدَهُ ثُمَّ عَادَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ وَجَعَلَ الثَّانِي غَيْرَ الْأَوَّلِ وَلَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً بَيْضَاءَ إحْدَى الْعَيْنَيْنِ وَهُوَ يَعْلَمُ بِذَلِكَ فَلَمْ يَقْبِضْهَا حَتَّى انْجَلَى ثُمَّ عَادَ عِنْدَ الْبَائِعِ لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي الرَّدُّ وَجَعَلَ الثَّانِي عَيْنَ الْأَوَّلِ الَّذِي رَضِيَ بِهِ إذَا كَانَ الثَّانِي عِنْدَ الْبَائِعِ وَلَمْ يَجْعَلْهُ عَيْنَهُ إذَا عَادَ الْبَيَاضُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَقَالَ لَا يَرُدُّهُ ثُمَّ قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ كُنْت أُشَاوِرُ شَمْسَ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيَّ وَهُوَ يُشَاوِرُنِي فِيمَا كَانَ مُشْكِلًا إذَا اجْتَمَعْنَا فَشَاوَرْته فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَمَا اسْتَفَدْت مِنْهُ فُرِّقَا. كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فَالْحَاصِلُ لَيْسَ لَهُ الرَّدُّ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ لَكِنْ فِي الْأُولَى لِجَعْلِهِ غَيْرَ الْأَوَّلِ إذْ لَوْ كَانَ عَيْنُهُ لِمِلْكِ الرَّدِّ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِهِ وَفِي الثَّانِيَةِ لِجَعْلِهِ عَيْنَ الْأَوَّلِ إذْ لَوْ كَانَ غَيْرُهُ لِمِلْكِ الرَّدِّ لِكَوْنِهِ لَمْ يَرْضَ بِهِ وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ شَرَاهُ فَوَجَدَهُ يَبُولُ فِي الْفِرَاشِ يَضَعُهُ الْقَاضِي عِنْدَ عَدْلٍ يَنْظُرُ فِيهِ وَفِي الْوَاقِعَاتِ الْحُسَامِيَّةِ اشْتَرَى جَارِيَةً فَوَجَدَ فِي إحْدَى عَيْنَيْهَا بَيَاضًا فَانْجَلَى الْبَيَاضُ فَقَبَضَ الْمُشْتَرِي وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِذَلِكَ ثُمَّ عَلِمَ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّ فَرَّقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا إذَا قَبَضَ وَفِي إحْدَى عَيْنَيْهَا بَيَاضٌ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ ثُمَّ انْجَلَى الْبَيَاضُ ثُمَّ عَادَ لَيْسَ   [منحة الخالق] فِي الْبَزَّازِيَّةِ لَيْسَ لَهُ الرَّدُّ (قَوْلُهُ فَشَاوَرْته فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَمَا اسْتَفَدْت مِنْهُ فُرِّقَا) قَالَ فِي النَّهْرِ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ يُلْتَزَمُ أَنَّ الثَّانِيَ غَيْرُ الْأَوَّلِ وَإِنَّمَا لَا يَرُدُّ إذَا عَادَ عِنْدَ الْبَائِعِ لِأَنَّ الْمُشْتَرِي رَضِيَ بِهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي حَيْثُ لَمْ يَزِدْ وَلَمْ يَنْتَقِلْ إلَى مَكَان آخَرَ عَلَى أَنَّ كَوْنَهُ لَا يُرَدُّ فِيمَا إذَا انْجَلَى ثُمَّ عَادَ فِي يَدِ الْبَائِعِ لَيْسَ قَدْرًا مُتَّفَقًا عَلَيْهِ بَلْ الْمَذْكُورُ فِي الْوَاقِعَاتِ الْحُسَامِيَّةِ أَنَّهُ يَرُدُّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 43 لَهُ أَنْ يَرُدَّ. وَالْفَرْقُ أَنَّ الْبَيَاضَ الثَّانِي غَيْرُ الْأَوَّلِ حَقِيقَةً إلَّا أَنَّ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى الثَّانِي حَدَثَ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَيُوجِبُ الرَّدَّ وَفِي الثَّانِيَةِ الْبَيَاضُ الثَّانِي حَدَثَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَلَا يُوجِبُ الرَّدَّ اهـ. وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنْ لَا إشْكَالَ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْمُشَاوَرَةِ نَعَمْ عَلَى مَا نَقَلَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ امْتِنَاعِ الرَّدِّ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ مُشْكِلٌ. (قَوْلُهُ وَالسَّرِقَةُ مِنْ الْعُيُوبِ فِي الْعَبْدِ وَالْجَارِيَةِ) أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ الصَّغِيرَ وَالْكَبِيرَ إلَّا الَّذِي لَا يُمَيِّزُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْإِبَاقِ وَالْبَوْلِ فِي الْفِرَاشِ فَالثَّلَاثَةُ مِنْ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ لَيْسَتْ عَيْبًا وَفَسَّرَ فِي الْمِعْرَاجِ الْمُمَيِّزَ هُنَا بِأَنْ يَأْكُلَ وَحْدَهُ وَيَشْرَبَ وَحْدَهُ وَيَسْتَنْجِيَ وَحْدَهُ وَقَدَّرَهُ بَعْضُهُمْ بِخَمْسِ سِنِينَ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ أَيْضًا وَلَا بُدَّ مِنْ الْمُعَاوَدَةِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ فَلَا بُدَّ مِنْ السَّرِقَةِ عِنْدَهُمَا فِي الصِّغَرِ أَوْ بَعْدَ الْبُلُوغِ فَإِنْ سَرَقَ عِنْدَ الْبَائِعِ فِي صِغَرِهِ ثُمَّ عِنْدَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ بُلُوغِهِ لَا يَرُدُّهُ لِحُدُوثِ الْعَيْبِ لِأَنَّ فِي الصِّغَرِ لِقِلَّةِ الْمُبَالَاةِ وَفِي الْكِبَرِ لِخُبْثٍ فِي الْبَاطِنِ وَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ لَا تُقْطَعَ يَدُهُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَلِذَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ اشْتَرَى عَبْدًا فَسَرَقَ عِنْدَهُ وَقَدْ كَانَ سَرَقَ عِنْدَ الْبَائِعِ فَقُطِعَتْ يَدُهُ بِالسَّرِقَتَيْنِ يَرْجِعُ بِرُبْعِ الثَّمَنِ لِأَنَّ الْيَدَ قُطِعَتْ بِالسَّرِقَتَيْنِ جَمِيعًا. اهـ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ الْمُحَاضِرِ أَنَّ الطَّرَّارَ وَالنَّبَّاشَ وَقَاطِعَ الطَّرِيقِ كَالسَّارِقِ عَيْبٌ فِي الْعَبْدِ وَفِي الْبَدَائِعِ أَنَّ الْعَبْدَ إذَا زَنَى فَحَدٌّ فَإِنَّهُ يَكُونُ عَيْبًا أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ مَا إذَا سَرَقَ مِنْ الْمَوْلَى أَوْ مِنْ غَيْرِهِ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا وَيَرُدُّ عَلَيْهِ مَسْأَلَتَانِ الْأُولَى مَا إذَا سَرَقَ مِنْ الْمَوْلَى طَعَامًا لِيَأْكُلَهُ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ عَيْبًا بِخِلَافِ مَا إذَا سَرَقَهُ لِيَبِيعَهُ أَوْ سَرَقَهُ مِنْ غَيْرِ الْمَوْلَى لِيَأْكُلَهُ فَإِنَّهُ عَيْبٌ فِيهِمَا وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ إذَا سَرَقَ طَعَامًا لَا لِلْأَكْلِ بَلْ لِيَبِيعَهُ وَنَحْوَهُ فَعَيْبٌ مُطْلَقًا وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْإِهْدَاءَ كَالْبَيْعِ الثَّانِيَةُ مَا إذَا سَرَقَ فَلْسًا أَوْ فَلْسَيْنِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ عَيْبًا وَقَدْ جَزَمَ بِهِ الشَّارِحُ وَظَاهِرُ مَا فِي الْمِعْرَاجِ أَنَّهَا قُوَيْلَةٌ وَأَنَّ الْمَذْهَبَ الْإِطْلَاقُ وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ مَا دُونَ الدِّرْهَمِ كَذَلِكَ كَمَا ذَكَرَهُ فِيهِ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَإِذَا نَقَّبَ الْبَيْتَ وَلَمْ يَخْتَلِسْ فَهُوَ عَيْبٌ وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ لَوْ سَرَقَ بَصَلًا أَوْ بِطِّيخًا مِنْ الْغَالِّينَ أَوْ فَلْسًا كَمَا تَسْرِقُ التَّلَامِذَةَ لَمْ يَكُنْ عَيْبًا وَلَوْ سَرَقَ بِطِّيخًا مِنْ فَالِيزِ الْأَجْنَبِيِّ فَهُوَ عَيْبٌ هُوَ الْمُخْتَارُ وَإِنْ سَرَقَ لِلْإِدْخَارِ فَهُوَ عَيْبٌ مُطْلَقًا اهـ. (قَوْلُهُ وَالْجُنُونُ) لِمَا ذَكَرْنَا وَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ وُجُودِهِ عِنْدَ الْبَائِعِ ثُمَّ عِنْدَ الْمُشْتَرِي كَذَلِكَ كَمَا لَا يَخْفَى سَوَاءٌ اتَّحَدَتْ الْحَالَةُ أَوْ لَا فَلَوْ جُنَّ عِنْدَ الْبَائِعِ فِي صِغَرِهِ ثُمَّ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فِي صِغَرِهِ أَوْ بَعْدَ بُلُوغِهِ فَهُوَ عَيْبٌ لِكَوْنِهِ عَيْنَ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ عَنْ فَسَادٍ فِي الْبَاطِنِ وَلَا يَخْتَلِفُ سَبَبُهُ بِالصِّغَرِ وَالْكِبَرِ كَمَا فِي الْعُيُوبِ الثَّلَاثَةِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ عَيْبٌ أَبَدًا وَلَيْسَ مَعْنَاهُ عَدَمَ اشْتِرَاطِ الْعَوْدِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى إزَالَتِهِ وَإِنْ كَانَ قَلَّ مَا يَزُولُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْأَصْلِ وَالْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَبِهِ أَخَذَ الطَّحَاوِيُّ وَلَكِنْ مَيْلُ الْحَلْوَانِيِّ وخواهر زاده إلَى ظَاهِرِ كَلَامِ مُحَمَّدٍ مِنْ عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْعَوْدِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي لِلْحَدِيثِ «مَنْ جُنَّ سَاعَةً لَمْ يُفِقْ أَبَدًا» وَقَالَ الْإِسْبِيجَابِيُّ ظَاهِرُ الْجَوَابِ عَدَمُ اشْتِرَاطِ الْمُعَاوَدَةِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَقِيلَ تُشْتَرَطُ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقِيلَ تُشْتَرَطُ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ الْمَشَايِخِ كَذَا فِي عَامَّةِ الرِّوَايَاتِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَشَايِخَ اخْتَلَفُوا فِيهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ فَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ كَالْإِبَاقِ وَالْبَوْلِ فِي الْفِرَاشِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْمُعَاوَدَةِ وَاتِّحَادِ السَّبَبِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ الْإِسْكَافِ الْبَلْخِيّ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مَعْزِيًّا إلَى أَبِي الْمُعِينِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ نَظَرًا إلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إنَّ الْجُنُونَ عَيْبٌ لَازِمٌ أَبَدًا فَإِذَا جُنَّ فِي يَدِ الْبَائِعِ كَفَى لِلرَّدِّ وَاخْتَارَهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَالْحَلْوَانِيِّ وخواهر زاده كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ عَلَى اشْتِرَاطِ الْعَوْدِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَإِنْ لَمْ يَتَّحِدْ السَّبَبُ وَاخْتَارَهُ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَقَاضِي خَانْ وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَصَحَّحُوهُ وَحَكَمُوا بِغَلَطِ مَا عَدَاهُ وَفِي التَّلْوِيحِ الْجُنُونُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنْ لَا إشْكَالَ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْمُشَاوَرَةِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ هَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى ذِي تَأَمُّلٍ لِأَنَّ مَسْأَلَةَ فَتْحِ الْقَدِيرِ مُصَوَّرَةٌ بِمَا إذَا عَلِمَ الْمُشْتَرِي بِالْعَيْبِ حَالَ الشِّرَاءِ ثُمَّ زَالَ عِنْدَ الْبَائِعِ ثُمَّ عَادَ عِنْدَهُ أَيْضًا وَمَسْأَلَةُ الْوَاقِعَاتِ الْحُسَامِيَّةِ مُصَوَّرَةٌ بِمَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي بِالْعَيْبِ حَالَ الشِّرَاءِ ثُمَّ زَالَ عِنْدَ الْبَائِعِ ثُمَّ عَادَ عِنْدَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ ثُمَّ عَلِمَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ ذَلِكَ وَفِي هَذِهِ لَهُ الرَّدُّ بَلْ شُبْهَةٌ سَوَاءٌ جَعَلَ الثَّانِيَ عَيْنَ الْأَوَّلِ أَوْ غَيْرَهُ لِأَنَّ الْعَيْبَ الَّذِي لَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْمُشْتَرِي يَثْبُتُ بِهِ الرَّدُّ سَوَاءٌ كَانَ مَوْجُودًا حَالَ الْبَيْعِ أَوْ حَدَثَ بَعْدَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَهَذِهِ غَيْرُ مَسْأَلَةِ فَتْحِ الْقَدِيرِ فَالْإِشْكَالُ بَاقٍ فَتَأَمَّلْهُ. كَذَا وَجَدَ بِخَطِّ بَعْضِهِمْ كَتَبَ عَلَيْهِ شَيْخُ الْإِسْلَامِ مُحَمَّدٌ الْغَزِّيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَقُولُ: لَمْ يَدَّعِ الشَّارِحُ أَنَّ مَسْأَلَةَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 44 اخْتِلَالُ الْقُوَّةِ الْمُمَيِّزَةِ بَيْنَ الْأَشْيَاءِ الْحَسَنَةِ وَالْقَبِيحَةِ الْمُدْرِكَةِ لِلْعَوَاقِبِ اهـ. وَالْأَخْصَرُ اخْتِلَالُ الْقُوَّةِ الَّتِي بِهَا إدْرَاكُ الْكُلِّيَّاتِ وَبِهِ يُعْلَمُ تَعْرِيفُ الْعَقْلِ مِنْ أَنَّهُ الْقُوَّةُ الَّتِي بِهَا ذَلِكَ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الِاخْتِلَافَ لَا يَخُصُّ الْجُنُونَ فَقَدْ نُقِلَ فِي الْبَدَائِعِ عَنْ بَعْضِ الْمَشَايِخِ أَنَّ الْبَوْلَ فِي الْفِرَاشِ وَالْإِبَاقِ وَالسَّرِقَةِ وَالْجُنُونُ لَا يَشْتَرِطُ مُعَاوَدَةَ ذَلِكَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَوُجُودُهَا عِنْدَ الْبَائِعِ يَكْفِي لِلرَّدِّ وَالْعَامَّةُ عَلَى خِلَافِهِ وَفِي الْمُحِيطِ تَكَلَّمُوا فِي مِقْدَارِ الْجُنُونِ قِيلَ سَاعَةٌ عَيْبٌ وَقِيلَ أَكْثَرُ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَقِيلَ الْمُطْبَقُ دُونَ غَيْرِهِ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ وَالْمُطْبَقُ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَالْأَصْلُ أَنَّ الْمُعَاوَدَةَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْوُجُودِ عِنْدَ الْبَائِعِ شَرْطٌ لِلرَّدِّ إلَّا فِي مَسَائِلَ الْأُولَى زِنَا الْجَارِيَةِ وَالثَّانِيَةُ التَّوَلُّدُ مِنْ الزِّنَا الثَّالِثَةُ وِلَادَةُ الْجَارِيَةِ عِنْدَ الْبَائِعِ أَوْ غَيْرِهِ فَإِنَّهَا عَيْبٌ تُرَدُّ بِهِ عَلَى رِوَايَةِ كِتَابِ الْمُضَارَبَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَإِنْ لَمْ تَلِدْ ثَانِيًا عِنْدَ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْوِلَادَةَ عَيْبٌ لَازِمٌ لِأَنَّ الضَّعْفَ الَّذِي حَصَلَ بِهَا لَا يَزُولُ أَبَدًا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَفِي رِوَايَةِ كِتَابِ الْبُيُوعِ لَا تُرَدُّ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي الصِّحَاحِ جُنَّ الرَّجُلُ جُنُونًا وَأَجَنَّهُ اللَّهُ تَعَالَى فَهُوَ مَجْنُونٌ وَلَا يُقَالُ مَجَنُ وَقَوْلُهُمْ فِي الْمَجْنُونِ مَا أَجَنَّهُ شَاذٌّ لَا يُقَاسُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ فِي مَضْرُوبٍ مَا أَضْرَبَهُ وَلَا فِي الْمَسْلُولِ مَا أَسَلَّهُ اهـ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْحُمْقُ عَيْبٌ وَفَسَّرَهُ فِي الْمُغْرِبِ بِنُقْصَانِ الْعَقْلِ (قَوْلُهُ وَالْبَخَرُ وَالدَّفْرُ وَالزِّنَا وَوَلَدُهُ فِي الْجَارِيَةِ) أَيْ عَيْبٌ فِيهَا لَا فِي الْغُلَامِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ قَدْ يَكُونُ الِاسْتِفْرَاشَ وَهَذِهِ تُخِلُّ بِهِ وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْغُلَامِ الِاسْتِخْدَامُ وَلَا يُخِلُّ بِهِ إلَّا إذَا كَانَ الْبَخَرُ وَالدَّفْرُ فَاحِشًا بِأَنْ كَانَ عَنْ دَاءٍ بِحَيْثُ يَمْنَعُهُ عَنْ قُرْبِ سَيِّدِهِ لِأَنَّ الدَّاءَ عَيْبٌ وَأَنْ يَكُونَ الزِّنَا عَادَةً لَهُ لِأَنَّ اتِّبَاعَهُنَّ يُخِلُّ بِالْخِدْمَةِ وَهُوَ أَنْ يَتَكَرَّرَ مِنْهُ الزِّنَا أَكْثَرَ مِنْ مَرَّتَيْنِ وَأَشَارَ بِكَوْنِ الزِّنَا لَيْسَ عَيْبًا فِيهِ الدَّالُّ عَلَى الْقُوَّةِ إلَى أَنَّهُ لَوْ وَجَدَهُ عِنِّينًا فَلَهُ الرَّدُّ كَمَا فِي الْبِنَايَةِ وَالْبَخَرُ بِالْبَاءِ الْمَفْتُوحَةِ وَالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ الْمَفْتُوحَةِ الْفَوْقِيَّةِ مِنْ بَخِرَ الْفَمُ بَخَرًا مِنْ بَابِ تَعِبَ أَنْتَنَتْ رِيحُهُ فَالذَّكَرُ أَبْخَرُ وَالْأُنْثَى بَخْرَاءُ وَالْجَمْعُ بُخْرٌ مِثْلُ أَحْمَرُ وَحَمْرَاءُ وَحُمْرٌ. كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ وَالْبَخَرُ الَّذِي هُوَ عَيْبٌ هُوَ النَّاشِئُ مِنْ تَغَيُّرِ الْمَعِدَةِ دُونَ مَا يَكُونُ يَفْلُجُ بِالْأَسْنَانِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَزُولُ بِتَنْظِيفِهَا كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي الْمُسْتَظْرَفِ يُقَالُ إنَّ الْبَخَرَ يَحْصُلُ مِنْ طُولِ انْطِبَاقِ الْفَمِ وَكُلُّ رَطْبِ الْفَمِ سَائِلُ اللُّعَابِ سَالِمٌ مِنْهُ وَفِيهِ كَانَ يُقَالُ لَا ابْتَلَاكَ اللَّهُ بِبَخَرِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ وَلَا بِصَمَمِ ابْنِ سِيرِينَ وَلَا بِعَمَى حَسَّانَ وَحُكِيَ أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ أَكَلَ مِنْ تُفَّاحَةٍ ثُمَّ رَمَاهَا إلَى زَوْجَتِهِ فَتَنَاوَلَتْ السِّكِّينَ فَسَأَلَهَا فَقَالَتْ لِأُزِيلَ الْأَذَى عَنْهَا فَغَضِبَ وَطَلَّقَهَا وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِالْخَاءِ الْفَوْقِيَّةِ احْتِرَازًا عَنْ الْبَجْرِ بِالْجِيمِ فَإِنَّهُ عَيْبٌ فِيهِمَا وَهُوَ انْتِفَاخُ مَا تَحْتَ السُّرَّةِ وَبِهِ سُمِّيَ بَعْضُ النَّاسِ أَبْجَرُ كَذَا فِي النِّهَايَةِ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَمْرَدِ وَغَيْرِهِ فِي الْبَخَرِ مِنْ كَوْنِهِ لَيْسَ بِعَيْبٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقِيلَ الْأَمْرَدُ كَالْجَارِيَةِ وَأَمَّا الدَّفْرُ فَهُوَ نَتِنُ رِيحِ الْإِبْطِ وَهُوَ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ الْمَفْتُوحَةِ وَالْفَاءِ الْمَفْتُوحَةِ يُقَالُ دَفْرُ الشَّيْءِ دَفْرًا فَهُوَ دَافِرٌ مِنْ بَابِ تَعِبَ أَنْتَنَتْ رِيحُهُ وَأَدْفَرَ بِالْأَلِفِ لُغَةٌ وَالدَّفْرُ وَزَانٍ فَلَيْسَ اسْمٌ مِنْهُ يُقَالُ فِيهِ دَفْرٌ أَيْ نَتِنٌ وَيُقَالُ لِلْجَارِيَةِ إذَا شُتِمَتْ يَا دَفَارُ أَيْ مُنْتِنَةُ الرِّيحِ كِنَايَةً عَنْ خُبْثِ الْخَبَرِ وَالْمُخْبِرُ كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ وَأَمَّا الذَّفَرُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ فَهُوَ مِنْ ذَفِرَ الشَّيْءُ ذَفَرًا فَهُوَ ذَفْرٌ مِنْ بَابِ تَعِبَ وَامْرَأَةُ ذَفْرَةٌ ظَهَرَتْ رَائِحَتُهَا وَاشْتَدَّتْ طَيِّبَةً كَانَتْ كَالْمِسْكِ أَوْ كَرِيهَةً كَالصُّنَانِ قَالُوا وَلَا يَسْكُنُ الْمَصْدَرُ إلَّا لِلْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ إذَا دَخَلَهَا هَاءُ التَّأْنِيثِ فَيُقَالُ ذَفْرَةٌ. وَقَالَتْ أَعْرَابِيَّةٌ تَهْجُو شَيْخًا أَدْبَرَ دَفْرُهُ وَأَقْبَلَ بَخَرُهُ كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ نَتِنُ رِيحِ الْفَمِ وَالْأَنْفِ وَالْإِبْطِ عَيْبٌ اهـ. وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَوَلَدُهُ التَّوَلُّدُ مِنْ الزِّنَا وَلَوْ عَبَّرَ بِهِ كَمَا فِي الْإِصْلَاحِ لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّ نَفْسَ وَلَدِ الزِّنَا لَيْسَ بِعَيْبٍ إنَّمَا الْعَيْبُ التَّوَلُّدُ مِنْهُ وَأَمَّا الْوَلَدُ فَعَيْبٌ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَدَّرَ كَوْنٌ أَيْ كَوْنُهَا وَلَدَ الزِّنَا عَيْبٌ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ اللِّوَاطَةَ بِالْجَارِيَةِ وَالْغُلَامِ فَإِنَّ فِي الْقُنْيَةِ وَجَامِعِ الْفُصُولَيْنِ لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا يُعْمَلُ بِهِ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَإِنْ   [منحة الخالق] فَتْحِ الْقَدِيرِ هِيَ مَسْأَلَةُ الْحُسَامِيَّةِ وَإِنَّمَا يُرِيدُ فِي إثْبَاتِ الْفَرْقِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى بِمَا ذَكَرَهُ الْحُسَامِيُّ مِنْ الْفَرْقِ فَيُقَالُ إنَّ الْبَيَاضَ الثَّانِي غَيْرُ الْأَوَّلِ حَقِيقَةً إلَّا أَنَّ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى الثَّانِي حَدَثَ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَيُوجِبُ الرَّدَّ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ وَعَدَمُهُ فِيمَا إذَا عَلِمَ بِهِ وَفِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ حَدَثَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَلَا يَجْعَلُ عَيْنَ الْأَوَّلِ فَإِنْ قُلْتُ: لِمَ لَمْ يُجْعَلْ عَيْنَ الْأَوَّلِ حَتَّى يَكُونَ لِلْمُشْتَرِي الرَّدُّ وَهَذَا هُوَ الْمُشَاوَرُ فِيهِ وَلَمْ يَحْصُلْ مِنْ الشَّارِحِ جَوَابٌ عَنْهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنَّ الْأَصْلَ السَّلَامَةُ مِنْ الْعُيُوبِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى الْفِطْرَةِ وَالْحَادِثُ يُضَافُ إلَى أَقْرَبِ أَوْقَاتِهِ فَلَا ضَرُورَةَ فِي جَعْلِ الْبَيَاضِ الْحَادِثِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي عَيْنَ الْأَوَّلِ حَتَّى يَرُدَّ بِهِ إذَا لَمْ يَعْلَمْهُ هَذَا مَا ظَهَرَ لِلْعَبْدِ الْفَقِيرِ وَفِيهِ كَلَامٌ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 45 كَانَ مَجَّانًا فَهُوَ عَيْبٌ لِأَنَّهُ دَلِيلُ الِابْنَةِ وَإِنْ كَانَ بِأَجْرٍ فَلَا بِخِلَافِ الْجَارِيَةِ فَإِنَّهُ يَكُونُ عَيْبًا كَيْفَمَا كَانَ لِأَنَّهُ يُفْسِدُ الْفِرَاشَ اهـ. وَفِي الْمِصْبَاحِ الِابْنَةُ الْعُقْدَةُ فِي الْعَوْدِ وَالْعَدَاوَةِ اهـ. وَكُلُّ لَيْسَ بِمُنَاسِبٍ وَهِيَ عَيْبٌ حَتَّى فِي الْبَهَائِمِ لِمَا فِي الْقُنْيَةِ اشْتَرَى حِمَارًا ذَكَرًا يَعْلُوهُ الْحُمْرُ وَيَأْتُونَهُ فِي دُبُرِهِ قَالَ وَقَعَتْ هَذِهِ بِبُخَارَى فَلَمْ يَسْتَقِرَّ فِيهَا جَوَابُ الْأَئِمَّةِ وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ النَّسَفِيُّ إنْ طَاوَعَ فَعَيْبٌ وَإِلَّا فَلَا وَقِيلَ عَيْبٌ. اهـ. وَفِي إقْرَارِ تَلْخِيصِ الْجَامِعِ مِنْ بَابِ الْإِقْرَارِ بِالْعَيْبِ ادَّعَى الْعَيْبَ وَأَقَامَ أَنَّ الْبَائِعَ كَأَنْ قَالَ لَهَا يَا زَانِيَةُ أَوْ هَذِهِ الزَّانِيَةُ فَعَلَتْ كَذَا لَمْ تَرُدُّ لِأَنَّهُ لِلِاسْتِحْضَارِ وَالسَّبُّ دُونُ تَحَقُّقِ الْمَعْنَى وَلِهَذَا لَوْ قَالَ يَا ابْنِي أَوْ يَا كَافِرَةُ لَا يُعْتَقُ وَلَا تَبِينُ لَا يَلْزَمُ بِيَا حُرُّ يَا مَوْلَايَ لِأَنَّا اعْتَبَرْنَا الْحَقِيقَةَ فِيمَا يَكُونُ ثُبُوتُهُ مِنْ جِهَتِهِ وَالْعُرْفُ فِيمَا يَتَعَذَّرُ وَلَا الْحَدُّ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ مُنَافِيَةٌ فَتَعَلَّقَ بِاللَّفْظِ وَلَا كَذَلِكَ الرَّدُّ وَلَوْ قَالَ هَذِهِ الزَّانِيَةُ أَوْ نُونٌ تُرَدُّ لِأَنَّهُ جُمْلَةٌ خَبَرِيَّةٌ فَتُفِيدُ الْمُخْبِرَ وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِهِ فَهِيَ رَبَاعِيَةٌ تُرَدُّ فِي اثْنَيْنِ وَلَا تُرَدُّ فِي اثْنَيْنِ اهـ. (قَوْلُهُ وَالْكُفْرُ أَقْبَحُ الْعُيُوبِ) لِأَنَّ الْمُسْلِمَ يَنْفِرُ عَنْ صُحْبَتِهِ وَلَا يَصْلُحُ لِلْإِعْتَاقِ فِي بَعْضِ الْكَفَّارَاتِ فَتَخْتَلُّ الرَّغْبَةُ أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ كُفْرَ الْغُلَامِ وَالْجَارِيَةِ وَالنَّصْرَانِيِّ وَالْيَهُودِيِّ وَالْمَجُوسِيِّ كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَمَا إذَا شَرَطَ إسْلَامَهُ فَظَهَرَ كُفْرُهُ أَوْ أَطْلَقَ وَمَا إذَا كَانَ قَرِيبًا مِنْ بِلَادِ الْكُفْرِ أَوْ مِنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ وَلَوْ شَرَطَ كُفْرَهُ فَظَهَرَ إسْلَامُهُ لَا يَرُدُّهُ لِأَنَّ الشَّرْطَ لِلتَّبَرُّؤِ مِنْ عَيْبِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا اشْتَرَاهُ عَلَى أَنَّهُ مَعِيبٌ فَإِذَا هُوَ سَلِيمٌ وَخَالَفَنَا الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ نَظَرًا إلَى أَنَّهُ رُبَّمَا اشْتَرَطَ كُفْرَهُ لِيَسْتَخْدِمَهُ فِي مُحَقِّرَاتِ الْأُمُورِ وَلَمْ أَرَ حُكْمَ مَا إذَا وَجَدَهُ خَارِجًا عَنْ مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ كَالْمُعْتَزِلِيِّ وَالرَّافِضِيِّ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالْكَافِرِ لِأَنَّ السُّنِّيَّ يَنْفِرُ عَنْ صُحْبَتِهِ وَرُبَّمَا قَتَلَهُ الرَّافِضِيُّ لِأَنَّ الرَّافِضَةَ يَسْتَحِلُّونَ قَتْلَنَا وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ الْكُفْرُ عَيْبٌ وَلَوْ اشْتَرَاهَا مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ اهـ. وَهُوَ غَرِيبٌ فِي الذِّمِّيِّ. (قَوْلُهُ وَعَدَمُ الْحَيْضِ وَالِاسْتِحَاضَةِ) لِأَنَّ انْقِطَاعَ الْحَيْضِ أَوْ اسْتِمْرَارَ الدَّمِ عَلَامَةُ الدَّاءِ لِأَنَّ الْحَيْضَ هُوَ الْأَصْلُ فِي بَنَاتِ آدَمَ وَهُوَ دَمُ صِحَّةٍ فَإِذَا لَمْ تَحِضْ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ عَنْ دَاءٍ بِهَا وَلِهَذَا قَالُوا لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ بِانْقِطَاعِهِ إلَّا إذَا ذَكَرَ سَبَبَهُ مِنْ دَاءٍ أَوْ حَبَلٍ وَيُعْتَبَرُ فِي الِارْتِفَاعِ أَقْصَى غَايَةِ الْبُلُوغِ سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً عِنْدَ الْإِمَامِ وَخَمْسَةَ عَشْرَ عِنْدَهُمَا وَيَعْرِفُ ذَلِكَ بِقَوْلِ الْأَمَةِ لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُهُ غَيْرُهَا وَلَكِنْ لَا تُرَدُّ بِقَوْلِهَا بَلْ لَا بُدَّ مِنْ اسْتِحْلَافِ الْبَائِعِ فَتُرَدُّ بِنُكُولِهِ إنْ كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ فَكَذَلِكَ فِي الصَّحِيحِ وَلَوْ ادَّعَاهُ فِي مُدَّةٍ قَصِيرَةٍ لَمْ تُسْمَعْ وَأَقَلَّهَا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ عِنْدَ الثَّانِي وَأَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشَرً عِنْدَ الثَّالِثِ وَابْتِدَاؤُهَا مِنْ وَقْتِ الشِّرَاءِ وَحَاصِلُهَا أَنَّهُ إذَا صَحَّحَ دَعْوَاهُ سُئِلَ الْبَائِعُ فَإِنْ صَدَّقَهُ رُدَّتْ عَلَيْهِ وَإِلَّا لَمْ يَحْلِفْ عِنْدَ الْإِمَامِ كَمَا سَيَأْتِي. وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ وَأَنْكَرَ كَوْنُهُ عِنْدَهُ حَلَفَ فَإِنْ نَكَلَ رُدَّتْ عَلَيْهِ وَلَا تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ عَلَى أَنَّ الِانْقِطَاعَ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ لِلتَّيَقُّنِ بِكَذِبِهِمْ بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ عَلَى الِاسْتِحَاضَةِ لِأَنَّهَا دُرُورُ الدَّمِ وَالْمَرْجِعُ فِي الْحَبَلِ إلَى قَوْلِ النِّسَاءِ وَفِي الدَّاءِ إلَى الْأَطِبَّاءِ وَهُمْ عَدْلَانِ كَذَا ذَكَرَ الشَّارِحُ تَبَعًا لِلنِّهَايَةِ وَالدِّرَايَةِ وَلَكِنْ فِيهَا أَنَّ الرُّجُوعَ فِيهَا إلَى قَوْلِ الْأَمَةِ إنَّمَا هُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ. أَمَّا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَلَا قَوْلَ لِلْأَمَةِ فِي ذَلِكَ. اهـ. وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ ظَهَرَ أَنَّ انْقِطَاعَ الْحَيْضِ لَا يَكُونُ عَيْبًا إلَّا إذَا كَانَ فِي أَوَانِهِ أَمَّا انْقِطَاعُهُ فِي سِنِّ الصِّغَرِ أَوْ الْإِيَاسِ فَلَا اتِّفَاقًا كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ وَاعْتَبَرَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ مُدَّةَ الِانْقِطَاعِ بِشَهْرٍ وَرَجَّحَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلِذَا لَمْ يَشْتَرِطْ قَاضِي خَانْ لِصِحَّةِ دَعْوَى الِانْقِطَاعِ تَعْيِينِ أَنْ يَكُونَ عَنْ دَاءٍ أَوْ حَبَلٍ وَرَجَّحَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ لِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَنْ دَاءٍ فَهُوَ طَرِيقٌ إلَيْهِ وَطَرِيقُ تَوَجُّهِ الْخُصُومَةِ عَلَى مَا صَحَّحَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنْ يَدَّعِيَ انْقِطَاعَهُ لِلْحَالِ وَوُجُودَهُ عِنْدَ الْبَائِعِ فَإِنْ أَنْكَرَ وُجُودَهُ عِنْدَهُ وَاعْتَرَفَ بِالِانْقِطَاعِ فِي الْحَالِ اُسْتُخْبِرَتْ الْجَارِيَةُ فَإِنْ ذَكَرَتْ أَنَّهَا مُنْقَطِعَةٌ اتَّجَهَتْ الْخُصُومَةُ فَيَحْلِفُ مَا وُجِدَ عِنْدَهُ فَإِنْ نَكَلَ رُدَّتْ عَلَيْهِ وَفِي الْقُنْيَةِ وَلَوْ وَجَدَ الْجَارِيَةَ تَحِيضُ فِي كُلِّ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مَرَّةً فَلَهُ الرَّدُّ ثُمَّ إنْ كَانَتْ مُغَنِّيَةً فَلَهُ   [منحة الخالق] [السَّرِقَةُ مِنْ الْعُيُوبِ فِي الْعَبْدِ وَالْجَارِيَةِ] قَوْلُهُ تُرَدُّ فِي اثْنَيْنِ) وَهُمَا هَذِهِ الزَّانِيَةُ أَوْ هَذِهِ زَانِيَةٌ بِالتَّنْوِينِ وَقَوْلُهُ وَلَا تُرَدُّ فِي اثْنَيْنِ وَهُمَا يَا زَانِيَةُ أَوْ هَذِهِ الزَّانِيَةُ فَعَلْت كَذَا. (قَوْلُهُ وَهُوَ غَرِيبٌ فِي الذِّمِّيِّ) قَالَ الرَّمْلِيُّ نَقْلًا عَنْ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْغَزِّيِّ لَيْسَ بِغَرِيبٍ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْعَيْبَ مَا نَقَصَ الثَّمَنُ عِنْدَ التُّجَّارِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْكُفْرَ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ يَنْفِرُ عَنْهُ وَغَيْرُهُ لَا يَرْغَبُ فِي شِرَائِهِ لِعَدَمِ الرَّغْبَةِ فِيهِ مِنْ الْكُلِّ. اهـ. وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهَا لَوْ ظَهَرَتْ مُغَنِّيَةٌ لَهُ الرَّدُّ مَعَ أَنَّ بَعْضَ الْفَسَقَةِ يَرْغَبُ فِيهَا وَيَزِيدُ ثَمَنُهَا عِنْدَهُ لِذَلِكَ وَسَيَأْتِي أَنَّ تَرْكَ الصَّلَاةِ وَغَيْرَهَا مِنْ الذُّنُوبِ عَيْبٌ. (قَوْلُهُ فَكَذَلِكَ فِي الصَّحِيحِ) احْتَرَزَ بِهِ عَمَّا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا تُرَدُّ قَبْلَ الْقَبْضِ بِقَوْلِهَا مَعَ شَهَادَةِ الْقَابِلَةِ وَعَمَّا عَنْ مُحَمَّدٍ إذَا كَانَتْ الْخُصُومَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ يُفْسَخُ بِقَوْلِ النِّسَاءِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 46 الرَّدُّ اهـ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ وَقَعَ مِنْ ابْنِ الْهُمَامِ خَبْطٌ عَجِيبٌ فَإِنَّهُ رَدَّ عَلَى الشَّارِحِينَ فِي مَوْضِعَيْنِ الْأَوَّلُ فِي اشْتِرَاطِهِمْ أَنْ يَكُونَ الِانْقِطَاعُ عَنْ دَاءٍ أَوْ حَبَلٍ وَزَعَمَ أَنَّ فَقِيهَ النَّفْسِ قَاضِي خَانْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ وَلَيْسَ كَمَا زَعَمَ بَلْ قَاضِي خَانْ فِي الْفَتَاوَى صَرَّحَ بِهِ أَوَّلًا فَقَالَ لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً وَقَبَضَهَا ثُمَّ قَالَ إنَّهَا لَا تَحِيضُ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ لَا تُسْمَعُ دَعْوَى الْمُشْتَرِي إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ ارْتِفَاعَ الْحَيْضِ بِالْحَبَلِ أَوْ بِسَبَبِ الدَّاءِ فَإِنْ ادَّعَى بِسَبَبِ الْحَبَلِ يُرِيهَا الْقَاضِي النِّسَاءَ إنْ قُلْنَ هِيَ حُبْلَى يَحْلِفُ الْبَائِعُ أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ وَإِنْ قُلْنَ لَيْسَتْ بِحُبْلَى فَلَا يَمِينَ وَفِي مَعْرِفَةِ دَاءٍ فِي بَاطِنِهَا يَرْجِعُ إلَى الْأَطِبَّاءِ إلَى آخِرِهِ فَهَذَا كَمَا تَرَى صَرِيحٌ فِيمَا نَقَلُوهُ فَكَيْفَ يَصِحُّ قَوْلُهُ إنَّهُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ لَكِنْ وَقَعَ لَهُ عِبَارَةٌ أُخْرَى فِي الْفَتَاوَى بَعْدَ هَذِهِ بِصَفْحَةٍ. قَالَ رَجُلٌ اشْتَرَى جَارِيَةً وَقَبَضَهَا وَلَمْ تَحِضْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي شَهْرًا أَوْ أَرْبَعِينَ يَوْمًا قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ ارْتِفَاعُ الْحَيْضِ عَيْبٌ وَأَدْنَاهُ شَهْرٌ وَاحِدٌ وَإِذَا ارْتَفَعَ هَذَا الْقَدْرُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ إذَا أَثْبَتَ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ اهـ. فَالْعِبَارَتَانِ لِوَاحِدٍ وَهُوَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ لَكِنَّ الْأُولَى لِسَمَاعِ الدَّعْوَى عِنْدَ الْقَاضِي وَالثَّانِيَةَ لِتَحْقِيقِ الْعَيْبِ فِي نَفْسِهِ لَا لِبَيَانِ سَبَبِهِ فَلَا مُخَالَفَةَ بَيْنَهُمَا الثَّانِي فِي نَقْلِهِمْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مُدَّةٍ مَدِيدَةٍ سَنَتَانِ أَوْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشَرٌ أَوْ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ مُحْتَجًّا بِالْعِبَارَةِ الثَّانِيَةِ لِقَاضِي خَانْ وَلَا اعْتِبَارَ بِهَا مَعَ صَرِيحِ النَّقْلِ عَنْ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَيُمْكِنُ حَمْلُهَا عَلَى رِوَايَةٍ أُخْرَى فَنِسْبَتُهُ لَهُمْ إلَى الْغَلَطِ غَلَطٌ فَاحِشٌ مِنْهُ فَالْمُعْتَمَدُ مَا نَقَلَهُ الشَّارِحُونَ فِي النِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ وَالدِّرَايَةِ وَالْبِنَايَةِ وَالتَّبْيِينِ وَالْكَافِي وَغَيْرِهِمْ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ ارْتِفَاعُهُ بِدُونِ أَحَدِ هَذَيْنِ لَا يُعَدُّ عَيْبًا وَنُقِلَ عَنْ أَبِي مُطِيعٍ أَنَّهُ قَدَّرَ الْمُدَّةَ بِتِسْعَةِ أَشْهُرٍ وَسُفْيَانُ بِحَوْلَيْنِ. وَفِي التُّحْفَةِ قَدَّرَهُ بِشَهْرَيْنِ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ فَهِيَ سَبْعَةُ أَقْوَالٍ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ قَوْلِهِمْ يُعْتَبَرُ قَوْلُ الْأَمَةِ وَبَيْنَ قَوْلِهِمْ وَالْمَرْجِعُ فِي الْحَبَلِ إلَى قَوْلِ النِّسَاءِ وَفِي الدَّاءِ إلَى قَوْلِ الْأَطِبَّاءِ لِأَنَّ مَحَلَّ اعْتِبَارِ قَوْلِ الْأَمَةِ إنَّمَا هُوَ لِأَجْلِ انْقِطَاعِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَالثَّانِيَةُ لِتَحْقِيقِ الْعَيْبِ فِي نَفْسِهِ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّهَا لِمُجَرَّدِ بَيَانِ أَنَّ ارْتِفَاعَ الْحَيْضِ عَيْبٌ يَثْبُتُ لَهُ بِهِ الرَّدُّ وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ لَا تُنَافِي اشْتِرَاطَ بَيَانِ السَّبَبِ فِي ثُبُوتِ الرَّدِّ لَهُ وَسَمَاعِ دَعْوَاهُ فَهِيَ مُطْلَقَةٌ فَتُحْمَلُ عَلَى الْأُولَى لَكِنْ قَالَ فِي النَّهْرِ وَرَأَيْت فِي الْمُحِيطِ أَنَّ اشْتِرَاطَ ذِكْرِ السَّبَبِ رِوَايَةُ النَّوَادِرِ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ اهـ. قُلْتُ: وَفِي شَرْحِ الْعَلَّامَةِ الْمَقْدِسِيَّ نَقَلَ الْعَلَّامَةُ الرَّئِيسُ قَاسِمُ بْنُ قُطْلُوبُغَا فِي شَرْحِهِ لِلنُّقَايَةِ. قَالَ قَاضِي خَانْ رَجُلٌ اشْتَرَى جَارِيَةً وَقَبَضَهَا فَلَمْ تَحِضْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي شَهْرًا أَوْ أَرْبَعِينَ يَوْمًا قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ هَذَا ارْتِفَاعُ الْحَيْضِ وَهُوَ عَيْبٌ وَأَدْنَاهُ شَهْرٌ وَاحِدٌ إذَا ارْتَفَعَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ إذَا ثَبَتَ أَنَّهُ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ وَهَذَا أَوْجَهُ مِمَّا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ عَنْ ابْنِ الْفَضْلِ وَلَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً وَقَبَضَهَا إلَخْ وَقَالَ فِي مُلْتَقَى الْأَبْحُرِ وَكَذَا عَدَمُ حَيْضِ بِنْتِ سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً لَا أَقَلَّ وَيَعْرِفُ ذَلِكَ بِقَوْلِ الْأَمَةِ فَتُرَدُّ إذَا انْضَمَّ إلَيْهِ نُكُولُ الْبَائِعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ هُوَ الصَّحِيحُ وَقَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَإِنْ كَانَ الْعَيْبُ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ إلَّا الْأَمَةُ لَا يَثْبُتُ بِقَوْلِهَا لِكَوْنِهَا مُتَّهَمَةً وَإِنْ كَانَ فِي دَاخِلِ فَرْجِهَا فَلَا طَرِيقَ لِلْوُقُوفِ عَلَيْهِ أَصْلًا فَكَانَ الطَّرِيقُ فِي هَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ هُوَ اسْتِحْلَافُ الْبَائِعِ بِاَللَّهِ لَيْسَ بِهِ هَذَا الْعَيْبُ لِلْحَالِ اهـ. (قَوْلُهُ الثَّانِي فِي نَقْلِهِمْ أَنَّهُ لَا بُدَّ إلَخْ) أَقُولُ: ذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ أَمَّا إذَا ادَّعَى الْمُشْتَرِي انْقِطَاعَ حَيْضِهَا وَأَرَادَ رَدَّهَا بِهَذَا السَّبَبِ لَا يُوجَدُ لِهَذَا رِوَايَةٌ فِي الْمَشَاهِيرِ ثُمَّ قَالَ وَبَعْدَ هَذَا يَحْتَاجُ إلَى بَيَانِ الْحَدِّ الْفَاصِلِ بَيْنَ الْمُدَّةِ الْيَسِيرَةِ وَالْكَثِيرَةِ قَالُوا وَيَجِبُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُدَّةَ الِاسْتِبْرَاءِ إذَا انْقَطَعَ الْحَيْضُ وَفِيهَا الرِّوَايَةُ مُخْتَلِفَةً فَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَدَّرَ الْكَثِيرَ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشَرٍ ثُمَّ رَجَعَ إلَى شَهْرَيْنِ وَخَمْسَةِ أَيَّامٍ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ سَنَتَانِ إلَخْ وَقَدْ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ فَإِنَّهُ بَعْدَ مَا مَرَّ عَنْ الْخَانِيَّةِ مِنْ تَقْدِيرِ الْمُدَّةِ بِشَهْرٍ قَالَ وَيَنْبَغِي أَنْ يُعَوِّلَ عَلَيْهِ وَمَا تَقَدَّمَ خِلَافٌ بَيْنَهُمْ فِي اسْتِبْرَاءِ مُمْتَدَّةِ الطُّهْرِ وَالرِّوَايَةُ هُنَاكَ تَسْتَدْعِي ذَلِكَ الِاعْتِبَارَ فَإِنَّ الْوَطْءَ مَمْنُوعٌ شَرْعًا إلَى الْحَيْضَةِ لِاحْتِمَالِ الْحَبَلِ فَيَكُونُ سَاقِيًا مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ فَقَدَّرَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَزُفَرُ بِسَنَتَيْنِ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ مُدَّةِ الْحَمَلِ وَهُوَ أَقْيَسُ وَالْحُكْمُ هُنَا لَيْسَ إلَّا كَوْنُ الِامْتِدَادِ عَيْبًا فَلَا يُتَّجَهُ إنَاطَتُهُ بِسَنَتَيْنِ أَوْ غَيْرُهُمَا مِنْ الْمُدَدِ لِأَنَّ كَوْنَهُ عَيْبًا كَوْنُهُ يُؤَدِّي إلَى الدَّاءِ وَطَرِيقًا إلَيْهِ وَذَلِكَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مُضِيِّ مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ مِمَّا ذَكَرَ اهـ مُلَخَّصًا. وَحَاصِلُ كَلَامِهِ مُنَازَعَةُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ فِي قِيَاسِ الْمُدَّةِ لِثُبُوتِ الْعَيْبِ عَلَى مُدَّةِ الِاسْتِبْرَاءِ بِإِبْدَاءِ الْفَارِقِ بَيْنَهُمَا وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ أَصْلَ الْمَسْأَلَةِ لَا رِوَايَةَ لَهَا فِي الْمَشَاهِيرِ فَإِذَا اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي تَقْدِيرِ هَذِهِ الْمُدَّةِ اُحْتِيجَ إلَى تَرْجِيحِ أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَالْمُحَقِّقُ ابْنِ الْهُمَامِ مِنْ رِجَالِ هَذِهِ الْكَتِيبَةِ وَبِمَا قَرَرْنَاهُ ظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ النَّقْلُ عَنْ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ فِي مَسْأَلَتِنَا وَإِنَّمَا النَّقْلُ عَنْهُمْ فِي مَسْأَلَةِ الِاسْتِبْرَاءِ فَكَيْفَ يُسَوَّغُ لِلْمُؤَلِّفِ أَنْ يَقُولَ وَلَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 47 الدَّمِ لِتَوَجُّهِ الْخُصُومَةِ إلَى الْبَائِعِ فَإِذَا تَوَجَّهَتْ إلَيْهِ بِقَوْلِهَا وَعَيَّنَ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ عَنْ حَبَلٍ رَجَعْنَا إلَى قَوْلِ النِّسَاءِ الْعَالِمَاتِ بِالْحَبَلِ لِتَوَجُّهِ الْيَمِينِ عَلَى الْبَائِعِ وَإِنْ عَيَّنَ أَنَّهُ عَنْ دَاءٍ رَجَعْنَا إلَى قَوْلِ الْأَطِبَّاء كَذَلِكَ كَمَا لَا يَخْفَى. (قَوْلُهُ وَالسُّعَالُ الْقَدِيمُ) وَهُوَ مَا كَانَ عَنْ دَاءٍ أَمَّا الْمُعْتَادُ فَلَا كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَظَاهِرُ الْكِتَابِ أَنَّ الْحَادِثَ مِنْهُ لَيْسَ بِعَيْبٍ وَلَوْ كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَهُمَا وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا كَانَ عَنْ دَاءٍ فَهُوَ قَدِيمٌ وَأَنَّ هَذَا هُوَ مُرَادُهُ مِنْ كَوْنِهِ قَدِيمًا فَالْمَنْظُورُ إلَيْهِ كَوْنُهُ عَنْ دَاءٍ لَا الْقَدَمِ وَلِذَا قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ السُّعَالُ عَيْبٌ إنْ فَحَشَ وَإِلَّا فَلَا. اهـ. (حِكَايَةً) فِي الْمُسْتَظْرَفِ خَطَبَ الْمَأْمُونُ بِمَرْوَ فَسَعَلَ النَّاسُ فَنَادَى بِهِمْ: أَلَا مَنْ كَانَ بِهِ سُعَالٌ فَلْيَتَدَاوَ بِشُرْبِ خَلِّ الْخَمْرِ فَفَعَلُوا فَانْقَطَعَ عَنْهُمْ السُّعَالُ. (قَوْلُهُ وَالدَّيْنُ) لِأَنَّ مَالِيَّتَهُ تَكُونُ مَشْغُولَةً بِهِ وَالْغُرَمَاءُ مُقَدَّمُونَ عَلَى الْمَوْلَى أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ دَيْنَ الْعَبْدِ وَالْجَارِيَةِ وَمَا إذَا كَانَ مُطَالَبًا بِهِ لِلْحَالِ أَوْ مُتَأَخِّرًا إلَى مَا بَعْدَ الْعِتْقِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا الشَّافِعِيُّ وَهُوَ حَسَنٌ إذْ لَا ضَرَرَ عَلَى الْمَوْلَى فِي الثَّانِي وَجَوَابُهُ أَنَّهُ يَلْحَقُهُ ضَرَرٌ بِنُقْصَانِ مِيرَاثِهِ مِنْهُ حَيْثُ كَانَ وَارِثًا لَهُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهُوَ بَحْثٌ مِنْهُ مُخَالِفٌ لِلنَّقْلِ قَالَ مِسْكِينٌ وَالدَّيْنُ أَيْ الدَّيْنُ الَّذِي يُطَالَبُ بِهِ فِي الْحَالِّ أَمَّا الدَّيْنُ الْمُؤَجَّلُ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِعَيْبٍ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ. وَالْمُرَادُ الْمُؤَجَّلُ إلَى الْعِتْقِ وَفِي الْقُنْيَةِ الدَّيْنُ عَيْبٌ إلَّا إذَا كَانَ يَسِيرًا لَا يُعَدُّ مِثْلُهُ نُقْصَانًا وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ إذَا كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ أَوْ فِي رَقَبَتِهِ جِنَايَةٌ فَهُوَ عَيْبٌ لِأَنَّهُ يَجِبُ بَيْعُهُ فِيهِ وَدَفْعُهُ فِيهَا فَتَسْتَحِقُّ رَقَبَتُهُ بِذَلِكَ وَيَتَصَوَّرُ هَذَا فِيمَا إذَا حَدَثَتْ بِهِ الْجِنَايَةُ بَعْدَ الْعَقْدِ قَبْلَ الْقَبْضِ أَمَّا إذَا كَانَتْ قَبْلَ الْعَقْدِ فَبِالْبَيْعِ يَصِيرُ الْبَائِعُ مُخْتَارًا لِلْجِنَايَةِ فَإِنْ قَضَى الْمَوْلَى الدَّيْنَ قَبْلَ الرَّدِّ سَقَطَ الرَّدُّ لِأَنَّ الْمَعْنَى الْمُوجِبَ لِلرَّدِّ قَدْ زَالَ اهـ. وَكَذَا إذَا أَبْرَأَ الْغَرِيمَ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ. (قَوْلُهُ وَالشَّعْرُ وَالْمَاءُ فِي الْعَيْنِ) لِأَنَّهُمَا يُضْعِفَانِ الْبَصَرَ وَيُورَثَانِ الْعَمَى وَلَا خُصُوصِيَّةَ لَهُمَا بَلْ كُلُّ مَرَضٍ بِالْعَيْنِ فَهُوَ عَيْبٌ وَمِنْهُ السُّبُلُ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ وَكَثْرَةُ الدَّمْعِ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَوَّلًا ضَابِطَ الْعَيْبِ ثُمَّ ذَكَرَ عَدَدًا مِنْ الْعُيُوبِ وَلَمْ يَسْتَوْفِهَا لِكَثْرَتِهَا فَلَا بَأْسَ بِتَعْدَادِ مَا اطَّلَعْنَا عَلَيْهِ فِي كَلَامِهِمْ تَكْثِيرًا لِلْفَوَائِدِ وَلِكَثْرَةِ الِاحْتِجَاجِ إلَيْهَا فِي الْمُعَامَلَاتِ فَفِي الْمِعْرَاجِ الثُّؤْلُولُ عَيْبٌ وَكَذَا الْحَالُ إنْ كَانَ قَبِيحًا مُنْقِصًا وَالصُّهُوبَةُ حُمْرَةُ الشَّعْرِ إذَا فَحَشَ بِحَيْثُ تُضْرَبُ إلَى الْبَيَاضِ وَالشَّمَطُ وَهُوَ اخْتِلَاطُ الْبَيَاضِ بِالسَّوَادِ فِي الشَّعْرِ فِي غَيْرِ أَوَانِهِ دَلِيلُ الدَّاءِ وَفِي أَوَانِهِ دَلِيلُ الْكِبَرِ وَالْعَشَى عَيْبٌ وَهُوَ ضَعْفُ الْبَصَرِ بِحَيْثُ لَا يُبْصِرُ فِي اللَّيْلِ وَالسِّنُّ السَّاقِطُ ضِرْسًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ وَكَذَا السَّوْدَاءُ وَالظُّفْرُ الْأَسْوَدُ الْمُنْقِصُ لِلثَّمَنِ وَالْعُسْرُ وَهُوَ الْعَمَلُ بِالْيَسَارِ دُونَ الْيَمِينِ عَجْزٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ عُسْرُ يُسْرٍ وَهُوَ الْأَضْبَطُ الَّذِي يَعْمَلُ بِهِمَا وَقَدْ كَانَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَهُوَ زِيَادَةٌ. وَالْقَشَفُ وَهُوَ يُبُوسَةُ الْجِلْدِ وَتَشَنُّجٌ فِي الْأَعْضَاءِ وَالْكَيُّ إنْ كَانَ مِنْ دَاءٍ وَإِلَّا لَا كَمَا فِي الْحَبَشَةِ وَالْحُرُنِ عَلَى وَجْهٍ لَا يُسْتَفَزُّ وَلَا يَنْقَادُ لِلرَّاكِبِ عِنْدَ الْعَطْفِ وَالسَّيْرُ وَالْجَمْعُ عَيْبٌ وَهُوَ أَنْ لَا يَلِينَ عِنْدَ اللِّجَامِ وَخَلْعِ الرَّأْسِ مِنْ الْعِذَارِ وَبَلِّ الْمِخْلَاةِ إنْ نَقَصَ وَهُوَ أَنْ يَسِيلَ لُعَابُ الْفَرَسِ عَلَى وَجْهٍ يَبُلُّ الْمِخْلَاةَ إذَا جُعِلَ عَلَى رَأْسِهِ وَفِيهِ عَلَفُهُ وَقِيلَ أَنْ يَرْمِيَهَا وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ الْجَمْعِ وَالْغَرَبُ فِي الْعَيْنِ وَهُوَ وَرَمٌ فِي الْمَآقِيِ وَرُبَّمَا يَسِيلُ مِنْهُ شَيْءٌ حَتَّى قَالَ مُحَمَّدٌ إنَّهُ إذَا كَانَ سَائِلًا فَصَاحِبُهُ مِنْ أَصْحَابِ الْأَعْذَارِ. وَالشَّتَرُ عَيْبٌ وَهُوَ انْقِلَابٌ فِي الْأَجْفَانِ وَبِهِ سُمِّيَ الْأَشْتَرُ وَهُوَ لِضَعْفِ الْبَصَرِ وَالْحَوَلِ كَذَلِكَ وَالْحَوَصُ وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ الْحَوَلِ وَالْقَبَلُ فِي إنْسَانِ الْعَيْنِ وَإِذَا كَانَ فِي جَانِبٍ فَهُوَ الْحَوَصُ. وَالظَّفَرُ وَهُوَ بَيَاضٌ يَبْدُو فِي إنْسَانِ الْعَيْنِ وَكُلُّ ذَلِكَ لِضَعْفِ الْبَصَرِ وَرُبَّمَا مَنَعَهُ أَصْلًا، وَالْجَرَبُ فِي الْعَيْنِ وَغَيْرُهَا لِكَوْنِهِ عَنْ دَاءٍ، وَالْعَزَلُ وَهُوَ أَنْ يَعْزِلَ ذَنَبَهُ فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ وَالْمَشَشُ وَهُوَ وَرَمٌ فِي الدَّابَّةِ لَهُ صَلَابَةٌ وَالْفَحَجُ وَهُوَ تَبَاعُدٌ مَا بَيْنَ الْقَدَمَيْنِ وَالصَّكَكِ وَهُوَ أَنْ يَصُكَّك إحْدَى   [منحة الخالق] اعْتِبَارَ بِهَا مَعَ صَرِيحِ النَّقْلِ عَنْ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ فَافْهَمْ. وَعَنْ هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ أَنَّ مَا نَقَلَهُ فِي الْخَانِيَّةِ ثَانِيًا وَجْهٌ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 48 رُكْبَتَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى وَالْحَبَلُ فِي بَنَاتِ آدَمَ عَيْبٌ لِكَوْنِهِ مُنْقِصًا بِخِلَافِهِ فِي الْبَهَائِمِ لِكَوْنِهِ زِيَادَةَ وَالْقَرَنُ عَظْمٌ فِي الْمَأْتِيِّ مَانِعٌ مِنْ الْوُصُولِ وَالرَّتَقُ وَهُوَ لَحْمٌ فِي الْمَأْتِيِّ وَالْعَفَلُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمَأْتِيُّ مِنْهَا شَبَهَ الْكِيسِ لَا يَلْتَذُّ الْوَاطِئُ بِوَطْئِهَا وَالْكُلُّ يُخِلُّ بِالْمَقْصُودِ وَالْبَرَصُ وَالْجُذَامُ وَهُوَ قَيْحٌ يُوجَدُ تَحْتَ الْجِلْدِ يُوجَدُ نَتِنُهُ مِنْ بَعِيدٍ. وَالْفَتَقُ وَهُوَ رِيحٌ فِي الْمَثَانَةِ وَرُبَّمَا يَهِيجُ بِالْمَرْءِ فَيَقْتُلُهُ وَلَا يَكُونُ إلَّا لِدَاءٍ فِي الْبَاطِنِ وَالسَّلْعَةُ وَهِيَ الْقُرُوحُ الَّتِي تَكُونُ عَلَى الْعَيْنِ وَقِيلَ دَاءٌ فِي الرَّأْسِ يَتَنَاثَرُ مِنْهُ شَعْرُ الرَّأْسِ وَقِيلَ غُدَّةٌ تَحْتَ الْجِلْدِ تَدُورُ بَيْنَ اللَّحْمِ وَالْجِلْدِ وَالدَّحْسِ وَهُوَ وَرَمٌ يَكُونُ فِي أَطْرَافِ حَافِرِ الْفَرَسِ وَالْحِمَارِ وَالْحَنَفُ وَهُوَ إقْبَالُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْإِبْهَامَيْنِ إلَى صَاحِبِهِ وَهُوَ يَنْقُصُ مِنْ قُوَّةِ الْمَشْيِ وَقِيلَ الْأَحْنَفُ الَّذِي يَمْشِي عَلَى ظَهْرِ قَدَمَيْهِ وَالصَّدَفُ الْتِوَاءٌ فِي أَصْلِ الْعُنُقِ وَقِيلَ إقْبَالُ إحْدَى الرُّكْبَتَيْنِ إلَى الْأُخْرَى وَالشَّدَقُ وَهُوَ سِعَةٌ مُفْرِطَةٌ فِي الْفَمِ وَالتَّخَنُّثُ وَالْحُمْقُ وَكَوْنُهَا مُغَنِّيَةً وَشُرْبَ الْخَمْرِ وَتَرْكَ الصَّلَاةِ وَغَيْرَهَا مِنْ الذُّنُوبِ وَكُلُّ عَيْبٍ يَتَمَكَّنُ الْمُشْتَرِي مِنْ إزَالَتِهِ بِلَا مَشَقَّةٍ لَا يَرُدُّهُ بِهِ كَإِحْرَامِ الْجَارِيَةِ وَنَجَاسَةِ الثَّوْبِ وَقِلَّةِ الْأَكْلِ فِي الْبَقَرَةِ عَيْبٌ. وَلَوْ اشْتَرَى زَوْجَيْ الْخُفِّ وَأَحَدُهُمَا أَضْيَقُ مِنْ الْآخَرِ فَإِنْ خَرَجَ عَنْ الْعَادَةِ فَلَهُ الرَّدُّ وَإِنْ كَانَ الْخُفُّ لَا يَتَّسِعُ فِي اللُّبْسِ وَقَدْ اشْتَرَاهُ لَهُ فَهُوَ عَيْبٌ وَالتُّرَابُ فِي الْحِنْطَةِ الْخَارِجُ عَنْ الْعَادَةِ عَيْبٌ فَلَهُ رَدُّهَا وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُمَيِّزَ التُّرَابَ وَيَرْجِعُ بِحِصَّتِهِ وَلَوْ خَلَطَهُ بِهَا بَعْدَ التَّمْيِيزِ أَوْ انْتَقَصَ الْكَيْلُ وَالْوَزْنُ بِالتَّنْقِيَةِ امْتَنَعَ الرَّدُّ وَلَهُ النُّقْصَانُ وَإِنْ وَجَدَ الْجَارِيَةَ دَمِيمَةً أَوْ سَوْدَاءَ لَا تُرَدُّ وَإِنْ كَانَتْ مُحْتَرِقَةَ الْوَجْهِ لَا يَعْرِفُ جَمَالَهَا وَقُبْحَهَا فَلَهُ الرَّدُّ وَلَوْ امْتَنَعَ الرَّدُّ رَجَعَ بِفَضْلِ مَا بَيْنَهُمَا وَلَوْ اشْتَرَى دَارًا لَيْسَ لَهَا مَسِيلٌ أَوْ أَرْضًا لَا شُرْبَ لَهَا أَوْ مُرْتَفِعَةً لَا تُسْقَى إلَّا بِالسُّكَّرِ فَلَهُ الرَّدُّ اهـ مَا فِي الْمِعْرَاجِ. وَنُقِلَ مِنْهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَكِنْ يَحْتَاجُ إلَى ضَبْطِ بَعْضِ أَلْفَاظٍ لِيَزُولَ الِاشْتِبَاهُ عَنْهَا الثُّؤْلُولُ بِهَمْزَةٍ سَاكِنَةٍ وَزَانٍ عُصْفُورٌ وَيَجُوزُ التَّخْفِيفُ وَالْجَمْعُ الثَّآلِيلُ وَهُوَ مِنْ ثَئِلَ ثَأْلًا مِنْ بَابِ تَعِبَ فَالذَّكَرُ أَثْأَلُ وَالْأُنْثَى ثَأْلَاءُ وَالْجَمْعُ ثُؤُلُ مِثْلُ أَحْمَرَ وَحَمْرَاءَ وَحُمُرٍ وَهُوَ دَاءٌ يُشْبِهُ الْحُبُوبَ وَقَالَ ابْنُ فَارِسٍ الثَّأْلُ دَاءٌ يُصِيبُ الشَّاةَ فَتَسْتَرْخِي أَعْضَاؤُهَا كَذَا فِي الصِّحَاحِ وَالْعَشَى مِنْ عَشِيَ عَشِيًّا مِنْ بَابِ تَعِبَ ضَعْفُ بَصَرُهُ فَهُوَ أَعْشَى وَالْمَرْأَةُ عَشْوَاءُ مِنْهُ أَيْضًا وَالْقَشَفُ مِنْ قَشِفَ الرَّجُلُ قَشَفًا فَهُوَ قَشَفُ مِنْ بَابِ تَعِبَ لَمْ يَعْتَدِ النَّظَافَةَ وَأَصْلُهُ خُشُونَةُ الْعَيْشِ مِنْهُ أَيْضًا وَالْجَمْعُ مِنْ جَمَحَ الْفَرَسِ بِرَاكِبِهِ يَجْمَعُ بِفَتْحَتَيْنِ جِمَاحًا بِالْكَسْرِ وَجُمُوحًا مَصْدَرٌ اسْتَعْصَى حَتَّى غَلَبَهُ فَهُوَ جَمُوحٌ بِالْفَتْحِ وَجَامِحٌ يَسْتَوِي فِيهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّ مَصْدَرَهُ الْجَمْحُ وَلَكِنْ فِي الصِّحَاحِ جَمَحَ الْفَرَسُ جُمُوحًا وَجِمَاحًا وَجَمْحًا إذَا أَعْثَرَ فَارِسَهُ وَغَلَبَهُ اهـ. فَعَلَى هَذَا الْجَمْعُ فِي كَلَامِهِمْ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْمِيمِ وَالْغَرْبُ بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالرَّاءِ السَّاكِنَةِ وَلِلْعَيْنِ غَرْبَانِ كَذَا فِي الصِّحَاحِ وَالْحَوَصُ بِفَتْحَتَيْنِ ضِيقٌ فِي مُؤَخَّرِ الْعَيْنِ وَالرَّجُلُ أَحْوَصُ مِنْهُ أَيْضًا وَالْقَبَلُ بِفَتْحَتَيْنِ فِي الْعَيْنِ إقْبَالُ السَّوْدَاءِ عَلَى الْأَنْفِ وَالْعَزَلُ بِفَتْحَتَيْنِ وَالْأَعْزَلُ مِنْ الْخَيْلِ الَّذِي يَقَعُ ذَنَبُهُ فِي جَانِبٍ وَذَلِكَ عَادَةً لَا خِلْقَةً وَهُوَ عَيْبٌ مِنْهُ أَيْضًا وَالْمَشَشُ بِفَتْحَتَيْنِ وَهُوَ شَيْءٌ يَشْخَصُ فِي وَطَيْفِهَا حَتَّى يَكُونَ لَهُ حَجْمٌ مِنْهُ أَيْضًا وَالسَّكَكُ بِفَتْحَتَيْنِ وَلَوْ ذَكَرُوا مِنْ الْعُيُوبِ أَيْضًا الصَّأَك بِصَادٍ ثُمَّ هَمْزَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَهُوَ مِنْ صَئِكَ الرَّجُلُ يَصْأَكُ صَأَكًا إذَا عَرِقَ فَهَاجَتْ مِنْهُ رِيحٌ مُنْتِنَةٌ مِنْ ذَفْرٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ كَمَا فِي الصِّحَاحِ لَكَانَ أَفْوَدَ وَيُمْكِنُ تَخْصِيصُهُ بِالْجَارِيَةِ كَالْبَخَرِ وَالدَّفْرِ وَالسِّلْعَةِ بِكَسْرِ السِّينِ اسْمٌ لِزِيَادَةٍ تَحْدُثُ فِي الْجَسَدِ كَالْغُدَّةِ تَتَحَرَّك إذَا حُرِّكَتْ وَتَكُونُ مِنْ حِمْصَةٍ إلَى بِطِّيخَةٍ وَالسَّلْعَةُ بِالْفَتْحِ الشَّجَّةُ مِنْهُ أَيْضًا وَمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ تَفْسِيرِهَا بَعِيدٌ وَالْحَنَفُ بِفَتْحَتَيْنِ اعْوِجَاجٌ فِي الرِّجْلِ وَالصَّدَفُ بِالصَّادِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَيْنِ يُقَالُ فَرَسٌ أَصْدَفُ إذَا كَانَ مُتَدَانِيَ الْفَخْذَيْنِ مُتَبَاعِدَ الْحَافِرَيْنِ   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 49 فِي الْتِوَاءٍ مِنْ الرُّسْغَيْنِ. وَقِيلَ الصَّدَفُ مَيْلٌ فِي الْحَافِرِ إلَى الشِّقِّ الْوَحْشِيِّ وَقِيلَ أَنْ يَمِيلَ خُفُّ الْبَعِيرِ مِنْ الْيَدِ أَوْ الرِّجْلِ إلَى الْجَانِبِ الْوَحْشِيِّ فَإِنْ مَالَ إلَى الْإِنْسِيِّ فَهُوَ لَا يُعَدُّ مِنْهُ أَيْضًا وَالشَّدْقُ بِفَتْحِ الشِّينِ وَكَسْرِ الدَّالِ سِعَةُ الشَّدْقِ وَهُوَ جَانِبُ الْفَمِ مِنْهُ أَيْضًا وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَمِنْ الْعُيُوب الْعِثَارُ فِي الدَّوَابِّ إنْ كَانَ كَثِيرًا فَاحِشًا وَأَكْلُ الْعِذَارِ وَعَدَمُ الْخِتَانِ فِي الْغُلَامِ وَالْجَارِيَةِ الْمُوَلَّدَيْنِ الْبَالِغَيْنِ بِخِلَافِهِمَا فِي الصَّغِيرَيْنِ وَفِي الْجَلِيبِ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ لَا يَكُونُ عَيْبًا مُطْلَقًا وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَهَذَا عِنْدَهُمْ يَعْنِي عَدَمَ الْخِتَانِ فِي الْجَارِيَةِ الْمُوَلَّدَةِ أَمَّا عِنْدَنَا عَدَمُ الْخَفْضِ فِي الْجِوَارِ لَا يَكُونُ عَيْبًا. اهـ. وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ الزُّكَامُ لَيْسَ بِعَيْبٍ وَالْجُنُونُ عَيْبٌ وَكَذَا الْعَمَى وَالْعَوَرُ وَالشَّلَلُ وَالصَّمَمُ وَالْخَرَسُ وَالْإِصْبَعُ الزَّائِدَةُ وَالنَّاقِصَةُ وَالْقُرُوحُ وَالشِّجَاجُ وَالْأَمْرَاضُ كُلُّهَا وَالْأَدَرُ عَيْبٌ وَهُوَ انْتِفَاخُ الْأُنْثَيَيْنِ وَالْعَشَا عَيْبٌ وَهُوَ الَّذِي لَا يُبْصِرُ بِاللَّيْلِ وَكَذَا الْعَمَشُ وَالْعِنِّينُ وَالْخَصِيُّ وَلَوْ اشْتَرَاهُ عَلَى أَنَّهُ خَصِيٌّ فَوَجَدَهُ فَحْلًا لَا خِيَارَ لَهُ وَالْكَذِبُ وَالنَّمِيمَةُ عَيْبٌ فِيهِمَا وَقِلَّةُ الْأَكْلِ فِي الدَّوَابِّ لَا فِي بَنِي آدَمَ وَالنِّكَاحُ فِي الْجَارِيَةِ وَالْغُلَامِ وَإِنْ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا رَجْعِيًّا فَلَهُ الرَّدُّ وَإِنْ كَانَ بَائِنًا سَقَطَ وَإِذَا وَجَدَهَا مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ بِرَضَاعٍ أَوْ صِهْرِيَّةٍ كَأُخْتِهِ أَوْ أُمِّ امْرَأَتِهِ فَلَيْسَ بِعَيْبٍ لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى الِانْتِفَاعِ بِتَزْوِيجِهَا وَأَخْذِ الْعِوَضِ وَإِذَا وَجَدَهَا لَا تُحْسِنُ الطَّبْخَ وَالْخَبْزَ فَلَيْسَ بِعَيْبٍ وَإِذَا وَجَدَ فِي الْمُصْحَفِ سَقْطًا أَوْ خَطَأً فَهُوَ عَيْبٌ وَإِنْ كَانَتْ مُعْتَدَّةً مِنْ طَلَاقِ بَائِنٍ فَلَيْسَ بِعَيْبٍ لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ لِلزَّوْجِ عَلَيْهَا وَالْحُرْمَةُ عَارِضَةٌ كَتَحْرِيمِ الْحَائِضِ. اهـ. وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً وَقَبَضَهَا ثُمَّ ادَّعَى أَنَّ لَهَا زَوْجًا وَأَرَادَ أَنْ يَرُدَّهَا فَقَالَ الْبَائِعُ كَانَ لَهَا زَوْجٌ أَبَانَهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا قَبْلَ الْبَيْعِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْبَائِعِ وَلَا تُرَدُّ عَلَيْهِ وَلَوْ أَقَامَ الْمُشْتَرِي الْبَيِّنَةَ عَلَى قِيَامِ النِّكَاحِ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ وَلَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى إقْرَارِ الْبَائِعِ بِذَلِكَ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ. وَلَوْ قَالَ الْبَائِعُ كَانَ زَوْجُهَا عَبْدِي فُلَانٌ أَبَانَهَا قَبْلَ الْبَيْعِ وَالْمُشْتَرِي يُنْكِرُ الطَّلَاقَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْبَائِعِ فَإِنْ حَضَرَ الْمُقِرُّ لَهُ بِالنِّكَاحِ وَأَنْكَرَ الطَّلَاقَ كَانَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّهَا وَلَوْ قَالَ الْبَائِعُ كَانَ لَهَا زَوْجٌ عَبْدِي يَوْمَ الْبَيْعِ فَأَبَانَهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ وَالْمُشْتَرِي يُنْكِرُ الطَّلَاقَ كَانَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّ الْجَارِيَةَ وَلَوْ كَانَ لَهَا زَوْجٌ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَقَالَ الْبَائِعُ كَانَ لَهَا زَوْجٌ عِنْدِي غَيْرَ هَذَا الرَّجُلِ أَبَانَهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا قِيلَ الْبَيْعُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْبَائِعِ اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ التَّخَنُّثُ نَوْعَانِ أَحَدُهُمَا بِمَعْنَى الرَّدِيءِ مِنْ الْأَفْعَالِ وَهُوَ عَيْبٌ الثَّانِي الرُّعُونَةُ وَاللِّينُ فِي الصَّوْتِ وَالتَّكَسُّرُ فِي الْمَشْيِ فَإِنْ قَلَّ لَا يُرَدُّ وَإِنْ كَثُرَ رَدَّهُ وَلَوْ اشْتَرَى غُلَامًا أَمْرَدَ فَوَجَدَهُ مَحْلُوقَ اللِّحْيَةِ يُرَدُّ وَعَدَمُ اسْتِمْسَاكِ الْبَوْلِ عَيْبٌ وَلَوْ اشْتَرَى حُبْلَى فَوَلَدَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي لَا خُصُومَةَ لَهُ مَعَ الْبَائِعِ فَإِنْ مَاتَتْ فِي نِفَاسِهَا رَجَعَ بِنُقْصَانِ الْحَبَلِ إنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ عِنْدَ الشِّرَاءِ اشْتَرَاهَا عَلَى أَنَّهَا صَغِيرَةٌ فَإِذَا هِيَ بَالِغَةٌ لَا يَرُدُّهَا وَالثُّقْبُ فِي الْأُذُنَيْنِ إنْ وَاسِعًا فَهُوَ عَيْبٌ فِي التُّرْكِيَّةِ إنْ عَدُّوهُ عَيْبًا لَا فِي الْهِنْدِيَّةِ وَإِنْ وَجَدَ الْحِنْطَةَ مُسَوِّسَةً يُرَدُّ لَا رَدِيئَةً وَجَعُ الضِّرْسِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ عَيْبٌ وَإِذَا كَانَتْ إحْدَى الْعَيْنَيْنِ زَرْقَاءَ وَالْأُخْرَى غَيْرُ زَرْقَاءَ أَوْ إحْدَاهُمَا كَحْلَاءَ وَالْأُخْرَى بَيْضَاءَ فَهُوَ عَيْبٌ وَإِذَا كَانَتْ الْبَقَرَةُ لَا تُحْلَبُ إنْ كَانَ مِثْلُهَا يُشْتَرَى لِلْحَلْبِ رَدَّهَا وَإِنْ لِلَّحْمِ لَا وَإِنْ كَانَتْ تُمَصُّ إحْدَى ثَدْيَيْهَا لَهُ الرَّدُّ. وَإِنْ كَانَتْ الدَّابَّةُ بَطِيئَةَ السَّيْرِ لَا تُرَدُّ إلَّا إذَا شَرَطَ أَنَّهَا عَجُولٌ وَكَوْنُهَا وَكَوْنُ الْعَبْدِ أَكُولًا فَلَيْسَ بِعَيْبٍ وَفِي الْجَارِيَةِ عَيْبٌ لِأَنَّهَا تُفْسِدُ الْفِرَاشَ اشْتَرَى عَبْدًا فَأَصَابَهُ حُمَّى فِي يَدِهِ وَكَانَ فِي يَدِ الْبَائِعِ أَيْضًا إنْ اتَّحَدَ الْوَقْتَانِ يُرَدُّ وَإِنْ اخْتَلَفَ لَا وَالثُّقْبُ الْكَبِيرُ فِي الْجِدَارِ عَيْبٌ وَكَذَا فِي بُيُوتِ النَّمْلِ فِي الْكَرْمِ إنْ فَاحِشًا عَيْبٌ وَكَذَا لَوْ كَانَ فِيهِ مَمَرُّ الْغَيْرِ أَوْ مَيْلُ الْغَيْرِ وَلَوْ وَجَدَ فِي الْمِسْكِ رَصَاصًا مَيَّزَهُ وَرَدَّهُ بِحِصَّتِهِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ وَلَوْ وَجَدَ فِي الشَّحْمِ مِلْحًا كَثِيرًا أَوْ وَجَدَ فِي الدُّهْنِ وَدَكًا كَثِيرًا فَكَالْحِنْطَةِ أَقَرَّ الْبَائِعُ بَعْدَ بَيْعِ   [منحة الخالق] قَوْلُهُ وَأَكْلُ الْعِذَارِ) فِي نُسْخَةِ الرَّمْلِيِّ وَأَكْلُ الْعُذْرَةِ وَكَتَبَ عَلَيْهَا فَقَالَ وَفِي نُسْخَةِ الْعِذَارِ (قَوْلُهُ وَكَوْنُهَا وَكَوْنُ الْعَبْدِ أَكُولًا إلَخْ) عِبَارَةُ الْفَتْحِ وَقِلَّةُ الْأَكْلِ فِي الْبَقَرَةِ وَنَحْوِهَا وَكَثْرَتُهُ فِي الْإِنْسَانِ وَقِيلَ فِي الْجَارِيَةِ عَيْبٌ لَا الْغُلَامِ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَا فَرْقَ إذَا أَفْرَطَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 50 السَّمْنِ الذَّائِبِ بِمَوْتِ فَأْرَةٍ فِيهِ رَجَعَ عَلَيْهِ الْمُشْتَرِي بِالنُّقْصَانِ عِنْدَهُمَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ. وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَكَوْنُهُ مُقَامِرًا إنْ كَانَ يُعَدُّ عَيْبًا كَقِمَارِ نَرْدٍ وَشِطْرَنْجٍ وَنَحْوِهِمَا فَهُوَ عَيْبٌ وَكَذَا السِّحْرُ عَيْبٌ فِيهِمَا لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ وَشُرْبُ الْخَمْرِ عَيْبٌ عَلَى سَبِيلِ الْإِعْلَانِ وَالْإِدْمَانُ لَا عَلَى الْكِتْمَانِ أَحْيَانَا اشْتَرَى فَرَسًا فَوَجَدَهُ كَبِيرَ السِّنِّ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ لَا تُرَدَّ إلَّا إذَا شَرَطَ صِغَرَ السِّنِّ كَالْجَارِيَةِ إذَا وَجَدَهَا كَبِيرَةَ السِّنِّ. اهـ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالدَّفْنُ عَيْبٌ وَهُوَ أَنْ يَسِيلَ الْمَاءُ مِنْ الْمَنْخَرَيْنِ وَالْأَجْهَرُ عَيْبٌ وَهُوَ مَنْ لَا يُبْصِرُ فِي النَّهَارِ وَالدَّحْسُ وَهُوَ وَرَمٌ يَكُونُ فِي إطْرَةِ حَافِرِ الْفَرَسِ وَالْإِطْرَةُ دُورُ الْحَافِرِ وَالْفَدَعُ عِوَجٌ فِي الرُّسْغِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّاعِدِ وَفِي الْقَدَمِ كَذَلِكَ عِوَجٌ بَيْنَ عَظْمِ السَّاقِ وَفِي الْفَرَسِ الْتِوَاءُ الرُّسْغِ مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ وَالْجَرَذُ عَيْبٌ وَهُوَ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ كُلُّ مَا حَدَثَ فِي عُرْقُوبِ الدَّابَّةِ مِنْ تَزَنُّدٍ أَوْ انْتِفَاخِ عَصَبٍ وَالْهَقْعَةُ وَهِيَ دَائِرَةٌ فِي عَرَضَ زُورٍ يُعَدُّ عَيْبًا وَيُتَشَاءَمُ بِهِ وَمِنْهُ يُقَالُ اتَّقُوا الْخَيْلَ الْمَهْقُوعَ. وَالزُّورُ أَعْلَى الصَّدْرِ، وَفَسَّرَهُ فِي الْمُنْتَقَى فَقَالَ الْمَهْقُوعُ الَّذِي إذَا سَارَ سُمِعَ مِمَّا بَيْنَ حَاصِرَتَيْهِ وَفَرْجِهِ صَوْتٌ وَالِانْتِشَارُ وَهُوَ انْتِفَاخُ الْعَصَبِ عِنْدَ الْإِعْيَاءِ وَتَحَرُّكُ الشَّظَى كَانْتِشَارِ الْعَصَبِ غَيْرَ أَنَّ الْفَرَسَ لِانْتِشَارِ الْعَصَبِ أَشَدُّ احْتِمَالًا مِنْهُ لِتَحَرُّكِ الشَّظَى وَالشَّظَى عَظْمٌ مُلْتَزِقٌ بِالذِّرَاعِ وَالشَّامَةُ إنْ كَانَتْ عَلَى الْخَدِّ كَانَتْ زِينَةً فَإِنْ كَانَتْ عَلَى الْأَرْنَبَةِ كَانَتْ قُبْحًا اهـ. وَفِي الْقُنْيَةِ اشْتَرَى حَانُوتًا فَوَجَدَ بَعْدَ الْقَبْضِ عَلَى بَابِهِ مَكْتُوبًا وَقْفٌ عَلَى مَسْجِدِ كَذَا لَا يَرُدُّهُ لِأَنَّهَا عَلَامَةٌ لَا تُبْنَى الْأَحْكَامُ عَلَيْهَا اشْتَرَى أَرْضًا فَظَهَرَ أَنَّهَا مَيْشُومَةٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَمَكَّنَ مِنْ الرَّدِّ لِأَنَّ النَّاسَ لَا يَرْغَبُونَ فِيهَا وَلَوْ اشْتَرَى حِمَارًا لَا يَنْهَقُ فَهُوَ عَيْبٌ وَتَرْكُ الصَّلَاةِ فِي الْعَبْدِ لَا يُوجِبُ الرَّدَّ. اهـ. وَقَدَّمْنَا خِلَافَهُ وَفِي آخِرِ الْبَابِ مِنْ فَتْحِ الْقَدِيرِ قَطْعُ الْإِصْبَعِ عَيْبٌ وَالْأُصْبُعَانِ عَيْبَانِ وَالْأَصَابِعُ مِنْ الْكَفِّ عَيْبٌ وَاحِدٌ وَحَذْفُ الْحُرُوفِ أَوْ نَقْصُهَا أَوْ النَّقْطُ أَوْ الْإِعْرَابُ فِي الْمُصْحَفِ عَيْبٌ. (فَائِدَةٌ) فِي مِيمِ الْمُصْحَفِ الْحَرَكَاتُ الثَّلَاثَةُ ذَكَرَهُ الْكَرْمَانِيُّ فِي شَرْحِ كِتَابِ الْإِمَامَةِ وَالْمُصَرَّاةُ شَاةُ وَنَحْوُهَا شَدَّ ضَرْعَهَا لِيَجْتَمِعَ لَبَنهَا لِيَظُنَّ الْمُشْتَرِي أَنَّهَا كَثِيرَةُ اللَّبَنِ فَإِذَا حَلَبَهَا لَيْسَ لَهُ رَدُّهَا عِنْدَنَا وَلَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ فِي رِوَايَةِ الْكَرْخِيِّ وَيَرْجِعُ فِي رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ لِفَوَاتِ وَصْفٍ مَرْغُوبٍ بَعْدَ زِيَادَةٍ مُنْفَصِلَةٍ وَلَوْ اُخْتِيرَتْ لِلْفَتْوَى كَانَ حَسَنًا لِغُرُورِ الْمُشْتَرِي بِالتَّصْرِيَةِ اهـ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ التَّصْرِيَةُ لَيْسَتْ بِعَيْبٍ عِنْدَنَا وَكَذَا لَوْ سَوَّدَ أَنَامِلَ عَبْدَهُ وَأَجْلَسَهُ عَلَى الْمَعْرَضِ حَتَّى ظَنَّهُ الْمُشْتَرِي كَاتِبًا أَوْ أَلْبَسَهُ ثِيَابَ الْخَبَّازِينَ حَتَّى ظَنَّهُ خَبَّازًا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ لِأَنَّهُ مُغْتَرٌّ وَلَيْسَ بِمَغْرُورٍ. اهـ. وَفِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ فِي الْمُصَرَّاةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَرُدَّهَا وَقِيمَةُ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ وَيَحْبِسُ لَبَنَهَا لِنَفْسِهِ اهـ. وَهُوَ أَقْرَبُ إلَى حَدِيثِ الْمُصَرَّاةِ الثَّابِتِ فِي الصَّحِيحَيْنِ إلَّا أَنَّ الْحَدِيثَ أَوْجَبَ رَدَّ الصَّاعِ وَهُوَ أَوْجَبَ قِيمَتَهُ. (قَوْلُهُ فَلَوْ حَدَثَ آخَرُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي رَجَعَ بِنُقْصَانِهِ أَوْ رَدَّ بِرِضَا بَائِعِهِ) أَيْ حَدَثَ بَعْدَمَا اطَّلَعَ عَلَى الْعَيْبِ الْقَدِيمِ امْتَنَعَ رَدُّهُ جَبْرًا عَلَى الْبَائِعِ لِدَفْعِ الْأَضْرَارِ عَنْهُ لِكَوْنِهِ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ سَالِمًا وَيَعُودُ مَعِيبًا فَتَعَيَّنَ الرُّجُوعُ بِالنُّقْصَانِ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ بِمَا حَدَثَ لِرِضَاهُ بِالضَّرَرِ إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ فَإِنَّ الْبَائِعَ إذَا رَضِيَ بِالْعَيْبِ الْحَادِثِ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يُجْبَرُ عَلَى رَدِّهِ وَإِنَّمَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ هِيَ مَا إذَا اشْتَرَى عَبْدًا فَظَهَرَ أَنَّهُ قَتَلَ إنْسَانًا خَطَأً عِنْدَ الْبَائِعِ ثُمَّ قَتَلَ آخَرَ عِنْد الْمُشْتَرِي فَإِنَّ الْبَائِعَ إذَا أَرَادَ قَبُولَهُ بِالْجِنَايَتَيْنِ لَا يُجْبَرُ الْمُشْتَرِي وَإِنَّمَا يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْجِنَايَةِ الْأُولَى دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ لِأَنَّهُ لَوْ رَدَّهُ عَلَى بَائِعِهِ كَانَ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ فِيهِمَا وَتَمَامُهُ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ أَطْلَقَ فِي الْحُدُوثِ فَشَمَلَ مَا إذَا كَانَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَوْ بِغَيْرِهَا كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ وَشَمَلَ مَا إذَا اشْتَرَاهُ مَرِيضًا فَازْدَادَ فِي يَدِهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ الرَّدُّ وَقِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يُرَدَّ كَمَا فِي وَجَعِ السِّنِّ إذَا ازْدَادَ إلَّا إذَا صَارَ صَاحِبَ فِرَاشٍ كَذَا فِي خِزَانَةِ الْفِقْهِ وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ إذَا تَعَيَّبَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَالْفَدَعُ عِوَجٌ إلَخْ) الْفَدَعُ بِالْفَاءِ وَبِالدَّالِ وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَتَيْنِ (قَوْلُهُ وَالْأُصْبُعَانِ عَيْبَانِ) أَيْ فَلَا يَبْرَأُ إذَا كَانَتْ الْبَرَاءَةُ عَنْ عَيْبٍ وَاحِدٍ كَذَا نَقَلَ عَنْ الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 51 بِفِعْلِهِ أَوْ بِفِعْلِ أَجْنَبِيٍّ أَوْ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إذَا تَعَيَّبَ عِنْدَهُ بِفِعْلِ الْبَائِعِ لَا يَمْتَنِعُ الرَّدُّ وَظَاهِرُ إطْلَاقِ الْكِتَابِ امْتِنَاعُ الرَّدِّ جَبْرًا أَيْضًا وَفِي الْقُنْيَةِ اشْتَرَى عَبْدًا وَبِهِ أَثَرُ قُرْحَةٍ وَبَرَأَتْ مِنْهُ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ ثُمَّ عَادَتْ قُرْحَةٌ فَأَخْبَرَ الْجَرَّاحُونَ أَنَّ عَوْدَهَا بِالْعَيْبِ الْقَدِيمِ لَمْ يَرُدَّهُ وَيَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَسْأَلَةٍ كَانَتْ بِهِ قُرْحَةٌ فَانْفَجَرَتْ أَوْ جُدَرِيٌّ فَانْفَجَرَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَلَهُ الرَّدُّ لِأَنَّ انْفِجَارَهُ لَيْسَ بِعَيْبٍ حَادِثٍ اهـ. وَمِنْ الْعَيْبِ الْحَادِثِ مَا لَوْ اشْتَرَى مَا لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ فِي بَلَدٍ فَأَرَادَ أَنْ يَرُدَّهُ بِعَيْبٍ قَدِيمٍ فِي بَلَدٍ آخَرَ لَيْسَ لَهُ الرَّدُّ جَبْرًا لَا فِي بَلَدِ الْعَقْدِ كَالثَّمَرِ وَمِنْ الْعَيْبِ الْحَادِثِ نَتْفُ رِيشِ الطَّيْرِ الْمَذْبُوحِ فَيَمْتَنِعُ الرَّدُّ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ حُدُوثَ الْعَيْبِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي شَامِلٌ لِمَا إذَا نَقَصَ عِنْدَهُ وَحَاصِلُ مَا إذَا نُقِصَ الْمَبِيعُ أَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي يَدِ الْبَائِعِ أَوْ يَدِ الْمُشْتَرِي فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَعَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ بِفِعْلِ الْبَائِعِ أَوْ بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي أَوْ أَجْنَبِيٍّ أَوْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ أَوْ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فَإِنَّ بِفِعْلِ الْبَائِعِ خُيِّرَ الْمُشْتَرِي وَجَدَ بِهِ عَيْبًا أَوْ لَا إنْ شَاءَ تَرَكَهُ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَهُ وَطَرَحَ مِنْ الثَّمَنِ حِصَّةَ النُّقْصَانِ وَإِنْ كَانَ بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي لَزِمَهُ جَمِيعُ الثَّمَنِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْسِكَهُ وَيَطْلُبَ النُّقْصَانَ وَلَوْ مَنَعَهُ الْبَائِعُ بَعْدَ جِنَايَةِ الْمُشْتَرِي لِأَجْلِ الثَّمَنِ فَلِلْمُشْتَرِي رَدُّهُ بِالْعَيْبِ وَيَسْقُطُ عَنْهُ الثَّمَنُ إلَّا مَا نَقَصَهُ بِفِعْلِهِ وَإِنْ كَانَ النُّقْصَانُ بِفِعْلِ الْأَجْنَبِيِّ فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ بِعَيْبٍ أَوْ لَا إنْ شَاءَ رَضِيَ بِهِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَاتَّبَعَ الْجَانِي أَرْشَهُ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ وَسَقَطَ عَنْهُ الثَّمَنُ وَإِنْ كَانَ النُّقْصَانُ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَوْ بِفِعْلِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ بِرَدِّهِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ أَوْ يَأْخُذُهُ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا أَوْ لَا وَلَوْ أَخَذَهُ يَطْرَحُ عَنْهُ حِصَّةَ جِنَايَةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَأَمَّا النُّقْصَانُ بَعْدَ الْقَبْضِ فَإِنْ كَانَ بِفِعْلِهِ أَوْ بِفِعْلِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ أَوْ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ لَا يَرُدُّهُ بِالْعَيْبِ لِأَنَّهُ يَرُدُّهُ بِعَيْبَيْنِ وَيَرْجِعُ بِحِصَّةِ الْعَيْبِ إلَّا إذَا رَضِيَ بِهِ الْبَائِعُ نَاقِصًا وَإِنْ كَانَ بِفِعْلِ الْبَائِعِ أَوْ الْأَجْنَبِيِّ يَجِبُ الْأَرْشُ عَلَى الْجَانِي وَأَنَّهُ يَمْنَعُ الرَّدَّ وَيَرْجِعُ بِحِصَّةِ الْعَيْبِ مِنْ الثَّمَنِ اهـ. وَفِي الْوَاقِعَاتِ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ بِالْكَفَنِ لَا يَرُدُّهُ وَلَا يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ إلَّا إذَا أَحْدَثَ بِهِ عَيْبًا فَلَهُ الرُّجُوعُ بِالنُّقْصَانِ وَصُورَةُ الرُّجُوعِ بِالنُّقْصَانِ أَنْ يَقُومَ الْمَبِيعُ وَلَيْسَ بِهِ عَيْبٌ قَدِيمٌ وَيَقُومُ وَبِهِ ذَلِكَ فَيَنْظُرُ إلَى مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ لِأَجْلِ النُّقْصَانِ وَيُنْسَبُ إلَى الْقِيمَةِ السَّلِيمَةِ فَإِنْ كَانَتْ النِّسْبَةُ الْعُشْرُ رَجَعَ بِعُشْرِ الثَّمَنِ وَإِنْ كَانَتْ النِّصْفَ فَبِنِصْفِ الثَّمَنِ بَيَانُهُ إذَا اشْتَرَى ثَوْبًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَقِيمَتُهُ مِائَةِ دِرْهَمٍ وَاطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ يُنْقِصُهُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَقَدْ حَدَثَ بِهِ عَيْبٌ عِنْدَهُ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِعُشْرِ الثَّمَنِ وَهُوَ دِرْهَمٌ وَلَوْ اشْتَرَاهُ بِمِائَتَيْنِ وَقِيمَتُهُ مِائَةٌ وَنَقَصَهُ الْعَيْبُ عَشَرَةٌ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِعُشْرِ الثَّمَنِ وَذَلِكَ عِشْرُونَ وَإِنْ نَقَصَهُ عِشْرِينَ رَجَعَ بِخُمُسِ الثَّمَنِ وَهُوَ أَرْبَعُونَ وَإِنْ اشْتَرَاهُ بِمِائَةٍ وَهُوَ يُسَاوِي مِائَةً وَنَقَصَهُ عَشَرَةً رَجَعَ بِعُشْرِ الثَّمَنِ وَهُوَ عَشَرَةٌ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ مَعْزِيًّا إلَى الْيَنَابِيعِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَفِي الْمُقَايَضَةِ أَنَّ النُّقْصَانَ عُشْرُ الْقِيمَةِ رَجَعَ بِعُشْرِ مَا جُعِلَ ثَمَنًا وَالْمُقَوَّمُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ اثْنَيْنِ يُخْبِرَانِ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ بِحَضْرَةِ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي وَالْمُقَوِّمُ الْأَهْلُ فِي كُلِّ حِرْفَةٍ اهـ. وَيَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ التَّقْوِيمِ هُنَا وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ وَأَنَّهُمْ اكْتَفَوْا فِي تَقْوِيمِ الْمُتْلِفَاتِ بِتَقْوِيمٍ وَاحِدٍ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ وَظَاهِرِ الْكِتَابِ أَنَّ الْبَائِعَ إذَا رَضِيَ بِرَدِّهِ فَالْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي بَيْنَ الرَّدِّ وَالْإِمْسَاكِ وَالرُّجُوعِ بِالنُّقْصَانِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ إذَا رَضِيَ الْبَائِعُ فَإِنَّهُ يُخَيَّرُ إنْ شَاءَ أَمْسَكَهُ وَلَا رُجُوعَ لَهُ بِالنُّقْصَانِ وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ وَغَيْرِهِ وَإِذَا رَجَعَ بِالنُّقْصَانِ ثُمَّ زَالَ الْعَيْبُ الْجَدِيدُ فَلَهُ رَدُّ الْمَعِيبِ مَعَ النُّقْصَانِ وَنُقِلَ فِي الْقُنْيَةِ فِيهَا أَقْوَالًا ثَلَاثَةً الْأَوَّلُ مَا ذَكَرْنَاهُ وَقَوْلُهُ بِكِتَابٍ آخَرَ ثُمَّ رَقَمَ الثَّانِي بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الرَّدُّ ثُمَّ رَقَمَ لِثَالِثٍ بِأَنَّهُ مَالَ إلَى أَنَّهُ يَرُدُّهُ إنْ كَانَ بَدَلُ النُّقْصَانِ قَائِمًا وَإِلَّا فَلَا اهـ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْعَيْبَ الْحَادِثَ كَانَ مَانِعًا مِنْ الرَّدِّ بِالْقَدِيمِ وَقَدْ زَالَ فَيَعُودُ الرَّدُّ وَالْقَائِلُ بِعَدَمِهِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا أَوْ لَا) الظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُ بِالْعَيْبِ الْعَيْبُ الْقَدِيمُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلَوْ أَخَذَهُ يَطْرَحُ عَنْهُ حِصَّةَ جِنَايَةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْعَيْبُ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ لَا يَطْرَحُ عَنْهُ حِصَّتَهُ فَلْيُرَاجَعْ وَانْظُرْ مَا قَدَّمَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ كَتَعَيُّبِهِ. (قَوْلُهُ وَظَاهِرُ الْكِتَابِ أَنَّ الْبَائِعَ إلَخْ) إنْ أَرَادَ بِالْكِتَابِ الْكَنْزَ فَهَذَا الظَّاهِرُ غَيْرُ ظَاهِرِ فَتَأَمَّلْهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 52 يَقُولُ إنَّ الرَّدَّ سَقَطَ وَالسَّاقِطُ لَا يَعُودُ وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْلُهُمْ فِي خِيَارِ الرُّؤْيَةِ لَوْ بَاعَهُ ثُمَّ رُدَّ عَلَيْهِ بِقَضَاءٍ فَإِنَّهُ لَا خِيَارَ لَهُ لِأَنَّهُ قَدْ سَقَطَ فَلَا يَعُودُ وَمِنْ الْعَيْبِ الْحَادِثِ الْمَانِعِ مِنْ الرَّدِّ مَا إذَا اشْتَرَى حَدِيدًا لِيَتَّخِذَ مِنْهُ آلَاتِ النَّجَّارِينَ وَجَعَلَهُ فِي الْكُورِ لِيُجَرِّبَهُ بِالنَّارِ فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا وَلَا يَصْلُحُ لِتِلْكَ الْآلَاتِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ وَلَا يَرُدُّهُ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ وَمِنْهُ أَيْضًا بَلْ الْجُلُودُ عَيْبٌ حَادِثٌ يَمْنَعُ الرَّدَّ بِقَدِيمِ وَكَذَا بَلُّ الْإِبْرَيْسَمِ مِنْهُ أَيْضًا وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ بَلَّ إبْرَيْسَمًا فَرَأَى عَيْبَهُ يَرْجِعُ بِنَقْصِهِ وَكَذَا الْأَدِيمُ لَوْ أُنْقِعَ فِي الْمَاءِ فَرَأَى عَيْبَهُ لَمْ يَرُدَّهُ وَإِنْ رَضِيَ بَائِعُهُ وَهَذَا مُشْكِلٌ وَلَوْ أَدْخَلَ فِي النَّارِ قَدُومًا فَرَأَى عَيْبَهُ لَمْ يَرُدَّهُ إذْ الْحَدِيدُ يَنْقُصُ بِالنَّارِ بِخِلَافِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ كَحَدِيدٍ أَقُولُ: الذَّهَبُ يُنْتَقَصُ فِي النَّارِ إذَا ذَابَ أَيْضًا اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الذَّوْبِ وَلَوْ حَدَّدَ سِكِّينًا فَرَأَى عَيْبَهُ وَإِنْ حَدَّدَهُ بِحَجَرٍ فَلَهُ الرَّدُّ لَا لَوْ حَدَّدَهُ بِمِبْرَدٍ لِأَنَّهُ يُنْتَقَصُ مِنْهُ اهـ. وَذَكَرَ قَبْلَهُ شَرَى شَجَرَةً لِيَتَّخِذَ مِنْهَا بَابًا أَوْ نَحْوَهُ فَقَطَعَهَا فَوَجَدَهَا لَا تَصْلُحُ لِذَلِكَ فَلَهُ الرُّجُوعُ بِنَقْصِ الْعَيْبِ لَا الرَّدِّ إلَّا بِرِضَا بَائِعِهِ. اهـ. وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِاشْتِرَاطِ رِضَا الْبَائِعِ إلَى فَرْعٍ فِي الْقُنْيَةِ لَوْ رَدَّ الْمَبِيعَ بِعَيْبٍ بِقَضَاءٍ أَوْ بِغَيْرِ قَضَاءٍ أَوْ تَقَايُلًا ثُمَّ ظَفِرَ الْبَائِعُ بِعَيْبٍ حَدَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَلَهُ الرَّدُّ اهـ. يَعْنِي: لِعَدَمِ رِضَاهُ بِهِ أَوْ لَا وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ رَدَّهُ لِيَشْتَرِيَ بِعَيْبٍ وَعَلِمَ الْبَائِعُ بِحُدُوثِ عَيْبٍ آخَرَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي رُدَّ عَلَى الْمُشْتَرِي مَعَ أَرْشِ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ أَوْ رَضِيَ بِالْمَرْدُودِ وَلَا شَيْءَ بِهِ وَإِنْ حَدَثَ فِيهِ عَيْبٌ آخَرُ عِنْدَ الْبَائِعِ رَجَعَ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِأَرْشِ الْعَيْبِ الثَّانِي إلَّا أَنْ يَرْضَى أَنْ يُقْبَلَ بِعَيْبِ الثَّالِثِ أَيْضًا اهـ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّا كَتَبْنَا فِي الْفَوَائِدِ الْفِقْهِيَّةِ أَنَّهُ يَسْتَثْنِي مِنْ قَوْلِهِمْ لَوْ حَدَثَ بِهِ عَيْبٌ وَبِهِ عَيْبٌ قَدِيمٌ رَجَعَ بِنَقْصِهِ أَوْ رُدَّ بِرِضَا بَائِعِهِ مَسْأَلَتَانِ إحْدَاهُمَا بَيْعُ التَّوْلِيَةِ لَوْ بَاعَ شَيْئًا تَوْلِيَةً ثُمَّ حَدَثَ بِهِ عَيْبٌ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَبِهِ عَيْبٌ قَدِيمٌ لَا رُجُوعَ وَلَا رَدَّ لِأَنَّهُ لَوْ رَجَعَ صَارَ الثَّمَنُ الثَّانِي أَنْقَصَ مِنْ الْأَوَّلِ وَقَضِيَّةُ التَّوْلِيَةِ أَنْ يَكُونَ مِثْلَ الْأَوَّلِ ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي بَابِهَا الثَّانِيَةُ فِي السَّلَمِ لَوْ قَبَضَ الْمُسْلَمَ فِيهِ فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا كَانَ عِنْدَ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَحَدَثَ بِهِ عَيْبٌ عِنْدَ رَبِّ السَّلَمِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ خُيِّرَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ إنْ شَاءَ قَبِلَهُ مَعِيبًا بِالْعَيْبِ الْحَادِثِ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَقْبَلْ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لَا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَلَا مِنْ نُقْصَانِ الْعَيْبِ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ بَابِ السَّلَمِ وَذَكَرَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ هُنَا وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ لَوْ غَرِمَ نُقْصَانَ الْعَيْبِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ كَمَا قَالَ مُحَمَّدٌ كَانَ اعْتِيَاضًا عَنْ الْجَوْدَةِ وَهُوَ رِبًا اهـ. (قَوْلُهُ وَمَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا فَقَطَعَهُ فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا رَجَعَ بِالْعَيْبِ) أَيْ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ لِأَنَّ الْقَطْعَ عَيْبٌ حَادِثٌ (قَوْلُهُ وَإِنْ قَبِلَهُ الْبَائِعُ كَذَلِكَ فَلَهُ ذَلِكَ) لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ لَحِقَهُ وَقَدْ رَضِيَ بِهِ وَهُوَ تَكْرَارٌ لِأَنَّ رُجُوعَهُ وَجَوَازَ رَدِّهِ بِرِضَا بَائِعِهِ فِي الثَّوْبِ مِنْ إفْرَادِ مَا قَدَّمَهُ وَلَمْ تَظْهَرْ فَائِدَةٌ لِإِفْرَادِ الثَّوْبِ إلَّا لِيَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ مَسْأَلَةُ مَا إذَا خَاطَهُ فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ الرَّدُّ وَلَوْ بِرِضَاهُ وَكَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَقُولَ أَوْ لَا أَوْ رُدَّ بِرِضَا بَائِعِهِ إلَّا عِنْدَ حُدُوثِ زِيَادَةٍ وَوَطْءُ الْجَارِيَةِ كَقَطْعِ الثَّوْبِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَوَطْؤُهَا يَمْنَعُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا وَكَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِالنُّقْصَانِ إلَّا أَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ أَنَا أَقْبَلُهَا كَذَلِكَ وَوَطْءُ غَيْرِ الْمُشْتَرِي كَذَلِكَ يَمْنَعُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ سَوَاءٌ كَانَ عَنْ شُبْهَةٍ أَوْ لَا عَنْ شُبْهَةِ غَيْرِ أَنَّ   [منحة الخالق] [اشْتَرَى ثَوْبًا فَقَطَعَهُ فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا] قَوْلُهُ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَوَطْؤُهَا يَمْنَعُ الرَّدَّ إلَخْ) مِثْلُهُ فِي الْخَانِيَّةِ حَيْثُ قَالَ اشْتَرَى جَارِيَةً وَقَبَضَهَا فَوَطِئَهَا أَوْ قَبَّلَهَا بِشَهْوَةٍ ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا لَا يَرُدُّهَا وَلَكِنْ يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ إلَّا إذَا رَضِيَ الْبَائِعُ أَنْ يَأْخُذَهَا وَلَا يَدْفَعُ النُّقْصَانَ اهـ. وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ وَفِي الْأَصْلِ رَجُلٌ اشْتَرَى جَارِيَةً وَلَمْ يَبْرَأْ مِنْ عُيُوبِهَا فَوَطِئَهَا ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا لَا يَمْلِكُ رَدَّهَا سَوَاءٌ كَانَتْ بِكْرًا أَوْ ثَيِّبًا نَقَصَهَا الْوَطْءُ أَوْ لَا بِخِلَافِ الِاسْتِخْدَامِ وَكَذَا لَوْ قَبَّلَهَا أَوْ لَمَسَهَا بِشَهْوَةٍ وَيَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ إلَّا أَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ أَنَا أَقْبَلُهَا اهـ. لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْخَانِيَّةِ فِي أَوَّلِ فَصْلِ الْعُيُوبِ وَلَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً عَلَى أَنَّهَا بِكْرٌ ثُمَّ قَالَ هِيَ ثَيِّبٌ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُرِيهَا النِّسَاءَ إنْ قُلْنَ هِيَ بِكْرٌ كَانَ الْقَوْلُ لِلْبَائِعِ وَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ وَإِنْ قُلْنَ هِيَ ثَيِّبٌ كَانَ الْقَوْلُ لِلْبَائِعِ مَعَ يَمِينِهِ وَإِنْ وَطِئَهَا الْمُشْتَرِي فَعَلِمَ بِالْوَطْءِ فَإِنْ زَايَلَهَا كَمَا عَلِمَ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِكْرًا بِلَا لُبْثٍ وَإِلَّا لَزِمَتْهُ الْجَارِيَةُ هَكَذَا ذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَرُدُّهَا بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ. اهـ. وَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَ مَا إذَا وَجَدَ بِهَا عَيْبًا بَعْدَ الْوَطْءِ وَبَيْنَ مَا إذَا عَلِمَ الْعَيْبَ بِالْوَطْءِ فَلْيُتَأَمَّلْ مَا وَجْهُهُ ثُمَّ رَأَيْت فِي الْقُنْيَةِ ذَكَرَ قَوْلَ أَبِي الْقَاسِمِ الْمَذْكُورِ ثُمَّ رَمْزٍ وَقَالَ وَالْوَطْءُ يَمْنَعُ الرَّدَّ وَهُوَ الْمَذْهَبُ اهـ. وَمُفَادُهُ أَنَّ مَا قَالَهُ أَبُو الْقَاسِمِ خِلَافُ الْمَذْهَبِ لِمُخَالَفَتِهِ لِمَا مَرَّ عَنْ الْأَصْلِ الَّذِي هُوَ مِنْ كُتُبِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَتَعْبِيرِ الْخَانِيَّةِ بِقَوْلِهِ هَكَذَا ذَكَرَ إلَخْ يُشْعِرُ بِضَعْفِهِ فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ الْوَطْءَ وَدَوَاعِيَهُ يَمْنَعُ مِنْ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَبِهِ ظَهَرَ جَوَابَ حَادِثَةِ الْفَتْوَى اشْتَرَى جَارِيَةً رُومِيَّةً لِلتَّسَرِّي فَوَطِئَهَا فَوَجَدَهَا رَتْقَاءَ وَأَخْبَرَتْ امْرَأَتَانِ بِذَلِكَ أَيْضًا فَإِذَا حَلَفَ الْبَائِعُ عَلَى الْبَتَاتِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ كَمَا سَيَأْتِي وَإِذَا لَمْ يَحْلِفْ يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 53 الْوَطْءَ إذَا كَانَ عَنْ شُبْهَةٍ كَانَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرْجِعَ بِالنُّقْصَانِ وَإِنْ قَالَ الْبَائِعُ أَنَا أَقْبَلُهَا كَذَلِكَ لِمَكَانِ الْعُقْرِ الْوَاجِبِ بِالْوَطْءِ عَنْ شُبْهَةٍ وَإِنْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ ذَاتَ زَوْجٍ عِنْدَ الْبَائِعِ فَوَطِئَهَا زَوْجُهَا عِنْدَ الْمُشْتَرِي إنْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ بِكْرًا فَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّهَا وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا إنْ نَقَصَهَا الْوَطْءُ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ وَإِنْ لَمْ يَنْقُصْهَا كَانَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّهَا هَذَا إذَا وَطِئَهَا الزَّوْجُ مَرَّةً فِي يَدِ الْبَائِعِ ثُمَّ وَطِئَهَا عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَأَمَّا إذَا لَمْ يَطَأْهَا عِنْدَ الْبَائِعِ مَرَّةً إنَّمَا وَطِئَهَا عِنْدَ الْمُشْتَرِي لَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ هَذَا الْفَصْلَ فِي الْأَصْلِ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا تَرُدُّ بِالْعَيْبِ وَلَوْ اشْتَرَى بِرْذَوْنًا فَخَصَاهُ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ بِهِ بَعْدَ الْخِصَاءِ كَانَ لَهُ الرَّدُّ إذَا لَمْ يُنْقِصْهُ الْخَصِيُّ كَذَا فِي فَتَاوَى أَهْلِ سَمَرْقَنْدَ وَكَانَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيُّ يُفْتِي بِخِلَافِهِ. اهـ (قَوْلُهُ وَإِنْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ) لِكَوْنِهِ حَابِسًا لَهُ بِالْبَيْعِ لِإِمْكَانِ الرَّدِّ بِرِضَا بَائِعِهِ فَكَانَ مُفَوِّتًا لِلرَّدِّ أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ مَا إذَا كَانَ بَاعَهُ بَعْدَ رُؤْيَةِ الْعَيْبِ أَوْ قَبْلَهُ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَمَا إذَا كَانَ لِضَرُورَةٍ أَوْ لَا لِمَا فِي الْقُنْيَةِ اشْتَرَى سَمَكَةً فَوَجَدَهَا مَعِيبَةً وَغَابَ الْبَائِعُ وَلَوْ انْتَظَرَ حُضُورَهُ تَفْسُدُ فَشَوَاهَا وَبَاعَهَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ وَلَا سَبِيلَ لَهُ فِي دَفْعِ هَذَا الضَّرَرِ وَسُئِلَ عَنْ مِثْلِهَا فِي الْمِشْمِشِ فَقَالَ لَا يَرْجِعُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ مَعْزِيًّا إلَى الْجَامِعِ اشْتَرَى عَصِيرًا وَقَبَضَهُ ثُمَّ تَخَمَّرَ ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا لَا يَرُدُّهُ وَإِنْ رَضِيَ بِهِ الْبَائِعُ لِأَنَّ فِي الرَّدِّ تَمْلِيكُ الْخَمْرِ وَتَمَلُّكُهُ قَصْدًا لِأَنَّ الرَّدَّ بِالتَّرَاضِي بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ الْمَالِكِ وَحُرْمَةُ تَمْلِيكِ الْخَمْرِ حَقُّ الشَّرْعِ فَاعْتُبِرَ بَيْعًا جَدِيدًا فِي حَقِّهِ وَإِنْ صَارَ خَلَّالًا يَرُدُّ إلَّا إذَا رَضِيَ بِهِ الْبَائِعُ لِأَنَّهُ تَعَيَّبَ عِنْدَهُ بِعَيْبٍ آخَرَ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ حُلْوًا وَيَرُدُّهُ حَامِضًا وَيَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ فِي الْحَالَيْنِ. وَكَذَا لَنَصْرَانِيَّانِ تَبَايَعَا خَمْرًا وَتَقَابَضَا ثُمَّ أَسْلَمَا ثُمَّ وَجَدَ الْمُشْتَرِي بِالْخَمْرِ عَيْبًا لَا يَرُدُّهُ وَيَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ الْأَصْلُ أَنَّ الْقَضَاءَ بِثَمَنَيْنِ مَعًا مُقَابِلًا بِالْمَبِيعِ الْوَاحِدِ جَائِزٌ لِأَنَّ اجْتِمَاعَ ثَمَنَيْنِ فِي ذِمَّةٍ وَاحِدَةٍ بِمُقَابَلَةِ مَبِيعٍ وَاحِدٍ عَلَى التَّرَادُفِ جَائِر بِأَنْ اشْتَرَى أَحَدَهُمَا وَبَاعَهُ مِنْ آخَرَ ثُمَّ اشْتَرَاهُ مِنْهُ رَجُلَانِ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ عَبْدًا فِي يَدِ إنْسَانٍ أَنَّهُ بَاعَهُ مِنْ ذِي الْيَدِ وَهُوَ يُنْكِرُ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَعَلَيْهِ الثَّمَنَانِ وَكَذَلِكَ لَوْ قَامَ كُلَّ وَاحِدٍ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ عَبْدَهُ بَاعَهُ مِنْهُ وَقَدْ نَتَجَ عِنْدَهُ الدَّعْوَى وَقَعَتْ فِي الثَّمَنِ لَا فِي الْمَبِيعِ لِأَنَّ الْمَبِيعَ الَّتِي كَانَ مُسْلَمًا لَا تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْبَيْعِ لِإِثْبَاتِ الْمِلْكِ فِيهِ لِاسْتِغْنَائِهِ عَنْهُ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُفْتَقَرُ إلَيْهِ فِيمَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ فَيَسْتَوْجِبُ الثَّمَنَ عَلَى الْمُشْتَرِي وَقَدْ اسْتَغْنَى عَنْ تَسْلِيمِهِ وَتَمَامُهُ فِيهِ وَفِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ مِنْ الشَّهَادَات فِي الْبُيُوعِ الْقَضَاءُ بِثَمَنَيْنِ مَعًا فِي عَيْنٍ جَائِزٌ وَمَبِيعَيْنِ لَا إلَى أَنْ فُرِّعَ عَلَى الْأَوَّلِ أَوْ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ رَدَّهُ عَلَى أَيِّهِمَا شَاءَ وَلَوْ حَدَثَ بِهِ عَيْبٌ عِنْدَهُ رَجَعَ بِالنُّقْصَانِ عَلَى أَيِّهِمَا شَاءَ لَا عَلَيْهِمَا. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْبَيْعَ مَانِعٌ مِنْ الرُّجُوعِ بِالنُّقْصَانِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ بَعْدَ حُدُوثِ نَقْصٍ عِنْدَ الْمُشْتَرِي أَوْ قَبْلَهُ إلَّا إذَا كَانَ بَعْدَ زِيَادَةٍ كَمَا سَيَأْتِي وَلِذَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَلَوْ أَخْرَجَ الْمَبِيعَ عَنْ مِلْكِهِ بِحَيْثُ لَا يَبْقَى لِمِلْكِهِ أَثَرٌ بِأَنْ بَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ أَوْ أَقَرَّ بِهِ لِغَيْرِهِ ثُمَّ عَلِمَ بِالْعَيْبِ لَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ وَكَذَا لَوْ بَاعَ بَعْضَهُ وَإِنْ تَصَرَّفَ تَصَرُّفًا لَا يُخْرِجُهُ عَنْ مِلْكِهِ، بَابٌ أَجَرَهُ أَوْ رَهَنَهُ أَوْ كَانَ طَعَامًا فَطَبَخَهُ أَوْ سَوِيقًا فَلَتَّهُ بِسَمْنٍ أَوْ مَاءٍ فِي الْعَرْصَةِ وَنَحْوِهِ ثُمَّ عَلِمَ بِالْعَيْبِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ إلَّا فِي الْكِتَابَةِ اهـ. وَذَكَرَ هُنَا مَسْأَلَتَيْنِ فِي فُرُوقِ الْكَرَابِيسِيِّ مِنْ أَوَّلِ كِتَابِ الْوَكَالَةِ قَالَ رَجُلٌ اشْتَرَى جَارِيَةً فَقَبَضَهَا فَبَاعَهَا مِنْ غَيْرِهِ وَقَبَضَهَا الثَّانِي ثُمَّ اشْتَرَاهَا الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ مِنْ الْمُشْتَرِي الثَّانِي وَقَبَضَهَا   [منحة الخالق] عَلَيْهِ بِنُقْصَانِ هَذَا الْعَيْبِ هَذَا مَا ظَهَرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ بَاعَ بَعْضَهُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ امْتَنَعَ الرُّجُوعُ بِالنُّقْصَانِ وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ فِي مَسْأَلَةِ أَكْلِ بَعْضِ الطَّعَامِ وَإِنْ بَاعَ نِصْفَهُ يَرُدُّ مَا بَقِيَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ أَيْضًا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَلَا يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ مَا بَاعَ لِأَنَّ الْبَيْعَ قَطَعَ الْمِلْكَ فَتَنْقَطِعُ أَحْكَامُهُ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ اشْتَرَى غُلَامَيْنِ فَقَبَضَهُمَا فَبَاعَ أَحَدَهُمَا ثُمَّ وَجَدَ بِهِمَا عَيْبًا يَرُدُّ مَا بَقِيَ وَلَا يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ مَا بَاعَ بِالْإِجْمَاعِ فَكَذَا هُنَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ. اهـ. وَفِي الْمُجْتَبَى أَكَلَ بَعْضَ الطَّعَامِ يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ عَيْبِهِ وَيَرُدُّ مَا بَقِيَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَبِهِ يُفْتَى وَإِنْ بَاعَ نِصْفَهُ لَا يَرْجِعُ بِنُقْصَانِهِ وَيَرُدُّ مَا بَقِيَ وَبِهِ يُفْتَى أَيْضًا وَسَيَأْتِي فِي هَذَا الشَّرْحِ فِي مَسْأَلَةِ أَكْلِ بَعْضِ الطَّعَامِ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا فِي الرُّجُوعِ بِالنُّقْصَانِ وَرَدَّ مَا بَقِيَ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ اهـ. وَمِثْلُ مَا فِي الْخُلَاصَةِ فِي النِّهَايَةِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ رَامِزًا لِلْخَانِيَّةِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَرْجِعُ بِنَقْصِ مَا بَاعَ وَيَرُدُّ الْبَاقِيَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا بَاعَ بَعْضَ الطَّعَامِ لَا يَرْجِعُ بِنُقْصَانِهِ نَعَمْ لَهُ رَدُّ الْبَاقِي بِخِلَافِ مَا إذَا أَكَلَ بَعْضَهُ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِنُقْصَانِهِ وَيَرُدُّ مَا بَقِيَ وَالْفَرْقُ كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ أَنَّهُ بِالْأَكْلِ تَقَرَّرَ الْعَقْدُ فَتَقَرَّرَ أَحْكَامُهُ وَبِالْبَيْعِ يَنْقَطِعُ الْمِلْكُ فَتَنْقَطِعُ أَحْكَامُهُ قَالَ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ اشْتَرَى غُلَامَيْنِ فَقَبَضَهُمَا وَبَاعَ أَحَدَهُمَا ثُمَّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 54 ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ الْأَوَّلَ لَا يَرُدُّ لَا عَلَى الْبَائِعِ الْأَوَّلِ وَلَا عَلَى الْمُشْتَرِي الثَّانِي لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ لِأَنَّ قَرَارَ الرُّجُوعِ عَلَيْهِ وَالْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ إذَا سَلَّمَهُ إلَى الْمُوَكِّلِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ مِنْهُ فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا يَرُدُّهُ عَلَى الْبَائِعِ لِأَنَّ قَرَارَ الرُّجُوعِ لَيْسَ عَلَيْهِ بَلْ عَلَى الْبَائِعِ الْأَوَّلِ اهـ. وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَإِذَا طَعَنَ الْمُشْتَرِي بِعَيْبٍ فَصَالَحَهُ عَلَى شَيْءٍ أَخَذَهُ أَوْ حَطَّ مِنْ ثَمَنِهِ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى رَدِّ الْمَبِيعِ وَالْمُطَالَبَةِ بِأَرْشِ الْعَيْبِ فَالصُّلْحُ جَائِزٌ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ نَحْوُ أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي بَاعَ الْمَعِيبَ لِكَوْنِهِ أَبْطَلَ حَقَّهُ فِي الرَّدِّ مَتَى بَاعَهُ اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ قَطَعَهُ وَخَاطَهُ أَوْ صَبَغَهُ أَوْ لَتَّ السَّوِيقَ بِسَمْنٍ فَاطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ رَجَعَ بِنُقْصَانِهِ كَمَا لَوْ بَاعَهُ بَعْدَ رُؤْيَةِ الْعَيْبِ) لِامْتِنَاعِ الرَّدِّ بِسَبَبِ الزِّيَادَةِ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لِلْفَسْخِ فِي الْأَصْلِ دُونَهَا لِأَنَّهَا لَا تَنْفَكُّ عَنْهُ وَلَا وَجْهَ إلَيْهِ مَعَهَا لِأَنَّ الزِّيَادَةَ لَيْسَتْ بِمَبِيعَةٍ فَامْتَنَعَ أَصْلًا وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَأْخُذَهُ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ لِحَقِّ الشَّرْعِ لَا لِحَقِّهِ فَإِنْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي بَعْدَ مَا رَأَى الْعَيْبَ رَجَعَ بِالنُّقْصَانِ لِأَنَّ الرَّدَّ مُمْتَنِعٌ أَصْلًا قَبْلَهُ فَلَا يَكُونُ بِالْبَيْعِ حَابِسًا لِلْمَبِيعِ وَعَلَى هَذَا قُلْنَا إنَّ مَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا فَقَطَعَهُ لِبَاسًا لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ وَخَاطَهُ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ لَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ وَلَوْ كَانَ الْوَلَدُ كَبِيرًا يَرْجِعُ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ حَصَلَ فِي الْأَوَّلِ قَبْلَ الْخِيَاطَةِ وَفِي الثَّانِي بَعْدَهَا بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ وَهَذَا مَعْنَى مَا فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ أَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ يَكُونُ الْمَبِيعُ قَائِمًا عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَيُمْكِنُهُ الرَّدُّ بِرِضَا الْبَائِعِ فَأَخْرَجَهُ عَنْ مِلْكِهِ لَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ وَكُلُّ مَوْضِعٍ يَكُونُ الْمَبِيعُ قَائِمًا عَلَى مِلْكِهِ وَلَا يُمْكِنُهُ الرَّدُّ وَإِنْ قَبِلَهُ الْبَائِعُ فَأَخْرَجَهُ عَنْ مِلْكِهِ يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ. اهـ. وَلَكِنْ وَقَعَ التَّقْيِيدُ بِالْخِيَاطَةِ فِي الثَّوْبِ الْمَوْهُوبِ لِلْوَلَدِ فِي الْهِدَايَةِ وَهُوَ احْتِرَازِيٌّ فِي الْكَبِيرِ اتِّفَاقِيٌّ فِي الصَّغِيرِ وَأَنَّهُ بِمُجَرَّدِ الْقَطْعِ لَهُ صَارَ لِمَالِكِهِ فَلَا رُجُوعَ وَفِي الْكَبِيرِ الْقَطْعُ وَالْخِيَاطَةُ عَلَى مِلْكِ نَفْسِهِ فَلَمَّا دَفَعَهُ إلَيْهِ بَعْدَهَا أَخْرَجَهُ عَنْ مِلْكِهِ بَعْدَ امْتِنَاعِ رَدِّهِ شَرْعًا فَرَجَعَ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْهِبَةِ أَنَّهُ لَوْ اتَّخَذَهُ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ ثِيَابًا يَمْلِكُهُ وَفِي الْكَبِيرِ بِالتَّسْلِيمِ وَلَيْسَ كَالطَّعَامِ يَأْكُلُهُ عَلَى مِلْكِ أَبِيهِ لِأَنَّ الْأَمْرَ إذَا تَوَجَّهَ إلَى وُجُوهٍ فَأَوْلَاهَا بِالْحُكْمِ أَغْلَبُهَا تَعَارُفًا وَالْأَغْلَبُ الْبِرُّ وَالصِّلَةُ إلَّا إذَا عَلِمَ بِالدَّلِيلِ كَوْنُهُ إعَارَةً كَالْإِشْهَادِ عِنْدَ الِاتِّخَاذِ لِعَدَمِ الِاعْتِبَارِ بِالدَّلَالَةِ عِنْدَ التَّعَارُضِ كَذَا فِي هِبَةِ الْبَزَّازِيَّةِ وَقَبْلَهَا اتَّخَذَ لِوَلَدِهِ ثِيَابًا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَدْفَعَهَا إلَى غَيْرِهِ إلَّا إذَا بَيَّنَ وَقْتَ الِاتِّخَاذِ أَنَّهَا عَارِيَّةٌ اهـ. فَعَلَى هَذَا لَوْ صَرَّحَ بِأَنَّهَا عَارِيَّةٌ لَا يَسْقُطُ حَقُّهُ فِي الرُّجُوعِ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ إذَا خَاطَهُ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ أَطْلَقَ الصَّبْغَ فَشَمَلَ كُلَّ لَوْنٍ وَلَكِنْ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ أَوْ صَبَغَهُ يَعْنِي أَحْمَرَ فَإِنْ صَبَغَهُ أَسْوَدَ فَكَذَلِكَ عِنْدَهُمَا لِأَنَّ السَّوَادَ عِنْدَ هُمَا زِيَادَةٌ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ السَّوَادُ نُقْصَانٌ فَيَكُونُ لِلْبَائِعِ أَخْذُهُ. اهـ. وَفِي الْمِصْبَاحِ لَتَّ الرَّجُلُ السَّوِيقَ لَتًّا مِنْ بَابِ قَتَلَ بَلَّهُ بِشَيْءٍ مِنْ الْمَاءِ وَهُوَ أَخَفُّ مِنْ الْبَسِّ. اهـ. وَقَدْ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ الزِّيَادَةَ الْمُتَّصِلَةَ بِالْمَبِيعِ الَّتِي لَمْ تَتَوَلَّدْ مِنْ الْأَصْلِ مَانِعَةٌ مِنْ الرَّدِّ كَالْغَرْسِ وَالْبِنَاءِ وَطَحْنِ الْحِنْطَةِ وَشَيِّ اللَّحْمِ وَخَبْزِ الدَّقِيقِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي كَوْنِ الطَّحْنِ وَالشَّيِّ مِنْ الزِّيَادَةِ الْمُتَّصِلَةِ تَأَمَّلْ. اهـ. وَقَيَّدَ بِهَا لِأَنَّ الزِّيَادَةَ الْمُتَّصِلَةَ الْمُتَوَلِّدَةَ كَالسَّمْنِ وَالْجَمَالِ وَانْجِلَاءِ بَيَاضِ الْعَيْنِ لَا تَمْنَعُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّهَا تَمَعَّضَتْ تَبَعًا لِلْأَصْلِ لِتَوَلُّدِهَا مِنْهُ مَعَ عَدَمِ انْفِصَالِهَا فَكَأَنَّ الْفَسْخَ لَمْ يَرِدْ عَلَى زِيَادَةٍ أَصْلًا وَلَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَى الزِّيَادَةِ الْمُنْفَصِلَةِ بِقِسْمَيْهَا مُتَوَلِّدَةً وَغَيْرَ مُتَوَلِّدَةً فَالْمُتَوَلِّدَةُ كَالْوَلَدِ وَاللَّبَنِ وَالثَّمَرِ فِي بَيْعِ الشَّجَرِ وَالْأَرْشِ وَالْعُقْرِ وَهِيَ تَمْنَعُ الرَّدَّ كَالْمُتَّصِلَةِ غَيْرِ الْمُتَوَلِّدَةِ لِتَعَذُّرِ الْفَسْخِ عَلَيْهَا. فَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فَيَكُونُ الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ قَبْلَ الْقَبْضِ إنْ شَاءَ رَدَّهُمَا جَمِيعًا وَإِنْ شَاءَ رَضِيَ بِهِمَا بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَأَمَّا بَعْدَ الْقَبْضِ فَيَرُدُّ الْمَبِيعُ خَاصَّةً لَكِنْ بِحِصَّةٍ مِنْ الثَّمَنِ بِأَنْ يَقْسِمَ الثَّمَنَ عَلَى قِيمَتِهِ وَقْتَ الْعَقْدِ وَعَلَى قِيمَةِ الزِّيَادَةِ وَقْتَ الْقَبْضِ فَإِذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ أَلْفًا وَقِيمَةُ الزِّيَادَةِ   [منحة الخالق] وَجَدَ بِهِمَا عَيْبًا يَرُدُّ مَا بَقِيَ وَلَا يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ مَا بَاعَ بِالْإِجْمَاعِ فَكَذَا هُنَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ اهـ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 55 مِائَةً وَالثَّمَنُ أَلْفٌ سَقَطَ عُشْرُ الثَّمَنِ إنْ رَدَّهُ وَأَخَذَ تِسْعَمِائَةٍ. اهـ. وَهُوَ سَهْوٌ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُنَاسِبٍ لِقَوْلِهِ أَوَّلًا وَهِيَ تَمْنَعُ الرَّدَّ فَكَيْفَ يَقُولُ إذَا كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَهُ رَدُّهُمَا وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ فَلَهُ رَدُّ الْمَبِيعِ خَاصَّةً فَعَلَى كُلِّ حَالٍ لَا يَمْتَنِعُ الرَّدُّ وَإِنَّمَا يُنَاسِبُ هَذَا التَّقْرِيرَ لَوْ قُلْنَا أَنَّهَا لَا تَمْنَعُ الرَّدَّ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ إذَا حَدَثَتْ الزِّيَادَةُ بَعْدَ الْقَبْضِ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ عِنْدَ الْبَائِعِ فَإِنْ كَانَتْ مُنْفَصِلَةً مُتَوَلِّدَةً مِنْ الْأَصْلِ تَمْنَعُ الرَّدَّ وَيَرْجِعُ بِحِصَّةِ الْعَيْبِ إلَّا إذَا تَرَاضَيَا عَلَى الرَّدِّ فَيَكُونُ كَبَيْعٍ جَدِيدٍ اهـ. وَأَمَّا مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ التَّقْرِيرِ فَإِنَّمَا ذَكَرَهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ فِيمَا إذَا حَدَثَتْ الزِّيَادَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ فَإِنْ كَانَ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهِ قَبْلَ الْقَبْضِ خُيِّرَ كَمَا ذَكَرَهُ وَلَوْ بَعْدَ الْقَبْضِ رُدَّ الْمَبِيعُ خَاصَّةً بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَفِي الصُّغْرَى وَالزِّيَادَةُ الْمُنْفَصِلَةُ تَمْنَعُ الرَّدَّ بِالْإِجْمَاعِ وَهَلْ تَمْنَعُ الِاسْتِرْدَادَ فَعَلَى الِاخْتِلَافِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ يَسْتَرِدُّ وَعِنْدَهُمَا لَا وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَتَفْسِيرُ الْعُقْرِ مَهْرُ مِثْلِهَا عِنْدَ بَعْضِهِمْ وَقَالَ بَعْضُهُمْ عُشْرُ قِيمَتِهَا إنْ كَانَتْ بِكْرًا وَنِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهَا إنْ كَانَتْ ثَيِّبًا وَذَكَرَ قَبْلَهُ الزِّيَادَةَ الْمُنْفَصِلَةَ تَمْنَعُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْقَبْضِ وَسَائِرُ أَسْبَابِ الْفَسْخِ كَالْإِقَالَةِ وَالرَّدِّ بِخِيَارِ رُؤْيَةٍ وَغَيْرِهِ اهـ. وَفِي الْقُنْيَةِ الزِّيَادَةُ فِي الْمَبِيعِ إمَّا قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ وَكُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ مُتَّصِلَةٍ وَمُنْفَصِلَةٍ وَكُلٌّ مِنْهُمَا إمَّا مُتَوَلِّدَةً أَمْ لَا فَأَمَّا قَبْلَ الْقَبْضِ فَالْمُتَّصِلَةُ الْمُتَوَلِّدَةُ لَا تُمْنَعُ وَالْمُتَّصِلَةُ غَيْرُ الْمُتَوَلِّدَةِ تُمْنَعُ وَأَمَّا الْمُنْفَصِلَةُ الْمُتَوَلِّدَةُ لَا تُمْنَعُ فَإِنْ شَاءَ رَدَّهُمَا أَوْ رَضِيَ بِهِمَا بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَلَوْ وَجَدَ بِالزِّيَادَةِ عَيْبًا لَا يَرُدُّهُ إلَّا إذَا أَوْجَبَ نُقْصَانًا فِي الْمَبِيعِ فَلَهُ خِيَارُ الرَّدِّ لِنُقْصَانِ الْمَبِيعِ وَلَوْ قَبَضَ الزِّيَادَةَ وَالْأَصْلُ ثُمَّ وَجَدَ بِالْمَبِيعِ عَيْبًا يَرُدُّهُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ لِأَنَّهُ صَارَ حِصَّةً لِلزِّيَادَةِ بَعْدَ قَبْضِهَا وَلَوْ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا خَاصَّةً يَرُدُّهَا خَاصَّةً بِحِصَّتِهَا مِنْ الثَّمَنِ وَأَمَّا الْمُنْفَصِلَةُ الَّتِي لَمْ تَتَوَلَّدْ مِنْهُ كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْكَسْبِ فَلَا تَمْنَعُ الرَّدَّ فَإِذَا رَدَّهُ فَالزِّيَادَةُ لِلْمُشْتَرِي بِغَيْرِ ثَمَنٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَا تَطِيبُ لَهُ وَعِنْدَهُمَا لِلْبَائِعِ وَلَا تَطِيبُ لَهُ وَلَوْ قَبَضَ الْمَبِيعَ مَعَ هَذِهِ الزِّيَادَةِ وَوَجَدَ بِالْمَبِيعِ عَيْبًا فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُرَدُّ الْمَبِيعُ خَاصَّةً بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَعِنْدَهُمَا يُرَدُّ مَعَ الزِّيَادَةِ لِأَنَّهَا حَدَثَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ وَلَوْ وَجَدَ بِالزِّيَادَةِ عَيْبًا يَرُدُّهَا لِأَنَّهُ لَا حِصَّةَ لَهَا مِنْ الثَّمَنِ فَلَوْ رَدَّهَا لَرَدَّهَا بِغَيْرِ شَيْءٍ وَلَوْ هَلَكَتْ الزِّيَادَةُ وَالْمَبِيعُ بِعَيْبٍ يَرُدُّهُ خَاصَّةً بِجَمِيعِ الثَّمَنِ بِالْإِجْمَاعِ وَأَمَّا الزِّيَادَةُ بَعْدَ الْقَبْضِ فَإِنْ كَانَتْ مُتَّصِلَةً مُتَوَلِّدَةً تَمْنَعُ الرَّدَّ عِنْدَهُمَا بِالْعَيْبِ وَيَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَمْنَعُ (ط) لَا تَمْنَعُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَلِلْمُشْتَرِي طَلَبُ نُقْصَانِ الْعَيْبِ وَإِنْ طَلَبَ فَلَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَقُولَ أَنَا أَقْبَلَهُ كَذَلِكَ عِنْدَهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَهُ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَتْ مُتَّصِلَةً غَيْرَ مُتَوَلِّدَةٍ تَمْنَعُ الرَّدَّ إجْمَاعًا وَلَوْ كَانَتْ مُنْفَصِلَةً مُتَوَلِّدَةً مِنْهُ تَمْنَعُ الرَّدَّ وَيَرْجِعُ بِحِصَّةِ الْعَيْبِ   [منحة الخالق] قَوْلُهُ وَهُوَ سَهْوٌ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُنَاسِبٍ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَأَقُولُ: بَلْ هُوَ السَّاهِي إذْ مَعْنَاهُ تَمْنَعُ رَدَّ الْأَصْلِ وَحْدَهُ بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُتَوَلِّدَةِ وَقَدْ أَفْصَحَ عَنْ ذَلِكَ فِي الْعِنَايَةِ حَيْثُ قَالَ وَغَيْرُ الْمُتَوَلِّدَةِ كَالْكَسْبِ لَا يُمْنَعُ لَكِنْ طَرِيقَ ذَلِكَ أَنْ يَفْسَخَ الْعَقْدَ فِي الْأَصْلِ دُونَ الزِّيَادَةِ وَتُسْلَمُ الزِّيَادَةُ لِلْمُشْتَرِي مَجَّانًا بِخِلَافِ الْوَلَدِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْكَسْبَ لَيْسَ بِمَبِيعٍ بِحَالٍ مَا لِأَنَّهُ تَوَلَّدَ مِنْ الْمَنَافِعِ وَالْمَنَافِعُ غَيْرُ الْأَعْيَانِ وَالْوَلَدُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ الْمَبِيعِ فَيَكُونُ لَهُ حُكْمُ الْمَبِيعِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسْلَمَ لَهُ مَجَّانًا لِمَا فِيهِ مِنْ الرِّبَا وَالتَّفْصِيلُ بَيْنَ كَوْنِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ مَذْكُورٌ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَغَيْرِهَا. اهـ. وَقَالَ الرَّمْلِيُّ أَقُولُ: بَلْ هُوَ السَّاهِي هُوَ السَّهْوُ وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الْعِنَايَةِ إفْصَاحٌ عَنْهُ بَلْ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُتَوَلِّدَةِ وَغَيْرِ الْمُتَوَلِّدَةِ أَنَّ الْمُتَوَلِّدَةَ لَمَّا كَانَ لَهَا حُكْمُ الْمَبِيعِ امْتَنَعَ الرَّدُّ لِأَنَّهُ لَوْ سَاغَ مَعَهَا الرَّدُّ لَرَدَّ الْأَصْلَ دُونَ الزِّيَادَةِ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ لِمَا فِيهِ مِنْ الرِّبَا بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُتَوَلِّدَةِ إذْ لَيْسَ لَهَا حُكْمُ الْمَبِيعِ لِأَنَّهَا مُتَوَلِّدَةٌ مِنْ الْمَنَافِعِ وَالْمَنَافِعُ حُكْمُهَا أَنَّهَا لَا تَتَقَوَّمُ بِنَفْسِهَا بِخِلَافِ الْأَعْيَانِ فَإِنَّهَا مُتَقَوِّمَةٌ بِنَفْسِهَا فَافْتَرَقَا فِي الْحُكْمِ فَكَانَتْ الْمُتَوَلِّدَةُ مَانِعَةً لِهَذِهِ الْعِلَّةِ بِخِلَافِ غَيْرِهَا تَأَمَّلْ اهـ. كَلَامُ الرَّمْلِيِّ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ كَلَامَ الْعِنَايَةِ مُفْصِحٌ بِامْتِنَاعِ رَدِّ الْأَصْلِ وَحْدَهُ فِي الْمُتَوَلِّدَةِ كَمَا قَالَ صَاحِبِ النَّهْرِ نَعَمْ حَمَلَ كَلَامَ الْفَتْحِ عَلَى مَا ذَكَرَ يَنْبُو عَنْهُ التَّفْصِيلُ فِيمَا قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ إلَخْ) قَصَدَ بِهِ بَيَانَ مُخَالَفَتِهِ لِمَا فِي الْفَتْحِ فَإِنَّهُ فِي الْفَتْحِ مَشَى عَلَى أَنَّ الْمُنْفَصِلَةَ الْمُتَوَلِّدَةَ بَعْدَ الْقَبْضِ لَا تَمْنَعُ الرَّدَّ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ صَرَّحَ بِأَنَّهَا تَمْنَعُ الرَّدَّ وَمِثْلُهُ مَا نَقَلَهُ عَنْ الصُّغْرَى والولوالجية وَكَذَا مَا سَيَأْتِي عَنْ الْقُنْيَةِ (قَوْلُهُ وَفِي الْقُنْيَةِ الزِّيَادَةُ فِي الْمَبِيعِ إمَّا قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ إلَخْ) حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْأَحْكَامِ أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الزِّيَادَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ فِي الْمُنْفَصِلَةِ الْمُتَوَلِّدَةِ وَفِيهِ التَّفْصِيلُ الْمَارُّ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ وَأَمَّا غَيْرُ هَذِهِ الصُّوَرِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا (قَوْلُهُ وَلَوْ قَبَضَ الزِّيَادَةَ وَالْأَصْلَ) لَا يَخْفَى أَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَا يُنَاسِبُ ذِكْرَهُ هُنَا بَلْ كَانَ الْأَوْلَى تَأْخِيرُهُ (قَوْلُهُ وَلَوْ وَجَدَ بِالزِّيَادَةِ عَيْبًا يَرُدُّهَا) كَذَا فِي النُّسَخِ وَاَلَّذِي فِي الْقُنْيَةِ لَا يَرُدُّهَا وَهُوَ الصَّوَابُ (قَوْلُهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَمْنَعُ) فِي الْقُنْيَةِ بَعْدَ هَذَا ط مُفْرَدَةٌ وَهِيَ رَمْزٌ لِلْمُحِيطِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 56 وَلَوْ كَانَتْ مُنْفَصِلَةً غَيْرَ مُتَوَلِّدَةٍ كَالْكَسْبِ لَا تَمْنَعُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ وَتَطِيبُ لَهُ الزِّيَادَةُ هَذَا إذَا كَانَتْ الزِّيَادَةُ قَائِمَةً فَإِنْ هَلَكَتْ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: إمَّا أَنْ تَهْلِكَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَوْ بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي أَوْ بِفِعْلِ الْأَجْنَبِيِّ فَفِي الْأَوَّلِ لَهُ رَدُّ الْأَصْلِ وَفِي الثَّانِي خُيِّرَ الْبَائِعُ إنْ شَاءَ قَبِلَهُ وَرَدَّ الثَّمَنَ وَإِنْ شَاءَ رَدَّ حِصَّةَ الْعَيْبِ وَفِي الثَّالِثِ لَا رَدَّ لِأَنَّ ضَمَانَهُ كَبَقَاءِ عَيْنِهِ وَيَرْجِعُ بِحِصَّةِ الْعَيْبِ. اهـ. وَلِذَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ اشْتَرَى شَاةً حَامِلًا فَوَلَدَتْ عِنْدَ الْبَائِعِ وَلَنْ تَنْقُصُهَا الْوِلَادَةَ لَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي فَإِنْ قَبَضَهُمَا فَوَجَدَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا يَرُدُّهُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ لِأَنَّهُ قَبَضَهُمَا مُتَفَرِّقًا وَلَوْ وَلَدَتْ بَعْدَ الْقَبْضِ لَا يَرُدُّ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ الْحَادِثَةَ بَعْدَ الْقَبْضِ تَمْنَعُ الرَّدَّ وَاللَّبَنُ كَالْوَلَدِ اهـ. وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ اعْلَمْ أَنَّ الزِّيَادَةَ نَوْعَانِ مُنْفَصِلَةً وَمُتَّصِلَةً وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُتَوَلِّدَةً أَوْ لَا فَالْمُتَّصِلَةُ الَّتِي لَمْ تَتَوَلَّدْ تَمْنَعُ الرَّدَّ وِفَاقًا وَإِنْ قَبِلَهُ الْبَائِعُ وَلَهُ الرُّجُوعُ بِنَقْصِهِ وَالْمُتَّصِلَةُ الْمُتَوَلِّدَةُ لَا تَمْنَعُ الرَّدَّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَإِنْ أَرَادَ الْمُشْتَرِي الرُّجُوعَ بِنَقْصِهِ لَا رَدَّهُ فَلَهُ ذَلِكَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا عِنْدَهُمَا وَالْمُنْفَصِلَةُ الْمُتَوَلِّدَةُ تَمْنَعُ الرَّدَّ وَكَذَا تَمْنَعُ الْفَسْخَ بِسَائِرِ أَسْبَابِ الْفَسْخِ وَالْمُنْفَصِلَةُ الَّتِي لَمْ تَتَوَلَّدْ لَا تَمْنَعُ الرَّدَّ وَالْفَسْخُ بِسَائِرِ أَسْبَابِ الْفَسْخِ ثُمَّ قَالَ الصَّحِيحُ أَنَّ الْمُتَّصِلَةَ لَا تَمْنَعُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ وَلَا فَرْقَ فِي كَوْنِ الْوَلَدِ مَانِعًا مِنْ الرَّدِّ بَيْنَ مَا إذَا اشْتَرَاهَا حَامِلًا أَوْ حَائِلًا فَوَلَدَتْ عِنْدَهُ فَإِذَا وَلَدَتْ الْأَمَةُ امْتَنَعَ رَدُّهَا بِعَيْبٍ سَوَاءٌ هَلَكَ الْوَلَدُ أَوْ لَا بِخِلَافِ غَيْرِهَا حَيْثُ لَا يَمْنَعُ رَدُّ الْأُمِّ بِعَيْبٍ إذَا هَلَكَ الْوَلَدُ إذْ الْوِلَادَةُ لَا تَنْقُصُ فِي غَيْرِ بَنَاتِ آدَمَ وَلَوْ شَرَى أَمَةً حَامِلًا فَوَلَدَتْ زَالَ الْعَيْبُ ثُمَّ قَالَ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطُ يَبْطُلُ بِوِلَادَةِ الْأَمَةِ مَاتَ الْوَلَدُ أَوْ لَا وَالْوَلَدُ الْمَيِّتُ وَالْبَيْضَةُ الْفَاسِدَةُ لَا تُبْطِلُ الْخِيَارَ إلَّا إذَا نَقَصَتْ بِالْوِلَادَةِ اهـ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ خِيَاطَةَ الثَّوْبِ كَمَا تَمْنَعُ رَدَّهُ بِعَيْبٍ تَمْنَعُ الرُّجُوعَ بِثَمَنِهِ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِهِ فَلَوْ اشْتَرَى قَمِيصًا فَقَطَعَهُ وَخَاطَهُ ثُمَّ بِرَهْنٍ مُسْتَحَقٍّ أَنَّ الْقَمِيصَ لَهُ وَقَضَى لَهُ بِهِ لَمْ يَرْجِعْ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ عَلَى بَائِعِهِ لِكَوْنِهِ اسْتَحَقَّ بِسَبَبِ حَادِثٍ كَمَا لَوْ بَرْهَنَ أَنَّ الْكُمَّ لَهُ وَالْآخَرُ أَنَّ الدِّخْرِيصَ لَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَطَعَهُ وَلَمْ يَخُطَّهُ فَبَرْهَنَ أَنَّ الْقَمِيصَ لَهُ رَجَعَ بِالثَّمَنِ وَتَمَامُهُ فِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ. (قَوْلُهُ أَوْ مَاتَ الْعَبْدُ أَوْ أَعْتَقَهُ) يَعْنِي يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ إذَا اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ أَوْ إعْتَاقِهِ أَمَّا الْمَوْتُ فَلِأَنَّ الْمِلْكَ انْتَهَى بِهِ وَالِامْتِنَاعُ حُكْمِيٌّ لَا بِفِعْلِهِ وَأَمَّا الْإِعْتَاقُ فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَرْجِعَ لِأَنَّ امْتِنَاعَ الرَّدِّ بِفِعْلِهِ فَصَارَ كَالْقَتْلِ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَرْجِعُ لِأَنَّ الْعِتْقَ إنْهَاءُ الْمِلْكِ لِأَنَّ الْآدَمِيَّ مَا خُلِقَ فِي الْأَصْلِ مَحَلًّا لِلْمِلْكِ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ فِيهِ الْمِلْكُ مُؤَقَّتًا إلَى الْإِعْتَاقِ فَكَانَ إنْهَاءً كَالْمَوْتِ وَهَذَا لِأَنَّ الشَّيْءَ يَتَقَرَّرُ بِانْتِهَائِهِ فَيُجْعَلُ كَأَنَّ الْمِلْكَ بَاقٍ وَالرَّدَّ مُتَعَذِّرٌ وَالدَّلِيلُ عَلَى ثُبُوتِ أَصْلِ الْمِلْكِ مَعَ الْإِعْتَاقِ ثُبُوتُ الْوَلَاءِ لِلْمُعْتَقِ وَهُوَ أَثَرٌ مِنْ آثَارِ الْمِلْكِ وَفِي الصُّغْرَى الْمُشْتَرِي إذَا بَاعَ مِنْ غَيْرِهِ فَمَاتَ فِي يَدِ الثَّانِي ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ رَجَعَ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ عَلَى الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى بَائِعِهِ الْأَوَّلِ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا حَتَّى لَوْ صَالَحَ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلَ مَعَ بَائِعِهِ عَنْ ذَلِكَ عَلَى شَيْءٍ لَا يَصِحُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ اهـ. كَذَا فِي الْكَافِي وَقَدْ يُقَالُ مَا الْمَانِعُ مِنْ جَعْلِهِ مِنْ آثَارِ الْعِتْقِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - تَوَابِعَ الْإِعْتَاقِ وَفِيهَا تَفْصِيلٌ فَالتَّدْبِيرُ وَالِاسْتِيلَادُ كَالْعِتْقِ لِتَعَذُّرِ النَّقْلِ مَعَ بَقَاءِ الْمَحَلِّ بِالْأَمْرِ الْحُكْمِيِّ وَأَمَّا الْكِتَابَةُ فَمَانِعَةٌ مِنْ الرُّجُوعِ لِجَوَازِ النَّقْلِ لِجَوَازِ بَيْعِهِ بِرِضَاهُ وَتَعْجِيزُهُ نَفْسَهُ فَصَارَ بِهَا حَابِسًا كَالْإِعْتَاقِ عَلَى مَالٍ وَقَيَّدَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ بِأَدَاءِ بَدَلَ الْكِتَابَةِ لِيُعْتِقَ لِيَصِيرَ عِتْقًا عَلَى مَالٍ اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ مُكَاتَبٌ اشْتَرَى أَبَاهُ أَوْ ابْنَهُ لَا يَرُدُّهُ بِالْعَيْبِ لِأَنَّهُ صَارَ مُكَاتَبًا وَالْكِتَابَةُ تَمْنَعُ زَوَالَ الْمِلْكِ بِسَائِرِ الْأَسْبَابِ فَكَذَلِكَ الْفَسْخُ وَلَا يَرْجِعُ بِنُقْصَانِهِ لِأَنَّ الرُّجُوعَ بِالنُّقْصَانِ خُلْفٌ عَنْ الرَّدِّ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يُصَارُ إلَيْهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الرَّدِّ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ الْخُلْفُ إذَا وَقَعَ الْيَأْسُ عَنْ الْأَصْلِ وَلَمْ يَقَعْ لِقَبُولِهَا الْفَسْخَ بِخِلَافِ مَا إذَا دَبَّرَهُ ثُمَّ وَجَدَ بِهِ   [منحة الخالق] وَقَدْ سَقَطَتْ مِنْ أَغْلِبْ النُّسَخِ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا نَقَصَتْ بِالْوِلَادَةِ) أَيْ نَقَصَتْ الدَّجَاجَةُ. (قَوْلُهُ يَعْنِي يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ إذَا اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَكَذَا إذَا اطَّلَعَ قَبْلَهُ وَلَمْ يَرْضَ بِهِ إذْ الْمَوْتُ يَثْبُتُ الرُّجُوعُ فِيهِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ عَلِمَ بِالْغَيْبِ قَبْلَهُ وَلَمْ يَرْضَ بِهِ أَوْ بَعْدَهُ قَالَ فِي النَّهْرِ وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ رُؤْيَةِ الْعَيْبِ أَوْ قَبْلَهُ وَلَوْ قَالَ أَوْ هَلَكَ الْمَبِيعُ لَكَانَ أَفْوَدَ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْآدَمِيِّ وَغَيْرِهِ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ فِي الْفُصُولِ ذَهَبَ بِهِ إلَى بَائِعِهِ لِيَرُدَّهُ بِعَيْبِهِ فَهَلَكَ فِي الطَّرِيقِ يَهْلَكُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَيَرْجِعُ بِنَقْصِهِ اهـ. أَقُولُ: قَوْلُهُ بَعْدَ رُؤْيَةِ الْعَيْبِ يَعْنِي مَا لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا بِهِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الرُّجُوعَ بِالنُّقْصَانِ خُلْفٌ عَنْ الرَّدِّ إلَخْ) هَذَا التَّعْلِيلُ يُفِيدُ عَدَمَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 57 عَيْبًا فَإِنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبَ بَعْدَمَا عَلِمَ بِالْعَيْبِ رَدَّهُ الْمَوْلَى وَيَتَوَلَّاهُ الْمُكَاتَبُ لِزَوَالِ الْمَانِعِ فَإِنْ بَاعَهُ الْمَوْلَى أَوْ مَاتَ الْمُكَاتَبُ رَدَّهُ الْمَوْلَى بِنَفْسِهِ كَالْوَكِيلِ إذَا مَاتَ فَإِنْ أَبْرَأَهُ الْمُكَاتَبُ قَبْلَ الْعَجْزِ لَا يَرُدُّهُ الْمَوْلَى وَإِنْ أَبْرَأَهُ الْمَوْلَى قَبْلَ عَجْزِ الْمُكَاتَبِ جَازَ وَلَوْ اشْتَرَى الْمُكَاتَبُ أُمَّ وَلَدِهِ وَمَعَهَا وَلَدُهَا لَا يَرُدُّهَا بِالْعَيْبِ وَيَرْجِعُ بِنُقْصَانِهِ وَلَوْ أَبْرَأَهُ الْمُكَاتَبُ جَازَ وَلَوْ اشْتَرَى الْمَوْلَى مِنْ مُكَاتَبِهِ عَبْدًا لَا يَرُدُّهُ بِالْعَيْبِ وَلَا يُخَاصِمُ الْبَائِعَ اهـ. وَلَوْ قَالَ الْمُؤَلِّفُ أَوْ هَلَكَ الْمَبِيعُ لِيَتَنَاوَلَ هَلَاكَ غَيْرِ الْآدَمِيِّ لَكَانَ أَوْلَى وَفِي الْقُنْيَةِ اشْتَرَى جِدَارًا مَائِلًا فَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ حَتَّى سَقَطَ فَلَهُ الرُّجُوعُ بِالنُّقْصَانِ وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ ذَهَبَ بِهِ إلَى بَائِعِهِ لِيَرُدَّهُ بِعَيْبِهِ فَهَلَكَ فِي الطَّرِيقِ هَلَكَ عَلَى الْمُشْتَرِي وَيَرْجِعُ بِنَقْصِهِ وَقَدَّمْنَا حُكْمَ مَا إذَا قُضِيَ بِرَدِّهِ عَلَى الْبَائِعِ بِعَيْبِهِ فَهَلَكَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي. وَالْحَاصِلُ أَنَّ هَلَاكَ الْمَبِيعِ لَيْسَ كَإِعْتَاقِهِ فَإِنَّهُ إذَا هَلَكَ الْمَبِيعُ يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ سَوَاءٌ كَانَ بَعْدَ الْعِلْمِ بِهِ أَوْ قَبْلَهُ وَأَمَّا الْإِعْتَاقُ بَعْدَ الْعِلْمِ بِهِ فَمَانِعٌ مِنْ الرُّجُوعِ بِنُقْصَانِهِ بِخِلَافِهِ قَبْلَهُ وَلَيْسَ الْإِعْتَاقُ كَاسْتِهْلَاكِهِ فَإِنَّهُ إذَا اسْتَهْلَكَهُ فَلَا رُجُوعَ مُطْلَقًا إلَّا فِي الْأَكْلِ عِنْدَهُمَا وَقِيلَ غَيْرُ مَانِعٍ مِنْ الرُّجُوعِ بِنَقْصِهِ أَيْضًا لِوُجُوبِ الضَّمَانِ بِهِ فَهُوَ كَبَيْعِهِ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَلَوْ شَرَى بَعِيرًا فَلَمَّا أَدْخَلَهُ فِي دَارِهِ سَقَطَ فَذَبَحَهُ رَجُلٌ بِأَمْرِ الْمُشْتَرِي فَظَهَرَ عَيْبُهُ يَرْجِعُ بِنَقْصِهِ عِنْدَهُمَا وَبِهِ أَخَذَ الْمَشَايِخُ كَمَا لَوْ أَكَلَ طَعَامًا وَلَوْ عَلِمَ عَيْبَهُ قَبْلَ الذَّبْحِ فَذَبَحَهُ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ بِأَمْرِهِ لَا يَرْجِعُ اهـ. وَفِي الْوَاقِعَاتِ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا فِي الْأَكْلِ فَكَذَا هُنَا وَفِيهِ وَلَوْ اشْتَرَى بُرًّا عَلَى أَنَّهُ رَبِيعِيٌّ فَزَرَعَهُ فَإِذَا هُوَ خَرِيفِيٌّ اخْتَارَ الْمَشَايِخُ أَنَّهُ يَرْجِعَ بِنَقْصِ الْعَيْبِ وَهُوَ قَوْلُهُمَا بِنَاءً عَلَى مَا إذَا اشْتَرَى طَعَامًا فَأَكَلَهُ فَظَهَرَ عَيْبُهُ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا وَلَوْ اشْتَرَى بِزْرًا عَلَى أَنَّهُ بِزْرَ بِطِّيخٍ كَذَا فَزَرَعَهُ فَظَهَرَ عَلَى صِفَةٍ أُخْرَى جَازَ الْبَيْعُ لِاتِّحَادِ الْجِنْسِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ بِطِّيخٌ وَاخْتِلَافُ الصِّفَةِ لَا يُفْسِدُ الْعَقْدَ وَلَا يَرْجِعُ بِنَقْصِ الْعَيْبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ شَرَى عَلَى أَنَّهُ بِزْرَ بِطِّيخٍ شَتْوِيٍّ فَزَرَعَهُ فَإِذَا هُوَ صَيْفِيٌّ بَطَلَ الْبَيْعُ فَيَأْخُذُ الْمُشْتَرِي ثَمَنَهُ وَعَلَيْهِ مِثْلُ ذَلِكَ الْبِزْرِ وَلَوْ شَرَى بِزْرَ الدَّوِينَ فَزَرَعَهُ فِي أَرْضِهِ وَلَمْ يَنْبُتْ رَجَعَ عَلَى بَائِعِهِ بِكُلِّ ثَمَنِهِ إنْ كَانَ لِنُقْصَانٍ فِيهِ وَكَذَا لَوْ شَرَى بِزْرَ الْبِطِّيخِ فَزَرَعَهُ فَنَبَتَ الْقِثَّاءُ أَوْ شَرَى بِزْرَ الْقِثَّاءِ فَوَجَدَهُ بِزْرَ الْقِثَّاءِ الْبَلْخِيّ بَطَلَ الْبَيْعُ جُمْلَة شَرَى حَبَّ الْقُطْنِ فَزَرَعَهُ وَلَمْ يَنْبُتْ قِيلَ يَرْجِعُ بِنَقْصِ عَيْبِهِ وَقِيلَ لَا يَرْجِعُ لِأَنَّهُ أَهْلَك الْمَبِيعَ اهـ. وَفِي الْقُنْيَةِ بَاعَ مِنْهُ دَخَنًا لِلْبَذْرِ وَقَالَ ازْرَعْهُ فَإِنْ لَمْ يَنْبُتْ فَأَنَا ضَامِنٌ لِهَذَا الْبَذْرِ فَزُرِعَ فَلَمْ يَنْبُتْ فَعَلَيْهِ ضَمَانُ النُّقْصَانِ اهـ. وَأَشَارَ بِالْإِعْتَاقِ إلَى الْوَقْفِ فَإِذَا وَقَفَ الْمُشْتَرِي الْأَرْضَ ثُمَّ عَلِمَ بِالْعَيْبِ رَجَعَ بِالنَّقْصِ وَفِي جَعْلِهَا مَسْجِدًا اخْتِلَافٌ وَالْمُخْتَارُ الرُّجُوعُ بِالنَّقْصِ كَذَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَإِذَا رَجَعَ بِالنُّقْصَانِ سَلِمَ لَهُ لِأَنَّ النُّقْصَانَ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ الْوَقْفِ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ أَيْضًا. (قَوْلُهُ وَإِنْ أَعْتَقَهُ عَلَى مَالٍ أَوْ قَتَلَهُ أَوْ كَانَ طَعَامًا فَأَكَلَهُ أَوْ بَعْضَهُ لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ حَبَسَ مَا هُوَ بَدَلُهُ وَحَبْسُ الْبَدَلِ كَحَبْسِ الْمُبْدَلِ مِنْهُ وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْكِتَابَةَ بِمَعْنَاهُ فَلَا رُجُوعَ وَأَمَّا قَتْلُهُ وَأَكْلُ الطَّعَامِ فَالْمُرَادُ إتْلَافُ الْمَبِيعِ مِنْ الْمُشْتَرِي مَانِعٌ مِنْ الرُّجُوعِ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ لِأَنَّ الْقَتْلَ لَا يُوجَدُ إلَّا مَضْمُونًا وَإِنَّمَا يَسْقُطُ هُنَا بِاعْتِبَارِ الْمِلْكِ إنْ لَمْ يَكُنْ مَدْيُونًا فَإِنْ كَانَ مَدْيُونًا ضَمِنَهُ السَّيِّدُ كَذَا فِي الْكَافِي فَصَارَ كَالْمُسْتَفِيدِ بِهِ عِوَضًا بِخِلَافِ الْإِعْتَاقِ فَإِنَّهُ لَا يُوجِبُ ضَمَانًا وَقَتْلُ غَيْرِهِ مَانِعٌ مِنْ الرُّجُوعِ بِنَقْصِهِ أَيْضًا لِوُجُوبِ الضَّمَانِ بِهِ فَهُوَ كَبَيْعِهِ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَأَمَّا الْأَكْلُ فَالْمَذْكُورُ قَوْلُهُ وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَيَرْجِعُ اسْتِحْسَانًا وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا لَبِسَ الثَّوْبَ حَتَّى تَخَرَّقَ لَهُمَا أَنَّهُ صَنَعَ بِالْمَبِيعِ مَا يَقْصِدُ بِشِرَائِهِ وَيَعْتَادُ فِعْلَهُ لَهُ فَأَشْبَهَ الْإِعْتَاقَ وَلَهُ أَنَّهُ تَعَذَّرَ الرَّدُّ بِفِعْلٍ مَضْمُونٍ مِنْهُ فِي الْمَبِيعِ فَأَشْبَهَ الْبَيْعَ وَالْقَتْلَ وَلَا يُعْتَبَرُ بِكَوْنِهِ مَقْصُودًا أَلَا تَرَى   [منحة الخالق] اشْتِرَاطِ أَدَاءِ الْبَدَلِ كَمَا لَا يَخْفَى وَلِذَا قَالَ فِي النَّهْرِ قَالَ الشَّارِحُ وَلَوْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ يَنْبَغِي أَنْ يَرُدَّهُ بِالْعَيْبِ لِزَوَالِ الْمَانِعِ كَمَا لَوْ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ فِي الْعَبْدِ الْآبِقِ لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ لِأَنَّ الرُّجُوعَ خُلْفٌ عَنْ الرَّدِّ فَلَا يُصَارُ إلَى الْخُلْفِ مَا دَامَ حَيًّا فَإِذَا رَجَعَ رَدَّهُ لِزَوَالِ الْمَانِعِ وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي السِّرَاجِ مِنْ تَقْيِيدِ الْكِتَابَةِ بِأَدَاءِ بَدَلِهَا لِيَصِيرَ كَالْعِتْقِ عَلَى مَالٍ إذْ لَوْ صَحَّ هَذَا لَمَا تَصَوَّرَ عَجْزَهُ كَمَا لَا يَخْفَى اهـ. (قَوْلُهُ وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَيَرْجِعُ اسْتِحْسَانًا) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ الَّذِي فِي الْهِدَايَةِ وَالْعِنَايَةِ وَالْفَتْحِ وَالتَّبْيِينِ أَنَّ الِاسْتِحْسَانَ عَدَمُ الرُّجُوعِ وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ فَلْيُحَرَّرْ اهـ. أَقُولُ: مَا هُنَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الِاخْتِيَارِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 58 أَنَّ الْمَبِيعَ إنَّمَا يَقْصِدُ بِالشِّرَاءِ ثُمَّ هُوَ يَمْنَعُ الرُّجُوعَ وَأَكْلُ الْبَعْضِ كَأَكْلِ الْكُلِّ لِكَوْنِهِ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ فَصَارَ كَبَيْعِ الْبَعْضِ وَعَنْهُمَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ فِي الْكُلِّ وَعَنْهُمَا يَرُدُّ مَا بَقِيَ لِأَنَّهُ لَا يَضُرُّهُ التَّبْعِيضُ وَيَرْجِعُ بِنُقْصَانِ مَا أَكَلَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَذَا فِي الِاخْتِيَارِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا فِي الرُّجُوعِ بِالنُّقْصَانِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَرَدُّ مَا بَقِيَ قَالُوا وَالْأَصْلُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ الرَّدَّ مَتَى امْتَنَعَ بِفِعْلٍ مَضْمُونٍ مِنْ الْمُشْتَرِي كَالْقَتْلِ وَالتَّمْلِيكِ مِنْ غَيْرِهِ امْتَنَعَ الرُّجُوعُ بِالنُّقْصَانِ وَمَتَى امْتَنَعَ لَا مِنْ جِهَتِهِ أَوْ مِنْ جِهَتِهِ بِفِعْلٍ مَضْمُونٍ كَالْهَلَاكِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَوْ انْتَقَصَ أَوْ ازْدَادَ زِيَادَةً مَانِعَةً لِلرَّدِّ أَوْ الْإِعْتَاقِ أَوْ تَوَابِعِهِ كَالتَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ لَا يَمْتَنِعُ الرُّجُوعُ بِالنُّقْصَانِ وَعَلَى هَذَا قَالَ الْبَزَّازِيُّ لَوْ وَطِئَ الْمُشْتَرِي الْجَارِيَةَ ثُمَّ بَاعَهَا بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ لَا يَرْجِعُ وَإِنْ وَطِئَهَا غَيْرُ الْبَائِعِ ثُمَّ بَاعَهَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ اهـ. وَفِي الْمُجْتَبَى لَوْ أَطْعَمَهُ ابْنُهُ الْكَبِيرُ أَوْ الصَّغِيرُ أَوْ امْرَأَتُهُ أَوْ مُكَاتَبُهُ أَوْ ضَيْفُهُ لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ وَلَوْ أَطْعَمَهُ عَبْدُهُ أَوْ مُدَبَّرُهُ أَوْ أُمُّ وَلَدِهِ يَرْجِعُ لِأَنَّ مِلْكَهُ بَاقٍ وَلَوْ اشْتَرَى سَمْنًا ذَائِبًا وَأَكَلَهُ ثُمَّ أَقَرَّ الْبَائِعُ أَنَّهُ كَانَتْ وَقَعَتْ فِيهِ فَأْرَةٌ رَجَعَ بِالنُّقْصَانِ عِنْدَهُمَا وَبِهِ يُفْتَى وَفِي الْكِفَايَةِ كُلُّ تَصَرُّفٍ يُسْقِطُ خِيَارَ الشَّرْطِ يُسْقِطُ خِيَارَ الْعَيْبِ إذَا وُجِدَ فِي مِلْكِهِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ وَلَا رَدَّ وَلَا أَرْشَ اهـ. وَفِي الْقُنْيَةِ وَلَوْ كَانَ غَزْلًا فَنَسَجَهُ أَوْ فَيْلَقًا فَجَعَلَهُ إبْرَيْسَمًا ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ كَانَ رَطْبًا وَانْتَقَصَ وَزْنُهُ رَجَعَ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ اهـ. قَيَّدَ بِالطَّعَامِ لِأَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى كَرْمًا بِثَمَرِهِ وَذَكَرَ الثَّمَرَ وَأَكَلَ مِنْهَا ثُمَّ وَجَدَ بِالْكَرْمِ عَيْبًا فَلَهُ رَدُّ الْكَرْمِ كَذَا فِي الْقُنْيَةِ وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِ فَعَلَ بِالْمَبِيعِ لِأَنَّهُ لَوْ أَتْلَفَ كَسْبَ الْمَبِيعِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ لَا يَكُونُ رِضًا وَلَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ وَكَذَا لَوْ كَانَ كَسْبُ الْمَبِيعِ جَارِيَةً فَوَطِئَهَا أَوْ حَرَّرَهَا بِخِلَافِ إعْتَاقِ وَلَدِ الْمَبِيعَةِ فَإِنَّهُ يَكُونُ رِضًا بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ. (قَوْلُهُ وَلَوْ اشْتَرَى بَيْضًا أَوْ قِثَّاءً أَوْ جَوْزًا فَوَجَدَهُ فَاسِدًا يَنْتَفِعُ بِهِ رَجَعَ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ وَإِلَّا بِكُلِّ الثَّمَنِ) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ مُنْتَفَعًا بِهِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ فَكَانَ الْبَيْعُ بَاطِلًا وَلَا يُعْتَبَرُ فِي الْجَوْزِ صَلَاحُ قِشْرِهِ عَلَى مَا قِيلَ لِأَنَّ مَالِيَّتَهُ بِاعْتِبَارِ اللُّبِّ وَإِنْ كَانَ يَنْتَفِعُ بِهِ مَعَ فَسَادِهِ لَمْ يَرُدَّهُ لِأَنَّ الْكَسْرَ عَيْبٌ حَادِثٌ وَلَكِنَّهُ يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ إلَّا أَنْ يَقْبَلَهَا الْبَائِعُ مَكْسُورًا وَيَرُدُّ الثَّمَنَ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ. وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِ الْمَسْأَلَةِ بِكَسْرِهِ لِأَنَّهُ لَوْ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبِهِ قَبْلَ كَسْرِهِ كَانَ لَهُ رَدُّهُ فَلَوْ قَالَ فَكَسَرَهُ فَوَجَدَهُ فَاسِدًا أَيْضًا لَكَانَ أَوْلَى وَلَا بُدَّ أَيْضًا مِنْ أَنْ لَا يَتَنَاوَلَ مِنْهُ شَيْئًا بَعْدَ الْعِلْمِ بِعَيْبِهِ لِأَنَّهُ لَوْ كَسَرَهُ فَذَاقَهُ ثُمَّ تَنَاوَلَ مِنْهُ شَيْئًا لَمْ يَرْجِعْ بِنُقْصَانِهِ لِرِضَاهُ بِهِ وَيَنْبَغِي جَرَيَانُ الْخِلَافِ فِيهَا كَمَا لَوْ أَكَلَ الطَّعَامَ وَأَطْلَقَ فِي الِانْتِفَاعِ فَشَمَلَ انْتِفَاعُهُ بِهِ وَانْتِفَاعُ غَيْرُهُ مِنْ الْفُقَرَاءِ وَالدَّوَابِّ عَلَفًا لَهُمْ وَأَطْلَقَ الْبَيْضَ وَاسْتَثْنَوْا مِنْهُ بَيْضَ النَّعَامَةِ إذَا وَجَدَهُ فَاسِدًا بَعْدَ الْكَسْرِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ لِأَنَّ مَالِيَّتَهُ بِاعْتِبَارِ الْقِشْرِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ وَقَيَّدَ بِوُجُودِ الْمَبِيعِ أَيْ جَمِيعِهِ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَدَ الْبَعْضَ مِنْهُ فَاسِدًا فَإِنْ كَانَ قَلِيلًا جَازَ الْبَيْعُ لِعَدَمِ خُلُوِّهِ عَنْهُ عَادَةً وَلَا خِيَارَ لَهُ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا فَالصَّحِيحُ عِنْدَهُ الْبُطْلَانُ وَعِنْدَهُمَا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَعَنْهُمَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ فِي الْكُلِّ) أَيْ فِي مَسْأَلَةِ أَكْلِ الْبَعْضِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ وَأَكْلُ الْبَعْضِ كَأَكْلِ الْكُلِّ وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ لَا يَرُدُّ مَا بَقِيَ (قَوْلُهُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا فِي الرُّجُوعِ بِالنُّقْصَانِ) أَيْ فِي مَسْأَلَةِ أَكْلِ الْكُلِّ وَلُبْسِ الثَّوْبِ حَتَّى تَخَرَّقَ وَقَوْلُهُ وَرَدَّ مَا بَقِيَ أَيْ فِي مَسْأَلَةِ أَكْلِ الْبَعْضِ وَقَدْ مَرَّ عَنْ الرَّمْلِيِّ أَنَّ مِثْلَ مَا فِي الْخُلَاصَةِ مَذْكُورٌ فِي النِّهَايَةِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ وَمِثْلُهُ فِي الْخَانِيَّةِ أَيْضًا حَيْثُ قَالَ وَإِنْ اشْتَرَى طَعَامًا فَأَكَلَ بَعْضَهُ ثُمَّ عَلِمَ بِعَيْبٍ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ فَإِنَّهُ لَا يَرُدُّ الْبَاقِيَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَرُدُّ الْبَاقِيَ وَيَرْجِعُ بِنُقْصَانِ مَا أَكَلَ وَيُعْطِي لِكُلٍّ بَعْضَ حُكْمِ نَفْسِهِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَهَذَا لَوْ كَانَ الطَّعَامُ فِي وِعَاءٍ وَاحِدٍ فَلَوْ فِي وِعَاءَيْنِ فَأَكَلَ مَا فِي أَحَدِهِمَا أَوْ بَاعَهُ لَهُ رَدُّ الْبَاقِي بِحِصَّتِهِ فِي قَوْلِهِمْ لِأَنَّ الْمَكِيلَ وَالْمَوْزُونَ بِمَنْزِلَةِ أَشْيَاءَ مُخْتَلِفَةٍ فَكَانَ الْحُكْمُ فِيهِ مَا هُوَ الْحُكْمُ فِي الْعَبْدَيْنِ وَالثَّوْبَيْنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. اهـ. قَالَ فِي النَّهْرِ لَكِنْ جَعَلَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ قَوْلَهُ اسْتِحْسَانًا مَعَ تَأْخِيرِهِ وَجَوَابُهُ عَنْ دَلِيلِهِمَا يُقَرِّرُ مُخَالَفَتَهُ فِي كَوْنِ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا. اهـ. وَهَذَا الِاسْتِدْرَاكُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْفَتْحِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الذَّخِيرَةِ حَيْثُ قَالَ وَلَوْ لَبِسَ الثَّوْبَ حَتَّى تَخَرَّقَ مِنْ اللُّبْسِ أَوْ أَكَلَ الطَّعَامَ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ بِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ وَقَالَا يَرْجِعُ وَالصَّحِيحُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. اهـ. وَقَالَ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ لَمْ تَتَّفِقْ الْمَشَايِخُ عَلَى اخْتِيَارِ قَوْلِهِمَا بَلْ مَنْ نَظَرَ إلَى ثُبُوتِ الرِّوَايَةِ وَقُوَّةِ الدَّلِيلِ صَحَّحَ قَوْلَ الْإِمَامِ وَمَنْ نَظَرَ إلَى الرِّفْقِ بِالنَّاسِ اخْتَارَ قَوْلَ مُحَمَّدٍ اهـ. [اشْتَرَى بَيْضًا أَوْ قِثَّاءً أَوْ جَوْزًا فَوَجَدَهُ فَاسِدًا يَنْتَفِعُ بِهِ] (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي جَرَيَانُ الْخِلَافِ فِيهَا كَمَا لَوْ أَكَلَ الطَّعَامَ) كَذَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَاعْتَرَضَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ بِأَنَّ الْخِلَافَ فِي الطَّعَامِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 59 يَجُوزُ فِي حِصَّةِ الصَّحِيحِ مِنْهُ. وَالْقَلِيلُ الثَّلَاثَةُ وَمَا دُونَهَا فِي الْمِائَةِ وَالْكَثِيرُ مَا زَادَ وَالْفَاكِهَةُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَوْ اشْتَرَى دَقِيقًا فَخَبَزَ بَعْضَهُ وَظَهَرَ أَنَّهُ مُرٌّ رَدَّ مَا بَقِيَ وَرَجَعَ بِنُقْصَانِ مَا خَبَزَ اهـ. وَفِي الْوَاقِعَاتِ هُوَ الْمُخْتَارُ وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ فَوَجَدَهُ مَعِيبًا لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّ مِنْ عَيْبِ الْجَوْزِ قِلَّةُ لُبِّهِ وَسَوَادِهِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَصَرَّحَ فِي الذَّخِيرَةِ بِأَنَّهُ عَيْبٌ وَلَيْسَ مِنْ بَابِ الْفَسَادِ وَفِيهَا اشْتَرَى عَدَدًا مِنْ الْبِطِّيخِ أَوْ الرُّمَّانِ أَوْ السَّفَرْجَلِ فَكَسَرَ وَاحِدًا وَاطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ رَجَعَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ لَا غَيْرَ وَلَا يَرُدُّ الْبَاقِي إلَّا أَنْ يُبَرْهِنَ أَنَّ الْبَاقِي فَاسِدٌ اهـ. وَلِهَذَا قَالَ فَوَجَدَهُ أَيْ الْمَبِيعَ احْتِرَازًا عَمَّا إذَا كَسَرَ الْبَعْضَ فَوَجَدَهُ فَاسِدًا فَإِنَّهُ يَرُدُّهُ أَوْ يَرْجِعُ بِنَقْصِهِ فَقَطْ وَلَا يَقِيسُ الْبَاقِيَ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ وَلَوْ بَاعَ الْمَبِيعَ فَرُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبِ بِقَضَاءٍ يُرَدُّ عَلَى بَائِعِهِ وَلَوْ بِرِضَاهُ لَا) أَيْ لَا يَرُدُّهُ عَلَى بَائِعِهِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ بِالْقَضَاءِ فَسْخٌ مِنْ الْأَصْلِ فَجُعِلَ الْبَيْعُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ أَنْكَرَ قِيَامَ الْعَيْبِ لَكِنَّهُ صَارَ مُكَذِّبًا شَرْعًا بِالْقَضَاءِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ بَائِعَهُ لِتَنَاقُضِهِ وَعَامَّتُهُمْ عَلَى أَنَّهُ إنْ سُبِقَ مِنْهُ جُحُودٌ نَصًّا بِأَنْ قَالَ بِعْته وَمَا بِهِ هَذَا الْعَيْبَ وَإِنَّمَا حَدَثَ عِنْدَك ثُمَّ رُدَّ عَلَيْهِ بِقَضَاءٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ بَائِعَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهَا عَلَى مَا إذَا كَانَ سَاكِنًا وَالْبَيِّنَةُ تَجُوزُ عَلَى السَّاكِتِ وَيَسْتَحْلِفُ السَّاكِتُ أَيْضًا لِتَنْزِيلِهِ مُنْكِرًا كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ الْقَضَاءَ بِإِقْرَارٍ وَبِبَيِّنَةٍ وَنُكُولٍ عَنْ الْيَمِينِ. وَمَعْنَى الْقَضَاءِ بِالْإِقْرَارِ أَنَّهُ أَنْكَرَ الْإِقْرَارَ فَأَثْبَتَ بِالْبَيِّنَةِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ أَوْ أَقَرَّ وَأَبَى الْقَبُولَ فَقَضَى عَلَيْهِ كَمَا فِي الْكَافِي وَصُورَةُ الْإِقْرَارِ أَنْ يَقُولَ اشْتَرَيْته وَبِهِ ذَلِكَ الْعَيْبُ وَلَمْ أَعْلَمْ بِهِ وَقَضَى بِهِ ثُمَّ ادَّعَاهُ عَلَى بَائِعِهِ وَبَرْهَنَ بِبَيِّنَةٍ أَوْ اسْتَحْلَفَ بَائِعَهُ كَذَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ أَنَّهُ بِمُجَرَّدِ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ بِرَدِّهِ فَلْيُتَأَمَّلْ وَإِنْ قَبِلَهُ بِغَيْرِ قَضَاءٍ لَيْسَ لَهُ رَدُّهُ عَلَى بَائِعِهِ لِأَنَّهُ بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ الثَّالِثِ وَإِنْ كَانَ فَسْخًا فِي حَقِّهِمَا وَالْأَوَّلُ ثَالِثُهُمَا وَأَطْلَقَهُ فَشَمَلَ مَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ وَمَا لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ وَهُوَ قَوْلُ الْعَامَّةِ وَتَقْيِيدُهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِمَا يَحْدُثُ لِيَعْلَمَ حُكْمَ مَا لَا يَحْدُثُ بِالْأَوْلَى وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْأَصْلِ أَنَّ مَا لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ فَالرِّضَا بِهِ كَالْقَضَاءِ وَتَرَكَ الْمُصَنِّفُ قَيْدًا آخَرَ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ قَبْضِ الْمَبِيعِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ قَبْلَ قَبْضِهِ فَهُوَ فَسْخٌ فِي حَقِّ الْكُلِّ سَوَاءٌ كَانَ بِقَضَاءٍ أَوْ رِضًا. كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ مَعْزِيًّا إلَى الْمَبْسُوطِ وَقَيْدٌ آخَرُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ قَبْلَ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْعَيْبِ إذْ لَوْ كَانَ بَعْدَهُ لَيْسَ لَهُ الرَّدُّ عَلَى بَائِعِهِ وَلَوْ رُدَّ عَلَيْهِ بِمَا هُوَ فُسِخَ كَذَا فِي الصُّغْرَى وَأَوْرَدَ عَلَى كَوْنِهِ فَسْخًا مَسَائِلَ الْأُولَى لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ عَقَارًا فَرُدَّ بِعَيْبٍ لَمْ يَبْطُلْ حَقُّ الشَّفِيعِ فِي الشُّفْعَةِ الثَّانِيَةِ لَوْ بَاعَ أَمَتَهُ الْحُبْلَى وَسَلَّمَهَا ثُمَّ رُدَّتْ بِعَيْبٍ بِقَضَاءٍ ثُمَّ وَلَدَتْ فَادَّعَاهُ أَبُو الْبَائِعِ لَمْ تَصِحَّ دَعْوَتُهُ وَلَوْ كَانَ فَسْخًا لَصَحَّتْ كَمَا لَوْ لَمْ يَبِعْهَا الثَّالِثَةُ لَوْ أَحَالَ الْبَائِعُ غَرِيمَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ ثُمَّ رَدَّ الْمَبِيعَ بِعَيْبٍ بِقَضَاءٍ لَمْ تَبْطُلْ الْحَوَالَةُ وَلَوْ كَانَتْ فَسْخًا لَبَطَلَتْ وَأَجَابَ فِي الْمِعْرَاجِ بِأَنَّهُ فَسْخٌ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ لَا فِي الْأَحْكَامِ الْمَاضِيَةِ وَلِهَذَا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ قَوْلُ الْقَائِلِ الرَّدُّ بِالْقَضَاءِ يَجْعَلُ الْعَقْدَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ تَنَاقَضَ لِأَنَّ الْعَقْدَ إذَا جُعِلَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ جُعِلَ الْفَسْخُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ لِأَنَّ الْفَسْخَ بِدُونِ الْعَقْدِ لَا يُتَصَوَّرُ فَإِذَا انْعَدَمَ الْعَقْدُ مِنْ أَصْلِهِ انْعَدَمَ الْفَسْخُ مِنْ الْأَصْلِ وَإِذَا انْعَدَمَ الْفَسْخُ مِنْ الْأَصْلِ عَادَ الْعَقْدُ لِانْعِدَامِ مَا يُنَافِيهِ وَلَكِنْ يُقَالُ يُجْعَلُ الْعَقْدُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمُسْتَقْبِلِ لَا فِي الْمَاضِي اهـ. وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْفَسْخَ إنَّمَا هُوَ فِي الْمُسْتَقْبِلِ أَنَّ زَوَائِدَ الْمَبِيعِ لِلْمُشْتَرِي وَلَا يَرُدُّهَا مَعَ الْأَصْلِ وَلِهَذَا لَوْ وُهِبَ مَالًا قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ ثُمَّ رَجَعَ الْوَاهِبُ بَعْدَ الْحَوْلِ لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ عَلَيْهِ فِيمَا مَضَى كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ وَلَوْ وُهِبَ دَارًا وَسَلَّمَهَا فَبِيعَتْ دَارٌ بِجَنْبِهَا فَأَخَذَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ بِالشُّفْعَةِ ثُمَّ رَجَعَ الْوَاهِبُ فِيهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ الْأَخْذُ بِشُفْعَةٍ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقَدْ كَتَبْنَا فِي الْفَوَائِدِ أَنَّ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ   [منحة الخالق] إذَا عَلِمَ الْعَيْبَ بَعْدَ الْأَكْلِ لَا قَبْلَهُ [بَاعَ الْمَبِيعَ فَرُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبِ بِقَضَاءٍ] (قَوْلُهُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ إلَخْ) أَيْ بَلْ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْمُخَاصَمَةِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ فِي هَذِهِ السِّوَادَةِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 60 بِقَضَاءٍ فَسْخٌ إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ وَإِذَا لَمْ يَرُدَّهُ فِي صُورَةِ الرِّضَا لَا رُجُوعَ لَهُ بِالنُّقْصَانِ أَيْضًا كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ وَإِذَا كَانَ لَهُ الرَّدُّ فَلَهُ الرُّجُوعُ بِالنُّقْصَانِ كَمَا فِي التَّهْذِيبِ يَعْنِي لَوْ حَدَثَ عَيْبٌ وَرَدَّهُ بِقَضَاءٍ فَلَهُ الْأَرْشُ وَلَوْ بِرِضًا لَا وَقَيَّدَ بِالْمَبِيعِ وَهُوَ الْعَيْنُ احْتِرَازًا عَنْ الصَّرْفِ فَإِنَّهُ يُجْعَلُ فَسْخًا إذَا رُدَّ بِعَيْبٍ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَضَاءِ وَالرِّضَا لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ بَيْعًا جَدِيدًا لِأَنَّ الدِّينَارَ هُنَا لَا يَتَعَيَّنُ فِي الْعُقُودِ فَإِذَا اشْتَرَى دِينَارًا بِدِرْهَمٍ ثُمَّ بَاعَ الدِّينَارَ مِنْ آخَرَ ثُمَّ وَجَدَ الْمُشْتَرِي الثَّانِي بِالدِّينَارِ عَيْبًا وَرَدَّهُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِغَيْرِ قَضَاءٍ فَإِنَّهُ يَرُدُّهُ عَلَى بَائِعِهِ لِمَا ذَكَرْنَا كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَالْخَانِيَّةِ. وَفِي الْكَافِي الْمَبِيعَانِ هُنَا وَاحِدٌ لِأَنَّ الْمَعِيبَ لَيْسَ بِمَبِيعٍ بَلْ الْمَبِيعُ السَّلِيمُ فَيَكُونُ الْمَبِيعُ مِلْكَ الْبَائِعِ فَإِذَا رَدَّهُ عَلَى الْمُشْتَرِي يَرُدُّهُ عَلَى بَائِعِهِ أَمَّا هُنَا الْمَبِيعَانِ مَوْجُودَانِ فَإِذَا قِيلَ بِغَيْرِ قَضَاءٍ فَقَدْ رَضِيَ بِالْعَيْبِ فَلَا يَرُدُّهُ عَلَى بَائِعِهِ اهـ. وَذَكَرَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ وَعَلَى هَذَا إذَا قَبَضَ رَجُلٌ دَرَاهِمَ عَلَى رَجُلٍ وَقَضَاهَا مِنْ غَرِيمِهِ فَوَجَدَهَا الْغَرِيمُ زُيُوفًا فَرَدَّهَا عَلَيْهِ بِغَيْرِ قَضَاءٍ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهَا عَلَى الْأَوَّلِ. اهـ. وَخَرَجَ عَنْ قَوْلِهِ بِقَضَاءِ مَسْأَلَةٍ ذَكَرَهَا فِي الْمَبْسُوطِ لَوْ أَقَامَ الْمُشْتَرِي الثَّانِي أَنَّ الْعَيْبَ كَانَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ وَلَمْ يَشْهَدْ أَنَّهُ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ الْأَوَّلِ فَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ الْمُخَاصَمَةُ مَعَ بَائِعِهِ إجْمَاعًا لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ الْأَوَّلَ لَمْ يَصِرْ مُكَذِّبًا فِيمَا أَقَرَّ بِهِ وَلَمْ يُوجَدْ هُنَا قَضَاءٌ عَلَى خِلَافِ مَا أَقَرَّ بِهِ فَبَقِيَ إقْرَارُهُ بِكَوْنِهَا سَلِيمَةً فَلَا يَثْبُتُ لَهُ وِلَايَةُ الرَّدِّ وَلَكِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ مُحَمَّدٌ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْمِعْرَاجِ. اعْلَمْ أَنَّ الْقِنَّ إذَا حُكِمَ بِرَدِّهِ بِعَيْبِ الْإِبَاقِ عَلَى بَائِعِهِ فَاشْتَرَاهُ آخَرُ فَأَبَقَ عِنْدَهُ فَلَهُ الرَّدُّ عَلَى بَائِعِهِ بِالْإِبَاقِ السَّابِقِ الْمَحْكُومِ بِهِ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَإِقْرَارُ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ بِإِبَاقِهِ لَا يَنْفُذُ عَلَى مَنْ لَمْ يَشْتَرِ مِنْهُ مِنْ الْبَاعَةِ بِخِلَافِ إقْرَارِ الْبَائِعِ الْأَوَّلِ بِدَيْنٍ عَلَى الْعَبْدِ فَإِنَّ لِلْمُشْتَرِي الْآخَرِ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى بَائِعِهِ بِإِقْرَارِ الْأَوَّلِ كَمَا فِيهَا أَيْضًا وَفِي التَّهْذِيبِ لِلْقَلَانِسِيِّ لَوْ وَهَبَ وَسَلَّمَ ثُمَّ رَجَعَ فِيهِ بِقَضَاءٍ أَوْ رِضًا فَلَهُ الرَّدُّ اهـ. ثُمَّ مَعْنَى قَوْلِهِ يَرُدُّ عَلَى بَائِعِهِ أَنَّ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ الْأَوَّلَ وَيَفْعَلَ مَا يَجِبُ أَنْ يُفْعَلَ عِنْدَ قَصْدِ الرَّدِّ وَلَا يَكُونُ الرَّدُّ عَلَيْهِ رَدًّا عَلَى بَائِعِهِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ فَإِنَّهُ إذَا رَدَّ عَلَيْهِ مَا بَاعَهُ بِعَيْبٍ بِقَضَاءٍ بِبَيِّنَةٍ أَوْ نُكُولٍ أَوْ بِإِقْرَارٍ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ فَيَكُونُ الْمَبِيعُ مِلْكَ الْبَائِعِ) حَقُّ التَّعْبِيرِ أَنْ يَقُولَ فَيَكُونُ الْمَعِيبُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا إذَا قَبَضَ رَجُلٌ إلَخْ) قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ وَإِذَا كَانَ أَجْرُ الدَّارِ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ أَوْ قَفِيزَ حِنْطَةٍ مَوْصُوفَةٍ وَأَشْهَدَ الْمُؤَجِّرُ أَنَّهُ قَبَضَ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ أَوْ قَفِيزَ حِنْطَةٍ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّ الدَّرَاهِمَ نَبَهْرَجَةٌ وَأَنَّ الطَّعَامَ مَعِيبٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ مُنْكِرُ اسْتِيفَاءِ حَقِّهِ فَإِنَّ مَا فِي الذِّمَّةِ يُعْرَفُ بِصِفَةِ وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الصِّفَةِ فَلَا مُنَاقَضَةَ فِي كَلَامِهِ فَاسْمُ الدَّرَاهِمِ يَتَنَاوَلُ النَّبَهْرَجَةَ وَاسْمُ الْحِنْطَةِ يَتَنَاوَلُ الْمَعِيبَ وَإِنْ كَانَ حِينَ أَشْهَدَ فَقَالَ قَبَضْت مِنْ أَجْرِ الدَّارِ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ أَوْ قَفِيزَ حِنْطَةٍ لَمْ يُصَدَّقْ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى ادِّعَاءِ الْعَيْبِ وَالزَّيْفِ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ اسْتَوْفَيْت أَجْرَ الدَّارِ ثُمَّ قَالَ وَجَدْته زُيُوفًا لَمْ يُصَدَّقْ بِبَيِّنَةٍ وَلَا غَيْرِهَا لِأَنَّهُ قَدْ سُبِقَ مِنْهُ الْإِقْرَارُ بِقَبْضِ الْجِيَادِ فَإِنْ أَجَّرَ الدَّارَ مِنْ الْجِيَادِ فَيَكُونُ هُوَ مُنَاقِضًا فِي قَوْلِهِ وَجَدْته زُيُوفًا وَالْمُنَاقِضُ لَا قَوْلَ لَهُ وَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ اهـ. كَذَا نَقَلَهُ الْإِمَامُ الطَّرَسُوسِيُّ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ ثُمَّ قَالَ وَإِذَا تَقَرَّرَ لَنَا هَذَا فِي الْإِجَارَةِ وَالْأُجْرَةِ عَدَّيْنَاهُ إلَى اسْتِيفَاءِ الْأَثْمَانِ فِي الْبَيَّاعَاتِ وَالدُّيُونِ فِي الْمُعَامَلَاتِ فَإِنَّ الْعِلَّةَ تَجْمَعُ الْكُلَّ فَنَقُولُ إذَا دَفَعَ إلَيْهِ دَرَاهِمَ وَهِيَ ثَمَنُ مَتَاعٍ ثُمَّ جَاءَ الْبَائِعُ وَأَرَادَ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا وَأَنْكَرَ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ مِنْ دَرَاهِمِهِ فَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ أَقَرَّ بِقَبْضِ الثَّمَنِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ وَلَا يَلْزَمُ الْمُشْتَرِي دَفْعُ عِوَضِهِ وَيَنْبَغِي أَنَّ الْبَائِعَ لَوْ اخْتَارَ تَحْلِيفَ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ مَا يَعْلَمُ أَنَّ هَذَا مِنْ دَرَاهِمِهِ يُحَلِّفُهُ الْقَاضِي فَإِنْ نَكَلَ يَرُدُّهَا عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ لَمْ يُقِرَّ بِقَبْضِ الثَّمَنِ أَوْ أَلْحَقَ الَّذِي عَلَى الْمُشْتَرِي مِنْ جِهَةِ هَذَا الْبَيْعِ وَإِنَّمَا أَقَرَّ بِقَبْضِ دَرَاهِمَ مَثَلًا فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ اسْتِيفَاءَ حَقِّهِ وَلَمْ يَتَقَدَّمْ مِنْهُ مَا يُنَاقِضُ دَعْوَاهُ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَكَذَلِكَ الدُّيُونُ أَيْضًا وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الَّذِي يَرُدُّهُ زُيُوفًا أَوْ نَبَهْرَجَةً فَإِذَا كَانَ سَتُّوقَةً لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ نَاقَضَ كَلَامَهُ لِأَنَّ السَّتُّوقَةَ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الدَّرَاهِمِ وَحَاصِلُ مَا قَالُوهُ فِي تَفْسِيرِ ذَلِكَ أَنَّ الزُّيُوفَ أَجْوَدُ الْكُلِّ وَبَعْدَهَا النَّبَهْرَجَةُ وَبَعْدَهَا السَّتُّوقَةُ فَيَكُونُ الزُّيُوفُ بِمَنْزِلَةِ الدَّرَاهِمِ الَّتِي يَقْبَلُهَا بَعْضُ الصَّيَارِفِ دُونَ بَعْضٍ وَالنَّبَهْرَجَةُ مَا يَرُدُّهَا الصَّيَارِفُ وَهِيَ الَّتِي تُسَمَّى مُعِيرَةٌ وَلَكِنَّ الْفِضَّةَ فِيهَا أَكْثَرُ وَالسَّتُّوقَةُ بِمَنْزِلَةِ الزَّغَلِ وَهِيَ الَّتِي نُحَاسُهَا أَكْثَرُ مِنْ فِضَّتِهَا فَالزُّيُوفُ وَالنَّبَهْرَجَةُ يَكُونُ الْقَوْلُ فِيهِمَا قَوْلَ الْقَابِضِ إذَا لَمْ يُقِرَّ بِاسْتِيفَاءِ الْحَقِّ أَوْ الْأُجْرَةِ أَوْ الْجِيَادِ بَلْ يَكُونُ أَقَرَّ بِقَبْضِ كَذَا مِنْ الدَّرَاهِمِ ثُمَّ يَدَّعِي أَنَّ بَعْضَهَا زُيُوفٌ أَوْ نَبَهْرَجَةٌ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ وَيَرُدُّهَا وَأَمَّا إذَا قَالَ إنَّهَا سَتُّوقَةٌ بَعْدَ مَا أَقَرَّ بِقَبْضِ الدَّرَاهِمِ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَلَا يَرُدُّهَا اهـ مَا فِي أَنْفَعْ الْوَسَائِلِ مُلَخَّصًا. (قَوْلُهُ ثُمَّ مَعْنَى قَوْلِهِ يَرُدُّ عَلَى بَائِعِهِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ يَعْنِي أَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْبَائِعِ الْأَخِيرِ بِالرَّدِّ لَيْسَ بِقَضَاءٍ عَلَى الْبَاعَةِ كُلِّهِمْ بِخِلَافِ الِاسْتِحْقَاقِ فَإِنَّهُ إذَا حُكِمَ بِهِ عَلَى الْمُشْتَرِي الْأَخِيرِ يَكُونُ حُكْمًا عَلَى كُلِّ الْبَاعَةِ كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَغَيْرِهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 61 مِنْ الْمَأْمُورِ بِالْبَيْعِ حَيْثُ يَكُونُ رَدًّا عَلَى مُوَكِّلِهِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى خُصُومَةٍ لِأَنَّ تَعْدَادَهَا عِنْدَ تَعَدُّدِ الْبَيْعِ وَهُنَا الْبَيْعُ وَاحِدٌ فَإِذَا ارْتَفَعَ رَجَعَ إلَى الْمُوَكِّلِ وَهَذَا الْإِطْلَاقُ قَيَّدَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ بِعَيْبٍ لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ أَمَّا فِيمَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ لَا يَرُدُّهُ بِإِقْرَارِ الْمَأْمُورِ وَإِنَّمَا تَعَدَّى النُّكُولَ إلَى الْمُوَكِّلِ مَعَ أَنَّهُ إمَّا إقْرَارٌ أَوْ بَذْلٌ وَلَيْسَ لَهُ الْبَذْلُ لِكَوْنِهِ لَيْسَ إقْرَارًا وَلَا بَذْلًا حَقِيقَةً وَإِنَّمَا جَرَى مَجْرَاهُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ عَادَ وَحَلَفَ بَعْدَ نُكُولِهِ صَحَّ وَلَوْ كَانَ إقْرَارًا لَمْ يَصِحَّ وَصَحَّ الْقَضَاءُ بِنُكُولِ الْمَأْذُونِ عَنْهَا وَلَوْ كَانَ بَذْلًا حَقِيقَةً لَمْ يَصِحَّ فَلَا يَلْزَمُ إجْرَاؤُهُ فِي كُلِّ الْأَحْكَامِ وَفِي الْإِيضَاحِ إنْ رَدَّ عَلَى الْوَكِيلِ بِعَيْبٍ لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ بِإِقْرَارِهِ لَا يَرُدُّ وَهُوَ أَوْجَهُ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَالْوَكِيلُ بِالْعَيْبِ رُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ بِلَا قَضَاءٍ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ وَأَنْ لَا يَحْدُثَ مِثْلُهُ فِي الْمُدَّةِ هُوَ الصَّحِيحُ وَإِنْ بِقَضَاءٍ وَلَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ فِي الْمُدَّةِ يُنْظَرُ جَوَابُهُ وَالرَّدُّ عَلَى الْوَكِيلِ رَدٌّ عَلَى الْمُوَكِّلِ مُطْلَقًا وَأَنْ يَحْدُثَ مِثْلُهُ فِي الْمُدَّةِ فَإِنْ بِنُكُولٍ أَوْ بِبَيِّنَةٍ فَرُدَّ عَلَى الْمُوَكِّلِ وَإِنْ بِإِقْرَارٍ فَعَلَى الْوَكِيلِ وَلَهُ أَنْ يُخَاصِمَ الْمُوَكِّلَ وَالْوَكِيلَ بِالشِّرَاءِ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ قَبْلَ الدَّفْعِ إلَى الْمُوَكِّلِ كَالْمُضَارِبِ فَإِنْ بَرْهَنَ الْبَائِعُ عَلَى رِضَا الْآمِرِ أَوْ أَقَرَّ بِهِ الْوَكِيلُ سَقَطَ الرَّدُّ وَلَا يَحْلِفُ الْآمِرُ عَلَى الرِّضَا وَلَا وَكِيلُهُ وَيَرُدُّهُ الْمُوَكِّلُ بَعْدَ مَوْتِ الْوَكِيلِ بِعَيْبٍ وَإِذَا رَدَّهُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْوَكِيلِ اسْتَرَدَّ الثَّمَنَ مِنْهُ إنْ كَانَ نَقَدَهُ إلَيْهِ وَإِلَّا فَمِنْ الْمُوَكِّلِ. اهـ. وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ إذَا رُدَّ عَلَى الْوَكِيلِ بِإِقْرَارِهِ بِالْعَيْبِ بِلَا قَضَاءٍ لَزِمَهُ دُونَ الْمُوَكِّلِ هُوَ الصَّحِيحُ مُطْلَقًا. وَظَاهِرُ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ الْوَكَالَةِ وَهُنَا أَنَّ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ الْمُوَكِّلَ فَلْيُرَاجَعْ وَقَيَّدَ بِخِيَارِ الْعَيْبِ لِأَنَّهُ لَوْ رَدَّ عَلَى الْمُشْتَرِي بِخِيَارِ رُؤْيَةٍ أَوْ شَرْطٍ فَإِنَّهُ يَرُدُّهُ عَلَى بَائِعِهِ سَوَاءٌ كَانَ بِقَضَاءٍ أَوْ رِضًا لِكَوْنِهِ فَسْخًا فِي حَقِّ الْكُلِّ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ وَالْبَزَّازِيَّةِ مَعْزِيًّا إلَى الْجَامِعِ جَدَّدَ الْبَائِعُ مَعَ الْمُشْتَرِي ثَانِيًا بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ أَوْ أَكْثَرَ ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّ عَلَى بَائِعِهِ الْأَوَّلِ اهـ. وَفِي الصُّغْرَى الْغَاصِبُ إذَا بَاعَ الْمَغْصُوبَ وَسَلَّمَ فَضَمِنَ الْقِيمَةَ لِلْمَالِكِ ثُمَّ رُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبِ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّ عَلَى الْمَالِكِ وَيَسْتَرِدَّ الْقِيمَةَ لِأَنَّ سَبَبَ الضَّمَانِ الْبَيْعُ وَالتَّسْلِيمُ وَقَدْ صَارَ ذَلِكَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ. اهـ. وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ فَرَدَّ لِأَنَّهُ لَوْ بَاعَهُ فَاطَّلَعَ مُشْتَرِيهِ عَلَى عَيْبٍ قَدِيمٍ بِهِ لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ وَحَدَثَ عِنْدَهُ عَيْبٌ وَرَجَعَ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَرْجِعُ الْبَائِعُ عَلَى بَائِعِهِ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ وَعِنْدَهُمَا لَهُ أَنْ يَرْجِعَ كَذَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَمِثْلُهُ فِي الصُّغْرَى. (قَوْلُهُ وَلَوْ قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ وَادَّعَى عَيْبًا لَمْ يُجْبَرْ عَلَى دَفْعِ الثَّمَنِ وَلَكِنْ يُبَرْهِنُ أَوْ يَحْلِفُ بَائِعُهُ) أَيْ لَمْ يُجْبَرُ الْمُشْتَرِي عَلَى دَفْعِ الثَّمَنِ بَعْدَ دَعْوَى الْعَيْبِ لِأَنَّهُ أَنْكَرَ وُجُوبَ دَفْعِ الثَّمَنِ حَيْثُ أَنْكَرَ تَعَيُّنَ حَقِّهِ بِدَعْوَى الْعَيْبِ وَدَفْعِ الثَّمَنِ أَوْ لَا لِيَتَعَيَّنَ حَقُّهُ بِإِزَاءِ تَعَيُّنِ الْبَيْعِ وَلِأَنَّهُ لَوْ قَضَى بِالدَّفْعِ فَلَعَلَّهُ يَظْهَرُ الْعَيْبُ فَيَنْقُضُ الْقَضَاءَ فَلَا يَقْضِي بِهِ صَوْنًا لِقَضَائِهِ وَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِلَاكِنْ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ الْهِدَايَةِ بِقَوْلِهِ لَمْ يُجْبَرْ حَتَّى يَحْلِفَ بَائِعُهُ أَوْ يُقِيمَ بَيِّنَةً لِمَا يَلْزَمُ عَلَى ظَاهِرِهَا فَسَادٌ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى مَا ادَّعَاهُ يُجْبَرُ عَلَى دَفْعِ الثَّمَنِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ ثَانِيهِمَا أَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْبَائِعَ إذَا طُلِبَ مِنْهُ الْحَلِفُ يُجْبَرُ الْمُشْتَرِي وَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا يُجْبَرُ بَعْدَ الْحَلِفِ وَلَا يَلْزَمُ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ عَلَى عِبَارَةِ الْكِتَابِ وَالْمَعْنَى وَلَكِنَّ الْأَمْرَ لَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ شَيْئَيْنِ أَمَّا بَيِّنَةُ الْمُشْتَرِي فَيَتَبَيَّنُ بَرَاءَتُهُ بِالرَّدِّ عَلَى الْبَائِعِ أَوْ يَمِينُ الْبَائِعِ عِنْدَ عَجْزِهِ فَيَلْزَمُهُ الدَّفْعُ وَلَكِنْ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ لَا يَتَعَيَّنُ رَدُّ الثَّمَنِ بَلْ أَمَّا هُوَ أَوْ رَدُّ الْمَبِيعِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ لِأَنَّ الْعَيْبَ إذَا ثَبَتَ خُيِّرَ الْمُشْتَرِي فَلَمْ يَتَعَيَّنْ الْفَسْخُ وَأَحْسَنُ الْوُجُوهِ فِي تَأْوِيلِ الْهِدَايَةِ أَنَّ مَعْنَى عَدَمِ الْجَبْرِ عَدَمُ الْحُكْمِ بِشَيْءٍ حَتَّى يَتَبَيَّنَ الْحَالُ أَمَّا بِبَيِّنَةِ الْمُشْتَرِي أَوْ بِيَمِينِ الْبَائِعِ. وَفِي إيضَاحِ الِاصْطِلَاحِ إقَامَةُ الْمُشْتَرِي بَيِّنَةً عَلَى دَعْوَاهُ غَايَةً لِتَعَيُّنِ عَدَمِ الْجَبْرِ كَالتَّحْلِيفِ لَا لِعَدَمِ الْجَبْرِ حَتَّى يَلْزَمَ الْجَبْرُ عَلَى دَفْعِ الثَّمَنِ عِنْدَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْعَيْبِ وَإِنَّمَا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَظَاهِرُ الْبَزَّازِيَّةِ) إلَى آخِرِ مَا مَرَّ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ لَكِنَّ فِي الْخَانِيَّةِ الْوَكِيلَ بِالْبَيْعِ إذَا بَاعَ ثُمَّ خُوصِمَ فِي عَيْبٍ فَقَبِلَ الْمَبِيعَ بِغَيْرِ قَضَاءٍ لَزِمَ الْوَكِيلُ وَلَا يَلْزَمُ الْمُوَكِّلُ وَلَا يَكُونُ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُخَاصِمَ الْمُوَكِّلَ فَإِنْ خَاصَمَهُ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّ هَذَا الْعَيْبَ كَانَ عِنْدَ الْمُوَكِّلِ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ لِأَنَّ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ بِغَيْرِ قَضَاءٍ بِمَنْزِلَةِ الْإِقَالَةِ فَيُجْعَلُ فِي حَقِّ الْمُوَكِّلِ كَانَ الْوَكِيلُ اشْتَرَاهُ مِنْ الْمُشْتَرِي هَذَا إذَا كَانَ عَيْبًا يَحْدُثُ مِثْلُهُ فَلَوْ قَدِيمًا لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ فَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْبُيُوعِ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْآمِرُ وَفِي عَامَّةِ رِوَايَاتِ الْبُيُوعِ وَالرَّهْنِ وَالْوَكَالَةِ وَالْمَأْذُونِ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْوَكِيلُ دُونَ الْمُوَكِّلِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو بَكْرٍ الْبَلْخِيّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 62 قُلْنَا إنَّهُ غَايَةٌ لِتَعْيِينِ عَدَمِ الْجَبْرِ لِاحْتِمَالِ عَدَمِ قَبُولِ الْبَيِّنَةِ فَيُجْبَرُ الْمُشْتَرِي عَلَى دَفْعِ الثَّمَنِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تُقْبَلَ فَيَبْقَى عَدَمُ الْجَبْرِ كَمَا كَانَ وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَقْضِ لِأَحَدِ الْخَصْمَيْنِ حَتَّى تَسْمَعَ كَلَامَ الْآخَرِ» فَإِنَّ سَمَاعَ كَلَامِ الْآخَرِ غَايَةٌ لِتَعَيُّنِ عَدَمِ الْقَضَاءِ لَا لِعَدَمِ الْقَضَاءِ حَتَّى يَتَعَيَّنَ الْقَضَاءُ لِأَحَدِهِمَا عِنْدَ سَمَاعَ كَلَامِ الْآخَرِ اهـ. وَقَيَّدَ بِقَبْضِ الْمَبِيعِ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَسْتَبِدُّ بِالْفَسْخِ قَبْلَ الْقَبْضِ كَمَا ذَكَرْنَا وَلَا جَبْرَ هَاهُنَا كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ اتِّفَاقِيٌّ لِأَنَّ لِلْبَائِعِ الْمُطَالَبَةَ بِالثَّمَنِ قَبْلَ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ فَإِذَا طَالَبَهُ بِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ فَادَّعَى عَيْبًا لَمْ يُجْبَرْ فَصَدَقَ عَدَمُ الْجَبْرِ قَبْلَ الْقَبْضِ أَيْضًا وَفِي الصُّغْرَى إذَا قَالَ الْمُشْتَرِي وَجَدْتُ الْمَبِيعَ مَعِيبًا لَا يُجْبَرُ عَلَى أَدَاءِ الثَّمَنِ حَتَّى يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ أَوْ يُحَلِّفَهُ وَكَذَا الْمَدْيُونُ إذَا ادَّعَى إيفَاءَ الدَّيْنِ اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ شُهُودِي بِالشَّامِ دَفَعَ إنْ حَلَفَ بَائِعُهُ) لِأَنَّ فِي الِانْتِظَارِ ضَرَرًا بِالْبَائِعِ وَلَيْسَ فِي الدَّفْعِ كَبِيرُ ضَرَرٍ بِهِ لِأَنَّهُ عَلَى حُجَّتِهِ فَإِنْ نَكَلَ الْتَزَمَ الْعَيْبَ لِأَنَّهُ حُجَّةٌ مِنْهُ وَتَحْلِيفُ الْبَائِعِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا أَقَرَّ بِقِيَامِ الْعَيْبِ بِهِ وَلَكِنْ أَنْكَرَ قَدَّمَهُ لِمَا سَيَأْتِي وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ شُهُودِي بِالشَّامِّ إنَّهُ قَالَ إنَّ لَهُ بَيِّنَةً غَائِبَةً عَنْ الْمِصْرِ سَوَاءٌ كَانُوا بِالشَّامِ أَوْ بِغَيْرِهَا. وَالشَّامُ بِلَادٌ مِنْ مُسَامَةِ الْقِبْلَةِ وَسُمِّيَتْ لِذَلِكَ أَوْ لِأَنَّ قَوْمًا مِنْ بَنِي كَنْعَانَ تَشَاءَمُوا إلَيْهَا أَيْ سَارُوا أَوْ سُمِّيَ بِسَامِ بْنِ نُوحٍ فَإِنَّهُ بِالشِّينِ بِالسُّرْيَانِيَّةِ أَوْ لِأَنَّ أَرْضَهَا شَامَاتٌ بَيْضٌ وَحُمْرٌ وَسُودٌ وَعَلَى هَذَا لَا يُهْمَزُ وَقَدْ يَذْكُرُ وَهُوَ شَامِيٌّ وَشَآمُ وَشَامِيٌّ أَتَاهَا وَتَشَأَّمَ انْتَسَبَ إلَيْهَا وَشَامَهُمْ تَشْئِيمًا سَيَّرَهُمْ إلَيْهَا كَذَا فِي الْقَامُوسِ وَقَيَّدَ بِدَعْوَاهُ غَيْبَتَهُمْ عَنْ الْمِصْرِ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ لِي بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ أَمْهَلَهُ الْقَاضِي إلَى الْمَجْلِسِ الثَّانِي إذْ لَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى الْبَائِعِ وَلَوْ طَلَبَ الْإِمْهَالَ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَمْهَلَهُ وَإِذَا حَلَفَ بَائِعُهُ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ وَقَضَى بِالدَّفْعِ عَلَيْهِ ثُمَّ وَجَدَ الْمُشْتَرِي بَيِّنَةً فَأَقَامَهَا تُقْبَلُ. وَلَيْسَ هَذَا مِمَّا يَنْفُذُ فِيهِ الْقَضَاءُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ وَلَمْ يَتَنَاكَرْ الْعَقْدُ بَلْ حَقِيقَةُ الدَّعْوَى هُنَا دَعْوَى مَالٍ عَلَى تَقْدِيرٍ فَالْقَضَاءُ هُنَا بِدَفْعِ الثَّمَنِ إلَى غَايَةِ حُضُورِ الشُّهُودِ بِالْمَسْقَطِ وَلَا خِلَافَ فِي مِثْلِهِ أَعْنِي مَا إذَا قَالَ لِي بَيِّنَةٌ غَائِبَةٌ أَوْ قَالَ لَيْسَ لِي بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ ثُمَّ أَتَى بِبَيِّنَةٍ تُقْبَلُ وَأَمَّا إذَا قَالَ لَا بَيِّنَةَ لِي فَحَلَفَ خَصْمُهُ ثُمَّ أَتَى بِبَيِّنَةٍ فِي أَدَبِ الْقَاضِي تُقْبَلُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا تُقْبَلُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَسَتَأْتِي بِشُعَبِهَا فِي كِتَابِ الدَّعْوَى. (قَوْلُهُ فَإِنْ ادَّعَى إبَاقًا لَمْ يَحْلِفْ بَائِعُهُ حَتَّى يُبَرْهِنَ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ أَبَقَ عِنْدَهُ فَإِنْ بَرْهَنَ حَلَفَ بِاَللَّهِ مَا أَبَقَ عِنْدَك قَطُّ) أَيْ إذَا ادَّعَى عَيْبًا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ وَيُمْكِنُ حُدُوثُهُ فَلَا بُدَّ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ أَوَّلًا عَلَى قِيَامِهِ بِالْمَبِيعِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ قِدَمِهِ وَحُدُوثِهِ لِيَنْتَصِبَ الْبَائِعُ خَصْمًا فَإِنْ لَمْ يُبَرْهِنْ لَا يَمِينَ لَهُ عَلَى الْبَائِعِ عِنْدَ الْإِمَامِ عَلَى الصَّحِيحِ وَعِنْدَهُمَا يَحْلِفُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ لِأَنَّ الدَّعْوَى مُعْتَبَرَةٌ حَتَّى تَتَرَتَّبَ عَلَيْهَا الْبَيِّنَةُ فَكَذَا يَتَرَتَّبُ التَّحْلِيفُ وَلَهُ أَنَّ الْحَلِفَ يَتَرَتَّبُ عَلَى دَعْوَى صَحِيحَةٍ وَلَا تَصِحُّ إلَّا مِنْ خَصْمٍ وَلَا يَصِيرُ خَصْمًا فِيهِ إلَّا بَعْدَ قِيَامِ الْعَيْبِ وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ لُزُومَ ذَلِكَ فِي دَعْوَى الدَّيْنِ مَعَ أَنَّهُ فِي دَعْوَى الدَّيْنِ يَأْمُرُ الْقَاضِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْجَوَابِ قَبْلَ ثُبُوتِ أَصْلِ الدَّيْنِ مَعَ أَنَّ فَرَاغَ الذِّمَّةِ عَنْ الدَّيْنِ أَصْلٌ وَالشَّغْلُ عَارِضٌ كَالْعَيْبِ عَارِضٌ. وَأُجِيبَ لَوْ شَرَطَ إثْبَاتَهُ لَمْ يَتَوَصَّلْ الْمُدَّعِي إلَى إثْبَاتِ حَقِّهِ لِأَنَّهُ رُبَّمَا تَعَذَّرَتْ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْعَيْبِ لِأَنَّهُ مِمَّا يُعْرَفُ بِآثَارٍ تُعَايَنُ أَوْ بِقَوْلِ الْأَطِبَّاءِ أَوْ الْقَابِلَةِ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَرَتُّبِ الْبَيِّنَةِ تَرَتُّبَ الْيَمِينِ فَقَدْ ذَكَرَ فِي الْقُنْيَةِ الْمَوَاضِعَ الَّتِي يَكُونُ الْإِنْسَانُ فِيهَا خَصْمًا   [منحة الخالق] لِأَنَّ الرَّدَّ بِغَيْرِ قَضَاءٍ فِي حَقِّ الْمُوَكِّلِ بِمَنْزِلَةِ الْإِقَالَةِ سَوَاءٌ كَانَ الْعَيْبُ قَدِيمًا أَوْ لَا إلَخْ [قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ وَادَّعَى عَيْبًا] (قَوْلُهُ وَتَحْلِيفُ الْبَائِعِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ) أَيْ وَفِي هَذِهِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا وَمُرَادُهُ دَفْعُ الْمُنَافَاةِ بَيْنَ قَوْلِهِ يَحْلِفُ بَائِعُهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ الْآتِي فِي دَعْوَى الْإِبَاقِ لَمْ يَحْلِفْ بَائِعُهُ حَتَّى يُبَرْهِنَ الْمُشْتَرِي إلَخْ فَإِنَّ مَا يَأْتِي مِنْ إفْرَادِ دَعْوَى الْعَيْبِ وَبَيَانِ الدَّفْعِ أَنَّ مَحْمَلَ مَا هُنَا مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ عَلَى مَا إذَا أَقَرَّ بِقِيَامِ الْعَيْبِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَلَكِنْ أَنْكَرَ قِدَمَهُ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى بُرْهَانِ الْمُشْتَرِي عَلَى قِيَامِ الْعَيْبِ عِنْدَهُ نَفْسِهِ وَمَا سَيَأْتِي مِنْ دَعْوَى الْإِبَاقِ عَلَى مَا إذَا أَنْكَرَ قِيَامَهُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَاعْتَرَضَهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّهُ مِمَّا لَا دَلِيلَ فِي كَلَامِهِ عَلَيْهِ قَالَ وَقَدْ ظَهَرَ لِي أَنَّ مَوْضُوعَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي عَيْبٍ لَا يُشْتَرَطُ تَكْرَارُهُ كَالْوِلَادَةِ فَإِذَا ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي وَلَا بُرْهَانَ لَهُ حَلَفَ بَائِعُهُ وَقَوْلُهُ بَعْدَ وَلَوْ ادَّعَى إبَاقًا بَيَانٌ لِمَا يُشْتَرَطُ تَكَرُّرُهُ وَإِلَّا كَانَ الثَّانِي حَشْوًا فَتَدَبَّرْهُ، فَإِنِّي لَمْ أَرَ مَنْ عَرَجَ عَلَيْهِ اهـ. قُلْتُ: وَهَذَا التَّوْفِيقُ قَدْ أَشَارَ إلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ بِعَيْنِهِ بِقَوْلِهِ فِيمَا يَأْتِي فِي الصَّفْحَةِ الثَّانِيَةِ وَلَيْسَ مُرَادُهُ خُصُوصَ عَيْبِ الْإِبَاقِ إلَى آخِرِهِ وَهُوَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ هُنَا بِقَوْلِهِ لِمَا سَيَأْتِي وَلَكِنْ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ وَتَحْلِيفُ الْبَائِعِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ بَدَلُ قَوْلِهِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ تَأَمَّلْ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 63 بِالْبَيِّنَةِ دُونَ الْيَمِينِ وَكَتَبْنَاهَا فِي الْفَوَائِدِ وَلِأَنَّ التَّحْلِيفَ إنَّمَا شُرِعَ لِقَطْعِ الْخُصُومَةِ لَا لِإِنْشَائِهَا وَلَوْ اُسْتُحْلِفَ الْبَائِعُ فَحَلَفَ نَشَأَتْ خُصُومَةٌ أُخْرَى فِي قِدَمِهِ وَحُدُوثِهِ وَأَوْرَدَ الشَّارِحُ عَلَى هَذَا التَّعْلِيلِ مَسْأَلَةَ الشُّفْعَةِ فَإِنَّ الْمُشْتَرِي إذَا أَنْكَرَ مِلْكَ الشَّفِيعِ يَحْلِفُ فَإِذَا حَلَفَ نَشَأَتْ خُصُومَةٌ أُخْرَى فِي الشِّرَاءِ وَالْإِيرَادُ عَلَى هَذَا التَّعْلِيلِ لَا يَضُرُّ فِي صِحَّةِ الدَّلِيلِ السَّابِقِ مَعَ كَوْنِهِ مَرْدُودًا مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى هِيَ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ أَنْ تَنْشَأَ خُصُومَةٌ أُخْرَى مِنْ الْيَمِينِ وَكَثِيرًا مَا يَقَعُ ذَلِكَ فِي الْخُصُومَاتِ وَلَمْ يَظْهَرْ لِلْمُحَقِّقِ ابْنِ الْهُمَامِ مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْمِعْرَاجِ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ دَعْوَى الْعَيْبِ وَدَعْوَى الدَّيْنِ فَقَالَ إنَّهُ يَلْزَمُهُ الْجَوَابُ لِلدَّعْوَى فِيهِمَا وَعَلَى الْمُدَّعِي الْبُرْهَانُ فِيهِمَا. فَالْوَجْهُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا فِي الْيَمِينِ أَيْضًا فَيَحْلِفُ الْبَائِعُ كَمَا هُوَ قَوْلُهُمَا وَقَوْلُهُ عَلَى قَوْلِ الْبَعْضِ وَلِذَا قَالَ إنَّ الْقَاضِيَ يَسْأَلُ الْبَائِعَ فَإِنْ أَقَرَّ بِقِيَامِهِ تَوَجَّهَتْ الْخُصُومَةُ فِي الْقِدَمِ وَالْحُدُوثِ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْجَوَابُ فَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا غَلَطٌ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْإِمَامَ يَصِحُّ بَيْعُهُ لِلْغَنَائِمِ وَلَوْ فِي دَارِ الْحَرْبِ كَمَا فِي التَّلْخِيصِ وَشَرْحِهِ وَقَوْلُهُمْ لَا يَصِحُّ بَيْعُهَا قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَفِي دَارِ الْحَرْبِ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ الْإِمَامِ وَأَمِينِهِ فَلَوْ اطَّلَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى عَيْبٍ لَا يَرُدُّهُ عَلَى الْبَائِعِ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ حُكْمٌ وَلَكِنْ يَنْصِبُ الْإِمَامُ رَجُلًا لِلْخُصُومَةِ مَعَهُ وَلَا يَقْبَلُ إقْرَارَهُ بِالْعَيْبِ وَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ لَوْ أَنْكَرَ وَإِنَّمَا هُوَ خَصْمٌ لِإِثْبَاتِهِ بِالْبَيِّنَةِ كَالْأَبِ وَوَصِيُّهُ فِي مَالِ الصَّغِيرِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ فَإِنَّ إقْرَارَهُ مَقْبُولٌ فِيهِ وَإِذَا أَقَرَّ مَنْصُوبُ الْإِمَامِ بِالْعَيْبِ انْعَزَلَ كَالْوَكِيلِ بِالْخُصُومَةِ إذَا أَقَرَّ عَلَى مُوَكِّلِهِ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ فَإِنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ لَكِنَّهُ يَنْعَزِلُ بِهِ ثُمَّ إذَا رُدَّ بِالْعَيْبِ فَإِنَّهُ يُضَمُّ إلَى الْغَنِيمَةِ إنْ كَانَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَهَا فَإِنَّهُ يُبَاعُ بِالثَّمَنِ فَإِنْ نَقَصَ الثَّمَنُ أَوْ زَادَ كَانَ ذَلِكَ فِي بَيْتِ الْمَالِ كَذَا فِي التَّلْخِيصِ وَشَرْحِهِ وَبِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْأَمِينَ خَصْمٌ فِي الْبَيِّنَةِ وَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ يُقَوِّي قَوْلَ الْإِمَامِ وَلَيْسَ مُرَادُهُ خُصُوصَ عَيْبِ الْإِبَاقِ بَلْ كُلُّ عَيْبٍ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْمُعَاوَدَةِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي لَا بُدَّ مِنْ إثْبَاتِ وُجُودِهِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي لِتَقَعَ الْخُصُومَةُ فِي قِدَمِهِ وَحُدُوثِهِ كَالْبَوْلِ فِي الْفِرَاشِ وَالسَّرِقَةِ وَالْجُنُونِ عَلَى الْمُخْتَارِ وَأَمَّا مَا لَا يُشْتَرَطُ وُجُودُهُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي كَوِلَادَةِ الْجَارِيَةِ وَزِنَاهَا وَتَوَلُّدِ الرَّقِيقِ مِنْ الزِّنَا فَإِنَّ الْبَائِعَ يَحْلِفُ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً عِنْدَ عَدَمِ الْبُرْهَانِ وَتَحْلِيفُ الْبَائِعِ كَمَا فِي الْكِتَابِ بِاَللَّهِ مَا أَبَقَ عِنْدَك قَطُّ عِبَارَةُ بَعْضِهِمْ وَعِبَارَةُ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ بِاَللَّهِ لَقَدْ بَاعَهُ وَقَبَضَهُ وَمَا أَبَقَ قَطُّ قَالُوا وَإِنْ شَاءَ حَلَّفَهُ بِاَللَّهِ مَا لَهُ عَلَيْك حَقُّ الرَّدِّ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي يَدَّعِي بِهِ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَكُلٌّ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَاتُ حَسَنَةٌ بَقِيَتْ عِبَارَتَانِ مُحْتَمَلَتَانِ بِاَللَّهِ لَقَدْ بَاعَهُ وَمَا بِهِ هَذَا الْعَيْبُ وَبِاَللَّهِ لَقَدْ بِعْته وَسَلَّمْته وَمَا بِهِ هَذَا الْعَيْبُ وَيَرُدُّ عَلَى عِبَارَةِ الْكِتَابِ أَنَّهُ لَا مُخْلِصَ فِيهَا لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْعَيْبَ لَوْ وُجِدَ عِنْدَ بَائِعِ الْبَائِعِ يَرُدُّهُ الْمُشْتَرِي بِهِ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ. وَذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ أَيْضًا وَظَاهِرُ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ هُوَ وَأَصْحَابُهُ عَلَى نَقْلٍ فِيهَا لِأَنَّهُ قَالَ إنَّهَا مِمَّا تَطَارَحْنَاهُ إلَى آخِرِهِ وَلَوْ حَلَفَ الْبَائِعُ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ لَكَانَ صَادِقًا لِأَنَّهُ مَا أَبَقَ عِنْدَهُ قَطُّ وَكَذَا لَوْ كَانَ أَبَقَ مِنْ الْمُوَرِّثِ أَوْ الْوَاهِبِ أَوْ مُودِعِهِ أَوْ مُسْتَأْجِرِهِ أَوْ مِنْ الْغَاصِبِ لَا إلَى مَنْزِلِ مَوْلَاهُ وَيَعْرِفُهُ وَيَقْوَى عَلَى الرُّجُوعِ فَإِنَّهُ عَيْبٌ فَفِيهِ تَرْكُ النَّظَرِ لِلْمُشْتَرِي فَلَوْ حَذَفَ الظَّرْفَ وَقَالَ بِاَللَّهِ مَا أَبَقَ قَطُّ لَكَانَ أَوْلَى لَكِنْ يَرُدُّ عَلَيْهَا أَيْضًا مَا لَوْ كَانَ أَبَقَ عِنْدَ الْغَاصِبِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ مَنْزِلَ مَوْلَاهُ أَوْ لَمْ يَقْدِرَ عَلَى الرُّجُوعِ إلَيْهِ وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ لَيْسَ بِعَيْبٍ فَفِيهِ تَرْكُ النَّظَرِ لِلْبَائِعِ فَإِنْ أَتَى بِالظَّرْفِ كَانَ فِيهِ تَرْكُ النَّظَرِ لِلْمُشْتَرِي وَإِنْ حَذَفَهُ كَانَ فِيهِ تَرْكُ النَّظَرِ لِلْبَائِعِ فَمَنْ اخْتَارَ حَذْفَ الظَّرْفِ فَرَّ مِنْ مَحْذُورٍ فَوَقَعَ فِي آخَرِ وَمَنْ ذَكَرَهُ فَكَذَلِكَ. وَأَمَّا الْعِبَارَتَانِ الْمُحْتَمَلَتَانِ فَيَرُدُّ عَلَى الْأُولَى مِنْهُمَا أَنَّهُ لَوْ كَانَ بَاعَهُ سَلِيمًا ثُمَّ حَدَثَ بِهِ عِنْدَ الْبَائِعِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَإِنَّهُ يَرُدُّهُ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ صَادِقٌ فِي قَوْلِهِ بَاعَهُ وَمَا بِهِ هَذَا الْعَيْبُ فَإِذَا قَالَ بَائِعُهُ بِاَللَّهِ لَقَدْ سَلَّمْته وَمَا بِهِ هَذَا الْعَيْبُ انْدَفَعَ الِاحْتِمَالُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ قَالَ إنَّهَا مِمَّا تَطَارَحْنَاهُ) وَنَصُّهُ وَاعْلَمْ أَنَّ مِمَّا تَطَارَحْنَا أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَأْبَقْ عِنْدَ الْبَائِعِ وَأَبَقَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَكَانَ أَبَقَ عِنْدَ آخَرَ قَبْلَ هَذَا الْبَائِعِ وَلَا عِلْمَ لِلْبَائِعٍ بِذَلِكَ فَادَّعَى الْمُشْتَرِي ذَلِكَ وَأَثْبَتَهُ يَرُدُّ بِهِ لِأَنَّهُ مَعِيبٌ وَالْعَقْدُ أَوْجَبَ عَلَى هَذَا الْبَائِعِ السَّلِيمِ وَلَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى إثْبَاتِهِ لَهُ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى الْعِلْمِ وَكَذَا فِي كُلِّ عَيْبٍ يَرُدُّ بِتَكَرُّرِهِ. اهـ. فَالْمُتَطَارَحُ لَيْسَ هُوَ رَدُّهُ بِهَذَا الْعَيْبِ فَقَطْ بَلْ تَحْلِيفُهُ عَلَى عَدَمِ الْعِلْمِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ إنَّمَا يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ لِادِّعَائِهِ الْعِلْمَ بِهِ وَالْغَرَضُ هُنَا أَنَّهُ لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ فَتَدَبَّرْهُ كَذَا أَفَادَهُ فِي النَّهْرِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 64 الْمَذْكُورُ وَيَرُدُّ عَلَى الثَّانِيَةِ أَنَّهَا تُوهِمُ تَعَلُّقَهُ بِالشَّرْطَيْنِ جَمِيعًا فَيَتَأَوَّلهُ الْحَالِفُ فِي يَمِينِهِ عِنْدَ قِيَامِهِ فِي إحْدَى الْحَالَتَيْنِ وَجَوَابُهُ أَنَّ تَأْوِيلَهُ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ الْبَائِعَ نَفَى الْعَيْبَ عِنْدَ الْبَيْعِ وَعِنْدَ التَّسْلِيمِ فَلَا يَكُونُ بَارًّا فِي يَمِينِهِ إذَا كَانَ مَوْجُودًا فِي أَحَدِهِمَا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْأَسْلَمُ وَالْأَخْلَصُ عِبَارَةُ الْجَامِعِ وَمَا يَلِيهَا كَمَا لَا يَخْفَى وَتَعَقَّبَ فِي الْمُحِيطِ عِبَارَةَ الْجَامِعِ بِجَوَازِ رِضَا الْمُشْتَرِي وَإِبْرَائِهِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَالِاعْتِمَادِ عَلَى الْمَرْوِيِّ عَنْ الثَّانِي بِاَللَّهِ مَا لِهَذَا الْمُشْتَرِي قَبْلَك حَقُّ الرَّدِّ بِالْوَجْهِ الَّذِي يَدَّعِيه تَحْلِيفًا عَلَى الْحَاصِلِ اهـ. وَصَحَّحَ فِي الْمَبْسُوطِ عِبَارَةَ الْجَامِعِ وَفِي الْهِدَايَةِ إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى فِي إبَاقِ الْكَبِيرِ يَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا أَبَقَ مُنْذُ بَلَغَ مَبْلَغَ الرِّجَالِ لِأَنَّ الْإِبَاقَ فِي الصِّغَرِ لَا يُوجِبُ رَدَّهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ اهـ. وَلَا خُصُوصِيَّةَ لِلْإِبَاقِ بَلْ كُلُّ عَيْبٍ اخْتَلَفَ فِيهِ الْحَالُ بَيْنَ الصِّغَرِ وَالْكِبَرِ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالتَّحْلِيفُ هُنَا بِقَوْلِهِ مَا أَبَقَ قَطُّ تَحْلِيفٌ عَلَى الْبَتَاتِ مَعَ أَنَّهُ عَلَى فِعْلِ غَيْرِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لِكَوْنِهِ مُدَّعِيًا الْعِلْمَ بِهِ وَمَنْ ادَّعَى عِلْمًا بِفِعْلِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ لَا عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ كَالْمُودِعِ إذَا ادَّعَى قَبْضَ الْمُودَعِ لَهَا حَلَفَ عَلَى قَبْضِهِ وَهُوَ فِعْلُ غَيْرِهِ وَالْوَكِيلُ إذَا ادَّعَى قَبْضَ الْمُوَكِّلِ ثَمَنَ مَا بَاعَهُ حَلَفَ الْوَكِيلُ عَلَى قَبْضِ الْمُوَكِّلِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَيْسَ حَاصِلُهُ فِعْلَ الْغَيْرِ بَلْ فِعْلُ نَفْسِهِ وَهُوَ تَسْلِيمُهُ سَلِيمًا وَهُوَ قَوْلُ السَّرَخْسِيِّ وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ فَإِنَّ مَعْنَى تَسْلِيمِهِ سَلِيمًا لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ السَّلَامَةُ فِي حَالِ التَّسْلِيمِ بَلْ بِمَعْنَى سَلَّمْته وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يُسْرَقْ عِنْدِي فَيَرْجِعُ إلَى الْحَلِفِ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. وَأَوْرَدَ الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ عَلَى الْأَوَّلِ فَقَالَ إلَّا أَنَّ هَذَا لَا يَقْوَى بِمَسْأَلَتَيْنِ إحْدَاهُمَا بَاعَ رَجُلَانِ عَبْدًا مِنْ آخَرِ صَفْقَةً وَاحِدَةً ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا وَوَرِثَهُ الْبَائِعُ الْآخَرُ ثُمَّ ادَّعَى الْمُشْتَرِي عَيْبًا فَإِنَّهُ يَحْلِفُ فِي حِصَّتِهِ بِالْجَزْمِ وَفِي نَصِيبِ مُوَرِّثِهِ بِالْعِلْمِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَإِنْ كَانَ يَدَّعِي الْعِلْمَ بِانْتِفَائِهِ وَالثَّانِيَةُ بَاعَ الْمُتَفَاوِضَانِ عَبْدًا وَغَابَ أَحَدُهُمَا فَادَّعَى الْمُشْتَرِي عَيْبًا يَحْلِفُ الْحَاضِرُ عَلَى الْجَزْمِ فِي نَصِيبِ نَفْسِهِ وَعَلَى الْعِلْمِ فِي نَصِيبِ الْغَائِبِ وَإِنْ ادَّعَى أَنَّ لَهُ عِلْمًا بِذَلِكَ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْوَجْهُ عِنْدِي أَنْ يَسْتَشْكِلَ مَا نَحْنُ فِيهِ عَلَى هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ لَا عَكْسُهُ لِأَنَّ تَحْلِيفَهُ فِي نِصْفِهِ عَلَى الْبَتَاتِ وَفِي نِصْفِ الْآخَرِ عَلَى الْعِلْمِ وَهُوَ وَاحِدٌ هُوَ الْمُشْكِلُ وَالْمَسْأَلَتَانِ مُشْكِلَتَانِ لِاسْتِوَاءِ عِلْمِهِ وَجَهْلِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى النِّصْفَيْنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعْنَى الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ عِنْدَ كُلٍّ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ مُدَّةً فَيَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ فِي مُدَّتِهِ مَا أَبَقَ عِنْدِي وَعَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ فِي مُدَّةِ شَرِيكِهِ فَلَوْ لَمْ تَكُنْ إقَامَتُهُ إلَّا عِنْدَ الشَّرِيكِ لَا يَحْلِفُ إلَّا عَلَى الْبَتَاتِ وَيَكْتَفِي بِهِ إلَّا أَنَّ هَذَا غَيْرُ مَعْلُومٍ فَيَحْلِفُ كَمَا ذَكَرُوا وَلَوْ لَمْ تَكُنْ إقَامَتُهُ إلَّا عِنْدَ غَيْرِ الْحَالِفِ لِكَوْنِ الْعَقْدِ اقْتَضَى وَصْفَ السَّلَامَةِ اهـ. أَقُولُ: مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْوَجْهِ أَوَّلًا لَيْسَ بِالْوَجْهِ لِأَنَّ الْكَلَامَ السَّابِقَ فِي قُوَّةِ قَوْلِهِمْ كُلٌّ مَنْ ادَّعَى عِلْمًا بِفِعْلِ غَيْرِهِ وَلَزِمَتْهُ الْيَمِينُ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ فَيَرُدُّ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ عَلَى طَرِيقِ النَّقْضِ مَسْأَلَتَانِ ادَّعَى عِلْمًا بِفِعْلِ غَيْرِهِ وَالتَّحْلِيفُ فِي الْعِلْمِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهَا قَاعِدَةُ اعْتِبَارِهَا فِي مَسَائِلَ أُخْرَى مِنْهَا مَا فِي الْخُلَاصَةِ لَوْ قَالَ إنْ لَمْ يَدْخُلْ فُلَانٌ الدَّارَ الْيَوْمَ فَكَذَا ثُمَّ ادَّعَى دُخُولَهُ حَلَفَ عَلَى الْبَتَاتِ بِاَللَّهِ أَنَّهُ دَخَلَهَا وَمِنْهَا أَنَّ الْوَكِيلَ إذَا بَاعَ وَادَّعَى الْمُشْتَرِي عَيْبًا فَإِنَّ الْوَكِيلَ يَحْلِفُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ وَالْوَصِيُّ لَوْ بَاعَ وَادَّعَى الْمُشْتَرِي عَيْبًا يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ لِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ لَا يَدَّعِي عِلْمًا لِكَوْنِهِ لَيْسَ فِي يَدِهِ وَهُوَ فِي يَدِ الْوَصِيِّ فَيَعْلَمُ عَيْبَهُ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَذْهَبَ أَبِي يُوسُفَ التَّحْلِيفُ عَلَى الْبَتَاتِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَهُمَا مِنْ مَسَائِلِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ مِنْ بَابِ الْمُخَاصَمَةِ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقَدْ ظَهَرَ بِمَا ذَكَرْنَا كَيْفِيَّةَ تَرْتِيبِ الْخُصُومَةِ فِي عَيْبِ الْإِبَاقِ وَنَحْوِهِ وَهُوَ كُلُّ عَيْبٍ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِالتَّجْرِبَةِ وَالِاخْتِبَارُ كَالسَّرِقَةِ وَالْبَوْلِ فِي الْفِرَاشِ وَالْجُنُونِ وَالزِّنَا وَبَقِيَ أَصْنَافٌ أُخْرَى ذَكَرَهَا قَاضِي خَانْ وَهِيَ مَعَ مَا ذَكَرْنَا.   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَالْأَسْلَمُ وَالْأَخْلَصُ عِبَارَةُ الْجَامِعِ وَمَا يَلِيهَا) أَمَّا مَا يَلِيهَا فَمُسَلَّمٌ وَأَمَّا عِبَارَةُ الْجَامِعِ فَلَا، فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ يُخَاصِمُهُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ يَعْنِي الْوَاحِدَ إنَّمَا يَكْفِي لِتَوَجُّهِ الْخُصُومَةِ وَأَمَّا الرَّدُّ فَلَا بُدَّ مِنْ عَدْلَيْنِ كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 65 تَتِمَّةُ أَرْبَعَةِ أَنْوَاعٍ: الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ ظَاهِرًا لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ أَصْلًا مِنْ وَقْتِ الْبَيْعِ إلَى وَقْتِ الْخُصُومَةِ كَالْإِصْبَعِ الزَّائِدَةِ وَالْعَمَى وَالنَّاقِصَةِ وَالسِّنِّ الشَّاغِيَةِ أَيْ الزَّائِدَةِ وَالْقَاضِي يَقْضِي فِيهَا بِالرَّدِّ إذَا طَلَبَ الْمُشْتَرِي مِنْ غَيْرِ تَحْلِيفٍ لِلتَّيَقُّنِ بِهِ وَفِي يَدِ الْبَائِعِ أَوْ الْمُشْتَرِي إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ الْبَائِعُ رِضَاهُ بِهِ أَوْ الْعِلْمَ بِهِ عِنْدَ الشِّرَاءِ وَالْإِبْرَاءَ مِنْهُ فَإِنْ ادَّعَاهُ سَأَلَ الْمُشْتَرِي فَإِنْ اعْتَرَفَ امْتَنَعَ الرَّدُّ وَإِنْ أَنْكَرَ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ فَإِنْ عَجَزَ يَسْتَحْلِفُ مَا عَلِمَ بِهِ وَقْتَ الْمَبِيعِ أَوْ مَا رَضِيَ بِهِ وَنَحْوُهُ فَإِنْ حَلَفَ رَدَّهُ وَإِنْ نَكَلَ امْتَنَعَ الرَّدُّ الثَّانِي أَنْ يَدَّعِيَ عَيْبًا بَاطِنًا لَا يَعْرِفُهُ إلَّا الْأَطِبَّاءُ كَوَجَعِ الْكَبِدِ وَالطِّحَالِ فَإِنْ اعْتَرَفَ بِهِ عِنْدَهُمَا رَدَّهُ. وَكَذَا إذَا أَنْكَرَهُ فَأَقَامَ الْمُشْتَرِي الْبَيِّنَةَ أَوْ حَلَفَ الْبَائِعُ فَنَكَلَ إلَّا أَنْ ادَّعَى الرِّضَا فَيَعْمَلُ مَا ذَكَرْنَا وَإِنْ أَنْكَرَهُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي يُرِيهِ طَبِيبَيْنِ مُسْلِمَيْنِ عَدْلَيْنِ وَالْوَاحِدُ يَكْفِي وَالِاثْنَانِ أَحْوَطُ فَإِذَا قَالَ بِهِ ذَلِكَ يُخَاصِمُهُ فِي أَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ الثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ عَيْبًا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ إلَّا النِّسَاءُ كَدَعْوَى الرَّتَقِ وَالْقَرَنِ وَالْعَفَلِ وَالثِّيَابَةِ وَقَدْ اشْتَرَى بِشَرْطِ الْبَكَارَةِ فَعَلَى هَذَا إلَّا أَنَّهُ إذَا أَنْكَرَ قِيَامَهُ لِلْحَالِ أُرِيَتْ النِّسَاءَ وَالْمَرْأَةُ الْعَادِلَةُ كَافِيَةٌ فَإِذَا قَالَتْ ثَيِّبًا أَوْ قَرْنَاءَ رُدَّتْ عَلَيْهِ بِقَوْلِهَا عِنْدَ هُمَا كَمَا تَقَدَّمَ أَوْ إذَا انْضَمَّ إلَيْهِ نُكُولُهُ عِنْدَ تَحْلِيفِهِ غَيْرَ أَنَّ الْقَرَنَ وَنَحْوَهُ إنْ كَانَ مِمَّا لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ تُرَدُّ عِنْدَ قَوْلِ الْمَرْأَتَيْنِ هِيَ قَرْنَاءُ بِلَا خُصُومَةٍ فِي أَنَّ ذَلِكَ عِنْدَ الْبَائِعِ لِلتَّيَقُّنِ بِذَلِكَ كَمَا فِي الْإِصْبَعِ الزَّائِدَةِ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ رِضًا فَعَلَى مَا ذَكَرْنَا وَفِي شَرْحِ قَاضِي خَانْ الْعَيْبُ إذَا كَانَ مُشَاهَدًا وَهُوَ مِمَّا لَا يَحْدُثُ يُؤْمَرُ بِالرَّدِّ وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَحْدُثُ وَاخْتُلِفَ فِي حُدُوثِهِ فَالْبَيِّنَةُ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ يُثْبِتُ الْخِيَارَ وَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ الْخِيَارَ وَهَذَا يُعْرَفُ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ وَلَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً وَادَّعَى أَنَّهَا خُنْثَى يَحْلِفُ الْبَائِعُ لِأَنَّهُ لَا يَنْظُرُ إلَيْهِ الرِّجَالُ وَلَا النِّسَاءُ إلَى هُنَا مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ تَبَعًا لِمَا فِي الْمِعْرَاجِ. وَفِيهِ وَلَوْ أَرَادَ الْمُشْتَرِي الرَّدَّ وَلَمْ يَدَّعِ الْبَائِعُ عَلَيْهِ شَيْئًا يُسْقِطُهُ لَمْ يَحْلِفْ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ التَّحْلِيفَ لِقَطْعِ الْخُصُومَةِ وَفِيهِ إنْشَاؤُهَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَحْلِفُ صِيَانَةً لِقَضَائِهِ عَنْ النَّقْضِ لَوْ ظَهَرَ ذَلِكَ فِي ثَانِي الْحَالِ بِاَللَّهِ مَا عَلِمَ بِالْعَيْبِ حِينَ اشْتَرَاهُ وَلَا رَضِيَ بِهِ وَلَا عَرَضَهُ عَلَى الْبَيْعِ وَأَكْثَرُ الْقُضَاةِ يَحْلِفُونَ بِاَللَّهِ مَا سَقَطَ حَقُّك فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي يَدَّعِيه نَصًّا وَلَا دَلَالَةً وَهُوَ الصَّحِيحُ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَسْتَحْلِفَهُ وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ وَلَوْ ادَّعَى سُقُوطَ حَقِّ الرَّدِّ يَحْلِفُ اتِّفَاقًا اهـ. وَقَدَّمْنَا أَنَّ خِيَارَ الْعَيْبِ عَلَى التَّرَاخِي وَلَوْ خَاصَمَ ثُمَّ تَرَكَ ثُمَّ عَادَ وَخَاصَمَ فَلَهُ الرَّدُّ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ أَيْضًا وَذَكَرَ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَسْتَحْلِفُ الْخَصْمَ بِدُونِ طَلَبِ الْمُدَّعِي إلَّا فِي مَسَائِلَ مِنْهَا خِيَارُ الْعَيْبِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ الثَّانِيَةُ النَّفَقَةُ فِي مَالِ الْغَائِبِ لَا يَقْضِي بِهَا حَتَّى يَسْتَحْلِفَ الْمَرْأَةَ الثَّالِثَةُ الشُّفْعَةُ لَا يَقْضِي بِهَا حَتَّى يَسْتَحْلِفَ الشَّفِيعَ وَكَتَبْنَاهَا فِي   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ الثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ عَيْبًا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ إلَّا النِّسَاءُ إلَخْ) أَقُولُ: فِي الْخُلَاصَةِ وَإِنْ كَانَ الْعَيْبُ يَتَوَصَّلُ إلَيْهِ بِقَوْلِ النِّسَاءِ إنْ أَخْبَرَتْ امْرَأَةٌ وَاحِدَةً مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ بِوُجُودِ الْعَيْبِ إنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي حَقُّ الْفَسْخِ بِقَوْلِهَا لَكِنْ يُقْبَلُ قَوْلُهَا لِإِيجَابِ الْيَمِينِ عَلَى الْبَائِعِ فَيَحْلِفُ كَمَا ذَكَرْنَا وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ وَأَخْبَرَتْ امْرَأَةٌ عَدْلٌ بِوُجُودِ الْعَيْبِ صَحَّتْ الْخُصُومَةُ وَيَحْلِفُ الْبَائِعُ عَلَى الْبَتَاتِ لَقَدْ بَاعَ وَسَلَّمَ وَمَا بِهَا هَذَا الْعَيْبُ اهـ. وَنَحْوُهُ فِي الْمِنَحِ وَالزَّيْلَعِيِّ وَجَامِعِ الْفُصُولَيْنِ بَقِيَ لَوْ عَلِمَ بِهَذَا الْعَيْبِ بِالْوَطْءِ هَلْ لَهُ الرَّدُّ أَمْ لَا وَانْظُرْ مَا قَدَّمْنَاهُ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَمَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا فَقَطَعَهُ إلَخْ هَذَا وَقَدْ يُقَالُ إنَّ مَا ذُكِرَ هُنَا يُخَالِفُ مَا فِي الْمُتُونِ مِنْ كِتَابِ الشَّهَادَةِ مِنْ قَوْلِهِمْ فِي نِصَابِ الشَّهَادَةِ إنَّ نِصَابَهَا فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ إلَّا النِّسَاءُ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَكْفِي لَا لِأَجْلِ إثْبَاتِ الْعَيْبِ وَالرَّدِّ بِهِ بَلْ لِأَجْلِ تَوَجُّهِ الْخُصُومَةِ عَلَى الْبَائِعِ أَوْ يُحْمَلُ عَلَى مَا قَبْلَ الْقَبْضِ كَمَا يُفِيدُهُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ حَيْثُ قَالَ وَفِيمَا لَا يَنْظُرُهُ الرِّجَالُ كَالْقَرَنِ وَالرَّتَقِ وَنَحْوِهِ اخْتَلَفَتْ فِيهِ الرِّوَايَاتُ وَآخِرُ مَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ إنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَهُوَ عَيْبٌ لَا يَحْدُثُ يُرَدُّ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَخِيرِ: وَالْحَبَلُ يَثْبُتُ بِقَوْلِ النِّسَاءِ فِي حَقِّ الْخُصُومَةِ وَلَا يُرَدُّ بِشَهَادَتِهِنَّ اهـ. وَكَأَنَّهُ احْتَرَزَ بِقَوْلِهِ لَا يَحْدُثُ عَنْ نَحْوِ الْحَبَلِ وَبِهِ عَلِمَ أَنَّ مَا مَرَّ عَنْ الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ عَدَمِ الْفَسْخِ قَبْلَ الْقَبْضِ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ وَالْعَمَلُ عَلَى الْمُتَأَخِّرِ وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُ الْمُؤَلِّفِ رَدَّتْ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِمَا مَحْمُولٌ أَيْضًا عَلَى مَا قَبْلَ الْقَبْضِ بِدَلِيلِ مَا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ حَيْثُ قَالَ إنْ كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ لَا يُرَدُّ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ بِالِاتِّفَاقِ لَكِنْ يَحْلِفُ الْبَائِعُ فَإِنْ حَلَفَ لَا يَرُدُّ وَإِنْ نَكَلَ تُرَدُّ عَلَيْهِ بِنُكُولِهِ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ ذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ تُرَدُّ مِنْ غَيْرِ يَمِينِ الْبَائِعِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا تُرَدُّ حَتَّى يَحْلِفَ الْبَائِعُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ فِي النَّوَادِرِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ حُجَّةٌ لِلرَّدِّ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ اهـ. وَفِي مَجْمُوعَةِ صَمْتِيٍّ أَفَنْدِي عَنْ نَقْدِ الْفَتَاوَى مَا لَا يَنْظُرُ إلَيْهِ الرِّجَالُ كَالْقَرَنِ وَالرَّتَقِ إذَا أَخْبَرَتْ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ بِهِ يَثْبُتُ الْعَيْبُ فِي حَقِّ الْخُصُومَةِ لَا فِي الرَّدِّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الْخَانِيَّةِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 66 الْفَوَائِدِ الْفِقْهِيَّةِ مُفَصَّلَةً ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْقَاضِي إنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى قَوْلِ الْأَطِبَّاءِ عِنْدَ عَدَمِ عِلْمِهِ بِالْعَيْبِ أَمَّا إذَا كَانَ مِنْ ذَوِي الْمَعْرِفَةِ نَظَرَ بِنَفْسِهِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَنَظَرُ أَمِينِ الْقَاضِي كَهُوَ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَاشْتِرَاطُ الْعَدْلَيْنِ مِنْهُمْ إنَّمَا هُوَ لِلرَّدِّ وَإِنْ أَخْبَرَ وَاحِدٌ عَدْلٌ تَوَجَّهَتْ الْخُصُومَةُ فَيَحْلِفُ الْبَائِعُ كَمَا فِيهَا أَيْضًا وَلَكِنْ فِي أَدَبِ الْقَاضِي مَا يُخَالِفُهُ وَفِيهَا لَوْ أَخْبَرَتْ امْرَأَةٌ بِأَنَّهَا حَامِلٌ وَامْرَأَتَانِ بِالْعَدَمِ صَحَّتْ الْخُصُومَةُ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ النَّافِيَةِ فَإِنْ قَالَ الْبَائِعُ لَيْسَتْ لَهَا بِصَارَةٌ اخْتَارَ الْقَاضِي ذَاتَ بِصَارَةٍ اهـ. وَقَدَّمْنَا أَنَّ لِلْبَائِعِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ الْقَبُولِ مَعَ عِلْمِهِ بِالْعَيْبِ حَتَّى يَقْضِي عَلَيْهِ لِيَتَعَدَّى إلَى بَائِعِهِ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَزَّازِيَّةِ أَيْضًا وَفِي تَهْذِيبِ الْقَلَانِسِيِّ وَلَوْ أَقَامَ الْبَائِعُ بَيِّنَةً أَنَّهُ حَدَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَأَقَامَ الْمُشْتَرِي الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ كَانَ مَعِيبًا فِي يَدِ الْبَائِعِ تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْمُشْتَرِي اهـ. (قَوْلُهُ وَالْقَوْلُ فِي قَدْرِ الْمَقْبُوضِ لِلْقَابِضِ) لِأَنَّهُ هُوَ الْمُنْكِرُ لِمَا يَدَّعِيه الْمُدَّعِي أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ مَا إذَا كَانَ أَمِينًا أَوْ ضَمِينًا كَالْغَاصِبِ وَإِنْ كَانَ الْمَقَامُ مُخَصَّصًا لِمَا يَتَعَلَّقُ بِالْعَيْبِ فَلَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً وَتَسَلَّمَهَا ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا فَقَالَ الْبَائِعُ بِعْتُكهَا وَأُخْرَى مَعَهَا وَقَالَ الْمُشْتَرِي وَحْدَهَا فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي وَلَوْ حَذَفَ الْمُصَنِّفُ قَوْلَهُ فِي مِقْدَارِ الْمَقْبُوضِ لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّ الْقَوْلَ لِلْقَابِضِ فِيمَا قَبَضَهُ مُطْلَقًا مِقْدَارًا أَوْ صِفَةً أَوْ تَعْيِينًا فَلَوْ جَاءَ لِيَرُدَّ الْمَبِيعَ بِخِيَارِ شَرْطٍ أَوْ رُؤْيَةٍ فَقَالَ الْبَائِعُ لَيْسَ هُوَ الْمَبِيعُ فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي فِي تَعْيِينِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا جَاءَ لِيَرُدَّهُ بِخِيَارِ عَيْبٍ فَإِنَّ الْقَوْلَ لِلْبَائِعِ كَمَا فِي الْعِمَادِيَّةِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي تَعْيِينِ الرِّقِّ فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَإِذَا اشْتَرَى عَبْدَيْنِ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ حَالَّةٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفٍ إلَى سَنَةٍ صَفْقَةً أَوْ صَفْقَتَيْنِ فَوَجَدَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا فَرَدَّهُ ثُمَّ اخْتَلَفَا فَقَالَ الْبَائِعُ رَدَّدْت مَا ثَمَنُهُ آجِلٌ وَقَالَ الْمُشْتَرِي مَا كَانَ ثَمَنُهُ عَاجِلًا فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ سَوَاءٌ هَلَكَ مَا فِي يَدِ الْمُشْتَرِي أَوْ لَا وَلَا تَحَالُفَ وَلَوْ كَانَ الثَّمَنَانِ مُخْتَلِفَيْنِ فَرَدَّ أَحَدَهُمَا بِعَيْبٍ فَادَّعَى الْبَائِعُ أَنَّ ثَمَنَ الْمَرْدُودِ كَذَا وَعَكَسَ الْمُشْتَرِي فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَمِنْ مَسَائِلِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا بِأَلْفٍ وَقَبَضَهُ وَوَهَبَ الْبَائِعُ لَهُ عَبْدًا آخَرَ وَسَلَّمَهُ فَمَاتَ أَحَدُ الْعَبْدَيْنِ ثُمَّ أَرَادَ الْمُشْتَرِي رَدَّ الْبَاقِي بِعَيْبٍ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَلَكِنْ فِي أَدَبِ الْقَاضِي مَا يُخَالِفُهُ) قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَفِي أَدَبِ الْقَاضِي الَّذِي يَرْجِعُ فِيهِ إلَى الْأَطِبَّاءِ لَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ تَوَجُّهِ الْخُصُومَةِ مَا لَمْ يَتَّفِقْ عَدْلَانِ بِخِلَافِ مَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ حَيْثُ يَثْبُتُ بِقَوْلِ الْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ فِي حَقِّ الْخُصُومَةِ لَا فِي حَقِّ الرَّدِّ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْقَوْلَ لِلْقَابِضِ فِيمَا قَبَضَهُ مُطْلَقًا إلَخْ) الْبَائِع وَالْمُشْتَرِي إذَا اخْتَلَفَا فِي جِنْسِ الثَّمَنِ أَنَّهُ دَرَاهِمُ أَوْ دَنَانِيرُ أَوْ فِي قَدْرِهِ أَنَّهُ أَلْفٌ أَوْ أَلْفَانِ أَوْ فِي صِفَتِهِ أَنَّهُ صِحَاحٌ أَوْ جِيَادٌ أَوْ زُيُوفٌ مُكَسَّرَةٌ وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ بِعَيْنِهَا فَإِنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ إنْ اخْتَلَفَا قَبْلَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي فَالتَّحَالُفُ عَلَى وِفَاقِ الْقِيَاسِ وَإِنْ بَعْدَ الْقَبْضِ فَالتَّحَالُفُ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَحْلِفَ الْبَائِعُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ فَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فَالتَّحَالُفُ بَعْدَ الْقَبْضِ عَلَى وِفَاقِ الْقِيَاسِ وَبِهِ أَخَذَ بِشْرُ بْنُ غِيَاثٍ وَالْكَرْخِيُّ. وَإِذَا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي الْمَبِيعِ فَالتَّحَالُفُ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ عَلَى وِفَاقِ الْقِيَاسِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ ثُمَّ ذَكَرَ كَيْفِيَّةَ التَّحَالُفِ ثُمَّ قَالَ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي وَصْفٍ مِنْ أَوْصَافِ الْمَبِيعِ فَقَالَ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْت مِنْك هَذَا الْعَبْدَ عَلَى أَنَّهُ كَاتِبٌ أَوْ عَلَى أَنَّهُ خَبَّازٌ وَقَالَ الْبَائِعُ لَمْ اشْتَرِطْ شَيْئًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ وَلَا يَتَحَالَفَانِ اهـ. وَسَنَذْكُرُ هُنَا أَيْضًا مَا إذَا اخْتَلَفَا فِي طُولِهِ وَعَرْضِهِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ مَعَ مَا ذَكَرَهُ هُنَا (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا جَاءَ لِيَرُدَّهُ بِخِيَارِ عَيْبٍ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَقُولُ: الْأَصْلُ إنَّ الْقَوْلَ فِي التَّعْيِينِ لِلْمُمَلِّكِ حَتَّى لَوْ أَرَادَ رَدَّهُ بِعَيْبٍ فَقَالَ لَيْسَ الْمَبِيعُ هَذَا يُصَدَّقُ الْبَائِعُ مَعَ يَمِينِهِ فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ لِلْبَائِعِ فِي مَسْأَلَةِ خِيَارِ الشَّرْطِ أَيْضًا وَالْأَصْلُ الْآخَرُ أَنَّ الْقَوْلَ لِلْقَابِضِ فِي قَدْرِ الْمَقْبُوضِ وَتَعْيِينِهِ وَصِفَتِهِ فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي فِي مَسْأَلَةِ خِيَارِ الْعَيْبِ كَمَا فِي خِيَارِ الشَّرْطِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ خِيَارَ الشَّرْطِ وَخِيَارَ الْعَيْبِ يَنْبَغِي أَنْ يَتَّحِدَا فِي هَذَا الْحُكْمِ اهـ. قَالَ الشَّارِحُ الْمُؤَلِّفُ فِي حَوَاشِيهِ عَلَى جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَقُولُ: إنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الْقَوْلَ لِلْقَابِضِ كَمَا ذَكَرَهُ إلَّا فِي التَّعْيِينِ فَإِنَّ الْقَوْلَ لِلْمَالِكِ مِلْكًا تَامًّا فَفِي الْعَيْبِ يَثْبُتُ الْمِلْكُ التَّامُّ لِأَنَّ خِيَارَ الْعَيْبِ لَا يَمْنَعُ الْمِلْكَ وَلَا تَمَامَهُ وَإِنَّمَا يَمْنَعُ لُزُومَهُ وَأَمَّا خِيَارُ الشَّرْطِ فَلِأَنَّهُ مَانِعٌ يَمْنَعُ تَمَامَ الْحُكْمِ فَكَانَ عَلَى الْأَصْلِ مِنْ أَنَّ الْقَوْلَ لِلْقَابِضِ وَقَدْ اشْتَبَهَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤَلِّفِ فَخَبَطَ وَلَمْ يُفَرِّقْ فَلْيُتَأَمَّلْ. وَقَدْ فَرَّقَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فِي آخِرِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ بِفَرْقٍ حَسَنٍ وَهُوَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ وَالرُّؤْيَةِ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ بِفَسْخِهِ بِلَا تَوَقُّفٍ عَلَى رِضَا الْآخَرِ بَلْ عَلَى عِلْمِهِ عَلَى الْخِلَافِ وَإِذَا انْفَسَخَ يَكُونُ الِاخْتِلَافُ بَعْدَ ذَلِكَ اخْتِلَافًا فِي الْمَقْبُوضِ فَالْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُ الْقَابِضِ بِخِلَافِ الْفَسْخِ بِالْعَيْبِ لَا يَنْفَرِدُ الْمُشْتَرِي بِفَسْخِهِ وَلَكِنَّهُ يَدَّعِي ثُبُوتَ حَقِّ الْفَسْخِ فِي الَّذِي أَحْضَرَهُ وَالْبَائِعُ يُنْكِرُهُ اهـ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 67 فَادَّعَى الْبَائِعُ أَنَّ الْمَبِيعَ هُوَ الْهَالِكُ وَالْبَاقِي هُوَ الْهِبَةُ وَعَكَسَ الْمُشْتَرِي وَلَا بَيِّنَةَ فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ وَلَوْ لَمْ يَجِدْ عَيْبًا وَإِنَّمَا أَرَادَ الْوَاهِبُ الرُّجُوعَ وَقَالَ الْحَيُّ هُوَ الْمَوْهُوبُ وَأَنْكَرَ الْمُشْتَرِي فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ فَإِذَا رَجَعَ فِيهِ رَجَعَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ الْمَدْفُوعِ وَإِذَا رَجَعَ رَجَعَ الْبَائِعُ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ الْمَيِّتِ بَعْدَ التَّحَالُفِ. وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي طُولِ الْمَبِيعِ وَعَرْضِهِ فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ وَتَمَامُهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ فَصْلِ الِاخْتِلَافَاتِ مِنْ الْبُيُوعِ وَفِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ مِنْ بَابِ الِاخْتِلَافِ فِي الْمُرَابَحَةِ اشْتَرَى ثَوْبًا قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ بِعَشَرَةٍ وَدَفَعَ إلَيْهِ آخِرَ ثَوْبًا اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ وَقِيمَتُهُ عِشْرُونَ لِيَبِيعَ لَهُ مَعَ ثَوْبِهِ فَقَالَ لِرَجُلٍ هُمَا قَامَا بِعِشْرِينَ فَأَبِيعُك بِرِبْحِ عَشَرَةٍ فَاشْتَرَاهُمَا ثُمَّ وَجَدَ بِثَوْبِ الْآمِرِ عَيْبًا فَقَالَ شَرَيْتهمَا صَفْقَةً وَانْقَسَمَ الرِّبْحُ عَلَى الْقِيمَةِ أَثْلَاثًا فَأَرُدُّهُ بِثُلُثَيْ الثَّمَنِ فَقَالَ الْبَائِعُ ثَمَنُ كُلِّ ثَوْبٍ عَشَرَةٌ فَانْقَسَمَ الرِّبْحُ عَلَى الثَّمَنَيْنِ فَرَدَّ بِنَصَّ فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي مَعَ الْيَمِينِ بِجَحْدِهِ مَزِيدٌ حَادِثٌ بِخِلَافِ مَا لَمْ يَدَّعِ عَيْبًا لِفَقْدِ الْجَدْوَى إلَى أَنْ قَالَ وَلَا تَحَالُفَ وَإِنْ بَرْهَنَا فَالْبَيِّنَةُ لِلْمُشْتَرِي لِإِثْبَاتِهِ زِيَادَةً حَقِيقَةً مَقْصُودَةً وَتَمَامُهُ فِيهِ قَيَّدَ بِكَوْنِهِ مَقْبُوضًا لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ بِالْخِيَارِ إذَا أَرَادَ الْإِجَازَةَ فِي سِلْعَةٍ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَقَالَ الْبَائِعُ مَا بِعْتُكهَا قَالُوا الْقَوْلُ لِلْبَائِعِ كَمَا لَوْ ادَّعَى بَيْعَ عَيْنٍ وَأَنْكَرَ وَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ فَأَرَادَ إلْزَامَ الْبَيْعِ فِي مُعَيَّنٍ وَأَنْكَرَهُ الْمُشْتَرِي فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ خِيَارِ التَّعْيِينِ وَشَمَلَ مَا إذَا ادَّعَى الْمُشْتَرِي بَعْدَ قَبْضِ الْمَبِيعِ أَنَّهُ وَجَدَهُ نَاقِصًا فَالْقَوْلُ لَهُ لِأَنَّهُ الْقَابِضُ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ مِنْ كِتَابِ الصُّلْحِ رَجُلٌ بَاعَ مِنْ آخَرَ إبْرَيْسَمًا وَوَزَنَهُ عَلَيْهِ وَقْتَ الْبَيْعِ وَحَمَلَهُ الْمُشْتَرِي ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهِ بَعْدَ مُدَّةٍ وَقَالَ وَجَدْته نَاقِصًا فَإِنْ كَانَ النَّقْصُ يَكُونُ بَيْنَ الْوَزْنَيْنِ فَلَا شَيْءَ لَهُ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ يَنْظُرُ إنْ لَمْ يَسْبِقْ مِنْ الْمُشْتَرِي إقْرَارٌ بِقَبْضِ كَذَا مَنًّا فَلَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ الثَّمَنِ بِإِزَاءِ النُّقْصَانِ وَلَوْ نَقَدَهُ رَجَعَ بِذَلِكَ الْقَدْرِ وَإِنْ أَقَرَّ بِقَبْضِهِ لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ اهـ. فَإِنْ قُلْتُ: هَلْ تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْقَابِضِ عَلَى مَا ادَّعَاهُ مَعَ قَبُولِ قَوْلِهِ قُلْتُ: نَعَمْ تُقْبَلُ لِإِسْقَاطِ الْيَمِينِ عَنْهُ كَالْمُودِعِ إذَا ادَّعَى الرَّدَّ أَوْ لِهَلَاكٍ وَأَقَامَ بَيِّنَةً تُقْبَلُ مَعَ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ وَالْبَيِّنَةُ لِإِسْقَاطِ الْيَمِينِ مَقْبُولَةٌ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ مِنْ بَابِ الصَّرْفِ وَذَكَرَ لِقَبُولِهَا فَائِدَةً أُخْرَى هِيَ أَنَّ الْوَكِيلَ بِالصَّرْفِ لَوْ رُدَّ عَلَيْهِ الدِّينَارُ بِعَيْبٍ فَأَقَرَّ بِهِ وَقَبِلَهُ كَانَ عَلَيْهِ لَا عَلَى الْمُوَكِّلِ فَلَوْ أَقَامَ مُشْتَرِيهِ بَيِّنَةً عَلَى أَنَّهُ هُوَ الَّذِي قَبَضَهُ مِنْ الْوَكِيلِ قُبِلَتْ لِإِسْقَاطِ الْيَمِينِ عَنْهُ وَلِرُجُوعِهِ إلَى الْمُوَكِّلِ فَلْيُحْفَظْ. (قَوْلُهُ وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدَيْنِ صَفْقَةً فَقَبَضَ أَحَدَهُمَا وَوَجَدَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا أَخَذَهُمَا أَوْ رَدَّهُمَا) لِأَنَّ الصَّفْقَةَ تَتِمُّ بِقَبْضِهِمَا فَيَكُونُ تَفْرِيقًا قَبْلَ التَّمَامِ وَهَذَا لِأَنَّ الْقَبْضَ لَهُ شَبَهٌ بِالْعَقْدِ فَالتَّفْرِيقُ فِيهِ كَالتَّفْرِيقِ فِي الْعَقْدِ أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ مَا إذَا كَانَ الْمَعِيبُ الْمَقْبُوضَ أَوْ غَيْرَهُ وَيُرْوَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا وَجَدَ بِالْمَقْبُوضِ عَيْبًا يَرُدُّهُ خَاصَّةً كَأَنَّهُ جَعَلَ غَيْرَ الْمَعِيبِ تَبَعًا لَهُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَأْخُذَهُمَا أَوْ يَرُدَّهُمَا لِأَنَّ تَمَامَ الصَّفْقَةِ تَتَعَلَّقُ بِقَبْضِ الْمَبِيعِ وَهُوَ اسْمٌ لِلْكُلِّ فَصَارَ كَحَبْسِ الْمَبِيعِ لَمَّا تَعَلَّقَ زَوَالُهُ بِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ لَا يَزُولُ دُونَ قَبْضِ جَمِيعِهِ وَالْعَبْدَانِ مِثَالٌ وَالْمُرَادُ عَبْدَانِ أَوْ ثَوْبَانِ أَوْ نَحْوُهُمَا. (قَوْلُهُ وَلَوْ قَبَضَهُمَا ثُمَّ وَجَدَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا رَدَّ الْمَعِيبَ وَحْدَهُ) لِكَوْنِهِ تَفْرِيقًا بَعْدَ التَّمَامِ لِأَنَّ بِالْقَبْضِ تَتِمُّ الصَّفْقَةُ فِي خِيَارِ الْعَيْبِ وَسَيَأْتِي أَنَّ مَسْأَلَةَ زَوْجَيْ الْخُفِّ وَمِصْرَاعَيْ الْبَابِ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ كَلَامِهِ هُنَا وَعَلَى هَذَا إذَا اشْتَرَى ثَوْرَيْنِ فَوَجَدَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا بَعْدَ الْقَبْضِ فَإِنْ كَانَ أَلِفَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ بِحَيْثُ لَا يَعْمَلُ بِدُونِهِ لَا يَمْلِكُ رَدَّ الْمَعِيبِ وَحْدَهُ وَقَيَّدَ بِخِيَارِ الْعَيْبِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ رَدُّ أَحَدِهِمَا بِخِيَارِ شَرْطٍ أَوْ رُؤْيَةٍ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ فِيهَا لَا تَتِمُّ إلَّا بِالْقَبْضِ قَيَّدَ بِتَرَاخِي ظُهُورِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي طُولِ الْمَبِيعِ وَعَرْضِهِ فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ) الَّذِي فِي النَّهْرِ الْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي وَاَلَّذِي رَأَيْته فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَكَذَا فِي مُنْتَخَبِ الظَّهِيرِيَّةِ يُوَافِقُ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ وَنَصَّهُ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَجُلٌ بَاعَ مِنْ آخَرَ ثَوْبًا مَرْوِيًّا فَقَبَضَهُ أَوْ لَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى اخْتَلَفَا فَقَالَ الْبَائِعُ بِعْته عَلَى أَنَّهُ سِتٌّ فِي تِسْعٍ وَقَالَ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْته عَلَى أَنَّهُ سَبْعٌ فِي ثَمَانٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ مَعَ يَمِينِهِ اهـ. وَقَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَفِي نَوَادِرِ هِشَامٍ إذَا اشْتَرَى مِنْ آخَرَ ثَوْبًا وَقَالَ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْت مِنْك بِمِائَةٍ عَلَى أَنَّهُ ثَمَانُ أَذْرُعٍ فِي ثَمَانٍ وَهُوَ سَبْعٌ فِي سَبْعٍ وَقَالَ الْبَائِعُ بِعْتُك بِمِائَةِ وَلَمْ اسْمِ الذِّرَاعَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ. اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الذَّخِيرَةِ. (قَوْلُهُ وَذَكَرَ لِقَبُولِهَا فَائِدَةً أُخْرَى إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَأَقُولُ: قَدْ عَلِمْت فِيمَا مَرَّ أَنَّهُ فِي الصَّرْفِ لَوْ رُدَّ عَلَيْهِ الدِّينَارُ بِغَيْرِ قَضَاءٍ كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى بَائِعِهِ فَسَوَّوْا فِيهِ بَيْنَ الْقَضَاءِ وَالرِّضَا هَذَا فَيَنْبَغِي هُنَا أَنْ يَكُونَ الرَّدُّ عَلَى الْوَكِيلِ رَدًّا عَلَى الْمُوَكِّلِ وَالْفَرْقُ مَا مَرَّ فَتَدَبَّرْ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 68 الْعَيْبِ عَنْ الْقَبْضِ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَدَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنْ قَبَضَ الْمَعِيبَ مِنْهُمَا لَزِمَاهُ أَمَّا الْمَعِيبُ فَلِوُجُودِ الرِّضَا بِهِ وَأَمَّا الْآخَرُ فَلِأَنَّهُ لَا عَيْبَ بِهِ وَلَوْ قَبَضَ السَّلِيمَ مِنْهُمَا فَلَوْ كَانَا مَعِيبَيْنِ فَقَبَضَ أَحَدَهُمَا لَهُ رَدُّهُمَا جَمِيعًا لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ إلْزَامُ الْبَيْعِ فِي الْمَقْبُوضِ دُونَ الْآخَرِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ عَلَى الْبَائِعِ وَلَا يُمْكِنُ إسْقَاطُ حَقِّهِ فِي غَيْرِ الْمَقْبُوضِ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِهِ وَلَوْ أَعْتَقَ السَّلِيمَ أَوْ بَاعَهُ بَعْدَ قَبْضِهِ لَزِمَهُ الْآخَرُ كَيْ لَا تَتَفَرَّقَ الصَّفْقَةُ عَلَى الْبَائِعِ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ لَا تَتِمُّ إلَّا بِقَبْضِ الْمَبِيعِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَشَمَلَ إطْلَاقُهُ مَا إذَا اشْتَرَى خَاتَمَ فِضَّةٍ فِيهِ فَصٌّ وَقَلَعَ الْفَصَّ لَا يَضُرُّ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فَوَجَدَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا بَعْدَ الْقَبْضِ فَلَهُ أَنْ يَقْلَعَ الْفَصَّ وَيَرُدَّ الْمَعِيبَ مِنْهُمَا وَلَوْ وَجَدَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا قَبْلَ الْقَبْضِ رَدَّهُمَا وَكَذَا السَّيْفُ الْمُحَلَّى وَالْمِنْطَقَةُ الْمُحَلَّاةُ وَلَوْ اشْتَرَى نَخْلًا فِيهِ تَمْرٌ فَجَزَّ التَّمْرَ ثُمَّ وَجَدَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا لَا يَرُدُّ أَحَدَهُمَا بَلْ يَرُدُّهُمَا لِأَنَّهُمَا بِمَنْزِلَةِ شَيْءٍ وَاحِدٍ لِأَنَّ التَّمْرَ بَعْضُ النَّخْلِ لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْهُ بِخِلَافِ الْفَصِّ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْفِضَّةِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ. (قَوْلُهُ وَلَوْ وَجَدَ بِبَعْضِ الْكَيْلِيِّ أَوْ الْوَزْنِيِّ عَيْبًا رَدَّهُ كُلَّهُ أَوْ أَخَذَهُ) لِكَوْنِهِ كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ مَا إذَا كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ وَمَا وَقَعَ فِي الْهِدَايَةِ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بَعْدَ الْقَبْضِ فَإِنَّمَا هُوَ لِيَقَعَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْقِيَمِيَّاتِ وَالْمِثْلِيَّاتِ وَشَمَلَ مَا إذَا كَانَ فِي وِعَاءٍ وَاحِدٍ أَوْ وِعَاءَيْنِ وَقِيلَ إنَّهُ مَخْصُوصٌ بِمَا إذَا كَانَ فِي وِعَاءٍ وَاحِدٍ أَمَّا إذَا كَانَ فِي وِعَاءَيْنِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْعَبْدَيْنِ حَتَّى يَرُدَّ الْوِعَاءَ الَّذِي وَجَدَ فِيهِ الْعَيْبَ دُونَ الْآخَرِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ مَا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ مُتَعَدِّدًا لَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِأَحَدِهِمَا إلَّا بِالْآخِرِ إذَا وَجَدَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا قَالُوا إنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ فَيُخَيَّرُ إنْ شَاءَ أَخَذَهُمَا أَوْ رَدَّهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ لِأَنَّهُمَا كَشَيْءٍ وَاحِدٍ كَزَوْجَيْ خُفٍّ وَمِصْرَاعَيْ بَابٍ وَزَوْجَيْ ثَوْرٍ أَلِفَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فَلَوْ وَجَدَ أَحَدَهُمَا أَضْيَقَ فَإِنْ كَانَ خَارِجًا عَمَّا عَلَيْهِ خِفَافُ النَّاسِ فِي الْعَادَةِ يَرُدُّ وَإِلَّا لَا وَإِنْ كَانَ لَا يَسَعُ رِجْلَهُ فَإِنْ كَانَ اشْتَرَاهُمَا لِلُّبْسِ رَدَّ وَإِلَّا فَلَا كَمَا فِي الْمُحِيطِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَا لَا يَنْتَفِعُ بِأَحَدِهِمَا إلَّا بِالْآخِرِ لَهُ أَحْكَامٌ مِنْهَا حُكْمُ الْعَيْبِ وَمِنْهَا لَوْ قَبَضَ أَحَدَهُمَا بِغَيْرِ إذْنِ الْبَائِعِ وَهَلَكَ الْآخَرُ عِنْدَ الْبَائِعِ يُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي فِيمَا قَبَضَ بِحِصَّتِهِ وَإِذْنُ الْبَائِعِ فِي قَبْضِ أَحَدِهِمَا إذْنٌ فِي قَبْضِهِمَا وَمِنْهَا لَوْ أَعَارَ أَحَدَهُمَا وَأَمَرَ الْمُسْتَعِيرَ بِقَبْضِهِ لَا يَكُونُ إذْنًا بِقَبْضِ الْآخَرِ وَمِنْهَا لَوْ اسْتَحَقَّ أَحَدَهُمَا بَعْدَ الْقَبْضِ رَدَّ الْمُشْتَرِي الْآخَرَ إنْ شَاءَ وَمِنْهَا لَوْ عَيَّبَ الْمُشْتَرِي الْمَأْخُوذَ ثُمَّ هَلَكَ الْآخَرُ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَلَمْ يَمْنَعْهُ إيَّاهُ هَلَكَ عَلَى الْمُشْتَرِي وَإِنْ مَنَعَ الْبَائِعُ هَلَكَ عَلَى الْبَائِعِ وَمِنْهَا لَوْ أَحْدَثَ الْبَائِعُ بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا بِأَمْرِ الْمُشْتَرِي صَارَ قَابِضًا لَهُمَا وَمِنْهَا لَوْ رَأَى الْمُشْتَرِي أَحَدَهُمَا فَرَضِيَهُ لَمْ يَكُنْ رِضًا بِالْآخِرِ وَمِنْهَا لَوْ تَعَيَّبَ أَحَدُهُمَا لَمْ يَرُدَّ الْآخَرَ بِعَيْبٍ وَخِيَارِ رُؤْيَةٍ وَيَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ وَمِنْهَا لَوْ اسْتَهْلَكَ رَجُلٌ أَحَدَهُمَا يَدْفَعُ إلَيْهِ الْآخَرَ وَيُضَمِّنُهُ قِيمَتَهَا إنْ شَاءَ وَالْمَسَائِلُ كُلُّهَا مِنْ الْمُحِيطِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ حُكْمَ أَحَدِهِمَا حُكْمُ الْآخَرِ إلَّا فِي مَسَائِلِ الْإِذْنِ بِقَبْضِ أَحَدِهِمَا فِي الْعَارِيَّةُ لَا يَكُونُ إذْنًا بِقَبْضِ الْآخَرِ وَرُؤْيَةُ أَحَدِهِمَا لَا تَكُونُ رُؤْيَةً لِلْآخَرِ (قَوْلُهُ وَلَوْ اسْتَحَقَّ بَعْضَهُ لَمْ يُخَيَّرْ فِي رَدِّ مَا بَقِيَ وَلَوْ ثَوْبًا خُيِّرَ) لِأَنَّ الْمِثْلِيَّ لَا يَضُرُّهُ التَّبْعِيضُ وَالِاسْتِحْقَاقُ لَا يَمْنَعُ تَمَامَ الصَّفْقَةِ لِأَنَّ تَمَامَهَا بِرِضَا الْعَاقِدِ لَا بِرِضَا الْمَالِكِ أَطْلَقَهُ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ أَمَّا قَبْلَهُ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّ مَا بَقِيَ لِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ وَأَرَادَ بِالثَّوْبِ الْقِيَمِيَّ لِأَنَّ التَّشْقِيصَ فِيهِ عَيْبٌ وَقَدْ كَانَ وَقْتَ الْبَيْعِ حَيْثُ ظَهَرَ الِاسْتِحْقَاقُ بِخِلَافِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ فَشَمَلَ الْعَبْدَ وَالدَّارَ كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ كَالدَّارِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمَبِيعَ إنْ اُسْتُحِقَّ بَعْضُهُ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ   [منحة الخالق] [اشْتَرَى عَبْدَيْنِ صَفْقَةً فَقَبَضَ أَحَدَهُمَا وَوَجَدَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا] قَوْلُهُ فَلَوْ كَانَا مَعِيبَيْنِ) الَّذِي فِي الْمِنَحِ أَوْ كَانَا مَعِيبَيْنِ. (قَوْلُهُ أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ مَا إذَا كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَقُولُ: قَالَ فِي النَّهْرِ هَذَا مُقَيَّدٌ بِقَيْدَيْنِ الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الْقَبْضِ قَيَّدَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَعَلَيْهِ فَيَفْتَرِقُ الْحَالُ بَيْنَ الْمِثْلِيَّاتِ وَالْقِيَمِيَّاتِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ قَبْلَهُ يَرُدُّ الْكُلَّ أَوْ يَأْخُذُ الْكُلَّ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ مِثْلِيًّا أَوْ قِيَمِيًّا اهـ. وَالْفَرْقُ فِيهِمَا فِي الْحُكْمِ بَعْدَ الْقَبْضِ فَفِي الْقِيَمِيِّ يَرُدُّ الْمَعِيبَ وَحَدَّهُ وَفِي الْمِثْلِيِّ يَرُدُّ كُلَّهُ أَوْ يَأْخُذُهُ وَقَدَّمَ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَإِنْ أَعْتَقَهُ عَلَى مَالٍ إلَخْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ طَعَامًا فَأَكَلَ بَعْضَهُ يَرُدُّ مَا بَقِيَ وَيَرْجِعُ بِنُقْصَانِ مَا أَكَلَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَعَلَى هَذَا إنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهُ لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إنْ اسْتَحَقَّ بَعْضَهُ إلَخْ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ وَتَنَبَّهَ لِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ تَجِدَ حُكْمَ الْعَيْبِ وَالِاسْتِحْقَاقِ سَيُبَيِّنُ قَبْلَ الْقَبْضِ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ أَعْنِي فِيمَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ أَوْ غَيْرُهُمَا أَمَّا الْعَيْبُ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا الِاسْتِحْقَاقُ فَلِقَوْلِهِ أَمَّا إذَا كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَهُ أَنْ يَرُدَّ الْبَاقِيَ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ وَتَجِدُ حُكْمَهَا بَعْدَ الْقَبْضِ كَذَلِكَ إلَّا فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْعَبْدَيْنِ وَلِهَذَا لَوْ اسْتَحَقَّ أَحَدُهُمَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ الْآخَرَ وَقَالَ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ رَدَّهُ كُلَّهُ أَوْ أَخَذَهُ وَمُرَادُهُ بَعْدَ الْقَبْضِ ثُمَّ قَالَ وَلَوْ اسْتَحَقَّ الْبَعْضَ لَا خِيَارَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 69 خُيِّرَ فِي الْكُلِّ وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ خُيِّرَ فِي الْقِيَمِيِّ لَا فِي الْمِثْلِيِّ فَإِنْ قَبَضَ أَحَدَهُمَا دُونَ الْآخَرِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَا إذَا لَمْ يَقْبِضْهُمَا كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ لَوْ اشْتَرَى قِنَّيْنِ فَأَرَادَ رَدَّ أَحَدِهِمَا بِعَيْبٍ لَا يُشْتَرَطُ حَضْرَةُ الْقِنِّ الْآخَرِ سَوَاءِ رَدَّ بِقَضَاءٍ أَوْ رِضًا وَيَصِحُّ الرَّدُّ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْمَعِيبُ حَاضِرًا أَيْضًا وَكَذَا لَوْ اسْتَحَقَّ أَحَدَهُمَا لَا يُشْتَرَطُ حَضْرَةُ الْآخَرِ سَوَاءٌ رَدَّ بِقَضَاءٍ أَوْ رِضًا. اهـ. وَذَكَرَ فِي فَصْلِ الِاسْتِحْقَاقِ شَرَى فَبَنَى فَاسْتَحَقَّ نِصْفَهُ وَرَدَّ الْمُشْتَرِيَ مَا بَقِيَ عَلَى الْبَائِعِ فَلَهُ أَنْ يَرْجِع عَلَى بَائِعه بِثَمَنِهِ وَبِنِصْفِ قِيمَةِ الْبِنَاءِ لِأَنَّهُ مَغْرُورٌ فِي النِّصْفِ وَلَوْ اسْتَحَقَّ نِصْفَهُ الْمُعَيَّنَ فَلَوْ كَانَ الْبِنَاءُ فِي ذَلِكَ النِّصْفِ خَاصَّةً رَجَعَ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ أَيْضًا وَلَوْ كَانَ الْبِنَاءُ فِي النِّصْفِ الَّذِي لَمْ يَسْتَحِقَّ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّ الْبِنَاءَ وَلَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ مِنْ قِيمَةِ الْبِنَاءِ شَرَى دَارًا فَاسْتُحِقَّتْ عَرْصَتُهَا وَنَقَضَ الْبِنَاءَ فَقَالَ الْمُشْتَرِي أَنَا بَنَيْتهَا فَارْجِعْ عَلَى بَائِعِي وَقَالَ بَائِعُهُ بِعْتهَا مَبْنِيَّةً فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ شَرَى نِصْفَ مُشَاعًا فَاسْتَحَقَّ نِصْفَهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَالْمَبِيعُ نِصْفُهُ الْبَاقِي وَلَوْ اسْتَحَقَّ بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَالْمَبِيعُ نِصْفُهُ الْبَاقِي وَهُوَ الرُّبْعُ. اهـ. ثُمَّ قَالَ شَرَى دَارًا مَعَ بِنَائِهِ فَاسْتَحَقَّ الْبِنَاءَ قَبْلَ قَبْضِهِ قَالُوا يُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي إنْ شَاءَ أَخَذَ الْأَرْضَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ وَلَوْ اسْتَحَقَّ بَعْدَ قَبْضِهِ يَأْخُذُ الْأَرْضَ بِحِصَّتِهِ وَلَا خِيَارَ لَهُ وَالشَّجَرُ كَالْبِنَاءِ وَلَوْ احْتَرَقَا أَوْ قَلَعَهُمَا ظَالِمٌ قَبْلَ الْقَبْضِ أَخَذَهُمَا بِجَمِيعِ الثَّمَنِ أَوْ تَرَكَ وَلَا يَأْخُذُ بِالْحِصَّةِ بِخِلَافِ الِاسْتِحْقَاقِ اهـ. (قَوْلُهُ وَاللُّبْسُ وَالرُّكُوبُ وَالْمُدَاوَاةُ رِضًا بِالْعَيْبِ) لِأَنَّهُ دَلِيلُ الِاسْتِبْقَاءِ فِي مِلْكِهِ أَطْلَقَ الرُّكُوبَ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا رَكِبَهَا فِي حَاجَتِهِ لِمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ وَكَذَا الْمُدَاوَاةُ إنَّمَا تَكُونُ رِضًا بِعَيْبٍ دَاوَاهُ أَمَّا إذَا دَاوَى الْمَبِيعَ مِنْ عَيْبٍ قَدْ بَرِئَ مِنْهُ الْبَائِعُ وَبِهِ عَيْبٌ آخَرُ فَإِنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ رَدُّهُ كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَفِي خِزَانَةِ الْفِقْهِ اخْتَلَفَا قَالَ الْبَائِعُ رَكِبْتهَا لِحَاجَتِك وَقَالَ الْمُشْتَرِي لِأَرُدَّهَا عَلَيْك فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي وَقَيَّدَ بِخِيَارِ الْعَيْبِ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَا تُسْقِطُ خِيَارَ الشَّرْطِ لِأَنَّ الْخِيَارَ هُنَاكَ لِلِاخْتِبَارِ وَأَنَّهُ بِالِاسْتِعْمَالِ فَلَا يَكُونُ مَسْقَطًا وَقَيَّدَ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ لِأَنَّ الِاسْتِخْدَامَ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ لَا يَكُونُ رِضًا اسْتِحْسَانًا لِأَنَّ النَّاسَ يَتَوَسَّعُونَ فِيهِ وَهُوَ لِلِاخْتِبَارِ. هَكَذَا أَطْلَقَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَنَقَلَ عَنْ السَّرَخْسِيِّ فِي الْبَزَّازِيَّةِ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ الِاسْتِخْدَامَ رِضَا بِالْعَيْبِ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ إلَّا إذَا كَانَ فِي نَوْعٍ آخَرَ وَفِي الصُّغْرَى الِاسْتِخْدَامُ مَرَّةً وَاحِدَةً لَا يَكُونُ رِضَا إلَّا إذَا كَانَ عَلَى كُرْهٍ مِنْ الْعَبْدِ. اهـ. (قَوْلُهُ لَا الرُّكُوبُ لِلسَّقْيِ أَوْ لِلرَّدِّ أَوْ لِشِرَاءِ الْعَلَفِ) أَيْ لَا يَكُونُ الرُّكُوبُ لِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ رِضًا بِالْعَيْبِ أَطْلَقَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ فِي الرَّدِّ وَأَمَّا فِي السَّقْيِ وَشِرَاءِ الْعَلَفِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ لِصُعُوبَتِهَا أَوْ لِعَجْزِهِ أَوْ لِكَوْنِ الْعَلَفِ فِي عَدْلٍ وَاحِدٍ أَمَّا إذَا كَانَ لَهُ بُدٌّ مِنْهُ فَهُوَ رِضًا كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ ادَّعَى عَيْبًا فِي حِمَارٍ فَرَكِبَهُ لِيَرُدَّهُ فَعَجَزَ عَنْ الْبَيِّنَةِ فَرَكِبَهُ جَائِيًا فَلَهُ الرَّدُّ اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ لَوْ رَكِبَ لِيَنْظُرَ إلَى سَيْرِهَا أَوْ لَبِسَ لِيَنْظُرَ إلَى قَدِّهَا فَهُوَ رِضًا وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا فِي السَّفَرِ فَحَمَلَهَا فَهُوَ عُذْرٌ وَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِاللُّبْسِ وَأَخَوَيْهِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ إلَى أَنَّ كُلَّ تَصَرُّفٍ يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِهِ يَمْنَعُ الرَّدَّ وَالْأَرْشَ فَمِنْ ذَلِكَ الْبَيْعُ وَالْعَرْضُ عَلَيْهِ وَكَتَبْنَا فِي الْفَوَائِدِ إلَّا فِي الدَّرَاهِمِ إذَا وَجَدَهَا الْبَائِعُ زُيُوفًا فَعَرَضَهَا عَلَى الْبَيْعِ فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ الرَّدَّ عَلَى الْمُشْتَرِي لِأَنَّ رَدَّهَا لِكَوْنِهَا خِلَافَ حَقِّهِ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الْجِيَادِ فَلَمْ تَدْخُلْ الزُّيُوفُ فِي مِلْكِهِ بِخِلَافِ الْمَبِيعِ الْعَيْنِ فَإِنَّهُ مِلْكُهُ   [منحة الخالق] لَهُ فِي رَدِّ مَا بَقِيَ (قَوْلُهُ شَرَى دَارًا مَعَ بِنَائِهِ فَاسْتَحَقَّ الْبِنَاءَ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَقُولُ: وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ لَوْ اسْتَحَقَّ بَعْضَ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ بَطَلَ الْبَيْعُ فِي قَدْرِ الْمُسْتَحَقِّ وَيُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي فِي الْبَاقِي كَمَا مَرَّ سَوَاءٌ أَوْرَثَ الِاسْتِحْقَاقُ عَيْبًا فِي الْبَاقِي أَوْ لَا لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ وَكَذَا لَوْ اسْتَحَقَّ بَعْدَ قَبْضِ بَعْضِهِ سَوَاءٌ اسْتَحَقَّ الْمَقْبُوضَ أَوْ غَيْرَهُ يُخَيَّرُ كَمَا مَرَّ لِمَا مَرَّ مِنْ التَّفَرُّقِ وَلَوْ قَبَضَ كُلَّهُ فَاسْتَحَقَّ بَعْضَهُ بَطَلَ الْبَيْعُ بِقَدْرِهِ ثُمَّ لَوْ أَوْرَثَ الِاسْتِحْقَاقُ عَيْبًا فِيمَا بَقِيَ يُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي كَمَا مَرَّ وَلَوْ لَمْ يُوَرِّثْ عَيْبًا فِيهِ كَثَوْبَيْنِ أَوْ قِنَّيْنِ اسْتَحَقَّ أَحَدَهُمَا أَوْ كَيْلِيٌّ أَوْ وَزْنِيٌّ اسْتَحَقَّ بَعْضَهُ وَلَا يَضُرُّ تَبْعِيضُهُ فَالْمُشْتَرِي يَأْخُذُ الْبَاقِيَ بِلَا خِيَارٍ اهـ رَامِزًا لِشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. (قَوْلُهُ أَطْلَقَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ فِي الرَّدِّ إلَخْ) قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ جَعَلَ الرُّكُوبَ لِلرَّدِّ غَيْرَ مَانِعٍ مُطْلَقًا وَلِلسَّقْيِ وَشِرَاءِ الْعَلَفِ غَيْرِ مَانِعٍ مَعَ الضَّرُورَةِ ضَعِيفٌ لِمَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ لَا يَكُونُ الرُّكُوبُ لِيَسْقِيَهَا الْمَاءَ أَوْ لِيَرُدَّهَا عَلَى الْبَائِعِ أَوْ لِيَشْتَرِيَ لَهَا الْعَلَفَ رِضَا بِالْعَيْبِ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ وَقَدْ لَا تَنْقَادُ وَلَا تَنْسَاقُ فَلَا يَكُونُ دَلِيلُ الرِّضَا إلَّا إذَا رَكِبَهَا فِي حَاجَةِ نَفْسِهِ وَقِيلَ تَأْوِيلُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ بُدٌّ مِنْ الرُّكُوبِ إنْ كَانَ الْعَلَفُ فِي عَدْلٍ وَاحِدٍ وَلَا تَنْسَاقُ وَلَا تَنْقَادُ وَقِيلَ الرُّكُوبُ لِلرَّدِّ لَا يَكُونُ كَيْفَمَا كَانَ لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِلرَّدِّ وَلِغَيْرِهِ يَكُونُ رِضًا إلَّا عَنْ ضَرُورَةٍ اهـ. وَفِي الْمَوَاهِبِ الرُّكُوبُ لِلرَّدِّ أَوْ لِلسَّقْيِ أَوْ لِشِرَاءِ الْعَلَفِ لَا يَكُونُ رِضَا مُطْلَقًا فِي الْأَظْهَرِ اهـ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 70 فَالْعَرْضُ رِضًا بِعَيْبِهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْبَائِعُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ قَالَ لَهُ اعْرِضْهَا عَلَى الْبَيْعِ فَإِنْ لَمْ تَشْتَرِ مِنْك رُدَّهَا عَلَيَّ أَوْ لَا قَيَّدْنَا بِالْبَيْعِ لِأَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا فَعَرَضَهُ عَلَى الْخَيَّاطِ لِيَنْظُرَهُ أَيَكْفِيهِ أَمْ لَا لَمْ يَبْطُلْ حَقُّهُ فِي رَدِّهِ بِعَيْبٍ. وَكَذَا لَوْ عَرَضَهَا عَلَى الْمُقَوِّمِينَ لِتَقُومَ كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ لَوْ قَالَ لَهُ الْبَائِعُ بَعْدَ الِاطِّلَاعِ أَتَبِيعُهَا قَالَ نَعَمْ لَزِمَ وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الرَّدِّ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ بَدَلَ قَوْلِهِ نَعَمْ لَا لِأَنَّ نَعَمْ عَرْضٌ عَلَى الْبَيْعِ وَلَا تَقْرِيرَ لِمُكْنَتِهِ وَفِيهَا الِاسْتِقَالَةُ بَعْدَ الِاطِّلَاعِ لَا تَمْنَعُ الرَّدَّ بِخِلَافِ الْعَرْضِ وَمِنْ ذَلِكَ الْإِجَارَةُ وَالْعَرْضُ عَلَيْهَا وَالْمُطَالَبَةُ بِالْغَلَّةِ وَالرَّهْنِ وَالْكِتَابَةِ وَهَذَا إذَا كَانَ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ فَإِنْ أَجَرَهُ ثُمَّ عَلِمَ بِهِ فَلَهُ نَقْضُهَا لِلْعُذْرِ وَيَرُدُّهُ بِخِلَافِ الرَّهْنِ لِأَنَّهُ لَا يَرُدُّهُ إلَّا بَعْدَ الْفِكَاكِ كَذَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَمِنْهُ إرْسَالُ وَلَدِ الْبَقَرَةِ عَلَيْهَا لِيَرْتَضِعَ مِنْهَا أَوْ حَلْبُهُ لَبَنَ الشَّاةِ أَوْ شُرْبَ اللَّبَنِ وَهَلْ يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ قَوْلَانِ وَلَيْسَ مِنْهُ أَكْلُ ثَمَرِ الشَّجَرِ وَغَلَّةِ الْقِنِّ وَالدَّارِ وَإِرْضَاعِ الْأَمَةِ وَلَدِ الْمُشْتَرِي وَإِتْلَافِ كَسْبِ الْمَبِيعِ بَعْدَ عِلْمِهِ وَضَرْبِ الْعَبْدِ إنْ لَمْ يُؤَثِّرْ الضَّرْبُ فِيهِ فَإِنْ أَثَّرَ فَلَا رَدَّ وَلَا رُجُوعَ وَلَيْسَ مِنْهُ جَزُّ صُوفِ الْغَنَمِ إنْ نَقَصَهُ فَإِنْ لَمْ يُنْقِصْهُ فَلَهُ الرَّدُّ. وَكَذَا قَطْفُ الثِّمَارِ إنْ لَمْ يَنْقُصْ وَاسْتَشْكَلَهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ بِأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَرُدَّ لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ مُنْفَصِلَةٌ مُتَوَلِّدَةٌ وَهِيَ تَمْنَعُ الرَّدَّ وَلَمْ أَرَ فِيهَا خِلَافًا وَلَكِنْ يَظْهَرُ مِنْ هَذَا أَنَّ فِيهَا رِوَايَتَيْنِ وَمِنْهُ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ الْوَطْءُ بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا نَقَصَهَا أَوْ لَا فَلَا رَدَّ وَلَا رُجُوعَ وَكَذَا لَوْ قَبَّلَهَا بِشَهْوَةٍ أَوْ لَمَسَهَا لَكِنْ يَرْجِعُ بِالنَّقْصِ إلَّا أَنْ يُقَبِّلَهَا الْبَائِعُ وَإِنْ وَطِئَهَا الزَّوْجُ إنْ ثَيِّبًا رَدَّهَا وَإِنْ بِكْرًا لَا وَسُكْنَى الدَّارِ أَيْ ابْتِدَاؤُهَا لَا الدَّوَامُ وَمِنْهُ سَقْيُ الْأَرْضِ وَزِرَاعَتُهَا وَكَسْحُ الْكَرْمِ وَالْبَيْعِ كُلًّا أَوْ بَعْضًا بَعْدَ الِاطِّلَاعِ مَانِعُ مِنْ الرَّدِّ وَالرُّجُوعِ. وَكَذَا الْهِبَةُ وَالْإِعْتَاقُ مُطْلَقًا كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَفِيهَا دَفْعُ بَاقِي الثَّمَنِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ رِضًا وَفِي الْوَاقِعَاتِ الْهِبَةُ رِضًا وَإِنْ لَمْ يُسَلِّمْ الْعَيْنَ إلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ لِأَنَّهَا أَقْوَى مِنْ الْعَرْضِ اهـ. وَفِيهَا لَوْ عَرَضَ نِصْفَ الطَّعَامِ عَلَى الْبَيْعِ لَزِمَهُ النِّصْفُ وَيَرُدُّ النِّصْفَ كَالْبَيْعِ وَجَمْعُ غَلَّاتِ الضَّيْعَةِ رِضًا وَكَذَا تَرْكُهَا لِأَنَّهُ تَضْيِيعٌ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ هُنَا أَنَّ خِيَارَ الْعَيْبِ عَلَى التَّرَاخِي عِنْدَنَا فَلَا يَبْطُلُ بَعْدَ الْعِلْمِ بِهِ بِالتَّأْخِيرِ. (قَوْلُهُ وَلَوْ قُطِعَ الْمَقْبُوضُ بِسَبَبٍ عِنْدَ الْبَائِعِ رَدَّهُ وَاسْتَرَدَّ الثَّمَنَ) يَعْنِي لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا قَدْ سَرَقَ عِنْدَ الْبَائِعِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ وَقْتَ الشِّرَاءِ وَلَا وَقْتَ الْقَبْضِ فَقُطِعَتْ يَدُهُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ وَيَأْخُذَ مَا دَفَعَهُ عِنْدَ الْإِمَامِ وَقَالَا يَرْجِعُ بِمَا بَيْنَ قِيمَتِهِ سَارِقًا إلَى غَيْرِ سَارِقٍ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا قُتِلَ بِسَبَبٍ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِحْقَاقِ عِنْدَهُ وَبِمَنْزِلَةِ الْعَيْبِ عِنْدَهُمَا لَهُمَا أَنَّ الْمَوْجُودَ فِي يَدِ الْبَائِعِ سَبَبُ الْقَطْعِ وَالْقَتْلِ وَأَنَّهُ لَا يُنَافِي الْمَالِيَّةَ فَنَفَذَ الْعَقْدُ فِيهِ لَكِنَّهُ مُتَعَيَّبٌ فَيَرْجِع بِنُقْصَانِهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ رَدِّهِ وَصَارَ كَمَا إذَا اشْتَرَى حَامِلًا فَمَاتَتْ فِي يَدِهِ بِالْوِلَادَةِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِفَضْلِ مَا بَيْنَ قِيمَتِهَا حَامِلًا إلَى غَيْرِ حَامِلٍ وَلَهُ أَنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَالْوُجُوبُ يُفْضِي إلَى الْوُجُودِ فَيَكُونُ الْوُجُودُ مُضَافًا إلَى السَّبَبِ السَّابِقِ وَصَارَ كَمَا إذَا قُتِلَ الْمَغْصُوبُ أَوْ قُطِعَ بَعْدَ الرَّدِّ بِجِنَايَةٍ وُجِدَتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ وَمَسْأَلَةُ الْحَامِلِ مَمْنُوعَةٌ قَيَّدَ بِكَوْنِهِ بِسَبَبٍ عِنْدَ الْبَائِعِ فَقَطْ لِأَنَّهُ لَوْ سَرَقَ عِنْدَهُمَا فَقُطِعَ بِهِمَا فَعِنْدَهُمَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ كَمَا ذَكَرْنَا وَعِنْدَهُ لَا يَرُدّهُ بِدُونِ رِضَا الْبَائِعِ لِلْعَيْبِ الْحَادِثِ وَيَرْجِعُ بِرُبْعِ الثَّمَنِ وَإِنْ قَبِلَهُ الْبَائِعُ فَبِثَلَاثَةِ الْأَرْبَاعِ لِأَنَّ الْيَدَ مِنْ الْآدَمِيِّ نِصْفُهُ وَقَدْ تَلِفَتْ بِالْجِنَايَتَيْنِ وَفِي أَحَدِهِمَا الرُّجُوعُ فَيَتَنَصَّفُ فَلَوْ تَدَاوَلَتْهُ الْأَيْدِي ثُمَّ قُطِعَ فِي يَدِ الْأَخِيرِ رَجَعَ الْبَاعَةُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ عِنْدَهُ كَمَا فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَعِنْدَهُمَا يَرْجِعُ الْأَخِيرُ عَلَى بَائِعِهِ وَلَا يَرْجِعُ بَائِعُهُ عَلَى بَائِعِهِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْعَيْبِ وَلَمْ يُقَيِّدْ الْمُصَنِّفُ بِعَدَمِ عِلْمِ الْمُشْتَرِي لِسَرِقَتِهِ عِنْدَ الْبَائِعِ وَقَيَّدَ بِهِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَهُوَ مُفِيدٌ عَلَى قَوْلِهِمَا لِأَنَّ الْعِلْمَ بِالْعَيْبِ رِضًا بِهِ وَلَا يُفِيدُ عَلَى.   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَلَيْسَ مِنْهُ جَزُّ صُوفِ الْغَنَمِ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ وَلَيْسَ مِنْهُ أَكْلُ ثَمَرِ الشَّجَرِ إلَخْ أَيْ مِمَّا يَمْنَعُ الرَّدَّ فَيُفِيدُ أَنَّ جَزَّ الصُّوفِ أَنَّ نَقْصَهُ لَيْسَ مِمَّا يَمْنَعُ الرَّدَّ أَيْضًا مَعَ أَنَّهُ مِمَّا يَمْنَعُ الرَّدَّ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فَإِنْ لَمْ يَنْقُصْهُ فَلَهُ الرَّدُّ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَلَا رَدَّ وَلَا رُجُوعَ) هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمَهُ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَمَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا فَقَطَعَهُ إلَخْ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ أَنَّ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِالنُّقْصَانِ (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ قَبَّلَهَا بِشَهْوَةٍ) قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ قَالَ التُّمُرْتَاشِيُّ قَوْلُ السَّرَخْسِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - التَّقْبِيلُ بِشَهْوَةٍ يَمْنَعُ الرَّدَّ مَحْمُولٌ عَلَى مَا بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ اهـ. وَفِيهَا قَبْلَ هَذَا وَطْءُ الثَّيِّبِ يَمْنَعُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ وَالرُّجُوعَ بِالنُّقْصَانِ وَكَذَا التَّقْبِيلُ وَالْمَسُّ بِشَهْوَةٍ لِأَنَّهُ دَلِيلُ الرِّضَا وَسَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ أَوْ بَعْدَهُ. (قَوْلُهُ وَمَسْأَلَةُ الْحَامِلِ مَمْنُوعَةٌ) أَيْ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَلْ يَرْجِعُ عَلَى قَوْلِهِ بِكُلِّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 71 (قَوْلُهُ فِي الصَّحِيحِ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِالِاسْتِحْقَاقِ لَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ لَا أَثَرَ فِي الِاسْتِحْقَاقِ بِعِلْمِ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ مَلَكَ الْمُسْتَحَقَّ إلَّا فِيمَا لَوْ كَانَتْ جَارِيَةً فَأَوْلَدَهَا عَالِمًا بِأَنَّهُ مِلْكُ الْغَيْرِ فَإِنَّ الْوَلَدَ رَقِيقٌ لِعَدَمِ الْغُرُورِ كَمَا فِي فَصْلِهِ مِنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُخَيَّرٍ بَيْنَ إمْسَاكِهِ وَالرُّجُوعِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ مُخَيَّرٌ فَلَهُ إمْسَاكُهُ وَأَخْذُ نِصْفِ الثَّمَنِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِحْقَاقِ لَا الْعَيْبِ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ حَتَّى لَوْ مَاتَ بَعْدَ الْقَطْعِ حَتْفَ أَنْفِهِ رَجَعَ بِنِصْفِ الثَّمَنِ عِنْدَهُ كَالِاسْتِحْقَاقِ وَلَوْ أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي ثُمَّ قُتِلَ أَوْ قُطِعَتْ يَدُهُ بِهِ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ عِنْدَهُ بِشَيْءٍ لِفَوَاتِ الْمَالِيَّةِ بِهِ وَعِنْدَهُمَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ وَإِلَى هُنَا ظَهَرَ أَنَّ الِاخْتِلَافَ بَيْنَ الْإِمَامِ وَصَاحِبَيْهِ فِي سِتَّةِ مَسَائِلَ الْأُولَى لَهُ رَدُّهُ عِنْدَهُ لَا عِنْدَهُمَا الثَّانِيَةُ فِي كَيْفِيَّةِ الرُّجُوعِ فَعِنْدَهُ بِالْكُلِّ إنْ رَدَّهُ وَبِالنِّصْفِ إنْ أَمْسَكَهُ وَعِنْدَهُمَا بِالنُّقْصَانِ الثَّالِثَةُ إذَا مَاتَ بَعْدَ الْقَطْعِ حَتْفَ أَنْفِهِ فَعِنْدَهُ يَرْجِعُ بِالنِّصْفِ وَلَا رُجُوعَ عِنْدَ هُمَا الرَّابِعَةُ لَوْ أَعْتَقَهُ فَلَا رُجُوعَ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا. الْخَامِسَةُ فِي رُجُوعِ الْبَاعَةِ. السَّادِسَةُ الْعِلْمُ بِهِ لَا يَمْنَعُ الْخِيَارَ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِ قُطِعَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ لَوْ قُطِعَ عِنْدَ الْبَائِعِ ثُمَّ بَاعَهُ فَمَاتَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي بِهِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ عِنْدَهُ أَيْضًا وَبِالْقَطْعِ لِأَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى مَرِيضًا فَمَاتَ مِنْهُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي أَوْ عَبْدًا زَنَى عِنْدَ الْبَائِعِ فَجُلِدَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَمَاتَ بِهِ رَجَعَ بِالنُّقْصَانِ عِنْدَهُ أَيْضًا لِأَنَّ الْمَرِيضَ وَالْمَقْطُوعَ عِنْدَ الْبَائِعِ إنَّمَا مَاتَا بِزِيَادَةِ الْآلَامِ وَتَرَادُفِهَا عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَهِيَ لَمْ تُوجَدْ عِنْدَ الْبَائِعِ وَزِنَا الْعَبْدِ يُوجِبُ الْجَلْدَ، وَالْمَوْتُ غَيْرُهُ فَلَا يُؤَاخَذُ الْبَائِعُ بِمَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ وَكَذَا لَوْ زَوَّجَ أَمَتَهُ الْبِكْرَ ثُمَّ بَاعَهَا وَقَبَضَهَا الْمُشْتَرِي وَلَمْ يَعْلَمْ بِالنِّكَاحِ ثُمَّ وَطِئَهَا الزَّوْجُ لَا يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْبَكَارَةِ وَإِنْ كَانَ زَوَالُهَا بِسَبَبٍ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ لِأَنَّ الْبَكَارَةَ لَا تَسْتَحِقُّ بِالْبَيْعِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَكَتَبْنَا فِي شَرْحِ الْمَنَارِ مِنْ بَحْثِ الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ أَنَّهُ لَوْ بِيعَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي بِدَيْنٍ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ فَالْمَسَائِلُ الْمُورَدَةُ عَلَيْهِ خَمْسٌ. (قَوْلُهُ وَلَوْ بَرِئَ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ بِهِ صَحَّ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ الْكُلَّ وَلَا يَرُدُّ بِعَيْبٍ) لِأَنَّ الْجَهَالَةَ فِي الْإِسْقَاطِ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ وَإِنْ كَانَ فِي ضِمْنِهِ التَّمْلِيكُ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى التَّسْلِيمِ فَلَا تَكُونُ مُفْسِدَةً وَيَدْخُلُ تَحْتَ الْإِبْرَاءِ الْمَوْجُودِ وَالْحَادِثِ قَبْلَ الْقَبْضِ فِي قَوْلِ الثَّانِي وَذَكَرَهُ مَعَ الْإِمَامِ فِي الْمَبْسُوطِ وَشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. وَفِي الْخَانِيَّةِ أَنَّهُ ظَاهِرُ مَذْهَبِهِمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَدْخُلُ فِيهِ الْحَادِثُ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ تَتَنَاوَلُ الثَّابِتَ وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْغَرَضَ إلْزَامُ الْعَقْدِ بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ عَنْ صِفَةِ السَّلَامَةِ وَذَلِكَ بِالْبَرَاءَةِ مِنْ الْوُجُودِ وَالْحَادِثِ وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ أَبْرَأَهُ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ بِهِ لَا يَدْخُلُ الْحَادِثُ وَلَا يَرُدُّ عَلَيْنَا عَدَمُ صِحَّةِ أَبْرَأْت أَحَدَكُمَا لِجَهَالَةِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ كَقَوْلِهِ لِرَجُلٍ عَلَيَّ كَذَا وَلَوْ قَالَ أَبْرَأْتُك مِنْ كُلِّ عَيْبٍ بِهِ وَمَا يَحْدُثُ لَمْ يَصِحَّ إجْمَاعًا فَاسْتَشْكَلَ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ مَعَ التَّنْصِيصِ لَا يَصِحُّ فَكَيْفَ يُصَحِّحُهُ وَيُدْخِلُهُ بِلَا تَنْصِيصٍ وَلَكِنْ هَذَا عَلَى رِوَايَةِ الْإِسْبِيجَابِيِّ وَأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ الْمَبْسُوطِ فَيَصِحُّ الِاشْتِرَاطُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يُقِيمُ السَّبَبَ وَهُوَ الْعَقْدُ مَكَانَ الْعَيْبِ الْمُوجِبِ لِلرَّدِّ وَفِي الْبَدَائِعِ لَوْ بَاعَ عَلَى أَنَّهُ بَرِئَ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ يَحْدُثُ بَعْدَ الْبَيْعِ فَالْبَيْعُ بِهَذَا الشَّرْطِ فَاسِدٌ عِنْدَنَا لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ لَا يَحْتَمِلُ الْإِضَافَةَ وَإِنْ كَانَ إسْقَاطًا فَفِيهِ مَعْنَى التَّمْلِيكِ وَلِهَذَا لَا يُقْبَلُ الرَّدُّ فَلَا يَحْتَمِلُ الْإِضَافَةَ نَصًّا كَالتَّعْلِيقِ فَكَانَ شَرْطًا فَاسِدًا فَأَفْسَدَ الْبَيْعَ اهـ. وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي عَيْبٍ أَنَّهُ حَادِثٌ بَعْدَ الْعَقْدِ أَوْ كَانَ عِنْدَهُ لَا أَثَرَ لِهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ الْقَوْلُ لِلْبَائِعِ مَعَ يَمِينِهِ عَلَى الْعِلْمِ بِأَنَّهُ حَادِثٌ هَذَا إذَا أَطْلَقَ أَمَّا إذَا أَبْرَأَهُ مُقَيَّدًا بِعَيْبٍ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ ثُمَّ اخْتَلَفَا عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَلَوْ شَرَطَهَا مِنْ عَيْبٍ وَاحِدٍ كَشَجَّةٍ فَحَدَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي عَيْبٌ أَوْ مَوْتٌ فَاطَّلَعَ عَلَى آخَرَ فَأَرَادَ الرُّجُوعَ بِالنُّقْصَانِ جَعَلَ أَبُو يُوسُفَ الْخِيَارَ لِلْبَائِعِ فِي التَّعْيِينِ وَجَعَلَهُ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -   [منحة الخالق] الثَّمَنِ قَالَهُ الْقَاضِيَانِ أَبُو زَيْدٍ وَفَخْرُ الدِّينِ قَاضِي خَانْ وَتَمَامُهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. (قَوْلُهُ وَلَكِنْ هَذَا عَلَى رِوَايَةِ الْإِسْبِيجَابِيِّ إلَخْ) جَوَابٌ عَنْ الْإِشْكَالِ بِمَنْعِ الْإِجْمَاعِ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أُجِيبَ بِمَنْعِ أَنَّهُ إجْمَاعٌ بِأَنَّ فِي الذَّخِيرَةِ إذَا بَاعَ بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ وَمَا يَحْدُثُ بَعْدَ الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ يَصِحُّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ لَا رِوَايَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِيمَا إذَا نَصَّ عَلَى الْبَرَاءَةِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ حَادِثٍ ثُمَّ قَالَ وَقِيلَ ذَلِكَ صَحِيحٌ عِنْدَهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يُقِيمُ السَّبَبَ وَهُوَ الْعَقْدُ مَقَامَ الْعَيْبِ الْمُوجِبِ لِلرَّدِّ وَلَئِنْ سَلَّمْنَا فَالْفَرْقُ أَنَّ الْحَادِثَ يَدْخُلُ تَبَعًا لِتَقْرِيرِ غَرَضِهِمَا وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ لَا يَثْبُتُ مَقْصُودًا وَيَثْبُتُ تَبَعًا اهـ. مَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَفِي الْبَدَائِعِ لَوْ بَاعَ عَلَى أَنَّهُ بَرِيءٌ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ كَمَا فِي الشَّرْحِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 72 لِلْمُشْتَرِي وَمَحَلُّهُ مَا إذَا لَمْ يُعَيِّنْهَا عِنْدَ الْبَيْعِ بَلْ أَبْرَأَهُ مِنْ شَجَّةٍ بِهِ أَوْ عَيْبٍ وَلَوْ أَبْرَأَهُ مِنْ كُلِّ غَائِلَةٍ فَهِيَ فِي السَّرِقَةِ وَالْإِبَاقِ وَالْفُجُورِ وَلَوْ أَبْرَأَهُ مِنْ كُلِّ دَاءٍ فَهُوَ عَلَى مَا فِي الْبَاطِنِ فِي الْعَادَةِ وَمَا سِوَاهُ يُسَمَّى مَرَضًا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَتَنَاوَلُ الْكُلَّ وَلَوْ قَبِلَ الثَّوْبَ بِعُيُوبِهِ يَبْرَأُ مِنْ الْخُرُوقِ وَتَدْخُلُ الرُّقَعُ وَالرَّفْوُ وَلَوْ أَبْرَأَهُ مِنْ كُلِّ سِنٍّ سَوْدَاءَ تَدْخُلُ الْحَمْرَاءُ وَالْخَضْرَاءُ وَمِنْ كُلِّ قَرْحٍ تَدْخُلُ الْقُرُوحُ الدَّامِيَةُ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ وَالْأَثَرُ الَّذِي بَرِئَ مِنْهُ وَلَا يَدْخُلُ الْكَيُّ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَفِي الْمُحِيطِ أَبْرَأْتُك مِنْ كُلِّ عَيْبٍ بِعَيْنِهِ فَإِذَا هُوَ أَعْوَرُ لَا يَبْرَأُ لِأَنَّهُ عَدَمُهَا لَا عَيْبَ وَكَذَا لَوْ قَالَ بِيَدِهِ فَإِذَا هِيَ مَقْطُوعَةٌ لَا يَبْرَأُ بِخِلَافِ قَطْعِ الْإِصْبَعِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا بَرِئَ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ بِهِ كَذَا فِي الْوَاقِعَاتِ وَلَوْ قَالَ أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ إلَّا إبَاقَهُ بَرِئَ مِنْ إبَاقِهِ وَلَوْ قَالَ إلَّا الْإِبَاقَ فَلَهُ الرَّدُّ بِالْإِبَاقِ لِأَنَّهُ لَمْ يُضِفْ الْإِبَاقَ إلَى الْعَبْدِ وَلَا وَصَفَهُ بِهِ فَلَمْ يَكُنْ اعْتِرَافًا بِوُجُودِ الْإِبَاقِ لِلْحَالِ لِأَنَّ هَذَا الْكَلَامَ كَمَا يَحْتَمِلُ التَّبَرُّؤَ عَنْ إبَاقٍ مَوْجُودٍ مِنْ الْعَبْدِ يَحْتَمِلُ التَّبَرُّؤَ عَنْ إبَاقٍ سَيَحْدُثُ فِي الْمُسْتَقْبِلِ فَلَا يَكُونُ مُقِرًّا بِكَوْنِهِ آبِقًا لِلْحَالِ بِالشَّكِّ فَلَا يَثْبُتُ حَقُّ الرَّدِّ بِالشَّكِّ اهـ. وَلَوْ قَالَ أَنْت بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ حَقٍّ لِي قَبْلَك دَخَلَ الْعَيْبُ هُوَ الْمُخْتَارُ دُونَ الدَّرْكِ وَفِي الصُّغْرَى الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ إذَا أَبْرَأَ بَائِعَهُ عَنْ الْعَيْبِ بَعْدَمَا اطَّلَعَ الثَّانِي عَلَيْهِ صَحَّ وَلَا يَرُدُّهُ عَلَى بَائِعِهِ إذَا رُدَّ عَلَيْهِ وَفِي الْخَانِيَّةِ إذَا بَاعَ جَارِيَةً وَقَالَ أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ بِهَا فَهُوَ بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ بِهَا وَلَوْ قَالَ أَنَا بَرِيءٌ مِنْهَا لَا يَبْرَأُ عَنْ شَيْءٍ مِنْ الْعُيُوبِ وَلَوْ قَالَ أَبْرَأْتُك عَنْ كُلِّ عَيْبٍ وَلَمْ يَقُلْ بِهَا فَهَذِهِ بَرَاءَةٌ عَنْ كُلِّ عَيْبٍ. اهـ. وَفِيهَا بَاعَ شَيْئًا عَلَى أَنَّهُ بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ لَا يَكُونُ إقْرَارًا بِالْعَيْبِ وَلَوْ شَرَطَ الْبَرَاءَةَ عَنْ عَيْبٍ وَاحِدٍ أَوْ عَيْبَيْنِ كَانَ ذَلِكَ إقْرَارًا بِذَلِكَ الْعَيْبِ بَيَانُهُ إذَا بَاعَ عَبْدَيْنِ عَلَى أَنَّهُ بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ بِهَذَا الْعَبْدِ بِعَيْنِهِ وَسَلَّمَهُمَا إلَى الْمُشْتَرِي فَاسْتَحَقَّ أَحَدَهُمَا وَوَجَدَ الْمُشْتَرِي بِالْآخِرِ عَيْبًا لَزِمَهُ الْمَعِيبُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ فَيَقْسِمُ الثَّمَنَ عَلَى الْعَبْدَيْنِ وَهُمَا صَحِيحَانِ لَا عَيْبَ بِهِمَا فَإِذَا عُرِفَتْ حِصَّةُ الْمُسْتَحَقِّ رَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِحِصَّةِ الْمُسْتَحَقِّ مِنْ الثَّمَنِ وَلَوْ بَاعَ عَبْدَيْنِ بِثَمَنٍ وَاحِدٍ عَلَى أَنَّهُ بَرِيءٌ مِنْ عَيْبٍ وَاحِدٍ بِهَذَا ثُمَّ اسْتَحَقَّ أَحَدَهُمَا فَوَجَدَ بِاَلَّذِي بَرِئَ عَنْ عَيْبٍ وَاحِدٍ عَيْبًا فَإِنَّهُ يَقْسِمُ الثَّمَنَ عَلَيْهِمَا عَلَى قِيمَةِ الْمُسْتَحَقِّ صَحِيحًا وَعَلَى قِيمَةِ الْآخَرِ وَبِهِ عَيْبٌ وَاحِدٌ فَإِذَا عُرِفَتْ حِصَّةُ الْمُسْتَحَقِّ رَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِذَلِكَ اهـ. مَا فِي الْخَانِيَّةِ. وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الصُّلْحَ عَنْ الْعَيْبِ كَمَا لَمْ يَذْكُرْ الْكَفَالَةَ بِهِ وَقَدَّمْنَا طَرَفًا مِنْهُمَا وَلَا بَأْسَ بِذَكَرِهِمَا هُنَا تَتْمِيمًا لِلْفَائِدَةِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَقَدَّمْنَا أَنَّهُ إنْ كَانَ الدَّافِعُ الْبَائِعَ وَالْمَبِيعُ لِلْمُشْتَرِي كَانَ جَائِزًا حَطًّا مِنْ الثَّمَنِ وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي لِيَأْخُذَهُ الْبَائِعُ لَا وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ لَوْ اصْطَلَحَا عَلَى أَنْ يَحُطَّ كُلَّ عَشَرَةٍ وَيَأْخُذُ الْأَجْنَبِيُّ بِمَا وَرَاءَ الْمَحْطُوطِ وَرَضِيَ الْأَجْنَبِيُّ جَازَ وَجَازَ حَطُّ الْمُشْتَرِي دُونَ الْبَائِعِ وَلَوْ قَصَّرَ الْمُشْتَرِي الثَّوْبَ فَإِذَا هُوَ مُتَخَرِّقٌ وَقَالَ الْمُشْتَرِي لَا أَدْرِي تَخَرَّقَ عِنْدَ الْقَصَّارِ أَوْ عِنْدَ الْبَائِعِ فَاصْطَلَحُوا عَلَى أَنْ يَقْبَلَهُ الْمُشْتَرِي وَيَرُدُّ عَلَيْهِ الْقَصَّارُ دِرْهَمًا وَالْبَائِعُ دِرْ هُمَا جَازَ وَكَذَا لَوْ اصْطَلَحَا عَلَى أَنْ يَقْبَلَهُ الْبَائِعُ وَيَدْفَعُ لَهُ الْقَصَّارُ دِرْهَمًا وَيَتْرُكُ الْمُشْتَرِي دِرْهَمًا قِيلَ هَذَا غَلَطٌ وَتَأْوِيلُهُ أَنْ يَضْمَنَ الْقَصَّارُ أَوَّلًا لِلْمُشْتَرِي ثُمَّ يَدْفَعُ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ لِلْبَائِعِ اهـ. وَفِي الصُّغْرَى ادَّعَى عَيْبًا فِي جَارِيَةٍ فَأَنْكَرَ فَاصْطَلَحَا عَلَى مَالٍ عَلَى أَنْ يُبْرِئَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ عَنْ ذَلِكَ الْعَيْبِ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِهِ هَذَا الْعَيْبُ أَوْ كَانَ بِهَا لَكِنْ بَرِئَتْ وَصَحَّتْ كَانَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُشْتَرِي وَيَأْخُذَ مَا أَدَّى مِنْ الْبَدَلِ وَفِي الْقُنْيَةِ بَاعَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الصُّلْحِ عَنْ الْعَيْبِ ثُمَّ زَالَ الْعَيْبُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي الثَّانِي لَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى مُشْتَرِيهِ بِبَدَلِ الصُّلْحِ إنْ زَالَ بِمُعَالَجَةِ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ وَإِلَّا فَلَا. اهـ. وَفِيهَا اشْتَرَى حِمَارًا وَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا قَدِيمًا فَأَرَادَ الرَّدَّ فَصُولِحَ بَيْنَهُمَا بِدِينَارٍ وَأَخَذَهُ ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا آخَرَ قَدِيمًا فَلَهُ أَنْ يَرُدَّ مَعَ الدِّينَارِ وَقِيلَ يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ اهـ. وَإِلَى هُنَا ظَهَرَ أَنَّ   [منحة الخالق] يَصِحُّ لِأَنَّ الْغَرَضَ إيجَادُ الْبَيْعِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَسْتَحِقُّ فِيهِ سَلَامَةُ الْمَبِيعِ مِنْ الْعَيْبِ. اهـ. وَهُوَ بَعِيدٌ بَلْ ظَاهِرُ قَوْلِهِ عِنْدَ مُتَابَعَةِ مَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ (قَوْلُهُ دَخَلَ الْعَيْبُ دُونَ الدَّرْكِ) لِأَنَّ الْعَيْبَ حَقٌّ لَهُ قِبَلَهُ لِلْحَالِّ وَالدَّرْكُ لَا كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 73 خِيَارَ الْعَيْبِ يَسْقُطُ بِالْعِلْمِ بِهِ وَقْتَ الْبَيْعِ أَوْ وَقْتَ الْقَبْضِ وَالرِّضَا بِهِ بَعْدَهُمَا أَوْ اشْتِرَاطُ الْبَرَاءَةِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ أَوْ الصُّلْحِ عَلَى شَيْءٍ وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ لَوْ اشْتَرَاهُ عَلَى أَنَّ عَيْبَهُ حَادِثٌ فَظَهَرَ أَنَّهُ قَدِيمٌ لَا يَرُدُّهُ أَوْ الْإِقْرَارُ بِأَنْ لَا عَيْبَ بِهِ إذَا عَيَّنَهُ قَالَ فِي الصُّغْرَى إذَا قَالَ الْمُشْتَرِي لَيْسَ بِهِ عَيْبٌ لَا يَكُونُ إقْرَارًا بِانْتِفَاءِ الْعُيُوبِ حَتَّى لَوْ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ وَلَوْ عَيَّنَ فَقَالَ لَيْسَ بِآبِقٍ كَانَ إقْرَارًا بِانْتِفَاءِ الْإِبَاقِ وَكَذَا لَوْ شَهِدُوا أَنَّهُ بَاعَ بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ لَا يَكُونُ إقْرَارًا مِنْ الشُّهُودِ بِالْعَيْبِ حَتَّى لَوْ اشْتَرَاهُ الشَّاهِدُ فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ وَكَذَا لَوْ شَهِدُوا عَلَى أَنَّهُ بَاعَهُ عَلَى أَنَّهُ بَرِيءٌ مِنْ الْإِبَاقِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ الشَّاهِدُ فَوَجَدَهُ آبِقًا فَلَهُ الرَّدُّ وَلَوْ عَلَى أَنَّهُ بَرِيءٌ مِنْ إبَاقِهِ فَلَيْسَ لِلشَّاهِدِ رَدُّهُ بِإِبَاقِهِ اهـ. وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ الْبَائِعَةُ إذَا تَزَوَّجَتْ الْمُشْتَرِي عَلَى أَرْشِ الْعَيْبِ صَحَّ وَكَانَ إقْرَارًا مِنْهَا بِالْعَيْبِ وَكَذَا الْبَائِعُ إذَا اشْتَرَى مِنْهُ أَرْشَ الْعَيْبِ كَانَ إقْرَارًا بِهِ بِخِلَافِ الصُّلْحِ عَنْهُ لَا يَكُونُ إقْرَارًا بِهِ وَأَمَّا ضَمَانُهُ فَفِي الْبَزَّازِيَّةِ اشْتَرَى عَبْدًا وَضَمِنَ لَهُ رَجُلٌ عُيُوبَهُ فَاطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ فَرَدَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ ضَمَانُ الْعُهْدَةِ وَعَلَى قَوْلِ الثَّانِي يَضْمَنُ لِأَنَّهُ ضَمَانُ الْعُيُوبِ وَإِنْ ضَمِنَ السَّرِقَةَ أَوْ الْحُرِّيَّةَ أَوْ الْجُنُونَ أَوْ الْعَمَى فَوَجَدَهُ كَذَلِكَ ضَمِنَ الثَّمَنَ لِلْمُشْتَرِي وَإِنْ مَاتَ عِنْدَهُ قَبْلَ الرَّدِّ قَضَى عَلَى الْبَائِعِ بِالنَّقْصِ وَرَجَعَ بِهِ عَلَى الضَّامِنِ وَلَوْ ضَمِنَ لَهُ بِحِصَّةِ مَا يَجِدُهُ مِنْ الْعُيُوبِ مِنْ الثَّمَنِ فَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَ الْإِمَامِ فَإِنْ رَدَّهُ الْمُشْتَرِي رَجَعَ بِكُلِّ الثَّمَنِ عَلَى الضَّامِنِ وَإِنْ لَمْ يَرُدَّهُ وَقَضَى بِالنَّقْصِ عَلَى الْبَائِعِ رَجَعَ عَلَى الضَّامِنِ كَمَا يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ وَعَنْ الثَّانِي قَالَ رَجُلٌ لِلْمُشْتَرِي ضَمِنْت لَك عَمَاهُ فَكَانَ أَعْمَى فَرَدَّهُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الضَّامِنِ بِشَيْءٍ وَلَوْ قَالَ إنْ كَانَ أَعْمَى فَعَلَى حِصَّةِ الْعَمَى مِنْ الثَّمَنِ فَرَدَّهُ ضَمِنَ حِصَّةَ الْعَمَى وَلَوْ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَقَالَ رَجُلٌ لِلْمُشْتَرِي ضَمِنْت لَك هَذَا الْعَيْبَ فَالضَّمَانُ بَاطِلٌ اهـ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (بَابُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ) أَخَّرَهُ لِكَوْنِهِ عَقْدًا مُخَالِفًا لِلدِّينِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَصَرَّحَ الْوَلْوَالِجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ الْفَصْلِ السَّابِعِ بِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ يَجِبُ رَفْعُهَا وَسَيَأْتِي فِي بَابِ الرِّبَا أَنَّ كُلَّ عَقْدٍ فَاسِدٍ فَهُوَ رِبًا وَالْفَاسِدُ لَهُ مَعْنَيَانِ لُغَوِيٌّ وَاصْطِلَاحِيٌّ فَالْأَوَّلُ فَسَدَ كَنَصَرَ وَعَقَدَ وَكَرَمَ فَسَادًا وَفُسُودًا ضِدُّ صَلَحَ فَهُوَ فَاسِدٌ وَفَسِيدٌ مِنْ فَسَدَى وَلَمْ يُسْمَعْ انْفَسَدَ، وَالْفَسَادُ أَخْذُ الْمَالِ ظُلْمًا، وَالْجَدْبُ وَالْمَفْسَدَةُ ضِدُّ الْمَصْلَحَةِ، وَفَسَّدَهُ تَفْسِيدًا أَفْسَدَهُ، وَتَفَاسَدُوا: قَطَعُوا أَرْحَامَهُمْ، وَاسْتَفْسَدَ ضِدُّ اسْتَصْلَحَ كَذَا فِي الْقَامُوسِ، وَفِي الْمِصْبَاحِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْفَسَادَ إلَى الْحَيَوَانِ أَسْرَعُ مِنْهُ إلَى النَّبَاتِ، وَإِلَى النَّبَاتِ أَسْرَعُ مِنْهُ إلَى الْجَمَادِ لِأَنَّ الرُّطُوبَةَ فِي الْحَيَوَانِ أَكْثَرُ مِنْ الرُّطُوبَةِ فِي النَّبَاتِ، وَقَدْ يَعْرِضُ لِلطَّبِيعَةِ عَارِضٌ فَتَعْجِزُ الْحَرَارَةُ بِسَبَبِهِ عَنْ جَرَيَانِهَا فِي الْمَجَارِي الطَّبِيعِيَّةِ الدَّافِعَةِ لِعَوَارِضِ الْعُفُونَةِ فَتَكُونُ الْعُفُونَةُ بِالْحَيَوَانِ أَشَدَّ تَثَبُّتًا مِنْهَا بِالنَّبَاتِ فَيُسْرِعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ فَهَذِهِ هِيَ الْحِكْمَةُ فِي قَوْلِ الْفُقَهَاءِ يُقَدِّمُ الْقَاضِي مَا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ فَيَبْدَأُ بِبَيْعِ الْحَيَوَانِ، وَيَتَعَدَّى بِالْهَمْزَةِ وَالتَّضْعِيفِ، وَالْمَفْسَدَةُ خِلَافُ الْمَصْلَحَةِ، وَجَمْعُهَا الْمَفَاسِدُ. اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ مَا تَغَيَّرَ وَصْفُهُ، وَيُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ لِمَا فِي الْبِنَايَةِ يُقَالُ: فَسَدَ اللَّحْمُ إذَا نَتَنَ مَعَ بَقَاءِ الِانْتِفَاعِ بِهِ، وَأَمَّا الثَّانِي قَالُوا هُوَ مَا كَانَ مَشْرُوعًا بِأَصْلِهِ لَا بِوَصْفِهِ، وَلَا يَخْفَى مُنَاسَبَتُهُ لِلْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ، وَمُرَادُهُمْ مِنْ مَشْرُوعِيَّةِ أَصْلِهِ كَوْنُهُ مَالًا مُتَقَوِّمًا لَا جَوَازُهُ، وَصِحَّتُهُ فَإِنَّ كَوْنَهُ فَاسِدًا يَمْنَعُ صِحَّتَهُ، وَلَقَدْ تَسَمَّحَ فِي الْبِنَايَةِ حَيْثُ عَرَّفَهُ بِأَنَّهُ مَا لَا يَصِحُّ وَصْفًا فَإِنَّهُ يُفِيدُ أَنَّهُ يَصِحُّ أَصْلًا، وَلَا صِحَّةَ لِلْفَاسِدِ، وَإِنَّمَا أَطْلَقُوا الْمَشْرُوعِيَّةَ عَلَى الْأَصْلِ نَظَرًا إلَى أَنَّهُ لَوْ خَلَا عَنْ الْوَصْفِ لَكَانَ مَشْرُوعًا، وَإِلَّا فَمَعَ اتِّصَافِهِ بِالْوَصْفِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ لَا يَبْقَى مَشْرُوعًا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ أَوْ الْإِقْرَارُ بِأَنْ لَا عَيْبَ بِهِ إلَخْ) عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ بِالْعِلْمِ بِهِ وَقْتَ الْبَيْعِ. [بَابُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ] الجزء: 6 ¦ الصفحة: 74 أَصْلًا، وَالْمُرَادُ بِالْفَاسِدِ هُنَا مَا يَعُمُّ الْبَاطِلَ لِأَنَّهُمْ يَذْكُرُونَ فِي هَذَا الْبَابِ مَا يَعُمُّ الْبَاطِلَ أَيْضًا فَالْمُرَادُ بِهِ مَا لَمْ يَكُنْ مَشْرُوعًا بِوَصْفِهِ أَعَمَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَشْرُوعًا بِأَصْلِهِ أَوْ لَا وَالْبِيَاعَاتِ الْمَنْهِيُّ عَنْهَا ثَلَاثَةٌ فَاسِدٌ، وَبَاطِلٌ، وَمَكْرُوهٌ تَحْرِيمًا فَالْفَاسِدُ بَيَّنَّاهُ، وَأَمَّا الْبَاطِلُ فَلَهُ مَعْنَيَانِ لُغَوِيٌّ، وَاصْطِلَاحِيٌّ فَالْأَوَّلُ يُقَالُ بَطَلَ الشَّيْءُ يَبْطُلُ بُطْلًا وَبُطُولًا وَبُطْلَانًا بِضَمِّ الْأَوَائِلِ فَسَدَ أَوْ سَقَطَ حُكْمُهُ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَالْجَمْعُ بَوَاطِلُ أَوْ أَبَاطِيلُ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ، وَيُقَالُ لِلَّحْمِ إذَا صَارَ بِحَيْثُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ لِلدُّودِ أَوْ لِلسُّوسِ بَطَلَ، وَإِذَا أَنْتَنَ فَسَدَ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَهُوَ مَا لَا يَكُونُ مَشْرُوعًا لَا بِأَصْلِهِ، وَلَا بِوَصْفِهِ. وَحُكْمُهُ عَدَمُ إفَادَةِ الْحُكْمِ، وَهُوَ الْمِلْكُ قَبَضَهُ أَوْ لَا، وَفِيهِ مُنَاسَبَةٌ لِلْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ لِأَنَّهُ بِمَعْنَى مَا سَقَطَ حُكْمُهُ، وَحُكْمُ الْفَاسِدِ مَا لَا يُفِيدُهُ بِمُجَرَّدِهِ بَلْ بِالْقَبْضِ، وَأَمَّا الْمَكْرُوهُ فَهُوَ لُغَةً خِلَافُ الْمَحْبُوبِ، وَاصْطِلَاحًا مَا نُهِيَ عَنْهُ لِمُجَاوِرٍ كَالْبَيْعِ عِنْدَ أَذَانِ الْجُمُعَةِ نُهِيَ عَنْهُ لِلصَّلَاةِ، وَعَرَّفَهُ فِي الْبِنَايَةِ بِمَا كَانَ مَشْرُوعًا بِأَصْلِهِ وَوَصْفِهِ لَكِنْ نُهِيَ عَنْهُ لِمُجَاوِرٍ اهـ. وَيُمْكِنُ إدْخَالُهُ تَحْتَ الْفَاسِدِ أَيْضًا عَلَى إرَادَةِ الْأَعَمِّ، وَهُوَ مَا نُهِيَ عَنْهُ فَيَشْمَلُ الثَّلَاثَةَ، وَالْفَسَادُ بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ يَثْبُتُ بِأَسْبَابٍ مِنْهَا الْجَهَالَةُ الْمُفْضِيَةُ إلَى الْمُنَازَعَةِ فِي الْمَبِيعِ أَوْ الثَّمَنِ، وَمِنْهُ الْعَجْزُ عَنْ التَّسْلِيمِ إلَّا بِضَرَرٍ، وَمِنْهَا الْغَرَرُ، وَمِنْهَا شَرْطٌ خَارِجٌ عَنْ الشَّرْعِ، وَمِنْهَا عَدَمُ الْمَالِيَّةِ أَوْ التَّقَوُّمِ، وَمِنْهَا عَدَمُ الْوُجُودِ، وَمِنْهَا عَدَمُ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ وَأَمَّا الْبَيْعُ الْجَائِزُ الَّذِي لَا نَهْيَ فِيهِ فَثَلَاثَةٌ نَافِذٌ لَازِمٌ، وَنَافِذٌ لَيْسَ بِلَازِمٍ، وَمَوْقُوفٌ فَالْأَوَّلُ مَا كَانَ مَشْرُوعًا بِأَصْلِهِ وَوَصْفِهِ، وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ، وَلَا خِيَارَ فِيهِ، وَالثَّانِي مَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ، وَفِيهِ خِيَارٌ، وَالْمَوْقُوفُ مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ، وَهُوَ إمَّا مِلْكُ الْغَيْرِ أَوْ حَقٌّ بِالْبَيْعِ لِغَيْرِ الْمَالِكِ، وَحَصَرَهُ فِي الْخُلَاصَةِ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ بَيْعُ الْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ الْمَحْجُورَيْنِ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ الْمَوْلَى، وَالْأَبِ أَوْ الْوَصِيِّ، وَبَيْعُ غَيْرِ الرَّشِيدِ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ الْقَاضِي، وَبَيْعُ الْمَرْهُونِ وَالْمُسْتَأْجَرِ، وَمَا فِي مُزَارَعَةِ الْغَيْرِ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ الْمُرْتَهِنِ وَالْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُزَارِعِ، وَبَيْعُ الْبَائِعِ الْمَبِيعَ بَعْدَ الْقَبْضِ مِنْ غَيْرِ الْمُشْتَرِي مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ الْمُشْتَرِي، وَقَبْلَ الْقَبْضِ فِي الْمَنْقُولِ لَا يَنْعَقِدُ أَصْلًا، وَبَيْعُ الْمُرْتَدِّ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَالْبَيْعُ بِرِقِّهِ، وَبِمَا بَاعَ فُلَانٌ، وَالْمُشْتَرِي لَا يَعْلَمُ مَوْقُوفٌ عَلَى الْعِلْمِ فِي الْمَجْلِسِ، وَبَيْعٌ فِيهِ خِيَارُ الْمَجْلِسِ، وَبِمِثْلِ مَا بَيْعِ النَّاسِ، وَبِمِثْلِ مَا أَخَذَ بِهِ فُلَانٌ وَبَيْعُ الْمَالِكِ الْمَغْصُوبَ مَوْقُوفٌ عَلَى إقْرَارِ الْغَاصِبِ أَوْ الْبُرْهَانِ بَعْدَ إنْكَارِهِ، وَبَيْعُ مَالِ الْغَيْرِ. اهـ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُزَادَ الْبَيْعُ الْمَشْرُوطُ فِيهِ الْخِيَارُ أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَإِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ فَإِنْ أَسْقَطَهُ قَبْلَ دُخُولِ الرَّابِعِ جَازَ، وَإِلَّا فَسَدَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِهِ لَا يُقَالُ إنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهُ لِلِاخْتِلَافِ لِأَنَّا نَقُولُ لَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ فَإِنَّ فِي بَيْعِ الْمَرْهُونِ وَالْمُسْتَأْجَرِ خِلَافًا، وَيُسْتَثْنَى مِمَّا فِي مُزَارَعَةِ الْغَيْرِ مَا إذَا بَاعَهَا مَالِكُهَا، وَالْبَذْرُ مِنْ قِبَلِهِ قَبْلَ إلْقَائِهِ فَإِنَّهُ نَافِذٌ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ. السَّابِعَ عَشَرَ: مِنْ الْمَوْقُوفِ الْوَكِيلُ بِشِرَاءِ عَبْدٍ إذَا اشْتَرَى نِصْفَهُ فَإِنَّهُ مَوْقُوفٌ فَإِنْ اشْتَرَى الْبَاقِيَ قَبْلَ الْخُصُومَةِ نَفَذَ عَلَى الْمُوَكِّلِ كَمَا فِي الْمَجْمَعِ وَغَيْرِهِ. الثَّامِنَ عَشَرَ عَلَى قَوْلِهِمَا الْوَكِيلُ بِبَيْعِ الْعَبْدِ إذَا بَاعَ نِصْفَهُ هُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى بَيْعِ الْبَاقِي قَبْلَ الْخُصُومَةِ، وَعِنْدَ الْإِمَامِ نَافِذٌ كَمَا فِي الْمَجْمَعِ. التَّاسِعَ عَشَرَ: بَيْعُ نَصِيبِهِ مِنْ مُشْتَرَكٍ بِالْخَلْطِ وَالْإِخْلَاطِ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ شَرِيكِهِ كَمَا ذَكَرُوهُ فِي الشَّرِكَةِ. الْعِشْرُونَ: بَيْعُ مَا فِي تَسْلِيمِهِ ضَرَرٌ مَوْقُوفٌ عَلَى تَسْلِيمِهِ فِي الْمَجْلِسِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ. الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ: بَيْعُ الْمَرِيضِ عَيْنًا مِنْ أَعْيَانِ مَالِهِ لِبَعْضِ وَرَثَتِهِ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ الْبَاقِي، وَلَوْ كَانَ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ عِنْدَهُ. الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ: بَيْعُ السَّيِّدِ عَبْدَهُ الْمَأْذُونَ الْمَدْيُونَ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ الْغُرَمَاءِ. الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ: بَيْعُ الْوَارِثِ التَّرِكَةَ الْمُسْتَغْرَقَةَ بِالدَّيْنِ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ الْغُرَمَاءِ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ عِنْدَ قَوْلِهِ، وَصَحَّ عِتْقُ   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 75 مُشْتَرٍ مِنْ غَاصِبِهِ بِإِجَازَةِ بَيْعِهِ. الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ: الْوَكِيلُ إذَا وَكَّلَ بِلَا إذْنٍ وَتَعْمِيمٍ فَعَقَدَ الثَّانِي تَوَقَّفَ عَلَى إجَازَةِ الْأَوَّلِ كَمَا فِي الْمَجْمَعِ. الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ: أَحَدُ الْوَكِيلَيْنِ إذَا بَاعَ بِحَضْرَةِ صَاحِبِهِ تَوَقَّفَ عَلَى إجَازَتِهِ فَإِنْ أَجَازَهُ جَازَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ غَائِبًا فَإِنَّهُ لَا يَنْفُذُ بِإِجَازَتِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ فِي الْوَكَالَةِ. السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ بَيْعُ الْمَوْلَى أَكْسَابَ عَبْدِهِ الْمَدْيُونِ بَعْدَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ الْغُرَمَاءِ كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ. السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ: أَحَدُ الْوَصِيَّيْنِ إذَا بَاعَ بِحَضْرَةِ الْآخَرِ. الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ: أَحَدُ النَّاظِرَيْنِ إذَا بَاعَ غَلَّةَ الْوَقْفِ بِحَضْرَةِ الْآخَرِ تَوَقَّفَ فِيهَا عَلَى إجَازَةِ الْآخَرِ أَخْذًا مِنْ الْوَكِيلَيْنِ، وَلَمْ أَرَهُمَا الْآنَ صَرِيحًا. التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ: بَيْعُ الْمَعْتُوهِ كَبَيْعِ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ مَوْقُوفٌ كَمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ، وَالصَّحِيحُ يَشْمَلُ الثَّلَاثَةَ لِأَنَّهُ مَا كَانَ مَشْرُوعًا بِأَصْلِهِ وَوَصْفِهِ، وَالْمَوْقُوفُ كَذَلِكَ، وَالصِّحَّةُ فِي الْمُعَامَلَاتِ تَرَتُّبُ الْآثَارِ، وَفِي الْعِبَادَاتِ سُقُوطُ الْقَضَاءِ كَمَا فِي الْأُصُولِ، وَلِلْمَشَايِخِ طَرِيقَانِ فَمِنْهُمْ مَنْ يُدْخِلُ الْمَوْقُوفَ تَحْتَ الصَّحِيحِ فَهُوَ قِسْمٌ مِنْهُ، وَهُوَ الْحَقُّ لِصِدْقِ التَّعْرِيفِ وَحُكْمِهِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ مَا أَفَادَ الْمِلْكَ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى الْقَبْضِ، وَلَا يَضُرُّ تَوَقُّفُهُ عَلَى الْإِجَازَةِ كَتَوَقُّفِ الْبَيْعِ الَّذِي فِيهِ الْخِيَارُ عَلَى إسْقَاطِهِ، وَلِذَا قَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى الْبَيْعُ نَوْعَانِ صَحِيحٌ وَفَاسِدٌ، وَالصَّحِيحُ نَوْعَانِ لَازِمٌ، وَغَيْرُ لَازِمٍ. اهـ. وَلِذَا لَمْ يَذْكُرْ فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ فِي التَّقْسِيمِ الصَّحِيحَ، وَإِنَّمَا قَالَ الْمَبِيعُ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ نَافِذٌ، وَمَوْقُوفٌ، وَفَاسِدٌ، وَبَاطِلٌ، وَلَا غُبَارَ عَلَى هَذِهِ الْعِبَارَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ قَسِيمًا لِلصَّحِيحِ، وَعَلَيْهِ مَشَى الشَّارِحُ الزَّيْلَعِيُّ فَإِنَّهُ قَسَّمَهُ إلَى صَحِيحٍ، وَبَاطِلٍ، وَفَاسِدٍ، وَمَوْقُوفٍ، وَقَسَّمَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إلَى جَائِزٍ، وَغَيْرِ جَائِزٍ، وَهُوَ ثَلَاثٌ بَاطِلٌ، وَفَاسِدٌ، وَمَوْقُوفٌ فَجَعَلَهُ مِنْ غَيْرِ الْجَائِزِ مُرِيدًا بِالْجَائِزِ النَّافِذَ. وَفِي السَّادِسِ مِنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَنَّ بَيْعَ مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنٍ بِدُونِ تَسْلِيمِهِ لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ، وَلَمْ أَرَ فِيمَا عِنْدِي مِنْ الْكُتُبِ مَنْ سَمَّاهُ فَاسِدًا إلَّا فِي بَيْعِ الْمَرْهُونِ وَالْمُسْتَأْجَرِ فَقَالَ فِي الْبَدَائِعِ مِنْ شَرَائِطِهِ أَنْ لَا يَكُونَ فِي الْمَبِيعِ حَقٌّ لِغَيْرِ الْبَائِعِ فَإِنْ كَانَ لَا يَنْفُذُ كَالْمَرْهُونِ وَالْمُسْتَأْجَرِ، وَاخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُ الْكُتُبِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي بَعْضِهَا أَنَّ الْبَيْعَ فَاسِدٌ، وَفِي بَعْضِهَا أَنَّ الْبَيْعَ مَوْقُوفٌ، وَهُوَ الصَّحِيحُ إلَى آخِرِهِ، وَقَالَ قَبْلَهُ فِي جَوَابِ الشَّافِعِيِّ فِي بَيْعِ الْفُضُولِيِّ إنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ حُكْمَهُ، وَصِحَّةُ التَّصَرُّفِ عِبَارَةٌ عَنْ اعْتِبَارِهِ فِي حَقِّ الْحُكْمِ فَقَالَ قُلْنَا نَعَمْ، وَعِنْدَنَا هَذَا التَّصَرُّفُ يُفِيدُ فِي الْجُمْلَةِ، وَهُوَ ثُبُوتُ الْمِلْكِ مَوْقُوفًا عَلَى الْإِجَازَةِ إمَّا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ أَوْ مِنْ وَجْهٍ لَكِنْ لَا يَظْهَرُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَ الْعَقْدِ، وَإِنَّمَا يَظْهَرُ عِنْدَ الْإِجَازَةِ، وَهُوَ تَفْسِيرُ التَّوَقُّفِ عِنْدَنَا أَنْ يَتَوَقَّفَ فِي الْجَوَابِ فِي الْحَالِ أَنَّهُ صَحِيحٌ فِي حَقِّ الْحُكْمِ أَمْ لَا يُقْطَعُ الْقَوْلُ بِهِ لِلْحَالِ، وَلَكِنْ يُقْطَعُ الْقَوْلُ بِصِحَّتِهِ عِنْدَ الْإِجَازَةِ، وَهَذَا جَائِزٌ كَالْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ أَوْ لِلْمُشْتَرِي. اهـ. وَإِنَّمَا أَكْثَرْنَا مِنْ تَحْرِيرِ هَذَا الْمَبْحَثِ لِأَنِّي قَرَّرْت فِي الْمَدْرَسَةِ الصرغتمشية حِينَ إقْرَاءِ الْهِدَايَةِ أَنَّ بَيْعَ الْفُضُولِيِّ صَحِيحٌ عِنْدَنَا فَأَنْكَرَهُ بَعْضُ الطَّلَبَةِ الَّذِينَ لَا تَحْصِيلَ لَهُمْ، وَادَّعَى فَسَادَهُ، وَهُوَ فَاسِدٌ لِمَا عَلِمْتَهُ، وَسَيَأْتِي لَهُ مَزِيدٌ فِي مَحَلِّهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ لَمْ يَجُزْ بَيْعُ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ) لِانْعِدَامِ الْمَالِيَّةِ الَّتِي هِيَ رُكْنُ الْبَيْعِ فَإِنَّهُمَا لَا يُعَدَّانِ مَالًا عِنْدَ أَحَدٍ، وَهُوَ مِنْ قِسْمِ الْبَاطِلِ وَالْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَمَّا اسْتَعْمَلَ الْفَاسِدَ فِي الْبَابِ لِلْأَعَمِّ عَبَّرَ بِعَدَمِ الْجَوَازِ الشَّامِلِ لِلْبَاطِلِ وَالْفَاسِدِ، وَفِي الْقَامُوسِ الْمَيْتَةُ مَا لَمْ تَلْحَقْهُ ذَكَاةٌ وَبِالْكَسْرِ لِلنَّوْعِ اهـ. فَإِنْ أُرِيدَ بِعَدَمِ الْجَوَازِ عَدَمُهُ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ بَقِيَتْ الْمَيْتَةُ عَلَى إطْلَاقِهَا، وَإِنْ أُرِيدَ الْأَعَمُّ لِلْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ فَيُرَادُ بِهَا مَا مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ أَمَّا الْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ فَغَيْرُ دَاخِلَةٍ لِمَا فِي التَّجْنِيسِ أَهْلُ الْكُفْرِ إذَا بَاعُوا الْمَيْتَةَ فِيمَا بَيْنَهُمْ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَالٍ عِنْدَهُمْ، وَلَوْ بَاعُوا ذَبِيحَتَهُمْ، وَذَبْحُهُمْ أَنْ يَخْنُقُوا الشَّاةَ، وَيَضْرِبُوهَا حَتَّى تَمُوتَ جَازَ لِأَنَّهَا عِنْدَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الذَّبِيحَةِ عِنْدَنَا، وَفِي جَامِعِ الْكَرْخِيِّ يَجُوزُ الْبَيْعُ عِنْدَهُمْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَهُوَ الْحَقُّ) يَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ بَيْعُ الْمُكْرَهِ فَإِنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَتِهِ مَعَ أَنَّهُ فَاسِدٌ فَقَدْ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ فِي الْإِكْرَاهِ أَنَّهُ يَثْبُتُ بِهِ الْمِلْكُ عِنْدَ الْقَبْضِ لِلْفَسَادِ، وَأَمَّا فِي الْمَنَارِ، وَشُرُوحِهِ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ فَاسِدًا لِعَدَمِ الرِّضَا الَّذِي هُوَ شَرْطُ النَّفَاذِ، وَأَنَّهُ بِالْإِجَازَةِ يَصِحُّ، وَيَزُولُ الْفَسَادُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَى الْإِجَازَةِ صِحَّتُهُ لَكِنْ لِيُنْظَرَ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَذْكُورَاتِ هُنَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلَمْ أَرَ فِيمَا عِنْدِي مِنْ الْكُتُبِ مَنْ سَمَّاهُ فَاسِدًا) إنْ كَانَ ضَمِيرُ سَمَّاهُ رَاجِعًا إلَى بَيْعِ مَالِ الْغَيْرِ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ الْعِبَارَةِ لَا يُنَاسِبُهُ الِاسْتِثْنَاءُ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ أَرَادَ بِمَالِ الْغَيْرِ مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 76 لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُمْ يَتَمَوَّلُونَهَا كَالْخَمْرِ وَلِمُحَمَّدٍ أَنَّ أَحْكَامَهُمْ كَأَحْكَامِنَا إلَّا فِي الْخَمْرِ، وَفِي الذَّخِيرَةِ أَرَادَ بِالْمَيْتَةِ مَا مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ أَمَّا الَّتِي مَاتَتْ بِالسَّبَبِ كَالْخَنْقِ، وَالْجُرْحِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الذَّبْحِ فَالْمَبِيعُ فَاسِدٌ لَا بَاطِلٌ، وَكَذَلِكَ ذَبَائِحُ الْمَجُوسِ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ عِنْدَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْخَمْرِ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ فِيمَا لَمْ يَمُتْ حَتْفَ أَنْفِهِ بَلْ بِسَبَبٍ غَيْرِ الذَّكَاةِ رِوَايَتَيْنِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْكَافِرِ، وَفِي رِوَايَةٍ الْجَوَازُ، وَفِي رِوَايَةٍ الْفَسَادُ، وَأَمَّا الْبُطْلَانُ فَلَا، وَأَمَّا فِي حَقِّنَا فَالْكُلُّ سَوَاءٌ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ، وَلَا يَنْعَقِدُ بَيْعُ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَذَبِيحَةِ الْمَجُوسِيِّ وَالْمُرْتَدِّ وَالْمُشْرِكِ، وَمَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا عِنْدَنَا، وَذَبِيحَةِ الْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ، وَكَذَا ذَبِيحَةُ صَيْدِ الْحَرَمِ مُحْرِمًا كَانَ الذَّابِحُ أَوْ حَلَالًا، وَذَبِيحَةُ الْمُحْرِمِ مِنْ الصَّيْدِ فِي الْحِلِّ أَوْ الْحَرَمِ لِأَنَّ الْكُلَّ مَيْتَةٌ، وَلَا يَنْعَقِدُ بَيْعُ صَيْدِ الْمُحْرِمِ سَوَاءٌ كَانَ صَيْدَ الْحَرَمِ أَوْ الْحِلِّ. اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ بَيْعُ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا مِنْ كَافِرٍ لَا يَجُوزُ اهـ. أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَتْ الْمَيْتَةُ مَبِيعًا أَوْ ثَمَنًا، وَالدَّمُ قَالَ فِي الْقَامُوسِ أَصْلُهُ دَمَيٌ تَثْنِيَتُهُ دَمَيَانِ وَدَمَانِ، وَجَمْعُهُ دِمَاءٌ وَدُمِيٌّ، وَقِطْعَتُهُ دَمَةٌ، وَهِيَ لُغَةٌ فِي الدَّمِ، وَقَدْ دَمِيَ كَرَضِيَ دَمًى، وَأَدْمَيْته وَدَمَّيْتُهُ، وَهُوَ دَامِي. اهـ. وَأَرَادَ بِالدَّمِ الدَّمَ الْمَسْفُوحَ أَمَّا بَيْعُ الْكَبِدِ وَالطِّحَالِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ، وَأَرَادَ بِالْمَيْتَةِ مَا سِوَى السَّمَكِ وَالْجَرَادِ، وَأَشَارَ إلَى مَنْعِ مَا لَيْسَ بِمَالٍ كَبَيْعِ الْعَذِرَةِ الْخَالِصَةِ، وَيَجُوزُ بَيْعُ السِّرْقِينِ، وَالْبَعْرِ، وَالِانْتِفَاعُ بِهِ، وَالْوُقُودُ بِهِ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ (قَوْلُهُ وَالْخِنْزِيرِ وَالْخَمْرِ) أَيْ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ لِلنَّهْيِ عَنْ بَيْعِهِمَا وَقُرْبَانِهِمَا، وَصَرَّحَ فِي الْهِدَايَةِ بِالْفَسَادِ فِيهِمَا لِوُجُودِ حَقِيقَةِ الْبَيْعِ، وَهُوَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ فَإِنَّهُ مَالٌ عِنْدَ الْبَعْضِ، وَمُرَادُهُ مَا إذَا كَانَا مَبِيعَيْنِ قُوبِلَا بِعَرْضِ بَيْعِ مُقَايَضَةٍ أَمَّا إذَا قُوبِلَا بِالدَّرَاهِمِ أَوْ الدَّنَانِيرِ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ حَتَّى لَوْ بِيعَ أَحَدُهُمَا بِعَبْدٍ فَقَبَضَهُ الْبَائِعُ، وَأَعْتَقَهُ نَفَذَ عِتْقُهُ. وَلَوْ اسْتَحَقَّهُ مُسْتَحِقٌّ فَالْمُشْتَرِي خَصْمٌ لَهُ بِخِلَافِ بَيْعَةِ الْمَيْتَةِ إذَا أَعْتَقَهُ لَمْ يَنْفُذْ، وَإِذَا اسْتَحَقَّ فَلَيْسَ بِخَصْمٍ كَمَا فِي الْبِنَايَةِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْخَمْرَ مَالٌ فِي الْجُمْلَةِ فِي شَرْعٍ ثُمَّ أَمَرَ بِإِهَانَتِهَا فِي شَرْعٍ آخَرَ بِطَرِيقِ النَّسْخِ، وَفِي تَمْلِيكِهَا بِالْعَقْدِ مَقْصُودًا إعْزَازٌ لَهُ بِخِلَافِ جَعْلِهِ ثَمَنًا، وَاعْتُبِرَ فِي بَيْعِ الْمُقَايَضَةِ الْخَمْرُ ثَمَنًا، وَالْعَرْضُ مَبِيعًا، وَالْعَكْسُ، وَإِنْ كَانَ مُمْكِنًا لَكِنْ تَرَجَّحَ هَذَا الِاعْتِبَارُ لِمَا فِيهِ مِنْ الِاحْتِيَاطِ لِلْقُرْبِ مِنْ تَصْحِيحِ تَصَرُّفِ الْعُقَلَاءِ الْمُكَلَّفِينَ بِطَرِيقِ الْإِعْزَازِ لِلْعَرْضِ فَاعْتَبَرْنَا ذِكْرَهَا لِإِعْزَازِ الثَّوْبِ لَا الثَّوْبِ لِلْخَمْرِ فَوَجَبَتْ قِيمَةُ الْعَرْضِ لَا الْخَمْرِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ دُخُولِ الْبَائِعِ عَلَى الثَّوْبِ أَوْ الْخَمْرِ فِي جَعْلِ الثَّوْبِ هُوَ الْمَبِيعَ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ بَيْعَ نَفْسِ الْخَمْرِ بَاطِلٌ مُطْلَقًا، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِيمَا قَابَلَهُ فَإِنْ دَيْنًا كَانَ بَاطِلًا أَيْضًا، وَإِنْ عَرْضًا كَانَ فَاسِدًا، وَجِلْدُ الْمَيْتَةِ كَالْخَمْرِ فِي رِوَايَةٍ كَالْمَيْتَةِ فِي أُخْرَى، وَفِي الْقَامُوسِ الْخَمْرُ مَا أَسْكَرَ مِنْ عَصِيرِ الْعِنَبِ أَوْ عَامٍّ كَالْخَمْرَةِ، وَقَدْ تُذَكَّرُ، وَالْعُمُومُ أَصَحُّ لِأَنَّهَا حَرُمَتْ، وَمَا بِالْمَدِينَةِ خَمْرُ عِنَبٍ، وَمَا كَانَ شَرَابُهُمْ إلَّا الْبُسْرَ وَالتَّمْرَ. اهـ. قَيَّدَ بِالْخَمْرِ لِأَنَّ بَيْعَ مَا سِوَاهَا مِنْ الْأَشْرِبَةِ الْمُحَرَّمَةِ كَالسَّكَرِ وَنَقِيعِ الزَّبِيبِ وَالْمُنَصَّفِ جَائِزٌ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا كَذَا فِي الْبَدَائِعِ، وَقَيَّدْنَا بِالْمُسْلِمِ لِأَنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ مَا يُمْنَعُونَ مِنْ بَيْعِهَا ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَقَالَ بَعْضُهُمْ يُبَاحُ الِانْتِفَاعُ بِهِمَا لَهُمْ شَرْعًا كَالْخَلِّ وَالشَّاةِ فَكَانَ مَالًا فِي حَقِّهِمْ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُمَا حَرَامَانِ عَلَيْهِمَا لِأَنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِالْحُرُمَاتِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا، وَلَكِنْ لَا يُمْنَعُونَ مِنْ بَيْعِهِمَا لِأَنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ الْحِلَّ وَالتَّمَوُّلَ، وَقَدْ أُمِرْنَا بِتَرْكِهِمْ، وَمَا يَدِينُونَ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ. وَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ إلَى أَنَّ الذِّمِّيَّيْنِ إذَا تَبَايَعَا خَمْرًا أَوْ خِنْزِيرًا ثُمَّ أَسْلَمَا أَوْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنَّ الْبَيْعَ يُفْسَخُ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ وَالْقَبْضَ حَرَامٌ كَالْبَيْعِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْإِسْلَامُ بَعْدَ الْقَبْضِ لِأَنَّ الْمَوْجُودَ الدَّوَامُ، وَهُوَ لَا يُنَافِي. وَلَوْ أُقْرِضَ الذِّمِّيُّ خَمْرًا مِنْ ذِمِّيٍّ ثُمَّ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا فَإِنْ أَسْلَمَ الْمُقْرِضُ سَقَطَتْ الْخَمْرُ لِأَنَّ إسْلَامَهُ مَانِعٌ مِنْ قَبْضِهَا، وَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ قِيمَتِهَا عَلَى الْمُسْتَقْرِضِ لِأَنَّ الْعَجْزَ جَاءَ مِنْ قِبَلِهِ، وَإِنْ أَسْلَمَ الْمُسْتَقْرِضُ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ كَالْأَوَّلِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَلَا يَنْعَقِدُ بَيْعُ صَيْدِ الْمُحْرِمِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ تَقَدَّمَ فِي الْحَجِّ فِي الْكَلَامِ عَلَى جَزَاءِ الصَّيْدِ أَنَّهُ إنْ كَانَ قَدْ اصْطَادَهُ، وَهُوَ حَلَالٌ ثُمَّ أَحْرَمَ فَبَاعَهُ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يَضْمَنُ لَهُ قِيمَتَهُ، وَهُوَ يَقْتَضِي فَسَادَ الْبَيْعِ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي النَّهْرِ فَعُلِمَ أَنَّ بَيْعَ صَيْدِ الْحَلَالِ لِلْمُحْرِمِ فَاسِدٌ سَوَاءٌ بَاعَهُ، وَهُوَ مُحْرِمٌ أَوْ حَلَالٌ، وَإِذَا أَتْلَفَهُ الْمُحْرِمُ ضَمِنَ قِيمَتَهُ لِصَاحِبِهِ، وَمِثْلَهُ لِلَّهِ تَعَالَى جَزَاءُ الصَّيْدِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ بَيْعُ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا مِنْ كَافِرٍ لَا يَجُوزُ) قَالَ فِي النَّهْرِ مَتْرُوكُ التَّسْمِيَةِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 77 وَفِي أُخْرَى، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ تَجِبُ قِيمَتُهَا كَذَا فِي الْبَدَائِعِ، وَقَيَّدَ بِالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ لِأَنَّ بَيْعَ آلَاتِ اللَّهْوِ كَالْبَرْبَطِ وَالطَّبْلِ وَالْمِزْمَارِ وَالدُّفِّ صَحِيحٌ مَكْرُوهٌ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَقَالَا لَا يَنْعَقِدُ بَيْعُهَا، وَالصَّحِيحُ قَوْلُهُ لِلِانْتِفَاعِ بِهَا شَرْعًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، وَعَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ بَيْعُ النَّرْدِ وَالشِّطْرَنْجِ، وَعَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ الضَّمَانُ عَلَى مَنْ أَتْلَفَهَا فَعِنْدَهُ يَضْمَنُ، وَعِنْدَهُمَا لَا كَذَا فِي الْبَدَائِعِ، وَلَكِنَّ الْفَتْوَى فِي الضَّمَانِ عَلَى قَوْلِهِمَا كَمَا سَيَأْتِي فِي الْغَصْبِ، وَمَحَلُّهُ مَا إذَا كَسَرَهَا غَيْرُ الْقَاضِي، وَالْمُحْتَسِبِ أَمَّا هُمَا فَلَا ضَمَانَ اتِّفَاقًا، وَقَدْ ذَكَرَ فِي أَوَّلِ سِيَرِ الْيَتِيمَةِ الْفَرْقَ بَيْنَ الْمُتَقَوِّمِ وَالْمَعْصُومِ اهـ. (قَوْلُهُ وَالْحُرِّ وَالْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبِ) أَيْ بَيْعُ هَؤُلَاءِ غَيْرُ جَائِزٍ أَيْ غَيْرُ مُنْعَقِدٍ أَمَّا فِي الْحُرِّ فَلِعَدَمِ الْمَالِيَّةِ، وَأَمَّا الْمُدَبَّرُ، وَأُمُّ الْوَلَدِ فَقَدْ صَرَّحَ فِي الْهِدَايَةِ بِبُطْلَانِ بَيْعِهِمَا قَالَ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْعِتْقِ قَدْ ثَبَتَ لِأُمِّ الْوَلَدِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا» ، وَسَبَبُ الْحُرِّيَّةِ انْعَقَدَ فِي حَقِّ الْمُدَبَّرِ فِي الْحَالِ لِبُطْلَانِ الْأَهْلِيَّةِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْمُكَاتَبُ اسْتَحَقَّ الْعِتْقَ يَدًا عَلَى نَفْسِهِ لَازِمَةً فِي حَقِّ الْمَوْلَى، وَلَوْ ثَبَتَ الْمِلْكُ بِالْبَيْعِ لَبَطَلَ ذَلِكَ كُلُّهُ فَلَا يَجُوزُ، وَلَوْ رَضِيَ الْمُكَاتَبُ بِالْبَيْعِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ، وَالْأَظْهَرُ الْجَوَازُ، وَالْمُرَادُ بِالْمُدَبَّرِ الْمُطْلَقُ دُونَ الْمُقَيَّدِ أَيْ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ. اهـ. وَلَوْ بِيعَ الْمُكَاتَبُ بِغَيْرِ رِضَاهُ فَأَجَازَ بَيْعَهُ لَا يَنْفُذُ فِي الصَّحِيحِ مِنْ الرِّوَايَةِ، وَعَلَيْهِ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ الْبَيْعَ فِيهِمْ لَوْ كَانَ بَاطِلًا لَسَرَى الْبُطْلَانُ إلَى الْمَضْمُومِ إلَى وَاحِدٍ، وَسَيَأْتِي أَنَّهُ لَوْ جَمَعَ بَيْنَ قِنٍّ وَمُدَبَّرٍ أَوْ أُمِّ وَلَدٍ، وَبَاعَهُمَا فِي صَفْقَةٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ الْقِنُّ، وَلَوْ كَانُوا كَالْحُرِّ لَمْ يَجُزْ فِيمَا ضَمَّ أُجِيبُ أَنَّهُ مَخْصُوصٌ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ أَفْرَادِ الْبَاطِلِ لِضَعْفِهِ لَا يَسْرِي حُكْمُهُ إلَى مَا ضُمَّ إلَيْهِ، وَفِي بَعْضِ عِبَارَاتِ الْمَشَايِخِ أَنَّ بَيْعَهُمْ فَاسِدٌ بِدَلِيلِ صِحَّةِ الْمَضْمُومِ، وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فَاسِدًا لَمَلَكُوا بِالْقَبْضِ، وَلَمْ يَمْلِكُوا بِهِ اتِّفَاقًا، وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ مَخْصُوصٌ فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ الْفَاسِدِ الَّذِي لَا يَمْلِكُ بِهِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَ بِهِ، وَعَلَى عَدَمِ الْبُطْلَانِ فِي الْمَضْمُومِ إلَيْهِمْ فَبَقِيَ أَنَّ بَيْعَهُمْ بَاطِلٌ أَوْ فَاسِدٌ، وَلَا بُدَّ مِنْ التَّخْصِيصِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا، وَتَخْصِيصُ كَلَامِ الْهِدَايَةِ أَوْلَى، وَفَائِدَةُ الْقَوْلَيْنِ فِيمَا قَابَلَهُمْ فَبَاطِلٌ عَلَى مَا فِي الْهِدَايَةِ فَلَا يَمْلِكُ بِالْقَبْضِ، وَفَاسِدٌ عَلَى قَوْلِ الْقُدُورِيِّ وَالْإِيضَاحِ فَيَمْلِكُ بِهِ هَذَا مَا أَفَادَهُ كَلَامُ الشَّارِحِينَ فِي هَذَا الْمَحَلِّ، وَفِي إيضَاحِ الْإِصْلَاحِ أَنَّ بَيْعَ الثَّلَاثَةِ بَاطِلٌ مَوْقُوفٌ يَنْقَلِبُ جَائِزًا بِالرِّضَا فِي الْمُكَاتَبِ، وَبِالْقَضَاءِ فِي الْأَخِيرِينَ لِقِيَامِ الْمَالِيَّةِ. اهـ. وَهُوَ ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الْمُكَاتَبِ مِنْ الرِّضَا قَبْلَ الْبَيْعِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَنَفَاذُ الْقَضَاءِ بِبَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ ضَعِيفٌ فَفِي قَضَاءِ الْبَزَّازِيَّةِ الْأَظْهَرُ عَدَمُ النَّفَاذِ، وَصَحَّحَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ النَّفَاذَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي وَبَيْعُ مُعْتَقِ الْبَعْضِ كَالْحُرِّ وَوَلَدِ الْمُدَبَّرِ كَهُوَ، وَكَذَا وَلَدُ أُمِّ الْوَلَدِ، وَالْمُكَاتَبُ كَهُمَا لِدُخُولِ الْوَلَدِ فِي الْكِتَابَةِ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ (قَوْلُهُ فَلَوْ هَكَذَا عِنْدَ الْمُشْتَرِي لَمْ يَضْمَنْ) لِبُطْلَانِ الْبَيْعِ فَكَانَ أَمَانَةً لِكَوْنِهِ مَقْبُوضًا بِإِذْنِ صَاحِبِهِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ، وَاخْتَارَهَا أَحْمَدُ الطَّوَاوِيسِيُّ، وَاخْتَارَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ، وَغَيْرُهُ الضَّمَانَ بِالْمِثْلِ أَوْ بِالْقِيمَةِ، وَقِيلَ الْأَوَّلُ قَوْلُهُ وَالثَّانِي قَوْلُهُمَا كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِي الْقُنْيَةِ، وَفِي السِّيَرِ أَنَّهُ يَضْمَنُ لِكَوْنِهِ قَبَضَهُ لِنَفْسِهِ فَشَابَهَ الْغَصْبَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ اهـ. وَذَكَرَ فِي أَوَّلِ سِيَرِ الْيَتِيمَةِ مَسْأَلَةَ بَيْعِ الْحَرْبِيِّ بَنِيهِ أَوْ أَبَاهُ هَلْ هُوَ بَاطِلٌ أَوْ فَاسِدٌ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ جَمِيعَ مَا تَقَدَّمَ، وَلَكِنْ إذَا مَاتَ الْمُدَبَّرُ، وَأُمُّ الْوَلَدِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فِيهِ اخْتِلَافٌ فَقَالَ الْإِمَامُ لَا ضَمَانَ، وَقَالَا عَلَيْهِ قِيمَتُهُمَا، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْهُ لِأَنَّهُ مَقْبُوضٌ بِجِهَةِ الْبَيْعِ فَيَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمُدَبَّرَ، وَأُمَّ الْوَلَدِ يَدْخُلَانِ فِي الْبَيْعِ حَتَّى يَمْلِكَ مَا يَضُمُّ إلَيْهِمَا فِي الْبَيْعِ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ فَإِنَّهُ فِي يَدِ نَفْسِهِ فَلَا يَتَحَقَّقُ فِي حَقِّهِ الْمَقْبُوضُ، وَهُوَ الضَّمَانُ بِهِ، وَلَهُ أَنَّ جِهَةَ الْبَيْعِ إنَّمَا تَلْحَقُ بِحَقِيقَتِهِ فِي مَحَلٍّ يَقْبَلُ الْحَقِيقَةَ، وَهُمَا لَا يَقْبَلَانِ حَقِيقَةَ الْبَيْعِ فَصَارَا كَالْمُكَاتَبِ، وَلَيْسَ دُخُولُهُمَا   [منحة الخالق] عَامِدًا كَاَلَّذِي مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ حَتَّى يَسْرِيَ الْفَسَادُ إلَى مَا ضُمَّ إلَيْهِ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَسْرِيَ لِأَنَّهُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ كَالْمُدَبَّرِ فَيَنْعَقِدُ فِيهِ الْبَيْعُ بِالْقَضَاءِ، وَأَجَابَ فِي الْكَافِي بِأَنَّ حُرْمَتَهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا فَلَا يُعْتَبَرُ خِلَافُهُ، وَلَا يَنْعَقِدُ بِالْقَضَاءِ، وَمِنْ هُنَا قَالَ الْبَزَّازِيُّ بَيْعُ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ عَامِدًا مِنْ كَافِرٍ لَا يَجُوزُ، وَفِيهِ كَلَامٌ سَيَأْتِي فِي الْقَضَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 78 فِي الْبَيْعِ فِي حَقِّ أَنْفُسِهِمَا، وَإِنَّمَا ذَلِكَ لِيَثْبُتَ حُكْمُ الْبَيْعِ فِيمَا يُضَمُّ إلَيْهِمَا فَصَارَ كَمَالِ الْمُشْتَرِي لَا يَدْخُلُ فِي حُكْمِ عَقْدِهِ بِانْفِرَادِهِ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ حُكْمُ الدُّخُولِ فِيمَا ضَمَّهُ إلَيْهِ كَذَا هَذَا كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ إنْ هَلَكَ الْمُكَاتَبُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي اتِّفَاقًا، وَإِلَيْهِ يُشِيرُ كَلَامُ الْعِنَايَةِ، وَفِي الْمِعْرَاجِ أَنَّ الرِّوَايَةَ عَنْهُ كَقَوْلِهِمَا إنَّمَا هِيَ فِي الْمُدَبَّرِ، وَأَمَّا أُمُّ الْوَلَدِ فَغَيْرُ مَضْمُونَةٍ عِنْدَهُ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ، وَفِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ، وَمَشَايِخُنَا صَحَّحُوا هَذِهِ الرِّوَايَةَ. وَقَدَّمْنَا فِي الْعَتَاقِ أَنَّ قِيمَةَ الْمُدَبَّرِ نِصْفُ قِيمَتِهِ لَوْ كَانَ قِنًّا، وَبِهِ يُفْتَى، وَأَنَّ قِيمَةَ أُمِّ الْوَلَدِ ثُلُثُ قِيمَتِهَا قِنَّةً فَإِذَا اُحْتِيجَ إلَى تَقْوِيمِهِمَا بِاعْتِبَارِ الْمَضْمُومِ إلَيْهِمَا فَالْأَمْرُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ هُنَا أَنَّ قِيمَةَ الْمُدَبَّرِ ثُلُثَا قِيمَتِهِ قِنًّا عَلَى الْأَصَحِّ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْإِفْتَاءِ بِالنِّصْفِ مَنْقُولٌ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى، وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْبِنَايَةِ وَفَتْحِ الْقَدِيرِ هُنَا اعْلَمْ أَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ تُخَالِفُ الْمُدَبَّرَ فِي ثَلَاثَةَ عَشَرَ حُكْمًا لَا تَضْمَنُ بِالْغَصْبِ، وَلَا بِالْإِعْتَاقِ وَلَا بِالْبَيْعِ، وَلَا تَسْعَى لِغَرِيمٍ، وَتَعْتِقُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ، وَإِذَا اسْتَوْلَدَ أُمَّ وَلَدٍ مُشْتَرَكَةً لَمْ يَتَمَلَّكْ نَصِيبَ شَرِيكِهِ، وَقِيمَتُهَا الثُّلُثُ، وَلَا يَنْفُذُ الْقَضَاءُ بِجَوَازِ بَيْعِهَا، وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ بِمَوْتِ السَّيِّدِ أَوْ إعْتَاقِهِ، وَيَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا بِلَا دَعْوَةٍ، وَلَا يَصِحُّ تَدْبِيرُهَا، وَيَصِحُّ اسْتِيلَادُ الْمُدَبَّرَةِ، وَلَا يَمْلِكُ الْحَرْبِيُّ بَيْعَ أُمِّ وَلَدِهِ، وَيَمْلِكُ بَيْعَ مُدَبَّرِهِ، وَصَحَّ اسْتِيلَادُ جَارِيَةِ وَلَدِهِ، وَلَا يَصِحُّ تَدْبِيرُهَا كَذَا فِي التَّلْقِيحِ. (قَوْلُهُ وَالسَّمَكِ قَبْلَ الصَّيْدِ) أَيْ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ لِكَوْنِهِ بَاعَ مَا لَا يَمْلِكُهُ فَيَكُونُ بَاطِلًا أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ فِي حَظِيرَةٍ إذَا كَانَ لَا يُؤْخَذُ إلَّا بِصَيْدٍ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مَقْدُورِ التَّسْلِيمِ فَيَكُونُ فَاسِدًا، وَمَعْنَاهُ إذَا أَخَذَهُ ثُمَّ أَلْقَاهُ فِيهَا، وَلَوْ كَانَ يُؤْخَذُ بِغَيْرِ حِيلَةٍ جَازَ إلَّا إذَا اجْتَمَعَتْ فِيهَا بِأَنْفُسِهَا، وَلَمْ يَسُدَّ عَلَيْهَا الْمَدْخَلَ لِعَدَمِ الْمِلْكِ، وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ مَرْفُوعًا «لَا تَشْتَرُوا السَّمَكَ فِي الْمَاءِ فَإِنَّهُ غَرُورٌ» . وَالْحَاصِلُ أَنَّ عَدَمَ جَوَازِهِ قَبْلَ أَخْذِهِ لِعَدَمِ مِلْكِهِ لَهُ فَإِنْ أَخَذَهُ ثُمَّ أَلْقَاهُ فِي حَظِيرَةٍ كَبِيرَةٍ فَعَدَمُ جَوَازِهِ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مَقْدُورِ التَّسْلِيمِ فَإِنْ سَلَّمَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَكَالرِّوَايَتَيْنِ فِي بَيْعِ الْآبِقِ إذَا سَلَّمَهُ، وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً جَازَ، وَلَهُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ بَعْدَ التَّسْلِيمِ، وَلَا اعْتِبَارَ بِرُؤْيَتِهِ فِي الْمَاءِ، وَإِذَا دَخَلَ السَّمَكُ الْحَظِيرَةَ بِاحْتِيَالِهِ مَلَكَهُ، وَكَانَ لَهُ بَيْعُهُ عَلَى التَّفْصِيلِ، وَقِيلَ لَا مُطْلَقًا لِعَدَمِ الْإِحْرَازِ، وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا لَمْ يُهَيِّئْهَا لَهُ فَإِنْ هَيَّأَهَا لَهُ مَلَكَهُ إجْمَاعًا فَإِنْ اجْتَمَعَ بِغَيْرِ صُنْعِهِ لَمْ يَمْلِكْهُ سَوَاءٌ أَمْكَنَهُ أَخْذُهُ مِنْ غَيْرِ حِيلَةٍ أَوْ لَا، وَفِي الْقَامُوسِ الْحَظِيرَةُ جَرِينُ التَّمْرِ، وَالْمُحِيطُ بِالشَّيْءِ خَشَبًا، وَقَصَبًا. اهـ. وَفَسَّرَهَا فِي الْبِنَايَةِ بِالْحَوْضِ وَالْبِرْكَةِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا بَاعَهُ فِي نَهْرٍ أَوْ بَحْرٍ أَوْ أَجَمَةٍ، وَقَدْ صَرَّحَ الْإِمَامُ أَبُو يُوسُفَ فِي كِتَابِ الْخَرَاجِ بِمَنْعِهِ إذَا كَانَ فِي الْآجَامِ، وَإِنَّهُ إذَا كَانَ يُؤْخَذُ بِالْيَدِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُصَادَ فَلَا بَأْسَ بِبَيْعِهِ. اهـ. ، وَالْأَجَمَةُ الشَّجَرُ الْمُلْتَفُّ، وَالْجَمْعُ أَجَمٌ مِثْلُ قَصَبَةٍ، وَقَصَبٌ، وَالْآجَامُ جَمْعُ الْجَمْعِ كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فَرْعٌ مِنْ مَسَائِلِ التَّهْيِئَةِ حَفَرَ حَفِيرَةً فَوَقَعَ فِيهَا صَيْدٌ فَإِنْ كَانَ اتَّخَذَهَا لِلصَّيْدِ مَلَكَهُ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَخْذُهُ، وَإِنْ لَمْ يَتَّخِذْهَا لَهُ فَهُوَ لِمَنْ أَخَذَهُ نَصْبُ الشَّبَكَةِ فَتَعَلَّقَ بِهَا صَيْدٌ مَلَكَهُ فَإِنْ كَانَ نَصَبَهَا لِيُجَفِّفَهَا مِنْ بَلَلٍ فَتَعَلَّقَ بِهَا لَا يَمْلِكُهُ، وَهُوَ لِمَنْ يَأْخُذُهُ إلَّا أَنْ يَأْخُذَهُ فَيَجُوزُ، وَمِثْلُهُ إذَا هَيَّأَ حُجْرَةً لِوُقُوعِ النِّثَارِ فِيهِ مَلَكَ مَا يَقَعُ فِيهِ، وَلَوْ وَقَعَ فِي حِجْرِهِ، وَلَمْ يَكُنْ هَيَّأَهُ لِذَلِكَ فَلِوَاحِدٍ أَنْ يَسْبِقَ، وَيَأْخُذَهُ مَا لَمْ يَكْفِ حِجْرَهُ عَلَيْهِ. وَكَذَا مَنْ هَيَّأَ مَكَانًا لِلسِّرْقِينِ إلَى آخِرِهِ، وَسَيَأْتِي فِي بَابِ مُتَفَرِّقَاتِ الْبُيُوعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَقَدْ سُئِلْتُ حِينَ تَأْلِيفِ كِتَابِ الْبُيُوعِ مِنْ هَذَا الشَّرْحِ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَسِتِّينَ وَتِسْعِمِائَةٍ عَنْ الْبُحَيْرَةِ بِنَاحِيَةِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ فَصَارَ كَمَالِ الْمُشْتَرِي) قَالَ فِي الْفَتْحِ فَصَارَ كَمَالِ الْمُشْتَرِي لَا يَدْخُلُ فِي حُكْمِ عَقْدِهِ بِانْفِرَادِهِ، وَيَدْخُلُ إذَا ضَمَّ الْبَائِعُ إلَيْهِ مَالَ نَفْسِهِ، وَبَاعَهُمَا لَهُ صَفْقَةً وَاحِدَةً حَيْثُ يَجُوزُ الْبَيْعُ فِي الْمَضْمُونِ بِالْحِصَّةِ مِنْ الثَّمَنِ الْمُسَمَّى عَلَى الْأَصَحِّ، وَإِنْ كَانَ قَدْ قِيلَ لَا يَصِحُّ أَصْلًا فِي شَيْءٍ اهـ. قُلْتُ: فَلْتَحْفَظْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فَإِنَّهَا تَقَعُ كَثِيرًا فِي نَحْوِ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ رَجُلَيْنِ مَثَلًا كَدَابَّةٍ أَوْ دَارٍ فَإِنَّ أَحَدَهُمَا يَبِيعُ الْكُلَّ لِشَرِيكِهِ بِصَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ، وَقَدْ بَحَثْتُ عَنْهَا كَثِيرًا حَتَّى وَجَدْتهَا هُنَا. (قَوْلُهُ جَرِينُ التَّمْرِ) أَجْرَنَ التَّمْرَ جَمَعَهُ فِيهِ، وَالْجُرْنُ بِالضَّمِّ حَجَرٌ مَنْقُورٌ يُتَوَضَّأُ مِنْهُ، وَاجْتَرَنَ اتَّخَذَ جَرِينًا قَامُوسٌ (قَوْلُهُ وَقَدْ سُئِلْتُ حِينَ تَأْلِيفِ كِتَابِ الْبُيُوعِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَاعْلَمْ أَنَّ فِي مِصْرَ بِرَكًا صَغِيرَةً كَبِرْكَةِ الْفَهَّادَةِ تُجَمَّعُ فِيهَا الْأَسْمَاكُ هَلْ تَجُوزُ إجَارَتُهَا لِصَيْدِ السَّمَكِ مِنْهَا نَقَلَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْإِيضَاحِ عَدَمَ جَوَازِهَا، وَنَقَلَ أَوَّلًا عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي كِتَابِ الْخَرَاجِ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ قَالَ كَتَبْتُ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ إلَخْ، وَمَا فِي الْإِيضَاحِ بِالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ أَلْيَقُ اهـ. قَالَ الرَّمْلِيُّ أَقُولُ: وَاَلَّذِي عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ عَدَمُ جَوَازِ الْبَيْعِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ فِي بَحْرٍ أَوْ نَهْرٍ أَوْ أَجَمَةٍ، وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِي أَرْضِ بَيْتِ الْمَالِ أَوْ أَرْضِ الْوَقْفِ، وَمَا تَقَدَّمَ عَنْ كِتَابِ الْخَرَاجِ لِأَبِي يُوسُفَ غَيْرُ بَعِيدٍ أَيْضًا عَنْ الْقَوَاعِدِ، وَمَرْجِعُهُ إلَى إجَازَةِ مَوْضِعٍ مَخْصُوصٍ لِمَنْفَعَةٍ مَعْلُومَةٍ هِيَ الِاصْطِيَادُ، وَمَا حَدَّثَ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادٍ مُشْكِلٌ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 79 كَوْمِ الشَّمْسِ الْجَارِيَةِ فِي وَقْفِ الْحَالِيِّ الْيُوسُفِيِّ أَيَجُوزُ إجَارَتُهَا مِنْ النَّاظِرِ لِمَنْ يَصْطَادُ السَّمَكَ مِنَّا فَفَتَّشْتُ مَا عِنْدِي مِنْ الْكُتُبِ فَلَمْ أَرَهَا إلَّا فِي كِتَابِ الْخَرَاجِ لِأَبِي يُوسُفَ قَالَ وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ قَالَ كَتَبْتُ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي بُحَيْرَةٍ يَجْتَمِعُ فِيهَا السَّمَكُ بِأَرْضِ الْعِرَاقِ أَنْ يُؤَاجِرَهَا فَكَتَبَ أَنْ افْعَلُوا قَالَ وَحَدَّثَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادٍ قَالَ طَلَبْتُ إلَى عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَكَتَبَ إلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَسْأَلُهُ عَنْ بَيْعِ صَيْدِ الْآجَامِ فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ، وَسَمَّاهُ الْحَبْسَ اهـ. فَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ السَّمَكِ فِي الْآجَامِ إلَّا إذَا كَانَ فِي أَرْضِ بَيْتِ الْمَالِ، وَيَلْحَقُ بِهِ أَرْضُ الْوَقْفِ لَكِنْ بَعْدَ مُدَّةٍ رَأَيْتُ فِي الْإِيضَاحِ عَدَمَ جَوَازِ إجَارَتِهِ. (قَوْلُهُ وَالطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ) أَيْ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ قَبْلَ الْأَخْذِ فَيَكُونُ بَاطِلًا، وَكَذَا لَوْ بَاعَهُ بَعْدَ مَا أَرْسَلَهُ مِنْ يَدِهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْدُورِ التَّسْلِيمِ فَيَكُونُ فَاسِدًا، وَلَوْ أَسْلَمَهُ بَعْدَهُ لَا يَعُودُ إلَى الْجَوَازِ عِنْدَ مَشَايِخِ بَلْخٍ، وَعَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ يَعُودُ، وَكَذَا عَنْ الطَّحَاوِيِّ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا جَعَلَ الطَّيْرَ مَبِيعًا أَوْ ثَمَنًا، وَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ مِنْ عَادَتِهِ أَنَّهُ يَذْهَبُ، وَيَجِيءُ، وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ، وَإِنْ بَاعَ طَيْرًا لَهُ يَطِيرُ إنْ كَانَ دَاجِنًا يَعُودُ إلَى بَيْتِهِ، وَيَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ بِلَا تَكَلُّفٍ جَازَ بَيْعُهُ، وَإِلَّا فَلَا، وَقَوْلُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ، وَالْحَمَامُ إذَا عَلِمَ عَوْدَهَا، وَأَمْكَنَ تَسْلِيمُهَا جَازَ بَيْعُهَا لِأَنَّهَا مَقْدُورَةُ التَّسْلِيمِ يُوَافِقُهُ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي الذَّخِيرَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمُنْتَقَى، وَفِي الْمِعْرَاجِ بَاعَ فَرَسًا فِي حَظِيرَةٍ فَقَالَ الْبَائِعُ سَلَّمْتَهُ إلَيْك فَفَتَحَ الْمُشْتَرِي فَذَهَبَ الْفَرَسُ فَإِنْ أَمْكَنَهُ أَخْذُهُ بِيَدِهِ مِنْ غَيْرِ عَوْنٍ كَانَ تَسْلِيمًا، وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّهُ لَوْ مَدَّ يَدَهُ لَا يُمْكِنُهُ الْأَخْذُ. اهـ. وَفِي الْقَامُوسِ الطَّيْرُ جَمْعُ طَائِرٍ، وَقَدْ يَقَعُ عَلَى الْوَاحِدِ، وَالْجَمْعُ طُيُورٌ وَأَطْيَارٌ، وَالطَّيَرَانُ مُحَرَّكَةٌ حَرَكَةُ ذِي الْجَنَاحِ فِي الْهَوَاءِ بِجَنَاحِهِ اهـ. وَالْأَكْثَرُ فِيهَا التَّأْنِيثُ، وَقَدْ تُذَكَّرُ كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ، وَالْهَوَاءُ مَمْدُودًا الْمُسَخَّرُ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَالْجَمْعُ أَهْوِيَةٌ، وَالْهَوَاءُ أَيْضًا الشَّيْءُ الْخَالِي، وَالْهَوَى مَقْصُورًا مَيْلُ النَّفْسِ وَانْحِرَافُهَا نَحْوَ الشَّيْءِ ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ فِي مَيْلٍ مَذْمُومٍ يُقَالُ اتَّبَعَ هَوَاهُ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ. (قَوْلُهُ وَالْحَمْلِ وَالنِّتَاجِ) أَيْ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُمَا، وَالْحَمْلُ بِسُكُونِ الْمِيمِ الْجَنِينُ، وَالنِّتَاجُ حَمْلُ الْحَبَلَةِ، وَالْبَيْعُ فِيهِمَا بَاطِلٌ لِنَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الْحَبَلِ وَحَبَلِ الْحَبَلَةِ، وَلِمَا فِيهِ مِنْ الْغَرَرِ، وَفِي مُصَنَّفِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نَهْيٌ عَنْ الْمَضَامِينِ وَالْمَلَاقِيحِ وَحَبَلِ الْحَبَلَةِ الْمَضَامِينُ جَمْعُ مَضْمُونَةٍ مَا فِي أَصْلَابِ الْإِبِلِ، وَالْمَلَاقِيحُ جَمْعُ مَلْقُوحٍ مَا فِي بُطُونِهَا، وَقِيلَ بِالْعَكْسِ، وَحَبَلُ الْحَبَلَةِ وَلَدُ وَلَدِ النَّاقَةِ، وَفِي الْبِنَايَةِ الْحَبَلُ بِفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ يُطْلَقُ، وَيُرَادُ بِهِ الْمَصْدَرُ، وَيُرَادُ بِهِ الِاسْمُ كَمَا يُقَالُ لَهُ الْحَمْلُ أَيْضًا، وَأَمَّا دُخُولُ تَاءِ التَّأْنِيثِ فِي الْحَبَلَةِ فَإِنَّمَا هِيَ لِلْإِشْعَارِ بِالْأُنُوثَةِ، وَقِيلَ إنَّهُمَا لِلْمُبَالَغَةِ كَمَا فِي سُخْرَةٍ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ جَمْعَ حَابِلَةٍ فَفِي الْمُحْكَمِ امْرَأَةٌ حَابِلَةٌ مِنْ نِسْوَةٍ حَبَلَةٍ، وَرَوَى بَعْضُ الْفُقَهَاءِ حَمِلَتْ بِكَسْرِ الْمِيمِ، وَلَمْ يَثْبُتْ. اهـ. وَفِي تَلْخِيصِ النِّهَايَةِ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالْبَاءِ، وَقَدْ تُسَكَّنُ نِتَاجُ النِّتَاجِ، وَهُوَ يَعُمُّ الدَّوَابَّ وَالنَّاسَ، وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْحَمْلِ وَحْدَهُ دُونَ الْأُمِّ، وَلَا الْأُمِّ دُونَهُ فَلَوْ بَاعَ الْحَمْلَ، وَوَلَدَتْ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ وَسَلَّمَ لَا يَجُوزُ، وَكَذَا لَا تَجُوزُ هِبَتُهُ، وَإِنْ سَلَّمَ إلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ مَعَ الْأُمِّ، وَلَا يَجُوزُ كِتَابَتُهُ، وَلَوْ قَبِلَتْ الْأُمُّ عَنْهُ، وَلَا الْكِتَابَةُ عَلَيْهِ، وَلَوْ تَزَوَّجَ عَلَيْهِ فَالتَّسْمِيَةُ بَاطِلَةٌ، وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ. وَلَوْ صَالَحَ مَنْ قِصَاصٌ عَلَيْهِ فَالصُّلْحُ صَحِيحٌ، وَيَسْقُطُ الْقِصَاصُ، وَالتَّسْمِيَةُ فَاسِدَةٌ، وَيَكُونُ لِلْمَوْلَى عَلَى الْقَاتِلِ الدِّيَةُ، وَإِنْ أَعْتَقَ الْحَمْلَ إنْ جَاءَتْ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ عَتَقَ، وَإِنْ كَانَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا لَا، وَتَجُوزُ الْوَصِيَّةُ بِهِ إذَا وَلَدَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ   [منحة الخالق] فَإِنَّهُ بَيْعُ السَّمَكِ قَبْلَ الصَّيْدِ، وَيُجَابُ بِأَنَّهُ فِي آجَامٍ هُيِّئَتْ لِذَلِكَ، وَكَانَ السَّمَكُ فِيهَا مَقْدُورَ التَّسْلِيمِ فَتَأَمَّلْ وَاعْتَنِ بِهَذَا التَّحْرِيرِ فَإِنَّ الْمَسْأَلَةَ كَثِيرَةُ الْوُقُوعِ فَيَكْثُرُ السُّؤَالُ عَنْهَا. (قَوْلُهُ وَهُوَ الظَّاهِرُ) أَيْ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ، وَعَزَاهُ إلَى الْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ إنْ كَانَ دَاجِنًا) قَالَ الرَّمْلِيُّ الدَّاجِنُ الْمُرَبَّى فِي الْبَيْتِ (قَوْلُهُ جَازَ بَيْعُهَا) قَالَ فِي الْفَتْحِ لِأَنَّ الْمَعْلُومَ عَادَةً كَالْوَاقِعِ، وَتَجْوِيزُ كَوْنِهَا لَا تَعُودُ أَوْ عُرُوضُ عَدَمِ عَوْدِهَا لَا يَمْنَعُ جَوَازَ الْبَيْعِ كَتَجْوِيزِ هَلَاكِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ ثُمَّ إذَا عَرَضَ الْهَلَاكُ انْفَسَخَ كَذَا هُنَا إذَا فُرِضَ وُقُوعُ عَدَمِ الْمُعْتَادِ مِنْ عَوْدِهَا قَبْلَ الْقَبْضِ انْفَسَخَ اهـ. قَالَ فِي النَّهْرِ، وَأَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الْبَيْعِ الْقُدْرَةَ عَلَى التَّسْلِيمِ عَقِبَهُ، وَلِذَا لَمْ يَجُزْ بَيْعُ الْآبِقِ. اهـ. وَتَعَقَّبَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ بِأَنَّ مَا ادَّعَاهُ مِنْ اشْتِرَاطِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ عَقِبَهُ إنْ أَرَادَ بِهِ الْقُدْرَةَ حَقِيقَةً فَهُوَ مَمْنُوعٌ، وَإِلَّا لَا يُشْتَرَطُ حُضُورُ الْمَبِيعِ مَجْلِسَ الْعَقْدِ، وَلَا يَقُولُ بِهِ أَحَدٌ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ الْقُدْرَةَ حُكْمًا كَمَا ذَكَرَهُ بَعْدَ هَذَا فَمَا نَحْنُ فِيهِ كَذَلِكَ لِحُكْمِ الْعَادَةِ بِعَوْدِهِ. اهـ. قُلْتُ:، وَهُوَ وَجِيهٌ فِي نَظَرِ الْعَبْدِ الْمُرْسَلِ فِي حَاجَةِ الْمَوْلَى فَإِنَّهُ يَجُوزُ، وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّهُ مَقْدُورُ التَّسْلِيمِ وَقْتَ الْعَقْدِ حُكْمًا إذْ الظَّاهِرُ عَوْدُهُ، وَلَوْ أَبَقَ بَعْدَ الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ خُيِّرَ الْمُشْتَرِي فِي فَسْخِ الْعَقْدِ كَمَا سَيَأْتِي. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 80 أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْوَصِيَّةِ، وَلَوْ خَالَعَهَا عَلَى مَا فِي بَطْنِ جَارِيَتِهَا أَوْ مَا فِي بَطْنِ بَهِيمَتِهَا جَازَ، وَلِلزَّوْجِ الْوَلَدُ إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ لَا سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهَا، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إنْ قَالَتْ اخْلَعْنِي عَلَى مَا فِي بَطْنِ جَارِيَتِي مِنْ وَلَدٍ رَجَعَ عَلَيْهَا بِالْمَهْرِ، وَإِنْ لَمْ تَقُلْ مِنْ وَلَدٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا، وَلَوْ بَاعَ شَاةً عَلَى أَنَّهَا حَامِلَةٌ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ الْحَمْلَ مَجْهُولٌ، وَلَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً عَلَى أَنَّهَا حَامِلَةٌ إنْ قَصَدَ بِهِ التَّبَرِّي مِنْ الْعَيْبِ جَازَ، وَإِنْ قَالَهُ عَلَى وَجْهِ الشَّرْطِ لَمْ يَجُزْ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِعَدَمِ الْجَوَازِ فِي الْوَجْهَيْنِ إذَا شَرَطَ أَنَّهَا حَامِلٌ بِجَارِيَةٍ أَوْ بِغُلَامٍ أَوْ بِجَدْيٍ أَوْ بِعَنَاقٍ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يُفَسِّرْ الْحَمْلَ جَازَ. اهـ. وَقَدْ كَتَبْنَا فِي الْفَوَائِدِ الْفِقْهِيَّةِ مَا لَا يَجُوزُ إفْرَادُهُ لِلْحَمْلِ، وَمَا يَجُوزُ دُونَ أَمَةٍ فَلْيُرَاجَعْ. (قَوْلُهُ وَاللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ) أَيْ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ لِلْغَرَرِ فَعَسَاهُ انْتِفَاخٌ، وَلِأَنَّهُ يُنَازَعُ فِي كَيْفِيَّةِ الْحَلْبِ، وَرُبَّمَا يَزْدَادُ فَيَخْتَلِطُ الْمَبِيعُ بِغَيْرِهِ، وَفِي الْمِصْبَاحِ الضَّرْعُ لِذَاتِ الظِّلْفِ كَالثَّدْيِ لِلْمَرْأَةِ، وَالْجَمْعُ ضُرُوعٌ مِثْلُ فَلْسٍ وَفُلُوسٍ (قَوْلُهُ وَاللُّؤْلُؤِ فِي الصَّدَفِ) لِلْغَرَرِ، وَهُوَ مَجْهُولٌ لَا يُعْلَمُ وُجُودُهُ، وَلَا قَدْرُهُ، وَلَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ إلَّا بِضَرَرٍ، وَهُوَ كَسْرُ الصَّدَفِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ الْجَوَازُ لِأَنَّ الصَّدَفَ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ إلَّا بِالْكَسْرِ فَلَا يُعَدُّ ضَرَرًا قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُ لَوْ بَاعَ تُرَابَ الذَّهَبِ وَالْحُبُوبَ فِي غِلَافِهَا جَازَ لِكَوْنِهَا مَعْلُومَةً، وَتُعْلَمُ بِالْقَبْضِ، وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ لَوْ اشْتَرَى دَجَاجَةً فَوَجَدَ فِي بَطْنِهَا لُؤْلُؤَةً فَهِيَ لِلْبَائِعِ، وَلَوْ بَاعَ كَرِشَ شَاةٍ مَذْبُوحَةٍ لَمْ تُسْلَخْ جَازَ، وَإِخْرَاجُهُ عَلَى الْبَائِعِ، وَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إذَا رَآهُ، وَاللُّؤْلُؤُ الدُّرُّ وَاحِدُهُ بِهَاءٍ كَذَا فِي الْقَامُوسِ، وَالصَّدَفُ مُحَرَّكَةٌ غِشَاءُ الدُّرِّ الْوَاحِدُ بِهَاءٍ، وَالْجَمْعُ أَصْدَافٌ مِنْهُ أَيْضًا. (قَوْلُهُ وَالصُّوفِ عَلَى ظَهْرِ الْغَنَمِ) لِأَنَّهُ مِنْ أَوْصَافِ الْحَيَوَانِ، وَلِأَنَّهُ يَنْبُتُ مِنْ أَسْفَلَ فَيَخْتَلِطُ الْمَبِيعُ بِغَيْرِهِ بِخِلَافِ الْقَوَائِمِ لِأَنَّهَا تُزَادُ مِنْ أَعْلَى، وَبِخِلَافِ الْقَصِيلِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ قَلْعُهُ، وَالْقَطْعُ فِي الصُّوفِ مُتَعَيَّنٌ فَيَقَعُ التَّنَازُعُ فِي مَوْضِعِ الْقَطْعِ، وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «نَهَى عَنْ بَيْعِ الصُّوفِ عَلَى ظَهْرِ الْغَنَمِ، وَعَنْ اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ، وَسَمْنٍ فِي لَبَنٍ» ، وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى أَبِي يُوسُفَ فِي تَجْوِيزِ بَيْعِ الصُّوفِ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَصَحَّحَ الْإِمَامُ الْفَضْلِيُّ عَدَمَ جَوَازِ بَيْعِ قَوَائِمِ الْخِلَافِ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ يَنْمُو مِنْ أَعْلَاهُ فَمَوْضِعُ الْقَطْعِ مَجْهُولٌ فَهُوَ كَمَنْ اشْتَرَى شَجَرَةً عَلَى أَنْ يَقْطَعَهَا الْمُشْتَرِي لَا يَجُوزُ لِجَهَالَةِ مَوْضِعِ الْقَطْعِ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ مَنْعِ بَيْعِ الشَّجَرِ لَيْسَ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ بَلْ هِيَ خِلَافِيَّةٌ مِنْهُمْ مَنْ مَنَعَهَا إذْ لَا بُدَّ فِي الْقَطْعِ مِنْ حَفْرِ الْأَرْضِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَجَازَهُ لِلتَّعَامُلِ بِخِلَافِ الْقَصِيلِ لِأَنَّهُ يُقْلَعُ فَلَا تَنَازُعَ فَجَازَ بَيْعُهُ قَائِمًا فِي الْأَرْضِ، وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ كُلَّ مَا بِيعَ فِي غِلَافِهِ فَلَا يَجُوزُ كَاللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ وَاللَّحْمِ فِي الشَّاةِ الْحَيَّةِ أَوْ شَحْمِهَا أَوْ أَلْيَتِهَا أَوْ أَكَارِعِهَا وَجُلُودِهَا أَوْ دَقِيقٍ فِي هَذِهِ الْخَلْطَةِ أَوْ سَمْنٍ فِي هَذَا اللَّبَنِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهَا إلَّا بِإِفْسَادِ الْخِلْقَةِ وَالْحُبُوبِ فِي قِشْرِهَا مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ ذَلِكَ لِمَا أَسْلَفْنَاهُ، وَكَذَا بَيْعُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فِي تُرَابِهِمَا بِخِلَافِ جِنْسِهِمَا كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ لَوْ سَلَّمَ الصُّوفَ وَاللَّبَنَ بَعْدَ الْعَقْدِ لَمْ يَجُزْ أَيْضًا، وَلَا يَنْقَلِبُ صَحِيحًا. اهـ. وَفِي الْبِنَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الصُّغْرَى، وَبَيْعُ الْكُرَّاثِ يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ يَنْمُو مِنْ أَسْفَلِهِ اهـ. وَالْخِلَافُ وِزَانُ كِتَابٍ شَجَرُ الصَّفْصَافِ الْوَاحِدَةُ خِلَافَةٌ، وَنَصُّوا عَلَى تَخْفِيفِ اللَّامِ، وَزَادَ الصَّاغَانِيُّ: وَتَشْدِيدُهَا مِنْ لَحْنِ الْعَوَامّ، قَالَ الدِّينَوَرِيُّ: زَعَمُوا أَنَّهُ سُمِّيَ خِلَافًا لِأَنَّ الْمَاءَ أَتَى بِهِ سَبَبًا فَنَبَتَ مُخَالِفًا لِأَصْلِهِ، وَيُحْكَى أَنَّ بَعْضَ الْمُلُوكِ مَرَّ بِحَائِطٍ فَرَأَى شَجَرَةَ الْخِلَافِ فَقَالَ لِوَزِيرِهِ مَا هَذَا الشَّجَرُ فَكَرِهَ الْوَزِيرُ أَنْ يَقُولَ شَجَرُ الْخِلَافِ لِنُفُورِ النَّفْسِ عَنْ لَفْظِهِ فَسَمَّاهُ بِاسْمِ ضِدِّهِ فَقَالَ شَجَرُ الْوِفَاقِ فَأَعْظَمَهُ الْمَلِكُ لِنَبَاهَتِهِ، وَلَا يَكَادُ يُوجَدُ فِي الْبَادِيَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْجِذْعِ فِي السَّقْفِ وَذِرَاعٍ مِنْ ثَوْبٍ) لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ تَسْلِيمُهُ إلَّا بِضَرَرٍ أَطْلَقَهُ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى ثَوْبٍ يَضُرُّهُ الْقَطْعُ كَالْعِمَامَةِ وَالْقَمِيصِ أَمَّا مَا لَا يَضُرُّهُ الْقَطْعُ كَالْكِرْبَاسِ فَيَجُوزُ، وَقَوْلُ الطَّحَاوِيِّ فِي آجُرٍّ مِنْ حَائِطٍ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْقَوَائِمِ) أَيْ قَوَائِمِ الْخِلَافِ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ وَمِنْهُمْ مَنْ أَجَازَهُ لِلتَّعَامُلِ) قَدَّمَ فِي فَصْلِ مَا يَدْخُلُ تَبَعًا عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ اشْتَرَى أَشْجَارًا لِلْقَطْعِ، وَلَمْ يَقْطَعْ حَتَّى جَاءَ الصَّيْفُ إنْ أَضَرَّ الْقَطْعُ بِالْأَرْضِ وَأُصُولِ الشَّجَرِ يُعْطِي الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي قِيمَةَ شَجَرٍ قَائِمٍ جَبْرًا، وَقَالَ الصَّدْرُ قِيمَةَ مَقْطُوعٍ، وَإِنْ لَمْ يَضُرَّ بِوَاحِدٍ قَطَعَ، وَإِنْ اشْتَرَى الشَّجَرَ مُطْلَقًا لَهُ الْقَطْعُ مِنْ الْأَصْلِ. اهـ. وَقَدَّمْنَا عَنْ الْخَانِيَّةِ مَا يَنْبَغِي مُرَاجَعَتُهُ، وَسَيَذْكُرُ الْمُؤَلِّفُ فِي الْقَوْلَةِ الثَّانِيَةِ عَنْ الْمِعْرَاجِ إطْلَاقَ الْجَوَازِ فِي بَيْعِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 81 أَوْ ذِرَاعٍ مِنْ كِرْبَاسٍ أَوْ دِيبَاجٍ لَا يَجُوزُ مَمْنُوعٌ فِي الْكِرْبَاسِ أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى كِرْبَاسٍ يَتَعَيَّبُ بِهِ أَمَّا مَا لَا يَتَعَيَّبُ فِيهِ فَيَجُوزُ كَمَا يَجُوزُ بَيْعُ قَفِيزٍ مِنْ صُبْرَةٍ. وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى عَدَمِ جَوَازِ بَيْعِ حِلْيَةٍ مِنْ سَيْفٍ أَوْ نِصْفِ زَرْعٍ لَمْ يُدْرِكْ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ إلَّا بِقَطْعِ جَمِيعِهِ. وَكَذَا بَيْعُ فَصِّ خَاتَمٍ مُرَكَّبٍ فِيهِ، وَكَذَا نَصِيبُهُ مِنْ ثَوْبٍ مُشْتَرَكٍ مِنْ غَيْرِ شَرِيكِهِ، وَذِرَاعٌ مِنْ خَشَبَةٍ لِلضَّرَرِ فِي تَسْلِيمِ ذَلِكَ، وَلَا اعْتِبَارَ بِمَا الْتَزَمَهُ مِنْ الضَّرَرِ لِأَنَّهُ إنَّمَا الْتَزَمَ الْعَقْدَ، وَلَا ضَرَرَ فِيهِ، وَيَرُدُّ عَلَيْهِ بَيْعُ الْحِبَابِ الَّتِي لَا تَخْرُجُ إلَّا بِقَلْعِ الْأَبْوَابِ عَلَى قَوْلِ مَنْ أَجَازَ، وَالْبَعْضُ قَدْ مَنَعَهُ، وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْمُتَعَيَّبَ الْجُدْرَانُ دُونَ الْحُبَابِ، وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْمَنْظُورَ إلَيْهِ فِي الْمَنْعِ تَعَيُّبُ الْمَبِيعِ، وَالْكَلَامُ السَّابِقُ يُفِيدُ أَنَّهُ تَعَيُّبُ غَيْرِ الْمَبِيعِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فَلَوْ قَطَعَ الْبَائِعُ الذِّرَاعَ أَوْ قَلَعَ الْجِذْعَ قَبْلَ فَسْخِ الْمُشْتَرِي عَادَ صَحِيحًا لِزَوَالِ الْمُفْسِدِ، وَذَكَرَ فِي الْمُجْتَبَى فِيهِ أَقْوَالًا فَقِيلَ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى الْقَبُولِ إلَّا أَنْ يَقْبَلَ بِرِضَاهُ، وَقِيلَ لَمْ يَجُزْ إلَّا بِتَجْدِيدِ الْبَيْعِ، وَقِيلَ يَنْعَقِدُ تَعَاطِيًا عِنْدَ أَخْذِهِ، وَقِيلَ يَنْعَقِدُ مِنْ الْأَصْلِ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ النَّوَى فِي التَّمْرِ أَوْ الْبِزْرَ فِي الْبِطِّيخِ حَيْثُ لَا يَصِحُّ وَإِنْ شَقَّهُمَا، وَأَخْرَجَ الْمَبِيعَ لِأَنَّ فِي وُجُودِهِمَا احْتِمَالًا أَمَّا الْجِذْعُ فَعَيْنٌ مَوْجُودَةٌ، وَبِخِلَافِ الصُّوفِ فَإِنَّهُ لَا يَنْقَلِبُ صَحِيحًا بِالتَّسْلِيمِ، وَقَيَّدَ بِذِرَاعٍ مِنْ ثَوْبٍ لِأَنَّهُ لَوْ بَاعَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ مِنْ نُقْرَةِ فِضَّةٍ جَازَ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِي تَبْعِيضِهِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُعَيَّنًا لَا يَجُوزُ لِمَا ذَكَرْنَا، وَلِلْجَهَالَةِ أَيْضًا كَمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَخَرَجَ أَيْضًا مَا لَا ضَرَرَ فِي تَسْلِيمِهِ كَبَيْعِ نَخْلٍ أَوْ شَجَرٍ عَلَى أَنْ يَقْطَعَهُ الْمُشْتَرِي أَوْ زَرْعًا عَلَى أَنْ يَحْصُدَهُ. كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ، وَأَطْلَقَهُ أَيْضًا فَشَمِلَ مَا إذَا بَاعَ ذِرَاعًا، وَعَيَّنَ الْجَانِبَ فَلَا يَجُوزُ أَيْضًا كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ، وَفِي الْمُجْتَبَى، وَفِي جَوَازِ بَيْعِ التِّبْنِ قَبْلَ أَنْ يُدَاسَ، وَالْأُرْزِ الْأَبْيَضِ قَبْلَ الدَّقِّ، وَالْحِنْطَةِ قَبْلَ الدَّرْسِ، وَحَبِّ الْقُطْنِ فِي قُطْنٍ بِعَيْنِهِ، وَنَوَى تَمْرٍ فِي تَمْرٍ بِعَيْنِهِ فِيهِ رِوَايَتَانِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَضَرْبَةِ الْقَانِصِ) أَيْ لَمْ يَجُزْ بَيْعُ مَا يَخْرُجُ مِنْ ضَرْبَةِ الْقَانِصِ، وَهُوَ بِالْقَافِ وَالنُّونِ الصَّائِدُ يَقُولُ بِعْتُكَ مَا يَخْرُجُ مِنْ إلْقَاءِ هَذِهِ الشَّبَكَةِ مَرَّةً بِكَذَا، وَقِيلَ بِالْغَيْنِ وَالْيَاءِ الْغَائِصُ قَالَ فِي تَهْذِيبِ الْأَزْهَرِيِّ نُهِيَ عَنْ ضَرْبَةِ الْغَائِصِ، وَهُوَ الْغَوَّاصُ تَقُولُ أَغُوصُ غَوْصَةً فَمَا أَخْرَجْتُهُ مِنْ اللَّآلِئِ فَهُوَ لَكَ بِكَذَا، وَهُوَ بَيْعٌ بَاطِلٌ لِعَدَمِ مِلْكِ الْبَائِعِ الْمَبِيعَ قَبْلَ الْعَقْدِ فَكَانَ غَرَرًا، وَلِجَهَالَةِ مَا يَخْرُجُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَصَحَّحَ فِي الْبِنَايَةِ رِوَايَةَ الْغَائِصِ بِالْغَيْنِ، وَذَكَرَ أَنَّ الْقَانِصَ مِنْ قَنَصَ يَقْنِصُ قَنْصًا إذَا صَادَ مِنْ بَابِ ضَرَبَ يَضْرِبُ يَعْنِي أَنَّ الْغَائِصَ كَمَا فِي الصِّحَاحِ لَهُ اسْتِعْمَالَانِ بِمَعْنَى النَّازِلِ تَحْتَ الْمَاءِ، وَبِمَعْنَى الْهَاجِمِ عَلَى الشَّيْءِ، وَفِي الصِّحَاحِ أَنَّ الْقَنْصَ بِالتَّحْرِيكِ الصَّيْدُ، وَبِالتَّسْكِينِ مَصْدَرُ قَنَصَهُ صَادَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْقَامُوسِ سِوَى اقْتَنَصَهُ اصْطَادَهُ كَتَنْقِيصِهِ ذَكَرَهُ فِي الصَّادِ مَعَ الْقَافِ، وَذَكَرَ مَعَ الْغَيْنِ الْغَوْصَ وَالْمَغَاصَ وَالْغِيَاصَةَ وَالْغِيَاصُ الدُّخُولُ تَحْتَ الْمَاءِ، وَالْمَغَاصُ مَوْضِعُهُ وَأَعْلَى السَّاقِ، وَغَاصَ عَلَى الْأَمْرِ عَلِمَهُ، وَالْغَوَّاصُ مَنْ يَغُوصُ فِي الْبَحْرِ عَلَى اللُّؤْلُؤِ. اهـ. وَفِي الْمِصْبَاحِ غَاصَ مِنْ بَابِ قَالَ فَهُوَ غَائِصٌ، وَالْجَمْعُ غَاصَّةٌ مِثْلُ قَائِفٍ وَقَافَةٍ، وَغَوَّاصٌ مُبَالَغَةٌ. (قَوْلُهُ وَالْمُزَابَنَةِ) هُوَ بِالْجَرِّ فِي الْكُلِّ عَطْفًا عَلَى الْمَيْتَةِ أَيْ لَمْ يَجُزْ بَيْعُ الْمُزَابَنَةِ «لِنَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الْمُزَابَنَةِ، وَالْمُحَاقَلَةِ» أَمَّا الْمُزَابَنَةُ فَقَالَ فِي الْفَائِقِ بَيْعُ الثَّمَرِ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ بِالتَّمْرِ لِأَنَّهَا تُؤَدِّي إلَى النِّزَاعِ، وَالْمُدَافَعَةُ مِنْ الزَّبْنِ، وَهُوَ الدَّفْعُ، وَالْمُحَاقَلَةُ مِنْ الْحَقْلِ، وَهُوَ الْقَرَاحُ مِنْ الْأَرْضِ، وَهِيَ الطَّيِّبَةُ التُّرْبَةِ الْخَالِصَةُ مِنْ شَائِبَةِ السَّبَخِ الصَّالِحَةُ لِلزَّرْعِ، وَمِنْهُ حَقَلَ يَحْقِلُ إذَا زَرَعَ، وَالْمُحَاقَلَةُ مُفَاعَلَةٌ مِنْ ذَلِكَ، وَهِيَ الْمُزَارَعَةُ بِالثُّلُثِ أَوْ الرُّبْعِ وَغَيْرِهِمَا، وَقِيلَ هِيَ اكْتِرَاءُ الْأَرْضِ بِالْبُرِّ، وَقِيلَ بَيْعُ الطَّعَامِ فِي سُنْبُلِهِ بِالْبُرِّ، وَقِيلَ بَيْعُ الزَّرْعِ قَبْلَ إدْرَاكِهِ، وَفِي رِوَايَةٍ، «وَرَخَّصَ فِي الْعَرَايَا» قَالَ الْعَرِيَّةُ النَّخْلَةُ الَّتِي يُعَرِّيهَا الرَّجُلُ مُحْتَاجًا أَيْ يَجْعَلُ لَهُ ثَمَرَتَهَا فَرَخَّصَ لِلْمُعْرِي أَنْ يَبْتَاعَ ثَمَرَتَهَا مِنْ الْمُعَرَّى بِتَمْرٍ لِمَوْضِعِ حَاجَتِهِ سُمِّيَتْ عَرِيَّةً لِأَنَّهُ إذَا وَهَبَ   [منحة الخالق] النَّخْلِ، وَالشَّجَرِ عَلَى أَنْ يَقْطَعَهُ الْمُشْتَرِي، وَقَالَ فِي النَّهْرِ، وَفِي الصُّغْرَى الْقِيَاسُ فِي بَيْعِ الْقَوَائِمِ أَنْ لَا يَجُوزَ، وَلَكِنْ جَازَ لِلتَّعَامُلِ وَبَيْعِ الْكُرَّاثِ، وَإِنْ كَانَ يَنْمُو مِنْ أَسْفَلِهِ يَجُوزُ لِلتَّعَامُلِ أَيْضًا، وَبِهِ يَحْصُلُ الْجَوَابُ عَمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ الْفَضْلِيُّ عَلَى الْمَنْعِ فِي الْقَوَائِمِ (قَوْلُهُ وَفِي الْمُجْتَبَى وَفِي جَوَازِ بَيْعِ التِّبْنِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ، وَجَزَمَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي بَيْعِ حَبِّ الْقُطْنِ بِالْجَوَازِ، وَالْأَوْجَهُ فِي بَيْعِ نَوَى التَّمْرِ، وَلَوْ تَمْرًا بِعَيْنِهِ الْفَسَادُ. (قَوْلُهُ إنْ يَبْتَاعَ ثَمَرَتَهَا مِنْ الْمَعَرِّيِّ بِتَمْرٍ) الْأَوَّلُ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ، وَالْمُرَادُ بِهِ الرُّطَبُ، وَالثَّانِي بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 82 ثَمَرَتَهَا فَكَأَنَّهُ جَرَّدَهَا مِنْ الثَّمَرَةِ وَعَرَّاهَا مِنْهَا ثُمَّ اُشْتُقَّ مِنْهَا الْإِعْرَاءُ اهـ. وَاقْتَصَرَ فِي الْهِدَايَةِ فِي تَفْسِيرِ الْمُحَاقَلَةِ عَلَى الْقَوْلِ الثَّالِثِ، وَجَوَّزَ الشَّافِعِيُّ بَيْعَ الْمُزَابَنَةِ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ لِنَهْيِهِ عَنْ الْمُزَابَنَةِ، وَرَخَّصَ فِي الْعَرَايَا، وَهِيَ أَنْ يُبَاعَ بِخُرْصِهَا تَمْرًا فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ، وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ الْعَرِيَّةَ الْعَطِيَّةُ لُغَةً، وَتَأْوِيلُهُ أَنْ يَبِيعَ الْمُعْرِي لَهُ مَا عَلَى النَّخِيلِ مِنْ الْمُعَرَّى بِتَمْرٍ مَجْذُوذٍ، وَهُوَ بَيْعٌ مُجَازٌ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ فَيَكُونُ بُرًّا مُبْتَدَأً كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَأَصْحَابُنَا خَرَجُوا عَنْ الظَّاهِرِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ الْأَوَّلُ إطْلَاقُ الْبَيْعِ عَلَى الْهِبَةِ. الثَّانِي قَوْلُهُ رَخَّصَ يُخَالِفُ مَا قَرَّرُوهُ، وَجَوَابُهُ أَنَّهُ رُخْصَةٌ فِي الْوَفَاءِ بِالْوَعْدِ، وَالْعَزِيمَةُ أَنْ يَفِيَ بِالْمَوْعُودِ فَأَعْطَى غَيْرَهُ مَعَ كَوْنِهِ لَيْسَ بِإِخْلَافٍ لِلْوَعْدِ رُخْصَةً. الثَّالِثُ التَّقْيِيدُ بِمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ فَائِدَةً، وَعَلَى مَذْهَبِنَا لَا فَائِدَةَ لَهُ، وَجَوَابُهُ لِأَنَّ الْوَاقِعَةَ فِي الْقَلِيلِ، وَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ ادَّعَى أَنَّ التَّرْخِيصَ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا مَنْسُوخٌ بِالنَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْعَرَايَا، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ تَعَارَضَ الْمُحَرَّمُ وَالْمُبِيحُ فَقُدِّمَ الْمُحَرَّمُ، وَهُوَ مَرْدُودٌ بِأَنَّ الرُّخْصَةَ مُتَّصِلَةٌ بِالنَّهْيِ فَلَا يَصِحُّ الْقَوْلُ بِنَسْخِ التَّرْخِيصِ لِلِاتِّصَالِ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ «نَهَى عَنْ بَيْعِ الْمُزَابَنَةِ ثُمَّ رَخَّصَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا» فَبَطَلَ الْقَوْلُ بِالنَّسْخِ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. وَالْخُرْصُ الْحِرْزُ، وَكَذَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْعِنَبِ بِالزَّبِيبِ، وَمَعْنَى النَّهْيِ أَنَّهُ مَالُ الرِّبَا فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِجِنْسِهِ مَعَ الْجَهْلِ كَمَا لَوْ كَانَا مَوْضُوعَيْنِ عَلَى الْأَرْضِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ تَعْرِيفَ الْمُزَابَنَةِ بِأَنَّهَا بَيْعُ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ خِلَافُ التَّحْقِيقِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ بَيْعُ الرُّطَبِ بِتَمْرٍ إلَى آخِرِهِ لِأَنَّ الثَّمَرَ بِالْمُثَلَّثَةِ حَمْلُ الشَّجَرِ رُطَبًا أَوْ غَيْرَهُ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ رُطَبًا جَازَ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ، وَلَوْ كَانَ الرُّطَبُ عَلَى الْأَرْضِ كَالتَّمْرِ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ مُتَسَاوِيًا عِنْدَ الْعُلَمَاءِ إلَّا أَبَا حَنِيفَةَ لِمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ الرِّبَا. (قَوْلُهُ وَالْمُلَامَسَةِ وَإِلْقَاءِ الْحَجَرِ) ، وَمِثْلُهَا الْمُنَابَذَةُ، وَهَذِهِ بُيُوعٌ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَنُهِيَ عَنْهَا، وَهُوَ أَنْ يَتَرَاوَضَ الرَّجُلَانِ عَلَى سِلْعَةٍ أَيْ يَتَسَاوَمَا فَإِذَا لَمَسَهَا الْمُشْتَرِي أَوْ نَبَذَهَا إلَيْهِ الْبَائِعُ أَوْ وَضَعَ الْمُشْتَرِي عَلَيْهَا حَصَاةً لَزِمَ الْبَيْعُ رَضِيَ الْبَائِعُ أَوْ لَمْ يَرْضَ، وَالْأَوَّلُ بَيْعُ الْمُلَامَسَةِ، وَالثَّانِي بَيْعُ الْمُنَابَذَةِ، وَالثَّالِثُ إلْقَاءُ الْحَجَرِ، وَلِأَنَّ فِيهِ تَعْلِيقًا بِالْحَظْرِ، وَلَا بُدَّ فِي هَذِهِ الْبُيُوعِ أَنْ يَسْبِقَ الْكَلَامُ مِنْهُمَا عَلَى الثَّمَنِ (قَوْلُهُ وَثَوْبٍ مِنْ ثَوْبَيْنِ) لِجَهَالَةِ الْمَبِيعِ، وَتَقَدَّمَ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ أَنَّهُ إذَا جَعَلَ لِلْمُشْتَرِي خِيَارَ التَّعْيِينِ جَازَ فِيمَا دُونَ الثَّلَاثَةِ فَلِذَا أَطْلَقَهُ هُنَا، وَفِي الْمِعْرَاجِ، وَكَذَا عَبْدٌ مِنْ عَبْدَيْنِ لَا يَجُوزُ، وَلَا خِلَافَ فِيهِ لِأَحَدٍ حَتَّى لَوْ قَبَضَهُمَا، وَمَاتَا مَعًا يَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِأَنَّ أَحَدَهُمَا مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ لِأَنَّهُ مَقْبُوضٌ بِحُكْمِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، وَالْآخَرَ أَمَانَةٌ، وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ فَشَاعَتْ الْأَمَانَةُ وَالضَّمَانُ، وَلِهَذَا لَوْ كَانَ الْبَيْعُ صَحِيحًا بِأَنْ كَانَ فِيهِ خِيَارُ الْمُشْتَرِي يَضْمَنُ نِصْفَ ثَمَنِ كُلِّ وَاحِدٍ، وَالْفَاسِدُ مُعْتَبَرٌ بِالصَّحِيحِ، وَالْقِيمَةُ هُنَا كَالثَّمَنِ ثَمَّةَ، وَلَوْ مَاتَا مُرَتَّبَيْنِ ضَمِنَ قِيمَةَ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ مَضْمُونًا لِتَعَذُّرِ الرَّدِّ فِيهِ. وَلَوْ حَرَّرَهُمَا مَعًا عَتَقَ أَحَدُهُمَا لِأَنَّهُ مَلَكَ أَحَدَهُمَا بِالْقَبْضِ، وَإِنْ حَرَّرَ أَحَدَهُمَا لَمْ يَصِحَّ أَيْ لَوْ قَالَ الْبَائِعُ أَوْ الْمُشْتَرِي أَحَدُهُمَا حُرٌّ، وَلَوْ قَالَا مُتَعَاقِبًا عَتَقَا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ أَعْتَقَ مِلْكَهُ، وَمِلْكَ غَيْرِهِ فَيَصِحُّ فِي مِلْكِهِ، وَالْبَيَانُ إلَى الْمُشْتَرِي لِأَنَّ مَنْ نَفَذَ فِيهِ عِتْقُهُ مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ، وَالْقَوْلُ فِي الْمَضْمُونِ قَوْلُ الضَّامِنِ، وَلَوْ قَبَضَ أَحَدَهُمَا بِإِذْنِ الْبَائِعِ فَهَلَكَ غَرِمَ قِيمَتَهُ. اهـ. وَقَيَّدَ بِالْقِيَمِيِّ إذْ بَيْعُ الْمُبْهَمِ فِي الْمِثْلِيِّ جَائِزٌ قَالَ فِي التَّلْخِيصِ مِنْ بَابِ بَيْعِ الْمُبْهَمِ لَوْ اشْتَرَى أَحَدَ عَبْدَيْنِ أَوْ ثَوْبَيْنِ فَسَدَ لِجَهْلٍ يُوَرِّثُ نِزَاعًا ضِدُّ الْمِثْلِيِّ فَلَوْ قَبَضَهُمَا مَلَكَ أَحَدَهُمَا، وَالْآخَرُ أَمَانَةٌ وَفَاءً بِالْعَهْدِ إلَى آخِرِهِ (قَوْلُهُ وَالْمَرَاعِي وَإِجَارَتُهَا) أَيْ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْكَلَأِ، وَإِجَارَتُهُ أَمَّا الْبَيْعُ فَلِأَنَّهُ وَرَدَ عَلَى مَا لَا يَمْلِكُهُ لِاشْتِرَاكِ النَّاسِ فِيهِ بِالْحَدِيثِ «النَّاسُ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ فِي الْمَاءِ وَالْكَلَأِ وَالنَّارِ» ، وَأَمَّا الْإِجَارَةُ فَلِأَنَّهَا عُقِدَتْ عَلَى اسْتِهْلَاكِ عَيْنٍ مُبَاحٍ، وَلَوْ عُقِدَتْ عَلَى اسْتِهْلَاكِ عَيْنٍ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ فِيهِ تَعْلِيقًا بِالْحَظْرِ) فَإِنَّهُ فِي مَعْنَى إذَا وَقَعَ حَجَرِي عَلَى ثَوْبٍ فَقَدْ بِعْتُهُ مِنْكَ أَوْ بِعْتنِيهِ بِكَذَا أَوْ إذَا نَبَذْتَهُ أَوْ لَمَسْتَهُ كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَلَا بُدَّ فِي هَذِهِ الْبُيُوعِ أَنْ يَسْبِقَ الْكَلَامُ مِنْهُمَا عَلَى الثَّمَنِ) أَيْ لِيَكُونَ عِلَّةُ الْفَسَادِ مَا ذَكَرَ، وَإِلَّا كَانَ الْفَسَادُ لِعَدَمِ ذِكْرِ الثَّمَنِ إنْ سَكَتَا عَنْهُ لِمَا سَيَأْتِي أَنَّ الْبَيْعَ مَعَ نَفْيِ الثَّمَنِ بَاطِلٌ، وَمَعَ السُّكُوتِ عَنْهُ فَاسِدٌ أَوْ لِتَحَقُّقِ هَذِهِ الْبُيُوعِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي تَعْرِيفِهَا أَنْ يَتَسَاوَمَا سِلْعَةً، وَقَدْ قَالَ فِي الْفَتْحِ التَّسَاوُمُ تَفَاعُلٌ مِنْ السَّوْمِ سَامَ الْبَائِعُ السِّلْعَةَ عَرَضَهَا لِلْبَيْعِ، وَذَكَرَ ثَمَنَهَا اهـ. فَظَهَرَ أَنَّ مَا قِيلَ فَائِدَةَ التَّقْيِيدِ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَسْبِقْ ذِكْرَ الثَّمَنِ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ غَيْرُ ظَاهِرٍ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ جَازَ فِيمَا دُونَ الثَّلَاثَةِ) كَذَا فِي النُّسَخِ، وَصَوَابُهُ فِيمَا دُونَ الْأَرْبَعَةِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 83 مَمْلُوكَةٍ بِأَنْ اسْتَأْجَرَ بَقَرَةً لِيَشْرَبَ لَبَنَهَا لَا يَجُوزُ فَهَذَا أَوْلَى، وَفِي الْمِصْبَاحِ: وَالرِّعْيُ بِالْكَسْرِ وَالْمَرْعَى بِمَعْنًى، وَهُوَ مَا تَرْعَاهُ الدَّوَابُّ، وَالْجَمْعُ الْمَرَاعِي اهـ. قَيَّدَ بِالْمَرَاعِي بِمَعْنَى الْكَلَأِ لِأَنَّ بَيْعَ رَقَبَةِ الْأَرْضِ، وَإِجَارَتَهَا جَائِزَانِ، وَمَعْنَى الشَّرِكَةِ فِي النَّارِ الِاصْطِلَاءُ بِهَا، وَتَجْفِيفُ الثِّيَابِ يَعْنِي إذَا أَوْقَدَ رَجُلٌ نَارًا فَلِكُلٍّ أَنْ يَصْطَلِيَ بِهَا أَمَّا إذَا أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ الْجَمْرَ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِهِ، وَمَعْنَاهُ فِي الْمَاءِ الشُّرْبُ وَسَقْيُ الدَّوَابِّ وَالِاسْتِقَاءُ مِنْ الْآبَارِ وَالْحِيَاضِ وَالْأَنْهَارِ الْمَمْلُوكَةِ، وَفِي الْكَلَأِ أَنَّ لَهُ احْتِشَاشَهُ، وَإِنْ كَانَ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ غَيْرَ أَنَّ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ أَنْ يَمْنَعَ مِنْ الدُّخُولِ فِي أَرْضِهِ، وَإِذَا مَنَعَ فَلِغَيْرِهِ أَنْ يَقُولَ إنَّ لِي فِي أَرْضِكَ حَقًّا فَإِمَّا أَنْ تُوَصِّلَنِي إلَيْهِ أَوْ تَحُشَّهُ أَوْ تَسْتَقِيَ، وَتَدْفَعَهُ لِي، وَصَارَ كَثَوْبِ رَجُلٍ وَقَعَ فِي دَارِ رَجُلٍ إمَّا أَنْ يَأْذَنَ الْمَالِكُ فِي دُخُولِهِ لِيَأْخُذَهُ، وَإِمَّا أَنْ يُخْرِجَهُ إلَيْهِ أَمَّا إذَا أَحْرَزَ الْمَاءَ بِالِاسْتِقَاءِ فِي آنِيَةٍ، وَالْكَلَأَ بِقَطْعِهِ جَازَ حِينَئِذٍ بَيْعُهُ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِذَلِكَ، وَظَاهِرٌ أَنَّ هَذَا إذَا نَبَتَ بِنَفْسِهِ فَأَمَّا إذَا كَانَ سَقَى الْأَرْضَ، وَأَعَدَّهَا لِلْإِنْبَاتِ فَنَبَتَ فَفِي الذَّخِيرَةِ، وَالْمُحِيطِ وَالنَّوَازِلِ يَجُوزُ بَيْعُهُ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ، وَهُوَ مُخْتَارُ الصَّدْرِ الشَّهِيدِ. وَكَذَا ذَكَرَ فِي اخْتِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ فَيُحْمَلُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَعُدَّهَا لِلْإِنْبَاتِ، وَمِنْهُ لَوْ حَدَّقَ حَوْلَ أَرْضِهِ، وَهَيَّأَهَا لِلْإِنْبَاتِ حَتَّى نَبَتَ الْقَصَبُ صَارَ مِلْكًا لَهُ وَالْقُدُورِيُّ مَنَعَ بَيْعَهُ، وَإِنْ سَاقَ الْمَاءَ إلَى أَرْضِهِ، وَلَحِقَهُ مُؤْنَةٌ لِبَقَاءِ الشَّرِكَةِ، وَإِنَّمَا تَنْقَطِعُ بِالْحِيَازَةِ، وَسَوْقُ الْمَالِ إلَى أَرْضِهِ لَيْسَ بِحِيَازَةٍ لَكِنَّ الْأَكْثَرَ عَلَى الْأَوَّلِ إلَّا أَنَّ عَلَى هَذَا الْقَائِلُ أَنْ يَقُولَ يَنْبَغِي إنْ حَازَ الْبِئْرَ يَمْلِكُ بِنَاءَهَا، وَيَكُونُ بِتَكْلِفَةِ الْحَفْرِ وَالطَّيِّ لِتَحْصِيلِ الْمَاءِ يَمْلِكُ الْمَاءَ كَمَا يَمْلِكُ الْكَلَأَ بِتَكْلِفَةِ سَوْقِ الْمَاءِ إلَى الْأَرْضِ لِيَنْبُتَ فَلَهُ مَنْعُ الْمُسْتَقِي، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ لَهُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بَقِيَّةُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ الشُّرْبِ، وَالْحِيلَةُ فِي جَوَازِ إجَازَتِهِ أَنْ يَسْتَأْجِرَهَا أَرْضًا لِإِيقَافِ الدَّوَابِّ فِيهَا أَوْ لِمَنْفَعَةٍ أُخْرَى بِقَدْرِ مَا يُرِيدُ صَاحِبُهُ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ الْأُجْرَةِ فَيَحْصُلُ بِهِ غَرَضُهُمَا، وَيَدْخُلُ فِي الْكَلَأِ جَمِيعُ أَنْوَاعِ مَا تَرْعَاهُ الْمَوَاشِي رَطْبًا كَانَ أَوْ يَابِسًا بِخِلَافِ الْأَشْجَارِ لِأَنَّ الْكَلَأَ مَا لَا سَاقَ لَهُ، وَالشَّجَرُ لَهُ سَاقٌ فَلَا تَدْخُلُ فِيهِ حَتَّى يَجُوزَ بَيْعُهَا إذَا نَبَتَتْ فِي أَرْضِهِ لِكَوْنِهَا مِلْكَهُ، وَالْكَمْأَةُ كَالْكَلَأِ، وَفِي الْقَامُوسِ الْكَمْءُ نَبَاتٌ، وَالْكَمْأَةُ لِلْوَاحِدِ، وَالْكَمْءُ لِلْجَمْعِ أَوْ هِيَ تَكُونُ وَاحِدَةً، وَجَمْعًا. اهـ. . (قَوْلُهُ وَالنَّحْلِ) أَيْ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَجُوزُ إذَا كَانَ مُحَرَّزًا، وَهُوَ مَعْنَى مَا فِي الذَّخِيرَةِ إذَا كَانَ مَجْمُوعًا لِأَنَّهُ حَيَوَانٌ مُنْتَفَعٌ بِهِ حَقِيقَةً، وَشَرْعًا فَيَجُوزُ بَيْعُهُ، وَإِنْ كَانَ لَا يُؤْكَلُ كَالْبَغْلِ وَالْحِمَارِ، وَلَهُمَا أَنَّهُ مِنْ الْهَوَامِّ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ كَالزَّنَابِيرِ، وَالِانْتِفَاعُ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهُ لَا بِعَيْنِهِ فَلَا يَكُونُ مُنْتَفَعًا بِهِ قَبْلَ الْخُرُوجِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ بِيعَ تَبَعًا لِلْكُوَّارَاتِ، وَفِيهَا عَسَلٌ، وَهُوَ قَوْلُ الْكَرْخِيِّ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَمِنْهُ لَوْ حَدَّقَ) أَيْ حَوَّطَ رَمْلِيٌّ (قَوْلُهُ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ يَنْبَغِي إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ، وَأَقُولُ: يُمْكِنُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ سَقْيَ الْكَلَأِ كَانَ سَبَبًا فِي إنْبَاتِهِ فَنَبَتَ بِخِلَافِ الْمَاءِ فَإِنَّهُ مَوْجُودٌ قَبْلَ حَفْرِهِ فَلَا يَمْلِكُهُ بِالْحَفْرِ اهـ. وَقَالَ الرَّمْلِيُّ أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَمْلِكُهُ سَوَاءٌ حَفَرَهَا فِي أَرْضٍ مَوَاتٍ أَوْ مِلْكٍ، وَعِنْدَنَا لَا يَمْلِكُهُ فِيهِمَا، وَأَقُولُ: الْمَنْقُولُ أَنَّ صَاحِبَ الْبِئْرِ لَا يَمْلِكُ الْمَاءَ، وَقَدَّمَهُ هَذَا الشَّارِحُ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَانْتِفَاخُ حَيَوَانٍ وَتَفَسُّخُهُ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ فَرَاجِعْهُ، وَهَذَا مَا دَامَ فِي الْبِئْرِ أَمَّا إذَا أَخْرَجَهُ مِنْهَا بِالِاحْتِيَالِ كَمَا فِي السَّوَاقِي الَّتِي بِبِلَادِنَا فَلَا شَكَّ فِي مِلْكِهِ لَهُ بِذَلِكَ لِحِيَازَتِهِ لَهُ فِي الْكِيزَانِ الَّتِي نُسَمِّيهَا الْقَوَادِيسَ أَوَّلًا ثُمَّ صَبُّهُ فِي الْبِرَكِ بَعْدَ حِيَازَتِهِ تَأَمَّلْ، وَأَقُولُ: الْبِئْرُ فِي كَلَامِ الْفُقَهَاءِ غَالِبًا لِلْمَعِينِ، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَيُقَالُ فِيهِ صِهْرِيجٌ وَجُبٌّ، وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى غَيْرِ الْمَعِينِ، وَاَلَّذِي يَجِبُ التَّعْوِيلُ عَلَيْهِ فِي الْمَاءِ أَنْ يُقَالَ بِالْحِيَازَةِ يَمْلِكُ فَيَضْمَنُ، وَعَلَى هَذَا يَجِبُ أَنْ يَمْلِكَ فِي الصَّهَارِيجِ الْمُتَّخَذَةِ فِي الْبُيُوتِ لِلْحِيَازَةِ قَطْعًا لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْحِبَابِ، وَقَدْ أَفْتَيْتُ بِهِ، وَلَا يُخَالِفُهُ مَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ مِنْ قَوْلِهِ، وَلَوْ نَزَحَ مَاءَ بِئْرِ رَجُلٍ بِغَيْرِ إذْنِهِ حَتَّى يَبِسَتْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّ صَاحِبَ الْبِئْرِ غَيْرُ مَالِكٍ لِلْمَاءِ، وَلَوْ صَبَّ مَاءَ رَجُلٍ كَانَ فِي الْحُبِّ يُقَالُ لَهُ امْلَأْ الْمَاءَ لِأَنَّ صَاحِبَ الْحُبِّ مَالِكٌ لِلْمَاءِ، وَهُوَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ فَيَضْمَنُ مِثْلَهُ. اهـ. لِأَنَّ كَلَامَهُ فِي الْبِئْرِ الْمَعِينِ، وَأَمَّا الصَّهَارِيجُ الَّتِي تُوضَعُ لِإِحْرَازِ الْمَاءِ فِي الدُّورِ فَلَا شَكَّ فِي أَنَّ مَاءَهَا يَصِيرُ مَمْلُوكًا لِأَصْحَابِهَا بِمَنْزِلَةِ الْحِبَابِ، وَالْأَوَانِي فَتَأَمَّلْ. وَصُورَةُ مَا رُفِعَ إلَيَّ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فِيمَا إذَا اسْتَأْجَرَ دَارًا لِلسَّكَنِ فِي بُيُوتِهَا، وَفِي الدَّارِ صِهْرِيجٌ مُعَدٌّ لِجَمْعِ مَاءِ الْأَشْتِيَةِ، وَفِيهِ مَاءٌ قَبْلَ الْإِجَارَةِ فَهَلْ هَذَا الْمَاءُ مِلْكُ الْمُؤَجِّرِ لَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ فِيهِ إلَّا مَا أَبَاحَهُ الْمُؤَجِّرُ فَأَجَبْتُ نَعَمْ الصَّهَارِيجُ الَّتِي فِي الدُّورِ الْمُعَدَّةُ لِجَمْعِ مَاءِ الْأَشْتِيَةِ الْمَوْضُوعَةُ لِإِحْرَازِ الْمَاءِ يُمْلَكُ مَاؤُهَا، وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْحِبَابِ كَمَا هُوَ مُسْتَفَادٌ مِنْ تَعْلِيلِهِمْ فِي مَسْأَلَةِ الْأَنْهَارِ الْمَمْلُوكَةِ، وَالْآبَارِ، وَالْحِيَاضِ بِقَوْلِهِمْ لِأَنَّهَا لَمْ تُوضَعْ لِلْإِحْرَازِ، وَالْمُبَاحُ لَا يُمْلَكُ إلَّا بِالْإِحْرَازِ، وَأَنْتَ عَلَى يَقِينٍ بِأَنَّ الصَّهَارِيجَ الَّتِي فِي الدُّورِ إنَّمَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 84 وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّ بَيْعَهُ تَبَعًا لِلْكُوَّارَةِ فِيهَا عَسَلٌ جَائِزٌ، وَأَنْكَرَهُ الْكَرْخِيُّ، وَقَالَ إنَّمَا يَدْخُلُ الشَّيْءُ فِي الْبَيْعِ تَبَعًا لِغَيْرِهِ إذَا كَانَ مِنْ حُقُوقِهِ كَالشُّرْبِ وَالطَّرِيقِ، وَهَذَا لَيْسَ مِنْ حُقُوقِهِ كَذَا فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ، وَأُجِيبُ عَنْهُ بِأَنَّ التَّبَعِيَّةَ لَا تَنْحَصِرُ فِي الْحُقُوقِ كَالْمَفَاتِيحِ فَالْعَسَلُ تَابِعٌ لِلنَّحْلِ فِي الْمَوْجُودِ، وَالنَّحْلُ تَابِعٌ لَهُ فِي الْمَقْصُودِ بِالْبَيْعِ، وَالْكُوَّارَةُ بِضَمِّ الْكَافِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ مَعْسَلُ النَّحْلِ إذَا سُوِّيَ مِنْ طِينٍ، وَفِي التَّهْذِيبِ كُوَّارَةُ النَّحْلِ مُخَفَّفَةٌ، وَفِي الْمُغْرِبِ بِالْكَسْرِ مِنْ غَيْرِ تَشْدِيدٍ، وَقَيَّدَ الزَّمَخْشَرِيّ بِفَتْحِ الْكَافِ، وَفِي الْغَرِيبَيْنِ بِالضَّمِّ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِي الْمِصْبَاحِ كُوَّارَةُ النَّحْلِ بِالضَّمِّ وَالتَّخْفِيفُ، وَالتَّثْقِيلُ لُغَةٌ عَسَلُهَا فِي الشَّمْعِ، وَقِيلَ بَيْتُهَا إذَا كَانَ فِيهِ الْعَسَلُ، وَقِيلَ هُوَ الْخَلِيَّةُ، وَكَسْرُ الْكَافِ مَعَ التَّخْفِيفِ لُغَةٌ. اهـ. وَسَيَأْتِي أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ. (قَوْلُهُ وَيُبَاعُ دُودُ الْقَزِّ وَبَيْضُهُ) أَمَّا الدُّودُ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ مِنْ الْهَوَامِّ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ إذَا ظَهَرَ فِيهِ الْقَزُّ تَبَعًا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَجُوزُ كَيْفَمَا كَانَ لِكَوْنِهِ مُنْتَفَعًا بِهِ، وَأَمَّا بَيْضُهُ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ لِمَكَانِ الضَّرُورَةِ، وَقِيلَ أَبُو يُوسُفَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا فِي دُودِهِ، وَإِنَّمَا اخْتَارَ الْمُؤَلِّفُ قَوْلَ مُحَمَّدٍ فِي الدُّودِ، وَالْبَيْضِ لِكَوْنِهِ الْمُفْتَى بِهِ، وَلَكِنْ يَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَيْضًا فِي بَيْعِ النَّحْلِ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ وَالْخُلَاصَةِ فَلِمَ اخْتَارَ قَوْلَهُ فِي الدُّودِ دُونَ النَّحْلِ بِلَا مُرَجِّحٍ، وَلَعَلَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِ فِيهِمَا، وَفِي الْمِصْبَاحِ الْقَزُّ مُعَرَّبٌ قَالَ اللَّيْثُ هُوَ مَا يُعْمَلُ مِنْهُ الْإِبْرَيْسَمُ، وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ: الْقَزُّ وَالْإِبْرَيْسَمُ مِثْلُ الْحِنْطَةِ وَالدَّقِيقِ. اهـ. وَأَمَّا الْخَزُّ فَاسْمُ دَابَّةٍ ثُمَّ أُطْلِقَ عَلَى الثَّوْبِ الْمُتَّخَذِ مِنْ وَبَرِهَا، وَالْجَمْعُ خِزَّانٌ مِثْلُ صُرَدٍ وَصِرْدَانٍ مِنْهُ أَيْضًا قَيَّدَ بِالنَّحْلِ وَالدُّودِ لِأَنَّ مَا سِوَاهُمَا مِنْ الْهَوَامِّ كَالْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبِ وَالْوَزَغِ وَالْقَنَافِذِ وَالضَّبِّ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ اتِّفَاقًا، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْ الْبَحْرِ إلَّا السَّمَكَ كَالضُّفْدَعِ وَالسَّرَطَانِ وَالسُّلَحْفَاةِ وَفَرَسِ الْبَحْرِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَلَكِنْ فِي الذَّخِيرَةِ إذَا اشْتَرَى الْعَلَقَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ بِالْفَارِسِيَّةِ مَرْعَلٌ يَجُوزُ، بِهِ أَخَذَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهِ لِتَمَوُّلِ النَّاسِ لَهُ، وَفِي الْمِصْبَاحِ الْعَلَقُ شَيْءٌ أَسْوَدُ شَبِيهُ الدُّودِ يَكُونُ فِي الْمَاءِ يَعْلَقُ بِأَفْوَاهِ الْإِبِلِ عِنْدَ الشُّرْبِ اهـ. وَقَيَّدَ بِالْبَيْعِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الدُّودُ، وَوَرَقُ التُّوتِ مِنْ وَاحِدٍ، وَالْعَمَلُ مِنْ آخَرَ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْقَزُّ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ لَا يَجُوزُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الْعَمَلُ مِنْهُمَا، وَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، وَفِي فَتَاوَى الْوَلْوَالِجِيِّ امْرَأَةٌ أَعْطَتْ امْرَأَةً بِزْرَ الْقَزِّ، وَهُوَ بِزْرُ الْفَيْلَقِ بِالنِّصْفِ فَقَامَتْ عَلَيْهِ حَتَّى أَدْرَكَ فَالْفَلِيقُ لِصَاحِبَةِ الْبِزْرِ لِأَنَّهُ حَدَثَ مِنْ بِزْرِهَا، وَلَهَا عَلَى صَاحِبَةِ الْبِزْرِ قِيمَةُ الْأَوْرَاقِ، وَأَجْرُ مِثْلِهَا، وَمِثْلُهُ إذَا دَفَعَ بَقَرَةً إلَى آخَرَ يَعْلِفُهَا لِيَكُونَ الْحَادِثُ بَيْنَهُمَا بِالنِّصْفِ فَالْحَادِثُ كُلُّهُ لِصَاحِبِ الْبَقَرَةِ، وَلَهُ عَلَى صَاحِبِ الْبَقَرَةِ ثَمَنُ الْعَلَفِ، وَأَجْرُ مِثْلِهِ، وَعَلَى هَذَا إذَا دَفَعَ الدَّجَاجَ لِيَكُونَ الْبَيْضُ بِالنِّصْفِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَمَحَلُّهَا كِتَابُ الْإِجَارَاتِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُؤَلِّفُ بَيْعَ الْحَمَامِ، وَذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ فَقَالَ: وَالْحَمَامُ إذَا عَلِمَ عَدَدَهَا، وَأَمْكَنَ تَسْلِيمُهَا جَازَ بَيْعُهَا لِأَنَّهُ مَالٌ مَقْدُورُ التَّسْلِيمِ، وَفِي الذَّخِيرَةِ إذَا بَاعَ بُرْجَ حَمَامٍ مَعَ الْحَمَامِ فَإِنْ بَاعَ لَيْلًا جَازَ لِأَنَّ فِي اللَّيْلِ يَكُونُ الْحَمَامُ بِجُمْلَتِهِ دَاخِلَ الْبُرْجِ، وَيُمْكِنُ أَخْذُهُ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ الِاحْتِيَالِ فَيَكُونُ بَائِعًا مَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ، وَفِي النَّهَارِ يَكُونُ بَعْضُهُ خَارِجَ الْبَيْتِ فَلَا يُمْكِنُ أَخْذُهُ إلَّا بِالِاحْتِيَالِ فَلَا يَجُوزُ اهـ. (قَوْلُهُ وَالْآبِقُ) أَيْ لَمْ يَجُزْ بَيْعُ الْآبِقِ لِنَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -   [منحة الخالق] وُضِعَتْ لِلْإِحْرَازِ فَلَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ إلَّا مَا أَبَاحَهُ الْمُؤَجِّرُ (قَوْلُهُ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) قَالَ فِي النَّهْرِ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ يَحْتَاجُ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ النَّحْلِ وَالدُّودِ حَيْثُ أَجَازَ بَيْعَهُ تَبَعًا دُونَ الدُّودِ، وَلَا إشْكَالَ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ الْكَرْخِيِّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي النَّحْلِ تَبَعًا (قَوْلُهُ وَلَعَلَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِ فِيهِمَا) اسْتَبْعَدَهُ فِي النَّهْرِ، وَاعْتَذَرَ عَنْ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ، وَكَأَنَّهُ لِقُوَّةِ الْمُدْرَكِ فِي النَّحْلِ، وَكَذَا اسْتَبْعَدَهُ الرَّمْلِيُّ ثُمَّ قَالَ وَإِنَّمَا الْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّهُ رُبَّمَا قَامَ عِنْدَهُ دَلِيلُ اخْتِيَارِ قَوْلِهِمَا فِي النَّحْلِ، وَقَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي دُودِ الْقَزِّ وَبَيْضِهِ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِفَارِقٍ يَلُوحُ مِنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ يَجُوزُ بَيْعُهُ لَيْلًا، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ نَهَارًا لِأَنَّهُ يَكُونُ مُجْتَمِعًا حَالَةَ اللَّيْلِ مُتَفَرِّقًا حَالَةَ النَّهَارِ فِي الْمَرَاعِي. (قَوْلُهُ وَلَكِنْ فِي الذَّخِيرَةِ إذَا اشْتَرَى الْعَلَفَ إلَخْ) اُنْظُرْ هَلْ يُقَالُ مِثْلُهُ فِي بَيْعِ الدُّودَةِ، وَهِيَ الْقِرْمِزُ الَّتِي يُصْبَغُ بِهَا بِنَاءً عَلَى مَا اُشْتُهِرَ مِنْ أَنَّ أَصْلَهَا دُودٌ لَهُ رُوحٌ يُخْنَقُ بِالْكِلْسِ، وَبِالْخَلِّ، وَمُقْتَضَى التَّعْلِيلِ الْجَوَازُ فَإِنَّهَا كَثِيرَةُ الِاحْتِيَاجِ بَيْنَ النَّاسِ، وَلَهَا مَدَاخِلُ كَثِيرَةٌ عِنْدَ أَرْبَابِ الصَّنَائِعِ، وَهِيَ مِنْ أَنْفَسِ الْأَمْوَالِ عِنْدَهُمْ، وَقَدْ أَجَازُوا بَيْعَ السِّرْقِينِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَإِنْ بَاعَ لَيْلًا جَازَ إلَخْ) أَلْغَزَ فِيهِ الشَّيْخُ رَمَضَانُ الْعُطَيْفِيُّ فَقَالَ عَلَى هَامِشِ نُسْخَتِهِ الْمَكْتُوبَةِ بِخَطِّهِ: يَا إمَامًا فِي فِقْهِ نُعْمَانَ أَضْحَى ... حَائِزًا لِسَبْقٍ مُفْرَدًا لَا يُجَارَى أَيُّ بَيْتٍ يَجُوزُ بَيْعُك إيَّا ... هـ بِلَيْلٍ وَلَا يَجُوزُ نَهَارًا اهـ. قَالَ الرَّمْلِيُّ، وَتَقَدَّمَ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ، وَالطَّيْرُ فِي الْهَوَاءِ إنَّهُ إذَا عَلِمَ عَوْدَهُ، وَأَمْكَنَ تَسْلِيمُهُ يَجُوزُ، وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا إذَا كَانَ بِالنَّهَارِ فَرَاجِعْهُ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 85 عَنْهُ، وَلِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ، وَلَوْ بَاعَهُ ثُمَّ عَادَ مِنْ الْإِبَاقِ لَا يَتِمُّ ذَلِكَ الْعَقْدُ لِأَنَّهُ وَقَعَ بَاطِلًا لِانْعِدَامِ الْمَحَلِّيَّةِ كَبَيْعِ الطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَتِمُّ الْعَقْدُ إذَا لَمْ يُفْسَخْ لِأَنَّ الْعَقْدَ انْعَقَدَ لِقِيَامِ الْمَالِيَّةِ، وَالْمَانِعُ قَدْ ارْتَفَعَ، وَهُوَ الْعَجْزُ عَنْ التَّسْلِيمِ كَمَا إذَا أَبَقَ بَعْدَ الْبَيْعِ، وَهَكَذَا يُرْوَى عَنْ مُحَمَّدٍ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْأَوَّلُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَبِهِ كَانَ يُفْتِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَلْخِيّ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ، وَأَوَّلُوا تِلْكَ الرِّوَايَةَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَا انْعِقَادُ الْبَيْعِ بِالتَّعَاطِي الْآنَ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا بَاعَهُ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَكَذَا الْيَتِيمُ فِي حِجْرِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا وَهَبَهُ لَهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ، وَالْفَرْقُ أَنَّ شَرْطَ الْبَيْعِ الْقُدْرَةُ عَلَى التَّسْلِيمِ عَقِبَ الْبَيْعِ، وَهُوَ مُنْتَفٍ، وَمَا بَقِيَ لَهُ مِنْ الْيَدِ يَصْلُحُ لِقَبْضِ الْهِبَةِ لَا لِقَبْضِ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ قَبْضٌ بِإِزَاءِ مَالٍ مَقْبُوضٍ مِنْ مَالِ الِابْنِ، وَهَذَا قَبْضٌ لَيْسَ بِإِزَائِهِ مَالٌ يَخْرُجُ مِنْ مَالِ الْوَلَدِ فَكَفَتْ تِلْكَ الْيَدُ لَهُ نَظَرًا لِلصَّغِيرِ لِأَنَّهُ لَوْ عَادَ عَادَ إلَى مِلْكِ الصَّغِيرِ هَكَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالتَّبْيِينِ، وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ مِنْ الْهِبَةِ خِلَافُهُ قَالَ: وَلَوْ وَهَبَ عَبْدَهُ الْآبِقَ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ بَاعَهُ جَازَ اهـ. فَقَدْ عَكَسَ الْحُكْمَ عَلَى مَا نَقَلَهُ الشَّارِحُونَ، وَلَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْهُمْ نَبَّهَ عَلَى هَذَا، وَالْحَقُّ مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي لِمَا فِي الْمِعْرَاجِ، وَلَوْ بَاعَ الْآبِقَ مِنْ ابْنِهِ الصَّغِيرِ لَا يَجُوزُ، وَلَوْ وَهَبَهُ لَهُ أَوْ لِيَتِيمٍ فِي حِجْرِهِ يَجُوزُ لِأَنَّ مَا بَقِيَ لَهُ مِنْ الْيَدِ فِي الْآبِقِ يَصْلُحُ لِقَبْضِ الْهِبَةِ دُونَ الْبَيْعِ اهـ. وَأَمَّا صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ فَذَكَرَ فِي الْبُيُوعِ أَنَّ الْأَبَ لَوْ بَاعَ الْعَبْدَ الْمُرْسَلَ فِي حَاجَتِهِ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ جَازَ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْآبِقِ، وَذَكَرَ فِي كِتَابِ الْهِبَةِ لَوْ وَهَبَ عَبْدًا لَهُ آبِقًا مِنْ ابْنِهِ الصَّغِيرِ فَمَا دَامَ مُتَرَدِّدًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ تَجُوزُ الْهِبَةُ، وَيَصِيرُ الْأَبُ قَابِضًا لِابْنِهِ بِنَفْسِ الْهِبَةِ ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي الْجَامِعِ، وَفِي الْمُنْتَقَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ لَوْ تَصَدَّقَ بِعَبْدٍ آبِقٍ لَهُ عَلَى ابْنِهِ الصَّغِيرِ لَا يَجُوزُ، وَرَوَى الْمُعَلَّى عَنْهُ أَنَّهُ يَجُوزُ فَحَصَلَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ. اهـ. وَشَمِلَ كَلَامُهُ أَيْضًا مَا إذَا بَاعَهُ بَعْدَمَا أَبَقَ مِنْ يَدِ الْغَاصِبِ مَعَ أَنَّهُ جَائِزٌ مِنْهُ لِمَا فِي الذَّخِيرَةِ، وَإِذَا أَبَقَ الْعَبْدُ الْمَغْصُوبُ مِنْ يَدِ الْغَاصِبِ ثُمَّ إنَّ الْمَالِكَ بَاعَ الْعَبْدَ مِنْ الْغَاصِبِ، وَهُوَ آبِقٌ بَعْدُ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ، وَالْأَصْلُ أَنَّ الْإِبَاقَ إنَّمَا يَمْنَعُ جَوَازَ الْبَيْعِ إذَا كَانَ التَّسْلِيمُ مُحْتَاجًا إلَيْهِ بِأَنْ أَبَقَ مِنْ يَدِ الْمَالِكِ ثُمَّ بَاعَهُ الْمَالِكُ فَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ التَّسْلِيمُ مُحْتَاجًا إلَيْهِ كَمَا فِي مَسْأَلَتِنَا يَجُوزُ الْبَيْعُ. اهـ. وَقَيَّدَ بِالْآبِقِ لِأَنَّ الْعَبْدَ الْمُرْسَلَ فِي حَاجَةِ الْمَوْلَى يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَلَوْ بَاعَهُ، وَلَيْسَ بِآبِقٍ ثُمَّ أَبَقَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ بِالْخِيَارِ فِي فَسْخِ ذَلِكَ الْعَقْدِ، وَلَا يَكُونُ لِلْبَائِعِ أَنْ يُطَالِبَ الْمُشْتَرِيَ بِالثَّمَنِ مَا لَمْ يُحْضِرْ الْعَبْدَ اهـ. وَجَعَلَ الرَّادَّ عَلَى الْبَائِعِ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ، وَخَرَجَ أَيْضًا بَيْعُ الْمَغْصُوبِ فَقَدْ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ إنْ أَقَرَّ بِهِ الْغَاصِبُ تَمَّ الْبَيْعُ، وَلَزِمَ، وَإِنْ جَحَدَهُ، وَكَانَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ بَيِّنَةٌ عَادِلَةٌ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ، وَلَمْ يُسَلِّمْهُ حَتَّى هَلَكَ انْتَقَضَ الْبَيْعُ، وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا قَالُوا قَوْلُ مُحَمَّدٍ فِي الْكِتَابِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ بَيِّنَةٌ، وَلَمْ يُسَلِّمْهُ حَتَّى هَلَكَ انْتَقَضَ الْبَيْعُ بِظَاهِرِهِ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَنْتَقِضَ الْبَيْعُ لِأَنَّ الْبَيْعَ، وَإِنْ فَاتَ فَقَدْ أَخْلَفَ بَدَلًا، وَالْمَبِيعُ إذَا فَاتَ، وَأَخْلَفَ بَدَلًا لَا يَنْتَقِضُ الْبَيْعُ إلَّا أَنْ يَخْتَارَ الْمُشْتَرِي التَّنَقُّضَ فَكَانَ تَأْوِيلُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ انْتَقَضَ الْبَيْعُ إذَا اخْتَارَ الْمُشْتَرِي، وَبَعْضُهُمْ قَالُوا إنَّهُ بِظَاهِرِهِ صَحِيحٌ، وَيَنْتَقِضُ الْبَيْعُ مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارِ الْمُشْتَرِي إلَى آخِرِ مَا فِي الذَّخِيرَةِ، وَقَيَّدَ بِبَيْعِهِ لِأَنَّ هِبَتَهُ جَائِزَةٌ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْمِعْرَاجِ، وَأَمَّا إعْتَاقُهُ فَجَائِزٌ لَكِنْ إنْ أَعْتَقَهُ عَنْ كَفَّارَةٍ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ حَتَّى تُعْلَمَ حَيَاتُهُ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ، وَيَصِحُّ جَعْلُهُ بَدَلَ خُلْعٍ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي بَابِهِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَوْ اخْتَلَعَتْ عَلَى عَبْدٍ أَبَقَ لَهَا عَلَى أَنَّهَا بَرِيئَةٌ مِنْ ضَمَانِهِ لَمْ تَبْرَأْ، وَأَمَّا جَعْلُهُ بَدَلَ صُلْحٍ. (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَبِيعَهُ مِمَّنْ يَزْعُمُ أَنَّهُ عِنْدَهُ) فَيَجُوزُ الْبَيْعُ لِأَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ بَيْعُ آبِقٍ مُطْلَقٍ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ آبِقًا فِي حَقِّهِمَا، وَهَذَا غَيْرُ آبِقٍ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي، وَلِأَنَّهُ إذَا كَانَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي انْتَفَى الْعَجْزُ عَنْ التَّسْلِيمِ، وَهُوَ الْمَانِعُ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَأَوَّلُوا تِلْكَ الرِّوَايَةَ إلَخْ) هَذَا أَيْضًا يُنَافِي مَا قَدَّمَهُ أَوَّلَ كِتَابِ الْبُيُوعِ مِنْ التَّعَاطِي لَا يَنْعَقِدُ بَعْدَ بَيْعٍ بَاطِلٍ أَوْ فَاسِدٍ مَا لَمْ يُفْسَخْ الْعَقْدُ الْأَوَّلُ (قَوْلُهُ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ مِنْ الْهِبَةِ خِلَافُهُ) قَالَ فِي النَّهْرِ، وَوَقَعَ فِي الْخَانِيَّةِ فِي بَعْضِ النُّسَخِ عَكْسُ هَذَا الْحُكْمِ، وَفِي بَعْضِهَا كَمَا ذَكَرْنَا، وَهِيَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهَا، وَكَأَنَّ الْأُولَى تَحْرِيفًا، وَلَمْ يَطَّلِعْ صَاحِبُ الْبَحْرِ عَلَى الثَّانِيَةِ فَجَزَمَ بِالْأُولَى. اهـ. وَانْظُرْ مَا وَجْهُ جَزْمِهِ بِالْأَوَّلِ، وَأَظُنُّ أَنَّهُ سَبْقُ قَلَمٍ بِدَلِيلِ اسْتِشْهَادِهِ بِعِبَارَةِ الْمِعْرَاجِ (قَوْلُهُ وَالْحَقُّ مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي) أَيْ قَاضِي خَانْ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ فِي الْعِبَارَةِ سَقَطًا مِنْ الْكَاتِبِ وَالْأَصْلِ، وَالْحَقُّ خِلَافُ مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي لِأَنَّ مَا نَقَلَهُ عَنْ الْمِعْرَاجِ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 86 أَنَّهُ يَكْتَفِي بِقَبْضِهِ عَنْ قَبْضِ الْمَبِيعِ لِلتَّفْصِيلِ قَالُوا إنْ كَانَ أَشْهَدَ وَقْتَ أَخْذِهِ أَنَّهُ أَخَذَهُ لِيَرُدَّهُ عَلَى مَالِكِهِ كَانَ أَمَانَةً فِي يَدِهِ فَلَا يَنُوبُ عَنْ قَبْضِ الْبَيْعِ فَلَوْ هَلَكَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَى سَيِّدِهِ لَمْ يَضْمَنْهُ فَيَنْفَسِخُ الْبَيْعُ، وَيَرْجِعُ عَلَى سَيِّدِهِ بِالثَّمَنِ، وَلَوْ كَانَ لَمْ يُشْهِدْ صَارَ قَابِضًا لِأَنَّهُ قَبْضُ غَصْبٍ هَكَذَا اقْتَصَرَ الشَّارِحُونَ هُنَا، وَذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ إذَا اشْتَرَى مَا هُوَ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ مِنْ وَدِيعَةٍ أَوْ عَارِيَّةٍ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ قَابِضًا إلَّا إذَا ذَهَبَ الْمُودِعُ أَوْ الْمُسْتَعِيرُ إلَى الْعَيْنِ، وَانْتَهَى إلَى مَكَان يَتَمَكَّنُ مِنْ قَبْضِهِ الْآنَ يَصِيرُ الْمُشْتَرِي قَابِضًا بِالتَّخْلِيَةِ فَإِذَا هَلَكَ بَعْدَ ذَلِكَ يَهْلِكُ مِنْ مَالِ الْمُشْتَرِي فَإِنْ فَعَلَ الْمُشْتَرِي فِي فَصْلِ الْوَدِيعَةِ، وَالْعَارِيَّةِ مَا يَكُونُ قَبْضًا ثُمَّ أَرَادَ الْبَائِعُ أَنْ يَحْبِسَهَا بِالثَّمَنِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمَّا بَاعَهُ مِنْهُ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّ الْمَبِيعَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي، وَهُوَ يَتَمَكَّنُ مِنْ الْقَبْضِ يَصِيرُ رَاضِيًا بِقَبْضِ الْمُشْتَرِي دَلَالَةً. اهـ. وَقَيَّدَ بِبَيْعِهِ مِمَّنْ يَزْعُمُ أَنَّهُ عِنْدَهُ لِأَنَّهُ لَوْ بَاعَهُ مِنْ رَجُلٍ يَزْعُمُ أَنَّهُ عِنْدَ آخَرَ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ، وَلَكِنَّهُ فَاسِدٌ إذَا قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي مَلَكَهُ بِخِلَافِ بَيْعِ الْآبِقِ فَإِنَّهُ بَاطِلٌ فَلِذَا كَتَبْنَا فِي الْفَوَائِدِ الْفِقْهِيَّةِ أَنَّ بَيْعَ الْآبِقِ يَكُونُ بَاطِلًا وَفَاسِدًا، وَصَحِيحًا. (قَوْلُهُ وَلَبَنِ امْرَأَةٍ) بِالْجَرِّ أَيْ لَمْ يَجُزْ بَيْعُ لَبَنِ الْمَرْأَةِ لِأَنَّهُ جُزْءُ الْآدَمِيِّ، وَهُوَ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ مُكَرَّمٌ مَصُونٌ عَنْ الِابْتِذَالِ بِالْبَيْعِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ لَبَنَ الْحُرَّةِ، وَالْأَمَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ بَيْعُ لَبَنِ الْأَمَةِ لِجَوَازِ إيرَادِ الْبَيْعِ عَلَى نَفْسِهَا فَكَذَا عَلَى جُزْئِهَا قُلْنَا الرِّقُّ حِلُّ نَفْسِهَا فَأَمَّا اللَّبَنُ فَلَا رِقَّ فِيهِ لِأَنَّهُ يَخْتَصُّ بِمَحَلٍّ يَتَحَقَّقُ فِيهِ الْقُوَّةُ الَّتِي هِيَ ضِدُّهُ، وَهِيَ الْحَيُّ، وَلَا حَيَاةَ فِي اللَّبَنِ فَلَا يَكُونُ مَحَلًّا لِلْعِتْقِ، وَلَا لِلرِّقِّ فَكَذَا الْبَيْعُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ فِي إنَاءٍ أَوْ لَا، وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَيِّدَ مُرَادَهُ بِمَا إذَا كَانَ فِي وِعَاءٍ كَمَا قَيَّدَهُ فِي الْهِدَايَةِ لِأَنَّ حُكْمَ اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ قَدْ تَقَدَّمَ. وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ مُتْلِفُهُ لِكَوْنِهِ لَيْسَ بِمَالٍ، وَإِلَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ بِهِ التَّدَاوِي فِي الْعَيْنِ الرَّمْدَاءِ، وَفِيهِ قَوْلَانِ فَقِيلَ بِالْمَنْعِ، وَقِيلَ بِالْجَوَازِ إذَا عُلِمَ فِيهِ الشِّفَاءُ هَكَذَا نَقَلَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ هُنَا، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، وَأَهْلُ الطِّبِّ يُثْبِتُونَ نَفْعًا لِلَبَنِ الْبِنْتِ لِلْعَيْنِ، وَهَذِهِ مِنْ أَفْرَادِ مَسْأَلَةِ الِانْتِفَاعِ بِالْمُحَرَّمِ لِلتَّدَاوِي كَالْخَمْرِ، وَاخْتَارَ فِي الْخَانِيَّةِ وَالنِّهَايَةِ الْجَوَازَ إذَا عَلِمَ أَنَّ فِيهِ الشِّفَاءَ، وَلَمْ يَجِدْ دَوَاءً غَيْرَهُ، وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى تَمَامُهُ فِي الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ، وَقَيَّدَ بِلَبَنِ الْمَرْأَةِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ لَبَنِ الْأَنْعَامِ قَالَ الْإِمَامُ الرَّبَّانِيُّ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الشَّيْبَانِيُّ جَوَازُ إجَارَةِ الظِّئْرِ دَلِيلٌ عَلَى فَسَادِ بَيْعِ لَبَنِهَا، وَجَوَازُ بَيْعِ لَبَنِ الْأَنْعَامِ دَلِيلٌ عَلَى فَسَادِ إجَارَتِهَا. (قَوْلُهُ وَشَعْرِ الْخِنْزِيرِ) أَيْ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ إهَانَةً لَهُ لِكَوْنِهِ نَجِسَ الْعَيْنِ كَأَصْلِهِ فَالْبَيْعُ هُنَا لَوْ جَازَ لَكَانَ إكْرَامًا، وَفِي الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ كَذَلِكَ لَوْ جَازَ لَكَانَ إعْزَازًا، وَقَدْ أُمِرْنَا بِالْإِهَانَةِ، وَفِي لَبَنِ الْمَرْأَةِ لَوْ جَازَ لَكَانَ إهَانَةً لَهَا، وَقَدْ أُمِرْنَا بِإِعْزَازِ الْآدَمِيِّ فَالْفِعْلُ الْوَاحِدُ، وَهُوَ الْبَيْعُ هُنَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إعْزَازًا بِالنِّسْبَةِ إلَى مَحَلٍّ، وَإِهَانَةً بِالنِّسْبَةِ إلَى آخَرَ مَثَلًا إذَا أَمَرَ السُّلْطَانُ بَعْضَ الْغِلْمَانِ بِالْوُقُوفِ عِنْدَ الْفَرَسِ بِحَضْرَتِهِ كَانَ إعْزَازًا لَهُ، وَلَوْ أَمَرَ الْقَاضِي بِذَلِكَ لَكَانَ إهَانَةً لَهُ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ جَوَازَ بَيْعِ الْمُهَانِ إعْزَازٌ لَهُ، وَجَوَازَ بَيْعِ الْمُكَرَّمِ إهَانَةٌ لَهُ (قَوْلُهُ وَيُنْتَفَعُ بِهِ) أَيْ يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِشَعْرِ الْخِنْزِيرِ دَفْعًا لِمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ مَنْعِ بَيْعِهِ، وَلَكِنَّهُ مُقَيَّدٌ بِالْخَرْزِ لِلضَّرُورَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ الْعَمَلَ لَا يَتَأَتَّى بِدُونِهِ، وَيُوجَدُ مُبَاحًا فَلَا حَاجَةَ إلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ بَيْعِهِ وَشِرَائِهِ حَتَّى لَوْ لَمْ يُوجَدْ لَمْ يُكْرَهْ شِرَاؤُهُ لِلْأَسَاكِفَةِ لِلْحَاجَةِ، وَكُرِهَ بَيْعُهُ لِعَدَمِهَا كَمَا أَفْتَى بِهِ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ مَنْعُ الِانْتِفَاعِ بِهِ عِنْدَ عَدَمِ الضَّرُورَةِ بِأَنْ أَمْكَنَ الْخَرْزُ بِغَيْرِهِ، وَلِذَا قِيلَ لَا ضَرُورَةَ إلَى الْخَرْزِ بِهِ لِإِمْكَانِهِ بِغَيْرِهِ، وَكَانَ ابْنُ سِيرِينَ لَا يَلْبَسُ خُفًّا خُرِّزَ بِشَعْرِ الْخِنْزِيرِ فَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَلَا الِانْتِفَاعُ بِهِ، وَلِذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ كَرَاهَةُ الِانْتِفَاعِ بِهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ إمْكَانَ الْخَرْزِ بِغَيْرِهِ، وَإِنْ وَقَعَ لِفَرْدٍ بِسَبَبِ تَحَمُّلِهِ مَشَقَّةً فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَلْزَمَ الْعُمُومُ حَرَجًا مِثْلَهُ، وَحَيْثُ كَانَ جَوَازُ الِانْتِفَاعِ بِهِ لِلضَّرُورَةِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ كَمَا قَيَّدَهُ فِي الْهِدَايَةِ) أَيْ حَيْثُ قَالَ فِي قَدَحٍ قَالَ فِي النَّهْرِ، وَهَذَا الْقَيْدُ لِبَيَانِ مَنْعِ بَيْعِهِ بَعْدَ انْفِصَالِهِ عَنْ مَحَلِّهِ كَيْ لَا يَظُنَّ أَنَّ امْتِنَاعَ بَيْعِهِ مَا دَامَ فِي الضَّرْعِ كَغَيْرِهِ كَذَا فِي الْفَتْحِ، وَقَالَ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ، وَهَذَا بَعِيدٌ جِدًّا بَعْدَ مَا تَقَدَّمَ أَنَّ بَيْعَ اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ لَا يَجُوزُ. اهـ. وَبَيَانُهُ أَنَّ امْتِنَاعَ بَيْعِهِ فِي الضَّرْعِ قَدْ عُلِمَ مِمَّا مَرَّ فَذِكْرُ مَنْعِ بَيْعِ لَبَنِ الْمَرْأَةِ بَعْدَهُ نَصٌّ فِي الْمَنْعِ بَعْدَ الِانْفِصَالِ فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّقْيِيدِ بِهِ، وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ ذِكْرَهُ أَوْلَى لِأَنَّ حُكْمَ اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ قَدْ تَقَدَّمَ عَلَى أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ مُسْتَفَادٌ مِمَّا تَقَدَّمَ بِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ الضَّرْعَ خَاصٌّ بِذَوَاتِ الْأَرْبَعِ كَالثَّدْيِ لِلْمَرْأَةِ، وَحِينَئِذٍ فَإِنَّمَا أَطْلَقَهُ الْمُصَنِّفُ لِيَعُمَّ مَا قَبْلَ الِانْفِصَالِ، وَمَا بَعْدَهُ. (قَوْلُهُ وَلَكِنَّهُ مُقَيَّدٌ بِالْخَرْزِ لِلضَّرُورَةِ) هَذَا بِنَاءً عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ بِنَجَاسَتِهِ أَمَّا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ الْآتِي مِنْ أَنَّهُ طَاهِرٌ فَلَا يَتَقَيَّدُ الِانْتِفَاعُ بِهِ بِالْخَرْزِ، وَلَا بِالضَّرُورَةِ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 87 وَالْأَصْلُ أَنَّ مَا ثَبَتَ لِلضَّرُورَةِ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا أَفْتَى الْإِمَامُ أَبُو يُوسُفَ بِنَجَاسَتِهِ فَيَنْجُسُ الْمَاءُ الْقَلِيلُ إذَا وَقَعَ فِيهِ وَطَهَّرَهُ مُحَمَّدٌ لِأَنَّ جَوَازَ الِانْتِفَاعِ بِهِ دَلِيلُهَا، وَالصَّحِيحُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ لِمَا قَدَّمْنَاهُ، وَمَا ذَكَرَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ مِنْ جَوَازِ صَلَاةِ الْخَرَّازِينَ مَعَ شَعْرِ الْخِنْزِيرِ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ فَهُوَ مُخْرَجٌ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ بِطَهَارَتِهِ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فَلَا، وَهُوَ الْوَجْهُ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ لَمْ تَدْعُهُمْ إلَى أَنْ يَعْلَقَ بِهِمْ بِحَيْثُ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى الِامْتِنَاعِ عَنْهُ، وَيَجْتَمِعَ عَلَى ثِيَابِهِمْ هَذَا الْمِقْدَارُ. (قَوْلُهُ وَشَعْرِ الْإِنْسَانِ وَالِانْتِفَاعِ بِهِ) أَيْ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ وَالِانْتِفَاعُ بِهِ لِأَنَّ الْآدَمِيَّ مُكَرَّمٌ غَيْرُ مُبْتَذَلٍ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ مِنْ أَجْزَائِهِ مُهَانًا مُبْتَذَلًا، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَعَنَ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ» وَإِنَّمَا يُرَخَّصُ فِيمَا يُتَّخَذُ مِنْ الْوَبَرِ فَيَزِيدُ فِي قُرُونِ النِّسَاءِ وَذَوَائِبِهِنَّ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَصَرَّحَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّ الْآدَمِيَّ مُكَرَّمٌ، وَإِنْ كَانَ كَافِرًا، وَالْوَاصِلَةُ هِيَ الَّتِي تَصِلُ الشَّعْرَ بِشَعْرِ النِّسَاءِ، وَالْمُسْتَوْصِلَةُ الْمَعْمُولُ بِهَا بِإِذْنِهَا وَرِضَاهَا، وَلَعَنَ فِي الْحَدِيثِ «النَّامِصَةَ وَالْمُتَنَمِّصَةَ» وَالنَّامِصَةُ هِيَ الَّتِي تُنْقِصُ الْحَاجِبَ لِتُزَيِّنَهُ، وَالْمُتَنَمِّصَةُ هِيَ الَّتِي يُفْعَلُ بِهَا ذَلِكَ. (قَوْلُهُ وَجِلْدِ الْمَيْتَةِ قَبْلَ الدَّبْغِ) أَيْ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُنْتَفَعٍ بِهِ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا تَنْتَفِعُوا مِنْ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ» ، وَهُوَ اسْمٌ لِغَيْرِ الْمَدْبُوغِ فَيَكُونُ نَجِسَ الْعَيْنِ بِخِلَافِ الثَّوْبِ وَالدُّهْنِ الْمُتَنَجِّسِ فَإِنَّهَا عَارِضَةٌ قَيَّدَ بِمَا قَبْلَ الدَّبْغِ لِأَنَّهُ لَوْ بَاعَهُ بَعْدَهُ جَازَ لِحِلِّ الِانْتِفَاعِ لِلطَّهَارَةِ، وَلِذَا قَالَ (وَبَعْدَهُ يُبَاعُ، وَيُنْتَفَعُ بِهِ) ، وَقَيَّدَ بِالْمَيْتَةِ لِأَنَّ جِلْدَ الْمُذَكَّاةِ يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ الدِّبَاغَةِ، وَلُحُومُ السِّبَاعِ، وَشُحُومُهَا، وَجُلُودُهَا بَعْدَ الذَّكَاةِ كَجُلُودِ الْمَيْتَةِ بَعْدَ الدَّبْغِ فَيَجُوزُ بَيْعُهَا، وَالِانْتِفَاعُ بِهَا مَا عَدَا الْأَكْلِ لِطَهَارَتِهَا بِالذَّكَاةِ إلَّا جِلْدَ الْخِنْزِيرِ (قَوْلُهُ كَعَظْمِ الْمَيْتَةِ وَصُوفِهَا وَعَصْبِهَا وَقَرْنِهَا وَوَبَرِهَا) أَيْ يَجُوزُ بَيْعُهَا، وَالِانْتِفَاعُ بِهَا لِأَنَّهَا طَاهِرَةٌ لَا يُحِلُّهَا الْمَوْتُ لِعَدَمِ الْحَيَاةِ، وَقَدْ قَرَّرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ، وَالْفِيلُ كَالْخِنْزِيرِ نَجِسُ الْعَيْنِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَعِنْدَهُمَا بِمَنْزِلَةِ السِّبَاعِ حَتَّى يُبَاعَ عَظْمُهُ وَيُنْتَفَعَ بِهِ، وَيَجُوزُ بَيْعُ الْقِرْدِ عَلَى الْمُخْتَارِ. (قَوْلُهُ وَعُلْوٍ سَقَطَ) أَيْ لَمْ يَجُزْ بَيْعُ عُلْوٍ بَعْدَ انْهِدَامِهِ لِأَنَّ الْبَاقِيَ بَعْدَ سُقُوطِهِ حَقُّ التَّعَلِّي، وَهُوَ لَيْسَ بِمَالٍ لِأَنَّ الْمَالَ مَا يُمْكِنُ إحْرَازُهُ، وَالْمَالُ هُوَ الْمَحَلُّ الْمَبِيعُ بِخِلَافِ الشُّرْبِ حَيْثُ يَجُوزُ بَيْعُهُ تَبَعًا لِلْأَرْضِ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ، وَمُفْرَدًا فِي رِوَايَةٍ، وَهُوَ اخْتِيَارُ مَشَايِخِ بَلْخٍ لِأَنَّهُ حَظٌّ مِنْ الْمَاءِ، وَلِهَذَا يُضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ، وَلَهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ، وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ فِي الشُّرْبِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَقَيَّدَ بِسُقُوطِهِ لِأَنَّ بَيْعَهُ قَبْلَ سُقُوطِهِ جَائِزٌ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ لِأَنَّ الْمَبِيعَ الْبِنَاءُ فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ بَيْعُ سَقْفِ الْبَيْتِ قَبْلَ نَقْضِهِ كَمَا يَجُوزُ بَيْعُ الْبِنَاءِ قَبْلَ هَدْمِهِ لَكِنْ فِي عُمْدَةِ الْفَتَاوَى لَا يَجُوزُ بَيْعُ بِنَاءِ الْوَقْفِ قَبْلَ هَدْمِهِ وَلَا الْأَشْجَارِ الْمَوْقُوفَةِ الْمُثْمِرَةِ قَبْلَ قَلْعِهَا بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُثْمِرَةِ. اهـ. وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ الْعُلْوَ لَوْ سَقَطَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنَّ الْبَيْعَ يَبْطُلُ كَهَلَاكِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَالْعُلْوُ خِلَافُ السُّفْلِ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَكَسْرِهَا كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ بَيْعَ الطَّرِيقِ وَالْمَسِيلِ، وَفِي الْهِدَايَةِ وَبَيْعُ الطَّرِيقِ وَهِبَتُهُ جَائِزٌ، وَبَيْعُ مَسِيلِ الْمَاءِ وَهِبَتُهُ بَاطِلٌ، وَالْمَسْأَلَةُ تَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ بَيْعُ رَقَبَةِ الطَّرِيقِ وَالْمَسِيلِ، وَبَيْعُ حَقِّ الْمُرُورِ، وَالتَّسْيِيلِ فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ الْأَوَّلَ فَوَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ   [منحة الخالق] فِي تَعْلِيلِ عَدَمِ إفْسَادِهِ الْمَاءَ إذَا وَقَعَ فِيهِ لِأَنَّ إطْلَاقَ الِانْتِفَاعِ بِهِ دَلِيلُ طَهَارَتِهِ. اهـ. وَهَذَا يَقْتَضِي جَوَازَ بَيْعِهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ أَيْضًا، وَلِذَا قَالَ فِي النَّهْرِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَطِيبَ لِلْبَائِعِ الثَّمَنُ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمَالَ مَا يُمْكِنُ إحْرَازُهُ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ عِبَارَةُ الزَّيْلَعِيِّ، وَمَحَلُّ الْبَيْعِ الْمَالُ، وَهُوَ مَا يُمْكِنُ إحْرَازُهُ، وَقَبْضُهُ، وَالْهَوَاءُ لَا يُمْكِنُ إحْرَازُهُ (قَوْلُهُ وَلِهَذَا يَضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ، وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِابْنِ مَالِكٍ لَا يَضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ فَرَاجِعْهُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا هُنَا مُخَرَّجٌ عَلَى غَيْرِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. اهـ. قُلْتُ: قَالَ فِي النَّهْرِ بَعْدَ نَقْلِ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ، وَأَمَّا تَضْمِينُهُ بِالْإِتْلَافِ بِالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَعَنْ الشَّيْخِ جَلَالِ الدِّينِ بْنِ صَاحِبٍ الْهِدَايَةِ أَنَّهُ قَصَرَ ضَمَانَهُ بِالْإِتْلَافِ عَلَى مَا إذَا شَهِدَ بِهِ الْآخَرُ ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَ الْقَضَاءِ، وَقَالَ لَا وَجْهَ لِلضَّمَانِ بِالْإِتْلَافِ إلَّا بِهَذِهِ الصُّورَةِ لِأَنَّهُ لَوْ ضَمِنَ بِغَيْرِهَا فَإِمَّا بِالسَّقْيِ أَوْ بِمَنْعِ حَقِّ الشِّرْبِ لَا وَجْهَ لِلْأَوَّلِ لِأَنَّ الْمَاءَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ النَّاسِ، وَلَا إلَى الثَّانِي لِأَنَّ مَنْعَ حَقِّ الْغَيْرِ لَيْسَ سَبَبًا لِلضَّمَانِ بَلْ السَّبَبُ مَنْعُ مِلْكِ الْغَيْرِ، وَلَمْ يُوجَدْ كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ قَيَّدَ بِسُقُوطِهِ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ فَرْعٌ بَاعَ الْعُلْوَ قَبْلَ سُقُوطِهِ جَازَ فَإِنْ سَقَطَ قَبْلَ الْقَبْضِ بَطَلَ الْبَيْعُ لِهَلَاكِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ. اهـ. وَفِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ لَهُ عُلْوٌ، وَسُفْلٌ فَقَالَ لِرَجُلٍ بِعْتُ مِنْكَ عُلْوَ هَذَا السُّفْلِ بِكَذَا جَازَ الْبَيْعُ، وَيَكُونُ سَطْحُ السُّفْلِ لِصَاحِبِ السُّفْلِ، وَلِلْمُشْتَرِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 88 أَنَّ الطَّرِيقَ مَعْلُومٌ لِأَنَّ لَهُ طُولًا وَعَرْضًا مَعْلُومًا أَمَّا الْمَسِيلُ فَمَجْهُولٌ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي قَدْرَ مَا يَشْغَلُهُ مِنْ الْمَاءِ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ فَفِي بَيْعِ حَقِّ الْمُرُورِ رِوَايَتَانِ وَجْهُ الْفَرْقِ عَلَى أَحَدِهِمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَقِّ التَّسْيِيلِ أَنَّ حَقَّ الْمُرُورِ مَعْلُومٌ لِتَعَلُّقِهِ بِمَحَلٍّ مَعْلُومٍ، وَهُوَ الطَّرِيقُ، وَأَمَّا الْمَسِيلُ عَلَى السَّطْحِ فَهُوَ حَقُّ التَّعَلِّي، وَعَلَى الْأَرْضِ مَجْهُولٌ لِجَهَالَةِ مَحَلِّهِ، وَوَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَ حَقِّ الْمُرُورِ، وَحَقِّ التَّعَلِّي عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ أَنَّ حَقَّ التَّعَلِّي يَتَعَلَّقُ بِعَيْنٍ لَا تَبْقَى، وَهُوَ الْبِنَاءُ فَأَشْبَهَ الْمَنَافِعَ أَمَّا حَقُّ الْمُرُورِ يَتَعَلَّقُ بِعَيْنٍ تَبْقَى، وَهُوَ الْأَرْضُ فَأَشْبَهَ الْأَعْيَانَ اهـ. (قَوْلُهُ وَأَمَةٍ تَبَيَّنَ أَنَّهُ عَبْدٌ، وَكَذَا عَكْسُهُ) أَيْ لَمْ يَجُزْ بَيْعُ أَمَةٍ ظَهَرَ أَنَّهُ عَبْدٌ وَعَكْسُهُ، وَهُوَ بَيْعُ عَبْدٍ تَبَيَّنَ أَنَّهُ جَارِيَةٌ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ كَبْشًا فَإِذَا هُوَ نَعْجَةٌ حَيْثُ يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ، وَيَتَخَيَّرُ الْفَرْقُ يُبْتَنَى عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي النِّكَاحِ لِمُحَمَّدٍ، وَهُوَ أَنَّ الْإِشَارَةَ مَعَ التَّسْمِيَةِ إذَا اجْتَمَعَتَا فَفِي مُخْتَلِفَيْ الْجِنْسِ يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِالْمُسَمَّى، وَيَبْطُلُ لِانْعِدَامِهِ، وَفِي مُتَّحِدَيْ الْجِنْسِ يَتَعَلَّقُ بِالْمُشَارِ إلَيْهِ، وَيَنْعَقِدُ لِوُجُودِهِ، وَيَتَخَيَّرُ لِفَوَاتِ الْوَصْفِ كَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ خَبَّازٌ فَإِذَا هُوَ كَاتِبٌ، وَفِي مَسْأَلَتِنَا الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى مِنْ بَنِي آدَمَ جِنْسَانِ لِلتَّفَاوُتِ فِي الْأَغْرَاضِ، وَفِي الْحَيَوَانَاتِ جِنْسٌ وَاحِدٌ لِلتَّقَارُبِ فِيهَا، وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ دُونَ الْأَصْلِ كَالْخَلِّ وَالدِّبْسِ جِنْسَانِ وَالْوَذَارِيُّ وَالزَّنْدِيجِيُّ عَلَى مَا قَالُوا جِنْسَانِ مَعَ اتِّحَادِ أَصْلِهِمَا كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْأَصْلُ الْمَذْكُورُ لِمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ هُنَا، وَيَجْرِي فِي سَائِرِ الْعُقُودِ مِنْ النِّكَاحِ وَالْإِجَارَةِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ وَالْخُلْعِ وَالْعِتْقِ عَلَى مَالٍ، وَالْبَيْعُ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ بَاطِلٌ لِعَدَمِ الْمَبِيعِ، وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى مِنْ بَنِي آدَمَ جِنْسَانِ فِقْهًا، وَإِنْ اتَّحَدَا جِنْسًا فِي الْمَنْطِقِ لِأَنَّهُ الذَّاتِيُّ الْمَقُولُ عَلَى كَثِيرِينَ مُخْتَلِفِينَ بِمُمَيِّزٍ دَاخِلٍ، وَالْجِنْسُ فِي الْفِقْهِ الْمَقُولُ عَلَى كَثِيرِينَ لَا يَتَفَاوَتُ الْغَرَضُ مِنْهَا فَاحِشًا فَالْجِنْسَانِ مَا يَتَفَاوَتُ الْغَرَضُ مِنْهُمَا فَاحِشًا بِلَا نَظَرٍ إلَى الذَّاتِيِّ. وَالْوَذَارِيُّ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِهَا وَإِعْجَامِ الذَّالِ ثُمَّ رَاءٍ مُهْمَلَةٍ نِسْبَةٌ إلَى وَذَارَ قَرْيَةٌ مِنْ قُرَى سَمَرْقَنْدَ، وَالزَّنْدِيجِيُّ بِزَايٍ أَيْ ثُمَّ نُونٍ ثُمَّ دَالٍ مُهْمَلَةٍ ثُمَّ يَاءٍ ثُمَّ جِيمٍ نِسْبَةٌ إلَى زَنْدَنَةَ بِفَتْحِ الزَّايِ وَالنُّونِ الْأَخِيرَةِ، وَالْجِيمُ زِيدَتْ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ مَعَ اتِّحَادِ أَصْلِهِمَا هَكَذَا ذَكَرَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ عَنْ الْمَشَايِخِ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَمِنْ الْمُخْتَلِفَيْ الْجِنْسِ مَا إذَا بَاعَ فَصًّا عَلَى أَنَّهُ يَاقُوتٌ فَإِذَا هُوَ زُجَاجٌ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ، وَلَوْ بَاعَهُ لَيْلًا عَلَى أَنَّهُ يَاقُوتٌ أَحْمَرُ فَظَهَرَ أَصْفَرَ صَحَّ، وَيُخَيَّرُ كَمَا إذَا بَاعَ عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ خَبَّازٌ فَإِذَا هُوَ كَاتِبٌ هَكَذَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ، وَإِنْ كَانَتْ صِنَاعَةُ الْكِتَابَةِ أَشْرَفَ عِنْدَ النَّاسِ مِنْ الْخَبْزِ، وَكَانَ الْمُصَنِّفُ مِمَّنْ لَا يُفَرِّقُ مِنْ الْمَشَايِخِ بَيْنَ كَوْنِ الصِّفَةِ الَّتِي ظَهَرَتْ خَيْرًا مِنْ الصِّفَةِ الَّتِي عُيِّنَتْ أَوْ لَا فِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ كَمَا أَطْلَقَ فِي الْمُحِيطِ ثُبُوتَ الْخِيَارِ، وَذَهَبَ آخَرُونَ مِنْهُمْ صَدْرُ الْإِسْلَامِ وَظَهِيرُ الدِّينِ إلَى أَنَّهُ إنَّمَا يَثْبُتُ إذَا كَانَ الْمَوْجُودُ أَنْقَصَ، وَصَحَّحَ الْأَوَّلَ لِفَوَاتِ غَرَضِ الْمُشْتَرِي، وَكَانَ مُسْتَنَدُ الْمُفَصِّلِينَ مَا تَقَدَّمَ فِيمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ كَافِرٌ فَإِذَا هُوَ مُسْلِمٌ لَا خِيَارَ لَهُ لِأَنَّهُ خَيْرٌ مِمَّا عَيَّنَ، وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الْغَرَضَ، وَهُوَ اسْتِخْدَامُ الْعَبْدِ بِمَا لَا يَلِيقُ بِهِ لَا يَتَفَاوَتُ بَيْنَ مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ مِنْ الزِّرَاعَةِ وَأُمُورِهَا أَوْ التِّجَارَةِ وَأُمُورِهَا بِخِلَافِ تَعْيِينِ الْخُبْزِ أَوْ الْكِتَابَةِ فَإِنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ حَاجَتَهُ الَّتِي لِأَجْلِهَا اُشْتُرِيَ هِيَ هَذَا الْوَصْفُ. اهـ. وَقَدْ ظَهَرَ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ مَنْ اشْتَرَى فُصُوصًا ثُمَّ اخْتَلَفَا قَالَ الْمُشْتَرِي شَرَطْتَ لِي يَاقُوتًا، وَأَنْكَرَهُ الْبَائِعُ أَنَّهُ إنْ كَانَ مَا ظَهَرَ مِنْ خِلَافِ جِنْسِ الْيَاقُوتِ تَحَالَفَا، وَفُسِخَ الْبَيْعُ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي جِنْسِ الْمَبِيعِ، وَإِنْ كَانَ مَا ظَهَرَ مِنْ جِنْسِهِ، وَإِنَّمَا الْفَائِتُ الْوَصْفُ فَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ بِمَرْأًى مِنْ عَيْنِ الْمُشْتَرِي وَقْتَ الْبَيْعِ فَلَا خِيَارَ لَهُ، وَلَوْ أَقَرَّ الْبَائِعُ بِالشَّرْطِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ اشْتِرَاطِ الْخُبْزِ وَالْكِتَابَةِ قُبَيْلَ بَابِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ، وَإِلَّا فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي اشْتِرَاطِ وَصْفٍ كَالِاخْتِلَافِ فِي اشْتِرَاطِ الْخُبْزِ، وَلِذَا صَوَّرَهَا فِي الْفَتْحِ بِمَا إذَا اشْتَرَيَاهُ لَيْلًا   [منحة الخالق] حَقُّ الْقَرَارِ، وَكَذَا لَوْ انْهَدَمَ هَذَا الْعُلْوُ كَانَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَبْنِيَ عَلَيْهِ عُلْوًا آخَرَ مِثْلَ الْأَوَّلِ لِأَنَّ السُّفْلَ اسْمٌ لِمَبْنًى مُسَقَّفٍ فَكَانَ سَطْحُ السُّفْلِ سَقْفًا لِلسُّفْلِ اهـ. فَتَأَمَّلْهُ مَعَ قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ لِأَنَّ الْمَبِيعَ الْبِنَاءُ. (قَوْلُهُ كَذَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ) أَيْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ بِمَا لَا يَلِيقُ بِهِ) أَيْ بِالسَّيِّدِ تَأَمَّلْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 89 لِإِخْرَاجِ مَا إذَا كَانَ نَهَارًا بِمَرْأًى مِنْ عَيْنِهِ، وَقَدْ صَارَتْ حَادِثَةُ الْفَتْوَى، وَأَجَبْتُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ. (قَوْلُهُ وَشِرَاءُ مَا بَاعَ بِالْأَقَلِّ قَبْلَ النَّقْدِ) أَيْ لَمْ يَجُزْ شِرَاءُ الْبَائِعِ مَا بَاعَ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ فَهُوَ مَرْفُوعٌ عَطْفًا عَلَى بَيْعٍ لَا أَنَّهُ مَجْرُورٌ عَطْفًا عَلَى الْمَجْرُورَاتِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَصَارَ الْمَعْنَى لَمْ يَجُزْ بَيْعُ شِرَاءٍ وَهُوَ فَاسِدٌ، وَإِنَّمَا مَنَعْنَا جَوَازَهُ اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - لِتِلْكَ الْمَرْأَةِ، وَقَدْ بَاعَتْ بِسِتِّمِائَةٍ بَعْدَمَا اشْتَرَتْ بِثَمَانِمِائَةٍ بِئْسَ مَا شَرَيْتِ، وَاشْتَرَيْتِ أَبْلِغِي زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبْطَلَ حَجَّهُ، وَجِهَادَهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنْ لَمْ يَتُبْ، وَلِأَنَّ الثَّمَنَ لَمْ يَدْخُلْ فِي ضَمَانِهِ فَإِذَا وَصَلَ إلَيْهِ الْمَبِيعُ وَقَعَتْ الْمُقَاصَصَةُ فَبَقِيَ لَهُ فَضْلٌ بِلَا عِوَضٍ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ بِالْعَرْضِ لِأَنَّ الْفَضْلَ إنَّمَا يَظْهَرُ عِنْدَ الْمُجَانَسَةِ أَطْلَقَ فِي الشِّرَاءِ فَشَمِلَ شِرَاءَهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَالشِّرَاءُ مِنْ وَجْهٍ كَشِرَاءِ مَنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لَهُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَيْضًا كَشِرَائِهِ بِنَفْسِهِ خِلَافًا لَهُمَا فِي غَيْرِ الْعَبْدِ، وَالْمُكَاتَبِ أَطْلَقَ فِيمَا بَاعَهُ فَشَمِلَ مَا بَاعَهُ بِنَفْسِهِ أَوْ بِوَكِيلِهِ، وَمَا بَاعَهُ أَصَالَةً أَوْ وَكَالَةً كَمَا شَمِلَ الشِّرَاءَ لِنَفْسِهِ وَلِغَيْرِهِ إذَا كَانَ هُوَ الْبَائِعُ، وَشَمِلَ أَيْضًا شِرَاءَ الْكُلِّ أَوْ الْبَعْضِ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ، وَخَرَجَ شِرَاءُ وَارِثِ الْبَائِعِ وَوَكِيلِهِ عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ لَهُ لِكَوْنِهِ أَصِيلًا فِي الْحُقُوقِ خِلَافًا لَهُمَا لِكَوْنِهِ قَائِمًا مَقَامَهُ، وَلَكِنْ لَا تَطِيبُ لَهُ الزِّيَادَةُ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَإِنْ مَلَكَهَا. وَأَمَّا شِرَاءُ الْبَائِعِ مِمَّنْ اشْتَرَى مِنْ مُشْتَرِيهِ فَجَائِزٌ وِفَاقًا، وَشَرَطَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ لِجَوَازِ شِرَاءِ وَارِثِ الْبَائِعِ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لِلْمُوَرِّثِ فِي حَيَاتِهِ، وَإِلَّا لَا يَجُوزُ، وَهُوَ قَيْدٌ حَسَنٌ أَغْفَلَهُ كَثِيرٌ، وَإِنْ كَانَ مَعْلُومًا مِنْ بَيَانِ حُكْمِ شِرَاءِ مَنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لَهُ، وَأَوْرَدَ الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الشِّرَاءَ مِنْ مُشْتَرِيهِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا كَالشِّرَاءِ مِنْ وَارِثِ مُشْتَرِيهِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْوَارِثَيْنِ أَنَّ وَارِثَ الْبَائِعِ إنَّمَا لَمْ يَقُمْ مَقَامَهُ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا لَا يُوَرَّثُ، وَهُوَ إنَّمَا يَقُومُ مَقَامَهُ فِيمَا يُوَرَّثُ بِخِلَافِ وَارِثِ الْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ قَامَ مَقَامَهُ فِي مِلْكِ الْعَيْنِ، وَهَذَا مِنْ أَحْكَامِهِمَا، وَقَيَّدَ بِمَا بَاعَ لِأَنَّ الْمَبِيعَ لَوْ انْتَقَصَ خَرَجَ أَنْ يَكُونَ شِرَاءَ مَا بَاعَ فَيَكُونَ النُّقْصَانُ مِنْ الثَّمَنِ فِي مُقَابَلَةِ مَا نَقَصَ مِنْ الْعَيْنِ سَوَاءٌ كَانَ النُّقْصَانُ مِنْ الثَّمَنِ بِقَدْرِ مَا نَقَصَ مِنْهَا أَوْ بِأَكْثَرَ مِنْهُ، وَعَلَى هَذَا تَفَرَّعَ مَا قَالُوا لَوْ وَلَدَتْ الْجَارِيَةُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي ثُمَّ اشْتَرَاهَا الْبَائِعُ بِأَقَلَّ إنْ كَانَتْ الْوِلَادَةُ نَقَصَتْهَا جَازَ كَمَا لَوْ دَخَلَهَا عَيْبٌ عِنْدَ الْمُشْتَرِي ثُمَّ اشْتَرَاهَا مِنْهُ بِالْأَقَلِّ، وَإِنْ لَمْ تَنْقُصْهَا لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِهِ رِبْحٌ لَمْ يَدْخُلْ فِي ضَمَانِهِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ النُّقْصَانُ فِيهَا مِنْ حَيْثُ الذَّاتُ لِأَنَّ الْعَيْنَ لَوْ نَقَصَتْ قِيمَتُهَا بِتَغَيُّرِ الْأَسْعَارِ لَمْ يَجُزْ الشِّرَاءُ بِالْأَقَلِّ لِأَنَّ تَغْيِيرَ السِّعْرِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي حَقِّ الْأَحْكَامِ لِأَنَّهُ فُتُورٌ فِي الرَّغَبَاتِ لَا فَوَاتُ جُزْءٍ كَمَا فِي حَقِّ الْغَاصِبِ وَغَيْرِهِ فَعَادَ إلَيْهِ كَمَا خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ فَظَهَرَ الرِّبْحُ، وَقَيَّدَ بِالْأَقَلِّ احْتِرَازًا عَنْ الْمِثْلِ أَوْ الْأَكْثَرِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ، وَلَا بُدَّ مِنْ اتِّحَادِ جِنْسِ الثَّمَنَيْنِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَظْهَرُ النُّقْصَانُ فَإِنْ اخْتَلَفَ الْجِنْسُ جَازَ مُطْلَقًا، وَالدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ هُنَا جِنْسٌ وَاحِدٌ احْتِيَاطًا. وَقَدَّمْنَا أَنَّهُمَا جِنْسَانِ إلَّا فِي ثَمَانِيَةٍ فِي أَوَّلِ الْبُيُوعِ فَإِذَا كَانَ النَّقْدُ الثَّانِي أَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ الْأَوَّلِ لَمْ يَجُزْ، وَأَطْلَقَ فِي الْأَقَلِّيَّةِ فَشَمِلَ الْأَقَلَّ قَدْرًا، وَالْأَقَلَّ وَصْفًا فَلَوْ بَاعَ بِأَلْفٍ نَسِيئَةً إلَى سَنَةٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِأَلْفٍ نَسِيئَةً إلَى سَنَتَيْنِ فَسَدَ عِنْدَنَا، وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ قَبْلَ النَّقْدِ إذْ بَعْدَهُ لَا فَسَادَ، وَفِي الْقُنْيَةِ لَوْ قَبَضَ نِصْفَ الثَّمَنِ ثُمَّ اشْتَرَى النِّصْفَ بِأَقَلَّ مِنْ نِصْفِ الثَّمَنِ لَمْ يَجُزْ، وَكَذَا لَوْ أَحَالَ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي اهـ. وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ، وَإِنْ بَقِيَ مِنْ ثَمَنِهِ دِرْهَمٌ، وَلَا بُدَّ مِنْ نَقْدِ جَمِيعِ الثَّمَنِ، وَلَوْ خَرَجَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ، وَسَوَاءٌ كَانَ الثَّمَنُ حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ وَخَرَجَ شِرَاءُ وَارِثِ الْبَائِعِ، وَوَكِيلِهِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَبُو حَنِيفَةَ لَمْ يَجْعَلْ الْمُوَكِّلَ مُشْتَرِيًا بِشِرَاءِ الْوَكِيلِ حَتَّى قَالَ لَوْ بَاعَ الرَّجُلُ شَيْئًا بِنَفْسِهِ ثُمَّ وَكَّلَ رَجُلًا أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ مَا بَاعَ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ فَاشْتَرَاهُ الْوَكِيلُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا، وَكَذَلِكَ الْجَوَابُ فِيمَا إذَا اشْتَرَى مِنْ وَارِثِ مَنْ بَاعَ مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ الشِّرَاءِ مِمَّنْ بَاعَ، وَلَمْ يَجْعَلْ مُحَمَّدٌ شِرَاءَ وَارِثِ الْبَائِعِ بِمَنْزِلَةِ شِرَاءِ الْبَائِعِ حَتَّى قَالَ لَوْ مَاتَ الْبَائِعُ فَاشْتَرَى وَارِثُهُ مَا بَاعَ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ جَازَ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي الْفَصْلَيْنِ جَمِيعًا، وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا قَالُوا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي وَارِثًا لِلْبَائِعِ نَظِيرُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا كَانَ غَيْرَ وَارِثٍ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ أَمَّا إذَا كَانَ وَارِثًا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ كَالْوَالِدِ وَالْوَلَدِ، وَمَنْ بِمَثَابَتِهِمَا لَا يَجُوزُ شِرَاؤُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - خِلَافًا لَهُمَا، وَبَعْضُهُمْ قَالُوا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يَجُوزُ شِرَاءُ وَارِثِ الْبَائِعِ عَلَى كُلِّ حَالٍ سَوَاءٌ كَانَ وَارِثُ الْبَائِعِ مِمَّنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ أَوْ لَا كَمَا هُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ، وَتَمَامُهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة. (قَوْلُهُ خِلَافًا لَهُمَا) أَيْ فِي مَسْأَلَةِ شِرَاءِ الْوَكِيلِ كَمَا يُفِيدُهُ التَّعْلِيلُ، وَعِبَارَةُ التَّتَارْخَانِيَّة السَّابِقَةُ (قَوْلُهُ إنَّ وَارِثَ الْبَائِعِ إنَّمَا لَمْ يَقُمْ مَقَامَهُ إلَخْ) اُنْظُرْ مَعَ هَذَا وَجْهُ مَا قَدَّمَهُ آنِفًا عَنْ السِّرَاجِ، وَاسْتَحْسَنَهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 90 الْمَبِيعُ عَنْ مِلْكِ الْمُشْتَرِي ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ فَإِنْ عَادَ إلَيْهِ بِحُكْمِ مِلْكٍ جَدِيدٍ كَالْإِقَالَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ بِالشِّرَاءِ أَوْ الْهِبَةِ أَوْ بِالْمِيرَاثِ فَشِرَاءُ الْبَائِعِ مِنْهُ بِالْأَقَلِّ جَائِزٌ، وَإِنْ عَادَ إلَيْهِ بِمَا هُوَ فِي فَسْخٍ بِخِيَارِ رُؤْيَةٍ أَوْ شَرْطٍ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ فَالشِّرَاءُ مِنْهُ بِالْأَقَلِّ لَا يَجُوزُ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ. وَذَكَرَ الشَّارِحُ هُنَا فُرُوعًا فَقَالَ (قَوْلُهُ وَصَحَّ فِيمَا ضُمَّ إلَيْهِ) أَيْ صَحَّ الْبَيْعُ فِي الْمَضْمُومِ إلَى شِرَاءِ مَا بَاعَهُ بِالْأَقَلِّ قَبْلَ النَّقْدِ كَأَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً بِخَمْسِمِائَةٍ ثُمَّ بَاعَهَا، وَأُخْرَى مَعَهَا مِنْ الْبَائِعِ قَبْلَ أَنْ يَنْقُدَهُ الثَّمَنَ بِخَمْسِمِائَةٍ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ فِي الَّتِي لَمْ يَشْتَرِهَا مِنْ الْبَائِعِ، وَيَفْسُدُ فِي الْأُخْرَى لِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَجْعَلَ بَعْضَ الثَّمَنِ فِي مُقَابَلَةِ الَّتِي لَمْ يَشْتَرِهَا مِنْهُ فَيَكُونُ مُشْتَرِيًا لِلْأُخْرَى بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ، وَهَذَا فَاسِدٌ عِنْدَنَا، وَلَمْ يُوجَدْ هَذَا الْمَعْنَى فِي صَاحِبَتِهَا، وَلَا يَشِيعُ الْفَسَادُ لِكَوْنِهِ ضَعِيفًا لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ أَوْ لِأَنَّهُ بِاعْتِبَارِ شُبْهَةِ الرِّبَا أَوْ لِأَنَّهُ طَارِئٌ لِأَنَّهُ يَظْهَرُ بِانْقِسَامِ الثَّمَنِ وَالْمُقَاصَّةِ فَلَا يَسْرِي إلَى غَيْرِهَا، وَأَوْرَدَ عَلَى التَّعْلِيلِ الْأَوَّلِ مَا لَوْ أَسْلَمَ قُوهِيًّا فِي قُوهِيٍّ وَمَرْوِيٍّ فَإِنَّهُ بَاطِلٌ فِي الْكُلِّ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا يَصِحُّ فِي الْمَرْوِيِّ كَمَا لَوْ أَسْلَمَ حِنْطَةً فِي شَعِيرٍ، وَزَيْتٍ عِنْدَهُ يَبْطُلُ فِي الْكُلِّ، وَعِنْدَهُمَا يَصِحُّ فِي حِصَّةِ الزَّيْتِ مَعَ أَنَّ إفْسَادَ الْعَقْدِ بِسَبَبِ الْجِنْسِيَّةِ مُجْتَهَدٌ فِيهِ فَإِنْ أَسْلَمَ هَرَوِيًّا فِي هَرَوِيٌّ جَازَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَلَا مَخْلَصَ مِنْهُ إلَّا بِتَغْيِيرِ تَعْلِيلِ تَعَدِّي الْفَسَادِ بِقُوَّةِ الْفَسَادِ بِالْإِجْمَاعِ عَلَيْهِ إلَى تَعْلِيلِهِ بِأَنَّهُ يَجْعَلُ الشَّرْطَ الْفَاسِدَ فِي أَحَدِهِمَا، وَهُوَ قَبُولُ الْعَقْدِ فِي الْهَرَوِيِّ شَرْطًا لِقَبُولِهِ فِي الْمَرْوِيِّ فَيَفْسُدُ فِي الْمَرْوِيِّ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ، وَفِي الْهَرَوِيِّ بِاتِّحَادِ الْجِنْسِ كَذَا اعْتَرَفَ بِهِ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ بَعْدَ أَنْ عَلَّلَ بِهِ هُوَ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ. وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ الْبَائِعَ لَوْ اشْتَرَاهُ مَعَ رَجُلٍ آخَرَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ فِي نِصْفِهِ. (قَوْلُهُ وَزَيْتٍ عَلَى أَنْ يَزِنَهُ بِظَرْفِهِ وَيَطْرَحَ عَنْهُ مَكَانَ كُلِّ ظَرْفٍ خَمْسِينَ رِطْلًا وَصَحَّ لَوْ شَرَطَ أَنْ يَطْرَحَ عَنْهُ بِوَزْنِ الظَّرْفِ) أَيْ لَمْ يَجُزْ بَيْعُ شَيْءٍ بِهَذَا الشَّرْطِ، وَصَحَّ الْبَيْعُ بِالشَّرْطِ الثَّانِي لِأَنَّ الشَّرْطَ الْأَوَّلَ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ، وَالثَّانِي يَقْتَضِيهِ (قَوْلُهُ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الزِّقِّ فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي) يَعْنِي لَوْ رَدَّ الْمُشْتَرِي الزِّقَّ، وَهُوَ عَشَرَةُ أَرْطَالٍ فَقَالَ الْبَائِعُ الزِّقُّ غَيْرُهُ، وَهُوَ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّهُ إنْ اُعْتُبِرَ اخْتِلَافًا فِي تَعْيِينِ الزِّقِّ الْمَقْبُوضِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْقَابِضِ ضَمِينًا كَانَ أَوْ أَمِينًا، وَإِنْ اُعْتُبِرَ اخْتِلَافًا فِي السَّمْنِ فَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ اخْتِلَافٌ فِي الثَّمَنِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ يُنْكِرُ الزِّيَادَةَ، وَإِذَا بَرْهَنَ الْبَائِعُ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ، وَأُورِدَ عَلَى مَا فِي الْكِتَابِ مَسْأَلَتَانِ إحْدَاهُمَا مَا إذَا بَاعَ عَبْدَيْنِ، وَقَبَضَهُمَا الْمُشْتَرِي، وَمَاتَ أَحَدُهُمَا عِنْدَهُ، وَجَاءَ بِالْآخَرِ يَرُدُّهُ بِعَيْبٍ، وَاخْتَلَفَا فِي قِيمَةِ الْمَيِّتِ فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ، وَالثَّانِيَةُ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي الثَّمَنِ يُوجِبُ التَّحَالُفَ، وَهُنَا جَعَلَ الْقَوْلَ لِلْمُشْتَرِي عَلَى تَقْدِيرِ اخْتِلَافِهِمَا فِي الثَّمَنِ، وَأُجِيبُ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّهَا مَعَ هَذِهِ طَرْدٌ فَإِنَّ كَوْنَ الْقَوْلِ لِلْمُشْتَرِي لِإِنْكَارِهِ لِلزِّيَادَةِ، وَهُنَاكَ إنَّمَا كَانَ لِلْبَائِعِ لِإِنْكَارِهِ الزِّيَادَةَ، وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ التَّحَالُفَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فِيهَا عِنْدَ وُجُودِ الِاخْتِلَافِ فِي الثَّمَنِ قَصْدًا، وَهُنَا الِاخْتِلَافُ فِيهِ تَبَعٌ لِاخْتِلَافِهِمَا فِي الزِّقِّ الْمَقْبُوضِ أَهُوَ هَذَا أَمْ لَا فَلَا يُوجِبُ التَّحَالُفَ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَالزِّقُّ بِالْكَسْرِ الظَّرْفُ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ ظَرْفُ زَيْتٍ أَوْ قِيرٍ، وَالْجَمْعُ أَزْقَاقٌ، وَزِقَاقٌ، وَزُقَّانٌ مِثْلُ كِتَابٍ وَرُغْفَانٍ كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ. (قَوْلُهُ وَلَوْ أَمَرَ ذِمِّيًّا بِشِرَاءِ خَمْرٍ أَوْ بَيْعِهَا صَحَّ) أَيْ التَّوْكِيلُ، وَبَيْعُ الْوَكِيلِ، وَشِرَاؤُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا لَا يَجُوزُ عَلَى الْمُسْلِمِ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْخِنْزِيرُ، وَعَلَى هَذَا تَوْكِيلُ الْمُحْرِمِ غَيْرَهُ بِبَيْعِ صَيْدِهِ، لَهُمَا أَنَّ الْمُوَكِّلَ لَا يَلِيهِ فَلَا يُوَلِّيهِ غَيْرُهُ، وَلِأَنَّ مَا يَثْبُتُ لِلْوَكِيلِ يَنْتَقِلُ إلَى الْمُوَكِّلِ فَصَارَ كَأَنَّهُ بَاشَرَهُ بِنَفْسِهِ فَلَا يُجْزِئُهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْعَاقِدَ هُوَ الْوَكِيلُ بِأَهْلِيَّتِهِ وَوِلَايَتِهِ وَانْتِقَالُ الْمِلْكِ إلَى الْآمِرِ أَمْرٌ حُكْمِيٌّ فَلَا يُمْنَعُ بِسَبَبِ الْإِسْلَامِ كَمَا إذَا وَرِثَهُمَا ثُمَّ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَلَا يَشِيعُ الْفَسَادُ لِكَوْنِهِ ضَعِيفًا لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَقُولُ: وَلَمْ يَسْرِ الْفَسَادُ إلَى الثَّانِيَةِ لِأَنَّهُ ضَعِيفٌ لِكَوْنِهِ مُجْتَهَدًا فِيهِ أَيْ مَحَلَّ اجْتِهَادٍ، وَقَابِلٌ لَهُ، وَإِلَّا فَخِلَافُ الشَّافِعِيِّ إنَّمَا جَاءَ بَعْدَ وَضْعِ الْمَسْأَلَةِ فَكَيْفَ يُوضَعُ عَلَى شَيْءٍ لَمْ يَقَعْ بَعْدُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْخِلَافُ وَاقِعًا قَبْلَ، وَضْعِهَا بَلْ هُوَ الْأَظْهَرُ، وَنُوقِضَ بِمَا إذَا بَاعَهُمَا بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ فَإِنَّ الْبَيْعَ فَاسِدٌ نَصَّ عَلَيْهِ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ، وَلَوْ كَانَ الْفَسَادُ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ مَا ذَكَرَ لَمَا فَسَدَ لِأَنَّهُ عِنْدَ الْقِسْمَةِ يُصِيبُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَكْثَرُ مِنْ خَمْسِمِائَةٍ قَالَ فِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 91 إنْ كَانَ خَمْرًا يُخَلِّلُهَا، وَيَدْفَعُ ثَمَنَهَا إلَى الْوَكِيلِ، وَإِنْ كَانَ خِنْزِيرًا يُسَيِّبُهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ ثَمَنِ مَا بَاعَهُ لَهُ قَالَ الشَّارِحُ يَتَصَدَّقُ بِثَمَنِ الْخَمْرِ إنْ بَاعَهَا الْوَكِيلُ لَهُ لِتَمَكُّنِ الْخُبْثِ فِيهِ، وَقَوْلُهُمَا إنَّهُ لَا يَلِيهِ فَلَا يُوَلِّيهِ مَنْقُوضٌ بِمَسَائِلِ الْوَكِيلِ بِشِرَاءِ مُعَيَّنٍ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ بِشِرَائِهِ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَلِهِ لِنَفْسِهِ، وَمِنْهَا إذَا مَاتَ ذِمِّيٌّ، وَلَهُ خَمْرٌ فَلِلْقَاضِي أَنْ يَأْمُرَ ذِمِّيًّا بِبَيْعِهَا مَعَ أَنَّهُ لَا يَلِيهِ بِنَفْسِهِ، وَمِنْهَا الْمُسْلِمُ الْوَصِيُّ لِذِمِّيٍّ يُوَكِّلُ ذِمِّيًّا بِبَيْعِ خَمْرِهِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَلِيهِ، وَقَدْ كَتَبْنَا فِي الْفَوَائِدِ غَيْرَ هَذِهِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بَقِيَ أَنْ يُقَالَ إذَا كَانَ حُكْمُ هَذِهِ الْوَكَالَةِ فِي الْبَيْعِ أَنْ لَا يَنْتَفِعَ بِالثَّمَنِ، وَفِي الشِّرَاءِ أَنْ يُسَيِّبَ الْخِنْزِيرَ، وَيُرِيقَ الْخَمْرَ أَوْ يُخَلِّلَهَا بَقِيَ تَصَرُّفًا غَيْرَ مُعَقَّبٍ لِفَائِدَتِهِ، وَكُلُّ مَا هُوَ كَذَلِكَ لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ هَذِهِ الْوَكَالَةَ تُكْرَهُ أَشَدَّ مَا يَكُونُ مِنْ الْكَرَاهَةِ، وَهِيَ لَيْسَ إلَّا كَرَاهَةَ التَّحْرِيمِ فَأَيُّ فَائِدَةٍ فِي الصِّحَّةِ. اهـ. وَفِي الْقُنْيَةِ مِنْ الزَّكَاةِ، مُسْلِمٌ لَهُ خَمْرٌ، وَكَّلَ ذِمِّيًّا بِبَيْعِهَا فَلِلْمُسْلِمِ أَنْ يَصْرِفَ ثَمَنَهَا إلَى الْفُقَرَاءِ مِنْ زَكَاةِ مَالِهِ، وَتَصِحُّ اهـ. (قَوْلُهُ وَأَمَةٍ عَلَى أَنْ يَعْتِقَ الْمُشْتَرِي أَوْ يُدَبِّرَ أَوْ يُكَاتِبَ أَوْ يَسْتَوْلِدَ أَوْ إلَّا حَمْلَهَا أَوْ يَسْتَخْدِمَ الْبَائِعُ شَهْرًا أَوْ دَارًا عَلَى أَنْ يَسْكُنَ أَوْ يُقْرِضَ الْمُشْتَرِي دِرْهَمًا أَوْ يُهْدِيَ لَهُ أَوْ يُسَلِّمَ إلَى كَذَا أَوْ ثَوْبٍ عَلَى أَنْ يَقْطَعَهُ الْبَائِعُ أَوْ يَخِيطَهُ قَمِيصًا) أَيْ لَمْ يَجُزْ بَيْعُ أَمَةٍ بِشَرْطٍ مِنْهَا، وَهُوَ فَاسِدٌ لِأَنَّهُ بَيْعٌ، وَشَرْطٌ، وَقَدْ «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ» كَمَا رَوَاهُ عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَخَصَّصَهُ الشَّافِعِيُّ بِمَا عَدَا الْعِتْقَ، وَجَوَّزَ الْبَيْعَ بِشَرْطِ الْعِتْقِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا ذَكَرَهُ الْأَقْطَعُ عَمَلًا بِحَدِيثِ بَرِيرَةَ فَإِنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - اشْتَرَتْهَا بِشَرْطِ الْعِتْقِ، وَأَجَازَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَأَبْطَلَ الشَّرْطَ فَقَالَ خُذِيهَا وَاشْتَرِطِي لَهُمْ الْوَلَاءَ إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ، وَلَمْ يَخُصَّهُ بِهِ أَصْحَابُنَا بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِمْ أَنَّ الْعَامَّ يُعَارِضُ الْخَاصَّ، وَيَطْلُبُ مِنْهُ أَسْبَابَ التَّرْجِيحِ، وَالْمُرَجِّحُ هُنَا الْعَامُّ، وَهُوَ النَّهْيُ عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ لِكَوْنِهِ مَانِعًا، وَحَدِيثُ بَرِيرَةَ مُبِيحٌ فَيُحْمَلُ عَلَى مَا قَبْلَ النَّهْيِ، وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فِي مُسْلِمٍ مِنْ أَنَّهُ «بَاعَ جَمَلًا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَشَرَطَ لَهُ ظَهْرَهُ إلَى الْمَدِينَةِ» فَعَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ لَمْ يَقَعْ الشَّرْطُ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ فَلَمْ يَفْسُدْ، وَعَلَى أَصْلِنَا قَدَّمَ الْعَامَّ الْحَاظِرَ عَلَى الْخَاصِّ الْمُبِيحِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِالْعِتْقِ، وَمَا عَطَفَ عَلَيْهِ إلَى كُلِّ شَرْطٍ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ، وَلَا يُلَائِمُهُ، وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ أَوْ لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الِاسْتِحْقَاقِ، وَلَمْ يَجْرِ الْعُرْفُ بِهِ، وَلَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ بِجَوَازِهِ فَلَا بُدَّ فِي كَوْنِ الشَّرْطِ مُفْسِدًا لِلْبَيْعِ مِنْ هَذِهِ الشَّرَائِطِ الْخَمْسَةِ فَإِنْ كَانَ الشَّرْطُ يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ فَإِنَّهُ لَا يَفْسُدُ كَشَرْطِهِ أَنْ يَحْبِسَ الْمَبِيعَ إلَى قَبْضِ الثَّمَنِ وَنَحْوِهِ فَإِنْ كَانَ لَا يَقْتَضِيهِ لَكِنْ ثَبَتَ تَصْحِيحُهُ شَرْعًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ كَشَرْطِ الْأَجَلِ فِي الثَّمَنِ، وَفِي الْمَبِيعِ السَّلَمِ، وَشَرْطُ الْخِيَارِ لَا يُفْسِدُهُ، وَإِنْ كَانَ مُتَعَارَفًا كَشِرَاءِ النَّعْلِ عَلَى أَنْ يَحْذُوَهَا الْبَائِعُ أَوْ يُشْرِكَهَا فَهُوَ جَائِزٌ، وَإِنْ كَانَ مُلَائِمًا لِلْبَيْعِ لَا يُفْسِدُهُ كَالْبَيْعِ بِشَرْطِ كَفِيلٍ بِالثَّمَنِ إذَا كَانَ حَاضِرًا، وَقَبِلَهَا أَوْ غَائِبًا فَحَضَرَ، وَقَبِلَ قَبْلَ التَّفَرُّقِ، وَكَشَرْطِ رَهْنٍ مَعْلُومٍ بِالْإِشَارَةِ أَوْ التَّسْمِيَةِ فَإِنَّ حَاصِلَهُمَا التَّوَثُّقُ لِلثَّمَنِ قَيَّدْنَا بِحَضْرَةِ الْكَفِيلِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ غَائِبًا فَحَضَرَ، وَقَبِلَ بَعْدَ التَّفَرُّقِ أَوْ كَانَ حَاضِرًا فَلَمْ يَقْبَلْ لَمْ يَجُزْ، وَقَيَّدْنَا بِكَوْنِ الرَّهْنِ مُسَمًّى لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مُسَمًّى، وَلَا مُشَارًا إلَيْهِ لَمْ يَجُزْ إلَّا إذَا تَرَاضَيَا عَلَى تَعْيِينِهِ فِي الْمَجْلِسِ، وَدَفْعِهِ إلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا أَوْ يُعَجِّلُ الثَّمَنَ، وَيُبْطِلَانِ الرَّهْنَ، وَإِذَا كَانَ مُسَمًّى فَامْتَنَعَ عَنْ تَسْلِيمِهِ لَمْ يُجْبَرْ، وَإِنَّمَا يُؤْمَرُ بِدَفْعِ الثَّمَنِ فَإِنْ لَمْ يَدْفَعْهُمَا خُيِّرَ الْبَائِعُ فِي الْفَسْخِ، وَاشْتِرَاطُ الْحَوَالَةِ كَالْكَفَالَةِ، وَمَعْنَى كَوْنِ الشَّرْطِ يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ أَنْ يَجِبَ بِالْعَقْدِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ، وَمَعْنَى كَوْنِهِ مُلَائِمًا أَنْ يُؤَكِّدَ مُوجَبَ الْعَقْدِ كَذَا فِي   [منحة الخالق] الْفَتْحِ، وَالْحَقُّ أَنَّ بَيْنَهُمَا فَرْقًا فَإِنَّ هُنَاكَ الْمُوجِبَاتِ مُتَحَقِّقَةٌ، وَهُنَا الْمُجَوِّزُ مَوْقُوفٌ عَلَى الِاعْتِبَارِ فَإِذَا اُعْتُبِرَ وَاحِدٌ أَمْكَنَ اعْتِبَارُ غَيْرِهِ لَكِنَّهُ لَا يَزِيدُ النَّظَرُ إلَّا وَكَادَةً فَإِنَّ الْآخَرَ قَبْلَ الِاعْتِبَارِ لَا وُجُودَ لَهُ، وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يَعْمَلْ الْمُجَوِّزُ الَّذِي وُجِدَ، وَتَحَقَّقَ بِتَحَقُّقِ الِاعْتِبَارِ فَلْيُتَأَمَّلْ كَذَا فِي النَّهْرِ اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ خِنْزِيرًا يُسَيِّبُهُ) اُنْظُرْ لِمَ لَمْ يَقُولُوا بِقَتْلِهِ مَعَ أَنَّ تَسْيِيبَ السَّوَائِبِ لَا يَحِلُّ (قَوْلُهُ وَكُلُّ مَا هُوَ كَذَلِكَ لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ مِثْلَهُ لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ أَمَّا فِي الْبَيْعِ فَلِأَنَّ عَدَمَ طِيبِ الثَّمَنِ لَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ الصِّحَّةِ إذْ قَدْ مَرَّ قَرِيبًا أَنَّ شَعْرَ الْخِنْزِيرِ إذَا لَمْ يُوجَدْ مُبَاحُ الْأَصْلِ جَازَ بَيْعُهُ، وَإِنْ لَمْ يَطِبْ ثَمَنُهُ، وَأَمَّا فِي الشِّرَاءِ فَقَدْ أَفَادَهُ فَائِدَةً فِي الْجُمْلَةِ هِيَ تَخْلِيلُ الْخَمْرِ، وَمِثْلُهُ لَا يُعَدُّ غَيْرَ مَشْرُوعٍ (قَوْلُهُ وَفِي الْقُنْيَةِ مِنْ الزَّكَاةِ إلَخْ) كَأَنَّهُ ذَكَرَهُ اسْتِدْرَاكًا عَلَى قَوْلِ الْفَتْحِ فَأَيُّ فَائِدَةٍ فِي الصِّحَّةِ. (قَوْلُهُ بِشَرْطٍ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْمَتْنِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 92 الذَّخِيرَةِ، وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ أَنْ يَكُونَ رَاجِعًا إلَى صِفَةِ الْمَبِيعِ أَوْ الثَّمَنِ كَاشْتِرَاطِ الْخَبْزِ وَالطَّبْخِ وَالْكِتَابَةِ، وَفِيهَا يُقَالُ لِلْمُشْتَرِي فِي مَسْأَلَةِ الرَّهْنِ ادْفَعْهُ أَوْ عَجِّلْ الثَّمَنَ. وَفِي الْقُدُورِيِّ يُقَالُ لِلْمُشْتَرِي إمَّا أَنْ تَدْفَعَ الرَّهْنَ أَوْ قِيمَتَهُ أَوْ تَفْسَخَ الْعَقْدَ لِأَنَّ يَدَ الِاسْتِيفَاءِ لِلْبَائِعِ إنَّمَا تَثْبُتُ عَلَى الْمَعْنَى، وَهُوَ الْقِيمَةُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الرَّهْنَ لَوْ هَلَكَ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يَدْفَعُ قِيمَتَهُ أَوْ يُعَجِّلَ الثَّمَنَ، وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا عَلَى أَنْ يُعْطِيَ الْبَائِعُ الْمُشْتَرِيَ كَفِيلًا بِمَا أَدْرَكَهُ مِنْ دَرْكٍ فَإِنْ كَانَ الْكَفِيلُ مَجْهُولًا فَسَدَ الْبَيْعُ، وَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا حَاضِرًا، وَقَبِلَ أَوْ كَانَ غَائِبًا فَحَضَرَ قَبْلَ التَّفَرُّقِ، وَقَبِلَ جَازَ. اهـ. وَلَمْ يَذْكُرْ الرَّهْنَ عَلَى الدَّرْكِ لِأَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ، وَتَفْسِيرُ الْمَنْفَعَةِ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ اشْتِرَاطُ أَنْ يَهَبَهُ الْمُشْتَرِي شَيْئًا أَوْ يُقْرِضَهُ أَوْ يَسْكُنَ الدَّارَ شَهْرًا أَوْ يَخْدُمَهُ الْعَبْدُ شَهْرًا، وَلَوْ شَرَطَ أَنَّ خَرَاجَهَا عَلَى الْبَائِعِ فَسَدَ، وَإِنْ شَرَطَ الزَّائِدَ عَلَى خَرَاجِهَا عَلَيْهِ جَازَ لِأَنَّهُ شَرَطَ أَنْ لَا يَجِبَ عَلَيْهِ تَحَمُّلُ الظُّلْمِ، وَلَوْ شَرَطَ أَنَّ خَرَاجَهَا كَذَا فَجَاءَ أَزْيَدَ أَوْ أَنْقَصَ فَسَدَ الْبَيْعُ لِأَنَّهُ بَاعَ بِشَرْطِ أَنْ يَجِبَ عَلَى الْمُشْتَرِي خَرَاجُ أَرْضٍ أُخْرَى هَذَا إذَا عَلِمَ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ جَازَ، وَيُجِيزُ الْمُشْتَرِي، وَلَوْ اشْتَرَطَ خَرَاجِيَّةَ الْأَصْلِ بِلَا خَرَاجٍ أَوْ غَيْرَ الْخَرَاجِيَّةِ مَعَ الْخَرَاجِ بِأَنْ كَانَ لِلْبَائِعِ خَرَاجِيَّةٌ وَضَعَ خَرَاجَهَا عَلَى هَذِهِ فَسَدَ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِي الْأَصْلِ خَرَاجِيَّةٌ فَوَضَعَ عَلَيْهَا جَازَ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَمِمَّا فِيهِ نَفْعٌ لِلْمُشْتَرِي اشْتِرَاطُ خِيَاطَةِ الثَّوْبِ عَلَى الْبَائِعِ أَوْ طَحْنِ الْحِنْطَةِ أَوْ قَطْعِ الثَّمَرَةِ، وَتَفْسِيرُهُ مَنْفَعَةُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الِاسْتِحْقَاقِ اشْتِرَاطَ أَنْ لَا يَبِيعَ الْعَبْدَ أَوْ لَا يَهَبَهُ أَوْ لَا يُخْرِجَهُ عَنْ مِلْكِهِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ فَإِنَّ الْمَمْلُوكَ يُسْرٌ أَنْ لَا تَتَدَاوَلَهُ الْأَيْدِي. وَكَذَا بِشَرْطِ أَنْ لَا يُخْرِجَهُ عَنْ مِلْكِهِ، وَفِي الْخُلَاصَةِ اشْتَرَى عَبْدًا عَلَى أَنْ يَبِيعَهُ جَازَ، وَعَلَى أَنْ يَبِيعَهُ مِنْ فُلَانٍ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ لَهُ طَالِبًا، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ اشْتَرَى عَبْدًا عَلَى أَنْ يُطْعِمَهُ لَمْ يَفْسُدْ، وَعَلَى أَنْ يُطْعِمَهُ خَبِيصًا فَسَدَ، وَقَيَّدْنَا بِكَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الِاسْتِحْقَاقِ أَيْ مِنْ أَهْلِ أَنْ يَسْتَحِقَّ حَقًّا عَلَى الْغَيْرِ، وَهُوَ الْآدَمِيُّ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ حَيَوَانًا غَيْرَ آدَمِيٍّ أَوْ ثَوْبًا فَالْبَيْعُ بِهَذَا الشَّرْطِ جَائِزٌ، وَخَرَجَ أَيْضًا مَا إذَا شَرَطَ مَنْفَعَةً لِأَجْنَبِيٍّ كَأَنْ يُقْرِضَ الْبَائِعَ أَجْنَبِيًّا فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ مَعْزِيًّا إلَى الصَّدْرِ الشَّهِيدِ قَالَ: وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّهُ يَفْسُدُ، وَصُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ اشْتَرَيْتُ مِنْكَ هَذَا عَلَى أَنْ تُقْرِضَنِي أَوْ تُقْرِضَ فُلَانًا، وَفِي الْمُنْتَقَى قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كُلُّ شَيْءٍ يَشْتَرِطُهُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ يَفْسُدُ بِهِ الْبَيْعُ فَإِذَا شَرَطَهُ عَلَى أَجْنَبِيٍّ فَهُوَ بَاطِلٌ كَمَا إذَا اشْتَرَى دَابَّةً عَلَى أَنْ يَهَبَهُ فُلَانٌ الْأَجْنَبِيُّ كَذَا فَهُوَ بَاطِلٌ كَمَا إذَا شَرَطَ عَلَى الْبَائِعِ أَنْ يَهَبَهُ، وَكُلُّ شَيْءٍ يَشْتَرِطُهُ عَلَى الْبَائِعِ لَا يَفْسُدُ بِهِ الْبَيْعُ فَإِذَا شَرَطَهُ عَلَى أَجْنَبِيٍّ فَهُوَ جَائِزٌ، وَهُوَ بِالْخِيَارِ، وَمِنْ ذَلِكَ مَا إذَا اشْتَرَى شَيْئًا عَلَى أَنْ يَحُطَّ فُلَانٌ الْأَجْنَبِيُّ عَنْهُ كَذَا جَازَ الْبَيْعُ، وَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ، وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا اشْتَرَى مِنْ آخَرَ شَيْئًا عَلَى أَنْ يَهَبَ الْبَائِعُ لِابْنِ الْمُشْتَرِي أَوْ لِأَجْنَبِيٍّ مِنْ الثَّمَنِ كَذَا فَسَدَ الْبَيْعُ، وَخَرَجَ أَيْضًا شَرْطٌ فِيهِ مَضَرَّةٌ لِأَحَدِهِمَا كَمَا لَوْ بَاعَ ثَوْبًا بِشَرْطِ أَنْ لَا يَبِيعَهُ، وَلَا يَهَبَهُ جَازَ الْبَيْعُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فَاسِدٌ، وَهُوَ رِوَايَةٌ. وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيمَا إذَا بَاعَ عَلَى أَنْ يُعْطِيَ ثَمَنَهُ مِنْ مَالِ فُلَانٍ وَمِنْ مَنْفَعَةِ الْبَائِعِ الْمُفْسِدَةِ لِلْبَيْعِ مَا إذَا شَرَطَ أَنْ يَدْفَعَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ إلَى غَرِيمِ الْبَائِعِ لِسُقُوطِ مُؤْنَةِ الْقَضَاءِ عَنْهُ، وَلِأَنَّ النَّاسَ يَتَفَاوَتُونَ فِي الِاسْتِيفَاءِ فَمِنْهُمْ مَنْ يُسَامِحُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُمَاكِسُ، وَمِنْهَا أَيْضًا مَا لَوْ بَاعَ بِأَلْفٍ، وَشَرَطَ أَنْ يَضْمَنَ الْمُشْتَرِي عَنْهُ أَلْفًا لِغَرِيمِهِ، وَمِنْ مَنْفَعَةِ الْمُشْتَرِي مَا إذَا بَاعَ بُسْتَانًا بِشَرْطِ أَنْ يَبْنِيَ الْبَائِعُ حَوَائِطَهُ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مَا لَوْ بَاعَ سَاحَةً عَلَى أَنْ يَبْنِيَ بِهَا مَسْجِدًا أَوْ طَعَامًا مَا عَلَى أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ فَاسِدٌ. اهـ. وَخَرَجَ أَيْضًا مَا لَا مَضَرَّةَ فِيهِ، وَلَا مَنْفَعَةَ كَأَنْ اشْتَرَى طَعَامًا بِشَرْطِ أَكْلِهِ أَوْ ثَوْبًا بِشَرْطِ لُبْسِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ، وَخَرَجَ عَنْ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَخَرَجَ أَيْضًا مَا إذَا شَرَطَ مَنْفَعَةَ الْأَجْنَبِيِّ) خَرَجَ بِقَوْلِهِ، وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لِأَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ، وَظَاهِرُ قَوْلِ الزَّيْلَعِيِّ، وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لِأَهْلِ الِاسْتِحْقَاقِ ثُمَّ قَوْلُهُ وَأَهْلُ الِاسْتِحْقَاقِ هُوَ الْبَائِعُ، وَالْمُشْتَرِي، وَالْمَبِيعُ الْآدَمِيُّ، وَالْأَجْنَبِيُّ إنَّ اشْتِرَاطَهُ لِلْأَجْنَبِيِّ مُفْسِدٌ مُوَافِقًا لِمَا يَأْتِي عَنْ الْقُدُورِيِّ وَالْمُنْتَقَى، وَفِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ عَنْ حَاشِيَةِ أَخِي زَادَهُ أَنَّهُ الْأَظْهَرُ. اهـ. وَفِي الْفَتْحِ، وَكَذَا أَيْ مِثْلُ مَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ إذَا كَانَتْ الْمَنْفَعَةُ لِغَيْرِهِمَا، وَمِنْهُ إذَا بَاعَ سَاحَةً عَلَى أَنْ يَبْنِيَ بِهَا مَسْجِدًا أَوْ طَعَامًا عَلَى أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ فَاسِدٌ (قَوْلُهُ فَهُوَ بَاطِلٌ) أَيْ فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَفِي الْفَتْحِ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ لَوْ قَالَ بِعْتُكَ هَذِهِ الدَّارَ بِأَلْفٍ عَلَى أَنْ يُقْرِضَنِي فُلَانٌ الْأَجْنَبِيُّ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ لَا يَفْسُدُ الْبَيْعُ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْأَجْنَبِيَّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 93 الِاقْتِضَاءِ مَا فِي الْمُجْتَبَى اشْتَرَاهُ عَلَى أَنْ يَدْفَعَهُ إلَيْهِ قَبْلَ دَفْعِ الثَّمَنِ أَوْ قَالَ عَلَى أَنْ تَدْفَعَ الثَّمَنَ فِي بَلَدٍ آخَرَ فَسَدَ الْبَيْعُ، وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ مَعْزِيًّا إلَى النَّوَازِلِ لَوْ قَالَ بِعْتُ مِنْكَ هَذَا عَلَى أَنْ أَحُطَّ مِنْ ثَمَنِهِ كَذَا جَازَ، وَلَوْ قَالَ عَلَى أَنْ أَهَبَ مِنْكَ كَذَا لَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ لِأَنَّ الْحَطَّ مُلْحَقٌ بِمَا قَبْلَ الْعَقْدِ، وَيَكُونُ الْبَيْعُ بِمَا وَرَاءَ الْمَحْطُوطِ اهـ. وَقَيَّدَ بِعَلَى لِأَنَّ الشَّرْطَ لَوْ كَانَ بَانَ فَإِنَّ الْبَيْعَ يَفْسُدُ فِي جَمِيعِ الْوُجُوهِ إلَّا فِي مَسْأَلَةِ مَا إذَا قَالَ إنْ رَضِيَ أَبِي أَوْ فُلَانٌ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ كَمَا سَيَأْتِي فِيمَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ، وَمَا لَا يَصِحُّ، وَالتَّفْصِيلُ السَّابِقُ إنَّمَا هُوَ إذَا عَلَّقَ بِكَلِمَةِ عَلَى، وَقَيَّدَ بِكَوْنِ الشَّرْطِ مُقَارِنًا لِلْعَقْدِ لِأَنَّ الشَّرْطَ الْفَاسِدَ لَوْ الْتَحَقَ بَعْدَ الْعَقْدِ قِيلَ يَلْتَحِقُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقِيلَ لَا، وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ فِي الْفَصْلِ التَّاسِعِ وَالثَّلَاثِينَ، وَلَكِنْ فِي الْأَصْلِ إذَا أَلْحَقَا بِالْبَيْعِ شَرْطًا فَاسِدًا يَلْتَحِقُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَإِنْ كَانَ الْإِلْحَاقُ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ عَنْ الْمَجْلِسِ، وَصُورَتُهُ لَوْ بَاعَ فِضَّةً بِفِضَّةٍ وَتَقَابَضَا، وَتَفَرَّقَا ثُمَّ زَادَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ شَيْئًا أَوْ حَطَّ عَنْهُ، وَقَبِلَهُ الْآخَرُ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ الْبَيْعُ صَحِيحٌ، وَتَبْطُلُ الزِّيَادَةُ وَالْحَطُّ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ الزِّيَادَةُ بَاطِلَةٌ، وَالْحَطُّ جَائِزٌ، وَلَوْ كَانَ الشَّرْطُ فِي الْعَقْدِ فَأَبْطَلَاهُ إنْ كَانَ الْمُفْسِدُ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ صَحَّ الْحَطُّ فِي الْمَجْلِسِ، وَلَا يَصِحُّ فِيمَا وَرَاءَ الْمَجْلِسِ. اهـ. وَقَيَّدَ بِعَلَى دُونَ الْوَاوِ لِأَنَّهُ لَوْ زَادَ الْوَاوَ بِأَنْ قَالَ بِعْتُكَ هَذَا بِكَذَا، وَعَلَى أَنْ تُقْرِضَنِي كَذَا فَالْبَيْعُ جَائِزٌ، وَلَا يَكُونُ شَرْطًا، وَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ كَانَ دَفَعَ لِرَجُلٍ أَرْضًا بَيْضَاءَ فِيهَا نَخِيلٌ فَقَالَ دَفَعْتَ إلَيْكَ النَّخِيلَ مُعَامَلَةً عَلَى أَنْ تَزْرَعَ كَانَ شَرْطًا لِلْمُزَارَعَةِ فِي الْمُعَامَلَةِ. وَلَوْ قَالَ: وَعَلَى أَنْ تَزْرَعَ لَا تَفْسُدُ الْمُزَارَعَةُ، وَيُعْرَفُ مِنْ هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ كَثِيرٌ مِنْ الْمَسَائِلِ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ، وَتَبِعَهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَقَيَّدَ بِإِخْرَاجِ مَا ذَكَرَ مَخْرَجَ الشَّرْطِ لِأَنَّهُ لَوْ أَخْرَجَهُ مَخْرَجَ الْوَعْدِ لَمْ يَفْسُدْ كَمَا إذَا بَاعَ بُسْتَانًا عَلَى أَنْ يَعْمُرَ حَوَائِطَهُ، وَأَخْرَجَهُ مَخْرَجَ الْوَعْدِ، وَلَكِنْ لَوْ لَمْ يَبْنِ الْبَائِعُ لَمْ يُجْبَرْ، وَيُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي فِي الرَّدِّ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ لَكِنْ لَمْ يُبَيِّنْ بِمَاذَا يَكُونُ إخْرَاجُهُ مَخْرَجَ الْوَعْدِ، وَهُوَ أَحَدُ الْأَجْوِبَةِ عَنْ حَدِيثِ بَرِيرَةَ فَإِنَّ الْبَيْعَ لَمْ يَكُنْ بِشَرْطِ الْعِتْقِ، وَإِنَّمَا كَانَ بِوَعْدِ عِتْقِهَا، وَبَيَّنَ الْإِمَامُ إِسْحَاقُ الْوَلْوَالِجِيُّ صُورَةَ إخْرَاجِهِ مَخْرَجَ الْوَعْدِ قَالَ اشْتَرِ حَتَّى أَبْنِيَ الْحَوَائِطَ، وَخَرَجَ عَنْ الْمُلَائِمِ لِلْعَقْدِ مَا لَوْ اشْتَرَى أَمَةً بِشَرْطِ أَنْ يَطَأَهَا الْمُشْتَرِي أَوْ لَا يَطَأَهَا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ لِأَنَّ الْمُلَائِمَ لِلْعَقْدِ الْإِطْلَاقُ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ فِي الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ مُلَائِمٌ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَجُوزُ فِيهِمَا فِي الْأَوَّلِ لِمَا قَالَهُ أَبُو يُوسُفَ، وَفِي الثَّانِي إنْ لَمْ يَقْتَضِهِ الْعَقْدُ لَا يَرْجِعُ نَفْعُهُ إلَى أَحَدٍ فَهُوَ شَرْطٌ لَا طَالِبَ لَهُ، وَلَمْ يُفَصِّلْ الْمُؤَلِّفُ بَيْنَ شَرْطٍ وَشَرْطٍ فِي الْفَسَادِ، وَهُوَ كَذَلِكَ إلَّا الْبَيْعَ بِشَرْطِ الْعِتْقِ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا أَعْتَقَهُ صَحَّ الْبَيْعُ، وَوَجَبَ الثَّمَنُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا يَبْقَى فَاسِدًا فَتَجِبُ الْقِيمَةُ لِأَنَّ الْبَيْعَ قَدْ وَقَعَ فَاسِدًا فَلَا يَنْقَلِبُ جَائِزًا كَمَا إذَا تَلِفَ بِوَجْهٍ آخَرَ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ شَرْطَ الْعِتْقِ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ لَا يُلَائِمُ الْعَقْدَ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ، وَلَكِنْ مِنْ حَيْثُ حُكْمُهُ يُلَائِمُهُ لِأَنَّهُ مُنْتَهَى لِلْمِلْكِ، وَالشَّيْءُ بِانْتِهَائِهِ يَتَقَرَّرُ. وَلِهَذَا لَا يَمْنَعُ الْعِتْقُ الرُّجُوعَ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ فَإِذَا أُتْلِفَ بِوَجْهٍ آخَرَ لَا تَتَحَقَّقُ الْمُلَاءَمَةُ فَتَقَرَّرَ الْفَسَادُ، وَإِذَا وُجِدَ الْعِتْقُ تَحَقَّقَتْ الْمُلَاءَمَةُ فَتَرَجَّحَ جَانِبُ الْجَوَازِ فَكَانَ الْحِلُّ مَوْقُوفًا بِخِلَافِ مَا إذَا دَبَّرَهَا أَوْ اسْتَوْلَدَهَا فَإِنَّهُمَا لَا يُنْهِيَانِ الْمِلْكَ لِجَوَازِ قَضَاءِ قَاضٍ بِبَيْعِهِمَا، وَأَجْمَعُوا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَوْ أَتْلَفَهُ أَوْ بَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ تَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ، وَمِنْ الشُّرُوطِ الْمُفْسِدَةِ مَا فِي الْقُنْيَةِ اشْتَرَى بِطِّيخَةً عَلَى أَنَّهَا حُلْوَةٌ أَوْ شَاةً عَلَى أَنَّهَا تُحْلِبُ كَذَا أَوْ زَيْتُونًا أَوْ سِمْسِمًا عَلَى أَنَّ فِيهِ كَذَا مَنًّا أَوْ شَاةً أَوْ ثَوْرًا عَلَى أَنَّ فِيهِ كَذَا مَنًّا مِنْ اللَّحْمِ فَسَدَ الْبَيْعُ فِي الْكُلِّ لِتَعَذُّرِ مَعْرِفَتِهِ قَبْلَ الْعَمَلِ، وَعَجَزَ الْبَائِعُ عَنْ الْوَفَاءِ بِهِ. اهـ. وَلَوْ اشْتَرَاهُ عَلَى أَنْ يُؤَدِّيَ الثَّمَنَ مِنْ بَيْعِهِ فَهُوَ فَاسِدٌ إنْ شَرَطَ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ اسْتِثْنَاءَ الْحَمْلِ مَعَ الشُّرُوطِ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ غَيْرَ صَحِيحٍ صَارَ شَرْطًا فَاسِدًا، وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ مَا لَا يَصِحُّ إفْرَادُهُ بِالْعَقْدِ لَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَوْ أَخْرَجَهُ مَخْرَجَ الْوَعْدِ لَمْ يَفْسُدْ) اُنْظُرْ مَا سَيَذْكُرُهُ الْمُؤَلِّفُ قُبَيْلَ الصَّرْفِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَالشَّرِكَةُ (قَوْلُهُ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا أَعْتَقَهُ) أَيْ بَعْدَ الْقَبْضِ كَمَا فِي النَّهْرِ ثُمَّ قَالَ: وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 94 الْعَقْدِ، وَالْحَمْلُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ أَطْرَافِ الْحَيَوَانِ لِاتِّصَالِهِ بِهِ خِلْقَةً، وَبَيْعُ الْأَصْلِ يَتَنَاوَلُهُ فَالِاسْتِثْنَاءُ يَكُونُ عَلَى خِلَافِ الْمُوجِبِ فَلَمْ يَصِحَّ فَيَصِيرُ شَرْطًا فَاسِدًا، وَالْبَيْعُ يَبْطُلُ بِهِ، وَالْكِتَابَةُ، وَالْإِجَارَةُ، وَالرَّهْنُ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ لِأَنَّهَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ غَيْرَ أَنَّ الْمُفْسِدَ فِي الْكِتَابَةِ مَا يَتَمَكَّنُ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ مِنْهَا، وَالْهِبَةُ، وَالصَّدَقَةُ، وَالنِّكَاحُ، وَالْخُلْعُ، وَالصُّلْحُ عِنْدَ دَمِ الْعَمْدِ لَا يُبْطِلُ بِاسْتِثْنَاءِ الْحَمْلِ بَلْ يُبْطِلُ الِاسْتِثْنَاءُ لِأَنَّ هَذِهِ الْعُقُودَ لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ. وَكَذَلِكَ الْوَصِيَّةُ لَا تَبْطُلُ بِهِ لَكِنْ يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ حَتَّى يَكُونَ الْحَمْلُ مِيرَاثًا، وَالْجَارِيَةُ وَصِيَّةً لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ أُخْتُ الْمِيرَاثِ، وَالْمِيرَاثُ يَجْرِي فِيمَا فِي الْبَطْنِ بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَثْنَى خِدْمَتَهَا لِأَنَّ الْمِيرَاثَ لَا يَجْرِي فِيهَا كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْغَلَّةُ كَالْخِدْمَةِ، وَأَوْرَدَ مَسْأَلَةَ الْخِدْمَةِ عَلَى الْأَصْلِ السَّابِقِ، وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ إمَّا مُطَّرِدٌ غَيْرُ مُنْعَكِسٍ، وَإِلَّا يُرَادُ عَلَى الْعَكْسِ، وَإِمَّا بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْعَقْدِ وَالْوَصِيَّةِ لَيْسَتْ بِعَقْدٍ فَلَا تَرِدُ كَذَا فِي النِّهَايَةِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهَا عَقْدٌ مُشْتَمِلٌ عَلَى الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فَالْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ، وَتَفَرَّعَ عَلَى الْقَاعِدَةِ أَنَّهُ يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ قَفِيزٍ مِنْ الصُّبْرَةِ لِجَوَازِ إفْرَادِهِ، وَلَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ شَاةٍ مِنْ قَطِيعٍ لِعَدَمِ جَوَازِ إفْرَادِهَا مِنْ قَطِيعٍ إذَا لَمْ تَكُنْ مُعَيَّنَةً، وَأَمَّا إذَا عَيَّنَهَا بِالْإِشَارَةِ فَالِاسْتِثْنَاءُ صَحِيحٌ، وَكَذَا الْحَالُ فِي كُلِّ عَدَدِيٍّ مُتَفَاوِتٍ، وَصَحَّ اسْتِثْنَاءُ أَرْطَالٍ مَعْلُومَةٍ مِنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ لِجَوَازِ إيرَادِهِ عَلَى الْأَرْطَالِ ابْتِدَاءً، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَمِنْ مَسَائِلِ الِاسْتِثْنَاءِ بَاعَ صُبْرَةً بِمِائَةٍ إلَّا عُشْرَهَا فَلَهُ تِسْعَةُ أَعْشَارِهَا بِجَمِيعِ الثَّمَنِ، وَلَوْ قَالَ عَلَى أَنَّ عُشْرَهَا لِي فَلَهُ تِسْعَةُ أَعْشَارِهَا بِتِسْعَةِ أَعْشَارِ الثَّمَنِ خِلَافًا لِلْمَرْوِيِّ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ بِالْجَمِيعِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَبِيعُكَ هَذِهِ الْمِائَةَ شَاةٍ بِمِائَةٍ عَلَى أَنَّ هَذِهِ لِي أَوْ وَلِي هَذِهِ فَسَدَ. وَلَوْ قَالَ إلَّا هَذِهِ كَانَ مَا بَقِيَ بِمِائَةٍ، وَلَوْ قَالَ وَلِي نِصْفُهَا كَانَ النِّصْفُ بِخَمْسِينَ، وَلَوْ قَالَ بِعْتُكَ هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفٍ إلَّا نِصْفَهُ بِخَمْسِمِائَةٍ عَنْ مُحَمَّدٍ جَازَ فِي كُلِّهِ بِأَلْفٍ، وَخَمْسِمِائَةٍ لِأَنَّ الْمَعْنَى بَاعَ نِصْفَهُ بِأَلْفٍ لِأَنَّهُ الْبَاقِي بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ فَالنِّصْفُ الْمُسْتَثْنَى عَيَّنَ بَيْعَهُ بِخَمْسِمِائَةٍ، وَلَوْ قَالَ عَلَى أَنَّ لِي نِصْفَهُ بِثَلَاثِمِائَةٍ أَوْ مِائَةِ دِينَارٍ فَسَدَ لِإِدْخَالِ صَفْقَةٍ فِي صَفْقَةٍ، وَلَوْ قَالَ بِعْتُكَ الدَّارَ الْخَارِجَةَ عَلَى أَنْ تَجْعَلَ لِي طَرِيقًا إلَى دَارِي هَذِهِ الدَّاخِلَةِ فَسَدَ الْبَيْعُ، وَلَوْ قَالَ إلَّا طَرِيقًا إلَى دَارِي الدَّاخِلَةِ جَازَ وَطَرِيقُهُ عَرْضُ بَابِ الدَّارِ الْخَارِجَةِ، وَلَوْ بَاعَ بَيْتًا عَلَى أَنْ لَا طَرِيقَ لِلْمُشْتَرِي فِي الدَّارِ عَلَى أَنَّ بَابَهُ فِي الدِّهْلِيزِ يَجُوزُ، وَلَوْ زَعَمَ أَنَّ لَهُ طَرِيقًا فَظَهَرَ أَنْ لَا طَرِيقَ لَهُ يُرَدُّ، وَلَوْ بَاعَ بِأَلْفِ دِينَارٍ إلَّا دِرْهَمًا أَوْ إلَّا ثَوْبًا أَوْ إلَّا كُرَّ حِنْطَةٍ أَوْ هَذِهِ الشِّيَاهَ إلَّا وَاحِدَةً لَا يَجُوزُ، وَلَوْ كَانَتْ بِعَيْنِهَا جَازَ، وَلَوْ بَاعَ دَارًا عَلَى أَنْ لَا بِنَاءَ فِيهَا فَإِذَا فِيهَا بِنَاءٌ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى نَقْضِ الْبِنَاءِ، وَلَوْ بَاعَهَا عَلَى أَنَّ بِنَاءَهَا مِنْ آجُرٍّ فَإِذَا هُوَ لَبِنٌ فَسَدَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُمَا جِنْسَانِ كَمَا لَوْ بَاعَهُ ثَوْبًا عَلَى أَنَّهُ هَرَوِيٌّ فَظَهَرَ بَلْخِيًّا، وَلَوْ بَاعَ الْأَرْضَ عَلَى أَنَّ فِيهَا بِنَاءً فَإِذَا لَا بِنَاءَ فِيهَا أَوْ اشْتَرَاهَا بِشَجَرِهَا فَلَيْسَ فِيهَا شَجَرٌ جَازَ، وَلَهُ الْخِيَارُ، وَكَذَا لَوْ بَاعَ بِعُلْوِهَا، وَسُفْلِهَا فَظَهَرَ أَنْ لَا عُلْوَ لَهَا، وَمِثْلُهُ لَوْ اشْتَرَى بِأَجْذَاعِهَا كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. (قَوْلُهُ وَصَحَّ بَيْعُ نَعْلٍ عَلَى أَنْ يَحْذُوَهُ، وَيُشْرِكَهُ، وَالْقِيَاسُ فَسَادُهُ) لِمَا فِيهِ مِنْ النَّفْعِ لِلْمُشْتَرِي مَعَ كَوْنِ الْعَقْدِ لَا يَقْتَضِيهِ، وَمَا ذَكَرَهُ جَوَابُ الِاسْتِحْسَانِ لِلتَّعَامُلِ، وَفِي الْخُرُوج عَنْ الْعَادَةِ حَرَجٌ بَيِّنٌ بِخِلَافِ اشْتِرَاطِ خِيَاطَةِ الثَّوْبِ لِعَدَمِ الْعَادَةِ فَبَقِيَ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ، وَتَسْمِيرُ الْقَبْقَابِ كَتَشْرِيكِ النَّعْلِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ اشْتَرَى ثَوْبًا أَوْ خُفًّا خَلَقًا عَلَى أَنْ يُرَقِّعَهُ الْبَائِعُ، وَيُخَرِّزَهُ وَيُسَلِّمَهُ صَحَّ لِلْعُرْفِ، وَمَعْنَى يَحْذُوهُ يَقْطَعُهُ. (قَوْلُهُ لَا الْبَيْعُ إلَى النَّيْرُوزِ وَالْمِهْرَجَانِ وَصَوْمِ النَّصَارَى وَفِطْرِ الْيَهُودِ إنْ لَمْ يَدْرِ الْعَاقِدُ أَنَّ ذَلِكَ) أَيْ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ، وَهُوَ فَاسِدٌ لِجَهَالَةِ الْأَجَلِ، وَهِيَ مُفْضِيَةٌ إلَى الْمُنَازَعَةِ فِي الْبَيْعِ لِابْتِنَائِهَا عَلَى الْمُمَاكَسَةِ إلَّا إذَا كَانَا يَعْرِفَانِهِ لِكَوْنِهِ مَعْلُومًا عِنْدَهُمَا أَوْ كَانَ التَّأْجِيلُ إلَى فِطْرِ النَّصَارَى بَعْدَمَا شَرَعُوا فِي صَوْمِهِمْ بِالْأَيَّامِ لِأَنَّ صَوْمَهُمْ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَالْبَيْعُ يَبْطُلُ بِهِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ مُرَادُهُ يَفْسُدُ، وَقَدْ تَبِعَهُ فِي النَّهْرِ فِي هَذَا التَّفْسِيرِ، وَقَدْ قَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْقَوْلَةِ قَوْلَهُ أَيْ لَمْ يَجُزْ بَيْعُ أَمَةٍ بِشَرْطٍ مِنْهَا، وَهُوَ فَاسِدٌ (قَوْلُهُ أَوْ هَذِهِ الشِّيَاهَ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُكَرَّرَةٌ بِمَا مَرَّ آنِفًا. (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ إنْ لَمْ يَدْرِ الْعَاقِدَانِ ذَلِكَ) قَالَ الرَّمْلِيُّ، وَلَوْ دَرَاهُ أَحَدُهُمَا، وَلَمْ يَدْرِ الْآخَرُ فَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِإِفْضَائِهِ إلَى الْمُنَازَعَةِ، وَعِبَارَةُ الْإِصْلَاحِ لِابْنِ كَمَالْ بَاشَا إنْ لَمْ يَعْرِفْ أَحَدُهُمَا ذَلِكَ. اهـ. وَالْعِبَارَةُ الْخَالِيَةُ مِنْ النَّقْدِ إنْ لَمْ يَدْرِيَا أَوْ أَحَدُهُمَا تَأَمَّلْ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 95 بِالْأَيَّامِ مَعْلُومٌ فَلَا جَهَالَةَ فِيهِ، وَالنَّيْرُوزُ أَوَّلُ يَوْمٍ مِنْ الصَّيْفِ، وَهُوَ أَوَّلُ يَوْمٍ تَحِلُّ فِيهِ الشَّمْسُ الْحَمَلَ، وَالْمِهْرَجَانُ أَوَّلُ يَوْمٍ مِنْ الشِّتَاءِ، وَهُوَ أَوَّلُ يَوْمٍ تَحِلُّ فِيهِ الشَّمْسُ الْمِيزَانَ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ ثُمَّ قَالَ وَإِنَّمَا خَصَّ الصَّوْمَ بِالنَّصَارَى، وَالْفِطْرَ بِالْيَهُودِ لِأَنَّ صَوْمَ النَّصَارَى غَيْرُ مَعْلُومٍ، وَفِطْرَهُمْ مَعْلُومٌ، وَالْيَهُودُ بِعَكْسِهِ مَعَ أَنَّهُ إذَا بَاعَ إلَى صَوْمِ الْيَهُودِ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ لَا يَتَفَاوَتُ فَيَكُونُ الْمَعْنَى إلَى صَوْمِ النَّصَارَى وَفِطْرِهِمْ، وَإِلَى فِطْرِ الْيَهُودِ، وَصَوْمِهِمْ فَاكْتَفَى بِذِكْرِ أَحَدِهِمَا. اهـ. . (قَوْلُهُ وَإِلَى قُدُومِ الْحَاجِّ وَالْحَصَادِ وَالدِّيَاسِ وَالْقِطَافِ) أَيْ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ إلَى هَذِهِ الْآجَالِ لِأَنَّهَا تَتَقَدَّمُ وَتَتَأَخَّرُ، وَالْحِصَادُ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَفَتْحِهَا، وَمِثْلُهُ الْقِطَافُ، وَهُوَ لِلْعِنَبِ، وَالدِّيَاسُ، وَهُوَ دَوْسُ الْحَبِّ بِالْقَدَمِ لِيَتَكَسَّرَ، وَأَصْلُهُ الدِّوَاسُ بِالْوَاوِ لِأَنَّهُ مِنْ الدَّوْسِ قُلِبَتْ الْوَاوُ يَاءً لِلْكَسْرَةِ قَبْلَهَا، وَلَمْ يَذْكُرْ الْجُذَاذَ، وَذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَاخْتَلَفَ فِي مَعْنَاهُ فَقِيلَ جَزُّ الصُّوفِ مِنْ ظُهُورِ الْغَنَمِ، وَقِيلَ جُذَاذُ النَّخْلِ قَالَهُ الْحَلْوَانِيُّ، وَفِي نُسَخِ الْهِدَايَةِ، وَفَتْحِ الْقَدِيرِ بِالزَّايِ الْمُكَرَّرَةِ أُخْتِ الرَّاءِ، وَذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ أَنَّهُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ عَامٌّ فِي قَطْعِ الثِّمَارِ، وَبِالْمُهْمَلَةِ خَاصٌّ فِي قَطْعِ النَّخْلِ اهـ. فَعَلَى هَذَا لَمْ يَكُنْ بِالزَّايِ، وَذَكَرَهُ فِي الْمِصْبَاحِ فِي فَصْلِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَفَصْلِ الزَّايِ، وَأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا بِمَعْنَى قَطَعَ، وَهُمَا مِنْ بَابِ قَتَلَ قَيَّدَ بِالْبَيْعِ إلَى هَذِهِ الْآجَالِ لِأَنَّهُ لَوْ بَاعَ مُطْلَقًا عَنْهَا ثُمَّ أَجَّلَ الثَّمَنَ إلَيْهَا لَمْ يُفْسِدْ لِكَوْنِهِ تَأْجِيلًا لِلدَّيْنِ فَالْمُفْسِدُ مَا كَانَ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ تَبَايَعَا بَيْعًا جَائِزًا ثُمَّ أُخِّرَ الثَّمَنُ إلَى الْحَصَادِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ يَفْسُدُ الْبَيْعُ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَا يَفْسُدُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَالنَّيْرُوزُ أَوَّلُ يَوْمٍ مِنْ الصَّيْفِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ هَذَا إنَّمَا يَتِمُّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الرَّبِيعَ مِنْ الصَّيْفِ، وَالْخَرِيفَ مِنْ الشِّتَاءِ، وَقَدْ مَرَّ فِي الصَّلَاةِ نَظِيرُهُ، وَإِلَّا فَالْفُصُولُ أَرْبَعَةٌ كَمَا لَا يَخْفَى، وَقِيلَ هُمَا عِيدَانِ لِلْمَجُوسِ. اهـ. وَذَكَرَ قَبْلَهُ النَّيْرُوزُ أَوَّلُ يَوْمٍ مِنْ طَرَفِ الرَّبِيعِ تَحِلُّ فِيهِ الشَّمْسُ بُرْجَ الْحَمَلَ، وَالْمِهْرَجَانُ يَوْمٌ مِنْ طَرَفِ الْخَرِيفِ، وَهُوَ أَوَّلُ يَوْمٍ مِنْ الشِّتَاءِ تَحِلُّ فِيهِ الشَّمْسُ الْمِيزَانَ اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُ، وَهُوَ أَوَّلُ يَوْمٍ مِنْ الشِّتَاءِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْخَرِيفَ مِنْ الشِّتَاءِ، وَإِلَّا فَأَوَّلُ فَصْلِ الشِّتَاءِ هُوَ أَوَّلُ يَوْمٍ تَحِلُّ فِيهِ الشَّمْسُ فِي الْجَدْيِ فَلَوْ أَسْقَطَهُ لَكَانَ أَوْلَى تَأَمَّلْ، وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ النَّيْرُوزُ أَنْوَاعٌ نَيْرُوزُ الْعَامَّةِ، وَهُوَ أَوَّلُ يَوْمٍ مِنْ فَرَدَّ مين مَاه، وَنَيْرُوزُ الْخَاصَّةِ، وَهُوَ النَّيْرُوزُ الْخَاصُّ، وَنَيْرُوزُ السُّلْطَانِ، وَهُوَ أَوَّلُ يَوْمٍ يَكُونُ فِي نِصْفِ نَهَارٍ، وَالشَّمْسُ فِي أَوَّلِ دَرَجَةٍ مِنْ دَرَجَاتِ الْحَمَلِ، وَنَيْرُوزُ الْمَجُوسِ، وَيُقَالُ لَهُ نَيْرُوزُ الدَّهَاقِينِ، وَهُوَ الْيَوْمُ الَّذِي تَحِلُّ فِيهِ الشَّمْسُ فِي الْحُوتِ، وَالْمِهْرَجَانُ نَوْعَانِ عَامَّةٌ، وَهُوَ أَوَّلُ يَوْمٍ مِنْ الْخَرِيفِ أَعَنَى الْيَوْمَ السَّادِسَ عَشَرَ مِنْ مَهْر مَاه، وَخَاصَّةً وَهُوَ الْيَوْمُ السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ مِنْهُ اهـ. (قَوْلُهُ ثُمَّ قَالَ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ لَا يَخْفَى عَلَى ذِي فَهْمٍ أَنَّ قَوْلَهُ فِي الْمَتْنِ إنْ لَمْ يَدْرِ الْمُتَعَاقِدَانِ ذَلِكَ تَبَعًا لِمَا فِي غَيْرِهِ إنَّ الْمَدَارَ عَلَى عَدَمِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ لَا غَيْرُ لِأَخْذِ الْجَهَالَةِ عِلَّةً فِي الْفَسَادِ، وَالْحُكْمُ يَدُورُ مَعَهَا كَيْفَمَا دَارَتْ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ النَّيْرُوزُ وَالْمِهْرَجَانُ وَصَوْمُ النَّصَارَى وَفِطْرُهُمْ، وَفِطْرُ الْيَهُودِ، وَصَوْمُهُمْ سَوَاءً فِي ذَلِكَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ مَعَ أَنَّهُ إذَا بَاعَ إلَى صَوْمِ الْيَهُودِ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ) أَيْ إنْ عَلِمَاهُ صَحَّ، وَإِلَّا فَلَا وَتَأَمَّلْهُ مَعَ قَوْلِهِ لِأَنَّ صَوْمَ النَّصَارَى غَيْرُ مَعْلُومٍ إلَخْ، وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ، وَصَوْمُ النَّصَارَى سَبْعَةٌ، وَثَلَاثُونَ يَوْمًا فِي مُدَّةِ ثَمَانِيَةٍ وَأَرْبَعِينَ يَوْمًا فَإِنَّ ابْتِدَاءَ صَوْمِهِمْ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ الَّذِي يَكُونُ قَرِيبًا مِنْ اجْتِمَاعِ النِّيرَيْنِ الْوَاقِعِ ثَانِيَ شُبَاطَ وَثَامِنَ آذَارَ وَلَا يَصُومُونَ يَوْمَ الْأَحَدِ وَلَا يَوْمَ السَّبْتِ إلَّا يَوْمَ السَّبْتِ الثَّامِنِ وَالْأَرْبَعِينَ، وَيَكُونُ فِطْرَهُمْ يَعْنِي يَوْمَ عِيدِهِمْ يَوْمُ الْأَحَدِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَفِطْرُ الْيَهُودِ أَنْ يَأْكُلُوا سَبْعَةَ أَيَّامٍ مِنْ خَامِسَ عَشَرَ مِنْ الشَّهْرِ السَّابِعِ مِنْ شَهْرِ تَارِيخِهِمْ ابْتِدَاؤُهُ قَبْلَ سَنَةِ الرُّومِ بِشَهْرٍ لِمُوَافَقَةِ مُوسَى وَقَوْمِهِ، وَأَمَّا فِطْرُ الْيَهُودِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا فَلَيْسَ بِيَوْمٍ مَشْهُورٍ عَنْهُمْ إلَّا أَنْ يُقَالَ أُرِيدَ يَوْمٌ أَفْطَرُوا فِيهِ فَإِنَّهُمْ يَصُومُونَ بِنَصِّ التَّوْرَاةِ سِتَّةً وَثَلَاثِينَ يَوْمًا. اهـ. (قَوْلُ الْمُصَنِّفُ وَالدِّيَاسِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَالَ الْمُطَرِّزِيُّ الدِّيَاسَةُ فِي الطَّعَامِ أَنْ يُوطَأَ بِقَوَائِمِ الدَّوَابِّ، وَيُكَرَّرَ عَلَيْهِ الدَّوْسُ يَعْنِي الْجَرْجَرَ حَتَّى يَصِيرَ تِبْنًا، وَالدِّيَاسُ صَقْلُ السَّيْفِ، وَاسْتِعْمَالُ الْفُقَهَاءِ إيَّاهُ فِي مَوْضِعِ الدِّيَاسَةِ تَسَامُحٌ أَوْ وَهْمٌ. اهـ. (قَوْلُهُ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ يَفْسُدُ الْبَيْعُ) قَدَّمْنَا عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ، وَصَحَّ بِثَمَنٍ حَالٍّ، وَبِأَجَلٍ مَعْلُومٍ عَنْ الْخَانِيَّةِ أَيْضًا أَنَّ الْفَسَادَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَنَّهُ الصَّحِيحُ، وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فَإِنْ قِيلَ كَوْنُ الْجَهَالَةِ الْيَسِيرَةِ مُتَحَمَّلَةً فِي مَوْضِعٍ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنْ يَكُونَ التَّأْجِيلُ إلَى هَذِهِ الْأَوْقَاتِ الْمَجْهُولَةِ مُتَحَمَّلًا أَلَا تَرَى أَنَّ الصَّدَاقَ يَتَحَمَّلُ الْجَهَالَةَ الْيَسِيرَةَ حَيْثُ يَتَحَمَّلُ جَهَالَةَ الْوَصْفِ ثُمَّ لَا يَصِحُّ فِيهِ اشْتِرَاطُ هَذِهِ الْآجَالِ اهـ. ثُمَّ قَالَ جَوَابُ هَذَا الْفَصْلِ غَيْرُ مَحْفُوظٍ فِي الْكُتُبِ وَبَيْنَ مَشَايِخِنَا فِيهِ اخْتِلَافٌ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ تَثْبُتُ هَذِهِ الْآجَالُ فِي الصَّدَاقِ لِأَنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّ اشْتِرَاطَ هَذِهِ الْآجَالِ لَا تُؤَثِّرُ فِي أَصْلِ النِّكَاحِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَيَبْقَى هَذَا خَلَلًا فِي الدَّيْنِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْعَقْدِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 96 وَيَصِحُّ التَّأْخِيرُ لِأَنَّ التَّأْخِيرَ بَعْدَ الْبَيْعِ تَبَرُّعٌ فَيَقْبَلُ التَّأْجِيلَ إلَى مَجْهُولٍ كَالْكَفَالَةِ إلَيْهَا، وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ لَوْ بَاعَ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ، وَلَمْ يُعَيِّنْهُ فَفِيهِ خِلَافٌ، وَفِي الْقُنْيَةِ بَاعَ بِأَلْفٍ نِصْفُهُ نَقْدٌ، وَنِصْفُهُ إلَى رُجُوعِهِ مِنْ دَهِشَانِ فَهُوَ فَاسِدٌ الْفَتْوَى عَلَى انْصِرَافِهِ إلَى شَهْرٍ، وَبَيَّنَّا مَسَائِلَ التَّأْجِيلِ عِنْدَ قَوْلِهِ، وَصَحَّ بِثَمَنٍ حَالٍّ وَمُؤَجَّلٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ وَلَوْ كَفَلَ إلَى هَذِهِ الْأَوْقَاتِ جَازَ) لِأَنَّ الْجَهَالَةَ الْيَسِيرَةَ مُتَحَمَّلَةٌ فِي الْكَفَالَةِ، وَهَذِهِ الْجَهَالَةُ يَسِيرَةٌ مُسْتَدْرَكَةٌ لِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ فِيهَا، وَلِأَنَّهُ مَعْلُومُ الْأَصْلِ أَلَا تَرَى أَنَّهَا تَحْتَمِلُ الْجَهَالَةَ فِي أَصْلِ الدَّيْنِ بِأَنْ تَكَفَّلَ بِمَا ذَابَّ عَلَى فُلَانٍ فَفِي الْوَصْفِ أَوْلَى بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَمِلُهَا فِي أَصْلِ الثَّمَنِ فَكَذَا فِي وَصْفِهِ، قَيَّدَ بِهَذِهِ الْأَوْقَاتِ لِأَنَّهُ لَوْ كَفَلَ إلَى هُبُوبِ الرِّيحِ فَهِيَ بَاطِلَةٌ لِأَنَّهَا مُتَفَاحِشَةٌ، وَتَأْتِي فِي بَابِهَا. (قَوْلُهُ وَلَوْ أَسْقَطَ الْأَجَلَ قَبْلَ حُلُولِهِ صَحَّ) أَيْ لَوْ أَسْقَطَ مَنْ لَهُ الْأَجَلُ، وَهُوَ الْمُشْتَرِي الْأَجَلَ الْمُفْسِدَ لِلْبَيْعِ قَبْلَ الْحَصَادِ وَالدِّيَاسِ وَالْقِطَافِ، وَقُدُومِ الْحَاجِّ انْقَلَبَ الْبَيْعُ صَحِيحًا لِأَنَّ الْفَسَادَ كَانَ لِلْمُنَازَعَةِ، وَقَدْ ارْتَفَعَ قَبْلَ تَقَرُّرِهِ، وَهَذِهِ الْجَهَالَةُ فِي شَرْطٍ زَائِدٍ لَا فِي صُلْبِ الْعَقْدِ فَيُمْكِنُ إسْقَاطُهُ بِخِلَافِ بَيْعِ الدِّرْهَمِ بِالدِّرْهَمَيْنِ لَا يَنْقَلِبُ صَحِيحًا بِإِسْقَاطِ الدِّرْهَمِ الزَّائِدِ لِأَنَّ الْفَسَادَ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ، وَبِخِلَافِ إسْقَاطِ الْأَجَلِ فِي النِّكَاحِ الْمُؤَقَّتِ لِكَوْنِهِ مُتْعَةً، وَهُوَ غَيْرُ عَقْدِ النِّكَاحِ، وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ تَرَاضَيَا عَلَى إسْقَاطِهِ بِالتَّثْنِيَةِ، وَخَالَفَهُ الْمُؤَلِّفُ فَوَحَّدَ الضَّمِيرَ لِقَوْلِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَقَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ تَرَاضَيَا خَرَّجَ وِفَاقًا لِأَنَّ مَنْ لَهُ الْأَجَلُ يَسْتَبِدُّ بِإِسْقَاطِهِ لِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّهِ، وَقَيَّدَ بِهَذِهِ الْآجَالِ لِأَنَّهُمَا لَوْ تَبَايَعَا إلَى هُبُوبِ الرِّيحِ أَوْ مَطَرِ السَّمَاءِ ثُمَّ تَرَاضَيَا عَلَى إسْقَاطِهِ لَا يَنْقَلِبُ الْعَقْدُ جَائِزًا لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِأَجَلٍ بَلْ الْأَجَلُ مَا يَكُونُ مُنْتَظَرَ الْوُجُودِ، وَهُبُوبُ الرِّيحِ قَدْ يَتَّصِلُ بِكَلَامِهِ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ لَيْسَ بِأَجَلٍ بَلْ هُوَ شَرْطٌ فَاسِدٌ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَاَلَّذِي يَحْتَاجُ بَعْدَ هَذَا إلَى الْجَوَابِ مَا إذَا أَسْقَطَ الرِّطْلَ الْخَمْرَ فِيمَا إذَا بَاعَ بِأَلْفٍ وَرِطْلٍ مِنْ خَمْرٍ نَصَّ مُحَمَّدٌ عَلَى جَوَازِ الْبَيْعِ، وَانْقِلَابِهِ صَحِيحًا ذَكَرَهُ فِي آخِرِ الصَّرْفِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ هُوَ تَبَعٌ لِلْأَلْفِ الثَّمَنِ فِي بَيْعِ الْمُسْلَمِ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ بِالْخَمْرِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَتَعَيَّنُ كَوْنُ الْخَمْرِ هُوَ الثَّمَنَ إذْ لَا مُسْتَتْبَعَ هُنَاكَ. اهـ. وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ خِلَافُهُ أَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ بَاعَ قِنًّا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَرِطْلِ خَمْرٍ ثُمَّ أَبْطَلَا الْخَمْرَ لَمْ يَعُدْ جَائِزًا اهـ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ جَمَعَ بَيْنَ حُرٍّ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ لَوْ بَاعَ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَدَّمَ أَنَّهُ يُفْتَى بِأَنَّهُ يَتَأَجَّلُ إلَى شَهْرٍ قَالَ كَأَنَّهُ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَعْهُودُ فِي الشَّرْعِ فِي السَّلَمِ، وَالْيَمِينِ لِيَقْضِيَنَّ دَيْنَهُ آجِلًا فَقَوْلُهُ وَفِي الْقُنْيَةِ إلَى قَوْلِهِ فَهُوَ فَاسِدٌ اعْتِرَاضٌ بَيْنَ قَوْلِهِ، وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ لَوْ بَاعَ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ، وَلَمْ يُعَيِّنْهُ فَفِيهِ خِلَافٌ وَبَيْنَ قَوْلِهِ وَالْفَتْوَى عَلَى انْصِرَافِهِ إلَى شَهْرٍ أَوْ أَنَّهُ لِمَسْأَلَةِ الْقُنْيَةِ، وَتَكُونُ الْعِلَّةُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْعَادَةَ لِلذَّهَابِ وَالْإِيَابِ عِنْدَهُمْ شَهْرٌ فَصَارَ كَأَنَّهُ ضَرْبُهُ بِعَيْنِهِ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ تَأَمَّلْ. (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلَوْ أَسْقَطَ الْأَجَلَ قَبْلَ حُلُولِهِ صَحَّ) قَالَ الرَّمْلِيُّ، وَقَيَّدَهُ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِابْنِ مَالِكٍ بِالْمَجْلِسِ، وَعِبَارَتُهُ، وَقَيَّدْنَا بِقَوْلِنَا قَبْلَ التَّفَرُّقِ لِأَنَّهُ لَوْ تَفَرَّقَا قَبْلَ ذَلِكَ تَأَكَّدَ الْفَسَادُ، وَلَا يَنْقَلِبُ جَائِزًا بِالِاتِّفَاقِ مِنْ الْحَقَائِقِ فَلْيُتَأَمَّلْ كَذَا رَأَيْتُ بِخَطِّ شَيْخِ الْإِسْلَامِ ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدٍ الْغَزِّيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ هَذَا الْقَيْدَ لَمْ يَذْكُرْهُ غَيْرُهُ، وَصَرِيحُ كَلَامِ الشَّارِحِ بِخِلَافِهِ فَقَدْ قَالَ أَيْ لَوْ بَاعَ إلَى هَذِهِ الْآجَالِ ثُمَّ أَسْقَطَ الْمُشْتَرِي الْأَجَلَ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ النَّاسُ فِي الْحَصَادِ وَالدِّيَاسِ، وَقَبْلَ قُدُومِ الْحَاجِّ جَازَ، وَمِثْلُهُ يَصُدُّ مَا فِي هَذَا الشَّرْحِ وَغَيْرِهِ، وَلَوْ كَانَ شَرْطًا لَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ مَجِيءَ الْأَجَلِ إذْ ذِكْرُهُ، وَالْحَالَةُ هَذِهِ لَغْوٌ فَتَأَمَّلْ اهـ مُلَخَّصًا أَقُولُ: وَقَدْ رَاجَعْتُ الْحَقَائِقَ شَرْحَ الْمَنْظُومَةِ النَّسَفِيَّةِ فَوَجَدْتُ مَا يُفِيدُ خِلَافَ مَا نَقَلَهُ ابْنُ الْمَلَكِ عَنْهَا، وَنَصُّ عِبَارَتِهَا فِي بَابِ مَا اخْتَصَّ بِهِ زُفَرُ اعْلَمْ أَنَّ الْبَيْعَ بِأَجَلٍ مَجْهُولٍ لَا يَجُوزُ إجْمَاعًا سَوَاءٌ كَانَتْ الْجَهَالَةُ مُتَقَارِبَةً كَالْحَصَادِ وَالدِّيَاسِ مَثَلًا أَوْ مُتَفَاوِتَةً كَهُبُوبِ الرِّيحِ وَقُدُومِ وَاحِدٍ مِنْ سَفَرِهِ فَإِنْ أَبْطَلَ الْمُشْتَرِي الْأَجَلَ الْمَجْهُولَ الْمُتَقَارِبَ قَبْلَ مَحِلِّهِ، وَقَبْلَ فَسْخِ الْعَقْدِ بِالْفَسَادِ انْقَلَبَ الْبَيْعُ جَائِزًا عِنْدَنَا، وَعِنْدَ زُفَرَ لَا يَنْقَلِبُ، وَلَوْ مَضَتْ الْمُدَّةُ قَبْلَ إبْطَالِ الْأَجَلِ تَأَكَّدَ الْفَسَادُ جَائِزًا إجْمَاعًا، وَإِنْ أَبْطَلَ الْمُشْتَرِي الْأَجَلَ الْمَجْهُولَ الْمُتَفَاوِتَ قَبْلَ التَّفَرُّقِ وَنَقْدِ الثَّمَنِ انْقَلَبَ جَائِزًا عِنْدَنَا، وَعِنْدَ زُفَرَ لَا يَنْقَلِبُ جَائِزًا، وَلَوْ تَفَرَّقَا قَبْلَ الْإِبْطَالِ تَأَكَّدَ الْفَسَادُ، وَلَا يَنْقَلِبُ جَائِزًا إجْمَاعًا مِنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ فِي أَوَّلِ السَّلَمِ قُلْتُ: ذَكَرَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْأَجَلَ الْمَجْهُولَ مُطْلَقًا، وَقَدْ بَيَّنْتُ أَنَّ إسْقَاطَ كُلِّ وَاحِدٍ مُؤَقَّتٌ بِوَقْتٍ عَلَى حِدَةٍ اهـ. بِحُرُوفِهِ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ أَيْضًا فِي كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمَتْنِ، وَبِثَمَنٍ حَالٍّ وَمُؤَجَّلٍ أَوَّلَ كِتَابِ الْبُيُوعِ، وَعَزَاهُ إلَى السِّرَاجِ فَتَنَبَّهْ لِهَذَا فَقَدْ جَعَلَ الشَّيْخُ مُحَمَّدٌ الْغَزِّيِّ مَا ذَكَرَهُ عَنْ ابْنِ الْمَلَكِ مِنْ مَسَائِلِ مَتْنِهِ التَّنْوِيرِ، وَتَبِعَهُ شَارِحُهُ الْحَصْكَفِيُّ عَلَيْهِ، وَوَقَعَ لِابْنِ الْكَمَالِ مِثْلُ مَا لِابْنِ مَالِكٍ. (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ، وَمَنْ جَمَعَ بَيْنَ حُرٍّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 97 وَعَبْدٍ أَوْ بَيْنَ شَاةٍ ذَكِيَّةٍ وَمَيِّتَةٍ بَطَلَ الْبَيْعُ فِيهِمَا، وَإِنْ جَمَعَ بَيْنَ عَبْدٍ وَمُدَبَّرٍ أَوْ بَيْنَ عَبْدِهِ، وَعَبْدِ غَيْرِهِ أَوْ بَيْنَ مِلْكٍ وَوَقْفٍ صَحَّ فِي الْقِنِّ وَعَبْدِهِ وَالْمِلْكِ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا يَصِحُّ إنْ سَمَّى لِكُلِّ وَاحِدٍ ثَمَنًا، وَأَفْسَدَ الْبَيْعَ زُفَرُ فِي الْكُلِّ فَالْأَصْلُ عِنْدَهُ أَنَّهُ إذَا جَمَعَ بَيْنَ حِلٍّ، وَحَرَامٍ فَإِنَّهُ يَفْسُدُ فِي الْكُلِّ فَصَّلَ أَوْ لَا، وَقَاسَ الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ إذْ مَحَلِّيَّةُ الْبَيْعِ مُنْتَفِيَةٌ بِالْإِضَافَةِ إلَى الْكُلِّ، وَلَهُمَا أَنَّ الْفَسَادَ بِقَدْرِ الْمُفْسِدِ فَلَا يَتَعَدَّى إلَى الْقِنِّ كَمَنْ جَمَعَ بَيْنَ أَجْنَبِيَّةٍ وَأُخْتِهِ فِي النِّكَاحِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُسَمِّ ثَمَنَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلْجَهَالَةِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْفَصْلَيْنِ أَنَّ الْحُرَّ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْعَقْدِ أَصْلًا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ، وَالْبَيْعُ صَفْقَةٌ وَاحِدَةٌ فَكَانَ الْقَبُولُ فِي الْحُرِّ شَرْطًا لِلْبَيْعِ فِي الْعَبْدِ، وَهَذَا شَرْطٌ فَاسِدٌ بِخِلَافِ النِّكَاحِ لِأَنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ أَمَّا الْبَيْعُ فِي هَؤُلَاءِ فَمَوْقُوفٌ، وَقَدْ دَخَلُوا تَحْتَ الْعَقْدِ لِقِيَامِ الْمَالِيَّةِ، وَلِذَا يَنْعَقِدُ فِي عَبْدِ الْغَيْرِ بِإِجَازَتِهِ، وَفِي الْمُكَاتَبِ بِرِضَاهُ فِي الْأَصَحِّ، وَفِي الْمُدَبَّرِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي. وَكَذَا فِي أُمِّ الْوَلَدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ إلَّا أَنَّ الْمَالِكَ بِاسْتِحْقَاقِهِ الْمَبِيعَ، وَهَؤُلَاءِ بِاسْتِحْقَاقِهِمْ أَنْفُسَهُمْ رَدُّوا الْبَيْعَ فَكَانَ هَذَا إشَارَةً إلَى الْبَقَاءِ كَمَا إذَا اشْتَرَى عَبْدَيْنِ، وَهَلَكَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ، وَهَذَا لَا يَكُونُ شَرْطَ الْقَبُولِ فِي غَيْرِ الْمَبِيعِ، وَلَا بَيْعًا بِالْحِصَّةِ ابْتِدَاءً، وَلِهَذَا لَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ ثَمَنِ كُلِّ وَاحِدٍ فِيهِ، وَمَتْرُوكُ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا كَالْمَيْتَةِ، وَأُمُّ الْوَلَدِ، وَالْمُكَاتَبُ كَالْمُدَبَّرِ، وَفِيمَا إذَا جَمَعَ بَيْنَ مِلْكٍ وَوَقْفٍ رِوَايَتَانِ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ الْوَقْفَ مَالٌ، وَلِهَذَا يَنْتَفِعُ بِهِ انْتِفَاعَ الْأَمْوَالِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُبَاعُ لِأَجْلِ حَقٍّ تَعَلَّقَ بِهِ، وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ فَسَادَ الْعَقْدِ فِيمَا ضُمَّ إلَيْهِ كَالْمُدَبَّرِ لَكِنْ أَرَادَ بِالْوَقْفِ مَا لَيْسَ بِمَسْجِدٍ فَإِنَّ الْمَسْجِدَ لَوْ ضُمَّ إلَى الْمِلْكِ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ فِيهِمَا لِأَنَّ الْمَسْجِدَ كَالْحُرِّ كَذَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ، وَقَيَّدَهُ فِي التَّجْنِيسِ بِالْعَامِرِ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ الْخَرَابَ لَوْ ضُمَّ إلَى الْمِلْكِ لَمْ يَبْطُلْ فِي الْمِلْكِ لِجَوَازِ بَيْعِ الْمَسْجِدِ إذَا خَرِبَ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فَصَارَ مُجْتَهَدًا فِيهِ كَالْمُدَبَّرِ، وَلَا يُشْكِلُ مَا فِي الْمُحِيطِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ قَرْيَةً، وَلَمْ يَسْتَثْنِ مَا فِيهَا مِنْ الْمَسَاجِدِ وَالْمَقَابِرِ فَالْأَصَحُّ الصِّحَّةُ فِي الْمِلْكِ لِأَنَّ مَا فِيهَا مِنْ الْمَسَاجِدِ وَالْمَقَابِرِ مُسْتَثْنًى عَادَةً. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ وَقَعَتْ حَادِثَةٌ فِي الْقُسْطَنْطِينِيَّة هِيَ جَمَعَ بَيْنَ وَقْفٍ، وَمِلْكٍ، وَبَاعَهُمَا صَفْقَةً وَاحِدَةً فَأَفْتَى مُفْتِيهَا بِعَدَمِ الصِّحَّةِ فِي الْمِلْكِ كَالْوَقْفِ فَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْأَصَحِّ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى، وَقْفٍ لَمْ يَحْكُمْ بِصِحَّتِهِ وَلُزُومِهِ لِيَكُونَ كَالْمُدَبَّرِ مُجْتَهَدًا فِيهِ أَمَّا مَا قَضَى الْقَاضِي بِهِ فَهُوَ كَالْحُرِّ لِلُزُومِهِ إجْمَاعًا فَيَسْرِي الْفَسَادُ إلَى الْمِلْكِ، وَلَكِنْ يَرُدُّ عَلَيْهِ مَا صَرَّحَ بِهِ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوَاهُ أَنَّ الْوَقْفَ بَعْدَ الْقَضَاءِ تُسْمَعُ دَعْوَى الْمِلْكِ فِيهِ، وَلَيْسَ هُوَ كَالْحُرِّ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ ضُمَّ إلَى مِلْكٍ لَا يَفْسُدُ الْبَيْعُ فِي الْمِلْكِ، وَهَكَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَهَذَا لَا يُمْكِنُ تَأْوِيلُهُ فَوَجَبَ الرُّجُوعُ إلَى الْحَقِّ، وَهُوَ إطْلَاقُ الْوَقْفِ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْقَضَاءِ، وَإِنْ صَارَ لَازِمًا بِالْإِجْمَاعِ لَكِنَّهُ يُقْبَلُ الْبَيْعُ بَعْدَ لُزُومِ الْوَقْفِ إمَّا بِشَرْطِ الِاسْتِبْدَالِ، وَهُوَ صَحِيحٌ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْمُفْتَى بِهِ أَوْ بِضَعْفِ عِلَّتِهِ كَمَا هُوَ قَوْلُهُمَا أَوْ بِوُرُودِ غَصْبٍ عَلَيْهِ، وَلَا يُمْكِنُ انْتِزَاعُهُ فَلِلنَّاظِرِ   [منحة الخالق] وَعَبْدٍ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَوْ جَمَعَ بَيْنَ دَنَّيْنِ مِنْ الْخَلِّ فَإِذَا أَحَدُهُمَا خَمْرٌ، وَهَذَا إذَا قَالَ بِعْتُهُمَا أَمَّا إذَا قَالَ بِعْتُ أَحَدَهُمَا فَقَبِلَ الْآخَرُ صَحَّ فِي الْقِنِّ تَصْحِيحًا لِتَصَرُّفِهِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَقَوْلُهُ أَوْ بَيْنَ شَاةٍ ذَكِيَّةٍ وَمَيِّتَةٍ الْمُرَادُ بِالْمَيِّتَةِ الَّتِي مَاتَتْ حَتْفَ أَنْفِهَا كَمَا قَيَّدَهُ بِهِ فِي الدُّرَرِ وَالْغُرَرِ وَالنَّهْرِ، وَذَكَرَ الِاحْتِرَازَ فِي شَرْحِهِ فَرَاجِعْهُ. اهـ. (قَوْلُهُ فَأَفْتَى مُفْتِيهَا) هُوَ مَوْلَانَا أَبُو السُّعُودِ جَامِعُ أَشْتَاتِ الْعُلُومِ تَغَمَّدَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِرِضْوَانِهِ كَذَا فِي النَّهْرِ قَالَ وَوَافَقَهُ بَعْضُ عُلَمَاءِ الْعَصْرِ مِنْ الْمِصْرِيِّينَ، وَمِنْهُمْ شَيْخُنَا الْأَخُ إلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي شَرْحِهِ هُنَا يَرُدُّ عَلَيْهِ إلَخْ (قَوْلُهُ وَلَكِنْ يَرُدُّ عَلَيْهِ مَا صَرَّحَ بِهِ قَاضِي خَانْ إلَخْ) فَإِنْ قُلْتُ: يُمْكِنُ حَمْلُ الْقَضَاءِ فِي كَلَامِ قَاضِي خَانْ عَلَى الْقَضَاءِ بِصِحَّتِهِ لَا بِلُزُومِهِ فَلَا يَرُدُّ مَا أَفْتَى بِهِ مُفْتِي الرُّومِ قُلْتُ: هُوَ مُطْلَقٌ فَيُحْمَلُ عَلَى الْكَامِلِ، وَهُوَ الْقَضَاءُ بِلُزُومِهِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، وَلِأَنَّ فِي حَمْلِهِ عَلَى الْقَضَاءِ بِلُزُومِهِ فَائِدَةً بِخِلَافِ حَمْلِهِ عَلَى الْقَضَاءِ بِالصِّحَّةِ فَإِنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ لِأَنَّهُ صَحِيحٌ بِدُونِهِ أَقُولُ: وَكَلَامُ شَيْخِنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي شَرْحِهِ هَذَا يُفِيدُ أَنَّ بَيْعَ الْوَقْفِ فَاسِدٌ، وَلَيْسَ بِبَاطِلٍ كَمَا فِي الْحُرِّ لَكِنْ فِي جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى صَرَّحَ بِبُطْلَانِهِ، وَكَلَامُهُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ فَلْيُرَاجَعْ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ كَذَا فِي حَاشِيَةِ الرَّمْلِيِّ، وَفِي الشرنبلالية صَرَّحَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِبُطْلَانِ بَيْعِ الْوَقْفِ، وَأَحْسَنَ بِذَلِكَ إذْ جَعَلَهُ فِي قِسْمِ الْبَيْعِ الْبَاطِلِ إذْ خِلَافٌ فِي بُطْلَانِ بَيْعِ الْوَقْفِ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ التَّمْلِيكَ وَالتَّمَلُّكَ، وَغَلَّطَ مَنْ جَعَلَهُ فَاسِدًا أَوْ أَفْتَى بِهِ مِنْ عُلَمَاءِ الْقَرْنِ الْعَاشِرِ وَرَدَّ كَلَامَهُ فِي عَصْرِهِ بِجُمَلِ رَسَائِلَ، وَلَنَا فِيهِ رِسَالَةٌ هِيَ حُسَامُ الْحُكَّامِ مُتَضَمَّنَةٌ لِبَيَانِ فَسَادِ قَوْلِهِ، وَبُطْلَانِ فَتْوَاهُ. اهـ. وَمُرَادُهُ بِالْغَالِطِ قَاضِي الْقُضَاةِ نُورِ الدِّينِ الطَّرَابُلْسِيِّ، وَالْعَلَّامَةُ الشَّيْخُ أَحْمَدُ الشَّلَبِيُّ كَمَا ذَكَرَهُ فِي تِلْكَ الرِّسَالَةِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 98 بَيْعُهُ كَمَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ أَوْ بِقَضَاءِ قَاضٍ حَنْبَلِيٍّ بِبَيْعِهِ فَإِنَّ عِنْدَهُ بَيْعَ الْوُقُوفِ يَجُوزُ، وَيَشْتَرِي بِبَدَلِهِ مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ كَمَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ فَكَيْفَ يُجْعَلُ الْوَقْفُ كَالْحُرِّ مَعَ وُجُودِ هَذِهِ الْأَسْبَابِ الْمُجَوِّزَةِ لِبَيْعِهِ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ، وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ (فَصْلٌ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ) أَيْ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ قَدَّمْنَا أَنَّ فِعْلَهُ مَعْصِيَةٌ فَعَلَيْهِ التَّوْبَةُ مِنْهَا بِفَسْخِهِ كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ بِأَمْرِ الْبَائِعِ، وَكُلُّ مَنْ عِوَضَيْهِ مَالٌ مَلَكَ الْمَبِيعَ بِقِيمَتِهِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَمْلِكُهُ، وَإِنْ قَبَضَهُ لِأَنَّهُ مَحْظُورٌ فَلَا تُنَالُ بِهِ نِعْمَةُ الْمِلْكِ، وَلِأَنَّ النَّهْيَ نَسْخٌ لِلْمَشْرُوعِيَّةِ لِلتَّضَادِّ، وَلِهَذَا لَا يُفِيدُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَصَارَ كَمَا إذَا بَاعَ بِالْمَيْتَةِ أَوْ بَاعَ الْخَمْرَ بِالدَّرَاهِمِ، وَلَنَا أَنَّ رُكْنَ الْبَيْعِ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ مُضَافًا إلَى مَحَلِّهِ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِانْعِقَادِهِ، وَلَا خَفَاءَ فِي الْأَهْلِيَّةِ وَالْمَحَلِّيَّةِ، وَرُكْنُهُ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ، وَفِيهِ الْكَلَامُ وَالنَّهْيُ يُقَرِّرُ الْمَشْرُوعِيَّةَ عِنْدَنَا لِاقْتِضَائِهِ التَّصَوُّرَ فَنَفْسُ الْبَيْعِ مَشْرُوعٌ، وَبِهِ تُنَالُ نِعْمَةُ الْمِلْكِ إنَّمَا الْمَحْظُورَةُ مَا يُجَاوِرُهُ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَقْتَ النِّدَاءِ، وَإِنَّمَا لَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ قَبْلَ الْقَبْضِ كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى تَقْرِيرِ الْفَسَادِ الْمُجَاوِرِ إذْ هُوَ وَاجِبُ الرَّفْعِ بِالِاسْتِرْدَادِ فَبِالِامْتِنَاعِ عَنْ الْمُطَالَبَةِ أَوْلَى، وَلِأَنَّ السَّبَبَ قَدْ ضَعُفَ لِمَكَانِ اقْتِرَابِهِ بِالْقُبْحِ فَيُشْتَرَطُ اعْتِضَادُهُ بِالْقَبْضِ فِي إفَادَةِ الْحُكْمِ بِمَنْزِلَةِ الْهِبَةِ، وَالْمَيْتَةُ لَيْسَتْ بِمَالٍ فَانْعَدَمَ الرُّكْنُ، وَلَوْ كَانَ الْخَمْرُ مُثَمَّنًا فَقَدْ ذَكَرْنَاهُ أَوَّلَ الْبَابِ، وَشَيْءٌ آخَرُ أَنَّ فِي الْخَمْرِ الْوَاجِبُ هُوَ الْقِيمَةُ، وَهِيَ تَصْلُحُ ثَمَنًا لَا مُثَمِّنًا أَشَارَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِذِكْرِ الْقَبْضِ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ مَقْبُوضًا فِي يَدِهِ فَلَوْ كَانَ فِي يَدِهِ وَدِيعَةٌ مَلَكَهُ بِمُجَرَّدِ الْقَبُولِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَإِلَى أَنَّ التَّخْلِيَةَ فِيهِ لَا تَكْفِي. وَصَحَّحَهُ الْعِمَادِيُّ فِي الْفُصُولِ، وَصَحَّحَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوَاهُ فِي بَابِ قَبْضِ الْمَبِيعِ أَنَّهَا قَبْضٌ فِيهِ، وَاخْتَارَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ قَبْضَ الْوَكِيلِ قَالَ فِي الْقُنْيَةِ التَّوْكِيلُ بِالشِّرَاءِ الْفَاسِدِ صَحِيحٌ كَالتَّوْكِيلِ بِالشِّرَاءِ إلَى الْحَصَادِ وَالدِّيَاسِ وَقَبْضِ الْوَكِيلِ لِلْمُوَكِّلِ فَيَصِيرُ مَضْمُونًا بِالْقِيمَةِ اهـ. وَخَرَجَ مَا قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَا مِلْكَ لَهُ، وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْقَبْضَ الْحُكْمِيَّ لِمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا شِرَاءً فَاسِدًا، وَلَمْ يَقْبِضْهُ فَأَمَرَ الْبَائِعَ بِإِعْتَاقِهِ فَأَعْتَقَهُ صَحَّ عِتْقُهُ عَنْ الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ قَبْضِ الْمُشْتَرِي، وَلَوْ أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي بِنَفْسِهِ لَا يَصِحُّ لِعَدَمِ الْمِلْكِ، وَهَذِهِ عَجِيبَةٌ حَيْثُ مَلَكَ الْمَأْمُورُ مَا لَمْ يَمْلِكْ الْآمِرُ، وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْبَاطِلِ فَإِنَّهُ لَا يُفِيدُهُ، وَلَكِنْ لَيْسَ كُلُّ فَاسِدٍ يُمْلَكُ بِالْقَبْضِ فَقَدْ كَتَبْنَا فِي الْفَوَائِدِ الْفِقْهِيَّةِ أَنَّ بَيْعَ الْهَازِلِ لَا يُمْلَكُ بِالْقَبْضِ كَمَا ذَكَرَهُ الْبَزْدَوِيُّ فِي الْأُصُولِ، وَأَنَّ الْأَبَ إذَا اشْتَرَى مِنْ مَالِهِ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ فَاسِدٌ أَوْ بَاعَ كَذَلِكَ فَالْقَبْضُ لَا يَكْفِي، وَلَا يَمْلِكُهُ إلَّا بِقَبْضِهِ وَاسْتِعْمَالِهِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ. ثُمَّ رَأَيْتُ فِي الْقُنْيَةِ أَنَّ بَيْعَ التَّلْجِئَةِ بَاطِلٌ فَحِينَئِذٍ لَا يَرُدُّ عَلَى   [منحة الخالق] [فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ] فَصْلٌ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ) . (قَوْلُهُ فَلَوْ كَانَ فِي يَدِهِ وَدِيعَةٌ إلَخْ) عِبَارَةُ الْفَتْحِ، وَفِي جَمْعِ التَّفَارِيقِ لَوْ كَانَ وَدِيعَةٌ عِنْدَهُ، وَهِيَ حَاضِرَةٌ مَلَكَهَا قَالَ فِي النَّهْرِ، وَأَقُولُ: يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَا فِي جَمْعِ التَّفَارِيقِ مُخَرَّجًا عَلَى أَنَّ التَّخْلِيَةَ قَبْضٌ، وَلِذَا قَيَّدَهُ بِكَوْنِهَا حَاضِرَةً، وَإِلَّا فَقَدْ مَرَّ أَنَّ قَبْضَ الْأَمَانَةِ لَا يَنُوبُ عَنْ قَبْضِ الْمَبِيعِ فَتَنَبَّهْ لِهَذَا (قَوْلُهُ وَهَذِهِ عَجِيبَةٌ إلَخْ) قَدْ مَرَّ فِي أَمْرِ الذِّمِّيِّ بِبَيْعِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرُ نَظِيرُهَا (قَوْلُهُ وَأَنَّ الْأَبَ إذَا اشْتَرَى مِنْ مَالِهِ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ فَاسِدًا) صَوَابُ الْعِبَارَةِ إذَا اشْتَرَى مِنْ مَالِ ابْنِهِ الصَّغِيرِ لِنَفْسِهِ فَاسِدًا أَوْ بَاعَ مِنْ مَالِهِ لِابْنِهِ كَذَلِكَ قَالَ فِي النَّهْرِ، وَفِي الْمُحِيطِ بَاعَ عَبْدًا مِنْ ابْنِهِ الصَّغِيرِ فَاسِدًا أَوْ اشْتَرَى عَبْدَهُ لِنَفْسِهِ فَاسِدًا لَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ حَتَّى يَقْبِضَهُ، وَيَسْتَعْمِلَهُ اهـ. (قَوْلُهُ ثُمَّ رَأَيْتُ فِي الْقُنْيَةِ أَنَّ بَيْعَ التَّلْجِئَةِ بَاطِلٌ) قَالَ الرَّمْلِيُّ مَا ذَكَرَ فِي الْقُنْيَةِ مُشْكِلٌ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ عِوَضَيْ بَيْعِ الْهَازِلِ مَالٌ فَكَيْفَ يَكُونُ بَاطِلًا، وَقَدْ صَرَّحَ فِي عَامَّةِ كُتُبِ الْأُصُولِ، وَالْفُرُوعِ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ فَاسِدًا لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ بِالْقَبْضِ، وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ ابْنُ مَالِكٍ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ، وَمِنْ ثَمَّ صَرَّحُوا أَنَّ بَيْعَ الْمُكْرَهِ يَقَعُ فَاسِدًا لَكِنَّهُ يَنْقُضُ تَصَرُّفَ الْمُشْتَرِي مِنْهُ لِعَدَمِ الرِّضَا فَعَلَى هَذَا يَكُونُ مَعْنَى قَوْلِ صَاحِبِ الْقُنْيَةِ إنَّ بَيْعَ التَّلْجِئَةِ بَاطِلٌ أَيْ يُشْبِهُ الْبَاطِلَ فِي عَدَمِ إفَادَتِهِ الْمِلْكَ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْفَاسِدُ عَلَى نَوْعَيْنِ نَوْعٌ يُفِيدُ الْمِلْكَ، وَنَوْعٌ لَا يُفِيدُهُ. ثُمَّ رَأَيْتُ فِي قَاضِي خَانْ التَّصْرِيحَ بِبُطْلَانِهِ حَيْثُ قَالَ فَإِنْ اخْتَلَفَا فَادَّعَى أَحَدُهُمَا أَنَّ الْبَيْعَ تَلْجِئَةٌ، وَالْآخَرُ يُنْكِرُ التَّلْجِئَةَ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ مُدَّعِي التَّلْجِئَةِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَيَسْتَحْلِفُ الْآخَرُ، وَصُورَةُ التَّلْجِئَةِ فِي الْبَيْعِ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ إنِّي أَبِيعُ دَارِي مِنْكَ بِكَذَا، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِبَيْعٍ فِي الْحَقِيقَةِ بَلْ هُوَ تَلْجِئَةٌ، وَيُشْهِدُ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ يَبِيعُ فِي الظَّاهِرِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ فَهَذَا الْبَيْعُ يَكُونُ بَاطِلًا بِمَنْزِلَةِ بَيْعِ الْهَازِلِ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بَيْعُ التَّلْجِئَةِ إذَا قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْعَبْدَ أَوْ أَعْتَقَهُ لَا يَنْفُذُ إعْتَاقُهُ، وَلَا يُشْبِهُ الْمُشْتَرَى مِنْ الْمُكْرَهِ لِأَنَّهُ فِي الْحُكْمِ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَهُمَا اهـ. مِنْ الْغَزِّيِّ، وَفِي قَاضِي خَانْ أَيْضًا، وَذَكَرَ فِي إقْرَارِ الْأَصْلِ أَنَّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 99 الْمُصَنِّفِ لِأَنَّ كَلَامَهُ فِي الْفَاسِدِ، وَفِي آخِرِ الْقُنْيَةِ مِنْ الْوَصَايَا بَاعَ الْوَصِيُّ مَالَ الْيَتِيمِ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ فَهُوَ بَاطِلٌ لَا يَمْلِكُ بِالْقَبْضِ ثُمَّ رَقَمَ آخَرُ بَلْ هُوَ فَاسِدٌ اهـ. أَقُولُ: يَنْبَغِي لَأَنْ يَجْرِيَ الْقَوْلَانِ فِي بَيْعِ الْوَقْفِ الْمَشْرُوطِ اسْتِبْدَالُهُ أَوْ الْخَرَابِ الَّذِي جَازَ اسْتِبْدَالُهُ إذَا بِيعَ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ وَيَنْبَغِي تَرْجِيحُ الثَّانِي فِيهِمَا لِأَنَّهُ إذَا مَلَكَ بِالْقَبْضِ وَجَبَتْ قِيمَتُهُ فَلَا ضَرَرَ عَلَى الْيَتِيمِ وَالْوَقْفِ، وَقَيَّدَ بِأَمْرِ الْبَائِعِ أَيْ بِإِذْنِهِ لِأَنَّهُ بِلَا إذْنِهِ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ، وَالْإِذْنُ دُونَ الرِّضَا لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي بَعْضِ أَفْرَادِهِ كَبَيْعِ الْمُكْرَهِ كَمَا لَا يَخْفَى، وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْإِذْنَ صَرِيحًا أَوْ دَلَالَةً فَسُكُوتُهُ عِنْدَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي فِي الْمَجْلِسِ إذْنٌ دَلَالَةً لِكَوْنِ الْبَيْعِ تَسْلِيطًا مِنْهُ عَلَى الْقَبْضِ إذْ مُرَادُهُ أَنْ يَمْلِكَهُ الْمُشْتَرِي بِخِلَافِ الْبَيْعِ الصَّحِيحِ فَإِنَّ الْإِيجَابَ لَيْسَ بِتَسْلِيطٍ لِأَنَّ الْمِلْكَ حَصَلَ بِدُونِهِ، وَأَمَّا إذَا تَفَرَّقَا عَنْ الْمَجْلِسِ فَلَا بُدَّ مِنْ إذْنٍ صَرِيحٍ إلَّا إذَا قَبَضَ الْبَائِعُ الثَّمَنَ، وَهُوَ مِمَّا يَمْلِكُ بِهِ فَإِنَّهُ يَكُونُ إذْنًا بِالْقَبْضِ دَلَالَةً، وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ، وَلَوْ أَمَرَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ أَنْ يَعْمَلَ فِي الْمَبِيعِ عَمَلًا يُنْقِصُهُ أَوْ لَا يَنْقُصُهُ كَالْقِصَارَةِ وَالْغُسْلِ بِأُجْرَةٍ أَوْ بِغَيْرِ أُجْرَةٍ فَمَا كَانَ يَنْقُصُهُ فَهُوَ قَبْضٌ، وَمَا لَا فَلَا، وَلِلْبَائِعِ الْأُجْرَةُ فِي الْوَجْهَيْنِ هَلَكَ الْمَبِيعُ أَوْ لَا. اهـ. وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ لَوْ بُرًّا فَخَلَطَهُ الْبَائِعُ بِطَعَامِ الْمُشْتَرِي بِأَمْرِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ صَارَ قَابِضًا وَعَلَيْهِ مِثْلُهُ اهـ. وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ وَكُلُّ مِنْ عِوَضَيْهِ مَالٌ لِيَخْرُجَ الْبَيْعُ بِالْمَيْتَةِ، وَكُلُّ بَيْعٍ بَاطِلٍ كَالْبَيْعِ مَعَ نَفْيِ الثَّمَنِ فَإِنَّهُ بَاطِلٌ، وَمَعَ السُّكُوتِ عَنْهُ فَاسِدٌ يَمْلِكُ الْمَبِيعَ بِالْقَبْضِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْبَاطِلَ خَرَجَ أَوَّلًا بِقَوْلِهِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ فَلَا حَاجَةَ إلَى إخْرَاجِهِ ثَانِيًا اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ بَعْضَ الْبُيُوعِ الْبَاطِلَةِ أَطْلَقُوا عَلَيْهَا اسْمَ الْفَاسِدِ فَرُبَّمَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ الْمَبِيعَ فِيهَا يُمْلَكُ بِالْقَبْضِ فَصَرَّحَ بِمَا يُخْرِجُهَا فَإِذَا بَاعَ عَرْضًا بِخَمْرٍ أَوْ بِمُدَبَّرٍ أَوْ أُمِّ وَلَدٍ مَلَكَ الْعَرْضَ بِالْقَبْضِ لَا مَا قَابَلَهُ مَعَ أَنَّ بَعْضَهُمْ أَطْلَقَ عَلَى بَيْعِ الْخَمْرِ وَالْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ الْفَسَادَ، وَلَكِنْ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ، وَذَكَرَ فِي إيضَاحِ الْإِصْلَاحِ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى هَذَا الْقَيْدِ لِأَنَّ فَسَادَ الْبَيْعِ لَا يُوجَدُ بِدُونِ هَذَا الشَّرْطِ لَا يُقَالُ إنَّهُ يُوجَدُ بِدُونِهِ فِيمَا إذَا بَاعَ، وَسَكَتَ عَنْ ذِكْرِ الثَّمَنِ لِأَنَّ أَحَدَ الْعِوَضَيْنِ حِينَئِذٍ الْقِيمَةُ، وَهِيَ مَذْكُورَةٌ حُكْمًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الذَّخِيرَةِ عَلَى أَنَّ الشَّرْطَ وُجُودُ الْمَالِيَّةِ فِي الْعِوَضَيْنِ اهـ. كَمَا قَيَّدَهُ بِهِ فِي الْجَوْهَرَةِ، وَفِي قَوْلِهِ مَلَكَ الْبَيْعَ رَدٌّ عَلَى مَنْ قَالَ إنَّهُ إنَّمَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ دُونَ الْعَيْنِ، وَهُمْ الْعِرَاقِيُّونَ. وَمَا ذَكَرَهُ قَوْلُ أَهْلِ بَلْخٍ، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ فِي كَلَامِ مُحَمَّدٍ، وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ فَإِنَّهُ قَالَ إنَّ الْمُشْتَرِيَ خَصْمٌ لِمَنْ يَدَّعِيهِ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ رَقَبَتَهُ كَذَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا أَعْتَقَهُ بَعْدَ قَبْضِهِ صَحَّ، وَكَانَ الْوَلَاءُ لَهُ، وَلَوْ بَاعَهُ كَانَ الثَّمَنُ لَهُ، وَلَوْ بِيعَتْ دَارٌ إلَى جَنْبِهَا فَالشُّفْعَةُ لِلْمُشْتَرِي، وَلَوْ أَعْتَقَهُ الْبَائِعُ لَمْ يَعْتِقْ، وَلَوْ سَرَقَهُ الْبَائِعُ مِنْ الْمُشْتَرِي بَعْدَ قَبْضِهِ قَطَعَ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ فَهَذِهِ كُلُّهَا ثَمَرَاتُ الْمِلْكِ، وَبِدَلِيلِ وُجُوبِ الِاسْتِبْرَاءِ   [منحة الخالق] بَيْعَ الْهَازِلِ بَاطِلٌ. اهـ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْ إشْكَالِهِ بِأَنَّهُ، وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْ عِوَضَيْهِ مَالًا لَكِنْ لَيْسَ بِبَيْعٍ حَقِيقَةً لِعَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِمَا ذَكَرَا مِنْ الْإِيجَابِ، وَالْقَبُولِ مَعَ الْهَزْلِ فَكَأَنَّهُمَا لَمْ يُوجَدَا، وَإِنَّمَا جَازَ إذَا جَعَلَاهُ جَائِزًا بَعْدَ ذَلِكَ بِطَرِيقِ جَعْلِهِ إنْشَاءً، وَإِنَّمَا كَانَ الْقَوْلُ لِمُدَّعِي الْهَزْلِ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ وُجُودَ الْبَيْعِ، وَلَا إشْكَالَ فِي ذَلِكَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ لِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ مُدَّعِي الْبُطْلَانِ لَكِنْ ذَكَرُوا فِي التَّلْجِئَةِ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ مُدَّعِيهَا فَهُوَ مُشْكِلٌ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الْبُطْلَانَ، وَقَالُوا فِيهِ إنَّهُ هَزْلٌ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ التَّلْجِئَةِ وَالْهَزْلِ فِي ذَلِكَ فَتَأَمَّلْ اهـ. مُلَخَّصًا. وَقَوْلُهُ لِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ مُدَّعِي الْبُطْلَانِ أَيْ لَوْ اخْتَلَفَا فِيهِ، وَفِي الصِّحَّةِ أَمَّا لَوْ اخْتَلَفَا فِي الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ فَالْمُخْتَارُ أَنَّ الْقَوْلَ لِمُدَّعِي الْفَسَادِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمِلْكَ حَصَلَ بِدُونِهِ) أَيْ بِدُونِ الْقَبْضِ، وَالْأَوْلَى لِأَنَّ الْمِلْكَ حَصَلَ بِهِ أَيْ بِالْإِيجَابِ (قَوْلُهُ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ بَعْضَ الْبُيُوعِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَأَقُولُ: هَذَا مِمَّا لَا حَاجَةَ إلَيْهِ بَلْ الْفَاسِدُ أَعَمُّ عَلَى مَا الْتَزَمُوهُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّصْرِيحِ بِهَذَا الْعَقْدِ لِإِخْرَاجِ الْبَاطِلِ، وَهَذَا مِمَّا يَجِبُ أَنْ يُفْهَمَ مِنْ كَلَامِهِمْ فِي هَذَا الْمَقَامِ، وَمَنْ تَأَمَّلَ مَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا وَجَدَهُ كَالصَّرِيحِ بِهِ ثُمَّ رَأَيْتُهُ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ قَالَ فِي قَوْلِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ شَرَطَ أَنْ يَكُونَ الْعِوَضَانِ كُلٌّ مِنْهُمَا مَالٌ لِيَتَحَقَّقَ رُكْنُ الْبَيْعِ يَعْنِي لِيَظْهَرَ تَحَقُّقُهُ فَإِنَّ الْفَاسِدَ قَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي الْمَعْنَى الْعَامِّ لِلْبَاطِلِ أَيْضًا، وَهَذَا طِبْقُ مَا فَهِمْتُهُ فَتَنَبَّهْ لَهُ، وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُ الشَّارِحِ أَيْ الزَّيْلَعِيِّ إنَّ قَوْلَهُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ احْتِرَازٌ عَنْ الْبَاطِلِ مِمَّا لَا يَنْبَغِي إذْ الْبَاطِلُ إنَّمَا خَرَجَ بِقَوْلِهِ، وَكُلٌّ مِنْ عِوَضَيْهِ مَالٌ كَمَا قَدْ عَلِمْتَ. اهـ. وَتَعَقَّبَهُ الْحَمَوِيُّ بِأَنَّ مِنْ أَفْرَادِ الْبَاطِلِ مَا لَا يَخْرُجُ بِهَذَا الْقَيْدِ، وَهُوَ بَيْعُ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ بِالدَّرَاهِمِ فَإِنَّهُ بَاطِلٌ مَعَ أَنَّ كُلًّا مِنْ عِوَضَيْهِ مَالٌ، وَعَلَى هَذَا فَلَا بُدَّ مِنْ حَذْفِ هَذَا الْقَيْدِ لِاقْتِضَائِهِ أَنَّ هَذَا الْفَرْدَ مِنْ الْبَاطِلِ يَكُونُ فَاسِدًا يُمْلَكُ بِالْقَبْضِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ اهـ. قُلْتُ: وَقَدْ يُدْفَعُ بِأَنَّهُمَا لَيْسَا مَالًا مُطْلَقًا فَإِنَّ الشَّرْعَ أَسْقَطَ مَالِيَّتَهُمَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 100 عَلَى الْبَائِعِ إذَا رُدَّتْ الْجَارِيَةُ عَلَيْهِ، وَلَوْلَا خُرُوجُهَا عَنْ مِلْكِهِ لَمْ تَجِبْ، وَقَوْلُهُمْ إنَّهُ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فَقَطْ بِتَسْلِيطِ الْبَائِعِ مَنْقُوضٌ بِمَا إذَا كَانَ الْبَائِعُ وَصِيَّ يَتِيمٍ بَاعَ عَبْدَهُ فَاسِدًا فَأَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ يَصِحُّ، وَلَوْ كَانَ عَلَى وَجْهِ التَّسْلِيطِ لَمْ يَصِحَّ كَذَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، وَأَمَّا مَا اسْتَدَلَّ بِهِ الْعِرَاقِيُّونَ مِنْ عَدَمِ حِلِّ أَكْلِهِ لَوْ كَانَ طَعَامًا، وَعَدَمِ حِلِّ لُبْسِهِ لَوْ كَانَ قَمِيصًا، وَعَدَمِ حِلِّ وَطْئِهَا لَوْ كَانَتْ جَارِيَةً، وَاسْتَبْرَأَهَا، وَلَوْ وَطِئَهَا وَجَبَ الْعُقْرُ إذَا فَسَخَ، وَعَدَمِ وُجُوبِ الشُّفْعَةِ لِشَفِيعِهَا فَلَا دَلِيلَ فِيهِ لِأَنَّ عَدَمَ الْحِلِّ لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْمِلْكِ بِدَلِيلِ أَنَّ رِبْحَ مَا لَمْ يَضْمَنْ مَمْلُوكٌ، وَلَا يَحِلُّ، وَالْأُخْتُ رَضَاعًا إذَا مَلَكَهَا لَا يَحِلُّ وَطْؤُهَا، وَإِنَّمَا لَمْ تَجِبْ الشُّفْعَةُ لِأَنَّ حَقَّ الْبَائِعِ لَمْ يَنْقَطِعْ عَنْهَا، وَهِيَ إنَّمَا تَجِبُ بِانْقِطَاعِ حَقِّهِ لَا بِمِلْكِ الْمُشْتَرِي بِدَلِيلِ أَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِبَيْعِ دَارِهِ، وَجَحَدَ الْمُشْتَرِي وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ. هَذَا وَقَدْ ذَكَرَ الْعِمَادِيُّ فِي فُصُولِهِ خِلَافًا فِي حُرْمَةِ وَطْئِهَا فَقِيلَ يُكْرَهُ، وَلَا يَحْرُمُ، وَقِيلَ يَحْرُمُ، وَفِيهِ إشَارَةٌ أَيْضًا إلَى أَنَّ الْبَائِعَ يَمْلِكُ الثَّمَنَ بِشَرْطِ قَبْضِهِ لِأَنَّهُ كَالْمَبِيعِ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ، وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ حَبِلَتْ مِنْهُ صَارَتْ أُمَّ وَلَدِهِ، وَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا لَا عُقْرُهَا، وَقِيلَ عَلَيْهِ عُقْرُهَا، وَقِيمَتُهَا، وَقِيلَ يَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي كُلُّ تَصَرُّفٍ تَجْرِي فِيهِ الْإِبَاحَةُ، وَإِلَّا فَلَا، وَلَمْ تَحِلَّ الْمُبَاشَرَةُ كَعَصِيرٍ وَقَعَتْ فِيهِ فَأْرَةٌ يَحِلُّ بَيْعُهُ لَا مُبَاشَرَتُهُ نَحْوُ أَكْلِهِ. اهـ. وَفِي الْقُنْيَةِ إعْتَاقُ الْبَائِعِ الْمَبِيعَ بَعْدَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي بِغَيْرِ حَضْرَتِهِ بَاطِلٌ، وَبِحَضْرَتِهِ صَحِيحٌ، وَيَكُونُ فَسْخًا. اهـ. وَهُوَ تَخْصِيصٌ لِقَوْلِهِمْ إنَّ إعْتَاقَهُ بَاطِلٌ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ بَابِ نِكَاحِ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ بَاعَ جَارِيَةً بَيْعًا فَاسِدًا، وَقَبَضَهَا الْمُشْتَرِي ثُمَّ تَزَوَّجَهَا الْبَائِعُ لَمْ يَجُزْ. اهـ. وَلَوْ لَمْ يَقْبِضْهَا الْمُشْتَرِي فَزَوَّجَهَا الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي يَصِحُّ كَذَا فِي الْقُنْيَةِ اهـ. أَقُولُ: يُشْكِلُ حِينَئِذٍ مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْجَوْهَرَةِ مِنْ قَطْعِ يَدِهِ بِسَرِقَةِ الْمَبِيعِ فَإِنَّ الْقَطْعَ يَقْتَضِي أَنْ لَا مِلْكَ لَهُ فِيهِ، وَلَا شُبْهَةَ، وَقَوْلُهُمْ بِعَدَمِ صِحَّةِ نِكَاحِهَا لِلْبَائِعِ يَقْتَضِي بَقَاءَ مِلْكِهِ أَوْ شُبْهَتِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُقْطَعَ الْبَائِعُ لِلشُّبْهَةِ، وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ أَيْضًا، وَلَمْ أَرَ لِغَيْرِ الْحَدَّادِيِّ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ قَالَهُ تَفَقُّهًا مِنْ عِنْدِهِ لَا عَلَى أَنَّهُ نَقْلُ الْمَذْهَبِ فَإِنَّهُ قَالَ: وَمِنْ فَوَائِدِ قَوْلِهِ مَلَكَهُ أَنَّهُ لَوْ سَرَقَهُ الْبَائِعُ بَعْدَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي قُطِعَ بِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ، وَقَيَّدَ الْمِلْكَ لِلْمُشْتَرِي فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ خِيَارُ شَرْطٍ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الْمِلْكَ فِي الصَّحِيحِ فَكَذَا فِي الْفَاسِدِ، وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ يَثْبُتُ فِيهِ خِيَارُ الشَّرْطِ وَالرُّؤْيَةِ، وَالْمُرَادُ بِالْقِيمَةِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بَدَلُ الْمَبِيعِ لِيَشْمَلَ مَا إذَا كَانَ مِثْلِيًّا فَإِنَّهُ يَمْلِكُهُ بِمِثْلِهِ، وَالْقِيمَةُ إنَّمَا هِيَ فِي الْقِيَمِيِّ، وَالْقَوْلُ فِيهِمَا لِلْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ لِكَوْنِهِ مُنْكِرًا لِلضَّمَانِ، وَالْبَيِّنَةُ لِلْبَائِعِ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ، وَلَمَّا رَتَّبَ الْقِيمَةَ عَلَى الْقَبْضِ دَلَّ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ مِلْكُهُ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ قَبْضِهِ، وَلَوْ ازْدَادَتْ قِيمَتُهُ فِي يَدِهِ فَأَتْلَفَهُ لَمْ يَتَغَيَّرْ كَالْغَصْبِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قِيمَتُهُ يَوْمَ أَتْلَفَهُ لِأَنَّهُ بِالْإِتْلَافِ يَتَقَرَّرُ كَذَا فِي الْكَافِي، وَلَكِنْ قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ لَوْ قَالَ الْبَائِعُ أَبْرَأْتُكَ عَنْ الْقِنِّ ثُمَّ مَاتَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي بَرِئَ إذْ الْقِيمَةُ تَجِبُ بِهَلَاكِ الْمَبِيعِ فَقَبْلَهُ لَا يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ أَمَّا لَوْ أَبْرَأهُ عَنْ الْقِنِّ فَقَدْ أَخْرَجَهُ عَنْ كَوْنِهِ مَضْمُونًا، وَعَلَى هَذَا لَوْ أَبْرَأَ الْغَاصِبَ عَنْ الْقِيمَةِ حَالَ قِيَامِ الْمَغْصُوبِ لَمْ يَصِحَّ، وَلَوْ أَبْرَأَهُ عَنْ الْمَغْصُوبِ صَحَّ اهـ. فَعَلَى هَذَا لَا تَجِبُ الْقِيمَةُ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ رَدُّهُ عَلَى الْبَائِعِ بِمَوْتٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ، وَهَذَا ظَاهِرُ نُصُوصِ الْأَصْحَابِ، وَفِي بَعْضِ الْحَوَاشِي إنَّمَا تَجِبُ الْقِيمَةُ إذَا هَلَكَ اهـ. وَأَمَّا إيدَاعُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْبَائِعِ فَغَيْرُ صَحِيحٍ قَالَ فِي الْقُنْيَةِ قَبَضَ الْكِرْبَاسَ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ بِأَمْرِهِ، وَقَطَعَهُ ثُمَّ أَوْدَعَهُ الْبَائِعَ، وَهَلَكَ فِي يَدِهِ هَلَكَ مِنْهُ، وَعَلَى الْمُشْتَرِي نُقْصَانُ الْقَطْعِ، وَفِيهَا، وَكُلُّ مَبِيعٍ بِبَيْعٍ فَاسِدٍ رَدَّهُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِهِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ كَالْوَدِيعَةِ وَالْإِجَارَةِ وَالْإِعَارَةِ وَالْغَصْبِ وَالشِّرَاءِ، وَوَقَعَ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَهُوَ مُتَارَكَةٌ لِلْبَيْعِ، وَبَرِئَ الْمُشْتَرِي مِنْ ضَمَانِهِ. اهـ. وَكَذَا لَوْ اشْتَرَاهُ وَكِيلُ الْبَائِعِ بَرِئَ الْمُشْتَرِي إذَا سَلَّمَهُ إلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ رَدَّهُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَلَكِنْ قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ لَوْ قَالَ إلَخْ) أَسْقَطَ مِنْهُ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ فَهْمُ الْحُكْمِ، وَنَصُّ عِبَارَتِهِ هَكَذَا، وَلَوْ قِنًّا فَتَقَابَضَا ثُمَّ أَبْرَأَهُ بَائِعُهُ عَنْ قِيمَتِهِ، ثُمَّ مَاتَ الْقِنُّ يَلْزَمُ قِيمَتُهُ وَلَوْ قَالَ أَبْرَأْتُكَ عَنْ الْقِنِّ إلَى آخِرِهِ (قَوْلُهُ وَفِي بَعْضِ الْحَوَاشِي إنَّمَا تَجِبُ قِيمَتُهُ إذَا هَلَكَ) قَالَ الرَّمْلِيُّ لَا يَذْهَبُ عَلَيْكَ أَنَّ مُرَادَهُمْ بِالْهَلَاكِ هُنَا الْهَلَاكُ حَقِيقَةً أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ تَعَذُّرِ الرَّدِّ، وَإِلَّا يَلْزَمُ الْإِصْرَارُ بِالْبَائِعِ حَيْثُ تَعَذَّرَ الرَّدُّ لِأَنَّهُ لَمْ يَهْلِكْ حَقِيقَةً فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ، وَلَا يَجُوزُ رَدُّهُ مَعَ التَّعَذُّرِ، وَأَمْرُهُ بِالتَّرَبُّصِ إلَى الْهَلَاكِ مُنَافٍ لِلشَّرْعِ فَتَعَيَّنَ الْقَوْلُ بِوُجُوبِ الْقِيمَةِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الرَّدِّ إمَّا بِالْهَلَاكِ أَوْ غَيْرِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مِنْ كَلَامِهِمْ تَأَمَّلْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 101 إلَى الْبَائِعِ بِرَهْنٍ، وَكَذَا فِي بَيْعٍ مَوْقُوفٍ بِأَنْ غَصَبَ قِنًّا فَبَاعَهُ مِنْ رَجُلٍ ثُمَّ شَرَاهُ غَاصِبُهُ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ يَكُونُ فَسْخًا لِلْبَيْعِ الْأَوَّلِ، وَالزِّيَادَةُ لِلْمُشْتَرِي لَا لِغَاصِبِهِ، وَلَا لِمَالِكِهِ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ شَرَاهُ بِدَرَاهِمَ فَاسِدًا ثُمَّ بَاعَهُ بِدَنَانِيرَ مِنْ بَائِعِهِ يَكُونُ فَسْخًا إذَا قَبَضَ لَا قَبْلَهُ كَذَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ ثُمَّ قَالَ الْأَصْلُ أَنَّ الْمُسْتَحِقَّ بِجِهَةٍ إذَا وَصَلَ إلَى الْمُسْتَحَقِّ بِجِهَةٍ أُخْرَى إنَّمَا يُعْتَبَرُ، وَاصِلًا بِجِهَةٍ مُسْتَحَقَّةٍ لَوْ وَصَلَ إلَيْهِ مِنْ الْمُسْتَحِقِّينَ عَلَيْهِ أَمَّا إذَا وَصَلَ مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِ فَلَا حَتَّى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ فَاسِدًا إذَا وَهَبَ الْمُشْتَرِيَ مِنْ غَيْرِ بَائِعِهِ أَوْ بَاعَهُ فَوَهَبَهُ ذَلِكَ الرَّجُلُ مِنْ الْبَائِعِ الْأَوَّلِ، وَسَلَّمَهُ لَا يَبْرَأُ الْمُشْتَرِي عَنْ قِيمَتِهِ، وَلَمْ تُعْتَبَرْ الْعَيْنُ، وَاصِلًا إلَى الْبَائِعِ بِالْجِهَةِ الْمُسْتَحَقَّةِ لِمَا وَصَلَ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى، وَالْمَهْرُ لَوْ عَيْنًا فَوَهَبَتْهُ مِنْ غَيْرِ زَوْجِهَا، وَهُوَ وَهَبَهُ مِنْ زَوْجِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَلِزَوْجِهَا نِصْفُ قِيمَةِ الْعَيْنِ عَلَيْهَا، وَلَوْ وَهَبَتْهُ مِنْ زَوْجِهَا لَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ اهـ. (قَوْلُهُ وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا فَسْخُهُ) أَيْ يَجُوزُ لِكُلٍّ مِنْ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ فَسْخُهُ رَفْعًا لِلْفَسَادِ، وَذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ أَنَّ اللَّامَ بِمَعْنَى عَلَى لِأَنَّ رَفْعَ الْفَسَادِ وَاجِبٌ، وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِأَنَّهُ حُكْمٌ آخَرُ، وَإِنَّمَا مُرَادُهُ بَيَانُ أَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا وِلَايَةَ الْفَسْخِ دَفْعًا لِتَوَهُّمِ أَنَّهُ إذَا مَلَكَ بِالْقَبْضِ لَزِمَ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلِكُلٍّ ذَلِكَ بِعِلْمِ صَاحِبِهِ لَا بِرِضَاهُ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ فَإِنْ كَانَ الْفَسَادُ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ بِأَنْ كَانَ رَاجِعًا إلَى الْبَدَلَيْنِ الْمَبِيعِ، وَالثَّمَنِ كَبَيْعِ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ، وَكَالْبَيْعِ بِالْخَمْرِ أَوْ الْخِنْزِيرِ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ بِشَرْطٍ زَائِدٍ كَالْبَيْعِ إلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ أَوْ بِشَرْطٍ فِيهِ نَفْعٌ لِأَحَدِهِمَا فَكَذَلِكَ عِنْدَهُمَا لِعَدَمِ اللُّزُومِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لِمَنْ لَهُ مَنْفَعَةُ الشَّرْطِ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ أَبُو يُوسُفَ عِلْمَ الْآخَرِ، وَاقْتَصَرَ فِي الْهِدَايَةِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافًا، وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ لِمَنْ لَهُ مَنْفَعَةُ الشَّرْطِ يَقْتَضِي أَنَّ لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ الْآدَمِيِّ أَنْ يَفْسَخَهُ إذَا كَانَ الشَّرْطُ لَهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَهُوَ بَعِيدٌ لِقَوْلِهِمْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا فَسْخُهُ فَلْيُتَأَمَّلْ، وَفِي الْقُنْيَةِ رَدَّهُ الْمُشْتَرِي بِفَسَادِ الْبَيْعِ فَلَمْ يَقْبَلْهُ فَأَعَادَهُ الْمُشْتَرِي إلَى مَنْزِلِهِ فَهَلَكَ عِنْدَهُ لَا يَلْزَمُهُ الثَّمَنُ، وَلَا الْقِيمَةُ، وَقَيَّدَهُ ابْنُ سَلَّامٍ بِأَنْ يَكُونَ فَسَادُ الْبَيْعِ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ مُخْتَلَفًا فِيهِ لَا يَبْرَأُ إلَّا بِقَبُولِهِ أَوْ قَضَاءِ الْقَاضِي. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْكَافُ يَبْرَأُ فِي الْوَجْهَيْنِ، وَمَا قَالَهُ ابْنُ سَلَّامٍ أَشْبَهُ كَخِيَارِ الْبُلُوغِ، وَفَسْخِ الْإِجَارَةِ لِلْعُذْرِ اهـ. وَفِيهَا تَبَايَعَا فَاسِدًا ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا فَلِوَرَثَتِهِ النَّقْضُ. اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ بَاعَ مِنْهُ صَحِيحًا ثُمَّ بَاعَهُ فَاسِدًا مِنْهُ انْفَسَخَ الْأَوَّلُ لِأَنَّ الثَّانِيَ لَوْ كَانَ صَحِيحًا يَنْفَسِخُ الْأَوَّلُ بِهِ فَكَذَا لَوْ كَانَ فَاسِدًا لِأَنَّهُ مُلْحَقٌ بِالصَّحِيحِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ، وَكَذَا لَوْ بَاعَ الْمُؤَجِّرُ الْمُسْتَأْجَرَ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ فَاسِدًا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ كَمَا إذَا بَاعَهُ صَحِيحًا اهـ.   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ أَنَّ اللَّامَ بِمَعْنَى عَلَى إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا فَسْخُهُ دَفْعًا لِلْفَسَادِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْوَاجِبَ أَنْ يُقَالَ وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَسْخُهُ غَيْرَ أَنَّهُ أَرَادَ بَيَانَ وِلَايَةِ الْفَسْخِ فَوَقَعَ تَعْلِيلُهُ أَخَصَّ مِنْ دَعْوَاهُ كَذَا فِي الْفَتْحِ، وَجَعَلَ الشَّارِحُ اللَّامَ بِمَعْنَى عَلَى، وَمِنْهُ {وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [الإسراء: 7] وَكَانَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ أَرَادَ هَذَا الْمَعْنَى فَعَلَّلَ بِمَا سَمِعْت، وَعَلَيْهِ فَلَيْسَ التَّعْلِيلُ أَخَصَّ مِنْ الدَّعْوَى، وَبِهِ عُرِفَ أَنَّ هَذَا الْجَعْلَ لَا بُدَّ مِنْهُ فِي كَلَامِ الْهِدَايَةِ، وَهُوَ الْأَرْجَحُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّهُ، وَإِنْ جَازَ أَنْ يُرِيدَ بَيَانَ ثُبُوتِ وِلَايَةِ الْفَسْخِ إلَّا أَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ سَاكِتًا عَنْ إفَادَةِ وُجُوبِهِ، وَعَلَى ذَلِكَ الْجَعْلِ يَكُونُ كَلَامًا مُفِيدًا لِلشَّيْئَيْنِ إذْ الْوُجُوبُ قَدْرٌ زَائِدٌ عَلَى ثُبُوتِ الْوِلَايَةِ فَتَدَبَّرْهُ (قَوْلُهُ وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ لِمَنْ لَهُ مَنْفَعَةٌ الشَّرْطُ إلَخْ) أَصْلُهُ لِابْنِ الْكَمَالِ حَيْثُ قَالَ فِي الْإِصْلَاحِ بَقِيَ هَاهُنَا احْتِمَالٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْفَسَادُ لِشَرْطٍ زَائِدٍ، وَمَنْ لَهُ الشَّرْطُ غَيْرُ الْعَاقِدَيْنِ، وَيَنْتَظِمُهُ تَصْوِيرُ قَاضِي خَانْ الْمَسْأَلَةَ فِي فَتَاوَاهُ. اهـ. وَقَالَ فِي النَّهْرِ بَعْدَ ذِكْرِهِ مَا فِي الْهِدَايَةِ، وَعَلَّلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ بِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى إسْقَاطِ الشَّرْطِ فَيَصِحُّ الْعَقْدُ فَإِذَا فَسَخَهُ فَقَدْ أَبْطَلَ حَقَّهُ لِقُدْرَتِهِ عَلَى تَصْحِيحِ الْعَقْدِ، وَالْعَقْدُ إذَا كَانَ غَيْرَ لَازِمٍ يَتَمَكَّنُ كُلٌّ مِنْ فَسْخِهِ. اهـ. وَهَذَا يُفِيدُ اخْتِصَاصَ الْمَنْفَعَةِ الْمُوجِبَةِ لِلِاسْتِقْلَالِ بِالْفَسْخِ بِالْمُتَعَاقِدِينَ اهـ. (قَوْلُهُ فَأَعَادَهُ الْمُشْتَرِي إلَى مَنْزِلِهِ إلَخْ) قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ فِي فَصْلٍ فِيمَا يُخْرِجُهُ عَنْ الضَّمَانِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَالْمَكْرُوهِ مَا نَصُّهُ الْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا إذَا جَاءَ بِالْمَبِيعِ إلَى الْبَائِعِ فَلَمْ يَقْبَلْهُ الْبَائِعُ فَأَعَادَهُ الْمُشْتَرِي إلَى مَنْزِلِهِ فَهَلَكَ لَا يَضْمَنُ، وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي وَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْ الْبَائِعِ أَوْ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ فَلَمْ يَقْبَلْهُ ثُمَّ حَمَلَهُ إلَى مَنْزِلِهِ فَهَلَكَ كَانَ ضَامِنًا فِي الْغَصْبِ وَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنْ كَانَ فَسَادُ الْبَيْعِ غَيْرَ مُخْتَلَفٍ فِيهِ فَالْجَوَابُ كَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ مُخْتَلَفًا فِيهِ فَجَاءَ بِهِ إلَى الْبَائِعِ فَلَمْ يَقْبَلْهُ الْبَائِعُ فَأَعَادَهُ إلَى مَنْزِلِهِ فَهَلَكَ لَا يَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَبْرَأُ فِي الْوَجْهَيْنِ إلَّا إذَا وُضِعَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلَمْ يَقْبَلْهُ فَذَهَبَ بِهِ إلَى مَنْزِلِهِ فَهَلَكَ فَإِنَّهُ يَكُونُ ضَامِنًا لِأَنَّهُ يَصِيرُ غَاصِبًا غَصْبًا مُبْتَدَأً. اهـ. وَمِنْ الْمُقَرَّرِ أَنَّ تَصْحِيحَ قَاضِي خَانْ مُقَدَّمٌ عَلَى غَيْرِهِ لِأَنَّهُ فَقِيهُ النَّفْسِ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ التَّخْلِيَةَ قَبْضٌ، وَقَدْ مَرَّ أَوَّلَ الْبَابِ اخْتِلَافُ التَّصْحِيحِ فِيهَا، وَأَنَّ قَاضِيَ خَانْ، وَصَاحِبَ الْخُلَاصَةِ صَحَّحَا أَنَّهَا قَبْضٌ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 102 ثُمَّ قَالَ وَلَوْ بَاعَ فَاسِدًا، وَسَلَّمَ ثُمَّ بَاعَ مِنْ غَيْرِهِ، وَادَّعَى أَنَّ الثَّانِيَ كَانَ قَبْلَ فَسْخِ الْأَوَّلِ، وَقَبَضَهُ، وَزَعَمَ الْمُشْتَرِي الثَّانِي أَنَّهُ كَانَ بَعْدَ الْفَسْخِ وَالْقَبْضِ فِي الْأَوَّلِ فَالْقَوْلُ لَهُ لَا لِلْبَائِعِ، وَيَنْفَسِخُ الْأَوَّلُ بِقَبْضِ الثَّانِي ثُمَّ قَالَ لَوْ مَاتَ الْبَائِعُ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ آخَرُ فَالْمُشْتَرِي أَحَقُّ بِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ كَمَا فِي الصَّحِيحِ بَعْدَ الْفَسْخِ، وَلَوْ مَاتَ الْمُشْتَرِي فَالْبَائِعُ أَحَقُّ مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ بِمَالِيَّتِهِ اهـ. ثُمَّ قَالَ وَلَا يُشْتَرَطُ الْقَضَاءُ فِي فَسْخِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ. اهـ. وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ أَنَّ لِلْقَاضِي فَسْخَ الْفَاسِدِ جَبْرًا عَلَيْهِمَا قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَإِذَا أَصَرَّ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي عَلَى إمْسَاكِ الْمُشْتَرِي فَاسِدًا، وَعَلِمَ بِهِ الْقَاضِي لَهُ فَسْخُهُ حَقًّا لِلشَّرْعِ فَبِأَيِّ طَرِيقَةٍ رَدَّهُ الْمُشْتَرِي إلَى الْبَائِعِ صَارَ تَارِكًا لِلْمَبِيعِ، وَبَرِئَ عَنْ ضَمَانِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَبِيعَ الْمُشْتَرِي) أَيْ فَلَيْسَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا فَسْخُهُ، وَإِنَّمَا نَفَذَ بَيْعُهُ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِمِلْكِ التَّصَرُّفِ فِيهِ، وَسَقَطَ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْعَبْدِ بِالثَّانِي وَنَقْضِ الْأَوَّلِ إنَّمَا كَانَ لِحَقِّ الشَّرْعِ، وَحَقُّ الْعَبْدِ مُقَدَّمٌ لِحَاجَتِهِ، وَلِأَنَّ الْأَوَّلَ مَشْرُوعٌ بِأَصْلِهِ دُونَ وَصْفِهِ. وَالثَّانِيَ مَشْرُوعٌ بِأَصْلِهِ وَوَصْفِهِ فَلَا يُعَارِضُهُ مُجَرَّدُ الْوَصْفِ، وَلِأَنَّهُ حَصَلَ بِتَسْلِيطٍ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ بِخِلَافِ تَصَرُّفِ الْمُشْتَرِي فِي الدَّارِ الْمَشْفُوعَةِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَقُّ الْعَبْدِ فَيَسْتَوِيَانِ فِي الْمَشْرُوعِيَّةِ، وَلَمْ يَحْصُلْ بِتَسْلِيطٍ مِنْ الشَّفِيعِ أَرَادَ بِالْبَيْعِ الصَّحِيحَ لِأَنَّهُ لَوْ بَاعَهُ فَاسِدًا فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ النَّقْضَ، وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي الثَّانِي أَوْ لَا، وَلَكِنَّهُ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ خِيَارُ شَرْطٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِلَازِمٍ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَجَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَقَامَ الْمُشْتَرِي بَيِّنَةً عَلَى بَيْعِهِ مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ لَا يَقْبَلُ فَلِلْبَائِعِ الْأَخْذُ لَا لَوْ صَدَّقَهُ فَلَهُ قِيمَتُهُ. اهـ. وَلَوْ فَسَخَ الْبَيْعَ بِعَيْبٍ بَعْدَ قَبْضِهِ بِقَضَاءٍ فَلِلْبَائِعِ حَقُّ الْفَسْخِ لَوْ لَمْ يَقْضِ بِقِيمَتِهِ لِزَوَالِ الْمَانِعِ، وَلَوْ رَدَّ بِعَيْبٍ بِغَيْرِ قَضَاءٍ لَا يَعُودُ حَقُّ الْفَسْخِ كَمَا لَوْ اشْتَرَاهُ ثَانِيًا، وَسَيَأْتِي فِي الضَّابِطِ، وَقَيَّدَ بِبَيْعِ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْبَائِعَ لَوْ بَاعَهُ بَعْدَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي، وَادَّعَى أَنَّ الثَّانِيَ كَانَ قَبْلَ فَسْخِ الْأَوَّلِ، وَقَبْضِهِ، وَزَعَمَ الْمُشْتَرِي الثَّانِي أَنَّهُ كَانَ بَعْدَ الْفَسْخِ، وَالْقَبْضِ مِنْ الْأَوَّلِ فَالْقَوْلُ لَهُ لَا لِلْبَائِعِ، وَيَنْفَسِخُ الْأَوَّلُ بِقَبْضِ الثَّانِي كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ لُزُومِهِ بِالْبَيْعِ مَسْأَلَتَانِ الْأُولَى لَوْ بَاعَهُ لِبَائِعِهِ فَقَدَّمْنَا أَنَّهُ يَكُونُ رَدًّا، وَفَسْخًا لِلْبَيْعِ، وَالثَّانِيَةُ لَوْ كَانَ فَاسِدًا بِالْإِكْرَاهِ فَإِنَّ تَصَرُّفَاتِ الْمُشْتَرِي كُلَّهَا تُنْقَضُ بِخِلَافِ سَائِرِ الْبِيَاعَاتِ الْفَاسِدَةِ. كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ قَيَّدَ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ احْتِرَازًا عَنْ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ لِمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ قِيلَ لَيْسَ لِلْمُسْتَأْجَرِ فَاسِدًا أَنْ يُؤَجِّرَهُ مِنْ غَيْرِهِ إجَارَةً صَحِيحَةً اسْتِدْلَالًا بِمَا ذَكَرَ إلَى آخِرِهِ، وَقِيلَ يَمْلِكُهَا بَعْدَ قَبْضِهِ كَمُشْتَرٍ فَاسِدٍ لَهُ الْبَيْعُ جَائِزًا، وَهُوَ الصَّحِيحُ إلَّا أَنَّ لِلْمُؤَجِّرِ الْأَوَّلِ نَقْضُ الثَّانِيَةِ لِأَنَّهَا تَنْفَسِخُ بِالْأَعْذَارِ (قَوْلُهُ أَوْ يَهَبَ) يَعْنِي إذَا وَهَبَهُ الْمُشْتَرِي ارْتَفَعَ الْفَسَادُ، وَلَا يُفْسَخُ لَمَّا قَدَّمْنَاهُ فِي الْبَيْعِ، وَشَرَطَ فِي الْهِدَايَةِ التَّسْلِيمَ فِيهَا لِأَنَّهَا لَا تُفِيدُ الْمِلْكَ إلَّا بِهِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ، وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ ثُمَّ الْأَصْلُ أَنَّ الْمَانِعَ إذَا زَالَ كَفَكِّ رَهْنٍ وَرُجُوعِ هِبَةٍ، وَعَجْزِ مُكَاتَبٍ وَرَدِّ مَبِيعٍ عَلَى الْمُشْتَرِي بِعَيْبٍ بَعْدَ قَبْضِهِ بِقَضَاءٍ فَلِلْبَائِعِ حَقُّ الْفَسْخِ لَوْ لَمْ يَقْضِ بِقِيمَةٍ لِأَنَّ هَذِهِ الْعُقُودَ لَمْ تُوجِبْ الْفَسْخَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فِي حَقِّ الْكُلِّ. اهـ. وَلَا فَرْقَ فِي الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ بَيْنَ الْقَضَاءِ وَغَيْرِهِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُشْتَرَى فَاسِدًا لَا يَطِيبُ لِلْمُشْتَرِي، وَيَطِيبُ لِمَنْ انْتَقَلَ الْمِلْكُ مِنْهُ إلَيْهِ لِكَوْنِ الثَّانِي مَلَكَهُ بِعَقْدٍ صَحِيحٍ بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ يَحِلُّ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ، وَلَا يَطِيبُ لَهُ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ، وَلَوْ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ، وَأَخَذَ مَالَ الْحَرْبِيِّ بِغَيْرِ طِيبَةٍ مِنْ نَفْسِهِ، وَأَخْرَجَهُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ مَلَكَهُ، وَلَا يَطِيبُ لَهُ، وَيَفْنَى بِالرَّدِّ، وَيَقْضِي لَهُ، وَلَوْ بَاعَهُ صَحَّ بَيْعُهُ، وَلَا يَطِيبُ لِلْمُشْتَرِي كَمَا لَا يَطِيبُ لِلْأَوَّلِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ ثُمَّ قَالَ) سَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ أَيْضًا فِي الْقَوْلَةِ الثَّانِيَةِ (قَوْلُهُ وَلَوْ مَاتَ الْمُشْتَرِي فَالْبَائِعُ أَحَقُّ) قَالَ أَبُو السُّعُودِ فِي حَاشِيَةِ مِسْكِينٍ قَيَّدَهُ شَيْخُنَا عَنْ شَيْخِهِ الشَّيْخِ شَاهِينَ بِمَا إذَا مَاتَ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَأَمَّا بَعْدَهُ فَهُوَ كَسَائِرِ الْغُرَمَاءِ كَمَا صَرَّحُوا بِذَلِكَ فِي الْحَجْرِ اهـ. فَإِنْ قُلْتُ: إذَا مَاتَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ قَبْضِ الْبَائِعِ لَمْ يَبْقَ لَهُ شَيْءٌ جِهَةَ الْمَيِّتِ حَتَّى يَكُونَ كَسَائِرِ الْغُرَمَاءِ فِيهِ قُلْتُ: يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا كَانَ الَّذِي قَبَضَهُ الْبَائِعُ، وَهُوَ الْمُسَمَّى دُونَ قِيمَتِهِ فَيَكُونُ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ فِيمَا بَقِيَ لَهُ مِنْ تَمَامِ الْقِيمَةِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ إنَّمَا هُوَ الْقِيمَةُ لَا الثَّمَنُ هَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُفْهَمَ هَذَا، وَإِلَّا فَهُوَ مُشْكِلٌ اهـ. (قَوْلُهُ عَلَى الْمُشْتَرِي) أَيْ الْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يَحِلُّ لَهُ التَّصَرُّفُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ صَوَابُهُ لَا يَحِلُّ. (قَوْلُهُ وَلَا يَطِيبُ لِلْمُشْتَرِي إلَخْ) ذَكَرَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ فِي شَرْحِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ فِي الْبَابِ الْخَامِسِ بَعْدَ الْمِائَةِ، وَإِنْ اشْتَرَى إنْسَانٌ مِنْهُ ذَلِكَ جَازَ الشِّرَاءُ، وَإِنْ كَانَ مُسِيئًا لِأَنَّهُ بَاعَ مِلْكَ نَفْسِهِ فَإِنَّ فَسَادَ السَّبَبِ لَا يَمْنَعُ ثُبُوتَ الْمِلْكِ ثُمَّ يُؤْمَرُ الْمُشْتَرِي بِمِثْلِ مَا كَانَ يُؤْمَرُ بِهِ الْبَائِعُ مِنْ الرَّدِّ عَلَى أَهْلِ الْحَرْبِ بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا إذَا بَاعَهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 103 كَذَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ. (قَوْلُهُ أَوْ يُحَرِّرُ) أَيْ يَعْتِقُ الْمُشْتَرِي الْعَبْدَ لِمَا قَدَّمْنَاهُ، وَتَوَابِعُ الْإِعْتَاقِ كَهُوَ مِنْ التَّدْبِيرِ، وَالِاسْتِيلَادِ وَالْكِتَابَةِ صَرَّحَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ بِالِاسْتِيلَادِ فَقَالَ إذَا حَبِلَتْ مِنْهُ صَارَتْ أُمَّ وَلَدِهِ، وَصَرَّحَ الشَّارِحُ، وَغَيْرُهُ بِالْكِتَابَةِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِالتَّدْبِيرِ، وَإِذَا عَجَزَ الْمُكَاتَبُ زَالَ الْمَانِعُ مِنْ الِاسْتِرْدَادِ. وَأَشَارَ بِالتَّحْرِيرِ إلَى الْوَقْفِ، وَلَكِنْ قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ فَلَوْ وَقَفَهُ أَوْ جَعَلَهُ مَسْجِدًا لَا يَبْطُلُ حَقُّهُ مَا لَمْ يُبِنْ اهـ. فَعُلِمَ أَنَّ الْوَقْفَ لَيْسَ كَالتَّحْرِيرِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا قَبْلَ الْقَضَاءِ بِهِ أَمَّا إذَا قَضَى بِهِ فَإِنَّهُ يَرْتَفِعُ الْفَسَادُ لِلُزُومِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ تَبَعًا لِلْعِمَادِيِّ لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ الْخَصَّافُ فِي أَحْكَامِ الْأَوْقَافِ لَوْ اشْتَرَى أَرْضًا بَيْعًا فَاسِدًا وَقَبَضَهَا وَوَقَفَهَا وَقْفًا صَحِيحًا، وَجَعَلَ آخِرَهَا لِلْمَسَاكِينِ فَقَالَ الْوَقْفُ فِيهَا جَائِزٌ، وَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا لِلْبَائِعِ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ اسْتَهْلَكَهَا حِينَ وَقَفَهَا، وَأَخْرَجَهَا عَنْ مِلْكِهِ اهـ. وَهَكَذَا فِي الْإِسْعَافِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُؤَلِّفُ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ الْقَوْلِيَّةِ غَيْرَ ذَلِكَ، وَفَاتَهُ الرَّهْنُ لِأَنَّهُ مِنْ الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ فَيَمْنَعُ حَقَّ الرَّدِّ فَإِذَا فَكَّ أَوْ فَسَخَ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِالْقِيمَةِ عَادَ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ، وَفَاتَهُ أَيْضًا الْوَصِيَّةُ فَإِذَا وَصَّى بِهِ الْمُشْتَرِيَ ثُمَّ مَاتَ سَقَطَ الْفَسْخُ لِأَنَّ الْمَبِيعَ انْتَقَلَ عَنْ مِلْكِهِ إلَى مِلْكِ الْمُوصَى لَهُ، وَهُوَ مِلْكٌ مُبْتَدَأٌ فَصَارَ كَمَا لَوْ بَاعَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ الْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ لِوَارِثِهِ الْفَسْخُ، وَلِلْبَائِعِ أَيْضًا لِأَنَّ الْوَارِثَ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوَرِّثِ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ قَالُوا كُلُّ تَصَرُّفٍ قَوْلِيٍّ فَإِنَّهُ يَمْنَعُ الْفَسْخَ إلَّا الْإِجَارَةَ وَالنِّكَاحَ فَلَا يَمْنَعَانِهِ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تُفْسَخُ بِالْأَعْذَارِ، وَرَفْعُ الْفَسَادِ مِنْ الْأَعْذَارِ، وَالنِّكَاحُ لَيْسَ فِيهِ الْإِخْرَاجُ عَنْ الْمِلْكِ، وَلَكِنْ إذَا رُدَّتْ الْجَارِيَةُ إلَى الْبَائِعِ، وَانْفَسَخَ الْبَيْعُ هَلْ يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ قَالَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ إنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ لِأَنَّهُ لَا يُفْسَخُ بِالْأَعْذَارِ، وَقَدْ عَقَدَهُ الْمُشْتَرِي، وَهِيَ عَلَى مِلْكِهِ. اهـ. وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ مِنْ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ لَوْ زَوَّجَ الْجَارِيَةَ الْمَبِيعَةَ قَبْلَ قَبْضِهَا، وَانْتَقَضَ الْبَيْعُ فَإِنَّ النِّكَاحَ يَبْطُلُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِأَنَّ الْبَيْعَ مَتَى انْتَقَضَ قَبْلَ الْقَبْضِ انْتَقَضَ   [منحة الخالق] مِنْ غَيْرِهِ بَيْعًا صَحِيحًا فَإِنَّ الثَّانِيَ لَا يُؤْمَرُ بِالرَّدِّ، وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ مَأْمُورًا بِهِ لِأَنَّ الْمُوجِبَ لِلرَّدِّ قَدْ زَالَ بِبَيْعِهِ لِأَنَّ وُجُوبَ الرَّدِّ بِفَسَادِ الْبَيْعِ حُكْمُهُ مَقْصُورٌ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَقَدْ انْعَدَمَ مِثْلُهُ بِالْبَيْعِ مِنْ غَيْرِهِ أَمَّا هُنَا وُجُوبُ الرَّدِّ إنَّمَا كَانَ لِمُرَاعَاةِ مِلْكِهِمْ، وَلِغَدْرِ الْأَمَانِ، وَهَذَا الْمَعْنَى قَائِمٌ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي كَمَا فِي مِلْكِ الْبَائِعِ الَّذِي أَخْرَجَهُ فَلِهَذَا يُفْتِي بِالرَّدِّ كَمَا يُفْتِي بِهِ الْبَائِعُ اهـ. مُلَخَّصًا. وَقَالَ بَعْدَهُ فِي الْبَابِ الثَّانِي وَالسِّتِّينَ بَعْدَ الْمِائَةِ فَإِنْ لَمْ يَرُدَّهُ بَعْدَمَا أَفْتَى بِهِ، وَأَوْرَدَ بَيْعَهُ يُكْرَهُ لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَشْتَرُوا ذَلِكَ مِنْهُ لِأَنَّهُ مِلْكٌ خَبِيثٌ بِمَنْزِلَةِ الْمُشْتَرِي فَاسِدًا إذَا أَرَادَ بَيْعَ الْمُشْتَرَى بَعْدَ الْقَبْضِ يُكْرَهُ شِرَاؤُهُ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ مَالِكًا نَفَذَ فِيهِ بَيْعُهُ وَعِتْقُهُ لِأَنَّهُ مِلْكٌ حَصَلَ لَهُ بِسَبَبٍ حَرَامٍ شَرْعًا اهـ. وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا هُنَا، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ مَا أَخْرَجَهُ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ لَمَّا وَجَبَ رَدُّهُ عَلَى الْمُشْتَرِي أَيْضًا تَمَكَّنَ فِيهِ الْخُبْثُ فَلَمْ يَطِبْ لَهُ بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي فَاسِدًا فَلِذَا طَابَ لَهُ، وَإِنْ شِرَاؤُهُ مَكْرُوهًا تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِالتَّدْبِيرِ) قَالَ فِي النَّهْرِ، وَأَقُولُ: قَدْ رَأَيْته، وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ قَالَ فِي السِّرَاجِ مَا لَفْظُهُ، وَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي أَوْ دَبَّرَهُ صَحَّ عِتْقُهُ وَتَدْبِيرُهُ، وَكَذَا إذَا كَانَتْ جَارِيَةً اسْتَوْلَدَهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ، وَيَغْرَمُ الْقِيمَةَ، وَلَا يَغْرَمُ الْعُقْرَ فِي رِوَايَةِ كِتَابِ الْبُيُوعِ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى يَرُدُّ الْعُقْرَ، وَاتَّفَقَتْ الرِّوَايَاتُ أَنَّهُ إنْ وَطِئَهَا الْمُشْتَرِي، وَلَمْ تُعَلَّقْ مِنْهُ أَنَّهُ يَرُدُّ الْجَارِيَةَ، وَالْعُقْرَ. اهـ. (قَوْلُهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا فِي الْفُصُولِ رِوَايَةٌ (قَوْلُهُ قَالَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ إنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ) يُوَافِقُهُ مَا فِي الْفَتْحِ حَيْثُ قَالَ فَإِذَا زَوَّجَ الْمُشْتَرِي الْجَارِيَةَ الْمُشْتَرَاةَ فَاسِدًا كَانَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَسْتَرِدَّهَا لِأَنَّ حَقَّ الزَّوْجِ فِي الْمَنْفَعَةِ لَا يَمْنَعُ حَقَّ الْبَائِعِ فِي الرَّقَبَةِ، وَلِأَنَّهُ لَا يَفُوتُهُ مِلْكُ تِلْكَ الْمَنْفَعَةِ فَإِنَّ مَعَ الِاسْتِرْدَادِ النِّكَاحَ قَائِمٌ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا الْبَائِعُ نَعَمْ يَصِيرُ بِحَيْثُ لَهُ مَنْعُهَا، وَعَدَمُ تَبْوِئَتِهَا مَعَهُ بَيْتًا غَيْرَ أَنَّهُ إنْ ظَفِرَ بِهَا لَهُ وَطْؤُهَا. اهـ. وَهُوَ صَرِيحٌ بِعَدَمِ الِانْفِسَاخِ، وَصَرَّحَ بِهِ أَيْضًا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ عَنْ التُّحْفَةِ، وَفِي التَّبْيِينِ، وَمِثْلِهِ فِي الْمُجْتَبَى حَيْثُ قَالَ إلَّا الْإِجَارَةَ وَتَزَوُّجَ الْجَارِيَةِ لَكِنَّ الْإِجَارَةَ تَنْفَسِخُ بِالِاسْتِرْدَادِ دُونَ النِّكَاحِ اهـ. وَقَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة نَقْلًا عَنْ نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ، وَعَنْهُ أَيْضًا فِيمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً شِرَاءً فَاسِدًا، وَقَبَضَهَا الْمُشْتَرِي، وَزَوَّجَهَا مِنْ رَجُلٍ ثُمَّ فَسَخَ الْبَيْعَ بَيْنَهُمَا بِحُكْمِ الْفَسَادِ، وَأَخَذَهَا الْبَائِعُ مَعَ مَا نَقَصَهَا التَّزْوِيجُ ثُمَّ إنَّ الزَّوْجَ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا كَانَ عَلَى الْبَائِعِ أَنْ يَرُدَّ عَلَى الْمُشْتَرِي مِثْلَ مَا أَخَذَ مِنْ النُّقْصَانِ قَالَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ نُقْصَانَ تَزْوِيجٍ، وَلَكِنْ ابْيَضَّتْ إحْدَى عَيْنَيْهَا فِي يَدِ الْمُشْتَرِي ثُمَّ إنَّ الْمُشْتَرِيَ رَدَّهَا وَرَدَّ مَعَهَا نِصْفَ الْقِيمَةِ ثُمَّ ذَهَبَ الْبَيَاضُ، وَعَادَ إلَى الْحَالِ الْأُولَى فَإِنَّ الْبَائِعَ يَرُدُّ عَلَى الْمُشْتَرِي مَا أَخَذَ مِنْ نِصْفِ الْقِيمَةِ وَطَرِيقُهُ مَا قُلْنَا اهـ. فَفِيهِ مَعَ إفَادَةِ بَقَاءِ النِّكَاحِ فَائِدَةٌ أُخْرَى فَهَذِهِ نُصُوصُ كُتُبِ الْمَذْهَبِ مُوَافِقَةٌ لِمَا قَالَهُ فِي السِّرَاجِ (قَوْلُهُ وَلَوْ زَوَّجَ الْجَارِيَةَ الْمَبِيعَةَ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ الْمَبِيعَةُ بَيْعًا صَحِيحًا أَوْ أَعَمُّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 104 مِنْ الْأَصْلِ مَعْنًى فَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فَكَانَ النِّكَاحُ بَاطِلًا اهـ. إلَّا أَنْ يُحْمَلَ أَنَّ مَا فِي السِّرَاجِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ أَوْ يَظْهَرَ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ. (قَوْلُهُ أَوْ يَبْنِي) أَيْ إذَا بَنَى الْمُشْتَرِي فَاسِدًا فَعَلَيْهِ الْقِيمَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَوَاهُ عَنْهُ يَعْقُوبَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ثُمَّ شَكَّ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الرِّوَايَةِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إنَّهُ يَنْقُضُ الْبِنَاءَ، وَتُرَدُّ الدَّارُ، وَالْغَرْسُ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ لَهُمَا أَنَّ حَقَّ الشَّفِيعِ أَضْعَفُ مِنْ حَقِّ الْبَائِعِ حَتَّى يَحْتَاجَ فِيهِ إلَى الْقَضَاءِ، وَيَبْطُلُ بِالتَّأْخِيرِ بِخِلَافِ حَقِّ الْبَائِعِ ثُمَّ أَضْعَفُ الْحَقَّيْنِ لَا يَبْطُلُ بِالْبِنَاءِ فَأَقْوَاهُمَا أَوْلَى، وَلَهُ أَنَّ الْبِنَاءَ وَالْغَرْسَ مِمَّا يَقْصِدُ بِهِ الدَّوَامَ، وَقَدْ حَصَلَ بِتَسْلِيطٍ مِنْهُ جِهَةَ الْبَائِعِ فَيَنْقَطِعُ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ كَالْبَيْعِ بِخِلَافِ حَقِّ الشَّفِيعِ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ التَّسْلِيطُ، وَلِهَذَا لَمْ تَبْطُلْ بِهِبَةِ الْمُشْتَرِي، وَبَيْعِهِ فَكَذَا بِبِنَائِهِ، وَشَكَّ يَعْقُوبُ فِي حِفْظِ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَدْ نَصَّ مُحَمَّدٌ عَلَى الِاخْتِلَافِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُؤَلِّفُ مِنْ الْأَفْعَالِ الْحِسِّيَّةِ إلَّا الْبِنَاءَ قَالُوا مَتَى فَعَلَ الْمُشْتَرِي بِالْمَبِيعِ فِعْلًا يَنْقَطِعُ بِهِ حَقُّ الْمَالِكِ فِي الْغَصْبِ يَنْقَطِعُ بِهِ حَقُّ الْبَائِعِ فِي الِاسْتِرْدَادِ كَمَا إذَا كَانَ حِنْطَةً فَطَحَنَهَا، وَلَمْ يَذْكُرْ أَيْضًا مَا إذَا زَادَ الْمَبِيعُ أَوْ نَقَصَ إلَّا الزِّيَادَةَ بِالْبِنَاءِ. وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ زَوَائِدُ الْمَبِيعِ فَاسِدًا لَا تَمْنَعُ الْفَسْخَ إلَّا مُتَّصِلَةً لَمْ تَتَوَلَّدْ كَصِبْغٍ وَخِيَاطَةٍ وَلَتِّ سَوِيقٍ، وَلَوْ مُنْفَصِلَةً مُتَوَلِّدَةً تُضْمَنُ بِالتَّعَدِّي لَا بِدُونِهِ، وَلَوْ هَلَكَ الْمَبِيعُ لَا الْمُتَوَلِّدَةُ فَلِلْبَائِعِ أَخْذُ الزَّوَائِدِ، وَقِيمَةِ الْمَبِيعِ، وَلَوْ مُنْفَصِلَةً غَيْرَ مُتَوَلِّدَةٍ فَلَهُ أَخْذُ الْمَبِيعِ مَعَ هَذِهِ الزَّوَائِدِ، وَلَا تَطِيبُ لَهُ، وَلَوْ هَلَكَتْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي لَمْ يَضْمَنْ، وَلَوْ أَهْلَكَهَا ضَمِنَ عِنْدَهُمَا لَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَيُمَاثِلُهَا زَوَائِدُ الْغَصْبِ، وَلَوْ هَلَكَ الْمَبِيعُ لَا الزَّوَائِدُ فَهِيَ لِلْمُشْتَرِي بِخِلَافِ الْمُتَوَلِّدَةِ كَمَا يَفْتَرِقَانِ فِي الْغَصْبِ فَيَضْمَنُ قِيمَةَ الْمَبِيعِ فَقَطْ، وَأَمَّا حُكْمُ نُقْصَانِهِ فَلَوْ نَقَصَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فَلِلْبَائِعِ أَخْذُهُ مَعَ أَرْشِ نَقْصِهِ، وَكَذَا لَوْ بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي أَوْ الْمَبِيعِ، وَلَوْ بِفِعْلِ الْبَائِعِ صَارَ مُسْتَرِدًّا حَتَّى لَوْ هَلَكَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي، وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ حَبْسٌ عَنْ الْبَائِعِ هَلَكَ عَلَى الْبَائِعِ، وَلَوْ بِفِعْلِ أَجْنَبِيٍّ يُخَيَّرُ الْبَائِعُ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ مِنْ الْمُشْتَرِي، وَهُوَ يَرْجِعُ عَلَى الْجَانِي، وَإِنْ شَاءَ اتَّبَعَ الْجَانِيَ، وَهُوَ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي كَالْغَصْبِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَهُ أَنْ يَمْنَعَ الْمَبِيعَ عَنْ الْبَائِعِ حَتَّى يَأْخُذَ الثَّمَنَ) أَيْ لِلْمُشْتَرِي الْمَنْعُ بَعْدَ فَسْخِ الْبَيْعِ لِأَنَّ الْمَبِيعَ مُقَابَلٌ بِهِ فَيَصِيرُ مَحْبُوسًا بِهِ كَالرَّهْنِ أَشَارَ الْمُؤَلِّفُ إلَى أَنَّ الْبَائِعَ إذَا مَاتَ كَانَ الْمُشْتَرِي أَحَقَّ بِهِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ لِأَنَّهُ يَقْدَمُ عَلَيْهِ فِي حَيَاتِهِ فَكَذَا عَلَى وَرَثَتِهِ وَغُرَمَائِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ كَالرَّاهِنِ، وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ اسْتَأْجَرَ إجَارَةً فَاسِدَةً، وَنَقَدَ الْأُجْرَةَ أَوْ ارْتَهَنَ رَهْنًا فَاسِدًا أَوْ أَقْرَضَ قَرْضًا فَاسِدًا، وَأَخَذَ بِهِ رَهْنًا كَانَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَ مَا اسْتَأْجَرَ، وَمَا ارْتَهَنَ حَتَّى يَقْبِضَ مَا نَقَدَ اعْتِبَارًا لِلْعَقْدِ الْجَائِزِ إذَا تَفَاسَخَا. وَكَذَا لَوْ مَاتَ الْمُؤَجِّرُ أَوْ الرَّاهِنُ أَوْ الْمُسْتَقْرِضُ فَهُوَ أَحَقُّ بِمَا فِي يَدِهِ مِنْ الْعَيْنِ مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ، وَإِلَى أَنَّ الثَّمَنَ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَنْقُودًا لِلْبَائِعِ، وَإِنَّمَا كَانَ دَيْنًا لَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي فَلَيْسَ لَهُ الْحَبْسُ قَالُوا لَوْ اشْتَرَى مِنْ مَدِينِهِ عَبْدًا بِدَيْنٍ سَابِقٍ لَهُ عَلَيْهِ شِرَاءً فَاسِدًا أَوْ قَبَضَ الْعَبْدَ بِإِذْنِ الْبَائِعِ فَأَرَادَ الْبَائِعُ اسْتِرْدَادَ الْعَبْدِ بِحُكْمِ الْفَسَادِ لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَحْبِسَ الْعَبْدَ لِاسْتِيفَاءِ مَا لَهُ عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ بِخِلَافِ الصَّحِيحِ، وَلَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ الْعَبْدَ قَبْلَ إيفَاءِ الْأُجْرَةِ، وَلَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ أَوْ يَظْهَرُ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْفَرْقَ مَوْجُودٌ لِأَنَّ كَلَامَ الْوَلْوَالِجِيِّ فِيمَا قَبْلَ الْقَبْضِ، وَكَلَامَ السِّرَاجِ فِيمَا بَعْدَ الْقَبْضِ الْمُفِيدِ لِلْمِلْكِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ، وَقَدْ عَقَدَهُ الْمُشْتَرِي، وَهِيَ عَلَى مِلْكِهِ، وَفَرْقُ مَا بَيْنَهُمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ الْوَلْوَالِجِيِّ لِأَنَّ الْبَيْعَ مَتَى انْتَقَضَ إلَخْ فَقَيَّدَ انْتِقَاضَهُ مِنْ الْأَصْلِ بِمَا إذَا انْتَقَضَ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ انْتَقَضَ بَعْدَ الْقَبْضِ لَا يَنْتَقِضُ مِنْ الْأَصْلِ ثُمَّ رَأَيْتُ فِي حَاشِيَةِ الرَّمْلِيِّ عَلَى مِنَحِ الْغَفَّارِ الْعَجَبُ مِنْ ذَلِكَ مَعَ أَنَّ مَا فِي السِّرَاجِ فِيمَا عَقَدَ بَعْدَ الْقَبْضِ، وَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ قَبْلَ الْقَبْضِ كَمَا هُوَ صَرِيحُ كُلٍّ مِنْ الْعِبَارَتَيْنِ فَكَيْفَ يَسْتَشْكِلُ بِإِحْدَى الْعِبَارَتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى، وَلَئِنْ كَانَ كَلَامُ السِّرَاجِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، وَكَلَامُ الْوَلْوَالِجِيِّ فِي مُطْلَقِ الْبَيْعِ فَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ فَاسِدَ الْبَيْعِ كَجَائِزِهِ فِي الْأَحْكَامِ فَتَأَمَّلْ. اهـ. (قَوْلُهُ وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ) أَيْ مِنْ الْفَصْلِ الثَّلَاثِينَ فِي التَّصَرُّفَاتِ الْفَاسِدَةِ (قَوْلُهُ وَلَوْ هَلَكَ الْمَبِيعُ لَا الْمُتَوَلِّدَةُ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَلَوْ كَانَ عَلَى عَكْسِهِ بِأَنْ هَلَكَتْ الْمُتَوَلِّدَةُ لَا الْمَبِيعُ يَرُدُّ الْمَبِيعَ، وَلَا يَضْمَنُ الزِّيَادَةَ، وَلَوْ اسْتَهْلَكَ الزِّيَادَةَ ضَمِنَهَا، وَيَرُدُّ الْمَبِيعَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَأَمَّا حُكْمُ نُقْصَانِهِ فَلَوْ نَقَصَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ فَلَوْ أَرَادَ الْمُشْتَرِي رَدَّهُ مَعَ أَرْشِ نَقْصِهِ، وَأَبَى الْبَائِعُ هَلْ يُجْبَرُ الْبَائِعُ؟ الْجَوَابُ أَنَّهُ يُجْبَرُ قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ حِينَئِذٍ لَوْ قَطَعَ ثَوْبًا شِرَاءً فَاسِدًا، وَلَمْ يَخِطْهُ حَتَّى أَوْدَعَهُ عِنْدَ بَائِعِهِ يَضْمَنُ نَقْصَ الْقَطْعِ لَا قِيمَتَهُ لِوُصُولِهِ إلَى رَبِّهِ إلَّا قَدْرَ نَقْصِهِ فَوَقَعَ عَنْ الرَّدِّ الْمُسْتَحَقِّ قَالَ هَذَا التَّعْلِيلُ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمَبِيعَ بَيْعًا فَاسِدًا إذَا نَقَصَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي لَا يَبْطُلُ حَقُّهُ فِي الرَّدِّ إذْ لَوْ بَطَلَ لَمَا كَانَ الرَّدُّ مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِ اهـ. فَهُوَ كَمَا تَرَى نَاطِقٌ بِمَا أَجَبْنَا. (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا كَانَ دَيْنًا لَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي) الْعِبَارَةُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 105 الْحَبْسُ بِالْأُجْرَةِ بِخِلَافِ الصَّحِيحِ، وَكَذَا الرَّهْنُ الْفَاسِدُ لَوْ كَانَ بِدَيْنٍ سَابِقٍ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْبَيْعَ إذَا أُضِيفَ لِلدَّرَاهِمِ لَا يَتَعَلَّقُ الْمِلْكُ فِي الثَّمَنِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ فَإِذَا وَجَبَ لِلْمَدْيُونِ عَلَى الْمُشْتَرِي مِثْلُ الدَّيْنِ صَارَ الثَّمَنُ قِصَاصًا لِاسْتِوَائِهِمَا قَدْرًا، وَوَصْفًا فَيَصِيرُ الْبَائِعُ مُسْتَوْفِيًا ثَمَنَهُ بِطَرِيقِ الْمُقَاصَّةِ فَاعْتُبِرَ بِمَا لَوْ اسْتَوْفَاهُ حَقِيقَةً، وَثُمَّ لِلْمُشْتَرِي حَقُّ حَبْسِ الْمَبِيعِ إلَى أَنْ يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ فَكَذَا هَذَا، وَفِي الْفَاسِدِ لَمْ يَمْلِكْ الثَّمَنَ بَلْ تَجِبُ قِيمَةُ الْمَبِيعِ عِنْدَ الْقَبْضِ، وَالْقِيمَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ غَيْرُ مُقَرَّرَةٍ لِاحْتِمَالِهَا السُّقُوطَ كُلَّ سَاعَةٍ بِالْفَسْخِ، وَلِأَنَّ الْقِيمَةَ قَدْ تَكُونُ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ، وَقَدْ لَا تَكُونُ، وَدَيْنُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ مُقَرَّرٌ، وَالْمُقَاصَصَةُ إنَّمَا تَكُونُ عِنْدَ اسْتِوَاءِ الْوَاجِبَيْنِ وَصْفًا. وَلِذَا لَا تَجِبُ الْمُقَاصَصَةُ بَيْنَ الْحَالِّ وَالْمُؤَجَّلِ، وَالْجَيِّدِ وَالرَّدِيءِ، وَإِذَا لَمْ تَقَعْ الْمُقَاصَصَةُ لَمْ يَصِرْ الْبَائِعُ مُسْتَوْفِيًا الثَّمَنَ أَصْلًا فَلَا يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي حَقُّ حَبْسِ الْمَبِيعِ بَعْدَ فَسْخِ الْبَيْعِ، وَلَوْ كَانَ الرَّهْنُ بَاطِلًا بِأَنْ اسْتَقْرَضَ أَلْفًا، وَرَهَنَ أُمَّ وَلَدٍ أَوْ مُدَبَّرًا لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ قَبْلَ قَضَاءِ الدَّيْنِ لِعَدَمِ الِانْعِقَادِ، وَالْكُلُّ مِنْ الْكَافِي شَرْحِ الْوَافِي، وَإِلَى أَنَّ الثَّمَنَ لَوْ كَانَ دَرَاهِمَ، وَهِيَ قَائِمَةٌ فَإِنَّهُ يَأْخُذُهَا بِعَيْنِهَا لِأَنَّهَا تَتَعَيَّنُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْغَصْبِ، وَإِنْ كَانَتْ مُسْتَهْلَكَةً أَخَذَ مِثْلَهَا لِمَا بَيَّنَّا كَذَا فِي الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ وَطَابَ لِلْبَائِعٍ مَا رَبِحَ لَا لِلْمُشْتَرِي) أَيْ طَالَ لِلْبَائِعِ مَا رَبِحَهُ فِي ثَمَنِ الْفَاسِدِ، وَلَا يَطِيبُ لِلْمُشْتَرِي رِبْحُ الْمَبِيعِ فَلَا يَتَصَدَّقُ الْأَوَّلُ، وَيَتَصَدَّقُ الْمُشْتَرِي، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَبِيعَ مِمَّا يَتَعَيَّنُ فَتَعَلَّقَ الْعَقْدُ بِهِ فَتَمَكَّنَ الْخَبِيثُ فِيهِ، وَالنَّقْدُ لَا يَتَعَيَّنُ فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ الْعَقْدُ الثَّانِي بِعَيْنِهِ فَلَمْ يَتَمَكَّنْ الْخُبْثُ فَلَا يَجِبُ التَّصَدُّقُ قَيَّدَ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ لِأَنَّ مَا رَبِحَهُ الْغَاصِبُ، وَالْمُودَعُ بَعْدَ أَدَاءِ الضَّمَانِ لَا يَطِيبُ لَهُ مُطْلَقًا عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ الْخُبْثَ فِي الْأَوَّلِ لِفَسَادِ الْمِلْكِ، وَفِي الثَّانِي لِعَدَمِهِ لِتَعَلُّقِ الْعَقْدِ فِيمَا يَتَعَيَّنُ حَقِيقَةً، وَفِيمَا لَا يَتَعَيَّنُ شُبْهَةً مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ سَلَامَةُ الْمَبِيعِ أَوْ تَقْدِيرُ الثَّمَنِ، وَعِنْدَ فَسَادِ الْمِلْكِ تَنْقَلِبُ الْحَقِيقَةُ شُبْهَةً، وَالشُّبْهَةُ تَنْزِلُ إلَى شُبْهَةِ الشُّبْهَةِ، وَالشُّبْهَةُ هِيَ الْمُعْتَبَرَةُ دُونَ النَّازِلِ عَنْهَا. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُمْ تَبَعًا لِمَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ الرِّبْحَ يَطِيبُ لِلْبَائِعِ فِي الثَّمَنِ النَّقْدِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ   [منحة الخالق] مَقْلُوبَةٌ، وَالصَّوَابُ وَإِنَّمَا كَانَ دَيْنًا عَلَيْهِ لِلْمُشْتَرِي (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الصَّحِيحِ) هُنَا سَقَطَ مِنْ النُّسَخِ، وَالْعِبَارَةُ فِي الزَّيْلَعِيِّ بَعْدَهُ هَكَذَا، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ بِدَيْنٍ سَابِقٍ عَلَيْهَا، وَقَبَضَ الْمُسْتَأْجِرُ الْعَبْدَ ثُمَّ فَسَخَ الْمُؤَجِّرُ الْإِجَارَةَ بِحُكْمِ الْفَسَادِ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ إلَخْ، وَقَوْلُهُ بِخِلَافِ الصَّحِيحِ يَعْنِي لَوْ كَانَ الْبَيْعُ صَحِيحًا أَوْ الْإِجَارَةُ صَحِيحَةً ثُمَّ انْفَسَخَ الْعَقْدُ بَيْنَهُمَا بِوَجْهٍ كَانَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَحْبِسَ الْمَبِيعَ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الدَّيْنَ الَّذِي كَانَ لَهُ عَلَى الْبَائِعِ كَذَا نُقِلَ عَنْ حَاشِيَةِ الزَّيْلَعِيِّ، وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ عَنْ الْخَانِيَّةِ شَرَى مِنْ مَدْيُونِهِ فَاسِدًا فَفَسَخَ لَيْسَ لَهُ حَبْسُ الْمَبِيعِ لِاسْتِيفَاءِ دَيْنِهِ، وَكَذَا لَوْ أَجَرَ مِنْ دَائِنِهِ إجَارَةً فَاسِدَةً، وَلَوْ كَانَ عَقْدُ الْبَيْعِ أَوْ الْإِجَارَةِ جَائِزًا ثُمَّ فَسَخَ فَلَهُ الْحَبْسُ لِدَيْنِهِ (قَوْلُهُ وَالْفَرْقُ) أَيْ الْفَرْقُ بَيْنَ الْعَقْدِ الصَّحِيحِ، وَالْفَاسِدِ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْخُبْثَ فِي الْأَوَّلِ) أَيْ فِي الْفَاسِدِ، وَقَوْلُهُ فِي الثَّانِي أَيْ فِي الْغَصْبِ، وَتَوْضِيحُهُ فِي شُرُوحِ الْهِدَايَةِ، وَعِبَارَةُ إيضَاحِ الْإِصْلَاحِ لِابْنِ الْكَمَالِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْمَالَ نَوْعَانِ نَوْعٌ لَا يَتَعَيَّنُ فِي الْعُقُودِ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ، وَنَوْعٌ يَتَعَيَّنُ كَالْعُرُوضِ، وَالْخُبْثُ أَيْضًا نَوْعَانِ أَحَدُهُمَا بِاعْتِبَارِ عَدَمِ الْمِلْكِ، وَالثَّانِي لِفَسَادِ الْمِلْكِ فَالْخُبْثُ بِاعْتِبَارِ عَدَمِ الْمِلْكِ كَمَا فِي الْمَغْصُوبِ يُوجِبُ حَقِيقَةَ الْخُبْثِ فِيمَا يَتَعَيَّنُ، وَشُبْهَةُ الْخُبْثِ فِيمَا لَا يَتَعَيَّنُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لِأَنَّ مَا لَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ لَا يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِهِ بَلْ يَتَعَلَّقُ بِمَا فِي الذِّمَّةِ، وَإِنَّمَا هُوَ وَسِيلَةٌ مِنْ وَجْهٍ فَيُوجِبُ شُبْهَةَ الْخُبْثِ، وَالشُّبْهَةُ مُعْتَبَرَةٌ فَلَا جَرَمَ انْعَدَمَ الطَّيِّبُ لِعَدَمِ الْمِلْكِ فِي الْمَالَيْنِ جَمِيعًا، وَالْخُبْثُ لِفَسَادِ الْمِلْكِ يُوَرِّثُ الشُّبْهَةَ فِيمَا يَتَعَيَّنُ لِأَنَّ الْخُبْثَ لِفَسَادِ الْمِلْكِ أَدْنَى مِنْ الْخُبْثِ لِعَدَمِ الْمِلْكِ، وَيُوَرِّثُ شُبْهَةَ الشُّبْهَةِ فِيمَا لَا يَتَعَيَّنُ، وَشُبْهَةُ الشُّبْهَةِ لَيْسَتْ بِمُعْتَبَرَةٍ فَلِهَذَا تَصَدَّقَ الَّذِي أَخَذَ الْمَبِيعَ بِالرِّبْحِ، وَلَمْ يَتَصَدَّقْ الَّذِي أَخَذَ الثَّمَنَ بِهِ اهـ. (قَوْلُهُ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُمْ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ، وَهَذَا إنَّمَا يَتِمُّ عَلَى رِوَايَةِ عَدَمِ تَعْيِينِ النَّقْدِ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّ رِوَايَةَ التَّعْيِينِ هِيَ الْأَصَحُّ، وَحِينَئِذٍ فَالْأَصَحُّ وُجُوبُ التَّصَدُّقِ عَلَى الْبَائِعِ بِمَا رَبِحَ غَيْرَ أَنَّ التَّفْصِيلَ الْوَاقِعَ فِي الْكِتَابِ هُوَ صَرِيحُ الرِّوَايَةِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَحِينَئِذٍ فَالْأَصَحُّ أَنَّ الدَّرَاهِمَ لَا تَتَعَيَّنُ فِي الْفَاسِدِ كَذَا فِي الْفَتْحِ مُلَخَّصًا قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ، وَيُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بِأَنَّ لِهَذَا الْعَقْدِ شَبَهَيْنِ شَبَهًا بِالْغَصْبِ، وَشَبَهًا بِالْبَيْعِ فَإِذَا كَانَتْ قَائِمَةً اعْتَبَرَ شُبْهَةَ الْغَصْبِ سَعْيًا فِي رَفْعِ الْعَقْدِ الْفَاسِدِ، وَإِذَا لَمْ تَكُنْ قَائِمَةً فَاشْتَرَى بِهَا شَيْئًا يَعْتَبِرُ شُبْهَةَ الْبَيْعِ حَتَّى لَا يَسْرِيَ الْفَسَادُ إلَى بَدَلِهِ قَالَ يَعْقُوبْ بَاشَا هَذَا التَّوْفِيقُ إنَّمَا يُفِيدُ دَلِيلًا لِلْمَسْأَلَةِ لَا يَرِدُ عَلَيْهِ مَا يَرِدُ عَلَيْهَا فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يُقَالَ إنَّ كَلَامَ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأَخِيرَةِ عَلَى الرِّوَايَةِ الصَّحِيحَةِ لَا عَلَى الْأَصَحِّ، وَهِيَ أَنَّهَا تَتَعَيَّنُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ فِي الْعِنَايَةِ إلَّا أَنْ يُقَالَ مُرَادُ الْقَائِلِ بِالتَّعْيِينِ الَّذِي هُوَ الْأَصَحُّ التَّعْيِينُ فِي صُورَةِ كَوْنِهَا قَائِمَةً لَا تَعْيِينُهَا مُطْلَقًا لَكِنَّهُ فِي الْفَاسِدِ خِلَافُ مَا صَرَّحُوا بِهِ اهـ. وَعِبَارَتُهُ فِي الْعِنَايَةِ هَذَا إنَّمَا يَسْتَقِيمُ عَلَى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 106 النَّقْدَ لَا يَتَعَيَّنُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَقَوْلُهُمْ إنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَى الْأَصَحِّ يُخَالِفُهُ فَإِنْ اُعْتُبِرَ تَصْحِيحُ التَّعْيِينِ فَحِينَئِذٍ يَجِبُ التَّصَدُّقُ عَلَى الْبَائِعِ، وَالرِّوَايَةُ بِخِلَافِهِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ أَوْضَحَهُ مِنْ الشَّارِحِينَ، وَقَدْ ظَهَرَ لِي أَنَّهُ مُنَافَاةٌ بَيْنَهُمَا فَقَالُوا فِيمَا مَضَى إنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَى الْأَصَحِّ بِالنِّسْبَةِ إلَى وُجُوبِ رَدِّ غَيْرِ مَا أَخَذَهُ، وَقَالُوا هُنَا لَا يَتَعَيَّنُ أَيْ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَنَّهُ يَطِيبُ لَهُ مَا رَبِحَهُ فَهُوَ مُتَعَيَّنٌ مِنْ جِهَةِ فَسَادِ الْمِلْكِ كَالْمَغْصُوبِ، وَغَيْرُ مُتَعَيَّنٍ مِنْ جِهَةِ أَنَّ فَاسِدَ الْمُعَاوَضَاتِ كَصَحِيحِهَا فَاعْتَبَرُوا الْوَجْهَ الْأَوَّلَ فِي لُزُومِ رَدِّ عَيْنِ الْمَقْبُوضِ، وَالثَّانِي فِي حِلِّ رِبْحِهِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُعْكَسْ لِدَلِيلِ أَبِي يُوسُفَ الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ، وَمَعْنَاهُ كَمَا فِي الْفَائِقِ، وَالْقَامُوسِ غَلَّةُ الْعَبْدِ لِلْمُشْتَرِي إذَا رَدَّهُ بَعْدَ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْعَيْبِ بِسَبَبِ أَنَّهُ فِي ضَمَانِهِ اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ دَرَاهِمَ فَقَضَاهَا إيَّاهُ ثُمَّ تَصَادَقَا أَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُ عَلَيْهِ طَابَ لَهُ رِبْحُهُ) أَيْ مَا رَبِحَهُ فِي الدَّرَاهِمِ لِأَنَّ الْخُبْثَ لِفَسَادِ الْمِلْكِ هَاهُنَا لِأَنَّ الدَّيْنَ وَجَبَ بِالتَّسْمِيَةِ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ بِالتَّصَادُقِ، وَبَدَلُ الْمُسْتَحِقِّ مَمْلُوكٌ فَلَا يَعْمَلُ فِيمَا لَا يَتَعَيَّنُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ عَبْدًا بِجَارِيَةٍ فَأَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي ثُمَّ اسْتَحَقَّتْ الْجَارِيَةُ لَا يَبْطُلُ الْعِتْقُ فِي الْعَبْدِ، وَلَوْلَا أَنَّهُ مَمْلُوكٌ لَبَطَلَ لِأَنَّهُ لَا عِتْقَ فِيمَا لَا يَمْلِكُهُ ابْنُ آدَمَ، وَكَذَا لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يُفَارِقَ غَرِيمَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ مِنْهُ دَيْنَهُ فَبَاعَهُ عِنْدَ الْغَيْرِ بِالدَّيْنِ فَقَبَضَهُ الْحَالِفُ، وَفَارَقَهُ ثُمَّ اسْتَحَقَّ الْعَبْدُ مَوْلَاهُ، وَلَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ لَمْ يَحْنَثْ الْحَالِفُ لِأَنَّ الْمَدِينَ مَلَكَ مَا فِي ذِمَّتِهِ بِالْبَيْعِ، وَهُوَ بَدَلُ الْمُسْتَحِقِّ، وَلَا يَحْنَثُ الْحَالِفُ بِالِاسْتِحْقَاقِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَاعْلَمْ أَنَّ مِلْكَهُ بِاعْتِبَارِ زَعْمِهِ أَنَّهُ قَبَضَ الدَّرَاهِمَ بَدَلًا عَمَّا يَزْعُمُ أَنَّهُ مَلَكَهُ أَمَّا لَوْ كَانَ فِي أَصْلِ دَعْوَاهُ الدَّيْنُ مُتَعَمِّدًا الْكَذِبَ فَدَفَعَ إلَيْهِ لَا يَمْلِكُهُ أَصْلًا لِأَنَّهُ مُتَيَقِّنٌ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ. اهـ. وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ خِلَافُهُ لِأَنَّ الْمَنْظُورَ إلَيْهِ وُجُوبُهُ بِالتَّسْمِيَةِ لَا زَعْمُ الْمُدَّعِي، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَسْأَلَةُ الْحَلِفِ فَإِنَّهُ لَوْ غَصَبَ دَرَاهِمَ، وَقَضَى بِهَا دَيْنَهُ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهَا مَغْصُوبَةٌ فَإِنَّهُ لَا حِنْثَ عَلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ غَصَبَ عَبْدًا، وَبَاعَهُ بِدَيْنِهِ. (قَوْلُهُ وَكُرِهَ النَّجْشُ) شُرُوعٌ فِي مَكْرُوهَاتِ الْبَيْعِ، وَلَمَّا كَانَ الْمَكْرُوهُ دُونَ الْفَاسِدِ أَخَّرَهُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِكَوْنِهِ دُونَهُ فِي حُكْمِ الْمَنْعِ الشَّرْعِيِّ بَلْ فِي عَدَمِ فَسَادِ الْعَقْدِ، وَإِلَّا فَهَذِهِ كُلُّهَا تَحْرِيمِيَّةٌ لَا نَعْلَمُ خِلَافًا فِي الْإِثْمِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَقَدْ بَحَثَ هُنَا بَحْثًا لَا طَائِلَ تَحْتَهُ تَرَكْتُهُ عَمْدًا، وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ كُلَّ مَنْهِيٍّ عَنْهُ قَبِيحٌ فَإِنْ كَانَ لِعَيْنِهِ أَفَادَ بُطْلَانَهُ، وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِهِ فَإِنْ كَانَ لِوَصْفٍ كَبَيْعِ الرِّبَا وَالْبَيْعِ بِشَرْطٍ مُفْسِدٍ أَفَادَ فَسَادَهُ، وَإِنْ كَانَ لِمُجَاوِرٍ كَهَذِهِ الْبُيُوعِ الْمَكْرُوهَةِ أَفَادَ كَرَاهَةَ التَّحْرِيمِ مَعَ الصِّحَّةِ، وَالنَّجَشُ بِفَتْحَتَيْنِ، وَيُرْوَى بِالسُّكُونِ أَنْ تُسَامَ السِّلْعَةُ بِأَزْيَدَ مِنْ ثَمَنِهَا، وَأَنْتَ لَا تُرِيدُ شِرَاءَهَا لِيَرَاك الْآخَرُ فَيَقَعُ فِيهِ، وَكَذَلِكَ فِي النِّكَاحِ وَغَيْرِهِ، وَلَا تَنَاجَشُوا لَا تَفْعَلُوا ذَلِكَ، وَأَصْلُهُ مِنْ نَجْشِ الصَّيْدِ، وَهُوَ إثَارَتُهُ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ، وَفِي الْقَامُوسِ النَّجْشُ أَنْ تُوَاطِئَ رَجُلًا إذَا أَرَادَ بَيْعًا أَنْ تَمْدَحَهُ أَوْ أَنْ يُرِيدَ الْإِنْسَانُ أَنْ يَبِيعَ بِيَاعَةً فَتُسَاوِمُهُ بِهَا بِثَمَنٍ كَثِيرٍ لِيَنْظُرَ إلَيْكَ نَاظِرٌ فَيَقَعَ فِيهَا أَوْ أَنْ تُنَفِّرَ النَّاسَ عَنْ الشَّيْءِ إلَى غَيْرِهِ، وَإِثَارَةُ الصَّيْدِ، وَالْبَحْثُ عَنْ الشَّيْءِ وَإِثَارَتُهُ وَالْجَمْعُ وَالِاسْتِخْرَاجُ وَالْإِنْقَاذُ وَالْإِسْرَاعُ كَالنِّجَاشَةِ بِالْكَسْرِ. اهـ. وَحَدِيثُ النَّهْيِ لَا تَنَاجَشُوا فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَقَيَّدَهُ أَصْحَابُنَا كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ بِمَا إذَا كَانَتْ السِّلْعَةُ إذَا بَلَغَتْ قِيمَتَهَا أَمَّا إذَا لَمْ تَبْلُغْ فَلَا مَنْعَ مِنْهُ لِأَنَّهُ نَفْعٌ لِلْمُسْلِمِ مِنْ غَيْرِ إضْرَارٍ بِأَحَدٍ. (قَوْلُهُ وَالسَّوْمُ عَلَى سَوْمِ غَيْرِهِ) لِلْحَدِيثِ «لَا يَسْتَامُ الرَّجُلُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ، وَلَا يَخْطُبُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ» ، وَلِأَنَّ فِي ذَلِكَ إيحَاشًا وَإِضْرَارًا، وَهَذَا إذَا تَرَاضَى الْمُتَعَاقِدَانِ عَلَى مَبْلَغٍ ثَمَنٍ فِي الْمُسَاوَمَةِ فَإِذَا لَمْ يَرْكَنْ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ فَهُوَ بَيْعُ مَنْ يَزِيدُ، وَلَا بَأْسَ بِهِ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ، وَمَا ذَكَرْنَاهُ مَحْمَلُ النَّهْيِ فِي   [منحة الخالق] الرِّوَايَةِ الصَّحِيحَةِ، وَهِيَ أَنَّهَا لَا تَتَعَيَّنُ لَا عَلَى الْأَصَحِّ، وَهِيَ الَّتِي تَقَدَّمَتْ أَنَّهَا تَتَعَيَّنُ قَالَ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ، وَفِيهِ بَحْثٌ فَإِنَّ عَدَمَ التَّعْيِينِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَغْصُوبَ أَوْ ثَمَنَ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ إنَّمَا هُوَ فِي الْعَقْدِ الثَّانِي، وَلَا يَضُرُّ تَعْيِينُهُ فِي الْأَوَّلِ فَقَوْلُهُ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ إلَخْ فِيهِ مَا فِيهِ، وَقَدْ أَخَذَ صَاحِبُ الْبَحْرِ قَوْلَ يَعْقُوبْ بَاشَا إلَّا أَنْ يُقَالَ إلَخْ. اهـ. وَمَا أَجَابَ بِهِ فِي السَّعِيدِيَّةِ ذَكَرَهُ الرَّمْلِيُّ قَبْلَ إطْلَاعِهِ عَلَيْهِ، وَقَالَ وَأَنَا فِي عَجَبٍ عَجِيبٍ مِنْ فَهْمِ هَؤُلَاءِ الْأَجِلَّاءِ التَّنَاقُضَ مِنْ مِثْلِ هَذِهِ مَعَ ظُهُورِهِ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ النُّقُودِ لَا تَتَعَيَّنُ فِي الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ شِرَاءً صَحِيحًا بِمَا قَبَضَهُ فِي الْفَاسِدِ إذَا رَبِحَ فَقَدْ رَبِحَ بِعَقْدٍ صَحِيحٍ شَرْعِيٍّ خَالٍ عَنْ الشُّبْهَةِ لِعَدَمِ تَعَيُّنِ ذَلِكَ النَّقْدِ فِي ذَلِكَ الْعَقْدِ. (قَوْلُهُ وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ خِلَافُهُ) قَالَ فِي النَّهْرِ، وَأَقُولُ: قَدْ صَرَّحُوا فِي الْإِقْرَارِ بِأَنَّ الْمُقَرَّ لَهُ إذَا كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ الْمُقِرَّ كَاذِبٌ فِي إقْرَارِهِ لَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُهُ عَنْ كُرْهٍ مِنْهُ أَمَّا لَوْ اشْتَبَهَ الْأَمْرُ عَلَيْهِ حَلَّ لَهُ الْأَخْذُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ كَمَا سَيَأْتِي، وَحِينَئِذٍ فَلَا يَطِيبُ لَهُ رِبْحُهُ، وَيُحْمَلُ كَلَامُهُ هُنَا عَلَى مَا إذَا ظَنَّ أَنَّ عَلَيْهِ دَيْنًا بِإِرْثٍ مِنْ أَبِيهِ مَثَلًا ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّ وَكِيلَهُ أَوْفَاهُ لِأَبِيهِ فَتَصَادَقَا أَنْ لَا دَيْنَ حِينَئِذٍ فَيَطِيبُ لَهُ، وَهَذَا فِقْهٌ حَسَنٌ فَتَدَبَّرْهُ اهـ. وَنَقَلَهُ عَنْهُ الرَّمْلِيُّ، وَأَقَرَّهُ. (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ، وَالسَّوْمُ عَلَى سَوْمِ غَيْرِهِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ لَا يَخْفَى عَلَيْكَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 107 النِّكَاحِ أَيْضًا، وَفِي الْقَامُوسِ السَّوْمُ فِي الْمُبَايَعَةِ كَالسُّوَامِ بِالضَّمِّ سُمْت السِّلْعَةَ، وَسَاوَمْت بِالسِّلْعَةِ وَاسْتَمْت بِهَا، وَعَلَيْهَا غَالَيْت، وَاسْتَمْته إيَّاهَا، وَعَلَيْهَا سَأَلْته سَوْمَهَا اهـ. (قَوْلُهُ وَتَلَقِّي الْجَلَبِ) لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تُتَلَقَّى الرُّكْبَانُ، وَأَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ» فَقُلْتُ: لِابْنِ عَبَّاسٍ مَا قَوْلُهُ حَاضِرٌ لِبَادٍ قَالَ لَا يَكُونُ لَهُ سِمْسَارًا، وَلِلْمُتَلَقَّى صُورَتَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَتَلَقَّاهُمْ الْمُشْتَرُونَ لِلطَّعَامِ مِنْهُمْ فِي سَنَةِ حَاجَةٍ لِيَبِيعُوهُ مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ بِزِيَادَةٍ، وَثَانِيهَا أَنْ يُشْتَرَى مِنْهُمْ بِأَرْخَصَ مِنْ سِعْرِ الْبَلَدِ، وَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ بِالسِّعْرِ، وَمَحْمَلُ النَّهْيِ عِنْدَنَا إذَا كَانَ يَضُرُّ بِأَهْلِ الْبَلَدِ أَوْ لَبَسَ أَمَّا إذَا انْتَفَيَا فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَفِي الْمُغْرِبِ جَلَبَ الشَّيْءَ جَاءَ بِهِ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ لِلتِّجَارَةِ جَلْبًا وَالْجَلَبُ الْمَجْلُوبُ، وَمِنْهُ نُهِيَ عَنْ تَلَقِّي الْجَلَبِ اهـ. (قَوْلُهُ وَبَيْعُ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ النَّهْيِ، وَهُوَ مُقَيَّدٌ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ بِمَا إذَا كَانَ أَهْلُ الْبَلَدِ فِي قَحْطٍ وَعَوَزٍ، وَهُوَ يَبِيعُ مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ وَطَمَعًا فِي الثَّمَنِ الْغَالِي لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِهِمْ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَلَا بَأْسَ بِهِ لِانْعِدَامِ الضَّرَرِ، وَفَسَّرَهُ فِي الِاخْتِيَارِ بِأَنْ يَجْلُبَ الْبَادِي السِّلْعَةَ فَيَأْخُذُهَا الْحَاضِرُ لِيَبِيعَهَا لَهُ بَعْدَ وَقْتٍ بِأَغْلَى مِنْ السِّعْرِ الْمَوْجُودِ وَقْتَ الْجَلْبِ اهـ. فَعَلَى الْأَوَّلِ الْحَاضِرُ مَالِكٌ بَائِعٌ، وَالْبَادِي مُشْتَرٍ، وَعَلَى الثَّانِي الْحَاضِرُ سِمْسَارٌ، وَالْبَادِي صَاحِبُ السِّلْعَةِ، وَيَشْهَدُ لِلثَّانِي آخِرُ الْحَدِيثِ «دَعُوا النَّاسَ يَرْزُقُ اللَّهُ بَعْضَهُمْ بَعْضًا» ، وَلِذَا قَالَ فِي الْمُجْتَبَى هَذَا التَّفْسِيرُ أَصَحُّ ذَكَرَهُ فِي زَادِ الْفُقَهَاءِ لِمُوَافَقَةِ الْحَدِيثِ، وَعَلَى هَذَا فَتَفْسِيرُ ابْنِ عَبَّاسٍ بِأَنَّهُ لَا يَكُونُ لَهُ سِمْسَارًا لَيْسَ هُوَ تَفْسِيرَ بَيْعِ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي وَهُوَ صُورَةُ النَّهْيِ بَلْ تَفْسِيرٌ لِضِدِّهَا، وَهِيَ الْجَائِزَةُ فَالْمَعْنَى أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ السِّمْسَارِ، وَتَعَرُّضِهِ فَكَأَنَّهُ لَمَّا سُئِلَ عَنْ نُكْتَةِ نَهْيِ بَيْعِ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي قَالَ الْمَقْصُودُ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ سِمْسَارًا فَنَهَى عَنْهُ بِالسِّمْسَارِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. (قَوْلُهُ وَالْبَيْعُ عِنْدَ أَذَانِ الْجُمُعَةِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9] ثُمَّ فِيهِ إخْلَالٌ بِوَاجِبِ السَّعْيِ عَلَى بَعْضِ الْوُجُوهِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا الْأَذَانَ الْمُعْتَبَرَ فِيهِ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ، وَفِي الْهِدَايَةِ كُلُّ ذَلِكَ يُكْرَهُ، وَلَا يَفْسُدُ بِهِ الْبَيْعُ لِأَنَّ النَّهْيَ لِمَعْنًى خَارِجٍ زَائِدٍ لَا فِي صُلْبِ الْعَقْدِ، وَلَا فِي شَرَائِطِ الصِّحَّةِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا تَبَايَعَا، وَهُمَا يَمْشِيَانِ إلَيْهَا وَمَا فِي النِّهَايَةِ مِنْ عَدَمِ الْكَرَاهَةِ مُشْكِلٌ لِإِطْلَاقِ الْآيَةِ فَمَنْ جَوَّزَهُ فِي بَعْضِ الْوُجُوهِ يَكُونُ تَخْصِيصًا، وَهُوَ نَسْخٌ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ بِالرَّأْيِ كَذَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ. (قَوْلُهُ لَا بَيْعُ مَنْ يَزِيدُ) أَيْ لَا يُكْرَهُ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ عَدَمِ الْإِضْرَارِ، وَقَدْ صَحَّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَاعَ قَدَحًا وَحِلْسًا بَيْعَ مَنْ يَزِيدُ» ، وَلِأَنَّهُ بَيْعُ الْفُقَرَاءِ، وَالْحَاجَةُ مَاسَّةٌ إلَيْهِ. (قَوْلُهُ وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ صَغِيرٍ وَذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ وَالِدَةٍ وَوَلَدِهَا فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» «، وَوَهَبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَلِيٍّ غُلَامَيْنِ صَغِيرَيْنِ أَخَوَيْنِ ثُمَّ قَالَ لَهُ مَا فَعَلَ الْغُلَامَانِ فَقَالَ بِعْتُ أَحَدَهُمَا قَالَ أَدْرِكْ أَدْرِكْ، وَيُرْوَى اُرْدُدْ اُرْدُدْ» ، وَلِأَنَّ الصَّغِيرَ يَسْتَأْنِسُ بِالصَّغِيرِ وَبِالْكَبِيرِ، وَالْكَبِيرُ يَتَعَاهَدُهُ فَكَانَ فِي بَيْعِ أَحَدِهِمَا قَطْعُ الِاسْتِئْنَاسِ، وَالْمَنْعُ مِنْ التَّعَاهُدِ، وَفِيهِ تَرْكُ الْمَرْحَمَةِ عَلَى الصِّغَارِ، وَقَدْ أَوْعَدَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهِ ثُمَّ الْمَنْعُ مَعْلُولٌ بِالْقَرَابَةِ الْمُحَرِّمَةِ لِلنِّكَاحِ حَتَّى لَا يَدْخُلَ فِيهِ مُحَرَّمٌ غَيْرُ قَرِيبٍ، وَلَا قَرِيبٌ غَيْرُ مُحَرَّمٍ، وَلِذَا قَيَّدَ بِذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ أَيْ الْمُحَرَّمِ مِنْ جِهَةِ الرَّحِمِ، وَإِلَّا يُرَدُّ عَلَيْهِ ابْنُ الْعَمِّ إذَا كَانَ أَخًا مِنْ الرَّضَاعِ فَإِنَّهُ رَحِمٌ مُحَرَّمٌ، وَلَيْسَ لَهُ هَذَا الْحُكْمُ، وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الصَّغِيرَ وَالْكَبِيرَ، وَلَا بُدَّ مِنْ اجْتِمَاعِهِمَا فِي مِلْكِهِ حَتَّى لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا لَهُ، وَالْآخَرُ لِغَيْرِهِ فَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ أَحَدِهِمَا، وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ إلَّا إذَا كَانَ التَّفْرِيقُ بِحَقٍّ مُسْتَحَقٍّ لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَجُوزُ التَّفْرِيقُ كَدَفْعِ أَحَدِهِمَا بِالْجِنَايَةِ، وَبَيْعِهِ بِالدَّيْنِ وَرَدِّهِ بِالْعَيْبِ لِأَنَّ الْمَنْظُورَ إلَيْهِ دَفْعُ الضَّرَرِ عَنْ غَيْرِهِ لَا الْإِضْرَارُ بِهِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَمِنْ التَّفْرِيقِ بِحَقٍّ مَا فِي الْمَبْسُوطِ   [منحة الخالق] أَنَّهُ تَدْخُلُ فِيهِ الْإِجَارَةُ إذْ هِيَ بَيْعُ الْمَنَافِعِ، وَهِيَ وَاقِعَةُ الْفَتْوَى. (قَوْلُهُ وَفَسَّرَهُ فِي الِاخْتِيَارِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَيَشْهَدُ لِصِحَّةِ التَّفْسِيرِ الْأَوَّلِ مَا فِي الْفُصُولِ الْعِمَادِيَّةِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لَوْ أَنَّ أَعْرَابًا قَدِمُوا الْكُوفَةِ، وَأَرَادُوا أَنْ يَمْتَارُوا مِنْهَا، وَيَضُرُّ ذَلِكَ بِأَهْلِ الْكُوفَةِ قَالَ أَمْنَعُهُمْ عَنْ ذَلِكَ قَالَ أَلَا تَرَى أَنَّ أَهْلَ الْبَلْدَةِ يَمْنَعُونَ عَنْ الشِّرَاءِ لِلْحُكْرَةِ فَهَذَا أَوْلَى اهـ مِنْ الْغَزِّيِّ قَوْلُهُ «دَعُوا النَّاسَ يَرْزُقُ اللَّهُ بَعْضَهُمْ بَعْضًا» كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَفِي بَعْضِهَا «يَرْزُقُ اللَّهُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ» ، وَاَلَّذِي رَأَيْته فِي الْفَتْحِ يَرْزُقُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ بِدُونِ لَفْظِ الْجَلَالَةِ، وَفِي حَاشِيَةِ الرَّمْلِيِّ عَنْ ابْنِ حَجَرٍ الْهَيْتَمِيِّ وَقَعَ لِشَارِحٍ أَنَّهُ زَادَ فِي غَفَلَاتِهِمْ، وَنَسَبَهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 108 ذِمِّيٌّ لَهُ عَبْدٌ لَهُ امْرَأَةٌ أَمَةٌ وَلَدَتْ مِنْهُ فَأَسْلَمَ الْعَبْدُ، وَوَلَدُهُ صَغِيرٌ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ الذِّمِّيُّ عَلَى بَيْعِ الْعَبْدِ وَابْنِهِ، وَإِنْ كَانَ تَفْرِيقًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أُمِّهِ اهـ. وَلَا يَرُدُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ التَّفْرِيقُ بِإِعْتَاقِ أَحَدِهِمَا بِمَالٍ أَوْ بِغَيْرِهِ أَوْ تَدْبِيرِهِ أَوْ اسْتِيلَادِ الْأَمَةِ أَوْ كِتَابَةِ أَحَدِهِمَا فَإِنَّهُ جَائِزٌ لِأَنَّ مُرَادَهُ مَنْعُ التَّفْرِيقِ بِالْبَيْعِ أَوْ الْهِبَةِ أَوْ الْوَصِيَّةِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ إذْ لَوْ مَنَعَ عَنْ الْكُلِّ لَصَارَ الْمَالِكُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِمَنْعِهِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ رَأْسًا، وَكَذَا لَا يَرُدُّ عَلَيْهِ مَا لَوْ كَانَ فِي مِلْكِهِ ثَلَاثَةٌ أَحَدُهُمْ صَغِيرٌ فَإِنَّ لَهُ بَيْعَ أَحَدِ الْكَبِيرَيْنِ لِأَنَّ الْعِلَّةَ مَا هُوَ مَظِنَّةُ الضَّيَاعِ وَالِاسْتِيحَاشِ، وَقَدْ بَقِيَ لَهُ مَنْ يَقُومُ مَقَامَ الثَّالِثِ، وَفِي الْكِفَايَةِ اجْتَمَعَ لَهُ عَدَدٌ مِنْ أَقَارِبِهِ لَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَاحِدٍ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ جِهَةُ الْقَرَابَةِ كَالْعَمِّ وَالْخَالِ أَوْ اتَّحَدَتْ كَخَالَيْنِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ يَتَوَحَّشُ بِفِرَاقِ الْكُلِّ، وَالصَّحِيحُ فِي الْمُذْهَبِ أَنَّهُ إذَا كَانَ مَعَ الصَّغِيرِ أَبَوَاهُ لَا يَبِيعُ وَاحِدًا مِنْهُمْ. وَلَوْ كَانَ مَعَهُ أُمٌّ أَوْ أَخٌ أَوْ أُمٌّ، وَعَمَّةٌ أَوْ خَالَةٌ أَوْ أَخٌ جَازَ بَيْعُ مَنْ سِوَى الْأُمِّ لِأَنَّ شَفَقَةَ الْأُمِّ تُغْنِي عَمَّنْ سِوَاهَا، وَلِذَا كَانَتْ أَحَقَّ بِالْحَضَانَةِ مِنْ غَيْرِهَا فَهَذِهِ الصُّوَرُ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ اخْتِلَافِ الْجِهَةِ، وَالْجَدَّةُ كَالْأُمِّ فَلَوْ كَانَ مَعَهُ جَدَّةٌ، وَعَمَّةٌ، وَخَالَةٌ جَازَ بَيْعُ الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ، وَلَوْ كَانَ مَعَهُ عَمَّةٌ، وَخَالَةٌ لَا يُبَاعُوا إلَّا مَعًا لِاخْتِلَافِ الْجِهَةِ مَعَ اتِّحَادِ الدَّرَجَةِ، وَلَوْ كَانَ مَعَهُ أَخَوَانِ أَوْ إخْوَةٌ كِبَارٌ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ مَا سِوَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ لِأَنَّ الشَّفَقَةَ أَمْرٌ بَاطِنٌ لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ فَيُعْتَبَرُ السَّبَبُ، وَلَا يُعْتَبَرُ الْأَبْعَدُ مَعَ الْأَقْرَبِ، وَعِنْدَ الِاتِّحَادِ فِي الْجِهَةِ وَالدَّرَجَةِ أَحَدُهُمَا يُغْنِي، وَكَذَا لَوْ مَلَكَ سِتَّةَ إخْوَةٍ ثَلَاثَةٌ كِبَارًا، وَثَلَاثَةٌ صِغَارًا فَبَاعَ مَعَ كُلِّ صَغِيرٍ كَبِيرًا جَازَ اسْتِحْسَانًا فَلَوْ كَانَ مَعَهُ أُخْتٌ شَقِيقَةٌ، وَأُخْتٌ لِأَبٍ، وَأُخْتٌ لِأُمٍّ بَاعَ غَيْرَ الشَّقِيقَةِ، وَلَوْ ادَّعَاهُ رَجُلَانِ فَصَارَ أَبَوَيْنِ لَهُ ثُمَّ مَلَكُوا جُمْلَةً الْقِيَاسُ أَنْ يُبَاعَ أَحَدُهُمَا لِاتِّحَادِ جِهَتِهِمَا، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا يُبَاعُ لِأَنَّ الْأَبَ فِي الْحَقِيقَةِ وَاحِدٌ فَاحْتَمَلَ كَوْنُهُ الَّذِي بِيعَ فَيَمْتَنِعُ احْتِيَاطًا فَصَارَ الْأَصْلُ أَنَّهُ إذَا كَانَ مَعَهُ عَدَدٌ أَحَدُهُمْ أَبْعَدُ جَازَ بَيْعُهُ، وَإِنْ كَانُوا فِي دَرَجَةٍ فَإِنْ كَانُوا مِنْ جِنْسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ كَالْأَبِ، وَالْأُمِّ، وَالْخَالَةِ، وَالْعَمَّةِ لَا يُفَرَّقُ، وَلَكِنْ يُبَاعُ الْكُلُّ أَوْ يُمْسَكُ الْكُلُّ، وَإِنْ كَانُوا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ كَالْأَخَوَيْنِ، وَالْعَمَّيْنِ، وَالْخَالَيْنِ جَازَ أَنْ يَمْسِكَ مَعَ الصَّغِيرِ أَحَدَهُمَا، وَيَبِيعَ مَا سِوَاهُ. وَمِثْلُ الْخَالَةِ، وَالْعَمَّةِ أَخٌ لِأَبٍ، وَأَخٌ لِأُمٍّ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَكَذَا لَا يَرِدُ عَلَيْهِ مَا إذَا كَانَ الْبَائِعُ حَرْبِيًّا مُسْتَأْمَنًا لِمُسْلِمٍ فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ الْمُسْلِمَ مِنْ الشِّرَاءِ دَفْعًا لِلْمَفْسَدَةِ عَنْهُ، وَكَذَا لَا يَرِدُ مَا إذَا بَاعَهُ مِمَّنْ حَلَفَ بِعِتْقِهِ إنْ اشْتَرَاهُ أَوْ مَلَكَهُ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْإِعْتَاقِ فَهَذِهِ عَشْرَةُ مَسَائِلَ يَجُوزُ فِيهَا التَّفْرِيقُ، وَلَا بَأْسَ بِسَرْدِهَا دَفْعُ أَحَدِهِمَا بِجِنَايَةٍ، وَبَيْعُهُ بِدَيْنٍ وَرَدُّهُ بِعَيْبٍ، وَإِذَا كَانَ الْمَالِكُ كَافِرًا أَوْ إعْتَاقُهُ وَتَدْبِيرُهُ وَاسْتِيلَادُهَا وَكِتَابَتُهُ وَبَيْعُهُ مِمَّنْ حَلَفَ بِعِتْقِهِ، وَبَيْعُ وَاحِدٍ مِنْ ثَلَاثَةٍ بِالشَّرْطِ السَّابِقِ، وَالْحَادِيَةَ عَشَرَ إذَا كَانَ الصَّغِيرُ مُرَاهِقًا، وَرَضِيَتْ أُمُّهُ بِبَيْعِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَوْ كَانَ مَعَ امْرَأَةٍ مَسْبِيَّةٍ صَبِيٌّ ادَّعَتْ أَنَّهُ ابْنُهَا لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ، وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا احْتِيَاطًا، وَلَوْ بَاعَ الْأُمَّ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثُمَّ اشْتَرَى الْوَلَدَ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ التَّنْفِيذُ لِأَنَّهُمَا اجْتَمَعَا فِي مِلْكِهِ، وَلَوْ كَانَ فِي يَدِهِ صَبِيٌّ، وَاشْتَرَى أُمَّهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَهُ رَدُّهَا اتِّفَاقًا لِعَدَمِ الْمِلْكِ عِنْدَهُ، وَلِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُ عِنْدَهُمَا (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْكَبِيرَيْنِ وَالزَّوْجَيْنِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى مَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ، وَقَدْ صَحَّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَّقَ بَيْنَ مَارِيَةَ وَسِيرِينَ وَكَانَتَا كَبِيرَتَيْنِ أُخْتَيْنِ» ، وَلَا يَدْخُلُ الزَّوْجَانِ لِأَنَّ النَّصَّ وَرَدَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَيَقْتَصِرُ عَلَى مَوْرِدِهِ فَإِنْ فَرَّقَ فِي مَوْضِعِ الْمَنْعِ كُرِهَ، وَجَازَ الْعَقْدُ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي قَرَابَةِ الْوِلَادِ، وَيَجُوزُ فِي غَيْرِهَا، وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ فِي الْجَمِيعِ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْإِدْرَاكِ، وَالرَّدُّ لَا يَكُونُ إلَّا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، وَلَهُمَا أَنَّ رُكْنَ الْبَيْعِ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ، وَإِنَّمَا الْكَرَاهِيَةُ لِمَعْنًى مُجَاوِرٍ فَشَابَهُ كَرَاهِيَةَ الِاسْتِيَامِ، وَفِي الْجَوْهَرَةِ، وَكُلُّ مَا يُكْرَهُ مِنْ التَّفْرِيقِ فِي الْبَيْعِ   [منحة الخالق] لِمُسْلِمٍ، وَهُوَ غَلَطٌ لَا وُجُودَ لِهَذِهِ الزِّيَادَةِ فِي مُسْلِمٍ بَلْ وَلَا فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ كَمَا قَضَى بِهِ سَبْرُ مَا بِأَيْدِي النَّاسِ مِنْهَا اهـ. (قَوْلُهُ وَرَضِيَتْ أُمُّهُ بِبَيْعِهِ) عِبَارَةُ الْفَتْحِ لَوْ كَانَ الْوَلَدُ مُرَاهِقًا فَرَضِيَ بِالْبَيْعِ، وَاخْتَارَهُ، وَرَضِيَتْ أُمُّهُ جَازَ بَيْعُهُ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 109 يُكْرَهُ فِي الْقِسْمَةِ فِي الْمِيرَاثِ، وَالْغَنَائِمِ اهـ. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (بَابُ الْإِقَالَةِ) . الْمُنَاسَبَةُ ظَاهِرَةٌ، وَهِيَ شَامِلَةٌ لِكُلِّ عَقْدِ بَيْعٍ صَحِيحًا كَانَ أَوْ مَكْرُوهًا فَيُفْسَخُ إقَالَةً بِالتَّرَاضِي، وَإِنْ كَانَ وَاجِبًا فِي الْمَكْرُوهِ تَحْرِيمًا دَفْعًا لِلْمَعْصِيَةِ أَوْ فَاسِدًا فَيُفْسَخُ بِدُونِ التَّرَاضِي إمَّا مِنْ أَحَدِهِمَا أَوْ مِنْ الْقَاضِي جَبْرًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَاشْتَرَكَ الْمَكْرُوهُ، وَالْفَاسِدُ فِي وُجُوبِ الدَّفْعِ، وَالْكَلَامُ فِيهَا يَقَعُ فِي عَشْرَةِ مَوَاضِعَ الْأَوَّلُ فِي مَعْنَاهَا لُغَةً وَالثَّانِي فِي مَعْنَاهَا شَرْعًا وَالثَّالِثُ فِي رُكْنِهَا، وَالرَّابِعُ فِي شُرُوطِهَا، وَالْخَامِسُ فِي صِفَتِهَا، وَالسَّادِسُ فِي حُكْمِهَا، وَالسَّابِعُ فِيمَنْ يَمْلِكُهَا، وَمَنْ لَا يَمْلِكُهَا، وَالثَّامِنُ فِي بَيَانِ دَلِيلِهَا، وَالتَّاسِعُ فِي سَبَبِهَا، وَالْعَاشِرُ فِي مَحَاسِنِهَا أَمَّا الْأَوَّلُ فَقَالَ فِي الْقَامُوسِ قُلْتُهُ الْبَيْعَ بِالْكَسْرِ، وَأَقَلْته فَسَخْته، وَاسْتَقَالَهُ طَلَبَ إلَيْهِ أَنْ يُقِيلَهُ، وَتَقَايَلَ الْبَيِّعَانِ، وَأَقَالَ اللَّهُ عَثْرَتَكَ، وَأَقَالَكَهَا اهـ. ذَكَرَهَا فِي الْقَافِ مَعَ الْيَاءِ، وَفِي الْمِصْبَاحِ أَقَالَ اللَّهُ عَثْرَتَهُ إذَا رَفَعَهُ مِنْ سُقُوطِهِ، وَمِنْهُ الْإِقَالَةُ فِي الْبَيْعِ لِأَنَّهَا رَفْعُ الْعَقْدِ، وَقَالَهُ قَيْلًا مِنْ بَابِ بَاعَ لُغَةً، وَاسْتَقَالَهُ الْبَيْعَ فَأَقَالَهُ. اهـ. وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ مُشْتَقَّةً مِنْ الْقَوْلِ، وَأَنَّ الْهَمْزَةَ لِلسَّلْبِ أَيْ أَزَالَ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ، وَإِنَّمَا هِيَ مِنْ الْقِيلِ، وَأَمَّا مَعْنَاهَا شَرْعًا فَهِيَ رَفْعُ الْعَقْدِ كَذَا ذَكَرَهُ فِي الْجَوْهَرَةِ، وَهُوَ تَعْرِيفٌ لِلْأَعَمِّ مِنْ إقَالَةِ الْبَيْعِ، وَالْإِجَارَةِ، وَنَحْوِهِمَا، وَإِنْ أَرَدْتَ خُصُوصَهَا فَقُلْ رَفْعُ عَقْدِ الْبَيْعِ، وَأَمَّا الطَّلَاقُ فَهُوَ رَفْعُ قَيْدِ النِّكَاحِ لَا رَفْعُ النِّكَاحِ. ، وَأَمَّا رُكْنُهَا فَالْإِيجَابُ، وَالْقَبُولُ الدَّالَّانِ عَلَيْهَا بِلَفْظَيْنِ مَاضِيَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا مُسْتَقْبَلًا، وَالْآخَرُ مَاضِيًا كَأَقِلْنِي فَقَالَ أَقَلْتُكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ كَالنِّكَاحِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا تَنْعَقِدُ إلَّا بِمَاضِيَيْنِ كَالْبَيْعِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ، وَقَدْ يَكُونُ الْقَبُولُ بِالْفِعْلِ كَمَا لَوْ قَطَعَهُ قَمِيصًا فِي فَوْرِ قَوْلِ الْمُشْتَرِي أَقَلْتُكَ، وَتَنْعَقِدُ بِفَاسَخْتُكَ، وَتَرَكْت تَارَكْتُك، وَدَفَعْت، وَتَنْعَقِدُ بِالتَّعَاطِي كَالْبَيْعِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ يَنْعَقِدُ بِهِ كَالْبَيْعِ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ. [شَرَائِطُ صِحَّة الْإِقَالَة] وَأَمَّا شَرَائِطُ صِحَّتِهَا فَمِنْهَا رِضَا الْمُتَعَاقِدَيْنِ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي رَفْعِ عَقْدٍ لَازِمٍ، وَأَمَّا رَفْعُ مَا لَيْسَ بِلَازِمٍ فَلِمَنْ لَهُ الْخِيَارُ بِعِلْمِ صَاحِبِهِ لَا بِرِضَاهُ، وَمِنْهَا بَقَاءُ الْمَحَلِّ لِمَا سَيَأْتِي أَنَّ الْمَبِيعَ إذَا هَلَكَ لَمْ تَصِحَّ الْإِقَالَةُ، وَمِنْهَا قَبْضُ بَدَلَيْ الصَّرْفِ فِي إقَالَةِ الصَّرْفِ أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فَظَاهِرٌ لِأَنَّهَا بَيْعٌ، وَأَمَّا عَلَى أَصْلِهِمَا فَلِأَنَّهَا بَيْعٌ فِي حَقِّ ثَالِثٍ، وَهُوَ حَقُّ الشَّرْعِ، وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ قَابِلًا لِلْفَسْخِ بِخِيَارٍ مِنْ الْخِيَارَاتِ فَلَوْ ازْدَادَ زِيَادَةً تَمْنَعُ الْفَسْخَ لَمْ تَصِحَّ الْإِقَالَةُ خِلَافًا لَهُمَا، وَلَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهَا بَقَاءُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَتَصِحُّ إقَالَةُ الْوَارِثِ وَالْوَصِيِّ وَلَا تَصِحُّ إقَالَةُ الْمُوصَى لَهُ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ، وَمِنْهَا اتِّحَادُ الْمَجْلِسِ، وَعَلَيْهِ يَتَفَرَّعُ مَا فِي الْقُنْيَةِ جَاءَ الدَّلَّالُ بِالثَّمَنِ إلَى الْبَائِعِ بَعْدَمَا بَاعَهُ بِالْأَمْرِ الْمُطْلَقِ فَقَالَ الْبَائِعُ لَا أَدْفَعُهُ بِهَذَا الثَّمَنِ فَأَخْبَرَ بِهِ الْمُشْتَرِيَ فَقَالَ أَنَا لَا أَزِيدُهُ أَيْضًا لَا يَنْفَسِخُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَلْفَاظِ الْفَسْخِ لِأَنَّ اتِّحَادَ الْمَجْلِسِ فِي الْإِيجَابِ، وَالْقَبُولِ شَرْطٌ فِي الْإِقَالَةِ، وَلَمْ يُوجَدْ. اهـ. وَمِنْهَا أَنْ لَا يَهَبَ الْبَائِعُ الثَّمَنَ لِلْمُشْتَرِي قَبْلَ قَبْضِهِ فِي شِرَاءِ الْمَأْذُونِ فَلَوْ وَهَبَهُ لَهُ لَمْ تَصِحَّ الْإِقَالَةُ بَعْدَهَا كَمَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ، وَمِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ الْبَيْعُ بِالْكَثِيرِ مِنْ الْقِيمَةِ فِي بَيْعِ الْوَصِيِّ فَإِنْ كَانَ لَمْ تَصِحَّ إقَالَتُهُ كَمَا فِيهَا أَيْضًا. [صِفَة الْإِقَالَة] وَأَمَّا صِفَتُهَا فَهِيَ مَنْدُوبٌ إلَيْهَا لِلْحَدِيثِ «مَنْ أَقَالَ نَادِمًا بَيْعَتَهُ أَقَالَ اللَّهُ عَثْرَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» ، وَقَدَّمْنَا أَنَّهَا تَكُونُ وَاجِبَةً إذَا كَانَ عَقْدًا مَكْرُوهًا، وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ وَاجِبَةً إذَا كَانَ الْبَائِعُ غَارًّا لِلْمُشْتَرِي، وَكَانَ الْغَبْنُ يَسِيرًا، وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِالْيَسِيرِ لِأَنَّ الْغَبْنَ الْفَاحِشَ يُوجِبُ الرَّدَّ إنْ غَرَّهُ الْبَائِعُ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. [حُكْمُ الْإِقَالَة] وَأَمَّا حُكْمُهَا فَاخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى أَقْوَالٍ فَقَالَ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ إنَّهَا فَسْخٌ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ ثَالِثٍ   [منحة الخالق] [بَابُ الْإِقَالَةِ] (قَوْلُهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ) أَيْ قُبَيْلَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ إلَّا أَنْ يَبِيعَ الْمُشْتَرِي. [رُكْنُ الْإِقَالَة] (قَوْلُهُ وَأَمَّا حُكْمُهَا فَاخْتُلِفَ فِيهِ إلَخْ) قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ إنْ كَانَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ فَهِيَ فَسْخٌ إجْمَاعًا، وَإِنْ كَانَتْ بَعْدَ الْقَبْضِ فَهِيَ فَسْخٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هِيَ بَيْعٌ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ إنْ كَانَتْ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ أَوْ بِأَقَلَّ فَهِيَ فَسْخٌ، وَإِنْ كَانَتْ بِأَكْثَرَ أَوْ بِجِنْسٍ آخَرَ فَهِيَ بَيْعٌ، وَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ أَنَّهَا بَيْعٌ فِي حَقِّ الْغَيْرِ سَوَاءٌ كَانَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ، وَقَالَ زُفَرُ هِيَ فَسْخٌ فِي حَقِّهِمَا، وَحَقِّ الْغَيْرِ. اهـ. وَفِي الْعِنَايَةِ، وَالْإِقَالَةُ فِي الْمَنْقُولِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَسْخٌ بِالِاتِّفَاقِ لِامْتِنَاعِ الْبَيْعِ، وَأَمَّا فِي غَيْرِهِ كَالْعَقَارِ فَإِنَّهُ فَسْخٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ أَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَبَيْعٌ لِجَوَازِ الْبَيْعِ فِي الْعَقَارِ قَبْلَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 110 وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنَّهَا بَيْعٌ فِي حَقِّ الْكُلِّ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ فَسْخٌ فِي حَقِّ الْكُلِّ، وَقَالَ زُفَرُ هِيَ فَسْخٌ فِي حَقِّ الْكُلِّ ذَكَرَ قَوْلَهُ فِي الْبَدَائِعِ، وَالسِّرَاجِ الْوَهَّاجِ. وَأَمَّا مَنْ يَمْلِكُهَا، وَمَنْ لَا يَمْلِكُهَا فَقَالُوا مَنْ مَلَكَ الْبَيْعَ مَلَكَ إقَالَتَهُ فَصَحَّتْ إقَالَةُ الْمُوَكِّلِ مَا بَاعَهُ وَكِيلُهُ، وَإِقَالَةُ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ، وَيَضْمَنُ، وَكَتَبْنَا فِي الْفَوَائِدِ الْفِقْهِيَّةِ إلَّا فِي مَسَائِلَ الْأُولَى الْوَصِيُّ لَوْ اشْتَرَى مِنْ مَدْيُونِ الْيَتِيمِ دَارًا بِعِشْرِينَ، وَقِيمَتُهَا خَمْسُونَ فَلَمَّا اسْتَوْفَى الدَّيْنَ أَقَالَهُ لَمْ تَصِحَّ إقَالَتُهُ الثَّانِيَةُ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ اشْتَرَى غُلَامًا بِأَلْفٍ، وَقِيمَتُهُ ثَلَاثَةُ آلَافٍ لَا تَصِحُّ إقَالَتُهُ، وَلَا يَمْلِكَانِ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ بِخِلَافِ الرَّدِّ بِخِيَارِ الشَّرْطِ وَالرُّؤْيَةِ كَذَا فِي بُيُوعِ الْقُنْيَةِ الثَّالِثَةُ الْمُتَوَلِّي عَلَى الْوَقْفِ إذَا اشْتَرَى شَيْئًا بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ لَا تَصِحُّ إقَالَتُهُ، وَكَذَا إذَا أَجَّرَ ثُمَّ أَقَالَ وَلَا صَلَاحَ فِيهَا لِلْوَقْفِ لَمْ يَجُزْ كَمَا فِيهَا أَيْضًا، وَفِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ مِنْهَا إنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ جَازَتْ، وَإِلَّا لَا الرَّابِعَةُ الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ لَا تَصِحُّ إقَالَتُهُ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ تَصِحُّ، وَيَضْمَنُ الْخَامِسَةُ الْوَكِيلُ بِالسَّلَمِ عَلَى تَفْصِيلٍ فِيهِ، وَإِنَّمَا يَضْمَنُ الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ إذَا أَقَالَ إذَا كَانَ بَعْدَ قَبْضِ الثَّمَنِ أَمَّا قَبْلَهُ فَيَمْلِكُهَا فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَفِيهَا، وَالْوَكِيلُ بِالْإِجَارَةِ إذَا نَاقَضَ مَعَ الْمُسْتَأْجِرِ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ، وَقَبْلَ قَبْضِ الْأَجْرِ صَحَّ سَوَاءٌ كَانَ الْأَجْرُ عَيْنًا أَوْ دَيْنًا. اهـ. وَفِي فَتَاوَى الْفَضْلِيِّ إذَا بَاعَ الْمُتَوَلِّي أَوْ الْوَصِيُّ شَيْئًا بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ لَا تَجُوزُ إقَالَتُهُ، وَإِنْ كَانَتْ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ. اهـ. وَفِي الْقُنْيَةِ بَاعَتْ ضَيْعَةً مُشْتَرَكَةً بَيْنَهَا وَبَيْنَ ابْنِهَا الْبَالِغِ، وَأَجَازَ الِابْنُ الْبَيْعَ ثُمَّ أَقَالَتْ، وَأَجَازَ الِابْنُ الْإِقَالَةَ ثُمَّ بَاعَتْهَا ثَانِيًا بِغَيْرِ إجَازَتِهِ يَجُوزُ، وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهِ لِأَنَّ بِالْإِقَالَةِ يَعُودُ الْمَبِيعُ إلَى مِلْكِ الْعَاقِدِ لَا إلَى مِلْكِ الْمُوَكِّلِ، وَالْمُجِيزِ، وَدَلِيلُهَا السُّنَّةُ، وَالْإِجْمَاعُ، وَسَبَبُهَا الْحَاجَةُ إلَيْهَا، وَمَحَاسِنُهَا إزَالَةُ الْغَمِّ عَنْ النَّادِمِ، وَتَفْرِيجُ الْكَرْبِ عَنْ الْمَكْرُوبِ. (فَائِدَةٌ) تَصِح ُّ إقَالَة الْإِقَالَةِ فَلَوْ تَقَايَلَا الْبَيْعَ ثُمَّ تَقَايَلَا الْإِقَالَةَ ارْتَفَعَتْ الْإِقَالَةُ، وَعَادَ الْبَيْعُ، وَكَتَبْنَا فِي الْفَوَائِدِ إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ، وَهِيَ إقَالَةُ السَّلَمِ فَإِنَّهَا لَا تَقْبَلُ الْإِقَالَةَ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ الدَّعْوَى مِنْ بَابِ التَّحَالُفِ، وَفِي الْجَوْهَرَةِ لَا تَصِحُّ الْإِقَالَةُ فِي النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ. اهـ. (قَوْلُهُ هِيَ فَسْخٌ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بَيْعٌ فِي حَقِّ ثَالِثٍ) ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا إنْ تَعَذَّرَ جَعْلُهَا فَسْخًا بِأَنْ وَلَدَتْ الْمَبِيعَةُ بَعْدَ الْقَبْضِ أَوْ هَلَكَ الْمَبِيعُ فَإِنَّهَا تَبْطُلُ   [منحة الخالق] الْقَبْضِ عِنْدَهُ. اهـ. فَظَهَرَ أَنَّ قَوْلَ الْجَوْهَرَةِ إنْ كَانَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ فَهِيَ فَسْخٌ إجْمَاعًا مَحْمُولٌ عَلَى الْمَنْقُولِ، وَقَوْلُهَا، وَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ إلَخْ يُخَالِفُهُ قَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ، وَإِنْ كَانَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ فَهِيَ فَسْخٌ فِي حَقِّ الْكُلِّ فِي غَيْرِ الْعَقَارِ لِتَعَذُّرِ جَعْلِهَا بَيْعًا فَتَأَمَّلْهُ، وَبِمَا نَقَلْنَاهُ يَظْهَرُ لَكَ مَا فِي كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ مِنْ حِكَايَةِ الْأَقْوَالِ إذْ لَا يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِ فَرْقٌ بَيْنَ قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَقَوْلِ زُفَرَ فَالصَّوَابُ أَنْ يُحْذَفَ مِنْ قَوْلِ مُحَمَّدٍ قَوْلُهُ فِي حَقِّ الْكُلِّ لِأَنَّ جَعْلَهَا بَيْعًا فِي حَقِّ الثَّالِثِ اتَّفَقَ عَلَيْهِ الثَّلَاثَةُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي النَّهْرِ، وَهُوَ مُسْتَفَادٌ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ. [مَنْ يَمْلِكُ الْإِقَالَة وَمَنْ لَا يَمْلِكُهَا] (قَوْلُهُ الْخَامِسَةُ الْوَكِيلُ بِالسَّلَمِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ، وَعَلَيْكَ أَنْ تَتَأَمَّلَ مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَيَتَّضِحُ إذَا كَانَ مَعْنَاهُ فَيَمْلِكُهَا عَلَى الْمُوَكِّلِ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يَقُولُ بِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهَا عَلَيْهِ بَلْ تَصِحُّ عَلَى نَفْسِهِ، وَيَضْمَنُ تَأَمَّلْ. اهـ. وَقَالَ الْحَمَوِيُّ فِي حَوَاشِي الْأَشْبَاهِ بَعْدَ ذِكْرِهِ مَا نَقَلَهُ الْمُؤَلِّفُ، وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ الْوَكِيلُ لَوْ قَبَضَ الثَّمَنَ لَا يَمْلِكُ الْإِقَالَةَ إجْمَاعًا فَتَأَمَّلْ مَا بَيْنَ كَلَامِ الظَّهِيرِيَّةِ، وَكَلَامِ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، وَتَخْصِيصُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي كَلَامِ الظَّهِيرِيَّةِ غَيْرُ ظَاهِرٍ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ يَمْلِكُ الْإِقَالَةَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ مِنْ عَيْبٍ أَوْ مِنْ غَيْرِ عَيْبٍ وَمِثْلُهُ فِي جَامِعِ الْفَتَاوَى فَتَأَمَّلْ اهـ. قُلْتُ: كَلَامُ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ فِيمَا بَعْدَ قَبْضِ الثَّمَنِ فَلَا يُنَافِي مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَمَا نَقَلَهُ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ لَمْ أَرَهُ فِي إقَالَتِهَا بَلْ رَأَيْتُ فِي الْعَاشِرِ فِي الْوَكَالَةِ بِالْبَيْعِ مِنْهَا مَا نَصُّهُ إقَالَةُ الْوَكِيلِ بِالسَّلَمِ، وَإِقَالَةُ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ جَائِزَةٌ عِنْدَ الْإِمَامِ وَمُحَمَّدٍ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُهَا إجْمَاعًا. اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الْقُنْيَةِ ثُمَّ قَالَ وَأَرَادَ بِإِقَالَةِ الْوَكِيلِ بِالسَّلَمِ الْوَكِيلَ بِشِرَاءِ السَّلَمِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِشِرَاءِ الْعَيْنِ (عَنْ) إقَالَةِ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ، وَأَنْكَرَهُ مح، وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ بِإِقَالَةِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ يَسْقُطُ الثَّمَنُ عَنْ الْمُشْتَرِي عِنْدَهُمَا، وَيَلْزَمُ الْمَبِيعُ الْوَكِيلَ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَسْقُطُ الثَّمَنُ عَنْ الْمُشْتَرِي أَصْلًا قَالَ فِي الْعِصَامِيِّ، وَلَوْ بَاعَ الْوَكِيلُ ثُمَّ أَقَالَ قَبْلَ قَبْضٍ أَوْ بَعْدَ بِعَيْبٍ أَوْ غَيْرِ عَيْبٍ لَزِمَهُ دُونَ الْأَمْرِ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إقَالَةُ الْمُوَكِّلِ بِالشِّرَاءِ مَعَ الْبَائِعِ لَمَّا صَحَّتْ فَكَذَلِكَ إقَالَةُ الْمُوَكِّلِ بِالْبَيْعِ مَعَ الْمُشْتَرِي اهـ. كَلَامُ الْقُنْيَةِ. (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا يَضْمَنُ الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ إلَخْ) عِبَارَةُ الظَّهِيرِيَّةِ عَلَى مَا رَأَيْتُ فِيهَا نَصَّهَا، وَالْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ يَمْلِكُ الْإِقَالَةَ قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (قَوْلُهُ لِأَنَّ بِإِقَالَتِهِ يَعُودُ الْمَبِيعُ إلَى مِلْكِ الْعَاقِدِ إلَخْ) وَجْهُهُ أَنَّ الْإِقَالَةَ بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ الْعَاقِدَيْنِ فَصَارَتْ الْبَائِعَةُ وَكِيلَةً بِالْبَيْعِ بِالْإِجَازَةِ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ اللَّاحِقَةَ كَالْوَكَالَةِ السَّابِقَةِ ثُمَّ لَمَّا أَقَالَتْ الْبَيْعَ صَارَتْ مُشْتَرِيَةً لِنَفْسِهَا، وَالشِّرَاءُ لَا يَتَوَقَّفُ مَتَى وَجَدَ نَفَاذًا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 111 وَيَبْقَى الْبَيْعُ عَلَى حَالِهِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا فَسْخٌ قَبْلَ الْقَبْضِ بَيْعٌ بَعْدَهُ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ، وَظَاهِرُهُ تَرْجِيحُ الْإِطْلَاقِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ هِيَ بَيْعٌ إلَّا إنْ تَعَذَّرَ بِأَنْ كَانَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ فَفُسِخَ إلَّا إنْ تَعَذَّرَا فَتَبْطُلُ بِأَنْ كَانَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ فِي الْمَنْقُولِ بِأَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ أَوْ بِأَقَلَّ مِنْهُ أَوْ بِجِنْسٍ آخَرَ أَوْ بَعْدَ هَلَاكِ الْمَبِيعِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ هِيَ فَسْخٌ إلَّا أَنْ تَعَذَّرَ بِأَنْ تَقَايَلَا بِأَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ أَوْ بِخِلَافِ جِنْسِهِ أَوْ وَلَدَتْ الْمَبِيعَةُ بَعْدَ الْقَبْضِ فَبِيعَ إلَّا أَنْ تَعَذَّرَا بِأَنْ كَانَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ بِأَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ فَتَبْطُلُ، وَالْخِلَافُ الْمَذْكُورُ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا وَقَعَتْ بِلَفْظِهَا إمَّا بِلَفْظِ الْفَسْخِ أَوْ الرَّدِّ أَوْ التَّرْكِ فَإِنَّهَا لَا تَكُونُ بَيْعًا، وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الزَّيْلَعِيِّ فَإِنَّهَا لَا تَكُونُ فَسْخًا، وَهُوَ سَبْقُ قَلَمٍ كَمَا لَا يَخْفَى، وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ أَمَّا إذَا كَانَتْ بِلَفْظِ الْبَيْعِ كَانَتْ بَيْعًا إجْمَاعًا كَمَا إذَا قَالَ الْبَائِعُ لَهُ بِعْنِي مَا اشْتَرَيْتَ فَقَالَ بِعْتُ كَانَ بَيْعًا، وَفَائِدَةُ كَوْنِهَا فَسْخًا فِي حَقِّهِمَا عِنْدَهُ تَظْهَرُ فِي خَمْسِ مَسَائِلَ الْأُولَى وُجُوبُ رَدِّ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ، وَتَسْمِيَةُ خِلَافِهِ بَاطِلٌ الثَّانِيَةُ أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْمُفْسِدَةِ، وَلَكِنْ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهَا بِالشَّرْطِ كَأَنْ بَاعَ ثَوْرًا مِنْ زَيْدٍ فَقَالَ اشْتَرَيْتُهُ رَخِيصًا فَقَالَ زَيْدٌ إنْ وَجَدْتَ مُشْتَرِيًا بِالزِّيَادَةِ فَبِعْهُ مِنْهُ فَوَجَدَ فَبَاعَ بِأَزْيَدَ لَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ الثَّانِي لِأَنَّهُ تَعْلِيقُ الْإِقَالَةِ لَا الْوَكَالَةِ بِالشَّرْطِ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ الثَّالِثَةُ إذَا تَقَايَلَا، وَلَمْ يَرُدَّ الْمَبِيعَ حَتَّى بَاعَهُ مِنْهُ ثَانِيًا جَازَ، وَلَوْ كَانَتْ بَيْعًا لَفَسَدَ، وَهَذِهِ حُجَّةٌ عَلَى أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ الْبَيْعَ جَائِزٌ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا إلَّا أَنْ يَثْبُتَ عَنْهُ الْخِلَافُ فِيهِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ. وَلَوْ بَاعَ مِنْ غَيْرِ الْمُشْتَرِي لَمْ يَجُزْ لِكَوْنِهِ بَيْعًا جَدِيدًا فِي حَقِّ ثَالِثٍ، وَإِذَا تَبَايَعَاهُ بَعْدَهَا يَحْتَاجُ الْمُشْتَرِي إلَى تَجْدِيدِ الْقَبْضِ لِكَوْنِهِ بَعْدَهَا فِي يَدِهِ مَضْمُونًا بِغَيْرِهِ، وَهُوَ الثَّمَنُ فَلَا يَنُوبُ عَنْ قَبْضِ الشِّرَاءِ كَقَبْضِ الرَّهْنِ بِخِلَافِ قَبْضِ الْغَصْبِ كَذَا فِي الْكَافِي هُنَا، وَفِيهِ مِنْ بَابِ الْمُتَفَرِّقَاتِ تَقَايَضَا فَتَقَايَلَا فَاشْتَرَى أَحَدُهُمَا مَا أَقَالَ صَارَ قَابِضًا بِنَفْسِ الْعَقْدِ لِقِيَامِهَا فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مَضْمُونًا بِقِيمَةِ نَفْسِهِ كَالْمَغْصُوبِ، وَلَوْ هَلَكَ أَحَدُهُمَا فَتَقَايَلَا ثُمَّ جَدَّدَ الْعَقْدَ فِي الْقَائِمِ لَا يَصِيرُ قَابِضًا بِنَفْسِ الْعَقْدِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مَضْمُونًا بِقِيمَةِ الْعَرْضِ الْآخَرِ فَشَابَهُ الْمَرْهُونَ. اهـ. وَالرَّابِعَةُ: إذَا وَهَبَ الْمَبِيعَ مِنْ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْإِقَالَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ جَازَتْ الْهِبَةُ، وَلَوْ كَانَتْ بَيْعًا لَانْفَسَخَ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَنْفَسِخُ بِهِبَةِ الْمَبِيعِ لِلْبَائِعِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَالْخَامِسَةُ لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا، وَقَدْ بَاعَهُ مِنْهُ بِالْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ ثُمَّ تَقَايَلَا، وَاسْتَرَدَّ الْبَيْعَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُعِيدَ الْكَيْلَ أَوْ الْوَزْنَ جَازَ قَبْضُهُ، وَهَذَا لَا يَطَّرِدُ عَلَى أَصْلِ أَبِي يُوسُفَ لِكَوْنِهَا بَيْعًا عِنْدَهُ، وَلَوْ كَانَتْ بَيْعًا لَمَا صَحَّ قَبْضُهُ بِلَا كَيْلٍ وَوَزْنٍ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ، وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ كَوْنِهَا بَيْعًا فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا فِي خَمْسٍ أَيْضًا الْأُولَى لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ عَقَارًا فَسَلَّمَ الشَّفِيعُ الشُّفْعَةَ ثُمَّ تَقَايَلَا يَقْضِي لَهُ بِالشُّفْعَةِ لِكَوْنِهِ بَيْعًا جَدِيدًا فِي حَقِّهِ كَأَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْهُ، وَالثَّانِيَةُ إذَا بَاعَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ مِنْ آخَرَ ثُمَّ تَقَايَلَا ثُمَّ   [منحة الخالق] عَلَى الْعَاقِدِ فَصَارَ الشِّرَاءُ لَهَا، وَإِنْ أَجَازَ الِابْنُ لِعَدَمِ التَّوَقُّفِ فَإِذَا بَاعَتْ ثَانِيًا فَقَدْ بَاعَتْ مِلْكَهَا فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الِابْنِ [إقَالَةُ الْإِقَالَةِ] (قَوْلُهُ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ) أَيْ أَطْلَقَ قَوْلَهُ هِيَ فَسْخٌ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ قَالَ فِي الْمُجْتَبَى، وَالْإِقَالَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ فِي الْمَنْقُولِ وَغَيْرِهِ فَسْخٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَكَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فِي الْمَنْقُولِ لِتَعَذُّرِ الْبَيْعِ، وَفِي الْعَقَارِ تَكُونُ بَيْعًا عِنْدَهُ، وَعَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ بَيْعٌ بَعْدَ الْقَبْضِ فَسْخٌ قَبْلَهُ إلَّا فِي الْعَقَارِ فَإِنَّهُ بَيْعٌ فِيهِمَا (قَوْلُهُ وَظَاهِرُهُ) أَيْ ظَاهِرُ التَّعْبِيرِ بِقَوْلِهِ، وَرُوِيَ (قَوْلُهُ وَإِذَا تَبَايَعَاهُ بَعْدَهَا) أَيْ بَعْدَ الْإِقَالَةِ، وَهُوَ بَيَانٌ لِقَوْلِهِ جَازَ أَيْ جَازَ بَيْعُهُ قَبْلَ رَدِّهِ، وَلَكِنْ يَحْتَاجُ الْمُشْتَرِي إلَى قَبْضٍ جَدِيدٍ، وَهَذَا فِيمَا يَتَعَيَّنُ كَوْنُهُ مَبِيعًا كَمَا يُفِيدُهُ مَا سَيَذْكُرُهُ عَنْ الْكَافِي أَيْضًا (قَوْلُهُ تَقَايَضَا) مِنْ الْمُقَايَضَةِ فَهُوَ بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ لَا بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ، وَقَوْلُهُ لِقِيَامِهِمَا أَيْ قِيَامِ كُلٍّ مِنْ عِوَضَيْ الْمُقَايَضَةِ (قَوْلُهُ وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ كَوْنِهَا بَيْعًا فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا فِي خَمْسِ مَسَائِلَ) قَالَ فِي النَّهْرِ زَادَ فِي النِّهَايَةِ سَادِسَةً، وَهِيَ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ قَبْضَ بَدَلَيْ الصَّرْفِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْإِقَالَةِ فَيُجْعَلُ فِي حَقِّ الشَّرْعِ كَبَيْعٍ جَدِيدٍ، وَسُئِلْتُ عَنْ الْإِقَالَةِ بَعْدَ الرَّهْنِ فَأَجَبْتُ بِأَنَّهَا مَوْقُوفَةٌ كَالْبَيْعِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ إنَّهَا بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ ثَالِثٍ، وَهُوَ هُنَا الْمُرْتَهِنُ، وَهِيَ سَابِعَةٌ، وَعَلَى هَذَا لَوْ أَجَّرَهُ ثُمَّ تَقَايَلَا فَهِيَ ثَامِنَةٌ اهـ. فَالْإِقَالَةُ بَعْدَ الرَّهْنِ مَوْقُوفَةٌ عَلَى إجَازَةِ الْمُرْتَهِنِ أَوْ قَضَاءِ الرَّاهِنِ دَيْنَهُ، وَبَعْدَ الْإِجَازَةِ مَوْقُوفَةٌ عَلَى إجَازَةِ الْمُسْتَأْجِرِ إنْ أَجَازَ نَفَذَتْ، وَإِلَّا بَطَلَتْ، وَيُزَادُ أَيْضًا مَا نَقَلَهُ السَّيِّدُ الْحَمَوِيُّ عَنْ ابْنِ فِرِشْتَا، وَهُوَ مَا إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً، وَقَبَضَهَا ثُمَّ تَقَايَلَا الْبَيْعَ نَزَلَ هَذَا التَّقَايُلُ مَنْزِلَةَ الْبَيْعِ فِي حَقِّ ثَالِثٍ حَتَّى لَا يَكُونَ لِلْبَائِعِ الْأَوَّلِ وَطْؤُهَا إلَّا بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ. اهـ. لِأَنَّ وُجُوبَ الِاسْتِبْرَاءِ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى فَاَللَّهُ تَعَالَى ثَالِثُهُمَا كَذَا فِي حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ (قَوْلُهُ الْأُولَى لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ عَقَارًا فَسَلَّمَ الشَّفِيعُ الشُّفْعَةَ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ إنَّمَا قَالَ فَسَلَّمَ لِتَظْهَرَ فَائِدَةُ كَوْنِهَا بَيْعًا، وَإِلَّا لَوْ لَمْ يُسَلِّمْ بِأَنْ أَقَالَ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ الشَّفِيعُ بِالْبَيْعِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 112 اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ كَأَنْ كَانَ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَأَرَادَ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى الْبَائِعِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ بَيْعٌ فِي حَقِّهِ فَكَأَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْ الْمُشْتَرِي، وَالثَّالِثَةُ إذَا اشْتَرَى شَيْئًا، وَقَبَضَهُ، وَلَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ حَتَّى بَاعَهُ مِنْ آخَرَ ثُمَّ تَقَايَلَا، وَعَادَ إلَى الْمُشْتَرِي فَاشْتَرَاهُ مِنْ قَبْلِ نَقْدِ ثَمَنِهِ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ جَازَ، وَكَانَ فِي حَقِّ الْبَائِعِ كَالْمَمْلُوكِ بِشِرَاءٍ جَدِيدٍ مِنْ الْمُشْتَرِي الثَّانِي. وَالرَّابِعَةُ إذَا كَانَ الْمَبِيعُ مَوْهُوبًا فَبَاعَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ ثُمَّ تَقَايَلَا لَيْسَ لِلْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ لِأَنَّ الْمَوْهُوبَ لَهُ فِي حَقِّ الْوَاهِبِ بِمَنْزِلَةِ الْمُشْتَرِي مِنْ الْمُشْتَرَى مِنْهُ، وَالْخَامِسَةُ إذَا اشْتَرَى بِعُرُوضِ التِّجَارَةِ عَبْدًا لِلْخِدْمَةِ بَعْدَمَا حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَرَدَّهُ بِغَيْرِ قَضَاءٍ، وَاسْتَرَدَّ الْعُرُوضَ فَهَلَكَتْ فِي يَدِهِ فَإِنَّهُ لَا تَسْقُطُ عَنْهُ الزَّكَاةُ لِكَوْنِهِ بَيْعًا جَدِيدًا فِي حَقِّ الثَّالِثِ، وَهُوَ الْفَقِيرُ لِأَنَّ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ بِغَيْرِ قَضَاءٍ إقَالَةٌ، وَقَوْلُهُ بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ الثَّالِثِ مُجْرَى عَلَى إطْلَاقِهِ، وَقَوْلُهُ فَسْخٌ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ غَيْرُ مُجْرَى عَلَى إطْلَاقِهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ فَسْخًا فِيمَا هُوَ مِنْ مُوجِبَاتِ الْعَقْدِ، وَهُوَ مَا يَثْبُتُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ مُوجِبَاتِ الْعَقْدِ، وَيَجِبُ فِي شَرْطٍ زَائِدٍ فَالْإِقَالَةُ فِيهِ تُعْتَبَرُ بَيْعًا جَدِيدًا فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ أَيْضًا كَمَا إذَا اشْتَرَى بِالدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ عَيْنًا قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ ثُمَّ تَقَايَلَا يَعُودُ الدَّيْنُ حَالًّا كَأَنَّهُ بَاعَهُ مِنْهُ، وَفِي الصُّغْرَى، وَلَوْ رَدَّهُ بِعَيْبٍ بِقَضَاءٍ كَانَ فَسْخًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَيَعُودُ الْأَجَلُ كَمَا كَانَ، وَلَوْ كَانَ بِالدَّيْنِ كَفِيلٌ لَا تَعُودُ الْكَفَالَةُ فِي الْوَجْهَيْنِ اهـ. وَكَمَا إذَا تَقَايَلَا ثُمَّ ادَّعَى رَجُلٌ أَنَّ الْمَبِيعَ مِلْكُهُ، وَشَهِدَ الْمُشْتَرِي بِذَلِكَ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي بَاعَهُ ثُمَّ شَهِدَ أَنَّهُ لِغَيْرِهِ، وَلَوْ كَانَتْ فَسْخًا لَقُبِلَتْ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَوْ رَدَّ الْمَبِيعَ بِعَيْبٍ بِقَضَاءٍ، وَادَّعَى الْمَبِيعَ رَجُلٌ، وَشَهِدَ الْمُشْتَرِي بِذَلِكَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِأَنَّهُ بِالْفَسْخِ عَادَ مِلْكُهُ الْقَدِيمُ فَلَمْ يَكُنْ مُتَلَقِّيًا مِنْ جِهَةِ الْمُشْتَرِي لِكَوْنِهِ فَسْخًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَكَذَا لَوْ بَاعَ عَبْدًا بِطَعَامٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ، وَقَبَضَ ثُمَّ تَقَايَلَا لَا يَتَعَيَّنُ الطَّعَامُ الْمَقْبُوضُ لِلرَّدِّ كَأَنَّهُ بَاعَهُ مِنْ الْبَائِعِ بِطَعَامٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ، وَكَذَا لَوْ قَبَضَ أَرْدَأَ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ أَوْ أَجْوَدَ مِنْهُ يَجِبُ رَدُّ مِثْلِ الْمَشْرُوطِ فِي الْبَيْعِ الْأَوَّلِ كَأَنَّهُ بَاعَهُ مِنْ الْبَائِعِ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ، وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ يَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّ الْمِثْلِ الْمَقْبُوضِ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ مِثْلُ الْمَشْرُوطِ لَلَزِمَ زِيَادَةُ ضَرَرٍ بِسَبَبِ تَبَرُّعِهِ، وَلَوْ كَانَ فَسْخًا بِخِيَارِ رُؤْيَةٍ أَوْ شَرْطٍ أَوْ عَيْبٍ بِقَضَاءٍ رَدَّ الْمَقْبُوضَ إجْمَاعًا لِأَنَّهُ فَسْخٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَذَا ذَكَرَ الشَّارِحُ هُنَا. (قَوْلُهُ، وَتَصِحُّ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ وَشَرْطِ الْأَكْثَرِ أَوْ الْأَقَلِّ بِلَا تَعَيُّبٍ، وَجِنْسٍ آخَرَ لَغْوٌ، وَلَزِمَهُ الثَّمَنُ الْأَوَّلُ) ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ الْفَسْخَ يَرِدُ عَلَى عَيْنِ مَا يَرِدُ عَلَيْهِ الْعَقْدُ فَاشْتِرَاطُ خِلَافِهِ بَاطِلٌ، وَلَا تَبْطُلُ الْإِقَالَةُ كَمَا قَدَّمْنَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ بِلَا تَعَيُّبٍ إذْ لَوْ تَعَيَّبَ بَعْدَهُ جَازَ اشْتِرَاطُ الْأَقَلِّ، وَيُجْعَلُ الْحَطُّ بِإِزَاءِ مَا فَاتَ بِالْعَيْبِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ النُّقْصَانُ بِقَدْرِ حِصَّةِ الْفَائِتِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ الثَّمَنِ أَكْثَرُ مِنْهُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِي الْبِنَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى تَاجِ الشَّرِيعَةِ هَذَا إذَا كَانَتْ حِصَّةُ الْعَيْبِ مِقْدَارَ الْمَحْطُوطِ أَوْ زَائِدًا أَوْ نَاقِصًا بِقَدْرِ مَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ. اهـ. وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ وَجِنْسٍ آخَرُ لِأَنَّ الْإِقَالَةَ عَلَى جِنْسٍ آخَرَ غَيْرُ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ صَحِيحَةٌ، وَيَلْغُو الْمُسَمَّى، وَيَلْزَمُهُ رَدُّ الْأَوَّلِ فَقَوْلُهُ وَجِنْسٍ بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى الْأَكْثَرِ أَيْ وَشَرْطُ جِنْسٍ لَا عَلَى تَعَيُّبٍ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ إذَا شَرَطَ الْأَكْثَرَ كَانَتْ بَيْعًا لِكَوْنِهِ الْأَصْلَ فِيهَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَلِتَعَذُّرِ الْفَسْخِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَكَذَا فِي شَرْطِ الْأَقَلِّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَصِحُّ بِهِ بَيْعًا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ فَسْخٌ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ، وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَتَصِحُّ مَعَ السُّكُوتِ عَنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ لَكَانَ أَوْلَى فَيُعْلَمُ مِنْهُ حُكْمُ التَّصْرِيحِ بِهِ بِالْأَوْلَى، وَمَعَ السُّكُوتِ لَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ الْأَوَّلِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ. وَأَشَارَ   [منحة الخالق] فَلَهُ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ أَيْضًا إنْ شَاءَ بِالْبَيْعِ، وَإِنْ شَاءَ بِالْبَيْعِ الْحَاصِلِ بِالْإِقَالَةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَفِي الصُّغْرَى، وَلَوْ رَدَّهُ بِعَيْبٍ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ صُورَةُ عِبَارَةِ الصُّغْرَى، وَمَنْ لَهُ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ إذَا اشْتَرَى بِذَلِكَ الدَّيْنِ مِمَّنْ عَلَيْهِ شَيْئًا، وَقَبَضَهُ ثُمَّ تَقَايَلَا لَا يَعُودُ الْأَجَلُ، وَلَوْ رَدَّهُ بِعَيْبٍ إلَى آخِرِ مَا هُنَا، وَسَيَأْتِي فِي الْكَفَالَةِ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة مَا يُخَالِفُ مَا هُنَا فَرَاجِعْهُ، وَتَأَمَّلْ اهـ. وَاَلَّذِي سَيَأْتِي فِي الْكَفَالَةِ هُوَ قَوْلُهُ لَوْ بَاعَ الْأَصِيلُ الطَّالِبَ بِدَيْنِهِ سَقَطَ فَلَوْ رَدَّ عَلَيْهِ بِمِلْكٍ جَدِيدٍ عَادَ الدَّيْنُ عَلَى الْأَصِيلِ، وَلَمْ يَعُدْ عَلَى الْكَفِيلِ، وَبِالْفَسْخِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ يَعُودُ عَلَى الْكَفِيلِ اهـ. فَهَذَا مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ لَا تَعُودُ الْكَفَالَةُ، وَذَكَرَ الرَّمْلِيُّ هُنَاكَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ هُنَاكَ عَزَاهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة إلَى الْغِيَاثِيَّةِ، وَنَقَلَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّهُ يَبْرَأُ الْكَفِيلُ سَوَاءٌ كَانَ الرَّدُّ بِعَيْبٍ بِقَضَاءٍ أَوْ بِرِضًا، وَنَقَلَ عَنْ السِّغْنَاقِيِّ عَنْ الْمَبْسُوطِ التَّفْصِيلَ بَيْنَ الرَّدِّ بِالْقَضَاءِ فَيَعُودُ عَلَى الْكَفِيلِ وَبَيْنَ الرَّدِّ بِالرِّضَا فَلَا يَعُودُ قَالَ الرَّمْلِيُّ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ فِيهَا خِلَافًا بَيْنَهُمْ فَتَنَبَّهْ (قَوْلُهُ كَذَا ذَكَرَ الشَّارِحُ هُنَا) الْإِشَارَةُ إلَى جَمِيعِ مَا مَرَّ مِنْ قَوْلِهِ، وَقَوْلُهُ فَسْخٌ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ إلَى هُنَا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 113 بِقَوْلِهِ لَزِمَهُ الثَّمَنُ الْأَوَّلُ إلَى أَنَّ الِاعْتِبَارَ لَمَّا وَقَعَ الْعَقْدُ بِهِ لِمَا تَقَدَّمَ، وَلِذَا قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ لَوْ كَانَ الثَّمَنُ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ، وَدَفَعَ إلَيْهِ الدَّرَاهِمَ عِوَضًا عَنْ الدَّنَانِيرِ ثُمَّ تَقَايَلَا، وَقَدْ رَخُصَتْ الدَّرَاهِمُ رَجَعَ بِالدَّنَانِيرِ الَّتِي وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَيْهَا لَا بِمَا دَفَعَ، وَكَذَا لَوْ رَدَّ بِالْعَيْبِ، وَكَذَا فِي الْإِجَارَةِ لَوْ فُسِخَتْ، وَمِنْ فُرُوعِ الْفَسْخِ كَالْإِقَالَةِ مَا لَوْ عَقَدَا بِدَرَاهِمَ ثُمَّ كَسَدَتْ ثُمَّ تَقَايَلَا فَإِنَّهُ يَرُدُّ تِلْكَ الدَّرَاهِمَ الْكَاسِدَةَ، وَلَوْ عَقَدَا بِدَرَاهِمَ ثُمَّ جَدَّدَا بِدَنَانِيرَ، وَعَلَى الْقَلْبِ انْفَسَخَ الْأَوَّلُ، وَكَذَا لَوْ عَقَدَا بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ ثُمَّ جَدَّدَا بِحَالٍّ أَوْ عَلَى الْقَلْبِ أَمَّا لَوْ جَدَّدَاهُ بِدَرَاهِمَ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ فَلَا، وَهُوَ حَطٌّ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ زِيَادَةٌ فِيهِ، وَقَالُوا لَوْ بَاعَ بِاثْنَيْ عَشَرَ، وَحَطَّ عَنْهُ دِرْهَمَيْنِ ثُمَّ عَقَدَا بِعَشَرَةٍ لَا يَنْفَسِخُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ مِثْلُهُ إذْ الْحَطُّ يَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ إلَّا فِي الْيَمِينِ فَيَحْنَثُ لَوْ كَانَ حَلَفَ لَا يَشْتَرِيهِ بِاثْنَيْ عَشَرَ، وَلَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْعَقْدِ قَبْلَ الْقَبْضِ لِلْبَائِعِ بِعْهُ لِنَفْسِك فَإِنْ بَاعَهُ جَازَ، وَانْفَسَخَ الْأَوَّلُ، وَلَوْ قَالَ بِعْهُ لِي أَوْ لَمْ يَزِدْ عَلَى قَوْلِهِ بِعْهُ لِي أَوْ زَادَ قَوْلَهُ مِمَّنْ شِئْتَ لَا يَصِحُّ فِي الْوُجُوهِ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ، وَلَوْ بَاعَ الْمَبِيعَ مِنْ الْبَائِعِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ، وَلَوْ وَهَبَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ انْفَسَخَ إذَا قَبِلَ، وَلَوْ قَالَ الْبَائِعُ قَبْلَ الْقَبْضِ أَعْتِقْهُ فَأَعْتَقَهُ جَازَ الْعِتْقُ عَنْ الْبَائِعِ، وَانْفَسَخَ الْبَيْعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الْعِتْقُ بَاطِلٌ. وَفِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى جُحُودُ مَا عَدَا النِّكَاحَ فَسْخٌ، وَعَلَيْهِ مَا فَرَّعَ فِي الْخَانِيَّةِ، وَغَيْرِهَا بَاعَ أَمَةً فَأَنْكَرَ الْمُشْتَرِي الشِّرَاءَ لَا يَحِلُّ لِلْبَائِعِ وَطْؤُهَا إلَّا إنْ عَزَمَ عَلَى تَرْكِ الْخُصُومَةِ فَيَحِلُّ حِينَئِذٍ لَهُ وَطْؤُهَا، وَكَذَا لَوْ أَنْكَرَ الْبَائِعُ الْبَيْعَ، وَالْمُشْتَرِي يَدَّعِي لَا يَحِلُّ لِلْبَائِعِ وَطْؤُهَا فَإِنْ تَرَكَ الْمُشْتَرِي الْخُصُومَةَ، وَسَمِعَ الْبَائِعُ بَعْدُ بِذَلِكَ حَلَّ لَهُ وَطْؤُهَا، وَمِثْلُهُ لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً بِشَرْطِ الْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَقَبَضَهَا ثُمَّ رَدَّ عَلَى الْبَائِعِ جَارِيَةً أُخْرَى فِي أَيَّامِ الْخِيَارِ، وَقَالَ هِيَ الَّتِي اشْتَرَيْتُهَا، وَقَبَضْتُهَا كَانَ الْقَوْلُ لَهُ فَإِنْ رَضِيَ الْبَائِعُ بِهَا حَلَّ وَطْؤُهَا، وَكَذَا الْقَصَّارُ وَالْإِسْكَافُ، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى مَا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ كَاللَّحْمِ وَالسَّمَكِ وَالْفَاكِهَةِ، وَغَابَ الْمُشْتَرِي، وَخَافَ الْبَائِعُ فَسَادَهُ فَلَهُ بَيْعُهُ مِنْ غَيْرِهِ اسْتِحْسَانًا، وَلِلْمُشْتَرِي مِنْهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ، وَإِنْ عَلِمَ لِرِضَا الْعَاقِدَيْنِ بِالْفَسْخِ ظَاهِرًا، وَيَتَصَدَّقُ الْبَائِعُ بِمَا زَادَ عَلَى الثَّمَنِ، وَإِنْ نَقَصَ فَعَلَى الْبَائِعِ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فَادَّعَى الْبَائِعُ الْإِقَالَةَ، وَالْمُشْتَرِي أَنَّهُ بَاعَهُ مِنْهُ بِأَقَلَّ قَبْلَ النَّقْدِ فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي فِي إنْكَارِهَا، وَلَوْ كَانَ عَلَى الْعَكْسِ تَحَالَفَا كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. وَأَشَارَ أَيْضًا بِقَوْلِهِ لَزِمَهُ الثَّمَنُ الْأَوَّلُ إلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ الثَّمَنُ الْأَوَّلُ حَالًّا فَأَجَّلَهُ الْمُشْتَرِي عِنْدَ الْإِقَالَةِ فَإِنَّ التَّأْجِيلَ يَبْطُلُ، وَتَصِحُّ الْإِقَالَةُ، وَإِنْ تَقَايَلَا ثُمَّ أَجَّلَهُ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ الْأَجَلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّ الشَّرْطَ اللَّاحِقَ بَعْدَ الْعَقْدِ يَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ عِنْدَهُ كَذَا فِي الْقُنْيَةِ، وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ أَبْرَأَ الْمُشْتَرِي عَنْ الثَّمَنِ بَعْدَ قَبْضِ الْمَبِيعِ ثُمَّ تَقَايَلَا لَمْ تَصِحَّ مِنْهَا أَيْضًا، وَإِلَى أَنَّهُ يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ رَدُّ الْمَبِيعِ، وَفِي الْقُنْيَةِ اسْتَرَدَّ مَا لَهُ حِمْلٌ وَمُؤْنَةٌ، وَنَقَلَهُ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ ثُمَّ تَقَايَلَا فَمُؤْنَةُ الرَّدِّ عَلَى الْبَائِعِ اهـ. (قَوْلُهُ وَهَلَاكُ الْمَبِيعِ يَمْنَعُ) أَيْ صِحَّتَهَا لِمَا قَدَّمْنَا أَنَّ مِنْ شَرْطِهَا بَقَاءَ الْمَبِيعِ لِأَنَّهَا رَفْعُ الْعَقْدِ، وَهُوَ مَحَلُّهُ قَيَّدَ بِالْمَبِيعِ لِأَنَّ هَلَاكَ الثَّمَنِ لَا يَمْنَعُهَا لِكَوْنِهِ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِكَوْنِهِ يَثْبُتُ بِالْعَقْدِ فَكَانَ حُكْمًا، وَهُوَ يَعْقُبُهُ فَلَا يَكُونُ مَحَلًّا لِأَنَّ الْمَحَلَّ شَرْطٌ، وَهُوَ سَابِقٌ فَتَنَافَيَا، وَلِذَا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ بِعْهُ لِي) سَيَأْتِي عَنْ الْخَانِيَّةِ فِي أَوَّلِ فَصْلِ التَّصَرُّفِ فِي الْمَبِيعِ تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا لَمْ يَقُلْ لَهُ نَعَمْ فَرَاجِعْهُ. (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ، وَهَلَاكُ الْمَبِيعِ يَمْنَعُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَقُولُ: وَكَذَا إهْلَاكُهُ بَعْدَ الْإِقَالَةِ، وَقَبْلَ التَّسْلِيمِ يُبْطِلُهَا قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ هَلَاكُ الْمَبِيعِ بَعْدَ الْإِقَالَةِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ مُبْطِلٌ، وَفِي مَجْمَعِ الْفَتَاوَى، وَلَوْ تَقَايَلَا ثُمَّ هَلَكَ الْمَبِيعُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ بَطَلَتْ الْإِقَالَةُ فِي مَجْمَعِ الرِّوَايَةِ شَرْحِ الْقُدُورِيِّ. قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ أَوْ هَلَكَ الْمَبِيعُ بَعْدَ الْإِقَالَةِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ إلَى الْبَائِعِ بَطَلَتْ الْإِقَالَةُ، وَمِثْلُهُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ، وَوَجْهُهُ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ لَا تَتِمُّ إلَّا بِالْقَبْضِ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ، وَلَوْ جَاءَ الْمُشْتَرِي إلَى الْبَائِعِ، وَقَالَ إنَّهُ قَامَ عَلَيَّ بِثَمَنٍ غَالٍ فَرَدَّ عَلَيْهِ الْبَائِعُ مَا قَبَضَ مِنْ الثَّمَنِ، وَلَكِنْ لَمْ يَقْبِضْ مَا بَاعَ لَا تَتِمُّ الْإِقَالَةُ وَالشَّرْطُ الْإِعْطَاءُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ. اهـ. وَلِتَمَامِهَا حُكْمُ إنْشَائِهَا فَكَمَا لَا يَجُوزُ إنْشَاؤُهَا بَعْدَ هَلَاكِ الْمَبِيعِ فَكَذَا هَلَاكُهُ يُبْطِلُهَا، وَقَدَّمَ هَذَا الشَّارِحُ فِي قَوْلِهِ هِيَ فَسْخٌ أَنَّهُ إذَا تَعَذَّرَ جَعْلُهَا فَسْخًا بِأَنْ وَلَدَتْ الْمَبِيعَةُ بَعْدَ الْقَبْضِ أَوْ هَلَكَ الْمَبِيعُ فَإِنَّهَا تَبْطُلُ، وَيَبْقَى الْبَيْعُ عَلَى حَالِهِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. اهـ. قُلْتُ:، وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ الْخُلَاصَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى غَيْرِ الصَّحِيحِ فَقَدْ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ ثُمَّ قَالَ فَمَنْ قَالَ الْبَيْعُ يَنْعَقِدُ بِالتَّعَاطِي مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ جَعَلَهُ إقَالَةً، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَمَنْ شَرَطَ الْقَبْضَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ لَا يَكُونُ إقَالَةً. اهـ. (قَوْلُهُ وَهُوَ مَحَلُّهُ) أَيْ وَالْمَبِيعُ مَحَلُّ الْعَقْدِ (قَوْلُهُ قَيَّدَ بِالْمَبِيعِ) كَأَنَّ نُسْخَتَهُ لَيْسَ فِيهَا التَّصْرِيحُ بِحُكْمِ الثَّمَنِ، وَإِلَّا فَاَلَّذِي رَأَيْتُهُ فِي الْمَتْنِ، وَعَلَيْهِ كَتَبَ فِي النَّهْرِ التَّصْرِيحَ بِهِ قَبْلَ قَوْلِهِ، وَهَلَاكُ الْمَبِيعِ يَمْنَعُ حَيْثُ قَالَ وَهَلَاكُ الثَّمَنِ لَا يَمْنَعُ الْإِقَالَةَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 114 بَطَلَ الْبَيْعُ بِهَلَاكِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ دُونَ الثَّمَنِ (قَوْلُهُ وَهَلَاكُ بَعْضِهِ بِقَدْرِهِ) أَيْ هَلَاكُ بَعْضِ الْمَبِيعِ يَمْنَعُهَا بِقَدْرِ الْهَالِكِ لِأَنَّ الْجُزْءَ مُعْتَبَرٌ بِالْكُلِّ، وَفِي بَيْعِ الْمُقَايَضَةِ إذَا هَلَكَ أَحَدُهُمَا صَحَّتْ فِي الْبَاقِي مِنْهُمَا، وَعَلَى الْمُشْتَرِي قِيمَةُ الْهَالِكِ إنْ كَانَ قِيَمِيًّا، وَمِثْلُهُ إذَا كَانَ مِثْلِيًّا فَيُسَلِّمُهُ إلَى صَاحِبِهِ، وَيَسْتَرِدُّ الْعَيْنَ إلَّا إذَا هَلَكَا بِخِلَافِ الْبَدَلَيْنِ فِي الصَّرْفِ إذَا هَلَكَا لِعَدَمِ التَّعْيِينِ، وَلِذَا لَا يَلْزَمُهُمَا إلَّا رَدُّ الْمِثْلِ بَعْدَهَا، وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ اشْتَرَى عَبْدًا بِنُقْرَةِ فِضَّةٍ أَوْ بِمَصُوغٍ مِمَّا يَتَعَيَّنُ فَتَقَابَضَا ثُمَّ هَلَكَ الْعَبْدُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي ثُمَّ تَقَايَلَا، وَالْفِضَّةُ قَائِمَةٌ فِي يَدِ الْبَائِعِ صَحَّتْ، وَعَلَى الْبَائِعِ رَدُّ الْفِضَّةِ بِعَيْنِهَا، وَيَسْتَرِدُّ مِنْ الْمُشْتَرِي قِيمَةَ الْعَبْدِ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ تَقَايَلَا فَأَبَقَ الْعَبْدُ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي، وَعَجَزَ عَنْ تَسْلِيمِهِ تَبْطُلُ الْإِقَالَةُ اهـ. وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْمَبِيعَ إذَا هَلَكَ بَعْدَ الْإِقَالَةِ بَطَلَتْ، وَعَادَ الْبَيْعُ قَيَّدَ بِالْهَلَاكِ لِأَنَّهُ لَوْ بَاعَ صَابُونًا رَطْبًا ثُمَّ تَقَايَلَا بَعْدَمَا جَفَّ فَنَقَصَ، وَزْنُهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي شَيْءٌ لِأَنَّ كُلَّ الْمَبِيعِ بَاقٍ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. وَأَشَارَ بِعَدَمِ اشْتِرَاطِ بَقَاءِ جَمِيعِ الْمَبِيعِ عَلَى حَالِهِ إلَى أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى أَرْضًا مَعَ الزَّرْعِ، وَحَصَدَهُ الْمُشْتَرِي ثُمَّ تَقَايَلَا صَحَّتْ فِي الْأَرْضِ بِحِصَّتِهَا مِنْ الثَّمَنِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَدْرَكَ الزَّرْعُ فِي يَدِهِ ثُمَّ تَقَايَلَا فَإِنَّهَا لَا تَجُوزُ لِأَنَّ الْعَقْدَ إنَّمَا وَرَدَ عَلَى الْقَصِيلِ دُونَ الْحِنْطَةِ كَذَا فِي الْقُنْيَةِ، وَإِلَى أَنَّ الِاعْتِبَارَ لِمَا دَخَلَ فِي الْبَيْعِ مَقْصُودًا فَلَوْ اشْتَرَى أَرْضًا فِيهَا أَشْجَارٌ فَقَطَعَهَا ثُمَّ تَقَايَلَا صَحَّتْ الْإِقَالَةُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ، وَلَا شَيْءَ لِلْبَائِعِ مِنْ قِيمَةِ الْأَشْجَارِ، وَتُسَلَّمُ الْأَشْجَارُ لِلْمُشْتَرِي هَذَا إذَا عَلِمَ الْبَائِعُ بِقَطْعِهَا فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ وَقْتَهَا خُيِّرَ إنْ شَاءَ أَخَذَهَا بِجَمِيعِ الثَّمَنِ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ، وَإِنْ اشْتَرَى عَبْدًا فَقُطِعَتْ يَدُهُ، وَأَخَذَ أَرْشَهَا ثُمَّ تَقَايَلَا صَحَّتْ الْإِقَالَةُ، وَلَزِمَهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ، وَلَا شَيْءَ لِلْبَائِعِ مِنْ أَرْشِ الْيَدِ إذَا عَلِمَ وَقْتَ الْإِقَالَةِ أَنَّهُ قُطِعَتْ يَدُهُ، وَأَخَذَ أَرْشَهَا، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ يُخَيَّرُ بَيْنَ الْأَخْذِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَبَيْنَ التَّرْكِ كَذَا فِي الْقُنْيَةِ، وَرَقَمَ بِرَقْمٍ آخَرَ أَنَّ الْأَشْجَارَ لَا تُسَلَّمُ لِلْمُشْتَرِي، وَلِلْبَائِعِ أَخْذُ قِيمَتِهَا مِنْهُ لِأَنَّهَا مَوْجُودَةٌ وَقْتَ الْبَيْعِ بِخِلَافِ الْأَرْشِ فَإِنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْبَيْعِ أَصْلًا لَا قَصْدًا، وَلَا ضِمْنًا. اهـ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَرِدُ عَلَى اشْتِرَاطِ قِيَامِ الْمَبِيعِ لِصِحَّةِ الْإِقَالَةِ إقَالَةُ السَّلَمِ قَبْلَ قَبْضِ الْمُسْلَمِ فِيهِ لِأَنَّهَا صَحِيحَةٌ سَوَاءٌ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ عَيْنًا أَوْ دَيْنًا، وَسَوَاءٌ كَانَ قَائِمًا فِي يَدِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ أَوْ هَالِكًا لِأَنَّ الْمُسْلَمَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَفِي بَيْعِ الْمُقَايَضَةِ إلَخْ) بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ بِأَنْ تَبَايَعَا عَبْدًا بِجَارِيَةٍ فَهَلَكَ الْعَبْدُ فِي يَدِ بَائِعِ الْجَارِيَةِ ثُمَّ أَقَالَا الْبَيْعَ فِي الْجَارِيَةِ وَجَبَ رَدُّ قِيمَةِ الْعَبْدِ، وَلَا تَبْطُلُ بِهَلَاكِ أَحَدِهِمَا بَعْدَ وُجُودِهِمَا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَبِيعٌ فَكَانَ الْمَبِيعُ قَائِمًا، وَتَمَامُهُ فِي الْعِنَايَةِ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا هَلَكَا) أَيْ فَتَبْطُلُ الْإِقَالَةُ، وَقَوْلُهُ بِخِلَافِ الْبَدَلَيْنِ إلَخْ أَيْ فَإِنَّ هَلَاكَهُمَا جَمِيعًا غَيْرُ مَانِعٍ مَعَ أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُكْمَ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ كَمَا فِي الْمُقَايَضَةِ لِأَنَّهُمَا لَمَّا لَمْ يَتَعَيَّنَا لَمْ تَتَعَلَّقْ الْإِقَالَةُ بِأَعْيَانِهِمَا لَوْ كَانَا قَائِمَيْنِ بَلْ رَدُّ الْمَقْبُوضِ وَرَدُّ مِثْلِهِ سِيَّانِ فَصَارَ هَلَاكُهُمَا كَقِيَامِهِمَا، وَفِي الْمُقَايَضَةِ تَعَلَّقَ بِأَعْيَانِهِمَا قَائِمَيْنِ فَمَتَى هَلَكَا لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِنْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ تُرَدُّ الْإِقَالَةُ عَلَيْهِ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ (قَوْلُهُ إذَا هَلَكَ بَعْدَ الْإِقَالَةِ) أَيْ قَبْلَ التَّسْلِيمِ إلَى الْبَائِعِ كَمَا مَرَّ. (قَوْلُهُ وَإِلَى أَنَّ الِاعْتِبَارَ لَمَّا دَخَلَ فِي الْبَيْعِ مَقْصُودًا) قَالَ الرَّمْلِيُّ يُؤْخَذُ مِنْهُ جَوَابُ حَادِثَةِ الْفَتْوَى اشْتَرَى حِمَارًا مُوَكَّفًا، وَقَبَضَهُ فَهَلَكَ إكَافُهُ عِنْدَهُ ثُمَّ تَقَايَلَا لَا يَضْمَنُ، وَكَذَا إذَا اسْتَهْلَكَهُ، وَإِذَا كَانَ بَاقِيًا يَرُدُّهُ لِأَنَّهَا مِنْ الْمَبِيعِ، وَإِنْ دَخَلَتْ تَبَعًا، وَمِثْلُهُ الشَّجَرُ إذَا دَخَلَ تَبَعًا، وَهَذَا عَلَى غَيْرِ الرَّقْمِ الْآخَرِ، وَأَمَّا عَلَى الرَّقْمِ الْآخَرِ فَكُلُّ شَيْءٍ مَوْجُودٌ وَقْتَ الْبَيْعِ لِلْبَائِعِ أَخْذُ قِيمَتِهِ دَخَلَ ضِمْنًا أَوْ قَصْدًا، وَكُلُّ شَيْءٍ لَمْ يَدْخُلْ أَصْلًا لَا قَصْدًا، وَلَا ضِمْنًا لَيْسَ لِلْبَائِعِ أَخْذُهُ، وَأَقُولُ: يَنْبَغِي تَرْجِيحُ هَذَا لِمَا فِيهِ مِنْ دَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُ تَأَمَّلْ، وَفِي الْخُلَاصَةِ رَجُلٌ بَاعَ مِنْ آخَرَ كَرْمًا فَسَلَّمَهُ إلَيْهِ فَأَكَلَ الْمُشْتَرِي نُزُلَهُ سَنَةً ثُمَّ تَقَايَلَا لَا يَصِحُّ، وَكَذَا إذَا هَلَكَتْ الزِّيَادَةُ الْمُتَّصِلَةُ أَوْ الْمُنْفَصِلَةُ أَوْ اسْتَهْلَكَهَا الْأَجْنَبِيُّ اهـ. أَقُولُ: يَنْبَغِي تَقْيِيدُ الْمَسْأَلَةِ بِمَا إذَا كَانَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ حَدَثَتْ بَعْدَ الْقَبْضِ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ يَنْبَغِي أَنْ لَا تَمْنَعَ الْإِقَالَةَ كَمَا لَا تَمْنَعُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ تَأَمَّلْ، وَأَقُولُ: وَإِنَّمَا تَمْنَعُ الْمُنْفَصِلَةُ إذَا كَانَتْ مُتَوَلِّدَةً مِنْ الْمَبِيعِ أَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ مُتَوَلِّدَةً مِنْهُ كَكَسْبٍ وَغَلَّةٍ لَا تَمْنَعُ الْفَسْخَ بِسَائِرِ أَسْبَابِ الْفَسْخِ، وَقَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي الْخَامِسِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ فَرَاجِعْهُ مَعَ مَا كَتَبْنَاهُ عَلَيْهِ يَظْهَرُ لَكَ ذَلِكَ، وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة، وَإِنْ ازْدَادَتْ الْجَارِيَةُ ثُمَّ تَقَايَلَا فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ صَحَّتْ الْإِقَالَةُ سَوَاءٌ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مُتَّصِلَةً أَوْ مُنْفَصِلَةً فَهُوَ صَرِيحٌ فِيمَا تَفَقَّهْنَاهُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى هُوَ الْمُوَفِّقُ، وَفِي الْمُجْتَبَى الزِّيَادَةُ الْمُتَّصِلَةُ لَا تَمْنَعُ الْإِقَالَةَ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَبَعْدَهُ الْمُنْفَصِلَةُ لَهُ تَمْنَعُ بَعْدَهُ لَا قَبْلَهُ. اهـ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة مِنْ كِتَابِ الْبُيُوعِ فِي الْفَصْلِ الْحَادِيَ عَشَرَ فِي الِاخْتِلَافِ الْوَاقِعِ بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي بَعْدَ أَنْ رَمَزَ لِلْمُحِيطِ، وَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ بَدَلَ الْمَنْفَعَةِ فَإِنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ بِالْإِجْمَاعِ فَإِذَا تَحَالَفَا كَانَ الْكَسْبُ لِلْمُشْتَرِي عِنْدَهُمْ جَمِيعًا كَمَا لَوْ حَصَلَ الْفَسْخُ بِالرَّدِّ بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْقَبْضِ أَوْ بِإِقَالَةٍ بَعْدَ الْقَبْضِ فَإِنَّهُ يَبْقَى الْكَسْبُ لِلْمُشْتَرِي عِنْدَهُمْ جَمِيعًا. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمُسْلَمَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 115 إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ دَيْنًا حَقِيقَةً فَلَهُ حُكْمُ الْعَيْنِ حَتَّى لَا يَجُوزَ الِاسْتِبْدَالُ بِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَإِذَا صَحَّتْ فَإِنْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ عَيْنًا قَائِمَةً رُدَّتْ، وَإِنْ كَانَتْ هَالِكَةً رُدَّ الْمِثْلُ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا، وَالْقِيمَةُ إنْ كَانَ قِيَمِيًّا، وَإِنْ كَانَ دَيْنًا رُدَّ مِثْلُهُ قَائِمًا أَوْ هَالِكًا لِعَدَمِ التَّعْيِينِ، وَكَذَا إقَالَتُهُ بَعْدَ قَبْضِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ قَائِمًا، وَيَرُدُّ رَبُّ السَّلَمِ عَيْنَ الْمَقْبُوضِ لِكَوْنِهِ مُتَعَيَّنًا كَذَا فِي الْبَائِعِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (بَابُ الْمُرَابَحَةِ وَالتَّوْلِيَةِ) شُرُوعٌ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالثَّمَنِ مِنْ الْمُرَابَحَةِ وَالتَّوْلِيَةِ وَالرِّبَا وَالصَّرْفِ وَالْبَيْعِ بِالنَّسِيئَةِ بَعْدَ بَيَانِ أَحْكَامِ الْمَبِيعِ، وَقَدَّمَ الْمَبِيعَ لِأَصَالَتِهِ كَذَا فِي الْبِنَايَةِ، وَقَدَّمْنَا أَنَّ أَنْوَاعَهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الثَّمَنِ أَرْبَعَةٌ هُمَا وَالْمُسَاوَمَةُ لَا الْتِفَاتَ فِيهَا إلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ، وَالرَّابِعُ الْوَضِيعَةُ بِأَنْقَصَ مِنْ الْأَوَّلِ، وَلَمْ يَذْكُرْهُمَا لِظُهُورِهِمَا، وَهُمَا جَائِزَانِ لِاسْتِجْمَاعِ شَرَائِطِ الْجَوَازِ، وَالْحَاجَةُ مَاسَّةٌ إلَى هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْبَيْعِ لِأَنَّ الْغَبِيَّ الَّذِي لَا يَهْتَدِي إلَى التِّجَارَةِ يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَعْتَمِدَ فِعْلَ الذَّكِيِّ الْمُهْتَدِي، وَيُطَيِّبَ نَفْسَهُ بِمِثْلِ مَا اشْتَرَى، وَبِزِيَادَةِ رِبْحٍ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِجَوَازِهِمَا، وَلِذَا كَانَ مَبْنَاهُمَا عَلَى الْأَمَانَةِ وَالِاحْتِرَازِ عَنْ شُبْهَةِ الْخِيَانَةِ، وَقَدْ صَحَّ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا أَرَادَ الْهِجْرَةَ ابْتَاعَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَعِيرَيْنِ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِّنِي أَحَدَهُمَا فَقَالَ هُوَ لَك بِغَيْرِ شَيْءٍ فَقَالَ أَمَّا بِغَيْرِ ثَمَنٍ فَلَا» قَالَ السُّهَيْلِيُّ سُئِلَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ لَمْ لَمْ يَقْبَلْهَا إلَّا بِالثَّمَنِ، وَقَدْ أَنْفَقَ عَلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ أَضْعَافَ ذَلِكَ، وَقَدْ دَفَعَ إلَيْهِ حِينَ بَنَى بِعَائِشَةَ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً حِينَ قَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ أَلَا تَبْنِي بِأَهْلِك فَقَالَ لَوْلَا الصَّدَاقُ فَدَفَعَ إلَيْهِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً وَشَيْئًا وَهُوَ عِشْرُونَ دِرْهَمًا فَقَالَ لِتَكُونَ هِجْرَتُهُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ رَغْبَةً مِنْهُ فِي اسْتِكْمَالِ فَضْلِهَا إلَى اللَّهِ، وَأَنْ تَكُونَ عَلَى أَتَمِّ الْأَحْوَالِ، وَالْمُرَابَحَةُ فِي اللُّغَةِ كَمَا فِي الصِّحَاحِ يُقَالُ بِعْته الْمَتَاعَ، وَاشْتَرَيْته مِنْهُ مُرَابَحَةً إذَا سَمَّيْت لِكُلِّ قَدْرٍ مِنْ الثَّمَنِ رِبْحًا اهـ. وَأَمَّا التَّوْلِيَةُ فِي اللُّغَةِ فَقَالَ الشَّارِحُونَ إنَّهَا مَصْدَرُ وَلِيَ غَيْرَهُ إذَا جَعَلَهُ، وَالِيًا، وَفِي الْقَامُوسِ التَّوْلِيَةُ فِي الْبَيْعِ نَقْلُ مَا مَلَكَهُ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ وَبِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ، وَأَمَّا شَرْعًا فَقَالَ (هِيَ) أَيْ التَّوْلِيَةُ (بَيْعٌ بِثَمَنٍ سَابِقٍ، وَالْمُرَابَحَةُ بِهِ، وَبِزِيَادَةٍ) وَأُورِدَ عَلَيْهِ الْغَصْبُ، وَهُوَ مَا إذَا ضَاعَ الْمَغْصُوبُ عِنْدَ الْغَاصِبِ، وَضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ ثُمَّ وَجَدَهُ جَازَ لَهُ بَيْعُهُ مُرَابَحَةً، وَتَوْلِيَةً عَلَى مَا ضَمِنَ، وَقَدْ غَفَلَ الشَّارِحُ الزَّيْلَعِيُّ فَأَوْرَدَهُ عَلَى عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ، وَهِيَ نَقْلُ مَا مَلَكَهُ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ مَعَ رِبْحٍ أَوْ لَا، وَادَّعَى أَنَّ عِبَارَةَ الْمُؤَلِّفِ أَحْسَنُ، وَلَيْسَ كَمَا زَعَمَ لِأَنَّ مَسْأَلَةَ الْغَصْبِ كَمَا تَرِدُ عَلَى الْهِدَايَةِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ لَا عَقْدَ فِيهَا كَذَلِكَ تَرِدُ عَلَى الْكَنْزِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ لَا ثَمَنَ فِيهَا فَإِنْ أُجِيبَ بِأَنَّ الْقِيمَةَ كَالثَّمَنِ فَكَذَلِكَ يُقَالُ إنَّ الْغَصْبَ مُلْحَقٌ بِعُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ، وَقَدْ أَجَابَ الشَّارِحُونَ عَنْ الْهِدَايَةِ بِهَذَا قَالُوا، وَلِذَا صَحَّ إقْرَارُ الْمَأْذُونِ بِهِ لَمَّا كَانَ إقْرَارُهُ بِالْمُعَاوَضَاتِ جَائِزًا. وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْفَتَاوَى الْكُبْرَى بِأَنَّهُ يُقَالُ قَامَ عَلَيَّ بِكَذَا، وَيَرِدُ عَلَى كِلَا التَّعْرِيفَيْنِ مَا مَلَكَهُ بِهِبَةٍ أَوْ إرْثٍ أَوْ وَصِيَّةٍ إذَا قَوَّمَهُ فَلَهُ الْمُرَابَحَةُ عَلَى الْقِيمَةِ إذَا كَانَ صَادِقًا فِي التَّقْوِيمِ مَعَ أَنَّهُ لَا ثَمَنَ وَلَا عَقْدَ، وَلَمْ أَرَ كَيْفَ يَقُولُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ قِيمَتُهُ كَذَا، وَيَرِدُ عَلَيْهِمَا أَيْضًا مَنْ اشْتَرَى دَرَاهِمَ بِدَنَانِيرَ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الدَّرَاهِمِ مُرَابَحَةً مَعَ صِدْقِ التَّعْرِيفِ عَلَيْهَا، وَيَرِدُ أَيْضًا عَلَيْهِمَا مَا فِيهِ مِنْ الْإِبْهَامِ لِأَنَّ الثَّمَنَ السَّابِقَ إمَّا أَنْ يُرَادَ عَيْنُهُ أَوْ مِثْلُهُ لَا سَبِيلَ إلَى الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ صَارَ مِلْكًا لِلْبَائِعِ الْأَوَّلِ فَلَا يُرَادُ فِي الثَّانِي، وَلَا إلَى الثَّانِي لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُرَادَ الْمِثْلُ جِنْسًا أَوْ مِقْدَارًا، وَالْأَوَّلُ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِمَا فِي الْإِيضَاحِ وَالْمُحِيطِ أَنَّهُ إذَا بَاعَ مُرَابَحَةً فَإِنْ كَانَ مَا اشْتَرَاهُ بِهِ لَهُ مِثْلٌ جَازَ سَوَاءٌ كَانَ الرِّبْحُ مِنْ جِنْسِ رَأْسِ الْمَالِ مِنْ الدَّرَاهِمِ أَوْ مِنْ الدَّنَانِيرِ إذَا كَانَ مَعْلُومًا يَجُوزُ الشِّرَاءُ بِهِ لِأَنَّ الْكُلَّ ثَمَنٌ، وَالثَّانِي   [منحة الخالق] إلَيْهِ) كَذَا فِي الْفَسْخِ، وَالصَّوَابُ الْمُسْلَمُ فِيهِ، وَكَذَا قَوْلُهُ الْآتِي بَعْدَ قَبْضِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ. [بَابُ الْمُرَابَحَةِ وَالتَّوْلِيَةِ] (قَوْلُهُ وَلَمْ أَرَ كَيْفَ يَقُولُ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ، وَصُورَةُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَقُولَ قِيمَتُهُ كَذَا أَوْ رَقْمُهُ كَذَا فَأُرَابِحُك عَلَى الْقِيمَةِ أَوْ رَقْمِهِ. اهـ. وَقَوْلُهُ أَوْ رَقْمِهِ كَذَا أَيْ فِي مَسْأَلَةِ الْبَيْعِ بِالرَّقْمِ، وَسَيَذْكُرُهَا الْمُؤَلِّفُ (قَوْلُهُ سَوَاءٌ كَانَ الرِّبْحُ إلَخْ) عِبَارَةُ الْمِنَحِ سَوَاءٌ كَانَ الرِّبْحُ مِنْ جِنْسِ رَأْسِ الْمَالِ الدَّرَاهِمُ مِنْ الدَّرَاهِمِ أَوْ مِنْ غَيْرِ الدَّرَاهِمِ مِنْ الدَّنَانِيرِ أَوْ عَلَى الْعَكْسِ إذَا كَانَ مَعْلُومًا إلَخْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 116 وَهُوَ الْمِقْدَارُ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَضُمَّ أُجْرَةَ الْقَصَّارِ وَالصَّبَّاغِ وَنَحْوِهِمَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِثَمَنٍ فِي الْعَقْدِ الْأَوَّلِ، وَإِذَا أُرِيدَ الْمِثْلُ قَدْرًا، وَادَّعَى أَنَّ الْأُجْرَةَ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ عَادَةً كَمَا فَعَلَهُ الشَّارِحُونَ وَرَدَّ عَلَيْهِ أَنَّهَا جَائِزَةٌ بِعَيْنِهِ إذَا كَانَ قَدْ وَصَلَ إلَى الْمُشْتَرِي الثَّانِي، وَمَا أَوْرَدَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ الشِّرَاءِ بِثَمَنٍ نَسِيئَةً فَإِنَّ الْمُرَابَحَةَ لَا تَجُوزُ عَلَى ذَلِكَ الثَّمَنِ لَيْسَ بِوَارِدٍ لِأَنَّهَا جَائِزَةٌ إذَا بَيَّنَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ نَسِيئَةً كَمَا سَيَأْتِي آخِرَ الْبَابِ. وَقَدْ وَضَعْت لِكُلِّ مِنْهُمَا تَعْرِيفًا لَا يَرِدُ عَلَيْهِ شَيْءٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَقُلْتُ: التَّوْلِيَةُ نَقْلُ مَا مَلَكَهُ بِغَيْرِ عَقْدِ الصُّلْحِ وَالْهِبَةِ بِشَرْطِ عِوَضٍ بِمَا يَتَعَيَّنُ بِعَيْنِ مَا قَامَ عَلَيْهِ أَوْ بِمِثْلِهِ أَوْ بِرَقْمِهِ أَوْ بِمَا قَوَّمَهُ بِهِ فِي غَيْرِ شِرَاءِ الْقِيَمِيِّ أَوْ بِمِثْلِ مَا اشْتَرَى بِهِ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ مِنْ أُصُولِهِ وَفُرُوعِهِ وَأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ أَوْ مُكَاتَبِهِ أَوْ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ أَوْ أَحَدِ الْمُتَفَاوِضَيْنِ مِنْ الْآخَرِ أَوْ بِمِثْلِ مَا اشْتَرَى بِهِ مُضَارِبُهُ أَوْ رَبُّ الْمَالِ مَعَ ضَمِّ حِصَّةٍ مِنْ الرِّبْحِ بِزِيَادَةِ رِبْحٍ فِي الْمُرَابَحَةِ، وَبِلَا رِبْحٍ فِي التَّوْلِيَةِ فَخَرَجَ مَا مَلَكَهُ فِي الصُّلْحِ لِابْتِنَائِهِ عَلَى الْحَطِّ وَالْمُسَاهَلَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَاهُ مِنْ مَدْيُونِهِ بِالدَّيْنِ، وَهُوَ يَشْتَرِي بِذَلِكَ الدَّيْنِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَمَا مَلَكَهُ بِالْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ أَيْضًا كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَخَرَجَ بِمَا يَتَعَيَّنُ مَا لَا يَتَعَيَّنُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَقُلْنَا بِعَيْنِ مَا قَامَ عَلَيْهِ، وَلَمْ نَذْكُرْ الْعَقْدَ الْأَوَّلَ وَلَا الثَّمَنَ السَّابِقَ لِيَدْخُلَ الْغَصْبُ، وَمَا تَكَلَّفَهُ عَلَى الْعَيْنِ، وَلِيَخْرُجَ مَا إذَا اشْتَرَى دَجَاجَةً فَبَاضَتْ عِنْدَهُ عَشْرَ بَيْضَاتٍ، وَلَمْ يُنْفِقْ عَلَيْهَا قَدْرَ الْبَيْضِ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ الْمُرَابَحَةُ عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ. وَقُلْنَا بِالْعَيْنِ أَوْ بِالْمِثْلِ مِنْ غَيْرِ اقْتِصَارٍ عَلَى أَحَدِهِمَا لِجَوَازِهَا عَلَى الْعَيْنِ فِي صُورَةٍ قَدَّمْنَاهَا، وَعَلَى الْمِثْلِ فِيمَا عَدَاهَا، وَيَدْخُلُ فِي الْمِثْلِ مِثْلُ الثَّمَنِ السَّابِقِ إنْ كَانَ الْبَيْعُ صَحِيحًا، وَقِيمَتُهُ إنْ كَانَ فَاسِدًا كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَأَوْ فِي التَّعْرِيفِ لَيْسَتْ لِلْإِبْهَامِ، وَإِنَّمَا هِيَ لِلتَّنْوِيعِ، وَقُلْنَا أَوْ بِرَقْمِهِ لِيَدْخُلَ مَا إذَا اشْتَرَى مَتَاعًا ثُمَّ رَقَمَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ ثُمَّ بَاعَهُ مُرَابَحَةً عَلَى رَقْمِهِ جَازَ، وَلَا يَقُولُ قَامَ عَلَيَّ بِكَذَا، وَلَا قِيمَتُهُ، وَلَا اشْتَرَيْته بِكَذَا تَحَرُّزًا عَنْ الْكَذِبِ، وَإِنَّمَا يَقُولُ رَقْمُهُ كَذَا فَأَنَا أُرَابِحُ عَلَى كَذَا كَمَا فِي النِّهَايَةِ، وَقُلْنَا أَوْ بِمَا قَوَّمَهُ بِهِ لِيَدْخُلَ مَا مَلَكَهُ بِإِرْثٍ وَنَحْوِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَقَيَّدْنَا بِغَيْرِ شِرَاءِ الْقِيَمِيِّ لِأَنَّهُ إذَا اشْتَرَى قِيَمِيًّا وَقَوَّمَهُ لَمْ تَجُزْ الْمُرَابَحَةُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْقِيَمِيَّيْنِ أَنَّ فِي الشِّرَاءِ الْقِيَمِيِّ لَهُ أَصْلٌ يَرْجِعُ إلَيْهِ، وَهُوَ الثَّمَنُ الْأَوَّلُ، وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ مَا قَوَّمَهُ بِهِ أَزْيَدَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَالْمُرَابَحَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الِاحْتِرَازِ عَنْ شُبْهَةِ الْخِيَانَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا مَلَكَهُ بِغَيْرِ بَدَلٍ لِعَدَمِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ يَكُونُ مَا قَوَّمَهُ بِهِ مُخَالِفًا لَهُ، وَاحْتِمَالُ الزِّيَادَةِ فِي تَقْوِيمِهِ لَا يُعَدُّ خِيَانَةً لِأَنَّهُ مِنْ جِهَةِ الْمُشْتَرِي، وَلَوْ كَانَ بَعْضُ الْمَبِيعِ مُشْتَرًى، وَالْبَعْضُ غَيْرَ مُشْتَرًى فَقَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ رَجُلٌ اشْتَرَى مِنْ آخَرَ ثَوْبًا وَبِطَانَةً، وَجَعَلَهُمَا جُبَّةً، وَجَعَلَ حَشْوَهَا قُطْنًا وَرِثَهُ أَوْ وُهِبَ لَهُ ثُمَّ حَسَبَ الثَّمَنَ وَأَجْرَ الْخَيَّاطِ ثُمَّ قَالَ لِغَيْرِهِ قَامَ عَلَيَّ بِكَذَا، وَبَاعَهُ مُرَابَحَةً عَلَى ذَلِكَ جَازَ، وَكَذَا الرَّجُلُ يَرِثُ الثَّوْبَ فَيَبْسُطُهُ بِالْقَزِّ الَّذِي اشْتَرَاهُ، وَحَسَبَ أَجْرَ الْخَيَّاطِ، وَثَمَنَ الْقَزِّ ثُمَّ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَمَا أَوْرَدَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إلَخْ) ذَكَرَ فِي النَّهْرِ الْجَوَابَ عَنْهُ، وَعَنْ مَسْأَلَةِ الصَّرْفِ السَّابِقَةِ فَقَالَ وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْبَيْعَ يَسْتَلْزِمُ مَبِيعًا، وَكَوْنُ مُقَابِلِهِ ثَمَنًا مُطْلَقًا مُقَيَّدٌ (قَوْلُهُ بِغَيْرِ عَقْدِ الصُّلْحِ) مُتَعَلِّقٌ بِمَلَكَهُ، وَقَوْلُهُ بِشَرْطِ عِوَضٍ مُتَعَلِّقٌ بِالْهِبَةِ، وَقَوْلُهُ بِمَا يَتَعَيَّنُ مُتَعَلِّقٌ بِمَلَكَهُ أَيْضًا، وَقَوْلُهُ بِعَيْنٍ مُتَعَلِّقٌ بِنَقْلٍ، وَقَوْلُهُ أَوْ بِمِثْلِهِ مَعْطُوفٌ عَلَى بِعَيْنٍ، وَكَذَا قَوْلُهُ أَوْ بِرَقْمِهِ، وَلَكِنَّ الضَّمِيرَ فِيهِ يَعُودُ عَلَى مَا فِي قَوْلِهِ نَقْلُ مَا مَلَكَهُ، وَقَوْلُهُ فِي غَيْرِ شِرَاءِ الْقِيَمِيِّ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ حَالٌ مِنْ مَا فِي قَوْلِهِ أَوْ بِمَا قَوَّمَهُ بِهِ، وَقَوْلُهُ أَوْ بِمِثْلٍ مَعْطُوفٌ عَلَى بِعَيْنٍ، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ أَوْ بِعَيْنِ مَا قَامَ عَلَى مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ إلَخْ لِيَدْخُلَ مَا لَوْ مَلَكَهُ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ بِالْغَصْبِ، وَقَوْلُهُ أَوْ بِمِثْلِ مَا اشْتَرَى بِهِ مُضَارِبُهُ إلَخْ مَعْطُوفٌ عَلَى بِعَيْنٍ أَيْضًا، وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَلَامٌ سَيَذْكُرُهُ الْمُؤَلِّفُ فِي هَذَا الْبَابِ عِنْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ، وَلَوْ كَانَ مُضَارِبًا بِالنِّصْفِ، وَقَوْلُهُ بِزِيَادَةِ رِبْحٍ حَالٌ مِنْ قَوْلِهِ نَقْلُ مَا مَلَكَهُ، وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ الرَّكَاكَةِ لِأَنَّ الْمَعْنَى حِينَئِذٍ التَّوْلِيَةُ نَقْلُ مَا مَلَكَهُ إلَخْ مُقْتَرِنًا بِزِيَادَةِ رِبْحٍ، وَالتَّوْلِيَةُ لَا تَكُونُ بِزِيَادَةِ رِبْحٍ، وَلَا يَدْفَعُهُ قَوْلُهُ فِي الْمُرَابَحَةِ، وَمُرَادُهُ أَنْ يُشِيرَ إلَى تَعْرِيفِ الْمُرَابَحَةِ أَيْضًا فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُتَمِّمَ تَعْرِيفَ التَّوْلِيَةِ بِقَوْلِهِ بِلَا رِبْحٍ ثُمَّ يَقُولَ، وَالْمُرَابَحَةُ النَّقْلُ الْمَذْكُورُ بِزِيَادَةِ رِبْحٍ، وَاعْتَرَضَ فِي النَّهْرِ التَّعْرِيفَ الْمَذْكُورَ بِأَنَّهُ أَطَالَ فِيهِ بِذِكْرِ الشُّرُوطِ، وَغَيْرُ خَافٍ عَلَيْك خُرُوجُهَا عَنْ الْمَاهِيَّاتِ، وَالْقَصْدُ مِنْ التَّعَارِيفِ إنَّمَا هُوَ بَيَانُ الْمَاهِيَّةِ فَقَطْ (قَوْلُهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ) أَيْ فِيمَا لَوْ اشْتَرَى دَرَاهِمَ بِدَنَانِيرَ فَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الدَّرَاهِمِ مُرَابَحَةً (قَوْلُهُ فِي صُورَةٍ قَدَّمْنَاهَا) أَيْ فِي قَوْلِهِ أَنَّهَا جَائِزَةٌ بِعَيْنِهِ إذَا كَانَ قَدْ وَصَلَ إلَى الْمُشْتَرِي الثَّانِي (قَوْله إذَا اشْتَرَى مَتَاعًا ثُمَّ رَقَمَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ إلَخْ) سَيَذْكُرُ عِنْدَ قَوْلِهِ فَإِنْ خَانَ إلَخْ تَقْيِيدُ ذَلِكَ عَنْ الْمُحِيطِ بِمَا إذَا كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَعْلَمُ أَنَّ الرَّقْمَ غَيْرُ الثَّمَنِ إلَخْ (قَوْلُهُ وَلَا يَقُولُ قَامَ عَلَيَّ بِكَذَا، وَلَا قِيمَتُهُ) اُنْظُرْ مَا نَذْكُرُهُ قَرِيبًا فِي الْحَاشِيَةِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 117 قَالَ لِغَيْرِهِ قَامَ عَلَيَّ بِكَذَا، وَبَاعَهُ مُرَابَحَةً عَلَى ذَلِكَ جَازَ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ. وَقُلْنَا أَوْ بِمِثْلِ مَا اشْتَرَى بِهِ مَنْ لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ لَهُ يَعْنِي لَا بِمِثْلِ مَا اشْتَرَاهُ هُوَ بِهِ فَإِذَا اشْتَرَى شَيْئًا مِمَّنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ فَإِنَّهُ إنَّمَا يُرَابِحُ بِمَا اشْتَرَى بَائِعُهُ لَا بِمَا اشْتَرَاهُ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ، وَكَذَا رَبُّ الْمَالِ إذَا اشْتَرَى مِنْ مُضَارِبِهِ لَا يُرَابِحُ بِمَا اشْتَرَاهُ، وَإِنَّمَا يُرَابِحُ بِمِثْلِ مَا اشْتَرَى الْمُضَارِبُ مَعَ ضَمِّ حِصَّةِ الْمُضَارِبِ فَقَطْ لِأَنَّهَا كَمَا سَيَأْتِي مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْأَمَانَةِ، وَالِاحْتِرَازِ عَنْ شُبْهَةِ الْخِيَانَةِ، وَلِذَا قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ إنَّ مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا، وَعَلِمَ أَنَّ فِيهِ غَبْنًا لَا يَجُوزُ لَهُ الْمُرَابَحَةُ وَالتَّوْلِيَةُ حَتَّى يُبَيِّنَهُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَهَذَا التَّقْرِيرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ خَوَاصِّ هَذَا الشَّرْحِ بِحَوْلِ اللَّهِ وَقُوَّتِهِ. قَوْلُهُ (وَشَرْطُهُمَا كَوْنُ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ مِثْلِيًّا) لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مِثْلٌ لَوْ مَلَكَهُ مَلَكَهُ بِالْقِيمَةِ، وَهِيَ مَجْهُولَةٌ، وَالْمِثْلِيُّ الْكَيْلِيُّ، وَالْوَزْنِيُّ، وَالْمَعْدُودُ الْمُتَقَارِبُ، وَعِبَارَةُ الْمَجْمَعِ أَوْلَى، وَهِيَ، وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ حَتَّى يَكُونَ الْعِوَضُ مِثْلِيًّا أَوْ مَمْلُوكًا لِلْمُشْتَرِي، وَالرِّبْحُ مِثْلِيٌّ مَعْلُومٌ. اهـ. وَلَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ التَّقْيِيدِ بِالْمُعَيَّنِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الصَّرْفِ فَإِنَّهُ لَا يُجَوَّزَانِ فِيهِمَا، وَتَقْيِيدُ الرِّبْحِ بِالْمِثْلِيِّ اتِّفَاقِيٌّ لِجَوَازِ أَنْ يُرَابِحَ عَلَى عَيْنِ قِيمَتِهِ مُشَارٌ إلَيْهَا، وَلِذَا قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَوْ بِرِبْحِ هَذَا الثَّوْبِ، وَقَيَّدَ الرِّبْحَ بِكَوْنِهِ مَعْلُومًا لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا إذَا بَاعَهُ بِرِبْحِ بَغْلِيٌّ يازده لَا يَجُوزُ لَهُ لِأَنَّهُ بَاعَهُ بِرَأْسِ الْمَالِ، وَبِبَعْضِ قِيمَتِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ بَغْلِيٌّ يازده أَيْ يَرْبَحُ مِقْدَارَ دِرْهَمٍ عَلَى عَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ الْأَوَّلُ عِشْرِينَ كَانَ الرِّبْحُ بِزِيَادَةِ دِرْهَمَيْنِ، وَإِنْ كَانَ ثَلَاثِينَ كَانَ الرِّبْحُ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ فَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الرِّبْحُ مِنْ جِنْسِ رَأْسِ الْمَالِ لِأَنَّهُ جَعَلَ الرِّبْحَ مِثْلَ عُشْرِ الثَّمَنِ، وَعُشْرُ الشَّيْءِ يَكُونُ مِنْ جِنْسِهِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ يَعْنِي فَإِذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ قِيَمِيًّا مَمْلُوكًا لِلْمُشْتَرِي لَا يَجُوزُ لِجَهَالَةِ الرِّبْحِ. وَأَمَّا إذَا كَانَ الرِّبْحُ شَيْئًا مُشَارًا إلَيْهِ مَجْهُولَ الْمِقْدَارِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ فَقَوْلُهُ وَالرِّبْحُ مِثْلِيٌّ مَعْلُومُ شَرْطٌ فِي الْقِيَمِيِّ الْمَمْلُوكِ لِلْمُشْتَرِي كَمَا لَا يَخْفَى، وَفِي الْبِنَايَةِ، وَلَفْظُهُ بَغْلِيٌّ بِفَتْحِ الدَّالِ وَسُكُونِ الْهَاءِ اسْمٌ لِلْعَشَرَةِ بِالْفَارِسِيَّةِ ويازده بِالْيَاءِ آخِرَ الْحُرُوفِ، وَسُكُونِ الزَّايِ اسْمُ أَحَدَ عَشَرَ بِالْفَارِسِيَّةِ. اهـ. وَمِنْ مَسَائِلِ بَغْلِيٌّ يازده مَا فِي الْمُحِيطِ اشْتَرَى ثَوْبًا بِعَشَرَةٍ، وَبَاعَهُ بِوَضْعِيَّةِ بَغْلِيٌّ يازده عَلَى ثَمَنِهِ فَالثَّمَنُ تِسْعَةُ دَرَاهِمَ، وَجُزْءٌ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ دِرْهَمٍ، وَالْوَضْعِيَّةُ عَشَرَةُ أَجْزَاءٍ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ دِرْهَمٍ وَاحِدٍ، وَمَعْرِفَتُهُ اجْعَلْ كُلَّ دِرْهَمٍ عَلَى أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا فَيَصِيرُ الْعَشَرَةُ مِائَةً، وَعَشَرَةَ أَجْزَاءٍ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا ثُمَّ اطْرَحْ مِنْ كُلِّ سَهْمٍ جُزْءًا فَيَكُونُ الْمَطْرُوحُ عَشَرَةً بَقِيَ مِائَةُ جُزْءٍ، وَذَلِكَ تِسْعَةُ دَرَاهِمَ، وَعَشَرَةُ أَجْزَاءٍ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ دِرْهَمٍ، وَإِنْ بَاعَهُ بِوَضِيعَةِ بَغْلِيٌّ يازده فَالثَّمَنُ ثَمَانِيَةُ دَرَاهِمَ، وَثُلُثُ دِرْهَمٍ، وَالْوَضِيعَةُ دِرْهَمٌ، وَثُلُثَا دِرْهَمٍ، وَتَخْرِيجُهُ عَلَى نَحْوِ مَا مَرَّ، وَإِنْ بَاعَهُ بِوَضِيعَةِ عَشَرَةٍ فَاجْعَلْ كُلَّ دِرْهَمٍ عَلَى عَشَرَةِ أَجْزَاءٍ ثُمَّ اطْرَحْ جُزْءًا مِنْ كُلِّ دِرْهَمٍ فَيَكُونُ الْمَطْرُوحُ عَشَرَةَ أَجْزَاءٍ يَبْقَى تِسْعُونَ جُزْءًا فَيَكُونُ تِسْعَةَ دَرَاهِمَ، وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ إنْ بَاعَهُ بِوَضِيعَةِ تِسْعٍ أَوْ ثَمَانٍ اهـ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ اشْتَرَى عَبْدًا بِعَشَرَةٍ عَلَى خِلَافِ نَقْدِ الْبَلَدِ، وَبَاعَهُ بِرِبْحِ دِرْهَمٍ فَالْعَشَرَةُ مِثْلُ مَا نَقَدَ، وَالرِّبْحُ مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ إذَا أَطْلَقَهُ لِأَنَّ الثَّمَنَ الْأَوَّلَ يَتَعَيَّنُ فِي الْعَقْدِ الثَّانِي، وَالرِّبْحُ مُطْلَقٌ فَيَنْصَرِفُ إلَى نَقْدِ الْبَلَدِ فَإِنْ نَسَبَ الرِّبْحَ إلَى رَأْسِ الْمَالِ فَقَالَ بِعْتُك بِرِبْحِ الْعَشَرَةِ أَحَدَ عَشَرَ أَوْ بِرِبْحِ بَغْلِيٌّ يازده فَالرِّبْحُ مِنْ جِنْسِ الثَّمَنِ لِأَنَّهُ عَرَّفَهُ بِنِسْبَتِهِ إلَيْهِ، وَفِي الْمُحِيطِ اشْتَرَى بِنَقْدِ نَيْسَابُورَ، وَقَالَ بِبَلْخٍ قَامَ عَلَيَّ بِكَذَا، وَبَاعَهُ بِرِبْحِ مِائَةٍ أَوْ بِرِبْحِ بَغْلِيٌّ يازده فَالرِّبْحُ وَرَأْسُ الْمَالِ عَلَى نَقْدِ بَلْخٍ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ نَقْدُ نَيْسَابُورَ أَوْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ، وَإِذَا كَانَ نَقْدُ نَيْسَابُورَ فِي الْوَزْنِ وَالْجَوْدَةِ دُونَ نَقْدِ بَلْخٍ، وَلَمْ يُبَيِّنْ فَرَأْسُ الْمَالِ، وَالرِّبْحُ عَلَى نَقْدِ نَيْسَابُورَ، وَإِنْ كَانَ عَلَى عَكْسِهِ، وَاشْتَرَاهُ بِبَلْخٍ بِنَقْدِ نَيْسَابُورَ، وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ أَوْزَنُ وَأَجْوَدُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْمُرَابَحَةِ مَا وَقَعَ الْعَقْدُ   [منحة الخالق] [شَرْطُ الْمُرَابَحَة وَالتَّوْلِيَة] (قَوْلُهُ فَقَوْلُهُ وَالرِّبْحُ إلَخْ) أَيْ قَوْلُ الْمَجْمَعِ، وَقَوْلُهُ شَرْطٌ فِي الْقِيَمِيِّ فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ بِالْإِشَارَةِ عِلْمًا، وَإِنْ كَانَ الْمُشَارُ إلَيْهِ مَجْهُولَ الْمِقْدَارِ، وَمَعْلُومِيَّةُ الرِّبْحِ وَلَوْ بِالْإِشَارَةِ شَرْطٌ فِيمَا إذَا كَانَ الثَّمَنُ مِثْلِيًّا أَيْضًا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَذَلِكَ تِسْعَةُ دَرَاهِمَ، وَعَشَرَةُ أَجْزَاءٍ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا) كَذَا فِي النُّسَخِ، وَصَوَابُهُ، وَجُزْءٌ وَاحِدٌ بَدَلَ قَوْلِهِ وَعَشَرَةُ أَجْزَاءٍ، وَلَعَلَّ فِي الْعِبَارَةِ سَقْطًا، وَالْأَصْلُ هَكَذَا، وَذَلِكَ تِسْعَةُ دَرَاهِمَ، وَجُزْءٌ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ دِرْهَمٍ، وَالْوَضِيعَةُ عَشَرَةُ أَجْزَاءٍ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ دِرْهَمٍ بِدَلِيلِ ذِكْرِهِ الْوَضِيعَةَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ (قَوْلُهُ وَإِنْ بَاعَهُ بِوَضِيعَةِ دَهٍ يازده) كَذَا فِي النُّسَخِ، وَهُوَ عَيْنُ الصُّورَةِ الْأُولَى، وَهِيَ مَا إذَا بَاعَهُ بِوَضِيعَةِ أَحَدَ عَشَرَ عَلَى ثَمَنِهِ، وَالْمُرَادُ هُنَا مَا إذَا بَاعَهُ بِوَضِيعَةِ اثْنَيْ عَشَرَ عَلَى ثَمَنِهِ إذَا كَانَ ثَمَنُهُ عَشَرَةً بِأَنْ يَجْعَلَ كُلَّ دِرْهَمٍ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ جُزْءًا فَتَصِيرَ الْعَشَرَةُ مِائَةً وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ الْوَاحِدِ ثُمَّ يَطْرَحَ مِنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 118 الْأَوَّلُ عَلَيْهِ دُونَ مَا وَقَعَ عِوَضًا عَنْهُ حَتَّى لَوْ اشْتَرَى بِعَشَرَةٍ فَدَفَعَ عَنْهَا دِينَارًا أَوْ ثَوْبًا قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ أَوْ أَقَلُّ أَوْ أَكْثَرُ فَإِنَّ رَأْسَ الْمَالِ هُوَ الْعَشَرَةُ لَا الدِّينَارُ وَالثَّوْبُ لِأَنَّ وُجُوبَ هَذَا بِعَقْدٍ آخَرَ، وَهُوَ الِاسْتِبْدَالُ اهـ. مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. وَيَرُدُّ عَلَيْهِ مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ اشْتَرَى بِالْجِيَادِ، وَنَقْدِ الزُّيُوفِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُرَابِحُ بِالزُّيُوفِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُرَابِحُ بِالْجِيَادِ فَقَوْلُهُ وَالْجِيَادُ إنَّمَا هُوَ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَلَكِنْ جَزَمَ فِي الْمُحِيطِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ بِأَنَّهُ يُرَابِحُ بِالْجِيَادِ. وَأَشَارَ بِالثَّمَنِ أَيْ جَمِيعِهِ إلَى بَيْعِ جَمِيعِ الْمَبِيعِ فَلَوْ اشْتَرَى ثَوْبَيْنِ وَقَبَضَهُمَا ثُمَّ وَلَّى رَجُلًا أَحَدُهُمَا بِعَيْنِهِ لَمْ يَجُزْ، وَكَذَا لَوْ أَشْرَكَهُ فِي أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ لَمْ يَجُزْ، وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي قَبَضَ أَحَدَ الثَّوْبَيْنِ مِنْ الْبَائِعِ ثُمَّ أَشْرَكَ رَجُلًا فِيهِمَا جَازَتْ الشَّرِكَةُ فِي نِصْفِ الْمَقْبُوضِ، وَكَذَا لَوْ وَلَّاهُمَا رَجُلًا جَازَتْ التَّوْلِيَةُ فِي الْمَقْبُوضِ، وَلَوْ اشْتَرَى جَارِيَتَيْنِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَقَبَضَهُمَا وَبَاعَ أَحَدَهُمَا ثُمَّ وَلَّاهُمَا رَجُلًا فَالْمَوْلَى بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ الَّتِي لَمْ تُبَعْ بِحِصَّتِهَا، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِبَيْعِ أَحَدِهِمَا، وَكَذَلِكَ لَوْ أَشْرَكَ فِيهِمَا جَازَتْ الشَّرِكَةُ فِي نِصْفِ الَّتِي لَمْ تُبَعْ، وَإِنْ لَمْ يَبِعْ أَحَدُهُمَا وَلَكِنَّهُ أَعْتَقَ أَحَدَهُمَا أَوْ مَاتَتْ ثُمَّ وَلَّاهُمَا رَجُلًا أَوْ أَشْرَكَهُ فِيهِمَا جَازَ فِي الْأَمَةِ وَالْحَيَّةِ مِنْهُمَا كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ لَوْ كَانَ مِثْلِيًّا فَرَابَحَ عَلَى بَعْضِهِ جَازَ كَقَفِيزٍ مِنْ قَفِيزَيْنِ لِعَدَمِ التَّفَاوُتِ بِخِلَافِ الْقِيَمِيِّ، وَتَمَامُ تَفْرِيعِهِ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ، وَفِي الْمُحِيطِ، وَإِنْ كَانَ ثَوْبًا، وَنَحْوَهُ لَا يَبِيعُ جُزْءًا مِنْهُ مُعَيَّنًا لِأَنَّ الثَّمَنَ يَنْقَسِمُ عَلَيْهِ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ، وَإِنْ بَاعَ جُزْءًا شَائِعًا جَازَ، وَقِيلَ يَفْسُدُ الْبَيْعُ قَوْلُهُ (وَلَهُ أَنْ يَضُمَّ إلَى رَأْسِ الْمَالِ أَجْرَ الْقَصَّارِ وَالصَّبْغِ وَالطِّرَازِ وَالْفَتْلِ وَحَمْلِ الطَّعَامِ وَسَوْقِ الْغَنَمِ) لِأَنَّ الْعُرْفَ جَارٍ بِإِلْحَاقِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بِرَأْسِ الْمَالِ فِي عَادَةِ التُّجَّارِ، وَلِأَنَّ كُلَّ مَا يَزِيدُ فِي الْمَبِيعِ أَوْ قِيمَتِهِ يُلْحَقُ بِهِ هَذَا هُوَ الْأَصْلُ، وَمَا عَدَدْنَاهُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ لِأَنَّ الصَّبْغَ وَأَخَوَاتِهِ يَزِيدُ فِي الْعَيْنِ، وَالْحَمْلَ يَزِيدُ فِي الْقِيمَةِ إذْ الْقِيمَةُ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَكَانِ. وَالطِّرَازُ بِكَسْرِ الطَّاءِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ الْعَلَمُ فِي الثَّوْبِ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ، وَالْفَتْلُ هُوَ مَا يُصْنَعُ بِأَطْرَافِ الثِّيَابِ بِحَرِيرٍ أَوْ كَتَّانٍ مِنْ فَتَلْت الْحَبْلَ أَفْتِلُهُ أَطْلَقَ الصَّبْغَ فَشَمِلَ الْأَسْوَدَ وَغَيْرَهُ كَمَا أَطْلَقَ حَمْلَ الطَّعَامِ فَشَمِلَ الْبَرَّ وَالْبَحْرَ، وَقَيَّدَ بِالْأُجْرَةِ لِأَنَّهُ لَوْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بِيَدِهِ لَا يَضْمَنُهُ، وَكَذَا لَوْ تَطَوَّعَ مُتَطَوِّعٌ بِهَذِهِ أَوْ بِإِعَارَةٍ، وَدَلَّ كَلَامُهُ عَلَى أَنَّهُ يَضُمُّ أُجْرَةَ الْغَسْلِ وَالْخِيَاطَةِ وَنَفَقَةِ تَجْصِيصِ الدَّارِ وَطَيِّ الْبِئْرِ وَكِرَاءِ الْأَنْهَارِ وَالْقَنَاةِ وَالْمُسَنَّاة وَالْكِرَابِ وَكَسْحِ الْكُرُومِ وَسَقْيِهَا وَالزَّرْعِ وَغَرْسِ الْأَشْجَارِ، وَفِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ يَضُمُّ طَعَامَ الْمَبِيعِ إلَّا مَا كَانَ سَرَفًا وَزِيَادَةً فَلَا يُضَمُّ وَكِسْوَتَهُ وَكِرَاءَهُ وَأُجْرَةَ الْمَخْزَنِ الَّذِي يُوضَعُ فِيهِ، وَأَمَّا أُجْرَةُ السِّمْسَارِ، وَالدَّلَّالِ فَقَالَ الشَّارِحُ إنْ كَانَتْ مَشْرُوطَةً فِي الْعَقْدِ تُضَمُّ، وَإِلَّا فَأَكْثَرُهُمْ عَلَى عَدَمِ الضَّمِّ فِي الْأَوَّلِ، وَلَا تُضَمُّ أُجْرَةُ الدَّلَّالِ بِالْإِجْمَاعِ اهـ. وَهُوَ تَسَامُحٌ فَإِنَّ أُجْرَةَ الْأَوَّلِ تُضَمُّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَالتَّفْصِيلُ الْمَذْكُورِ قُوَيْلَةٌ، وَفِي الدَّلَّالِ قِيلَ لَا تُضَمُّ، وَالْمَرْجِعُ الْعُرْفُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَإِذَا حَدَثَتْ زِيَادَةٌ مِنْ الْمَبِيعِ كَاللَّبَنِ وَالسَّمْنِ وَقَدْ أَنْفَقَ عَلَيْهِ فِي الْعَلَفِ، وَاسْتَهْلَكَ الزِّيَادَةَ فَإِنَّهُ يَحْسِبُ مَا أَنْفَقَهُ بِقَدْرِ مَا اسْتَهْلَكَهُ، وَيُرَابِحُ، وَإِلَّا فَلَا يُرَابِحُ بِلَا بَيَانٍ، وَإِذَا وَلَدَتْ الْمَبِيعَةُ رَابَحَ عَلَيْهِمَا، وَيَتْبَعُهَا وَلَدُهَا، وَكَذَا لَوْ أَثْمَرَ النَّخِيلُ فَإِنْ اسْتَهْلَكَ الزَّائِدَ لَمْ يُرَابِحْ بِلَا بَيَانٍ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَجَرَ الدَّابَّةَ أَوْ الْعَبْدَ أَوْ الدَّارَ فَأَخَذَ أُجْرَتَهُ فَإِنَّهُ يُرَابِحُ مَعَ ضَمِّ مَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْغَلَّةَ لَيْسَتْ مُتَوَلِّدَةً مِنْ الْعَيْنِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ قَوْلُهُ (وَيَقُولُ قَامَ عَلَيَّ بِكَذَا) ، وَلَا يَقُولُ اشْتَرَيْته لِأَنَّهُ كَذِبٌ، وَهُوَ حَرَامٌ، وَلِذَا قَدَّمْنَا أَنَّهُ إذَا قَوَّمَ الْمَوْرُوثَ وَنَحْوَهُ يَقُولُ ذَلِكَ، وَكَذَا إذَا رَقَمَ عَلَى الثَّوْبِ شَيْئًا وَبَاعَهُ بِرَقْمِهِ فَإِنَّهُ يَقُولُ رَقْمُهُ كَذَا، وَسَوَاءٌ كَانَ مَا رَقَمَهُ مُوَافِقًا لِمَا اشْتَرَاهُ بِهِ أَوْ أَزْيَدَ حَيْثُ كَانَ صَادِقًا فِي الرَّقْمِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. قَوْلُهُ (وَلَا يُضَمُّ أُجْرَةُ الرَّاعِي، وَالتَّعْلِيمِ وَكِرَاءِ بَيْتِ الْحِفْظِ) لِعَدَمِ الْعُرْفِ بِإِلْحَاقِهِ أَطْلَقَ فِي التَّعْلِيمِ فَشَمِلَ تَعْلِيمَ الْعَبْدِ صِنَاعَةً أَوْ قُرْآنًا أَوْ عِلْمًا أَوْ شِعْرًا أَوْ غِنَاءً   [منحة الخالق] كُلِّ سَهْمٍ جُزْءَانِ فَيَكُونَ الْمَطْرُوحُ حِينَئِذٍ عِشْرِينَ يَبْقَى مِائَةُ جُزْءٍ كُلُّ اثْنَيْ عَشَرَ جُزْءًا بِوَاحِدِ صَحِيحٍ فَسِتَّةٌ وَتِسْعُونَ جُزْءًا بِثَمَانِيَةٍ صِحَاحٍ، وَالْأَرْبَعَةُ أَجْزَاءٍ بِثُلُثِ دِرْهَمٍ صَحِيحٍ (قَوْلُهُ وَأُجْرَةُ الْمَخْزَنِ) قَالَ فِي النَّهْرِ، وَكَأَنَّهُ لِلْعُرْفِ، وَإِلَّا فَالْمَخْزَنُ وَبَيْتُ الْحِفْظِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٌ فِي عَدَمِ الزِّيَادَةِ فِي الْعَيْنِ (قَوْلُهُ وَأَمَّا أُجْرَةُ السِّمْسَارِ وَالدَّلَّالِ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَفِي عُرْفِنَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا هُوَ أَنَّ السِّمْسَارَ هُوَ الدَّالُّ عَلَى مَكَانِ السِّلْعَةِ، وَصَاحِبِهَا، وَالدَّلَّالَ هُوَ الْمُصَاحِبُ لِلسِّلْعَةِ غَالِبًا (قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا رَقَمَ عَلَى الثَّوْبِ إلَخْ) صَدْرُ هَذَا الْكَلَامِ يُوهِمُ أَنَّهُ يَقُولُ قَامَ عَلَيَّ بِكَذَا فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَأَمَّا إذَا رَقَّمَ الثَّوْبَ إلَخْ، وَعِبَارَةُ الْفَتْحِ، وَكَذَا لَوْ مَلَكَهُ بِهِبَةٍ أَوْ إرْثٍ أَوْ وَصِيَّةٍ وَقَوَّمَ قِيمَتَهُ ثُمَّ بَاعَهُ مُرَابَحَةً يَجُوزُ، وَصُورَةُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 119 أَوْ عَرَبِيَّةً قَالُوا لِأَنَّ ثُبُوتَ الزِّيَادَةِ لِمَعْنًى فِي الْعَبْدِ، وَهُوَ حَذَاقَتُهُ فَلَمْ يَكُنْ مَا أَنْفَقَهُ عَلَى الْمُعَلِّمِ مُوجِبًا لِلزِّيَادَةِ فِي الْمَالِيَّةِ، وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ إذْ لَا شَكَّ فِي حُصُولِ الزِّيَادَةِ بِالتَّعَلُّمِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ مُسَبَّبٌ عَنْ التَّعْلِيمِ عَادَةً، وَكَوْنُهُ بِمُسَاعِدَةِ الْقَابِلِيَّةِ فِي الْمُتَعَلَّمِ هُوَ كَقَابِلِيَّةِ الثَّوْبِ لِلصَّبْغِ فَلَا يَمْنَعُ نِسْبَتُهُ إلَى التَّعْلِيمِ فَهُوَ شَرْطُ عِلَّةٍ عَادِيَةٍ، وَالْقَابِلِيَّةُ شَرْطٌ، وَفِي الْمَبْسُوطِ أَضَافَ نَفْيَ ضَمِّ الْمُنْفِقِ فِي التَّعْلِيمِ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ عُرْفٌ ظَاهِرٌ حَتَّى لَوْ كَانَ فِيهِ عُرْفٌ ظَاهِرٌ يُلْحَقُ بِرَأْسِ الْمَالِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. وَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ إلَى أَنَّهُ لَا يُضَمُّ أُجْرَةُ الطَّبِيبِ، وَالرَّائِضِ، وَالْبَيْطَارِ، وَالْفِدَاءِ فِي الْجِنَايَةِ، وَجُعْلُ الْآبِقِ لِنَدْرَتِهِ فَلَا يُلْحَقُ بِالسَّابِقِ لِأَنَّهُ لَا عُرْفَ فِي النَّادِرِ وَالْحِجَامَةِ وَالْخِتَانِ لِعَدَمِ الْعُرْفِ، وَكَذَا لَا يُضَمّ نَفَقَةُ نَفْسِهِ وَكِرَاؤُهُ، وَلَا مَهْرُ الْعَبْدِ، وَلَا يُحَطُّ مَهْرُ الْأَمَةِ لِزَوْجِهَا، وَاَلَّذِي يُؤْخَذُ فِي الطَّرِيقِ مِنْ الظُّلْمِ لَا يُضَمُّ إلَّا فِي مَوْضِعٍ جَرَتْ الْعَادَةُ فِيهِ بَيْنَهُمْ بِالضَّمِّ قَوْلُهُ (فَإِنْ خَانَ فِي مُرَابَحَةٍ أَخَذَ بِكُلِّ ثَمَنِهِ أَوْ رَدَّهُ، وَحَطَّ فِي التَّوْلِيَةِ) ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَحُطُّ فِيهِمَا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُخَيَّرُ فِيهِمَا لِمُحَمَّدٍ إنَّ الِاعْتِبَارَ لِلتَّسْمِيَةِ لِكَوْنِهِ مَعْلُومًا، وَالتَّوْلِيَةُ وَالْمُرَابَحَةُ تَرْوِيجٌ وَتَرْغِيبٌ فَتَكُونُ وَصْفًا مَرْغُوبًا فِيهِ كَوَصْفِ السَّلَامَةِ فَيَتَخَيَّرُ لِفَوَاتِهِ وَلِأَبِي يُوسُفَ إنَّ الْأَصْلَ فِيهِ كَوْنُهُ تَوْلِيَةً وَمُرَابَحَةً، وَلِهَذَا يَنْعَقِدُ بِقَوْلِهِ وَلَّيْتُك بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ أَوْ بِعْتُك مُرَابَحَةً عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ إذَا كَانَ مَعْلُومًا فَلَا بُدَّ مِنْ الْبِنَاءِ عَلَى الْأَوَّلِ، وَذَلِكَ بِالْحَطِّ غَيْرَ أَنَّهُ يَحُطُّ فِي التَّوْلِيَةِ قَدْرَ الْخِيَانَةِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَفِي الْمُرَابَحَةِ مِنْهُ، وَمِنْ الرِّبْحِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَحُطَّ فِي التَّوْلِيَةِ لَا تَبْقَى تَوْلِيَةٌ لِأَنَّهُ يَزِيدُ عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ فَتَغَيَّرَ التَّصَرُّفُ فَتَعَيَّنَ الْحَطُّ، وَفِي الْمُرَابَحَةِ لَوْ لَمْ يَحُطَّ تَبْقَى مُرَابَحَةً، وَإِنْ كَانَ يَتَفَاوَتُ الرِّبْحُ فَلَا يَتَغَيَّرُ التَّصَرُّفُ فَأَمْكَنَ الْقَوْلُ بِالتَّخْيِيرِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ بِمَا تَظْهَرُ الْخِيَانَةُ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ هِيَ إمَّا بِإِقْرَارِ الْبَائِعِ أَوْ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِنُكُولِهِ عَنْ الْيَمِينِ، وَقَدْ ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي هَذَا عَلَى الْمُخْتَارِ، وَقِيلَ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِإِقْرَارِهِ لِأَنَّهُ فِي دَعْوَى الْخِيَانَةِ مُنَاقِضٌ فَلَا يُتَصَوَّرُ بِبَيِّنَةٍ وَلَا نُكُولٍ، وَالْحَقُّ سَمَاعُهَا كَدَعْوَى الْعَيْبِ، وَكَدَعْوَى الْحَطِّ فَإِنَّهَا تُسْمَعُ اهـ. وَقَوْلُهُ، وَحَطَّ أَيْ أَسْقَطَ قَدْرَ الْخِيَانَةِ مِنْ الْمُسَمَّى، وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ، وَصُورَةُ الْخِيَانَةِ فِي التَّوْلِيَةِ إذَا اشْتَرَى ثَوْبًا بِتِسْعَةٍ، وَقَبَضَهُ ثُمَّ قَالَ لِآخَرَ اشْتَرَيْته بِعَشَرَةٍ، وَوَلَّيْتُك بِمَا اشْتَرَيْته فَاطَّلَعَ عَلَى ذَلِكَ، وَبَيَانُ الْحَطِّ فِي الْمُرَابَحَةِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ إذَا اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ، وَبَاعَهُ بِرِبْحِ خَمْسَةٍ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِثَمَانِيَةٍ فَإِنَّهُ يَحُطُّ قَدْرَ الْخِيَانَةِ مِنْ الْأَصْلِ، وَهُوَ الْخُمُسُ، وَهُوَ دِرْهَمَانِ، وَمَا قَابَلَهُ مِنْ الرِّبْحِ، وَهُوَ دِرْهَمٌ فَيَأْخُذُ الثَّوْبَ بِاثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا. اهـ. وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى مَتَاعًا، وَرَقَمَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِهِ، وَبَاعَهُ مُرَابَحَةً عَلَى الرَّقْمِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ، وَقَيَّدَهُ فِي الْمُحِيطِ بِمَا إذَا كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَعْلَمُ أَنَّ الرَّقْمَ غَيْرُ الثَّمَنِ فَأَمَّا إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي يَعْلَمُ أَنَّ الرَّقْمَ، وَالثَّمَنَ سَوَاءٌ فَإِنَّهُ يَكُونُ خِيَانَةً، وَلَهُ الْخِيَارُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ. وَأَشَارَ بِعَدَمِ الْحَطِّ فِي التَّوْلِيَةِ إلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا وَجَدَ بِالْمَبِيعِ عَيْبًا ثُمَّ حَدَثَ بِهِ عَيْبٌ عِنْدَهُ لَا يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ لِأَنَّهُ لَوْ رَجَعَ يَصِيرُ الثَّمَنُ الثَّانِي أَنْقَصَ مِنْ الْأَوَّلِ، وَقَضِيَّةُ التَّوْلِيَةِ أَنْ يَكُونَ مِثْلَ الْأَوَّلِ، وَهَذَا مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِهِمْ فِي خِيَارِ الْعَيْبِ، وَبِقَوْلِهِ رَدَّهُ إلَى اشْتِرَاطِ قِيَامِ الْمَبِيعِ بِحَالِهِ فَلَوْ هَلَكَ قَبْلَ رَدِّهِ أَوْ حَدَثَ بِهِ مَا يَمْنَعُ الرَّدَّ لَزِمَهُ بِجَمِيعِ الْمُسَمَّى، وَسَقَطَ خِيَارُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ قَوْلِ مُحَمَّدٍ لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ خِيَارٍ فَلَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ كَخِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ بِخِلَافِ خِيَارِ الْعَيْبِ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ فِيهِ لِلْمُشْتَرِي الْجُزْءُ الْفَائِتُ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ خِيَارَ ظُهُورِ الْخِيَانَةِ لَا يُورَثُ فَإِذَا مَاتَ الْمُشْتَرِي فَاطَّلَعَ الْوَارِثُ عَلَى خِيَانَةٍ بِالطَّرِيقِ السَّابِقِ فَلَا خِيَارَ لَهُ، وَأَطْلَقَ الْحَطَّ فِي التَّوْلِيَةِ فَشَمِلَ حَالَةَ هَلَاكِ الْمَبِيعِ وَامْتِنَاعَ رَدِّهِ لِأَنَّهُ لَا خِيَارَ لَهُ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ الثَّمَنُ الْأَوَّلُ، وَفِي الْمُحِيطِ، وَإِنْ ضَمَّ إلَى الثَّمَنِ مَا لَا يَجُوزُ ضَمُّهُ ثُمَّ عَلِمَ بِهِ الْمُشْتَرِي فَلَهُ الْخِيَارُ اهـ. قَوْلُهُ (وَمَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا فَبَاعَهُ   [منحة الخالق] يَقُولَ قِيمَتُهُ كَذَا أَوْ رَقْمُهُ كَذَا فَأُرَابِحُك عَلَى الْقِيمَةِ أَوْ رَقْمِهِ، وَمَعْنَى الرَّقْمِ أَنْ يَكْتُبَ عَلَى الثَّوْبِ الْمُشْتَرَى مِقْدَارًا سَوَاءٌ كَانَ قَدْرَ الثَّمَنِ أَوْ أَزْيَدَ ثُمَّ يُرَابِحُهُ عَلَيْهِ، وَهُوَ إذَا قَالَ رَقْمُهُ كَذَا وَهُوَ صَادِقٌ لَمْ يَكُنْ خَائِنًا فَإِنْ غُبِنَ الْمُشْتَرِيَ فِيهِ فَمِنْ قِبَلِ جَهْلِهِ. اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ الرَّقْمَ يَكُونُ بِالْقِيمَةِ لَا بِأَكْثَرَ وَإِنْ زَادَتْ عَلَى الثَّمَنِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ وَهُوَ صَادِقٌ، وَإِلَّا فَمَا وَجْهُ اشْتِرَاطِ صِدْقِهِ، وَحِينَئِذٍ فَيَجُوزُ أَنْ يَقُولَ رَقْمُهُ كَذَا أَوْ قِيمَتُهُ كَذَا، وَيُنَافِيهِ مَا مَرَّ عَنْ النِّهَايَةِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَقُولُ قَامَ عَلَيَّ بِكَذَا، وَلَا قِيمَتُهُ وَلَا اشْتَرَيْته بِكَذَا تَحَرُّزًا عَنْ الْكَذِبِ، وَإِنَّمَا يَقُولُ رَقْمُهُ كَذَا، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ كَوْنُ الرَّقْمِ بِالْقِيمَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَأَشَارَ بِعَدَمِ الْحَطِّ فِي التَّوْلِيَةِ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَفِي بَعْضِهَا، وَأَشَارَ بِالْحَطِّ، وَهُوَ الصَّوَابُ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 120 بِرِبْحٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ فَإِنْ بَاعَهُ بِرِبْحٍ طَرَحَ عَنْهُ كُلَّ رِبْحٍ قَبْلَهُ، وَإِنْ أَحَاطَ بِثَمَنِهِ لَمْ يُرَابِحْ) ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى الثَّمَنِ الْأَخِيرِ، وَصُورَتُهُ إذَا اشْتَرَى ثَوْبًا بِعَشَرَةٍ، وَبَاعَهُ بِخَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ فَإِنَّهُ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً بِخَمْسَةٍ، وَيَقُولُ قَامَ عَلَيَّ بِخَمْسَةٍ، وَلَوْ اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ، وَبَاعَهُ بِعِشْرِينَ مُرَابَحَةً ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ لَا يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً أَصْلًا، وَعِنْدَهُمَا يُرَابِحُ عَلَى عَشَرَةٍ فِي الْفَصْلَيْنِ، لَهُمَا أَنَّ الْعَقْدَ الثَّانِيَ عَقْدٌ مُتَجَدِّدٌ مُنْقَطِعُ الْأَحْكَامِ عَنْ الْأَوَّلِ فَيَجُوزُ بِنَاءُ الْمُرَابَحَةِ عَلَيْهِ كَمَا إذَا تَخَلَّلَ ثَالِثٌ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ شُبْهَةَ حُصُولِ الرِّبْحِ بِالْعَقْدِ الثَّانِي ثَابِتَةٌ لِأَنَّهُ يَتَأَكَّدُ بِهِ مَا كَانَ عَلَى شَرَفِ السُّقُوطِ بِالظُّهُورِ عَلَى عَيْبٍ، وَالشُّبْهَةُ كَالْحَقِيقَةِ فِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ احْتِيَاطًا، وَلِهَذَا لَمْ تَجُزْ الْمُرَابَحَةُ فِيمَا أُخِذَ بِالصُّلْحِ لِشُبْهَةِ الْحَطِيطَةِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ اشْتَرَى خَمْسَةً، وَثَوْبًا بِعَشَرَةٍ فَيَطْرَحُ خَمْسَةً بِخِلَافِ مَا إذَا تَخَلَّلَ ثَالِثٌ، وَفِي الْمُحِيطِ مَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ أَوْثَقُ، وَمَا قَالَاهُ أَرْفَقُ. اهـ. وَمَحِلُّ الِاخْتِلَافِ عِنْدَ عَدَمِ الْبَيَانِ أَمَّا إذَا بَيَّنَ فَقَالَ كُنْت بِعْته فَرَبِحْت فِيهِ كَذَا ثُمَّ اشْتَرَيْته بِكَذَا، وَأَنَا أَبِيعُهُ الْآن بِكَذَا بِرِبْحِ كَذَا جَازَ اتِّفَاقًا كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. وَقُيِّدَ بِالشِّرَاءِ لِأَنَّهُ لَوْ وُهِبَ لَهُ ثَوْبٌ فَبَاعَهُ بِعَشَرَةٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ فَإِنَّهُ يُرَابِحُ عَلَى الْعَشَرَةِ، وَإِنْ كَانَ يَتَأَكَّدُ بِهِ انْقِطَاعُ حَقِّ الْوَاهِبِ فِي الرُّجُوعِ لَكِنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ، وَلَا تَثْبُتُ هَذِهِ الْوَكَادَةُ إلَّا فِي عَقْدٍ يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَقَيَّدْنَا بَيْعَهُ بِجِنْسِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ لَوْ بَاعَهُ بِوَصِيفٍ أَوْ دَابَّةٍ أَوْ عَرْضٍ آخَرَ ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ فَإِنَّهُ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى عَشَرَةٍ لِأَنَّهُ عَادَ إلَيْهِ بِمَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ، وَلَا يُمْكِنُ طَرْحُهُ إلَّا بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ، وَتَعْيِينُهَا لَا تَخْلُو عَنْ شُبْهَةِ الْغَلَطِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ لَمْ يُرَابِحْ لِأَنَّهُ يَصِحُّ مُسَاوَمَةً لِأَنَّ مَنْعَ الْمُرَابَحَةِ إنَّمَا هِيَ لِلشُّبْهَةِ فِي حَقِّ الْعِبَادِ لَا فِي حَقِّ الشَّرْعِ، وَتَمَامُهُ فِي الْبِنَايَةِ، وَقَيَّدَ بِالرِّبْحِ فِي الْبَيْعِ لِأَنَّهُ لَوْ آجَرَ الْمَبِيعَ، وَأَخَذَ أُجْرَتَهُ مِنْ غَيْرِ نَقْصٍ دَخَلَ فِيهِ فَلَهُ الْبَيْعُ مُرَابَحَةً مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ لَيْسَتْ مِنْ نَفْسِ الْمَبِيعِ، وَلَا مِنْ أَجْزَائِهِ فَلَمْ يَكُنْ حَابِسًا لِشَيْءٍ مِنْهُ، وَكَذَا لَوْ وَطِئَ الْجَارِيَةَ الثَّيِّبَ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ، وَقَوْلُهُ ثَوْبًا مِثَالٌ، وَلَوْ قَالَ شَيْئًا لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّ الْمِثْلِيَّ وَالْقِيَمِيَّ سَوَاءٌ هُنَا ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ ظَاهِرَ دَلِيلِ الْإِمَامِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُجِيزُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِالثَّمَنِ الْأَخِيرِ سَوَاءٌ بَاعَهُ مُرَابَحَةً أَوْ تَوْلِيَةً وَالْمُتُونُ كُلُّهَا مُقَيَّدَةٌ بِالْمُرَابَحَةِ، وَظَاهِرُهَا جَوَازُ التَّوْلِيَةِ عَلَى الْأَخِيرِ. وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ كَمَا لَا يَخْفَى، وَقَيَّدَ بِالرِّبْحِ لِأَنَّ بَائِعَهُ لَوْ حَطَّ عَنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ بَعْضَ الثَّمَنِ طَرَحَهُ كَالرِّبْحِ، وَإِنْ كَانَ كُلَّ الثَّمَنِ بَاعَهُ مُرَابَحَةً عَلَى مَا اشْتَرَى لِالْتِحَاقٍ حَطَّ الْبَعْضَ بِالْعَقْدِ دُونَ حَطِّ الْكُلِّ لِئَلَّا يَكُونَ بَيْعًا بِلَا ثَمَنٍ فَصَارَ تَمْلِيكًا مُبْتَدَأً كَالْهِبَةِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَسَيَأْتِي أَنَّ الزِّيَادَةَ تَلْتَحِقُ فَيُرَابَحُ عَلَى الْأَصْلِ وَالزِّيَادَةِ، وَفِي الْمُحِيطِ اشْتَرَى شَيْئًا ثُمَّ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ ثُمَّ عَادَ إنْ عَادَ قَدِيمُ مِلْكِهِ كَالرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ أَوْ بِخِيَارِ رُؤْيَةٍ أَوْ شَرْطٍ أَوْ عَيْبٍ أَوْ إقَالَةٍ أَوْ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ يَبِيعُ مُرَابَحَةً بِمَا اشْتَرَى لِأَنَّ بِهَذِهِ الْأَسْبَابِ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ مِنْ الْأَصْلِ، وَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ، وَإِنْ عَادَ بِسَبَبٍ آخَرَ نَحْوَ الْإِرْثِ وَالْهِبَةِ لَا يَبِيعُ مُرَابَحَةً لِأَنَّهُ عَادَ إلَيْهِ بِسَبَبٍ جَدِيدٍ، وَهَذَا السَّبَبُ لَا يُطْلِقُ لَهُ بَيْعَ الْمُرَابَحَةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ رَدَّ عَلَيْهِ بِغَيْرِ قَضَاءٍ فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ بَيْعًا جَدِيدًا فِي حَقِّ الثَّالِثِ فَكَأَنَّهُ اشْتَرَى ثَانِيًا بِعَشَرَةٍ بَعْد أَنْ بَاعَهُ بِعَشَرَةٍ، وَهَذَا يُطْلِقُ لَهُ الْمُرَابَحَةَ اهـ. قَوْلُهُ (وَلَوْ اشْتَرَى مَأْذُونٌ مَدْيُونٌ ثَوْبًا بِعَشَرَةٍ، وَبَاعَهُ مِنْ سَيِّدِهِ بِخَمْسَةَ عَشَرَ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى عَشَرَةٍ، وَكَذَا الْعَكْسُ) ، وَهُوَ مَا إذَا كَانَ الْمَوْلَى اشْتَرَاهُ فَبَاعَهُ مِنْ الْعَبْدِ لِأَنَّ فِي هَذَا الْعَقْدِ شُبْهَةَ الْعَدَمِ لِجَوَازِهِ مَعَ الْمُنَافِي فَاعْتُبِرَ عَدَمًا فِي حُكْمِ الْمُرَابَحَةِ، وَبَقِيَ الِاعْتِبَارُ لِلْأَوَّلِ فَيَصِيرُ كَأَنَّ الْعَبْدَ اشْتَرَاهُ لِلْمَوْلَى بِعَشَرَةٍ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ، وَكَأَنَّهُ يَبِيعُهُ لِلْمَوْلَى فِي الْفَصْلِ الثَّانِي فَيُعْتَبَرُ الثَّمَنُ الْأَوَّلُ، وَتَقْيِيدُهُ بِالْمَدْيُونِ اتِّفَاقِيٌّ لِيُعْلَمَ حُكْمُ غَيْرِهِ بِالْأَوْلَى لِوُجُودِ مِلْكِ الْمَوْلَى فِي أَكْسَابِهِ جَمِيعًا، وَالْمُكَاتَبُ كَالْمَأْذُونِ لِوُجُودِ التُّهْمَةِ بَلْ كُلُّ مَنْ لَا تُقْبَلُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ لَمْ يُرَابِحْ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ شِرَاؤُهُ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَفِي بَعْضِهَا لَا يَصِحُّ مُسَاوَمَتُهُ، وَهُوَ الصَّوَابُ (قَوْلُهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُجِيزُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِالثَّمَنِ الْأَخِيرِ) حَقُّ التَّعْبِيرِ أَنْ يُقَالَ أَنْ يَبِيعَ بِالثَّمَنِ الْأَخِيرِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَالْمُتُونُ كُلُّهَا مُقَيَّدَةٌ بِالْمُرَابَحَةِ) يُمْكِنُ أَنْ يُسْتَفَادَ مُشَارَكَةُ التَّوْلِيَةِ لِلْمُرَابَحَةِ فِي هَذَا الْحُكْمِ مِنْ قَوْلِ الْمَتْنِ الْآتِي، وَكَذَلِكَ التَّوْلِيَةُ، وَقَدْ قَالَ الْمُؤَلِّفُ فِيمَا يَأْتِي، وَيَنْبَغِي أَنْ يَعُودَ قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ التَّوْلِيَةُ إلَى جَمِيعِ مَا ذَكَرَهُ لِلْمُرَابَحَةِ فَتَأَمَّلْ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 121 شَهَادَتُهُ لَهُ كَالْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ، وَأَحَدُ الزَّوْجَيْنِ وَأَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ كَذَلِكَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَخَالَفَاهُ فِيمَا عَدَا الْعَبْدِ وَالْمُكَاتَبِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ لَوْ اشْتَرَى مِنْ شَرِيكِهِ سِلْعَةً إنْ كَانَتْ لَيْسَتْ مِنْ شَرِكَتِهِمَا يُرَابِحُ عَلَى مَا اشْتَرَى، وَلَا يُبَيِّنُ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ شَرِكَتِهِمَا فَإِنَّمَا يَبِيعُ نَصِيبَ شَرِيكِهِ عَلَى ضَمَانِهِ فِي الشِّرَاءِ الثَّانِي، وَنَصِيبُ نَفْسِهِ عَلَى ضَمَانِهِ فِي الشِّرَاءِ الْأَوَّلِ لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ السِّلْعَةُ اُشْتُرِيَتْ بِأَلْفٍ مِنْ شَرِكَتِهِمَا فَاشْتَرَاهَا أَحَدُهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ بِأَلْفٍ وَمِائَتَيْنِ فَإِنَّهُ يَبِيعُهَا مُرَابَحَةً عَلَى أَلْفٍ وَمِائَةٍ لِأَنَّ نَصِيبَ شَرِيكِهِ مِنْ الثَّمَنِ سِتُّمِائَةٍ، وَنَصِيبَ نَفْسِهِ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ خَمْسُ مِائَةٍ فَيَبِيعُهَا عَلَى ذَلِكَ. اهـ. وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ إلَّا أَنْ يُبَيِّنَ لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّهُ لَوْ بَيَّنَ، وَرَابَحَ عَلَى الْأَوَّلِ جَازَ كَمَا فِي الْبِنَايَةِ. قَوْلُهُ (وَلَوْ كَانَ مُضَارِبًا بِالنِّصْفِ يَبِيعُهُ رَبُّ الْمَالِ بِاثْنَيْ عَشَرَ وَنِصْفٍ) لِأَنَّ هَذَا الْبَيْعَ، وَإِنْ قُضِيَ بِجَوَازِهِ عِنْدَنَا عِنْدَ عَدَمِ الرِّبْحِ خِلَافًا لِزُفَرَ مَعَ أَنَّهُ يَشْتَرِي مَالَهُ بِمَالِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ اسْتِفَادَةِ وِلَايَةِ التَّصَرُّفِ، وَهُوَ مَقْصُودٌ، وَالِانْعِقَادُ يَتْبَعُ الْفَائِدَةَ فَفِيهِ شُبْهَةُ الْعَدَمِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ وَكِيلٌ عَنْهُ فِي الْبَيْعِ الْأَوَّلِ مِنْ وَجْهٍ فَاعْتُبِرَ الْبَيْعُ الثَّانِي عَدَمًا فِي حَقِّ نِصْفِ الرِّبْحِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ مَا إذَا كَانَ الْبَائِعُ رَبَّ الْمَالِ، وَالْمُشْتَرِي الْمُضَارِبَ، وَقَدْ سَوَّى بَيْنَهُمَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ فَقَالَ وَلَوْ اشْتَرَى مِنْ مُضَارِبِهِ أَوْ مُضَارِبُهُ مِنْهُ فَإِنَّهُ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى أَقَلِّ الضَّمَانَيْنِ وَحِصَّةِ الْمُضَارِبِ مِنْ الرِّبْحِ لَكِنْ لَوْ قَالَ وَحِصَّةِ الْآخَرِ لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ رَبَّ الْمَالِ، وَلَكِنْ قَالَ بَعْدَهُ لَوْ اشْتَرَى مِنْ رَبِّ الْمَالِ سِلْعَةً بِأَلْفٍ تُسَاوِي أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ فَبَاعَهَا مِنْ الْمُضَارِبِ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ فَإِنَّ الْمُضَارِبَ يَبِيعُهَا مُرَابَحَةً عَلَى أَلْفٍ وَمِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ إلَّا أَنْ يُبَيِّنَ. اهـ. وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ الْمُضَارَبَةِ تَبَعًا لِمَا فِي الْهِدَايَةِ وَإِنْ اشْتَرَى مِنْ الْمَالِكِ بِأَلْفٍ عَبْدًا اشْتَرَاهُ بِنِصْفِهِ رَابَحَ بِنِصْفِهِ، وَعَلَّلَهُ فِي الْهِدَايَةِ مِنْ الْمُضَارَبَةِ بِأَنَّ هَذَا الْبَيْعَ يُقْضَى بِجَوَازِهِ لِتَغَايُرِ الْمَقَاصِدِ دَفْعًا لِلْحَاجَةِ، وَإِنْ كَانَ بِيعَ مِلْكِهِ بِمِلْكِهِ إلَّا أَنَّ فِيهِ شُبْهَةَ الْعَدَمِ وَمَبْنَى الْمُرَابَحَةِ عَلَى الْأَمَانَةِ وَالِاحْتِرَازِ عَنْ شُبْهَةِ الْخِيَانَةِ فَاعْتُبِرَ أَقَلُّ الثَّمَنَيْنِ اهـ. وَهَذَا لَا يُخَالِفُ مَسْأَلَةَ الْكِتَابِ هُنَا لِأَنَّهَا فِيمَا إذَا كَانَ الْبَائِعُ الْمُضَارِبَ مِنْ رَبِّ الْمَالِ، وَفِي الْمُضَارَبَةِ فِيمَا إذَا كَانَ رَبُّ الْمَالِ هُوَ الْبَائِعَ مِنْ الْمُضَارِبِ، وَلَكِنْ يَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ، وَكَأَنَّهُ إنَّمَا لَمْ يَضُمَّ الْمُضَارِبُ نَصِيبَ رَبِّ الْمَالِ لِمَا فِي الْبِنَايَةِ أَنَّ الْعَقْدَيْنِ وَقَعَا لِرَبِّ الْمَالِ، وَلَمْ يَقَعْ لِلْمُضَارِبِ مِنْهُ إلَّا قَدْرُ مِائَةٍ فَوَجَبَ اعْتِبَارُ هَذِهِ الْمِائَةِ، وَفِيمَا يَقَعُ لِرَبِّ الْمَالِ لَمْ يُعْتَبَرْ الرِّبْحُ لِاحْتِمَالِ بُطْلَانِ الْعَقْدِ الثَّانِي. اهـ. وَمِنْ الْعَجَبِ قَوْلُ الشَّارِحِ الزَّيْلَعِيِّ فِي الْمُضَارَبَة فِي شَرْحِ قَوْلِهِ، وَإِنْ اشْتَرَى مِنْ الْمَالِكِ إلَى آخِرِهِ، وَلَوْ كَانَ بِالْعَكْسِ بِأَنْ اشْتَرَى الْمُضَارِبُ عَبْدًا بِخَمْسِمِائَةٍ فَبَاعَهُ مِنْ رَبِّ الْمَالِ بِأَلْفٍ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى خَمْسِمِائَةٍ لِأَنَّ الْبَيْعَ الْجَارِيَ بَيْنَهُمَا كَالْمَعْدُومِ فَتُبْنَى الْمُرَابَحَةُ عَلَى مَا اشْتَرَاهُ بِهِ الْمُضَارِبُ كَأَنَّهُ اشْتَرَاهُ لَهُ، وَنَاوَلَهُ إيَّاهُ مِنْ غَيْرِ بَيْعٍ. اهـ. وَهُوَ سَهْوٌ لِمُخَالَفَتِهِ الرِّوَايَةَ فِي بَابِ الْمُرَابَحَةِ وَكِتَابِ الْمُضَارَبَةِ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْهِدَايَةِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ بِضَمِّ حِصَّةِ الْمُضَارِبِ إلَى رَأْسِ الْمَالِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَلَكِنْ يَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ) لَا يَخْفَى أَنَّ الْفَرْقَ وَاضِحٌ، وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمُضَارِبُ بَائِعًا مِنْ رَبِّ الْمَالِ فَقَدْ حَصَلَ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ رِبْحٌ لِلْمُضَارِبِ وَرَبِّ الْمَالِ فَإِذَا بَاعَ رَبُّ الْمَالِ مَا اشْتَرَاهُ مُرَابَحَةً لَا يَضُمُّ نَصِيبَهُ مِنْ الرِّبْحِ لِلشُّبْهَةِ كَمَا مَرَّ أَمَّا إذَا كَانَ بِالْعَكْسِ لَمْ يَحْصُلْ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ رِبْحٌ أَصْلًا لَكِنْ لَمَّا كَانَ فِي هَذَا الْبَيْعِ شُبْهَةُ الْعَدَمِ لِكَوْنِهِ بَيْعَ مِلْكِهِ بِمِلْكِهِ اُعْتُبِرَ أَقَلُّ الثَّمَنَيْنِ كَمَا عَلَّلَهُ فِي الْهِدَايَةِ هَكَذَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا أَطَالَ اللَّهُ بَقَاءَهُ ثُمَّ رَأَيْته طِبْقًا لِمَا فِي النَّهْرِ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ تَوْفِيقِ الْمُؤَلِّفِ الْآتِي، وَأَقُولُ: لَا تَحْرِيرَ فِي هَذَا الْكَلَامِ، وَالتَّحْقِيقُ أَنْ يُقَالَ إنَّمَا ضُمَّتْ حِصَّةُ الْمُضَارِبِ هُنَا لِظُهُورِ الرِّبْحِ بِبَيْعِهِ لِرَبِّ الْمَالِ، وَإِنْ كَانَ مُشْتَرِيًا مِنْ رَبِّ الْمَالِ لَمْ يَظْهَرْ رِبْحٌ، وَلِذَا جَزَمَ فِي الْمُضَارَبَة بِأَنَّ الْمُضَارِبَ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى مَا اشْتَرَى رَبُّ الْمَالِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْهِدَايَةِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ) أَيْ صَرَّحَ فِي هَذَا الْبَابِ، وَفِي كِتَابِ الْمُضَارَبَةِ بِضَمِّ حِصَّةِ الْمُضَارِبِ إلَى رَأْسِ الْمَالِ فِي صُورَةِ مَا إذَا اشْتَرَى رَبُّ الْمَالِ مِنْ مُضَارِبِهِ، وَقَوْلُهُ وَهُوَ تَنَاقُضٌ مِنْهُ أَيْ مِنْ الزَّيْلَعِيِّ أَيْضًا أَيْ مَعَ كَوْنِهِ سَهْوًا لِتَصْرِيحِهِ بِذَلِكَ فِي هَذَا الْبَابِ، وَظَنَّ فِي النَّهْرِ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ، وَهُوَ تَنَاقُضٌ مِنْهُ رَاجِعٌ لِصَاحِبِ الْهِدَايَةِ فَقَالَ وَكَوْنُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ تَنَاقَضَ وَهْمٌ فَاحِشٌ إذْ قَدْ أَعَادَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْمُضَارَبَةِ، وَجَزَمَ بِأَنَّ الْمُضَارِبَ إذَا كَانَ بَائِعًا ضَمَّ رَبُّ الْمَالِ حِصَّتَهُ أَيْ حِصَّةَ الْمُضَارِبِ إلَى رَأْسِ الْمَالِ، وَإِنْ كَانَ مُشْتَرِيًا فَلَا ضَمَّ أَصْلًا. وَظَاهِرٌ أَنَّ عَدَمَ ضَمِّ حِصَّةِ رَبِّ الْمَالِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ لِمَا فِيهِ مِنْ شُبْهَةِ أَنَّهُ اشْتَرَى أَوْ بَاعَ مَالَهُ بِمَالِهِ. اهـ. وَهُوَ عَجِيبٌ فَإِنَّ الْمُؤَلِّفَ قَدَّمَ قَرِيبًا أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ الْمُضَارَبَةِ مُتَابِعٌ فِيهِ لِمَا فِي الْهِدَايَةِ فَكَيْفَ يَقُولُ هُنَا إنَّهُ تَنَاقُضٌ فَلَيْسَ مُرَادُهُ إلَّا مَا قُلْنَاهُ مِنْ أَنَّ الضَّمِيرَ لِلزَّيْلَعِيِّ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، وَقَدْ حَمَلَ فِي النَّهْرِ مَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ عَلَى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 122 وَهُوَ تَنَاقُضٌ مِنْهُ أَيْضًا لِمُوَافَقَتِهِ عَلَى ذَلِكَ، وَتَصْرِيحِهِ بِالضَّمِّ فِي بَابِهَا، وَلَمْ أَرَ لَهُ سَلَفًا، وَلَا مَنْ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَقَدْ كُنْت قَدِيمًا فِي ابْتِدَاءِ اشْتِغَالِي حَمَلْت كَلَامَ الزَّيْلَعِيِّ فِي الْمُضَارَبَةِ عَلَى أَنَّهُ اشْتَرَى بِبَعْضِ رَأْسِ الْمَالِ، وَكَلَامَهُمْ فِي بَابِ الْمُرَابَحَةِ عَلَى مَا إذَا اشْتَرَى الْمُضَارِبُ بِالْجَمِيعِ لِتَصْرِيحِهِ فِي الْمَبْسُوطِ بِأَنَّ الرِّبْحَ لَا يَظْهَرُ إلَّا بَعْدَ تَحْصِيلِ رَأْسِ الْمَالِ اهـ. فَإِذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ أَلْفًا وَاشْتَرَى بِنِصْفِهَا عَبْدًا وَبَاعَهُ بِأَلْفٍ لَمْ يَظْهَرْ الرِّبْحُ لِعَدَمِ الزِّيَادَةِ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ لِاحْتِمَالِ هَلَاك الْخَمْسِمِائَةِ الْبَاقِيَةِ فَإِذَا لَمْ يَظْهَرْ الرِّبْحُ فَلَا شَيْءَ لِلْمُضَارِبِ حَتَّى يَضُمَّ، وَأَمَّا إذَا اشْتَرَى بِالْأَلْفِ وَبَاعَهُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ فَقَطْ ظَهَرَ الرِّبْحُ فَتُضَمُّ حِصَّةُ الْمُضَارِبِ إلَى الْمَالِ، وَهَذَا التَّقْرِيرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ خَوَاصِّ هَذَا الشَّرْحِ بِحَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ. قَوْلُهُ (وَيُرَابِحُ بِلَا بَيَانٍ بِالتَّعَيُّبِ، وَوَطْءِ الثَّيِّبِ) لِأَنَّهُ لَمْ يُحْبَسْ عِنْدَهُ شَيْءٌ بِمُقَابَلَةِ الثَّمَنِ لِأَنَّ الْأَوْصَافَ تَابِعَةٌ لَا يُقَابِلُهَا الثَّمَنُ، وَلِهَذَا لَوْ فَاتَتْ قَبْلَ التَّسْلِيمِ لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ، وَكَذَا مَنَافِعُ الْبُضْعِ لَا يُقَابِلُهَا الثَّمَنُ، وَأَطْلَقَ فِي قَوْلِهِ بِلَا بَيَانٍ، وَمُرَادُهُ بِلَا بَيَانِ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ سَلِيمًا فَتَعَيَّبَ عِنْدَهُ أَمَّا بَيَانُ نَفْسِ الْعَيْبِ الْقَائِمِ بِهِ فَلَا بُدَّ مِنْهُ لِئَلَّا يَكُونَ غَاشًّا لَهُ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنَّا» ، وَفِي الْخُلَاصَةِ قُبَيْلَ   [منحة الخالق] رِوَايَةٍ، وَقَالَ أَيْضًا وَفِي السِّرَاجِ مِنْ أَنَّهُ يَضُمُّ يَعْنِي الْمُضَارِبُ حِصَّتَهُ هُنَا أَيْضًا فَمُخَالِفٌ لِصَرِيحِ الرِّوَايَةِ الَّتِي جَزَمَ بِهَا الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِصَاحِبِ الْهِدَايَةِ فِي الْمُضَارَبَة اهـ أَيْ مِنْ أَنَّهُ يُرَابِحُ عَلَى أَقَلِّ الثَّمَنَيْنِ كَمَا مَرَّ، وَأَقُولُ: مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ الزَّيْلَعِيُّ لَيْسَ مَحْمُولًا عَلَى رِوَايَةٍ كَمَا قَالَ وَمَا ذَكَرَهُ فِي السِّرَاجِ غَيْرُ مُخَالِفٍ لِصَرِيحِ الرِّوَايَةِ فَإِنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ تَفْصِيلًا، وَكَلَامُ كُلٍّ مِنْهُمَا لَا يَخْرُجُ عَنْ بَعْضِ وُجُوهِ ذَلِكَ التَّفْصِيلِ، وَبَيَانُ ذَلِكَ يَحْتَاجُ إلَى نَقْلِ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي كِتَابِ الْمُضَارَبَةِ بِرُمَّتِهِ لِيَتَّضِحَ الْحَالُ وَيَزُولَ الْإِشْكَالُ بِعَوْنِ الْمَلِكِ الْمُتَعَالِ، وَنَصُّهُ قَوْلُهُ وَإِنْ اشْتَرَى مِنْ الْمَالِكِ بِأَلْفٍ عَبْدًا اشْتَرَاهُ بِنِصْفِهِ رَابَحَ بِنِصْفِهِ أَيْ لَوْ اشْتَرَى الْمُضَارِبُ مِنْ رَبِّ الْمَالِ بِأَلْفِ الْمُضَارَبَة عَبْدًا قِيمَتُهُ أَلْفٌ، وَقَدْ اشْتَرَاهُ رَبُّ الْمَالِ بِنِصْفِ الْأَلْفِ يَبِيعُهُ الْمُضَارِبُ مُرَابَحَةً بِمَا اشْتَرَاهُ رَبُّ الْمَالِ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً عَلَى أَلْفٍ لِأَنَّ بَيْعَهُ مِنْ الْمُضَارِبِ كَبَيْعِهِ مِنْ نَفْسِهِ، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَاهُ رَبُّ الْمَالِ بِأَلْفٍ وَقِيمَتُهُ أَلْفٌ، وَبَاعَهُ مِنْ الْمُضَارِبِ بِخَمْسِمِائَةٍ، وَمَالُ الْمُضَارَبَةِ أَلْفٌ فَإِنَّهُ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى خَمْسِمِائَةٍ قَيَّدْنَا بِكَوْنِهِ لَا فَضْلَ فِي قِيمَةِ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ عَلَى رَأْسِ مَالِ الْمُضَارَبَةِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِيهِمَا فَضْلٌ بِأَنْ اشْتَرَى رَبُّ الْمَالِ عَبْدًا بِأَلْفٍ قِيمَتُهُ أَلْفَانِ ثُمَّ بَاعَهُ مِنْ الْمُضَارِبِ بِأَلْفَيْنِ بَعْدَمَا عَمِلَ الْمُضَارِبُ فِي أَلْفِ الْمُضَارَبَةِ وَرَبِحَ فِيهَا أَلْفًا فَإِنَّهُ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى أَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَكَذَا إذَا كَانَ فِي قِيمَةِ الْمَبِيعِ فَضْلٌ دُونَ الثَّمَنِ بِأَنْ كَانَ الْعَبْدُ يُسَاوِي أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ فَاشْتَرَاهُ رَبُّ الْمَالِ بِأَلْفٍ فَبَاعَهُ مِنْ الْمُضَارِبِ بِأَلْفٍ يَبِيعُهُ الْمُضَارِبُ مُرَابَحَةً عَلَى أَلْفٍ وَمِائَتَيْنِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ فِي الثَّمَنِ فَضْلٌ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ وَلَا فَضْلَ فِي قِيمَةِ الْمَبِيعِ بِأَنْ اشْتَرَى رَبُّ الْمَالِ عَبْدًا بِأَلْفٍ قِيمَتُهُ أَلْفٌ بَاعَهُ مِنْ الْمُضَارِبِ بِأَلْفَيْنِ فَإِنَّهُ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى أَلْفٍ فَهُوَ كَمَسْأَلَةِ الْكِتَابِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى أَرْبَعَةٍ أَقْسَامٍ قِسْمَانِ لَا يُرَابِحُ فِيهِمَا إلَّا عَلَى مَا اشْتَرَى بِهِ رَبُّ الْمَالِ، وَهُمَا إذَا كَانَ لَا فَضْلَ فِيهِمَا أَوْ لَا فَضْلَ فِي قِيمَةِ الْمَبِيعِ فَقَطْ، وَقِسْمَانِ يُرَابِحُ عَلَى مَا اشْتَرَى بِهِ رَبُّ الْمَالِ وَحِصَّةِ الْمُضَارِبِ، وَهُمَا إذَا كَانَ فِيهِمَا فَضْلٌ أَوْ فِي قِيمَةِ الْمَبِيعِ فَقَطْ، وَهَذَا إذَا كَانَ الْبَائِعُ رَبَّ الْمَالِ،. وَأَمَّا إذَا كَانَ الْبَائِعُ الْمُضَارِبَ فَهُوَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ أَيْضًا الْأَوَّلُ أَنْ لَا يَكُونَ فَضْلٌ فِيهِمَا بِأَنْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ أَلْفًا فَاشْتَرَى مِنْهَا الْمُضَارِبُ عَبْدًا بِخَمْسِمِائَةٍ قِيمَتُهُ أَلْفٌ وَبَاعَهُ مِنْ رَبِّ الْمَالِ بِأَلْفٍ فَإِنَّ رَبَّ الْمَالِ يُرَابِحُ عَلَى مَا اشْتَرَى بِهِ الْمُضَارِبُ، الثَّانِي أَنْ يَكُونَ الْفَضْلُ فِي قِيمَةِ الْمَبِيعِ دُونَ الثَّمَنِ فَإِنَّهُ كَالْأَوَّلِ، الثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ فِيهِمَا فَضْلٌ فَإِنَّهُ يُرَابِحُ عَلَى مَا اشْتَرَى بِهِ الْمُضَارِبُ وَحِصَّةِ الْمُضَارِبِ، الرَّابِعُ أَنْ يَكُونَ الْفَضْلُ فِي الثَّمَنِ فَقَطْ، وَهُوَ كَالثَّالِثِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ مُخْتَصَرًا، وَقَالَ الشَّارِحُ الزَّيْلَعِيُّ وَلَوْ كَانَ بِالْعَكْسِ بِأَنْ اشْتَرَى الْمُضَارِبُ عَبْدًا بِخَمْسِمِائَةٍ فَبَاعَهُ مِنْ رَبِّ الْمَالِ بِأَلْفٍ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى خَمْسِمِائَةٍ، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ هِيَ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ فِي كَلَامِ الْمُحِيطِ فَلَيْسَ كَلَامُهُ هُنَا مُخَالِفًا لِمَا ذَكَرَهُ هُوَ بِنَفْسِهِ فِي بَابِ الْمُرَابَحَةِ أَنَّهُ يَضُمُّ حِصَّةَ الْمُضَارِبِ، وَقَدْ اشْتَبَهَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى كَثِيرٍ حَتَّى زَعَمُوا أَنَّهُ وَقَعَ مِنْهُ تَنَاقُضٌ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ مَا ذَكَرَهُ هُنَا هُوَ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ فِي كَلَامِ الْمُحِيطِ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا فَضْلَ فِي الثَّمَنِ وَقِيمَةِ الْمَبِيعِ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي بَابِ الْمُرَابَحَةِ هُوَ الْقِسْمُ الثَّالِثُ وَالرَّابِعُ فِي كَلَامِ الْمُحِيطِ كَمَا لَا يَخْفَى، وَلِهَذَا صَوَّرُوا الْمَسْأَلَةَ هُنَاكَ بِأَنَّ مَعَهُ عَشَرَةً بِالنِّصْفِ فَاشْتَرَى ثَوْبًا بِعَشَرَةٍ وَبَاعَهُ مِنْ رَبِّ الْمَالِ بَخَمْسَةَ عَشَرَ قَالُوا يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً بِاثْنَيْ عَشَرَ وَنِصْفٍ اهـ. كَلَامُ الْمُؤَلِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي كِتَابِ الْمُضَارَبَةِ فَهَذَا هُوَ الْجَوَابُ الصَّحِيحُ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ. وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِكَلَامِ السِّرَاجِ هُنَا وَلَا هُنَاكَ، وَلَا شَكَّ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي السِّرَاجِ بِقَوْلِهِ لَوْ اشْتَرَى رَبُّ الْمَالِ سِلْعَةً إلَخْ هُوَ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ عَنْ الْمُحِيطِ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِيهِمَا فَضْلٌ بِأَنْ اشْتَرَى رَبُّ الْمَالِ عَبْدًا بِأَلْفٍ قِيمَتُهُ أَلْفَانِ إلَى آخِرِ مَا قَدَّمْنَاهُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ لَا رَبَّ سِوَاهُ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 123 الصَّرْفِ رَجُلٌ أَرَادَ أَنْ يَبِيعَ سِلْعَةً مَعِيبَةً، وَهُوَ يَعْلَمُ يَجِبُ أَنْ يُبَيِّنَهَا، وَلَوْ لَمْ يُبَيِّنْ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا يَصِيرُ فَاسِقًا مَرْدُودَ الشَّهَادَةِ قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ، وَلَا نَأْخُذُ بِهِ اهـ. وَأَطْلَقَ فِي وَطْءِ الثَّيِّبِ، وَمُرَادُهُ مَا إذَا لَمْ يَنْقُصْهَا الْوَطْءُ أَمَّا إذَا نَقَصَهَا فَهُوَ كَوَطْءِ الْبِكْرِ، وَالتَّعَيُّبُ مَصْدَرُ تَعَيَّبَ أَيْ صَارَ مَعِيبًا بِلَا صُنْعِ أَحَدٍ بَلْ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ، وَيَلْحَقُ بِهِ مَا إذَا كَانَ بِصُنْعِ الْمَبِيعَ، وَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ نُقْصَانُ الْعَيْبِ يَسِيرًا أَوْ كَثِيرًا، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إنْ نَقَصَهُ قَدْرًا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ لَا يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً بِلَا بَيَانٍ، وَدَلَّ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَوْ نَقَصَ بِتَغَيُّرِ السِّعْرِ بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُبَيِّنَ بِالْأَوْلَى أَنَّهُ اشْتَرَاهُ فِي حَالِ غَلَائِهِ، وَكَذَا لَوْ اصْفَرَّ الثَّوْبُ أَوْ احْمَرَّ لِطُولِ مُكْثِهِ أَوْ تَوَسُّخٍ، وَأُورِدَ عَلَى قَوْلِهِمْ الْفَائِتِ وَصْفٌ لَا يُقَابِلُهُ بِشَيْءٍ مِنْ الثَّمَنِ مَا إذَا اشْتَرَاهُ بِأَجَلٍ فَإِنَّ الْأَجَلَ وَصْفٌ، وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مُرَابَحَةً بِلَا بَيَانٍ، وَأُجِيبُ بِإِعْطَاءِ الْأَجَلِ جُزْءًا مِنْ الثَّمَنِ عَادَةً فَكَانَ كَالْجُزْءِ، وَأُورِدَ عَلَى قَوْلِهِمْ مَنَافِعَ الْبُضْعِ لَا يُقَابِلُهَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ مَا إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً فَوَطِئَهَا ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا امْتَنَعَ رَدُّهَا، وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا وَقْتَ الشِّرَاءِ لِاحْتِبَاسِهِ جُزْءًا مِنْ الْمَبِيعِ عِنْدَهُ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ عَدَمَ الرَّدِّ إنَّمَا هُوَ لِمَانِعٍ، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا رَدَّهَا فَلَا يَخْلُو إمَّا مَعَ الْعُقْرِ احْتِرَازًا عَنْ الْوَطْءِ مَجَّانًا أَوْ مِنْ غَيْرِ عُقْرٍ لَا وَجْهَ إلَى الْأَوَّلِ لِعَوْدِ الْجَارِيَةِ مَعَ زِيَادَةٍ، وَالزِّيَادَةُ تَمْنَعُ الْفَسْخَ، وَلَا إلَى الثَّانِي لِسَلَامَةِ الْوَطْءِ لَهُ بِلَا عِوَضٍ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ فَأُورِدَ الْوَاهِبُ إذَا رَجَعَ فِي هِبَتِهِ بَعْدَ وَطْءِ الْمَوْهُوبِ لَهُ حَيْثُ يَصِحُّ، وَلَا شَيْءَ عَلَى الْوَاطِئِ لِسَلَامَتِهَا كُلِّهَا بِلَا عِوَضٍ لَهُ فَالْوَطْءُ أَوْلَى بِخِلَافِ الْبَيْعِ. قَوْلُهُ (وَبِبَيَانٍ بِالتَّعَيُّبِ وَوَطْءِ الْبِكْرِ) أَيْ يُرَابِحُ مَعَ الْبَيَانِ إذَا عَيَّبَهُ الْمُشْتَرِي أَوْ غَيْرُهُ لِأَنَّهَا صَارَتْ مَقْصُودَةً بِالْإِتْلَافِ فَيُقَابِلُهَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ، وَكَذَا إذَا وَطِئَهَا وَهِيَ بِكْرٌ لِأَنَّ الْعُذْرَةَ جُزْءٌ مِنْ الْعَيْنِ فَيُقَابِلُهَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ وَقَدْ حَبَسَهَا، وَشَمِلَ مَا إذَا تَكَسَّرَ الثَّوْبُ بِنَشْرِهِ وَطَيِّهِ، وَدَخَلَ تَحْتَ الْأَوَّلِ مَا إذَا أَصَابَ الثَّوْبَ قَرْضُ فَأْرٍ أَوْ حَرْقُ نَارٍ، وَالْقَرْضُ بِالْقَافِ وَالْفَاءِ، وَالتَّعَيُّبُ مَصْدَرُ عَيَّبَهُ إذَا أَحْدَثَ فِيهِ عَيْبًا، وَأَطْلَقْنَا فِي تَعْيِيبِ غَيْرِ الْمُشْتَرِي فَشَمِلَ مَا إذَا أَخَذَ الْمُشْتَرِي الْأَرْشَ أَوْ لَا، وَمَا إذَا كَانَ بِأَمْرِ الْمُشْتَرِي أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ، وَمَا وَقَعَ فِي الْهِدَايَةِ مِنْ التَّقْيِيدِ بِقَوْلِهِ، وَأَخَذَ الْمُشْتَرِي أَرْشَهُ اتِّفَاقِيٌّ لِلْوُجُوبِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ زُفَرَ قَالَ لَا يُرَابِحُ إلَّا بِالْبَيَانِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَاخْتَارَهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فَقَالَ وَقَوْلُ زُفَرَ أَجْوَدُ، وَبِهِ نَأْخُذُ، وَرَجَّحَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. وَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى إلَى أَنَّهُ إذَا وَجَدَ بِالْمَبِيعِ عَيْبًا فَرَضِيَ بِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً عَلَى الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ لِأَنَّ الثَّابِتَ لَهُ خِيَارٌ فَإِسْقَاطُهُ لَا يَمْنَعُ مِنْ الْبَيْعِ مُرَابَحَةً كَمَا لَوْ كَانَ فِيهِ خِيَارُ شَرْطٍ أَوْ رُؤْيَةٍ، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَاهُ مُرَابَحَةً فَاطَّلَعَ عَلَى خِيَانَةٍ فَرَضِيَ بِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً عَلَى مَا أَخَذَهُ بِهِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الثَّابِتَ لَهُ مُجَرَّدُ خِيَارٍ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. قَوْلُهُ (وَلَوْ اشْتَرَى بِأَلْفٍ نَسِيئَةً، وَبَاعَ بِرِبْحٍ مِائَةً، وَلَمْ يُبَيِّنْ خُيِّرَ الْمُشْتَرِي) لِأَنَّ لِلْأَجَلِ شَبَهًا بِالْمَبِيعِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُزَادُ فِي الثَّمَنِ لِأَجْلِ الْأَجَلِ، وَالشُّبْهَةُ فِي هَذَا مُلْحَقَةٌ بِالْحَقِيقَةِ فَصَارَ كَأَنَّهُ اشْتَرَى شَيْئَيْنِ، وَبَاعَ أَحَدَهُمَا مُرَابَحَةً بِثَمَنِهِمَا، وَالْإِقْدَامُ عَلَى الْمُرَابَحَةِ يُوجِبُ السَّلَامَةَ عَنْ مِثْلِ هَذِهِ الْخِيَانَةِ فَإِذَا ظَهَرَتْ يُخَيَّرُ كَمَا فِي الْعَيْبِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ عَدَمَ بَيَانِ أَصْلِ الْأَجَلِ خِيَانَةٌ، وَكَذَا بَيَانُ بَعْضِهِ وَإِخْفَاءُ الْبَعْضِ، وَلَوْ فُرِّعَ عَلَى قَوْلِ الثَّانِي يَنْبَغِي أَنْ يَحُطَّ مِنْ الثَّمَنِ مَا يُعْرَفُ أَنَّ مِثْلَهُ فِي هَذَا يُزَادُ لِأَجْلِ الْأَجَلِ، قُيِّدَ بِكَوْنِ الْأَجَلِ مَشْرُوطًا وَقْتَ الْعَقْدِ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَشْرُوطًا، وَلَكِنَّهُ مُعْتَادُ التَّنْجِيمِ فَقِيلَ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهِ لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ كَالْمَشْرُوطِ، وَقِيلَ لَا لِأَنَّ الثَّمَنَ حَالٌّ بِالْعَقْدِ كَمَا لَوْ بَاعَهُ حَالًّا، وَمَطَلَهُ إلَى شَهْرٍ فَإِنَّهُ يُرَابِحُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ لِسَلَامَتِهَا كُلِّهَا بِلَا عِوَضٍ) حَقُّ التَّعْبِيرِ أَنْ يُقَالَ وَأُجِيبَ بِسَلَامَتِهَا إلَخْ (قَوْلُهُ وَدَخَلَ تَحْتَ الْأَوَّلِ) أَيْ تَحْتَ مَا إذَا تَعَيَّبَ بِلَا صُنْعِ أَحَدٍ (قَوْلُهُ وَرَجَّحَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ) قَالَ فِي الْفَتْحِ، وَاخْتِيَارُهُ هَذَا حَسَنٌ لِأَنَّ مَبْنَى الْمُرَابَحَةِ عَلَى عَدَمِ الْخِيَانَةِ، وَعَدَمُ ذِكْرِهِ أَنَّهَا انْتَقَصَتْ إيهَامٌ لِلْمُشْتَرِي أَنَّ الثَّمَنَ الْمَذْكُورَ كَانَ لَهَا نَاقِصَةً، وَالْغَالِبُ أَنَّهُ لَوْ عَلِمَ أَنَّ ذَلِكَ ثَمَنُهَا صَحِيحَةً لَمْ يَأْخُذْهَا مَعِيبَةً إلَّا بِحَطِيطَةِ ثُمَّ قَالَ لَكِنَّ قَوْلَهُمْ هُوَ كَمَا لَوْ تَغَيَّرَ السِّعْرُ بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ فِي حَالِ غَلَائِهِ، وَكَذَا لَوْ اصْفَرَّ الثَّوْبُ لِطُولِ مُكْثِهِ أَوْ تَوَسَّخَ إلْزَامٌ قَوِيٌّ اهـ. قَالَ فِي النَّهْرِ، وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الْإِيهَامَ مَعَ تَغَيُّرِ السِّعْرِ، وَاصْفِرَارِ الثَّوْبِ أَوْ تَوَسُّخِهِ ضَعِيفٌ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ اعْوَرَّتْ الْجَارِيَةُ فَرَابَحَهُ عَلَى ثَمَنِهَا فَإِنَّهُ قَوِيٌّ جِدًّا فَلَمْ يُغْتَفَرْ اهـ. قُلْتُ: وَلِلْبَحْثِ فِيهِ مَجَالٌ فَقَدْ يَكُونُ تَفَاوُتُ السِّعْرَيْنِ أَفْحَشَ مِنْ التَّفَاوُتِ بِالْعَيْبِ، وَالْكَلَامُ حَيْثُ لَمْ يَدْرِ الْمُشْتَرِي بِجَمِيعِ ذَلِكَ فَلَا فَرْقَ يَظْهَرُ فَتَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ وَقِيلَ لَا) أَيْ لَا يَلْزَمُهُ الْبَيَانُ قَالَ فِي النَّهْرِ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ كَمَا فِي الشَّرْحِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 124 بِالثَّمَنِ، وَيَنْبَغِي تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ لِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْأَمَانَةِ، وَالِاحْتِرَازِ عَنْ شُبْهَةِ الْخِيَانَةِ، وَعَلَى كُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَشْرُوطًا وَلَا مَعْرُوفًا، وَإِنَّمَا أَجَّلَهُ بَعْدَ الْعَقْدِ لَا يَلْزَمُهُ بَيَانُهُ، وَفِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ عَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ طَالَبَهُ الطَّالِبُ فَقَالَ لَيْسَ عِنْدِي شَيْءٌ فَقَالَ لَهُ الطَّالِبُ اذْهَبْ وَأَعْطِنِي كُلَّ شَهْرٍ عَشَرَةً لَمْ يَكُنْ تَأْجِيلًا، وَكَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِجَمِيعِ الْمَالِ حَالًّا اهـ. قَوْلُهُ (فَإِنْ أَتْلَفَ فَعَلِمَ لَزِمَ بِأَلْفٍ دِرْهَمٌ وَمِائَةٌ) أَيْ إنْ أَتْلَفَهُ الْمُشْتَرِي حَالًّا ثُمَّ عَلِمَ بِالْأَجَلِ لَزِمَهُ بِكُلِّ الثَّمَنِ حَالًّا لِأَنَّ الْأَجَلَ لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَأُورِدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ تَنَاقَضَ لِأَنَّهُ قَالَ عِنْدَ قِيَامِ الْمَبِيعِ إنَّ الثَّمَنَ يَزْدَادُ بِالْأَجَلِ، وَعِنْدَ هَلَاكِهِ قَالَ إنَّهُ لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ، وَجَوَابُهُ أَنَّ الْأَجَلَ فِي نَفْسِهِ لَيْسَ بِمَالٍ فَلَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ حَقِيقَةً إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ زِيَادَةُ الثَّمَنِ بِمُقَابِلَتِهِ قَصْدًا، وَيُزَادُ فِي الثَّمَنِ لِأَجَلِهِ إذَا ذَكَرَ الْأَجَلَ بِمُقَابَلَةِ زِيَادَةِ الثَّمَنِ قَصْدًا فَاعْتُبِرَ مَالًا فِي الْمُرَابَحَةِ احْتِرَازًا عَنْ شُبْهَةِ الْخِيَانَةِ، وَلَمْ يُعْتَبَرْ مَالًا فِي حَقِّ الرُّجُوعِ عَمَلًا بِالْحَقِيقَةِ، وَالْمُرَادُ بِالْإِتْلَافِ هَلَاكُ الْمَبِيعِ إمَّا بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَوْ بِاسْتِهْلَاكِ الْمُشْتَرِي، وَلَوْ عَبَّرَ بِالتَّلَفِ لَكَانَ أَوْلَى لِيُفْهَمَ الْإِتْلَافُ بِالْأَوْلَى قَوْلُهُ (وَكَذَا التَّوْلِيَةُ) أَيْ هِيَ مِثْلُ الْمُرَابَحَةِ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْخِيَارِ عِنْدَ قِيَامِ الْمَبِيعِ وَعَدَمِ الرُّجُوعِ حَالَ هَلَاكِهِ لِابْتِنَائِهِمَا عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَعُودَ قَوْلُهُ وَكَذَا التَّوْلِيَةُ إلَى جَمِيعِ مَا ذَكَرَهُ لِلْمُرَابَحَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْبَيَانِ فِي التَّوْلِيَةِ أَيْضًا فِي التَّعْيِيبِ وَوَطْءِ الْبِكْرِ، وَبِدُونِهِ فِي التَّعَيُّبِ وَوَطْءِ الثَّيِّبِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَرُدُّ الْقِيمَةَ، وَيَسْتَرِدُّ كُلَّ الثَّمَنِ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا إذَا اسْتَوْفَى الزُّيُوفَ مَكَانَ الْجِيَادِ وَعَلِمَ بَعْدَ الْإِنْفَاقِ، وَقِيلَ يُقَوَّمُ بِثَمَنٍ حَالٍّ وَمُؤَجَّلٍ فَيَرْجِعُ بِفَضْلِ مَا بَيْنَهُمَا كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى الرُّجُوعُ بِفَضْلِ مَا بَيْنَهُمَا. قَوْلُهُ (وَلَوْ وَلَّى رَجُلًا شَيْئًا بِمَا قَامَ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي بِكَمْ قَامَ عَلَيْهِ فَسَدَ) أَيْ الْبَيْعُ لِجَهَالَةِ الثَّمَنِ، وَكَذَا لَوْ وَلَّاهُ بِمَا اشْتَرَاهُ، وَالْمُرَابَحَةُ فِيهِمَا كَالتَّوْلِيَةِ قَوْلُهُ (وَلَوْ عَلِمَ فِي الْمَجْلِسِ خُيِّرَ) أَيْ بَيْنَ أَخْذِهِ وَتَرْكِهِ لِأَنَّ الْفَسَادَ لَمْ يَتَقَرَّرْ فَإِذَا حَصَلَ الْعِلْمُ فِي الْمَجْلِسِ جُعِلَ كَابْتِدَاءِ الْعَقْدِ، وَصَارَ كَتَأْخِيرِ الْقَبُولِ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ، قَيِّدَ بِالْمَجْلِسِ لِأَنَّهُ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ عَنْهُ يَتَقَرَّرُ الْفَسَادُ فَلَا يُقْبَلُ الْإِصْلَاحُ، وَنَظِيرُهُ بَيْعُ الشَّيْءِ بِرَقْمِهِ إذَا عَلِمَ فِي الْمَجْلِسِ، وَإِنَّمَا يَتَخَيَّرُ لِأَنَّ الرِّضَا لَمْ يَتِمَّ قَبْلَهُ لِعَدَمِ الْعِلْمِ فَيَتَخَيَّرُ كَمَا فِي خِيَارِ الرُّؤْيَةِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَغَيْرِهِ أَنَّ هَذَا الْعَقْدَ يَنْعَقِدُ فَاسِدًا بِعَرْضِيَّةِ الصِّحَّةِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ خِلَافًا لِلْمَرْوِيِّ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ صَحِيحٌ لَهُ عَرْضِيَّةُ الْفَسَادِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَيَنْبَغِي أَنْ تَظْهَرَ ثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ فِي حُرْمَةِ مُبَاشَرَتِهِ فَعَلَى الصَّحِيحِ يَحْرُمُ، وَعَلَى الضَّعِيفِ لَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. وَقَدْ ذَكَرَ الشَّارِحُ هُنَا خِيَارَ الْغَبْنِ فَنَتَّبِعُهُ فَأَقُولُ: مَعْنَى الْغَبْنِ فِي اللُّغَةِ قَالَ فِي الصِّحَاحِ غَبَنَهُ فِي الْبَيْعِ، وَالشِّرَاءِ غَبْنًا مِنْ بَابِ ضَرَبَ مِثْلُ غَبَنَهُ فَانْغَبْنَ وَغَبَنَهُ أَيْ نَقَصَهُ، وَغُبِنَ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ فَهُوَ مَغْبُونٌ أَيْ مَنْقُوصٌ فِي الثَّمَنِ أَوْ غَيْرِهِ، وَالْغَبِينَةُ اسْمٌ مِنْهُ. اهـ. وَفِي الْقُنْيَةِ مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا، وَغُبِنَ فِيهِ غَبْنًا فَاحِشًا فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى الْبَائِعِ بِحُكْمِ الْغَبْنِ، وَفِيهِ رِوَايَتَانِ، وَيُفْتَى بِالرَّدِّ رِفْقًا بِالنَّاسِ ثُمَّ رَقَّمَ لِآخَرَ وَقَعَ الْبَيْعُ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ ذَكَرَ الْجَصَّاصُ وَهُوَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ فِي وَاقِعَاتِهِ أَنَّ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّ، وَلِلْبَائِعِ أَنْ يَسْتَرِدَّ، وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ الزَّرَنْجَرِيِّ وَالْقَاضِي الْجَلَالِ، وَأَكْثَرُ رِوَايَاتِ كِتَابِ الْمُضَارَبَةِ الرَّدُّ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ، وَبِهِ يُفْتَى ثُمَّ رَقَّمَ لِآخَرَ لَيْسَ لَهُ الرَّدُّ وَالِاسْتِرْدَادُ، وَهُوَ جَوَابُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَبِهِ أَفْتَى بَعْضُهُمْ ثُمَّ رَقَمَ لِآخَرَ إنْ غَرَّ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ فَلَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ، وَكَذَا إنْ غَرَّ الْبَائِعُ الْمُشْتَرِيَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ ثُمَّ رَقَّمَ لِآخَرَ قَالَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي قِيمَتُهُ كَذَا فَاشْتَرَاهُ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهَا أَقَلُّ فَلَهُ الرَّدُّ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ فَلَا. وَبِهِ أَفْتَى صَدْرُ الْإِسْلَامِ ثُمَّ رَقَّمَ لِآخَرَ وَلَوْ لَمْ يَغُرَّهُ الْبَائِعُ، وَلَكِنْ غَرَّهُ الدَّلَّالُ فَلَهُ الرَّدُّ، وَلَوْ اشْتَرَى فَيْلَقَ الْإِبْرَيْسَمِ خَارِجَ الْبَلَدِ مِمَّنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِسِعْرِ الْبَلَدِ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ فَلِلْبَائِعِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالْفَيْلَقِ مِثْلِهِ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي قَالَ لِغَزَّالٍ لَا مَعْرِفَةَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَعَلَى كُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ إنَّمَا لَمْ يَلْزَمْهُ الْبَيَانُ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُمَا لَوْ أَلْحَقَا بِهِ شَرْطًا لَا يَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ فَيَكُونُ تَأْجِيلًا مُسْتَأْنَفًا، وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَلْتَحِقُ يَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمَهُ الْبَيَانُ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 125 لِي بِالْغَزْلِ فَأْتِنِي بِغَزْلٍ اشْتَرِيهِ فَأَتَى رَجُلٌ بِغَزْلٍ لِهَذَا الْغَزَّالِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْمُشْتَرِي فَجَعَلَ نَفْسَهُ دَلَّالًا بَيْنَهُمَا، وَاشْتَرَى ذَلِكَ الْغَزْلَ لَهُ بِأَزْيَدَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ وَصَرَفَ الْمُشْتَرِي بَعْضَهُ إلَى حَاجَتِهِ ثُمَّ عَلِمَ بِالْغَبْنِ وَبِمَا صَنَعَ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّ الْبَاقِيَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَالصَّوَابُ أَنْ يَرُدَّ الْبَاقِيَ وَمِثْلَ مَا صَرَفَ إلَى حَاجَتِهِ، وَلْيَسْتَرِدَّ جَمِيعَ الثَّمَنِ كَمَنْ اشْتَرَى بَيْتًا مَمْلُوءًا مِنْ بُرٍّ فَإِذَا فِيهِ دُكَّانٌ عَظِيمٌ فَلَهُ الرَّدُّ وَأَخْذُ جَمِيعِ الثَّمَنِ قَبْلَ إنْفَاقِ شَيْءٍ مِنْ عَيْنِهِ، وَبَعْدَهُ يَرُدُّ الْبَاقِيَ وَمِثْلَ مَا أَنْفَقَ، وَيَسْتَرِدُّ الثَّمَنَ كَذَا ذَكَرَهُ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ. اهـ. فَقَدْ تَحَرَّرَ أَنَّ الْمَذْهَبَ عَدَمُ الرَّدِّ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ، وَلَكِنَّ بَعْضَ مَشَايِخِنَا أَفْتَى بِالرَّدِّ بِهِ، وَفِي خِزَانَة الْفَتَاوَى خُدِعَ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ فَالْمَذْهَبُ لَيْسَ لَهُ الرَّدُّ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الزَّرَنْجَرِيُّ يُفْتَى بِالرَّدِّ. اهـ. وَبَعْضُهُمْ أَفْتَى بِهِ إنْ غَرَّهُ الْآخَرُ، وَبَعْضُهُمْ أَفْتَى بِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مِنْ عَدَمِ الرَّدِّ مُطْلَقًا، وَفِي الصَّيْرَفِيَّةِ اخْتَارَ عِمَادُ الدِّينِ الرَّدَّ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْمُشْتَرِي، وَكَذَا فِي وَاقِعَاتِ الْجَصَّاصِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ رِوَايَاتِ الْمُضَارَبَةِ، وَبِهِ يُفْتِي، وَاخْتَارَهُ النَّسَفِيُّ وَأَبُو الْيُسْرِ الْبَزْدَوِيُّ، وَقَالَ الْإِمَامُ جَمَالُ الدِّينِ جَدِّيّ إنْ غَرَّهُ فَلَهُ الرَّدُّ، وَإِلَّا فَلَا، وَالصَّحِيحُ أَنَّ مَا يَدْخُلُ تَحْتَ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ فَيَسِيرٌ، وَمَا لَا فَفَاحِشٌ. اهـ. وَكَمَا يَكُونُ الْمُشْتَرِي مَغْبُوبًا مَغْرُورًا يَكُونُ الْبَائِعُ كَذَلِكَ كَمَا فِي فَتَاوَى قَارِئ الْهِدَايَةِ. (فَصْلٌ) فِي بَيَانِ التَّصَرُّفِ فِي الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَالزِّيَادَةِ وَالْحَطِّ فِيهِمَا وَتَأْجِيلِ الدُّيُونِ قَوْلُهُ (صَحَّ بَيْعُ الْعَقَارِ قَبْلَ قَبْضِهِ) أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ، وَهُوَ النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يُقْبَضْ، وَقِيَاسًا عَلَى الْمَنْقُول وَعَلَى الْإِجَارَةِ، وَلَهُمَا أَنَّ رُكْنَ الْبَيْعِ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحِلِّهِ وَلَا غَرَرَ فِيهِ لِأَنَّ الْهَلَاكَ فِي الْعَقَارِ نَادِرٌ بِخِلَافِ الْمَنْقُولِ، وَالْغَرَرُ الْمَنْهِيُّ غَرَرُ انْفِسَاخِ الْعَقْدِ، وَالْحَدِيثُ مَعْلُولٌ بِهِ عَمَلًا بِدَلَائِل الْجَوَازِ، وَالْإِجَارَةُ قِيلَ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ، وَلَوْ سُلِّمَ فَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ فِي الْإِجَارَةِ الْمَنَافِعُ، وَهَلَاكُهَا غَيْرُ نَادِرٍ، وَهُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَذَا فِي الْكَافِي، وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ اشْتَرَى أَرْضًا فِيهَا زَرْعُ بَقْلٍ، وَدَفَعَهَا إلَى الْبَائِعِ مُعَامَلَةً بِالنِّصْفِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ آجَرَ الْأَرْضَ فَإِنْ دَفَعَ الْأَرْضَ مُعَامَلَةً يَكُونُ اسْتِئْجَارًا لِلْعَامِلِ، وَلَا يَكُونُ إجَارَةً، وَإِنَّمَا لَا يَجُوزُ لِكَوْنِهِ بَاعَ نِصْفَ الزَّرْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ أَطْلَقَهُ، وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ لَا يُخْشَى إهْلَاكُهُ أَمَّا فِي مَوْضِعٍ لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهِ ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ كَالْمَنْقُولِ ذَكَرَهُ الْمَحْبُوبِيُّ، وَفِي الِاخْتِيَارِ حَتَّى لَوْ كَانَ عَلَى شَطِّ الْبَحْرِ أَوْ كَانَ الْمَبِيعُ عُلْوًا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ. اهـ. وَفِي الْبِنَايَةِ إذَا كَانَ فِي مَوْضِعٍ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَصِيرَ بَحْرًا أَوْ تَغْلِبَ عَلَيْهِ الرِّمَالُ لَمْ يَجُزْ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِالصِّحَّةِ دُونَ النَّفَاذِ أَوْ اللُّزُومِ لِأَنَّ النَّفَاذَ، وَاللُّزُومَ مَوْقُوفَانِ عَلَى نَقْدِ الثَّمَنِ أَوْ رِضَا الْبَائِعِ، وَإِلَّا فَلِلْبَائِعِ إبْطَالُهُ، وَكَذَا كُلُّ تَصَرُّفٍ يَقْبَلُ النَّقْضَ إذَا فَعَلَهُ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْبَائِعِ فَلِلْبَائِعِ إبْطَالُهُ بِخِلَافِ مَا لَا يَقْبَلُ النَّقْضَ كَالْعِتْقِ، وَالتَّدْبِيرِ، وَالِاسْتِيلَادِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ قَيِّدَ بِالْبَيْعِ لِأَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى عَقَارًا فَوَهَبَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ مِنْ غَيْرِ الْبَائِعِ يَجُوزُ عِنْدَ الْكُلِّ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ. قَوْلُهُ (لَا بَيْعُ الْمَنْقُولِ) أَيْ لَا يَصِحُّ لِنَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يُقْبَضْ، وَلِأَنَّ فِيهِ غَرَرَ انْفِسَاخِ الْعَقْدِ عَلَى اعْتِبَارِ الْهَلَاكِ، قَيِّدَ بِالْبَيْعِ لِأَنَّ هِبَتَهُ وَالتَّصَدُّقَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَمِثْلُ مَا صَرَفَ إلَى حَاجَتِهِ) مُقْتَضَاهُ أَنَّ الْغَزْلَ مِثْلِيٌّ لِأَنَّهُ مَوْزُونٌ لَا قِيَمِيٌّ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا يَأْتِي فِي الرِّبَا حَيْثُ عَدُّوهُ مِنْ الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ، وَرَأَيْت بِخَطِّ بَعْضِ مَشَايِخِ مَشَايِخِنَا مَا نَصُّهُ: كُلُّ مَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ وَلَيْسَ فِي تَبْعِيضِهِ مَضَرَّةٌ يَعْنِي غَيْرَ الْمَصْنُوعِ فَهُوَ مِثْلِيٌّ، وَكَذَا الْعَدَدِيُّ الْمُتَقَارِبُ كَالْجَوْزِ وَالْبَيْضِ وَالْفُلُوسِ وَنَحْوِهَا، وَذَكَرَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ أَبُو الْيُسْرِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي شَرْحِ كِتَابِ الْغَصْبِ لَيْسَ كُلُّ مَكِيلٍ مِثْلِيًّا وَلَا كُلُّ مَوْزُونٍ إنَّمَا الْمِثْلِيُّ مِنْ الْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ مَا هِيَ مُتَقَارِبَةٌ أَمَّا مَا هُوَ مُتَفَاوِتٌ فَلَيْسَ بِمِثْلِيٍّ فَكَانَتْ الْمَكِيلَاتُ وَالْمَوْزُونَاتُ وَالْعَدَدِيَّاتُ سَوَاءٌ عِمَادِيَّةً مِنْ أَنْوَاعِ الضَّمَانَاتِ اهـ. قُلْتُ: وَرَأَيْت فِي الْفَصْلِ الثَّالِثِ وَالثَّلَاثِينَ مِنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ بِرَمْزِ (فر) الْخَلُّ وَالْعَصِيرُ وَالدَّقِيقُ وَالنُّخَالَةُ وَالْجِصُّ وَالنُّورَةُ وَالْقُطْنُ وَالصُّوفُ وَغَزْلُهُ وَالتِّبْنُ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِهِ مِثْلِيٌّ ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَهُ بِنَحْوِ كُرَّاسَةٍ وَنِصْفٍ فِي هَذَا الْفَصْلِ فِي ضَمَانِ النَّسَّاجِ دَفَعَ إلَيْهِ غَزْلًا لِيَنْسِجَ فَجَحَدَ الْحَائِكُ الْغَزْلَ وَحَلَفَ ثُمَّ أَقَرَّ، وَجَاءَ بِهِ مَنْسُوجًا فَلَوْ نَسَجَهُ قَبْلَ جُحُودِهِ فَلَهُ أَجْرَهُ، وَلَوْ نَسَجَهُ بَعْدَ جُحُودِهِ ضَمِنَ غَزْلًا مِثْلَهُ لِأَنَّهُ مِثْلِيٌّ، وَلَا أَجْرَ لَهُ إلَخْ فَهَذَا صَرِيحُ النَّقْلِ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ فَانْدَفَعَ قَوْلُ مَنْ قَالَ إنَّهُ قِيَمِيٌّ فَتَنَبَّهْ. [فَصْلٌ فِي بَيَانِ التَّصَرُّفِ فِي الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ قَبْلَ قَبْضِهِ] (فَصْلٌ فِي بَيَانِ التَّصَرُّفِ فِي الْمَبِيعِ) (قَوْلُهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ آجَرَ الْأَرْضَ) الظَّاهِرُ أَنْ لَا سَاقِطَةٌ مِنْ النُّسَخِ قَبْلَ قَوْلِهِ لِأَنَّهُ (قَوْلُهُ أَوْ بَعْدَهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْبَائِعِ) الضَّمِيرُ عَائِدٌ إلَى الْقَبْضِ، وَالْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ مُتَعَلِّقٌ بِهِ أَوْ بِمَحْذُوفٍ حَالٌ مِنْهُ أَيْ أَنَّ الْقَبْضَ الْوَاقِعَ بِلَا إذْنِ الْبَائِعِ بِمَنْزِلَةِ عَدَمِ الْقَبْضِ لِأَنَّ لِلْبَائِعِ اسْتِرْدَادَهُ لِيَحْبِسَهُ عَلَى الثَّمَنِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 126 بِهِ، وَإِقْرَاضَهُ مِنْ غَيْرِ الْبَائِعِ جَائِزٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَهُوَ الْأَصَحُّ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، وَأَمَّا كِتَابَةُ الْعَبْدِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ مَوْقُوفَةٌ، وَلِلْبَائِعِ حَبْسُهُ بِالثَّمَنِ، وَإِنْ نَقَدَهُ نَفَذَتْ كَذَا ذَكَرَ الشَّارِحُ، وَلَا خُصُوصِيَّةَ لَهَا بَلْ كُلُّ عَقْدٍ يَقْبَلُ النَّقْضَ فَهُوَ مَوْقُوفٌ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَأَمَّا تَزْوِيجُ الْجَارِيَةِ الْمَبِيعَةِ قَبْلَ قَبْضِهَا فَجَائِزٌ لِأَنَّ الْغَرَرَ لَا يَمْنَعُ جَوَازَهُ بِدَلِيلِ صِحَّةِ تَزْوِيجِ الْآبِقِ، وَأَمَّا الْوَصِيَّةُ بِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَصَحِيحَةٌ اتِّفَاقًا لِأَنَّهَا أُخْتُ الْمِيرَاثِ، وَلَوْ زَوَّجَهَا قَبْلَ الْقَبْضِ ثُمَّ فُسِخَ الْبَيْعُ انْفَسَخَ النِّكَاحُ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ، وَأَطْلَقَ الْبَيْعَ فَشَمِلَ الْإِجَارَةَ لِأَنَّهَا بَيْعُ الْمَنَافِعِ، وَالصُّلْحَ لِأَنَّهُ بَيْعٌ قَالُوا مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا تَجُوزُ إجَارَتُهُ، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْأُجْرَةِ الْعَيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْمَبِيعِ، وَأَرَادَ بِالْمَنْقُولِ الْمَبِيعَ الْمَنْقُولَ فَجَازَ بَيْعُ غَيْرِهِ كَالْمَهْرِ وَبَدَلِ الْخُلْعِ وَالْعِتْقِ عَلَى مَالٍ وَبَدَلِ الصُّلْحِ عَلَى دَمِ الْعَمْدِ وَالْأَصْلُ كَمَا فِي الْإِيضَاحِ أَنَّ كُلَّ عِوَضٍ مُلِكَ بِعَقْدٍ يَنْفَسِخُ بِهَلَاكِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ فَالتَّصَرُّفُ فِيهِ غَيْرُ جَائِزٍ، وَمَا لَا فَجَائِزٌ. وَأَطْلَقَ فِي مَنْعِ الْبَيْعِ فَشَمِلَ مَا إذَا بَاعَهُ مِنْ بَائِعِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَمْ يَصِحَّ وَلَا يُنْتَقَضُ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ بِخِلَافِ مَا إذَا وَهَبَهُ مِنْهُ وَقَبِلَهَا فَإِنَّهُ يُنْتَقَضُ لِأَنَّ الْهِبَةَ مَجَازٌ عَنْ الْإِقَالَةِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ اشْتَرَى عَبْدًا وَقَبَضَهُ ثُمَّ تَقَايَلَا الْبَيْعَ، وَلَمْ يَتَقَابَضَا حَتَّى اشْتَرَاهُ مِنْ الْبَائِعِ جَازَ شِرَاؤُهُ، وَلَوْ بَاعَهُ الْبَائِعُ بَعْدَ الْإِقَالَةِ مِنْ غَيْرِ الْمُشْتَرِي لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ. اهـ. وَهَذَا كُلُّهُ فِي تَصَرُّفِ الْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ فَإِنْ تَصَرَّفَ فِيهِ الْبَائِعُ قَبْلَ قَبْضِهِ فَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ بِأَمْرِ الْمُشْتَرِي أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ ذَكَرَ فِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ اشْتَرَى عَبْدًا وَلَمْ يَقْبِضْهُ فَأَمَرَهُ أَنْ يَهَبَهُ مِنْ فُلَانٍ فَفَعَلَ الْبَائِعُ ذَلِكَ، وَدَفَعَهُ إلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ جَازَتْ الْهِبَةُ وَصَارَ الْمُشْتَرِي قَابِضًا، وَكَذَا لَوْ أَمَرَ الْبَائِعُ أَنْ يُؤَاجِرَهُ فُلَانًا مُعَيَّنًا أَوْ غَيْرَ مُعَيَّنٍ فَفَعَلَ جَازَ وَصَارَ الْمُسْتَأْجِرُ قَابِضًا لِلْمُشْتَرِي أَوَّلًا ثُمَّ يَصِيرُ قَابِضًا لِنَفْسِهِ، وَالْأَجْرُ الَّذِي يَأْخُذُهُ الْبَائِعُ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ يَحْسِبهُ مِنْ الثَّمَنِ إنْ كَانَ مِنْ جِنْسِهِ، وَكَذَا لَوْ أَعَارَ الْعَبْدَ الْبَائِعُ مِنْ رَجُلٍ قَبْلَ التَّسْلِيمِ إلَى الْمُشْتَرِي أَوْ وَهَبَ أَوْ رَهَنَ فَأَجَازَ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ جَازَ، وَيَصِيرُ قَابِضًا اهـ. ثُمَّ قَالَ اشْتَرَى ثَوْبًا وَلَمْ يَقْبِضْهُ وَلَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ ثُمَّ قَالَ لِلْبَائِعٍ لَا أَئْتَمِنُكَ عَلَيْهِ ادْفَعْهُ إلَى فُلَانٍ يَكُونُ عِنْدَهُ حَتَّى أَدْفَعَ إلَيْك الثَّمَنَ فَدَفَعَهُ الْبَائِعُ إلَى فُلَانٍ فَهَلَكَ مِنْ يَدِهِ كَانَ الْهَلَاكُ عَلَى الْبَائِعِ لِأَنَّ الْمَدْفُوعَ إلَيْهِ يُمْسِكُهُ لِلثَّمَنِ لِأَجْلِ الْبَائِعِ فَتَكُونُ يَدُهُ كَيَدِ الْبَائِعِ، وَلَوْ أَمَرَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ بِوَطْءِ الْجَارِيَةِ أَوْ بِأَكْلِ الطَّعَامِ فَفَعَلَ كَانَ فَسْخًا لِلْبَيْعِ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ نَائِبًا عَنْ الْمُشْتَرِي فِي ذَلِكَ فَكَانَ مَجَازًا عَنْ الْفَسْخِ لِيَكُونَ وَاطِئًا وَآكِلًا مَالَ نَفْسِهِ، وَأَمَّا الْآمِرُ بِالْبَيْعِ فَعَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ إنْ قَالَ الْبَائِعُ بِعْهُ لِنَفْسِك فَبَاعَهُ كَانَ فَسْخًا، وَإِنْ قَالَ بِعْهُ لِي لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ، وَلَا يَكُونُ فَسْخًا، وَلَوْ قَالَ بِعْهُ أَوْ بِعْهُ مِمَّنْ شِئْت فَبَاعَهُ كَانَ فَسْخًا، وَجَازَ الْبَيْعُ الثَّانِي لِلْمَأْمُورِ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَكُون فَسْخًا، وَهُوَ كَقَوْلِهِ بِعْهُ لِي، وَلَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا أَوْ حِنْطَةً فَقَالَ لِلْبَائِعِ بِعْهُ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ إنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي وَقَبْلَ الرُّؤْيَةِ يَكُونُ فَسْخًا، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ الْبَائِعُ نَعَمْ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَنْفَرِدُ بِالْفَسْخِ فِي خِيَارِ الرُّؤْيَةِ، وَإِنْ قَالَ بِعْهُ لِي أَيْ كُنْ وَكِيلًا فِي الْفَسْخِ فَمَا لَمْ يَقْبَلْ الْبَائِعُ وَلَمْ يَقُلْ نَعَمْ لَا يَكُونُ فَسْخًا، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ الْقَبْضِ وَالرُّؤْيَةِ لَا يَكُونُ فَسْخًا، وَيَكُونُ وَكِيلًا بِالْبَيْعِ سَوَاءٌ قَالَ بِعْهُ أَوْ بِعْهُ لِي. اهـ. وَأَمَّا إذَا كَانَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ وَلَمْ يَلْحَقْهُ إجَازَةٌ فَذَكَرَ فِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ اشْتَرَى عَبْدًا بِأَلْفٍ وَلَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى رَهَنَهُ الْبَائِعُ أَوْ آجَرَهُ أَوْ أَوْدَعَهُ فَمَاتَ انْفَسَخَ الْبَيْعُ، وَلَا يُضَمِّنُ الْمُشْتَرِي أَحَدًا مِنْ هَؤُلَاءِ لِأَنَّهُ إنْ ضَمَّنَهُمْ رَجَعُوا عَلَى الْبَائِعِ، وَلَوْ أَعَارَهُ أَوْ وَهَبَهُ فَمَاتَ عِنْدَ الْمُسْتَعِيرِ أَوْ الْمَوْهُوبِ لَهُ أَوْ أَوْدَعَهُ فَاسْتَعْمَلَهُ الْمُودَعُ فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ كَانَ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ إنْ شَاءَ أَمْضَى الْبَيْعَ وَضَمَّنَ الْمُسْتَعِيرَ وَالْمُودَعَ، وَالْمَوْهُوبَ لَهُ، وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ الْبَيْعَ لِأَنَّهُ لَوْ ضَمَّنَ هَؤُلَاءِ لَيْسَ لِلضَّامِنِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْبَائِعِ. وَلَوْ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَالصُّلْحُ لِأَنَّهُ بَيْعٌ) أَيْ الصُّلْحُ عَنْ الدَّيْنِ كَمَا فِي الْفَتْحِ، وَتَعْبِيرُ النَّهْرِ بِالْخُلْعِ سَبْقُ قَلَمٍ إنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ تَحْرِيفِ النُّسَّاخِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 127 بَاعَهُ الْبَائِعُ فَمَاتَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي الثَّانِي مِنْ عَمَلِهِ أَوْ مِنْ غَيْرِ عَمَلِهِ كَانَ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ فَسَخَ الْبَيْعَ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُشْتَرِيَ الثَّانِيَ ثُمَّ يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي الثَّانِي عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ إنْ كَانَ نَقَدَهُ الثَّمَنَ، وَإِلَّا لَمْ يَرْجِعْ، وَلَوْ أَمَرَ الْبَائِعُ رَجُلًا فَقَتَلَهُ كَانَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يُضَمِّنَ الْقَاتِلَ قِيمَتَهُ لِأَنَّهُ إذَا ضَمِنَ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْبَائِعِ، وَإِنْ أَمَرَ الْبَائِعُ رَجُلًا بِذَبْحِ شَاةٍ فَذَبَحَهَا إنْ كَانَ الذَّابِحُ يَعْلَمُ بِالْبَيْعِ فَلِلْمُشْتَرِي تَضْمِينُهُ، وَلَا رُجُوعَ لَهُ اهـ. قَوْلُهُ (وَلَوْ اشْتَرَى مَكِيلًا كَيْلًا حَرُمَ بَيْعُهُ، وَأَكْلُهُ حَتَّى يَكِيلَهُ) أَيْ حَتَّى يُعِيدَ كَيْلَهُ لِنَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يَجْرِيَ فِيهِ صَاعَانِ صَاعُ الْبَائِعِ وَصَاعُ الْمُشْتَرِي، وَلِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى الْمَشْرُوطِ، وَذَلِكَ لِلْبَائِعِ، وَالتَّصَرُّفُ فِي مَالِ الْغَيْرِ حَرَامٌ فَيَجِبُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ، قَيَّدَ بِقَوْلِهِ كَيْلًا أَيْ بِشَرْطِ الْكَيْلِ لِأَنَّهُ لَوْ اشْتَرَاهُ مُجَازَفَةً لَا يَحْرُمُ الْبَيْعُ، وَالْأَكْلُ قَبْلَ الْكَيْلِ لِأَنَّ الْكُلَّ لَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُؤَلِّفُ فَسَادَ الْبَيْعِ، وَنَصَّ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَلَى فَسَادِهِ لِأَنَّ سَبَبَ النَّهْيِ أَمْرٌ رَاجِعٌ إلَى الْمَبِيعِ، وَلَكِنَّ النَّصَّ إنَّمَا هُوَ فِي الْبَيْعِ فَأَلْحَقُوا بِهِ مَنْعَ الْأَكْلِ قَبْلَ الْكَيْلِ وَكُلَّ تَصَرُّفٍ يُبْنَى عَلَى الْمِلْكِ كَالْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ، وَأَلْحَقُوا بِالْمَكِيلِ الْمَوْزُونَ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَيَنْبَغِي إلْحَاقُ الْمَعْدُودِ الَّذِي لَا يَتَفَاوَتُ كَالْجَوْزِ وَالْبَيْضِ إذَا اُشْتُرِيَ بِالْعَدَدِ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ فَأَفْسَدَ الْبَيْعَ قَبْلَ الْعَدِّ. اهـ. وَلَا يَلْزَمُ مِنْ حُرْمَةِ أَكْلِهِ قَبْلَ الْإِعَادَةِ كَوْنُ الطَّعَامِ حَرَامًا فَقَدْ نَصَّ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ لَوْ أَكَلَهُ وَقَدْ قَبَضَهُ بِلَا كَيْلٍ لَا يُقَالُ إنَّهُ أَكَلَ حَرَامًا لِأَنَّهُ أَكَلَ مِلْكَ نَفْسِهِ إلَّا أَنَّهُ يَأْثَمُ لِتَرْكِهِ مَا أُمِرَ بِهِ مِنْ الْكَيْلِ فَكَانَ هَذَا الْكَلَامُ أَصْلًا فِي سَائِرِ الْمَبِيعَاتِ بَيْعًا فَاسِدًا إذَا قَبَضَهَا فَمَلَكهَا فَأَكَلَهَا. وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ أَكْلُ مَا اشْتَرَاهُ فَاسِدًا، وَهَذَا يُبَيِّنُ أَنْ لَيْسَ كُلُّ مَا لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ إذَا أَكَلَهُ أَنْ يُقَالَ فِيهِ أَكَلَ حَرَامًا كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَقَدْ لَيْسَ يُقَالُ هَذَا كَأَكْلِ الْمَبِيعِ بَيْعًا فَاسِدًا لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْبَائِعِ بِجَمِيعِ الْمَبِيعِ، وَوُجُوبِ فَسْخِهِ، وَأَمَّا هُنَا فَلَا يَمْلِكُ الْبَائِعُ الْفَسْخَ، وَلَمْ يَتَعَلَّقْ حَقُّ الْبَائِعِ إلَّا بِالزِّيَادَةِ الْمَوْهُومَةِ فَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِي الْمَبِيعِ فَاسِدًا أَكَلَ حَرَامًا، وَلَكِنْ رَأَيْت فِي الْخُلَاصَةِ فِي الْأَيْمَانِ مِنْ الثَّانِي عَشَرَ فِي الْأَكْلِ قَالَ وَفِي فَوَائِدِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ لَوْ أَكَلَ مِنْ الْكَرْمِ الَّذِي دَفَعَ مُعَامَلَةً، وَهُوَ قَدْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ حَرَامًا لَا يَحْنَثُ أَمَّا عِنْدَهُمَا لَا يُشْكِلُ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَذَلِكَ لِأَنَّ ذَلِكَ عَقْدٌ فَاسِدٌ عِنْدَهُ فَقَدْ أَكَلَ مِلْكَ نَفْسِهِ اهـ. فَالْحَقُّ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ كَيْلَ الْمُشْتَرِي وَحْدَهُ دُونَ كَيْلِ الْبَائِعِ مَعَ أَنَّ الْحَدِيثَ اشْتَرَطَ الصَّاعَيْنِ لِأَنَّ صَاعَ الْبَائِعِ لَيْسَ بِلَازِمٍ لِكُلِّ بَيْعٍ لِأَنَّ الْبَائِعَ إذَا مَلَكَهُ بِالْإِرْثِ أَوْ الْمُزَارَعَةِ أَوْ كَانَ شِرَاؤُهُ مُجَازَفَةً أَوْ اسْتَقْرَضَ حِنْطَةً عَلَى أَنَّهَا كُرٌّ ثُمَّ بَاعَهَا فَالْحَاجَةُ إلَى كَيْلِ الْمُشْتَرِي، وَإِنْ كَانَ الِاسْتِقْرَاضُ تَمْلِيكًا بِعِوَضٍ كَالشِّرَاءِ لَكِنَّهُ شِرَاءٌ صُورَةً عَارِيَّةٌ حُكْمًا لِأَنَّ مَا يَرُدُّهُ عَيْنُ الْمَقْبُوضِ حُكْمًا، وَلِهَذَا لَمْ يَجِبْ قَبْضُ بَدَلِهِ فِي مَالِ الصَّرْفِ فَكَانَ تَمْلِيكًا بِلَا عِوَضٍ حُكْمًا. وَلَوْ اشْتَرَى مُكَايَلَةً ثُمَّ بَاعَ مُجَازَفَةً قَبْلَ الْكَيْلِ، وَبَعْدَ الْقَبْضِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يَجُوزُ لِاحْتِمَالِ اخْتِلَاطِ مِلْكِ الْبَائِعِ بِمِلْكِ بَائِعِهِ، وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ يَجُوزُ، وَإِنَّمَا يُحْتَاجُ إلَى كَيْلِ الْبَائِعِ إذَا كَانَ الْبَائِعُ اشْتَرَاهُ مُكَايَلَةً، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كَيْلَ الْبَائِعِ لَا يَكْفِي عَنْ كَيْلِ الْمُشْتَرِي، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَالَهُ الْبَائِعُ قَبْلَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَالْأَصْلُ كَمَا فِي الْإِيضَاحِ إلَخْ) هَذَا الْأَصْلُ لَا يَتَمَشَّى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ خَاصٌّ بِأَبِي يُوسُفَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُشْتَرِيَ الثَّانِيَ قِيمَتَهُ) أَيْ قِيمَتَهُ يَوْمَ قَبْضِهِ، وَكَذَا فِي الْهِبَةِ وَالْعَارِيَّةِ كَذَا فِي الْقُنْيَةِ، وَفِيهَا اشْتَرَى دَارًا أَوْ عَبِيدًا أَوْ عُرُوضًا، وَتَرَكَهَا فِي يَدِ الْبَائِعِ فَبَاعَهَا وَرَبِحَ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ فَإِنْ أَجَازَهُ الْمُشْتَرِي فَفَاسِدٌ أَيْضًا لِأَنَّهُ بَيْعُ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَيَجِبُ فَسْخُهُ اهـ. قُلْتُ: لَكِنَّ قَوْلَهُ اشْتَرَى دَارًا مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ بِفَسَادِ بَيْعِ الْعَقَارِ قَبْلَ قَبْضِهِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُؤَلِّفُ فَسَادَ الْبَيْعِ) أَيْ بَيْعَ الْمُشْتَرِي لِمَا قَالَهُ نُوحٌ أَفَنْدِي أَيْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ بَيْعُهُ وَأَكْلُهُ حَتَّى يَكِيلَهُ أَوْ حَتَّى يُعِيدَ الْكَيْلَ فَلَوْ بَاعَهُ بِلَا إعَادَةِ الْكَيْلِ يَكُونُ الْبَيْعُ فَاسِدًا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَقَالَ بِقَوْلِنَا هَذَا مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ. اهـ. وَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّ الْبَيْعَ الْأَوَّلَ انْعَقَدَ صَحِيحًا، وَلَكِنْ حِلُّ التَّصَرُّفِ فِيهِ مِنْ أَكْلٍ أَوْ بَيْعٍ مَوْقُوفٌ عَلَى الْكَيْلِ، وَكَذَا صِحَّةُ الْبَيْعِ الثَّانِي مَوْقُوفَةٌ عَلَى الْكَيْلِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْفَرْعُ الْآتِي آخِرًا عَنْ فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ صِحَّةَ الْقَبْضِ مَوْقُوفَةٌ عَلَى الْكَيْلِ، وَلَوْ قَبَضَهُ بِيَدِهِ لِاحْتِمَالِ الزِّيَادَةِ فَإِذَا بَاعَهُ قَبْلَ كَيْلِهِ فَكَأَنَّهُ بَاعَ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَالتَّصَرُّفُ فِي الْمَنْقُولِ قَبْلَ قَبْضِهِ لَا يَصِحُّ كَمَا مَرَّ فَكَانَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ فُرُوعِ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا فَلِذَا أَعْقَبَهَا بِهَا قَبْلَ ذِكْرِ التَّصَرُّفِ فِي الثَّمَنِ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي إلْحَاقُ الْمَعْدُودِ إلَخْ) لَيْسَ هَذَا بَحْثًا فِيمَا لَا نَقْلَ فِيهِ فِي الْمَذْهَبِ لَنَا فَإِنَّهُ لِقَوْلِهِ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَلِأَنَّهُ سَيَأْتِي مَتْنًا، وَإِنَّمَا هُوَ اسْتِظْهَارٌ لِوَجْهِ الْحَلْقَةِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 128 الْبَيْعَ مُطْلَقًا أَوْ بَعْدَهُ فِي غَيْبَةِ الْمُشْتَرِي أَمَّا إذَا كَالَهُ فِي حَضْرَتِهِ فَإِنَّهُ يُغْنِي عَنْ كَيْلِهِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ الْمَبِيعَ صَارَ مَعْلُومًا بِكَيْلٍ وَاحِدٍ، وَتَحَقَّقَ مَعْنَى التَّسْلِيمِ، وَمَحْمَلُ الْحَدِيثِ اجْتِمَاعُ الصَّفْقَتَيْنِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ فِي السَّلَمِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَمِنْ هُنَا يَنْشَأُ فَرْعٌ، وَهُوَ مَا لَوْ كِيلَ طَعَامٌ بِحَضْرَةِ رَجُلٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ فِي الْمَجْلِسِ ثُمَّ بَاعَهُ مُكَايَلَةً قَبْلَ أَنْ يَكْتَالَهُ بَعْدَ شِرَائِهِ لَا يَجُوزُ هَذَا الْبَيْعُ سَوَاءٌ اكْتَالَهُ لِلْمُشْتَرِي مِنْهُ أَوْ لَا لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكْتَلْ بَعْدَ شِرَائِهِ هُوَ لَمْ يَكُنْ قَابِضًا فَبَيْعُهُ بَيْعُ مَا لَمْ يُقْبَضْ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ قَوْلُهُ (وَمِثْلُهُ الْمَوْزُونُ وَالْمَعْدُودُ) أَيْ مِثْلُ الْمَكِيلِ شِرَاءُ الْمَوْزُونِ وَزْنًا، وَالْمَعْدُودِ عَدَدًا فَلَا يَجُوزُ الْبَيْعُ وَالْأَكْلُ حَتَّى يُعِيدَ الْوَزْنَ وَالْعَدَّ، وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِغَيْرِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ أَمَّا هُمَا فَيَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِمَا بَعْدَ الْقَبْضِ قَبْلَ الْوَزْنِ كَذَا فِي الْإِيضَاحِ، وَقُيِّدَ بِالْمَبِيعِ لِمَا فِي الْمُحِيطِ لَوْ كَانَ الْمَكِيلُ أَوْ الْمَوْزُونُ ثَمَنًا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ الْكَيْلِ، وَالْوَزْنِ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَقَبْلَ الْكَيْلِ أَوْلَى، وَهَذَا كُلُّهُ فِي غَيْرِ بَيْعِ التَّعَاطِي أَمَّا هُوَ فَقَالَ فِي الْقُنْيَةِ، وَلَا يُحْتَاجُ فِي بَيْعِ التَّعَاطِي فِي الْمَوْزُونَاتِ إلَى وَزْنِ الْمُشْتَرِي ثَانِيًا لِأَنَّهُ صَارَ بَيْعًا بِالْقَبْضِ بَعْدَ الْوَزْنِ. اهـ. وَفِي الْخُلَاصَةِ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى قَوْلُهُ (لَا الْمَذْرُوعُ) أَيْ لَا يَحْرُمُ بَيْعُهُ، وَالتَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ إعَادَةِ الذَّرْعِ بَعْدَ الْقَبْضِ، وَإِنْ كَانَ اشْتَرَاهُ بِشَرْطِ الذَّرْعِ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ لَهُ إذْ الذَّرْعُ وَصْفٌ فِي الثَّوْبِ، وَاحْتِمَالُ النَّقْصِ إنَّمَا يُوجِبُ خِيَارَهُ، وَقَدْ أَسْقَطَهُ بِبَيْعِهِ بِخِلَافِ الْقَدْرِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَوْ أَفْرَدَ لِكُلِّ ذِرَاعٍ ثَمَنًا صَارَ كَالْمَوْزُونِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ. قَوْلُهُ (وَصَحَّ التَّصَرُّفُ فِي الثَّمَنِ قَبْلَ قَبْضِهِ) لِقِيَامِ الْمُطْلَقِ، وَهُوَ الْمِلْكُ، وَلَيْسَ فِيهِ غَرَرُ الِانْفِسَاخِ بِالْهَلَاكِ لِعَدَمِ تَعَيُّنِهَا بِالتَّعْيِينِ بِخِلَافِ الْمَبِيعِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِمَا لَا يَتَعَيَّنُ، وَالْحُكْمُ أَعَمُّ مِنْهُ، وَلِذَا قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يَتَعَيَّنُ أَوْ لَا سِوَى بَدَلِ الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ لِأَنَّ لِلْمَقْبُوضِ حُكْمَ عَيْنِ الْمَبِيعِ فِي السَّلَمِ، وَالِاسْتِبْدَالُ بِالْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ، وَكَذَا فِي الصَّرْفِ، وَأَيَّدَهُ السَّمْعُ إلَى آخِرِهِ، وَأَطْلَقَ التَّصَرُّفَ قَبْلَ قَبْضِهِ لِقِيَامِ الْمُطْلَقِ فَشَمِلَ الْبَيْعَ، وَالْهِبَةَ، وَالْإِجَارَةَ، وَالْوَصِيَّةَ، وَتَمْلِيكَهُ مِمَّنْ عَلَيْهِ بِعِوَضٍ وَغَيْرِ عِوَضٍ إلَّا تَمْلِيكَهُ مِنْ غَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ. وَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ بِالثَّمَنِ إلَى كُلِّ دَيْنٍ فَيَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِي الدُّيُونِ كُلِّهَا قَبْلَ قَبْضِهَا مِنْ الْمَهْرِ، وَالْإِجَارَةِ، وَضَمَانِ الْمُتْلَفَاتِ سِوَى الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَأَمَّا التَّصَرُّفُ فِي الْمَوْرُوثِ، وَالْمُوصَى بِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَقَدَّمْنَا جَوَازَهُ. قَوْلُهُ (وَالزِّيَادَةُ فِيهِ) أَيْ صَحَّتْ الزِّيَادَةُ فِي الثَّمَنِ (وَالْحَطُّ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الثَّمَنِ، وَيَلْتَحِقَانِ بِأَصْلِ الْعَقْدِ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ زُفَرَ لَا يَلْتَحِقَانِ، وَإِنَّمَا يَصِحَّانِ عَلَى اعْتِبَارِ ابْتِدَاءِ الصِّلَةِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُ الزِّيَادَةِ ثَمَنًا لِأَنَّهُ يَصِيرُ مِلْكُهُ عِوَضَ مِلْكِهِ فَلَا يَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ، وَكَذَا الْحَطُّ لِأَنَّ كُلَّ الثَّمَنِ صَارَ مُقَابَلًا بِكُلِّ الْمَبِيعِ فَلَا يُمْكِنُ إخْرَاجُهُ فَصَارَ بِرًّا مُبْتَدَأً، وَلَنَا أَنَّهُمَا بِالْحَطِّ وَالزِّيَادَةِ يُغَيِّرَانِ الْعَقْدَ مِنْ وَصْفٍ مَشْرُوعٍ إلَى وَصْفٍ مَشْرُوعٍ، وَهُوَ كَوْنُهُ رَابِحًا أَوْ خَاسِرًا أَوْ عِدْلًا، وَلَهُمَا وِلَايَةُ الرَّفْعِ فَأَوْلَى أَنْ يَكُونَ لَهُمَا وِلَايَةُ التَّغْيِيرِ فَصَارَ   [منحة الخالق] بِالْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فِي الْحَدِيثِ كَمَا هُوَ أَظْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ. (قَوْلُهُ أَمَّا إذَا كَانَ فِي حَضْرَتِهِ فَإِنَّهُ يُغْنِي عَنْ كَيْلِهِ) أَيْ عَنْ كَيْلِ الْمُشْتَرِي فِيمَا يَظْهَرُ، وَعَلَيْهِ فَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ اشْتَرَاهُ مُكَايَلَةً وَكَالَهُ لِنَفْسِهِ ثُمَّ بَاعَهُ كَذَلِكَ، وَكَالَهُ بِحَضْرَةِ الْمُشْتَرِي مِنْهُ أَغْنَى ذَلِكَ الْمُشْتَرِيَ عَنْ كَيْلِهِ، وَيَحْتَمِلُ عَوْدُ الضَّمِيرِ إلَى الْبَائِعِ، وَصُورَتُهُ اشْتَرَاهُ مُكَايَلَةً، وَلَمْ يَكِلْهُ لِنَفْسِهِ حَتَّى بَاعَهُ مِنْ آخَرَ، وَكَالَهُ بِحَضْرَةِ الْمُشْتَرِي مِنْهُ فَإِنَّهُ يُغْنِي عَنْ كَيْلِهِ أَيْ كَيْلِ الْبَائِعِ، وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا التَّعْلِيلُ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ الْمَبِيعَ صَارَ مَعْلُومًا بِكَيْلٍ وَاحِدٍ هَذَا هُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنْ كَلَامِ الْهِدَايَةِ فَرَاجِعْهُ لَكِنْ يُنَافِيهِ قَوْلُهُ وَمِنْ هُنَا يَنْشَأُ فَرْعٌ إلَخْ فَإِنَّ قَوْلَهُ سَوَاءٌ اكْتَالَهُ لِلْمُشْتَرِي مِنْهُ أَوْ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كَيْلَهُ لِلْمُشْتَرِي مِنْهُ قَبْلَ كَيْلِهِ لِنَفْسِهِ لَا يُغْنِي عَنْ كَيْلِهِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّ كَيْلَهُ لِلْمُشْتَرِي مِنْهُ وَقَعَ فِي غَيْبَةِ ذَلِكَ الْمُشْتَرِي أَوْ يُقَالَ إنَّ اللَّامَ فِي قَوْلِهِ لِلْمُشْتَرِي مِنْهُ زَائِدَةٌ مِنْ تَحْرِيفِ النُّسَّاخِ، وَأَصْلُهَا هَمْزَةُ الْوَصْلِ، وَأَقُولُ: الْمُرَادُ بِالْحَضْرَةِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَرَاهُ أَوْ لَا قَالَ فِي الْقُنْيَةِ بَعْدَ مَا رَقَّمَ (مح) يَشْتَرِي مِنْ الْخَبَّازِ خُبْزًا كَذَا مَنًّا فَيَزِنُهُ، وَكِفَّةُ سَنْجَاتِ مِيزَانِهِ فِي دَرَبَنْدِهِ فَلَا يَرَاهُ الْمُشْتَرِي أَوْ مِنْ الْبَائِعِ كَذَا مَنًّا فَيَزِنُهُ فِي حَانُوتِهِ ثُمَّ يُخْرِجُهُ إلَيْهِ مَوْزُونًا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَةُ الْوَزْنِ، وَكَذَا إذَا لَمْ يَعْرِفْ عَدَدَ سَنْجَاتِهِ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَعُرِفَ بِهَذَا أَنَّهُ إذَا عَرَفَ الْمُشْتَرِي وَزْنَ السَّنْجَاتِ وَرَآهَا أَنْ يَكْتَفِيَ بِذَلِكَ خِلَافُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ «نَهْيِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يَجْرِيَ فِيهِ صَاعَانِ صَاعُ الْبَائِعِ، وَصَاعُ الْمُشْتَرِي» اهـ. (قَوْلُهُ وَكَذَا الْحَطُّ) أَيْ لَا يَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ، وَقَوْلُهُ فَلَا يُمْكِنُ إخْرَاجُهُ أَيْ إخْرَاجُ كُلِّ الثَّمَنِ عَنْ الْمُقَابَلَةِ بِكُلِّ الْمَبِيعِ كَذَا فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 129 كَمَا إذَا أَسْقَطَا الْخِيَارَ أَوْ شَرَطَاهُ بَعْد الْعَقْدِ، وَإِذَا صَحَّ يَلْتَحِقُ بِالْعَقْدِ لِأَنَّ وَصْفَ الشَّيْءِ يَقُومُ بِهِ لَا بِنَفْسِهِ بِخِلَافِ حَطِّ الْكُلِّ لِأَنَّهُ تَبْدِيلٌ لِأَصْلِهِ لَا تَغْيِيرٌ لِوَصْفِهِ، وَلِذَا قُيِّدَ بِقَوْلِهِ مِنْهُ لِإِخْرَاجِ حَطِّ الْكُلِّ، وَفَائِدَةُ الِالْتِحَاقِ تَظْهَرُ فِي مَسَائِلَ الْأُولَى التَّوْلِيَةُ الثَّانِيَةُ الْمُرَابَحَةُ فَيَجُوزُ عَلَى الْكُلِّ فِي الزِّيَادَةِ، وَعَلَى الْبَاقِي بَعْدَ الْمَحْطُوطِ، الثَّالِثَةُ الشُّفْعَةُ حَتَّى يَأْخُذُ، الشَّفِيعُ بِمَا بَقِيَ فِي الْحَطِّ، وَإِنَّمَا كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِدُونِ الزِّيَادَةِ لِمَا فِيهَا مِنْ إبْطَالِ حَقِّهِ الثَّابِتِ فَلَا يَمْلِكَانِهِ، الرَّابِعَةُ فِي الِاسْتِحْقَاقِ حَتَّى يَتَعَلَّقُ الِاسْتِحْقَاقُ بِالْجَمِيعِ فَيَرْجِعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِالْكُلِّ، وَلَوْ أَجَازَ الْمُسْتَحِقُّ الْبَيْعَ أَخَذَ الْكُلَّ، الْخَامِسَةُ فِي حَبْسِ الْمَبِيعِ فَلَهُ حَبْسُهُ حَتَّى يَقْبِضَ الزِّيَادَةَ. السَّادِسَةُ فِي فَسَادِ الصَّرْفِ بِالْحَطِّ أَوْ الزِّيَادَةِ لِلرِّبَا كَأَنَّهُمَا عَقَدَاهُ مُتَفَاضِلًا ابْتِدَاءً، وَمَنَعَ أَبُو يُوسُفَ صِحَّةَ الزِّيَادَةِ فِيهِ وَالْحَطِّ، وَلَمْ يُبْطِلْ الْبَيْعَ، وَوَافَقَهُ مُحَمَّدٌ فِي الزِّيَادَةِ، وَجَوَّزَ الْحَطَّ عَلَى أَنَّهُ هِبَةٌ مُبْتَدَأَةٌ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ شَرْطَ صِحَّةِ الزِّيَادَةِ فِي الثَّمَنِ وَشَرَطَ لَهَا فِي الْهِدَايَةِ بَقَاءَ الْمَبِيعِ فَلَا يَصِحُّ بَعْدَ هَلَاكِ الْمَبِيعِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّ الْمَبِيعَ لَمْ يَبْقَ عَلَى حَالَةٍ يَصِحُّ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ، وَالشَّيْءُ يَثْبُتُ ثُمَّ يَسْتَنِدُ بِخِلَافِ الْحَطِّ لِأَنَّهُ بِحَالٍ يُمْكِنُ إخْرَاجُ الْبَدَلِ عَمَّا يُقَابِلُهُ فَيَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ اسْتِنَادًا اهـ. بِخِلَافِ الزِّيَادَةِ فِي الْمَبِيعِ فَإِنَّهَا جَائِزَةٌ بَعْدَ هَلَاكِهِ لِأَنَّهَا تَثْبُتُ بِمُقَابَلَةِ الثَّمَنِ، وَهُوَ قَائِمٌ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَفِي الْخُلَاصَةِ أَيْضًا، وَشَرْطُهَا فِي الثَّمَنِ مِنْ الْمُشْتَرِينَ بَقَاءُ الْمَبِيعِ، وَكَوْنُهُ مَحِلًّا لِلْمُقَابِلَةِ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي حَقِيقَةً، وَلَوْ كَانَتْ جَارِيَةً فَأَعْتَقَهَا أَوْ دَبَّرَهَا أَوْ اسْتَوْلَدَهَا أَوْ كَاتَبَهَا أَوْ بَاعَهَا مِنْ غَيْرِهِ بَعْدَ الْقَبْضِ ثُمَّ زَادَ فِي الثَّمَنِ لَا يَجُوزُ، وَالْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ قَوْلُهُمَا، وَهُمَا رَوَيَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَجُوزُ، وَلَوْ أَجَرَهَا أَوْ رَهَنَهَا أَوْ اشْتَرَى شَاةً فَذَبَحَهَا ثُمَّ زَادَ فِي الثَّمَنِ جَازَ بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَتْ الشَّاةُ ثُمَّ زَادَ فِي الثَّمَنِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهَا لَمْ تَبْقَ مَحِلًّا لِلْبَيْعِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ حَيْثُ قَامَ الِاسْمُ، وَالصُّورَةُ، وَبَعْضُ الْمَنَافِعِ. وَجُمْلَةُ هَذَا فِي كِتَابِ نَظْمِ الزَّنْدَوَسْتِيِّ قَالَ أَحَدَ عَشَرَ شَيْئًا إذَا فَعَلَ الْمُشْتَرِي ثُمَّ زَادَ فِي الثَّمَنِ لَا يَصِحُّ أَوَّلُهَا إذَا كَانَتْ حِنْطَةً فَطَحَنَهَا أَوْ دَقِيقًا فَخَبَزَهُ أَوْ لَحْمًا فَجَعَلَهُ قَلِيَّةً أَوْ سِكْبَاجَةً أَوْ جَعَلَهُ إرْبًا إرْبًا أَوْ كَانَ عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ أَوْ كَاتَبَهُ أَوْ دَبَّرَهُ أَوْ اسْتَوْلَدَ الْجَارِيَةَ أَوْ قُطْنًا فَغَزَلَهُ أَوْ غَزْلًا فَنَسَجَهُ الْحَادِيَ عَشَرَ أَوْ كَانَتْ جَارِيَةً فَمَاتَتْ، وَلَوْ فَعَلَ اثْنَتَيْ عَشَرَ ثُمَّ زَادَ يَجُوزُ أَوَّلُهَا الْمَبِيعُ لَوْ كَانَتْ شَاةً فَذَبَحَهَا، وَإِنْ كَانَ قُطْنًا مَحْلُوجًا فَنَدَفَهُ أَوْ غَيْرَ مَحْلُوجٍ فَحَلَجَهُ أَوْ كِرْبَاسًا فَخَاطَهُ خَرِيطَةً مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْطَعَهُ أَوْ حَدِيدًا فَجَعَلَهُ سَيْفًا أَوْ كَانَتْ جَارِيَةً فَرَهَنَهَا أَوْ أَجَرَهَا أَوْ كَانَتْ خَرَابَةً فَبَنَاهَا أَوْ آجَرّهَا أَوْ أَجَرَ الْأَرْضَ ثُمَّ زَادَ فِي الثَّمَنِ، وَمِنْهَا إذَا بَاعَهَا ثُمَّ إنَّ الْمُشْتَرِيَ الثَّانِيَ لَقِيَ الْبَائِعَ الْأَوَّلَ فَزَادَ فِي الثَّمَنِ جَازَ، وَمِنْهَا الْمَزَارِعُ إذَا زَادَ رَبَّ الْأَرْضِ السُّدُسَ فِي نَصِيبِهِ، وَالْبَذْرُ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يَسْتَحْصِدَهُ جَازَ، وَبَعْدَهُ لَا الْكُلُّ فِي النَّظْمِ. اهـ. وَفِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ مِنْ بَابِ مَا يَمْنَعُ الزِّيَادَةَ فِي الثَّمَنِ تَلْحَقُ الْعَقْدَ مُغَيِّرًا وَصْفَهُ لَا أَصْلَهُ حَذَارِ اللَّغْوَ كَالْخِيَارِ بَعْدَمَا زَادَ الْأَصْلُ وَلَدًا وَارِ. وَكَذَا قَوْلُهُ وَتَمَامُهُ فِيهِ، وَلَوْ عَبَّرَ بِاللُّزُومِ بَدَلَ الصِّحَّةِ لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّهَا لَازِمَةٌ حَتَّى لَوْ نَدِمَ الْمُشْتَرِي بَعْدَمَا زَادَ يُجْبَرُ إذَا امْتَنَعَ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَأَطْلَقَهَا فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَتْ مِنْ جِنْسِ الثَّمَن أَوْ مِنْ غَيْرِهِ، وَمَا إذَا كَانَتْ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ أَوْ بَعْدَ مُدَّةٍ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَتَرَكَ قَيْدًا لَا بُدَّ مِنْهُ، وَهُوَ قَبُولُ الْبَائِعِ فِي الْمَجْلِسِ حَتَّى لَوْ زَادَهُ فَلَمْ يَقْبَلْ حَتَّى تَفَرَّقَا بَطَلَتْ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَأَطْلَقَ فِيمَنْ زَادَ فَشَمِلَ الْمُشْتَرِيَ وَوَارِثَهُ فَتَصِحُّ الزِّيَادَةُ مِنْ الْوَرَثَةِ كَمَا تَصِحُّ مِنْ الْعَاقِدَيْنِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَهُوَ شَامِلٌ لِلزِّيَادَةِ فِي الْمَبِيعِ أَيْضًا لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ الزِّيَادَةُ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ، وَحَاصِلُهَا كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْجَامِعِ الْكَبِيرِ لَوْ زَادَ الْأَجْنَبِيُّ فَإِنْ زَادَ بِأَمْرِ الْمُشْتَرِي يَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي لَا عَلَى الْأَجْنَبِيِّ كَالصُّلْحِ، وَإِنْ زَادَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَإِنْ أَجَازَهُ الْمُشْتَرِي لَزِمَتْهُ، وَإِنْ لَمْ يَجُزْ بَطَلَتْ الزِّيَادَةُ، وَلَوْ كَانَ حِينَ زَادَ ضَمِنَ عَنْ الْمُشْتَرِي أَوْ أَضَافَهَا إلَى مَالِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ لِأَنَّ وَصْفَ الشَّيْءِ يَقُومُ بِهِ) يَعْنِي أَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الثَّمَنِ وَالْحَطِّ مِنْهُ وَصْفٌ لَهُ فَتَلْتَحِقُ بِالْعَقْدِ لِأَنَّ وَصْفَ الشَّيْءِ إلَخْ، وَفِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ أَقُولُ: الزِّيَادَةُ فِي الْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ وَالْمَعْدُودَاتِ لَيْسَتْ بِوَصْفٍ فَكَيْفَ يَصِحُّ الِالْتِحَاقُ فِيمَا إذَا كَانَتْ مَبِيعَةً (قَوْلُهُ بِخِلَافِ حَطِّ الْكُلِّ) أَيْ فَلَا يَصِحُّ قَالَ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ يَعْنِي بِطَرِيقِ الِالْتِحَاقِ، وَإِلَّا فَحَطُّ الْكُلِّ صَحِيحٌ بِطَرِيقِ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ بِالِاتِّفَاقِ (قَوْلُهُ وَتَرَكَ قَيْدًا لَا بُدَّ مِنْهُ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ فِي حَوَاشِي الْمِنَحِ هَكَذَا ذَكَرَ صَاحِبُ الْبَحْرِ فَتَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ مَعَ ظُهُورِ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ إذْ الزِّيَادَةُ تَمْلِيكٌ لِلْبَائِعِ فَلَا تَدَخُّلَ فِي مِلْكِهِ بِدُونِ قَبُولِهِ بِخِلَافِ الْحَطِّ فَإِنَّهُ إبْرَاءٌ، وَهُوَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبُولِ، وَلَوْ رَدَّهُ ارْتَدَّ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ عِبَارَاتِهِمْ فِي هَذَا الْمَحِلِّ تَأَمَّلْ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 130 نَفْسِهِ لَزِمَتْهُ الزِّيَادَةُ ثُمَّ إنْ كَانَ بِأَمْرِ الْمُشْتَرِي رَجَعَ، وَإِلَّا فَلَا، وَأَمَّا الْحَطُّ فَإِنَّهُ جَائِزٌ فِي جَمِيعِ الْمَوَاضِعِ فِي مَوْضِعٍ تَجُوزُ الزِّيَادَةُ، وَفِي مَوْضِعٍ لَا تَجُوزُ. اهـ. وَأَمَّا الزِّيَادَةُ فِي الْمَهْرِ فَشَرْطُهَا بَقَاءُ الْمَرْأَةِ فَلَوْ زَادَ فِيهِ بَعْدَ مَوْتِهَا لَمْ تَصِحَّ، وَأَمَّا الزِّيَادَةُ بَعْدَ طَلَاقِهَا أَوْ عِتْقِهَا لَوْ كَانَتْ أَمَةً فَقَدَّمْنَا أَحْكَامَهَا فِي الْمَهْرِ، وَأَمَّا الزِّيَادَةُ فِي الْأُجْرَةِ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ بَعْضِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَغَيْرُ صَحِيحَةٍ، وَتَجُوزُ الزِّيَادَةُ فِي الْعَيْنِ، وَالْمُدَّةِ كَذَا فِي الْقُنْيَةِ. وَأَمَّا الزِّيَادَةُ فِي الرَّهْنِ فَسَيَأْتِي أَنَّهَا صَحِيحَةٌ فِي الرَّهْنِ لَا فِي الدَّيْنِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ مِنْ كِتَابِ الْمُزَارَعَةِ لَوْ زَادَ أَحَدُهُمَا فِي نَصِيبِ الْآخَرِ إنْ كَانَ قَبْلَ إدْرَاكِ الزَّرْعِ جَازَ مُطْلَقًا، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ جَازَ مِنْ الَّذِي لَا بَذْرَ لَهُ لِأَنَّهُ حَطٌّ، وَلَا يَجُوزُ مِمَّنْ الْبَذْرُ مِنْهُ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ، وَشَرْطُهَا قِيَامُ السِّلْعَةِ اهـ. قَوْلُهُ (وَالزِّيَادَةُ فِي الْمَبِيعِ) أَيْ وَصَحَّتْ، وَلَزِمَ الْبَائِعَ دَفْعُهَا بِشَرْطِ قَبُولِ الْمُشْتَرِي، وَتَلْتَحِقُ أَيْضًا بِالْعَقْدِ فَيَصِيرُ لَهَا حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ حَتَّى لَوْ هَلَكَتْ الزِّيَادَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ تَسْقُطُ حِصَّتُهَا مِنْ الثَّمَنِ بِخِلَافِ الزِّيَادَةِ الْمُتَوَلِّدَةِ مِنْ الْمَبِيعِ حَيْثُ لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ بِهَلَاكِهَا قَبْلَ الْقَبْضِ، وَكَذَا إذَا زَادَ فِي الثَّمَنِ عَرْضًا كَمَا لَوْ اشْتَرَاهُ بِمِائَةٍ، وَتَقَابَضَا ثُمَّ زَادَهُ الْمُشْتَرِي عَرْضًا قِيمَتُهُ خَمْسُونَ، وَهَلَكَ الْعَرْضُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ فِي ثَلَاثَةٍ كَذَا فِي الْقُنْيَةِ، وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا قِيَامُ الْمَبِيعِ فَتَصِحُّ بَعْدَ هَلَاكِهِ بِخِلَافِ الزِّيَادَةِ فِي الثَّمَنِ، وَقَدْ ذَكَرَ الزِّيَادَةَ فِي الْمَبِيعِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْحَطَّ، وَذَكَرَهُمَا فِي الثَّمَنِ فَظَاهِرُهُ عَدَمِ صِحَّةِ الْحَطِّ مِنْ الْمَبِيعِ، وَصَرَّحَ فِي الْمُحِيطِ بِأَنَّ الْمَبِيعَ إنْ كَانَ دَيْنًا يَصِحُّ الْحَطُّ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ عَيْنًا لَمْ يَصِحَّ الْحَطُّ مِنْهُ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ، وَإِسْقَاطُ الْعَيْنِ لَا يَصِحُّ اهـ. قَيَّدَ بِالْمَبِيعِ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الزَّوْجَةِ كَمَا إذَا زَوَّجَهُ أَمَةً فَزَادَهُ أُخْرَى لَمْ يَصِحَّ بِخِلَافِ الزِّيَادَةِ فِي الْمَهْرِ، وَأُطْلِقَ فِي الْحَطِّ مِنْ الثَّمَنِ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ قَبْلَ قَبْضِهِ أَوْ بَعْدَهُ فَإِذَا حَطَّ عَنْهُ بَعْدَمَا أَوْفَاهُ الثَّمَنَ أَوْ أَبْرَأَهُ فَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ لَوْ ذَهَبَ بَعْضُ الثَّمَنِ مِنْ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ أَبْرَأَهُ عَنْ الْقَبْضِ فَهُوَ حَطٌّ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ ثُمَّ حَطَّ الْبَعْضَ أَوْ وَهَبَهُ صَحَّ، وَوَجَبَ عَلَى الْبَائِعِ مِثْلُ ذَلِكَ لِلْمُشْتَرِي، وَلَوْ أَبْرَأَهُ عَنْ الْبَعْضِ بَعْدَ الْقَبْضِ لَا يَصِحُّ، وَكَانَ يَجِبُ أَنْ لَا تَصِحَّ الْهِبَةُ. وَالْحَطُّ بَعْدَ الْقَبْضِ أَيْضًا كَالْإِبْرَاءِ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ قَدْ بَرِئَ مِنْ الثَّمَنِ بِالْإِيفَاءِ، وَالْهِبَةُ وَالْحَطُّ لَمْ يُصَادِفْ دَيْنًا قَائِمًا فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي. وَالْجَوَابُ أَنَّ الدَّيْنَ بَاقٍ فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْضِ عَيْنَ الْوَاجِبِ حَتَّى لَا يَبْقَى فِي الذِّمَّةِ إنَّمَا قَضَى مِثْلَهُ فَبَقِيَ مَا فِي ذِمَّتِهِ عَلَى حَالِهِ إلَّا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يُطَالَبُ بِهِ لِأَنَّ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ عَلَى الْبَائِعِ بِالْقَضَاءِ فَلَوْ طَالَبَ الْبَائِعُ الْمُشْتَرِيَ بِالثَّمَنِ كَانَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يُطَالِبَ الْبَائِعَ أَيْضًا فَلَا تُفِيدُ مُطَالَبَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ فَعُلِمَ أَنَّ الثَّمَنَ بَاقٍ فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْقَضَاءِ، وَالْهِبَةُ وَالْحَطُّ صَادَفَ دَيْنًا قَائِمًا فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْقَضَاء، وَإِنَّمَا لَمْ يَصِحَّ الْإِبْرَاءُ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ عَلَى نَوْعَيْنِ بَرَاءَةُ قَبْضٍ وَاسْتِيفَاءٍ، وَبَرَاءَةُ إسْقَاطٍ فَإِذَا أُطْلِقَ حُمِلَ عَلَى الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ أَقَلُّ كَأَنَّهُ نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ أَبْرَأْتُك بَرَاءَةَ قَبْضٍ وَاسْتِيفَاءٍ، وَفِيهِ لَا يَرْجِعُ، وَلَوْ قَالَ أَبْرَأْتُك بَرَاءَةَ إسْقَاطٍ صَحَّ، وَوَجَبَ عَلَى الْبَائِعِ رَدُّ مَا قَبَضَ مِنْ الْمُشْتَرِي بِخِلَافِ الْهِبَةِ وَالْحَطِّ لَا يَتَنَوَّعُ إلَى نَوْعَيْنِ، وَإِنَّمَا هِيَ إسْقَاطٌ، وَإِذَا وَهَبَ كُلَّ الدَّيْنِ أَوْ حَطَّ أَوْ أَبْرَأَهُ مِنْهُ فَهُوَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا هَذَا جُمْلَةُ مَا أَوْرَدَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ كِتَابِ الشُّفْعَةِ، وَفِي شَرْحِ كِتَابِ الرَّهْنِ، وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي الْبَابِ الثَّانِي فِي شَرْحِ كِتَابِ الرَّهْنِ أَنَّ الْإِبْرَاءَ الْمُضَافَ إلَى الثَّمَنِ بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ صَحِيحٌ حَتَّى يَجِبَ عَلَى الْبَائِعِ رَدُّ مَا قَبَضَ مِنْ الْمُشْتَرِي، وَسَوَّى بَيْنَ الْإِبْرَاءِ وَالْهِبَةِ وَالْحَطِّ فَيُتَأَمَّلْ عِنْدَ الْفَتْوَى، وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا أَبْرَأَهُ، وَلَمْ يُعَيِّنْ أَنَّهَا إسْقَاطٌ أَوْ اسْتِيفَاءٌ. فَإِنْ قُلْتُ: هَلْ لِبَقَاءِ الدَّيْنِ بَعْدَ إيفَائِهِ فَائِدَةٌ أُخْرَى. قُلْتُ: نَعَمْ لَوْ كَانَ بِالدَّيْنِ رَهْنٌ ثُمَّ قَضَاهُ الدَّيْنَ ثُمَّ هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ هَلَكَ بِالدَّيْنِ، وَوَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّ الْمَقْبُوضِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَبْرَأَهُ ثُمَّ هَلَكَ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي بَابِهِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْإِبْرَاءَ يَسْقُطُ بِهِ الدَّيْنُ أَصْلًا، وَبِالِاسْتِيفَاءِ لَا يَسْقُطُ لِقِيَامِ الْمُوجِبِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ أَوْ أَبْرَأَهُ عَنْ الْقَبْضِ كَذَا فِي مِنَحِ الْغَفَّارِ أَيْضًا) قَالَ الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَيْهَا هَكَذَا رَأَيْته فِي خَطِّهِ وَخَطِّ صَاحِبِ الْبَحْرِ، وَهُوَ سَبْقُ قَلَمٍ مِنْ صَاحِبِ الْبَحْرِ فَتَبِعَهُ الْمُؤَلِّفُ فِيهِ، وَالصَّوَابُ أَوْ أَبْرَأَهُ عَنْ الْبَعْضِ اهـ. قُلْتُ: وَهَكَذَا عِبَارَةُ الذَّخِيرَةِ، وَنَصُّهَا أَوْ أَبْرَأَهُ عَنْ بَعْضِ الثَّمَنِ قَبْلَ الْقَبْضِ (قَوْلُهُ فَيُتَأَمَّلُ عِنْدَ الْفَتْوَى) هَذَا مِنْ عِبَارَةِ الذَّخِيرَةِ، وَقَوْلُهُ وَاخْتَلَفُوا إلَخْ الْأَوْلَى ذَكَرَهُ بِالْفَاءِ لِيَكُونَ بَيَانًا لِحَاصِلِ مَا قَدَّمَهُ، وَهُوَ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي صُورَةِ عَدَمِ التَّعْيِينِ قَالَ فِي النَّهْرِ، وَعُرِفَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي رُجُوعِ الدَّافِعِ بِمَا أَدَّاهُ إذَا أَبْرَأَهُ بَرَاءَةَ إسْقَاطٍ، وَفِي عَدَمِ رُجُوعِهِ إذَا أَبْرَأَهُ بَرَاءَةَ اسْتِيفَاءٍ، وَأَنَّ الْخِلَافَ مَعَ الْإِطْلَاقِ، وَعَلَى هَذَا تَفَرَّعَ مَا لَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِإِبْرَائِهَا عَنْ الْمَهْرِ ثُمَّ دَفَعَهُ لَهَا لَا يَبْطُلُ التَّعْلِيقُ فَإِذَا أَبْرَأَتْهُ بَرَاءَةَ إسْقَاطٍ وَقَعَ، وَرَجَعَ عَلَيْهَا كَذَا فِي الْأَشْبَاهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 131 لِلدَّيْنِ، وَقَدْ كَتَبْنَا فِي الْفَوَائِدِ الْفِقْهِيَّةِ مِنْ كِتَابِ الْمُدَايَنَاتِ لَهُ فَائِدَتَيْنِ أَيْضًا (قَوْلُهُ وَيَتَعَلَّقُ الِاسْتِحْقَاقُ بِكُلِّهِ) أَيْ بِكُلِّ مَا وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَيْهِ، وَبِالزِّيَادَةِ فَلَا يُطَالِبُ الْمُشْتَرِي بِالْمَبِيعِ حَتَّى يَدْفَعَ الزِّيَادَةَ، وَلِلْبَائِعِ حَبْسُهُ حَتَّى يَقْبِضَهَا، وَإِذَا اسْتَحَقَّ الْمَبِيعُ رَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى بَائِعِهِ بِالْكُلِّ، وَإِذَا أَجَازَ الْمُسْتَحِقُّ اسْتَحَقَّ الْكُلَّ، وَإِذَا رَدَّ الْمَبِيعَ بِعَيْبٍ أَوْ خِيَارِ شَرْطٍ أَوْ رُؤْيَةٍ رَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى بَائِعِهِ بِالْكُلِّ، وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانَ مِنْ الشُّفْعَةِ الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ إذَا بَاعَ الدَّارَ بِأَلْفٍ ثُمَّ إنَّ الْوَكِيلَ حَطَّ عَنْ الْمُشْتَرِي مِائَةً مِنْ الثَّمَنِ صَحَّ حَطُّهُ، وَيَضْمَنُ قَدْرَ الْمَحْطُوطِ لِلْآمِرِ، وَيَبْرَأُ الْمُشْتَرِي عَنْ الْمِائَةِ، وَيَأْخُذُ الشَّفِيعُ الدَّارَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ لِأَنَّ حَطَّ الْوَكِيلِ لَا يَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ اهـ. (قَوْلُهُ وَتَأْجِيلُ كُلِّ دَيْنٍ إلَّا الْقَرْضَ) أَيْ صَحَّ لِأَنَّ الدَّيْنَ حَقُّهُ فَلَهُ أَنْ يُؤَخِّرَهُ سَوَاءٌ كَانَ ثَمَنَ مَبِيعٍ أَوْ غَيْرَهُ تَيْسِيرًا عَلَى مَنْ عَلَيْهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَمْلِكُ إبْرَاءَهُ مُطْلَقًا فَكَذَا مُؤَقَّتًا، وَلَا بُدَّ مِنْ قَبُولِهِ مِمَّنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ فَلَوْ لَمْ يَقْبَلْهُ بَطَلَ التَّأْخِيرُ فَيَكُونُ حَالًّا كَذَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ، وَيَصِحُّ تَعْلِيقُ التَّأْجِيلِ بِالشَّرْطِ فَلَوْ قَالَ رَبُّ الدَّيْنِ لِمَنْ عَلَيْهِ أَلْفٌ حَالَّةٌ إنْ دَفَعْت إلَيَّ غَدًا خَمْسَمِائَةٍ فَالْخَمْسُمِائَةِ الْأُخْرَى مُؤَخَّرَةٌ عَنْك إلَى سَنَةٍ فَهُوَ جَائِزٌ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ، وَإِنَّمَا لَا يُؤَجَّلُ الْقَرْضُ لِكَوْنِهِ إعَارَةً وَصِلَةً فِي الِابْتِدَاءِ حَتَّى يَصِحُّ بِلَفْظِ الْإِعَارَةِ، وَلَا يَمْلِكُهُ مَنْ لَا يَمْلِكُ التَّبَرُّعَ كَالصَّبِيِّ وَالْوَصِيِّ، وَمُعَاوَضَةً فِي الِانْتِهَاءِ فَعَلَى اعْتِبَارِ الِابْتِدَاءِ لَا يَلْزَمُ التَّأْجِيلُ فِيهِ كَمَا فِي الْإِعَارَةِ إذْ لَا جَبْرَ فِي التَّبَرُّعِ، وَعَلَى اعْتِبَارِ الِانْتِهَاءِ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بَيْعَ الدَّرَاهِمِ بِالدَّرَاهِمِ نَسِيئَةً، وَهُوَ رِبًا، وَمُرَادُهُمْ مِنْ الصِّحَّةِ اللُّزُومُ، وَمِنْ عَدَمِ صِحَّتِهِ فِي الْقَرْضِ عَدَمِ اللُّزُومِ، وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا أَجَّلَهُ بَعْدَ الِاسْتِهْلَاكِ أَوْ قَبْلَهُ هُوَ الصَّحِيحُ، وَلَيْسَ مِنْ تَأْجِيلِ الْقَرْضِ تَأْجِيلُ بَدَلِ الدَّرَاهِمِ أَوْ الدَّنَانِيرِ الْمُسْتَهْلَكَةِ إذْ بِاسْتِهْلَاكِهَا لَا تَصِيرُ قَرْضًا. وَالْحِيلَةُ فِي لُزُومِ تَأْجِيلِ الْقَرْضِ أَنْ يُحِيلَ الْمُسْتَقْرِضَ الْمُقْرِضَ عَلَى آخَرَ بِدَيْنِهِ فَيُؤَجِّلُ الْمُقْرِضُ ذَلِكَ الرَّجُلَ الْمُحَالَ عَلَيْهِ فَيَلْزَمُ حِينَئِذٍ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَإِذَا لَزِمَ فَإِنْ كَانَ لِلْمُحِيلِ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَلَا إشْكَالَ، وَإِلَّا أَقَرَّ الْمُحِيلُ بِقَدْرِ الْمُحَالِ بِهِ لِلْمُحَالِ عَلَيْهِ مُؤَجَّلًا إلَيْهِ أَشَارَ فِي الْمُحِيطِ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ الْقَرْضُ الْمَجْحُودُ يَجُوزُ تَأْجِيلُهُ، وَفِي الْقُنْيَةِ مِنْ كِتَابِ الْمُدَايَنَاتِ قَضَى الْقَاضِي بِلُزُومِ الْأَجَلِ فِي الْقَرْضِ بَعْدَمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ تَأْجِيلُ الْقَرْضِ مُعْتَمِدًا عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى يَصِحُّ، وَيَلْزَمُ الْأَجَلُ، وَفِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ مِنْ كِتَابِ الْحَوَالَةِ لَوْ كَفَلَ بِالْحَالِّ مُؤَجَّلًا تَأَخَّرَ عَنْ الْأَصِيلِ، وَإِنْ كَانَ قَرْضًا لِأَنَّ الدَّيْنَ وَاحِدٌ، وَهِيَ حِيلَةُ تَأْجِيلِ الْقَرْضِ إذْ يَثْبُتُ ضِمْنًا مَا يَمْتَنِعُ قَصْدًا كَبَيْعِ الشِّرْبِ وَالطَّرِيقِ، وَلَا يَلْزَمُ مَا أُجِّلَ بَعْدَ الْكَفَالَةِ إذْ مَوْضُوعُهَا أَنْ يُضِيفَ إلَى اللَّازِمِ بِالْكَفَالَةِ لَا الدَّيْنِ حَتَّى لَوْ عُكِسَ تَأَخَّرَ عَنْ الْأَصِيلِ أَيْضًا حَذْوَ الْإِبْرَاءِ. اهـ. وَلَمْ يَسْتَثْنِ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ تَأْجِيلِ الْقَرْضِ شَيْئًا، وَاسْتَثْنَى مِنْهُ فِي الْهِدَايَةِ مَا إذَا أَوْصَى أَنْ يُقْرِضَ مِنْ مَالِهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ فُلَانًا إلَى سَنَةٍ حَيْثُ يَلْزَمُ مِنْ ثُلُثِهِ أَنْ يُقْرِضُوهُ، وَلَا يُطَالِبُوهُ قَبْلَ الْمُدَّةِ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ بِالتَّبَرُّعِ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيَّةِ بِالْخِدْمَةِ وَالسُّكْنَى فَيَلْزَمُ حَقًّا لِلْمُوصِي اهـ. وَلَا يَنْحَصِرُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بَلْ كَذَلِكَ إذَا كَانَ لَهُ قَرْضٌ عَلَى إنْسَانٍ فَأَوْصَى أَنْ يُؤَجَّلَ سَنَةً صَحَّ، وَلَزِمَ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ، وَقَدْ كَتَبْنَا فِي الْفَوَائِدِ الْفِقْهِيَّةِ أَنَّ الْمُسْتَثْنَى لَا يَنْحَصِرُ فِي الْقَرْضِ بَلْ كَذَلِكَ لَا يَصِحُّ تَأْجِيلُ الدَّيْنِ فِي صُوَرِ الْأُولَى لَوْ مَاتَ الْمَدْيُون، وَحَلَّ الْمَالُ فَأَجَّلَ الدَّائِنُ وَارِثَهُ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّ الدَّيْنَ فِي الذِّمَّةِ، وَفَائِدَةُ التَّأْجِيلِ أَنْ يَتَّجِرَ فَيُؤَدِّيَ الثَّمَنَ مِنْ نَمَاءِ الْمَالِ فَإِذَا مَاتَ مَنْ لَهُ الْأَجَلُ تَعَيَّنَ الْمَتْرُوكُ لِقَضَاءِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ فَلَا يُطَالِبُ الْمُشْتَرِي بِالْمَبِيعِ إلَخْ) أَيْ لَا يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يُطَالِبَ الْبَائِعَ بِالْمَبِيعِ حَتَّى يَدْفَعَ الْمُشْتَرِي لَهُ الزِّيَادَةَ، وَلِلْبَائِعِ حَبْسُ الْمَبِيعِ حَتَّى يَقْبِضَهَا مِنْ الْمُشْتَرِي هَذَا مَعْنَى هَذِهِ الْعِبَارَةِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالزِّيَادَةِ فِيهَا الزِّيَادَةُ فِي الثَّمَنِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ. وَالْكَلَامُ الْآنَ فِي الزِّيَادَةِ فِي الْمَبِيعِ (قَوْلُهُ وَهِيَ حِيلَةُ تَأْجِيلِ الْقَرْضِ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَكِنْ فِي السِّرَاجِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ إذَا أَقْرَضَ رَجُلٌ رَجُلًا مَالًا فَكَفَلَ بِهِ رَجُلٌ عَنْهُ إلَى وَقْتٍ كَانَ عَلَى الْكَفِيلِ إلَى وَقْتِهِ، وَعَلَى الْمُسْتَقْرِضِ حَالًّا. اهـ. ، وَسَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْكَفَالَةِ ذِكْرُ الْمَسْأَلَةِ أَيْضًا، وَنَقَلَ الْمُؤَلِّفُ هُنَاكَ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة مَعْزِيَّا إلَى الذَّخِيرَةِ وَالْغِيَاثِيَّةِ مَا يُوَافِقُ مَا فِي السِّرَاجِ، وَذَكَرَ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ مِثْلَهُ عَنْ عِدَّةِ كُتُبٍ، وَذَكَرَ أَنَّ هَذِهِ الْحِيلَةَ لَمْ يَقُلْ بِهَا أَحَدٌ غَيْرَ الْحَصِيرِيِّ فِي التَّحْرِيرِ، وَأَنَّهُ إذَا تَعَارَضَ كَلَامُهُ وَحَدَهُ مَعَ كَلَامِ كُلِّ الْأَصْحَابِ لَا يُفْتَى بِهِ (قَوْلُهُ بَلْ كَذَلِكَ لَا يَصِحُّ تَأْجِيلُ الدَّيْنِ فِي صُوَرٍ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ بَعْدَ ذِكْرِهِ لَهَا، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ يُعْطِي أَنَّ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ لَا يَصِحُّ التَّأْجِيلُ أَصْلًا لَا أَنَّهُ يَصِحُّ، وَلَا يَلْزَمُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ مَا فِي الْبَحْرِ إذْ جَعَلَهُ مُلْحَقًا بِالْقَرْضِ ثُمَّ قَالَ وَالْحَاصِلُ أَنَّ تَأْجِيلَ الدُّيُونِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ إلَخْ، وَقَدْ عَلِمْت مَا هُوَ الْوَاقِعُ اهـ. قُلْتُ: الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبَاطِلِ هُنَا مَا لَا يَجُوزُ فِعْلُهُ، وَالْمُضِيُّ وَبِالصَّحِيحِ مَا يَجُوزُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 132 الدَّيْنِ فَلَا يُفِيدُ التَّأْجِيلُ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ فِي كُلِّ دَيْنٍ، وَذَكَرَهُ فِي الْقُنْيَةِ فِي الْقَرْضِ، الثَّانِيَةِ أَجَّلَ الْمُشْتَرِي الشَّفِيعَ فِي الثَّمَنِ لَمْ يَصِحَّ كَمَا سَيَأْتِي فِيهَا، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي الْقُنْيَةِ، وَفِي الْخُلَاصَةِ بِمَوْتِ الْبَائِعِ لَا يَبْطُلُ الْأَجَلُ، وَيَبْطُلُ بِمَوْتِ الْمُشْتَرِي، الثَّالِثَةُ تَأْجِيلُ ثَمَنِ الْمَبِيعِ عِنْدَ الْإِقَالَةِ لَا يَصِحُّ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْقُنْيَةِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ تَأْجِيلَ الدَّيْنِ عَلَى ثَلَاثَةٍ أَوْجُهٍ بَاطِلٌ، وَهُوَ تَأْجِيلٌ بَدَلِيُّ الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ، وَصَحِيحٌ غَيْرُ لَازِمٍ، وَهُوَ الْقَرْضُ وَالدَّيْنُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَتَأْجِيلُ الشَّفِيعِ وَثَمَنُ الْمَبِيعِ بَعْدَ الْإِقَالَةِ، وَلَازِمٌ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ قَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوَاهُ الْمَدْيُونُ إذَا قَالَ بَرِئْت مِنْ الْأَجَلِ أَوْ لَا حَاجَةَ لِي فِي الْأَجَلِ لِهَذَا الدَّيْنِ لَمْ يَكُنْ إبْطَالًا لِلْأَجَلِ، وَلَوْ قَالَ أَبْطَلْت الْأَجَلَ أَوْ قَالَ تَرَكْته صَارَ حَالًّا، وَالْمَدْيُونُ إذَا قَضَى الدَّيْنَ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ فَاسْتَحَقَّ الْمَقْبُوضُ مِنْ الْقَابِضِ أَوْ وَجَدَهُ زُيُوفًا فَرَدَّهُ كَانَ الدَّيْنُ عَلَيْهِ إلَى أَجَلِهِ، وَلَوْ اشْتَرَى مِنْ مَدْيُونِهِ شَيْئًا بِالدَّيْنِ، وَقَبَضَهُ ثُمَّ تَقَايَلَا الْبَيْعَ لَا يَعُودُ الْأَجَلُ، وَلَوْ وَجَدَ بِالْمَبِيعِ عَيْبًا فَرَدَّهُ بِقَضَاءٍ عَادَ الْأَجَلُ، وَلَوْ كَانَ بِهَذَا الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ كَفِيلٌ لَا تَعُودُ الْكَفَالَةُ فِي الْوَجْهَيْنِ. اهـ. وَفِي الْخُلَاصَةِ، وَإِبْطَالُ الْأَجَلِ يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ، وَلَوْ قَالَ كُلَّمَا دَخَلَ نَجْمٌ، وَلَمْ يُؤَدَّ فَالْمَالُ حَالٌّ صَحَّ، وَالْمَالُ يَصِيرُ حَالًّا اهـ (تَتِمَّةٌ) فِي مَسَائِلِ الْقَرْضِ قَالَ فِي الْمُحِيطِ، وَيَجُوزُ الْقَرْضُ فِيمَا هُوَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ كَالْمَكِيلِ، وَالْمَوْزُونِ وَالْعَدَدِيِّ الْمُتَقَارِبِ كَالْبَيْضِ، وَالْجَوْزِ لِأَنَّ الْقَرْضَ مَضْمُونٌ بِالْمِثْلِ، وَلَا يَجُوزُ فِي غَيْرِ الْمِثْلِيِّ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ، وَيَمْلِكُهُ الْمُسْتَقْرِضُ بِالْقَبْضِ كَالصَّحِيحِ، وَالْمَقْبُوضُ بِقَرْضٍ فَاسِدٍ يَتَعَيَّنُ لِلرَّدِّ، وَفِي الْقَرْضِ الْجَائِزِ لَا يَتَعَيَّنُ بَلْ يَرُدُّ الْمِثْلَ، وَإِنْ كَانَ قَائِمًا، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَيْسَ لَهُ إعْطَاءُ غَيْرِهِ إلَّا بِرِضَاهُ، وَعَارِيَّةُ مَا جَازَ قَرْضُهُ قَرْضٌ، وَمَا لَا يَجُوزُ قَرْضُهُ عَارِيَّةٌ، وَلَا يَجُوزُ قَرْضٌ جَرَّ نَفْعًا بِأَنْ أَقْرَضَهُ دَرَاهِمَ مُكَسَّرَةً بِشَرْطِ رَدِّ صَحِيحَةٍ أَوْ أَقْرَضَهُ طَعَامًا فِي مَكَان بِشَرْطِ رَدِّهِ فِي مَكَان آخَرَ فَإِنْ قَضَاهُ أَجْوَدَ بِلَا شَرْطٍ جَازَ، وَيُجْبَرُ الدَّائِنُ عَلَى قَبُولِ الْأَجْوَدِ، وَقِيلَ لَا كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَفِي الْخُلَاصَةِ الْقَرْضُ بِالشَّرْطِ حَرَامٌ، وَالشَّرْطُ لَيْسَ بِلَازِمٍ بِأَنْ يُقْرَضَ عَلَى أَنْ يَكْتُبَ إلَى بَلَدِ كَذَا حَتَّى يُوَفِّيَ دَيْنَهُ. اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ، وَلَا بَأْسَ بِهَدِيَّةِ مَنْ عَلَيْهِ الْقَرْضُ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَتَوَرَّعَ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ إنَّمَا يُعْطِيهِ لِأَجْلِ الْقَرْضِ أَوْ أَشْكَلَ فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ يُعْطِيهِ لَا لِأَجْلِ الْقَرْضِ بَلْ لِقَرَابَةٍ أَوْ صَدَاقَةٍ بَيْنَهُمَا لَا يَتَوَرَّعُ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الْمُسْتَقْرِضُ مَعْرُوفًا بِالْجُودِ، وَالسَّخَاءِ جَازَ، وَلَا يَجُوزُ قَرْضُ مَمْلُوكٍ أَوْ مُكَاتَبٍ دِرْهَمًا فَصَاعِدًا لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى التَّبَرُّعِ، وَلَوْ اشْتَرَى بِقَرْضٍ لَهُ عَلَيْهِ فُلُوسًا جَازَ، وَيُشْتَرَطُ قَبْضُهَا فِي الْمَجْلِسِ، وَلَوْ أَمَرَ الْمُقْرِضُ الْمُسْتَقْرِضَ أَنْ يُصَارِفَ بِمَالِهِ عَلَيْهِ لَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا، وَهِيَ مَسْأَلَةُ أَسْلِمْ مَالِي عَلَيْك، وَلَوْ دَفَعَ الْمُسْتَقْرِضُ إلَى الْمُقْرِضِ دَرَاهِمَ لِيَصْرِفَهَا بِدَنَانِيرَ، وَيَأْخُذَ حَقَّهُ مِنْهُ فَهُوَ وَكِيلٌ وَأَمِينٌ فَلَوْ تَلِفَتْ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَ دَيْنَهُ لَا يَبْطُلَ دَيْنُهُ وَبَيْعُ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ جَائِزٌ إذَا افْتَرَقَا عَنْ قَبْضِهِمَا فِي الصَّرْفِ أَوْ عَنْ قَبْضِ أَحَدِهِمَا فِي غَيْرِ الصَّرْفِ، وَلَوْ اشْتَرَى الْمُسْتَقْرِضُ الْكُرَّ الْقَرْضَ مِنْ الْمُقْرِضِ جَازَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَفِي الْخُلَاصَةِ، وَإِبْطَالُ الْأَجَلِ إلَخْ) أَيْ إبْطَالُ الْأَجَلِ عَنْ الْمَدْيُونِ يَبْطُلُ إذَا عُلِّقَ بِشَرْطٍ فَاسِدٍ. وَقَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ إلَخْ تَفْرِيعٌ عَلَى مَفْهُومِ هَذَا الْأَصْلِ فَإِنَّ الشَّرْطَ غَيْرُ فَاسِدٍ فَلِذَا صَحَّ إبْطَالُ الْأَجَلِ، وَلَمْ أَرَ الْمَسْأَلَةَ فِي هَذَا الْمَحِلِّ مِنْ الْخُلَاصَةِ، وَلَعَلَّ صُورَتَهُ أَنْ يَقُولَ الْمَدْيُونُ إنْ أَعْطَيْتنِي كَذَا فَقَدْ أَبْطَلْت الْأَجَلَ، وَانْظُرْ مَا يَأْتِي قُبَيْلَ قَوْلِهِ، وَمَا لَا يَبْطُلُ فَالشَّرْطُ آخِرُ الْمُتَفَرِّقَاتِ (قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ فِي غَيْرِ الْمِثْلِيِّ) أَيْ قَصْدًا قَالَ الْمُؤَلِّفُ أَوَائِلَ فَصْلِ الْفُضُولِيّ، وَاسْتِقْرَاضُ غَيْرِ الْمِثْلِيِّ جَائِزٌ ضِمْنًا، وَإِنْ لَمْ يَجُزْ قَصْدًا أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّجُلَ إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى عَبْدِ الْغَيْرِ صَحَّ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ. اهـ. وَتَمَامُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ هُنَاكَ (قَوْلُهُ وَيُجْبَرُ الدَّائِنُ عَلَى قَبُولِ الْأَجْوَدِ، وَقِيلَ لَا) صَحَّحَ فِي الْخَانِيَّةِ الثَّانِي فَقَالَ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ كَمَا لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ أَنْقَصَ مِمَّا عَلَيْهِ، وَإِنْ قَبِلَ جَازَ كَمَا لَوْ أَعْطَاهُ خِلَافَ الْجِنْسِ، وَذَكَرَهُ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ أَنَّهُ إذَا أَعْطَاهُ أَجْوَدَ مِمَّا عَلَيْهِ يُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ، وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ اشْتَرَى بِقَرْضٍ لَهُ عَلَيْهِ فُلُوسًا جَازَ) فِي لِسَانِ الْحُكَّامِ، وَفِي الْمُحِيطِ رَجُلٌ لَهُ عَلَى آخَرَ فُلُوسٌ أَوْ طَعَامٌ فَاشْتَرَى مَا عَلَيْهِ بِدَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ، وَتَفَرَّقَا قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ كَانَ الْعَقْدُ بَاطِلًا، وَقَالَ الْعِمَادِيُّ، وَهَذَا فَصْلٌ يَجِبُ حِفْظُهُ، وَكُلُّ النَّاسِ عَنْهُ غَافِلُونَ. اهـ. فَتَاوَى الطُّورِيِّ. (قَوْلُهُ وَلَوْ اشْتَرَى الْمُسْتَقْرِضُ الْكُرَّ الْقَرْضَ مِنْ الْمُقْرِضِ جَازَ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ الْمُرَادُ بِالْكُرِّ الْكُرُّ الدَّيْنُ الثَّابِتُ بِذِمَّةِ الْمُسْتَقْرِضِ لَا الْكُرُّ الْعَيْنُ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ شِرَاؤُهُ لَهُ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ كَمَا سَيَأْتِي اهـ. كَلَامُ الرَّمْلِيِّ. وَأَقُولُ: فِي الْأَشْبَاهِ مِنْ أَحْكَامِ الْمِلْكِ اخْتَلَفُوا فِي الْقَرْضِ هَلْ يَمْلِكُهُ الْمُسْتَقْرِضُ بِالْقَبْضِ أَوْ بِالتَّصَرُّفِ، وَفَائِدَتُهُ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ بَاعَ الْمُقْرِضُ مِنْ الْمُسْتَقْرِضِ الْكُرَّ الْمُسْتَقْرَضَ الَّذِي فِي يَدِ الْمُسْتَقْرِضِ قَبْلَ الِاسْتِهْلَاكِ يَجُوزُ لِأَنَّهُ صَارَ مِلْكًا لِلْمُسْتَقْرِضِ، وَعِنْدَ الثَّانِي لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْمُسْتَقْرَضَ قَبْلَ الِاسْتِهْلَاكِ. اهـ. وَلْيُتَأَمَّلْ فِي مُنَاسَبَةِ التَّعْلِيلِ لِلْحُكْمِ اهـ. قَالَ الْحَمَوِيُّ فَإِنَّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 133 وَيُشْتَرَطُ قَبْضُ ثَمَنِهِ فِي الْمَجْلِسِ فَإِنْ أَدَّى الثَّمَنَ فَوَجَدَ بِالْكُرِّ عَيْبًا رَدَّهُ أَوْ رَجَعَ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ، وَلَوْ اشْتَرَى مَا عَلَيْهِ بِكُرٍّ مِثْلِهِ جَازَ إنْ كَانَ عَيْبًا، وَلَا يَجُوزُ إنْ كَانَ دَيْنًا فَلَوْ وَجَدَ بِالْمَقْرُوضِ عَيْبًا لَمْ يَرْجِعْ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ، وَلَوْ اشْتَرَى الْمُسْتَقْرِضُ كُرَّ الْمُقْرِضِ بِعَيْنِهِ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَلَوْ بَاعَهُ مِنْ الْمُقْرِضِ جَازَ، وَلَا يَنْفَسِخُ الْقَرْضُ اهـ. وَفِي الْقُنْيَةِ مِنْ بَابِ الْقُرُوضِ شِرَاءُ الشَّيْءِ الْيَسِيرِ بِثَمَنٍ غَالٍ إذَا كَانَ لَهُ حَاجَةٌ إلَى الْقَرْضِ يَجُوزُ وَيُكْرَهُ، اسْتَقْرَضَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَأَرْسَلَ عَبْدَهُ لِيَأْخُذَهَا مِنْ الْمُقْرِضِ فَقَالَ الْمُقْرِضُ دَفَعْتُهَا إلَيْهِ، وَأَقَرَّ الْعَبْدُ بِهِ، وَقَالَ دَفَعْتهَا إلَى مَوْلَايَ، وَأَنْكَرَ الْمَوْلَى قَبْضَ الْعَبْدِ الْعَشَرَةَ فَالْقَوْلُ لَهُ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَا يَرْجِعُ الْمُقْرِضُ عَلَى الْعَبْدِ لِأَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ قَبَضَهَا بِحَقٍّ، اسْتِقْرَاضُ   [منحة الخالق] الْحُكْمَ بِالْعَكْسِ كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَالْخَانِيَّةِ، وَغَيْرِهِمَا، وَسَبَبُ الْإِشْكَالِ أَنَّ " لَا " سَقَطَتْ مِنْ كَلَامِ النَّاسِخِ الْأَوَّلِ مِنْ قَوْلِهِ يَجُوزُ حَيْثُ قَالَ بَاعَ الْمُقْرِضُ مِنْ الْمُسْتَقْرِضِ قَبْلَ الِاسْتِهْلَاكِ يَجُوزُ، وَالصَّوَابُ لَا يَجُوزُ، وَزَادَ فِي قَوْلِهِ وَعِنْدَ الثَّانِي لَا يَجُوزُ، وَالصَّوَابُ يَجُوزُ، وَبَعْدَ إصْلَاحِ عِبَارَتِهَا بِإِثْبَاتٍ لَا فِي الْعِبَارَةِ الْأُولَى، وَإِسْقَاطُهَا مِنْ الثَّانِيَةِ بَقِيَ التَّعْلِيلُ مُنَاسِبًا لِلْحُكْمِ اهـ. كَلَامُ الْحَمَوِيِّ. قُلْتُ: وَقَدْ رَأَيْت فِي نُسْخَتَيْنِ مِنْ الْبَزَّازِيَّةِ لَا يَجُوزُ فِي الْأَوَّلِ، وَيَجُوزُ فِي الثَّانِي فَلَا إشْكَالَ، هَذَا وَقَدْ نَبَّهَ الرَّمْلِيُّ فِي عِبَارَتِهِ السَّابِقَةِ عَلَى شَيْءٍ دَقِيقٍ مَنْ لَمْ يُلَاحِظْهُ يَقَعُ فِي الْخَبْطِ، وَهُوَ أَنَّ بَيْعَ الْمُقْرِضِ الْكُرَّ مِنْ الْمُسْتَقْرِضِ تَارَةً يَكُونُ لِلْكُرِّ الَّذِي اسْتَقْرَضَهُ بِعَيْنِهِ، وَتَارَةً يَكُونُ لِلَّذِي فِي ذِمَّتِهِ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ فَحُكْمُهُ مَا مَرَّ، وَلِذَا قَيَّدَهُ الْبَزَّازِيُّ بِقَوْلِهِ الْكُرُّ الَّذِي فِي يَدِ الْمُسْتَقْرِضِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ إذَا كَانَ قَائِمًا عِنْدَهُمَا قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ لِأَنَّ عِنْدَهُمَا الْمُسْتَقْرَضُ يَصِيرُ مِلْكًا لِلْمُسْتَقْرِضِ بِنَفْسِ الْقَرْضِ فَيَصِيرُ مُشْتَرِيًا مِلْكَ نَفْسِهِ أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فَالْكُرُّ الْمُسْتَقْرَضُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ الْمُقْرِضِ فَيَصِيرُ الْمُسْتَقْرِضُ شَارِيًا مِلْكَ غَيْرِهِ فَيَصِحُّ قَالَ وَلَوْ كَانَ الْمُسْتَقْرِضُ هُوَ الَّذِي بَاعَ الْكُرَّ مِنْ الْمُقْرِضِ جَازَ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافٍ، وَأَنَّهُ ظَاهِرٌ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لِأَنَّ الْمُسْتَقْرِضَ مَلَكَهُ بِنَفْسِ الْقَرْضِ عِنْدَهُمَا فَإِنَّمَا بَاعَ مِلْكَ نَفْسِهِ، وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ بَعْضُهُمْ قَالُوا يَجُوزُ لِأَنَّهُ عَلَى قَوْلِهِ، وَإِنْ كَانَ الْمُسْتَقْرِضُ لَا يَمْلِكُهُ بِنَفْسِ الْقَرْضِ إلَّا أَنَّهُ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيهِ بَيْعًا وَهِبَةً وَاسْتِهْلَاكًا فَيَصِيرُ مُتَمَلِّكًا لَهُ، وَبِالْبَيْعِ مِنْ الْمُقْرِضِ صَارَ مُتَصَرِّفًا فِيهِ، وَمُسْتَهْلِكًا عَلَى نَفْسِهِ مِلْكَهُ، وَزَالَ عَنْ مِلْكِ الْمُقْرِضِ فَصَحَّ الْبَيْعُ مِنْهُ اهـ. كَلَامُ الذَّخِيرَةِ. وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَقَدْ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ أَيْضًا قَالَ مُحَمَّدٌ رَجُلٌ أَقْرَضَ رَجُلًا كُرًّا مِنْ طَعَامٍ، وَقَبَضَهُ الْمُسْتَقْرِضُ ثُمَّ إنَّ الْمُسْتَقْرِضَ اشْتَرَى مِنْ الْمُقْرِضِ الْكُرَّ الطَّعَامَ الَّذِي لَهُ عَلَيْهِ بِمِائَةِ دِينَارٍ جَازَ لِأَنَّ الْكُرَّ الْقَرْضَ دَيْنٌ وَجَبَ عَلَى الْمُسْتَقْرِضِ لَا بِعَقْدِ الصَّرْفِ، وَلَا بِعَقْدِ السَّلَمِ، وَبَيْعُهُ جَائِزٌ ثُمَّ إنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يَذْكُرْ أَنَّ الْكُرَّ الْمُسْتَقْرَضَ قَائِمٌ فِي يَدِ الْمُسْتَقْرِضِ وَقْتَ الشِّرَاءِ أَوْ مُسْتَهْلَكٌ لِجَوَازِهِ مُطْلَقًا فَإِنْ كَانَ مُسْتَهْلَكًا وَقْتَ الشِّرَاءِ فَالْجَوَازُ قَوْلُ الْكُلِّ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مِلْكًا لِلْمُسْتَقْرِضِ بِالِاسْتِهْلَاكِ، وَيَجِبُ مِثْلُهُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ بِلَا خِلَافٍ فَإِذَا اشْتَرَى الْكُرَّ الَّذِي عَلَيْهِ لِلْمُقْرِضِ فَقَدْ أَضَافَ الشِّرَاءَ إلَى مَا هُوَ مَوْجُودٌ فَيَصِحُّ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنْ قَائِمًا فَالْجَوَابُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّهُ يَصِيرُ مَمْلُوكًا بِنَفْسِ الْقَبْضِ بِحُكْمِ الْقَرْضِ عِنْدَهُمَا، وَيَجِبُ مِثْلُهُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ لِأَنَّهُ عَلَى قَوْلِهِ لَا يَصِيرُ مِلْكًا لِلْمُسْتَقْرِضِ مَا لَمْ يَسْتَهْلِكْهُ، وَلَا يَجِبُ مِثْلُهُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ قِبَلَهُ، وَإِنْ أَضَافَ الشِّرَاءَ إلَى الْكُرِّ الَّذِي فِي ذِمَّتِهِ، وَلَا كُرَّ فِي ذِمَّتِهِ فَقَدْ أَضَافَهُ إلَى الْمَعْدُومِ فَلَا يَجُوزُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَيُشْتَرَطُ قَبْضُ بَدَلِهِ فِي الْمَجْلِسِ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ فَإِنْ قَبَضَ الْمُقْرِضُ الثَّمَنَ مِنْ الْمُسْتَقْرِضِ قَبْلً أَنْ يَتَفَرَّقَا فَالشِّرَاءُ مَاضٍ عَلَى صِحَّتِهِ لِأَنَّ الِافْتِرَاقَ حَصَلَ بَعْدَ قَبْضِ أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ حَقِيقَةً فِيمَا لَيْسَ بِصَرْفٍ، وَإِنْ افْتَرَقَا قَبْلَ الْقَبْضِ اُنْتُقِضَ الْبَيْعُ وَعَادَ الْكُرُّ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ الْمُسْتَقْرِضِ لِأَنَّ الِافْتِرَاقَ حَصَلَ عَنْ دَيْنٍ بِدَيْنٍ فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَبْطُلَ الْعَقْدُ لِأَنَّ الْكُرَّ فِي ذِمَّةِ الْمُسْتَقْرِضِ فِي حُكْمِ الْمَقْبُوضِ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ، وَإِنْ كَانَ فِي حُكْمِ الْمَقْبُوضِ إلَّا أَنَّهُ دَيْنٌ حَقِيقَةً فَالدَّرَاهِمُ إذَا لَمْ تُقْبَضْ فَهُوَ دَيْنٌ حَقِيقَةً وَحُكْمًا، وَكَانَ الرُّجْحَانُ لِجَانِبِ الدَّيْنِيَّةِ، وَالْعِبْرَةُ لِلرَّاجِحِ. اهـ. وَتَمَامُهُ فِيهَا. (قَوْلُهُ فَإِنْ أَدَّى الثَّمَنَ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ إنَّمَا كَانَ لَهُ رَدُّهُ، وَالرُّجُوعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ لِأَنَّهُ شَرَى مَا فِي ذِمَّتِهِ، وَدَفَعَ لَهُ ثَمَنَهُ عَلَى أَنَّهُ سَلِيمٌ فَبَانَ مَعِيبًا فَيَرْجِعُ بِنُقْصَانِهِ، وَأَمَّا الْكُرُّ الْمَرْدُودُ فَلَيْسَ هُوَ الْمَبِيعَ بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَاهُ بِكُرٍّ مِثْلِهِ حَيْثُ لَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ لِأَنَّهُ يَكُونُ رِبًا إذْ الرِّبَوِيُّ إذَا بِيعَ بِجِنْسِهِ فَالشَّرْطُ الْمُسَاوَاةُ، وَالزَّائِدُ رِبًا مُطْلَقًا سَلِيمًا كَانَ أَوْ مَعِيبًا فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ يَجُوزُ وَيُكْرَهُ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ ذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّ هَذَا جَائِزٌ، وَهَذَا مَذْهَبُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ إمَامِ بَلْخٍ فَإِنَّهُ رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ لَهُ سِلَعٌ، وَكَانَ إذَا اسْتَقْرَضَ إنْسَانٌ مِنْهُ شَيْئًا كَانَ يَبِيعُهُ أَوَّلًا سِلْعَةً بِثَمَنٍ غَالٍ ثُمَّ نَقَدَ مِنْهُ بَعْضَ الدَّنَانِيرِ إلَى تَمَامِ حَاجَتِهِ، وَكَثِيرٌ مِنْ مَشَايِخِ بَلْخٍ كَانُوا يَكْرَهُونَ ذَلِكَ، وَكَانُوا يَقُولُونَ هَذَا قَرْضٌ جَرَّ مَنْفَعَةً، وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ إنْ كَانَا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ كُرِهَ، وَإِلَّا لَا بَأْسَ بِهِ، وَكَانَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ يُفْتِي بِقَوْلِ الْخَصَّافِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 134 الدَّقِيقِ وَزْنًا يَجُوزُ، وَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يُبْرِئَ كُلٌّ صَاحِبَهُ، وَالْجَوَازُ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَرِوَايَةُ الْأَصْلِ بِخِلَافِهِ، اسْتِقْرَاضُ الْحِنْطَةِ وَزْنًا يَجُوزُ، وَعَنْهُمَا خِلَافُهُ، بُخَارِيٌّ اسْتَقْرَضَ مِنْ سَمَرْقَنْدِيٍّ حِنْطَةً بِسَمَرْقَنْدَ لِيَدْفَعَهَا بِبُخَارَى لَيْسَ لَهُ الْمُطَالَبَةُ إلَّا بِسَمَرْقَنْدَ، وَفِي اسْتِقْرَاضِ السِّرْقِينِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مِثْلِيٌّ أَوْ قِيَمِيٌّ، وَاسْتِقْرَاضُ الْعَجِينِ فِي بِلَادِنَا وَزْنًا يَجُوزُ لَا جُزَافًا، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِاسْتِقْرَاضِ الْخَمِيرَةِ، وَيَنْبَغِي الْجَوَازُ مِنْ غَيْرِ وَزْنٍ «، وَسُئِلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ خَمِيرَةٍ يَتَعَاطَاهَا الْجِيرَانُ أَيَكُونُ رِبًا فَقَالَ مَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ حَسَنٌ عِنْدَ اللَّهِ، وَمَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ قَبِيحًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ قَبِيحٌ» أَنْفَقَ مِنْ قَصَّابٍ لُحُومًا، وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ قَرْضٌ أَوْ شِرَاءٌ فَذَلِكَ قَرْضٌ فَاسِدٌ يَمْلِكُهُ بِالْقَبْضِ وَلَا يَحِلُّ أَكْلُهُ، الْقَرْضُ الْفَاسِدُ يُفِيدُ عِنْدَ الْقَبْضِ الْمِلْكَ، يُعْطِيهِ مَدْيُونَهُ حِنْطَةً يُنْفِقُهَا وَيَحْسِبَانِهَا فَلَهُ إنْفَاقُهَا وَتَكُونُ قَرْضًا، وَالدِّبْسُ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ اسْتِقْرَاضُهُ، عِشْرُونَ رَجُلًا جَاءُوا وَاسْتَقْرَضُوا مِنْ رَجُلٍ وَأَمَرُوهُ أَنْ يَدْفَعَ الدَّرَاهِمَ إلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَدَفَعَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَطْلُبَ مِنْهُ إلَّا حِصَّتَهُ، وَحَصَلَ بِهَذَا رِوَايَةُ مَسْأَلَةٍ أُخْرَى أَنَّ التَّوْكِيلَ بِقَبْضِ الْقَرْضِ يَصِحُّ، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ التَّوْكِيلُ بِالِاسْتِقْرَاضِ. اهـ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (بَابُ الرِّبَا) وَجْهُ مُنَاسَبَتِهِ لِلْمُرَابَحَةِ أَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا زِيَادَةً إلَّا أَنَّ تِلْكَ حَلَالٌ، وَهَذِهِ حَرَامٌ، وَالْحِلُّ هُوَ الْأَصْلُ فِي الْأَشْيَاءِ فَقَدَّمَ مَا يَتَعَلَّقُ بِتِلْكَ الزِّيَادَةِ عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ، وَالرِّبَا بِكَسْرِ الرَّاءِ، وَفَتْحُهَا خَطَأٌ، وَفِي الْمِصْبَاحِ الرِّبَا الْفَضْلُ، وَالزِّيَادَةُ، وَهُوَ مَقْصُورٌ عَلَى الْأَشْهُرِ، وَيُثَنَّى رِبَوَانِ بِالْوَاوِ عَلَى الْأَصْلِ، وَقَدْ يُقَالُ رِبَيَانِ عَلَى التَّخْفِيفِ، وَيُنْسَبُ إلَيْهِ عَلَى لَفْظِهِ فَيُقَالُ رِبَوِيٌّ قَالَهُ أَبُو عُبَيْدٍ، وَغَيْرُهُ، وَزَادَ الْمُطَرِّزِيُّ فَقَالَ الْفَتْحُ فِي النِّسْبَةِ خَطَأٌ. اهـ. وَلَيْسَ الْمُرَادُ مُطْلَقَ الْفَضْلِ بِالْإِجْمَاعِ فَإِنَّ فَتْحَ الْأَسْوَاقِ فِي سَائِرِ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ لِلِاسْتِفْضَالِ، وَالِاسْتِرْبَاحِ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ فَضْلٌ مَخْصُوصٌ فَلِذَلِكَ عَرَّفَهُ شَرْعًا بِقَوْلِهِ (فَضْلُ مَالٍ بِلَا عِوَضٍ فِي مُعَاوَضَةِ مَالٍ بِمَالٍ) أَيْ فَضْلُ أَحَدِ الْمُتَجَانِسَيْنِ عَلَى الْآخَرِ بِالْعِيَارِ الشَّرْعِيِّ أَيْ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ، فَفَضْلُ قَفِيزَيْ شَعِيرٍ عَلَى قَفِيزَيْ بُرٍّ لَا يَكُونُ رِبًا، وَكَذَا فَضْلُ عَشَرَةِ أَذْرُعٍ مِنْ ثَوْبٍ هَرَوِيٌّ عَلَى خَمْسَةٍ مِنْهُ، وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ بِلَا عِوَضٍ أَيْ خَالٍ عَنْهُ لِيَخْرُجَ بَيْعُ كُرِّ بُرٍّ وَكُرِّ شَعِيرٍ بِكُرَّيْ بُرٍّ وَكُرَّيْ شَعِيرٍ فَإِنَّ لِلثَّانِي فَضْلًا عَلَى الْأَوَّلِ لَكِنَّهُ غَيْرُ خَالٍ عَنْ الْعِوَضِ لِصَرْفِ الْجِنْسِ إلَى خِلَافِ جِنْسِهِ. وَقَيَّدَ بِالْمُعَاوَضَةِ لِأَنَّ الْفَضْلَ الْخَالِيَ عَنْ الْعِوَضِ الَّذِي فِي الْهِبَةِ لَيْسَ بِرِبًا، وَتَرَكَ الْمُصَنِّفُ قَيْدًا لَا بُدَّ مِنْهُ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْفَضْلُ الْخَالِي مَشْرُوطًا فِي الْعَقْدِ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، وَقَدْ قَيَّدَهُ بِهِ فِي الْوِقَايَةِ، وَقَالَ شَارِحُهَا إنَّمَا قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُ لَوْ شُرِطَ لِغَيْرِهِمَا لَا يَكُونُ رِبًا، وَفِي الْبِنَايَةِ قَالَ عُلَمَاؤُنَا هُوَ بَيْعٌ فِيهِ فَضْلٌ مُسْتَحِقٌّ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ خَالٍ عَمَّا يُقَابِلُهُ مِنْ عِوَضٍ شُرِطَ فِي هَذَا الْعَقْدِ، وَعَلَى هَذَا سَائِرُ أَنْوَاعِ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ مِنْ قَبِيلِ الرِّبَا، وَفِي الذَّخِيرَةِ مِنْ كِتَابِ الْمُدَايَنَاتِ مِنْ الْفَصْلِ الثَّانِي عَشَرَ فِي الْمُتَفَرِّقَاتِ قَالَ مُحَمَّدٌ إذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ مِنْ   [منحة الخالق] وَمُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ، وَيَقُولُ هَذَا لَيْسَ بِقَرْضٍ جَرَّ مَنْفَعَةً هَذَا بَيْعٌ جَرَّ مَنْفَعَةً، وَهِيَ الْقَرْضُ اهـ. مُلَخَّصًا، وَسَيَذْكُرُ الْمُؤَلِّفُ قَبِيلَ قَوْلِهِ، وَعِلَّتُهُ الْقَدْرُ، وَالْجِنْسُ زِيَادَةً عَلَى مَا ذَكَرَهُ هُنَا. [بَابُ الرِّبَا] (قَوْلُهُ فَفَضْلُ قَفِيزَيْ شَعِيرٍ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ أَحَدُ الْمُتَجَانِسَيْنِ، وَقَوْلُهُ وَكَذَا فَضْلُ عَشَرَةِ أَذْرُعٍ تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ بِالْعِيَارِ الشَّرْعِيِّ فَإِنَّ الذَّرْعَ لَيْسَ مِنْهُ (قَوْلُهُ وَتَرَكَ الْمُصَنِّفُ قَيْدًا لَا بُدَّ مِنْهُ إلَخْ) عِبَارَةُ ابْنِ الْكَمَالِ خَالٍ عَنْ عِوَضِ شُرِطَ فِي أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ قَالَ فِي شَرْحِهِ فَلَوْ وُجِدَ الْفَضْلُ فِي أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ، وَلَمْ يَكُنْ مَشْرُوطًا فِي الْعَقْدِ أَوْ كَانَ مَشْرُوطًا فِيهِ، وَلَمْ يَكُنْ فِي أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ بِأَنْ يَكُونَ لِغَيْرِ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي لَا يَكُونُ رِبًا، وَإِنَّمَا قَالَ فِي أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ، وَلَمْ يَقُلْ لِأَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ لِأَنَّ الْعَاقِدَ قَدْ يَكُونُ وَكِيلًا، وَقَدْ يَكُونُ فُضُولِيًّا، وَالْمُعْتَبَرُ كَوْنُ الْفَضْلِ لِلْبَائِعِ أَوْ لِلْمُشْتَرِي اهـ. تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا سَائِرُ أَنْوَاعِ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ مِنْ قَبِيلِ الرِّبَا) هَذَا التَّعْمِيمُ غَيْرُ ظَاهِرٍ لِأَنَّ مِنْ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ مَا سَكَتَ فِيهِ عَنْ الثَّمَنِ، وَبَيْعُ عَرْضٍ بِخَمْرٍ أَوْ بِأُمِّ وَلَدٍ فَتَجِبُ الْقِيمَةُ، وَيَمْلِكُ بِالْقَبْضِ، وَكَذَا بَيْعُ جِذْعٍ فِي سَقْفٍ وَذِرَاعٍ مِنْ ثَوْبٍ يَضُرُّهُ التَّبْعِيضُ وَبَيْعُ ثَوْبٍ مِنْ ثَوْبَيْنِ، وَالْبَيْعُ إلَى النَّيْرُوزِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا سَبَبُ الْفَسَادِ فِيهِ الْجَهَالَةُ أَوْ الضَّرَرُ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ نَعَمْ يَظْهَرُ ذَلِكَ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ بِسَبَبِ شَرْطٍ فِيهِ نَفْعٌ لِأَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ مِمَّا لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَلَا يُلَائِمُهُ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ قُبَيْلَ بَابِ الصَّرْفِ فِي بَحْثِ مَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ حَيْثُ قَالَ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ كُلَّ مَا كَانَ مُبَادَلَةَ مَالٍ بِمَالٍ يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ لَا مَا كَانَ مُبَادَلَةَ مَالٍ بِغَيْرِ مَالٍ أَوْ كَانَ مِنْ التَّبَرُّعَاتِ لِأَنَّ الشُّرُوطَ الْفَاسِدَةَ مِنْ بَابِ الرِّبَا، وَهُوَ يَخْتَصُّ بِالْمُعَاوَضَةِ الْمَالِيَّةِ دُونَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 135 آخَرَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فِضَّةً بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَزَادَ عَلَيْهَا دَانِقًا فَوَهَبَهُ دَانِقًا، وَلَمْ يُدْخِلْهُ فِي الْبَيْعِ إنْ لَمْ يَكُنْ مَشْرُوطًا فِي الشِّرَاءِ لَا يَفْسُدُ الشِّرَاءُ لِأَنَّهُ إذَا وَهَبَ الدَّانِقَ مِنْهُ انْعَدَمَ الرِّبَا قَالُوا إنَّمَا تَصِحُّ هِبَةُ الدَّانِقِ إذَا كَانَتْ الدَّرَاهِمُ بِحَيْثُ يَضُرُّهَا الْكَسْرُ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ هِبَةٌ مُشَاعٌ فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ اهـ. وَفِي جَمْعِ الْعُلُومِ الرِّبَا شَرْعًا عِبَارَةٌ عَنْ عَقْدٍ فَاسِدٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ زِيَادَةٌ لِأَنَّ بَيْعَ الدِّرْهَمِ بِالدِّرْهَمِ نَسِيئَةً رِبًا، وَإِنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ فِيهِ زِيَادَةٌ. اهـ. وَلَا يَرِدُ عَلَى الْمُصَنِّفِ مَا فِي جَمْعِ الْعُلُومِ مِنْ رِبَا النَّسِيئَةِ لِأَنَّ فِيهِ فَضْلًا حُكْمِيًّا، وَالْفَضْلُ فِي عِبَارَتِهِ أَعَمُّ مِنْهُ وَمِنْ الْحَقِيقِيِّ، وَظَاهِرُ مَا فِي جَمْعِ الْعُلُومِ، وَغَيْرِهِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَمْلِكُ الدِّرْهَمَ الزَّائِدَ إذَا قَبَضَهُ فِيمَا إذَا اشْتَرَى دِرْهَمَيْنِ بِدِرْهَمٍ فَإِنَّهُمْ جَعَلُوهُ مِنْ قَبِيلِ الْفَاسِدِ، وَهَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الْأُصُولِيُّونَ فِي بَحْثِ النَّهْيِ فَقَالُوا إنَّ الرِّبَا وَسَائِرَ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ مِنْ قَبِيلِ مَا كَانَ مَشْرُوعًا بِأَصْلِهِ دُونَ وَصْفِهِ، وَفِي كِتَابِ الْمُدَايَنَاتِ مِنْ الْقُنْيَةِ قَالَ أُسْتَاذُنَا وَقَعَتْ وَاقِعَةٌ فِي زَمَانِنَا أَنَّ رَجُلًا كَانَ يَشْتَرِي الذَّهَبَ الرَّدِيءَ زَمَانًا الدِّينَارُ بِخَمْسَةِ دَوَانِقَ ثُمَّ تَنَبَّهَ فَاسْتَحَلَّ مِنْهُمْ فَأَبْرَؤُهُ عَمَّا بَقِيَ لَهُمْ عَلَيْهِ حَالَ كَوْنِ ذَلِكَ مُسْتَهْلَكًا فَكَتَبْت أَنَا وَغَيْرِي أَنَّهُ يَبْرَأُ، وَكَتَبَ رُكْنُ الدِّينِ الرَّانْجَاوِيُّ الْإِبْرَاءُ لَا يُعْمَلُ فِي الرِّبَا لِأَنَّ رَدَّهُ لِحَقِّ الشَّرْعِ، وَقَالَ أَجَابَ بِهِ نَجْمُ الْأَئِمَّةِ الْحَكِيمِيُّ مُعَلِّلًا بِهَذَا التَّعْلِيلِ، وَقَالَ هَكَذَا سَمِعْته عَنْ ظَهِيرِ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيِّ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَرُبَ مِنْ ظَنِّي أَنَّ الْجَوَابَ كَذَلِكَ مَعَ تَرَدُّدٍ فَكُنْت أَطْلُبُ الْفَتْوَى لِأَمْحُوَ جَوَابِي عَنْهُ فَعَرَضْت هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى عَلَاءِ الدِّينِ الْحَنَّاطِيِّ فَأَجَابَ أَنَّهُ يَبْرَأُ إذَا كَانَ الْإِبْرَاءُ بَعْدَ الْهَلَاكِ، وَغَضِبَ مِنْ جَوَابِ غَيْرِهِ أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ فَازْدَادَ ظَنِّي بِصِحَّةِ جَوَابِي، وَلَمْ أَمْحُهُ. وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّتِهِ مَا ذَكَرَهُ الْبَزْدَوِيُّ فِي غِنَاءِ الْفُقَهَاءِ مِنْ جُمْلَةِ صُوَرِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ جُمْلَةُ الْعُقُودِ الرِّبَوِيَّةِ يُمْلَكُ الْعِوَضُ فِيهَا بِالْقَبْضِ قُلْتُ: فَإِذَا كَانَ فَضْلُ الرِّبَا مَمْلُوكًا لِلْقَابِضِ بِالْقَبْضِ فَإِذَا اسْتَهْلَكَهُ عَلَى مِلْكِهِ ضَمِنَ مِثْلَهُ فَلَوْ لَمْ يَصِحَّ الْإِبْرَاءُ وَرَدَّ مِثْلَهُ يَكُونُ ذَلِكَ رَدَّ ضَمَانِ مَا اسْتَهْلَكَهُ لَا رَدَّ عَيْنِ مَا اُسْتُهْلِكَ، وَبِرَدِّ ضَمَانِ مَا اُسْتُهْلِكَ لَا يَرْتَفِعُ الْعَقْدُ السَّابِقُ بَلْ يَتَقَرَّرُ مُفِيدًا لِلْمِلْكِ فِي فَضْلِ الرِّبَا فَلَمْ يَكُنْ فِي رَدِّهِ فَائِدَةُ نَقْضِ عَقْدِ الرِّبَا فَيَجِبَ ذَلِكَ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى، وَإِنَّمَا الَّذِي يَجِبُ حَقًّا لِلشَّرْعِ رَدُّ عَيْنِ الرِّبَا إنْ كَانَ قَائِمًا لَا رَدُّ ضَمَانِهِ انْتَهَى مَا فِي الْقُنْيَةِ، وَهُوَ مُحَرَّمٌ بِالْكِتَابِ، وَالسُّنَّةِ، وَالْإِجْمَاعِ أَمَّا الْكِتَابُ فَآيَاتٌ مِنْهَا {وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] وَالْمُرَادُ بِهِ فِيهَا الْفَضْلُ، وَهُوَ الزِّيَادَةُ لِيَتَعَلَّقَ التَّحْرِيمُ بِهِ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ   [منحة الخالق] غَيْرِهَا مِنْ الْمُعَاوَضَاتِ، وَالتَّبَرُّعَاتِ لِأَنَّ الرِّبَا هُوَ الْفَضْلُ الْخَالِي عَنْ الْعِوَضِ، وَحَقِيقَةُ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ هِيَ زِيَادَةُ مَا لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَلَا يُلَائِمُهُ فَيَكُونُ فِيهِ فَضْلٌ خَالٍ عَنْ الْعِوَضِ، وَهُوَ الرِّبَا بِعَيْنِهِ اهـ. مُلَخَّصًا. (قَوْلُهُ وَلَا يَرِدُ عَلَى الْمُصَنِّفِ مَا فِي جَمْعِ الْعُلُومِ إلَخْ) هَاهُنَا كَلَامٌ، وَهُوَ أَنَّ التَّعْرِيفَ لَا يَصْدُقُ عَلَى رِبَا النَّسِيئَةِ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ فِي صُورَةِ زِيَادَةِ أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ الْغَيْرِ الْحَاضِرِ عَلَى الْآخَرِ الْحَاضِرِ فَضْلٌ لَكِنْ غَيْرُ خَالٍ عَنْ الْعِوَضِ لِأَنَّ نَقْدِيَّةَ الْحَاضِرِ عِوَضٌ لِفَضْلِ غَيْرِ الْحَاضِرِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَعْتَبِرْهَا عِوَضًا، وَالْمُرَادُ الْعِوَضُ الشَّرْعِيُّ، وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ رِبَا النَّسِيئَةِ قَدْ يَتَحَقَّقُ مَعَ التَّسَاوِي بِالْمِعْيَارِ الشَّرْعِيِّ عَلَى مَا سَيَجِيءُ آنِفًا إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الْمَقْصُودَ تَعْرِيفُ الرِّبَا الْحَقِيقِيِّ الْمُتَبَادَرِ مِنْهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، وَإِنَّمَا هُوَ رِبَا الْفَضْلِ فَلَا بَأْسَ بِخُرُوجِ مَا ذَكَرَ عَنْ التَّعْرِيفِ كَمَا لَا يَخْفَى فَتَدَبَّرْ يَعْقُوبِيَّةٌ (قَوْلُهُ وَرَدَّ مِثْلَهُ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ لَوْ لَمْ يَصِحَّ الْإِبْرَاءُ لَا عَلَى الْإِبْرَاءِ فَهُوَ فِعْلُ مَاضٍ، وَمِثْلَهُ مَفْعُولُهُ (قَوْلُهُ فَيَجِبَ ذَلِكَ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى) بِنَصَبِ يَجِبُ بِأَنْ مُضْمَرَةٍ بَعْدَ الْفَاءِ فِي جَوَابِ النَّفْيِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ لِيَجِبَ بِاللَّامِ، وَفِي بَعْضِهَا فَكَيْفَ يَجِبُ (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا الَّذِي يَجِبُ حَقًّا لِلشَّرْعِ إلَخْ) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ قَدْ عَلِمْت أَنَّ الْعَقْدَ الْمَذْكُورَ تَعَلَّقَ بِسَبَبِهِ حَقَّانِ حَقُّ الْعَبْدِ، وَهُوَ رَدُّ عَيْنِهِ إنْ كَانَ بَاقِيًا وَرَدُّ ضَمَانِهِ إنْ مُسْتَهْلَكًا، وَحَقُّ الشَّرْعِ، وَهُوَ رَدُّ عَيْنِهِ بِنَقْضِ الْعَقْدِ السَّابِقِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ شَرْعًا، وَإِبْرَاءُ الْعَبْدِ إنَّمَا يَكُونُ فِيمَا يَمْلِكُهُ، وَهُوَ الدَّيْنُ الثَّابِتُ فِي الذِّمَّةِ، وَلَا شَكَّ فِي بَرَاءَتِهِ عَنْهُ لِأَنَّ الْمَالِكَ قَدْ أَبْرَأَهُ مِنْهُ، وَأَمَّا فِيمَا لَا يَمْلِكُهُ، وَهُوَ حَقُّ الشَّرْعِ فَلَا عَمَلَ لِإِبْرَائِهِ فِيهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ حَقًّا لَهُ. وَقَدْ تَعَذَّرَ بِعَدَمِ التَّصَوُّرِ بَعْدَ الْهَلَاكِ، وَكَلَامُ رُكْنِ الدِّينِ مَفْرُوضٌ فِيهِ أَلَا تَرَاهُ عَلَّلَ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ رَدَّهُ لِحَقِّ الشَّرْعِ، وَمَا ذَكَرَهُ الْبَزْدَوِيُّ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الثَّابِتَ فِي الذِّمَّةِ وَهُوَ ضَمَانُهُ قَابِلٌ لِلْإِبْرَاءِ فَالْوَاجِبُ الْقَطْعُ بِأَنَّ الضَّمَانَ الثَّابِتَ بِالِاسْتِهْلَاكِ فِي الذِّمَّةِ يَقَعُ الْإِبْرَاءُ عَنْهُ، وَأَمَّا حَقُّ الشَّرْعِ فَلِصَاحِبِهِ لَا دَخْلَ لِلْعَبْدِ فِيهِ فَكَيْفَ يَقُولُ بِإِبْرَائِهِ تَأَمَّلْ، وَقَدْ قَدَّمَ قَبْلَ هَذِهِ الْوَرَقَةِ بِسَبْعِ وَرَقَاتٍ الْإِبْرَاءَ الْعَامَّ فِي ضِمْنِ عَقْدٍ فَاسِدٍ لَا يَمْنَعُ الدَّعْوَى كَذَا فِي دَعْوَى الْبَزَّازِيَّةِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا بَعْدَ هَذَا أَنَّ الْإِبْرَاءَ عَنْ الرِّبَا لَا يَصِحُّ فَتُسْمَعُ الدَّعْوَى بِهِ، وَتُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ اهـ كَلَامُ شَيْخِ شَيْخِنَا السَّيِّدِ الْحَمَوِيِّ فِي حَاشِيَةِ الْأَشْبَاهِ أَقُولُ: لَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّ الْحَادِثَةَ كَانَتْ فِي الْإِبْرَاءِ بَعْدَ الِاسْتِهْلَاكِ، وَلَيْسَ هَذَا إلَّا فِي حَقِّ الْعَبْدِ كَمَا قَرَّرَهُ فَحُمِلَ كَلَامُ رُكْنِ الدِّينِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ لِلْإِبْرَاءِ عَنْ الرِّبَا نَفْسِهِ، وَإِنْ صَحَّ فِي ذَاتِهِ لَكِنَّهُ لَا يُنَاسِبُ الْحَادِثَةَ الْمَسْئُولَ عَنْهَا فَلَا يَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى ذَلِكَ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ لَا رَدُّ ضَمَانِهِ) يَعْنِي حَقًّا لِلشَّرْعِ، وَأَمَّا رَدُّهُ حَقًّا لِلْعَبْدِ فَوَاجِبٌ سَيِّدٌ حَمَوِيٌّ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 136 لَا تَتَعَلَّقُ إلَّا بِفِعْلِ الْمُكَلَّفِينَ، وَمِنْهَا {لا تَأْكُلُوا الرِّبَا} [آل عمران: 130] وَالْمُرَادُ مِنْهُ فِيهَا نَفْسُ الزَّائِدِ فِي بَيْعِ الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ عِنْدَ بَيْعِ بَعْضِهَا بِجِنْسِهِ، وَفِي الْمِعْرَاجِ ذَكَرَ اللَّهُ لِآكِلِ الرِّبَا خَمْسَ عُقُوبَاتٍ أَحَدُهَا التَّخَبُّطُ قَالَ تَعَالَى {لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} [البقرة: 275] . قِيلَ فِي مَعْنَاهُ تَنْتَفِخُ بَطْنُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَصِيرُ لَا تَحْمِلُهُ قَدَمَاهُ فَيَصِيرُ كُلَّمَا قَامَ سَقَطَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَصَابَهُ الْمَسُّ، وَيُؤَيِّدُهُ الْحَدِيثُ «يُمْلَأُ بَطْنُهُ نَارًا بِقَدْرِ مَا أَكَلَ مِنْ الرِّبَا» ، وَالْمُرَادُ بِهِ الِافْتِضَاحُ عَلَى رُءُوسِ الْأَشْهَادِ كَمَا فِي حَدِيثٍ آخَرَ «يُنْصَبُ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِآكِلِي الرِّبَا فَيَجْتَمِعُونَ تَحْتَهُ ثُمَّ يُسَاقُونَ إلَى النَّارِ» ، وَالثَّانِي الْمَحْقُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا} [البقرة: 276] وَالْمُرَادُ الْهَلَاكُ، وَالِاسْتِئْصَالُ، وَقِيلَ ذَهَابُ الْبَرَكَةِ وَالِاسْتِمْتَاعِ حَتَّى لَا يَنْتَفِعَ هُوَ بِهِ وَلَا وَلَدُهُ مِنْ بَعْدِهِ، وَالثَّالِثُ الْحَرْبُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة: 279] الْمَعْنَى فِي الْقِرَاءَةِ بِالْمَدِّ أَعْلِمُوا النَّاسَ يَا أَكَلَةَ الرِّبَا إنَّكُمْ حَرْبُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ بِمَنْزِلَةِ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ، وَفِي قِرَاءَةٍ بِغَيْرِ الْمَدِّ أَيْ اعْلَمُوا أَنَّ أَكَلَةَ الرِّبَا حَرْبٌ لِلَّهِ، الرَّابِعُ الْكُفْرُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [البقرة: 278] وَقَالَ {وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} [البقرة: 276] أَيْ كَفَّارٍ بِاسْتِحْلَالِ الرِّبَا، وَالْخَامِسُ الْخُلُودُ فِي النَّارِ قَالَ تَعَالَى {وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 275] يُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّ دِرْهَمٍ وَاحِدٍ مِنْ الرِّبَا أَشَدُّ مِنْ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ زَنْيَةً يَزْنِيهَا الرَّجُلُ، وَمَنْ نَبَتَ لَحْمُهُ مِنْ الْحَرَامِ فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ» ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ كِتَابِ الْبُيُوعِ بَيَانُ الْحَلَالِ الَّذِي هُوَ بَيْعٌ شَرْعًا، وَالْحَرَامِ الَّذِي هُوَ رِبًا، وَلِهَذَا قِيلَ لِمُحَمَّدٍ أَلَا تُصَنِّفُ فِي الزُّهْدِ شَيْئًا قَالَ صَنَّفْت كِتَابَ الْبُيُوعِ، وَلَيْسَ الزُّهْدُ إلَّا اجْتِنَابَ الْحَرَامِ وَالرَّغْبَةَ فِي الْحَلَالِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ. وَأَمَّا السُّنَّةُ فَأَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَى قَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ إذَا أَنْكَرَ رِبَا النَّسَاءِ يَكْفُرُ، وَفِي رِبَا الْفَضْلِ فِي الْقَدْرِ اخْتِلَافٌ فَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَا يَرَى الرِّبَا إلَّا فِي النَّسِيئَةِ لِلْحَدِيثِ إنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ، وَكَلِمَةُ إنَّمَا لِلْحَصْرِ إلَّا أَنَّ عَامَّةَ الصَّحَابَةِ احْتَجُّوا بِأَحَادِيثَ. وَالْجَوَابُ عَنْ تَعَلُّقِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ مُنْصَرِفٌ إلَى مَا لَيْسَ بِمَكِيلٍ، وَلَا مَوْزُونٍ لِقَوْلِهِ آخِرَهُ إلَّا مَا كِيلَ أَوْ وُزِنَ عَلَى أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَجَعَ عَنْ هَذَا الْقَوْلِ فَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ رُجُوعُهُ فَإِجْمَاعُ التَّابِعِينَ بِهِ يَرْفَعُهُ اهـ. مَا فِي الْمِعْرَاجِ، وَفِي الْخُلَاصَةِ لَوْ قُضِيَ بِجَوَازِ بَيْعِ الدِّرْهَمِ بِالدِّرْهَمَيْنِ يَدًا بِيَدٍ بِأَعْيَانِهِمَا أَخْذًا بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ لَا يَنْفُذُ، وَإِنْ كَانَ مُخْتَلَفًا بَيْنَ الصَّحَابَةِ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ أَنَّ أَحَدًا مِنْ الصَّحَابَةِ وَافَقَهُ فَكَانَ مَهْجُورًا. اهـ. وَفِي الْقُنْيَةِ مِنْ الْكَرَاهِيَةِ لَا بَأْسَ بِالْبُيُوعِ الَّتِي يَفْعَلُهَا النَّاسُ لِلتَّحَرُّزِ عَنْ الرِّبَا ثُمَّ رَقْمٌ آخَرُ هِيَ مَكْرُوهَةٌ ذَكَرَ الْبَقَّالِيُّ الْكَرَاهَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ، وَعِنْدَهُمَا لَا بَأْسَ بِهِ قَالَ الزَّرَنْجَرِيُّ خِلَافَ مُحَمَّدٍ فِي الْعَقْدِ بَعْدَ الْقَرْضِ أَمَّا إذَا بَاعَ ثُمَّ دَفَعَ الدَّرَاهِمَ لَا بَأْسَ بِالِاتِّفَاقِ. اهـ. وَفِي الْقُنْيَةِ مِنْ الْكَرَاهِيَةِ يَجُوزُ لِلْمُحْتَاجِ الِاسْتِقْرَاضُ بِالرِّبْحِ اهـ. وَفِي الْخُلَاصَةِ مَعْزِيًّا إلَى النَّوَازِلِ رَجُلٌ لَهُ عَلَى آخَرَ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ فَأَرَادَ أَنْ يُؤَجِّلَهَا إلَى سَنَةٍ، وَيَأْخُذَ مِنْهُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ فَالْحِيلَةُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ بِتِلْكَ الْعَشَرَةِ مَتَاعًا، وَيَقْبِضَ الْمَتَاعَ مِنْهُ، وَقِيمَةُ الْمَتَاعِ عَشَرَةٌ ثُمَّ يَبِيعَ الْمَتَاعَ مِنْهُ بِثَلَاثَةَ عَشَرَ إلَى سَنَةٍ اهـ. قَوْلُهُ (وَعِلَّتُهُ الْقَدْرُ وَالْجِنْسُ) أَيْ عِلَّةُ الرِّبَا أَيْ وُجُوبُ الْمُسَاوَاةِ الَّتِي يَلْزَمُ عِنْدَ فَوْتِهَا الرِّبَا هَكَذَا فَسَّرَهُ السِّغْنَاقِيُّ فِي شَرْحِ الْأَخْسِيكَثِيِّ فِي الْأُصُولِ، وَذَكَرَهُ فِي الْكَافِي سُؤَالًا وَجَوَابًا، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَيْ عِلَّةُ تَحْرِيمِ الزِّيَادَةِ. اهـ. وَفِي الْمِعْرَاجِ أَيْ عِلَّةُ حُرْمَةِ الرِّبَا وَوُجُوبِ الْمُسَاوَاةِ وَالْعِلَّةُ فِي اللُّغَةِ الْمَرَضُ الشَّاغِلُ، وَالْجَمْعُ عِلَلٌ، وَأَعَلَّهُ اللَّهُ فَهُوَ مَعْلُولٌ، وَاعْتَلَّ إذَا مَرَض، وَاعْتَلَّ إذَا تَمَسَّكَ بِحُجَّةٍ، وَأَعَلَّهُ بِكَلِمَةٍ جَعَلَهُ ذَا عِلَّةٍ، وَمِنْهُ إعْلَالَاتُ الْفُقَهَاءِ، وَاعْتِلَالُهُمْ. اهـ. وَأَمَّا فِي الْأُصُولِ فَقَالُوا إنَّهَا فِي اللُّغَةِ هِيَ الْمُغَيِّرُ، وَمِنْهُ سُمِّيَ الْمَرَضُ عِلَّةً لِأَنَّهُ بِحُلُولِهِ يَتَغَيَّرُ حَالُ الْمَحِلِّ عَنْ وَصْفِ الْقُوَّةِ إلَى وَصْفِ الضَّعْفِ، وَلِذَا سُمِّيَ الْجُرْحُ عِلَّةً لِأَنَّهُ بِحُلُولِهِ بِالْمَجْرُوحِ يَتَغَيَّرُ حُكْمُ الْحَالِ، وَفِي الِاصْطِلَاحِ مَا يُضَافُ إلَيْهِ ثُبُوتُ الْحُكْمِ بِلَا وَاسِطَةٍ فَخَرَجَ الشَّرْطُ لِأَنَّهُ لَا يُضَافُ إلَيْهِ ثُبُوتُهُ   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 137 وَالسَّبَبُ، وَالْعَلَامَةُ، وَعِلَّةُ الْعِلَّةِ لِأَنَّهَا بِالْوَاسِطَةِ، وَهَذَا التَّعْرِيفُ شَامِلٌ لِلْعِلَلِ الْمَوْضُوعَةِ كَالْبَيْعِ، وَالنِّكَاحِ. اهـ. وَلِلْمُسْتَنْبِطَةِ كَالْعِلَلِ الْمُؤَثِّرَةِ فِي الْقِيَاسَاتِ، وَالْمُرَادُ بِالْقَدْرِ الْكَيْلُ فِي الْمَكِيلِ، وَالْوَزْنُ فِي الْمَوْزُونِ فَانْحَصَرَ الْمُعَرَّفُ لِلْحُكْمِ فِيهِمَا، وَالتَّعْبِيرُ بِالْقَدْرِ أَخْصَرُ لَكِنَّهُ يَشْمَلُ مَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ إذْ يَشْمَلُ الذَّرْعَ وَالْعَدَّ، وَلَيْسَا مِنْ أَمْوَالِ الرِّبَا كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَلَكِنْ بَعْدَمَا وَضَعُوا الْقَدْرَ بِإِزَاءِ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ كَيْفَ يَشْمَلُ غَيْرَهُمَا. وَالْجِنْسُ فِي اللُّغَةِ الضَّرْبُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَالْجَمْعُ أَجْنَاسٌ، وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ النَّوْعِ فَالْحَيَوَانُ جِنْسٌ، وَالْإِنْسَانُ نَوْعٌ، وَحُكِيَ عَنْ الْخَلِيلِ هَذَا يُجَانِسُ هَذَا أَيْ يُشَاكِلُهُ، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي التَّهْذِيبِ أَيْضًا، وَعَنْ بَعْضِهِمْ فُلَانٌ لَا يُجَانِسُ النَّاسَ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ تَمْيِيزٌ وَلَا عَقْلٌ، وَالْأَصْمَعِيُّ يُنْكِرُ هَذَيْنِ الِاسْتِعْمَالَيْنِ، وَيَقُولُ هُوَ كَلَامُ الْمُوَلَّدِينَ، وَلَيْسَ بِعَرَبِيٍّ كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَاخْتِلَافُ الْجِنْسِ يُعْرَفُ بِاخْتِلَافِ الِاسْمِ الْخَاصِّ وَاخْتِلَافِ الْمَقْصُودِ فَالْحِنْطَةُ وَالشَّعِيرُ جِنْسَانِ عِنْدَنَا لِأَنَّ إفْرَادَ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي الْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، وَالثَّوْبُ الْهَرَوِيُّ وَالْمَرْوِيُّ بِسُكُونِ الرَّاءِ جِنْسَانِ لِاخْتِلَافِ الصَّنْعَةِ وَقِيَامِ الثَّوْبِ بِهَا، وَكَذَا الْمَرْوِيُّ الْمَنْسُوجُ بِبَغْدَادَ، وَخُرَاسَانَ، وَاللَّبَدُ اللامتي وَالطَّالَقَانِيُّ، وَالتَّمْرُ كُلُّهُ جِنْسٌ وَاحِدٌ، وَالْحَدِيدُ، وَالرَّصَاصُ، وَالشَّبَهُ أَجْنَاسٌ، وَكَذَا غَزْلُ الصُّوفِ وَالشَّعْرِ، وَاللَّحْمُ الضَّانِي وَالْمَعْزِيِّ، وَالْبَقَرِيُّ، وَالْأَلْيَةُ، وَاللَّحْمُ، وَشَحْمُ الْبَطْنِ أَجْنَاسٌ، وَدُهْنُ الْبَنَفْسَجِ، وَالْخَيْرِيُّ جِنْسَانِ، وَالْأَدْهَانُ الْمُخْتَلِفَةُ أُصُولُهَا أَجْنَاسٌ، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ رِطْلِ زَيْتٍ غَيْرِ مَطْبُوخٍ بِرِطْلٍ مَطْبُوخٍ مُطَيَّبٍ لِأَنَّ الطِّيبَ زِيَادَةٌ. اهـ. وَفِي الْمِعْرَاجِ الْقَدْرُ عِبَارَةٌ عَنْ الْعِيَارِ، وَالْجِنْسُ عِبَارَةٌ عَنْ مُشَاكَلَةِ الْمَعَانِي. اهـ. وَالْأَصْلُ فِي هَذَا الْبَابِ الْحَدِيثُ الْمَشْهُورُ، وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، وَالذَّهَبُ بِالذَّهَبِ مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ» ، وَفِيهِ رِوَايَتَانِ بِالرَّفْعِ الْحِنْطَةُ أَيْ بَيْعُ الْحِنْطَةِ مِثْلٌ، وَيُنْصَبُ عَلَى الْحَالِ، وَكَذَلِكَ رُوِيَ الرَّفْعُ وَالنَّصْبُ فِي يَدًا بِيَدٍ فَالرَّفْعُ عَطْفٌ عَلَى الْخَبَرِ أَيْ مِثْلٌ، وَمَقْبُوضَةٌ، وَالنَّصْبُ عَلَى الْحَالِ بِتَأْوِيلِهِ بِالْمُشْتَقِّ أَيْ مُتَنَاجِزَيْنِ. وَهَذَا الْحَدِيثُ لِشُهْرَتِهِ ظَنَّ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ مُتَوَاتِرٌ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ حَدُّهُ، وَقَالَ الْجَصَّاصُ إنَّهُ يَقْرُبُ مِنْ الْمُتَوَاتِرِ لِكَثْرَةِ رُوَاتِهِ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ سِتَّةَ عَشَرَ صَحَابِيًّا عُمَرَ، وَعُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ، وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَسَارِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، وَبِلَالٍ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَمَعْمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُثْمَانُ، وَهِشَامُ بْنُ عَامِرٍ، وَالْبَرَاءُ، وَزَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ، وَخَالِدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ، وَأَبُو بَكْرَةَ، وَابْنُ عُمَرَ، وَأَبُو الدَّرْدَاءِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -، وَقَدْ أَطَالَ الْكَلَامَ فِي بَيَانِهِ فِي الْبِنَايَةِ ثُمَّ قَالَ آخِرًا، وَلَيْسَ فِي الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ الْبُدَاءَةُ بِالْحِنْطَةِ، وَإِنَّمَا هِيَ مَذْكُورَةٌ فِي أَثْنَائِهِ، وَلَكِنَّهُ ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ بَادِئًا بِالْحِنْطَةِ. اهـ. وَالْحُكْمُ مَعْلُولٌ بِإِجْمَاعِ الْقَايِسِينَ لَكِنَّ الْعِلَّةَ عِنْدَنَا مَا ذَكَرْنَاهُ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ الطَّعْمُ فِي الْمَطْعُومَاتِ، وَالثَّمَنِيَّةُ فِي الْأَثْمَانِ، وَالْجِنْسِيَّةُ شَرْطٌ، وَالْمُسَاوَاةُ مَخْلَصٌ. وَالْأَصْلُ هُوَ الْحُرْمَةُ عِنْدَهُ لِأَنَّهُ نَصَّ عَلَى شَرْطَيْنِ التَّقَابُضِ، وَالْمُمَاثَلَةِ، وَكُلُّ ذَلِكَ يُشْعِرُ بِالْعِزَّةِ وَالْخَطَرِ كَاشْتِرَاطِ الشَّهَادَةِ فِي النِّكَاحِ فَيُعَلَّلُ بِعِلَّةٍ تُنَاسِبُ إظْهَارَ الْخَطَرِ وَالْعِزَّةِ، وَهُوَ الطُّعْمُ لِبَقَاءِ الْإِنْسَانِ، وَالثَّمَنِيَّةُ لِبَقَاءِ الْأَمْوَالِ الَّتِي هِيَ مَنَاطُ الْمَصَالِحِ بِهَا، وَلَا أَثَرَ لِلْجِنْسِيَّةِ فِي ذَلِكَ فَجَعَلْنَاهُ شَرْطًا، وَالْحُكْمُ قَدْ يَدُورُ مَعَ الشَّرْطِ، وَلَنَا أَنَّهُ أَوْجَبَ الْمُمَاثَلَةَ شَرْطًا فِي الْبَيْعِ، وَهُوَ الْمَقْصُودُ بِسَوْقِهِ تَحْقِيقًا لِمَعْنَى الْبَيْعِ إذْ هُوَ يُنْبِئُ عَنْ التَّقَابُلِ وَذَلِكَ بِالتَّمَاثُلِ أَوْ صِيَانَةً لِأَمْوَالِ النَّاسِ عَنْ التَّوَى أَوْ تَتْمِيمًا لِلْفَائِدَةِ بِاتِّصَالِ التَّسْلِيمِ بِهِ ثُمَّ يَلْزَمُ عِنْدَ فَوْتِهِ حُرْمَةُ الرِّبَا، وَالْمُمَاثَلَةُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ بِاعْتِبَارِ الصُّورَةِ وَالْمَعْنَى، وَالْمِعْيَارُ يُسَوِّي الذَّاتَ، وَالْجِنْسِيَّةُ تُسَوِّي الْمَعْنَى فَيَظْهَرُ الْفَضْلُ عَلَى ذَلِكَ فَيَتَحَقَّقُ الرِّبَا لِأَنَّ الرِّبَا هُوَ الْفَضْلُ الْمُسْتَحَقُّ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَلَا يُعْتَبَرُ الْوَصْفُ   [منحة الخالق] [عِلَّةُ الرِّبَا] (قَوْلُهُ وَلَكِنْ بَعْدَمَا وَضَعُوا إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا فِي حَيِّزِ الْمَنْعِ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُمْ أَرَادُوا هَذَا الْمَعْنَى مِنْ اللَّفْظِ، وَهَذَا لَا يُفِيدُ عَدَمَ شُمُولِهِ لِغَيْرِهِ وَضْعًا نَعَمْ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ الْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي الْقَدْرِ لِلْعَهْدِ، وَالْمُرَادُ الْكَيْلُ، وَالْوَزْنُ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 138 لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ تَفَاوُتًا عُرْفًا أَوْ لِأَنَّ فِي اعْتِبَارِهِ سَدَّ بَابِ الْبِيَاعَاتِ أَوْ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «جَيِّدُهَا وَرَدِيئُهَا سَوَاءٌ» ، وَالطَّعْمُ، وَالثَّمَنِيَّةُ مِنْ أَعْظَمِ وُجُوهِ الْمَنَافِعِ، وَالسَّبِيلُ فِي مِثْلِهَا الْإِطْلَاقُ بِأَبْلَغِ الْوُجُوهِ لِشِدَّةِ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهَا دُونَ التَّضْيِيقِ فَلَا يُعْتَبَرُ بِمَا ذَكَرَهُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ. قَوْلُهُ (وَحَرُمَ الْفَضْلُ وَالنَّسَاءُ بِهِمَا) أَيْ بِالْقَدْرِ وَالْجِنْسِ لِوُجُودِ الْعِلَّةِ بِتَمَامِهَا، وَالْفَضْلُ الزِّيَادَةُ، وَالنَّسَاءُ بِالْمَدِّ التَّأْخِيرُ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْمِصْبَاح، وَإِنَّمَا ذَكَرَ النَّسِيءَ فَقَالَ وَالنَّسِيءُ مَهْمُوزٌ عَلَى فَعِيلٍ، وَيَجُوزُ الْإِدْغَامُ لِأَنَّهُ زَائِدٌ، وَهُوَ التَّأْخِيرُ، وَالنَّسِيئَةُ عَلَى فَعَيْلَةٍ مِثْلُهُ، وَهُمَا اسْمَانِ مِنْ نَسَأَ اللَّهُ أَجَلَهُ مِنْ بَابِ نَفَعَ، وَأَنْسَاهُ اللَّهُ بِأَلْفٍ إذَا أَخَّرَهُ. اهـ. وَفِي الْبِنَايَةِ النَّسَاءُ بِفَتْحِ النُّونِ، وَالْمَدِّ الْبَيْعُ إلَى أَجَلٍ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّهُ بِالْمَدِّ لَا غَيْرُ قَوْلُهُ (وَالنَّسَاءُ فَقَطْ بِأَحَدِهِمَا) أَيْ وَحَرُمَ التَّأْخِيرُ لَا الْفَضْلُ بِوُجُودِ الْقَدْرِ فَقَطْ، وَالْجِنْسِ فَقَطْ، وَلَهُ صُورَتَانِ إحْدَاهُمَا بَاعَ حِنْطَةً بِشَعِيرٍ مُتَفَاضِلًا صَحَّ لَا نَسِيئَةً، الثَّانِيَةُ بَاعَ ثَوْبًا مَرْوِيًّا بِمَرْوِيَّيْنِ جَازَ حَاضِرًا، وَلَوْ بَاعَ عَبْدًا بِعَبْدٍ إلَى أَجَلٍ لَا يَجُوزُ لِوُجُودِ الْجِنْسِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الْجِنْسُ بِانْفِرَادِهِ لَا يُحَرِّمُ النَّسَاءَ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِالتَّأْخِيرِ إلَّا شُبْهَةُ الْفَضْلِ، وَحَقِيقَةُ الْفَضْلِ جَائِزٌ فَالشُّبْهَةُ أَوْلَى، وَلَنَا أَنَّهُ مَالُ الرِّبَا مِنْ وَجْهٍ نَظَرًا إلَى الْقَدْرِ أَوْ إلَى الْجِنْسِ، وَالنَّقْدِيَّةُ أَوْجَبَتْ فَضْلًا فِي الْمَالِيَّةِ فَيَتَحَقَّقُ شُبْهَةُ الرِّبَا، وَهِيَ مَانِعَةٌ عَنْ الْجَوَازِ كَالْحَقِيقَةِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ قَالَ مَوْلَانَا الْأَكْمَلُ فِيهِ بَحْثٌ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا مَا قِيلَ إنَّ كَوْنَهُ مِنْ مَالِ الرِّبَا مِنْ وَجْهِ شُبْهَةٍ، وَكَوْنُ الشُّبْهَةِ أَوْجَبَتْ فَضْلًا شُبْهَةً فَصَارَتْ شُبْهَةَ الشُّبْهَةِ فَالشُّبْهَةُ هِيَ الْمُعْتَبَرَةُ دُونَ النَّازِلِ عَنْهَا، وَالثَّانِي أَنَّ كَوْنَهَا شُبْهَةَ الرِّبَا كَالْحَقِيقَةِ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُطْلَقًا أَوْ فِي مَحِلِّ الْحَقِيقَةِ، وَالْأَوَّلُ مَمْنُوعٌ، وَالثَّانِي مُسَلَّمٌ لَكِنَّهَا كَانَتْ جَائِزَةً فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فَيَجِبُ أَنْ تَكُونَ الشُّبْهَةُ كَذَلِكَ. وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ الشُّبْهَةَ الْأُولَى فِي الْمَحِلِّ، وَالثَّانِيَةَ فِي الْحُكْمِ، وَثَمَّةَ شُبْهَةٌ أُخْرَى، وَهِيَ الَّتِي فِي الْعِلَّةِ، وَلِشُبْهَةِ الْعِلَّةِ وَالْمَحِلِّ تَثْبُتُ شُبْهَةُ الْحُكْمِ لَا شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ، وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ الْقِسْمَةَ غَيْرُ حَاصِرَةٍ بَلْ الشُّبْهَةُ مَانِعَةٌ فِي مَحِلِّ الشُّبْهَةِ إذَا وُجِدَتْ الْعِلَّةُ بِكَمَالِهَا. اهـ. وَاسْتَدَلَّ بَعْضُهُمْ لِمَذْهَبِنَا «بِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ إنَّهُ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ قَالَ وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَتَمَامُهُ فِي الْبِنَايَةِ، وَأَوْرَدَ أَنَّهُ بَعْضُ الْعِلَّةِ فَلَا يَثْبُتُ بِهِ الْحُكْمُ، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ عِلَّةٌ تَامَّةٌ لِحُرْمَةِ النَّسَاءِ، وَإِنْ كَانَ بَعْضَ عِلَّةٍ لِحُرْمَةِ الْفَضْلِ فَلَا يُؤَدِّي إلَى تَوْزِيعِ أَجْزَاءِ الْحُكْمِ عَلَى أَجْزَاءِ الْعِلَّةِ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ، وَأَوْرَدَ أَيْضًا أَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَالنَّسَاءُ فَقَطْ بِأَحَدِهِمَا يَمْنَعُ جَوَازَ إسْلَامِ النُّقُودِ فِي الزَّعْفَرَانِ أَوْ الْقُطْنِ لِوُجُودِ الْقَدْرِ، وَهُوَ الْوَزْنُ مَعَ أَنَّهُ جَائِزٌ فَأَجَابَ عَنْهُ فِي الْهِدَايَةِ بِأَنَّهُمَا لَا يَتَّفِقَانِ فِي صِفَةِ الْوَزْنِ أَمَّا إذَا اخْتَلَفَا فِي الْمَعْنَى فَيَجُوزُ لِأَنَّ النُّقُودَ تُوزَنُ بِالصَّنَجَاتِ، وَالزَّعْفَرَانَ بِالْأَمْنَاءِ فَنَقُولُ الدَّرَاهِمُ مَعَ الزَّعْفَرَانِ وَإِنْ اتَّفَقَا فِي الْوَزْنِ صُورَةً فَقَدْ اخْتَلَفَا فِيمَا يُوزَنُ بِهِ صُورَةً وَمَعْنًى، وَحُكْمًا فَيَجُوزُ التَّأْخِيرُ أَمَّا الِاخْتِلَافُ الصُّورِيُّ فَمَا بَيَّنَّاهُ. وَأَمَّا الِاخْتِلَافُ فِي الْمَعْنَى فَلِأَنَّ النُّقُودَ لَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ، وَالزَّعْفَرَانُ، وَنَحْوُهُ يَتَعَيَّنُ، وَأَمَّا الِاخْتِلَافُ فِي الْأَحْكَامِ فَيَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِي النُّقُودِ قَبْلَ قَبْضِهَا بِخِلَافِ الْمُثَمَّنِ فَلَمْ يَجْمَعْهُمَا الْقَدْرُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَنَزَلَتْ الشُّبْهَةُ فِيهِ إلَى شُبْهَةِ الشُّبْهَةِ فَإِنَّ الْمَوْزُونَيْنِ إذَا اتَّفَقَا كَانَ الْمَنْعُ لِلشُّبْهَةِ، وَإِذَا لَمْ يَتَّفِقَا كَانَ ذَلِكَ شُبْهَةَ الْوَزْنِ، وَالْوَزْنُ وَحْدَهُ شُبْهَةٌ فَكَانَ ذَلِكَ شُبْهَةَ الشُّبْهَةِ، وَهِيَ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ، وَالصَّنَجَاتُ بِتَحْرِيكِ النُّونِ جَمْعُ صَنْجَةٍ، وَعَنْ ابْنِ السِّكِّيتِ لَا يُقَالُ بِالسِّينِ، وَإِنَّمَا يُقَالُ بِالصَّادِ، وَفِي الْمُغْرِبِ الصَّنَجَاتُ بِالتَّحْرِيكِ جَمْعُ صَنْجَةٍ بِالتَّسْكِينِ، وَعَنْ الْفَرَّاءِ بِالسِّينِ أَفْصَحُ، وَأَنْكَرَ الْقُتَبِيُّ السِّينَ أَصْلًا، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الْوَجْهُ أَنْ يُضَافَ تَحْرِيمُ الْجِنْسِ بِانْفِرَادِهِ إلَى السَّمْعِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ، وَيُلْحَقُ بِهِ تَأْثِيرُ الْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ بِانْفِرَادِهِ ثُمَّ يُسْتَثْنَى إسْلَامُ النُّقُودِ فِي الْمَوْزُونَاتِ بِالْإِجْمَاعِ كَيْ لَا يَنْسَدَّ أَكْثَرُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَلَوْ بَاعَ عَبْدًا بِعَبْدٍ إلَخْ) اعْتَرَضَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ بِأَنَّ عِلَّةَ الْحُكْمِ هُنَا عَدَمُ قَبُولِ الْعَبْدِ التَّأْجِيلَ لَا وُجُودُ الْجِنْسِيَّةِ فَلَوْ مَثَّلَ بِبَيْعِ هَرَوِيٌّ بِمِثْلِهِ لَكَانَ أَوْلَى. اهـ. وَهُوَ مُنَاقَشَةٌ فِي الْمِثَالِ، وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ التَّوْضِيحُ عَلَى أَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ كَوْنِ الْجِنْسِيَّةِ فِيهِ عِلَّةً أَيْضًا، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ الِاسْتِدْلَال لَهُ بِالْحَدِيثِ الْآتِي قَرِيبًا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَحَقِيقَةُ الْفَضْلِ جَائِزٌ) كَمَا لَوْ بَاعَ مَرْوِيًّا بِمَرْوِيَّيْنِ حَاضِرًا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 139 أَبْوَابُ السَّلَمِ، وَسَائِرُ الْمَوْزُونَاتِ خِلَافُ النَّقْدِ لَا يَجُوزُ إسْلَامُهُ فِي الْمَوْزُونَاتِ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَجْنَاسُهَا كَإِسْلَامِ الْحَدِيدِ فِي قُطْنٍ أَوْ زَيْتٍ فِي جُبْنٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ إلَّا إذَا خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ وَزْنِيًّا بِالصَّنْعَةِ إلَّا فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَلَوْ أَسْلَمَ سَيْفًا فِيمَا يُوزَنُ جَازَ إلَّا بِالْحَدِيدِ لِأَنَّ السَّيْفَ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَوْزُونًا، وَمَنْعُهُ فِي الْحَدِيدِ لِاتِّحَادِ الْجِنْسِ، وَكَذَا يَجُوزُ بَيْعُ إنَاءٍ مِنْ غَيْرِ النَّقْدَيْنِ بِمِثْلِهِ مِنْ جِنْسِهِ يَدًا بِيَدٍ نُحَاسًا كَانَ أَوْ حَدِيدًا. وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَثْقَلَ مِنْ الْآخَرِ بِخِلَافِهِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَإِنَّهُ يَجْرِي فِيهَا رِبَا الْفَضْلِ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تُبَاعُ وَزْنًا لِأَنَّ صُورَةَ الْوَزْنِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا فِيهِمَا فَلَا تَتَغَيَّرُ بِالصَّنْعَةِ فَلَا تَخْرُجُ عَنْ الْوَزْنِ بِالْعَادَةِ، وَأَوْرَدَ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ حِينَئِذٍ إسْلَامُ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ لِاخْتِلَافِ طَرِيقَةِ الْوَزْنِ أُجِيبَ بِأَنَّ امْتِنَاعَهُ لِامْتِنَاعِ كَوْنِ النَّقْدِ مُسْلَمًا فِيهِ لِأَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ مَبِيعٌ، وَهُمَا مُتَعَيِّنَانِ لِلثَّمَنِيَّةِ، وَهَلْ يَجُوزُ بَيْعًا قَيْلَ أَنْ كَانَ بِلَفْظِ الْبَيْعِ يَجُوزُ بَيْعًا بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ، وَإِنْ كَانَ بِلَفْظِ السَّلَمِ فَقَدْ قِيلَ لَا يَجُوزُ، وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ يَنْبَغِي أَنْ يَنْعَقِدَ بَيْعًا بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ. اهـ. وَأَمَّا إسْلَامُ الْفُلُوسِ فِي الْمَوْزُونِ فَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مُقْتَضَى مَا ذَكَرُوهُ أَنْ لَا يَجُوزَ فِي زَمَانِنَا لِأَنَّهَا، وَزْنِيَّةٌ. اهـ. وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ جَوَازَهُ قَالَ لِأَنَّهَا عَدَدِيَّةٌ بِخِلَافِ مَا إذَا أَسْلَمَ فُلُوسًا فِي فُلُوسٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْجِنْسَ بِانْفِرَادِهِ يُحَرِّمُ النَّسَاءَ. اهـ. وَالْوَاقِعُ فِي زَمَانِنَا وَزْنُهَا بِدَارِ الضَّرْبِ فَقَطْ، وَأَمَّا التَّعَامُلُ فِي الْأَسْوَاقِ فَبِالْعَدِّ قَوْلُهُ (وَحِلَّا بِعَدَمِهِمَا) أَيْ حَلَّ الْفَضْلُ وَالنَّسَاءُ عِنْدَ انْعِدَامِ الْقَدْرِ وَالْجِنْسِ فَيَجُوزُ بَيْعُ ثَوْبٍ هَرَوِيٌّ بِمَرْوِيَّيْنِ نَسِيئَةً، وَالْجَوْزِ بِالْبَيْضِ نَسِيئَةً لِعَدَمِ الْعِلَّةِ الْمُحَرِّمَةِ، وَعَدَمُ الْعِلَّةِ وَإِنْ كَانَ لَا يُوجِبُ عَدَمَ الْحُكْمِ لَكِنْ إذَا اتَّحَدَتْ الْعِلَّةُ لَزِمَ مِنْ عَدَمِهَا الْعَدَمُ لَا بِمَعْنَى أَنَّهَا تُؤَثِّرُ الْعَدَمَ بَلْ لَا تُثْبِتُ الْوُجُودَ لِعَدَمِ عِلَّةِ الْوُجُودِ فَيَبْقَى عَدَمُ الْحُكْمِ وَهُوَ عَدَمُ الْحُرْمَةِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ عَلَى عَدَمِهِ الْأَصْلِيِّ، وَإِذَا عُدِمَ سَبَبُ الْحُرْمَةِ، وَالْأَصْلُ فِي الْبَيْعِ مُطْلَقًا الْإِبَاحَةُ كَانَ الثَّابِتُ الْحِلَّ. قَوْلُهُ (وَصَحَّ بَيْعُ الْمَكِيلِ كَالْبُرِّ، وَالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرِ، وَالْمِلْحِ، وَالْمَوْزُونِ كَالنَّقْدَيْنِ وَمَا يُنْسَبُ إلَى الرِّطْلِ بِجِنْسِهِ مُتَسَاوِيًا لَا مُتَفَاضِلًا) فَالْبُرُّ، وَالشَّعِيرُ، وَالتَّمْرُ، وَالْمِلْحُ مَكِيلَةً أَبَدًا لِنَصِّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهَا فَلَا يَتَغَيَّرُ أَبَدًا فَيُشْتَرَطُ التَّسَاوِي بِالْكَيْلِ، وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى التَّسَاوِي فِي الْوَزْنِ دُونَ الْكَيْلِ حَتَّى لَوْ بَاعَ حِنْطَةً بِحِنْطَةِ، وَزْنًا لَا كَيْلًا لَمْ يَجُزْ، وَالذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ مَوْزُونَةٌ أَبَدًا لِلنَّصِّ عَلَى وَزْنِهِمَا فَلَا بُدَّ مِنْ التَّسَاوِي فِي الْوَزْنِ حَتَّى لَوْ تَسَاوَى الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ كَيْلًا لَا وَزْنًا لَمْ يَجُزْ، وَكَذَا الْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ لِأَنَّ طَاعَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاجِبَةٌ عَلَيْنَا لِأَنَّ النَّصَّ أَقْوَى مِنْ الْعُرْفِ فَلَا يُتْرَكُ الْأَقْوَى بِالْأَدْنَى، وَمَا لَمْ يُنَصَّ عَلَيْهِ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى عَادَاتِ النَّاسِ لِأَنَّهَا دَلَالَةٌ عَلَى جَوَازِ الْحُكْمِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ اعْتِبَارُهَا عَلَى خِلَافِ النَّصِّ لِأَنَّ النَّصَّ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ إنَّمَا كَانَ لِلْعَادَةِ فَكَانَتْ هِيَ الْمَنْظُورَ إلَيْهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَقَدْ تَبَدَّلَتْ، وَأَمَّا الْإِسْلَامُ فِي الْحِنْطَةِ وَزْنًا فَفِيهِ رِوَايَتَانِ، وَالْفَتْوَى عَلَى الْجَوَازِ لِأَنَّ الشَّرْطَ كَوْنُهُ مَعْلُومًا، وَفِي الْكَافِي الْفَتْوَى عَلَى عَادَةِ النَّاسِ، وَالرِّطْلُ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَفَتْحِهَا قَالَ الْجَوْهَرِيُّ إنَّهُ نِصْفٌ مَنٍّ، وَهُوَ مَا يُوزَنُ بِهِ   [منحة الخالق] وَكَذَا يَجُوزُ بَيْعُ إنَاءٍ مِنْ غَيْرِ النَّقْدَيْنِ إلَخْ) سَيَذْكُرُ عَنْ الْخَانِيَّةِ قُبَيْلَ قَوْلِهِ وَالْفَلْسُ بِالْفَلْسَيْنِ مَا يُفِيدُ تَقْيِيدَهُ بِمَا إذَا كَانَ ذَلِكَ الْإِنَاءُ لَا يُبَاعُ وَزْنًا، وَإِلَّا تُعْتَبَرُ الْمُسَاوَاةُ فِي الْوَزْنِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِهِ مِنْ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ) أَيْ بِخِلَافِ بَيْعِ الْإِنَاءِ مِنْ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ بِمِثْلِهِ مِنْ جِنْسِهِ يَدًا بِيَدٍ وَأَحَدُهُمَا أَثْقَلُ (قَوْلُهُ وَأَمَّا إسْلَامُ الْفُلُوسِ فِي الْمَوْزُونِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَقُولُ: يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَتْ كَاسِدَةً لَا يَجُوزُ لِأَنَّهَا وَزْنِيَّةٌ حِينَئِذٍ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا فِي الْفَتْحِ، وَإِنْ كَانَتْ رَائِجَةً يَجُوزُ لِأَنَّهُمْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَجْرَوْهَا مَجْرَى النُّقُودِ حَتَّى أَوْجَبُوا الزَّكَاةَ فِيهَا، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا فِي الْإِسْبِيجَابِيِّ، وَهَذَا يَجِبُ أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ. [بَيْعُ الْمَكِيلِ كَالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ وَالْمِلْحِ وَالْمَوْزُونِ كَالنَّقْدَيْنِ] (قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ اعْتِبَارُهَا إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ قَالَ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ، وَعَلَى هَذَا فَاسْتِقْرَاضُ الدَّرَاهِمِ عَدَدًا، وَبَيْعُ الدَّقِيقِ وَزْنًا عَلَى مَا هُوَ الْمُتَعَارَفُ فِي زَمَانِنَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَبْنِيًّا عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ اهـ. أَيْ بَيْعُهُ بِمِثْلِهِ وَزْنًا، وَظَاهِرُ مَا فِي الْفَتْحِ يُفِيدُ تَرْجِيحَهَا. اهـ. وَقَوْلُهُ أَيْ بَيْعُهُ بِمِثْلِهِ تَقْيِيدٌ اُحْتُرِزَ بِهِ عَنْ بَيْعِهِ بِالدَّرَاهِمِ مِثْلًا فَإِنَّهُ جَائِزٌ وَزْنًا قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ، وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَا ثَبَتَ كَيْلُهُ بِالنَّصِّ إذَا بِيعَ وَزْنًا بِالدَّرَاهِمِ يَجُوزُ، وَكَذَلِكَ مَا ثَبَتَ وَزْنُهُ بِالنَّصِّ. اهـ. وَقَوْلُهُ وَظَاهِرُ مَا فِي الْفَتْحِ إلَخْ أَيْ حَيْثُ انْتَصَرَ لِأَبِي يُوسُفَ وَرَدَّ مَا أَوْرَدَهُ عَلَى تَعْلِيلِهِ (قَوْلُهُ وَأَمَّا الْإِسْلَامُ فِي الْحِنْطَةِ وَزْنًا إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ ثُمَّ مُقْتَضَى مَا قَالَا امْتِنَاعُ السَّلَمِ فِي الْحِنْطَةِ وَزْنًا، وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَصْحَابِنَا، وَاخْتَارَ الطَّحَاوِيُّ الْجَوَازَ لِأَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ مَعْلُومٌ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَقَوْلُهُ فِي الْكَافِي الْفَتْوَى عَلَى عَادَةِ النَّاسِ يَقْتَضِي أَنَّهُمْ لَوْ اعْتَادُوا أَنْ يُسْلِمُوا فِيهَا كَيْلًا، وَأَسْلَمَ وَزْنًا لَا يَجُوزُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 140 وَفِي النِّهَايَةِ إنَّهُ اثْنَا عَشَرَ أُوقِيَّةً. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ الرِّطْلُ مِائَةُ دِرْهَمٍ، وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا، وَوَزْنُ سَبْعَةٍ، وَفِي الْمُغْرِبِ الرِّطْلُ مَا يُوزَنُ بِهِ أَوْ يُكَالُ بِهِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ ثُمَّ الرِّطْلُ، وَالْأُوقِيَّةُ مُخْتَلِفٌ فِيهِمَا عُرْفُ الْأَمْصَارِ، وَيَخْتَلِفُ فِي الْمِصْرِ الْوَاحِدِ أَمْرُ الْمَبِيعَاتِ فَالرِّطْلُ الْآنَ بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ ثَلَاثُمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَاثْنَا عَشَرَ دِرْهَمًا كُلُّ عَشَرَةٍ، وَزْنُ سَبْعَةٍ، وَفِي مِصْرَ مِائَةٌ وَأَرْبَعَةٌ، وَأَرْبَعُونَ دِرْهَمًا، وَفِي الشَّامِ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ أَرْبَعَةُ أَمْثَالِهِ، وَفِي حَلَبَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، وَتَفْسِيرُ أَبِي عُبَيْدَةَ لَهُ تَفْسِيرٌ لِلرِّطْلِ الْعِرَاقِيِّ الَّذِي قَدَّرَ بِهِ الْفُقَهَاءُ كَيْلَ صَدَقَةِ الْفِطْرِ، وَغَيْرِهَا مِنْ الْكَفَّارَاتِ. اهـ. وَفَسَّرَ فِي الْهِدَايَةِ مَا يُنْسَبُ إلَى الرِّطْلِ بِمَا يُبَاعُ بِالْأَوَاقِيِ، وَفَسَّرَهُ قَاضِي خَانْ أَيْضًا فَقَالَ وَتَفْسِيرُهُ أَنَّ مَا يُبَاعُ بِالْأَوَاقِيِ فَهُوَ وَزْنِيٌّ لِأَنَّهَا قُدِّرَتْ بِطَرِيقِ الْوَزْنِ، وَصَارَتْ وَزْنِيَّةً أَمَّا سَائِرُ الْمَكَايِيلِ مَا قُدِّرَتْ بِالْوَزْنِ فَلَا يَكُونُ وَزْنِيًّا اهـ. حَتَّى يُحْسَبَ مَا يُبَاعُ وَزْنًا، وَهَذَا لِأَنَّهُ يَشُقُّ وَزْنُ الدُّهْنِ بِالْأَمْنَاءِ وَالصَّنَجَاتِ لِعَدَمِ الِاسْتِمْسَاكِ إلَّا فِي وِعَاءٍ، وَفِي وَزْنِ كُلِّ وِعَاءٍ نَوْعُ حَرَجٍ فَاتُّخِذَ الرِّطْلُ لِذَلِكَ، وَالْأَوَاقِي جَمْعُ أُوقِيَّةٍ بِالتَّشْدِيدِ، وَهِيَ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا، وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا مَوَاعِينُ مَعْلُومَاتُ الْوَزْنِ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ فَإِذَا كَانَ مَوْزُونًا فَلَوْ بِيعَ بِمِكْيَالٍ لَا يُعْرَفُ وَزْنُهُ بِمِكْيَالٍ مِثْلِهِ لَا يَجُوزُ، وَلَوْ كَانَ سَوَاءً بِسَوَاءٍ لِتَوَهُّمِ الْفَضْلِ فِي الْوَزْنِ بِمَنْزِلَةِ الْمُجَازَفَةِ، وَفِي التَّبْيِينِ، وَهَذَا مُشْكِلٌ لِأَنَّ الشَّيْئَيْنِ إذَا تَسَاوَيَا فِي كَيْلٍ وَجَبَ أَنْ يَسْتَوِيَا فِي كَيْلٍ آخَرَ، وَلَا تَأْثِيرَ لِكَوْنِ الْكَيْلِ مَعْلُومًا أَوْ مَجْهُولًا فِي ذَلِكَ إذْ لَا يَخْتَلِفُ ثِقَلُهُ فِيهِمَا، وَفِي النِّهَايَةِ قَالَ الْإِسْبِيجَابِيُّ فَائِدَةُ هَذَا أَنَّهُ لَوْ بَاعَ مَا يُنْسَبُ إلَى الرِّطْلِ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا فِي الْكَيْلِ مُتَسَاوِيًا فِي الْوَزْنِ يَجُوزُ، وَهَذَا أَحْسَنُ، وَهُوَ قِيَاسُ الْمَوْزُونَاتِ فَإِنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ إلَّا الْوَزْنُ غَيْرَ أَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بِالْأَوَاقِيِ أَيْضًا إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَيْلٍ وَكِيلٍ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، وَلَا يَنْدَفِعُ هَذَا الْإِشْكَالُ إلَّا إذَا مُنِعَ الْجَوَازُ فِي الْكَيْلِ اهـ. قَوْلُهُ (وَجَيِّدُهُ كَرَدِيئِهِ) أَيْ جَيِّدُ مَا جُعِلَ فِيهِ الرِّبَا كَرَدِيئِهِ حَتَّى لَا يَجُوزُ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخِرِ مُتَفَاضِلًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - جَيِّدُهَا وَرَدِيئُهَا سَوَاءٌ، وَفِي النِّهَايَةِ أَنَّهُ غَرِيبٌ، وَمَعْنَاهُ يُؤْخَذُ مِنْ إطْلَاقِ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَوْ لِأَنَّ الْوَصْفَ لَا يُعَدُّ تَفَاوُتًا عُرْفًا، وَلِأَنَّ فِي اعْتِبَارِهِ سَدَّ بَابِ الْبِيَاعَاتِ قُيِّدَ بِمَالِ الرِّبَا لِأَنَّ الْجَوْدَةَ مُعْتَبَرَةٌ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ فَإِذَا أُتْلِفَ جَيِّدٌ أَلْزَمَهُ مِثْلَهُ قَدْرًا وَجَوْدَةً إنْ كَانَ مِثْلِيًّا، وَقِيمَتَهُ جَيِّدًا إنْ كَانَ قِيَمِيًّا، وَلَكِنْ لَا تُسْتَحَقُّ بِإِطْلَاقِ عَقْدِ الْبَيْعِ حَتَّى لَوْ اشْتَرَى حِنْطَةً أَوْ شَيْئًا فَوَجَدَهُ رَدِيئًا بِلَا عَيْبٍ لَا يَرُدُّهُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ مِنْ الصَّرْفِ، وَقَدَّمْنَاهُ فِي خِيَارِ الْعَيْبِ، وَتُعْتَبَرُ فِي الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ فِي مَالِ الْيَتِيمِ فَلَا يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ بَيْعُ قَفِيزِ حِنْطَةٍ جَيِّدَةٍ بِقَفِيزٍ رَدِيءٍ، وَيَنْبَغِي أَنْ تُعْتَبَرَ فِي مَالِ الْوَقْفِ لِأَنَّهُ كَالْيَتِيمِ، وَقَدْ كَتَبْنَا فِي الْفَوَائِدِ أَنَّهَا مُعْتَبَرَةٌ فِي أَرْبَعَةٍ هَذَانِ، وَفِي حَقِّ الْمَرِيضِ حَتَّى تَنْفُذَ مِنْ الثُّلُثِ، وَفِي الرَّهْنِ الْقَلْبُ إذَا انْكَسَرَ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ، وَنَقَصَتْ قِيمَتُهُ فَإِنَّ الْمُرْتَهِنَ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ ذَهَبًا، وَيَكُونُ رَهْنًا عِنْدَهُ. قَوْلُهُ (وَيُعْتَبَرُ التَّعْيِينُ دُونَ التَّقَابُضِ فِي غَيْرِ الصَّرْفِ مِنْ الرِّبَوِيَّاتِ) لِأَنَّهُ مَبِيعٌ مُتَعَيِّنٌ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقَبْضُ كَغَيْرِ مَالِ الرِّبَا لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ، وَهُوَ التَّمَكُّنُ مِنْ التَّصَرُّفِ بِخِلَافِ الصَّرْفِ لِعَدَمِ تَعَيُّنِهِ إلَّا بِالْقَبْضِ فَاشْتُرِطَ فِيهِ لِيَتَعَيَّنَ، وَالْمُرَادُ بِالْيَدِ فِي الْحَدِيثِ التَّعْيِينُ، وَهُوَ فِي النَّقْدَيْنِ بِالْقَبْضِ، وَفِي غَيْرِهِمَا بِالتَّعْيِينِ فَلَمْ يَلْزَمْ الْجَمْعُ بَيْنَ مَعْنَيَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، وَإِنَّمَا اُشْتُرِطَ الْقَبْضُ فِي الْمَصُوغِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ بِاعْتِبَارِ أَصْلِ خِلْقَتِهِ، وَبَيَانُهُ كَمَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ بِقَوْلِهِ، وَإِذَا تَبَايَعَا كَيْلِيًّا أَوْ وَزْنِيًّا بِوَزْنِيٍّ كِلَاهُمَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ أَوْ مِنْ جِنْسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فَإِنَّ الْبَيْعَ لَا يَجُوزُ حَتَّى يَكُونَ كِلَاهُمَا عَيْنًا أُضِيفَ إلَيْهِ الْعَقْدُ، وَهُوَ حَاضِرٌ أَوْ غَائِبٌ بَعْد أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا فِي مِلْكِهِ، وَالتَّقَابُضُ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ بِالْأَبْدَانِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِجَوَازِهِ إلَّا فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا عَيْنًا أُضِيفَ إلَيْهِ الْعَقْدُ، وَالْآخَرُ دَيْنًا مَوْصُوفًا فِي   [منحة الخالق] وَلَا يَنْبَغِي ذَلِكَ بَلْ إذَا اتَّفَقَا عَلَى مَعْرِفَةِ كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ لِوُجُودِ الْمُصَحَّحِ وَانْتِفَاءِ الْمَانِعِ كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَفَسَّرَ فِي الْهِدَايَةِ مَا يُنْسَبُ إلَى الرِّطْلِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ فَعَلَى هَذَا الزَّيْتُ وَالسَّمْنُ وَالْعَسَلُ وَنَحْوُهَا مَوْزُونَاتٌ وَإِنْ كِيلَتْ بِالْمَوَاعِينِ لِاعْتِبَارِ الْوَزْنِ فِيهَا (قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا مَوَاعِينُ إلَخْ) نَظِيرُهُ فِي عُرْفِنَا الْحِقَاقَ الَّتِي يُبَاعُ بِهَا الزَّيْتُ فَإِنَّ الْحِقَّ اسْمٌ لِمَا يَسَعُ وَزْنًا مَعْلُومًا فَيُكَالُ الزَّيْتُ بِالْحِقَاقِ وَيُحْسَبُ بِالْأَرْطَالِ، وَهَذَا مَعْنَى نِسْبَتِهِ إلَى الرِّطْلِ وَحِينَئِذٍ فَالْحِقُّ يُسَمَّى أُوقِيَّةً (قَوْلُهُ وَفِي التَّبْيِينِ، وَهَذَا مُشْكِلٌ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ، وَقَدَّمْنَا عَنْ الْفَتْحِ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ الْفِضَّةَ بِجِنْسِهَا فِي كِفَّةِ مِيزَانٍ جَازَ لِانْتِفَاءِ احْتِمَالِ التَّفَاضُلِ، وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا ادَّعَاهُ الشَّارِحُ، وَعَنْ الصَّيْرَفِيَّةِ أَيْضًا لَوْ تَبَايَعَا تِبْرًا بِذَهَبٍ مَضْرُوبٍ كِفَّةً بِكِفَّةٍ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 141 الذِّمَّةِ فَإِنَّهُ يُنْظَرُ إنْ جُعِلَ الدَّيْنُ مِنْهُمَا ثَمَنًا، وَالْعَيْنَ مَبِيعًا جَازَ الْبَيْعُ بِشَرْطِ أَنْ يَتَعَيَّنَ الدَّيْنُ مِنْهُمَا قَبْلَ التَّفَرُّقِ بِالْأَبْدَانِ، وَإِنْ جُعِلَ الدَّيْنُ مِنْهُمَا مَبِيعًا لَا يَجُوزُ، وَإِنْ أَحْضَرَهُ فِي الْمَجْلِسِ، وَاَلَّذِي ذُكِرَ فِيهِ الْبَاءُ ثَمَنٌ، وَمَا لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ الْبَاءُ مَبِيعٌ، وَبَيَانُهُ إذَا قَالَ بِعْت هَذِهِ الْحِنْطَةَ عَلَى أَنَّهَا قَفِيزٌ بِقَفِيزٍ حِنْطَةً جَيِّدَةً أَوْ قَالَ بِعْت مِنْك هَذِهِ الْحِنْطَةَ عَلَى أَنَّهَا قَفِيزٌ بِقَفِيزٍ مِنْ شَعِيرٍ جَيِّدٍ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْعَيْنَ مِنْهُمَا مَبِيعًا، وَالدَّيْنَ الْمَوْصُوفَ ثَمَنًا، وَلَكِنْ قَبْضُ الدَّيْنِ مِنْهُمَا قَبْلَ التَّفَرُّقِ بِالْأَبْدَانِ شَرْطٌ لِأَنَّ مِنْ شُرُوطِ جَوَازِ هَذَا الْبَيْعِ أَنْ يَحْصُلَ الِافْتِرَاقُ عَنْ عَيْنٍ بِعَيْنٍ، وَمَا كَانَ دَيْنًا لَا يَتَعَيَّنُ إلَّا بِالْقَبْضِ، وَلَوْ قَبَضَ الدَّيْنَ مِنْهُمَا ثُمَّ تَفَرَّقَا جَازَ الْبَيْعُ قَبَضَ الْعَيْنَ مِنْهُمَا أَوْ لَمْ يَقْبِضْ، وَلَوْ قَالَ اشْتَرَيْت مِنْك قَفِيزَ حِنْطَةٍ جَيِّدَةٍ بِهَذَا الْقَفِيزِ مِنْ الْحِنْطَةِ أَوْ قَالَ اشْتَرَيْت مِنْك قَفِيزَيْ شَعِيرٍ جَيِّدٍ بِهَذَا الْقَفِيزِ مِنْ الْحِنْطَةِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ أَحْضَرَ الدَّيْنَ فِي الْمَجْلِسِ لِأَنَّهُ جَعَلَ الدَّيْنَ مَبِيعًا فَصَارَ بَائِعًا مَا لَيْسَ عِنْدَهُ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ اهـ. قَوْلُهُ (وَصَحَّ بَيْعُ الْحَفْنَةِ بِالْحَفْنَتَيْنِ وَالتُّفَّاحَةِ بِالتُّفَّاحَتَيْنِ، وَالْبَيْضَةِ بِالْبَيْضَتَيْنِ، وَالْجَوْزَةِ بِالْجَوْزَتَيْنِ، وَالتَّمْرَةِ بِالتَّمْرَتَيْنِ) لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ مَكِيلًا وَلَا مَوْزُونًا فَانْعَدَمَتْ إحْدَى الْعِلَّتَيْنِ، وَهِيَ الْقَدْرُ فَجَازَ التَّفَاضُلُ سَوَاءٌ كَانَ بِضِعْفِ الْآخَرِ أَوْ بِأَضْعَافِهِ حَيْثُ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ أَمَّا التُّفَّاحَةُ وَالْبَيْضَةُ وَالْجَوْزَةُ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا الْحَفْنَةُ مِنْ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ فَالْمُرَادُ بِهَا مَا دُونَ نِصْفِ صَاعٍ لِأَنَّهُ لَا تَقْدِيرَ فِي الشَّرْعِ بِمَا دُونَهُ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ، وَلَا بُدَّ أَنْ لَا يُوجَدَ نِصْفُ الصَّاعِ فَلَوْ بَاعَ مَا دُونَ نِصْفِ صَاعٍ بِنِصْفِ صَاعِ لَمْ يَجُزْ لِوُجُودِ الْعِيَارِ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ فَتَحَقَّقَتْ الشُّبْهَةُ، وَعَلَى هَذَا لَوْ بَاعَ مَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْوَزْنِ كَالذَّرَّةِ مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ بِمَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَهُ جَائِزٌ لِعَدَمِ التَّقْدِيرِ شَرْعًا إذْ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْوَزْنِ، قَيَّدَ بِالتَّفَاضُلِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ النَّسَاءُ لِوُجُودِ الْجِنْسِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ قَوْلُهُمْ لَا تَقْدِيرَ فِي الشَّرْعِ بِمَا دُونَ نِصْفِ الصَّاعِ يُعْرَفُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ وُضِعَتْ مَكَايِيلُ أَصْغَرُ مِنْ نِصْفِ الصَّاعِ لَا يُعْتَبَرُ التَّفَاضُلُ بِهَا، وَفِي جَمْعِ التَّفَارِيقِ لَا رِوَايَةَ فِي الْحَفْنَةِ بِالْقَفِيزِ، وَاللُّبِّ بِالْجَوْزِ، وَالصَّحِيحُ ثُبُوتُ الرِّبَا، وَلَا يَسْكُنُ الْخَاطِرُ إلَى هَذَا بَلْ يَجِبُ بَعْدَ التَّعْلِيلِ بِالْقَصْدِ إلَى صِيَانَةِ أَمْوَالِ النَّاسِ تَحْرِيمُ التُّفَّاحَةِ بِالتُّفَّاحَتَيْنِ، وَالْحَفْنَةِ بِالْحَفْنَتَيْنِ أَمَّا إنْ كَانَتْ مَكَايِيلَ أَصْغَرَ مِنْهَا كَمَا فِي دِيَارِنَا مِنْ وَضْعِ رُبُعِ الْقَدَحِ وَثُمُنِ الْقَدَحِ الْمِصْرِيِّ فَلَا شَكَّ، وَكَوْنُ الشَّرْعِ لَمْ يُقَدِّرْ بَعْضَ الْمُقَدَّرَاتِ الشَّرْعِيَّةِ فِي الْوَاجِبَاتِ الْمَالِيَّةِ كَالْكَفَّارَاتِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ بِأَقَلَّ مِنْهُ لَا يَسْتَلْزِمُ إهْدَارَ التَّفَاوُتِ الْمُتَيَقَّنِ بَلْ لَا يَحِلُّ بَعْدَ تَيَقُّنِ التَّفَاضُلِ مَعَ تَيَقُّنِ تَحْرِيمِ إهْدَارِهِ. وَلَقَدْ أَعْجَبُ غَايَةَ الْعَجَبِ مِنْ كَلَامِهِمْ هَذَا، وَرَوَى الْمُعَلَّى عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ كَرِهَ التَّمْرَةَ بِالتَّمْرَتَيْنِ، وَقَالَ كُلُّ شَيْءٍ حَرُمَ فِي الْكَثِيرِ فَالْقَلِيلُ مِنْهُ حَرَامٌ. اهـ. وَأَمَّا ضَمَانُ الْحَفْنَةِ فَبِالْقِيمَةِ عِنْدَ الْإِتْلَافِ لَا بِالْمِثْلِ، وَهَذَا فِي غَيْرِ الْعَدَدِيِّ الْمُتَقَارِبِ أَمَّا فِيهِ كَالْجَوْزِ فَكَلَامُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ أَنَّ الْجَوْزَةَ مِثْلُ الْجَوْزَةِ فِي ضَمَانِ الْعُدْوَانِ، وَكَذَا التَّمْرَةُ بِالتَّمْرَةِ لَا فِي حُكْمِ الرِّبَا، وَمِنْ فُرُوعِ الضَّمَانِ لَوْ غَصَبَ حَفْنَةً فَعَفِنَتْ عِنْدَهُ ضَمِنَ قِيمَتَهَا فَإِنْ أَبَى إلَّا أَنْ يَأْخُذَ عَيْنَهَا أَخَذَهَا، وَلَا شَيْءَ لَهُ فِي مُقَابَلَةِ الْفَسَادِ الَّذِي حَصَلَ لَهَا كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ، وَلَا بَأْسَ بِالسَّمَكِ وَاحِدٌ بِاثْنَيْنِ لِأَنَّهُ لَا يُوزَنُ، وَإِنْ كَانَ جِنْسٌ مِنْهُ يُوزَنُ فَلَا خَيْرَ فِيمَا يُوزَنُ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ اهـ. ثُمَّ قَالَ فِيهَا بَاعَ إنَاءً مِنْ حَدِيدٍ بِحَدِيدٍ إنْ كَانَ الْإِنَاءُ يُبَاعُ وَزْنًا تُعْتَبَرُ الْمُسَاوَاةُ فِي الْوَزْنِ، وَإِلَّا فَلَا، وَكَذَا لَوْ كَانَ الْإِنَاءُ مِنْ نُحَاسٍ أَوْ صُفْرٍ بَاعَهُ بِصُفْرٍ اهـ. قَوْلُهُ (وَالْفَلْسُ بِالْفَلْسَيْنِ بِأَعْيَانِهِمَا) أَيْ وَصَحَّ بَيْعُ الْفَلْسِ الْمُعَيَّنِ بِفَلْسَيْنِ مُعَيَّنَيْنِ عِنْدَهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْفُلُوسَ الرَّائِجَةَ أَثْمَانٌ، وَهُوَ لَا يَتَعَيَّنُ، وَلِذَا لَا تَتَعَيَّنُ الْفُلُوسُ إذَا قُوبِلَتْ بِخِلَافِ جِنْسِهَا كَالنَّقْدَيْنِ، وَلَا يَفْسُدُ الْبَيْعُ بِهَلَاكِهَا فَإِذَا لَمْ تَتَعَيَّنْ يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا أَوْ يَحْتَمِلُهُ بِأَنْ يَأْخُذَ بَائِعُ الْفَلْسِ الْفَلْسَيْنِ أَوَّلًا   [منحة الخالق] لَا يَجُوزُ مَا لَمْ يَعْلَمَا وَزْنَ الذَّهَبِ لِأَنَّهُ وَزْنِيٌّ، وَهَذَا يَشْهَدُ لِصَاحِبِ الْهِدَايَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا قَوْلَانِ مُتَقَابِلَانِ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. (قَوْلُهُ وَالصَّحِيحُ ثُبُوتُ الرِّبَا) هَذَا مُشْكِلٌ فِي اللُّبِّ بِالْجَوْزِ فَإِنَّ اللُّبَّ مَوْزُونٌ بِخِلَافِ الْجَوْزِ، وَانْظُرْ لِمَ لَمْ يُجْعَلْ مِثْلَ الزَّيْتِ بِالزَّيْتُونِ، وَقَدْ يُقَالُ هُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ وَالصَّحِيحُ ثُبُوتُ الرِّبَا بِالنَّظَرِ إلَيْهِ فَإِنَّ لِقِشْرِهِ قِيمَةً، وَسَيَذْكُرُ الْمُؤَلِّفُ أَنَّ بَيْعَ الْجَوْزِ بِدُهْنِهِ، وَالتَّمْرَ بِنَوَاهُ مِثْلُ الزَّيْتِ بِالزَّيْتُونِ أَيْ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ بِالِاعْتِبَارِ فَتَأَمَّلْ وَرَاجِعْ. (قَوْلُهُ وَرَوَى الْمُعَلَّى إلَخْ) عَلَى هَذَا لَيْسَ مَا بَحَثَهُ مُخَالِفًا لِلْمَنْقُولِ بَلْ هُوَ تَرْجِيحٌ لِهَذِهِ الرِّوَايَةِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 142 فَيَرُدُّ أَحَدَهُمَا قَضَاءً لِدَيْنِهِ، وَيَأْخُذُ الْآخَرَ بِلَا عِوَضٍ فَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَ بِغَيْرِ أَعْيَانِهِمَا، وَلَهُمَا أَنَّهَا لَيْسَتْ أَثْمَانًا خِلْقَةً، وَإِنَّمَا كَانَتْ ثَمَنًا بِالِاصْطِلَاحِ، وَقَدْ اصْطَلَحَا عَلَى إبْطَالِ الثَّمَنِيَّةِ فَتَبْطُلُ، وَإِنْ كَانَتْ ثَمَنًا عِنْدَ غَيْرِهِمَا لِبَقَاءِ اصْطِلَاحِهِمْ عَلَى ثَمَنِيَّتِهَا إذْ لَا وِلَايَةَ لِلْغَيْرِ عَلَيْهِمَا بِخِلَافِ النَّقْدَيْنِ لِأَنَّ الثَّمَنِيَّةَ فِيهِمَا بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ فَلَا تَبْطُلُ بِالِاصْطِلَاحِ فَإِذَا بَطَلَتْ الثَّمَنِيَّةُ تَعَيَّنَتْ فَلَا يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ فَإِنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، وَأَوْرَدَ أَنَّ الثَّمَنِيَّةَ إذَا بَطَلَتْ وَجَبَ أَنْ لَا يَجُوزَ التَّفَاضُلُ لِأَنَّ النُّحَاسَ مَوْزُونٌ، وَإِنَّمَا صَارَ مَعْدُودًا بِالِاصْطِلَاحِ عَلَى الثَّمَنِيَّةِ فَإِذَا بَطَلَتْ عَادَ إلَى أَصْلِهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ اصْطِلَاحَهُمَا عَلَى الْعَدِّ لَمْ يَبْطُلْ، وَلَا يُلَازِمُهُ فَكَمْ مِنْ مَعْدُودٍ لَا يَكُونُ ثَمَنًا، وَأَوْرَدَ أَيْضًا أَنَّ كَوْنَهَا ثَمَنًا بَعْدَ الْكَسَادِ لَا يَكُونُ إلَّا بِاصْطِلَاحِ الْكُلِّ فَكَذَا بُطْلَانُ الثَّمَنِيَّةِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ اصْطِلَاحَهُمَا عَلَى بُطْلَانِ ثَمَنِيَّتِهَا مُوَافِقٌ لِلْأَصْلِ لِكَوْنِهَا عُرُوضًا بِخِلَافِ اصْطِلَاحِهِمَا عَلَى كَوْنِهَا ثَمَنًا بَعْدَ الْكَسَادِ مُخَالِفٌ لِلْأَصْلِ وَلِرَأْيِ الْجَمِيعِ فَلَمْ يَصِحَّ، وَقَيَّدَ بِالتَّعْيِينِ لِأَنَّ الْفَلْسَ لَوْ كَانَ بِغَيْرِ عَيْنِهِ، وَالْفَلْسَانِ كَذَلِكَ لَمْ يَجُزْ، وَصُوَرُهَا أَرْبَعٌ مَا إذَا كَانَ الْكُلُّ غَيْرَ مُعَيَّنٍ وَإِنْ تَقَابَضَا فِي الْمَجْلِسِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَمَا إذَا كَانَ الْفَلْسُ مُعَيَّنًا فَقَطْ، وَمَا إذَا كَانَا غَيْرَ مُعَيَّنَيْنِ فَقَطْ فَفِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ لَا يَجُوزُ اتِّفَاقًا لَكِنْ فِي الصُّورَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ لَوْ قَبَضَ مَا كَانَ دَيْنًا فِي الْمَجْلِسِ جَازَ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَمَحِلُّ الْخِلَافِ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ، وَأَصْلُ الْخِلَافِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْفَلْسَ لَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَيَتَعَيَّنُ عِنْدَهُمَا فَيَبْطُلُ الْعَقْدُ بِهَلَاكِهِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِي الْمُحِيطِ أَنَّهَا لَا تَتَعَيَّنُ وَلَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ بِهَلَاكِهَا، قَيَّدَ بِحِلِّ التَّفَاضُلِ لِأَنَّ النَّسَاءَ حَرَامٌ اتِّفَاقًا لِأَنَّ الْجِنْسَ بِانْفِرَادِهِ يُحَرِّمُهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَفِي الذَّخِيرَةِ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي صَرْفِ الْأَصْلِ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ التَّقَابُضَ فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ شَرْطٌ. وَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ لَمْ يُصَحِّحْ مَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِأَنَّ التَّقَابُضَ مَعَ الْعَيْنِيَّةِ إنَّمَا يُشْتَرَطُ فِي الصَّرْفِ، وَلَيْسَ بِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ صَحَّحَهُ لِأَنَّ لَهَا حُكْمَ الْعُرُوضِ مِنْ وَجْهٍ، وَحُكْمَ الثَّمَنِ مِنْ وَجْهٍ فَجَازَ التَّفَاضُلُ لِلْأَوَّلِ، وَاشْتِرَاطُ التَّقَابُضِ لِلثَّانِي عَمَلًا بِالدَّلِيلَيْنِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ. اهـ. وَلَيْسَ مُرَادُهُمْ خُصُوصَ بَيْعِ الْفَلْسِ بِالْفَلْسَيْنِ بَلْ بَيَانَ حِلِّ التَّفَاضُلِ حَتَّى لَوْ بَاعَ فَلْسًا بِمِائَةٍ عَلَى التَّعْيِينِ جَازَ عِنْدَهُمَا (تَتِمَّةٌ) فِي أَحْكَامِ الْفُلُوسِ فِي الْمُحِيطِ لَوْ بَاعَ الْفُلُوسَ بِالْفُلُوسِ أَوْ بِالدَّرَاهِمِ أَوْ بِالدَّنَانِيرِ فَنَقَدَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ جَازَ، وَإِنْ افْتَرَقَا لَا عَنْ قَبْضِ أَحَدِهِمَا جَازَ، وَلَوْ اشْتَرَى مِائَةَ فَلْسٍ بِدِرْهَمٍ فَقَبَضَ الدِّرْهَمَ، وَلَمْ يَقْبِضْ الْفُلُوسَ حَتَّى كَسَدَتْ لَمْ يَبْطُلْ الْبَيْعُ قِيَاسًا، وَيَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي إنْ شَاءَ قَبَضَهَا كَاسِدَةً، وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ الْبَيْعَ، وَيَبْطُلُ الْبَيْعُ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّ كَسَادَهَا بِمَنْزِلَةِ الْهَلَاكِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا الرَّوَاجُ فَهُوَ لَهَا كَالْحَيَاةِ، وَلَوْ قَبَضَ مِنْهَا خَمْسِينَ ثُمَّ كَسَدَتْ بَطَلَ الْبَيْعُ فِي النِّصْفِ وَرَدَّ نِصْفَ دِرْهَمٍ اعْتِبَارًا لِلْبَعْضِ بِالْكُلِّ، وَلَوْ رَخُصَتْ لَمْ يَبْطُلْ، وَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي، وَلَوْ كَسَدَتْ الْفُلُوسُ الثَّمَنَ قَبْلَ قَبْضِهَا بَطَلَ الْبَيْعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَفْسُدُ، وَيَجِبُ قِيمَتُهَا، وَلَوْ كَسَدَتْ أَفْلُسُ الْقَرْضِ فَعَلَيْهِ مِثْلُهَا عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا قِيمَتُهَا مِنْ الدَّرَاهِمِ، وَكَذَا لَوْ غَصَبَ، وَاسْتَهْلَكَ ثُمَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ يَوْمَ الْقَبْضِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَوْمَ الْكَسَادِ، وَالْأَصَحُّ عِنْدَ الْإِمَامِ أَنَّ عَلَيْهِ قِيمَتَهَا يَوْمَ الِانْقِطَاعِ مِنْ الذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ، وَلَوْ اشْتَرَى فُلُوسًا، وَتَقَابَضَا عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ، وَتَفَرَّقَا عَلَى ذَلِكَ فَسَدَ الْبَيْعُ لِأَنَّ الْخِيَارَ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْقَبْضِ، وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا بِالْخِيَارِ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ عِنْدَهُمَا لِأَنَّ الْخِيَارَ لَا يَمْنَعُ ثُبُوتَ الْمِلْكِ لَهُ فِي الْمَبِيعِ فَوُجِدَ الْقَبْضُ الْمُسْتَحَقُّ فِي أَحَدِهِمَا، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْخِيَارَ يُؤَثِّرُ فِي الْجَانِبَيْنِ فَيَمْنَعُ صِحَّةَ الْقَبْضِ، وَإِنْ بَاعَ فَلْسًا بِعَيْنِهِ بِفَلْسَيْنِ بِأَعْيَانِهِمَا بِشَرْطِ الْخِيَارِ يَجُوزُ اهـ. مَا فِي الْمُحِيطِ مِنْ بَابِ بَيْعِ الْفُلُوسِ، وَاسْتِقْرَاضِهَا. قَوْلُهُ (   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَأُجِيبَ بِأَنَّ اصْطِلَاحَهُمَا عَلَى بُطْلَانِ ثَمَنِيَّتِهَا إلَخْ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ اصْطِلَاحَ الْبَعْضِ عَلَى شَيْءٍ مُوَافِقٍ لِلْأَصْلِ فِيهِ يُعْتَبَرُ، وَإِنْ خَالَفَ اصْطِلَاحِ الْجَمِيعِ (قَوْلُهُ تَتِمَّةٌ فِي أَحْكَامِ الْفُلُوسِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَسَيَأْتِي مَزِيدُ بَحْثٍ فِي أَحْكَامِ الْفُلُوسِ مِنْ كِتَابِ الصَّرْفِ (قَوْلُهُ وَإِنْ افْتَرَقَا لَا عَنْ قَبْضِ أَحَدِهِمَا جَازَ) قَالَ الرَّمْلِيُّ صَوَابُهُ لَا يَجُوزُ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 143 وَاللَّحْمُ بِالْحَيَوَانِ) أَيْ وَصَحَّ بَيْعُ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ إذَا كَانَ مِنْ جِنْسِهِ إلَّا إذَا كَانَ اللَّحْمُ الْمُفْرَزُ أَكْثَرَ مِنْ اللَّحْمِ الَّذِي فِي الْحَيَوَانِ لِيَكُونَ اللَّحْمُ بِمُقَابَلَةِ مَا فِيهِ، وَالْبَاقِي مِنْ اللَّحْمِ بِمُقَابِلِهِ السَّقَطُ، وَهُوَ بِفَتْحَتَيْنِ مَا لَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ اللَّحْمِ كَالْجِلْدِ، وَالْكِرْشِ، وَالْأَمْعَاءِ، وَالطِّحَالِ، وَصَارَ كَالْحَلِّ، وَهُوَ بِالْمُهْمَلَةِ دُهْنُ السِّمْسِمِ، وَلَهُمَا أَنَّهُ بَاعَ الْمَوْزُونَ بِمَا لَيْسَ بِمَوْزُونٍ فَصَارَ كَبَيْعِ السَّيْفِ بِالْحَدِيدِ لِأَنَّ الْحَيَوَانَ لَا يُوزَنُ عَادَةً، وَلَا يُمْكِنُ مَعْرِفَةُ ثِقَلِهِ بِالْوَزْنِ بِخِلَافِ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ لِأَنَّ الْوَزْنَ فِي الْحَلِّ يُعَرِّفُ قَدْرَ الدُّهْنِ إذَا مِيزَ، وَذَكَرَ الشَّارِحُ، وَإِنَّمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخِرِ نَسِيئَةً لِأَنَّ الْمُتَأَخِّرَ مِنْهُمَا لَا يُمْكِنُ ضَبْطُهُ لَا لِأَنَّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ إذَا بِيعَ بِغَيْرِهِ مِنْ خِلَافِ الْجِنْسِ أَيْضًا. اهـ. وَلَوْ بَاعَ شَاةً مَذْبُوحَةً بِشَاةٍ حَيَّةٍ يَجُوزُ عِنْدَ الْكُلِّ، وَعَلَى هَذَا شَاتَانِ مَذْبُوحَتَانِ غَيْرُ مَسْلُوخَتَيْنِ بِشَاةٍ مَذْبُوحَةٍ لَمْ تُسْلَخْ يَجُوزُ، وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ لَوْ كَانَتْ الشَّاةُ مَذْبُوحَةً غَيْرَ مَسْلُوخَةٍ فَاشْتَرَاهَا بِلَحْمِ الشَّاةِ فَالْجَوَابُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا كَمَا قَالَ مُحَمَّدٌ، وَأَرَادَ بِغَيْرِ الْمَسْلُوخَةِ غَيْرَ الْمَفْصُولَةِ عَنْ السَّقَطِ، وَفِي الْحَاوِي لَوْ بَاعَ شَاةً فِي ضَرْعِهَا لَبَنٌ بِجِنْسِ لَبَنِهَا فَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي فِي اللَّحْمِ. قَوْلُهُ (وَالْكِرْبَاسُ بِالْقُطْنِ، وَكَذَا بِالْغَزْلِ كَيْفَمَا كَانَ) أَيْ صَحَّ لِاخْتِلَافِهِمَا جِنْسًا لِأَنَّ الثَّوْبَ لَا يُنْقَضُ لِيَعُودَ غَزْلًا أَوْ قُطْنًا، وَالْكِرْبَاسُ الثِّيَابُ مِنْ اللَّحْمِ، وَالْجَمْعُ كَرَابِيسُ، وَإِلَيْهَا يُنْسَبُ الْإِمَامُ الْمَحْبُوبِيُّ بِاعْتِبَارِ بَيْعِهَا. وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ الْقُطْنَ الْمَحْلُوجَ بِغَزْلٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ كَيْفَمَا كَانَ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَجُوزُ إلَّا مُتَسَاوِيًا، وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ أَظْهَرُ، وَفِي الْحَاوِي وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَلَوْ بَاعَ الْمَحْلُوجَ بِغَيْرِ الْمَحْلُوجِ جَازَ إذَا عَلِمَ أَنَّ الْخَالِصَ أَكْثَرُ مِمَّا فِي الْآخَرِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَدْرِي لَا يَجُوزُ، وَكَذَا لَوْ بَاعَ الْقُطْنَ غَيْرَ الْمَحْلُوجِ بِحَبِّ الْقُطْنِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْحَبُّ الْخَالِصُ أَكْثَرَ مِنْ الْحَبِّ الَّذِي فِي الْقُطْنِ حَتَّى يَكُونَ قَدْرُهُ مُقَابِلًا بِهِ، وَالزَّائِدُ بِالْقُطْنِ، وَكَذَا لَوْ بَاعَ شَاةً عَلَى ظَهْرِهَا صُوفٌ أَوْ فِي ضَرْعُهَا لَبَنٌ بِصُوفٍ أَوْ لَبَنٍ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الصُّوفُ أَوْ اللَّبَنُ أَكْثَرَ مِمَّا عَلَى الشَّاةِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَعْنَى، وَهُوَ نَظِيرُ بَيْعِ الزَّيْتِ بِالزَّيْتُونِ. قَوْلُهُ (وَالرُّطَبُ بِالرُّطَبِ أَوْ بِالتَّمْرِ مُتَمَاثِلًا، وَالْعِنَبُ بِالزَّبِيبِ) أَيْ مُتَمَاثِلًا أَيْضًا أَمَّا الْأَوَّلُ فَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ الْبَاقُونَ مِنْ الْعُلَمَاءِ، وَمِنْهُمْ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ بَيْعَ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ مُتَفَاضِلًا لَا يَجُوزُ، وَدَلِيلُ الْجَمَاعَةِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «حِين سُئِلَ عَنْهُ أَيَنْقُصُ إذَا جَفَّ فَقِيلَ نَعَمْ فَقَالَ لَا إذَنْ» رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ، وَالْأَرْبَعَةُ فِي السُّنَنِ عَنْ زَيْدِ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَلَهُ أَنَّ الرُّطَبَ تَمْرٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حِينَ أُهْدِيَ إلَيْهِ رُطَبٌ أَوَ كُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا سَمَّاهُ تَمْرًا، وَتَعَقَّبَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِأَنَّ الْهَدِيَّةَ كَانَتْ تَمْرًا، وَتَبِعَهُ فِي الْبِنَايَةِ بِأَنَّ الثَّابِتَ فِي الْبُخَارِيِّ أَنَّهَا تَمْرٌ، وَلِأَنَّ الرُّطَبَ لَوْ كَانَ تَمْرًا جَازَ الْبَيْعُ بِأَوَّلِ الْحَدِيثِ، وَهُوَ التَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ تَمْرٍ فَبِآخِرِهِ، وَهُوَ «إذَا اخْتَلَفَ النَّوْعَانِ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ» هَكَذَا اسْتَدَلَّ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ حِينَ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ عُلَمَاءُ بَغْدَادَ، وَكَانُوا أَشِدَّاءَ عَلَيْهِ لِمُخَالَفَتِهِ الْخَبَرَ، وَأَجَابَ عَنْ حَدِيثِهِمْ بِأَنَّ مَدَارَهُ عَلَى زَيْدِ بْنِ عَيَّاشٍ، وَهُوَ مِمَّنْ لَا يُقْبَلُ حَدِيثُهُ، وَفِي الْهِدَايَةِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ النَّقَلَةِ، وَتَعَقَّبَهُ فِي الْبِنَايَةِ بِأَنَّهُ ثِقَةٌ عِنْدَ النَّقَلَةِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ، وَقَدْ تَكَلَّمَ بَعْضُ النَّاسِ فِي إسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَقَالَ زَيْدُ بْنُ عَيَّاشٍ مَجْهُولٌ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ ابْنَ عَيَّاشٍ هَذَا مَوْلًى لِبَنِي زُهْرَةَ، وَقَدْ ذَكَرَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ، وَأَخْرَجَ حَدِيثَهُ مَعَ شِدَّةِ تَحَرِّيهِ فِي الرِّجَالِ، وَنَقَدَهُ، وَتَتَبُّعِهِ لِأَحْوَالِهِمْ. وَقَدْ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَقَالَ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ لِإِجْمَاعِ أَئِمَّةِ النَّقْلِ عَلَى أَمَانَةِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، وَأَنَّهُ مُحْكِمٌ لِمَا يَرْوِيهِ اهـ. قَالَ الْحَاكِمُ قَالَ الْأَكْمَلُ سَلَّمْنَا قُوَّتَهُ فِي الْحَدِيثِ، وَلَكِنَّهُ خَبَرُ وَاحِدٍ لَا يُعَارَضُ   [منحة الخالق] [بَيْعُ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ] (قَوْلُهُ وَفِي الْحَاوِي لَوْ بَاعَ شَاةً إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ، وَالْمَذْكُورُ فِي الشَّرْحِ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ شَاةً عَلَى ظَهْرِهَا صُوفٌ أَوْ فِي ضَرْعِهَا لَبَنٌ بِصُوفٍ أَوْ لَبَنٍ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الصُّوفُ وَاللَّبَنُ أَكْثَرَ مِمَّا عَلَى الشَّاةِ، وَفِي السِّرَاجِ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ اللَّبَنِ بِشَاةٍ فِي ضَرْعِهَا لَبَنٌ إلَّا عَلَى وَجْهِ الِاعْتِبَارِ فَمَا فِي الْحَاوِي ضَعِيفٌ. (قَوْلُهُ وَلَوْ بَاعَ الْمَحْلُوجَ بِغَيْرِ الْمَحْلُوجِ جَازَ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَالَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ بَيْعُ قُطْنِ الْمَحْلُوجِ بِالْقُطْنِ الَّذِي فِيهِ حَبٌّ لَا يَجُوزُ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَلَا يُنْظَرُ إلَى الْحَبِّ، وَكَذَا بَيْعُ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ الْمَشْقُوقِ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «التَّمْرُ بِالتَّمْرِ» الْحَدِيثَ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ. اهـ. وَهُوَ كَمَا تَرَاهُ مُخَالِفٌ لِمَا هُنَا فَتَأَمَّلْ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَا هُنَا أَظْهَرُ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 144 بِهِ الْمَشْهُورُ، وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ قَوْلُهُ وَمَدَارُ مَا رَوَيَاهُ عَلَى زَيْدِ بْنِ عَيَّاشٍ، وَالْمَذْكُورُ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ زَيْدٌ أَبُو عَيَّاشٍ وَرَدَّهُ فِي الْبِنَايَةِ بِأَنَّهُ، وَهَمَ فِيهِ لِأَنَّهُ ابْنُ عَيَّاشٍ، وَكُنْيَتُهُ أَبُو عَيَّاشٍ، وَكَذَلِكَ، وَهَمَ فِيهِ الشَّيْخُ عَلَاءُ الدِّينِ التُّرْكُمَانِيُّ هَكَذَا، وَقَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ زَيْدُ بْنُ عَيَّاشٍ أَبُو عَيَّاشٍ الزَّلَّانِيُّ، وَيُقَالُ الْمَخْزُومِيُّ، وَيُقَالُ مَوْلَى بَنِي زُهْرَةَ، وَالْمَدَنِيُّ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ. اهـ. ، وَفِي الْعِنَايَةِ، وَاعْتَرَضَ بِأَنَّ التَّرْدِيدَ الْمَذْكُورَ يَقْتَضِي جَوَازَ بَيْعِ الْمَقْلِيَّةِ بِغَيْرِ الْمَقْلِيَّةِ لِأَنَّ الْمَقْلِيَّةَ إمَّا أَنْ تَكُونَ حِنْطَةً فَيَجُوزُ بِأَوَّلِ الْحَدِيثِ أَوْ لَا فَيَجُوزُ بِآخِرِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ ذَلِكَ كَلَامٌ حَسَنٌ فِي الْمُنَاظَرَةِ لِدَفْعِ شَغَبِ الْخَصْمِ، وَالْحُجَّةُ لَا تَتِمُّ بِهِ بَلْ بِمَا بَيَّنَّاهُ مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ التَّمْرِ عَلَيْهِ فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ التَّمْرَ اسْمٌ لِثَمَرَةٍ خَارِجَةٍ مِنْ النَّخْلَةِ مِنْ حَيْثُ تَنْعَقِدُ صُورَتُهَا إلَى أَنْ تُدْرِكَ، وَالرُّطَبُ اسْمٌ لِنَوْعٍ مِنْهُ كَالْبَرْنِيِّ، وَغَيْرِهِ اهـ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَقَدْ رَدَّ تَرْدِيدَهُ بَيْنَ كَوْنِهِ تَمْرًا أَوْ لَا بِأَنَّ هُنَا قِسْمًا ثَالِثًا، وَهُوَ كَوْنُهُ مِنْ الْجِنْسِ، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِالْآخَرِ كَالْحِنْطَةِ الْمَقْلِيَّةِ بِغَيْرِ الْمَقْلِيَّةِ لِعَدَمِ تَسْوِيَةِ الْكَيْلِ بَيْنَهُمَا فَكَذَا الرُّطَبُ بِالتَّمْرِ لَا يُسَوِّيهِمَا الْكَيْلُ، وَإِنَّمَا يُسَوِّي فِي حَالِ اعْتِدَالِ الْبَدَلَيْنِ، وَهُوَ أَنْ يَجِفَّ الْآخَرُ، وَأَبُو حَنِيفَةَ يَمْنَعُهُ، وَيَعْتَبِرُ التَّسَاوِي فِي حَالِ الْعَقْدِ وَعُرُوضِ النَّقْصِ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ مَعَ الْمُسَاوَاةِ فِي الْحَالِ إذَا كَانَ مُوجِبُهُ أَمْرًا خِلْقِيَّا، وَهُوَ زِيَادَةُ الرُّطُوبَةِ بِخِلَافِ الْمَقْلِيَّةِ بِغَيْرِهَا فَإِنَّا فِي الْحَالِ نَحْكُمُ بِعَدَمِ التَّسَاوِي لِاكْتِنَازِ أَحَدِهِمَا فِي الْكَيْلِ بِخِلَافِ الْآخَرِ لِتَخَلُّلِ كَثِيرٍ، وَأُجِيبَ عَنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ عَيَّاشٍ أَيْضًا بِأَنَّ الْمُرَادَ النَّهْيُ عَنْهُ نَسِيئَةً فَإِنَّهُ ثَبَتَ فِي حَدِيثِ أَبِي عَيَّاشٍ هَذَا زِيَادَةٌ نَسِيئَةً كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «عَنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ نَسِيئَةً» ، وَبِهَذَا اللَّفْظِ رَوَاهُ الْحَاكِمُ، وَسَكَتَ عَنْهُ، وَرَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ، وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ بَعْدَ صِحَّتِهَا يَجِبُ قَبُولُهَا لِأَنَّ الْمَذْهَبَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ قَبُولُهَا، وَإِنْ كَانَ الْأَكْثَرُ لَمْ يَرَوْهَا إلَّا فِي زِيَادَةٍ تَفَرَّدَ بِهَا بَعْضُ الْحَاضِرِينَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، وَمِثْلُهُمْ لَا يَغْفُلُ عَنْ مِثْلِهَا فَإِنَّهَا مَرْدُودَةٌ لَكِنْ يَبْقَى قَوْلُهُ فِي تِلْكَ الرِّوَايَةِ الصَّحِيحَةِ أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إذَا جَفَّ عَرِيًّا عَنْ الْفَائِدَةِ إذَا كَانَ النَّهْيُ عَنْهُ نَسِيئَةً، وَمَا ذَكَرُوا أَنَّ فَائِدَتَهُ أَنَّ الرُّطَبَ يَنْقُصُ إلَى أَنْ يَحِلَّ الْأَجَلُ فَلَا يَكُونُ فِي هَذَا التَّصَرُّفِ مَنْفَعَةٌ لِلْيَتِيمِ بِاعْتِبَارِ النُّقْصَانِ عِنْدَ الْجَفَافِ فَمَنْعُهُ شَفَقَةً مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ السَّائِلَ كَانَ وَلِيَّ يَتِيمٍ، وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ اهـ. وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَلَوْ بَاعَ الثِّمَارَ بَعْضَهَا بِبَعْضٍ مُجَازَفَةً لَمْ يَجُزْ إلَّا إذَا كَانَ كَيْلًا وَعَرَفَ تَسَاوِيهِمَا فِي الْكَيْلِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ بِالْأَبْدَانِ عَنْ مَجْلِسِ الْعَقْدِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ الْبَيْعُ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ ثَمَرٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ اقْتَسَمَاهُ مُجَازَفَةً لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ إلَّا إذَا عُلِمَ تَسَاوِيهِمَا فِي الْكَيْلِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ، وَلَوْ بِيعَ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ وَزْنًا مُتَسَاوِيًا لَا يَجُوزُ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ جَوَازِ التَّسْوِيَةِ الْكَيْلُ، وَلَا يُدْرَى ذَلِكَ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا غَلَبَ اسْتِعْمَالُ النَّاسِ بِالْوَزْنِ يَصِيرُ وَزْنِيًّا، وَيَجُوزُ، وَيُعْتَبَرُ التَّسَاوِي وَزْنًا، وَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ كَيْلِيًّا، وَأَمَّا بَيْعُ الرُّطَبِ بِالرُّطَبِ فَلِمَا رَوَيْنَا أَنَّ اسْمَ التَّمْرِ يَتَنَاوَلُهُ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَلَوْ بَاعَ الْبُسْرَ بِالتَّمْرِ لَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيهِ لِأَنَّهُ تَمْرٌ بِخِلَافِ الْكُفُرَّى حَيْثُ يَجُوزُ بَيْعُهُ بِمَا شَاءَ مِنْ التَّمْرِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَمْرٍ، وَلِذَا لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ، وَالْكُفَرَّى بِضَمِّ الْكَافِ وَفَتْحِ الْفَاءِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ مَقْصُورًا اسْمٌ لِوِعَاءِ الطَّلْعِ، وَهُوَ كُمُّ النَّخْلِ أَوَّلَ مَا يَنْشَقُّ، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ، وَهِيَ بَيْعُ الْعِنَبِ بِالزَّبِيبِ فَعَلَى الِاخْتِلَافِ السَّابِقِ، وَقِيلَ لَا يَجُوزُ اتِّفَاقًا كَالْمَقْلِيَّةِ بِغَيْرِهَا، وَالْمَطْبُوخَةِ بِغَيْرِ الْمَطْبُوخَةِ، وَلَوْ بَاعَ حِنْطَةً رَطْبَةً أَوْ مَبْلُولَةً أَوْ يَابِسَةً جَازَ، وَكَذَا لَوْ بَاعَ تَمْرًا مُنْقَعًا أَوْ زَبِيبًا مُنْقَعًا بِتَمْرٍ مِثْلِهِ أَوْ زَبِيبٍ مِثْلِهِ أَوْ بِالْيَابِسِ مِنْهُمَا جَازَ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ.   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ بَعْدَ صِحَّتِهَا إلَخْ) عِبَارَةُ الْفَتْحِ، وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ بَعْدَ صِحَّةِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ يَجِبُ قَبُولُهَا لِأَنَّ الْمَذْهَبَ الْمُخْتَارَ عِنْدَ الْمُحْدَثِينَ قَبُولُ الزِّيَادَةِ، وَإِنْ كَانَ الْأَكْثَرُ لَمْ يَرْوُوهَا إلَّا فِي زِيَادَةٍ تَفَرَّدَ بِهَا بَعْضُ الرُّوَاةِ الْحَاضِرِينَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدِ، وَمِثْلُهُمْ لَا يَغْفُلُ عَنْ مِثْلِهَا فَإِنَّهَا مَرْدُودَةٌ عَلَى مَا كَتَبْنَاهُ فِي تَحْرِيرِ الْأُصُولِ، وَمَا نَحْنُ فِيهِ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ زِيَادَةٌ لِمَا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ اجْتَمَعُوا فِيهِ فَسَمِعَ هَذَا مَا لَمْ يَسْمَعْ الْمُشَارِكُونَ لَهُ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ بِالسَّمَاعِ فَمَا لَمْ يَظْهَرْ أَنَّ الْحَالَ كَذَلِكَ فَالْأَصْلُ أَنَّهُ قَالَ فِي مَجَالِسَ ذَكَرَ فِي بَعْضِهَا مَا تَرَكَهُ فِي آخَرَ (قَوْلُهُ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ اتِّفَاقًا) وَعَلَيْهِ فَالْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الِاسْتِعْمَالَ وَرَدَ بِإِطْلَاقِ اسْمِ التَّمْرِ عَلَى الرُّطَبِ، وَلَمْ يَرِدْ مِثْلُ هَذَا فِي الزَّبِيبِ فَافْتَرَقَا ذَكَرَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَذَكَرَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَيْنِ أَُخْرَيَيْنِ فَقَالَ وَنَقَلَ الْقُدُورِيُّ فِي التَّقْرِيبِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ أَنَّ جَوَازَ بَيْعِ الزَّبِيبِ بِالْعِنَبِ قَوْلُهُمْ جَمِيعًا، وَذَكَرَ أَبُو الْحَسَن أَنَّ عِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ إلَّا عَلَى الِاعْتِبَارِ لِأَنَّ الزَّبِيبَ مَوْجُودٌ فِي الْعِنَبِ فَصَارَ كَالزَّيْتِ بِالزَّيْتُونِ فَصَارَ فِي بَيْعِ الْعِنَبِ بِالزَّبِيبِ أَرْبَعُ رِوَايَاتٍ اهـ. مُلَخَّصًا. (قَوْلُهُ وَلَوْ بَاعَ حِنْطَةً رَطْبَةً أَوْ مَبْلُولَةً أَوْ يَابِسَةً جَازَ) عِبَارَةُ الْهِدَايَةِ، وَكَذَا بَيْعُ الْحِنْطَةِ الرَّطْبَةِ أَوْ الْمَبْلُولَةِ بِمِثْلِهَا أَوْ بِالْيَابِسَةِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 145 (قَوْلُهُ وَاللُّحُومُ الْمُخْتَلِفَةُ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلًا، وَلَبَنُ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ، وَخَلُّ الدَّقَلِ بِخَلِّ الْعِنَبِ) لِأَنَّ أُصُولَهَا أَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ حَتَّى لَا يُضَمُّ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ فِي الزَّكَاةِ، وَأَسْمَاؤُهَا أَيْضًا مُخْتَلِفَةٌ بِاعْتِبَارِ الْإِضَافَةِ كَدَقِيقِ الشَّعِيرِ وَالْبُرِّ، وَالْمَقْصُودُ أَيْضًا يَخْتَلِفُ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي الِاتِّحَادِ الْمَعْنَى الْخَاصُّ دُونَ الْعَامِّ، وَلَوْ اُعْتُبِرَ الْعَامُّ لَمَا جَازَ بَيْعُ شَيْءٍ بِشَيْءٍ أَصْلًا، قَيَّدَ بِالْمُخْتَلِفَةِ لِأَنَّ غَيْرَهَا لَا يَجُوزُ مُتَفَاضِلًا كَلَحْمِ الْبَقَرِ وَالْجَامُوسِ أَوْ لَبَنِهِمَا أَوْ لَحْمِ الْمَعْزِ وَالضَّأْنِ أَوْ لَبَنِهِمَا أَوْ لَحْمِ الْعِرَابِ، وَالْبَخَاتِيِّ لِاتِّحَادِ الْجِنْسِ بِدَلِيلِ الضَّمِّ فِي الزَّكَاةِ لِلتَّكْمِيلِ فَكَذَا أَجْزَاؤُهُمَا مَا لَمْ يَخْتَلِفْ الْمَقْصُودُ كَشَعْرِ الْمَعْزِ، وَصُوفِ الضَّأْنِ أَوْ مَا يَتَبَدَّلُ بِالصَّنْعَةِ لِاخْتِلَافِ الْمَقَاصِدِ، وَلِذَا جَازَ بَيْعُ الْخُبْزِ بِالْحِنْطَةِ مُتَفَاضِلًا وَكَذَا بَيْعُ الزَّيْتِ الْمَطْبُوخِ بِغَيْرِ الْمَطْبُوخِ أَوْ الدُّهْنِ الْمُرَبَّى بِالْبَنَفْسَجِ بِغَيْرِ الْمُرَبَّى مِنْهُ مُتَفَاضِلًا وَإِنَّمَا جَازَ بَيْعُ لَحْمِ الطَّيْرِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلًا وَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ لَمْ يَتَبَدَّلْ بِالصَّنْعَةِ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مَوْزُونٍ عَادَةً فَلَمْ يَكُنْ مِقْدَارًا فَلَمْ تُوجَدْ الْعِلَّةُ فَحَاصِلُهُ أَنَّ الِاخْتِلَافَ بِاخْتِلَافِ الْأَصْلِ أَوْ الْمَقْصُودِ أَوْ تَبَدُّلِ الصَّنْعَةِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى مِنْ لُحُومِ الطَّيْرِ الدَّجَاجُ، وَالْإِوَزُّ فَإِنَّهُ يُوزَنُ فِي عَادَةِ دِيَارِ أَهْلِ مِصْرَ بِعَظْمِهِ، وَالدَّقَلُ رَدِيءُ التَّمْرِ، وَيَجُوزُ خَلُّ التَّمْرِ بِخَلِّ الْعِنَبِ مُتَفَاضِلًا، وَكَذَا عَصِيرُهُمَا لِاخْتِلَافِ أَصْلِهِمَا جِنْسًا، وَتَخْصِيصُ الدَّقَلِ بِاعْتِبَارِ الْعَادَةِ لِأَنَّ الدَّقَلَ هُوَ الَّذِي كَانَ يُتَّخَذُ خَلًّا فِي الْعَادَةِ اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا يُوجِبُ اخْتِلَافَ الْأُمُورِ ثَلَاثَةٌ اخْتِلَافُ الْأُصُولِ، وَاخْتِلَافُ الْمَقَاصِدِ، وَزِيَادَةُ الصَّنْعَةِ، وَمِنْهَا جَوَازُ بَيْعِ إنَاءٍ صُفْرٍ أَوْ حَدِيدٍ أَحَدُهُمَا أَثْقَلُ مِنْ الْآخَرِ، وَكَذَا قُمْقُمَةٌ بِقُمْقُمَتَيْنِ، وَإِبْرَةٌ بِإِبْرَتَيْنِ، وَخُوذَةٌ بِخُوذَتَيْنِ، وَسَيْفٌ بِسَيْفَيْنِ، وَدَوَاةٌ بِدَوَاتَيْنِ مَا لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ مِنْ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ فَيَمْتَنِعُ التَّفَاضُلُ، وَإِنْ اصْطَلَحُوا بَعْدَ الصِّيَاغَةِ عَلَى تَرْكِ الْوَزْنِ، وَالِاقْتِصَارِ عَلَى الْعَدِّ، وَالصُّورَةِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ قَوْلُهُ (وَشَحْمُ الْبَطْنِ بِالْأَلْيَةِ أَوْ بِاللَّحْمِ) أَيْ يَصِحُّ بَيْعُهَا مُتَفَاضِلًا وَإِنْ كَانَتْ كُلُّهَا مِنْ الضَّأْنِ لِأَنَّهَا أَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ لِاخْتِلَافِ الْأَسْمَاءِ، وَالصُّوَرِ، وَالْمَقَاصِدِ. قَوْلُهُ (وَالْخُبْزُ بِالْبُرِّ أَوْ بِالدَّقِيقِ مُتَفَاضِلًا) لِأَنَّ الْخُبْزَ بِالصَّنْعَةِ صَارَ جِنْسًا آخَرَ حَتَّى يَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَكِيلًا، وَالْبُرُّ، وَالدَّقِيقُ مَكِيلَانِ فَلَمْ يَجْمَعْهُمَا الْقَدْرُ وَلَا الْجِنْسُ حَتَّى جَازَ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخِرِ نَسِيئَةً إذَا كَانَتْ الْحِنْطَةُ هِيَ الْمُتَأَخِّرَةَ لِإِمْكَانِ ضَبْطِهَا، وَإِنْ كَانَ الْخُبْزُ هُوَ الْمُتَأَخِّرَ فَالسَّلَمُ فِيهِ لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ يَتَفَاوَتُ بِالطَّحْنِ، وَالْعَجْنِ، وَالنُّضْجِ، وَاخْتُلِفَ عَلَى قَوْلِهِمَا فَمِنْهُمْ مَنْ جَوَّزَهُ عَلَى قِيَاسِ السَّلَمِ بِاللَّحْمِ، وَبِهِ يُفْتَى لِلتَّعَامُلِ، وَفِي الْحَاوِي يَجُوزُ بَيْعُ اللَّبَنِ بِالْجُبْنِ اهـ. قَوْلُهُ (لَا بَيْعُ الْبُرِّ بِالدَّقِيقِ أَوْ بِالسَّوِيقِ) أَيْ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ بِأَحَدِهِمَا مُتَفَاضِلًا، وَلَا مُتَسَاوِيًا لِأَنَّهُ جِنْسٌ مِنْ وَجْهٍ، وَإِنْ خُصَّ بِاسْمٍ آخَرَ فَيَحْرُمُ لِشُبْهَةِ الرِّبَا، وَالْمِعْيَارُ فِيهِمَا الْكَيْلُ، وَهُوَ غَيْرُ مُسَوٍّ لَهُمَا بِخِلَافِ بَيْعِ دُهْنِ السِّمْسِمِ بِالسِّمْسِمِ حَيْثُ يَجُوزُ لِأَنَّ الْمِعْيَارَ فِيهِ الْوَزْنُ، وَهُوَ مُسَوٍّ، وَالسَّوِيقُ مَا يُجْرَشُ مِنْ الشَّعِيرِ وَالْحِنْطَةِ وَغَيْرِهِمَا ذَكَرَهُ الْكَرْمَانِيُّ فِي بَابِ مَنْ مَضْمَضَ مِنْ السَّوِيقِ. وَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ إلَى جَوَازِ بَيْعِ الدَّقِيقِ بِالدَّقِيقِ مُتَسَاوِيًا وَلَا يَجُوزُ مُتَفَاضِلًا لِاتِّحَادِ الِاسْمِ وَالصُّورَةِ وَالْمَعْنَى، وَلَا عِبْرَةَ بِاحْتِمَالِ التَّفَاضُلِ كَمَا فِي الْبُرِّ بِالْبُرِّ، وَقَيَّدَهُ ابْنُ الْفَضْلِ بِمَا إذَا كَانَا مَكْبُوسَيْنِ، وَإِلَّا لَا يَجُوزُ، وَإِنْ بَاعَهُ بِمِثْلِهِ مُوَازَنَةً فَفِيهِ رِوَايَتَانِ وَبَيْعُ الْمَنْخُولِ بِغَيْرِ الْمَنْخُولِ لَا يَجُوزُ إلَّا مُتَسَاوِيًا كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَقَيَّدَ بِالْبُرِّ لِأَنَّ بَيْعَ الدَّقِيقِ بِالسَّوِيقِ لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا عِنْدَهُ، وَجَازَ عِنْدَهُمَا مُطْلَقًا لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ، وَلَكِنْ يَدًا بِيَدٍ لِأَنَّ الْقَدْرَ يَجْمَعُهُمَا، وَلَهُ أَنَّهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ مِنْ وَجْهٍ لِأَنَّهُمَا مِنْ أَجْزَاءِ الْحِنْطَةِ، وَبَيْعُ الْمَقْلِيَّةِ بِالْمَقْلِيَّةِ، وَالسَّوِيقِ بِالسَّوِيقِ مُتَسَاوِيًا جَائِزٌ لِاتِّحَادِ الِاسْمِ. قَوْلُهُ (وَالزَّيْتُونُ بِالزَّيْتِ، وَالسِّمْسِمُ بِالشَّيْرَجِ حَتَّى يَكُونَ الزَّيْتُ، وَالشَّيْرَجُ أَكْثَرَ مِمَّا فِي الزَّيْتُونِ، وَالسِّمْسِمِ) أَيْ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ فِي   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَكَذَا بَيْعُ الزَّيْتِ الْمَطْبُوخِ بِغَيْرِ الْمَطْبُوخِ) قَدَّمَ عَنْ الْفَتْحِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَعِلَّتُهُ الْقَدْرُ وَالْجِنْسُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ رِطْلِ زَيْتٍ غَيْرِ مَطْبُوخٍ بِرِطْلٍ مَطْبُوخٍ مُطَيَّبٍ لِأَنَّ الطَّيِّبَ زِيَادَةٌ. (قَوْلُهُ وَاخْتُلِفَ عَلَى قَوْلِهِمَا) عِبَارَةُ الْهِدَايَةِ، وَإِنْ كَانَ الْخُبْزُ نَسِيئَةً يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي يُوسُف، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَكَذَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَيَجُوزُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ مَا هُنَا عَنْ النِّهَايَةِ مَعْزِيَّا إلَى الْمَبْسُوطِ، وَمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْفَتْحِ عَنْ الْكَافِي عَنْ ابْنِ رُسْتُمَ فَالظَّاهِرُ أَنَّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَيْنِ تَأَمَّلْ. [بَيْعُ الْبُرِّ بِالدَّقِيقِ أَوْ بِالسَّوِيقِ] (قَوْلُهُ وَهُوَ غَيْرُ مُسَوٍّ لَهُمَا) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ أَلَا تَرَى أَنَّ الْبُرَّ إذَا طُحِنَ يَزِيْدُ عَلَيْهِ، وَتِلْكَ الزِّيَادَةُ كَانَتْ مَوْجُودَةً فِي الْحَال، وَظَهَرَتْ بِالطَّحْنِ (قَوْلُهُ وَقَيَّدَ بِالْبُرِّ إلَخْ) أَيْ لِأَنَّ بَيْعَ الدَّقِيقِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 146 ثَلَاثُ صُوَرٍ الْأُولَى أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الزَّيْتَ الَّذِي فِي الزَّيْتُونِ أَكْثَرُ لِتَحَقُّقِ الْفَضْلِ مِنْ الدُّهْنِ وَالتُّفْلِ، الثَّانِيَةُ أَنْ يَعْلَمَ التَّسَاوِي لِخُلُوِّ التُّفْلِ عَنْ الْعِوَضِ، الثَّالِثَةُ أَنْ لَا يَعْلَمَ أَنَّهُ مِثْلٌ أَوْ أَكْثَرُ أَوْ أَقَلُّ فَلَا يَصِحُّ عِنْدَنَا لِأَنَّ الْفَضْلَ الْمُتَوَهَّمَ كَالْمُتَحَقَّقِ احْتِيَاطًا، وَعِنْدَ زُفَرَ جَازَ لِأَنَّ الْجَوَازَ هُوَ الْأَصْلُ وَالْفَسَادُ لِوُجُودِ الْفَضْلِ الْخَالِي فَمَا لَمْ يَعْلَمْ لَا يَفْسُدُ، وَيَجُوزُ الْبَيْعُ فِي صُورَةٍ بِالْإِجْمَاعِ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الزَّيْتَ الْمُنْفَصِلَ أَكْثَرُ لِيَكُونَ الْفَضْلُ بِالتُّفْلِ، وَكَذَا بَيْعُ الْجَوْزِ بِدُهْنِهِ وَاللَّبَنِ بِسَمْنِهِ وَالتَّمْرِ بِنَوَاهُ، وَكُلُّ شَيْءٍ لِتُفْلِهِ قِيمَةٌ إذَا بِيعَ بِالْخَالِصِ مِنْهُ لَا يَجُوزُ حَتَّى يَكُونَ الْخَالِصُ أَكْثَرَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِتُفْلِهِ قِيمَةٌ كَتُرَابِ الذَّهَبِ إذَا بِيعَ بِالذَّهَبِ أَوْ تُرَابِ الْفِضَّةِ إذَا بِيعَ بِالْفِضَّةِ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الذَّهَبُ أَوْ الْفِضَّةُ أَكْثَرَ مِمَّا فِي التُّرَابِ لِأَنَّ التُّرَابَ لَا قِيمَةَ لَهُ فَلَا يُجْعَلُ بِإِزَائِهِ شَيْءٌ حَتَّى لَوْ جُعِلَ فَسَدَ لِرِبَا الْفَضْلِ، وَفِي الْحَاوِي، وَإِنْ بَاعَ حِنْطَةً بِحِنْطَةٍ فِي سُنْبُلِهَا لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ بَاعَ قَصِيلَ حِنْطَةٍ بِحِنْطَةٍ كَيْلًا، وَجُزَافًا جَازَ، وَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ التَّرْكُ اهـ. قَوْلُهُ (وَيُسْتَقْرَضُ الْخُبْزُ وَزْنًا لَا عَدَدًا) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُسْتَقْرَضُ بِهِمَا، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يُسْتَقْرَضُ بِهِمَا، وَذَكَرَ الشَّارِحُ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَأَنَا أَرَى أَنَّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ أَحْسَنُ، وَفِي الْجَوْهَرَةِ قَالَ مُحَمَّدٌ ثَلَاثٌ مِنْ الدَّنَاءَةِ اسْتِقْرَاضُ الْخُبْزِ، وَالْجُلُوسُ عَلَى بَابِ الْحَمَّامِ، وَالنَّظَرُ فِي مِرْآةِ الْحَجَّامِ. اهـ. وَفِي الْمُجْتَبَى بَاعَ رَغِيفًا نَقْدًا بِرَغِيفَيْنِ نَسِيئَةً يَجُوزُ، وَلَوْ كَانَ الرَّغِيفَانِ نَقْدًا، وَالرَّغِيفُ نَسِيئَةً لَا يَجُوزُ، وَلَوْ بَاعَ كُسَيْرَاتِ الْخُبْزِ يَجُوزُ نَقْدًا، وَنَسِيئَةً كَيْفَ كَانَ. قَوْلُهُ (وَلَا رِبَا بَيْنَ الْمَوْلَى وَعَبْدِهِ) لِأَنَّهُ، وَمَا فِي يَدِهِ مِلْكُهُ أَطْلَقَهُ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ لِرَقَبَتِهِ وَكَسْبِهِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ مُسْتَغْرِقًا فَيَجْرِي الرِّبَا بَيْنَهُمَا اتِّفَاقًا لِعَدَمِ الْمِلْكِ عِنْدَهُ لِلْمَوْلَى فِي كَسْبِهِ كَالْمُكَاتَبِ، وَعِنْدَهُمَا لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ عَلَى إطْلَاقِهِ، وَلَا رِبَا بَيْنَهُمَا، وَإِنْ كَانَ مَدْيُونًا مُسْتَغْرِقًا، وَإِنَّمَا يُرَدُّ الزَّائِدُ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ بِهِ كَمَا لَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ عَقْدٍ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ، وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ غَيْرَ مُسْتَغْرِقٍ فَلَا رِبَا، وَفِي مَأْذُونِ الْمُحِيطِ إذَا أَخَذَ الْمَوْلَى مِنْ كَسْبِ الْمَأْذُونِ شَيْئًا ثُمَّ لَحِقَهُ دَيْنٌ سَلَّمَ لِلْمَوْلَى مَا أَخَذَ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ يَوْمَ الْأَخْذِ وَلَوْ قَلِيلًا لَمْ يُسَلِّمْ، وَفَائِدَتُهُ لَوْ لَحِقَهُ آخَرُ رَدَّ الْمَوْلَى جَمِيعَ مَا أَخَذَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَخَذَ مِنْهُ ضَرِيبَةً، وَلَيْسَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَإِنَّهَا تُسَلَّمُ لَهُ اسْتِحْسَانًا، وَالْمُدَبَّرُ وَأُمُّ الْوَلَدِ كَالْعَبْدِ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ. وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَا رِبَا بَيْنَ الْمُتَفَاوِضَيْنِ، وَشَرِيكَيْ الْعِنَانِ إذَا تَبَايَعَا مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهِ جَرَى بَيْنَهُمَا. قَوْلُهُ (وَلَا بَيْنَ الْحَرْبِيِّ وَالْمُسْلِمِ ثَمَّةَ) أَيْ لَا رِبًا بَيْنَهُمَا فِي دَارِ الْحَرْبِ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، وَفِي الْبِنَايَةِ، وَكَذَا إذَا بَاعَ خَمْرًا أَوْ خِنْزِيرًا أَوْ مَيْتَةً أَوْ قَامَرَهُمْ، وَأَخَذَ الْمَالَ كُلُّ ذَلِكَ يَحِلُّ لَهُ، وَلَهُمَا الْحَدِيثُ «لَا رِبَا بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْحَرْبِيِّ فِي دَارِ الْحَرْبِ» ، وَلِأَنَّ مَالَهُمْ مُبَاحٌ، وَبِعَقْدِ الْأَمَانِ مِنْهُمْ لَمْ يَصِرْ مَعْصُومًا إلَّا أَنَّهُ الْتَزَمَ أَنْ لَا يَتَعَرَّضَ لَهُمْ بِغَدْرٍ، وَلَا لِمَا فِي أَيْدِيهِمْ بِدُونِ رِضَاهُمْ فَإِذَا أَخَذَ بِرِضَاهُمْ أَخَذَ مَالًا مُبَاحًا بِلَا غَدْرٍ فَيَمْلِكُهُ بِحُكْمِ الْإِبَاحَةِ السَّابِقَةِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَخْفَى أَنَّهُ إنَّمَا اقْتَضَى حِلَّ مُبَاشَرَةِ الْعَقْدِ إذَا كَانَ الزِّيَادَةُ يَنَالُهَا الْمُسْلِمُ، وَالرِّبَا أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ إذْ يَشْمَلُ مَا إذَا كَانَ الدِّرْهَمَانِ مِنْ جِهَةِ الْمُسْلِمِ أَوْ مِنْ جِهَةِ الْكَافِرِ، وَجَوَابُ الْمَسْأَلَةِ بِالْحِلِّ عَامٌّ فِي الْوَجْهَيْنِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَحُكْمُ مَنْ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَلَمْ يُهَاجِرْ كَالْحَرْبِيِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ مَالَهُ غَيْرُ مَعْصُومٍ عِنْدَهُ فَيَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ الرِّبَا مَعَهُ، وَأَمَّا إذَا هَاجَرَ إلَيْنَا ثُمَّ عَادَ إلَيْهِمْ لَمْ يَجُزْ الرِّبَا مَعَهُ لِكَوْنِهِ أَحْرَزَ مَالَهُ بِدَارِنَا فَكَانَ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ كَذَا   [منحة الخالق] بِالسَّوِيقِ فِيهِ خِلَافُهُمَا تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَفِي الْحَاوِي وَإِنْ بَاعَ حِنْطَةً بِحِنْطَةٍ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ يَجِبُ تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ أَنَّ الْحِنْطَةَ الَّتِي فِي سُنْبُلِهَا أَقَلُّ فَإِذَا تَحَقَّقَ أَنَّهُ أَقَلُّ جَازَ الْبَيْعُ، وَيَكُونُ زَائِدُ الْخَالِصَةِ فِي مُقَابَلَةِ التِّبْنِ فَيَنْتَفِي الرِّبَا تَأَمَّلْ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ بَيْعَ الْبُرِّ فِي سُنْبُلِهِ بِمِثْلِهِ لَا يَجُوزُ. اهـ. وَانْظُرْ مَا تَقَدَّمَ قَبْلَ خِيَارِ الشَّرْطِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ كَبَيْعِ بُرٍّ فِي سُنْبُلِهِ. (قَوْلُهُ وَفِي الْمُجْتَبَى بَاعَ رَغِيفًا نَقَدَ إلَخْ) اُنْظُرْ مَا وَجْهُهُ وَوَجَّهَهُ شَيْخُنَا بِأَنَّ الثَّمَنَ يَجُوزُ تَأْجِيلُهُ دُونَ الْمَبِيعِ، وَقَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ الرَّغِيفَانِ نَقْدًا أَيْ اللَّذَانِ دَخَلَتْ عَلَيْهِمَا الْبَاءُ، وَهُمَا الثَّمَنُ، وَقَوْلُهُ وَالرَّغِيفُ نَسِيئَةً أَيْ الَّذِي هُوَ الْمَبِيعُ إنْ بَاعَ رَغِيفًا نَسِيئَةً بِرَغِيفَيْنِ نَقْدًا فَلَا يَجُوزُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَأْجِيلِ الْمَبِيعِ، وَعَلَيْهِ فَذِكْرُ الْعَدَدِ اتِّفَاقِيٌّ، وَيَبْقَى الْإِشْكَالُ فِي الْكُسَيْرَاتِ، وَأَيْضًا فَإِنَّ الْجِنْسَ فِيهَا مَوْجُودٌ، وَلَمْ يُجَوِّزُوا بَيْعَ تَمْرَةٍ بِتَمْرَتَيْنِ نَسِيئَةً فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُ لَا يَخْفَى أَنَّهُ) أَيْ إلَّا أَنَّ التَّعْلِيلَ بِقَوْلِهِ، وَلِأَنَّ مَالَهُمْ مُبَاحٌ إلَخْ (قَوْلُهُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ) تَتِمَّةُ عِبَارَةِ الْفَتْحِ، وَكَذَا الْقِمَارُ قَدْ يُفْضِي إلَى أَنْ يَكُونَ مَالُ الْحَظْرِ لِلْكَافِرِ بِأَنْ يَكُونَ الْغَلَبُ لَهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْإِبَاحَةَ بِقَيْدِ نَيْلِ الْمُسْلِمِ الزِّيَادَةَ، وَقَدْ أُلْزِمَ الْأَصْحَاب فِي الدَّرْسِ أَنَّ مُرَادَهُمْ مِنْ حِلِّ الرِّبَا وَالْقِمَارِ مَا إذَا حَصَلَتْ الزِّيَادَةُ لِلْمُسْلِمِ نَظَرًا إلَى الْعِلَّةِ، وَإِنْ كَانَ إطْلَاقُ الْجَوَابِ خِلَافَهُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 147 فِي الْجَوْهَرَةِ، وَفِي الْمُجْتَبَى مَعْزِيًّا إلَى الْكِفَايَةِ مُسْتَأْمِنٌ مِنَّا بَاشَرَ مَعَ رَجُلٍ مُسْلِمًا كَانَ أَوْ ذِمِّيًّا فِي دَرَاهِمِ أَوْ مَنْ أَسْلَمَ هُنَاكَ شَيْئًا مِنْ الْعُقُودِ الَّتِي لَا تَجُوزُ فِيمَا بَيْنَنَا كَالرِّبَوِيَّاتِ وَبَيْعِ الْمَيْتَةِ جَازَ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ. اهـ. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (بَابُ الْحُقُوقِ) كَانَ مِنْ حَقِّ مَسَائِلِ هَذَا الْبَابِ إنْ تُذْكَرَ فِي الْفَصْلِ الْمُتَّصِلِ بِأَوَّلِ الْبُيُوعِ إلَّا أَنَّ الْمُصَنِّفَ الْتَزَمَ تَرْتِيبَ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَلِأَنَّ الْحُقُوقَ تَوَابِعُ فَيَلِيقُ ذِكْرُهَا بَعْدَ مَسَائِلِ الْبُيُوعِ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ، وَالْحُقُوقُ جَمْعُ حَقٍّ، وَفِي الْمِصْبَاحِ الْحَقُّ خِلَافُ الْبَاطِلِ، وَهُوَ مَصْدَرُ حَقَّ الشَّيْءُ مِنْ بَابَيْ ضَرَبَ، وَقَتَلَ إذَا وَجَبَ وَثَبَتَ، وَلِهَذَا يُقَالُ لِمَرَافِق الدَّارِ حُقُوقُهَا. اهـ. وَفِي الْبِنَايَةِ الْحَقُّ مَا يَسْتَحِقُّهُ الرَّجُلُ، وَلَهُ مَعَانٍ أُخَرُ مِنْهَا الْحَقُّ ضِدُّ الْبَاطِلِ. اهـ. وَفِي شَرْحِ الْمَنَارِ لِلسَّيِّدِ نكركار الْحَقُّ هُوَ الشَّيْءُ الْمَوْجُودُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَلَا رَيْبَ فِي وُجُودِهِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «السِّحْرُ حَقٌّ، وَالْعَيْنُ حَقٌّ» . اهـ. وَفِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ لِلْكَرْمَانِيِّ الْحَقُّ حَقِيقَةً هُوَ اللَّهُ تَعَالَى بِجَمِيعِ صِفَاتِهِ لِأَنَّهُ الْمَوْجُودُ حَقِيقَةً بِمَعْنَى لَمْ يُسْبَقْ بِعَدَمٍ، وَلَمْ يَلْحَقْهُ عَدَمٌ، وَإِطْلَاقُ الْحَقِّ عَلَى غَيْرِهِ مَجَازٌ، وَلِذَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ «اللَّهُمَّ أَنْتَ الْحَقُّ، وَوَعْدُك الْحَقُّ، وَقَوْلُك الْحَقُّ» بِالتَّعْرِيفِ فِي الثَّلَاثَةِ ثُمَّ قَالَ وَلِقَاؤُك حَقٌّ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ بِالتَّنْكِيرِ. اهـ. وَذَكَرَ الْأُصُولِيُّونَ أَنَّ الْأَحْكَامَ أَرْبَعَةٌ حُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى خَالِصَةً، وَحُقُوقُ الْعِبَادِ خَالِصَةً، وَمَا اجْتَمَعَا فِيهِ وَحَقُّ اللَّهِ تَعَالَى غَالِبٌ كَحَدِّ الْقَذْفِ، وَمَا اجْتَمَعَا فِيهِ وَحَقُّ الْعِبَادِ غَالِبٌ كَالْقِصَاصِ قَالُوا، وَالْمُرَادُ مِنْ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى مَا تَعَلَّقَ نَفْعُهُ بِالْعُمُومِ، وَإِنَّمَا نُسِبَ إلَى اللَّهِ تَعْظِيمًا لِأَنَّهُ مُتَعَالٍ عَنْ أَنْ يَنْتَفِعَ بِشَيْءٍ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَقًّا لَهُ تَعَالَى بِجِهَةِ التَّخْلِيقِ لِأَنَّ الْكُلَّ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ. (قَوْلُهُ الْعُلْوُ لَا يَدْخُلُ بِشِرَاءِ بَيْتٍ بِكُلِّ حَقٍّ) يَعْنِي إذَا اشْتَرَى بَيْتًا فَوْقَهُ بَيْتٌ لَا يَدْخُلُ فِيهِ الْعُلْوُ، وَلَوْ قَالَ بِكُلِّ حَقٍّ هُوَ لَهُ مَا لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْبَيْتَ اسْمٌ لِمُسَقَّفٍ وَاحِدٍ يَصْلُحُ لِلْبَيْتُوتَةِ، وَالْعُلْوُ مِثْلُهُ، وَالشَّيْءُ لَا يَكُونُ تَبَعًا لِمِثْلِهِ، وَفِي الْمِصْبَاحِ عُلْوُ الدَّارِ وَغَيْرِهَا خِلَافُ السُّفْلِ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَكَسْرِهَا. اهـ. وَأُورِدَ الْمُسْتَعِيرُ لَهُ أَنْ يُعِيرَ مَا لَا يَخْتَلِفُ، وَالْمُكَاتَبُ لَهُ أَنْ يُكَاتِبَ عَبْدَهُ فَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِطَرِيقِ الِاسْتِتْبَاعِ بَلْ لَمَّا مَلَكَ الْمُسْتَعِيرُ الْمَنْفَعَةَ بِغَيْرِ بَدَلٍ كَانَ لَهُ أَنْ يُمَلِّكَ مَا مَلَكَ كَذَلِكَ، وَالْمُكَاتَبُ بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ لَمَّا صَارَ أَحَقَّ بِمَكَاسِبِهِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ كِتَابَةَ عَبْدِهِ مِنْ أَكْسَابِهِ قَوْلُهُ (وَبِشِرَاءِ مَنْزِلٍ إلَّا بِكُلِّ حَقٍّ هُوَ لَهُ أَوْ بِمَرَافِقِهِ أَوْ بِكُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ هُوَ فِيهِ أَوْ مِنْهُ) أَيْ لَا يَدْخُلُ الْعُلْوُ بِشِرَاءِ مَنْزِلٍ إلَّا أَنْ يَقُولَ الْمُشْتَرِي لَفْظًا مِنْ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّ الْمَنْزِلَ لَهُ شَبَهٌ بِالدَّارِ، وَبِالْبَيْتِ لِأَنَّهُ اسْمٌ لِمَا يَشْتَمِلُ عَلَى بُيُوتٍ وَصَحْنٍ مُسَقَّفٍ وَمَطْبَخٍ يَسْكُنُ فِيهِ الرَّجُلُ بِأَهْلِهِ مَعَ ضَرْبِ قُصُورٍ فِيهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إصْطَبْلٌ فَلِشَبَهِ الدَّارِ يَدْخُلُ بِذِكْرِ التَّوَابِعِ، وَلِشَبَهِ الْبَيْتِ لَا يَدْخُلُ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ تَوْفِيرًا عَلَيْهِمَا حَظَّهُمَا، وَفِي الْكَافِي أَنَّ هَذَا التَّفْصِيلَ مَبْنِيٌّ عَلَى عُرْفِ الْكُوفَةِ، وَفِي عُرْفِنَا يَدْخُلُ الْعُلْوُ فِي الْكُلِّ سَوَاءٌ بَاعَ بِاسْمِ الْبَيْتِ أَوْ الْمَنْزِلِ أَوْ الدَّارِ، وَالْأَحْكَامُ تُبْنَى عَلَى الْعُرْفِ فَيُعْتَبَرُ فِي كُلِّ إقْلِيمٍ، وَفِي كُلِّ عَصْرٍ عُرْفُ أَهْلِهِ، وَفِي الذَّخِيرَةِ اعْلَمْ أَنَّ الْحَقَّ فِي الْعَادَةِ يُذْكَرُ فِيمَا هُوَ تَبَعٌ لِلْمَبِيعِ، وَلَا بُدَّ لِلْمَبِيعِ مِنْهُ، وَلَا يُقْصَدُ إلَّا لِأَجْلِ الْمَبِيعِ كَالطَّرِيقِ وَالشِّرْبِ لِلْأَرْضِ، وَالْمَرَافِقُ عِبَارَةٌ عَمَّا يُرْتَفَقُ بِهِ، وَيَخْتَصُّ بِمَا هُوَ مِنْ التَّوَابِعِ كَالشِّرْبِ وَمَسِيلِ الْمَاءِ، وَقَوْلُهُ كُلُّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ يُذْكَرُ عَلَى وَجْهِ الْمُبَالَغَةِ فِي إسْقَاطِ حَقِّ الْبَائِعِ عَنْ الْمَبِيعِ مِمَّا يَتَّصِلُ بِالْمَبِيعِ. اهـ. وَفِي الْمِصْبَاحِ الْمَرَافِقُ جَمْعُ مِرْفَقٍ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْفَاءِ لَا غَيْرُ كَالْمَطْبَخِ وَالْكَنِيفِ، وَنَحْوِهِ عَلَى التَّشْبِيهِ بِاسْمِ الْآلَةِ بِخِلَافِ الْمَرْفِقِ فِي الْوُضُوءِ فَإِنَّ فِيهِ لُغَتَيْنِ فَتْحُ الْمِيمِ، وَكَسْرُ الْفَاءِ كَمَسْجِدٍ، وَبِالْعَكْسِ، وَكَذَا الْمَرْفِقُ بِمَعْنَى مَا ارْتَفَقَتْ بِهِ اهـ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَرْفِقَ مُطْلَقًا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ بَاشَرَ مَعَ رَجُلٍ مُسْلِمًا كَانَ أَوْ ذِمِّيًّا إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ، وَاَلَّذِي رَأَيْته فِي الْمُجْتَبَى مُسْتَأْمِنٌ مِنْ أَهْلِ دَارِنَا مُسْلِمًا كَانَ أَوْ ذِمِّيًّا فِي دَارِهِمْ أَوْ مَنْ أَسْلَمَ هُنَاكَ بَاشَرَ مَعَهُمْ مِنْ الْعُقُودِ الَّتِي لَا تَجُوزُ إلَخْ، وَيُمْكِنُ تَصْحِيحُ عِبَارَةِ الْمُؤَلِّفِ بِأَنْ يُجْعَلَ قَوْلُهُ مُسْلِمًا كَانَ أَوْ ذِمِّيًّا عَائِدًا إلَى قَوْلِهِ مُسْتَأْمِنٌ لَا إلَى رَجُلٍ. [بَابُ الْحُقُوقِ] الجزء: 6 ¦ الصفحة: 148 فِيهِ لُغَتَانِ إلَّا مِرْفَقَ الدَّارِ، وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مِنْ الْفَصْلِ السَّابِعِ، وَمَا يُذْكَرُ فِي دَعْوَى الْعَقَارِ مِنْ قَوْلِهِ بِحُقُوقِهِ، وَمَرَافِقِهِ فَحُقُوقُهُ عِبَارَةٌ عَنْ مَسِيلِ الْمَاءِ وَطَرِيقٍ، وَغَيْرِهِ وِفَاقًا، وَمَرَافِقِهِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ عِبَارَةٌ عَنْ مَنَافِعِ الدَّارِ، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ الْمَرَافِقُ هِيَ الْحُقُوقُ اهـ. قَوْلُهُ (وَدَخَلَ بِشِرَاءِ دَارٍ) أَيْ الْعُلْوُ بِشِرَاءِ دَارٍ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ الدَّارَ اسْمٌ لِمَا أُدِيرَ عَلَيْهِ الْحُدُودُ مِنْ الْحَائِطِ، وَيَشْتَمِلُ عَلَى بُيُوتٍ وَمَنَازِلِ وَصَحْنٍ غَيْرِ مُسَقَّفٍ، وَالْعُلْوُ مِنْ أَجْزَائِهِ فَيَدْخُلُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ، وَفِي الْبِنَايَةِ الدَّارُ لُغَةً اسْمٌ لِقِطْعَةِ أَرْضٍ ضُرِبَتْ لَهَا الْحُدُودُ، وَمُيِّزَتْ عَمَّا يُجَاوِرُهَا بِإِدَارَةِ خَطٍّ عَلَيْهَا فَبُنِيَ فِي بَعْضِهَا دُونَ الْبَعْضِ لِيَجْمَعَ فِيهَا مَرَافِقَ الصَّحْرَاءِ لِلِاسْتِرْوَاحِ، وَمَنَافِعَ الْأَبْنِيَةِ لِلْإِسْكَانِ، وَغَيْرَ ذَلِكَ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا كَانَتْ الْأَبْنِيَةُ بِالْمَاءِ وَالتُّرَابِ أَوْ بِالْخِيَامِ، وَالْقِبَابِ. اهـ. قَوْلُهُ (كَالْكَنِيفِ) أَيْ كَمَا يَدْخُلُ بِشِرَاءِ الدَّارِ، وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ لِأَنَّ الْكَنِيفَ مِنْهَا، وَكَذَا يَدْخُلُ بِئْرُ الْمَاءِ، وَالْأَشْجَارِ الَّتِي فِي صَحْنِهَا، وَالْبُسْتَانُ الدَّاخِلُ فَأَمَّا الْخَارِجُ فَإِنْ كَانَ أَكْبَرَ مِنْهَا أَوْ مِثْلَهَا لَا يَدْخُلُ إلَّا بِالشَّرْطِ، وَإِنْ كَانَ أَصْغَرَ مِنْهَا يَدْخُلُ لِأَنَّهُ يُعَدَّ مِنْ الدَّارِ عُرْفًا، وَالْكَنِيفُ الْمُسْتَرَاحُ، وَفِي الْمِصْبَاحِ الْكَنِيفُ السَّاتِرُ، وَيُسَمَّى التُّرْسُ كَنِيفًا لِأَنَّهُ يَسْتُرُ صَاحِبَهُ، وَقِيلَ لِلْمِرْحَاضِ كَنِيفٌ لِأَنَّهُ يَسْتُرُ قَاضِيَ الْحَاجَةِ، وَالْجَمْعُ كُنُفٌ مِثْلُ نَذِيرٍ وَنُذُرٍ اهـ. أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الْكَنِيفُ خَارِجًا مَبْنِيًّا عَلَى الظُّلَّةِ لِأَنَّهُ يُعَدُّ مِنْهَا عَادَةً قَوْلُهُ (لَا الظُّلَّةُ إلَّا بِكُلِّ حَقٍّ) أَيْ لَا تَدْخُلُ الظُّلَّةُ فِي بَيْعِ الدَّارِ إلَّا إذَا قَالَ بِكُلِّ حَقٍّ، وَهِيَ السَّابَاطُ الَّذِي يَكُونُ أَحَدَ طَرَفَيْهِ عَلَى الدَّارِ، وَالْآخَرُ عَلَى الدَّارِ الْأُخْرَى أَوْ عَلَى أُسْطُوَانَاتٍ فِي السِّكَّةِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِي الصِّحَاحِ، وَالظُّلَّةُ بِالضَّمِّ كَهَيْئَةِ الصِّفَةِ، وَقُرِئَ فِي ظُلَلٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئِينَ، وَالظُّلَّةُ أَيْضًا أَوَّلُ سَحَابَةٍ تُظِلُّ عَنْ أَبِي زَيْدٍ، وَعَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ قَالُوا غَيْمٌ تَحْتَهُ سَمُومٌ، وَالْمِظَلَّةُ بِالْكَسْرِ الْبَيْتُ الْكَبِيرُ مِنْ الشَّعْرِ. اهـ. وَفِي الْمُغْرِبِ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ ظُلَّةُ الدَّارِ يُرِيدُونَ السُّدَّةَ الَّتِي تَكُونُ فَوْقَ الْبَابِ، وَإِنَّمَا لَا تَدْخُلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى الطَّرِيقِ فَأَخَذَتْ حُكْمَهُ، وَعِنْدَهُمَا إنْ كَانَ مِفْتَحُهَا فِي الدَّارِ تَدْخُلُ مُطْلَقًا لِأَنَّهَا مِنْ تَوَابِعِهَا كَالْكَنِيفِ، وَلَيْسَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ إلَّا بِكُلِّ حَقٍّ الْقَصْرَ عَلَى هَذَا بَلْ إنَّمَا الْمُرَادُ بِهِ أَوْ بِنَحْوِهِ بِأَنْ يُقَالَ بِمَرَافِقِهَا أَوْ بِكُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ هُوَ فِيهِ كَذَا فِي الْبِنَايَةِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ، وَيَدْخُلُ الْبَابُ الْأَعْظَمُ فِيمَا إذَا بَاعَ بَيْتًا أَوْ دَارًا بِمَرَافِقِهِ لِأَنَّ الْبَابَ الْأَعْظَمَ مِنْ مَرَافِقِهَا اهـ. قَوْلُهُ (وَلَا يَدْخُلُ الطَّرِيقُ وَالْمَسِيلُ، وَالشِّرْبُ إلَّا بِنَحْوِ كُلِّ حَقٍّ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ) أَيْ لَا تَدْخُلُ الثَّلَاثَةُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ أَوْ الْمَسْكَنِ إلَّا بِذِكْرِ كُلِّ حَقٍّ وَنَحْوِهِ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ حَيْثُ تَدْخُلُ مُطْلَقًا لِأَنَّ كُلًّا مِنْهَا خَارِجٌ عَنْ الْحُدُودِ فَكَانَتْ تَابِعَةً فَتَدْخُلُ بِذِكْرِ التَّوَابِعِ، وَأَمَّا الْإِجَارَةُ فَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ مِنْهَا الِانْتِفَاعُ، وَلَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِهَا، وَلِأَنَّ الْبَيْعَ شُرِعَ لِتَمْلِيكِ الْعَيْنِ لَا الْمَنْفَعَةِ بِدَلِيلِ صِحَّةِ شِرَاءِ جَحْشٍ وَمُهْرٍ صَغِيرٍ، وَأَرْضٍ سَبِخَةٍ، وَلَا تَصِحُّ إجَارَتُهَا، وَكَذَا لَوْ اسْتَأْجَرَ عُلْوًا، وَاسْتَثْنَى الطَّرِيقَ فَسَدَتْ بِخِلَافِ الْبَيْعِ، وَقَدْ يَتَّجِرُ فِي الْعَيْنِ فَيَبِيعُهُ مِنْ غَيْرِهِ فَحَصَلَتْ الْفَائِدَةُ الْمَطْلُوبَةُ، وَفِي الْمِعْرَاجِ أَرَادَ الطَّرِيقَ الْخَاصَّ فِي مِلْكِ إنْسَانٍ أَمَّا الطَّرِيقُ إلَى سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ أَوْ إلَى   [منحة الخالق] بَابُ الْحُقُوقِ (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ، وَلَا يَدْخُلُ الطَّرِيقُ وَالْمَسِيلُ وَالشِّرْبُ إلَّا بِنَحْوِ كُلِّ حَقٍّ) أَقُولُ: الْعُرْفُ فِي زَمَانِنَا دُخُولُهَا بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ بِدُونِ قَوْلِهِ كُلُّ حَقٍّ، وَلَا يَفْهَمُ الْعَاقِدُ أَنَّ سِوَى ذَلِكَ فَمُقْتَضَى مَا مَرَّ فِي مَسْأَلَةِ الْعُلْوِ عَنْ الْكَافِي دُخُولُ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ بِكُلِّ حَقٍّ لِأَنَّ عُرْفَ زَمَانِنَا دُخُولُ ذَلِكَ لَا سِيَّمَا الشُّرْبُ ثُمَّ رَأَيْت فِي الذَّخِيرَةِ الْبُرْهَانِيَّةِ قَالَ فَالْأَصْلُ أَنَّ مَا كَانَ فِي الدَّارِ مِنْ الْبِنَاءِ أَوْ كَانَ مُتَّصِلًا بِالْبِنَاءِ يَدْخُلُ فِي بَيْعِ الدَّارِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ، وَمَا لَا يَكُونُ مُتَّصِلًا بِالْبِنَاءِ لَا يَدْخُلُ فِي بَيْعِ الدَّارِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ إلَّا إذَا كَانَ شَيْئًا جَرَى الْعُرْفُ فِيهِ فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ أَنَّ الْبَائِعَ لَا يَمْنَعُهُ عَنْ الْمُشْتَرِي فَحِينَئِذٍ يَدْخُلُ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْبَيْعِ، وَالْمِفْتَاحُ يَدْخُلُ اسْتِحْسَانًا، وَلَا يَدْخُلُ قِيَاسًا لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَّصِلٍ بِالْبِنَاءِ فَصَارَ كَثَوْبٍ مَوْضُوعٍ فِي الدَّارِ إلَّا أَنَّا اسْتَحْسَنَّا، وَقُلْنَا بِالدُّخُولِ بِحُكْمِ الْعُرْفِ لِأَنَّ الْعُرْفَ فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ أَنَّ الْبَائِعَ لِلدَّارِ لَا يَمْنَعُ الْمِفْتَاحَ عَنْ الْمُشْتَرِي، وَيُسَلِّمُونَ الدَّارَ بِتَسْلِيمِ الْمِفْتَاحِ، وَالْقُفْلُ وَمِفْتَاحُهُ لَا يَدْخُلَانِ، وَالسُّلَّمُ إنْ كَانَ مُتَّصِلًا بِالْبِنَاءِ يَدْخُلُ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ خَشَبٍ أَوْ مَدَرٍ، وَالسُّرَرُ نَظِيرُ السَّلَالِمِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي بَيْعُ الْأَرْضِ أَوْ الْمَسْكَنِ) فِي الْقَامُوسِ الْمَسْكَنُ الْمَنْزِلُ، وَعِبَارَةُ الْهِدَايَةِ، وَمَنْ اشْتَرَى بَيْتًا فِي دَارٍ أَوْ مَنْزِلًا أَوْ مَسْكَنًا لَمْ يَكُنْ لَهُ الطَّرِيقُ إلَخْ، وَكَأَنَّهُ أَرَادَ بِالْمَسْكَنِ الدَّارَ (قَوْلُهُ وَفِي الْمِعْرَاجِ أَرَادَ الطَّرِيقَ الْخَاصَّ إلَخْ) قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَإِذَا كَانَ طَرِيقُ الدَّارِ الْمَبِيعَةِ أَوْ مَسِيلُ مَائِهَا فِي دَارٍ أُخْرَى لَا يَدْخُلُ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الْحُقُوقِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ فَلَا تَدْخُلُ إلَّا بِذِكْرِ الْحُقُوقِ إلَّا أَنَّ تَعْلِيلَهُ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ هَذِهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 149 طَرِيقٍ عَامٍّ يَدْخُلُ. اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ، وَكَذَا مَا كَانَ لَهُ مِنْ حَقِّ مَسِيلَ الْمَاءِ أَوْ إلْقَاءَ الثَّلْجِ فِي مِلْكِ إنْسَانٍ لِحَاجَتِهِ، وَفِي الذَّخِيرَةِ بِذِكْرِ الْحُقُوقِ إنَّمَا يَدْخُلُ الطَّرِيقُ الَّذِي يَكُونُ عِنْدَ الْبَيْعِ لَا الطَّرِيقُ الَّذِي كَانَ قَبْلَ الْبَيْعِ حَتَّى أَنَّ مَنْ سَدَّ طَرِيقِ مَنْزِلِهِ، وَجَعَلَ لَهُ طَرِيقًا آخَرَ، وَبَاعَ الْمَنْزِلَ بِحُقُوقِهِ يَدْخُلُ تَحْتَ الْبَيْعِ الطَّرِيقُ الثَّانِي لَا الطَّرِيقُ الْأَوَّلُ كَذَا فِي الْبِنَايَةِ فَإِنْ ذَكَرَ الْحُقُوقَ، وَقَالَ الْبَائِعُ لَيْسَ لِلدَّارِ الْمَبِيعَةِ طَرِيقٌ فِي دَارٍ أُخْرَى فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَسْتَحِقُّ الطَّرِيقَ مِنْ غَيْرِ حُجَّةٍ لَكِنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا بِالْعَيْبِ، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ جُذُوعُ دَارٍ أُخْرَى عَلَى الدَّار الْمَبِيعَةِ فَإِنْ كَانَتْ الْجُذُوعُ لِلْبَائِعِ يُؤْمَرُ الْبَائِعُ بِالرَّفْعِ، وَإِنْ كَانَتْ لِغَيْرِهِ كَانَ عَيْبًا، وَكَذَا لَوْ ظَهَرَ فِي الدَّارِ الْمَبِيعَةِ طَرِيقٌ أَوْ مَسِيلُ مَاءٍ لِدَارٍ أُخْرَى فَإِنْ كَانَتْ تِلْكَ الدَّارُ لِلْبَائِعِ لَمْ يَكُنْ لِلْبَائِعِ أَنْ يَمُرَّ فِي الدَّارِ الْمَبِيعَةِ لِأَنَّهُ بَاعَهَا مِنْ غَيْرِ اسْتِثْنَاءٍ، وَإِنْ كَانَتْ تِلْكَ الدَّارُ لِغَيْرِ الْبَائِعِ كَانَ عَيْبًا كَذَا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِيَّ خَانَ، وَفِي الْخُلَاصَةِ يَدْخُلُ الطَّرِيقُ فِي الرَّهْنِ، وَالصَّدَقَةُ الْمَوْقُوفَةُ كَالْإِجَارَةِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ أَقَرَّ بِدَارٍ أَوْ صَالَحَ عَلَى دَارٍ أَوْ وَصَّى بِدَارٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ حُقُوقَهَا، وَمَرَافِقَهَا لَمْ يَدْخُلْ الطَّرِيقُ. اهـ. وَأَمَّا إذَا اقْتَسَمَا، وَلَمْ يَذْكُرَا طَرِيقًا فَإِنْ أَمْكَنَهُ فَتْحُ بَابٍ صَحَّتْ، وَإِلَّا فَسَدَتْ، وَلَا يَدْخُلُ إلَّا بِذِكْرِ الْحُقُوقِ، وَفِي الْبَيْعِ يَدْخُلُ بِذِكْرِ الْحُقُوقِ، وَإِنْ أَمْكَنَهُ فَتْحُ بَابٍ، وَبَيَانُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْقِسْمَةِ، وَالْإِجَارَةِ وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ الْبَيْعِ فِي الْمِعْرَاجِ اهـ.   [منحة الخالق] الدَّارِ يَقْتَضِي أَنَّ الطَّرِيقَ الَّذِي فِي هَذِهِ الدَّارِ يَدْخُلُ، وَهُوَ غَيْرُ مَا فِي الْكِتَابِ فَالْحَقُّ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَا يَدْخُلُ لِأَنَّهُ، وَإِنْ كَانَ فِي هَذِهِ الدَّارِ فَلَمْ يَشْتَرِ جَمِيعَ هَذِهِ الدَّارِ إنَّمَا اشْتَرَى شَيْئًا مُعَيَّنًا مِنْهَا فَلَا يَدْخُلُ مِلْكُ الْبَائِعِ أَوْ مِلْكُ الْأَجْنَبِيِّ إلَّا بِذِكْرِهِ. اهـ. وَتَأَمَّلْ. قَوْلَهُ فَلَا يَدْخُلُ مِلْكُ الْبَائِعِ مَعَ مَا سَيَذْكُرُهُ الْمُؤَلِّفُ عَنْ شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ، وَمَعَ مَا نَقَلَهُ الرَّمْلِيُّ عَنْ الْخُلَاصَةِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَتْ تِلْكَ الدَّارُ لِغَيْرِ الْبَائِعِ كَانَ عَيْبًا) قَالَ الرَّمْلِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ فِي كِتَابِ الشُّرْبِ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي فِي مَسَائِلِ الْمَاءِ، وَمَسَائِلِ السَّطْحِ، وَفِي النَّوَازِلِ رَجُلٌ لَهُ دَارَانِ مَسِيلُ سَطْحِ إحْدَاهُمَا عَلَى سَطْحِ الدَّارِ الْأُخْرَى فَبَاعَ الدَّارَ الَّتِي عَلَيْهَا الْمَسِيلُ مِنْ إنْسَانٍ بِكُلِّ حَقٍّ هُوَ لَهَا ثُمَّ بَاعَ الدَّارَ الْأُخْرَى مِنْ آخَرَ فَأَرَادَ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ أَنْ يَمْنَعَ الْمُشْتَرِيَ الثَّانِيَ مِنْ إسَالَةِ الْمَاءِ عَلَى سَطْحِهِ قَالَ: لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ اشْتَرَطَ عَلَيْهِ وَقْتَ مَا بَاعَهُ إنِّي لَمْ أَبِعْ مِنْك مَسِيلَ الْمَاءِ فِي الدَّارِ الَّتِي بِعْت اهـ. أَقُولُ: وَبِهِ عُلِمَ جَوَابُ حَادِثَةِ الْفَتْوَى، وَهِيَ رَجُلٌ لَهُ كَرْمَانِ طَرِيقُ أَحَدِهِمَا مِنْ الْآخَرِ فَبَاعَ لِبِنْتِهِ الَّذِي فِيهِ الطَّرِيقُ عَلَى أَنَّ لَهُ الْمُرُورَ كَمَا كَانَ فَبَاعَتْهُ لِأَجْنَبِيٍّ فَهَلْ لَهُ مَنْعُ الْأَبِ مِنْ الِاسْتِطْرَاقِ أَمْ لَا وَلَوْ تَضَرَّرَ بِمُرُورِهِ الْجَوَابُ لَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ تَأَمَّلْ هَذَا، وَرَأَيْت عِبَارَةَ الْخُلَاصَةِ فِي نُسْخَتِي قَالَ لَا يَمْنَعُهُ، وَرَأَيْت فِي الْبَزَّازِيَّةِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَعَزَاهُ فِي الْخُلَاصَةِ لِلنَّوَازِلِ فَرَاجَعْت النَّوَازِلِ بَعْدَ أَنْ أَشْكَلَ عَلَيَّ ذَلِكَ فَرَأَيْته قَالَ: لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ إلَخْ ثُمَّ رَاجَعْت الْوَلْوَالِجيَّةِ فَرَأَيْته قَالَ: لَهُ ذَلِكَ فَتَيَقَّنْت أَنَّهُ سَبْقُ قَلَمٍ مِنْ الْكَتَبَةِ فَأَصْلَحْته فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْبَزَّازِيَّةِ فَتَيَقَّظْ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَلَا يَدْخُلُ إلَّا بِذِكْرِ الْحُقُوقِ) أَيْ فِي صُورَةِ مَا إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ فَتْحُ بَابٍ، وَتَصِحُّ الْقِسْمَةُ حِينَئِذٍ كَمَا لَا يَخْفَى أَمَّا إذَا أَمْكَنَهُ فَلَا تَدْخُلُ وَإِنْ ذُكِرَتْ كَمَا سَيَأْتِي. (قَوْلُهُ وَبَيَانُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْقِسْمَةِ وَالْإِجَارَةِ إلَخْ) ذَكَرَهُ فِي الْكِفَايَةِ أَيْضًا فَقَالَ وَفِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ فَرَّقَ بَيْنَ الْإِجَارَةِ وَبَيْنَ الْقِسْمَةِ فَإِنَّ الدَّارَ إذَا كَانَتْ بَيْنَ رَجُلَيْنِ، وَفِيهَا صُفَّةٌ، وَفِيهَا بَيْتٌ، وَبَابُ الْبَيْتِ فِي الصُّفَّةِ وَمَسِيلُ مَاءِ ظَهْرِ الْبَيْتِ عَلَى ظَهْرِ الصُّفَّةِ وَاقْتَسَمَا فَأَصَابَ الصُّفَّةَ أَحَدُهُمَا، وَقِطْعَةً مِنْ السَّاحَةِ، وَلَمْ يَذْكُرُوا طَرِيقًا، وَلَا مَسِيلَ مَاءٍ، وَصَاحِبُ الْبَيْتِ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَفْتَحَ بَابَهُ فِيمَا أَصَابَهُ مِنْ السَّاحَةِ، وَلَا يَقْدِرُ أَنْ يُسِيلَ مَاءَهُ فِي ذَلِكَ فَالْقِسْمَةُ فَاسِدَةٌ، وَلَمْ يَدْخُلْ الطَّرِيقُ، وَالْمَسِيلُ بِدُونِ ذِكْرِ الْحُقُوقِ وَالْمَرَافِقِ تَحَرِّيًا لِجَوَازِ الْقِسْمَةِ كَمَا فِي الْإِجَارَةِ لِأَنَّ فِي الْإِجَارَةِ مَوْضِعَ الشِّرْبِ لَيْسَ مِمَّا تَنَاوَلَتْهُ الْإِجَارَةُ، وَلَكِنْ يُتَوَسَّلُ بِهِ إلَى الِانْتِفَاعِ بِالْمُسْتَأْجَرِ، وَالْآجِرُ إنَّمَا يَسْتَوْجِبُ الْأَجْرَ إذَا تَمَكَّنَ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ الِانْتِفَاعِ فَفِي إدْخَالِ الشُّرْبِ تَوْفِيرُ الْمَنْفَعَةِ عَلَيْهِمَا، وَأَمَّا هُنَا فَمَوْضِعُ الطَّرِيقِ وَالْمَسِيلِ دَاخِلٌ فِي الْقِسْمَةِ، وَمُوجِبُ الْقِسْمَةِ اخْتِصَاصُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمَا هُوَ نَصِيبُهُ فَلَوْ أَثْبَتْنَا لِأَحَدِهِمَا حَقًّا فِي نَصِيبِ الْآخَرِ تَضَرَّرَ بِهِ الْآخَرُ إلَّا إذَا ذَكَرَ الْحُقُوقَ وَالْمَرَافِقَ لِأَنَّهُ دَلِيلُ الرِّضَا بِهِ ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالْقِسْمَةِ حَيْثُ يَدْخُلُ الطَّرِيقُ وَالْمَسِيلُ فِي الْبَيْعِ إذَا ذَكَرَ الْحُقُوقَ، وَإِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَفْتَحَ الْبَابَ فِيمَا ابْتَاعَ، وَيُسِيلَ مَاءَهُ فِيهِ، وَفِي الْقِسْمَةِ لَا يَدْخُلُ. وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْقِسْمَةِ تَمْيِيزُ أَحَدِ الْمِلْكَيْنِ عَنْ الْآخَرِ وَاخْتِصَاصُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِنَصِيبِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا شَرِكَةَ لِلْآخَرِ فِيهِ فَلَا يُصَارُ إلَى الِانْتِفَاعِ بِنَصِيبِ صَاحِبِهِ إلَّا عِنْدَ التَّعَذُّرِ وَالِانْتِفَاعُ بِنَصِيبِ صَاحِبِهِ لَا يُخِلُّ بِمَقْصُودِ الْبَيْعِ فَلِهَذَا افْتَرَقَا اهـ. هَذَا، وَالْمَفْهُومُ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ فِي الْقِسْمَةِ إذَا لَمْ تُذْكَرْ الْحُقُوقُ، وَلَمْ يُمْكِنْهُ إحْدَاثُ مِثْلِهَا فِي نَصِيبِهِ، وَلَوْ وَاحِدًا مِنْهَا فَالْقِسْمَةُ فَاسِدَةٌ، وَلَا تَدْخُلُ الْحُقُوقُ الَّتِي كَانَتْ إلَّا بِذِكْرِهَا، وَإِنْ أَمْكَنَهُ إحْدَاثُ مِثْلِهَا فَلَا تَدْخُلُ، وَإِنْ ذُكِرَتْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 150 (بَابُ الِاسْتِحْقَاقِ) وَهُوَ طَلَبُ الْحَقِّ، وَفِي الْمِصْبَاحِ اسْتَحَقَّ فُلَانٌ الْأَمْرَ اسْتَوْجَبَهُ قَالَهُ الْفَارَابِيُّ، وَجَمَاعَةٌ فَالْأَمْرُ مُسْتَحَقٌّ بِالْفَتْحِ اسْمُ مَفْعُولٍ، وَمِنْهُ خَرَجَ الْبَيْعُ مُسْتَحَقًّا. اهـ. وَذَكَرَهُ عَقِيبَ الْحُقُوقِ لِلْمُنَاسِبَةِ بَيْنَهُمَا لَفْظًا وَمَعْنًى قَوْلُهُ (الْبَيِّنَةُ حُجَّةٌ مُتَعَدِّيَةٌ لَا الْإِقْرَارُ) لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ لَا تَصِيرُ حُجَّةً إلَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي، وَلَهُ وِلَايَةٌ عَامَّةٌ فَيَنْفُذُ قَضَاؤُهُ فِي حَقِّ الْكَافَّةِ، وَالْإِقْرَارُ حُجَّةٌ بِنَفْسِهِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَضَاءِ، وَلِلْمُقِرِّ وِلَايَةٌ عَلَى نَفْسِهِ دُونَ غَيْرِهِ فَيَقْتَصِرُ عَلَيْهِ كَذَا ذَكَرَ الشَّارِحُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ مَعْنَى التَّعَدِّي أَنَّهُ يَكُونُ الْقَضَاءُ بِهِ قَضَاءً عَلَى كَافَّةِ النَّاسِ فِي كُلِّ شَيْءٍ قُضِيَ بِهِ بِالْبَيِّنَةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا يَكُونُ الْقَضَاءُ عَلَى الْكَافَّةِ فِي الْعِتْقِ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ الْقَضَاءُ بِحُرِّيَّةِ الْعَبْدِ قَضَاءٌ فِي حَقِّ النَّاسِ كَافَّةً. اهـ. وَفِي الصُّغْرَى مِنْ دَعْوَى النِّكَاحِ مِنْ كِتَابِ الدَّعْوَى إذَا قَضَى الْقَاضِي لِإِنْسَانِ بِنِكَاحِ امْرَأَةٍ أَوْ بِنَسَبٍ أَوْ بِوَلَاءٍ عَتَاقَةً ثُمَّ ادَّعَاهُ الْآخَرُ لَا تُسْمَعُ ذَكَرَهُ فِي آخِرِ الْبَابِ الرَّابِعِ وَالْمِائَةِ مِنْ أَدَبِ الْقَاضِي اهـ. وَأَمَّا الْقَضَاءُ بِالْوَقْفِ فَفِي الْخُلَاصَةِ مِنْ الْقَضَاءِ، وَالْقَضَاءُ بِوَقْفِيَّةِ مَوْضِعٍ هَلْ يَكُونُ قَضَاءً عَلَى النَّاسِ كَافَّةً اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ، وَفِي كِتَابِ الدَّعْوَى أَرْضٌ فِي يَدِ رَجُلٍ ادَّعَى رَجُلٌ أَنَّ هَذِهِ الدَّارَ وَقْفٌ مِنْ جِهَةِ فُلَانٍ عَلَى جِهَةٍ مَعْلُومَةٍ، وَأَنَّهُ مُتَوَلِّي ذَلِكَ الْوَقْفِ، وَذَكَرَ الشَّرَائِطَ، وَأَثْبَتَ بِالْبَيِّنَةِ، وَقَضَى الْقَاضِي بِالْوَقْفِيَّةِ ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ، وَادَّعَى أَنَّ هَذِهِ الْأَرْضَ مِلْكُهُ وَحَقُّهُ تُسْمَعُ بِخِلَافِ الْعَبْدِ إذَا ادَّعَى الْعِتْقَ عَلَى إنْسَانٍ وَقَضَى الْقَاضِي بِالْعِتْقِ ثُمَّ ادَّعَى رَجُلٌ أَنَّ هَذَا الْعَبْدَ مِلْكُهُ لَا تُسْمَعُ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالْعِتْقِ قَضَاءٌ عَلَى جَمِيعِ النَّاسِ كَافَّةً بِخِلَافِ الْوَقْفِ قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ لَمْ نَرَ لِهَذَا رِوَايَةً، وَلَكِنْ سَمِعْت أَنَّ فَتْوَى السَّيِّدِ أَبِي شُجَاعٍ عَلَى هَذَا. وَفِي فَوَائِدِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحُلْوَانِيِّ وَرُكْنِ الْإِسْلَامِ عَلِيٍّ السُّغْدِيِّ أَنَّ الْوَقْفَ كَالْعِتْقِ فِي عَدَمِ سَمَاعِ الدَّعْوَى بَعْدَ قَضَاءِ الْقَاضِي بِالْوَقْفِيَّةِ لِأَنَّ الْوَقْفَ بَعْدَمَا صَحَّ بِشَرَائِطِهِ لَا يَبْطُلُ إلَّا فِي مَوَاضِعَ مَخْصُوصَةٍ، وَكَذَا فِي النَّوَازِلِ اهـ. وَصَحَّحَ الْعِمَادِيُّ فِي الْفُصُولِ أَنَّ الْقَضَاءَ بِهِ لَيْسَ قَضَاءً عَلَى الْكَافَّةِ فَتُسْمَعُ فِيهِ دَعْوَى الْمِلْكِ فَقَدْ ظَهَرَ بِهَذَا أَنَّ الْقَضَاءَ يَكُونُ عَلَى الْكَافَّةِ فِي الْحُرِّيَّةِ وَالنِّكَاحِ وَالنَّسَبِ وَالْوَلَاءِ خَاصَّةً، وَفِي الْوَقْفِ يَقْتَصِرُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَأَمَّا الْقَضَاءُ بِالْمِلْكِ فَقَضَاءٌ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَعَلَى مَنْ تَلَقَّى الْمِلْكَ مِنْهُ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَفِيهَا قَبْلَهُ: الْمُشْتَرِي إذَا صَارَ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ هَلْ يَصِيرُ الْبَائِعُ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ حَتَّى لَا تُسْمَعَ إنْ قَالَ الْمُشْتَرِي فِي جَوَابِ دَعْوَى الْمُدَّعِي مِلْكِي لِأَنِّي اشْتَرَيْته مِنْ فُلَانٍ يَعْنِي مِنْ الْبَائِعِ صَارَ الْبَائِعُ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ حَتَّى لَا تُسْمَعَ دَعْوَى الْبَائِعِ هَذَا الْمَحْدُودَ، وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ أَمَّا إذَا قَالَ فِي الْجَوَابِ مِلْكِي وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ لَا يَصِيرُ الْبَائِعُ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ حَتَّى تُسْمَعَ دَعْوَاهُ هَذَا الْمَحْدُودَ، وَالْإِرْثُ كَالشِّرَاءِ، وَهُوَ مَنْصُوصٌ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ، وَصُورَتُهَا دَارٌ فِي يَدِ رَجُلٍ يَدَّعِي أَنَّهَا لَهُ فَجَاءَ آخَرُ وَادَّعَى أَنَّهَا لَهُ وَرِثَهَا مِنْ أَبِيهِ، وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ وَقَضَى الْقَاضِي لَهُ عَلَيْهِ بِهَا ثُمَّ جَاءَ أَخُو الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ، وَادَّعَى أَنَّ هَذِهِ الدَّارَ كَانَتْ لِأَبِيهِ مَاتَ، وَتَرَكَهَا   [منحة الخالق] وَالْقِسْمَةُ صَحِيحَةٌ، وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ هُنَا قَالَ فِي النَّهْرِ، وَالْمَذْكُورُ فِي نَظْمِ ابْنِ وَهْبَانَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ فَتْحُ بَابٍ، وَقَدْ عَلِمَ ذَلِكَ وَقْتَ الْقِسْمَةِ صَحَّتْ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَسَدَتْ، وَفِي الْفَتْحِ، وَلَا يَدْخُلُ الطَّرِيقُ وَالْمَسِيلُ فِيهَا إلَّا بِرِضًا صَرِيحٍ، وَلَا يَكْفِي فِيهِ ذِكْرُ الْحُقُوقِ، وَالْمَرَافِقِ اهـ. قُلْتُ: الَّذِي فِي الْفَتْحِ مِثْلُ مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْكِفَايَةِ، وَاَلَّذِي نَقَلَهُ عَنْهُ فِي النَّهْرِ ذَكَرَهُ فِي الْفَتْحِ فِيمَا إذَا ذَكَرَ الْحُقُوق، وَأَمْكَنَهُ إحْدَاثُهَا، وَمَعْنَاهُ أَنَّ دَلِيلَ الرِّضَا، وَهُوَ ذِكْرُ الْحُقُوقِ وَالْمَرَافِقِ لَا يَكْفِي كَمَا يَكْفِي فِيمَا إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ الْإِحْدَاثُ بَلْ لَا بُدَّ فِي دُخُولِهَا مِنْ صَرِيحِ رِضَا شَرِيكِهِ، وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا مَرَّ فَتَدَبَّرْ. [بَابُ الِاسْتِحْقَاقِ] (بَابُ الِاسْتِحْقَاقِ) (قَوْلُهُ وَصَحَّحَ الْعِمَادِيُّ فِي الْفُصُولِ إلَخْ) نَقَلَ الرَّمْلِيُّ عَنْ الْغَزِّيِّ عِبَارَةَ الْفُصُولِ فِي الْفَصْلِ الْعَاشِرِ فِي دَعْوَى الْوَقْفِ، وَلَيْسَ فِيهَا تَصْحِيحٌ أَصْلًا بَلْ مُجَرَّدُ حِكَايَةِ أَنَّهُ قَضَاءٌ عَلَى الْكَافَّةِ عَنْ الْإِمَامِ الْحَلْوَانِيِّ وَالسِّنْدِيِّ، وَعَدَمِهِ عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ وَالصَّدْرِ الشَّهِيدِ قَالَ وَفِي الْفَوَاكِهِ الْبَدْرِيَّةِ لِمَوْلَانَا بَدْرِ الدِّينِ بْنِ الْغَرْسِ إنَّ الْقَضَاءَ بِالْوَقْفِ لَا يَكُونُ قَضَاءً كُلِّيًّا حَتَّى تُسْمَعَ فِيهِ دَعْوَى مِلْكِ وَقْفٍ آخَرَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ اهـ. قُلْتُ: وَعِبَارَةُ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ الْقَضَاءُ بِالْوَقْفِيَّةِ قِيلَ يَكُونُ عَلَى النَّاسِ كَافَّةً، وَقِيلَ لَا (قَوْلُهُ فِي الْحُرِّيَّةِ، وَالنِّكَاحِ، وَالنَّسَبِ، وَالْوَلَاءِ) أَرَادَ بِالْحُرِّيَّةِ بِالْعِتْقِ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ سَابِقًا، وَسَيَأْتِي عَنْ الدُّرَرِ ذِكْرُ الْحُرِّيَّةِ الْأَصْلِيَّةِ، وَتَقْيِيدُ الْعِتْقِ بِمَا إذَا كَانَ فِي مِلْكٍ مُطْلَقٍ لَا مُؤَرَّخٍ لِيَكُونَ بِمَنْزِلَةِ الْحُرِّيَّةِ الْأَصْلِيَّةِ فِي كَوْنِهِ قَضَاءً عَلَى الْكَافَّةِ مُطْلَقًا، وَأَلَّا يَكُونَ قَضَاءً عَلَى الْكَافَّةِ مِنْ وَقْتِ التَّارِيخِ. وَزَادَ فِي الْحَوَاشِي الْحَمَوِيَّةِ عَلَى مَا هُنَا مَا فِي مُعِينِ الْحُكَّامِ لَوْ أَحْضَرَ رَجُلًا، وَادَّعَى عَلَيْهِ حَقًّا لِمُوَكِّلِهِ، وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّهُ وَكَّلَهُ فِي اسْتِيفَاءِ حُقُوقِهِ، وَالْخُصُومَةِ قُبِلَتْ، وَيُقْضَى بِالْوَكَالَةِ، وَيَكُونُ الْقَضَاءُ عَلَيْهِ قَضَاءً عَلَى كَافَّةِ النَّاسِ لِأَنَّهُ ادَّعَى عَلَيْهِ حَقًّا بِسَبَبِ الْوَكَالَةِ فَكَانَ إثْبَاتُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 151 مِيرَاثًا لَهُ بَيْنَ الْأَخِ الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ وَبَيْنَهُ يُقْضَى لِلْأَخِ الْمُدَّعِي بِنِصْفِ الدَّارِ لِأَنَّ الْأَخَ الْمَقْضِيَّ عَلَيْهِ لَمْ يَقُلْ فِي الْجَوَابِ مِلْكِي لِأَنِّي وَرِثْتهَا مِنْ أَبِي فَلَمْ يَصِرْ الْأَخُ الْآخَرُ حِينَئِذٍ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ فَتُسْمَعُ دَعْوَاهُ. وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ ذُو الْيَدِ، وَهُوَ الْأَخُ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ وَرِثَهَا مِنْ أَبِيهِ بَعْدَمَا أَنْكَرَ، وَبَعْدَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ، وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ وَرِثَهَا مِنْ أَبِيهِ قَبْلَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ لَا تُسْمَعُ دَعْوَى الْأَخِ. اهـ. وَذَكَرَ قَبْلَهُ الْمُوَرِّثُ إذَا صَارَ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ فِي مَحْدُودٍ فَمَاتَ فَادَّعَى وَارِثُهُ ذَلِكَ الْمَحْدُودَ إنْ ادَّعَى الْإِرْثَ مِنْ هَذَا الْمُوَرِّثِ لَا تُسْمَعُ، وَإِنْ ادَّعَى مُطْلَقًا تُسْمَعُ، وَإِنْ كَانَ عَلَى الْقَلْبِ بِأَنْ كَانَ الْمُوَرِّثُ مُدَّعِيًا، وَالْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ أَجْنَبِيًّا فَلَمَّا مَاتَ الْمُوَرِّثُ ادَّعَى الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ هَذَا الْمَحْدُودَ مُطْلَقًا عَلَى وَارِثِهِ لَا تُسْمَعُ، وَذَكَرَ فِيهَا مَعْزِيًّا إلَى الصُّغْرَى فِي دَعْوَى الدَّيْنِ عَلَى إحْدَى الْوَرَثَةِ، وَقَدْ أَقَرَّ الْمُدَّعِي أَنَّ الْمَيِّتَ لَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا الْقَضَاءَ عَلَيْهِ قَضَاءً عَلَى الْمَيِّتِ. اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْمُشْتَرِي قَضَاءٌ عَلَى الْبَائِعِ بِالشَّرْطِ السَّابِقِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ الْقَضَاءَ بِاسْتِحْقَاقِ الْمَبِيعِ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي قَضَاءٌ عَلَى الْكُلِّ، وَلَا تُسْمَعُ دَعْوَى أَحَدِهِمْ أَنَّهُ مِلْكُهُ، وَعَلَى الْوَارِثِ قَضَاءٌ عَلَى الْمُوَرِّث بِشَرْطِهِ، وَعَلَى الْمُوَرِّثِ قَضَاءٌ عَلَى الْوَارِثِ بِشَرْطِهِ، وَعَلَى أَحَدِ الْوَرَثَةِ قَضَاءٌ عَلَى الْبَاقِي بِشَرْطِهِ، وَذَكَرَ مُلَّا خُسْرو مِنْ بَابِ الِاسْتِحْقَاقِ، وَالْحُكْمُ بِالْحُرِّيَّةِ الْأَصْلِيَّةِ حُكْمٌ عَلَى الْكَافَّةِ حَتَّى لَا تُسْمَعُ دَعْوَى الْمِلْكِ مِنْ أَحَدٍ، وَكَذَا الْعِتْقُ وَفُرُوعُهُ، وَأَمَّا الْحُكْمُ فِي الْمِلْكِ الْمُؤَرَّخِ فَعَلَى الْكَافَّةِ مِنْ التَّارِيخِ لَا قَبْلَهُ يَعْنِي إذَا قَالَ زَيْدٌ لِبَكْرٍ إنَّك عَبْدِي مَلَكْتُك مُنْذُ خَمْسَةَ أَعْوَامٍ فَقَالَ بَكْرٌ إنِّي كُنْت عَبْدَ بِشْرٍ مَلَكَنِي مُنْذُ سِتَّةِ أَعْوَامٍ فَأَعْتَقَنِي فَبَرْهَنَ عَلَيْهِ انْدَفَعَ دَعْوَى زَيْدٍ ثُمَّ إذَا قَالَ عَمْرٌو لِبَكْرٍ إنَّك عَبْدِي مَلَكْتُك مُنْذُ سَبْعَةِ أَعْوَامٍ، وَأَنْتَ مِلْكِي الْآنَ فَبَرْهَنَ عَلَيْهِ تُقْبَلُ، وَيُفْسَخُ الْحُكْمُ بِحُرِّيَّتِهِ، وَيُجْعَلُ مِلْكًا لِعَمْرٍو. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ قَاضِي خَانْ قَالَ فِي أَوَّلِ الْبُيُوعِ فِي شَرْحِ الزِّيَادَاتِ فَصَارَتْ مَسَائِلُ الْبَابِ عَلَى قِسْمَيْنِ أَحَدُهُمَا عِتْقٌ فِي مِلْكٍ مُطْلَقٍ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ حُرِّيَّةِ الْأَصْلِ، وَالْقَضَاءُ بِهِ قَضَاءٌ عَلَى كَافَّةِ النَّاسِ، وَالثَّانِي الْقَضَاءُ بِالْعِتْقِ فِي الْمِلْكِ الْمُؤَرَّخِ وَهُوَ قَضَاءٌ عَلَى كَافَّةِ النَّاسِ مِنْ وَقْتِ التَّارِيخِ، وَلَا يَكُونَ قَضَاءً قَبْلَهُ فَلْيَكُنْ هَذَا عَلَى ذِكْرٍ مِنْك فَإِنَّ الْكُتُبَ الْمَشْهُورَةَ خَالِيَةٌ عَنْ هَذِهِ الْفَائِدَةِ. اهـ. وَمِنْ فُرُوعِ التَّعَدِّي إذَا قُضِيَ بِهَا دُونَ الْإِقْرَارِ مَسْأَلَةٌ فِي الِاسْتِحْقَاقِ إذَا اسْتَحَقَّ الْمَبِيعُ بِبَيِّنَةٍ رَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى بَائِعِهِ بِالثَّمَنِ، وَبِالْإِقْرَارِ لَا، وَمِنْ مَسَائِلِ الِاسْتِحْقَاقِ مَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ لَوْ اسْتَحَقَّ بِالْبَيِّنَةِ فَطَلَبَ ثَمَنَهُ مِنْ بَائِعِهِ فَقَالَ الْمَبِيعُ لِي، وَشَهِدَا بِزُورٍ فَقَالَ الْمُشْتَرِي أَنَا أَشْهَدُ بِذَلِكَ، وَأَنَّهُمَا شَهِدَا بِزُورٍ فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرْجِعَ بِثَمَنِهِ عَلَى بَائِعِهِ مَعَ هَذَا الْإِقْرَارِ إذْ الْمَبِيعُ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ فَلَا يَحِلُّ ثَمَنُهُ لِلْبَائِعِ ثُمَّ قَالَ الْمَرْجُوعُ عَلَيْهِ عِنْدَ الِاسْتِحْقَاقِ لَوْ أَقَرَّ بِالِاسْتِحْقَاقِ، وَمَعَ ذَلِكَ بَرْهَنَ الرَّاجِعُ عَلَى الِاسْتِحْقَاقِ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى بَائِعِهِ إذْ الْحُكْمُ وَقَعَ بِبَيِّنَةٍ لَا بِإِقْرَارٍ لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَى أَنْ يَثْبُتَ عَلَيْهِ الِاسْتِحْقَاقُ لِيُمْكِنَهُ الرُّجُوعُ عَلَى بَائِعِهِ، وَفِيهِ لَوْ بَرْهَنَ الْمُدَّعِي ثُمَّ أَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْمِلْكِ يُقْضَى لَهُ بِإِقْرَارٍ لَا بِبَيِّنَةٍ إذْ الْبَيِّنَةُ إنَّمَا تُقْبَلُ عَلَى الْمُنْكِرِ لَا عَلَى الْمُقِرِّ، وَفِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ فَقِيلَ يُقْضَى بِالْإِقْرَارِ، وَقِيلَ بِالْبَيِّنَةِ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ، وَأَقْرَبُ إلَى الصَّوَابِ اهـ. وَأَوْرَدَ عَلَى أَنَّ الْإِقْرَارَ قَاصِرٌ عَلَى الْمُقِرِّ مَسْأَلَتَانِ الْأُولَى إذَا أَرَادَ الزَّوْجُ أَنْ يُسَافِرَ بِامْرَأَتِهِ فَأَقَرَّتْ بِدَيْنٍ لِإِنْسَانٍ فَإِنَّهُ يَمْنَعُهَا مِنْ السَّفَرِ الثَّانِيَةُ إذَا أَقَرَّ الْآجِرُ بِدَيْنٍ يَصِحُّ، وَتَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ، وَلَمْ يَقْتَصِرْ الْإِقْرَارُ عَلَى الْمُقِرِّ. وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا الْإِقْرَارَ، وَإِنْ كَانَ عَلَى الْغَيْرِ لَكِنَّهُ مِنْ ضَرُورَاتِ الْإِقْرَارِ لِأَنَّهُ صَادَفَ خَالِصَ حَقِّ الْمُقِرِّ، وَهُوَ الذِّمَّةُ ثُمَّ لَزِمَ مِنْهُ إتْلَافُ حَقِّ الْغَيْرِ بِالضَّرُورَةِ، وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ، وَالْآجِرَ   [منحة الخالق] السَّبَبِ عَلَيْهِ إثْبَاتًا عَلَى الْكَافَّةِ حَتَّى لَوْ أَحْضَرَ آخَرَ، وَادَّعَى عَلَيْهِ حَقًّا لَا يُكَلَّفُ إعَادَةَ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْوَكَالَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَأَمَّا الْحُكْمُ فِي الْمِلْكِ الْمُؤَرَّخِ إلَخْ) قَالَ السَّيِّدُ أَبُو السُّعُودِ فِي حَاشِيَةِ مِسْكِينٌ اسْتَنْبَطَ شَيْخُنَا مِنْ كَلَامِ مُنْلَا خُسْرو أَنَّ الْقَضَاءَ بِالنِّكَاحِ لِمَنْ ادَّعَاهُ، وَأَثْبَتَهُ يَكُونُ قَضَاءً فِي حَقِّ كَافَّةِ النَّاسِ مِنْ وَقْتِ التَّارِيخِ فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَى أَحَدٍ نِكَاحَهَا مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ مَا بَقِيَ النِّكَاحُ الْمَقْضِيِّ بِهِ، وَقَبْلَ الْوَقْتِ الَّذِي أَرَّخَهُ تُقْبَلُ، وَيَبْطُلُ بِهِ الْحُكْمُ لِلْأَوَّلِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ قَضَاءً عَلَى الْكَافَّةِ مِنْ وَقْتِ التَّارِيخِ لَا قَبْلَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَفِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ إلَخْ) ذَكَرَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ عَنْ فَتَاوَى رَشِيدِ الدَّيْنِ أَنَّهُ مَشَى أَوَّلًا عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي، وَفِي آخِرِ الْبَابِ قَالَ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ، وَأَقْرَبُ إلَى الصَّوَابِ ثُمَّ قَالَ وَهَذَا يُنَاقِضُ مَا ذَكَرَهُ أَوَّلًا إلَّا أَنْ تُخَصَّ تِلْكَ بِعَارِضِ الْحَاجَةِ إلَى الرُّجُوعِ، فَيَتَحَصَّلُ أَنَّهُ إذَا ثَبَتَ الْحَقُّ بِهِمَا يَنْبَغِي عَلَى مَا جَعَلَهُ الْأَظْهَرُ أَنْ يُقْضَى بِالْإِقْرَارِ وَإِنْ سَبَقَتْهُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ غَيْرَ أَنَّ الْقَاضِيَ يَتَمَكَّنُ مِنْ اعْتِبَارِ قَضَائِهِ بِالْبَيِّنَةِ فَعِنْدَ تَحَقُّقِ حَاجَةِ الْخَصْمِ إلَى ذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ قَضَاءً بِهَا لِيَنْدَفِعَ الضَّرَرُ عَنْهُ بِالرُّجُوعِ. اهـ. وَلَخَصَّهُ فِي النَّهْرِ بِقَوْلِهِ، وَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّ عِنْدَ ثُبُوتِ الْحَقِّ بِهِمَا يُقْضَى بِالْإِقْرَارِ عَلَى الْأَظْهَرِ إلَّا عِنْدَ الْحَاجَةِ فَبِالْبَيِّنَةِ، وَسَيَذْكُرُ الْمُؤَلِّفُ عِبَارَتَهُ بِتَمَامِهَا فِي التَّتِمَّةِ آخِرَ هَذَا الْفَصْلِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 152 يَقْدِرَانِ عَلَى الْإِنْشَاءِ بِالِاسْتِقْرَاضِ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا لَا يُصَدَّقُ الْمُؤَجَّرُ فِي حَقِّ الْمُسْتَأْجِرِ، وَلَا تُنْتَقَضُ الْإِجَارَةُ، وَلَا تُصَدَّقُ الْمَرْأَةُ فِي حَقِّ الزَّوْجِ حَتَّى لَا يَكُونُ لِلْمُقَرِّ لَهُ حَبْسُهَا وَمُلَازَمَتُهَا، وَلَا يَبْطُلُ حَقُّ الزَّوْجِ فِي نَقْلِهَا كَذَا ذَكَرَهُ الْعَتَّابِيُّ فِي شَرْحِ الزِّيَادَاتِ، وَذَكَرَ قَبْلَهُ أَصْلًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فَقَالَ أَصْلُ الْبَابِ أَنَّ إقْرَارَ الْإِنْسَانِ عَلَى غَيْرِهِ لَا يَصِحُّ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَتَضَمَّنَ إقْرَارُهُ بُطْلَانَ حَقِّ الْغَيْرِ بِحَيْثُ يُضَافُ الْبُطْلَانُ إلَى إقْرَارِهِ فَفِي مَسْأَلَةِ الْإِجَارَةِ إنَّمَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي ذِمَّةِ نَفْسِهِ بِالْتِزَامِ الدَّيْنِ ثُمَّ تَعَدَّى إلَى حَقِّ الْغَيْرِ، وَهُوَ الْمُسْتَأْجِرُ، وَحَقُّهُ إنَّمَا يَبْطُلُ بَعْدَ الْإِقْرَارِ بِالْبَيْعِ وَالتَّنْفِيذِ فَلَا يُضَافُ الْبُطْلَانُ إلَى إقْرَارِ الْآجِرِ فَلَا يَكُونُ إقْرَارًا عَلَى الْغَيْرِ، وَكَذَا فِي مَسْأَلَةِ الْمَرْأَةِ اهـ. وَمِنْ مَسَائِلِ اقْتِصَارِ الْإِقْرَارِ مَسْأَلَةٌ فِي الذَّخِيرَةِ مِنْ الْفَصْلِ الثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ الْمُتَفَرِّقَاتِ قَبِيلَ الصَّرْفِ ذَكَرَ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ مِنْ شَهَادَاتِ الْجَامِعِ شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ بِعِتْقِ عَبْدٍ فَرُدَّتْ لِتُهْمَةٍ فَوَكَّلَ الْمَوْلَى أَحَدَهُمَا بِبَيْعِهِ فَبَاعَهُ مِنْ الشَّاهِدِ الْآخَرِ صَحَّ الْبَيْعُ لِأَنَّ قَوْلَهُمَا لَمْ يَنْفُذْ فِي حَقِّ الْمَالِكِ، وَالْمُتَعَاقِدَانِ وَإِنْ تَصَادَقَا عَلَى فَسَادِ الْبَيْعِ لَكِنْ قَوْلُهُمَا لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَى غَيْرِهِمَا، وَعَتَقَ الْعَبْدُ لِإِقْرَارِ الْمُشْتَرِي بِحُرِّيَّتِهِ، وَوَلَاؤُهُ مَوْقُوفٌ، وَبَرِئَ الْمُشْتَرِي عَنْ الثَّمَنِ فِي قِيَاسِ قَوْلِهِمَا، وَلَا يَبْرَأُ فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ بِنَاءً عَلَى إبْرَاءِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ عَنْ الثَّمَنِ، وَضَمِنَهُ الْوَكِيلُ عِنْدَهُمَا، وَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ حَقُّ اسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إنَّمَا يَسْتَوْفِيهِ الْمُوَكِّلُ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ إذَا أَبْرَأ عَنْ الثَّمَنِ حَتَّى لَمْ يَصِحَّ الْإِبْرَاءُ عِنْدَهُ فَلِلْوَكِيلِ اسْتِيفَاؤُهُ، وَإِنْ بَاعَ الْوَكِيلُ الْعَبْدَ مِنْ غَيْرِ صَاحِبِهِ جَازَ، وَلَا عِتْقَ وَلَا بَرَاءَةَ، وَتَمَامُهَا فِيهَا. قَوْلُهُ (وَالتَّنَاقُضُ يَمْنَعُ دَعْوَى الْمِلْكِ) لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَحْكُمَ بِالْكَلَامِ الْمُتَنَاقِضِ إذْ أَحَدُهُمَا لَيْسَ بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ فَسَقَطَا، وَهَذَا أَصْلٌ لِفُرُوعٍ كَثِيرَةٍ مَذْكُورَةٍ فِي الدَّعْوَى، وَلَا بَأْسَ بِإِيرَادِ نُبْذَةٍ مِنْهَا فَمِنْ ذَلِكَ مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ رَجُلٌ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ مِقْدَارًا مَعْلُومًا بِأَنَّهُ دَيْنٌ لَهُ عَلَيْهِ، وَأَنْكَرَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّ ذَلِكَ الْمِقْدَارَ عِنْدَهُ مِنْ جِهَةِ الشَّرِكَةِ فَإِنَّهُ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ لِأَنَّهُ مُتَنَاقِضٌ فِي كَلَامِهِ، وَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ بِالْعَكْسِ تُسْمَعُ لِإِمْكَانِ التَّوْفِيقِ لِأَنَّ مَالَ الشَّرِكَةِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ دَيْنًا بِالْجُحُودِ، وَالدَّيْنُ لَا يَصِيرُ مَالَ الشَّرِكَةِ، وَمِنْهَا مَا ذَكَرَهُ فِيهَا أَيْضًا رَجُلٌ ادَّعَى عَلَى آخَرَ أَنَّهُ أَخُوهُ، وَادَّعَى عَلَيْهِ النَّفَقَةَ فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَيْسَ هُوَ بِأَخِي ثُمَّ مَاتَ الْمُدَّعِي، وَخَلَفَ أَمْوَالًا كَثِيرَةً فَجَاءَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَطْلُبُ مِيرَاثَهُ، وَقَالَ هُوَ أَخِي لَا تُقْبَلُ وَلَا يُقْضَى لَهُ بِالْمِيرَاثِ لِأَنَّهُ مُتَنَاقِضٌ، وَلَوْ كَانَ مَكَان دَعْوَى الْأُخُوَّةِ دَعْوَى الْبُنُوَّةِ أَوْ الْأُبُوَّةِ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا يُقْبَلُ ذَلِكَ مِنْهُ، وَيُقْضَى لَهُ بِالْمِيرَاثِ، وَمِنْهَا مَا ذَكَرَهُ فِيهَا ادَّعَى عَيْنًا فِي يَدِ إنْسَانٍ أَنَّهَا لِفُلَانٍ وَكَّلَنِي بِالْخُصُومَةِ فِيهَا ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهَا لَهُ، وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ يَصِيرُ مُتَنَاقِضًا فَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ، وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهَا لَهُ ثُمَّ ادَّعَى بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ لِفُلَانٍ وَكَّلَهُ بِالْخُصُومَةِ فِيهِ، وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ، وَلَا يَصِيرُ مُتَنَاقِضًا اهـ. وَمِنْهَا مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ ادَّعَى شِرَاءَ دَارٍ مِنْ أَبِيهِ فَقَبْلَ أَنْ يُزَكِّيَ شُهُودُهُ بَرْهَنَ عَلَى أَنَّهُ وَرِثَهَا مِنْ أَبِيهِ تُقْبَلُ لِوُضُوحِ التَّوْفِيقِ لِأَنَّهُ يَقُولُ جَحَدَنِي الشِّرَاءَ فَمَلَكْت بِالْإِرْثِ، وَعَلَى الْعَكْسِ لَا، وَمِنْهَا مَا فِيهَا أَيْضًا ادَّعَى الصَّدَقَةَ مِنْهُ مُنْذُ سَنَةٍ ثُمَّ ادَّعَى الشِّرَاءَ مِنْهُ مُنْذُ شَهْرٍ، وَبَرْهَنَ لَا تُقْبَلُ إلَّا إذَا وَفَّقَ كَمَا مَرَّ، وَمِنْهَا مَا فِيهَا لَوْ ادَّعَى أَوَّلًا الْوَقْفَ ثُمَّ لِنَفْسِهِ لَا تُسْمَعُ كَمَا لَوْ ادَّعَاهَا لِغَيْرِهِ ثُمَّ لِنَفْسِهِ، وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهَا لَهُ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهَا وَقْفٌ عَلَيْهِ تُسْمَعُ لِصِحَّةِ الْإِضَافَةِ بِالْأَخَصِّيَّةِ انْتِفَاعًا كَمَا لَوْ ادَّعَاهَا لِنَفْسِهِ ثُمَّ لِغَيْرِهِ، وَمِنْهَا مَا فِيهَا أَيْضًا ادَّعَى أَنَّهُ لِفُلَانٍ وَكَّلَهُ بِالْخُصُومَةِ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ لِفُلَانٍ آخَرَ، وَكَّلَهُ بِالْخُصُومَةِ لَا تُقْبَلُ إذْ الْوَكِيلُ بِالْخُصُومَةِ فِي عَيْنٍ مِنْ جِهَةِ زَيْدٍ مَثَلًا لَا يَلِي إضَافَتَهُ إلَى غَيْرِهِ إلَّا إذَا وَفَّقَ، وَقَالَ كَانَ لِفُلَانٍ الْأَوَّلِ، وَكَانَ وَكَّلَنِي بِالْخُصُومَةِ ثُمَّ بَاعَهُ مِنْ الثَّانِي، وَوَكَّلَنِي الثَّانِي أَيْضًا، وَالتَّدَارُكُ مُمْكِنٌ بِأَنْ غَابَ عَنْ الْمَجْلِسِ ثُمَّ جَاءَ بَعْدَ مُدَّةٍ، وَبَرْهَنَ عَلَى ذَلِكَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَوَلَاؤُهُ مَوْقُوفٌ) لِأَنَّ الْمَوْلَى مَعَ الْمُشْتَرِي كُلٌّ مِنْهُمَا يَنْفِيهِ عَنْ نَفْسِهِ ذَخِيرَةٌ. (قَوْلُهُ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا) أَيْ ثَمَّ مَاتَ الْمُدَّعِي عَنْ مَالٍ فَادَّعَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْبُنُوَّةَ أَوْ الْأُبُوَّةَ وَيَظْهَرُ الْفَرْقُ مِمَّا يَأْتِي عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ قَرِيبًا فِي الْقَوْلَةِ الْآتِيَةِ (قَوْلُهُ يَصِيرُ مُتَنَاقِضًا فَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ) أَيْ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُضِيفُ مَالَ نَفْسِهِ إلَى غَيْرِهِ قَالَ صَاحِبُ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ بَعْدَ ذِكْرِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْفَصْلِ أَقُولُ: يُمْكِنُ أَيْضًا فِي هَذَا أَنَّهُ أَضَافَ مَالَ الْغَيْرِ إلَى نَفْسِهِ فَلَا تَنَاقُضَ حِينَئِذٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَقْبُولًا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 153 عَلَى مَا نَصَّ عَلَيْهِ الْحَصِيرِيُّ فِي الْجَامِعِ دَلَّنَا بِهِ أَنَّ الْإِمْكَانَ لَا يَكْفِي، وَمِنْهَا لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ وَكِيلٌ عَنْ فُلَانٍ بِالْخُصُومَةِ فِيهِ ثُمَّ ادَّعَاهُ لِنَفْسِهِ لَا يُقْبَلُ لِأَنَّ مَا هُوَ لَهُ لَا يُضِيفُهُ إلَى غَيْرِهِ فِي الْخُصُومَةِ، وَلَا يُحْكَمُ لَهُ بِالْمِلْكِ بَعْدَمَا أَقَرَّ بِهِ لِغَيْرِهِ، وَلَوْ بَرْهَنَ أَوَّلًا لِمُوَكِّلِهِ لِعَدَمِ الشَّهَادَةِ بِهِ لَهُ إلَّا إذَا وَفَّقَ، وَقَالَ كَانَ لِفُلَانٍ وَكَّلَنِي بِالْخُصُومَةِ ثُمَّ اشْتَرَيْته مِنْهُ، وَبَرْهَنَ عَلَى ذَلِكَ الْأَمْرِ الْمُمْكِنِ بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَاهُ لِنَفْسِهِ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ وَكِيلٌ لِفُلَانٍ بِالْخُصُومَةِ لِعَدَمِ الْمُنَافَاةِ فَإِنَّ الْوَكِيلَ بِالْخُصُومَةِ قَدْ يُضِيفُ إلَى نَفْسِهِ بِكَوْنِ الْمُطَالَبَةِ لَهُ. وَمِنْهَا مَا فِي الْأَجْنَاسِ الصُّغْرَى ادَّعَى مَحْدُودًا بِشِرَاءٍ أَوْ إرْثٍ ثُمَّ ادَّعَاهُ مِلْكًا مُطْلَقًا لَا تُسْمَعُ إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى الْأُولَى عِنْدَ الْقَاضِي فَأَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ عِنْدَ الْقَاضِيَ فَهَذَا وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ، وَهَذَا عَلَى الرِّوَايَةُ الَّتِي ذَكَرُوا أَنَّ التَّنَاقُضَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ إذَا كَانَ كِلَا الدَّعْوَتَيْنِ عِنْدَ الْقَاضِي فَأَمَّا مَنْ اشْتَرَطَ أَنْ يَكُونَ الثَّانِي عِنْدَ الْقَاضِي يَكْفِي فِي تَحَقُّقِ التَّنَاقُضِ كَوْنُ الثَّانِي عِنْدَ الْحَاكِمِ، وَفِيهَا أَيْضًا، وَالتَّنَاقُضُ كَمَا يَمْنَعُ الدَّعْوَى لِنَفْسِهِ يَمْنَعُ الدَّعْوَى لِغَيْرِهِ، وَالتَّنَاقُضُ يَرْتَفِعُ بِتَصْدِيقِ الْخَصْمِ، وَبِتَكْذِيبِ الْحَاكِمِ أَيْضًا، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِمْ الْمُقِرُّ إذَا صَارَ مُكَذَّبًا شَرْعًا بَطَلَ إقْرَارُهُ، وَفِيهَا الْإِيدَاعُ وَالِاسْتِعَارَةُ، وَالِاسْتِئْجَارُ، وَالِاسْتِيهَابُ إقْرَارٌ بِأَنَّ الْعَيْنَ لِذِي الْيَدِ فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ بِأَنَّهَا لَهُ وَطَلَبُ نِكَاحِ الْأَمَةِ مَانِعٌ مِنْ دَعْوَى تَمَلُّكِهَا وَطَلَبُ نِكَاحِ الْحُرَّةِ مَانِعٌ مِنْ دَعْوَى نِكَاحِهَا. اهـ. وَذِكْرُ الِاخْتِلَافِ فِي أَنَّ إمْكَانَ التَّوْفِيقِ يَكْفِي لَدَفَعَ التَّنَاقُضِ أَوْ التَّوْفِيقِ بِالْفِعْلِ ذَكَرَهُمَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مَعْزِيًّا إلَى الْخُجَنْدِيِّ أَنَّهُ اخْتَارَ أَنَّ التَّنَاقُضَ إنْ كَانَ مِنْ الْمُدَّعِي لَا بُدَّ مِنْ التَّوْفِيقِ بِالْفِعْلِ، وَلَا يَكْفِي الْإِمْكَانُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَكْفِي الْإِمْكَانُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ عِنْدَ الْإِمْكَانِ وُجُودُهُ وَوُقُوعُهُ، وَالظَّاهِرُ حُجَّةٌ فِي الدَّفْعِ لَا فِي الِاسْتِحْقَاقِ، وَالْمُدَّعِي مُسْتَحِقٌّ، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ دَافِعٌ، وَالظَّاهِرُ يَكْفِي فِي الدَّفْعِ لَا فِي الِاسْتِحْقَاقِ، وَيُقَالُ أَيْضًا إنَّ تَعَدُّدَ الْوُجُوهِ لَا يَكْفِي الْإِمْكَانَ، وَإِنْ اتَّحَدَ يَكْفِي الْإِمْكَانُ. اهـ. وَسَيَأْتِي لِهَذَا مَزِيدٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَسَائِلَ شَتَّى مِنْ كِتَابِ الْقَضَاءِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ مَا كَانَ لَك عَلَيَّ شَيْءٌ قَطُّ ثُمَّ ادَّعَى الْإِيفَاءَ أَوْ الْإِبْرَاءَ، وَفِي كِتَابِ الدَّعْوَى إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَالتَّنَاقُضُ فِي اللُّغَةِ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ التَّدَافُعُ يُقَالُ تَنَاقَضَ الْكَلَامَانِ تَدَافَعَا كَأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ نَقَضَ الْآخَرَ، وَفِي كَلَامِهِ تَنَاقُضٌ إذَا كَانَ بَعْضُهُ يَقْتَضِي إبْطَالَ بَعْضٍ. اهـ. وَفِي الصِّحَاحِ، وَالْمُنَاقَضَةُ فِي الْقَوْلِ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِمَا يَتَنَاقَضُ مَعْنَاهُ. اهـ. وَأَمَّا فِي الْمَنْطِقِ فَقَالَ فِي الشَّمْسِيَّةِ مِنْ الْفَصْلِ الثَّالِثِ فِي أَحْكَامِ الْقَضَايَا، وَحَّدُوا التَّنَاقُضَ بِأَنَّهُ اخْتِلَافُ قَضِيَّتَيْنِ بِالسَّلْبِ وَالْإِيجَابِ بِحَيْثُ يَقْتَضِي لِذَاتِهِ أَنْ تَكُونَ إحْدَاهُمَا صَادِقَةً وَالْأُخْرَى كَاذِبَةً فَلَا يَتَحَقَّقُ فِي الْمَخْصُوصَتَيْنِ إلَّا عِنْدَ اتِّحَادِ الْمَوْضُوعِ، وَيَنْدَرِجُ فِيهِ وَحْدَةُ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ لِكُلٍّ، وَعِنْدَ اتِّحَادِ الْمَحْمُولِ، وَيَنْدَرِجُ فِيهِ وَحْدَةُ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَالْإِضَافَةِ وَالْقُوَّةِ وَالْفِعْلِ وَالْمَحْصُورَتَيْنِ، وَلَا بُدَّ مَعَ ذَلِكَ مِنْ الِاخْتِلَافِ بِالْكَمِّيَّةِ لِصِدْقِ الْجُزْئِيَّيْنِ وَكَذِبِ الْكُلِّيَّتَيْنِ فِي كُلِّ مَادَّةٍ يَكُونُ الْمَوْضُوعُ فِيهَا أَعَمَّ، وَلَا بُدَّ مِنْ الِاخْتِلَافِ بِالْجِهَةِ فِي الْكُلِّ لِصِدْقِ الْمُمْكِنَتَيْنِ وَكَذِبِ الضَّرُورِيَّتَيْنِ فِي مَادَّةِ الْإِمْكَانِ. اهـ. وَتَوْضِيحُهُ فِي شَرْحِهَا لِلْقُطْبِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَ الْفُقَهَاءِ بِهِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ لَا الْمَنْطِقِيُّ كَمَا لَا يَخْفَى. قَوْلُهُ (لَا الْحُرِّيَّةُ، وَالنَّسَبُ وَالطَّلَاقُ) لِأَنَّ مَبْنَاهَا عَلَى الْخَفَاءِ فَيُعْذَرُ فِي التَّنَاقُضِ لِأَنَّ النَّسَبَ يُبْتَنَى عَلَى الْعُلُوقِ وَالطَّلَاقُ وَالْحُرِّيَّةُ يَنْفَرِدُ بِهَا الزَّوْجُ وَالْمَوْلَى فَتَفَرَّعَ عَلَى الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى مَا فِي الْمَبْسُوطِ مِنْ بَابِ الْإِقْرَارِ بِالرِّقِّ أَنَّ الْأَمَةَ إذَا أَقَرَّتْ بِالرِّقِّ فَبَاعَهَا الْمُقَرُّ لَهُ جَازَ فَإِنْ ادَّعَتْ عِتْقًا بَعْدَ الْبَيْعِ، وَأَقَامَتْ الْبَيِّنَةَ عَلَى عِتْقٍ مِنْ الْبَائِعِ أَوْ عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ مِنْ الْأَصْلِ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهَا اسْتِحْسَانًا، وَلَوْ بَاعَ عَبْدًا، وَدَفَعَهُ إلَى الْمُشْتَرِي، وَقَبَضَ ثَمَنَهُ، وَقَبَضَهُ الْمُشْتَرِي، وَذَهَبَ بِهِ إلَى مَنْزِلِهِ، وَالْعَبْدُ سَاكِتٌ، وَهُوَ مِمَّنْ يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ فَهَذَا إقْرَارٌ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَهَذَا عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي ذَكَرُوا إلَخْ) سَيَأْتِي عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ مَا يُفِيدُ تَرْجِيحَ الثَّانِيَةِ، وَاخْتَارَهُ الْمُؤَلِّفُ، وَعَنْ النَّهْرِ اخْتِيَارُ الْأُولَى (قَوْلُهُ وَالتَّنَاقُضُ يَرْتَفِعُ بِتَصْدِيقِ الْخَصْمِ وَبِتَكْذِيبِ الْحَاكِمِ) قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ كَمَنْ ادَّعَى أَنَّهُ كَفَلَ لَهُ عَنْ مَدْيُونِهِ بِأَلْفٍ فَأَنْكَرَ الْكَفَالَةَ فَبَرْهَنَ الدَّائِنُ، وَحَكَمَ بِهِ الْحَاكِمُ، وَأَخَذَ الْمَكْفُولُ لَهُ مِنْهُ الْمَالَ ثُمَّ إنَّ الْكَفِيلَ ادَّعَى عَلَى الْمَدْيُونِ أَنَّهُ كَانَ كَفِيلًا عَنْهُ بِأَمْرِهِ، وَبَرْهَنَ عَلَى ذَلِكَ يُقْبَلُ عِنْدَنَا، وَيَرْجِعُ عَلَى الْمَكْفُولِ بِمَا كَفَلَ لِأَنَّهُ صَارَ مُكَذَّبًا شَرْعًا بِالْقَضَاءِ اهـ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 154 مِنْهُ بِالرِّقِّ لِأَنَّهُ إنْقَادٌ لِلْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ، وَلَا يَثْبُتُ ذَلِكَ شَرْعًا إلَّا فِي الرَّقِيقِ فَلَا يَصْدُقُ فِي دَعْوَى الْحُرِّيَّةِ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَسْعَى فِي نَقْضِ مَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ إلَّا أَنْ تَقُومَ لَهُ بَيِّنَةٌ عَلَى ذَلِكَ فَحِينَئِذٍ تُقْبَلُ، وَالتَّنَاقُضُ لَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ، وَكَذَا لَوْ رَهَنَهُ أَوْ دَفَعَهُ بِجِنَايَةٍ كَانَ إقْرَارًا لَهُ بِالرِّقِّ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَجَرَهُ ثُمَّ قَالَ أَنَا حُرٌّ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تُصْرَفُ فِي مَنَافِعِهِ لَا فِي عَيْنِهِ، وَمَنَافِعُ الْحُرِّ تُمْلَكُ بِالْإِجَارَةِ كَالْعَبْدِ فَلَا يَكُونُ إقْرَارًا لَهُ بِالرِّقِّ، وَالْإِجَارَةُ لَيْسَتْ بِإِقْرَارٍ مِنْ الْخَادِمِ بِالرِّقِّ، وَهُوَ إقْرَارٌ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ بِأَنَّ الْعَبْدَ لَيْسَ لَهُ حَتَّى لَوْ ادَّعَاهُ بَعْدَمَا اسْتَأْجَرَهُ لِنَفْسِهِ لَا يُصَدَّقُ اهـ. وَأَطْلَقَ الْحُرِّيَّةَ فَشَمِلَ الْأَصْلِيَّةَ وَالْعَارِضَةَ لِخَفَاءِ حَالِ الْعُلُوقِ فَإِنَّ الْوَلَدَ انْجَلَبَ صَغِيرًا مِنْ دَارٍ إلَى دَارٍ، وَيَنْفَرِدُ الْمَوْلَى بِالْإِعْتَاقِ. وَلِهَذَا قُلْنَا الْمُكَاتَبُ إذَا أَدَّى بَدَلَ الْكِتَابَةِ ثُمَّ ادَّعَى تَقَدُّمَ إعْتَاقِهِ عَلَى الْكِتَابَةِ تُقْبَلُ، وَيُؤَدَّى بَدَلُ الْكِتَابَةِ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَأَمَّا التَّنَاقُضُ الْمَعْفُوُّ فِي النَّسَبِ فَصُورَتُهُ لَوْ بَاعَ عَبْدًا وُلِدَ عِنْدَهُ، وَبَاعَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ آخَرَ ثُمَّ ادَّعَاهُ الْبَائِعُ الْأَوَّلُ أَنَّهُ ابْنُهُ فَتُسْمَعُ دَعْوَاهُ، وَيَبْطُلُ الشِّرَاءُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي لِأَنَّ النَّسَبَ يَنْبَنِي عَلَى الْعُلُوقِ فَيَخْفَى فَيُعْذَرُ فِي التَّنَاقُضِ هَكَذَا صَوَّرَهُ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ النَّسَبَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ خَاصٌّ بِالْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ، وَأَمَّا تَنَاقُضُ مَا عَدَاهُمْ فَإِنَّهُ يُمْنَعُ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ إذَا أَنْكَرَ أُخُوَّتَهُ عِنْدَ طَلَبِ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ فَمَاتَ فَادَّعَى بَعْدَهُ أَنَّهُ أَخُوهُ طَالِبًا مِيرَاثَهُ لَمْ تُسْمَعْ، وَرُجُوعُهُ إلَى التَّنَاقُضِ فِي دَعْوَى الْمِلْكِ لِكَوْنِهِ لَا يَصِحُّ الدَّعْوَى بِأَنَّهُ أَخُوهُ إلَّا إذَا ادَّعَى حَقًّا، وَلِذَا قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ الْعَاشِرِ فِي النَّسَبِ وَالْإِرْثِ مِنْ كِتَابِ الدَّعْوَى ادَّعَى عَلَى آخَرَ أَنَّهُ أَخُوهُ لِأَبَوَيْهِ إنْ ادَّعَى إرْثًا أَوْ نَفَقَةً، وَبَرْهَنَ تُقْبَلُ، وَيَكُونُ قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ أَيْضًا حَتَّى لَوْ حَضَرَ الْأَبُ، وَأَنْكَرَ لَا تُقْبَلُ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إعَادَةِ الْبَيِّنَةِ لِأَنَّهُ لَا يَتَوَصَّلُ إلَيْهِ إلَّا بِإِثْبَاتِ الْحَقِّ عَلَى الْغَائِبِ، وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ مَالًا بَلْ ادَّعَى الْأُخُوَّةَ الْمُجَرَّدَةَ لَا تُقْبَلُ لِأَنَّ هَذَا فِي الْحَقِيقَةِ إثْبَاتُ الْبُنُوَّةِ عَلَى أَبِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَالْخَصْمُ فِيهِ هُوَ الْأَبُ لَا الْأَخُ. وَكَذَا لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ ابْنُ ابْنِهِ أَوْ أَبُو أَبِيهِ، وَالِابْنُ، وَالْأَبُ غَائِبٌ أَوْ مَيِّتٌ لَا يَصِحُّ مَا لَمْ يَدَّعِ مَالًا فَإِنْ ادَّعَى مَالًا فَالْحُكْمُ عَلَى الْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ جَمِيعًا كَمَا مَرَّ بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ أَبُوهُ أَوْ ابْنُهُ أَوْ عَلَى امْرَأَةٍ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ أَوْ ادَّعَتْ عَلَيْهِ أَنَّهُ زَوْجُهَا أَوْ ادَّعَى الْعَبْدُ عَلَى عَرَبِيٍّ أَنَّهُ مَوْلَاهُ عَتَاقَةً أَوْ ادَّعَى عَرَبِيٌّ عَلَى آخَرَ أَنَّهُ مُعْتَقُهُ أَوْ ادَّعَتْ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهَا أَمَتُهُ أَوْ كَانَ الدَّعْوَى فِي وَلَاءِ الْمُوَالَاةِ، وَأَنْكَرَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَبَرْهَنَ الْمُدَّعِي عَلَى مَا قَالَ تُقْبَلُ ادَّعَى بِهِ حَقًّا أَوْ لَا بِخِلَافِ دَعْوَى الْأُخُوَّةِ لِأَنَّهُ دَعْوَى الْغَيْرِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ أَبُوهُ أَوْ ابْنُهُ أَوْ زَوْجُهُ أَوْ زَوْجَتُهُ صَحَّ أَوْ بِأَنَّهُ أَخُوهُ لَا لِكَوْنِهِ حَمْلُ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ، وَتَمَامُهُ فِيهَا، وَلَوْ قَالَ هَذَا الْوَلَدُ لَيْسَ مِنِّي ثُمَّ تَلَاعَنَا ثُمَّ قَالَ مِنِّي يُصَدَّقُ لِخَفَاءِ الْعُلُوقِ فَانْدَفَعَ مَا لَوْ قَالَ هَذِهِ الدَّارُ لَيْسَتْ لِي ثُمَّ ادَّعَاهَا كَمَا مَرَّ كَذَا فِيهَا أَيْضًا، وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ قَالَ لَسْت وَارِثًا ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ وَارِثُهُ وَبَيَّنَ الْجِهَةَ تُسْمَعُ لِأَنَّ التَّنَاقُضَ فِي النَّسَبِ مَعْفُوٌّ عَنْهُ. اهـ. وَعَلَى هَذَا أَفْتَيْت فِيمَنْ أَقَرَّ أَنَّهُ لَيْسَ ابْنَ فُلَانٍ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ ابْنُهُ أَنَّهَا تُسْمَعُ أَمَّا الطَّلَاقُ فَصَوَّرَهُ الْعَيْنِيُّ بِمَا إذَا اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا ثُمَّ أَقَامَتْ بَيِّنَةً أَنَّهُ كَانَ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا قَبْلَ الْخُلْعِ فَإِنَّهُ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهَا، وَلَهَا أَنْ تَسْتَرِدَّ بَدَلَ الْخُلْعِ وَإِنْ كَانَتْ مُتَنَاقِضَةً لِاسْتِقْلَالِ الزَّوْجِ بِإِيقَاعِ الثَّلَاثِ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لَهَا عِلْمٌ بِذَلِكَ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ ادَّعَتْ الطَّلَاقَ فَأَنْكَرَ ثُمَّ مَاتَ لَا تَمْلِكُ مُطَالَبَةَ الْمِيرَاثِ اهـ. وَلَيْسَ الْمُرَادُ حَصْرَ مَا يُعْفَى فِيهِ التَّنَاقُضُ بَلْ الْمُرَادُ أَنَّ مَا كَانَ مَبْنِيًّا عَلَى الْخَفَاءِ فَإِنَّهُ يُعْفَى فِيهِ التَّنَاقُضُ فَمِنْ ذَلِكَ مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ اشْتَرَى دَارًا لِابْنِهِ الصَّغِيرِ مِنْ نَفْسِهِ، وَأَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ شُهُودًا فَكَبِرَ الِابْنُ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِمَا صَنَعَ الْأَبُ ثُمَّ إنَّ الْأَبَ بَاعَ الدَّارَ مِنْ رَجُلٍ، وَسَلَّمَهَا إلَيْهِ ثُمَّ إنَّ الِابْنَ اسْتَأْجَرَ الدَّارَ مِنْ الْمُشْتَرِي ثُمَّ عَلِمَ بِمَا صَنَعَ الْأَبُ فَادَّعَى الدَّارَ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَقَالَ إنَّ أَبِي اشْتَرَى هَذِهِ الدَّارَ لِي مِنْ نَفْسِهِ فِي صِغَرِي، وَهِيَ   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 155 مَلْكِي، وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي دَفْعِ دَعْوَى الْمُدَّعِي إنَّك مُتَنَاقِضٌ فِي هَذِهِ الدَّعْوَى لِأَنَّ اسْتِئْجَارَك هَذِهِ الدَّارَ مِنِّي اعْتِرَافٌ مِنْك أَنَّ الدَّارَ لَيْسَتْ لَك فَدَعَوَاك الدَّارَ بَعْدَ ذَلِكَ يَكُونُ مِنْك تَنَاقُضًا قَالَ الصَّحِيحُ أَنَّ هَذَا لَا يَصْلُحُ دَفْعًا لِدَعْوَى الْمُدَّعِي، وَإِنْ كَانَ هَذَا تَنَاقُضًا لِأَنَّ هَذَا التَّنَاقُضَ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الدَّعْوَى لِمَا فِيهِ مِنْ الْخَفَاءِ فَإِنَّ الْأَبَ يَسْتَقِلُّ بِالشِّرَاءِ لِلصَّغِيرِ، وَمِنْ الصَّغِيرِ لِنَفْسِهِ، وَالِابْنُ لَا عِلْمَ لَهُ بِذَلِكَ اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مَعْزِيًّا إلَى الصُّغْرَى اشْتَرَى ثَوْبًا فِي مِنْدِيلٍ ثُمَّ زَعَمَ أَنَّهُ لَمْ يَعْرِفْهُ قَالَ تُقْبَلُ، وَفِي الذَّخِيرَةِ قِيلَ لَا يُقْبَلُ فِي الْمَسَائِلِ كُلِّهَا، وَفِي الْعُيُونِ قَدِمَ بَلْدَةً وَاشْتَرَى أَوْ اسْتَأْجَرَ دَارًا ثُمَّ ادَّعَاهَا قَائِلًا بِأَنَّهَا دَارُ أَبِيهِ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا لَهُ وَكَانَ لَمْ يَعْرِفْهَا وَقْتَ الِاسْتِلَامِ لَا تُقْبَلُ قَالَ وَالْقَبُولُ أَصَحُّ، وَفِي الْمُنْيَةِ اثْنَانِ اقْتَسَمَا التَّرِكَةَ ثُمَّ ادَّعَى أَحَدُهُمَا أَنَّ أَبَاهُ كَانَ جَعَلَ لَهُ هَذَا الشَّيْءَ الْمُعَيَّنَ مِنْ الَّذِي كَانَ دَاخِلًا تَحْتَ الْقِسْمَةِ إنْ قَالَ إنَّهُ كَانَ فِي صِغَرِي تُقْبَلُ، وَإِنْ مُطْلَقًا لَا ذَكَرَ الْوَتَّارُ تَوَلَّى وِلَايَةَ وَقْفٍ أَوْ تَوَلَّى وِصَايَةَ تَرِكَةٍ بَعْدَ تَبَيُّنِ كَوْنِهَا تَرِكَةً أَوْ قَسَمَ تَرِكَةً بَيْنَ وَرَثَةٍ ثُمَّ ادَّعَاهُ لِنَفْسِهِ لَا تُسْمَعُ اشْتَرَى جَارِيَةً فِي نِقَابٍ ثُمَّ ادَّعَاهَا، وَزَعَمَ أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْهَا لَا يُقْبَلُ، وَلَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا فِي مِنْدِيلٍ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ لَهُ لَا يُقْبَلُ قَالَ مُحَمَّدٌ النَّظَرُ إلَى ذَلِكَ الشَّيْءِ إنْ كَانَ مِمَّا يُمْكِنُ أَنْ يُعْرَفَ وَقْتَ الْمُسَاوَمَةِ كَالْجَارِيَةِ الْقَائِمَةِ الْمُتَنَقِّبَةِ بَيْنَ يَدَيْهِ لَا تُقْبَلُ إلَّا إذَا صَدَّقَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي عَدَمِ مَعْرِفَتِهِ إيَّاهَا فَتُقْبَلُ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُعْرَفُ كَثَوْبٍ فِي مِنْدِيلٍ أَوْ جَارِيَةٍ قَاعِدَةٍ عَلَى رَأْسِهَا غِطَاءٌ لَا يَرَى مِنْهَا شَيْئًا يُقْبَلُ، وَلِأَجْلِ هَذَا الِاخْتِلَافِ اخْتَلَفَتْ أَقَاوِيلُ الْعُلَمَاءِ فِي الْقَبُولِ وَعَدَمِهِ فِي الْمَسَائِلِ اهـ. وَفِيهَا أَيْضًا اسْتَأْجَرَ دَابَّةً مِنْ آخَرَ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهَا كَانَتْ لَهُ اشْتَرَاهَا لَهُ أَبُوهُ فِي صِغَرِهِ، وَبَرْهَنَ تُقْبَلُ لِأَنَّ التَّنَاقُضَ يُعْفَى فِيمَا يَجْرِي فِيهِ الْخَفَاءُ فَإِنَّ الْأَبَ يَنْفَرِدُ بِالشِّرَاءِ لِلِابْنِ، وَمِنْ الِابْنِ. اهـ. وَمِمَّا يُعْفَى فِيهِ التَّنَاقُضُ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ ادَّعَى - الْمَالِكُ عَلَى الْغَاصِبِ قِيمَةَ الْعَيْنِ لِهَلَاكِهَا ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهَا بَاقِيَةٌ، وَبَرْهَنَ تُقْبَلُ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ الْخَفَاءِ اهـ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُتَنَاقِضَ الَّذِي لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ إذَا قَالَ تَرَكْت أَحَدَ الْكَلَامَيْنِ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ مِنْهُ قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ مَعْزِيَّا إلَى الذَّخِيرَةِ ادَّعَاهُ مُطْلَقًا فَدَفَعَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِأَنَّك كُنْت ادَّعَيْته قَبْلَ هَذَا مُقَيَّدًا، وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ فَقَالَ الْمُدَّعِي ادَّعَيْته الْآنَ بِذَلِكَ السَّبَبِ، وَتَرَكْت الْمُطْلَقَ يُقْبَلُ، وَيَبْطُلُ الدَّفْعُ. اهـ. وَفِيهَا مَعْزِيَّا إلَى الْمُحِيطِ ادَّعَى عَلَى آخَرَ عِنْدَ غَيْرِ الْحَاكِمِ بِالشِّرَاءِ أَوْ الْإِرْثِ ثُمَّ ادَّعَاهُ عِنْدَ الْحَاكِمِ مِلْكًا مُطْلَقًا إنْ ادَّعَى الشِّرَاءَ مِنْ مَعْرُوفٍ لَا تُقْبَلُ، وَإِنْ كَانَ ادَّعَاهُ مِنْ رَجُلٍ مَجْهُولٍ أَوْ قَالَ مِنْ رَجُلٍ ثُمَّ الْمُطْلَقُ عِنْدَ الْحَاكِمِ يُقْبَلُ دَلَّتْ الْمَسْأَلَةُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي التَّنَاقُضِ كَوْنُ الْمُتَدَافِعَيْنِ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ بَلْ يُكْتَفَى بِكَوْنِ الثَّانِي فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ اهـ. قَوْلُهُ (مَبِيعَةٌ وَلَدَتْ فَاسْتُحِقَّتْ بِبَيِّنَةٍ يَتْبَعُهَا وَلَدُهَا، وَإِنْ أَقَرَّ بِهَا لِرَجُلٍ لَا) أَيْ لَا يَتْبَعُهَا وَلَدُهَا تَفْرِيعٌ عَلَى الْقَاعِدَةِ الْأُولَى، وَهِيَ التَّعَدِّي، وَعَدَمُهُ، وَالْمُرَادُ أَنَّهَا وَلَدَتْ مِنْ غَيْرِ مَوْلَاهَا، وَفِي الْكَافِي وَلَدَتْ لَا بِاسْتِيلَادِهِ ثُمَّ قِيلَ يَدْخُلُ الْوَلَدُ فِي الْقَضَاءِ بِالْأُمِّ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهَا فَيَكْتَفِي بِهَا، وَقِيلَ يُشْتَرَطُ الْقَضَاءُ بِالْوَلَدِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَفِي النِّهَايَةِ إنَّمَا لَا يَتْبَعُهَا الْوَلَدُ فِي الْإِقْرَارِ إذَا لَمْ يَدَّعِهِ الْمُقَرُّ لَهُ أَمَّا إذَا ادَّعَاهُ كَانَ لَهُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَهُ، وَلَا خُصُوصِيَّةَ لِلْوَلَدِ بَلْ زَوَائِدُ الْمَبِيعِ كُلُّهَا عَلَى التَّفْصِيلِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ مَتَى يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ إذَا ظَهَرَ الِاسْتِحْقَاقُ، وَفِيهِ أَقْوَالٌ قِيلَ بِقَبْضِ الْمُسْتَحِقِّ، وَقِيلَ بِنَفْسِ الْقَضَاءِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ مَا لَمْ يَرْجِعْ الْمُشْتَرِي عَلَى بَائِعِهِ بِالثَّمَنِ حَتَّى لَوْ أَجَازَ الْمُسْتَحِقُّ بَعْدَمَا قُضِيَ لَهُ أَوْ بَعْدَمَا قَبَضَهُ لَهُ قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ الْمُشْتَرِي عَلَى بَائِعِهِ يَصِحُّ، وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ فِي الصَّحِيحِ مِنْ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْقَضَاء لِلْمُسْتَحِقِّ لَا يَكُونُ فَسْخًا لِلْبِيَاعَاتِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ اعْلَمْ أَنَّ الْمُتَنَاقِضَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ، وَفِي هَذَا الِاسْتِخْرَاجِ تَأَمُّلٌ فَتَدَبَّرْهُ اهـ. لِأَنَّ ادِّعَاءَ الْمُطْلَقِ لَا يُنَاقِضُ دَعْوَى الْمُقَيَّدِ أَوَّلًا فَتَأَمَّلْ، وَانْظُرْ مَا نَذْكُرُهُ عَنْ الرَّمْلِيُّ فِي مُتَفَرِّقَاتِ الْقَضَاءِ عِنْدَ قَوْلِهِ ادَّعَى دَارًا فِي يَدِ رَجُلٍ لَكِنْ ذَكَرَ هُنَاكَ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ ادَّعَى عَلَيْهِ مِلْكًا مُطْلَقًا ثُمَّ ادَّعَى عَلَيْهِ عِنْدَ ذَلِكَ الْحَاكِمِ بِسَبَبٍ يُقْبَلُ وَيُسْمَعُ بُرْهَانُهُ بِخِلَافِ الْعَكْسِ إلَّا أَنْ يَقُولَ الْعَاكِسُ أَرَادَ بِالْمُطْلَقِ الثَّانِي الْمُقَيَّدَ الْأَوَّلَ لِكَوْنِ الْمُطْلَقِ أَزْيَدَ مِنْ الْمُقَيَّدِ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى (قَوْلُهُ ثُمَّ الْمُطْلَقُ عِنْدَ الْحَاكِمِ) أَيْ ثُمَّ ادَّعَى الْمُطْلَقَ عِنْدَ الْحَاكِمِ (قَوْلُهُ دَلَّتْ الْمَسْأَلَةُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي التَّنَاقُضِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَالْأَوْجَهُ عِنْدِي اشْتِرَاطُهُمَا عِنْدَ الْحَاكِمِ إذْ مِنْ شَرَائِطِ الدَّعْوَى كَوْنُهَا لَدَيْهِ كَمَا سَيَأْتِي، وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 156 مَا لَمْ يَرْجِعْ كُلٌّ عَلَى بَائِعِهِ بِالْقَضَاءِ، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَاتِ لَا يَنْفَسِخُ مَا لَمْ يُفْسَخْ، وَهُوَ الْأَصَحُّ اهـ. وَتَمَامُهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ فَصْلِ الِاسْتِحْقَاقِ وَاسْتِحْقَاقُ الْجَارِيَةِ بَعْدَ مَوْتِ الْوَلَدِ لَا يُوجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي شَيْئًا كَزَوَائِدِ الْمَغْصُوبِ. اهـ. وَفِيهَا مِنْ التَّنَاقُضِ بَرْهَنَ عَلَى جَارِيَةٍ أَنَّهَا لَهُ فَقُضِيَ لَهُ بِهَا، وَوَلَدُهَا فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْحَاكِمُ فَبَرْهَنَ الْمُدَّعِي أَنَّهُ وَلَدُهَا يُقْضَى بِهِ لَهُ أَيْضًا فَإِنْ رَجَعَ شُهُودُ الْأُمِّ بَعْدَ ذَلِكَ يَضْمَنُونَ قِيمَةَ الْأُمِّ وَالْوَلَدِ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالْوَلَدِ لَهُ بِوَاسِطَةِ شُهُودِ الْأُمِّ فَإِنَّهُمْ لَوْ رَجَعُوا بَعْدَ الْقَضَاءِ بِالْأُمِّ قَبْلَ الْحُكْمِ بِالْوَلَدِ أَوْ ارْتَدُّوا عَنْ الْإِسْلَامِ أَوْ فَسَقَوْا لَا يُحْكَمُ بِالْوَلَدِ لَهُ إلَّا أَنْ يَشْهَدُوا بِأَنَّهُ مِلْكُ الْمُدَّعِي وَلَدَتْهُ عَلَى مِلْكِهِ جَارِيَتُهُ شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ فِي يَدِهِ جَارِيَةٌ أَنَّهَا لِهَذَا الْمُدَّعِي ثُمَّ غَابُوا أَوْ مَاتُوا وَلَهَا وَلَدٌ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَدَّعِيهِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَيْضًا أَنَّهُ لَهُ، وَبَرْهَنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى ذَلِكَ لَا يَلْتَفِتُ الْحَاكِمُ إلَى كَلَامِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَبُرْهَانِهِ، وَيُقْضَى بِالْوَلَدِ لِلْمُدَّعِي فَإِنْ حَضَرَ الشُّهُودُ، وَقَالُوا الْوَلَدُ كَانَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ يُقْضَى بِضَمَانِ قِيمَةِ الْوَلَدِ عَلَى الشُّهُودِ كَأَنَّهُمْ رَجَعُوا فَإِنْ كَانَ الشُّهُودُ حَضَرُوا سَأَلَهُمْ عَنْ الْوَلَدِ فَإِنْ قَالُوا إنَّهُ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ لَا نَدْرِي لِمَنْ الْوَلَدُ يُقْضَى بِالْأُمِّ لِلْمُدَّعِي، وَلَا يُقْضَى بِالْوَلَدِ فَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْنَا أَوَّلًا اهـ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ عَبْدٌ لِمُشْتَرٍ اشْتَرِنِي فَإِنِّي عَبْدٌ فَاشْتَرَاهُ فَإِذَا هُوَ حُرٌّ فَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا غَيْبَةً مَعْرُوفَةً فَلَا شَيْءَ عَلَى الْعَبْدِ) تَفْرِيعٌ عَلَى أَنَّ التَّنَاقُضَ فِي دَعْوَى الْحُرِّيَّةِ مَعْفُوٌّ عَنْهُ فَإِنَّ هَذَا الشَّخْصَ أَقَرَّ أَوَّلًا بِالْعُبُودِيَّةِ ثُمَّ ظَهَرَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ حُرٌّ بِدَعْوَاهُ فَكَانَ مُتَنَاقِضًا لَكِنَّهُ مَعْفُوٌّ عَنْهُ فِي دَعْوَى الْحُرِّيَّةِ فَتُقْبَلُ الشَّهَادَةُ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يَدُلُّ وَضْعُهَا عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الدَّعْوَى فِي الْحُرِّيَّةِ الْعَارِضَةِ بَلْ الْعَارِضَةُ وَالْأَصْلِيَّةُ سَوَاءٌ فِي أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ دَعْوَى الْعَبْدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهَا حَقُّ الْعَبْدِ، وَلَا يَمْنَعُهَا التَّنَاقُضُ كَمَا ذَكَرْنَا، وَإِنَّمَا لَمْ يَلْزَمْ الْعَبْدَ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ شَيْءٌ لِإِمْكَانِ الرُّجُوعِ عَلَى الْبَائِعِ الْقَابِضِ قَوْلُهُ (وَإِلَّا رَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْعَبْدِ، وَالْعَبْدُ عَلَى الْبَائِعِ) أَيْ وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ غَائِبًا غَيْبَةً غَيْرَ مَعْرُوفَةٍ بِأَنْ لَمْ يَدْرِ مَكَانَهُ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يَرْجِعُ عَلَى مَنْ قَالَ لَهُ اشْتَرِنِي فَأَنَا عَبْدٌ بِمَا دَفَعَ إلَى الْبَائِعِ مِنْ الثَّمَنِ ثُمَّ يَرْجِعُ عَلَى مَنْ بَاعَهُ بِمَا رَجَعَ الْمُشْتَرِي بِهِ عَلَيْهِ إنْ قَدَرَ، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى مَنْ بَاعَهُ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ بِالضَّمَانِ عَنْهُ لِأَنَّهُ أَدَّى دَيْنَهُ، وَهُوَ مُضْطَرٌّ فِي أَدَائِهِ بِخِلَافِ مَنْ أَدَّى عَنْ آخَرَ دَيْنًا أَوْ حَقًّا عَلَيْهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ، وَلَيْسَ مُضْطَرًّا فِيهِ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ بِهِ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِالْقَيْدَيْنِ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنَا عَبْدٌ وَقْتَ الْمَبِيعِ، وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِشِرَائِهِ أَوْ قَالَ اشْتَرِنِي، وَلَمْ يَقُلْ أَنَا عَبْدٌ لَا رُجُوعَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِي الْعَتَّابِيَّةِ مِنْ فَصْلِ الِاسْتِحْقَاقِ مَا يُخَالِفُهُ فَلْيُنْظَرْ ثَمَّةَ. قَوْلُهُ (بِخِلَافِ الرَّهْنِ) أَيْ لَوْ قَالَ ارْتَهِنِي فَأَنَا عَبْدٌ فَظَهَرَ حُرًّا لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْهُمْ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ فِي الْبَيْعِ وَالرَّهْنِ لِأَنَّ الرُّجُوعَ بِالْمُعَاوَضَةِ، وَهِيَ الْمُبَايَعَةُ أَوْ بِالْكَفَالَةِ وَلَمْ يُوجَدَا، وَالْمَوْجُودُ هُنَا مُجَرَّدُ الْإِخْبَارِ كَاذِبًا فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ ذَلِكَ أَجْنَبِيٌّ، وَكَمَا لَوْ قَالَ ارْتَهِنِي فَأَنَا عَبْدٌ، وَلَهُمَا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ شَرَعَ فِي الشِّرَاءِ مُعْتَمَدًا عَلَى أَمْرِهِ وَإِقْرَارِهِ فَكَانَ مَغْرُورًا مِنْ جِهَتِهِ، وَالتَّغْرِيرُ فِي الْمُعَاوَضَاتِ الَّتِي تَقْتَضِي سَلَامَةَ الْعِوَضِ يُجْعَلُ سَبَبًا لِلضَّمَانِ دَفْعًا لِلْغَرَرِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ فَكَانَ بِتَغْرِيرِهِ ضَامِنًا لِدَرْكِ الثَّمَنِ لَهُ عِنْدَ تَعَذُّرِ رُجُوعِهِ عَلَى الْبَائِعِ كَالْمَوْلَى إذَا قَالَ لِأَهْلِ السُّوقِ بَايِعُوا عَبْدِي فَإِنِّي قَدْ أَذِنْت لَهُ فَفَعَلُوا ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ مُسْتَحَقٌّ فَإِنَّهُمْ يَرْجِعُونَ عَلَى الْمَوْلَى بِقِيمَةِ الْعَبْدِ، وَيُجْعَلُ الْمَوْلَى بِذَلِكَ ضَامِنًا لِدَرْكِ مَا ذَابَ عَلَيْهِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ النَّاسِ بِخِلَافِ الرَّهْنِ فَإِنَّهُ لَيْسَ عَقْدَ مُعَاوَضَةٍ بَلْ عَقْدَ وَثِيقَةٍ لِلِاسْتِيفَاءِ فَلَا يُجْعَلُ الْآمِرُ بِهِ ضَامِنًا لِأَنَّهُ لَيْسَ تَغْرِيرًا فِي عَقْدِ مُعَاوَضَةٍ كَمَا لَوْ قَالَ لِسَائِلٍ عَنْ أَمْنِ الطَّرِيقِ اُسْلُكْ هَذَا الطَّرِيقَ فَإِنَّهُ آمِنٌ فَسَلَكَهُ فَنُهِبَ مَالُهُ لَمْ يَضْمَنْ، وَكَذَا لَوْ قَالَ كُلْ هَذَا الطَّعَامَ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمَسْمُومٍ فَأَكَلَهُ   [منحة الخالق] اهـ. وَذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ فِي مُتَفَرِّقَاتِ الْقَضَاءِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ اعْلَمْ أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي اشْتِرَاطِ كَوْنِ الْكَلَامَيْنِ عِنْدَ الْقَاضِي فَمِنْهُمْ مَنْ شَرَطَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ شَرَطَ كَوْنَ الثَّانِي عِنْدَ الْقَاضِي فَقَطْ ذَكَرَ الْقَوْلَيْنِ فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَلَمْ يُرَجِّحْ، وَيَنْبَغِي تَرْجِيحُ الثَّانِي. اهـ.، وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ هُنَاكَ. (قَوْلُهُ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَاتِ لَا يَنْفَسِخُ مَا لَمْ يُفْسَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ وَمَعْنَى هَذَا أَنْ يَتَرَاضَيَا عَلَى الْفَسْخِ لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِيهِ أَيْضًا إذَا اسْتَحَقَّ الْمُشْتَرِي فَأَرَادَ الْمُشْتَرِي نَقْضَ الْبَيْعِ مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ وَلَا رِضَا الْبَائِعِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ فِي يَدِهِ جَارِيَةٌ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ هَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْقَضَاءَ بِالْوَلَدِ مَحِلُّهُ مَا إذَا سَكَتَا أَمَّا إذَا بَيَّنَّا أَنَّهُ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ قَالُوا لَا نَدْرِي لَا يُقْضَى بِهِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 157 فَمَاتَ غَيْرَ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةَ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، وَبِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ لِأَنَّهُ لَا يُعْبَأُ بِقَوْلِهِ لِعَدَمِ اعْتِمَادِهِ عَلَى قَوْلِهِ فَلَا يَتَحَقَّقُ لَهُ الْغُرُورُ، وَفِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ إذَا كَفَلَ بِثَمَنِ نَفْسِهِ عَنْ الْبَائِعِ صَحَّتْ الْكَفَالَةُ، وَفِي الْخَانِيَّةِ الْمَغْرُورُ يَرْجِعُ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ إمَّا بِعَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ أَوْ بِقَبْضٍ يَكُونُ لِلدَّافِعِ كَالْوَدِيعَةِ وَالْإِجَارَةِ إذَا هَلَكَتْ الْوَدِيعَةُ أَوْ الْعَيْنُ الْمُسْتَأْجَرَةُ ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ، وَاسْتَحَقَّ الْعَيْنَ، وَضَمَّنَ الْمُودِعُ وَالْمُسْتَأْجِرَ فَإِنَّ الْمُودَعَ وَالْمُسْتَأْجِرَ يَرْجِعُ عَلَى الدَّافِعِ بِمَا ضَمِنَ، وَكَذَا كُلُّ مَنْ كَانَ بِمَعْنَاهُمَا، وَفِي الْإِجَارَةِ وَالْهِبَةِ لَا يَرْجِعُ عَلَى الدَّافِعِ بِمَا ضَمِنَ اهـ (تَتِمَّةٌ) فِي الِاسْتِحْقَاقِ أَقَرَّ الْمُشْتَرِي بِأَنَّ الْمَبِيعَ مِلْكُ فُلَانٍ وَصَدَّقَهُ، أَوْ ادَّعَاهُ فُلَانٌ وَصَدَّقَهُ هُوَ أَوْ أَنْكَرَ فَحَلَفَ، فَنَكَلَ لَيْسَ لَهُ رُجُوعٌ عَلَى الْبَائِعِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ إذَا رَدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ فَحَلَفَ، فَنَكَلَ يَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ لِأَنَّ النُّكُولَ مِنْ الْمُضْطَرِّ كَالْبَيِّنَةِ، وَهُوَ مُضْطَرٌّ فِي النُّكُولِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ عَيْبَهُ وَلَا سَلَامَتَهُ، وَلَوْ بَرْهَنَ الْمُشْتَرِي عَلَى أَنَّهُ مِلْكُ فُلَانٍ لَا تُقْبَلُ لِتَنَاقُضِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ بَرْهَنَ عَلَى إقْرَارِ الْبَائِعِ لِعَدَمِهِ، وَبِخِلَافِ مَا لَوْ بَرْهَنَ عَلَى أَنَّهَا حُرَّةُ الْأَصْلِ، وَهِيَ تَدَّعِي ذَلِكَ أَوْ أَنَّهَا مِلْكُ فُلَانٍ، وَهُوَ أَعْتَقَهَا أَوْ دَبَّرَهَا أَوْ اسْتَوْلَدَهَا قَبْلَ شِرَائِهَا حَيْثُ يُقْبَلُ، وَيَرْجِعُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ لِأَنَّ التَّنَاقُضَ فِي دَعْوَى الْحُرِّيَّةِ وَفُرُوعِهَا لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الدَّعْوَى، وَلَوْ بَاعَ عَقَارًا ثُمَّ بَرْهَنَ أَنَّهُ، وَقْفٌ لَا تُقْبَلُ لِأَنَّ مُجَرَّدَ الْوَقْفِ لَا يُزِيلُ الْمِلْكَ بِخِلَافِ الْإِعْتَاقِ، وَلَوْ بَرْهَنَ أَنَّهُ وَقْفٌ مَحْكُومٌ بِلُزُومِهِ قُبِلَ، وَلَوْ بَرْهَنَتْ أَمَةٌ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي أَنَّهَا مُعْتَقَةٌ لِفُلَانٍ أَوْ مُدَبَّرَتُهُ أَوْ أُمُّ وَلَدِهِ يَرْجِعُ الْكُلُّ إلَّا مَنْ كَانَ قَبْلَ فُلَانٍ، وَلَوْ اشْتَرَى شَيْئًا، وَلَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى ادَّعَى آخَرُ أَنَّهُ لَهُ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ حَتَّى يَحْضُرَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْمِلْكَ لِلْمُشْتَرِي وَالْيَدَ لِلْبَائِعِ، وَالْمُدَّعِي يَدَّعِيهِمَا فَشَرْطُ الْقَضَاءِ عَلَيْهِمَا حُضُورُهُمَا، وَلَوْ قُضِيَ لَهُ بِحَضْرَتِهِمَا ثُمَّ بَرْهَنَ الْبَائِعُ أَوْ الْمُشْتَرِي عَلَى أَنَّ الْمُسْتَحِقَّ بَاعَهَا مِنْ الْبَائِعِ ثُمَّ هُوَ بَاعَهَا مِنْ الْمُشْتَرِي قُبِلَ، وَلَزِمَ الْبَيْعُ لِأَنَّهُ يُقَرِّرُ الْقَضَاءَ الْأَوَّلَ، وَلَا يَنْقُضُهُ. وَلَوْ فَسَخَ الْقَاضِي الْبَيْعَ بِطَلَبِ الْمُشْتَرِي ثُمَّ بَرْهَنَ الْبَائِعُ أَنَّ الْمُسْتَحِقَّ بَاعَهَا مِنْهُ يَأْخُذُهَا، وَتَبْقَى لَهُ، وَلَا يَعُودُ الْبَيْعُ الْمُنْتَقَضُ، وَلَوْ قُضِيَ لَلْمُسْتَحِقّ بَعْدَ إثْبَاتِهِ ثُمَّ بَرْهَنَ الْبَائِعُ عَلَى بَيْعِ الْمُسْتَحِقِّ مِنْهُ بَعْدَ الْفَسْخِ تَبْقَى الْأَمَةُ لِلْبَائِعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُلْزِمَهَا الْمُشْتَرِيَ لِنُفُوذِ الْقَضَاءِ بِالْفَسْخِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا عِنْدَهُ، وَلَوْ اُسْتُحِقَّتْ مِنْ يَدِ مُشْتَرٍ فَبَرْهَنَ الَّذِي قَبْلَهُ عَلَى بَيْعِ الْمُسْتَحِقِّ مِنْ بَائِعِ بَائِعِهِ قُبِلَ لِأَنَّهُ خَصْمٌ، وَلَوْ بَرْهَنَ الْبَائِعُ الْأَوَّلُ أَنَّ الْمُسْتَحِقَّ أَمَرَهُ بِبَيْعِهِ، وَهَلَكَ الثَّمَنُ فِي يَدِهِ تُقْبَلُ، وَلَوْ اُسْتُهْلِكَ أَوْ رَدَّهُ لَا يُقْبَلُ، وَلَوْ أَقَرَّ عِنْدَ الِاسْتِحْقَاقِ بِالِاسْتِحْقَاقِ، وَمَعَ ذَلِكَ أَقَامَ الْمُسْتَحِقُّ الْبَيِّنَةَ، وَأَثْبَتَ عَلَيْهِ الِاسْتِحْقَاقَ بِالْبَيِّنَةِ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى بَائِعِهِ لِأَنَّ الْقَضَاءَ وَقَعَ بِالْبَيِّنَةِ لَا بِالْإِقْرَارِ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَثْبُتَ بِهَا لِيُمْكِنهُ الرُّجُوعُ عَلَى بَائِعِهِ، وَذَكَرَ رَشِيدُ الدِّينِ أَنَّ الْمُدَّعِيَ لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى دَعْوَاهُ ثُمَّ أَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْمِلْكِ فَالْقَاضِي يَقْضِي بِالْإِقْرَارِ لَا بِالْبَيِّنَةِ لِأَنَّهَا إنَّمَا تُقْبَلُ عَلَى الْمُنْكِرِ لَا الْمُقِرِّ. وَذَكَرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ اخْتِلَافَ الْمَشَايِخِ قَالَ وَالْأَظْهَرُ وَالْأَقْرَبُ إلَى الصَّوَابِ أَنَّهُ يُقْضَى بِالْإِقْرَارِ، وَهُوَ يُنَاقِضُ مَا ذَكَرَهُ فِي الِاسْتِحْقَاقِ إلَّا أَنْ يَخُصَّ تِلْكَ بِعَارِضِ الْحَاجَةِ إلَى الرُّجُوعِ، وَقَصْدِ الْقَاضِي إلَى الْقَضَايَا بِإِحْدَى الْحُجَّتَيْنِ بِعَيْنِهَا، وَلَوْ رَدَّ الْبَائِعُ الثَّمَنَ بَعْدَ الْقَضَاءِ ثُمَّ ظَهَرَ فَسَادُ الْقَضَاءِ فَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَسْتَرِدَّ الْمُسْتَحَقَّ مِنْ الْبَائِعِ لِثُبُوتِ التَّقَايُلِ، وَلَوْ لَمْ يَتَرَادَّا، وَلَكِنَّ الْقَاضِيَ قَضَى لِلْمُسْتَحِقِّ، وَفَسَخَ الْبَيْعَ ثُمَّ ظَهَرَ فَسَادُ الْقَضَاءِ يَظْهَرُ فَسَادُ الْفَسْخِ، وَلَوْ أَحَبَّ الْبَائِعُ أَنْ يَأْمَنَ غَائِلَةَ الرَّدِّ بِالِاسْتِحْقَاقِ فَأَبْرَأَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ ضَمَانِ الِاسْتِحْقَاقِ بِلَا أَرْجِعُ بِالثَّمَنِ إنْ ظَهَرَ الِاسْتِحْقَاقُ فَظَهَرَ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ، وَلَا يُعْمَلُ مَا قَالَهُ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ قَالُوا وَالْحِيلَةُ فِيهِ أَنْ يُقِرَّ الْمُشْتَرِي أَنَّ بَائِعِي قَبْلَ أَنْ يَبِيعَهُ مِنِّي اشْتَرَاهُ مِنِّي فَإِذَا أَقَرَّ عَلَى   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ إذَا كَفَلَ بِثَمَنِ نَفْسِهِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ فَإِنْ أُرِيدَ بِالْعَبْدِ الَّذِي ظَهَرَ أَنَّهُ حُرٌّ فَلَا إشْكَالَ فِي صِحَّةِ الْكَفَالَةِ حَتَّى لَوْ قَالَ اشْتَرِنِي فَأَنَا عَبْدٌ، وَقَدْ ضَمِنْت لَك الثَّمَنَ فَظَهَرَ أَنَّهُ حُرٌّ كَانَ لِلْمُشْتَرِي الرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ وَلَوْ كَانَ الْبَائِعُ حَاضِرًا، وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الَّذِي يَظْهَرُ حُرِّيَّتُهُ، وَقَدْ اُسْتُحِقَّ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي فَسَيَأْتِي أَنَّهُ إنَّمَا يُطَالَبُ بِالْكَفَالَةِ بَعْدَ الْعِتْقِ، وَلَا كَلَامَ فِي الصِّحَّةِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 158 هَذَا الْوَجْهِ لَا يَرْجِعُ بَعْدَ الِاسْتِحْقَاقِ لِأَنَّهُ لَوْ رَجَعَ عَلَى بَائِعِهِ فَهُوَ أَيْضًا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ أَنَّهُ بَائِعُهُ مِنْهُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِتَمَامِهِ، وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ الْمُشْتَرِي إذَا زَكَّى شُهُودَ الْمُسْتَحِقِّ قَالَ أَبُو يُوسُفَ اسْأَلْ عَنْ الشَّاهِدَيْنِ فَإِنْ عَدْلًا رَجَعَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ عَلَى بَائِعِهِ، وَإِلَّا يُقْتَصَرُ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، وَلَا يَرْجِعُ بِثَمَنِهِ كَالْإِقْرَارِ ثُمَّ لَوْ ادَّعَى الْمُشْتَرِي اسْتِحْقَاقَ الْمَبِيعِ عَلَى بَائِعِهِ لِيَرْجِعَ بِثَمَنِهِ فَلَا بُدَّ أَنْ يُفَسِّرَ الِاسْتِحْقَاقَ وَيُبَيِّنَ سَبَبَهُ فَلَوْ بَيَّنَهُ فَأَنْكَرَ بَائِعُهُ الْبَيْعَ فَبَرْهَنَ عَلَيْهِ يُقْبَلُ، وَرَجَعَ بِثَمَنِهِ. وَقِيلَ يُشْتَرَطُ حَضْرَةُ الْمَبِيعِ لِسَمَاعِ الْبَيِّنَةِ، وَقِيلَ لَا، وَبِهِ أَفْتَى (ظ) بَلْ لَوْ ذَكَرَ شَبَهَ الْعَبْدِ وَصِفَتَهُ، وَقَدْرَ ثَمَنِهِ كَفَى، شَرَاهُ عَالِمًا بِأَنَّهُ لَيْسَ لِبَائِعِهِ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ رَجَعَ بِثَمَنِهِ وَلِلْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ تَحْلِيفُ الْمُسْتَحَقِّ بِاَللَّهِ مَا بَاعَهُ، وَلَا وَهَبَهُ، وَلَا تَصَدَّقَ بِهِ، وَلَا خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ، وَلَوْ شَرَى أَرْضًا فَبَنَى أَوْ زَرَعَ أَوْ غَرَسَ فَاسْتُحِقَّ يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي بِثَمَنِهِ عَلَى بَائِعِهِ، وَيُسَلِّمُ بِنَاءَهُ، وَزَرْعَهُ، وَشَجَرَهُ إلَيْهِ فَيَرْجِعُ بِقِيمَتِهَا مَبْنِيًّا قَائِمًا يَوْمَ سَلَّمَهَا إلَيْهِ فَلَوْ بَنَى الْمُشْتَرِي بِنَاءً قِيمَتُهُ عَشَرَةُ آلَافٍ مَثَلًا، وَسَكَنَ فِيهِ زَمَانًا حَتَّى خَلَفَ الْبِنَاءَ، وَتَغَيَّرَ، وَانْهَدَمَ بَعْضُهُ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ يَرْجِعُ عَلَى بَائِعِهِ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ يَوْمَ تَسْلِيمِهِ، وَلَا يُنْظَرُ إلَى مَا كَانَ أَنْفَقَ، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ بِقِيمَةِ مَا يُمْكِن نَقْضُهُ، وَتَسْلِيمُهُ إلَى الْبَائِعِ حَتَّى لَا يَرْجِعُ بِقِيمَةِ جِصٍّ وَطِينٍ، وَلَوْ كَانَ الْبَائِعُ غَائِبًا، وَالْمُسْتَحِقُّ أَخَذَ الْمُشْتَرِيَ بِهَدْمِ بِنَائِهِ فَقَالَ الْمُشْتَرِي غَرَّنِي بَائِعِي، وَهُوَ غَائِبٌ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُلْتَفَتُ إلَى قَوْلِ الْمُشْتَرِي فَيُؤْمَرُ بِهَدْمِهِ، وَتُدْفَعُ الدَّارُ إلَى الْمُسْتَحِقِّ فَلَوْ حَضَرَ الْبَائِعُ بَعْدَ هَدْمِهِ لَا يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِقِيمَةِ بِنَائِهِ، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ لَوْ كَانَ الْبِنَاءُ قَائِمًا فَسَلَّمَهُ إلَيْهِ فَهَدَمَهُ، وَأَخَذَ النَّقْضَ، وَأَمَّا لَوْ هَدَمَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْبَائِعِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا مَرَّ فِي شَجَرٍ وَجِصٍّ عَلَى الْبَائِعِ قِيمَةُ الشَّجَرِ نَابِتًا فِي الِاسْتِحْقَاقِ، وَلِلْمُشْتَرِي الرُّجُوعُ عَلَى وَكِيلِ الْبَائِعِ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ قَائِمًا، وَبِقِيمَةِ الْوَلَدِ لِلْغُرُورِ، وَإِنْ عَرَفَ الْمُشْتَرِي أَنَّ الدَّارَ لِغَيْرِ الْبَائِعِ، وَلَمْ يَدَّعِ الْبَائِعُ وَكَالَةً فَبَنَى فَاسْتُحِقَّ لَمْ يَكُنْ مَغْرُورًا، وَلَوْ ادَّعَى الْمُشْتَرِي أَنَّ الْبِنَاءَ لَهُ، وَقَالَ الْبَائِعُ لِي فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ، وَإِذَا رَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى بَائِعِهِ بِالثَّمَنِ، وَقِيمَةِ الْبِنَاءِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَرْجِعُ الْبَائِعُ عَلَى بَائِعِهِ إلَّا بِثَمَنِهِ، وَعِنْدَهُمَا يَرْجِعُ بِهِمَا اهـ. وَتَمَامُهُ فِيهِ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ الِاسْتِحْقَاقِ ظَهَرَتْ الْمُشْتَرَاةُ حُرَّةً، وَمَاتَ الْبَائِعُ لَا عَنْ وَارِثٍ، وَتَرِكَةٍ، وَبَائِعُ الْبَائِعِ قَائِمٌ نَصَبَ الْحَاكِمُ عَنْ الْبَائِعِ الثَّانِي وَصِيًّا فَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ، وَهُوَ يُخَاصِمُ الْبَائِعَ الْأَوَّلَ اهـ. قَوْلُهُ (وَمَنْ ادَّعَى حَقًّا فِي دَارٍ) أَيْ مَجْهُولًا (فَصُولِحَ عَلَى مِائَةٍ فَاسْتُحِقَّ بَعْضُهَا لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ) لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ دَعْوَاهُ فِيمَا بَقِيَ، وَإِنْ قَلَّ فَمَا دَامَ فِي يَدِهِ شَيْءٌ لَمْ يَرْجِعْ قَيَّدَ بِاسْتِحْقَاقِ بَعْضِهَا لِأَنَّهَا لَوْ اُسْتُحِقَّ كُلُّهَا رَجَعَ بِمَا دَفَعَ لِلتَّيَقُّنِ بِأَنَّهُ أَخَذَ عِوَضًا عَمَّا لَا يَمْلِكُهُ فَيَرُدُّهُ وَدَلَّ، وَضْعُ الْمَسْأَلَةِ عَلَى شَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الصُّلْحَ عَنْ الْمَجْهُولِ جَائِزٌ لِأَنَّهُ لَا يُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ، الثَّانِي أَنَّ صِحَّةَ الصُّلْحِ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى صِحَّةِ الدَّعْوَى لِصِحَّتِهِ هُنَا دُونَهَا حَتَّى لَوْ بَرْهَنَ لَمْ يُقْبَلْ إلَّا إذَا ادَّعَى إقْرَارَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِهِ قَيَّدَ بِالْمَجْهُولِ لِأَنَّهُ لَوْ ادَّعَى قَدْرًا مَعْلُومًا كَرُبْعِهَا لَمْ يَرْجِعْ مَا دَامَ فِي يَدِهِ ذَلِكَ الْمِقْدَارُ، وَإِنْ بَقِيَ أَقَلُّ مِنْهُ رَجَعَ بِحِسَابِ مَا اُسْتُحِقَّ، وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ شَرَاهُ فَبَنَى فَاسْتُحِقَّ نِصْفُهُ وَرَدَّ الْمُشْتَرِي مَا بَقِيَ عَلَى الْبَائِعِ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى بَائِعِهِ بِثَمَنِهِ، وَبِنِصْفِ قِيمَةِ الْبِنَاءِ لِأَنَّهُ مَغْرُورٌ فِي النِّصْفِ، وَلَوْ اُسْتُحِقَّ نِصْفُهُ الْمُعَيَّنِ فَلَوْ كَانَ الْبِنَاءُ فِي ذَلِكَ النِّصْفِ خَاصَّةً رَجَعَ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ أَيْضًا، وَلَوْ كَانَ الْبِنَاءُ فِي النِّصْفِ الَّذِي لَمْ يُسْتَحَقَّ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّ الْبِنَاءَ، وَلَا يَرْجِعَ بِشَيْءٍ مِنْ قِيمَةِ الْبِنَاءِ، وَلَوْ اشْتَرَى نِصْفَهُ مَتَاعًا فَاسْتُحِقَّ نِصْفُهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَالْمَبِيعُ نِصْفُهُ الْبَاقِي، وَلَوْ اُسْتُحِقَّ بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَالْمَبِيعُ نِصْفُ الْبَاقِي، وَهُوَ الرُّبُعُ سُئِلَ بَعْضُهُمْ عَمَّنْ اشْتَرَى أَرْضًا فِيهَا أَشْجَارٌ حَتَّى دَخَلَتْ بِلَا ذِكْرٍ فَاسْتُحِقَّ الْأَشْجَارُ هَلْ لَهَا حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ قَالَ لَا كَمَا فِي ثَوْبِ قِنٍّ وَقِنَّةٍ وَبَرْذَعَةِ حِمَارٍ فَإِنَّ مَا يَدْخُلُ تَبَعًا لَا حِصَّةَ لَهُ مِنْ   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 159 الثَّمَنِ إلَى آخِرِهِ، وَثَبَتَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ كَمَا شَرَحَ عَلَيْهِ الْعَيْنِيُّ. [فَصْلٌ فِي بَيْعِ الْفُضُولِيِّ] وَلَمْ تَكُنْ ثَابِتَةً عِنْدَ الزَّيْلَعِيِّ فَتَرَكَهُ، وَهُوَ نِسْبَةٌ إلَى الْفُضُولِيِّ جَمْعِ الْفَضْلِ أَيْ الزِّيَادَةِ، وَفِي الْمُغْرِبِ، وَقَدْ عَلِمْت جَمْعَهُ عَلَى مَا لَا خَيْرَ فِيهِ حَتَّى قِيلَ فُضُولٌ بِلَا فَضْلٍ ... وَسِنٌّ بِلَا سِنٍّ وَطُولٌ بِلَا طُولٍ ... وَعَرْضٌ بِلَا عَرْضٍ ثُمَّ قِيلَ لِمَنْ يَشْتَغِلُ بِمَا لَا يَعْنِيهِ فُضُولِيٌّ، وَهُوَ فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ مَنْ لَيْسَ بِوَكِيلٍ، وَبِفَتْحِ الْفَاءِ خَطَأٌ. اهـ. وَقِيلَ الْفُضُولِيُّ مَنْ يَتَصَرَّفُ فِي حَقِّ الْغَيْرِ بِلَا إذْنٍ شَرْعِيٍّ كَالْأَجْنَبِيِّ يُزَوِّجُ أَوْ يَبِيعُ، وَلَمْ يَرِدْ فِي النِّسْبَةِ إلَى الْوَاحِدِ، وَإِنْ كَانَ هُوَ الْقِيَاسَ لِأَنَّهُ صَارَ بِالْغَلَبَةِ كَالْعِلْمِ لِهَذَا الْمَعْنَى فَصَارَ كَالْأَنْصَارِيِّ وَالْأَعْرَابِيِّ كَذَا فِي النِّهَايَةِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ غَلَبَ فِي الِاشْتِغَالِ بِمَا لَا يَعْنِيهِ، وَمَا لَا وِلَايَةَ لَهُ فِيهِ فَقَوْلُ بَعْضِ الْجَهَلَةِ لِمَنْ يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ فُضُولِيٌّ يُخْشَى عَلَيْهِ الْكُفْرُ اهـ. قَوْلُهُ (وَمَنْ بَاعَ مِلْكَ غَيْرِهِ فَلِلْمَالِكِ أَنْ يَفْسَخَهُ، وَيُجِيزَهُ إنْ بَقِيَ الْعَاقِدَانِ، وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ، وَلَهُ، وَبِهِ لَوْ عَرَضًا) يَعْنِي أَنَّهُ صَحِيحٌ مَوْقُوفٌ عَلَى الْإِجَازَةِ بِالشَّرَائِطِ الْأَرْبَعَةِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَنْعَقِد لِأَنَّهُ لَمْ يَصْدُرْ عَنْ وِلَايَةٍ شَرْعِيَّةٍ فَيَلْغُو لِأَنَّهَا ثَبَتَتْ بِالْمِلْكِ أَوْ بِإِذْنِ الْمَالِكِ، وَقَدْ فُقِدَا وَلَا انْعِقَادَ إلَّا بِالْقُدْرَةِ الشَّرْعِيَّةِ، وَلَنَا أَنَّهُ تَصَرُّفُ تَمْلِيكٍ، وَقَدْ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ الْعَاقِلِ الْبَالِغِ فِي مَحِلِّهِ، وَهُوَ الْمَالُ الْمُتَقَوِّمُ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِانْعِقَادِهِ إذْ لَا ضَرَرَ فِيهِ مَعَ تَخَيُّرِهِ بَلْ فِيهِ نَفْعُهُ حَيْثُ يُكْفَى مُؤْنَةَ طَلَبِ الْمُشْتَرِي، وَحُقُوقَ الْعَقْدِ فَإِنَّهَا لَا تَرْجِعُ إلَى الْمَالِكِ، وَفِيهِ نَفْعُ الْعَاقِدِ بِصَوْنِ كَلَامِهِ عَنْ الْإِلْغَاءِ، وَفِيهِ نَفْعُ الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ أَقْدَمَ عَلَيْهِ طَائِعًا، وَلَوْلَا النَّفْعُ لَمَا أَقْدَمَ فَتَثْبُتُ الْقُدْرَةُ الشَّرْعِيَّةُ تَحْصِيلًا لِهَذِهِ الْوُجُوهِ كَيْفَ، وَأَنَّ الْإِذْنَ ثَابِتٌ دَلَالَةً لِأَنَّ الْعَاقِلَ يَأْذَنُ فِي التَّصَرُّفِ النَّافِعِ، وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا فِي كُتُبِهِمْ بِحَدِيثِ «عُرْوَةَ الْبَارِقِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَاهُ دِينَارًا لِيَشْتَرِيَ بِهِ أُضْحِيَّةً فَاشْتَرَى شَاتَيْنِ فَبَاعَ إحْدَاهُمَا بِدِينَارٍ، وَجَاءَ بِالشَّاةِ، وَالدِّينَارِ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَارَكَ اللَّهُ لَك فِي صَفْقَتِك» ، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عُرْوَةَ، وَحَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ كَمَا بَيَّنَهُ فِي النِّهَايَةِ. وَإِنَّمَا شَرْطُ قِيَامِ الْمَبِيعِ، وَالْمُتَعَاقِدَيْنِ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تُصْرَفُ فِي الْعَقْدِ فَلَا بُدَّ مِنْ قِيَامِهِ، وَذَلِكَ بِقِيَامِهَا كَمَا فِي الْإِنْشَاءِ، وَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ عَرْضًا أَيْ مِمَّا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فَلَا بُدَّ مِنْ قِيَامِهِ أَيْضًا لِكَوْنِهِ مَبِيعًا، وَإِنَّمَا اُشْتُرِطَ قِيَامُ الْمَعْقُودِ لَهُ، وَهُوَ الْمَالِكُ لِأَنَّ الْعَقْدَ تَوَقَّفَ عَلَى إجَازَتِهِ فَلَا يَنْفُذُ بِإِجَازَةِ غَيْرِهِ فَلَوْ مَاتَ الْمَالِكُ لَمْ يَنْفُذْ بِإِجَازَةِ الْوَارِثِ بِخِلَافِ الْقِسْمَةِ الْمَوْقُوفَةِ فَإِنَّهَا تَنْفُذُ بِإِجَازَةِ الْوَارِثِ عِنْدَ الثَّانِي كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ حَالَ الْمَبِيعِ وَقْتَ الْإِجَازَةِ مِنْ بَقَاءٍ، وَعَدَمِهِ جَازَ الْبَيْعُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَوَّلًا، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ ثُمَّ رَجَعَ، وَقَالَ لَا يَصِحُّ مَا لَمْ يَعْلَمْ قِيَامَهُ عِنْدَهَا لِأَنَّ الشَّكَّ وَقَعَ فِي شَرْطِ الْإِجَازَةِ فَلَا يَثْبُتُ مَعَ الشَّكِّ، وَقَيَّدَ بِالْبَيْعِ لِأَنَّ النِّكَاحَ الْمَوْقُوفَ لَا يَبْطُلُ بِمَوْتِ الْعَاقِدِ، وَلَوْ تَزَوَّجَتْ أَمَةٌ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهَا ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى فَإِنَّهُ يَنْفُذُ بِإِجَازَةِ الْوَارِثِ إذَا لَمْ يَحِلَّ لَهُ وَطْؤُهَا، وَإِذَا أَجَازَ الْمَالِكُ الْبَيْعَ وَكَانَ الثَّمَنُ نَقْدًا صَارَ مَمْلُوكًا لَهُ أَمَانَةً فِي يَدِ الْفُضُولِيِّ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ اللَّاحِقَةَ كَالْوَكَالَةِ السَّابِقَةِ، وَلَوْ لَمْ يُجِزْ الْمَالِكُ وَهَلَكَ الثَّمَنُ فِي يَدِ الْفُضُولِيِّ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي رُجُوعِ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ بِمِثْلِهِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ فُضُولِيٌّ وَقْتَ الْأَدَاءِ لَا رُجُوعَ لَهُ، وَإِلَّا رَجَعَ عَلَيْهِ كَذَا فِي الْقُنْيَةِ. وَصَرَّحَ الشَّارِحُ بِأَنَّهُ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إذَا هَلَكَ سَوَاءٌ هَلَكَ قَبْلَ الْإِجَازَةِ أَوْ بَعْدَهَا، وَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ عَرْضًا كَانَ مَمْلُوكًا لِلْفُضُولِيِّ، وَإِجَازَةُ الْمَالِكِ إجَازَةُ نَقْدٍ لَا إجَازَةُ عَقْدٍ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْعِوَضُ مُتَعَيِّنًا كَانَ شِرَاءً مِنْ وَجْهٍ، وَالشِّرَاءُ لَا يَتَوَقَّفُ بَلْ يَنْفُذُ عَلَى الْمُبَاشِرِ إنْ وَجَدَ نَفَاذًا فَيَكُونُ مِلْكًا لَهُ، وَبِإِجَازَةِ الْمَالِكِ لَا يَنْتَقِلُ إلَيْهِ بَلْ تَأْثِيرُ إجَازَتِهِ فِي النَّقْدِ لَا فِي   [منحة الخالق] (فَصْلٌ فِي بَيْعِ الْفُضُولِيِّ) (قَوْلُهُ ثُمَّ رَجَعَ) أَيْ أَبُو يُوسُفَ (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يَنْفُذُ بِإِجَازَةِ الْوَارِثِ إذَا لَمْ يَحِلَّ لَهُ وَطْؤُهَا) أَيْ بِأَنْ كَانَ الْوَارِثُ ابْنَ الْمَيِّتِ، وَقَدْ وَطِئَهَا أَبُوهُ أَوْ كَانَتْ أُخْتَهُ رَضَاعًا أَوْ وَرِثَهَا جَمَاعَةٌ قَدْ أَجَازُوا كُلُّهُمْ فَلَوْ بَعْضَهُمْ لَمْ يَجُزْ أَمَّا لَوْ وَرِثَهَا مَنْ تَحِلُّ لَهُ يَبْطُلُ النِّكَاحُ الْمَوْقُوفُ كَمَا مَرَّ فِي بَابِ نِكَاحِ الْعَبْدِ لِأَنَّهُ طَرَأَ حِلٌّ بَاتٌّ عَلَى مَوْقُوفٍ (قَوْلُهُ وَصَرَّحَ الشَّارِحُ بِأَنَّهُ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ) قَالَ فِي مِنَحِ الْغَفَّارِ لَكِنَّ مَا صَحَّحَهُ فِي الْقُنْيَةِ اعْتَمَدَهُ شَيْخُ شَيْخِنَا عَبْدُ الْبَرِّ فِي شَرْحِهِ لِلنَّظْمِ الوهباني (قَوْلُهُ وَإِجَازَةُ الْمَالِكِ إجَازَةُ نَقْدٍ لَا عَقْدٍ) أَيْ إجَازَةُ أَنْ يَنْقُدَ الْبَائِعُ مَا بَاعَ ثَمَنًا لِمَا مَلَكَهُ بِالْعَقْدِ لَا إجَازَةُ عَقْدٍ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَازِمٌ عَلَى الْفُضُولِيِّ هِدَايَةٌ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 160 الْعَقْدِ ثُمَّ يَجِبُ عَلَى الْفُضُولِيِّ مِثْلُ الْمَبِيعِ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا، وَإِلَّا فَقِيمَتُهُ إنْ كَانَ قِيَمِيًّا لِأَنَّهُ لَمَّا صَارَ الْبَدَلُ لَهُ صَارَ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ بِمَالِ الْغَيْرِ مُسْتَقْرِضًا لَهُ فِي ضِمْنِ الشِّرَاءِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّهُ كَمَا لَوْ قَضَى دَيْنَهُ بِمَالِ الْغَيْرِ، وَاسْتِقْرَاضُ غَيْرِ الْمِثْلِيِّ جَائِزٌ ضِمْنًا، وَإِنْ لَمْ يَجُزْ قَصْدًا أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّجُلَ إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى عَبْدِ الْغَيْرِ صَحَّ، وَيَجِبُ قِيمَتُهُ عَلَيْهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ قِيَامُ الْمَبِيعِ فِي مَسْأَلَةٍ مِنْ مَسَائِلِ الْفُضُولِيِّ مَذْكُورَةً فِي الْخُلَاصَةِ مِنْ اللُّقَطَةِ قَالَ -: الْمُلْتَقِطُ إذَا بَاعَ اللُّقَطَةَ بِغَيْرِ أَمْر الْقَاضِي ثُمَّ جَاءَ صَاحِبُهَا بَعْدَمَا هَلَكَتْ الْعَيْنُ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْبَائِعَ، وَعِنْدَ ذَلِكَ يَنْفُذُ الْبَيْعُ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَبِهِ أَخَذَ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ. اهـ. وَهَكَذَا قَالُوا فِي الْمُلْتَقِطِ إذَا تَصَدَّقَ فَهَلَكَتْ الْعَيْنُ فَأَجَازَ الْمَالِكُ بَعْدَ الْهَلَاكِ صَحَّتْ، وَقَيَّدَ بِالْمَالِكِ فِي قَوْلِهِ فَلِلْمَالِكِ أَنْ يَفْسَخَهُ أَوْ يُجِيزَهُ لِأَنَّ لِلْفُضُولِيِّ فَسْخَهُ فَقَطْ حَتَّى لَوْ أَجَازَهُ الْمَالِكُ لَا يَنْفُذُ لِزَوَالِ الْعَقْدِ الْمَوْقُوفِ، وَإِنَّمَا كَانَ لَهُ ذَلِكَ لِيَدْفَعَ الْحُقُوقَ عَنْ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ بَعْدَ الْإِجَازَةِ يَصِيرُ كَالْوَكِيلِ فَتَرْجِعُ حُقُوقُ الْعَقْدِ إلَيْهِ فَيُطَالَبُ بِالتَّسْلِيمِ، وَيُخَاصَمُ بِالْعَيْبِ، وَفِي ذَلِكَ ضَرَرٌ بِهِ فَلَهُ دَفْعُهُ عَنْ نَفْسِهِ قَبْلَ ثُبُوتِهِ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَلِلْمُشْتَرِي فَسْخُ الْبَيْعِ قَبْلَ الْإِجَازَةِ تَحَرُّزًا عَنْ لُزُومِ الْعَقْدِ بِخِلَافِ الْفُضُولِيِّ فِي النِّكَاحِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ بِالْقَوْلِ، وَلَا بِالْفِعْلِ لِأَنَّهُ مُعَبِّرٌ مَحْضٌ فَبِالْإِجَازَةِ تَنْتَقِلُ الْعِبَارَةُ إلَى الْمَالِكِ فَتَصِيرُ الْحُقُوقُ مَنُوطَةً بِهِ لَا بِالْفُضُولِيِّ. وَفِي النِّهَايَةِ أَنَّ الْفُضُولِيَّ فِي النِّكَاحِ يَمْلِكُ فَسْخَهُ بِالْفِعْلِ بِأَنْ زَوَّجَ فُضُولِيٌّ رَجُلًا امْرَأَةً بِرِضَاهَا، وَقَبْلَ إجَازَتِهٍ زَوَّجَهُ بِأُخْتِهَا فَإِنَّ ذَلِكَ يَكُونُ فَسْخًا لِلنِّكَاحِ الْأَوَّلِ، وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ لَا يَكُونُ فَسْخًا، وَيَتَوَقَّفُ الثَّانِي أَيْضًا ثُمَّ الْإِجَازَةُ لِبَيْعِ الْفُضُولِيِّ تَكُونُ بِالْفِعْلِ وَبِالْقَوْلِ فَمِنْ الْأَوَّلِ تَسْلِيمُ الْمَبِيعِ إجَازَةً، وَكَذَا أَخْذُهُ الثَّمَنَ، وَمِنْ الثَّانِي طَلَبُ الثَّمَنِ، وَقَوْلُهُ أَحْسَنْت أَوْ وُفِّقْت أَوْ أَصَبْت لَيْسَ بِإِجَازَةٍ، وَكَذَا كَفَيْتنِي مُؤْنَةَ الْبَيْعِ أَوْ أَحْسَنْت فَجَزَاك اللَّهُ خَيْرًا، وَفِي الْمُنْتَقَى لَوْ قَالَ بِئْسَ مَا صَنَعْت كَانَ إجَازَةً كَقَبْضِ الثَّمَنِ، وَلَوْ وَهَبَ الْمَالِكُ الثَّمَنَ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَى الْمُشْتَرِي كَانَ إجَازَةً إنْ كَانَ الْمَبِيعُ قَائِمًا، وَالسُّكُوتُ بَعْدَ الْعِلْمِ لَا يَكُونُ إجَازَةً، وَلَوْ قَالَ الْمَالِكُ أَنَا رَاضٍ مَا دُمْت حَيًّا كَانَ إجَازَةً بِالْأَوَّلِ، وَلَوْ قَالَ أَمْسِكْهَا مَا دُمْت حَيًّا لَا لِأَنَّ الْإِمْسَاكَ لَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا، وَفِي فُرُوقِ الْكَرَابِيسِيِّ أَسَأْت إجَازَةٌ، وَلَوْ قَالَ لَا أُجِيزُ يَكُونُ رَدًّا لِلْبَيْعِ بِخِلَافِ الْمُسْتَأْجِرِ إذَا قَالَ لَا أُجِيزَ بَيْعَ الْآخَرِ ثُمَّ أَجَازَهُ جَازَ. وَفِي نَوَادِرِ هِشَامِ، وَلَوْ قَالَ أَجَزْت إنْ بَاعَ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ يَجُوزُ إنْ بَاعَ بِأَكْثَرَ، وَإِنْ بَاعَ بِأَقَلَّ لَا يَجُوزُ، وَلَوْ بَاعَ بِأَلْفِ دِينَارٍ لَا يَجُوزُ، وَإِنَّمَا يُنْظَرُ إلَى النَّوْعِ الَّذِي وَصَفَهُ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَفِيهَا وَإِذَا أَجَازَ الْمَالِكُ بَيْعَ الْفُضُولِيِّ صَارَ الْفُضُولِيُّ كَالْوَكِيلِ حَتَّى صَحَّ حَطُّهُ عَنْ الثَّمَنِ عَلِمَ الْمَالِكُ بِالثَّمَنِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ، وَأَجَابَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ أَنَّهُ إذَا عَلِمَ بِالْحَطِّ بَعْدَ الْإِجَازَةِ فَلَهُ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ رَضِيَ بِهِ، وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ. اهـ. وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِاشْتِرَاطِ قِيَامِ الْمَبِيعِ أَيْ بِاسْمِهِ، وَحَالِهِ إلَى أَنَّهُ لَوْ أَجَازَهُ بَعْدَ صَبْغِ الثَّوْبِ الْمُشْتَرَى فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَلَا يُشْتَرَطُ قِيَامُ الْمَبِيعِ فِي مَسْأَلَةِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ خَرَجَتْ عَنْ أَنْ تَكُونَ مِنْ مَسَائِلِ الْفُضُولِيِّ بَلْ هِيَ بَيْعُ الْمَالِكِ لِأَنَّهُ بِالضَّمَانِ اسْتَنَدَ الْمِلْكُ، وَنَفَذَ الْبَيْعُ مِنْ جِهَتِهِ كَبَيْعِ الْغَاصِبِ إذَا ضَمِنَهُ الْمَالِكُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ، وَالْمَسْأَلَةُ مَذْكُورَةٌ فِي غَالِبِ كُتُبِ الْمَذْهَبِ كَالْبَزَّازِيَّةِ وَغَيْرِهَا، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ثُمَّ رَأَيْت صَاحِبَ النَّهْرِ تَكَلَّمَ بِمِثْلِ مَا تَكَلَّمَهُ. اهـ. وَعِبَارَةُ النَّهْرِ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ إجَازَةِ بَيْعِ الْفُضُولِيِّ فِي شَيْءٍ بَلْ إنَّمَا نَفَذَ بَيْعُهُ لِثُبُوتِ الْمِلْكِ لِلْبَائِعِ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ ضَرُورَةً فَلَا اسْتِثْنَاءَ حِينَئِذٍ فَتَدَبَّرْهُ. (قَوْلُهُ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَلِلْمُشْتَرِي فَسْخُ الْبَيْعِ قَبْلَ الْإِجَازَةِ إلَخْ) إنْ قُلْتُ: يَأْبَاهُ مَا سَيَأْتِي فِي الْمَتْنِ مِنْ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا بَرْهَنَ عَلَى إقْرَارِ الْبَائِعِ أَوْ رَبِّ الْعَبْدِ أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ بِالْبَيْعِ، وَأَرَادَ رَدَّ الْبَيْعِ لَمْ يُقْبَلْ قُلْتُ: لَا تَنَافِي بَيْنَهُمَا لِأَنَّ مَا سَيَأْتِي مَفْرُوضٌ فِيمَا إذَا اخْتَلَفَ الْبَائِعُ، وَالْمُشْتَرِي فَادَّعَى الْمُشْتَرِي أَنَّ الْبَيْعَ بِغَيْرِ أَمْرِ صَاحِبِهِ، وَجَحَدَ الْبَائِعُ ذَلِكَ فَيُحْمَلُ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ عَلَى مَا إذَا تَصَادَقَا عَلَى الْبَيْعِ بِغَيْرِ أَمْرِ الْمَالِكِ فَاخْتَلَفَ الْمَوْضُوعُ فَافْهَمْ حَاشِيَةَ أَبِي السُّعُودِ (قَوْلُهُ وَكَذَا أَخْذُهُ الثَّمَنَ) قَالَ الرَّمْلِيُّ لَمْ أَرَ فِي كَلَامِهِمْ حُكْمَ مَا إذَا قَبَضَ بَعْضَ الثَّمَنِ هَلْ يَكُونُ إجَازَةً أَمْ لَا وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ إجَازَةً لِدَلَالَتِهِ عَلَى الرِّضَا، وَلِتَصْرِيحِهِمْ فِي نِكَاحِ الْفُضُولِيِّ بِأَنْ قَبَضَ بَعْضَ الْمَهْرِ يَكُونُ إجَازَةً، وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ فِي الثَّمَنِ لِإِفَادَةِ الْجِنْسِ لِمُحَرَّرِهِ الْغَزِّيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ وَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ بِاشْتِرَاطِ قِيَامِ الْمَبِيعِ إلَى قَوْلِهِ لَوْ أَجَازَهُ بَعْدَ صَبْغِ الثَّوْبِ الْمُشْتَرَى فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ) كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَفِي مِنَحِ الْغَفَّارِ مَا يُخَالِفُهُ فَإِنَّهُ قَالَ وَالْمُرَادُ بِكَوْنِ الْمَبِيعِ قَائِمًا أَنْ لَا يَكُونَ مُتَغَيِّرًا بِحَيْثُ يُعَدُّ شَيْئًا آخَرَ فَإِنَّهُ لَوْ بَاعَ ثَوْبَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ، وَصَبَغَهُ الْمُشْتَرِي فَأَجَازَ رَبُّ الثَّوْبِ الْبَيْعَ جَازَ، وَلَوْ قَطَعَهُ وَخَاطَهُ ثُمَّ أَجَازَ الْبَيْعَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ صَارَ شَيْئًا آخَرَ. اهـ. وَالْمَسْأَلَةُ بِهَذَا اللَّفْظِ دُونَ التَّعْلِيلِ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ فَتَاوَى أَبِي اللَّيْثِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 161 وَلَوْ وَلَدَتْ الْأَمَةُ ثُمَّ أَجَازَ الْمَالِكُ الْبَيْعَ يَكُونُ الْوَلَدُ مَعَ الْأَمَة لِلْمُشْتَرِي، وَلَوْ انْهَدَمَ الدَّارُ ثُمَّ أَجَازَ الْمَالِكُ الْبَيْعَ يَصِحُّ لِبَقَاءِ الْعَرْصَةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُؤَلِّفُ حُكْمَ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ مِنْ الْفُضُولِيِّ فَلَوْ سَلَّمَهُ فَهَلَكَ فَلِلْمَالِكِ أَنْ يُضَمِّنَ أَيَّهمَا شَاءَ فَأَيَّهمَا اخْتَارَ ضَمَانَهُ بَرِئَ الْآخَرُ لِأَنَّ فِي التَّضْمِينِ تَمْلِيكًا مِنْهُ فَإِذَا مَلَّكَهُ مِنْ أَحَدِهِمَا لَا يُمْكِنُ تَمْلِيكُهُ مِنْ الْآخَرِ فَإِنْ اخْتَارَ تَضْمِينَ الْمُشْتَرِي بَطَلَ الْبَيْعُ لِأَنَّ أَخْذَ الْقِيمَةِ كَأَخْذِ الْعَيْنِ، وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ لَا بِمَا ضَمِنَ، وَإِنْ اخْتَارَ تَضْمِينَ الْبَائِعِ يُنْظَرُ إنْ كَانَ قَبْضُ الْبَائِعِ مَضْمُونًا عَلَيْهِ نَفَذَ بَيْعُهُ بِالضَّمَانِ لِأَنَّ سَبَبَ مِلْكِهِ قَدْ تَمَّ عَقْدُهُ، وَإِنْ كَانَ قَبْضُهُ أَمَانَةً فَإِنَّمَا صَارَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِالتَّسْلِيمِ بَعْدَ الْبَيْعِ فَلَا يَنْفُذُ بَيْعُهُ بِالضَّمَانِ لِتَأَخُّرِ سَبَبِ مِلْكِهِ عَنْ الْعَقْدِ. وَقَدْ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ الْبَيْعُ بِتَضْمِينِ الْبَائِعِ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ سَلَّمَ أَوَّلًا ثُمَّ صَارَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ ثُمَّ بَاعَهُ فَصَارَ كَالْمَغْصُوبِ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَقَيَّدَ بِالْبَيْعِ لِأَنَّهُ إذَا اشْتَرَى لِغَيْرِهِ كَانَ مَا اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ أَجَازَ الَّذِي اشْتَرَاهُ لَهُ أَمْ لَا، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ نَفَاذًا يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةٍ مِنْ الْمُشْتَرِي لَهُ كَالصَّبِيِّ الْمَحْجُورِ يَشْتَرِي شَيْئًا لِغَيْرِهِ فَيَتَوَقَّفُ هَذَا إذَا أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى نَفْسِهِ أَمَّا إذَا أَضَافَهُ إلَى غَيْرِهِ بِأَنْ يَقُولَ بِعْ هَذَا الْعَبْدَ لِفُلَانٍ فَقَالَ الْبَائِعُ بِعْته لِفُلَانٍ يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهِ، وَأَمَّا إذَا قَالَ اشْتَرَيْت مِنْك بِكَذَا لِأَجْلِ فُلَانٍ فَقَالَ الْبَائِعُ بِعْت أَوْ قَالَ الْبَائِعُ بِعْت مِنْك لِفُلَانٍ فَإِنَّهُ يَقَعُ الشِّرَاءُ لِلْمُخَاطَبِ لَا لِفُلَانٍ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ إذَا أُضِيفَ الْعَقْدُ فِي أَحَدِ الْكَلَامَيْنِ إلَى فُلَانٍ يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ فُلَانٍ، وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا وَأَشْهَدَ أَنَّهُ يَشْتَرِيهِ لِفُلَانٍ، وَقَالَ فُلَانٌ رَضِيت فَالْعَقْدُ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ وَكِيلًا بِالشِّرَاءِ وَقَعَ الْمِلْكُ لَهُ فَلَا اعْتِبَارَ بِالْإِجَازَةِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَهِيَ تَلْحَقُ الْعَقْدَ الْمَوْقُوفَ لَا النَّافِذَ فَإِنْ دَفَعَ الْمُشْتَرِي إلَيْهِ الْعَبْدَ، وَأَخَذَ الثَّمَنَ كَانَ بَيْعًا بِالتَّعَاطِي بَيْنَهُمَا، وَلَوْ ظَنَّ الْمُشْتَرِي وَالْمُشْتَرَى لَهُ أَنَّ الْمِلْكَ وَقَعَ لِلْمُشْتَرَى لَهُ فَسَلَّمَهُ لَهُ بَعْدَ قَبْضِ ثَمَنِهِ لَا يُسْتَرَدُّ بِلَا رِضَا الْمُشْتَرَى لَهُ، وَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ وَلَّاهُ، وَإِنْ عَلِمَا أَنَّ الشِّرَاءَ وَقَعَ لِلْمُشْتَرِي بَعْدَهُ، وَإِنْ زَعَمَ الْمُشْتَرَى لَهُ أَنَّ الشِّرَاءَ كَانَ بِأَمْرِهِ، وَوَقَعَ الْمِلْكُ لَهُ، وَالْمُشْتَرِي أَنَّهُ كَانَ بِلَا أَمْرِهِ، وَوَقَعَ الشِّرَاءُ لِلْمُشْتَرِي فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرَى لَهُ لِأَنَّ الشِّرَاءَ بِإِقْرَارِهِ وَقَعَ لَهُ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ. وَفِي فُرُوقِ الْكَرَابِيسِيِّ شِرَاءُ الْفُضُولِيِّ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ الْأَوَّلُ أَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ بِعْت هَذَا لِفُلَانٍ بِكَذَا، وَالْفُضُولِيُّ يَقُولُ اشْتَرَيْت لِفُلَانٍ بِكَذَا أَوْ قَبِلْت، وَلَمْ يَقُلْ لِفُلَانٍ فَهَذَا يَتَوَقَّفُ، الثَّانِي أَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ بِعْت مِنْ فُلَانٍ بِكَذَا، وَالْمُشْتَرِي يَقُولُ اشْتَرَيْته لِأَجْلِهِ أَوْ قَبِلْت يَتَوَقَّفُ، الثَّالِثُ أَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ بِعْت هَذَا مِنْك بِكَذَا فَقَالَ اشْتَرَيْت أَوْ قَبِلْت، وَنَوَى أَنْ يَكُونَ لِفُلَانٍ فَإِنَّهُ يَنْفُذُ عَلَى الْمُشْتَرِي، الرَّابِعُ لَوْ قَالَ اشْتَرَيْت لِفُلَانٍ بِكَذَا، وَالْبَائِعُ يَقُولُ بِعْت مِنْك بَطَلَ الْعَقْدُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَالْفَرْقُ أَنَّهُ خَاطَبَ الْمُشْتَرِيَ، وَالْمُشْتَرِي يُسْتَرَدُّ لِغَيْرِهِ فَلَا يَكُونُ جَوَابًا فَكَانَ شَطْرَ الْعَقْدِ بِخِلَافِ الْفَصْلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ إذْ الْعَقْدُ أُضِيفَ إلَى فُلَانٍ فِي الْكَلَامَيْنِ، وَبِخِلَافِ الْفَصْلِ الثَّالِثِ لِأَنَّهُ وَجَدَ نَفَاذًا عَلَى الْعَاقِدِ، وَقَدْ أُضِيفَ الْعَقْدُ إلَيْهِ. اهـ. وَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ بِثُبُوتِ الْفَسْخِ وَالْإِجَازَةِ لِلْمَالِكِ إلَى أَنَّ الْفُضُولِيَّ لَوْ شَرَطَ الْخِيَارَ لِلْمَالِكِ فَإِنَّ الْعَقْدَ يَبْطُلُ، وَلَا يَتَوَقَّفُ لِأَنَّ الْخِيَارَ لَهُ بِدُونِ الشَّرْطِ فَيَكُونُ الشَّرْطُ لَهُ مُبْطِلًا كَذَا فِي فُرُوقِ الْكَرَابِيسِيِّ، وَقَيَّدَ بِبَيْعِ مِلْكِ الْغَيْرِ لِأَنَّهُ لَوْ بَاعَ مِلْكَ نَفْسِهِ مَشْغُولًا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ إذَا أُضِيفَ الْعَقْدُ فِي أَحَدِ الْكَلَامَيْنِ إلَى فُلَانٍ يَتَوَقَّفُ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَتَوَقَّفُ، وَإِنْ أُضِيفَ فِي الْكَلَامِ الْآخَرِ إلَى الْفُضُولِيِّ، وَيَأْتِي قَرِيبًا أَنَّ أَصَحَّ الرِّوَايَتَيْنِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَنَّهُ يَبْطُلُ (قَوْلُهُ وَفِي فُرُوقِ الْكَرَابِيسِيِّ شِرَاءُ الْفُضُولِيِّ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ) قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ قَالَ بِعْت لِفُلَانٍ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْت أَوْ قَبِلْت لِفُلَانٍ أَوْ لَمْ يَقُلْ لِفُلَانٍ أَوْ قَالَ الْفُضُولِيُّ بِعْ لِفُلَانٍ فَقَالَ بِعْت، وَقَالَ اشْتَرَيْت لِفُلَانٍ تَوَقَّفَ، وَلَوْ قَالَ بِعْت مِنْك فَقَالَ الْفُضُولِيُّ اشْتَرَيْت أَوْ قَبِلْت، وَنَوَى بِقَلْبِهِ لِفُلَانٍ لَا يَتَوَقَّفُ أَوْ قَالَ الْفُضُولِيُّ اشْتَرَيْت لِفُلَانٍ، وَقَالَ الْبَائِعُ بِعْت مِنْك الْأَصَحُّ عَدَمُ التَّوَقُّفِ، وَلَوْ قَالَ بِعْت هَذَا مِنْك لِفُلَانٍ فَقَالَ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْت أَوْ قَبِلْت أَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْت لِأَجْلِ فُلَانٍ، وَقَالَ الْبَائِعُ بِعْت لَا يَتَوَقَّفُ، وَيَنْفُذُ اتِّفَاقًا، وَلَوْ قَالَ الْفُضُولِيُّ اشْتَرَيْت لِفُلَانٍ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا لَا يَتَوَقَّفُ بِخِلَافِ شِرَائِهِ لِفُلَانٍ بِلَا خِيَارٍ اهـ. مِنْ التَّاسِعِ فِي الْوَكَالَةِ بِالشِّرَاءِ، وَفِيهِ الْفُضُولِيُّ، وَفِي الْخَانِيَّةِ بَعْدَ قَوْلِهِ لَا يَتَوَقَّفُ، وَإِنَّمَا يَتَوَقَّفُ شِرَاءُ الْفُضُولِيِّ إذَا اشْتَرَى بِغَيْرِ خِيَارٍ (قَوْلُهُ بَطَلَ الْعَقْدُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ) وَعَلَى هَذَا فَالِاكْتِفَاءُ بِالْإِضَافَةِ فِي أَحَدِ الْكَلَامَيْنِ بِأَنْ لَا يُضَافَ إلَى الْآخَرِ نَهْرٌ أَيْ الِاكْتِفَاءُ بِالْإِضَافَةِ إلَى فُلَانٍ عَلَى مَا مَرَّ تَصْحِيحٌ مُصَوَّرٌ بِأَنْ لَا يُضَافَ إلَى الْمُشْتَرِي بِأَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ بِعْت، وَلَا يَقُولُ مِنْك فَإِذَا أُضِيفَ لَا يَتَوَقَّفُ، وَإِنْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ لِفُلَانٍ لَا يَتَوَقَّفُ أَيْضًا لَكِنَّهُ يَنْفُذُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ (قَوْلُهُ فَيَكُونُ الشَّرْطُ لَهُ مُبْطِلًا) قَالَ فِي النَّهْرِ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الشَّرْطُ لَغْوًا فَقَطْ فَتَدَبَّرْهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 162 بِحَقِّ الْغَيْرِ كَالرَّهْنِ إذَا بَاعَهُ الرَّاهِنُ، وَالْعَيْنُ الْمُؤَجَّرَةُ إذَا بَاعَهَا الْمُؤَجِّرُ يَتَوَقَّفُ الْعَقْدُ عَلَى إجَازَةِ الْمُرْتَهِنِ، وَالْمُسْتَأْجِرِ فَيَمْلِكَانِهَا دُونَ الْفَسْخِ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا سَيَأْتِي، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا الْكَرَابِيسِيُّ فَجَعَلَ لِلْمُرْتَهِنِ الْإِجَازَةَ وَالْفَسْخَ دُونَ الْمُسْتَأْجِرِ فَلَا يَمْلِكُهُ فَارِقًا بِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ حَقُّهُ فِي الْمَنْفَعَةِ. وَلِذَا لَوْ هَلَكَتْ الْعَيْنُ لَا يَسْقُطُ دَيْنُهُ، وَفِي الرَّهْنِ يَسْقُطُ، وَهُوَ اسْتِيفَاءٌ حُكْمِيٌّ، وَتَفَرَّعَ عَلَى الْفَرْقِ مَا لَوْ تَعَدَّدَ بَيْعُ الْمُؤَجِّرِ فَأَجَازَ الْمُسْتَأْجِرُ الثَّانِي نَفَذَ الْأَوَّلُ، وَلَوْ تَعَدَّدَ بَيْعٌ الرَّهْنِ فَأَجَازَ الْمُرْتَهِنُ الثَّانِيَ نَفَذَ لَا الْأَوَّلُ. اهـ. وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بَاعَ مِلْكَ غَيْرِهِ لِمَالِكِهِ لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّهُ لَوْ بَاعَهُ لِنَفْسِهِ لَمْ يَنْعَقِدْ أَصْلًا كَمَا فِي الْبَدَائِعِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ بِغَيْرِ إذْنِهِ لِيَكُونَ فُضُولِيًّا، وَلَوْ تَعَدَّدَ تُصْرَفُ الْفُضُولِيُّ كَأَمَةٍ بَاعَهَا فُضُولِيٌّ مِنْ رَجُلٍ، وَزَوَّجَهَا مِنْهُ آخَرَ فَأُجِيزَا مَعًا يَثْبُتُ الْأَقْوَى فَتَصِيرُ مَمْلُوكَةً لَا زَوْجَةً، وَلَوْ زَوَّجَاهَا كُلٌّ مِنْ رَجُلٍ فَأُجِيزَا بَطَلَا، وَلَوْ بَاعَهَا كُلٌّ مِنْ رَجُلٍ فَأُجِيزَا تَتَنَصَّفُ بَيْنَهُمَا، وَيُخَيَّرُ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيْنَ أَخْذِ النِّصْفِ أَوْ التَّرْكِ، وَلَوْ بَاعَهُ فُضُولِيٌّ، وَأَجَرَهُ آخَرُ أَوْ رَهَنَهُ أَوْ زَوَّجَهُ فَأُجِيزَا مَعًا ثَبَتَ الْأَقْوَى فَيَجُوزُ الْبَيْعُ، وَيَبْطُلُ غَيْرُهُ لِأَنَّ الْبَيْعَ أَقْوَى. وَكَذَا تَثْبُتُ الْهِبَةُ إذَا وَهَبَهُ فُضُولِيٌّ، وَآجَرَهُ آخَرُ، وَكُلٌّ مِنْ الْعِتْقِ، وَالْكِتَابَةِ وَالتَّدْبِيرِ أَحَقُّ مِنْ غَيْرِهَا لِأَنَّهَا لَازِمَةٌ بِخِلَافِ غَيْرِهَا، وَالْإِجَارَةُ أَحَقُّ مِنْ الرَّهْنِ لِإِفَادَتِهَا مِلْكَ الْمَنْفَعَةِ بِخِلَافِ الرَّهْنِ، وَالْبَيْعُ أَحَقُّ مِنْ الْهِبَةِ لِأَنَّ الْهِبَةَ تَبْطُلُ بِالشُّيُوعِ فَفِيمَا لَا تَبْطُلُ بِالشُّيُوعِ كَهِبَةِ فُضُولِيٍّ عَبْدًا، وَبَيْعً آخَرَ إيَّاهُ يَسْتَوِيَانِ لِأَنَّ الْهِبَةَ مَعَ الْقَبْضِ تُسَاوِي الْبَيْعَ فِي إفَادَةِ الْمِلْكِ، وَهِبَةُ الْمُشَاعِ فِيمَا لَا يُقْسَمُ صَحِيحَةٌ فَيَأْخُذُ كُلٌّ النِّصْفَ، وَلَوْ تَبَايَعَ غَاصِبَا عَرَضِيًّ لِرَجُلٍ وَاحِدٍ فَأَجَازَ الْمَالِكُ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا الْكَرَابِيسِيُّ إلَخْ) جَزَمَ بِهِ فِي الْخَانِيَّةِ فِي فَصْلِ الْبَيْعِ الْمَوْقُوفِ، وَفِي الْفَتْحِ وَلَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ فَسْخُ الْبَيْعِ بِلَا خِلَافٍ، وَلَا لِلرَّاهِنِ وَالْمُؤَجِّرِ، وَفِي الْمُرْتَهِنِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ، وَذَكَرَ قَبْلَهُ أَنَّ لِلْمُشْتَرِي خِيَارَ الْفَسْخِ إنْ لَمْ يَعْلَمْ وَقْتَ الْبَيْعِ بِالْإِجَارَةِ وَالرَّهْنِ، وَإِنْ عَلِمَ فَكَذَلِكَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ قِيلَ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا، وَقِيلَ هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ. اهـ. وَفِي تَصْحِيحِ الشَّيْخِ قَاسِمٍ أَنَّ الْمَشَايِخَ أَخَذُوا بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ اهـ. لَكِنْ ذَكَرَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَنَّ الْأَوَّلَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَأَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَفِي حَاشِيَتِهِ لِلرَّمْلِيِّ عَنْ الْغَزِّيِّ أَنَّهُ هُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَنَقَلَ الرَّمْلِيُّ فِيهَا عَنْ مُنْيَةِ الْمُفْتِي أَنَّهُ الْأَصَحُّ وَفِيهَا عَنْ الزَّيْلَعِيِّ أَنَّ الْمُرْتَهِنَ لَيْسَ لَهُ الْفَسْخُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ عَنْ الْخَانِيَّةِ لَوْ لَمْ يُجِزْ الْمُسْتَأْجِرُ حَتَّى انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ نَفَذَ الْبَيْعُ السَّابِقَ وَكَذَا الْمُرْتَهِنُ إذَا قَضَى دَيْنَهُ. وَفِيهِ عَنْ الذَّخِيرَةِ الْبَيْعُ بِلَا إذْنِ الْمُسْتَأْجِرِ نَفَذَ فِي حَقِّ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي لَا فِي حَقِّ الْمُسْتَأْجِر فَلَوْ سَقَطَ حَقُّ الْمُسْتَأْجِرِ عَمِلَ ذَلِكَ الْبَيْعُ وَلَا حَاجَةَ إلَى التَّجْدِيدِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَلَوْ أَجَازَهُ الْمُسْتَأْجِرُ نَفَذَ فِي حَقِّ الْكُلِّ وَلَا يُنْزَعُ مِنْ يَدِهِ لِيَصِلَ إلَيْهِ مَالُهُ إذْ رِضَاهُ بِالْبَيْعِ يُعْتَبَرُ لِفَسْخِ الْإِجَارَة لَا لِلِانْتِزَاعِ مِنْ يَدِهِ وَعَنْ بَعْضِ بَعْضِنَا أَنَّهُ لَوْ بَاعَ وَسَلَّمَ وَأَجَازَهُمَا الْمُسْتَأْجِرُ بَطَلَ حَقُّ حَبْسِهِ وَلَوْ أَجَازَ الْبَيْعَ لَا التَّسْلِيمَ لَا يَبْطُلُ حَقُّ حَبْسِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ) الثَّانِي مَفْعُولٌ أَجَازَ وَهُوَ أَجَازَ وَهُوَ صِفَةٌ لِمَحْذُوفٍ أَيْ أَجَازَ الْبَيْعَ الثَّانِيَ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ بَاعَ مِلْكَ غَيْرِهِ لِمَالِكِهِ لَكَانَ أَوْلَى) أَيْ لِأَجْلِ مَالِكِهِ قَالَ الرَّمْلِيُّ لَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْ مَشَايِخِ الْمَذْهَبِ الْوَاضِعِينَ لِلْمُتُونِ هَذَا الْقَيْدَ وَأَقُولُ: تَرْكُهُ مُتَعَيِّنٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ تَوَقُّفُ بَيْعُ الْغَاصِبِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ وَكَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ أَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْمَبِيعِ يُوجِبُ تَوَقُّفَ الْعَقْدِ عَلَى الْإِجَازَةِ لَا نَقْضَهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا قَالَهُ فِي الْبَدَائِعِ رِوَايَةٌ خَارِجَةٌ عَنْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَتَأَمَّلْ وَارْجِعْ إلَى فُرُوعٍ ذُكِرَتْ فِي الْمَحَلَّيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ يَظْهَرْ لَكَ مَا قُلْنَاهُ فَتَدَبَّرْ ثُمَّ رَأَيْت فِي شَرْحِ تَنْوِيرِ الْأَبْصَارِ لِمُصَنِّفِهِ أَقُولُ: يُشْكِلُ عَلَى هَذَا أَيْ عَلَى مَا نَقَلَهُ شَيْخُنَا عَنْ الْبَدَائِعِ مَا قَالُوهُ مِنْ أَنَّ الْمَبِيعَ إذَا اُسْتُحِقَّ لَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي بِالِاسْتِحْقَاقِ وَلِلْمُسْتَحِقِّ إِجَازَتُهُ، وَجْهُ الْإِشْكَالِ أَنَّ الْبَائِعَ بَاعَ لِنَفْسِهِ لَا لِلْمَالِكِ الَّذِي هُوَ الْمُسْتَحِقُّ مَعَ أَنَّهُ تَوَقَّفَ عَلَى الْإِجَازَةِ وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ بَيْعُ الْغَاصِبِ فَإِنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِجَازَةِ فَالظَّاهِرُ ضَعْفُ مَا فِي الْبَدَائِعِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ لِمُخَالَفَتِهِ لِفُرُوعِ الْمَذْهَبِ. اهـ. وَهُوَ عَيْنُ مَا قُلْنَاهُ ثُمَّ قَالَ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَوَقْفُ بَيْعِ الْغَاصِبِ لَكِنَّ ظَاهِرَ إطْلَاقِ الْمَشَايِخِ التَّوَقُّفُ عَلَى الْإِجَازَةِ يُشْكِلُ عَلَى مَا قَالَهُ إلَّا أَنْ يُجْمَلَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا اهـ. وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ الْحَمَلُ عَلَى أَنَّهُ بَاعَهُ لِمَالِكِهِ وَلَا يَخْفَى مَا فِي هَذَا الْحَمْلِ مِنْ الْبُعْدِ جِدًّا فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ. قُلْتُ: وَيَظْهَرُ لِي أَنَّ مَا فِي الْبَدَائِعِ لَا إشْكَالَ وَأَنَّ مَا فَهِمَهُ الْمُؤَلِّفُ غَيْرُ مُرَادِ الْبَدَائِعِ وَذَلِكَ أَنَّ قَوْلَ الْبَدَائِعِ لَوْ بَاعَهُ لِنَفْسِهِ لَمْ يَنْعَقِدْ أَصْلًا مَعْنَاهُ بَاعَهُ مِنْ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ بَائِعًا وَمُشْتَرِيًا فَاللَّامُ فِيهِ بِمَعْنَى مِنْ فَإِنَّهُ قَدْ يُقَالُ بِعْت لَهُ وَبِعْت مِنْهُ فَاللَّامُ فِي عِبَارَةِ الْبَدَائِعِ لَيْسَتْ لِلتَّعْلِيلِ حَتَّى يَكُونَ احْتِرَازًا عَمَّا لَوْ بَاعَهُ لِمَالِكِهِ فَكَانَ عَلَى الْمُؤَلِّفِ أَنْ يَقُولَ، وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ بَاعَ مِلْكَ غَيْرِهِ لِغَيْرِهِ إلَخْ وَيُؤَيِّدُ مَا قُلْنَاهُ أَنَّهُ فِي النَّهْرِ قَالَ كَذَلِكَ وَنَصُّهُ وَمَنْ بَاعَ مِلْكَ غَيْرِهِ يَعْنِي لِغَيْرِهِ أَمَّا إذَا بَاعَ لِنَفْسِهِ لَمْ يَنْعَقِدْ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 163 فَائِدَةَ الْبَيْعِ بِثُبُوتِ الْمِلْكِ فِي الرَّقَبَةِ وَالتَّصَرُّفِ، وَهُمَا حَاصِلَانِ لِلْمَالِكِ فِي الْبَدَلَيْنِ بِدُونِ هَذَا الْعَقْدِ فَلَمْ يَنْعَقِدُ فَلَمْ يَلْحَقْهُ إجَازَةٌ، وَلَوْ غَصْبًا مِنْ رَجُلَيْنِ، وَتَبَايَعَا، وَأَجَازَ الْمَالِكُ جَازَ، وَلَوْ غَصْبًا النَّقْدَيْنِ مِنْ وَاحِدٍ، وَعَقَدَا الصَّرْفَ، وَتَقَابَضَا ثُمَّ أَجَازَ جَازَ لِأَنَّ النُّقُودَ لَا تَتَعَيَّنُ فِي الْمُعَاوَضَاتِ، وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْغَاصِبَيْنِ مِثْلُ مَا غَصَبَ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ آخِرِ الْبَابِ، وَأَمَّا وَصِيَّةُ الْفُضُولِيِّ كَمَا إذَا أَوْصَى بِأَلْفٍ مِنْ مَالِ غَيْرِهِ أَوْ بِعَيْنٍ مِنْ مَالِهِ فَأَجَازَ الْمَالِكُ فَهُوَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ سَلَّمَهَا، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يُسَلِّمْ كَالْهِبَةِ كَذَا فِي الْقُنْيَةِ مِنْ الْوَصَايَا، وَبِهِ عُلِمَ حُكْمُ هِبَةِ الْفُضُولِيِّ، وَسَيَأْتِي فِي الصُّلْحِ بَيَانُ صُلْحِ الْفُضُولِيِّ، وَالظَّاهِرُ مِنْ فُرُوعِهِمْ أَنَّ كُلَّ مَا صَحَّ التَّوْكِيلُ بِهِ فَإِنَّهُ إذَا بَاشَرَهُ الْفُضُولِيُّ يَتَوَقَّفُ إلَّا الشِّرَاءَ بِشَرْطِهِ السَّابِقِ. قَوْلُهُ (وَصَحَّ عِتْقُ مُشْتَرٍ مِنْ غَاصِبٍ بِإِجَازَةُ بَيْعِهِ لَا بَيْعُهُ) وَهَذَا عِنْدَهُمَا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ عِتْقُهُ أَيْضًا لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ، وَفِي الْحَدِيثِ «لَا عِتْقَ لِابْنِ آدَمَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ» ، وَهَذَا لِأَنَّ عَقْدَ الْفُضُولِيِّ مَوْقُوفٌ، وَهُوَ لَا يُفِيدُهُ لِعَدَمِ النَّفَاذِ، وَثُبُوتُهُ عِنْدَ الْإِجَازَةِ اسْتِنَادًا فَهُوَ ثَابِتٌ مِنْ وَجْهٍ زَائِلٌ مِنْ وَجْهٍ فَلَا يَصْلُحُ شَرْطًا لِلْإِعْتَاقِ، وَهُوَ الْمِلْكُ الْكَامِلُ لِإِطْلَاقِهِ فِي الْحَدِيثِ، وَهُوَ لِلْكَامِلِ، وَلِذَا لَوْ أَعْتَقَهُ الْغَاصِبُ ثُمَّ أَدَّى الضَّمَانَ لَمْ يَصِحَّ الْعِتْقُ مَعَ أَنَّ الْمِلْكَ الثَّابِتَ لَهُ بِالضَّمَانِ أَقْوَى مِنْ الْمِلْكِ الثَّابِتِ لِلْمُشْتَرِي حَتَّى يَنْفُذُ بَيْعُ الْغَاصِبِ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ، وَلَا يَنْفُذُ بَيْعُ الْمُشْتَرِي بِإِجَازَةِ الْمَالِكِ الْأَوَّلِ، وَكَذَا لَوْ أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي، وَالْخِيَارُ لِلْبَائِعِ ثُمَّ أَجَازَ الْبَيْعَ لَا يَنْفُذُ عِتْقُهُ، وَكَذَا إذَا قَبَضَ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ ثُمَّ بَاعَهُ ثُمَّ أَجَازَ الْمَالِكُ الْبَيْعَ الْأَوَّلَ لَمْ يَنْفُذْ الْبَيْعُ الثَّانِي مَعَ أَنَّ الْبَيْعَ أَسْرَعُ نَفَاذًا مِنْ الْعِتْقِ حَتَّى صَحَّ بَيْعُ الْمُكَاتَبِ وَالْمَأْذُونِ دُونَ عِتْقِهِمَا وَلِذَا لَوْ بَاعَ الْغَاصِبُ الْمَغْصُوبَ ثُمَّ أَدَّى الضَّمَانَ نَفَذَ بَيْعُهُ، وَلَوْ أَعْتَقَهُ ثُمَّ أَدَّى الضَّمَانَ لَمْ يَنْفُذْ. وَكَذَا لَوْ بَاعَهُ الْغَاصِبُ فَأَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي مِنْهُ ثُمَّ أَدَّى الْغَاصِبُ الضَّمَانَ صَحَّ بَيْعُ الْغَاصِبِ، وَبَطَلَ عِتْقُهُ، وَلَهُمَا أَنَّ الْمِلْكَ مَوْقُوفٌ فِيهِ فَيَتَوَقَّفُ الْإِعْتَاقُ مُرَتَّبًا عَلَيْهِ، وَيَنْفُذُ بِنَفَاذِهِ كَإِعْتَاقِ الْمُشْتَرِي مِنْ الرَّاهِنِ يَتَوَقَّفُ، وَيَنْفُذُ بِإِجَازَةِ الْمُرْتَهِنِ، وَإِعْتَاقِ الْمُشْتَرِي مِنْ الْوَارِثِ حَالَ اسْتِغْرَاقِ التَّرِكَةِ بِالدَّيْنِ فَأَجَازَ الْغُرَمَاءُ الْبَيْعَ، وَإِعْتَاقَ الْوَارِثِ عَبْدًا مِنْ التَّرِكَةِ، وَهِيَ مُسْتَغْرِقَةٌ بِهِ فَقَضَى الدَّيْنَ أَوْ أَبْرَأ الْغُرَمَاءَ فَإِنَّهُ يَنْفُذُ، وَهَذَا لِأَنَّ الْعِتْقَ مِنْ حُقُوقِ الْمِلْكِ، وَالشَّيْءُ إذَا تَوَقَّفَ تَوَقَّفَ بِحُقُوقِهِ، وَإِذَا نَفَذَ نَفَذَ بِحُقُوقِهِ بِخِلَافِ إعْتَاقِ الْغَاصِبِ نَفْسَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُوضَعْ لِلْمِلْكِ، وَإِنَّمَا يَمْلِكُهُ ضَرُورَةً أَدَاءَ الضَّمَانِ فَلَمْ يَكُنْ مُثْبِتًا لَهُ لِلْحَالِ، وَلَا سَبَبًا لَهُ، وَلِذَا لَا يَتَعَدَّى إلَى الزَّوَائِدِ بِخِلَافِ الْمِلْكِ فِي بَيْعِ الْفُضُولِيِّ فَإِنَّهُ يَتَعَدَّى إلَى الزَّوَائِدِ الْمُتَّصِلَةِ وَالْمُنْفَصِلَةِ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِيهِ خِيَارُ الْبَائِعِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُطْلَقٍ، وَالْكَلَامُ فِيهِ، وَهُوَ مَانِعٌ مِنْ انْعِقَادِهِ فِي الْحُكْمِ أَصْلًا فَلَمْ يُوجَدْ الْمِلْكُ فِيهِ قَيَّدَ بِعِتْقِ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ عِتْقَ الْغَاصِبِ لَا يَنْفُذُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ لِمَا بَيَّنَّاهُ، وَقَيَّدَ بِإِجَازَةِ بَيْعِهِ لِأَنَّهُ لَا يَنْفُذُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ مِنْ الْغَاصِبِ، وَلَكِنْ يَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا أَدَّى الضَّمَانَ يَنْفُذُ عَلَى الصَّحِيحِ لِأَنَّ مِلْكَ الْمُشْتَرِي ثَبَتَ مُطْلَقًا بِسَبَبٍ مُطْلَقٍ، وَهُوَ الشِّرَاءُ بِخِلَافِ الْغَاصِبِ لِأَنَّهُ سَبَبٌ ضَرُورِيٌّ فَكَانَ الْمِلْكُ فِيهِ نَاقِصًا هَكَذَا ذَكَرَ الشَّارِحُ فَقَدْ فَرَّقَ بَيْنَ أَدَاءِ الْغَاصِبِ الضَّمَانَ وَبَيْنَ أَدَاءِ الْمُشْتَرِي مِنْهُ. وَصَرَّحَ فِي الْهِدَايَةِ بِأَنَّ عِتْقَ الْمُشْتَرِي يَنْفُذُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ مِنْ الْغَاصِبِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَدَاءِ الضَّمَانِ مِنْ الْغَاصِبِ أَوْ مِنْ الْمُشْتَرَى مِنْهُ، وَجَرَى عَلَى ذَلِكَ فِي الْبِنَايَةِ فَلَوْ قَالَ الْمُؤَلِّفُ بِإِجَازَةِ بَيْعِهِ أَوْ أَدَاءِ الضَّمَانِ لَكَانَ أَوْلَى، وَكَذَا لَوْ قَالَ وَصَحَّ عِتْقُ مُشْتَرٍ مِنْ فُضُولِيٍّ لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ غَاصِبًا لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُسَلِّمْ الْمَبِيعَ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ، وَلَعَلَّهُ إنَّمَا ذَكَرَهُ لِأَجْلِ الْبَيْعِ لِأَنَّ بَيْعَ الْعَبْدِ قَبْلَ قَبْضِهِ فَاسِدٌ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهَذِهِ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي جَرَتْ الْمُحَاوَرَةُ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ حِينَ عُرِضَ عَلَيْهِ هَذَا الْكِتَابُ فَقَالَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ مِنْ فُرُوعِهِمْ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ الْمُرَادُ بِمَا يَصِحُّ التَّوْكِيلُ بِهِ مِنْ الْعُقُودِ وَالْإِسْقَاطَاتِ لِيَخْرُجَ قَبْضُ الدَّيْنِ قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، وَفِي (فش) مَنْ قَبَضَ دَيْنَ غَيْرِهِ بِلَا أَمْرٍ ثُمَّ أَجَازَ الطَّالِبُ لَمْ يَجُزْ قَائِمًا أَوْ هَالِكًا، وَقَالَ فِي مِنَحِ الْغَفَّارِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ كُلُّ تَصَرُّفٍ صَدَرَ مِنْهُ، وَلَهُ مُجِيزٌ حَالَ وُقُوعِهِ انْعَقَدَ مَوْقُوفًا مِنْ بَيْعٍ أَوْ نِكَاحٍ أَوْ طَلَاقٍ أَوْ هِبَةٍ، وَكَذَا كُلُّ مَا صَحَّ بِهِ التَّوْكِيلُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْكَمَالُ فِي شَرَحَ الْهِدَايَةِ حَيْثُ قَالَ تَصَرُّفَاتُ الْفُضُولِيِّ تَتَوَقَّفُ عِنْدَنَا إذَا صَدَرَتْ، وَلِلتَّصَرُّفِ مُجِيزٌ أَيْ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى الْإِجَازَةِ سَوَاءٌ كَانَ تَمْلِيكًا كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالْهِبَةِ وَالتَّزْوِيجِ وَالتَّزَوُّجِ أَوْ إسْقَاطًا حَتَّى لَوْ طَلَّقَ رَجُلٌ امْرَأَةَ غَيْرِهِ أَوْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ فَأَجَازَهُ طَلُقَتْ، وَعَتَقَ. اهـ. فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ مِنْ الْغَاصِبِ) مُتَعَلِّقٌ بِالْمُشْتَرِي (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ) أَيْ الْغَصْبُ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَا يَنْفُذُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ) أَيْ بِأَدَاءِ الْغَاصِبِ الضَّمَانَ (قَوْلُهُ لِأَنَّ مِلْكَ الْمُشْتَرِي) يُوهِمُ أَنَّهُ عِلَّةٌ لِلْوُرُودِ مَعَ أَنَّهُ بَيَانٌ لِلْفَرْقِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 164 أَبُو يُوسُفَ مَا رَوَيْت لَك عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْعِتْقَ جَائِزٌ، وَإِنَّمَا رَوَيْت أَنَّ الْعِتْقَ بَاطِلٌ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ بَلْ رَوَيْت لِي أَنَّ الْعِتْقَ جَائِزٌ، وَإِثْبَاتُ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي صِحَّةِ الْعِتْقِ بِهَذَا لَا يَجُوزُ لِتَكْذِيبِ الْأَصْلِ الْفَرْعَ صَرِيحًا، وَأَقَلُّ مَا هُنَا أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ هَذِهِ رِوَايَةُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَنَحْنُ سَمِعْنَا مِنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يُجَوِّزُ عِتْقَهُ. اهـ. وَأَمَّا بَيْعُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ فَإِنَّمَا لَا يَصِحُّ لِبُطْلَانِ عَقْدِهِ بِالْإِجَازَةِ فَإِنَّ بِهَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي بَاتًّا، وَالْمِلْكُ الْبَاتُّ إذَا وَرَدَ عَلَى الْمَوْقُوفِ أَبْطَلَهُ. وَكَذَا لَوْ وَهَبَهُ مَوْلَاهُ لِلْغَاصِبِ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ أَوْ مَاتَ فَوَرِثَهُ فَهَذَا كُلُّهُ يُبْطِلُ الْمِلْكَ الْمَوْقُوفَ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ اجْتِمَاعُ الْبَاتِّ وَالْمَوْقُوفِ فِي مَحِلٍّ وَاحِدٍ عَلَى وَجْهٍ يَطْرَأُ فِيهِ الْبَاتُّ، وَإِلَّا فَقَدْ كَانَ مِلْكٌ بَاتٌّ، وَعَرَضَ مَعَهُ الْمِلْكُ الْمَوْقُوفُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَقَيَّدَ بِالْعِتْقِ لِأَنَّ فِي التَّفْوِيضِ مِنْ الْفُضُولِيِّ لِلْمَرْأَةِ إذَا جُعِلَ أَمْرُهَا بِيَدِهَا فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثُمَّ أَجَازَ الزَّوْجُ لَمْ تَطْلُقْ، وَإِنَّمَا ثَبَتَ التَّفْوِيضُ الْآنَ فَإِنْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا الْآنَ طَلُقَتْ، وَإِلَّا فَلَا، وَالْأَصْلُ فِي تَصَرُّفِ الْفُضُولِيِّ أَنَّ كُلَّ تَصَرُّفٍ جُعِلَ شَرْعًا سَبَبًا لِحُكْمٍ إذَا وُجِدَ مِنْ غَيْرِ وِلَايَةٍ شَرْعِيَّةٍ لَمْ يَسْتَعْقِبْ حُكْمُهُ، وَيَتَوَقَّفُ إنْ كَانَ مِمَّا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ جُعِلَ مُعَلَّقًا، وَإِلَّا احْتَجْنَا أَنَّ نَجْعَلَهُ سَبَبًا لِلْحَالِ مُتَأَخِّرًا حُكْمُهُ إنْ أَمْكَنَ فَالْبَيْعُ لَيْسَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ فَيُجْعَلُ سَبَبًا فِي الْحَالِ فَإِذَا زَالَ الْمَانِعُ مِنْ ثُبُوتِ حُكْمِ الْإِجَازَةِ ظَهَرَ أَثَرُهُ مِنْ وَقْتِ وُجُودِهِ، وَلِذَا مَلَكَ الزَّوَائِدَ، وَأَمَّا التَّفْوِيضُ فَاحْتَمَلَ التَّعْلِيقَ فَجَعَلْنَا الْمَوْجُودَ مِنْ الْفُضُولِيِّ مُتَعَلِّقًا بِالْإِجَازَةِ فَعِنْدَهَا يَثْبُتُ التَّفْوِيضُ لِلْحَالِ لَا مُسْتَنِدًا فَلَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ إلَّا مِنْ وَقْتِ الْإِجَازَةِ، وَأَمَّا النِّكَاحُ فَلَا يَتَعَلَّقُ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُعْتَبَرَ فِي حَالِ التَّوَقُّفِ سَبَبًا لِمُطْلَقِ الطَّلَاقِ بَلْ لِمِلْكِ الْمُتْعَةِ الْمُسْتَعْقِبِ لَهُ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِمْ إذَا طَرَأَ مِلْكٌ بَاتٌّ عَلَى مِلْكٍ مَوْقُوفٍ أَبْطَلَهُ أَنَّ بَيْعَ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ يَنْعَقِدُ مَوْقُوفًا، وَإِنَّمَا يَبْطُلُ بِطُرُوِّ الْمِلْكِ الْبَاتِّ بِإِجَازَةِ بَيْعِ الْغَاصِبِ. وَقَدْ قَالَ فِي النِّهَايَةِ إنَّهُ لَمْ يَنْعَقِدْ أَصْلًا لِتَجَرُّدِهِ عُرْضَةً لِلِانْفِسَاخِ، وَقَدْ يُقَالُ فَائِدَتُهُ لَوْ أَجَازَ الْمَالِكُ بَيْعَ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ لَا بَيْعَ الْغَاصِبِ يَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ بِخِلَافِ مَا إذَا أَجَازَ بَيْعَ الْغَاصِبِ، وَجَوَابُهُ أَنَّ بَيْعَ الْمُشْتَرِي لَمْ يَنْعَقِدْ أَصْلًا لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْبَدَائِعِ أَنَّ الْفُضُولِيَّ إذَا بَاعَ مِلْكَ غَيْرِهِ لِنَفْسِهِ لَمْ يَنْعَقِدْ، وَإِنَّمَا يَنْعَقِدُ إذَا بَاعَهُ لِمَالِكِهِ، وَهُنَا بَاعَهُ الْمُشْتَرِي لِنَفْسِهِ فَالظَّاهِرُ مَا فِي النِّهَايَةِ، وَلِذَا قَالَ فِي الْمِعْرَاجِ إنَّ الْمُشْتَرِيَ مِنْ الْغَاصِبِ إذَا بَاعَ لَا يَتَوَقَّفُ مِلْكُهُ لِأَنَّ فَائِدَةَ التَّوَقُّفِ النَّفَاذُ فَفِي كُلِّ صُورَةٍ لَا يَتَحَقَّقُ النَّفَاذُ لَا يَتَوَقَّفُ كَبَيْعِ الْحُرِّ، وَأُورِدَ عَلَى الْأَصْلِ مَا إذَا بَاعَ الْغَاصِبُ ثُمَّ أَدَّى الضَّمَانَ فَإِنَّهُ يَنْفُذُ بَيْعُهُ مَعَ أَنَّهُ طَرَأَ مِلْكٌ بَاتٌّ، وَهُوَ مِلْكُ الْغَاصِبِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَإِلَّا فَقَدْ كَانَ فِيهِ مِلْكٌ بَاتٌّ) أَيْ إنْ لَمْ تُقَيَّدْ بِهَذَا الْقَيْدِ يَرِدُ عَلَيْنَا أَنَّهُ كَانَ فِي ذَلِكَ الْمَحِلِّ الْوَاحِدِ مِلْكٌ بَاتٌّ لِمَالِكِهِ، وَمِلْكٌ مَوْقُوفٌ لِلْمُشْتَرِي (قَوْلُهُ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ ظَاهِرِ قَوْلِهِمْ) إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْإِيرَادِ. وَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ جَمِيعِهِ فِيهِ تَأَمُّلٌ فَقَدْ قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ لَوْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ غَاصِبٍ ثُمَّ وَثُمَّ حَتَّى تَدَاوَلَتْهُ الْأَيْدِي فَأَجَازَ مَالِكُهُ عَقْدًا مِنْ الْعُقُودِ جَازَ ذَلِكَ الْعَقْدُ خَاصَّةً لِتَوَقُّفِ كُلِّهَا عَلَى الْإِجَازَةِ فَإِذَا أَجَازَ عَقْدًا مِنْهَا جَازَ ذَلِكَ خَاصَّةً، وَقَالَ قَبْلَهُ رَامِزًا، وَلَوْ فَعَلَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ ثُمَّ أَجَازَ مَالِكُهُ بَيْعَ غَاصِبِهِ لَمْ يَجُزْ بَيْعُ الْمُشْتَرِي وِفَاقًا، وَأَمَّا عِتْقُهُ فَلَمْ يَجُزْ قِيَاسًا، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ، وَعِنْدَهُمَا نَفَذَ اسْتِحْسَانًا، وَقَالَ بَعْدَ هَذَا كُلِّهِ رَامِزًا لَوْ ضَمَّنَ مَالِكُهُ غَاصِبَهُ نَفَذَ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ، وَبَطَلَ بَيْعُ الْمُشْتَرِي إذْ مِلْكُ الْأَوَّلِ بَاتٌّ، وَمِلْكُ الثَّانِي مَوْقُوفٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَنْفُذُ الثَّانِي وَالثَّالِثُ لِأَنَّهُ لَمَّا ضَمِنَ مِلْكَهُ مِنْ وَقْتِ غَصْبِهِ فَكَأَنَّهُ بَاعَ مِلْكَ نَفْسِهِ ثُمَّ وَثُمَّ فَجَازَ الْكُلُّ. اهـ. فَتَحَرَّرَ أَنَّ بَيْعَ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ مَوْقُوفٌ، وَإِذَا أَجَازَهُ الْمَالِكُ جَازَ خَاصَّةً فَقَوْله ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِمْ إلَخْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَرَ النَّقْلَ الصَّرِيحَ، وَقَوْلُهُ وَجَوَابُهُ أَنَّ بَيْعَ الْمُشْتَرِي لَمْ يَنْعَقِدْ أَصْلًا لِمَا قَدَّمْنَاهُ يُخَالِفُ مَا عَلَّلَهُ بِهِ فِي النِّهَايَةِ، وَالْمِعْرَاجِ فَتَدَبَّرْ ذَلِكَ غَايَتُهُ أَنَّ مَا فِي النِّهَايَةِ وَالْمِعْرَاجِ مُخَالِفٌ لِمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، وَغَيْرِهِ مِنْ الْكُتُبِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَدْ يُقَالُ إلَخْ) نَقْضٌ لِقَوْلِهِ لِتَجَرُّدِهِ عُرْضَةً لِلِانْفِسَاخِ بِأَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ لِإِمْكَانِ بَقَائِهِ عَلَى الصِّحَّةِ (قَوْلِهِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْبَدَائِعِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَدْ كَتَبْنَا فِي الْحَاشِيَةِ قَرِيبًا مَا فِي ذَلِكَ مِنْ النَّظَرِ اهـ. أَيْ مِنْ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِتَعْلِيلِ النِّهَايَةِ وَالْمِعْرَاجِ، وَمِنْ أَنَّ مَا فِي الْبَدَائِعِ ضَعِيفٌ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ (قَوْلُهُ وَأَوْرَدَ عَلَى الْأَصْلِ مَا إذَا بَاعَ إلَخْ) قَالَ فِي حَاشِيَةِ مِسْكِينٌ تَعَقَّبَهُ شَيْخُنَا بِأَنَّهُ غَيْرُ وَارِدٍ إذْ قَوْلُهُمْ أَنَّ الْمِلْكَ الْبَاتَّ إذَا طَرَأَ عَلَى مَوْقُوفٍ أَبْطَلَهُ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا طَرَأَ لِغَيْرِ مَنْ بَاشَرَ الْمَوْقُوفَ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ عَنْ الْقَاعِدِيِّ، وَنَصَّهُ الْأَصْلُ أَنَّ مَنْ بَاشَرَ عَقْدًا فِي مِلْكِ الْغَيْرِ ثُمَّ مَلَكَهُ يَنْفُذُ لِزَوَالِ الْمَانِعِ كَالْغَاصِبِ بَاعَ الْمَغْصُوبَ ثُمَّ مَلَكَهُ، وَكَذَا لَوْ بَاعَ مِلْكَ أَبِيهِ ثُمَّ وَرِثَهُ نَفَذَ عَلَى خِلَافِ مَا ذَكَرْنَا وَطُرُوُّ الْبَاتِّ إنَّمَا يُبْطِلُ الْمَوْقُوفَ إذَا حَدَثَ لِغَيْرِ مَنْ بَاشَرَ الْمَوْقُوفَ كَمَا إذَا بَاعَ الْمَالِكُ مَا بَاعَهُ الْفُضُولِيُّ مِنْ غَيْرِ الْفُضُولِيِّ وَلَوْ مِمَّنْ اشْتَرَى مِنْ الْفُضُولِيِّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 165 بِأَدَاءِ الضَّمَانِ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي الْمَوْقُوفِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ مِلْكَ الْغَاصِبِ ضَرُورِيٌّ ضَرُورَةَ أَدَاءِ الضَّمَانِ فَلَمْ يَظْهَرْ فِي إبْطَالِ مِلْكِ الْمُشْتَرِي. قَوْلُهُ (وَلَوْ قُطِعَتْ يَدُهُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَأُجِيزَ فَأَرْشُهُ لِمُشْتَرِيهِ) لِأَنَّ الْمِلْكَ ثَبَتَ لَهُ مِنْ وَقْتِ الشِّرَاءِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْقَطْعَ وَرَدَ عَلَى مِلْكِهِ، وَعَلَى هَذَا كُلُّ مَا يَحْدُثُ فِي الْمَبِيعِ مِنْ كَسْبٍ أَوْ وَلَدٍ أَوْ عُقْرٍ قَبْلَ الْإِجَازَةِ فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي، وَهَذِهِ حُجَّةٌ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَالْعُذْرُ لَهُ أَنَّ الْمِلْكَ مِنْ وَجْهٍ يَكْفِي لِاسْتِحْقَاقِ الزَّوَائِدِ كَالْمُكَاتَبِ إذَا قُطِعَتْ يَدُهُ فَأَخَذَ الْأَرْشَ ثُمَّ رُدَّ فِي الرِّقِّ يَكُونُ الْأَرْشُ لِلْمَوْلَى، وَكَذَا إذَا قُطِعَتْ يَدُ الْمَبِيعِ، وَالْخِيَارُ لِلْبَائِعٍ فَأَجَازَ الْبَيْعَ يَكُونُ الْأَرْشُ لِلْمُشْتَرِي بِخِلَافِ الْإِعْتَاقِ لِافْتِقَارِهِ إلَى كَمَالِ الْمِلْكِ قَيَّدَ بِالْمُشْتَرِي لِأَنَّ يَدَهُ لَوْ قُطِعَتْ عِنْدَ الْغَاصِبِ ثُمَّ ضَمِنَ قِيمَتَهُ لَا يَكُونُ الْأَرْشُ لَهُ لِأَنَّ الْغَصْبَ لَيْسَ بِسَبَبٍ مَوْضُوعٍ لِلْمِلْكِ، وَلَوْ أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ فَقُطِعَتْ يَدُهُ ثُمَّ أُجِيزَ الْبَيْعُ فَالْأَرْشُ لِلْعَبْدِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَقَطْعُ الْيَدِ مِثَالٌ، وَالْمُرَادُ أَرْشُ جِرَاحَتِهِ لِلْمُشْتَرِي قَوْلُهُ (وَتَصَدَّقَ بِمَا زَادَ عَلَى نِصْفِ الثَّمَنِ) لِأَنَّ فِيهِ شُبْهَةَ عَدَمِ الْمِلْكِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَوْجُودٍ حَقِيقَةً وَقْتَ الْقَطْعِ، وَأَرْشُ الْيَدِ الْوَاحِدَةِ فِي الْحُرِّ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَفِي الْعَبْدِ نِصْفُ الْقِيمَةِ، وَاَلَّذِي دَخَلَ فِي ضَمَانِهِ هُوَ الَّذِي كَانَ فِي مُقَابَلَةِ الثَّمَنِ فَفِيمَا زَادَ عَلَى نِصْفِ الثَّمَنِ شُبْهَةُ عَدَمِ الْمِلْكِ، وَأَرَادَ وُجُوبَ التَّصَدُّقِ بِالزَّائِدِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَقَيَّدَ بِمَا زَادَ لِأَنَّهُ لَا يَتَصَدَّقُ بِالْكُلِّ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ شُبْهَةُ عَدَمِ الْمِلْكِ لِكَوْنِهِ مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا زَادَ، وَوُزِّعَ فِي الْكَافِي فَقَالَ إنْ لَمْ يَكُنْ مَقْبُوضًا فَفِيمَا زَادَ رِبْحُ مَا لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ كَانَ مَقْبُوضًا فَفِيهِ شُبْهَةُ عَدَمِ الْمِلْكِ. قَوْلُهُ (وَلَوْ بَاعَ عَبْدَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَبَرْهَنَ الْمُشْتَرِي عَلَى إقْرَارِ الْبَائِعِ أَوْ رَبِّ الْعَبْدِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ بِالْبَيْعِ، وَأَرَادَ الْمَبِيعَ لَمْ تُقْبَلْ) أَيْ بَيِّنَتُهُ لِبُطْلَانِ دَعْوَاهُ بِالتَّنَاقُضِ إذْ إقْدَامُهُمَا عَلَى الْعَقْدِ، وَهُمَا عَاقِلَانِ اعْتِرَافٌ مِنْهُمَا بِصِحَّتِهِ وَنَفَاذِهِ، وَالْبَيِّنَةُ لَا تُبْتَنَى إلَّا عَلَى دَعْوَى صَحِيحَةٍ فَإِذَا بَطَلَتْ الدَّعْوَى لَا تُقْبَلُ، وَقَوْلُهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ زَائِدٌ، وَإِنْ وَقَعَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ صُورَةِ الْمَسْأَلَةِ، وَلَا يُشْكِلُ هَذَا بِمَا ذَكَرَهُ فِي الزِّيَادَاتِ أَنَّ الْمَبِيعَ إذَا ادَّعَاهُ رَجُلٌ فَصَدَّقَهُ الْمُشْتَرِي فَدَفَعَ إلَيْهِ ثُمَّ بَرْهَنَ عَلَى إقْرَارِ الْبَائِعِ بِأَنَّ الْعَبْدَ لِلْمُسْتَحِقِّ يُرِيدُ بِذَلِكَ الرُّجُوعَ بِالثَّمَنِ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ لِأَنَّ الْعَبْدَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي هُنَا، وَهُنَاكَ فِي يَدِ الْمُسْتَحِقِّ، وَشَرْطُ الرُّجُوعِ بِالثَّمَنِ أَنْ لَا تَكُونَ الْعَيْنُ سَالِمَةً لِلْمُشْتَرِي فَلِذَلِكَ لَمْ يَرْجِعْ هُنَا، وَرَجَعَ هُنَاكَ، وَقِيلَ اخْتَلَفَ الْجَوَابُ لِاخْتِلَافِ الْوَضْعِ فَمَوْضُوعُ مَا ذَكَرَ هُنَا فِيمَا إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ أَقَرَّ قَبْلَ الْبَيْعِ بِأَنَّ الْمَبِيعَ لِلْمُسْتَحِقِّ، وَإِقْدَامُهُ عَلَى الشِّرَاءِ يَنْفِي ذَلِكَ فَيَكُونُ مُنَاقِضًا، وَمَوْضُوعُ مَا ذَكَرَ فِي الزِّيَادَاتِ فِيمَا إذَا بَرْهَنَ أَنَّ الْبَائِعَ أَقَرَّ بَعْدَ الْبَيْعِ أَنَّهُ لِلْمُسْتَحِقِّ فَلَا تَنَاقُضَ، وَهَذَا هُوَ الْأَوْجَهُ فَإِنَّ فِي مَسْأَلَةِ الزِّيَادَاتِ الْعَيْنُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي أَيْضًا كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ. وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِعَدَمِ قَبُولِ الْبَيِّنَةِ إلَى عَدَمِ قَبُولِ قَوْلِهِ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ فَلَوْ ادَّعَى الْبَائِعُ بَعْدَ الْبَيْعِ أَنَّ صَاحِبَهُ لَمْ يَأْمُرْهُ بِبَيْعِهِ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي أَمَرَك أَوْ ادَّعَى الْمُشْتَرِي عَدَمَ الْأَمْرِ فَادَّعَى الْبَائِعُ الْأَمْرَ فَالْقَوْلُ لِمَنْ يَدَّعِي الْأَمْرَ لِأَنَّ الْآخَرَ مُتَنَاقِضٌ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَحْلِفَهُ لِأَنَّ الِاسْتِحْلَافَ يَتَرَتَّبُ عَلَى الدَّعْوَى الصَّحِيحَةِ لَا الْبَاطِلَةِ. وَاعْتَرَضَ فِي الْبِنَايَةِ قَوْلَهُمْ أَنَّهُ مُتَنَاقِضٌ فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَلَا بَيِّنَتُهُ بِأَنَّ التَّوْفِيقَ مُمْكِنٌ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي أَقْدَمَ عَلَى الشِّرَاءِ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِإِقْرَارِ الْبَائِعِ بِعَدَمِ الْأَمْرِ ثُمَّ ظَهَرَ لَهُ ذَلِكَ بِأَنْ قَالَ عُدُولٌ سَمِعْنَاهُ قَبْلَ الْبَيْعِ أَقَرَّ بِذَلِكَ، وَيَشْهَدُونَ بِهِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ لَيْسَ بِمَانِعٍ، وَهَذَا الْمَوْضِعُ مَوْضِعُ تَأَمُّلٍ. اهـ. قُلْتُ: لَا اعْتِرَاضَ وَلَا تَأَمُّلَ لِأَنَّهُ، وَإِنْ أَمْكَنَ التَّوْفِيقُ لَمْ تُقْبَلْ لِكَوْنِهِ سَاعِيًا فِي نَقْضِ مَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ، وَكُلُّ مَنْ سَعَى فِي نَقْضِ مَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ فَسَعْيُهُ مَرْدُودٌ عَلَيْهِ فَقَوْلُهُمْ إنَّ إمْكَانَ التَّوْفِيقِ يَدْفَعُ التَّنَاقُضَ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ سَاعِيًا فِي نَقْضِ مَا تَمَّ مِنْ   [منحة الخالق] أَمَّا إنْ بَاعَهُ مِنْ الْفُضُولِيِّ فَلَا. اهـ. قُلْتُ: وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ فَفِي مَسْأَلَةِ بَيْعُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ لَوْ أَجَازَ بَيْعَ الْغَاصِبِ نَفَذَ، وَبَطَلَ بَيْعُ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْمِلْكَ الْبَاتَّ لِلْغَاصِبِ طَرَأَ عَلَى مِلْكٍ مَوْقُوفٍ بَاشَرَهُ هُوَ، وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُشْتَرِي فَقَدْ طَرَأَ عَلَى مِلْكٍ مَوْقُوفٍ لِغَيْرِ مَنْ بَاشَرَهُ لِأَنَّ الْمُبَاشِرَ لِلْبَيْعِ الثَّانِي الْمَوْقُوفُ هُوَ الْمُشْتَرِي نَعَمْ لَوْ أَجَازَ عَقْدَ الْمُشْتَرِي يَكُونُ طُرُوُّ الْبَاتِّ لِمَنْ بَاشَرَ الْمَوْقُوفَ تَأَمَّلْ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 166 جِهَتِهِ، وَالتَّقْيِيدُ بِدَعْوَى الْمُشْتَرِي مِثَالٌ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَوْ ادَّعَى إقْرَارَ الْمُشْتَرِي بِأَنَّ الْمَالِكَ لَمْ يَأْمُرْهُ لَمْ يُقْبَلْ أَيْضًا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْبَزَّازِيَّةِ عَبْدٌ مَعْرُوفٌ لِرَجُلٍ فِي يَدِ آخَرَ بَاعَهُ رَجُلٌ قَالَ الْبَائِعُ بِعْت بِلَا أَمْر الْمَالِكِ، وَبَرْهَنَ عَلَى إقْرَارِ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ بَاعَهُ بِغَيْرِ أَمْر الْمَالِكِ لَا يُقْبَلُ لِلتَّنَاقُضِ، وَلَا يَمْلِكُ تَحْلِيفَ الْمَالِكِ، وَكَذَا لَوْ ادَّعَى الْمُشْتَرِي أَيْضًا فَسَادَ الْعَقْدِ دُونَ الْبَائِعِ، وَأَصْلُهُ أَنَّ مَنْ سَعَى فِي نَقْضِ مَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ لَا يُقْبَلُ إلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ اشْتَرَى عَبْدًا وَقَبَضَهُ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّ الْبَائِعَ بَاعَهُ قَبْلَهُ مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ بِكَذَا، وَبَرْهَنَ يُقْبَلُ، الثَّانِي وَهَبَ جَارِيَتَهُ، وَاسْتَوْلَدَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ ثُمَّ ادَّعَى الْوَاهِبُ أَنَّهُ كَانَ دَبَّرَهَا أَوْ اسْتَوْلَدَهَا، وَبَرْهَنَ تُقْبَلُ، وَيَسْتَرِدُّهَا، وَالْعُقْرُ اهـ. وَعَلَّلُوهُ فِي الثَّانِيَةِ بِأَنَّهُ تَنَاقَضَ فِيمَا هُوَ مِنْ حُقُوقِ الْحُرِّيَّةِ كَالتَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ، وَالتَّنَاقُضُ فِيهِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الدَّعْوَى قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَعِنْدِي أَنَّ هَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّهُ إنَّمَا قُبِلَ فِي الْحُرِّيَّةِ لِلْخَفَاءِ، وَلَا خَفَاءَ فِي التَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ لِأَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَى الْفَاعِلِ فِعْلُ نَفْسِهِ فَيَجِبُ أَنْ لَا يُقْبَلَ تَنَاقُضُهُ، وَلَا يُحْكَمَ بِبَيِّنَتِهِ. اهـ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ إنَّمَا قُبِلَ، وَإِنْ كَانَ مُتَنَاقِضًا حَمْلًا عَلَى أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ ثُمَّ نَدِمَ وَتَابَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَأَقَرَّ بِتَدْبِيرِهِ أَوْ اسْتِيلَادِهَا أَوْ عِتْقِهِ فَقُبِلَ حَمْلًا لِخُرُوجِهِ عَنْ الْمَعْصِيَةِ بِخِلَافِ التَّنَاقُضِ فِي دَعْوَى الْمِلْكِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مَسْمُوعٍ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَقَوْلُ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْقَبْضِ أَعْتَقَهُ بَائِعُهُ أَوْ دَبَّرَهُ أَوْ كَانَ حُرَّ الْأَصْلِ مُقْتَصِرٌ عَلَى نَفْسِهِ لَا يَتَعَدَّى إلَى بَائِعِهِ بِلَا بَيِّنَةٍ، وَوَلَاؤُهُ مَوْقُوفٌ فَإِنْ بَرْهَنَ رَجَعَ بِالثَّمَنِ، وَاسْتَقَرَّ الْوَلَاءُ عَلَى الْبَائِعِ، وَإِنْ بَرْهَنَ عَلَى تَحْرِيرِهِ إنْ أَقَرَّ بِالْبَيْعِ قَبْلَهُ مِنْ فُلَانٍ إنْ صَدَّقَهُ فُلَانٌ أَخَذَ الْعَبْدَ لَا إنْ كَذَّبَهُ. اهـ. وَمَنْ فَصَلَ الِاسْتِحْقَاقَ لَوْ أَقَرَّ بِعَبْدٍ أَنَّهُ مِلْكُ الْبَائِعِ، وَاشْتَرَى مِنْهُ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ مِنْهُ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ اهـ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَقَرَّ الْبَائِعُ عِنْدَ الْقَاضِي بِأَنَّ رَبَّ الْعَبْدِ لَمْ يَأْمُرْهُ بِالْبَيْعِ بَطَلَ الْبَيْعُ إنْ طَلَبَ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ) لِأَنَّ التَّنَاقُضَ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يُسَاعِدَهُ فِيهِ فَيَنْتَفِيَانِ فَيُنْتَقَضُ فِي حَقِّهِمَا، وَهُوَ الْمُرَادُ بِبُطْلَانِ الْبَيْعِ فِي عِبَارَتِهِ لَا فِي حَقِّ رَبِّ الْعَبْدِ إنْ كَذَّبَهُمَا، وَادَّعَى أَنَّهُ كَانَ أَمَرَهُ فَإِذَا لَمْ يَنْفَسِخْ فِي حَقِّهِ يُطَالَبُ الْبَائِعُ بِالثَّمَنِ عِنْدَهُمَا لِأَنَّهُ وَكِيلُهُ، وَلَيْسَ لَهُ مُطَالَبَةُ الْمُشْتَرِي لِبَرَاءَتِهِ بِالتَّصَادُقِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَهُ فَإِذَا أَدَّى رَجَعَ بِهِ عَلَى الْبَائِعِ بِنَاءً عَلَى إبْرَاءِ الْوَكِيلِ، وَلَوْ كَانَ عَلَى الْعَكْسِ بِأَنْ أَنْكَرَ الْمَالِكُ التَّوْكِيلَ، وَتَصَادَقَا أَنَّهُ وَكَّلَهُ فَإِنْ بَرْهَنَ الْوَكِيلُ لَزِمَهُ، وَإِلَّا اسْتَحْلَفَ الْمَالِكَ فَإِنْ حَلَفَ لَمْ يَلْزَمْهُ، وَإِنْ نَكَلَ لَزِمَهُ، وَلَوْ غَابَ الْمَالِكُ بَعْدَ الْإِنْكَارِ وَطَلَبَ الْبَائِعُ الْفَسْخَ فَسَخَ الْقَاضِي الْبَيْعَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ ثَبَتَ عِنْدَ الْقَاضِي أَنَّ الْبَيْعَ كَانَ مَوْقُوفًا فَإِنْ طَلَبَ الْمُشْتَرِي تَأْخِيرَ الْفَسْخِ لِيَحْلِفَ الْمَالِكُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ لَمْ يُؤَخَّرْ لِأَنَّ سَبَبَ الْفَسْخِ قَدْ تَحَقَّقَ فَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ لِأَجْلِ الْيَمِينِ فَلَوْ حَضَرَ الْمَالِكُ، وَحَلَفَ أَخَذَ الْعَبْدَ، وَإِنْ نَكَلَ عَادَ الْبَيْعُ، وَلَوْ كَانَ الْمَالِكُ حَاضِرًا، وَغَابَ الْمُشْتَرِي لَمْ يَأْخُذْ الْعَبْدَ لِأَنَّ الْبَيْعَ صَحَّ ظَاهِرًا فَلَا يَصِحُّ الْقَضَاءُ عَلَى الْغَائِبِ بِفَسْخِهِ، وَلِلْبَائِعِ أَنْ يُحَلِّفَ رَبَّ الْعَبْدِ أَنَّهُ مَا أَمَرَهُ بِبَيْعِهِ فَإِنْ نَكَلَ ثَبَتَ أَمْرُهُ، وَإِنْ حَلَفَ ضَمِنَ الْبَائِعُ، وَنَفَذَ بَيْعُهُ كَالْغَاصِبِ إذَا بَاعَ الْمَغْصُوبَ ثُمَّ مَلَكَهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ، وَلَوْ مَاتَ الْمَالِكُ قَبْلَ حُضُورِهِ فَوَرِثَهُ الْبَائِعُ. وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى إقْرَارِ الْمَالِكِ بِأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ لَمْ يُقْبَلْ لِمَا بَيَّنَّاهُ مِنْ التَّنَاقُضِ، وَلَوْ أَقَامَهَا عَلَى إقْرَارِ مُشْتَرِيهِ بِذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِهِ تُقْبَلُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَامَهَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ حَالَ حَيَاةِ الْمَالِكِ فَإِنَّهَا لَا تُقْبَلُ لِأَنَّهُ فِي حَيَاتِهِ أَصِيلٌ فِيهِ فَيَمْتَنِعُ بِالتَّنَاقُضِ، وَبَعْدَ مَوْتِهِ نَائِبٌ عَنْ الْمَيِّتِ، وَالْمَيِّتُ لَوْ ادَّعَى حَالَ حَيَاتِهِ لَا يَكُونُ مُنَاقِضًا بِخِلَافِ شَرِيكِهِ الْبَائِعِ حَيْثُ يَكُونُ مُنَاقِضًا، وَلِمُشْتَرِيهِ أَنْ يُحَلِّفَهُ بِاَللَّهِ تَعَالَى مَا يَعْلَمُ أَنَّ الْمَوْلَى أَمَرَهُ بِبَيْعِهِ فَإِنْ نَكَلَ ثَبَتَ الْأَمْرُ، وَإِنْ حَلَفَ أَخَذَ نِصْفَ الْعَبْدِ، وَرَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ، وَخُيِّرَ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ هَذَا إذَا أَقَرَّ الْمُشْتَرِي بِأَنَّ الْعَبْدَ مِلْكُ الْآمِرِ   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 167 وَإِنْ أَنْكَرَ لَغَا قَوْلُ الْآمِرِ حَتَّى يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى مِلْكِهِ، وَلَغَا تَوْكِيلُ بَائِعِهِ فِي خُصُومَتِهِ كَيْ لَا يَصِيرَ الْبَائِعُ سَاعِيًا فِي نَقْضِ مَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ، وَقَوْلُهُ عِنْدَ الْقَاضِي لَيْسَ بِقَيْدٍ لِمَا فِي الْبِنَايَةِ أَنَّ إقْرَارَهُ عِنْدَ الْقَاضِي، وَغَيْرِهِ سَوَاءٌ إلَّا أَنَّ الْبَيِّنَةَ تَخْتَصُّ بِمَجْلِسِ الْقَاضِي فَلِذَا ذَكَرَ قَوْلَهُ عِنْدَ الْقَاضِي. اهـ. وَقَوْلُهُ إنْ طَلَبَ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ أَيْ إبْطَالَ الْبَيْعِ. قَوْلُهُ (وَمَنْ بَاعَ دَارَ غَيْرِهِ فَأَدْخَلَهَا الْمُشْتَرِي فِي بِنَائِهِ لَمْ يَضْمَنْ الْبَائِعُ) يَعْنِي إذَا أَقَرَّ الْبَائِعُ بِالْغَصْبِ، وَأَنْكَرَ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ إقْرَارَهُ لَا يَصْدُقُ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَلَا بُدَّ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ حَتَّى يَأْخُذَهَا فَإِذَا لَمْ يُقِمْ الْمُسْتَحِقُّ وَهُوَ صَاحِبُ الدَّارِ الْبَيِّنَةَ كَانَ التَّلَفُ مُضَافًا إلَى عَجْزِهِ عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ لَا إلَى عَقْدِ الْبَائِعِ لِأَنَّ الْغَاصِبَ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ فَعَلَى هَذَا يُعْلَمُ أَنَّ قَوْلَهُ، وَأَدْخَلَهَا الْمُشْتَرِي فِي بِنَائِهِ اتِّفَاقِيٌّ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ لِيُعْلَمَ حُكْمُ غَيْرِهِ بِالْأَوْلَى، وَفِي الْهِدَايَةِ لَمْ يَضْمَنْ الْبَائِعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَنْ أَقَرَّ بِالْغَصْبِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ آخِرًا، وَكَانَ يَقُولُ أَوْ لَا يَضْمَنُ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ، وَهِيَ مَسْأَلَةُ غَصْبِ الْعَقَارِ، وَأَرَادَ بِالدَّارِ الْعَرْصَةَ بِقَرِينَةٍ أَدْخَلَهَا فِي بِنَائِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ السَّلَمِ] لَمَّا كَانَ مِنْ أَنْوَاعِ الْبُيُوعِ وَلَكِنْ شُرِطَ فِيهِ الْقَبْضُ كَالصَّرْفِ أَخَّرَهُمَا وَقَدَّمَهُ عَلَى الصَّرْفِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ فِي الصَّرْفِ قَبْضُهُمَا وَفِي السَّلَمِ قَبْضُ أَحَدِهِمَا فَقُدِّمَ انْتِقَالًا بِتَدْرِيجٍ وَخُصَّ بِاسْمِ السَّلَمِ لِتَحَقُّقِ إيجَابِ التَّسْلِيمِ شَرْعًا فِيمَا صَدَقَ عَلَيْهِ أَعْنِي تَسْلِيمَ رَأْسِ الْمَالِ، وَكَانَ عَلَى هَذَا تَسْمِيَةُ الصَّرْفِ بِالسَّلَمِ أَلْيَقَ لَكِنْ لَمَّا كَانَ وُجُودُ السَّلَمِ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ الظَّاهِرُ الْعَامُّ فِي النَّاسِ سَبَقَ الِاسْمُ إلَيْهِ وَهُوَ فِي اللُّغَةِ السَّلَفُ قَالَ فِي الصِّحَاحِ أَسْلَمَ الرَّجُلُ فِي الطَّعَامِ أَسْلَفَ فِيهِ وَفِي الْمِصْبَاحِ السَّلَمُ فِي الْبَيْعِ مِثْلُ السَّلَفِ وَزْنًا وَمَعْنًى وَأَسْلَمْت إلَيْهِ بِمَعْنَى أَسْلَفْت أَيْضًا. اهـ. وَفِي الْمِعْرَاجِ أَنَّ الْهَمْزَةَ فِيهِ لِلسَّلْبِ أَيْ أَزَالَ سَلَامَةَ الدَّرَاهِمِ بِتَسْلِيمِهَا إلَى مُفْلِسٍ فِي مُؤَجَّلٍ وَفِي الْفِقْهِ عَلَى مَا فِي السِّرَاجِ وَالْعِنَايَةِ أَخْذُ عَاجِلٍ بِآجِلٍ وَتَعَقَّبَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ لِصِدْقِهِ عَلَى الْبَيْعِ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ وَعَرَّفَهُ أَيْضًا بِأَنَّهُ بَيْعُ آجِلٍ بِعَاجِلٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُمْ أَخْذُ عَاجِلٍ بِآجِلٍ مِنْ بَابِ الْقَلْبِ وَالْأَصْلُ أَخْذُ آجِلٍ بِعَاجِلٍ وَهُوَ أَوْلَى مِمَّا فِي الْبِنَايَةِ مِنْ أَنَّ قَوْلَهُمْ أَخْذُ عَاجِلٍ بِآجِلٍ تَحْرِيفٌ مِنْ النَّاسِخِ الْجَاهِلِ فَاسْتَمَرَّ النَّقْلُ عَلَى هَذَا التَّحْرِيفِ. وَرُكْنُهُ رُكْنُ الْبَيْعِ مِنْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَيَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْبَيْعِ عَلَى الْأَصَحِّ اعْتِبَارًا لِلْمَعْنَى وَيُسَمَّى صَاحِبُ الدَّرَاهِمِ رَبَّ السَّلَمِ وَالْمُسْلِمَ أَيْضًا وَيُسَمَّى الْآخَرُ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ وَالْحِنْطَةُ مَثَلًا الْمُسْلَمَ فِيهِ وَسَتَأْتِي شَرَائِطُهُ مُفَصَّلَةً أَيْضًا وَسَبَبُ شَرْعِيَّتِهِ شِدَّةُ الْحَاجَةِ إلَيْهِ وَحُكْمُهُ ثُبُوتُ الْمِلْكِ لِلْمُسْلَمِ إلَيْهِ فِي الثَّمَنِ وَلِرَبِّ السَّلَمِ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ الدَّيْنُ الْكَائِنُ فِي الذِّمَّةِ إمَّا فِي الْعَيْنِ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِقَبْضِهِ عَلَى انْعِقَادِ مُبَادَلَةٍ أُخْرَى وَالْمُؤَجَّلُ الْمُطَالَبَةُ بِمَا فِي الذِّمَّةِ وَدَلِيلُهُ مِنْ الْكِتَابِ آيَةُ الْمُدَايَنَةِ لِمَا صَحَّحَهُ الْحَاكِمُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ السَّلَفَ الْمَضْمُونَ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى قَدْ أَحَلَّهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْكِتَابِ وَأَذِنَ فِيهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [البقرة: 282] . وَمِنْ   [منحة الخالق] (بَابُ السَّلَمِ) (قَوْلُهُ: وَفِي الْمِعْرَاجِ أَنَّ الْهَمْزَةَ فِيهِ لِلسَّلْبِ) قَالَ فِي الْفَتْحِ وَجَعْلُ الْهَمْزَةِ فِي أَسْلَمْت إلَيْك لِلسَّلْبِ بِمَعْنَى أَزَلْت سَلَامَةَ الْمَالِ حَيْثُ سَلَّمْته إلَى مُفْلِسٍ وَنَحْوُ ذَلِكَ بَعِيدٌ وَلَا وَجْهَ لَهُ إلَّا بِاعْتِبَارِ الْمَدْفُوعِ هَالِكًا، وَصِحَّةُ هَذَا الِاعْتِبَارِ تَتَوَقَّفُ عَلَى غَلَبَةِ تَوَائِهِ عَلَيْهِ وَلَيْسَ الْوَاقِعُ أَنَّ السَّلَمَ كَذَلِكَ بَلْ الْغَالِبُ الِاسْتِيفَاءُ. اهـ. (قَوْلُهُ: أَخْذُ عَاجِلٍ بِآجِلٍ) هَذَا نَاظِرٌ إلَى جَانِبِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ فَالْمَأْخُوذُ الثَّمَنُ وَلِذَا عَبَّرَ بِالْأَخْذِ دُونَ الْبَيْعِ، وَأَمَّا تَعْرِيفُهُ بِأَنَّهُ بَيْعُ آجِلٍ بِعَاجِلٍ فَهُوَ نَاظِرٌ إلَى جَانِبِ رَبِّ السَّلَمِ وَكَانَ الْأَوْلَى إبْدَالَ الْبَيْعِ بِالشِّرَاءِ وَكِلَا التَّعْرِيفَيْنِ صَحِيحٌ وَبِهِ يَنْدَفِعُ التَّعَقُّبُ عَلَى الْأَوَّلِ وَدَعْوَى الْقَلْبِ وَالتَّحْرِيفِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا رَأَيْته فِي النَّهْرِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ وَهُوَ ظَاهِرُ التَّعْلِيلِ الَّذِي سَيَذْكُرُهُ عِنْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ وَقَبْضُ رَأْسِ الْمَالِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ فَانْظُرْهُ ثَمَّةَ. (قَوْلُهُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُمْ أَخْذُ عَاجِلٍ بِآجِلٍ مِنْ بَابِ الْقَلْبِ وَالْأَصْلُ أَخْذُ آجِلٍ بِعَاجِلٍ وَهُوَ أَوْلَى مِمَّا فِي الْبِنَايَةِ مِنْ أَنَّ قَوْلَهُمْ أَخْذُ عَاجِلٍ بِآجِلٍ تَحْرِيفٌ إلَخْ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُمْ أَخْذُ عَاجِلٍ بِآجِلٍ تَحْرِيفٌ إلَخْ قَالَ فِي النَّهْرِ لَكِنْ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ قَالَ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ أَخْذُ ثَمَنٍ عَاجِلٍ بِآجِلٍ بِقَرِينَةِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ إذْ الْأَصْلُ هُوَ عَدَمُ التَّغْيِيرِ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ بِدَلِيلٍ اهـ. أَيْ لِمَا فِي الْمُغْرِبِ سَلَفَ فِي كَذَا وَأَسْلَفَ وَأَسْلَمَ إذَا قَدَّمَ الثَّمَنَ فِيهِ نَقَلَهُ عَنْهُ فِي النَّهْرِ وَقَوْلُ النَّهْرِ وَجَزَمَ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ الْأَوَّلَ تَحْرِيفٌ وَبَعْدَهُ لَا يَخْفَى ثُمَّ قَالَ بَعْدَ كَلَامِ السَّعْدِيَّةِ وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّهُ تَحْرِيفٌ. اهـ. مَبْنِيٌّ عَلَى مَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ. (قَوْلُهُ: عَلَى انْعِقَادِ مُبَادَلَةٍ أُخْرَى) أَيْ أَنَّهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 168 السُّنَّةِ مَا رَوَاهُ السِّتَّةُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «قَدِمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالنَّاسُ يُسْلِفُونَ فِي التَّمْرِ السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ فَقَالَ مَنْ أَسْلَمَ فِي شَيْءٍ فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» وَهُوَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ إذْ هُوَ بَيْعُ الْمَعْدُومِ وَوَجَبَ الْمَصِيرُ إلَيْهِ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ لِلْحَاجَةِ وَلَا اعْتِبَارَ بِمَنْ قَالَ إنَّهُ عَلَى وَفْقِهِ، وَقَدْ أَطَالَ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. قَوْلُهُ (مَا أَمْكَنَ ضَبْطُ صِفَتِهِ وَمَعْرِفَةُ قَدْرِهِ صَحَّ السَّلَمُ فِيهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ وَفِي الْقُنْيَةِ السَّلَمُ فِي الْعِنَبِ الْقَلَّابِيِّ فِي وَقْتِ كَوْنِهِ حَصْرَ مَا لَا يَصِحُّ وَالسَّلَمُ فِي التُّفَّاحِ الشَّامِيِّ قَبْلَ الْإِدْرَاكِ يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ يُسَمَّى تُفَّاحًا. اهـ. وَفِي فُرُوقِ الْكَرَابِيسِيِّ بَيْعُ السَّلَمِ يُفَارِقُ بَيْعَ الْعَيْنِ فِي سِتَّةِ أَشْيَاءَ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَخِيَارِ الشَّرْطِ وَلَوْ تَفَرَّقَا يَبْطُلُ وَفِي إضَافَةِ السَّلَمِ إلَى الدَّرَاهِمِ وَجَعْلِ الْخَبْطَةِ رَأْسَ الْمَالِ عَلَى الْمُخْتَارِ وَفِي الْأَجَلِ قَوْلُهُ (وَمَا لَا فَلَا) أَيْ وَمَا لَا يُمْكِنُ ضَبْطُ صِفَتِهِ وَمَعْرِفَةُ قَدْرِهِ لَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ ثُمَّ شَرَعَ يُبَيِّنُ الْفَصْلَيْنِ بِالْفَاءِ التَّفْصِيلِيَّةِ بِقَوْلِهِ (فَيَصِحُّ فِي الْمَكِيلِ كَالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَالْمَوْزُونِ الْمُثَمَّنِ كَالْعَسَلِ وَالزَّيْتِ) وَفِي الْفُرُوقِ السَّلَمُ فِي الْخُبْزِ وَزْنًا يَجُوزُ. اهـ. وَفِي الْقُنْيَةِ بِرَقْمِ (مَعَ عك) أَسْلَمَ زَبِيبًا فِي كُرِّ حِنْطَةٍ لَا يَجُوزُ وَبِرَقْمِ (حم عك) يَجُوزُ فَأَبُو الْفَضْلِ يَجْعَلُ الزَّبِيبَ كَيْلِيًّا وَهُمَا جَعَلَاهُ وَزْنِيًّا وَالثُّومُ وَالْبَصَلُ يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ وَزْنًا لَا عَدَدًا وَاللَّبَنُ وَالْعَصِيرُ وَالْخَلُّ يَجُوزُ كَيْلًا أَوْ وَزْنًا وَلَا خَيْرَ فِي السَّلَمِ فِي الْأَوَانِي الْمُتَّخَذَةِ مِنْ الزُّجَاجِ وَفِي الْمَكْسُورِ وَيَجُوزُ وَزْنًا، كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَيَجُوزُ السَّلَمُ فِي الدَّقِيقِ كَيْلًا وَوَزْنًا وَلَوْ أَسْلَمَ فُلُوسًا فِي صُفْرٍ أَوْ سَيْفًا فِي حَدِيدٍ أَوْ قَصَبًا فِي بَوَارٍ لَا يَجُوزُ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَسْلَمَ قُطْنًا فِي ثَوْبٍ حَيْثُ يَجُوزُ. اهـ. وَفِيهَا وَلَوْ أَسْلَمَ فِي اللَّبَنِ كَيْلًا أَوْ وَزْنًا جَازَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَكِيلٍ وَلَا مَوْزُونٍ نَصًّا فَيَجُوزُ كَيْفَمَا كَانَ وَشَرَطَ فِي الذَّخِيرَةِ رَوَاجَ الْفُلُوسِ، أَمَّا إذَا كَانَتْ كَاسِدَةً فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ إسْلَامُ مَوْزُونٍ فِي مَوْزُونٍ وَقَيَّدَ الْمُثَمَّنَ احْتِرَازًا عَنْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فَإِنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ مَوْزُونَةً لَكِنَّهَا ثَمَنٌ فَلَا يَجُوزُ الْإِسْلَامُ فِيهَا؛ لِأَنَّ السَّلَمَ تَعْجِيلُ الثَّمَنِ وَتَأْجِيلُ الْمَبِيعِ وَلَوْ جَازَ فِيهَا انْعَكَسَ، فَإِذَا لَمْ يَقَعْ سَلَمًا يَكُونُ بَاطِلًا عِنْدَ عِيسَى بْنِ أَبَانَ، وَقَالَ الْأَعْمَشُ بِكَوْنِ بَيْعًا بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ اعْتِبَارًا لِلْمَعْنَى وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ فِي غَيْرِ مَا أَوْجَبَا الْعَقْدُ فِيهِ وَرَجَّحَ قَوْلَ الْأَعْمَشِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهُ أُدْخِلَ فِي الْفِقْهِ وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا أَسْلَمَ فِيهِمَا غَيْرَ الْأَثْمَانِ كَالْحِنْطَةِ، وَأَمَّا إذَا أَسْلَمَ فِيهِمَا الْأَثْمَانَ لَمْ يَجُزْ إجْمَاعًا وَلَوْ أَسْلَمَ فِي الْمَكِيلِ وَزْنًا كَمَا إذَا أَسْلَمَ فِي الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ بِالْمِيزَانِ فِيهِ رِوَايَتَانِ وَالْمُعْتَمَدُ الْجَوَازُ لِوُجُودِ الضَّبْطِ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ أَسْلَمَ فِي الْمَوْزُونِ كَيْلًا. قَوْلُهُ (وَيَصِحُّ فِي الْعَدَدِيِّ الْمُتَقَارِبِ كَالْبَيْضِ وَالْجَوْزِ) لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ مَضْبُوطٌ مَقْدُورُ التَّسْلِيمِ وَمَا فِيهِ مِنْ التَّفَاوُتِ مُهْدَرٌ عُرْفًا وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ عَدَدًا إنَّمَا   [منحة الخالق] يَكُونُ بَيْعًا عِنْدَ الْقَبْضِ وَسَيُذْكَرُ تَوْضِيحُهُ عِنْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ وَلَوْ اشْتَرَى الْمُسْلَمُ إلَيْهِ كُرًّا إلَخْ. (قَوْلُهُ: وَلَا اعْتِبَارَ بِمَنْ قَالَ أَنَّهُ عَلَى وَفْقِهِ) أَيْ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ (قَوْلُهُ وَلَا خَيْرَ فِي السَّلَمِ فِي الْأَوَانِي إلَخْ) أَيْ لَا يَجُوزُ بَلْ نَفْيُ الْخَيْرِيَّةِ أَدَلُّ عَلَى نَفْيِ الْجَوَازِ قَالَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ. (قَوْلُهُ: وَرَجَحَ قَوْلُ الْأَعْمَشِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إلَخْ) اعْتَرَضَهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّهُ لَا يَتِمُّ إلَّا بِالْتِزَامٍ أَنَّ الْأَعْمَشَ قَائِلٌ بِانْعِقَادِ الْبَيْعِ بِلَفْظِ السَّلَمِ وَإِلَّا فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَائِلًا بِمُقَابِلِ الْأَصَحِّ مِنْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَتِمُّ الْمَطْلُوبُ وَاعْتَرَضَهُ أَيْضًا بِأَنَّ صَاحِبَ الثَّوْبِ وَإِنْ أَعْطَاهُ لَهُ بِدَرَاهِمَ مُؤَجَّلَةٍ لَكِنْ عَلَى أَنَّهَا مَبِيعَةٌ لَا عَلَى أَنَّهَا ثَمَنٌ لِيَلْزَمَ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَفْرَادِ الْبَيْعِ وَذِكْرُ بَاقِي شُرُوطِ السَّلَمِ قَرِينَةٌ عَلَى إرَادَةِ هَذَا الْمَعْنَى فَتَأَمَّلْ. اهـ. وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ كُلًّا مِنْ الِاعْتِرَاضَيْنِ سَاقِطٌ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ أَسْلَمَ ثَوْبًا مَثَلًا فِي دَرَاهِمَ وَقَدْ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْأَعْمَشُ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ بَيْعًا لَا سَلَمًا فَهَذَا صَرِيحٌ بِأَنَّهُ يَقُولُ إنَّ الْبَيْعَ يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ السَّلَمِ وَقَدْ ذُكِرَ فِي النَّهْرِ قَبْلَ هَذَا أَنَّ صَاحِبَ الْقُنْيَةِ لَمْ يَحْكِ خِلَافًا فِي انْعِقَادِهِ بِلَفْظِ السَّلَمِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ صَاحِبَ الْفَتْحِ مُعْتَرِفٌ بِأَنَّ الْعَقْدَ عَقْدُ سَلَمٍ وَلَكِنَّهُ اخْتَلَّ بَعْضُ شُرُوطِهِ عَلَى أَنَّهُ سَلَمٌ وَوُجِدَ اللَّفْظُ الَّذِي يَنْعَقِدُ بِهِ الْبَيْعُ فَيَصِيرُ الْعَقْدُ عَقْدَ بَيْعٍ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ السَّلَمِ وَالْبَيْعِ يَشْتَرِكَانِ فِي كَوْنِهِمَا مُبَادَلَةَ مَالٍ بِمَالٍ وَقَدْ قَصَدَهُ الْمُتَعَاقِدَانِ وَلَا مَانِعَ شَرْعًا مِنْ كَوْنِ هَذِهِ الْمُبَادَلَةِ الْمَقْصُودَةِ إذَا لَمْ تَصِحَّ عَلَى صِفَةٍ خَاصَّةٍ قَصَدَهَا الْمُتَعَاقِدَانِ أَنْ تَصِحَّ عَلَى صِفَةٍ أُخْرَى، كَمَا إذَا قَصَدَا عَقْدَ الشَّرِكَةِ عَلَى صِفَةِ كَوْنِهَا مُفَاوَضَةً وَفَقَدَ بَعْضَ شُرُوطِهَا فَإِنَّهَا تَصِيرُ شَرِكَةَ عِنَانٍ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدَا هَذِهِ الصِّفَةَ وَلِذَلِكَ نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ كَمَا لَوْ وَهَبَ لِلْفَقِيرِ أَوْ تَصَدَّقَ عَلَى غَنِيٍّ يَكُونُ الْأَوَّلُ صَدَقَةً وَالثَّانِي هِبَةً وَكَمَا لَوْ أَقَامَ غَيْرُهُ وَصِيًّا فِي حَيَاتِهِ أَوْ وَكِيلًا بَعْدَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 169 الْخِلَافُ فِيهِ كَيْلًا فَعِنْدَنَا يَجُوزُ كَيْلًا وَمَنَعَهُ زُفَرُ كَيْلًا وَعَنْهُ مَنَعَهُ أَيْضًا عَدًّا لِلتَّفَاوُتِ وَأَجَبْنَا عَنْهُ، وَإِنَّمَا جَازَ كَيْلًا لِوُجُودِ الضَّبْطِ فِيهِ وَقَيَّدَ بِالتَّقَارُبِ وَمِنْهُ الْكُمَّثْرَى وَالْمِشْمِشُ وَالتِّينُ كَمَا فِي فُرُوقِ الْكَرَابِيسِيِّ لِأَنَّ الْعَدَدِيَّ الْمُتَفَاوِتَ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ وَمَا تَفَاوَتَتْ مَالِيَّتُهُ مُتَفَاوِتٌ كَالْبِطِّيخِ وَالْقَرْعِ وَالرُّمَّانِ وَالرُّءُوسِ وَالْأَكَارِعِ وَالسَّفَرْجَلِ وَالدُّرِّ وَالْجَوَاهِرِ وَاللَّآلِئِ وَالْأُدْمِ وَالْجُلُودِ وَالْخَشَبِ فَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي شَيْءٍ مِنْهَا عَدَدًا لِلتَّفَاوُتِ إلَّا إذَا ذَكَرَ ضَابِطًا غَيْرَ مُجَرَّدِ الْعَدَدِ كَطُولٍ أَوْ غِلَظٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَمِنْ الْمُتَفَاوِتِ الْجَوَالِقُ وَالْفِرَاءُ فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِذِكْرِ مُمَيِّزَاتٍ وَأَجَازُوهُ فِي الْبَاذِنْجَانِ وَالْكَاغِدِ عَدَدًا لِإِهْدَارِ التَّفَاوُتِ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ أَوْ بِحَمْلٍ عَلَى كَاغِدٍ بِقَالِبٍ خَاصٍّ وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ وَكَوْنُ الْبَاذِنْجَانِ مُهْدَرَ التَّفَاوُتِ لَعَلَّهُ فِي بَاذِنْجَانِ دِيَارِهِمْ وَفِي دِيَارِنَا لَيْسَ كَذَلِكَ بِخِلَافِ بَيْضِ النَّعَامِ وَجَوْزِ الْهِنْدِ لَا يُسْتَحَقُّ شَيْءٌ مِنْهُ بِالْإِسْلَامِ بِخِلَافِ بَيْضِ الدَّجَاجِ وَالْجَوْزِ الشَّامِيِّ وَالْفِرِنْجِيِّ لِعَدَمِ إهْدَارِ التَّفَاوُتِ وَيُشْتَرَطُ مَعَ الْعَدَدِ بَيَانُ الصِّفَةِ أَيْضًا فِي شَرْحِ الشَّافِي، فَلَوْ أَسْلَمَ فِي بَيْضِ النَّعَامِ أَوْ فِي جَوْزِ الْهِنْدِ جَازَ كَمَا جَازَ فِي الْأَخِيرَيْنِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ مَنَعَهُ عَدَدًا فِي بَيْضِ النَّعَامِ ادِّعَاءً لِلتَّفَاوُتِ فِي الْمَالِيَّةِ وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَالْوَجْهُ أَنْ يَنْظُرَ إلَى الْغَرَضِ فِي عُرْفِ النَّاسِ فَإِنْ كَانَ الْغَرَضُ فِي ذَلِكَ الْعُرْفِ حُصُولَ الْقِشْرِ لِيُتَّخَذَ فِي سَلَاسِلِ الْقَنَادِيلِ كَمَا فِي دِيَارِ مِصْرَ وَغَيْرِهَا مِنْ الْأَمْصَارِ يَجِبُ أَنْ يُعْمَلَ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ فَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهَا بَعْدَ ذِكْرِ الْعَدَدِ إلَّا مَعَ تَعْيِينِ الْمِقْدَارِ وَاللَّوْنِ مِنْ نَقَاءِ الْبَيَاضِ أَوْ إهْدَارِهِ. اهـ. وَفِي الْمِعْرَاجِ وَالْفَاصِلُ بَيْنَ الْمُتَفَاوِتِ وَالْمُتَقَارِبِ أَنَّ مَا ضُمِنَ مُسْتَهْلِكُهُ بِالْمِثْلِ فَهُوَ مُتَقَارِبٌ وَبِالْقِيمَةِ يَكُونُ مُتَفَاوِتًا وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الْأَوَانِي الْمُتَّخَذَةِ مِنْ الْخَزَفِ عَدَدًا إنْ نَوْعًا يَصِيرُ مَعْلُومًا عِنْدَ النَّاسِ وَيَجُوزُ فِي الْكِيزَانِ الْخَزَفِيَّةِ إذَا بَيَّنَ نَوْعًا لَا بِتَفَاوُتِ آحَادِهِ. اهـ. وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْمُؤَلِّفُ لِلْجَوَازِ إعْلَامَ الصِّفَةِ أَنَّهُ جَيِّدٌ أَوْ وَسَطٌ أَوْ رَدِيءٌ وَمِنْهُمْ مَنْ شَرَطَ إعْلَامَ الصِّفَةِ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَفِيهَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ لَوْ أَسْلَمَ بَيْضَ الْإِوَزِّ فِي بَيْضِ الدَّجَاجِ أَوْ أَسْلَمَ بَيْضَ النَّعَامِ فِي بَيْضِ الدَّجَاجِ جَازَ وَإِنْ أَسْلَمَ بَيْضَ الدَّجَاجِ فِي بَيْضِ نَعَامَةٍ أَوْ أَسْلَمَ بَيْضَ الدَّجَاجِ فِي بَيْضِ الْإِوَزِّ إنْ كَانَ فِي حِينٍ يَقْدِرُ عَلَيْهِ جَازَ فَإِنْ كَانَ فِي حِينٍ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ اهـ. قَوْلُهُ (وَالْفَلْسُ) لِأَنَّهُ عَدَدِيٌّ يُمْكِنُ ضَبْطُهُ فَيَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِ وَقِيلَ لَا يَصِحُّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُ ثَمَنٌ مَا دَامَ يَرُوجُ وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ الْكُلِّ الْجَوَازُ، وَإِذَا بَطَلَتْ ثَمَنِيَّتُهَا لَا يَخْرُجُ عَنْ الْعَدِّ إلَى الْوَزْنِ لِلْعُرْفِ إلَّا أَنْ يَهْدُرَهُ أَهْلُ الْعُرْفِ كَمَا هُوَ فِي زَمَانِنَا فَإِنَّ الْفُلُوسَ أَثْمَانٌ فِي زَمَانِنَا وَلَا تُقْبَلُ إلَّا وَزْنًا فَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهَا إلَّا وَزْنًا فِي دِيَارِنَا فِي زَمَانِنَا، وَقَدْ كَانَتْ قَبْلَ هَذِهِ الْأَعْصَارِ عَدَدِيَّةً فِي دِيَارِنَا أَيْضًا، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. قَوْلُهُ (وَاللَّبِنُ) بِكَسْرِ الْبَاءِ وَهُوَ الطُّوبُ النَّيْءُ وَشَرَطَ فِي الْخُلَاصَةِ ذِكْرَ الْمَكَانِ الَّذِي يُعْمَلُ فِيهِ اللَّبِنُ وَفِي الذَّخِيرَةِ لَوْ بَاعَ آجُرَّةً مِنْ مُلْبِنٍ لَمْ تَجُزْ مِنْ غَيْرِ إشَارَةٍ؛ لِأَنَّ اللَّبِنَ مِنْ الْمَعْدُودِ الْمُتَقَارِبِ بِاعْتِبَارِ قَدْرِهِ وَمِنْ الْمُتَفَاوِتِ بِاعْتِبَارِ نُضْجِهِ فَاعْتُبِرَ الْأَوَّلُ فِي السَّلَمِ لِلْحَاجَةِ وَاعْتُبِرَ الثَّانِي فِي الْبَيْعِ قَوْلُهُ (وَالْآجُرُّ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ مَعَ الْمَدِّ أَشْهَرُ مِنْ التَّخْفِيفِ الْوَاحِدَةُ آجُرَّةٌ وَهُوَ مُعَرَّبٌ وَهُوَ اللَّبِنُ إذَا طُبِخَ، كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ قَوْلُهُ (إنْ سُمِّيَ مِلْبَنٌ مَعْلُومٌ) ؛ لِأَنَّ آحَادَهَا لَا تَتَفَاوَتُ إذَا عُيِّنَتْ الْآلَةُ، وَإِذَا لَمْ تُعَيَّنْ لَا يَجُوزُ لِإِفْضَائِهِ إلَى الْمُنَازَعَةِ وَفِي الْمِصْبَاحِ اللَّبِنُ بِكَسْرِ الْبَاءِ مَا يُعْمَلُ مِنْ الطِّينِ يُبْنَى بِهِ الْوَاحِدَةُ لَبِنَةٌ وَيَجُوزُ التَّخْفِيفُ فَيَصِيرُ مِثْلَ حَمَل. اهـ. وَالْمَلْبِنُ بِكَسْرِ الْبَاءِ قَالِبُ الطِّينِ وَالْمِحْلَبُ أَيْضًا، كَذَا فِي الصِّحَاحِ وَالْمُرَادُ الْأَوَّلُ. قَوْلُهُ (وَالذَّرْعِيُّ) أَيْ وَيَصِحُّ السَّلَمُ فِي الْمَذْرُوعَاتِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ ضَبْطُهَا بِمَا ذَكَرَهُ وَجَوَازُهُ فِيهَا بِالْإِجْمَاعِ كَالثِّيَابِ وَالْبُسُطِ وَالْحُصْرِ وَالْبَوَارِي، وَإِنَّمَا جَازَ فِيهَا مَعَ أَنَّهَا لَمْ تُذْكَرْ فِي النَّصِّ وَهُوَ مَشْرُوعٌ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فِي الْمَكِيلِ   [منحة الخالق] وَفَاتِهِ يَكُونُ الْأَوَّلُ وَكِيلًا وَالثَّانِي وَصِيًّا، وَكَمَا لَوْ اشْتَرَى أَمَةً تَعْدِلُ أَلْفَ دِرْهَمٍ مَعَ طَوْقِ فِضَّةٍ قِيمَتُهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَنَقَدَ مِنْ الثَّمَنِ أَلْفًا فَهُوَ ثَمَنُ الْفِضَّةِ سَوَاءٌ سَكَتَ أَوْ قَالَ خُذْ هَذَا مِنْ ثَمَنِهَا تَحَرِّيًا لِلْجَوَازِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الصَّرْفِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ تَحَرِّيَ الْجَوَازِ فِي مَسْأَلَتِنَا بِالْأَوْلَى لِأَنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ فِيهَا بِخِلَافِ الْجَائِزِ وَإِنْ صَرَّحَ فَهِيَ مِثْلُ مَسْأَلَةِ الصَّرْفِ فَتَأَمَّلْ مُنْصِفًا. (قَوْلُهُ وَشَرْطُ فِي الْخُلَاصَةِ ذِكْرَ الْمَكَانِ إلَخْ) أَقُولُ: عِبَارَةُ الْخُلَاصَةِ هَكَذَا وَلَا بَأْسَ بِالسَّلَمِ فِي اللَّبِنِ وَالْآجُرِّ إذَا بَيَّنَ الْمَلْبِنَ وَالْمَكَانَ وَذَكَرَ عَدَدًا مَعْلُومًا وَالْمَكَانُ قَالَ بَعْضُهُمْ مَكَانُ الْإِيفَاءِ هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْمَكَانُ الَّذِي يُضْرَبُ فِيهِ اللَّبِنُ انْتَهَتْ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَ قَوْلَ الْإِمَامِ وَلَا سِيَّمَا مَعَ احْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْبَعْضُ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ. (قَوْلُهُ: وَالْمَلْبِنُ بِكَسْرِ الْبَاءِ إلَخْ) قَالَ بَعْضُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 170 وَالْمَوْزُونِ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِمَا لِلْإِجْمَاعِ وَدَلَالَةِ النَّصِّ؛ لِأَنَّ سَبَبَ شَرْعِيَّتِهِ الْحَاجَةُ وَهِيَ لَا تَخْتَلِفُ قَوْلُهُ (كَالثَّوْبِ إذَا بَيَّنَ الذِّرَاعَ) أَيْ مِنْ أَيِّ جِنْسٍ كَذَا ذَكَرَ الْعَيْنِيُّ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَيْ قَدْرُهُ كَذَا كَذَا ذِرَاعًا وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ إذَا أَطْلَقَ ذِكْرَ الذِّرَاعِ فِي الثَّوْبِ فَلَهُ ذِرَاعٌ وَسَطٌ، وَفِي الذَّخِيرَةِ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ ذِرَاعُ وَسَطٍ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ أَرَادَ بِهِ الْمَصْدَرَ وَهُوَ فِعْلُ الذَّرْعِ لَا الِاسْمَ وَهُوَ الْخَشَبَةُ يَعْنِي لَا يَمُدُّ كُلَّ الْمَدِّ وَلَا يُرْخِي كُلَّ الْإِرْخَاءِ وَبَعْضُهُمْ قَالَ أَرَادَ بِهِ الْخَشَبَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَيْهِمَا إذَا شُرِطَ مُطْلَقًا فَيَكُونُ لَهُ الْوَسَطُ مِنْهُمَا نَظَرًا لِلْجَانِبَيْنِ قَوْلُهُ (وَالصِّفَةِ) أَيْ قُطْنٌ أَوْ كَتَّانٌ أَوْ مُرَكَّبٌ مِنْهُمَا وَهُوَ الْمُلْحَمُ أَوْ حَرِيرٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ قَوْلُهُ (وَالصَّنْعَةِ) أَيْ عَمَلُ الشَّامِ أَوْ الرُّومِ أَوْ زَيْدٍ أَوْ عَمْرٍو لِأَنَّهُ يَصِيرُ مَعْلُومًا بِذِكْرِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَلَا يُؤَدِّي إلَى النِّزَاعِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْوَزْنَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ إلَّا فِي الْحَرِيرِ إذَا بِيعَ وَزْنًا لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ إلَّا بِالْوَزْنِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَلَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ الْوَزْنِ فِي الْكِرْبَاسِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْحَرِيرِ وَالصَّحِيحُ اشْتِرَاطُهُ وَلَوْ أَسْلَمَ فِي ثَوْبِ الْخَزِّ إنْ بَيَّنَ الطُّولَ وَالْعَرْضَ وَالرُّقْعَةَ وَلَمْ يَذْكُرْ الْوَزْنَ جَازَ، وَإِنْ ذَكَرَ الْوَزْنَ فَقَطْ لَا يَجُوزُ، وَلَوْ بَاعَ ثَوْبَ خَزٍّ بِثَوْبِ خَزٍّ يَدًا بِيَدٍ لَا يَجُوزُ إلَّا وَزْنًا لِأَنَّهُ لَا يُبَاعُ إلَّا وَزْنًا. اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ أَسْلَمَ قُطْنًا هَرَوِيًّا فِي ثَوْبٍ هَرَوِيٍّ جَازَ وَإِنْ مَسَحَا فِي شَعْرٍ مَسَحَ إنْ كَانَ الْمَسْحُ عَادَ شَعْرًا لَا يَجُوزُ وَإِلَّا يَجُوزُ، ثُمَّ قَالَ فِي نَوْعٍ لَوْ أَسْلَمَ فِي ثَوْبٍ وَسَطٍ وَجَاءَ بِالْجَيِّدِ فَقَالَ خُذْ هَذَا وَزِدْنِي دِرْهَمًا فَسَتَأْتِي مَسَائِلُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ. قَوْلُهُ (لَا فِي الْحَيَوَانِ) أَيْ لَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِ لِتَفَاوُتِ آحَادِهِ لِأَنَّهُ وَإِنْ أَمْكَنَ ضَبْطُ ظَاهِرِهِ لَا يُمْكِنُ ضَبْطُ بَاطِنِهِ وَكَذَا اسْتِقْرَاضُهُ فَاسِدٌ وَلَكِنَّهُ مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ مَمْلُوكٌ بِالْقَبْضِ حَتَّى لَوْ كَانَ عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ يَجُوزُ لِكَوْنِهِ مَمْلُوكًا لَهُ ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَقَدَّمْنَاهُ قُبَيْلَ الرِّبَا أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْآدَمِيَّ وَغَيْرَهُ، وَقَدْ صَحَّ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَهَى عَنْ السَّلَفِ فِي الْحَيَوَانِ» رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ فَشَمِلَ الْعَصَافِيرَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا تَفَاوُتٌ؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ لِعَيْنِ النَّصِّ لَا لِلْمَعْنَى وَهُوَ لَمْ يُفَصِّلْ كَذَا فِي الْكَافِي وَلَكِنَّهُ يَخْرُجُ عَنْهُ السَّمَكُ الطَّرِيُّ فَإِنَّ السَّلَمَ فِيهِ جَائِزٌ كَمَا سَيَأْتِي وَلَكِنْ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إنْ شُرِطَتْ حَيَاتُهُ فَلَنَا أَنْ نَمْنَعَ صِحَّتَهُ قَوْلُهُ (وَلَا أَطْرَافِهِ كَالرَّأْسِ وَالْأَكَارِعِ) لِفُحْشِ التَّفَاوُتِ، وَقِيلَ عِنْدَهُمَا يَجُوزُ وَالْأَكَارِعُ جَمْعُ كُرَاعٍ لِلشَّاةِ وَالْبَقَرِ وَيُجْمَعُ عَلَى أَكْرَاعٍ أَيْضًا. قَوْلُهُ (وَالْجُلُودِ عَدَدًا) أَيْ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهَا لِلتَّفَاوُتِ الْفَاحِشِ إلَّا أَنْ يُبَيِّنَ ضَرْبًا مَعْلُومًا وَطُولًا وَعَرْضًا وَصِفَةً مَعْلُومَةً مِنْ الْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ فَيَجُوزُ حِينَئِذٍ عَدَدًا وَوَزْنًا. قَوْلُهُ (وَالْحَطَبِ حُزَمًا وَالرَّطْبَةِ جُرُزًا) أَيْ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهَا لِلتَّفَاوُتِ الْفَاحِشِ؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ لَا يُعْرَفُ طُولُهُ وَغِلَظُهُ حَتَّى لَوْ عُرِفَ ذَلِكَ بِأَنْ بَيَّنَ الْحَبْلَ الَّذِي يُشَدَّ بِهِ الْحَطَبُ وَالرَّطْبَةُ وَبَيَّنَ طُولَهُ وَضَبَطَ ذَلِكَ بِحَيْثُ لَا يُؤَدِّي إلَى النِّزَاعِ جَازَ، وَلَوْ قَدَّرَ الْوَزْنَ فِي الْكُلِّ جَازَ وَفِي دِيَارِنَا تَعَارَفُوا فِي نَوْعٍ مِنْ الْحَطَبِ الْوَزْنَ فَيَجُوزُ الْإِسْلَامُ فِيهِ وَزْنًا وَهُوَ أَضْبَطُ وَأَطْيَبُ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الْحَطَبِ أَوْقَارًا وَالرَّطْبَةُ الْقَضْبُ خَاصَّةً مَا دَامَ رَطْبًا وَالْجَمْعُ رِطَابٌ كَذَا فِي الصِّحَاحِ وَفِي الْمِصْبَاحِ الْجُرْزَةُ الْقَصَبَةُ مِنْ الْقَتِّ وَنَحْوِهِ وَالْحُزْمَةُ وَالْجَمْعُ جُرُزٌ مِثْلَ غُرْفَةٌ وَغُرَف وَأَرْضٌ جُرُزٌ بِضَمَّتَيْنِ قَدْ انْقَطَعَ الْمَاءُ عَنْهَا فَهِيَ يَابِسَةٌ لَا نَبَاتَ فِيهَا. اهـ. وَفِي الذَّخِيرَةِ، وَأَمَّا الرَّيَاحِينُ الرَّطْبَةُ وَالْبُقُولُ وَالْقَصَبُ وَالْحَشِيشُ وَالْخَشَبُ فَهَذِهِ لَمْ تَكُنْ مِثْلِيَّةً فَلَا يَجُوزُ فِيهَا وَلَا بَأْسَ بِالسَّلَمِ فِي الْجُذُوعِ إذَا بَيَّنَ ضَرْبًا مَعْلُومًا وَالطُّولَ وَالْعَرْضَ وَالْغِلَظَ وَكَذَا السَّاجُ وَصُنُوفُ الْعِيدَانِ، وَفِي الْبِنَايَةِ الرَّطْبَةُ الْإِسْفِسْتُ وَهِيَ الَّتِي تُسَمِّيهِ أَهْلُ مِصْرَ بِرْسِيمًا وَأَهْلُ الْبِلَادِ الشَّمَالِيَّةِ بَنْجًا وَفِي الشَّامِلِ لَا خَيْرَ فِي السَّلَمِ فِي الرَّطْبَةِ وَيَجُوزُ فِي الْقَتِّ؛ لِأَنَّهُ يُبَاعُ وَزْنًا. قَوْلُهُ (وَالْجَوْهَرِ وَالْخَرَزِ) لِتَفَاوُتِ آحَادِهِ إلَّا صِغَارَ اللُّؤْلُؤِ الَّتِي تُبَاعُ وَزْنًا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهَا وَزْنًا؛ لِأَنَّهَا   [منحة الخالق] الْفُضَلَاءِ سَبْقُ قَلَمٍ وَلَيْسَ فِي الصِّحَاحِ وَفِي الْقَامُوسِ كَمِنْبَرٍ اهـ. وَعِبَارَةُ الصِّحَاحِ أَوْ الْمِلْبَنُ قَالِبُ اللَّبِنِ وَالْمِلْبَنُ الْمِحْلَبُ. [السَّلَمُ فِي الْمَذْرُوعَاتِ] (قَوْلُهُ لِلْإِجْمَاعِ وَدَلَالَةِ النَّصِّ) تَعْلِيلٌ لِلْجَوَازِ وَمَا بَعْدَهُ تَعْلِيلٌ لِدَلَالَةِ النَّصِّ. (قَوْلُهُ وَيَجُوزُ فِي الْقَتِّ) قَالَ فِي الصِّحَاحِ الْقَتُّ الْفِصْفِصَةُ وَالْفِصْفِصَةُ بِالْكَسْرِ الرَّطْبَةُ أَبُو السُّعُودِ عَنْ شَيْخِهِ وَفِي الْقَامُوسِ الْقَتُّ نَمُّ الْحَدِيثِ كَالتَّقْتِيتِ وَالْقُتَيْتِيِّ والأسفت وَيَابِسِهِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 171 تُبَاعُ بِهِ فَأَمْكَنَ مَعْرِفَةُ قَدْرِهَا وَالْخَرَزُ بِالتَّحْرِيكِ الَّذِي يُنْظَمُ الْوَاحِدَةُ خَرَزَةٌ وَخَرَزَاتُ الْمَلِكِ جَوَاهِرُ تَاجِهِ وَيُقَالُ كَانَ الْمَلِكُ إذَا مَلَكَ عَامًا زِيدَتْ فِي تَاجِهِ خَرَزَةٌ لِيُعْلَمَ عَدَدُ سِنِينَ مُلْكِهِ، كَذَا فِي الصِّحَاحِ. [السَّلَمُ فِي الشَّيْءِ الْمُنْقَطِعِ] قَوْلُهُ (وَالْمُنْقَطِعِ) أَيْ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الشَّيْءِ الْمُنْقَطِعِ لِفَوْتِ شَرْطِهِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا مِنْ حِينِ الْعَقْدِ إلَى حِينِ الْمَحِلِّ بِكَسْرِ الْحَاءِ مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ مِنْ الْحُلُولِ حَتَّى لَوْ كَانَ مُنْقَطِعًا عِنْدَ الْعَقْدِ مَوْجُودًا عِنْدَ الْمَحِلِّ أَوْ بِالْعَكْسِ أَوْ مُنْقَطِعًا فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْدُورِ التَّسْلِيمِ لِتَوَهُّمِ مَوْتِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ فَيَحِلُّ الْأَجَلُ وَهُوَ مُنْقَطِعٌ فَيَتَضَرَّرُ رَبُّ السَّلَمِ وَحَدُّ الِانْقِطَاعِ أَنْ لَا يُوجَدَ فِي الْأَسْوَاقِ الَّتِي تُبَاعُ فِيهَا وَإِنْ كَانَ فِي الْبُيُوتِ، وَلَوْ انْقَطَعَ عَنْ أَيْدِي النَّاسِ بَعْدَ الْمَحِلِّ قَبْلَ أَنْ يُوفِيَ الْمُسْلَمَ فِيهِ فَرَبُّ السَّلَمِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ فَسَخَ الْعَقْدَ وَأَخَذَ رَأْسَ مَالِهِ وَإِنْ شَاءَ انْتَظَرَ وُجُودَهُ وَفِي الْبِنَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى مَبْسُوطِ أَبِي الْيُسْرِ، وَلَوْ انْقَطَعَ فِي إقْلِيمٍ دُونَ إقْلِيمٍ لَا يَصِحُّ فِي الْإِقْلِيمِ الَّذِي لَا يُوجَدُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إحْضَارُهُ إلَّا بِمَشَقَّةٍ عَظِيمَةٍ فَيَعْجِزُ عَنْ التَّسْلِيمِ حَتَّى لَوْ أَسْلَمَ فِي الرُّطَبِ بِبُخَارَى لَا يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ يُوجَدُ بِسِجِسْتَانَ اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ انْقَطَعَ الْمُسْلَمُ فِيهِ فِي أَوَانِهِ يَتَخَيَّرُ رَبُّ السَّلَمِ وَعَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ يَنْفَسِخُ. اهـ. وَفِيهَا اسْتَقْرَضَ فَاكِهَةً كَيْلًا أَوْ وَزْنًا انْقَطَعَ يَصْبِرُ إلَى أَنْ تَدْخُلَ الْجَدِيدَةُ إلَّا أَنْ يَتَرَاضَيَا عَلَى قِيمَتِهِ كَمَنْ اسْتَقْرَضَ طَعَامًا فِي بَلَدٍ فِيهِ الطَّعَامُ رَخِيصٌ، ثُمَّ الْتَقَيَا فِي بَلَدٍ فِيهِ الطَّعَامُ غَالٍ لَيْسَ لَهُ الطَّلَبُ بَلْ يُوَثِّقُ الْمَطْلُوبَ لِيُعْطِيَهُ فِي تِلْكَ الْبَلَدِ اهـ. قَوْلُهُ (وَلَا فِي السَّمَكِ الطَّرِيِّ) أَيْ لَا يَجُوزُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يَنْقَطِعُ عَنْ أَيْدِي النَّاسِ فِي الشِّتَاءِ لِانْجِمَادِ الْمِيَاهِ حَتَّى لَوْ كَانَ فِي وَقْتٍ لَا يَنْقَطِعُ فِيهِ جَازَ وَزْنًا لَا عَدَدًا. وَالْحَاصِلُ كَمَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ طَرِيًّا أَوْ مَالِحًا وَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُسْلَمَ عَدَدًا أَوْ وَزْنًا فَإِنْ أَسْلَمَ فِيهِ عَدَدًا لَمْ يَجُزْ مُطْلَقًا لِلتَّفَاوُتِ وَإِنْ أَسْلَمَ فِيهِ وَزْنًا فَإِنْ كَانَ مَمْلُوحًا يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ طَرِيًّا فَإِنْ كَانَ الْعَقْدُ فِي حِينِهِ وَالْحُلُولُ فِي حِينِهِ وَلَا يَنْقَطِعُ فِيمَا بَيْنَهُمَا جَازَ وَإِلَّا فَلَا. [السَّلَمُ فِي السَّمَكِ] قَوْلُهُ (وَصَحَّ وَزْنًا لَوْ مَالِحًا) أَيْ صَحَّ السَّلَمُ فِي السَّمَكِ بِالْوَزْنِ لَوْ كَانَ مِلْحًا لَا عَدَدًا؛ لِأَنَّ الْمِلْحَ مِنْهُ وَهُوَ الْقَدِيدُ لَا يَنْقَطِعُ وَهُوَ مَعْلُومٌ يُمْكِنُ ضَبْطُهُ بِبَيَانِ قَدْرِهِ بِالْوَزْنِ وَبَيَانِ نَوْعِهِ بِأَنْ يَقُولَ بُورِيٌّ أَوْ راي وَفِي أَسْمَاك الْإِسْكَنْدَرِيَّة الشفش والدونيس وَغَيْرُهَا وَفِي الْإِيضَاحِ الصَّحِيحُ أَنَّ فِي الصِّغَارِ مِنْهُ يَجُوزُ وَزْنًا وَكَيْلًا وَفِي الْكِبَارِ رِوَايَتَانِ وَفِي الْمُغْرِبِ سَمَكٌ مَلِيحٌ وَمَمْلُوحٌ وَهُوَ الْقَدِيدُ الَّذِي فِيهِ الْمِلْحُ وَلَا يُقَالُ مَالِحٌ إلَّا فِي لُغَةٍ رَدِيئَةٍ وَالْمَالِحُ هُوَ الَّذِي شُقَّ بَطْنُهُ وَجُعِلَ فِيهِ الْمِلْحُ. [السَّلَمُ فِي اللَّحْمِ] قَوْلُهُ (وَلَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِي اللَّحْمِ) أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا يَجُوزُ إذَا بَيَّنَ جِنْسَهُ وَنَوْعَهُ وَسِنَّهُ وَمَوْضِعَهُ وَصِفَتَهُ وَقَدْرَهُ كَشَاةِ خَصِيٍّ ثَنِيٍّ سَمِينٍ مِنْ الْجَنْبِ أَوْ الْفَخْذِ مِائَةُ رِطْلٍ؛ لِأَنَّهُ مَوْزُونٌ مَضْبُوطُ الْوَصْفِ فَصَارَ كَالْأَلْيَةِ وَالشَّحْمِ، بِخِلَافِ لَحْمِ الطُّيُورِ فَإِنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى وَصْفِ مَوْضِعٍ مِنْهُ وَلَهُ أَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ كِبَرِ الْعَظْمِ وَصِغَرِهِ فَيُؤَدِّي إلَى الْمُنَازَعَةِ وَفِي مَنْزُوعِ الْعَظْمِ رِوَايَتَانِ وَالْأَصَحُّ عَدَمُهُ وَلِذَا أَطْلَقَهُ فِي الْكِتَابِ وَفِي الْحَقَائِقِ وَالْعُيُونِ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا وَهَذَا عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ ثُبُوتِ الْخِلَافِ بَيْنَهُمْ، وَقَدْ قِيلَ لَا خِلَافَ فَمَنْعُ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَا إذَا أَطْلَقَا السَّلَمَ فِي اللَّحْمِ وَقَوْلُهُمَا فِيمَا إذَا بَيَّنَّا، وَإِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ بِجَوَازِهِ صَحَّ اتِّفَاقًا، كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَاللَّحْمُ قِيَمِيٌّ فَيُضْمَنُ بِالْقِيمَةِ إذَا غُصِبَ كَمَا فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ مِنْ بَابِ الِاسْتِحْقَاقِ وَعَزَاهُ فِي الصُّغْرَى إلَى وَسَطِ الْمُنْتَقَى وَفِي فُرُوقِ الْكَرَابِيسِيِّ يُضْمَنُ مِنْ اللَّحْمِ عِنْدَ الْإِتْلَافِ بِالْقِيمَةِ وَالْخُبْزُ يُضْمَنُ بِالْمِثْلِ، وَلَوْ اشْتَرَى بِاللَّحْمِ يَثْبُتُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ وَالْخُبْزُ كَذَلِكَ فَالْحَاصِلُ أَنَّ اللَّحْمَ مَعَ الْخُبْزِ يَسْتَوِيَانِ فِي ثُبُوتِهِمَا دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ وَيَفْتَرِقَانِ فِي الضَّمَانِ فَيُضْمَنُ اللَّحْمُ بِالْقِيمَةِ وَالْخُبْزُ بِالْمِثْلِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَإِنْ كَانَ غِذَاءً لَكِنَّ الْخُبْزَ أَبْيَنُ غِذَاءً وَأَحْسَنُ كَفًّا فَأَظْهَرْنَا حُكْمَ التَّفْرِقَةِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَلَهُ أَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ كِبَرِ الْعَظْمِ وَصِغَرِهِ) قَالَ فِي الْفَتْحِ وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَجُوزُ السَّلَمُ فِي مَخْلُوعِ الْعَظْمِ وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْهُ ثُمَّ ذَكَرَ لِلْإِمَامِ وَجْهًا آخَرَ وَهُوَ أَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الْفُصُولِ سِمَنًا وَهُزَالًا قَالَ وَحَاصِلُ هَذَا الْوَجْهِ أَنَّهُ سَلَمٌ فِي الْمُنْقَطِعِ وَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ فِي مَخْلُوعِ الْعَظْمِ وَهُوَ رِوَايَةُ أَبِي شُجَاعٍ عَنْهُ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ الْأَصَحُّ اهـ. (قَوْلُهُ: إلَى وَسَطِ الْمُنْتَقَى) الَّذِي فِي الْفَتْحِ وَسَطُ غَصْبِ الْمُنْتَقَى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 172 فِي الضَّمَانِ وَالتَّسْوِيَةِ فِي الدِّينِيَّةِ عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ اهـ. وَفِي التَّتِمَّةِ عَنْ اخْتِيَارِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ عَلِيٌّ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَنَّ اللَّحْمَ مَضْمُونٌ بِالْمِثْلِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَإِقْرَاضُ اللَّحْمِ عِنْدَهُمَا يَجُوزُ كَمَا يَجُوزُ السَّلَمُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ وَاللَّحْمُ مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ فِي ضَمَانِ الْعُدْوَانِ إذَا كَانَ مَطْبُوخًا بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ كَانَ نِيئًا فَكَذَلِكَ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَإِنْ اشْتَرَى شَيْئًا بِلَحْمٍ فِي الذِّمَّةِ ذَكَرَ فِي الْإِجَارَاتِ أَنَّهُ إذَا اسْتَأْجَرَ شَيْئًا بِلَحْمٍ فِي الذِّمَّةِ جَازَ وَمَا يَصْلُحُ أُجْرَةً فِي الْإِجَارَةِ يَصْلُحُ ثَمَنًا فِي الْبَيْعِ اهـ. قَوْلُهُ (وَبِمِكْيَالٍ أَوْ ذِرَاعٍ لَمْ يَدْرِ قَدْرَهُ) أَيْ لَا يَصِحُّ لِاحْتِمَالِ الضَّيَاعِ فَيَقَعُ النِّزَاعُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ بِهِ حَالًّا قَيَّدَ بِكَوْنِهِ لَمْ يَدْرِ قَدْرَهُ؛ لِأَنَّهُمَا لَوْ كَانَا مَعْلُومَيْ الْقَدْرِ جَازَ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمِكْيَالُ مِمَّا لَا يَنْقَبِضُ وَلَا يَنْبَسِطُ كَالْقِصَاعِ، وَأَمَّا الْجِرَابُ وَالزِّنْبِيلُ فَلَا يَجُوزُ الْكَيْلُ بِهِمَا، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ الْجَوَازُ بِقُرْبِ الْمَاءِ لِلتَّعَامُلِ وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ سَقَّاءٍ كَذَا وَكَذَا قِرْبَةً مِنْ مَاءِ النِّيلِ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مَثَلًا بِهَذِهِ الْقِرْبَةِ وَعَيَّنَهَا جَازَ الْبَيْعُ وَتَقْتَضِي الْقَاعِدَةُ الْمَذْكُورَةُ أَنْ لَا يَجُوزَ إذَا عَيَّنَ هَذِهِ الْقَرْيَةَ وَلَكِنْ بِمِقْدَارِهَا، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي الْقُنْيَةِ السَّلَمُ فِي الْمَاءِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَإِنْ كَانَ مَوْضِعًا جَرَتْ الْعَادَةُ فِيهِ بِالسَّلَمِ وَذَكَرَ الشَّرَائِطَ صَحَّ اهـ. قَوْلُهُ (وَبُرِّ قَرْيَةٍ أَوْ تَمْرُ نَخْلَةٍ مُعَيَّنَةٍ) أَيْ لَا يَجُوزُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَعْتَرِيهِمَا آفَةٌ فَلَا يَقْدِرُ عَلَى التَّسْلِيمِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ «أَرَأَيْت إذَا مَنَعَ اللَّهُ ثَمَرَةَ هَذَا الْبُسْتَانِ بِمَ يَسْتَحِلُّ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ» فَإِنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ بِهَذَا الْبَيْعِ شَيْئًا إنْ لَمْ يُخْرِجْ ذَلِكَ الْبُسْتَانُ شَيْئًا فَكَانَ فِي بَيْعِ ثَمَرَةِ هَذَا الْبُسْتَانِ غَرَرُ الِانْفِسَاخِ فَلَا يَصِحُّ بِخِلَافِ مَا إذَا أَسْلَمَ فِي حِنْطَةٍ صَعِيدِيَّةٍ أَوْ شَامِيَّةٍ فَإِنَّ احْتِمَالَ أَنْ لَا يَنْبُتَ فِي الْإِقْلِيمِ شَيْءٌ بِرُمَّتِهِ ضَعِيفٌ فَلَا يَبْلُغُ الْغَرَرَ الْمَانِعَ مِنْ الصِّحَّةِ وَلِذَا قَيَّدَ بِالْقَرْيَةِ احْتِرَازًا عَنْ الْإِقْلِيمِ وَتَعْيِينُ الْبُسْتَانِ كَتَعْيِينِ النَّخْلَةِ هَذَا، وَلَوْ كَانَتْ نِسْبَةُ الثَّمَرَةِ إلَى قَرْيَةٍ مُعَيَّنَةٍ لِبَيَانِ الصِّفَةِ لَا لِتَعْيِينِ الْخَارِجِ مِنْ أَرْضِهَا بِعَيْنِهِ كَالْحَشَرَاتِيِّ بِبُخَارَى وَالسِّبَاخِيِّ وَهِيَ قَرْيَةٌ حِنْطَتُهَا جَيِّدَةٌ بِفَرْغَانَةَ لَا بَأْسَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُرَادُ خُصُوصُ النَّابِتِ هُنَاكَ بَلْ الْإِقْلِيمُ وَلَا يُتَوَهَّمُ انْقِطَاعُ طَعَامِ إقْلِيمٍ بِكَمَالِهِ فَالسَّلَمُ فِيهِ وَفِي طَعَامِ الْعِرَاقِ وَالشَّامِ سَوَاءٌ كَذَا فِي دِيَارِنَا قَمْحُ الصَّعِيدِ. وَفِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا لَوْ أَسْلَمَ فِي حِنْطَةِ الْهِرَاةِ لَا يَجُوزُ وَفِي ثَوْبِ هَرَاةَ وَذَكَرَ شُرُوطَ السَّلَمِ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ حِنْطَتَهَا يُتَوَهَّمُ انْقِطَاعُهَا إذْ الْإِضَافَةُ لِتَخْصِيصِ الْبُقْعَةِ فَيَحْصُلُ السَّلَمُ فِي مَوْهُومِ الِانْقِطَاعِ بِخِلَافِ إضَافَةِ الثَّوْبِ لِأَنَّهَا لِبَيَانِ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ لَا لِتَخْصِيصِ الْمَكَانِ وَكَذَا لَوْ أَتَى الْمُسْلَمُ إلَيْهِ بِثَوْبٍ هَرَوِيٍّ نُسِجَ فِي غَيْرِ وِلَايَةِ هَرَاةَ مِنْ جِنْسِ الْهَرَوِيِّ يَعْنِي مِنْ صِفَتِهِ وَمُؤْنَتِهِ يُجْبَرُ رَبُّ السَّلَمِ عَلَى قَبُولِهِ فَظَهَرَ أَنَّ الْمَانِعَ وَالْمُقْتَضَى الْعُرْفُ فَإِنْ تُعُورِفَ كَوْنُ النِّسْبَةِ لِبَيَانِ الصِّفَةِ فَقَطْ جَازَ وَإِلَّا فَلَا كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، ثُمَّ قَالَ وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَلَوْ أَسْلَمَ فِي حِنْطَةٍ حَدِيثَةٍ قَبْلَ حُدُوثِهَا فَالسَّلَمُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهَا مُنْقَطِعَةٌ فِي الْحَالِ وَكَوْنُهَا مَوْجُودَةً فِي وَقْتِ الْعَقْدِ إلَى وَقْتِ الْمَحِلِّ شَرْطٌ اهـ. وَفِي الْجَوْهَرَةِ، وَلَوْ أَسْلَمَ فِي حِنْطَةٍ جَيِّدَةٍ أَوْ فِي ذُرَةٍ جَدِيدَةٍ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي أَيَكُونُ فِي تِلْكَ السَّنَةِ شَيْءٌ أَمْ لَا اهـ. وَعَلَى هَذَا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمِكْيَالُ بِمَا لَا يَنْقَبِضُ إلَخْ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ قَالَ فِي النَّهْرِ قَالَ الشَّارِحُ وَهَذَا لَا يَسْتَقِيمُ فِي السَّلَمِ إلَّا إذَا كَانَ لَا يُعْرَفُ قَدْرُهُ فَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ بِهِ كَيْفَمَا كَانَ وَإِنْ كَانَ يُعْرَفُ قَدْرُهُ فَالتَّقْدِيرُ بِهِ لِبَيَانِ الْقَدْرِ لَا لِتَعْيِينِهِ فَكَيْفَ يَتَأَتَّى فِيهِ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُنْكَبِسِ وَغَيْرِهِ وَالتَّجْوِيزُ فِي قُرْبِ الْمَاءِ وَإِنَّمَا يَسْتَقِيمُ هَذَا فِي الْبَيْعِ إذَا كَانَ يَجِبُ تَسْلِيمُهُ فِي الْحَالِ حَيْثُ يَجُوزُ بِإِنَاءٍ لَا يُعْرَفُ قَدْرُهُ يَشْتَرِطُ فِي ذَلِكَ الْإِنَاءِ أَنْ لَا يَنْكَبِسَ وَلَا يَنْبَسِطَ وَيُفِيدُ فِيهِ اسْتِثْنَاءُ قُرْبِ الْمَاءِ. اهـ. وَعَلَى مَا فِي الْهِدَايَةِ جَرَى الْحَدَّادِيُّ وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بَلْ أَقَرَّهُ وَهَذَا لِأَنَّهُ إذَا أَسْلَمَ فِي مِقْدَارِ هَذَا الْوِعَاءِ بُرًّا وَقَدْ عَرَفَ أَنَّهُ دُوَيْبَّةٌ مَثَلًا جَازَ، غَيْرَ أَنَّهُ إذَا كَانَ يَنْقَبِضُ وَيَنْبَسِطُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى النِّزَاعِ وَقْتَ التَّسْلِيمِ فِي الْكَبْسِ وَعَدَمِهِ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ: إنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ مَمْنُوعٌ، نَعَمْ هَلَاكُهُ بَعْدَ الْعِلْمِ بِمِقْدَارِهِ لَا يُفْسِدُ الْعَقْدَ وَلَمْ أَرَ مَنْ أَوْضَحَ هَذَا فَتَدَبَّرْهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ. اهـ. كَلَامُ النَّهْرِ. قُلْتُ: مَنْعُ عَدَمِ تَعَيُّنِهِ غَيْرُ ظَاهِرٍ وَأَيُّ نِزَاعٍ بَعْدَ مَعْرِفَةِ مِقْدَارِهِ وَيُمْكِنُ الْعُدُولُ إلَى مَا عَرَفَ مِنْ مِقْدَارِهِ فَيُسَلِّمُهُ بِهِ بِلَا مُنَازَعَةٍ كَمَا إذَا هَلَكَ وَقَدْ ظَهَرَ لِي مِنْ الْجَوَابِ عَنْ الْهِدَايَةِ أَنَّ مَا يَنْقَبِضُ وَيَنْكَبِسُ بِالْكَبْسِ لَا يَتَقَدَّرُ بِمِقْدَارٍ مُعَيَّنٍ فَتَبْقَى الْمُنَازَعَةُ وَعَلَيْهِ فَيَكُونُ قَوْلُهُ وَاشْتَرَطَ إلَخْ لِبَيَانِ الْمُرَادِ مِنْ قَوْلِهِ لَمْ يَدْرِ قَدْرَهُ لَا أَنَّهُ شَيْءٌ زَائِدٌ عَلَيْهِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي أَيَكُونُ فِي تِلْكَ السَّنَةِ شَيْءٌ أَمْ لَا) قَالَ فِي النَّهْرِ التَّعْلِيلُ بِمَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ أَوْلَى وَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّهُ لَوْ عَيَّنَ جَدِيدَ إقْلِيمٍ كَجَدِيدَةٍ مِنْ الصَّعِيدِ مَثَلًا أَنْ يَصِحَّ إذْ لَا يُتَوَهَّمُ عَدَمُ طُلُوعِ شَيْءٍ فِيهِ أَصْلًا. اهـ. يَعْنِي: وَهَذَا الْمُقْتَضَى غَيْرُ مُرَادٍ لِمُنَافَاتِهِ لِلشَّرْطِ الْمَارِّ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا مِنْ حِينِ الْعَقْدِ إلَى حِينِ الْمَحِلِّ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 173 فِيمَا يُكْتَبُ فِي وَثِيقَةِ السَّلَمِ جَدِيدٌ عَامُهُ مُفْسِدٌ لَهُ وَلَكِنَّهُ يَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا كَانَ قَبْلَ وُجُودِ الْجَدِيدِ، أَمَّا بَعْدَ وُجُودِهِ فَيَصِحُّ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ مَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَكَذَا إذَا أَسْلَمَ عَلَى صُوفِ غَنَمٍ بِعَيْنِهَا أَوْ أَلْبَانِهَا وَسُمُونِهَا قَبْلَ حُدُوثِهَا أَوْ سِمَنٍ حَدِيثٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُدْرَى بَقَاؤُهُ. قَوْلُهُ (وَشَرْطُهُ بَيَانُ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ وَالصِّفَةِ وَالْقَدْرِ وَالْأَجَلِ) كَقَوْلِهِ حِنْطَةٌ سَقِيَّةٌ جَيِّدَةٌ عَشَرَةُ أَكْرَارٍ إلَى شَهْرٍ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ تَنْتَفِي بِذِكْرِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَهَذِهِ خَمْسَةٌ الْأَرْبَعَةُ الْأُوَلُ مِنْهَا تُشْتَرَطُ فِي كُلٍّ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَالْمُسْلَمِ فِيهِ فَهِيَ ثَمَانِيَةٌ بِالتَّفْصِيلِ فَإِنَّ مَا يَجُوزُ كَوْنُهُ مُسْلَمًا فِيهِ يَجُوزُ كَوْنُهُ رَأْسَ مَالِ السَّلَمِ وَلَا يَنْعَكِسُ فَإِنَّ النُّقُودَ تَكُونُ رَأْسَ مَالٍ وَلَا يُسْلَمُ فِيهَا وَفِي الْمِعْرَاجِ إنَّمَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ النَّوْعِ فِي رَأْسِ الْمَالِ إذَا كَانَ فِي الْبَلَدِ نُقُودٌ مُخْتَلِفَةٌ وَإِلَّا فَلَا يُشْتَرَطُ. اهـ. وَأَمَّا الْأَجَلُ فَيُشْتَرَطُ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ خَاصَّةً فَلَا يَصِحُّ السَّلَمُ الْحَالُّ عِنْدَنَا لِأَنَّهُ جُوِّزَ رُخْصَةً لِلْمَفَالِيسِ دَفْعًا لِحَاجَاتِهِمْ فَلَا يَتَحَقَّقُ مَحَلُّ الرُّخْصَةِ إلَّا مَعَ ذِكْرِ الْأَجَلِ فَلَا يَجُوزُ فِي غَيْرِهِ وَقَوْلُهُ حِنْطَةٍ بَيَانٌ لِلْجِنْسِ وَقَوْلُ مَنْ قَالَ إنَّ قَوْلَهُ صَعِيدِيَّة أَوْ بَحَرِيَّة بَيَانٌ لِلْجِنْسِ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَيَانِ النَّوْعِ وَقَوْلُهُ سَقِيَّةٌ بَيَانٌ لِلنَّوْعِ أَيْ مَسْقِيَّةٌ وَهِيَ مَا تُسْقَى سَيْحًا وَكَذَا بَخْسِيَّةٌ وَهِيَ مَا تُسْقَى بِالْمَطَرِ نِسْبَةً إلَى الْبَخْسِ؛ لِأَنَّهَا مَبْخُوسَةُ الْحَظِّ مِنْ الْمَاءِ بِالنِّسْبَةِ إلَى السَّيْحِ غَالِبًا وَفِي الْجَوْهَرَةِ فَإِنْ أَسْلَمَا حَالًّا، ثُمَّ أُدْخِلَ الْأَجَلُ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ وَقَبْلَ اسْتِهْلَاكِ رَأْسِ الْمَالِ جَازَ. اهـ. وَفِي الْإِيضَاحِ لِلْكَرْمَانِيِّ مِنْ كِتَابِ الصَّرْفِ لَوْ عَقَدَ السَّلَمُ بِلَا أَجَلٍ فَهُوَ فَاسِدٌ فَإِنْ جَعَلَا لَهُ أَجَلًا مَعْلُومًا قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا جَازَ إنْ كَانَتْ الدَّرَاهِمُ قَائِمَةً بِعَيْنِهَا؛ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ فِيهِ قَائِمَةٌ مَقَامَ الْمَبِيعِ فَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ بِحَيْثُ يُبْتَدَأُ فِيهَا الْعَقْدُ فَهَذِهِ تِسْعَةُ شَرَائِطَ وَالْعَاشِرُ بَيَانُ قَدْرِ الْأَجَلِ وَالْحَادِيَ عَشَرَ بَيَانُ مَكَانِ الْإِيفَاءِ فِيمَا لَهُ حِمْلٌ وَمُؤْنَةٌ وَهُوَ خَاصٌّ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ وَسَيَأْتِي وَالثَّانِيَ عَشَرَ قَبْضُ رَأْسِ الْمَالِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ وَسَنَذْكُرُهُ وَالثَّالِثَ عَشَرَ أَنْ لَا يَشْمَلَ الْبَدَلَيْنِ إحْدَى عَلَى الرِّبَا؛ لِأَنَّ انْفِرَادَ أَحَدِهِمَا يُحَرِّمُ النِّسَاءَ وَالرَّابِعَ عَشَرَ أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ خِيَارُ شَرْطٍ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَيُبْطِلُهُ شَرْطُ الْخِيَارِ فَإِنْ أَسْقَطَهُ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ وَرَأْسُ الْمَالِ قَائِمٌ فِي يَدِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ صَحَّ وَإِنْ هَالِكًا لَا يَنْقَلِبُ صَحِيحًا الْخَامِسَ عَشَرَ أَنْ يَتَعَيَّنَ الْمُسْلَمُ فِيهِ بِالتَّعْيِينِ فَلَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِي النَّقْدَيْنِ وَفِي التِّبْرِ رِوَايَتَانِ وَذُكِرَ فِي الْمِعْرَاجِ وَفَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ شَرَائِطِ رَأْسِ الْمَالِ كَوْنُ الدَّرَاهِمِ مُنْتَقَدَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مَعَ إعْلَامِ الْقَدْرِ. اهـ. وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ تَعْجِيلَ رَأْسِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْمِعْرَاجِ ذَكَرَ شَرْطَ التَّعْجِيلِ وَالْقَبْضِ وَحْدَهُ وَذَكَرَ الِانْتِقَادَ وَحْدَهُ شَرْطًا، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِهِ مَعْرِفَةُ الْجَيِّدِ مِنْ الرَّدِيءِ مِنْهُ، فَلَوْ لَمْ يَنْقُدْهَا لَمْ يَصِحَّ وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُمْ فِي تَعْلِيلِ قَوْلِ الْإِمَامِ أَنَّ الْإِشَارَةَ إلَى رَأْسِ الْمَالِ لَا تَكْفِي لِاحْتِمَالِ أَنْ يَجِدَ الْبَعْضَ زُيُوفًا فَيَحْتَاجُ إلَى الرَّدِّ وَلَا يَتَيَسَّرُ الِاسْتِبْدَالُ إلَّا بَعْدَ الْمَجْلِسِ فَإِنَّ هَذَا يَقْتَضِي عَدَمَ اشْتِرَاطِ الِانْتِقَادِ أَوْ فَلْيُتَأَمَّلْ السَّادِسَ عَشَرَ وُجُودُ الْمُسْلَمِ فِيهِ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ إلَى حِينِ الْمَحِلِّ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَفْهُومُهُ بِقَوْلِهِ وَالْمُنْقَطِعُ وَالسَّابِعَ عَشَرَ أَنْ يَكُونَ مِمَّا يُضْبَطُ بِالْوَصْفِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْأَجْنَاسِ الْأَرْبَعَةِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْمَذْرُوعِ وَالْمَعْدُودِ الْمُتَقَارِبِ وَتَقَدَّمَ أَوَّلَ الْبَابِ، وَقَدْ ذَكَرَهُ مِنْ الشَّرَائِطِ فِي الْمِعْرَاجِ الثَّامِنَ عَشَرَ بَيَانُ قَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ فِي الْمِثْلِيَّاتِ عِنْدَهُ كَمَا سَيَأْتِي وَفِي الْخَانِيَّةِ وَلَا يَبْطُلُ الْأَجَلُ بِمَوْتِ رَبِّ السَّلَمِ وَيَبْطُلُ بِمَوْتِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ حَتَّى يُؤْخَذَ الْمُسْلَمُ مِنْ تَرِكَتِهِ حَالًّا. [أَقَلُّ أَجَلِ السِّلْم] قَوْلُهُ (وَأَقَلُّهُ شَهْرٌ) أَيْ أَقَلُّ الْأَجَلِ شَهْرٌ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ لِأَنَّ مَا دُونَهُ عَاجِلٌ وَالشَّهْرُ مَا فَوْقَهُ آجِلٌ بِدَلِيلِ مَسْأَلَةِ الْيَمِينِ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ دَيْنَهُ عَاجِلًا فَقَضَاهُ قَبْلَ تَمَامِ الشَّهْرِ بَرَّ فِي يَمِينِهِ وَقِيلَ أَقَلُّهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَقِيلَ مَا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ وَقِيلَ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِ يَوْمٍ وَقِيلَ الْمَرْجِعُ الْعُرْفُ، وَمَا فِي الْكِتَابِ هُوَ الْأَصَحُّ وَبِهِ يُفْتَى وَفِي الْبِنَايَةِ وَقَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي طَرِيقَتِهِ الْمُطَوَّلَةِ   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 174 وَالصَّحِيحُ مَا رَوَاهُ الْكَرْخِيُّ أَنَّهُ مِقْدَارُ مَا يُمْكِنُ فِيهِ تَحْصِيلُ الْمُسْلَمِ فِيهِ. اهـ. فَقَدْ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ لَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ مَا فِي الْكِتَابِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بَعْدَ نَقْلِ تَصْحِيحِ الشَّهِيدِ وَجَدِيرٌ أَنْ لَا يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَابِطَ مُحَقَّقَ فِيهِ، كَذَا مَا عَنْ الْكَرْخِيِّ مِنْ رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّهُ يُنْظَرُ إلَى مِقْدَارِ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَإِلَى عُرْفِ النَّاسِ فِي تَأْجِيلِ مِثْلِهِ كُلُّ ذَلِكَ تَنْفَتِحُ فِيهِ الْمُنَازَعَاتُ بِخِلَافِ الْمِقْدَارِ الْمُعَيَّنِ مِنْ الزَّمَانِ. اهـ. أَقُولُ: هُوَ جَدِيرٌ بِأَنْ يَصِحَّ وَيُعَوَّلَ عَلَيْهِ فَقَطْ؛ لِأَنَّ مِنْ الْأَشْيَاءِ مَا لَا يُمْكِنُ تَحْصِيلُهُ فِي شَهْرٍ فَيُؤَدِّي التَّقْدِيرُ بِهِ إلَى عَدَمِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْ الْأَجَلِ وَهُوَ الْقُدْرَةُ عَلَى تَحْصِيلِهِ وَفِي الْقُنْيَةِ لَقِيَ رَبُّ السَّلَمِ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ بَعْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ فِي غَيْرِ الْبَلَدِ الَّذِي شَرَطَ الْإِيفَاءَ فِيهِ فَلَهُ مُطَالَبَتُهُ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ إنْ كَانَ قِيمَتُهُ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ مِثْلَ قِيمَتِهِ فِي الْمَكَانِ الْمَشْرُوطِ أَوْ دُونَهُ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْمَكَانِ حَقُّ رَبِّ السَّلَمِ دَفْعًا لِمُؤْنَةِ الْحَمْلِ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَأَفْتَى بَعْضُ مُفْتِي زَمَانِنَا أَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ مُطَالَبَتِهِ لِأَنَّ تَعْيِينَ الْمَكَانِ حَقُّ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ دَفْعًا لِمُؤْنَةِ الْحَمْلِ وَهَذَا الْجَوَابُ أَحَبُّ إلَيَّ إلَّا فِي مَوْضِعِ الضَّرُورَةِ وَهُوَ أَنْ يُقِيمَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ فِي بَلَدٍ آخَرَ فَيَعْجَزُ رَبُّ السَّلَمِ عَنْ اسْتِيفَاءِ حَقِّهِ، ثُمَّ قَالَ هَدَانَا اللَّهُ إلَى الرِّوَايَةِ الْمَنْصُوصَةِ. قَوْلُهُ (وَقَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْمَعْدُودِ) أَيْ وَشَرْطُهُ بَيَانُ قَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ إذَا كَانَ الْعَقْدُ يَتَعَلَّقُ عَلَى مِقْدَارِهِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَقَالَا تَكْفِي الْإِشَارَةُ إلَيْهِ كَالثَّمَنِ وَالْأُجْرَةِ وَالْمَذْرُوعِ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ مَعَ الْإِشَارَةِ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ، وَلَهُ أَنَّهَا قَدْ تُفْضِي إلَيْهَا بِأَنْ يُنْفِقَ بَعْضَهُ، ثُمَّ يَجِدُ بِالْبَاقِي عَيْبًا فَيَرُدُّهُ وَلَا يَتَّفِقُ الِاسْتِبْدَالُ فِي مَجْلِسِ الرَّدِّ فَيَنْفَسِخُ الْعَقْدُ فِي الْمَرْدُودِ وَيَبْقَى فِي غَيْرِهِ وَلَا يَدْرِي قَدْرَهُ لِيَبْقَى الْعَقْدُ بِحِسَابِهِ فَيُفْضِي إلَى جَهَالَةِ الْمُسْلَمِ فِيهِ فَيَجِبُ التَّحَرُّزُ عَنْ مِثْلِهِ وَإِنْ كَانَ مَوْهُومًا لِشَرْعِهِ مَعَ الْمُنَافِي إذْ هُوَ بَيْعُ الْمَعْدُومِ وَالْأَوْلَى أَنْ يُعَلِّلَ لِلْإِمَامِ بِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَحْصِيلِ الْمُسْلَمِ فِيهِ فَيَحْتَاجُ إلَى رَدِّ رَأْسِ الْمَالِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا، وَأَمَّا مَا ذَكَرُوهُ فَمُنْدَفِعٌ بِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ الِانْتِقَادَ شَرْطٌ عِنْدَهُ، وَقَدْ قَالَ بِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَقَوْلُ الْفَقِيهِ مِنْ الصَّحَابَةِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْقِيَاسِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ ثَوْبًا؛ لِأَنَّ الذَّرْعَ وَصْفٌ فِيهِ وَالْمَبِيعُ لَا يُقَابِلُ الْأَوْصَافَ فَلَا يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِقَدْرِهِ وَلِذَا لَوْ سَمَّى عَدَدًا لِذَرِعَيْنِ فَوَجَدَهُ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ أَنْقَصَ لَا يُنْتَقَصُ مِنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ شَيْءٌ وَإِنَّمَا يُخَيَّرُ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ، وَمِنْ فُرُوعِ الْمَسْأَلَةِ إذَا أَسْلَمَ فِي جِنْسَيْنِ وَلَمْ يُبَيِّنْ رَأْسَ مَالِ أَحَدِهِمَا بِأَنْ أَسْلَمَ مِائَةَ دِرْهَمٍ فِي كُرِّ حِنْطَةٍ وَشَعِيرٍ وَلَمْ يُبَيِّنْ حِصَّةَ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ لَمْ يَصِحَّ فِيهِمَا لِأَنَّهُ يَنْقَسِمُ عَلَيْهِمَا بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ وَهِيَ تُعْرَفُ بِالْحَزْرِ أَوْ أَسْلَمَ جِنْسَيْنِ وَلَمْ يُبَيِّنْ قَدْرَ أَحَدِهِمَا بِأَنْ أَسْلَمَ دَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ فِي مِقْدَارٍ مَعْلُومٍ مِنْ الْبُرِّ فَبَيَّنَ قَدْرَ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُبَيِّنْ الْآخَرَ لَمْ يَصِحَّ السَّلَمُ فِيهِمَا لِبُطْلَانِ الْعَقْدِ فِي حِصَّتِهِ مَا لَمْ يَعْلَمْ قَدْرَهُ فَيَبْطُلُ فِي الْآخَرِ أَيْضًا لِاتِّحَادِ الصَّفْقَةِ أَوْ لِجَهَالَةِ حِصَّةِ الْآخَرِ مِنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ فَيَكُونُ الْمُسْلَمُ فِيهِ مَجْهُولًا وَالْمُرَادُ بِالْمَعْدُودِ هُنَا مَا لَا يَتَفَاوَتُ آحَادُهُ لِتَعَلُّقِ الْعَقْدِ بِمِقْدَارِهِ. (قَوْلُهُ: وَمَكَانِ الْإِيفَاءِ فِيمَا لَهُ حِمْلٌ مِنْ الْأَشْيَاءِ) أَيْ وَشَرْطُهُ بَيَانُ مَكَانِ الْإِيفَاءِ فِي الْمُسْلَمِ إلَيْهِ إذَا كَانَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: أَقُولُ: هُوَ جَدِيرٌ بِأَنْ يُصَحَّحَ إلَخْ) قَالَ فِي مِنَحِ الْغَفَّارِ كَلَامُ شَيْخِنَا هُنَا جَدِيرٌ بِعَدَمِ الْقَبُولِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُتَّجَهُ لَوْ كَانَ الَّذِي يُقَدِّرُهُ بِالشَّهْرِ يُوجِبُ التَّقْدِيرَ بِهِ وَيَمْنَعُ التَّقْدِيرَ بِالزِّيَادَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَحْصُلْ فِي مُدَّةِ الشَّهْرِ وَاتَّفَقَا عَلَى زِيَادَةٍ عَلَيْهِ جَازَ وَلَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ أَصْلًا فَلَا مَوْقِعَ لِقَوْلِهِ فَيُؤَدِّي التَّقْدِيرُ بِهِ إلَى عَدَمِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْ الْأَجَلِ إلَخْ كَمَا لَا يَخْفَى. اهـ. وَرَدَّهُ فِي النَّهْرِ أَيْضًا حَيْثُ قَالَ مَدْفُوعٌ بِأَنَّ الشَّهْرَ أَدْنَاهُ لَا أَنَّهُ أَقْصَاهُ لِيَتِمَّ مَا ادَّعَاهُ. اهـ. قَالَ الرَّمْلِيُّ بَعْدَ نَقْلِهِ الْأَوَّلِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِجَعْلِ الْإِمْكَانِ عِلَّةً لِجَوَازِهِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَالْأَوْلَى أَنْ يُعَلِّلَ لِلْإِمَامِ إلَخْ) سَبَقَهُ إلَى هَذَا ابْنُ الْكَمَالِ حَيْثُ عَلَّلَ أَوَّلًا بِمَا ذُكِرَ ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا مَا قِيلَ رُبَّمَا يَكُونُ بَعْضُ رَأْسِ الْمَالِ زُيُوفًا وَلَا يَسْتَبْدِلُ فِي الْمَجْلِسِ فَلَوْ لَمْ يَعْرِفْ قَدْرَهُ لَا يَدْرِي كَمْ بَقِيَ فَيَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّ هَاهُنَا شَرْطًا آخَرَ ذَكَرَهُ الزَّاهِدِيُّ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ نَقْلًا عَنْ الْمُحِيطِ بِهِ يَنْدَفِعُ هَذَا الِاحْتِمَالُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الْمَالِ مُنْتَقَدًا. اهـ. لَكِنْ يَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَنْتَقِدْهَا لَمْ يَصِحَّ مَعَ أَنَّهُ سَيَأْتِي عَنْ الْبَدَائِعِ أَنَّهُ لَوْ وَجَدَهَا زُيُوفًا فَرَضِيَ بِهَا صَحَّ مُطْلَقًا بِخِلَافِ السَّتُّوقَةِ فَإِنْ لَمْ يَرْضَ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ وَاسْتَبْدَلَ فِي الْمَجْلِسِ صَحَّ وَإِنْ بَعْدَهُ بَطَلَ عِنْدَ الْإِمَامِ مُطْلَقًا إلَى آخِرِ مَا يَأْتِي، فَإِنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ الضَّرَرَ مِنْ عَدَمِ التَّبْدِيلِ فِي الْمَجْلِسِ تَأَمَّلْ عَلَى أَنَّ النَّقَّادَ قَدْ يُخْطِئُ فَيَظْهَرُ بَعْضُ الْمَنْقُودِ مَعِيبًا وَأَيْضًا فَإِنَّ رَأْسَ الْمَالِ قَدْ يَكُونُ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا وَيَظْهَرُ بَعْضُهُ مَعِيبًا وَلِذَا قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: إنَّ الِاعْتِرَاضَ مُتَوَجَّهٌ عَلَى مَنْ عَبَّرَ بِالزُّيُوفِ، وَأَمَّا مَنْ عَبَّرَ بِالْعَيْبِ فَغَيْرُ مُتَوَجَّهٍ لِشُمُولِهِ نَحْوَ الْبُرِّ. اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ اشْتِرَاطَ كَوْنِهِ مَعْلُومًا خَاصٌّ فِيمَا إذَا كَانَ مِنْ غَيْرِ النَّقْدَيْنِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 175 لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ أَيْ إذَا كَانَ نَقْلُهُ يَحْتَاجُ إلَى أُجْرَةٍ وَالْحَمْلُ بِالْفَتْحِ الثِّقَلُ قَالَ فِي الْبِنَايَةِ يَعْنُونَ بِهِ مَا لَهُ ثِقَلٌ يَحْتَاجُ فِي حَمْلِهِ إلَى ظَهْرٍ وَأُجْرَةِ حَمَّالٍ وَالْمُؤْنَةُ الْكُلْفَةُ وَقَالَا: لَا يَحْتَاجُ إلَى تَعْيِينِهِ وَيُسَلِّمُهُ فِي مَوْضِعِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ مَكَانَهُ مَكَانُ الِالْتِزَامِ فَيَتَعَيَّنُ لِإِيفَاءِ مَا الْتَزَمَهُ فِي ذِمَّتِهِ كَمَوْضِعِ الِاسْتِقْرَاضِ وَالِاسْتِهْلَاكِ وَكَبَيْعِ الْحِنْطَةِ بِعَيْنِهَا وَكَالْغَصْبِ وَالْقَرْضِ وَلَهُ أَنَّ التَّسْلِيمَ غَيْرُ وَاجِبٍ فِي الْحَالِ فَلَا يَتَعَيَّنُ مَكَانُ الْعَقْدِ لِلتَّسْلِيمِ بِخِلَافِ الْقَرْضِ وَالْغَصْبِ وَالِاسْتِهْلَاكِ فَإِنَّ تَسْلِيمَهَا يُسْتَحَقُّ بِنَفْسِ الِالْتِزَامِ فَيَتَعَيَّنُ مَوْضِعُهُ، فَإِذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ بَقِيَ مَجْهُولًا جَهَالَةً مُفْضِيَةً إلَى الْمُنَازَعَةِ لِاخْتِلَافِ الْقِيَمِ بِاخْتِلَافِ الْأَمَاكِنِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْبَيَانِ دَفْعًا لِلْمُنَازَعَةِ وَصَارَ كَجَهَالَةِ الصِّفَةِ وَلِذَا قَالَ الْبَعْضُ إنَّ الِاخْتِلَافَ فِي الْمَكَانِ يُوجِبُ التَّحَالُفَ عِنْدَهُ كَالِاخْتِلَافِ فِي الصِّفَةِ. وَقِيلَ: لَا تَحَالُفَ عِنْدَهُ فِيهِ وَعِنْدَهُمَا يَتَحَالَفَانِ؛ لِأَنَّ تَعْيِينَ الْمَكَانِ قَضِيَّةُ الْعَقْدِ قَيَّدَ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ لِأَنَّ مَكَانَ الْعَقْدِ يَتَعَيَّنُ لِإِيفَاءِ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ اتِّفَاقًا وَعَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ الثَّمَنُ إذَا كَانَ لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ وَالْأُجْرَةُ كَذَلِكَ وَالْقِسْمَةُ وَصُورَتُهَا اقْتَسَمَا دَارًا وَجَعَلَا مَعَ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا شَيْئًا لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ فَعِنْدَهُ يُشْتَرَطُ بَيَانُ مَكَانِ الْإِيفَاءِ وَعِنْدَهُمَا يَتَعَيَّنُ مَكَانُ الْعَقْدِ وَقِيلَ لَا يُشْتَرَطُ فِي الثَّمَنِ عِنْدَ الْكُلِّ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ شَرْطٌ إذَا كَانَ مُؤَجَّلًا وَعِنْدَهُمَا يَتَعَيَّنُ مَكَانُ الْعَقْدِ، وَقِيلَ فِي الْأُجْرَةِ يَتَعَيَّنُ مَكَانُ الدَّارِ وَمَكَانُ تَسْلِيمِ الدَّابَّةِ، ثُمَّ إنْ عَيَّنَ مِصْرًا جَازَ؛ لِأَنَّهُ مَعَ تَبَايُنِ أَطْرَافِهِ كَبُقْعَةٍ وَاحِدَةٍ فِي حَقِّ هَذَا الْحُكْمِ لِعَدَمِ اخْتِلَافِ الْقِيمَةِ، وَلِهَذَا لَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيَعْمَلَ عَلَيْهَا فِي الْمِصْرِ فَلَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِي أَيِّ مَكَان شَاءَ وَقِيلَ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْمِصْرُ عَظِيمًا فَإِنْ كَانَ عَظِيمًا تَبْلُغُ نَوَاحِيهِ فَرْسَخًا لَا يَجُوزُ مَا لَمْ يُبَيِّنَا نَاحِيَةً مِنْهُ لِأَنَّ جَهَالَتَهُ مُفْضِيَةٌ إلَى الْمُنَازَعَةِ، وَلَوْ شَرَطَ أَنْ يُوفِيَهُ فِي مَنْزِلِهِ جَازَ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ الْمَنْزِلُ حَالَ حُلُولِ الْأَجَلِ عَادَةً وَالظَّاهِرُ بَقَاؤُهُ فِي مَنْزِلِهِ، وَلَوْ شَرَطَ الْحَمْلَ إلَى مَنْزِلِهِ قِيلَ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ اشْتِرَاطُ الْإِيفَاءِ فِيهِ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ، وَإِنَّمَا يَقْتَضِي الْإِيفَاءَ وَهُوَ يُتَصَوَّرُ بِدُونِ الْحَمْلِ فَيَكُونُ مُفْسِدًا وَإِنْ شَرَطَ أَنْ يُوفِيَهُ فِي مَوْضِعٍ، ثُمَّ يَحْمِلُهُ إلَى مَنْزِلِهِ لَا يَجُوزُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ اشْتِرَاطَ الْإِيفَاءِ فِي مَكَان مُصَحَّحٍ وَفِي اشْتِرَاطِ الْحَمْلِ إلَى مَكَان مُعَيَّنٍ قَوْلَانِ وَاشْتِرَاطُ الْحَمْلِ بَعْدَ الْإِيفَاءِ مُفْسِدٌ وَعَكْسُهُ لَا كَالْإِيفَاءِ بَعْدَ الْإِيفَاءِ وَتَمَامُهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ شَرْطُ حَمْلِهِ إلَى مَنْزِلِ رَبِّ السَّلَمِ بَعْدَ الْإِيفَاءِ فِي الْمَكَانِ الْمَشْرُوطِ لَا يَصِحُّ لِاجْتِمَاعِ الصَّفْقَتَيْنِ الْإِجَارَةِ وَالتِّجَارَةِ وَشَرْطُ الْإِيفَاءِ خَاصَّةً أَوْ الْحَمْلِ خَاصَّةً أَوْ الْإِيفَاءِ بَعْدَ الْحَمْلِ جَائِزٌ لَا شَرْطُ الْإِيفَاءِ بَعْدَ الْإِيفَاءِ عَلَى قَوْلِ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ كَشَرْطِهِ أَنْ يُوفِيَهُ فِي مَحَلَّةِ كَذَا، ثُمَّ يُوفِيَهُ فِي مَنْزِلِهِ، وَلَوْ شُرِطَ الْإِيفَاءُ أَوْ الْحَمْلُ بَعْدَ الْحَمْلِ لَمْ يَجُزْ وَفِي بَعْضِ الْفَوَائِدِ شَرْطُ الْحَمْلِ بَعْدَ الْحَمْلِ يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ لَا يُوجِبُ الْمِلْكَ لِرَبِّ السَّلَمِ فَلَمَّا شُرِطَ الْحَمْلُ ثَانِيًا صَارَ كَشَرْطِهِ مَرَّةً، وَكَذَا الْإِيفَاءُ بَعْدَ الْحَمْلِ وَالْإِيفَاءُ بَعْدَ الْإِيفَاءِ وَلَمَّا شُرِطَ ذَلِكَ صَارَ الْإِيفَاءُ الْأَوَّلُ مُنْفَسِخًا، وَإِذَا شُرِطَ الْإِيفَاءُ فِي مَدِينَةِ كَذَا فَكُلُّ مَحِلَّاتِهَا سَوَاءٌ حَتَّى لَوْ أَوْفَاهُ فِي مَحَلَّةٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَهُ فِي مَحَلَّةٍ أُخْرَى. اهـ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَوْ اشْتَرَى طَعَامًا بِطَعَامٍ مِنْ جِنْسِهِ وَاشْتَرَطَ أَحَدُهُمَا التَّوْفِيَةَ إلَى مَنْزِلِهِ لَمْ يَجُزْ بِالْإِجْمَاعِ كَيْفَمَا كَانَ، وَلَوْ شَرَطَ أَنْ يُوفِيَهُ إلَى مَكَانِ كَذَا فَسَلَّمَهُ فِي غَيْرِهِ وَدَفَعَ الْكِرَاءَ إلَى الْمَوْضِعِ الْمَشْرُوطِ صَارَ قَابِضًا وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْكِرَاءِ وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ إلَيْهِ لِيُسَلِّمَهُ إلَيْهِ فِي الْمَكَانِ الْمَشْرُوطِ لِأَنَّهُ حَقُّهُ. اهـ. وَفِي الْبَدَائِعِ فَإِنْ سَلَّمَ فِي غَيْرِ الْمَكَانِ الْمَشْرُوطِ فَلِرَبِّ السَّلَمِ أَنْ يَأْبَى فَإِنْ أَعْطَاهُ عَلَى ذَلِكَ أَجْرًا لَمْ يَجُزْ لَهُ أَخْذُ الْأَجْرِ عَلَيْهِ وَلَهُ أَنْ يَرُدَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ حَتَّى يُسَلِّمَهُ فِي الْمَكَانِ الْمَشْرُوطِ بِخِلَافِ الشَّفِيعِ إذَا صُولِحَ عَنْهَا بِمَالٍ لَمْ يَصِحَّ وَسَقَطَ حَقُّهُ لِإِعْرَاضِهِ عَنْ الطَّلَبِ كَمَا لَوْ أَسْقَطَهُ صَرِيحًا وَحَقُّ رَبِّ السَّلَمِ فِي التَّسْلِيمِ فِي الْمَكَانِ الْمَشْرُوطِ لَمْ يَسْقُطْ بِالْإِسْقَاطِ صَرِيحًا. اهـ. قُيِّدَ بِمَا لَهُ حَمْلٌ؛ لِأَنَّ مَا لَا حَمْلَ لَهُ كَالْمِسْكِ وَالْكَافُورِ وَالزَّعْفَرَانِ وَصِغَارِ اللُّؤْلُؤِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ بَيَانُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَعَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ الثَّمَنُ) أَيْ ثَمَنُ الْمَبِيعِ فِي الْبَيْعِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ شَرَطَ الْإِيفَاءَ أَوْ الْحَمْلَ بَعْدَ الْحَمْلِ لَمْ يَجُزْ) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ فِيهِ مُنَاقَضَةٌ لِقَوْلِهِ أَوْ الْإِيفَاءَ بَعْدَ الْحَمْلِ الْمُتَقَدِّمِ فِي نُسْخَةِ الْبَزَّازِيَّةِ وَلَوْ شَرَطَ الْحَمْلَ بَعْدَ الْإِيفَاءِ أَوْ الْحَمْلِ إلَخْ وَعَلَيْهَا فَلَا تَنَاقُضَ وَفِيهِ تَكْرَارٌ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى التَّأْكِيدِ فَتَأَمَّلْ. اهـ. وَكَذَلِكَ رَأَيْته فِي نُسْخَتَيْ الْبَزَّازِيَّةِ. (قَوْلُهُ: لَمْ يَجُزْ) لِأَنَّ فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ زِيَادَةً وَهِيَ الْحَمْلُ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ عَنْ الْمُحِيطِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 176 مَكَانِ الْإِيفَاءِ وَقَيَّدَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنْ يَكُونَ قَلِيلًا وَإِلَّا فَقَدْ يُسْلِمُ فِي أَمْنَاءٍ مِنْ الزَّعْفَرَانِ كَثِيرَةٍ تَبْلُغُ أَحْمَالًا وَيُسَلِّمُهُ فِي الْمَكَانِ الَّذِي أَسْلَمَ فِيهِ وَكُلُّ مَا قُلْنَا يَتَعَيَّنُ مَكَانَ الْعَقْدِ فَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ مِمَّا يَتَأَتَّى فِيهِ التَّسْلِيمُ وَمَا لَا بِأَنْ أَسْلَمَ إلَيْهِ وَهُمَا فِي مَرْكَبٍ فِي الْبَحْرِ أَوْ جَبَلٍ فَإِنَّهُ يَجِبُ فِي أَقْرَبِ الْأَمَاكِنِ الَّتِي يُمْكِنُ فِيهَا وَهَذَا عَلَى رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَذُكِرَ فِي الْإِجَارَاتِ أَنَّ مَا لَا حَمْلَ لَهُ يُوفِيهِ فِي أَيِّ مَكَان شَاءَ وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْأَمَاكِنَ كُلَّهَا سَوَاءٌ، وَلَوْ عَيَّنَ مَكَانًا قِيلَ لَا يَتَعَيَّنُ وَقِيلَ يَتَعَيَّنُ وَهُوَ الْأَصَحُّ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَصَحَّحَ فِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ مَوْضِعُ الْعَقْدِ فِيمَا لَا حَمْلَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمَاكِنِ وَالْكَافُورُ أَكْثَرُ قِيمَةً فِي الْمِصْرِ لِكَثْرَةِ الرَّغْبَةِ فِيهِ فِي الْمِصْرِ وَقِلَّتِهَا فِي السَّوَادِ اهـ. قَوْلُهُ (وَقَبْضُ رَأْسِ الْمَالِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ) أَيْ وَشَرْطُهُ قَبْضُ رَأْسِ الْمَالِ قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا؛ لِأَنَّ السَّلَمَ يُنْبِئُ عَنْ أَخْذِ عَاجِلٍ بِآجِلٍ وَذَلِكَ بِالْقَبْضِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ لِيَكُونَ حُكْمُهُ عَلَى وَفْقِ مَا يَقْتَضِيهِ اسْمُهُ كَمَا فِي الْحَوَالَةِ وَالْكَفَالَةِ وَالصَّرْفِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الْقَبْضَ شَرْطُ انْعِقَادِهِ صَحِيحًا كَبَقِيَّةِ الشُّرُوطِ وَهُوَ قَوْلُ الْبَعْضِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ شَرْطُ بَقَائِهِ عَلَى الصِّحَّةِ فَيَنْعَقِدُ صَحِيحًا بِدُونِهِ، ثُمَّ يَفْسُدُ بِالِافْتِرَاقِ بِلَا قَبْضٍ وَسَتَأْتِي فَائِدَةُ الِاخْتِلَافِ فِي الصَّرْفِ وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ مِمَّا لَا يَتَعَيَّنُ أَوْ يَتَعَيَّنُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَفِي الْخُلَاصَةِ، وَلَوْ أَبَى الْمُسْلَمُ إلَيْهِ قَبْضَ رَأْسِ الْمَالِ أُجْبِرَ عَلَيْهِ. اهـ. وَفِي الْوَاقِعَاتِ بَاعَ عَبْدًا بِثَوْبٍ مَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ فَإِنْ لَمْ يَضْرِبْ لِلثَّوْبِ أَجَلًا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الثَّوْبَ لَا يَجِبُ فِي الذِّمَّةِ إلَّا سَلَمًا فَالْأَجَلُ شَرْطٌ، فَلَوْ ضَرَبَ الْأَجَلَ جَازَ لِوُجُودِ شَرْطِهِ، فَلَوْ افْتَرَقَا قَبْلَ قَبْضِ الْعَبْدِ لَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْعَقْدَ اُعْتُبِرَ سَلَمًا فِي حَقِّ الثَّوْبِ بَيْعًا فِي حَقِّ الْعَبْدِ وَيَجُوزُ أَنْ يُعْتَبَرَ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ حُكْمَ عَقْدَيْنِ كَمَا فِي الْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ وَكَمَا فِي قَوْلِ الْمَوْلَى لِعَبْدِهِ إذَا أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا فَأَنْت حُرٌّ اُعْتُبِرَ فِيهِ حُكْمُ الْيَمِينِ وَحُكْمُ الْمُعَاوَضَةِ. اهـ. وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى أَنَّهُ لَا يَدْخُلُهُ خِيَارُ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ تَمَامَ الْقَبْضِ قَالُوا وَلَا يَثْبُتُ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ خِيَارُ رُؤْيَةٍ وَيَثْبُتُ فِيهِ خِيَارُ الْعَيْبِ وَيَثْبُتَانِ فِي رَأْسِ الْمَالِ إذَا كَانَ مِمَّا يَتَعَيَّنُ وَإِلَّا فَخِيَارُ الرُّؤْيَةِ لَا يَثْبُتُ فِي النُّقُودِ وَدَلَّ قَوْلُهُ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ دُونَ أَنْ يَقُولَ فِي الْمَجْلِسِ عَلَى أَنَّ الْقَبْضَ فِي الْمَجْلِسِ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَإِنْ مَكَثَا إلَى اللَّيْلِ أَوْ سَافَرَا فَرْسَخًا أَوْ أَكْثَرَ، ثُمَّ سَلَّمَ جَازَ وَإِنْ نَامَ أَحَدُهُمَا أَوْ نَامَا لَمْ تَكُنْ فُرْقَةً. وَلَوْ أَسْلَمَ عَشَرَةً فِي كُرٍّ وَلَمْ تَكُنْ الدَّرَاهِمُ عِنْدَهُ فَدَخَلَ الْمَنْزِلَ لِيُخْرِجَهُ إنْ تَوَارَى عَنْ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ بَطَلَ وَإِنْ بِحَيْثُ يَرَاهُ لَا وَصَحَّتْ الْكَفَالَةُ وَالْحَوَالَةُ وَالِارْتِهَانُ بِرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ. اهـ. وَفِي الْبَدَائِعِ، ثُمَّ إذَا جَازَتْ الْحَوَالَةُ وَالْكَفَالَةُ فَإِنْ قَبَضَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ رَأْسَ الْمَالِ مِنْ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ أَوْ الْكَفِيلِ أَوْ مِنْ رَبِّ السَّلَمِ فَقَدْ تَمَّ الْعَقْدُ بَيْنَهُمَا إذَا كَانَا فِي الْمَجْلِسِ سَوَاءٌ بَقِيَ الْحَوِيلُ أَوْ الْكَفِيلُ أَوْ افْتَرَقَا بَعْدَ أَنْ كَانَ الْعَاقِدَانِ فِي الْمَجْلِسِ وَإِنْ افْتَرَقَ الْعَاقِدَانِ بِأَنْفُسِهِمَا قَبْلَ الْقَبْضِ بَطَلَ السَّلَمُ وَبَطَلَتْ الْحَوَالَةُ وَالْكَفَالَةُ وَإِنْ بَقِيَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ وَالْكَفِيلُ فِي الْمَجْلِسِ وَالْعِبْرَةُ لِبَقَاءِ الْعَاقِدَيْنِ وَافْتِرَاقِهِمَا لَا لِبَقَاءِ الْحَوِيلِ وَالْكَفِيلِ وَافْتِرَاقِهِمَا لِأَنَّ الْقَبْضَ مِنْ حُقُوقِ الْعَقْدِ وَقِيَامُ الْعَقْدِ بِالْعَاقِدَيْنِ فَكَانَ الْمُعْتَبَرُ بِمَجْلِسِهِمَا وَعَلَى هَذَا الْكَفَالَةُ وَالْحَوَالَةُ بِبَدَلِ الصَّرْفِ، وَأَمَّا الرَّهْنُ بِرَأْسِ الْمَالِ فَإِنْ هَلَكَ الرَّهْنُ فِي الْمَجْلِسِ وَقِيمَتُهُ مِثْلُ رَأْسِ الْمَالِ أَوْ أَكْثَرُ فَقَدْ تَمَّ الْعَقْدُ بَيْنَهُمَا وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، ثُمَّ الْعَقْدُ بِقَدْرِهِ وَيَبْطُلُ فِي الْبَاقِي وَإِنْ لَمْ يَهْلِكْ الرَّهْنُ حَتَّى افْتَرَقَا بَطَلَ السَّلَمُ لِحُصُولِ الِافْتِرَاقِ لَا عَنْ قَبْضٍ وَعَلَيْهِ رَدُّ الرَّهْنِ عَلَى صَاحِبِهِ وَكَذَا الْحُكْمُ فِي بَدَلِ الصَّرْفِ. اهـ. وَفِي إيضَاحِ الْكَرْمَانِيِّ مِنْ الرَّهْنِ وَلَوْ أَخَذَ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ رَهْنًا وَسَلَّطَهُ عَلَى الْبَيْعِ فَبَاعَهُ بِجِنْسِ الْمُسْلَمِ فِيهِ أَوْ بِغَيْرِ جِنْسِهِ جَازَ. اهـ. وَفِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ مِنْ بَابِ إقْرَارِ الْمَرِيضِ لِوَارِثٍ آخَرَ وَالدَّيْنَيْنِ قَضَاءٌ لِأَوَّلِهِمَا، فَلَوْ أَسْلَمَ، ثُمَّ اسْتَقْرَضَ وَقَعَتْ الْمُقَاصَصَةُ وَفِي عَكْسِهِ لَا. اهـ. أَيْ لَا تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَفِي الْوَاقِعَاتِ بَاعَ عَبْدًا بِثَوْبٍ إلَخْ) كَانَ الْأَوْلَى تَقْدِيمَهُ عَلَى عِبَارَةِ الْخُلَاصَةِ لِأَنَّهُ مُقَابِلٌ لِمَا أَفَادَهُ الْإِطْلَاقُ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَإِنْ كَانَ عَيْنًا فَفِي الْقِيَاسِ لَا يَشْتَرِطُ تَعْجِيلَهُ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَشْتَرِطُ. اهـ. فَهُوَ مُفَرَّعٌ عَلَى الْقِيَاسِ وَفِي حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ عَنْ الْحَمَوِيِّ مَا فِي الْوَاقِعَاتِ مُشْكِلٌ وَمُقْتَضَى جَوَابِ الِاسْتِحْسَانِ أَنْ يَبْطُلَ وَمَا ادَّعَاهُ يُمْكِنُ إجْرَاؤُهُ فِي كُلِّ عَيْنٍ جُعِلَتْ رَأْسَ مَالِ السَّلَمِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 177 إلَّا إذَا تَقَاصَّا بِدَلِيلِ مَا سَنَذْكُرُهُ عَنْ الْبَدَائِعِ وَيَتَفَرَّعُ عَلَى أَنَّ الْقَبْضَ شَرْطُ مَا إذَا قُبِضَ، ثُمَّ اُنْتُقِضَ الْقَبْضُ لِمَعْنًى أَوْجَبَهُ أَنَّهُ يُبْطِلُ السَّلَمَ وَبَيَانُهُ أَنَّ رَأْسَ الْمَالِ إمَّا أَنْ يَكُونَ عَيْنًا أَوْ دَيْنًا وَكُلٌّ مِنْهُمَا إمَّا أَنْ يُوجَدَ مُسْتَحَقًّا أَوْ مَعِيبًا وَكُلٌّ إمَّا أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ أَوْ بَعْدَهُ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ، وَكَذَا بَدَلُ الصَّرْفِ عَلَى هَذِهِ التَّفَاصِيلِ وَإِنْ كَانَ عَيْنًا فَوُجِدَ مُسْتَحَقًّا أَوْ مَعِيبًا فَإِنْ لَمْ يُجْزِ الْمُسْتَحَقُّ وَلَمْ يَرْضَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ بِالْعَيْبِ بَطَلَ السَّلَمُ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ أَوْ قَبْلَهُ وَإِنْ أَجَازَ الْمُسْتَحَقُّ وَرَضِيَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ بِالْعَيْبِ جَازَ مُطْلَقًا وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى النَّاقِدِ بِمِثْلِهِ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا أَوْ بِقِيمَتِهِ إنْ كَانَ قِيَمِيًّا، وَإِنْ كَانَ دَيْنًا فَإِنْ وَجَدَهُ مُسْتَحَقًّا وَأُجِيزَ مُضِيُّ السَّلَمِ مُطْلَقًا وَلَا سَبِيلَ لِلْمُشْتَرِي عَلَى الْمَقْبُوضِ وَيَرْجِعُ عَلَى النَّاقِدِ بِمِثْلِهِ وَإِنْ لَمْ يَجُزْ فَاسْتُبْدِلَ فِي الْمَجْلِسِ صَحَّ وَإِنْ بَعْدَهُ بَطَلَ وَإِنْ وَجَدَهُ زُيُوفًا أَوْ نَبَهْرَجَةً أَوْ سَتُّوقَةً أَوْ رَصَاصًا فَإِنْ كَانَتْ زُيُوفًا فَرَضِيَ بِهَا صَحَّ مُطْلَقًا بِخِلَافِ السَّتُّوقَةِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ فَإِنْ لَمْ يَرْضَ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ وَاسْتَبْدَلَ فِي الْمَجْلِسِ صَحَّ وَإِنْ بَعْدَهُ بَطَلَ عِنْدَ الْإِمَامِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ اسْتَبْدَلَهَا فِي الْمَجْلِسِ أَوْ لَا هَذَا إذَا وَجَدَهَا زُيُوفًا أَوْ نَبَهْرَجَةً فَإِنْ وَجَدَهَا سَتُّوقَةً أَوْ رَصَاصًا فَإِنْ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ بَطَلَ سَوَاءٌ تَجُوزُ بِهَا أَوْ لَا وَإِنْ اُسْتُبْدِلَ فِي الْمَجْلِسِ صَحَّ وَتَمَامُ التَّفْرِيعَاتِ فِي الْبَدَائِعِ وَفِي الصُّغْرَى الْمُسْلَمُ إلَيْهِ إذَا أَتَى بِشَيْءٍ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَقَالَ وَجَدْته زُيُوفًا فَالْقَوْلُ لَهُ. اهـ. وَفِي الْإِيضَاحِ اسْتَحْسَنَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْيَسِيرِ فَقَالَ يَرُدُّهَا وَيَسْتَبْدِلُ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ وَفِي تَحْدِيدِ الْكَثِيرِ رِوَايَتَانِ مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ وَمَا زَادَ عَلَى النِّصْفِ. اهـ. وَفِيهِ لَوْ وَجَدَ الْبَعْضَ نَبَهْرَجَةً أَوْ مُسْتَحَقَّةً فَاخْتَلَفَا فَقَالَ رَبُّ السَّلَمِ هُوَ ثُلُثُ رَأْسِ الْمَالِ وَقَالَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ نِصْفُهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ السَّلَمِ مَعَ يَمِينِهِ، وَلَوْ كَانَتْ سَتُّوقَةً أَوْ رَصَاصًا فَاخْتَلَفَا فِي مِثْلِ ذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَبَيَانُهُ فِيهِ اهـ. قَوْلُهُ (فَإِنْ أَسْلَمَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فِي كُرِّ بُرٍّ مِائَةً دَيْنًا عَلَيْهِ وَمِائَةً نَقْدًا فَالسَّلَمُ فِي الدَّيْنِ بَاطِلٌ) أَيْ فِي حِصَّتِهِ لِكَوْنِهِ دَيْنًا بِدَيْنٍ وَصَحَّ فِي حِصَّةِ النَّقْدِ لِوُجُودِ قَبْضِ رَأْسِ الْمَالِ بِقَدْرِهِ وَلَا يَشِيعُ الْفَسَادُ؛ لِأَنَّهُ طَارِئٌ إذْ السَّلَمُ وَقَعَ صَحِيحًا فِي الْكُلِّ وَلِذَا لَوْ نَقَدَ الْكُلَّ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ صَحَّ وَالتَّقْيِيدُ بِكَوْنِهِ أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى الْمِائَتَيْنِ اتِّفَاقِيٌّ بَلْ كَذَلِكَ إذَا أَضَافَهُ إلَى مِائَتَيْنِ مُطْلَقًا، ثُمَّ جَعَلَ الْمِائَةَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ قِصَاصًا بِمَا فِي ذِمَّتِهِ مِنْ الدَّيْنِ فِي الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى يَجْمَعُهُمَا وَهُوَ كَوْنُ الْفَسَادِ طَارِئًا إذْ الدَّيْنُ لَا يَتَعَيَّنُ بِإِضَافَةِ الْعَقْدِ إلَيْهِ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ دَيْنًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ أَسْلَمْت إلَيْك هَذِهِ الْمِائَةَ وَالْمِائَةَ الَّتِي لِي عَلَى فُلَانٍ يَبْطُلُ فِي الْكُلِّ وَإِنْ نَقَدَ الْكُلَّ لِاشْتِرَاطِ تَسْلِيمِ الثَّمَنِ عَلَى غَيْرِ الْعَاقِدِ وَهُوَ مُفْسِدٌ مُقَارَنٌ فَتَعَدَّى وَقَيَّدَ بِكَوْنِ الدَّيْنِ مِنْ جِنْسِ النَّقْدِ؛ لِأَنَّ الْجِنْسَ لَوْ اخْتَلَفَ بِأَنْ كَانَ لَهُ عَلَى آخَرَ مِائَةُ دِرْهَمٍ فَأَسْلَمَهَا إلَيْهِ وَعَشَرَةُ دَنَانِيرَ فِي أَكْرَارٍ مَعْلُومَةٍ لَمْ يَجُزْ فِي الْكُلِّ، أَمَّا الدَّيْنُ فَظَاهِرٌ. وَأَمَّا عَدَمُ حِصَّةِ الْعَيْنِ فَلِجَهَالَةِ مَا يَخُصُّهُ وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ فِي حِصَّةِ الْعَيْنِ وَهِيَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى مَسْأَلَةِ إعْلَامِ قَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ، وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِ جَعَلَ الدَّيْنَ عَلَيْهِ رَأْسَ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجْعَلْهُ، وَإِنَّمَا وَقَعَتْ الْمُقَاصَّةُ بِأَنْ وَجَبَ عَلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ دَيْنٌ مِثْلُ رَأْسِ الْمَالِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَجِبَ الدَّيْنُ الْآخَرُ بِالْعَقْدِ أَوْ بِالْقَبْضِ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ فَإِمَّا بِعَقْدٍ سَابِقٍ عَلَى الْمُسْلِمِ أَوْ مُتَأَخِّرٍ عَنْهُ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ بِأَنْ كَانَ رَبُّ السَّلَمِ بَاعَ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ ثَوْبًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَلَمْ يَقْبِضْهَا حَتَّى أَسْلَمَ إلَيْهِ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فِي كُرٍّ فَإِنْ تَرَاضَيَا بِالْمُقَاصَّةِ صَارَ قِصَاصًا وَإِنْ أَبَى أَحَدُهُمَا لَا يَصِيرُ قِصَاصًا اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ مُوجِبٌ لِلْقَبْضِ حَقِيقَةً لَوْلَا الْمُقَاصَّةُ فَإِذَا تَقَاصَّا تَبَيَّنَ أَنَّهُ انْعَقَدَ مُوجِبًا قَبْضًا بِطَرِيقِ الْمُقَاصَّةِ، وَقَدْ وُجِدَ وَإِنْ وَجَبَ بِعَقْدٍ مُتَأَخِّرٍ عَنْ السَّلَمِ لَا يَصِيرُ قِصَاصًا وَإِنْ جَعَلَاهُ قِصَاصًا هَذَا إذَا وَجَبَ الدَّيْنُ بِالْعَقْدِ فَإِنْ وَجَبَ بِالْقَبْضِ كَالْغَصْبِ وَالْقَرْضِ فَإِنَّهُ يَصِيرُ قِصَاصًا جَعَلَاهُ أَوْ لَا بَعْدَ أَنْ كَانَ وُجُوبُ الدَّيْنِ مُتَأَخِّرًا عَنْ الْعَقْدِ هَذَا إذَا تَسَاوَى الدَّيْنَانِ، فَأَمَّا إذَا تَفَاضَلَا بِأَنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَفْضَلَ وَالْآخَرُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى النَّاقِدِ) أَيْ عَلَى الدَّافِعِ. (قَوْلُهُ: اسْتَبْدَلَهَا فِي الْمَجْلِسِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ مَجْلِسِ الرَّدِّ. [أَسْلَمَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فِي كُرِّ بُرٍّ مِائَةً دَيْنًا عَلَيْهِ وَمِائَةً نَقْدًا] (قَوْلُهُ: بَلْ كَذَلِكَ إذَا أَضَافَهُ إلَى مِائَتَيْنِ مُطْلَقًا إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ اُنْظُرْهُ مَعَ مَا يَأْتِي قَرِيبًا مِنْ قَوْلِهِ وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِ جَعَلَ الدَّيْنَ عَلَيْهِ رَأْسَ مَالٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجْعَلْهُ وَإِنَّمَا وَقَعَتْ الْمُقَاصَّةُ إلَخْ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَيْ الَّذِي يَأْتِي مُقَابِلُ الصَّحِيحِ وَهُوَ مِنْ كَلَامِ الْبَدَائِعِ تَأَمَّلْ. اهـ. قُلْتُ: وَفِي الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ تَفَاصِيلُ يُمْكِنُ حَمْلُ مَا هُنَا عَلَى بَعْضٍ مِنْهَا تَأَمَّلْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 178 أَدْوَنَ وَرَضِيَ أَحَدُهُمَا بِالْقِصَاصِ وَأَبَى الْآخَرُ فَإِنَّهُ يُنْظَرُ فَإِنْ أَبَى صَاحِبُ الْأَفْضَلِ لَا يَصِيرُ قِصَاصًا؛ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الْجَوْدَةِ مَعْصُومٌ مُحْتَرَمٌ فَلَا يَجُوزُ إبْطَالُهُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ وَإِنْ أَبَى صَاحِبُ الْأَدْوَنِ يَصِيرُ قِصَاصًا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا رَضِيَ بِهِ صَاحِبُ الْأَفْضَلِ فَقَدْ أَسْقَطَ حَقَّهُ وَكَذَلِكَ الْمُقَاصَّةُ فِي بَدَلِ الصَّرْفِ عَلَى هَذِهِ التَّفَاصِيلِ، كَذَا فِي الْبَدَائِعِ. قَالَ الْأَزْهَرِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: الْكُرُسْتُونُ قَفِيزًا وَالْقَفِيزُ ثَمَانِيَةُ مَكَاكِيكَ وَالْمَكُّوكُ صَاعٌ وَنِصْفٌ وَفِي الْحُسَامِيِّ الْكَرَاسِمُ لِأَرْبَعِينَ قَفِيزًا وَهَذَا كُلُّهُ فِي رَأْسِ الْمَالِ، أَمَّا الْمُقَاصَّةُ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ فَقَالَ فِي الْإِيضَاحِ إنْ وَجَبَ عَلَى رَبِّ السَّلَمِ دَيْنٌ مِثْلُ الْمُسْلَمِ فِيهِ بِسَبَبٍ مُتَقَدِّمٍ عَلَى الْعَقْدِ أَوْ بَعْدَهُ لَمْ يَصِرْ قِصَاصًا وَإِنْ وَجَبَ بِقَبْضٍ مَضْمُونٍ كَالْغَصْبِ وَالْقَرْضِ صَارَ قِصَاصًا إنْ كَانَ قَبْلَ الْعَقْدِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ فَجَعَلَهُ قِصَاصًا جَازَ وَإِنْ كَانَ وَدِيعَةً عِنْدَ رَبِّ السَّلَمِ قَبْلَ الْعَقْدِ أَوْ بَعْدَهُ فَجَعَلَهُ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ قِصَاصًا لَمْ يَكُنْ قِصَاصًا إلَّا أَنْ يَكُونَ بِحَضْرَتِهِمَا أَوْ يُخَلِّي بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا، وَلَا يَصِيرُ الْمَغْصُوبُ قِصَاصًا إلَّا إذَا كَانَ مِثْلَ الْمُسْلَمِ فِيهِ فَإِنْ كَانَ أَجْوَدَ أَوْ أَرْدَأَ فَلَا بُدَّ مِنْ رِضَاهُمَا اهـ. قَوْلُهُ (وَلَا يَصِحُّ التَّصَرُّفُ فِي رَأْسِ الْمَالِ وَالْمُسْلَمِ فِيهِ قَبْلَ الْقَبْضِ بِشَرِكَةٍ أَوْ تَوْلِيَةٍ) لِأَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ مَبِيعٌ وَالتَّصَرُّفُ فِي الْمَبِيعِ الْمَنْقُولِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ وَرَأْسُ الْمَالِ مُسْتَحَقُّ الْقَبْضِ فِي الْمَجْلِسِ وَالتَّصَرُّفُ فِيهِ مُفَوِّتٌ لَهُ فَلَمْ يَجُزْ فَفِي التَّوْلِيَةِ تَمْلِيكُهُ بِعِوَضٍ وَفِي الشَّرِكَةِ تَمْلِيكُ بَعْضِهِ بِعِوَضٍ فَلَمْ يَجُزْ، وَصُورَةُ الشَّرِكَةِ فِيهِ أَنْ يَقُولَ رَبُّ السَّلَمِ لِآخَرَ اعْطِنِي نِصْفَ رَأْسِ الْمَالِ لِيَكُونَ نِصْفَ الْمُسْلَمِ لَك فِيهِ وَصُورَةُ التَّوْلِيَةِ أَنْ يَقُولَ لِآخَرَ أَعْطِنِي مِثْلَ مَا أَعْطَيْتَ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ حَتَّى يَكُونَ الْمُسْلَمُ فِيهِ لَكَ كَذَا فِي الْإِيضَاحِ وَإِنَّمَا صَرَّحَ بِالتَّوْلِيَةِ لِرَدِّ قَوْلِ مَنْ قَالَ بِجَوَازِ بَيْعِ الْمُسْلَمِ فِيهِ مُرَابَحَةً وَتَوْلِيَةً وَجَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِي فَقَالَ وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ الْمُسْلَمِ قَبْلَ قَبْضِهِ مُرَابَحَةً وَتَوْلِيَةً وَهُوَ قَوْلٌ ضَعِيفٌ وَالْمَذْهَبُ مَنْعُهُمَا، وَقَدْ أَشَارَ إلَى مَنْعِ بَيْعِ السَّلَمِ بِالْأُولَى سَوَاءٌ كَانَ مِمَّنْ عَلَيْهِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ كَمَا فِي الْحَاوِي، فَلَوْ بَاعَ رَبُّ السَّلَمِ الْمُسْلَمَ فِيهِ مِنْ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ بِأَكْثَرَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ لَا يَصِحُّ وَلَا يَكُونُ إقَالَةً كَذَا فِي الْقُنْيَةِ، وَلَوْ وَهَبَهُ مِنْهُ قَبْلَ قَبْضِهِ وَقَبْلَ الْهِبَةِ لَمْ يَصِحَّ وَكَانَ إقَالَةً فَوَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّ رَأْسِ الْمَالِ وَكَذَا لَوْ أَبْرَأَهُ كُلًّا أَوْ بَعْضًا. وَفِي التَّجْنِيسِ وَالْوَاقِعَاتِ رَجُلٌ أَسْلَمَ إلَى رَجُلٍ كُرَّ حِنْطَةٍ فَقَالَ رَبُّ السَّلَمِ لِلْمُسْلَمِ إلَيْهِ أَبْرَأْتُك عَنْ نِصْفِ السَّلَمِ وَقَبِلَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ وَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّ نِصْفِ الْمَالِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ السَّلَمَ نَوْعُ بَيْعٍ وَفِي الْبَيْعِ مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا، ثُمَّ قَالَ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعٍ قَبْلَ الْقَبْضِ وَهَبْت مِنْك نِصْفَهُ فَقَبِلَ الْبَائِعُ كَانَتْ إقَالَةً فِي النِّصْفِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ فَكَذَا هَذَا إذْ الْحَطُّ بِمَنْزِلَةِ الْهِبَةِ. اهـ. وَفِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى إقَالَةُ بَعْضِ السَّلَمِ وَإِبْقَاؤُهُ فِي الْبَعْضِ جَائِزٌ، وَأَمَّا إقَالَةُ الْمُسْلَمِ عَلَى مُجَرَّدِ الْوَصْفِ بِأَنْ كَانَ الْمُسْلَمُ فِيهِ جَيِّدًا فَتَقَايَلَا عَلَى الرَّدِيءِ عَلَى أَنْ يَرُدَّ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ دِرْهَمًا لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ فِي رِوَايَةٍ لَكِنَّهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ لَا بِطَرِيقِ الْإِقَالَةِ بَلْ بِطَرِيقِ الْحَطِّ عَنْ رَأْسِ الْمَالِ. اهـ. وَفِي الْبَدَائِعِ الْإِبْرَاءُ عَنْ رَأْسِ الْمَالِ يَتَوَقَّفُ عَلَى قَبُولِ رَبِّ السَّلَمِ فَإِنْ قَبِلَ انْفَسَخَ الْعَقْدُ فِيهِ بِخِلَافِ الْإِبْرَاءِ عَنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ بِدُونِ قَبُولِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إسْقَاطُ شَرْطٍ وَبِخِلَافِ الْإِبْرَاءِ عَنْ ثَمَنِ الْمَبِيعِ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ بِدُونِ قَبُولِ الْمُشْتَرِي لَكِنَّهُ يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ وَلَا يَجُوزُ الْإِبْرَاءُ عَنْ الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّهُ عَيْنٌ وَإِسْقَاطُ الْعَيْنِ لَا يَصِحُّ. اهـ. وَظَاهِرُهُ يُخَالِفُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ التَّجْنِيسِ فِي الْإِبْرَاءِ عَنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَفِي   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ الْكُرُسْتُونُ قَفِيزًا إلَخْ) فَيَكُونُ الْقَفِيزُ اثْنَيْ عَشَرَ صَاعًا وَيَكُونُ الْكُرُّ سَبْعَمِائَةٍ وَعِشْرِينَ صَاعًا وَذَلِكَ أَرْبَعُ غَرَابِرَ وَنِصْفٌ شَامِيَّةٌ تَقْرِيبًا لِأَنَّ نِصْفَ الصَّاعِ رُبُعُ مُدٍّ شَامِيٍّ تَقْرِيبًا. (قَوْلُهُ: بَلْ بِطَرِيقِ الْحَطِّ عَنْ رَأْسِ الْمَالِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ فِيهِ صَرَاحَةٌ بِجَوَازِ الْحَطِّ عَنْ رَأْسِ الْمَالِ وَتَجُوزُ الزِّيَادَةُ فِيهِ وَالظَّاهِرُ فِيهَا اشْتِرَاطُ قَبْضِهَا قَبْلَ التَّفَرُّقِ بِخِلَافِ الْحَطِّ قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة فِي الْحَطِّ عَنْ بَدَلِ الصَّرْفِ وَالزِّيَادَةِ فِيهِ بَاعَ دِينَارًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ ثُمَّ زَادَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ وَقَبِلَ الْآخَرُ فَإِنْ قَبَضَ الزِّيَادَةَ قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا جَازَ وَإِنْ تَفَرَّقَا مِنْ غَيْرِ قَبْضٍ بَطَلَتْ الزِّيَادَةُ وَبَطَلَ الْبَيْعُ فِي حِصَّةِ الزِّيَادَةِ وَلَوْ حَطَّ دِرْهَمًا مِنْ ثَمَنِ الدِّينَارِ جَازَ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ التَّفَرُّقِ أَوْ بَعْدَهُ. اهـ. وَقَدَّمْنَا فِي الْحَاشِيَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَالزِّيَادَةُ فِي الْمَبِيعِ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ وَيَجُوزُ الْحَطُّ تَأَمَّلْ. (فَائِدَةٌ) خَمْسَةُ أَشْيَاءَ تَجُوزُ فِي السَّلَمِ الْوَكَالَةُ وَالْحَوَالَةُ وَالْكَفَالَةُ وَالْإِقَالَةُ وَالرَّهْنُ، وَخَمْسَةُ أَشْيَاءَ لَا تَجُوزُ فِي السَّلَمِ الشَّرِكَةُ وَالتَّوْلِيَةُ وَبَيْعُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَالِاعْتِيَاضُ عَنْ السَّلَمِ فِيهِ وَالِاعْتِيَاضُ عَنْ رَأْسِ الْمَالِ بَعْدَ الْإِقَالَةِ، كَذَا فِي خِزَانَةِ أَبِي اللَّيْثِ. (قَوْلُهُ: فِي الْإِبْرَاءِ عَنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ) لَعَلَّ الصَّوَابَ عَنْ الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّ كَلَامَ الْبَدَائِعِ مُوَافِقٌ لِكَلَامِ التَّجْنِيسِ فِي جَوَازِ الْإِبْرَاءِ عَنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ لِأَنَّ الَّذِي لَهُ الْمُطَالَبَةُ أَمَّا الْعَيْنُ فَلَا يَمْلِكُهَا إلَّا بِالْقَبْضِ كَمَا مَرَّ أَوَّلَ الْبَابِ فَلَمْ يَلْزَمْ إسْقَاطُ الْعَيْنِ نَعَمْ يُخَالِفُهُ ظَاهِرًا فِي الْمَبِيعِ فَإِنَّ كَلَامَ التَّجْنِيسِ صَرِيحٌ فِي صِحَّةِ هِبَتِهِ وَفِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 179 الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ أَنَّ رَبَّ السَّلَمِ وَهَبَ الْمُسْلَمَ فِيهِ لِلْمُسْلَمِ إلَيْهِ كَانَتْ إقَالَةً لِلسَّلَمِ وَلَزِمَهُ رَدُّ رَأْسِ الْمَالِ إذَا قَبِلَ، وَفِي الْمَبْسُوطِ إذَا أَبْرَأَ رَبُّ السَّلَمِ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ عَنْ طَعَامِ السَّلَمِ صَحَّ إبْرَاؤُهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَصِحُّ مَا لَمْ يَقْبَلْ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ، وَإِذَا قَبِلَ كَانَ فَسْخًا لِعَقْدِ السَّلَمِ، وَلَوْ أَبْرَأَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ رَبَّ السَّلَمِ عَنْ رَأْسِ الْمَالِ وَقَبِلَ الْبَرَاءَ بَطَلَ السَّلَمُ وَإِنْ رَدَّهُ لَا وَالْفَرْقُ بَيْنَ رَأْسِ الْمَالِ وَالْمُسْلَمِ فِيهِ أَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ لَا يُسْتَحَقُّ قَبْضُهُ فِي الْمَجْلِسِ بِخِلَافِ رَأْسِ الْمَالِ. اهـ. وَذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ قَوْلَيْنِ فِي مَسْأَلَةِ الْإِبْرَاءِ عَنْ بَعْضِ الْمُسْلَمِ فِيهِ هَلْ هُوَ إقَالَةٌ فَيَرُدُّ مَا قَابَلَهُ أَوْ حَطٌّ لَهُ فَلَا يُرَدُّ وَبِهِ انْدَفَعَ الْإِشْكَالُ وَذَكَرَ الْقَوْلَيْنِ أَيْضًا فِيمَا إذَا أَبْرَأَهُ عَنْ الْكُلِّ وَقَبِلَ فَقِيلَ بِرَدِّ رَأْسِ الْمَالِ كُلِّهِ وَقِيلَ لَا يَرُدُّ شَيْئًا. اهـ. وَدَلَّ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَلَى مَنْعِ الِاسْتِبْدَالِ بِهِمَا، أَمَّا الِاسْتِبْدَالُ بِرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ فَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ بِأَنْ يَأْخُذَ بِرَأْسِ الْمَالِ شَيْئًا مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ لِكَوْنِهِ يُفَوِّتُ الْقَبْضَ الْمَشْرُوطَ؛ لِأَنَّ بَدَلَ الشَّيْءِ غَيْرُهُ وَكَذَا الِاسْتِبْدَالُ بِبَدَلِ الصَّرْفِ فَإِنْ أَعْطَاهُ مِنْ جِنْسِ رَأْسِ الْمَالِ أَجْوَدَ أَوْ أَرْدَأَ وَرَضِيَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ بِالْأَرْدَأِ جَازَ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَ جِنْسَ حَقِّهِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ الْوَصْفُ فَإِنْ كَانَ أَجْوَدَ فَقَدْ قَضَى حَقَّهُ وَأَحْسَنَ فِي الْقَضَاءِ وَإِنْ كَانَ أَرْدَأَ فَقَدْ قَضَاهُ نَاقِصًا فَلَا يَكُونُ اسْتِبْدَالًا إلَّا أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى أَخْذِ الْأَرْدَأِ وَيُجْبَرُ عَلَى أَخْذِ الْأَجْوَدِ لِأَنَّهُ فِي الْعَادَةِ لَا يُعَدُّ فَضْلًا، وَإِنَّمَا هُوَ إحْسَانٌ فِي الْقَضَاءِ وَالْإِيفَاءِ. وَأَمَّا الِاسْتِبْدَالُ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ بِجِنْسِ الْآخَرِ فَلَا يَجُوزُ لِكَوْنِهِ بَيْعَ الْمَنْقُولِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَإِنْ أَعْطَى أَجْوَدَ أَوْ أَرْدَأَ فَحُكْمُهُ حُكْمُ رَأْسِ الْمَالِ، كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ أَسْلَمَ فِي ثَوْبٍ وَسَطٍ وَجَاءَ بِالْجَيِّدِ فَقَالَ خُذْ هَذَا وَزِدْنِي دِرْهَمًا فَعَلَى وُجُوهٍ أَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ كَيْلِيٌّ أَوْ وَزْنِيٌّ أَوْ ذَرْعِيٌّ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِ فَضْلٌ أَوْ نُقْصَانٌ وَذَلِكَ فِي الْقَدْرِ أَوْ فِي الصِّفَةِ فَإِنْ كَيْلِيًّا بِأَنْ أَسْلَمَ فِي عَشَرَةِ أَقْفِزَةٍ فَجَاءَ بِأَحَدَ عَشَرَ فَقَالَ خُذْ هَذَا وَزِدْنِي دِرْهَمًا جَازَ؛ لِأَنَّهُ بَاعَ مَعْلُومًا بِمَعْلُومٍ، وَلَوْ جَاءَ بِتِسْعَةٍ وَقَالَ خُذْهُ وَأَرُدُّ عَلَيْك دِرْهَمًا جَازَ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ إقَالَةُ الْبَعْضِ وَإِقَالَةُ الْكُلِّ تَجُوزُ فَكَذَا إقَالَةُ الْبَعْضِ، وَلَوْ جَاءَ بِالْأَجْوَدِ أَوْ الْأَرْدَأِ وَقَالَ خُذْ وَاعْطِ دِرْهَمًا أَوْ أَرُدُّ عَلَيْك دِرْهَمًا لَا يَجُوزُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِلثَّانِي وَفِي الثَّوْبِ إنْ بَاعَ بِذِرَاعٍ أَزْيَدَ وَقَالَ زِدْنِي دِرْهَمًا جَازَ لِأَنَّهُ بَيْعُ ذِرَاعٍ يَمْلِكُ تَسْلِيمَهُ بِدِرْهَمٍ فَانْدَفَعَ بَيْعُهُ مُفْرَدًا، وَكَذَا لَوْ زَادَ فِي الْوَصْفِ يَجُوزُ عِنْدَهُمْ وَإِنْ جَاءَ بِأَنْقَصَ ذِرَاعًا وَرَدَّ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهُ إقَالَةٌ فِيمَا لَا يَعْلَمُ حِصَّتَهُ لِكَوْنِ الذِّرَاعِ وَصْفًا مَجْهُولَ الْحِصَّةِ، وَلَوْ جَاءَ بِأَنْقَصَ مِنْ حَيْثُ الْوَصْفِ لَا يَجُوزُ، وَلَوْ بِأَزْيَدَ وَصْفًا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ إقَالَةٌ فِيمَا لَا يُعْلَمُ وَهَذَا إذَا لَمْ يُبَيِّنْ لِكُلِّ ذِرَاعٍ حِصَّةً، أَمَّا إذَا بَيَّنَ جَازَ فِي الْكُلِّ بِلَا خِلَافٍ. اهـ. وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ بَيْعَهُ بَعْدَهُ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ وَمُرَابَحَةً وَوَضِيعَةً وَشَرِكَةً جَائِزٌ، كَذَا فِي الْبِنَايَةِ وَفِي الْقُنْيَةِ أَسْلَمَ دِينَارًا فِي مِائَتَيْ مَنٍّ مِنْ الزَّبِيبِ فَلَمَّا حَلَّ الْأَجَلُ وَعَجَزَ عَنْ أَدَائِهِ بَاعَ رَبُّ السَّلَمِ مِنْ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ مِائَةَ مَنٍّ مِنْ ذَلِكَ الزَّبِيبِ الَّذِي عَلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ بِدِينَارٍ وَقَبَضَ الدِّينَارَ وَلَا يَنْفَسِخُ السَّلَمُ فِي حِصَّةِ الدِّينَارِ. اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّصَرُّفَ الْمَنْفِيَّ فِي الْكِتَابِ شَامِلٌ لِلْبَيْعِ وَالِاسْتِبْدَالِ وَالْهِبَةِ وَالْإِبْرَاءِ إلَّا أَنَّ فِي الْهِبَةِ وَالْإِبْرَاءِ يَكُونُ مَجَازًا عَنْ الْإِقَالَةِ فَيَرُدُّ رَأْسَ الْمَالِ كُلًّا أَوْ بَعْضًا وَلَا يَشْمَلُ الْإِقَالَةَ فَإِنَّهَا جَائِزَةٌ وَلَا التَّصَرُّفُ فِي الْوَصْفِ مِنْ دَفْعِ الْجَيِّد مَكَانَ الرَّدِيءِ وَالْعَكْسُ. قَوْلُهُ (فَإِنْ تَقَايَلَا السَّلَمَ لَمْ يَشْتَرِ مِنْ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ شَيْئًا بِرَأْسِ الْمَالِ) يَعْنِي قَبْلَ قَبْضِهِ بِحُكْمِ الْإِقَالَةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا تَأْخُذْ إلَّا سَلَمَك أَوْ رَأْسَ مَالِك» أَيْ سَلَمَك حَالَ قِيَامِ الْعَقْدِ أَوْ رَأْسَ مَالِكِ حَالَ انْفِسَاخِهِ فَامْتَنَعَ الِاسْتِبْدَالُ فَصَارَ رَأْسُ الْمَالِ بَعْدَ الْإِقَالَةِ بِمَنْزِلَةِ السَّلَمِ فِيهِ قَبْلَهُ فَيَأْخُذُ حُكْمَهُ مِنْ حُرْمَةِ الِاسْتِبْدَالِ بِغَيْرِهِ فَحُكْمُ رَأْسِ الْمَالِ بَعْدَهَا كَحُكْمِهِ قَبْلَهَا إلَّا أَنَّهُ لَا يَجِبُ قَبْضُهُ فِي مَجْلِسِهَا كَمَا كَانَ يَجِبُ قَبْلَهَا لِكَوْنِهَا لَيْسَتْ بَيْعًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَلِهَذَا   [منحة الخالق] الْبَدَائِعِ قَالَ: لَا يَجُوزُ الْإِبْرَاءُ عَنْهُ لِأَنَّهُ عَيْنٌ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَبِهِ انْدَفَعَ الْإِشْكَالُ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْمُخَالَفَةَ بَيْنَ مَا فِي الْبَدَائِعِ وَالتَّجْنِيسِ وَلَا يَخْفَى عَدَمُ انْدِفَاعِهِ تَأَمَّلْ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 180 جَازَ إبْرَاؤُهُ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ قَبْلَهَا وَفِي الْإِيضَاحِ لِلْكَرْمَانِيِّ أَنَّ الْإِقَالَةَ فِيهِ بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ ثَالِثٍ وَهُوَ الشَّرْعُ، وَفِي الْبَدَائِعِ قَبْضُ رَأْسِ الْمَالِ إنَّمَا هُوَ شَرْطٌ حَالَ بَقَاءِ الْعَقْدِ فَأَمَّا بَعْدَ ارْتِفَاعِهِ بِطَرِيقِ الْإِقَالَةِ أَوْ بِطَرِيقٍ آخَرَ فَقَبْضُهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي مَجْلِسِ الْإِقَالَةِ بِخِلَافِ الْقَبْضِ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ وَقَبْضُ بَدَلِ الصَّرْفِ فِي مَجْلِسِ الْإِقَالَةِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْإِقَالَةِ كَقَبْضِهَا فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ، وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الْقَبْضَ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ فِي الْبَدَلَيْنِ مَا شُرِطَ لِعَيْنِهِ، وَإِنَّمَا شُرِطَ لِلتَّعْيِينِ وَهُوَ أَنْ يَصِيرَ الْبَدَلُ مُعَيَّنًا بِالْقَبْضِ صِيَانَةً عَنْ الِافْتِرَاقِ عَنْ دَيْنٍ بِدَيْنٍ وَلَا حَاجَةَ إلَى التَّعْيِينِ فِي مَجْلِسِ الْإِقَالَةِ فِي السَّلَمِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِبْدَالُهُ فَيَعُودُ إلَيْهِ عَيْنُهُ فَلَا تَقَعُ الْحَاجَةُ إلَى التَّعْيِينِ بِالْقَبْضِ فَكَانَ الْوَاجِبُ نَفْسَ الْقَبْضِ فَلَا يُرَاعَى لَهُ الْمَجْلِسُ بِخِلَافِ التَّصَرُّفِ؛ لِأَنَّ التَّعْيِينَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالْقَبْضِ لِأَنَّ اسْتِبْدَالَهُ جَائِزٌ فَلَا بُدَّ مِنْ شَرْطِ الْقَبْضِ فِي الْمَجْلِسِ لِلتَّعْيِينِ. اهـ. وَذَكَرَ الشَّارِحُ مِنْ بَابِ التَّحَالُفِ مِنْ كِتَابِ الدَّعْوَى الْإِقَالَةُ فِي السَّلَمِ بَعْدَ نَفَاذِهَا لَا تَحْتَمِلُ الْفَسْخَ بِسَائِرِ أَسْبَابِ الْفَسْخِ أَلَا يَرَى أَنَّهُمَا قَالَا نَقَضْنَا الْإِقَالَةَ لَا تُنْتَقَضُ وَكَذَا لَوْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ عَرْضًا فَقَبَضَهُ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ، ثُمَّ رُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ بِقَضَاءٍ، ثُمَّ هَلَكَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ إلَى رَبِّ السَّلَمِ لَا يَعُودُ السَّلَمُ وَالْفِقْهُ فِيهِ أَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ سَقَطَ بِالْإِقَالَةِ، فَلَوْ انْفَسَخَتْ الْإِقَالَةُ لَكَانَ حُكْمُ انْفِسَاخِهَا عَوْدَ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَالسَّاقِطُ لَا يَحْتَمِلُ الْعَوْدَ بِخِلَافِ الْإِقَالَةِ فِي الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ عَيْنٌ فَأَمْكَنَ عَوْدُهُ إلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي. اهـ. وَمِنْ هُنَا يُعْلَمُ أَنَّ فَسْخَ الْإِبْرَاءِ لَا يَصِحُّ بِالْأَوْلَى وَفِي الذَّخِيرَةِ مِنْ بَابِ السَّلَمِ لَوْ اخْتَلَفَا فِي رَأْسِ الْمَالِ بَعْدَ الْإِقَالَةِ فَالْقَوْلُ لِلْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَلَا يَتَحَالَفَانِ وَذَكَرَ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ، ثُمَّ قَالَ لَوْ تَقَايَلَا بَعْدَ مَا سَلَّمَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ الْمُسْلَمَ فِيهِ، ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي رَأْسِ الْمَالِ تَحَالَفَا؛ لِأَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ عَيْنٌ قَائِمَةٌ وَلَيْسَ بِدَيْنٍ فَالْإِقَالَةُ هُنَا تَحْتَمِلُ الْفَسْخَ قَصْدًا. اهـ. قَيَّدَ بِالسَّلَمِ؛ لِأَنَّ الصَّرْفَ إذَا تَقَايَلَاهُ جَازَ الِاسْتِبْدَالُ عَنْهُ وَيَجِبُ قَبْضُهُ فِي مَجْلِسِ الْإِقَالَةِ بِخِلَافِ السَّلَمِ وَبَيَانُ الْفَرْقِ فِي الْإِيضَاحِ لِلْكَرْمَانِيِّ. [اشْتَرَى الْمُسْلَمُ إلَيْهِ كُرًّا وَأَمَرَ رَبُّ السَّلَمِ بِقَبْضِهِ قَضَاءً] قَوْلُهُ (وَلَوْ اشْتَرَى الْمُسْلَمُ إلَيْهِ كُرًّا وَأَمَرَ رَبُّ السَّلَمِ بِقَبْضِهِ قَضَاءً لَمْ يَصِحَّ وَصَحَّ لَوْ قَرْضًا أَوْ أَمَرَهُ بِقَبْضِهِ لَهُ، ثُمَّ لِنَفْسِهِ فَفَعَلَ) مَعْنَاهُ أَنْ يَكِيلَهُ لِنَفْسِهِ بَعْدَ الْقَبْضِ ثَانِيًا؛ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ هُنَا صَفْقَتَانِ صَفْقَةٌ بَيْنَ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَبَيْنَ الْمُشْتَرَى مِنْهُ وَصَفْقَةٌ بَيْنَ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَبَيْنَ رَبِّ السَّلَمِ كِلَاهُمَا بِشَرْطِ الْكَيْلِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْكَيْلِ مَرَّتَيْنِ وَلَمْ يُوجَدْ فِي الْأُولَى وَهِيَ مَا إذَا أَمَرَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ رَبَّ السَّلَمِ بِقَبْضِهِ مِنْ الْبَائِعِ قَضَاءً لِحَقِّهِ فَلَمْ يَصِحَّ وَوُجِدَ فِي الثَّانِيَةِ وَهِيَ مَا إذَا أَمَرَ رَبُّ السَّلَمِ بِقَبْضِهِ لَهُ بِأَنْ يَكِيلَهُ، ثُمَّ يَقْبِضَهُ بِنَفْسِهِ بِالْكَيْلِ ثَانِيًا وَالْأَصْلُ فِيهِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يَجْرِيَ فِيهِ صَاعَانِ صَاعُ الْبَائِعِ وَصَاعُ الْمُشْتَرِي» وَمَحْمَلُهُ عَلَى مَا إذَا اجْتَمَعَتْ الصَّفْقَتَانِ فِيهِ، وَأَمَّا فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ فَيَكْتَفِي بِالْكَيْلِ فِيهِ مَرَّةً فِي الصَّحِيحِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ بَيْعٌ عِنْدَ الْقَبْضِ مَا قَالَ فِي الزِّيَادَاتِ لَوْ أَسْلَمَ مِائَةَ كُرٍّ، ثُمَّ اشْتَرَى الْمُسْلَمُ إلَيْهِ مِنْ رَبِّ السَّلَمِ كُرَّ حِنْطَةٍ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ إلَى سَنَةٍ فَقَبَضَهُ فَلَمَّا حَلَّ السَّلَمُ أَعْطَاهُ ذَلِكَ الْكُرَّ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ اشْتَرَى مَا بَاعَ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ قَيَّدَ بِالشِّرَاءِ؛ لِأَنَّ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ لَوْ مَلَكَ كُرًّا بِإِرْثٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ فَأَوْفَاهُ رَبُّ السَّلَمِ وَاكْتَالَهُ مَرَّةً جَازَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ إلَّا عَقْدٌ وَاحِدٌ بِشَرْطِ الْكَيْلِ وَقَيَّدَ بِالْكُرِّ وَهُوَ سِتُّونَ قَفِيزًا أَوْ أَرْبَعُونَ عَلَى الْخِلَافِ؛ لِأَنَّ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ لَوْ اشْتَرَى حِنْطَةً مُجَازَفَةً فَأَوْفَاهَا رَبُّ السَّلَمِ فَاكْتَالَهَا مَرَّةً جَازَ لِمَا ذَكَرْنَا وَأَشَارَ بِالْكُرِّ الْمَكِيلِ إلَى أَنَّهُ لَوْ أَسْلَمَ فِي مَوْزُونٍ مُعَيَّنٍ وَاشْتَرَى الْمُسْلَمُ إلَيْهِ مَوْزُونًا كَذَلِكَ إلَى آخِرِهِ لَا يَجُوزُ قَبْضُ رَبِّ السَّلَمِ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ فِي هَذَا الْحُكْمِ. وَكَذَا الْمَعْدُودُ إذَا اشْتَرَاهُ بِشَرْطِ الْعَدِّ فَإِنَّهُ كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَذَكَرَ فِي الْبِنَايَةِ أَنَّ فِي الْمَعْدُودِ رِوَايَتَيْنِ وَإِنَّمَا فَسَّرْنَا تَكْرَارَ الْأَمْرِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بِتَكْرَارِ الْكَيْلِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ أَنْ يَكِيلَهُ مَرَّتَيْنِ وَإِنْ لَمْ   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 181 يَتَعَدَّدْ الْأَمْرُ حَتَّى لَوْ قَالَ اقْبِضْ الْكُرَّ الَّذِي اشْتَرَيْته مِنْ فُلَانٍ عَنْ حَقِّك فَذَهَبَ فَاكْتَالَهُ، ثُمَّ أَعَادَ كَيْلَهُ صَارَ قَابِضًا وَلَفْظُ الْجَامِعِ يُفِيدُهُ فَإِنَّهُ لَمْ يَزِدْ عَلَى قَوْلِهِ فَاكْتَالَهُ لَهُ، ثُمَّ اكْتَالَهُ لِنَفْسِهِ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. وَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِ وَصَحَّ لَوْ قَرْضًا فَصُورَتُهُ اسْتَقْرَضَ مِنْهُ كُرًّا فَاشْتَرَى الْمُسْتَقْرِضُ كُرًّا فَأَمَرَ الْمُقْرِضُ بِقَبْضِهِ قَضَاءً لِحَقِّهِ، وَإِنَّمَا جَازَ بِلَا إعَادَةِ الْكَيْلِ؛ لِأَنَّ الْقَرْضَ إعَارَةٌ حَتَّى يَنْعَقِدَ بِلَفْظِهَا فَكَانَ الْمَقْبُوضُ عَيْنَ حَقٍّ تَقْدِيرًا فَلَمْ يَكُنْ اسْتِبْدَالًا، وَلَوْ كَانَ اسْتِبْدَالًا لَلَزِمَ مُبَادَلَةُ الْجِنْسِ بِجِنْسِهِ نَسِيئَةً فَلَمْ يَتَحَقَّقْ الصَّفْقَتَانِ فَيَكْتَفِي بِكَيْلٍ وَاحِدٍ لِلْمُشْتَرِي فَيَقْبِضُهُ لَهُ، ثُمَّ لِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ إعَادَةِ الْكَيْلِ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ لَمْ يَصِحَّ إلَى أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي ضَمَانِ رَبِّ السَّلَمِ حَتَّى لَوْ هَلَكَ فِي يَدِهِ هَلَكَ مِنْ مَالِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ كَمَا فِي الْبِنَايَةِ وَلِلْقَرْضِ صُورَةٌ أُخْرَى هِيَ لَوْ كَانَ الدَّيْنُ الْأَوَّلُ سَلَمًا فَلَمَّا حَلَّ اقْتَرَضَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ مِنْ رَجُلٍ كُرًّا وَأَمَرَ رَبَّ السَّلَمِ بِقَبْضِهِ مِنْ الْمُقْرِضِ فَفَعَلَ جَازَ لِمَا ذَكَرْنَا؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْقَرْضِ عَقْدُ مُسَاهَلَةٍ لَا يُوجِبُ الْكَيْلَ بِخِلَافِ الْبَيْعِ مُكَايَلَةً أَوْ مُوَازَنَةً، وَلِهَذَا لَوْ اسْتَقْرَضَ مِنْ آخَرَ حِنْطَةً عَلَى أَنَّهَا عَشَرَةُ أَقْفِزَةٍ جَازَ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهَا قَبْلَ الْقَبْضِ. قَوْلُهُ (وَلَوْ أَمَرَ رَبَّ السَّلَمِ أَنْ يَكِيلَهُ فِي ظَرْفِهِ فَفَعَلَ وَهُوَ غَائِبٌ لَمْ يَكُنْ قَضَاءً بِخِلَافِ الْمَبِيعِ) أَيْ لَوْ اشْتَرَى مَكِيلًا مُعَيَّنًا وَدَفَعَ الْمُشْتَرِي إلَى الْبَائِعِ ظَرْفًا وَأَمَرَهُ أَنْ يَكِيلَهُ فِي ظَرْفِهِ فَفَعَلَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي غَائِبٌ صَحَّ وَالْفَرْقُ أَنَّ رَبَّ السَّلَمِ حَقُّهُ فِي الذِّمَّةِ وَلَا يَمْلِكُهُ إلَّا بِالْقَبْضِ فَلَمْ يُصَادِفْ أَمْرُهُ مِلْكَهُ فَلَا يَصِحُّ فَيَكُونُ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ مُسْتَعِيرًا لِلظَّرْفِ جَاعِلًا فِيهِ مِلْكَ نَفْسِهِ كَالدَّائِنِ إذَا دَفَعَ كِيسًا إلَى الْمَدِينِ وَأَمَرَهُ أَنْ يَزِنَ دَيْنَهُ وَيَجْعَلَهُ فِيهِ لَمْ يَصِرْ قَابِضًا بِوَزْنِهِ فِيهِ وَصَحَّ الْأَمْرُ فِي الْبَيْعِ لِمُصَادَفَتِهِ مِلْكَهُ لِكَوْنِهِ صَارَ مَالِكًا لِلْعَيْنِ بِنَفْسِ الْعَقْدِ فَصَارَ الْبَائِعُ وَكِيلًا عَنْهُ فِي إمْسَاكِ الْغَرَائِرِ فَصَارَتْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي حُكْمًا وَصَارَ الْوَاقِعُ فِيهَا وَاقِعًا فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِالْفَرْقِ إلَى مَسَائِلَ الْأُولَى لَوْ أَمَرَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ بِطَحْنِ الطَّعَامِ كَانَ الطَّحِينُ لِلْمُشْتَرِي، وَلَوْ أَمَرَ رَبُّ السَّلَمِ كَانَ الطَّحِينُ لِلْمُسْلَمِ إلَيْهِ، فَلَوْ أَخَذَ رَبُّ السَّلَمِ الدَّقِيقَ كَانَ حَرَامًا؛ لِأَنَّهُ اسْتِبْدَالٌ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. الثَّانِيَةُ لَوْ أَمَرَهُ الْمُشْتَرِي أَنْ يَصُبَّهُ فِي الْبَحْرِ فَفَعَلَ هَلَكَ مِنْ مَالِ الْمُشْتَرِي وَفِي السَّلَمِ يَهْلِكُ مِنْ مَالِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا بِاعْتِبَارِ صِحَّةِ الْأَمْرِ وَعَدَمِهَا الثَّالِثَةُ يَكْتَفِي بِكَيْلِ الْبَائِعِ فِي الشِّرَاءِ عَلَى الصَّحِيحِ بِخِلَافِ السَّلَمِ قَيَّدْنَا بِكَوْنِ الظَّرْفِ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لِلْبَائِعِ فَأَمَرَهُ الْمُشْتَرِي بِالْكَيْلِ فِيهِ فَفَعَلَ لَمْ يَصِرْ قَابِضًا لِكَوْنِ الْمُشْتَرِي اسْتَعَارَ ظَرْفَهُ وَلَمْ يَقْبِضْهَا فَلَا يَصِيرُ فِي يَدِهِ فَكَذَا مَا يَقَعُ فِيهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَمَرَهُ أَنْ يَكِيلَهُ فِي نَاحِيَةٍ مِنْ بَيْتِ الْبَائِعِ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَكُونُ قَابِضًا فَإِنَّ الْبَيْتَ بِنَوَاحِيهِ فِي يَدِ الْبَائِعِ، وَفِي الْبَدَائِعِ لَوْ اسْتَعَارَ الْمُشْتَرِي مِنْ الْبَائِعِ غَرَائِرَهُ وَأَمَرَهُ أَنْ يَكِيلَهُ فِيهَا فَفَعَلَ صَارَ قَابِضًا بِالتَّخْلِيَةِ إجْمَاعًا إنْ كَانَ الْمُشْتَرِي حَاضِرًا وَإِلَّا لَا مَا لَمْ يُسَلِّمْهَا إلَيْهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ سَوَاءٌ كَانَتْ الْغَرَائِرُ بِعَيْنِهَا أَوْ لَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ كَانَتْ بِعَيْنِهَا صَارَ قَابِضًا وَإِلَّا لَا. اهـ. وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ وَهُوَ غَائِبٌ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ حَاضِرًا صَارَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ قَابِضًا سَوَاءٌ كَانَتْ الْغَرَائِرُ لَهُ أَوْ لِلْبَائِعِ أَوْ كَانَتْ مُسْتَأْجَرَةً وَبِهِ صَرَّحَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ، كَذَا فِي الْبِنَايَةِ وَالتَّقْيِيدُ بِظَرْفِ الْآمِرِ لِيُفْهَمَ مِنْهُ حُكْمُ مَا إذَا كَانَ أَمَرَهُ بِكَيْلِهِ فِي ظَرْفِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ بِالْأَوْلَى، وَقَدْ سَوَّى بَيْنَهُمَا فِي الْبَدَائِعِ وَأَشَارَ الْمُؤَلِّف بِالْفَرْقِ بَيْنَهُمَا إلَى أَنَّهُ لَوْ اجْتَمَعَ الدَّيْنُ وَالْعَيْنُ بِأَنْ اشْتَرَى كُرًّا مُعَيَّنًا وَلَهُ عَلَى الْبَائِعِ كُرُّ دَيْنٍ وَالظَّرْفُ لِلْمُشْتَرِي فَأَمَرَهُ أَنْ يَجْعَلَهَا فِيهِ فَإِنْ بَدَأَ الْمَأْمُورُ بِوَضْعِ الْعَيْنِ صَارَ الْآمِرُ قَابِضًا لِلْعَيْنِ وَالدَّيْنِ أَمَّا الْعَيْنُ فَلِصِحَّةِ الْقَبْضِ بِصِحَّةِ الْآمِرِ وَأَمَّا الدَّيْنُ فَلِاتِّصَالِهِ بِمِلْكِهِ لِكَوْنِ الْعَيْنِ صَارَتْ فِي يَدِهِ حُكْمًا وَبِمِثْلِهِ يَصِيرُ قَابِضًا كَمَنْ اسْتَقْرَضَ حِنْطَةً وَأَمَرَهُ أَنْ يَزْرَعَهَا فِي أَرْضِهِ صَحَّ الْأَمْرُ وَصَارَ الْمُسْتَقْرِضُ قَابِضًا لَهُ وَكَمَنْ دَفَعَ إلَى صَانِعٍ خَاتَمًا وَأَمَرَهُ أَنْ يَزِيدَهُ مِنْ عِنْدِهِ نِصْفَ دِينَارٍ صَحَّ وَصَارَ قَرْضًا وَفِي الْإِيضَاحِ وَلَيْسَ فِيهِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ جَازَ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهَا قَبْلَ الْقَبْضِ) صَوَابُهُ قَبْلَ الْكَيْلِ كَمَا فِي عِبَارَةِ فَتْحِ الْقَدِيرِ لِأَنَّ الْقَرْضَ لَا يُمْلَكُ قَبْلَ الْقَبْضِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 182 أَنَّهُ إذَا هَلَكَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ هَلْ يَصِيرُ قَابِضًا أَمْ لَا قَالَ وَإِنْ جَعَلْنَاهُ قَابِضًا فَالْوَجْهُ فِيهِ أَنَّ الْخَلْطَ اسْتِهْلَاكٌ وَهُوَ مِنْ أَسْبَابِ التَّمَلُّكِ وَإِنْ بَدَأَ بِالدَّيْنِ، ثُمَّ بِالْعَيْنِ لَمْ يَصِرْ قَابِضًا أَمَّا الدَّيْنُ فَلِعَدَمِ صِحَّةِ الْأَمْرِ بِهِ. وَأَمَّا الْعَيْنُ فَلِأَنَّهُ خَلَطَهُ بِمِلْكِ نَفْسِهِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ بِحَيْثُ لَا يَتَمَيَّزُ فَصَارَ مُسْتَهْلِكًا لِلْبَيْعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَيُنْتَقَضُ الْبَيْعُ وَهَذَا الْخَلْطُ غَيْرُ مَرَضِيٍّ بِهِ مِنْ جِهَةِ الْمُشْتَرِي لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ الْبُدَاءَةَ بِالْعَيْنِ وَعِنْدَهُمَا الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ نَقَضَ الْبَيْعَ وَإِنْ شَاءَ شَارَكَهُ فِي الْمَخْلُوطِ؛ لِأَنَّ الْخَلْطَ لَيْسَ بِاسْتِهْلَاكٍ عِنْدَهُمَا، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَخَصَّهُ قَاضِي خَانْ بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ، أَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إذَا بَدَأَ بِالدَّيْنِ يَصِيرُ قَابِضًا لَهُمَا جَمِيعًا كَمَا لَوْ بَدَأَ بِالْعَيْنِ ضَرُورَةَ اتِّصَالِهِ بِمِلْكِهِ فِي الصُّورَتَيْنِ إذْ الْخَلْطُ لَيْسَ بِاسْتِهْلَاكٍ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَصِيرُ قَابِضًا لِلْعَيْنِ دُونَ الدَّيْنِ فَيَشْتَرِكَانِ فِيهِ وَلَمْ يَبْرَأْ عَنْ الدَّيْنِ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ فِي ظَرْفِهِ إلَى أَنَّهُ لَا طَعَامَ فِيهِ، فَلَوْ كَانَ فِي الظَّرْفِ طَعَامٌ لِرَبِّ السَّلَمِ قَبْلُ لَا يَصِيرُ قَابِضًا لِمَا قَرَّرْنَا أَنَّ أَمْرَهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ، قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْأَصَحُّ عِنْدِي أَنَّهُ يَصِيرُ قَابِضًا؛ لِأَنَّ أَمْرَهُ بِخَلْطِ طَعَامِ السَّلَمِ بِطَعَامٍ عَلَى وَجْهٍ لَا يَتَمَيَّزُ بِهِ مُعْتَبَرٌ فَيَصِيرُ بِهِ قَابِضًا، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِمَسْأَلَةِ السَّلَمِ إلَى مَسْأَلَةِ الْقَرْضِ، قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَكَذَلِكَ لَوْ اسْتَقْرَضَ مِنْ رَجُلٍ كُرًّا وَدَفَعَ إلَيْهِ غَرَائِرَهُ لِيَكِيلَهُ فِيهَا فَفَعَلَ وَهُوَ غَائِبٌ لَمْ يَكُنْ قَابِضًا؛ لِأَنَّ الْقَرْضَ لَا يُمْلَكُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَكَانَ الْكُرُّ عَلَى مِلْكِ الْمُقْرِضِ فَلَمْ يَصِحَّ الْأَمْرُ اهـ. [أَسْلَمَ أَمَةً فِي كُرٍّ وَقُبِضَتْ الْأَمَةُ فَتَقَايَلَا وَمَاتَتْ أَوْ مَاتَتْ قَبْلَ الْإِقَالَةِ] قَوْلُهُ (وَلَوْ أَسْلَمَ أَمَةً فِي كُرٍّ وَقُبِضَتْ الْأَمَةُ فَتَقَايَلَا وَمَاتَتْ أَوْ مَاتَتْ قَبْلَ الْإِقَالَةِ بَقِيَ وَصَحَّ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا) أَيْ بَقِيَ عَقْدُ الْإِقَالَةِ فِيمَا إذَا تَقَايَلَا وَهِيَ حَيَّةٌ، ثُمَّ مَاتَتْ وَصَحَّ إنْشَاءُ عَقْدِ الْإِقَالَةِ فِيمَا إذَا تَقَايَلَا بَعْدَ مَوْتِهَا وَوَجَبَ عَلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ قِيمَةُ الْجَارِيَةِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ يَوْمَ قَبْضِهَا؛ لِأَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ الْإِقَالَةِ بَقَاءُ الْعَقْدِ وَهُوَ يَبْقَى بِبَقَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ فِي السَّلَمِ هُوَ الْمُسْلَمُ فِيهِ وَهُوَ بَاقٍ فِي ذِمَّةِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ بَعْدَ هَلَاكِ الْجَارِيَةِ، فَإِذَا انْفَسَخَ الْعَقْدُ وَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّ الْجَارِيَةِ، وَقَدْ عَجَزَ بِمَوْتِهَا فَيَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا كَمَا لَوْ تَقَايَضَا، ثُمَّ تَقَايَلَا بَعْدَ هَلَاكِ أَحَدِهِمَا أَوْ هَلَكَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْإِقَالَةِ، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ يَوْمَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الضَّمَانِ كَالْغَصْبِ قَوْلُهُ (وَعَكْسُهَا شِرَاؤُهَا بِأَلْفٍ) أَيْ إذَا مَاتَتْ الْجَارِيَةُ الْمَبِيعَةُ لَمْ تَصِحَّ الْإِقَالَةُ، وَإِذَا تَقَايَلَا، ثُمَّ مَاتَتْ بَطَلَتْ الْإِقَالَةُ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ الْجَارِيَةُ فَلَا بُدَّ مِنْ قِيَامِهَا لِصِحَّةِ الْإِقَالَةِ وَبَقَائِهَا إلَى أَنْ تُقْبَضَ وَقَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْإِقَالَةَ فِي الصَّرْفِ صَحِيحَةٌ بَعْدَ هَلَاكِ الْبَدَلَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا بَاقِيَةٌ بَعْدَ الْهَلَاكِ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِي الصَّرْفِ مَا وَجَبَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي ذِمَّةِ الْآخَرِ وَهُوَ غَيْرُ مُعَيَّنٍ فَلَا يُتَصَوَّرُ هَلَاكُهُ وَالْمَقْبُوضُ عَيْنٌ وَلِذَا لَوْ كَانَ الْمَقْبُوضُ قَائِمًا لَمْ يَتَعَيَّنْ لِلرَّدِّ بَعْدَ الْإِقَالَةِ وَفِي الْقُنْيَةِ تَقَايَلَا الْبَيْعَ فِي الْعَبْدِ فَأَبَقَ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى تَسْلِيمِهِ بَطَلَتْ الْإِقَالَةُ وَالْبَيْعُ بِحَالِهِ. اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ إقَالَةِ الْبَيْعِ قِيَامُ الْمَبِيعِ دُونَ الثَّمَنِ، فَلَوْ تَقَايَلَا بَعْدَ هَلَاكِ الثَّمَنِ، وَلَوْ مُعَيَّنًا صَحَّتْ وَلَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ عَدَمِ الْإِبْرَاءِ عَنْهُ لِمَا فِي الْقُنْيَةِ أَبْرَأَ الْبَائِعُ الْمُشْتَرِيَ عَنْ الثَّمَنِ بَعْدَ قَبْضِ الْمَبِيعِ، ثُمَّ تَقَايَلَا لَا تَصِحُّ. اهـ. وَقَيَّدَ بِهَلَاكِهَا؛ لِأَنَّهَا لَوْ قُطِعَتْ يَدُهَا، ثُمَّ تَقَايَلَا صَحَّتْ وَلَزِمَهُ رَدُّ جَمِيعِ الثَّمَنِ وَلَا شَيْءَ لِلْبَائِعِ مِنْ أَرْشِ الْيَدِ إذَا عَلِمَ وَقْتَ الْإِقَالَةِ أَنَّهَا قُطِعَتْ يَدُهَا وَأَخَذَ الْمُشْتَرِي أَرْشَهَا وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ يُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي بَيْنَ الْأَخْذِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ أَوْ التَّرْكِ، كَذَا فِي الْقُنْيَةِ، ثُمَّ رَقْمُ الْأَشْجَارِ لَا تُسَلَّمُ لِلْمُشْتَرِي وَلِلْبَائِعِ أَنْ يَأْخُذَ قِيمَتَهَا مِنْهُ؛ لِأَنَّهَا مَوْجُودَةٌ وَقْتَ الْبَيْعِ بِخِلَافِ الْأَرْشِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْبَيْعِ أَصْلًا لَا قَصْدًا وَلَا ضِمْنًا، وَقَالَ قَبْلَهُ اشْتَرَى أَرْضًا مَعَ الزَّرْعِ وَأَدْرَكَ الزَّرْعُ فِي يَدِهِ، ثُمَّ تَقَايَلَا لَا تَجُوزُ الْإِقَالَةُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ إنَّمَا وَرَدَ عَلَى الْقَصِيلِ دُونَ الْحَنْطِ، وَلَوْ حَصَدَ الْمُشْتَرِي الزَّرْعَ، ثُمَّ تَقَايَلَا صَحَّتْ الْإِقَالَةُ فِي الْأَرْضِ بِحِصَّتِهَا مِنْ الثَّمَنِ، وَلَوْ اشْتَرَى أَرْضًا فِيهَا أَشْجَارٌ فَقَطَعَهَا، ثُمَّ تَقَايَلَا صَحَّتْ الْإِقَالَةُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَلَا شَيْءَ لِلْبَائِعِ   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 183 مِنْ قِيمَةِ الْأَشْجَارِ وَتُسَلَّمُ الْأَشْجَارُ لِلْمُشْتَرِي هَذَا إذَا عَلِمَ الْبَائِعُ بِقَطْعِ الْأَشْجَارِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ وَقْتَ الْإِقَالَةِ يُخَيَّرُ إنْ شَاءَ أَخَذَهَا بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ اهـ. قَوْلُهُ (وَالْقَوْلُ لِمُدَّعِي الرَّدَاءَةِ وَالتَّأْجِيلِ لَا لَنَا فِي الْوَصْفِ وَالْأَجَلِ) أَيْ إذَا اخْتَلَفَا فِي اشْتِرَاطِ وَصْفِ السَّلَمِ بِأَنْ قَالَ أَحَدُهُمَا شَرَطْنَاهُ رَدِيئًا، وَقَالَ الْآخَرُ لَمْ نَشْتَرِطْ شَيْئًا أَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا شَرَطْنَا الْأَجَلَ، وَقَالَ الْآخَرُ لَمْ نَشْتَرِطْ شَيْئًا كَانَ الْقَوْلُ لِمَنْ ادَّعَى الِاشْتِرَاطَ فِيهِمَا لَا لِمَنْ نَفَاهُ؛ لِأَنَّهُ مُدَّعِي الصِّحَّةِ إذْ السَّلَمُ لَا يَجُوزُ إلَّا مُؤَجَّلًا مَوْصُوفًا فَشَهِدَ لَهُ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّ الْفَاسِدَ حَرَامٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُسْلَمَ لَا يُبَاشِرُهُ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ رَبُّ السَّلَمِ مُدَّعِي الْوَصْفِ أَوْ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ وَفِي الْأَوَّلِ خِلَافُهُمَا فَالْإِمَامُ عَلَّلَ بِأَنَّهُ مُدَّعِي الصِّحَّةِ وَهُمَا عَلَّلَا بِأَنَّ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ مُنْكِرٌ فَالْقَوْلُ لَهُ وَشَمِلَ أَيْضًا مَا إذَا كَانَ مُدَّعِي الْأَجَلِ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ أَوْ رَبَّ السَّلَمِ وَفِي الْأَوَّلِ خِلَافُهُمَا لِإِنْكَارِهِ وَإِذَا قُبِلَ فِي الثَّانِي قَوْلُ رَبِّ السَّلَمِ اتِّفَاقًا رَجَعَ إلَيْهِ فِي مِقْدَارِ الْأَجَلِ أَيْضًا فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي أَصْلِهِ وَمِقْدَارِهِ، وَالْأَصْلُ عِنْدَ الْإِمَامِ أَنَّ الْقَوْلَ لِمُدَّعِي الصِّحَّةِ سَوَاءٌ كَانَ الْآخَرُ مُتَعَنِّتًا أَوْ لَا وَعِنْدَهُمَا الْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ إنْ لَمْ يَكُنْ مُتَعَنِّتًا وَهُوَ مَنْ أَنْكَرَ مَا يَنْفَعُهُ وَغَيْرُ الْمُتَعَنِّتِ مَنْ أَنْكَرَ مَا يَضُرُّهُ هَذَا فِي الشَّرِيعَةِ وَأَمَّا الْمُتَعَنِّتُ فِي اللُّغَةِ فَهُوَ مَنْ يَطْلُبُ الْعَنَتَ وَهُوَ الْوُقُوعُ فِيمَا لَا يَسْتَطِيعُ الْإِنْسَانُ الْخُرُوجَ عَنْهُ، كَذَا فِي الْبِنَايَةِ. وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْقَوْلُ لِمُدَّعِي الْوَصْفِ الشَّامِلِ لِلرَّدَاءَةِ وَالْجَوْدَةِ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَوْ قَالَ شَرَطْنَاهُ جَيِّدًا وَنَفَى الْآخَرُ الِاشْتِرَاطَ أَصْلًا فَالْقَوْلُ لِلْمُثْبِتِ قَيَّدَ الِاخْتِلَافَ فِي أَصْلِ التَّأْجِيلِ لِأَنَّهُمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِهِ فَالْقَوْلُ لِلطَّالِبِ مَعَ الْيَمِينِ لِإِنْكَارِهِ الزِّيَادَةَ وَأَيٌّ بَرْهَنَ قُبِلَ وَإِنْ بَرْهَنَا قُضِيَ بِبَيِّنَةِ الْمَطْلُوبِ لِإِثْبَاتِهَا الزِّيَادَةَ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي مُضِيِّهِ فَالْقَوْلُ لِلْمَطْلُوبِ لِإِنْكَارِهِ تَوَجُّهَ الْمُطَالَبَةِ فَإِنْ بَرْهَنَا قُضِيَ بِبَيِّنَةِ الْمَطْلُوبِ لِإِثْبَاتِهَا زِيَادَةَ الْأَجَلِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ أَيْ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَتُهُ، أَمَّا إذَا نَظَرْنَا إلَى الصُّورَةِ فَهُوَ مُنْكِرٌ وَإِنْ نَظَرْنَا إلَى الْمَعْنَى فَمَعْنَاهُ ثُبُوتُ الْحَقِّ فِي الشَّهْرِ الْمُسْتَقْبَلِ، فَإِذَا أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَبَيِّنَةُ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ بِمَعْنَاهَا أَثْبَتْنَا حَقًّا لَهُ فِي شَهْرٍ لَمْ يَتَعَرَّضْ بِبَيِّنَةِ رَبِّ السَّلَمِ لِذَلِكَ الشَّهْرِ فَكَانَتْ بَيِّنَتُهُ أَوْلَى، كَذَا فِي إيضَاحِ الْكَرْمَانِيِّ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ بَيْنَ الْأَجَلِ وَالْوَصْفِ فَرْقًا وَهُوَ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي مِقْدَارِ الْأَجَلِ يَعْنِي أَنَّهُ مَا هُوَ لَا يُوجِبُ التَّحَالُفَ وَفِي الْوَصْفِ يُوجِبُهُ لِكَوْنِهِ يَجْرِي مَجْرَى الْأَصْلِ وَفِي الْخُلَاصَةِ إذَا شَرَطَ فِي السَّلَمِ الثَّوْبَ الْجَيِّدَ فَجَاءَ بِثَوْبٍ وَادَّعَى أَنَّهُ جَيِّدٌ وَأَنْكَرَ الطَّالِبُ فَالْقَاضِي يَرَى اثْنَيْنِ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ الصَّنْعَةِ وَهَذَا أَحْوَطُ وَالْوَاحِدُ يَكْفِي فَإِنْ قَالَا جَيِّدٌ أَجْبَرَهُ عَلَى الْقَبُولِ. فَإِذَا اخْتَلَفَا فِي السَّلَمِ يَتَحَالَفَانِ اسْتِحْسَانًا وَيَبْدَأُ بِيَمِينِ الْمَطْلُوبِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ بِيَمِينِ الطَّالِبِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَأَيٌّ بَرْهَنَ قُبِلَ فَإِنْ بَرْهَنَا قُضِيَ بِبَيِّنَةِ رَبِّ السَّلَمِ بِسَلَمٍ وَاحِدٍ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَيُقَالُ هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْمَسْأَلَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ؛ لِأَنَّ رَأْسَ الْمَالِ إمَّا عَيْنٌ أَوْ دَيْنٌ وَكُلُّ وَجْهٍ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ اتَّفَقَا عَلَى رَأْسِ الْمَالِ وَاخْتَلَفَا فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ أَوْ عَلَى الْقَلْبِ أَوْ اخْتَلَفَا فِيهِمَا، فَإِنْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ عَيْنًا وَاخْتَلَفَا فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ لَا غَيْرُ، فَقَالَ الطَّالِبُ هَذَا الثَّوْبُ فِي كُرِّ حِنْطَةٍ، وَقَالَ الْآخَرُ فِي نِصْفِ كُرٍّ أَوْ فِي شَعِيرٍ أَوْ فِي الْحِنْطَةِ الرَّدِيئَةِ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ قُضِيَ بِبَيِّنَةِ رَبِّ السَّلَمِ إجْمَاعًا وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي رَأْسِ الْمَالِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا هَذَا الثَّوْبُ، وَقَالَ الْآخَرُ هَذَا الْعَبْدُ وَاتَّفَقَا فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ أَنَّهُ الْحِنْطَةُ أَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا هَذَا الثَّوْبُ فِي كُرِّ حِنْطَةٍ، وَقَالَ الْآخَرُ فِي كُرِّ شَعِيرٍ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ قُضِيَ بِالسَّلَمَيْنِ فَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَرَّ عَلَى أَصْلِهِ وَأَبُو يُوسُفَ يَقُولُ كُلٌّ يَدَّعِي عَقْدًا غَيْرَ مَا يَدَّعِيهِ الْآخَرُ، وَإِنْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ إنْ اتَّفَقَا فِي رَأْسِ الْمَالِ وَاخْتَلَفَا فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ لِرَبِّ السَّلَمِ وَيُقْضَى بِسَلَمٍ وَاحِدٍ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَإِنْ كَانَ الِاخْتِلَافُ عَلَى الْقَلْبِ فَعَلَى هَذَا الِاخْتِلَافُ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِيهِمَا فَقَالَ أَحَدُهُمَا عَشَرَةُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْقَوْلُ لِمُدَّعِي الْوَصْفِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ هَذَا أَيْ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَالْقَوْلُ لِمُدَّعِي الرَّدَاءَةِ صَادِقٌ بِمَا إذَا قَالَ أَحَدُهُمَا شَرَطْنَا رَدِيئًا فَقَالَ الْآخَرُ لَمْ نَشْرِطْ شَيْئًا وَبِمَا إذَا ادَّعَى الْآخَرُ اشْتِرَاطَ الْجَوْدَةِ، وَقَالَ الْآخَرُ: إنَّمَا شَرَطْنَا رَدِيَّةً وَالْمُرَادُ الْأَوَّلُ وَلِذَا أَرْدَفَهُ بِقَوْلِهِ لَا لَنَا فِي الْوَصْفِ وَالْأَجَلِ وَلِإِفَادَةِ أَنَّ الرَّدَاءَةَ مِثَالٌ حَتَّى لَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا شَرَطْنَا جَيِّدًا، وَقَالَ الْآخَرُ لَمْ نَشْرِطْ شَيْئًا فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي الْبَحْرِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 184 دَرَاهِمَ فِي كُرَى حِنْطَةٍ، وَقَالَ الْآخَرُ خَمْسَةَ عَشَرَ فِي كُرٍّ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَثْبُتُ الزِّيَادَةُ فَيَجِبُ خَمْسَةَ عَشَرَ فِي كُرَّيْنِ وَلَا يُقْضَى بِسَلَمَيْنِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُقْضَى بِسَلَمَيْنِ عَقْدٌ بَخَمْسَةَ عَشَرَ فِي كُرٍّ وَعَقْدٌ بِعَشَرَةٍ فِي كُرَّيْنِ. وَلَوْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا أَنَّ رَأْسَ الْمَالِ دَرَاهِمُ وَالْآخَرُ دَنَانِيرُ لَمْ يَذْكُرْ هَذَا وَيَنْبَغِي أَنْ يُقْضَى بِسَلَمَيْنِ كَمَا فِي الثَّوْبَيْنِ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمَا إنْ اخْتَلَفَا فِي الْجِنْسِ وَالصِّفَةِ أَوْ الْمِقْدَارِ تَحَالَفَا سَوَاءٌ كَانَ فِي رَأْسِ الْمَالِ أَوْ فِي الْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي اشْتِرَاطِ الْوَصْفِ أَوْ الْأَجَلِ فَالْقَوْلُ لِمُثْبِتِهِ لَا لَنَا فِيهِ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ الْأَجَلِ فَالْقَوْلُ لِرَبِّ السَّلَمِ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي مُضِيِّهِ فَالْقَوْلُ لِلْمُسْلَمِ إلَيْهِ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي بَيَانِ مَكَانِ الْإِيفَاءِ فَالْقَوْلُ لِلْمَطْلُوبِ وَفِي اشْتِرَاطِهِ فَلِمَنْ أَثْبَتَهُ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ إذَا اخْتَلَفَا فِي جِنْسِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ تَحَالَفَا وَكَذَا فِي الصِّفَةِ بِخِلَافِ الِاخْتِلَافِ فِي الصِّفَةِ فِي بَيْعِ الْعَيْنِ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي مَكَانِ الْإِيفَاءِ فَالْقَوْلُ لِلْمَطْلُوبِ وَإِنْ بَرْهَنَا فَلِلطَّالِبِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَتَحَالَفَانِ وَيَتَرَادَّانِ السَّلَمَ وَقِيلَ عَلَى الْعَكْسِ. اهـ. وَفِي الصِّحَاحِ رَدَأَ الشَّيْءُ يَرْدَأُ رَدَاءَةً فَهُوَ رَدِيءٌ أَيْ فَاسِدٌ وَأَرْدَأْته أَيْ أَفْسَدْته. اهـ. وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَوَّلًا فِي الدَّعْوَى التَّأْجِيلَ وَفِي النَّفْيِ الْأَجَلَ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا عِنْدَهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا فِي الْقَامُوسِ الْأَجَلُ غَايَةُ الْوَقْتِ فِي الْمَوْتِ وَحُلُولِ الدَّيْنِ وَمُدَّةِ الشَّيْءِ وَالْجَمْعُ آجَالٌ وَالتَّأْجِيلُ تَحْدِيدُ الْأَجَلِ. اهـ. وَالتَّحْدِيدُ بِمَعْنَى التَّقْدِيرِ وَقَدَّمْنَا أَنَّهُمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِهِ فَالْقَوْلُ لِلطَّالِبِ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ التَّأْجِيلُ فِي كَلَامِهِ بِمَعْنَى الْأَجَلِ مَجَازًا بِدَلِيلِ الثَّانِي. قَوْلُهُ (وَصَحَّ السَّلَمُ وَالِاسْتِصْنَاعُ فِي نَحْوِ خُفٍّ وَطَسْتٍ) أَمَّا السَّلَمُ فَلِإِمْكَانِ ضَبْطِ الصِّفَةِ وَمَعْرِفَةِ الْمِقْدَارِ فَكَانَ سَلَمًا بِاسْتِجْمَاعِ شَرَائِطِهِ، وَأَمَّا الِاسْتِصْنَاعُ فَالْكَلَامُ فِيهِ فِي مَوَاضِعَ الْأَوَّلُ فِي مَعْنَاهُ لُغَةً فَهُوَ طَلَبُ الصَّنْعَةِ وَفِي الْقَامُوسِ الصِّنَاعَةُ كَكِتَابَةٍ حِرْفَةُ الصَّانِعِ وَعَمَلُهُ الصَّنْعَةُ. اهـ. فَعَلَى هَذَا الِاسْتِصْنَاعُ لُغَةً طَلَبُ عَمَلِ الصَّانِعِ وَشَرْعًا أَنْ يَقُولَ لِصَاحِبِ خُفٍّ أَوْ مُكَعَّبٍ أَوْ صُفَارٍ اصْنَعْ لِي خُفًّا طُولُهُ كَذَا وَسَعَتُهُ كَذَا أَوْ دُسَتًا أَيْ بُرْمَةٌ تَسَعُ كَذَا وَوَزْنُهَا كَذَا عَلَى هَيْئَةِ كَذَا بِكَذَا وَكَذَا وَيُعْطِي الثَّمَنَ الْمُسَمَّى أَوْ لَا يُعْطِي شَيْئًا فَيَقْبَلُ الْآخَرُ مِنْهُ الثَّانِي فِي دَلِيلِهِ وَهُوَ الْإِجْمَاعُ الْعَمَلِيُّ وَهُوَ ثَابِتٌ بِالِاسْتِحْسَانِ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ لِكَوْنِهِ بَيْعَ الْمَعْدُومِ وَتَرَكْنَاهُ لِلتَّعَامُلِ وَلَا تَلْزَمُ الْمُعَامَلَةُ وَالْمُزَارَعَةُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لِفَسَادِهِمَا مَعَ التَّعَامُلِ لِثُبُوتِ الْخِلَافِ فِيهِمَا فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ وَهَذَا بِالِاتِّفَاقِ فَلِهَذَا قَصَرْنَاهُ عَلَى مَا فِيهِ تَعَامُلٌ وَفِيمَا لَا تَعَامُلَ فِيهِ رَجَعْنَا فِيهِ إلَى الْقِيَاسِ كَانَ يُسْتَصْنَعُ حَائِكًا أَوْ خَيَّاطًا لِيَنْسِجَ لَهُ أَوْ يَخِيطَ لَهُ قَمِيصًا بِغَزْلِ نَفْسِهِ وَفِي الْقُنْيَةِ دَفَعَ مُصْحَفًا إلَى مُذَهِّبٍ لِيُذَهِّبَهُ بِذَهَبٍ مِنْ عِنْدِهِ وَأَرَاهُ الذَّهَبَ أُنْمُوذَجًا مِنْ الْأَعْشَارِ وَالْأَخْمَاسِ وَرُءُوسِ الْآيِ وَأَوَائِلِ السُّوَرِ فَأَمَرَهُ رَبُّ الْمُصْحَفِ أَنْ يُذَهِّبَهُ كَذَلِكَ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ لَا يَصِحُّ. سُئِلَ عُمَرُ النَّسَفِيُّ عَمَّنْ دَفَعَ إلَى حَائِكٍ غَزْلًا لِيَنْسِجَ لَهُ عِمَامَةً مِنْ سُدَاهُ فَجَاءَ بِهَا مَنْسُوجَةً فَقَالَ صَاحِبُ الْغَزْلِ اشْتَرَيْت مِنْك مَا فِي هَذَا الْمَنْسُوجِ مِنْ الْإِبْرَيْسَمِ بِكَذَا، وَقَالَ الْآخَرُ بِعْت هَلْ يَصِحُّ فَقَالَ بَيْعُ مَا صَارَ عَلَى الْآمِرِ لِلْمَأْمُورِ مِنْ الْإِبْرَيْسَمِ السَّدَا بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ صَارَ مِلْكًا لِلْآمِرِ قَالَ أَبُو الْفَضْلِ الْإِبْرَيْسَمِ دَيْنٌ عَلَى الْآمِرِ وَأُجْرَةُ الْعَمَلِ عَلَيْهِ. قَالَ لِنَجَّارٍ ابْنِ لِي بَيْتًا فَإِذَا بَنَيْته يُقَوِّمُهُ الْمُقَوِّمُونَ فَمَا يَقُولُونَ أَدْفَعُهُ إلَيْك فَرَضِيَا بِهِ وَبَنَاهُ وَقَوَّمَهُ رَجُلٌ بِاتِّفَاقِهِمَا وَأَبَى الصَّانِعُ فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ، وَقَالَ أَبُو حَامِدٍ وَحِمْيَرٌ الْوَبَرِيُّ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُقَوَّمِ لَا الْحُكْمِ فَلَا يَلْزَمُهُ تَقْوِيمُهُ. اهـ. الثَّالِثُ: فِي صِفَتِهِ فَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي كَوْنِهِ مُوَاعَدَةً أَوْ مُعَاقَدَةً فَالْحَاكِمُ الشَّهِيدُ وَالصَّفَّارُ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ وَصَاحِبُ الْمَنْشُورِ مُوَاعَدَةً، وَإِنَّمَا يَنْعَقِدُ عِنْدَ الْفَرَاغِ بِالتَّعَاطِي وَلِهَذَا كَانَ لِلصَّانِعِ أَنْ لَا يَعْمَلَ وَلَا يُجْبَرَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ السَّلَمِ وَلِلْمُسْتَصْنِعِ أَنْ لَا يَقْبَلَ مَا يَأْتِي وَيَرْجِعُ عَنْهُ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ التَّأْجِيلُ فِي كَلَامِهِ بِمَعْنَى الْأَجَلِ) أَقُولُ: الظَّاهِرُ تَعَيُّنُ الْعَكْسِ ثُمَّ رَأَيْت فِي النَّهْرِ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ مَا ادَّعَاهُ بَلْ الْمُنَاسِبُ لِوَضْعِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَكُونَ الْأَجَلُ بِمَعْنَى التَّأْجِيلِ حَتَّى لَوْ اخْتَلَفَا فِي تَحْدِيدِهِ بِأَنْ قَالَ أَحَدُهُمَا أَجَّلْنَاهُ إلَى هُبُوبِ الرِّيحِ، وَقَالَ الْآخَرُ إلَى شَهْرٍ فَالْقَوْلُ لِمُدَّعِي التَّحْدِيدِ، وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ فَلَيْسَ مِنْ الْمَسْأَلَةِ فِي شَيْءٍ فَتَدَبَّرْهُ. اهـ. أَرَى لِأَنَّ الْأَجَلَ بِمَعْنَى الْمُدَّةِ وَالِاخْتِلَافُ فِيهَا اخْتِلَافٌ فِي مِقْدَارِهَا وَذَلِكَ لَيْسَ مَوْضُوعَ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ، وَأَمَّا الِاخْتِلَافُ فِي التَّأْجِيلِ فَمَعْنَاهُ الِاخْتِلَافُ فِي التَّقْرِيرِ وَالتَّحْدِيدِ وَالِاخْتِلَافُ فِيهِ اخْتِلَافٌ فِي أَصْلِ وُجُودِهِ لَا فِي مِقْدَارِهِ، وَفَرَّقَ بَيْنَ التَّقْدِيرِ وَالْمِقْدَارِ ثُمَّ إنَّمَا كَانَ مَا ذَكَرَهُ فِي النَّهْرِ مِنْ الِاخْتِلَافِ فِي التَّأْجِيلِ؛ لِأَنَّ التَّأْجِيلَ إلَى هُبُوبِ الرِّيحِ فَاسِدٌ بِمَنْزِلَةِ الْعَدَمِ تَأَمَّلْ. [السَّلَمُ وَالِاسْتِصْنَاعُ فِي نَحْوِ خُفٍّ وَطَسْتٍ] (قَوْلُهُ وَفِي الْقُنْيَةِ دَفَعَ مُصْحَفًا إلَى قَوْلِهِ لَمْ يَصِحَّ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَكَأَنَّهُ لِعَدَمِ التَّعَامُلِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 185 جَوَازُهُ بَيْعًا؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا ذَكَرَ فِيهِ الْقِيَاسَ وَالِاسْتِحْسَانَ وَهُمَا لَا يَجْرِيَانِ فِي الْمُوَاعَدَةِ وَلِأَنَّ جَوَازَهُ فِيمَا فِيهِ تَعَامُلٌ خَاصَّةً، وَلَوْ كَانَ مُوَاعَدَةً لَجَازَ فِي الْكُلِّ وَسَمَّاهُ أَيْضًا شِرَاءً فَقَالَ إذَا رَآهُ الْمُسْتَصْنِعُ فَلَهُ الْخِيَارُ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى مَا لَمْ يَرَهُ وَلِأَنَّ الصَّانِعَ يَمْلِكُ الدَّرَاهِمَ بِقَبْضِهَا، وَلَوْ كَانَتْ مُوَاعَدَةً لَمْ يَمْلِكْهَا. وَإِثْبَاتُ أَبِي الْيُسْرِ الْخِيَارَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ بَيْعٍ كَمَا فِي بَيْعِ الْمُقَايَضَةِ وَحِينَ لَزِمَ جَوَازُهُ عَلِمْنَا أَنَّ الشَّارِعَ اعْتَبَرَ فِيهِ الْمَعْدُومَ مَوْجُودًا وَهُوَ كَثِيرٌ فِي الشَّرْعِ كَطَهَارَةِ صَاحِبِ الْعُذْرِ وَتَسْمِيَةِ الذَّابِحِ إذَا نَسِيَهَا وَالرَّهْنِ بِالدَّيْنِ الْمَوْعُودِ وَقِرَاءَةِ الْمَأْمُومِ وَالرَّابِعُ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَاخْتُلِفَ فِيهِ فَالْمَذْهَبُ الْمَرَضِيُّ فِي الْهِدَايَةِ أَنَّهُ الْعَيْنُ دُونَ الْعَمَلِ، وَقَالَ الْبَرْدَعِيُّ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ الْعَمَلُ دُونَ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِصْنَاعَ يُنْبِئُ عَنْهُ وَالْأَدِيمُ وَالصَّرْمُ بِمَنْزِلَةِ الصِّبْغِ وَالدَّلِيلُ عَلَى الْمَذْهَبِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَوْلِ مُحَمَّدٍ لِأَنَّهُ اشْتَرَى مَا لَمْ يَرَهُ وَلِذَا لَوْ جَاءَ بِهِ مَفْرُوغًا لَا مِنْ صَنْعَتِهِ أَوْ مِنْ صَنْعَتِهِ قَبْلَ الْعَقْدِ فَأَخَذَهُ جَازَ، وَإِنَّمَا يُبْطِلُهُ بِمَوْتِ الصَّانِعِ لِشَبَهِهِ بِالْإِجَارَةِ. وَفِي الذَّخِيرَةِ هُوَ إجَارَةٌ ابْتِدَاءً بَيْعٌ انْتِهَاءً لَكِنْ قَبْلَ التَّسْلِيمِ لَا عِنْدَ التَّسْلِيمِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ إذَا مَاتَ الصَّانِعُ يَبْطُلُ وَلَا يَسْتَوْفِي الْمَصْنُوعُ مِنْ تَرِكَتِهِ ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ وَإِنَّمَا لَمْ يُجْبَرْ الصَّانِعُ عَلَى الْعَمَلِ وَالْمُسْتَصْنِعُ عَلَى إعْطَاءِ الْمُسَمَّى؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ إلَّا بِإِتْلَافِ عَيْنِ مَالِهِ وَالْإِجَارَةُ تُفْسَخُ بِهَذَا الْعُذْرِ الْخَامِسُ فِي حُكْمِهِ وَهُوَ الْجَوَازُ دُونَ اللُّزُومِ؛ لِأَنَّ جَوَازَهُ لِلْحَاجَةِ وَهِيَ فِي الْجَوَازِ لَا اللُّزُومِ وَلِذَا قُلْنَا لِلصَّانِعِ أَنْ يَبِيعَ الْمَصْنُوعَ قَبْلَ أَنْ يَرَاهُ الْمُسْتَصْنِعُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ غَيْرُ لَازِمٍ، وَأَمَّا بَعْدَمَا رَآهُ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا خِيَارَ لِلصَّانِعِ بَلْ إذَا قَبِلَهُ الْمُسْتَصْنِعُ أُجْبِرَ عَلَى دَفْعِهِ لَهُ؛ لِأَنَّهُ بِالْآخِرَةِ بَائِعٌ لَهُ وَتَفَرَّعَ عَلَى عَدَمِ لُزُومِهِ مَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ مِنْ الدَّعْوَى رَجُلٌ اسْتَصْنَعَ رَجُلًا فِي شَيْءٍ، ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي الْمَصْنُوعِ فَقَالَ الْمُسْتَصْنِعُ لَمْ تَفْعَلْ مَا أَمَرْتُك بِهِ، وَقَالَ الصَّانِعُ فَعَلْت قَالُوا لَا يَمِينَ فِيهِ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، وَلَوْ ادَّعَى الصَّانِعُ عَلَى رَجُلٍ أَنَّك اسْتَصْنَعْت إلَيَّ فِي كَذَا وَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا يَحْلِفُ. اهـ. قَوْلُهُ (وَلَهُ الْخِيَارُ) أَيْ لِلْمُسْتَصْنِعِ الْخِيَارُ (إذَا رَأَى الْمَصْنُوعَ) لِمَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّهُ اشْتَرَى مَا لَمْ يَرَهُ بِخِلَافِ السَّلَمِ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي إثْبَاتِ الْخِيَارِ فِيهِ لِأَنَّهُ كُلَّمَا رَآهُ عَلَيْهِ أَعْطَاهُ غَيْرَهُ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُتَعَيِّنٍ إذْ الْمُسْلَمُ فِيهِ فِي الذِّمَّةِ فَيَبْقَى فِيهَا إلَى أَنْ يَقْبِضَهُ قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُ لَا خِيَارَ لِلصَّانِعِ؛ لِأَنَّهُ بَاعَ مَا لَمْ يَرَهُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ لَهُ الْخِيَارَ؛ لِأَنَّهُ يَلْحَقُهُ الضَّرَرُ بِقَطْعِ الصَّرْمِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ قَوْلُهُ (وَلِلصَّانِعِ بَيْعُهُ قَبْلَ أَنْ يَرَاهُ) أَيْ الْمُسْتَصْنِعُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ إلَّا بِاخْتِيَارِهِ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ قَبْلَ أَنْ يَرَاهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا رَآهُ وَرَضِيَ بِهِ امْتَنَعَ عَلَى الصَّانِعِ بَيْعُهُ لِأَنَّهُ بِالْإِحْضَارِ أَسْقَطَ خِيَارَ وَلَزِمَ. قَوْلُهُ (وَمُؤَجَّلُهُ سَلَمٌ) أَيْ إذَا أَجَّلَهُ الْمُسْتَصْنِعُ صَارَ سَلَمًا وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا إنْ ضَرَبَ الْأَجَلَ فِيمَا فِيهِ تَعَامُلٌ فَهُوَ اسْتِصْنَاعٌ وَإِنْ ضَرَبَ فِيمَا لَا تَعَامُلَ فِيهِ فَهُوَ سَلَمٌ لِتَعَذُّرِ جَعْلِهِ اسْتِصْنَاعًا وَيُحْمَلُ الْأَجَلُ فِيمَا فِيهِ تَعَامُلٌ عَلَى الِاسْتِعْجَالِ وَلَهُ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ السَّلَمَ فَحُمِلَ عَلَيْهِ وَهُوَ أَوْلَى لِكَوْنِهِ ثَابِتًا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ مُطْلَقًا، وَأَمَّا الِاسْتِصْنَاعُ فَبِالتَّعَامُلِ وَمَخْصُوصٌ بِمَا فِيهِ تَعَامُلٌ وَلِأَنَّ الْأَجَلَ لِتَأْخِيرِ الْمُطَالَبَةِ وَذَلِكَ بِاللُّزُومِ وَهُوَ فِي السَّلَمِ دُونَهُ وَالْمُرَادُ بِالْأَجَلِ مَا قَدَّمَهُ مِنْ أَنَّ أَقَلَّهُ شَهْرٌ فَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ كَانَ اسْتِصْنَاعًا إنْ جَرَى فِيهِ تَعَامُلٌ وَإِلَّا فَفَاسِدٌ إنْ ذَكَرَهُ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِمْهَالِ فَإِنْ كَانَ لِلِاسْتِعْجَالِ بِأَنْ قَالَ عَلَى أَنْ تَفْرُغَ مِنْهُ غَدًا أَوْ بَعْدَ غَدٍ كَانَ صَحِيحًا، وَفَصَّلَ الْهِنْدُوَانِيُّ فَجَعَلَهُ مِنْ الْمُسْتَصْنِعِ اسْتِعْجَالًا وَمِنْ الصَّانِعِ تَعْجِيلًا، ثُمَّ فَائِدَةُ كَوْنِهِ سَلَمًا أَنْ يَشْتَرِطَ فِيهِ شَرَائِطَهُ مِنْ الْقَبْضِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ وَعَدَمِ الْخِيَارِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ وَفِي الصِّحَاحِ الطَّسْتُ الطَّسُّ بِلُغَةِ طَيِّئٍ أَبْدَلَ مِنْ إحْدَى السِّينَيْنِ تَاءً لِلِاسْتِثْقَالِ، فَإِذَا جُمِعَتْ أَوْ صُغِّرَتْ رُدَّتْ السِّينُ لِأَنَّك فَصَّلْت بَيْنَهُمَا بِأَلِفٍ أَوْ يَاءٍ قُلْتُ: طِسَاسٌ وَطَسِيسٌ. اهـ. وَفِي الْمُغْرِبِ الطَّسْتُ مُؤَنَّثَةٌ وَهِيَ أَعْجَمِيَّةٌ وَالطَّسُّ تَعْرِيبُهَا وَالْجَمْعُ طِسَاسٌ وَطُسُوسٌ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: لَكِنْ قَبْلَ التَّسْلِيمِ لَا عِنْدَ التَّسْلِيمِ) قَالَ فِي الْكِفَايَةِ وَلِهَذَا يَبْطُلُ بِمَوْتِ الصَّانِعِ وَلَا يُسْتَوْفَى مِنْ تَرِكَتِهِ، وَلَوْ انْعَقَدَ بَيْعًا ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً لَكَانَ لَا يَبْطُلُ بِمَوْتِهِ كَمَا فِي بَيْعِ الْعَيْنِ وَالسَّلَمِ وَيَثْبُتُ لَهُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَلَوْ كَانَ يَنْعَقِدُ عِنْدَ التَّسْلِيمِ لَا قَبْلَهُ بِسَاعَةٍ لَمْ يَثْبُتْ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ لِأَنَّهُ يَكُونُ مُشْتَرِيًا مَا رَآهُ وَتَمَامُهُ فِيهِ وَفِي نُورِ الْعَيْنِ فِي إصْلَاحِ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ نَقْلًا عَنْ فَتَاوَى ظَهِيرِ الدِّينِ وَيَنْعَقِدُ إجَارَةً ابْتِدَاءً وَبَيْعًا انْتِهَاءً مَتَى سَلَّمَ حَتَّى لَوْ مَاتَ الصَّانِعُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ بَطَلَ وَلَا يُسْتَوْفَى الْمَصْنُوعُ مِنْ تَرِكَتِهِ وَيَنْعَقِدُ بَيْعًا عِنْدَ التَّسْلِيمِ حَتَّى لَوْ سَلَّمَ يَثْبُتُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ ثُمَّ نَقَلَ بَعْدَهُ عِبَارَةَ الذَّخِيرَةِ ثُمَّ قَالَ فَبَيْنَ مَا فِي الْكِتَابَيْنِ تَعَارُضٌ وَلَعَلَّ الصَّوَابَ هُوَ الْأَوَّلُ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ تَأَمَّلَ اهـ. (قَوْلُهُ: وَفِي الْمُغْرِبِ الطَّسْتُ مُؤَنَّثَةٌ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَالَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 186 وَقَدْ يُقَالُ الطُّسُوتُ ذَكَرَهُ فِي الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالْقُمْقُمَةُ بِالضَّمِّ مَعْرُوفَةٌ، وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ هُوَ رُومِيٌّ وَالْجَمْعُ قَمَاقِمُ كَذَا فِي الصِّحَاحِ. اهـ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (بَابُ الْمُتَفَرِّقَاتِ) هَكَذَا فِي نُسْخَةِ الزَّيْلَعِيِّ وَفِي نُسْخَةِ الْعَيْنِيِّ مَسَائِلُ مُتَفَرِّقَةٌ وَعَبَّرَ عَنْهَا فِي الْهِدَايَةِ بِمَسَائِلَ مَنْثُورَةٍ وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ، وَحَاصِلُهَا أَنَّ الْمَسَائِلَ الَّتِي تَشِذُّ عَنْ الْأَبْوَابِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَلَمْ تُذْكَرْ فِيهَا إذَا اُسْتُدْرِكَتْ سُمِّيَتْ بِهَا أَيْ مُتَفَرِّقَةً مِنْ أَبْوَابٍ أَوْ مَنْثُورَةً عَنْ أَبْوَابِهَا قَوْلُهُ (صَحَّ بَيْعُ الْكَلْبِ وَالْفَهْدِ وَالسِّبَاعِ وَالطُّيُورِ) لِمَا رَوَاهُ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَخَّصَ فِي ثَمَنِ كَلْبِ الصَّيْدِ» وَلِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ آلَةُ الِاصْطِيَادِ فَصَحَّ بَيْعُهُ كَالْبَازِي بِدَلِيلِ أَنَّ الشَّارِعَ أَبَاحَ الِانْتِفَاعَ بِهِ حِرَاسَةً وَاصْطِيَادًا فَكَذَا بَيْعًا وَهَذَا عَلَى الْقَوْلِ الْمُفْتَى بِهِ مِنْ طَهَارَةِ عَيْنِهِ بِخِلَافِ الْخِنْزِيرِ فَإِنَّهُ نَجِسُ الْعَيْنِ، وَأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ أَنَّهُ نَجِسُ الْعَيْنِ كَالْخِنْزِيرِ فَقَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَلَوْ سُلِّمَ نَجَاسَةُ عَيْنِهِ فَهِيَ تُوجِبُ حُرْمَةَ أَكْلِهِ لَا مُنِعَ بَيْعِهِ بَلْ مُنِعَ الْبَيْعُ بِمَنْعِ الِانْتِفَاعِ شَرْعًا وَلِهَذَا أَجَزْنَا بَيْعَ السِّرْقِينَ وَالْبَعْرِ مَعَ نَجَاسَةِ عَيْنِهِمَا لِإِطْلَاقِ الِانْتِفَاعِ بِهِمَا عِنْدَنَا بِخِلَافِ الْعَذِرَةِ لَمْ يُطْلَقْ الِانْتِفَاعُ بِهَا فَمُنِعَ بَيْعُهَا فَإِنْ ثَبَتَ شَرْعًا إطْلَاقُ الِانْتِفَاعِ بِهَا مَخْلُوطَةً بِالتُّرَابِ، وَلَوْ بِالِاسْتِهْلَاكِ كَالِاسْتِصْبَاحِ بِالزَّيْتِ النَّجِسِ كَمَا قِيلَ جَازَ بَيْعُ ذَلِكَ التُّرَابِ الَّتِي هِيَ فِي ضِمْنِهِ وَبِهِ قَالَ مَشَايِخُنَا وَإِنَّمَا امْتَنَعَ بَيْعُ الْخَمْرِ لِنَصٍّ خَاصٍّ فِي مَنْعِ بَيْعِهَا وَهُوَ الْحَدِيثُ أَنَّ «الَّذِي حَرَّمَ شُرْبَهَا حَرَّمَ بَيْعَهَا» . اهـ. وَفِي الْقُنْيَةِ اشْتَرَى ثَوْرًا أَوْ فَرَسًا مِنْ خَزَفٍ لِاسْتِئْنَاسِ الصَّبِيِّ لَا يَصِحُّ وَلَا يَضْمَنُ مُتْلِفُهُ (طب) صَحَّ وَيَضْمَنُ مُتْلِفُهُ يَجُوزُ بَيْعُ خُرْءِ الْحَمَامِ إنْ كَانَ كَثِيرًا وَهِبَتُهُ أَدْنَى الْقِيمَةِ الَّتِي تُشْتَرَطُ لِجَوَازِ الْبَيْعِ فَلَسًا، وَلَوْ كَانَتْ كِسْرَةَ خُبْزٍ لَا يَجُوزُ. اهـ. أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْمُعَلَّمَ وَغَيْرَهُ الْعَقُورَ وَغَيْرَهُ هَكَذَا أُطْلِقَ فِي الْأَصْلِ فَمَشَى الْقُدُورِيُّ عَلَى هَذَا الْإِطْلَاقِ وَنَصَّ فِي نَوَادِرِ هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي جَوَازِ بَيْعِ الْعَقُورِ وَتَضْمِينِ مَنْ قَتَلَهُ قِيمَتَهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ مَنَعَ بَيْعَ الْعَقُورِ وَذَلِكَ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْكَلْبِ الْعَقُورِ الَّذِي لَا يَقْبَلُ التَّعْلِيمَ، وَقَالَ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ قَالَ وَهَكَذَا نَقُولُ فِي الْأَسَدِ إذَا كَانَ يَقْبَلُ التَّعْلِيمَ وَيُصْطَادُ بِهِ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَإِنْ كَانَ لَا يَقْبَلُ التَّعْلِيمَ وَالِاصْطِيَادَ بِهِ لَا يَجُوزُ قَالَ وَالْفَهْدُ وَالْبَازِي يَقْبَلَانِ التَّعْلِيمَ فَيَجُوزُ بَيْعُهُمَا عَلَى كُلِّ حَالٍ. اهـ. فَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ النَّمِرِ بِحَالٍ؛ لِأَنَّهُ لِشَرَاسَتِهِ لَا يَقْبَلُ التَّعْلِيمَ، وَفِي بَيْعِ الْقِرْدِ رِوَايَتَانِ وَجْهُ رِوَايَةٍ الْجَوَازُ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ أَنَّهُ يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِجِلْدِهِ وَهَذَا هُوَ وَجْهُ إطْلَاقِ رِوَايَةِ بَيْعِ الْكَلْبِ وَالسِّبَاعِ فَإِنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِجِلْدِهِ أَوْ عَظْمِهِ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَصَحَّحَ فِي الْبَدَائِعِ عَدَمَ الْجَوَازِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَى لِلِانْتِفَاعِ بِجِلْدِهِ عَادَةً بَلْ لِلتَّلَهِي بِهِ وَهُوَ حَرَامٌ. اهـ. وَيَجُوزُ بَيْعُ الْهِرَّةِ لِأَنَّهَا تَصْطَادُ الْفَأْرَةَ وَالْهَوَامَّ الْمُؤْذِيَةَ فَهِيَ مُنْتَفَعٌ بِهَا وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ هَوَامِّ الْأَرْضِ كَالْخَنَافِسِ وَالْعَقَارِبِ وَالْفَأْرَةِ وَالنَّمْلِ وَالْوَزَغِ وَالْقَنَافِذِ وَالضَّبِّ وَلَا هَوَامِّ الْبَحْرِ كَالضُّفْدَعِ وَالسَّرَطَانِ وَكَذَا كُلُّ مَا كَانَ فِي الْبَحْرِ إلَّا السَّمَكَ وَمَا جَازَ الِانْتِفَاعُ بِجِلْدِهِ أَوْ عَظْمِهِ، كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَفِي الْقُنْيَةِ وَبَيْعُ غَيْرِ السَّمَكِ مِنْ دَوَابِّ الْبَحْرِ إنْ كَانَ لَهُ ثَمَنٌ كَالسَّقَنْقُورِ وَجُلُودِ الْخَزِّ وَنَحْوِهَا يَجُوزُ وَإِلَّا فَلَا، وَجَمَلُ الْمَاءِ قِيلَ يَجُوزُ حَيًّا لَا مَيِّتًا وَالْحَسَنُ أَطْلَقَ الْجَوَازَ وَذَكَرَ أَبُو اللَّيْثِ يَجُوزُ بَيْعُ الْحَيَّاتِ إذَا كَانَ يُنْتَفَعُ بِهَا فِي الْأَدْوِيَةِ فَإِنْ لَمْ يُنْتَفَعْ بِهَا لَا يَجُوزُ وَرَدَّهُ فِي الْبَدَائِعِ بِأَنَّهُ غَيْرُ سَدِيدٍ؛ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ شَرْعًا لَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ لِلتَّدَاوِي كَالْخَمْرِ فَلَا تَقَعُ الْحَاجَةُ إلَى شَرْعِ الْبَيْعِ وَيَجُوزُ بَيْعُ الدُّهْنِ النَّجِسِ لِأَنَّهُ يُنْتَفَعُ بِهِ لِلِاسْتِصْبَاحِ فَهُوَ كَالسِّرْقِينِ، أَمَّا الْعَذِرَةُ فَلَا يُنْتَفَعُ بِهَا إلَّا مَخْلُوطَةً   [منحة الخالق] ابْنُ كَمَالِ بَاشَا فِي رِسَالَةِ الْمُغْرِبِ وَوَهِمَ فِيهِ الْإِمَامُ الْمُطَرِّزِيُّ حَيْثُ قَالَ الطَّسْتُ مُؤَنَّثَةٌ وَهِيَ أَعْجَمِيَّةٌ وَالطَّسُّ تَعْرِيبُهَا لِأَنَّ الطَّسَّ مُرَخَّمٌ مِنْ الطَّسْتِ كَمَا أَنَّ الطَّشَّ مُرَخَّمٌ مِنْ الطَّشْتِ وَكَذَا الْجَوْهَرِيُّ أَخْطَأَ فِي قَوْلِهِ أَنَّ الطَّسْتَ عَرَبِيٌّ أَصْلُهُ الطَّسُّ بِلُغَةِ طَيِّئٍ أَبْدَلَ مِنْ إحْدَى السِّينَيْنِ تَاءً لِلِاسْتِثْقَالِ، فَإِذَا جَمَعْت أَوْ صَغَّرْت رَدَدْت السِّينَ لِأَنَّك فَصَلْت بَيْنَهُمَا بِأَلِفٍ أَوْ يَاءٍ فَقُلْتُ: طِسَاسٌ وَطَسِيسٌ وَتَبِعَهُ صَاحِبُ الْقَامُوسِ حَيْثُ قَالَ الطَّسْتُ الطَّسُّ أُبْدِلَ مِنْ إحْدَى السِّينَيْنِ تَاءً وَصَاحِبُ الْمُجْمَلِ أَيْضًا غَافِلٌ عَنْ تَعْرِيبِهَا حَيْثُ قَالَ وَالطَّسُّ لُغَةً فِي طَسْتٍ اهـ. [بَابُ مَسَائِلُ مُتَفَرِّقَةٌ فِي الْبَيْع] (بَابُ الْمُتَفَرِّقَاتِ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 187 بِالتُّرَابِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا تَبَعًا وَيُجْمَعُ الْفَهْدُ عَلَى فُهُودٍ وَفَهِدَ الرَّجُلُ إذَا أَشْبَهَ الْفَهْدَ فِي كَثْرَةِ نَوْمِهِ وَتَمَرُّدِهِ وَفِي الْحَدِيثِ «إنْ دَخَلَ فَهِدَ وَإِنْ خَرَجَ أَسِدَ» وَالسَّبُعُ وَاحِدُ السِّبَاعِ كَذَا فِي الصِّحَاحِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالِانْتِفَاعُ بِالْكَلْبِ لِلْحِرَاسَةِ وَالِاصْطِيَادِ جَائِزٌ إجْمَاعًا لَكِنْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُتَّخَذَ فِي دَارِهِ إلَّا إنْ خَافَ اللُّصُوصَ أَوْ عَدُوًّا وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «مَنْ اقْتَنَى كَلْبًا إلَّا كَلْبَ صَيْدٍ أَوْ مَاشِيَةٍ نَقَصَ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ» وَفِي الْبَدَائِعِ وَيَجُوزُ بَيْعُ الْفِيلِ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ مُنْتَفَعٌ بِهِ حَقِيقَةً مُبَاحُ الِانْتِفَاعِ بِهِ شَرْعًا عَلَى الْإِطْلَاقِ فَكَانَ مَالًا. قَوْلُهُ (وَالذِّمِّيُّ كَالْمُسْلِمِ فِي بَيْعِ غَيْرِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ) لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ مُحْتَاجٌ فَشَرَعَ فِي حَقِّهِمْ أَسْبَابَ الْمُعَامَلَاتِ فَكُلُّ مَا جَازَ لَنَا مِنْ الْبِيَاعَاتِ مِنْ الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ وَغَيْرِهِمَا جَازَ لَهُ وَمَا لَا يَجُوزُ مِنْ الرِّبَا وَغَيْرِهِ لَا يَجُوزُ لَهُ إلَّا الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ فَإِنَّ عَقْدَهُمْ فِيهَا كَعَقْدِنَا عَلَى الْعَصِيرِ وَالشَّاةِ فَيَجُوزُ لَهُ السَّلَمُ فِي الْخَمْرِ دُونَ الْخِنْزِيرِ، وَفِي الْبَدَائِعِ لَا يُمْنَعُونَ مِنْ بَيْعِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ، أَمَّا عَلَى قَوْلِ بَعْضِ مَشَايِخِنَا فَلِأَنَّهُ مُبَاحُ الِانْتِفَاعِ بِهِ شَرْعًا لَهُمْ فَكَانَ مَالًا فِي حَقِّهِمْ عَنْ الْبَعْضِ حُرْمَتُهُمَا ثَابِتَةٌ عَلَى الْعُمُومِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ لِأَنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِشَرَائِعَ هِيَ مُحَرَّمَاتٌ وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا فَكَانَتْ الْحُرْمَةُ ثَابِتَةً فِي حَقِّهِمْ لَكِنَّهُمْ لَا يُمْنَعُونَ عَنْ بَيْعِهَا لِأَنَّهُمْ لَا يَعْتَقِدُونَ حُرْمَتَهَا ويتمولونها، وَقَدْ أُمِرْنَا بِتَرْكِهِمْ وَمَا يَدِينُونَ. اهـ. قَيَّدَ بِالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ لِأَنَّا لَا نُجِيزُ فِيمَا بَيْنَهُمْ بَيْعَ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ، وَأَمَّا الْمُنْخَنِقَةُ وَاَلَّتِي قَدْ جُرِحَتْ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الذَّبْحِ وَذَبَائِحُ الْمَجُوسِ كَالْخِنْزِيرِ قَالَ فِي الْإِصْلَاحِ فَالْمُسْتَثْنَى غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِهِمَا كَمَا يُفْهَمُ مِنْ الْهِدَايَةِ. اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَبَيْعُ الْمَجُوسِيِّ ذَبِيحَتَهُ أَوْ مَا هُوَ ذَبِيحَةٌ عِنْدَهُ كَالْخَنْقِ مِنْ كَافِرٍ جَائِزٌ عِنْدَ الثَّانِي. اهـ. فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ عِنْدَ الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ وَحِينَئِذٍ فَالْمُسْتَثْنَى مُخْتَصٌّ بِالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ لَا كَمَا زَعَمَ صَاحِبُ الْإِصْلَاحِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ أَيْضًا بَيْعُ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا مِنْ كَافِرٍ يَجُوزُ. اهـ. وَفِي الْقُنْيَةِ مِنْ كِتَابِ الشُّفْعَةِ تَأْخِيرُ الْيَهُودِيِّ فِي السَّبْتِ لِاشْتِغَالِهِ بِالسَّبْتِ مُبْطِلٌ لِلشُّفْعَةِ وَفِيهَا مِنْ الْحُدُودِ وَيُمْنَعُ الذِّمِّيُّ عَمَّا يُمْنَعُ الْمُسْلِمُ إلَّا شُرْبَ الْخَمْرِ فَإِنْ غَنَّوْا وَضَرَبُوا الْعِيدَانَ يُمْنَعُوا كَالْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهُ لَمْ يُسْتَثْنَ عَنْهُمْ. اهـ. وَفِي إيضَاحِ الْكَرْمَانِيِّ وَلَوْ بَاعَ ذِمِّيٌّ مِنْ ذِمِّيٍّ خَمْرًا أَوْ خِنْزِيرًا، ثُمَّ أَسْلَمَا أَوْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ انْتَقَضَ الْبَيْعُ وَالْمُرَادُ بِلَفْظَةِ الِانْتِقَاضِ إثْبَاتُ حَقِّ الْفَسْخِ لِتَعَذُّرِ الْقَبْضِ بِالْإِسْلَامِ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَبَقَ الْمَبِيعُ فَإِنْ صَارَ خَلًّا قَبْلَ الْقَبْضِ خُيِّرَ الْمُشْتَرِي إنْ شَاءَ نَقَضَ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ فِي قَوْلِهِمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ الْعَقْدُ بَاطِلٌ وَكَذَا الْمُسْلِمُ إذَا اشْتَرَى عَصِيرًا فَتَخَمَّرَ، وَلَوْ قَبَضَ الْخَمْرَ، ثُمَّ أَسْلَمَا أَوْ أَحَدُهُمَا جَازَ الْبَيْعُ قَبَضَ الثَّمَنَ أَوْ لَا، وَلَوْ اشْتَرَى الذِّمِّيُّ عَبْدًا مُسْلِمًا جَازَ وَأُجْبِرَ عَلَى بَيْعِهِ وَكَذَا إذَا اشْتَرَى مُصْحَفًا، وَلَوْ اشْتَرَى كَافِرٌ مِنْ كَافِرٍ عَبْدًا مُسْلِمًا شِرَاءً فَاسِدًا أُجْبِرَ عَلَى رَدِّهِ وَيُجْبَرُ الْبَائِعُ عَلَى بَيْعِهِ؛ لِأَنَّ دَفْعَ الْفَسَادِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ فَيَجُوزُ السَّلَمُ فِي الْخَمْرِ دُونَ الْخِنْزِيرَ) لِأَنَّ السَّلَمَ فِي الْحَيَوَانِ لَا يَجُوزُ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ) قَالَ فِي مَتْنِ الْمَنَارِ وَالْكُفَّارُ مُخَاطَبُونَ بِالْأَمْرِ بِالْإِيمَانِ بِالْمَشْرُوعِ مِنْ الْعُقُوبَاتِ وَبِالْمُعَامَلَاتِ وَبِالشَّرَائِعِ فِي حَقِّ الْمُؤَاخَذَةِ فِي الْآخِرَةِ بِلَا خِلَافٍ أَيْ الْمَشْرُوعَاتُ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ، وَأَمَّا فِي وُجُوبِ الْأَدَاءِ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا فَكَذَلِكَ عِنْدَ الْبَعْضِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُمْ لَا يُخَاطَبُونَ بِأَدَاءِ مَا يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ مِنْ الْعِبَادَاتِ. اهـ. قَالَ الْمُؤَلِّفُ فِي شَرْحِهِ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ فَلَا يُعَاقَبُونَ عَلَى تَرْكِهَا، ثُمَّ قَالَ وَالرَّاجِحُ عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ مِنْ الْعُلَمَاءِ عَلَى التَّكْلِيفِ لِمُوَافَقَتِهِ لِظَاهِرِ النُّصُوصِ فَلْيَكُنْ هُوَ الْمُعْتَمَدُ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَالْمُسْتَثْنَى غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِهِمَا) قَالَ فِي النَّهْرِ أَقُولُ: وَلَا هُوَ مُخْتَصٌّ بِمَا ذَكَرَهُ لِأَنَّ الْكَافِرَ لَوْ اشْتَرَى مُسْلِمًا أَوْ مُصْحَفًا أَوْ شِقْصًا مِنْهُمَا يُجْبَرُ عَلَى بَيْعِهِ وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي صَغِيرًا أُجْبِرَ وَلِيُّهُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ أَقَامَ الْقَاضِي لَهُ وَلِيًّا، كَذَا فِي السِّرَاجِ وَيَنْبَغِي أَنَّ عَقْدَ الصَّغِيرِ فِي هَذَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِجَازَةِ. اهـ. أَيْ لِعَدَمِ فَائِدَتِهِ لِأَنَّهُ إذَا أَجَازَهُ وَلِيُّهُ يُجْبَرُ عَلَى بَيْعِهِ وَقَدْ يُقَالُ أَنَّهُ قَدْ يُسْلِمُ قَبْلَ إجْبَارِ وَلِيِّهِ فَيَبْقَى عَلَى مِلْكِهِ تَأَمَّلْ وَأَقُولُ: أَيْضًا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: وَالذِّمِّيُّ كَالْمُسْلِمِ إنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ التَّشْبِيهَ مِنْ حَيْثُ الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ فَمَا زَادَهُ مُسْلِمٌ وَإِنْ كَانَ مِنْ حَيْثُ الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ فَلَا وَهُوَ الظَّاهِرُ لِمُوَافَقَتِهِ لِلصَّحِيحِ مِنْ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا كَمَا مَرَّ فَتَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: أَوْ مَا هُوَ ذَبْحٌ عِنْدَهُ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ ذَبِيحَتُهُ وَقَوْلِهِ كَالْخَنْقِ تَمْثِيلٌ لِمَا هُوَ ذَبْحٌ عِنْدَهُ وَقَوْلُهُ مِنْ كَافِرٍ مُتَعَلِّقٌ بِبَيْعِ الَّذِي هُوَ مُبْتَدَأٌ وَقَوْلُهُ جَائِزٌ خَبَرٌ. (قَوْلُهُ: فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ عِنْدَ الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ) قَالَ فِي النَّهْرِ مَمْنُوعٌ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ نَسَبَهُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُخَرِّجُ لَهُ وَلَا قَوْلَ لَهُمَا فِيهِ، وَقَدْ الْتَزَمَ مِثْلَهُ فِي طَلَاقِ فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْمَعْنَى يَشْهَدُ لَهُ لِأَنَّ مَا ذُكِرَ لَا يَنْزِلُ عَنْ مَرْتَبَةِ الْخِنْزِيرِ إذَا ذَبَحَهُ الذِّمِّيُّ. اهـ. أَقُولُ: تَقَدَّمَ التَّصْرِيحُ بِالْخِلَافِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ عِنْدَ قَوْلِهِ لَمْ يَجُزْ بَيْعُ الْمَيْتَةِ حَيْثُ قَالَ الْمُؤَلِّفُ هُنَاكَ عَنْ التَّجْنِيسِ وَلَوْ بَاعُوا ذَبِيحَتَهُمْ وَذَبْحُهُمْ أَنْ يَخْنُقُوا الشَّاةَ وَيَضْرِبُوهَا حَتَّى تَمُوتَ جَازَ لِأَنَّهَا عِنْدَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الذَّبِيحَةِ عِنْدَنَا وَفِي جَامِعِ الْكَرْخِيِّ يَجُوزُ الْبَيْعُ بَيْنَهُمْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 188 وَاجِبٌ حَقًّا لِلشَّرْعِ فَيُجْبَرُ عَلَى الرَّدِّ لِيَنْعَدِمَ الْفَسَادُ، ثُمَّ يُجْبَرُ الْبَائِعُ عَلَى بَيْعِهِ وَإِنْ أَعْتَقَهُ الذِّمِّيُّ جَازَ وَإِنْ دَبَّرَهُ جَازَ وَيَسْعَى فِي قِيمَتِهِ، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ أَمَةً فَاسْتَوْلَدَهَا وَيَوْجَعُ الذِّمِّيُّ ضَرْبًا؛ لِأَنَّهُ وَطِئَ مُسْلِمَةً وَذَلِكَ حَرَامٌ فَإِنْ كَاتَبَهُ جَازَ وَلَا يَفْتَرِضُ عَلَيْهِ فَإِنْ عَجَزَ أُجْبِرَ عَلَى بَيْعِهِ، وَكَذَا الذِّمِّيُّ إذَا مَلَكَ شِقْصًا مِنْ مُسْلِمٍ فَهُوَ كَالْكُلِّ فَإِذَا كَانَ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ مُسْلِمًا وَالْآخَرُ ذِمِّيًّا لَمْ يَجُزْ بَيْنَهُمَا إلَّا مَا يَجُوزُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَلَوْ أَقْرَضَ النَّصْرَانِيُّ نَصْرَانِيًّا خَمْرًا، ثُمَّ أَسْلَمَ الْمُقْرِضُ سَقَطَ الْخَمْرُ لِتَعَذُّرِ قَبْضِهَا فَصَارَ كَهَلَاكِهَا مُسْتَنِدًا إلَى مَعْنًى فِيهَا وَإِنْ أَسْلَمَ الْمُسْتَقْرِضُ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ سُقُوطُهَا وَعَنْهُ أَنَّ عَلَيْهِ قِيمَتَهَا وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ لِتَعَذُّرِهِ لِمَعْنًى مِنْ جِهَتِهِ. اهـ. وَلَمْ أَرَ حُكْمَ وَقْفِ الْكَافِرِ مُصْحَفًا. قَوْلُهُ (وَلَوْ قَالَ بِعْ عَبْدَك مِنْ زَيْدٍ بِأَلْفٍ عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ لَك مِائَةً سِوَى الْأَلْفِ فَبَاعَ صَحَّ بِأَلْفٍ وَبَطَلَ الضَّمَانُ وَإِنْ زَادَ مِنْ الثَّمَنِ فَالْأَلْفُ عَلَى زَيْدٍ وَالْمِائَةُ عَلَى الضَّامِنِ) ؛ لِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ يَصِيرُ الْتِزَامًا لِلْمَالِ ابْتِدَاءً وَهُوَ رِشْوَةٌ وَفِي الثَّانِي يَصِيرُ زِيَادَةً فِي الثَّمَنِ وَهِيَ جَائِزَةٌ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ وَلَا رُجُوعَ لَهُ بِهَا عَلَى الْمُشْتَرِي وَلَا تَظْهَرُ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ وَالْمُرَابَحَةِ وَلَا يَحْبِسُ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا يَحْبِسُهُ عَلَى أَلْفٍ وَبِرَابِحٍ عَلَيْهَا وَيَأْخُذُ الشَّفِيعُ بِهَا، وَلَوْ تَقَايَلَا الْبَيْعَ اسْتَرَدَّهَا الْأَجْنَبِيُّ، وَكَذَا إنْ رُدَّتْ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ بِغَيْرِ قَضَاءٍ وَبِهِ لَا يَسْتَرِدُّهَا لِكَوْنِهِ فَسْخًا إجْمَاعًا، وَلَوْ ضَمِنَ الزِّيَادَةَ بِأَمْرِ الْمُشْتَرِي صَارَتْ كَزِيَادَتِهِ بِنَفْسِهِ فَتُلْتَحَقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ فَتَثْبُتُ الْأَحْكَامُ كُلُّهَا إلَّا أَنَّهُ لَا يُطَالَبُ الْبَائِعُ بِهَا، وَإِنَّمَا يُطَالَبُ مَنْ زَادَ كَأَنَّهُ وَكِيلُهُ، وَلَوْ رَدَّ بِعَيْبٍ أَوْ تَقَايَلَا بِرَدِّ الزِّيَادَةِ عَلَى الضَّامِنِ فَقَطْ لِكَوْنِهِ أَخَذَهَا مِنْهُ دُونَ الْمُشْتَرِي، وَذُكِرَ فِي الْكَافِي أَنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُهَا بِالْأَلْفِ وَمِائَةٍ فَجَعَلَهَا ظَاهِرَةً فِي حَقِّهِ وَإِنَّمَا ظَهَرَتْ فِي حَقِّهِ مَعَ أَنَّ زِيَادَةَ الْمُشْتَرِي لَا تَظْهَرُ فِي حَقِّهِ لِأَنَّهَا فِي الْعَقْدِ فَصَارَتْ مِنْ الثَّمَنِ بِخِلَافِهَا بَعْدَ الْعَقْدِ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ سِوَى الْأَلْفِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ بِعْهُ بِأَلْفٍ عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ لَك مِائَةً مِنْ الثَّمَنِ صَارَ كَفِيلًا بِمِائَةٍ مِنْ الثَّمَنِ وَلَا تَثْبُتُ الزِّيَادَةُ، فَإِنْ أَدَّى رَجَعَ بِهِ إنْ كَانَ بِأَمْرِهِ وَإِلَّا فَلَا وَقَيَّدَ بِكَوْنِ الزِّيَادَةِ فِي الْعَقْدِ لِأَنَّ الْأَجْنَبِيَّ إذَا زَادَ بَعْدَ الْعَقْدِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا بِإِجَازَةِ الْمُشْتَرِي أَوْ يُعْطِي الزِّيَادَةَ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ يَضْمَنُهَا أَوْ يُضِيفُهَا إلَى نَفْسِهِ وَإِنْ زَادَ بِأَمْرِ الْمُشْتَرِي جَازَ وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَالْمَالُ لَازِمٌ لِلْمُشْتَرِي لِكَوْنِهِ سَفِيرًا وَمُعَبِّرًا لِاحْتِيَاجِهِ إلَى إضَافَتِهِ لِلْمُشْتَرِي فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا بِالضَّمَانِ كَالْخُلْعِ وَالصُّلْحِ. وَقَوْلُهُ بِعْ عَبْدَك كَلَامٌ أَجْنَبِيٌّ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فَلَا حَاجَةَ إلَى قَوْلِهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إنَّ قَوْلَهُ بِعْ عَبْدَك أَمْرٌ وَالْأَمْرُ لَا يَكُونُ فِي الْبَيْعِ إيجَابًا؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ الْمُشَارَ إلَيْهِ إنَّمَا يَكُونُ مِنْ الْمُشْتَرِي وَالْقَائِلُ هُنَا لَيْسَ هُوَ الْمُشْتَرِي وَلِذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ فَبَاعَ أَيْ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ. قَوْلُهُ (وَوَطْءُ زَوْجِ الْمُشْتَرَاةِ قَبْضٌ لَا عَقْدُهُ) لِأَنَّ الْوَطْءَ مِنْ الزَّوْجِ حَصَلَ بِتَسْلِيطِ الْمُشْتَرِي فَصَارَ مَنْسُوبًا إلَيْهِ كَأَنَّهُ فَعَلَهُ بِنَفْسِهِ وَإِنْ لَمْ يَطَأْهَا لَا يَكُونُ قَبْضًا اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَّصِلْ بِهَا مِنْ الْمُشْتَرِي فِعْلٌ يُوجِبُ نَقْصًا فِي الذَّاتِ، وَإِنَّمَا هُوَ عَيْبٌ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ وَدَلَّ وَضْعُ الْمَسْأَلَةِ عَلَى أَنَّ تَزْوِيجَ الْأَمَةِ قَبْلَ قَبْضِهَا جَائِزٌ بِخِلَافِ بَيْعِهَا؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَبْطُلُ بِالْغَرَرِ وَالْبَيْعُ يَبْطُلُ بِهِ بِدَلِيلِ صِحَّةِ تَزْوِيجِ الْعَبْدِ الْآبِقِ دُونَ بَيْعِهِ، فَلَوْ اُنْتُقِضَ الْبَيْعُ بَطَلَ النِّكَاحُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَالْمُخْتَارُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ مَتَى اُنْتُقِضَ قَبْلَ الْقَبْضِ اُنْتُقِضَ مِنْ الْأَصْلِ فَصَارَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ فَكَانَ النِّكَاحُ بَاطِلًا، وَقَيَّدَ الْقَاضِي الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ بُطْلَانَ النِّكَاحِ بِبُطْلَانِ الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ بِالْمَوْتِ حَتَّى لَوْ مَاتَتْ الْجَارِيَةُ بَعْدَ النِّكَاحِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَبْطُلُ النِّكَاحُ وَإِنْ بَطَلَ الْبَيْعُ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ قَيَّدَ بِعَقْدِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ وَالتَّدْبِيرَ قَبْضٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِعْلًا حِسِّيًّا؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ إنْهَاءٌ لِلْمِلْكِ وَالتَّدْبِيرُ مِنْ فُرُوعِهِ وَقَدَّمْنَا فِي أَوَّلِ الْبُيُوعِ قُبَيْلَ خِيَارِ الشَّرْطِ أَنَّهُ إذَا أَعْتَقَ مَا فِي بَطْنِ الْجَارِيَةِ لَا يَصِيرُ قَابِضًا لَهَا وَأَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَلَمْ أَرَ حُكْمَ وَقْفِ الْكَافِرِ مُصْحَفًا) قَالَ فِي النَّهْرِ بَعْدَ نَقْلِهِ عَنْ السِّرَاجِ تَعْلِيلُ إجْبَارِهِ عَلَى بَيْعِ الْمُصْحَفِ بِأَنَّهُ يَخَافُ مِنْهُ إتْلَافَهُ بِمَا لَا يَحِلُّ، أَقُولُ: فِي تَعْلِيلِهِ إيمَاءً إلَى أَنَّهُ لَيْسَ قُرْبَةً عِنْدَهُمْ فَلَا يَصِحُّ وَقْفُهُ وَهَذَا لِأَنَّ مَا يُتَقَرَّبُ بِإِيقَافِهِ لَا يُخْشَى إتْلَافُهُ بِمَا لَا يَحِلُّ كَحَرْقٍ وَنَحْوِهِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَبْطُلُ بِالْغَرَرِ وَالْبَيْعُ يَبْطُلُ بِهِ) قَالَ فِي الْفَتْحِ بَعْدَهُ وَفِي الْبَيْعِ قَبْلَ احْتِمَالِ الِانْفِسَاخِ بِالْهَلَاكِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَالنِّكَاحُ لَا يَنْفَسِخُ بِهَلَاكِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ أَعْنِي الْمَرْأَةَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَلِأَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى التَّسْلِيمِ شَرْطٌ فِي الْبَيْعِ وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الْقَبْضِ وَلَيْسَتْ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ النِّكَاحِ، أَلَا تَرَى أَنَّ بَيْعَ الْآبِقِ لَا يَصِحُّ وَتَزْوِيجَ الْآبِقَةِ يَجُوزُ اهـ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 189 قَالَ لِلْغُلَامِ تَعَالَ مَعِي كَانَ قَبْضًا، وَكَذَا إذَا أَمَرَ الْبَائِعُ بِطَحْنِ الْحِنْطَةِ فَطَحَنَهَا وَأَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا وَطِئَ الْجَارِيَةَ صَارَ قَابِضًا لَهَا إنْ حَبِلَتْ وَإِلَّا فَلِلْبَائِعِ حَبْسُهَا فَإِنْ مَنَعَهَا الْبَائِعُ فَمَاتَتْ مَاتَتْ مِنْ مَالِهِ وَلَا عُقْرَ عَلَيْهِ، وَلَوْ أَرْسَلَ الْعَبْدَ فِي حَاجَتِهِ صَارَ قَابِضًا كَأَمْرِهِ أَنْ يُؤَجِّرَ نَفْسَهُ، وَقَوْلُهُ لِلْبَائِعِ احْمِلْنِي مَعَك عَلَى الدَّابَّةِ فَحَمَلَهُ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرْته هُنَاكَ. قَوْلُهُ (وَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا فَغَابَ فَبَرْهَنَ الْبَائِعُ عَلَى بَيْعِهِ وَغَيْبَتُهُ مَعْرُوفَةٌ لَمْ يُبَعْ بِدَيْنِ الْبَائِعِ وَإِلَّا بِيعَ بِدَيْنِهِ) ؛ لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ مَعْرُوفَةً يُتَوَصَّلُ إلَى حَقِّهِ بِدُونِ بَيْعِهِ بِالذَّهَابِ إلَيْهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى بَيْعِهِ لِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ حَقِّ الْمُشْتَرِي فِي الْعَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَدْرِ مَكَانَهُ أَجَابَهُ الْقَاضِي إنْ بَرْهَنَ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ هُنَا لَيْسَتْ لِلْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ، وَإِنَّمَا هِيَ لِنَفْيِ التُّهْمَةِ وَانْكِشَافِ الْحَالِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ نُصِّبَ لِكُلِّ مَنْ عَجَزَ عَنْ النَّظَرِ وَنَظَرِهِمَا فِي بَيْعِهِ لِأَنَّ الْبَائِعَ يَصِلُ بِهِ إلَى حَقِّهِ وَيَبْرَأُ مِنْ ضَمَانِهِ وَالْمُشْتَرِي أَيْضًا تَبْرَأُ ذِمَّتُهُ مِنْ دَيْنِهِ وَمِنْ تَرَاكُمِ نَفَقَتِهِ، وَإِذَا انْكَشَفَ الْحَالُ عَمِلَ الْقَاضِي بِمُوجِبِ إقْرَارِهِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى خَصْمٍ حَاضِرٍ، وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ إذَا كَانَتْ الْبَيِّنَةُ لِلْقَضَاءِ وَهَذَا لِأَنَّ الْعَبْدَ فِي يَدِهِ وَقَدْ أَقَرَّ بِهِ لِلْغَائِبِ عَلَى وَجْهٍ يَكُونُ مَشْغُولًا بِحَقِّهِ فَيَظْهَرُ الْمِلْكُ لِلْغَائِبِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ وَلَا يَقْدِرُ الْبَائِعُ أَنْ يَصِلَ إلَى حَقِّهِ كَالرَّاهِنِ إذَا مَاتَ مُفْلِسًا وَالْمُشْتَرِي إذَا مَاتَ مُفْلِسًا قَبْلَ الْقَبْضِ وَأَرَادَ الْمُصَنِّفُ بِكَوْنِ الْمُشْتَرِي غَابَ قَبْلَ الْقَبْضِ. أَمَّا إذَا غَابَ بَعْدَهُ فَإِنَّ الْقَاضِيَ لَا يُجِيبُهُ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ غَيْرُ مُتَعَلِّقٍ بِمَالِيَّتِهِ وَإِنَّمَا جَازَ لِلْقَاضِي بَيْعُ الْمَنْقُولِ قَبْلَ قَبْضِهِ لِأَنَّ الْبَيْعَ هُنَا لَيْسَ بِمَقْصُودٍ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ إحْيَاءُ حَقِّهِ وَفِي ضِمْنِهِ يَصِحُّ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ قَدْ يَصِحُّ ضِمْنًا وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ قَصْدًا وَأَرَادَ بِالْعَبْدِ الْمَنْقُولَ عَبْدًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ الْعَقَارِ فَلَا يَبِيعُهُ الْقَاضِي كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَجَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ يَدْفَعُ الثَّمَنَ إلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ إنَّمَا يُدْفَعُ لَهُ بِقَدْرِ مَا بَاعَهُ فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ عَنْ دَيْنِهِ أَمْسَكَهُ لِلْمُشْتَرِي الْغَائِبِ لِأَنَّهُ بَدَلُ مِلْكِهِ وَإِنْ لَمْ يَفِ بِالدَّيْنِ وَبَقِيَ شَيْءٌ يُتْبِعُهُ الْبَائِعَ إذَا ظَفِرَ بِهِ وَقَيَّدَ بِالْمَبِيعِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ إذَا قَضَى بِالْبَيِّنَةِ عَلَى إنْسَانٍ فَغَابَ وَلَهُ مَالٌ عَلَى النَّاسِ لَا يَدْفَعُ إلَى الْمَقْضِيِّ لَهُ حَتَّى يَحْضُرَ الْغَائِبُ إلَّا فِي نَفَقَةِ الْمَرْأَةِ وَالْأَوْلَادِ الصِّغَارِ وَالْوَالِدَيْنِ، كَذَا عَنْ مُحَمَّدٍ وَكَذَا لَوْ مَاتَ وَلَهُ وَرَثَةٌ غُيَّبٌ وَمَالٌ فِي الْمِصْرِ عِنْدَ الْمُقِرِّينَ بِهِ لِلْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ فَالْقَاضِي لَا يَدْفَعُ شَيْئًا مِنْهُ حَتَّى تَحْضُرَ وَرَثَتُهُ أَوْ يَحْضُرَ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ لَوْ غَائِبًا، كَذَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إلَى أَنَّ مَنْ اسْتَأْجَرَ إبِلًا إلَى مَكَّةَ ذَاهِبًا وَجَائِيًا وَدَفَعَ الْكِرَاءَ وَمَاتَ رَبُّ الدَّابَّةِ فِي الذَّهَابِ حَتَّى انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ، فَإِذَا أَتَى مَكَّةَ وَرَفَعَ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي فَرَأَى أَنْ يَبِيعَ الدَّابَّةَ وَيَدْفَعَ بَعْضَ الْأَجْرِ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ جَازَ وَلِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَرْكَبَهَا إلَى مَكَّةَ وَلَا يَضْمَنُ وَعَلَيْهِ الْكِرَاءُ إلَى مَكَّةَ وَإِلَى أَنَّ الْمَدْيُونَ، وَلَوْ رَهَنَ وَغَابَ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً فَرَفَعَ الْمُرْتَهِنُ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي حَتَّى يَبِيعَ الرَّهْنَ بِدَيْنِهِ فَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ كَمَا فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَالْمَسْأَلَتَانِ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ. وَفِيهِ أَيْضًا بَاعَ دَابَّةً وَلَمْ يُوقَفْ عَلَى الْمُشْتَرِي فَلِلْحَاكِمِ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي بَيْعِهَا فَيَأْخُذَ ثَمَنَهُ مِنْ ثَمَنِهِ لَوْ كَانَ مِنْ جِنْسِهِ، وَلَوْ أَذِنَ لَهُ أَنْ يُؤَجِّرَهَا وَيَعْلِفَهَا مِنْ أَجْرِهَا جَازَ. اهـ. وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ لِلْقَاضِي أَنْ يَأْذَنَ لِلْبَائِعِ فِي بَيْعِهَا كَمَا لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا بِنَفْسِهِ أَوْ أَمِينِهِ وَأَنَّ لَهُ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي إجَارَتِهَا لَوْ كَانَ لَهَا أَجْرٌ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْبَائِعَ لَا يَمْلِكُ الْبَيْعَ بِلَا إذْنِ الْقَاضِي فَإِنْ بَاعَ كَانَ فُضُولِيًّا وَإِنْ سَلَّمَ كَانَ مُتَعَدِّيًا وَالْمُشْتَرَى مِنْهُ غَاصِبٌ. (فُرُوعٌ) مُتَعَلِّقَةٌ بِالتَّصَرُّفِ فِي مَالِ الْغَائِبِ مَنْقُولَةٌ مِنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ لِلْقَاضِي وِلَايَةُ إيدَاعِ مَالِ غَائِبٍ وَمَفْقُودٍ وَلَهُ إقْرَاضُهُ وَبَيْعُ مَنْقُولِهِ لَوْ خِيفَ تَلَفُهُ وَلَمْ يُعْلَمْ مَكَانُ الْغَائِبِ لَا لَوْ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَاحْتُرِزَ بِهِ عَنْ الْعَقَارِ فَلَا يَبِيعُهُ الْقَاضِي) قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ بَعْدَ هَذَا بِنَحْوِ وَرَقَةٍ وَنِصْفٍ لِلْقَاضِي وِلَايَةُ بَيْعِ مَالِ الْغَائِبِ لَوْ كَانَ الْمَدْيُون غَائِبًا لَا يَبِيعُ الْقَاضِي عُرُوضَهُ بِدَيْنِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا يَبِيعُهَا، وَأَمَّا الْعَقَارُ فَلَا يَبِيعُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَكَذَا قَوْلُهُمَا وَفِي الظَّاهِرِ وَعَنْهُمَا أَنَّ لَهُ بَيْعَهُ كَعُرُوضِهِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ بَيْعُ عُرُوضِهِ وَنَفَقَةُ امْرَأَتِهِ وَفِي الْعَقَارِ عَنْهُمَا رِوَايَتَانِ ثُمَّ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ الْأَخِيرَةَ الْآتِيَةَ فِي الْفُرُوعِ، ثُمَّ قَالَ لَهُ بَيْعُ مَنْقُولِ الْمَفْقُودِ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَبِيعَ عَقَارَهُ وَلَوْ بَاعَ جَازَ. [فُرُوعٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِالتَّصَرُّفِ فِي مَالِ الْغَائِبِ] (فُرُوعٌ) مُتَعَلِّقَةٌ بِالتَّصَرُّفِ فِي مَالِ الْغَائِبِ. (قَوْلُهُ: لَوْ خِيفَ تَلَفُهُ وَلَمْ يُعْلَمْ مَكَانُ الْغَائِبِ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ أَنَّ خَوْفَ التَّلَفِ مُجَوِّزٌ لِلْبَيْعِ عَلِمَ مَكَانَهُ أَوْ لَا وَقَدَّمْنَا نَحْوَهُ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ فَارْجِعْ إلَيْهِ. اهـ. وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ رَجُلٌ اشْتَرَى لَحْمًا أَوْ سَمَكًا فَذَهَبَ لِيَجِيءَ بِالثَّمَنِ فَأَبْطَأَ فَخَافَ الْبَائِعُ أَنْ يَفْسُدَ يَسَعُ لِلْبَائِعِ أَنْ يَبِيعَهُ مِنْ غَيْرِهِ وَيَسَعُ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَشْتَرِيَهُ وَإِنْ عَلِمَ بِالْقَضِيَّةِ أَمَّا الْبَائِعُ فَلِأَنَّهُ يَكُونُ رَاضِيًا بِالِانْفِسَاخِ، وَأَمَّا الْمُشْتَرِي فَلِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ لِلْبَائِعِ الْبَيْعُ حَلَّ لِلْمُشْتَرِي الشِّرَاءُ فَإِنْ بَاعَ بِزِيَادَةٍ يَتَصَدَّقُ بِهَا وَإِنْ بَاعَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 190 عَلِمَ إذْ يُمْكِنُهُ الْبَعْثُ إلَيْهِ إذَا خَافَ التَّلَفَ فَيُمْكِنُهُ حِفْظُ الْعَيْنِ وَالْمَالِيَّةِ جَمِيعًا وَلَا يَبِيعُ الْقَاضِي الْأَمَةَ الْمَغْصُوبَةَ إذَا غَابَ مَالِكُهَا إنَّمَا يَبِيعُ مَالَ الْمَفْقُودِ. سُئِلَ نَجْمُ الدِّينِ عَنْ أَمِيرٍ وَهَبَ أَمَةً مِنْ خَادِمِهِ فَأَخْبَرَتْهُ أَنَّ التَّاجِرَ قُتِلَ فِي عَيْنٍ فَأُخِذَتْ وَتَدَاوَلَتْهَا الْأَيْدِي حَتَّى وَقَعَتْ بِيَدِ هَذَا الْأَمِيرِ وَالْمَوْهُوبُ لَهُ الْآنَ لَا يَجِدُ وَرَثَةَ الْقَتِيلِ وَيَعْلَمُ أَنَّهُ لَوْ خَلَّاهَا ضَاعَتْ وَإِنْ أَمْسَكَهَا يَخَافُ الْفِتْنَةَ هَلْ لِلْقَاضِي بَيْعُهَا مِنْ ذِي الْيَدِ نِيَابَةً عَنْ الْغَائِبِ حَتَّى لَوْ ظَهَرَ الْمَالِكُ كَانَ لَهُ عَلَى ذِي الْيَدِ ثَمَنُهَا قَالَ نَعَمْ لَهُ ذَلِكَ الْقَاضِي لَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَ أَمَةِ الْغَائِبِ وَالْمَجْنُونِ وَقْتَهُمَا وَلَهُ أَنْ يُكَاتِبَهُمَا وَيَبِيعَهُمَا لَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَ أَمَةِ الْغَائِبِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ لِلْقَاضِي بَيْعُ قِنِّ الْمَفْقُودِ وَأَمَتِهِ لَا لَوْ كَانَ غَائِبًا غَيْرَ مَفْقُودٍ وَلِلْقَاضِي وِلَايَةُ بَيْعِ مَالِ الْغَائِبِ مَاتَ وَلَا يُعْلَمُ لَهُ وَارِثٌ فَبَاعَ الْقَاضِي دَارِهِ جَازَ، وَلَوْ عَلِمَ بِمَوْضِعِ الْوَارِثِ جَازَ وَيَكُونُ حِفْظًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ الْآبِقَ يَجُوزُ وَتَمَامُهُ فِيهِ. قَوْلُهُ (وَلَوْ غَابَ أَحَدُ الْمُشْتَرِيَيْنِ فَلِلْحَاضِرِ دَفْعُ كُلِّ الثَّمَنِ وَقَبْضُهُ وَحَبْسُهُ حَتَّى يَنْقُدَ شَرِيكُهُ) وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَخَالَفَ أَبُو يُوسُفَ فِي الْكُلِّ فَهَذِهِ أَحْكَامٌ الْأَوَّلُ فِي قَبْضِ جَمِيعِ الْمَبِيعِ عَلَى تَقْدِيرِ إيفَاءِ الثَّمَنِ كُلِّهِ فَعِنْدَهُ إذَا نَقَدَ الثَّمَنَ لَا يَأْخُذُ إلَّا نَصِيبَهُ لِكَوْنِهِ أَجْنَبِيًّا فِي نَصِيبِ الْغَائِبِ وَهُمَا يَقُولَانِ أَنَّ الْحَاضِرَ مُضْطَرٌّ إلَى أَدَاءِ كُلِّ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ لِلْبَائِعِ حَقَّ حَبْسِ كُلِّ الْمَبِيعِ إلَى أَنْ يَسْتَوْفِيَ كُلَّ الثَّمَنِ فَصَارَ كَمُعِيرِ الرَّهْنِ وَصَاحِبِ الْعُلُوِّ وَالْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ إذَا أَدَّى الثَّمَنَ مِنْ مَالِهِ قَيَّدَ بِغَيْبَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ حَاضِرًا لَا يَقْبِضُهُ اتِّفَاقًا وَيَكُونُ مُتَبَرِّعًا؛ لِأَنَّهُ كَالْوَكِيلِ عَنْهُ مِنْ وَجْهٍ مِنْ حَيْثُ إنَّ مِلْكَ الْغَائِبِ ثَبَتَ بِقَبُولِ الْحَاضِرِ غَيْرَ وَكِيلٍ مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَا يُطَالَبُ بِنَصِيبِ الْآخَرِ فَلِشَبَهِهِ بِالْأَجْنَبِيِّ كَانَ مُتَبَرِّعًا فِي حَضْرَتِهِ وَلِشَبَهِهِ بِالْوَكِيلِ لَمْ يَكُنْ مُتَبَرِّعًا حَالَ غَيْبَتِهِ الثَّانِي فِي حَبْسِهِ عَنْ الْغَائِبِ حَتَّى يُعْطِيَهُ مَا دَفَعَهُ عَنْهُ وَهُوَ فَرْعٌ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُتَبَرِّعٍ عِنْدَهُمَا لِمَا قَدَّمْنَاهُ وَدَلَّ أَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ عَلَيْهِ وَاسْتُفِيدَ مِنْ قَوْلِهِ لِلْحَاضِرِ الدَّفْعُ أَنَّ الْبَائِعَ يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِ مَا أَدَّاهُ الْحَاضِرُ مِنْ نَصِيبِ الْغَائِبِ كَمَا يُجْبَرُ عَلَى تَسْلِيمِ نَصِيبِ الْغَائِبِ فَهَذِهِ خَمْسَةُ أَحْكَامٍ عَلَى الْخِلَافِ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ أَحَدُ الْمُشْتَرِيَيْنِ لِأَنَّهُ لَوْ غَابَ أَحَدُ الْمُسْتَأْجَرِينَ قَبْلَ نَقْدِ الْأُجْرَةِ فَنَقَدَ الْحَاضِرُ جَمِيعَهَا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُضْطَرٍّ فِي نَقْدِ حِصَّةِ الْغَائِبِ إذْ لَيْسَ لِلْآجِرِ حَبْسُ الدَّارِ لِاسْتِيفَاءِ الْأُجْرَةِ. قَوْلُهُ (وَمَنْ بَاعَ أَمَةً بِأَلْفِ مِثْقَالِ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ فَهُمَا نِصْفَانِ) لِأَنَّهُ أَضَافَ الْمِثْقَالَ إلَيْهِمَا عَلَى السَّوَاءِ فَيَجِبُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ خَمْسُمِائَةِ مِثْقَالٍ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ بِعْت بِخَمْسِمِائَةِ مِثْقَالِ ذَهَبٍ وَخَمْسِمِائَةِ مِثْقَالِ فِضَّةٍ وَيَشْتَرِطُ بَيَانَ الْفِضَّةِ مِنْ الْجَوْدَةِ وَغَيْرِهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى بَيَانِ الْفِضَّةِ وَيَنْصَرِفُ إلَى الْجِيَادِ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ بِأَلْفِ مِثْقَالٍ لِأَنَّهُ لَوْ بَاعَهَا بِأَلْفٍ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَإِنَّهُ يَجِبُ النِّصْفُ مِنْ الذَّهَبِ مَثَاقِيلَ وَمِنْ الْفِضَّةِ دَرَاهِمَ الْعَشَرَةُ مِنْهَا وَزْنُ سَبْعَةِ مَثَاقِيلَ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْأَلْفَ إلَيْهِمَا فَيَنْصَرِفُ إلَى الْوَزْنِ الْمَعْهُودِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ وَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ كُرُّ حِنْطَةٍ وَشَعِيرٍ وَسِمْسِمٍ فَإِنَّهُ يَجِبُ مِنْ كُلِّ جِنْسٍ ثُلُثُ الْكُرِّ وَهَكَذَا فِي الْمُعَامَلَاتِ كُلِّهَا كَالْمَهْرِ وَالْوَصِيَّةِ الْوَدِيعَةِ وَالْغَصْبِ وَالْإِجَارَةِ وَبَدَلِ الْخُلْعِ وَغَيْرِهِ فِي الْمَوْزُونِ وَالْمَكِيلِ وَالْمَعْدُودِ وَالْمَذْرُوعِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فِي الدَّرَاهِمِ يَنْصَرِفُ إلَى الْوَزْنِ الْمَعْهُودِ وَزْنُ سَبْعَةٍ، وَيَجِبُ كَوْنُ هَذَا إذَا كَانَ الْمُتَعَارَفُ فِي بَلَدِ الْعَقْدِ فِي اسْمِ الدَّرَاهِمِ مَا يُوزَنُ سَبْعَةً وَالْمُتَعَارَفُ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ الْآنَ كَالشَّامِ وَالْحِجَازِ لَيْسَ ذَلِكَ بَلْ وَزْنُ رُبُعٍ وَقِيرَاطٍ مِنْ ذَلِكَ الدِّرْهَمِ وَأَمَّا فِي عُرْفِ مِصْرَ لَفْظُ الدِّرْهَمِ يَنْصَرِفُ الْآنَ إلَى زِنَةِ أَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ بِوَزْنِ سَبْعَةٍ مِنْ الْفُلُوسِ إلَّا أَنْ يُقَيَّدَ بِالْفِضَّةِ فَيَنْصَرِفُ إلَى دِرْهَمٍ بِوَزْنِ   [منحة الخالق] بِنُقْصَانٍ فَالنُّقْصَانُ مَوْضُوعٌ عَنْ الْمُشْتَرِي وَهَذَا نَوْعُ اسْتِحْسَانٍ. (قَوْلُهُ: إذْ لَيْسَ لِلْآجِرِ حَبْسُ الدَّارِ لِاسْتِيفَاءِ الْأُجْرَةِ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ تَعْجِيلَ الْأُجْرَةِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 191 سَبْعَةٍ فَإِنَّ مَا دُونَهُ ثِقَلٌ أَوْ خِفَّةٌ يُسَمُّونَهُ نِصْفَ فِضَّةٍ. اهـ. وَعَلَى هَذَا إذَا شَرَطَ بَعْضُ الْوَاقِفِينَ بِمِصْرَ لِلْمُسْتَحِقِّ دَرَاهِمَ وَلَمْ يُقَيِّدْهَا تَتَصَرَّفُ إلَى الْفُلُوسِ النُّحَاسِ، وَأَمَّا إذَا قَيَّدَهَا بِالنَّقْرَةِ كَوَاقِفِ الشَّيْخُونِيَّةِ والصرغتمشية تَنْصَرِفُ إلَى الْفِضَّةِ لِمَا فِي الْمُغْرِبِ النُّقْرَةُ الْقِطْعَةُ الْمُذَابَةُ مِنْ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ وَيُقَالُ نُقْرَةُ فِضَّةٍ عَلَى الْإِضَافَةِ لِلْبَيَانِ. اهـ. وَفِي الْمِصْبَاحِ النُّقْرَةُ الْقِطْعَةُ الْمُذَابَةُ مِنْ الْفِضَّةِ وَقَبْلَ الذَّوْبِ هِيَ تِبْرٌ اهـ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قُضِيَ زَيْفٌ عَنْ جَيِّدٍ وَتَلِفَ فَهُوَ قَضَاءٌ) يَعْنِي إذَا كَانَ لَهُ عَلَى آخَرَ دَرَاهِمُ، جِيَادٌ فَدَفَعَ لَهُ زُيُوفًا فَهَلَكَتْ كَانَ قَضَاءً وَبَرِئَ وَلَا رُجُوعَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا عَلِمَ بِكَوْنِهَا زُيُوفًا أَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِالتَّلَفِ لِيَعْلَمَ حُكْمَ مَا إذَا أَنْفَقَهَا بِالْأَوْلَى وَهَذَا عِنْدَهُمَا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إذَا لَمْ يَعْلَمْ يَرُدُّ مِثْلَ زُيُوفِهِ وَيَرْجِعُ بِالْجِيَادِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الْوَصْفِ كَالْقَدْرِ، وَقَدْ تَعَذَّرَ الرُّجُوعُ بِصِفَةِ الْجَوْدَةِ فَتَعَيَّنَ رَدُّ مِثْلِ الْمَقْبُوضِ وَالرُّجُوعُ بِالْجِيَادِ وَلَهُمَا أَنَّ الْمَقْبُوضَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ تَجَوَّزَ بِهَا فِي الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ لَجَازَ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ الْجِنْسِ لَكَانَ اسْتِبْدَالًا وَهُوَ حَرَامٌ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْجَوْدَةُ وَلَا قِيمَةَ لَهَا، وَقَدْ حَصَلَ الِاسْتِيفَاءُ وَذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَغَيْرُهُ أَنَّ قَوْلَهُمَا قِيَاسٌ وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ هُوَ الِاسْتِحْسَانُ فَظَاهِرُهُ تَرْجِيحُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ قَيَّدَ يُتْلِفُهَا؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ قَائِمَةً رَدَّهَا وَفِي الْجَوْهَرَةِ مِنْ كِتَابِ الرَّهْنِ إذَا عَلِمَ قَبْلَ أَنْ يُنْفِقَهَا فَطَالَبَهُ بِالْجِيَادِ وَأَخَذَهَا كَانَ الْجِيَادُ أَمَانَةً فِي يَدِهِ مَا لَمْ يَرُدَّ الزُّيُوفَ وَيُجَدِّدْ الْقَبْضَ. اهـ. وَفِي الذَّخِيرَةِ لَوْ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ جِيَادٌ فَقَضَاهُ زُيُوفًا، وَقَالَ أَنْفِقْهَا فَإِنْ لَمْ تَرُجْ فَرُدَّهَا عَلَيَّ فَفَعَلَ فَلَمْ تَرُجْ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهَا اسْتِحْسَانًا فَرْقٌ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا إذَا اشْتَرَى عَيْنًا فَوَجَدَ بِهَا عَيْبًا فَأَرَادَ رَدَّهَا فَقَالَ لَهُ الْبَائِعُ بِعْهُ فَإِنْ لَمْ يَشْتَرِهِ أَحَدٌ فَرُدَّهُ عَلَيَّ فَعَرَضَهُ عَلَى الْبَيْعِ فَلَمْ يَشْتَرِهِ أَحَدٌ مِنْهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَقْبُوضَ مِنْ الدَّرَاهِمِ لَيْسَ عَيْنُ حَقِّ الْقَابِضِ بَلْ هُوَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ لَوْ تَجَوَّزَ بِهِ جَازَ وَصَارَ عَيْنَ حَقِّهِ فَإِذَا لَمْ يَتَجَوَّزْ بَقِيَ عَلَى مِلْكِ الدَّافِعِ فَصَحَّ أَمْرُ الدَّافِعِ بِالتَّصَرُّفِ فِيهِ فَهُوَ فِي الِابْتِدَاءِ تَصَرُّفٌ لِلدَّافِعِ وَفِي الِانْتِهَاءِ لِنَفْسِهِ بِخِلَافِ التَّصَرُّفِ فِي الْعَيْنِ لِأَنَّهَا مِلْكُهُ فَتَصَرُّفُهُ لِنَفْسِهِ فَبَطَلَ خِيَارُهُ. اهـ. وَقَدَّمْنَا أَنَّ الزُّيُوفَ كَالْجِيَادِ فِي خَمْسِ مَسَائِلَ كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ، وَزِدْنَا فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْبُيُوعِ سَادِسًا عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى الْأَثْمَانِ قَيَّدْنَا الْخِلَافَ بِعَدَمِ الْعِلْمِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ عَلِمَ بِهَا وَأَنْفَقَهَا كَانَ قَضَاءً اتِّفَاقًا وَقَيَّدَ بِالزُّيُوفِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ سَتُّوقَةً أَوْ نَبَهْرَجَةً فَأَتْلَفَهَا فَإِنَّهُ يَرُدُّ مِثْلَهَا وَيَرْجِعُ بِالْجِيَادِ اتِّفَاقًا وَهُمَا فَرَّقَا بِأَنَّ الزُّيُوفَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ وَالسَّتُّوقَةَ وَالنَّبَهْرَجَةَ لَا وَفِي الْمِصْبَاحِ زَافَتْ الدَّرَاهِمُ تَزِيفُ زَيْفًا مِنْ بَابِ سَارَ رَدَأَتْ، ثُمَّ وُصِفَ بِالْمَصْدَرِ فَقِيلَ دِرْهَمٌ زَيْفٌ مِثْلَ فَلْسٍ وَفُلُوسٍ وَرُبَّمَا قِيلَ زَائِفٌ عَلَى الْأَصْلِ وَدَرَاهِمُ زُيَّفٌ مِثْلَ رَاكِعٍ وَرُكَّعٍ وَزَيَّفْتهَا تَزْيِيفًا أَظْهَرْت زَيْفَهَا قَالَ بَعْضُهُمْ الدَّرَاهِمُ الزُّيُوفُ هِيَ الْمَطْلِيَّةُ بِالزِّئْبَقِ الْمَعْقُودِ بِمُزَاوَجَةِ الْكِبْرِيتِ وَكَانَتْ مَعْرُوفَةً قَبْلَ زَمَانِنَا، وَقَدْرُهَا مِثْلُ سِنَجِ الْمِيزَانِ. اهـ. وَفِي الْوَاقِعَاتِ الْحُسَامِيَّةِ مِنْ الْبَيْعِ تَكَلَّمُوا فِي مَعْرِفَةِ الزُّيُوفِ وَالنَّبَهْرَجَةِ، قَالَ أَبُو النَّصْرِ الزُّيُوفُ دَرَاهِمُ مَغْشُوشَةٌ، أَمَّا النَّبَهْرَجَةُ الَّتِي تُضْرَبُ فِي غَيْرِ دَارِ السُّلْطَانِ وَالسَّتُّوقَةُ صُفْرٌ مُمَوَّهٌ بِالْفِضَّةِ، وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ الزُّيُوفُ مَا زَيَّفَهُ بَيْتُ الْمَالِ يُقَالُ فِي عُرْفِنَا غِطْرِيفِيٌّ لَا غَيْرُ النَّبَهْرَجَةِ مَالًا يَقْبَلُهُ التَّاجِرُ. اهـ. وَفِي الْجَوْهَرَةِ مِنْ الرَّهْنِ مَنْ كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ دِرْهَمٌ فَأَعْطَاهُ دِرْهَمَيْنِ صَغِيرَيْنِ وَزْنُهُمَا دِرْهَمٌ جَازَ وَيُجْبَرُ عَلَى قَبْضِ ذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ لَهُ دِينَارٌ فَأَعْطَاهُ دِينَارَيْنِ صَغِيرَيْنِ وَزْنُهُمَا دِينَارٌ فَأَبَى لَمْ يُجْبَرْ عَلَى ذَلِكَ. اهـ. وَفِي الْوَاقِعَاتِ الْحُسَامِيَّةِ مِنْ كِتَابِ الصُّلْحِ، وَقَالَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَعَلَى هَذَا إذَا شَرَطَ بَعْضُ الْوَاقِفِينَ بِمِصْرَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ كَوْنَ الدَّرَاهِمِ تَنْصَرِفُ إلَى الْفُلُوسِ فِي شُرُوطِ الْوَاقِفِينَ بِمِصْرَ مُطْلَقًا أَخْذًا مِمَّا فِي الْفَتْحِ فِيهِ نَظَرٌ إذْ غَايَةُ مَا فِيهِ الْإِحَالَةُ عَلَى زَمَنِهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ فِي كُلِّ زَمَنٍ كَذَلِكَ وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ لَا يَعْدِلَ عَنْهُ اعْتِبَارُ زَمَنِ الْوَاقِفِ إنْ عُرِفَ فَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ صُرِفَ إلَى الْفِضَّةِ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ، وَأَمَّا قِيمَةُ كُلِّ دِرْهَمٍ مِنْهَا فَقَالَ فِي الْبَحْرِ بَعْدَمَا أَعَادَ الْمَسْأَلَةَ فِي الصَّرْفِ قَدْ وَقَعَ الِاشْتِبَاهُ فِي أَنَّهَا خَالِصَةٌ أَوْ مَغْشُوشَةٌ وَكُنْت قَدْ اسْتَفْتَيْت بَعْضَ الْمَالِكِيَّةِ عَنْهَا يَعْنِي بِهِ عَلَّامَةَ عَصْرِهِ نَاصِرَ الدِّينِ اللَّقَانِيَّ فَأَفْتَى أَنَّهُ سَمِعَ مِمَّنْ يَوْثُقُ بِهِ أَنَّ الدِّرْهَمَ مِنْهَا يُسَاوِي نِصْفًا وَثَلَاثَةً مِنْ الْفُلُوسِ قَالَ فَلْيُعَوَّلْ عَلَى ذَلِكَ مَا لَمْ يُوجَدْ خِلَافُهُ. اهـ. وَقَدْ اُعْتُبِرَ ذَلِكَ فِي زَمَانِنَا لِأَنَّ الْأَدْنَى مُتَيَقَّنٌ بِهِ وَمَا زَادَ عَلَيْهِ فَهُوَ مَشْكُوكٌ فِيهِ وَلَكِنَّ الْأَوْفَقَ بِفُرُوعِ مَذْهَبِنَا وُجُوبُ دِرْهَمٍ وَسَطٍ لِمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مِنْ دَعْوَى النُّقْرَةِ لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ نُقْرَةً وَلَمْ يَصِفْهَا صَحَّ الْعَقْدُ وَلَوْ ادَّعَتْ مِائَةَ دِرْهَمٍ وَجَبَ لَهَا مِائَةٌ وَسَطٌ. اهـ. فَيَنْبَغِي أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ. اهـ. ثُمَّ قَالَ فِي النَّهْرِ بَعْدَ كَلَامٍ طَوِيلٍ فَعَلَى هَذَا فَقِيمَةُ الدِّرْهَمِ فِي الشَّيْخُونِيَّةِ وَالصرغتمشية وَنَحْوِهِمَا نِصْفَانِ وَهَذَا النَّقْلُ هُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ دُونَ غَيْرِهِ. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِالتَّلَفِ لِيَعُمَّ حُكْمَ مَا إذَا أَنْفَقَهَا بِالْأَوْلَى) قَالَ فِي النَّهْرِ فِيهِ نَظَرٌ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 192 أَبُو يُوسُفَ: إذَا اقْتَضَى دَرَاهِمَ فَأَنْفَقَهَا، ثُمَّ رُدَّتْ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ الزِّيَافَةِ فَإِنْ كَانَ حِينَ أَنْفَقَهَا يَعْلَمُ أَنَّهَا زَائِفَةً فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهَا سَوَاءٌ قَبِلَهَا بِقَضَاءٍ أَوْ بِغَيْرِ قَضَاءٍ فَرْقٌ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْمَبِيعِ إذَا قَبِلَهُ الْبَائِعُ بِغَيْرِ قَضَاءٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ وَالْفَرْقُ أَنَّ هُنَاكَ الرَّدَّ إذَا كَانَ بِغَيْرِ قَضَاءٍ جُعِلَ عَقْدًا جَدِيدًا فِي حَقِّ الثَّالِثِ وَهُوَ الْبَائِعُ، أَمَّا هُنَا لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ بَيْعًا جَدِيدًا لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْ الرَّدَّ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ مَنْ أَقْرَضَ كُرَّ حِنْطَةٍ عَفِنَةٍ وَقَبَضَهَا الْمُسْتَقْرِضُ وَاسْتَهْلَكَهَا، ثُمَّ قَضَاهُ كُرَّ حِنْطَةٍ جَيِّدَةٍ فَإِنْ كَانَ قَالَ لَهُ الطَّالِبُ لِي عَلَيْك حِنْطَةٌ طَيِّبَةٌ وَصَدَّقَهُ الْمَطْلُوبُ ثُمَّ قَضَاهُ ثُمَّ تَصَادَقَا أَنَّ الْكُرَّ الْقَرْضَ كَانَ عَفِنًا فَلِلْمُسْتَقْرِضِ أَنْ يَرْجِعَ فِيمَا قَضَاهُ وَيُعْطِيَهُ كُرًّا عَفِنًا مِثْلَ الْقَرْضِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلطَّالِبِ قَالَ لَهُ كُرًى جَيِّدٌ لَكِنَّ الْمُسْتَقْرِضَ قَضَاهُ جَيِّدًا مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ جَازَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ، قُلْتُ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ جَوَابُ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ خَاصَّةً عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ. اهـ. وَفِي الذَّخِيرَةِ مِنْ آخِرِ كِتَابِ الصَّرْفِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا بَأْسَ بِبَيْعِ الْمَغْشُوشِ إذَا بُيِّنَ وَكَانَ ظَاهِرًا يُرَى وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ فِي رَجُلٍ مَعَهُ فِضَّةُ نُحَاسٍ لَا يَبِيعُهَا حَتَّى يُبَيِّنَ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَشْتَرِيَ بِسَتُّوقَةٍ إذَا بَيَّنَ، وَأَرَى أَنَّ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَكْسِرَهَا لَعَلَّهَا تَقَعُ فِي أَيْدِي مَنْ لَا يُبَيِّنُ وَبِشْرٌ فِي الْإِمْلَاءِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَكْرَهُ لِلرَّجُلِ أَنْ يُعْطِيَ الزُّيُوفَ وَالنَّبَهْرَجَةَ وَالسَّتُّوقَةَ وَالْمُكْحُلَةَ وَالْبُخَارِيَّةَ وَإِنْ بَيَّنَ ذَلِكَ وَتَجَوَّزَ بِهَا عِنْدَ الْأَخْذِ مِنْ قَبْلُ أَنَّ إنْفَاقَهَا ضَرَرٌ عَلَى الْعَوَامّ وَمَا كَانَ ضَرَرًا عَامًّا فَهُوَ مَكْرُوهٌ وَلَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ وَرِضَا هَذَيْنِ الْحَاضِرَيْنِ خَوْفًا مِنْ الْوُقُوعِ فِي أَيْدِي الْمُدَلِّسَةِ عَلَى الْجَاهِلِ وَمِنْ التَّاجِرِ الَّذِي لَا يَتَحَرَّجُ قَالَ وَكُلُّ شَيْءٍ لَا يَجُوزُ فَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُقْطَعَ وَيُعَاقَبَ صَاحِبُهُ إذَا أَنْفَقَهُ وَهُوَ يَعْرِفُهُ اهـ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَفْرَخَ طَيْرٌ أَوْ بَاضَ أَوْ تَكَنَّسَ ظَبْيٌ فِي أَرْضِ رَجُلٍ فَهُوَ لِمَنْ أَخَذَهُ) ؛ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ سَبَقَتْ يَدُهُ إلَيْهِ فَكَانَ أَوْلَى بِهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الصَّيْدُ لِمَنْ أَخَذَهُ» وَالْبَيْضُ صَيْدٌ وَلِهَذَا يَجِبُ عَلَى الْمُحْرِمِ الْجَزَاءُ بِكَسْرِهِ أَطْلَقَهُ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِقَيْدَيْنِ الْأَوَّلُ ذَكَرَهُ الشَّارِحُ أَنْ لَا تَكُونَ أَرْضُهُ مُهَيَّأَةً لِذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ مُهَيَّأَةً لِلِاصْطِيَادِ فَهُوَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ لَا يُضَافُ إلَى السَّبَبِ الصَّالِحِ إلَّا بِالْقَصْدِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ نَصَبَ شَبَكَةً لِلْجَفَافِ فَتَعَلَّقَ بِهَا صَيْدٌ أَوْ حَفَرَ بِئْرًا لِلْمَاءِ فَوَقَعَ فِيهَا صَيْدٌ لَا يَمْلِكُهُ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ إنْ كَانَ مُحْرِمًا وَإِنْ قَصَدَ بِهِ الِاصْطِيَادَ مَلَكَهُ وَوَجَبَ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ إنْ كَانَ مُحْرِمًا، وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ لَوْ دَخَلَ صَيْدٌ دَارِهِ أَوْ وَقَعَ مَا نُثِرَ مِنْ الدَّرَاهِمِ فِي ثِيَابِهِ بِخِلَافِ مَعْسَلِ النَّحْلِ فِي أَرْضِهِ حَيْثُ يَمْلِكُهُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ أَرْضُهُ مُعَدَّةً لِذَلِكَ لِأَنَّهُ مِنْ إنْزَالِ الْأَرْضِ حَتَّى يَمْلِكَهُ تَبَعًا لَهَا كَالْأَشْجَارِ النَّابِتَةِ وَالتُّرَابِ الْمُجْتَمِعِ فِيهَا بِجَرَيَانِ الْمَاءِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُعَدَّةً وَلِهَذَا يَجِبُ فِي الْعَسَلِ الْعُشْرُ إذَا أُخِذَ مِنْ أَرْضِ الْعُشْرِ الثَّانِي فِي الذَّخِيرَةِ مِنْ كِتَابِ الصَّيْدِ وَهَذَا إذَا كَانَ صَاحِبُ الْأَرْضِ بَعِيدًا مِنْ الصَّيْدِ بِحَيْثُ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ لَوْ مَدَّ يَدَهُ، وَأَمَّا إذَا كَانَ صَاحِبُ الْأَرْضِ قَرِيبًا مِنْ الصَّيْدِ بِحَيْثُ يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ لَوْ مَدَّ يَدَهُ فَالصَّيْدُ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ آخِذًا لَهُ تَقْدِيرًا لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْأَخْذِ حَقِيقَةً إنْ لَمْ يَكُنْ آخِذًا لَهُ بِأَرْضِهِ. اهـ. وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. وَقَوْلُهُ تَكَنَّسَ ظَبْيٌ أَيْ دَخَلَ فِي كِنَاسِهِ وَهُوَ بِالْكَسْرِ بَيْتُهُ وَكَنَسَ الظَّبْيُ كُنُوسًا مِنْ بَابِ نَزَلَ دَخَلَ كِنَاسَهُ، كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ وَلَمْ يَذْكُرْ تَكَنَّسَ وَفِي الْمُغْرِبِ كَنَسَ الظَّبْيُ دَخَلَ فِي الْكِنَاسِ كُنُوسًا مِنْ بَابِ طَلَبَ وَتَكَنَّسَ مِثْلُهُ وَمِنْهُ الصَّيْدُ إذَا تَكَنَّسَ فِي أَرْضِ رَجُلٍ أَيْ اسْتَتَرَ وَيُرْوَى تَكَسَّرَ وَانْكَسَرَ اهـ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ تَكَسَّرَ أَيْ وَقَعَ فِيهَا فَتَكَسَّرَ وَيُحْتَرَزُ بِهِ عَمَّا لَوْ كَسَّرَهُ رَجُلٌ فِيهَا فَإِنَّهُ لِذَلِكَ الرَّجُلِ لَا لِلْآخِذِ وَلَا يَخْتَصُّ بِصَاحِبِ الْأَرْضِ اهـ. ثُمَّ قَالَ وَمِنْ جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ لَوْ اتَّخَذَ فِي أَرْضِهِ حَظِيرَةً فَدَخَلَ الْمَاءُ وَالسَّمَكُ مِلْكَهُ، وَلَوْ اُتُّخِذَتْ لِحَاجَةٍ أُخْرَى فَمَنْ أَخَذَ السَّمَكَ فَهُوَ لَهُ، وَكَذَا فِي حَفْرِ الْحَفِيرَةِ إنْ حَفَرَهَا لِلصَّيْدِ فَهُوَ لَهُ أَوْ لِغَرَضٍ آخَرَ فَهُوَ لِلْآخِذِ وَكَذَا صُوفٌ وُضِعَ عَلَى سَطْحِ بَيْتٍ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: مِنْ بَابِ طَلَبَ) قَالَ الرَّمْلِيُّ صَوَابُهُ مِنْ بَابِ جَلَسَ (قَوْلُهُ وَيُحْتَرَزُ بِهِ عَمَّا لَوْ كَسَرَهُ رَجُلٌ) إنَّمَا يَتِمُّ الِاحْتِرَازُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُطَاوَعَةِ وَإِلَّا فَهُوَ مِنْ فِعْلِ غَيْرِهِ يُقَالُ كَسَّرْته بِالتَّشْدِيدِ فَتَكَسَّرَ وَكَسَرْته بِالتَّخْفِيفِ فَانْكَسَرَ أَيْ قَبْلَ ذَلِكَ تَأَمَّلْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 193 فَابْتَلَّ بِالْمَطَرِ فَعَصَرَهُ رَجُلٌ فَإِنْ كَانَ وَضَعَهُ لِلْمَاءِ فَهُوَ لِصَاحِبِهِ وَإِلَّا فَالْمَاءُ لِلْآخِذِ. اهـ. وَفِي الذَّخِيرَةِ إنْ أَغْلَقَ الْبَابَ عَلَى الصَّيْدِ وَلَمْ يُعْلِمْ بِهِ لَمْ يَصِرْ آخِذًا مَالِكًا لَهُ حَتَّى لَوْ خَرَجَ الصَّيْدُ بَعْدَ ذَلِكَ فَأَخَذَهُ غَيْرُهُ مَلَكَهُ وَفِي الْمُنْتَقَى رَجُلٌ نَصَبَ حِبَالَةً فَوَقَعَ فِيهَا صَيْدٌ فَاضْطَرَبَ وَقَطَعَهَا وَانْفَلَتَ فَجَاءَ آخَرُ وَأَخَذَ الصَّيْدَ فَالصَّيْدُ لِلْآخِذِ، وَلَوْ جَاءَ صَاحِبُ الْحِبَالَةِ لِيَأْخُذَهُ فَلَمَّا دَنَا مِنْهُ بِحَيْثُ يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ فَاضْطَرَبَ وَانْفَلَتَ فَأَخَذَهُ آخَرُ فَهُوَ لِصَاحِبِ الْحِبَالَةِ. وَالْفَرْقُ أَنَّ فِيهِمَا صَاحِبَ الْحِبَالَةِ وَإِنْ صَارَ آخِذًا لَهُ إلَّا أَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ بَطَلَ الْأَخْذُ قَبْلَ تَأَكُّدِهِ وَفِي الثَّانِي بَطَلَ بَعْدَ تَأَكُّدِهِ وَكَذَا صَيْدُ الْبَازِي وَالْكَلْبِ إذَا انْفَلَتَ فَهُوَ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ وَفِي الْأَصْلِ إذَا رَمَى صَيْدًا فَصَرَعَهُ فَاشْتَدَّ رَجُلٌ وَأَخَذَهُ فَهُوَ لِمَنْ رَمَاهُ؛ لِأَنَّ لَمَّا رَمَاهُ صَارَ آخِذًا لَهُ فَصَارَ مِلْكًا، وَلَوْ رَمَى صَيْدًا فَأَصَابَهُ وَأَثْخَنَهُ بِحَيْثُ لَا يَسْتَطِيعُ بَرَاحًا فَرَمَاهُ آخَرُ فَقَتَلَهُ فَالصَّيْدُ لِلْأَوَّلِ وَإِنْ كَانَ يَتَحَامَلُ وَيَطِيرُ مَعَ مَا أَصَابَهُ مِنْ السَّهْمِ الْأَوَّلِ فَرَمَاهُ الثَّانِي فَقَتَلَهُ فَهُوَ لِلثَّانِي وَفِي الْأَصْلِ أَيْضًا لَوْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ عَلَى صَيْدٍ فَاتَّبَعَهُ الْكَلْبُ حَتَّى أَدْخَلَهُ فِي أَرْضِ رَجُلٍ أَوْ دَارِهِ كَانَ لِصَاحِبِ الْكَلْبِ لِأَنَّ الْكَلْبَ إنَّمَا يُرْسِلُ لِلْآخِذِ فَيُعْتَبَرُ بِمَا لَوْ أَخَذَهُ بِيَدِهِ وَكَذَا لَوْ اشْتَدَّ عَلَى صَيْدٍ حَتَّى أَخْرَجَهُ فَأَدْخَلَهُ دَارَ إنْسَانٍ فَهُوَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَخْرَجَهُ وَاضْطَرَّهُ فَقَدْ أَخَذَهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَجُلٌ اصْطَادَ طَائِرًا فِي دَارِ رَجُلٍ فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ عَلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ فَهُوَ لِلصَّائِدِ سَوَاءٌ كَانَ اصْطَادَهُ مِنْ الْهَوَاءِ أَوْ عَلَى الشَّجَرِ؛ لِأَنَّ الصَّيْدَ إنَّمَا يُمْلَكُ بِالِاسْتِيلَاءِ وَالْإِحْرَازِ وَحُصُولُهُ عَلَى حَائِطِ رَجُلٍ أَوْ شَجَرَةٍ لَيْسَ بِإِحْرَازٍ فَيَكُونُ لِلْآخِذِ وَإِنْ اخْتَلَفَا فَقَالَ رَبُّ الدَّارِ كُنْت اصْطَدْته قَبْلَك أَوْ وَرِثْته وَأَنْكَرَ الصَّائِدُ فَإِنْ كَانَ أَخَذَهُ مِنْ الْهَوَاءِ فَهُوَ لَهُ لِأَنَّهُ لَا يَدَ لِصَاحِبِ الدَّارِ عَلَى الْهَوَاءِ وَإِنْ أَخَذَهُ مِنْ حَائِطِهِ أَوْ شَجَرِهِ فَالْقَوْلُ لِصَاحِبِ الدَّارِ لِأَخْذِهِ مِنْ مَحَلٍّ هُوَ فِي يَدِهِ فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي أَخْذِهِ مِنْ الْهَوَاءِ أَوْ مِنْ الدَّارِ أَوْ الشَّجَرَةِ فَالْقَوْلُ لِصَاحِبِ الدَّارِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مَا فِي دَارِ الْإِنْسَانِ يَكُونُ لَهُ اهـ. قَوْلُهُ (مَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ الْبَيْعَ) ، فَإِذَا بَاعَ عَبْدًا وَشَرَطَ اسْتِخْدَامَهُ شَهْرًا أَوْ دَارًا عَلَى أَنْ يَسْكُنَهَا الْبَائِعُ شَهْرًا فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ أَيْ فَاسِدٌ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِهِ وَالْأَصْلُ أَنَّ مَا كَانَ مُبَادَلَةَ مَالٍ بِمَالٍ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ لِلنَّهْيِ عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ وَمَا كَانَ مُبَادَلَةَ مَالٍ بِغَيْرِ مَالٍ أَوْ كَانَ مِنْ التَّبَرُّعَاتِ فَإِنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِهِ؛ لِأَنَّ الشُّرُوطَ الْفَاسِدَةَ مِنْ بَابِ الرِّبَا وَهُوَ مُخْتَصٌّ بِالْمُعَاوَضَاتِ الْمَالِيَّةِ دُونَ غَيْرِهَا مِنْ غَيْرِ الْمَالِيَّةِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: مَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ) التَّرْجَمَةُ لِشَيْئَيْنِ الْأَوَّلُ مَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ أَيْ إذَا ذَكَرَ فِي الْعَقْدِ شَرْطًا فَاسِدًا لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ كَبِعْتُكَ الْعَبْدَ عَلَى أَنْ يَخْدُمَنِي شَهْرًا مَثَلًا فَإِنَّهُ يُبْطِلُ الْبَيْعَ وَالثَّانِي مَا لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ بِأَنْ صَدَّرَ الْعَقْدَ مُعَلِّقًا بِأَدَاةِ الشَّرْطِ كَبِعْتُكَ الْعَبْدَ إنْ قَدِمَ زَيْدٌ وَلَمْ يُقَيِّدْ الشَّرْطَ الثَّانِيَ بِكَوْنِهِ فَاسِدًا كَمَا قَيَّدَهُ أَوَّلًا بِقَوْلِهِ مَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ فَأَفَادَ أَنَّ التَّعْلِيقَ يُبْطِلُ الْعَقْدَ سَوَاءٌ كَانَ الشَّرْطُ فَاسِدًا أَوْ لَا فَلِذَا اسْتَثْنَى الْمُؤَلِّفُ بِقَوْلِهِ إلَّا فِي صُورَةٍ فَإِنَّ الشَّرْطَ فِيهَا غَيْرُ فَاسِدٍ لِأَنَّ شَرْطَ الْخِيَارِ جَائِزٌ وَيُمْكِنُ تَقْيِيدُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ بِالشَّرْطِ بِكَوْنِهِ فَاسِدًا بِقَرِينَةِ تَقْيِيدِهِ بِهِ فِي الَّذِي قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ الْمَعْرِفَةَ إذَا أُعِيدَتْ مَعْرِفَةً كَانَتْ عَيْنَ الْأُولَى وَحِينَئِذٍ فَلَا حَاجَةَ إلَى الِاسْتِثْنَاءِ لَكِنَّ الشَّرْطَ الثَّانِيَ الْمُرَادُ بِهِ التَّعْلِيقُ بِأَدَاةِ الشَّرْطِ لَا نَفْسُ الشَّرْطِ تَأَمَّلْ. ثُمَّ إنَّ الَّذِي اُسْتُفِيدَ مِنْ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ مِنْ الْأَصْلَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا أَنَّ مَا كَانَ مُبَادَلَةَ مَالٍ بِمَالٍ لَا يَصِحُّ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ وَأَنَّ مَا كَانَ مِنْ التَّمْلِيكَاتِ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ مُبَادَلَةَ الْمَالِ بِالْمَالِ مِنْ جُمْلَةِ التَّمْلِيكَاتِ فَصَارَ الْحَاصِلُ أَنَّ مَا كَانَ مُبَادَلَةَ مَالٍ بِمَالٍ لَا تَصِحُّ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ أَخْذًا مِنْ الْأَصْلِ الْأَوَّلِ وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهَا بِأَدَاةِ الشَّرْطِ أَخْذًا مِنْ الْأَصْلِ الثَّانِي ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمَاتِنُ بِقَوْلِهِ مَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ إلَخْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَاعِدَةً وَاحِدَةً فَيَخْتَصُّ بِمَا كَانَ مُبَادَلَةَ مَالٍ بِمَالٍ وَيَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّ بَعْضَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْفُرُوعِ لَيْسَ مُبَادَلَةَ مَالٍ بِمَالٍ كَالرَّجْعَةِ وَالْإِبْرَاءِ وَعَزْلِ الْوَكِيلِ وَالِاعْتِكَافِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا سَيَأْتِي وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَاعِدَتَيْنِ الْأُولَى مَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ وَالثَّانِيَةُ مَا لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ وَلَا يَصِحُّ عَلَى تَقْدِيرِ مَا الْمَوْصُولَةِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ} [العنكبوت: 46] أَيْ وَمَا أُنْزِلَ إلَيْكُمْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ وَلَا يَصِحُّ إلَخْ مَعْطُوفًا عَلَى قَوْلِهِ مَا يُبْطِلُ فَيَكُونُ بَعْضُ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْفُرُوعِ دَاخِلًا تَحْتَ الْقَاعِدَتَيْنِ مَعًا أَوْ تَحْتَ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فَمَا كَانَ مُبَادَلَةَ مَالٍ بِمَالٍ كَالْبَيْعِ وَالْقِسْمَةِ فَهُوَ دَاخِلٌ تَحْتَ الْقَاعِدَتَيْنِ. (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ) الَّذِي فِي الزَّيْلَعِيِّ مَا كَانَ مُبَادَلَةَ مَالٍ بِمَالٍ يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ فَقَوْلُ الْمُؤَلِّفِ هُنَا لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ بُطْلَانُ الْمُعَلَّقِ فَالظَّاهِرُ حَذْفُ لَفْظِ تَعْلِيقِهِ وَالِاقْتِصَارُ عَلَى قَوْلِهِ لَا يَصِحُّ بِالشَّرْطِ فَيُوَافِقُ عِبَارَةَ الزَّيْلَعِيِّ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي مُقَابَلَةِ فَإِنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِهِ وَأَيْضًا مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ مِنْ التَّمْلِيكَاتِ فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 194 وَالتَّبَرُّعَاتِ فَيَبْطُلُ الشَّرْطُ فَقَطْ، وَأَصْلٌ آخَرُ أَنَّ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ الْمَحْضِ لَا يَجُوزُ فِي التَّمْلِيكَاتِ وَيَجُوزُ فِيمَا كَانَ مِنْ بَابِ الْإِسْقَاطِ الْمَحْضِ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَكَذَا مَا كَانَ مِنْ بَابِ الْإِطْلَاقَاتِ وَالْوِلَايَاتِ يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ الْمُلَائِمِ، وَكَذَا التَّحْرِيضَاتُ أَطْلَقَ فِي عَدَمِ صِحَّةِ تَعْلِيقِهِ بِالشَّرْطِ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا عَلَّقَهُ بِكَلِمَةِ " إنْ " بِأَنْ قَالَ بِعْتُك هَذَا إنْ كَانَ كَذَا فَيَفْسُدُ الْبَيْعُ مُطْلَقًا ضَارًّا كَانَ أَوْ نَافِعًا إلَّا فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ بِعْت مِنْك هَذَا إنْ رَضِيَ فُلَانٌ بِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ إذَا وَقَّتَهُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ؛ لِأَنَّهُ اشْتِرَاطُ الْخِيَارِ إلَى أَجْنَبِيٍّ وَهُوَ جَائِزٌ وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، وَلَوْ قَالَ بِعْته بِكَذَا إنْ رَضِيَ فُلَانٌ جَازَ الْبَيْعُ وَالشَّرْطُ جَمِيعًا، وَلَوْ قَالَ بِعْته مِنْك بِكَذَا إنْ شِئْت فَقَالَ قَبِلْت تَمَّ الْبَيْعُ. اهـ. وَإِنْ كَانَ الشَّرْطُ بِكَلِمَةِ عَلَى فَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ إنْ كَانَ مِمَّا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ أَوْ يُلَائِمُهُ أَوْ فِيهِ أَثَرٌ أَوْ جَرَى التَّعَامُلُ فِيهِ كَشَرْطِ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ أَوْ الثَّمَنِ أَوْ التَّأْجِيلِ أَوْ الْخِيَارِ لَا يَفْسُدُ وَيَصِحُّ الشَّرْطُ وَكَذَا إذَا اشْتَرَى نَعْلًا عَلَى أَنْ يَحْذُوَهَا الْبَائِعُ وَإِنْ كَانَ الشَّرْطُ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَلَا يُلَائِمُهُ وَلَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ فَإِنْ كَانَ فِيهِ مَنْفَعَةٌ لِأَهْلِ الِاسْتِحْقَاقِ فَسَدَ وَإِلَّا فَلَا، وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَتَعْلِيقُ الْقَبُولِ فِي الْبَيْعِ بَعْدَمَا أَوْجَبَ الْآخَرُ هَلْ يَصِحُّ ذَكَرَ أَنَّهُ لَوْ قَالَ إنْ أَدَّيْت ثَمَنَ هَذَا فَقَدْ بِعْت مِنْك صَحَّ الْبَيْعُ اسْتِحْسَانًا إنْ دَفَعَ الثَّمَنَ إلَيْهِ وَقِيلَ هَذَا خِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اهـ. قَوْلُهُ (وَالْقِسْمَةُ) بِأَنْ كَانَ لِلْمَيِّتِ دَيْنٌ عَلَى النَّاسِ فَاقْتَسَمُوا التَّرِكَةَ مِنْ الدَّيْنِ وَالْعَيْنِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ لِأَحَدِهِمْ وَالْعَيْنُ لِلْبَاقِينَ فَهِيَ فَاسِدَةٌ وَصُورَةُ تَعْلِيقِهَا أَنْ يَقْتَسِمُوا دَارًا وَشَرَطُوا رِضَا فُلَانٍ فَسَدَتْ أَيْضًا لِأَنَّ الْقِسْمَةَ فِيهَا مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ فَهِيَ كَالْبَيْعِ كَذَا ذَكَرَ الْعَيْنِيُّ مَعَ أَنَّ الْبَيْعَ يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِرِضَا فُلَانٍ وَيَكُونُ شَرْطَ خِيَارٍ إذَا وَقَّتَهُ وَلَكِنْ شَرْطُ الْخِيَارَ هَلْ يَدْخُلُهَا؟ قَالَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ مِنْ الْقِسْمَةِ: وَأَمَّا خِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ فَيَثْبُتُ فِي قِسْمَةٍ لَا يُجْبَرُ الْآبِي عَلَيْهَا وَهُوَ الْقِسْمَةُ فِي الْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ، وَأَمَّا فِي كُلِّ قِسْمَةٍ يُجْبَرُ الْآبِي عَلَيْهَا كَالْقِسْمَةِ فِي ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ. اهـ. وَمِنْ صُوَرِ فَسَادِهَا بِالشَّرْطِ مَا إذَا اقْتَسَمَ الشَّرِيكَانِ عَلَى أَنَّ لِأَحَدِهِمَا الصَّامِتَ وَلِلْآخَرِ الْعُرُوضَ وَقُمَاشَ الْحَانُوتِ وَالدُّيُونَ الَّتِي عَلَى النَّاسِ عَلَى أَنَّهُ إنْ تَوَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الدُّيُونِ يَرُدُّ عَلَيْهِ نِصْفَهُ فَالْقِسْمَةُ فَاسِدَةٌ وَعَلَى الَّذِي أَخَذَ الصَّامِتَ أَنْ يَرُدَّ عَلَى شَرِيكِهِ نِصْفَ مَا أَخَذَ وَعَلَى شَرِيكِهِ أَنْ يَرُدَّ نِصْفَ مَا أَخَذَ أَيْضًا وَمِنْهَا أَيْضًا مَا إذَا اقْتَسَمَا دَارًا عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ دَارًا لَهُ خَاصَّةً بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَهِيَ فَاسِدَةٌ وَكَذَا كُلُّ قِسْمَةٍ عَلَى شَرْطِ هِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ وَإِنْ شَرَطَ أَنْ يَزِيدَهُ شَيْئًا مَعْلُومًا فَهُوَ جَائِزٌ كَالْبَيْعِ وَإِنْ اقْتَسَمَا دَارًا وَأَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ طَائِفَةً عَلَى أَنْ يَرُدَّ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ دَرَاهِمَ مُسَمَّاةً فَهُوَ جَائِزٌ، وَكَذَا إنْ كَانَتْ الدَّرَاهِمُ إلَى أَجَلٍ فَإِنْ كَانَ لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ لَمْ يُسَمَّ مَكَانُ الْإِيفَاءِ فَعَلَى الْخِلَافِ الْمَعْرُوفِ فِي السَّلَمِ الْكُلُّ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ. قَوْلُهُ (وَالْإِجَارَةُ) أَيْ كَانَ أَجْرُ دَارِهِ عَلَى أَنْ يُقْرِضَهُ الْمُسْتَأْجِرُ أَوْ يُهْدِيَ إلَيْهِ أَوْ إنْ قَدِمَ زَيْدٌ كَذَا ذَكَرَهُ الْعَيْنِيُّ وَمِنْ صُوَرِهَا اسْتَأْجَرَ حَانُوتًا احْتَرَقَ كُلَّ شَهْرٍ بِكَذَا عَلَى أَنْ يَعْمُرَهُ وَيَحْتَسِبَ مَا أَنْفَقَهُ مِنْ الْأُجْرَةِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْعِمَارَةِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ يَفْسُدُ الْعَقْدُ فَعَلَيْهِ أَجْرُ الْمِثْلِ وَلَهُ مَا أَنْفَقَهُ وَأَجْرُ مِثْلِ قِيَامِهِ عَلَيْهِ وَاشْتِرَاطُ تَطْيِينِ الدَّارِ وَمَرَمَّتِهَا أَوْ تَعْلِيقِ الْبَابِ عَلَيْهَا أَوْ إدْخَالِ جِذْعٍ فِي سَقْفِهَا عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ، وَكَذَا اشْتِرَاطُ كِرَى النَّهْرِ أَوْ حَفْرِ بِئْرٍ فِيهَا أَوْ أَنْ يَسْرِقْنَهَا وَكَذَا عَلَى أَنْ يَرُدَّهَا مَكْرُوبَةً هَكَذَا أَطْلَقَهُ فِي الْكَافِي وَفَصَّلَ خواهر زاده فَإِنْ شَرَطَهُ فِي الْمُدَّةِ فَسَدَتْ وَبَعْدَ انْقِضَائِهَا لَا وَالصَّحِيحُ إنْ شَرَطَهُ فِي الْمُدَّةِ   [منحة الخالق] لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ يَكُونُ مُكَرَّرًا لِدُخُولِهِ تَحْتَ الْأَصْلِ الْآخَرِ فَتَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَلَوْ قَالَ بِعْته بِكَذَا إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ هَذَا ذَكَرَهُ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ السَّادِسِ وَالْعِشْرِينَ وَذَكَرَ فِيهِ بَعْدَهُ بِنَحْوِ وَرَقَةٍ مِثْلَ مَا قَدَّمَهُ هَذَا الشَّارِحُ فَلَا مُخَالَفَةَ لِحَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ تَأَمَّلْ. اهـ. أَيْ فَيُحْمَلُ قَوْلُهُ جَازَ الْبَيْعُ وَالشَّرْطُ جَمِيعًا عَلَى مَا إذَا وَقَّتَهُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ. (قَوْلُهُ: وَصُورَةُ تَعْلِيقِهَا) أَفَادَ أَنَّ الصُّورَةَ الْأُولَى صُورَةُ اقْتِرَانِهَا بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ بِدُونِ تَعْلِيقٍ. (قَوْلُهُ: عَلَى أَنْ يُقْرِضَهُ الْمُسْتَأْجِرُ) صُورَةُ الِاقْتِرَانِ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ بِدُونِ تَعْلِيقٍ وَقَوْلُهُ أَوْ إنْ قَدِمَ زَيْدٌ صُورَةُ التَّعْلِيقِ بِأَدَاةِ الشَّرْطِ. (قَوْلُهُ: وَفَصَّلَ خواهر زاده إلَخْ) عِبَارَةَ الْوَلْوَالِجيَّةِ هَكَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْكِرَابَ فِي مُدَّةِ الْإِجَارَةِ أَوْ بَعْدَهَا فَفِي الْأَوَّلِ الْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ لِأَنَّ مُدَّةَ الْإِجَارَةِ مَجْهُولَةٌ؛ لِأَنَّ مُدَّةَ الْكِرَابِ تَقِلُّ وَتَكْثُرُ وَهِيَ مُسْتَثْنَاةٌ عَنْ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ لِأَنَّ الْمُسْتَأْجَرَ فِي هَذَا الْكِرَابِ لِرَبِّ الْأَرْضِ هَكَذَا ذُكِرَ وَهُوَ خِلَافُ مَا قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ إذَا شَرَطَ الْكِرَابَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ صَحَّتْ لِأَنَّهُ فِي أَصْلِ الْكِرَابِ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ فَلَا تَكُونُ تِلْكَ الْمُدَّةُ مُسْتَثْنَاةً لَكِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ إذَا شَرَطَ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ مَكْرُوبَةً بِكِرَابٍ فِي مُدَّةِ الْإِجَارَةِ تَفْسُدُ وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي عَلَى وَجْهَيْنِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 195 فَسَدَتْ وَإِلَّا فَإِنْ قَالَ أَجَّرْتُك بِكَذَا بِأَنْ تَكْرُبَهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ فَتَرُدُّهَا عَلَيَّ مَكْرُوبَةً فَلَا تَفْسُدُ، وَإِنْ قَالَ عَلَى أَنْ تَكْرُبَهَا بَعْدَهَا فَهِيَ فَاسِدَةٌ الْكُلُّ مِنْ فَتَاوَى الْوَلْوَالِجيَّةِ وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِ قَوْلِهِمْ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهَا بِالشَّرْطِ مَا صَرَّحُوا بِهِ فِي الْإِجَارَةِ لَوْ قَالَ لِغَاصِبٍ دَارِهِ فَرِّغْهَا وَإِلَّا فَأَجْرُ كُلِّ شَهْرٍ كَذَا فَسَكَتَ وَلَمْ يُفَرِّغْهَا وَجَبَ الْمُسَمَّى مَعَ أَنَّهُ تَعْلِيقٌ بِعَدَمِ التَّفْرِيغِ. قَوْلُهُ (وَالْإِجَازَةُ) بِالزَّايِ الْمُعْجَمَةِ بِأَنْ بَاعَ فُضُولِيٌّ عَبْدَهُ فَقَالَ أَجَزْته بِشَرْطِ أَنْ تُقْرِضَنِي أَوْ تُهْدِيَ إلَيَّ أَوْ عَلَّقَهَا بِشَرْطٍ لِأَنَّهَا بَيْعُ مَعْنًى كَذَا ذَكَرَ الْعَيْنِيُّ فَظَاهِرُهُ تَخْصِيصُ إجَازَةِ الْبَيْعِ، فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَإِجَازَةُ الْبَيْعِ لَكَانَ أَوْلَى فَإِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ إجَازَةَ الْقِسْمَةِ وَالْإِجَارَةِ كَذَلِكَ بَلْ كُلُّ شَيْءٍ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ إذَا انْعَقَدَ مَوْقُوفًا لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ إجَازَتِهِ بِالشَّرْطِ حَتَّى النِّكَاحِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَالْبَزَّازِيَّةِ وَتَعْلِيقُ الْإِجَازَةِ بِالشَّرْطِ بَاطِلٌ كَقَوْلِهِ: إنْ زَادَ فُلَانٌ فِي الثَّمَنِ فَقَدْ أَجَزْت، وَلَوْ زَوَّجَ بِنْتِهٍ الْبَالِغَةَ بِلَا رِضَاهَا فَبَلَغَهَا الْخَبَرُ فَقَالَتْ أَجَزْت إنْ رَضِيَتْ أُمِّي بَطَلَتْ الْإِجَازَةُ إذْ التَّعْلِيقُ يُبْطِلُ الْإِجَازَةَ اعْتِبَارًا بِابْتِدَاءِ الْعَقْدِ اهـ. قَوْلُهُ (وَالرَّجْعَةُ) بِأَنْ قَالَ لِمُطَلَّقَتِهِ الرَّجْعِيَّةِ رَاجَعْتُك عَلَى أَنْ تُقْرِضِينِي كَذَا أَوْ إنْ قَدِمَ زَيْدٌ؛ لِأَنَّهَا اسْتِدَامَةُ الْمِلْكِ فَتَكُونُ مُعْتَبَرَةً بِابْتِدَائِهِ فَكَمَا لَا يَجُوزُ تَعْلِيقُ ابْتِدَائِهِ لَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهَا، كَذَا ذَكَرَهُ الْعَيْنِيُّ وَهُوَ سَهْوٌ ظَاهِرٌ وَخَطَأٌ صَرِيحٌ فَسَيَأْتِي فِي الْكِتَابِ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ النِّكَاحَ لَا يَبْطُلُ   [منحة الخالق] إمَّا أَنْ يَقُولَ أَجَّرْتُك بِكَذَا بِأَنْ تَكْرُبَهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ وَتَرُدَّهَا عَلَيَّ مَكْرُوبَةً أَوْ قَالَ أَجَّرْتهَا بِكَذَا عَلَى أَنْ تَكْرُبَهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ فَفِي الْأَوَّلِ جَازَتْ وَفِي الثَّانِي لَمْ تَصِحَّ فَلَوْ أَطْلَقَ بِأَنْ قَالَ وَبِأَنْ تَرُدَّهَا عَلَيَّ مَكْرُوبَةً يَجِبُ أَنْ تَصِحَّ وَيُصْرَفُ إلَى الْكِرَابِ بَعْدَ انْقِضَائِهَا وَهَذَا التَّفْصِيلُ صَحِيحٌ. اهـ. بِحَذْفِ التَّعْلِيلِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ فِي النُّسْخَةِ تَحْرِيفًا تَأَمَّلْ وَفِي الذَّخِيرَةِ وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ إذَا شَرَطَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَرُدَّهَا مَكْرُوبَةً بِكِرَابٍ فِي مُدَّةِ الْإِجَارَةِ فَالْعَقْدُ فَاسِدٌ وَالْمَسْأَلَةُ عَلَى وَجْهَيْنِ أَمَّا إذَا قَالَ صَاحِبُ الْأَرْضِ أَجَّرْتُك هَذِهِ الْأَرْضَ بِكَذَا وَبِأَنْ تَكْرُبَهَا بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ وَفِي هَذَا الْوَجْهِ الْعَقْدُ جَائِزٌ أَمَّا إذَا قَالَ أَجَّرْتُك بِكَذَا عَلَى أَنْ تَكْرُبَهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ فَفَاسِدٌ فَإِنْ أَطْلَقَ الْكِرَابَ يَنْصَرِفُ بَعْدَ الْعَقْدِ فَيَصِحُّ وَلَكِنَّ جَوَابَ هَذَا الْفَصْلِ يُخَالِفُ ظَاهِرَ مَا ذُكِرَ هَاهُنَا وَلَا يُظَنُّ بِهِ أَنَّهُ قَالَ جُزَافًا لِظَاهِرِ أَنَّهُ عَثَرَ عَلَى رِوَايَةٍ أُخْرَى بِخِلَافِ مَا ذُكِرَ هُنَا اهـ. (قَوْلُهُ: فَظَاهِرُهُ تَخْصِيصُ إجَازَةِ الْبَيْعِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ تَأَمَّلْ فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ فَإِنَّهَا مُتَعَارِضَةٌ (قَوْلُهُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ) كَأَنَّهُ عَدَلَ عَمَّا اسْتَظْهَرَهُ أَوَّلًا لَمَّا رَأَى مَا فِي الْجَامِعِ وَلَكِنَّ الِاسْتِقَامَةَ أَحْسَنُ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِهِ وَإِجَازَةُ النِّكَاحِ كَالنِّكَاحِ لَيْسَتْ مِنْ مُعَاوَضَةِ الْمَالِ بِالْمَالِ، وَقَدْ ذُكِرَ أَوَّلًا أَنَّ مَا كَانَ مُبَادَلَةَ مَالٍ بِغَيْرِ مَالٍ لَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ بِأَنْ قَالَ لِمُطَلَّقَتِهِ إلَخْ) هَذَا مِثَالٌ لِلشَّرْطِ الْفَاسِدِ بِدُونِ تَعْلِيقٍ وَقَوْلُهُ أَوْ إنْ قَدِمَ زَيْدٌ مِثَالٌ لِلتَّعْلِيقِ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ سَهْوٌ ظَاهِرٌ وَخَطَأٌ صَرِيحٌ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَمَّا كَوْنُ مَا قَالَهُ الْعَيْنِيُّ سَهْوًا وَخَطَأً فَمَمْنُوعٌ إذْ مَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّوْجِيهِ مَأْخُوذٌ مِمَّا فِي الشَّرْحِ وَهُوَ تَوْجِيهٌ صَحِيحٌ لِعَدَمِ صِحَّةِ تَعْلِيقِهَا كَمَا أَنَّ النِّكَاحَ كَذَلِكَ، وَأَمَّا بُطْلَانُهَا بِالشَّرْطِ فَمَسْكُوتٌ عَنْ تَوْجِيهِهِ وَحَيْثُ ذَكَرَ الثِّقَاتُ بُطْلَانَهَا بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ لَمْ يَبْقَ الشَّأْنُ إلَّا فِي السَّبَبِ الدَّاعِي لِلتَّفْرِقَةِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ النِّكَاحِ وَكَأَنَّهُ لِأَنَّهَا فَارَقَتْهُ كَمَا مَرَّ فِي أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لَهَا شُهُودٌ وَلَا يَجِبُ بِهَا عِوَضٌ مَالِيٌّ وَلَهُ أَنْ يُرَاجِعَ الْأَمَةَ عَلَى الْحُرَّةِ الَّتِي تَزَوَّجَهَا بَعْدَ طَلَاقِهَا وَتَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ. اهـ. وَاعْتَرَضَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ مُخَالَفَتِهَا النِّكَاحُ فِي أَحْكَامٍ أَنْ تُخَالِفَهُ فِي هَذَا الْحُكْمِ. اهـ. وَسَبَقَهُ إلَيْهِ فِي الشرنبلالية عَلَى أَنَّهُ ذَكَرَ صُورَةَ النِّزَاعِ فِي الْمُفَارَقَةِ وَلَكِنْ يُقَالُ أَيْضًا لَا يَلْزَمُ مِنْ مُوَافَقَتِهَا النِّكَاحَ فِي أَحْكَامٍ أَنْ تُوَافِقَهُ فِي هَذَا الْحُكْمِ أَيْضًا كَيْفَ وَقَدْ وُجِدَتْ الْمُخَالَفَةُ بَيْنَهُمَا فِيمَا عَلِمْت وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ التَّصْرِيحِ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ بِأَنَّهَا تَبْطُلُ بِالشَّرْطِ أَنْ تُشَارِكَ النِّكَاحَ فِيهِ مَعَ تَصْرِيحِ الثِّقَاتِ بِعَدَمِ الْمُشَارَكَةِ بَلْ لَوْ صَرَّحَ غَيْرُهُمْ بِخِلَافِهِ لَمْ يَكُنْ سَبِيلٌ إلَى تَخْطِئَتِهِمْ وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لَنَا وَجْهُ قَوْلِهِمْ تَأَمَّلْ وَقَدْ رَأَيْت فِي الْحَوَاشِي الْعَزْمِيَّةِ عَلَى الدُّرَرِ مَا نَصُّهُ قُلْتُ: قَدْ صَرَّحَ الْأُسْرُوشَنِيُّ بِأَنَّ فِي كَوْنِ الرَّجْعَةِ مِنْ جُمْلَةِ مَا لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِشَرْطٍ وَيَبْطُلُ بِفَاسِدِهِ رِوَايَتَيْنِ. اهـ. لَكِنْ كَتَبَهُ تَحْتَ قَوْلِ الدُّرَرِ وَالْوَقْفِ فَلْتُرَاجَعْ نُسْخَةٌ أُخْرَى فَلَعَلَّهُ تَحْرِيفٌ وَالْجَوَابُ الْحَاسِمُ لِمَادَّةِ الْإِشْكَالِ مِنْ أَصْلِهِ أَنْ يُقَالَ مَا تَرْجَمَ بِهِ الْمَاتِنُ بِقَوْلِهِ مَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ هُوَ قَاعِدَتَانِ الْأُولَى مَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ وَالثَّانِيَةُ مَا لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِأَدَاةِ الشَّرْطِ لَا قَاعِدَةٌ وَاحِدَةٌ كَمَا أَشَرْنَا إلَيْهِ فِيمَا مَرَّ وَأَشَرْنَا إلَى أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمَاتِنُ مِنْ الْفُرُوعِ إمَّا دَاخِلٌ تَحْتَ الْقَاعِدَتَيْنِ أَوْ تَحْتَ إحْدَاهُمَا وَالرَّجْعَةُ قَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهَا لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهَا بِالشَّرْطِ فَتَكُونُ دَاخِلَةً تَحْتَ الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ، وَأَمَّا كَوْنُهَا تَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ فَيَحْتَاجُ إلَى تَصْرِيحِ أَحَدٍ بِذَلِكَ حَتَّى تَدْخُلَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 196 بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ وَإِنْ كَانَ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ وَالْمَذْكُورُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالْجَوْهَرَةِ وَالْبَدَائِعِ وَالتَّتَارْخَانِيَّةِ مِنْ الرَّجْعَةِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهَا بِالشَّرْطِ وَلَا إضَافَتُهَا وَلَمْ يَذْكُرُوا أَنَّهَا تَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ وَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ بِهِ وَأَصْلُ النِّكَاحِ لَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ مَعَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَنْفَرِدْ بِذِكْرِ الرَّجْعَةِ فِيمَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بَلْ ذَكَرَهُ كَذَلِكَ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ مِنْ الْبُيُوعِ وَالْعِمَادِيُّ فِي فُصُولِهِ وَجَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَفَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ الْبُيُوعِ، وَلَمْ أَرَ أَحَدًا نَبَّهَ عَلَى هَذَا، وَقَدْ تَوَقَّفْت فِي تَخْطِئَةِ هَؤُلَاءِ، ثُمَّ جَزَمْت بِهَا وَكَانَ يَجِبُ أَنْ تَذْكُرَ الرَّجْعَةَ مَعَ النِّكَاحِ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَمَنْ وَافَقَهُ مَا فِي الْبَدَائِعِ مِنْ كِتَابِ الرَّجْعَةِ أَنَّهَا تَصِحُّ مِنْ الْإِكْرَاهِ وَالْهَزْلِ وَاللَّعِبِ وَالْخَطَأِ كَالنِّكَاحِ. اهـ. فَلَوْ كَانَتْ تَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ لَمْ تَصِحَّ مَعَ الْهَزْلِ؛ لِأَنَّ مَا يَصِحُّ مَعَ الْهَزْلِ لَا تُبْطِلُهُ الشُّرُوطُ الْفَاسِدَةُ وَمَا لَا يَصِحُّ مَعَ الْهَزْل تُبْطِلُهُ الشُّرُوطُ الْفَاسِدَةُ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْأُصُولِيُّونَ فِي بَحْثِ الْهَزْلِ مِنْ قِسْمِ الْعَوَارِضِ وَفِي الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ وَتَعْلِيقُ الرَّجْعَةِ بِالشَّرْطِ بَاطِلٌ وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ. قَوْلُهُ (وَالصُّلْحُ عَنْ مَالٍ) أَيْ بِمَالٍ بِأَنْ قَالَ صَالَحْتُك عَلَى أَنْ تُسْكِنَنِي فِي الدَّارِ مَثَلًا سَنَةً أَوْ إنْ قَدِمَ زَيْدٌ؛ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةُ مَالٍ بِمَالٍ فَيَكُونُ بَيْعًا كَذَا ذَكَرَهُ الْعَيْنِيُّ وَاعْلَمْ أَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ بَيْعًا إذَا كَانَ الْبَدَلُ خِلَافَ جِنْسِ الْمُدَّعَى بِهِ، أَمَّا إذَا كَانَ عَلَى جِنْسِهِ وَإِنْ كَانَ بِأَقَلَّ مِنْ الْمُدَّعَى فَهُوَ حَطٌّ وَإِبْرَاءٌ وَإِنْ كَانَ بِمِثْلِهِ فَهُوَ قَبْضٌ وَاسْتِيفَاءٌ وَإِنْ كَانَ بِأَكْثَرَ مِنْهُ فَهُوَ فَضْلٌ وَرِبًا كَذَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ الصُّلْحِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُخَصَّصَ هُنَا وَظَاهِرُ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ الْإِطْلَاقُ فِي عَدَمِ صِحَّةِ تَعْلِيقِهِ بِالشَّرْطِ قَالَ لَهُ عَلَيْهِ أَلْفٌ صَالَحَ عَلَى مِائَةٍ إلَى شَهْرٍ وَعَلَيَّ مِائَتَيْنِ إنْ لَمْ يُعْطِهِ إلَى شَهْرٍ لَا يَصِحُّ لِجَهَالَةِ الْمَحْطُوطِ؛ لِأَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ الْإِعْطَاءِ تِسْعُ مِائَةٍ وَعَلَى تَقْدِير عَدَمِهِ ثَمَانِ مِائَةٍ اهـ. قَوْلُهُ (وَالْإِبْرَاءُ عَنْ الدَّيْنِ) بِأَنْ قَالَ أَبْرَأْتُك عَنْ دَيْنِي عَلَى أَنْ تَخْدُمَنِي شَهْرًا أَوْ إنْ قَدِمَ فُلَانٌ؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ مِنْ وَجْهٍ حَتَّى يَرْتَدَّ بِالرَّدِّ وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَعْنَى الْإِسْقَاطِ فَيَكُونُ مُعْتَبَرًا بِالتَّمْلِيكَاتِ فَلَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ، كَذَا ذَكَرَهُ الْعَيْنِيُّ قَيَّدَ بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ عَنْ الْكَفَالَةِ يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِشَرْطٍ مُلَائِمٍ كَقَوْلِهِ إنْ وَافَيْت بِهِ غَدًا فَأَنْتَ بَرِيءٌ فَوَافَاهُ بِهِ بَرِئَ مِنْ الْمَالِ وَهُوَ قَوْلُ الْبَعْضِ وَاخْتَارَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَقَالَ: إنَّهُ الْأَوْجَهُ. مُعَلِّلًا بِأَنَّهُ إسْقَاطٌ لَا تَمْلِيكٌ ذَكَرَهُ فِي الْكَفَالَةِ، وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِيهَا وَبَطَلَ تَعْلِيقُ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْكَفَالَةِ بِشَرْطٍ عَلَى مَا إذَا كَانَ غَيْرَ مُلَائِمٍ، وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ مِنْ فَصْلٍ فِي هِبَةِ الْمَرْأَةِ مِنْ الزَّوْجِ، وَلَوْ قَالَ الطَّالِبُ لِمَدْيُونِهِ إذَا مِتّ فَأَنْت بَرِيءٌ مِنْ الدَّيْنِ الَّذِي لِي عَلَيْك جَازَ وَتَكُونُ وَصِيَّةً مِنْ الطَّالِبِ لِلْمَطْلُوبِ، وَلَوْ قَالَ إنْ مِتّ فَأَنْت بَرِيءٌ مِنْ ذَلِكَ الدَّيْنِ لَا يَبْرَأُ وَهُوَ مُخَاطِرُهُ كَقَوْلِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْت بَرِيءٌ مِمَّا لِي   [منحة الخالق] تَحْتَ الْقَاعِدَةِ الْأُولَى أَيْضًا وَحَيْثُ لَمْ يُوجَدْ لَا تَدْخُلُ وَحِينَئِذٍ فَلَا خَطَأَ فِي كَلَامِ الْمَاتِنِ وَلَا غَيْرِهِ إلَّا الْعَيْنِيَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ الرَّجْعَةُ مِمَّا يَفْسُدُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مُبَادَلَةَ مَالٍ بِمَالٍ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ أَوَّلَ الْبَحْثِ مِنْ الْأَصْلَيْنِ. (قَوْلُهُ: وَفِي الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ إلَخْ) قَالَ فِي نُورِ الْعَيْنِ وَفِي الْخُلَاصَةِ تَعْلِيقُ الرَّجْعَةِ بِالشَّرْطِ بَاطِلٌ وَكَذَا إضَافَتُهَا إلَى مُسْتَقْبَلٍ كَالنِّكَاحِ كَمَا إذَا قَالَ إذَا جَاءَ غَدٌ فَقَدْ رَاجَعْتُك وَإِنَّمَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ مَا يَجُوزُ أَنْ يَحْلِفَ وَلَا يَحْلِفُ بِالرَّجْعَةِ يَقُولُ الْحَقِيرُ فِي إطْلَاقِ كَلَامِهِ نَظَرٌ لِأَنَّ عَدَمَ التَّحْلِيفِ فِي الرَّجْعَةِ إنَّمَا هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فَيَحْلِفُ وَبِهِ يُفْتَى كَمَا مَرَّ تَفْصِيلُهُ فِي فَصْلِ التَّحْلِيفِ فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ تَعْلِيقُ الرَّجْعَةِ بِالشَّرْطِ عَلَى قَوْلِهِمَا كَمَا لَا يَخْفَى اهـ. كَلَامُ نُورِ الْعَيْنِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا يُحْلَفُ بِهِ كَالْحَجِّ فَيُقَالُ إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ حَجٌّ وَالرَّجْعَةُ لَيْسَتْ كَذَلِكَ، وَأَمَّا الَّذِي فِيهِ الْخِلَافُ فَكَوْنُهَا مِمَّا يُحْلَفُ عَلَيْهَا عِنْدَ الْإِنْكَارِ كَالْخِلَافِ فِي النِّكَاحِ وَنَحْوِهِ فَتَدَبَّرْ. (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَالْإِبْرَاءُ عَنْ الدَّيْنِ إلَخْ) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ فِيهِ أَنَّ الْإِبْرَاءَ عَنْ الدَّيْنِ لَيْسَ مِنْ مُبَادَلَةِ الْمَالِ بِالْمَالِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَبْطُلَ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ وَكَوْنُهُ مُعْتَبَرًا بِالتَّمْلِيكَاتِ لَا يَدُلُّ إلَّا عَلَى بُطْلَانِ تَعْلِيقِهِ بِالشَّرْطِ وَلِذَلِكَ فَرَّعَهُ عَلَيْهِ وَعَلَى هَذَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي. اهـ. قُلْتُ: وَيُؤَيِّدُهُ مَا سَنَذْكُرُهُ عَنْ النَّهْرِ مِنْ مَسْأَلَةِ الصُّلْحِ لَكِنْ فِي الْحَوَاشِي الْعَزْمِيَّةِ عَنْ الْإِيضَاحِ الْإِبْرَاءُ عَنْ الدَّيْنِ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ بِأَنْ قَالَ لِمَدْيُونِهِ أَبْرَأْت ذِمَّتَك عَنْ دَيْنِي بِشَرْطِ أَنَّ لِي الْخِيَارَ فِي رَدِّ الْإِبْرَاءِ وَتَصْحِيحِهِ فِي أَيِّ وَقْتٍ شِئْت أَوْ قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَقَدْ أَبْرَأْتُك. اهـ. أَقُولُ: وَلَوْ ثَبَتَ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ فَذِكْرُهُ هُنَا مُنَاسِبٌ لِدُخُولِهِ تَحْتَ الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ مَا يَبْطُلُ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ لَا يَبْرَأُ وَهُوَ مُخَاطَرَةٌ) لَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ الْمُخَاطَرَةَ فِي مَوْتِهِ مَدْيُونًا وَإِلَّا فَالْمَوْتُ مُحَقَّقُ الْوُجُودِ وَيَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّ ذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي التَّعْلِيقِ عَلَى مَوْتِ الدَّائِنِ فَإِنَّ فِيهِ مُخَاطَرَةً مِنْ حَيْثُ مَوْتِهِ وَالدَّيْنُ فِي ذِمَّةِ الْمَدْيُونِ وَالْجَوَابُ أَنَّ التَّعْلِيقَ عَلَى مَوْتِهِ يُجْعَلُ وَصِيَّةً وَالْوَصِيَّةُ يَصِحُّ تَعْلِيقُهَا بِالشَّرْطِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 197 عَلَيْك لَا يَبْرَأُ. اهـ. وَفِيهَا أَيْضًا لَوْ قَالَتْ الْمَرِيضَةُ لِزَوْجِهَا إنْ مِتّ مِنْ مَرَضِي هَذَا فَمَهْرِي عَلَيْك صَدَقَةٌ أَوْ أَنْت فِي حِلٍّ مِنْ مَهْرِي فَمَاتَتْ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ كَانَ مَهْرُهَا عَلَى زَوْجِهَا لِأَنَّ هَذِهِ مُخَاطَرَةٌ فَلَا تَصِحُّ. اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ التَّعْلِيقَ بِمَوْتِ الدَّائِنِ صَحِيحٌ إلَّا إذَا كَانَ الْمَدْيُونُ وَارِثًا لَهُ وَعَلَّقَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ فَيَكُونُ مُخَصِّصًا لِإِطْلَاقِ الْكِتَابِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ الدَّعْوَى قَالَ الْمَدْيُونُ دَفَعْت إلَى فُلَانٍ فَقَالَ إنْ كُنْت دَفَعْت إلَيْهِ فَقَدْ أَبْرَأْتُك صَحَّ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ بِأَمْرٍ كَائِنٍ. اهـ. وَمِنْ فُرُوعِ عَدَمِ صِحَّةِ تَعْلِيقِ الْإِبْرَاءِ مَا فِي الْمَبْسُوطِ لَوْ قَالَ الطَّالِبُ لِلْخَصْمِ إنْ حَلَفْت فَأَنْت بَرِيءٌ فَهَذَا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقُ الْبَرَاءَةِ بِخَطَرٍ وَهِيَ لَا تَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ. اهـ. وَفِي الْخَانِيَّةِ مِنْ الْهِبَةِ امْرَأَةٌ قَالَتْ لِزَوْجِهَا وَهَبْت مَهْرِي مِنْك عَلَى أَنَّ كُلَّ امْرَأَةٍ تَتَزَوَّجُهَا تَجْعَلُ أَمْرَهَا بِيَدِي فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ الزَّوْجُ ذَلِكَ بَطَلَتْ الْهِبَةُ وَإِنْ قَبِلَ ذَلِكَ فِي الْمَجْلِسِ جَازَتْ الْهِبَةُ، ثُمَّ إنْ فَعَلَ الزَّوْجُ ذَلِكَ فَالْهِبَةُ مَاضِيَةٌ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَكَذَلِكَ عِنْدَ الْبَعْضِ كَمَنْ أَعْتَقَ أَمَةً عَلَى أَنْ لَا تَتَزَوَّجَ فَقَبِلَتْ عَتَقَتْ تَزَوَّجَتْ أَوْ لَمْ تَتَزَوَّجْ امْرَأَةٌ قَالَتْ لِزَوْجِهَا وَهَبْت مَهْرِي إنْ لَمْ تَظْلِمْنِي فَقَبِلَ الزَّوْجُ ذَلِكَ، ثُمَّ طَلَّقَهَا بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْكَافُ وَأَبُو الْقَاسِمِ الصَّفَّارُ الْهِبَةُ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّهَا تَعْلِيقُ الْهِبَةِ بِالشَّرْطِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَتْ وَهَبْت مِنْك مَهْرِي عَلَى أَنْ لَا تَظْلِمَنِي فَقَبِلَ صَحَّتْ الْهِبَةُ لِأَنَّ هَذَا تَعْلِيقُ الْهِبَةِ بِالْقَبُولِ، فَإِذَا قَبِلَتْ تَمَّتْ الْهِبَةُ فَلَا يَعُودُ الْمَهْرُ بَعْدَ ذَلِكَ وَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْت طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ لَا تَطْلُقُ مَا لَمْ تَدْخُلْ، وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ عَلَى دُخُولِك الدَّارَ فَقَالَتْ قَبِلْت وَقَعَ الطَّلَاقُ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ فِي مَسْأَلَةِ الظُّلْمِ مَهْرُهَا عَلَيْهِ عَلَى حَالِهِ إذَا ظَلَمَهَا؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَمْ تَرْضَ بِالْهِبَةِ إلَّا بِهَذَا الشَّرْطِ، فَإِذَا فَاتَ الشَّرْطُ فَاتَ الرِّضَا، أَمَّا الطَّلَاقُ فَالرِّضَا فِيهِ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا مَا ذُكِرَ فِي كِتَابِ الْحَجِّ إذَا تَرَكَتْ الْمَرْأَةُ مَهْرَهَا عَلَى الزَّوْجِ عَلَى أَنْ يَحُجَّ بِهَا فَقَبِلَ الزَّوْجُ ذَلِكَ وَلَمْ يَحُجَّ بِهَا كَانَ الْمَهْرُ عَلَيْهِ عَلَى حَالِهِ وَالْفَتْوَى عَلَى هَذَا الْقَوْلِ قَالَ مَوْلَانَا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَيُمْكِنُ الْفَرْقُ بَيْنَ مَسْأَلَةِ الْحَجِّ وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الظُّلْمِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ فِي مَسْأَلَةِ الْحَجِّ لَمَّا شَرَطَتْ الْحَجَّ بِهَا فَقَدْ شَرَطَتْ نَفَقَةَ الْحَجِّ عَلَيْهِ فَيَكُونُ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ، فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ الْعِوَضُ لَا تَتِمُّ الْهِبَةُ، أَمَّا فِي مَسْأَلَةِ الظُّلْمِ شَرَطَتْ عَلَيْهِ تَرْكَ الظُّلْمِ وَتَرْكُ الظُّلْمِ لَا يَصْلُحُ عِوَضًا قَالَ مَوْلَانَا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، ثُمَّ ذُكِرَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ إذَا شَرَطَتْ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَظْلِمَهَا فَقَبِلَ الزَّوْجُ، ثُمَّ ضَرَبَهَا وَأَجَابَا كَمَا ذُكِرَ وَعِنْدِي إذَا ضَرَبَهَا بِغَيْرِ حَقٍّ، أَمَّا إذَا ضَرَبَهَا لِتَأْدِيبٍ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهَا لَا يَعُودُ الْمَهْرُ؛ لِأَنَّ مَا كَانَ حَقًّا لَا يَكُونُ ظُلْمًا. امْرَأَةٌ وَهَبَتْ مَهْرَهَا مِنْ زَوْجِهَا لِيَقْطَعَ لَهَا فِي كُلِّ حَوْلٍ ثَوْبًا مَرَّتَيْنِ وَقَبِلَ الزَّوْجُ فَمَضَى حَوْلَانِ وَلَمْ يَقْطَعْ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ إنْ كَانَ ذَلِكَ شَرْطًا فِي الْهِبَةِ فَمَهْرُهَا عَلَيْهِ عَلَى حَالِهِ لِأَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ الْعِوَضُ لَا تَصِحُّ الْهِبَةُ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ شَرْطًا فِي الْهِبَةِ سَقَطَ مَهْرُهَا وَلَا يَعُودُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَكَذَا لَوْ وَهَبَتْ مَهْرَهَا عَلَى أَنْ يُحْسِنَ إلَيْهَا وَلَمْ يُحْسِنْ كَانَتْ الْهِبَةُ بَاطِلَةً وَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ. رَجُلٌ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَبْرِئِينِي مِنْ مَهْرِك حَتَّى أَهَبَ لَك كَذَا فَأَبْرَأَتْهُ، ثُمَّ أَبَى الزَّوْجُ أَنْ يَهَبَ مِنْهَا مَا قَالَ كَانَ الْمَهْرُ عَلَيْهِ كَمَا كَانَ. امْرَأَةٌ وَهَبَتْ مَهْرَهَا مِنْ زَوْجِهَا عَلَى أَنْ يُمْسِكَهَا وَلَا يُطَلِّقَهَا فَقَبِلَ الزَّوْجُ ذَلِكَ، ثُمَّ طَلَّقَهَا قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ إنْ لَمْ يَكُنْ وَقَّتَ لِلْإِمْسَاكِ وَقْتًا لَا يَعُودُ مَهْرُهَا عَلَى الزَّوْجِ وَإِنْ وَقَّتَ وَقْتًا وَطَلَّقَهَا قَبْلَ ذَلِكَ الْوَقْتِ كَانَ الْمَهْرُ عَلَيْهِ عَلَى حَالِهِ فَقِيلَ لَهُ إذَا لَمْ يُوَقِّتْ لِذَلِكَ وَقْتًا كَانَ قَصْدُهَا أَنْ يُمْسِكَهَا مَا عَاشَ قَالَ نَعَمْ إلَّا أَنَّ الْعِبْرَةَ لِإِطْلَاقِ اللَّفْظِ فَإِنَّهُ ذُكِرَ فِي كِتَابِ الْوَصَايَا رَجُلٌ أَوْصَى لِأُمِّ وَلَدِهِ بِثُلُثِ مَالِهِ إنْ لَمْ تَتَزَوَّجْ فَقَبِلَتْ ذَلِكَ، ثُمَّ تَزَوَّجَتْ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بِزَمَانٍ فَإِنَّهَا تَسْتَحِقُّ الثُّلُثَ بِحُكْمِ الْوَصِيَّةِ. امْرَأَةٌ وَهَبَتْ مَهْرَهَا مِنْ زَوْجِهَا عَلَى أَنْ لَا يُطَلِّقَهَا فَقَبِلَ الزَّوْجُ قَالَ خَلَفٌ صَحَّتْ الْهِبَةُ طَلَّقَهَا   [منحة الخالق] بِخِلَافِ التَّعْلِيقِ عَلَى مَوْتِ الْمَدِينِ فَإِنَّهُ إبْرَاءٌ مَحْضٌ فَيَبْقَى مُعَلَّقًا عَلَى مَا فِيهِ مُخَاطَرَةٌ فَلَا يَصِحُّ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَتَأَمَّلْهُ. (قَوْلُهُ: كَانَ مَهْرُهَا عَلَى زَوْجِهَا) قَالَ فِي النَّهْرِ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنْ أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ تَصِحُّ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ كَوْنُهُ وَارِثًا. اهـ. وَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ لِأَنَّ الْمَانِعَ إلَخْ مَعَ قَوْلِ الْخَانِيَّةِ لِأَنَّ هَذِهِ مُخَاطَرَةٌ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي عَدَمَ الصِّحَّةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَرَثَةٌ غَيْرُهُ لَكِنْ فِي مَسْأَلَةِ الدَّيْنِ لَمْ يُجْعَلْ التَّعْلِيقُ بِمَوْتِ الدَّائِنِ مُخَاطَرَةً بَلْ جُعِلَ وَصِيَّةً فَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُ بِالْمُخَاطَرَةِ هُنَا كَوْنُهُ وَقْتَ الْمَوْتِ مِمَّنْ تَصِحُّ لَهُ الْوَصِيَّةُ بِأَنْ يُطْلِقَهَا وَيَصِيرُ أَجْنَبِيًّا أَوْ تُجِيزُ الْوَرَثَةُ الْوَصِيَّةَ وَعَلَيْهِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْإِجَازَةِ وَعَدَمِهَا تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ الدَّعْوَى قَالَ الْمَدْيُونُ إلَخْ) وَمِثْلُهُ مَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ لَوْ قَالَ لِغَرِيمِهِ إنْ كَانَ لِي عَلَيْك دَيْنٌ فَقَدْ أَبْرَأْتُك وَلَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ بَرِئَ إذَا عَلَّقَ بِشَرْطٍ كَائِنٍ فَتَنَجَّزَ. اهـ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 198 أَوْ لَمْ يُطَلِّقْهَا؛ لِأَنَّ تَرْكَ الطَّلَاقِ لَا يَكُونُ عِوَضًا بَقِيَتْ هَذِهِ هِبَةً بِشَرْطٍ فَاسِدٍ وَالْهِبَةُ لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ. وَذُكِرَ فِي النَّوَازِلِ إذَا قَالَتْ الْمَرْأَةُ لِزَوْجِهَا تَرَكْت مَهْرِي عَلَيْك عَلَى أَنْ تَجْعَلَ أَمْرِي بِيَدِي فَفَعَلَ الزَّوْجُ ذَلِكَ قَالَ مَهْرُهَا عَلَيْهِ مَا لَمْ تُطَلِّقْ نَفْسَهَا، وَلَوْ وَهَبَتْ مَهْرَهَا الَّذِي عَلَى الْمُطَلِّقِ مِنْهُ عَلَى أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، ثُمَّ أَبَى أَنْ يَتَزَوَّجَهَا قَالُوا مَهْرُهَا عَلَيْهِ عَلَى حَالِهِ تَزَوَّجَهَا أَوْ لَمْ يَتَزَوَّجْهَا؛ لِأَنَّهَا جَعَلَتْ الْمَالَ عَلَى نَفْسِهَا عِوَضًا عَنْ النِّكَاحِ وَفِي النِّكَاحِ الْعِوَضُ لَا يَكُونُ عَلَى الْمَرْأَةِ. اهـ. مَا فِي الْخَانِيَّةِ فَإِنْ قُلْتُ: إنَّ هِبَةَ الدَّيْنِ إبْرَاءٌ فَكَيْفَ صَحَّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ فِي بَعْضِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ قُلْتُ: الْإِبْرَاءُ يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ الْمُتَعَارَفِ وَبِهَذَا يَجِبُ تَقْيِيدُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَمَنْ أَطْلَقَ فَفِي الْمَسَائِلِ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا الَّتِي قَالُوا فِيهَا بِصِحَّةِ التَّعْلِيقِ إنَّمَا هُوَ فِي الْمُتَعَارَفِ وَمَا قَالُوا فِيهَا بِعَدَمِهَا فَإِنَّمَا هُوَ فِي غَيْرِ الْمُتَعَارَفِ وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا التَّقْيِيدِ أَيْضًا مَا فِي الْقُنْيَةِ مِنْ بَابِ مَسَائِلِ الْإِبْرَاءِ بِالطَّلَاقِ مِنْ كِتَابِ الطَّلَاقِ، وَلَوْ أَبْرَأَتْهُ مُطَلَّقَتُهُ بِشَرْطِ الْإِمْهَارِ صَحَّ التَّعْلِيقُ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ مُتَعَارَفٌ وَتَعْلِيقُ الْإِبْرَاءِ بِشَرْطٍ مُتَعَارَفٍ جَائِزٌ فَإِنْ قَبِلَ الْإِمْهَارَ وَهَمَّ بِأَنْ يُمْهِرَهَا فَأَبَتْ وَلَمْ تُزَوِّجْ نَفْسَهَا مِنْهُ لَا يَبْرَأُ لِفَوَاتِ الْإِمْهَارِ الصَّحِيحِ، وَلَوْ أَبْرَأَتْهُ الْمَبْتُوتَةُ بِشَرْطِ تَجْدِيدِ النِّكَاحِ بِمَهْرٍ وَمَهْرُ مِثْلِهَا مِائَةٌ، فَلَوْ جَدَّدَ لَهَا نِكَاحًا بِدِينَارٍ فَأَبَتْ لَا يَبْرَأُ بِدُونِ الشَّرْطِ قَالَتْ الْمُسَرِّحَةُ لِزَوْجِهَا تَزَوَّجْنِي فَقَالَ لَهَا هَبِي لِي الْمَهْرَ الَّذِي لَك عَلَيَّ فَأَتَزَوَّجُك فَأَبْرَأَتْهُ مُطْلَقًا غَيْرَ مُعَلَّقٍ بِشَرْطِ التَّزَوُّجِ يَبْرَأُ إذَا تَزَوَّجَهَا وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّهُ إبْرَاءٌ مُعَلَّقٌ دَلَالَةً وَقِيلَ لَا يَبْرَأُ وَإِنْ تَزَوَّجَهَا لِأَنَّ هَذَا الْإِبْرَاءَ عَلَى سَبِيلِ الرِّشْوَةِ فَلَا يَصِحُّ أَبْرَأَتْهُ بِشَرْطِ أَنْ يُمْسِكَهَا بِمَعْرُوفٍ وَيُحْسِنُ مُعَاشَرَتَهَا وَلَا يُؤْذِيهَا وَلَا يُطَلِّقُهَا فَقَبِلَ، ثُمَّ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا وَأَغَارَ عَلَى مَالِهَا وَأَذَاهَا وَطَلَّقَهَا فَالْإِبْرَاءُ بِهَذَا الشَّرْطِ غَيْرُ صَحِيحٍ وَسَاقَ فِيهَا فُرُوعًا كَثِيرَةً فِي بَعْضِهَا لَا يَصِحُّ التَّعْلِيقُ وَفِي بَعْضِهَا يَصِحُّ، وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ لَوْ قَالَ كُلُّ حَقٍّ لِي عَلَيْك فَقَدْ أَبْرَأْتُك لَا يَصِحُّ وَكَذَا إضَافَةُ الْإِبْرَاءِ إلَى مَا يَجِبُ فِي الزَّمَنِ الثَّانِي لَا يَصِحُّ، وَلَوْ قَالَ لِمَدْيُونِهِ الدَّنَانِيرُ الْعَشَرَةُ الَّتِي لِي عَلَيْك اعْطِنِي مِنْهَا خَمْسَةً وَوَهَبْت مِنْك الْخَمْسَةَ صَحَّ الْإِبْرَاءُ سَوَاءٌ أَعْطَاهُ الْخَمْسَةَ أَوْ لَا لِأَنَّهُ تَنْجِيزُ الْإِبْرَاءِ لَا تَعْلِيقُهُ، وَلَوْ قَالَ أَبْرَأْتُك عَنْ الْخَمْسَةِ عَلَى أَنْ تَدْفَعَ الْخَمْسَةَ حَالَّةً فَإِنْ كَانَتْ الْعَشَرَةُ حَالَّةً صَحَّ الْإِبْرَاءُ؛ لِأَنَّ أَدَاءَ الْخَمْسَةِ يَجِبُ عَلَيْهِ حَالًّا فَلَا يَكُونُ هَذَا تَعْلِيقَ الْإِبْرَاءِ بِشَرْطِ تَعْجِيلِ الْخَمْسَةِ، وَلَوْ مُؤَجَّلَةً بَطَلَ الْإِبْرَاءُ إذَا لَمْ يُعْطِهِ الْخَمْسَةَ حَالًّا. اهـ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْإِبْرَاءَ يَصِحُّ تَقْيِيدُهُ بِالشَّرْطِ وَلَيْسَ هُوَ تَعْلِيقًا وَعَلَيْهِ فُرُوعٌ كَثِيرَةٌ مَذْكُورَةٌ فِي آخِرِ كِتَابِ الصُّلْحِ وَذَكَرَ الشَّارِحُ هُنَاكَ أَنَّ الْإِبْرَاءَ يَصِحُّ تَقْيِيدُهُ لَا تَعْلِيقُهُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَهَذَا التَّقْرِيرُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ خَوَاصِّ هَذَا الشَّرْحِ فَاغْتَنِمْهُ وَاحْفَظْ هَذَا التَّفْصِيلَ فِي الْإِبْرَاءِ. قَوْلُهُ (وَعَزْلُ الْوَكِيلِ) بِأَنْ قَالَ لِوَكِيلِهِ عَزَلْتُك عَلَى أَنْ تُهْدِيَ إلَيَّ شَيْئًا أَوْ إنْ قَدِمَ فُلَانٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا يَحْلِفُ بِهِ فَلَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ، كَذَا ذَكَرَ الْعَيْنِيُّ وَتَعْلِيلُهُ يَقْتَضِي عَدَمَ صِحَّةِ تَعْلِيقِهِ، وَأَمَّا كَوْنُهُ يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ فَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ مِنْ هَذَا وَعِنْدِي أَنَّ هَذَا خَطَأٌ أَيْضًا وَأَنَّ عَزْلَ الْوَكِيلِ لَيْسَ مِنْ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ إبْرَاءٌ مُعَلَّقٌ دَلَالَةً) قَالَ الرَّمْلِيُّ يُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّ التَّعْلِيقَ يَكُونُ بِالدَّلَالَةِ وَيَتَفَرَّعُ عَلَى ذَلِكَ مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ فَلْيُحْفَظْ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْإِبْرَاءَ يَصِحُّ تَقْيِيدُهُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَاعْلَمْ أَنَّهُ سَيَأْتِي فِي الصُّلْحِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ أَلْفٌ فَقَالَ أَدِّ إلَيَّ غَدًا نِصْفَهُ عَلَى أَنَّكَ بَرِيءٌ مِنْ الْفَضْلِ فَفَعَلَ بَرِئَ، وَلَوْ قَالَ إنْ أَوْ إذَا أَوْ مَتَى أَدَّيْت لَا يَصِحُّ وَفَرَّقَ الشَّارِحُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ لَمْ يُعَلِّقْ الْبَرَاءَةَ بِصَرِيحِ الشَّرْطِ، وَإِنَّمَا أَتَى بِالتَّقْيِيدِ وَفِي الثَّانِي بِصَرِيحِهِ وَهِيَ لَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ. اهـ. أَقُولُ: قَدْ ذَكَرَ الشَّارِحُ الزَّيْلَعِيُّ فِي الصُّلْحِ مِنْ صُوَرِ الْمَسْأَلَةِ مَا إذَا قَالَ أَبْرَأْتُك مِنْ خَمْسِمِائَةٍ مِنْ الْأَلْفِ عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي خَمْسَمِائَةٍ غَدًا يَبْرَأُ مُطْلَقًا أَدَّى خَمْسَمِائَةٍ فِي الْغَدِ أَوْ لَمْ يُؤَدِّ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ قَدْ حَصَلَتْ بِالْإِطْلَاقِ أَوَّلًا فَلَا تَتَغَيَّرُ بِمَا يُوجِبُ الشَّكَّ فِي آخِرِهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الْفَرْقِ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَالْأُولَى أَعْنِي قَوْلَهُ أَدِّ غَدًا نِصْفَهُ عَلَى أَنَّكَ بَرِيءٌ مِنْ الْفَضْلِ فَفَعَلَ بَرِئَ وَإِلَّا لَا وَحَاصِلُ الْفَرْقِ الَّذِي ذَكَرَهُ بَيْنَهُمَا أَنَّ كَلِمَةَ " عَلَى " تَكُونُ لِلشَّرْطِ كَمَا تَكُونُ لِلْمُعَاوَضَةِ فَتُحْمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْمُعَاوَضَةِ وَالْإِبْرَاءُ يَجُوزُ تَقْيِيدُهُ بِالشَّرْطِ وَإِنْ لَمْ يَجُزْ تَعْلِيقُهُ بِهِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَدَّمَ الْإِبْرَاءَ لِأَنَّهُ بَرِئَ بِالْبُدَاءَةِ فَلَا يَعُودُ الدَّيْنُ بِالشَّكِّ وَفِي الْأُولَى لَمْ يَبْرَأْ فِي أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ مُعَلَّقٌ بِشَرْطٍ فَلَا يَسْقُطُ الدَّيْنُ بِالشَّكِّ وَهَذَا لِأَنَّ كَلِمَةَ عَلَى مُحْتَمِلَةٌ أَنْ تَكُونَ لِلشَّرْطِ فَلَا يَبْرَأُ إلَّا بِالْأَدَاءِ وَأَنْ تَكُونَ لِلْعِوَضِ فَيَبْرَأُ مُطْلَقًا وَحِينَئِذٍ فَلَا يَبْرَأُ بِالشَّكِّ وَالِاحْتِمَالِ. اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا صَرِيحٌ أَنَّ الْإِبْرَاءَ لَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ وَإِنَّمَا يَبْطُلُ بِالتَّعْلِيقِ. (قَوْلُهُ: وَهَذَا التَّقْرِيرُ) الَّذِي تَحَصَّلَ مِنْهُ أَنَّ الْإِبْرَاءَ عَنْ الدَّيْنِ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ إلَّا إذَا عَلَّقَ بِمَوْتِ الدَّائِنِ وَلَمْ يَكُنْ الْمَدْيُونُ وَارِثًا أَوْ عَلَّقَهُ بِأَمْرٍ كَائِنٍ أَوْ بِشَرْطٍ مُتَعَارَفٍ وَتَحَصَّلَ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ فَهُوَ مِمَّا دَخَلَ تَحْتَ الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ كَلَامِ الْمَاتِنِ. (قَوْلُهُ: وَعِنْدِي أَنَّ هَذَا خَطَأٌ أَيْضًا إلَخْ) نُقِلَ فِي الْحَوَاشِي الْعَزْمِيَّةِ عَنْ الْإِيضَاحِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 199 هَذَا الْقَبِيلِ وَهُوَ مَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ قَبِيلِ الْقِسْمِ الثَّانِي وَهُوَ مَا لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ لَكِنْ لَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ وَلِهَذَا اقْتَصَرَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ كِتَابِ الْوَكَالَةِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ فَهُوَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الرَّجْعَةِ، وَقَدْ ذُكِرَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ عَزْلُ الْوَكِيلِ مِنْ قِسْمِ مَا لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ وَيَبْطُلُ بِفَاسِدِهِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَتَعْلِيقُ عَزْلِ الْوَكِيلِ بِالشَّرْطِ يَصِحُّ فِي رِوَايَةِ الصُّغْرَى وَلَا يَصِحُّ فِي رِوَايَةِ الْإِمَامِ السَّرَخْسِيِّ لَكِنْ قَالَ فِي رِوَايَةٍ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُمْ قَالُوا إنَّ الَّذِي يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ مَا كَانَ مِنْ بَابِ التَّمْلِيكِ وَالْعَزْلُ لَيْسَ مِنْهُ وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ فَيَجِبُ إلْحَاقُهُ بِالْقِسْمِ الثَّانِي، وَأَرْجُو مِنْ كَرَمِ الْفَتَّاحِ الظَّفَرَ بِالنَّقْلِ فِي الرَّجْعَةِ وَعَزْلِ الْوَكِيلِ مُوَافِقًا لِمَا قُلْتُهُ وَقَيَّدَ بِالْوَكِيلِ؛ لِأَنَّ فِي صِحَّةِ تَعْلِيقِ عَزْلِ الْقَاضِي اخْتِلَافًا فَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ لَوْ قَالَ الْأَمِيرُ إذَا أَتَاك كِتَابِي هَذَا فَأَنْت مَعْزُولٌ يَنْعَزِلُ بِوُصُولِهِ وَقِيلَ لَا. اهـ. وَسَيَأْتِي فِي الْكِتَابِ صَرِيحًا أَنَّ عَزْلَ الْقَاضِي مِمَّا لَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْحَجْرَ عَلَى الْعَبْدِ كَعَزْلِ الْوَكِيلِ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ، كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ. قَوْلُهُ (وَالِاعْتِكَافُ) بِأَنْ قَالَ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ إنْ شَفَى اللَّهُ تَعَالَى مَرِيضِي أَوْ إنْ قَدِمَ زَيْدٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا يُحْلَفُ بِهِ كَعَزْلِ الْوَكِيلِ فَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ، كَذَا ذَكَرَ الْعَيْنِيُّ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالِاعْتِكَافِ النَّذْرُ بِهِ وَالْتِزَامُهُ لِيَكُونَ قَوْلًا يُمْكِنُ تَعْلِيقُهُ وَعِنْدِي أَنَّ ذِكْرَهُ هَذَا فِي هَذَا الْقِسْمِ خَطَأٌ مِنْ وَجْهَيْنِ مِنْ كَوْنِهِ يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ وَمِنْ كَوْنِهِ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ، أَمَّا الثَّانِي فَقَالَ فِي الْقُنْيَةِ بَابُ الِاعْتِكَافِ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ اعْتِكَافُ شَهْرٍ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَدَخَلَ فَعَلَيْهِ اعْتِكَافُ شَهْرٍ عِنْدَ عُلَمَائِنَا. اهـ. فَإِذَا صَحَّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ لَمْ يَبْطُلْ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ لِمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَمَا جَازَ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ لَا تُبْطِلُهُ الشُّرُوطُ الْفَاسِدَةُ. اهـ. لَكِنَّهُ ذَكَرَ إيجَابَ الِاعْتِكَافِ مِنْ جُمْلَةِ مَا لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِشَرْطٍ وَيَبْطُلُ بِفَاسِدِهِ، وَذُكِرَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ إيجَابَ الِاعْتِكَافِ فَقَالَ وَتَعْلِيقُ وُجُوبِ الِاعْتِكَافِ بِالشَّرْطِ لَا يَصِحُّ وَلَا يَلْزَمُ، وَالْعَجَبُ مِنْ الْمُحَقِّقِ ابْنِ الْهُمَامِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ حَيْثُ جَعَلَ إيجَابَ الِاعْتِكَافِ مِمَّا لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ وَعَزَاهُ إلَى الْخُلَاصَةِ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ وَلَمْ يَقُلْ فِي رِوَايَةٍ مَعَ أَنَّهُ قَدَّمَ فِي بَابِ الِاعْتِكَافِ أَنَّ الِاعْتِكَافَ الْوَاجِبَ هُوَ الْمَنْذُورُ تَنْجِيزًا أَوْ تَعْلِيقًا وَهُوَ صَرِيحٌ فِي صِحَّةِ تَعْلِيقِهِ بِالشَّرْطِ وَالْعَجَبُ مِنْ الْعَيْنِيِّ كَيْفَ مَشَى هُنَا عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ، وَقَالَ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ مِنْ بَابِ الِاعْتِكَافِ وَالْوَاجِبُ أَنْ يَقُولَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ يَوْمًا أَوْ شَهْرًا أَوْ يُعَلِّقَهُ بِشَرْطٍ فَيَقُولُ: إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي. اهـ. فَقَدْ أَتَى بِعَيْنِ مَا مَثَّلَ بِهِ هُنَا وَتَنَاقَضَ وَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ بِعَدَمِ صِحَّةِ تَعْلِيقِهِ مَعَ الْإِجْمَاعِ عَلَى صِحَّةِ تَعْلِيقِ الْمَنْذُورِ مِنْ الْعِبَادَاتِ أَيِّ عِبَادَةٍ كَانَتْ حَتَّى أَنَّ الْوَقْفَ كَمَا سَيَأْتِي لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ، وَلَوْ عَلَّقَ النَّذْرَ بِهِ بِشَرْطٍ صَحَّ التَّعْلِيقُ قَالَ فِي الْوَاقِعَاتِ الْحُسَامِيَّةِ مِنْ الْفَصْلِ السَّابِعِ فِي النَّذْرِ بِالصَّدَقَةِ رَجُلٌ ذَهَبَ لَهُ شَيْءٌ فَقَالَ إنْ وَجَدْته فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَقِفَ أَرْضِي عَلَى أَبْنَاءِ السَّبِيلِ فَوَجَدَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَقِفَ؛ لِأَنَّ هَذَا نَذْرٌ وَالْوَفَاءُ بِالنَّذْرِ وَاجِبٌ، وَقَالَ قَبْلَهُ لَوْ قَالَ إنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِهَذِهِ الْمِائَةِ فَدَخَلَ الدَّارَ وَهُوَ يَنْوِي بِدُخُولِهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَنْ زَكَاةِ مَالِهِ فَدَخَلَ، ثُمَّ تَصَدَّقَ بِهَا لَا يُجْزِئُهُ عَنْ الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ يَمِينٌ وَالْيَمِينُ لَازِمٌ لَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ عَنْهَا، فَإِذَا دَخَلَ الدَّارَ لَزِمَهُ التَّصَدُّقُ بِهَا بِجِهَةِ الْيَمِينِ. اهـ. فَقَدْ أَفَادَ أَنَّ الْمَنْذُورَ الْمُعَلَّقَ مِنْ بَابِ الْيَمِينِ وَحِينَئِذٍ صَحَّ التَّعْلِيقُ وَبِهَذَا ظَهَرَ بُطْلَانُ قَوْلِ الشَّارِحِينَ أَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا يَحْلِفُ بِهِ وَصَرَّحَ فِي النَّذْرِ بِالصَّوْمِ بِصِحَّةِ تَعْلِيقِهِ بِالشَّرْطِ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ الِاعْتِكَافُ سُنَّةٌ مَشْرُوعَةٌ يَجِبُ بِالنَّذْرِ وَالتَّعْلِيقِ بِالشَّرْطِ وَالشُّرُوعِ فِيهِ اعْتِبَارًا بِسَائِرِ الْعِبَادَاتِ. اهـ. ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ رَجَبَ فَعَجَّلَ شَهْرًا قَبْلَهُ يَجُوزُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ النَّذْرَ   [منحة الخالق] مَا يُخَالِفُهُ حَيْثُ قَالَ فَسَادُ عَزْلِ الْوَكِيلِ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ بِأَنْ يَقُولَ الْمُوَكِّلُ عَزَلْت فُلَانًا عَنْ الْوَكَالَةِ عَلَى أَنْ يُعْطِيَنِي خُلْعَةً وَهُوَ شَرْطٌ فَاسِدٌ لِأَنَّهُ لَا يُعْطِي الْوَكِيلُ الْمُوَكِّلَ لِأَجْلِ الْعَزْلِ شَيْئًا لِتَمَكُّنِهِ مِنْ عَزْلِ نَفْسِهِ بِمَحْضَرٍ مِنْ الْمُوَكِّلِ بِغَيْرِ شَيْءٍ وَالْوَكَالَةُ بَاقِيَةٌ لِفَسَادِ الْعَزْلِ وَتَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ أَنْ يَقُولَ الْمُوَكِّلُ لِلْوَكِيلِ عَزَلْتُك غَدًا فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ كَذَا قَالَ قَاضِي خَانْ كَذَا فِي الْإِيضَاحِ. اهـ. فَقَوْلُهُ وَالْوَكَالَةُ بَاقِيَةٌ صَرِيحٌ فِي بُطْلَانِهِ بِالشَّرْطِ إذْ لَوْ صَحَّ الْعَزْلُ لَمْ تَكُنْ الْوَكَالَةُ بَاقِيَةً عَلَى أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ عَدَمُ بُطْلَانِهِ بِالشَّرْطِ فَذِكْرُهُ فِي هَذَا الْمَحِلِّ لَيْسَ بِخَطَأٍ بَلْ صَحِيحٌ لِدُخُولِهِ تَحْتَ الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ مَا لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ لِمَا عَلِمْت أَنَّ التَّرْجَمَةَ قَاعِدَتَانِ لَا وَاحِدَةٌ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 200 لَوْ كَانَ مُعَلَّقًا بِأَنْ قَالَ إنْ قَدِمَ غَائِبِي أَوْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فُلَانًا فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ شَهْرًا فَعَجَّلَ شَهْرًا قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ. اهـ. وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ بِوَضْعِهَا دَالَّةٌ عَلَى صِحَّةِ تَعْلِيقِهِ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ مَفْهُومَهَا أَنَّ النَّذْرَ صَحِيحٌ وَأَنَّهُ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ إذَا وُجِدَ شَرْطُهُ، وَأَمَّا تَعْجِيلُهُ قَبْلَ وُجُودِ شَرْطِهِ فَغَيْرُ جَائِزٍ وَهَذَا هُوَ الْمَوْضِعُ الثَّالِثُ مِمَّا أَخْطَئُوا فِيهِ فِي بَيَانِ مَا لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ وَالْخَطَأُ هُنَا أَقْبَحُ مِنْ الْأَوَّلَيْنِ وَأَفْحَشُ لِكَثْرَةِ الصَّرَائِحِ بِصِحَّةِ تَعْلِيقِهِ وَأَنَا مُتَعَجِّبٌ لِكَوْنِهِمْ تَدَاوَلُوا هَذِهِ الْعِبَارَاتِ مُتُونًا وَشُرُوحًا وَفَتَاوَى وَلَمْ يَتَنَبَّهُوا لِمَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِنْ الْخَطَأِ بِتَغَيُّرِ الْأَحْكَامِ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ. وَقَدْ يَقَعُ كَثِيرًا أَنَّ مُؤَلِّفًا يَذْكُرُ شَيْئًا خَطَأً فِي كِتَابِهِ فَيَأْتِي مَنْ بَعْدَهُ مِنْ الْمَشَايِخِ فَيَنْقُلُونَ تِلْكَ الْعِبَارَةَ مِنْ غَيْرِ تَغْيِيرٍ وَلَا تَنْبِيهٍ فَيَكْثُرُ النَّاقِلُونَ لَهَا وَأَصْلُهَا لِوَاحِدٍ مُخْطِئٍ كَمَا وَقَعَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَلَا عَيْبَ بِهَذَا عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ مَوْلَانَا مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ ضَابِطَ الْمَذْهَبِ لَمْ يَذْكُرْ جُمْلَةَ مَا لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ وَمَا يَصِحُّ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، وَقَدْ نَبَّهْنَا عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ فِي الْفَوَائِدِ الْفِقْهِيَّةِ فِي قَوْلِ قَاضِي خَانْ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْأَمَانَاتِ تَنْقَلِبُ مَضْمُونَةً بِالْمَوْتِ عَنْ تَجْهِيلٍ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ. ثُمَّ إنِّي تَتَبَّعْت كَلَامَهُمْ فَوَجَدْت سَبْعَةً أُخْرَى زَائِدَةً عَلَى الثَّلَاثَةِ، ثُمَّ إنِّي نَبَّهْت عَلَى أَنَّ أَصْلَ هَذِهِ الْعِبَارَةِ لِلنَّاطِقِيِّ أَخْطَأَ فِيهَا، ثُمَّ تَدَاوَلُوهَا وَيَرْحَمُ اللَّهُ الْمُحَقِّقَ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ لَمْ يَلْتَفِتْ إلَى جَمْعِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَوَضَعَهَا فِي كِتَابِهِ وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى كَمَالِ ضَبْطِهِ وَإِتْقَانِهِ، وَلَوْ حَذَفَهَا الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَكَانَ أَسْلَمَ. قَوْلُهُ (وَالْمُزَارَعَةُ) بِأَنْ قَالَ زَارَعْتُك أَرْضِي عَلَى أَنْ تُقْرِضَنِي كَذَا أَوْ إنْ قَدِمَ فُلَانٌ؛ لِأَنَّهَا إجَارَةٌ فَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهَا بِالشَّرْطِ كَالْإِجَارَةِ كَذَا ذَكَرَهُ الْعَيْنِيُّ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ الْمُزَارَعَةِ شَرْطًا فِي الْمُزَارَعَةِ عَلَى الْمُزَارِعِ أَوْ رَبِّ الْأَرْضِ مَا لَيْسَ مِنْ أَعْمَالِ الْمُزَارَعَةِ فَسَدَتْ وَمَا يَنْبُتُ وَمَا يَنْمِي الْخَارِجَ أَوْ يَزِيدُ فِي وُجُودِ الْخَارِجِ فَهُوَ مِنْ عَمَلِ الْمُزَارَعَةِ وَمَا لَا يَنْبُتُ وَلَا يَنْمِي وَلَا يَزِيدُ فِي الْخَارِجِ فَلَيْسَ مِنْ أَعْمَالِهَا، فَإِذَا شَرَطَ عَلَى الْمُزَارِعِ أَوْ رَبِّهَا الْحَصَادَ أَوْ الدِّيَاسَةَ فَسَدَتْ مِنْ أَيِّهِمَا كَانَ الْبَذْرُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. اهـ. ثُمَّ قَالَ بَعْدَ تَفْرِيعَاتٍ كَثِيرَةٍ هَذَا كُلُّهُ فِي الشَّرْطِ النَّافِعِ لِأَحَدِهِمَا وَإِنْ شَرَطَ أَلَّا يَنْفَعَ كَمَا لَوْ شَرَطَ أَنْ لَا يَسْقِي أَحَدُهُمَا حِصَّتَهُ لَا تَفْسُدُ الْمُزَارَعَةُ وَفِيمَا إذَا كَانَ شَرْطًا مُفْسِدًا لَوْ أَبْطَلَاهُ أَنَّ الشَّرْطَ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ لَا يَنْقَلِبُ جَائِزًا وَإِلَّا عَادَ جَائِزًا إلَى آخِرِ مَا فِيهَا. قَوْلُهُ (وَالْمُعَامَلَةُ) وَهِيَ الْمُسَاقَاةُ بِأَنْ قَالَ سَاقَيْتُك شَجَرِي أَوْ كَرْمِي عَلَى أَنْ تُقْرِضَنِي كَذَا أَوْ إنْ قَدِمَ فُلَانٌ لِأَنَّهَا إجَارَةٌ أَيْضًا، كَذَا ذَكَرَهُ الْعَيْنِيُّ. قَوْلُهُ (وَالْإِقْرَارُ) بِأَنْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ كَذَا إنْ أَقْرَضَنِي كَذَا أَوْ إنْ قَدِمَ فُلَانٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا يُحْلَفُ بِهِ عَادَةً فَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ بِخِلَافِ مَا إذَا عَلَّقَهُ بِمَوْتِهِ أَوْ بِمَجِيءِ الْوَقْتِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْجُحُودِ أَوْ دَعْوَى الْأَجَلِ فَيَلْزَمُهُ لِلْحَالِ ذَكَرَهُ الْعَيْنِيُّ وَمِنْ فُرُوعِ تَعْلِيقِهِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَهَذَا هُوَ الْمَوْضِعُ الثَّالِثُ مِنْ جُمْلَةِ مَا أَخْطَئُوا فِيهِ) قَالَ فِي النَّهْرِ تَعَقَّبَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْعَصْرِ بِأَنَّ مَا هُنَا فِي تَعْلِيقِ الِاعْتِكَافِ لَا فِي تَعْلِيقِ النَّذْرِ بِهِ وَهُوَ مَرْدُودٌ بِمَا فِي هِبَةِ النِّهَايَةِ جُمْلَةُ مَا لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ مَوْضِعًا وَعَدَّ مِنْهَا تَعْلِيقَ إيجَابِ الِاعْتِكَافِ بِالشَّرْطِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ مَا إذَا قَالَ أَوْجَبْت عَلَى الِاعْتِكَافِ إنْ قَدِمَ زَيْدٌ لَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَتَدَبَّرْهُ وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَالتَّأَدُّبُ مَعَ سَادَاتِنَا الْأَعْلَامِ وَحُسْنُ الظَّنِّ بِهِمْ وَاجِبٌ بِلَا كَلَامٍ وَالْحَقُّ أَنَّ كَلَامَهُمْ هُنَا مَحْمُولٌ عَلَى رِوَايَةٍ فِي الِاعْتِكَافِ وَإِنْ كَانَتْ الْأُخْرَى هِيَ الَّتِي عَلَيْهَا الْأَكْثَرُ وَكَوْنُ مُحَمَّدٍ لَمْ يَذْكُرْهَا مَجْمُوعَةً لَا يَقْدَحُ فِي ثُبُوتِ كُلِّ فَرْدٍ مِنْهَا لِذِكْرِهِ لَهَا مُتَفَرِّقَةً وَالْعُذْرُ لِصَاحِبِ الْهِدَايَةِ حَيْثُ لَمْ يَذْكُرْهَا مَجْمُوعَةً أَنَّهُ الْتَزَمَ الْجَمْعَ بَيْنَ الْقُدُورِيِّ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَلَيْسَ فِيهِمَا ذَلِكَ وَمِنْ ثَمَّ حَذَفَهَا فِي الْمَجْمَعِ لِالْتِزَامِهِ الْمَنْظُومَةَ وَالْقُدُورِيُّ. اهـ. وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ مَسْأَلَةِ الِاعْتِكَافِ مَا فِي الْفُصُولِ الْعِمَادِيَّةِ حَيْثُ قَالَ وَتَعْلِيقُ الِاعْتِكَافِ بِالشَّرْطِ لَا يَصِحُّ وَلَا يَلْزَمُهُ، كَذَا ذُكِرَ فِي صَوْمِ الْأَصْلِ. اهـ. وَالْأَصْلُ مِنْ مُؤَلَّفَاتِ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَفِي الْحَوَاشِي الْعَزْمِيَّةِ فَسَادُ الِاعْتِكَافِ بِالشَّرْطِ بِأَنْ قَالَ مَنْ عَلَيْهِ اعْتِكَافُ أَيَّامٍ نَوَيْت أَنْ أَعْتَكِفَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ لِأَجَلِهِ بِشَرْطِ أَنْ لَا أَصُومَ أَوْ أُبَاشِرَ امْرَأَتِي فِي الِاعْتِكَافِ أَوْ أَنْ أَخْرُجَ عَنْهُ فِي أَيِّ وَقْتٍ شِئْت بِحَاجَةٍ أَوْ بِغَيْرِ حَاجَةٍ يَكُونُ الِاعْتِكَافُ فَاسِدًا وَتَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ بِأَنْ يَقُولَ نَوَيْت أَنْ أَعْتَكِفَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. اهـ. وَهَذَا مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ النَّهْرِ أَوَّلًا عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعَصْرِ وَيَرُدُّ عَلَيْهِ تَعْبِيرُ بَعْضِهِمْ بِإِيجَابِ الِاعْتِكَافِ وَقَدْ يُجَابُ عَنْهُ بِأَنْ يُقَالَ لَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ شَهْرٍ مَثَلًا ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَقَالَ نَوَيْت الِاعْتِكَافَ الْمَنْذُورَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَقَدْ أَوْجَبَ الِاعْتِكَافَ مُعَلَّقًا فَلَمْ يَصِحَّ فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِتَعْلِيقِ إيجَابِهِ تَعْلِيقَ النَّذْرِ بِهِ بَلْ تَعْلِيقُ الشُّرُوعِ فِيهِ فَلَا خَطَأَ فِي كَلَامِهِمْ أَصْلًا وَإِنَّمَا الْخَطَأُ فِي فَهْمِ مَرَامِهِمْ وَحَيْثُ ثَبَتَ بُطْلَانُ تَعْلِيقِهِ بِالشَّرْطِ صَحَّ ذِكْرُهُ فِي هَذَا الْمَقَامِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 201 مَا ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْمُحِيطِ وَالْوَلْوالِجِيَّة فِي كِتَابِ الْكَفَالَةِ لَوْ ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ مَالًا فَقَالَ لَهُ الْمَطْلُوبُ إنْ لَمْ آتِك غَدًا فَهُوَ عَلَيَّ لَمْ يَلْزَمْهُ إنْ لَمْ يَأْتِ بِهِ غَدًا لِأَنَّهُ تَعْلِيقُ الْإِقْرَارِ بِالْخَطَرِ وَتَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ بَاطِلٌ. اهـ. وَفِي الْمَبْسُوطِ مِنْ بَابِ الْإِقْرَارِ بِكَذَا وَإِلَّا فَعَلَيْهِ كَذَا لَوْ قَالَ قَدْ ابْتَعْت مِنْ فُلَانٍ هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَإِلَّا فَلِفُلَانٍ عَلَيَّ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ إنْ أَقَرَّ رَبُّ الْعَبْدِ بِبَيْعِ الْعَبْدِ لَزِمَهُ الْأَلْفُ وَإِنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ صَارَ رَادًّا لِإِقْرَارِهِ حِينَ أَنْكَرَ بَيْعَ الْعَبْدِ مِنْهُ وَإِقْرَارُهُ بِالْخَمْسِمِائَةِ كَانَ مُعَلَّقًا بِشَرْطٍ وَهُوَ بَاطِلٌ مِنْ أَصْلِهِ. اهـ. وَقَالَ فِي بَابِ الْيَمِينِ وَالْإِقْرَارِ رَجُلٌ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ إنْ حَلَفَ أَوْ عَلَى أَنْ يَحْلِفَ أَوْ إذَا حَلَفَ أَوْ مَتَى يَحْلِفُ أَوْ حِينَ حَلَفَ أَوْ مَعَ يَمِينِهِ أَوْ فِي يَمِينِهِ أَوْ بَعْدَ يَمِينِهِ فَحَلَفَ فُلَانٌ عَلَى ذَلِكَ وَجَحَدَ الْمُقِرُّ الْمَالَ لَمْ يُؤْخَذْ بِالْمَالِ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِإِقْرَارٍ، وَإِنَّمَا هُوَ مُخَاطَرَةٌ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ عَلَّقَ الْإِقْرَارَ بِشَرْطٍ فِيهِ خَطَرٌ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْخَصْمِ وَالتَّعْلِيقُ بِالشَّرْطِ يُخْرِجُ كَلَامَهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ إقْرَارًا. اهـ. فَإِنْ قُلْتُ: هَلْ يَدْخُلُ فِي الْإِقْرَارِ الْإِقْرَارُ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ كَمَا لَوْ قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنَا مُقِرٌّ بِطَلَاقِهَا أَوْ بِعِتْقِهِ وَيُفَرَّقُ بَيْنَ الْإِقْرَارِ بِهِمَا وَبَيْنَ الْإِنْشَاءِ قُلْتُ: ظَاهِرُ الْإِطْلَاقِ الدُّخُولُ وَلَمْ أَرَهُ صَرِيحًا وَيَدُلُّ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا مَا نَقَلْنَاهُ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ مِنْ هَذَا الشَّرْحِ أَنَّهُ لَوْ أُكْرِهَ عَلَى إنْشَاءِ الطَّلَاقِ فَطَلَّقَ وَقَعَ، وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى الْإِقْرَارِ بِهِ فَأَقَرَّ لَمْ يَقَعْ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ الْإِقْرَارِ ادَّعَى مَالًا فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كُلُّ مَا يُوجَدُ فِي تَذْكِرَةِ الْمُدَّعِي بِخَطِّهِ فَقَدْ الْتَزَمْته لَا يَكُونُ إقْرَارًا؛ لِأَنَّهُ مَحْفُوظٌ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَوْ قَالَ كُلُّ مَا أَقَرَّ فُلَانٌ عَلَيَّ فَأَنَا مُقِرٌّ بِهِ لَا يَلْزَمُهُ إذَا أَقَرَّ بِهِ فُلَانٌ وَعَلَى هَذَا إذَا كَانَ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَخْذٌ وَعَطَاءٌ فَقَالَ الْمَطْلُوبُ لِلطَّالِبِ مَا تَقُولُ فَهُوَ كَذَلِكَ أَوْ مَا يَكُونُ فِي جَرِيدَتِك فَهُوَ كَذَلِكَ لَا يَكُونُ إقْرَارًا إلَّا إذَا كَانَ فِي الْجَرِيدَةِ شَيْءٌ مَعْلُومٌ أَوْ ذَكَرَ الْمُدَّعِي شَيْئًا مَعْلُومًا فَقَالَ الْمُدَّعِي مَا ذَكَرْنَا يَكُونُ تَصْدِيقًا لِأَنَّ التَّصْدِيقَ لَا يَلْحَقُ بِالْمَجْهُولِ وَكَذَا إذَا أَشَارَ لِلْجَرِيدَةِ، وَقَالَ مَا فِيهَا فَهُوَ عَلَيَّ كَذَلِكَ يَصِحُّ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُشَارًا إلَيْهِ لَا يَصِحُّ لِلْجَهَالَةِ. اهـ. وَقَدْ حَكَى الشَّارِحُ الِاخْتِلَافَ فِيمَا إذَا عَلَّقَ عَلَى الْإِقْرَارِ بِشَرْطٍ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ فَنُقِلَ عَنْ النِّهَايَةِ كَمَا هُنَا أَنَّ الْإِقْرَارَ الْمُعَلَّقَ بَاطِلٌ وَنُقِلَ عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّ الْإِقْرَارَ صَحِيحٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ وَنُقِلَ عَنْ الْمَبْسُوطِ مَا يَشْهَدُ لِلْمُحِيطِ فَظَاهِرُهُ تَرْجِيحُهُ وَالْحَقُّ تَضْعِيفُهُ لِتَصْرِيحِهِمْ هُنَا بِأَنَّ الْإِقْرَارَ وَالْوَقْفَ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ وَأَنَّهُ يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ. قَوْلُهُ (وَالْوَقْفُ) بِأَنْ قَالَ وَقَفْت دَارِي إنْ قَدِمَ فُلَانٌ أَوْ وَقَفْت دَارِي عَلَيْك إنْ أَخْبَرْتنِي بِقُدُومِ زَيْدٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا يُحْلَفُ بِهِ أَيْضًا فَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ كَذَا ذَكَرَهُ الْعَيْنِيُّ وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَالْوَقْفُ فِي رِوَايَةٍ فَظَاهِرُهُ أَنَّ فِي صِحَّةِ تَعْلِيقِهِ رِوَايَتَيْنِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ كِتَابِ الْوَقْفِ وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ مُنَجَّزًا غَيْرَ مُعَلَّقٍ، فَلَوْ قَالَ إنْ قَدِمَ وَلَدِي فَدَارِي صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ عَلَى الْمَسَاكِينِ فَجَاءَ وَلَدُهُ لَا يَصِيرُ وَقْفًا. اهـ. وَفِي الْإِسْعَافِ وَلَوْ قَالَ إذَا جَاءَ غَدٌ، وَإِذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ أَوْ قَالَ إذَا كَلَّمْت فُلَانًا أَوْ إذَا تَزَوَّجْت فُلَانَةَ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَأَرْضِي هَذِهِ صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ يَكُونُ الْوَقْفُ بَاطِلًا؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ وَالْوَقْفُ لَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالْخَطَرِ لِكَوْنِهِ مِمَّا لَا يُحْلَفُ بِهِ بِخِلَافِ النَّذْرِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ وَيُحْلَفُ بِهِ، فَلَوْ قَالَ إنْ بَرِئْت مِنْ مَرَضِي هَذَا فَأَرْضِي صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ يَلْزَمُهُ التَّصَدُّقُ بِعَيْنِهَا إذَا وُجِدَ الشَّرْطُ، وَلَوْ قَالَ هِيَ صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ إنْ شِئْت أَوْ أَحْبَبْت أَوْ رَضِيت أَوْ هَوِيت كَانَ بَاطِلًا اهـ. وَلَمْ يَذْكُرْ الْعَيْنِيُّ صُورَةَ بُطْلَانِهِ بِالشَّرْطِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ لَوْ ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ مَالًا فَقَالَ الْمَطْلُوبُ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ سَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ مِنْ بَابِ الِاسْتِثْنَاءِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ أَنَّ الْإِقْرَارَ الْمُعَلَّقَ بِشَرْطٍ عَلَى خَطَرٍ وَلَمْ يَتَضَمَّنْ دَعْوَى أَجَلٍ بَاطِلٌ وَأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِشَرْطٍ كَائِنٍ تَنْجِيزٌ فَرَاجِعْهُ وَتَأَمَّلْ وَسَيَأْتِي شَيْءٌ مِنْ مَسَائِلِ تَعْلِيقِ الْإِقْرَارِ فِي بَابِ دَعْوَى الرَّجُلَيْنِ (قَوْلُهُ فَقَالَ الْمُدَّعِي مَا ذَكَرْنَا) لَعَلَّهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: وَقَدْ حَكَى الشَّارِحُ الِاخْتِلَافَ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ هَذَا النَّقْلُ عَنْ الشَّارِحِ غَيْرُ صَحِيحٍ بَلْ الَّذِي نَقَلَهُ الشَّارِحُ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّ تَعْلِيقَ الْإِقْرَارِ بِالشَّرْطِ بَاطِلٌ ثُمَّ نَقَلَ عَنْ النِّهَايَةِ فَرْعًا هُوَ غَصَبْت مِنْك هَذَا الْعَبْدَ أَمْسِ إنْ شَاءَ ثُمَّ قَالَ لَمْ يَلْزَمْهُ اسْتِحْسَانًا يَعْنِي لِبُطْلَانِ الْإِقْرَارِ وَالْقِيَاسُ أَنَّ اسْتِثْنَاءَهُ بَاطِلٌ وَذَكَرَ عِلَّةَ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ، وَقَالَ بَعْدَهُ وَهَذَا يُشِيرُ إلَى مَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ يَعْنِي لَا مُخَالَفَةَ بَيْنَهُمَا فَكَيْفَ يَقُولُ وَقَدْ حَكَى الِاخْتِلَافَ إلَخْ فَرَاجِعْهُ وَتَأَمَّلْ. اهـ. أَقُولُ: لَا يَخْفَى أَنَّ كَلَامَ الْمُحِيطِ يُفِيدُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ لِأَنَّهُ لَازَمَ بُطْلَانَ التَّعْلِيقِ وَهُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي عِبَارَةِ الزَّيْلَعِيِّ هُنَاكَ وَالِاسْتِحْسَانُ فِي الْفَرْعِ الْمَذْكُورِ يُفِيدُ صِحَّةَ التَّعْلِيقِ فَبَيْنَهُمَا مُخَالَفَةٌ ظَاهِرَةٌ. (قَوْلُهُ: وَالْحَقُّ تَضْعِيفُهُ لِتَصْرِيحِهِمْ هُنَا إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا يَلْزَمُهُ فِي عَزْلِ الْوَكِيلِ وَالِاعْتِكَافِ. اهـ. أَيْ فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَلْتَزِمَ مَا صَرَّحُوا بِهِ فِيهِمَا وَإِنْ صَرَّحَ غَيْرُهُمْ بِخِلَافِهِ. (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَذْكُرْ الْعَيْنِيُّ صُورَةَ بُطْلَانِهِ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ إلَخْ) أَقُولُ: فِي كَوْنِهِ مِمَّا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ نَظَرٌ لِمَا قَدَّمَهُ الْمُؤَلِّفُ مِنْ الْأَصْلِ وَهُوَ أَنَّ مَا كَانَ مُبَادَلَةَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 202 الْفَاسِدِ وَصُورَتُهُ مَا فِي الْإِسْعَافِ وَقَفَهَا عَلَى أَنَّ لَهُ أَصْلَهَا أَوْ عَلَى لَا يَزُولُ مِلْكُهُ عَنْهَا أَوْ عَلَى أَنْ يَبِيعَ أَصْلَهَا وَيَتَصَدَّقَ بِثَمَنِهَا كَانَ الْوَقْفُ بَاطِلًا. اهـ. وَقَدَّمْنَا فِي الْوَقْفِ أَنَّ شَرْطَ الِاسْتِبْدَالِ صَحِيحٌ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ. قَوْلُهُ (وَالتَّحْكِيمُ) بِأَنْ يَقُولَ الْمُحَكِّمَانِ إذَا أَهَلَّ الشَّهْرُ أَوْ قَالَا لِعَبْدٍ أَوْ كَافِرٍ إذَا أُعْتِقْت أَوْ أَسْلَمْت فَاحْكُمْ بَيْنَنَا وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ بِشَرْطٍ وَإِضَافَتُهُ إلَى زَمَانٍ كَالْوَكَالَةِ وَالْإِمَارَةِ وَالْقَضَاءِ وَلَهُ أَنَّ التَّحْكِيمَ تَوْلِيَةٌ صُورَةً وَصُلْحٌ مَعْنًى فَبِاعْتِبَارِ أَنَّهُ صُلْحٌ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ وَلَا إضَافَتُهُ وَبِاعْتِبَارِ أَنَّهُ تَوْلِيَةٌ يَصِحُّ فَلَا يَصِحُّ بِالشَّكِّ وَالِاحْتِمَالِ ذَكَرَهُ الْعَيْنِيُّ، وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ مِنْ الْقَضَاءِ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَقَدْ فَاتَ الْمُصَنِّفَ إبْطَالُ الْأَجَلِ قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَإِبْطَالُ الْأَجَلِ يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ بِأَنْ قَالَ كُلَّمَا حَلَّ نَجْمٌ وَلَمْ تُؤَدِّ فَالْمَالُ حَالٌّ صَحَّ وَصَارَ حَالًّا. اهـ. وَعِبَارَةُ الْخُلَاصَةِ وَإِبْطَالُ الْأَجَلِ يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ، وَلَوْ قَالَ كُلَّمَا دَخَلَ نَجْمٌ فَلَمْ تُؤَدِّ فَالْمَالُ حَالٌّ صَحَّ وَالْمَالُ يَصِيرُ حَالًّا. اهـ. فَجَعَلَهُمَا مَسْأَلَتَيْنِ وَهُوَ الصَّوَابُ، وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ بِأَنْ قَالَ تَصْوِيرًا لِلْأَوَّلِ فَسَهْوٌ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَبَقِيَ الْأَجَلُ فَكَيْفَ يَقُولُ صَحَّ فَلْيُتَأَمَّلْ وَفَاتَهُ أَيْضًا تَعْلِيقُ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ فَإِنَّهُ بَاطِلٌ وَلَهُ الرَّدُّ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ فَهُوَ كَالنِّكَاحِ، وَبِهَذَا اعْلَمْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ فَاتَهُ بَيَانُ مَا لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ وَلَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ كَمَا فَاتَهُ مَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ. قَوْلُهُ (وَمَا لَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ الْقَرْضُ) بِأَنْ قَالَ أَقْرَضْتُك هَذِهِ الْمِائَةَ بِشَرْطِ أَنْ تَخْدُمَنِي شَهْرًا مَثَلًا فَإِنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِهَذَا الشَّرْطِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الشُّرُوطَ الْفَاسِدَةَ مِنْ بَابِ الرِّبَا وَأَنَّهُ يَخْتَصُّ بِالْمُبَادَلَةِ الْمَالِيَّةِ وَهَذِهِ الْعُقُودُ كُلُّهَا لَيْسَتْ بِمُعَاوَضَةٍ مَالِيَّةٍ فَلَا تُؤَثِّرُ فِيهَا الشُّرُوطُ الْفَاسِدَةُ ذَكَرَهُ الْعَيْنِيُّ فَيُقَالُ لَهُ فَكَيْفَ بَطَلَ عَزْلُ الْوَكِيلِ وَالِاعْتِكَافُ وَالرَّجْعَةُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ مَعَ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ مِنْ الْمُبَادَلَةِ الْمَالِيَّةِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَتَعْلِيقُ الْقَرْضِ حَرَامٌ وَالشَّرْطُ لَا يَلْزَمُ. قَوْلُهُ (وَالْهِبَةُ) بِأَنْ قَالَ وَهَبْتُك هَذِهِ الْجَارِيَةَ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ حَمْلُهَا لِي قَوْلُهُ (وَالنِّكَاحُ) بِأَنْ قَالَ تَزَوَّجْتُك عَلَى أَنْ لَا يَكُونَ لَك مَهْرٌ يَصِحُّ النِّكَاحُ وَيَفْسُدُ الشَّرْطُ وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ كَمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ لَوْ قَالَ تَزَوَّجْتُك عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ وَيَجُوزُ النِّكَاحُ وَلَا يَصِحُّ الْخِيَارُ؛ لِأَنَّهُ مَا عَلَّقَ النِّكَاحَ بِالشَّرْطِ فَيُبْطِلُ الْخِيَارَ، كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَسَيَأْتِي أَنَّ النِّكَاحَ لَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ وَعَلَيْهِ تَفَرَّعَ مَا فِي الْخَانِيَّةِ تَزَوَّجْتُك إنْ أَجَازَ أَبِي أَوْ رَضِيَ فَقَالَتْ قَبِلْت لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ وَالنِّكَاحُ   [منحة الخالق] مَالٍ بِغَيْرِ مَالٍ أَوْ كَانَ مِنْ التَّبَرُّعَاتِ لَا يُبْطِلُ الشَّرْطُ الْفَاسِدُ وَالْوَقْفُ مِنْ التَّبَرُّعَاتِ وَفِي الْعَزْمِيَّةِ عَلَى الدُّرَرِ صَرَّحَ قَاضِي خَانْ بِأَنَّ الْوَقْفَ لَا يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ. اهـ. وَقَدْ يُجَابُ أَنَّ الشَّرْطَ الْفَاسِدَ إنَّمَا لَا يُبْطِلُ التَّبَرُّعَاتِ إذَا لَمْ يَكُنْ مُوجِبُهُ نَقْضَ عَقْدِ التَّبَرُّعِ مِنْ أَصْلِهِ فَإِنَّ اشْتِرَاطَ أَنْ تَبْقَى رَقَبَةُ الْأَرْضِ لَهُ أَوْ أَنَّهُ لَا يَزُولُ مِلْكُهُ عَنْهَا أَوْ أَنَّهُ يَبِيعُ أَصْلَهَا بِلَا اسْتِبْدَالِ شَيْءٍ مَكَانَهَا نَقْضٌ لِلتَّبَرُّعِ لِأَنَّهُ بِذَلِكَ الشَّرْطِ لَمْ يُوجَدْ التَّبَرُّعُ أَصْلًا كَمَا إذَا قَالَ فِي الْهِبَةِ وَهَبْتُك هَذِهِ الدَّارَ بِشَرْطِ أَنْ لَا تَخْرُجَ عَنْ مِلْكِي بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ بِشَرْطِ أَنْ تَخْدُمَنِي سَنَةً تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ بَاطِلٌ وَلَهُ الرَّدُّ) أَيْ فَإِنَّ التَّعْلِيقَ يَبْطُلُ وَيَلْغُو وَيَبْقَى الْمُعَلَّقُ عَلَى أَصْلِهِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَلَهُ الرَّدُّ وَفِي كَوْنِ هَذَا مِنْ قَبِيلِ مَا ذَكَرَهُ الْمَاتِنُ نَظَرٌ لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ أَنَّهُ يَبْطُلُ بِالتَّعْلِيقِ لَا أَنَّهُ يَبْطُلُ نَفْسُ تَعْلِيقِهِ وَيَبْقَى هُوَ صَحِيحًا. (قَوْلُهُ: وَبِهَذَا اعْلَمْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ فَاتَهُ بَيَانُ مَا لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ إلَخْ) أَيْ فَاتَهُ بَيَانُ الصَّرِيحِ بِذَلِكَ وَإِلَّا فَهُوَ دَاخِلٌ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَمَا لَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ النِّكَاحَ وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ وَالطَّلَاقُ وَهُوَ يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ. (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَمَا لَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ) أَيْ يَصِحُّ وَلَا يَبْطُلُ وَإِنْ قَيَّدَ بِشَرْطٍ فَاسِدٍ وَهَذَا مُقَابِلُ قَوْلِهِ أَوَّلًا مَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ وَلَمْ يَذْكُرْ مُقَابِلَ الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ قَوْلُهُ أَوَّلًا وَيَبْطُلُ تَعْلِيقُهُ اسْتِغْنَاءً بِمَا ذَكَرَهُ هُنَا مِنْ الْفُرُوعِ فَإِنَّ مِنْهَا مَا يَبْطُلُ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ وَمِنْهَا مَا لَا يَبْطُلُ وَأَكْثَرُهَا مِمَّا لَا تَبْطُلُ بِالتَّعْلِيقِ كَالطَّلَاقِ وَالْوَصِيَّةِ وَالْوِصَايَةِ وَالْحَوَالَةِ وَالْوَكَالَةِ وَالْقَرْضِ وَالرَّهْنِ وَالْقَضَاءِ وَالْكَفَالَةِ وَالْإِذْنِ فِي التِّجَارَةِ وَدَعْوَةِ الْوَلَدِ فَهَذِهِ كُلُّهَا مِمَّا لَا يَبْطُلُ بِالتَّعْلِيقِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُؤَلِّفُ كَمَا أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ بِالشَّرْطِ (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ الْقَرْضُ) أَقُولُ: فِي صَرْفِ الْبَزَّازِيَّةِ أَقْرَضَهُ عَلَى أَنْ يُوفِيَهُ بِالْعِرَاقِ فَسَدَ. اهـ. فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: فَيُقَالُ لَهُ فَكَيْفَ بَطَلَ عَزْلُ الْوَكِيلِ إلَخْ) وَكَذَا يُقَالُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْإِبْرَاءِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ وَالْإِقْرَارُ وَالْوَقْفُ وَالتَّحْكِيمُ وَإِبْطَالُ الْأَجَلِ الَّذِي قَدَّمَهُ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ فَإِنَّ جَمْعَ ذَلِكَ لَيْسَ مُبَادَلَةَ مَالٍ بِمَالٍ لَكِنْ ذَكَرَهَا الْمَاتِنُ هُنَا بِاعْتِبَارِ بُطْلَانِ تَعْلِيقِهَا بِأَدَاةِ الشَّرْطِ لَا بِاعْتِبَارِ فَسَادِهَا بِالشُّرُوطِ. (قَوْلُهُ: وَسَيَأْتِي أَنَّ النِّكَاحَ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ إلَخْ) عَجِيبٌ مَا فِي النَّهْرِ حَيْثُ ذُكِرَ مِنْ أَمْثِلَةِ قَوْلِهِ وَالنِّكَاحُ مَسْأَلَةٌ إنْ أَجَازَ أَبِي، فَيَقْتَضِي عَدَمَ بُطْلَانِهِ مَعَ أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ فِيمَا لَا يَبْطُلُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 203 لَا يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ زَادَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ كَانَ الْأَبُ حَاضِرًا فِي الْمَجْلِسِ فَقَبِلَ جَازَ. وَفِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى أَنَّهُ مَدَنِيٌّ، فَإِذَا هُوَ قَرَوِيٌّ يَجُوزُ النِّكَاحُ إنْ كَانَ كُفُؤًا لَا خِيَارَ لَهَا رَجُلٌ طَلَبَ مِنْ امْرَأَةٍ نِكَاحًا بِمَحْضَرٍ مِنْ الشُّهُودِ فَقَالَتْ الْمَرْأَةُ لِي زَوْجٌ فَقَالَ الرَّجُلُ لَيْسَ لَك زَوْجٌ فَقَالَتْ الْمَرْأَةُ إنْ لَمْ يَكُنْ لِي زَوْجٌ فَقَدْ زَوَّجْت نَفْسِي مِنْك وَقَبِلَ الزَّوْجُ وَلَمْ يَكُنْ لَهَا زَوْجٌ قَالُوا يَجُوزُ هَذَا النِّكَاحُ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِشَرْطٍ كَائِنٍ تَنْجِيزٌ. اهـ. وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ تَعْلِيقُ النِّكَاحِ بِكَائِنٍ تَنْجِيزٌ لَوْ قَالَ الْأَبُ زَوَّجْتُك ابْنَتِي إنْ لَمْ أَكُنْ زَوَّجْتهَا فَقَبِلَ صَحَّ. قَوْلُهُ (وَالطَّلَاقُ) بِأَنْ قَالَ طَلَّقْتُك عَلَى أَنْ لَا تَتَزَوَّجِي غَيْرِي قَوْلُهُ (وَالْخُلْعُ) بِأَنْ قَالَ خَالَعْتُكِ عَلَى أَنْ يَكُونَ لِي الْخِيَارُ مُدَّةً سَمَّاهَا بَطَلَ الشَّرْطُ وَوَقَعَ الطَّلَاقُ وَوَجَبَ الْمَالُ، وَأَمَّا اشْتِرَاطُ الْخُلْعِ لَهَا فَصَحِيحٌ عِنْدَ الْإِمَامِ كَمَا مَضَى. قَوْلُهُ (وَالْعِتْقُ) بِأَنْ قَالَ أَعْتَقْتُك عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ قَوْلُهُ (وَالرَّهْنُ) بِأَنْ قَالَ رَهَنْت عِنْدَك عَبْدِي بِشَرْطِ أَنْ أَسْتَخْدِمَهُ وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ مَا فِي رَهْنِ الْبَزَّازِيَّةِ قَالَ أَخَذَ بِهِ رَهْنًا عَلَى أَنَّهُ إنْ ضَاعَ ضَاعَ بِغَيْرِ شَيْءٍ فَقَالَ الرَّاهِنُ نَعَمْ صَارَ رَهْنًا وَبَطَلَ الشَّرْطُ وَهَلَكَ بِالدَّيْنِ، ثُمَّ قَالَ قَالَ إنْ أَوْفَيْتُك مَتَاعَك إلَى كَذَا وَإِلَّا فَالرَّهْنُ لَك بِمَالِك بَطَلَ الشَّرْطُ وَصَحَّ الرَّهْنُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَبْطُلُ الرَّهْنُ أَيْضًا اهـ. قَوْلُهُ (وَالْإِيصَاءُ وَالْوَصِيَّةُ) بِأَنْ قَالَ أَوْصَيْت لَك بِثُلُثِ مَالِي إنْ أَجَازَ فُلَانٌ ذَكَرَهُ الْعَيْنِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ مِثَالُ تَعْلِيقِهَا بِالشَّرْطِ وَالْكَلَامُ الْآنَ فِي أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَتَعْلِيقُهَا بِالشَّرْطِ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهَا فِي الْحَقِيقَةِ إثْبَاتُ الْخِلَافَةِ عِنْدَ الْمَوْتِ. اهـ. وَمَعْنَى صِحَّةِ التَّعْلِيقِ أَنَّ الشَّرْطَ إنْ وُجِدَ كَانَ لِلْمُوصَى لَهُ الْمَالُ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهُ وَقَدَّمْنَا عَنْ فَتَاوَى قَاضِي خَانْ فِي بَحْثِ الْإِبْرَاءِ أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِأُمِّ وَلَدِهِ إنْ لَمْ تَتَزَوَّجْ فَقَبِلَتْ ذَلِكَ، ثُمَّ تَزَوَّجَتْ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بِزَمَانٍ فَإِنَّهَا تَسْتَحِقُّ الثُّلُثَ بِحُكْمِ الْوَصِيَّةِ. اهـ. مَعَ أَنَّ الشَّرْطَ لَمْ يُوجَدْ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالشَّرْطِ عَدَمَ تَزَوُّجِهَا عَقِبَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لَا عَدَمَهُ إلَى الْمَوْتِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ قَالَ تَزَوَّجَتْ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بِزَمَانٍ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ تَزَوُّجِهَا عَقِبَ الِانْقِضَاءِ، وَأَمَّا الْإِيصَاءُ فَقَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ لَك مِائَةُ دِرْهَمٍ عَلَى أَنْ تَكُونَ وَصِيًّا عَنِّي فَهُوَ وَصِيٌّ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ وَالْمِائَةُ لَهُ وَصِيَّةٌ اهـ. وَكَأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْقَلْبِ كَأَنَّهُ قَالَ جَعَلْتُك وَصِيًّا عَلَى أَنْ يَكُونَ لَك مِائَةٌ وَمَعْنَى بُطْلَانِ الشَّرْطِ مَعَ قَوْلِهِ وَالْمِائَةُ وَصِيَّةٌ لَهُ أَنَّهَا لَا تَكُونُ لِلْإِيصَاءِ فَيَبْطُلُ جَعْلُهَا لَهُ وَتَبْقَى وَصِيَّةً إنْ قَبِلَهَا كَانَتْ لَهُ وَإِلَّا فَلَا وَفِيهَا مِنْ الْبُيُوعِ وَتَعْلِيقِ الْوَصِيَّةِ وَالْوِصَايَةِ جَائِزٌ اهـ. قَوْلُهُ (وَالشَّرِكَةُ) بِأَنْ قَالَ شَارَكْتُك عَلَى أَنْ تُهْدِينِي كَذَا وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ مَا فِي شَرِكَةِ الْبَزَّازِيَّةِ لَوْ شَرَطَا الْعَمَلَ عَلَى أَكْثَرِهِمَا مَالًا وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لَمْ يَجُزْ الشَّرْطُ وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا. اهـ. وَقَدْ وَقَعَتْ حَادِثَةٌ تَوَهَّمَ بَعْضُ حَنَفِيَّةِ الْعَصْرِ أَنَّهَا مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ هِيَ تَفَاضُلًا فِي الْمَالِ وَشَرَطَا الرِّبْحَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، ثُمَّ تَبَرَّعَ أَفْضَلُهُمَا مَالًا بِالْعَمَلِ فَأَجَبْت بِأَنَّ الشَّرْطَ صَحِيحٌ لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الْعَمَلِ عَلَى أَكْثَرِهِمَا مَالًا وَالتَّبَرُّعُ لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ   [منحة الخالق] بِالشَّرْطِ لَا فِيمَا يَبْطُلُ وَلَا فِي التَّعْلِيقِ عَلَى أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا هُنَا. (قَوْلُهُ: زَادَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَهُوَ مُشْكِلٌ وَالْحَقُّ مَا فِي الْخَانِيَّةِ. اهـ. قُلْتُ: مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ ذَكَرَهُ فِي الْخَانِيَّةِ أَيْضًا بَعْدَمَا نَقَلَهُ الْمُؤَلِّفُ بِنَحْوِ وَرَقَةٍ وَنِصْفٍ وَجَعَلَهُ جَوَابَ الِاسْتِحْسَانِ وَنَصُّهُ إذَا قَالَ لِامْرَأَةٍ تَزَوَّجْتُك بِأَلْفٍ إنْ رَضِيَ فُلَانٌ قَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْأَمَالِي إنْ كَانَ فُلَانٌ حَاضِرًا فِي الْمَجْلِسِ وَرَضِيَ جَازَ اسْتِحْسَانًا وَإِنْ كَانَ غَائِبًا لَمْ يَجُزْ وَإِنْ رَضِيَ بَعْدَ ذَلِكَ اهـ. تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا اشْتِرَاطُ الْخُلْعِ لَهَا) لَعَلَّهُ الْخِيَارُ لَهَا (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالشَّرْطِ إلَخْ) أَقُولُ: بِقُرْبِ هَذَا الْجَوَابِ مَا فِي هِبَةِ الْوَلْوَالِجيَّةِ وَهَبَتْ لِزَوْجِهَا ضَيْعَةً عَلَى أَنْ يُمْسِكَهَا وَلَا يُطَلِّقَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنْ شَرَطَتْ لِذَلِكَ وَقْتًا فَطَلَّقَهَا قَبْلَ مُضِيِّهِ فَالْهِبَةُ بَاطِلَةٌ لِأَنَّهُ مَا وَفَّى بِالشَّرْطِ وَإِلَّا فَصَحِيحَةٌ لِأَنَّهُ وَفَّى بِهِ وَتَمَامُهُ فِيهَا فِي الْفَصْلِ الثَّانِي. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْإِيصَاءُ فَقَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ إلَخْ) الْأُولَى مَا صَوَّرَهُ الْعَيْنِيُّ أَوْصَيْت إلَيْك عَلَى أَنْ تُزَوِّجَ ابْنَتِي إذْ الْكَلَامُ فِي الشَّرْطِ الْفَاسِدِ الَّذِي لَا يُفْسِدُ الْعَقْدَ وَمَا هُنَا صَحِيحٌ (قَوْلُهُ: بِأَنْ قَالَ شَارَكْتُك عَلَى أَنْ تُهْدِينِي كَذَا) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ الشَّرِكَةُ تَبْطُلُ بِبَعْضِ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ دُونَ بَعْضٍ حَتَّى لَوْ شَرَطَ التَّفَاضُلَ فِي الْوَضِيعَةِ لَا تَبْطُلُ الشَّرِكَةُ وَتَبْطُلُ بِاشْتِرَاطِ عَشَرَةٍ لِأَحَدِهِمَا وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ بِأَكْثَرِ الشُّرُوطِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ مَا فِي شَرِكَةِ الْبَزَّازِيَّةِ إلَخْ) وَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ فِيمَا إذَا شَرَطَ صَاحِبُ الْأَلْفِ الْعَمَلَ عَلَى صَاحِبِ الْأَلْفَيْنِ وَالرِّبْحُ نِصْفَيْنِ لَمْ يَجُزْ الشَّرْطُ وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا. اهـ. يَعْنِي عَلَى قَدْرِ مَالَيْهِمَا أَعْنِي الْأُلُوفَ الثَّلَاثَةَ فَكَوْنُهُ أَثْلَاثًا لَا بِمُجَرَّدِ كَوْنِ أَحَدِ الْمَالَيْنِ أَكْثَرَ بَلْ قَدْ يَكُونُ أَرْبَاعًا إذَا كَانَ مِنْ جَانِبٍ أَلْفًا وَمِنْ آخَرَ ثَلَاثَةً كَذَا بِخَطِّ بَعْضِ الْفُضَلَاءِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 204 الشَّرْطِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا فِي بُيُوعِ الذَّخِيرَةِ اشْتَرَى حَطَبًا فِي قَرْيَةٍ شِرَاءً صَحِيحًا، وَقَالَ مَوْصُولًا بِالشِّرَاءِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ فِي الشِّرَاءِ احْمِلْهُ إلَى مَنْزِلِي لَا يَفْسُدُ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الْبَيْعِ بَلْ هُوَ كَلَامٌ مُبْتَدَأٌ بَعْدَ تَمَامِ الْبَيْعِ فَلَا يُوجِبُ فَسَادَهُ. اهـ. فَعَلَى هَذَا لَوْ اسْتَأْجَرَ قَرْيَةً أَوْ أَرْضًا لِلزِّرَاعَةِ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ تَمَامِهَا: إنَّ الْحَرْثَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ لَا تَفْسُدُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ شَرْطًا فِيهَا، وَإِنَّمَا يَكُونُ شَرْطًا لَوْ قَالَ عَلَى أَنَّ الْحَرْثَ عَلَيْهِ فَلْيُحْفَظْ هَذَا فَإِنَّهُ يُخَرَّجُ عَلَيْهِ كَثِيرٌ مِنْ الْمَسَائِلِ. قَوْلُهُ (وَالْمُضَارَبَةُ) بِأَنْ قَالَ ضَارَبْتُك فِي أَلْفٍ عَلَى النِّصْفِ فِي الرِّبْحِ إنْ شَاءَ فُلَانٌ أَوْ إنْ قَدِمَ زَيْدٌ ذَكَرَهُ الْعَيْنِيُّ وَهُوَ مِثَالٌ لِتَعْلِيقِهَا بِالشَّرْطِ وَهَذَا الَّذِي وَقَعَ لِلْعَيْنِيِّ هُنَا دَلِيلٌ عَلَى كَسَلِهِ وَعَدَمِ تَصَفُّحِ كَلَامِهِمْ فَإِنَّهُ لَوْ أَتَى بِالْأَمْثِلَةِ الَّتِي ذَكَرُوهَا فِي الْأَبْوَابِ لَكَانَ أَنْسَبَ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَلَا تَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ، وَلَوْ شَرَطَ مِنْ الرِّبْحِ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَسَدَتْ لَا؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ بَلْ لِقَطْعِ الشَّرِكَةِ. اهـ. وَفِيهَا دَفَعَ إلَيْهِ أَلْفًا عَلَى أَنْ يَدْفَعَ رَبُّ الْمَالِ إلَى الْمُضَارِبِ أَرْضًا بِزَرْعِهَا سَنَةً أَوْ دَارًا لِلسُّكْنَى بَطَلَ الشَّرْطُ وَجَازَتْ الْمُضَارَبَةُ، وَلَوْ شَرَطَ الْمُضَارِبُ لِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يَدْفَعَ لَهُ أَرْضًا أَوْ دَارًا سَنَةً فَسَدَتْ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ نِصْفَ الرِّبْحِ عِوَضًا عَنْ عَمَلِهِ وَأُجْرَةِ دَارِهِ. اهـ. ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ شَرَطَ عَلَى أَنْ تَكُونَ النَّفَقَةُ عَلَى الْمُضَارِبِ إذَا خَرَجَ إلَى السَّفَرِ بَطَلَ الشَّرْطُ وَجَازَتْ. اهـ. وَسَيَأْتِي بَقِيَّةُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ فِي كِتَابِهَا. قَوْلُهُ (وَالْقَضَاءُ) بِأَنْ قَالَ الْخَلِيفَةُ وَلَّيْتُك قَضَاءَ مَكَّةَ مَثَلًا عَلَى أَنْ لَا تُعْزَلَ أَبَدًا وَيَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ لَوْ شَرَطَ فِي التَّقْلِيدِ أَنَّهُ مَتَى فَسَقَ يَنْعَزِلُ انْعَزَلَ. اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ أَيْضًا اسْتَخْلَفَ رَجُلًا وَشَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَرْتَشِيَ وَلَا يَشْرَبَ الْخَمْرَ وَلَا يَمْتَثِلَ أَمْرَ أَحَدٍ صَحَّ التَّقْلِيدُ وَالشَّرْطُ وَإِنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ انْعَزَلَ وَلَا يَبْطُلُ قَضَاؤُهُ فِيمَا مَضَى قَلَّدَ السُّلْطَانُ رَجُلًا الْقَضَاءَ وَشَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَسْمَعَ قَضِيَّةَ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ يَصِحُّ الشَّرْطُ وَلَا يَنْفُذُ قَضَاءُ الْقَاضِي فِي هَذَا الرَّجُلِ وَيَجِبُ عَلَى السُّلْطَانِ أَنْ يُفَصِّلَ قَضِيَّةً إنْ اعْتَرَاهُ قَضِيَّتَهُ اهـ. قَوْلُهُ (وَالْإِمَارَةُ) بِأَنْ قَالَ الْخَلِيفَةُ وَلَّيْتُك إمَارَةَ الشَّامِ مَثَلًا عَلَى أَنْ لَا تَرْكَبَ فَهَذَا الشَّرْطُ فَاسِدٌ وَلَا تَبْطُلُ أَمْرِيَّتُهُ بِهَذَا وَالْإِمَارَةُ مَصْدَرٌ كَالْإِمْرَةِ بِالْكَسْرِ يُقَالُ فُلَانٌ أَمَّرَ وَأُمِّرَ عَلَيْهِ إذَا كَانَ وَالِيًا، وَقَدْ كَانَ سَوْقُهُ أَيْ أَنَّهُ يُجَرِّبُ وَالتَّأْمِيرُ تَوْلِيَةُ الْإِمَارَةِ يُقَالُ هُوَ أَمِيرٌ مُؤَمَّرٌ وَتَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أَيْ تَسَلَّطَ، كَذَا فِي الصِّحَاحِ وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ «إنَّكُمْ سَتَحْرِصُونَ عَلَى الْإِمَارَةِ وَسَتَكُونُ نَدَامَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . قَوْلُهُ (وَالْكَفَالَةُ) بِأَنْ قَالَ كَفَلْت غَرِيمَك إنْ أَقْرَضْتنِي كَذَا ذَكَرَهُ الْعَيْنِيُّ وَهُوَ مِثَالٌ لِتَعْلِيقِهَا بِالشَّرْطِ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ لَوْ قَالَ كَفَلْت بِهِ عَلَى أَنَّهُ مِنِّي طُولِبْت بِهِ أَوْ كُلَّمَا طُولِبْت بِهِ فَلِي أَجَلُ شَهْرٍ صَحَّتْ، فَإِذَا طَالَبَهُ بِهِ فَلَهُ أَجَلُ شَهْرٍ مِنْ وَقْتِ الْمُطَالَبَةِ الْأُولَى، فَإِذَا تَمَّ الشَّهْرُ مِنْ الْمُطَالَبَةِ الْأُولَى لَزِمَ التَّسْلِيمُ وَلَا يَكُونُ لِلْمُطَالَبَةِ الثَّانِيَةِ تَأْجِيلٌ. اهـ. ثُمَّ قَالَ كَفَلَ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ عَشَرَةَ أَيَّامٍ أَوْ أَكْثَرَ يَصِحُّ بِخِلَافِ الْبَيْعِ لِأَنَّ مَبْنَاهَا عَلَى التَّوَسُّعِ. اهـ. وَأَمَّا تَعْلِيقُهَا بِالشَّرْطِ فَسَيَأْتِي أَنَّهُ يَصِحُّ بِشَرْطٍ مُلَائِمٍ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ الْبُيُوعِ وَتَعْلِيقُ الْكَفَالَةِ إنْ مُتَعَارَفًا كَقُدُومِ الْمَطْلُوبِ يَصِحُّ وَإِنْ شَرْطًا مَحْضًا كَأَنْ دَخَلَ الدَّارَ أَوْ هَبَّتْ الرِّيحُ لَا وَالْكَفَالَةُ إلَى هُبُوبِ الرِّيحِ جَائِزَةٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ وَنَصُّ النَّسَفِيِّ أَنَّ الشَّرْطَ إنْ لَمْ يُتَعَارَفْ تَصِحُّ الْكَفَالَةُ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ وَالْحَوَالَةُ كَهِيَ. قَوْلُهُ (وَالْحَوَالَةُ) بِأَنْ قَالَ أَحَلْتُك عَلَى فُلَانٍ بِشَرْطِ أَنْ لَا تَرْجِعَ عَلَيَّ عِنْدَ الْتِوَاءِ ذَكَرَهُ الْعَيْنِيُّ يَعْنِي تَصِحُّ الْحَوَالَةُ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ عِنْدَ التَّوَاءِ وَيَصِحُّ تَعْلِيقُهَا بِالشَّرْطِ وَمِنْهُ اشْتِرَاطُ الْخِيَارِ لِلْمُحْتَالِ وَهُوَ جَائِزٌ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْحَوَالَةَ تَبْطُلُ بِبَعْضِ الشُّرُوطِ لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَمِنْ صُوَرِ فَسَادِ الْحَوَالَةِ مَا إذَا شَرَطَ فِي الْحَوَالَةِ أَنْ يُعْطِيَ الْمَالَ الْمُحَالَ بِهِ الْمُحْتَالَ عَلَيْهِ لِلْمُحْتَالِ مِنْ ثَمَنِ دَارِ الْمُحِيلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْوَفَاءِ بِالْمُلْتَزَمِ بِخِلَافِ مَا إذَا الْتَزَمَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ الْإِعْطَاءَ مِنْ ثَمَنِ دَارِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا فِي بُيُوعِ الذَّخِيرَةِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَاَلَّذِي يَنْبَغِي حَمْلُ مَا فِي الذَّخِيرَةِ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ مِنْ أَنَّهُمَا لَوْ أَلْحَقَا بِهِ شَرْطًا فَاسِدًا لَا يَلْتَحِقُ وَعَلَى أَنَّهُ لَا يَلْتَحِقُ بَقِيَ مُجَرَّدُ وَعْدٍ لَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ اهـ. فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَيَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ) أَيْ تَعْلِيقُ الْعَزْلِ لَا الْقَضَاءِ لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَلَا تَدُلُّ عَلَيْهِ الْعِبَارَةُ الثَّانِيَةُ نَعَمْ سَيَذْكُرُ الْمُؤَلِّفُ عَنْ الشَّارِحِ الزَّيْلَعِيِّ جَوَازَ تَعْلِيقِ الْقَضَاءِ وَالْإِمَارَةِ (قَوْلُهُ: وَمِنْهُ اشْتِرَاطُ الْخِيَارِ لِلْمُحْتَالِ) فِي كَوْنِ ذَلِكَ مِنْ التَّعْلِيقِ نَظَرٌ بَلْ هُوَ شَرْطٌ لَكِنَّهُ صَحِيحٌ لَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ تَأَمَّلْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 205 قَادِرٌ عَلَى بَيْعِ دَارِ نَفْسِهِ وَلَا يُجْبَرُ عَلَى بَيْعِ دَارِهِ كَمَا إذَا كَانَ قَبُولُهَا بِشَرْطِ الْإِعْطَاءِ عِنْدَ الْحَصَادِ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْأَدَاءِ قَبْلَ الْأَجَلِ. اهـ. وَهَذِهِ وَارِدَةٌ عَلَى إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ (وَالْوَكَالَةُ) بِأَنْ قَالَ وَكَّلْتُك إنْ أَبْرَأْتنِي عَمَّا لَك عَلَيَّ ذَكَرَهُ الْعَيْنِيُّ وَهُوَ مِثَالُ تَعْلِيقِهَا بِالشَّرْطِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ تَعْلِيقُ الْوَكَالَةِ بِالشَّرْطِ جَائِزٌ وَتَعْلِيقُ الْعَزْلِ بِهِ بَاطِلٌ وَتَفَرَّعَ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ قَالَ كُلَّمَا عَزَلْتُك فَأَنْت وَكِيلِي أَنَّهُ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقُ التَّوْكِيلِ بِالْعَزْلِ وَسَيَأْتِي طَرِيقُ عَزْلِهِ، وَلَوْ قَالَ كُلَّمَا وَكَّلْتُك فَأَنْت مَعْزُولٌ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقُ الْعَزْلِ بِالشَّرْطِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ الْوَكَالَةُ لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ أَيُّ شَرْطٍ كَانَ. قَوْلُهُ (وَالْإِقَالَةُ) بِأَنْ قَالَ أَقَلْتُك عَنْ هَذَا الْبَيْعِ إنْ أَقْرَضْتنِي كَذَا ذَكَرَهُ الْعَيْنِيُّ وَفِي الْقُنْيَةِ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ الْإِقَالَةِ بِالشَّرْطِ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُمَا لَوْ تَقَايَلَا بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ أَوْ بِجِنْسٍ آخَرَ لَمْ تَفْسُدْ وَوَجَبَ الثَّمَنُ الْأَوَّلُ وَهُوَ مِثَالُ أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ، وَأَمَّا مَا ذُكِرَ فَمِثَالُ تَعْلِيقِهَا وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ يَجُوزُ اشْتِرَاطُ الْخِيَارِ فِيهَا. قَوْلُهُ (وَالْكِتَابَةُ) بِأَنْ قَالَ الْمَوْلَى لِعَبْدِهِ كَاتَبْتُك عَلَى أَلْفٍ بِشَرْطِ أَنْ لَا تَخْرُجَ مِنْ الْبَلَدِ أَوْ عَلَى أَنْ لَا تُعَامِلَ فُلَانًا أَوْ عَلَى أَنْ تَعْمَلَ فِي نَوْعٍ مِنْ التِّجَارَةِ فَإِنَّ الْكِتَابَةَ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ تَصِحُّ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ فَلَهُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الْبَلَدِ وَيَعْمَلَ مَا شَاءَ مِنْ أَنْوَاعِ التِّجَارَةِ مَعَ أَيِّ شَخْصٍ شَاءَ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ وَأَمَّا إذَا كَانَ دَاخِلًا فِي صُلْبِ الْعَقْدِ بِأَنْ كَانَ فِي نَفْسِ الْبَدَلِ كَالْكِتَابَةِ عَلَى خَمْرٍ وَنَحْوِهَا فَإِنَّهَا تَفْسُدُ بِهِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ ذَكَرَهُ الْعَيْنِيُّ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ كَاتَبَهَا وَهِيَ حَامِلٌ عَلَى أَنْ يَدْخُلَ وَلَدُهَا فِي الْكِتَابَةِ فَسَدَتْ لِأَنَّهَا تَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ. قَوْلُهُ (وَإِذْنُ الْعَبْدِ فِي التِّجَارَةِ) بِأَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَذِنْت لَك فِي التِّجَارَةِ عَلَى أَنْ تَتَّجِرَ إلَى شَهْرٍ أَوْ عَلَى أَنْ تَتَّجِرَ فِي كَذَا فَإِنَّ إذْنَهُ لَهُ يَكُونُ عَامًّا فِي التِّجَارَاتِ وَالْأَوْقَاتِ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ. قَوْلُهُ (وَدَعْوَةُ الْوَلَدِ) بِأَنْ قَالَ لِأَمَتِهِ الَّتِي وَلَدَتْ هَذَا الْوَلَدُ مِنِّي إنْ رَضِيَتْ امْرَأَتِي بِذَلِكَ. قَوْلُهُ (وَالصُّلْحُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ) بِأَنْ صَالَحَ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ عَمْدًا الْقَاتِلَ عَلَى شَيْءٍ بِشَرْطِ أَنْ يُقْرِضَهُ أَوْ يُهْدِيَ إلَيْهِ شَيْئًا فَإِنَّ الصُّلْحَ صَحِيحٌ وَالشَّرْطَ فَاسِدٌ وَيَسْقُطُ الدَّمُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْإِسْقَاطَاتِ فَلَا يَحْتَمِلُ الشَّرْطَ قَوْلُهُ (وَعَنْ الْجِرَاحَةِ) بِأَنْ صَالَحَ عَنْهَا بِشَرْطِ إقْرَاضِ شَيْءٍ أَوْ إهْدَائِهِ. قَوْلُهُ (وَعَقْدُ الذِّمَّةِ) بِأَنْ قَالَ الْإِمَامُ لِحَرْبِيٍّ يَطْلُبُ عَقْدَ الذِّمَّةِ ضَرَبْت عَلَيْك الْجِزْيَةَ إنْ شَاءَ فُلَانٌ مَثَلًا فَإِنَّ عَقْدَ الذِّمَّةِ صَحِيحٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ. قَوْلُهُ (وَتَعْلِيقُ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ) بِأَنْ قَالَ إنْ وَجَدْت بِالْمَبِيعِ عَيْبًا أَرُدُّهُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَهَذِهِ وَارِدَةٌ عَلَى إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَجَوَابُهُ أَنَّ هَذَا مِنْ الْمُحْتَالِ وَعْدٌ وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ. اهـ. وَمُرَادُهُ مِنْ الْمُحْتَالِ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قَدْ تُحْذَفُ صِلَتُهُ وَهَذَا الْجَوَابُ غَيْرُ ظَاهِرٍ لِأَنَّ كَوْنَهُ وَعْدًا لَا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ شَرْطًا. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا مَا ذُكِرَ) أَيْ مِنْ قَوْلِ الْعَيْنِيِّ أَقَلْتُك عَنْ هَذَا الْبَيْعِ إنْ أَقْرَضْتنِي كَذَا وَمُرَادُ الْمُؤَلِّفِ الِاعْتِرَاضُ عَلَى الْعَيْنِيِّ بِأَنَّ الْمُرَادَ بَيَانُ مَا لَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْمِثَالِ تَعْلِيقٌ بِالشَّرْطِ وَالتَّعْلِيقُ بِالشَّرْطِ لَا يَصِحُّ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْقُنْيَةِ وَذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ فِي آخِرِ بَابِ الْإِقَالَةِ أَنَّ فَائِدَةَ كَوْنِ الْإِقَالَةِ فَسْخًا تَظْهَرُ فِي خَمْسِ مَسَائِلَ الثَّانِيَةُ مِنْهَا أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْمُفْسِدَةِ وَلَكِنْ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهَا بِالشَّرْطِ كَأَنْ بَاعَ ثَوْرًا مِنْ زَيْدٍ فَقَالَ اشْتَرَيْته رَخِيصًا فَقَالَ زَيْدٌ إنْ وَجَدْت مُشْتَرِيًا بِالزِّيَادَةِ فَبِعْهُ مِنْهُ فَوَجَدَ فَبَاعَ بِأَزْيَدَ لَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ الثَّانِي لِأَنَّهُ تَعْلِيقُ الْإِقَالَةِ لَا الْوَكَالَةِ بِالشَّرْطِ، كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ كَاتَبَهَا وَهِيَ حَامِلٌ) مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمَهُ عَنْ الْعَيْنِيِّ وَيُوَافِقُهُ مَا فِي الْعِمَادِيَّةِ وَالْأُسْرُوشَنِيَّة أَنَّ تَعْلِيقَ الْكِتَابَةِ بِالشَّرْطِ لَا يَجُوزُ وَإِنَّمَا تَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ لَكِنْ حَمَلَهُ فِي الدُّرَرِ عَلَى كَوْنِ الْفَسَادِ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِمَا ثَانِيًا الْكِتَابَةُ بِشَرْطٍ مُتَعَارَفٍ وَغَيْرِ مُتَعَارَفٍ تَصِحُّ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ فَإِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ وَرُدَّ بِهَذَا التَّوْفِيقِ عَلَى صَاحِبِ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ تَأَمَّلْ ثُمَّ عَلَى هَذَا كَانَ يَنْبَغِي عَدُّ الْكِتَابَةِ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ أَيْضًا (قَوْلُهُ بِأَنْ قَالَ لِأَمَتِهِ الَّتِي وَلَدَتْ إلَخْ) فِيهِ إنَّ هَذَا مِنْ التَّعْلِيقِ وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ وَمِثْلُهُ فِي النَّهْرِ بِأَنْ قَالَ لِأَمَتِهِ بَعْدَمَا وَلَدَتْ: هَذَا الْوَلَدُ مِنِّي بِشَرْطِ رِضَا زَوْجَتِي. اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الدُّرَرِ بِأَنْ يَقُولَ الْمَوْلَى إنْ كَانَ لِهَذِهِ الْأَمَةِ حَمْلٌ فَهُوَ مِنِّي قَالَ فِي الْعَزْمِيَّةِ كَوْنُ هَذَا الشَّرْطِ فَاسِدًا مَحَلُّ تَدَبُّرٍ وَصُوَرُ ذَلِكَ فِي إيضَاحِ الْكَرْمَانِيِّ بِأَنْ ادَّعَى نَسَبَ التَّوْأَمَيْنِ بِشَرْطِ أَنْ لَا تَكُونَ نِسْبَةُ الْآخَرِ مِنْهُ أَوْ ادَّعَى نَسَبَ وَلَدٍ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَرِثَ مِنْهُ يَثْبُتُ نَسَبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ التَّوْأَمَيْنِ وَيَرِثُ وَبَطَلَ الشَّرْطُ لِأَنَّهُمَا مِنْ مَاءٍ وَاحِدٍ فَمِنْ ضَرُورَةِ ثُبُوتِ نَسَبِ أَحَدِهِمَا ثُبُوتُ الْآخَرِ لِمَا عُرِفَ وَشَرْطُ أَنْ لَا يَرِثَ شَرْطٌ فَاسِدٌ لِمُخَالَفَتِهِ الشَّرْعَ وَالنَّسَبُ لَا يَفْسُدُ بِهِ. اهـ. وَمَا صَوَّرَ بِهِ فِي الدُّرَرِ رَدَّهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة أَيْضًا بِمَا يَأْتِي قَرِيبًا. (قَوْلُهُ: بِأَنْ قَالَ إنْ وَجَدْت بِالْمَبِيعِ عَيْبًا أَرُدُّهُ عَلَيْك إنْ شَاءَ فُلَانٌ) فِيهِ أَنَّ هَذَا مِنْ التَّعْلِيقِ فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ بِشَرْطِ أَنْ يَرْضَى فُلَانٌ بَقِيَ هُنَا شَيْءٌ وَهُوَ أَنَّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 206 عَلَيْك إنْ شَاءَ فُلَانٌ مَثَلًا قَوْلُهُ (وَبِخِيَارِ الشَّرْطِ) أَيْ وَتَعْلِيقُ الرَّدِّ بِهِ بِأَنْ قَالَ مَنْ لَهُ خِيَارُ الشَّرْطِ فِي الْبَيْعِ رَدَدْت الْبَيْعَ أَوْ قَالَ أَسْقَطْت خِيَارِي إنْ شَاءَ فُلَانٌ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ. قَوْلُهُ (وَعُزِلَ الْقَاضِي) بِأَنْ قَالَ الْخَلِيفَةُ لِلْقَاضِي عَزَلْتُك عَنْ الْقَضَاءِ إنْ شَاءَ فُلَانٌ فَإِنَّهُ يَنْعَزِلُ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَيْسَتْ بِمُعَاوَضَةٍ مَالِيَّةٍ فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهَا الشُّرُوطُ الْفَاسِدَةُ. وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ قَالَ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِالْإِسْقَاطَاتِ الْمَحْضَةِ الَّتِي يُحْلَفُ بِهَا كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَبِالِالْتِزَامَاتِ الَّتِي يُحْلَفُ بِهَا كَالْحَجِّ وَالصَّلَاةِ وَالتَّوْلِيَاتِ كَالْقَضَاءِ وَالْإِمَارَةِ. اهـ. وَقَدْ فَاتَهُ الْإِذْنُ فِي التِّجَارَةِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ لِكَوْنِهِ مِنْ   [منحة الخالق] الْكَلَامَ فِيمَا لَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ وَقَدْ عَدَّ مِنْهُ تَعْلِيقَ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَبِخِيَارِ الشَّرْطِ فَالْمُرَادُ عَدَمُ بُطْلَانِ التَّعْلِيقَيْنِ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ لَا الرَّدَّيْنِ أَنْفُسَهُمَا، ثُمَّ أَنَّ قَوْلَهُ إنْ شَاءَ فُلَانٌ قَيْدٌ لِلرَّدِّ لِأَنَّ جَوَابَ هَذَا الشَّرْطِ مُقَدَّرٌ بِهِ أَيْ إنْ شَاءَ فُلَانٌ فَأَنَا أَرُدُّهُ عَلَيْك وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمُرَادَ جَعْلُ الشَّرْطِ قَيْدًا لِلتَّعْلِيقِ لَا لِلرَّدِّ وَلَمْ يَظْهَرْ لِي لَهُ مِثَالٌ وَعَنْ هَذَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَسْقَطَ فِي الدُّرَرِ لَفْظَ التَّعْلِيقِ وَاقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ وَالرَّدُّ بِالْعَيْبِ وَبِخِيَارِ الشَّرْطِ ثُمَّ رَأَيْت فِي الْعَزْمِيَّةِ قَالَ قَدْ عَبَّرَ فِي الْعِمَادِيَّةِ وَالْأُسْرُوشَنِيَّة وَجَامِعِ الْفُصُولَيْنِ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَتَعْلِيقِ الرَّدِّ وَيُوَافِقُهُ مَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالْكَنْزِ وَقَدْ غَيَّرَهُ صَاحِبُ الدُّرَرِ إلَى مَا تَرَى وَهُوَ مُسْتَبِدٌّ فِي ذَلِكَ غَيْرُ مُقْتَفٍ أَثَرَ أَحَدٍ وَكَأَنَّهُ نَظَرَ إلَى أَنَّ مَا لَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ هُوَ الرَّدُّ لَا تَعْلِيقُهُ وَهُوَ مَحَلُّ تَدَبُّرٍ بَعْدُ. اهـ. وَتَمَامُهُ فِيهِ وَعَبَّرَ صَاحِبُ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ بِقَوْلِهِ وَتَعْلِيقُ الرَّدِّ بِعَيْبٍ بِشَرْطٍ وَتَعْلِيقُ الرَّدِّ بِخِيَارِ شَرْطٍ بِشَرْطٍ. اهـ. هَذَا وَفِي أَوَّلِ خِيَارِ الْعَيْبِ مِنْ الْبَحْرِ التَّنْبِيهُ الثَّامِنَ عَشَرَ عَلَى عَيْبٍ فَقَالَ لِلْبَائِعٍ إنْ لَمْ أَرُدَّهُ عَلَيْك الْيَوْمَ رَضِيت قَالَ مُحَمَّدٌ الْقَوْلُ بَاطِلٌ وَلَهُ الرَّدُّ. اهـ. وَإِذَا لَمْ يَبْطُلْ بِالتَّعْلِيقِ لَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ تَأَمَّلْ وَكَتَبَ الْمُؤَلِّفُ أَيْضًا فِي بَابِ خِيَارِ الشَّرْطِ مِنْ الْبَحْرِ مَا نَصُّهُ فَإِنْ قُلْتُ: هَلْ يَصِحُّ تَعْلِيقُ إبْطَالِهِ وَإِضَافَتُهُ قُلْتُ: قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: لَوْ قَالَ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ إنْ لَمْ أَفْعَلْ كَذَا الْيَوْمَ فَقَدْ أَبْطَلْت خِيَارِي كَانَ بَاطِلًا وَلَا يَبْطُلُ خِيَارُهُ، وَكَذَا لَوْ قَالَ فِي خِيَارِ الْعَيْبِ إنْ لَمْ أَرُدَّهُ الْيَوْمَ فَقَدْ أَبْطَلْت خِيَارِي وَلَمْ يَرُدَّهُ الْيَوْمَ لَا يَبْطُلُ خِيَارُهُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ وَلَكِنَّهُ قَالَ أَبْطَلْت غَدًا أَوْ قَالَ أَبْطَلْت خِيَارِي إذَا جَاءَ غَدٌ فَجَاءَ ذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى أَنَّهُ يَبْطُلُ خِيَارُهُ قَالَ وَلَيْسَ هَذَا كَالْأَوَّلِ لِأَنَّ هَذَا وَقْتُهُ يَجِيءُ لَا مَحَالَةَ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ. اهـ. فَقَدْ سَوَّوْا بَيْنَ التَّعْلِيقِ وَالْإِضَافَةِ فِي الْمُحَقِّقِ مَعَ أَنَّهُمْ لَمْ يُسَوُّوا بَيْنَهُمَا فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة لَوْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فَقَالَ إنْ لَمْ أَفْسَخْ الْيَوْمَ فَقَدْ رَضِيت وَإِنْ لَمْ أَفْعَلْ كَذَا فَقَدْ رَضِيت لَا يَصِحُّ. اهـ. كَلَامُ الْمُؤَلِّفِ فِي بَابِ خِيَارِ الشَّرْطِ أَيْ لَا يَصِحُّ إبْطَالُ الْخِيَارِ بِذَلِكَ بَلْ يَبْقَى خِيَارُهُ عَلَى حَالِهِ. (قَوْلُهُ: بِأَنْ قَالَ عَزَلْتُك عَنْ الْقَضَاءِ إنْ شَاءَ فُلَانٌ) هَذَا أَيْضًا مِنْ التَّعْلِيقِ وَالْعَجَبُ أَنَّهُ كَرَّرَ الِاعْتِرَاضَ عَلَى الْعَيْنِيِّ بِسَبَبِ ذَلِكَ وَوَقَعَ فِيهِ مِرَارًا وَمَثَّلَ لَهُ فِي الدُّرَرِ بِأَنْ يَقُولَ الْإِمَامُ لِلْقَاضِي إذَا وَصَلَ كِتَابِي إلَيْك فَأَنْتَ مَعْزُولٌ، وَقَالَ قِيلَ يَصِحُّ الشَّرْطُ وَيَكُونُ مَعْزُولًا وَقِيلَ لَا يَصِحُّ الشَّرْطُ وَلَا يَكُونُ مَعْزُولًا وَبِهِ يُفْتَى كَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ وَالْأُسْرُوشَنِيَّة. اهـ. وَفِيهِ مَا مَرَّ لَكِنْ قَالَ فِي الْعَزْمِيَّةِ وَعِبَارَتُهُمَا أَيْ الْعِمَادِيَّةِ وَالْأُسْرُوشَنِيَّة قَالَ ظَهِيرُ الدِّينِ نَحْنُ لَا نُفْتِي بِصِحَّةِ التَّعْلِيقِ وَهُوَ فَتْوَى شَمْسِ الْإِسْلَامِ الْأُوزْجَنْدِيِّ وَبِهِ يَظْهَرُ أَنَّ الشَّرْطَ هُنَا بِمَعْنَى التَّعْلِيقِ بَقِيَ أَنَّ كَوْنَ الْعَزْلِ مِمَّا لَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ غَيْرُ مُتَأَتٍّ عَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ وَكَانَ الْقَوْلُ الْمَذْكُورُ فِي الْمَتْنِ غَيْرَ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ فَلْيُنْظَرْ إلَى كُتُبِ الْقَوْمِ. اهـ. وَإِنَّمَا كَانَ غَيْرَهُمَا لِأَنَّهُمَا فِي التَّعْلِيقِ وَمَا فِي مَتْنِ الدُّرَرِ فِيمَا لَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ أَيْ بِاقْتِرَانِهِ بِشَرْطٍ وَقَدْ يُقَالُ الْمُرَادُ بِالشَّرْطِ مَا يَعُمُّ التَّعْلِيقَ فَالْمَذْكُورَاتُ لَا تَبْطُلُ بِالتَّعْلِيقِ بِالشَّرْطِ بَلْ تَصِحُّ مَعَهُ وَلَا تَبْطُلُ بِاقْتِرَانِهَا بِشَرْطٍ بَلْ يَبْطُلُ التَّعْلِيقُ وَالشَّرْطُ وَحِينَئِذٍ يُوَافِقُ كَلَامَ الدُّرَرِ لِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَتَصِحُّ تَصْوِيرَاتُ الْعَيْنِيِّ بِالتَّعْلِيقِ وَيَنْدَفِعُ الِاعْتِرَاضُ عَنْهُ وَعَنْ الْمُؤَلِّفِ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ مَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ) أَيْ لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ وَإِلَّا فَأَغْلَبُ مَا قَدَّمَهُ مِمَّا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ كَمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ سَابِقًا. (قَوْلُهُ: وَلَدَخَلَ تَعْلِيقُ تَسْلِيمِ الشُّفْعَةِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ عِبَارَةُ الْبَزَّازِيَّةِ فِي الشُّفْعَةِ تَعْلِيقُ إبْطَالِهَا بِالشَّرْطِ جَائِزٌ حَتَّى لَوْ قَالَ سَلَّمْتهَا إنْ كُنْت اشْتَرَيْتهَا لِنَفْسِك فَإِنْ كَانَ اشْتَرَاهُ لِغَيْرِهِ لَا تَبْطُلُ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ وَالْإِسْقَاطُ يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ. اهـ. أَقُولُ: فَلَوْ قَالَ الشَّفِيعُ قَبْلَ الْبَيْعِ لِمَنْ يُرِيدُ الشِّرَاءَ إنْ اشْتَرَيْت فَقَدْ سَلَّمْتهَا هَلْ يَصِحُّ أَمْ لَا وَلَا شُبْهَةَ أَنَّهُ تَعْلِيقُ الْإِسْقَاطِ قَبْلَ الْوُجُوبِ بِوُجُودٍ سَبَبِهِ وَمُقْتَضَى قَوْلِهِمْ التَّطْبِيقُ بِالشَّرْطِ الْمَحْضِ يَجُوزُ فِيمَا كَانَ مِنْ بَابِ الْإِسْقَاطِ الْمَحْضِ وَقَوْلِهِمْ الْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ كَالْمُنَجَّزِ عِنْدَ وُجُودِهِ وَقَوْلِهِمْ مَنْ لَا يَمْلِكُ التَّنْجِيزَ لَا يَمْلِكُ التَّعْلِيقَ إلَّا إذَا عَلَّقَهُ بِالْمِلْكِ أَوْ سَبَبِهِ صِحَّةُ التَّعْلِيقِ الْمَذْكُورِ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْإِسْقَاطِ وَكَأَنَّهُ نَجَّزَهُ عِنْدَ وُجُودِهِ وَقَدْ عَلَّقَهُ بِسَبَبِ الْمِلْكِ فَتَأَمَّلْ لَكِنْ فِي الظَّهِيرِيَّةِ مَا هُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَيْسَ إسْقَاطًا مَحْضًا قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَفِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى تَعْلِيقُ إبْطَالِ الشُّفْعَةِ بِالشَّرْطِ جَائِزٌ، حَتَّى لَوْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 207 الْإِسْقَاطَاتِ لَكِنْ لَا يَحْلِفُ بِهِ، فَلَوْ حَذَفَ الَّتِي يَحْلِفُ بِهَا لَدَخَلَ وَلَدَخَلَ تَعْلِيقُ تَسْلِيمِ الشُّفْعَةِ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ لِكَوْنِهِ إسْقَاطًا لَكِنْ لَا يَحْلِفُ بِهِ، وَقَدْ فَاتَ الْمُصَنِّفَ الرَّهْنُ فَإِنَّهُ مِمَّا لَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَفَاتَهُ أَيْضًا مَسْأَلَةُ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ كَمَا فِي فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ وَيُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْهِبَةَ يَجُوزُ تَعْلِيقُهَا بِالشَّرْطِ الْمُلَائِمِ نَحْوَ وَهَبْتُك عَلَى أَنْ تُقْرِضَنِي كَذَا، كَذَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَعَلَى هَذَا فَمَا ذَكَرَهُ الْكَرْدَرِيُّ فِي الْمَنَاقِبِ مَعْزِيًّا إلَى النَّاصِحِيِّ لَوْ قَالَ إنْ اشْتَرَيْت جَارِيَةً فَقَدْ مَلَكْتهَا مِنْك يَصِحُّ وَمَعْنَاهُ إذَا قَبَضَهُ بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ. اهـ. مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الشَّرْطَ مُلَائِمٌ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ الْبُيُوعِ وَتَعْلِيقُ الْهِبَةِ بِإِنْ بَاطِلٌ وَبِعَلَى أَنْ مُلَائِمًا كَهِبَتِهِ عَلَى أَنْ يُعَوِّضَهُ يَجُوزُ وَإِنْ مُخَالِفًا بَطَلَ الشَّرْطُ وَصَحَّتْ الْهِبَةُ وَيَرُدُّ عَلَيْهِ أَيْضًا تَعْلِيقُ دَعْوَةِ الْوَلَدِ صَحِيحٌ كَقَوْلِهِ إنْ كَانَتْ جَارِيَتِي حَامِلًا فَمَتَى صَحَّ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَلَيْسَ مِمَّا ذَكَرَهُ وَكَذَا يَرُدُّ عَلَيْهِ الْكَفَالَةَ فَإِنَّهُ يَصِحُّ تَعْلِيقُهَا بِشَرْطٍ مُلَائِمٍ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ وَلَا الشَّارِحُ مَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ الْجَائِزِ وَمَا لَا يَجُوزُ وَتَقْيِيدُهُ بِالْفَاسِدِ يُخْرِجُهُ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ أَنَّ مَا يَتَعَلَّقُ بِذِكْرِ الشَّرْطِ الْجَائِزِ يُفْسِدُهُ الْفَاسِدُ مِنْ الشَّرْطِ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالصُّلْحِ عَلَى مَالٍ وَالْقِسْمَةِ وَعَقْدٍ لَا يَتَعَلَّقُ بِالْجَائِزِ، فَالْفَاسِدُ مِنْ الشَّرْطِ لَا يُبْطِلُهُ كَالنِّكَاحِ وَالْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ وَالْعِتْقِ عَلَى مَالٍ فَالْأَوَّلُ لَا يَصِحُّ إلَّا بِبَدَلٍ مَنْطُوقٍ مَعْلُومٍ يَجْرِي فِيهِ التَّمْلِيكُ وَالتَّمَلُّكُ وَالثَّانِي يَصِحُّ بِبَدَلٍ وَبِدُونِهِ وَبِبَدَلٍ مَجْهُولٍ وَحَرَامٍ وَحَلَالٍ وَعَقْدٍ يَتَعَلَّقُ بِالْجَائِزِ مِنْهُ وَالْفَاسِدُ مِنْهُ عَلَى نَوْعَيْنِ نَوْعٌ يُفْسِدُهُ وَنَوْعٌ لَا وَهُوَ الْكِتَابَةُ إلَى آخِرِ مَا فِيهَا، وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَا يَجُوزُ إضَافَتُهُ إلَى زَمَانٍ وَمَا لَا يَجُوزُ فِي آخِرِ كِتَابِ الْإِجَارَاتِ فَإِذَا وَصَلْنَا إلَيْهِ شَرَحْنَاهُ بِأَتَمَّ مِمَّا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ هُنَا وَنُنَبِّهُ عَلَى مَا فَاتَهُمَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (كِتَابُ الصَّرْفِ) . تَقَدَّمَ وَجْهُ تَأْخِيرِهِ وَالْكَلَامُ فِيهِ فِي مَوَاضِعَ الْأَوَّلُ فِي مَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ ذُكِرَ فِي الْقَامُوسِ أَنَّ صَرْفَ   [منحة الخالق] قَالَ سَلَّمْت لَك شُفْعَةَ هَذِهِ الدَّارِ إنْ كُنْت اشْتَرَيْت لِنَفْسِك فَإِنْ كَانَ اشْتَرَاهَا لِغَيْرِهِ كَانَ الشَّفِيعُ عَلَى شُفْعَتِهِ لِأَنَّ تَسْلِيمَ الشُّفْعَةِ إسْقَاطٌ مَحْضٌ فَيَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ لَكِنْ يَرُدُّ عَلَى هَذِهِ مَسْأَلَةٌ إشْكَالًا وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي بَابِ الصُّلْحِ مِنْ الْجِنَايَاتِ وَكِتَابِ الصُّلْحِ مِنْ الْمَبْسُوطِ أَنَّ الْقِصَاصَ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ إسْقَاطِهِ بِالشَّرْطِ وَلَا يَحْتَمِلُ الْإِضَافَةَ إلَى الْوَقْتِ وَإِنْ كَانَ إسْقَاطًا مَحْضًا، وَلِهَذَا لَا يَرْتَدُّ بِرَدِّ مَنْ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى إسْقَاطِ الشُّفْعَةِ فَأَسْقَطَ لَا يَبْطُلُ حَقُّهُ فِي الشُّفْعَةِ وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ تَسْلِيمَ الشُّفْعَةِ لَيْسَ بِإِسْقَاطٍ مَحْضٍ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ إسْقَاطًا لَصَحَّ مَعَ الْإِكْرَاهِ اعْتِبَارًا بِعَامَّةِ الْإِسْقَاطَاتِ وَالْمَسْأَلَةُ فِي إكْرَاهِ الْمَبْسُوطِ. اهـ. وَعَلَيْهِ لَا يَصِحُّ التَّعْلِيقُ قَبْلَ الشِّرَاءِ كَمَا لَا يَصِحُّ التَّنْجِيزُ قَبْلَهُ وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِالْمَسْأَلَةِ مَعَ أَنَّهَا تَقَعُ كَثِيرًا لَكِنَّ الَّذِي يَظْهَرُ عَدَمُ صِحَّةِ التَّعْلِيقِ فِيهَا، وَأَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى الظَّفَرَ بِهَا فِي كَلَامِهِمْ فَهُوَ الْمُوَفِّقُ وَالْمُعِينُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَدْ فَاتَ الْمُصَنِّفُ الرَّهْنُ) فِيهِ أَنَّ الرَّهْنَ مَذْكُورٌ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِيمَا لَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ وَتَقَدَّمَ مَشْرُوحًا وَقَوْلُهُ وَفَاتَهُ أَيْضًا مَسْأَلَةُ الْإِسْلَامِ سَيَأْتِي عَنْ الْغَزِّيِّ أَنَّهُ دَاخِلٌ فِي الْإِقْرَارِ. (قَوْلُهُ: كَمَا فِي فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ نَقْلًا عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ مُحَمَّدٍ الْغَزِّيِّ الَّذِي فِي فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ سُئِلَ إذَا قَالَ ذِمِّيٌّ أَنَا مُسْلِمٌ أَوْ إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنَا مُسْلِمٌ ثُمَّ فَعَلَهُ أَوْ تَلَفَّظَ بِالشَّهَادَتَيْنِ لَا غَيْرَ هَلْ يَصِيرُ مُسْلِمًا أَجَابَ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كَذَا أَفْتَى عُلَمَاؤُنَا، ثُمَّ ذَكَرَ اخْتِيَارَهُ فِي ذَلِكَ فَلْيُرَاجَعْ. اهـ. وَهُوَ كَمَا لَا يَخْفَى لَا يُفِيدُ مَا ذَكَرَهُ شَيْخُنَا فَإِنَّ إفْتَاءَهُ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ لَيْسَ مَبْنَاهَا عَلَى التَّعْلِيقِ وَإِنَّمَا هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ قَوْلَ الذِّمِّيِّ أَنَا مُسْلِمٌ وَأَنَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ لَيْسَ بِإِسْلَامٍ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ التَّبَرِّي كَمَا عَلِمْت تَفَاصِيلَهُ فِي الْكُتُبِ الْمَبْسُوطَةِ وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ عَدَمُ صِحَّةِ تَعْلِيقِهِ بِالشَّرْطِ مِنْ قَوْلِهِمْ فِي الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ وَالْفَتَاوَى بِعَدَمِ صِحَّةِ تَعْلِيقِ الْإِقْرَارِ بِالشَّرْطِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَيَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْهِبَةَ إلَخْ) أَيْ يَرُدُّ عَلَى الشَّارِحِ الزَّيْلَعِيِّ وَكَانَ الْأَوْلَى تَقْدِيمَهُ عَلَى قَوْلِهِ وَقَدْ فَاتَ الْمُصَنِّفَ إلَخْ وَلَا يَصِحُّ إرْجَاعُ الضَّمِيرِ لِلْمُصَنِّفِ لِمَا قَدْ مَرَّ عَنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَنَّ مَا جَازَ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ لَا تُفْسِدُهُ الشُّرُوطُ الْفَاسِدَةُ وَالْمُصَنِّفُ عَدَّ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ مِمَّا لَا تُفْسِدُهُ الشُّرُوطُ الْفَاسِدَةُ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ جَوَازُ تَعْلِيقِهَا وَقَدْ مَرَّ أَيْضًا أَنَّ تَعْلِيقَ الْوَصِيَّةِ وَالْإِيصَاءِ جَائِزٌ وَكَذَا تَعْلِيقُ الْعَزْلِ عَنْ الْقَضَاءِ وَكَذَا تَعْلِيقُ الْحَوَالَةِ وَالْوَكَالَةِ فَهَذِهِ قَدْ فَاتَتْ الشَّارِحَ أَيْضًا وَذَكَرَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مِمَّا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ إذْنُ الْقِنِّ وَكَذَا تَعْلِيقُ النِّكَاحِ وَالْبَرَاءَةِ بِشَرْطٍ كَائِنٍ حَالٍّ، وَلَوْ قَالَ بِعْته إنْ رَضِيَ فُلَانٌ جَازَ الْبَيْعُ وَالشَّرْطُ. اهـ. لَكِنْ إذَا وَقَّتَهُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ كَمَا مَرَّ فَرَاجِعْهُ. [كِتَابُ الصَّرْفِ] الجزء: 6 ¦ الصفحة: 208 الْحَدِيثِ أَنْ يُزَادَ فِيهِ وَيَحْسُنَ مِنْ الصَّرْفِ فِي الدَّرَاهِمِ وَهُوَ فَضْلُ بَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ فِي الْقِيمَةِ وَكَذَلِكَ صَرْفُ الْكَلَامِ، وَأَمَّا الصَّرْفُ فِي الْحَدِيثِ «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا» فَالصَّرْفُ التَّوْبَةُ وَالْعَدْلُ الْفِدْيَةُ أَوْ هُوَ النَّافِلَةُ وَالْعَدْلُ الْفَرِيضَةُ أَوْ بِالْعَكْسِ أَوْ هُوَ الْوَزْنُ وَالْعَدْلُ الْكَيْلُ أَوْ هُوَ الِاكْتِسَابُ وَالْعَدْلُ الْفِدْيَةُ أَوْ الْحِيَلُ. اهـ. وَفِي الصِّحَاحِ يُقَالُ صَرَفْت الدَّرَاهِمَ بِالدَّنَانِيرِ وَبَيْنَ الدِّرْهَمَيْنِ صَرْفٌ أَيْ فَضْلٌ لِجَوْدَةِ فِضَّةِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ. اهـ. وَالثَّانِي: فِي مَعْنَاهُ فِي الشَّرِيعَةِ وَقَدْ أَفَادَ بِقَوْلِهِ (هُوَ بَيْعُ بَعْضِ الْأَثْمَانِ بِبَعْضٍ) كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ إذَا بِيعَ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ أَيْ بِيعَ مَا مِنْ جِنْسِ الْأَثْمَانِ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ وَإِنَّمَا فَسَّرْنَاهُ بِهِ وَلَمْ نُبْقِهِ عَلَى ظَاهِرِهِ لِيَدْخُلَ فِيهِ بَيْعُ الْمَصُوغِ بِالْمَصُوغِ أَوْ بِالنَّقْدِ فَإِنَّ الْمَصُوغَ بِسَبَبِ مَا اتَّصَلَ بِهِ مِنْ الصَّنْعَةِ لَمْ يَبْقَ ثَمَنًا صَرِيحًا وَلِهَذَا يَتَعَيَّنُ فِي الْعَقْدِ وَمَعَ ذَلِكَ بَيْعُهُ صَرْفٌ الثَّالِثُ فِي رُكْنِهِ فَمَا هُوَ رُكْنُ كُلِّ بَيْعٍ فَهُوَ رُكْنُهُ مِنْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ أَوْ التَّعَاطِي وَالرَّابِعُ فِي شَرَائِطِهِ فَأَرْبَعَةٌ، الْأَوَّلُ قَبْضُ الْبَدَلَيْنِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ بِالْأَبْدَانِ، الثَّانِي أَنْ يَكُونَ بَاتًّا لَا خِيَارَ فِيهِ فَإِنْ شُرِطَ فِيهِ خِيَارٌ وَأَبْطَلَهُ صَاحِبُهُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ صَحَّ وَبَعْدَهُ لَا، وَأَمَّا خِيَارُ الْعَيْبِ فَثَابِتٌ فِيهِ، وَأَمَّا خِيَارُ الرُّؤْيَةِ فَثَابِتٌ فِي الْعَيْنِ دُونَ الدَّيْنِ، وَإِذَا رَدَّهُ بِعَيْبٍ انْفَسَخَ الْعَقْدُ سَوَاءٌ رَدَّهُ فِي الْمَجْلِسِ أَوْ بَعْدَهُ وَإِنْ كَانَ دَيْنًا فَرَدَّهَا فِي الْمَجْلِسِ لَمْ يَنْفَسِخْ، فَإِذَا رَدَّ بَدَلَهُ بَقِيَ الصَّرْفُ وَإِنْ رَدَّ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ بَطَلَ وَتَمَامُهُ فِي الْبَدَائِعِ، الثَّالِثُ أَنْ لَا يَكُونَ بَدَلُ الصَّرْفِ مُؤَجَّلًا فَإِنْ أَبْطَلَ صَاحِبُ الْأَجَلِ الْأَجَلَ قَبْلَ التَّفَرُّقِ وَنَقَدَ مَا عَلَيْهِ ثُمَّ افْتَرَقَا عَنْ قَبْضٍ مِنْ الْجَانِبَيْنِ انْقَلَبَ جَائِزًا وَبَعْدَ التَّفَرُّقِ لَا، الرَّابِعُ التَّسَاوِي فِي الْوَزْنِ إنْ كَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَإِنْ تَبَايَعَا ذَهَبًا بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةً بِفِضَّةٍ مُجَازَفَةً لَمْ يَجُزْ فَإِنْ عَلِمَا التَّسَاوِيَ فِي الْمَجْلِسِ وَتَفَرَّقَا عَنْ قَبْضٍ صَحَّ، وَكَذَا لَوْ اقْتَسَمَا الْجِنْسَ مُجَازَفَةً لَمْ يَجُزْ إلَّا إذَا عُلِمَ التَّسَاوِي فِي الْمَجْلِسِ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ كَالْبَيْعِ، كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ. (قَوْلُهُ: فَلَوْ تَجَانَسَا شُرِطَ التَّمَاثُلِ وَالتَّقَابُضِ) أَيْ النَّقْدَانِ بِأَنْ بِيعَ أَحَدُهُمَا بِجِنْسِ الْآخَرِ فَلَا بُدَّ لِصِحَّتِهِ مِنْ التَّسَاوِي وَزْنًا وَمَنْ قَبَضَ الْبَدَلَيْنِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ، أَمَّا التَّسَاوِي فَقَدَّمْنَاهُ فِي بَابِ الرِّبَا وَلَوْ تَصَارَفَا جِنْسًا بِجِنْسٍ مِثْلًا بِمِثْلٍ وَتَقَابَضَا وَتَفَرَّقَا ثُمَّ زَادَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ شَيْئًا أَوْ حَطَّ عَنْهُ شَيْئًا وَقَبِلَهُ الْآخَرُ فَسَدَ الْبَيْعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ هُمَا بَاطِلَانِ وَالصَّرْفُ صَحِيحٌ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ الزِّيَادَةُ بَاطِلَةٌ وَالْحَطُّ جَائِزٌ بِمَنْزِلَةِ الْهِبَةِ الْمُسْتَقِلَّةِ، وَاخْتِلَافُهُمْ هَذَا فَرْعُ اخْتِلَافِهِمْ فِي أَنَّ الشَّرْطَ الْفَاسِدَ الْمُتَأَخِّرَ عَنْ الْعَقْدِ فِي الذِّكْرِ إذَا أُلْحِقَ بِهِ هَلْ يُلْتَحَقُ أَمْ لَا فَمِنْ أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الْتِحَاقُهُ وَيَفْسُدُ الْعَقْدُ، وَمِنْ أَصْلِهِمَا عَدَمُ الْتِحَاقِهِ فَطَرَدَهُ أَبُو يُوسُفَ هُنَا وَمُحَمَّدٌ فَرَّقَ بَيْنَ الزِّيَادَةِ وَالْحَطِّ وَلَوْ زَادَ أَوْ حَطَّ فِي صَرْفٍ بِخِلَافِ الْجِنْسِ جَازَ إجْمَاعًا لَكِنْ يُشْتَرَطُ قَبْضُ الزِّيَادَةِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ لِالْتِحَاقِهَا بِأَصْلِ الْعَقْدِ، وَلَوْ حَطَّ مُشْتَرِي الدِّينَارِ قِيرَاطًا مِنْهُ فَبَائِعُ الدِّينَارِ يَكُونُ شَرِيكًا لَهُ فِي الدِّينَارِ وَلَوْ زَادَ مُشْتَرِي السَّيْفِ الْمُحَلَّى دِينَارًا جَازَ وَلَا يُشْتَرَطُ قَبْضُهُ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ لِصَرْفِ الزِّيَادَةِ إلَى النَّصْلِ وَالْحَمَائِلِ وَتَمَامُهُ فِي الْبَدَائِعِ، وَأَمَّا التَّقَابُضُ فَالْمُرَادُ التَّقَابُضُ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ بِأَبْدَانِهِمَا بِأَنْ يَأْخُذَ هَذَا فِي جِهَةٍ وَهَذَا فِي جِهَةٍ فَإِنْ مَشَيَا مِيلًا أَوْ أَكْثَرَ وَلَمْ يُفَارِقْ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ فَلَيْسَا بِمُتَفَرِّقَيْنِ وَلَا يَبْطُلُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ بِخِلَافِ خِيَارِ الْمُخَيَّرَةِ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَتَفَرَّعَ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِكُلٍّ مِنْ رَجُلَيْنِ عَلَى صَاحِبِهِ دَيْنٌ فَأَرْسَلَ إلَيْهِ رَسُولًا فَقَالَ بِعْتُك الدَّنَانِيرَ الَّتِي لِي عَلَيْك بِالدَّرَاهِمِ الَّتِي لَك عَلَيَّ، وَقَالَ قَبِلْت فَهُوَ بَاطِلٌ لِأَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ لَا تَتَعَلَّقُ بِالرَّسُولِ بَلْ بِالْمُرْسِلِ وَهُمَا مُتَفَرِّقَانِ بِأَبْدَانِهِمَا، وَكَذَا لَوْ نَادَى أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ مِنْ وَرَاءَ جِدَارٍ أَوْ نَادَاهُ مِنْ بَعِيدٍ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُمَا مُفْتَرِقَانِ بِأَبْدَانِهِمَا وَالْمُعْتَبَرُ افْتِرَاقُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ سَوَاءٌ كَانَا مَالِكَيْنِ أَوْ نَائِبَيْنِ كَالْأَبِ وَالْوَصِيِّ وَالْوَكِيلِ لِأَنَّ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: فَإِنْ عُلِمَ التَّسَاوِي إلَخْ) وَفِي الْكِفَايَةِ الْعِلْمُ بِتَسَاوِيهِمَا حَالَةَ الْعَقْدِ شَرْطُ صِحَّتِهِ حَتَّى لَوْ تَبَايَعَا ذَهَبًا بِذَهَبٍ مُجَازَفَةً وَافْتَرَقَا بَعْدَ التَّقَابُضِ ثُمَّ عَلِمَا بِالْوَزْنِ أَنَّهُمَا كَانَا مُتَسَاوِيَيْنِ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ وَابْنِ مَالِكٍ عَلَى شَرْحِ الْمَجْمَعِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 209 الْقَبْضَ مِنْ حُقُوقِ الْعَقْدِ وَحُقُوقُهُ مُتَعَلِّقَةٌ بِهِمَا وَلَا اعْتِبَارَ بِالْمَجْلِسِ إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ وَهِيَ مَا إذَا قَالَ الْأَبُ اشْهَدُوا أَنِّي اشْتَرَيْت هَذَا الدِّينَارَ مِنْ ابْنِي الصَّغِيرِ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ ثُمَّ قَامَ قَبْلَ أَنْ يَزِنَ الْعَشَرَةَ فَهُوَ بَاطِلٌ، كَذَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ لِأَنَّ الْأَبَ هُوَ الْعَاقِدُ فَلَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ التَّفَرُّقِ بِالْأَبْدَانِ فَيُعْتَبَرُ الْمَجْلِسُ، كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَفِي الذَّخِيرَةِ لَوْ وَكَّلَ وَكِيلَيْنِ فِي الصَّرْفِ فَتَصَارَفَا ثُمَّ ذَهَبَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ وَقَبَضَ الْآخَرُ بَطَلَ فِي حِصَّةِ الذَّاهِبِ فَقَطْ كَالْمَالِكَيْنِ إذَا قَبَضَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يَقْبِضْ الْآخَرُ بِخِلَافِ الْوَكِيلَيْنِ بِقَبْضِ الدَّيْنِ إذَا قَبَضَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ لَمْ يَجُزْ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَتَفَرَّعَ عَلَى اشْتِرَاطِ الْقَبْضِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْإِبْرَاءُ عَنْ بَدَلِ الصَّرْفِ وَلَا هِبَتُهُ وَالتَّصَدُّقُ بِهِ فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يَصِحَّ بِدُونِ قَبُولِ الْآخَرِ فَإِنْ قَبِلَ انْتَقَضَ الصَّرْفُ وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ وَلَمْ يُنْتَقَضْ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْفَسْخِ فَلَا يَصِحُّ إلَّا بِتَرَاضِيهِمَا فَلَوْ أَبَى الْوَاهِبُ أَنْ يَأْخُذَ مَا وُهِبَ أُجْبِرَ عَلَى الْقَبْضِ وَتَفَرَّعَ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ بِبَدَلِ الصَّرْفِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَسَيَأْتِي، وَعَلَى هَذَا تَتَخَرَّجُ الْمُقَاصَّةُ فِي ثَمَنِ الصَّرْفِ إذَا وَجَبَ الدَّيْنُ بِعَقْدٍ مُتَأَخِّرٍ عَنْ عَقْدِ الصَّرْفِ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ قِصَاصًا بِبَدَلِ الصَّرْفِ وَإِنْ تَرَاضَيَا بِذَلِكَ، وَقَدْ مَرَّ فِي السَّلَمِ وَلَوْ قَبَضَ بَدَلَ الصَّرْفِ ثُمَّ انْتَقَضَ الْقَبْضُ فِيهِ لِمَعْنًى أَوْجَبَ انْتِقَاضُهُ أَنْ يَبْطُلَ الصَّرْفُ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي السَّلَمِ وَتَمَامُهُ فِي الْبَدَائِعِ ثُمَّ إنْ اُسْتُحِقَّ أَحَدُ بَدَلَيْ الصَّرْفِ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ فَإِنْ أَجَازَ الْمُسْتَحِقُّ وَالْبَدَلُ قَائِمٌ أَوْ ضَمِنَ النَّاقِدُ وَهُوَ هَالِكٌ جَازَ الصَّرْفُ وَإِنْ اسْتَرَدَّهُ وَهُوَ قَائِمٌ أَوْ ضَمِنَ الْقَابِضُ قِيمَتَهُ وَهُوَ هَالِكٌ بَطَلَ الصَّرْفُ، كَذَا فِي الْبَدَائِعِ قَيَّدْنَا التَّمَاثُلَ مِنْ حَيْثُ الْوَزْنِ لِأَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِهِ عَدَدًا، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ اخْتَلَفَا جَوْدَةً وَصِيَاغَةً) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ» إلَى أَنْ قَالَ «مِثْلًا بِمِثْلٍ سَوَاءً بِسَوَاءٍ يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَا مِمَّا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ كَالْمَصُوغِ وَالتِّبْرِ أَوْ لَا يَتَعَيَّنَانِ كَالْمَضْرُوبِ أَوْ يَتَعَيَّنُ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ وَفِي الذَّخِيرَةِ مِنْ الْبُيُوعِ مِنْ الْفَصْلِ السَّادِسِ، وَإِذَا بَاعَ دِرْهَمًا كَبِيرًا بِدِرْهَمٍ صَغِيرٍ أَوْ دِرْهَمًا جَيِّدًا بِدِرْهَمٍ رَدِيءٍ يَجُوزُ لِأَنَّ لَهُمَا فِيهِ غَرَضًا صَحِيحًا، فَأَمَّا إذَا كَانَا مُسْتَوِيَيْنِ فِي الْقَدْرِ وَالصِّفَةِ فَبَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ هَلْ يَجُوزُ وَهَلْ يَصِيرُ مِثْلُهُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ اخْتَلَفُوا بَعْضُهُمْ قَالُوا لَا يَجُوزُ وَأَشَارَ إلَيْهِ مُحَمَّدٌ فِي الْكِتَابِ وَبِهِ كَانَ يُفْتِي أَبُو حَاتِمٍ الْإِمَامُ أَبُو أَحْمَدَ. اهـ. قَيَّدَ إسْقَاطَ الصِّفَةِ بِالْأَثْمَانِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ بَاعَ إنَاءً نُحَاسًا بِإِنَاءٍ نُحَاسٍ أَحَدُهُمَا أَثْقَلُ مِنْ الْآخَرِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَزْنًا مَعَ أَنَّ النُّحَاسَ وَغَيْرَهُ مِمَّا يُوزَنُ مِنْ الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ أَيْضًا وَذَلِكَ لِأَنَّ صِفَة الْوَزْنِ فِي النَّقْدَيْنِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا فَلَا يَتَغَيَّرُ بِالصَّنْعَةِ وَلَا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ مَوْزُونًا بِتَعَارُفِ جَعْلِهِ عَدَدِيًّا لَوْ تُعُورِفَ ذَلِكَ بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا فَإِنَّ الْوَزْنَ فِيهِ بِالتَّعَارُفِ فَيَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ مَوْزُونًا بِتَعَارُفِ عَدَدِيَّتِهِ إذَا صِيَغَ وَصُنِعَ وَكَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي الذَّخِيرَةِ حَتَّى قَالُوا لَوْ اعْتَادُوا بَيْعَ الْأَوَانِي الْمُتَّخَذَةِ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بِالْوَزْنِ لَا بِالْعَدَدِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِغَيْرِ الْمَصْنُوعِ مِنْ جِنْسِهِ إلَّا مُتَسَاوِيًا وَزْنًا، وَإِذَا تَعَامَلُوا بَيْعَهَا عَدًّا لَا وَزْنًا يَجُوزُ بَيْعُ الْوَاحِدِ بِالِاثْنَيْنِ اهـ. وَفِي الْقَامُوسِ الْجَيِّدِ كَكَيِّسٍ ضِدِّ الرَّدِيءِ وَالْجَمْعُ جِيَادٌ وَجِيَادَاتٌ وَجَيَايِدُ وَجَادَ يَجُودُ جَوْدَةً صَارَ جَيِّدًا اهـ. وَفِيهِ وَالصِّيَاغَةُ بِالْكَسْرِ حِرْفَةُ الصَّائِغِ اهـ. قَوْلُهُ (وَإِلَّا شُرِطَ التَّقَابُضُ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَتَجَانَسَا يُشْتَرَطُ التَّقَابُضُ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ دُونَ التَّمَاثُلِ لِمَا رَوَيْنَاهُ مِنْ الْحَدِيثِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْمِعْرَاجِ مَعْزِيًّا إلَى فَوَائِدِ الْقُدُورِيِّ الْمُرَادُ بِالْقَبْضِ هُنَا الْقَبْضُ بِالْبَرَاجِمِ لَا بِالتَّخْلِيَةِ يُرِيدُ بِالْيَدِ. اهـ. ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي الْقَبْضِ فَقِيلَ شَرْطُ انْعِقَادِهِ صَحِيحًا فَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا بُدَّ مِنْ الْقِرَانِ أَوْ التَّقَدُّمِ وَالْقَبْضُ مُتَأَخِّرٌ فَكَانَ حُكْمًا لَهُ لَا شَرْطًا وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْوُجُودَ فِي الْمَجْلِسِ جُعِلَ مُقَارِنًا لِلْعَقْدِ حُكْمًا وَالصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ أَنَّهُ شَرْطُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَزْنًا) عِبَارَةُ الْفَتْحِ حَيْثُ يَجُوزُ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ وَإِنْ تَفَاضَلَا وَزْنًا مَعَ أَنَّ النُّحَاسَ إلَخْ فَالصَّوَابُ إسْقَاطُ قَوْلِهِ وَزْنًا وَالِاقْتِصَارُ عَلَى قَوْلِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 210 بَقَائِهِ عَلَى الصِّحَّةِ لَا شَرْطُ انْعِقَادِهِ وَقَدْ أَشَارَ مُحَمَّدٌ إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا، كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ وَيَدُلُّ عَلَى الثَّانِي قَوْلُهُ فَإِنْ تَفَرَّقَا قَبْلَ الْقَبْضِ بَطَلَ فَلَوْلَا أَنَّهُ مُنْعَقِدٌ مَا بَطَلَ بِالِافْتِرَاقِ، كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا ظَهَرَ الْفَسَادُ فِيمَا هُوَ صَرْفٌ فَهَلْ يَفْسُدُ فِيمَا لَيْسَ بِصَرْفٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَعَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ يَتَعَدَّى الْفَسَادُ وَعَلَى الْأَصَحِّ لَا يَتَعَدَّى، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقَيَّدَ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِأَنَّهُ لَوْ بَاعَ فِضَّةً بِفُلُوسٍ أَوْ ذَهَبٍ بِفُلُوسٍ فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ قَبْضُ أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ لَا قَبَضَهُمَا، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَقَدَّمْنَاهُ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي بَابِ الرِّبَا وَصَحَّ بَيْعُ الْفَلْسِ بِالْفَلْسَيْنِ، وَفِي الذَّخِيرَةِ إذَا غَصَبَ قَلْبَ فِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ ثُمَّ اسْتَهْلَكَهُ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ مَصُوغًا مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ فَإِنْ تَفَرَّقَا قَبْلَ قَبْضِ الْقِيمَةِ جَازَ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ؛ لِأَنَّهُ صَرْفٌ وَعِنْدَنَا هُوَ صَرْفٌ حُكْمًا لِلضَّمَانِ الْوَاجِبِ بِالْغَصْبِ لَا مَقْصُودًا فَلَا يُشْتَرَطُ لَهُ الْقَبْضُ سَوَاءٌ كَانَ وُجُوبُ الْقِيمَةِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي أَوْ بِالصُّلْحِ، وَلَوْ اشْتَرَى الْمُودِعُ الْوَدِيعَةَ الدَّرَاهِمَ بِدَنَانِيرَ وَقُبِضَ الدَّنَانِيرُ وَافْتَرَقَا قَبْلَ أَنْ يُجَدِّدَ الْمُودِعُ قَبْضًا فِي الْوَدِيعَةِ بَطَلَ الصَّرْفُ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ مَغْصُوبَةً لِأَنَّ قَبْضَ الْغَصْبِ يَنُوبُ عَنْ قَبْضِ الشِّرَاءِ بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ اهـ. قَوْلُهُ (فَلَوْ بَاعَ الذَّهَبَ بِالْفِضَّةِ مُجَازَفَةً صَحَّ إنْ تَقَابَضَا فِي الْمَجْلِسِ) لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ هُوَ الْقَبْضُ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ دُونَ التَّسْوِيَةِ لِمَا رَوَيْنَا فَلَا يَضُرُّهُ الْجُزَافُ وَلَوْ افْتَرَقَا قَبْلَ قَبْضِهِمَا أَوْ قَبْضِ أَحَدِهِمَا بَطَلَ لِفَوَاتِ الشَّرْطِ قَيَّدَ بِبَيْعِ الْجِنْسِ بِخِلَافِ الْجِنْسِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ بَاعَ الْجِنْسَ بِالْجِنْسِ مُجَازَفَةً فَإِنْ عَلِمَا تَسَاوِيهِمَا قَبْلَ الِافْتِرَاقِ صَحَّ وَبَعْدَهُ لَا. (قَوْلُهُ: وَلَا يَصِحُّ التَّصَرُّفُ فِي ثَمَنِ الصَّرْفِ قَبْلَ قَبْضِهِ فَلَوْ بَاعَ دِينَارًا بِدَرَاهِمَ ثُمَّ اشْتَرَى بِهَا ثَوْبًا فَسَدَ الْبَيْعُ فِي الثَّوْبِ) أَيْ فِي أَحَدِ بَدَلَيْ الصَّرْفِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا ثَمَنٌ فَلَا تَجُوزُ هِبَتُهُ وَلَا صَدَقَتُهُ وَلَا بِبَيْعِ شَيْءٍ بِهِ وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ إنْ وَهَبَ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ أَوْ أَبْرَأَهُ فَإِنْ قَبِلَ الْآخَرُ انْفَسَخَ الصَّرْفُ لِتَعَذُّرِ وُجُودِ الْقَبْضِ وَإِلَّا فَلَا، وَأَمَّا الْبَيْعُ فَصُورَتُهُ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بَاعَ دِينَارًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَلَمْ يَقْبِضْهَا حَتَّى اشْتَرَى بِهَا ثَوْبًا أَوْ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا فَالْبَيْعُ فِي الثَّوْبِ فَاسِدٌ لِأَنَّ قَبْضَ الْعَشَرَةِ مُسْتَحَقٌّ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى فَلَا يَسْقُطُ بِإِسْقَاطِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَلَمْ يَجُزْ بَيْعُ الثَّوْبِ وَالصَّرْفُ عَلَى حَالِهِ يَقْبِضُ بَدَلَهُ مِنْ عَاقِدِهِ مَعَهُ، وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ فَسَادَ الصَّرْفِ حِينَئِذٍ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَصِحَّةُ بَيْعِ الثَّوْبِ حَقُّ الْعَبْدِ فَتَعَارَضَا فَيُقَدَّمُ حَقُّ الْعَبْدِ لِتَفَضُّلِ اللَّهِ بِذَلِكَ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ بَعْدَ ثُبُوتِ الْحَقَّيْنِ وَلَمْ يَثْبُتْ حَقُّ الْعَبْدِ بَعْدُ لِأَنَّهُ يُفَوِّتُ حَقَّ اللَّهِ بَعْدَ تَحَقُّقِهِ فَيَمْتَنِعُ لَا أَنَّهُ يَرْتَفِعُ وَقَدْ نُقِلَ عَنْ زُفَرَ صِحَّةُ بَيْعِ الثَّوْبِ لِأَنَّ الثَّمَنَ فِي بَيْعِهِ لَمْ يَتَعَيَّنْ كَوْنُهُ بَدَلَ الصَّرْفِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَتَعَيَّنُ فَإِضَافَةُ الْعَقْدِ إلَى بَدَلِ الصَّرْفِ كَعَدَمِ إضَافَتِهِ فَيَجُوزُ شِرَاءُ ثَوْبٍ بِدَرَاهِمَ لَمْ يَصِفْهَا وَجَوَابُهُ أَنَّ قَبْضَ بَدَلِ الصَّرْفِ وَاجِبٌ وَالِاسْتِبْدَالُ يُفَوِّتُهُ فَكَانَ شَرْطُ إيفَاءِ ثَمَنِ الثَّوْبِ مِنْ بَدَلِ الصَّرْفِ شَرْطًا فَاسِدًا فَيَمْتَنِعُ الْجَوَازُ، وَقَدْ رَجَّحَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُمْ قَرَّرُوا هُنَا كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ أَنَّ الْبَدَلَيْنِ فِي بَابِ الصَّرْفِ كُلٌّ مِنْهُمَا ثَمَنٌ قَبْلَ الْعَقْدِ وَحَالَتُهُ فَلَا يُشْتَرَطُ وُجُودُهَا فِي مِلْكِ الْمُتَصَارِفَيْنِ وَلَا يَتَعَيَّنَانِ بِالْإِشَارَةِ وَمُثْمَنٌ مِنْ وَجْهٍ بَعْدَ الْعَقْدِ ضَرُورَةَ أَنَّ الْعَقْدَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُثْمَنٍ فَلَا يَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ بِأَحَدِهِمَا قَبْلَ الْقَبْضِ لِكَوْنِهِ بَيْعَ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ إلَى آخِرِهِ وَبِهِ انْدَفَعَ تَرْجِيحُ ابْنِ الْهُمَامِ قَوْلَ زُفَرَ كَمَا لَا يَخْفَى، وَفِي الذَّخِيرَةِ إذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ أَلْفَ دِرْهَمٍ بِعَيْنِهَا بِمِائَةِ دِينَارٍ وَالدَّرَاهِمُ بِيضٌ فَأَعْطَاهُ مَكَانَهَا سُودًا أَوْ رَضِيَ بِهَا الْبَائِعُ جَازَ ذَلِكَ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِاسْتِبْدَالٍ وَالسُّودُ وَالْبِيضُ مِنْ الدَّرَاهِمِ جِنْسٌ وَاحِدٌ وَإِنَّمَا أَبْرَأَهُ عَنْ صِفَةِ الْجَوْدَةِ حِينَ تَجُوزُ بِالسُّودِ فَكَانَ مُسْتَوْفِيًا بِهَذِهِ الطَّرِيقِ لَا مُسْتَبْدِلًا، قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَمُرَادُهُ مِنْ السُّودِ الدَّرَاهِمُ الْمَضْرُوبَةُ مِنْ النُّقُودِ السُّودِ لَا الدَّرَاهِمُ الْبُخَارِيَّةُ لِأَنَّ أَخْذَ الْبُخَارِيَّةِ مَكَانَ الدَّرَاهِمِ الْبِيضِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ اسْتِبْدَالًا لِاخْتِلَافِ   [منحة الخالق] [التَّصَرُّفُ فِي ثَمَنِ الصَّرْفِ قَبْلَ قَبْضِهِ] (قَوْلُهُ: وَقَدْ نُقِلَ عَنْ زُفَرَ إلَخْ) قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهَذَا عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ أَنَّ النُّقُودَ لَا تَتَعَيَّنُ فِي الْبِيَاعَاتِ، فَأَمَّا عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى عَنْهُ فَيَجِبُ أَنْ لَا يَصِحَّ بَيْعُ الثَّوْبِ كَقَوْلِنَا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَبِهِ انْدَفَعَ تَرْجِيحُ ابْنِ الْهُمَامِ إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ فَإِنَّ الْمُحَقِّقَ قَدْ أَجَابَ عَنْ هَذَا وَكَأَنَّ الْمُؤَلِّفَ لَمْ يُكْمِلْ النَّظَرَ عِبَارَتُهُ ثُمَّ رَأَيْت صَاحِبَ النَّهْرِ لَخَّصَ جَوَابَ الْمُحَقِّقِ وَاعْتَرَضَ كَلَامَ الْمُؤَلِّفِ حَيْثُ قَالَ وَلَا يَخْفَى أَنَّ زُفَرَ إنَّمَا قَالَ يَجُوزُ الْبَيْعُ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ تَعَيُّنِ بَدَلِ الصَّرْفِ ثَمَنًا فَجَازَ أَنْ يُعْطَى مِنْ غَيْرِهِ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَقُولُ بِعَدَمِ جَوَازِ بَيْعِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِذَا قَالَ بِصِحَّةِ هَذَا الْبَيْعِ لِمَا قُلْنَاهُ كَانَ بِالضَّرُورَةِ قَائِلًا بِأَنَّ الْبَيْعَ انْعَقَدَ مُوجِبًا دَفْعَ مِثْلِهِ وَتَكُونُ تَسْمِيَتُهُ بَدَلَ الصَّرْفِ تَقْدِيرًا لِلثَّمَنِ سَوَاءٌ سَمَّيْته بَيْعًا أَوْ ثَمَنًا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 211 الْجِنْسِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَبَضَ مُشْتَرِي الدَّرَاهِمِ الدَّرَاهِمَ فَأَرَادَ أَنْ يُعْطِيَ ضَرْبًا آخَرَ مِنْ الدَّنَانِيرِ سِوَى مَا شَرَطَ لَا يَجُوزُ إلَّا بِرِضَا صَاحِبِهِ، وَإِذَا رَضِيَ بِهِ صَاحِبُهُ كَانَ مُسْتَوْفِيًا لَا مُسْتَبْدِلًا لِكَوْنِ الْجِنْسِ وَاحِدًا قِيلَ هَذَا إذَا أَعْطَى ضَرْبًا دُونَ الْمُسَمَّى فَأَمَّا إذَا أَعْطَاهُ ضَرْبًا فَوْقَ الْمُسَمَّى فَلَا حَاجَةَ إلَى رِضَا صَاحِبِهِ. اهـ. وَقَدَّمْنَا جَوَازَ الرَّهْنِ بِبَدَلِ الصَّرْفِ فَإِنْ هَلَكَ وَهُمَا فِي الْمَجْلِسِ هَلَكَ بِمَا فِيهِ وَجَازَ الْعَقْدُ وَإِنْ هَلَكَ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ بَطَلَ الصَّرْفُ وَلَا يَكُونُ مُسْتَوْفِيًا وَقَدَّمْنَا جَوَازَ الْحَوَالَةِ وَالْكَفَالَةِ بِهِ فَإِنْ سَلَّمَ الْكَفِيلُ أَوْ الْأَصِيلُ أَوْ الْمُحَالُ عَلَيْهِ فِي الْمَجْلِسِ صَحَّ وَإِنْ افْتَرَقَ الْمُتَعَاقِدَانِ بَطَلَ وَإِنْ بَقِيَ الْكَفِيلُ أَوْ الْمُحَالُ عَلَيْهِ لِأَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ إنَّمَا تَتَعَلَّقُ بِالْمُتَعَاقِدِينَ، كَذَا فِي شَرْحِ السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ. قَوْلُهُ (وَلَوْ بَاعَ أَمَةً مَعَ طَوْقٍ قِيمَةُ كُلٍّ أَلْفٌ بِأَلْفَيْنِ وَنَقَدَ مِنْ الثَّمَنِ أَلْفًا فَهُوَ ثَمَنُ الطَّوْقِ وَإِنْ اشْتَرَاهَا بِأَلْفَيْنِ أَلْفٌ نَقْدٌ وَأَلْفٌ نَسِيئَةٌ فَالنَّقْدُ ثَمَنُ الطَّوْقِ) لِأَنَّ حِصَّةَ الطَّوْقِ يَجِبُ قَبْضُهَا فِي الْمَجْلِسِ لِكَوْنِهِ بَدَلَ الصَّرْفِ وَالظَّاهِرُ مِنْهُمَا الْإِتْيَانُ بِالْوَاجِبِ فَيُصْرَفُ الْمُتَأَخِّرُ إلَى الْجَارِيَةِ وَالْمَقْبُوضُ وَالْحَالُّ إلَى الطَّوْقِ إحْسَانًا لِلظَّنِّ بِالْمُسْلِمِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ خُذْ مِنْهُمَا صَرْفًا إلَى الطَّوْقِ وَصَحَّ الْبَيْعُ فِيهِمَا تَحَرِّيًا لِلْجَوَازِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ صَرَّحَ فَقَالَ خُذْ هَذِهِ الْأَلْفَ مِنْ ثَمَنِ الْجَارِيَةِ فَإِنَّ الظَّاهِرَ حِينَئِذٍ عَارَضَهُ التَّصْرِيحُ بِخِلَافِهِ، فَإِذَا قَبَضَهُ ثُمَّ افْتَرَقَا بَطَلَ فِي الطَّوْقِ كَمَا إذَا لَمْ يَقْبِضْهُ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقَيَّدَ بِتَأْجِيلِ الْبَعْضِ لِأَنَّهُ لَوْ أَجَّلَ الْكُلَّ فَسَدَ الْبَيْعُ فِي الْكُلِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا يَفْسُدُ فِي الطَّوْقِ دُونَ الْجَارِيَةِ لِأَنَّ الْقَبْضَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي حِصَّتِهَا فَيَتَقَدَّرُ الْفَسَادُ بِقَدْرِهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْفَسَادَ مُقَارِنٌ فَيَتَعَدَّى إلَى الْجَمِيعِ كَمَا لَوْ جَمَعَ بَيْنَ عَبْدٍ وَحُرٍّ فِي الْبَيْعِ بِخِلَافِ الْفَسَادِ فِي الْأُولَى فَإِنَّهُ طَارِئٌ فَلَا يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهِ، وَقَدْ اعْتَرَضَ الشَّارِحُ عَلَى الْمُؤَلِّفِ بِالتَّسَامُحِ فِي عِبَارَتِهِ بِأَنَّهُ ذَكَرَ الْقِيمَةَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا وَلَا تُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ فِي الطَّوْقِ وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ الْقَدْرُ حِينَ الْمُقَابَلَةِ بِالْجِنْسِ وَكَذَا لَا حَاجَةَ إلَى بَيَانِ قِيمَةِ الْجَارِيَةِ لِأَنَّ قَدْرَ الطَّوْقِ مُقَابَلٌ بِهِ وَالْبَاقِي بِالْجَارِيَةِ قَلَّتْ قِيمَتُهَا أَوْ كَثُرَتْ فَلَا فَائِدَةَ فِي بَيَانِ قِيمَتِهَا إلَّا إذَا قُدِّرَ أَنَّ الثَّمَنَ بِخِلَافِ جِنْسِ الطَّوْقِ فَحِينَئِذٍ يُفِيدُ بَيَانَ قِيمَتِهَا؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ يَنْقَسِمُ عَلَيْهِمَا عَلَى قَدْرِ قِيمَتِهِمَا اهـ. وَقَدْ أَجَابَ الْعَيْنِيُّ بِمَا لَا طَائِلَ تَحْتَهُ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَقَدْ وَقَعَ الْإِفْرَاطُ فِي تَصْوِيرِ الْمَسْأَلَةِ حَيْثُ جُعِلَ طَوْقُهَا أَلْفَ مِثْقَالِ فِضَّةٍ فَإِنَّهُ عَشَرَةُ أَرْطَالٍ بِالْمِصْرِيِّ وَوَضْعُ هَذَا الْمِقْدَارِ فِي الْعُنُقِ بَعِيدٌ عَنْ الْعَادَةِ بَلْ نَوْعُ تَعْذِيبٍ وَكَوْنُ قِيمَتِهَا مَعَ مِقْدَارِ الطَّوْقِ مُتَسَاوِيَيْنِ لَيْسَ بِشَرْطٍ بَلْ الْأَصْلُ أَنَّهُ إذَا بِيعَ نَقْدٌ مَعَ غَيْرِهِ بِنَقْدٍ مِنْ جِنْسِهِ لَا بُدَّ أَنْ يَزِيدَ الثَّمَنُ عَلَى النَّقْدِ الْمَضْمُومِ إلَيْهِ اهـ. [بَاعَ سَيْفًا حِلْيَتُهُ خَمْسُونَ بِمِائَةٍ وَنَقَدَ خَمْسِينَ] قَوْلُهُ (وَمَنْ بَاعَ سَيْفًا حِلْيَتُهُ خَمْسُونَ بِمِائَةٍ وَنَقَدَ خَمْسِينَ فَهِيَ حِصَّتُهَا وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ أَوْ قَالَ مِنْ ثَمَنِهِمَا) أَمَّا إذَا لَمْ يُبَيِّنْ فَلِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ أَمْرَهُمَا يُحْمَلُ عَلَى الصَّلَاحِ، وَأَمَّا إذَا قَالَ خُذْ هَذَا مِنْ ثَمَنِهِمَا فَلِأَنَّ التَّثْنِيَةَ قَدْ يُرَادُ بِهَا الْوَاحِدُ مِنْهُمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {نَسِيَا حُوتَهُمَا} [الكهف: 61] وَالنَّاسِي أَحَدُهُمَا، وَقَالَ تَعَالَى {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} [الرحمن: 22] وَالْمُرَادُ أَحَدُهُمَا وَفِي الْحَدِيثِ فَأَذِّنَا وَأَقِيمَا وَالْمُرَادُ أَحَدُهُمَا فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ لِظَاهِرِ حَالِهِمَا بِالْإِسْلَامِ وَنَظِيرُهُ فِي الْفِقْهِ إذَا حِضْتُمَا حَيْضَةً أَوْ وَلَدْتُمَا وَلَدًا عُلِّقَ بِأَحَدِهِمَا لِلِاسْتِحَالَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَذْكُرْ الْمَفْعُولَ بِهِ لِلْإِمْكَانِ وَقَدْ فَاتَهُ صُورَتَانِ الْأُولَى أَنْ يُبَيِّنَ وَيَقُولَ خُذْ هَذَا نِصْفُهُ مِنْ ثَمَنِ الْحِلْيَةِ وَنِصْفُهُ مِنْ ثَمَنِ السَّيْفِ، الثَّانِيَةُ أَنْ يَجْعَلَ الْكُلَّ مِنْ ثَمَنِ السَّيْفِ وَفِيهِمَا يَكُونُ الْمَقْبُوضُ ثَمَنَ الْحِلْيَةِ لِأَنَّهُمَا شَيْءٌ وَاحِدٌ فَيُجْعَلُ عَنْ الْحِلْيَةِ لِحُصُولِ مُرَادِهِ هَكَذَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَفِي الْمِعْرَاجِ مَعْزِيًّا إلَى الْمَبْسُوطِ لَوْ قَالَ خُذْ هَذِهِ الْخَمْسِينَ مِنْ ثَمَنِ السَّيْفِ خَاصَّةً، وَقَالَ الْآخَرُ نَعَمْ أَوْ قَالَ لَا وَتَفَرَّقَا   [منحة الخالق] إنَّمَا يَلْزَمُ بَيْعُ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ إذَا لَزِمَ بِتَسْمِيَتِهِ بِعَيْنِهِ وَلَيْسَ هُنَا هَكَذَا فَبُطْلَانُ بَيْعِ الثَّوْبِ مُطْلَقًا كَمَا هُوَ الْمَذْهَبُ مُشْكِلٌ هَذَا حَاصِلُ مَا فِي الْفَتْحِ وَفِيهِ تَرْجِيحٌ لِقَوْلِ زُفَرَ وَدَفَعَهُ فِي الْبَحْرِ بِمَا لَا يَصْلُحُ دَفْعًا حَذَفْنَاهُ خَوْفَ الْإِطَالَةِ بِلَا فَائِدَةٍ. [بَاعَ أَمَةً مَعَ طَوْقٍ قِيمَةُ كُلٍّ أَلْفٌ بِأَلْفَيْنِ وَنَقَدَ مِنْ الثَّمَنِ أَلْفًا] (قَوْلُهُ: وَفِي الْمِعْرَاجِ مَعْزِيًّا إلَى الْمَبْسُوطِ إلَخْ) أَقُولُ: وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ، وَإِذَا اشْتَرَى قَلْبًا بِعَشْرَةِ دَرَاهِمَ وَفِيهِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَقَبَضَ الْقَلْبَ وَغَصَبَهُ الْآخَرُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ ثُمَّ افْتَرَقَا فَهِيَ قِصَاصٌ بِثَمَنِ الْقَلْبِ وَإِنْ تَفَرَّقَا عَلَى غَيْرِ رِضًا وَكَذَلِكَ الْقَرْضُ، وَلَوْ اشْتَرَى الْقَلْبَ مَعَ ثَوْبٍ بِعِشْرِينَ دِرْهَمًا وَقَبَضَ الْقَلْبَ وَنَقَدَهُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ ثُمَّ تَفَرَّقَا جَعَلْت مَا نَقَدَهُ ثَمَنَ الْقَلْبِ اسْتِحْسَانًا وَلَوْ نَقَدَهُ الْعَشَرَةَ فَقَالَ هِيَ مِنْ ثَمَنِهِمَا جَمِيعًا فَهُوَ مِثْلُ الْأَوَّلِ فَإِنْ قَالَ مِنْ ثَمَنِ الثَّوْبِ خَاصَّةً، وَقَالَ الْآخَرُ نَعَمْ أَوْ قَالَ لَا وَتَفَرَّقَا عَلَى ذَلِكَ انْتَقَضَ الْبَيْعُ فِي الْقَلْبِ؛ لِأَنَّ الدَّفْعَ يَجْعَلُهَا قَضَاءً مِنْ أَيِّهِمَا شَاءَ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الثَّمَنُ دِينَارًا وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَى سَيْفًا مُحَلَّى بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَحِلْيَتُهُ خَمْسُونَ دِرْهَمًا فَقَبَضَ السَّيْفَ وَنَقَدَهُ خَمْسِينَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 212 عَلَى ذَلِكَ انْتَقَضَ الْبَيْعُ فِي الْحِلْيَةِ؛ لِأَنَّ التَّرْجِيحَ بِالِاسْتِحْقَاقِ عِنْدَ الْمُسَاوَاةِ فِي الْعَقْدِ أَوْ الْإِضَافَةِ وَلَا مُسَاوَاةَ بَعْدَ تَصْرِيحِ الدَّافِعِ بِكَوْنِ الْمَدْفُوعِ ثَمَنَ السَّيْفِ خَاصَّةً وَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُمَلِّكُ فَالْقَوْلُ لَهُ فِي بَيَانِ جِهَتِهِ. اهـ. وَهَكَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَلَوْ قَالَ هَذَا الَّذِي عَجَّلْته حِصَّةُ السَّيْفِ كَانَ عَنْ الْحِلْيَةِ وَجَازَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ السَّيْفَ اسْمٌ لِلْحِلْيَةِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا تَدْخُلُ فِي بَيْعِهِ تَبَعًا، وَلَوْ قَالَ هَذَا مِنْ ثَمَنِ الْجَفْنِ وَالنَّصْلِ خَاصَّةً فَسَدَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِذَلِكَ وَأَزَالَ الِاحْتِمَالَ فَلَمْ يُمْكِنْ حَمْلُهُ عَلَى الصِّحَّةِ اهـ. وَيُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بِأَنْ يُحْمَلَ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ عَلَى مَا إذَا قَالَ مِنْ ثَمَنِ السَّيْفِ وَلَمْ يَقُلْ خَاصَّةً فَيُوَافِقُ مَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ، وَأَمَّا مَا فِي الْمَبْسُوطِ وَإِنَّمَا قَالَ خَاصَّةً وَحِينَئِذٍ كَأَنَّهُ قَالَ خُذْ هَذَا عَنْ النَّصْلِ فَلْيَتَأَمَّلْ وَسَيَتَّضِحُ بَعْدُ، قَيَّدَ بِقَوْلِهِ بِمِائَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ بَاعَهُ بِخَمْسِينَ أَوْ بِأَقَلَّ مِنْهَا لَمْ يَجُزْ لِلرِّبَا وَإِنْ بَاعَهُ بِفِضَّةٍ لَمْ يَدْرِ وَزْنَهَا لَمْ يَجُزْ أَيْضًا لِشُبْهَةِ الرِّبَا فَفِي ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ وَفِي وَاحِدٍ يَجُوزُ وَهُوَ مَا إذَا عَلِمَ أَنَّ الثَّمَنَ أَزِيدُ مِمَّا فِي الْحِلْيَةِ لِيَكُونَ مَا كَانَ قَدْرُهَا مُقَابِلًا لَهَا وَالْبَاقِي فِي مُقَابَلَةِ النَّصْلِ هَذَا إذَا كَانَ الثَّمَنُ مِنْ جِنْسِ الْحِلْيَةِ فَإِنْ كَانَ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهَا زَكَّى فَمَا كَانَ لِجَوَازِ التَّفَاصِيلِ وَلَا خُصُوصِيَّةَ لِلْحِلْيَةِ مَعَ السَّيْفِ وَالطَّوْقِ مَعَ الْجَارِيَةِ بَلْ الْمُرَادُ إذَا جَمَعَ مَعَ الصَّرْفِ غَيْرَهُ فَإِنَّ النَّقْدَ لَا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ صَرْفًا بِانْضِمَامِ غَيْرِهِ إلَيْهِ، وَعَلَى هَذَا بَيْعُ الْمُزَرْكَشِ وَالْمُطَرَّزِ بِالذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ وَفِي الْمَبْسُوطِ وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ يَكْرَهُ بَيْعَهُ بِجِنْسِهِ وَبِهِ نَأْخُذُ لِاحْتِمَالِ الزِّيَادَةِ وَالْأَوْلَى بَيْعُهُ بِخِلَافِ جِنْسِهِ. قَوْلُهُ (وَلَوْ افْتَرَقَا بِلَا قَبْضٍ صَحَّ فِي السَّيْفِ دُونَهَا إنْ تَخَلَّصَ بِلَا ضَرَرٍ وَإِلَّا بَطَلَا) أَيْ بَطَلَ الْعَقْدُ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ حِصَّةَ الصَّرْفِ يَجِبُ قَبْضُهَا قَبْلَ الِافْتِرَاقِ، فَإِذَا لَمْ يَقْبِضْهَا حَتَّى افْتَرَقَا بَطَلَ فِيهِ لِفَقْدِ شَرْطِهِ وَكَذَا فِي السَّيْفِ إنْ كَانَ لَا يَتَخَلَّصُ إلَّا بِضَرَرٍ لِتَعَذُّرِ تَسْلِيمِهِ بِدُونِ ضَرَرٍ كَبَيْعِ جِذْعٍ مِنْ سَقْفٍ وَإِنْ كَانَ يَتَخَلَّصُ بِدُونِهِ جَازَ لِمَقْدِرَةٍ عَلَى التَّسْلِيمِ فَصَارَ كَالْجَارِيَةِ مَعَ الطَّوْقِ، وَذَكَرَ الشَّارِحُ هُنَا مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْمَبْسُوطِ سَابِقًا ثُمَّ قَالَ: قَالَ الرَّاجِي عَفْوَ رَبِّهِ: يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ هَذِهِ كَالْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ مِنْ أَنَّهُ يُصْرَفُ إلَى الْحِلْيَةِ وَمِنْ أَنَّهُ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ يَعْنِي إنْ كَانَتْ الْحِلْيَةُ تَتَخَلَّصُ بِغَيْرِ ضَرَرٍ صَحَّ فِي السَّيْفِ خَاصَّةً وَإِلَّا بَطَلَ فِي الْكُلِّ وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ مِنْ ثَمَنِ النَّصْلِ خَاصَّةً فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ التَّمْيِيزُ إلَّا بِضَرَرٍ   [منحة الخالق] دِرْهَمًا، وَقَالَ هِيَ مِنْ ثَمَنِ السَّيْفِ أَوْ قَالَ مِنْ ثَمَنِ السَّيْفِ وَالْحِلْيَةِ أَوْ مِنْ ثَمَنِ السَّيْفِ دُونَ الْحِلْيَةِ وَرَضِيَ بِذَلِكَ الْقَابِضُ أَوْ لَمْ يَرْضَ فَهُوَ سَوَاءٌ وَاَلَّذِي نُقِدَ مِنْ ثَمَنِ الْحِلْيَةِ اسْتِحْسَانًا. اهـ. وَانْظُرْ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ قَوْلِهِ مِنْ ثَمَنِ الثَّوْبِ خَاصَّةً وَقَوْلُهُ مِنْ ثَمَنِ السَّيْفِ دُونَ الْحِلْيَةِ حَيْثُ يُنْتَقَضُ الْبَيْعُ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي، وَلَعَلَّ الْفَرْقَ هُوَ أَنَّ الثَّوْبَ يُمْكِنُ كَوْنُهُ مَبِيعًا قَصْدًا فَيَتَعَيَّنُ عِنْدَ التَّنْصِيصِ بِخِلَافِ السَّيْفِ إذَا كَانَ لَا يَتَخَلَّصُ عَنْ الْحِلْيَةِ إلَّا بِضَرَرٍ فَلَوْ صَحَّ النَّصُّ لَزِمَ فَسَادُ الْبَيْعِ؛؛ لِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ كَبَيْعِ جِذْعٍ مِنْ سَقْفٍ وَلَكِنَّ هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ هُنَا عَنْ الْمَبْسُوطِ فَإِنَّ قَوْلَهُ مِنْ ثَمَنِ السَّيْفِ دُونَ الْحِلْيَةِ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ مِنْ ثَمَنِ السَّيْفِ خَاصَّةً فَلْيُتَأَمَّلْ، وَيُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْفَرْقِ قَوْلُهُ فِي الْكَافِي أَيْضًا وَلَوْ بَاعَ قَلْبَ فِضَّةٍ فِيهِ عَشَرَةٌ وَثَوْبًا بِعِشْرِينَ دِرْهَمًا فَنَقَدَهُ عَشَرَةً، وَقَالَ نِصْفُهَا مِنْ ثَمَنِ الْقَلْبِ وَنِصْفُهَا مِنْ ثَمَنِ الثَّوْبِ ثُمَّ تَفَرَّقَا وَقَدْ قَبَضَ الْقَلْبَ وَالثَّوْبَ انْتَقَضَ الْبَيْعُ فِي نِصْفِ الْقَلْبِ، وَأَمَّا السَّيْفُ إذَا سَمَّى فَقَالَ نِصْفُهَا مِنْ ثَمَنِ الْحِلْيَةِ وَنِصْفُهَا مِنْ ثَمَنِ نَصْلِ السَّيْفِ ثُمَّ تَفَرَّقَا لَمْ يَفْسُدْ الْمَبِيعُ. اهـ. وَلِذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ لِأَنَّهُمَا شَيْءٌ وَاحِدٌ (قَوْلُهُ جَازَ كَيْفَمَا كَانَ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الْمَدْفُوعُ مُسَاوِيًا لِقِيمَةِ الْحِلْيَةِ أَوْ لِوَزْنِهَا أَوْ لَا وَلَا لِجَوَازِ التَّفَاضُلِ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ، وَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّهُ يُصْرَفُ الْمَدْفُوعُ إلَى الْحِلْيَةِ فَيَكُونُ ثَمَنًا لَهَا وَيَكُونُ بَاقِي الثَّمَنِ وَهُوَ غَيْرُ الْمَدْفُوعِ ثَمَنَ النَّصْلِ. (قَوْلُهُ: وَعَلَى هَذَا بَيْعُ الْمُزَرْكَشِ وَالْمُطَرَّزِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْمِنَحِ قَالَ فِي مَجْمَعِ الرِّوَايَةِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ مَسْأَلَةَ حِلْيَةِ السَّيْفِ نَاقِلًا عَنْ الْمُحِيطِ وَإِنْ كَانَ مُمَوَّهًا جَازَ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الْفِضَّةَ بِالتَّمْوِيهِ صَارَتْ مُسْتَهْلَكَةً؛ لِأَنَّهَا لَا تَخْلُصُ بَعْدَ التَّمْوِيهِ وَلَكِنْ بَقِيَ لَوْنُهَا، أَلَا تَرَى لَوْ اشْتَرَى دَارًا مُمَوَّهًا بِالذَّهَبِ بِذَهَبٍ مُؤَجَّلٍ يَجُوزُ وَلَوْ بَقِيَ عَيْنُ الذَّهَبِ لَوَجَبَ أَنْ لَا يَجُوزَ. اهـ. وَأَقُولُ: الْمُمَوَّهُ الْمَطْلِيُّ بِالذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ وَالتَّمْوِيهُ الطَّلْيُ مَأْخُوذٌ مِنْ تَمْوِيهِ الْكَلَامِ أَيْ تَلْبِيسِهِ وَأَقُولُ: يَجِبُ تَقْيِيدُ الْمَسْأَلَةِ بِمَا إذَا لَمْ تَكْثُرْ الْفِضَّةُ أَوْ الذَّهَبُ الْمُمَوَّهُ أَمَّا إذَا كَثُرَ بِحَيْثُ يَحْصُلُ مِنْهُ شَيْءٌ يَدْخُلُ فِي الْمِيزَانِ بِالْعَرْضِ عَلَى النَّارِ يَجِبُ حِينَئِذٍ اعْتِبَارُهُ وَلَمْ أَرَهُ لِأَصْحَابِنَا لَكِنْ رَأَيْته لِلشَّافِعِيَّةِ وَقَوَاعِدُنَا شَاهِدَةٌ بِهِ فَتَأَمَّلْ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. اهـ. قُلْتُ: وَسَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ وَغَالِبُ الْغِشِّ لَيْسَ فِي حُكْمِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ مَا هُوَ كَالصَّرِيحِ فِي ذَلِكَ فَتَأَمَّلْ، وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ، وَإِذَا اشْتَرَى لِجَامًا مُمَوَّهًا بِفِضَّةٍ بِدَرَاهِمَ أَقَلَّ مِمَّا فِيهِ أَوْ أَكْثَرَ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ التَّمْوِيهَ لَا يَخْلُصُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى الدَّارَ الْمُمَوَّهَةَ بِالذَّهَبِ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ يَجُوزُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 213 يَكُونُ الْمَنْقُودُ ثَمَنَ الصَّرْفِ وَيَصِحَّانِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ صِحَّةَ الْبَيْعِ وَلَا صِحَّةَ لَهُ إلَّا بِصَرْفِ الْمَنْقُودِ إلَى الصَّرْفِ فَحَكَمْنَا بِجَوَازِهِ تَصْحِيحًا لِلْبَيْعِ وَإِنْ أَمْكَنَ تَمْيِيزُهَا بِغَيْرِ ضَرَرٍ بَطَلَ الصَّرْفُ فَعَلَى هَذَا مَا ذُكِرَ فِي الْمَبْسُوطِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ الْحِلْيَةُ تَتَخَلَّصُ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ تَوْفِيقًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا ذُكِرَ فِي الْمُحِيطِ اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ مَا فِي الْمُحِيطِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا صَرَّحَ بِالنَّصْلِ دُونَ السَّيْفِ وَلَا شَكَّ فِي عَدَمِ انْصِرَافِهِ إلَى الْحِلْيَةِ؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ كَمَا قَدَّمْنَاهُ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَتَخَلَّصَ بِلَا ضَرَرٍ وَإِلَّا صَرَفْنَاهَا إلَى الْحِلْيَةِ وَتَرَكْنَا الصَّرِيحَ تَصْحِيحًا؛ لِأَنَّهُ لَوْلَا ذَلِكَ بَطَلَ فِي الْكُلِّ وَمَا فِي الْمَبْسُوطِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا قَالَ خُذْ هَذَا مِنْ ثَمَنِ السَّيْفِ خَاصَّةً فَذَكَرَ السَّيْفَ وَلَمْ يَذْكُرْ النَّصْلَ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ ذَكَرَ السَّيْفَ وَلَمْ يَقُلْ خَاصَّةً صُرِفَ إلَى الْحِلْيَةِ مُطْلَقًا، أَعْنِي سَوَاءً أَمْكَنَ التَّمْيِيزُ بِلَا ضَرَرٍ أَوْ لَا، وَإِنْ زَادَ خَاصَّةً أَمْ لَمْ يَذْكُرْ السَّيْفَ وَإِنَّمَا ذَكَرَ النَّصْلَ لَا يَنْصَرِفُ إلَيْهَا وَيُصْرَفُ إلَى النَّصْلِ إنْ أَمْكَنَ تَخْلِيصُهُ بِلَا ضَرَرٍ وَإِلَّا صَرَفْنَاهُ إلَى الْحِلْيَةِ، وَفِي الْبَدَائِعِ إنْ ذَكَرَ أَنَّهُ مِنْ ثَمَنِ السَّيْفِ يَقَعُ عَنْ الْحِلْيَةِ وَإِنْ ذَكَرَ أَنَّهُ مِنْ ثَمَنِ النَّصْلِ، فَإِنْ أَمْكَنَ تَخْلِيصُهُ بِلَا ضَرَرٍ يَقَعُ عَنْ الْمَذْكُورِ وَيَبْطُلُ الصَّرْفُ بِالِافْتِرَاقِ وَإِلَّا فَالْمَنْقُودُ ثَمَنُ الصَّرْفِ وَيَصِحَّانِ. اهـ. وَفِي الْمُغْرِبِ الْحِلْيَةُ الزِّينَةُ مِنْ الذَّهَبِ أَوْ فِضَّةٍ يُقَالُ حِلْيَةُ السَّيْفِ وَالسَّرْجِ وَغَيْرِهِ وَفِي التَّنْزِيلِ {وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا} [فاطر: 12] أَيْ اللُّؤْلُؤَ وَالْمَرْجَانَ اهـ. قَوْلُهُ (وَلَوْ بَاعَ إنَاءَ فِضَّةٍ وَقَبَضَ بَعْضَ ثَمَنِهِ وَافْتَرَقَا صَحَّ فِيمَا قَبَضَ وَالْإِنَاءُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا) يَعْنِي إذَا بَاعَهُ بِفِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ لِأَنَّهُ صَرْفٌ وَهُوَ يَبْطُلُ بِالِافْتِرَاقِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَيَتَقَدَّرُ الْفَسَادُ بِقَدْرِ مَا لَمْ يَقْبِضْ وَلَا يَشِيعُ؛ لِأَنَّهُ طَارِئٌ وَلَا يَكُونُ هَذَا تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ التَّفْرِيقَ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ بِاشْتِرَاطِ الْقَبْضِ لَا مِنْ الْعَاقِدِ وَلَا يَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي خِيَارُ عَيْبِ الشَّرِكَةِ؛ لِأَنَّهَا حَصَلَتْ مِنْهُ وَهُوَ عَدَمُ النَّقْدِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ، بِخِلَافِ مَا إذَا هَلَكَ أَحَدُ الْعَبْدَيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ حَيْثُ ثَبَتَ الْخِيَارُ فِي أَخْذِ الْبَاقِي لِعَدَمِ الصُّنْعِ مِنْهُ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ اُسْتُحِقَّ بَعْضُ الْإِنَاءِ أَخَذَ الْمُشْتَرِي مَا بَقِيَ بِقِسْطِهِ أَوْ رَدَّ) ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ فِي الْإِنَاءِ عَيْبٌ؛ لِأَنَّ التَّشْقِيصَ يَضُرُّهُ وَهَذَا الْعَيْبُ كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَ الْبَائِعِ مُقَارِنًا فَإِنْ أَجَازَ الْمُسْتَحِقُّ قَبْلَ أَنْ يُحْكَمَ لَهُ بِالِاسْتِحْقَاقِ جَازَ الْعَقْدُ وَكَانَ الثَّمَنُ لَهُ يَأْخُذُهُ الْبَائِعُ مِنْ الْمُشْتَرِي وَيُسَلِّمُهُ إلَيْهِ إذَا لَمْ يَفْتَرِقَا بَعْدَ الْإِجَازَةِ وَيَصِيرُ الْعَاقِدُ وَكِيلًا لِلْمُجِيزِ فَتَتَعَلَّقُ حُقُوقُ الْعَقْدِ بِالْوَكِيلِ دُونَ الْمُجِيزِ حَتَّى لَوْ افْتَرَقَ الْمُتَعَاقِدَانِ قَبْلَ إجَازَةِ الْمُسْتَحِقِّ بَطَلَ الْعَقْدُ وَإِنْ فَارَقَهُ الْمُسْتَحِقُّ قَبْلَ الْإِجَازَةِ وَالْمُتَعَاقِدَانِ بَاقِيَانِ فِي الْمَجْلِسِ بَطَلَ الْعَقْدُ، كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ أَطْلَقَ الْخِيَارَ فَشَمِلَ مَا قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ. قَوْلُهُ (وَلَوْ بَاعَهُ قِطْعَةً فَاسْتَحَقَّ بَعْضَهَا أَخَذَ مَا بَقِيَ بِقِسْطِهِ بِلَا خِيَارٍ) ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ فِيهَا لَيْسَتْ بِعَيْبٍ إذْ التَّشْقِيصُ فِيهَا لَا يَضُرُّهَا بِخِلَافِ الْإِنَاءِ أَطْلَقَهُ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ بَعْدَ قَبْضِهَا أَمَّا إذَا اُسْتُحِقَّ بَعْضُ النُّقْرَةِ قَبْلَ قَبْضِهَا فَإِنَّ لَهُ الْخِيَارَ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ قَبْلَ التَّمَامِ، بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْقَبْضِ لِتَمَامِهَا وَفِي الْمُغْرِبِ النُّقْرَةُ الْقِطْعَةُ الْمُذَابَةُ مِنْ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ وَيُقَالُ نُقْرَةُ فِضَّةٍ عَلَى الْإِضَافَةِ لِلْبَيَانِ. اهـ. وَفِي النِّهَايَةِ هِيَ قِطْعَةُ فِضَّةٍ مُذَابَةٍ، كَذَا فِي دِيوَانِ الْأَدَبِ وَعَلَى هَذَا فَمَا وَقَعَ فِي بَعْضِ كُتُبِ الْأَوْقَافِ الْمِصْرِيَّةِ كالشيخونية والصرغتمشية مِنْ الدَّرَاهِمِ النُّقْرَةُ الْمُرَادُ مِنْهَا الْفِضَّةُ لَكِنْ وَقَعَ الِاشْتِبَاهُ فِي أَنَّهَا فِضَّةٌ خَالِصَةٌ أَوْ مَغْشُوشَةٌ وَكُنْت اسْتَفْتَيْت بَعْضَ الْمَالِكِيَّةِ عَنْهَا فَأَفْتَى   [منحة الخالق] مَا فِي سُقُوفِهَا مِنْ التَّمْوِيهِ بِالذَّهَبِ أَكْثَرَ مِنْ الذَّهَبِ فِي الثَّمَنِ. (قَوْلُهُ: وَفِيهِ نَظَرٌ إلَخْ) أَقُولُ: لَا شَكَّ أَنَّ النَّصْلَ أَخَصُّ مِنْ السَّيْفِ؛ لِأَنَّ السَّيْفَ يُطْلَقُ عَلَى الْحِلْيَةِ؛ لِأَنَّهُ اسْمٌ لَهَا وَلِلْمُنْصَلِ بِخِلَافِ النَّصْلِ، فَإِذَا قَالَ خُذْ هَذَا مِنْ ثَمَنِ النَّصْلِ خَاصَّةً وَلَا يُمْكِنُ تَمْيِيزُهُ إلَّا بِضَرَرِ الْبَيْعِ وَالصَّرْفِ يَجْعَلُ النَّصْلَ عِبَارَةً عَنْ السَّيْفِ، فَإِذَا ذَكَرَ السَّيْفَ بَدَلَ النَّصْلِ يَصِحُّ الْبَيْعُ وَالصَّرْفُ بِالْأَوْلَى فَقَوْلُ الْمَبْسُوطِ انْتَقَضَ الْبَيْعُ فِي الْحِلْيَةِ يَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا أَمْكَنَ تَمْيِيزُهُ بِلَا ضَرَرٍ وَإِلَّا خَالَفَهُ مَا فِي الْمُحِيطِ فَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا التَّوْفِيقِ لِدَفْعِ الْمُنَافَاةِ بَيْنَهُمَا وَهُوَ تَوْفِيقٌ حَسَنٌ، نَعَمْ قَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ وَإِلَّا بَطَلَ فِي الْكُلِّ لَا يُنَاسِبُ هَذَا التَّوْفِيقَ لِمَا عَلِمْته مِنْ أَنَّهُ إذَا كَانَتْ الْحِلْيَةُ لَا تَتَخَلَّصُ إلَّا بِضَرَرٍ صَحَّ فِي الْكُلِّ فَكَيْفَ يَحْمِلُ مَسْأَلَةَ الْمَبْسُوطِ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ فِي الْمَتْنِ وَلَعَلَّ مُرَادَهُ التَّفْصِيلُ بَيْنَ مَا يَتَمَيَّزُ بِضَرَرٍ أَوْ بِدُونِ ضَرَرٍ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى حُكْمِهِ تَأَمَّلْ. [بَاعَ إنَاءَ فِضَّةٍ وَقَبَضَ بَعْضَ ثَمَنِهِ وَافْتَرَقَا] (قَوْلُهُ: فَإِنْ أَجَازَ الْمُسْتَحِقَّ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ عَازِيًا إلَى الْغَزِّيِّ هَذَا اخْتِيَارٌ مِنْهُ لِقَوْلِ الْخَصَّافِ فَإِنَّ الْبَيْعَ يَنْتَقِضُ عِنْدَهُ بِمُجَرَّدِ الْقَضَاءِ وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ بِخِلَافِهِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي الِاسْتِحْقَاقِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ فَارَقَ الْمُسْتَحِقُّ قَبْلَ الْإِجَازَةِ وَالْمُتَعَاقِدَانِ بَاقِيَانِ فِي الْمَجْلِسِ بَطَلَ الْعَقْدُ) صَوَابُهُ صَحَّ الْعَقْدُ كَمَا هُوَ مَسْطُورٌ فِي الْجَوْهَرَةِ. (قَوْلُهُ: وَكُنْت اسْتَفْتَيْت بَعْضَ الْمَالِكِيَّةِ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 214 بِأَنَّهُ سَمِعَ مِمَّنْ يُوثَقُ بِهِ أَنَّ الدِّرْهَمَ مِنْهَا يُسَاوِي نِصْفًا وَثَلَاثَةَ فُلُوسٍ فَلْيُعَوَّلْ عَلَى ذَلِكَ مَا لَمْ يُوجَدْ خِلَافُهُ. اهـ. وَقَدْ اُعْتُبِرَ ذَلِكَ فِي زَمَانِنَا وَلَكِنَّ الْأَدْنَى مُتَيَقَّنٌ بِهِ وَمَا زَادَ عَلَيْهِ مَشْكُوكٌ فِيهِ وَلَكِنَّ الْأَوْفَقَ بِفُرُوعِ مَذْهَبِنَا وُجُوبُ دِرْهَمٍ وَسَطٍ لِمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مِنْ دَعْوَى النَّقْرَةِ لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى مِائَةِ دِرْهَمِ نَقْرَةٍ وَلَمْ يَصِفْهَا صَحَّ الْعَقْدُ فَلَوْ ادَّعَتْ مِائَةَ دِرْهَمٍ مَهْرًا وَجَبَ لَهَا مِائَةُ دِرْهَمٍ وَسَطٌ اهـ. فَيَنْبَغِي أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. قَوْلُهُ (وَصَحَّ بَيْعُ دِرْهَمَيْنِ وَدِينَارٍ بِدِرْهَمٍ وَدِينَارَيْنِ وَكُرِّ بُرٍّ وَشَعِيرٍ بِضَعْفِهِمَا) أَيْ بِأَنْ يَبِيعَهُمَا بِكُرَّيْ بُرٍّ وَكُرَّيْ شَعِيرٍ وَإِنَّمَا جَازَ؛ لِأَنَّهُ يُجْعَلُ كُلُّ جِنْسٍ مُقَابِلًا بِخِلَافِ جِنْسِهِ تَصْحِيحًا لِلْعَقْدِ وَلَوْ صُرِفَ إلَى جِنْسِهِ فَسَدَ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَقْتَضِي مُطْلَقَ الْمُقَابَلَةِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِقَيْدٍ لَا مُقَابَلَةِ الْكُلِّ بِالْكُلِّ شَائِعًا وَلَا فَرْدًا مُعَيَّنًا فَصَارَ كَمَا لَوْ بَاعَ نِصْفَ عَبْدٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يَنْصَرِفُ إلَى نَصِيبِهِ تَصْحِيحًا لِلْعَقْدِ وَكَانْصِرَافِ النَّقْدِ إلَى الْمُتَعَارَفِ، وَلَا يَرِدُ عَلَيْنَا مَا لَوْ اشْتَرَى قَلْبًا بِعَشَرَةٍ وَثَوْبًا بِعَشَرَةٍ ثُمَّ بَاعَهُمَا مُرَابَحَةً بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ وَإِنْ أَمْكَنَ صَرْفُ الرِّبْحِ إلَى الثَّوْبِ؛ لِأَنَّا لَوْ صَرَفْنَاهُ لَصَارَ تَوْلِيَةً فِي الْقَلْبِ وَهُوَ خِلَافُ الْمُرَابَحَةِ فَكَانَ إبْطَالًا لَهُ، وَكَذَا لَا يَرِدُ لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا بِأَلْفٍ ثُمَّ بَاعَهُ قَبْلَ النَّقْدِ مَعَ آخَرَ مِنْ الْبَائِعِ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ فِي الْمُشْتَرَى بِأَلْفٍ؛ لِأَنَّ طَرِيقَ التَّصْحِيحِ غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ لِإِمْكَانِ صَرْفِ الْأَلْفِ وَمِائَةٍ إلَيْهِ أَوْ مِائَتَيْنِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الصُّورِ وَأُورِدَ عَلَيْهِ أَنَّ الطُّرُقَ مُتَعَدِّدَةٌ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ لِجَوَازِ أَنْ يُصْرَفَ الدِّينَارُ إلَى الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمُ إلَى الدِّرْهَمِ وَالدِّينَارُ إلَى الدِّرْهَمِ كَمَا يَجُوزُ أَنْ يُصْرَفَ الدِّرْهَمَانِ إلَى الدِّينَارَيْنِ وَالدِّينَارُ إلَى الدِّرْهَمِ وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ أَقَلُّ تَغْيِيرًا فَكَانَ أَوْلَى وَكَذَا لَا يَرِدُ عَلَيْنَا مَا لَوْ جَمَعَ بَيْنَ عَبْدِهِ وَعَبْدِ غَيْرِهِ، وَقَالَ بِعْتُك أَحَدُهُمَا فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ لِلتَّنْكِيرِ وَإِنْ أَمْكَنَ تَصْحِيحُهُ بِصَرْفِهِ إلَى عَبْدِهِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْبَيْعَ أُضِيفَ إلَى مُنَكَّرٍ فَلَا يَنْصَرِفُ إلَى الْمُعَيَّنِ لِلتَّضَادِّ إذْ الْمُنَكَّرُ لَيْسَ بِمَحِلٍّ لِلْبَيْعِ وَرُدَّ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْمَعْرِفَةَ مِنْ مَكِّيًا النَّكِرَةِ فَإِنَّ زَيْدًا يَصْدُقُ عَلَيْهِ رَجُلٌ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَحْتَمِلُهُ فَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَيْهِ، وَقَدْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ عَبْدِي أَوْ حِمَارِي حُرٌّ أَنَّهُ يُعْتَقُ الْعَبْدُ وَيُجْعَلُ اسْتِعَارَةُ الْمُنَكَّرِ لِلْمُعَرَّفِ، وَكَذَا مَا قِيلَ إنَّ تَصْحِيحَ الْعَقْدِ يَجِبُ فِي مَحَلِّ الْعَقْدِ وَهُوَ لَمْ يُضَفْ إلَى الْمُعَيَّنِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَاعْلَمْ أَنَّ مَا أُورِدَ عَلَى دَفْعِ النُّقُوضِ الْمَذْكُورَةِ أَنَّ الْخَطَّ لَهُ جَوَابٌ فَذَاكَ وَإِلَّا فَلَا يَضُرُّك النَّقْضُ فِي إثْبَاتِ الْمَطْلُوبِ إذْ غَايَتُهُ أَنَّهُ خَطَأٌ فِي مَحَلٍّ آخَرَ إذَا اعْتَرَفَ بِخَطَئِهِ فِي مَحَلِّ النَّقْضِ وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ خَطَأً فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ. اهـ. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ مَا إذَا بَاعَ دِرْهَمًا وَثَوْبًا بِدِرْهَمٍ وَثَوْبٍ وَافْتَرَقَا بِلَا قَبْضٍ فَلَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّ الْعَقْدَ انْعَقَدَ صَحِيحًا وَإِنَّمَا طَرَأَ الْفَسَادُ بِالِافْتِرَاقِ وَالصَّرْفُ لِدَفْعِ الْفَسَادِ وَقَدْ انْعَقَدَ بِلَا فَسَادٍ وَكَلَامُنَا لَيْسَ فِي الْفَسَادِ الطَّارِئِ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمَبْسُوطِ بَاعَ عَشَرَةً وَثَوْبًا بِعَشَرَةٍ وَثَوْبٍ وَافْتَرَقَا قَبْلَ الْقَبْضِ بَطَلَ الْعَقْدُ فِي الدِّرْهَمِ وَلَوْ صَرَفَ الْجِنْسَ إلَى خِلَافِ جِنْسِهِ لَمْ يَبْطُلْ وَلَكِنْ قِيلَ فِي الْعُقُودِ يَحْتَالُ لِلتَّصْحِيحِ فِي الِابْتِدَاءِ وَلَا يَحْتَالُ لِلْبَقَاءِ عَلَى الصِّحَّةِ. اهـ. وَفِي الْإِيضَاحِ الْأَصْلُ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّ حَقِيقَةَ الْبَيْعِ إذَا اشْتَمَلَتْ عَلَى إبْدَالٍ وَجَبَ قِسْمَةُ أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ عَلَى الْآخَرِ وَتَظْهَرُ الْفَائِدَةُ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَالرُّجُوعِ بِالثَّمَنِ عِنْدَ الِاسْتِحْقَاقِ وَوُجُوبِ الشُّفْعَةِ فِيمَا تَجِبُ فِيهِ الشُّفْعَةُ فَإِنْ كَانَ الْعَقْدُ مِمَّا لَا رِبَا فِيهِ فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَتَفَاوَتُ فَالْقِسْمَةُ عَلَى الْأَجْزَاءِ وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَتَفَاوَتُ فَالْقِسْمَةُ عَلَى الْقِيمَةِ، وَأَمَّا مَا فِيهِ الرِّبَا فَإِنَّمَا تَجِبُ الْقِسْمَةُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَصِحُّ بِهِ الْعَقْدُ مِثَالُهُ بَاعَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ وَدِينَارٍ يَصِحُّ الْعَقْدُ فَإِنَّ الْخَمْسَةَ بِالْخَمْسَةِ وَالْخَمْسَةَ الْأُخْرَى بِالدِّينَارِ وَكَذَا لَوْ قَابَلَ جِنْسَيْنِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ. اهـ. وَنَظِيرُ الْمَسْأَلَةِ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي تَلِي هَذِهِ وَهِيَ. قَوْلُهُ (وَأَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَدِينَارٍ) أَيْ صَحَّ بَيْعٌ فَتَكُونُ الْعَشَرَةُ   [منحة الخالق] قَدَّمْنَا فِي الْمُتَفَرِّقَاتِ عَنْ النَّهْرِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ عَلَّامَةُ عَصْرِهِ نَاصِرُ الدِّينِ اللَّقَانِيِّ. - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - [بَيْعُ دِرْهَمَيْنِ وَدِينَارٍ بِدِرْهَمٍ وَدِينَارَيْنِ وَكُرِّ بُرٍّ وَشَعِيرٍ بِضَعْفِهِمَا] (قَوْلُهُ: وَالصَّرْفُ لِدَفْعِ الْفَسَادِ) أَيْ صَرْفُ الْجِنْسِ إلَى خِلَافِ جِنْسِهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 215 بِمِثْلِهَا وَالدِّينَارُ بِالدِّرْهَمِ تَصْحِيحًا لِلْعَقْدِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَإِنَّمَا ذَكَرَ هَذِهِ بَعْدَ الَّتِي قَبْلَهَا وَإِنْ كَانَتْ قَدْ عُلِمَتْ مِمَّا قَبْلَهَا لِبَيَانِ أَنَّ الصَّرْفَ إلَى خِلَافِ الْجِنْسِ لَا يَتَفَاوَتُ فِي الْجَمِيعِ أَوْ جُزْءٍ وَاحِدٍ، كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ. قَوْلُهُ (وَدِرْهَمٍ صَحِيحٍ وَدِرْهَمَيْنِ غَلَّةٍ بِدِرْهَمَيْنِ صَحِيحَيْنِ وَدِرْهَمٍ غَلَّةٍ) أَيْ يَصِحُّ بَيْعٌ لِلِاتِّحَادِ فِي الْجِنْسِ فَيُعْتَبَرُ التَّسَاوِي فِي الْقَدْرِ دُونَ الْوَصْفِ وَالْغَلَّةُ هِيَ الدَّرَاهِمُ الْمُقَطَّعَةُ وَقِيلَ مَا يَرُدُّهُ بَيْتُ الْمَالِ وَيَأْخُذُهُ التُّجَّارُ لَا تَنَافِيَ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ هِيَ الْمُقَطَّعَةُ وَفِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ تَبَايَعَا فِضَّةً بِفِضَّةٍ أَوْ ذَهَبًا بِذَهَبٍ وَمَعَ أَقَلِّهِمَا شَيْءٌ آخَرُ تَبْلُغُ قِيمَتُهُ بَاقِي الْفِضَّةِ جَازَ الْبَيْعُ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ فَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ فَمَعَ الْكَرَاهَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قِيمَةٌ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ لِتَحَقُّقِ الرِّبَا إذْ الزِّيَادَةُ لَا يُقَابِلُهَا عِوَضٌ فَيَكُونُ رِبًا. اهـ. وَصَرَّحَ فِي الْإِيضَاحِ بِأَنَّ الْكَرَاهَةَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ، وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَقَالَ لَا بَأْسَ بِهِ وَفِي الْمُحِيطِ إنَّمَا كَرِهَهُ مُحَمَّدٌ خَوْفًا مِنْ أَنْ يَأْلَفَهُ النَّاسُ وَيَسْتَعْمِلُوهُ فِيمَا لَا يَجُوزُ وَقِيلَ: لِأَنَّهُمَا بَاشَرَا الْحِيلَةَ لِإِسْقَاطِ الرِّبَا كَبَيْعِ الْعَيِّنَةِ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ اشْتَرَى تُرَابَ الْفِضَّةِ بِفِضَّةٍ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَظْهَرْ فِي التُّرَابِ شَيْءٌ فَظَاهِرٌ وَإِنْ ظَهَرَ فَهُوَ بَيْعُ الْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ مُجَازَفَةً وَلِهَذَا لَوْ اشْتَرَاهُ بِتُرَابِ فِضَّةٍ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَيْنِ هُمَا الْفِضَّةُ لَا التُّرَابُ وَلَوْ اشْتَرَاهُ بِتُرَابِ ذَهَبٍ جَازَ لِعَدَمِ لُزُومِ الْعِلْمِ بِالْمُمَاثَلَةِ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ فَلَوْ ظَهَرَ أَنْ لَا شَيْءَ فِي التُّرَابِ لَا يَجُوزُ وَكُلَّمَا جَازَ فَمُشْتَرِي التُّرَابِ بِالْخِيَارِ إذَا رَأَى؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى مَا لَمْ يَرَهُ. اهـ. قَوْلُهُ (وَدِينَارٍ بِعَشَرَةٍ عَلَيْهِ أَوْ بِعَشَرَةٍ مُطْلَقَةً وَدَفَعَ الدِّينَارَ وَتَقَاصَّا الْعَشَرَةَ بِالْعَشَرَةِ) أَيْ صَحَّ بَيْعٌ، أَمَّا إذَا قَابَلَ الدِّينَارَ بِالْعَشَرَةِ الَّتِي عَلَيْهِ ابْتِدَاءً فَلِأَنَّهُ جَعَلَ ثَمَنَهُ دَرَاهِمَ لَا يَجِبُ قَبْضُهَا وَلَا تَعْيِينُهَا بِالْقَبْضِ وَهُوَ جَائِزٌ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ التَّعْيِينَ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الرِّبَا وَلَا رِبًا فِي دَيْنٍ سَقَطَ وَإِنَّمَا الرِّبَا فِي دَيْنٍ يَقَعُ الْخَطَرُ فِي عَاقِبَتِهِ وَلِذَا لَوْ تَصَارَفَا دَرَاهِمَ دَيْنًا بِدَنَانِيرَ دَيْنًا صَحَّ لِفَوَاتِ الْخَطَرِ، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ وَهِيَ مَا إذَا بَاعَهُ بِعَشَرَةٍ مُطْلَقَةً ثُمَّ تَقَاصَّا فَالْمَذْكُورُ هُنَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ عَدَمُ الْجَوَازِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ لِكَوْنِهِ اسْتِبْدَالًا بِبَدَلِ الصَّرْفِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُمَا لَمَّا تَقَاصَّا انْفَسَخَ الْأَوَّلُ وَانْعَقَدَ صَرْفٌ آخَرُ مُضَافًا إلَى الدَّيْنِ فَتَثْبُتُ الْإِضَافَةُ اقْتِضَاءً كَمَا لَوْ جَدَّدَ الْبَيْعَ بِأَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَنَحْنُ نَقُولُ مُوجِبُ الْعَقْدِ عَشَرَةٌ مُطْلَقَةٌ تَصِيرُ مُتَعَيِّنَةً بِالْقَبْضِ وَبِالْإِضَافَةِ بَعْدَ الْعَقْدِ إلَى الْعَشَرَةِ الدَّيْنِ صَارَتْ كَذَلِكَ غَيْرَ أَنَّهُ بِقَبْضٍ سَابِقٍ وَلَا يُبَالِيَ بِهِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْ التَّعْيِينِ بِالْقَبْضِ بِالْمُسَاوَاةِ، وَعَلَى هَذَا التَّقْرِيرِ لَا حَاجَةَ إلَى اعْتِبَارِ فَسْخِ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ بِالْإِضَافَةِ إلَى الْعَشَرَةِ الدَّيْنِ بَعْدَ الْعَقْدِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ بِأَلْفٍ ثُمَّ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ فَإِنَّ الْفَسْخَ لَازِمٌ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَمْ يَصْدُقْ عَلَى الْآخَرِ بِخِلَافِ الْعَشَرَةِ مُطْلَقًا مَعَ هَذِهِ الْعَشَرَةِ لِلصِّدْقِ؛ لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ لَيْسَ قَيْدًا فِي الْعَقْدِ بِهَا وَإِلَّا لَمْ يُمْكِنْ قَضَاؤُهَا أَصْلًا إذْ لَا وُجُودَ لِلْمُطْلَقِ بِقَيْدِ الْإِطْلَاقِ، وَعَلَى هَذَا مَشَوْا أَوْ تَقْرِيرُهُ أَنَّهُمَا لَمَّا غَيَّرَا مُوجِبَ الْعَقْدِ فَقَدْ فَسَخَاهُ إلَى عَقْدٍ آخَرَ اقْتِضَاءً. اهـ. أَطْلَقَ فِي الْعَشَرَةِ الدَّيْنَ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَتْ عَلَيْهِ قَبْلَ عَقْدِ الصَّرْفِ أَوْ حَدَثَتْ بَعْدَهُ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ التَّقَاصُّ بِدَيْنٍ حَادِثٍ بَعْدَهُ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ التَّقَاصَّ هُوَ الْمُتَضَمِّنُ لِفَسْخِ الْأَوَّلِ وَإِنْشَاءِ صَرْفٍ آخَرَ فَيَكْتَفِي بِالدَّيْنِ عِنْدَ التَّقَاصِّ، بِخِلَافِ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ جَعْلُهُ قِصَاصًا بِدَيْنٍ آخَرَ مُطْلَقًا مُتَقَدِّمًا كَانَ أَوْ مُتَأَخِّرًا؛ لِأَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ دَيْنٌ وَلَوْ صَحَّتْ الْمُقَاصَّةُ بِرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ لَافْتَرَقَا عَنْ دَيْنٍ بِدَيْنٍ وَلِذَا لَا يَجُوزُ إضَافَتُهُ إلَى الدَّيْنِ ابْتِدَاءً بِأَنْ يُجْعَلَ الدَّيْنُ الَّذِي عَلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ رَأْسُ مَالِ السَّلَمِ بِخِلَافِ الصَّرْفِ، وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إذَا اسْتَقْرَضَ بَائِعُ الدِّينَارِ عَشَرَةً مِنْ الْمُشْتَرِي أَوْ غَصَبَ مِنْهُ فَقَدْ صَارَ قِصَاصًا وَلَا يَحْتَاجُ إلَى التَّرَاضِي؛ لِأَنَّهُ قَدْ وُجِدَ مِنْهُ الْقَبْضُ. اهـ. وَقَوْلُهُ وَتَقَاصَّا رَاجِعٌ إلَى الثَّانِيَةِ، وَأَمَّا الْأُولَى فَتَقَعُ الْمُقَاصَصَةُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الدَّيْنَ إذَا حَدَثَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: أَطْلَقَ فِي الْعَشَرَةِ الدَّيْنَ فَشَمِلَ إلَخْ) هَذَا رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ أَوْ بِعَشَرَةٍ مُطْلَقَةٍ أَلَا يُتَصَوَّرُ فِي الْمُقَيَّدَةِ أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ حَادِثًا بَعْدَ عَقْدِ الصَّرْفِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 216 بَعْدَ الصَّرْفِ فَإِنْ كَانَ بِقَرْضٍ أَوْ غَصْبٍ وَقَعَتْ الْمُقَاصَّةُ وَإِنْ لَمْ يَتَقَاصَّا، وَإِنْ حَدَثَ بِالشِّرَاءِ بِأَنْ بَاعَ مُشْتَرِي الدِّينَارِ مِنْ بَائِعِ الدِّينَارِ ثَوْبًا بِعَشَرَةٍ إنْ لَمْ يَجْعَلَاهُ قِصَاصًا لَا يَصِيرُ قِصَاصًا بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ وَإِنْ جَعَلَاهُ قِصَاصًا فَفِيهِ رِوَايَتَانِ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَمِنْ مَسَائِلِ الْمُقَاصَّاتِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ الصَّرْفِ مَا فِي الْمُنْتَقَى لَهُ وَدِيعَةٌ وَلِلْمُودَعِ عَلَى صَاحِبِهَا دَيْنٌ مِنْ جِنْسِهَا لَمْ تَصِرْ قِصَاصًا بِالدَّيْنِ قَبْلَ الِاتِّفَاقِ عَلَيْهِ، وَإِذَا اجْتَمَعَا عَلَيْهِ لَا تَصِيرُ الْوَدِيعَةُ قِصَاصًا مَا لَمْ يَرْجِعْ إلَى أَهْلِهِ فَيَأْخُذُهَا وَإِنْ كَانَتْ فِي يَدِهِ فَاجْتَمَعَا عَلَى جَعْلِهَا قِصَاصًا لَا يَحْتَاجُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَحُكْمُ الْمَغْصُوبِ كَالْوَدِيعَةِ سَوَاءٌ وَالدَّيْنَانِ إذَا كَانَا مِنْ جِنْسَيْنِ لَا تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ بَيْنَهُمَا مَا لَمْ يَتَقَاصَّا، وَكَذَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا حَالًّا وَالْآخَرُ مُؤَجَّلًا وَكَذَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا غَلَّةً وَالْآخَرُ صَحِيحًا، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ أَيْضًا مِنْ كِتَابِ الصَّرْفِ وَذُكِرَ فِي كِتَابِ الْمُدَايَنَاتِ أَنَّ الدَّيْنَيْنِ إذَا كَانَا مُؤَجَّلَيْنِ لَا تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ حَتَّى يَتَقَاصَّا وَذَكَرَ قَبْلَهُ أَنَّ التَّفَاوُتَ فِي الْوَصْفِ يَمْنَعُ الْمُقَاصَّةَ بِنَفْسِهِ وَلَا يَمْنَعُ إذَا جَعَلَاهُ قِصَاصًا. اهـ. وَفِي الصِّحَاحِ تَقَاصَّ الْقَوْمُ إذَا قَاصَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ فِي حِسَابٍ أَوْ غَيْرِهِ. اهـ. وَإِذَا اخْتَلَفَ الْجِنْسُ وَتَقَاصَّا كَأَنْ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَلِلْمَدْيُونِ مِائَةُ دِينَارٍ عَلَيْهِ، فَإِذَا تَقَاصَّا تَصِيرُ الدَّرَاهِمُ قِصَاصًا بِمِائَةٍ مِنْ قِيمَةِ الدَّنَانِيرِ وَيَبْقَى لِصَاحِبِ الدَّنَانِيرِ عَلَى صَاحِبِ الدَّرَاهِمِ مَا بَقِيَ مِنْهَا، كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَفِي فُرُوقِ الْكَرَابِيسِيِّ مِنْ النَّفَقَاتِ، وَإِذَا طَلَبَتْ الْمَرْأَةُ النَّفَقَةَ وَكَانَ لِلزَّوْجِ عَلَيْهَا دَيْنٌ فَقَالَ الزَّوْجُ احْسِبُوا لَهَا نَفَقَتَهَا مِنْهُ كَانَ جَائِزًا؛ لِأَنَّهَا مِنْ جِنْسِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فَتَقَعُ الْمُقَاصَّةُ عِنْدَ التَّرَاضِي فَرَّقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ سَائِرِ الدُّيُونِ فَإِنَّ هُنَاكَ الْمُقَاصَّةُ تَقَعُ مِنْ غَيْرِ التَّرَاضِي وَهُنَا شَرَطَ التَّرَاضِي وَالْفَرْقُ أَنَّ دَيْنَ النَّفَقَةِ أَدْنَى لِمَا ذَكَرْنَا فَلَا تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ إلَّا بِالتَّرَاضِي، كَمَا لَوْ كَانَ أَحَدُ الدَّيْنَيْنِ جَيِّدًا وَالْآخَرُ رَدِيئًا بِخِلَافِ سَائِرِ الدُّيُونِ؛ لِأَنَّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ فَلَا يُشْتَرَطُ التَّرَاضِي. اهـ. وَتَقَدَّمَ شَيْءٌ مِنْ فَوَائِدِ التَّقَاصِّ فِي بَابِ أُمِّ الْوَلَدِ فَارْجِعْ إلَيْهِ. قَوْلُهُ (وَغَالِبُ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ فِضَّةٌ وَذَهَبٌ) يَعْنِي فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْخَالِصَةِ بِهَا وَلَا بَيْعُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ إلَّا مُتَسَاوِيًا وَزْنًا وَلَا يَصِحُّ الِاسْتِقْرَاضُ بِهَا إلَّا وَزْنًا؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَخْلُوَانِ عَنْ قَلِيلِ غِشٍّ إذْ هُمَا لَا يَنْطَبِعَانِ عَادَةً بِدُونِهِ وَقَدْ يَكُونُ خِلْقِيًّا فَيَعْسُرُ التَّمْيِيزُ فَصَارَ كَالرَّدِيءِ وَهُوَ وَالْجَيِّدُ سَوَاءٌ عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِالْجِنْسِ فَيُجْعَلُ الْغِشُّ مَعْدُومًا فَلَا اعْتِبَارَ لَهُ أَصْلًا، بِخِلَافِ مَا إذَا غَلَبَ الْغِشُّ فَإِنَّ لِلْمَغْلُوبِ اعْتِبَارًا كَمَا سَيَأْتِي. اهـ. (قَوْلُهُ وَغَالِبُ الْغِشِّ لَيْسَ فِي حُكْمِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فَيَصِحُّ بَيْعُهَا بِجِنْسِهَا مُتَفَاضِلًا) أَيْ وَزْنًا وَعَدَدًا؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ لِلْغَالِبِ فَلَا يَضُرُّ التَّفَاضُلُ لِجَعْلِ الْغِشِّ مُقَابَلًا بِالْفِضَّةِ أَوْ الذَّهَبِ الَّذِي فِي الْآخَرِ وَلَكِنْ يُشْتَرَطُ التَّقَابُضُ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ لِأَنَّهُ صَرْفٌ فِي الْبَعْضِ لِوُجُودِ الْفِضَّةِ أَوْ الذَّهَبِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَيُشْتَرَطُ فِي الْغِشِّ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَيَّزُ إلَّا بِضَرَرٍ، وَكَذَا إذَا بِيعَتْ بِالْفِضَّةِ الْخَالِصَةِ أَوْ الذَّهَبِ الْخَالِصِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْخَالِصُ أَكْثَرَ مِنْ الْفِضَّةِ أَوْ الذَّهَبِ الَّذِي فِي الْمَغْشُوشِ حَتَّى يَكُونَ قَدْرُهُ بِمِثْلِهِ وَالزَّائِدُ بِالْغِشِّ عَلَى مِثَالِ بَيْعِ الزَّيْتُونِ بِالزَّيْتِ فَاعْتُبِرَ الْفِضَّةُ أَوْ الذَّهَبُ الْمَغْلُوبُ بِالْمَغْشُوشِ بِالْغَالِبِ حَتَّى لَا يَجُوزَ بَيْعُهُ بِجِنْسِهِ إلَّا عَلَى سَبِيلِ الِاعْتِبَارِ وَلَمْ يُعْتَبَرْ الْغِشُّ الْمَغْلُوبُ بِهِمَا فَجُعِلَ كَأَنَّهُ كُلَّهُ فِضَّةٌ أَوْ ذَهَبٌ وَمُنِعَ بَيْعُهُ مُتَفَاضِلًا. وَالْفَرْقُ أَنَّ الْفِضَّةَ أَوْ الذَّهَبَ الْمَغْلُوبَ مَوْجُودٌ حَقِيقَةً حَالًّا بِالْوَزْنِ وَمَآلًا بِالْإِذَابَةِ لِكَوْنِهِمَا يَخْلُصَانِ مِنْهُ بِالْإِذَابَةِ فَكَانَا مَوْجُودَيْنِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا حَتَّى يُعْتَبَرَا فِي نِصَابِ الزَّكَاةِ بِخِلَافِ الْغِشِّ الْمَغْلُوبِ لِأَنَّهُ يَحْتَرِقُ وَيَهْلِكُ وَلَا لَوْنَ حَتَّى لَوْ عَرَفَ أَنَّ الْفِضَّةَ أَوْ الذَّهَبَ الَّذِي فِي الْغِشِّ الْغَالِبِ يَحْتَرِقُ وَيَهْلِكُ كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ النُّحَاسِ الْخَالِصِ فَلَا يُعْتَبَرَانِ أَصْلًا وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا إنْ كَانَ مَوْزُونًا لِلرِّبَا وَفِي الْهِدَايَةِ وَمَشَايِخِنَا يَعْنِي مَشَايِخَ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ مِنْ بُخَارَى وَسَمَرْقَنْدَ لَمْ يُفْتُوا بِجَوَازِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَا يَتَمَيَّزُ إلَّا بِضَرَرٍ) أَيْ اشْتِرَاطُ قَبْضِ الْغِشِّ لَيْسَ لِذَاتِهِ بَلْ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ فَصْلُهُ عَنْ الْفِضَّةِ الْخَالِصَةِ الَّتِي يُشْتَرَطُ قَبْضُهَا، لَا يُقَالُ إنَّ النُّحَاسَ الَّذِي هُوَ الْغِشُّ مَوْزُونٌ أَيْضًا فَقَدْ وُجِدَ الْقَدْرُ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ التَّقَابُضُ لِذَاتِهِ لَا لِضَرَرِ تَخَلُّصِهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ وَزْنُ الدَّرَاهِمِ غَيْرُ وَزْنِ النُّحَاسِ وَنَحْوِهِ فَلَمْ يَجْمَعْهُمَا قَدْرٌ وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ لَا يَجُوزَ بَيْعُ الْقُطْنِ وَالزَّيْتِ وَنَحْوِهِ مِمَّا يُوزَنُ إلَّا إذَا كَانَ الثَّمَنُ مِنْ الدَّرَاهِمِ مَقْبُوضًا فِي الْمَجْلِسِ وَلَمْ يَصِحَّ فِيهَا السَّلَمُ. (قَوْلُهُ: وَالْفَرْقُ أَنَّ الْفِضَّةَ أَوْ الذَّهَبَ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ عِبَارَةُ الزَّيْلَعِيِّ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْفِضَّةَ الْمَغْلُوبَةَ أَوْ الذَّهَبَ الْمَغْلُوبَ مَوْجُودٌ حَقِيقَةً مِنْ حَيْثُ اللَّوْنِ وَمَآلًا بِالْإِذَابَةِ فَإِنَّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 217 ذَلِكَ أَيْ بِبَيْعِهَا بِجِنْسِهَا مُتَفَاضِلًا فِي الْعَدَالِي وَالْغَطَارِفَةِ مَعَ أَنَّ الْغِشَّ فِيهَا أَكْثَرُ مِنْ الْفِضَّةِ؛ لِأَنَّهَا أَعَزُّ الْأَمْوَالِ فِي دِيَارِنَا فَلَوْ أُبِيحَ التَّفَاضُلُ فِيهَا يَنْفَتِحُ بَابُ الرِّبَا الصَّرِيحِ فَإِنَّ النَّاسَ حِينَئِذٍ يَعْتَادُونَ فِي الْأَمْوَالِ النَّفِيسَةِ فَيَتَدَرَّجُونَ ذَلِكَ فِي النُّقُودِ الْخَالِصَةِ وَالْغَطَارِفَةُ دَرَاهِمُ مَنْسُوبَةٌ إلَى غِطْرِيفٍ بِكَسْرِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الطَّاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ بَعْدَهَا الْيَاءُ وَآخِرُهَا الْفَاءُ ابْنُ عَطَاءٍ الْكِنْدِيُّ أَمِيرُ خُرَاسَانَ أَيَّامَ الرَّشِيدِ وَقِيلَ هُوَ خَالُ الرَّشِيدِ وَالْعَدَالِي بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَبِاللَّامِ الْمَكْسُورَةِ وَهِيَ الدَّرَاهِمُ الْمَنْسُوبَةُ إلَى الْعَدَالِ وَكَأَنَّهُ اسْمُ مَلِكٍ نُسِبَ إلَيْهِ دِرْهَمٌ فِيهِ غِشٌّ، كَذَا فِي الْبِنَايَةِ وَالْغِشُّ بِمَعْنَى الْمَغْشُوشِ وَهُوَ غَيْرُ الْخَالِصِ، كَذَا فِي الْقَامُوسِ. (قَوْلُهُ: وَالتَّبَايُعُ وَالِاسْتِقْرَاضُ بِمَا يَرُوجُ عَدَدًا أَوْ وَزْنًا أَوْ بِهِمَا) ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيمَا لَا نَصَّ فِيهِ الْعَادَةُ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ بِغَلَبَةِ الْغِشِّ كَالْفُلُوسِ فَيُعْتَبَرُ فِيهَا الْعَادَةُ كَالْفُلُوسِ فَإِنْ كَانَتْ تَرُوجُ بِالْوَزْنِ فَبِهِ وَبِالْعَدِّ فَبِهِ وَبِهِمَا فَبِكُلٍّ مِنْهُمَا. قَوْلُهُ (وَلَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ لِكَوْنِهَا أَثْمَانًا) يَعْنِي مَا دَامَتْ تَرُوجُ؛ لِأَنَّهَا بِالِاصْطِلَاحِ صَارَتْ أَثْمَانًا فَمَا دَامَ ذَلِكَ الِاصْطِلَاحُ مَوْجُودًا لَا تَبْطُلُ الثَّمَنِيَّةُ لِقِيَامِ الْمُقْتَضَى. قَوْلُهُ (وَتَتَعَيَّنُ بِالتَّعَيُّنِ إنْ كَانَتْ لَا تَرُوجُ) لِزَوَالِ الْمُقْتَضَى لِلثَّمَنِيَّةِ وَهُوَ الِاصْطِلَاحُ وَهَذَا لِأَنَّهَا فِي الْأَصْلِ سِلْعَةٌ وَإِنَّمَا صَارَتْ أَثْمَانًا بِالِاصْطِلَاحِ فَإِذَا تَرَكُوا الْمُعَامَلَةَ بِهَا رَجَعَتْ إلَى أَصْلِهَا وَإِنْ كَانَ يَأْخُذُهَا الْبَعْضُ فَهِيَ مِثْلُ الدَّرَاهِمِ لَا يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِعَيْنِهَا بَلْ بِجِنْسِهَا إنْ كَانَ الْبَائِعُ يَعْلَمُ بِحَالِهَا وَإِنْ كَانَ لَا يَعْلَمُ بِحَالِهَا وَبَاعَهُ عَلَى ظَنِّ أَنَّهَا دَرَاهِمُ جِيَادٌ تَعَلَّقَ حَقُّهُ بِالْجِيَادِ لِوُجُودِ الرِّضَا بِهَا فِي الْأَوَّلِ وَعَدَمِهِ فِي الثَّانِي وَأَشَارَ بِالتَّعْيِينِ عِنْدَ عَدَمِ رَوَاجِهَا وَبِعَدَمِهِ عِنْدَ رَوَاجِهَا إلَى أَنَّهَا إذَا هَلَكَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ إنْ كَانَتْ رَائِجَةً وَيَبْطُلُ إنْ لَمْ تَكُنْ وَأَطْلَقَ فِي تَعْيِينِهَا وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَا يَعْلَمَانِ بِحَالِهَا وَيَعْلَمُ كُلٌّ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ أَنَّ الْآخَرَ يَعْلَمُ فَإِنْ كَانَا لَا يَعْلَمَانِ أَوْ لَا يَعْلَمُ أَحَدُهُمَا أَوْ يَعْلَمَانِ وَلَا يَعْلَمُ كُلٌّ أَنَّ الْآخَرَ يَعْلَمُ، فَإِنَّ الْبَيْعَ يَتَعَلَّقُ بِالدَّرَاهِمِ الرَّائِجَةِ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ لَا بِالْمُشَارِ إلَيْهِ مِنْ هَذِهِ الدَّرَاهِمِ الَّتِي لَا تَرُوجُ وَإِنْ كَانَ يَقْبَلُهَا الْبَعْضُ وَيَرُدُّهَا الْبَعْضُ فَهِيَ فِي حُكْمِ الزُّيُوفِ وَالنَّبَهْرَجَةِ فَيَتَعَلَّقُ الْبَيْعُ بِجِنْسِهَا لَا بِعَيْنِهَا كَمَا هُوَ فِي الْمُرَابَحَةِ لَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَعْلَمَ الْبَائِعُ خَاصَّةً ذَلِكَ مِنْ أَمْرِهَا؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِذَلِكَ وَأَدْرَجَ نَفْسَهُ فِي الْبَعْضِ الَّذِينَ يَقْبَلُونَهَا وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ لَا يَعْلَمُ تَعَلَّقَ الْعَقْدُ عَلَى الْأُرُوجِ فَإِنْ اسْتَوَتْ فِي الرَّوَاجِ جَرَى التَّفْصِيلُ الَّذِي أَسْلَفْنَاهُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْبَيْعِ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. (قَوْلُهُ: وَالْمُتَسَاوِي كَغَالِبِ الْفِضَّةِ فِي التَّبَايُعِ وَالِاسْتِقْرَاضِ وَفِي الصَّرْفِ كَغَالِبِ الْغِشِّ) يَعْنِي فَلَا يَجُوزُ الْبَيْعُ بِهَا وَلَا إقْرَاضُهَا إلَّا بِالْوَزْنِ بِمَنْزِلَةِ الدَّرَاهِمِ الرَّدِيئَةِ لِأَنَّ الْفِضَّةَ مَوْجُودَةٌ فِيهَا حَقِيقَةً وَلَمْ تَصِرْ مَغْلُوبَةً فَيَجِبُ الِاعْتِبَارُ بِالْوَزْنِ شَرْعًا، وَإِذَا أَشَارَ إلَيْهَا فِي الْمُبَايَعَةِ كَانَ بَيَانًا لِقَدْرِهَا وَوَضْعِهَا وَلَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ بِهَلَاكِهَا قَبْلَ الْقَبْضِ وَيُعْطِيه مِثْلَهَا لِكَوْنِهَا ثَمَنًا لَمْ تَتَعَيَّنْ، وَأَمَّا فِي الصَّرْفِ فَيَجِبُ بَيْعُهَا بِجِنْسِهَا عَلَى وَجْهِ الِاعْتِبَارِ وَلَوْ بَاعَهَا بِالْفِضَّةِ الْخَالِصَةِ لَمْ يَجُزْ حَتَّى يَكُونَ الْخَالِصُ أَكْثَرَ مِمَّا فِيهِ الْفِضَّةُ؛ لِأَنَّهُ لَا غَلَبَةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ فَيَجِبُ اعْتِبَارُهُمَا، وَفِي الْخَانِيَّةِ إنْ كَانَ نِصْفُهَا صُفْرًا وَنِصْفُهَا فِضَّةً لَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ فِيمَا إذَا بِيعَتْ بِجِنْسِهَا وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا ذُكِرَ هُنَا وَوَجْهُهُ أَنَّ فِضَّتَهَا لَمَّا لَمْ تَصِرْ مَغْلُوبَةً جُعِلَتْ كَأَنَّ كُلَّهَا فِضَّةٌ فِي حَقِّ الصَّرْفِ احْتِيَاطًا. (قَوْلُهُ وَلَوْ اشْتَرَى بِهَا أَوْ بِفُلُوسٍ نَافِقَةٍ شَيْئًا وَكَسَدَتْ بَطَلَ الْبَيْعُ) أَيْ اشْتَرَى بِالدَّرَاهِمِ الَّتِي غَلَبَ عَلَيْهَا الْغِشُّ أَوْ بِالْفُلُوسِ وَكَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا نَافِقًا حَتَّى جَازَ الْبَيْعُ لِقِيَامِ الِاصْطِلَاحِ عَلَى الثَّمَنِيَّةَ وَلِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى الْإِشَارَةِ لِالْتِحَاقِهَا بِالثَّمَنِ وَلَمْ يُسَلِّمْهَا الْمُشْتَرِي إلَى الْبَائِعِ ثُمَّ كَسَدَتْ بَطَلَ الْبَيْعُ وَالِانْقِطَاعُ   [منحة الخالق] الْفِضَّةَ أَوْ الذَّهَبَ يَخْلُصَانِ مِنْهُ بِالْإِذَابَةِ فَكَانَا مَوْجُودِينَ حَقِيقَةً وَحُكْمًا حَتَّى يُعْتَبَرَ مَا فِيهِ مِنْ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ مِنْ النِّصَابِ فِي الزَّكَاةِ أَيْضًا بِخِلَافِ الْغِشِّ الْمَغْلُوبِ بِهِمَا؛ لِأَنَّهُ يَحْتَرِقُ وَيَهْلِكُ وَلَا لَوْنَ لَهُ فِي الْحَالِ أَيْضًا إلَخْ وَهُوَ أَفْهَمُ لِلْمَقْصُودِ مِمَّا هُنَا (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلَوْ اشْتَرَى بِهَا أَوْ بِفُلُوسٍ نَافِقَةٍ شَيْئًا وَكَسَدَ بَطَلَ الْبَيْعُ) أَيْ انْفَسَخَ إنْ فَسَخَهُ مَنْ لَهُ الدَّرَاهِمُ لَا مُطْلَقًا كَمَا يُنَبَّهُ عَلَيْهِ بَعْدَ نَحْوِ وَرَقَةٍ وَتَأَمَّلْهُ مَعَ التَّعْلِيلِ لِمَذْهَبِ الْإِمَامِ الْآتِي. اهـ. قُلْتُ: وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا إنَّمَا بَطَلَ الْعَقْدُ إذَا اخْتَارَ الْمُشْتَرِي إبْطَالَهُ فَسْخًا؛ لِأَنَّ كَسَادَهَا بِمَنْزِلَةِ عَيْبٍ فِيهَا وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ. (قَوْلُهُ: وَالِانْقِطَاعُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 218 عَنْ أَيْدِي النَّاسِ كَالْكَسَادِ وَحُكْمُ الدَّرَاهِمِ كَذَلِكَ، فَإِنْ اشْتَرَى بِالدَّرَاهِمِ ثُمَّ كَسَدَتْ أَوْ انْقَطَعَتْ بَطَلَ الْبَيْعُ وَيَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي رَدُّ الْمَبِيعِ إنْ كَانَ قَائِمًا وَمِثْلُهُ إنْ كَانَ هَالِكًا وَكَانَ مِثْلِيًّا وَإِلَّا فَقِيمَتُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَقْبُوضًا فَلَا حُكْمَ لِهَذَا الْبَيْعِ أَصْلًا وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ، وَقَالَا: لَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ الْمُتَعَذِّرَ إنَّمَا هُوَ التَّسْلِيمُ بَعْدَ الْكَسَادِ وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ الْفَسَادَ لِاحْتِمَالِ الزَّوَالِ بِالرَّوَاجِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا بِالرُّطَبِ ثُمَّ انْقَطَعَ، وَإِذَا لَمْ يَبْطُلْ وَتَعَذَّرَ تَسْلِيمُهُ وَجَبَتْ قِيمَتُهُ لَكِنْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَوْمَ الْبَيْعِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَوْمَ الْكَسَادِ وَهُوَ آخِرُ مَا يَتَعَامَلُ النَّاسُ بِهَا، وَفِي الذَّخِيرَةِ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَفِي الْمُحِيطِ وَالتَّتِمَّةِ وَالْحَقَائِقِ بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ يُفْتَى رِفْقًا بِالنَّاسِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الثَّمَنِيَّةَ بِالِاصْطِلَاحِ فَتَبْطُلُ لِزَوَالِ الْمُوجِبِ فَيَبْقَى الْبَيْعُ بِلَا ثَمَنٍ وَالْعَقْدُ بِمَا تَنَاوَلَ عَيْنَهَا بِصِفَةِ الثَّمَنِيَّةَ، وَقَدْ انْعَدَمَتْ بِخِلَافِ انْقِطَاعِ الرُّطَبِ فَإِنَّهُ يَعُودُ غَالِبًا فِي الْعَامِ الْقَابِلِ بِخِلَافِ النُّحَاسِ فَإِنَّهُ بِالْكَسَادِ رَجَعَ إلَى أَصْلِهِ فَكَانَ الْغَالِبُ عَدَمَ الْعَوْدِ. وَالْكَسَادُ لُغَةً كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ مِنْ كَسَدَ الشَّيْءُ يَكْسُدُ مِنْ بَابِ فَتَلَ لَمْ يُنْفَقْ لِقِلَّةِ الرَّغَبَاتِ فَهُوَ كَاسِدٌ وَكَسَدَ يَتَعَدَّى بِالْهَمْزَةِ فَيُقَالُ أَكْسَدَهُ اللَّهُ وَكَسَدَتْ السُّوقُ فَهِيَ كَاسِدٌ بِغَيْرِ هَاءٍ فِي الصِّحَاحِ وَبِالْهَاءِ فِي التَّهْذِيبِ وَيُقَالُ أَصْلُ الْكَسَادِ الْفَسَادُ. اهـ. وَفِقْهًا أَنْ يَتْرُكَ الْمُعَامَلَةَ بِهَا فِي جَمِيعِ الْبِلَادِ وَإِنْ كَانَتْ تَرُوجُ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ لَا يَبْطُلُ لَكِنَّهُ تُعَيَّبُ إذَا لَمْ تَرُجْ فِي بَلَدِهِمْ فَتَخَيَّرَ الْبَائِعُ إذَا شَاءَ أَخَذَهُ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ قِيمَتَهُ وَحْدًا لِانْقِطَاعِ أَنْ لَا يُوجَدَ فِي السُّوقِ وَإِنْ كَانَ يُوجَدُ فِي يَدِ الصَّيَارِفَةِ وَفِي الْبُيُوتِ هَكَذَا فِي الرِّوَايَةِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مَا ذَكَرَ لِلْكَسَادِ ذَكَرَهُ فِي الْعُيُونِ وَقَالُوا: إنَّهُ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا فَلَا وَيَنْبَغِي أَنْ يَنْتَفِيَ الْبَيْعُ بِالْكَسَادِ فِي تِلْكَ الْبَلْدَةِ الَّتِي وَقَعَ فِيهَا الْبَيْعُ بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي بَيْعِ الْفَلْسِ بِالْفَلْسَيْنِ عِنْدَهُمَا يَجُوزُ اعْتِبَارًا لِاصْطِلَاحِ بَعْضِ النَّاسِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ اعْتِبَارًا لِاصْطِلَاحِ الْكُلِّ فَالْكَاسِدُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَلَى هَذَا الْقِيَاسِ أَيْضًا وَمِثْلُهُ فِي الِانْقِطَاعِ وَالْفُلُوسِ النَّافِقَةِ إذَا كَسَدَتْ كَذَلِكَ. اهـ. قَيَّدَ بِالْكَسَادِ وَمِثْلُهُ الِانْقِطَاعُ لِأَنَّهَا لَوْ نَقَصَتْ قِيمَتُهَا قَبْلَ الْقَبْضِ فَالْبَيْعُ عَلَى حَالِهِ بِالْإِجْمَاعِ وَلَا يَتَخَيَّرُ الْبَائِعُ وَعَكْسُهُ لَوْ غَلَتْ قِيمَتُهَا وَازْدَادَتْ فَكَذَلِكَ الْبَيْعُ عَلَى حَالِهِ وَلَا يَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي وَيُطَالِبُ بِأَلْفٍ بِذَلِكَ الْمِعْيَارِ الَّذِي كَانَ وَقْتَ الْبَيْعِ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي الْمِصْبَاحِ نَفَقَتْ الدَّرَاهِمُ نَفْقًا مِنْ بَابِ تَعَبَ نُقِدَتْ وَيَتَعَدَّى بِالْهَمْزَةِ فَيُقَالُ أَنْفَقْتهَا قَيَّدْنَا بِكَوْنِهَا لَمْ تُقْبَضْ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَوْ قَبَضَهَا ثُمَّ كَسَدَتْ فَلَا شَيْءَ لَهُ وَفِي الْخُلَاصَةِ عَنْ الْمُحِيطِ دَلَّالٌ بَاعَ مَتَاعَ الْغَيْرِ بِإِذْنِهِ بِدَرَاهِمَ مَعْلُومَةٍ وَاسْتَوْفَاهَا فَكَسَدَتْ قَبْلَ أَنْ يَدْفَعَهَا إلَى صَاحِبِ الْمَتَاعِ لَا يَفْسُدُ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْقَبْضِ لَهُ. اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمُنْتَقَى غَلَتْ الْفُلُوسُ الْقَرْضُ أَوْ رَخُصَتْ فَعِنْدَ الْإِمَامِ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي أَوَّلًا لَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهَا، وَقَالَ الثَّانِي ثَانِيًا عَلَيْهِ قِيمَتُهَا مِنْ الدَّرَاهِمِ يَوْمَ الْبَيْعِ وَالْقَبْضِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَهَكَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَالْخُلَاصَةِ بِالْعَزْوِ إلَى الْمُنْتَقَى وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ يَلْزَمُهُ الْمِثْلُ وَهَكَذَا ذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ قَالَ: وَلَا يُنْظَرُ إلَى الْقِيمَةِ وَلَكِنْ صَوَّرَهَا بِمَا إذَا بَاعَ مِائَةَ فَلْسٍ بِدِرْهَمٍ وَقَوْلُهُمْ عَنْ الْمُنْتَقَى يَلْزَمُهُ قِيمَتُهَا مِنْ الدَّرَاهِمِ يَوْمَ الْبَيْعِ وَالْقَبْضِ لَعَلَّهُ بِالتَّوْزِيعِ فَقَوْلُهُ يَوْمَ الْبَيْعِ عَائِدٌ إلَى الْبَيْعِ وَقَوْلُهُ يَوْمَ الْقَبْضِ عَائِدٌ إلَى الْقَرْضِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَالْإِجَارَةُ كَالْبَيْعِ وَالدَّيْنِ عَلَى هَذَا وَفِي النِّكَاحِ يَلْزَمُهُ قِيمَةُ تِلْكَ الدَّرَاهِمِ وَإِنْ كَانَ نَقَدَ بَعْضَ الثَّمَنِ دُونَ بَعْضٍ فَسَدَ فِي الْبَاقِي.   [منحة الخالق] عَنْ أَيْدِي النَّاسِ كَالْكَسَادِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَلْحَقَ هَذَا الشَّارِحُ الِانْقِطَاعَ بِالْكَسَادِ تَبَعًا لِلزَّيْلَعِيِّ وَفِي الْمُضْمَرَاتِ قَالَ فَإِنْ انْقَطَعَ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ قِيمَتُهُ فِي آخِرِ يَوْمٍ انْقَطَعَ هُوَ الْمُخْتَارُ فِي الذَّخِيرَةِ الِانْقِطَاعُ كَالْكَسَادِ وَحَدُّ الِانْقِطَاعِ أَنْ لَا يُوجَدَ فِي السُّوقِ وَإِنْ كَانَ لَا يُوجَدُ فِي يَدِ الصَّيَارِفَةِ فَلَيْسَ بِمُنْقَطِعٍ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. اهـ. ذَكَرَهُ الْغَزِّيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَحُكْمُ الدَّرَاهِمِ كَذَلِكَ) قَالَ الرَّمْلِيُّ يُرِيدُ بِهِ الدَّرَاهِمَ الَّتِي لَمْ يَغْلِبْ عَلَيْهَا الْغِشُّ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ فَعَلَى هَذَا لَا يَخْتَصُّ هَذَا الْحُكْمُ بِغَالِبِ الْغِشِّ وَلَا بِالْفُلُوسِ فَالتَّنْصِيصُ عَلَيْهِمَا دُونَ الدَّرَاهِمِ الْجَيِّدَةِ لِغَلَبَةِ الْكَسَادِ فِيهِمَا دُونَهَا تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَقَالُوا إنَّهُ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَاعْتَرَضَهُمْ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ بِأَنَّ مُحَمَّدًا لَا يَقُولُ بِأَنَّ الْكَسَادَ يُوجِبُ الْفَسَادَ فَكَيْفَ يَسْتَقِيمُ ذَلِكَ عَلَى قَوْلِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ أَقُولُ: وَكَذَا أَبُو يُوسُفَ لَا يَقُولُ بِهِ أَيْضًا كَمَا قَدْ عَلِمْت فَكَيْفَ يَكْتَفِي لِلْفَسَادِ بِالْكَسَادِ فِي تِلْكَ الْبَلْدَةِ عَلَى قَوْلِهِ ثُمَّ رَأَيْت بَعْدَ التَّأَمُّلِ أَنَّ مِمَّا يَجِبُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ فِي الْجَوَابِ أَنَّ مَا فِي الْعُيُونِ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا جَرَى عَلَيْهِ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْأَسْرَارِ وَشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ مِنْ أَنَّ الْفَسَادَ بِالْكَسَادِ فِي الْفُلُوسِ قَوْلُ الْكُلِّ وَأَنَّ الْخِلَافَ الْأَوَّلَ مَقْصُورٌ عَلَى الدَّرَاهِمِ الْمَغْشُوشَةِ وَسَوَّى الْقُدُورِيُّ بَيْنَ الْكُلِّ وَهُوَ الْوَجْهُ إذْ لَا فَرْقَ يَظْهَرُ وَلَمْ أَرَ مَنْ أَفْصَحَ عَنْ هَذَا وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ. (قَوْلُهُ: وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَالْإِجَارَةُ كَالْبَيْعِ وَالدَّيْنِ عَلَى هَذَا إلَخْ) يُوهِمُ أَنَّهُ مِنْ تَعَلُّقَاتِ الْغَلَاءِ وَالرُّخْصِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 219 (قَوْلُهُ: وَصَحَّ الْبَيْعُ بِالْفُلُوسِ النَّافِقَةِ وَإِنْ لَمْ تَتَعَيَّنْ) لِأَنَّهَا أَمْوَالٌ مَعْلُومَةٌ وَصَارَتْ أَثْمَانًا بِالِاصْطِلَاحِ فَجَازَ بِهَا الْبَيْعُ وَوَجَبَتْ فِي الذِّمَّةِ كَالنَّقْدَيْنِ وَلَا تَتَعَيَّنُ وَإِنْ عَيَّنَهَا كَالنَّقْدِ إلَّا إذَا قَالَا أَرَدْنَا تَعْلِيقَ الْحُكْمِ بِعَيْنِهَا فَحِينَئِذٍ يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِعَيْنِهَا، بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ فَلْسًا بِفَلْسَيْنِ بِأَعْيَانِهِمَا حَيْثُ يَتَعَيَّنُ مِنْ غَيْرِ تَصْرِيحٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَتَعَيَّنْ لَفَسَدَ الْبَيْعُ وَهَذَا عَلَى قَوْلِهِمَا، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لَا يَتَعَيَّنُ وَإِنْ صَرَّحَا وَأَصْلُهُ أَنَّ اصْطِلَاحَ الْعَامَّةِ لَا يَبْطُلُ بِاصْطِلَاحِهِمَا عَلَى خِلَافِهِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَبْطُلُ فِي حَقِّهِمَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ. قَوْلُهُ (وَبِالْكَاسِدَةِ لَا حَتَّى بِعَيْنِهَا) ؛ لِأَنَّهَا سِلَعٌ فَلَا بُدَّ مِنْ تَعَيُّنِهَا. قَوْلُهُ (وَلَوْ كَسَدَتْ أَفْلَسَ الْقَرْضُ يَجِبُ رَدُّ مِثْلِهَا) أَيْ عَدَدًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا عَلَيْهِ رَدُّ قِيمَتِهَا لِتَعَذُّرِ رَدِّهَا كَمَا قَبَضَهَا؛ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ ثَمَنٌ وَالْمَرْدُودُ لَا فَفَاتَتْ الْمُمَاثَلَةُ فَصَارَ كَمَا لَوْ اسْتَقْرَضَ مِثْلِيًّا فَانْقَطَعَ لَكِنْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ عَلَيْهِ الْقِيمَةُ يَوْمَ الْقَبْضِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَوْمَ الْكَسَادِ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ اُنْظُرْ فِي حَقِّ الْمُسْتَقْرِضِ؛ لِأَنَّ قِيمَتَهُ يَوْمَ الِانْقِطَاعِ أَقَلُّ، وَكَذَا فِي حَقِّ الْمُقْرِضِ بِالنَّظَرِ إلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَيْسَرُ؛ لِأَنَّ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْقَبْضِ مَعْلُومَةٌ وَيَوْمَ الْكَسَادِ لَا تُعْرَفُ إلَّا بِحَرَجٍ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْقَرْضَ إعَارَةٌ وَمُوجِبُهَا رَدُّ الْعَيْنِ مَعْنًى وَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ بِرَدِّ مِثْلِهِ وَالثَّمَنِيَّةُ زِيَادَةٌ فِيهِ وَالِاخْتِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِيمَنْ غَصَبَ مِثْلِيًّا كَالرُّطَبِ ثُمَّ انْقَطَعَ عَنْ أَيْدِي النَّاسِ وَجَبَتْ قِيمَتُهُ إجْمَاعًا، لَكِنْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَوْمَ الْخُصُومَةِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَوْمَ الْغَصْبِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَوْمَ الِانْقِطَاعِ وَفِي الْخَانِيَّةِ وَالْفَتَاوَى الصُّغْرَى وَالْبَزَّازِيَّةِ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ رِفْقًا بِالنَّاسِ وَفِي الْمِصْبَاحِ الْفَلْسُ الَّذِي يَتَعَامَلُ بِهِ وَجَمْعُهُ فِي الْقِلَّةِ أَفْلُسٌ وَفِي الْكَثْرَةِ فُلُوسٌ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. وَأَمَّا إذَا اسْتَقْرَضَ دَرَاهِمَ غَالِبَةَ الْغِشِّ فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَيْهِ مِثْلُهَا وَلَسْت أَرْوِي ذَلِكَ عَنْهُ وَلَكِنْ لِرِوَايَتِهِ فِي الْفُلُوسِ إذَا أَقْرَضَهَا ثُمَّ كَسَدَتْ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَكَذَا الْخِلَافُ إنْ أَقْرَضَهُ طَعَامًا بِالْعِرَاقِ وَأَخَذَهُ بِمَكَّةَ فَعِنْدَ الثَّانِي عَلَيْهِ قِيمَتُهُ يَوْمَ قَبْضِهِ بِالْعِرَاقِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ قِيمَتُهُ بِالْعِرَاقِ يَوْمَ اخْتَصَمَا، وَكَذَا الْخِلَافُ فِي الْفُلُوسِ الْمَغْصُوبَةِ إذَا كَسَدَتْ حَالَ قِيَامِ الْعَيْنِ وَكَذَا الْعَدَالِيُّ، ثُمَّ قَالَ وَلَوْ اشْتَرَى بِالنَّقْدِ الرَّائِجِ وَتَقَابَضَا ثُمَّ تَقَايَلَا بَعْدَ كَسَادِهِ رَدَّ الْبَائِعُ الْمِثْلَ لَا الْقِيمَةَ عِنْدَ الْإِمَامِ وَلَوْ اشْتَرَى بِالنَّقْدِ الْكَاسِدِ بِلَا إشَارَةٍ وَتَعْيِينٍ فَالْعَقْدُ فَاسِدٌ كَالْكَسَادِ الطَّارِئِ، وَقَالُوا لَوْ كَانَ مَكَانَهُ نِكَاحٌ وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ وَفِيهِ نَظَرٌ وَيَجِبُ أَنْ يُقَالَ لَوْ قِيمَةُ الْكَاسِدِ عَشَرَةٌ أَوْ أَكْثَرُ فَهِيَ لَهَا وَإِنْ أَقَلَّ فَتَمَامُ الْعَشَرَةِ وَإِنْ طَرَأَ الْكَسَادُ الْعَامُّ فِي كُلِّ الْأَقْطَارِ ثُمَّ رَاجَتْ قَبْلَ فَسْخِ الْبَيْعِ يَعُودُ الْبَيْعُ جَائِزًا لِعَدَمِ انْفِسَاخِ الْعَقْدِ بِلَا فَسْخٍ. اهـ. فَعَلَى هَذَا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ سَابِقًا بَطَلَ الْبَيْعُ أَيْ انْفَسَخَ إنْ فَسَخَهُ مَنْ لَهُ الدَّرَاهِمُ لَا مُطْلَقًا. اهـ. قَوْلُهُ (وَلَوْ اشْتَرَى شَيْئًا بِنِصْفِ دِرْهَمِ فُلُوسٍ صَحَّ) وَعَلَيْهِ فُلُوسٌ تُبَاعُ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ بِثُلُثِ دِرْهَمٍ أَوْ بِرُبُعِهِ أَوْ بِدَانَقِ فُلُوسٍ أَوْ بِقِيرَاطِ فُلُوسٍ؛ لِأَنَّ التَّبَايُعَ بِهَذَا الطَّرِيقِ مُتَعَارَفٌ فِي الْقَلِيلِ مَعْلُومٌ بَيْنَ النَّاسِ لَا تَفَاوَتَ فِيهِ فَلَا يُؤَدِّي إلَى النِّزَاعِ قَيَّدَ بِمَا دُونَ الدِّرْهَمِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى بِدِرْهَمِ فُلُوسٍ لَا يَجُوزُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ أَوْ بِدِرْهَمَيْنِ فُلُوسٍ لَا يَجُوزُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِعَدَمِ الْعُرْفِ وَجَوَّزَهُ أَبُو يُوسُفَ فِي الْكُلِّ لِلْعُرْفِ وَهُوَ الْأَصَحُّ، كَذَا فِي الْكَافِي وَالْمُجْتَبَى وَالدَّانَقُ سُدُسُ دِرْهَمٍ وَالْقِيرَاطُ نِصْفُ السُّدُسِ. قَوْلُهُ (وَمَن ْ أَعْطَى صَيْرَفِيًّا دِرْهَمًا فَقَالَ أَعْطِنِي بِهِ نِصْفَ دِرْهَمِ فُلُوسٍ وَنِصْفًا إلَّا حَبَّةً صَحَّ) ؛ لِأَنَّهُ قَابَلَ الدِّرْهَمَ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ فُلُوسٍ وَبِنِصْفِ دِرْهَمٍ إلَّا حَبَّةِ مِنْ الْفِضَّةِ فَيَكُونُ نِصْفُ دِرْهَمٍ إلَّا حَبَّةً بِمُقَابَلَةِ الْفِضَّةِ وَنِصْفَ دِرْهَمٍ وَحَبَّةٍ بِمُقَابَلَةِ الْفُلُوسِ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ أَعْطِنِي بِنِصْفِهِ فُلُوسًا وَبِنِصْفِهِ نِصْفًا إلَّا حَبَّةً بَطَلَ فِي الْكُلِّ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِ وَعِنْدَهُمَا صَحَّ فِي الْفُلُوسِ وَبَطَلَ فِيمَا قَابَلَ الْفِضَّةَ؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ عِنْدَ هُمَا عِنْدَ التَّفْصِيلِ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الْمُفْسِدِ وَعِنْدَهُ يَتَعَدَّى وَأَصْلُهُ أَنَّ   [منحة الخالق] لِأَنَّ الْبَزَّازِيَّ إنَّمَا أَوْرَدَ ذَلِكَ فِي الْمُنْقَطِعِ الْمُسَاوِي حُكْمَهُ لِلْكَسَادِ، كَذَا نَبَّهَ عَلَيْهِ شَيْخُنَا. اهـ. أَبُو السُّعُودِ. [الْبَيْعُ بِالْفُلُوسِ النَّافِقَةِ] (قَوْلُهُ: وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَأَمَّا إذَا اسْتَقْرَضَ دَرَاهِمَ غَالِبَةَ الْغِشِّ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ تَقْيِيدَ الِاخْتِلَافِ فِي رَدِّ الْمِثْلِ أَوْ الْقِيمَةِ بِالْكَسَادِ يُشِيرُ إلَى أَنَّهَا إذَا غَلَتْ أَوْ رَخُصَتْ وَجَبَ رَدُّ الْمِثْلِ بِالِاتِّفَاقِ، وَقَدْ مَرَّ نَظِيرُهُ فِيمَا إذَا اشْتَرَى بِغَالِبِ الْغِشِّ أَوْ بِفُلُوسٍ نَافِقَةٍ وَاعْلَمْ أَنَّهُ اُسْتُفِيدَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ تَقْيِيدَ الْكَسَادِ بِأَفْلَسِ الْقَرْضِ لَيْسَ احْتِرَازِيًّا بِدَلِيلِ أَنَّهُ حَكَى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 220 الْعَقْدَ يَتَكَرَّرُ عِنْدَهُ بِتَكْرَارِ اللَّفْظِ وَعِنْدَهُمَا بِتَفْصِيلِ الثَّمَنِ حَتَّى لَوْ قَالَ اعْطِنِي بِنِصْفِهِ فُلُوسًا وَأَعْطِنِي بِنِصْفِهِ نِصْفًا إلَّا حَبَّةً جَازَ فِي الْفُلُوسِ وَبَطَلَ فِي الْفِضَّةِ بِالْإِجْمَاعِ فَهُنَا صُوَرٌ الْأُولَى مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ أَعْطِنِي بِهِ نِصْفَ دِرْهَمِ فُلُوسٍ وَنِصْفًا إلَّا حَبَّةً صَحَّ اتِّفَاقًا الثَّانِيَةُ أَعْطِنِي بِنِصْفِهِ فُلُوسًا وَبِنِصْفِهِ نِصْفًا إلَّا حَبَّةً فَسَدَ فِي الْكُلِّ عِنْدَهُ وَفِي الْفِضَّةِ فَقَطْ عِنْدَهُمَا، الثَّالِثَةُ أَعْطِنِي بِنِصْفِهِ فُلُوسًا وَأَعْطِنِي بِنِصْفِهِ نِصْفًا إلَّا حَبَّةً جَازَ فِي الْفُلُوسِ فَقَطْ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الْقَبْضَ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ لِلْعِلْمِ بِهِ مِمَّا قَدَّمَهُ وَحَاصِلُهُ إنْ تَفَرَّقَا قَبْلَ الْقَبْضِ فَسَدَ فِي النِّصْفِ إلَّا حَبَّةً لِكَوْنِهِ صَرْفًا لَاقَى الْفُلُوسَ؛ لِأَنَّهَا بَيْعٌ فَيَكْفِي قَبْضُ أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ وَلَوْ لَمْ يُعْطِهِ الدِّرْهَمَ وَلَمْ يَأْخُذْ الْفُلُوسَ حَتَّى افْتَرَقَا بَطَلَ فِي الْكُلِّ لِلِافْتِرَاقِ عَنْ دَيْنٍ بِدَيْنٍ وَقَدَّمْنَا شَيْئًا مِنْ أَحْكَامِ الْفُلُوسِ فِي بَابِ الرِّبَا وَهَذَا الْبَابِ، وَإِلَى هُنَا ظَهَرَ أَنَّ الْأَمْوَالَ ثَلَاثَةٌ ثَمَنٌ بِكُلِّ حَالٍ وَهُوَ النَّقْدَانِ صَحِبَهُ الْبَاءُ أَوْ لَا قُوبِلَ بِجِنْسِهِ أَوْ لَا وَمَبِيعٌ بِكُلِّ حَالٍ كَالثِّيَابِ وَالدَّوَابِّ وَثَمَنٌ مِنْ وَجْهٍ مَبِيعٌ مِنْ وَجْهٍ كَالْمِثْلِيَّاتِ غَيْرِ النَّقْدَيْنِ مِنْ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ فَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا فِي الْعَقْدِ كَانَ مَبِيعًا وَإِلَّا وَصَحِبَهُ الْبَاءُ وَقُوبِلَ بِمَبِيعٍ فَهُوَ ثَمَنٌ وَثَمَنٌ بِاصْطِلَاحٍ وَهُوَ سِلْعَةٌ فِي الْأَصْلِ كَالْفُلُوسِ فَإِنْ كَانَتْ رَائِجَةً فَهِيَ ثَمَنٌ وَإِلَّا فَسِلْعَةٌ وَمِنْ حُكْمِ الثَّمَنِ عَدَمُ اشْتِرَاطِ وُجُودِهِ فِي مِلْكِ الْعَاقِدِ عِنْدَ الْعَقْدِ وَلَا يَبْطُلُ بِهَلَاكِهِ وَيَصِحُّ الِاسْتِبْدَالُ بِهِ فِي غَيْرِ الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ وَحُكْمُ الْمَبِيعِ خِلَافُهُ فِي الْكُلِّ وَمِنْ حُكْمِهَا وُجُوبُ التَّسَاوِي عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِالْجِنْسِ فِي الْمُقَدَّرَاتِ إلَى آخِرِ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي بَابِ الرِّبَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (كِتَابُ الْكَفَالَةِ) ذَكَرَهَا عَقِبَ الْبُيُوعِ؛ لِأَنَّهَا غَالِبًا تَكُونُ بِالثَّمَنِ أَوْ بِالْمَبِيعِ وَمُنَاسَبَتُهَا لِلصَّرْفِ؛ لِأَنَّهَا تَكُونُ آخِرًا عِنْدَ الرُّجُوعِ مُعَاوَضَةً عَمَّا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ مِنْ الْإِثْمَانِ وَقَدَّمَهُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْبُيُوعِ وَالْكَلَامُ فِيهَا فِي عَشَرَةِ مَوَاضِعَ الْأَوَّلُ فِي مَعْنَاهَا لُغَةً قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ كَفَلْت بِالْمَالِ وَبِالنَّفْسِ كِفْلًا مِنْ بَابِ قَتَلَ وَكُفُولًا أَيْضًا، وَالِاسْمُ الْكَفَالَةُ وَحَكَى أَبُو زَيْدٍ سَمَاعًا مِنْ الْعَرَبِ مِنْ بَابَيْ تَعِبَ وَقَرُبَ وَحَكَى ابْنُ الْقَطَّاعِ كَفَلْت وَكَفَلْت بِهِ وَعَنْهُ إذَا تَحَمَّلْت بِهِ وَيَتَعَدَّى إلَى مَفْعُولٍ ثَانٍ بِالتَّضْعِيفِ وَالْهَمْزَةِ فَيُحْذَفُ الْحَرْفُ فِيهِمَا وَقَدْ يَثْبُت مَعَ الْمُثْقَلِ قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ تَكَفَّلْت بِالْمَالِ الْتَزَمْت بِهِ وَأَلْزَمْته نَفْسِي، وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ تَحَمَّلْت بِهِ، وَقَالَ فِي الْمَجْمَعِ كَفَلْت بِهِ كِفْلَةً وَكَفَلْت عَنْهُ بِالْمَالِ لِغَرِيمِهِ حُقُوقٌ بَيْنَهُمَا وَكَفَلْت الرَّجُلَ وَالصَّغِيرَ مِنْ بَابِ قَتَلَ كَفَالَةً أَيْضًا عُلْته وَقُمْت بِهِ وَيَتَعَدَّى بِالتَّضْعِيفِ إلَى مَفْعُولٍ ثَانٍ يُقَالُ كَفَلْت زَيْدًا الصَّغِيرَ وَالْفَاعِلُ مِنْ كَفَالَةِ الْمَالِ كَفِيلٌ بِهِ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، وَقَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ وَكَافِلٌ أَيْضًا مِثْلُ ضَمِينٌ وَضَامِنٌ وَفَرَّقَ اللَّيْثِ بَيْنَهُمَا فَقَالَ الْكَفِيلُ الضَّامِنُ وَالْكَافِلُ هُوَ الَّذِي يَعُولُ إنْسَانًا وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ وَالْكِفْلُ وِزَانُ حِمْلٍ الضِّعْفُ مِنْ الْأَجْرِ أَوْ الْإِثْمِ وَالْكَفَلُ بِفَتْحَتَيْنِ الْعَجُزُ. اهـ. وَفِي الْمُغْرِبِ الْكَفِيلُ الضَّامِنُ وَتَرْكِيبُهُ دَالٌّ عَلَى الضَّمِّ وَالتَّضَمُّنِ وَالْكَفَالَةُ ضَمُّ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ فِي حَقِّ الْمُطَالَبَةِ اهـ. الثَّانِي: فِي مَعْنَاهَا شَرْعًا قَدْ اخْتَلَفَ فِيهِ وَقَدْ أَشَارَ إلَى الْأَصَحِّ بِقَوْلِهِ (هِيَ ضَمُّ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ فِي الْمُطَالَبَةِ) الضَّمُّ الْجَمْعُ وَمِنْ الْفُقَهَاءِ مَنْ جَعَلَ الضَّمَانَ مُشْتَقًّا مِنْ الضَّمِّ وَهُوَ غَلَطٌ مِنْ جِهَةِ الِاشْتِقَاقِ؛ لِأَنَّ نُونَ الضَّمَانِ أَصْلِيَّةٌ وَالضَّمَّ لَا نُونَ فِيهِ فَهُمَا مَادَّتَانِ مُخْتَلِفَتَانِ كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ وَالذِّمَّةُ الْعَهْدُ وَالْأَمَانُ وَالضَّمَانُ، وَقَوْلُهُمْ فِي ذِمَّتِي كَذَا أَيْ فِي ضَمَانِي وَالْجَمْعُ ذِمَمٌ مِثْلُ سِدْرَةٍ وَسِدَرٌ، كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ، وَقَالَ الْأُصُولِيُّونَ: إنَّ الْآدَمِيَّ يُولَدُ وَلَهُ ذِمَّةٌ صَالِحَةٌ لِلْوُجُوبِ لَهُ وَعَلَيْهِ وَفِي التَّحْرِيرِ وَالذِّمَّةُ وَصْفٌ شَرْعِيٌّ بِهِ   [منحة الخالق] الْخِلَافَ فِي رَدِّ الْمِثْلِ أَوْ الْقِيمَةِ فِيمَا إذَا كَانَ الْقَرْضُ الَّذِي كَسَدَ مِمَّا غَلَبَ غِشُّهُ، وَانْظُرْ حُكْمَ مَا إذَا اقْتَرَضَ مِنْ فِضَّةٍ خَالِصَةٍ أَوْ غَالِبَةٍ أَوْ مُسَاوِيَةٍ لِلْغِشِّ ثُمَّ كَسَدَتْ هَلْ هُوَ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ أَوْ يَجِبُ رَدُّ الْمِثْلِ بِالِاتِّفَاقِ أَبُو السُّعُودِ. [أَعْطَى صَيْرَفِيًّا دِرْهَمًا فَقَالَ أَعْطِنِي بِهِ نِصْفَ دِرْهَمِ فُلُوسٍ وَنِصْفًا إلَّا حَبَّةً] (قَوْلُهُ: حَتَّى لَوْ قَالَ أَعْطِنِي بِنِصْفِهِ فُلُوسًا إلَخْ) قَالَ فِي الشرنبلالية لَكِنْ قَالُوا فِيهِ إشْكَالٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَعْطِنِي مُسَاوَمَةً كَلَفْظِ بِعْنِي وَبِالْمُسَاوِمَةِ لَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ فَكَيْفَ يَتَكَرَّرُ بِتَكْرَارِهِ وَلَعَلَّ الْوَجْهَ أَنْ يُقَالَ تَكْرَارُ أَعْطِنِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَقْصُودَهُ تَفْرِيقُ الْعَقْدِ فَحُمِلَ عَلَى أَنَّهُمَا عَقَدَا عَقْدَيْنِ، كَذَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ. [كِتَابُ الْكَفَالَةِ] الجزء: 6 ¦ الصفحة: 221 الْأَهْلِيَّةُ لِوُجُوبِ مَالَهُ وَعَلَيْهِ وَفَسَّرَهَا فَخْرُ الْإِسْلَامِ بِالنَّفْسِ وَالرَّقَبَةُ الَّتِي لَهَا عَهْدٌ وَالْمُرَادُ أَنَّهَا الْعَهْدُ فَقَوْلُهُمْ فِي ذِمَّتِهِ أَيْ فِي نَفْسِهِ بِاعْتِبَارِ عَهْدِهَا مِنْ بَابِ إطْلَاقِ الْحَالِّ وَإِرَادَةِ الْمَحَلِّ اهـ. وَالْمُطَالَبَةُ مِنْ طَالَبْتُهُ مُطَالَبَةً وَطِلَابَا مِنْ بَابِ قَاتَلَ، كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْكَفِيلَ وَالْمَكْفُولَ عَنْهُ صَارَا مَطْلُوبَيْنِ لِلْمَكْفُولِ لَهُ سَوَاءٌ كَانَ الْمَطْلُوبُ مِنْ أَحَدِهِمَا هُوَ الْمَطْلُوبُ مِنْ الْآخَرِ كَمَا فِي الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ أَوْ لَا كَمَا فِي الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ فَإِنَّ الْمَطْلُوبَ مِنْ الْأَصِيلِ الْمَالُ وَمِنْ الْكَفِيلِ إحْضَارُ النَّفْسِ وَلَفْظُ الْمُطَالَبَةِ بِإِطْلَاقِهِ يَنْتَظِمُهُمَا هَذَا عَلَى رَأْيِ بَعْضِهِمْ. وَجَزَمَ مِسْكِينٌ بِأَنَّ الْمَطْلُوبَ مِنْهُمَا وَاحِدٌ وَهُوَ تَسْلِيمُ النَّفْسِ فَإِنَّ الْمَطْلُوبَ عَلَيْهِ تَسْلِيمُ نَفْسِهِ وَالْكَفِيلُ قَدْ الْتَزَمَهُ وَقَيَّدَ بِالْمُطَالَبَةِ لِدَفْعِ قَوْلِ مَنْ قَالَ: إنَّهَا الضَّمُّ فِي الدَّيْنِ فَيَثْبُتُ الدَّيْنُ فِي ذِمَّةِ الْكَفِيلِ مِنْ غَيْرِ سُقُوطٍ عَنْ الْأَصِيلِ وَلَمْ يُرَجَّحْ فِي الْمَبْسُوطِ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ عَلَى الْآخَرِ وَمَا يَظُنُّ مَانِعًا مِنْ لُزُومِ صَيْرُورَةِ الدَّيْنِ الْوَاحِدِ دَيْنَيْنِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ دَفَعَهُ فِي الْمَبْسُوطِ بِأَنَّهُ لَا مَانِعَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَوْفِي الْأَمْنَ أَحَدُهُمَا كَالْغَاصِبِ مَعَ غَاصِبِ الْغَاصِبِ فَإِنَّ كُلًّا ضَامِنٌ لِلْقِيمَةِ وَلَيْسَ حَقُّ الْمَالِكِ إلَّا فِي قِيمَةٍ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَوْفِي إلَّا مِنْ أَحَدِهِمَا وَاخْتِيَارُهُ تَضْمِينَ أَحَدِهِمَا يُوجِبُ بَرَاءَةَ الْآخَرِ فَكَذَا هُنَا لَكِنَّ هُنَا بِالْقَبْضِ لَا بِمُجَرَّدِ اخْتِيَارِهِ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ الدَّيْنِ فِي ذِمَّةِ الْكَفِيلِ أَنَّهُ لَوْ وَهَبَ الدَّيْنَ لِلْكَفِيلِ صَحَّ وَيَرْجِعُ الْكَفِيلُ بِهِ عَلَى الْأَصِيلِ مَعَ أَنَّ هِبَةَ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ لَا يَصِحُّ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ ثُبُوتَ الدَّيْنِ فِي الذِّمَّةِ اعْتِبَارٌ مِنْ الِاعْتِبَارَاتِ الشَّرْعِيَّةِ فَجَازَ أَنْ يَعْتَبِرَ الشَّيْءَ الْوَاحِدَ فِي ذِمَّتَيْنِ إنَّمَا يَمْتَنِعُ فِي عَيْنٍ تَثْبُتُ فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ فِي طَرَفَيْنِ حَقِيقِيَّيْنِ وَلَكِنَّ الْمُخْتَارَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ فِي مُجَرَّدِ الْمُطَالَبَةِ لَا الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَهُ فِي ذِمَّتَيْنِ وَإِنْ أَمْكَنَ شَرْعًا لَا يَجِبُ الْحُكْمُ بِوُقُوعِ كُلِّ مُمْكِنٍ إلَّا بِمُوجِبٍ وَلَا مُوجِبَ؛ لِأَنَّ التَّوَثُّقَ يَحْصُلُ بِالْمُطَالَبَةِ وَهُوَ لَا يَسْتَلْزِمُ وَلَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِ اعْتِبَارِ الدَّيْنِ فِي الذِّمَّةِ كَالْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ يُطَالِبُ بِالثَّمَنِ وَهُوَ فِي ذِمَّةِ الْمُوَكِّلِ. كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَكَذَا الْوَصِيُّ وَالْوَلِيُّ وَالنَّاظِرُ يُطَالَبُونَ بِمَا لَزِمَ دَفْعُهُ وَلَا شَيْءَ فِي ذِمَّتِهِمْ، وَكَذَا كُلُّ أَمِينٍ يُطَالَبُ بِرَدِّ الْأَمَانَةِ وَلَا شَيْءَ فِي ذِمَّتِهِ وَكَذَا سَيِّدُ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ الْمَدْيُونِ مُطَالَبٌ بِبَيْعِهِ أَوْ فِدَائِهِ وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ الْهِبَةِ وَالْإِبْرَاءِ فَإِنَّا جَعَلْنَاهُ فِي حُكْمِ دَيْنَيْنِ تَصْحِيحًا لَتَصَرُّفِ صَاحِبِ الْحَقِّ وَذَلِكَ عِنْدَهُ أَمَّا قَبْلَهُ فَلَا ضَرُورَةَ وَلَا دَاعِيَ إلَى ذَلِكَ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَا نُقِلَ مِنْ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الدَّيْنَ فِعْلٌ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ فِي ذِمَّةِ الْكَفِيلِ أَيْضًا كَمَا هُوَ فِي ذِمَّةِ الْأَصِيلِ إذْ فِعْلُ الْأَدَاءِ وَاجِبٌ عَلَيْهِ. اهـ. وَقَدْ يُقَالُ: إنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهِ لِإِسْقَاطِ الْمُطَالَبَةِ عَنْهُ وَأَبُو حَنِيفَةَ إنَّمَا جَعَلَهُ فِعْلًا لِسُقُوطِهِ عَنْ الْمَيِّتِ إذْ لَا يَتَأَتَّى الْفِعْلُ مِنْهُ فَلَمْ تَصِحَّ الْكَفَالَةُ عَنْ مَيِّتٍ مُفْلِسٍ وَلَيْسَ مُرَادُهُ أَنَّ حَقِيقَتَهُ الْفِعْلُ؛ لِأَنَّهُ وَصْفٌ قَائِمٌ بِالذِّمَّةِ وَإِنَّمَا مُرَادُهُ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الْفِعْلُ كَمَا لَا يَخْفَى وَقَدْ صَرَّحُوا فِي مَوَاضِعَ بِأَنَّهُ وَصْفٌ وَلِذَا قَالُوا الدُّيُونُ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا؛ لِأَنَّ مَا فِي الذِّمَّةِ لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ وَفِي الْإِيضَاحِ أَخْذًا مِنْ الْغَايَةِ أَنَّ تَعْرِيفَهَا بِالضَّمِّ فِي الدَّيْنِ لَا يَنْتَظِمُ الْكَفَالَةَ بِالنَّفْسِ وَالْكَفَالَةَ بِالْعَيْنِ وَالْكَفَالَةَ بِالْفِعْلِ. اهـ. قُلْتُ: نَعَمْ لَا يَشْمَلُ لَكِنَّ الْمُعَرِّفَ لَهَا بِذَلِكَ إنَّمَا أَرَادَ تَعْرِيفَ الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ فَإِنَّ أَصْلَ الْخِلَافِ نَشَأَ مِنْ أَنَّ الْكَفِيلَ هَلْ يَثْبُتُ فِي ذِمَّتِهِ الْمَالُ أَوْ لَا ثُمَّ رَأَيْت صَاحِبَ الْبَدَائِعِ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ فِي بَيَانِ حُكْمِهَا وَلَمْ يَذْكُرْ الشَّارِحُونَ لِهَذَا الِاخْتِلَافِ ثَمَرَةً فَإِنَّ الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّ الدَّيْنَ لَا يُسْتَوْفَى إلَّا مِنْ أَحَدِهِمَا وَأَنَّ الْكَفِيلَ مُطَالَبٌ وَأَنَّ هِبَةَ الدَّيْنِ لَهُ صَحِيحَةٌ وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْأَصِيلِ وَلَوْ اشْتَرَى الطَّالِبُ بِالدَّيْنِ شَيْئًا مِنْ الْكَفِيلِ صَحَّ مَعَ أَنَّ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: ثُمَّ رَأَيْت صَاحِبَ الْبَدَائِعِ إلَخْ) قَالَ الْغَزِّيِّ قُلْتُ: وَرَأَيْت بِخَطٍّ قَدِيمٍ عَلَى حَاشِيَةِ شَرْحِ الْمُجْمَعِ لِابْنِ مَالِكٍ مَا صُورَتُهُ وَفَائِدَةُ كَوْنِ الْكَفَالَةِ ضَمُّ الذِّمَّةِ إلَى الذِّمَّةِ فِي الْمُطَالَبَةِ لَا فِي الدَّيْنِ عَلَى الْقَوْلِ الْأَصَحِّ أَنَّهُ إذَا مَاتَ الْكَفِيلُ بَعْدَ تَعَذُّرِ الِاسْتِيفَاءِ مِنْ الْأَصِيلِ يَأْخُذُ الْمُطَالِبُ الدَّيْنَ مِنْ تَرِكَةِ الْكَفِيلِ عَلَى قَوْلِ بَعْضِ الْمَشَايِخِ لِأَنَّهُ مَدْيُونٌ عَلَى قَوْلِهِمْ وَلَا يَأْخُذُ عَلَى الْقَوْلِ الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ حَقَّ الطَّالِبِ عَلَى الْكَفِيلِ فِي الْمُطَالَبَةِ فَحَسْبُ وَكَذَا إذَا أَبْرَأَ الطَّالِبُ الْأَصِيلَ بَرِئَ الْكَفِيلُ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ هَذَا عَلَى الْقَوْلِ الصَّحِيحِ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ بَعْضِ الْمَشَايِخِ فَلَا يَبْرَأُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْكَفِيلِ وَالْأَصِيلِ بِإِبْرَاءِ الطَّالِبِ عَنْ أَحَدِهِمَا بَلْ لَهُ الْأَخْذُ مِنْ الْكَفِيلِ إذَا أَبْرَأَ الْأَصِيلَ وَكَذَا عَكْسُهُ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مَدْيُونٌ وَمُطَالَبٌ. اهـ. بِلَفْظِهِ لَكِنَّهُ لَمْ يَعْزُهُ إلَى كِتَابٍ فَلْيُحَرَّرْ مِنْ الْكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. اهـ. كَذَا فِي حَاشِيَةِ الرَّمْلِيِّ أَقُولُ: وَجْهُهُ ظَاهِرٌ وَسَيَأْتِي مَتْنًا أَنَّهُ لَوْ أَبْرَأَ الْأَصِيلُ أَوْ آخَرُ عَنْهُ بَرِئَ الْكَفِيلُ وَتَأَخَّرَ عَنْهُ وَلَا يَنْعَكِسُ مَعَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ مَشَى عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا الضَّمُّ فِي الْمُطَالَبَةِ وَسَيَأْتِي هُنَاكَ عَنْ الْغَزِّيِّ أَيْضًا أَنَّ الَّذِي فِي الْكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ أَنَّ الْمَالَ يَحِلُّ بِمَوْتِ الْكَفِيلِ وَأَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 222 الشِّرَاءَ بِالدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ لَا يَصِحُّ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ أَنَّهَا تَظْهَرُ فِيمَا إذَا حَلَفَ الْكَفِيلُ أَنْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ فَعَلَى الْأَصَحِّ لَا يَحْنَثُ وَعَلَى الضَّعِيفِ يَحْنَثُ وَجُهْدُ الْمُقِلِّ دُمُوعُهُ وَسَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِهِ وَبَطَلَ تَعْلِيقُ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْكَفَالَةِ بِالشَّرْطِ مَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ ثَمَرَةً وَفِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ ادَّعَى عَلَى غَيْرِهِ أَنَّهُ ضَمِنَ لَهُ عَنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ كَذَا كَذَا دِرْهَمًا قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ يُحَلِّفُهُ بِاَللَّهِ مَالَهُ عَلَيْك هَذَا الْمَالُ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي يَدَّعِي، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إنْ عَرَضَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِلْقَاضِي فَإِنَّهُ يُحَلِّفُهُ بِاَللَّهِ مَالَهُ عَلَيْك هَذَا الْمَالُ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي يَدَّعِي وَإِنْ لَمْ يَعْرِضْ حَلَّفَهُ بِاَللَّهِ مَا ضَمِنَ وَالتَّعْرِيضُ أَنْ يَقُولَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّ الرَّجُلَ قَدْ يَضْمَنُ مَالًا ثُمَّ يُؤَدِّي أَوْ يُبَرِّئُهُ الطَّالِبُ أَوْ يُؤَدِّيه الْمَضْمُونُ عَنْهُ فَيَبْرَأُ الضَّامِنُ. اهـ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ قَوْلُ الشَّيْخِ الْإِمَامِ مُفَرَّعًا عَلَى أَنَّهَا لِلضَّمِّ فِي الدَّيْنِ وَمَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ مُفَرَّعٌ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا لَا يَخْفَى وَمِمَّا يُضَعِّفُ أَنَّهَا الضَّمُّ فِي الدَّيْنِ أَنَّ الْمَدْيُونَ لَوْ دَفَعَ الدَّيْنَ ثُمَّ كَفَلَ بِهِ إنْسَانٌ قَالُوا لَا يَصِحُّ مَعَ قَوْلِهِمْ بِبَقَاءِ الدَّيْنِ بَعْدَ الدَّفْعِ وَأَنَّ السَّاقِطَ الْمُطَالَبَةُ بِالْأَلْفَاظِ الْآتِيَةِ وَلَمْ يَجْعَلْ أَبُو يُوسُفَ فِي قَوْلِهِ الْأَخِيرِ الْقَبُولَ رُكْنًا فَجَعَلَهَا تَتِمُّ بِالْكَفِيلِ وَحْدَهُ فِي الْمَالِ وَالنَّفْسِ الثَّالِثُ فِي بَيَانِ رُكْنِهَا قَالُوا: هُوَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ بِالْأَلْفَاظِ الْآتِيَةِ وَلَمْ يَجْعَلْ أَبُو يُوسُفَ فِي قَوْلِهِ الْأَخِيرِ الْقَبُولَ رُكْنُهَا فَجَعَلَهَا تَتِمُّ بِالْكَفِيلِ وَحْدَهُ فِي الْمَالِ وَالنَّفْسِ. وَاخْتُلِفَ عَلَى قَوْلِهِ فَقِيلَ يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الطَّالِبِ وَقِيلَ تَنْفُذُ، وَلِلطَّالِبِ الرَّدُّ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا مَاتَ الْمَكْفُولُ لَهُ قَبْلَ الْقَبُولِ فَمَنْ قَالَ بِالتَّوَقُّفِ قَالَ لَا يُؤَاخَذُ الْكَفِيلُ الرَّابِعُ فِي شَرَائِطِهَا وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ فِي الْكَفِيلِ وَالْأَصِيلِ وَالطَّالِبِ وَالْمَكْفُولِ بِهِ ثُمَّ مِنْهَا مَا هُوَ شَرْطُ الِانْعِقَادِ وَمِنْهَا مَا هُوَ شَرْطُ النَّفَاذِ، أَمَّا شَرَائِطُ الْكَفِيلِ فَالْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ وَهُمَا شَرْطَانِ لِلِانْعِقَادِ فَلَا يَنْعَقِدُ كَفَالَةُ مَجْنُونٍ وَصَبِيٍّ إلَّا إذَا اسْتَدَانَ الْوَلِيُّ دَيْنًا فِي نَفَقَةِ الْيَتِيمِ وَأَمَرَهُ بِأَنْ يَضْمَنَ الْمَالَ عَنْهُ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ وَلَوْ أَمَرَهُ بِكَفَالَةِ نَفْسِهِ عَنْهُ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الدَّيْنِ قَدْ لَزِمَهُ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ فَالشَّرْطُ لَا يَزِيدُهُ إلَّا تَأْكِيدًا فَلَمْ يَكُنْ مُتَبَرِّعًا فَأَمَّا ضَمَانُ النَّفْسِ وَهُوَ تَسْلِيمُ نَفْسِ الْأَبِ أَوْ الْوَصِيِّ فَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ قَوْلُ الشَّيْخِ الْإِمَامِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ هَذَا وَهْمٌ مَنْشَؤُهُ تَوَهُّمُ أَنَّ قَوْلَهُ مَالَهُ عَلَيْك هَذَا الْمَالِ يُفِيدُ مَا ادَّعَاهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ مَعْنَاهُ مَالَهُ عَلَيْك الْمُطَالَبَةُ بِهِ وَكَيْفَ يَصِحُّ عَلَى مَا ادَّعَاهُ أَنْ يَكُونَ مَا عَنْ الثَّانِي مُفَرَّعًا عَلَى الْأَصَحِّ وَهُوَ يُوَافِقُهُ فِيمَا إذَا عَرَضَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَتَارَةً يُفَرَّعُ عَلَى الْأَوَّلِ وَتَارَةً عَلَى الثَّانِي مَا هَذَا الْتَوَانِي. (قَوْلُهُ: الثَّالِثُ فِي بَيَانِ رُكْنِهَا قَالُوا هُوَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَقُولُ: أَيْ عِنْدَهُمَا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَوَّلًا حَتَّى أَنَّهَا لَا تَتِمُّ بِالْكَفِيلِ وَحْدَهُ مَا لَمْ يُوجَدْ قَبُولُ الْمَكْفُولِ لَهُ أَوْ قَبُولُ أَجْنَبِيٍّ عَنْهُ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ أَوْ خِطَابُ الْمَكْفُولِ لَهُ أَوْ خِطَابُ أَجْنَبِيٍّ عَنْهُ بِأَنْ قَالَ الطَّالِبُ اُكْفُلْ بِنَفْسِ فُلَانٍ لِي فَقَالَ كَفَلْت أَوْ قَالَ رَجُلٌ أَجْنَبِيٌّ لِغَيْرِهِ اُكْفُلْ بِنَفْسِ فُلَانٍ أَوْ قَالَ عَنْ فُلَانٍ لِفُلَانٍ فَيَقُولُ ذَلِكَ الْغَيْرُ كَفَلْت تَصِحُّ الْكَفَالَةُ وَتَقِفُ عَلَى مَا وَرَاءِ الْمَجْلِسِ عَلَى إجَازَةِ الْمَكْفُولِ لَهُ وَلِلْكَفِيلِ أَنْ يُخْرِجَ نَفْسَهُ عَنْ الْكَفَالَةِ قَبْلَ أَنْ يُجِيزَ الْغَائِبُ كَفَالَتَهُ، أَمَّا إذَا لَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ الْكَفِيلُ كَفَلْت بِنَفْسِ فُلَانٍ لِفُلَانٍ أَوْ بِمَا لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ مِنْ الدُّيُونِ فَإِنَّهَا لَا تَقِفُ عَلَى مَا وَرَاءِ الْمَجْلِسِ حَتَّى لَوْ بَلَغَ الطَّالِبُ فَقَبِلَ لَمْ تَصِحَّ تَتَارْخَانِيَّةٌ، وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ الْكَفَالَةُ لِلصَّبِيِّ لَمْ تَجُزْ قِيلَ لَهُ هُوَ حَجْرٌ عَلَى الْمَضَارِّ لَا الْمَنَافِعِ بِدَلِيلِ قَبُولِ الْهَدِيَّةِ وَالصَّدَقَةِ وَفِي هَذَا مَنْفَعَةٌ فَتَجُوزُ قَالَ الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ تَصِحُّ بِالْفِعْلِ وَفِعْلُهُ مُعْتَبَرٌ، وَأَمَّا هُنَا فَلَا بُدَّ مِنْ قَوْلٍ وَقَوْلُهُ لَمْ يُعْتَبَرْ، كَذَا ذَكَرَهُ فِي الْكَفَالَةِ وَذَكَرَ فِي الْأَحْكَامِ لَوْ كَانَ الصَّبِيُّ تَاجِرًا صَحَّتْ الْكَفَالَةُ وَلَوْ خَاطَبَ عَنْهُ أَجْنَبِيٌّ وَقَبِلَ عَنْهُ تَوَقَّفَتْ عَلَى إجَازَةِ وَكِيلِهِ فَإِنْ لَمْ يُخَاطِبْ أَجْنَبِيٌّ وَلَا وَلِيُّهُ وَإِنَّمَا خَاطَبَ الصَّبِيُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لَا تَصِحُّ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَصِحُّ. اهـ. وَالْوَلِيُّ الْأَبُ أَوْ الْجَدُّ عِنْدَ عَدَمِهِ أَوْ الْوَصِيُّ مِنْ أَحَدِهِمَا أَوْ الْقَاضِي لَوْلَا أَبٌ وَلَا جَدٌّ وَلَا وَصِيٌّ مِنْهُمَا. (قَوْلُهُ: وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ عَلَى قَوْلِهِ فِي الْمَجْلِسِ بَلْ يَصِحُّ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيُفْهَمُ مِنْهُ أَيْضًا صِحَّتُهُ عَلَى قَوْلِهِ وَلَوْ بَعْدَ مَوْتِ الْكَفِيلِ وَالْمَكْفُولِ عَنْهُ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا اسْتَدَانَ الْوَلِيُّ دَيْنًا إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ ثُمَّ رَأَيْته فِي الْمُحِيطِ عَزَا الْمَسْأَلَةَ إلَى الْمَبْسُوطِ وَلَفْظُهُ فِي كَفَالَةِ الصَّبِيِّ، وَإِذَا اسْتَدَانَ لَهُ أَبُوهُ أَوْ وَصِيُّهُ وَأَمَرَ أَنْ يَكْفُلَ عَنْهُ فِي الدَّيْنِ وَبِنَفْسِهِ جَازَتْ الْكَفَالَةُ بِالدَّيْنِ دُونَ النَّفْسِ؛ لِأَنَّ الْأَبَ أَوْ الْوَصِيَّ مَتَى اسْتَدَانَ عَلَى الصَّبِيِّ لِلنَّفَقَةِ كَانَ لَهُمَا الرُّجُوعُ بِذَلِكَ فِي مَالِ الصَّبِيِّ فَكَانَ أَدَاءُ الدَّيْنِ عَلَى الصَّبِيِّ إلَّا أَنَّ الْوَصِيَّ يَنُوبُ عَنْهُ فِي الْأَدَاءِ فَإِذَا أَمَرَ بِالضَّمَانِ فَقَدْ أَذِنَ لَهُ بِالْأَدَاءِ وَهُوَ يَمْلِكُ الْأَدَاءَ بِإِذْنِهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْأَدَاءُ فَلَمْ يَكُنْ هَذَا الضَّمَانُ تَبَرُّعًا. اهـ. وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الصَّبِيَّ يُطَالَبُ بِهَذَا الْمَالِ بِمُوجِبِ الْكَفَالَةِ وَلَوْلَاهَا لَكَانَ الطَّلَبُ إنَّمَا هُوَ عَلَى الْوَلِيِّ وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ بَطَلَ قَوْلُ عَصْرِيٍّ هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ مُسْتَدْرَكٌ بَلْ لَا تَصِحُّ كَفَالَةُ الصَّبِيِّ مُطْلَقًا فَتَدَبَّرْهُ. اهـ. قُلْتُ: وَمِثْلُ مَا نَقَلَهُ عَنْ الْمُحِيطِ مَذْكُورٌ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 223 فَكَانَ مُتَبَرِّعًا بِهِ فَلَمْ يَجُزْ وَالْحُرِّيَّةُ شَرْطُ نَفَاذِهَا فَلَمْ يَنْفُذْ كَفَالَةُ الْعَبْدِ وَلَوْ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَيُؤَاخَذُ بِهَا بَعْدَ الْعِتْقِ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ لَا يُؤَاخَذُ بِهَا بَعْدَ الْبُلُوغِ لِعَدَمِ انْعِقَادِهَا فَإِنْ أَذِنَ الْمَوْلَى لِعَبْدِهِ فِيهَا فَإِنْ كَانَ مَدْيُونًا لَمْ يَجُزْ وَإِلَّا جَازَتْ وَبِيعَ فِيهَا إلَّا إنْ فَدَاهُ وَلَمْ تَجُزْ كَفَالَةُ الْمُكَاتَبِ عَنْ أَجْنَبِيٍّ وَلَوْ أَذِنَ مَوْلَاهُ وَيُطَالَبُ بِهَا بَعْدَ عِتْقِهِ وَتَصِحُّ كَفَالَةُ الْمُكَاتَبِ وَالْمَأْذُونِ عَنْ مَوْلَاهُمَا. وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْكَفِيلُ صَحِيحًا فَتَصِحُّ كَفَالَةُ الْمَرِيضِ لَكِنْ مِنْ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّهَا تَبَرُّعٌ، وَأَمَّا شَرَائِطُ الْأَصِيلِ فَالْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ قَادِرًا عَلَى تَسْلِيمِ الْمَكْفُولِ بِهِ إمَّا بِنَفْسِهِ أَوْ بِنَائِبِهِ فَلَمْ تَصِحَّ الْكَفَالَةُ عَنْ مَيِّتٍ مُفْلِسٍ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا فَلَوْ كَفَلَ بِمَا عَلَى وَاحِدٍ لَمْ تَصِحَّ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ حُرًّا بَالِغًا عَاقِلًا، وَأَمَّا شَرَائِطُ الْمَكْفُولِ لَهُ فَالْأَوَّلُ - أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا، الثَّانِي - وُجُودُهُ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ وَهُوَ شَرْطُ الِانْعِقَادِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَيَانِ الرُّكْنِ وَتَفَرَّعَ عَلَى اشْتِرَاطِ قَبُولِهِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ عَقْلِهِ لَا حُرِّيَّتِهِ، وَأَمَّا شَرَائِطُ الْمَكْفُولِ بِهِ: فَالْأَوَّلُ - أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا عَلَى الْأَصِيلِ دَيْنًا أَوْ عَيْنًا أَوْ نَفْسًا أَوْ فِعْلًا وَلَكِنْ يُشْتَرَطُ فِي الْعَيْنِ أَنْ تَكُونَ مَضْمُونَةً لِنَفْسِهَا. الثَّانِي - أَنْ يَكُونَ مَقْدُورَ التَّسْلِيمِ مِنْ الْكَفِيلِ فَلَا تَجُوزُ بِالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ. الثَّالِثُ - أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ لَازِمًا وَهُوَ خَاصٌّ بِالْكَفَالَةِ فَلَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ وَلَا يَشْتَرِطُ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومَ الْقَدْرِ الْكُلُّ مِنْ الْبَدَائِعِ مُخْتَصَرًا. الْخَامِسُ فِي سَبَبِهَا قَالُوا سَبَبُ وُجُودِهَا تَضْيِيقُ الطَّالِبِ عَلَى الْمَطْلُوبِ مَعَ قَصْدِ الْخَارِجِ دَفْعُهُ عَنْهُ إمَّا تَقَرُّبًا إلَى اللَّهِ تَعَالَى أَوْ إزَالَةً لِلْأَذَى عَنْ نَفْسِهِ إذَا كَانَ الْمَطْلُوبُ مِمَّنْ يُهِمُّهُ مَا أَهَمَّهُ وَسَبَبُ شَرْعِيَّتِهَا رَفْعُ هَذِهِ الْحَاجَةِ وَالضَّرَرِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ السَّادِسُ فِي حُكْمِهَا فَفِي الْبَدَائِعِ لَهَا حُكْمَانِ أَحَدُهُمَا ثُبُوتُ مُطَالَبَةِ الْكَفِيلِ بِمَا عَلَى الْأَصِيلِ فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ طُولِبَ بِكُلِّهِ الْكَفِيلُ إنْ كَانَ وَاحِدًا وَإِنْ كَانَا اثْنَيْنِ طُولِبَ كُلُّ وَاحِدٍ بِنِصْفِهِ، وَفِي الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ يُطَالَبُ بِإِحْضَارِهِ إنْ أَمْكَنَ كَمَا سَيَأْتِي وَالْكَفِيلُ بِالْعَيْنِ يُطَالَبُ بِتَسْلِيمِهَا حَالَ قِيَامِهَا وَبِبَدَلِهَا حَالَ هَلَاكِهَا وَبِالتَّسْلِيمِ يُطَالَبُ بِهَا وَبِالْفِعْلِ جَمِيعًا وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ يَصِحُّ اشْتِرَاطُ الْخِيَارِ فِيهَا أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةٍ فِيمَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ وَمَا لَا يَصِحُّ قُبَيْلَ الصَّرْفِ السَّابِعُ فِي صِفَتِهَا فَهِيَ عَقْدٌ جَائِزٌ بِهِ لَازِمٌ وَسَيَأْتِي أَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ عَنْهَا فِي مَسْأَلَةِ بَايَعَ فُلَانًا فَمَا بَايَعْته فَهُوَ عَلَى، الثَّامِنُ فِي مَحَاسِنِهَا وَمَسَاوِئِهَا فَمَحَاسِنُهَا جَلِيلَةٌ وَهِيَ تَفْرِيجُ كَرْبِ الطَّالِبِ الْخَائِفِ عَلَى مَالِهِ وَالْمَطْلُوبِ الْخَائِفِ عَلَى نَفْسِهِ فَقَدْ كَفَاهُمَا مُؤْنَةَ مَا أَهَمَّهُمَا وَهُوَ نِعْمَةٌ كَبِيرَةٌ عَلَيْهِمَا، وَلِذَا كَانَتْ مِنْ الْأَفْعَالِ الْعَالِيَةِ حَتَّى امْتَنَّ اللَّهُ بِهَا حَيْثُ قَالَ وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا فِي قِرَاءَةِ التَّشْدِيدِ الْمُتَضَمَّنِ لِلِامْتِنَانِ عَلَى مَرْيَمَ إذْ جَعَلَ لَهَا مَنْ يَقُومُ بِمَصَالِحِهَا وَيَقُومُ بِهَا وَمَسَاوِئُهَا كَمَا فِي الْمُجْتَبَى قَالَ الِامْتِنَاعُ عَنْ التَّكَفُّلِ أَقْرَبُ إلَى الِاحْتِيَاطِ؛ لِأَنَّهُ مَكْتُوبٌ فِي التَّوْرَاة وَالزَّعَامَةُ أَوَّلُهَا مَلَامَةٌ وَأَوْسَطُهَا نَدَامَةٌ وَآخِرُهَا غَرَامَةٌ. اهـ. التَّاسِعُ فِي أَنْوَاعِهَا سَيَأْتِي أَنَّهَا نَوْعَانِ كَفَالَةٌ بِالنَّفْسِ وَكَفَالَةٌ بِالْمَالِ الْعَاشِرُ فِي دَلِيلِهَا قَوْله تَعَالَى {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: 72] وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الزَّعِيمُ غَارِمٌ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَفِي الدُّرِّ الْمَنْثُورِ الزَّعِيمُ الْكَفِيلُ وَغَارِمٌ مِنْ الْغُرْمِ وَهُوَ أَدَاءُ شَيْءٍ لَازِمٍ. اهـ. وَيُحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ أَسَامِي أَرْبَعَةٍ الْمَكْفُولُ عَنْهُ وَهُوَ الْمَدْيُونُ وَالْمَكْفُولُ لَهُ وَهُوَ الدَّائِنُ وَالْكَفِيلُ وَهُوَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَتَصِحُّ كَفَالَةُ الْمُكَاتَبِ وَالْمَأْذُونِ عَنْ مَوْلَاهُمَا) قَالَ فِي النَّهْرِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيِّدَ ذَلِكَ بِمَا إذَا كَانَتْ بِأَمْرِهِ ثُمَّ رَأَيْته كَذَلِكَ فِي عِقْدِ الْفَرَائِدِ مَعْزِيًّا إلَى الْمَبْسُوطِ حَيْثُ قَالَ وَكَفَالَةُ الْعَبْدِ التَّاجِرِ عَنْ سَيِّدِهِ بِمَالٍ أَوْ بِنَفْسِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ بَاطِلٌ. (قَوْلُهُ: الثَّانِي أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا) قَالَ الرَّمْلِيُّ، وَأَمَّا الْمَكْفُولُ عَنْهُ فَسَيَأْتِي قَرِيبًا فِي الْحَاشِيَةِ نَقْلًا عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة أَنَّهُمَا لَوْ شَهِدَا أَنَّهُ كَفَلَ لِهَذَا الرَّجُلِ بِنَفْسِ رَجُلٍ نَعْرِفُهُ بِوَجْهِهِ وَلَكِنْ لَا نَعْرِفُهُ بِاسْمِهِ فَهُوَ جَائِزٌ وَإِنْ قَالَ اُكْفُلْ بِنَفْسِ رَجُلٍ لَا نَعْرِفُهُ لَا بِوَجْهِهِ وَلَا بِاسْمِهِ فَالشَّهَادَةُ جَائِزَةٌ وَإِنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَسْمِيَةُ الْمَكْفُولِ عَنْهُ وَذِكْرُ نَسَبِهِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: فَالْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا عَلَى الْأَصِيلِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ يُعْلَمُ بِذَلِكَ جَوَابُ وَاقِعَةِ الْفَتْوَى وَهِيَ الْكَفَالَةُ بِالْمُسْلِمِ فِيهِ فِي السَّلَمِ الْفَاسِدِ وَهُوَ عَدَمُ صِحَّتِهَا؛ لِأَنَّ الْمَكْفُولَ بِهِ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَى الْأَصْلِ وَسَيَأْتِي أَنَّ الْكَفَالَةَ بِالْمَالِ شَرْطُهَا أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ صَحِيحًا وَسَيَأْتِي فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَصَحَّ لَوْ ثَمَنًا أَنَّهُ لَوْ كَفَلَ بِالثَّمَنِ ثُمَّ ظَهَرَ فَسَادُ الْبَيْعِ يَرْجِعُ الْكَفِيلُ بِمَا دَفَعَهُ وَكَيْفَ صَحَّ بِهِ وَهُوَ لَا يُطَالَبُ بِهِ الْأَصْلَ فَأَنَّى يُطَالَبُ بِهِ الْكَفِيلُ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: فَلَا تَجُوزُ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِنْ ذَلِكَ الْكَفَالَةُ بِنَفَقَةِ الزَّوْجَةِ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِهَا أَوْ الْمُضِيِّ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهَا لَا تَصِيرُ دَيْنًا إلَّا بِهَا وَبَدَلُ الْكِتَابَةِ دَيْنٌ إلَّا أَنَّهُ ضَعِيفٌ وَلَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهِ فَمَا لَيْسَ دَيْنًا أَوْلَى وَقَدْ أَفْتَيْت بِهِ. (قَوْلُهُ: وَالْكَفِيلُ وَهُوَ الْمُلْتَزِمُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَيُسَمَّى الْمُلْتَزِمُ لِذَلِكَ ضَامِنًا وَضَمِينًا وَحَمِيلًا وَزَعِيمًا وَكَافِلًا وَكَفِيلًا وَصَبِيرًا وَقَبِيلًا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ غَيْرَ أَنَّ الْعُرْفَ جَارٍ بِأَنَّ الضَّمِينَ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْحَمِيلَ فِي الدِّيَاتِ وَالزَّعِيمَ فِي الْأَمْوَالِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 224 الْمُلْتَزِمُ وَالْمَكْفُولُ بِهِ وَهُوَ الدَّيْنُ وَيُقَالُ لِلْمَكْفُولِ بِنَفْسِهِ مَكْفُولٌ بِهِ وَلَا يُقَالُ مَكْفُولٌ عَنْهُ، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة. قَوْلُهُ (وَتَصِحُّ بِالنَّفْسِ وَإِنْ تَعَدَّدَتْ) أَيْ الْكَفَالَةُ بِأَنْ أَخَذَ مِنْهُ كَفِيلًا ثُمَّ كَفِيلًا ثُمَّ آخَرُ وَجَازَ رُجُوعُ الضَّمِيرِ إلَى النَّفْسِ بِأَنْ كَفَلَ وَاحِدٌ نُفُوسًا كَمَا يَجُوزُ بِالدُّيُونِ الْكَثِيرَةِ لِإِطْلَاقِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الزَّعِيمُ غَارِمٌ» مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ وَالْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ وَلَا يُقَالُ لَا غُرْمَ فِي كَفَالَةِ النَّفْسِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْغُرْمُ لُزُومُ ضَرَرٍ عَلَيْهِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا} [الفرقان: 65] وَيُمْكِنُهُ الْعَمَلُ بِمُوجَبِهَا بِأَنْ يُخَلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَكْفُولِ أَوْ يُرَافِقَهُ إذَا دَعَاهُ أَوْ يُكْرِهَهُ بِالْحُضُورِ إلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ اسْتَعَانَ بِأَعْوَانِ الْقَاضِي وَلِأَنَّهُ الْتَزَمَ مَا هُوَ وَاجِبٌ عَلَى الْأَصِيلِ وَهُوَ حُضُورُهُ إلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي وَسَيَأْتِي حُكْمُ مَا إذَا تَعَدَّدَ الْكَفِيلُ فَسَلَّمَ الْبَعْضُ هَلْ يَبْرَأُ الْبَاقِي فَإِنْ قُلْتُ: هَلْ يُجْبَرُ أَحَدٌ عَلَى إعْطَاءِ الْكَفِيلِ بِالنَّفْسِ قُلْتُ: يُجْبَرُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى إعْطَاءِ الْكَفِيلِ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى سَوَاءٌ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَعْرُوفًا أَوْ لَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ إلَّا إذَا كَانَ غَرِيبًا وَسَيَأْتِي فِي كِتَابِ الدَّعْوَى وَفِي الْقُنْيَةِ لَيْسَ لِلْمُدَّعِي وَلَا لِلْقَاضِي طَلَبُ الْكَفِيلِ بِقَوْلِهِ لِي عَلَيْهِ دَعْوَى قَبْلَ بَيَانِ الدَّعْوَى، وَإِذَا طَلَبَ الْقَاضِي مِنْهُ كَفِيلًا وَامْتَنَعَ لَا يَحْبِسُهُ الْقَاضِي وَإِنَّمَا يَأْمُرُهُ بِالْمُلَازَمَةِ، كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَفِي الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ إذَا قَرُبَ الْحَوْلُ وَأَرَادَ الْمَدْيُونُ السَّفَرَ لَا يَجِبُ إعْطَاءُ الْكَفِيلِ وَفِي الصُّغْرَى لَيْسَ لَهُ مُطَالَبَةُ الْكَفِيلِ وَلَمْ يُقَيِّدْ بِالْمُؤَجَّلِ، وَقَالَ الثَّانِي لَوْ قِيلَ لَهُ طَلَبُ الْكَفِيلِ قِيَاسًا عَلَى نَفَقَةِ شَهْرٍ لَا يَبْعُدُ. وَفِي الْمُنْتَقَى قَالَ رَبُّ الدَّيْنِ مَدْيُونِي يُرِيدُ السَّفَرَ لَهُ التَّكْفِيلُ وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ قَالَتْ زَوْجِي يُرِيدُ أَنْ يَغِيبَ فَخُذْ بِالنَّفَقَةِ كَفِيلًا لَا يُجِيبُهَا الْحَاكِمُ إلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَجِبْ بَعْدُ وَاسْتَحْسَنَ الْإِمَامُ الثَّانِي أَخْذَ الْكَفِيلِ رِفْقًا بِهَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ كَفَلَ بِمَا ذَابَ لَهَا عَلَيْهِ وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ أَفْتَى يَقُولُ الثَّانِي فِي سَائِرِ الدُّيُونِ بِأَخْذِ الْكَفِيلِ كَانَ حَسَنًا رِفْقًا بِالنَّاسِ وَفِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ لِابْنِ الشِّحْنَةِ وَهَذَا تَرْجِيحٌ مِنْ صَاحِبِ الْمُحِيطِ. اهـ. وَفِي الْقُنْيَةِ إنْ عُرِفَ الْمَدْيُونُ بِالْمَطْلِ وَالتَّسْوِيفِ يَأْخُذُ الْكَفِيلَ وَإِلَّا فَلَا، وَجَازَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ تَعَدُّدِهَا أَنْ يَكُونَ لِلْكَفِيلِ كَفِيلٌ، وَلِذَا قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ الْكَفِيلُ بِالنَّفْسِ إذَا أَعْطَى الطَّالِبَ كَفِيلًا بِنَفْسِهِ فَمَاتَ الْأَصِيلُ بَرِئَ الْكَفِيلَانِ وَكَذَا لَوْ مَاتَ الْكَفِيلُ الْأَوَّلُ بَرِئَ الْكَفِيلُ الثَّانِي. اهـ. وَأَشَارَ بِجَوَازِ تَعَدُّدِهَا إلَى أَنَّ الْمَكْفُولَ لَهُ إذَا أَخَذَ مِنْ الْأَصِيلِ كَفِيلًا آخَرَ بَعْدَ الْأَوَّلِ لَمْ يَبْرَأْ الْأَوَّلُ، كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ فَلِقَوْلِهِ وَإِنْ تَعَدَّدَتْ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ. قَوْلُهُ (بِكَفَلْتُ بِنَفْسِهِ وَبِمَا عَبَّرَ عَنْ الْبَدَنِ وَيُجْزِئُ شَائِعٌ) أَيْ تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ بِقَوْلِهِ كَفَلْت بِنَفْسِ فُلَانٍ أَوْ بِرَأْسِهِ أَوْ وَجْهِهِ وَرَقَبَتِهِ وَعُنُقِهِ وَكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ أَوْ بِثُلُثِهِ أَوْ رُبْعِهِ، وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ فِي الطَّلَاقِ وَقَدْ ذَكَرُوا صِحَّةَ الْكَفَالَةِ بِالرُّوحِ وَلَمْ يَذْكُرُوهُ فِي الطَّلَاقِ وَيَنْبَغِي الْوُقُوعُ بِهِ وَذَكَرُوا فِي الطَّلَاقِ الْفَرْجَ وَلَمْ يَذْكُرُوهُ هُنَا، وَيَنْبَغِي صِحَّةُ الْكَفَالَةِ بِهِ إذَا كَانَتْ امْرَأَةً، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَلَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَا إذَا كَفَلَ بِعَيْنِهِ قَالَ الْبَلْخِيّ لَا يَصِحُّ كَمَا فِي الطَّلَاقِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِهِ الْبَدَنَ وَاَلَّذِي يَجِبُ أَنْ تَصِحَّ الْكَفَالَةُ بِهِ كَالطَّلَاقِ إذَا تَعَيَّنَ مِمَّا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْكُلِّ يُقَالُ عَيْنُ الْقَوْمِ وَهُوَ عَيْنٌ فِي النَّاسِ وَلَعَلَّهُ لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا فِي زَمَانِهِمْ أَمَّا فِي زَمَانِنَا فَلَا شَكَّ فِي ذَلِكَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ بِيَدِهِ أَوْ رِجْلِهِ وَيَتَأَتَّى فِي دَمِهِ مَا تَقَدَّمَ فِي الطَّلَاقِ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ قَيَّدْنَا بِكَوْنِهِ جُزْءَ الْكَفِيلِ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْكَفِيلَ لَوْ أَضَافَ الْجُزْءَ إلَيْهِ بِأَنْ قَالَ الْكَفِيلُ كَفَلَ لَك نِصْفِي أَوْ ثُلُثِي فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَكَرَهُ فِي الْكَرْخِيِّ فِي بَابِ الرَّهْنِ، كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ. (قَوْلُهُ وَبِضَمِنْتُهُ) أَيْ تَصِحُّ بِقَوْلِهِ ضَمِنْت لَك فُلَانًا؛ لِأَنَّهُ تَصْرِيحٌ بِمُقْتَضَاهَا   [منحة الخالق] الْعِظَامِ وَالْكَفِيلَ فِي النُّفُوسِ وَالصَّبِيرَ فِي الْجَمِيعِ وَكَالضَّمِينِ فِيمَا قَالَهُ الضَّامِنُ وَكَالْكَفِيلِ الْكَافِلُ وَكَالصَّبِيرِ الْقَبِيلُ قَالَ أَبُو حَيَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالزَّعِيمُ لُغَةُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْحَمِيلُ لُغَةُ أَهْلِ مِصْرَ وَالْكَفِيلُ لُغَةُ أَهْلِ الْعِرَاقِ، كَذَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: وَلَا يُقَالُ مَكْفُولٌ عَنْهُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَدْ وَجَدْنَا بَعْضَهُمْ يَقُولُهُ وَسَيَأْتِي قَرِيبًا فِيمَا كَتَبْنَاهُ فِي الْحَاشِيَةِ نَقْلًا عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة بِعَزْوِهِ لِلذَّخِيرَةِ. (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ بِكَفَلْتُ بِنَفْسِهِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ كَفَلَ بِفَتْحِ الْفَاءِ أَفْصَحُ مِنْ كَسْرِهَا، وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ، وَقَالَ فَإِنْ قُلْتُ: كَفَّلَ مُتَعَدٍّ بِنَفْسِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا} [آل عمران: 37] فَلِمَ عَدَّاهُ الْمُصَنِّفُ بِغَيْرِهِ وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ كَفَلَ بِأَحَدِ الرَّجُلَيْنِ قُلْتُ: ذَلِكَ بِمَعْنَى عَالَ وَمَا هُنَا بِمَعْنَى ضَمِنَ وَالْتَزَمَ وَاسْتِعْمَالُ كَثِيرٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ لَهُ مُتَعَدِّيًا بِنَفْسِهِ مُؤَوَّلٌ فَإِنَّ صَاحِبَ الصِّحَاحِ وَالْقَامُوسِ وَغَيْرَهُمَا مِنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 225 قَيَّدَ بِقَوْلِهِ ضَمِنْته لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنَا ضَامِنٌ حَتَّى تَجْتَمِعَا أَوْ تَلْتَقِيَا لَا يَكُونُ كَفِيلًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ الْمَضْمُونَ نَفْسًا أَوْ مَالًا، كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ لَوْ قَالَ عَلَيَّ حَتَّى تَجْتَمِعَا أَوْ تَلْتَقِيَا فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ هُوَ عَلَيَّ ضَمَانٌ مُضَافٌ إلَى الْعَيْنِ وَجَعَلَ الِالْتِقَاءَ غَايَةً لَهُ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة هُوَ عَلَيَّ حَتَّى نَجْتَمِعَا فَهُوَ كَفِيلٌ إلَى الْغَايَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا وَعَلَى هَذَا فَلَوْ قَالَ حَتَّى تَلْتَقِيَا فَهُوَ كَفِيلٌ إلَى الْغَايَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَبِعَلَيَّ) ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ عَلَى لِلْوُجُوبِ فَهِيَ صِيغَةُ الْتِزَامٍ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة قَالَ لَك عِنْدِي هَذَا الرَّجُلُ أَوْ قَالَ دَعْهُ إلَيَّ كَانَتْ كَفَالَةٌ. قَوْلُهُ (وَإِلَيَّ) بِمَعْنَاهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ تَرَكَ كَلًّا فَإِلَيَّ» أَيْ يَتِيمًا فَإِلَيَّ «وَمَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ» . (قَوْلُهُ: وَأَنَا زَعِيمٌ) ؛ لِأَنَّ الْكَفِيلَ يُسَمَّى زَعِيمًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ صَاحِبِ يُوسُفَ {وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: 72] أَيْ كَفِيلٌ كَذَا ذَكَرَ الشَّارِحُونَ لَكِنْ ذَكَرَ الرَّازِيّ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَظُنُّ أَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: 72] أَنَّ ذَلِكَ كَفَالَةً وَلَيْسَ مِنْهَا فِي شَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْقَائِلَ مُسْتَأْجِرٌ لِمَنْ جَاءَ بِهِ وَهُوَ الَّذِي يَلْزَمُهُ ضَمَانُ الْأُجْرَةِ الَّتِي عَقَدَ عَلَيْهَا لِمَنْ جَاءَ بِهِ وَلَيْسَ ضَمَانًا عَنْ أَحَدٍ وَجَوَابُهُ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ رَسُولًا مِنْ جِهَةِ الْمَلِكِ وَالرَّسُولُ سَفِيرٌ فَلَا تَجِبُ الْأَحْكَامُ عَلَيْهِ، كَأَنْ يَقُولَ إنَّ الْمَلِكَ قَالَ لِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ ثُمَّ يَقُولُ مِنْ جِهَتِهِ وَأَنَا بِذَلِكَ الْحِمْلِ عَلَى الْمَلِكِ كَفِيلٌ، وَذَكَرَ الْفَخْرُ الرَّازِيّ بَعْدَمَا قَرَّرَ أَنَّهَا دَلِيلُ الْكَفَالَةِ إلَّا أَنَّ هَذِهِ كَفَالَةً لِرَدِّ مَالِ السَّرِقَةِ وَهُوَ كَفَالَةٌ مَا لَمْ يَجِبْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِلسَّارِقِ أَنْ يَأْخُذَ شَيْئًا عَلَى رَدِّ السَّرِقَةِ وَلَعَلَّ مِثْلَ هَذِهِ الْكَفَالَةِ كَانَتْ تَصِحُّ عِنْدَهُمْ. اهـ. وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلِيلًا عَلَى جَوَازِ الْجَعَالَةِ وَضَمَانِ الْجُعَلِ قَبْلَ تَمَامِ الْعَمَلِ. اهـ. وَفِي الدُّرِّ الْمَنْثُورِ لِلْأَسْيُوطِيِّ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ {وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: 72] قَالَ الزَّعِيمُ هُوَ الْمُؤَذِّنُ الَّذِي قَالَ أَيَّتُهَا الْعِيرُ اهـ. قَوْلُهُ (وَقَبِيلٌ بِهِ) أَيْ بِفُلَانٍ لِأَنَّ الْقَبِيلَ هُوَ الْكَفِيلُ وَلِذَا سُمِّيَ الصَّكُّ قُبَالَةٌ؛ لِأَنَّهُ يَحْفَظُ الْحَقَّ فَمَعْنَاهُ الْقَابِلُ لِلضَّمَانِ وَفِي الصِّحَاحِ الْقَبِيلُ الْكَفِيلُ وَالْعَرِيفُ وَقَدْ قِبَلَ بِهِ يَقْبَلُ بِهِ قُبَالَةً وَنَحْنُ فِي قُبَالَتِهِ أَيْ فِي عَرَافَتِهِ وَالْقَبِيلُ الْجَمَاعَةُ تَكُونُ مِنْ الثَّلَاثَةِ فَصَاعِدًا مِنْ قَوْمٍ شَتَّى مِثْلُ الرُّومِ وَالزِّنْجِ وَالْعَرَبِ وَالْجَمْعُ قُبُلٌ. اهـ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة أَنَا قَبِيلٌ لَك بِنَفْسِ فُلَانٍ كَانَ كَفِيلًا كَمَا لَوْ قَالَ عَلَيَّ أَنْ آتِيك بِهِ سَوَاءٌ. قَوْلُهُ (لَا بِأَنَا ضَامِنٌ لِمَعْرِفَتِهِ) أَيْ لَا تَصِحُّ بِهَذَا الْقَوْلِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَصِيرُ ضَامِنًا لِلْعُرْفِ لِأَنَّهُمْ يُرِيدُونَ بِهِ الْكَفَالَةَ وَجْهُ مَا فِي الْكِتَابِ أَنَّهُ الْتَزَمَ مَعْرِفَتَهُ دُونَ الْمُطَالَبَةِ فَصَارَ كَالْتِزَامِهِ دَلَالَةً عَلَيْهِ أَوْ قَالَ أُوقِفُك عَلَيْهِ، وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ هَذَا الْقَوْلُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ غَيْرُ مَشْهُورٍ وَالظَّاهِرُ مَا عَنْهُمَا وَفِي خِزَانَةِ الْوَاقِعَاتِ وَبِهِ يُفْتَى أَيْ بِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى قَيَّدَ بِالْمَعْرِفَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنَا ضَامِنٌ لِتَعْرِيفِهِ أَوْ عَلَى تَعْرِيفِهِ فَفِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ وَالْوَجْهُ اللُّزُومُ؛ لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ مُتَعَدٍّ إلَى اثْنَيْنِ فَقَدْ الْتَزَمَ أَنْ يَعْرِفَهُ الْغَرِيمُ بِخِلَافِ مَعْرِفَتِهِ فَإِنَّهُ لَا يَقْتَضِي إلَّا مَعْرِفَةَ الْكَفِيلِ لِلْمَطْلُوبِ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَوْ قَالَ أَنَا ضَامِنٌ لِوَجْهِهِ فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْوَجْهَ يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْجُمْلَةِ فَكَأَنَّهُ قَالَ أَنَا ضَامِنٌ لَهُ، كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنَا أَعْرِفُهُ لَا يَكُونُ كَفِيلًا كَمَا فِي السِّرَاجِ وَفِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ قَالَ أَنَا كَفِيلٌ لِمَعْرِفَةِ فُلَانٍ لَا يَكُونُ كَفِيلًا وَلَوْ قَالَ مَعْرِفَةُ فُلَانٍ عَلَيَّ قَالُوا يَلْزَمُهُ أَنْ يَدُلَّ عَلَيْهِ. اهـ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة أَلْفَاظُ الْكَفَالَةِ كُلُّ مَا يُنْبِئُ عَنْ الْعُهْدَةِ فِي الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ ثُمَّ قَالَ لَوْ كَفَلَ بِنَفْسِ   [منحة الخالق] أَئِمَّةِ اللُّغَةِ لَمْ يَسْتَعْمِلُوهُ إلَّا مُتَعَدِّيًا بِغَيْرِهِ. اهـ. أَقُولُ: فَلِذَا أَتَى النَّسَفِيُّ بِالْبَاءِ فِي بِنَفْسِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنَا ضَامِنٌ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَوْ ضَمِنْت بِغَيْرِ ضَمِيرٍ قَالَ الْغَزِّيِّ أَقُولُ: يُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي صِحَّةِ الْكَفَالَةِ مِنْ الْبَيَانِ. اهـ. كَلَامُهُ. أَقُولُ: فَلَوْ قِيلَ أَتَضْمَنُ هَذَا الرَّجُلَ فَقَالَ ضَمِنْت أَوْ أَنَا ضَامِنٌ صَحَّ؛ لِأَنَّ السُّؤَالَ مَعَادٌ فِي الْجَوَابِ فَحَصَلَ الْبَيَانُ. اهـ. هَذَا وَنَقَلَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَنْ الشَّلَبِيِّ قَدْ رَاجَعْت نُقُولًا كَثِيرَةً مِنْ الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ وَالْفَتَاوَى فَبَعْضُهُمْ صَرَّحَ بِأَنَّ ضَمِنْت مِنْ أَلْفَاظِ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ لَا الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ وَلَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ مَشَايِخِنَا ذَكَرَهَا فِي أَلْفَاظِ الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ، لَكِنْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو نَصْرٍ إلَّا قَطَعَ عِنْدَ قَوْلِ الْقُدُورِيِّ فِي الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ ضَمِنْته أَوْ هُوَ عَلَيَّ أَوْ إلَيَّ أَوْ أَنَا زَعِيمٌ بِهِ أَوْ قَبِيلٌ بِهِ، فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ يَصِحُّ الضَّمَانُ بِهَا فَلَا فَرْقَ بَيْنَ ضَمَانِ النَّفْسِ وَضَمَانِ الْمَالِ. اهـ. وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ إنْ أُطْلِقَتْ تُحْمَلُ عَلَى الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ، وَإِذَا كَانَ هُنَاكَ قَرِينَةٌ عَلَى الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ فَتَتَمَحَّضُ حِينَئِذٍ لِلْكَفَالَةِ بِهِ. اهـ. قُلْتُ: وَمُفَادُهُ أَنَّ الْبَيَانَ لَيْسَ شَرْطًا فِي صِحَّتِهَا وَإِنَّهَا عِنْدَ عَدَمِهِ تُحْمَلُ عَلَى الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ وَهُوَ خِلَافُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ وَلَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا فِي السِّرَاجِ لِوُجُودِ الْبَيَانِ بِالْإِضَافَةِ فِيهِ وَفَرَّقَ بَيْنَ أَنَا ضَامِنٌ وَبَيْنَ هُوَ عَلَيَّ خِلَافًا لِمَا فِي الْمِنَحِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ كَانَتْ كَفَالَةٌ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ كَانَتْ كَفَالَةً بِالنَّفْسِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 226 رَجُلٍ وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ وَبَرِئَ ثُمَّ إنَّ الطَّالِبَ لَزِمَ الْمَطْلُوبَ فَقَالَ لَهُ الْكَفِيلُ دَعْهُ وَأَنَا عَلَى كَفَالَتِي أَوْ عَلَى مِثْلِ كَفَالَتِي لَا شَكَّ أَنَّهُ كَفَالَةٌ مُبْتَدَأَةٌ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الْكَفَالَةَ الْمُقَيَّدَةَ بِالْوَقْتِ قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ كَفَلَ بِنَفْسِ رَجُلٍ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ يَصِيرُ كَفِيلًا بَعْدَ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ وَجَعَلَهُ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَإِنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَكَذَا لَوْ بَاعَ عَبْدًا بِأَلْفٍ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ يَصِيرُ مُطَالَبًا بِالثَّمَنِ بَعْدَ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَصِيرُ كَفِيلًا فِي الْحَالِ، وَقَالَ فِي الطَّلَاقِ يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي الْحَالِ أَيْضًا، وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ يَصِيرُ كَفِيلًا فِي الْحَالِ قَالَ وَذَكَرَ الْأَيَّامَ الثَّلَاثَةَ لِتَأْخِيرِ الْمُطَالَبَةِ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لَا لِتَأْخِيرِ الْكَفَالَةِ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ سَلَّمَ الْمَكْفُولُ بِهِ قَبْلَ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ يُجْبَرُ الطَّالِبُ عَلَى الْقَبُولِ كَتَعْجِيلِ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ وَمَا ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ أَرَادَ بِهِ أَنْ يَكُونَ كَفِيلًا مُطَالَبًا بَعْدَ الثَّلَاثَةِ وَغَيْرُهُ أَخَذَ بِظَاهِرِ الْكِتَابِ وَقَالُوا لَا يَصِيرُ كَفِيلًا لِلْحَالِ، فَإِذَا مَضَتْ قَبْلَ تَسْلِيمِ النَّفْسِ كَانَ كَفِيلًا أَبَدًا إلَى أَنْ يُسَلِّمَ، فَإِذَا قَالَ أَنَا كَفِيلٌ بِنَفْسِ فُلَانٍ مِنْ الْيَوْمِ إلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ صَارَ كَفِيلًا فِي الْحَالِ، فَإِذَا مَضَتْ الْعَشَرَةُ خَرَجَ عَنْهَا، وَلَوْ قَالَ أَنَا كَفِيلٌ بِنَفْسِهِ إلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ، فَإِذَا مَضَتْ الْعَشَرَةُ فَإِنِّي بَرِيءٌ قَالَ ابْنُ الْفَضْلِ لَا مُطَالَبَةَ عَلَيْهِ بِهَا لَا فِيهَا وَلَا بَعْدَهَا وَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ كَفَلْت بِنَفْسِ فُلَانٍ شَهْرًا كَانَ كَفِيلًا أَبَدًا كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ شَهْرًا، وَلَوْ قَالَ: عَلَى نَفْسُهُ إلَى شَهْرٍ. عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ لَا سَبِيلَ عَلَيْهِ حَتَّى يَمْضِيَ شَهْرٌ وَلَوْ قَالَ: نَفْسُهُ عَلَى إلَى شَهْرٍ. فَإِذَا مَضَى شَهْرٌ فَأَنَا بَرِيءٌ مِنْهُ قَالَ هَذَا لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا اهـ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة إذَا كَفَلَ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ كَانَ كَفِيلًا بَعْدَ الثَّلَاثَةِ وَلَا يُطَالَبُ فِي الْحَالِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فِي السِّرَاجِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَفِي الصُّغْرَى وَبِهِ يُفْتَى وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ كَفَلَ بِنَفْسِهِ إلَى شَهْرٍ عَلَى أَنَّهُ بَرِيءٌ إذَا مَضَى شَهْرٌ. قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِيرُ كَفِيلًا وَفِي الْوَاقِعَاتِ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ يَصِيرُ كَفِيلًا كَفَلَ إلَى شَهْرٍ طَالَبَهُ بَعْدَ شَهْرٍ وَيَبْطُلُ مَا قَالَهُ الْبَعْضُ أَنَّهُ كَفِيلٌ فِي الْحَالِ مُؤَجَّلًا إلَى شَهْرٍ دَلَّ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ عِصَامٌ أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إلَى شَهْرٍ يَقَعُ بَعْدَ الْأَجَلِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْوُقُوعَ فِي الْحَالِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِيرُ كَفِيلًا فِي الْحَالِ وَبِهِ يُفْتَى، بِخِلَافِ أَمْرُ امْرَأَتِي بِيَدِهَا إلَى شَهْرٍ حَيْثُ يَصِيرُ الْأَمْرُ بِيَدِهَا فِي الْحَالِ إلَى شَهْرٍ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَحْتَمِلُ التَّأْقِيتَ وَالْأَمْرُ يَحْتَمِلُهُ، وَكَذَا الْكَفَالَةُ تَحْتَمِلُ التَّأْقِيتَ وَلَا نَعْنِي بِقَوْلِهِ أَنَّهُ كَفِيلٌ بَعْدَ شَهْرٍ أَنَّهُ لَيْسَ بِكَفِيلٍ لِلْحَالِ. أَلَا تَرَ أَنَّ الْكَفِيلَ لَوْ سَلَّمَ لِلْحَالِ يَجِبُ عَلَى الطَّالِبِ الْقَبُولُ وَلَوْ لَمْ يَصِرْ كَفِيلًا إلَّا بَعْدَ الشَّهْرِ لَمَا أُجْبِرَ فِي الْحَالِ لَكِنَّ ذِكْرَ الشَّهْرِ تَأْجِيلٌ لِلْكَفِيلِ حَتَّى لَا يُطَالِبَ لِلْحَالِ وَيُطَالِبَ بَعْدَ الْأَجَلِ اهـ. قَوْلُهُ (وَإِنْ شَرَطَ تَسْلِيمَهُ فِي وَقْتٍ بِعَيْنِهِ أَحْضَرَهُ فِيهِ إنْ طَلَبَهُ) ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ بِالشَّرْطِ فِي الْكَفَالَةِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِهِ إنْ طَلَبَهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَوْ بَعْدَهُ كَالدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ إذَا حَلَّ. قَوْلُهُ (فَإِنْ أَحْضَرَهُ وَإِلَّا حَبَسَهُ الْحَاكِمُ) لِامْتِنَاعِهِ عَنْ إيفَاءِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ وَلَكِنْ لَا يَحْبِسُهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ حَتَّى يَظْهَرَ مَطْلُهُ؛ لِأَنَّهُ جَزَاءُ الظُّلْمِ وَهُوَ لَيْسَ بِظَالِمٍ قَبْلَ الْمَطْلِ، وَذَكَرَ الشَّارِحُ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُفَصِّلَ كَمَا فَصَّلَ فِي الْحَبْسِ بِالدَّيْنِ مِنْ أَنَّهُ إنْ ثَبَتَ الدَّيْنُ بِإِقْرَارِهِ لَمْ يُعَجِّلْ بِحَبْسِهِ وَإِلَّا عَجَّلَ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى نَقْلٍ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ أَقَرَّ بِالْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ أَوْ ثَبَتَتْ بِالْبَيِّنَةِ عِنْدَ الْحَاكِمِ قَالَ الْخَصَّافُ لَا يَحْبِسُهُ فِيهِمَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَذَلِكَ فِي الْإِقْرَارِ، وَأَمَّا فِي الْبَيِّنَةِ يَحْبِسُهُ وَلَوْ أَوَّلَ مَرَّةٍ. اهـ. وَهَكَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَصَرَّحَ فِيهَا بِأَنَّهُ كَالدِّينِ وَفِي النِّهَايَةِ هَذَا إذَا لَمْ يَظْهَرْ عَجْزُهُ فَإِنْ ظَهَرَ فَلَا مَعْنَى لِحَبْسِهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُحَالُ بَيْنَهُمَا بَلْ يُلَازِمُهُ كَالْمَدْيُونِ، وَفِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمَبْسُوطِ لَوْ ادَّعَى الْكَفِيلُ بِالنَّفْسِ أَنَّهُ دَفَعَهُ إلَى وَكِيلِ الطَّالِبِ وَأَنْكَرَ الطَّالِبُ حَلَفَ عَلَى عِلْمِهِ لِأَنَّهُ اسْتِحْلَافٌ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ، بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَى الْكَفِيلُ بِالنَّفْسِ أَنَّهُ دَفَعَ إلَيْهِ فَإِنَّهُ يُسْتَحْلَفُ عَلَى الْبَتَاتِ وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ ثَلَاثَةٌ كَفَلُوا رَجُلًا بِنَفْسِهِ كَفَالَةً وَاحِدَةً فَأَحْضَرَهُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَيَبْطُلُ مَا قَالَهُ الْبَعْضُ إلَخْ) أَقُولُ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَا قَالَهُ الْبَعْضُ هُوَ الْمُفْتَى بِهِ فِي زَمَانِنَا فَإِنَّهُ هُوَ الْمُتَعَارَفُ بَيْنَ النَّاسِ لَا يَقْصِدُونَ غَيْرَهُ، وَقَدْ قَالُوا: إنَّ لَفْظَ عِنْدِي لِلضَّمَانِ لِلْعُرْفِ مَعَ أَنَّهُ لِلْأَمَانَةِ، وَقَالُوا أَيْضًا يُحْمَلُ كَلَامُ كُلِّ عَاقِدٍ وَحَالِفٍ وَوَاقِفٍ عَلَى عُرْفِهِ وَلُغَتِهِ وَإِنْ خَالَفَتْ لُغَةَ الْعَرَبِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 227 أَحَدُهُمْ بَرَءُوا جَمِيعًا وَإِنْ كَانَتْ الْكَفَالَةُ مُتَفَرِّقَةً لَمْ يَبْرَأْ الْبَاقُونَ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ إذَا كَانَتْ وَاحِدَةً فَالْإِحْضَارُ الْمُسْتَحَقُّ وَاحِدَةٌ، فَإِذَا سَلَّمَهُ وَاحِدٌ لَمْ يَبْقَ هُنَاكَ إحْضَارُ أَحَدٍ، وَأَمَّا إذَا تَفَرَّقَتْ فَكُلُّ عَقْدٍ أَوْجَبَ إحْضَارًا عَلَى حِدَةٍ فَإِحْضَارٌ وَاحِدٌ لَا يُسْقِطُ إحْضَارَ غَيْرِهِ وَلَوْ تَكَفَّلُوا بِمَالٍ كَفَالَةً وَاحِدَةً أَوْ مُتَفَرِّقَةً فَأَدَّى وَاحِدٌ جَمِيعَ الْمَالِ بَرِئَ الْبَاقُونَ؛ لِأَنَّ الْمَكْفُولَ بِهِ مَالٌ وَاحِدٌ، فَإِذَا أَدَّاهُ وَاحِدٌ لَمْ يَبْقَ عَلَى غَيْرِهِ مَالٌ. اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ كَفَلَ بِنَفْسِ رَجُلٍ لِرَجُلَيْنِ فَسَلَّمَهُ إلَى أَحَدِهِمَا بَرِئَ لَهُ وَالْآخَرُ عَلَى حَقِّهِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَيْسَ نَائِبَ الْآخَرِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ غَابَ أَمْهَلَهُ مُدَّةَ ذَهَابِهِ وَإِيَابِهِ) يَعْنِي وَلَا يَحْبِسُهُ لِعَدَمِ ظُهُورِ مَطْلِهِ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا أَرَادَ الْكَفِيلُ السَّفَرَ إلَيْهِ فَإِنْ أَبَى حَبَسَهُ لِلْحَالِ مِنْ غَيْرِ إمْهَالٍ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة وَإِنْ كَانَ فِي الطَّرِيقِ عُذْرٌ لَا يُؤَاخَذُ الْكَفِيلُ بِهِ وَالْإِيَابُ بِالْكَسْرِ الرُّجُوعُ مِنْ آبَ يَئُوبُ أَوْبًا وَأَوْبَةً وَإِيَابًا، كَذَا فِي الصِّحَاحِ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَوْ كَفَلَ بِنَفْسٍ مَحْبُوسٍ أَوْ غَائِبٍ صَحَّ، كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَقَوْلُهُ وَإِنْ غَابَ أَيْ وَإِنْ ثَبَتَ عِنْدَ الْقَاضِي أَنَّ الْكَفِيلَ غَائِبٌ بِبَلَدٍ آخَرَ بِعِلْمِ الْقَاضِي أَوْ بِبَيِّنَةٍ أَقَامَهَا الْكَفِيلُ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْمَسَافَةَ الْقَرِيبَةَ وَالْبَعِيدَةَ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ مَضَتْ وَلَمْ يَحْضُرْهُ حَبَسَهُ) ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ مَطْلُهُ إلَى أَنْ يُظْهِرَ لِلْقَاضِي تَعَذُّرُ إحْضَارِهِ بِشُهُودٍ أَوْ بِدَلَالَةِ الْحَالِ فَيُطْلِقُهُ كَالْمَدْيُونِ الْمُفْلِسِ وَيَنْظُرُهُ إلَى وَقْتِ قُدُومِهِ وَلَا يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّالِبِ فَيُلَازِمُهُ وَلَا يَمْنَعُهُ مِنْ أَشْغَالِهِ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَإِنْ أَضَرَّتْهُ مُلَازَمَتُهُ اسْتَوْثَقَ مِنْهُ بِكَفِيلٍ، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة. قَوْلُهُ (فَإِنْ غَابَ وَلَمْ يَعْلَمْ مَكَانَهُ لَا يُطَالِبُ بِهِ) ؛ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ وَلَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِ أَنَّهُ غَائِبٌ لَمْ يَعْلَمْ مَكَانَهُ إمَّا بِتَصْدِيقِ الطَّالِبِ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ الشَّارِحُ أَوْ بِبَيِّنَةٍ أَقَامَهَا الْكَفِيلُ لِمَا فِي الْقُنْيَةِ عَنْ عَلِيٍّ السُّغْدِيِّ إذَا غَابَ الْمَكْفُولُ عَنْهُ فَلِلدَّائِنِ أَنْ يُلَازِمَ الْكَفِيلَ حَتَّى يُحْضِرَهُ وَالْحِيلَةُ فِي دَفْعِهِ أَنْ يَدَّعِيَ الْكَفِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ خَصْمَك غَائِبٌ غَيْبَةً لَا تُدْرَى فَبَيِّنْ لِي مَوْضِعَهُ فَإِنْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى ذَلِكَ تَنْدَفِعُ عَنْهُ الْخُصُومَةُ. اهـ. وَفِي مُلَازَمَةِ الطَّالِبِ الْكَفِيلَ عِنْدَ عَجْزِهِ عَنْ إحْضَارِ الْأَصِيلِ اخْتِلَافٌ ذَكَرَ السَّرَخْسِيُّ أَنَّهُ يُلَازِمُهُ وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ لَا يُلَازِمُهُ، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة فَإِنْ اخْتَلَفَا وَلَا بَيِّنَةَ فَقَالَ الْكَفِيلُ لَا أَعْرِفُ مَكَانَهُ، وَقَالَ الطَّالِبُ تَعْرِفُهُ فَإِنْ كَانَ لَهُ خُرْجَةٌ مَعْلُومَةٌ لِلتِّجَارَةِ وَفِي كُلِّ وَقْتٍ فَالْقَوْلُ لِلطَّالِبِ وَيُؤْمَرُ الْكَفِيلُ بِالذَّهَابِ إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَإِلَّا فَالْقَوْلُ لِلْكَفِيلِ لِتَمَسُّكِهِ بِالْأَصْلِ وَهُوَ الْجَهْلُ وَقَوْلُهُ لَا يُطَالَبُ بِهِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يُبَرْهِنْ الطَّالِبُ عَلَى أَنَّهُ بِمَوْضِعِ كَذَا فَإِنْ بَرْهَنَ أَمَرَ الْكَفِيلَ بِالذَّهَابِ إلَيْهِ وَإِحْضَارِهِ؛ لِأَنَّهُ عَلِمَ مَكَانَهُ وَلَوْ عَلِمَ أَنَّهُ ارْتَدَّ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ يُؤَجَّلُ الْكَفِيلُ مُدَّةَ ذَهَابِهِ وَإِيَابِهِ وَلَا تَبْطُلُ بِاللِّحَاقِ بِدَارِ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مَوْتًا حُكْمًا لَكِنْ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَالِهِ وَإِلَّا فَهُوَ حَيٌّ مُطَالَبٌ بِالتَّوْبَةِ وَالرُّجُوعِ هَكَذَا أَطْلَقَهُ فِي النِّهَايَةِ وَقَيَّدَهُ فِي الذَّخِيرَةِ بِمَا إذَا كَانَ الْكَفِيلُ قَادِرًا عَلَى رَدِّهِ بِأَنْ كَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ مُوَاعَدَةٌ أَنَّهُمْ يَرُدُّونَ إلَيْنَا الْمُرْتَدَّ وَإِلَّا لَا يُؤَاخَذُ بِهِ. اهـ. وَهُوَ تَقْيِيدٌ لَا بُدَّ مِنْهُ ثُمَّ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ قُلْنَا: إنَّهُ يُؤْمَرُ بِالذَّهَابِ إلَيْهِ لِلطَّالِبِ أَنْ يَسْتَوْثِقَ بِكَفِيلٍ مِنْ الْكَفِيلِ حَتَّى لَا يَغِيبَ الْآخَرُ، وَفِي الْخَانِيَّةِ الْكَفِيلُ بِالنَّفْسِ إذَا مَنَعَ الْمَكْفُولَ بِهِ عَنْ السَّفَرِ إنْ كَانَتْ الْكَفَالَةُ حَالَّةً كَانَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ حَتَّى يُخْرِجَهُ عَنْ عُهْدَةِ الْكَفَالَةِ، وَإِنْ كَانَتْ الْكَفَالَةُ مُؤَجَّلَةً لَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ الْخُرُوجِ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ. اهـ. ظَاهِرُهُ أَنَّ لِلْكَفِيلِ مُلَازَمَةَ الْأَصِيلِ إذَا كَانَتْ حَالَّةً وَإِنْ لَمْ يُلَازِمْهُ الطَّالِبُ. قَوْلُهُ (فَإِنْ سَلَّمَهُ بِحَيْثُ يَقْدِرُ الْمَكْفُولُ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَهُ كَمِصْرٍ بَرِئَ) لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا الْتَزَمَهُ إذْ لَمْ يَلْتَزِمْ تَسْلِيمُهُ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً وَحَصَلَ مَقْصُودُ الطَّالِبِ فَلَمْ تَبْقَ الْكَفَالَةُ كَمَا لَوْ تَكَفَّلَ بِمَالٍ فَقَضَاهُ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ لِلتَّسْلِيمِ وَقْتٌ فَسَلَّمَهُ قَبْلَهُ أَوَّلًا؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ حَقُّ الْكَفِيلِ فَلَهُ إسْقَاطُهُ كَالدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ إذَا قَضَاهُ الْمَدْيُونُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَإِنْ ثَبَتَ عِنْدَ الْقَاضِي أَنَّ الْكَفِيلَ) صَوَابُهُ الْمَكْفُولُ عَنْهُ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَالْقَوْلُ لِلْكَفِيلِ إلَخْ) هَذَا مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ أَوَّلًا وَلَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِ أَنَّهُ غَائِبٌ لَمْ يَعْلَمْ مَكَانَهُ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَكْفِي قَوْلُ الْكَفِيلِ لَا أَعْرِفُ مَكَانَهُ تَأَمَّلْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 228 قَبْلَ الْحُلُولِ وَالتَّسْلِيمِ بِالتَّخْلِيَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْخَصْمِ وَذَلِكَ بِرَفْعِ الْمَوَانِعِ فَيَقُولُ لَهُ هَذَا خَصْمُك فَخُذْهُ إنْ شِئْت فَإِنْ سَلَّمَهُ بَعْدَ طَلَبِهِ بَرِئَ مُطْلَقًا وَإِلَّا فَلَا يَبْرَأُ حَتَّى يَقُولَ سَلَّمْته إلَيْك بِجِهَةِ الْكَفَالَةِ، وَفِي الْقُنْيَةِ كَانَ الْمَكْفُولُ لَهُ جَالِسًا مَعَ قَوْمٍ فِي مَدْرَسَةٍ فَجَاءَ الْكَفِيلُ بِالْمَكْفُولِ عَنْهُ، وَقَالَ لَهُ هُوَ الْمَكْفُولُ عَنْهُ فَلَمْ يَجْلِسْ بَلْ مَرَّ وَخَرَجَ إلَى بَابٍ آخَرَ فَهَذَا الْقَدْرُ تَسْلِيمٌ مِنْهُ اهـ. قَيَّدَ بِقَوْلِهِ بِحَيْثُ يَقْدِرُ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا إذَا سَلَّمَهُ فِي بَرِّيَّةٍ أَوْ فِي سَوَادٍ فَإِنَّهُ لَا يَبْرَأُ لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى مُخَاصَمَتِهِ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ سَوَاءٌ شَرَطَ تَسْلِيمَهُ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي أَوْ لَا، وَفِي الْخَانِيَّةِ وَهُوَ نَظِيرُ مَا إذَا سَلَّمَ الْمَدْيُونُ الدَّيْنَ لِلطَّالِبِ حِينَ خَرَجَ اللُّصُوصُ فَإِنَّهُ لَا يَبْرَأُ، وَفِي الْقُنْيَةِ سَلَّمَ الْكَفِيلُ بِالنَّفْسِ الْمَكْفُولَ عَنْهُ إلَى الطَّالِبِ لَيْلًا فِي مَكَانِهِ لَا يُمْكِنُهُ الْعِصْمَةُ وَفَرَّ مِنْهُ فَإِنْ كَانَ التَّسْلِيمُ بِطَلَبِهِ يَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ اهـ. قَوْلُهُ (وَلَوْ شَرَطَ تَسْلِيمَهُ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي سَلَّمَهُ ثَمَّ) لِأَنَّ الشَّرْطَ مُفِيدٌ فَإِنْ سَلَّمَهُ فِي مَجْلِسِهِ بَرِئَ وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ سَلَّمَهُ إلَى اشْتِرَاطِ ذَلِكَ فَإِنْ سَلَّمَهُ فِي السُّوقِ لَمْ يَبْرَأْ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَبِهِ يُفْتَى فِي زَمَانِنَا لِتَهَاوُنِ النَّاسِ فِي إقَامَةِ الْحَقِّ وَمَحَلُّ الِاخْتِلَافِ فِي بَلْدَةٍ لَمْ يَعْتَادُوا نَزْعَ الْغَرِيمِ يَدَ خَصْمِهِ، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَهَذِهِ إحْدَى الْمَسَائِلِ الَّتِي يُفْتَى فِيهَا بِقَوْلِ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَمِنْهَا قُعُودُ الْمَرِيضِ فِي صَلَاتِهِ كَقُعُودِ الْمُصَلِّي فِي التَّشَهُّدِ، وَمِنْهَا سَمَاعُ الْبَيِّنَةِ مِنْ امْرَأَةِ الْغَائِبِ لِيُقَرِّرَ الْقَاضِي لَهَا نَفَقَةً وَمِنْهَا أَنَّ الْوَكِيلَ بِالْخُصُومَةِ لَا يَلِي الْقَبْضَ وَمِنْهَا تَضْمِينُ السَّاعِي إذَا سَعَى بِهِ إلَى السُّلْطَانِ وَغَرَّمَهُ شَيْئًا، وَمِنْهَا أَنَّ رُؤْيَةَ الْبَيْتِ مِنْ الصَّحْنِ لَا يَكْفِي بَلْ لَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَةِ دَاخِلِهِ وَمِنْهَا أَنَّ رُؤْيَةَ ظَاهِرِ الثَّوْبِ مَطْوِيًّا لَا يَكْفِي بَلْ لَا بُدَّ مِنْ نَشْرِهِ فَهِيَ سَبْعٌ وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْحَصْرُ وَفِي الْقُنْيَةِ كَفَلَ بِنَفْسِهِ فِي الْبَلَدِ وَسَلَّمَهُ فِي الرَّسَاتِيقِ صَحَّ إنْ كَانَ فِيهَا حَاكِمٌ، وَقَالَ الْعَلَاءُ التَّاجِرِيُّ وَالْبَدْرُ الظَّاهِرُ لَا يَصِحُّ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَجَوَابُهُمَا حَسَنٌ؛ لِأَنَّ أَغْلَبَ قُضَاةِ رَسَاتِيقِ خُوَارِزْمَ ظَلَمَةٌ فَلَا يَقْدِرُ عَلَى مُحَاكَمَتِهِ عَلَى وَجْهِ الْعَدْلِ دُونَ رَسَاتِيقِهِمْ. اهـ. وَإِنْ سَلَّمَهُ فِي مِصْرٍ آخَرَ غَيْرَ الْمِصْرِ الَّذِي كَفَلَ فِيهِ بَرِئَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إنْ كَانَ فِيهِ سُلْطَانٌ أَوْ قَاضٍ وَكَانَتْ الْكَفَالَةُ غَيْرَ مُقَيَّدَةٍ بِمِصْرٍ وَإِلَّا فَلَا يَبْرَأُ اتِّفَاقًا، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة لِإِمْكَانِ إحْضَارِهِ إلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي وَلَا يَبْرَأُ عِنْدَهُمَا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ شُهُودُهُ فِيمَا عَيَّنَهُ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقَوْلُهُمَا أَوْجُهُ قِيلَ: إنَّهُ اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ لَا حُجَّةٍ وَبُرْهَانٍ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ ضَمِنَ نَفْسَ رَجُلٍ وَحُبِسَ الْمَطْلُوبُ فِي السِّجْنِ فَسَلَّمَ لَا يَبْرَأُ وَلَوْ ضَمِنَ وَهُوَ مَحْبُوسٌ فَسَلَّمَهُ فِيهِ يَبْرَأُ وَلَوْ أُطْلِقَ ثُمَّ حُبِسَ ثَانِيًا فَدَفَعَهُ إلَيْهِ فِيهِ أَنَّ الْحَبْسَ الثَّانِي مِنْ أُمُورِ التِّجَارَةِ وَنَحْوِهَا صَحَّ الدَّفْعُ وَإِنْ فِي أُمُورِ السُّلْطَانِ وَنَحْوِهَا لَا، حَبَسَ الطَّالِبُ الْمَطْلُوبَ ثُمَّ طَالَبَ الْكَفِيلَ بِهِ فَدَفَعَهُ وَهُوَ فِي حَبْسِهِ، قَالَ مُحَمَّدٌ بَرِئَ. اهـ. وَفِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ كَفَلَ بِنَفْسِ رَجُلٍ وَهُوَ غَيْرُ مَحْبُوسٍ ثُمَّ حُبِسَ فَخَاصَمَ الطَّالِبُ الْكَفِيلَ إلَى الْقَاضِي الَّذِي حَبَسَهُ فَقَالَ الْكَفِيلُ كَفَلْت بِهِ وَأَنْتَ حَبَسْتَهُ بِدَيْنِ فُلَانٍ آخَرَ لَهُ عَلَيْهِ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْقَاضِيَ يَأْمُرُ بِإِحْضَارِ الْمَطْلُوبِ حَتَّى يُسَلِّمَهُ الْكَفِيلُ إلَى الْمَكْفُولِ لَهُ ثُمَّ يُعَادُ إلَى الْحَبْسِ. اهـ. وَلَوْ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: فَهَذَا الْقَدْرُ تَسْلِيمٌ مِنْهُ) قَالَ فِي النَّهْرِ يَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا كَانَ التَّسْلِيمُ بَعْدَ الطَّلَبِ. (قَوْلُهُ: وَفِي الْقُنْيَةِ سَلَّمَ الْكَفِيلُ بِالنَّفْسِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ الظَّاهِرُ ضَعْفُهُ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَفِي الْوَاقِعَاتِ الْحَامِيَةِ جَعَلَ هَذَا رَأْيًا لِمُتَأَخِّرِينَ لَا قَوْلًا لِزُفَرَ وَلَفْظُهُ وَالْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ مَشَايِخِنَا يَقُولُونَ جَوَابُ الْكِتَابِ أَنَّهُ يَبْرَأُ إذَا سَلَّمَهُ فِي السُّوقِ أَوْ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ فِي الْمِصْرِ بِنَاءً عَلَى عَادَاتِهِمْ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ، أَمَّا فِي زَمَانِنَا فَلَا يَبْرَأُ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يُعَيِّنُونَ الْمَطْلُوبَ عَلَى الِامْتِنَاعِ عَنْ الْحُضُورِ لِغَلَبَةِ الْفِسْقِ فَكَانَ الشَّرْطُ مُفِيدًا فَيَصِحُّ وَبِهِ يُفْتَى. اهـ. وَهُوَ الظَّاهِرُ إذْ كَيْفَ يَكُونُ هَذَا اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ مَعَ أَنَّ زُفَرَ كَانَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ. اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ كَمْ مِنْ مَسْأَلَةٍ اخْتَلَفَ فِيهَا الْإِمَامُ وَأَصْحَابُهُ وَجَعَلُوا الْخِلَافَ بِسَبَبِ اخْتِلَافِ الزَّمَانِ كَمَسْأَلَةِ الِاكْتِفَاءِ بِظَاهِرِ الْعَدَالَةِ وَغَيْرِهَا وَبَعْدَ نَقْلِ الثِّقَاتِ ذَلِكَ عَنْ زُفَرَ كَيْفَ يَنْفِي بِكَلَامٍ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِهِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ شُهُودُهُ فِيمَا عَيَّنَهُ) كَانَ حَقُّ التَّعْبِيرِ أَنْ يُقَالَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ شُهُودُهُ فِي الْمِصْرِ الَّذِي كَفَلَ فِيهِ وَإِلَّا فَفِي التَّعْيِينِ لَا يَبْرَأُ اتِّفَاقًا كَمَا ذَكَرَهُ. (قَوْلُهُ: قِيلَ أَنَّهُ اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فَأَبُو حَنِيفَةَ قَالَ ذَلِكَ فِي زَمَنِهِ حِينَ كَانَتْ الْغَلَبَةُ لِأَهْلِ الصَّلَاحِ وَالْعُمَّالُ كَانُوا يَتَعَاوَنُونَ عَلَى الْبِرِّ وَلَا يَمِيلُونَ إلَى الرِّشْوَةِ فَلَا يَخْتَلِفُ الْحَالُ بَيْنَ مِصْرٍ وَمِصْرٍ آخَرَ وَهُمَا قَالَا ذَلِكَ بَعْدَ مَا ظَهَرَ الْفَسَادُ وَتَغَيَّرَتْ أَحْوَالُ الْقَضَاءِ وَالْعُمَّالِ حَتَّى لَا يُقِيمُوا الْحَقَّ إلَّا بِالرِّشْوَةِ فَيَكُونُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ مِصْرُهُ أَسْهَلُ لِإِثْبَاتِ حُقُوقِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ ضَمِنَ نَفْسَ رَجُلٍ وَحُبِسَ الْمَطْلُوبُ فِي السِّجْنِ لَا يَبْرَأُ) أَيْ وَيُطَالَبُ الْكَفِيلُ لِمَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ حَيْثُ قَالَ: وَإِذَا جَلَسَ الْمَكْفُولُ بِهِ بِدَيْنٍ أَوْ غَيْرِهِ أَخَذْت الْكَفِيلَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَفُكَّهُ مِمَّا حُبِسَ بِهِ بِأَدَاءِ حَقِّ الَّذِي حَبَسَهُ اهـ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 229 سَلَّمَهُ وَهُوَ مَعَ رَسُولِ الْقَاضِي وَهُوَ مُمْتَنِعٌ بِهِ لَا يَبْرَأُ، وَلَوْ سَلَّمَهُ قُدَّامَ الْحَاكِمِ بَرِئَ، كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَوْ قَالَ الْمَطْلُوبُ فِي الْحَبْسِ دَفَعْت نَفْسِي إلَيْك بِالْكَفَالَةِ بَرِئَ الْكَفِيلُ، وَفِي الْوَاقِعَاتِ رَجُلٌ كَفَلَ بِنَفْسِ رَجُلٍ وَهُوَ مَحْبُوسٌ فَلَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ الْكَفِيلُ لَا يُحْبَسُ الْكَفِيلُ؛ لِأَنَّهُ عَجَزَ عَنْ إحْضَارِهِ. اهـ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة إذَا شَرَطَ تَسْلِيمَهُ عِنْدَ الْقَاضِي فَسَلَّمَهُ عِنْدَ الْأَمِيرِ أَوْ شَرَطَ تَسْلِيمَهُ عِنْدَ هَذَا الْقَاضِي فَسَلَّمَهُ عِنْدَ قَاضٍ آخَرَ جَازَ. قَوْلُهُ (وَتَبْطُلُ بِمَوْتِ الْمَطْلُوبِ وَالْكَفِيلِ لَا الطَّالِبِ) لِعَجْزِهِ عَنْ إحْضَارِهِ لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَكَذَا بَعْدَ مَوْتِ الْكَفِيلِ وَوَارِثُهُمَا لَا يَقُومُ مَقَامَهُمَا؛ لِأَنَّ الْخَلِيفَةَ فِيمَا لَهُ لَا فِيمَا عَلَيْهِ وَمَالُهُ لَا يَصْلُحُ لِإِيفَاءِ هَذَا الْحَقِّ وَهُوَ إحْضَارُ الْمَكْفُولِ بِهِ وَقَدْ تَبِعَ الْمُصَنِّفُ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ فِي بُطْلَانِهَا بِمَوْتِ الْكَفِيلِ، وَفِي الْكَرْخِيِّ فِي بَابِ الصُّلْحِ عَنْ الْحُقُوقِ الَّتِي لَيْسَتْ بِمَالٍ أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ بِمَوْتِ الْكَفِيلِ وَيُطَالَبُ وَارِثُهُ بِإِحْضَارِهِ، كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ قَيَّدَ بِالْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ لِأَنَّ الْكَفِيلَ بِالْمَالِ إذَا مَاتَ لَا تَبْطُلُ؛ لِأَنَّ حُكْمَهَا بَعْدَ مَوْتِهِ مُمْكِنٌ فَيُوَفَّى مِنْ مَالِهِ ثُمَّ تَرْجِعُ الْوَرَثَةُ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ إنْ كَانَتْ بِأَمْرِهِ وَكَانَ الدَّيْنُ حَالًّا، فَإِنْ كَانَ مُؤَجَّلًا لَا رُجُوعَ لَهُمْ حَتَّى يَحِلَّ الْأَجَلُ وَإِلَّا فَلَا كَأَدَائِهِ بِنَفْسِهِ، وَأَمَّا مَوْتُ الطَّالِبِ فَلَا يُبْطِلُهَا؛ لِأَنَّ وَصِيَّهُ وَوَارِثَهُ يَخْلُفُونَهُ، أَطْلَقَ الْمَطْلُوبَ فَشَمِلَ الْعَبْدَ لَكِنْ فِي الْخُلَاصَةِ لَوْ كَفَلَ بِنَفْسِ الْعَبْدِ فَمَاتَ الْعَبْدُ بَرِئَ الْكَفِيلُ إنْ كَانَ الْمُدَّعَى بِهِ الْمَالَ عَلَى الْعَبْدِ وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى بِهِ نَفْسَ الْعَبْدِ لَا يَبْرَأُ وَضَمِنَ قِيمَتَهُ. اهـ. وَأَشَارَ بِاقْتِصَارِهِ فِي بُطْلَانِهَا عَلَى مَوْتِ الْمَطْلُوبِ وَالْكَفِيلِ إلَى أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ بِإِبْرَاءِ الْأَصِيلِ لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَلَوْ كَفَلَ بِنَفْسٍ ثُمَّ أَقَرَّ الطَّالِبُ أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ قَبْلَ الْمَكْفُولِ بِهِ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْكَفِيلَ بِتَسْلِيمِهِ وَلَا يَبْرَأُ، وَلَوْ قَالَ الطَّالِبُ لَا حَقَّ لِي قَبْلَ الْمَكْفُولِ بِهِ لَا مِنْ جِهَته وَلَا مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِ لَا بِوَكَالَةٍ وَلَا بِوِصَايَةٍ وَلَا بِوِلَايَةٍ بَرِئَ مِنْ الْكَفَالَةِ. اهـ. فَقَوْلُهُمْ بَرَاءَةُ الْأَصِيلِ تُوجِبُ بَرَاءَةَ الْكَفِيلِ إنَّمَا هُوَ فِي الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ صُورَةَ بَرَاءَةِ الْأَصِيلِ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ أَنْ يَقُولَ مَا ذَكَرَهُ فَحِينَئِذٍ الْكَلَامُ عَلَى عُمُومِهِ، وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ إذَا مَاتَ الْمَكْفُولُ لَهُ لَمْ تَبْطُلْ وَيُسَلِّمُهُ الْكَفِيلُ إلَى وَرَثَتِهِ فَإِنْ سَلَّمَهُ إلَى بَعْضِهِمْ بَرِئَ مِنْهُمْ خَاصَّةً وَلِلْبَاقِينَ مُطَالَبَتُهُ بِإِحْضَارِهِ فَإِنْ كَانُوا صِغَارًا فَلِوَصِيِّهِمْ مُطَالَبَتُهُ بِإِحْضَارِهِ فَإِنْ سَلَّمَهُ إلَى أَحَدِ الْوَصِيَّيْنِ بَرِئَ فِي حَقِّهِ وَلِلْآخَرِ مُطَالَبَتُهُ، كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ. اهـ. وَمِنْ الْغَرِيبِ مَا فِي مَنْظُومَةِ ابْنِ وَهْبَانَ وَعَزَاهُ فِي الشَّرْحِ إلَى النُّتَفِ أَنَّهَا تَبْطُلُ بِمَوْتِ الطَّالِبِ وَالْمَعْرُوفُ فِي الْمَذْهَبِ خِلَافُهُ وَفِي فُرُوقِ الْكَرَابِيسِيِّ الْكَفَالَةُ عَلَى الْكَفَالَةِ جَائِزَةٌ وَبِمَوْتِ الْأَصِيلِ يَبْطُلَانِ وَبِمَوْتِ الْكَفِيلِ الْأَوَّلِ يَبْرَأُ الثَّانِي وَالْحَوَالَةُ بَعْدَ الْحَوَالَةِ تَبْطُلُ الْحَوَالَةُ الْأُولَى؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ لِلتَّوَثُّقِ وَالثَّانِيَةَ تَزِيدُهُ وَالْحَوَالَةَ نَفْلٌ وَهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ. اهـ. . قَوْلُهُ (وَبَرِئَ بِدَفْعِهِ إلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ إذَا دَفَعْته إلَيْك فَأَنَا بَرِيءٌ) لِأَنَّ مُوجِبَ الدَّفْعِ إلَيْهِ الْبَرَاءَةُ فَثَبَتَ وَإِنْ لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهَا كَالْمَدْيُونِ إذَا سَلَّمَ الدَّيْنَ وَالْغَاصِبِ إذَا سَلَّمَ الْمَغْصُوبَ وَالْبَائِعَ إذَا سَلَّمَ الْمَبِيعَ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا قَالَ سَلَّمْته إلَيْك بِجِهَةِ الْكَفَالَةِ أَوْ لَا إنْ طَلَبَهُ مِنْهُ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَطْلُبْهُ مِنْهُ فَلَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَإِذَا أَقَرَّ الطَّالِبُ بِقَبْضِ الْمَكْفُولِ بَرِئَ الْكَفِيلُ وَلَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى النَّصِّ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا يُقَرُّ إلَّا بِاسْتِيفَاءِ حَقِّهِ وَلَوْ سَلَّمَ الْكَفِيلُ الْمَكْفُولَ إلَى الطَّالِبِ فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهُ أُجْبِرَ عَلَى قَبُولِهِ بِمَعْنَى أَنَّهُ يُنْزَلُ قَابِضًا كَالْغَاصِبِ إذَا رَدَّ الْعَيْنَ وَالْمَدْيُونِ إذَا دَفَعَ الدَّيْنَ، بِخِلَافِ مَا إذَا سَلَّمَهُ فُضُولِيٌّ فَإِنَّهُ لَا يُجْبَرُ، كَمَا إذَا قَضَى الدَّيْنَ فُضُولِيٌّ أَيْ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِذَلِكَ وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ إلَيْهِ رَاجِعٌ إلَى الطَّالِبِ وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ غَيْرَ صَاحِبِ الْحَقِّ كَمَا إذَا كَانَ الْآخِذُ لِلْكَفِيلِ وَكِيلَ الدَّائِنِ فَيَبْرَأُ بِتَسْلِيمِهِ إلَى الْمُوَكِّلِ مُطْلَقًا وَإِلَى الْوَكِيلِ إنْ أَضَافَهُ إلَى نَفْسِهِ وَإِنْ أَضَافَهُ إلَى مُوَكِّلِهِ لَمْ يَبْرَأْ بِتَسْلِيمِهِ إلَى الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّهُ   [منحة الخالق] [تَبْطُلُ الْكَفَالَة بِمَوْتِ الْمَطْلُوبِ وَالْكَفِيلِ لَا الطَّالِبِ] (قَوْلُهُ: الْكَفَالَةُ عَلَى الْكَفَالَةِ جَائِزَةٌ إلَخْ) تَقَدَّمَ هَذَا مُوَضَّحًا عَنْ الْخَانِيَّةِ قُبَيْلَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ بِكَفَلْتُ بِنَفْسِهِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 230 رَسُولٌ، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَكَمَا إذَا أَخَذَ الْقَاضِي مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَفِيلًا بِالنَّفْسِ بِطَلَبِ الْمُدَّعِي أَوْ بِغَيْرِ طَلَبِهِ وَسَلَّمَهُ الْكَفِيلُ إلَى الْقَاضِي بَرِئَ وَإِنْ سَلَّمَهُ إلَى الْمُدَّعِي لَا يَبْرَأُ هَذَا إذَا لَمْ يُضِفْهُ الْقَاضِي فَإِنْ أَضَافَهُ، وَقَالَ الْقَاضِي إنَّ الْمُدَّعِيَ يَطْلُبُ مِنْك كَفِيلًا بِالنَّفْسِ فَأَعْطِهِ كَفِيلًا بِنَفْسِك فَسَلَّمَ الْكَفِيلُ لِلْقَاضِي لَا يَبْرَأُ وَإِنْ سَلَّمَهُ إلَى الْمُدَّعِي يَبْرَأُ فِي الْخَانِيَّةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ وَرَسُولُ الْقَاضِي وَأَمِينُهُ كَالْقَاضِي، وَلَوْ كَفَلَ بِنَفْسِهِ إلَى الْوَصِيِّ فَسَلَّمَهُ إلَى الْوَرَثَةِ أَوْ الْغَرِيمِ لَا يَبْرَأُ، كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَفِي الْقُنْيَةِ كَفَلَ بِنَفْسِ رَجُلٍ عَلَى أَنْ يُسَلِّمَهُ إلَى الْمَكْفُولِ لَهُ مَتَى طَالَبَهُ بِهِ ثُمَّ سَلَّمَهُ إلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُطَالِبَهُ وَلَمْ يَقْبَلْهُ يَبْرَأُ لِأَنَّ حُكْمَ الْكَفَالَةِ وُجُوبُ التَّسْلِيمِ وَهُوَ ثَابِتٌ فِي الْحَالِ وَقَوْلُهُ عَلَى أَنْ يُسَلِّمَهُ إلَيْهِ مَتَى طَالَبَهُ بِهِ يُذْكَرُ لِلتَّأْكِيدِ لَا لِلتَّعْلِيقِ فَقَدْ سَلَّمَهُ إلَيْهِ حَالَ كَوْنِهِ كَفِيلًا فَيَبْرَأُ. اهـ. وَإِنَّمَا ذَكَرُوا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ أَعْنِي مَسْأَلَةَ الْكِتَابِ مَعَ ظُهُورِهَا كَمَا قَالَهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْكَفِيلَ تَسْلِيمُهُ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ إلَى أَنْ يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ مَا أُرِيدَتْ إلَّا لِلتَّوَثُّقِ لِاسْتِيفَاءِ الْحَقِّ فَمَا لَمْ يَسْتَوْفِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ تَسْلِيمُهُ إلَى أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ فَأَزَالَ هَذَا الْوَهْمَ بِبَيَانِ أَنَّ عَقْدَ الْكَفَالَةِ يُوجِبُ التَّسْلِيمَ مَرَّةً لَا يُفِيدُ التَّكْرَارَ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. قَوْلُهُ (وَبِتَسْلِيمِ الْمَطْلُوبِ نَفْسَهُ مِنْ كَفَالَتِهِ وَبِتَسْلِيمِ وَكِيلِ الْكَفِيلِ وَرَسُولِهِ) أَيْ يَبْرَأُ الْكَفِيلُ بِتَسْلِيمِ هَؤُلَاءِ؛ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ يُطَالِبُ بِتَسْلِيمِ نَفْسِهِ، فَإِذَا سَلَّمَ نَفْسَهُ حَصَلَ الْمَقْصُودُ فَلَا مَعْنَى لِبَقَائِهَا كَالْمُحِيلِ إذَا قَضَى الدَّيْنَ بِنَفْسِهِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ قَبِلَ الطَّالِبُ أَوْ لَا وَفِعْلُ نَائِبِ الْكَفِيلِ كَفِعْلِهِ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ مِنْ كَفَالَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْرَأُ الْكَفِيلُ حَتَّى يَقُولَ الْمَكْفُولُ سَلَّمْت نَفْسِي إلَيْك مِنْ الْكَفَالَةِ وَلَوْ أَخَّرَ قَوْلَهُ مِنْ الْكَفَالَةِ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ وَالرَّسُولَ كَالْمَكْفُولِ لَا بُدَّ مِنْ التَّسْلِيمِ عَنْهَا وَإِلَّا لَا يَبْرَأُ وَقَيَّدَ بِتَسْلِيمِ النَّفْسِ؛ لِأَنَّ الْمَدْيُونَ لَوْ دَفَعَ الدَّيْنَ إلَى الْكَفِيلِ قَبْلَ أَنْ يُوفِيَ عَنْهُ وَلَمْ يَقُلْ أَنَّهُ عَنْ كَفَالَتِك كَانَ قَضَاءً؛ لِأَنَّهُ الْغَالِبُ وَتَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ فَانْصَرَفَ إلَيْهِ، كَذَا فِي الْقُنْيَةِ وَقَيَّدَ بِالْوَكِيلِ وَالرَّسُولِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ سَلَّمَهُ أَجْنَبِيٌّ بِغَيْرِ أَمْرِ الْكَفِيلِ، وَقَالَ سَلَّمْت إلَيْك عَنْ الْكَفِيلِ وَقَفَ عَلَى قَبُولِهِ فَإِنْ قَبِلَهُ الطَّالِبُ بَرِئَ الْكَفِيلُ وَإِنْ سَكَتَ لَا، وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَلَوْ سَلَّمَ الْمَكْفُولُ بِالنَّفْسِ نَفْسَهُ إلَى الْمَكْفُولِ لَهُ بِجِهَةِ الْكَفَالَةِ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ حَتَّى يَبْرَأَ الْكَفِيلُ وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْكَفَالَةُ بِالْأَمْرِ أَمَّا إذَا كَانَتْ بِغَيْرِ الْأَمْرِ لَا يَبْرَأُ، كَذَا فِي الْفَوَائِدِ. اهـ. وَلَمْ يَظْهَرْ هَذَا التَّفْصِيلُ ثُمَّ ظَهَرَ لِي أَنَّ الْمُرَادَ أَمْرُ الْمَطْلُوبِ وَأَنَّ الْكَفَالَةَ بِالنَّفْسِ عَلَى وَجْهَيْنِ: إمَّا أَنْ تَكُونَ بِأَمْرِ الْمَطْلُوبِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لِمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَلَوْ كَفَلَ بِنَفْسِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَلَا مُطَالَبَةَ لِلْكَفِيلِ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَجِدَهُ فَيُسَلِّمَهُ فَيَبْرَأَ. اهـ. فَعَلَى هَذَا إذَا ضَمَّنَهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَا يَأْثَمُ بِعَدَمِ التَّمْكِينِ مِنْهُ فَلَهُ الْهَرَبُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بِأَمْرِهِ وَعَلَى هَذَا فَمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ مَنْعِهِ مِنْ السَّفَرِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا كَانَتْ بِأَمْرِهِ، وَزَادَ فِي الْإِصْلَاحِ عَلَى رَسُولِهِ إلَيْهِ، وَقَالَ فِي الْإِيضَاحِ وَإِنَّمَا قَالَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ رَسُولَهُ إلَى غَيْرِهِ كَالْأَجْنَبِيِّ. اهـ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة يُشْتَرَطُ التَّسْلِيمُ عَنْ الْكَفَالَةِ وَلَا يَحْتَاجُ أَنْ يَقُولَ عَنْ كَفَالَةِ فُلَانٍ إنَّمَا يَحْتَاجُ تَعْيِينُهُ إذَا كَانَ كَفَّلَهُ لِرَجُلَيْنِ وَلَوْ قَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ وَرَسُولِهِ وَكَفِيلِهِ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ كَفِيلَ الْكَفِيلِ لَوْ سَلَّمَهُ بَرِئَ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة فَلَوْ قَالَ وَبِتَسْلِيمِ نَائِبِ الْكَفِيلِ عَنْهُ لَكَانَ أَحْسَنَ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ قَالَ إنْ لَمْ أُوَافَ بِهِ غَدًا فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا عَلَيْهِ فَلَمْ يُوَافَ بِهِ أَوْ مَاتَ الْمَطْلُوبُ ضَمِنَ الْمَالَ) ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ بِالْمَالِ مُعَلَّقَةٌ بِشَرْطِ عَدَمِ الْمُوَافَاةِ وَهُوَ مُتَعَارَفٌ يَصِحُّ تَعْلِيقُهَا بِهِ، فَإِذَا وُجِدَ الشَّرْطُ لَزِمَهُ الْمَالُ وَلَا يَبْرَأُ عَنْ كَفَالَةِ النَّفْسِ لِأَنَّهَا كَانَتْ ثَابِتَةً قَبْلَهَا وَلَا تُنَافِيهَا كَمَا لَوْ جَمَّلَهُ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَلَمْ يُوَافِ بِهِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ فَإِنْ عَجَزَ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا إذَا عَجَزَ بِمَوْتِ الْمَطْلُوبِ أَوْ جُنُونِهِ وَمَوْتَ الْمَطْلُوبِ وَإِنْ أَبْطَلَ الْكَفَالَةَ بِالنَّفْسِ فَإِنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ تَسْلِيمِهِ إلَى الطَّالِبِ لَا فِي حَقِّ الْمَالِ وَقَيَّدَ بِمَوْتِ الْمَطْلُوبِ؛ لِأَنَّ الْكَفِيلَ لَوْ مَاتَ لَمْ يُوجَدْ شَرْطُ الْكَفَالَةِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: ثُمَّ ظَهَرَ لِي أَنَّ الْمُرَادَ أَمْرُ الْمَطْلُوبِ إلَخْ) وَعَنْ هَذَا قَالَ فِي النَّهْرِ وَالْوَجْهُ فِيهِ ظَاهِرٌ لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَا يُلْزَمُ الْمَطْلُوبُ بِالْحُضُورِ فَلَيْسَ مُطَالَبًا بِالتَّسْلِيمِ، فَإِذَا سَلَّمَهُ نَفْسَهُ لَا يَبْرَأُ الْكَفِيلُ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 231 الْمُعَلَّقَةِ؛ لِأَنَّ وَارِثَهُ يَقُومُ مَقَامَهُ كَمَوْتِ الطَّالِبِ فَإِنَّ الْكَفِيلَ إذَا سَلَّمَهُ إلَى وَارِثِهِ وَلَوْ أَبْرَأَهُ الطَّالِبُ عَنْ كَفَالَةِ النَّفْسِ فَلَمْ يُوَافَ بِهِ لَا يَجِبُ الْمَالُ لِفَقْدِ شَرْطِهِ وَلَوْ اخْتَلَفَ فَقَالَ الْكَفِيلُ وَافَيْتُك بِهِ، وَقَالَ الطَّالِبُ لَمْ تُوَافِنِي بِهِ فَالْقَوْلُ لِلطَّالِبِ وَالْمَالُ لَازِمٌ عَلَى الْكَفِيلِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ وُجُوبِ الْمَالِ الْتِزَامُ الْمَالِ بِالْكَفَالَةِ إلَّا أَنَّ الْمُوَافَاةَ شَرْطٌ لِلْبَرَاءَةِ فَلَا يَثْبُتُ بِقَوْلِ الْكَفِيلِ، كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَفِيمَا إذَا عَلَّقَ الْمَالَ بِعَدَمِ الْمُوَافَاةِ لَا يُصَدَّقُ الْكَفِيلُ عَلَى الْمُوَافَاةِ إلَّا بِحُجَّةٍ وَبَيَانُهُ مَا ذَكَرَهُ فِي نَظْمِ الْفِقْهِ قَالَ الْكَفِيلُ دَفَعْته إلَيْك الْيَوْمَ الْمَشْرُوطَ وَأَنْكَرَهُ الطَّالِبُ فَالْأَمْرُ عَلَى مَا كَانَ فِي الِابْتِدَاءِ وَلَا يَمِينَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُدَّعٍ: الْكَفِيلُ الْبَرَاءَةَ وَالطَّالِبُ الْوُجُوبَ، وَلَا يَمِينَ عَلَى الْمُدَّعِي عِنْدَنَا. اهـ. وَفِي فُرُوقِ الْكَرَابِيسِيِّ رَجُلٌ كَفَلَ بِنَفْسِ رَجُلٍ عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يُوَافَ بِهِ غَدًا فَعَلَيْهِ الْمَالُ فَلَمْ يُوَافَهُ لَكِنَّ الْمُدَّعِي وَجَدَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَلَازَمَهُ حَتَّى اللَّيْلَ يَلْزَمُهُ الْمَالُ، وَكَذَا لَوْ تَغَيَّبَ الطَّالِبُ فَلَمْ يَجِدْهُ لَزِمَهُ الْمَالُ، هُنَا فُصُولٌ الثَّانِي لَوْ شَرَطَ عَلَى الْكَفِيلِ مَكَانًا فَجَاءَ الْكَفِيلُ بِالْمَكْفُولِ بِهِ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ وَتَغَيَّبَ الطَّالِبُ لَزِمَ الْمَالُ الْكَفِيلَ الثَّالِثُ لَوْ اشْتَرَى بِالْخِيَارِ فَتَوَارَى الْبَائِعُ الرَّابِعُ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ دَيْنَهُ الْيَوْمَ فَتَغَيَّبَ الدَّائِنُ الْخَامِسُ جَعَلَ أَمْرَ امْرَأَتِهِ بِيَدِهَا إنْ لَمْ تَصِلْ نَفَقَتُهَا فَتَغَيَّبَتْ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَنْصِبُ الْقَاضِي قَيِّمًا فِي الْفَصْلَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ لَا فِي الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الطَّالِبَ مُتَعَنِّتٌ فِيهِمَا لَا فِي الْأَوَّلِ. اهـ. وَفِي الْخُلَاصَةِ إذَا تَوَارَى الطَّالِبُ وَالْبَائِعُ نَصَبَ الْقَاضِي وَكِيلًا عَنْ الْغَائِبِ، قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ هَذَا خِلَافُ قَوْلِ أَصْحَابِنَا وَإِنَّمَا رُوِيَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَلَوْ فَعَلَ الْقَاضِي فَهُوَ حَسَنٌ. اهـ. وَجَعَلَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ الْمَسَائِلَ كُلَّهَا عَلَى الْخِلَافِ وَأَنَّ الْقَاضِيَ يَنْصِبُ وَكِيلًا عَنْ الْغَائِبِ عَلَى قَوْلِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ. اهـ. وَلَمْ يُصَوِّرْ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ بِالْأَلْفِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ لِبَيَانِ أَنَّ مَعْلُومِيَّةَ الْقَدْرِ لَيْسَتْ شَرْطًا لِصِحَّتِهَا، فَإِذَا قَالَ بِمَا عَلَيْهِ فَمَهْمَا ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ أَنَّهُ عَلَيْهِ لَزِمَهُ كَمَا سَيَأْتِي، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ الْكَفِيلُ بِالنَّفْسِ إنْ لَمْ أُوَافِك بِهِ غَدًا فَعَلَيَّ مَا أَقَرَّ بِهِ الْمَطْلُوبُ فَلَمْ يُوَافِ بِهِ غَدًا فَأَقَرَّ الْمَطْلُوبُ أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ خَمْسَمِائَةٍ كَانَ الْكَفِيلُ ضَامِنًا لِمَا أَقَرَّ وَلَيْسَ هَذَا كَمَا لَوْ قَالَ إنْ لَمْ أُوَافِك بِهِ غَدًا فَأَنَا ضَامِنٌ لِمَا ادَّعَيْت عَلَيْهِ فَلَمْ يُوَافِ بِهِ غَدًا فَادَّعَى الطَّالِبُ عَلَيْهِ مَالًا لَا يَلْزَمُهُ الْمَالُ، وَكَذَا لَوْ قَالَ إنْ لَمْ أُوَافِك بِهِ غَدًا فَمَا ادَّعَيْت عَلَيْهِ فَهُوَ عَلَيَّ فَلَمْ يُوَافِ بِهِ غَدًا فَادَّعَى الطَّالِبُ عَلَيْهِ مَالًا لَا يَلْزَمُهُ، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ بَعْدَ مُرَاجَعَةِ نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ وَقَوْلُهُ إنْ لَمْ أَدْفَعْهُ إلَيْك غَدًا بِمَنْزِلَةِ إنْ لَمْ أُوَافِك بِهِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ قَالَ الْكَفِيلُ بِالنَّفْسِ إنْ غَابَ عَنْك الْمَكْفُولُ فَأَنَا ضَامِنٌ لِمَا عَلَيْهِ فَغَابَ الْمَكْفُولُ إلَى الْكُوفَةِ وَلَمْ يَطْلُبْهُ الطَّالِبُ ثُمَّ دَفَعَهُ الْكَفِيلُ إلَيْهِ بَعْدَ رُجُوعِهِ مِنْ الْكُوفَةِ فَالْكَفِيلُ ضَامِنٌ لِلْمَالِ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَهَا بِالْغَيْبَةِ، وَلَوْ قَالَ قَدْ كَفَلْت لَك بِنَفْسِ فُلَانٍ فَإِنْ غَابَ وَلَمْ أُوَافِك فَأَنَا ضَامِنٌ لِمَا عَلَيْهِ فَغَابَ قَبْلَ أَنْ يُوَافِيَ لَزِمَهُ الْمَالُ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ قَالَ إنْ غَابَ قَبْلَ أَنْ أُوَافِيك بِهِ، وَلَوْ قَالَ إنْ غَابَ فَلَمْ أُوَافِك بِهِ فَأَنَا ضَامِنٌ لِمَا عَلَيْهِ فَهَذَا عَلَى أَنْ يُوَافِيَهُ بَعْدَ الْغَيْبَةِ، كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَفِيهَا أَيْضًا وَلَوْ كَفَلَ بِنَفْسِ رَجُلٍ عَلَى أَنْ يُوَافِيَ بِهِ إذَا جَلَسَ الْقَاضِي فَإِنْ لَمْ يُوَافِ بِهِ فَعَلَيْهِ الْأَلْفُ الَّتِي لِلطَّالِبِ عَلَيْهِ فَلَمْ يَجْلِسْ الْقَاضِي أَيَّامًا وَطَلَبَ الْمُدَّعِي وَلَمْ يَأْتِ بِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْكَفِيلِ مِنْ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الْكَفَالَةَ بِالْمَالِ بِعَدَمِ الْمُوَافَاةِ إذَا جَلَسَ الْقَاضِي. اهـ. وَقَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ فَأَنَا ضَامِنٌ لَيْسَ بِقَيْدٍ فَفِي الْخَانِيَّةِ إنْ لَمْ أُوَافِ بِهِ فَعِنْدِي لَك هَذَا الْمَالُ لَزِمَهُ؛ لِأَنَّ عِنْدِي إذَا اُسْتُعْمِلَ فِي الدَّيْنِ يُرَادُ بِهِ الْوُجُوبُ، وَكَذَا لَوْ قَالَ إلَيَّ هَذَا الْمَالُ وَقَيَّدَ بِعَدَمِ الْمُوَافَاةِ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا فِي الْبَزَّازِيَّةِ كَفَلَ بِنَفْسِهِ عَلَى أَنَّهُ مَتَى طَالَبَهُ سَلَّمَهُ فَإِنْ لَمْ يُسَلِّمْهُ فَعَلَيْهِ مَا عَلَيْهِ وَمَاتَ الْمَطْلُوبُ وَطَالَبَهُ بِالتَّسْلِيمِ وَعَجَزَ لَا يَلْزَمُهُ الْمَالُ؛ لِأَنَّ الْمُطَالَبَةَ بِالتَّسْلِيمِ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا تَصِحُّ، فَإِذَا لَمْ تَصِحَّ الْمُطَالَبَةُ لَمْ يَتَحَقَّقْ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ قَالَ إنْ لَمْ أُوَافِك بِهِ غَدًا فَمَا ادَّعَيْت عَلَيْهِ فَهُوَ عَلَيَّ إلَخْ) ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْخَانِيَّةِ قَبْلَ هَذَا مُوَضَّحَةً فَقَالَ رَجُلٌ كَفَلَ بِنَفْسِ رَجُلٍ عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يُوَافِ بِهِ غَدًا فَعَلَيْهِ مَا ادَّعَى الطَّالِبُ فَلَمْ يُوَافِ بِهِ وَادَّعَى الطَّالِبُ عَلَيْهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَصَدَّقَهُ الْمَطْلُوبُ وَجَحَدَهَا الْكَفِيلُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْكَفِيلِ مَعَ الْيَمِينِ عَلَى الْعِلْمِ. اهـ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 232 الْعَجْزُ الْمُوجِبُ لِلُّزُومِ الْمَالِ فَلَا يَجِبُ. اهـ. وَفِي الْقُنْيَةِ كَفَلَ بِنَفْسِهِ، وَقَالَ: إنْ عَجَزْت عَنْ تَسْلِيمِهِ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَعَلَيَّ الْمَالُ ثُمَّ حُبِسَ بِحَقٍّ أَوْ بِغَيْرِ حَقٍّ أَوْ مَرَضَ مَرَضًا يَتَعَذَّرُ إحْضَارُهُ يَلْزَمُهُ الْمَالُ بَعْدَ الثَّلَاثَةِ. اهـ. وَفِي وَكَالَةِ مُنْيَةِ الْمُفْتِي قَالَ إنْ وَافَيْتُك بِهِ غَدًا فَعَلَيَّ مَا عَلَيْهِ ثُمَّ وَافَى بِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْمَالُ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَزِمَهُ إنْ أَحْسَنَ إلَيْهِ. اهـ. يَعْنِي: أَنَّهُ تَعْلِيقٌ بِغَيْرِ الْمُتَعَارَفِ فَلَمْ تَصِحَّ الْكَفَالَةُ. قَوْلُهُ (وَمَنْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ مِائَةَ دِينَارٍ فَقَالَ رَجُلٌ إنْ لَمْ أُوَافِك بِهِ غَدًا فَعَلَيْهِ الْمِائَةُ فَلَمْ يُوَافِ بِهِ غَدًا فَعَلَيْهِ الْمِائَةُ) لِوُجُودِ الشَّرْطِ فَلَزِمَ الْمَالُ قَيَّدَ بِبَيَانِ الْمَالِ عِنْدَ الدَّعْوَى؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَعَلَّقَ رَجُلٌ بِآخَرَ، وَقَالَ لِي عَلَيْك دَعْوَى وَلَمْ يُبَيِّنْهَا فَكَفَلَهُ إنْسَانٌ بِالنَّفْسِ عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يُوَافِ غَدًا فَعَلَيْهِ مِائَةُ دِينَارٍ فَفِيهِ اخْتِلَافٌ قَالَا إذَا لَمْ يُوَافِهِ بِهِ لَزِمَتْهُ إذَا ادَّعَاهَا الْمُدَّعِي، وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا تَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُبَيِّنْهَا وَقْتَ الدَّعْوَى لَمْ تَصِحَّ الدَّعْوَى فَلَمْ يَجِبْ حُضُورُهُ إلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي فَلَمْ تَصِحَّ الْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ فَلَمْ تَصِحَّ بِالْمَالِ؛ لِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَيْهَا وَلَهُمَا أَنَّهُ يُمْكِنُ تَصْحِيحُهَا؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِالْإِبْهَامِ فِي الدَّعَاوَى فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ ثُمَّ يُبَيِّنُوهَا عِنْدَهُ دَفْعًا لِلْحِيَلِ فَصَحَّتْ الدَّعْوَى وَالْمُلَازَمَةُ عَلَى احْتِمَالِ الْبَيَانِ، فَإِذَا بَيَّنَ بَعْدَهُ انْصَرَفَ إلَى الْبَيَانِ أَوَّلًا فَظَهَرَ بِهِ صِحَّةُ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ فَصَحَّتْ بِالْمَالِ حَمْلًا عَلَى أَنَّ الْكَفِيلَ كَانَ يَعْلَمُ خُصُوصَ الْمَالِ الْمُدَّعَى بِهِ تَصْحِيحًا لِكَلَامِ الْعَاقِلِ مَا أَمْكَنَ. وَالْحَاصِلُ أَنَّا لَا نَحْكُمُ حَالَ صُدُورِهَا بِالْفَسَادِ بَلْ الْأَمْرُ مَوْقُوفٌ عَلَى ظُهُورِ الدَّعْوَى بِذَلِكَ الْقَدْرِ، فَإِذَا ظَهَرَتْ ظَهَرَ أَنَّهُ إنَّمَا كَفَلَ بِالْقَدْرِ الْمُدَّعَى بِهِ وَفِي الْخُلَاصَةِ كَفَلَ بِنَفْسِ رَجُلٍ عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يُوَافِ بِهِ غَدًا فَعَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَلَمْ يَقُلْ الَّتِي عَلَيْهِ فَمَضَى الْغَدُ وَلَمْ يُوَافِ بِهِ وَفُلَانٌ يَقُولُ لَا شَيْءَ عَلَيَّ وَالطَّالِبُ يَدَّعِي أَلْفًا وَالْكَفِيلُ يُنْكِرُ وُجُوبَهُ عَلَى الْأَصِيلِ فَعَلَى الْكَفِيلِ أَلْفُ دِرْهَمٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ فِي قَوْلِهِ الْأَوَّلِ وَفِي قَوْلِهِ الْآخَرِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. اهـ. وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْحَاصِلَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَحْدَهُ وَيُسْتَفَادُ بِهَا أَنَّ الْأَلْفَ تَجِبُ عَلَى الْكَفِيلِ بِمُجَرَّدِ دَعْوَى الْمَكْفُولِ لَهُ وَإِنْ كَانَ الْكَفِيلُ يُنْكِرُ وُجُوبَهُ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقَيَّدَ بِكَوْنِ الْمَالِ عَلَى الْمَكْفُولِ بِالنَّفْسِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَى غَيْرِهِ فَفِيهِ اخْتِلَافٌ كَمَا لَوْ كَفَلَ بِنَفْسِ رَجُلٍ عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يُوَافِ بِهِ فِي يَوْمِ كَذَا فَعَلَيْهِ مَا لِلطَّالِبِ عَلَى فُلَانٍ آخَرَ جَازَ ذَلِكَ اسْتِحْسَانًا وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ وَفِي الْمُحِيطِ جَعَلَ الْخِلَافَ عَلَى الْعَكْسِ وَجَعَلَ أَبَا حَنِيفَةَ مَعَ أَبِي يُوسُفَ وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَكَذَا لَوْ كَفَلَ بِنَفْسِ رَجُلٍ عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يُوَافِ بِهِ غَدًا كَانَ كَفِيلًا بِنَفْسِ رَجُلٍ آخَرَ كَانَ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافُ. اهـ. وَلَا بُدَّ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ مِنْ إقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْمِائَةِ لِمَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ لَوْ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: قَيَّدَ بِبَيَانِ الْمَالِ عِنْدَ الدَّعْوَى) أَرَادَ بِالْبَيَانِ ذِكْرَهُ وَالتَّنْصِيصَ عَلَيْهِ لَا بَيَانَ صِفَتِهِ أَنَّهُ جَيِّدٌ أَوْ رَدِيءٌ مَثَلًا ثُمَّ ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ مَسْأَلَةَ الْكِتَابِ وِفَاقِيَّةٌ وَالثَّانِي خِلَافِيَّةٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ صُورَتُهَا فِي الْجَامِعِ مُحَمَّدٍ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ لَزِمَ رَجُلًا وَادَّعَى عَلَيْهِ مِائَةَ دِينَارٍ فَبَيَّنَهَا أَوْ لَمْ يُبَيِّنْهَا أَوْ لَزِمَهُ وَلَمْ يَدَّعِ مِائَةَ دِينَارٍ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ دَعْهُ فَأَنَا كَفِيلٌ بِنَفْسِهِ إلَى غَدٍ فَإِنْ لَمْ أُوَافِك بِهِ غَدًا فَعَلَيَّ مِائَةُ دِينَارٍ فَرَضِيَ بِذَلِكَ فَلَمْ يُوَافِ بِهِ غَدًا قَالَ عَلَيْهِ الْمِائَةُ دِينَارٍ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا إذَا ادَّعَى ذَلِكَ صَاحِبُ الْحَقِّ أَنَّهُ لَهُ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ إنْ ادَّعَى وَلَمْ يُبَيِّنْهَا حَتَّى كَفَلَ بِالْمِائَةِ دِينَارٍ أَوْ ادَّعَاهَا بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ أَلْتَفِتْ إلَى دَعْوَاهُ وَأَرَادَ بِالْوَجْهَيْنِ مَا إذَا بَيَّنَهَا أَيْ ذَكَرَ أَنَّهَا جَيِّدَةٌ أَوْ رَدِيئَةٌ أَوْ وَسَطٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَذْكُرْ كَذَا قِيلَ وَإِلَّا فَوَدَّ أَنْ يُرَادَ بِالْوَجْهَيْنِ مَا إذَا ادَّعَى أَيْ ذَكَرَ أَنَّهَا مِائَةٌ بَيَّنَهَا أَوْ لَا وَمَا إذَا لَمْ يَدَّعِ شَيْئًا حَتَّى كَفَلَ لَهُ ثُمَّ ادَّعَى الْمِقْدَارَ الَّذِي سَمَّاهُ. اهـ. وَقَالَ فِي النَّهْرِ: وَقَدْ جَمَعَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بَيْنَهُمَا وَلَوْ تَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ لَكَانَ أَوْلَى. (قَوْلُهُ وَلَا بُدَّ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ مِنْ إقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْمِائَةِ إلَخْ) يُخَالِفُ هَذَا مَا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ حَيْثُ قَالَ: فَإِذَا بَيَّنَ الْمُدَّعِي ذَلِكَ عِنْدَ الْقَاضِي يَنْصَرِفُ بَيَانُهُ إلَى ابْتِدَاءِ الدَّعْوَى وَالْمُلَازَمَةِ فَيَظْهَرُ صِحَّةُ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ وَالْمَالِ جَمِيعًا وَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي هَذَا الْبَيَانِ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي صِحَّةَ الْكَفَالَةِ كَمَنْ كَفَلَ لِرَجُلٍ فِي غَيْبَتِهِ فَلَمَّا حَضَرَ الْغَائِبُ قَالَ إنَّك أَقْرَرْت لِي بِالْكَفَالَةِ فِي الْحَالِ الَّتِي كُنْت غَائِبًا، وَقَالَ الْكَفِيلُ لَا بَلْ كَانَ ذَلِكَ ابْتِدَاءُ كَفَالَةٍ فِي غَيْبَتِك وَلَمْ تَصِحَّ فَالْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُ الْغَائِبِ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي صِحَّةَ الْكَفَالَةِ وَالْكَفِيلُ يَدَّعِي الْفَسَادَ. اهـ. وَمِثْلُهُ فِي النِّهَايَةِ، وَقَالَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَيَكُونُ الْقَوْلُ لَهُ فِي هَذَا الْبَيَانِ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الصِّحَّةَ وَالْكَفِيلُ يَدَّعِي الْفَسَادَ وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَيُقْبَلُ قَوْلُ الْمُدَّعِي أَنَّهُ أَرَادَ ذَلِكَ عِنْدَ الدَّعْوَى؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الصِّحَّةَ، وَقَدْ مَرَّ عَنْ الْفَتْحِ قَرِيبًا قَوْلُهُ وَيُسْتَفَادُ بِهَا أَنَّ الْأَلْفَ تَجِبُ عَلَى الْكَفِيلِ بِمُجَرَّدِ دَعْوَى الْمَكْفُولِ لَهُ وَبِهِ صَرَّحَ فِي مَتْنِ التَّنْوِيرِ تَبَعًا لِلدُّرَرِ وَالْغُرَرِ وَهُوَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 233 ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَلْفًا فَأَنْكَرَهُ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ إنْ لَمْ أُوَافِك بِهِ غَدًا فَهُوَ عَلَيَّ فَلَمْ يُوَافِ بِهِ غَدًا لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْمَكْفُولَ عَنْهُ لَمْ يَعْتَرِفْ بِوُجُودِ الْمَالِ وَلَا اعْتَرَفَ الْكَفِيلُ بِهَا أَيْضًا فَصَارَ هَذَا مَالًا مُتَعَلِّقَا بِخَطَرٍ فَلَا يَجُوزُ. اهـ. وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ مَا إذَا عَلَّقَ الْكَفِيلُ بِالْمَالِ بَرَاءَتَهُ بِمُوَافَاتِهِ غَدًا بِأَنْ قَالَ كَفَلْت لَك مِمَّا عَلَيْهِ عَلَى أَنِّي إنْ وَافَيْتُك بِهِ غَدًا فَأَنَا بَرِيءٌ مِنْ الْمَالِ فَوَافَاهُ بِهِ لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ، فَإِنَّ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ فِي رِوَايَةٍ يَبْرَأُ وَفِي رِوَايَةٍ لَا وَهُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى تَعْلِيقِ بَرَاءَةِ الْكَفِيلِ بِالشَّرْطِ وَسَتَأْتِي فِي الْكِتَابِ وَالْمَسْأَلَةُ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ. قَوْلُهُ (وَلَا يُجْبَرُ عَلَى الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ فِي حَدٍّ وَقَوَدٍ) وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ، وَقَالَا بِالْجَبْرِ فِي حَدِّ الْقَذْفِ وَالْقِصَاصِ دُونَ غَيْرِهِمَا قَيَّدَ بِالْجَبْرِ؛ لِأَنَّ أَخْذَهُ بِرِضَاهُ بِلَا طَلَبٍ فِي حَدِّ الْقَذْفِ وَالْقِصَاصِ جَائِزٌ اتِّفَاقًا لَهُمَا أَنَّهَا شُرِعَتْ لِتَسْلِيمِ النَّفْسِ وَهُوَ وَاجِبٌ عَلَى الْأَصِيلِ فَصَحَّتْ بِهِ كَمَا فِي دَعْوَى الْمَالِ بِخِلَافِ الْحُدُودِ الْخَالِصَةِ؛ لِأَنَّهَا مَحْضُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَلَهُ إطْلَاقُ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا كَفَالَةَ فِي حَدٍّ» وَلِأَنَّهَا لِلِاسْتِيثَاقِ وَمَبْنَاهُمَا عَلَى الدَّرْءِ وَأَلْحَقَ التُّمُرْتَاشِيُّ حَدَّ السَّرِقَةِ بِهِمَا فِي جَوَازِ التَّكْفِيلِ بِنَفْسِ مَنْ عَلَيْهِ إجْمَاعًا وَفِي الْإِجْبَارِ عَلَيْهَا عِنْدَ هُمَا وَجَعَلَهُ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ لِكَوْنِ الدَّعْوَى فِيهِ شَرْطًا بِخِلَافِ غَيْرِهِ لِعَدَمِ اشْتِرَاطِهَا وَلَا يَجِبُ الْحُضُورُ بِسَبَبِهَا، فَإِذَا لَمْ يَكْفُلْ عِنْدَهُ يُلَازِمُهُ إلَى قِيَامِ الْقَاضِي مِنْ مَجْلِسِهِ فَإِنْ بَرْهَنَ وَإِلَّا خَلَّى سَبِيلَهُ وَلَيْسَ تَفْسِيرُ الْجَبْرِ عِنْدَهُمَا الْجَبْرُ بِالْحَبْسِ وَإِنَّمَا هُوَ الْأَمْرُ بِالْمُلَازَمَةِ. قَوْلُهُ (وَلَا يُحْبَسُ فِيهِمَا حَتَّى يَشْهَدَ شَاهِدَانِ مَسْتُورَانِ أَوَعَدْلٌ) أَيْ فِي الْحُدُودِ وَالْقَوَدِ؛ لِأَنَّ الْحَبْسَ لِتُهْمَةِ الْفَسَادِ وَشَهَادَةِ الْمَسْتُورَيْنِ أَوْ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ تَكْفِي لِإِثْبَاتِهَا؛ لِأَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ حُجَّةٌ فِي الدِّيَانَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ فَتُثْبِتُ شَهَادَةُ الْعَدْلِ التُّهْمَةَ وَإِنْ لَمْ تُثْبِتْ أَصْلَ الْحَقِّ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهَا لَا تَثْبُتُ بِخَبَرِ مَسْتُورٍ وَاحِدٍ وَالْحَبْسُ بِتُهْمَةِ الْفَسَادِ مَشْرُوعٌ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حَبَسَ رَجُلًا بِتُهْمَةٍ بِخِلَافِ دَعْوَى الْأَمْوَالِ حَيْثُ لَا يُحْبَسُ فِيهَا قَبْلَ الثُّبُوتِ؛ لِأَنَّهُ نِهَايَةُ عُقُوبَتِهَا فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِحُجَّةٍ كَالْحَدِّ نَفْسِهِ وَكَلَامُهُمْ هُنَا يَدُلُّ ظَاهِرًا عَلَى أَنَّ الْقَاضِيَ يُعَزِّرُ الْمُتَّهَمَ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتُ عَلَيْهِ، وَقَدْ كَتَبْت فِيهَا رِسَالَةً وَحَاصِلُهَا أَنَّ مَا كَانَ مِنْ التَّعْزِيرِ مِنْ حُقُوقِهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الدَّعْوَى وَلَا عَلَى الثُّبُوتِ بَلْ إذَا أَخْبَرَ الْقَاضِي عَدْلٌ بِمَا يَقْتَضِيه أَحْضَرَهُ الْقَاضِي وَعَزَّرَهُ لِتَصْرِيحِهِمْ هُنَا بِحَبْسِ الْمُتَّهَمِ بِشَهَادَةِ مَسْتُورَيْنِ أَوْ وَاحِدٍ عَدْلٍ وَالْحَبْسُ تَعْزِيرٌ وَصَرَّحْنَا بِجَوَازِ الْهَجْمِ عَلَى بَيْتِ الْمُفْسِدِ وَجَوَازِ إخْرَاجِهِ مِنْ الْبَيْتِ وَجَوَازِ نَفْيِهِ عَنْ الْبَلَدِ وَتَخْلِيدِ حَبْسِهِ إلَى أَنْ يَتُوبَ، وَإِنَّ مِنْ ذَلِكَ مَا إذَا سُمِعَ صَوْتُ غِنَاءٍ فِي بَيْتِهِ أَوْ أُخْبِرَ الْقَاضِي بِاجْتِمَاعِهِمْ عَلَى الشَّرَابِ أَوْ كَانَ يُؤْذِي النَّاسَ بِيَدِهِ وَلِسَانِهِ وَجَوَازُ التَّعْزِيرِ بِالْقَتْلِ وَجَوَازُهُ بِأَخْذِ الْمَالِ وَمَعْنَاهُ عَلَى مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ إمْسَاكُهُ عَنْهُ إلَى أَنْ يَتُوبَ وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَأَمَّا التَّعْزِيرُ فَتَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِهِ يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْقَاضِي الِابْتِدَاءُ بِطَلَبِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ كَالدُّيُونِ اهـ فَظَاهِرُهُ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ حُقُوقِهِ تَعَالَى لَا يَجُوزُ بِهِ كَالْحُدُودِ. (قَوْلُهُ:   [منحة الخالق] الْمَفْهُومُ مِنْ قَوْلِهِمْ لَزِمَتْهُ إذَا ادَّعَاهَا الْمُدَّعِي وَلَمْ يَقُولُوا وَأَثْبَتَهَا بِالْبُرْهَانِ وَمَا فِي النَّهْرِ مِنْ قَوْلِهِ فَعَلَيْهِ الْمِائَةُ أَيْ الَّتِي بَيَّنَهَا الْمُدَّعِي إمَّا بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِإِقْرَارِ الْمُدَّعِي مَبْنِيٌّ عَلَى عَلَى مَا فِي السِّرَاجِ وَزَادَ الْبَيِّنَةَ إذْ لَا فَرْقَ، وَقَدْ عَلِمْت مُخَالَفَتَهُ لِلشُّرُوحِ وَلِإِطْلَاقِ الْمُتُونِ كَالْهِدَايَةِ وَالْكَنْزِ وَالْمَجْمَعِ وَغَيْرِهَا وَرَأَيْت بِخَطِّ شَيْخِ مَشَايِخِنَا الشَّيْخِ إبْرَاهِيمَ الْغَزِّيِّ الَّذِي تَحَرَّرَ لِي أَنَّ هَذَا أَيْ مَا فِي السِّرَاجِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَعَلَى قَوْلِ الثَّانِي ثَانِيًا يُعْلَمُ هَذَا بِمُرَاجَعَةِ الْهِدَايَةِ وَالْفَتْحِ وَالْخُلَاصَةِ اهـ [الْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ فِي حَدٍّ وَقَوَدٍ] (قَوْلُهُ: بَلْ إذَا أَخْبَرَ الْقَاضِي عَدْلٌ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ فَإِنْ قُلْتُ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا عَلَى رَأْيِ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ جَوَازِ قَضَاءِ الْقَاضِي بِعِلْمِهِ أَمَّا عَلَى رَأْيِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَهُوَ الْمُفْتَى بِهِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَقْضِي بِعِلْمِهِ فِي زَمَانِنَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَوَقَّفَ عَلَى الثُّبُوتِ قُلْتُ: يَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ الْخِلَافُ عَلَى مَا كَانَ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ أَمَّا حُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى فَيَقْضِي فِيهَا بِعِلْمِهِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ الرَّجُلُ إذَا كَانَ يَصُومُ وَيُصَلِّي وَيَضُرُّ النَّاسَ بِالْيَدِ وَاللِّسَانِ وَذَكَرَ بِمَا فِيهِ لَا يَكُونُ غِيبَةً وَإِنْ أَخْبَرَ السُّلْطَانَ بِذَلِكَ لِيَزْجُرَهُ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ اهـ. قُلْت: مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرُوهُ قَالَ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ لِلشُّرُنْبُلَالِيِّ بَعْدَ كَلَامٍ مَا نَصُّهُ وَالْمُخْتَارُ الْآنَ عَدَمُ حُكْمِهِ بِعِلْمِهِ مُطْلَقًا لِفَسَادِ أَحْوَالِ الْقُضَاةِ كَمَا أَنَّهُ لَا يَقْضِي بِعِلْمِهِ فِي الْحُدُودِ الْخَالِصَةِ لِلَّهِ تَعَالَى كَحَدِّ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ مُطْلَقًا يَعْنِي سَوَاءٌ عَلِمَهُ بَعْدَ تَوْلِيَتِهِ أَوْ قَبْلَهَا غَيْرَ أَنَّهُ يُعَزَّرُ مَنْ بِهِ أَثَرُ السُّكْرِ لِلتُّهْمَةِ اهـ. وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَى الِاتِّفَاقِ عَلَى عَدَمِ الْقَضَاءِ بِعِلْمِهِ فِي الْحُدُودِ الْخَالِصَةِ ابْنُ الْهُمَامِ قُبَيْلَ بَابِ التَّحْكِيمِ، وَذَكَرَهُ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يُسَاوِي الْقَاضِي فِيهِ وَغَيْرُ الْقَاضِي إذَا عَلِمَ لَا يُمْكِنُهُ إقَامَةَ الْحَدِّ فَكَذَا هُوَ ثُمَّ قَالَ إلَّا فِي السَّكْرَانِ أَوْ مَنْ بِهِ أَمَارَةُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 234 وَبِالْمَالِ وَلَوْ مَجْهُولًا إذَا كَانَ دَيْنًا صَحِيحًا) أَيْ تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِالْمَالِ وَلَوْ كَانَ الْمَالُ مَجْهُولًا وَصِحَّتُهَا بِالْإِجْمَاعِ وَصَحَّتْ مَعَ جَهَالَةِ الْمَالِ لِبِنَائِهَا عَلَى التَّوَسُّعِ، وَلِذَا جَازَ شَرْطُ الْخِيَارِ فِيهَا أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ إجْمَاعُهُمْ عَلَى صِحَّتِهَا بِالدَّرْكِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ كَمْ يَسْتَحِقُّ مِنْ الْمَبِيعِ كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ وَالدَّيْنُ الصَّحِيحُ مَا لَا يَسْقُطُ إلَّا بِالْأَدَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءِ فَلَمْ تَصِحَّ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهُ يَسْقُطُ بِدُونِهِمَا بِالتَّعْجِيزِ، وَكَذَا لَا يَجُوزُ بِبَدَلِ السِّعَايَةِ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا، كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ إذْ هُوَ لَا يَقْبَلُ التَّعْجِيزَ، وَكَذَا لَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِدَيْنٍ هُوَ عَلَى ابْنِ الْمُكَاتَبِ أَوْ عَبْدِهِ؛ لِأَنَّ مَنْ دَخَلَ فِي مُكَاتَبَتِهِ فَهُوَ مُكَاتِبٌ لِمَوْلَاهُ، كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ بِخِلَافِ أَرْشِ الشَّجَّةِ وَقَطْعِ الطَّرَفِ فَإِنَّهُ دَيْنٌ صَحِيحٌ فَصَحَّتْ بِهِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَمَا نُوقِضَ بِهِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ كَفَلْت لَك بَعْضَ مَالِك عَلَى فُلَانٍ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ مَمْنُوعٌ بَلْ يَصِحُّ عِنْدَنَا وَالْخِيَارُ لِلضَّامِنِ وَيَلْزَمُهُ أَنْ يُبَيِّنَ أَيَّ مِقْدَارٍ شَاءَ. اهـ. وَفِي الْبَدَائِعِ وَأَمَّا كَوْنُ الْمَكْفُولِ بِهِ مَعْلُومَ الذَّاتِ فِي أَنْوَاعِ الْكَفَالَاتِ أَوْ مَعْلُومَ الْقَدْرِ فَلَيْسَ بِشَرْطٍ حَتَّى لَوْ كَفَلَ بِأَحَدِ شَيْئَيْنِ غَيْرَ عَيْنٍ بِأَنْ كَفَلَ بِنَفْسِ رَجُلٍ أَوْ بِمَا عَلَيْهِ وَهُوَ أَلْفٌ جَازَ وَعَلَيْهِ أَحَدُهُمَا أَيُّهُمَا شَاءَ، وَكَذَا إذَا كَفَلَ بِنَفْسِ رَجُلٍ أَوْ بِمَا عَلَيْهِ أَوْ بِنَفْسِ رَجُلٍ جَازَ آخَرُ أَوْ بِمَا عَلَيْهِ جَازَ وَيَبْرَأُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى الطَّالِبِ وَلَوْ كَفَلَ عَنْ رَجُلٍ بِمَا لِفُلَانٍ عَلَيْهِ أَوْ بِمَا يُدْرِكُهُ فِي هَذَا الْبَيْعِ جَازَ. اهـ. قَيَّدَ بِجَهَالَةِ الْمَالِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ جَهَالَةِ الْأَصِيلِ وَالْمَكْفُولِ فَإِنَّهَا مَانِعَةٌ حَتَّى لَوْ قَالَ مَنْ غَصَبَك مِنْ النَّاسِ أَوْ بَايَعَك أَوْ قَتَلَك فَأَنَا كَفِيلٌ لَك عَنْهُ أَوْ قَالَ مَنْ غَصَبْتَهُ أَنْتَ أَوْ قَتَلْته فَأَنَا كَفِيلٌ لَهُ عَنْك لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا كَانَ كَفَالَةً يَسِيرَةً فِي الْمَكْفُولِ عَنْهُ نَحْوَ أَنْ يَقُولَ كَفَلْت لِكُلٍّ بِمَا لَك عَلَى أَحَدِ هَذَيْنِ فَيَجُوزُ وَالتَّعْيِينُ لِلْمَكْفُولِ لَهُ؛ لِأَنَّهُ صَاحِبُ الْحَقِّ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ كَفَلَ بِنَفْسِ رَجُلٍ نَعْرِفُهُ بِوَجْهِهِ إنْ جَاءَ بِهِ لَكِنْ لَا نَعْرِفُهُ بِاسْمِهِ يَجُوزُ، كَمَا لَوْ قَالَ عِنْدَ الْقَاضِي كَفَلْت لِرَجُلٍ أَعْرِفُهُ بِوَجْهِهِ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ فِي الْإِقْرَارِ لَا تَمْنَعُ صِحَّتَهُ وَيُقَالُ لَهُ أَيُّ رَجُلٍ أَتَيْت بِهِ وَقُلْت: إنَّهُ هَذَا وَحَلَفْت عَلَيْهِ بَرِئْت مِنْ الْكَفَالَةِ. اهـ. وَأَطْلَقَ صِحَّتَهَا فَشَمِلَ كُلَّ مَنْ عَلَيْهِ الْمَالُ حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا مَأْذُونًا أَوْ مَحْجُورًا صَبِيًّا أَوْ بَالِغًا رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً مُسْلِمًا كَانَ أَوْ ذِمِّيًّا، وَكُلُّ مَنْ لَهُ الْمَالُ لَكِنْ فِي الْبَزَّازِيَّةِ الْكَفَالَةُ لِلصَّبِيِّ التَّاجِرِ صَحِيحَةٌ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ عَلَيْهِ وَلِلصَّبِيِّ الْعَاقِلِ غَيْرِ التَّاجِرِ رِوَايَتَانِ وَدَخَلَ تَحْتَ الدَّيْنِ الصَّحِيحِ بَدَلُ الْعِتْقِ، فَإِذَا أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَلَى مَالٍ فَكَفَلَهُ بِهِ رَجُلٌ جَازَ كَذَا   [منحة الخالق] السُّكْرِ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُعَزِّرَهُ لِلتُّهْمَةِ وَلَا يَكُونُ حَدًّا. اهـ. فَعُلِمَ أَنَّ التَّعْزِيرَ لَيْسَ بِقَضَاءٍ وَلِذَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الدَّعْوَى وَنَحْوِهَا. [الْكَفَالَةُ بِالْمَالِ] (قَوْلُهُ: وَالدَّيْنُ الصَّحِيحُ مَا لَا يَسْقُطُ إلَّا بِالْأَدَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءِ) دَخَلَ فِيهِ الْمُسْلَمُ فِيهِ فَفِي فَتَاوَى الْحَانُوتِيِّ الْكَفَالَةُ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ صَحِيحَةٌ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ لَا مَبِيعٌ وَمِمَّنْ نَقَلَ صِحَّتَهُ الْوَالِدُ عَنْ شَرْحِ التَّكْمِلَةِ وَالتَّصْرِيحُ بِالنَّقْلِ عَزِيزٌ وَإِنْ كَانَ هُوَ دَاخِلًا فِي قَوْلِهِمْ تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِالدَّيْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ: مَعَ أَنْ لَا يَسْقُطَ إذْ هُوَ لَا يَقْبَلُ التَّعْجِيزَ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَكَأَنَّهُ أُلْحِقَ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ أَرْشِ الشَّجَّةِ وَقَطْعِ الطَّرَفِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَالْكَفَالَةُ بِالدِّيَةِ لَا تَصِحُّ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْكَفَالَةَ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ وَالدِّيَةِ لَا تَجُوزُ. اهـ. وَنَقَلَهَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ وَلَمْ يَنْقُلْ فِيهِ خِلَافًا وَنَقَلَهَا صَاحِبُ النُّقُولِ عَنْ الْخُلَاصَةِ. (قَوْلُهُ: وَالتَّعْيِينُ لِلْمَكْفُولِ لَهُ) مُخَالِفٌ لِمَا قَبْلَهُ عَنْ الْبَدَائِعِ حَيْثُ جَعَلَ الْخِيَارَ لِلْكَفِيلِ فِي نَظِيرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْفَتْحِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَنَصُّهُ وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ كَفَلْت بِمَالَك عَلَى فُلَانٍ أَوْ مَالَك عَلَى فُلَانٍ رَجُلٍ آخَرَ جَازَ؛ لِأَنَّهَا جَهَالَةُ الْمَكْفُولِ عَنْهُ فِي غَيْرِ تَعْلِيقٍ وَيَكُونُ الْخِيَارُ لِلْكَفِيلِ. اهـ. وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ لَوْ قَالَ أَنَا كَفِيلٌ بِفُلَانٍ أَوْ فُلَانٍ كَانَ جَائِزًا يَدْفَعُ أَيُّهُمَا شَاءَ الْكَفِيلُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ كَفَلَ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَفِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ كَفَالَةً بِنَفْسِ رَجُلٍ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ فَشَهِدَ الشُّهُودُ أَنَّهُ كَفَلَ بِنَفْسِ رَجُلٍ لَا نَعْرِفُهُ جَازَتْ شَهَادَتُهُمْ. اهـ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة (وَ) لَوْ شَهِدَا أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ كَفَلَ لِهَذَا الرَّجُلِ بِنَفْسِ رَجُلٍ نَعْرِفُهُ بِوَجْهِهِ لَكِنْ لَا نَعْرِفُهُ بِاسْمِهِ فَهُوَ جَائِزٌ وَإِنْ قَالَا كَفَلَ بِنَفْسِ رَجُلٍ وَلَا نَعْرِفُهُ لَا بِوَجْهِهِ وَلَا بِاسْمِهِ فَالشَّهَادَةُ جَائِزَةٌ وَيُؤْخَذُ الْكَفِيلُ بِالْكَفَالَةِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَقَرَّ عِنْدَ الْقَاضِي أَنَّهُ كَفَلَ لِهَذَا بِنَفْسِ رَجُلٍ ثُمَّ يُقَالُ بَيَّنَ أَيَّ رَجُلٍ فَإِنْ بَيَّنَ فَكَذَّبَهُ، وَقَالَ الْمَكْفُولُ بِهِ هَذَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فَبَعْدَ ذَلِكَ يَنْظُرُ إنْ صَدَّقَهُ الْمَكْفُولُ فِيمَا بَيَّنَ فَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَذَّبَهُ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ عَلَيْهِ وَفِي الذَّخِيرَةِ فَإِنْ كَذَّبَهُ تُعْتَبَرُ فِيهِ الدَّعْوَى لِلْإِنْكَارِ فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ فِي دَعْوَى الْكَفَالَةِ لَا تُشْتَرَطُ تَسْمِيَةُ الْمَكْفُولِ عَنْهُ وَذِكْرُ نَسَبِهِ، وَقَدْ قِيلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ يَصْلُحُ دَلِيلًا. اهـ. (قَوْلُهُ: لَكِنْ فِي الْبَزَّازِيَّةِ إلَخْ) وَفِي إحْكَامَاتِ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ كَفَلَ رَجُلٌ لِصَبِيٍّ لَوْ كَانَ الصَّبِيُّ تَاجِرًا صَحَّتْ الْكَفَالَةُ وَلَوْ خَاطَبَ عَنْهُ أَجْنَبِيٌّ وَقَبِلَ عَنْهُ تَوَقَّفَتْ عَلَى إجَازَةِ وَلِيِّهِ فَإِنْ لَمْ يُخَاطِبْ أَجْنَبِيٌّ وَلَا وَلِيُّهُ وَإِنَّمَا خَاطَبَ الصَّبِيَّ عِنْد أَبِي حَنِيفَةَ لَا تَصِحُّ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَصِحُّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 235 فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَمِنْهُ مَا إذَا كَانَ لِلْمُكَاتَبِ مَالٌ عَلَى رَجُلٍ فَأَمَرَهُ فَضَمِنَهُ لِمَوْلَاهُ مِنْ مُكَاتَبَتِهِ أَوْ دَيْنٍ سِوَى ذَلِكَ جَازَ لِأَنَّ أَصْلَ ذَلِكَ الْمَالِ وَاجِبٌ لِلْمُكَاتَبِ عَلَى الْكَفِيلِ وَهَذَا أَمْرٌ مِنْهُ أَنْ يَدْفَعَ مَا عَلَيْهِ لِمَوْلَاهُ، كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَخَرَجَ عَنْهُ كَمَا خَرَجَ بَدَلُ الْكِتَابَةِ مَا لَوْ دَفَعَ إلَى مَحْجُورٍ عَشَرَةً لِيُنْفِقَهَا عَلَى نَفْسِهِ فَقَالَ إنْسَانٌ كَفَلْت بِهَذِهِ الْعَشَرَةِ لَا تَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ ضَمِنَ مَا لَيْسَ بِمَضْمُونٍ فَإِنْ ضَمِنَ قَبْلَ الدَّفْعِ بِأَنْ قَالَ ادْفَعْ الْعَشَرَةَ إلَيْهِ عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ لَك الْعَشَرَةَ هَذِهِ يَجُوزُ، وَطَرِيقُهُ أَنْ يَجْعَلَ الضَّامِنَ مُسْتَقْرِضًا مِنْ الدَّافِعِ وَيَجْعَلَ الصَّبِيَّ نَائِبًا عَنْهُ فِي الْقَبْضِ، وَكَذَا الصَّبِيُّ الْمَحْجُورُ إذَا بَاعَ شَيْئًا فَكَفَلَ رَجُلٌ بِالدَّرْكِ لِلْمُشْتَرِي إنْ ضَمِنَ بَعْدَمَا قَبَضَ الصَّبِيُّ الثَّمَنَ لَا يَجُوزُ وَإِنْ قَبْلَ قَبْضِهِ يَجُوزُ مَحْجُورٌ اشْتَرَى مَتَاعًا وَضَمِنَ رَجُلٌ الثَّمَنَ لِلْبَائِعٍ عَنْهُ لَا يَلْزَمُ الْكَفِيلَ الثَّمَنُ وَلَوْ ضَمِنَ الْمَتَاعَ بِعَيْنِهِ كَانَ ضَامِنًا، كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة لَوْ ضَمِنَ بَدَلَ الْكِتَابَةَ وَأَدَّى رَجَعَ بِمَا أَدَّى وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ كَفَلَ مُسْلِمٌ عَنْ ذِمِّيٍّ بِخَمْرٍ لِذِمِّيٍّ قِيلَ: لَا يَصِحُّ مُطْلَقًا وَقِيلَ لَوْ كَانَتْ الْخَمْرَةُ بِعَيْنِهَا عِنْدَ الْمَطْلُوبِ يَصِحُّ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ إذْ يَجُوزُ عِنْدَهُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُلْزِمَهُ نَقْلَ الْخَمْرِ كَمَا لَوْ أَجَّرَ نَفْسَهُ لِنَقْلِهَا. اهـ. وَدَخَلَ فِيهِ مَا لَوْ صَادَرَ الْوَالِي رَجُلًا وَطَلَبَ مِنْهُ مَالًا وَضَمِنَ رَجُلٌ ذَلِكَ وَبَذَلَ الْخَطَّ، ثُمَّ قَالَ الضَّامِنُ لَيْسَ لَك عَلَيَّ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْوَالِي عَلَيْهِ شَيْءٌ قَالَ شَمْسُ الْإِسْلَامِ وَالْقَاضِي يَمْلِكُ الْمُطَالَبَةَ؛ لِأَنَّ الْمُطَالَبَةَ الْحِسِّيَّةَ كَالْمُطَالَبَةِ الشَّرْعِيَّةِ، كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ. (فَائِدَةٌ) ذَكَرَ الطَّرَسُوسِيُّ فِي مُؤَلَّفٍ لَهُ أَنَّ مُصَادَرَةَ السُّلْطَانِ لِأَرْبَابِ الْأَمْوَالِ لَا تَجُوزُ إلَّا لِعُمَّالِ بَيْتِ الْمَالِ مُسْتَدِلًّا بِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - صَادَرَ أَبَا هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَفِي الدُّرِّ الْمَنْثُورِ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ يُوسُفَ فِي قَوْله تَعَالَى {اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ} [يوسف: 55] قَالَ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالْحَاكِمُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ اسْتَعْمَلَنِي عُمَرُ عَلَى الْبَحْرَيْنِ ثُمَّ نَزَعَنِي وَغَرَّمَنِي اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا ثُمَّ دَعَانِي بَعْدُ إلَى الْعَمَلِ فَأَبَيْت فَقَالَ لِمَ وَقَدْ سَأَلَ يُوسُفُ الْعَمَلَ وَكَانَ خَيْرًا مِنْك فَقُلْتُ: إنَّ يُوسُفَ نَبِيٌّ ابْنُ نَبِيٍّ ابْنِ نَبِيٍّ وَأَنَا ابْنُ أُمِّيَّةَ وَأَنَا أَخَافُ أَنْ أَقُولَ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَأَنْ أَفْتِي بِغَيْرِ عِلْمٍ وَأَنْ يُضْرَبُ ظَهْرِي وَيُشْتَمَ عِرْضِي وَيُؤْخَذَ مَالِي اهـ. (قَوْلُهُ بِكَفَلْتُ عَنْهُ بِأَلْفٍ) بَيَانٌ لِأَلْفَاظِهَا وَهُوَ صَرِيحٌ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الْأَصِيلُ مُطَالَبًا بِهِ الْآنَ أَوْ لَا فَتَصِحُّ الْكَفَالَةُ عَنْ الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ بِمَا يَلْزَمُهُ بَعْدَ عِتْقِهِ بِاسْتِهْلَاكٍ أَوْ قَرْضٍ وَيُطَالَبُ الْكَفِيلُ بِهِ الْآنَ كَمَا لَوْ فَلَّسَ الْقَاضِي الْمَدْيُونَ وَلَهُ كَفِيلٌ فَإِنَّ الْمُطَالَبَةَ تَتَأَخَّرُ عَنْ الْأَصِيلِ دُونَ الْكَفِيلِ، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة رَجُلٌ لَهُ مَالٌ عَلَى رَجُلٍ فَقَالَ رَجُلٌ لِلطَّالِبِ ضَمِنْت لَك مَا عَلَى فُلَانٍ أَنْ أَقْبِضَهُ وَأَنْ أَدْفَعَهُ إلَيْك قَالَ لَيْسَ هَذَا عَلَى ضَمَانِ الْمَالِ أَنْ يَدْفَعَهُ مِنْ عِنْدِهِ إنَّمَا هَذَا عَلَى أَنْ يَتَقَاضَاهُ وَيَدْفَعَهُ إلَيْهِ وَعَلَى هَذَا مَعَانِي كَلَامِ النَّاسِ، وَلَوْ غَصَبَ مِنْ مَالِ رَجُلٍ أَلْفًا فَقَاتَلَهُ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ وَأَرَادَ أَخْذَهَا مِنْهُ فَقَالَ رَجُلٌ لَا تُقَاتِلْهُ فَأَنَا ضَامِنٌ لَهَا آخُذُهَا وَأَدْفَعُهَا إلَيْك لَزِمَهُ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ الْغَاصِبُ اسْتَهْلَكَ الْأَلْفَ وَصَارَتْ دَيْنًا كَانَ هَذَا   [منحة الخالق] اهـ. (قَوْلُهُ: فَأَمَرَهُ فَضَمِنَهُ لِمَوْلَاهُ) أَيْ فَأَمَرَ الْمُكَاتَبُ الرَّجُلَ الْمَدْيُونَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ أَمَرَهُ بِأَدَاءِ الْمَالِ لِمَوْلَاهُ فَضَمِنَهُ عَنْهُ لِمَوْلَاهُ. (قَوْلُهُ: وَهَذَا أَمْرٌ مِنْهُ أَنْ يَدْفَعَ مَا عَلَيْهِ لِمَوْلَاهُ) قَالَ فِي النَّهْرِ هُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِكَفَالَةٍ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ فَلَا يُرَدُّ بَلْ إذْنٌ فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْآمِرِ بِالدَّفْعِ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ حَوَالَةً إذْ لَوْ كَانَتْ لَعَتَقَ الْمُكَاتَبُ بِمُجَرَّدِهَا. (قَوْلُهُ: وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة لَوْ ضَمِنَ بَدَلَ الْكِتَابَةِ وَأَدَّى رَجَعَ بِمَا أَدَّى) أَيْ إذَا ظَنَّ أَنَّهُ مُجْبَرٌ عَلَى ذَلِكَ لِضَمَانِهِ السَّابِقِ كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَكَانَتْ الْكَفَالَةُ بِالْأَمْرِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَصَرَّحَ بِهِ فِي النَّهْرِ وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْمُكَاتَبِ وَيَظْهَرُ لِي أَنَّ الرُّجُوعَ عَلَى السَّيِّدِ لِأَنَّ الْكَفِيلَ لَمْ يَلْزَمْهُ مَا دَفَعَهُ لِلسَّيِّدِ بِسَبَبِ فَسَادِ الْكَفَالَةِ، وَقَدْ وَقَعَ إلَيْهِ الْمَالُ عَلَى ظَنِّ وُجُوبِهِ عَلَيْهِ فَلَهُ الرُّجُوعُ بِهِ عَلَيْهِ فَتَأَمَّلْ وَرَاجِعْ. (قَوْلُهُ: لَا تَجُوزُ إلَّا لِعُمَّالِ بَيْتِ الْمَالِ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَأَرَادَ بِعُمَّالِ بَيْتِ الْمَالِ خَدَمَتَهُ الَّذِينَ يُجْبُونَ أَمْوَالَهُ وَمِنْ ذَلِكَ كَتَبَتُهُ إذَا تَوَسَّعُوا فِي الْأَمْوَالِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ دَلِيلُ خِيَانَتِهِمْ وَيَلْحَقُ بِهِمْ كَتَبَةُ الْأَوْقَافِ وَنُظَّارُهَا إذَا تَوَسَّعُوا وَعَمَّرُوا الْأَمَاكِنَ الَّتِي لَا تُنَالُ إلَّا بِعَظِيمِ الْمَالِ وَتَعَاطَوْا أَنْوَاعَ الْمَلَاهِي فِي أَغْلَبِ الْأَحْوَالِ فَلِلْحَاكِمِ أَخْذُ الْأَمْوَالِ مِنْهُمْ وَعَزْلُهُمْ فَإِنْ عَرَفَ خِيَانَتَهُمْ فِي وَقْفٍ مُعَيَّنٍ رَدَّ الْمَالَ إلَيْهِ وَإِلَّا وَضَعَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِحَقَائِقِ الْأَحْوَالِ. (قَوْلُهُ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة رَجُلٌ لَهُ مَالٌ عَلَى رَجُلٍ إلَخْ) يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّ الْكَفَالَةَ بِالْمَالِ قِسْمَانِ كَفَالَةٌ بِنَفْسِ الْمَالِ وَكَفَالَةٌ بِتَقَاضِيهِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ غَصَبَ مِنْ رَجُلٍ أَلْفًا إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَكَذَلِكَ لَوْ غَصَبَ فَرَسًا وَهِيَ وَاقِعَةُ الْفَتْوَى إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فَإِنَّ النُّقُودَ تَتَعَيَّنُ فِي الْغُصُوبِ فَإِذَنْ حُكْمُهَا حُكْمُ الْأَعْيَانِ وَأَنْتَ عَلَى عِلْمٍ بِأَنَّهُ يَصِحُّ ضَمَانُ الْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ كَمَا هُوَ صَرِيحُ كَلَامِهِ فِي شَرَائِطِ الْمَكْفُولِ بِهِ وَسَيَأْتِي فِي الْمَتْنِ أَيْضًا صَرِيحًا، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 236 الضَّمَانُ بَاطِلًا وَكَانَ عَلَيْهِ ضَمَانُ التَّقَاضِي. اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ ضَمِنَ أَلْفًا عَلَى أَنْ يُؤَدِّيَهَا مِنْ ثَمَنِ الدَّارِ هَذِهِ فَلَمْ يَبِعْهَا لَا ضَمَانَ عَلَى الْكَفِيلِ وَلَا يَلْزَمُهُ بَيْعُ الدَّارِ. اهـ. وَفِيهَا قَبْلَهُ كَفَلَ عَنْهُ بِأَلْفٍ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ مِنْ وَدِيعَتِهِ الَّتِي عِنْدَهُ جَازَ إذَا أَمَرَهُ بِذَلِكَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ الْوَدِيعَةَ مِنْهُ فَإِنْ هَلَكَتْ الْوَدِيعَةُ بَرِئَ وَالْقَوْلُ فِيهِ لِلْكَفِيلِ فَإِنْ غَصَبَهَا الْمُودِعُ أَوْ غَيْرُهُ وَأَتْلَفَهَا بَرِئَ الْكَفِيلُ. اهـ. قَوْلُهُ (وَبِمَالَك عَلَيْهِ) وَسَيَأْتِي أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْبُرْهَانِ أَنَّهُ لَهُ عَلَيْهِ كَذَا أَوْ إقْرَارُ الْكَفِيلِ وَإِلَّا فَالْقَوْلُ لَهُ مَعَ يَمِينِهِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ قَالَ لِجَمَاعَةٍ اشْهَدُوا أَنِّي قَدْ ضَمِنْت لِهَذَا الرَّجُلِ بِالْأَلْفِ الَّتِي لَهُ عَلَى فُلَانٍ، ثُمَّ إنَّ الْمَدْيُونَ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ كَانَ قَدْ قَضَاهُ قَبْلَ أَنْ يَضْمَنَهُ الْكَفِيلُ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ وَبَرِئَ الْمَطْلُوبُ عَنْ دَيْنِ الطَّالِبِ وَلَا يَبْرَأُ الْكَفِيلُ عَنْ دَيْنِ الطَّالِبِ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْكَفِيلِ كَانَ إقْرَارًا مِنْهُ بِالدَّيْنِ عِنْدَ الْكَفَالَةِ فَلَا يَبْرَأُ الْكَفِيلُ وَلَوْ أَقَامَ الْمَدْيُونُ بَيِّنَةً عَلَى الْقَضَاءِ بَعْدَ الْكَفَالَةِ بَرِئَ الْمَدْيُونُ وَالْكَفِيلُ جَمِيعًا. اهـ. وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ قَالَ دَيْنُك الَّذِي عَلَى فُلَانٍ أَنَا أَدْفَعُهُ إلَيْك أَنَا أُسَلِّمُهُ إلَيْك أَنَا أَقْبِضُهُ لَا يَصِيرُ كَفِيلًا مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ بِلَفْظٍ يَدُلُّ عَلَى الِالْتِزَامِ كَقَوْلِهِ كَفَلْت ضَمِنْت عَلَيَّ إلَيَّ لَوْ أَتَى بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ مُنْجِزًا لَا يَصِيرُ كَفِيلًا وَلَوْ مُعَلَّقًا كَقَوْلِهِ لَوْ لَمْ تُؤَدِّ فَأَنَا أُؤَدِّي فَأَنَا أَدْفَعُ يَصِيرُ كَفِيلًا فَهُوَ نَظِيرُ مَا فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ أَنَا أَحُجُّ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَلَوْ قَالَ لَوْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنَا أَحُجُّ لَزِمَهُ الْحَجُّ إذَا دَخَلَ. اهـ. وَفِي الْقُنْيَةِ أَنَا فِي عُهْدَةِ مَا عَلَى فُلَانٍ كَفَالَةٌ وَكَتْبُهُ الْكَفَالَةَ بِالْخَطِّ بَعْدَ طَلَبِ الدَّائِنِ كَفَالَةٌ وَإِنْ لَمْ يَتَلَفَّظْ بِهَا. اهـ. وَفِي الْمُلْتَقَطِ رَجُلٌ جَاءَ بِكِتَابِ سَفْتَجَةٍ إلَى رَجُلٍ مِنْ شَرِيكِهِ فَدَفَعَهُ إلَيْهِ فَقَرَأَهُ ثُمَّ قَالَ مَا كَتَبَهَا لَك عِنْدِي فَهُوَ لَيْسَ بِضَامِنٍ، وَكَذَا لَوْ قَالَ الدَّافِعُ اضْمَنْهَا لِي فَقَالَ قَدْ أَثْبَتُّهَا لَك عِنْدِي، وَلَوْ قَالَ كَتَبْتهَا لَك عَلَيَّ أَوْ قَالَ أُثْبِتُهَا لَك عَلَيَّ فَهَذَا ضَامِنٌ نَأْخُذُهُ بِهِ. اهـ. وَقَدَّمْنَاهُ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِلطَّالِبِ لَك عِنْدِي هَذَا الرَّجُلُ كَانَ كَفِيلًا بِهِ فَعَلَى هَذَا كَلِمَةُ عِنْدَ لَا تُفِيدُ الْكَفَالَةَ بِالْمَالِ وَتُفِيدُهَا بِالنَّفْسِ، وَعَلَى هَذَا وَقَعَتْ حَادِثَةٌ قَالَ رَجُلٌ لِلدَّائِنِ لَا تُطَالِبْ فُلَانًا مَالُك عِنْدِي وَأَفْتَيْت أَنَّهُ لَا يَكُونُ كَفِيلًا وَقَدَّمْنَا عَنْ الْخَانِيَّةِ فِي الْمُعَلَّقَةِ بِعَدَمِ الْمُوَافَاةِ أَنَّ عِنْدِي كَعَلَيَّ فَعَلَى هَذَا تَكُونُ عِنْدِي كَعَلَيَّ فِي التَّعْلِيقِ فَقَطْ. قَوْلُهُ (وَبِمَا يُدْرِكُك فِي هَذَا الْبَيْعِ) وَهَذَا هُوَ ضَمَانُ الدَّرَكِ وَالدَّرَكُ لُغَةً بِفَتْحَتَيْنِ وَسُكُونُ الرَّاءِ اسْمٌ مِنْ أَدْرَكْت الشَّيْءَ وَمِنْهُ ضَمَانُ الدَّرْكِ كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ وَاصْطِلَاحًا الرُّجُوعُ بِالثَّمَنِ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِ الْمَبِيعِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ آخِرِ الدَّعْوَى فِي فَصْلِ الِاسْتِحْقَاقِ وَإِنْ اُسْتُحِقَّ الْمَبِيعُ وَلَهُ كَفِيلٌ بِالدَّرَكِ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْكَفِيلِ مَا لَمْ يَجِبْ عَلَى الْبَائِعِ فَبَعْدَهُ هُوَ بِالْخِيَارِ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْكَفِيلِ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ. اهـ. وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ فَإِذَا اُسْتُحِقَّ الْمَبِيعُ كَانَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يُخَاصِمَ الْبَائِعَ أَوَّلًا، فَإِذَا ثَبَتَ عَلَيْهِ اسْتِحْقَاقُ الْمَبِيعِ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الثَّمَنَ مِنْ أَيِّهِمَا شَاءَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ الْكَفِيلَ أَوَّلًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ ظَهَرَ الْمَبِيعُ حُرًّا كَانَ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ أَيِّهِمَا شَاءَ اهـ. (قَوْلُهُ: وَمَا بَايَعْت فُلَانًا فَعَلَيَّ) مِنْ أَمْثِلَةِ الْكَفَالَةِ بِالْمَجْهُولِ وَفِي الْمَبْسُوطِ وَلَوْ قَالَ إذَا بِعْته شَيْئًا فَهُوَ عَلَيَّ فَبَاعَهُ مَتَاعًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ثُمَّ بَاعَهُ مَتَاعًا بَعْدَ ذَلِكَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: لَوْ أَتَى بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ مُنْجَزًا) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ أَنَا أَدْفَعُهُ أَنَا أُسَلِّمُهُ أَنَا أَقْبِضُهُ. (قَوْلُهُ: وَعَلَى هَذَا وَقَعَتْ حَادِثَةُ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ كَيْفَ هَذَا مَعَ أَنَّ قَاضِي خَانْ عَلَّلَ الْمَسْأَلَةَ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ عِنْدَ إذَا اُسْتُعْمِلَ فِي الدَّيْنِ يُرَادُ بِهِ الْوُجُوبُ وَهُوَ يَقْتَضِي عَدَمَ الْفَرْقِ بَيْنَ التَّعْلِيقِ وَغَيْرِهِ وَإِنَّ النَّظَرَ إلَى الْقَرِينَةِ الدَّالَّةِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَقَدَّمْنَا عَنْ الْخَانِيَّةِ فِي الْمُعَلَّقَةِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَأَقُولُ: صَرَّحَ فِي الْخَانِيَّةِ أَنَّ عِنْدَ تُفِيدُ اللُّزُومَ إذَا أُضِيفَتْ إلَى الدَّيْنِ غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِالتَّعْلِيقِ، فَإِذَا طَالَبَهُ بِدَيْنِهِ فَقَالَ لَهُ لَا تُطَالِبْ مَالُك عِنْدِي كَانَ كَفِيلًا هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ فَتَدَبَّرْهُ. اهـ. وَكَتَبَ عَلَيْهِ الرَّمْلِيُّ مَا نَصُّهُ أَقُولُ: قَالَ الْغَزِّيِّ وَأَقُولُ: أَيْضًا الْمَنْقُولُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة فِي الْفَصْلِ الثَّانِي مِنْ كِتَابِ الْكَفَالَةِ أَنَّ مِنْ أَلْفَاظِ الْكَفَالَةِ إلَيَّ وَعِنْدِي، ثُمَّ قَالَ وَإِنَّ مُطْلَقَهُ يَعْنِي لَفْظَ عِنْدِي لِلْوَدِيعَةِ لَكِنَّهُ بِقَرِينَةِ الدَّيْنِ يَكُونُ كَفَالَةً. اهـ. مَا نَقَلَهُ الْغَزِّيِّ أَقُولُ: وَهُوَ يَقْتَضِي عَدَمَ الْفَرْقِ كَتَعْلِيلِ قَاضِي خَانْ وَأَقُولُ: ذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ فِي الْإِقْرَارِ عِنْدِي مَعِي إلَخْ أَنَّ مُطْلَقَةً يَعْنِي الْكَلَامَ يُحْمَلُ عَلَى الْعُرْفِ وَفِي الْعُرْفِ عِنْدِي إذَا قُرِنَ بِالدَّيْنِ يَكُونُ ضَمَانًا لَهُ تَنَبَّهْ وَأَقُولُ: وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ الْقَاضِيَ لَوْ سَأَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ جَوَابِ الدَّعْوَى فَقَالَ عِنْدِي كَانَ إقْرَارًا تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: لَا يَرْجِعُ عَلَى الْكَفِيلِ مَا لَمْ تَجِبْ عَلَى الْبَائِعِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ مَا لَمْ يَجِبْ أَيْ يَثْبُتُ الثَّمَنُ عَلَى الْبَائِعِ بِسَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ فَبَعْدَهُ هُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَى الْبَائِعِ وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَى الْكَفِيلِ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُجِيزَ الْمُسْتَحِقُّ الْبَيْعَ فَيَبْرَأُ الْكَفِيلُ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَأَجْمَعُوا أَنَّ الْمَبِيعَ لَوْ ظَهَرَ حُرًّا إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَكَذَا لَوْ ظَهَرَ وَقْفًا مُسَجَّلًا عَلَى مَا أَفْتَى بِهِ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَبُو السُّعُودِ الْعِمَادِيُّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 237 بِأَلْفِ دِرْهَمٍ لَزِمَ الْكَفِيلَ الْأَوَّلَ دُونَ الثَّانِي؛ لِأَنَّ حَرْفَ إذَا لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ بِخِلَافِ كُلَّمَا وَمَا وَمِثْلُ إذَا مَتَى وَإِنْ، وَلَوْ رَجَعَ الْكَفِيلُ عَنْ هَذَا الضَّمَانِ قَبْلَ أَنْ يُبَايِعَهُ وَنَهَاهُ عَنْ مُبَايَعَتِهِ ثُمَّ بَايَعَهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ لُزُومَ الْكَفَالَةِ بَعْدَ وُجُودِ الْمُبَايَعَةِ وَتَوَجُّهِ الْمُطَالَبَةِ عَلَى الْكَفِيلِ، فَأَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ هُوَ غَيْرُ مَطْلُوبٍ بِشَيْءٍ وَلَا مُلْتَزَمٍ فِي ذِمَّتِهِ شَيْئًا فَيَصِحُّ رُجُوعُهُ يُوضِحُهُ أَنَّ بَعْدَ الْمُبَايَعَةِ إنَّمَا أَوْجَبْنَا الْمَالَ عَلَى الْكَفِيلِ دَفْعًا لِلْغُرُورِ عَنْ الطَّالِبِ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ: إنَّمَا اعْتَمَدْت فِي الْمُبَايَعَةِ مَعَهُ كَفَالَةَ هَذَا الرَّجُلِ، وَقَدْ انْدَفَعَ هَذَا الْغُرُورُ حِين نَهَاهُ عَنْ الْمُبَايَعَةِ. اهـ. وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ لَوْ قَالَ رَجَعْت عَنْ الْكَفَالَةِ قَبْلَ الْمُبَايَعَةِ ثُمَّ بَايَعَهُ لَمْ يَلْزَمْ الْكَفِيلُ فَرَّقَ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبَيْنَ الْكَفَالَةِ بِالذَّوْبِ حَيْثُ إذَا رَجَعَ الْكَفِيلُ قَبْلَ الذَّوْبِ لَا يَصِحُّ وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ هَذِهِ الْكَفَالَةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى مَا هُوَ غَيْرُ لَازِمٍ وَهُوَ الْأَمْرُ فَإِنَّهُ قَالَ بَايِعْهُ فَمَا بَايَعْته فَهُوَ عَلَيَّ إنْ لَمْ يَقُلْ بَايِعْهُ فَهُوَ قَائِلٌ دَلَالَةً فَالْأَمْرُ غَيْرُ لَازِمٍ وَالْمَبْنِيُّ عَلَى الشَّيْءِ يَكُونُ تَبَعًا لَهُ وَتَبَعُ غَيْرُ اللَّازِمِ لَا يَكُونُ لَازِمًا، فَأَمَّا الْكَفَالَةُ بِالذَّوْبِ غَيْرُ مَبْنِيَّةٍ عَلَى مَا هُوَ غَيْرُ لَازِمٍ. اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ فَإِنْ قَالَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ تَبَايَعْنَا عَلَى كَذَا وَلَزِمَ عَلَى كَذَا لَا يُلْتَفَتُ إلَى إنْكَارِ الْكَفِيلِ وَيُؤَاخَذُ بِلَا بَيِّنَةٍ فَإِنْ نَهَاهُ الْكَفِيلُ بَعْدَ الْكَفَالَةِ عَنْ الْمُبَايَعَةِ وَرَجَعَ عَنْ الضَّمَانِ صَحَّ نَهْيُهُ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ مَا لَزِمَ بِالْمُبَايَعَةِ بَعْدَهُ فَإِنْ أَنْكَرَ الْكَفِيلُ وَالْمَكْفُولُ عَنْهُ الْمُبَايَعَةَ بَعْدَهُ فَبَرْهَنَ عَلَى أَحَدِهِمَا بِالْمُبَايَعَةِ وَالتَّسْلِيمِ لَزِمَهُمَا. اهـ. قَوْلُهُ (وَمَا غَصَبَك فُلَانٌ فَعَلَيَّ) هُوَ كَذَلِكَ مِنْ أَمْثِلَةِ الْمَجْهُولِ، وَفِي الْبَدَائِعِ لَوْ قَالَ إنْ غَصَبَك فُلَانٌ ضَيْعَتَك فَأَنَا ضَامِنٌ لَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَجُوزُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ غَصْبَ الْعَقَارِ لَا يَتَحَقَّقُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لَهُ. اهـ. وَفِي الْقُنْيَةِ مَا غَصَبَك فُلَانٌ فَعَلَيَّ يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ لِلْمَالِ اهـ. يَعْنِي لَا عِنْدَ الْغَصْبِ وَكَذَا فِيمَا قَبْلَهُ مِنْ مَا بَايَعْت وَمَا ذَابَ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ مَا بَايَعْت فُلَانًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ بَايِعْ فُلَانًا عَلَى أَنَّ مَا أَصَابَك مِنْ خُسْرَانٍ فَعَلَيَّ لَمْ يَصِحَّ، كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَفِيهَا إنْ غَصَبَ مَالَك وَاحِدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ فَأَنَا ضَامِنٌ صَحَّ بِخِلَافِ قَوْلِهِ إنْ غَصَبَ مَالَك إنْسَانٌ حَيْثُ لَا يَصِحُّ. اهـ. وَفِيهَا أَيْضًا طَلَبَ مِنْ غَيْرِهِ قَرْضًا فَلَمْ يُقْرِضْهُ فَقَالَ رَجُلٌ أَقْرِضْهُ فَمَا أَقْرَضْته فَأَنَا ضَامِنٌ فَأَقْرَضَهُ فِي الْحَالِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْبَلَ ضَمَانَهُ صَرِيحًا يَصِحُّ وَيَكْفِي هَذَا الْقَدْرُ. قَوْلُهُ (وَطَالَبَ الْكَفِيلَ أَوْ الْمَدْيُونَ) لِأَنَّهُ مُوجِبُهَا وَلَوْ قَالَ وَطَالَبَهُمَا لَكَانَ أَوْلَى لِبَيَانِ ذَلِكَ وَلِيُفِيدَ حُكْمَ طَلَبِ أَحَدِهِمَا بِالْأَوْلَى وَأَشَارَ إلَى أَنَّ لَهُ حَبْسَ أَحَدِهِمَا وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ الْقَضَاءِ مِنْ فَصْلِ الْحَبْسِ وَإِذَا حُبِسَ الْكَفِيلُ يُحْبَسُ الْمَكْفُولُ عَنْهُ مَعَهُ، وَإِذَا لُوزِمَ يُلَازِمُهُ لَوْ الْكَفَالَةُ بِأَمْرِهِ وَإِلَّا لَا وَلَا يَأْخُذْ الْمَالَ قَبْلَ الْأَدَاءِ دَلَّتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى جَوَابِ الْوَاقِعَةِ وَهُوَ أَنَّ   [منحة الخالق] مُفْتِي الرُّومِ أَوْ ظَهَرَ مَسْجِدًا تَأَمَّلْ. [الْكَفَالَةِ بِالْمَجْهُولِ] (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ كُلَّمَا وَمَا) أَيْ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي التَّكْرَارَ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْفَتْحِ يُفِيدُ تَرْجِيحَ خِلَافِهِ حَيْثُ قَالَ فَعَلَيْهِ مَا يَجِبُ بِالْمُبَايَعَةِ الْأُولَى فَلَوْ بَايَعَهُ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ لَا يَلْزَمُهُ ثَمَنٌ فِي الْمُبَايَعَةِ الثَّانِيَةِ، ذَكَرَهُ فِي الْمُجَرَّدِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ نَصًّا وَفِي نَوَادِرِ أَبِي يُوسُفَ بِرِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ يَلْزَمُهُ كُلُّهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ لَوْ قَالَ رَجَعْت عَنْ الْكَفَالَةِ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَنْهَاهُ عَنْ الْمُبَايَعَةِ كَمَا أَفَادَهُ فِي النَّهْرِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ بَايِعْ فُلَانًا إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ هُوَ صَرِيحٌ بِأَنَّ مَنْ قَالَ اسْتَأْجِرْ طَاحُونَةَ فُلَانٍ وَمَا أَصَابَك مِنْ خُسْرَانٍ فَعَلَيَّ لَمْ يَصِحَّ وَهِيَ وَاقِعَةُ الْفَتْوَى. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ قَوْلِهِ إنْ غَصَبَ مَالَك إنْسَانٌ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَقُولُ: فِي الدُّرَرِ وَالْغُرَرِ اُسْلُكْ هَذَا الطَّرِيقَ فَإِنَّهُ أَمِنٌ فَسَلَكَ وَأَخَذَ مَالَهُ لَمْ يَضْمَنْ وَلَوْ قَالَ إنْ كَانَ مَخُوفًا وَأَخَذَ مَالَك فَأَنَا ضَامِنٌ وَبَاقِي الْمَسْأَلَةِ بِحَالِهَا ضَمِنَ وَصَارَ الْأَصْلُ أَنَّ الْمَغْرُورَ إنَّمَا يَرْجِعُ عَلَى الْغَارِّ إذَا حَصَلَ الْغُرُورُ فِي ضِمْنِ الْمُعَاوَضَةِ أَوْ ضَمَنَ الْغَارُّ صِفَةَ السَّلَامَةِ لِلْمَغْرُورِ نَصًّا حَتَّى لَوْ قَالَ الطَّحَّانُ لِصَاحِبِ الْحِنْطَةِ اجْعَلْ الْحِنْطَةَ فِي الدَّلْوِ فَذَهَبَ مِنْ ثُقْبِهِ مَا كَانَ فِيهِ إلَى الْمَاءِ وَالطَّحَّانُ كَانَ عَالِمًا بِهِ يَضْمَنُ لِأَنَّهُ غَارٌّ فِي ضِمْنِ الْعَقْدِ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ ثَمَّةَ مَا ضَمِنَ السَّلَامَةَ بِحُكْمِ الْعَقْدِ وَهَاهُنَا الْعَقْدُ يَقْتَضِي السَّلَامَةَ، كَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ. اهـ. وَقَالَ فِي النَّهْرِ وَلَوْ قَالَ مَا غَصَبَك أَهْلُ هَذِهِ الدَّارِ فَأَنَا ضَامِنٌ لَا تَصِحُّ لِجَهَالَةِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لِجَمَاعَةٍ حَاضِرِينَ مَا بَايَعْتُمُوهُ فَعَلَيَّ فَإِنَّهُ يَصِحُّ فَأَيُّهُمْ بَايَعَهُ فَعَلَى الْكَفِيلِ وَالْفَرْقُ أَنَّهُ فِي الْأُولَى لَيْسُوا مُعَيَّنِينَ مَعْلُومِينَ عِنْدَ الْمُخَاطَبِينَ وَفِي الثَّانِيَة مُعَيَّنُونَ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ جَهَالَةَ الْمَكْفُولِ لَهُ تَمْنَعُ صِحَّةَ الْكَفَالَةِ وَفِي التَّنْجِيزِ لَا تَمْنَعُ نَحْوَ كَفَلْت بِمَالِك عَلَى فُلَانٍ أَوْ فُلَانٍ، كَذَا فِي الْفَتْحِ. اهـ. قُلْتُ: وَذُكِرَ فِي الْفَتْحِ أَنَّهُ يَجِبُ كَوْنُ أَهْلِ الدَّارِ لَيْسُوا مُعَيَّنِينَ مَعْلُومِينَ عِنْدَ الْمُخَاطَبِينَ وَإِلَّا فَلَا فَرْقَ. (قَوْلُهُ: وَيَكْفِي هَذَا الْقَدْرُ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَا بَايَعْت فُلَانًا أَوْ مَا غَصَبَك فَعَلَيَّ كَذَلِكَ إذَا بَايَعَهُ أَوْ غَصَبَ مِنْهُ لِلْحَالِ. اهـ. وَفِي إلْحَاقِ الثَّانِيَةِ نَظَرٌ فَتَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مُوجِبُهَا) أَيْ لِأَنَّهُ ضَمَّ الذِّمَّةَ إلَى الذِّمَّةِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 238 الْمَكْفُولَ لَهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ حَبْسِ الْأَصِيلِ وَالْكَفِيلِ وَكَفِيلِ الْكَفِيلِ وَإِنْ كَثَرُوا. اهـ. وَسَيَأْتِي فِي الْكِتَابِ مَا يُشِيرُ إلَيْهِ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ إنَّمَا يُطَالِبُهُمَا إذَا كَانَ الْمَالُ حَالًّا عَلَيْهِمَا فَإِنْ كَانَ حَالًّا عَلَى أَحَدِهِمَا مُؤَجَّلًا عَلَى الْآخَرِ طَالَبَ مَنْ حَلَّ عَلَيْهِ فَقَطْ كَمَا سَنَشْرَحُهُ بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَوْلُهُ (إلَّا إذَا شَرَطَ الْبَرَاءَةَ فَحِينَئِذٍ تَكُونُ حَوَالَةً كَمَا أَنَّ الْحَوَالَةَ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَبْرَأَ بِهَا الْمُحِيلُ كَفَالَةٌ) اعْتِبَارًا لِلْمَعْنَى فِيهِمَا مَجَازًا لَا لِلَّفْظِ، وَإِذَا صَارَتْ حَوَالَةً جَرَى فِيهَا أَحْكَامُهَا، وَكَذَا فِي عَكْسِهِ تَجْرِي أَحْكَامُ الْكَفَالَةِ وَفِي وَكَالَةِ الْبَزَّازِيَّةِ الْوِصَايَةُ حَالَ حَيَاتِهِ وَكَالَةٌ وَالْوَكَالَةُ بَعْدَ مَوْتِهِ وِصَايَةٌ؛ لِأَنَّ الْمَنْظُورَ الْمَعَانِي. اهـ. وَفِي إجَارَتِهَا وَتَنْعَقِدُ بِقَوْلِهِ أَعَرْتُك هَذِهِ الدَّارَ شَهْرًا بِكَذَا وَكُلُّ شَهْرٍ بِكَذَا وَلَا تَنْعَقِدُ الْإِعَارَةُ بِالْإِجَارَةِ حَتَّى لَوْ قَالَ أَجَرْتُك مَنَافِعَهَا سَنَةً بِلَا عِوَضٍ تَكُونُ إجَارَةً فَاسِدَةً لَا عَارِيَّةً، وَكَذَا لَوْ قَالَ وَهَبْتُك مَنَافِعَهَا بِلَا عِوَضٍ لَا تَكُونُ عَارِيَّةً. اهـ. فَاسْتُعِيرَ لَفْظُ الْعَارِيَّةِ لِلْإِجَارَةِ دُونَ عَكْسِهِ وَلَيْسَ خَارِجًا عَنْ قَوْلِهِمْ الِاعْتِبَارُ لِلْمَعَانِي؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْإِجَارَةِ وُجِدَ فِي الْإِعَارَةِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ التَّعَاوُرِ وَهُوَ التَّنَاوُبُ وَهُوَ مَعْنَى الْإِجَارَةِ حَيْثُ كَانَ بِعِوَضٍ وَالْإِجَارَةُ لَا تُسْتَعَارُ لِلْإِعَارَةِ لِأَنَّهَا تُفِيدُ الْعِوَضَ وَالْإِعَارَةُ تُفِيدُ عَدَمَهُ وَقَدَّمْنَا فِي أَوَّلِ الْبُيُوعِ أَنَّ شَرِكَةَ الْمُفَاوَضَةِ يُعْتَبَرُ فِيهِ لَفْظُهَا لَا الْمَعْنَى وَذَكَرْنَا الْجَوَابَ عَنْهُ. قَوْلُهُ (وَلَوْ طَالَبَ أَحَدَهُمَا كَانَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ الْآخَرَ) لِمَا ذَكَرْنَا قَالُوا بِخِلَافِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ إذَا اخْتَارَ أَحَدَ الْغَاصِبَيْنِ؛ لِأَنَّ اخْتِيَارَ أَحَدِهِمَا يَتَضَمَّنُ التَّمْلِيكَ مِنْهُ عِنْدَ قَضَاءِ الْقَاضِي بِهِ فَلَا يُمْكِنُهُ التَّمْلِيكُ مِنْ الْآخَرِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَأَمَّا الْمُطَالَبَةُ بِالْكَفَالَةِ لَا تَقْتَضِيه مَا لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ حَقِيقَةُ الِاسْتِيفَاءِ وَفِي غَصْبِ الْبَزَّازِيَّةِ اخْتَارَ الْمَالِكُ تَضْمِينَ الْغَاصِبِ الْأَوَّلِ وَرَضِيَ بِهِ الْغَاصِبُ أَوْ لَمْ يَرْضَ لَكِنْ حُكِمَ لَهُ بِالْقِيمَةِ عَلَى الْأَوَّلِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ وَيَضْمَنُ الثَّانِي وَإِنْ لَمْ يَرْضَ بِهِ الْأَوَّلُ وَلَمْ يَحْكُمْ بِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ وَيَضْمَنَ الثَّانِيَ فَإِنْ اخْتَارَهُ الْأَوَّلُ وَلَمْ يُعْطِهِ شَيْئًا وَهُوَ مُفْلِسٌ فَالْحَاكِمُ يَأْمُرُ الْأَوَّلَ بِقَبْضِ مَالِهِ عَلَى الثَّانِي وَيُعْطِيه لَهُ فَإِنْ أَبَى الْمَالِكُ يُحْضِرُهُمَا ثُمَّ يَقْبَلُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْغَاصِبِ الثَّانِي لِلْغَاصِبِ الْأَوَّلِ وَيَأْخُذُ ذَلِكَ مِنْ الثَّانِي فَيَقْبِضُهُ اهـ. قَوْلُهُ (وَيَصِحُّ تَعْلِيقُ الْكَفَالَةِ بِشَرْطٍ مُلَائِمٍ كَشَرْطِ وُجُوبِ الْحَقِّ كَإِنْ اُسْتُحِقَّ الْمَبِيعُ) أَيْ مُلَائِمٌ لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ وَالْمُلَاءَمَةُ فِيهِ بِكَوْنِهِ سَبَبًا لِوُجُوبِهِ عَبَّرَ عَنْهُ بِالشَّرْطِ مَجَازًا؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ لِلْمُشْتَرِي وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ مَا فِي الْآيَةِ فَإِنَّ الْكَفَالَةَ بِالْجُعَلِ مُعَلَّقَةً بِسَبَبِ وُجُوبِهِ وَهُوَ الْمَجِيءُ بِالصَّاعِ فَإِنَّهُ سَبَبُ وُجُوبِ الْجُعَلِ وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَى الْآيَةِ وَمِنْهُ مَا فِي الْخُلَاصَةِ نَاقِلًا عَنْ الْأَصْلِ قَالَ لِلْمُودِعِ إنْ أَتْلَفَ الْمُودِعُ وَدِيعَتَك أَوْ جَحَدَك فَأَنَا ضَامِنٌ لَك صَحَّ وَكَذَا إنْ قَتَلَك أَوْ ابْنَك فُلَانٌ خَطَأً فَأَنَا ضَامِنٌ لِلدِّيَةِ صَحَّ بِخِلَافِ إنْ أَكَلَك سَبْعٌ وَنَحْوُهُ مِمَّا لَيْسَ مُلَائِمًا. اهـ. وَالْإِضَافَةُ إلَى سَبَبِ الْوُجُوبِ حَقِيقِيٌّ كَمَا فِي الْكِتَابِ وَحُكْمِيٌّ كَمَا إذَا كَفَلَ بِالْأُجْرَةِ فَإِنَّهَا لَا تَجِبُ عَلَى الْكَفِيلِ إلَّا بِاسْتِيفَاءِ الْأَصِيلِ أَوْ التَّمَكُّنِ أَوْ شَرْطِ التَّعْجِيلِ كَأَنَّهُ مُضَافٌ إلَى سَبَبِ الْوُجُوبِ وَتَمَامُهُ فِي إجَارَةِ الْبَزَّازِيَّةِ. (قَوْلُهُ: أَوْ لِإِمْكَانِ الِاسْتِيفَاءِ كَأَنْ قَدَّمَ زَيْدٌ وَهُوَ مَكْفُولٌ عَنْهُ) فَإِنْ قَدَّمَهُ سَبَبٌ مُوَصَّلٌ لِلِاسْتِيفَاءِ مِنْهُ وَلَمْ يَذْكُرْ الشَّارِحُونَ لِلْمُخْتَصَرِ مَفْهُومَ قَوْلِهِ وَهُوَ مَكْفُولٌ عَنْهُ وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ عَلَّقَهَا بِقُدُومِ زَيْدٍ الْأَجْنَبِيِّ لَمْ يَصِحَّ وَظَاهِرُ مَا فِي الْقُنْيَةِ الصِّحَّةُ عَلَى الْأَصَحِّ قَالَ فِيهَا لَا يَصِحُّ التَّعْلِيقُ بِشَرْطٍ غَيْرِ مُتَعَارَفٍ كَدُخُولِ الدَّارِ أَوْ قُدُومِ زَيْدٍ إلَّا أَنَّ الْأَصَحَّ مَا ذَكَرَ أَبُو نَصْرٍ أَنَّهُ يَصِحُّ بِقُدُومِ زَيْدٍ ذَكَرَهُ فِي تُحْفَةِ الْفُقَهَاءِ. اهـ. وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ شَامِلٌ لِلْأَجْنَبِيِّ وَلَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُ مَكْفُولٌ عَنْهُ لِقَوْلِهِ فِي الْعِنَايَةِ قَيَّدَ بِكَوْنِ زَيْدٍ مَكْفُولًا عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ أَجْنَبِيًّا كَانَ التَّعْلِيقُ بِهِ بَاطِلًا كَمَا فِي هُبُوبِ الرِّيحِ. اهـ. وَهَكَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مَكْفُولًا عَنْهُ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ لِأَنَّ قُدُومَهُ وَسِيلَةٌ إلَى الْأَدَاءِ فِي   [منحة الخالق] فِي الْمُطَالَبَةِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي قِيَامَ الدَّيْنِ عَلَى الْأَوَّلِ. (قَوْلُهُ: وَفِي غَصْبِ الْبَزَّازِيَّةِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَفِيهِ تَقْيِيدٌ لِلْأَوَّلِ اهـ. أَيْ: لِقَوْلِهِ بِخِلَافِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ إلَخْ. (قَوْلُهُ: كَإِنْ اُسْتُحِقَّ الْمَبِيعُ) أَيْ كَقَوْلِهِ إنْ اسْتَحَقَّ الْمَبِيعَ مُسْتَحِقٌّ فَعَلَيَّ الثَّمَنُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 239 الْجُمْلَةِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مَكْفُولًا عَنْهُ أَوْ مُضَارِبَهُ بِهِ. اهـ. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الْأَصَحِّ وَعِبَارَةُ الْبَدَائِعِ أَزَالَتْ اللَّبْسَ وَأَوْضَحَتْ كُلَّ تَخْمِينٍ وَحَدْسٍ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ قَالَ ضَمِنْت لَك عَنْ فُلَانٍ أَلْفًا، فَإِذَا قَدِمَ فُلَانٌ فَأَنَا بَرِيءٌ مِنْهُ إنْ كَانَ فُلَانٌ غَرِيمًا لَهُ بِأَلْفٍ جَازَ شَرْطُ الْبَرَاءَةِ فَإِنْ كَانَ فُلَانٌ أَجْنَبِيًّا لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّالِبِ وَالْمَطْلُوبِ تَعَلُّقٌ فِي هَذَا الْأَلْفِ تَصِحُّ الْكَفَالَةُ وَيَبْطُلُ شَرْطُ الْبَرَاءَةِ. اهـ. فَكَمَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهَا بِقُدُومِ الْأَصِيلِ يَصِحُّ تَعْلِيقُ الْبَرَاءَةِ مِنْهَا بِقُدُومِهِ. قَوْلُهُ (أَوَلِتَعَذُّرِهِ كَأَنْ غَابَ عَنْ الْمِصْرِ) لِأَنَّ غَيْبَتَهُ سَبَبٌ لِتَعَذُّرِ الِاسْتِيفَاءِ وَمِنْهُ مَا فِي الْمِعْرَاجِ ضَمِنْت كُلَّ مَالِك عَلَى فُلَانٍ إنْ تَوَى فَهُوَ جَائِزٌ وَكَذَا إنْ مَاتَ وَلَمْ يَدَّعِ شَيْئًا فَهُوَ ضَامِنٌ، وَكَذَا إنْ حَلَّ مَالُك عَلَى فُلَانٍ وَلَمْ يُوَافِك بِهِ فَهُوَ عَلَيَّ أَوْ إنْ حَلَّ مَالُك عَلَى فُلَانٍ فَهُوَ عَلَيَّ وَإِنْ مَاتَ فَهُوَ عَلَيَّ. اهـ. وَمِنْهُ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ إنْ غَابَ وَلَمْ يُوَافِك بِهِ فَأَنَا ضَامِنٌ لِمَا عَلَيْهِ فَإِنَّ هَذَا عَلَى أَنْ يُوَافِيَ بِهِ بَعْدَ الْغَيْبَةِ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ إنْ لَمْ يَدْفَعْ مَدْيُونُك مَالَك أَوْ لَمْ يَقْضِهِ فَهُوَ عَلَيَّ، ثُمَّ إنَّ الطَّالِبَ تَقَاضَى الْمَطْلُوبَ فَقَالَ الْمَدْيُونُ لَا أَدْفَعُهُ وَلَا أَقْضِيهِ وَجَبَ عَلَى الْكَفِيلِ السَّاعَةَ، وَعَنْهُ أَيْضًا إنْ لَمْ يُعْطِك الْمَدْيُونُ دَيْنَك فَأَنَا ضَامِنٌ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ الشَّرْطُ إذَا تَقَاضَاهُ وَلَمْ يُعْطِهِ ذَلِكَ، وَفِي الْفَتَاوَى إنْ تَقَاضَيْت وَلَمْ يُعْطِك فَأَنَا ضَامِنٌ فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يَتَقَاضَاهُ وَيُعْطِيَهُ بَطَلَ الضَّمَانُ وَلَوْ بَعْدَ التَّقَاضِي قَالَ أَنَا أُعْطِيَك فَإِنْ أَعْطَاهُ مَكَانَهُ أَوْ ذَهَبَ بِهِ إلَى السُّوقِ أَوْ مَنْزِلِهِ أَوْ أَعْطَاهُ جَازَ وَإِنْ طَالَ ذَلِكَ وَلَمْ يُعْطِهِ مِنْ يَوْمِهِ لَزِمَ الْكَفِيلَ، عَبْدٌ مَأْذُونٌ مَدْيُونٌ طَالَبَهُ غَرِيمُهُ بِكَفِيلٍ خَوْفًا مِنْ أَنْ يُعْتِقَهُ مَوْلَاهُ فَقَالَ رَجُلٌ إنْ أَعْتَقَهُ مَوْلَاهُ فَأَنَا ضَامِنٌ جَازَتْ الْكَفَالَةُ. اهـ. وَمِنْهُ مَا فِي الْقُنْيَةِ قَالَ لِلدَّائِنِ إنْ لَمْ يُؤَدِّ فُلَانٌ مَالَك عَلَيْهِ إلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَنَا ضَامِنٌ لَهُ يَصِحُّ التَّعْلِيقُ لِأَنَّهُ شَرْطٌ مُتَعَارَفٌ. اهـ. قَوْلُهُ (وَلَا يَصِحُّ بِنَحْوِ إنْ هَبَّتْ الرِّيحُ فَتَصِحُّ الْكَفَالَةُ وَيَجِبُ الْمَالُ حَالًا) وَمِثْلُهُ التَّعْلِيقُ بِنُزُولِ الْمَطَرِ وَدُخُولِ الدَّارِ وَقُدُومِ زَيْدٍ وَهُوَ غَيْرُ مَكْفُولٍ عَنْهُ وَذَكَرَ الشَّارِحُ أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْمُخْتَصَرِ مَذْكُورٌ فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي وَهُوَ سَهْوٌ فَإِنَّ الْحُكْمَ فِيهِ أَنَّ التَّعْلِيقَ لَا يَصِحُّ وَلَا يَلْزَمُ الْمَالُ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ غَيْرُ مُلَائِمٍ فَصَارَ كَمَا لَوْ عَلَّقَهُ بِدُخُولِ الدَّارِ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَيْسَ بِمُلَائِمٍ ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ وَغَيْرُهُ، وَلَوْ جَعَلَ الْأَجَلَ فِي الْكَفَالَةِ إلَى هُبُوبِ الرِّيحِ لَا يَصِحُّ التَّأْجِيلُ وَيَجِبُ الْمَالُ حَالًّا. اهـ. وَهُوَ سَهْوٌ مِنْهُ فَإِنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَقُلْ فَتَصِحُّ الْكَفَالَةُ وَيَجِبُ الْمَالُ حَالًّا وَالْمَوْجُودُ فِي   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَعِبَارَةُ الْبَدَائِعِ أَزَالَتْ اللَّبْسَ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ عِبَارَةِ الْبَدَائِعِ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ وَسِيلَةً إلَى الْأَدَاءِ فِي الْجُمْلَةِ كَأَنْ يَكُونَ مُضَارِبُهُ أَوْ مَدْيُونُهُ أَوْ وَكِيلُهُ وَلَهُ مَعَهُ مَالٌ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ وَلَا يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ مَكْفُولًا عَنْهُ فَلَا يَصِحُّ التَّعْلِيقُ بِقُدُومِ مَنْ لَا يَكُونُ وَسِيلَةً إلَى الْأَدَاءِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا مُرَادُ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ بِقَوْلِهِ أَجْنَبِيًّا وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ كَانَ التَّعْلِيقُ بِهِ كَمَا فِي هُبُوبِ الرِّيحِ وَلَا يَكُونُ كَذَلِكَ إلَّا إذَا كَانَ أَجْنَبِيًّا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. اهـ. كَذَا رَأَيْته بِخَطِّ بَعْضِهِمْ. اهـ. وَقَالَ فِي النَّهْرِ وَأَقُولُ: كَوْنُ مَا فِي الْقُنْيَةِ ظَاهِرًا فِيمَا ادَّعَاهُ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّ عِبَارَتَهُ تَعْلِيقُ الْكَفَالَةِ بِشَرْطٍ مُتَعَارَفٍ صَحِيحٍ وَبِغَيْرِهِ لَا يَصِحُّ، وَقَالَ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَيَجُوزُ تَعْلِيقُ الْكَفَالَةِ بِالشُّرُوطِ، قَالَ الْأَقْطَعُ: إنْ كَانَ الشَّرْطُ لِوُجُوبِ الْحَقِّ أَوْ لِإِمْكَانِ الِاسْتِيفَاءِ جَازَ التَّعْلِيقُ كَإِنْ اُسْتُحِقَّ الْمَبِيعُ أَوْ قَدِمَ زَيْدٌ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ لِلْوُجُوبِ وَقُدُومَ زَيْدٍ يَسْهُلُ بِهِ الْأَدَاءُ بِأَنْ يَكُونَ مَكْفُولًا عَنْهُ أَوْ مُضِرًّا بِهِ، ثُمَّ قَالَ الْأَصَحُّ مَا ذَكَرَهُ نَصْرٌ أَنَّهُ يَصِحُّ بِقُدُومِ زَيْدٍ، وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ فِي تُحْفَةِ الْفُقَهَاءِ. اهـ. نَعَمْ قَوْلُهُ أَوْ مُضَارِبُهُ يَعْلَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْقَادِمُ مَدْيُونَ الْمَكْفُولِ عَنْهُ أَوْ مُودِعَهُ أَوْ غَاصِبَهُ جَازَتْ الْكَفَالَةُ الْمُعَلَّقَةُ بِقُدُومِهِ؛ لِأَنَّ قُدُومَهُ وَسِيلَةٌ إلَى الْأَدَاءِ فِي الْجُمْلَةِ وَيُحْمَلُ قَوْلُهُ فِي الْفَتْحِ فَلَوْ كَانَ غَيْرَ مَكْفُولٍ عَنْهُ عَلَى مَا إذَا كَانَ أَجْنَبِيًّا مَحْضًا وَقَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ أَوْ لِإِمْكَانِ الِاسْتِيفَاءِ يَشْمَلُ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ كَأَنْ قَدِمَ إلَى آخِرِهِ مِثَالٌ فَقَطْ وَهَذَا فِقْهٌ حَسَنٌ فَتَدَبَّرْهُ. اهـ. قُلْتُ: وَيَظْهَرُ لِي أَنَّ هَذَا هُوَ مُرَادُ صَاحِبِ الْبَحْرِ فَإِنَّ قَوْلَهُ وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مَكْفُولًا مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُضَارِبًا لَهُ وَنَحْوِهِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ الْحَقَّ جَوَازُ كَوْنِهِ أَجْنَبِيًّا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِقَرِينَةِ اسْتِدْلَالِهِ بِعِبَارَةِ الْبَدَائِعِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ سَهْوٌ مِنْهُ إلَخْ) النُّسْخَةُ الَّتِي شَرَحَ عَلَيْهَا الزَّيْلَعِيُّ هَكَذَا وَلَا يَصِحُّ بِنَحْوِ إنْ هَبَّتْ الرِّيحُ وَإِنْ جَعَلَا أَجَلًا فَتَصِحُّ الْكَفَالَةُ وَيَجِبُ الْمَالُ حَالًّا، وَهَكَذَا فِي النَّهْرِ فَتَحَصَّلَ أَنَّ النُّسَخَ ثَلَاثَةٌ وَاَلَّتِي شَرَحَ عَلَيْهَا الْمُؤَلِّفُ بِإِسْقَاطِ وَإِنْ جَعَلَا أَجَلًا وَاَلَّذِي عَزَاهُ إلَى النُّسَخِ الْمُعْتَمَدَةِ مِنْ الِاقْتِصَارِ عَلَى قَوْلِهِ وَلَا تَصِحُّ بِنَحْوِ إنْ هَبَّتْ الرِّيحُ إذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَاعْلَمْ أَنَّ الْأَخِيرَةَ لَا إشْكَالَ فِيهَا وَكَذَا الْأُولَى؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ فَتَصِحُّ الْكَفَالَةُ إلَخْ جَوَابُ قَوْلِهِ وَإِنْ جَعَلَا أَجَلًا وَيُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّ الْكَفَالَةَ لَا تَصِحُّ فِي الْأَوَّلِ إنْ كَانَتْ النُّسْخَةُ بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ فِي قَوْلِهِ وَلَا يَصِحُّ وَإِنْ كَانَتْ بِالْفَوْقِيَّةِ فَهِيَ نَصٌّ فِي ذَلِكَ، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَاعْتِرَاضُ الزَّيْلَعِيِّ وَارِدٌ عَلَيْهَا وَلَا يُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْهُ بِمَا أُجِيبَ بِهِ عَنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 240 النُّسَخِ الْمُعْتَمَدَةِ الِاقْتِصَارُ عَلَى قَوْلِهِ وَلَا تَصِحُّ بِنَحْوِ إنْ هَبَّتْ الرِّيحُ، وَلِذَا لَمْ يَنْسِبْ الْعَيْنِيُّ السَّهْوَ إلَى الْمُصَنِّفِ وَإِنَّمَا نَسَبَهُ إلَى الْهِدَايَةِ فَعَلَى هَذَا الْأَنْسَبُ أَنْ يُقْرَأُ وَلَا تَصِحُّ بِالتَّاءِ أَيْ الْكَفَالَةُ لَا بِالْيَاءِ لِيَكُونَ لِلتَّعْلِيقِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُخْطِئٌ فِي نِسْبَتِهِ إلَى الْهِدَايَةِ وَعِبَارَةُ الْهِدَايَةِ هَكَذَا فَأَمَّا مَا لَا يَصِحُّ بِمُجَرَّدِ الشَّرْطِ كَقَوْلِهِ إنْ هَبَّتْ الرِّيحُ أَوْ جَاءَ الْمَطَرُ وَكَذَا إذَا جَعَلَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَجَلًا إلَّا أَنَّهُ تَصِحُّ الْكَفَالَةُ وَيَجِبُ الْمَالُ حَالًّا؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ لَمَّا صَحَّ تَعْلِيقُهَا بِالشَّرْطِ لَمْ تَبْطُلْ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ. اهـ. لِأَنَّ قَوْلَهُ إلَّا أَنَّهُ تَصِحُّ الْكَفَالَةُ إنَّمَا يَعُودُ إلَى الْأَجَلِ بِنَحْوِ إنْ هَبَّتْ الرِّيحُ لَا إلَى التَّعْلِيقِ بِالشَّرْطِ وَقَوْلُهُ لَمَّا صَحَّ تَعْلِيقُهَا مَعْنَاهُ لَمَّا صَحَّ تَأْجِيلُهَا بِأَجَلٍ مُتَعَارَفٍ مَجَازًا وَمُجَوَّزُهُ عَدَمُ الثُّبُوتِ فِي الْحَالِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَإِنَّمَا صَحَّتْ مَعَ الْأَجَلِ الْغَيْرِ الْمُتَعَارَفِ وَلَمْ تَصِحَّ مَعَ التَّعْلِيقِ بِغَيْرِ الْمُتَعَارَفِ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ يُخْرِجُ الْعِلَّةَ عَنْ الْعِلِّيَّةِ كَمَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ وَالْأَجَلُ عَارِضٌ بَعْدَ الْعَقْدِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ انْتِفَائِهِ انْتِفَاءَ مَعْرُوضِهِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْعِنَايَةِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الشَّرْطَ الْغَيْرَ الْمُلَائِمِ لَا تَصِحُّ مَعَهُ الْكَفَالَةُ أَصْلًا وَمَعَ الْأَجَلِ الْغَيْرِ الْمُلَائِمِ تَصِحُّ حَالًّا وَيَبْطُلُ الْأَجَلُ لَكِنَّ تَعْلِيلَ الْمُصَنِّفِ هَذَا بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ لَمَّا صَحَّ تَعْلِيقُهَا بِالشَّرْطِ يَقْتَضِي أَنَّ فِي التَّعْلِيقِ بِغَيْرِ الْمُلَائِمِ تَصِحُّ الْكَفَالَةُ حَالَّةً وَإِنَّمَا يَبْطُلُ الشَّرْطُ وَالْمُصَرَّحُ بِهِ فِي الْمَبْسُوطِ وَفَتَاوَى قَاضِي خَانْ أَنَّ الْكَفَالَةَ بَاطِلَةٌ فَتَصْحِيحُهُ أَنْ يُحْمَلَ لَفْظُ تَعْلِيقِهَا عَلَى مَعْنَى تَأْجِيلِهَا بِجَامِعِ أَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهَا عَدَمَ ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي الْحَالِّ وَقَلَّدَ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الِاسْتِعْمَالِ لَفْظَ الْمَبْسُوطِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ التَّعْلِيقَ وَأَرَادَ التَّأْجِيلَ هَذَا وَظَاهِرُ شَرْحِ الْأَتْقَانِيِّ الْمَشْيُ عَلَى   [منحة الخالق] الْهِدَايَةِ أَصْلًا وَالْعَجَبُ مِنْ الزَّيْلَعِيِّ حَيْثُ أَوْرَدَ الِاعْتِرَاضَ عَلَى النُّسْخَةِ الْأُولَى اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي فَشَرَحَ كَلَامَهُ بِكَلَامِهِ؛ لِأَنَّهُ أَدْرَى بِمَرَامِهِ فَيَتَعَيَّنُ حِينَئِذٍ أَنْ تَكُونَ إنْ فِي قَوْلِهِ وَإِنْ جَعَلَا أَجَلًا وَصْلِيَّةً لَا شَرْطِيَّةً لِيُطَابِقَ الشَّرْحُ الْمَشْرُوحَ. وَالْعَجَبُ مَا فِي النَّهْرِ حَيْثُ شَرَحَ عَلَى مَا فِي الزَّيْلَعِيِّ، وَقَالَ هَكَذَا وَقَعَ فِي نُسْخَةِ الزَّيْلَعِيِّ ثُمَّ ذَكَرَ عِبَارَةَ الْهِدَايَةِ وَذَكَرَ أَنَّ التَّعْلِيلَ ظَاهِرٌ فِيمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ ثُمَّ ذَكَرَ تَأْوِيلَهُ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ هُنَا ثُمَّ قَالَ وَهَذَا الْحَمْلُ مُمْكِنٌ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إلَّا أَنَّ عَدَمَ ذِكْرِ التَّأْجِيلِ فِي كَلَامِهِ يُبْعِدُهُ بِخِلَافِهِ فِي عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ، وَإِذَا تَحَقَّقْت هَذَا عَلِمْت أَنَّ مَا فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ مَا قَالَهُ الشَّارِحُ سَهْوٌ مِمَّا لَا تَحْرِيرَ فِيهِ وَذَلِكَ لِأَنَّ اعْتِرَاضَ الشَّارِحِ عَلَى مَا وَقَعَ فِي نُسْخَتِهِ وَهُوَ صَحِيحٌ وَكَلَامُ الْهِدَايَةِ ظَاهِرٌ فِيمَا فَهِمَهُ كَمَا عَلِمْت وَالتَّأْوِيلُ خِلَافُ الْأَصْلِ فَكَيْفَ يُنْسَبُ إلَى السَّهْوِ مَا هَذَا إلَّا كَبِيرُ سَهْوٍ نَعَمْ الثَّابِتُ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ وَلَا يَصِحُّ بِنَحْوِ إنْ هَبَّتْ الرِّيحُ أَوْ جَاءَ الْمَطَرُ وَإِنْ جَعَلَا أَجَلًا فَتَصِحُّ الْكَفَالَةُ وَيَجِبُ الْمَالُ حَالًّا أَيْ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهَا بِشَرْطٍ غَيْرِ مُلَائِمٍ وَيُعْلَمُ مِنْ قَوْلِهِ وَإِنْ جَعَلَا أَجَلًا فَتَصِحُّ أَنَّهَا فِي التَّعْلِيقِ لَا تَصِحُّ لِعَدَمِ صِحَّتِهِ وَحِينَئِذٍ فَكَوْنُ الْأَنْسَبِ أَنْ تُقْرَأَ بِالْفَوْقِيَّةِ مَعَ أَنَّ الْكَلَامَ فِي التَّعْلِيقِ عُدُولٌ عَنْ الظَّاهِرِ بِمَا لَا دَاعِيَ إلَيْهِ. اهـ. فَانْظُرْ هَلْ فِي هَذَا شَيْءٌ مِنْ التَّحْرِيرِ سِوَى الْكَلَامِ الْأَخِيرِ هَذَا وَذُكِرَ فِي الْحَوَاشِي الْيَعْقُوبِيَّةِ أَنَّ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ التَّوْجِيهِ لِكَلَامِ الْهِدَايَةِ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ ثُمَّ قَالَ فَالظَّاهِرُ فِيهِ رِوَايَتَانِ وَمَا ذُكِرَ فِي الْفُصُولَيْنِ مِنْ أَنَّ الْكَفَالَةَ لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ مُوَافِقٌ لِلرِّوَايَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْهِدَايَةِ إلَّا أَنَّ قَوْلَهُمْ الْكَفَالَةُ بِالْمَالِ تُشْبِهُ النَّذْرَ ابْتِدَاءً بِاعْتِبَارِ الِالْتِزَامِ وَتُشْبِهُ الْبَيْعَ بِاعْتِبَارِ الْمُعَاوَضَةِ انْتِهَاءً إذْ الْكَفِيلُ يَرْجِعُ عَلَى الْأَصِيلِ بِمَا أَدَّى عَنْهُ فَقُلْنَا لَا يَصِحُّ بِمُطْلَقِ الشَّرْطِ كَهُبُوبِ الرِّيحِ وَنَحْوِهِ وَيَصِحُّ بِشَرْطٍ مُلَائِمٍ عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ يَقْتَضِي صِحَّةَ الرِّوَايَةِ الْمَنْقُولَةِ عَنْ الْمَبْسُوطِ وَأَيْضًا الْكَفِيلُ لَمْ يَلْتَزِمْ الْكَفَالَةَ إلَّا مُعَلَّقَةً فَلَوْ جَعَلَ كَفِيلًا فِي الْحَالِ يَلْزَمُ أَنْ يُكَلَّفَ بِمَا لَمْ يَلْتَزِمْهُ وَالْأَصْلُ أَنَّ الْمُتَبَرِّعَ لَا يَلْزَمُهُ مَا لَمْ يَلْتَزِمْهُ. اهـ. مُلَخَّصًا وَيَأْتِي بَعْدَهُ عَنْ الرَّمْلِيِّ مَا يُؤَيِّدُهُ وَلَكِنْ يُمْكِنُ تَأْوِيلُهُ بِأَنْ يَجْعَلَ الشَّرْطَ بِمَعْنَى التَّأْجِيلِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ لَوْ كَفَلَ إلَى أَنْ تَهُبَّ الرِّيحُ فَهَذَا صَرِيحٌ فِي التَّأْجِيلِ لَا فِي التَّعْلِيقِ وَالتَّأْجِيلِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُؤَلِّفُ وَهَكَذَا يُؤَوَّلُ كَلَامُ الْفُصُولَيْنِ بِحَمْلِ قَوْلِهِ لَا تُبْطِلُهَا الشُّرُوطُ الْفَاسِدَةُ عَلَى مَا إذَا جَعَلَ الشَّرْطَ أَجَلًا وَلِلْعَلَّامَةِ الشُّرُنْبُلَالِيُّ رِسَالَةٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَشْبَعَ فِيهَا الْكَلَامَ سَمَّاهَا " بَسْطُ الْمَقَالَةِ فِي تَحْقِيقِ تَعْلِيقِ الْكَفَالَةِ " فَرَاجِعْهَا إنْ رُمْت الْمَزِيدَ وَتَكَلَّمَ عَلَيْهَا فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ وَأَطَالَ وَنَقَلَ عَنْ كُتُبٍ كَثِيرَةٍ فِي بَعْضِهَا التَّصْرِيحُ بِعَدَمِ صِحَّةِ الْكَفَالَةِ لِتَعْلِيقِهَا بِالشُّرُوطِ الْغَيْرِ الْمُلَائِمِ كَمَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَفِي بَعْضِهَا التَّصْرِيحُ بِصِحَّةِ الْكَفَالَةِ وَلُزُومُ الْمَالِ حَالًّا وَأَيَّدَ هَذَا الْأَخِيرَ وَارْتَضَاهُ وَرَاجِعْ الْأَوَّلَ إلَيْهِ لَكِنْ خَالَفَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي رِسَالَتِهِ وَأَيَّدَ كَلَامَ الزَّيْلَعِيِّ وَالْفَتْحِ وَالْخَانِيَّةِ مِنْ بُطْلَانِ الْكَفَالَةِ وَعَدَمِ لُزُومِ الْمَالِ وَرَدَّ عَلَى مَنْ جَعَلَ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ أَقُولُ: وَالْإِنْصَافُ أَنَّهُمَا قَوْلَانِ فَإِنَّ مَنْ اطَّلَعَ عَلَى مَا نَقَلَهُ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ مِنْ النُّقُولِ لَمْ يَشُكَّ فِي أَنَّ الْعِبَارَاتِ مُتَنَاقِضَةٌ بَعْضُهَا مُصَرِّحٌ بِصِحَّةِ الْكَفَالَةِ وَلُزُومِ الْمَالِ حَالًّا وَبُطْلَانِ التَّعْلِيقِ وَبَعْضُهَا مُصَرِّحٌ بِعَدَمِ صِحَّةِ الْكَفَالَةِ وَارْتِكَابُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 241 ظَاهِرِ اللَّفْظِ، وَفِي الْخُلَاصَةِ كَفَلَ بِمَالِهِ عَلَى أَنْ يَجْعَلَ لَهُ الطَّالِبُ جُعَلًا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَشْرُوطًا فِي الْكَفَالَةِ فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ مَشْرُوطًا فِيهَا فَالْكَفَالَةُ بَاطِلَةٌ. اهـ. وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّهَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ إذَا كَانَتْ فِي صُلْبِهَا. اهـ. وَهَكَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَنَقَلَ فِي الْبِنَايَةِ مَا فِي الْعِنَايَةِ وَالْمِعْرَاجِ وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ، وَقَدْ ظَهَرَ لِي أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى جَعْلِ التَّعْلِيقِ بِمَعْنَى التَّأْجِيلِ بَلْ الْمُرَادُ إنَّمَا صَحَّتْ الْكَفَالَةُ مَعَ هَذَا التَّأْجِيلِ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ لَمَّا صَحَّ تَعْلِيقُهَا بِشَرْطٍ فِي الْجُمْلَةِ وَهُوَ الْمُلَائِمُ لَمْ تَبْطُلْ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ وَالتَّأْجِيلُ بِغَيْرِ الْمُتَعَارَفِ شَرْطٌ فَاسِدٌ فَلَمْ تَبْطُلْ بِهِ وَلَا يُخَالِفُهُ فَرْعُ الْخُلَاصَةِ؛ لِأَنَّهُ الْأَجَلُ بَعْدَ الْعَقْدِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَلَيْسَ فِي صُلْبِهَا وَفِي الْخَانِيَّةِ كَفَلَ عَنْ رَجُلٍ بِدَيْنٍ لَهُ عَلَى أَنَّ فُلَانًا وَفُلَانًا يَكْفُلَانِ عَنْهُ بِكَذَا وَكَذَا مِنْ هَذَا الْمَالِ فَأَبَى الْآخَرَانِ أَنْ يَكْفُلَا قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو بَكْرٍ الْبَلْخِيّ الْكَفَالَةُ الْأُولَى لَازِمَةٌ وَلَا خِيَارَ لَهُ فِي تَرْكِ الْكَفَالَةِ اهـ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ كَفَلَ بِمَالِهِ عَلَيْهِ فَبَرْهَنَ عَلَى أَلْفٍ لَزِمَهُ) ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ عِيَانًا وَلَا يَكُونُ قَوْلُ الطَّالِبِ حُجَّةً عَلَيْهِ كَمَا لَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَى الْأَصِيلِ؛ لِأَنَّهُ مُدَّعٍ. قَوْلُهُ (وَإِلَّا صُدِّقَ الْكَفِيلُ فِيمَا أَقَرَّ بِحَلِفِهِ وَلَا يَنْفُذُ قَوْلُ الْمَطْلُوبِ عَلَى الْكَفِيلِ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُبَرْهِنْ فَالْقَوْلُ لِلْكَفِيلِ فِيمَا يُقِرُّ بِهِ مَعَ يَمِينِهِ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ لَا عَلَى الْبَتَاتِ كَمَا فِي الْإِيضَاحِ وَلَا يَكُونُ قَوْلُ الْمَطْلُوبِ حُجَّةً عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى الْغَيْرِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ وَلَا يَنْفُذُ قَالَ الْعَيْنِيُّ بِالتَّشْدِيدِ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ عَلَى الْكَفِيلِ؛ لِأَنَّهُ يَنْفُذُ عَلَى نَفْسِهِ، قَيَّدَ بِقَوْلِهِ بِمَا لَهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَفَلَ بِمَا ذَابَ لَك عَلَى فُلَانٍ أَوْ بِمَا ثَبَتَ فَأَقَرَّ الْمَطْلُوبُ بِمَالٍ لَزِمَ الْكَفِيلَ لِأَنَّ الثُّبُوتَ حَصَلَ بِقَوْلِهِ وَذَابَ بِمَعْنَى حَصَلَ وَقَدْ حَصَلَ بِإِقْرَارِهِ بِخِلَافِ الْكَفَالَةِ بِمَا لَك عَلَيْهِ فَإِنَّهَا بِالدَّيْنِ الْقَائِمِ فِي الْحَالِّ وَمَا ذَابَ وَنَحْوُهُ الْكَفَالَةُ بِمَا سَيَجِبُ وَالْوُجُوبُ ثَبَتَ بِإِقْرَارِهِ وَخَرَجَ أَيْضًا مَا إذَا كَفَلَ بِمَا قُضِيَ لَك عَلَيْهِ فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي وَمِثْلُ مَا لَك عَلَيْهِ مَا أَقَرَّ لَك بِهِ أَمْسِ فَلَوْ قَالَ الْمَطْلُوبُ أَقْرَرْت لَهُ بِأَلْفٍ أَمْسِ لَمْ يَلْزَمْ الْكَفِيلَ؛ لِأَنَّهُ قَبِلَ مَالًا وَاجِبًا عَلَيْهِ لَا مَالًا يَجِبُ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ وَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فَلَوْ قَالَ مَا أَقَرَّ بِهِ فَأَقَرَّ بِهِ لِلْحَالِ لَزِمَهُ وَلَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ قَبْلَ الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ لَمْ يَلْزَمْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ مَا كَانَ أَقَرَّ لَك وَلَوْ أَبَى الْمَطْلُوبُ الْيَمِينَ فَالْزَمْهُ الْقَاضِي الْيَمِينَ فَنَكَلَ لَمْ يَلْزَمْ الْكَفِيلَ؛ لِأَنَّ النُّكُولَ لَيْسَ بِإِقْرَارٍ بَلْ بَذْلٌ. وَفِي الْخُلَاصَةِ رَجُلٌ قَالَ مَا أَقَرَّ بِهِ فُلَانٌ فَعَلَيَّ فَمَاتَ الْكَفِيلُ ثُمَّ أَقَرَّ فُلَانٌ لَزِمَ فِي تَرِكَةِ الضَّامِنِ وَكَذَا ضَمَانُ الدَّرَكِ، وَإِذَا كَفَلَ بِهَذَا اللَّفْظِ فِي صِحَّتِهِ ثُمَّ مَرِضَ الْكَفِيلُ فَأَقَرَّ الْمَطْلُوبُ بِأَلْفٍ لَزِمَ الْمَرِيضَ جَمِيعُ مَا أَقَرَّ بِهِ فِي جَمِيعِ مَالِهِ. كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَفِي الْخُلَاصَةِ رَجُلٌ قَالَ لِآخَرَ بَايِعْ فُلَانًا فَمَا بَايَعْته مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ عَلَيَّ صَحَّ فَإِنْ قَالَ الطَّالِبُ بِعْته مَتَاعًا بِأَلْفٍ وَقَبَضَهُ مِنِّي وَأَقَرَّ بِهِ الْمَطْلُوبُ وَجَحَدَ الْكَفِيلُ يُؤْخَذُ بِهِ الْكَفِيلُ اسْتِحْسَانًا بِلَا بَيِّنَةٍ وَلَوْ جَحَدَ الْكَفِيلُ وَالْمَكْفُولُ عَنْهُ الْبَيْعَ وَأَقَامَ الطَّالِبُ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَحَدِهِمَا أَنَّهُ بَاعَهُ وَسَلَّمَهُ لَزِمَهُمَا وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ   [منحة الخالق] التَّأْوِيلِ عُدُولٌ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ؛ لِأَنَّ بَعْضَ الْعِبَارَاتِ لَا يَحْتَمِلُهُ. (قَوْلُهُ: وَفِي الْخُلَاصَةِ كَفَلَ بِمَالِهِ عَلَى أَنْ يَجْعَلَ لَهُ الطَّالِبُ جُعَلًا إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَلَوْ كَفَلَ رَجُلٌ عَنْ رَجُلٍ عَلَى أَنْ يَجْعَلَ لَهُ جُعَلًا فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ الْجُعْلُ مَشْرُوطًا فِي الْكَفَالَةِ أَوْ لَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَشْرُوطًا فِي الْكَفَالَةِ فَالْجُعْلُ بَاطِلٌ وَالْكَفَالَةُ جَائِزَةٌ أَمَّا الْجَعْلُ بَاطِلٌ لِأَنَّ الْكَفِيلَ مُقْرِضٌ فِي حَقِّ الْمَطْلُوبِ، وَإِذَا شَرَطَ لَهُ الْجُعْلَ مَعَ ضَمَانِ الْمِثْلِ فَقَدْ شَرَطَ لَهُ الزِّيَادَةَ عَلَى مَا أَقْرَضَهُ فَهُوَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ رِبًا وَالْكَفَالَةُ جَائِزَةٌ لِأَنَّهَا مُطْلَقَةٌ غَيْرُ مُعَلَّقَةٍ بِالْجُعْلِ فَأَمَّا إذَا كَانَ الْجُعْلُ مَشْرُوطًا فِي الْكَفَالَةِ ذَكَرَ أَنَّ الْجُعْلَ بَاطِلٌ وَالْكَفَالَةَ بَاطِلَةٌ أَمَّا الْجُعْلُ بَاطِلٌ لِمَا بَيَّنَّا وَكَانَ يَجِبُ أَنْ تَصِحَّ الْكَفَالَةُ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ مِمَّا لَا يُبْطِلُهَا الشُّرُوطُ الْفَاسِدَةُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَفَلَ إلَى أَنْ تَهُبَّ الرِّيحُ أَوْ تُمْطِرَ الْمَسَاءُ كَانَ الشَّرْطُ بَاطِلًا وَالْكَفَالَةُ صَحِيحَةً فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ وَالْجَوَابُ هَاهُنَا كَذَلِكَ وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ الْكَفَالَةَ مَتَى بَطَلَتْ إنَّمَا بَطَلَتْ؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ فِيهَا شَرْطًا فَاسِدًا فَإِنْ لَمْ تَصِحَّ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ عَلَّقَهَا بِشَرْطٍ لِلْكَفِيلِ فِيهِ مَنْفَعَةٌ؛ لِأَنَّ الْكَفِيلَ مِمَّنْ يَنْتَفِعُ بِالْجُعْلِ فَلَا بُدَّ مِنْ مُرَاعَاةِ الشَّرْطِ لِتَثْبُتَ الْكَفَالَةُ وَالشَّرْطُ لَمْ يَثْبُتْ لِمَا لَمْ يَسْتَحِقَّ الْجُعْلَ فَلَا تَثْبُتُ الْكَفَالَةُ وَكَانَ بُطْلَانُ الْكَفَالَةِ مِنْ هَذَا الطَّرِيقِ لَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ شَرْطٌ بِخِلَافِ شَرْطِ هُبُوبِ الرِّيحِ وَمَطَرِ السَّمَاءِ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ الْكَفِيلُ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْكَفِيلِ فِيهِ مَنْفَعَةٌ لَمْ تَجِبْ مُرَاعَاةُ هَذَا الشَّرْطِ كَمَا لَوْ شَرَطَ فِي الْبَيْعِ شَرْطًا لَا يَنْتَفِعُ بِهِ أَحَدُهُمَا، وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ كَانَتْ الْكَفَالَةُ مُرْسَلَةً. اهـ. مِنْ كَفَالَةِ خُوَاهَرْ زَادَهْ. [كَفَلَ بِمَالِهِ عَلَيْهِ فَبَرْهَنَ عَلَى أَلْفٍ] (قَوْلُ الْمُصَنِّفُ فِيمَا أَقَرَّ بِحَلِفِهِ) أَيْ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ لَا عَلَى الْبَتَاتِ وَأَقُولُ: وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا لَوْ أَقَرَّ بِمَا يَكْفُلُ بِهِ عَادَةً لَوْ أَقَرَّ بِأَنَّ لَهُ عَلَيْهِ دِرْهَمًا لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ كَذَا فِي النَّهْرِ. (قَوْلُهُ: قَالَ الْعَيْنِيُّ بِالتَّشْدِيدِ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَلَيْسَ بِمُتَعَيِّنٍ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 242 رَجُلٌ قَالَ لِغَيْرِهِ مَا ذَابَ لَك عَلَى فُلَانٍ مِنْ حَقٍّ أَوْ مَا قُضِيَ لَك عَلَيْهِ مِنْ حَقٍّ فَهُوَ عَلَيَّ فَغَابَ الْمَكْفُولُ عَنْهُ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ عَلَى الْكَفِيلِ أَنَّهُ لَهُ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ حَتَّى يَحْضُرَ الْمَكْفُولُ عَنْهُ وَلَوْ أَقَامَ الْمُدَّعِي عَلَى الْكَفِيلِ بَيِّنَةً أَنَّ قَاضِيَ بَلَدِ كَذَا قَضَى لَهُ عَلَى الْأَصِيلِ بَعْدَ عَقْدِ الْكَفَالَةِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ قُبِلَتْ هَذِهِ الْبَيِّنَةُ وَيَقْضِي عَلَى الْكَفِيلِ بِأَمْرٍ وَيَكُونُ ذَلِكَ قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ، وَلَوْ كَفَلَ رَجُلٌ عَنْ رَجُلٍ بِأَمْرِهِ بِمَا لِلطَّالِبِ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ فَغَابَ الْأَصِيلُ فَأَقَامَ الطَّالِبُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْكَفِيلِ أَنَّ لَهُ عَلَى فُلَانٍ الْغَائِبِ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَأَنَّهُ كَفَلَ لَهُ بِأَمْرِ فُلَانٍ الْغَائِبِ قُبِلَتْ هَذِهِ الْبَيِّنَةُ وَيَكُونُ ذَلِكَ قَضَاءً عَلَى الْحَاضِرِ وَعَلَى الْغَائِبِ. اهـ. قَوْلُهُ (فَإِنْ كَفَلَ بِأَمْرِهِ رَجَعَ بِمَا أَدَّى عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ قَضَى دَيْنَهُ بِأَمْرِهِ وَمَعْنَى الْأَمْرِ أَنْ يَشْتَمِلَ كَلَامُهُ عَلَى لَفْظَةِ عَنِّي كَأَنْ يَقُولَ اُكْفُلْ عَنِّي أَوْ اضْمَنْ عَنِّي لِفُلَانٍ فَلَوْ قَالَ اضْمَنْ الْأَلْفَ الَّتِي لِفُلَانٍ عَلَيَّ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ عِنْدَ الْأَدَاءِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْقَصْدُ لِيَرْجِعَ أَوْ لِطَلَبِ التَّبَرُّعِ فَلَا يَلْزَمُ الْمَالُ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَخَرَّجَ عَنْهُ مَسْأَلَةً فِي الْخَانِيَّةِ لَوْ قَالَ ادْفَعْ لَهُ كُلَّ يَوْمٍ دِرْهَمًا عَلَيَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ عَلَيَّ فَدَفَعَ لَهُ كُلَّ يَوْمٍ حَتَّى اجْتَمَعَ مَالٌ كَثِيرٌ فَالْكُلُّ عَلَى الْكَفِيلِ. اهـ. وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ لَفْظَةَ عَنِّي لَيْسَتْ شَرْطًا بَلْ هِيَ أَوْ مَا قَامَ مَقَامَهَا وَهُوَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ عَلَيَّ، وَكَذَا الْخَلِيطُ يَرْجِعُ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ عَنِّي وَالْخَلِيطُ هُوَ الَّذِي يَعْتَادُ الرَّجُلُ مُدَايَنَتَهُ وَالْأَخْذَ مِنْهُ وَوَضْعَ الدَّرَاهِمِ عِنْدَهُ وَالِاسْتِجْرَارَ مِنْهُ. كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَأَطْلَقَ الْأَمْرَ فَشَمِلَ الْحَقِيقِيَّ كَمَا مَثَّلْنَا وَالْحُكْمِيَّ كَمَا إذَا كَفَلَ الْأَبُ عَنْ ابْنِهِ الصَّغِيرِ مَهْرَ امْرَأَتِهِ ثُمَّ مَاتَ فَأَخَذَ مِنْ تَرِكَتِهِ فَإِنَّ لِلْوَرَثَةِ الرُّجُوعَ فِي نَصِيبِ الِابْنِ؛ لِأَنَّهُ كَفَالَةٌ بِأَمْرِ الصَّبِيِّ حُكْمًا لِثُبُوتِ الْوِلَايَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَدَّى الْأَبُ بِنَفْسِهِ وَلَمْ يُشْهِدْ فَإِنَّهُ لَا رُجُوعَ لَهُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَدَّى تَبَرُّعًا كَمَا هُوَ الْعَادَةُ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَشْهَدَ فَإِنَّ الصَّرِيحَ يَفُوقُ الدَّلَالَةَ، كَذَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِلْمُصَنِّفِ مِنْ الْمَهْرِ وَمِنْ الْأَمْرِ الْحُكْمِيِّ مَا فِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ لَوْ جَحَدَ الْكَفِيلُ الْكَفَالَةَ بَعْدَ الدَّعْوَى عَلَيْهِ بِهَا فَبَرْهَنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْأَمْرِ وَقَضَى بِهَا عَلَى الْكَفِيلِ وَأَدَّى فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْمَدْيُونِ وَإِنْ كَانَ مُنَاقِضًا لِكَوْنِهِ صَارَ مُكَذِّبًا شَرْعًا بِالْقَضَاءِ عَلَيْهِ، وَقَالَ زُفَرُ: لَا رُجُوعَ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ حِينَ جَحَدَهَا. اهـ. وَقَوْلُ الْمَطْلُوبِ اضْمَنْ عَنِّي لِفُلَانٍ كَذَا إقْرَارٌ بِالْمَالِ لِفُلَانٍ، كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَأَطْلَقَ فِي قَوْلِهِ كَفَلَ بِأَمْرِهِ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَنْ يَصِحُّ أَمْرُهُ فَلَا رُجُوعَ عَلَى الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ الْمَحْجُورَيْنِ إذَا أَدَّى كَفِيلُهُمَا بِالْأَمْرِ لِعَدَمِ صِحَّتِهِ مِنْهُمَا وَلَكِنْ يَرْجِعُ عَلَى الْعَبْدِ بَعْدَ عِتْقِهِ، وَأَمَّا الصَّبِيُّ فَلَا رُجُوعَ عَلَيْهِ مُطْلَقًا وَلَوْ تَكَفَّلَ الْكَفِيلُ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ بِخِلَافِ الْمَأْذُونِ فِيهِمَا لِصِحَّةِ أَمْرِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لَهَا وَأَطْلَقَ فِي قَوْلِهِ بِمَا أَدَّى وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِأَنْ يُؤَدِّيَ مَا ضَمِنَ. أَمَّا إذَا أَدَّى خِلَافَهُ بِأَنْ كَانَ الْمَكْفُولُ بِهِ جَيِّدًا فَأَدَّى رَدِيئًا أَوْ بِالْعَكْسِ فَإِنَّ رُجُوعَهُ بِمَا ضَمِنَ لَا بِمَا أَدَّى لِكَوْنِهِ مَلَكَ الدَّيْنَ بِالْأَدَاءِ فَنَزَلَ مَنْزِلَةَ الطَّالِبِ كَمَا إذَا مَلَكَهُ الْكَفِيلُ بِالْهِبَةِ أَوْ بِالْإِرْثِ وَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ تَمْلِيكُ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ لِأَنَّنَا نَنْقُلُ الدَّيْنَ إلَيْهِ بِمُقْتَضَى الْهِبَةِ لِلضَّرُورَةِ وَلَهُ نَقْلُهُ بِالْحَوَالَةِ أَوْ بِجَعْلِ الدَّيْنِ الْوَاحِدِ كَدَيْنَيْنِ بِخِلَافِ الْمَأْمُورِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِمَا أَدَّى إنْ أَدَّى أَرْدَأَ مِنْ الدَّيْنِ وَإِنْ أَدَّى أَجْوَدَ لَمْ يَرْجِعْ إلَّا بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّ حَقَّ رُجُوعِهِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَأَنَّهُ كَفَلَ لَهُ بِأَمْرِ فُلَانٍ الْغَائِبِ قُبِلَتْ إلَخْ) قَيَّدَ بِقَوْلِهِ بِأَمْرِ فُلَانٍ لِأَنَّهُ بِدُونِ أَمْرِهِ يَكُونُ قَضَاءً عَلَى الْحَاضِرِ فَقَطْ وَسَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ مَتْنًا أَوَائِلَ الْفَصْلِ الْآتِي. (قَوْلُهُ: وَمَعْنَى الْأَمْرِ أَنْ يَشْمَلَ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا شَرْطٌ فِيمَا إذَا كَانَتْ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ مِنْ الْمَطْلُوبِ وَإِلَّا فَسَيَأْتِي فِي الْقَوْلِ الْآتِيَةِ أَنَّهُ لَوْ كَفَلَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ ثُمَّ أَجَازَهَا فِي الْمَجْلِسِ تَصِيرُ مُوجِبَةً لِلرُّجُوعِ بِقَيْدٍ آخَرَ سَنَذْكُرُهُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ لَفْظَةَ عَنِّي لَيْسَتْ شَرْطًا إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَفِيهَا أَيْ فِي الْخَانِيَّةِ عَلَيَّ كَعَنِّي فَلَوْ قَالَ اُكْفُلْ لِفُلَانٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَيَّ أَوْ اُنْقُدْهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ عَلَيَّ أَوْ اضْمَنْ لَهُ الْأَلْفَ الَّتِي عَلَيَّ أَوْ اقْضِهِ مَالَهُ عَلَيَّ وَنَحْوَ ذَلِكَ رَجَعَ بِمَا دَفَعَ فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمُجَرَّدِ إذَا قَالَ لِفُلَانٍ اضْمَنْ لِفُلَانٍ الْأَلْفَ الَّتِي لَهُ عَلَيَّ فَضَمِنَهَا وَأَدَّى إلَيْهِ لَا يَرْجِعُ. اهـ. وَتَأَمَّلْهُ مَعَ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ عَنْ فَتْحِ الْقَدِيرِ نَعَمْ ذَكَرَ فِي الْفَتْحِ بَعْدَمَا نَقَلَهُ الْمُؤَلِّفُ عَنْهُ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ فَلَعَلَّ رِوَايَةَ الْأَصْلِ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَأَطْلَقَ فِي قَوْلِهِ بِمَا أَدَّى إلَخْ) قَالَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَلَوْ دَفَعَ الْخَلِيطُ زُيُوفًا أَوْ نَبَهْرَجَةً لَمْ يَرْجِعْ عَلَى صَاحِبِ الْأَصْلِ إلَّا بِهِمَا، وَلَوْ أَدَّى الْكَفِيلُ أَوْ الْحَوِيلُ زُيُوفًا وَالدَّيْنُ جِيَادٌ رَجَعَ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ بِالْجِيَادِ وَكَذَا الْحَوِيلُ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْخَلِيطَ مَأْمُورٌ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ عَنْ الْآمِرِ فَيَرْجِعُ بِحُكْمِ الْإِقْرَاضِ، وَأَمَّا الْكَفِيلُ وَالْحَوِيلُ إنَّمَا يَرْجِعَانِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُمَا يَمْلِكَانِ مَا فِي ذِمَّتِهِمَا وَيَجُوزُ أَنْ يَمْلِكَ الْجِيَادَ بِالزُّيُوفِ؛ لِأَنَّهَا تَصْلُحُ بَدَلًا عَنْهَا فَكَانَ لَهُمَا أَنْ يَرْجِعَا بِمَا مَلَكَا فِي ذِمَّتِهِمَا. اهـ. فَعُلِمَ أَنَّ الْخَلِيطَ غَيْرُ كَفِيلٍ بَلْ مَأْمُورٌ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 243 إنَّمَا هُوَ بِالْأَدَاءِ بِأَمْرِهِ وَلِذَا لَا يَمْلِكُهُ لَوْ وَهَبَ بِهِ فَيَرْجِعُ بِمَا أَدَّى مَا لَمْ يُخَالِفْ أَمْرَهُ بِالزِّيَادَةِ أَوْ بِجِنْسٍ آخَرَ وَقَوْلُهُ رَجَعَ بِمَا أَدَّى مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا دَفَعَ مَا وَجَبَ دَفْعُهُ عَلَى الْأَصِيلِ فَلَوْ كَفَلَ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ بِالْأُجْرَةِ فَدَفَعَ الْكَفِيلُ قَبْلَ الْوُجُوبِ لَا رُجُوعَ لَهُ كَمَا فِي إجَارَاتِ الْبَزَّازِيَّةِ وَأَطْلَقَ فِيمَا أَدَّى فَشَمِلَ مَا إذَا صَالَحَ الْكَفِيلُ الطَّالِبَ عَنْ الْأَلْفِ الْمَكْفُولِ بِهَا عَلَى خَمْسِمِائَةٍ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِالْخَمْسِمِائَةِ لَا بِمَا ضَمِنَ وَهُوَ الْأَلْفُ؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ أَوْ هُوَ إبْرَاءٌ عَنْ بَعْضِ الدَّيْنِ فَيَسْقُطُ الْبَعْضُ وَلَا يَنْتَقِلُ إلَى الْكَفِيلِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ بَيْعِ الْفُضُولِيِّ إذَا كَفَلَ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ وَأَدَّاهُ مِنْ مَالِهِ يَصِيرُ مُقْرِضًا حَتَّى لَا يَرْجِعَ بِقِيمَتِهِ إنْ كَانَ ثَوْبًا؛ لِأَنَّ الثَّوْبَ مِثْلِيٌّ فِي بَابِ السَّلَمِ فَكَذَا فِيمَا جُعِلَ تَبَعًا لَهُ. اهـ. وَفِي رَهْنِ الْخَانِيَّةِ بَاعَ شَيْئًا وَأَخَذَ بِالثَّمَنِ كَفِيلًا بِأَمْرِ الْمُشْتَرِي فَأَدَّى الْكَفِيلُ الثَّمَنَ ثُمَّ هَلَكَ الْمَبِيعُ عِنْدَ الْبَائِعِ فَإِنَّ الْكَفِيلَ لَا يُخَاصِمُ الْبَائِعَ وَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ وَإِنَّمَا يُخَاصِمُ الْمُشْتَرِيَ ثُمَّ الْمُشْتَرِي يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِمَا دَفَعَ الْكَفِيلُ إلَيْهِ اهـ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَفَلَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَمْ يَرْجِعْ) لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِأَدَائِهِ عَنْهُ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَفَلَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ ثُمَّ أَجَازَهَا؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ لَزِمَتْهُ وَنَفَذَتْ عَلَيْهِ بِغَيْرِ أَمْرٍ غَيْرَ مُوجِبَةٍ لِلرُّجُوعِ فَلَا تَنْقَلِبُ مُوجِبَةً لَهُ كَمَا فِي الْكَافِي وَهَذَا إذَا أَجَازَ بَعْدَ الْمَجْلِسِ، أَمَّا إذَا أَجَازَ فِي الْمَجْلِسِ فَأَنَّهَا تَصِيرُ مُوجِبَةً لِلرُّجُوعِ، كَذَا فِي فُصُولِ الْعِمَادِيَّةِ وَفِي آخِرِ الْوَلْوَالِجيَّةِ مِنْ الْحِيَلِ رَجُلٌ كَفَلَ بِنَفْسِ رَجُلٍ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى تَسْلِيمِهِ فَقَالَ لَهُ الطَّالِبُ ادْفَعْ إلَيَّ مَالِي عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ حَتَّى تَبْرَأَ عَنْ الْكَفَالَةِ فَأَرَادَ أَنْ يُؤَدِّيَهُ عَلَى وَجْهٍ يَكُونُ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ عَلَى الْمَطْلُوبِ فَالْحِيلَةُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَدْفَعَ الدَّيْنَ إلَى الطَّالِبِ وَيَهَبَ الطَّالِبُ مَالَ الْمَطْلُوبِ وَيُوَكِّلَهُ بِقَبْضِهِ فَيَكُونُ لَهُ حَقُّ الْمُطَالَبَةِ، فَإِذَا قَبَضَهُ يَكُونُ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ لِأَنَّهُ لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ الْمَالَ بِغَيْرِ هَذِهِ الْحِيلَةِ يَكُونُ مُتَطَوِّعًا وَلَوْ أَدَّى بِشَرْطِ أَنْ لَا يَرْجِعَ لَا يَجُوزُ. اهـ. وَقَدْ ذَكَرَ قَاضِي خَانْ فِي هَذَا الْكِتَابِ مَسَائِلَ الْأَمْرِ بِنَقْدِ الْمَالِ وَإِنَّهَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ مِنْهَا مَا يَرْجِعُ الْمَأْمُورُ عَلَى الْآمِرِ سَوَاءٌ قَالَ ادْفَعْ عَنِّي أَوْ لَمْ يَقُلْ خَلِيطًا كَانَ الْآمِرُ أَوْ لَا وَهِيَ أَنْ يَقُولَ اُكْفُلْ لِفُلَانٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَيَّ أَوْ اُنْقُدْهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ عَلَيَّ أَوْ اضْمَنْ لَهُ الْأَلْفَ الَّتِي عَلَيَّ أَوْ اقْضِهِ مَالَهُ عَلَيَّ أَوْ أَعْطِهِ الْأَلْفَ الَّتِي لَهُ عَلَيَّ أَوْ ادْفَعْ كَذَلِكَ فَفِي هَذِهِ كُلِّهَا كَلِمَةُ عَلَيَّ كَعَنِّي وَمِنْهَا مَا يَرْجِعُ إنْ كَانَ خَلِيطًا وَإِلَّا لَا لَوْ قَالَ ادْفَعْ إلَى فُلَانٍ أَلْفًا وَلَمْ يَقُلْ عَنِّي وَلَا عَلَيَّ فَدَفَعَهَا رَجَعَ إنْ كَانَ خَلِيطًا وَإِلَّا لَا وَمِنْهَا مَا لَا رُجُوعَ فِيهِ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ إلَّا إذَا شَرَطَ الْآمِرُ الضَّمَانَ، وَقَالَ عَلَيَّ إنِّي ضَامِنٌ وَهِيَ مَا لَوْ قَالَ هَبْ لِفُلَانٍ عَنِّي أَلْفًا، فَإِذَا وَهَبَ الْمَأْمُورُ كَانَتْ مِنْ الْآمِرِ وَلَا رُجُوعَ لِلْمَأْمُورِ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى الْقَابِضِ وَلِلْآمِرِ الرُّجُوعُ فِيهَا وَالدَّافِعُ مُتَطَوِّعٌ، وَلَوْ قَالَ عَلَيَّ إنِّي ضَامِنٌ فَفَعَلَ جَازَتْ وَضَمِنَ الْآمِرُ لِلْمَأْمُورِ وَلِلْآمِرِ الرُّجُوعُ فِيهَا دُونَ الدَّافِعِ وَكَذَا أَقْرِضْ فُلَانًا أَلْفًا وَكَذَا عَوِّضْ عَنِّي فُلَانًا فَإِنْ قَالَ عَلَى أَنْ تَرْجِعَ عَلَيَّ رَجَعَ وَإِلَّا فَلَا وَكَذَا كَفِّرْ عَنْ يَمِينِي بِطَعَامِك أَوْ أَدِّ زَكَاةَ مَالِي بِمَالِ نَفْسِك أَوْ أَحِجَّ عَنِّي رَجُلًا أَوْ أَعْتِقْ عَنِّي عَبْدًا عَنْ ظِهَارِي وَلَيْسَ فِي نُسْخَتِي بَيَانُ الْقِسْمِ الرَّابِعِ الَّذِي قَالَ فِيهِ أَوَّلًا أَنَّهُ يَرْجِعُ إنْ ذَكَرَ عَنِّي وَإِلَّا فَلَا. قَوْلُهُ (وَلَا يُطَالِبُ الْكَفِيلُ بِالْمَالِ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ عَنْهُ) لِأَنَّهُ إنَّمَا الْتَزَمَ الْمُطَالَبَةَ وَإِنَّمَا يَتَمَلَّكُ الدَّيْنَ بِالْأَدَاءِ فَلَا يَرْجِعُ قَبْلَ التَّمْلِيكِ فَإِنْ قُلْتُ: هَلْ لِلْكَفِيلِ أَخْذُ الرَّهْنِ مِنْ الْأَصِيلِ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ عَنْهُ قُلْتُ: نَعَمْ قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ كَفَلَ عَنْ رَجُلٍ بِمَالٍ ثُمَّ إنَّ الْمَكْفُولَ عَنْهُ أَعْطَى الْكَفِيلَ رَهْنًا ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ لَوْ كَفَلَ بِمَالٍ مُؤَجَّلٍ عَلَى الْأَصِيلِ فَأَعْطَاهُ الْمَكْفُولُ عَنْهُ رَهْنًا بِذَلِكَ جَازَ. اهـ. قَيَّدَ بِالْكَفِيلِ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِالشِّرَاءِ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْمُوَكِّلِ قَبْلَ الْأَدَاءِ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْمُبَادَلَةِ الْحُكْمِيَّةِ حَتَّى تَحَالَفَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ الثَّمَنِ وَلِلْوَكِيلِ حَبْسُ الْمَبِيعِ إلَى اسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ لُوزِمَ لَازَمَهُ) أَيْ إنْ لَازَمَ الْكَفِيلُ الطَّالِبَ لَازَمَ الْأَصِيلَ لِيُخَلِّصَهُ مِنْ هَذِهِ   [منحة الخالق] [كَفَلَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ] (قَوْلُهُ: أَمَّا إذَا أَجَازَ فِي الْمَجْلِسِ فَأَنَّهَا تَصِيرُ مُوجِبَةً لِلرُّجُوعِ) أَيْ إذَا أَجَازَهَا الْمَطْلُوبُ أَوَّلًا ثُمَّ الطَّالِبُ وَإِنْ بِالْعَكْسِ فَلَا رُجُوعَ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُؤَلِّفُ عَنْ السِّرَاجِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَبِلَا قَبُولِ الطَّالِبِ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ. (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَقُلْ عَنِّي) مَفْهُومُهُ أَنَّهُ إنْ قَالَ عَنِّي يَرْجِعُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ خَلِيطًا وَهَذَا هُوَ الْقِسْمُ الرَّابِعُ فَافْهَمْ. [لَا يُطَالِبُ الْكَفِيلُ بِالْمَالِ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ عَنْهُ] (قَوْلُهُ: فَإِنْ قُلْتُ: هَلْ لِلْكَفِيلِ أَخْذُ الرَّهْنِ مِنْ الْأَصِيلِ) الْأَحْسَنُ وَالْأَوْفَقُ لِعِبَارَةِ الْخَانِيَّةِ أَنْ يُقَالَ لِلْأَصِيلِ دَفْعُ الرَّهْنِ لِلْكَفِيلِ لِئَلَّا يُوهِمَ إلْزَامَ الْأَصِيلِ بِذَلِكَ إذَا طَلَبَهُ الْكَفِيلُ وَعِبَارَةُ الْخَانِيَّةِ لَا تُفِيدُ ذَلِكَ تَأَمَّلْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 244 الْعُهْدَةِ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَوْ حُبِسَ الْكَفِيلُ حُبِسَ الْمَطْلُوبُ وَقَدَّمْنَا عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ أَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَتْ الْكَفَالَةُ بِأَمْرِهِ وَإِلَّا فَلَا يُلَازِمُ الْأَصِيلَ؛ لِأَنَّهُ مَا أَدْخَلَهُ لِيُخَلِّصَهُ وَقَدَّمْنَا أَنَّ لِلطَّالِبِ حَبْسَهُمَا وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيِّدَ أَيْضًا بِمَا إذَا كَانَ الْمَالُ حَالًّا عَلَى الْأَصِيلِ كَالْكَفِيلِ وَإِلَّا فَلَيْسَ لَهُ مُلَازَمَتُهُ وَسَيَأْتِي بَيَانُ الْحُلُولِ عَلَى الْكَفِيلِ وَحْدَهُ وَقَيَّدَهُ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ أَيْضًا بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْكَفِيلِ لِلْمَطْلُوبِ دَيْنٌ مِثْلُهُ وَإِلَّا فَلَا يُلَازِمُهُ وَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ إلَى أَنَّ الْمُحَالَ عَلَيْهِ إذَا لُوزِمَ وَكَانَتْ الْحَوَالَةُ بِأَمْرِ الْمُحِيلِ كَانَ لَهُ أَنْ يُلَازِمَ الْمُحِيلَ لِيُخَلِّصَهُ عَنْ مُلَازِمِهِ الْمُحَالِ لَهُ، وَإِذَا حَبَسَهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلْمُحِيلِ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ دَيْنٌ مِثْلُهُ، وَقَدْ احْتَالَ بِمَالِهِ عَلَيْهِ مُقَيَّدًا فَلَيْسَ لِلْمُحَالِ عَلَيْهِ أَنْ يُلَازِمَ الْمُحِيلَ إذَا لُوزِمَ وَلَا يَحْبِسُهُ إذَا حُبِسَ اهـ. . قَوْلُهُ (وَبَرِئَ بِأَدَاءِ الْأَصِيلِ) أَيْ بَرِئَ الْكَفِيلُ؛ لِأَنَّ بَرَاءَةَ الْأَصِيلِ تُوجِبُ بَرَاءَتَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ فِي الصَّحِيحِ وَإِنَّمَا عَلَيْهِ الْمُطَالَبَةُ فَيَسْتَحِيلُ بَقَاؤُهَا بِلَا دَيْنٍ هَكَذَا ذَكَرَ الشَّارِحُ تَبَعًا لِلْهِدَايَةِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْقَائِلَ بِأَنَّ الْكَفِيلَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَا يَبْرَأُ بِأَدَاءِ الْأَصِيلِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يَبْرَأُ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ تَعَدُّدَ الدَّيْنِ عَنْدَ الْقَائِلِ بِهِ حُكْمِيٌّ فَيَسْقُطُ بِأَدَاءٍ وَاحِدٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَبْرَأَ الْأَصِيلُ أَوْ آخَرُ عَنْهُ بَرِئَ الْكَفِيلُ وَتَأَخَّرَ عَنْهُ) لِمَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ إبْرَاءِ الْأَصِيلِ إبْرَاؤُهُ وَالتَّأْخِيرُ إبْرَاءٌ مُؤَقَّتٌ فَتُعْتَبَرُ بِالْإِبْرَاءِ الْمُؤَبَّدِ وَإِنَّمَا قَالَ أَبْرَأَ الْأَصِيلُ أَيْ أَبْرَأَ الطَّالِبُ وَلَمْ يَقُلْ لَوْ بَرِئَ الْأَصِيلُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ بَرَاءَتِهِ بَرَاءَتُهُ لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ ضَمِنَ لَهُ أَلْفًا عَلَى فُلَانٍ فَبَرْهَنَ فُلَانٌ أَنَّهُ كَانَ قَضَاهُ إيَّاهَا قَبْلَ الْكَفَالَةِ فَإِنَّهُ يَبْرَأُ الْأَصِيلُ دُونَ الْكَفِيلِ وَلَوْ بَرْهَنَ أَنَّهُ قَضَاهُ بَعْدَهَا يَبْرَآنِ. اهـ. فَقَدْ بَرِئَ الْأَصِيلُ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ فَقَطْ وَلَكِنْ يَخْرُجُ عَنْهُ حِينَئِذٍ، مَسْأَلَةٌ فِي الْخَانِيَّةِ هِيَ لَوْ مَاتَ الطَّالِبُ وَالْأَصِيلُ وَارِثُهُ بَرِئَ الْكَفِيلُ أَيْضًا لِكَوْنِ الْمَطْلُوبِ مِلْكًا فِي ذِمَّتِهِ فَبَرَأَ وَبَرَاءَتُهُ تُوجِبُ بَرَاءَتَهُ فَعَلَى هَذَا لَوْ عَبَّرَ بِبَرِئَ لِشَمْلِهَا. وَيُجَابُ عَمَّا ذَكَرْنَاهُ مِنْ فَرْعِ الْخَانِيَّةِ السَّابِقِ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ الْبَرَاءَةِ وَإِنَّمَا تَبَيَّنَ أَنْ لَا دَيْنَ عَلَى الْأَصِيلِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيِّدَ أَيْضًا بِمَا إذَا كَانَ الْمَالُ حَالًّا إلَخْ) يُقَيِّدُ أَيْضًا بِمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ حَيْثُ قَالَ وَإِنْ حُبِسَ حُبِسَ هُوَ الْمَكْفُولُ عَنْهُ إلَّا إذَا كَانَ كَفِيلًا عَنْ أَحَدِ الْأَبَوَيْنِ أَوْ الْجَدَّيْنِ فَإِنَّهُ إنْ حُبِسَ لَمْ يَحْبِسْهُ بِهِ يُشْعِرُ قَضَاءُ الْخُلَاصَةِ. اهـ. وَفِي حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ وَقَيَّدَهُ فِي الشرنبلالية بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ أُصُولِ الدَّائِنِ، فَإِذَا كَانَ الْمَدِينُ أَصْلًا لَا يُحْبَسُ كَفِيلُهُ وَلَا يَلْزَمُ لِمَا يَلْزَمُ مِنْ فِعْلِ ذَلِكَ بِالْأَصِيلِ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ. اهـ. أَقُولُ: فِي دَعْوَى اللُّزُومِ نَظَرٌ بِدَلِيلِ مَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَسَاقَ عِبَارَتَهُ ثُمَّ قَالَ فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ حَبْسَ الْكَفِيلِ لَا يَمْتَنِعُ وَإِنْ كَانَ الْمَدِينُ مِنْ أُصُولِ رَبِّ الدَّيْنِ إنَّمَا الْمُمْتَنِعُ حَبْسُ الْأَصِيلِ فَقَطْ فَلَا يُعَوَّلُ عَلَى مَا فِي الشرنبلالية وَإِنْ تَبِعَهُ بَعْضُهُمْ لِكَوْنِهِ مُخَالِفًا لِلْمَنْقُولِ. اهـ. قُلْتُ: وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ لَا مُخَالَفَةَ بَيْنَهُمَا عِنْدَ التَّحْقِيقِ؛ لِأَنَّ مَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ فِيمَا إذَا كَانَ الدَّائِنُ أَجْنَبِيًّا وَالْمَكْفُولُ أَصْلًا لِلْكَفِيلِ وَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ حَبْسِ الْكَفِيلِ لِلْمَكْفُولِ إذَا حَبَسَهُ الطَّالِبُ، وَمَا فِي الشرنبلالية فِيمَا إذَا كَانَ الْكَفِيلُ أَجْنَبِيًّا وَالْمَكْفُولُ أَصْلًا لِلدَّائِنِ وَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ مُلَازَمَةِ الدَّائِنِ وَهُوَ الطَّالِبُ لِلْكَفِيلِ، وَحَاصِلُ الْكَلَامِ حِينَئِذٍ أَنَّ الطَّالِبَ لَهُ مُلَازَمَةُ الْكَفِيلِ إلَّا إذَا كَانَ الْمَكْفُولُ أَصْلًا لِلطَّالِبِ لِمَا يَلْزَمُ مِنْ مُلَازَمَتِهِ لَهُ وَحَبْسِهِ إيَّاهُ حَبْسُ أَصْلِهِ بِدَيْنِهِ بِوَاسِطَةِ حَبْسِهِ لِلْكَفِيلِ. وَهَذَا ظَاهِرٌ قَدْ ذَكَرَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ تَفَقُّهًا مِنْهُ وَلَهُ فِي ذَلِكَ رِسَالَةٌ خَاصَّةٌ سَمَّاهَا " النِّعْمَةُ الْمُجَدَّدَةُ بِكَفِيلِ الْوَالِدَةِ " وَمَبْنَاهَا عَلَى سُؤَالٍ صُورَتُهُ فِي امْرَأَةٍ اسْتَدَانَتْ مِنْ ابْنِهَا مَالًا وَكَفَلَهَا بِإِذْنِهَا فِيهِ أَجْنَبِيٌّ ثُمَّ إنَّ الِابْنَ أَرَادَ حَبْسَ كَفِيلٌ أُمِّهِ فَهَلْ لَهُ ذَلِكَ قَالَ فَأَجَبْت بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حَبْسُهُ إذْ يَلْزَمُ مِنْ حَبْسِهِ حَبْسُ الْأُمِّ وَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ وَلَكِنِّي أَعْجَبُ مِنْهُ الْعَلَّامَةُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ حَيْثُ فَهِمَ مُخَالَفَةَ الْقُهُسْتَانِيِّ لِكَلَامِهِ فَأَوْرَدَهُ سُؤَالًا عَلَى مَا قَرَّرَهُ ثُمَّ أَجَابَ بِأَنِّي لَمْ أَرَ فِي الْخُلَاصَةِ مَا يُفِيدُهُ وَمَنْ ادَّعَى إفَادَتَهُ فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ وَأَنْتَ قَدْ عَلِمْت عَدَمَ الْمُنَافَاةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الدَّائِنُ أَجْنَبِيًّا وَحَبَسَ الْكَفِيلَ عَنْ أَصْلِهِ أَيْ أَصْلِ الْكَفِيلِ لَا يَلْزَمُ مَحْذُورٌ نَعَمْ الْمَحْذُورُ فِي حَبْسِ الْكَفِيلِ مَكْفُولُ الَّذِي هُوَ أَصْلُهُ فَلِذَا اسْتَثْنَاهُ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى فَتَأَمَّلْهُ يَظْهَرُ لَك حَقِيقَتُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَسَيَأْتِي فِي بَابِ الْحَبْسِ مِنْ كِتَابِ الْقَضَاءِ عِنْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ وَيُحْبَسُ الرَّجُلُ فِي نَفَقَةِ زَوْجَتِهِ لَا فِي دَيْنِ وَلَدِهِ عَنْ الْخَيْرِ الرَّمْلِيِّ أَنَّهُ وَقَعَ الِاسْتِيفَاءُ فِيمَا ذَكَرَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ مِنْ الصُّورَةِ وَذَكَرَ الرَّمْلِيُّ هُنَاكَ أَنَّ الْكَفِيلَ حَبَسَ الْمَدْيُونَ الَّذِي هُوَ أَصْلُ الدَّائِنِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا حُبِسَ لِحَقِّ الْكَفِيلِ وَلِذَلِكَ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا أَدَّى فَهُوَ مَحْبُوسٌ بِدَيْنِهِ الَّذِي يَثْبُتُ لَهُ أَوْ سَيَثْبُتُ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَجْعَلُهَا ضَمًّا فِي الدَّيْنِ وَعَلَى قَوْلِ مَنْ يَجْعَلُهَا ضَمًّا فِي الْمُطَالَبَةِ فَلَمْ يَدْخُلْ فِي قَوْلِهِمْ لَا يُحْبَسُ أَصْلٌ فِي دَيْنِ فَرْعِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا حَبَسَهُ أَجْنَبِيٌّ فِيمَا ثَبَتَ لَهُ عَلَيْهِ. اهـ. وَمُفَادُهُ أَنَّ لِلدَّائِنِ الَّذِي هُوَ فَرْعُ الْمَدْيُونِ حَبْسُ الْكَفِيلِ الْأَجْنَبِيِّ وَإِنْ لَزِمَ مِنْهُ حَبْسُ أَصْلِهِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 245 وَالْكَفِيلُ عُومِلَ بِإِقْرَارِهِ كَمَا لَا يَخْفَى وَخَرَجَ عَنْ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ مَا إذَا تَكَفَّلَ بِشَرْطِ بَرَاءَةِ الْأَصِيلِ فَإِنَّ الْأَصِيلَ يَبْرَأُ دُونَ الْكَفِيلِ لِكَوْنِهَا صَارَتْ مَجَازًا عَنْ الْحَوَالَةِ وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ بَاعَ الْمَدْيُونُ بَيْعَ وَفَاءٍ بَرِئَ كَفِيلُهُ فَلَوْ تَفَاسَخَا لَا تَعُودُ الْكَفَالَةُ اهـ. وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الدَّيْنَ إذَا عَادَ إلَى الْأَصِيلِ بِمَا هُوَ فَسْخٌ لَا يَعُودُ عَلَى الْكَفِيلِ، وَسَيَأْتِي عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة بَيَانُهُ وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَيُشْتَرَطُ قَبُولُ الْأَصِيلِ الْبَرَاءَةَ فَإِنْ رَدَّهَا ارْتَدَّتْ وَهَلْ يَعُودُ الدَّيْنُ عَلَى الْكَفِيلِ؟ فِيهِ قَوْلَانِ وَمَوْتُ الْأَصِيلِ كَقَبُولِهِ وَإِنَّمَا قَالَ أَوْ أَخَّرَ عَنْهُ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا إذَا تَأَخَّرَتْ الْمُطَالَبَةُ عَنْ الْأَصِيلِ لَا بِتَأْخِيرِ الطَّالِبِ كَالْعَبْدِ الْمَحْجُورِ إذَا لَزِمَهُ شَيْءٌ بَعْدَ عِتْقِهِ فَكَفَلَ بِهِ إنْسَانٌ فَإِنَّ الْأَصِيلَ تَتَأَخَّرُ الْمُطَالَبَةُ عَنْهُ إلَى إعْتَاقِهِ وَيُطَالَبُ كَفِيلُهُ لِلْحَالِّ وَمِنْهُ الْمُكَاتَبُ إذَا صَالَحَ عَنْ دَمٍ عَمْدٍ وَكَفَلَ بِهِ رَجُلٌ ثُمَّ عَجَزَ تَأَخَّرَتْ الْمُطَالَبَةُ عَنْ الْأَصِيلِ دُونَ الْكَفِيلِ وَالْمَسْأَلَتَانِ، فِي الْخَانِيَّةِ مُعَلَّلًا بِأَنَّ الْأَصِيلَ إنَّمَا تَأَخَّرَتْ عَنْهُ لِإِعْسَارِهِ وَمَفْهُومُهُ أَنَّ الْأَصِيلَ لَوْ كَانَ مُعْسِرًا لَيْسَ لِلطَّالِبِ مُطَالَبَتُهُ وَيُطَالَبُ الْكَفِيلُ لَوْ مُوسِرًا، وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة لَوْ أَجَّلَ الطَّالِبُ الْأَصِيلَ فَلَمْ يَقْبَلْ صَارَ حَالًّا عَلَيْهِمَا وَلَوْ أَجَّلَهُ شَهْرًا ثُمَّ سَنَةً دَخَلَ الشَّهْرُ فِي السَّنَةِ وَالْآجَالُ إذَا اجْتَمَعَتْ انْقَضَتْ بِمَرَّةٍ. اهـ. وَفِي النِّهَايَةِ أَنَّ إبْرَاءَ الْأَصِيلِ وَتَأْجِيلَهُ يَرْتَدَّانِ بِالرَّدِّ وَإِبْرَاءَ الْكَفِيلِ يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ، وَأَمَّا تَأْجِيلُهُ فَلَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ. اهـ. قَوْلُهُ (وَلَا يَنْعَكِسُ) أَيْ بَرَاءَةُ الْكَفِيلِ لَا تُوجِبُ بَرَاءَةَ الْأَصِيلِ وَلَا التَّأْخِيرُ عَنْهُ يُوجِبُ التَّأْخِيرَ عَنْ الْأَصِيلِ لِأَنَّ عَلَيْهِ الْمُطَالَبَةَ. وَبَقَاءُ الدَّيْنِ عَلَى الْأَصِيلِ بِدُونِهِ جَائِزٌ قَيَّدَ بِالتَّأْخِيرِ أَيْ التَّأْجِيلِ بَعْدَ الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ حَالًّا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَفَلَ بِالْمَالِ الْحَالِّ مُؤَجَّلًا إلَى شَهْرٍ فَإِنَّهُ يَتَأَجَّلُ عَنْ الْأَصِيلِ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ إلَّا الدَّيْنَ حَالَ وُجُودِ الْكَفَالَةِ فَصَارَ الْأَجَلُ دَاخِلًا فِيهِ، أَمَّا هَاهُنَا بِخِلَافِهِ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ أَطْلَقَهُ فِي بَرَاءَةِ الْكَفِيلِ فَشَمِلَ مَا إذَا قَبِلَ أَوْ لَمْ يَقْبَلْ كَمَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَأَشَارَ بِاقْتِصَارِهِ عَلَى عَدَمِ بَرَاءَةِ الْأَصِيلِ إلَى أَنَّ الْكَفِيلَ إذَا أَبْرَأَهُ الطَّالِبُ فَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا وَهَبَهُ الدَّيْنَ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ فَإِنَّ لَهُ الرُّجُوعَ عَلَى الْأَصِيلِ وَلَا بُدَّ مِنْ قَبُولِ الْكَفِيلِ فِي الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ فَلَوْ كَانَ الْإِبْرَاءُ وَالْهِبَةُ بَعْدَ مَوْتِهِ فَقَبِلَ الْوَارِثُ صَحَّ فَإِنْ رَدَّ وَرَثَتُهُ ارْتَدَّ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَبَطَلَ الْإِبْرَاءُ لِأَنَّهُ إبْرَاءٌ لَهُمْ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَرْتَدُّ بِرَدِّهِمْ كَمَا لَوْ أَبْرَأَهُ فِي حَيَاتِهِ ثُمَّ مَاتَ وَيُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِ بَرَاءَةُ الْكَفِيلِ لَا تُوجِبُ بَرَاءَةَ الْأَصِيلِ مَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ لَوْ أَحَالَ الْكَفِيلُ الطَّالِبَ عَلَى رَجُلٍ فَقَبِلَ الطَّالِبُ وَالْمُحَالُ عَلَيْهِ بَرِئَ الْكَفِيلُ وَالْأَصِيلُ؛ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ حَصَلَتْ بِأَصْلِ الدَّيْنِ وَالدَّيْنُ أَصْلُهُ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ فَتَضَمَّنَتْ الْحَوَالَةُ بَرَاءَتَهُمَا وَلَوْ اشْتَرَطَ الطَّالِبُ وَقْتَ الْحَوَالَةِ بَرَاءَةَ الْكَفِيلِ خَاصَّةً بَرِئَ الْكَفِيلُ وَلَا يَبْرَأُ الْمَكْفُولُ عَنْهُ وَلِلطَّالِبِ أَنْ يَأْخُذَ بِدَيْنِهِ أَيَّهُمَا شَاءَ إنْ شَاءَ الْأَصِيلَ وَإِنْ شَاءَ الْمُحَالَ عَلَيْهِ وَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَى الْكَفِيلِ حَتَّى يَتْوَى الْمَالُ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ. اهـ. وَكَذَا يُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ إذَا مَاتَ الطَّالِبُ وَالْكَفِيلُ وَارِثُهُ بَرِئَ الْكَفِيلُ عَنْ الْكَفَالَةِ وَبَقِيَ الْمَالُ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ عَلَى حَالِهِ وَإِنْ كَانَتْ الْكَفَالَةُ بِغَيْرِ   [منحة الخالق] أَفْتَى بِهِ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فَلْيُتَأَمَّلْ. [يَبْرَأ الْكَفِيلُ بِأَدَاءِ الْأَصِيلِ] (قَوْلُهُ: وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الدَّيْنَ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ تَقَدَّمَ فِي الْكَفَالَةِ مَا هُوَ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ فَرَاجِعْهُ. اهـ. قُلْتُ: وَسَيَأْتِي قَرِيبًا فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَلَا يَنْعَكِسُ مَا يُخَالِفُهُ. (قَوْلُهُ: وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَيُشْتَرَطُ قَبُولُ الْأَصِيلِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة نَقْلًا عَنْ الْمُحِيطِ وَلَوْ وَهَبَ الطَّالِبُ الْمَالَ مِنْ الْمَطْلُوبِ أَوْ أَبْرَأَهُ مِنْهُ فَمَاتَ قَبْلَ الرَّدِّ فَهُوَ بَرِيءٌ وَإِنْ لَمْ يَمُتْ وَرَدَّ الْهِبَةَ فَرَدُّهُ صَحِيحٌ وَالْمَالُ عَلَى الْمَطْلُوبِ وَالْكَفِيلِ عَلَى حَالِهِ وَإِنْ رَدَّ الْإِبْرَاءَ هَلْ يَبْرَأُ الْكَفِيلُ لَا ذِكْرَ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْكُتُبِ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا يَبْرَأُ فَهَذَا الْقَائِلُ سَوَّى بَيْنَ الْهِبَةِ وَبَيْنَ الْإِبْرَاءِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَبْرَأُ الْكَفِيلُ اهـ. فَقَوْلُهُ فِي الشَّرْحِ وَهَلْ يَعُودُ الدَّيْنُ عَلَى الْكَفِيلِ أَيْ بَعْدَ رَدِّ الْأَصِيلِ الْبَرَاءَةَ. (قَوْلُهُ: وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة لَوْ أَجَّلَ الطَّالِبُ الْأَصِيلَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ فِيهِ تَأْيِيدٌ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ فِي الْإِبْرَاءِ الْمَرْدُودِ أَنَّ الدَّيْنَ يَعُودُ عَلَى الْكَفِيلِ أَيْضًا. (قَوْلُهُ وَإِبْرَاءُ الْكَفِيلِ يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ إلَخْ) ذَكَرَ مِثْلَهُ فِي الْفَتْحِ وَسَيَذْكُرُ الْمُؤَلِّفُ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَبَطَلَ تَعْلِيقُ الْبَرَاءَةِ نَقَلَ مِثْلَهُ عَنْ الْهِدَايَةِ أَيْضًا ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَهُ عَنْ الْخَانِيَّةِ لَوْ قَالَ لِلْكَفِيلِ أَخْرَجْتُك عَنْ الْكَفَالَةِ فَقَالَ الْكَفِيلُ لَا أَخْرُجُ لَمْ يَصِرْ خَارِجًا قَالَ الْمُؤَلِّفُ هُنَاكَ فَثَبَتَ أَنَّ إبْرَاءَ الْكَفِيلِ أَيْضًا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ قَالَ فِي النَّهْرِ وَفِيهِ نَظَرٌ. اهـ. أَيْ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَخْرَجْتُك لَيْسَ إبْرَاءً بَلْ هُوَ فِي مَعْنَى الْإِقَالَةِ لِعَقْدِ الْكَفَالَةِ وَالْإِقَالَةُ تَتِمُّ بِالْمُتَعَاقِدِينَ فَحَيْثُ لَمْ يَقْبَلْهَا الْكَفِيلُ بَطَلَتْ فَتَبْقَى الْكَفَالَةُ بِخِلَافِ الْإِبْرَاءِ فَإِنَّهُ مَحْضُ إسْقَاطٍ فَيَتِمُّ بِالْمُسْقِطِ كَذَا فِي شَرْحِ الْمَقْدِسِيَّ عَلَى نَظْمِ الْكَنْزِ. (قَوْلُهُ: وَيُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِ بَرَاءَةُ الْكَفِيلِ لَا تُوجِبُ بَرَاءَةَ الْأَصِيلِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَا مَعْنَى لِهَذَا الِاسْتِثْنَاءِ بَعْدَ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْإِبْرَاءِ بِمَعْنَى الْإِسْقَاطِ عَلَى أَنَّهُ فِي الْفَرْعِ الْأَوَّلِ إنَّمَا بَرِئَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 246 أَمْرِهِ بَرِئَ الْمَطْلُوبُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا مَاتَ الطَّالِبُ صَارَ ذَلِكَ الْمَالُ مِيرَاثًا لِوَرَثَتِهِ، وَلَوْ مَلَكَ الْكَفِيلُ الْمَالَ فِي حَيَاةِ الطَّالِبِ بِالْقَضَاءِ أَوْ الْهِبَةِ يَرْجِعُ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ إنْ كَانَتْ الْكَفَالَةُ بِأَمْرِهِ وَإِنْ كَانَتْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَا رُجُوعَ. اهـ. فَفِيمَا إذَا مَاتَ الطَّالِبُ وَالْكَفِيلُ وَارِثُهُ وَكَانَتْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَزِمَ مِنْ بَرَاءَةِ الْكَفِيلِ بَرَاءَةُ الْأَصِيلِ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ فِيمَا قَدَّمْنَاهُ لَوْ كَفَلَ بِالْمَالِ الْحَالِّ مُؤَجَّلًا إلَى شَهْرٍ يَتَأَجَّلُ عَنْ الْأَصِيلِ أَيْضًا مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ الْقَرْضِ لِمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة، وَإِذَا كَفَلَ بِالْقَرْضِ مُؤَجَّلًا إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَالْكَفَالَةُ جَائِزَةٌ وَالْمَالُ عَلَى الْكَفِيلِ إلَى الْأَجَلِ الْمُسَمَّى وَعَلَى الْأَصِيلِ حَالٌ وَعَزَاهُ إلَى الذَّخِيرَةِ ثُمَّ عَزَا إلَى الْغِيَاثِيَّةِ لَوْ كَفَلَ بِالْقَرْضِ فَأَخَّرَ عَنْ الْكَفِيلِ جَازَ وَلَا يَتَأَخَّرُ عَنْ الْأَصِيلِ وَيُخَالِفُهُ مَا صَرَّحَ بِهِ فِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ مِنْ أَنَّهُ شَامِلٌ لِلْقَرْضِ، فَإِنَّ هَذَا هُوَ الْحِيلَةُ فِي تَأْجِيلِ الْقُرُوضِ وَقَدَّمْنَاهُ فِي التَّأْجِيلِ وَلِلطَّرَسُوسِيِّ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ كَلَامٌ فِيهِ فَرَاجِعْهُ وَفِيهَا وَلَوْ كَفَلَ بِدَيْنٍ مُؤَجَّلٍ ثُمَّ بَاعَهُ الْكَفِيلُ شَيْئًا بِالدَّيْنِ قَبْلَ حُلُولِهِ سَقَطَ، وَلَوْ أَقَالَ الْبَيْعَ أَوْ رَدَّ بِالتَّرَاضِي عَادَ الدَّيْنُ وَلَمْ يَعُدْ الْأَجَلُ وَلَوْ انْفَسَخَتْ الْحَوَالَةُ بِالتَّوَى عَادَ الْأَجَلُ. وَكَذَا لَوْ بَاعَ الْأَصِيلُ الطَّالِبَ بِدَيْنِهِ سَقَطَ فَلَوْ رُدَّ عَلَيْهِ بِمِلْكٍ جَدِيدٍ عَادَ الدَّيْنُ عَلَى الْأَصِيلِ وَلَمْ يَعُدْ عَلَى الْكَفِيلِ وَبِالْفَسْخِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ يَعُودُ عَلَى الْكَفِيلِ وَلَوْ كَانَ الْأَجَلُ لِأَحَدِ الْكَفِيلَيْنِ أَكْثَرَ فَحَلَّ عَلَى الْآخَرِ وَأَدَّى رَجَعَ عَلَى الْأَصِيلِ حَتَّى يَحِلَّ عَلَى الْآخَرِ أَوْ يَرْجِعَ الْآخَرُ بِنِصْفِهِ ثُمَّ يَتَّبِعَانِ الْأَصِيلَ بِالنِّصْفِ. اهـ. وَإِذَا لَمْ يَكُنْ تَأْجِيلُ الْكَفِيلِ تَأْجِيلًا لِلْأَصِيلِ، فَإِذَا أَدَّى الْكَفِيلُ قَبْلَ مُضِيِّ الْأَجَلِ لَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْأَصِيلِ حَتَّى يَمْضِيَ الْأَجَلُ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ، وَكَذَا إذَا حَلَّ عَلَى الْكَفِيلِ بِمَوْتِهِ لَا يَحِلُّ عَلَى الْأَصِيلِ وَكَذَا إذَا حَلَّ عَلَى الْأَصِيلِ بِمَوْتِهِ لَا يَحِلُّ عَلَى الْكَفِيلِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا كَانَ عَلَى رَجُلَيْنِ أَلْفٌ مُؤَجَّلٌ وَكُلُّ وَاحِدٍ كَفِيلٌ عَنْ صَاحِبِهِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا أُخِذَ مَا عَلَيْهِ بِالْأَصَالَةِ، وَأَمَّا مَا عَلَيْهِ بِالْكَفَالَةِ يَبْقَى مُؤَجَّلًا هُوَ الصَّحِيحُ، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.   [منحة الخالق] الْكَفِيلُ لِبَرَاءَةِ الْأَصِيلِ وَسَيَأْتِي فِي الصُّلْحِ مَا يُرْشِدُ إلَيْهِ. (قَوْلُهُ: وَعَزَاهُ إلَى الذَّخِيرَةِ) يَعْنِي قَوْلَهُ وَالْمَالُ عَلَى الْكَفِيلِ إلَى الْأَجَلِ الْمُسَمَّى وَعَلَى الْأَصِيلِ حَالٌّ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَإِذَا كَفَلَ بِالْقَرْضِ مُؤَجَّلًا إلَى قَوْلِهِ جَائِزَةً فَقَدْ رَمَزَ لِلْمُحِيطِ، وَقَوْلُهُ وَلَوْ كَفَلَ بِدَيْنٍ مُؤَجَّلٍ إلَى قَوْلِهِ. اهـ. هَذَا ذَكَرَهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة مَعْزِيًّا إلَى الْغِيَاثِيَّةِ بَعْدَ قَوْلِهِ وَلَا يَتَأَخَّرُ عَنْ الْأَصِيلِ تَنَبَّهْ قَالَهُ الرَّمْلِيُّ. (قَوْلُهُ: وَيُخَالِفُهُ مَا صَرَّحَ بِهِ فِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ إلَخْ) نَقَلَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَنْ الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ تَفْصِيلًا فَقَالَ: وَإِذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ حَالَّةً مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ فَكَفَلَ بِهَا رَجُلٌ إلَى سَنَةٍ فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ أَضَافَ الْكَفِيلُ الْأَجَلَ إلَى نَفْسِهِ بِأَنْ قَالَ أَجِّلْنِي ثَبَتَ الْأَجَلُ فِي حَقِّ الْكَفِيلِ وَحْدَهُ، وَإِذَا لَمْ يُضِفْ الْأَجَلَ إلَى نَفْسِهِ بَلْ ذَكَرَ مُطْلَقًا وَرَضِيَ بِهِ الطَّالِبُ ثَبَتَ الْأَجَلُ فِي حَقِّ الْكَفِيلِ وَالْأَصِيلِ جَمِيعًا. اهـ. فَتَأَمَّلْ لَعَلَّك تَحْظَى بِالتَّوْفِيقِ. (قَوْلُهُ: وَلِلطَّرَسُوسِيِّ كَلَامٌ إلَخْ) حَيْثُ نَقَلَ أَوَّلًا عَنْ شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ لِلْقُدُورِيِّ وَعَنْ الْمُحِيطِ وَخِزَانَةِ الْأَكْمَلِ وَشَرْحِ التَّكْمِلَةِ وَغَيْرِهَا مِثْلَ مَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة ثُمَّ قَالَ فَتَحَرَّرَ لَنَا مِنْ هَذَا كُلِّهِ أَنَّ الْكَفَالَةَ بِالْقَرْضِ إلَى أَجَلٍ تَصِحُّ وَتَكُونُ مُؤَجَّلَةً عَلَى الْكَفِيلِ وَحْدَهُ وَعَلَى الْأَصِيلِ حَالٌّ كَمَا كَانَ وَلَا يَلْتَفِتُ إلَى مَا قَالَهُ الْحَصِيرِيُّ مِنْ قَوْلِهِ فِي التَّحْرِيرِ إذَا كَفَلَ بِالْقَرْضِ إلَى أَجَلٍ يَتَأَجَّلُ عَلَى الْأَصِيلِ وَهَذِهِ الْحِيلَةُ فِي تَأْجِيلِ الْقَرْضِ فَإِنَّ كُلَّ الْكُتُبِ تَرُدُّ ذَلِكَ وَلَمْ يَقُلْ هَذِهِ الْعِبَارَةَ أَحَدٌ غَيْرُهُ، وَإِذَا دَارَ الْأَمْرُ بَيْنَ أَنْ يُفْتَى بِمَا قَالَهُ الْحَصِيرِيُّ وَحْدَهُ أَوْ بِمَا قَالَهُ الْقُدُورِيُّ وَكُلُّ الْأَصْحَابِ فَلَا يُفْتَى إلَّا بِمَا قَالَهُ الْقُدُورِيُّ وَبَقِيَّةُ الْأَصْحَابِ وَلَا يُفْتَى بِمَا قَالَهُ الْحَصِيرِيُّ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْمَلَ بِهِ وَكَانَ بَعْضُ الْقُضَاةِ يَحْكُمُ بِمَا قَالَهُ الْحَصِيرِيُّ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْرِفَ أَنَّ الْحَصِيرِيَّ ذَكَرَهُ وَإِنَّمَا يَقُولُ سَمِعْنَا ذَلِكَ مِنْ الْمَشَايِخِ أَنَّهُ هُوَ الْحِيلَةُ فِي تَأْجِيلِ الْقَرْضِ وَهُوَ خَطَأٌ لَا يَجُوزُ أَنْ يُعْمَلَ بِهِ. (قَوْلُهُ: وَبِالْفَسْخِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ يَعُودُ عَلَى الْكَفِيلِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَدَّمَ فِي الْإِقَالَةِ عَنْ الصُّغْرَى وَلَوْ رَدَّهُ بِعَيْبٍ بِقَضَاءٍ كَانَ فَسْخًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَيَعُودُ الْأَجَلُ كَمَا كَانَ وَلَوْ كَانَ بِالدَّيْنِ كَفِيلٌ لَا تَعُودُ الْكَفَالَةُ فِي الْوَجْهَيْنِ. اهـ. فَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا هُنَا فَتَأَمَّلْ وَأَقُولُ: أَعْقَبَ هَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة بِنُقُولٍ مُخَالِفَةٍ لِهَذَا فَنَقَلَ عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّهُ يَبْرَأُ الْكَفِيلُ سَوَاءٌ كَانَ الرَّدُّ بِعَيْبٍ بِقَضَاءٍ أَوْ بِرِضًا وَمَا ذَكَرَهُ فِي هَذَا الشَّرْحِ عَنْهُ نَقَلَهُ عَنْ الْفَتَاوَى الْعَتَّابِيَّةِ وَنَقَلَ بَعْدَهُ عَنْ السِّغْنَاقِيِّ عَنْ الْمَبْسُوطِ التَّفْصِيلَ بَيْنَ الرَّدِّ بِالْقَضَاءِ فَيَعُودُ عَلَى الْكَفِيلِ وَبَيْنَ الرَّدِّ بِالرِّضَا فَلَا يَعُودُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ فِيهَا خِلَافًا بَيْنَهُمْ تَنَبَّهْ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا مَا عَلَيْهِ بِالْكَفَالَةِ يَبْقَى مُؤَجَّلًا هُوَ الصَّحِيحُ) قَالَ الْغَزِّيِّ هَذَا التَّصْحِيحُ مُشْكِلٌ فَإِنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ فِي الْكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ وَذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا أَنَّ الْمَالَ الْمَكْفُولَ بِهِ يَحِلُّ بِمَوْتِ الْكَفِيلِ وَمُقْتَضَاهُ أَنْ يَكُونَ مَا عَلَيْهِ بِالْكَفَالَةِ حَالًّا أَيْضًا وَإِنْ لَمْ يَحِلَّ عَلَى الْأَصِيلِ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَبْدُ الْبَرِّ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ فَإِنْ كَانَ الْمَالُ الْمَكْفُولُ مُؤَجَّلًا فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّهُ يَحِلُّ بِمَوْتِ الْكَفِيلِ وَيُؤْخَذُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 247 (قَوْلُهُ (وَلَوْ صَالَحَ أَحَدُهُمَا رَبَّ الْمَالِ عَنْ أَلْفٍ عَلَى نِصْفِهِ بَرِئَا) أَيْ صَالَحَ الْأَصِيلُ أَوْ الْكَفِيلُ الطَّالِبَ عَلَى نِصْفِ الدَّيْنِ بَرِئَ الْكَفِيلُ وَالْأَصِيلُ أَمَّا إذَا صَالَحَ الْأَصِيلُ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ بِالصُّلْحِ يَبْرَأُ وَبَرَاءَتُهُ تُوجِبُ بَرَاءَةَ الْكَفِيلِ، وَأَمَّا إذَا صَالَحَ الْكَفِيلُ فَلِأَنَّهُ أَضَافَهُ إلَى الْأَلْفِ الدَّيْنِ وَهِيَ عَلَى الْأَصِيلِ فَبَرِئَ عَنْ خَمْسِمِائَةٍ فَبَرَاءَتُهُ تُوجِبُ بَرَاءَةَ الْكَفِيلِ ثُمَّ بَرِئَا جَمِيعًا عَنْ خَمْسِمِائَةٍ بِأَدَاءِ الْكَفِيلِ وَيَرْجِعُ عَلَى الْأَصِيلِ بِخَمْسِمِائَةٍ إنْ كَانَتْ الْكَفَالَةُ بِأَمْرِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا صَالَحَ عَلَى جِنْسٍ آخَرَ لِكَوْنِهِ مُبَادَلَةً فَمَلَكَهُ فَرَجَعَ بِالْأَلْفِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا شَرَطَ الْكَفِيلُ بَرَاءَتَهُمَا أَوْ بَرَاءَةَ الْأَصِيلِ أَوْ لَمْ يَشْرُطْ شَيْئًا، وَأَمَّا إذَا شَرَطَ بَرَاءَةَ الْكَفِيلِ وَحْدَهُ بَرِئَ دُونَ الْأَصِيلِ هَكَذَا ذَكَرَ الشَّارِحُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ الطَّالِبَ يَأْخُذُ الْبَدَلَ فِي مُقَابَلَةِ إبْرَاءِ الْكَفِيلِ عَنْهَا، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّ مَا أَخَذَهُ مِنْ الْكَفِيلِ مَحْسُوبٌ مِنْ أَصْلِ دَيْنِهِ وَيَرْجِعُ بِالْبَاقِي عَلَى الْأَصِيلِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ كَانَ صَالَحَهُ عَمَّا اسْتَوْجَبَ مِنْ الْكَفَالَةِ لَا يَبْرَأُ الْأَصِيلُ؛ لِأَنَّ هَذَا إبْرَاءُ الْكَفِيلِ عَنْ الْمُطَالَبَةِ. اهـ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ أَيْ مَا وَجَبَ بِالْكَفَالَةِ وَهُوَ الْمُطَالَبَةُ، صُورَتُهُ مَا فِي الْمَبْسُوطِ لَوْ صَالَحَهُ عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنَّ إبْرَاءَ الْكَفِيلِ خَاصَّةً مِنْ الْبَاقِي رَجَعَ الْكَفِيلُ عَلَى الْأَصِيلِ بِمِائَةٍ وَرَجَعَ الطَّالِبُ عَلَى الْأَصِيلِ بِتِسْعِمِائَةٍ؛ لِأَنَّ إبْرَاءَ الْكَفِيلِ يَكُونُ فَسْخًا لِلْكَفَالَةِ وَلَا يَكُونُ إسْقَاطًا لِأَصْلِ الدَّيْنِ. اهـ. وَهَكَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَقَالَ قَبْلَهُ وَإِنْ شَرَطَ بَرَاءَةَ الْكَفِيلِ وَحْدَهُ بَرِئَ الْكَفِيلُ عَنْ خَمْسِمِائَةٍ وَالْأَلْفُ بِتَمَامِهَا عَلَى الْأَصِيلِ فَيَرْجِعُ الْكَفِيلُ بِخَمْسِمِائَةٍ إنْ كَانَ بِأَمْرِهِ وَالطَّالِبُ بِخَمْسِمِائَةٍ. اهـ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة الْكَفِيلُ إنْ كَانَ بِالنَّفْسِ إذَا صَالَحَ الطَّالِبَ عَلَى خَمْسِمِائَةِ دِينَارٍ عَلَى إنْ أَبْرَأَهُ مِنْ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ لَا يَجُوزُ وَلَا يَبْرَأُ عَنْهَا، فَلَوْ كَانَ كَفِيلًا بِالنَّفْسِ وَالْمَالِ عَنْ إنْسَانٍ وَاحِدٍ وَصَالَحَ عَلَى خَمْسِينَ بِالشَّرْطِ بَرِئَ ثُمَّ قَالَ الْكَفِيلُ بِالنَّفْسِ إذَا قُضِيَ الدَّيْنُ الَّذِي عَلَى الْأَصِيلِ عَلَى أَنَّهُ يُبْرِئُهُ عَنْ الْكَفَالَةِ فَفَعَلَ جَازَ الْقَضَاءُ وَالْإِبْرَاءُ، وَأَمَّا إذَا أَعْطَاهُ عَشَرَةً لِيُبْرِئَهُ عَنْ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ فَأَبْرَأَهُ لَمْ يُسَلِّمْ لَهُ الْعَرْضُ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ وَفِي بَرَاءَتِهِ عَنْهَا رِوَايَتَانِ. اهـ. وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ صَالَحَ الْكَفِيلُ الطَّالِبَ عَلَى شَيْءٍ لِيُبْرِئَهُ عَنْ الْكَفَالَةِ لَا يَصِحُّ الصُّلْحُ وَلَا يَجِبُ الْمَالُ عَلَى الْكَفِيلِ. اهـ. وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ شَامِلٌ لِلْكَفَالَةِ بِالْمَالِ وَالْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ الطَّالِبُ لِلْكَفِيلِ بَرِئْتَ إلَيَّ مِنْ الْمَالِ رَجَعَ عَلَى الْمَطْلُوبِ) أَيْ الْكَفِيلُ عَلَى الْأَصِيلِ مَعْنَاهُ إذَا ضَمِنَ بِأَمْرِهِ؛ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ الَّتِي ابْتِدَاؤُهَا مِنْ الْمَطْلُوبِ وَانْتِهَاؤُهَا إلَى الطَّالِبِ لَا تَكُونُ إلَّا بِالْإِيفَاءِ فَيَرْجِعُ فَصَارَ كَإِقْرَارِهِ بِالْقَبْضِ عَنْهُ أَوْ النَّقْدِ مِنْهُ أَوْ الدَّفْعِ إلَيْهِ وَاسْتُفِيدَ مِنْهُ بَرَاءَةُ الْمَطْلُوبِ لِلطَّالِبِ لِإِقْرَارِهِ كَالْكَفِيلِ. قَوْلُهُ (وَفِي بَرِئْت أَوْ أَبْرَأْتُك لَا) أَيْ فِي قَوْلِ الطَّالِبِ لِلْكَفِيلِ بَرِئْت بِفَتْحِ التَّاءِ أَوْ أَبْرَأْتُك لَا يَرْجِعُ الْكَفِيلُ عَلَى الْمَطْلُوبِ أَمَّا فِي أَبْرَأْتُك فَلَا خِلَافَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ إبْرَاءٌ لَا يَنْتَهِي إلَى غَيْرِهِ وَذَلِكَ بِالْإِسْقَاطِ فَلَمْ يَكُنْ إقْرَارًا بِالْإِيفَاءِ وَأَنْتَ فِي حِلٍّ بِمَنْزِلَةِ أَبْرَأْتُك، وَأَمَّا فِي بَرِئْت فَقَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ مِثْلُهُ لِاحْتِمَالِهِ الْبَرَاءَةَ بِالْأَدَاءِ إلَيْهِ وَالْإِبْرَاءِ فَيَثْبُتُ الْأَدْنَى إذْ لَا رُجُوعَ بِالشَّكِّ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ هُوَ مِثْلُ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِبَرَاءَةٍ، ابْتِدَاؤُهَا مِنْ الْمَطْلُوبِ وَإِلَيْهِ الْإِيفَاءُ دُونَ الْإِبْرَاءِ وَقِيلَ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا إذَا كَانَ الطَّالِبُ حَاضِرًا   [منحة الخالق] مِنْ تَرِكَتِهِ وَلَا تَرْجِعُ الْوَرَثَةُ عَلَى الْمَكْفُولِ حَتَّى يَحِلَّ الْأَجَلُ وَفِي الْمَجْمَعِ أَنَّ زُفَرَ يَقُولُ إنَّ وَرَثَةَ الْكَفِيلِ يَرْجِعُونَ فِي الْحَالِّ وَيَسْقُطُ اعْتِبَارُ الْأَجَلِ. اهـ. وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَلَوْ مَاتَ الْكَفِيلُ قَبْلَ الْأَجَلِ حَلَّ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْأَجَلَ يَسْقُطُ بِمَوْتِ مَنْ لَهُ الْأَجَلُ فَإِنْ أَدَّى وَرَثَتُهُ لَمْ يَرْجِعُوا عَلَى الْمَطْلُوبِ إلَّا إلَى أَجَلِهِ؛ لِأَنَّ الْكَفِيلَ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ الرُّجُوعَ عَلَى الْأَصِيلِ بِالْتِزَامِهِ، وَقَدْ الْتَزَمَ الدَّيْنَ مُؤَجَّلًا فَلَا يَسْتَحِقُّ الرُّجُوعَ بِالدَّيْنِ مُعَجَّلًا وَلَا تَقُومُ الْوَرَثَةُ مَقَامَهُ فِي الرُّجُوعِ فَلَوْ مَاتَ الْمَطْلُوبُ قَبْلَ أَجَلِهِ حَلَّ عَلَيْهِ وَلَمْ يَحِلَّ عَلَى الْكَفِيلِ أَمَّا الْأَصِيلُ فَلِأَنَّهُ مَاتَ مَنْ لَهُ الْأَجَلُ، وَأَمَّا الْكَفِيلُ فَلِأَنَّهُ لَوْ أَسْقَطَ الْأَصِيلُ فِي حَيَاتِهِ الْأَجَلَ يَسْقُطُ فِي حَقِّهِ وَلَا يَسْقُطُ فِي حَقِّ الْكَفِيلِ؛ لِأَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُلْزِمَ الْكَفِيلَ زِيَادَةً لَمْ يَلْتَزِمْهَا الْكَفِيلُ فَكَذَا إذَا سَقَطَ الْأَجَلُ بِمَوْتِهِ. اهـ. كَذَا فِي حَاشِيَةِ الرَّمْلِيِّ. [صَالَحَ الْأَصِيلُ أَوْ الْكَفِيلُ الطَّالِبَ عَلَى نِصْفِ الدَّيْنِ] (قَوْلُهُ صُورَتُهُ مَا فِي الْمَبْسُوطِ إلَخْ) هَذَا لَا يُظْهِرُ تَصْوِيرَ الْعِبَارَةِ الْهِدَايَةُ وَإِنَّمَا هُوَ صُورَةُ مَا إذَا شَرَطَ بَرَاءَةَ الْكَفِيلِ وَحْدَهُ وَهُوَ مَا قَدَّمَهُ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ؛ لِأَنَّ مَا فِي الْمَبْسُوطِ وَقَعَ فِيهِ الصُّلْحُ عَنْ الْمَالِ لَا عَمَّا اسْتَوْجَبَهُ الدَّائِنُ عَلَى الْكَفِيلِ مِنْ الطَّلَبَةِ فَكَلَامُ النِّهَايَةِ غَيْرُ مُحَرَّرٍ وَلِذَا ذَكَرَهُ فِي الْفَتْحِ كَالْمُتَبَرِّئِ مِنْهُ حَيْثُ قَالَ وَجَعَلَ فِي النِّهَايَةِ صُورَةَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا فِي الْمَبْسُوطِ إلَخْ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا إذَا كَانَ الطَّالِبُ حَاضِرًا يَرْجِعُ فِي الْبَيَانِ إلَيْهِ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ فِي لَفْظِ الْحِلِّ لَا يَرْجِعُ إلَيْهِ لِظُهُورِ أَنَّهُ مُسَامَحَةٌ إلَّا أَنَّهُ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا. اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ يَظْهَرُ بِأَدْنَى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 248 يَرْجِعُ فِي الْبَيَانِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُجْمَلُ حَتَّى فِي بَرِئْت إلَيَّ لِاحْتِمَالِ لِأَنِّي أَبْرَأَتْك مَجَازًا وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا فِي الِاسْتِعْمَالِ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْحَوَالَةُ كَالْكَفَالَةِ فِي هَذَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ بَرِئْت؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَتَبَ فِي الصَّكِّ بَرِئَ الْكَفِيلُ مِنْ الدَّرَاهِمِ الَّتِي كَفَلَ بِهَا كَانَ إقْرَارًا بِالْقَبْضِ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا كَقَوْلِهِ بَرِئْت إلَيَّ بِقَضِيَّةِ الْعُرْفِ فَإِنَّ الْعُرْفَ بَيْنَ النَّاسِ أَنَّ الصَّكَّ يُكْتَبُ عَلَى الطَّالِبِ بِالْبَرَاءَةِ إذَا حَصَلَتْ بِالْإِيفَاءِ وَإِنْ حَصَلَتْ بِالْإِبْرَاءِ لَا يُكْتَبُ عَلَيْهِ الصَّكُّ فَجُعِلَتْ الْكِتَابَةُ إقْرَارًا بِالْقَبْضِ عُرْفًا وَلَا عُرْفَ عِنْدَ الْإِبْرَاءِ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَاخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِيمَا إذَا قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَبْرَأَنِي الْمُدَّعِي مِنْ الدَّعْوَى الَّتِي يَدَّعِي عَلَيَّ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ هُوَ إقْرَارٌ بِالْمَالِ كَمَا لَوْ قَالَ أَبْرَأَنِي مِنْ الْمَالِ الَّذِي ادَّعَاهُ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا يَكُونُ إقْرَارًا؛ لِأَنَّ الدَّعْوَى تَكُونُ بِحَقٍّ وَبِبَاطِلٍ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ الدَّعْوَى دَعْوَى الْبَرَاءَةِ عَنْ الدَّعْوَى لَا يَكُونَ إقْرَارًا بِالدَّعْوَى عِنْدَ الْمُتَقَدِّمِينَ وَخَالَفَهُمْ الْمُتَأَخِّرُونَ وَدَعْوَى الْبَرَاءَةِ عَنْ الْمَالِ إقْرَارٌ وَقَوْلُ الْمُتَقَدِّمِينَ أَصَحُّ اهـ. (قَوْلُهُ: وَبَطَلَ تَعْلِيقُ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْكَفَالَةِ بِالشَّرْطِ) لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى التَّمْلِيكِ كَمَا فِي سَائِرِ الْبَرَاءَاتِ وَيُرْوَى أَنَّهُ يَصِحُّ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ الْمُطَالَبَةَ دُونَ الدَّيْنِ فِي الصَّحِيحِ فَكَانَ إسْقَاطًا مَحْضًا كَالطَّلَاقِ وَلِهَذَا لَا يَرْتَدُّ إبْرَاءُ الْكَفِيلِ بِالرَّدِّ بِخِلَافِ إبْرَاءِ الْأَصِيلِ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَظَاهِرُهُ تَرْجِيحُ عَدَمِ بُطْلَانِهِ بِنَاءً عَلَى الصَّحِيحِ، وَذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ الشَّارِحُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ التَّعْلِيقُ أَيْضًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إلَّا الْمُطَالَبَةُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَمْلِيكِ الْمُطَالَبَةِ وَهِيَ كَالدَّيْنِ؛ لِأَنَّهَا وَسِيلَةٌ إلَيْهِ وَالتَّمْلِيكُ لَا يَقْبَلُهُ وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ قَالَ لِلْكَفِيلِ أَخْرَجْتُك عَنْ الْكَفَالَةِ فَقَالَ الْكَفِيلُ لَا أَخْرُجُ لَمْ يَصِرْ خَارِجًا. اهـ. فَثَبَتَ أَنَّ إبْرَاءَ الْكَفِيلِ أَيْضًا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ وَفِي الْمِعْرَاجِ قِيلَ الْمُرَادُ بِالشَّرْطِ الشَّرْطُ الْمَحْضُ الَّذِي لَا مَنْفَعَةَ لِلطَّالِبِ فِيهِ أَصْلًا كَدُخُولِ الدَّارِ وَمَجِيءِ الْغَدِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ أَمَّا إذَا كَانَ مُتَعَارَفًا فَإِنَّهُ يَجُوزُ كَمَا فِي تَعْلِيقِ الْكَفَالَةِ لِمَا فِي الْإِيضَاحِ لَوْ كَفَلَ بِالْمَالِ وَالنَّفْسِ، وَقَالَ إنْ وَافَيْتُك غَدًا فَأَنَا بَرِيءٌ مِنْ الْمَالِ فَوَافَاهُ غَدًا يَبْرَأُ مِنْ الْمَالِ فَقَدْ جَوَّزَ تَعْلِيقَ الْبَرَاءَةِ عَنْ الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ، وَكَذَا إذَا عَلَّقَ الْبَرَاءَةَ بِاسْتِيفَاءِ الْبَعْضِ يَجُوزُ أَوْ عَلَّقَ الْبَرَاءَةَ عَنْ الْبَعْضِ بِتَعْجِيلِ الْبَعْضِ يَجُوزُ ذَكَرَهُ فِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالشَّرْطِ الشَّرْطُ الْغَيْرُ الْمُتَعَارَفِ وَاخْتِلَافُ الرِّوَايَتَيْنِ فِي صِحَّةِ التَّعْلِيقِ مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا فَرِوَايَةُ عَدَمِ الْجَوَازِ فِيمَا إذَا كَانَ غَيْرَ مُتَعَارَفٍ وَرِوَايَةُ الْجَوَازِ فِيمَا إذَا كَانَ مُتَعَارَفًا. اهـ. فَعَلَى هَذَا فَكَلَامُ الْمُؤَلِّفِ مَحْمُولٌ عَلَى شَرْطٍ غَيْرِ مُتَعَارَفٍ وَأَرَادَ مِنْ الْكَفَالَةِ الْكَفَالَةَ بِالْمَالِ احْتِرَازًا عَنْ كَفَالَةِ النَّفْسِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ تَعْلِيقُ الْبَرَاءَةِ مِنْهَا عَلَى تَفْصِيلٍ مَذْكُورٍ فِي الْخَانِيَّةِ قَالَ إذَا عَلَّقَ بَرَاءَةَ الْكَفِيلِ بِالنَّفْسِ بِشَرْطٍ فَهُوَ عَلَى وُجُوهٍ ثَلَاثَةٍ فِي وَجْهٍ تَجُوزُ الْبَرَاءَةُ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ   [منحة الخالق] نَظَرٍ، ثُمَّ إنَّ عِبَارَةَ الْمُؤَلِّفِ تُفِيدُ ضَعْفَ هَذَا الْقَوْلِ وَعِبَارَةَ فَتْحِ الْقَدِيرِ قَالُوا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ هَذَا إذَا كَانَ الطَّالِبُ غَائِبًا فَأَمَّا إذَا كَانَ حَاضِرًا إلَخْ وَمَشَى عَلَيْهِ فِي مَتْنِ الْغُرَرِ وَالْمُلْتَقَى وَجَزَمَ بِهِ الزَّيْلَعِيُّ وَابْنُ الْكَمَالِ. (قَوْلُهُ: وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْحَوَالَةُ كَالْكَفَالَةِ فِي هَذَا) يُوهِمُ أَنَّهُ لَوْ أَبْرَأَ الْمُحْتَالُ الْمُحْتَالَ عَلَيْهِ بَرَاءَةَ إسْقَاطٍ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ الْمُحَالُ عَلَيْهِ عَلَى الْمُحِيلِ مَعَ أَنَّ الْمُحْتَالَ عَلَيْهِ إذَا أَدَّى الدَّيْنَ وَلَوْ حُكْمًا لَهُ الرُّجُوعُ وَالْأَدَاءُ الْحُكْمِيُّ مِثْلُ مَا لَوْ وَهَبَهُ إيَّاهُ الْمُحَالُ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ فَتَأَمَّلْ. [تَعْلِيقُ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْكَفَالَةِ بِالشَّرْطِ] (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَبَطَلَ تَعْلِيقُ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْكَفَالَةِ بِالشَّرْطِ) أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ إضَافَةَ تَعْلِيقٍ إلَى الْبَرَاءَةِ مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ إلَى مَوْصُوفِهَا وَالْمَعْنَى وَبَطَلَتْ الْبَرَاءَةُ الْمُعَلَّقَةُ بِالشَّرْطِ، وَإِذَا بَطَلَتْ الْبَرَاءَةُ الْمَذْكُورَةُ تَبْقَى الْكَفَالَةُ عَلَى أَصْلِهَا فَلِلطَّالِبِ الْمُطَالَبَةُ بِدَلِيلِ التَّعْلِيلِ فَإِنَّ الْبَرَاءَةَ لَمَّا كَانَ فِيهَا مَعْنَى التَّمْلِيكِ لَمْ تَصِحَّ بِالتَّعْلِيقِ كَمَا أَنَّ التَّمْلِيكَ الْمُعَلَّقَ لَا يَصِحُّ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ تَعْلِيقَ الْبَرَاءَةِ بَاطِلٌ لِتَكُونَ الْبَرَاءَةُ صَحِيحَةً مُنْجَزَةً إذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَبَطَلَتْ الْكَفَالَةُ وَلَمَا صَحَّ التَّعْلِيلُ فَإِنَّ الْبَرَاءَةَ مِنْ الْكَفَالَةِ فِيهَا مَعْنَى التَّمْلِيكِ وَالتَّمْلِيكُ الْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَأَمَّا نَفْسُ التَّعْلِيقِ فَلَيْسَ فِيهِ مَعْنَى التَّمْلِيكِ فَتَعَيَّنَ أَنَّ الَّذِي بَطَلَ هُوَ الْبَرَاءَةُ الْمُعَلَّقَةُ لَا نَفْسُ تَعْلِيقِهَا وَحِينَئِذٍ فَتَبْقَى الْكَفَالَةُ صَحِيحَةً عَلَى أَصْلِهَا تَأَمَّلْ ثُمَّ رَأَيْت فِي هَامِشٍ بِنُسْخَتَيْ شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَهِيَ نُسْخَةٌ قَدِيمَةٌ مَكْتُوبَةٌ عَلَى نُسْخَةِ شَارِحِهِ بِخَطِّ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ مَكْتُوبًا عَلَى الْهَامِشِ عِنْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ الْبَرَاءَةِ مِنْهَا بِالشَّرْطِ مَا نَصُّهُ مَعْنَاهُ أَنَّ الْكَفَالَةَ جَائِزَةٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ. اهـ. وَهَذَا عَيْنُ مَا فَهِمْته وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. (قَوْلُهُ: فَثَبَتَ أَنَّ إبْرَاءَ الْكَفِيلِ أَيْضًا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ) أَقُولُ: هَذَا رَدٌّ عَلَى قَوْلِ الْهِدَايَةِ السَّابِقِ وَلِهَذَا لَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ لَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ مَا فِي الْخَانِيَّةِ مَبْنِيٌّ عَلَى خِلَافِ الصَّحِيحِ تَأَمَّلْ وَقَدَّمْنَا قَبْلَ وَرَقَتَيْنِ الْجَوَابَ بِأَنَّ مَا فِي الْخَانِيَّةِ إقَالَةٌ لِعَقْدِ الْكَفَالَةِ لَا إبْرَاءٌ. (قَوْلُهُ: الَّذِي لَا مَنْفَعَةَ لِلطَّالِبِ فِيهِ إلَخْ) أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ مِنْهُ مَا سَلَفَ عَنْهُ مِنْ قَوْلِهِ الْكَفِيلُ كَفَلْت لَك فُلَانًا عَلَى أَنَّك إنْ طَالَبْتنِي بِمَا عَلَيْهِ قَبْلَ حُلُولِ أَجَلِ الدَّيْنِ فَلَا كَفَالَةَ لَك الجزء: 6 ¦ الصفحة: 249 نَحْوُ أَنْ يَكْفُلَ رَجُلٌ بِنَفْسِ رَجُلٍ فَأَبْرَأَهُ الطَّالِبُ عَنْ الْكَفَالَةِ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ الْكَفِيلُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ جَازَتْ الْبَرَاءَةُ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ وَإِنْ صَالَحَ الْكَفِيلُ الْمَكْفُولَ لَهُ عَلَى مَالٍ لِيُبْرِئَهُ عَنْ الْكَفَالَةِ لَا يَصِحُّ الصُّلْحُ وَلَا يَجِبُ الْمَالُ عَلَى الْكَفِيلِ وَلَا يَبْرَأُ عَنْ الْكَفَالَةِ فِي رِوَايَةِ الْجَامِعِ وَإِحْدَى رِوَايَتَيْ الْحَوَالَةِ وَالْكَفَالَةِ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى يَبْرَأُ عَنْ الْكَفَالَةِ وَفِي وَجْهٍ تَجُوزُ الْبَرَاءَةُ وَالشَّرْطُ وَصُورَةُ ذَلِكَ رَجُلٌ كَفَلَ بِنَفْسِ رَجُلٍ وَبِمَا عَلَيْهِ مِنْ الْمَالِ فَشَرَطَ الطَّالِبُ عَلَى الْكَفِيلِ أَنْ يَدْفَعَ الْمَالَ إلَى الطَّالِبِ وَيُبْرِئَهُ عَنْ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ جَازَتْ الْكَفَالَةُ وَالشَّرْطُ وَفِي وَجْهٍ لَا يَجُوزُ كِلَاهُمَا وَصُورَةُ ذَلِكَ رَجُلٌ كَفَلَ بِنَفْسِ رَجُلٍ خَاصَّةً فَشَرَطَ الطَّالِبُ عَلَى الْكَفِيلِ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ الْمَالَ وَيَرْجِعَ بِذَلِكَ عَلَى الْمَطْلُوبِ فَإِنَّهُ يَكُونُ بَاطِلًا اهـ. قَوْلُهُ (وَالْكَفَالَةُ بِحَدٍّ وَقَوَدٍ) أَيْ بَطَلَ التَّكْفِيلُ بِحَدٍّ وَقَوَدٍ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ إيجَابُهُ عَلَيْهِ لِعَدَمِ جَرَيَانِ النِّيَابَةِ فِي الْعُقُوبَةِ لِعَدَمِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْهَا وَهُوَ الزَّجْرُ قَيَّدَ الْكَفَالَةَ بِنَفْسِ الْحَدِّ وَالْقَوَدِ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ بِنَفْسِ مَنْ عَلَيْهِ يَجُوزُ صَرَّحَ بِهِ فِي الْبِنَايَةِ وَأَشَارَ إلَيْهِ فِي الْهِدَايَةِ وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بِنَفْسِ مَنْ عَلَيْهِ فِي الْحُدُودِ الْخَالِصَةِ فَلْيُرَاجَعْ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَلَا يُجْبَرُ عَلَى الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ فِي حَدٍّ وَقَوَدٍ. [الْكَفَالَةُ بِالْمَبِيعِ وَالْمَرْهُونِ] قَوْلُهُ (وَمَبِيعٍ وَمَرْهُونٍ وَأَمَانَةٍ) أَيْ وَبَطَلَتْ الْكَفَالَةُ بِالْمَبِيعِ وَالْمَرْهُونِ أَمَّا الْكَفَالَةُ بِالْمَبِيعِ لِلْمُشْتَرِي فَلِأَنَّ الْمَبِيعَ مَضْمُونٌ بِغَيْرِهِ وَهُوَ الثَّمَنُ وَالْكَفَالَةُ بِالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ وَإِنْ كَانَتْ تَصِحُّ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ لَكِنْ إنَّمَا تَصِحُّ بِالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ بِنَفْسِهَا كَالْمَبِيعِ بَيْعًا فَاسِدًا وَالْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ أَوْ الْمَغْصُوبِ لَا بِمَا كَانَ مَضْمُونًا بِغَيْرِهِ كَالْمَبِيعِ وَالْمَرْهُونِ؛ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِهَا أَنْ يَكُونَ الْمَكْفُولُ مَضْمُونًا عَلَى الْأَصِيلِ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَخْرُجَ عَنْهُ إلَّا بِدَفْعِهِ أَوْ دَفْعِ مِثْلِهِ وَالْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ لَيْسَ بِمَضْمُونٍ عَلَى الْبَائِعِ حَتَّى لَوْ هَلَكَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَإِنَّمَا يَنْفَسِخُ بِهِ الْبَيْعُ وَالْمَرْهُونُ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَى الْمُرْتَهِنِ بِنَفْسِهِ وَإِنَّمَا يَسْقُطُ دَيْنُهُ إذَا هَلَكَ فَلَا يُمْكِنُ إيجَابُ الضَّمَانِ عَلَى الْكَفِيلِ وَهُوَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَى الْأَصِيلِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا ضَمِنَ الرَّهْنَ عَنْ الْمُرْتَهِنِ لِلرَّاهِنِ أَوْ عَكْسِهِ، كَذَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، وَأَمَّا الْأَمَانَةُ كَالْوَدِيعَةِ وَمَالِ الْمُضَارَبَةِ وَالشَّرِكَةِ وَالْعَارِيَّةِ وَالْمُسْتَأْجَرِ فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ فَلَا يُمْكِنُ جَعْلُهَا مَضْمُونَةً عَلَى الْكَفِيلِ وَهِيَ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ عَلَى الْأَصِيلِ، وَقَالُوا: رَدُّ الْوَدِيعَةِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَى الْمُودَعِ بَلْ الْوَاجِبُ عَدَمُ الْمَنْعِ عِنْدَ طَلَبِ الْمُودِعِ فَلَا يَجِبُ عَلَى الْكَفِيلِ تَسْلِيمُهَا قَيَّدَ بِالْكَفَالَةِ بِالْعَيْنِ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ بِتَسْلِيمِهَا أَمَانَةٌ أَوْ مَضْمُونَةٌ صَحِيحَةٌ وَفَائِدَتُهُ حِينَئِذٍ إلْزَامُ إحْضَارِ الْعَيْنِ وَتَسْلِيمِهَا. وَلَوْ عَجَزَ بِأَنْ مَاتَ الْعَبْدُ الْمَبِيعُ أَوْ الْمُسْتَأْجَرُ أَوْ الرَّهْنُ انْفَسَخَتْ الْكَفَالَةُ وِزَانُ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ سَوَاءٌ، وَمَا ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ أَنَّ الْكَفَالَةَ بِتَسْلِيمِ الْعَارِيَّةِ بَاطِلَةٌ بَاطِلٌ فَقَدْ نَصَّ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ الْكَفَالَةَ بِتَسْلِيمِ الْعَارِيَّةِ صَحِيحَةٌ، وَكَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَنَصَّ الْقُدُورِيُّ أَنَّهَا بِتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ جَائِزَةٌ وَنَصَّ فِي التُّحْفَةِ عَلَى جَمِيعِ مَا أَوْرَدْنَاهُ أَنَّ الْكَفَالَةَ بِالتَّسْلِيمِ صَحِيحَةٌ وَالْوَجْهُ عِنْدِي أَنْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الثَّلَاثِ الْأُوَلِ مِنْ الْوَدِيعَةِ وَمَالِ الْمُضَارَبَةِ وَالشَّرِكَةِ وَبَيْنَ الْعَارِيَّةِ وَمَا مَعَهَا مِنْ الْأَمَانَاتِ إذْ لَا شَكَّ فِي وُجُوبِ الرَّدِّ عِنْدَ الطَّلَبِ، فَإِنْ قَالَ: الْوَاجِبُ التَّخْلِيَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا لَا رَدَّهَا إلَيْهِ فَنَقُولُ فَلْيَكُنْ مِثْلَ هَذَا الْوَاجِبِ عَلَى الْكَفِيلِ وَهُوَ أَنْ يُحَصِّلَهَا وَيُخَلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا بَعْدَ إحْضَارِهِ إلَيْهَا وَنَحْنُ نَعْنِي بِوُجُوبِ الرَّدِّ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ هَذَا وَمَنْ حَمَلَ الْمَرْدُودَ إلَيْهِ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ الْكَفَالَةُ بِتَمْكِينِ الْمُودِعِ مِنْ الْأَخْذِ صَحِيحَةٌ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَرَدُّهُ عَلَى شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ مَأْخُوذٌ مِنْ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَيُسَاعِدُهُ قَوْلُ الشَّارِحِ وَيَجُوزُ فِي الْكُلِّ أَنْ يَتَكَفَّلَ بِتَسْلِيمِ الْعَيْنِ مَضْمُونَةً أَوْ أَمَانَةً وَقِيلَ: إنْ كَانَ تَسْلِيمُهُ وَاجِبًا عَلَى الْأَصِيلِ كَالْعَارِيَّةِ وَالْإِجَارَةِ جَازَ وَإِلَّا فَلَا فَأَفَادَ أَنَّ التَّفْصِيلَ بَيْنَ   [منحة الخالق] عَلَيَّ ثُمَّ طَالَبَهُ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ بُطْلَانُ الْبَرَاءَةِ الْمُعَلَّقَةِ وَبَقَاءُ الْكَفَالَةِ صَحِيحَةٌ عَلَى أَصْلِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا نَفْعَ فِي هَذَا الشَّرْطِ لِلطَّالِبِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: قَيَّدَ بِالْكَفَالَةِ بِالْعَيْنِ إلَخْ) فَرْعٌ ذَكَرَ فِي نُورِ الْعَيْنِ بِرَمْزِ الْجَامِعِ مَا نَصَفَ رَبُّ الْمَتَاعِ لَوْ أَخَذَ مِنْ مُسْتَعِيرِهِ أَوْ غَاصِبِهِ بِرَدِّهِ كَفِيلًا صَحَّ وَلَوْ رَدَّ رَجَعَ عَلَيْهِ بِأَجْرِ مِثْلِ عَمَلِهِ إذْ الْكَفِيلُ بِأَمْرٍ يَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَ وَشَمِلَ عَمَلُهُ أَجْرَ عَمَلِهِ وَلَوْ أَخَذَ بِهِ وَكِيلًا لَا كَفِيلًا لَا يُجْبَرُ عَلَى رَدِّهِ لِتَبَرُّعِهِ بِخِلَافِ الْكَفِيلِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَمَا ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ إلَى قَوْلِهِ بَاطِلٌ) أَخَذَهُ صَاحِبُ الْفَتْحِ مِنْ الدِّرَايَةِ وَلَمْ يَلْتَفِتْ إلَيْهِ فِي الْعِنَايَةِ قَالَ فِي النَّهْرِ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ شَمْسَ الْأَئِمَّةِ لَيْسَ مِمَّنْ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى الْجَامِعِ بَلْ لَعَلَّهُ اطَّلَعَ عَلَى رِوَايَةٍ أَقْوَى مِنْ ذَلِكَ فَاخْتَارَهَا؛ لِأَنَّ هَذَا أَمْرٌ مَوْهُومٌ وَمَنْ حَفِظَ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَحْفَظْ. (قَوْلُهُ: وَالْوَجْهُ عِنْدِي أَنْ لَا فَرْقَ إلَخْ) رَدٌّ عَلَى التَّفْصِيلِ الْآتِي الْمَنْقُولِ عَنْ الشَّارِحِ الزَّيْلَعِيِّ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 250 أَمَانَةٍ وَأَمَانَةٍ ضَعِيفٌ. قَوْلُهُ (وَصَحَّ لَوْ ثَمَنًا وَمَغْصُوبًا وَمَقْبُوضًا عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ وَمَبِيعًا فَاسِدًا) أَيْ صَحَّ الضَّمَانُ لَوْ كَانَ الْمَضْمُونُ إلَى آخِرِهِ، أَمَّا الثَّمَنُ فَلِكَوْنِهِ دَيْنًا صَحِيحًا مَضْمُونًا عَلَى الْمُشْتَرِي، وَأَمَّا مَا عَدَاهُ فَلِكَوْنِهِ مَضْمُونًا بِنَفْسِهِ عَلَى الْأَصِيلِ؛ لِأَنَّهُ إذَا هَلَكَ وَجَبَتْ قِيمَتُهُ وَهِيَ كَهُوَ وَيُسْتَثْنَى مِنْ الثَّمَنِ مَا بَاعَ بِهِ صَبِيٌّ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فَكَفَلَ بِهِ رَجُلٌ أَوْ كَفَلَ بِالدَّرَكِ بَعْدَمَا قَبَضَ الصَّبِيُّ الثَّمَنَ لَمْ تَصِحَّ الْكَفَالَةُ لِكَوْنِهِ كَفَلَ بِمَا لَيْسَ بِمَضْمُونٍ عَلَى الْأَصِيلِ وَإِنْ كَفَلَ بِالدَّرَكِ قَبْلَ قَبْضِ الصَّبِيِّ صَحَّتْ، كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَمِمَّا تَصِحُّ بِهِ الْكَفَالَةُ مِنْ الْأَعْيَانِ بَدَلُ الصُّلْحِ عَنْ الدَّمِ لَوْ كَانَ عَبْدًا فَكَفَلَ بِهِ إنْسَانٌ صَحَّتْ فَإِنْ هَلَكَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ وَمِنْهَا الْمَهْرُ وَبَدَلُ الْخُلْعِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَا تَبْطُلُ بِهَلَاكِ الْعَيْنِ، كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ كَفَلَ بِالثَّمَنِ فَاسْتُحِقَّ الْمَبِيعُ بَرِئَ الْكَفِيلُ وَكَذَا لَوْ رَدَّهُ بِعَيْبٍ بِقَضَاءٍ أَوْ بِغَيْرِ قَضَاءٍ أَوْ بِخِيَارِ رُؤْيَةٍ أَوْ شَرْطٍ وَلَوْ كَفَلَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ لِغَرِيمِهِ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ الْمَبِيعُ بَرِئَ الْكَفِيلُ وَلَوْ رَدَّهُ بِعَيْبٍ بِقَضَاءٍ أَوْ بِغَيْرِ قَضَاءٍ لَا وَلَوْ كَفَلَ بِالْمَهْرِ عَنْهُ ثُمَّ سَقَطَ عَنْهُ كُلُّهُ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ نِصْفُهُ قَبْلَهُ بَرِئَ الْكَفِيلُ عَنْ الْكُلِّ فِي الْأَوَّلِ وَعَنْ النِّصْفِ فِي الثَّانِي حُكْمًا لِبَرَاءَةِ الزَّوْجِ، وَلَوْ كَفَلَ بِالثَّمَنِ ثُمَّ ظَهَرَ فَسَادُ الْبَيْعِ رَجَعَ الْكَفِيلُ بِمَا دَفَعَهُ إنْ شَاءَ عَلَى الْبَائِعِ وَإِنْ شَاءَ عَلَى الْمُشْتَرِي وَإِنْ فَسَدَ بَعْدَ صِحَّتِهِ بِأَنْ أَلْحَقَا بِهِ شَرْطًا فَاسِدًا فَالرُّجُوعُ لِلْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ وَتَمَامُهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة هُنَا. وَذَكَرَ فِي بَابِ خِيَارِ الشَّرْطِ لَوْ كَانَ بِالثَّمَنِ كَفِيلٌ فَفَسَخَ الْمُشْتَرِي فَلَمْ يَرُدَّ الْمَبِيعَ إلَى الْبَائِعِ فَلَهُ مُطَالَبَةُ الْكَفِيلِ بِالثَّمَنِ حَتَّى يَرُدَّ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ اهـ. وَهُوَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ هُنَا إنَّ الْكَفِيلَ يَبْرَأُ بِفَسْخِ الْبَيْعِ بِخِيَارِ الشَّرْطِ وَنَحْوِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ، وَأَمَّا ضَمَانُ الْمَغْصُوبِ فَإِنْ كَانَ الْمَضْمُونُ عَيْنًا قَائِمًا فَيَلْزَمُ الضَّامِنُ إحْضَارُهَا وَتَسْلِيمُهَا لَا قِيمَتُهَا إنْ هَلَكَتْ وَإِنْ كَانَ الْمَضْمُونُ مُسْتَهْلَكًا فَالْمَضْمُونُ قِيمَتُهُ لِمَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَلَوْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ غَصَبَهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَهُوَ فِي يَدِهِ أَوْ فِي مَنْزِلِهِ أَوْ ادَّعَى شَيْئًا يَكُونُ دَيْنًا مِنْ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ فَضَمِنَ لَهُ رَجُلٌ مَا ادَّعَى كَانَ عَلَى الضَّامِنِ أَنْ يَأْتِيَ بِذَلِكَ الشَّيْءِ بِعَيْنِهِ فَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِذَلِكَ الشَّيْءِ لَمْ يَضْمَنْ حَتَّى يَسْتَحِقَّهُ الْمُدَّعِي عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَإِنْ ادَّعَى أَلْفًا مُسْتَهْلَكَةً أَوْ كُرًّا مِلْكًا فَضَمِنَهُ رَجُلٌ فَهُوَ ضَامِنٌ مِنْ سَاعَتِهِ وَإِنْ لَمْ يُقِمْ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ مَا دَامَتْ بَاقِيَةً فَالضَّمَانُ يَنْصَرِفُ إلَى إحْضَارِهَا وَلَا يَنْصَرِفُ إلَى تَسْلِيمِهَا إلَّا بَعْدَ الِاسْتِحْقَاقِ وَإِنْ كَانَتْ هَالِكَةً فَالضَّمَانُ يَنْصَرِفُ إلَى الْقِيمَةِ فَصَارَ ضَمَانُهُ دَلَالَةً عَلَى الِاعْتِرَافِ بِالضَّمَانِ. اهـ. وَالْمَقْبُوضُ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ إنَّمَا يَكُونُ مِنْ هَذَا النَّوْعِ إذَا سُمِّيَ لَهُ ثَمَنٌ وَإِلَّا فَهُوَ أَمَانَةٌ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْبُيُوعِ. قَوْلُهُ (وَحَمْلِ دَابَّةٍ مُعَيَّنَةٍ مُسْتَأْجَرَةً وَخِدْمَةَ عَبْدٍ اُسْتُؤْجِرَ لِلْخِدْمَةِ) أَيْ وَبَطَلَتْ الْكَفَالَةُ بِحَمْلِ دَابَّةٍ إلَى آخِرِهِ؛ لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ مُعَيَّنَةً كَانَ الْكَفِيلُ عَاجِزًا عَنْ تَسْلِيمِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ فِي الْحَمْلِ عَلَى دَابَّةِ الْغَيْرِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَعْطَى دَابَّةَ مَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِغَيْرِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ قَيَّدَ بِكَوْنِهَا مُعَيَّنَةً؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ بِغَيْرِ عَيْنِهَا جَازَتْ الْكَفَالَةُ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الْحَمْلُ عَلَى دَابَّةِ نَفْسِهِ وَالْحَمْلُ هُوَ الْمُسْتَحَقُّ وَقَيَّدَ بِالْحَمْلِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَفَلَ بِتَسْلِيمِ الدَّابَّةِ الْمُعَيَّنَةِ يَجُوزُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْحَمْلُ عَلَى الدَّابَّةِ بِتَسْلِيمِهَا فَيَنْبَغِي أَنْ تَصِحَّ الْكَفَالَةُ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ بِتَسْلِيمِ الْمُسْتَأْجَرِ صَحِيحَةٌ وَلَمْ يَمْنَعْ مِنْهُ كَوْنُ الْمُسْتَأْجَرِ مِلْكًا لِغَيْرِ الْكَفِيلِ وَإِنْ كَانَ التَّحْمِيلُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ التَّحْمِيلَ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَى الْأَصِيلِ وَالْحَقُّ أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْحَمْلِ عَلَى الدَّابَّةِ مُعَيَّنَةٌ أَوْ غَيْرُ مُعَيَّنَةٍ لَيْسَ مُجَرَّدُ تَسْلِيمِهَا بَلْ الْمَجْمُوعُ مِنْ تَسْلِيمِهَا وَالْإِذْنُ فِي تَحْمِيلِهَا وَهُوَ مَا ذُكِرَ فِي النِّهَايَةِ مِنْ التَّرْكِيبِ وَمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْحَمْلِ عَلَيْهَا فَفِي الْمُعَيَّنَةِ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْإِذْنِ فِي تَحْمِيلِهَا إذْ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَيْهَا لِيَصِحَّ إذْنُهُ الَّذِي هُوَ مَعْنَى الْحَمْلِ وَفِي غَيْرِ الْمُعَيَّنَةِ يُمْكِنُهُ ذَلِكَ عِنْدَ تَسْلِيمِ دَابَّةِ نَفْسِهِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَفَلَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ لِغَرِيمٍ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ الْمَبِيعُ بَرِئَ الْكَفِيلُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا فِيمَا يَظْهَرُ أَنَّهُ مَعَ الِاسْتِحْقَاقِ تَبَيَّنَ أَنَّ الثَّمَنَ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَى الْمُشْتَرِي وَفِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَنَحْوِهِ وَجَبَ الْمُسْقِطُ بَعْدَمَا تَعَلَّقَ حَقُّ الْغَرِيمِ بِهِ فَلَا يَسْرِي عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ فَسَدَ بَعْدَ صِحَّتِهِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَكَانَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ بِظُهُورِ الْفَسَادِ تَبَيَّنَ أَنَّ الْبَائِعَ أَخَذَ شَيْئًا لَا يَسْتَحِقُّهُ فَيَرْجِعُ الْكَفِيلُ عَلَيْهِ وَإِنْ أَلْحَقَا بِهِ شَرْطًا فَاسِدًا لَمْ يَتَبَيَّنْ أَنَّ الْبَائِعَ حِينَ قَبَضَهُ قَبَضَ شَيْئًا لَا يَسْتَحِقُّهُ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 251 أَوْ دَابَّةٍ اسْتَأْجَرَهَا اهـ. . [الْكَفَالَةُ بِلَا قَبُولِ الطَّالِبِ فِي مَجْلِسِ الْإِيجَابِ] قَوْلُهُ (وَبِلَا قَبُولِ الطَّالِبِ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ) أَيْ وَبَطَلَتْ الْكَفَالَةُ بِلَا قَبُولِ الطَّالِبِ فِي مَجْلِسِ الْإِيجَابِ أَيْ لَمْ تَنْعَقِدْ أَصْلًا وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَجُوزُ إذَا بَلَغَهُ فَأَجَازَ وَلَمْ يَشْتَرِطْ فِي بَعْضِ النُّسَخِ الْإِجَازَةَ وَهُوَ الْأَظْهَرُ عَنْهُ وَالْخِلَافُ فِي الْكَفَالَةِ فِي النَّفْسِ وَالْمَالِ جَمِيعًا لَهُ أَنَّهُ تَصَرُّفُ الْتِزَامٍ فَيَسْتَبِدُّ بِهِ الْمُلْتَزِمُ، وَهَذَا وَجْهُ الظَّاهِرِ عَنْهُ وَوَجْهُ التَّوَقُّفِ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْفُضُولِيِّ فِي النِّكَاحِ وَلَهُمَا أَنَّ فِيهِمَا مَعْنَى التَّمْلِيكِ وَهُوَ تَمْلِيكُ الْمُطَالَبَةِ مِنْهُ فَيَقُومُ بِهِمَا جَمِيعًا وَالْمَوْجُودُ شَطْرُهُ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مَا وَرَاءِ الْمَجْلِسِ إلَّا أَنْ يَقْبَلَ عَنْ الطَّالِبِ فُضُولِيٌّ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَيَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهِ وَلِلْكَفِيلِ أَنْ يُخْرِجَ نَفْسَهُ عَنْهَا قَبْلَ إجَازَتِهِ، كَذَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَالْحَقَائِقِ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ قَبُولَ الطَّالِبِ بِخُصُوصِهِ إنَّمَا هُوَ شَرْطُ النَّفَاذِ، وَأَمَّا أَصْلُ الْقَبُولِ فِي مَجْلِسِ الْإِيجَابِ فَشَرْطُ الصِّحَّةِ فَلَوْ حَذَفَ الطَّالِبَ فِي الْكِتَابِ لَكَانَ أَوْلَى كَمَا فَعَلَ فِي الْإِصْلَاحِ وَنَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الْإِيضَاحِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ الْفُضُولِيُّ لَوْ فَسَخَ الْمَوْقُوفَ لَا يَصِحُّ، كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ الثَّانِي قَيَّدَ بِالْإِنْشَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَخْبَرَ عَنْ الْكَفَالَةِ حَالَ غَيْبَةِ الطَّالِبِ يَجُوزُ إجْمَاعًا وَلَوْ اخْتَلَفَا فَقَالَ الطَّالِبُ أَخْبَرْت، وَقَالَ الْكَفِيلُ كَانَ إنْشَاءً فَالْقَوْلُ لِلطَّالِبِ. كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ لَوْ قَالَ ضَمِنْت مَا لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ وَهُمَا غَائِبَانِ فَقِبَلَ فُضُولِيٌّ ثُمَّ بَلَّغَهُمَا فَأَجَازَ فَإِنْ أَجَازَ الْمَطْلُوبُ أَوَّلًا ثُمَّ الطَّالِبُ جَازَتْ وَكَانَتْ كَفَالَةً بِالْأَمْرِ وَإِنْ كَانَ عَلَى الْعَكْسِ جَازَتْ وَكَانَتْ بِغَيْرِ الْأَمْرِ وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ فُضُولِيٌّ عَنْ الطَّالِبِ لَمْ تَجُزْ مُطْلَقًا عِنْدَهُمَا، وَكَذَا لَوْ كَانَ الطَّالِبُ حَاضِرًا وَقِبَلَ وَرَضِيَ الْمَطْلُوبُ فَإِنْ رَضِيَ قَبْلَ قَبُولِ الطَّالِبِ رَجَعَ عَلَيْهِ وَإِنْ بَعْدَهُ فَلَا رُجُوعَ. اهـ. قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يَكْفُلَ وَارِثُ الْمَرِيضِ عَنْهُ) بِأَنْ يَقُولَ الْمَرِيضُ لِوَارِثِهِ تَكَفَّلْ عَنِّي بِمَا عَلَيَّ مِنْ الدَّيْنِ فَكَفَلَ بِهِ مَعَ غَيْبَةِ الْغُرَمَاءِ لِأَنَّ ذَلِكَ وَصِيَّةٌ فِي الْحَقِيقَةِ وَلِذَا تَصِحُّ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ الْمَكْفُولَ لَهُمْ وَلِهَذَا قَالُوا إنَّمَا تَصِحُّ إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ أَوْ يُقَالُ أَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الطَّالِبِ لِحَاجَتِهِ إلَيْهِ تَفْرِيغًا لِذِمَّتِهِ وَفِيهِ نَفْعُ الطَّالِبِ فَصَارَ كَمَا إذَا حَضَرَ بِنَفْسِهِ وَإِنَّمَا يَصِحُّ بِهَذَا اللَّفْظِ وَلَا يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ؛ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ التَّحْقِيقُ دُونَ الْمُسَاوِمَةِ ظَاهِرًا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَصَارَ كَمَا إذَا كَفَلَ بِنَفْسِهِ كَالْأَمْرِ بِالنِّكَاحِ قَيَّدَ بِالْوَارِثِ؛ لِأَنَّ الْمَرِيضَ لَوْ قَالَ ذَلِكَ لِأَجْنَبِيٍّ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِالْجَوَازِ تَنْزِيلًا لِلْمَرِيضِ مَنْزِلَةَ الطَّالِبِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِعَدَمِهِ؛ لِأَنَّ الْأَجْنَبِيَّ غَيْرُ مُطَالَبٍ بِقَضَاءِ دَيْنِهِ بِلَا الْتِزَامٍ فَكَانَ الْمَرِيضُ وَالصَّحِيحُ سَوَاءً وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ. كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَحَقَّقَ أَنَّهَا كَفَالَةٌ لَكِنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ تَوَقُّفُهَا عَلَى الْمَالِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَقَيَّدَ بِالْمَرِيضِ؛ لِأَنَّ الصَّحِيحَ لَوْ قَالَ ذَلِكَ لِوَارِثِهِ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ يَصِحَّ وَمِنْ هُنَا يُقَالُ أَنَّهَا لَيْسَتْ كَفَالَةً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؛ لِأَنَّهَا لَا تَصِحُّ إلَّا إذَا كَانَ لِلْمَرِيضِ مَالٌ فَلَوْ كَانَتْ كَفَالَةً مُطْلَقًا لَصَحَّتْ مُطْلَقًا وَلَيْسَتْ وَصِيَّةً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ وَصِيَّةً مُطْلَقًا لَصَحَّ الْأَمْرُ مِنْ الصَّحِيحِ وَلِذَا قَالَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ فِي تَعْلِيلِ الْكِتَابِ بِأَنَّ ذَلِكَ وَصِيَّةً فِي الْحَقِيقَةِ نَظَرٌ إذْ لَوْ كَانَتْ وَصِيَّةً حَقِيقَةً لَمَا اخْتَلَفَ الْحُكْمُ بَيْنَ حَالَةِ الصِّحَّةِ وَحَالَةِ الْمَرَضِ إلَّا أَنْ يُؤَوَّلَ بِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْوَصِيَّةِ فِي الْحَقِيقَةِ وَفِيهِ بُعْدٌ. اهـ. وَقَدْ يُقَالُ لَا فَائِدَةَ فِي هَذِهِ الْكَفَالَةِ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ مُطَالَبٌ بِقَضَاءِ دَيْنِ الْمَيِّتِ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ سَوَاءٌ قَالَ لَهُ الْمَرِيضُ تَكَفَّلْ عَنِّي أَوْ لَا، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ تَرِكَةٌ لَا مُطَالَبَةَ عَلَيْهِ سَوَاءٌ قَالَ لَهُ ذَلِكَ أَمْ لَا فَأَيُّ فَائِدَةٍ فِيهَا وَقَدْ وَقَعَ الِاشْتِبَاهُ لِعَدَمِ الِاطِّلَاعِ عَلَى نَقْلٍ   [منحة الخالق] [الْكَفَالَةُ بِحَمْلِ دَابَّةٍ] (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَشْتَرِطْ فِي بَعْضِ النُّسَخِ الْإِجَازَةَ) هَذِهِ عِبَارَةُ الْهِدَايَةِ قَالَ فِي الْفَتْحِ أَيْ نُسَخِ كَفَالَةِ الْأَصْلِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ بَلْ أَنَّهُ نَافِذٌ إنْ كَانَ الْمَكْفُولُ عَنْهُ غَائِبًا (قَوْلُهُ وَوَجْهُ التَّوَقُّفِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ التَّوَقُّفُ عَلَى الْإِجَازَةِ. اهـ. وَقَوْلُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ إلَخْ قَالَ فِي الْفَتْحِ وَهُوَ أَنَّ شَطْرَ الْعَقْدِ يَتَوَقَّفُ حَتَّى إذَا عَقَدَ فُضُولِيٌّ لِامْرَأَةٍ عَلَى آخَرَ تَوَقَّفَ عَلَى الْإِجَازَةِ كَمَا إذَا كَانَ عَقْدًا تَامًّا بِأَنْ خَاطَبَ عَنْهُ فُضُولِيٌّ آخَرَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَتَوَقَّفُ إلَّا إنْ خَاطَبَ عَنْهُ فُضُولِيٌّ آخَرُ فَلَا يَتَوَقَّفُ عِنْدَهُمَا إلَّا الْعَقْدُ التَّامُّ. (قَوْلُهُ: وَبِهِ عُلِمَ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ قَالُوا: إذَا قَبِلَ عَنْهُ قَابِلٌ تَوَقَّفَ بِالْإِجْمَاعِ وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُهُ لَا يَصِحُّ إلَّا بِقَبُولِ الْمَكْفُولِ لَهُ غَيْرُ صَحِيحٍ بَلْ الشَّرْطُ أَنْ يَقْبَلَ فِي الْمَجْلِسِ إنْ كَانَ حَاضِرًا فَيَنْفُذُ أَوْ يَقْبَلَ عَنْهُ فُضُولِيٌّ إنْ كَانَ غَائِبًا فَيَتَوَقَّفُ إلَى إجَازَتِهِ أَوْ رَدِّهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ الثَّانِي) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَفِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ صَرَّحَ بِأَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا. (قَوْلُهُ: وَقَدْ يُقَالُ لَا فَائِدَةَ فِي هَذِهِ الْكَفَالَةِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ قَدْ يُدْفَعُ بِأَنَّ فَائِدَتَهَا تَظْهَرُ فِي تَفْرِيغِ ذِمَّتِهِ. (قَوْلُهُ: وَقَدْ وَقَعَ الِاشْتِبَاهُ) ابْتِدَاءُ كَلَامٍ وَقَوْلُهُ لِعَدَمِ الِاطِّلَاعِ عَلَى نَقْلٍ تَعْلِيلٌ لِوُقُوعِ الِاشْتِبَاهِ وَقَوْلُهُ فِيمَا إذَا تَكَفَّلَ مُتَعَلِّقٌ بِالِاشْتِبَاهِ أَوْ بِوَقْعٍ وَقَوْلُهُ هَلْ يُطَالَبُ إلَخْ قَالَ فِي النَّهْرِ يَنْبَغِي عَلَى أَنَّهُ وَصِيَّةٌ أَنْ يَنْتَظِرَهُ وَعَلَى أَنَّهَا كَفَالَةٌ أَنْ يُلْزِمَ الْكَفِيلَ بِالدَّفْعِ الْآنَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 252 فِيمَا إذَا تَكَفَّلَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ بِأَمْرِ الْمَرِيضِ وَكَانَ لَهُ مَالٌ غَائِبٌ هَلْ يُطَالَبُ الْكَفِيلُ بِقَضَاءِ دَيْنِ الْمَيِّتِ مِنْ مَالِهِ ثُمَّ يَرْجِعُ فِي التَّرِكَةِ أَوْ لَا، وَلِهَذَا قَالَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ أَنَّ الْوَرَثَةَ يُطَالَبُونَ بِدَيْنِ مُوَرِّثِهِمْ بِلَا ضَمَانٍ وَالضَّمَانُ مَا زَادَهُ إلَّا تَأْكِيدًا، وَقَيَّدَ فِي الْهِدَايَةِ الْمَسْأَلَةَ بِأَمْرِ الْمَرِيضِ لِوَرَثَتِهِ لِأَنَّ الْوَرَثَةَ لَوْ قَالُوا ضَمِنَّا لِلنَّاسِ كُلَّ دَيْنٍ لَهُمْ عَلَيْك وَلَمْ يَطْلُبْ الْمَرِيضُ ذَلِكَ مِنْهُمْ وَالْغُرَمَاءُ غُيَّبٌ لَمْ يَصِحَّ وَلَوْ قَالُوا ذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِهِ صَحَّتْ الْكَفَالَةُ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ جَوَازُ كَفَالَتِهِمْ فِي مَرَضِهِ وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْ الْمَرِيضُ مِنْهُمْ ذَلِكَ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَالْخَانِيَّةِ وَفِي الْبَدَائِعِ، وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْمَرِيضِ فَقَدْ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: إنَّ جَوَازَ الضَّمَانِ بِطَرِيقِ الْإِيصَاءِ بِالْقَضَاءِ عَنْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ لَا بِطَرِيقِ الْكَفَالَةِ وَبَعْضُهُمْ أَجَازُوهُ عَلَى سَبِيلِ الْكَفَالَةِ وَوَجْهُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْأَصْلِ، وَقَالَ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُعَبِّرِ عَنْ غُرَمَائِهِ، وَشَرْحُ هَذِهِ الْإِشَارَةِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ الْمَرِيضَ مَرَضَ الْمَوْتِ يَتَعَلَّقُ الدَّيْنُ بِمَالِهِ وَيَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ الْأَجْنَبِيِّ عَنْهُ حَتَّى لَا يَنْفُذَ مِنْهُ التَّصَرُّفُ الْمُبْطِلُ لِحَقِّ الْغَرِيمِ وَلَوْ قَالَ أَجْنَبِيٌّ لِلْوَرَثَةِ اضْمَنُوا الْغُرَمَاءَ فُلَانٌ عَنْهُ فَقَالُوا ضَمِنَّا يُكْتَفَى بِهِ فَكَذَا الْمَرِيضُ. اهـ. . قَوْلُهُ (وَعَنْ مَيِّتٍ مُفْلِسٍ) أَيْ وَبَطَلَتْ الْكَفَالَةُ عَنْ مَيِّتٍ مُفْلِسٍ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا صَحِيحَةٌ لِمَا رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أُتِيَ بِجِنَازَةِ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ فَسَأَلَ هَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ؟ قَالُوا: نَعَمْ دِرْهَمَانِ أَوْ دِينَارَانِ فَامْتَنَعَ مِنْ الصَّلَاةِ فَقَالَ صَلُّوا عَلَى أَخِيكُمْ فَقَامَ أَبُو قَتَادَةَ فَقَالَ هُمَا عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَصَلَّى عَلَيْهِ» وَلِأَنَّهُ كَفَلَ بِدَيْنٍ ثَابِتٍ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ لِحَقِّ الطَّالِبِ وَلَمْ يُوجَدْ الْمُسْقِطُ وَلِهَذَا يَبْقَى فِي حَقِّ أَحْكَامِ الْآخِرَةِ وَلَوْ تَبَرَّعَ بِهِ إنْسَانٌ يَصِحُّ وَلِذَا يَبْقَى إذَا كَانَ بِهِ كَفِيلٌ وَلَهُ أَنَّهُ كَفَلَ بِدَيْنٍ سَاقِطٍ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ هُوَ الْفِعْلُ حَقِيقَةً وَلِهَذَا يُوصَفُ بِالْوُجُوبِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْحُكْمِ مَالٌ؛ لِأَنَّهُ يَئُولُ إلَيْهِ فِي الْمَآلِ وَقَدْ عَجَزَ بِنَفْسِهِ وَبِخَلْفِهِ فَفَاتَ عَاقِبَةُ الِاسْتِيفَاءِ فَيَسْقُطُ ضَرُورَةً وَالتَّبَرُّعُ لَا يَعْتَمِدُ قِيَامَ الدَّيْنِ، وَإِذَا كَانَ لَهُ كَفِيلٌ أَوْ لَهُ مَالٌ فَخَلَفَهُ إذْ الْإِفْضَاءُ إلَى الْأَدَاءِ بَاقٍ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الْكَفِيلُ أَجْنَبِيًّا أَوْ وَارِثَ الْمَيِّتِ وَلَوْ ابْنَهُ، كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ وَالْجَوَابُ عَنْ الْحَدِيثِ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ الْإِقْرَارُ عَنْ كَفَالَةٍ سَابِقَةٍ وَالْإِنْشَاءُ وَالْوَعْدُ وَحِكَايَةُ الْفِعْلِ لَا عُمُومَ لَهَا وَقَيَّدَ بِالْكَفَالَةِ بَعْدَ مَوْتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَفَلَ فِي حَيَاتِهِ ثُمَّ مَاتَ مُفْلِسًا لَمْ تَبْطُلْ الْكَفَالَةُ. وَكَذَا لَوْ كَانَ بِهِ رَهْنٌ ثُمَّ مَاتَ مُفْلِسًا لَا يَبْطُلُ الرَّهْنُ؛ لِأَنَّ سُقُوطَ الدَّيْنِ عَنْهُ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا فِي حَقِّهِ لِلضَّرُورَةِ فَتَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا فَأَبْقَيْنَاهُ فِي حَقِّ الْكَفِيلِ وَالرَّهْنِ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ، كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ عُلِمَ أَنَّ الْمَيِّتَ الْمُفْلِسَ مَنْ مَاتَ وَلَا تَرِكَةَ لَهُ وَلَا كَفِيلَ عَنْهُ وَيُسْتَثْنَى مِنْ بُطْلَانِهَا مَسْأَلَةٌ فِي التَّحْرِيرِ مِنْ بَحْثِ الْمَوْتِ مِنْ عَوَارِضِ الْأَهْلِيَّةِ لَوْ تَفُوتُ الذِّمَّةُ بِلُحُوقِ دَيْنٍ بَعْدَ الْمَوْتِ صَحَّتْ الْكَفَالَةُ بِهِ بِأَنْ حَفَرَ بِئْرًا عَلَى الطَّرِيقِ فَتَلَفَ بِهِ حَيَوَانٌ بَعْدَ مَوْتِهِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ الدَّيْنُ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْحَفْرِ الثَّابِتِ حَالَ قِيَامِ الذِّمَّةِ وَالْمُسْتَنَدُ يَثْبُتُ أَوَّلًا فِي الْحَالِ وَيَلْزَمُ اعْتِبَارُ قُوَّتِهَا حِينَئِذٍ بِهِ لِكَوْنِهِ مَحَلَّ الِاسْتِيفَاءِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَبِالثَّمَنِ لِلْمُوَكِّلِ وَلِرَبِّ الْمَالِ بِهِ) أَيْ وَبَطَلَتْ كَفَالَةُ الْوَكِيلِ لِمُوَكِّلِهِ بِالثَّمَنِ وَكَفَالَةِ الْمُضَارِبِ لِرَبِّ الْمَالِ بِالثَّمَنِ فِيمَا بَاعَهُ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْقَبْضِ لَهُمَا بِجِهَةِ الْأَصَالَةِ فِي الْبَيْعِ وَلِهَذَا لَا يَبْطُلُ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ وَرَبِّ الْمَالِ وَبِعَزْلِهِ وَلِذَا جَازَ أَنْ يَكُونَ الْمُوَكِّلُ وَكِيلًا عَنْ الْوَكِيلِ فِي الْقَبْضِ وَرَبُّ الْمَالِ عَنْ الْمُضَارِبِ وَلِلْوَكِيلِ وَالْمُضَارِبِ عَزْلُهُ لِرُجُوعِ الْحُقُوقِ إلَيْهِمَا وَبَرَّ الْمُشْتَرِي فِي حَلِفِهِ أَنْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِلْمُوَكِّلِ وَرَبِّ الْمَالِ وَحَنِثَ لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِلْوَكِيلِ وَالْمُضَارِبِ قَيَّدَ بِالْوَكِيلِ؛ لِأَنَّ الرَّسُولَ بِالْبَيْعِ تَصِحُّ كَفَالَتُهُ بِالثَّمَنِ عَنْ الْمُشْتَرِي وَمِثْلُهُ الْوَكِيلُ بِبَيْعِ الْغَنَائِمِ عَنْ الْإِمَامِ لِكَوْنِهِ كَالرَّسُولِ وَقَيَّدَ بِالثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِتَزْوِيجِ الْمَرْأَةِ لَوْ ضَمِنَ لَهَا الْمَهْرَ صَحَّ لِكَوْنِهِ سَفِيرًا وَمُعَبِّرًا وَقَيَّدْنَا بِأَنْ يَكُونَ ثَمَنَ مَا بَاعَهُ الْوَكِيلُ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَوْ وَكَّلَ رَجُلًا بِقَبْضِ   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 253 الثَّمَنِ فَكَفَلَ بِهِ الْوَكِيلُ صَحَّ وَكَذَا لَوْ أَبْرَأَهُ عَنْهُ لَمْ يَصِحَّ إبْرَاؤُهُ وَلَوْ أَبْرَأَهُ الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ عَنْهُ صَحَّ إبْرَاؤُهُ وَضَمِنَ، كَذَا فِي وَكَالَةِ الْخَانِيَّةِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْوَصِيَّ وَالْمُتَوَلِّيَ عَلَى الْوَقْفِ إذَا بَاعَا شَيْئًا وَضَمِنَا الثَّمَنَ عَنْ الْمُشْتَرِي فَهُمَا كَالْوَكِيلِ وَالْمُضَارِبِ وَسَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ مِنْ بَابِ الْوَكَالَةِ بِالْخُصُومَةِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَبَطَلَ تَوْكِيلُهُ الْكَفِيلُ بِالْمَالِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ تَوْكِيلَ الْكَفِيلِ بَاطِلٌ وَكَفَالَةَ الْوَكِيلِ بَاطِلَةٌ، وَذَكَرَ الشَّارِحُ هُنَا فَرْعًا رَجُلٌ أَعْتَقَ عَبْدَهُ الْمَدِينَ حَتَّى لَزِمَهُ ضَمَانُ قِيمَتِهِ لِلْغُرَمَاءِ وَلَزِمَ الْعَبْدَ جَمِيعُ الدَّيْنِ ثُمَّ إنَّ الْمَوْلَى ضَمِنَ الدَّيْنَ لِلْغُرَمَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى مُتَّهَمٌ بِإِبْرَاءِ نَفْسِهِ اهـ. قَوْلُهُ (وَلِلشَّرِيكِ إذَا بِيعَ عَبْدٌ صَفْقَةً) أَيْ وَبَطَلَ كَفَالَةُ الشَّرِيكِ لِشَرِيكِهِ عَنْ الْمُشْتَرِي حِصَّتُهُ مِنْ الثَّمَنِ فِيمَا إذَا بَاعَا شَيْئًا مُشْتَرَكًا عَقْدًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ ضَامِنًا لِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ مَا مِنْ جُزْءٍ يُؤَدِّيه الْمُشْتَرِي أَوْ الْكَفِيلُ مِنْ الثَّمَنِ إلَّا وَهُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا وَلِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى قِسْمَةِ الدَّيْنِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ: صَفْقَةٌ وَاحِدَةٌ. لِأَنَّهُمَا لَوْ بَاعَا صَفْقَتَيْنِ بِأَنْ سَمَّى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِنَصِيبِهِ ثَمَنًا صَحَّ ضَمَانُ أَحَدِهِمَا نَصِيبَ الْآخَرِ لِامْتِيَازِ نَصِيبِ كُلٍّ مِنْهُمَا فَلَا شَرِكَةَ بِدَلِيلِ أَنَّ لَهُ قَبُولَ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ وَلَوْ قَبْلَ الْكُلِّ وَنَقَدَ حِصَّةَ أَحَدِهِمَا كَانَ لِلنَّاقِدِ قَبْضُ نَصِيبِهِ، وَلِهَذَا لَوْ اسْتَوْفَى أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ مِنْ الْمُشْتَرِي فَلَا شَرِكَةَ لِلْآخَرِ، بِخِلَافِ مَا إذَا بِيعَ صَفْقَةٌ فَإِنَّهُ يُشَارِكُ وَقَدْ اعْتَبَرُوا هُنَا لِتَعَدُّدِ الصَّفْقَةِ تَفْصِيلَ الثَّمَنِ، وَذَكَرُوا فِي الْبُيُوعِ أَنَّ هَذَا قَوْلُهُمَا، وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَلَا بُدَّ مِنْ تَكْرَارِ لَفْظِ بِعْت، وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَلِلشَّرِيكِ بِدَيْنٍ مُشْتَرَكٍ وَحَذَفَ قَوْلَهُ فِيمَا إذَا بِيعَ عَبْدٌ صَفْقَةً لَكَانَ أَوْلَى لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ رَجُلَانِ لَهُمَا عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ فَكَفَلَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الدَّيْنِ لَا تَصِحُّ كَفَالَتُهُ وَلَوْ تَبَرَّعَ أَحَدُهُمَا بِأَدَاءِ نَصِيبِ صَاحِبِهِ مِنْ الدَّيْنِ كَانَ جَائِزًا، وَكَذَا الرَّجُلُ إذَا مَاتَ وَلَهُ دَيْنٌ عَلَى رَجُلٍ وَتَرَك ابْنَيْنِ فَكَفَلَ أَحَدُهُمَا لِأَخِيهِ عَنْ الْمَدْيُونِ بِحِصَّةِ أَخِيهِ لَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ وَلَوْ تَبَرَّعَ أَحَدُهُمَا فَأَدَّى حِصَّةَ صَاحِبِهِ مِنْ الدَّيْنِ صَحَّ تَبَرُّعُهُ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ إذَا كَفَلَ بِالثَّمَنِ عَنْ الْمُشْتَرِي لَا تَصِحُّ كَفَالَتُهُ وَلَوْ تَبَرَّعَ بِأَدَاءِ الثَّمَنِ عَنْ الْمُشْتَرِي صَحَّ تَبَرُّعُهُ. اهـ. وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ لَهُمَا دَيْنٌ مُشْتَرَكٌ عَلَى آخَرَ فَضَمِنَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَ صَاحِبِهِ لَمْ يَجُزْ فَيَرْجِعُ بِمَا أَدَّى، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَدَّاهُ مِنْ غَيْرِ سَبْقِ ضَمَانٍ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ بِمَا أَدَّى وَلَوْ تَوَى نَصِيبُهُ عَلَى الْمَدْيُونِ مَرَّ فِي مَسَائِلِ التَّرِكَةِ وَفِي صُورَةِ الضَّمَانِ يَرْجِعُ بِمَا دَفَعَ إذْ قَضَاهُ عَلَى فَسَادٍ فَيَرْجِعُ كَمَا لَوْ أَدَّى بِكَفَالَةٍ فَاسِدَةٍ وَنَظِيرُهُ لَوْ كَفَلَ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ لَمْ تَصِحَّ فَيَرْجِعُ بِمَا أَدَّى إذَا حُسِبَ أَنَّهُ مُجْبَرٌ عَلَى ذَلِكَ لِضَمَانِهِ السَّابِقِ وَبِمِثْلِهِ لَوْ أَدَّى مِنْ غَيْرِ سَبْقِ ضَمَانٍ لَا يَرْجِعُ لِتَبَرُّعِهِ، وَكَذَا وَكِيلُ الْبَيْعِ إذَا ضَمِنَ الثَّمَنَ لِمُوَكِّلِهِ لَمْ يَجُزْ فَيَرْجِعُ وَلَوْ أَدَّى بِغَيْرِ ضَمَانٍ جَازَ وَلَا يَرْجِعُ اهـ. [الْكَفَالَةُ بِالْعُهْدَةِ] قَوْلُهُ (وَبِالْعُهْدَةِ) أَيْ وَبَطَلَتْ الْكَفَالَةُ بِالْعُهْدَةِ لِاشْتِبَاهِ الْمُرَادِ بِهَا لِإِطْلَاقِهَا عَلَى الصَّكِّ الْقَدِيمِ وَعَلَى الْعَقْدِ وَعَلَى حُقُوقِهِ وَعَلَى الدَّرَكِ وَعَلَى خِيَارِ الشَّرْطِ فَتَعَذَّرَ الْعَمَلُ بِهَا قَبْلَ الْبَيَانِ فَبَطَلَ لِلْجَهَالَةِ بِخِلَافِ ضَمَانِ الدَّرَكِ وَلَا يُقَالُ يَنْبَغِي أَنْ يُصْرَفَ إلَى مَا يَجُوزُ الضَّمَانُ بِهِ وَهُوَ الدَّرَكُ تَصْحِيحًا لِتَصَرُّفِهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ فَرَاغُ الذِّمَّةِ أَصْلٌ فَلَا يَثْبُتُ الشَّغْلُ بِالشَّكِّ وَالِاحْتِمَالِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الضَّامِنَ إذَا فَسَّرَهَا بِغَيْرِ ضَمَانِ الدَّرَكِ لَمْ يَصِحَّ وَلَوْ كَانَ الصَّكُّ الْقَدِيمُ لِقَوْلِهِمْ: إنَّهُ مِلْكُ الْبَائِعِ. [الْكَفَالَةُ بِالْخَلَاصِ] (قَوْلُهُ: وَالْخَلَاصِ) أَيْ وَبَطَلَتْ الْكَفَالَةُ بِالْخَلَاصِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا هِيَ صَحِيحَةٌ بِنَاءً عَلَى تَفْسِيرِهَا بِتَخْلِيصِ الْمَبِيعِ إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ وَرَدَّ الثَّمَنَ إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ وَهُوَ ضَمَانُ الدَّرَكِ فِي الْمَعْنَى وَأَبُو حَنِيفَةَ فَسَّرَهُ بِتَخْلِيصِ الْمَبِيعِ لَا مَحَالَةَ وَلَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ لَا يُمْكِنُهُ مِنْهُ وَلَوْ ضَمِنَ تَخْلِيصَ الْمَبِيعِ أَوْ رَدَّ الثَّمَنِ جَازَ لِإِمْكَانِ الْوَفَاءِ بِهِ وَهُوَ تَسْلِيمُهُ إنْ أَجَازَ الْمُسْتَحِقُّ أَوْ رَدَّهُ إنْ لَمْ يُجِزْ فَالْخِلَافُ   [منحة الخالق] [الْكَفَالَةُ عَنْ مَيِّتٍ مُفْلِسٍ] (قَوْلُهُ: وَذَكَرَ الشَّارِحُ هُنَا فَرْعًا إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ بَعْدَ نَقْلِهِ عِبَارَةُ الْمُؤَلِّفِ وَلَمْ أَجِدْهُ فِي نُسْخَتِي الَّتِي كَتَبْتهَا مِنْ نُسْخَتِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا حَاشِيَةٌ عَلَى نُسْخَتِهِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 254 رَاجِعٌ إلَى التَّفْسِيرِ. قَوْلُهُ (وَبِبَدَلِ الْكِتَابَةِ) لِمَا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ الْبَابِ قَيَّدَ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّ بَدَلَ الْعِتْقِ تَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِهِ لِأَنَّهُ دَيْنٌ وَجَبَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ فَلَا يُؤَدِّي إلَى التَّنَافِي [فَصْلٌ أَعْطَى الْمَطْلُوبُ الْكَفِيلَ قَبْلَ أَنْ يُعْطِيَ الْكَفِيلُ الطَّالِبَ] (فَصْلٌ) (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَعْطَى الْمَطْلُوبُ الْكَفِيلَ قَبْلَ أَنْ يُعْطِيَ الْكَفِيلُ الطَّالِبَ لَا يَسْتَرِدُّ مِثْلَهُ) لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْقَابِضِ عَلَى احْتِمَالِ قَضَائِهِ الدَّيْنَ فَلَا تَجُوزُ الْمُطَالَبَةُ مَا بَقِيَ هَذَا الِاحْتِمَالُ كَمَنْ عَجَّلَ زَكَاتَهُ وَدَفَعَهَا إلَى السَّاعِي وَلِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْقَبْضِ عَلَى مَا نَذْكُرُ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الدَّفْعُ عَلَى وَجْهِ الرِّسَالَةِ فَلَا يَسْتَرِدُّ لَكِنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ بِالْقَبْضِ لِتَمَحُّضِهِ أَمَانَةً فِي يَدِهِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ إنْ دَفَعَ لَهُ عَلَى وَجْهِ الِاقْتِضَاءِ كَأَنْ قَالَ لَهُ: إنِّي لَا آمَنُ أَنْ يَأْخُذَ الطَّالِبُ حَقَّهُ مِنْك فَأَنَا أَقْضِيك الْمَالَ قَبْلَ أَنْ تُؤَدِّيَهُ لَمْ يَكُنْ رِسَالَةً، وَأَمَّا إذَا قَالَ لَهُ ابْتِدَاءً خُذْ هَذَا الْمَالَ وَادْفَعْهُ إلَى الطَّالِبِ كَانَ رِسَالَةً فَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا إنَّمَا هُوَ مِنْ جِهَةِ مِلْكِ الْمَدْفُوعِ لِلْقَابِضِ وَعَدَمِهِ. وَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ إلَى أَنَّ بِالْكَفَالَةِ صَارَ لِلْكَفِيلِ عَلَى الْأَصِيلِ دَيْنٌ لَوْ كَفَلَ بِأَمْرِهِ وَلِهَذَا لَوْ أَخَذَ الْكَفِيلُ مِنْهُ رَهْنًا قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ عَنْهُ جَازَ، وَلَوْ أَبْرَأَهُ الْكَفِيلُ أَوْ وَهَبَهُ قَبْلَ الْأَدَاءِ عَنْهُ صَحَّ حَتَّى لَوْ أَدَّى عَنْهُ لَمْ يَرْجِعْ فَثَبَتَ أَنَّ لَهُ دَيْنًا عَلَيْهِ لَكِنْ لَا رُجُوعَ لَهُ قَبْلَ الْأَدَاءِ. وَقَدْ سُئِلْت عَمَّا إذَا دَفَعَ الْمَدْيُونُ الدَّيْنَ لِلْكَفِيلِ لِيُؤَدِّيَهُ إلَى الطَّالِبِ ثُمَّ نَهَاهُ عَنْ الْأَدَاءِ هَلْ يُعْمَلُ نَهْيُهُ فَأَجَبْت إنْ كَانَ كَفِيلًا بِالْأَمْرِ لَمْ يُعْمَلْ نَهْيُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الِاسْتِرْدَادَ وَإِلَّا عُمِلَ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُهُ. قَوْلُهُ (وَمَا رَبِحَ الْكَفِيلُ لَهُ) أَيْ إذَا رَبِحَ الْكَفِيلُ فِي الْمَالِ الَّذِي قَبَضَهُ مِنْ الْمَطْلُوبِ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ الدَّيْنَ طَابَ لَهُ الرِّبْحُ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْقَبْضِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَكَانَ الرِّبْحُ بَذْلَ مِلْكِهِ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ بِهِ وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا قَضَى الدَّيْنَ هُوَ أَوْ قَضَاهُ الْأَصِيلُ وَقَدَّمْنَاهُ أَنَّ مِلْكَهُ لِلْمَقْبُوضِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا قَبَضَهُ عَلَى وَجْهِ الِاقْتِضَاءِ، وَأَمَّا إذَا قَبَضَهُ عَلَى وَجْهِ الرِّسَالَةِ فَإِنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ فَلَا يَطِيبُ لَهُ الرِّبْحُ عَلَى قَوْلِهِمَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَطِيبُ لَهُ وَأَصْلُهُ رِبْحُ الدَّرَاهِمِ الْمَغْصُوبَةِ وَاسْتَدَلَّ أَبُو يُوسُفَ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ» . قَوْلُهُ (وَنُدِبَ رَدُّهُ عَلَى الْمَطْلُوبِ لَوْ شَيْئًا يَتَعَيَّنُ) أَيْ يُسْتَحَبُّ رَدُّ الرِّبْحِ عَلَى الْأَصِيلِ إذَا كَانَ الْمَقْبُوضُ شَيْئًا يَتَعَيَّنُ كَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَقَالَا هُوَ لَهُ لَا يَرُدُّهُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْهُ وَعَنْهُ أَنَّهُ يَتَصَدَّقُ بِهِ لَهُمَا أَنَّهُ رِبْحٌ فِي مِلْكِهِ فَيُسَلَّمُ لَهُ وَلَهُ أَنَّهُ تَمَكَّنَ الْخَبَثُ مَعَ الْمِلْكِ إمَّا لِأَنَّهُ بِسَبِيلٍ مِنْ الِاسْتِرْدَادِ بِأَنْ يَقْضِيَهُ بِنَفْسِهِ أَوْ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِهِ عَلَى اعْتِبَارِ قَضَاءِ الْكَفِيلِ، فَإِذَا قَضَاهُ بِنَفْسِهِ لَمْ يَكُنْ رَاضِيًا بِهِ وَهَذَا الْخَبَثُ يُعْمَلُ فِيمَا يَتَعَيَّنُ فَيَكُونُ سَبِيلُهُ التَّصَدُّقَ فِي رِوَايَةٍ وَيَرُدُّهُ عَلَيْهِ فِي أُخْرَى؛ لِأَنَّ الْخَبَثَ لَحِقَهُ وَهَذَا أَصَحُّ لَكِنَّهُ اسْتِحْبَابٌ لَا جَبْرٌ لِأَنَّ الْحَقَّ لِلْكَفِيلِ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ   [منحة الخالق] [كَفَالَةُ الشَّرِيكِ لِشَرِيكِهِ] فَصْلٌ) (قَوْلُهُ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الدَّيْنُ عَلَى وَجْهِ الرِّسَالَةِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ شُمُولُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لِمَا إذَا كَانَ الْقَبْضُ عَلَى وَجْهِ الرِّسَالَةِ أَيْضًا وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا فِي نَفْسِهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُلَائِمُ قَوْلَهُ وَمَا رَبِحَ لَهُ نُدِبَ رَدُّهُ لَوْ شَيْئًا يَتَعَيَّنُ فَإِنَّهُ فِي هَذَيْنِ لَا يَطِيبُ لَهُ رِبْحٌ فَالْأَوْلَى جَعْلُ كَلَامِهِ عَلَى نَسَقٍ وَاحِدٍ، وَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ سَاكِتٌ عَنْ مَسْأَلَةِ الرِّسَالَةِ وَهَذَا أَسْهَلُ الْأَمْرَيْنِ فَتَأَمَّلْهُ. اهـ. قُلْتُ: وَيُؤَيِّدُهُ تَعْبِيرُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ بِالْقَضَاءِ بَدَلَ الْإِعْطَاءِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ لَهُ الِاسْتِرْدَادَ فِيمَا إذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الرِّسَالَةِ قَالَ فِي الْكِفَايَةِ بَعْدَ نَقْلِهِ عَدَمَ الِاسْتِرْدَادِ عَنْ الْكَافِي لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْكُبْرَى قَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ هَذَا إذَا دَفَعَهُ إلَى الْكَفِيلِ عَلَى وَجْهِ الْقَضَاءِ، أَمَّا إذَا دَفَعَهُ عَلَى وَجْهِ الرِّسَالَةِ فَلَهُ الِاسْتِرْدَادُ قَالَ نَجْمُ الْأَئِمَّةِ الْحَكَمِيُّ وَإِلَيْهِ وَقَعَتْ الْإِشَارَةُ فِي بَابِ الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ مِنْ الْأَصْلِ فَإِنَّهُ قَالَ الْكَفِيلُ يَكُونُ أَمِينًا اهـ. وَعَلَى ذَلِكَ حَمَلَ فِي الْيَعْقُوبِيَّةِ كَلَامَ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ، وَقَالَ وَهُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ مَحْضَةٌ وَيَدُ الرَّسُولِ يَدُ الْمُرْسَلِ وَكَأَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْهُ وَلَا يُعْتَبَرُ تَعَلُّقُ حَقِّ الطَّالِبِ. اهـ. وَنَقَلَهُ بَعْضُهُمْ عَنْ غَايَةِ الْبَيَانِ. (قَوْلُهُ: وَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ إلَى أَنَّ بِالْكَفَالَةِ صَارَ لِلْكَفِيلِ عَلَى الْأَصِيلِ دَيْنٌ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَا يُنَافِيه مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الرَّاجِحَ أَنَّ الْكَفَالَةَ ضَمُّ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ فِي الْمُطَالَبَةِ؛ لِأَنَّ الضَّمَّ إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الطَّالِبِ وَهَذَا لَا يُنَافِي أَنْ يَكُونَ لِلْكَفِيلِ دَيْنٌ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ كَمَا لَا يَخْفَى وَعَلَى هَذَا فَالْكَفَالَةُ بِالْأَمْرِ تُوجِبُ ثُبُوتَ دِينَيْنِ وَثَلَاثِ مُطَالَبَاتٍ تُعْرَفُ بِالتَّدَبُّرِ. اهـ. وَأَصْلُهُ فِي الْعِنَايَةِ حَيْثُ قَالَ فَلِكَوْنِ الْوَاجِبِ عِنْدَ الْكَفَالَةِ دَيْنَيْنِ وَثَلَاثِ مُطَالَبَاتٍ، دَيْنٌ وَمُطَالَبَةُ حَالَيْنِ لِلْمُطَالَبِ عَلَى الْأَصِيلِ، وَمُطَالَبَةٌ فَقَطْ لَهُ عَلَى الْكَفِيلِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْكَفَالَةَ ضَمُّ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ فِي الْمُطَالَبَةِ وَدَيْنٌ وَمُطَالَبَةٌ لِلْكَفِيلِ عَلَى الْأَصِيلِ إلَّا أَنَّ الْمُطَالَبَةَ مُتَأَخِّرَةٌ إلَى وَقْتِ الْأَدَاءِ فَيَكُونُ دَيْنُ الْكَفِيلِ مُؤَجَّلًا وَلِهَذَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَهُ قَبْلَ الْأَدَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا إذَا قَبَضَهُ عَلَى وَجْهِ الرِّسَالَةِ إلَخْ) قَالَ فِي الْقُنْيَةِ دَفَعَ الْمَدْيُونُ إلَى الْكَفِيلِ قَبْلَ أَنْ يُوفِيَ وَلَمْ يَقُلْ: قَضَاءٌ، وَلَا بِجِهَةِ الرِّسَالَةِ فَإِنَّهُ يَقَعُ عَنْ الْقَضَاءِ. اهـ. فَعَلَيْهِ يَكُونُ لِلْكَفِيلِ مَا رَبِحَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، كَذَا فِي الشرنبلالية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 255 وَظَاهِرُ قَوْلِهِ لَا جَبْرٌ أَنَّ الْمُرَادَ بِالِاسْتِحْبَابِ عَدَمُ جَبْرِ الْقَاضِي عَلَيْهِ وَهُوَ لَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ الْوُجُوبِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى مَعَ اسْتِحْبَابِهِ فِي الْقَضَاءِ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ، وَالْعِبَارَةُ الْمَنْقُولَةُ عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ ظَاهِرُهَا وُجُوبُ الرَّدِّ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ التَّصَدُّقُ بِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ تَرَجَّحَ الرَّدُّ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مُخْتَصَرًا وَقَيَّدَ بِمَا يَتَعَيَّنُ؛ لِأَنَّ رِبْحَ مَا لَا يَتَعَيَّنُ لَا يُنْدَبُ رَدُّهُ عَلَى الْمَطْلُوبِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ لَا يَطِيبُ لِلْأَصِيلِ إذَا رَدَّهُ الْكَفِيلُ أَوْ لَا وَحُكْمُهُ كَمَا فِي الْبِنَايَةِ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْأَصِيلُ فَقِيرًا طَابَ لَهُ وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا فَفِيهِ رِوَايَتَانِ وَالْأَشْبَهُ كَمَا قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ يَطِيبُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا رَدَّهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ حَقُّهُ. اهـ. وَقَيَّدَ بِالْكَفِيلِ؛ لِأَنَّ الْغَاصِبَ إذَا رَبِحَ وَجَبَ رَدُّهُ عَلَى الْمَالِكِ وَيُجْبَرُ عَلَى الدَّفْعِ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِلْغَاصِبِ فِي الرِّبْحِ، كَذَا فِي الْبِنَايَةِ. قَوْلُهُ (وَلَوْ أَمَرَ كَفِيلَهُ أَنْ يَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ حَرِيرًا فَفَعَلَ فَالشِّرَاءُ لِلْكَفِيلِ وَالرِّبْحُ عَلَيْهِ) وَمَعْنَاهُ الْأَمْرُ بِبَيْعِ الْعِينَةِ مِثْلُ أَنْ يَسْتَقْرِضَ مِنْ تَاجِرٍ عَشَرَةً فَيَأْبَى فَيَبِيعُ مِنْهُ ثَوْبًا يُسَاوِي عَشَرَةً بَخَمْسَةَ عَشَرَ مَثَلًا رَغْبَةً فِي نَيْلِ الزِّيَادَةِ لِيَبِيعَهُ الْمُسْتَقْرِضُ بِعَشَرَةٍ وَيَتَجَمَّدَ خَمْسَةٌ سُمِّيَ بِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِعْرَاضِ عَنْ الدَّيْنِ إلَى الْعَيْنِ وَهُوَ مَكْرُوهٌ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِعْرَاضِ عَنْ مَبَرَّةِ الْإِقْرَاضِ مُطَاوَعَةً لِمَذْمُومِ الْبُخْلِ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَتَعَقَّبَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ هُنَا إذْ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَيَّنَ عَلَيَّ حَرِيرًا اذْهَبْ فَاسْتُقْرِضَ فَإِنْ لَمْ يَرْضَ الْمَسْئُولُ أَنْ يُقْرِضَك فَاشْتَرِ مِنْهُ الْحَرِيرَ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ بَلْ الْمَقْصُودُ اذْهَبْ فَاشْتَرِ بِثَمَنٍ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ لِتَبِيعَهُ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ الثَّمَنِ لِغَيْرِ الْبَائِعِ ثُمَّ يَشْتَرِيَهُ الْبَائِعُ مِنْ ذَلِكَ الْغَيْرِ بِالْأَقَلِّ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ وَيَدْفَعُ ذَلِكَ الْأَقَلَّ إلَى بَائِعِهِ فَيَدْفَعُهُ بَائِعُهُ إلَى الْمُشْتَرِي الْمَدْيُونِ فَيُسَلِّمُ الثَّوْبَ لِلْبَائِعِ كَمَا كَانَ وَيَسْتَفِيدُ الزِّيَادَةَ عَلَى ذَلِكَ الْأَقَلِّ وَإِنَّمَا وَسَّطَ الثَّانِيَ تَحَرُّزًا عَنْ شِرَاءِ مَا بَاعَ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ، فَإِذَا فَعَلَ الْكَفِيلُ ذَلِكَ كَانَ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ وَالْمِلْكُ لَهُ فِي الْحَرِيرِ وَالزِّيَادَةُ الَّتِي يَخْسَرُهَا عَلَيْهِ لِأَنَّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ حَاصِلُهَا ضَمَانُ مَا يَخْسَرُ الْمُشْتَرِي نَظَرًا إلَى قَوْلِهِ عَلَيَّ كَأَنَّهُ أَمَرَهُ بِالشِّرَاءِ لِنَفْسِهِ فَمَا خَسِرَ فَعَلَيَّ وَضَمَانُ الْخُسْرَانِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ لَا يَكُونُ إلَّا بِمَضْمُونٍ وَالْخُسْرَانُ غَيْرُ مَضْمُونٍ كَمَا لَوْ قَالَ بَايِعْ فِي السُّوقِ عَلَى أَنَّ كُلَّ خُسْرَانٍ يَلْحَقُك فَعَلَيَّ أَوْ قَالَ لِمُشْتَرِي الْعَبْدِ إنْ أَبَقَ عَبْدُك فَعَلَيَّ لَمْ يَصِحَّ وَقِيلَ هُوَ تَوْكِيلٌ فَاسِدٌ وَمَعْنَى عَلَيَّ مُنْصَرِفٌ إلَى الثَّمَنِ، فَإِذَا كَانَ الثَّمَنُ عَلَيْهِ يَكُونُ الْمَبِيعُ لَهُ فَأَعْنِي عَنْ قَوْلِهِ فَهُوَ تَوْكِيلٌ لَكِنَّهُ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُعَيَّنٍ مِقْدَارُهُ وَلَا ثَمَنُهُ فَلَا تَصِحُّ الْوَكَالَةُ كَمَا لَوْ قَالَ اشْتَرِ لِي حِنْطَةً وَلَمْ يُبَيِّنْ مِقْدَارَهَا وَلَا ثَمَنَهَا وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِقَدْرِ مَا يَقَعُ بِهِ إيفَاءُ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ قَدْرَهُ إنَّمَا هُوَ ثَمَنُ الْحَرِيرِ الَّذِي يُبَاعُ بِهِ لَا ثَمَنُ مَا يَشْتَرِيه الْكَفِيلُ بِهِ. اهـ. وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَيَّنَ عَلَيَّ حَرِيرًا اشْتَرِ حَرِيرًا بِطَرِيقِ الْعِينَةِ وَمَا لَمْ تَرْجِعْ إلَيْهِ الْعَيْنُ الَّتِي خَرَجَتْ مِنْهُ لَا يُسَمَّى بَيْعَ الْعِينَةِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْعَيْنِ الْمُسْتَرْجَعَةِ لَا الْعَيْنِ مُطْلَقًا وَإِلَّا فَكُلُّ بَيْعٍ بَيْعُ الْعِينَةِ وَفِي الْبِنَايَةِ أَنَّ الْكَرَاهَةَ فِي هَذَا الْبَيْعِ حَصَلَتْ مِنْ الْمَجْمُوعِ فَإِنَّ الْإِعْرَاضَ عَنْ الْإِقْرَاضِ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ، وَالْبُخْلُ الْحَاصِلُ مِنْ طَلَبِ الرِّبْحِ فِي التِّجَارَاتِ كَذَلِكَ وَإِلَّا لَكَانَتْ الْمُرَابَحَةُ مَكْرُوهَةً. اهـ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ ثُمَّ ذَمُّوا الْبِيَاعَاتِ الْكَائِنَةَ الْآنَ أَشَدُّ مِنْ بَيْعِ الْعِينَةِ حَتَّى قَالَ مَشَايِخُ بَلْخٍ لِلتِّجَارَةِ: إنَّ الْعِينَةَ الَّتِي جَاءَتْ فِي الْحَدِيثِ خَيْرٌ مِنْ بِيَاعَاتِكُمْ وَهُوَ صَحِيحٌ فَكَثِيرٌ مِنْ الْبِيَاعَاتِ كَالزَّيْتِ وَالْعَسَلِ وَالشَّيْرَجُ وَغَيْرِ ذَلِكَ اسْتِقْرَارُ وَزْنِهَا عَلَيْهَا مَظْرُوفَةً ثُمَّ إسْقَاطُ مِقْدَارٍ مُعَيَّنٍ عَلَى الظَّرْفِ وَبِهِ يَصِيرُ الْبَيْعُ فَاسِدًا وَلَا شَكَّ أَنَّ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ فِي حُكْمِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ قَوْلِهِ لَا جَبْرَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا أَعْنِي الْوُجُوبَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى بَعْدَ كَوْنِهِ نَمَاءُ مِلْكِهِ مِمَّا لَا يُعْرَفُ شَرْعًا فَلَمْ يَبْقَ إلَّا التَّنَزُّهُ عَمَّا فِي مِلْكِهِ مِنْ الْخَبَثِ الْمُتَمَكِّنِ فِيهِ لِتَعَيُّنِهِ وَهُوَ مَنْدُوبٌ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْإِمَامِ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى الَّذِي قَضَاهُ وَلَا يَجِبُ ذَلِكَ فِي الْحُكْمِ إذْ لَوْ وَجَبَ حَقًّا لِلْعَبْدِ لَأَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: وَقَيَّدَ بِالْكَفِيلِ؛ لِأَنَّ الْغَاصِبَ إلَخْ) قَالَ بَعْدَهُ فِي مِنَحِ الْغَفَّارِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ الْغَاصِبَ إذَا أَجَّرَ الْمَغْصُوبَ ثُمَّ رَدَّهُ فَإِنَّ الْأَجْرَ لَهُ يَتَصَدَّقُ بِهِ أَوْ يَرُدَّهُ إلَى الْمَغْصُوبِ مِنْهُ. اهـ. وَلَا مُخَالَفَةَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي صُورَةِ مَا إذَا اتَّجَرَ فِي الْمَغْصُوبِ الْمُتَعَيَّنِ وَرَبِحَ فِيهِ وَهَذَا فِيمَا إذَا أَجَّرَ الْعَيْنَ الْمَغْصُوبَةَ فَإِنَّهُ يَمْلِكُ الْأَجْرَ بِالْعَقْدِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ إلَخْ) عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ لَكِنَّهُ فَاسِدٌ وَلَوْ وَصَلْيَةٌ وَعِبَارَةُ الْفَتْحِ هَكَذَا وَلَوْ فَرَضْنَا أَنَّ الثَّمَنَ مَعْلُومٌ بَيْنَهُمَا وَهُوَ قَدْرُ مَا يَقَعُ بِهِ الْإِيفَاءُ كَانَ الْحَاصِلُ اشْتَرِ لِي حَرِيرًا يَكُونُ ثَمَنُهُ الَّذِي تَبِيعُهُ بِهِ فِي السُّوقِ قَدْرَ الدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْنَا وَهُوَ لَا يُعَيِّنُ قَدْرَ ثَمَنِ الْحَرِيرِ الْمُوَكِّلُ بِشِرَائِهِ بَلْ مَا يُبَاعُ بِهِ بَعْدَ شِرَائِهِ لِأَنَّ الزَّائِدَ عَلَى الْقَدْرِ الَّذِي يَقَعُ بِهِ الْإِيفَاءُ غَيْرُ مَعْلُومٍ وَكَيْفَ مَا كَانَ بَعْدَ تَوْكِيلًا فَاسِدًا أَوْ ضَمَانًا بَاطِلًا انْتَهَتْ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 256 الْغَصْبِ الْمُحَرَّمِ فَأَيْنَ هُوَ مِنْ بَيْعٍ جَوَّزَهُ بَعْضُهُمْ. اهـ. قَوْلُهُ (وَمَنْ كَفَلَ عَنْ رَجُلٍ بِمَا ذَابَ لَهُ عَلَيْهِ أَوْ بِمَا قُضِيَ لَهُ عَلَيْهِ فَغَابَ الْمَطْلُوبُ فَبَرْهَنَ الْمُدَّعِي عَلَى الْكَفِيلِ أَنَّ لَهُ عَلَى الْمَطْلُوبِ أَلْفًا لَمْ يُقْبَلْ) لِأَنَّ الْمَكْفُولَ بِهِ مَالٌ يَقْضِي بِهِ وَهَذَا فِي لَفْظِ الْقَضَاءِ ظَاهِرٌ وَكَذَا فِي الْأُخْرَى؛ لِأَنَّ مَعْنَى ذَابَ تَقَرَّرَ وَهُوَ وَبِالْقَضَاءِ إذْ الْمَضْمُونُ مَالٌ يُقْضَى بِهِ وَهَذَا مَاضٍ أُرِيدَ بِهِ الْمُسْتَقْبِلُ كَقَوْلِهِ أَطَالَ اللَّهُ بَقَاءَك وَالدَّعْوَى عَلَى الْكَفِيلِ غَيْرُ مُقَيَّدَةٍ بِأَنَّ الْمَالَ وَجَبَ عَلَى الْأَصِيلِ بَعْدَ الْكَفَالَةِ بَلْ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ بَعْدَهَا كَمَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَبْلَهَا فَلَا تَصِحُّ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ قَضَاءٌ عَلَى الْغَائِبِ وَهُوَ الْأَصِيلُ مِنْ غَيْرِ خَصْمٍ عَنْهُ وَجَزْمُهُمْ هُنَا بِعَدَمِ الْقَبُولِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى الرِّوَايَةِ الضَّعِيفَةِ أَمَّا عَلَى أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ الْمُفْتَى بِهِ مِنْ نَفَاذِ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ فَيَنْبَغِي النَّفَاذُ وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَيْهِ هُنَا بِقَوْلِهِ بَرْهَنَ أَنَّ لَهُ عَلَى الْمَطْلُوبِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ادَّعَى الْوُجُوبَ بَعْدَ الْكَفَالَةِ بِأَنْ قَالَ حَكَمَ لِي عَلَيْهِ الْقَاضِي فُلَانٌ بِكَذَا بَعْدَ الْكَفَالَةِ وَبَرْهَنَ قَبْلُ لِدُخُولِهِ تَحْتَ الْكَفَالَةِ وَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ إلَى أَنَّ الْكَفِيلَ لَوْ أَقَرَّ عَلَى الْأَصِيلِ بِأَلْفٍ لَمْ تَجِبْ عَلَى الْكَفِيلِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ لَا يُوجِبُ عَلَى الْأَصِيلِ شَيْئًا فَلَمْ يَجِبْ بِهِ عَلَى الْكَفِيلِ. قَوْلُهُ (وَلَوْ بَرْهَنَ أَنَّ لَهُ عَلَى زَيْدٍ كَذَا وَأَنَّهُ كَفِيلٌ عَنْهُ بِأَمْرِهِ قُضِيَ بِهِ عَلَيْهِمَا وَلَوْ بِلَا أَمْرٍ قُضِيَ عَلَى الْكَفِيلِ فَقَطْ) وَإِنَّمَا قُبِلَ الْبُرْهَانُ هُنَا لِأَنَّ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَجَزْمُهُمْ هُنَا بِعَدَمِ الْقَبُولِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى الرِّوَايَةِ الضَّعِيفَةِ إلَخْ) أَقُولُ: بَلْ هُوَ عَلَى كُلِّ الرِّوَايَاتِ لِأَنَّ الْكَلَامَ لَيْسَ فِي نَفَاذِ الْقَضَاءِ بَعْدَ وُقُوعِهِ لِيَكُونَ مُفَرَّعًا عَلَى الرِّوَايَةِ الْقَائِلَةِ بِعَدَمِ النَّفَاذِ وَإِنَّمَا هُوَ فِي قَبُولِ الْبَيِّنَةِ وَعَدَمِهِ، كَذَا فِي الْمِنَحِ شَرْحِ التَّنْوِيرِ وَأَقَرَّهُ الرَّمْلِيُّ فِي الْحَاشِيَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ وَفِي النَّهْرِ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ هَذَا الْبُرْهَانَ لَا يُقْضَى بِهِ بَلْ يُقْضَى بِهِ إذْ الْقَضَاءُ عَلَى الْغَائِبِ فِي مِثْلِهِ صَحِيحٌ فَفِي الْعِمَادِيَّةِ ادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهُ كَفَلَ عَنْ فُلَانٍ بِمَا يَذُوبُ لَهُ عَلَيْهِ فَأَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْكَفَالَةِ وَأَنْكَرَ الْحَقَّ وَأَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً أَنَّهُ ذَابَ لَهُ عَلَى فُلَانٍ كَذَا فَإِنَّهُ يُقْضَى بِهِ فِي حَقِّ الْكَفِيلِ الْحَاضِرِ وَفِي حَقِّ الْغَائِبِ جَمِيعًا حَتَّى لَوْ حَضَرَ الْغَائِبُ وَأَنْكَرَ لَا يُلْتَفَتُ إلَى إنْكَارِهِ. اهـ. كَذَا فِي الْحَوَاشِي الْيَعْقُوبِيَّةِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ الْكَفِيلَ يَكُونُ هُنَاكَ خَصْمًا لَهُ، بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ الْمُوجِبُ لِكَوْنِهِ لَيْسَ خَصْمًا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ مَوْجُودٌ فِي فَرْعِ الْفُصُولِ كَمَا لَا يَخْفَى فَتَدَبَّرْهُ. اهـ. أَقُولُ: وَقَدْ أَجَابَ فِي الْحَوَاشِي الْيَعْقُوبِيَّةِ بِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ صِحَّةِ الْكَفَالَةِ وَقَبُولِ الْبَيِّنَةِ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ عَدَمُ الْمُطَابَقَةِ لِكَوْنِ الدَّعْوَى مُطْلَقَةً وَقَوْلُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَالدَّعْوَى مُطْلَقَةٌ عَنْ ذَلِكَ صَرِيحٌ كَمَا لَا يَخْفَى فَلْيُتَأَمَّلْ. اهـ. وَمَا ذَكَرَهُ فِي النَّهْرِ بِقَوْلِهِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ أَجَابَ بِهِ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ، وَقَدْ يَدْفَعُ مَا نُظِرَ فِيهِ وَذَلِكَ أَنَّ الْمُوجِبَ لِكَوْنِهِ لَيْسَ خَصْمًا فِيمَا نَحْنُ كَمَا قَالَ فِي الْفَتْحِ أَنَّهُ جَعَلَ الذَّوْبَ شَرْطًا لِلْكَفَالَةِ فَمَا لَمْ يُوجَدْ الذَّوْبُ بَعْدَهَا لَا يَكُونُ كَفِيلًا وَالدَّعْوَى مُطْلَقَةٌ عَنْ ذَلِكَ لَمْ تَشْهَدْ بِقَضَاءِ مَالٍ وَجَبَ بَعْدَ الْكَفَالَةِ فَلَمْ تَقُمْ عَلَى مَنْ اتَّصَفَ بِكَوْنِهِ كَفِيلًا عَنْ الْغَائِبِ بَلْ عَلَى أَجْنَبِيٍّ. اهـ. وَهَذَا بِخِلَافِ فَرْعِ الْعِمَادِيَّةِ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ هُنَاكَ ادَّعَى أَنَّهُ ذَابَ لَهُ عَلَى فُلَانٍ كَذَا وَبَرْهَنَ عَلَى ذَلِكَ، وَقَدْ قَالُوا: إنَّ ذَابَ بِمَعْنَى تَقَرَّرَ وَوَجَبَ وَهُوَ بِالْقَضَاءِ فَيُسَاوِي الْفَرْعُ الَّذِي يَذْكُرُهُ الْمُؤَلِّفُ وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ قَالَ حَكَمَ لِي عَلَيْهِ الْقَاضِي فُلَانٌ بِكَذَا بَعْدَ الْكَفَالَةِ وَبَرْهَنَ يُقْبَلُ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ خَصْمًا لِوُجُودِ الشَّرْطِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَتَأَمَّلْهُ وَرَأَيْت فِي حَاشِيَةِ الْعَلَّامَةِ الْوَانِيِّ عَلَى شَرْحِ الدُّرَرِ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِهِ النَّقْضَ بِفَرْعِ الْعِمَادِيَّةِ وَدَفَعَهُ ظَاهِرٌ فَإِنَّ كَلَامَ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ يُفِيدُ تَقْيِيدَ الْكَفَالَةِ بِحَقٍّ وَجَبَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي أَوْ يَجِبُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي كَأَنَّهُ قَالَ كَفَلْت إنْ وَجَبَ دَيْنٌ بِقَضَاءِ الْقَاضِي وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يَتَحَقَّقُ بِأَنْ قُضِيَ بِهِ فِي ضِمْنِ الْقَضَاءِ بِالْكَفَالَةِ وَالْفَرْقُ وَاضِحٌ وَعِبَارَةُ الْهِدَايَةِ؛ لِأَنَّ الْمَكْفُولَ بِهِ مَالٌ مَقْضِيٌّ بِهِ صَرِيحٌ فِيمَا قُلْنَا وَمَنْ لَمْ يَفْهَمْهُ قَالَ مَا قَالَ: وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِحَقِيقَةِ الْحَالِ. اهـ. قُلْتُ: وَهُوَ رَاجِعٌ إلَى مَا قُلْنَا أَيْ أَنَّ قَوْلَهُ كَفَلْت فِيمَا قُضِيَ لَك عَلَى فُلَانٍ أَيْ بِمَا يُقْضَى لَك عَلَيْهِ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُقْضَى لَهُ عَلَيْهِ حَتَّى تَتَحَقَّقَ الْكَفَالَةُ، فَإِذَا بَرْهَنَ الْمُدَّعِي عَلَى الْكَفِيلِ بِأَنَّ لَهُ عَلَى الْمَطْلُوبِ أَلْفًا لَمْ يَكُنْ الْكَفِيلُ خَصْمًا لِعَدَمِ تَحَقُّقِ كَفَالَتِهِ، وَلَوْ قُلْنَا: إنَّهُ يَثْبُتُ الْقَضَاءُ عَلَى الْأَصِيلِ ضِمْنًا؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ بَعْدَ صِحَّةِ الدَّعْوَى وَهُنَا لَمْ تَصِحَّ فَلَمْ يَثْبُتْ الْقَضَاءُ عَلَى الْأَصِيلِ لَا قَصْدًا وَلَا ضِمْنًا بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْفُصُولِ فَإِنَّ الْمُدَّعِي قَدْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى أَنَّهُ ذَابَ لَهُ عَلَى الْأَصِيلِ كَذَا أَيْ أَنَّهُ قَضَى لَهُ فُلَانٌ الْقَاضِي أَنَّهُ ثَبَتَ لَهُ عَلَى الْأَصِيلِ كَذَا فَقَدْ وُجِدَ شَرْطُ الْكَفَالَةِ وَهُوَ ثُبُوتُ الْمَالِ عَلَى الْأَصِيلِ بِحُكْمِ ذَلِكَ الْقَاضِي الَّذِي بَرْهَنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَصَارَ الْكَفِيلُ خَصْمًا لِوُجُودِ شَرْطِ الْكَفَالَةِ وَهُوَ الْحُكْمُ بِالْمَالِ عَلَى الْأَصِيلِ بَعْدَ الْكَفَالَةِ وَالْمَقْصُودُ بِهَذِهِ الدَّعْوَى إلْزَامُ الْكَفِيلِ بِالْمَالِ بِمُقْتَضَى كَفَالَتِهِ فَيَلْزَمُهُ الْمَالُ وَيَتَعَدَّى الْحُكْمُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 257 الْمَكْفُولَ بِهِ مَالٌ مُطْلَقٌ، بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ وَإِنَّمَا يَخْتَلِفُ بِالْأَمْرِ وَعَدَمِهِ لِأَنَّهُمَا يَتَغَايَرَانِ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ بِالْأَمْرِ تَبَرُّعٌ ابْتِدَاءً وَمُعَاوَضَةٌ انْتِهَاءً وَبِغَيْرِ أَمْرٍ تَبَرُّعٌ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً فَبِدَعْوَاهُ أَحَدِهِمَا لَا يُقْضَى لَهُ بِالْآخَرِ، وَإِذَا قُضِيَ بِهَا بِالْأَمْرِ يَثْبُتُ أَمْرُهُ وَهُوَ يَتَضَمَّنُ الْإِقْرَارَ بِالْمَالِ فَيَصِيرُ مَقْضِيًّا وَالْكَفَالَةُ بِأَمْرٍ لَا تَمَسُّ جَانِبَهُ؛ لِأَنَّهُ يَعْتَمِدُ صِحَّتُهَا قِيَامَ الدَّيْنِ فِي زَعْمِ الْكَفِيلِ فَلَا يَتَعَدَّى إلَيْهِ فِي الْكَفَالَةِ بِأَمْرٍ يَرْجِعُ الْكَفِيلُ بِمَا أَدَّى عَلَى الْآمِرِ، وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَرْجِعُ لِأَنَّهُ لَمَّا أَنْكَرَ فَقَدْ ظَلَمَ فِي زَعْمِهِ فَلَا يَظْلِمُ غَيْرَهُ وَنَحْنُ نَقُولُ صَارَ مُكَذِّبًا شَرْعًا فَبَطَلَ مَا زَعَمَهُ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ لَهُ عَلَى زَيْدٍ كَذَا وَإِنَّ هَذَا كَفِيلٌ عَنْهُ يَعْنِي بِهَذَا الْمِقْدَارِ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ لَوْ كَانَتْ مُطْلَقَةً نَحْوَ أَنْ يَقُولَ كَفَلْت بِمَالِك عَلَى فُلَانٍ فَإِنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْكَفِيلِ قَضَاءٌ عَلَى الْأَصِيلِ سَوَاءٌ كَانَتْ بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ؛ لِأَنَّ الطَّالِبَ لَا يَتَوَصَّلُ إلَى إثْبَاتِ حَقِّهِ عَلَى الْكَفِيلِ إلَّا بَعْدَ إثْبَاتِهِ عَلَى الْأَصِيلِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْكَفِيلِ أَنَّهُ لَيْسَ لِلطَّالِبِ عَلَى الْأَصِيلِ شَيْءٌ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ صَارَ الْكَفِيلُ خَصْمًا عَنْهُ وَإِنْ كَانَ غَائِبًا وَالْمَذْهَبُ عِنْدَنَا أَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا ادَّعَى عَلَى الْحَاضِرِ حَقًّا لَا يُتَوَصَّلُ إلَيْهِ إلَّا بِإِثْبَاتِهِ عَلَى الْغَائِبِ قَالَ مَشَايِخُنَا وَهَذَا طَرِيقُ مَنْ أَرَادَ إثْبَاتَ الدَّيْنِ عَلَى الْغَائِبِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْكَفِيلِ وَالْغَائِبِ اتِّصَالٌ. وَكَذَا إذَا خَافَ الطَّالِبُ مَوْتَ الشَّاهِدِ يَتَوَاضَعُ مَعَ رَجُلٍ وَيَدَّعِي عَلَيْهِ مِثْلَ هَذِهِ الْكَفَالَةِ فَيُقِرُّ الرَّجُلُ بِالْكَفَالَةِ وَيُنْكِرُ الدَّيْنَ فَيُقِيمُ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ عَلَى الدَّيْنِ فَيُقْضَى بِهِ عَلَى الْكَفِيلِ وَالْأَصِيلِ ثُمَّ يُبَرِّئُ الْكَفِيلَ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ مُطْلَقَةٌ عَنْ الْمِقْدَارِ وَمُقَيَّدَةٌ بِهِ وَكُلٌّ عَلَى وَجْهَيْنِ: إمَّا بِالْأَمْرِ أَوْ بِعَدَمِهِ فَلَا تَفْصِيلَ فِي الْمُطْلَقَةِ وَهِيَ الْحِيلَةُ فِي الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ وَالتَّفْصِيلُ فِي الْمُقَيَّدَةِ وَلَا تَصْلُحُ لِلْحِيلَةِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ التَّعَدِّي إلَى الْغَائِبِ كَوْنُهَا بِأَمْرِهِ وَالْحَوَالَةُ عَلَى هَذِهِ الْوُجُوهِ، وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَنَّ الْكَفَالَةَ الْمُطْلَقَةَ وَهِيَ الْحِيلَةُ فِي الْإِثْبَاتِ عَلَى الْغَائِبِ قَالَ وَلَيْسَ هُوَ الْقَضَاءُ عَلَى الْمُسَخَّرِ لِأَنَّ الْمُدَّعِي صَادِقٌ فِي دَعْوَاهُ عَلَى الْكَفِيلِ ثُمَّ يُبَرِّئُ الْمُدَّعِي الْكَفِيلَ عَنْ الْمَالِ وَالْكَفَالَةِ وَيَبْقَى الْمَالُ لَهُ عَلَى الْغَائِبِ. اهـ. وَمِنْ هُنَا عُلِمَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِيمَا يَأْتِي فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَلَا يُقْضَى عَلَى غَائِبٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَا يَدَّعِي عَلَى الْغَائِبِ سَبَبًا لِمَا يَدَّعِي عَلَى الْحَاضِرِ أَنَّ مِنْ الصُّوَرِ الْكَفَالَةُ الْمُقَيَّدَةُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ إلَى آخِرِهِ سَهْوٌ ظَاهِرٌ وَإِنَّمَا هُوَ فِي الْمُطْلَقَةِ وَسَيَأْتِي التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ فِي مَحَلِّهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَوْلُهُ (وَكَفَالَتُهُ بِالدَّرَكِ تَسْلِيمٌ) لِأَنَّ الْكَفَالَةَ لَوْ كَانَتْ مَشْرُوطَةً فِي الْبَيْعِ فَتَمَامُهُ بِقَبُولِهِ ثُمَّ بِالدَّعْوَى يَسْعَى فِي نَقْضِ مَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ   [منحة الخالق] عَلَيْهِ إلَى الْحُكْمِ عَلَى الْأَصِيلِ الْغَائِبِ فَيَكُونُ قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ ضِمْنًا لَا قَصْدًا فَقَدْ ظَهَرَ مَا قَالَهُ الْوَانِيُّ مِنْ أَنَّ الْفَرْقَ وَاضِحٌ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَإِنَّمَا بَسَطْنَا الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ لِمَا وَقَعَ فَهْمُ هَذَا الْمَوْضِعِ مِنْ الْإِضْرَابِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (قَوْلُهُ: وَنَحْنُ نَقُولُ صَارَ مُكَذِّبًا شَرْعًا فَبَطَلَ مَا زَعَمَهُ) اعْلَمْ أَنَّ دَعْوَى الْخَصْمِ فِي الْأُمُورِ الَّتِي تَثْبُتُ أَوَّلًا بِالْبَيِّنَةِ الَّتِي كَذَّبَهُ الشَّرْعُ بِذَلِكَ صَحِيحَةٌ لَا يُعْتَبَرُ فِيهَا التَّنَاقُضُ لِتَكْذِيبِ الشَّرْعِ كَمَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ، وَأَمَّا فِي الْأُمُورِ الَّتِي يَحْتَاجُ فِيهَا ثَانِيًا إلَى الدَّعْوَى وَإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ فَلَيْسَتْ بِصَحِيحَةٍ كَمَا لَوْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ أَنَّهُ اشْتَرَى مِنْهُ أَمَتَهُ هَذِهِ ثُمَّ قَالَ لَسْت أَنَا بَائِعُك قَطُّ فَبَرْهَنَ عَلَيْهِ الْمُدَّعِي فَوَجَدَ عَيْبًا فَبَرْهَنَ الْبَائِعُ أَنَّهُ بَاعَهُ وَبَرِئَ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْبَرَاءَةَ لِلتَّنَاقُضِ، وَوَجْهُ هَذَا أَنَّ الْإِنْكَارَ مَعْدُومٌ مِنْ وَجْهٍ مَوْجُودٌ مِنْ وَجْهٍ فَيُعْمَلُ بِالْوَجْهَيْنِ فَاعْتُبِرَ عَدَمُهُ فِيمَا لَا يَحْتَاجُ إلَى الدَّعْوَى ثَانِيًا وَاعْتُبِرَ وُجُودُهُ فِيمَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا فَلْيَكُنْ هَذَا فِي ذِكْرٍ مِنْك فَإِنَّهُ كَثِيرُ النَّفْعِ، كَذَا فِي الْحَوَاشِي الْيَعْقُوبِيَّةِ. (قَوْلُهُ: وَالتَّفْصِيلُ فِي الْمُقَيَّدَةِ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّهَا تَصْلُحُ لِلْحِيلَةِ لَوْ بِالْأَمْرِ وَإِلَّا فَلَا قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ بَعْدَ مَا نَقَلَهُ الْمُؤَلِّفُ عَنْهَا، وَلَوْ ادَّعَى رَجُلٌ أَنَّ لَهُ عَلَى الْغَائِبِ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَأَنَّ هَذَا الرَّجُلُ كَفَلَ لِي عَنْ الْغَائِبِ بِالْأَلْفِ الَّذِي لِي عَلَيْهِ بِأَمْرِهِ فَهَذَا وَمَا تَقَدَّمَ سَوَاءٌ يَقْضِي عَلَى الْحَاضِرِ وَيَكُونُ ذَلِكَ قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ وَلَوْ لَمْ يَقْبَلْ بِأَمْرِهِ وَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ذَلِكَ فَبَرْهَنَ عَلَيْهِ يَقْضِي بِالْأَلْفِ عَلَى الْحَاضِرِ وَلَا يَكُونُ قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ ادَّعَى الْكَفَالَةَ الْعَامَّةَ فَلَا تَفْصِيلَ. (قَوْلُهُ: وَمِنْ هُنَا عُلِمَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِيمَا يَأْتِي إلَخْ) أَيْ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ قُبَيْلَ بَابَ التَّحْكِيمِ، ثُمَّ إنَّ الَّذِي رَايَتُهُ فِيهِ مُوَافِقٌ لِمَا هُنَا وَهَذَا نَصُّهُ لَوْ ادَّعَى عَلَى شَخْصٍ دَيْنًا عَلَى أَنَّهُ كَفِيلٌ عَنْ الْغَائِبِ بِأَمْرِهِ فَأَقَرَّ الْحَاضِرُ بِالْكَفَالَةِ وَأَنْكَرَ الدَّيْنَ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ أَنَّ لَهُ عَلَى الْغَائِبِ أَلْفَ دِرْهَمٍ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَيَثْبُتُ الْحَقُّ عَلَى الْغَائِبِ وَالْحَاضِرِ حَتَّى إذَا حَضَرَ الْغَائِبُ لَزِمَهُ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إعَادَةِ الْبَيِّنَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا هُوَ فِي الْمُطْلَقَةِ) فِي الْحَصْرِ نَظَرٌ بَلْ فِي الْمُقَيَّدَةِ بِمِقْدَارٍ إذَا كَانَتْ بِالْأَمْرِ كَذَلِكَ كَمَا عَلِمْت نَعَمْ يَظْهَرُ التَّخْصِيصُ بِالْمُطْلَقَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ شُهُودٌ عَلَى كَوْنِ الْكَفَالَةِ بِالْأَمْرِ، أَمَّا إذَا كَانَ لَهُ شُهُودٌ عَلَيْهَا وَأَثْبَتَ ذَلِكَ عَلَى الْكَفِيلِ يَثْبُتُ عَلَى الْأَصِيلِ وَلَوْ كَانَتْ مُقَيَّدَةً وَكَأَنَّهُ خَصَّ الْمُطْلَقَةَ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي حِيلَةِ الْإِثْبَاتِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 258 مَشْرُوطَةً فِيهِ فَالْمُرَادُ بِهَا أَحْكَامُ الْبَيْعِ وَتَرْغِيبُ الْمُشْتَرِي فِيهِ إذْ لَا يَرْغَبُ فِيهِ دُونَ الْكَفَالَةِ فَنَزَلَ مَنْزِلَةَ الْإِقْرَارِ بِمِلْكِ الْبَائِعِ وَالْمُرَادُ بِكَوْنِهَا تَسْلِيمًا أَنَّهَا تَصْدِيقٌ مِنْ الْكَفِيلِ بِأَنَّ الدَّارَ مِلْكُ الْبَائِعِ حَتَّى لَوْ ادَّعَى الْكَفِيلُ الدَّارَ لِنَفْسِهِ عَلَى الْمُشْتَرِي لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ؛ لِأَنَّهَا لَوْ صَحَّتْ لَرَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْكَفَالَةِ فَلَا يُفِيدُ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الْكَفِيلُ شَفِيعُهَا فَلَا شُفْعَةَ لَهُ فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ بِالْمِلْكِ فِيهَا وَبِالشُّفْعَةِ وَبِالْإِجَارَةِ وَقَدَّمْنَا أَنَّ ضَمَانَ الدَّرْكِ هُوَ ضَمَانُ الثَّمَنِ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِ الْمَبِيعِ وَالدَّرَكُ فِي اللُّغَةِ التَّبَعَةُ يُحَرَّكُ وَيُسَكَّنُ وَفِي الْحَادِيَ عَشَرَ مِنْ بُيُوعِ الْخُلَاصَةِ مَنْ سَعَى فِي نَقْضِ مَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ لَمْ يُعْتَبَرْ إلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ: أَحَدُهُمَا - رَجُلٌ اشْتَرَى عَبْدًا وَقَبَضَهُ وَنَقَدَ الثَّمَنَ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّ الْبَائِعَ بَاعَهُ قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ بِكَذَا قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ. وَالثَّانِي - إذَا وَهَبَ جَارِيَتَهُ مِنْ إنْسَانٍ فَاسْتَوْلَدَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ ثُمَّ أَقَامَ الْوَاهِبُ بَيِّنَةً أَنَّهُ كَانَ دَبَّرَهَا أَوْ اسْتَوْلَدَهَا قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ وَيَرْجِعُ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ بِالْجَارِيَةِ وَالْعُقْرِ. اهـ. وَالْحَصْرُ الْمَذْكُورُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ يَرُدُّ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ مِنْ الْبُيُوعِ لَوْ ادَّعَى الْمُشْتَرِي أَنَّ الْمَبِيعَ حُرٌّ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَمَا لَوْ بَاعَ أَرْضًا ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ كَانَ وَقَفَهَا وَأَنَّهَا وَقْفٌ فَإِنْ بَيِّنَتَهُ مَقْبُولَةٌ عَلَى الْمُخْتَارِ كَمَا ذَكَرَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ لَكِنْ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ لِلتَّنَاقُضِ مَعَ أَنَّهُ سَاعٍ فِي نَقْضِ مَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ. (قَوْلُهُ: وَشَهَادَتُهُ وَخَتْمُهُ لَا) أَيْ لَا يَكُونُ إقْرَارًا بِمِلْكِ الْبَائِعِ وَالشَّاهِدُ عَلَى دَعْوَاهُ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تَكُونُ مَشْرُوطَةً فِي الْبَيْعِ وَلَا يَكُونُ إقْرَارًا بِالْمِلْكِ لِأَنَّ الْبَيْعَ مَرَّةً يُوجَدُ مِنْ الْمَالِكِ وَتَارَةً مِنْ غَيْرِهِ وَلَعَلَّهُ كَتَبَ الشَّهَادَةَ لِيَحْفَظَ الْحَادِثَةَ، بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ. قَالُوا: إذَا كَتَبَ فِي الصَّكِّ بَاعَ وَهُوَ يَمْلِكُهُ أَوْ بَيْعًا بَاتًّا نَافِذًا أَوْ كَتَبَ شَهِدَ بِذَلِكَ كَانَ تَسْلِيمًا إلَّا إذَا كَتَبَ الشَّهَادَةَ عَلَى إقْرَارِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، وَكَذَا لَوْ شَهِدَ عِنْدَ الْحَاكِمِ بِالْبَيْعِ وَقُضِيَ بِشَهَادَتِهِ أَوْ لَمْ يُقْضَ كَانَ تَسْلِيمًا أَوْ التَّقْيِيدُ بِالْخَتْمِ لِبَيَانِ أَنَّ مُجَرَّدَ الْكِتَابَةِ بِلَا خَتْمٍ لَا يَكُونُ تَسْلِيمًا بِالْأَوْلَى وَإِنَّمَا ذَكَرُوهُ بِنَاءً عَلَى عَادَتِهِمْ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَخْتِمُونَهُ بَعْدَ كِتَابَةِ أَسْمَائِهِمْ عَلَى الصَّكِّ خَوْفًا مِنْ التَّغْيِيرِ وَالتَّزْوِيرِ وَالْحُكْمُ لَا يَخْتَلِفُ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الْخَتْمُ أَمْرٌ كَانَ فِي زَمَانِهِمْ إذَا كَتَبَ اسْمَهُ فِي الصَّكِّ جَعَلَ اسْمَهُ تَحْتَ رَصَاصٍ مَكْتُوبًا وَوَضَعَ نَقْشَ خَاتَمِهِ كَيْ لَا يَتَطَرَّقَهُ التَّبْدِيلُ وَلَيْسَ هَذَا فِي زَمَانِنَا. اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُمْ هُنَا أَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تَكُونُ إقْرَارًا بِالْمِلْكِ يَدُلُّ بِالْأَوْلَى عَلَى أَنَّ السُّكُوتَ زَمَانًا لَا يَمْنَعُ الدَّعْوَى وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ فِي مَسَائِلَ شَتَّى آخِرَ الْكِتَابِ عِنْدَ قَوْلِهِ بَاعَ عَقَارًا وَبَعْضُ أَقَارِبِهِ حَاضِرٌ إلَى آخِرِهِ. قَوْلُهُ (وَمَنْ ضَمِنَ عَنْ آخَرَ خَرَاجَهُ أَوْ رَهَنَ بِهِ أَوْ ضَمِنَ نَوَائِبَهُ أَوْ قِسْمَتَهُ صَحَّ) أَمَّا الْخَرَاجُ فَلِكَوْنِهِ دَيْنًا مُطَالَبًا بِهِ قَيَّدَ بِهِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الزَّكَاةِ فِي الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ الضَّمَانُ بِهَا عَنْ صَاحِبِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهَا مُجَرَّدُ فِعْلٍ وَلِهَذَا لَا تُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ إلَّا بِوَصِيَّتِهِ وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْخَرَاجَ الْمُوَظَّفُ وَخَرَاجَ الْمُقَاسَمَةِ وَخَصَّصَهُ بَعْضُهُمْ بِالْمُوَظَّفِ وَهُوَ مَا يَجِبُ فِي الذِّمَّةِ وَنَفَى صِحَّةَ الضَّمَانِ بِخَرَاجِ الْمُقَاسَمَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ، وَالرَّهْنُ كَالْكَفَالَةِ بِجَامِعِ التَّوَثُّقِ فَيَجُوزُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ تَجُوزُ الْكَفَالَةُ فِيهِ هَكَذَا ذَكَرَ الشَّارِحُ وَهُوَ مَنْقُوضٌ بِالدَّرَكِ فَإِنَّ الْكَفَالَةَ بِهِ جَائِرَةٌ دُونَ الرَّهْنِ، وَأَمَّا النَّوَائِبُ فَجَمْعُ نَائِبَةٍ وَفِي الصِّحَاحِ النَّائِبَةُ الْمُصِيبَةُ وَاحِدَةُ نَوَائِبِ الدَّهْرِ. اهـ. وَفِي اصْطِلَاحِهِمْ قِيلَ أَرَادَ بِهَا مَا يَكُونُ بِحَقٍّ كَأُجْرَةِ الْحُرَّاسِ وَكَرْيِ النَّهْرِ الْمُشْتَرَكِ وَالْمَالِ الْمُوَظَّفِ لِتَجْهِيزِ الْجَيْشِ وَفِدَاءِ الْأَسْرَى وَقِيلَ الْمُرَادُ بِهَا مَا لَيْسَ بِحَقٍّ كَالْجِبَايَاتِ الَّتِي فِي زَمَانِنَا يَأْخُذُهَا الظَّلَمَةُ بِغَيْرِ حَقٍّ فَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ هُوَ الْأَوَّلُ جَازَتْ الْكَفَالَةُ بِهَا اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ مَضْمُونٌ وَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ الثَّانِيَ فَفِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ مِنْهُمْ صَدْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ؛ لِأَنَّهَا ضَمُّ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ فِي الْمُطَالَبَةِ أَوْ الدَّيْنِ وَهُنَا لَا مُطَالَبَةَ وَلَا دَيْنَ   [منحة الخالق] عَلَى الْغَائِبِ بِالْمُوَافَقَةِ وَذَلِكَ حَيْثُ لَا بَيِّنَةَ. (قَوْلُهُ: وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُمْ هُنَا أَنَّ الشَّهَادَةَ إلَخْ) قَالَ أَبُو السُّعُودِ لَكِنْ نَقَلَ شَيْخُنَا عَنْ فَتَاوَى الشَّيْخِ الشَّلَبِيِّ أَنَّ حُضُورَهُ مَجْلِسَ الْبَيْعِ وَسُكُوتَهُ بِلَا مَانِعٍ مَانِعٌ لَهُ مِنْ الدَّعْوَى بَعْدَ ذَلِكَ حَسْمًا لَبَابِ التَّزْوِيرِ. (قَوْلُهُ: وَخَصَّصَهُ بَعْضُهُمْ بِالْمُوَظَّفِ) مَشَى عَلَيْهِ فِي النَّهْرِ ثُمَّ قَالَ وَلِذَا قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ قُيِّدَتْ الْكَفَالَةُ بِمَا إذَا كَانَ خَرَاجًا مُوَظَّفًا؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ فِي مُقَابَلَةِ الذَّبِّ عَنْ حَوْزَةِ الدَّيْنِ وَحِفْظِهِ فَكَانَ كَالْأُجْرَةِ لِإِخْرَاجِ مُقَاسَمَةٍ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ وَقَرِينَةُ إرَادَةِ الْمُوَظَّفِ قَوْلُهُ أَوْ رَهَنَ بِهِ إذْ الرَّهْنُ بِخَرَاجِ الْمُقَاسَمَةِ غَيْرُ صَحِيحٍ بِخِلَافِ الْمُوَظَّفِ. اهـ. مَا فِي النَّهْرِ وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ وَاَلَّذِي اعْتَمَدُوهُ جَمِيعًا فِي التَّعْلِيلِ بِقَوْلِهِمْ لِأَنَّهُ دَيْنٌ لَهُ مُطَالِبٌ مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ فَصَارَ كَسَائِرِ الدُّيُونِ يَدُلُّ عَلَى اخْتِصَاصِهِ بِالْمُوَظَّفِ، أَمَّا خَرَاجُ الْمُقَاسَمَةِ فَجُزْءٌ مِنْ الْخَارِجِ وَهُوَ عَيْنٌ غَيْرُ مَضْمُونٍ حَتَّى لَوْ هَلَكَ لَا يُؤْخَذُ شَيْءٌ وَالْكَفَالَةُ بِأَعْيَانٍ غَيْرِ مَضْمُونَةٍ لَا تَجُوزُ كَالزَّكَاةِ فِي الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ. اهـ. (قَوْلُ صَدْرِ الْإِسْلَامِ) هُوَ أَبُو الْيُسْرِ رَمْلِيٌّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 259 شَرْعِيَّانِ عَلَى الْأَصِيلِ فَلَمْ يَتَحَقَّقْ مَعْنَاهَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ تَجُوزُ مِنْهُمْ فَخْرُ الْإِسْلَامِ عَلِيٌّ الْبَرْذَوِيُّ أَخُو صَدْرِ الْإِسْلَامِ الْمُتَقَدِّمِ؛ لِأَنَّهَا فِي الْمُطَالَبَةِ مِثْلُ سَائِرِ الدُّيُونِ بَلْ فَوْقَهَا وَالْعِبْرَةُ لِلْمُطَالَبَةِ؛ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِالْتِزَامِهَا فَالْمُطَالَبَةُ الْحِسِّيَّةُ كَالْمُطَالَبَةِ الشَّرْعِيَّةِ وَلِذَا قُلْنَا وَمَنْ قَامَ بِتَوْزِيعِ هَذِهِ النَّوَائِبِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِالْقِسْطِ أَيْ بِالْعَدْلِ يُؤْجَرُ وَإِنْ كَانَ الْآخِذُ بِالْأَخْذِ ظَالِمًا وَقُلْنَا مَنْ قَضَى نَائِبَهُ غَيْرُهُ بِأَمْرِهِ رَجَعَ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ الرُّجُوعَ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ كَمَنْ قَضَى دَيْنَ غَيْرِهِ بِأَمْرِهِ وَفِي الْعِنَايَةِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ هَذَا إذَا أَمَرَهُ بِهِ لَا عَنْ إكْرَاهٍ أَمَّا إذَا كَانَ مُكْرَهًا فِي الْأَمْرِ فَلَا يُعْتَبَرُ أَمْرُهُ فِي الرُّجُوعِ. اهـ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَيَنْبَغِي أَنَّ كُلَّ مَنْ قَالَ: إنَّهَا ضَمٌّ فِي الدَّيْنِ يَمْنَعُ صِحَّتَهَا هُنَا وَمَنْ قَالَ فِي الْمُطَالَبَةِ يُمْكِنُ أَنْ يَقُولَ بِصِحَّتِهَا وَيُمْكِنُ أَنْ يَمْنَعَهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا فِي الْمُطَالَبَةِ فِي الدَّيْنِ أَوْ مَعْنَاهُ أَوْ مُطْلَقًا. اهـ. وَقَوْلُهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا فِي الْمُطَالَبَةِ فِي الدَّيْنِ مَمْنُوعٌ لِمَا قَدَّمْنَا أَنَّهَا لَا تَقْتَصِرُ عَلَى الْمُطَالَبَةِ فِي الدَّيْنِ إذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَشْمَلْ التَّعْرِيفُ الْكَفَالَةَ بِالنَّفْسِ؛ لِأَنَّهَا ضَمٌّ فِي الْمُطَالَبَةِ بِالْحُضُورِ وَفِي قَوْلِهِ أَوْ مُطْلَقًا نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَالَ بِأَنَّهَا فِي الْمُطَالَبَةِ مُطْلَقًا لَا يَمْنَعُهَا هُنَا. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ صَادَرَ الْوَالِي رَجُلًا وَطَلَبَ مِنْهُ مَالًا وَضَمِنَ رَجُلٌ ذَلِكَ وَبَذَلَ الْحَطَّ ثُمَّ قَالَ الضَّامِنُ لَيْسَ لَك عَلَيَّ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْوَالِي عَلَيْهِ شَيْءٌ قَالَ شَمْسُ الْإِسْلَامِ وَالْقَاضِي يَمْلِكُ الْمُطَالَبَةَ؛ لِأَنَّ الْمُطَالَبَةَ الشَّرْعِيَّةَ كَالْمُطَالَبَةِ الْحِسِّيَّةِ. اهـ. وَلَوْ قَالَ؛ لِأَنَّ الْمُطَالَبَةَ الْحِسِّيَّةَ كَالْمُطَالَبَةِ الشَّرْعِيَّةِ لَكَانَ أَوْلَى كَمَا لَا يَخْفَى وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ تَرْجِيحُ الصِّحَّةِ وَلِذَا قَالَ فِي إيضَاحِ الْإِصْلَاحِ وَالْفَتْوَى عَلَى الصِّحَّةِ فَإِنَّهَا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ) عِبَارَةُ الْخَانِيَّةِ هَكَذَا وَإِنْ كَفَلَ عَنْ رَجُلٍ بِالْجِبَايَاتِ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا تَصِحُّ وَيَرْجِعُ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ إنْ كَانَ بِأَمْرِهِ وَكَذَا السُّلْطَانُ إذَا صَارَ رَجُلًا فَأَمَرَ الرَّجُلُ غَيْرَهُ أَنْ يُؤَدِّيَ عَنْهُ الْمَالَ لِكُلِّ مَا هُوَ مُطَالَبٌ بِهِ حِسًّا جَازَتْ الْكَفَالَةُ بِهِ فَإِنْ أَمَرَ غَيْرَهُ بِذَلِكَ إنْ قَالَ عَلَى أَنْ تَرْجِعَ عَلَيَّ بِذَلِكَ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ وَإِلَّا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَرْجِعُ، ذَكَرَ فِي السِّيَرِ الْمَسْأَلَةَ إذَا أُسِرَ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَاشْتَرَاهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ إنْ اشْتَرَاهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ يَكُونُ مُتَطَوِّعًا لَا يَرْجِعُ بِذَلِكَ عَلَى الْأَسِيرِ وَيُخَلِّي سَبِيلَهُ وَإِنْ اشْتَرَاهُ بِأَمْرِهِ فِي الْقِيَاسِ لَا يَرْجِعُ الْمَأْمُورُ عَلَى الْآمِرِ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَرْجِعُ سَوَاءٌ أَمَرَهُ الْأَسِيرُ أَنْ يَرْجِعَ بِذَلِكَ عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يَقُلْ عَلَى أَنْ تَرْجِعَ بِذَلِكَ عَلَيَّ وَهُوَ كَمَا لَوْ قَالَ الرَّجُلُ لِغَيْرِهِ أَنْفِقْ مِنْ مَالِك عَلَى عِيَالِي أَوْ أَنْفِقْ فِي بِنَاءِ دَارِي فَأَنْفَقَ الْمَأْمُورُ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْآمِرِ بِمَا أَنْفَقَ وَكَذَا الْأَسِيرُ إذَا أَمَرَ رَجُلًا لِيَدْفَعَ الْفِدَاءَ وَيَأْخُذَ مِنْهُمْ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَمَرَهُ بِالشِّرَاءِ. اهـ. لَكِنْ قَاضِي خَانْ خَالَفَ ذَلِكَ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْجَامِعِ الصَّغِيرِ حَيْثُ قَالَ: وَأَمَّا الْجِبَايَاتُ الَّتِي يُوَظِّفُهَا السُّلْطَانُ عَلَى النَّاسِ قَالَ بَعْضُهُمْ تَصِحُّ بِهَا الْكَفَالَةُ؛ لِأَنَّهَا مُطَالَبٌ بِهَا حِسًّا بِمَنْزِلَةِ الدَّيْنِ الْوَاجِبِ وَعَلَى هَذَا قَالُوا مَنْ قَضَى نَائِبَةَ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ وَهُوَ غَيْرُ مُكْرَهٍ فِي الْأَمْرِ يَرْجِعُ بِهَا عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ الضَّمَانَ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الضَّمَانُ بِهَا وَلَوْ أَدَّاهُ بِأَمْرِهِ وَلَمْ يَشْتَرِطْ الضَّمَانَ لَا يَرْجِعُ؛ لِأَنَّهُ ظَالِمٌ فِي حَقِّ الْآخِذِ وَالْمَأْخُوذِ مِنْهُ فَلَا تَصِحُّ بِهِ الْكَفَالَةُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَوْلُهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا فِي الْمُطَالَبَةِ مَمْنُوعٌ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ هَذَا الْمَمْنُوعُ مَمْنُوعٌ إذْ الْكَلَامُ فِي الْكَفَالَةِ بِالدَّيْنِ لَا بِالنَّفْسِ. (قَوْلُهُ: وَفِي قَوْلِهِ أَوْ مُطْلَقًا نَظَرٌ إلَخْ) أَقُولُ: مُرَادُ الْمُحَقِّقِ بَيَانُ وَجْهٍ لِلصِّحَّةِ وَوَجْهٍ لِلْمَنْعِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا الضَّمُّ فِي الْمُطَالَبَةِ فَقَوْلُهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا الضَّمُّ فِي الْمُطَالَبَةِ فِي الدَّيْنِ أَوْ مَعْنَاهُ وَجْهٌ لِلْمَنْعِ وَقَوْلُهُ أَوْ مُطْلَقًا وَجْهٌ لِلصِّحَّةِ فَفِي كَلَامِهِ لَفٌّ وَنَشْرٌ غَيْرُ مُرَتَّبٍ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ؛ لِأَنَّ الْمُطَالَبَةَ الْحِسِّيَّةَ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ عَكْسِ التَّشْبِيهِ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى الْأَبْلَغِيِّةِ فَلَا أَوْلَوِيَّةَ كَذَا رَأَيْت بِخَطِّ بَعْضِهِمْ وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ لَيْسَ الْمَقَامُ مَقَامَ الْبَلِيغَةِ وَهَذَا الشَّارِحُ لَمْ يَنْفِ الْجَوَازَ إنَّمَا ذَكَرَ الْأَوْلَوِيَّةَ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ تَرْجِيحُ الصِّحَّةِ إلَخْ) رَجَّحَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ فِي فَتَاوِيهِ عَدَمَهَا مُسْتَنِدًا إلَى مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ ضَمَانَ الْجِبَايَاتِ عَلَى قَوْلِ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ لَا يَصِحُّ فَجَعَلَهُ قَوْلَ الْعَامَّةِ وَمِثْلُهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَذَكَرَ أَنَّ مَا قَالَهُ فِي إيضَاحِ الْإِصْلَاحِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ بِلَا بُرْهَانٍ وَأَنَّ مَا قَالَهُ الْمُؤَلِّفُ هُنَا غَيْرُ مُسَلَّمٍ أَيْضًا؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ يُخَالِفُهُ لِمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ أَنَّهُ قَوْلُ الْعَامَّةِ وَالْعِلَّةُ لَهُ أَنَّ الظُّلْمَ يَجِبُ إعْدَامُهُ وَيَحْرُمُ تَقْرِيرُهُ وَفِي الْقَوْلِ بِصِحَّتِهِ تَقْرِيرُهُ، وَقَالَ مُؤَيَّدُ زَادَهْ فِي مَجْمُوعِهِ نَقْلًا عَنْ الْعِمَادِيَّةِ وَالْأَسِيرُ إذَا قَالَ لِغَيْرِهِ خَلِّصْنِي فَدَفَعَ الْمَأْمُورُ مَالًا وَخَلَّصَهُ مِنْهُ اُخْتُلِفَ فِيهِ قَالَ السَّرَخْسِيُّ يَرْجِعُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحِيطِ لَا يَرْجِعُ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى فَهُوَ مُدَافِعٌ لِمَا فِي الْإِصْلَاحِ وَقَوْلُ قَاضِي خَانْ الصَّحِيحُ الصِّحَّةُ لَا يَدْفَعُ قَوْلَ صَاحِبِ الْمُحِيطِ هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. اهـ. مُلَخَّصًا. أَقُولُ: غَايَتُهُ أَنَّهُمَا قَوْلَانِ مُصَحَّحَانِ، وَقَالُوا لَا يَعْدِلُ عَنْ تَصْحِيحِ قَاضِي خَانْ كَمَا نَقَلَهُ الْمُؤَلِّفُ؛ لِأَنَّهُ فَقِيهُ النَّفْسِ عَلَى أَنَّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَيْسَ فِي كَلَامِ الْمُحِيطِ تَصْحِيحٌ خِلَافُ مَا صَحَّحَهُ قَاضِي خَانْ؛ لِأَنَّ الْمَنْقُولَ عَنْ الْمُحِيطِ لَمْ يَسْتَوْفِ شَرَائِطَ صِحَّةِ الْكَفَالَةِ إذْ لَيْسَ فِيهِ الْأَمْرُ بِالرُّجُوعِ وَهُوَ بِأَنْ يَشْتَمِلَ عَلَى لَفْظَةِ عَنِّي أَوْ عَلَيَّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 260 كَالدُّيُونِ الصَّحِيحَةِ حَتَّى لَوْ أُخِذَتْ مِنْ الْأَكَّارِ فَلَهُ الرُّجُوعُ عَلَى مَالِك الْأَرْضِ. اهـ. وَفِي الْخَانِيَّةِ الصَّحِيحُ الصِّحَّةُ وَيَرْجِعُ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ إنْ كَانَ بِأَمْرِهِ، وَأَمَّا الْقِسْمَةُ فَقَدْ قِيلَ هِيَ النَّوَائِبُ بِعَيْنِهَا أَوْ حِصَّةٌ مِنْهَا وَالرِّوَايَةُ بِأَوْ وَقِيلَ هِيَ النَّائِبَةُ الْمُوَظَّفَةُ الرَّاتِبَةُ وَالْمُرَادُ بِالنَّوَائِبِ مَا يَنُوبُهُ عَنْ رَاتِبٍ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَشَايِخَ اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهُ فَأَبُو بَكْرِ بْنُ سَعِيدٍ ادَّعَى أَنَّ هَذِهِ الْكَلِمَةَ غَلَطٌ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ مَصْدَرٌ وَالْمَصْدَرُ فِعْلٌ وَهَذَا الْفِعْلُ غَيْرُ مَضْمُونٍ وَرُدَّ بِأَنَّ الْقِسْمَةَ تَجِيءُ بِمَعْنَى النَّصِيبِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ} [القمر: 28] وَالْمُرَادُ النَّصِيبُ. وَالْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ الْهِنْدَاوِيُّ قَالَ مَعْنَاهَا أَنَّ أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ إذَا طَلَبَ الْقِسْمَةَ مِنْ صَاحِبِهِ وَامْتَنَعَ الْآخَرُ عَنْ ذَلِكَ فَضَمِنَ إنْسَانًا لِيَقُومَ مَقَامَهُ فِي الْقِسْمَةِ جَازَ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ مَعْنَاهَا إذَا اقْتَسَمَا ثُمَّ مَنَعَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ قَسْمَ صَاحِبِهِ فَتَكُونُ الرِّوَايَةُ عَلَى هَذَا قِسْمَةً بِالضَّمِيرِ لَا بِالتَّاءِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْقِسْمَةَ بِالتَّاءِ تَجِيءُ بِمَعْنَى الْقِسْمِ بِلَا تَاءٍ وَقِيلَ هِيَ النَّوَائِبُ بِعَيْنِهَا فَالْعَطْفُ لِلْبَيَانِ وَالتَّفْسِيرِ وَقِيلَ مَا يَخُصُّ الرَّجُلَ مِنْهَا وَلَكِنْ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَعْطِفَ بِالْوَاوِ لَا بِأَوْ لِيَكُونَ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ وَقِيلَ هِيَ النَّائِبَةُ الْمُوَظَّفَةُ الدِّيوَانِيَّةُ كُلُّ شَهْرٍ أَوْ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ وَالنَّوَائِبُ غَيْرُ الرَّاتِبَةِ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ ثُمَّ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ الْأَفْضَلُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يُسَاوِيَ أَهْلَ مَحَلَّتِهِ فِي إعْطَاءِ النَّائِبَةِ، قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ هَذَا كَانَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى الْحَاجَةِ وَالْجِهَادِ، وَأَمَّا فِي زَمَانِنَا فَأَكْثَرُ النَّوَائِبِ تُؤْخَذُ ظُلْمًا وَمَنْ تَمَكَّنَ دَفْعَ الْمَظْلِمَةِ عَنْ نَفْسِهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ إذَا أَرَادَ الْإِعْطَاءَ فَلْيُعْطِ مَنْ هُوَ عَاجِزٌ عَنْ دَفْعِ الظُّلْمِ عَنْ نَفْسِهِ لِفَقْرٍ لِيَسْتَعِينَ بِهِ الْفَقِيرُ عَلَى الظُّلْمِ وَيَنَالَ الْمُعْطِي الثَّوَابَ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. قَوْلُهُ (وَمَنْ قَالَ لِآخَرَ ضَمِنْت لَك عَنْ فُلَانٍ مِائَةً إلَى شَهْرٍ) فَقَالَ هِيَ حَالَّةٌ فَالْقَوْلُ لِلضَّامِنِ لِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ بِالدَّيْنِ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ فِي الصَّحِيحِ إنَّمَا أَقَرَّ بِمُجَرَّدِ الْمُطَالَبَةِ بَعْدَ الشَّهْرِ، قَيَّدَ بِالضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِمِائَةٍ إلَى شَهْرٍ، وَقَالَ الْمَقَرُّ لَهُ هِيَ حَالَّةٌ فَالْقَوْلُ لِلْمُقَرِّ لَهُ؛ لِأَنَّ الْمُقِرَّ أَقَرَّ بِالدَّيْنِ ثُمَّ ادَّعَى حَقًّا لِنَفْسِهِ وَهُوَ تَأْخِيرُ الْمُطَالَبَةِ إلَى أَجَلٍ وَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ، وَفَرْقٌ آخَرُ أَنَّ الْأَجَلَ فِي الدَّيْنِ عَارِضٌ حَتَّى لَا يَثْبُتَ إلَّا بِشَرْطٍ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ مَنْ أَنْكَرَ الشَّرْطَ كَمَا فِي الْخِيَارِ، وَأَمَّا الْأَجَلُ فِي الْكَفَالَةِ فَنَوْعٌ حَتَّى يَثْبُتَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ بِأَنْ كَانَ مُؤَجَّلًا عَلَى الْأَصِيلِ، وَالشَّافِعِيُّ أَلْحَقَ الدَّيْنَ بِالْكَفَالَةِ وَأَبُو يُوسُفَ عَكْسُهُ وَالْفَرْقُ قَدْ أَوْضَحْنَاهُ وَذَكَرَ الشَّارِحُ وَالْحِيلَةُ فِيهَا إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ وَادَّعَى عَلَيْهِ وَخَافَ الْكَذِبَ إنْ أَنْكَرَ وَالْمُؤَاخَذَةَ فِي الْحَالِ إنْ أَقَرَّ أَنْ يَقُولَ لِلْمُدَّعِي هَذَا الَّذِي تَدَّعِيهِ مِنْ الْمَالِ حَالٌّ أَمْ مُؤَجَّلٌ فَإِنْ قَالَ مُؤَجَّلًا فَلَا دَعْوَى عَلَيْهِ فِي الْحَالِ وَإِنْ قَالَ حَالٌّ فَيُنْكِرُهُ وَهُوَ صَدُوقٌ فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ وَقِيلَ لِمَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا إذَا أَنْكَرَ الدَّيْنَ، وَقَالَ: لَيْسَ لَهُ قِبَلِي حَقٌّ؛ فَلَا بَأْسَ بِهِ إذَا لَمْ يُرِدْ بِهِ إتْوَاءَ حَقِّهِ اهـ. قَوْلُهُ (وَمَنْ اشْتَرَى أَمَةً وَكَفَلَ لَهُ رَجُلٌ بِالدَّرَكِ فَاسْتُحِقَّتْ لَمْ يَأْخُذْ الْمُشْتَرِي   [منحة الخالق] فَلِهَذَا صَحَّحَ عَدَمَ الرُّجُوعِ ثُمَّ رَأَيْت فِي الْخَانِيَّةِ قَالَ وَإِنْ اشْتَرَاهُ بِأَمْرِهِ فِي الْقِيَاسِ لَا يَرْجِعُ الْمَأْمُورُ عَلَى الْآمِرِ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَرْجِعُ سَوَاءٌ أَمَرَ الْأَسِيرُ أَنْ يَرْجِعَ بِذَلِكَ عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يَقُلْ عَلَى أَنْ تَرْجِعَ بِذَلِكَ عَلَيَّ، وَهُوَ كَمَا لَوْ قَالَ الرَّجُلُ لِغَيْرِهِ أَنْفِقْ مِنْ مَالِك عَلَى عِيَالِي أَوْ فِي بِنَاءِ دَارِي. اهـ. فَعَلِمَ أَنَّ مَا صَحَّحَهُ فِي الْمُحِيطِ هُوَ الْقِيَاسُ وَوَجْهُهُ مَا قُلْنَا كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْخَانِيَّةِ وَالِاسْتِحْسَانُ خِلَافُهُ وَهَذَا غَيْرُ مَسْأَلَتِنَا كَمَا لَا يَخْفَى؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيهَا عِنْدَ اسْتِيفَاءِ شَرَائِطِ صِحَّةِ الْكَفَالَةِ ثُمَّ رَأَيْت بِخَطِّ بَعْضِ الْأَفَاضِلِ مَا حَاصِلُهُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ صِحَّةِ الْكَفَالَةِ بِالنَّوَائِبِ رُجُوعُ الْكَفِيلِ عَلَى الْأَصِيلِ لَوْ كَانَتْ الْكَفَالَةُ بِالْأَمْرِ إلَّا أَنَّهُ يَضْمَنُ لِطَالِبِهَا الظَّالِمِ؛ لِأَنَّ الظُّلْمَ يَجِبُ إعْدَامُهُ وَلَا يَجُوزُ تَقْرِيرُهُ فَلَا تَغْتَرَّ بِظَاهِرِ الْكَلَامِ. اهـ. وَلَعَمْرِي أَنَّهُ تَنْبِيهٌ حَسَنٌ وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرُوا الرُّجُوعَ عَلَى الْكَفِيلِ وَكَيْفَ يَسُوغُ الْقَوْلُ بِرُجُوعِ الْمَكْفُولِ لَهُ الظَّالِمِ وَبِهِ انْدَفَعَ مَا مَرَّ عَنْ الرَّمْلِيِّ مِنْ قَوْلِهِ وَالْعِلَّةُ لَهُ إلَخْ؛ لِأَنَّ ذَاكَ مُسَلَّمٌ لَوْ قُلْنَا بِرُجُوعِ الظَّالِمِ عَلَى الْكَفِيلِ أَمَّا عَلَى مَا قُلْنَا فَلَيْسَ فِيهِ تَقْرِيرُ الظُّلْمِ بَلْ فِيهِ رَفْعُهُ لِأَنَّهُ لَوْلَا الْكَفِيلُ يَحْبِسُ الظَّالِمُ الْمَكْفُولَ وَيَضْرِبُهُ وَيَبِيعُ عَلَيْهِ مَالَهُ وَعَقَارَهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ أَوْ يُلْجِئُهُ إلَى بَيْعِهِ أَوْ الِاسْتِدَانَةِ بِالْمُرَابَحَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مُشَاهَدٌ وَبِالْكَفَالَةِ يَرْتَفِعُ كُلُّ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. فَهَذَا مَا ظَهَرَ لِلْفَهْمِ الْقَاصِرِ فَتَدَبَّرْهُ. (قَوْلُهُ: حَتَّى لَوْ أَخَذْت مِنْ الْأَكَّارِ فَلَهُ الرُّجُوعُ عَلَى مَالِك الْأَرْضِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ مَا هُوَ مُرَتَّبٌ مِنْ جِهَةِ الْأَعْرَابِ عَلَى الْمَزَارِعِ وَيُسَمَّى فِي عُرْفِنَا فِلَاحَةُ الْعَرَبِ لَوْ أَخَذْت مِنْ الْأَكَّارِ جَبْرًا يَرْجِعُ عَلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ بِمَا هُوَ مُرَتَّبٌ أَوْ بِحِصَّتِهِ مِنْ الْمُرَتَّبِ لِأَنَّهَا مِنْ قِسْمِ الْجِبَايَاتِ الَّتِي يَأْخُذُهَا الظَّلَمَةُ بِغَيْرِ حَقٍّ تَأَمَّلْ. اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْأَكَّارَ يَرْجِعُ وَإِنْ لَمْ يَكْفُلْ مَالِكُ الْأَرْضِ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْقِسْمَةُ فَقَدْ قِيلَ هِيَ النَّوَائِبُ إلَخْ) قَالَ فِي الْيَعْقُوبِيَّةِ وَقِيلَ هِيَ أُجْرَةُ الْقَسَّامِ وَهِيَ مَطْلُوبَةٌ شَرْعًا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 261 الْكَفِيلَ حَتَّى يَقْضِيَ لَهُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ) ؛ لِأَنَّهُ بِمُجَرَّدِ الِاسْتِحْقَاقِ لَا يَنْتَقِضُ الْبَيْعُ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مَا لَمْ يُقْضَ لَهُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ فَلَمْ يَجِبْ لَهُ عَلَى الْأَصِيلِ رَدُّ الثَّمَنِ فَلَا يَجِبُ عَلَى الْكَفِيلِ بِخِلَافِ الْقَضَاءِ بِالْحُرِّيَّةِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَبْطُلُ بِهَا لِعَدَمِ الْمَحَلِّيَّةِ وَيَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ وَالْكَفِيلِ وَلِذَا قَيَّدَ بِالِاسْتِحْقَاقِ أَيْ لِغَيْرِ الْبَائِعِ. أَشَارَ الْمُؤَلِّفُ إلَى أَنَّ الْبَيْعَ لَا يُنْتَقَضُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي لِلْمُسْتَحِقِّ بِالْعَيْنِ حَتَّى لَوْ كَانَ الثَّمَنُ عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ بَائِعُ الْجَارِيَةِ بَعْدَ حُكْمِ الْقَاضِي لِلْمُسْتَحِقِّ نَفَذَ إعْتَاقُهُ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَصَحَّحَ فِي فُصُولِ الْأُسْرُوشَنِيِّ أَنَّ لِلْمُسْتَحِقِّ أَنْ يُجِيزَ بَعْدَ قَضَاءِ الْقَاضِي وَبَعْدَ قَبْضِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ الْمُشْتَرِي عَلَى بَائِعِهِ بِالثَّمَنِ وَالرُّجُوعُ بِالْقَضَاءِ يَكُونُ فَسْخًا ثُمَّ مِنْ الِاسْتِحْقَاقِ الْمُبْطِلِ دَعْوَى النَّسَبِ وَدَعْوَى الْمَرْأَةِ الْحُرْمَةَ الْغَلِيظَةَ وَدَعْوَى الْوَقْفِ فِي الْأَرْضِ الْمُشْتَرَاةِ أَوْ أَنَّهَا كَانَتْ مَسْجِدًا وَيُشَارِكُ الِاسْتِحْقَاقَ النَّاقِلِيَّ فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَجْعَلُ الْمُسْتَحِقَّ عَلَيْهِ وَمَنْ يَمْلِكُ ذَلِكَ الشَّيْءَ مِنْ جِهَتِهِ مُسْتَحِقًّا عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ أَقَامَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُسْتَحِقِّ بِالْمِلْكِ الْمُطْلَقِ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ، وَيَخْتَلِفَانِ فِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْبَاعَةِ فِي النَّاقِلِ لَا يَرْجِعُ عَلَى بَائِعِهِ مَا لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى كَفِيلِ الدَّرَكِ مَا لَمْ يَقْضِ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ وَفِي الْمُبْطِلِ يَثْبُتُ لِكُلٍّ مِنْهُمْ الرُّجُوعُ عَلَى بَائِعِهِ وَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ وَيَرْجِعُ عَلَى الْكَفِيلِ وَإِنْ لَمْ يَقْضِ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا لَكَانَ أَوْلَى كَمَا لَا يَخْفَى وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ حَتَّى يَقْضِيَ لَهُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ إلَى أَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْبَائِعِ قَضَاءٌ عَلَى الْكَفِيلِ وَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَأْخُذَ الثَّمَنَ مِنْ أَيِّهِمَا شَاءَ وَأَفَادَ أَنَّهُ لَا يُخَاصِمُ الْكَفِيلَ أَوَّلًا وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ خِلَافًا لِمَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَقَيَّدَ بِالِاسْتِحْقَاقِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَوْ انْفَسَخَ بَيْنَهُمَا بِمَا سِوَاهُ وَصَارَ الثَّمَنُ مَضْمُونًا عَلَى الْبَائِعِ لَمْ يُؤَاخَذْ الْكَفِيلُ بِهِ كَمَا إذَا فُسِخَ بِخِيَارِ رُؤْيَةٍ أَوْ شَرْطٍ أَوْ عَيْبٍ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ بِالثَّمَنِ إلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَوْ بَنَى فِي الْأَرْضِ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْكَفِيلِ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ وَإِنَّمَا يَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْبَائِعِ فَقَطْ إذَا سَلَّمَ النَّقْضَ لَهُ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ جَارِيَةً فَاسْتَوْلَدَهَا الْمُشْتَرِي وَاسْتَحَقَّهَا رَجُلٌ وَأَخَذَ مِنْهُ قِيمَةَ الْجَارِيَةِ وَالْوَلَدِ وَالْعُقْرِ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يَأْخُذُ الثَّمَنَ مِنْ أَيِّهِمَا شَاءَ وَلَا يَأْخُذُ قِيمَةَ الْوَلَدِ إلَّا مِنْ الْبَائِعِ خَاصَّةً فَالْكَفِيلُ كَبَائِعِ الْبَائِعِ لَا رُجُوعَ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ، كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (بَابُ كَفَالَةِ الرَّجُلَيْنِ وَالْعَبْدَيْنِ) (قَوْلُهُ دَيْنٌ عَلَيْهِمَا وَكَّلَ كَفِيلٌ عَنْ صَاحِبِهِ فَمَا أَدَّاهُ أَحَدُهُمَا لَمْ يَرْجِعْ بِهِ عَلَى شَرِيكِهِ فَإِنْ زَادَ عَلَى النِّصْفِ رَجَعَ بِالزِّيَادَةِ) ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي النِّصْفِ أَصِيلٌ وَفِي النِّصْفِ الْآخَرِ كَفِيلٌ، وَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ مَا عَلَيْهِ بِحَقِّ الْأَصَالَةِ وَبِحَقِّ الْكَفَالَةِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ دَيْنٌ وَالثَّانِي مُطَالَبَةٌ، ثُمَّ هُوَ تَابِعٌ لِلْأَوَّلِ فَيَقَعُ عَنْ الْأَوَّلِ وَفِي الزِّيَادَةِ لَا مُعَارَضَةَ فَيَقَعُ عَنْ الْكَفَالَةِ وَلِأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ الدَّفْعُ فِي النِّصْفِ عَنْ صَاحِبِهِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ فَلِصَاحِبِهِ أَنْ يَرْجِعَ؛ لِأَنَّ أَدَاءَ نَائِبِهِ كَأَدَائِهِ فَيُودِي إلَى الدَّوْرِ وَظَاهِرُ الْكِتَابِ اسْتِوَاءُ الدَّيْنَيْنِ صِفَةً وَسَبَبًا فَإِنْ اخْتَلَفَا صِفَةً بِأَنْ كَانَ مَا عَلَيْهِ مُؤَجَّلًا وَمَا كَانَ عَلَى صَاحِبِهِ حَالًّا فَإِذَا أَدَّى صَحَّ تَعْيِينُهُ عَنْ شَرِيكِهِ وَرَجَعَ بِهِ عَلَيْهِ وَعَلَى عَكْسِهِ لَا يَرْجِعُ؛ لِأَنَّ الْكَفِيلَ إذَا عَجَّلَ دَيْنًا مُؤَجَّلًا لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْأَصِيلِ قَبْلَ الْحُلُولِ، وَلَوْ اخْتَلَفَ سَبَبُهُمَا نَحْوَ أَنْ يَكُونَ مَا عَلَى أَحَدِهِمَا قَرْضًا وَمَا عَلَى الْآخَرِ ثَمَنَ مَبِيعٍ فَإِنَّهُ يَصِحُّ تَعْيِينُ الْمُؤَدِّي؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ فِي الْجِنْسَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ مُعْتَبَرَةٌ وَفِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ لَغْوٌ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَقُيِّدَ بِكَوْنِ كُلٍّ كَفِيلًا عَنْ صَاحِبِهِ احْتِرَازًا عَمَّا لَوْ كَفَلَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَصَحَّحَ فِي فُصُولِ الْأُسْرُوشَنِيِّ أَنَّ لِلْمُسْتَحِقِّ أَنْ يُجِيزَ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ هَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ بَيْعَ الْفُضُولِيِّ وَإِنْ كَانَ لِنَفْسِهِ مَوْقُوفٌ فِي الصَّحِيحِ وَإِنَّ مَا فِي الْبَدَائِعِ أَنَّهُ إنَّمَا يَتَوَقَّفُ إذَا بَاعَ لِمَالِكٍ عَلَى غَيْرِ الصَّحِيحِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْبَحْثُ عَنْهُ. (قَوْلُهُ: حَتَّى لَوْ أَقَامَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ الْبَيِّنَةَ إلَخْ) أَيْ لَوْ بَرْهَنَ وَاحِدٌ مِنْ الْبَاعَةِ عَلَى الْمُسْتَحِقِّ بِالْمِلْكِ الْمُطْلَقِ أَيْ بَرْهَنَ أَنَّهُ مِلْكَهُ مُطْلَقًا لَمْ يُقْبَلْ لِأَنَّهُ صَارَ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ أَمَّا لَوْ ادَّعَى النِّتَاجَ أَوْ أَنَّهُ تَلَقَّى الْمِلْكَ مِنْ الْمُسْتَحَقِّ بِأَنْ قَالَ أَنَا لَا أُعْطِي الثَّمَنَ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ نَتَجَ فِي مِلْكِي أَوْ لِأَنِّي اشْتَرَيْته مِنْ الْمُسْتَحِقِّ فَتُسْمَعُ دَعْوَاهُ كَمَا ذَكَرَ فِي الدُّرَرِ مِنْ بَابِ الِاسْتِحْقَاقِ، وَقَدْ مَرَّ. [بَابُ كَفَالَةِ الرَّجُلَيْنِ وَالْعَبْدَيْنِ] الجزء: 6 ¦ الصفحة: 262 أَحَدُهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ دُونَ الْآخَرِ، وَأَدَّى الْكَفِيلُ فَجَعَلَهُ عَنْ صَاحِبِهِ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ وَهِيَ وَارِدَةٌ عَلَى مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ سَهْوٌ، وَإِنَّمَا هِيَ خَارِجَةٌ عَنْهَا بِمَفْهُومِ التَّقْيِيدِ كَمَا قَرَّرْنَاهُ وَلَمْ يُقَيِّدْ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِالْأَمْرِ فِي قَوْلِهِ رَجَعَ بِالزِّيَادَةِ لِلْعِلْمِ بِهِ مِمَّا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ إذَا كَفَلَ بِأَمْرِهِ رَجَعَ وَإِلَّا فَلَا. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَفَلَا عَنْ رَجُلٍ فَكَفَلَ كُلٌّ عَنْ صَاحِبِهِ فَمَا أَدَّى رَجَعَ بِنِصْفِهِ عَلَى شَرِيكِهِ أَوْ بِالْكُلِّ عَلَى الْأَصِيلِ) ؛ لِأَنَّ مَا أَدَّاهُ أَحَدُهُمَا وَقَعَ شَائِعًا عَنْهُمَا إذْ الْكُلُّ كَفَالَةٌ فَلَا تَرْجِيحَ لِلْبَعْضِ عَلَى الْبَعْضِ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ فَيَرْجِعُ عَلَى شَرِيكِهِ بِنِصْفِهِ فَلَا يُؤَدِّي إلَى الدَّوْرِ؛ لِأَنَّ قَضِيَّتَهُ الِاسْتِوَاءُ، وَقَدْ حَصَلَ بِرُجُوعِ أَحَدِهِمَا بِنِصْفِ مَا أَدَّى بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ، ثُمَّ يَرْجِعَانِ عَلَى الْأَصِيلِ لِأَنَّهُمَا أَدَّيَا عَنْهُ أَحَدُهُمَا بِنَفْسِهِ وَالْآخَرُ بِنَائِبِهِ، وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ بِالْجَمِيعِ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ كَفَلَ بِجَمِيعِ الْمَالِ عَنْهُ بِأَمْرِهِ، وَتَرَكَ الْمُصَنِّفُ قَيْدَيْنِ لِلْمَسْأَلَةِ: الْأَوَّلُ أَنْ يَتَكَفَّلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ الْأَصِيلِ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ عَلَى التَّعَاقُبِ فَلَوْ تَكَفَّلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالنِّصْفِ، ثُمَّ تَكَفَّلَ كُلٌّ عَنْ صَاحِبِهِ فَهِيَ كَالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فِي الصَّحِيحِ فَلَا يَرْجِعُ حَتَّى يَزِيدَ عَلَى النِّصْفِ، وَكَذَا لَوْ تَكَفَّلَا عَنْ الْأَصِيلِ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ مَعًا ثُمَّ تَكَفَّلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ يَنْقَسِمُ عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ فَلَا يَكُونُ كَفِيلًا عَنْ الْأَصِيلِ بِالْجَمِيعِ الثَّانِي أَنْ يَكْفُلَ كُلٌّ عَنْ صَاحِبِهِ بِالْجَمِيعِ فَلَوْ كَفَلَ كُلٌّ عَنْ الْأَصِيلِ بِالْجَمِيعِ مُتَعَاقِبًا، ثُمَّ كَفَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ بِالنِّصْفِ فَكَالْأُولَى. (قَوْلُهُ وَإِنْ أَبْرَأَ الطَّالِبُ أَحَدَهُمَا أَخَذَ الْآخَرُ بِكُلِّهِ) لِأَنَّ إبْرَاءَ الْكَفِيلِ لَا يُوجِبُ إبْرَاءَ الْأَصِيلِ فَيَبْقَى الْمَالُ كُلُّهُ عَلَى الْأَصِيلِ وَالْآخَرُ كَفِيلٌ عَنْهُ بِكُلِّهِ فَيَأْخُذُهُ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِي الْمُحِيطِ كَفَالَةُ الرَّجُلَيْنِ الْمَبْسُوطُ مَسَائِلُهُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ كَفَلَ ثَلَاثَةٌ عَنْ رَجُلٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَأَدَّى أَحَدُهُمْ بَرِئُوا وَلَمْ يَرْجِعْ عَلَى صَاحِبَيْهِ بِشَيْءٍ، وَلَوْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ كَفِيلًا عَنْ صَاحِبِهِ فَأَدَّاهَا أَحَدُهُمْ رَجَعَ الْمُؤَدِّي عَلَيْهِمَا بِالثُّلُثَيْنِ وَلِصَاحِبِ الْمَالِ أَنْ يُطَالِبَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِأَلْفٍ الْقِسْمُ الثَّانِي لِرَجُلٍ عَلَى أَرْبَعَةِ نَفَرٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَمِائَتَانِ، وَكُلُّ اثْنَيْنِ كَفِيلَانِ عَنْ اثْنَيْنِ بِجَمِيعِ الْمَالِ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ أَيَّهُمَا شَاءَ بِسَبْعِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ وَأَيُّ اثْنَيْنِ شَاءَ بِجَمِيعِ الْأَلْفِ، وَذَكَرَ فِي الْمُخْتَصَرِ الصَّوَابُ أَنْ يَأْخُذَ أَيَّهُمْ شَاءَ وَحْدَهُ بِنِصْفِ الْمَالِ، وَأَيُّ اثْنَيْنِ شَاءَ بِجَمِيعِ الْمَالِ. الْقِسْمُ الثَّالِثُ لِرَجُلٍ عَلَى عَشْرَةِ أَنْفُسٍ أَلْفٌ، وَكُلُّ أَرْبَعَةٍ كَفِيلٌ عَنْ أَرْبَعَةٍ بِجَمِيعِ الْمَالِ يَأْخُذُ مِنْ أَحَدِهِمْ ثَلَاثَمِائَةٍ وَخَمْسَةً وَعِشْرِينَ، مِائَةٌ حِصَّتُهُ مِنْ الدَّيْنِ وَمِائَتَانِ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ حِصَّتُهُ مِنْ الْكَفَالَةِ. الْقِسْمُ الرَّابِعُ لَوْ كَانَ أَصْلُ الْمَالِ عَلَى ثَلَاثَةٍ، وَكُلُّ وَاحِدٍ كَفِيلٌ عَنْ صَاحِبَيْهِ فَأَدَّى أَحَدُهُمْ شَيْئًا فَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ فِي وَجْهٍ يَكُونُ الْمُؤَدَّى عَنْ نَفْسِهِ وَإِنْ لَمْ يُعَيَّنْ وَفِي وَجْهٍ يَكُونُ الْمُؤَدَّى عَنْهُ وَعَنْ صَاحِبَيْهِ وَفِي وَجْهٍ يَكُونُ الْمُؤَدَّى عَنْ نَفْسِهِ إذَا لَمْ يُعَيِّنْ فَإِنْ عَيَّنَ يَكُونُ عَنْ صَاحِبِهِ. مِثَالُ الْأَوَّلِ لَوْ كَانَ الْمَالُ عَلَى ثَلَاثَةٍ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَفِيلٌ عَنْ صَاحِبِهِ فَأَدَّى أَحَدُهُمْ شَيْئًا يَكُونُ إلَى تَمَامِ الثُّلُثِ عَنْهُ وَمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ يَكُونُ عَنْ صَاحِبَيْهِ وَلَوْ قَالَ هَذَا مِنْ كَفَالَةِ صَاحِبِي لَمْ يَصِحَّ الثَّانِي لَوْ كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ أَلْفٌ فَكَفَلَ ثَلَاثَةٌ عَنْهُ عَلَى أَنْ يَكُونَ بَعْضُهُمْ كَفِيلًا عَنْ الْبَعْضِ، فَأَدَّى أَحَدُهُمْ شَيْئًا يَكُونُ مُؤَدِّيًا عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ صَاحِبَيْهِ، وَإِنْ عَيَّنَ عَنْ أَحَدِهِمَا لَا يَصِحُّ. وَالثَّالِثُ لَوْ كَانَ الدَّيْنُ عَلَى رَجُلَيْنِ وَأَحَدُهُمَا كَفِيلٌ عَنْ صَاحِبِهِ وَالْآخَرُ لَمْ يَكْفُلْ عَنْهُ إنْ أَدَّى الْكَفِيلُ شَيْئًا، وَلَمْ يُعَيِّنْ كَانَ الْمُؤَدَّى عَنْهُ وَإِنْ عَيَّنَ يَكُونُ عَنْ صَاحِبِهِ وَتَمَامُهُ مَعَ الْبَيَانِ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ فِي الْمُنْتَقَى رَجُلَانِ كَفَلَا عَنْ رَجُلٍ بِأَمْرِهِ بِمَالِ عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلٌ عَنْ صَاحِبِهِ ثُمَّ أَدَّى أَحَدُهُمَا شَيْئًا فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِجَمِيعِ مَا أَدَّى عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ، وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَيْهِ بِنِصْفِهِ وَعَلَى شَرِيكِهِ بِنِصْفِهِ وَإِنْ ضَمِنَا عَنْهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى شَرِيكِهِ بِشَيْءٍ حَتَّى يُؤَدِّيَ أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَقَوْلُ الشَّارِحِ وَهِيَ وَارِدَةٌ عَلَى مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ سَهْوٌ) قَالَ فِي النَّهْرِ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ إنَّ هَذِهِ وَارِدَةٌ عَلَى مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ أَيْ عَلَى تَوْجِيهِهَا، وَوَجْهُهُ أَنَّ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ إنَّمَا لَا يَصِحُّ تَعْيِينُهُ صَرْفًا إلَى الْأَقْوَى، وَهُوَ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ وَهَذَا كَذَلِكَ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ تَعْيِينُهُ أَيْضًا وَلَمَّا خَفِيَ هَذَا عَلَى صَاحِبِ الْبَحْرِ ادَّعَى أَنَّهُ سَهْوٌ اهـ. وَرَأَيْت بِخَطِّ بَعْضِ الْفُضَلَاءِ هَلْ يُمْكِنُ دَفْعُ وُرُودِ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ بِأَنْ يَلْتَزِمَ أَنَّ مَسْأَلَةَ الْمَتْنِ مُعَلَّلَةٌ بِكُلٍّ مِنْ الصَّرْفِ إلَى الْأَقْوَى وَلُزُومِ الدَّوْرِ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي كَلَامِهِمْ مَا يَنْبُو عَنْ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ الدَّيْنَ يَنْقَسِمُ عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 263 فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالزِّيَادَةِ عَلَى النِّصْفِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إذَا أَقَرَّ رَجُلَانِ لِرَجُلٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ بِهَذَا الْمَالِ أَيُّهُمَا شَاءَ فَهَذَا بِمَنْزِلَةِ كَفَالَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ بِأَمْرِهِ اهـ. مُلَخَّصًا. (قَوْلُهُ وَلَوْ افْتَرَقَ الْمُفَاوِضَانِ أَخَذَ الْغَرِيمُ أَيًّا شَاءَ بِكُلِّ الدَّيْنِ) ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلٌ عَنْ صَاحِبِهِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي الشَّرِكَةِ قَيَّدَ بِالْمُفَاوِضَيْنِ أَيْ الشَّرِيكَيْنِ شَرِكَةَ مُفَاوَضَةٍ؛ لِأَنَّ شَرِيكَ الْعَنَانِ لَا يُؤَاخَذُ عَنْ شَرِيكِهِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَضَمَّنُ الْكَفَالَةَ بَلْ الْوَكَالَةَ، وَلِذَا قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ الشَّرِكَةِ أَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِدَيْنٍ فِي تِجَارَتِهِمَا وَأَنْكَرَ الْآخَرُ لَزِمَ الْمُقِرَّ كُلُّهُ إنْ كَانَ هُوَ الَّذِي تَوَلَّاهُ، وَإِنْ أَقَرَّ أَنَّهُمَا تَوَلَّيَاهُ لَزِمَ نِصْفُهُ وَلَا يَلْزَمُ الْمُنْكِرَ شَيْءٌ، وَإِنْ أَقَرَّ أَنَّهُ وَلِيُّهُ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ اهـ. قَوْلُهُ (وَلَا يَرْجِعُ حَتَّى يُؤَدِّيَ أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ) لِمَا بَيَّنَّا مِنْ الْوَجْهَيْنِ فِي كَفَالَةِ الرَّجُلَيْنِ. (قَوْلُهُ وَإِنْ كَاتَبَ عَبْدَيْهِ كِتَابَةً وَاحِدَةً وَكَفَلَ كُلٌّ عَنْ صَاحِبِهِ وَأَدَّى أَحَدُهُمَا رَجَعَ بِنِصْفِهِ) ؛ لِأَنَّ هَذَا الْعَقْدَ جَائِزٌ اسْتِحْسَانًا وَطَرِيقُهُ أَنْ يُجْعَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَصِيلًا فِي حَقِّ وُجُوبِ الْأَلْفِ عَلَيْهِ فَيَكُونُ عِتْقُهُمَا مُعَلَّقًا بِأَدَائِهِ، وَيُجْعَلُ كَفِيلًا بِالْأَلْفِ فِي حَقِّ صَاحِبِهِ، وَإِذَا عُرِفَ ذَلِكَ فَمَا أَدَّاهُ أَحَدُهُمَا رَجَعَ عَلَى صَاحِبِهِ بِنِصْفِهِ لِاسْتِوَائِهِمَا وَلَوْ رَجَعَ بِالْكُلِّ لَمْ تَتَحَقَّقْ الْمُسَاوَاةُ قُيِّدَ بِقَوْلِهِ وَكَفَلَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَاتَبَهُمَا مَعًا وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ لَزِمَ كُلَّ وَاحِدٍ حِصَّتُهُ، وَيُعْتَقُ بِأَدَاءِ حِصَّتِهِ؛ لِأَنَّ الْمُقَابَلَةَ الْمُطْلَقَةَ تَقْتَضِي ذَلِكَ فَلَوْ كَاتَبَهُمَا عَلَى أَنَّهُمَا إنْ أَدَّيَا عَتَقَا، وَإِنْ عَجَزَا رُدَّا فِي الرِّقِّ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْكَفَالَةَ فَعِنْدَنَا لَا يُعْتَقُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا مَا لَمْ يَصِلْ جَمِيعُ الْمَالِ إلَى الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْمَوْلَى فِي الْعَقْدِ تَجِبُ مُرَاعَاتُهُ إذَا كَانَ صَحِيحًا شَرْعًا، وَقَدْ شُرِطَ الْعِتْقُ عِنْدَ أَدَائِهِمَا جَمِيعَ الْمَالِ إلَى الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْمَوْلَى فِي الْعَقْدِ نَصٌّ فَلَوْ عَتَقَ أَحَدُهُمَا بِأَدَاءِ حِصَّتِهِ كَانَ مُخَالِفًا لِشَرْطِهِ. (قَوْلُهُ وَلَوْ حَرَّرَ أَحَدُهُمَا أَخَذَ أَيًّا شَاءَ بِحِصَّةِ مَنْ لَمْ يَعْتِقْهُ) وَإِنَّمَا جَازَ الْعِتْقُ لِمُصَادَفَتِهِ مِلْكَهُ وَبَرِئَ عَنْ النِّصْفِ لِأَنَّهُ مَا رَضِيَ بِالْتِزَامِ الْمَالِ إلَّا لِيَكُونَ وَسِيلَةً إلَى الْعِتْقِ، وَلَمْ يَبْقَ وَسِيلَةً فَيَسْقُطُ وَيَبْقَى النِّصْفُ عَلَى الْآخَرِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ فِي الْحَقِيقَةِ مُقَابَلٌ بِرَقَبَتِهِمَا، وَإِنَّمَا جُعِلَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا احْتِيَالًا لِتَصْحِيحِ الضَّمَانِ، وَإِذَا جَاءَ الْعِتْقُ اُسْتُغْنِيَ عَنْهُ فَاعْتُبِرَ مُقَابَلًا بِرَقَبَتِهِمَا فَلِهَذَا يَتَنَصَّفُ وَلِلْمَوْلَى أَنْ يَأْخُذَ بِحِصَّةِ الَّذِي لَمْ يُعْتَقْ أَيَّهُمَا شَاءَ الْمُعْتَقُ بِالْكَفَالَةِ وَصَاحِبُهُ بِالْأَصَالَةِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ أَخَذَ الْمُعْتَقَ رَجَعَ عَلَى صَاحِبِهِ، وَإِنْ أَخَذَ الْآخَرَ لَا) ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَقَ مُؤَدٍّ عَنْهُ بِأَمْرِهِ وَالْآخَرَ مُؤَدٍّ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّمَا جَازَتْ الْكَفَالَةُ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ هُنَا؛ لِأَنَّهُ فِي حَالِ الْبَقَاءِ، وَأَمَّا فِي الِابْتِدَاءِ الْمَالُ كُلُّهُ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ وَمَنْ ضَمِنَ عَنْ عَبْدٍ مَالًا يُؤَاخَذُ بِهِ بَعْدَ عِتْقِهِ فَهُوَ حَالٌّ) كَمَا إذَا أَقَرَّ الْعَبْدُ بِاسْتِهْلَاكِ مَالٍ وَكَذَّبَهُ الْمَوْلَى أَوْ أَقْرَضَهُ إنْسَانٌ أَوْ بَاعَهُ وَهُوَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ، أَوْ أَوْدَعَهُ شَيْئًا فَاسْتَهْلَكَهُ أَوْ وَطِئَ امْرَأَةً بِشُبْهَةٍ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى فَإِنَّهُ لَا يُؤَاخَذُ بِهِ فِي الْحَالِ فَإِذَا ضَمِنَهُ إنْسَانٌ وَلَمْ يُبَيِّنْ أَنَّهُ حَالٌّ وَلَا غَيْرُهُ كَانَ عَلَى الضَّامِنِ حَالًّا؛ لِأَنَّهُ حَالٌّ عَلَيْهِ لِوُجُودِ السَّبَبِ وَقَبُولِ الذِّمَّةِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُطَالَبُ لِعُسْرَتِهِ إذْ جَمِيعُ مَا فِي يَدِهِ مِلْكُ الْمَوْلَى وَلَمْ يَرْضَ بِتَعَلُّقِهِ بِهِ، وَالْكَفِيلُ غَيْرُ مُعْسِرٍ فَصَارَ كَمَا إذَا كَفَلَ عَنْ غَائِبٍ أَوْ مُفْلِسٍ بِخِلَافِ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ؛ لِأَنَّهُ مُتَأَخِّرٌ بِمُؤَخَّرٍ، ثُمَّ إذَا أَدَّى رَجَعَ عَلَى الْعَبْدِ بَعْدَ الْعِتْقِ لِأَنَّ الطَّالِبَ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ إلَّا بَعْدَ الْعِتْقِ فَكَذَا الْكَفِيلُ لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ وَالتَّقْيِيدُ بِكَوْنِهِ يُؤَاخَذُ بِهِ بَعْدَ عِتْقِهِ لِيُفْهَمَ مِنْهُ حُكْمُ مَا يُؤَاخَذُ بِهِ لِلْحَالِ بِالْأُولَى كَدَيْنِ الِاسْتِهْلَاكِ عِيَانًا، وَمَا لَزِمَهُ بِالتِّجَارَةِ بِإِذْنِ الْمَوْلَى وَجَعَلَهُ قَيْدًا احْتِرَازِيًّا كَمَا فِي الشَّرْحِ سَهْوٌ كَمَا لَا يَخْفَى، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَوْ كَانَ كَفَلَ بِدَيْنِ الِاسْتِهْلَاكِ الْمُعَايَنِ يَنْبَغِي أَنْ يَرْجِعَ قَبْلَ الْعِتْقِ إذَا أَدَّى؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ غَيْرُ مُؤَجَّلٍ وَلَا مُؤَخَّرٍ إلَى الْعِتْقِ فَيُطَالَبُ السَّيِّدُ بِتَسْلِيمِ رَقَبَتِهِ أَوْ الْقَضَاءِ عَنْهُ، وَبَحَثَ أَهْلُ الدَّرْسِ هَلْ الْمُعْتَبَرُ فِي هَذَا الرُّجُوعِ الْأَمْرُ   [منحة الخالق] وَفِي الشَّافِي ثَلَاثَةٌ كَفَلُوا بِأَلْفٍ يُطَالَبُ كُلُّ وَاحِدٍ بِثُلُثِ الْأَلْفِ، وَإِنْ كَفَلُوا عَلَى التَّعَاقُبِ يُطَالَبُ كُلُّ وَاحِدٍ بِالْأَلْفِ، كَذَا ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ والمرغيناني والتمرتاشي كَذَا فِي نُورِ الْعَيْنِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 264 بِالْكَفَالَةِ مِنْ الْعَبْدِ أَوْ السَّيِّدِ، وَقَوِيَ عِنْدِي كَوْنُ الْمُعْتَبَرِ أَمْرَ السَّيِّدِ؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ فِي الْحَقِيقَةِ عَلَيْهِ اهـ. وَفِي الْبَدَائِعِ وَأَمَّا رُجُوعُ الْكَفِيلِ فَلَهُ شَرَائِطُ مِنْهَا أَنْ تَكُونَ الْكَفَالَةُ بِأَمْرِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ، وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ بِإِذْنٍ صَحِيحٍ، وَهُوَ إذْنُ مَنْ يَجُوزُ إقْرَارُهُ عَلَى نَفْسِهِ بِالدَّيْنِ حَتَّى إنَّهُ لَوْ كَفَلَ عَنْ الصَّبِيِّ الْمَحْجُورِ بِإِذْنِهِ فَأَدَّى لَا يَرْجِعُ؛ لِأَنَّ إذْنَهُ بِالْكَفَالَةِ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْمَكْفُولِ عَنْهُ اسْتِقْرَاضٌ، وَاسْتِقْرَاضُ الصَّبِيِّ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الضَّمَانُ، وَأَمَّا الْعَبْدُ الْمَحْجُورُ فَإِذْنُهُ بِالْكَفَالَةِ صَحِيحٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ حَتَّى يَرْجِعَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْعَتَاقِ لَكِنْ لَا يَصِحُّ فِي حَقِّ الْمَوْلَى فَلَا يُؤَاخَذُ بِهِ فِي الْحَالِ اهـ. وَفِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ أَنَّ الْمُكَاتَبَ صَالَحَ عَنْ الدَّمِ عَلَى مَالٍ مُؤَجَّلٍ فِي الذِّمَّةِ، وَالْقَتْلُ ثَابِتٌ بِإِقْرَارِهِ أَوْ بِالْبَيِّنَةِ وَكَفَلَ إنْسَانٌ بِالْبَدَلِ، ثُمَّ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ فَرَدَّ فِي الرِّقِّ لَمْ يَكُنْ لِلْمُصَالِحِ أَنْ يَأْخُذَ الْمُكَاتَبَ حَتَّى يُعْتَقَ؛ لِأَنَّهُ الْتِزَامُ الْمَالِ فِي الذِّمَّةِ عِوَضًا عَنْ الدَّمِ فَصَحَّ ذَلِكَ فِي حَقِّهِ لَا فِي حَقِّ الْمَوْلَى، فَإِذَا خَلَصَ إكْسَابُهُ بِالْحُرِّيَّةِ يُؤْخَذُ بِهِ وَلِلْمُصَالِحِ أَنْ يَأْخُذَ الْكَفِيلَ قَبْلَ عِتْقِ الْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّهُ كَفَلَ بِمَالٍ وَاجِبٍ لِلْحَالِ، وَإِنَّمَا تَأَخَّرَتْ الْمُطَالَبَةُ عَنْ الْمُكَاتَبِ قَبْلَ الْعِتْقِ لِإِفْلَاسِهِ وَعَجْزِهِ فَلَا تَسْقُطُ الْمُطَالَبَةُ عَنْ الْكَفِيلِ اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ ادَّعَى رَقَبَةَ الْعَبْدِ فَكَفَلَ بِهِ رَجُلٌ فَمَاتَ الْعَبْدُ فَبَرْهَنَ الْمُدَّعِي أَنَّهُ لَهُ ضَمِنَ قِيمَتَهُ، وَلَوْ ادَّعَى عَلَى عَبْدٍ مَالًا وَكَفَلَ بِنَفْسِهِ رَجُلٌ فَمَاتَ الْعَبْدُ بَرِئَ الْكَفِيلُ) ؛ لِأَنَّهَا تَبْطُلُ بِمَوْتِ الْمَكْفُولِ بِهِ إذَا كَانَ حُرًّا فَكَذَا إذَا كَانَ عَبْدًا لِتَعَذُّرِ تَسْلِيمِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ مُكَرَّرَةٌ؛ لِأَنَّهُ قَدَّمَ فِي الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ أَنَّهَا تَبْطُلُ بِمَوْتِ الْمَطْلُوبِ وَفِي هَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ، وَلَكِنْ إنَّمَا ذَكَرَهَا هُنَا لِيُبَيِّنَ الْفَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْأُولَى وَهُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْمَكْفُولَ بِهِ فِي الْأُولَى رَقَبَةُ الْعَبْدِ وَهِيَ مَالٌ وَهِيَ لَا تَبْطُلُ بِهَلَاكِ الْمَالِ فَيَلْزَمُهُ قِيمَةُ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ عَلَى الْمَوْلَى رَدَّ الْعَبْدِ عَلَى وَجْهٍ يُخْلِفُهَا قِيمَتَهَا، وَقَدْ الْتَزَمَ الْكَفِيلُ ذَلِكَ وَبَعْدَ الْمَوْتِ تَبْقَى الْقِيمَةُ وَاجِبَةً عَلَى الْأَصِيلِ فَكَذَا عَلَى الْكَفِيلِ، فَالْمَكْفُولُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِخِلَافِ الثَّانِيَةِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهَا كَفَالَةٌ بِالْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ وَهِيَ تُسْتَفَادُ أَيْضًا مِمَّا قَدَّمَهُ فِي الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ قُيِّدَ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ مِلْكُ الْمُدَّعِي بِإِقْرَارِ ذِي الْيَدِ أَوْ بِنُكُولِهِ عِنْدَ التَّحْلِيفِ، وَقَدْ مَاتَ الْعَبْدُ فِي يَدِ ذِي الْيَدِ قَضَى بِقِيمَةِ الْمُدَّعِي عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَلَا يَلْزَمُ عَلَى الْكَفِيلِ شَيْءٌ مِمَّا يَلْزَمُ عَلَى الْأَصِيلِ إلَّا إذَا أَقَرَّ الْكَفِيلُ بِمَا أَقَرَّ بِهِ الْأَصِيلُ؛ لِأَنَّ إقْرَارَ الْأَصِيلِ لَا يُعْتَبَرُ حُجَّةً فِي حَقِّ الْكَفِيلِ لِمَا عُرِفَ أَنَّ الْإِقْرَارَ حُجَّةٌ قَاصِرَةٌ فَيُقْتَصَرُ عَلَى الْمُقِرِّ، وَلَا يَعْدُوهُ كَذَا فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ وَفِي الْخَانِيَّةِ مُكَاتَبٌ قَتَلَ رَجُلًا عَمْدًا فَصَالَحَ عَنْ الدَّمِ عَلَى عَبْدٍ بِعَيْنِهِ، وَكَفَلَ رَجُلٌ بِالْعَبْدِ فَهَلَكَ الْعَبْدُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ كَانَ لِوَلِيِّ الدَّمِ أَنْ يَأْخُذَ الْكَفِيلَ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ، وَإِنْ شَاءَ طَالَبَ الْمُكَاتَبُ أَيْضًا بِقِيمَةِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ لَا يَبْطُلُ بِهَلَاكِ الْبَدَلِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَإِذَا عَجَزَ عَنْ تَسْلِيمِ الْعَبْدِ مَعَ الْمُوجِبِ لِلتَّسْلِيمِ يُطَالَبُ بِقِيمَةِ الْبَدَلِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الْقَاتِلُ حُرًّا، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ كَفَلَ عَبْدٌ عَنْ سَيِّدِهِ بِأَمْرِهِ فَعَتَقَ فَأَدَّاهُ، أَوْ كَفَلَ سَيِّدُهُ عَنْهُ وَأَدَّاهُ بَعْدَ عِتْقِهِ لَمْ يَرْجِعْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ) . بَيَانٌ لِمَسْأَلَتَيْنِ الْأُولَى كَفَالَةُ الْعَبْدِ عَنْ سَيِّدِهِ. وَالثَّانِيَةُ عَكْسُهُ. أَمَّا الْأُولَى فَشَرْطُهُ أَنْ لَا يَكُونَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ حَتَّى تَصِحَّ كَفَالَتُهُ بِالْمَالِ عَنْ الْمَوْلَى، وَإِنَّمَا صَحَّتْ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِي مَالِيَّتِهِ لِمَوْلَاهُ، وَهُوَ يَمْلِكُ أَنْ يَجْعَلَهُ بِالدَّيْنِ بِأَنْ يَرْهَنَهُ أَوْ يُقِرَّ بِالدَّيْنِ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ لَمْ تَصِحَّ كَفَالَتُهُ لِحَقِّ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَقَوِيَ عِنْدِي كَوْنُ الْمُعْتَبَرِ أَمْرَ السَّيِّدِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَرَأَيْت مُقَيَّدًا عِنْدِي أَنَّ مَا قَوِيَ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْبَدَائِعِ. اهـ. وَكَأَنَّهُ أَرَادَ بِهِ قَوْلَ الْبَدَائِعِ الْآتِيَ، وَأَمَّا الْعَبْدُ الْمَحْجُورُ فَإِذْنُهُ بِالْكَفَالَةِ صَحِيحٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ إلَخْ فَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِكَفَالَةٍ بِدَيْنٍ يُؤْخَذُ مِنْهُ لِلْحَالِ أَوْ بَعْدَ الْعِتْقِ، وَقَدْ يُقَالُ إنَّ الْمَوْلَى مُؤَاخَذٌ بِهَذَا الدَّيْنِ بِتَسْلِيمِ الْعَبْدِ أَوْ الْقَضَاءِ عَنْهُ وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ الْكَفَالَةُ فَأَيُّ فَائِدَةٍ لِلتَّوَقُّفِ عَلَى كَوْنِهَا بِأَمْرِهِ فَيَكْفِي أَمْرُ الْعَبْدِ فِي الرُّجُوعِ عَلَى الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْزَمْهُ بِهِ ضَرَرٌ. (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ لَمْ تَصِحَّ كَفَالَتُهُ إلَخْ) نَقَلَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَنْ الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ إذَا كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ، وَقَدْ كَفَلَ عَنْ الْمَوْلَى أَوْ عَنْ أَجْنَبِيٍّ بِمَالٍ بِإِذْنِ الْمَوْلَى لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مَا دَامَ رَقِيقًا فَإِذَا عَتَقَ لَزِمَهُ ذَلِكَ اهـ. وَهُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْغُرَمَاءِ مَنْعُ صِحَّةِ الْإِذْنِ وَمُطَالَبَتُهُ بَعْدَ الْعِتْقِ لَيْسَ فِيهَا إضْرَارٌ بِهِمْ، وَانْظُرْ لَوْ كَانَ مَدْيُونًا غَيْرَ مُسْتَغْرَقٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُوفِي مِنْ الْفَاضِلِ لَوْ بِالْأَمْرِ، وَيُطَالَبُ بِالْبَاقِي بَعْدَ الْعِتْقِ ثُمَّ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْهِنْدِيَّةِ فَمَا فَائِدَةُ التَّقْيِيدِ الْمَذْكُورِ مَعَ أَنَّهُ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَأَقَرَّهُ الشَّارِحُونَ فَإِنَّ الْكَلَامَ فِي مَسْأَلَتِنَا فِي الْأَدَاءِ بَعْدَ الْعِتْقِ فَلْيُتَأَمَّلْ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 265 الْغُرَمَاءِ وَإِنْ كَانَ بِإِذْنِ الْمَوْلَى. وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَهِيَ صَحِيحَةٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَإِنَّمَا لَمْ يَرْجِعْ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ فِيهِمَا؛ لِأَنَّهَا وَقَعَتْ غَيْرَ مُوجِبَةٍ لِلرُّجُوعِ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنًا، وَكَذَا الْعَبْدُ عَلَى مَوْلَاهُ فَلَا تَنْقَلِبُ مُوجِبَةً أَبَدًا كَمَنْ كَفَلَ عَنْ عَبْدِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَأَجَازَهُ، ثُمَّ فَائِدَةُ كَفَالَةِ الْمَوْلَى عَنْ عَبْدِهِ وُجُوبُ مُطَالَبَتِهِ بِإِيفَاءِ الدَّيْنِ مِنْ سَائِرِ أَمْوَالِهِ، وَفَائِدَةُ كَفَالَةِ الْعَبْدِ عَنْ مَوْلَاهُ تَعَلُّقُهُ بِرَقَبَتِهِ قُيِّدَ بِكَفَالَةِ السَّيِّدِ عَنْ عَبْدِهِ؛ لِأَنَّ كَفَالَةَ السَّيِّدِ لِعَبْدِهِ عَنْ مَدْيُونِهِ صَحِيحَةٌ إنْ كَانَ الْعَبْدُ مَدْيُونًا فَلَوْ أَنَّ هَذَا الْعَبْدَ قَضَى وَلِيُّهُ دَيْنَهُ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ بَطَلَتْ كَفَالَةُ الْمَوْلَى كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَفِي هَذَا التَّفْرِيعِ أَعْنِي قَوْلَهُ فَلَوْ أَنَّ هَذَا الْعَبْدَ إلَى آخِرِهِ نَظَرٌ اهـ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (كِتَابُ الْحَوَالَةِ) ذَكَرَهَا بَعْدَهَا؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عَقْدُ الْتِزَامِ مَا عَلَى الْأَصِيلِ لِلتَّوَثُّقِ، إلَّا أَنَّ الْحَوَالَةَ تَتَضَمَّنُ بَرَاءَةَ الْأَصِيلِ بَرَاءَةً مُقَيَّدَةً بِخِلَافِ الْكَفَالَةِ، فَكَانَتْ كَالْمُرَكَّبِ مَعَ الْمُفْرَدِ وَالْمُفْرَدُ مُقَدَّمٌ فَأَخَّرَ الْحَوَالَةَ عَنْهَا، وَالْكَلَامُ فِيهَا فِي مَوَاضِعَ: الْأَوَّلُ فِي مَعْنَاهَا لُغَةً فَفِي الْمِصْبَاحِ حَوَّلْته تَحْوِيلًا نَقَلْته مِنْ مَوْضِعٍ إلَى مَوْضِعٍ وَحَوَّلَ هُوَ تَحْوِيلًا يُسْتَعْمَلُ لَازِمًا مُتَعَدِّيًا، وَحَوَّلْت الرِّدَاءَ نَقَلْت كُلَّ طَرَفٍ إلَى مَوْضِعِ الْآخَرِ وَالْحَوَالَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ هَذَا فَأَحَلْته بِدَيْنِهِ نَقَلْته مِنْ ذِمَّةٍ إلَى غَيْرِ ذِمَّتِك، وَأَحَلْت الشَّيْءَ إحَالَةً نَقَلْته أَيْضًا اهـ. وَفِي الصِّحَاحِ أَحَالَ عَلَيْهِ بِدَيْنِهِ وَالِاسْمُ الْحَوَالَةُ اهـ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ يُقَالُ أَحَلْت زَيْدًا بِمَالِهِ عَلَى عَمْرٍو فَاحْتَالَ أَيْ قَبِلَ فَأَنَا مُحِيلٌ وَزَيْدٌ مُحَالٌ يُقَالُ مُحْتَالٌ وَالْمَالُ مُحَالٌ بِهِ وَالرَّجُلُ مُحَالٌ عَلَيْهِ، وَيُقَالُ مُحْتَالٌ عَلَيْهِ فَتَقْدِيرُ الْأَصْلِ فِي مُحْتَالٍ الْوَاقِعِ فَاعِلًا مُحْتَوِلٌ بِكَسْرِ الْوَاوِ وَفِي الْوَاقِعِ مَفْعُولًا مُحْتَوَلٌ بِالْفَتْحِ كَمَا يُقَدَّرُ فِي مُخْتَارٍ الْفَاعِلُ مُخْتِيرٌ بِكَسْرِ الْيَاءِ وَفَتْحِهَا فِي مُخْتَارٍ الْمَفْعُولُ، وَأَمَّا صِلَةً لَهُ مَعَ الْمُحْتَالِ الْفَاعِلِ فَلَا حَاجَةَ إلَيْهَا بَلْ الصِّلَةُ مَعَ الْمُحَالِ عَلَيْهِ لَفْظَةُ عَلَيْهِ فَهُمَا مُحْتَالٌ وَمُحْتَالٌ عَلَيْهِ فَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا بِعَدَمِ الصِّلَةِ وَبِصِلَةِ عَلَيْهِ، وَيُقَالُ لِلْمُحْتَالِ حَوِيلٌ أَيْضًا فَالْمُحِيلُ هُوَ الْمَدْيُونُ وَالْمُحَالُ وَالْمُحْتَالُ رَبُّ الدَّيْنِ وَالْمُحَالُ عَلَيْهِ وَالْمُحْتَالُ عَلَيْهِ هُوَ الَّذِي الْتَزَمَ ذَلِكَ الدَّيْنَ لِلْمُحْتَالِ وَالْمُحَالُ بِهِ نَفْسُ الدَّيْنِ اهـ. الثَّانِي فِي مَعْنَاهَا شَرِيعَةً فَأَفَادَهُ بِقَوْلِهِ (هِيَ نَقْلُ الدَّيْنِ مِنْ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ) أَيْ مِنْ ذِمَّةِ الْمُحِيلِ إلَى ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ، وَهَذَا قَوْلُ الْبَعْضِ فَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى أَصْلِ النَّقْلِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّتِهِ فَقِيلَ إنَّهَا نَقْلُ الْمُطَالَبَةِ وَالدَّيْنِ، وَقِيلَ نَقْلُ الْمُطَالَبَةِ فَقَطْ وَجُعِلَ الِاخْتِلَافُ فِي الْبَدَائِعِ بَيْنَ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَنَسَبَ الشَّارِحُ الْأَوَّلَ إلَى أَبِي يُوسُفَ وَالثَّانِيَ إلَى مُحَمَّدٍ. وَجْهُ الْأَوَّلِ دَلَالَةُ الْإِجْمَاعِ مِنْ أَنَّ الْمُحْتَالَ لَوْ أَبْرَأَ الْمُحَالَ عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ أَوْ وَهَبَهُ مِنْهُ صَحَّ، وَلَوْ أَبْرَأَ الْمُحِيلَ أَوْ وَهَبَهُ لَمْ يَصِحَّ وَلَوْلَا انْتِقَالُهُ إلَى ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ لَمَا صَحَّ الْأَوَّلُ، وَلَصَحَّ الثَّانِي وَحُكِيَ فِي الْمَجْمَعِ خِلَافُ مُحَمَّدٍ فِي الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَعْتَبِرْهُ فَنَقَلَ الْإِجْمَاعَ، وَوَجْهُ الثَّانِي دَلَالَةُ الْإِجْمَاعِ أَيْضًا مِنْ أَنَّ الْمُحِيلَ إذَا قَضَى دَيْنَ الطَّالِبِ بَعْدَ الْحَوَالَةِ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ لَا يَكُونُ مُتَطَوِّعًا، وَيُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَكَانَ مُتَطَوِّعًا، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُجْبَرَ عَلَى الْقَبُولِ كَمَا إذَا تَطَوَّعْ أَجْنَبِيٌّ بِقَضَاءِ دَيْنِ إنْسَانٍ عَلَى غَيْرِهِ، وَكَذَا الْمُحْتَالُ لَوْ أَبْرَأ الْمُحَالَ عَلَيْهِ دَيْنَ الْحَوَالَةِ لَا يَرْتَدُّ بِرَدِّهِ، وَلَوْ وَهَبَهُ مِنْهُ ارْتَدَّ كَمَا لَوْ أَبْرَأَ الطَّالِبُ الْكَفِيلَ أَوْ وَهَبَهُ مِنْهُ، وَلَوْ انْتَقَلَ إلَى ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ لَمَا اخْتَلَفَ حُكْمُ الْإِبْرَاءِ وَالْهِبَةِ، وَكَذَا الْمُحَالُ لَوْ أَبْرَأَ الْمُحَالَ عَلَيْهِ عَنْ دَيْنِ الْحَوَالَةِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْمُحِيلِ، وَإِنْ كَاتَبَ بِأَمْرِهِ كَالْكَفَالَةِ وَلَوْ وَهَبَ الدَّيْنَ مِنْهُ فَلَهُ الرُّجُوعُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُحِيلِ عَلَيْهِ دَيْنٌ، وَلَوْ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ يَلْتَقِيَانِ قِصَاصًا كَمَا فِي الْكَفَالَةِ فَدَلَّتْ هَذِهِ الْأَحْكَامُ عَلَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْحَوَالَةِ وَالْكَفَالَةِ، ثُمَّ الدَّيْنُ فِي بَابِ الْكَفَالَةِ ثَابِتٌ فِي ذِمَّةِ الْأَصِيلِ فَكَذَا   [منحة الخالق] [كِتَابُ الْحَوَالَةِ] (قَوْلُهُ وَالِاسْمُ الْحَوَالَةُ) أَيْ اسْمُ مَصْدَرٍ (قَوْلُهُ فَاعِلًا) أَيْ اسْمُ فَاعِلٍ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 266 فِي الْكَفَالَةِ هَكَذَا قَرَّرَهُ فِي الْبَدَائِعِ، وَلَمْ يُرَجَّحْ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الْمُصَحَّحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهَا تُوجِبُ الْبَرَاءَةَ مِنْ الدَّيْنِ اهـ. فَالْمَذْهَبُ مَا فِي الْكِتَابِ قَالُوا وَفَائِدَةُ الِاخْتِلَافِ فِي أَنَّهَا نَقْلُهُمَا، أَوْ الْمُطَالَبَةُ فَقَطْ تَظْهَرُ فِي مَسْأَلَتَيْنِ إحْدَاهُمَا أَنَّ الرَّاهِنَ إذَا أَحَالَ الْمُرْتَهِنَ بِالدَّيْنِ فَلَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ الرَّهْنَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَكَذَا لَوْ أَبْرَأهُ عَنْهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَسْتَرِدُّهُ كَمَا لَوْ أَجَّلَ الدَّيْنَ بَعْدَ الرَّهْنِ، وَالثَّانِيَةُ إذَا أَبْرَأَ الطَّالِبُ الْمُحِيلَ بَعْدَ الْحَوَالَةِ لَا يَصِحُّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ بَرِئَ بِالْحَوَالَةِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَصِحُّ وَبَرِئَ الْمُحِيلُ وَقَدْ أَنْكَرَ هَذَا الْخِلَافَ بَيْنَهُمَا بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ، وَقَالَ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ مُحَمَّدٍ نَصٌّ بِنَقْلِ الْمُطَالَبَةِ دُونَ الدَّيْنِ بَلْ ذَكَرَ أَحْكَامًا مُتَشَابِهَةً وَاعْتَبَرَ الْحَوَالَةَ فِي بَعْضِهَا تَأْجِيلًا، وَجَعَلَ الْمُحَوَّلَ بِهَا الْمُطَالَبَةَ لَا الدَّيْنَ وَاعْتَبَرَهَا فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ إبْرَاءً، وَجَعَلَ الْمُحَوَّلَ بِهَا الْمُطَالَبَةَ وَالدَّيْنَ وَإِنَّمَا فَعَلَ هَكَذَا؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ حَقِيقَةِ اللَّفْظِ يُوجِبُ نَقْلَ الْمُطَالَبَةِ وَالدَّيْنِ إذْ الْحَوَالَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى النَّقْلِ وَقَدْ أُضِيفَ إلَى الدَّيْنِ، وَاعْتِبَارُ الْمَعْنَى يُوجِبُ تَحْوِيلَ الْمُطَالَبَةِ؛ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ تَأْجِيلٌ مَعْنًى أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُحْتَالَ عَلَيْهِ إذَا مَاتَ مُفْلِسًا يَعُودُ الدَّيْنُ إلَى ذِمَّةِ الْمُحِيلِ وَهَذَا هُوَ مَعْنَى التَّأْجِيلِ فَاعْتُبِرَ الْمَعْنَى فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ، وَاعْتُبِرَ الْحَقِيقَةُ فِي بَعْضِهَا نَعَمْ يَحْتَاجُ إلَى بَيَانِ لَمِّيَّةِ خُصُوصِ الِاعْتِبَارِ فِي كُلِّ مَكَان كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ بِهَا صَارَ عَلَى الْحَوِيلِ مَا كَانَ عَلَى الْمُحِيلِ إذْ نَقْلُ الدَّيْنِ أَوْفَى بِمَعْنَاهَا مِنْ نَقْلِ الطَّلَبِ وَحْدَهُ، وَإِنْ عَكَسَ أَبُو يُوسُفَ حَسْبَ التَّأْثِيرِ فِي عِتْقِ الْمُكَاتَبِ، وَبُطْلَانُ الرَّهْنِ بَعْدَ الْإِحَالَةِ عَلَى الْغَيْرِ وَلِهَذَا جَازَ لِلْمُحَالِ أَنْ يُبْرِئَ الْحَوِيلَ أَوْ يَسْتَرْهِنَ أَوْ يَهَبَ مِنْهُ دُونَ الْمُحِيلِ عَلَى الْمَذْهَبِ عَكْسَ مَا قَبْلَهَا، وَلَمْ يَصِرْ لِلْمُحَالِ مَا كَانَ لِلْمُحِيلِ وَإِنْ قَيَّدَهَا بِالدَّيْنِ حَذَارِ تَمْلِيكِهِ غَيْرَ الْمَدْيُونِ بَلْ يَلْزَمُ الْحَوِيلَ دَيْنَانِ لِهَذَا لَوْ قَبِلَ الْحَالَّ مُؤَجَّلًا لَمْ يَظْهَرْ الْأَجَلُ فِي حَقِّ الْمُحِيلِ حَسْبَ التَّأْثِيرِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْإِبْرَاءِ اهـ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ يَرِدُ عَلَى تَعْرِيفِهَا بِالنَّقْلِ الْمَذْكُورِ أَشْيَاءُ الْأَوَّلُ أَنَّ التَّعْرِيفَ لَا يَصْدُقُ عَلَى الْحَوَالَةِ الْمُقَيَّدَةِ الْوَدِيعَةِ إذْ لَيْسَ فِيهَا دَيْنٌ انْتَقَلَ إلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ. ثَانِيهَا عَوْدُ الدَّيْنِ بِالتَّوَى وَلَوْ انْتَقَلَ الدَّيْنُ لَمْ يَعُدْ. ثَالِثُهَا جَبْرُ الْمُحَالِ عَلَى قَبُولِ الدَّيْنِ مِنْ الْمُحِيلِ بَعْدَهَا، وَلَوْ انْتَقَلَ لَمْ يُجْبَرْ. رَابِعُهَا قِسْمَةُ الدَّيْنِ بَيْنَ غُرَمَاءِ الْمُحِيلِ بَعْدَ مَوْتِهِ قَبْلَ قَبْضِ الْمُحْتَالِ، وَلَوْ انْتَقَلَ لَاخْتَصَّ بِهِ الْمُحَالُ. خَامِسُهَا أَنَّ إبْرَاءَ الْمُحْتَالِ الْمُحَالَ عَلَيْهِ لَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ، وَلَوْ انْتَقَلَ إلَيْهِ لَارْتَدَّ. سَادِسُهَا أَنَّ تَوْكِيلَ الْمُحَالِ الْمُحِيلَ بِالْقَبْضِ مِنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَلَوْ انْتَقَلَ مِنْ ذِمَّةِ الْمُحِيلِ لَصَحَّ لِكَوْنِهِ أَجْنَبِيًّا. سَابِعُهَا أَنَّ الْمُحْتَالَ لَوْ وُهِبَ لِلْمُحَالِ عَلَيْهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُحِيلِ وَلَوْ انْتَقَلَ الدَّيْنُ إلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ لَكَانَتْ الْهِبَةُ إبْرَاءً فَلَا رُجُوعَ. ثَامِنُهَا أَنَّهَا تُفْسَخُ بِالْفَسْخِ وَلَوْ سَقَطَ الدَّيْنُ لَمْ يَعُدْ تَاسِعُهَا عَدَمَ سُقُوطِ حَقِّ حَبْسِ الْمَبِيعِ فِيمَا إذَا أَحَالَهُ الْمُشْتَرِي. عَاشِرُهَا كَذَلِكَ الرَّهْنُ وَالْجَوَابُ أَنَّ مُوجِبَهَا نَقْلٌ مُؤَقَّتٌ لَا مُؤَبَّدٌ فَبَرِئَ الْمُحِيلُ بَرَاءَةً مُؤَقَّتَةً إلَى التَّوَى فَالرُّجُوعُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْرَأْ بَرَاءَةً مُؤَبَّدَةً، وَإِنَّمَا بَرِئَ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ لِلْمُحْتَالِ فَحَيْثُ تَوَى الْمَالَ لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ، وَصَحَّ أَدَاءُ الْمُحِيلِ لِلْمُحْتَالِ لِيَسْتَفِيدَ الْبَرَاءَةَ الْمُؤَبَّدَةَ الَّتِي لَمْ تَحْصُلْ بِالْحَوَالَةِ كَمَا عَلَّلَ بِهِ فِي الذَّخِيرَةِ وَلَا يَضُرُّ فِي نَقْلِ الدَّيْنِ قِسْمَتُهُ بَيْنَ غُرَمَاءِ الْمُحِيلِ بَعْدَ مَوْتِهِ قَبْلَ قَبْضِ الْمُحْتَالِ؛ لِأَنَّ الْمُحْتَالَ لَمْ يَمْلِكْ الدَّيْنَ بِالْحَوَالَةِ إذْ يَلْزَمُهُ عَلَيْهِ تَمْلِيكُ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ وَإِنَّمَا مَلَكَ الْمُطَالَبَةَ فَإِذَا قَبَضَهُ مَلَكَهُ، وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ دَيْنَانِ دَيْنٌ لِلْمُحِيلِ بِدَلِيلِ قِسْمَتِهِ بَيْنَ غُرَمَائِهِ وَدَيْنٌ لِلْمُحْتَالِ؛ لِأَنَّ الْمَمْنُوعَ أَنْ يَكُونَ لِلدَّيْنِ الْوَاحِدِ مُطَالِبَانِ لَا أَنْ يَكُونَ عَلَى وَاحِدٍ دَيْنَانِ بِاعْتِبَارَيْنِ لَهُمَا مُطَالِبٌ وَاحِدٌ كَمَا فِي الْحَوَالَةِ، وَإِنَّمَا لَا يَصْلُحُ الْمُحِيلُ أَنْ يَكُونَ وَكِيلًا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ إحْدَاهُمَا أَنَّ الرَّهْنَ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَفِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي أَحَالَ الْغَرِيمُ الْمُرْتَهِنَ بِالْمَالِ عَلَى رَجُلٍ لِلْمُرْتَهِنِ مَنْعُ الرَّهْنِ حَتَّى يَقْبِضَ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَالْمُرْتَهِنُ إنْ أَحَالَ غَرِيمًا لَهُ عَلَى الرَّاهِنِ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْعُ الرَّهْنِ، وَسَيَذْكُرُ الشَّارِحُ هَذَا بَعْدَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، ذَكَرَهُ الْغَزِّيِّ وَقَالَ الْغَزِّيِّ أَيْضًا قُلْتُ: لَمْ أَرَ حُكْمَ مَا إذَا أَحَالَ الْمُرْتَهِنُ بِدَيْنِهِ الَّذِي بِهِ الرَّهْنُ عَلَى الرَّاهِنِ هَلْ لَهُ اسْتِرْدَادُ الرَّهْنِ أَمْ لَا اهـ. أَقُولُ: سَيَأْتِي قَرِيبًا الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ اهـ. (قَوْلُهُ بِهَا صَارَ عَلَى الْحَوِيلِ مَا كَانَ عَلَى الْمُحِيلِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يُقَالُ لِلْمُحْتَالِ حَوِيلٌ، وَلَا يَصِحُّ هُنَا إرَادَةُ الْمُحْتَالِ، وَإِنَّمَا تَصِحُّ إرَادَةُ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ فَلَعَلَّهُ يُطْلَقُ عَلَيْهِمَا تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَالْجَوَابُ أَنَّ مُوجِبَهَا إلَخْ) أَيْ الْجَوَابَ عَمَّا ذُكِرَ مِنْ الْإِيرَادَاتِ عَلَى طَرِيقِ اللَّفِّ وَالنَّشْرِ الْمُرَتَّبِ، لَكِنْ تَرَكَ الْجَوَابَ عَنْ الْأَوَّلِ فَأَجَابَ عَنْ الثَّانِي بِقَوْلِهِ إنَّ مُوجِبَهَا نَقْلُ مُؤَقَّتٍ إلَخْ، وَعَنْ الثَّالِثِ بِقَوْلِهِ وَصَحَّ أَدَاءُ الْمُحِيلِ إلَخْ وَعَنْ الرَّابِعِ بِقَوْلِهِ وَلَا يَضُرُّ فِي نَقْلِ الدَّيْنِ قِسْمَتُهُ إلَخْ، وَعَنْ الْخَامِسِ بِقَوْلِهِ: لِأَنَّ الْمُحْتَالَ لَمْ يَمْلِكْ الدَّيْنَ بِالْحَوَالَةِ إلَخْ وَعَنْ السَّادِسِ بِقَوْلِهِ وَإِنَّمَا لَا يَصْلُحُ الْمُحِيلُ إلَخْ وَعَنْ السَّابِعِ بِقَوْلِهِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْهِبَةِ وَالْإِبْرَاءِ إلَخْ، وَعَنْ الثَّامِنِ بِقَوْلِهِ وَإِنَّمَا قَبِلَتْ الْفَسْخَ إلَخْ وَعَنْ التَّاسِعِ بِقَوْلِهِ وَإِنَّمَا لَمْ يَبْطُلْ حَقُّ الْبَائِعِ فِي الْحَبْسِ إلَخْ وَعَنْ الْعَاشِرِ بِقَوْلِهِ كَالْمُرْتَهِنِ إذَا أَحَالَ غَرِيمَهُ إلَخْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 267 عَنْ الْمُحْتَالِ بِقَبْضِ الدَّيْنِ لِكَوْنِ الْمُحِيلِ يَعْمَلُ لِنَفْسِهِ لِيَسْتَفِيدَ الْإِبْرَاءَ الْمُؤَبَّدَ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْهِبَةِ وَالْإِبْرَاءِ فِي الرُّجُوعِ وَعَدَمِهِ أَنَّ الْإِبْرَاءَ إسْقَاطٌ وَالْهِبَةَ مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ كَالْإِرْثِ، وَإِنَّمَا قَبِلَتْ الْفَسْخَ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَمْ يَسْقُطْ بِالْكُلِّيَّةِ؛ لِأَنَّهَا تُوجِبُ الْإِبْرَاءَ الْمُؤَبَّدَ وَفِي الذَّخِيرَةِ إذَا أَحَالَ الْمَدْيُونُ الْمُطَالِبَ عَلَى رَجُلٍ بِأَلْفٍ أَوْ بِجَمِيعِ حَقِّهِ، وَقَبِلَ مِنْهُ ثُمَّ أَحَالَهُ أَيْضًا بِجَمِيعِ حَقِّهِ عَلَى آخَرَ وَقَبِلَ مِنْهُ صَارَ الثَّانِي نَقْضًا لِلْأَوَّلِ، وَبَرِئَ الْأَوَّلُ اهـ. وَإِنَّمَا لَمْ يَبْطُلْ حَقُّ الْبَائِعِ فِي الْحَبْسِ؛ لِأَنَّ الْمُطَالَبَةَ بَاقِيَةٌ وَلِذَا لَوْ كَانَ الْمُحِيلُ هُوَ الْبَائِعُ بَطَلَ حَقُّهُ فِي الْحَبْسِ؛ لِأَنَّ مُطَالَبَتَهُ سَقَطَتْ كَالْمُرْتَهِنِ إذَا أَحَالَ غَرِيمَهُ عَلَى الرَّاهِنِ بَطَلَ حَقُّهُ فِي حَبْسِ الرَّهْنِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَحَالَهُ الرَّاهِنُ، الثَّالِثُ فِي رُكْنِهَا هُوَ الْإِيجَابُ مِنْ الْمُحِيلِ، وَالْقَبُولُ مِنْ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ وَالْمُحْتَالُ، الرَّابِعُ فِي شَرَائِطِهَا فَفِي الْمُحِيلِ الْعَقْلُ فَلَا تَصِحُّ إحَالَةُ مَجْنُونٍ وَصَبِيٍّ لَا يَعْقِلُ وَالْبُلُوغُ وَهُوَ شَرْطُ النَّفَاذِ دُونَ الِانْعِقَادِ فَتَنْعَقِدُ حَوَالَةُ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ مَوْقُوفَةً عَلَى إجَازَةِ وَلِيِّهِ كَالْبَيْعِ؛ لِأَنَّ فِيهَا مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ، وَأَمَّا حُرِّيَّتُهُ فَلَيْسَتْ شَرْطًا لِلصِّحَّةِ فَتَصِحُّ حَوَالَةُ الْعَبْدِ مَأْذُونًا أَوْ مَحْجُورًا غَيْرَ أَنَّهُ إنْ كَانَ مَأْذُونًا رَجَعَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ لِلْحَالِّ وَإِلَّا فَبَعْدَ الْعِتْقِ، وَكَذَا صِحَّتُهُ فَتَصِحُّ مِنْ الْمَرِيضِ وَمِنْهَا رِضَى الْمُحِيلِ حَتَّى لَوْ كَانَ مُكْرَهًا فِي الْحَوَالَةِ لَمْ تَصِحَّ؛ لِأَنَّهَا إبْرَاءٌ فِيهِ مَعْنَى التَّمْلِيكِ فَيُفْسِدُهُ الْإِكْرَاهُ وَفِي الْمُحْتَالِ الْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ عَلَى أَنَّهُ شَرْطُ نَفَاذٍ فَيَنْفُذُ احْتِيَالُهُ مَوْقُوفًا عَلَى إجَازَةِ وَلِيِّهِ إنْ كَانَ الثَّانِي أَصْلِيًّا مِنْ الْأَوَّلِ، وَكَذَا الْوَصِيُّ إذَا احْتَالَ بِمَالِ الْيَتِيمِ لَا تَصِحُّ إلَّا بِهَذَا الشَّرْطِ وَمِنْهَا الرِّضَا حَتَّى لَوْ احْتَالَ مُكْرَهًا لَا تَصِحُّ، وَمِنْهَا مَجْلِسُ الْحَوَالَةِ وَهُوَ شَرْطُ الِانْعِقَادِ فِي قَوْلِهِمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ فَإِنَّهُ شَرْطُ النَّفَاذِ عِنْدَهُ فَلَوْ كَانَ الْمُحْتَالُ غَائِبًا عَنْ الْمَجْلِسِ فَبَلَغَهُ الْخَبَرُ فَأَجَازَ لَمْ يَنْعَقِدْ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لَهُ وَالصَّحِيحُ قَوْلُهُمَا. وَأَمَّا شَرَائِطُ الْمُحَالِ عَلَيْهِ فَالْعَقْلُ فَلَمْ يَصِحَّ مِنْ مَجْنُونٍ وَصَبِيٍّ لَمْ يَعْقِلْ قَبُولُهَا وَالْبُلُوغُ فَلَمْ يَصِحَّ مِنْ صَبِيٍّ قَبُولُهَا مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَتْ بِأَمْرِ الْمُحِيلِ أَوْ بِدُونِهِ لِكَوْنِهَا مَعَ الْأَمْرِ تَبَرُّعًا ابْتِدَاءً وَبِدُونِهِ تَبَرُّعًا ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً، وَلَوْ قَبِلَ عَنْهُ وَلِيُّهُ لَمْ يَصِحَّ لِكَوْنِهِ مِنْ الْمَضَارِّ فَلَا يَمْلِكُهُ الْوَلِيُّ، وَمِنْهَا الرِّضَا فَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى قَبُولِهَا لَمْ يَصِحَّ وَمِنْهَا الْمَجْلِسُ فَإِنَّهُ شَرْطُ الِانْعِقَادِ، وَأَمَّا شَرَائِطُ الْمُحْتَالِ بِهِ فَأَنْ يَكُونَ دَيْنًا لَازِمًا فَلَا تَصِحُّ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ فَمَا لَا تَصِحُّ بِهِ الْكَفَالَةُ لَا تَصِحُّ بِهِ الْحَوَالَةُ فَلَمْ تَصِحَّ إحَالَةُ الْمَوْلَى غَرِيمَهُ عَلَى مُكَاتَبِهِ إلَّا إذَا قَيَّدَهَا بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ، وَأَمَّا إذَا أَحَالَ الْمُكَاتَبُ مَوْلَاهُ عَلَى رَجُلٍ فَإِنَّمَا يَجُوزُ إذَا كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ أَوْ عَيْنٌ وَقُيِّدَ بِهَا؛ لِأَنَّ الْمُحْتَالَ يَكُونُ نَائِبًا عَنْ الْمُكَاتَبِ فِي الْقَبْضِ، فَيَجُوزُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا أَوْ كَانَ لَهُ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِهِ لَا يَجُوزُ وَلَكِنْ إذَا أَحَالَ الْمَوْلَى عَلَيْهِ رَجُلًا لَمْ يُعْتَقْ حَتَّى يُؤَدِّيَ بَدَلَ الْكِتَابَةِ فَإِذَا أَحَالَ مَوْلَاهُ عَلَى رَجُلٍ عَتَقَ كَمَا ثَبَتَتْ الْحَوَالَةُ عَكْسَ الْبَائِعِ كَمَا أَوْضَحَهُ الشَّارِحُ وَتَفَرَّعَ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ أَنَّهُ لَوْ ظَهَرَتْ بَرَاءَةُ الْمُحَالِ عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ الَّذِي قُيِّدَتْ الْحَوَالَةُ بِهِ بِأَنْ كَانَ الدَّيْنُ ثَمَنَ مَبِيعٍ فَاسْتَحَقَّ الْمَبِيعُ تَبْطُلُ الْحَوَالَةُ، وَلَوْ سَقَطَ عَنْهُ الدَّيْنُ لِمَعْنًى عَارِضٍ بِأَنْ هَلَكَ الْمَبِيعُ عِنْدَ الْبَائِعِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ بَعْدَ الْحَوَالَةِ حَتَّى سَقَطَ الثَّمَنُ عَنْهُ لَمْ تَبْطُلْ الْحَوَالَةُ لَكِنْ إذَا أَدَّى الدَّيْنَ بَعْدَ سُقُوطِ الثَّمَنِ يَرْجِعُ بِمَا أَدَّى عَلَى الْمُحِيلِ، وَلَوْ ظَهَرَ ذَلِكَ فِي الْحَوَالَةِ الْمُطْلَقَةِ لَمْ تَبْطُلْ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهَا. الْخَامِسُ فِي حُكْمِهَا فَلَهَا أَحْكَامٌ مِنْهَا بَرَاءَةُ الْمُحِيلِ وَمِنْهَا ثُبُوتُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ فَتَنْعَقِدُ حَوَالَةُ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ) قَالَ الْأُسْرُوشَنِيُّ فِي كِتَابِهِ أَحْكَامِ الصِّغَارِ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ الصَّبِيُّ التَّاجِرُ فِي الْحَوَالَةِ مِثْلُ الْبَالِغِ وَفِي فَوَائِدِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ بُرْهَانِ الدِّينِ صَبِيٌّ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ أَقَرَّ بِمَالٍ، وَأَحَالَ بِهِ عَلَى الْآخَرِ وَقَبِلَ الْآخَرُ الْحَوَالَةَ فَالْمُقَرُّ لَهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ الْمُطَالَبَةِ مِنْ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ أَمْ لَا أَجَابَ نَعَمْ، كَمَا فِي الْكَفَالَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ رَجَعَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ لِلْحَالِ) حَذَفَ صِلَةَ رَجَعَ وَلَيْسَتْ عَلَيْهِ الْمَذْكُورَةُ لِتَغَيُّرِ الْمَعْنَى بَلْ هِيَ صِلَةُ الْمُحَالِ وَالتَّقْدِيرُ رَجَعَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ عَلَى الْعَبْدِ (قَوْلُهُ: وَكَذَا الْوَصِيُّ إذَا احْتَالَ بِمَالِ الْيَتِيمِ إلَخْ) قَالَ فِي أَحْكَامِ الصِّغَارِ بَعْدَ هَذَا، وَذَكَرَ فَخْرُ الدِّينِ فِي بُيُوعِ فَتَاوَاهُ الْأَبُ وَالْوَصِيُّ إذَا قَبِلَ الْحَوَالَةَ عَلَى شَخْصٍ دُونَ الْمُحِيلِ فِي الْمُلَاءَةِ إنْ وَجَبَ بِعَقْدِهِمَا جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا بِعَقْدِهِمَا لَا يَصِحُّ فِي قَوْلِهِمْ، وَذَكَرَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ أَبُو الْيُسْرِ فِي بَابِ الْخُلْعِ مِنْ الْمَبْسُوطِ فِي حِيلَةِ هِبَةِ صَدَاقِ الصَّغِيرِ أَنَّ الْأَبَ يَحْتَالُ عَلَى نَفْسِهِ شَيْئًا فَيَبْرَأُ ذِمَّةُ الزَّوْجِ عَنْ ذَلِكَ الْقَدْرِ، وَلَوْ كَانَ الْأَبُ مِثْلَ الزَّوْجِ فِي الْمُلَاءَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ أَيْضًا اهـ. (قَوْلُهُ فَلَمْ يَصِحَّ مِنْ صَبِيٍّ قَبُولُهَا مُطْلَقًا إلَخْ) هَذَا ظَاهِرٌ إذَا لَمْ يَكُنْ الصَّبِيُّ مَدْيُونًا لِلْمُحِيلِ وَبِهِ يَظْهَرُ التَّعْلِيلُ تَأَمَّلْ وَرَاجِعْ. (قَوْلُهُ مِنْهَا بَرَاءَةُ الْمُحِيلِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْكَفِيلَ لَوْ أَحَالَ الْمَكْفُولَ لَهُ عَلَى الْمَدْيُونِ بِالدَّيْنِ الْمَكْفُولِ بِهِ وَقَبِلَهُ بَرِئَ، وَهِيَ وَاقِعَةُ الْفَتْوَى وَصُورَتُهَا أَحَالَ الْكَفِيلُ الطَّالِبَ بِالدَّيْنِ الَّذِي كَفَلَهُ عَلَى الْمَطْلُوبِ وَتَرَاضَوْا عَلَى ذَلِكَ، وَيُؤْخَذُ الْحُكْمُ وَهُوَ الْبَرَاءَةُ مِنْ قَوْلِهِمْ الْحَوَالَةُ نَقْلُ الدَّيْنِ وَأَنَّهَا مُشْتَقَّةٌ مِنْ التَّحْوِيلِ، وَالشَّيْءُ إذَا حُوِّلَ عَنْ مَكَانِهِ بَقِيَ خَالِيًا مِنْهُ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْجَوْهَرَةِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 268 وِلَايَةِ الْمُطَالَبَةِ لِلْمُحْتَالِ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ بِدَيْنٍ فِي ذِمَّتِهِ أَوْ فِي ذِمَّةِ الْمُحِيلِ عَلَى اخْتِلَافِهِمْ وَمِنْهَا ثُبُوتُ الْمُلَازَمَةِ لِلْمُحَالِ عَلَيْهِ عَلَى الْمُحِيلِ إذَا لَازَمَهُ الْمُحْتَالُ فَكُلَّمَا لَازَمَهُ لَازَمَهُ، وَإِذَا حَبَسَهُ حَبَسَهُ إنْ كَانَتْ بِأَمْرِ الْمُحِيلِ وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ لَهُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَوْقَعَهُ فِي هَذِهِ الْعُهْدَةِ فَعَلَيْهِ تَخْلِيصُهُ وَإِنْ كَانَتْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ أَوْ كَانَ مَدْيُونُهُ، وَقَدْ قُيِّدَتْ بِهِ فَلَا مُلَازَمَةَ وَلَا حَبْسَ. السَّادِسُ فِي صِفَتِهَا ذَكَرَ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ أَنَّهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: لَازِمَةٍ وَجَائِزَةٍ وَفَاسِدَةٍ. فَاللَّازِمَةُ أَنْ يُحِيلَ الطَّالِبَ عَلَى رَجُلٍ وَيَقْبَلَ الْحَوَالَةَ سَوَاءٌ كَانَتْ مُقَيَّدَةً أَوْ مُطْلَقَةً. وَالْجَائِزَةُ أَنْ يُقَيِّدَهَا بِأَنْ يُعْطِي الْمُحَالُ عَلَيْهِ الْحَوَالَةَ مِنْ ثَمَنِ دَارِ نَفْسِهِ أَوْ ثَمَنِ عَبْدِهِ فَلَا يُجْبَرُ الْمُحَالُ عَلَيْهِ عَلَى الْبَيْعِ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ قَبِلَ الْحَوَالَةَ عَلَى أَنْ يُعْطِيَ عِنْدَ الْحَصَادِ فَإِنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى أَدَاءِ الْمَالِ قَبْلَ الْأَجَلِ، وَالْفَاسِدَةُ أَنْ يُقَيِّدَ بِإِعْطَائِهِ مِنْ ثَمَنِ دَارِ الْمُحِيلِ أَوْ ثَمَنِ عَبْدِهِ؛ لِأَنَّهَا حَوَالَةٌ بِمَا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْوَفَاءِ بِهِ، وَهُوَ بَيْعُ الدَّارِ وَالْعَبْدِ فَإِنَّ الْحَوَالَةَ بِهَذَا الشَّرْطِ لَا يَكُونُ تَوْكِيلًا بِبَيْعِ دَارِ الْمُحِيلِ اهـ. السَّابِعُ فِي دَلِيلِهَا رَوَى أَصْحَابُ الْكُتُبِ السِّتَّةِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ، وَإِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيٍّ فَلْيَتْبَعْ» وَفِي لَفْظِ الطَّبَرَانِيِّ مَرْفُوعًا «مَنْ أُحِيلَ عَلَى مَلِيٍّ فَلْيَتْبَعْ» وَرَوَاهُ أَحْمَدُ «وَمَنْ أُحِيلَ عَلَى مَلِيٍّ فَلْيَحْتَلْ» ، ثُمَّ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ لِلِاسْتِحْبَابِ وَعَنْ أَحْمَدَ لِلْوُجُوبِ، وَالْحَقُّ الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَمْرُ إبَاحَةٍ فَهُوَ دَلِيلُ جَوَازِ نَقْلِ الدَّيْنِ شَرْعًا أَوْ الْمُطَالَبَةُ وَالْإِجْمَاعُ عَلَى جَوَازِهَا دَفْعًا لِلْحَاجَةِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. الثَّامِنُ فِي أَنْوَاعِهَا سَيَأْتِي أَنَّهَا مُقَيَّدَةٌ وَمُطْلَقَةٌ. التَّاسِعُ فِي سَبَبِهَا. الْعَاشِرُ فِي مَحَاسِنِهَا وَهُوَ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْكَفَالَةِ. (قَوْلُهُ وَتَصِحُّ فِي الدَّيْنِ لَا فِي الْعَيْنِ) ؛ لِأَنَّ النَّقْلَ الَّذِي تَضَمَّنَتْهُ نَقْلٌ شَرْعِيٌّ وَهُوَ لَا يُتَصَوَّرُ فِي الْأَعْيَانِ بَلْ الْمُتَصَوَّرُ فِيهَا النَّقْلُ الْحِسِّيُّ فَكَانَتْ نَقْلَ الْوَصْفِ الشَّرْعِيِّ وَهُوَ الدَّيْنُ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لِلْمُحْتَالِ دَيْنٌ عَلَى الْمُحِيلِ، وَلِذَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ رَبُّ الدَّيْنِ إذَا أَحَالَ رَجُلًا عَلَى رَجُلٍ وَلَيْسَ لِلْمُحْتَالِ عَلَى الْمُحِيلِ دَيْنٌ فَهَذِهِ وَكَالَةٌ، وَلَيْسَتْ بِحَوَالَةٍ اهـ. وَفِي الْقُنْيَةِ أَحَالَ عَلَيْهِ مِائَةً مِنْ الْحِنْطَةِ وَلَمْ يَكُنْ لِلْمُحِيلِ عَلَى الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَلَا لِلْمُحْتَالِ عَلَى الْمُحِيلِ فَقَبِلَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ ذَلِكَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ اهـ. وَأَمَّا الدَّيْنُ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ فَلَيْسَ بِشَرْطٍ وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ لَا تَصِحُّ الْحَوَالَةُ بِالْأَعْيَانِ وَالْحُقُوقِ اهـ. وَلَمْ يُمَثِّلُوهُمَا. (قَوْلُهُ بِرِضَا الْمُحْتَالِ وَالْمُحَالِ عَلَيْهِ) لِأَنَّ الْمُحْتَالَ هُوَ صَاحِبُ الْحَقِّ وَتَخْتَلِفُ عَلَيْهِ الذِّمَمُ فَلَا بُدَّ مِنْ رِضَاهُ لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِي الْإِيفَاءِ، وَأَمَّا الْمُحَالُ عَلَيْهِ فَيَلْزَمُهُ الْمَالُ وَيَخْتَلِفُ عَلَيْهِ الطَّلَبُ وَالنَّاسُ مُتَفَاوِتُونَ قُيِّدَ بِرِضَاهُمَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَصِحُّ مَعَ إكْرَاهِ أَحَدِهِمَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَأَرَادَ مِنْ الرِّضَا الْقَبُولَ فِي مَجْلِسِ الْإِيجَابِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّ قَبُولَهُمَا فِي مَجْلِسِ الْإِيجَابِ شَرْطُ الِانْعِقَادِ، وَهُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ وَلَكِنْ فِي الْبَزَّازِيَّةِ لَوْ أَحَالَ عَلَى غَائِبٍ فَقَبِلَ بَعْدَمَا عَلِمَ صَحَّتْ وَلَا تَصِحُّ فِي غَيْبَةِ الْمُحْتَالِ كَالْكَفَالَةِ إلَّا أَنْ يَقْبَلَ   [منحة الخالق] نَقْلًا عَنْ الْخُجَنْدِيِّ أَنَّهَا مُبَرِّئَةٌ وَالْكَفَالَةُ غَيْرُ مُبَرِّئَةٍ، وَصَرَّحُوا أَيْضًا بِأَنَّ الْمُحَالَ عَلَيْهِ إذَا أَحَالَ الْمُحَالَ عَلَى الْمُحِيلِ بَرِئَ، وَإِنْ نَوَى الْمَالَ الَّذِي عَلَى الْأَصِيلِ لَمْ يَعُدْ إلَيْهِ، وَصَرَّحُوا أَيْضًا بِأَنَّ كُلَّ دَيْنٍ جَازَتْ بِهِ الْكَفَالَةُ جَازَتْ بِهِ الْحَوَالَةُ اهـ. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ الْكَفَالَةُ مَتَى حَصَلَتْ بِأَمْرِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ انْعَقَدَتْ لِوُجُوبِ دَيْنَيْنِ دَيْنٍ لِلطَّالِبِ عَلَى الْكَفِيلِ وَدَيْنٍ لِلْكَفِيلِ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ إلَّا أَنَّ مَا لِلْكَفِيلِ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ مُؤَجَّلٌ إلَى وَقْتِ الْأَدَاءِ. اهـ. وَيُفْهَمُ مِنْهُ صِحَّةُ الْحَوَالَةِ وَصِحَّةُ الْحَوَالَةِ تُوجِبُ بَرَاءَةَ الْمُحِيلِ، وَهُوَ الْكَفِيلُ وَمُقْتَضَى مَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْكَفِيلِ بِالتَّوَى، وَكَذَا مُقْتَضَى مَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا فِي هَذَا الشَّرْحِ فِي الْجَوَابِ عَمَّا نُقِضَ بِهِ الْحَدُّ أَنَّهُ يَبْرَأُ الْمُحِيلُ بَرَاءَةً مُؤَقَّتَةً إلَى التَّوَى. قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة قَالَ فِي الْجَامِعِ: رَجُلٌ كَفَلَ عَنْ رَجُلٍ بِمِائَةٍ، وَأَحَالَ الْكَفِيلُ الطَّالِبَ بِهَا عَلَى رَجُلٍ فَقَدْ بَرِئَ الْكَفِيلُ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْلُ فَإِنْ تَوَتْ الْمِائَةُ عَلَى الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ بِمَوْتِهِ مُفْلِسًا عَادَ الْأَمْرُ عَلَى الَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْلُ وَعَلَى الْكَفِيلِ جَمِيعًا يَأْخُذُ الطَّالِبُ أَيَّهُمَا شَاءَ، وَلَوْ كَانَ الْكَفِيلُ أَحَالَ الطَّالِبَ بِالْمِائَةِ عَلَى إبْرَائِهِ مِنْهَا يُرِيدُ إبْرَاءَ الْكَفِيلِ مِنْ الْمِائَةِ فَلِلطَّالِبِ أَنْ يَأْخُذَ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْلَ وَالْمُحْتَالَ عَلَيْهِ، فَإِنْ مَاتَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ مُفْلِسًا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَلِلطَّالِبِ أَنْ يَأْخُذَ الْكَفِيلَ أَيْضًا. (قَوْلُهُ وَقَدْ قُيِّدَتْ بِهِ) مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَدْيُونُهُ وَلَمْ تُقَيَّدْ الْحَوَالَةُ بِالدَّيْنِ أَنَّهُ لَهُ مُلَازَمَتُهُ وَحَبْسُهُ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا سَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَوْ أَحَالَهُ بِمَالِهِ عِنْدَ زَيْدٍ وَدِيعَةً. (قَوْلُهُ وَلَكِنْ فِي الْبَزَّازِيَّةِ لَوْ أَحَالَ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَفِي الْخَانِيَّةِ مَا يُوَافِقُهُ حَيْثُ قَالَ صِحَّةُ الْإِحَالَةِ تَعْتَمِدُ قَبُولَ الْمُحْتَالِ لَهُ وَالْمُحَالِ عَلَيْهِ، وَلَا تَصِحُّ فِي غَيْبَةِ الْمُحْتَالِ لَهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ كَمَا قُلْنَا فِي الْكَفَالَةِ إلَّا أَنْ يَقْبَلَ رَجُلٌ الْحَوَالَةَ لِلْغَائِبِ، وَلَا تُشْتَرَطُ حَضْرَةُ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ لِصِحَّةِ الْحَوَالَةِ حَتَّى لَوْ أَحَالَهُ عَلَى رَجُلٍ غَائِبٍ، ثُمَّ عَلِمَ الْغَائِبُ فَقَبِلَ صَحَّتْ الْحَوَالَةُ اهـ ذَكَرَهُ الْغَزِّيِّ اهـ. قُلْت: وَمِثْلُهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَقَدْ مَرَّ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى شَرَائِطِهَا أَنَّ الصَّحِيحَ قَوْلُهُمَا بِعَدَمِ صِحَّتِهَا فِي غَيْبَةِ الْمُحْتَالِ فَلَمْ تَبْقَ الْمُخَالَفَةُ بَيْنَ مَا هُنَا وَمَا مَرَّ إلَّا فِي اشْتِرَاطِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 269 رَجُلٌ لَهُ الْحَوَالَةُ اهـ. فَجُعِلَ الْقَبُولُ مِنْ الْمُحْتَالِ وَالرِّضَا مِنْهُمَا مَعَ أَنَّهُ قَالَ الْحَوَالَةُ تَعْتَمِدُ قَبُولَ الْمُحْتَالِ وَالْمُحَالِ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ رِضَا الْمُحِيلِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ عَلَى مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي الزِّيَادَاتِ وَشَرَطَهُ الْقُدُورِيُّ وَإِنَّمَا شَرَطَهُ لِلرُّجُوعِ عَلَيْهِ فَلَا اخْتِلَافَ فِي الرِّوَايَاتِ كَمَا فِي إيضَاحِ الْإِصْلَاحِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهَا إنْ كَانَتْ بِغَيْرِ رِضَا الْمُحِيلِ وَكَانَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ فَلَهُ مُطَالَبَتُهُ بِدَيْنِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ دَيْنٌ عَلَيْهِ فَلَا رُجُوعَ لِلْمُحَالِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَضَى دَيْنَهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ كَمَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ،. وَكَذَا حَضْرَتُهُ لَيْسَتْ شَرْطًا حَتَّى لَوْ قِيلَ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ لَكَ عَلَى فُلَانٍ أَلْفٌ فَاحْتَلْ بِهَا عَلَيَّ وَرَضِيَ الطَّالِبُ بِذَلِكَ وَأَجَازَ صَحَّتْ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بَعْدَ ذَلِكَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قِيلَ لِلْمَدْيُونِ عَلَيْكَ أَلْفٌ لِفُلَانٍ فَأَحِلْهُ بِهَا عَلَيَّ فَقَالَ الْمَدْيُونُ أَحَلْت، ثُمَّ بَلَغَ الطَّالِبَ فَأَجَازَ لَا يَجُوزُ عِنْدَ الْإِمَامِ وَمُحَمَّدٍ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الْمُحْتَالُ غَائِبًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَفِيهَا مَعْزِيًّا إلَى الْمُنْتَقَى قَالَ الْآخَرُ أَحِلْنِي عَلَى فُلَانٍ وَسَكَتَ، ثُمَّ قَالَ لَمْ أَقْبَلْ فَالْحَوَالَةُ جَائِزَةٌ اهـ. وَلَمْ يُقَيِّدْ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِأَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ الْمُحَالُ بِهِ مَعْلُومًا، وَلَا بُدَّ مِنْهُ لِصِحَّتِهَا لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ احْتَالَ بِمَالٍ مَجْهُولٍ عَلَى نَفْسِهِ بِأَنْ قَالَ احْتَلْتُ بِمَا يَذُوبُ لَك عَلَى فُلَانٍ لَا تَصِحُّ الْحَوَالَةُ مَعَ جَهَالَةِ الْمَالِ، وَلَا تَصِحُّ أَيْضًا الْحَوَالَةُ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَالْحَوَالَةُ مَتَى حَصَلَتْ مُبْهَمَةً يَثْبُتُ الْأَجَلُ فِي حَقِّ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْكَفَالَةِ، وَلَوْ كَانَ الْمَالُ حَالًّا عَلَى الَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْلُ مِنْ قَرْضٍ أَوْ غَصْبٍ فَأَحَالَهُ بِهِ عَلَى رَجُلٍ إلَى سَنَةٍ فَهُوَ جَائِزٌ، وَإِنْ مَاتَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْأَجَلِ عَادَ الْمَالُ إلَى الْمُحِيلِ حَالًّا، فَرَّقَ بَيْنَ الْحَوَالَةِ وَالْكَفَالَةِ فَإِنَّ الْكَفِيلَ إذَا كَفَلَ بِدَيْنٍ وَأَجَّلَ الطَّالِبُ الدَّيْنَ وَلَمْ يُضِفْ الْأَجَلَ إلَى الْكَفِيلِ صَارَ الْأَجَلُ مَشْرُوطًا لِلْأَصِيلِ حَتَّى لَوْ مَاتَ الْكَفِيلُ كَانَ الدَّيْنُ عَلَى الْأَصِيلِ مُؤَجَّلًا، وَفِي الْحَوَالَةِ مَتَى أَضَافَ الْأَجَلَ إلَى الدَّيْنِ وَلَمْ يُضِفْ إلَى الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ لَا يَصِيرُ الْأَجَلُ مَشْرُوطًا فِي حَقِّ الْأَصِيلِ حَتَّى لَوْ مَاتَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ مُفْلِسًا لَا يَعُودُ   [منحة الخالق] حَضْرَةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ وَعَلَى مَا هُنَا مَشَى فِي الدُّرَرِ وَالْغُرَرِ فَقَالَ وَشَرْطُ حُضُورِ الثَّانِي أَيْ الْمُحْتَالِ إلَّا أَنْ يَقْبَلَ فُضُولِيٌّ لَهُ لَا حُضُورَ الْبَاقِيَيْنِ. (قَوْلُهُ فَجَعَلَ الْقَبُولَ مِنْ الْمُحْتَالِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ بَلْ جَعَلَهُ مِنْ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ إذْ الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إلَيْهِ تَأَمَّلْ اهـ. قُلْتُ: الْمُرَادُ مِنْ الْقَبُولِ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْمَجْلِسِ وَهُوَ مَا يَكُونُ أَحَدَ شَطْرَيْ الْعَقْدِ، فَقَوْلُ الْبَزَّازِيِّ فَقَبِلَ أَيْ فَرَضِيَ فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ الْقَبُولَ الَّذِي فُسِّرَ بِهِ الرِّضَا لَكِنَّ قَوْلَ الْمُؤَلِّفِ وَالرِّضَا مِنْهُمَا غَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ الْمُحِيلَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مُوجِبٌ وَالْمُحْتَالَ قَابِلٌ بِدَلِيلِ اشْتِرَاطِ حُضُورِهِ نَعَمْ الْمُحَالُ عَلَيْهِ غَائِبٌ، وَقَدْ اكْتَفَى بِرِضَاهُ (قَوْلُهُ وَكَانَ لَهُ دَيْنٌ) أَيْ لِلْمُحِيلِ (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ دَيْنٌ) أَيْ لِلْمَدْيُونِ الَّذِي هُوَ الْمُحِيلُ، وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ أَيْ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَكَذَا حَضْرَتُهُ) أَيْ الْمُحِيلِ (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ كَانَ الْمُحْتَالُ غَائِبًا) لَعَلَّهُ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ وَالْحَوَالَةُ مَتَى حَصَلَتْ مُبْهَمَةً إلَخْ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ مِنْ الْفَصْلِ الثَّانِي وَأَمَّا الْمُطْلَقَةُ فَالْحَالَةُ مِنْهَا أَنْ يُحِيلَ الْمَدْيُونُ الطَّالِبَ عَلَى رَجُلٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَيَجُوزُ، وَيَكُونُ الْأَلْفُ عَلَى الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ حَالَّةً؛ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ لِتَحْوِيلِ الدَّيْنِ مِنْ الْأَصِيلِ، وَإِنَّمَا يَتَحَوَّلُ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي كَانَتْ عَلَى الْأَصِيلِ، وَكَانَتْ عَلَى الْأَصِيلِ حَالَّةً فَيَتَحَوَّلُ إلَى الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ حَالَّةً أَيْضًا، وَلَيْسَ لِلْمُحْتَالِ عَلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْأَصِيلِ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ وَلَكِنْ إذَا لُوزِمَ فَلَهُ أَنْ يُلَازِمَ الْأَصِيلَ، وَإِذَا حَبَسَ كَانَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَ الْأَصِيلَ حَتَّى يُخَلِّصَهُ عَنْ ذَلِكَ كَمَا فِي الْكَفِيلِ، وَإِذَا أَدَّى يَرْجِعُ عَلَى الْأَصِيلِ بِمَا أَدَّى. وَأَمَّا الْمُطْلَقَةُ الْمُؤَجَّلَةُ رَجُلٌ لَهُ عَلَى رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ إلَى سَنَةٍ فَأَحَالَ بِهَا عَلَى رَجُلٍ إلَى سَنَةٍ فَالْحَوَالَةُ جَائِزَةٌ، وَالْمَالُ عَلَى الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ إلَى سَنَةٍ؛ لِأَنَّهُ قَبِلَ كَذَلِكَ، وَلَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ مَا إذَا حَصَلَتْ الْحَوَالَةُ مُبْهَمَةً هَلْ يَثْبُتُ الْأَجَلُ فِي حَقِّ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ قَالُوا وَيَنْبَغِي أَنْ يَثْبُتَ كَمَا فِي الْكَفَالَةِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمُحْتَالَ عَلَيْهِ مُتَحَمِّلٌ عَنْ الْأَصِيلِ، وَإِنَّمَا يَتَحَمَّلُ مَا عَلَى الْأَصِيلِ وَعَلَى الْأَصِيلِ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ فَيَجِبُ عَلَى الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ كَذَلِكَ، وَإِنْ مَاتَ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَجَلُ لَمْ يَحِلَّ الْمَالُ عَلَى الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ حُلُولَ الْأَجَلِ فِي حَقِّ الْأَصِيلِ لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْ الْمُؤَجَّلِ بِمَوْتِهِ وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يَتَأَتَّى فِي حَقِّ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ حَيٌّ مُحْتَاجٌ إلَى الْأَجَلِ لَوْ حَلَّ الْأَجَلُ فِي حَقِّهِ إنَّمَا يَحِلُّ تَبَعًا لِحُلُولِهِ عَلَى الْأَصِيلِ وَلَا وَجْهَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْأَصِيلَ بَرِئَ عَنْ الدَّيْنِ بِالْحَوَالَةِ فَالْتَحَقَ بِسَائِرِ الْأَجَانِبِ، وَإِنْ مَاتَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْلُ حَيٌّ حَلَّ الْمَالُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ بِالْمَوْتِ اسْتَغْنَى عَنْ الْأَجَلِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَفَاءٌ رَجَعَ الْمُحْتَالُ لَهُ بِالْمَالِ عَلَى الَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْلُ إلَى أَجَلِهِ، وَإِنْ سَقَطَ حُكْمًا لِلْحَوَالَةِ وَقَدْ انْتَقَضَتْ بِمَوْتِ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ فَيَنْتَقِضُ مَا فِي ضِمْنِهَا وَهُوَ سُقُوطُ الْأَجَلِ، وَكَانَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ بَاعَ الْمَدْيُونُ بِدَيْنٍ مُؤَجَّلٍ عَبْدًا مِنْ الطَّالِب، ثُمَّ اسْتَحَقَّ الْعَبْدُ عَادَ الْأَجَلُ لِأَنَّ سُقُوطَ الْأَجَلِ كَانَ بِحُكْمِ الْبَيْعِ كَذَا هَاهُنَا. وَإِنْ كَانَ الْمَالُ حَالًّا عَلَى الَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْلُ مِنْ قَرْضٍ، وَأَحَالَ بِهَا عَلَى رَجُلٍ إلَى سَنَةٍ فَهُوَ جَائِزٌ، وَإِنْ كَانَ هَذَا تَأْجِيلًا فِي الْقَرْضِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ إنَّمَا يَجِبُ عَلَى الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْحَوَالَةِ لَا بِالْقَرْضِ، وَالتَّأْجِيلُ فِي الْحَوَالَةِ جَائِزٌ وَكَانَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَجَّلَ الطَّالِبُ الْكَفِيلَ بِالْقَرْضِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْمَالَ يَجِبُ عَلَى الْكَفِيلِ بِعَقْدِ الْكَفَالَةِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 270 الدَّيْنُ إلَى الْأَصِيلِ حَالًّا اهـ. وَمِنْ الْغَرِيبِ مَا فِي الْمُجْتَبَى أَحَالَ الْغَرِيمُ بِغَيْرِ رِضَا الْمُحَالِ عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ وَقِيلَ يَجُوزُ كَالتَّوْكِيلِ بِقَبْضِ الدَّيْنِ، وَفِي شُرُوطِ الظَّهِيرِيَّةِ رِضَا مَنْ عَلَيْهِ الْحَوَالَةُ لَيْسَ بِشَرْطٍ إجْمَاعًا. قُلْتُ: مَعْنَاهُ إذَا كَانَ الْمُحَالُ بِهِ مِثْلَ الدَّيْنِ. اهـ. وَالْمَذْهَبُ الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ رِضَا الْمُحَالِ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَا، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُحَالُ بِهِ مِثْلَ الدَّيْنِ أَوْ لَا، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْحَوَالَةَ إذَا صَحَّتْ بِرِضَا الْمُحَالِ عَلَيْهِ وَغَابَ الْمُحِيلُ فَادَّعَى الْمُحَالُ عَلَيْهِ مَا يُوجِبُ بَرَاءَةَ الْمُحِيلِ لِيَبْرَأَ فَهَلْ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ فَفِي الْبَزَّازِيَّةِ غَابَ الْمُحِيلُ وَزَعَمَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ أَنَّ مَالَ الْمُحْتَالِ عَلَى الْمُحِيلِ كَانَ ثَمَنَ خَمْرٍ لَا تَصِحُّ دَعْوَاهُ، وَإِنْ بَرْهَنَ عَلَى ذَلِكَ كَمَا فِي الْكَفَالَةِ اهـ. وَفِي فُرُوقِ الْكَرَابِيسِيِّ لَوْ أَحَالَ امْرَأَتَهُ بِصَدَاقِهَا عَلَى رَجُلٍ وَقَبِلَ الْحَوَالَةَ ثُمَّ غَابَ الزَّوْجُ فَأَقَامَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ بَيِّنَةً أَنَّ نِكَاحَهَا كَانَ فَاسِدًا، وَبَيَّنَ لِذَلِكَ وَجْهًا لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهَا كَانَتْ أَبْرَأَتْ زَوْجَهَا عَنْ صَدَاقِهَا، أَوْ أَنَّ الزَّوْجَ أَعْطَاهَا الْمَهْرَ أَوْ بَاعَ بِصَدَاقِهَا مِنْهَا شَيْئًا، وَقَبَضَتْ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ وَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ غَيْرَ مَقْبُوضٍ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ، وَالْفَرْقُ أَنَّ مُدَّعِيَ فَسَادِ النِّكَاحِ مُتَنَاقِضٌ أَوْ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي أَمْرًا مُسْتَنْكَرًا فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ بِخِلَافِ دَعْوَى الْإِبْرَاءِ أَوْ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَنْكَرٍ وَكَذَا هَذَا فِي الْكَفَالَةِ اهـ. فَعَلَى هَذَا لَوْ ادَّعَى الْمُحِيلُ أَنَّهُ أَوْفَاهُ الدَّيْنَ بَعْدَهَا تُسْمَعُ وَتُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَنْكَرٍ. (قَوْلُهُ بَرِئَ الْمُحِيلُ بِالْقَبُولِ مِنْ الدَّيْنِ) أَيْ بِقَبُولِ الْمُحْتَالِ الْحَوَالَةَ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ تُبْتَنَى عَلَى وَفْقِ الْمَعَانِي اللُّغَوِيَّةِ فَمَعْنَى الْحَوَالَةِ النَّقْلُ وَالتَّحْوِيلُ وَهُوَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِفَرَاغِ ذِمَّةِ الْأَصِيلِ بِخِلَافِ الْكَفَالَةِ؛ لِأَنَّهَا الضَّمُّ وَهُوَ لَا يَتَحَقَّقُ مَعَ الْبَرَاءَةِ وَقَوْلُهُ مِنْ الدَّيْنِ رَدٌّ عَلَى مَنْ يَقُولُ بِأَنَّهُ يَبْرَأُ عَنْ الْمُطَالَبَةِ لَا الدَّيْنِ، وَقَدَّمْنَا ذَلِكَ وَمُرَادُهُ أَنَّهُ يَبْرَأُ بَرَاءَةً مُؤَقَّتَةً كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَلَوْ أَحَالَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ بِالثَّمَنِ عَلَى رَجُلٍ لَمْ يَمْلِكْ حَبْسَ الْمَبِيعِ، وَكَذَا لَوْ أَحَالَ الرَّاهِنُ الْمُرْتَهِنَ لَا يُحْبَسُ الرَّهْنُ وَلَوْ أَحَالَ الزَّوْجُ الْمَرْأَةَ بِصَدَاقِهَا لَمْ تَحْبِسْ نَفْسَهَا بِخِلَافِ الْعَكْسِ فِي الثَّلَاثَةِ هَذَا مُقْتَضَى بَرَاءَةِ الْمُحِيلِ وَلَكِنَّ الْمَنْقُولَ فِي الزِّيَادَاتِ عَكْسُهُ وَهُوَ أَنَّ الْبَائِعَ وَالْمُرْتَهِنَ إذَا أَحَالَا سَقَطَ حَقُّهُمَا فِي الْحَبْسِ، وَلَوْ أُحِيلَا لَمْ يَسْقُطْ؛ لِأَنَّ الْمُحَالَ عَلَيْهِ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُحِيلِ فَلَمْ تَسْقُطْ مُطَالَبَتُهُمَا وَالْمُكَاتَبُ عَلَى عَكْسِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ إنْ أَحَالَ مَوْلَاهُ عَلَى رَجُلٍ عَتَقَ وَإِنْ أَحَالَ مَوْلَاهُ عَلَيْهِ لَمْ يُعْتَقْ حَتَّى يُؤَدِّيَ الْبَدَلَ؛ لِأَنَّهَا مُعَلَّقَةٌ بِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ وَقَدْ بَرِئَتْ إذَا كَانَ الْمُكَاتَبُ مُحِيلًا لَا إذَا كَانَ مُحَالًا عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ بَرِئَ الْمُحِيلُ مِنْ الدَّيْنِ غَيْرُ شَامِلٍ لِمَا إذَا كَانَ الْمُحِيلُ كَفِيلًا وَخَصَّهَا بِبَرَاءَةِ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ يَبْرَأُ عَنْ الْمُطَالَبَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ عَلَى الصَّحِيحِ وَأَمَّا إذَا أَطْلَقَ الْحَوَالَةَ فَإِنَّ الْأَصِيلَ يَبْرَأُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ الْمُطْلَقَةَ تَنْصَرِفُ إلَى الدَّيْنِ، وَهُوَ عَلَى الْأَصِيلِ فَيَبْرَأُ وَيَتْبَعُهُ الْكَفِيلُ كَصُلْحِ الْكَفِيلِ مَعَ الطَّالِبِ إنْ أَطْلَقَهُ بَرِئَا، وَإِنْ اشْتَرَطَ بَرَاءَةَ نَفْسِهِ خَاصَّةً بَرِئَ الْكَفِيلُ وَحْدَهُ، كَذَا فِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ فَإِذَا أَحَالَ الطَّالِبَ عَلَى الْكَفِيلِ بِمَالِ الْكَفَالَةِ صَحَّ وَإِنْ أَحَالَ عَلَى الْأَصِيلِ فَكَذَلِكَ وَلَا سَبِيلَ لِلْمُحْتَالِ عَلَى الْكَفِيلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَضْمَنْ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَفِي قَوْلِهِ بَرِئَ الْمُحِيلُ إشَارَةً إلَى بَرَاءَةِ كَفِيلِهِ فَإِذَا أَحَالَ الْأَصِيلُ الطَّالِبَ بَرِئَا كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْمُصَنِّفُ لِبَرَاءَةِ الْمُحِيلِ قَبْضَ الْمُحَالِ مِنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ فَلَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبْضِ إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ فِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ قَالَ وَإِنْ كَانَ دَيْنُهُ جِيَادًا أَوْ ذَهَبًا وَعَلَيْهِ زَيْفٌ أَوْ وَرِقٌ فَأَحَالَ عَنْهُمَا بِجِيَادٍ أَوْ ذَهَبٍ عَلَى أَنْ يَأْخُذَهُمَا مِنْ غَرِيمِهِ جَازَ إنْ قَبِلَ الْغَرِيمُ نَاقِدًا فِي مَجْلِسِ الْمُحِيلِ وَالْمُحَالِ إذَا تَصَارَفَا مُقْتَضَى إيجَابِ الْجِيَادِ كَمُلَ يُنْقَلُ الدَّيْنُ مُقْتَضَى هِبَتِهِ مِنْ الْكَفِيلِ، وَأَكَّدَا بَدَلَهُ بِضَمَانِ الْحَوِيلِ فِي الْمَجْلِسِ كَشَرْطِ الرَّهْنِ وَالْكَفِيلِ، وَالنَّقْلُ إلَى ذِمَّتِهِ تَوْثِيقٌ بِمَنْزِلَةِ الْمُلَاءَةِ عَادَةً لَا تَفْوِيتٌ لِلْقَبْضِ الْمُسْتَحَقِّ إلَّا أَنْ يُبْرِئَهُ الْمُحَالُ فَيَنْعَكِسُ وَيَبْطُلُ الصَّرْفُ؛ لِأَنَّهُ فَسْخٌ مَجَازًا كَيْ لَا يَلْغُوَ إذَا لَاقَى مَالُهُ حُكْمَ الْغَيْرِ حَذَارِ الِاسْتِبْدَالِ غَيْرَ مَشْرُوطٍ بِالْقَبُولِ لِوُجُودِ الرِّضَا ضِمْنَ الْحَوَالَةِ ضِدَّ غَيْرِهَا، وَلَوْ أَحَالَهُ عَلَى الْجِيَادِ أَوْ   [منحة الخالق] لَا بِالْقَرْضِ، وَالْوَاجِبُ بِالْكَفَالَةِ يَقْبَلُ الْأَجَلَ اهـ. (قَوْلُهُ لَمْ يَمْلِكْ) أَيْ الْبَائِعُ (قَوْلُهُ وَلَكِنَّ الْمَنْقُولَ فِي الزِّيَادَاتِ عَكْسُهُ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا مَشَى عَلَيْهِ أَوَّلًا وَهُوَ أَنَّهَا نَقْلُ الدَّيْنِ وَالْمُطَالَبَةُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمَا فِي الزِّيَادَاتِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ يَشْهَدُ لَهُ مَا قَدَّمَهُ الْمُؤَلِّفُ هُنَاكَ فَرَاجِعْهُ، ثُمَّ رَأَيْت فِي الْخُلَاصَةِ قَدْ ذَكَرَ مَسْأَلَةَ إحَالَةِ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي وَعَزَاهَا لِلزِّيَادَاتِ كَمَا هُنَا، ثُمَّ قَالَ وَفِي التَّجْرِيدِ جَعَلَ هَذَا قَوْلَ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ سَقَطَ حَقُّ الْحَبْسِ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا اهـ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 271 الذَّهَبِ الَّذِي عَلَيْهِ أَوْ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ الْجِيَادَ أَوْ الذَّهَبَ الَّذِي عَلَيْهِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ ضِدُّ التَّنْكِيرِ يَجْعَلُ الدَّيْنَ الَّذِي عَلَيْهِ بَدَلًا، وَفِيهِ تَمْلِيكُهُ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ أَوْ شَرَطَ الثَّمَنَ عَلَى الْغَيْرِ ضِدَّ مَا لَوْ كَانَتْ الْجِيَادُ وَالذَّهَبُ وَدِيعَةً أَوْ غَصْبًا قَائِمًا أَوْ مِلْكَ الْعَيْنِ وَالدَّيْنِ اهـ. وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ مَا إذَا اخْتَلَفَا فِي الْإِحَالَةِ قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ زَعَمَ الْمَدْيُونُ أَنَّهُ كَانَ أَحَالَ الدَّائِنَ عَلَى فُلَانٍ وَقَبِلَهُ وَأَنْكَرَهُ الطَّالِبُ سَأَلَ الْحَاكِمُ مِنْ الْمَدْيُونِ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْحَوَالَةِ إنْ أَحْضَرَهَا، وَالْمُحْتَالُ عَلَيْهِ حَاضِرٌ قُبِلَتْ وَبَرِئَ الْمَدْيُونُ، وَإِنْ غَائِبًا قُبِلَتْ فِي حَقِّ التَّوَقُّفِ إلَى حُضُورِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ فَإِنْ حَضَرَ وَأَقَرَّ بِمَا قَالَ الْمَدْيُونُ بَرِئَ، وَإِلَّا أَمَرَ بِإِعَادَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ الشُّهُودُ مَاتُوا أَوْ غَابُوا حَلَفَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَدْيُونِ بَيِّنَةٌ وَطَلَبَ حَلِفَ الطَّالِبُ بِاَللَّهِ مَا احْتَالَ عَلَى فُلَانٍ بِالْمَالِ فَإِنْ نَكَلَ بَرِئَ الْمَطْلُوبُ اهـ. قَوْلُهُ (وَلَمْ يَرْجِعْ الْمُحْتَالُ عَلَى الْمُحِيلِ إلَّا بِالتَّوَى) ؛ لِأَنَّ بَرَاءَتَهُ مُقَيَّدَةٌ بِسَلَامَةِ حَقِّهِ إذْ هُوَ الْمَقْصُودُ أَوْ لِفَسْخِ الْحَوَالَةِ لِفَوَاتِهِ، وَأَنَّهَا تَحْتَمِلُ الْفَسْخَ فَصَارَ كَوَصْفِ السَّلَامَةِ فِي الْمَبِيعِ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ الْخِيَارَ لِلْمُحَالِ أَمَّا إذَا جَعَلَ لِلْمُحَالِ الْخِيَارَ أَوْ أَحَالَهُ عَلَى أَنَّ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى أَيِّهِمَا شَاءَ صَحَّ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَمُرَادُهُ إذَا كَانَتْ الْحَوَالَةُ بَاقِيَةً، أَمَّا إذَا فُسِخَتْ الْحَوَالَةُ فَإِنَّ لِلْمُحْتَالِ الرُّجُوعَ بِدَيْنِهِ عَلَى الْمُحِيلِ وَلِذَا قَالَ فِي الْبَدَائِعِ إنَّ حُكْمَهَا يَنْتَهِي بِفَسْخِهَا وَبِالتَّوَى وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَالْمُحِيلُ وَالْمُحْتَالُ يَمْلِكَانِ النَّقْضَ وَبِالنَّقْضِ يَبْرَأُ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ، وَقَدَّمْنَا عَنْ الذَّخِيرَةِ أَنَّ الْحَوَالَةَ إذَا تَعَدَّدَتْ عَلَى رَجُلَيْنِ كَانَتْ الثَّانِيَةُ نَقْضًا لِلْأُولَى، وَفِيهَا أَيْضًا قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الزِّيَادَاتِ رَجُلٌ لَهُ عَلَى رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَبِهَا كَفِيلٌ وَعَلَى رَبِّ الدَّيْنِ لِرَجُلَيْنِ أَلْفَا دِرْهَمٍ دَيْنٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَلْفُ دِرْهَمٍ أَحَالَ رَبُّ الدَّيْنِ أَحَدَ غَرِيمَيْهِ عَلَى الْكَفِيلِ حَوَالَةً مُقَيَّدَةً بِذَلِكَ الدَّيْنِ، وَأَحَالَ الْغَرِيمُ الْآخَرَ عَلَى الْأَصِيلِ حَوَالَةً مُقَيَّدَةً بِذَلِكَ الدَّيْنِ فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ حَصَلَتْ الْحَوَالَتَانِ عَلَى التَّعَاقُبِ وَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ، إمَّا أَنْ بَدَأَ بِالْحَوَالَةِ عَلَى الْأَصِيلِ أَوْ بِالْحَوَالَةِ عَلَى الْكَفِيلِ فَإِنْ بَدَأَ بِالْحَوَالَةِ عَلَى الْكَفِيلِ صَحَّتْ الْحَوَالَتَانِ أَمَّا الْحَوَالَةُ عَلَى الْكَفِيلِ فَظَاهِرٌ. وَأَمَّا الْحَوَالَةُ عَلَى الْأَصِيلِ فَلِأَنَّ تَأْخِيرَ الْمُطَالَبَةِ عَنْ الْكَفِيلِ لَا يُوجِبُ تَأْخِيرَ الْمُطَالَبَةِ عَنْ الْأَصِيلِ وَلَا تَبْطُلُ الْحَوَالَةُ الْأُولَى بِالْحَوَالَةِ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ الْمُطَالَبَةَ قَدْ تَأَخَّرَتْ عَنْ الْكَفِيلِ بِالْحَوَالَةِ الْأُولَى وَإِنْ بَدَأَ بِالْحَوَالَةِ عَلَى الْأَصِيلِ ثُمَّ بِالْحَوَالَةِ عَلَى الْكَفِيلِ فَالْحَوَالَةُ عَلَى الْأَصِيلِ صَحِيحَةٌ وَعَلَى الْكَفِيلِ بَاطِلَةٌ، وَلَوْ وَقَعَتَا مَعًا جَازَتَا إلَى آخِرِ مَا فِيهَا وَقَوْلُهُ إلَّا بِالتَّوَى مُقَيَّدٌ بِأَنْ لَا يَكُونَ الْمُحِيلُ هُوَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ ثَانِيًا لِمَا فِي الذَّخِيرَةِ رَجُلٌ أَحَالَ رَجُلًا لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ عَلَى رَجُلٍ، ثُمَّ إنَّ الْمُحْتَالَ عَلَيْهِ أَحَالَهُ عَلَى الَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْلُ بَرِئَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ الْأَوَّلُ فَإِنْ تَوَى الْمَالَ عَلَى الَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْلُ لَا يَعُودُ إلَى الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ الْأَوَّلِ. اهـ. وَلِلتَّوَى مَعْنَيَانِ لُغَوِيٌّ وَاصْطِلَاحِيٌّ هُنَا، فَالْأَوَّلُ فَفِي الْمِصْبَاحِ التَّوَى وِزَانُ الْحَصَى وَقَدْ يُمَدُّ هُوَ الْهَلَاكُ اهـ. وَفِي الصِّحَاحِ التَّوَى مَقْصُورٌ إهْلَاكُ الْمَالِ يُقَالُ تَوِيَ الْمَالُ بِالْكَسْرِ يَتْوَى تَوًى وَأَتْوَاهُ غَيْرُهُ، وَهَذَا مَالٌ تَوٍ عَلَى فَعَلٌ. اهـ. وَأَمَّا الثَّانِي فَأَفَادَهُ بِقَوْلِهِ (وَهُوَ أَنْ يَجْحَدَ الْحَوَالَةَ وَيَحْلِفَ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ أَوْ يَمُوتُ مُفْلِسًا) ؛ لِأَنَّ الْعَجْزَ عَنْ الْوُصُولِ يَتَحَقَّقُ بِكُلِّ وَاحِدٍ وَهُوَ التَّوَى فِي الْحَقِيقَةِ. وَلَوْ فَلَّسَهُ الْحَاكِمُ بَعْدَمَا حَبَسَهُ لَا يَكُونُ تَوًى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا هُوَ تَوًى؛ لِأَنَّهُ عَجَزَ عَنْ الْأَخْذِ مِنْهُ بِتَفْلِيسِ الْحَاكِمِ وَقَطْعِهِ عَنْ مُلَازَمَتِهِ عِنْدَهُمَا فَصَارَ كَعَجْزِهِ عَنْ الِاسْتِيفَاءِ بِالْجُحُودِ أَوْ بِمَوْتِهِ مُفْلِسًا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الدَّيْنَ بَاقٍ فِي ذِمَّتِهِ وَبِتَعَذُّرِ الِاسْتِيفَاءِ لَا يُوجِبُ الرُّجُوعَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ تَعَذَّرَ بِغِيبَةِ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُحِيلِ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِفْلَاسَ لَا يَتَحَقَّقُ بِحُكْمِ الْقَاضِي عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا؛ لِأَنَّ مَالَ اللَّهِ تَعَالَى عَزَّ وَجَلَّ غَادٍ وَرَائِحٌ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ أَحَالَ عَلَى رَجُلٍ فَغَابَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ فَزَعَمَ الْمُحْتَالُ أَنَّ الْمُحْتَالَ عَلَيْهِ جَحَدَ الْحَوَالَةَ وَحَلَفَ وَبَرْهَنَ عَلَى ذَلِكَ لَا تُقْبَلُ وَلَا تَصِحُّ دَعْوَاهُ؛ لِأَنَّ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ غَائِبٌ اهـ.   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ أَحَالَ عَلَى رَجُلٍ إلَخْ) الضَّمِيرُ فِي جَحَدَ وَحَلَفَ لِلْمُحْتَالِ عَلَيْهِ وَفِي بَرْهَنَ لِلْمُحْتَالِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 272 وَفِي الْمُحِيطِ وَإِنْ صَدَّقَهُ الْمُحِيلُ رَجَعَ عَلَيْهِ بِدُونِ الْبَيِّنَةِ وَالْإِفْلَاسِ لِلْمَيِّتِ بِأَنْ لَمْ يَتْرُكْ مَالًا عَيْنًا وَلَا دَيْنًا وَلَا كَفِيلًا، وَوُجُودُ الْكَفِيلِ يَمْنَعُ مَوْتَهُ مُفْلِسًا عَلَى مَا فِي الزِّيَادَاتِ وَفِي الْخُلَاصَةِ لَا يُمْنَعُ وَإِنَّ الْمُحْتَالَ لَوْ أَبْرَأَ الْكَفِيلَ بَعْدَ مَوْتِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِدَيْنِهِ عَلَى الْمُحِيلِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ أَخَذَ الْمُحْتَالُ مِنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ بِالْمَالِ كَفِيلًا، ثُمَّ مَاتَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ مُفْلِسًا لَا يَعُودُ الدَّيْنُ إلَى ذِمَّةِ الْمُحِيلِ سَوَاءٌ كَفَلَ بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ، وَالْكَفَالَةُ حَالَّةٌ أَوْ مُؤَجَّلَةٌ أَوْ كَفَلَ حَالًّا ثُمَّ أَجَّلَهُ الْمَكْفُولُ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ كَفِيلٌ وَلَكِنْ تَبَرَّعَ رَجُلٌ، وَرَهَنَ بِهِ رَهْنًا ثُمَّ مَاتَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ مُفْلِسًا عَادَ الدَّيْنُ إلَى ذِمَّةِ الْمُحِيلِ، وَلَوْ كَانَ مُسَلَّطًا عَلَى الْبَيْعِ فَبَاعَهُ وَلَمْ يَقْبِضْ الثَّمَنَ حَتَّى مَاتَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ مُفْلِسًا بَطَلَتْ الْحَوَالَةُ، وَالثَّمَنُ لِصَاحِبِ الرَّهْنِ، وَلَوْ قَالَ الطَّالِبُ مَاتَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ بِلَا تَرِكَةٍ، وَقَالَ الْمُحِيلُ عَنْ تَرِكَةٍ فَالْقَوْلُ لِلطَّالِبِ مَعَ حَلِفِهِ. اهـ. ثُمَّ قَالَ فِيهَا قَالَ الْمُحِيلُ مَاتَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ بَعْدَ أَدَاءِ الدَّيْنِ إلَيْكَ، وَقَالَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ بَلْ قَبْلَهُ وَتَوَى حَقِّي فَلِي الرُّجُوعُ فَالْقَوْلُ لِلْمُحْتَالِ لِتَمَسُّكِهِ بِالْأَصْلِ اهـ. وَأُورِدَ عَلَى قَوْلِهِمْ لِتَمَسُّكِهِ بِالْأَصْلِ وَهُوَ الْعُسْرَةُ مَا لَوْ أَوْصَى لِفُقَرَاءِ بَنِي فُلَانٍ، وَجَاءَ وَاحِدٌ مِنْ بَنِي فُلَانٍ وَقَالَ أَنَا فَقِيرٌ وَقَالَتْ الْوَرَثَةُ إنَّهُ غَنِيٌّ فَالْقَوْلُ لِلْوَرَثَةِ، وَإِنْ كَانَ الْأَصْلُ الْعُسْرَةَ؛ لِأَنَّ الْفَقِيرَ مُدَّعٍ وَلَيْسَ بِدَافِعٍ شَيْئًا عَنْ نَفْسِهِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى وَفِي مَسْأَلَتِنَا الطَّالِبُ مُنْكِرٌ مَعْنًى لِأَنَّ الْمُحِيلَ بِدَعْوَاهُ أَنَّ الْمُحْتَالَ عَلَيْهِ مَاتَ عَنْ وَفَاءٍ يَدَّعِي تَوَجُّهَ الْمُطَالَبَةِ عَلَى الْوَرَثَةِ، وَأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ ثَابِتَةً عَلَى الْوَارِثِ، وَهَذَا دَعْوَى عَلَى الطَّالِبِ فَإِنَّهُ مَتَى ثَبَتَ ذَلِكَ لَا يَعُودُ الدَّيْنُ عَلَى الْمُحِيلِ وَالطَّالِبُ بِدَعْوَى الْفَقْرِ يُنْكِرُ ذَلِكَ فَقَدْ انْضَمَّ إلَى التَّمَسُّكِ بِالْأَصْلِ الْإِنْكَارُ مَعْنًى وَفِي مِثْلِهِ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُتَمَسِّكِ بِالْأَصْلِ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ (قَوْلُهُ فَإِنْ طَالَبَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ الْمُحِيلَ بِمَا أَحَالَ فَقَالَ الْمُحِيلُ: أَحَلْت بِدَيْنٍ لِي عَلَيْك ضَمِنَ مِثْلَ الدَّيْنِ) ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الرُّجُوعِ قَدْ تَحَقَّقَ وَهُوَ قَضَاءُ دَيْنِهِ بِأَمْرِهِ إلَّا أَنَّ الْمُحِيلَ يَدَّعِي عَلَيْهِ دَيْنًا، وَهُوَ يُنْكِرُ وَالْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ وَإِنَّمَا قَالَ مِثْلُ الدَّيْنِ وَلَمْ يَقُلْ بِمَا أَدَّاهُ فَلَوْ كَانَ الْمُحَالُ بِهِ دِرْهَمًا فَأَدَّى دَنَانِيرَ أَوْ عَكْسَهُ صَرْفًا رَجَعَ بِالْمُحَالِ بِهِ، وَكَذَا إذَا أَعْطَاهُ عَرَضًا وَإِنْ أَعْطَاهُ زُيُوفًا بَدَلَ الْجِيَادِ رَجَعَ بِالْجِيَادِ، وَكَذَا لَوْ صَالَحَهُ بِشَيْءٍ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِالْمُحَالِ بِهِ إلَّا إذَا صَالَحَهُ عَنْ جِنْسِ الدَّيْنِ بِأَقَلَّ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِقَدْرِ الْمُؤَدَّى بِخِلَافِ الْمَأْمُورِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِمَا أَدَّى إلَّا إذَا أَدَّى أَجْوَدَ أَوْ جِنْسًا آخَرَ وَالْكَفِيلُ كَالْحَوِيلِ يَرْجِعُ بِالدَّيْنِ لَا بِمَا أَدَّى إلَّا فِي الصُّلْحِ عَلَى الْأَقَلِّ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْكَفَالَةِ وَلَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ بَعْدَ قَوْلِهِ بِمَا أَحَالَ بَعْدَمَا دَفَعَ الْمُحَالَ بِهِ إلَى الْمُحْتَالِ وَلَوْ حُكْمًا؛ لِأَنَّهُ قَبِلَ الدَّفْعَ إلَيْهِ لَا يُطَالِبُهُ إلَّا إذَا طُولِبَ وَلَا يُلَازِمُهُ إلَّا إذَا لُوزِمَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، فَلَوْ أَبْرَأَ الْمُحْتَالُ الْمُحَالَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْمُحِيلِ وَلَوْ كَانَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ مَدْيُونًا لِلْمُحِيلِ، وَقَدْ أَحَالَهُ بِدَيْنِهِ مُقَيَّدًا فَلِلْمُحِيلِ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِدَيْنِهِ بَعْدَ إبْرَاءِ الْمُحْتَالِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا وَلَوْ حُكْمًا؛ لِأَنَّ الْمُحْتَالَ لَوْ وَهَبَهُ مِنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ فَلَهُ الرُّجُوعُ وَلَا رُجُوعَ لِلْمُحِيلِ بِدَيْنِهِ لَوْ كَانَ مَدْيُونُهُ، وَقَدْ أَحَالَهُ بِهِ كَالِاسْتِيفَاءِ وَالْوِرَاثَةُ مِنْ الْمُحْتَالِ كَالْهِبَةِ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَفِيهَا عَنْ الثَّانِي أَحَالَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ عَلَى إنْسَانٍ فَتَبَرَّعَ أَجْنَبِيٌّ بِقَضَاءِ الثَّمَنِ عَنْ الْمُشْتَرِي لَمْ يَرْجِعْ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ عَلَى الْمُشْتَرِي وَإِنْ تَبَرَّعَ عَلَى الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ يَرْجِعْ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ فَالْقَوْلُ لِلْمُتَبَرِّعِ وَإِنْ مَيِّتًا أَوْ غَائِبًا فَعَنْ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ مَا لَمْ يُعْلَمْ خِلَافُهُ بِإِقْرَارِ الدَّافِعِ قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ الْمُحِيلُ لِلْمُحْتَالِ أَحَلْتُكَ لِتَقْبِضَهُ لِي فَقَالَ الْمُحْتَالُ أَحَلْتَنِي بِدَيْنٍ لِي عَلَيْك فَالْقَوْلُ لِلْمُحِيلِ) ؛ لِأَنَّ الْمُحْتَالَ يَدَّعِي عَلَيْهِ الدَّيْنَ وَهُوَ يُنْكِرُهُ وَلَفْظُ الْحَوَالَةِ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي الْوَكَالَةِ مَجَازًا لِمَا فِي التَّوْكِيلِ مِنْ نَقْلِ التَّصَرُّفِ مِنْ الْمُوَكِّلِ إلَى الْوَكِيلِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ لَهُ مَعَ يَمِينِهِ فَإِنْ قِيلَ قُلْتُمْ إنَّ الْمُحِيلَ لَا يَمْلِكُ إبْطَالَ الْحَوَالَةِ فَلَوْ لَمْ يُجْعَلْ الْمُحْتَالُ مُسْتَحِقًّا لَمَلَكَ الْمُحِيلُ إبْطَالَهَا؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ فَسْخَ التَّوْكِيلِ بِالْقَبْضِ قُلْنَا الْحَوَالَةُ قَدْ صَحَّتْ وَهِيَ مُحْتَمِلَةٌ أَنْ تَكُونَ بِمَالٍ هُوَ دَيْنٌ عَلَى الْمُحِيلِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَقَامَهُ مُقَامَ نَفْسِهِ فَلَا يَجُوزُ إبْطَالُ الْحَوَالَةِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَفِي الْخُلَاصَةِ لَا يَمْنَعُ وَأَنَّ الْمُحْتَالَ إلَخْ) الَّذِي رَأَيْته فِي الْخُلَاصَةِ نَصُّهُ: وَلَوْ مَاتَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ وَلَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا، وَقَدْ أَعْطَى كَفِيلًا بِالْمَالِ، ثُمَّ أَبْرَأَ صَاحِبُ الْمَالِ الْكَفِيلَ مِنْهُ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى صَاحِبِ الْأَصْلِ وَفِي الزِّيَادَاتِ الْمُحْتَالُ لَهُ إذَا أَخَذَ الْكَفِيلُ مِنْ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ بِالْمَالِ، ثُمَّ مَاتَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ مُفْلِسًا لَا يَعُودُ الدَّيْنُ إلَى ذِمَّةِ الْمُحِيلِ سَوَاءٌ كَفَلَ عَنْهُ بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ، وَالْكَفَالَةُ حَالَّةٌ أَوْ مُؤَجَّلَةٌ أَوْ كَفَلَ حَالًّا ثُمَّ أَجَّلَهُ الْمَكْفُولُ لَهُ اهـ. وَلَمْ أَرَ فِيهَا التَّصْرِيحَ بِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ رُجُوعِهِ عَلَى الْأَصْلِ، وَهُوَ الْمُحِيلُ سَبَبُهُ إبْرَاءُ الْكَفِيلِ وَهُوَ غَيْرُ مَا نَقَلَهُ عَنْ الزِّيَادَاتِ تَأَمَّلْ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 273 بِالِاحْتِمَالِ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَفِي الْمُحِيطِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُحِيلُ قَالَ لِلْحَوِيلِ اضْمَنْ عَنِّي هَذَا الْمَالَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ اضْمَنْ عَنِّي لَا يَحْتَمِلُ الْوَكَالَةَ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِالضَّمَانِ عَنْهُ، وَإِنَّمَا يَصِيرُ ضَامِنًا عَنْهُ إذَا كَانَ عَلَى الْمُحِيلِ دَيْنٌ فَكَانَ إقْرَارًا هُنَا بِالْمَالِ عَلَيْهِ اهـ. وَفِي النَّوَادِرِ لَوْ غَابَ الْمُحْتَالُ وَأَرَادَ الْمُحِيلُ أَنْ يَقْبِضَ الْمَالَ مِنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ وَقَالَ أَحَلْتُهُ بِوَكَالَةٍ لَا يُصَدَّقُ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَضَاءٌ عَلَى الْغَائِبِ هَذِهِ رِوَايَةُ بِشْرٍ وَخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ. وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُحِيلِ أَنَّهُ وَكَّلَهُ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ حَقُّهُ قَبْلَ الْمُحَالِ عَلَيْهِ، وَقَدْ أَنْكَرَ إسْقَاطَهُ بِالْحَوَالَةِ، وَأَقَرَّ بِحَقِّ قَبْضِهِ لِلْوَكِيلِ بِالْوَكَالَةِ وَكَذَا لَوْ قَالَ لَا تَدْفَعْهُ جَازَ نَهْيُهُ وَإِنَّ الْآخَرُ غَائِبًا كَذَا فِي الْمُحِيطِ. قَوْلُهُ (وَلَوْ أَحَالَهُ بِمَا لَهُ عِنْدَ زَيْدٍ وَدِيعَةً صَحَّتْ فَإِنْ هَلَكَتْ بَرِئَ) بَيَانٌ لِلْحَوَالَةِ الْمُقَيَّدَةِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهَا نَوْعَانِ مُطْلَقَةٌ وَمُقَيَّدَةٌ فَالْمُقَيَّدَةُ أَنْ يُقَيِّدَهَا بِدَيْنٍ لَهُ عَلَيْهِ أَوْ وَدِيعَةٍ أَوْ عَيْنٍ فِي يَدِهِ وَدِيعَةً أَوْ غَصْبٍ أَوْ نَحْوِهِ وَالْمُطْلَقَةُ أَنْ يُرْسِلَهَا إرْسَالًا وَلَا يُقَيِّدُهَا بِوَاحِدٍ مِمَّا ذُكِرَ سَوَاءٌ كَانَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ أَوْ عِنْدَهُ عَيْنٌ لَهُ أَوْ لَا بِأَنْ قَبِلَهَا مُتَبَرِّعًا، وَالْكُلُّ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ فِي الْمُقَيَّدَةِ وَكِيلٌ فِي الدَّفْعِ وَفِي الْمُطْلَقَةِ مُتَبَرِّعٌ، وَحُكْمُ الْمُطْلَقَةِ أَنْ لَا يَنْقَطِعَ حَقُّ الْمُحِيلِ مِنْ الدَّيْنِ وَالْعَيْنِ وَلِلْمُحَالِ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ عَلَى الْمُحِيلِ بَعْدَ أَدَائِهِ إنْ كَانَتْ بِرِضَاهُ وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا فِي حَقِّ الْمُحِيلِ تَأَجَّلَ فِي حَقُّ الْمُحَالِ عَلَيْهِ، وَلَا يَحِلُّ بِمَوْتِ الْمُحِيلِ وَيَحِلُّ بِمَوْتِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ، وَحُكْمُ الْمُقَيَّدَةِ أَنْ لَا يَمْلِكَ الْمُحِيلُ مُطَالَبَةَ الْمُحَالِ عَلَيْهِ بِمَا أَحَالَ عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ أَوْ الْعَيْنِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُحْتَالِ عَلَى مِثَالِ الرَّاهِنِ بِخِلَافِ الْمُطْلَقَةِ فَلَا تَبْطُلُ الْحَوَالَةُ بِأَخْذِ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ أَوْ عِنْدَهُ مِنْ الْعَيْنِ بِخِلَافِ الْمُقَيَّدَةِ، وَقَدَّمْنَا حُكْمَ إبْرَاءِ الْمُحْتَالِ وَهِبَتِهِ وَإِرْثِهِ وَلَوْ مَاتَ الْمُحِيلُ قَبْلَ قَبْضِ الْمُحْتَالِ كَانَ الدَّيْنُ وَالْعَيْنُ الْمُحَالُ بِهِمَا بَيْنَ غُرَمَائِهِ بِالْحِصَصِ لِكَوْنِهِ مَالَ الْمُحِيلِ، وَلَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِ يَدُ الِاسْتِيفَاءِ لِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْمُحْتَالَ لَمْ يَمْلِكْهُ بِهَا لِلُزُومِ تَمْلِيكِ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا وَجَبَ بِهَا دَيْنٌ فِي ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ مَعَ بَقَاءِ دَيْنِ الْمُحِيلِ. وَقَدْ حَقَّقْنَاهُ فِيمَا سَلَفَ وَسَيَأْتِي حُكْمُ مَا إذَا قَبَضَهُ الْمُحْتَالُ بِهِ بَعْدَ مَرَضِ الْمُحِيلِ بِخِلَافِ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ عَلَيْهِ يَدُ الِاسْتِيفَاءِ فَاخْتَصَّ بِهِ الْمُرْتَهِنُ بَعْدَ مَوْتِ الرَّاهِنِ مَدْيُونًا بِخِلَافِ الْمُطْلَقَةِ لِبَرَاءَةِ الْمُحِيلِ، وَصَارَ الْمُحْتَالُ مِنْ غُرَمَاءِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ وَإِذَا قُسِمَ الدَّيْنُ بَيْنَ غُرَمَاءِ الْمُحِيلِ لَا يَرْجِعُ الْمُحْتَالُ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ بِحِصَّةِ الْغُرَمَاءِ لِاسْتِحْقَاقِ الدَّيْنِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ، وَظَاهِرُ قَوْلِهِمْ بِقِسْمَتِهِ بَيْنَ غُرَمَاءِ الْمُحِيلِ أَنَّهُ يُقْسَمُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ أَيْضًا بِمَعْنَى أَنَّ لَهُمْ الْمُطَالَبَةَ بِهِ دُونَ الْمُحْتَالِ فَيُضَمُّ إلَى تَرِكَتِهِ وَلَمْ أَرَهُ الْآنَ، وَالْمُرَادُ بِالْبَرَاءَةِ فِي قَوْلِهِ بَرِئَ بُطْلَانُ الْحَوَالَةِ؛ لِأَنَّ الْمُودِعَ كَمَا قَدَّمْنَا وَكِيلٌ فِي دَفْعِهَا فَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ أَوْ الْمُرَادُ الْبَرَاءَةُ عَنْ الْمُطَالَبَةِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ وَهَلَاكُهَا بِقَوْلِ الْمُودِعِ وَلِذَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ لَوْ قَالَ الْمُودِعُ ضَاعَتْ بَطَلَتْ الْحَوَالَةُ اهـ. وَلَوْ لَمْ يُعْطِ الْمُحَالُ عَلَيْهِ الْوَدِيعَةَ، وَإِنَّمَا قَضَى مِنْ مَالِهِ كَانَ مُتَطَوِّعًا قِيَاسًا لَا اسْتِحْسَانًا، وَقَدْ مَرَّتْ فِي الْوَكَالَةِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة وَالِاسْتِحْسَانُ أَنْ لَا يَكُونَ مُتَبَرِّعًا وَلَهُ أَنْ يُشَارِكَ غُرَمَاءَ الْمُحِيلِ فِي تَرِكَتِهِ وَوَدِيعَتِهِ بِقَدْرِ مَا أَدَّى، وَاسْتِحْقَاقُ الْوَدِيعَةِ مُبْطِلٌ لَهَا كَهَلَاكِهَا كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة لَوْ كَانَتْ الْحَوَالَةُ مُقَيَّدَةً بِالْعَيْنِ الْوَدِيعَةِ فَوَهَبَهَا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَفِي الْمُحِيطِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُحِيلُ إلَخْ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِ الْمَتْنِ، فَالْقَوْلُ لِلْمُحِيلِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَوِيلِ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي عِبَارَةِ تَلْخِيصِ الْجَامِعِ وَقَوْلُهُ لَا يَحْتَمِلُ الْوَكَالَةَ أَيْ لَا يَتَحَمَّلُ وَكَالَةَ الْمُحِيلِ بِقَوْلِهِ أَحَلْتُكَ عَلَى فُلَانٍ مَعَ قَوْلِهِ لِلْمُحْتَالِ عَلَيْهِ اضْمَنْ عَنِّي هَذَا الْمَالَ هَذَا مَا ظَهَرَ لَنَا فَتَأَمَّلْهُ. [أَحَالَهُ بِمَا لَهُ عِنْدَ زَيْدٍ وَدِيعَةً] (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمُطْلَقَةِ) أَيْ فَإِنَّهُ يَمْلِكُ الْمُحِيلَ الْمُطَالَبَةُ فِيهَا إلَّا أَنْ يُؤَدِّيَ فَإِذَا أَدَّى سَقَطَ مَا عَلَيْهِ قِصَاصًا كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ (قَوْلُهُ وَلَوْ مَاتَ الْمُحِيلُ قَبْلَ قَبْضِ الْمُحْتَالِ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّ هَذَا فِي الْحَوَالَةِ الْمُقَيَّدَةِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ كَأَنَّ الدَّيْنَ وَالْعَيْنَ الْمُحَالَ بِهِمَا، وَهُوَ مُقْتَضَى التَّعْلِيلِ بِقَوْلِهِ لِكَوْنِهِ مَالَ الْمُحِيلِ، وَلَا يَكُونُ مَالُ الْمُحِيلِ إلَّا فِي الْمُقَيَّدَةِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْمُطْلَقَةِ مُتَبَرِّعٌ لَكِنْ صَرَّحَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ بِمَا يَقْتَضِي عَدَمَ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُطْلَقَةِ وَالْمُقَيَّدَةِ، وَنَصُّهُ مَاتَ الْمُحِيلُ بَعْدَ الْحَوَالَةِ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْمُحْتَالِ الْمَالَ مِنْ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ وَعَلَى الْمُحِيلِ دُيُونٌ كَثِيرَةٌ فَالْمُحْتَالُ مَعَ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ عَلَى السَّوَاءِ وَلَا يَرْجِعُ الْمُحْتَالُ بِالْحَوَالَةِ، وَكَذَا لَوْ قَيَّدَ بِدَيْنِهِ الَّذِي عَلَى الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ لَوْ مَاتَ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ يَتَسَاوَى الْمُحْتَالُ مَعَ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ اهـ. وَمُقْتَضَاهُ بُطْلَانُ الْحَوَالَةِ بِمَوْتِ الْمُحِيلِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْحَاوِي الزَّاهِدِيِّ وَعِبَارَتُهُ كَمَا نَقَلَهَا بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: مَاتَ الْمُحِيلُ تَبْطُلُ الْحَوَالَةُ حَتَّى لَا يَخْتَصَّ الْمُحْتَالُ بِمَالِهِ عَلَى الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ بَلْ أُسْوَةً لِغُرَمَائِهِ؛ لِأَنَّهَا تَمْلِيكُ الدَّيْنِ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ، وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ إلَّا أَنَّهَا جُوِّزَتْ لِلْحَاجَةِ وَبِالْمَوْتِ سَقَطَتْ، وَتَعُودُ الْمُطَالَبَةُ إلَى تَرِكَتِهِ وَعَنْ زُفَرَ خِلَافُهُ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمُطْلَقَةِ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ وَلَوْ مَاتَ الْمُحِيلُ قَبْلَ قَبْضِ الْمُحْتَالِ إلَخْ فَيُفِيدُ أَنَّ ذَاكَ خَاصٌّ بِالْمُقَيَّدَةِ، وَقَوْله وَإِذَا قَسَمَ الدَّيْنَ إلَخْ أَيْ فِي الْمُقَيَّدَةِ كَمَا أَفَادَهُ مَا قَرَّرْنَاهُ وَفِي ذَلِكَ مُخَالَفَةٌ لِمَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 274 الْمُحْتَالُ مِنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ صَحَّ التَّمْلِيكُ وَهُوَ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ الْمُحْتَالَ لَمْ يَمْلِكْهَا فَكَيْفَ يَمْلِكُهَا وَجَوَابُهُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ لَهُ حَقُّ أَنْ يَتَمَلَّكَهَا كَانَ لَهُ أَنْ يَمْلِكَهَا. اهـ. وَقُيِّدَ الْوَدِيعَةِ؛ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ بِالْمَغْصُوبِ لَا تَبْطُلُ بِهَلَاكِهِ ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الرَّهْنِ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ بِالْهَلَاكِ لِلِانْتِقَالِ إلَى بَدَلِهِ مِثْلًا وَقِيمَتِهِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ لَوْ كَانَتْ مُقَيَّدَةً بِالْغَصْبِ لَا تَبْطُلُ لِوُجُودِ الْخَلَفِ وَقُيِّدَ بِهَلَاكِ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مُقَيَّدَةً بِدَيْنٍ ثُمَّ ارْتَفَعَ ذَلِكَ الدَّيْنُ لَمْ تَبْطُلْ عَلَى تَفْصِيلٍ فِيهِ فَلَوْ أَحَالَ الْمَوْلَى غَرِيمَهُ عَلَى الْمُكَاتَبِ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ ثُمَّ أَعْتَقَ الْمَوْلَى الْمُكَاتَبَ لَمْ تَبْطُلْ الْحَوَالَةُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ عَبْدًا مِنْ رَجُلٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، ثُمَّ إنَّ الْبَائِعَ أَحَالَ غَرِيمًا بِالثَّمَنِ عَلَى الْمُشْتَرِي فَمَاتَ الْعَبْدُ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ رُدَّ بِخِيَارٍ مِنْ الْخِيَارَاتِ الثَّلَاثِ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ لَمْ تَبْطُلْ، وَلَوْ اُسْتُحِقَّ الْمَبِيعُ أَوْ اُسْتُحِقَّ الدَّيْنُ الَّذِي قَيَّدَ بِهِ الْحَوَالَةَ مِنْ جِهَةِ الْغُرَمَاءِ، أَوْ ظَهَرَ أَنَّ الْعَبْدَ الْمَبِيعَ كَانَ حُرًّا بَطَلَتْ الْحَوَالَةُ إجْمَاعًا وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الْأَوَّلِ سَقَطَ الدَّيْنُ بَعْدَ الْوُجُوبِ مَقْصُودًا فَلَمْ تَبْطُلْ الْحَوَالَةُ، وَفِي الثَّانِي ظَهَرَ عَدَمُ الْوُجُوبِ وَقْتَ الْحَوَالَةِ فَبَطَلَتْ وَإِذَا لَمْ تَبْطُلْ وَأَدَّى فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْمُحِيلِ فَيَرْجِعُ الْمُكَاتَبُ عَلَى سَيِّدِهِ إنْ أَدَّاهُ بَعْدَ عِتْقِهِ لَا قَبْلَهُ. كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ ثُمَّ قَالَ وَفِي الْمُنْتَقَى: رَجُلٌ اشْتَرَى عَبْدًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَقَبَضَهُ ثُمَّ أَحَالَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ بِالثَّمَنِ عَلَى غَرِيمِهِ مِنْ الْمَالِ الَّذِي لَهُ عَلَيْهِ ثُمَّ رَدَّ الْمُشْتَرِي الْعَبْدَ بِعَيْبٍ بِقَضَاءٍ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُبْطِلُ الْحَوَالَةَ فَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ أَجَّلَ الْمُحْتَالَ عَلَيْهِ بِالْمَالِ فَإِنَّ الْأَجَلَ يُنْتَقَضُ أَيْضًا إذَا كَانَ الرَّدُّ بِحُكْمٍ فَإِنْ كَانَ الرَّدُّ بِغَيْرِ حُكْمٍ لَا يَبْطُلُ الْأَجَلُ وَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ اتَّبَعَ الْبَائِعَ بِهِ حَالًّا، وَإِنْ شَاءَ اتَّبَعَ الْمُحْتَالَ عَلَيْهِ إلَى أَجَلِهِ اهـ. فَقَدْ فَرَّقَ عَلَى رِوَايَةِ الْمُنْتَقَى بَيْنَ إحَالَةِ الْبَائِعِ غَرِيمَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَبَيْنَ إحَالَةِ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ عَلَى غَرِيمِهِ حَيْثُ لَا تَبْطُلُ فِي الْأُولَى بِالْفَسْخِ وَتَبْطُلُ فِي الثَّانِيَةِ وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ فِي الْأُولَى تَبَيَّنَ أَنْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ وَهِيَ تَصِحُّ بِدُونِ دَيْنٍ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ، وَفِي الثَّانِيَةِ ظَهَرَ أَنَّ الْمُحِيلَ لَيْسَ بِمَدْيُونٍ فَبَطَلَتْ ثُمَّ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ أَبْرَأَ الْمُحْتَالَ عَلَيْهِ مِنْ الْمَالِ أَوْ وَهَبَهُ أَوْ اشْتَرَى مِنْهُ ثَوْبًا وَقَبَضَهُ ثُمَّ رَدَّ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ بِعَيْبٍ بِقَضَاءٍ أَوْ بِغَيْرِهِ جَازَتْ الْهِبَةُ وَالْإِبْرَاءُ وَالْبَائِعُ ضَامِنٌ لِلْمَالِ، وَكَذَا لَوْ مَاتَ الْعَبْدُ فِي يَدِ الْبَائِعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَكَذَا لَوْ اسْتَحَقَّ بَعْدَهُ وَقَدْ أَبْرَأَ الْبَائِعُ الْمُحْتَالَ عَلَيْهِ مِنْ الْمَال أَوْ وَهَبَهُ لَهُ اهـ وَهُوَ مُشْكِلٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَسْأَلَةِ الِاسْتِحْقَاقِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ بُطْلَانِ الْحَوَالَةِ إذَا اسْتَحَقَّ الْمَبِيعَ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنْ لَا دَيْنَ أَصْلًا فَلَمَّا بَطَلَتْ يَنْبَغِي أَنْ يَبْطُلَ مَا اُبْتُنِيَ عَلَيْهَا مِنْ الْهِبَةِ وَالْإِبْرَاءِ مِنْ الْبَائِعِ، وَقَدْ وَقَعَتْ حَادِثَةُ الْفَتْوَى فِي الْمَدْيُونِ إذَا بَاعَ شَيْئًا مِنْ دَائِنِهِ بِمِثْلِ الدَّيْنِ، ثُمَّ أَحَالَ عَلَيْهِ بِنَظِيرِ الثَّمَنِ أَوْ بِالثَّمَنِ فَهَلْ تَصِحُّ أَوْ لَا فَأَجَبْت إذَا وَقَعَ بِنَظِيرِهِ صَحَّتْ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُقَيَّدْ بِالثَّمَنِ وَلَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهَا دَيْنٌ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ، وَإِنْ وَقَعَتْ بِالثَّمَنِ فَهِيَ مُقَيَّدَةٌ بِالدَّيْنِ وَهُوَ مُسْتَحَقٌّ لِلْمُحَالِ عَلَيْهِ لِوُقُوعِ الْمُقَاصَّةِ بِنَفْسِ الشِّرَاءِ، وَقَدَّمْنَا أَنَّ الدَّيْنَ إذَا اُسْتُحِقَّ لِلْغَيْرِ فَإِنَّهَا تَبْطُلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فُرُوعٌ مُهِمَّةٌ) . يَجُوزُ قَبُولُ الْحَوَالَةِ بِمَالِ الْيَتِيمِ مِنْ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ عَلَى أَمْلَأَ مِنْ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُمَا مُقَيَّدٌ بِشَرْطِ النَّظَرِ وَإِنْ كَانَ مِثْلَهُ فِي الْمُلَاءَةِ اخْتَلَفُوا عَلَى قَوْلَيْنِ، وَلَوْ احْتَالَا بِدَيْنِهِ إلَى أَجَلٍ لَمْ يَجُزْ لِكَوْنِهِ إبْرَاءً مُؤَقَّتًا فَيُعْتَبَرُ بِالْإِبْرَاءِ الْمُؤَبَّدِ، وَهَذَا إذَا كَانَ دَيْنًا وَرِثَهُ الصَّغِيرُ وَإِنْ وَجَبَ بِعَقْدِهِمَا جَازَ التَّأْجِيلُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَكَذَا قَبُولُ الْحَوَالَةِ مِنْ الْمُتَوَلِّي   [منحة الخالق] الْبَزَّازِيَّةِ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الْأَوَّلِ) أَيْ فِي إعْتَاقِ الْمُكَاتَبِ وَمَوْتِ الْعَبْدِ الْمَبِيعِ أَوْرَدَهُ بِخِيَارٍ لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ سُقُوطَ الدَّيْنِ بِمَوْتِ الْعَبْدِ لَيْسَ مَقْصُودًا فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ إنَّ الدَّيْنَ فِي الْأَوَّلِ سَقَطَ بِأَمْرٍ عَارِضٍ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ حَيْثُ قَالَ: وَأَمَّا إنْ سَقَطَ الدَّيْنُ الَّذِي قُيِّدَتْ بِهِ الْحَوَالَةُ بِأَمْرٍ عَارِضٍ وَلَمْ تَتَبَيَّنْ بَرَاءَةُ الْأَصِيلِ مِنْهُ لَا تَبْطُلُ الْحَوَالَةُ مِثْلَ أَنْ يَحْتَالَ بِأَلْفٍ مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ فَهَلَكَ الْمَبِيعُ قَبْلَ تَسْلِيمِهِ إلَى الْمُشْتَرِي سَقَطَ الثَّمَنُ عَنْهُ وَلَا تَبْطُلُ الْحَوَالَةُ، وَلَكِنَّهُ إذَا أَدَّى رَجَعَ عَلَى الْمُحِيلِ بِمَا أَدَّى؛ لِأَنَّهُ قَضَى دَيْنَهُ بِأَمْرِهِ اهـ. (قَوْلُهُ وَلَعَلَّ وَجْهَهُ) أَيْ وَجْهَ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ فِي الْأُولَى تَبَيَّنَ أَنْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ أَيْ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمُشْتَرِي، وَهِيَ تَصِحُّ بِدُونِ دَيْنٍ عَلَيْهِ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي الْمُطْلَقَةِ وَكَلَامُنَا فِي الْمُقَيَّدَةِ فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْجَوْهَرَةِ أَنَّ فِي الْأُولَى تَبَيَّنَ سُقُوطُ الدَّيْنِ بِأَمْرٍ عَارِضٍ وَهُوَ الْفَسْخُ بِالْعَيْبِ. (قَوْلُهُ وَفِي الثَّانِيَةِ ظَهَرَ أَنَّ الْمُحِيلَ لَيْسَ بِمَدْيُونٍ فَبَطَلَتْ) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ لَا يَظْهَرُ؛ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ تَصِحُّ بِدُونِ دَيْنٍ عَلَى الْمُحِيلِ أَيْضًا كَمَا مَرَّ مَتْنًا، وَكَانَ الظَّاهِرُ أَنْ يَقُولَ وَفِي الثَّانِيَةِ ظَهَرَ أَنَّ الْحَوَالَةَ بِمَعْنَى الْوَكَالَةِ وَلِلْوَكِيلِ الِامْتِنَاعُ عَنْهَا اهـ. فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَهُوَ مُشْكِلٌ إلَخْ) قَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْمُحْتَالَ وَهُوَ الْبَائِعُ قَدْ صَارَ قَابِضًا مِنْ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ بِإِبْرَائِهِ أَوْ هِبَتِهِ قَبْضًا حُكْمِيًّا وَبِالشِّرَاءِ مِنْهُ صَارَ قَابِضًا قَبْضًا حَقِيقِيًّا قَدْ عَلِمْت أَنَّ هَذِهِ الْحَوَالَةَ بِمَعْنَى الْوَكَالَةِ فَصَارَ الْبَائِعُ كَالْوَكِيلِ عَنْ الْمُشْتَرِي فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا قَبَضَهُ بَعْدَ بُطْلَانِ الْحَوَالَةِ تَأَمَّلْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 275 عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيمَا رَأَيْت حُكْمَ إحَالَةِ الْمُسْتَحِقِّ بِمَعْلُومِهِ عَلَى الْمُتَوَلِّي، وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ صَحِيحَةً إذَا كَانَ مَالُ الْوَقْفِ تَحْتَ يَدِهِ كَالْإِحَالَةِ عَلَى الْمُودِعِ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أَمِينٌ وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ مَالُ الْوَقْفِ فَلَا؛ لِأَنَّهَا لِثُبُوتِ الْمُطَالَبَةِ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ، وَلَوْ قَبِلَ الْحَوَالَةَ بِالْمَالِ الَّذِي لِلْمُحِيلِ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ ثُمَّ مَرِضَ الْمُحِيلُ فَقَضَى الْمُحَالُ عَلَيْهِ سَلَّمَ لِلْمُحْتَالِ مَا أَخَذَهُ، وَيُؤْخَذُ مِنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ مَا عُلِمَ وَيُقْسَمُ بَيْنَ غُرَمَاءِ الْمُحِيلِ بِالْحِصَصِ وَيُشَارِكُهُمْ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَتْ الْحَوَالَةُ بِوَدِيعَةٍ فَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَلَا سَبِيلَ لِغُرَمَاء الْمُحِيلِ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ، وَلَوْ أَحَالَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ الْمُحْتَالَ عَلَى آخَرَ جَازَ وَبَرِئَ الْأَوَّلُ وَالْمَالُ عَلَى الْآخَرِ كَالْكَفَالَةِ مِنْ الْكَفِيلِ، وَلَوْ قَالَ ضَمِنْت لَك مَا عَلَى فُلَانٍ عَلَى أَنْ أُحِيلَك بِهِ عَلَى فُلَانٍ فَرَضِيَ الطَّالِبُ إنْ أَحَالَهُ وَقَبِلَهُ جَازَ وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ فُلَانٌ الْحَوَالَةَ فَالْكَفِيلُ ضَامِنٌ عَلَى حَالِهِ، وَلَوْ قَالَ عَلَى أَنْ أُحِيلَك بِهِ عَلَى فُلَانٍ إلَى شَهْرٍ انْصَرَفَ التَّأْجِيلُ إلَى الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَأْجِيلُ عَقْدِ الْحَوَالَةِ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُحِيلَهُ عَلَى فُلَانٍ فَلَمْ يَقْبَلْ الْمَكْفُولُ لَهُ الْحَوَالَةَ بَرِئَ الْكَفِيلُ عَنْ الضَّمَانِ وَإِنْ مَاتَ فُلَانٌ لَمْ يَكُنْ الطَّالِبُ أَنْ يُطَالِبَهُ بِالْمَالِ حَتَّى يَمْضِيَ شَهْرٌ، وَالْكُلُّ فِي الْمُحِيطِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ أَدَّى الْمَالَ فِي الْحَوَالَةِ الْفَاسِدَةِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَى الْقَابِضِ وَهُوَ الْمُحْتَالُ وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَى الْمُحِيلِ وَعَلَى هَذَا إذَا بَاعَ الْآجِرُ الْمُسْتَأْجَرَ، وَأَحَالَ بِالثَّمَنِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ ثُمَّ اسْتَحَقَّ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي إنْ شَاءَ رَجَعَ بِالثَّمَنِ عَلَى الْمُؤَجِّرِ الْمُحِيلِ، وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ الْقَابِضِ وَكَذَا فِي كُلِّ مَوْضِعٍ وَرَدَ فِيهِ الِاسْتِحْقَاقُ اهـ. (قَوْلُهُ وَكُرِهَ السَّفَاتِجُ) جَمْعُ سَفْتَجَةٍ قِيلَ بِضَمِّ السِّينِ وَقِيلَ بِفَتْحِهَا، وَأَمَّا التَّاءُ مَفْتُوحَةٌ فِيهِمَا فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ، وَفَسَّرَهَا بَعْضُهُمْ فَقَالَ هِيَ كِتَابُ صَاحِبِ الْمَالِ لِوَكِيلِهِ أَنْ يَدْفَعَ مَالًا قَرْضًا يَأْمَنُ بِهِ خَطَرَ الطَّرِيقِ كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ، وَفِي الْقَامُوسِ السَّفْتَجَةُ كَقُرْطَقَةٍ أَنْ يُعْطِيَ مَالًا لِآخَرَ وَلِلْآخِذِ مَالٌ فِي بَلَدِ الْمُعْطِي فَيُوَفِّيَهُ إيَّاهَا، ثَمَّ فَيَسْتَفِيدُ أَمْنَ الطَّرِيقِ وَفِعْلُهُ السَّفْتَجَةُ بِالْفَتْحِ اهـ. وَحَاصِلُهُ عِنْدَنَا قَرْضٌ اسْتَفَادَ بِهِ الْمُقْرِضُ أَمْنَ خَطَرِ الطَّرِيقِ لِلنَّهْيِ عَنْ قَرْضٍ جَرَّ مَنْفَعَةً، وَقِيلَ إذَا لَمْ تَكُنْ الْمَنْفَعَةُ مَشْرُوطَةً فَلَا بَأْسَ بِهِ فِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ كِتَابِ الصَّرْفِ مَا يَقْتَضِي تَرْجِيحَ الثَّانِي، قَالَ وَلَا بَأْسَ بِقَبُولِ هَدِيَّةِ الْغَرِيمِ وَإِجَابَةِ دَعْوَتِهِ بِلَا شَرْطٍ وَكَذَا إذَا قَضَى أَجْوَدَ مِمَّا قَبَضَ يَحِلُّ بِلَا شَرْطٍ، وَكَذَا لَوْ قَضَى أَدْوَنَ، وَلَوْ أَرْجَحَ فِي الْوَزْنِ أَنَّ كَثِيرًا لَمْ يَجُزْ وَإِنْ قَلَّ جَازَ وَمَا لَا يَدْخُلُ فِي تَفَاوُتِ الْمَوَازِينِ وَلَا يَجْرِي بَيْنَ الْكَيْلَيْنِ لَا يُسَلَّمُ لَهُ بَلْ يَرُدُّهُ وَالدِّرْهَمُ فِي مِائَةٍ يَرُدُّهُ بِالِاتِّفَاقِ، وَاخْتَلَفَا فِي نِصْفِهِ قِيلَ كَثِيرٌ وَقِيلَ قَلِيلٌ وَلَوْ أَنَّ الْمُسْتَقْرِضَ وَهَبَ مِنْهُ الزَّائِدَ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ مَشَاعٌ يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ اهـ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (كِتَابُ الْقَضَاءِ) لَمَّا كَانَ أَكْثَرُ الْمُنَازَعَاتِ فِي الدُّيُونِ وَالْبِيَاعَاتِ وَالْمُنَازَعَاتِ مُحْتَاجَةً إلَى قَطْعِهَا أَعْقَبَهَا بِمَا هُوَ الْقَاطِعُ لَهَا وَهُوَ الْقَضَاءُ وَالْكَلَامُ فِيهِ عَشْرَةُ مَوَاضِعَ الْأَوَّلُ فِي مَعْنَاهُ لُغَةً وَهُوَ بِالْمَدِّ كَكِسَاءٍ وَأَكْسِيَةٍ فَفِي الْمِصْبَاحِ أَنَّهُ مَصْدَرُ قَضَيْت بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ وَعَلَيْهِمَا حَكَمْت اهـ. وَفِي الصِّحَاحِ الْقَضَاءُ الْحُكْمُ وَأَصْلُهُ قَضَايَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ قَضَيْت إلَّا أَنَّ الْيَاءَ لَمَّا جَاءَتْ بَعْدَ الْأَلْفِ قُلِبَتْ هَمْزَةً، وَالْجَمْعُ الْأَقْضِيَةُ وَقَضَى أَيْ حَكَمَ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ} [الإسراء: 23] ، وَقَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى الْفَرَاغِ تَقُولُ قَضَيْت حَاجَتِي وَضَرَبَهُ فَقَضَى عَلَيْهِ أَيْ قَتَلَهُ كَأَنَّهُ فَرَغَ مِنْهُ، وَسُمَّ قَاضٍ أَيْ قَاتِلٌ وَقَضَى نَحْبَهُ قَضَاءً أَيْ   [منحة الخالق] [فُرُوعٌ مُهِمَّةٌ فِي الْحَوَالَةِ] (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ صَحِيحَةً) أَيْ لَوْ الْحَوَالَةُ مُقَيَّدَةً أَمَّا الْمُطْلَقَةُ فَلَا شَكَّ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ لِتَصْرِيحِهِمْ بِاخْتِصَاصِهَا بِالدُّيُونِ لِابْتِنَائِهَا عَلَى النَّقْلِ قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ فَلَا تَصِحُّ بِالْحُقُوقِ كَذَا فِي النَّهْرِ، وَقَدْ مَرَّ قَالَ وَمُقْتَضَى مَا فِي الْبَحْرِ صِحَّةُ الْحَوَالَةِ بِحَقِّ الْغَنِيمَةِ الْمُحَرَّزَةِ تَحْتَ يَدِ الْإِمَامِ مِنْ أَحَدِ الْغَانِمِينَ وَعِنْدِي فِيهِ تَرَدُّدٌ فَتَدَبَّرْهُ (قَوْلُهُ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ) وَيَكُونُ الْمَدْفُوعُ بَيْنَ غُرَمَاءِ الْمُحِيلِ وَبَيْنَ الْمُحْتَالِ بِالْحِصَصِ فِيهِ نَظِيرٌ فَلْيُرَاجَعْ. (قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا إذَا بَاعَ الْآجِرُ الْمُسْتَأْجَرَ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ بِإِذْنِ الْمُسْتَأْجِرِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ (قَوْلُهُ وَأَحَالَ بِالثَّمَنِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ) كَذَا رَأَيْته فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَاَلَّذِي فِي الْخُلَاصَةِ وَأَحَالَ الْمُسْتَأْجِرَ عَلَى الْمُشْتَرِي فَاسْتَحَقَّ الْمَبِيعَ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي، وَهُوَ قَدْ أَدَّى الثَّمَنَ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ إلَخْ، وَتَقَدَّمَ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى حُكْمِهَا مَسْأَلَةٌ مِنْ صُوَرِ فَسَادِ الْحَوَالَةِ فَرَاجِعْهَا. (قَوْلُهُ وَفَسَّرَهَا بَعْضُهُمْ إلَخْ) هِيَ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ مَا يُسَمَّى فِي زَمَانِنَا بِالْبُولِصَةِ (قَوْلُهُ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ كِتَابِ الصَّرْفِ مَا يَقْضِي تَرْجِيحَ الثَّانِي) قَالَ فِي النَّهْرِ وَبِهِ جَزَمَ فِي الصُّغْرَى وَالْوَاقِعَاتِ الْحُسَامِيَّةِ وَالْكِفَايَةِ لِلشَّهِيدِ نَعَمْ قَالُوا إنَّمَا يَحِلُّ ذَلِكَ عِنْدَ عَدَمِ الشَّرْطِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ عُرْفٌ ظَاهِرٌ فَإِنْ كَانَ يُعْرَفُ أَنَّ ذَلِكَ يُفْعَلُ لِذَلِكَ فَلَا. [كِتَابُ الْقَضَاءِ] الجزء: 6 ¦ الصفحة: 276 مَاتَ، وَقَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى الْأَدَاءِ وَالْإِنْهَاءِ تَقُولُ قَضَيْت دَيْنِي وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ} [الإسراء: 4] وقَوْله تَعَالَى {وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الأَمْرَ} [الحجر: 66] أَيْ أَنْهَيْنَاهُ إلَيْهِ وَأَبْلَغْنَاهُ ذَلِكَ قَالَ الْفَرَّاءُ فِي قَوْله تَعَالَى {ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ} [يونس: 71] أَيْ امْضُوا إلَيَّ كَمَا يُقَالُ قَضَى فُلَانٌ أَيْ مَاتَ وَمَضَى، وَقَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى الصُّنْعِ وَالتَّقْدِيرِ قَالَ أَبُو ذُؤَيْبٍ وَعَلَيْهِمَا مَسْرُودَتَانِ قَضَاهُمَا ... دَاوُد أَوْ صَنَعَ السَّوَابِغَ تُبَّعٌ يُقَالُ قَضَاهُ أَيْ صَنَعَهُ وَقَدَّرَهُ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ} [فصلت: 12] وَمِنْهُ الْقَضَاءُ وَالْقَدَرُ، وَيُقَالُ اُسْتُقْضِيَ فُلَانٌ أَيْ صُيِّرَ قَاضِيًا. اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ لُغَةً بِمَعْنَى الْحُكْمِ وَالْفَرَاغِ وَالْهَلَاكِ وَالْأَدَاءِ وَالْإِنْهَاءِ وَالْمُضِيِّ وَالصُّنْعِ وَالتَّقْدِيرِ، وَفِي الْقَامُوسِ الْقَضَاءُ يُمَدُّ أَوْ يُقْصَرُ الْحُكْمُ قَضَى عَلَيْهِ يَقْضِي قَضْيًا وَقَضَاءً وَقَضِيَّةً وَهِيَ الِاسْمُ أَيْضًا إلَى آخِرِ مَا فِيهِ الثَّانِي فِي مَعْنَاهُ شَرْعًا فَعَرَّفَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِالْإِلْزَامِ، وَفِي الْمُحِيطِ بِفَصْلِ الْخُصُومَاتِ وَقَطْعِ الْمُنَازَعَاتِ وَفِي الْبَدَائِعِ الْحُكْمُ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَهُوَ الثَّابِتُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ حُكْمِ الْحَادِثَةِ إمَّا قَطْعًا بِأَنْ كَانَ عَلَيْهِ دَلِيلٌ قَطْعِيٌّ وَهُوَ النَّصُّ الْمُفَسَّرُ مِنْ الْكِتَابِ أَوْ السُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ أَوْ الْمَشْهُورَةِ أَوْ الْإِجْمَاعِ، وَإِمَّا ظَاهِرًا بِأَنْ أَقَامَ عَلَيْهِ دَلِيلًا ظَاهِرًا يُوجِبُ عِلْمَ غَالِبِ الرَّأْيِ، وَأَكْثَرُ الظَّنِّ وَهُوَ ظَاهِرُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَلَوْ خَبَرَ وَاحِدٍ وَالْقِيَاسُ وَذَلِكَ فِي الْمَسَائِلِ الِاجْتِهَادِيَّةِ الَّتِي اخْتَلَفَ فِيهَا الْفُقَهَاءُ أَوْ الَّتِي لَا رِوَايَةَ فِيهَا عَنْ السَّلَفِ فَلَوْ قَضَى بِمَا قَامَ الدَّلِيلُ الْقَطْعِيُّ عَلَى خِلَافِهِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ قَضَى بِالْبَاطِلِ قَطْعًا، وَكَذَا لَوْ قَضَى فِي مَوْضِعِ الِاخْتِلَافِ بِمَا هُوَ خَارِجٌ عَنْ أَقَاوِيلِ الْفُقَهَاءِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَمْ يَعْدُوهُمْ، وَلِذَا لَوْ قَضَى بِالِاجْتِهَادِ فِيمَا فِيهِ نَصٌّ ظَاهِرٌ بِخِلَافِهِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ بَاطِلٌ وَلَوْ ظَاهِرًا. وَأَمَّا مَا لَا نَصَّ فِيهِ فَإِنَّ مُجْتَهِدًا قَضَى بِرَأْيِهِ لَا بِرَأْيِ غَيْرِهِ وَإِذَا قَلَّدَ الْأَفْقَهَ وَسِعَهُ عِنْدَ الْإِمَامِ الِاجْتِهَادُ خِلَافًا لَهُمَا، وَقِيلَ الْخِلَافُ عَلَى الْعَكْسِ وَإِنْ أُشْكِلَ عَلَيْهِ الْحُكْمُ اسْتَعْمَلَ رَأْيَهُ، وَالْأَفْضَلُ مُشَاوَرَةُ الْفُقَهَاءِ فَإِنْ اخْتَلَفُوا أَخَذَ بِمَا يُؤَدِّي إلَى الْحَقِّ ظَاهِرًا وَإِنْ اتَّفَقُوا عَلَى خِلَافِ رَأْيِهِ عَمِلَ بِرَأْيِ نَفْسِهِ لَكِنْ لَا يُعَجِّلُ بِالْقَضَاءِ حَتَّى لَوْ قَضَى مُجَازِفًا لَمْ يَصِحَّ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَإِذَا كَانَ مُجْتَهِدًا أَوْ لَا يُدْرَى حَالُهُ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ قَضَى بِرَأْيِهِ حَمْلًا لَهُ عَلَى الصَّلَاحِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ فَإِنْ حَفِظَ أَقَاوِيلَ الصَّحَابَةِ عَمِلَ بِمَنْ يَعْتَقِدُ قَوْلَهُ حَقًّا عَلَى التَّقْلِيدِ، وَإِلَّا عَمِلَ بِفَتْوَى أَهْلِ الْفِقْهِ فِي بَلَدِهِ مِنْ أَصْحَابِنَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا إلَّا وَاحِدٌ وَسِعَهُ الْأَخْذُ بِقَوْلِهِ وَلَوْ قَضَى بِمَذْهَبِ خَصْمِهِ وَهُوَ يَعْلَمُ بِذَلِكَ لَمْ يَنْفُذْ، وَلَوْ كَانَ نَاسِيًا فَلَهُ أَنْ يُبْطِلَهُ وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ صَحَّ قَضَاؤُهُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا اهـ. وَعَرَّفَهُ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ بِأَنَّهُ إنْشَاءُ إلْزَامٍ فِي مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ الْمُتَقَارِبَةِ فِيمَا يَقَعُ فِيهِ النِّزَاعُ لِمَصَالِحِ الدُّنْيَا فَخَرَجَ الْقَضَاءُ عَلَى خِلَافِ الْإِجْمَاعِ وَخَرَجَ مَا لَيْسَ بِحَادِثَةٍ وَمَا كَانَ مِنْ الْعِبَادَاتِ اهـ. وَوَقَعَ فِي الْهِدَايَةِ وَكَثِيرٌ التَّعْبِيرُ بِبَابِ أَدَبِ الْقَاضِي فَفِي الْعِنَايَةِ الْأَدَبُ اسْمٌ يَقَعُ عَلَى كُلِّ رِيَاضَةٍ مَحْمُودَةٍ يَتَخَرَّجُ بِهَا الْإِنْسَانُ فِي فَضِيلَةٍ مِنْ الْفَضَائِلِ قَالَ أَبُو زَيْدٍ، وَيَجُوزُ أَنْ يُعَرَّفَ بِأَنَّهُ مَلَكَةٌ تَعْصِمُ مَنْ قَامَتْ بِهِ عَمَّا يَشِينُهُ اهـ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الْأَدَبُ الْخِصَالُ الْحَمِيدَةُ فَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا مَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَفْعَلَهُ وَمَا عَلَيْهِ أَنْ يَنْتَهِيَ عَنْهُ، وَالْأَوْلَى التَّفْسِيرُ بِالْمَلَكَةِ؛ لِأَنَّهَا الصِّفَةُ الرَّاسِخَةُ لِلنَّفْسِ فَمَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَا يَكُونُ أَدَبًا كَمَا لَا يَخْفَى وَفِي الْقَامُوسِ الْأَدَبُ مُحَرَّكَةً الظَّرْفُ وَحُسْنُ التَّنَاوُلِ أَدُبَ كَحَسُنَ أَدَبًا فَهُوَ أَدِيبٌ وَالْجَمْعُ أُدَبَاءُ اهـ. الثَّالِثُ: فِي رُكْنِهِ وَهُوَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ فَالْأَوَّلُ قَالَ فِي الْقُنْيَةِ قَوْلُ الْقَاضِي حَكَمْتُ أَوْ قَضَيْت لَيْسَ بِشَرْطٍ. وَقَوْلُهُ بَعْدَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ لِلْمُعْتَمَدِ أُقِمْهُ وَاطْلُبْ الذَّهَبَ مِنْهُ حُكْمٌ مِنْهُ وَقَوْلُهُ ثَبَتَ عِنْدِي يَكْفِي وَكَذَا إذَا قَالَ ظَهَرَ عِنْدِي أَوْ صَحَّ عِنْدِي أَوْ عَلِمْت فَهَذَا كُلُّهُ حُكْمٌ فِي الْمُخْتَارِ زَادَ فِي الْخِزَانَةِ أَوْ أَشْهَدَ عَلَيْهِ   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 277 وَحُكِيَ فِي التَّتِمَّةِ الْخِلَافُ فِي الثُّبُوتِ وَصُحِّحَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ أَنَّهُ حُكْمٌ، وَذَكَرَ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ مَعْزِيًّا إلَى الْكُبْرَى لِلْخَاصِّيِّ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّ الثُّبُوتَ حُكْمٌ، وَكَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فَمَنْ قَالَ إنَّهُ لَيْسَ بِحُكْمٍ أَرَادَ بِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ بَعْدَ تَقَدُّمِ دَعْوَى صَحِيحَةٍ، وَمَنْ قَالَ إنَّهُ حُكْمٌ أَرَادَ إذَا كَانَ بَعْدَ الدَّعْوَى ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الثُّبُوتَ لَيْسَ بِحُكْمٍ اتِّفَاقًا فِي مَوَاضِعَ ظَفِرْت بِهَا مِنْهَا ثُبُوتُ مِلْكِ الْبَائِعِ لِلْعَيْنِ الْمَبِيعَةِ عِنْدَ الْبَيْعِ، وَهُوَ الْمُسَمَّى بِبَيِّنَةِ الْجَرَيَانِ وَقَدْ ذَكَرَهُ ابْنُ وَهْبَانَ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ فِي الْمَنْظُومَةِ وَيَدْخُلُ شُرْبُ الْأَرْضِ مِنْ دُونِ ذِكْرِهِ قَالَ إذَا شَهِدَ الشُّهُودُ بِمِلْكِيَّةِ الْأَرْضِ لِإِنْسَانٍ عَلَى مَا هُوَ الْمُعْتَادُ فِي كُتُبِ التَّبَايُعِ فِي بِلَادِنَا أَنَّهُ يُقِيمُ الْمُشْتَرِي وَالْبَائِعُ بَيِّنَةً بِأَنَّ الْبَائِعَ لَمْ يَزَلْ حَائِزًا مَالِكًا لِجَمِيعِ الْأَرْضِ، وَكَذَلِكَ فِي الْوَقْفِ مَنْ أَحَلَّ صِحَّةَ الْبَيْعِ أَوْ الْمَوْقُوفِ أَوْ غَيْرِهِمَا. اهـ. وَفَائِدَةُ بَيِّنَةِ الْمِلْكِ لِلْبَائِعِ أَوْ الْوَاقِفِ التَّوَصُّلُ إلَى قَضَاءِ الْقَاضِي بِصِحَّةِ الْبَيْعِ أَوْ الْوَقْفِ، وَإِلَّا لَمْ يَقْضِ بِالصِّحَّةِ وَإِنَّمَا يَقْضِي بِمُوجِبِ مَا أَقَرَّ بِهِ كَمَا فِي فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ وَمِنْهَا مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْغَرْسِ مِنْ قَوْلِهِمْ لَا تَصِحُّ الدَّعْوَى فِي الْعَقَارِ حَتَّى يُثْبِتَ الْمُدَّعِي أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَاضِعٌ يَدَهُ عَلَيْهِ، وَهَذَا الثُّبُوتُ لَيْسَ بِحُكْمٍ قَطْعًا اهـ. قَالَ وَمِنْهَا قَوْلُ الْمُوَثَّقِ وَثَبَتَ عِنْدَهُ أَنَّ الْعَيْنَ بِصِفَةِ الِاسْتِبْدَالِ شَرْعًا وَمِنْهَا قَوْلُهُمْ فِي خِيَارِ الْعَيْبِ لَا بُدَّ أَنْ يُثْبِتَ الْمُشْتَرِي قِيَامَ الْعَيْبِ لِلْحَالِ لِتَوَجُّهِ الْخُصُومَةِ إلَى الْبَائِعِ فَإِنَّهُ ثُبُوتٌ مُجَرَّدٌ لَا حُكْمٌ، وَمِنْهَا قَوْلُهُمْ إنَّهُ ثَبَتَ أَنْ لَا مَالَ لِلصَّغِيرِ سِوَى الْعَقَارِ عِنْدَ بَيْعِ عَقَارِهِ اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ قَوْلُهُ لَا أَرَى لَك حَقًّا فِي هَذِهِ الدَّارِ بِهَذِهِ الدَّعْوَى لَا يَكُونُ قَضَاءً مَا لَمْ يَقُلْ أَمْضَيْتُ أَوْ أَنَفَذْتُ عَلَيْكَ الْقَضَاءَ بِكَذَا، وَكَذَا قَوْلُهُ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ سَلِّمْ هَذِهِ الدَّارَ إلَيْهِ بَعْدَ إقَامَةِ الْبُرْهَانِ، قَالَ وَهَذَا نَصٌّ عَلَى أَنَّ أَمْرَهُ لَا يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ قَضَائِهِ، وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ حُكْمٌ؛ لِأَنَّ أَمْرَهُ إلْزَامٌ وَحُكْمٌ وَإِذَا قَالَ الْقَاضِي ثَبَتَ عِنْدِي وَقُلْنَا إنَّهُ حُكْمٌ فَالْأَوْلَى أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّ الثُّبُوتَ بِمَاذَا بِالْإِقْرَارِ أَمْ بِالْبَيِّنَةِ لِمُخَالَفَةِ الْحُكْمِ بَيْنَ طَرِيقَيْ الْحُكْمَيْنِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ قَالَ الْقَاضِي بَعْدَمَا شَهِدَ الْعُدُولُ أَرَى أَنَّ الْحَقَّ لِلْمَشْهُودِ لَهُ لَمْ يَكُنْ قَضَاءً؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَرَى أَوْ رَأَى بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ أَظُنُّ، وَلَوْ قَالَ أَظُنُّ لَمْ يَكُنْ قَضَاءً ثُمَّ قَالَ الْبَزَّازِيُّ أَمْرُ الْقَاضِي لَيْسَ كَقَضَائِهِ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرَهُ الظَّهِيرِيُّ وَقَفَ عَلَى الْفُقَرَاءِ فَاحْتَاجَ بَعْضُ قَرَابَةِ الْوَاقِفِ فَأَمَرَ الْقَاضِي بِأَنْ يُصْرَفَ شَيْءٌ مِنْ الْوَقْفِ إلَيْهِ فَهَذَا بِمَنْزِلَةِ الْفَتْوَى حَتَّى لَوْ أَرَادَ أَنْ يَصْرِفَهُ إلَى فَقِيرٍ آخَرَ صَحَّ وَلَوْ حُكِمَ بِأَنْ لَا يَصْرِفَ إلَّا إلَى أَقْرِبَائِهِ نَفَذَ حُكْمُهُ دَلَّ هَذَا أَنَّ أَمْرَهُ لَيْسَ بِحُكْمٍ اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي قَوْلِهِ سَلِّمْ الدَّارَ هَلْ هُوَ حُكْمٌ أَوْ لَا وَلَمْ يَحْكُوا خِلَافًا فِي أَنَّ أَمْرَهُ بِإِعْطَاءِ بَعْضِ قَرَابَتِهِ لَيْسَ بِحُكْمٍ، وَأَمَّا قَوْلُهُمْ لَوْ حَكَمَ الْقَاضِي أَنْ لَا يُعْطِيَ غَيْرَ هَذَا الرَّجُلِ نَفَذَ حُكْمُهُ فَقَدْ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ الْوَقْفِ بَعْدَ نَقْلِهِ عَنْ الْخَصَّافِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِأَقَارِبِ الْوَاقِفِ، وَقَدْ اسْتَبْعَدْتُ صِحَّةَ هَذَا الْحُكْمِ وَكَيْفَ سَاغَ بِلَا شَرْطٍ حَتَّى ظَفِرْتُ فِي الْمَسْأَلَةِ بِقُوَيْلَةِ إنَّ هَذَا الْحُكْمَ لَا يَصِحُّ وَلَا يَلْزَمُ اهـ. وَيُمْكِنُ أَنْ تُجْعَلَ لَهُ حَادِثَةٌ هِيَ إعْطَاءُ الْمُتَوَلِّي فَقِيرًا شَيْئًا مِنْ وَقْفِ الْفُقَرَاءِ سَنَةً، ثُمَّ جَاءَ لَهُ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ فَمَنَعَهُ وَأَرَادَ أَنْ يُعْطِيَ غَيْرِهِ فَتَرَافَعَا إلَى الْقَاضِي فَرَأَى الْقَاضِي أَنَّ الدَّفْعَ إلَيْهِ أَصْلَحُ لِعِلْمِهِ وَصَلَاحِهِ فَحَكَمَ عَلَى الْمُتَوَلِّي بِأَنْ لَا يُعْطِيَ غَيْرَهُ نَفَذَ؛ لِأَنَّ فِيهِ مُوَافَقَةً لِلشَّرْطِ لِأَنَّهُ فَقِيرٌ، وَكَذَا عُلِّلَ فِي أَوْقَافِ الْخَصَّافِ بَعْدَ الْمَسْأَلَتَيْنِ أَعْنِي مَا إذَا أَعْطَاهُ الْقَاضِي بِلَا حُكْمٍ، وَأَمَّا إذَا حُكِمَ بِأَنْ لَا يُعْطِيَ غَيْرَهُ بِأَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا تَنْفِيذَ شَرْطِ الْوَاقِفِ وَلَمْ يَحْكُوا خِلَافًا فِي أَنَّ أَمْرَهُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَحُكِيَ فِي التَّتِمَّةِ الْخِلَافُ فِي الثُّبُوتِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَفِي الْفَوَاكِهِ الْبَدْرِيَّةِ وَأَمَّا قَوْلُهُ ثَبَتَ عِنْدِي فَمَوْضِعُ الْحُكْمِ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَهُ وَأَمَّا الثُّبُوتُ فَقَدْ قَالَ عُلَمَاؤُنَا قَوْلُ الْقَاضِي ثَبَتَ عِنْدِي حُكْمٌ وَعُرْفُ الْمُتَشَرِّعِينَ وَالْمُوَثِّقِينَ الْآنَ عَلَى أَنَّ الثُّبُوتَ لَيْسَ بِحُكْمٍ بِدَلِيلِ تَقْسِيمِ الثُّبُوتِ إلَى مَا اقْتَرَنَ بِهِ الْحُكْمُ وَمَا كَانَ مُجَرَّدًا وَبِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ فِي التَّسْجِيلِ، وَلَمَّا ثَبَتَ عِنْدَهُ حُكْمٌ وَالْمُتَعَارَفُ فِي ذَلِكَ غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِمَذْهَبٍ بَلْ نِسْبَتُهُ مِنْ حَيْثُ الِاسْتِعْمَالُ إلَى جَمِيعِ الْمَذَاهِبِ وَاحِدَةٌ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، وَقَدْ فَصَّلَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فَقَالَ مَا مَعْنَاهُ أَنَّ الثُّبُوتَ إنْ وَقَعَ عَلَى السَّبَبِ لَا يَكُونُ حُكْمًا كَمَا إذَا قَالَ ثَبَتَ عِنْدِي جَرَيَانُ الْعَقْدِ بَيْنَ الْمُتَعَاقِدِينَ وَإِنْ وَقَعَ عَلَى الْمُسَبَّبِ كَانَ حُكْمًا كَمَا إذَا قَالَ ثَبَتَ عِنْدِي مِلْكُهُ لِكَذَا وَهُوَ قَوْلٌ مُتَّجَهٌ لَوْ تَمَّ وَجْهُهُ، وَلَكِنَّهُ لَا يَتِمُّ ثُمَّ ذَكَرَ بَيَانَهُ فَرَاجِعْهُ ثُمَّ قَالَ وَفِي مَعْنَى قَوْلِ الْقَاضِي ثَبَتَ عِنْدِي صَحَّ عِنْدِي. اهـ. (قَوْلُهُ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ بَعِيدٌ جِدًّا بَلْ لَا يُقَالُ؛ لِأَنَّ الدَّعْوَى الْغَيْرَ الصَّحِيحَةِ لَا يُفِيدُ فِيهَا لَفْظُ حَكَمْت الْمَجْمَعُ عَلَيْهِ خِلْفَةً عَنْ لَفْظِ ثَبَتَ عِنْدِي تَأَمَّلْ وَفِي فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ الصَّحِيحُ أَنَّ قَوْلَ الْقَاضِي ثَبَتَ عِنْدِي حُكْمٌ مِنْهُ اهـ. (قَوْلُهُ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الثُّبُوتَ لَيْسَ بِحُكْمٍ اتِّفَاقًا فِي مَوَاضِعَ) لَيْسَ الْمُرَادُ بِالثُّبُوتِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ مَا مَرَّ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ فِيمَا مَرَّ قَوْلُ الْقَاضِي ثَبَتَ عِنْدِي كَذَا، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالثُّبُوتِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ الْإِخْبَارَ بِذَلِكَ بَلْ غَيْرُهُ (قَوْلُهُ أَرَى أَنَّ الْحَقَّ لِلْمَشْهُودِ لَهُ) قَالَ فِي النَّهْرِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ أَمَّا إذَا كَانَ بِمَعْنَى اعْلَمْ فَقَدْ مَرَّ إنَّ عَلِمْت الجزء: 6 ¦ الصفحة: 278 بِحَبْسِ الْخَصْمِ حُكْمٌ كَأَمْرِهِ بِالْأَخْذِ مِنْهُ. قَالَ فِي الْقُنْيَةِ وَأَمْرُ الْقَاضِي بِحَبْسِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَضَاءٌ بِالْحَقِّ اهـ. وَفَائِدَتُهُ لَوْ حَبَسَهُ حَنَفِيٌّ فِي مُعَامَلَةٍ بِفَائِدَةٍ لَيْسَ لِلْمَالِكِيِّ إبْطَالُهَا، كَذَا فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ وَأَمَّا فِعْلُهُ فَعَلَى وَجْهَيْنِ فَمَا لَمْ يَكُنْ مَوْضِعًا لِلْحُكْمِ فَلَيْسَ بِحُكْمٍ قَطْعًا، وَمِنْهُ مَا إذَا أَذِنَتْ بَالِغَةٌ عَاقِلَةٌ فِي تَزْوِيجِ نَفْسِهَا فَزَوَّجَهَا فَإِنَّهُ وَكِيلٌ عَنْهَا فَفِعْلُهُ لَيْسَ بِحُكْمٍ كَمَا فِي الْقَاسِمِيَّةِ وَمَا كَانَ مِنْهَا مَوْضِعًا لَهُ أَيْ مَحَلًّا فَقَدْ اخْتَلَفُوا فِيهِ، وَلَهُ صُوَرٌ مِنْهَا تَزْوِيجُ الصِّغَارِ الَّذِينَ لَا وَلِيَّ لَهُمْ، وَمِنْهَا شِرَاؤُهُ وَبَيْعُهُ مَالَ الْيَتِيمِ وَمِنْهَا قِسْمَةُ الْقَاضِي الْعَقَارَ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ فِي هَذَا الْمَعْنَى فَجَزَمَ فِي التَّجْنِيسِ بِأَنَّهُ حُكْمٌ وَلِذَا لَوْ زَوَّجَ الْيَتِيمَةَ مِنْ ابْنِهِ لَمْ يَجُزْ، وَرَدَّهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِحُكْمٍ لِانْتِفَاءِ شَرْطِهِ، وَهُوَ الْأَوْجَهُ قَالَ وَالْإِلْحَاقُ بِالْوَكِيلِ يَكْفِي لِلْمَنْعِ يَعْنِي أَنَّ الْوَكِيلَ بِالنِّكَاحِ لَا يَمْلِكُ أَنْ يُزَوِّجَ مِنْ ابْنِهِ فَكَذَا الْقَاضِي بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ، أَقُولُ: وَكَذَا مَا ذَكَرَهُ فِي التَّتِمَّةِ مِنْ أَنَّ الْقَاضِيَ لَوْ بَاعَ مَالَ الْيَتِيمِ مِنْ نَفْسِهِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ بَيْعَ الْقَاضِي يَكُونُ عَلَى وَجْهِ الْحُكْمِ، وَحُكْمُهُ لِنَفْسِهِ لَا يَجُوزُ اهـ. خِلَافُ الْأَوْجَهِ وَالْإِلْحَاقُ بِالْوَكِيلِ لِلْمَنْعِ مُغْنٍ عَنْ كَوْنِهِ حُكْمًا؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْوَكِيلِ مِنْ نَفْسِهِ بَاطِلٌ. وَكَذَا مَا ذُكِرَ فِي الذَّخِيرَةِ مِنْ أَنَّ الْإِمَامَ إذَا اشْتَرَى شَيْئًا مِنْ الْغَنِيمَةِ لِنَفْسِهِ لَا يَجُوزُ شِرَاؤُهُ وَإِنْ كَانَ لِلْغَانِمِينَ فِيهِ مَنْفَعَةٌ ظَاهِرَةٌ لِأَنَّ الْإِمَامَ إنَّمَا يَبِيعُ الْغَنَائِمَ عَلَى وَجْهِ الْحُكْمِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَلِهَذَا لَا تَلْزَمُ الْعُهْدَةُ عَلَيْهِ فَلَوْ جَازَ بَيْعُهُ مِنْ نَفْسِهِ كَانَ ذَلِكَ حُكْمًا مِنْ نَفْسِهِ، وَحُكْمُ الْإِمَامِ وَالْقَاضِي لِنَفْسِهِ لَا يَجُوزُ اهـ خِلَافُ الْأَوْجَهِ، وَلَكِنْ لَمَّا كَثُرَ ذَلِكَ فِي كَلَامِ أَئِمَّتِنَا فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ إنَّ الْحُكْمَ الْقَوْلِيَّ يَحْتَاجُ إلَى الدَّعْوَى وَالْفِعْلِيَّ لَا كَالْقَضَاءِ الضِّمْنِيِّ لَا يَحْتَاجُ إلَى الدَّعْوَى لَهُ، وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ الْقَصْدِيُّ فَيَدْخُلُ الضِّمْنِيُّ تَبَعًا تَصْحِيحًا لِكَلَامِهِمْ فَمَنْ نَقَلَ أَنَّ فِعْلَ الْقَاضِي حُكْمٌ صَاحِبُ التَّجْنِيسِ وَالتَّتِمَّةِ وَالذَّخِيرَةِ كَمَا أَسْلَفْنَاهُ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي بُيُوعِ الْمُحِيطِ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَفِي بُيُوعِ فَتَاوَى قَاضِي خَانْ، وَصَرَّحَ بِهِ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ قَالَ إذَا حَضَرَ الْوَرَثَةُ إلَى الْقَاضِي فَطَلَبُوا الْقِسْمَةَ وَبَيْنَهُمْ وَارِثٌ غَائِبٌ أَوْ صَغِيرٌ، وَالتَّرِكَةُ عَقَارٌ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا أَقْسِمُ بَيْنَهُمْ بِإِقْرَارِهِمْ حَتَّى يُقِيمُوا بَيِّنَةً عَلَى الْمَوْتِ وَالْمَوَارِيثِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: أُقَسِّمُ ذَلِكَ بِإِقْرَارِهِمْ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا أُقَسِّمُ ذَلِكَ بِقَوْلِهِمْ وَلَا أَقْضِي عَلَى الْغَائِبِ وَالصَّغِيرِ بِقَوْلِهِمْ؛ لِأَنَّ قِسْمَةَ الْقَاضِي قَضَاءٌ مِنْهُ اهـ. وَمَا فِي الْأَصْلِ مِنْ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ قِسْمَةَ الْقَاضِي قَضَاءٌ مِنْهُ قَاطِعٌ لِلشُّبْهَةِ كُلِّهَا فَتَعَيَّنَ الرُّجُوعُ إلَى الْحَقِّ. وَأَمَّا شَرَائِطُهُ وَهُوَ الرَّابِعُ فَفِي الْحُكْمِ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ تَقَدُّمِ دَعْوَى صَحِيحَةٍ مِنْ خَصْمٍ عَلَى خَصْمٍ فَإِنْ فُقِدَ هَذَا الشَّرْطُ لَمْ يَكُنْ حُكْمًا، وَإِنَّمَا هُوَ إفْتَاءٌ صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ قَالَ وَهَذَا شَرْطٌ لِنَفَاذِ الْقَضَاءِ فِي الْمُجْتَهَدَاتِ ذَكَرَهُ الْعِمَادِيُّ فِي فُصُولِهِ وَالْبَزَّازِيُّ فِي فَتَاوَاهُ، وَنَقَلَ الشَّيْخُ قَاسِمٌ فِي فَتَاوِيهِ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ، وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ إنَّمَا يَنْفُذُ الْقَضَاءُ عِنْدَ شَرَائِطِ الْقَضَاءِ مِنْ الْخُصُومَةِ وَغَيْرِهَا فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ لَمْ يَنْفُذْ اهـ. فَإِذَا حَكَمَ شَافِعِيٌّ بِمُوجِبِ بَيْعِ عَقَارٍ   [منحة الخالق] تَكُونُ حُكْمًا (قَوْلُهُ لِانْتِفَاءِ شَرْطِهِ) أَيْ شَرْطِ الْحُكْمِ، وَهُوَ الدَّعْوَى الصَّحِيحَةُ سَيُجِيبُ عَنْهُ الْمُؤَلِّفُ. (قَوْلُهُ وَهُوَ الْأَوْجَهُ) بَلْ قَالَ ابْنُ الْغَرْسِ إنَّهُ الصَّوَابُ (قَوْلُهُ قَاطِعٌ لِلشُّبْهَةِ كُلِّهَا) أَيْ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِيهِ إنَّهُ مُلْحَقٌ بِالْوَكِيلِ فَتَعَيَّنَ كَوْنُ عِلَّةِ الْمَنْعِ هِيَ كَوْنُ فِعْلِهِ حُكْمًا. (قَوْلُهُ وَذَكَرَهُ الْعِمَادِيُّ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ وَذَكَرَهُ أَيْضًا الْعِمَادِيُّ إلَخْ فَإِسْقَاطُ لَفْظِ ذَكَرَهُ الثَّانِي مِنْ سَهْوِ الْكَاتِبِ (قَوْلُهُ فَإِذَا حَكَمَ شَافِعِيٌّ بِمُوجِبِ بَيْعِ عَقَارٍ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ الْحُكْمَ بِالْمُوجِبِ مِمَّا تُعُورِفَ بَيْنَ الْمُتَشَرِّعِينَ وَالْمُوَثِّقِينَ وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ الْمُقْتَضَى؛ لِأَنَّهُ يَشْمَلُ الصِّحَّةَ وَالْبُطْلَانَ كَالْحُكْمِ بِمُوجِبِ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ مَعْنَاهُ بُطْلَانُهُ لَوْ الْقَاضِي حَنَفِيًّا وَصِحَّتُهُ لَوْ شَافِعِيًّا، وَالْمُقْتَضِي لَا يَشْمَلُ الْبُطْلَانَ فَإِنَّ الشَّيْءَ لَا يَقْتَضِي بُطْلَانَ نَفْسِهِ فَيَجْتَمِعَانِ فِي الصِّحَّةِ وَيَنْفَرِدُ الْمُوجِبُ فِي الْبُطْلَانِ، ثُمَّ إنَّ الْمُوجِبَ قَدْ يَكُونُ أَمْرًا وَاحِدًا أَوْ أُمُورًا يَسْتَلْزِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا فِي الثُّبُوتِ أَوْ لَا يَسْتَلْزِمُ فَالْأَوَّلُ كَالْقَضَاءِ بِالْأَمْلَاكِ الْمُرْسَلَةِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ إذْ لَا مُوجِبَ لِهَذَا سِوَى ثُبُوتِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ لِلْعَيْنِ، وَالْحُرِّيَّةِ وَانْحِلَالِ قَيْدِ الْعِصْمَةِ، وَهَذَا الْقِسْمُ لَا كَلَامَ فِيهِ إذْ ذِكْرُ الْمُوجِبِ فِيهِ. وَأَصَحُّ الدَّلَالَةِ عَلَى الْمُرَادِ وَالثَّانِي كَمَا إذَا ادَّعَى رَبُّ الدَّيْنِ عَلَى الْكَفِيلِ بِدَيْنٍ لَهُ عَلَى الْغَائِبِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ وَطَالَبَهُ بِهِ فَأَنْكَرَ الدَّيْنَ فَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الدَّيْنِ وَالْكَفَالَةِ، يُحْكَمُ بِمُوجِبِ ذَلِكَ فَالْمُوجِبُ هُنَا أَمْرَانِ لُزُومُ الدَّيْنِ لِلْغَائِبِ وَلُزُومُ أَدَائِهِ عَلَى الْكَفِيلِ، وَالثَّانِي يَسْتَلْزِمُ الْأَوَّلَ فِي الثُّبُوتِ فَإِذَا قَضَى بِالْمُوجِبِ فِي مِثْلِهِ فَقَدْ قَضَى بِجَمِيعِهِ، وَالثَّالِثُ كَمَا إذَا حَكَمَ شَافِعِيٌّ بِمُوجِبِ بَيْعِ عَقَارٍ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ فَالْمُوجِبُ هُنَا مُجْمَلٌ تُفَسِّرُهُ الطَّرِيقُ الْمُوصِلَةُ إلَى الْقَضَاءِ فَإِنْ أَدَّتْ إلَى جَمِيعِ تِلْكَ الْأُمُورِ بِأَنْ كَانَتْ مُدَّعَى بِهَا كُلِّهَا حُمِلَ الْمُوجِبُ عَلَيْهَا وَإِنْ إلَى بَعْضٍ مُعَيَّنٍ مِنْهَا تَعَيَّنَ أَنَّهُ الْمَقْضِيُّ بِهِ دُونَ الْآخَرِ فَلِلْمُخَالِفِ الْحُكْمُ بِهِ بِرَأْيِهِ، وَلَا يَكُونُ حُكْمُ الْأَوَّلِ بِذَلِكَ الْفَرْدِ الْمُعَيَّنِ مَانِعًا عَنْ الْحُكْمِ بِالْآخِرِ، وَمُثُلُهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا مَا إذَا قَضَى الْحَنَفِيُّ بِمُوجِبِ التَّوَاجِرِ بَيْنَ أَصِيلَيْنِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا لَا يَكُونُ حُكْمًا بَعْدَ انْفِسَاخِهَا ثُمَّ الِاسْتِلْزَامُ السَّابِقُ قَدْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 279 لَا يَكُونُ حُكْمًا بِأَنْ لَا شُفْعَةَ لِلْجَارِ لِعَدَمِ حَادِثَةِ الشُّفْعَةِ وَقْتَ الْحُكْمِ بِهِ، وَهَكَذَا فِي نَظَائِرِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ فِي فَتَاوِيهِ، وَالْمُوجَبُ بِفَتْحِ الْجِيمِ هُوَ الْحُكْمُ، وَمِنْ شَرَائِطِ الْحُكْمِ أَنْ يَكُونَ بِحَقٍّ كَالْقَضَاءِ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ الْيَمِينِ أَوْ النُّكُولِ أَوْ عِلْمِ الْقَاضِي بِشَرْطِهِ أَوْ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي بِشَرْطِهِ وَبِإِخْبَارِ الْقَاضِي يَجُوزُ لِنَائِبِهِ الْقَضَاءُ وَعَكْسُهُ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَلَا يُشْتَرَطُ لَهُ الْمِصْرُ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَالْقَضَاءُ بِالسَّوَادِ صَحِيحٌ، وَبِهِ يُفْتَى وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمُتَدَاعِيَانِ مِنْ بَلَدِ الْقَاضِي إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى فِي الْمَنْقُولِ وَالدَّيْنِ. وَأَمَّا إذَا كَانَتْ فِي عَقَارٍ لَا فِي وِلَايَتِهِ فَالصَّحِيحُ الْجَوَازُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ وَإِيَّاكَ أَنْ تَفْهَمَ خِلَافَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ غَلَطٌ فَإِنْ قُلْتُ: هَلْ تَقْرِيرُ الْقَاضِي لِلنَّفَقَةِ حُكْمٌ مِنْهُ قُلْتُ: هُوَ حُكْمٌ، وَطَلَبُ الْمَرْأَةِ التَّقْرِيرَ بِشَرْطِهِ دَعْوَى فَقَدْ وُجِدَ بَعْدَ الدَّعْوَى وَالْحَادِثَةِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي نَفَقَاتِ خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ وَإِذَا أَرَادَ الْقَاضِي أَنْ يَفْرِضَ النَّفَقَةَ يَقُولُ فَرَضْت عَلَيْك نَفَقَةَ امْرَأَتِك كَذَا وَكَذَا فِي مُدَّةِ كَذَا، أَوْ يَقُولُ قَضَيْت عَلَيْك بِالنَّفَقَةِ مُدَّةَ كَذَا يَصِحُّ، وَتَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ حَتَّى لَا تَسْقُطَ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّ نَفَقَةَ زَمَانِ الْمُسْتَقْبَلِ تَصِيرُ وَاجِبَةً بِقَضَاءِ الْقَاضِي حَتَّى لَوْ أَبْرَأَتْ بَعْدَ الْفَرْضِ صَحَّ اهـ. فَإِنْ قُلْتُ: إذَا فَرَضَ لَهَا نَفَقَةَ مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ كَانَ قَضَاءً بِجَمِيعِهَا فَإِذَا فَرَضَ لَهَا نَفَقَةً كُلَّ يَوْمٍ أَوْ كُلَّ شَهْرٍ هَلْ يَكُونُ قَضَاءً بِوَاحِدٍ أَوْ بِالْكُلِّ قُلْتُ: هُوَ قَضَاءٌ بِالْجَمِيعِ مَا دَامَتْ فِي عِصْمَتِهِ وَلَمْ يَمْنَعْ مَانِعٌ بِدَلِيلِ مَا فِي الْخِزَانَةِ فَرْضُ كُلِّ شَهْرٍ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ فَأَبْرَأَتْ مِنْ نَفَقَتِهَا أَبَدًا بَرِئَ مِنْ نَفَقَةِ الشَّهْرِ الْأَوَّلِ فَإِذَا مَضَى أَشْهُرٌ فَأَبْرَأَتْهُ مِنْ نَفَقَةِ مَا مَضَى وَمَا يُسْتَقْبَلُ بَرِئَ مِمَّا مَضَى وَمِنْ شَهْرٍ مِمَّا يُسْتَقْبَلُ، وَتَمَامُهُ فِيهَا وَفِي الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ وَلَهُ حَضْرَتُهُ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ كَوَكِيلٍ وَوَصِيٍّ وَمُتَوَلٍّ عَلَى وَقْفٍ وَأَحَدِ الْوَرَثَةِ أَوْ يَكُونُ مَا يَدَّعِي عَلَى الْغَائِبِ سَبَبًا لِمَا يَدَّعِي عَلَى الْحَاضِرِ، فَالْقَضَاءُ بِلَا خَصْمٍ حَاضِرٍ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَقَدْ صَرَّحَ بِعَدَمِ صِحَّتِهِ الشَّارِحُونَ عِنْدَ قَوْلِهِمْ لَا يُقْضَى عَلَى غَائِبٍ كَمَا سَنُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ هُنَا أَنَّهُ مِنْ شَرَائِطِ الْقَضَاءِ. وَبِهَذَا يَظْهَرُ أَنَّ قَوْلَهُمْ: إنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ يَنْفُذُ فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَصْحَابِنَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْقَاضِي شَافِعِيًّا، وَإِلَّا فَمُشْكِلٌ وَمَا وَقَعَ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ كَالْقُنْيَةِ مِنْ أَنَّهُ فِي حَقِّ الْحَنَفِيِّ أَيْضًا ضَعِيفٌ، وَسَيَأْتِي بَيَانُ اخْتِلَافِ التَّصْحِيحِ وَفِي الْحَاكِمِ الْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ وَالْإِسْلَامُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالسَّمْعُ وَالْبَصَرُ وَالنُّطْقُ وَالسَّلَامَةُ   [منحة الخالق] يَكُونُ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ كَالْمِثَالِ الْمَارِّ، وَقَدْ يَكُونُ مِنْهُمَا لِخُرُوجِ الْعَيْنِ مِنْ مِلْكِ الْبَائِعِ وَدُخُولِهَا فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي بِحُكْمِ الْعَقْدِ هَذَا حَاصِلُ مَا حَقَّقَهُ الْعَلَّامَةُ ابْنُ الْغَرْسِ فِي الْفَوَاكِهِ الْبَدْرِيَّةِ قَالَ فِي النَّهْرِ: وَبَقِيَ قِسْمٌ رَابِعٌ نَصَّ عَلَيْهِ فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي وَغَيْرِهَا فَقَالَ فِي فَسْخِ الْيَمِينِ الْمُضَافَةِ لَوْ قَالَ الْقَاضِي قَضَيْتُ بِالنِّكَاحِ بَيْنَهُمَا صَحَّ، وَإِنْ كَانَ لَهُ أَيْمَانٌ مُخْتَلِفَةٌ، وَلَوْ لَمْ يُبْطِلْ الْقَاضِي حَتَّى أَجَازَ نِكَاحَ فُضُولِيٍّ بِالْفِعْلِ، ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بِنَفْسِهِ، ثُمَّ رَفَعَ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي فَإِنْ عَلِمَ بِتَقَدُّمِ نِكَاحِ الْفُضُولِيِّ، وَمَعَ ذَلِكَ قَضَاءٌ بِالنِّكَاحِ بَيْنَهُمَا صَحَّ وَكَانَ قَضَاءً بِبُطْلَانِ الْيَمِينِ وَبِبُطْلَانِ نِكَاحِ الْفُضُولِيِّ وَبِبُطْلَانِ الثَّلَاثِ بَعْدَهُ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِتَقَدُّمِ نِكَاحِ الْفُضُولِيِّ يَنْبَغِي أَنْ يَعْلَمَ حَتَّى يَقْصِدَ بِقَضَائِهِ مَوْضِعَيْ الِاجْتِهَادِ الْيَمِينِ الْمُضَافَةِ، وَنِكَاحِ الْفُضُولِيِّ. اهـ. فَهَذِهِ الْأُمُورُ الَّتِي اسْتَلْزَمَهَا الْحُكْمُ بِالنِّكَاحِ تَوَقَّفَ إيقَاعُهَا عَلَى عِلْمِهِ بِهَا. اهـ. قُلْتُ: لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الرَّابِعَ فِي الْحَقِيقَةِ شَرْطٌ لِلثَّالِثِ، وَهُوَ أَنَّ الْمَحْكُومَ بِهِ إذَا اسْتَلْزَمَ أُمُورًا اجْتِهَادِيَّةً يُشْتَرَطُ عِلْمُهُ بِهَا لِيَقْصِدَهَا بِقَضَائِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ هَذَا، وَفِي الْفَوَاكِهِ الْبَدْرِيَّةِ أَيْضًا وَمِمَّا يَتَّصِلُ بِذَلِكَ سُؤَالٌ صُورَتُهُ حَكَمَ حَنَفِيٌّ بِمُوجِبِ الْبَيْعِ فِي عَبْدٍ بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ وَبِعَدَمِ الرَّدِّ بِعَيْبٍ ظَهَرَ مَعَ الْعِلْمِ بِالْخِلَافِ، وَالْحَالُ أَنَّهُمَا لَمْ يَتَخَاصَمَا عَنْهُ فِي عَيْبٍ ظَهَرَ بَلْ فِي التَّبَايُعِ وَلِلْقَضَاءِ عَادَةً فِي ذَلِكَ فَلَوْ خَاصَمَ الْمُشْتَرِي فِي ظُهُورِ عَيْبٍ عِنْدَ الْقَاضِي الشَّافِعِيِّ هَلْ لَهُ الْحُكْمُ بِالرَّدِّ، وَالْحَالَةُ هَذِهِ أَمْ لَا أَمْ يَكُونُ حُكْمُ الْحَنَفِيِّ مَانِعًا لَهُ مِنْهُ فَأَجَبْت لَيْسَ لِلْحَنَفِيِّ الْحُكْمُ بِذَلِكَ وَلَا بِعَدَمِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ لِعَدَمِ الْخُصُومَةِ عِنْدَهُ فِيهِ فَلِلشَّافِعِيِّ أَنْ يَحْكُمَ بِالرَّدِّ بِالْعَيْبِ، وَلَيْسَتْ هَذِهِ الصُّورَةُ مِنْ الْقَضَاءِ الضِّمْنِيِّ فَإِنَّهُ الَّذِي لَا بُدَّ مِنْهُ فِي الْقَضَاءِ الْقَصْدِيِّ وَمِنْ صُورَةِ مَا مَرَّ مِنْ كَفَالَةِ الْغَائِبِ، وَهِيَ حِيلَةُ إثْبَاتِ الدَّيْنِ عَلَى الْغَائِبِ فَإِنَّهُ قَضَاءٌ عَلَى الْحَاضِرِ قَصْدًا وَعَلَى الْغَائِبِ ضِمْنًا، وَإِذَا أَبْرَأَ الدَّائِنُ الْكَفِيلَ بَعْدَ الْقَضَاءِ يَبْرَأُ وَيَصِيرُ الدَّيْنُ مَقْضِيًّا بِهِ عَلَى الْكَفِيلِ اهـ مُلَخَّصًا وَتَمَامُهُ فِيهِ. (قَوْلُهُ وَبِهَذَا يَظْهَرُ أَنَّ قَوْلَهُمْ إنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَقُولُ: فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ فِيمَنْ غَابَ عَنْ امْرَأَتِهِ وَتَرَكَهَا بِلَا نَفَقَةٍ نَقْلًا عَنْ الْقُنْيَةِ أَنَّهُ لَوْ قَضَى بِالْفُرْقَةِ بِسَبَبِ الْعَجْزِ عَنْ النَّفَقَةِ أَنَّهُ يَنْفُذُ ثُمَّ قَالَا وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ شَفْعَوِيَّ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي نَفَاذِ الْقَضَاءِ فَقَوْلُهُ لَا يُشْتَرَطُ بِرَدِّ حَمْلِهِ هُنَا، وَيَزُولُ الْإِشْكَالُ بِالْحَمْلِ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ، وَسَيَأْتِي فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَإِلَّا لَمْ يَحْكُمْ وَفِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَلَا يُقْضَى عَلَى غَائِبٍ مَزِيدُ تَقْرِيرٍ فِيهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 280 عَنْ حَدِّ الْقَذْفِ وَأَنْ يَكُونَ مُوَلَّى لِلْحُكْمِ دُونَ سَمَاعِ الدَّعْوَى فَقَطْ كَمَا فِي الْخِزَانَةِ لَا الذُّكُورَةِ وَالِاجْتِهَادِ، وَأَمَّا فِي الْمَحْكُومِ بِهِ فَأَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا كَمَا فِي الْبَدَائِعِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الدَّعْوَى، وَأَمَّا فِي الْمَحْكُومِ لَهُ فَدَعْوَاهُ الصَّحِيحَةُ، وَأَمَّا طَلَبُهُ الْحُكْمَ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ مِنْ الْقَاضِي بَعْدَ وُجُودِ الشَّرَائِطِ فَفِي الْخُلَاصَةِ طَلَبُ الْحُكْمِ لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَأَنْ يَكُونَ مِمَّنْ تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْقَاضِي لَهُ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ، وَسَيَزْدَادُ الْأَمْرُ وُضُوحًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَمَّا صِفَتُهُ وَهُوَ الْخَامِسُ فَوَاجِبٌ عِنْدَ اسْتِجْمَاعِ شَرَائِطِهِ وَانْتِفَاءِ الرِّيبَةِ، وَلِذَا قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ الْقَاضِي بِتَأْخِيرِ الْحُكْمِ يَأْثَمُ وَيُعْزَلُ وَيُعَزَّرُ اهـ. وَيَجُوزُ تَأْخِيرُهُ لِرَجَاءِ الصُّلْحِ بَيْنَ الْأَقَارِبِ أَوْ لِاسْتِمْهَالِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَفِي شَرْحِ بَاكِيرٍ أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا أَخَّرَ الْقَضَاءَ بَعْدَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ يَفْسُقُ وَإِنْ أَنْكَرَهُ يَكْفُرُ اهـ. وَأَمَّا صِفَةُ قَبُولِهِ لِلْقَضَاءِ فَسَيَأْتِي أَنَّهُ فَرْضٌ وَحَرَامٌ وَمُبَاحٌ وَمُسْتَحَبٌّ. وَالسَّادِسُ فِي طَرِيقِ ثُبُوتِهِ لَهُ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا اعْتِرَافُهُ حَيْثُ كَانَ مُتَوَلِّيًا وَسَيَأْتِي أَنَّهُ إذَا قَالَ قَاضٍ عَالِمٌ عَدْلٌ قَضَيْت عَلَى هَذَا بِالْقَطْعِ أَوْ بِالْقَتْلِ وَسِعَك فِعْلُهُ وَإِنْ لَمْ تُعَايِنْ سَبَبَهُ، وَأَمَّا إذَا كَانَ مَعْزُولًا فَهُوَ كَوَاحِدٍ مِنْ الرَّعَايَا لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ مُطْلَقًا إلَّا فِيمَا إذَا كَانَ فِي يَدِهِ كَمَا سَيَأْتِي وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ الْحَاكِمُ إذَا حَكَمَ بِحَقٍّ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ عَزْلِهِ كُنْتُ حَكَمْتُ لِفُلَانٍ بِكَذَا لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ اهـ. الثَّانِي: أَنْ يَشْهَدَ شَاهِدَانِ عَلَى حُكْمِهِ بَعْدَ دَعْوَى صَحِيحَةٍ إنْ لَمْ يَكُنْ الْقَاضِي مُنْكِرًا قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ وَإِنْ أَرَادُوا أَنْ يُثْبِتُوا حُكْمَ الْخَلِيفَةِ عِنْدَ الْأَصْلِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيمِ دَعْوَى صَحِيحَةٍ عَلَى خَصْمٍ حَاضِرٍ وَإِقَامَةُ الْبَيِّنَةِ كَمَا لَوْ أَرَادُوا إثْبَاتَ قَضَاءِ قَاضٍ آخَرَ اهـ. فِي الْبَزَّازِيَّةِ أَيْضًا شَهِدَا عَلَى الْقَاضِي أَنَّهُ قَضَى فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ أَوْ خَارِجَ الْمِصْرِ تُقْبَلُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا اهـ. قَيَّدْنَا بِعَدَمِ إنْكَارِهِ لِأَنَّهُمَا لَوْ شَهِدَا أَنَّهُ قَضَى بِكَذَا، وَقَالَ لَمْ أَقْضِ بِشَيْءٍ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ اهـ. وَرَجَّحَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ قَوْلَ مُحَمَّدٍ قَالَ وَيَنْبَغِي أَنْ يُفْتَى بِهِ لِمَا عُلِمَ مِنْ أَحْوَالِ قُضَاةِ زَمَانِنَا ثُمَّ نَقَلَ أَنَّ مُحَمَّدًا اقَالَ لَا يَقْضِي الْقَاضِي بِعِلْمِهِ ثُمَّ نُقِلَ عَنْ عُيُونِ الْمَذَاهِبِ أَنْ يُفْتِيَ بِقَوْلِهِ وَقُيِّدَ بِقَوْلِهِ بَعْدَ دَعْوَى صَحِيحَةٍ؛ لِأَنَّهُ قَبِلَهَا إفْتَاءً لَا حُكْمًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الِاتِّصَالَاتِ وَالتَّنَافُذَ الْوَاقِعَةَ فِي زَمَانِنَا الْمُجَرَّدَةَ عَنْ الدَّعَاوَى لَيْسَتْ حُكْمًا، وَإِنَّمَا فَائِدَتُهَا تَسْلِيمُ الثَّانِي لِلْأَوَّلِ قَضَاءً. السَّابِعُ فِي أَحْكَامِهِ فَمِنْهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْحُكْمِ اللُّزُومُ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ نَقْضُهُ حَيْثُ كَانَ مُجْتَهِدًا فِيهِ وَمُسْتَوْفِيًا شَرَائِطَهُ الشَّرْعِيَّةَ، وَهَلْ يَصِحُّ رُجُوعُ الْقَاضِي عَنْهُ فَفِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ لِلْقَاضِي أَنْ يَرْجِعَ عَنْ قَضَائِهِ إنْ كَانَ خَطَأً رَجَعَ وَرَدَّهُ، وَإِنْ كَانَ مُخْتَلَفًا فِيهِ أَمْضَاهُ وَقَضَى فِيمَا يَأْتِي بِمَا هُوَ عِنْدَهُ فَإِنْ ظَهَرَ لَهُ نَصٌّ بِخِلَافِ قَضَائِهِ نَقَضَهُ، ثُمَّ إنْ كَانَ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْقِصَاصِ أَوْ ظَهَرَ أَنَّ الشُّهُودَ عَبِيدٌ أَوْ مَحْدُودُونَ فِي قَذْفٍ إنْ قَالَ الْقَاضِي تَعَمَّدْت فَالضَّمَانُ فِي مَالِهِ، وَيُعَزَّرُ لِلْجِنَايَةِ وَإِنْ أَخْطَأَ يَضْمَنُ الدِّيَةَ وَفِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ تُرَدُّ الْمَرْأَةُ إلَى الزَّوْجِ وَالرَّقِيقُ إلَى الْمَوْلَى وَفِي حُقُوقِهِ تَعَالَى كَالزِّنَا وَالشُّرْبِ إذَا حُدَّ وَبَانَ الشُّهُودُ عَبِيدًا، وَقَالَ تَعَمَّدْت الْحُكْمَ يَضْمَنُ فِي مَالِهِ الدِّيَةَ وَفِي الْخَطَأِ يَضْمَنُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ هَذَا إذَا ظَهَرَ الْخَطَأُ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِإِقْرَارِ الْمَقْضِيِّ لَهُ، أَمَّا إذَا أَقَرَّ الْقَاضِي بِذَلِكَ لَا يَثْبُتُ الْخَطَأُ كَمَا لَوْ رَجَعَ الشَّاهِدُ عَنْ الشَّهَادَةِ لَا يَبْطُلُ الْقَضَاءُ اهـ. وَإِذَا أَقَرَّ الْمَقْضِيُّ لَهُ بِبُطْلَانِهِ بَطَلَ إلَّا الْمَقْضِيُّ بِحُرِّيَّتِهِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَبِالنِّسْبَةِ إلَى التَّوْلِيَةِ عَدَمُهُ، وَفِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَعْزِلَ الْقَاضِيَ لِرِيبَةٍ أَوْ لِغَيْرِ رِيبَةٍ اهـ. قُلْتُ: وَلِقَاضِي الْقُضَاةِ عَزْلُ نَائِبِهِ بِجُنْحَةٍ وَغَيْرِهَا وَمِنْهَا أَنَّ الْقَضَاءَ إذَا فُوِّضَ لِاثْنَيْنِ لَا يَلِي الْقَضَاءَ أَحَدُهُمَا   [منحة الخالق] فَرَاجِعْ كُلًّا مِنْ الْمَحَلَّيْنِ وَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الِاتِّصَالَاتِ وَالتَّنَافُذَ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَسَيَذْكُرُهُ أَيْضًا فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَإِذَا رُفِعَ إلَيْهِ حُكْمُ حَاكِمٍ أَمْضَاهُ اهـ أَيْ فِي بَابِ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي. (قَوْلُهُ لِلْقَاضِي أَنْ يَرْجِعَ عَنْ قَضَائِهِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَفِي مَسَائِلَ شَتَّى آخِرَ الْمَتْنِ إذَا قَضَى الْقَاضِي فِي حَادِثَةٍ بِبَيِّنَةٍ ثُمَّ قَالَ رَجَعْت عَنْ قَضَائِي أَوْ بَدَا لِي غَيْرُ ذَلِكَ أَوْ وَقَفْتُ عَلَى تَلْبِيسِ الشُّهُودِ وَأَبْطَلْتُ حُكْمِي وَنَحْوَ ذَلِكَ لَا يُعْتَبَرُ، وَالْقَضَاءُ مَاضٍ إنْ كَانَ بَعْدَ دَعْوَى صَحِيحَةٍ وَشَهَادَةٍ مُسْتَقِيمَةٍ قَالَ ابْنُ وَهْبَانَ وَيُفْهَمُ التَّقْيِيدُ أَنَّهُ إذَا كَانَ قَضَى بِعِلْمِهِ يَجُوزُ الرُّجُوعُ كَأَنْ يَعْتَرِفَ عِنْدَهُ الْآخَرُ بِحَقٍّ ثُمَّ غَابَا ثُمَّ جَاءَ اثْنَانِ تَدَاعَيَا عِنْدَهُ فَحَكَمَ لِأَحَدِهِمَا ظَانًّا أَنَّهُ الْمُعْتَرِفُ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ غَيْرُهُ فَإِنَّهُ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ لَا يُمْضِيَ حُكْمَهُ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْقُنْيَةِ عَنْ أَبِي حَامِدٍ قَضَى فِي حَادِثَةٍ ثُمَّ ظَهَرَ لَهُ خَطَؤُهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَنْقُضَ قَضَاءَهُ اهـ. قَالَ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَضَى فِي مُجْتَهِدٍ فِيهِ رَأَى خِلَافَهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ حُكْمِهِ وَلَا لِغَيْرِهِ أَنْ يَنْقُضَهُ مَا لَمْ يُخَالِفْ الْكِتَابَ أَوْ السُّنَّةَ أَوْ الْإِجْمَاعَ. (قَوْلُهُ وَبِالنِّسْبَةِ إلَى التَّوْلِيَةِ عَدَمُهُ) مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ قَوْلُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْحُكْمِ وَالضَّمِيرُ فِي عَدَمِهِ لِلُّزُومِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 281 فَلَوْ شَرَطَ أَنْ يَنْفَرِدَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِالْقَضَاءِ لَا رِوَايَةَ فِيهِ، وَقَالَ الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ؛ لِأَنَّ نَائِبَ الْقَاضِي نَائِبٌ عَنْ السُّلْطَانِ حَتَّى لَا يَنْعَزِلَ بِانْعِزَالِ الْقَاضِي، وَيَمْلِكُ التَّفَرُّدَ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ. وَمِنْهَا صِحَّةُ تَعْلِيقِهِ وَإِضَافَتِهِ وَتَقْيِيدِهِ بِزَمَانٍ وَمَكَانٍ، وَلَوْ لَمْ يُقَيِّدْهُ بِبَلَدٍ فَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يَصِيرُ قَاضِيًا بِبَلَدِهِ الَّذِي هُوَ فِيهِ لَا فِي كُلِّ بِلَادِ السُّلْطَانِ وَهَذَا فِي تَعْلِيقِ الْوِلَايَةِ، وَهَلْ يَصِحُّ تَعْلِيقُ وِلَايَةِ الْقَضَاءِ قَالَ فِي نَفَقَاتِ خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ امْرَأَةٌ أَقَامَتْ عَلَى رَجُلٍ بَيِّنَةً بِالنِّكَاحِ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا فِي مُدَّةِ الْمَسْأَلَةِ عَنْ الشُّهُودِ، وَلَوْ أَرَادَ الْقَاضِي أَنْ يَفْرِضَ لَهَا النَّفَقَةَ لِمَا رَأَى مِنْ الْمَصْلَحَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ لَهَا إنْ كُنْتِ امْرَأَتَهُ قَدْ فَرَضْتُ لَكِ عَلَيْهِ فِي كُلِّ شَهْرٍ كَذَا، وَيُشْهِدُ عَلَى ذَلِكَ فَإِذَا مَضَى شَهْرٌ، وَقَدْ اسْتَدَانَتْ وَعَدَّلَتْ الْبَيِّنَةَ أَخَذَتْ نَفَقَتَهَا مُنْذُ فَرَضَ لَهَا اهـ. وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُ الْقَاضِي حَكَمْتُ بِكَذَا إنْ لَمْ يَمْنَعْ مَانِعٌ شَرْعِيٌّ صَحِيحٌ وَمِنْ أَحْكَامِهِ أَنَّهُ لَوْ قَضَى الْفُضُولِيُّ فَأَجَازَ الْقَاضِي قَضَاءَهُ جَازَ، وَلَوْ كَانَ مُوَلًّى فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ يَوْمَيْنِ فَقَضَى فِي غَيْرِ الْيَوْمَيْنِ تَوَقَّفَ قَضَاؤُهُ فَإِنْ أَجَازَهُ فِي نَوْبَتِهِ جَازَ كَمَا فِي آخِرِ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَلَوْ اسْتَثْنَى حَوَادِثَ فُلَانٍ لَا يَقْضِي فِيهَا، وَلَوْ قَضَى لَا يَنْفُذُ وَمِنْهَا أَنَّهَا لَا يَمْلِكُ الِاسْتِخْلَافَ إلَّا بِإِذْنٍ صَرِيحٍ أَوْ دَلَالَةٍ بِأَنْ يَقُولَ لَهُ جَعَلْتُكَ قَاضِيَ الْقُضَاةِ وَمِنْهَا أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَبْقَى أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ كَيْ لَا يَنْسَى الْعِلْمَ، وَمِنْهَا أَنَّهُ يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ وَعَلَى كُلِّ مَنْ تَلَقَّى الْمِلْكَ مِنْهُ وَلَا يَتَعَدَّى إلَى الْكَافَّةِ، وَيَتَعَدَّى فِي الْقَضَاءِ بِالْحُرِّيَّةِ وَالنَّسَبِ وَالْوَلَاءِ وَالنِّكَاحِ وَلَا يَتَعَدَّى فِي الْوَقْفِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَقَدَّمْنَاهُ فِي بَابِ الِاسْتِحْقَاقِ مِنْ الْبُيُوعِ. الثَّامِنُ فِيمَا يُخْرِجُ الْقَاضِيَ عَنْ الْقَضَاءِ فَفِي الْبَزَّازِيَّةِ أَرْبَعُ خِصَالٍ إذَا حَلَّ بِالْقَاضِي انْعَزَلَ فَوَاتُ السَّمْعِ أَوْ الْبَصَرِ أَوْ الْعَقْلِ أَوْ الدَّيْنِ، وَإِذَا عَزَلَ السُّلْطَانُ الْقَاضِيَ لَا يَنْعَزِلُ مَا لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ الْخَبَرُ كَالْوَكِيلِ، وَعَنْ الثَّانِي أَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ مَا لَمْ يَأْتِ قَاضٍ آخَرُ صِيَانَةً لِلْمُسْلِمِينَ عَنْ تَعْطِيلِ قَضَايَاهُمْ، وَهَذَا إذَا لَمْ يُعَلِّقْ عَزْلَهُ بِشَرْطٍ كَوُصُولِ الْكِتَابِ وَنَحْوِهِ وَإِنْ مُعَلَّقًا لَا يَنْعَزِلُ مَا لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ الْكِتَابُ، وَإِنْ وَصَلَ إلَيْهِ الْخَبَرُ وَإِذَا مَاتَ الْقَاضِي انْعَزَلَ خُلَفَاؤُهُ وَإِذَا عُزِلَ الْقَاضِي فَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّ النَّائِبَ لَا يَنْعَزِلُ بِعَزْلِهِ؛ لِأَنَّهُ نَائِبُ السُّلْطَانِ أَوْ الْعَامَّةِ وَبِعَزْلِ نَائِبِ الْقَاضِي لَا يَنْعَزِلُ الْقَاضِي، وَلَا يَنْعَزِلُ بِمَوْتِ الْخَلِيفَةِ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَفِيهَا الْقَاضِي إذَا عَزَلَ نَفْسَهُ، وَبَلَغَ السُّلْطَانَ عَزْلُهُ يَنْعَزِلُ، وَكَذَا إذَا كَتَبَ بِهِ إلَى السُّلْطَانِ وَبَلَغَ الْكِتَابُ إلَى السُّلْطَانِ، وَقِيلَ لَا يَنْعَزِلُ بِعَزْلِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْ الْعَامَّةِ فَلَا يَمْلِكُ إبْطَالَ حَقِّهِمْ اهـ. وَيَنْبَغِي أَنَّ الْخَصْمَ لَوْ عَلِمَ بِعَزْلِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ الْقَاضِي أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ لِعِلْمِهِ أَنَّهُ غَيْرُ حَاكِمٍ بَاطِنًا، وَلَمْ أَرَهُ وَكَذَا لَمْ أَرَ مَا إذَا بَلَغَ النَّائِبَ عَزْلُ قَاضِي الْقُضَاةِ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَنْعَزِلَ حَتَّى يَعْلَمَ أَصْلَهُ، وَكَذَا لَمْ أَرَ حُكْمَ مَا إذَا بَلَغَ الْأَصْلَ دُونَ النُّوَّابِ وَلَمْ يُعْلِمْهُمْ فَحَكَمُوا، وَيَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ حُكْمُهُمْ وَأَنْ يَسْتَحِقَّ الْأَصْلَ مَا عُيِّنَ لَهُ عَلَى الْقَضَاءِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِمُبَاشَرَةِ نُوَّابِهِ، وَفِي الْبَدَائِعِ أَنَّ الْقَاضِيَ يُخْرَجُ عَنْ الْقَضَاءِ بِكُلِّ مَا يُخْرِجُ الْوَكِيلَ إلَّا إذَا مَاتَ الْخَلِيفَةُ أَوْ خُلِعَ فَإِنَّهُ لَا تَنْعَزِلُ قُضَاتُهُ وَوُلَاتُهُ، وَإِذَا مَاتَ الْمُوَكِّلُ انْعَزَلَ وَكِيلُهُ وَلَا يَنْعَزِلُ بِأَخْذِ الرِّشْوَةِ وَالْفِسْقِ عِنْدَنَا اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ قَلَّدَ السُّلْطَانُ رَجُلًا قَضَاءَ بَلْدَةٍ، ثُمَّ بَعْدَ أَيَّامٍ قَلَّدَ الْقَضَاءَ آخَرَ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِعَزْلِ الْأَوَّلِ الْأَظْهَرُ وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ اهـ. وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ إذَا ارْتَدَّ الْقَاضِي أَوْ فَسَقَ ثُمَّ صَلُحَ فَهُوَ عَلَى حَالِهِ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ أَمْرُهُ مَوْقُوفٌ وَلِأَنَّ الِارْتِدَادَ فِسْقٌ وَبِنَفْسِ الْفِسْقِ لَا يَنْعَزِلُ إلَّا أَنَّ مَا قَضَى فِي حَالَةِ الرِّدَّةِ بَاطِلٌ بِخِلَافِ الْحَكَمِ إذَا ارْتَدَّ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ، وَالْفَرْقُ مَذْكُورٌ فِيهَا وَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ يَنْعَزِلُ بِفَوَاتِ الدِّينِ يُخَالِفُهُ إلَّا أَنْ يُقَالَ بِالرِّدَّةِ يَنْعَزِلُ عَنْ نَفَاذِ قَضَائِهِ جَمْعًا بَيْنَهُمَا وَفِي الْوَاقِعَاتِ الْحُسَامِيَّةِ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ بِالرِّدَّةِ فَإِنَّ الْكُفْرَ لَا يُنَافِي ابْتِدَاءَ الْقَضَاءِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ حَتَّى لَوْ قُلِّدَ الْكَافِرُ، ثُمَّ أَسْلَمَ هَلْ يَحْتَاجُ إلَى تَقْلِيدٍ آخَرَ فِيهِ رِوَايَتَانِ اهـ. وَبِهِ عَلِمْت أَنَّ مَا فِي الْخُلَاصَةِ عَلَى   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ أَوْ الدَّيْنُ) سَيَأْتِي قَرِيبًا عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ مَا يُخَالِفُهُ مَعَ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا. (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي أَنَّ الْخَصْمَ لَوْ عَلِمَ بِعَزْلِهِ إلَخْ) ظَاهِرُ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ مَا لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ الْخَبَرُ أَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ ظَاهِرًا وَلَا بَاطِنًا وَذَلِكَ مُنَافٍ لِمَا بَحَثَهُ الْمُؤَلِّفُ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَبِهِ عَلِمْت أَنَّ مَا فِي الْخُلَاصَةِ عَلَى خِلَافِ الْمُفْتَى بِهِ) الَّذِي تَقَدَّمَ عَزَوْهُ إلَى الْبَزَّازِيَّةِ لَا إلَى الْخُلَاصَةِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 282 خِلَافِ الْمُفْتَى بِهِ، وَعَلِمْت أَنَّ تَقْلِيدَ الْكَافِرِ صَحِيحٌ وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ قَضَاؤُهُ عَلَى الْمُسْلِمِ حَالَ كُفْرِهِ، وَفِي الْخِزَانَةِ إذَا عَمِيَ الْقَاضِي ثُمَّ أَبْصَرَ فَهُوَ عَلَى قَضَائِهِ اهـ. التَّاسِعُ: فِي آدَابِهِ وَسَتَأْتِي. الْعَاشِرُ: فِي مَحَاسِنِهِ مِنْهَا إنْصَافُ الْمَظْلُومِ مِنْ الظَّالِمِ وَتَخْلِيصُ الْحُقُوقِ إلَى أَهْلِهَا وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ، وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ الْعِبَادَاتِ وَبِهِ أُمِرَ كُلُّ نَبِيٍّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ} [المائدة: 44] وَقَالَ تَعَالَى {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ} [المائدة: 49] وَالْحَاكِمُ نَائِبٌ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى فِي أَرْضِهِ وَلَوْلَاهُ لَفَسَدَ الْعِبَادُ وَالْبِلَادُ، وَمَعَ ذَلِكَ فَلَهُ مُسَاوٍ مَذْكُورَةٌ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ لِلْخَصَّافِ لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ. قَوْلُهُ (أَهْلُهُ أَهْلُ الشَّهَادَةِ) أَيْ أَهْلُ الْقَضَاءِ أَيْ مَنْ يَصِحُّ مِنْهُ أَوْ مَنْ تَصِحُّ تَوْلِيَتُهُ لَهُ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُثْبِتُ الْوِلَايَةَ عَلَى الْغَيْرِ الشَّاهِدُ يُلْزِمَ الْحَاكِمَ أَنْ يَحْكُمَ بِشَهَادَتِهِ، وَالْحَاكِمُ الْخَصْمَ بِحُكْمِهِ فَكَانَا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ الْقَضَاءَ مَبْنِيٌّ عَلَى الشَّهَادَةِ لِيَلْزَمَ مِنْهُ بِنَاءُ الْقَوِيِّ عَلَى الضَّعِيفِ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّهُمَا يَرْجِعَانِ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ حُرًّا مُسْلِمًا بَالِغًا عَاقِلًا عَدْلًا لَا أَنَّ حُكْمَهُ مَبْنِيٌّ عَلَى حُكْمِهَا لَكِنَّ أَوْصَافَ الشَّهَادَةِ أَشْهَرُ عِنْدَ النَّاسِ فَعُرِفَ أَوْصَافُهُ بِأَوْصَافِهَا وَتَمَامُهُ فِي النِّهَايَةِ، فَلَا تَصِحُّ تَوْلِيَةُ كَافِرٍ وَصَبِيٍّ فَلِذَا قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ قُلِّدَ الْقَضَاءُ لِصَبِيٍّ، ثُمَّ أَدْرَكَ لَا يُقْضَى بِهِ ذَكَرَهُ فِي الْمُنْتَقَى وَفِي الْأَجْنَاسِ قُلِّدَ الْقَضَاءَ الْكَافِرُ ثُمَّ أَسْلَمَ فَهُوَ عَلَى قَضَائِهِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَجْدِيدٍ ثَانٍ اهـ. وَفِيهَا قَبْلَهُ السُّلْطَانُ أَمَرَ عَبْدَهُ بِنَصْبِ الْقَاضِي فِي بَلْدَةٍ وَنُصِبَ يَصِحُّ بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ عَنْ السُّلْطَانِ، وَلَوْ حَكَمَ بِنَفْسِهِ لَا يَصِحُّ وَلَوْ جَمَعَ بِنَفْسِهِ بَعْدَ أَمْرِهِ أَوْ أَمْرِ غَيْرِهِ صَحَّ الْإِمَامُ أَذِنَ لِعَبْدِهِ بِالْقَضَاءِ فَقَضَى بَعْدَمَا عَتَقَ جَازَ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَجْدِيدِ الْإِذْنِ كَمَا لَوْ تَحَمَّلَ الشَّهَادَةَ فِي الرِّقِّ، ثُمَّ عَتَقَ. اهـ. وَقَدَّمْنَا أَنَّ شَرَائِطَ الْقَاضِي ثَمَانِيَةٌ وَفِي مَنْظُومَةِ ابْنِ وَهْبَانَ وَتَوْلِيَةُ الْأُطْرُوشِ الْأَصَحُّ جَوَازُهَا، وَفَسَّرَهُ الشَّارِحُ بِأَنْ يَسْمَعَ مَا قَوِيَ مِنْ الْأَصْوَاتِ، وَالْأَصَمُّ بِخِلَافِهِ وَهُوَ مَنْ لَا يَسْمَعُ أَلْبَتَّةَ، وَفِي الْقَامُوسِ قَوْمٌ طُرْشٌ وَالْأُطْرُوشُ الْأَصَمُّ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَمْ يَصِحَّ قَضَاؤُهُ، وَلَا يَرِدُ الْفَاسِقُ فَإِنَّهُ عِنْدَنَا أَهْلٌ لَهُمَا؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَوْ قَضَى بِشَهَادَتِهِ صَحَّ وَإِنْ كَانَ يَأْثَمُ كَمَا سَيَأْتِي فَعَلَى هَذَا لَا يَصِحُّ قَضَاءُ الْعَدُوُّ عَلَى عَدُوِّهِ عَدَاوَةً دُنْيَوِيَّةً كَالشَّهَادَةِ، وَإِنْ قُلْنَا بِصِحَّتِهِ إذَا قَضَى بِالْبَيِّنَةِ أَوْ الْإِقْرَارِ لَا بِعِلْمِهِ فَهِيَ مُسْتَثْنَاةٌ وَلَا يَصِحُّ الْقَضَاءُ لِمَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ إلَّا فِي مَسْأَلَةِ مَا إذَا وَرَدَ عَلَيْهِ كِتَابُ الْقَاضِي، وَأَنَّهُ يَقْضِي لَهُ كَمَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَكَتَبْنَاهُ فِي فَوَائِدِ الْقَضَاءِ وَسَنَتَكَلَّمُ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الشَّهَادَاتِ، وَلَوْ وَلَّى السُّلْطَانُ قَاضِيًا مُشْرِكًا عَلَى الْكُفَّارِ فَظَاهِرُ تَعْلِيلِ الْخُلَاصَةِ الصِّحَّةُ وَهُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ أَهْلٌ لِلشَّهَادَةِ عَلَيْهِمْ، وَسُئِلْت عَنْ تَوْلِيَةِ الْبَاشَاهْ بِالْقَاهِرَةِ قَاضِيًا لِيَحْكُمَ فِي حَادِثَةٍ خَاصَّةٍ مَعَ وُجُودِ قَاضِيهَا الْمُوَلَّى مِنْ السُّلْطَانِ فَأَجَبْتُ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَوَّضْ إلَيْهِ تَقْلِيدُ الْقَضَاءِ، وَلِذَا لَوْ حَكَمَ بِنَفْسِهِ لَمْ يَصِحَّ كَمَا قَدَّمْنَاهُ قَوْلُهُ (وَالْفَاسِقُ أَهْلٌ لِلْقَضَاءِ كَمَا هُوَ أَهْلٌ لِلشَّهَادَةِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَلَّدَ) لِمَا قَدَّمْنَا أَنَّهُمَا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَلَا يَنْبَغِي تَقْلِيدُهُ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ مِنْ بَابِ الْأَمَانَةِ، وَالْفَاسِقُ لَا يُؤْتَمَنُ فِي أَمْرِ الدِّينِ لِقِلَّةِ مُبَالَاتِهِ بِهِ كَمَا لَا يَنْبَغِي قَبُولُ شَهَادَتِهِ، فَإِنْ قَبِلَهَا نَفَذَ الْحُكْمُ بِهَا وَفِي غَيْرِ مَوْضِعِ ذِكْرِ الْأَوْلَوِيَّةِ يَعْنِي الْأَوْلَى أَنْ لَا تُقْبَلَ شَهَادَتُهُ وَإِنْ قُبِلَ جَازَ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَمُقْتَضَى الدَّلِيلِ أَنْ لَا يَحِلَّ أَنْ يُقْضَى بِهَا فَإِنْ قَضَى جَازَ وَنَفَذَ. اهـ. وَمُقْتَضَاهُ الْإِثْمُ وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يَأْثَمُ وَظَاهِرُ الْآيَةِ يُفِيدُ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ قَبُولُهَا قَبْلَ تَعَرُّفِ حَالِهِ وَهِيَ قَوْلُهُ {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات: 6] وَقَوْلُهُمْ بِوُجُوبِ السُّؤَالِ عَنْ الشَّاهِدِ   [منحة الخالق] [أَهْلُ الْقَضَاءِ] (قَوْلُهُ فَلَا تَصِحُّ تَوْلِيَةُ كَافِرٍ وَصَبِيٍّ) مُخَالِفٌ لِمَا مَرَّ عَنْ الْوَاقِعَاتِ (قَوْلُهُ قَلَّدَ الْقَضَاءَ الْكَافِرَ، ثُمَّ أَسْلَمَ فَهُوَ عَلَى قَضَائِهِ) هُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ وَقَدَّمْنَا أَنَّ شَرَائِطَ الْقَاضِي ثَمَانِيَةٌ) الَّذِي قَدَّمَهُ تِسْعَةٌ، وَقَدْ نَظَمَهَا السَّيِّدُ الْحَمَوِيُّ فَقَالَ شُرُوطُ الْقَضَاءِ تِسْعٌ عَلَيْك بِحِفْظِهَا ... لِتُحْرِزَ سَبْقًا فِي طِلَابِك لِلْعُلَا بُلُوغٌ وَإِسْلَامٌ وَعَقْلٌ وَمَنْطِقٌ ... فَصِيحٌ بِهِ فَصْلُ الْخُصُومَةِ قَدْ حَلَا تَوْلِيَةٌ حُكْمًا دُونَ سَمْعٍ لِدَعْوَةٍ ... وَحُرِّيَّةٌ سَمْعٌ وَالْإِبْصَارُ قَدْ تَلَا وَفِقْدَانُ حَدِّ الْقَذْفِ قَدْ شَرَطُوا لَهُ ... كَمَا قَالَ زَيْنُ الدِّينِ فِي الْبَحْرِ مُجْمَلًا (قَوْلُهُ وَفِي الْقَامُوسِ قَوْمٌ طُرْشٌ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَذَكَرَ فِي الْقَامُوسِ قَبْلَ قَوْلِهِ قَوْمٌ طُرْشُ الطَّرَشُ أَهْوَنُ الصَّمَمِ، وَذَكَرَ فِي صَمَمَ الصَّمَمُ مُحَرَّكَةً انْسِدَادُ الْأُذُنَيْنِ وَثِقَلُ السَّمْعِ، (قَوْلُهُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَمْ يَصِحَّ قَضَاؤُهُ) هُوَ عَكْسُ الْكُلِّيَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْمَتْنِ، وَقَالَ فِي النَّهْرِ وَظَاهِرٌ أَنَّ الْكُلِّيَّةَ أَعْنِي مَنْ كَانَ أَهْلَ الشَّهَادَةِ هُوَ أَهْلٌ لِلْقَضَاءِ مُطَّرِدَةٌ غَيْرُ مُنْعَكِسَةٍ عَكْسًا لُغَوِيًّا فَلَا يَرِدُ أَنَّ مَنْ فَعَلَ مَا يُخِلُّ بِالْمُرُوءَةِ فَهُوَ أَهْلٌ لِلْقَضَاءِ دُونَ الشَّهَادَةِ وَلَا أَنَّ شَهَادَةَ الْعَدُوِّ عَلَى عَدُوِّهِ مِنْ حَيْثُ الدُّنْيَا لَا تُقْبَلُ، وَقَضَاؤُهُ عَلَيْهِ صَحِيحٌ (قَوْلُهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 283 سِرًّا وَعَلَانِيَةً طَعَنَ الْخَصْمُ أَوْ لَا فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ عَلَى قَوْلِهِمَا الْمُفْتَى بِهِ يَقْتَضِي أَنْ يَأْثَمَ بِتَرْكِهِ؛ لِأَنَّهُ لِلتَّعَرُّفِ عَنْ حَالِهِ حَتَّى لَا يُقْبَلَ الْفَاسِقُ، وَصَرَّحَ فِي إصْلَاحِ الْإِيضَاحِ بِأَنَّ مَنْ قَلَّدَ فَاسِقًا يَأْثَمُ، وَإِنْ قَبِلَ الْقَاضِي شَهَادَتَهُ يَأْثَمُ، وَاسْتَثْنَى أَبُو يُوسُفَ مِنْ الْفَاسِقِ إذَا شَهِدَ أَنْ يَكُونَ ذَا جَاهٍ وَمُرُوءَةٍ فَإِنَّهُ يَجِبُ قَبُولُ شَهَادَتِهِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ تَقْلِيدُهُ الْقَضَاءَ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَبُو يُوسُفَ فَارِقًا بَيْنَهُمَا وَالْفِسْقُ لُغَةً الْخُرُوجُ عَنْ الِاسْتِقَامَةِ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَشَرْعًا ارْتِكَابُ كَبِيرَةٍ أَوْ الْإِصْرَارُ عَلَى صَغِيرَةٍ كَمَا فِي الْخِزَانَةِ، وَالْعَدَالَةُ اجْتِنَابُ الْكَبَائِرِ وَالْإِصْرَارُ عَلَى صَغِيرَةٍ وَاجْتِنَابُ فِعْلِ مَا يُخِلُّ بِالْمُرُوءَةِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الشَّهَادَاتِ إذَا ارْتَكَبَ مَا يُخِلُّهَا خَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ عَدْلًا وَإِنْ لَمْ يَصِرْ فَاسِقًا بِهِ. (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ عَدْلًا فَفَسَقَ لَا يَنْعَزِلُ، وَيَسْتَحِقُّ الْعَزْلَ) أَيْ فَسَقَ بِأَخْذِ الرِّشْوَةِ أَوْ بِغَيْرِهِ مِنْ الزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ مِنْ صِحَّةِ تَوْلِيَةِ الْفَاسِقِ وَعَدَمِ عَزْلِهِ لَوْ فَسَقَ هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَعَنْ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ فِي النَّوَادِرِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَضَاؤُهُ، وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ إذَا قُلِّدَ الْفَاسِقُ ابْتِدَاءً يَصِحُّ وَلَوْ قُلِّدَ وَهُوَ عَدْلٌ يَنْعَزِلُ بِالْفِسْقِ وَفِي إيضَاحِ الْإِصْلَاحِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ. وَهُوَ غَرِيبٌ، وَلَمْ أَرَهُ وَالْمَذْهَبُ خِلَافُهُ؛ لِأَنَّ الْمُقَلِّدَ اعْتَمَدَ عَدَالَتَهُ فَلَمْ يَكُنْ رَاضِيًا دُونَهَا، وَهَذَا مِمَّا كَانَ فِيهِ الِابْتِدَاءُ أَسْهَلُ مِنْ الْبَقَاءِ وَلَهُ نَظِيرٌ مَذْكُورٌ فِي الْمِعْرَاجِ وَأَبَقَ الْمَأْذُونُ يَنْحَجِرُ وَلَوْ أَذِنَ لِلْآبِقِ صَحَّ وَقَيَّدَهُ فِي الْخَانِيَّةِ بِمَا فِي يَدِهِ عَكْسَ السَّائِرِ عَلَى أَلْسِنَةِ الْفُقَهَاءِ، وَهُوَ أَنَّ الْبَقَاءَ أَسْهَلُ مِنْ الِابْتِدَاءِ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِوُجُودِ دَلِيلٍ يَقْتَضِيهِ وَهُوَ أَنَّ الْمُقَلِّدَ أَعَقَدَ عَدَالَتَهُ فَيَتَقَيَّدُ التَّقْلِيدُ بِحَالِ عَدَالَتِهِ إلَى آخِرِ مَا فِي النِّهَايَةِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَلَوْ شَرَطَ فِي التَّقْلِيدِ أَنَّهُ مَتَى فَسَقَ يَنْعَزِلُ انْعَزَلَ اهـ. قُيِّدَ بِالْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ الْفِسْقَ لَا يَمْنَعُ الْإِمَامَةَ بِلَا خِلَافٍ وَلَا يَنْعَزِلُ بِالْفِسْقِ اهـ. وَقَوْلُهُ يَسْتَحِقُّ الْعَزْلَ مَعْنَاهُ يَجِبُ عَلَى السُّلْطَانِ عَزْلُهُ، كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَفِي الْمِعْرَاجِ يَحْسُنُ عَزْلُهُ اهـ فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي مَعْنَى الِاسْتِحْقَاقِ كَمَا اُخْتُلِفَ فِي تَوْلِيَتِهِ ابْتِدَاءً وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ مِنْ الرِّدَّةِ، وَالسُّلْطَانُ يَصِيرُ سُلْطَانًا بِأَمْرَيْنِ بِالْمُبَايَعَةِ مَعَهُ يُعْتَبَرُ فِي الْمُبَايَعَةِ مُبَايَعَةُ أَشْرَافِهِمْ وَأَعْيَانِهِمْ الثَّانِي أَنْ يَنْفُذَ حُكْمُهُ عَلَى رَعِيَّتِهِ خَوْفًا مِنْ قَهْرِهِ وَجَبَرُوتِهِ، فَإِنْ بَايَعَ النَّاسُ وَلَمْ يَنْفُذْ فِيهِمْ حُكْمُهُ لِعَجْزِهِ عَنْ قَهْرِهِمْ لَا يَصِيرُ سُلْطَانًا، فَإِذَا صَارَ سُلْطَانًا بِالْمُبَايَعَةِ فَجَارَ إنْ كَانَ لَهُ قَهْرٌ وَغَلَبَةٌ لَا يَنْعَزِلُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ انْعَزَلَ يَصِيرُ سُلْطَانًا بِالْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ فَلَا يُفِيدُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَهْرٌ وَغَلَبَةٌ يَنْعَزِلُ اهـ. وَمِنْ أَوَّلِ الدَّعَاوَى، وَالْوَالِي إذَا فَسَقَ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْقَاضِي يَسْتَحِقُّ الْعَزْلَ وَلَا يَنْعَزِلُ اهـ. وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُؤَلِّفُ نَفَاذَ قَضَائِهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ عَزْلِهِ نَفَاذُ قَضَائِهِ لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ إذَا ارْتَشَى لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ فِيمَا ارْتَشَى اهـ. مَعَ أَنَّهُ قَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ بِالْفِسْقِ فَصَارَ الْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا فَسَقَ لَا يَنْعَزِلُ، وَتَنْفُذُ قَضَايَاهُ إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ هِيَ مَا إذَا فَسَقَ بِالرِّشْوَةِ فَإِنَّهُ لَا يَنْفُذُ فِي الْحَادِثَةِ الَّتِي أَخَذَ بِسَبَبِهَا، وَذَكَرَ الطَّرَسُوسِيُّ أَنَّ مَنْ قَالَ بِاسْتِحْقَاقِهِ الْعَزْلَ قَالَ بِصِحَّةِ أَحْكَامِهِ، وَمَنْ قَالَ بِعَزْلِهِ قَالَ بِبُطْلَانِهَا قَوْلُهُ (وَإِذَا أَخَذَ الْقَضَاءَ بِالرِّشْوَةِ لَا يَصِيرُ قَاضِيًا) أَيْ بِمَالٍ دَفَعَهُ لِتَوْلِيَتِهِ لَمْ تَصِحَّ تَوْلِيَتُهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَلَوْ قَضَى لَمْ يَنْفُذْ وَبِهِ يُفْتَى إذْ الْإِمَامُ لَوْ قُلِّدَ بِرِشْوَةٍ أَخَذَهَا هُوَ أَوْ قَوْمُهُ وَهُوَ عَالِمٌ بِهِ لَمْ يَجُزْ تَقْلِيدُهُ كَقَضَائِهِ بِرِشْوَةٍ كَذَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، ثُمَّ رَقْمٌ لِآخَرَ أَنَّ مَنْ أَخَذَ الْقَضَاءَ بِرِشْوَةٍ أَوْ بِشُفَعَاءَ فَهُوَ كَمُحَكَّمٍ لَوْ رُفِعَ حُكْمُهُ إلَى قَاضٍ آخَرَ يُمْضِيهِ لَوْ وَافَقَ رَأْيَهُ وَإِلَّا أَبْطَلَهُ. اهـ. وَهَكَذَا فِي الْخُلَاصَةِ مِنْ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى عَدَمِ نَفَاذِهِ إذَا تَوَلَّى   [منحة الخالق] أَقُولُ: لَمْ أَرَهُ فِيمَا مَرَّ نَعَمْ سَيَأْتِي بَعْدَ تِسْعَةِ أَوْرَاقٍ [تَقْلِيد الْفَاسِقُ الْقَضَاءِ] (قَوْلُهُ وَاسْتَثْنَى أَبُو يُوسُفَ إلَخْ) سَيَأْتِي فِي الشَّهَادَاتِ عَنْ الْفَتْحِ أَنَّهُ خِلَافُ الْأَصَحِّ. [كَانَ الْقَاضِي عَدْلًا فَفَسَقَ] (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمُقَلِّدَ اعْتَمَدَ عَدَالَتَهُ إلَخْ) تَعْلِيلٌ لِمَا فِي الْإِيضَاحِ (قَوْلُهُ وَقَيَّدَهُ فِي الْخَانِيَّةِ بِمَا فِي يَدِهِ) فِيهِ إيجَازٌ غَيْرُ مُفْهِمٍ قَالَ فِي النِّهَايَةِ، وَأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ فَتَاوَى قَاضِي خَانْ إنَّمَا يَصِحُّ إذْنُ الْآبِقِ فِي التِّجَارَةِ إذَا أَذِنَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ مَعَ ذَلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي كَانَ الْعَبْدُ فِي يَدِهِ. (قَوْلُهُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُؤَلِّفُ نَفَاذَ قَضَائِهِ) قَالَ فِي النَّهْرِ فِي قَوْلِهِ لَا يَنْعَزِلُ إيمَاءً إلَى أَنَّ قَضَاءَهُ نَافِذٌ فِيمَا ارْتَشَى فِيهِ، وَهَذَا أَحَدُ أَقْوَالٍ ثَلَاثَةٍ، وَالثَّانِي لَا يَنْفُذُ فِيهِ وَيَنْفُذُ فِيمَا سِوَاهُ وَاخْتَارَهُ السَّرَخْسِيُّ، وَالثَّالِثُ لَا يَنْفُذُ فِيهِمَا، وَالْأَوَّلُ اخْتَارَهُ الْبَزْدَوِيُّ وَاسْتَحْسَنَهُ فِي الْفَتْحِ؛ لِأَنَّ حَاصِلَ أَمْرِ الرِّشْوَةِ فِيمَا إذَا قَضَى بِحَقِّ إيجَابِ فِسْقِهِ، وَقَدْ فُرِضَ أَنَّهُ لَا يُوجِبُ الْعَزْلَ فَوِلَايَتُهُ قَائِمَةٌ وَقَضَاؤُهُ بِحَقٍّ فَلَمْ لَا يَنْفُذْ وَخُصُوصُ هَذَا الْفِسْقِ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ، وَغَايَةُ مَا وُجِّهَ أَنَّهُ إذَا ارْتَشَى عَامِلٌ لِنَفْسِهِ أَوْ وَلَدِهِ مَعْنًى وَالْقَضَاءُ عَمَلٌ لِلَّهِ تَعَالَى اهـ. وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ كَوْنَ خُصُوصِ هَذَا الْفِسْقِ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ مَمْنُوعٌ بَلْ يُؤَثِّرُ بِمُلَاحَظَةِ كَوْنِهِ عَمَلًا لِنَفْسِهِ وَبِهَذَا يَتَرَجَّحُ مَا اخْتَارَهُ السَّرَخْسِيُّ وَفِي الْخَانِيَّةِ أَجْمَعُوا أَنَّهُ إذَا ارْتَشَى لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ فِيمَا ارْتَشَى فِيهِ اهـ. وَمَا ذَكَرَهُ مَأْخُوذٌ مِنْ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ الْآتِي فِي الْقَوْلَةِ الثَّانِيَةِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 284 بِالرِّشْوَةِ وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الْقَاضِي الدَّافِعَ أَوْ غَيْرَهُ لِيُوَلِّيَهُ السُّلْطَانَ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ قَيَّدَ بِتَوْلِيَتِهِ الْقَضَاءَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَخَذَ الرِّشْوَةَ وَقَضَى فَقَدَّمْنَا عَنْ الْخَانِيَّةِ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ فِيمَا ارْتَشَى، وَهَكَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ الْفَتْوَى عَلَى عَدَمِ نَفَاذِهِ، وَحُكِيَ فِي فُصُولِ الْعِمَادِيِّ فِيهِ اخْتِلَافًا فَقِيلَ لَا يَنْفُذُ فِيمَا ارْتَشَى فِيهِ، وَيَنْفُذُ فِيمَا سِوَاهُ وَهَذَا اخْتِيَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ، وَقِيلَ لَا يَنْفُذُ فِيهِمَا وَقِيلَ يَنْفُذُ فِيهِمَا وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ الْبَزْدَوِيُّ وَرَجَّحَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِقَوْلِهِ وَهُوَ حَسَنٌ؛ لِأَنَّ حَاصِلَ أَمْرِ الرِّشْوَةِ فِيمَا إذَا قَضَى بِحَقِّ إيجَابُهَا فِسْقَهُ، وَقَدْ فُرِضَ أَنَّ الْفِسْقَ لَا يُوجِبُ الْعَزْلَ فَوِلَايَتُهُ قَائِمَةٌ وَقَضَاؤُهُ بِحَقٍّ فَلِمَ لَا يَنْفُذُ وَخُصُوصُ هَذَا الْفِسْقِ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ، وَغَايَةُ مَا وُجِّهَ بِهِ أَنَّهُ إذَا ارْتَشَى عَامِلٌ لِنَفْسِهِ أَوْ وَلَدِهِ يَعْنِي وَالْقَضَاءُ عَمَلٌ لِلَّهِ تَعَالَى اهـ. قُلْتُ: لَيْسَ هَذَا مُرَادَهُمْ، وَإِنَّمَا مُرَادُهُمْ أَنَّهُ قَضَى لِنَفْسِهِ مَعْنًى، وَالْقَضَاءُ لِنَفْسِهِ بَاطِلٌ وَهَذَا الْقَوْلُ أَحْسَنُ، وَظَهَرَ أَنَّ خُصُوصَ هَذَا الْفِسْقِ مُؤَثِّرٌ فِي عَدَمِ النَّفَاذِ وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ مَعْزِيًّا إلَى الْيَنَابِيعِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَوْ قَضَى الْقَاضِي زَمَانًا بَيْنَ النَّاسِ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ مُرْتَشٍ يَنْبَغِي لِلْقَاضِي الَّذِينَ يَخْتَصِمُونَ إلَيْهِ أَنْ يُبْطِلَ كُلَّ قَضَايَاهُ اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ فَإِنْ ارْتَشَى وَكِيلُ الْقَاضِي أَوْ كَاتِبُهُ أَوْ بَعْضُ أَعْوَانِهِ فَإِنْ بِأَمْرِهِ وَرِضَاهُ فَهُوَ كَمَا لَوْ ارْتَشَى بِنَفْسِهِ وَإِنْ بِغَيْرِ عِلْمِهِ يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ، وَعَلَى الْمُرْتَشِي رَدُّ مَا قَبَضَ قَضَى ثُمَّ ارْتَشَى أَوْ ارْتَشَى ثُمَّ قَضَى أَوْ ارْتَشَى وَلَدُهُ أَوْ بَعْضُ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ لَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَخَذَ الْمَالَ أَوْ ابْنُهُ يَكُونُ عَامِلًا لِنَفْسِهِ أَوْ ابْنُهُ الْقَاضِي الْمُوَلَّى أَخَذَ الرِّشْوَةَ ثُمَّ بَعَثَهُ إلَى شَافِعِيِّ الْمَذْهَبِ لِيَحْكُمَ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ، وَإِنْ كَتَبَ إلَيْهِ لِيَسْمَعَ الْخُصُومَةَ، وَأَخَذَ أُجْرَةَ مِثْلِ الْكِتَابَةِ يَنْفُذُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِرِشْوَةٍ. اهـ. وَالرِّشْوَةُ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَضَمِّهَا كَذَا فِي الْبِنَايَةِ وَفِي الْقَامُوسِ أَنَّهَا بِالتَّثْلِيثِ الْجُعْلُ وَارْتَشَى أَخَذَهَا وَاسْتَرْشَى طَلَبَهَا وَرَاشَاهُ حَابَاهُ وَصَانَعَهُ وَتَرَشَّاهُ لَايَنَهُ وَأَعْطَاهُ الرِّشْوَةَ اهـ. وَفِي الْمِصْبَاحِ الرِّشْوَةُ بِكَسْرِ الرَّاءِ مَا يُعْطِيهِ الشَّخْصُ لِلْحَاكِمِ وَغَيْرِهِ لِيَحْكُمَ لَهُ أَوْ يَحْمِلَهُ عَلَى مَا يُرِيدُ وَجَمْعُهَا رُشًا مِثْلُ سِدْرَةٍ وَسِدَرٍ، وَالضَّمُّ لُغَةٌ وَجَمْعُهَا رُشًى بِالضَّمِّ أَيْضًا وَرَشَوْته رَشْوًا مِنْ بَابِ قَتَلَ أَعْطَيْته رُشْوَةً فَارْتَشَى أَيْ أَخَذَ، وَأَصْلُهَا رَشَا الْفَرْخُ إذَا مَدَّ رَأْسَهُ إلَى أُمِّهِ لِتَزُقَّهُ اهـ. وَفِيهِ الْبِرْطِيلُ بِكَسْرِ الْبَاءِ الرِّشْوَةُ وَفِي الْمَثَلِ الْبَرَاطِيلُ تَنْصُرُ الْأَبَاطِيلَ كِنَايَةٌ مَأْخُوذٌ مِنْ الْبِرْطِيلِ الَّذِي هُوَ الْمِعْوَلُ لِأَنَّهُ يُسْتَخْرَجُ بِهِ مَا اسْتَتَرَ وَفَتْحُ الْبَاءِ عَامِّيٌّ لِفَقْدِ فَعَلِيلٍ بِالْفَتْحِ اهـ. وَذَكَرَ الْأَقْطَعُ أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْهَدِيَّةِ وَالرِّشْوَةِ أَنَّ الرِّشْوَةَ مَا يُعْطِيهِ بِشَرْطِ أَنْ يُعَيِّنَهُ وَالْهَدِيَّةَ لَا شَرْطَ مَعَهَا اهـ. وَفِي الْخَانِيَّةِ الرِّشْوَةُ عَلَى وُجُوهٍ أَرْبَعَةٍ مِنْهَا مَا هُوَ حَرَامٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَذَلِكَ فِي مَوْضِعَيْنِ: أَحَدُهُمَا إذَا تَقَلَّدَ الْقَضَاءَ بِالرِّشْوَةِ حَرُمَ عَلَى الْقَاضِي وَالْآخِذِ وَفِي صُلْحِ الْمِعْرَاجِ تَجُوزُ الْمُصَانَعَةُ لِلْأَوْصِيَاءِ فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى، وَبِهِ يُفْتَى ثُمَّ قَالَ مِنْ الرِّشْوَةِ الْمُحَرَّمَةِ عَلَى الْآخِذِ دُونَ الدَّافِعِ مَا يَأْخُذهُ الشَّاعِرُ وَفِي وَصَايَا الْخَانِيَّةِ قَالُوا بَذْلُ الْمَالِ لِاسْتِخْلَاصِ حَقٍّ لَهُ عَلَى آخَرَ رِشْوَةٌ. الثَّانِي إذَا دَفَعَ الرِّشْوَةَ إلَى الْقَاضِي لِيَقْضِيَ لَهُ حَرُمَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ سَوَاءٌ كَانَ الْقَضَاءُ بِحَقٍّ أَوْ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَمِنْهَا إذَا دَفَعَ الرِّشْوَةَ خَوْفًا عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ فَهُوَ حَرَامٌ عَلَى الْآخِذِ غَيْرُ حَرَامٍ عَلَى الدَّافِعِ، وَكَذَا إذَا طَمِعَ فِي مَالِهِ فَرَشَاهُ بِبَعْضِ الْمَالِ وَمِنْهَا إذَا دَفَعَ الرِّشْوَةَ لِيُسَوِّيَ أَمْرَهُ عِنْدَ السُّلْطَانِ حَلَّ لَهُ الدَّفْعُ وَلَا يَحِلُّ لِلْآخِذِ أَنْ يَأْخُذَ فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَحِلَّ لِلْآخِذِ يَسْتَأْجِرُ الْآخِذَ يَوْمًا إلَى اللَّيْلِ بِمَا يُرِيدُ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ فَإِنَّهُ تَصِحُّ هَذِهِ الْإِجَارَةُ، ثُمَّ الْمُسْتَأْجِرُ إنْ شَاءَ اسْتَعْمَلَهُ فِي هَذَا الْعَمَلِ، وَإِنْ شَاءَ اسْتَعْمَلَهُ فِي غَيْرِهِ هَذَا إذَا أَعْطَاهُ الرِّشْوَةَ أَوَّلًا لِيُسَوِّيَ أَمْرَهُ عِنْدَ السُّلْطَانِ، وَإِنْ طَلَبَ مِنْهُ أَنْ يُسَوِّيَ أَمْرَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ الرِّشْوَةَ وَأَعْطَاهُ بَعْدَمَا يُسَوِّي اخْتَلَفُوا فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَحِلُّ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ يُرِيدُ مُجَازَاةَ الْإِحْسَانِ فَيَحِلُّ اهـ. وَلَمْ أَرَ قِسْمًا يَحِلُّ الْأَخْذُ فِيهِ دُونَ الدَّفْعِ، وَأَمَّا الْحَلَالُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَهُوَ الْإِهْدَاءُ لِلتَّوَدُّدِ وَالْمَحَبَّةِ كَمَا   [منحة الخالق] [أَخَذَ الْقَضَاءَ بِالرِّشْوَةِ] (قَوْلُهُ الَّذِي هُوَ الْمِعْوَلُ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ وَالْمِعْوَلُ كَمِنْبَرٍ الْحَدِيدَةُ يُنْقَرُ بِهَا الْجِبَالُ (قَوْلُهُ وَفِي صُلْحِ الْمِعْرَاجِ إلَى قَوْلِهِ الثَّانِي) كَذَا وُجِدَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا كَتَبَ قَبْلَ قَوْلِهِ الْآتِي، وَلَيْسَ مِنْهُ مَا تَأْخُذُهُ الْمَرْأَةُ وَهُوَ مَحَلُّهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 285 صَرَّحُوا بِهِ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ الرِّشْوَةِ لِمَا عَلِمْت وَفِي الْقُنْيَةِ قُبَيْلَ التَّحَرِّي الظَّلَمَةُ تَمْنَعُ النَّاسَ مِنْ الِاحْتِطَابِ مِنْ الْمُرُوجِ إلَّا بِدَفْعِ شَيْءٍ إلَيْهِمْ فَالدَّفْعُ وَالْأَخْذُ حَرَامٌ؛ لِأَنَّهُ رِشْوَةٌ اهـ. وَفِيهَا مَا يَدْفَعُهُ الْمُتَعَاشِقَانِ رِشْوَةً يَجِبُ رَدُّهَا وَلَا تُمْلَكُ اهـ. فَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْآخِذَ لَا يَمْلِكُهَا وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي هِبَةِ الْقُنْيَةِ قَالَ وَفِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ الرِّشْوَةُ لَا تُمْلَكُ إلَى أَنْ قَالَ أَبْرَأَهُ عَنْ الدَّيْنِ لِيُصْلِحَ مُهِمَّهُ عِنْدَ السُّلْطَانِ لَا يَبْرَأُ وَهُوَ رِشْوَةٌ، وَلَوْ أَبَى الِاضْطِجَاعَ عِنْدَ امْرَأَتِهِ فَقَالَ أَبْرِئِينِي عَنْ الْمَهْرِ فَأَضْطَجِعُ مَعَكِ فَأَبْرَأَتْهُ قِيلَ يَبْرَأُ؛ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ لِلتَّوَدُّدِ الدَّاعِي لِلْجِمَاعِ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «تَهَادُوا تَحَابُّوا» بِخِلَافِ الْإِبْرَاءِ فِي الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ مَقْصُودٌ عَلَى إصْلَاحِ الْمُهِمِّ، وَإِصْلَاحُ الْمُهِمِّ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ دِيَانَةً، وَبَذْلُ الْمَالِ فِيمَا هُوَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ حَدُّ الرِّشْوَةِ اهـ. وَفِيهَا دَفَعَ لِلْقَاضِي أَوْ لِغَيْرِهِ سُحْتًا لِإِصْلَاحِ الْمُهِمِّ فَأَصْلَحَ ثُمَّ نَدِمَ بِرَدِّ مَا دُفِعَ إلَيْهِ اهـ. فَظَاهِرُهُ أَنَّ التَّوْبَةَ مِنْ الرِّشْوَةِ بِرَدِّ الْمَالِ إلَى صَاحِبِهِ وَإِنْ قَضَى حَاجَتَهُ وَفِي صُلْحِ الْمِعْرَاجِ تَجُوزُ الْمُصَانَعَةُ لِلْأَوْصِيَاءِ فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى وَبِهِ يُفْتَى، ثُمَّ قَالَ مِنْ الرِّشْوَةِ الْمُحَرَّمَةِ عَلَى الْآخِذِ دُونَ الدَّافِعِ مَا يَأْخُذُهُ الشَّاعِرُ وَفِي وَصَايَا الْخَانِيَّةِ قَالُوا بَذْلُ الْمَالِ لِاسْتِخْلَاصِ حَقٍّ لَهُ عَلَى آخَرَ رِشْوَةٌ، وَلَيْسَ مِنْهُ مَا تَأْخُذُهُ الْمَرْأَةُ لِأَجْلِ صُلْحِهَا مَعَ الزَّوْجِ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ آخِرَ كِتَابِ الصُّلْحِ وَقَعَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ مُشَاقَّاتٌ فَقَالَتْ لَا أُصَالِحُهُ حَتَّى يُعْطِيَنِي كَذَا؛ لِأَنَّ لَهَا عَلَيْهِ حَقًّا كَالْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ اهـ. وَمِنْهَا مَا فِي مَهْرِ الْبَزَّازِيَّةِ الْأَخُ أَبَى أَنْ يُزَوِّجَ الْأُخْتَ إلَّا أَنْ يَدْفَعَ لَهُ كَذَا فَدَفَعَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْهُ قَائِمًا أَوْ هَالِكًا؛ لِأَنَّهُ رِشْوَةٌ وَعَلَى قِيَاسِ هَذَا يَرْجِعُ بِالْهَدِيَّةِ أَيْضًا فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ إذَا عُلِمَ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ لَا يُزَوِّجُهُ إلَّا بِالْهَدِيَّةِ وَإِلَّا لَا اهـ. وَمِنْهَا لَوْ أَنْفَقَ عَلَى مُعْتَدَّةِ الْغَيْرِ لِيَتَزَوَّجَهَا فَأَبَتْ أَنْ تَتَزَوَّجَهُ إنْ شَرَطَ الرُّجُوعَ رَجَعَ تَزَوَّجَهَا أَمْ لَا وَإِلَّا لَكِنْ أَنْفَقَ عَلَى طَمَعِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ فِي الرُّجُوعِ وَعَدَمِهِ، وَقَدَّمْنَاهُ وَتَمَامَهُ فِيهَا. قَوْلُهُ (وَالْفَاسِقُ يَصْلُحُ مُفْتِيًا وَقِيلَ لَا) وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّهُ يَحْذَرُ النِّسْبَةَ إلَى الْخَطَأِ، وَوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ وَخَبَرُهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ فِي الدِّيَانَاتِ وَلَمْ يُرَجِّحْ الشَّارِحُونَ أَحَدَهُمَا وَظَاهِرُ مَا فِي التَّحْرِيرِ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ اسْتِفْتَاؤُهُ اتِّفَاقًا فَإِنَّهُ قَالَ الِاتِّفَاقُ عَلَى حِلِّ اسْتِفْتَاءِ مَنْ عُرِفَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالِاجْتِهَادِ وَالْعَدَالَةِ أَوْ رَآهُ مُنْتَصِبًا وَالنَّاسُ يَسْتَفْتُونَهُ مُعَظِّمِينَ وَعَلَى امْتِنَاعِهِ إنْ ظَنَّ عَدَمَ أَحَدِهِمَا فَإِنْ جَهِلَ اجْتِهَادَهُ دُونَ عَدَالَتِهِ فَالْمُخْتَارُ مَنْعُ اسْتِفْتَائِهِ بِخِلَافِ الْمَجْهُولِ مِنْ غَيْرِهِ إذْ الِاتِّفَاقُ عَلَى الْمَنْعِ اهـ. فَلَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ تَرْجِيحًا لِعَدَمِ صَلَاحِيَّتِهِ، وَلِذَا جُزِمَ بِهِ فِي الْمَجْمَعِ وَاخْتَارَهُ فِي شَرْحِهِ، وَقَالَ إنَّ أَوْلَى مَا يُسْتَنْزَلُ بِهِ فَيْضُ الرَّحْمَةِ الْإِلَهِيَّةِ فِي تَحَقُّقِ الْوَاقِعَاتِ الشَّرْعِيَّةِ طَاعَةُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالتَّمَسُّكُ بِحَبْلِ التَّقْوَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} [البقرة: 282] وَمَنْ اعْتَمَدَ عَلَى رَأْيِهِ وَذِهْنِهِ فِي اسْتِخْرَاجِ دَقَائِقِ الْفِقْهِ وَكُنُوزِهِ وَهُوَ فِي الْمَعَاصِي حَقِيقٌ بِإِنْزَالِ الْخِذْلَانِ عَلَيْهِ فَقَدْ اعْتَمَدَ عَلَى مَا لَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور: 40] . اهـ. فَشَرْطُ الْمُفْتِي إسْلَامُهُ وَعَدَالَتُهُ، وَلَزِمَ مِنْهَا اشْتِرَاطُ بُلُوغِهِ وَعَقْلِهِ فَتُرَدُّ فَتْوَى الْفَاسِقِ وَالْكَافِرِ وَغَيْرِ الْمُكَلَّفِ إذْ لَا يُقْبَلُ خَبَرُهُمْ، وَيُشْتَرَطُ أَهْلِيَّةُ اجْتِهَادِهِ كَمَا سَيَأْتِي وَلَا حَاجَةَ إلَى اشْتِرَاطِ التَّيَقُّظِ وَقُوَّةِ الضَّبْطِ كَمَا فِي الرَّوْضِ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّنْ غَلَبَ عَلَيْهِ الْغَفْلَةُ وَالسَّهْوُ؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْعَدَالَةِ يُغْنِي عَنْهُمَا وَفِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَسْأَلَ أَهْلَ الْعِلْمِ الْمَشْهُورِينَ فِي عَصْرِهِ عَمَّنْ يَصْلُحُ لِلْفَتْوَى لِيَمْنَعَ مَنْ لَا يَصْلُحُ وَيَتَوَعَّدُهُ بِالْعُقُوبَةِ بِالْعَوْدِ وَلْيَكُنْ الْمُفْتِي مُتَنَزِّهًا عَنْ خَوَارِمِ الْمُرُوءَةِ فَقِيهَ النَّفْسِ سَلِيمَ الذِّهْنِ حَسَنَ التَّصَرُّفِ وَالِاسْتِنْبَاطِ، وَلَوْ كَانَ الْمُفْتِي عَبْدًا أَوْ امْرَأَةً أَوْ أَعْمَى أَوْ أَخْرَسَ بِالْإِشَارَةِ وَلَيْسَ هُوَ كَالشَّاهِدِ فِي رَدِّ فَتْوَاهُ لِقَرَابَةٍ وَجَرِّ نَفْعٍ وَدَفْعِ ضُرٍّ وَعَدَاوَةٍ فَهُوَ كَالرَّاوِي لَا كَالشَّاهِدِ، وَتُقْبَلُ فَتْوَى مَنْ لَا يَكْفُرُ وَلَا يَفْسُقُ بِبِدْعَةٍ كَشَهَادَتِهِ اهـ. وَفِي تَلْقِيحِ الْمَحْبُوبِيِّ أَنَّ الْإِشَارَةَ مِنْ الْمُفْتِي النَّاطِقِ يُعْمَلُ بِهَا فَلَا يَخْتَصُّ بِالْأَخْرَسِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَفِي صُلْحٍ إلَخْ) هَكَذَا وُجِدَ بِالنُّسَخِ مُكَرَّرًا مَعَ السَّابِقِ، وَإِنْ كَانَتْ عِبَارَةُ الْمُحَشِّي تَقْضِي بِأَنَّهُ لَا يُوجَدُ إلَّا فِي أَحَدِ الْمَوْضِعَيْنِ تَأَمَّلْ اهـ. مُصَحَّحَةً [الْفَاسِقُ يَصْلُحُ مُفْتِيًا] (قَوْلُهُ وَظَاهِرُ مَا فِي التَّحْرِيرِ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ اسْتِفْتَاؤُهُ اتِّفَاقًا) هَذَا بِنَاءً عَلَى مَا عَلَيْهِ الْأُصُولِيُّونَ مِنْ أَنَّ الْمُفْتِيَ هُوَ الْمُجْتَهِدُ كَمَا سَيَأْتِي فِي شَرْحِ قَوْلِهِ، وَالْمُفْتِي يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَكَذَا وَهُوَ غَيْرُ الْمُرَادِ هُنَا بَلْ الْمُرَادُ بِهِ هُنَا الْمُقَلِّدُ الَّذِي يَنْتَقِلُ الْحُكْمُ عَنْ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ إنْ ظَنَّ عَدَمَ أَحَدِهِمَا) أَيْ الِاجْتِهَادِ أَوْ الْعَدَالَةِ فَضْلًا عَنْ عَدَمِهِمَا جَمِيعًا كَذَا فِي شَرْحِ ابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 286 وَفِي الْقُنْيَةِ رَامِزًا لِعَيْنِ الْأَئِمَّةِ الْمَكِّيِّ أَشَارَ الْمُفْتِي بِرَأْسِهِ مَكَانَ قَوْلِهِ نَعَمْ لِلْمُسْتَفْتِي أَنْ يَعْمَلَ بِهِ وَرَمَزَ لِلنَّوَازِلِ عَنْ أَبِي الْقَاسِمِ مِثْلَهُ وَرَمَزَ لِظَهِيرِ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيِّ لَا لِأَنَّ إشَارَةَ النَّاطِقِ لَا تُعْتَبَرُ. اهـ. وَسَيَأْتِي أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُفْتِي كَالْقَاضِي فِي أَوْصَافِ الْكَمَالِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَا بَأْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يُفْتِيَ مَنْ لَمْ يُخَاصِمْ إلَيْهِ، وَلَا يُفْتِي أَحَدَ الْخَصْمَيْنِ فِيمَا خُوصِمَ إلَيْهِ اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي فَظًّا غَلِيظًا جَبَّارًا عَنِيدًا) ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ وَهُوَ إيصَالُ الْحُقُوقِ إلَى أَهْلِهَا لَا يَحْصُلُ بِهِ، وَفِي الْمِصْبَاحِ رَجُلٌ فَظٌّ شَدِيدٌ غَلِيظُ الْقَلْبِ يُقَالُ مِنْهُ فَظَّ مِنْ بَابِ تَعِبَ فَظَاظَةً إذَا غَلُظَ حَتَّى يُهَابَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ، وَغَلُظَ الرَّجُلُ اشْتَدَّ فَهُوَ غَلِيظٌ وَفِيهِ غِلْظَةٌ أَيْ غَيْرُ لَيِّنٍ وَلَا سَلِسٍ، وَأَغْلَظَ لَهُ فِي الْقَوْلِ إغْلَاظًا عَنَّفَهُ اهـ. وَالْجَبَّارُ فِي الْخَلْقِ الْحَامِلُ غَيْرَهُ عَلَى الشَّيْءِ قَهْرًا وَغَلَبَةً وَفِي أَسْمَائِهِ تَعَالَى الَّذِي جَبَرَ خَلْقَهُ عَلَى مَا أَرَادَ مِنْ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، وَالْعَنِيدُ مَنْ عَانَدَ فُلَانًا عِنَادًا مِنْ بَابِ قَاتَلَ إذَا رَكِبَ الْخِلَافَ وَالْعِصْيَانَ وَعَانَدَهُ مُعَانَدَةً عَارَضَهُ وَفَعَلَ مِثْلَ فِعْلِهِ. قَالَ الْأَزْهَرِيُّ الْمُعَانِدُ الْمُعَارِضُ بِالْخِلَافِ لَا بِالْوِفَاقِ، وَقَدْ يَكُونُ مُبَارَاةً بِغَيْرِ خِلَافٍ اهـ. وَفَسَّرَهُ فِي الْمُغْرِبِ بِمَنْ يَظْهَرُ لَهُ الْحَقُّ فَيَأْبَاهُ، وَذَكَرَهُ مِسْكِينٌ أَنَّ الْفَظَّ هُوَ الْجَافِي سَيِّئُ الْخُلُقِ وَالْغَلِيظَ قَاسِي الْقَلْبِ وَالْجَبَّارَ مَنْ جَبَرَهُ عَلَى الْأَمْرِ بِمَعْنَى أَجْبَرَهُ أَيْ لَا يُجْبِرُ غَيْرَهُ عَلَى مَا لَا يُرِيدُ وَالْعَنِيدَ الْمُعَانِدُ الْمُجَانِبُ لِلْحَقِّ الْمُعَادِي لِأَهْلِهِ قَوْلُهُ (وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَوْثُوقًا بِهِ فِي عَفَافِهِ وَعَقْلِهِ وَصَلَاحِهِ وَفَهْمِهِ وَعِلْمِهِ بِالسُّنَّةِ وَالْآثَارِ وَوُجُوهِ الْفِقْهِ) وَيَكُونُ شَدِيدًا مِنْ غَيْرِ عُنْفٍ لَيِّنًا مِنْ غَيْرِ ضَعْفٍ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ مِنْ أَهَمِّ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ فَكُلُّ مَنْ كَانَ أَعْرَفَ وَأَقْدَرَ وَأَوْجَهَ وَأَهْيَبَ وَأَصْبَرَ عَلَى مَا يُصِيبُهُ مِنْ النَّاسِ كَانَ أَوْلَى، يَنْبَغِي لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَتَفَحَّصَ فِي ذَلِكَ وَيُوَلِّيَ مَنْ هُوَ أَوْلَى لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ قَلَّدَ إنْسَانًا عَمَلًا وَفِي رَعِيَّتِهِ مَنْ هُوَ أَوْلَى فَقَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَجَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ» وَالْمَوْثُوقُ بِهِ مِنْ وَثِقْت بِهِ أَثِقُ بِكَسْرِهِمَا ثِقَةً وَوُثُوقًا ائْتَمَنْتُهُ هُوَ وَهِيَ وَهُمْ ثِقَةٌ؛ لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ وَقَدْ يُجْمَعُ فِي الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ فَيُقَالُ ثِقَاتٌ، وَالْعَفَافُ بِالْفَتْحِ مِنْ عَفَّ عَنْ الشَّيْءِ يَعِفُّ مِنْ بَابِ ضَرَبَ عِفَّةً بِالْكَسْرِ امْتَنَعَ عَنْهُ فَهُوَ عَفِيفٌ كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ، وَفَسَّرَهُ الْكَرْمَانِيُّ شَارِحُ الْبُخَارِيِّ بِالْكَفِّ عَنْ الْمَحَارِمِ وَخَوَارِمِ الْمُرُوءَةِ وَالْعَقْلُ عَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِ كَمَا فِي التَّحْرِيرِ قُوَّةٌ بِهَا إدْرَاكُ الْكُلِّيَّاتِ لِلنَّفْسِ اهـ. وَالْمُرَادُ بِالْوُثُوقِ بِهِ فِي عَقْلِهِ أَنْ يَكُونَ كَامِلَهُ فَلَا يُوَلَّى الْأَحْمَقُ وَهُوَ نَاقِصُ الْعَقْلِ قَالَ فِي الْمُسْتَظْرَفِ الْحُمْقُ الْخِفَّةُ غَرِيزَةٌ لَا تَنْفَعُ فِيهَا الْحِيلَةُ، وَهِيَ دَاءٌ دَوَاؤُهُ الْمَوْتُ وَفِي الْحَدِيثِ «الْأَحْمَقُ أَبْغَضُ الْخَلْقِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى إذْ حَرَمَهُ أَعَزَّ الْأَشْيَاءِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْعَقْلُ» . وَيُسْتَدَلُّ عَلَى صِفَتِهِ مِنْ حَيْثُ الصُّورَةُ بِطُولِ اللِّحْيَةِ؛ لِأَنَّ مَخْرَجَهَا مِنْ الدِّمَاغِ فَمَنْ أَفْرَطَ طُولَ لِحْيَتِهِ قَلَّ دِمَاغُهُ، وَمَنْ قَلَّ دِمَاغُهُ قَلَّ عَقْلُهُ وَمَنْ قَلَّ عَقْلُهُ فَهُوَ أَخَفُّ، وَأَمَّا صِفَتُهُ مِنْ حَيْثُ الْأَفْعَالُ فَتَرْكُ نَظَرِهِ فِي الْعَوَاقِبِ وَثِقَتُهُ بِمَنْ لَا يَعْرِفُهُ وَالْعُجْبُ وَكَثْرَةُ الْكَلَامِ وَسُرْعَةُ الْجَوَابِ وَكَثْرَةُ الِالْتِفَاتِ وَالْخُلُوُّ مِنْ الْعِلْمِ وَالْعَجَلَةُ وَالْخِفَّةُ وَالسَّفَهُ وَالظُّلْمُ وَالْغَفْلَةُ وَالسَّهْوُ وَالْخُيَلَاءُ إنْ اسْتَغْنَى بَطِرَ، وَإِنْ افْتَقَرَ قَنِطَ وَإِنْ قَالَ فَحُشَ وَإِنْ سُئِلَ بَخِلَ وَإِنْ سَأَلَ أَلَحَّ وَإِنْ قَالَ لَمْ يُحْسِنْ، وَإِنْ قِيلَ لَهُ لَمْ يَفْقَهْ وَإِنْ ضَحِكَ قَهْقَهَ وَإِنْ بَكَى صَرَخَ وَإِذَا اعْتَبَرْنَا هَذِهِ الْخِصَالَ وَجَدْنَاهَا فِي كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ، فَلَا يَكَادُ يُعْرَفُ الْعَاقِلُ مِنْ الْأَحْمَقِ قَالَ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: عَالَجْتُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ فَأَبْرَأْتُهُمَا وَعَالَجْتُ الْأَحْمَقَ فَلَمْ يَبْرَأْ. اهـ. وَأَمَّا الصَّلَاحُ فَهُوَ لُغَةً خِلَافُ الْفَسَادِ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ وَذَكَرَ الْكَرْمَانِيُّ أَنَّهُ لَفْظٌ جَامِعٌ لِكُلِّ خَيْرٍ، وَلِذَا وَصَفَ الْأَنْبِيَاءُ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَبِيَّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهِ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ فَقَالَ كُلُّ مَنْ لَقِيَهُ فِي السَّمَاوَاتِ مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَلَوْ كَانَ هُنَاكَ وَصْفٌ أَجْمَعُ مِنْهُ لِلْخَيْرِ لَوَصَفُوهُ بِهِ اهـ. وَفِي أَوْقَافِ الْخَصَّافِ الصَّالِحُ مَنْ كَانَ مَسْتُورًا لَيْسَ بِمَهْتُوكٍ وَلَا صَاحِبَ رِيبَةٍ وَكَانَ مُسْتَقِيمَ الطَّرِيقَةِ سَلِيمَ النَّاحِيَةِ كَامِنَ الْأَذَى قَلِيلَ السُّوءِ لَيْسَ   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 287 بِمُعَاقِرٍ لِلنَّبِيذِ، وَلَا يُنَادِمُ عَلَيْهِ الرِّجَالَ، وَلَيْسَ بِقَذَّافٍ لِلْمُحْصَنَاتِ وَلَا مَعْرُوفًا بِالْكَذِبِ فَهَذَا عِنْدَنَا مِنْ أَهْلِ الصَّلَاحِ. اهـ. وَالْفَهْمُ لُغَةً كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ الْعِلْمُ وَالْعُنْفُ عَدَمُ الرِّفْقِ وَالضَّعْفُ الْعَجْزُ عَنْ احْتِمَالِ الشَّيْءِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ قُبَيْلَ الْحَبْسِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ فِي الْقَاضِي عِبْسَةٌ بِلَا غَضَبٍ، وَأَنْ يَلْتَزِمَ التَّوَاضُعَ مِنْ غَيْرِ وَهَنٍ وَلَا ضَعْفٍ، وَالْمُرَادُ بِعِلْمِ السُّنَّةِ مَا ثَبَتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْلًا وَفِعْلًا وَتَقْرِيرًا عِنْدَ أَمْرٍ يُعَايِنُهُ وَالْمُرَادُ بِوُجُوهِ الْفِقْهِ طُرُقُهُ، وَقَدَّمْنَا تَعْرِيفَهُ أَوَّلَ الْكِتَابِ، وَذَكَرَ مِسْكِينٌ هُنَا أَنَّ الْفِقْهَ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ اسْمٌ لِعِلْمٍ خَاصٍّ فِي الدِّينِ لَا لِكُلِّ عِلْمٍ، وَهُوَ الْعِلْمُ بِالْمَعَانِي الَّتِي تَعَلَّقَتْ بِهَا الْأَحْكَامُ مِنْ كِتَابٍ وَسُنَّةٍ وَإِجْمَاعٍ وَمُقْتَضَيَاتِهَا وَإِشَارَاتِهَا قَوْلُهُ (وَالِاجْتِهَادُ شَرْطُ الْأَوْلَوِيَّةِ) وَهُوَ لُغَةً بَذْلُ الطَّاقَةِ فِي تَحْصِيلِ ذِي كُلْفَةٍ، وَاصْطِلَاحًا ذَلِكَ مِنْ الْفِقْهِ فِي تَحْصِيلِ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ ظَنِّيٍّ كَمَا فِي التَّحْرِيرِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُجْتَهِدِ فَقِيلَ أَنْ يَعْلَمَ الْكِتَابَ بِمَعَانِيهِ وَالسُّنَّةَ بِطُرُقِهَا، وَالْمُرَادُ بِعِلْمِهِمَا عِلْمُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَحْكَامُ مِنْهُمَا مِنْ الْعَامِّ وَالْخَاصِّ وَالْمُشْتَرَكِ وَالْمُؤَوَّلِ وَالنَّصِّ وَالظَّاهِرِ وَالنَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ وَمَعْرِفَةُ الْإِجْمَاعِ وَالْقِيَاسِ وَلَا يُشْتَرَطُ حِفْظُهُ لِجَمِيعِ الْقُرْآنِ وَلَا لِبَعْضِهِ عَنْ ظَهْرِ الْقَلْبِ بَلْ يَكْفِي أَنْ يَعْرِفَ مَظَانَّ أَحْكَامِهَا فِي أَبْوَابِهَا فَيُرَاجِعُهَا وَقْتَ الْحَاجَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ التَّبَحُّرُ فِي هَذِهِ الْعُلُومِ وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ مَعْرِفَةِ لِسَانِ الْعَرَبِ لُغَةً وَإِعْرَابًا، وَأَمَّا الِاعْتِقَادُ فَيَكْفِيهِ اعْتِقَادٌ جَازِمٌ وَلَا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَتُهَا عَلَى طَرِيقِ الْمُتَكَلِّمِينَ وَأَدِلَّتِهِمْ؛ لِأَنَّهَا صِنَاعَةٌ لَهُمْ وَيَدْخُلُ فِي السُّنَّةِ أَقْوَالُ الصَّحَابَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَتِهَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَقِيسُ مَعَ وُجُودِ قَوْلِ الصَّحَابِيِّ وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ مَعْرِفَةِ عُرْفِ النَّاسِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِمْ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ صَاحِبَ قَرِيحَةٍ وَفِي الْقَامُوسِ وَالْقَرِيحَةُ أَوَّلُ مَاءٍ يُسْتَنْبَطُ مِنْ الْقُرْحِ كَالْبِئْرِ، وَأَوَّلُ كُلِّ شَيْءٍ وَمِنْك طَبْعُك، وَالِاقْتِرَاحُ ارْتِجَالُ الْكَلَامِ وَاسْتِنْبَاطُ الشَّيْءِ مِنْ غَيْرِ سَمَاعٍ وَالِاجْتِبَاءُ وَالِاخْتِيَارُ وَابْتِدَاعُ الشَّيْءِ وَالتَّحَكُّمُ اهـ. وَفِي مَنَاقِبِ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ الْكَرْدَرِيِّ كَانَ مُحَمَّدٌ يَذْهَبُ إلَى الصَّبَّاغِينَ، وَيَسْأَلُ عَنْ مُعَامَلَاتِهِمْ وَمَا يُدِيرُونَهَا فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَكَانَ الْكِسَائِيُّ يَخْتَلِفُ إلَى مُحَمَّدٍ فَقَالَ لَهُ يَوْمًا أَكْثَرُ مَا تَقُولُونَ وَعَلَى هَذَا مَعَانِي كَلِمِ النَّاسِ مَا أَنْتُمْ وَهَذَا الْقَوْلُ لَا يَعْرِفُهُ إلَّا الْحُذَّاقُ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الصِّنَاعَةِ فَمَنْ أَتْقَنَ هَذِهِ الْجُمْلَةَ فَهُوَ أَهْلٌ لِلِاجْتِهَادِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَعْمَلَ بِاجْتِهَادِهِ، وَلَا يُقَلِّدَ أَحَدًا وَقَوْلُهُ شَرْطُ الْأَوْلَوِيَّةِ يُفِيدُ أَنَّ تَوْلِيَةَ الْجَاهِلِ صَحِيحَةٌ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْقَضَاءِ وَهُوَ إيصَالُ الْحَقِّ إلَى مُسْتَحِقِّهِ يَحْصُلُ بِالْعَمَلِ بِفَتْوَى غَيْرِهِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ كِتَابِ الْإِيمَانِ قُبَيْلَ الثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ الْمُفْتِي يُفْتِي بِالدِّيَانَةِ وَالْقَاضِي يَقْضِي بِالظَّاهِرِ إلَى أَنْ قَالَ دَلَّ أَنَّ الْجَاهِلَ لَا يُمْكِنُهُ الْقَضَاءُ بِالْفَتْوَى أَيْضًا فَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ الْقَاضِي الْحَاكِمِ فِي الدِّمَاءِ وَالْفُرُوجِ عَالِمًا دَيِّنًا كَالْكِبْرِيتِ الْأَحْمَرِ وَأَيْنَ الْكِبْرِيتُ الْأَحْمَرُ وَأَيْنَ الدِّينُ وَالْعِلْمُ اهـ. وَذَكَرَ يَعْقُوبُ بَاشَا وَيُعْلَمُ مِنْ الدَّلِيلِ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْجَاهِلِ مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِ الْمَسَائِلِ مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ وَضَبْطِ أَقْوَالِ الْفُقَهَاءِ كَمَا لَا يَخْفَى مَعَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ الْمُقَلِّدُ بِقَرِينَةِ جَعْلِ الِاجْتِهَادِ شَرْطَ الْأَوْلَوِيَّةِ. اهـ. وَهَكَذَا فِي إيضَاحِ الْإِصْلَاحِ، وَجَوَّزَ فِي الْعِنَايَةِ أَنْ يُرَادَ بِالْجَاهِلِ الْمُقَلِّدُ لِكَوْنِهِ ذُكِرَ فِي مُقَابَلَةَ الْمُجْتَهِدِ، وَأَنْ يُرَادَ مَنْ لَا يَحْفَظُ شَيْئًا مِنْ أَقْوَالِ الْفُقَهَاءِ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِسِيَاقِ الْكَلَامِ لِقَوْلِهِ فِي دَلِيلِ الشَّافِعِيِّ وَلَا قُدْرَةَ بِدُونِ الْعِلْمِ، وَلَمْ يَقُلْ بِدُونِ الِاجْتِهَادِ. اهـ. وَأَمَّا مَعْنَاهُ لُغَةً وَاصْطِلَاحًا فَقَدَّمْنَاهُمَا، وَأَمَّا حُكْمُهُ فَهُوَ غَلَبَةُ الظَّنِّ بِالْحُكْمِ مَعَ احْتِمَالِ الْخَطَأِ وَرَأَيْت فِي حُجَجِ الدَّلَائِلِ أَنَّ الظَّنَّ الْغَالِبَ غَيْرُ غَلَبَةِ الظَّنِّ لِتَغَيُّرِ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ، وَقَدْ يُقَالُ الْمُقَلِّدُ أَيْضًا يَعْمَلُ بِفَتْوَى غَيْرِهِ وَلَوْ أَخَذَهَا مِنْ الْكُتُبِ، وَحَاصِلُ شَرَائِطِ الْمُجْتَهِدِ عَلَى مَا فِي التَّلْوِيحِ وَالتَّحْرِيرِ الْإِسْلَامُ وَالْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ وَكَوْنُهُ فَقِيهَ النَّفْسِ بِمَعْنَى شَدِيدِ الْفَهْمِ بِالطَّبْعِ وَعِلْمِهِ بِاللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ أَيْ الصَّرْفِ وَالنَّحْوِ وَالْمَعَانِي وَالْبَيَانِ وَالْأُصُولِ، وَكَوْنُهُ حَاوِيًا لِعِلْمِ كِتَابِ اللَّهِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَذَكَرَ يَعْقُوبُ بَاشَا) أَيْ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى صَدْرِ الشَّرِيعَةِ وَعِبَارَتُهُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَصِحُّ تَقْلِيدُ الْفَاسِقِ وَالْجَاهِلِ، وَدَلِيلُهُ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ تَقْلِيدِ الْجَاهِلِ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْقَضَاءِ يَسْتَدْعِي الْقُدْرَةَ عَلَيْهِ وَلَا قُدْرَةَ بِدُونِ الْعِلْمِ، وَدَلِيلُنَا عَلَى صِحَّتِهِ أَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَقْضِيَ بِفَتْوَى غَيْرِهِ، وَمَقْصُودُ الْقَاضِي يَحْصُلُ بِهِ وَهُوَ إيصَالُ الْحَقِّ إلَى مُسْتَحِقِّهِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَيُعْلَمُ مِنْ هَذَا إلَخْ وَفِي الْفَوَاكِهِ الْبَدْرِيَّةِ لِابْنِ الْغَرْسِ مَا مُلَخَّصُهُ لَيْسَ مُرَادُهُمْ بِالْجَاهِلِ الْعَامِّيَّ الْمَحْضَ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ تَأَهُّلِ الْعِلْمِ وَالْفَهْمِ، وَأَقَلُّهُ أَنْ يُحْسِنَ بَعْضَ الْحَوَادِثِ وَالْمَسَائِلِ الدَّقِيقَةِ، وَأَنْ يَعْرِفَ طَرِيقَ تَحْصِيلِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ مِنْ كُتُبِ الْمَذْهَبِ وَصُدُورِ الْمَشَايِخِ، وَكَيْفِيَّةِ الْإِيرَادِ وَالْإِصْدَارِ فِي الْوَقَائِعِ مَعَ الدَّعَاوَى وَالْحُجَجِ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُمْ الْعَالِمُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 288 تَعَالَى مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْأَحْكَامِ، وَكَوْنُهُ عَالِمًا بِالْحَدِيثِ مَتْنًا وَسَنَدًا وَنَاسِخًا وَمَنْسُوخًا وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ بَعْدَ صِحَّةِ الْعَقِيدَةِ عِلْمُ الْكَلَامِ وَلَا تَفَارِيعُ الْفِقْهِ وَلَا الذُّكُورَةُ وَالْحُرِّيَّةُ وَلَا الْعَدَالَةُ فَلِلْفَاسِقِ الِاجْتِهَادُ لِيَعْمَلَ بِنَفْسِهِ، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَلَا يَعْمَلُ بِهِ، وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُ عَالِمًا بِوُجُوهِ الْقِيَاسِ وَفِي الْحَقِيقَةِ اشْتِرَاطُ عِلْمِهِ بِالْأُصُولِ يُغْنِي عَنْهُ، وَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ الْإِجْمَاعِ وَمَوَاقِعِهِ وَمِنْ مَعْرِفَةِ عَادَاتِ النَّاسِ، فَالْحَاصِلُ أَنَّ الشَّرَائِطَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ شَرْطًا، وَأَمَّا رُكْنُهُ فَالْمُجْتَهِدُ وَهُوَ مَا قَدَّمْنَاهُ وَالْمُجْتَهَدُ فِيهِ وَهُوَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ ظَنِّيٌّ عَلَيْهِ دَلِيلٌ قَوْلُهُ (وَالْمُفْتِي يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَكَذَا) أَيْ مَوْثُوقًا بِهِ فِي دِينِهِ وَعَفَافِهِ إلَى آخِرِهِ، وَأَنْ يَكُونَ مُجْتَهِدًا قَالَ فِي الْفَتْحِ الْقَدِيرِ وَاعْلَمْ أَنَّ مَا ذُكِرَ فِي الْقَاضِي ذُكِرَ فِي الْمُفْتِي فَلَا يُفْتِي إلَّا الْمُجْتَهِدُ، وَقَدْ اسْتَقَرَّ رَأْيُ الْأُصُولِيِّينَ عَلَى أَنَّ الْمُفْتِيَ هُوَ الْمُجْتَهِدُ فَأَمَّا غَيْرُ الْمُجْتَهِدِ مِمَّنْ يَحْفَظُ أَقْوَالَ الْمُجْتَهِدِ فَلَيْسَ مُفْتِيًا، وَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ إذَا سُئِلَ أَنْ يَذْكُرَ قَوْلَ الْمُجْتَهِدِ كَأَبِي حَنِيفَةَ عَلَى جِهَةِ الْحِكَايَةِ فَعَرَفَ أَنَّ مَا يَكُونُ فِي زَمَانِنَا مِنْ فَتْوَى الْمَوْجُودِينَ لَيْسَ بِفَتْوَى بَلْ هُوَ نَقْلُ كَلَامِ الْمُفْتِي لِيَأْخُذَ بِهِ الْمُسْتَفْتِيَ، وَطَرِيقُ نَقْلِهِ لِذَلِكَ عَنْ الْمُجْتَهِدِ أَحَدُ أَمْرَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ سَنَدٌ فِيهِ، أَوْ يَأْخُذُهُ مِنْ كِتَابٍ مَعْرُوفٍ تَدَاوَلَتْهُ الْأَيْدِي نَحْوُ كُتُبِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَنَحْوِهَا مِنْ التَّصَانِيفِ الْمَشْهُورَةِ لِلْمُجْتَهِدَيْنِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ أَوْ الْمَشْهُورِ هَكَذَا ذَكَرَ الرَّازِيّ فَعَلَى هَذَا لَوْ وَجَدَ بَعْضَ نُسَخِ النَّوَادِرِ فِي زَمَانِنَا لَا يَحِلُّ عَزْوُ مَا فِيهَا إلَى مُحَمَّدٍ وَلَا إلَى أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَشْتَهِرْ فِي عَصْرِنَا فِي دِيَارِنَا، وَلَمْ تُتَدَاوَلْ نَعَمْ إذَا وُجِدَ النَّقْلُ عَنْ النَّوَادِرِ مَثَلًا فِي كِتَابٍ مَشْهُورٍ مَعْرُوفٍ كَالْهِدَايَةِ وَالْمَبْسُوطِ كَانَ ذَلِكَ تَعْوِيلًا عَلَى ذَلِكَ الْكِتَابِ، فَلَوْ كَانَ حَافِظًا لِلْأَقَاوِيلِ الْمُخْتَلِفَةِ لِلْمُجْتَهِدِينَ وَلَا يَعْرِفُ الْحُجَّةَ وَلَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى الِاجْتِهَادِ لِلتَّرْجِيحِ لَا يُقْطَعُ بِقَوْلٍ مِنْهَا يُفْتَى بِهِ بَلْ يَحْكِيهَا لِلْمُسْتَفْتِي فَيَخْتَارُ الْمُسْتَفْتِي مَا يَقَعُ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ الْأَصْوَبُ. ذَكَرَهُ فِي بَعْضِ الْجَوَامِعِ، وَعِنْدِي لَا يَجِبُ عَلَيْهِ حِكَايَةُ كُلِّهَا بَلْ يَكْفِيهِ أَنْ يَحْكِيَ قَوْلًا مِنْهَا فَإِنَّ الْمُقَلِّدَ لَهُ أَنْ يُقَلِّدَ أَيَّ مُجْتَهِدٍ شَاءَ، فَإِذَا ذَكَرَ أَحَدَهَا فَقَلَّدَهُ حَصَلَ الْمَقْصُودُ نَعَمْ لَا يُقْطَعُ عَلَيْهِ فَيَقُولُ جَوَابُ مَسْأَلَتِكَ كَذَا، بَلْ يَقُولُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ حُكْمُ هَذَا كَذَا نَعَمْ لَوْ حَكَى الْكُلَّ فَالْأَخْذُ بِمَا يَقَعُ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ أَصْوَبُ أَوْلَى، وَإِلَّا فَالْعَامِّيُّ لَا عِبْرَةَ بِمَا يَقَعُ فِي قَلْبِهِ مِنْ صَوَابِ الْحُكْمِ وَخَطَئِهِ، وَعَلَى هَذَا إذَا اسْتَفْتَى فَقِيهَيْنِ أَعْنِي مُجْتَهِدَيْنِ فَاخْتَلَفَا عَلَيْهِ الْأَوْلَى بِأَنْ يَأْخُذَ بِمَا يَمِيلُ إلَيْهِ قَلْبُهُ مِنْهُمَا، وَعِنْدِي أَنَّهُ لَوْ أَخَذَ بِقَوْلِ الَّذِي لَا يَمِيلُ إلَيْهِ قَلْبُهُ جَازَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْمَيْلَ وَعَدَمَهُ سَوَاءٌ، وَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ تَقْلِيدُ مُجْتَهِدٍ، وَقَدْ فَعَلَ أَصَابَ ذَلِكَ الْمُجْتَهِدُ أَوْ أَخْطَأَ وَقَالُوا الْمُنْتَقِلُ مِنْ مَذْهَبٍ إلَى مَذْهَبٍ بِاجْتِهَادٍ وَبُرْهَانٍ آثِمٌ يَسْتَوْجِبُ التَّعْزِيرَ فَبِلَا اجْتِهَادٍ وَبُرْهَانٍ أَوْلَى وَلَا بُدَّ أَنْ يُرَادَ بِهَذَا الِاجْتِهَادِ مَعْنَى التَّحَرِّي وَتَحْكِيمِ الْقَلْبِ؛ لِأَنَّ الْعَامِّيَّ لَيْسَ لَهُ اجْتِهَادٌ، ثُمَّ حَقِيقَةُ الِانْتِقَالِ إنَّمَا   [منحة الخالق] إذَا تَعَيَّنَ لِلْقَضَاءِ وَجَبَ عَلَيْهِ قَبُولُهُ وَإِذَا تَرَكَهُ أَثِمَ وَمَا لَمْ يَتَعَيَّنْ فَالتَّرْكُ أَفْضَلُ، وَإِذَا كَانَ الْجَاهِلُ أَهْلًا لِلْقَضَاءِ فَمَتَى يَتَعَيَّنُ قَالَ فِي النَّهْرِ وَأَقُولُ: وُجُودُ الْجَاهِلِ لَا يَمْنَعُ مِنْ تَعَيُّنِهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ، وَلَمْ يَقْبَلْ أَثِمَ وَإِنْ وُجِدَ جَاهِلٌ تَصِحُّ تَوْلِيَتُهُ (قَوْلُهُ ثُمَّ حَقِيقَةُ الِانْتِقَالِ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَالَ فِي تَصْحِيحِ الْقُدُورِيِّ وَقَالَ الْأُصُولِيُّونَ أَجْمَعُ: لَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنْ التَّقْلِيدِ بَعْدَ الْعَمَلِ بِالِاتِّفَاقِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ فِي الْمَذْهَبِ وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْحَسَنِ الْخَطِيبُ فِي كِتَابِ الْفَتَاوَى وَالْمُفْتِي عَلَى مَذْهَبٍ إذَا أَفْتَى بِكَوْنِ الشَّيْءِ كَذَا عَلَى مَذْهَبِ إمَامٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُقَلِّدَ غَيْرَهُ وَيُفْتِي بِخِلَافِهِ؛ لِأَنَّهُ مَحْضُ تَشَهٍّ، وَقَالَ أَيْضًا إنَّهُ بِالْتِزَامِهِ مَذْهَبَ إمَامٍ يُكَلَّفُ بِهِ مَا لَمْ يَظْهَرْ لَهُ غَيْرُهُ، وَالْمُقَلَّدُ لَا يَظْهَرُ لَهُ اهـ. قُلْت: وَفِي التَّحْرِيرِ لِابْنِ الْهُمَامِ مَسْأَلَةٌ لَا يَرْجِعُ فِيمَا قَلَّدَ فِيهِ أَيْ عَمِلَ بِهِ اتِّفَاقًا، وَهَلْ يُقَلَّدُ غَيْرُهُ فِي غَيْرِهِ الْمُخْتَارُ نَعَمْ لِلْقَطْعِ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَفْتُونَ مَرَّةً وَاحِدًا وَمَرَّةً غَيْرَهُ غَيْرَ مُلْتَزِمِينَ مُفْتِيًا وَاحِدًا فَلَوْ الْتَزَمَ مَذْهَبًا مُعَيَّنًا كَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ فَهَلْ يَلْزَمُهُ الِاسْتِمْرَارُ عَلَيْهِ فَقِيلَ نَعَمْ، وَقِيلَ لَا وَقِيلَ كَمَنْ لَمْ يَلْتَزِمْ إنْ عَمِلَ بِحُكْمٍ تَقْلِيدًا لَا يَرْجِعُ عَنْهُ وَفِي غَيْرِهِ لَهُ تَقْلِيدُ غَيْرِهِ، وَهُوَ الْغَالِبُ عَلَى الظَّنِّ لِعَدَمِ مَا يُوجِبُهُ شَرْعًا، وَيَتَخَرَّجُ مِنْهُ جَوَازُ اتِّبَاعِهِ لِلرُّخَصِ وَلَا يَمْنَعُ مِنْهُ مَانِعٌ شَرْعِيٌّ إذْ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَسْلُكَ الْأَخَفَّ عَلَيْهِ إذَا كَانَ لَهُ إلَيْهِ سَبِيلٌ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ عَمِلَ بِآخَرَ فِيهِ اهـ. وَلِلشَّيْخِ حَسَنٍ الشُّرُنْبُلَالِيُّ رِسَالَةٌ سَمَّاهَا الْعِقْدَ الْفَرِيدَ فِي جَوَازِ التَّقْلِيدِ وَذَكَرَ فِيهَا مَا حَاصِلُهُ أَنَّ دَعْوَى الِاتِّفَاقِ عَلَى عَدَمِ الرُّجُوعِ فِيمَا قَلَّدَ فِيهِ ذَكَرَهَا الْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ، وَتَبِعَهُمَا فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ وَغَيْرِهِ، وَذَكَرَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ أَبِي شَرِيفٍ أَنَّ فِي كَلَامِ غَيْرِهِمَا مَا يُشْعِرُ بِإِثْبَاتِ الْخِلَافِ بَعْدَ الْعَمَلِ فَلَهُ التَّقْلِيدُ بَعْدَهُ بِقَوْلِ غَيْرِهِ، وَذَكَرَ مِثْلَهُ عَنْ الزَّرْكَشِيّ الْعَلَّامَةُ ابْنُ أَمِيرِ الْحَاجِّ وَالسَّيِّدِ بَادْشَاهْ فِي شَرْحِهِمَا عَلَى التَّحْرِيرِ أَيْ فَيَجُوزُ اتِّبَاعُ الْقَائِلِ بِالْجَوَازِ، وَأَيْضًا الْقَوْلُ بِالْمَنْعِ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ؛ لِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا بَقِيَ مِنْ آثَارِ الْفِعْلِ السَّابِقِ أَثَرٌ يُؤَدِّي إلَى تَلْفِيقِ الْعَمَلِ بِشَيْءٍ مُرَكَّبٍ مِنْ مَذْهَبَيْنِ كَتَقْلِيدِ الشَّافِعِيِّ فِي مَسْحِ بَعْضِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 289 تَتَحَقَّقُ فِي حُكْمِ مَسْأَلَةٍ خَاصَّةٍ قَلَّدَ فِيهِ وَعَمِلَ بِهِ، وَإِلَّا فَقَوْلُهُ قَلَّدْت أَبَا حَنِيفَةَ فِيمَا أَفْتَى بِهِ مِنْ الْمَسَائِلِ وَالْتَزَمْت الْعَمَلَ بِهِ عَلَى الْإِجْمَاعِ، وَهُوَ لَا يَعْرِفُ صُوَرَهَا لَيْسَ حَقِيقَةَ التَّقْلِيدِ بَلْ هَذَا حَقِيقَةُ تَعْلِيقِ التَّقْلِيدِ، أَوْ وَعَدَ بِهِ كَأَنَّهُ الْتَزَمَ أَنْ يَعْمَلَ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَا يَقَعُ لَهُ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي تَتَعَيَّنُ فِي الْوَقَائِعِ. فَإِنْ أَرَادُوا هَذَا الِالْتِزَامَ فَلَا دَلِيلَ عَلَى وُجُوبِ اتِّبَاعِ الْمُجْتَهِدِ الْمُعَيَّنِ بِالْتِزَامِ نَفْسِهِ ذَلِكَ قَوْلًا أَوْ نِيَّةً شَرْعًا، بَلْ دَلِيلٌ اقْتَضَى الْعَمَلَ بِقَوْلِ الْمُجْتَهِدِ فِيمَا احْتَاجَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43] وَالسُّؤَالُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ عِنْدَ طَلَبِ حُكْمِ الْحَادِثَةِ الْمُعَيَّنَةِ، وَحِينَئِذٍ إذَا ثَبَتَ عِنْدَهُ قَوْلُ الْمُجْتَهِدِ وَجَبَ عَمَلُهُ بِهِ، وَالْغَالِبُ أَنَّ مِثْلَ هَذَا إلْزَامَاتٌ مِنْهُمْ لِكَفِّ النَّاسِ عَنْ تَتَبُّعِ الرُّخَصِ، وَإِلَّا أَخَذَ الْعَامِّيُّ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ بِقَوْلِ مُجْتَهِدٍ. قَوْلُهُ أَخَفُّ عَلَيْهِ وَأَنَا لَا أَدْرِي مَا يَمْنَعُ هَذَا مِنْ النَّقْلِ أَوْ الْعَقْلِ، وَكَوْنُ الْإِنْسَانِ يَتَّبِعُ مَا هُوَ أَخَفُّ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَوْلِ مُجْتَهِدٍ سَوَّغَ لَهُ الِاجْتِهَادَ وَمَا عَلِمْت مِنْ الشَّرْعِ ذَمَّهُ عَلَيْهِ وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُحِبُّ مَا خَفَّفَ عَنْ أُمَّتِهِ إلَى هُنَا مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَلَمْ يَبْسُطْ أَصْحَابُنَا الْكَلَامَ عَلَى الْمُفْتِي وَالْمُسْتَفْتِي فِي الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ أَصْحَابُ الْفَتَاوَى بَعْضَ مَسَائِلِهِمَا، وَقَدْ بَسَطَ الْكَلَامَ عَلَيْهِمَا فِي الرَّوْضِ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ فَأَحْبَبْت نَقْلَهُ؛ لِأَنَّ قَوَاعِدَنَا لَا تَأْبَاهُ، ثُمَّ أُنَبِّهُ بَعْدَهُ عَلَى نَقْلِ الْبَعْضِ لِمَذْهَبِنَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَال َ (فَصْلٌ فِي الْمُفْتِي) فَإِنْ لَمْ يَكُنْ غَيْرُهُ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ فَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَمَعَ هَذَا لَا يَحِلُّ التَّسَارُعُ إلَى مَا لَا يَتَحَقَّقُ، وَيُشْتَرَطُ إسْلَامُ الْمُفْتِي وَعَدَالَتُهُ فَتُرَدُّ فَتْوَى الْفَاسِقِ وَيَعْمَلُ لِنَفْسِهِ بِاجْتِهَادِهِ، وَيُشْتَرَطُ تَيَقُّظُهُ وَقُوَّةُ ضَبْطِهِ وَأَهْلِيَّةُ اجْتِهَادِهِ فَمَنْ عَرَفَ مَسْأَلَةً أَوْ مَسْأَلَتَيْنِ أَوْ مَسَائِلَ بِأَدِلَّتِهَا لَمْ تَجُزْ فَتْوَاهُ بِهَا وَلَا تَقْلِيدُهُ، وَكَذَا مَنْ لَمْ يَكُنْ مُجْتَهِدًا، وَلَوْ مَاتَ الْمُجْتَهِدُ لَمْ تَبْطُلْ فَتْوَاهُ بَلْ يُؤْخَذُ بِقَوْلِهِ فَعَلَى هَذَا مَنْ عَرَفَ مَذْهَبَ مُجْتَهِدٍ وَتَبَحَّرَ فِيهِ جَازَ أَنْ يُفْتِيَ بِقَوْلِ ذَلِكَ الْمُجْتَهِدِ وَلْيُضِفْ إلَى الْمَذْهَبِ إنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ يُفْتَى عَلَيْهِ، وَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِ الْمُتَبَحِّرِ إلَّا فِي مَسَائِلَ مَعْلُومَةٍ مِنْ الْمَذْهَبِ. (فَرْعٌ) لَيْسَ لِمُجْتَهِدٍ تَقْلِيدُ مُجْتَهِدٍ وَلَوْ حَدَثَتْ وَاقِعَةٌ قَدْ اجْتَهَدَ فِيهَا وَجَبَ إعَادَتُهُ إنْ نَسِيَ الدَّلِيلَ أَوْ تَجَدَّدَ مُشْكِلٌ. (فَرْعٌ) الْمُنْتَسِبُونَ إلَى مَذْهَبِ إمَامٍ إمَّا عَوَامٌّ فَتَقْلِيدُهُمْ مُفَرَّعٌ عَلَى تَقْلِيدِ الْمَيِّتِ فَقَدْ مَرَّ، وَإِمَّا مُجْتَهِدُونَ فَلَا يُقَلِّدُونَ فَإِنْ وَافَقَ اجْتِهَادُهُ اجْتِهَادَهُمْ فَلَا بَأْسَ وَإِنْ خَالَفَهُ أَحْيَانَا وَمَنْ لَمْ يَبْلُغْ رُتْبَةَ الِاجْتِهَادِ بَلْ وَقَفَ عَلَى أُصُولِ إمَامِهِ وَتَمَكَّنَ مِنْ قِيَاسِ مَا لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ عَلَى الْمَنْصُوصِ فَلَيْسَ بِمُقَلَّدٍ فِي نَفْسِهِ بَلْ هُوَ وَاسِطَةٌ فَإِنْ نَصَّ صَاحِبُ الْمَذْهَبِ عَلَى الْحُكْمِ وَالْعِلَّةِ أَلْحَقَ بِهَا غَيْرَ الْمَنْصُوصِ، وَلَوْ نَصَّ عَلَى الْحُكْمِ فَقَطْ فَلَهُ أَنْ يَسْتَنْبِطَ الْعِلَّةَ وَيَقِيسَ وَلْيَقُلْ هَذَا قِيَاسُ مَذْهَبِهِ لَا قَوْلُهُ وَإِنْ اخْتَلَفَ نَصُّ إمَامِهِ فِي مُشْتَبَهَيْنِ فَلَهُ التَّخْرِيجُ مِنْ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ. [فَرْعٌ لِلْمُفْتِي أَنْ يُغَلِّظَ لِلزَّجْرِ مُتَأَوِّلًا] (فَرْعٌ) لِلْمُفْتِي أَنْ يُغَلِّظَ لِلزَّجْرِ مُتَأَوِّلًا كَمَا إذَا سَأَلَهُ مَنْ لَهُ عَبْدٌ عَنْ قَتْلِهِ وَخَشِيَ أَنْ يَقْتُلَهُ جَازَ أَنْ يَقُولَ إنْ قَتَلْته قَتَلْنَاك مُتَأَوِّلًا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ قَتَلَ عَبْدَهُ قَتَلْنَاهُ» ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَى إطْلَاقِهِ مَفْسَدَةٌ وَاخْتِلَافُ الْمُفْتِينَ كَالْمُجْتَهِدِينَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [فَصْلٌ فِي الْمُسْتَفْتِي] يَجِبُ أَنْ يَسْتَفْتِيَ مَنْ عَرَفَ عِلْمَهُ وَعَدَالَتَهُ وَلَوْ بِإِخْبَارِ ثِقَةٍ عَارِفٍ أَوْ بِاسْتِفَاضَةٍ، وَإِلَّا بَحَثَ عَنْ ذَلِكَ فَلَوْ خَفِيَتْ عَدَالَتُهُ الْبَاطِنَةُ اكْتَفَى بِالْعَدَالَةِ الظَّاهِرَةِ وَيَعْمَلُ بِفَتْوَى عَالِمٍ مَعَ وُجُودِ أَعْلَمَ جَهِلَهُ فَإِنْ اخْتَلَفَا وَلَا نَصَّ قَدَّمَ الْأَعْلَمَ، وَكَذَا إذَا اعْتَقَدَ أَحَدَهُمَا أَعْلَمَ أَوْ أَوْرَعَ وَيُقَدَّمُ الْأَعْلَمُ عَلَى   [منحة الخالق] الرَّأْسِ وَالْإِمَامِ مَالِكٍ فِي طَهَارَةِ الْكَلْبِ فِي صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ كَذَا ذَكَرَ الْعَلَّامَتَانِ ابْنُ حَجَرٍ وَالرَّمْلِيُّ فِي شَرْحِهِمَا عَلَى الْمِنْهَاجِ. وَفِي كَلَامِ ابْنِ الْهُمَامِ مَا يُفِيدُ ذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَحَلِّ أَوْ الْمُرَادُ بِمَنْعِ الْمَرْجُوعِ فِيمَا قَلَّدَ فِيهِ اتِّفَاقًا الرُّجُوعُ فِي خُصُوصِ الْعَيْنِ لَا خُصُوصِ الْجِنْسِ، وَذَلِكَ بِنَقْضِ مَا فَعَلَهُ مُقَلِّدًا فِي فِعْلِهِ إمَامًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكَ إبْطَالَهُ بِإِمْضَائِهِ كَمَا لَوْ قَضَى بِهِ فَلَوْ صَلَّى ظُهْرًا بِمَسْحِ رُبُعِ الرَّأْسِ لَيْسَ لَهُ إبْطَالُهَا بِاعْتِقَادِهِ لُزُومَ مَسْحِ الْكُلِّ، وَأَمَّا لَوْ صَلَّى يَوْمًا عَلَى مَذْهَبٍ، وَأَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ يَوْمًا آخَرَ عَلَى غَيْرِهِ فَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ اهـ. وَقَدْ بَسَطَ الْكَلَامَ فِيهَا فَرَاجِعْهُ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُحَقِّقُ مِنْ جَوَازِ تَتَبُّعِ الرُّخَصِ رَدَّهُ ابْنُ حَجَرٍ وَزَعَمَ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ وَانْتَصَرَ لَهُ الْعَلَّامَةُ خَيْرُ الدِّينِ فِي حَاشِيَتِهِ هُنَا بِكَلَامٍ طَوِيلٍ، وَمَنَعَ دَعْوَى الْإِجْمَاعِ فَرَاجِعْهُ وَيُؤَيِّدُ مَنْعَهُ مَا فِي شَرْحِ ابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ بَعْدَ نَقْلِهِ الْإِجْمَاعَ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ حَيْثُ قَالَ إنْ صَحَّ احْتَاجَ إلَى جَوَابٍ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لَا نُسَلِّمُ صِحَّةَ دَعْوَى الْإِجْمَاعِ إذْ فِي تَفْسِيقِ الْمُتَتَبِّعِ لِلرُّخَصِ عَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ وَحَمَلَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى الرِّوَايَةَ الْمُفَسِّقَةَ عَلَى غَيْرِ مُتَأَوِّلٍ وَلَا مُقَلِّدٍ، وَذَكَرَ بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ إنْ قَوِيَ دَلِيلٌ أَوْ كَانَ عَامِّيًّا لَا يَفْسُقُ وَفِي رَوْضَةِ النَّوَوِيِّ وَأَصْلُهَا عَنْ حِكَايَةِ الْحَنَّاطِيِّ وَغَيْرِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ لَا يَفْسُقُ بِهِ ثُمَّ لَعَلَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى نَحْوِ مَا يَجْتَمِعُ لَهُ مِنْ ذَلِكَ مَا لَمْ يَقُلْ بِمَجْمُوعِهِ مُجْتَهِدٌ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ اهـ. وَسَيَذْكُرُ الْمُؤَلِّفُ عَنْ الشَّارِحِ أَنَّ فِي فِسْقِهِ وَجْهَيْنِ أَوْجَهُهُمَا عَدَمُهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ بِقَوْلِ مُجْتَهِدٍ قَوْلُهُ أَخَفُّ) قَالَ الرَّمْلِيُّ الْجُمْلَةُ مِنْ الْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرِ نَعْتٌ لِمُجْتَهِدٍ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 290 الْأَوْرَعِ، وَلَوْ أُجِيبَ فِي وَاقِعَةٍ لَا تَتَكَرَّرُ ثُمَّ حَدَثَتْ لَزِمَ إعَادَةُ السُّؤَالِ إنْ لَمْ يَعْلَمْ اسْتِنَادَ الْجَوَابِ إلَى نَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ، وَإِنْ لَمْ تَطْمَئِنَّ نَفْسُهُ إلَى جَوَابِ الْمُفْتِي اُسْتُحِبَّ سُؤَالُ غَيْرِهِ وَلَا يَجِبُ وَيَكْفِي الْمُسْتَفْتِيَ بَعْثُ رُقْعَةٍ أَوْ رَسُولٍ ثِقَةٍ وَمِنْ الْأَدَبِ أَنْ لَا يَسْأَلَ وَالْمُفْتِي قَائِمٌ أَوْ مَشْغُولٌ بِمَا يَمْنَعُ تَمَامَ الْفِكْرِ، وَأَنْ لَا يَقُولَ بِجَوَابِهِ هَكَذَا قُلْتُ: أَنَا وَلَا يُطَالِبُهُ بِدَلِيلٍ فَإِنْ أَرَادَهُ فَوَقْتٌ آخَرُ، وَلْيُبَيِّنْ مَوْضِعَ السُّؤَالِ وَيُنَقِّطَ الْمُشْتَبَهَ فِي الرُّقْعَةِ وَيَتَأَمَّلُهَا لَا سِيَّمَا آخِرُهَا، وَيَتَثَبَّتُ وَلَا يَقْدَحُ الْإِسْرَاعُ مَعَ التَّحْقِيقِ وَأَنْ يُشَاوِرَ فِيمَا يَحْسُنُ إظْهَارُهُ مَنْ حَضَرَ مُتَأَهِّلًا، وَأَنْ يُصْلِحَ لَحْنًا فَاحِشًا وَلْيَشْغَلْ بَيَاضًا بِخَطٍّ كَيْ لَا يُلْحَقَ بِشَيْءٍ وَيُبَيِّنَ خَطَّهُ بِقَلَمٍ بَيْنَ قَلَمَيْنِ وَلَا بَأْسَ بِكَتْبِهِ الدَّلِيلَ لَا السُّؤَالَ، وَلَا يَكْتُبُ خَلْفَ مَنْ لَا يَصْلُحُ، وَلَهُ أَنْ يَضْرِبَ عَلَيْهِ إنْ أَمِنَ فِتْنَةً وَإِنْ سَخِطَ الْمَالِكُ وَيَنْهَى الْمُسْتَفْتِيَ عَنْ ذَلِكَ، وَلَيْسَ لَهُ حَبْسُ الرُّقْعَةِ وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَبْحَثَ عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَمَّنْ يَصْلُحُ لِلْفَتْوَى لِيَمْنَعَ مَنْ لَا يَصْلُحُ وَلْيَكُنْ الْمُفْتِي مُتَنَزِّهًا عَنْ خَوَارِمِ الْمُرُوءَةِ فَقِيهَ النَّفْسِ سَلِيمَ الذِّهْنِ حَسَنَ التَّصَرُّفِ وَلَوْ عَبْدًا أَوْ امْرَأَةً أَوْ أَخْرَسَ تُفْهَمُ إشَارَتُهُ، وَلَيْسَ هُوَ كَالشَّاهِدِ فِي رَدِّ فَتْوَاهُ لِقَرَابَةٍ وَجَرِّ نَفْعٍ، وَتُقْبَلُ فَتْوَى مَنْ لَا يَكْفُرُ وَلَا يَفْسُقُ بِبِدْعَةٍ كَشَهَادَتِهِ وَيُفْتِي، وَلَوْ كَانَ قَاضِيًا وَفِي اشْتِرَاطِ مَعْرِفَةِ الْحِسَابِ لِتَصْحِيحِ مَسَائِلِهِ وَجْهَانِ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَحْفَظَ مَذْهَبَ إمَامِهِ، وَيَعْرِفَ قَوَاعِدَهُ وَأَسَالِيبَهُ، وَلَيْسَ لِلْأُصُولِيِّ الْمَاهِرِ، وَكَذَا الْبَحَّاثُ فِي الْخِلَافِ مِنْ أَئِمَّةِ الْفِقْهِ وَفُحُولِ الْمُنَاظِرِينَ أَنْ يُفْتِيَ فِي الْفُرُوعِ الشَّرْعِيَّةِ وَلَا يَجِبُ إفْتَاءٌ فِيمَا لَا يَقَعُ وَيَحْرُمُ التَّسَاهُلُ فِي الْفَتْوَى وَاتِّبَاعُ الْحِيَلِ إنْ فَسَدَتْ الْأَغْرَاضُ وَسُؤَالٌ مَعَ عُرْفٍ بِذَلِكَ، وَلَا يُفْتَى فِي حَالِ تَغَيُّرِ أَخْلَاقِهِ وَخُرُوجِهِ عَنْ الِاعْتِدَالِ، وَلَوْ لِفَرَحٍ وَمُدَافَعَةِ أَخْبَثَيْنِ فَإِنْ أَفْتَى مُعْتَقِدًا أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَمْنَعْهُ عَنْ دَرْكِ الصَّوَابِ صَحَّتْ فَتْوَاهُ، وَإِنْ خَاطَرَ وَالْأَوْلَى أَنْ يَتَبَرَّعَ بِالْفَتْوَى فَإِنْ أَخَذَ رِزْقًا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ جَازَ إلَّا إنْ تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ وَلَهُ كِفَايَةٌ، وَلَا يَأْخُذُ أُجْرَةً مِنْ مُسْتَفْتٍ فَإِنْ جَعَلَ لَهُ أَهْلُ الْبَلَدِ رِزْقًا جَازَ، وَإِنْ اُسْتُؤْجِرَ جَازَ وَالْأَوْلَى كَوْنُهَا بِأُجْرَةٍ مِثْلَ كُتُبِهِ مَعَ كَرَاهَةٍ، وَلَهُ قَبُولُ هَدِيَّةٍ لَا رِشْوَةٍ عَلَى فَتْوَى لِمَا يُرِيدُ وَعَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَفْرِضَ لِمُدَرِّسٍ وَمُفْتٍ كِفَايَتَهُ لِكُلِّ أَهْلِ بَلَدٍ اصْطِلَاحٌ فِي اللَّفْظِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُفْتِيَ أَهْلَ بَلَدٍ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِاللَّفْظِ مَنْ لَا يَعْرِفُ اصْطِلَاحَهُمْ، وَلَيْسَ لَهُ الْعَمَلُ وَالْفَتْوَى بِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ أَوْ الْوَجْهَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَعْوِيلٍ عَلَيْهِ فِي الْقَوْلَيْنِ أَنْ يَعْمَلَ بِالْمُتَأَخِّرِ إنْ عَلِمَهُ، وَإِلَّا فَبِاَلَّذِي رَجَّحَهُ الشَّافِعِيُّ وَإِلَّا لَزِمَهُ الْبَحْثُ عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ أَهْلًا اشْتَغَلَ بِهِ مُتَعَرِّفًا لِذَلِكَ مِنْ الْقَوَاعِدِ وَالْمَأْخَذِ وَإِلَّا تَلَقَّاهُ مِنْ نَقْلَةِ الْمَذْهَبِ فَإِنْ عَدِمَ التَّرْجِيحَ تَوَقَّفَ، وَحُكْمُ الْوَجْهَيْنِ كَالْقَوْلَيْنِ لَكِنْ لَا عِبْرَةَ بِالْمُتَأَخِّرِ إلَّا إذَا وَقَعَا مِنْ شَخْصٍ فَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي الْأَرْجَحِ، وَلَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِلتَّرْجِيحِ اعْتَمَدَ مَا صَحَّحَهُ الْأَكْثَرُ وَالْأَعْلَمُ وَإِلَّا تَوَقَّفَ وَالْعَمَلُ بِالْجَدِيدِ مِنْ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ إلَّا فِي نَحْوِ ثَلَاثِينَ مَسْأَلَةً وَإِنْ كَانَ فِي الرُّقْعَةِ مَسَائِلُ رَتَّبَ الْأَجْوِبَةَ عَلَى تَرْتِيبِهَا، وَيُكْرَهُ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى فِيهِ قَوْلَانِ إذْ لَا يُفِيدُ وَلَا يُطْلَقُ حَيْثُ التَّفْصِيلُ فَهُوَ خَطَأٌ، وَيُجِيبُ عَلَى مَا فِي الرُّقْعَةِ لَا عَلَى مَا يَعْلَمُهُ وَإِنْ أَرَادَهُ قَالَ إنْ أَرَادَ كَذَا فَجَوَابُهُ كَذَا، وَيُجِيبُ الْأَوَّلُ فِي النَّاحِيَةِ الْيُسْرَى وَإِنْ شَاءَ غَيْرَهَا لَا قَبْلَ الْبَسْمَلَةِ، وَلْيَكْتُبْ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَلْيَخْتِمْ بِقَوْلِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَلَا يَقْبُحُ أَنْ يَقُولَ فِي الْجَوَابِ عِنْدَنَا وَإِنْ تَعَلَّقَتْ بِالسُّلْطَانِ دَعَا لَهُ فَقَالَ وَعَلَى السُّلْطَانِ سَدَّدَهُ اللَّهُ أَوْ شَدَّ أَزْرَهُ، وَيُكْرَهُ أَطَالَ اللَّهُ بَقَاءَهُ، وَيَخْتَصِرُ جَوَابَهُ وَيُوَضِّحُ عِبَارَتَهُ وَإِنْ سُئِلَ عَنْ تَكَلُّمٍ بِكُفْرٍ مُتَأَوَّلٍ قَالَ يَسْأَلُ إنْ أَرَادَ كَذَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَرَادَ كَذَا فَيُسْتَتَابُ فَإِنْ تَابَ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ وَإِلَّا قُتِلَ وَإِنْ سُئِلَ عَمَّنْ قُتِلَ أَوْ جُرِحَ احْتَاطَ، وَذَكَرَ شُرُوطَ الْقِصَاصِ وَيُبَيِّنُ قَدْرَ التَّعْزِيرِ وَيَكْتُبُ عَلَى الْمُلْصَقِ مِنْ الْوَرَقَةِ وَإِنْ ضَاقَتْ كَتَبَ فِي الظَّهْرِ، وَالْحَاشِيَةُ أَوْلَى لَا وَرَقَةٌ أُخْرَى، وَيُشَافِهُهُ بِمَا عَلَيْهِ بَلْ إنْ اقْتَضَاهُمَا السُّؤَالُ لَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى أَحَدِهِمَا وَلَا يُلَقِّنُهُ عَلَى خَصْمِهِ فَإِنْ وَجَبَ الْإِفْتَاءُ قَدَّمَ السَّابِقَ بِفَتْوَى   [منحة الخالق] [فَصْلٌ فِي الْمُفْتِي] (قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى فِيهِ قَوْلَانِ) أَيْ عَلَى قَوْلِهِ فِي الْجَوَابِ فِيهِ قَوْلَانِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 291 ثُمَّ أَقْرَعَ نَعَمْ يَجِبُ تَقْدِيمُ نِسَاءٍ وَمُسَافِرِينَ تَهَيَّئُوا أَوْ تَضَرَّرُوا بِالتَّخَلُّفِ إلَّا إنْ ظَهَرَ تَضَرُّرُ غَيْرِهِمْ بِكَثْرَتِهِمْ، وَإِنْ سُئِلَ عَنْ الْإِخْوَةِ فَصَّلَ فِي جَوَابِهِ ابْنُ الْأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ، وَإِنْ كَانَ فِي الْفَرِيضَةِ عَوْلٌ قَالَ الثُّمُنُ عَائِلًا وَإِنْ كَانَ فِي الْوَرَثَةِ مَنْ يَسْقُطُ بِحَالٍ دُونَ حَالٍ بَيَّنَهُ وَيَكْتُبُ تَحْتَ الْفَتْوَى الصَّحِيحَةِ إنْ عَرَفَ أَنَّهَا لِأَهْلِ الْجَوَابِ صَحِيحٌ وَنَحْوُهُ، وَلَهُ أَنْ يُجِيبَ إنْ رَأَى ذَلِكَ وَيَخْتَصِرُ، وَإِنْ جَهِلَ يَبْحَثُ عَنْ حَالِهِ فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ فَلَهُ أَمْرُهُ بِإِبْدَاءٍ لَهَا فَإِنْ تَعَسَّرَ أَجَابَ بِلِسَانِهِ، وَإِنْ عُدِمَ الْمُفْتِي فِي بَلَدِهِ وَغَيْرِهَا وَلَا مَنْ يَنْقُلُ لَهُ حُكْمَهَا فَلَا يُؤَاخَذُ صَاحِبُ الْوَاقِعَةِ بِشَيْءٍ يُصِيبُهُ إذْ لَا تَكْلِيفَ (فَرْعٌ) أَفْتَاهُ ثُمَّ رَجَعَ قَبْلَ الْعَمَلِ كَفَّ عَنْهُ، وَكَذَا إذَا نَكَحَ امْرَأَةً بِفَتْوَاهُ ثُمَّ رَجَعَ لَزِمَهُ فِرَاقُهَا كَمَا فِي الْقِبْلَةِ، وَإِنْ رَجَعَ بَعْدَ الْعَمَلِ وَقَدْ خَالَفَ دَلِيلًا قَاطِعًا نَقَضَهُ وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ كَانَ الْمُفْتِي يُقَلِّدُ الْإِمَامَ فَنَصُّ إمَامِهِ وَإِنْ كَانَ اجْتِهَادِيًّا فِي حَقِّهِ كَالدَّلِيلِ الْقَطْعِيِّ، وَعَلَى الْمُفْتِي إعْلَامُهُ بِرُجُوعِهِ قَبْلَ الْعَمَلِ وَكَذَا بَعْدَهُ إنْ وَجَبَ النَّقْضُ، وَإِنْ أَتْلَفَ بِفَتْوَاهُ لَا يَغْرَمُ وَلَوْ كَانَ أَهْلًا اهـ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (فَصْلٌ يَجُوزُ تَقْلِيدُ مَنْ شَاءَ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ) . وَإِنْ دُوِّنَتْ الْمَذَاهِبُ كَالْيَوْمِ وَلَهُ الِانْتِقَالُ مِنْ مَذْهَبِهِ لَكِنْ لَا يَتَّبِعُ الرُّخَصَ فَإِنْ تَتَبَّعَهَا مِنْ الْمَذَاهِبِ فَهَلْ يَفْسُقُ وَجْهَانِ اهـ. قَالَ الشَّارِحُ أَوْجَهُهُمَا لَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ، وَقَدْ عَقَدَ فِي أَوَّلِ التَّتَارْخَانِيَّة فَصْلَيْنِ فِي الْفَتْوَى حَاصِلُ الْأَوَّلِ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ قَالَ لَا تَحِلُّ الْفَتْوَى إلَّا لِمُجْتَهِدٍ وَمُحَمَّدٌ جَوَّزَهَا إذَا كَانَ صَوَابُ الرَّجُلِ أَكْثَرَ مِنْ خَطَئِهِ وَعَنْ الْإِسْكَافِ أَنَّ الْأَعْلَمَ بِالْبَلَدِ لَا يَسَعُهُ تَرْكُهَا وَاخْتَلَفُوا فِي الْإِفْتَاءِ مَاشِيًا جَوَّزَهُ الْبَعْضُ، وَمَنَعَهُ آخَرُ وَاخْتَارَ الْإِسْكَافُ أَنْ يُفْتِيَ إنْ كَانَ شَيْئًا ظَاهِرًا وَإِلَّا لَا، وَكَانَ ابْنُ سَلَامٍ إذَا أَلَحَّ عَلَيْهِ الْمُسْتَفْتِي وَقَالَ جِئْت مِنْ مَكَان بَعِيدٍ يَقُولُ فَلَا نَحْنُ نَادَيْنَاكَ مِنْ حَيْثُ جِئْتنَا ... وَلَا نَحْنُ عَمَّيْنَا عَلَيْكَ الْمَذَاهِبَا وَلَكِنْ اخْتَارَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ أَنَّهُ لَا يَقُولُ ذَلِكَ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَإِنْ أَلَحَّ أَجَابَهُ بِذَلِكَ، وَحَاصِلُ الثَّانِي أَنَّ اخْتِلَافَ أَئِمَّةِ الْهُدَى تَوْسِعَةٌ عَلَى النَّاسِ فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ فِي جَانِبٍ وَهُمَا فِي جَانِبٍ خُيِّرَ الْمُفْتِي وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مَعَ الْإِمَامِ أَخَذَ بِقَوْلِهِمَا إلَّا إذَا اصْطَلَحَ الْمَشَايِخُ عَلَى قَوْلِ الْآخَرِ فَيَتَّبِعُهُمْ كَمَا اخْتَارَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ قَوْلَ زُفَرَ فِي مَسَائِلَ. وَإِنْ اخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ أَخَذَ بِقَوْلٍ وَاحِدٍ فَلَوْ لَمْ يَجِدْ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مُجْتَهِدًا بِرَأْيِهِ إذَا كَانَ يَعْرِفُ وُجُوهَ الْفِقْهِ، وَيُشَاوِرُ أَهْلَهُ وَلَا يَجُوزُ لَهُ الْإِفْتَاءُ بِالْقَوْلِ الْمَهْجُورِ لِجَرِّ مَنْفَعَةٍ وَلَا يَرْجُو عَلَيْهِ دُنْيَا، وَرَدَّ مُفْتٍ زِرًّا عَلَى خَيَّاطٍ مُسْتَفْتٍ وَقَلَعَهُ مِنْ ثَوْبِهِ تَحَرُّرًا عَنْ شُبْهَةِ الرِّشْوَةِ، وَمِنْ شَرَائِطِهَا حِفْظُهُ التَّرْتِيبَ وَالْعَدْلَ بَيْنَ الْمُسْتَفْتِينَ لَا يَمِيلُ إلَى الْأَغْنِيَاءِ وَأَعْوَانِ السُّلْطَانِ وَالْأُمَرَاءِ بَلْ يَكْتُبُ جَوَابَ السَّابِقِ غَنِيًّا كَانَ أَوْ فَقِيرًا، وَمِنْ آدَابِهِ أَنْ يَأْخُذَ الْوَرَقَةَ بِالْحُرْمَةِ وَيَقْرَأَ الْمَسْأَلَةَ بِالْبَصِيرَةِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ حَتَّى يَتَّضِحَ لَهُ السُّؤَالُ، ثُمَّ يُجِيبُ وَإِذَا لَمْ يَتَّضِحْ السُّؤَالُ سَأَلَ مَنْ الْمُسْتَفْتِي وَلَا يَرْمِي بِالْكَاغَدِ إلَى الْأَرْضِ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ وَكَانَ بَعْضُهُمْ لَا يَأْخُذُ الرُّقْعَةَ مِنْ يَدِ امْرَأَةٍ وَلَا صَبِيٍّ، وَكَانَ لَهُ تِلْمِيذٌ يَأْخُذُ مِنْهُمْ وَيَجْمَعُهَا وَيَرْفَعُهَا فَيَكْتُبُهَا تَعْظِيمًا لِلْعِلْمِ، وَالْأَحْسَنُ أَخْذُ الْمُفْتِي مِنْ كُلِّ أَحَدٍ تَوَاضُعًا، وَيَجُوزُ لِلشَّابِّ الْفَتْوَى إذَا كَانَ حَافِظًا لِلرِّوَايَاتِ وَاقِفًا عَلَى الدِّرَايَاتِ مُحَافِظًا عَلَى الطَّاعَاتِ مُجَانِبًا لِلشَّهَوَاتِ وَالشُّبُهَاتِ، وَالْعَالِمُ كَبِيرٌ وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا، وَالْجَاهِلُ صَغِيرٌ وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا، وَصَحَّحَ فِي السِّرَاجِيَّةِ أَنَّ الْمُفْتِيَ يُفْتِي بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى الْإِطْلَاقِ ثُمَّ بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، ثُمَّ بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ ثُمَّ بِقَوْلِ زُفَرَ وَالْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ، وَلَا يُخَيَّرُ إذَا لَمْ يَكُنْ مُجْتَهِدًا، وَإِذَا اخْتَلَفَ مُفْتِيَانِ يَتَّبِعُ قَوْلَ الْأَفْقَهِ مِنْهُمَا بَعْدَ أَنْ يَكُونَ أَوْرَعُهُمَا وَيَنْبَغِي أَنْ يَكْتُبَ عَقِبَ جَوَابِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَوْ نَحْوَهُ وَقِيلَ فِي الْعَقَائِدِ يَكْتُبُ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. وَنَحْوُهُ وَكَرِهَ بَعْضُهُمْ الْإِفْتَاءَ وَالصَّحِيحُ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ لِلْأَهْلِ، وَلَا يَنْبَغِي الْإِفْتَاءُ إلَّا لِمَنْ عَرَفَ أَقَاوِيلَ الْعُلَمَاءِ، وَعَرَفَ مِنْ أَيْنَ قَالُوا فَإِنْ كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ لَا يَخْتَارُ قَوْلًا   [منحة الخالق] [فَصْلٌ تَقْلِيدُ مَنْ شَاءَ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ لِلْإِفْتَاءِ] فَصْلٌ فِي التَّقْلِيدِ) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 292 يُجِيبُ بِهِ حَتَّى يَعْرِفَ حُجَّتَهُ وَيَنْبَغِي السُّؤَالُ مِنْ أَفْقَهِ أَهْلِ زَمَانِهِ فَإِنْ اخْتَلَفُوا تَحَرَّى. اهـ. وَصَحَّحَ فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ أَنَّ الْإِمَامَ إذَا كَانَ فِي جَانِبٍ وَهُمَا فِي جَانِبٍ فَالْأَصَحُّ أَنَّ الِاعْتِبَارَ لِقُوَّةِ الْمُدْرِكِ فَإِنْ قُلْتَ: كَيْفَ جَازَ لِلْمَشَايِخِ الْإِفْتَاءُ بِغَيْرِ قَوْلِ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ مَعَ أَنَّهُمْ مُقَلِّدُونَ؟ قُلْتُ: قَدْ أَشْكَلَ عَلَيَّ ذَلِكَ مُدَّةً طَوِيلَةً وَلَمْ أَرَ فِيهِ جَوَابًا إلَّا مَا فَهِمْته الْآنَ مِنْ كَلَامِهِمْ، وَهُوَ أَنَّهُمْ نَقَلُوا عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يُفْتِيَ بِقَوْلِنَا حَتَّى يَعْلَمَ مِنْ أَيْنَ قُلْنَا حَتَّى نُقِلَ فِي السِّرَاجِيَّةِ أَنَّ هَذَا سَبَبُ مُخَالَفَةِ عِصَامٍ لِلْإِمَامِ، وَكَانَ يُفْتِي بِخِلَافِ قَوْلِهِ كَثِيرًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ الدَّلِيلَ، وَكَانَ يَظْهَرُ لَهُ دَلِيلٌ غَيْرُهُ فَيُفْتِيَ بِهِ فَأَقُولُ: إنَّ هَذَا الشَّرْطَ كَانَ فِي زَمَانِهِمْ، أَمَّا فِي زَمَانِنَا فَيُكْتَفَى بِالْحِفْظِ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ وَغَيْرِهَا، فَيَحِلُّ الْإِفْتَاءُ بِقَوْلِ الْإِمَامِ بَلْ يَجِبُ وَإِنْ لَمْ نَعْلَمْ مِنْ أَيْنَ قَالَ وَعَلَى هَذَا فَمَا صَحَّحَهُ فِي الْحَاوِي مَبْنِيٌّ عَلَى ذَلِكَ الشَّرْطِ، وَقَدْ صَحَّحُوا أَنَّ الْإِفْتَاءَ بِقَوْلِ الْإِمَامِ فَيَنْتِجُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْنَا الْإِفْتَاءُ بِقَوْلِ الْإِمَامِ، وَإِنْ أَفْتَى الْمَشَايِخُ بِخِلَافِهِ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا أَفْتَوْا بِخِلَافِهِ لِفَقْدِ شَرْطِهِ فِي حَقِّهِمْ وَهُوَ الْوُقُوفُ عَلَى دَلِيلِهِ، وَأَمَّا نَحْنُ فَلَنَا الْإِفْتَاءُ وَإِنْ لَمْ نَقِفْ عَلَى دَلِيلِهِ، وَقَدْ وَقَعَ لِلْمُحَقِّقِ ابْنِ الْهُمَامِ فِي مَوَاضِعِ الرَّدِّ عَلَى الْمَشَايِخِ فِي الْإِفْتَاءِ بِقَوْلِهِمَا بِأَنَّهُ لَا يَعْدِلُ عَنْ قَوْلِهِ إلَّا لِضَعْفِ دَلِيلِهِ، وَهُوَ قَوِيٌّ فِي وَقْتِ الْعِشَاءِ لِكَوْنِهِ الْأَحْوَطَ وَفِي تَكْبِيرِ التَّشْرِيقِ فِي آخِرِ وَقْتِهِ إلَى آخِرِهَا. ذَكَرَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ لَكِنْ هُوَ أَهْلٌ لِلنَّظَرِ فِي الدَّلِيلِ، وَمَنْ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلنَّظَرِ فِيهِ فَعَلَيْهِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ نَقَلُوا عَنْ أَصْحَابنَا أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ هَذَا مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَكَلَامُهُ هُنَا مُوهِمٌ أَنَّ ذَلِكَ مَرْوِيُّ عَنْ الْمَشَايِخِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مِنْ سِيَاقِهِ. (قَوْلُهُ بَلْ يَجِبُ الْإِفْتَاءُ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ مِنْ أَيْنَ قَالَ) اعْتَرَضَهُ الْمُحَشِّي الرَّمْلِيُّ فَقَالَ هَذَا مُضَادٌّ لِقَوْلِهِ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يُفْتِيَ بِقَوْلِنَا حَتَّى يَعْلَمَ مِنْ أَيْنَ قُلْنَا إذْ هُوَ صَرِيحٌ فِي عَدَمِ جَوَازِ الْإِفْتَاءِ لِغَيْرِ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ فَكَيْفَ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى وُجُوبِهِ فَنَقُولُ مَا يَصْدُرُ مِنْ غَيْرِ الْأَهْلِ لَيْسَ بِإِفْتَاءٍ حَقِيقَةً، وَإِنَّمَا هُوَ حِكَايَةٌ عَنْ الْمُجْتَهِدِ أَنَّهُ قَائِلٌ بِكَذَا وَبِاعْتِبَارِ هَذَا الْمَلْحَظِ تَجُوزُ حِكَايَةُ قَوْلِ غَيْرِ الْإِمَامِ، فَكَيْفَ يَجِبُ عَلَيْنَا الْإِفْتَاءُ بِقَوْلِ الْإِمَامِ وَإِنْ أَفْتَى الْمَشَايِخُ بِخِلَافِهِ وَنَحْوِهِ إنَّمَا نَحْكِي فَتْوَاهُمْ لَا غَيْرُ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ. قُلْتُ وَيَشْهَدُ لَهُ مَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة قَالَ صَاحِبُ الْأَقْضِيَةِ أَبُو جَعْفَرٍ بَعْدَمَا بَيَّنَ أَهْلِيَّةَ الْقَضَاءِ وَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَقْضِيَ بِالنَّاسِ إلَّا مَنْ كَانَ هَكَذَا يُرِيدُ بِهِ أَنَّ الْمُفْتِيَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَدْلًا عَالِمًا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَاجْتِهَادِ الرَّأْيِ، قَالَ إلَّا أَنْ يُفْتِيَ بِشَيْءٍ قَدْ سَمِعَهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ؛ لِأَنَّهُ حَاكٍ مَا سَمِعَ مِنْ غَيْرِهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الرَّاوِي فِي بَابِ الْأَحَادِيثِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ مَا يُشْتَرَطُ فِي الرَّاوِي مِنْ النَّقْلِ وَالضَّبْطِ وَالْعَدَالَةِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ، رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يُفْتِيَ بِقَوْلِنَا مَا لَمْ يَعْلَمْ مِنْ أَيْنَ قُلْنَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلَ الِاجْتِهَادِ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ إلَّا بِطَرِيقِ الْحِكَايَةِ فَيَحْكِي مَا يَحْفَظُ مِنْ أَقْوَالِ الْفُقَهَاءِ اهـ. فَقَوْلُهُ فَيَحْكِي مَا يَحْفَظُ إلَخْ بِإِطْلَاقِهِ يُفِيدُ عَدَمَ وُجُوبِ الْتِزَامِ حِكَايَةِ مَذْهَبِ الْإِمَامِ نَعَمْ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ يَظْهَرُ بِنَاءً عَلَى الْقَوْل بِأَنَّ مَنْ الْتَزَمَ مَذْهَبَ الْإِمَامِ لَا يَحِلُّ لَهُ تَقْلِيدُ غَيْرِهِ فِي غَيْرِ مَا عَمِلَ بِهِ، وَقَدْ عَلِمْت مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ التَّحْرِيرِ أَنَّهُ خِلَافُ الْمُخْتَارِ، وَأَنْتَ تَرَى أَصْحَابَ الْمُتُونِ الْمُعْتَمَدَةِ قَدْ يَمْشُونَ عَلَى غَيْرِ مَذْهَبِ الْإِمَامِ، وَإِذَا أَفْتَى الْمَشَايِخُ بِخِلَافِ قَوْلِهِ لِفَقْدِ الدَّلِيلِ فِي حَقِّهِمْ فَنَحْنُ نَتَّبِعُهُمْ إذْ هُمْ أَعْلَمُ، وَكَيْفَ يُقَالُ يَجِبُ عَلَيْنَا الْإِفْتَاءُ بِقَوْلِ الْإِمَامِ لِفَقْدِ الشَّرْطِ، وَقَدْ أَقَرَّ أَنَّهُ قَدْ فَقَدَ الشَّرْطَ أَيْضًا فِي حَقِّ الْمَشَايِخِ فَهَلْ تَرَاهُمْ ارْتَكَبُوا مُنْكَرًا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْإِنْصَافَ الَّذِي يَقْبَلُهُ الطَّبْعُ السَّلِيمُ أَنَّ الْمُفْتِيَ فِي زَمَانِنَا يَنْقُلُ مَا اخْتَارَهُ الْمَشَايِخُ وَهُوَ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْعَلَّامَةُ ابْنُ الشَّلَبِيِّ فِي فَتَاوِيهِ حَيْثُ قَالَ الْأَصْلُ أَنَّ الْعَمَلَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَلِذَا تَرْجِيحُ الْمَشَايِخِ دَلِيلَهُ فِي الْأَغْلَبِ عَلَى دَلِيلِ مَنْ خَالَفَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَيُجِيبُونَ عَمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ مُخَالِفُهُ وَهَذَا أَمَارَةُ الْعَمَلِ بِقَوْلِهِ وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحُوا بِالْفَتْوَى عَلَيْهِ إذْ التَّرْجِيحُ كَصَرِيحِ التَّصْحِيحِ؛ لِأَنَّ الْمَرْجُوحَ طَائِحٌ بِمُقَابَلَتِهِ بِالرَّاجِحِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يَعْدِلُ الْمُفْتِي وَلَا الْقَاضِي عَنْ قَوْلِهِ إلَّا إذَا صَرَّحَ أَحَدٌ مِنْ الْمَشَايِخِ بِأَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ غَيْرِهِ فَلَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ بِقَوْلِ غَيْرِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي مَسْأَلَةٍ لَمْ يُرَجِّحْ فِيهَا قَوْلَ غَيْرِهِ، وَرَجَّحُوا فِيهَا دَلِيلَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى دَلِيلِهِ فَإِنْ حَكَمَ فِيهَا فَحُكْمُهُ غَيْرُ مَاضٍ لَيْسَ لَهُ غَيْرُ الِانْتِقَاضِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، وَهُوَ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الشَّيْخُ عَلَاءُ الدِّينِ الْحَصْكَفِيُّ أَيْضًا فِي صَدْرِ شَرْحِهِ عَلَى التَّنْوِيرِ حَيْثُ قَالَ: وَأَمَّا نَحْنُ فَعَلَيْنَا اتِّبَاعُ مَا رَجَّحُوهُ وَمَا صَحَّحُوهُ كَمَا لَوْ أَفْتَوْا فِي حَيَاتِهِمْ فَإِنْ قُلْتَ قَدْ يَحْكُونَ أَقْوَالًا بِلَا تَرْجِيحٍ، وَقَدْ يَخْتَلِفُونَ فِي التَّصْحِيحِ قُلْتُ: يَعْمَلُ بِمِثْلِ مَا عَمِلُوا مِنْ اعْتِبَارِ تَغَيُّرِ الْعُرْفِ وَأَحْوَالِ النَّاسِ وَمَا هُوَ إلَّا رِفْقٌ، وَمَا ظَهَرَ عَلَيْهِ التَّعَامُلُ وَمَا قَوِيَ وَجْهُهُ وَلَا يَخْلُو الْوُجُودُ مِمَّنْ يُمَيِّزُ هَذَا حَقِيقَةً لَا ظَنًّا وَعَلَى مَنْ لَمْ يُمَيِّزْ أَنْ يَرْجِعَ لِمَنْ يُمَيِّزُ لِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ اهـ. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ لَكِنْ هُوَ أَهْلٌ لِلنَّظَرِ) الِاسْتِدْرَاكُ بِالنَّظَرِ إلَى قَوْلِهِ لَا يَعْدِلُ عَنْ قَوْلِهِ إلَّا لِضَعْفِ دَلِيلِهِ يَعْنِي أَنَّ مِثْلَ الْمُحَقِّقِ لَهُ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ أَهْلٌ لِلنَّظَرِ فِي الدَّلِيلِ، وَأَمَّا مِثْلُنَا فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْعُدُولُ عَنْ قَوْلِ الْإِمَامِ أَصْلًا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 293 الْإِفْتَاءُ بِقَوْلِ الْإِمَامِ، وَالْمُرَادُ بِالْأَهْلِيَّةِ هُنَا أَنْ يَكُونَ عَارِفًا مُمَيِّزًا بَيْنَ الْأَقَاوِيلِ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى تَرْجِيحِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ وَلَا يَصِيرُ الرَّجُلُ أَهْلًا لِلْفَتْوَى مَا لَمْ يَصِرْ صَوَابُهُ أَكْثَرَ مِنْ خَطَئِهِ؛ لِأَنَّ الصَّوَابَ مَتَى كَثُرَ فَقَدْ غَلَبَ وَلَا عِبْرَةَ بِالْمَغْلُوبِ بِمُقَابَلَةِ الْغَالِبِ فَإِنَّ أُمُورَ الشَّرْعِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْأَعَمِّ الْأَغْلَبِ كَذَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ مِنْ كِتَابِ الْقَضَاءِ، وَفِي مَنَاقِبِ الْكَرْدَرِيِّ قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ وَقَدْ سُئِلَ مَتَى يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُفْتِيَ وَيَلِيَ الْقَضَاءَ؟ قَالَ: إذَا كَانَ بَصِيرًا بِالْحَدِيثِ وَالرَّأْيِ عَارِفًا بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ حَافِظًا لَهُ، وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَصْحَابِنَا، وَقَبْلَ اسْتِقْرَارِ الْمَذَاهِبِ أَمَّا بَعْدَ التَّقَرُّرِ فَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ التَّقْلِيدُ اهـ. وَمِنْ الْعَجَبِ مَا سَمِعْتُ مِنْ بَعْضِ حَنَفِيَّةِ عَصْرِنَا حِينَ تَكَلَّمْتُ قَدِيمًا مَعَهُ فِيهَا إنْ قَالَ لَمَّا أَفْتَى الْمَشَايِخُ بِشَيْءٍ عَلِمْنَا أَنَّهُ قَوْلُ الْإِمَامِ فَقُلْتُ إنَّهُ خَطَأٌ لِأَنَّهُمْ يُبَيِّنُونَ قَوْلَ الْإِمَامِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، ثُمَّ يَقُولُونَ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَوْ مُحَمَّدٍ أَوْ زُفَرَ، وَسَمِعْتُ مِنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ يَقُولُ الْكُلُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قُلْتُ نَعَمْ لَكِنَّ مَا خَرَجَ عَنْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَهُوَ مَرْجُوعٌ عَنْهُ لِمَا قَرَّرُوهُ فِي الْأُصُولِ مِنْ عَدَمِ إمْكَانِ صُدُورِ قَوْلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ مُتَسَاوِيَيْنِ مِنْ مُجْتَهِدٍ، وَالْمَرْجُوعُ عَنْهُ لَمْ يَبْقَ قَوْلًا لَهُ كَمَا ذَكَرُوهُ. (قَوْلُهُ وَكُرِهَ التَّقْلِيدُ لِمَنْ خَافَ الْحَيْفَ) كَيْ لَا يَكُونَ ذَرِيعَةً إلَى مُبَاشَرَةِ الظُّلْمِ، وَهُنَا نُسْخَتَانِ التَّقْلِيدُ أَيْ النَّصْبُ مِنْ السُّلْطَانِ، وَالتَّقَلُّدُ أَيْ قَبُولُ تَقْلِيدِ الْقَضَاءِ وَهِيَ الْأَوْلَى، وَالْحَيْفُ بِمَعْنَى الْجَوْرِ وَالظُّلْمِ مِنْ حَافَ عَلَيْهِ يَحِيفُ إذَا جَارَ وَخَوْفُ عَدَمِ إقَامَةِ الْعَدْلِ لِعَجْزِهِ كَخَوْفِ الْجَوْرِ فَلَوْ قَالَ الْمُؤَلِّفُ لِمَنْ خَافَ الْحَيْفَ أَوْ الْعَجْزَ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا يَكْفِي نَصَّ عَلَيْهِ الْقُدُورِيُّ، وَالْمُرَادُ بِالْكَرَاهَةِ كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ الْوُقُوعُ فِي مَحْظُورِهِ حِينَئِذٍ، وَمَحَلُّ الْكَرَاهَةِ مَا إذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ فَإِنْ انْحَصَرَ صَارَ فَرْضَ عَيْنٍ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ ضَبْطُ نَفْسِهِ إلَّا إنْ كَانَ السُّلْطَانُ يُمْكِنُ أَنْ يَفْصِلَ الْخُصُومَاتِ، وَيَتَفَرَّغَ لِذَلِكَ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ السُّلْطَانَ فَصْلُ الْقَضَايَا وَفِي الْبَلَدِ قَوْمٌ صَالِحُونَ لَهُ أَثِمُوا كُلُّهُمْ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَلَمْ أَرَ هَلْ يَفْسُقُ الْمُمْتَنِعُ الظَّاهِرُ نَعَمْ لِتَرْكِهِ الْفَرْضَ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ لِلْمُمْتَنِعِ فِي الْغَالِبِ تَأْوِيلًا، وَهُوَ مَانِعٌ مِنْ الْفِسْقِ، وَلَمْ أَرَ الْآنَ هَلْ يُجْبَرُ الْمُمْتَنِعُ الْمُنْحَصِرُ فِيهِ الظَّاهِرُ جَوَازُ جَبْرِهِ عَلَى الْقَبُولِ لِاضْطِرَارِ النَّاسِ إلَيْهِ كَإِطْعَامِ الْمُضْطَرِّ وَسَائِرُ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ عِنْدَ التَّعَيُّنِ، وَكَذَا جَوَازُ جَبْرِ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَأَهِّلِينَ وَغَيْرُ الْمُتَأَهِّلِ كَالْمَعْدُومِ (قَوْلُهُ وَإِنْ أَمِنَهُ لَا) أَيْ إنْ أَمِنَ الْحَيْفَ لَمْ يُكْرَهْ التَّقْلِيدُ؛ لِأَنَّ كِبَارَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ تَقَلَّدُوهُ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ لِكَوْنِ الدُّخُولِ فِيهِ عِنْدَ الْأَمْنِ رُخْصَةً فَالْأَوْلَى تَرْكُهُ أَوْ عَزِيمَةً فَالْأَوْلَى الدُّخُولُ فِيهِ لِلِاخْتِلَافِ، قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّ التَّقَلُّدَ رُخْصَةٌ وَالتَّرْكَ عَزِيمَةٌ، وَقَدْ دَخَلَ فِي الْقَضَاءِ قَوْمٌ صَالِحُونَ وَتَحَامَى مِنْهُ قَوْمٌ صَالِحُونَ وَتَرْكُ الدُّخُولِ أَصْلَحُ دِينًا وَدُنْيَا، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَإِنْ أَمِنَ أُبِيحَ رُخْصَةً وَالتَّرْكُ هُوَ الْعَزِيمَةُ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ أَمِنَ فَالْغَالِبُ خَطَأٌ ظَنَّ مَنْ ظَنَّ مِنْ نَفْسِهِ الِاعْتِدَالَ فَيَظْهَرُ مِنْهُ خِلَافُهُ اهـ. فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ فَرْضُ عَيْنٍ إنْ تَعَيَّنَ وَفَرْضُ كِفَايَةٍ لِلْمُتَأَهِّلِ عِنْدَ وُجُودِ غَيْرِهِ لَكِنْ رُخْصَةٌ وَمَكْرُوهٌ عِنْدَ خَوْفِ الْعَجْزِ أَوْ الْحَيْفِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حَرَامًا عِنْدَ غَالِبِ ظَنِّهِ أَنَّهُ يَجُورُ فِي الْحُكْمِ وَمُبَاحٌ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَفِيهِ الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ أَمَّا غَيْرُ الْأَهْلِ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ الدُّخُولُ فِيهِ قَطْعًا، وَلَمْ أَرَ حُكْمَ مَا إذَا خَافَ الْجَوْرَ مَعَ التَّعَيُّنِ وَمُقْتَضَى كَلَامِهِمْ فِي النِّكَاحِ أَنْ لَا يَجُوزَ لَهُ الْقَبُولُ تَقْدِيمًا لِلْمُحَرِّمِ عَلَى الْمُبِيحِ، وَإِنْ كَانَ فَرْضًا وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ دُعِيَ لِلْقَضَاءِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَأَبَى حَتَّى حُبِسَ وَجُلِدَ كُلَّ مَرَّةٍ ثَلَاثِينَ سَوْطًا حَتَّى قَالَ لَهُ أَبُو يُوسُفَ: لَوْ تَقَلَّدْتَ لِمَنْفَعَةِ النَّاسِ. فَنَظَرَ إلَيْهِ شِبْهَ الْمُغْضَبِ فَقَالَ: لَوْ أُمِرْتُ أَنْ أَقْطَعَ الْبَحْرَ سِبَاحَةً لَكُنْتَ أَقْدَرَ عَلَيْهِ فَكَأَنِّي بِكَ قَاضِيًا، نَكَّسَ رَأْسَهُ وَلَمْ يَنْظُرْ إلَيْهِ بَعْدُ، هَذَا يَدُلُّ عَلَى كَرَاهَةِ الدُّخُولِ فِيهِ وَهُوَ قَوْلُ الْبَعْضِ، قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ لِلْقَادِرِ عَلَيْهِ، وَظَاهِرُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ إلَّا إنْ كَانَ السُّلْطَانُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَفْصِلَ الْخُصُومَاتِ إلَخْ) . قَالَ الرَّمْلِيُّ هَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَقْضِيَ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْفَوَاكِهِ الْبَدْرِيَّةِ حَيْثُ قَالَ الْحَاكِمُ: إمَّا الْإِمَامُ أَوْ الْقَاضِي أَوْ الْمُحَكِّمُ أَمَّا الْإِمَامُ فَقَدْ قَالَ عُلَمَاؤُنَا حُكْمُ السُّلْطَانِ الْعَادِلِ يَنْفُذُ وَاخْتَلَفُوا فِي الْمَرْأَةِ فِيمَا سِوَى الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ. اهـ. وَسَيَأْتِي فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَتَقْضِي الْمَرْأَةُ فِي غَيْرِ حَدٍّ وَقَوَدٍ أَنَّهَا تَصْلُحُ لِلسَّلْطَنَةِ وَفِي الْخُلَاصَةِ جِنْسٌ آخَرُ، وَفِي النَّوَازِلِ السُّلْطَانُ إذَا حَكَمَ بَيْنَ اثْنَيْنِ لَا يَنْفُذُ وَفِي أَدَبِ الْقَاضِي لِلْخَصَّافِ يَنْفُذُ وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَقَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ وَهَذَا أَصَحُّ وَبِهِ يُفْتَى اهـ. ذَكَرَهُ فِي الْفَصْلِ الرَّابِعِ مِنْ كِتَابِ الْقَضَاءِ فَظَهَرَ ضَعْفُ الرِّوَايَةِ الَّتِي نَقَلَهَا ابْنُ حَجَرٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (قَوْلُهُ الظَّاهِرُ جَوَازُ جَبْرِهِ) يُخَالِفُهُ مَا فِي الِاخْتِيَارِ حَيْثُ قَالَ وَمَنْ تَعَيَّنَ لَهُ يُفْتَرَضُ عَلَيْهِ وَلَوْ امْتَنَعَ لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ اهـ. (قَوْلُهُ وَلَمْ أَرَ حُكْمَ مَا لَوْ خَافَ الْجَوْرَ مَعَ التَّعَيُّنِ) قَدْ ذَكَرَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 294 كَلَامِ الْإِمَامِ أَنَّهُ عَرَفَ مِنْ نَفْسِهِ عَدَمَ الْقُدْرَةِ، لِذَا لَمْ يَقْبَلْ، بِهِ صَرَّحَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْقَبُولُ إلَّا لِمَنْ أُجْبِرَ عَلَيْهِ، وَلِذَا ضُرِبَ الْإِمَامُ أَيَّامًا وَقُيِّدَ بِضْعًا وَخَمْسِينَ، امْتَنَعَ فِي الْأَصَحِّ مِنْ الْقَبُولِ، مَاتَ عَلَى الْإِبَاءِ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ الْبَزَّازِيُّ فِي مَنَاقِبِهِ رِوَايَاتٌ الْأُولَى أَنَّ الْإِمَامَ لَمَّا أَكْرَهَهُ الْمَنْصُورُ عَلَى الْقَضَاءِ وَأَبَى حَبَسَهُ وَضَرَبَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَمَاتَ فِي الْحَبْسِ مَبْطُونًا. الثَّانِيَةُ أَنَّهُ حُبِسَ مَرَّتَيْنِ عَلَى الْقَضَاءِ وَالْفُتْيَا، ثُمَّ أُخْرِجَ وَلَزِمَ بَيْتَهُ وَمُنِعَ مِنْ الْجُلُوسِ لِلنَّاسِ إلَى أَنْ مَاتَ. الثَّالِثَةُ أَنَّهُمْ لَمَّا عَجَزُوا مِنْهُ قَتَلُوهُ بِالسُّمِّ. الرَّابِعَةُ أَنَّهُ طِيفَ بِهِ فِي الْأَسْوَاقِ. الْخَامِسَةُ أَنَّهُ لَمَّا أَحَسَّ بِالسُّمِّ سَجَدَ فَخَرَجَتْ رُوحُهُ سَاجِدًا سَنَةَ خَمْسِينَ وَمِائَةٍ، وَمِنْ غَرِيبِ مَا وَقَعَ أَنَّهُ جِيءَ بِجِنَازَتِهِ فَازْدَحَمَ النَّاسُ فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى دَفْنِهِ إلَّا بَعْدَ الْعَصْرِ، وَاسْتَمَرَّ النَّاسُ يُصَلُّونَ عَلَيْهِ عَلَى قَبْرِهِ عِشْرِينَ يَوْمًا، وَحُزِرَ مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ خَمْسُونَ أَلْفًا ثُمَّ قَالَ وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَقْبَلْ الْقَضَاءَ، وَأَنَّهُ مَاتَ بِالسُّمِّ، وَقِيلَ قَبْلَهُ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ لِأَجْلِ بَرِّ الْمَنْصُورِ فِي يَمِينِهِ ثُمَّ تُرِكَ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ وَاقِعَةَ الْمَنْصُورِ مَعَهُ هِيَ الْفِتْنَةُ الثَّانِيَةُ لِلْإِمَامِ، وَالْأُولَى أَكْرَهُهُ ابْنُ هُبَيْرَةَ وَالِي الْكُوفَةِ عَلَى قَضَائِهَا، وَضَرَبَهُ بِهِ عَلَى رَأْسِهِ حَتَّى انْتَفَخَ وَجْهُهُ وَحَبَسَهُ فَرَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَرَهُ بِإِطْلَاقِهِ وَتَمَامُهُ فِيهَا، وَلَمْ يَذْكُرْ الشَّارِحُونَ الْمَوْلَى لِلْقُضَاةِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ الْخَلِيفَةُ أَوْ السُّلْطَانُ وَعِنْدَ الْإِمَامِ الثَّانِي الْأَمِيرُ الَّذِي وَلَّاهُ السُّلْطَانُ نَاحِيَةً، وَجَعَلَ لَهُ خَرَاجَهَا وَأَطْلَقَ لَهُ التَّصَرُّفَ فِي الرَّعِيَّةِ وَمَا تَقْتَضِيهِ الْإِمَارَةُ لَهُ أَنْ يُقَلِّدَ وَيَعْزِلَ بِخِلَافِ مَا إذَا فَوَّضَ إلَيْهِ الْأَمْوَالَ فَقَطْ، وَعَنْهُ أَيْضًا إذَا كَانَ الْقَضَاءُ مِنْ الْأَصْلِ وَمَاتَ الْقَاضِي لَيْسَ لِلْأَمِيرِ أَنْ يَنْصِبَ قَاضِيًا، وَإِنْ وَلِيَ عُشْرَهَا وَخَرَاجَهَا وَإِنْ حَكَمَ الْأَمِيرُ لَمْ يَجُزْ حُكْمُهُ فَإِذَا جَاءَ هَذَا الْمَوْلَى بِكِتَابِ الْخَلِيفَةِ إلَيْهِ مِنْ الْأَصْلِ لَا يَكُونُ إمْضَاءً لِقَضَائِهِ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَلِلسُّلْطَانِ أَنْ يُفَوِّضَ التَّوْلِيَةَ لِلْقَضَاءِ إلَى غَيْرِهِ، وَلَوْ كَانَ الْمُفَوَّضُ إلَيْهِ عَبْدًا بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا حَكَمَ الْعَبْدُ بِنَفْسِهِ لَمْ يَصِحَّ، وَيُشْتَرَطُ لِلسُّلْطَانِ الْمُوَلِّي لِلْقُضَاةِ الْبُلُوغُ لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ مَاتَ السُّلْطَانُ وَاتَّفَقَتْ الرَّعِيَّةُ عَلَى سَلْطَنَةِ ابْنٍ صَغِيرٍ لَهُ يَنْبَغِي أَنْ يُفَوِّضَ أُمُورَ التَّقْلِيدِ إلَى وَالٍ، وَيَعُدُّ هَذَا الْوَالِي نَفْسَهُ تَبَعًا لِابْنِ السُّلْطَان لِشَرَفِهِ، وَالسُّلْطَانُ فِي الرَّسْمِ هُوَ الِابْنُ وَفِي الْحَقِيقَةِ هُوَ الْوَالِي لِعَدَمِ صِحَّةِ الْإِذْنِ وَالْجُمُعَةِ لِمَنْ لَا وِلَايَةَ لَهُ اهـ. وَفِيهَا أَيْضًا السُّلْطَانُ أَوْ الْوَالِي إذَا بَلَغَ يَحْتَاجُ إلَى تَقْلِيدٍ جَدِيدٍ، وَكَذَا النَّصْرَانِيُّ إذَا اُسْتُؤْمِرَ وَفِي الْعَبْدِ رِوَايَتَانِ وَلَوْ اجْتَمَعَ أَهْلُ بَلْدَةٍ عَلَى تَوْلِيَةِ وَاحِدٍ الْقَضَاءَ لَمْ يَصِحَّ بِخِلَافِ مَا إذَا وَلَّوْا سُلْطَانًا بَعْدَ مَوْتِ سُلْطَانِهِمْ فَإِنَّهُ يَجُوزُ مِنْهَا أَيْضًا، وَلَا بُدَّ فِي صِحَّةِ التَّوْلِيَةِ مِنْ تَعْيِينِ الْقَاضِي فَلَوْ قَالَ السُّلْطَانُ وَلَّيْتُ عَالِمًا أَوْ أَحَدَ هَذَيْنِ أَوْ فُلَانًا وَفُلَانًا لَمْ يَصِحَّ أَخْذًا مِمَّا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، لَوْ قَالَ السُّلْطَانُ لِلْوَالِي قَلِّدْ مَنْ شِئْتَ يَصِحُّ وَلَوْ قَالَ قَلِّدْ أَحَدًا لَمْ يَصِحَّ كَقَوْلِهِ لِوَكِيلِهِ وَكِّلْ مَنْ شِئْتَ يَصِحُّ وَكُلُّ أَحَدٍ لَا. اهـ. وَالتَّوْلِيَةُ لِلْقَاضِي إمَّا بِالْمُشَافَهَةِ لِلْقَاضِي بِقَوْلِهِ وَلَّيْتُكَ قَضَاءَ بَلْدَةِ كَذَا أَوْ جَعَلْتُك قَاضِيَ الْقُضَاةِ وَنَحْوَ ذَلِكَ أَوْ بِإِرْسَالِ ثِقَةٍ إلَيْهِ بِذَلِكَ أَوْ بِكِتَابٍ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ كَانَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ يَقُولُ كَانَ الْفَقِيهُ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْكَافُ يَقُولُ تَوْلِيَةُ الْقَضَاءِ فِي دِيَارِنَا غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْمُوَلِّيَ لَا يُوَاجِهُهُمْ بِالتَّقْلِيدِ، وَإِنَّمَا يَكْتُبُ الْمَنْشُورَ وَيَكْتُبُ فِي كُلِّ فَصْلٍ عَادَةً مَنْ تَقَدَّمَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَيَبْطُلُ الْمُقَدَّمُ وَلَوْ مَحَاهُ بَعْدَهُ لَا يَنْقَلِبُ صَحِيحًا كَمَا لَوْ كَتَبَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ مَحَى الْمُبْطِلَ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ اهـ. وَلَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ التَّوْلِيَةِ قَبُولُهُ لَهَا، وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ عَدَمُ رَدِّهِ بِشَرْطِ بُلُوغِهِ الرَّدَّ كَالْوَكَالَةِ لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ السُّلْطَانُ إذَا قَلَّدَهُ الْقَضَاءَ فَرَدَّهُ مُشَافَهَةً، ثُمَّ قِيلَ لَا يَصِحُّ وَإِنْ بَعَثَ إلَيْهِ مَنْشُورًا أَوْ أَرْسَلَ إلَيْهِ فَرَدَّهُ، ثُمَّ قَبِلَ إنْ قَبِلَ قَبْلَ بُلُوغِ الرَّدِّ إلَى السُّلْطَانِ يَصِحُّ الْقَبُولُ لَا بَعْدَ بُلُوغِ الرَّدِّ إلَيْهِ، وَكَذَا الْوَكِيلُ بِرَدِّ الْوَكَالَةِ ثُمَّ يَقْبَلُ وَكَذَا إذَا كَتَبَتْ الْمَرْأَةُ إلَى رَجُلٍ زَوَّجْتُ نَفْسِي مِنْكَ فَبَلَغَ الْكِتَابُ إلَيْهِ فَرَدَّهُ ثُمَّ قَبِلَ   [منحة الخالق] حُكْمَهُ قَرِيبًا عَنْ الْفَتْحِ حَيْثُ قَالَ وَمَحَلُّ الْكَرَاهَةِ مَا إذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ فَإِذَا انْحَصَرَ صَارَ فَرْضَ عَيْنٍ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ ضَبْطُ نَفْسِهِ إلَخْ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ وَإِنْ كَانَ فَرْضًا يَدْفَعُ التَّوَقُّفَ وَمَا اسْتَدَلَّ بِهِ تَأَمَّلْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 295 وَالرِّسَالَةُ كَالْكِتَابَةِ. اهـ. وَلَمْ أَرَ لِأَصْحَابِنَا مَجْمُوعًا مَا يَسْتَفِيدُهُ الْقَاضِي بِالتَّوْلِيَةِ، وَقَدْ جَمَعْتُهُ مِنْ مَوَاضِعِهِ فَيَمْلِكُ الْحُكْمَ الثَّابِتَ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ أَوْ نُكُولٍ عَنْ الْيَمِينِ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الشَّرَائِطِ الشَّرْعِيَّةِ لِلْحُكْمِ، وَيَمْلِكُ حَبْسَ الْمُمْتَنِعِ عَنْ أَدَاءِ الْحَقِّ وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ تَعْزِيرٌ وَرَأَى حَبْسَهُ لِقَوْلِهِمْ: إنَّهُ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِهِ، وَيَمْلِكُ إقَامَةَ التَّعَازِيرِ مَا كَانَ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى بِلَا طَلَبِ أَحَدٍ وَمَا كَانَ حَقَّ عَبْدٍ بِطَلَبِهِ، وَيَمْلِكُ إقَامَةَ الْحُدُودِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي بَابِهَا وَفِي تَهْذِيبِ الْقَلَانِسِيِّ أَنَّهَا إلَى الْإِمَامِ، وَأُمَرَاءُ الْأَمْصَارِ دُونَ أُمَرَاءِ السَّوَادِ وَعُمَّالُ الْخَرَاجِ فِي الرَّسَاتِيقِ اهـ. وَيَمْلِكُ تَزْوِيجَ الْيَتَامَى وَالْأَيْتَامِ حَيْثُ لَا وَلِيَّ لَهُمْ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَكْتُبَ فِي مَنْشُورِهِ ذَلِكَ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ فِي بَابِ الْأَوْلِيَاءِ أَنَّهُ لَا يَكْفِي فِي هَذِهِ تَوْلِيَتُهُ لَهُ قَاضِيَ الْقُضَاةِ وَيَمْلِكُ الِاسْتِخْلَافَ بِالْإِذْنِ الصَّرِيحِ أَوْ بِقَوْلِهِ جَعَلْتُكَ قَاضِيَ الْقُضَاةِ، وَإِلَّا فَلَا يَمْلِكُ وَيَمْلِكُ وِلَايَةَ أَمْوَالِ غَيْرِ الْمُكَلَّفِينَ مِمَّنْ لَا وَلِيَّ لَهُ، وَأَمَّا مَنْ لَهُ وَلِيٌّ فَلَا إلَّا أَنْ يَتَصَرَّفَ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَهُ نَقْضُهُ أَوْ كَانَ مُبَذِّرًا مُسْرِفًا فَلَهُ مَنْعُهُ كَمَا فِي بُيُوعِ الْخَانِيَّةِ، وَيَمْلِكُ وِلَايَةَ الْوُقُوفِ وَلَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ أَنْ لَا وِلَايَةَ لَهُ فِي وَقْفِهِ فَشَرْطُهُ بَاطِلٌ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْوَقْفِ، وَيَبْحَثُ عَنْ وُلَاتِهَا فَيَعْزِلُ الْخَائِنَ عَنْهَا وَلَوْ كَانَ ابْنَ الْوَاقِفِ وَيُحَاسِبُهُمْ وَيُحَلِّفُ مَنْ يَتَّهِمُهُ مِنْهُمْ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْوَقْفِ، وَلَهُ نَصْبُ الْأَوْصِيَاءِ إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ وَصِيٌّ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ التَّاسِعِ فِي نَصْبِ الْوَصِيِّ مِنْ كِتَابِ الْقَضَاءِ. قَالَ الْإِمَامُ الْحَلْوَانِيُّ لِلْقَاضِي أَنْ يَنْصِبَ الْوَصِيَّ فِي مَوَاضِعَ إذَا كَانَ فِي التَّرِكَةِ دَيْنٌ مَهْرًا كَانَ الدَّيْنُ أَوْ غَيْرَهُ بِشَرْطِ امْتِنَاعِ الْوَارِثِ الْكَبِيرِ مِنْ الْبَيْعِ لِلْقَضَاءِ أَوْ وَصِيَّةً أَوْ صَغِيرَةً فَيَنْصِبُهُ الْقَاضِي لِقَضَاءِ الدَّيْنِ أَوْ لِتَنْفِيذِ الْوَصِيَّةِ أَوْ لِحِفْظِ مَالِ الصَّغِيرِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ أَبُو الصَّغِيرِ مُبَذِّرًا مُتْلِفًا لِمَالِ الصَّغِيرِ يَنْصِبُ وَصِيًّا لِحِفْظِ مَالِهِ، وَلَوْ اشْتَرَى الْوَارِثُ مِنْ مُوَرِّثِهِ شَيْئًا ثُمَّ اطَّلَعَ بَعْدَ مَوْتِهِ عَلَى عَيْبٍ نَصَّبَ الْقَاضِي وَصِيًّا حَتَّى يَرُدَّهُ الْأَبُ عَلَيْهِ، وَقَيَّدَ الْخَصَّافُ نَصْبَ الْوَصِيِّ فِيمَا إذَا كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ لَهُ وَارِثٌ كَبِيرٌ غَائِبًا بِانْقِطَاعِهِ عَنْ بَلَدِ الْمُتَوَفَّى لَا يَأْتِي وَلَا تَذْهَبُ الْقَافِلَةُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُنْقَطِعًا لَا يَنْصِبُ، وَكَذَا يَنْصِبُ وَصِيًّا عَلَى الصَّغِيرِ عِنْدَ غَيْبَةِ أَبِيهِ، وَاحْتِيجَ إلَى إثْبَاتِ حَقِّ الصَّغِيرِ إنْ كَانَتْ غَيْبَةُ الْأَبِ مُنْقَطِعَةً وَإِلَّا فَلَا وَيَنْصِبُ وَصِيًّا عَنْ الْمَفْقُودِ لِحِفْظِ حُقُوقِهِ وَلَا يَنْصِبُ عَنْ الْغَائِبِ اهـ. فَهَذِهِ سَبْعَةُ مَوَاضِعَ يَمْلِكُ فِيهَا نَصْبَ الْوَصِيِّ، ثُمَّ رَأَيْتُ ثَامِنًا قَالَ فِي الْقُنْيَةِ إذَا كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَصَمَّ أَعْمَى أَخْرَسَ فَالْقَاضِي يَنْصِبُ عَنْهُ وَصِيًّا، وَيَأْمُرُ الْمُدَّعِيَ بِالْخُصُومَةِ مَعَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ أَوْ جَدٌّ أَوْ وَصِيُّهُمَا اهـ. قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ بَعْدَهَا، وَإِنَّمَا يَلِي النَّصْبَ إذَا كَانَ مَأْذُونًا بِالِاسْتِخْلَافِ وَيَنْصِبُ عَدْلًا أَمِينًا كَافِيًا لَا غَرِيبًا لَا يُعْرَفُ، وَيُثْبِتُ ذَلِكَ بِإِخْبَارِ عَدْلٍ، وَيُشْتَرَطُ فِي نَصْبِ الْوَصِيِّ عَلَى الْيَتِيمِ كَوْنُهُ فِي وِلَايَةِ الْقَاضِي لَا التَّرِكَةِ، وَفِي الْوَقْفِ كَوْنُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي وِلَايَتِهِ هَكَذَا اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَفِيهِ اخْتِلَافٌ وَيَمْلِكُ الْبَيْعَ عَلَى الْمَدْيُونِ لِإِيفَاءِ دَيْنِهِ عَلَى الْقَوْلِ الْمُفْتَى بِهِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي الْحَجْرِ، وَلَهُ وِلَايَةُ إقْرَاضِ اللُّقَطَةِ مِنْ الْمُلْتَقِطِ، وَوِلَايَةُ إقْرَاضِ مَالِ الْغَائِبِ وَلَهُ بَيْعُ مَنْقُولِهِ إذَا خَافَ عَلَيْهِ التَّلَفَ إذَا لَمْ يُعْلَمْ مَكَانُ الْغَائِبِ فَإِذَا عُلِمَ مَكَانُهُ بَعَثَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ حِفْظُ الْعَيْنِ وَالْمَالِيَّةِ دَلَّ هَذَا عَلَى   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَلَا يُنْصَبُ عَلَى الْغَائِبِ) فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ عَنْ فَتَاوَى رَشِيدِ الدِّينِ لِلْقَاضِي نَصْبُ الْوَصِيِّ لَوْ كَانَ وَارِثُهُ غَائِبًا، وَيَكْتُبُ فِي نُسْخَةِ الْوِصَايَةِ أَنَّهُ جَعَلَهُ وَصِيًّا وَوَارِثُهُ غَائِبٌ مُدَّةَ السَّفَرِ اهـ. وَوَفَّقَ الشَّيْخُ خَيْرُ الدِّينِ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْفُصُولَيْنِ بِإِمْكَانِ حَمْلِ الْأَوَّلِ عَلَى مَا إذَا كَانَ مَعْرُوفًا، وَلَمْ تَكُنْ غَيْبَتُهُ مُنْقَطِعَةً وَعَلَى مَا لَمْ تَدْعُ إلَيْهِ الضَّرُورَةُ قَالَ وَسَيَأْتِي مَا يُؤَيِّدُهُ وَتَقَدَّمَ مَا يُؤَيِّدُهُ أَيْضًا اهـ. وَيَأْتِي قَرِيبًا أَنَّ لَهُ إقْرَاضَ مَالِ الْغَائِبِ. (قَوْلُهُ ثُمَّ رَأَيْت ثَامِنًا إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَفِي وَاقِعَاتِ النَّاطِفِيِّ رَجُلٌ مَاتَ وَأَوْصَى إلَى رَجُلٍ فَادَّعَى إنْسَانٌ دَيْنًا عَلَى الْمَيِّتِ وَالْوَصِيُّ غَائِبٌ نَصَبَ الْقَاضِي خَصْمًا عَنْ الْمَيِّتِ حَتَّى يُخَاصِمَ الْغَرِيمَ لَيَصِلَ إلَى حَقِّهِ وَفِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَاضِي الْمَنْسُوبِ إلَى صَاحِبِ الْمُحِيطِ أَنَّ الْقَاضِيَ يَنْصِبُ وَصِيًّا يَدَّعِي عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْوَارِثُ غَائِبًا فِي رِوَايَةٍ كَذَا فِي الْفُصُولِ الْعِمَادِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَيُشْتَرَطُ فِي نَصْبِ الْوَصِيِّ عَلَى الْيَتِيمِ إلَخْ) وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّ الصَّحِيحَ اشْتِرَاطُ حُضُورِ الصَّبِيِّ عِنْدَ الْقَاضِي فِي نَصْبِ الْوَصِيِّ لِلُزُومِ الْإِشَارَةِ إلَيْهِ وَفِي مَبْسُوطِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ نَصْبِ الْوَصِيِّ كَوْنُ الْيَتِيمِ أَوْ التَّرِكَةِ فِي وِلَايَتِهِ وَفِي فَتَاوَى الْقَاضِي إذَا نَصَبَ وَصِيًّا فِي تَرِكَةِ أَيْتَامٍ وَهُمْ فِي وِلَايَتِهِ وَالتَّرِكَةُ لَيْسَتْ فِي وِلَايَتِهِ أَوْ كَانَتْ التَّرِكَةُ فِي وِلَايَتِهِ وَالْأَيْتَامُ لَمْ يَكُونُوا فِي وِلَايَتِهِ أَوْ كَانَ بَعْضُ التَّرِكَةِ فِي وِلَايَتِهِ وَالْبَعْضُ لَمْ يَكُنْ فِي وِلَايَتِهِ، قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ يَصِحُّ النَّصْبُ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَيَكُونُ الْوَصِيُّ وَصِيًّا فِي جَمِيعِ التَّرِكَةِ أَيْنَمَا كَانَتْ التَّرِكَةُ، وَكَانَ رُكْنُ الْإِسْلَامِ عَلِيٌّ السُّغْدِيُّ يَقُولُ مَا كَانَ مِنْ التَّرِكَةِ فِي وِلَايَتِهِ يَصِيرُ وَصِيًّا وَمَا لَا فَلَا أَدَبُ الْأَوْصِيَاءِ مِنْ فَصْلِ النَّصْبِ وَتَمَامُهُ فِيهِ (قَوْلُهُ دَلَّ هَذَا عَلَى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 296 أَنَّهُ يَمْلِكُ بَعْثَ مَالِ الْغَائِبِ إلَيْهِ إذَا خَافَ التَّلَفَ وَلَهُ نَصْبُ وَكِيلٍ فِي جَمْعِ غَلَّاتِ الْمَفْقُودِ طَلَبَ الْوَارِثُ أَوْ لَا، لَهُ إيفَاءُ دُيُونِ الْغَائِبِ بِمَالِهِ بِالْحِصَصِ وَبَيْعُ مَالِهِ لِإِيفَاءِ دَيْنِهِ إذَا كَانَ دَيْنُهُ ثَابِتًا عِنْدَهُ، وَلَهُ الْإِرْسَالُ خَلْفَ مَنْ نَسَبَ إلَى طَلَاقِ زَوْجَتِهِ الثَّلَاثَ إذَا أَخْبَرَهُ عَدْلَانِ، وَإِنْ لَمْ تَطْلُبْهُ الْمَرْأَةُ الْكُلُّ مِنْ الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ نَوْعٍ فِي وِلَايَةِ الْقَاضِي. قَالَ: وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ أُمَّ وَلَدِ الْغَائِبِ وَلَهُ الْإِذْنُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَى مَالِ الْغَائِبِ وَزَوْجَتِهِ وَأَوْلَادِهِ وَأَصْلِهِ مِنْ مَالِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي النَّفَقَاتِ، وَلَهُ فَرْضُ النَّفَقَةِ عَلَى الزَّوْجِ إذَا لَمْ يَكُنْ صَاحِبَ مَائِدَةٍ وَطَعَامٍ كَثِيرٍ وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ لِلْقَاضِي إيدَاعُ مَالِ الْغَائِبِ وَلَهُ الْإِذْنُ فِي بَيْعِ شَيْءٍ بَاعَهُ مَالِكُهُ لِرَجُلٍ وَغَابَ الْمُشْتَرِي لِيَأْخُذَ ثَمَنَهُ مِنْ ثَمَنِهِ لَوْ مِنْ جِنْسِهِ، وَلَوْ كَانَتْ دَابَّةٌ فَلَهُ الْإِذْنُ بِإِجَارَتِهَا وَعَلْفُهَا مِنْ أُجْرَتِهَا، وَلَهُ الْإِذْنُ بِبَيْعِ الْجَارِيَةِ الْمَغْصُوبَةِ لَوْ كَانَ مَالِكُهَا غَائِبًا وَلَوْ مِنْ الْغَاصِبِ فَيَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا، وَإِنْ حَضَرَ مَالِكُهَا كَانَ لَهُ عَلَى ذِي الْيَدِ ثَمَنُهَا، وَلَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَ أَمَةِ الْغَائِبِ وَالْمَجْنُونِ وَقِنُّهُمَا وَلَهُ أَنْ يُكَاتِبَهُمَا وَيَبِيعَهُمَا، وَلَهُ أَنْ يَقْبِضَ دَيْنَ غَائِبٍ مِنْ مَحْبُوسِهِ، وَلَهُ أَنْ يَضَعَهُ عِنْدَ عَدْلٍ وَلَهُ إطْلَاقُ مَحْبُوسِهِ بِكَفِيلٍ بِنَفْسِهِ، وَلَهُ الْإِذْنُ بِبَيْعِ وَدِيعَةٍ خِيفَ فَسَادُهَا وَرَبُّهَا غَائِبٌ كَصُوفٍ، وَلَهُ بَيْعُ دَارِ الْمَيِّتِ إذَا لَمْ يُعْلَمْ لَهُ وَارِثٌ وَإِذَا عُلِمَ جَازَ أَيْضًا حِفْظًا، وَلَهُ بَيْعُ الْآبِقِ وَلَهُ إجَارَةُ بَيْعِ بَيْتِ الْمَفْقُودِ لَوْ خِيفَ خَرَابُهُ لَوْ لَمْ يَسْكُنْ، وَلَهُ قَبْضُ الْمَغْصُوبِ الْغَائِبِ مِنْ غَاصِبِهِ، وَلَهُ أَخْذُ وَدِيعَةِ الْمَفْقُودِ وَإِيدَاعُهَا عِنْدَ مَنْ يَثِقُ بِهِ اهـ. مَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مُلَخَّصًا، وَأَمَّا إقَامَةُ الْجُمَعِ وَالْأَعْيَادِ فَيَمْلِكُهَا الْقَاضِي إنْ كَانَتْ فِي مَنْشُورِهِ، وَإِلَّا فَلَا وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ لِلْقَاضِي أَنْ يَجْمَعَ جُمْلَةَ الْمَشَايِخِ عَلَى هَذَا كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ أَوَّلِ الْقَضَاءِ، وَلَهُ النَّظَرُ فِي الطَّرِيقِ فَيَمْنَعُ مُتَعَدِّيًا فِيهَا بِبِنَاءٍ وَإِشْرَاعِ جُنَاحٍ لَا يَجُوزُ، وَلَهُ نَصْبُ الْقَسَّامِ كَمَا ذَكَرُوهُ فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ، وَلَهُ نَصْبُ أَئِمَّةِ الْمَسَاجِدِ، وَلَمْ أَرَ حُكْمَ نَصْبِهِ لِلْمُحْتَسِبِينَ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لَهُ ذَلِكَ إنْ لَمْ يَنْصِبْ الْإِمَامُ أَحَدًا، وَأَمَّا نَصْبُ الْعَاشِرِ وَالْجَابِي لِلزَّكَوَاتِ فَإِلَى الْإِمَامِ كَأَخْذِ الْجِزْيَةِ وَالْخَرَاجِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِأَمْوَالِ بَيْتِ الْمَالِ. قَوْلُهُ (وَلَا يَسْأَلُ الْقَضَاءَ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ طَلَبَ الْقَضَاءَ وُكِلَ إلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أُجْبِرَ عَلَيْهِ نَزَلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ يُسَدِّدُهُ» أَيْ يُلْهِمُهُ رُشْدَهُ ذَكَرَهُ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ؛ وَلِأَنَّ مَنْ طَلَبَهُ اعْتَمَدَ عَلَى نَفْسِهِ فَيُحْرَمُ وَمَنْ أُجْبِرَ عَلَيْهِ تَوَكَّلَ عَلَى رَبِّهِ فَيُلْهَمُ، وَعَلَّلَهُ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ بِأُخْرَى بِأَنَّ فِي طَلَبِ الْقَضَاءِ إذْلَالًا وَإِهَانَةً بِالْعِلْمِ؛ لِأَنَّ كُلَّ مُعْرَضٍ مُهَانٌ اهـ. وَهُوَ يُفِيدُ مَنْعَ الْعَالِمِ مِنْ السُّؤَالِ مُطْلَقًا إلَّا لِحَاجَةٍ، وَقَدْ جَمَعَ الْقُدُورِيُّ بَيْنَ النَّهْيِ عَنْ طَلَبِهِ وَالنَّهْيِ عَنْ سُؤَالِهِ فَفَهِمَ الشَّارِحُونَ الْمُغَايَرَةَ بَيْنَهُمَا فَقِيلَ الطَّلَبُ بِالْقَلْبِ وَالسُّؤَالُ بِاللِّسَانِ كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى وَفِي الْيَنَابِيعِ الطَّلَبُ أَنْ يَقُولَ لِلْإِمَامِ وَلِّنِي، وَالسُّؤَالُ أَنْ يَقُولَ لِلنَّاسِ لَوْ وَلَّانِي الْإِمَامُ قَضَاءَ بَلْدَةِ كَذَا لَأَجَبْتُهُ إلَى ذَلِكَ، وَهُوَ يَطْمَعُ أَنْ يَبْلُغَ ذَلِكَ إلَى الْإِمَامِ اهـ. وَالْمُرَادُ كَرَاهَةُ السُّؤَالِ أَيْ تَحْرِيمًا أَيْ لَا يَحِلُّ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَلَيْسَ النَّهْيُ عَنْ السُّؤَالِ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ مُقَيَّدٌ بِأَنْ لَا يَتَعَيَّنَ لِلْقَضَاءِ أَمَّا إنْ تَعَيَّنَ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ غَيْرُهُ يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ وَجَبَ عَلَيْهِ الطَّلَبُ صِيَانَةً لِحُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ وَدَفْعًا لِظُلْمِ الظَّالِمِينَ، وَاسْتَحَبَّ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ طَلَبَهُ لِحَامِلِ الذِّكْرِ لِيَنْشُرَ الْعِلْمَ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ، وَلَمْ أَرَ حُكْمَ مَا إذَا تَعَيَّنَ، وَلَمْ يُوَلِّ إلَّا بِمَالٍ هَلْ يَحِلُّ بَذْلُهُ، وَكَذَا لَمْ أَرَ   [منحة الخالق] أَنَّهُ يَمْلِكُ بَعْثَ مَالِ الْغَائِبِ إلَيْهِ إلَخْ) ، هَذَا مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الْخَانِيَّةِ وَنَصُّهَا كَمَا فِي الْحَامِدِيَّةِ وَلِلْقَاضِي أَنْ يَبْعَثَ مَالَ الْغَائِبِ إلَى الْغَائِبِ إذَا خَافَ الْهَلَاكَ، وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ مَالَ الْيَتِيمِ مِنْ وَالِدِهِ إذَا كَانَ الْوَالِدُ مُسْرِفًا مُبَذِّرًا وَيَضَعَهُ عَلَى يَدِ عَدْلٍ إلَى أَنْ يَبْلُغَ الْيَتِيمُ خَانِيَّةٌ فِي فَصْلِ مَنْ يَقْضِي فِي الْمُجْتَهَدَاتِ. (قَوْلُهُ وَأَمَّا إقَامَةُ الْجُمَعِ وَالْأَعْيَادِ فَيَمْلِكُهَا الْقَاضِي إنْ كَانَتْ فِي مَنْشُورِهِ) قُلْتُ: وَفِي زَمَانِنَا يُؤْذِنُ الْقَاضِي بِنَصْبِ الْخَطِيبِ إذَا مَاتَ خَطِيبُ الْجَامِعِ، وَيَكْتُبُ إلَى السَّلْطَنَةِ الْعَلِيَّةِ لِيُقَرِّرَهُ فِيهَا، وَلَيْسَ مَأْذُونًا فِي نَصْبِ الْخَطِيبِ ابْتِدَاءً هَكَذَا أَخْبَرَنِي تَرْجُمَانُ الْقَاضِي لِحَادِثَةٍ اقْتَضَتْ ذَلِكَ، وَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إقَامَتُهَا بِنَفْسِهِ، وَلَكِنْ كُنْت مَرَّةً فِي جَامِعِ بَنِي أُمَيَّةَ وَقَدْ مَاتَ الْخَطِيبُ، وَكَانَ نَائِبًا عَنْ رَجُلٍ فَخَرَجَ الْأَصِيلُ لِيَخْطُبَ وَكَانَ حَدِيثَ السِّنِّ وَالْقَاضِي حَاضِرٌ فِي الْجَامِعِ فَغَضِبَ مِنْ ذَلِكَ، وَأَنْزَلَهُ مِنْ الْمِنْبَرِ وَأَخْرَجَ نَائِبَ الْقَاضِي فَخَطَبَ بِالنَّاسِ وَصَلَّى وَضَجَّ النَّاسُ وَصَارُوا يَتَحَدَّثُونَ بِأَنَّ هَذِهِ الْجُمُعَةَ لَمْ تَصِحَّ حَيْثُ لَمْ يَأْذَنْ الْخَطِيبُ لِنَائِبِ الْقَاضِي فَلَا أَدْرِي هَلْ ذَلِكَ جَهْلٌ مِنْ ذَلِكَ الْقَاضِي أَوْ كَانَ مَأْذُونًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [طَلَبَ الْقَضَاءَ] (قَوْلُهُ وَلَمْ أَرَ حُكْمَ مَا إذَا تَعَيَّنَ وَلَمْ يُوَلِّ إلَّا بِمَالٍ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ هَذَا ظَاهِرٌ فِي صِحَّةِ تَوْلِيَتِهِ وَإِطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ يَعْنِي قَوْلَهُ وَلَوْ أَخَذَ الْقَضَاءَ بِالرِّشْوَةِ لَا يَصِيرُ قَاضِيًا يَرُدُّهُ، وَأَمَّا عَدَمُ صِحَّةِ عَزْلِهِ فَمَمْنُوعٌ قَالَ فِي الْفَتْحِ الْقَدِيرِ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَعْزِلَ الْقَاضِيَ بِرِيبَةٍ وَبِلَا رِيبَةٍ وَلَا يَنْعَزِلُ حَتَّى يَبْلُغَهُ الْعَزْلُ اهـ. نَعَمْ لَوْ قِيلَ لَا يَحِلُّ عَزْلُهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَمْ يَبْعُدْ كَالْوَصِيِّ الْعَدْلِ قَالَ أَبُو السُّعُودِ، وَنَظَرَ فِيهِ السَّيِّدُ الْحَمَوِيُّ بِأَنَّ مَا فِي الْفَتْحِ لَيْسَ نَصًّا فِي صِحَّةِ عَزْلِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 297 حُكْمَ جَوَازِ عَزْلِهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَحِلَّ بَذْلُهُ لِلْمَالِ كَمَا حَلَّ طَلَبُهُ، وَأَنْ يَحْرُمَ عَزْلُهُ حَيْثُ تَعَيَّنَ، وَأَنْ لَا يَصِحَّ عَزْلُهُ وَكَمَا لَا يَجُوزُ طَلَبُهُ لَا تَجُوزُ تَوْلِيَةُ الطَّالِبِ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ وَالْخَانِيَّةِ مِنْ الْوَقْفِ طَالِبُ التَّوْلِيَةِ لَا يُوَلَّى اهـ. فَمَنْ طَلَبَ الْقَضَاءَ أَوْ النِّظَارَةَ أَوْ الْوِصَايَةَ لَا يُوَلَّى، وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّ الطَّالِبَ مَوْكُولٌ إلَى نَفْسِهِ وَهُوَ عَاجِزٌ فَيَكُونُ سَبَبًا لِتَضْيِيعِ الْحُقُوقِ وَفِي وَصَايَا الْبَزَّازِيَّةِ. قَالَ أَبُو مُطِيعٍ الْبَلْخِيّ أُفْتِيَ مُنْذُ نَيِّفٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً فَمَا رَأَيْتُ قَيِّمًا عَدَلَ فِي مَالِ ابْنِ أَخِيهِ قَطُّ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَقَلَّدَ الْوِصَايَةَ أَحَدٌ، وَقَدْ قِيلَ اتَّقُوا الْوَاوَاتِ الْوَكَالَةَ وَالْوِصَايَةَ وَالْوِلَايَةَ اهـ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا تُطْلَبُ التَّوْلِيَةُ عَلَى الْوَقْفِ، وَلَوْ كَانَتْ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ لَهُ لِإِطْلَاقِهِمْ، وَقَدَّمْنَا فِي كِتَابِ الْوَقْفِ أَنَّ لَهُ طَلَبَ عَوْدِهَا إذَا عُزِلَ مِنْ قَاضٍ جَدِيدٍ. (قَوْلُهُ وَيَجُوزُ تَقْلِيدُ الْقَضَاءِ مِنْ السُّلْطَانِ الْعَادِلِ وَالْجَائِرُ وَمِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ) ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - تَقَلَّدُوهُ مِنْ مُعَاوِيَةَ، وَالْحَقُّ كَانَ بِيَدِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - فِي نَوْبَتِهِ وَالتَّابِعِينَ تَقَلَّدُوهُ مِنْ الْحَجَّاجِ وَكَانَ جَائِرًا أَفْسَقَ أَهْلِ زَمَانِهِ هَكَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِجَوْرِ مُعَاوِيَةَ، وَالْمُرَادُ فِي خُرُوجِهِ لَا فِي أَقْضِيَتِهِ، ثُمَّ إنَّمَا يَتِمُّ إذَا ثَبَتَ أَنَّهُ وَلِيَ الْقُضَاةَ قَبْلَ تَسْلِيمِ الْحَسَنِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَهُ، وَأَمَّا بَعْدَ تَسْلِيمِهِ فَلَا، وَيُسَمَّى ذَلِكَ الْعَامُ عَامَ الْجَمَاعَةِ اهـ. وَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ قَالَ: إنَّ الْحَسَنَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يُسَلِّمْ لَهُ اخْتِيَارًا، وَإِنَّمَا سَلَّمَ لَهُ لَمَّا رَأَى مَا يَقَعُ بَيْنَهُمَا مِنْ قَتْلِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلٍّ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ فَكَانَ مُضْطَرًّا كَمَا فِي الْمُسَايَرَةِ وَفِي الْمِعْرَاجِ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى بَيْعَةِ مُعَاوِيَةَ حِينَ سَلَّمَ لَهُ الْحَسَنُ، وَمَا ذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ مِنْ جَوَازِ التَّقْلِيدِ مِنْ الْجَائِرِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ يُمَكِّنُهُ مِنْ الْقَضَاءِ بِالْحَقِّ. أَمَّا إذَا لَمْ يُمَكِّنْهُ فَلَا كَمَا فِي الْهِدَايَةِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ لَا يَحْصُلُ بِهِ، وَالْعَادِلُ هُوَ الْوَاضِعُ كُلَّ شَيْءٍ فِي مَوْضِعِهِ، وَقِيلَ هُوَ الْمُتَوَسِّطُ بَيْنَ طَرَفَيْ الْإِفْرَاطِ وَالتَّفْرِيطِ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْعَقَائِدِ أَوْ فِي الْأَعْمَالِ أَوْ فِي الْأَخْلَاقِ، وَقِيلَ الْجَامِعُ بَيْنَ أُمَّهَاتِ كَمَالَاتِ الْإِنْسَان الثَّلَاثَةِ، وَهِيَ الْحِكْمَةُ وَالشَّجَاعَةُ وَالْعِفَّةُ الَّتِي هِيَ أَوْسَاطُ الْقُوَى الثَّلَاثِ أَعْنِي الْقُوَّةَ الْعَقْلِيَّةَ وَالْغَضَبِيَّةَ وَالشَّهْوَانِيَّةَ وَقِيلَ الْمُطِيعُ لِأَحْكَامِ اللَّهِ تَعَالَى وَقِيلَ الْمُرَاعِي لِحُقُوقِ الرَّعِيَّةِ ذَكَرَهُ الْكَرْمَانِيُّ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إمَامٌ عَادِلٌ، وَالْعَدْلُ فِي اللُّغَةِ الْقَصْدُ فِي الْأُمُورِ وَهُوَ خِلَافُ الْجَوْرِ، وَذَكَرَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ لِلْخَصَّافِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سُئِلَ عَنْ الْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ عَلَى الْبَدِيهَةِ الْعَدْلُ أَنْ تَأْتِيَ إلَى أَخِيكَا ... مَا مِثْلُهُ أَنْ يُرْضِيكَا وَأَطْلَقَ فِي الْجَائِرِ فَشَمِلَ الْمُسْلِمَ وَالْكَافِرَ كَمَا ذَكَرَهُ مِسْكِينٌ مَعْزِيًّا إلَى الْأَصْلِ، وَظَاهِرُهُ صِحَّةُ سَلْطَنَةِ الْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَصِحَّةُ تَوْلِيَتِهِ لِلْقُضَاةِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مَا يُخَالِفُهُ، قَالَ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ سُلْطَانٌ وَلَا مَنْ يَجُوزُ التَّقْلِيدُ مِنْهُ كَمَا هُوَ فِي بَعْضِ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ غَلَبَ عَلَيْهِمْ الْكُفَّارُ فِي بِلَادِ الْمَغْرِبِ كَقُرْطُبَةَ الْآنَ وَبَلَنْسِيَةَ وَبِلَادِ الْحَبَشَةِ، وَأَقَرُّوا الْمُسْلِمِينَ عِنْدَهُمْ عَلَى مَالٍ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ يَجِبُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَتَّفِقُوا عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَجْعَلُونَهُ وَالِيًا فَيُوَلَّى قَاضِيًا وَيَكُونُ هُوَ الَّذِي يَقْضِي بَيْنَهُمْ، وَكَذَا يَنْصِبُونَ إمَامًا يُصَلِّي بِهِمْ الْجُمُعَةَ. اهـ. وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، وَكُلُّ مِصْرٍ فِيهِ وَالٍ مُسْلِمٌ مِنْ جِهَةِ الْكُفَّارِ يَجُوزُ مِنْ إقَامَةِ الْجُمَعِ وَالْأَعْيَادِ وَأَخْذِ الْخَرَاجِ وَتَقْلِيدِ الْقَضَاءِ وَتَزْوِيجِ الْأَيَامَى لِاسْتِيلَاءِ الْمُسْلِمِ عَلَيْهِمْ، وَأَمَّا طَاعَةُ الْكَفَرَةِ فَهِيَ مُوَادَعَةٌ وَمُخَادَعَةٌ، وَأَمَّا فِي بِلَادٍ عَلَيْهَا وُلَاةُ الْكُفَّارِ فَيَجُوزُ لِلْمُسْلِمِينَ إقَامَةُ الْجُمَعِ وَالْأَعْيَادِ، وَيَصِيرُ الْقَاضِي قَاضِيًا بِتَرَاضِي الْمُسْلِمِينَ، وَيَجِبُ عَلَيْهِمْ طَلَبُ وَالٍ مُسْلِمٍ اهـ. وَتَصْرِيحُهُ بِجَوَازِ التَّقَلُّدِ مِنْ الْجَائِرِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْبُغَاةَ إذَا وَلَّوْا قَاضِيًا، ثُمَّ جَاءَ أَهْلُ الْعَدْلِ فَرُفِعَتْ قَضَايَاهُ إلَى قَاضِي أَهْلِ الْعَدْلِ فَإِنَّهُ يَمْضِي حَيْثُ كَانَ مُوَافِقًا أَوْ مُخْتَلَفًا فِيهِ كَمَا فِي   [منحة الخالق] مَنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ لِجَوَازِ حَمْلِهِ عَلَى مَنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَقِيَاسُهُ عَلَى الْوَصِيِّ الْعَدْلِ قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ اهـ. قُلْتُ: وَيَظْهَرُ لِي أَنَّهُ يَحِلُّ لَهُ السُّؤَالُ دُونَ بَذْلِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ رِشْوَةٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا تَعَيَّنَ عَلَيْهِ وَسَأَلَهُ فَلَمْ يُوَلِّهِ السُّلْطَانُ سَقَطَ عَنْهُ الْوُجُوبُ فَبِأَيِّ وَجْهٍ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ الرِّشْوَةَ لِشَيْءٍ لَمْ يَبْقَ وَاجِبًا عَلَيْهِ، وَقَدْ قَالَ كَثِيرٌ مِنْ عُلَمَائِنَا إنَّ فَرَضِيَّةَ الْحَجِّ تَسْقُطُ إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْهُ إلَّا بِدَفْعِ الرِّشْوَةِ لِلْأَعْرَابِ فَهَذَا أَوْلَى، وَأَمَّا مَسْأَلَةُ عَزْلِهِ فَلَا شَكَّ أَنَّ الْقَاضِيَ وَكِيلٌ عَنْ السُّلْطَانِ فَإِذَا تَعَيَّنَ الْقَاضِي لِلْقَضَاءِ وَجَبَ عَلَى السُّلْطَانِ أَنْ يُوَلِّيَهُ فَإِذَا عَزَلَهُ، وَهُوَ وَكِيلٌ عَنْهُ صَحَّ عَزْلُهُ وَإِنْ أَثِمَ يُمْنَعُ الْمُسْتَحِقُّ (قَوْلُهُ وَقَدْ قِيلَ إلَخْ) لِبَعْضِهِمْ نَظْمًا احْذَرْ مِنْ الْوَاوَاتِ أَرْبَعَةً فَهُنَّ مِنْ الْحُتُوفِ ... وَاوُ الْوِلَايَةِ وَالْوَكَالَةِ وَالْوِصَايَةِ وَالْوُقُوفِ (قَوْلُهُ وَقَدَّمْنَا فِي كِتَابِ الْوَقْفِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَخُصَّ مَنْ طَلَبَ تَوْلِيَةَ الْوَقْفِ مَا إذَا عُزِلَ مِنْهُ وَادَّعَى أَنَّ الْعَزْلَ مِنْ الْقَاضِي الْأَوَّلِ بِغَيْرِ جُنْحَةٍ فَإِنَّ لَهُ طَلَبَ الْعَوْدِ مِنْ الْقَاضِي الْجَدِيدِ، وَحِينَ ذَلِكَ يَقُولُ لَهُ الْقَاضِي أَثْبِتْ أَنَّكَ أَهْلٌ لِلْوِلَايَةِ ثُمَّ يُوَلِّيهِ نَصَّ عَلَيْهِ الْخَصَّافُ وَأَنْ تَكُونَ التَّوْلِيَةُ مَشْرُوطَةً لَهُ فَإِذَا طَلَبَهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَإِنَّمَا طَلَبَ تَنْفِيذَ الشَّرْطِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 298 سَائِرِ الْقُضَاةِ، وَهُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي فُصُولِ الْعِمَادِيِّ وَيَدُلُّ بِمَفْهُومِهِ عَلَى أَنَّ الْقَاضِيَ لَوْ كَانَ مِنْ الْبُغَاةِ فَإِنَّ قَضَايَاهُ تَنْفُذُ كَسَائِرِ فُسَّاقِ أَهْلِ الْعَدْلِ؛ لِأَنَّ الْفَاسِقَ يَصْلُحُ قَاضِيًا فِي الْأَصَحِّ، وَذَكَرَ فِي الْفُصُولِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ فِيهِ الْأَوَّلُ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ الثَّانِي عَدَمُ النَّفَاذِ فَإِذَا رَفَعَ إلَى الْعَادِلِ لَا يُمْضِيهِ الثَّالِثُ حُكْمُهُ حُكْمُ الْمُحْكِمِ يُمْضِيهِ لَوْ وَافَقَ رَأْيَهُ وَإِلَّا أَبْطَلَهُ. اهـ. وَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ بِصِحَّةِ التَّقْلِيدِ مِنْ الْجَائِرِ عَادِلًا كَانَ الْقَاضِي أَوْ بَاغِيًا إلَى صِحَّةِ عَزْلِ الْبَاغِي لِقُضَاةِ أَهْلِ الْعَدْلِ وَفِي الْفُصُولِ بِمُجَرَّدِ اسْتِيلَاءِ الْبَاغِي لَا تَنْعَزِلُ قُضَاةُ الْعَدْلِ، وَيَصِحُّ عَزْلُ الْبَاغِي لَهُمْ حَتَّى لَوْ انْهَزَمَ الْبَاغِي بَعْدَهُ لَا تَنْفُذُ قَضَايَاهُمْ بَعْدَهُ مَا لَمْ يُقَلِّدْهُمْ سُلْطَانُ الْعَدْلِ ثَانِيًا إذْ الْبَاغِي صَارَ سُلْطَانًا بِالْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ اهـ. وَفِي شَرْحِ بَاكِيرٍ فِيمَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ وَمَا لَا يَصِحُّ قُبَيْلَ الصَّرْفِ. اعْلَمْ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ مُكَلَّفًا حُرًّا مُسْلِمًا عَدْلًا مُجْتَهِدًا ذَا رَأْيٍ وَكِفَايَةٍ سَمِيعًا بَصِيرًا نَاطِقًا، وَأَنْ يَكُونَ مِنْ قُرَيْشٍ وَلِلْإِمَامِ فِيهِ مَنْعٌ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فَمِنْ الْعَجَمِ، وَتَنْعَقِدُ بَيْعَةُ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْمُجْتَهِدِينَ وَالرُّؤَسَاءِ لِمَا عُرِفَ اهـ. وَتَكْفِي مُبَايَعَةُ وَاحِدٍ وَقِيلَ لَا بُدَّ مِنْ الْأَكْثَرِ، وَقِيلَ لَا يَلْزَمُهُ عَدَدٌ وَتَمَامُهُ فِي الْمُسَايَرَةِ وَعَرَّفَ الْمُحَقِّقُ الْإِمَامَةَ الْعُظْمَى فِي الْمُسَايَرَةِ بِأَنَّهَا اسْتِحْقَاقُ تَصَرُّفٍ عَامٍّ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الْإِمَامِ مِنْ عُمُومِ وِلَايَتِهِ وَلِذَا قَالُوا: لَا يَجُوزُ اجْتِمَاعُ إمَامَيْنِ فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ وَقَدَّمْنَا أَوَّلًا عَنْ الْخَانِيَّةِ بِمَاذَا يَكُونُ سُلْطَانًا. [مَا يَفْعَلُهُ الْقَاضِي إذَا تَقَلَّدَ الْقَضَاء] (قَوْلُهُ فَإِنْ تَقَلَّدَ يَسْأَلُ دِيوَانَ قَاضٍ قَبْلَهُ) شُرُوعٌ فِيمَا يَفْعَلُهُ الْقَاضِي إذَا تَقَلَّدَهُ فَإِنْ كَانَ فِي الْبَلَدِ يَنْبَغِي أَنْ يَقْرَأَ الْمَنْشُورَ عَلَى أَهْلِ الْبَلَدِ إنْ كُتِبَ لَهُ، وَإِنْ قَدِمَ مِنْ خَارِجٍ يَنْبَغِي أَنْ يَقْدُمَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ أَوْ الْخَمِيسِ لَابِسًا عِمَامَةً سَوْدَاءَ، وَيَنْزِلَ وَسَطَ الْبَلَدِ وَيَقْرَأَ عَلَيْهِمْ مَنْشُورَهُ وَلَمْ أَرَهُ صَرِيحًا الْآنَ ثُمَّ رَأَيْتُهُ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ لِلْخَصَّافِ، ثُمَّ يَطْلُبُ دِيوَانَ الْقَاضِي السَّابِقِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا وُضِعَ لِلْحَاجَةِ فَيُجْعَلُ فِي يَدِ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ يَكْتُبُ نُسْخَتَيْنِ إحْدَاهُمَا فِي يَدِهِ لِاحْتِمَالِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا وَالْأُخْرَى فِي يَدِ الْخَصْمِ وَمَا فِي يَدِهِ لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهِ، وَالدِّيوَانُ لُغَةً جَرِيدَةُ الْحِسَابِ ثُمَّ أُطْلِقَ عَلَى الْحَاسِبِ، ثُمَّ أُطْلِقَ عَلَى مَوْضِعِ الْحَاسِبِ وَهُوَ مُعَرَّبٌ، وَالْأَصْلُ دِوَّانٌ فَأُبْدِلَتْ مِنْ إحْدَى الْمُضَعَّفَيْنِ يَاءٌ بِالتَّخْفِيفِ وَلِهَذَا يُرَدُّ فِي الْجَمْعِ إلَى أَصْلِهِ فَيُقَالُ دَوَاوِينُ وَفِي التَّصْغِيرِ دُوَيْوِينٌ؛ لِأَنَّ التَّصْغِيرَ وَجَمْعَ التَّكْسِيرِ يَرُدَّانِ الْأَسْمَاءَ إلَى أُصُولُهَا، وَدَوَّنْت الدِّيوَانَ أَيْ وَضَعْته وَجَمَعْته، وَيُقَالُ إنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَوَّلُ مَنْ دَوَّنَ الدَّوَاوِينَ فِي الْعَرَبِ أَيْ رَتَّبَ الْجَرَائِدَ لِلْعُمَّالِ وَغَيْرِهَا كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَهُوَ الْخَرَائِطُ الَّتِي فِيهَا السِّجِلَّاتُ وَالْمَحَاضِرُ وَغَيْرُهَا) أَيْ الدِّيوَانُ وَالْخَرَائِطُ جَمْعُ خَرِيطَةٍ مِثْلُ كَرِيمَةٍ وَكَرَائِمَ، وَهِيَ شِبْهُ كِيسٍ يُشْرَجُ مِنْ أَدِيمٍ وَخِرَقٍ كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ، وَهَذَا مَجَازٌ؛ لِأَنَّ الدِّيوَانَ نَفْسُ السِّجِلَّاتِ وَالْمَحَاضِرِ لَا الْكِيسِ كَمَا أَفَادَهُ مِسْكِينٌ، وَالسِّجِلَّاتُ جَمْعُ سِجِلٍّ وَهُوَ لُغَةً كِتَابُ الْقَاضِي وَالْمَحَاضِرُ جَمْعُ مَحْضَرٍ، وَذَكَرَ الْعَلَامَة خُسْرو فِي شَرْحِ الدُّرَرِ وَالْغُرَرِ أَنَّ الْمَحْضَرَ مَا كَتَبَ فِيهِ خُصُومَةَ الْمُتَخَاصِمِينَ عِنْدَ الْقَاضِي وَمَا جَرَى بَيْنَهُمَا مِنْ الْإِقْرَارِ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ الْإِنْكَارِ فِيهِ، وَالْحُكْمُ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ النُّكُولِ عَلَى وَجْهٍ يَرْفَعُ الِاشْتِبَاهَ، وَكَذَا السِّجِلُّ وَالصَّكُّ مَا كُتِبَ فِيهِ الْبَيْعُ وَالرَّهْنُ وَالْإِقْرَارُ وَغَيْرُهَا وَالْحُجَّةُ وَالْوَثِيقَةُ مُتَنَاوِلَانِ الثَّلَاثَةَ اهـ. وَفِي الْعُرْفِ الْآنَ السِّجِلُّ مَا كَتَبَهُ الشَّاهِدَانِ فِي الْوَاقِعَةِ، وَبَقِيَ عِنْدَ الْقَاضِي وَلَيْسَ عَلَيْهِ خَطُّ الْقَاضِي وَالْحُجَّةُ مَا نُقِلَ مِنْ السِّجِلِّ مِنْ الْوَاقِعَةِ وَعَلَيْهِ عَلَامَةُ الْقَاضِي أَعْلَاهُ وَخَطُّ الشَّاهِدَيْنِ أَسْفَلَهُ وَأُعْطِيَ لِلْخَصْمِ، وَفِي قَوْلِهِ إنْ دُونَ إذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّ تَقَلُّدَهُ نَادِرٌ غَيْرُ كَائِنٍ لَا يَتَقَلَّدُهُ إلَّا مَغْرُورٌ بِحَدِيثِ النَّفْسِ إلَيْهِ، أَشَارَ مِسْكِينٌ وَأَرَادَ بِغَيْرِهَا مُحَاسِبَاتِ الْأَوْقَافِ وَكُلَّ شَيْءٍ كَانَ فِيهِ مَصَالِحُ النَّاسِ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْقَاضِي الْمَعْزُولِ وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الْوَرَقُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أَوْ مِنْ مَالِ أَرْبَابِ   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 299 الْقَضَايَا، وَهُوَ الصَّحِيحُ وَمَا إذَا كَانَ مِنْ مَالِ الْقَاضِي فِي الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ تَدَيُّنًا لِحِفْظِ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ لَا تَمَوُّلًا، وَيَبْعَثُ الْمَوْلَى اثْنَيْنِ أَوْ وَاحِدًا مَأْمُونًا لِيَقْبِضَاهَا مِنْ الْمَعْزُولِ أَوْ أَمِينِهِ وَيَسْأَلَانِ مِنْهُ شَيْئًا فَشَيْئًا، وَيَجْعَلَانِ كُلَّ نَوْعٍ فِي خَرِيطَةٍ لِيَكُونَ أَسْهَلَ لِلتَّنَاوُلِ، وَهَذَا السُّؤَالُ لِكَشْفِ الْحَالِ لَا لِلُزُومِ الْعَمَلِ بِمُقْتَضَى الْجَوَابِ مِنْ الْقَاضِي فَإِنَّهُ الْتَحَقَ بِسَائِرِ الرَّعَايَا بِالْعَزْلِ، ثُمَّ إذَا قَبَضَاهُ خَتَمَا عَلَيْهِ خَوْفًا مِنْ التَّغْيِيرِ، وَأَمَّا مَا قِيلَ يَكْتُبَانِ عَدَدَ ضِيَاعِ الْوُقُوفِ وَمَوَاضِعَهَا فَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ فَإِنَّ كُتُبَ الْأَوْقَافِ تُغْنِي عَنْهُ، وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْمَوْلَى بِمُجَرَّدِ تَوْلِيَتِهِ لَا يَتَأَخَّرُ عَنْ النَّظَرِ فِيمَا فُوِّضَ لَهُ فَإِنْ تَأَخَّرَ لِغَيْرِ عُذْرٍ عَزَلَهُ الْإِمَامُ، وَلِذَا قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ إنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اسْتَقْضَى رَجُلًا عَلَى الشَّامِ يُقَالُ لَهُ حَابِسُ بْنُ سَعْدٍ الطَّائِيُّ عَلَى قَضَاءِ حِمْصَ قَالَ لَهُ يَا حَابِسُ كَيْفَ تَقْضِي قَالَ أَقْضِي بِمَا فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ فَبِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي سُنَّةِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ أَجْتَهِدُ بِرَأْيِي وَأَسْتَشِيرُ جُلَسَائِي فَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَصَبْتَ وَأَحْسَنْتَ ثُمَّ لَقِيَ عُمَرُ ذَلِكَ الرَّجُلَ فَقَالَ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسِيرَ إلَى عَمَلِكَ قَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنِّي رَأَيْتُ رُؤْيَا هَالَتْنِي أَيْ خَوَّفَتْنِي قَالَ: وَمَا هِيَ؟ قَالَ رَأَيْتُ كَأَنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ يَقْتَتِلَانِ رَأَيْتُ كَأَنَّ الشَّمْسَ أَقْبَلَتْ مِنْ الْمَشْرِقِ فِي جَمْعٍ كَثِيرٍ، وَرَأَيْتُ كَأَنَّ الْقَمَرَ أَقْبَلَ مِنْ الْمَغْرِبِ فِي جَمْعٍ كَثِيرٍ حَتَّى اقْتَتَلَا قَالَ فَمَعَ أَيِّهِمَا كُنْتَ قَالَ مَعَ الْقَمَرِ فَقَرَأَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً} [الإسراء: 12] كُنْتَ مَعَ الْقَمَرِ فِي مَغْرِبِ الشَّمْسِ اُرْدُدْ إلَيْنَا عَهْدَنَا فَقُتِلَ بَعْدُ بِصِفِّينَ مَعَ مُعَاوِيَةَ، فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِلْإِمَامِ عَزْلَ الْقَاضِي إذَا تَأَخَّرَ وَعَلَى التَّفَاؤُلِ وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ لِلْخَصَّافِ. قَوْلُهُ (وَنَظَرَ فِي حَالِ الْمَحْبُوسِينَ) أَيْ الْجَدِيدُ؛ لِأَنَّهُ نُصِبَ نَاظِرًا لِلْمُسْلِمِينَ، وَالْمُرَادُ الْمَحْبُوسُ فِي سِجْنِ الْقَاضِي فَيَبْعَثُ الْقَاضِي ثِقَةً يُحْصِيهِمْ فِي السِّجْنِ، وَيَكْتُبُ أَسْمَاءَهُمْ وَأَخْبَارَهُمْ وَسَبَبَ حَبْسِهِمْ وَمَنْ حَبَسَهُمْ، وَفِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي كِتَابَةُ اسْمِ الْمَحْبُوسِ وَأَبِيهِ وَجَدِّهِ وَمَا حُبِسَ بِسَبَبِهِ وَتَارِيخِهِ فَإِذَا عُزِلَ بَعَثَ النُّسْخَةَ الَّتِي فِيهَا أَسْمَاؤُهُمْ إلَى الْمُتَوَلِّي لِيَنْظُرَ فِيهَا، وَأَمَّا الْمَحْبُوسُ فِي سِجْنِ الْوَالِي فَيَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ النَّظَرُ فِي أَحْوَالِهِمْ، وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ أَبُو يُوسُفَ فِي كِتَابِ الْخَرَاجِ أَنَّ مَنْ حُبِسَ مِنْ أَهْلِ الدَّعَارَةِ وَالتَّلَصُّصِ وَالْجِنَايَاتِ وَلَا مَالَ لَهُمْ أَنَّ نَفَقَتَهُمْ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَكِسْوَتَهُمْ، وَكَذَا أُسَرَاءُ الْمُشْرِكِينَ وَأَنْ لَا يَبِيتَ أَحَدٌ فِي قَيْدٍ إلَّا رَجُلٌ مَطْلُوبٌ بِدَمٍ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُوَلِّيَ عَلَى هَذَا الْأَمْرِ رَجُلًا صَالِحًا يُثْبِتُ أَسْمَاءَهُمْ عِنْدَهُ وَيَدْفَعُ نَفَقَتَهُمْ وَأَدَمَهُمْ شَهْرًا بِشَهْرٍ، وَيَدْعُو كُلَّ رَجُلٍ وَيَدْفَعُ إلَيْهِ بِيَدِهِ وَيُعْفِيهِمْ عَنْ الْخُرُوجِ فِي السَّلَاسِلِ يَتَصَدَّقُ عَلَيْهِمْ فَإِنَّ هَذَا شَيْءٌ عَظِيمٌ وَمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ وَلَا وَلِيَّ لَهُ وَلَا قَرَابَةَ فَإِنَّ تَجْهِيزَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَأَمَرَ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ، وَنَظَرَ فِي أَحْوَالِهِمْ كُلَّ أَيَّامٍ فَمَنْ كَانَ عَلَيْهِ أَدَبٌ أُدِّبَ وَأُطْلِقَ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَضِيَّةٌ خَلَّى سَبِيلَهُ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَوْلُهُ (فَمَنْ أَقَرَّ بِحَقٍّ أَوْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ أَلْزَمَهُ) ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا حُجَّةٌ مُلْزِمَةٌ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ   [منحة الخالق] [تَقْلِيدُ الْقَضَاءِ مِنْ السُّلْطَانِ الْعَادِلِ وَالْجَائِرِ وَمِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ] (قَوْلُهُ وَيَكْتُبُ أَسْمَاءَهُمْ وَأَخْبَارَهُمْ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَلَا بُدَّ أَنْ يُثْبِتَ عِنْدَهُ سَبَبَ وُجُوبِ حَبْسِهِمْ وَثُبُوتُهُ عِنْدَ الْأَوَّلِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ يَعْتَمِدُهَا الثَّانِي فِي حَبْسِهِمْ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَمْ يَبْقَ حُجَّةً كَذَا فِي الْفَتْحِ وَعَلَى هَذَا فَمَا فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ، يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي كِتَابَةُ اسْمِ الْمَحْبُوسِ إلَخْ يُفِيدُ أَنَّ النَّظَرَ فِي حَالِهِمْ إنَّمَا هُوَ فِي النُّسْخَةِ الَّتِي بَعَثَهَا الْقَاضِي إلَيْهِ فَلَا مَعْنَى لِوُجُوبِ كِتَابَةِ مَا ذَكَرَ إذْ لَا أَثَرَ لَهُ يَظْهَرُ. اهـ. قُلْت: وَرَأَيْت فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ لِلْإِمَامِ حُسَامِ الدِّينِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ تَعْلِيلَ الْوُجُوبِ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَحْتَاجُ إلَى سَمَاعِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْإِفْلَاسِ بَعْدَ الْحَبْسِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَعْلُومًا لِلْقَاضِي. قَالَ ثُمَّ الْقَاضِي الْمُقَلِّدُ يَأْخُذُ هَذِهِ النُّسْخَةَ مِنْ الْقَاضِي الْمَعْزُولِ أَيْضًا إلَخْ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ وَلَا يَلْتَفِتُ إلَى قَوْلِ الْقَاضِي الْمَعْزُولِ فَعُلِمَ أَنَّ وُجُوبَ كِتَابَةِ مَا ذُكِرَ لَا لِيَنْظُرَ الثَّانِي فِيهِ بَلْ لِحَاجَةِ الْأَوَّلِ إلَيْهِ وَهِيَ مَا ذُكِرَ فَلَهُ أَثَرٌ ظَاهِرٌ وَمَعْنًى بَاهِرٌ بَلْ لَهُ فَوَائِدُ أُخَرُ ذَكَرَهَا فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ أَيْضًا فِي الْبَابِ الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ فِي الْحَبْسِ حَيْثُ قَالَ إمَّا يَكْتُبُ اسْمَ الْمَحْبُوسِ وَنَسَبَهُ فَلِأَنَّ الطَّالِبَ رُبَّمَا طَالَبَ الْقَاضِي بِتَسْلِيمِ الْمَحْبُوسِ إلَيْهِ فَلَا بُدَّ أَنْ يُعَرِّفَ الْقَاضِي اسْمَهُ وَنَسَبَهُ حَتَّى يُطَالِبَ السَّجَّانَ بِتَسْلِيمِ ذَلِكَ إلَيْهِ، وَالتَّعْرِيفُ إنَّمَا يَحْصُلُ بِالِاسْمِ وَالنِّسْبَةِ، وَإِنَّمَا يَكْتُبُ مَنْ حُبِسَ لِأَجَلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكْتُبْ رُبَّمَا جَاءَ إنْسَانٌ آخَرُ وَادَّعَى أَنَّهُ حَبَسَهُ فِي دَيْنِهِ وَيُخْرِجُهُ فَيَهْرَبُ مِنْ الْقَاضِي وَالْخَصْمِ الَّذِي حُبِسَ لِأَجْلِهِ غَيْرُهُ، وَإِمَّا يَكْتُبُ مِقْدَارَ الْحَقِّ الَّذِي عَلَيْهِ فَلِأَنَّهُ رُبَّمَا جَاءَ الْمَحْبُوسُ بِمَالٍ قَلِيلٍ، وَيَقُولُ لِلْقَاضِي حَبَسْتنِي لِهَذَا الْقَدْرِ مِنْ الْمَالِ فَيَدْفَعُهُ إلَى الْقَاضِي وَيَهْرَبُ، وَإِمَّا يَكْتُبُ التَّارِيخَ فَلِأَنَّهُ رُبَّمَا احْتَاجَ إلَى أَنْ يَسْمَعَ الْبَيِّنَةَ عَلَى إفْلَاسِهِ، وَإِنَّمَا يَسْمَعُ بَعْدَ مُدَّةٍ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَعْرِفَ هَلْ انْقَضَتْ تِلْكَ الْمُدَّةُ، وَإِنَّمَا يَعْرِفُ بِالتَّارِيخِ اهـ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 300 أَلْزَمَهُ الْحُكْمَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَلْزَمَهُ الْحَبْسَ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ مِسْكِينٌ أَيْ أَدَامَ حَبْسَهُ، وَيَصِحُّ أَنْ يُرَادَ أَلْزَمَهُ بِالْحَقِّ وَإِلَيْهِ يُشِيرُ تَقْرِيرُهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَالظَّاهِرُ عِنْدِي مَا قَالَهُ مِسْكِينٌ لِأَنَّ الثَّانِيَ لَا يَطَّرِدُ فِي كُلِّ إقْرَارٍ؛ لِأَنَّ الْمَحْبُوسَ إذَا أَقَرَّ بِسَبَبِ عُقُوبَةٍ خَالِصَةٍ كَالزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ فَقَالَ إنِّي أَقْرَرْتُ عِنْدَ الْقَاضِي الْمَعْزُولِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فِي الزِّنَا، وَلَمْ يُقِمْ الْحَدَّ عَلَيَّ فَإِنَّ الْقَاضِيَ لَا يُقِيمُهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَا كَانَ مِنْهُ فِي مَجْلِسِ الْمَعْزُولِ بَطَلَ لَكِنْ يَسْتَقْبِلُ الْمَوْلَى الْأَمْرَ فَإِذَا أَقَرَّ حَدَّهُ ثُمَّ بَعْدَ الْحَدِّ يَتَأَنَّى وَيُنَادِي عَلَيْهِ، ثُمَّ يُطْلِقُهُ بِكَفِيلٍ بِنَفْسِهِ كَذَا فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ لِلْخَصَّافِ، وَقَوْلُهُ أَوْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ أَعَمُّ مِنْ أَنْ تَشْهَدَ بِأَصْلِ الْحَقِّ أَوْ بِحُكْمِ الْقَاضِي عَلَيْهِ، وَأَمَّا الْمَعْزُولُ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ لَوْ قَالَ حَبَسْتُهُ بِحَقٍّ عَلَيْهِ، كَذَا لَوْ قَالَ كُنْتُ حَكَمْتُ عَلَيْهِ لِفُلَانٍ بِكَذَا كَمَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَعَلَّلَهُ فِي الْبِدَايَةِ بِأَنَّهُ كَوَاحِدٍ مِنْ الرَّعَايَا وَشَهَادَةُ الْفَرْدِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَتْ عَلَى فِعْلٍ اهـ. فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ شَهِدَ مَعَ آخَرَ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ، رَأَيْت فِي بَعْضِ كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ لَوْ شَهِدَ مَعَ آخَرَ عَلَى حُكْمِهِ لَمْ تُقْبَلْ إلَّا أَنْ يَقُولَ إنَّ قَاضِيًا قَضَى عَلَيْهِ بِكَذَا لِفُلَانٍ اهـ. وَقَوَاعِدُنَا تَأْبَاهُ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى قَضَاءِ الْقَاضِي مِنْ غَيْرِ تَسْمِيَتِهِ غَيْرُ صَحِيحَةٍ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إطْلَاقَهُ بَعْدَ إلْزَامِهِ لِمَا فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ أَنَّهُ إذَا أَقَرَّ لِفُلَانِ بْنِ فُلَانٍ وَعَرَفَهُ الْقَاضِي أَوْ شَهِدَ الشُّهُودُ بِنَسَبِهِ، وَأَحْضَرَ الْمَالَ لَهُ أَطْلَقَهُ بِلَا كَفِيلٍ، وَكَذَا إذَا اخْتَارَ الْمُدَّعِي إطْلَاقَهُ وَإِنْ أُشْكِلَ عَلَى الْقَاضِي أَمْرُ الْمُدَّعِي أَمَرَهُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ وَلَا يُطْلِقُهُ بَلْ يَتَأَنَّى، ثُمَّ يُطْلِقُهُ بِكَفِيلٍ خَوْفًا مِنْ الِاحْتِيَالِ اهـ. قَوْلُهُ (وَإِلَّا نَادَى عَلَيْهِ) أَيْ مَنْ لَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِ شَيْءٌ أَمَرَ مُنَادِيًا كُلَّ يَوْمٍ فِي مَحَلَّتِهِ وَقْتَ جُلُوسِهِ مَنْ كَانَ يَطْلُبُ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ الْمَحْبُوسَ بِحَقٍّ فَلْيَحْضُرْ حَتَّى نَجْمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فَإِنْ حَضَرَ وَاحِدٌ وَادَّعَى وَهُوَ عَلَى إنْكَارِهِ ابْتَدَأَ الْحُكْمَ بَيْنَهُمَا، وَإِلَّا تَأَنَّى فِي ذَلِكَ أَيَّامًا عَلَى حَسَبِ مَا يَرَى الْقَاضِي فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ أَحَدٌ أَخَذَ مِنْهُ كَفِيلًا بِنَفْسِهِ عَلَى الصَّحِيحِ اتِّفَاقًا، وَأَطْلَقَهُ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْقِسْمَةِ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ لَمْ يَأْخُذْ مِنْ الْوَرَثَةِ كَفِيلًا؛ لِأَنَّ احْتِمَالَ وَارِثٍ آخَرَ مَوْهُومٌ وَهُنَا الْقَاضِي لَا يَحْبِسُهُ إلَّا بِحَقٍّ ظَاهِرٍ وَخِلَافُهُ مَوْهُومٌ فَإِنْ قَالَ لَا كَفِيلَ لِي وَأَبَى أَنْ يُعْطِيَ كَفِيلًا وَجَبَ أَنْ يَحْتَاطَ نَوْعًا آخَرَ مِنْ الِاحْتِيَاطِ فَيُنَادِي شَهْرًا فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ أَحَدٌ أَطْلَقَهُ، وَقَدْ بَحَثَ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهُ لَوْ قِيلَ بِالنَّظَرِ إلَى أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ حُبِسَ بِحَقٍّ يَجِبُ أَنْ لَا يُطْلِقَهُ بِقَوْلِهِ إنِّي مَظْلُومٌ حَتَّى تَمْضِيَ مُدَّةٌ يُطْلِقُ فِيهَا مُدَّعِيَ الْإِعْسَارِ كَانَ جَيِّدًا اهـ. قُلْتُ: لَيْسَ بِجَيِّدٍ لِأَنَّا عَمِلْنَا بِمُقْتَضَى هَذَا الظَّاهِرِ بِالنِّدَاءِ، وَأَخَذَ الْكَفِيلُ وَلَوْ أَبْقَيْنَاهُ فِي الْحَبْسِ كَمَا ذَكَرَهُ لَسَوَّيْنَا بَيْنَ الْمُحَقَّقِ وَالظَّاهِرِ فَإِنَّ الْمُعْسِرَ تَحَقَّقْنَا ثُبُوتَ الْحَقِّ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْمَحْبُوسِ بَعْدَ عَزْلِ الْقَاضِي، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ حَاصِلَ مَا ذَكَرَهُ الصَّدْرُ فِي الْمَحْبُوسِينَ أَنَّهُ إنْ كَانَ بِسَبَبِ الدَّيْنِ فَقَدْ ذَكَرْنَاهُ، وَإِنْ كَانَ بِسَبَبِ قِصَاصٍ أَقَرَّ بِهِ اُقْتُصَّ مِنْهُ لِلْمُقَرِّ لَهُ فِي النَّفْسِ وَالطَّرَفِ، وَلَكِنْ لَا يُطْلِقُهُ فِي الطَّرَفِ إلَّا بِكَفِيلٍ احْتِيَاطًا وَإِنْ كَانَ قَالَ حُبِسْت بِسَبَبِ حَدِّ الزِّنَا لَا يَعْمَلُ الْقَاضِي بِإِقْرَارِهِ السَّابِقِ، وَإِنَّمَا يَسْتَأْنِفُ الْآنَ وَإِنْ قَالَ بِسَبَبِ شُهُودٍ عَلَيَّ بِهِ لَا يَحُدُّهُ بِذَلِكَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ شَهِدَ مَعَ آخَرَ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ) كَذَا فِي النَّهْرِ أَيْضًا لَكِنْ فِي فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ سُئِلَ إذَا أَخْبَرَ حَاكِمٌ حَاكِمَا بِقَضِيَّةٍ هَلْ يَكْفِي إخْبَارُهُ، وَيَسُوغُ لِلْحَاكِمِ الْعَمَلُ بِهَا أَجَابَ لَا يَكْفِي إخْبَارُهُ بَلْ لَا بُدَّ مَعَهُ مِنْ شَاهِدٍ آخَرَ اهـ. وَمِثْلُهُ فِي فَتَاوَى الْمُؤَلِّفِ، وَيُخَالِفُهُ ظَاهِرُ مَا فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ وَمَا كَانَ مِنْ حُكْمٍ أَخْبَرَ بِهِ الْقَاضِي الْمَعْزُولُ، لَهُ بِذَلِكَ شُهُودٌ يُقْبَلُ مِنْهُ قَوْلُهُ كَمَا إذَا شَهِدَ شُهُودٌ عَلَى حُكْمِهِ، كَذَا مَا قَدَّمَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي السَّادِسِ فِي طَرِيقِ ثُبُوتِهِ عَنْ السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ الْحَاكِمُ إذَا حَكَمَ بِحَقٍّ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ عَزْلِهِ كُنْتُ حَكَمْت بِكَذَا لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ اهـ. إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ هُنَاكَ فَظَاهِرُهُ يُخَالِفُ ذَلِكَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، وَسَيَأْتِي قُبَيْلَ الشَّهَادَاتِ الِاخْتِلَافُ فِي قَبُولِ قَوْلِ الْقَاضِي الْمُوَلَّى مُطْلَقًا أَوْ مَعَ عَدْلٍ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ الْمُرَادُ بِمَا فِي فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ وَالْمُؤَلِّفِ فَلَا يُخَالِفُ مَا هُنَا (قَوْلُهُ وَلَكِنْ لَا يُطْلِقُهُ فِي الطَّرَفِ احْتِيَاطٌ) ؛ لِأَنَّهُ تَتَمَكَّنُ تُهْمَةُ الْمُوَاضَعَةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِإِنْسَانٍ آخَرَ حَقٌّ فِي نَفْسِهِ أَوْ فِي مَالِهِ فَهُوَ يَبْذُلُ الطَّرَفَ لِيَتَخَلَّصَ، فَيَفُوتُ حَقُّ ذَلِكَ الْإِنْسَانِ فِي نَفْسِهِ فَيَتَأَنَّى فِي ذَلِكَ وَيُنَادِي ثُمَّ يَأْخُذُ كَفِيلًا بِنَفْسِهِ وَيُطْلِقُهُ كَذَا فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ. (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا يَسْتَأْنِفُ الْآنَ) فَإِنْ أَقَرَّ بِالزِّنَا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فِي أَرْبَعَةِ مَجَالِسَ صَحَّ وَإِنْ كَانَ مُحْصَنًا رَجَمَهُ، وَإِلَّا جَلَدَهُ ثُمَّ يَتَأَنَّى فِي ذَلِكَ وَيُنَادِي عَلَيْهِ، وَإِنْ حَضَرَ لَهُ خَصْمٌ جَمَعَ بَيْنَهُمَا وَإِلَا أَخَذَ مِنْهُ كَفِيلًا بِنَفْسِهِ كَذَا فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ لِلْخَصَّافِ (قَوْلُهُ لَا يَحُدُّهُ بِذَلِكَ) ؛ لِأَنَّ مَا كَانَ مِنْ الشَّهَادَةِ عِنْدَ الْقَاضِي الْمَعْزُولِ لَا يُعْتَبَرُ عِنْد الثَّانِي كَذَا فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ وَفِيهِ، وَكَذَلِكَ إذَا شَهِدُوا عِنْدَ الْقَاضِي الثَّانِي إذَا تَقَادَمَ الْعَهْدُ؛ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ لَا تَكُونُ حُجَّةً بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ، وَلَا يُطْلِقُهُ لِتَوَهُّمِ الْحِيلَةِ لَكِنْ يُنَادِي عَلَيْهِ، وَيَتَأَنَّى فِي أَمْرِهِ وَيَأْخُذُ مِنْهُ كَفِيلًا بِنَفْسِهِ وَيُطْلِقُهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 301 وَإِنْ قَالَ بِسَبَبِ سَرِقَةٍ أَقْرَرْت بِهَا قَطَعَ الْمَوْلَى يَدَهُ وَأَطْلَقَهُ بِكَفِيلٍ وَإِنْ قَالَ بِبَيِّنَةٍ لَا لِلتَّقَادُمِ، وَإِنْ أَقَرَّ أَنَّهُ حُبِسَ بِسَبَبِ حَدِّ الْخَمْرِ لَا يَحُدُّهُ سَوَاءٌ قَالَ بِإِقْرَارٍ أَوْ بِبَيِّنَةٍ وَإِنْ قَالَ بِسَبَبِ قَذْفٍ لِفُلَانٍ، وَصَدَّقَهُ حُدَّ مُطْلَقًا وَأَطْلَقَهُ بِكَفِيلٍ. قَوْلُهُ (وَعُمِلَ فِي الْوَدَائِعِ وَغَلَّاتِ الْوَقْفِ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ) ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا حُجَّةٌ وَالْمُرَادُ إقْرَارُ ذِي الْيَدِ، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَاَلَّذِي فِي دِيَارِنَا مِنْ هَذَا أَنَّ أَمْوَالَ الْأَوْقَافِ تَحْتَ أَيْدِي جَمَاعَةٍ يُوَلِّيهِمْ الْقَاضِي النَّظَرَ أَوْ الْمُبَاشَرَةَ فِيهَا، وَوَدَائِعَ الْيَتَامَى تَحْتَ يَدِ الَّذِي يُسَمَّى أَمِينَ الْحُكْمِ اهـ. وَقَدْ انْقَطَعَ هَذَا فِي زَمَانِنَا فَإِنَّ أَمْوَالَ الْيَتَامَى تَحْتَ يَدِ الْأَوْصِيَاءِ، وَلَمْ يُوَلَّ فِي زَمَانِنَا أَمِينُ الْحُكْمِ قُيِّدَ بِغَلَّاتِ الْوَقْفِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْمَلُ بِإِقْرَارِ ذِي الْيَدِ فِي أَصْلِ الْوَقْفِ إذَا جَحَدَهُ الْوَرَثَةُ وَلَا بَيِّنَةَ، وَقَالَ الْمَعْزُولُ إنَّ هَذَا وَقْفُ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ سَلَّمْتُهُ إلَى هَذَا، وَأَقَرَّ ذُو الْيَدِ وَكَذَّبَهُ الْوَرَثَة لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُ الْقَاضِي وَذُو الْيَدِ، وَيَكُونُ مِيرَاثًا بَيْنَ الْوَرَثَةِ، وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ. (قَوْلُهُ وَلَمْ يُعْمَلْ بِقَوْلِ الْمَعْزُولِ إلَّا أَنْ يُقِرَّ ذُو الْيَدِ أَنَّهُ سَلَّمَهُ إلَيْهِ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيهِمَا) يَعْنِي لَوْ قَالَ مَنْ فِي يَدِهِ الْمَالُ لِي، وَقَالَ الْمَعْزُولُ إنَّهُ مَالُ وَقْفٍ أَوْ يَتِيمٍ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ الْتَحَقَ بِوَاحِدٍ مِنْ الرَّعَايَا بِخِلَافِ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَخْصُوصُ بِأَنْ يَكْتَفِيَ بِقَوْلِهِ فِي الْإِلْزَامِ حَتَّى الْخَلِيفَةُ الَّذِي قَلَّدَ الْقَضَاءَ لَوْ أَخْبَرَ الْقَاضِيَ أَنَّهُ شَهِدَ عِنْدَهُ الشُّهُودُ بِكَذَا لَا يُقْضَى بِهِ حَتَّى يَشْهَدَ عِنْدَهُ الْخَلِيفَةُ مَعَ آخَرَ، وَالْوَاحِدُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى وُجُوهٍ خَمْسَةٍ الْأَوَّلُ أَنْ يُقِرَّ بِأَنَّهُ سَلَّمَهَا إلَيْهِ وَمَعَ ذَلِكَ يُقِرُّ بِهَا لِغَيْرِهِ فَإِذَا بَدَأَ ذُو الْيَدِ بِالْإِقْرَارِ لِلْغَيْرِ ثُمَّ بِتَسْلِيمِ الْقَاضِي فَأَقَرَّ الْقَاضِي بِأَنَّهَا الْآخَرُ وَحُكْمُهُ أَنْ تُسَلَّمَ الْعَيْنُ لِلْمُقَرِّ لَهُ الْأَوَّلِ، وَيَضْمَنُ الْمُقِرُّ قِيمَتَهُ إنْ كَانَ قِيَمِيًّا أَوْ مِثْلَهُ إنْ مِثْلِيًّا لِلْقَاضِي بِإِقْرَارِهِ الثَّانِي فَيُسَلِّمُهَا لِمَنْ أَقَرَّ لَهُ الْقَاضِي الثَّانِي أَنْ يُنْكِرَ التَّسْلِيمَ، وَحُكْمُهُ أَنْ لَا يُقْبَلَ قَوْلُ الْمَعْزُولِ. الثَّالِثُ أَنْ يُقِرَّ بِأَنَّ الْمَعْزُولَ سَلَّمَهُ إلَيْهِ ثُمَّ يُقِرُّ بِهِ لِلْغَيْرِ عَكْسُ الْأَوَّلِ، وَحُكْمُهُ عَدَمُ قَبُولِ الثَّانِي. الرَّابِعُ أَنْ يَبْدَأَ بِالْإِقْرَارِ بِتَسْلِيمِ الْقَاضِي ثُمَّ يَقُولُ لَا أَدْرِي لِمَنْ هُوَ، وَحُكْمُهُ قَبُولُ قَوْلِ الْقَاضِي. الْخَامِسُ أَنْ يُقِرَّ بِأَنَّهُ تَسَلَّمَهُ مِنْ الْقَاضِي وَصَدَّقَ الْقَاضِي أَنَّهَا لِفُلَانٍ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُمَا، وَيُدْفَعُ إلَى الْقَاضِي لِيَدْفَعَهُ إلَى فُلَانٍ فَلَمْ يُعْمَلْ بِقَوْلِهِ فِي وَجْهٍ وَعُمِلَ بِهِ فِي الْأَرْبَعَةِ، وَقَوْلُهُ بِبَيِّنَةٍ شَامِلٌ لِمَا إذَا شَهِدُوا أَنَّهُمْ سَمِعُوا الْقَاضِيَ قَبْلَ عَزْلِهِ يَقُولُ هَذَا الْمَالُ لِفُلَانٍ الْيَتِيمِ اسْتَوْدَعْته فُلَانًا، وَكَذَا إذَا شَهِدُوا عَلَى بَيْعِهِ مَالَ الْيَتِيمِ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ، وَيُؤْخَذُ الْمَالُ لِمَنْ ذَكَرَهُ، وَكَذَا لَوْ مَاتَ الْأَوَّلُ وَاسْتَقْضَى غَيْرَهُ فَشَهِدَ بِذَلِكَ. قَوْلُهُ (وَيَقْضِي فِي الْمَسْجِدِ أَوْ دَارِهِ) ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «حَكَمَ بَيْنَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ فِي الْمَسْجِدِ» «، وَقَالَ لِلْمَدْيُونِ قُمْ فَاقْضِهِ بَعْدَ أَمْرِ الدَّائِنِ بِوَضْعِ الشَّطْرِ، وَكَانَا فِي الْمَسْجِدِ وَقَدْ ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا» «وَأَمَرَ بِإِقَامَةِ الْحَدِّ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ» ، وَقَدْ لَاعَنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عِنْدَ مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَأَمَّا كَوْنُ الْمُشْرِكِ يَدْخُلُهُ لِلْقَضَاءِ وَهُوَ نَجِسٌ فَلَا يُمْنَعُ؛ لِأَنَّ نَجَاسَتَهُ نَجَاسَةُ الِاعْتِقَادِ عَلَى مَعْنَى التَّشْبِيهِ، وَأَمَّا الْحَائِضُ فَتُخْبِرُ بِحَالِهَا لِيَخْرُجَ إلَيْهَا الْقَاضِي أَوْ يُرْسِلَ نَائِبَهُ كَمَا إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى فِي دَابَّةٍ، وَكَذَا السُّلْطَانُ يَجْلِسُ فِي الْمَسْجِدِ لِلْحُكْمِ أَطْلَقَ الْمَسْجِدَ فَشَمِلَ غَيْرَ الْجَامِعِ لَكِنَّهُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَشْهَرُ ثُمَّ الَّذِي تُقَامُ فِيهِ الْجَمَاعَاتُ وَإِنْ لَمْ تُصَلَّ فِيهِ الْجُمُعَةُ. قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ هَذَا إذَا كَانَ الْجَامِعُ فِي وَسَطِ الْبَلَدِ أَمَّا إذَا كَانَ فِي طَرَفٍ مِنْهَا فَلَا لِزِيَادَةِ الْمَشَقَّةِ فَالْأَوْلَى أَنْ يَخْتَارَ مَسْجِدًا فِي وَسَطِ الْبَلَدِ وَفِي السُّوقِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَحْكُمَ فِي بَيْتِهِ وَحَيْثُ كَانَ إلَّا أَنَّ الْأَوْلَى مَا ذَكَرْنَاهُ، وَيَأْذَنُ لِلنَّاسِ عَلَى الْعُمُومِ وَلَا يَمْنَعُ أَحَدًا؛ لِأَنَّ لِكُلِّ أَحَدٍ حَقًّا فِي مَجْلِسِهِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ بَيْتَهُ فِي وَسَطِ الْبَلَدِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَجْلِسُ لَهُ فِي أَشْهَرِ الْأَمَاكِنِ وَمَجَامِعِ النَّاسِ، وَلَيْسَ فِيهِ حَاجِبٌ وَلَا بَوَّابٌ، وَهُوَ الْأَفْضَلُ وَلَا يَحْكُمُ، وَهُوَ مَاشٍ وَلَا رَاكِبٌ وَلَا بَأْسَ بِالْعُقُودِ عَلَى الطَّرِيقِ إذَا كَانَ لَا يُضَيِّقُ عَلَى الْمَارَّةِ وَلَا بَأْسَ بِالْحُكْمِ وَهُوَ   [منحة الخالق] قَوْله قَطَعَ الْمَوْلَى يَدَهُ وَأَطْلَقَهُ بِكَفِيلٍ وَإِنْ قَالَ بِبَيِّنَةٍ لَا لِلتَّقَادُمِ) كَذَا فِي النَّهْرِ وَتَبِعَهُ الْحَمَوِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا سَبَقَ فِي الْحُدُودِ إنْ طَلَبَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ شَرْطَ الْقَطْعِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ الثُّبُوتُ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ الْإِقْرَارِ أَبُو السُّعُودِ (قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ بِبَيِّنَةٍ لَا لِلتَّقَادُمِ) أَيْ لَا يَقْطَعُهُ لِأَجْلِ التَّقَادُمِ، وَكَذَا إذَا شَهِدُوا عِنْدَ الثَّانِي إذَا تَقَادَمَ الْعَهْدُ، وَلَا يُعَجَّلُ فِي إطْلَاقِهِ بَلْ يَفْعَلُ مَا قُلْنَا شَرْحُ أَدَبِ الْقَضَاءِ. (قَوْلُهُ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ الْأَوَّلِ) وَهُوَ مَنْ أَقَرَّ لَهُ ذُو الْيَدِ (قَوْلُهُ بِإِقْرَارِهِ الثَّانِي) وَهُوَ إقْرَارُهُ بِتَسْلِيمِ الْقَاضِي إلَيْهِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 302 مُتَّكِئٌ وَالْقَضَاءُ وَهُوَ مُسْتَوٍ أَفْضَلُ تَعْظِيمًا لِأَمْرِ الْقَضَاءِ، وَلَا يَجْلِسُ وَحْدَهُ؛ لِأَنَّهُ يُورِثُ التُّهْمَةَ فَيَنْبَغِي أَنْ يُجَالِسَهُ مَنْ كَانَ يَجْلِسُ مَعَهُ قَبْلَ ذَلِكَ، وَرُوِيَ أَنَّ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا كَانَ يَحْكُمُ حَتَّى يُحْضِرَ أَرْبَعَةً مِنْ الصَّحَابَةِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَحْضُرَ مَجْلِسَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَيُشَاوِرَهُمْ. وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُحْضِرُ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - حَتَّى قَالَ أَحْمَدُ يَحْضُرُ مَجْلِسَهُ الْفُقَهَاءُ مِنْ كُلِّ مَذْهَبٍ وَيُشَاوِرُهُمْ فِيمَا يُشْكِلُ عَلَيْهِ وَفِي الْمَبْسُوطِ وَإِنْ دَخَلَهُ حَصْرٌ فِي قُعُودِهِمْ عِنْدَهُ أَوْ شَغَلَهُ عَنْ شَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ جَلَسَ وَحْدَهُ فَإِنَّ طِبَاعَ النَّاسِ تَخْتَلِفُ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْنَعُهُ مِنْ حِشْمَةِ الْفُقَهَاءِ عَنْ فَصْلِ الْقَضَاءِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَزْدَادُ قُوَّةً عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَدْخُلُهُ حَصْرٌ جَلَسَ وَحْدَهُ وَفِي الْمَبْسُوطِ مَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَعْتَذِرَ لِلْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ وَيُبَيِّنَ لَهُ وَجْهَ قَضَائِهِ، وَيُبَيِّنَ لَهُ أَنَّهُ فَهِمَ حُجَّتَهُ وَلَكِنَّ الْحُكْمَ فِي الشَّرْعِ كَذَا يَقْتَضِي الْقَضَاءُ عَلَيْهِ فَلَمْ يُمْكِنْ غَيْرُهُ لِيَكُونَ ذَلِكَ أَدْفَعَ لِشِكَايَتِهِ لِلنَّاسِ وَنِسْبَتِهِ إلَى أَنَّهُ جَارَ عَلَيْهِ، وَمَنْ يَسْمَعْ يَخَلْ فَرُبَّمَا تُفْسِدُ الْعَامَّةُ عِرْضَهُ وَهُوَ بَرِيءٌ وَإِذَا أَمْكَنَ إقَامَةُ الْحَقِّ مَعَ عَدَمِ إيغَارِ الصُّدُورِ كَانَ أَوْلَى كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة قَالَ مَشَايِخُنَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي إذَا أَرَادَ الْحُكْمَ أَنْ يَقُولَ لِلْخَصْمَيْنِ أَحْكُمُ بَيْنَكُمَا، وَهَذَا عَلَى وَجْهِ الِاحْتِيَاطِ حَتَّى إنَّهُ إذَا كَانَ فِي التَّقْلِيدِ خَلَلٌ يَصِيرُ حُكْمًا بِتَحْكِيمِهِمَا وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ قَضَى الْقَاضِي بِحَقٍّ ثُمَّ أَمَرَهُ أَنْ يَسْأَلَ الْقَضِيَّةَ ثَانِيًا بِمَحْضَرٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ لَا يُفْرَضُ ذَلِكَ عَلَى الْقَاضِي اهـ. وَفِيهَا وَإِنْ رَأَى أَنْ يَقْعُدَ مَعَهُ أَهْلُ الْفِقْهِ قَعَدُوا وَلَا يُشَاوِرُهُمْ عِنْدَ الْخُصُومِ اهـ. فَعَلَى هَذَا إذَا كَانَتْ عِنْدَهُ الْفُقَهَاءُ وَوَقَعَتْ الْحَادِثَةُ يُخْرِجُ الْخُصُومَ أَوْ يُبْعِدُهُمْ ثُمَّ يُشَاوِرُ الْفُقَهَاءَ، وَلَا يُسَلِّمُ وَلَا يُسَلَّمُ عَلَيْهِ إلَّا إذَا كَانَ الدَّاخِلُ الشَّاهِدَ فَلَهُ أَنْ يُسَلِّمَ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ، وَيُسْنِدُ ظَهْرَهُ إلَى الْمِحْرَابِ، وَالنَّاسُ بَيْنَ يَدَيْهِ يَقِفُونَ مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةِ فَإِنْ اعْتَرَاهُ هَمٌّ أَوْ غَضَبٌ أَوْ جُوعٌ أَوْ حَاجَةٌ حَيَوَانِيَّةٌ كَفَّ عَنْهُ حَتَّى يَزُولَ وَلَا يُتْعِبُ نَفْسَهُ فِي طُولِ الْجُلُوسِ وَلَا يَقْضِي وَهُوَ يُدَافِعُ أَحَدَ الْأَخْبَثَيْنِ، وَإِنْ كَانَ شَابًّا قَضَى وَطَرَهُ مِنْ أَهْلِهِ ثُمَّ جَلَسَ لِلْقَضَاءِ وَلَا يَسْمَعُ مِنْ رَجُلٍ حُجَّتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ فِي مَجْلِسٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ قَلِيلًا، وَلَا يُقَدِّمُ رَجُلًا جَاءَ غَيْرُهُ قَبْلَهُ وَلَا يَضْرِبُ فِي الْمَسْجِدِ حَدًّا وَلَا تَعْزِيرًا كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ. وَالْحَاصِلُ لَا يَقْضِي حَالَ شُغْلِ قَلْبِهِ وَلَوْ بِفَرَحٍ أَوْ بَرْدٍ شَدِيدٍ أَوْ حَرٍّ شَدِيدٍ وَأَصْلُهُ «لَا يَقْضِي الْقَاضِي وَهُوَ غَضْبَانُ» مَعْلُولٌ بِهِ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَطَوَّعَ بِالصَّوْمِ فِي الْيَوْمِ الَّذِي يُرِيدُ الْجُلُوسَ فِيهِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَيَخْرُجُ فِي أَحْسَنِ ثِيَابِهِ وَأَعْدَلِ أَحْوَالِهِ وَلَهُ أَنْ يَتَّخِذَ بَوَّابًا لِيَمْنَعَ الْخُصُومَ مِنْ الِازْدِحَامِ وَلَا يُبَاحُ لِلْبَوَّابِ أَنْ يَأْخُذَ شَيْئًا عَلَى الْإِذْنِ فِي الدُّخُولِ وَإِذَا أَخَذَ الْبَوَّابُ شَيْئًا وَعَلِمَ الْقَاضِي بِهِ فَقَضَى كَانَ كَالْقَضَاءِ بِالرِّشْوَةِ لَا يَنْفُذُ كَذَا فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ، وَإِذَا جَلَسُوا بَيْنَ يَدَيْهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ يَقُولُ أَيُّكُمَا الْمُدَّعِي فَإِذَا عَرَفَهُ يَقُولُ لَهُ مَاذَا تَدَّعِي وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ، وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَرْفَقُ دَفْعًا لِلْمَهَابَةِ عَنْهُمْ، وَإِذَا جَاءَ رَجُلٌ أَرَادَ إحْضَارَ خَصْمِهِ الْغَائِبِ دَفَعَ لَهُ طِينَةً عَلَيْهَا خَتْمُ الْقَاضِي مَكْتُوبٌ فِيهَا أَجِبْ خَصْمَك إلَى مَجْلِسِ الْحُكْمِ فَإِنْ كَانَ فِي الْمِصْرِ أَحْضَرَهُ أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا فَالْقَاضِي لَا يُعَدِّيهِ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ حَتَّى يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ. وَالْفَاصِلُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ إنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَعُودَ إلَى أَهْلِهِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فَهُوَ قَرِيبٌ، وَإِلَّا فَلَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَنْصِبَ قُضَاةً عَلَى الْكُوَرِ فِيمَا دُونَ مُدَّةِ السَّفَرِ احْتِرَازًا عَنْ مَشَقَّةِ الْأَعْدَاءِ، وَهُوَ إزَالَةُ الْعُدْوَانِ وَيَسْقُطُ الْأَعْدَاءُ بِعُذْرِ الْمَرَضِ أَوْ كَانَتْ مُخَدَّرَةً فَإِنْ تَوَارَى الْخَصْمُ فِي بَيْتِهِ خَتَمَ الْقَاضِي عَلَى بَيْتِهِ، وَجَعَلَ بَيْتَهُ عَلَيْهِ سِجْنًا وَسَدَّ أَعْلَاهُ وَأَسْفَلَهُ حَتَّى يَضِيقَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ فَيَخْرُجُ قَالَ الْحَلْوَانِيُّ وَأَصْحَابُنَا لَمْ يُجَوِّزُوا الْهُجُومَ وَصُورَتُهُ أَنْ يَبْعَثَ الْقَاضِي نِسَاءً يَطْلُبْنَهُ فِي الْبَيْتِ وَأَعْوَانًا يَأْخُذُونَ السُّفْلَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ مَعَ عَدَمِ إيغَارِ الصُّدُورِ) قَالَ فِي الصِّحَاحِ الْوَغْرَةُ شِدَّةُ تَوَقُّدِ الْحُزْنِ وَمِنْهُ قِيلَ فِي صَدْرِهِ وَغْرٌ بِالتَّسْكِينِ أَيْ ضَغَنٌ وَعَدَاوَةٌ وَتَوَقُّدٌ مِنْ الْغَيْظِ أَبُو السُّعُودِ (قَوْلُهُ ثُمَّ أَمَرَهُ) أَيْ السُّلْطَانُ (قَوْلُهُ وَلَهُ أَنْ يَتَّخِذَ بَوَّابًا لِيَمْنَعَ الْخُصُومَ مِنْ الِازْدِحَامِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ، وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا أَنَّهُ يَجْلِسُ فِي أَشْهَرِ الْأَمَاكِنِ، وَالْجَامِعُ لَيْسَ فِيهِ حَاجِبٌ وَلَا بَوَّابٌ وَهُوَ الْأَفْضَلُ، وَلَكِنَّ الَّذِي هُوَ مَخْصُوصٌ بِمَنْعِ الْخُصُومِ (قَوْلُهُ لَا يُعْدِيهِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ لَا يُحْضِرُهُ مِنْ أَعْدَاهُ أَيْ أَحْضَرَهُ وَتُسَمَّى مَسَائِلُهُ مَسَائِلَ الْعَدَوِيِّ، وَهُوَ الِاسْمُ مِنْهُ وَالْإِعْدَاءُ مَصْدَرُهُ (قَوْلُهُ فَإِنْ تَوَارَى الْخَصْمُ فِي بَيْتِهِ خَتَمَ الْقَاضِي عَلَى بَابِهِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ بَعْدَ أَنْ يُكَلِّفَ الْقَاضِي الْمُدَّعِيَ إلَى إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ أَنَّهُ فِي مَنْزِلِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْخَانِيَّةِ وَالتَّتَارْخَانِيَّة نَقْلًا عَنْ الْمُحِيطِ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ أَيْضًا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ عُلَمَاءُ الشَّافِعِيَّةِ وَقَوَاعِدُنَا تَقْضِي بِهِ أَيْضًا فَاعْلَمْ ذَلِكَ وَلَا تَغْتَرَّ بِمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ الْقُضَاةِ فَإِنَّ مَحَلَّ السَّمَرِ وَالْخَتْمِ إذَا ثَبَتَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 303 وَالْعُلْوَ كَيْ لَا يَهْرَبَ وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ فَعَلَهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالصَّالِحُونَ مِنْ بَعْدِهِ وَتَرَكُوا فِيهِ الْقِيَاسَ فَإِنْ كَانَ الْمَدْيُونُ يَسْكُنُ دَارًا بِأُجْرَةٍ، وَامْتَنَعَ مِنْ الْحُضُورِ اخْتَلَفُوا فِي تَسْمِيرِ الْبَابِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُسَمَّرُ وَالتَّسْمِيرُ الضَّرْبُ بِالْمَسَامِيرِ اهـ. فَإِنْ كَانَتْ الدَّارُ مُشْتَرَكَةً فَسَمَّرَهَا الْحَاكِمُ لِأَجْلِ أَحَدِ الشُّرَكَاءِ لِلْبَاقِي أَنْ يَرْفَعُوا الْأَمْرَ إلَيْهِ لِيَرْفَعَ الْمَسَامِيرَ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ الْعَدْلِ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَفِيهَا لِلسُّلْطَانِ الْخَتْمُ عَلَى بَابِ الْمَدْيُونِ، وَإِنْ لَمْ يَتَوَارَ فِي بَيْتِهِ تَضْيِيقًا عَلَيْهِ حَتَّى يَقْضِيَ الدَّيْنَ. اهـ. فَعَلَى هَذَا لَهُ وَضْعُهُ فِي الْجَاوِيشِ فِي زَمَانِنَا، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَيَسْتَعِينُ بِأَعْوَانِ الْوَالِي عَلَى الْإِحْضَارِ وَأُجْرَةُ الْأَشْخَاصِ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَقِيلَ عَلَى الْمُتَمَرِّدِ فِي الْمِصْرِ مِنْ نِصْفِ دِرْهَمٍ إلَى دِرْهَمٍ وَفِي الْخَارِجِ لِكُلِّ فَرْسَخٍ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ أَوْ أَرْبَعَةٌ وَأُجْرَةُ الْمُوَكِّلِ عَلَى الْمُدَّعِي، وَهُوَ الْأَصَحُّ وَفِي الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ الْمُشَخَّصُ وَهُوَ الْمَأْمُورُ بِمُلَازَمَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَأَطْلَقَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ الذَّهَابَ إلَى بَابِ السُّلْطَانِ وَالِاسْتِعَانَةَ بِأَعْوَانِهِ أَوَّلًا لِاسْتِيفَاءِ حَقِّهِ قَبْلَ الْعَجْزِ عَنْ الِاسْتِيفَاءِ بِالْقَاضِي لَكِنَّهُ لَا يُفْتَى بِهِ إلَّا إذَا عَجَزَ الْقَاضِي، وَإِذَا ثَبَتَ تَمَرُّدُهُ عَنْ الْحُضُورِ عَاقَبَهُ بِقَدْرِهِ، وَذَكَرَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ الِاخْتِلَافَ فِي قَبُولِ الْقَاضِي الْقِصَاصَ مِنْ الْخُصُومِ، وَالْمَذْهَبُ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا يَأْخُذُهَا إذَا جَلَسَ لِلْقَضَاءِ، وَإِلَّا أَخَذَهَا ثُمَّ ذَكَرَ الِاخْتِلَافَ فِي أَنَّ الْقَاضِيَ يُؤَاخَذُ بِمَا كَتَبَ فِيهَا، وَالْمَذْهَبُ لَا إلَّا إذَا أَقَرَّ بِلَفْظِهِ صَرِيحًا وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَتَّخِذَ كَاتِبًا صَالِحًا عَفِيفًا وَيُقْعِدَهُ بِحَيْثُ يَرَاهُ أَهْلًا لِلشَّهَادَةِ لَا ذِمِّيًّا وَلَا عَبْدًا وَلَا صَبِيًّا وَلَا مِمَّنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ فَيَكْتُبُ الْخُصُومَةَ وَيَجْعَلُهَا فِي قِمَطْرِهِ، وَيَجْعَلُ لِكُلِّ شَهْرٍ قِمَطْرًا. (قَوْلُهُ وَيَرُدُّ هَدِيَّةً إلَّا مِنْ قَرِيبٍ أَوْ مِمَّنْ جَرَتْ عَادَتُهُ بِهِ) أَيْ لَا يَقْبَلُ الْقَاضِي هَدِيَّةً لِمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ «اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلًا مِنْ الْأَزْدِ يُقَالُ لَهُ ابْنُ اللُّتْبِيَّةِ عَلَى الصَّدَقَةِ وَاسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ إلَيَّ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - هَلَّا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ أَوْ بَيْتِ أُمِّهِ فَيَنْظُرُ أَيُهْدَى إلَيْهِ أَمْ لَا» قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -   [منحة الخالق] امْتِنَاعُ الْخَصْمِ بِلَا عُذْرٍ وَلَوْ كَانَ عُذْرًا يُبِيحُ تَرْكَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ اسْمُ الْإِشَارَةِ رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ وَأَصْحَابُنَا لَمْ يُجَوِّزُوا الْهُجُومَ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَتَرَكُوا إلَخْ) أَيْ أَصْحَابَ نَبِيِّنَا (قَوْلُهُ وَأُجْرَةُ الْأَشْخَاصِ فِي بَيْتِ الْمَالِ) قَالَ فِي لِسَانِ الْحُكَّامِ وَفِي الْقُنْيَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَنْصِبَ إنْسَانًا حَتَّى يُقْعِدَ النَّاسَ بَيْنَ يَدَيْ الْقَاضِي وَيُقِيمَهُمْ وَيُقْعِدَ الشُّهُودَ وَيُقِيمَهُمْ وَيَزْجُرَ مَنْ يُسِيءُ الْأَدَبَ وَيُسَمَّى صَاحِبَ الْمَجْلِسِ وَالْجِلْوَازَ أَيْضًا، وَأَنَّهُ يَأْخُذُ مِنْ الْمُدَّعِي شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ يَعْمَلُ لَهُ بِإِقْعَادِ الشُّهُودِ عَلَى التَّرْتِيبِ وَغَيْرِهِ لَكِنْ لَا يَأْخُذُ أَكْثَرَ مِنْ دِرْهَمَيْنِ وَلِلْوُكَلَاءِ أَنْ يَأْخُذُوا مِمَّنْ يَعْمَلُونَ لَهُ مِنْ الْمُدَّعِينَ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ وَلَكِنْ لَا يَأْخُذُ لِكُلِّ مَجْلِسٍ أَكْثَرَ مِنْ دِرْهَمَيْنِ وَالرَّجَّالَةُ يَأْخُذُونَ أُجُورَهُمْ مِمَّنْ يَعْمَلُونَ لَهُ، وَهُمْ الْمُدَّعُونَ لَكِنَّهُمْ يَأْخُذُونَ فِي الْمِصْرِ نِصْفَ دِرْهَمٍ إلَى دِرْهَمٍ، وَإِذَا خَرَجُوا إلَى الرَّسَاتِيقِ لَا يَأْخُذُونَ لِكُلِّ فَرْسَخٍ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ أَوْ أَرْبَعَةٍ هَكَذَا، وَضَعَهُ الْعُلَمَاءُ الْأَتْقِيَاءُ الْكِبَارُ وَهِيَ أُجُورُ أَمْثَالِهِمْ وَأُجْرَةُ الْكَاتِبِ عَلَى مَنْ يَكْتُبُ لَهُ الْكِتَابَةَ وَأُجْرَةُ النُّوَّابِ عَلَى الْقَاضِي، وَإِذَا بَعَثَ أَمِينًا لِلتَّعْدِيلِ فَالْجُعْلُ عَلَى الْمُدَّعِي كَالصَّحِيفَةِ. قَالَ مَجْدُ الْأَئِمَّةِ التُّرْكُمَانِيُّ مُؤْنَةُ الرَّجَّالَةِ عَلَى الْمُدَّعِي فِي الِابْتِدَاءِ فَإِذَا امْتَنَعَ فَعَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، كَانَ ذَلِكَ اسْتِحْسَانًا مَالَ إلَيْهِ لِلزَّجْرِ فَإِنَّ الْقِيَاسَ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْمُدَّعِي فِي الْحَالَيْنِ الْمُزَكِّي يَأْخُذُ الْأَجْرَ مِنْ الْمُدَّعِي، كَذَا الْمَبْعُوثُ لِلتَّعْدِيلِ اهـ. كَلَامُ الْقُنْيَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِذَا ثَبَتَ تَمَرُّدُهُ عَنْ الْحُضُورِ عَاقَبَهُ بِقَدْرِهِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ هَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْبُرْهَانِ فَلَا يُقْبَلُ فِيهِ قَوْلُ الْمُحْضَرِ وَلَا قَوْلُ عَدْلٍ وَاحِدٍ وَلَا النِّسَاءِ الْخُلَّصِ وَلَا يُتَصَوَّرُ تَمَرُّدُهُ إلَّا بَعْدَ الِاجْتِمَاعِ مَعَ الْمُشْخِصِ كَمَا يُفْهَمُ جَمِيعُهُ مِنْ كَلَامِهِمْ فَلَوْ اخْتَفَى لَا يَثْبُتُ تَمَرُّدُهُ، وَفِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ وَلَوْ امْتَنَعَ الْخَصْمُ عَنْ الْحُضُورِ مَجْلِسَ الْقَضَاءِ عَزَّرَهُ بِمَا يَرَى مِنْ ضَرْبٍ أَوْ سَفْعٍ أَوْ حَبْسٍ أَوْ تَعْبِيسِ وَجْهٍ عَلَى مَا يَرَاهُ اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ فَإِنْ عَرَضَ الطِّينَةَ وَامْتَنَعَ الْخَصْمُ يَقُولُ لَهُ هَلْ تَعْرِفُهُ أَنَّهُ الْقَاضِي فَإِنْ قَالَ نَعَمْ أَشْهَدُ عَلَيْهِ فَإِنْ شَهِدَا عِنْدَ الْقَاضِي عَاقَبَهُ عَلَى ذَلِكَ، وَيَسْتَعِينُ بِأَعْوَانِ الْوَالِي عَلَى الْإِحْضَارِ اهـ وَفِي فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ إذَا هَرَبَ الْغَرِيمُ مِنْ الرَّسُولِ وَعَجَزَ عَنْهُ الْقَوْلُ قَوْلُ الرَّسُولِ فِي ذَلِكَ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لَكِنْ إذَا لَمْ يَعْلَمْ هُرُوبَهُ إلَّا بِقَوْلِهِ يُؤَدَّبُ عَلَى التَّفْرِيطِ لَهُ. اهـ. وَمَوْضُوعُ السُّؤَالِ فِي رَجُلٍ ثَبَتَ عَلَيْهِ حَقٌّ وَخَرَجَ مِنْ عِنْدِ الْقَاضِي بِالتَّرْسِيمِ مَعَ رَسُولٍ لِيَرْضَى خَصْمُهُ بِالدَّفْعِ أَوْ بِالسِّجْنِ. (قَوْلُهُ وَيَجْعَلُهَا فِي قِمَطْرِهِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ الْقِمَطْرُ بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الطَّاءِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْقِمَطْرُ كَسِجِلٍّ وَالْقِمَطْرِيُّ وَالْقِمَطْرَةُ بِالتَّشْدِيدِ شَاذٌّ. (قَوْلُهُ ابْنُ اللُّتْبِيَّةِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ بِلَامٍ مَضْمُومَةٍ وَحُكِيَ فَتْحُهَا وَخُطِّئَ وَتَاءٍ مُثَنَّاةٍ سَاكِنَةٍ، وَحَكَى الْمُنْذِرِيُّ تَحْرِيكَهَا قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ بَنُو لُتْبٍ بَطْنٌ مِنْ الْأَزْدِ وَيُقَالُ الْأَتْيَةُ بِهَمْزَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَسُكُونِ التَّاءِ قَالَ وَتُحَرَّكُ، ثُمَّ قِيلَ إنَّهَا اسْمُ أُمِّهِ عُرِفَ بِهَا وَكَانَ اسْمُهُ عَبْدَ اللَّهِ كَذَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ فِي التَّنْقِيحِ لِأَلْفَاظِ الْجَامِعِ الصَّحِيحِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 304 كَانَتْ الْهَدِيَّةُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَدِيَّةً وَالْيَوْمُ رِشْوَةٌ فَتَعْلِيلُهُ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ الْهَدِيَّةِ الَّتِي سَبَبُهَا الْوِلَايَةُ، وَيَجِبُ رَدُّهَا عَلَى صَاحِبِهَا فَإِنْ تَعَذَّرَ رَدُّهَا عَلَى مَالِكِهَا وَضَعَهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ كَاللُّقَطَةِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فَإِنْ كَانَ الْمُهْدِي يَتَأَذَّى بِالرَّدِّ يَقْبَلُهَا وَيُعْطِيهِ مِثْلَ قِيمَتِهَا كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَفِي الْمُضْمَرَاتِ إذَا دَخَلَتْ الْهَدِيَّةُ لَهُ مِنْ الْبَابِ خَرَجَتْ الْأَمَانَةُ مِنْ الْكُوَّةِ وَقَدَّمْنَا عَنْ الْأَقْطَعِ الْفَرْقَ بَيْنَ الْهَدِيَّةِ وَالرِّشْوَةِ أَنَّ الرِّشْوَةَ مَا كَانَ مَعَهَا شَرْطُ الْإِعَانَةِ بِخِلَافِ الْهَدِيَّةِ وَفِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ مَالٌ يُعْطِيهِ وَلَا يَكُونُ مَعَهَا شَرْطٌ وَالرِّشْوَةُ مَالٌ يُعْطِيهِ بِشَرْطِ أَنْ يُعِينَهُ. وَذِكْرُ الْهَدِيَّةِ فِي الْكِتَابِ لَيْسَ احْتِرَازِيًّا إذْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الِاسْتِقْرَاضُ وَالِاسْتِعَارَةُ مِمَّنْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ قَبُولُ هَدِيَّتِهِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَإِنَّمَا يَقْبَلُ هَدِيَّةَ الْقَرِيبِ لِمَا فِيهَا مِنْ صِلَةِ الرَّحِمِ وَرَدُّهَا قَطِيعَةٌ وَهِيَ حَرَامٌ وَأَطْلَقَهُ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِالْمُحَرَّمِ فَخَرَجَ ابْنُ الْعَمِّ مَثَلًا وَمُقَيَّدٌ بِأَنْ لَا تَكُونَ لَهُ خُصُومَةٌ، وَإِنَّمَا يَقْبَلُ مِمَّنْ لَهُ عَادَةٌ لِلْعِلْمِ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ لِلْقَضَاءِ وَلَهُ شَرْطَانِ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ خُصُومَةٌ وَأَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى الْعَادَةِ فَيَرُدُّ الْكُلَّ فِي الْأَوَّلِ، وَمَا زَادَ عَلَيْهَا فِي الثَّانِي وَقَيَّدَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ بِأَنْ لَا يَكُونَ مَالُ الْمُهْدِي قَدْ زَادَ فَبِقَدْرِ مَا زَادَ مَالُهُ لَا بَأْسَ بِقَبُولِهِ، وَظَاهِرُ الْعَطْفِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي أَنَّهُ يُقْبَلُ مِنْ الْقَرِيبِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ عَادَةٌ بِالْإِهْدَاءِ وَفِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ كَالْأَجْنَبِيِّ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ عَادَةٌ وَإِلَّا فَلَا يَقْبَلُهَا مِنْهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِفَقْرِهِ ثُمَّ أَيْسَرَ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمَانِعَ مَا كَانَ إلَّا الْفَقْرُ عَلَى وِزَانِ مَا قَالَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي الزِّيَادَةِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَنْ لَهُ خُصُومَةٌ لَا يَقْبَلُهَا مُطْلَقًا وَمَنْ لَا خُصُومَةَ لَهُ فَإِنْ كَانَ لَهُ عَادَةٌ قَبْلَ الْقَضَاءِ قَبِلَ الْمُعْتَادَ وَإِلَّا فَلَا وَفِي تَهْذِيبِ الْقَلَانِسِيِّ وَلَا يَقْبَلُ هَدِيَّةً إلَّا مِنْ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ أَوْ مِنْ وَالٍ تَوَلَّى الْأَمْرَ مِنْهُ أَوْ وَالٍ مُقَدَّمِ الْوِلَايَةِ عَلَى الْقَضَاءِ اهـ. فَعَلَى هَذَا لَهُ أَنْ يَقْبَلَهَا مِنْ السُّلْطَانِ وَمِنْ حَاكِمِ بَلَدِهِ الْمُسَمَّى الْآنَ بِالْبَاشَاهْ وَاقْتَصَرَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَلَى مَنْ وَلَّاهُ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَكُلُّ مَنْ عَمِلَ لِلْمُسْلِمِينَ عَمَلًا حُكْمُهُ فِي الْهَدِيَّةِ حُكْمُ الْقَاضِي اهـ. فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَحْرُمُ قَبُولُهَا عَلَى الْوَالِي وَالْمُفْتِي، وَلَيْسَ كَمَا قَالَ فَقَدْ قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ وَيَجُوزُ لِلْإِمَامِ وَالْمُفْتِي قَبُولُ الْهَدِيَّةِ وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ الْخَاصَّةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ حُقُوقِ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ، وَإِنَّمَا يَمْنَعُ عَنْهُ الْقَاضِي اهـ. إلَّا أَنْ يُرَادَ بِالْإِمَامِ إمَامُ الْجَامِعِ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة مِنْ خُصُوصِيَّاتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّ هَدَايَاهُ لَهُ وَفِيهَا ضَمُّ الْوَاعِظِ إلَى الْمُفْتِي مُعَلَّلًا بِأَنَّهُ إنَّمَا يُهْدَى إلَى الْعَالِمِ لِعِلْمِهِ بِخِلَافِ الْقَاضِي، وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَبِيعُ وَلَا يَشْتَرِي فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ النَّاسَ يُسَاهِلُونَهُ لِأَجْلِ الْقَضَاءِ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ هَذَا إذَا كَانَ يَكْفِي الْمُؤْنَةَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أَوْ يُعَامِلُ مَنْ يُحَابِيهِ وَإِلَّا لَا يُكْرَهُ، وَلَوْ بَاعَ مَالَ الْمَدْيُونِ أَوْ الْمَيِّتِ لَا يُكْرَهُ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ هَدِيَّةُ الْمُسْتَقْرِضِ لِلْمُقْرِضِ كَالْهَدِيَّةِ لِلْقَاضِي إنْ كَانَ الْمُسْتَقْرِضُ لَهُ عَادَةٌ قَبْلَ اسْتِقْرَاضِهِ فَأَهْدَى إلَى الْمُقْرِضِ فَلِلْمُقْرِضِ أَنْ يَقْبَلَ مِنْهُ قَدْرَ مَا كَانَ يُهْدِيهِ بِلَا زِيَادَةٍ اهـ. وَهُوَ سَهْوٌ وَالْمَنْقُولُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ آخِرَ الْحَوَالَةِ أَنَّهُ يَحِلُّ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ مَشْرُوطًا مُطْلَقًا. قَوْلُهُ (وَدَعْوَةٌ خَاصَّةٌ) أَيْ يَرُدُّهَا فَلَا يَحْضُرُهَا؛ لِأَنَّهَا جُعِلَتْ لِأَجْلِهِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الدَّاعِي لَهَا الْقَرِيبَ، وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ هَذَا قَوْلُهُمَا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُجِيبُهَا، وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّهُ يُجِيبُهَا بِلَا خِلَافٍ وَاخْتَارَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي الْكَافِي، وَإِنَّمَا تَرَكَ التَّقْيِيدَ بِهِ فِي الْمُخْتَصَرِ اعْتِمَادًا عَلَى مَا اسْتَثْنَاهُ فِي الْهَدِيَّةِ فَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ وَلَا يَقْبَلُ هَدِيَّةً وَدَعْوَى خَاصَّةً إلَّا مِنْ مُحْرَمٍ أَوْ مِمَّنْ لَهُ عَادَةٌ فَإِنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يُجِيبَ الدَّعْوَةَ الْخَاصَّةَ مِنْ أَجْنَبِيٍّ لَهُ عَادَةٌ بِاتِّخَاذِهَا كَالْهَدِيَّةِ فَلَوْ كَانَ مِنْ عَادَتِهِ الدَّعْوَةُ لَهُ كُلَّ شَهْرٍ مَرَّةً فَدَعَاهُ كُلَّ أُسْبُوعٍ بَعْدَ الْقَضَاءِ لَا يُجِيبُهُ، وَلَوْ اتَّخَذَ لَهُ طَعَامًا أَكْثَرَ مِنْ الْأَوَّلِ لَا يُجِيبُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَالُهُ قَدْ زَادَ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَكُلُّ مَنْ عَمِلَ لِلْمُسْلِمِينَ عَمَلًا إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَمَلِ وِلَايَةٌ نَاشِئَةٌ مِنْ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ كَالسَّاعِي وَالْعَاشِرِ اهـ. وَبِهِ يَنْدَفِعُ مُخَالَفَتُهُ لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُفْتِي تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة مِنْ خُصُوصِيَّاتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّ هَدَايَاهُ لَهُ) ذِكْرُ الْخُصُوصِيَّةِ يُفِيدُ أَنَّهُ لَيْسَ لِإِمَامٍ غَيْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبُولُهَا، وَإِلَّا انْتَفَتْ الْخُصُوصِيَّةُ تَأَمَّلْ ثُمَّ رَأَيْته فِي النَّهْرِ بَحَثَ كَذَلِكَ وَهَذَا يُؤَكِّدُ حَمْلَ الْإِمَامِ فِي كَلَامِ الْخَانِيَّةِ عَلَى إمَامِ الْجَامِعِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 305 قَيَّدَ بِالْخَاصَّةِ احْتِرَازًا عَنْ الْعَامَّةِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَحْضُرَهَا بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ لِصَاحِبِهَا خُصُومَةٌ، وَاخْتُلِفَ فِي الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ فَقِيلَ مَا دُونَ الْعَشَرَةِ خَاصَّةٌ وَالْعَشَرَةُ وَمَا فَوْقَهَا عَامَّةٌ، وَاخْتَارَ فِي الْهِدَايَةِ أَنَّ الْخَاصَّةَ هِيَ مَا لَوْ عَلِمَ صَاحِبُهَا أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَحْضُرُهَا لَا يَتَّخِذُهَا، وَالْعَامَّةُ هِيَ الَّتِي يَتَّخِذُهَا وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْهَا وَحُكِيَ عَنْ أَبِي عَلِيٍّ النَّسَفِيِّ أَنَّ الْعَامَّةَ دَعْوَةُ الْعُرْسِ وَالْخِتَانِ وَمَا سِوَاهُمَا خَاصَّةً وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ عِنْدِي أَنَّهُ حَسَنٌ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الْعَامَّةَ هَاتَانِ، وَرُبَّمَا مَضَى عُمْرٌ وَلَمْ نَعْرِفْ مَنْ اصْطَنَعَ طَعَامًا عَامًّا ابْتِدَاءً لِعَامَّةِ النَّاسِ بَلْ لَيْسَ إلَّا هَاتَيْنِ الْخُصْلَتَيْنِ أَوْ بِخُصُوصٍ مِنْ النَّاسِ أَوْ لِكَوْنِهِ أَضْبَطَ فَإِنَّ مَعْرِفَةَ كَوْنِ الرَّجُلِ لَوْ لَمْ يَحْضُرْ الْقَاضِي لَمْ يَصْنَعْ أَوْ يَصْنَعُ غَيْرَ مُحَقَّقٍ فَإِنَّهُ أَمْرٌ مُبْطَنٌ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ لَوَائِحُ لَيْسَ كَضَبْطِ هَذَا وَتَكْفِي عَادَةُ النَّاسِ فِي ذَلِكَ، وَعَادَةُ النَّاسِ هِيَ مَا ذَكَرَ النَّسَفِيُّ اهـ. وَعِنْدِي أَنَّهُ لَيْسَ بِحَسَنٍ؛ لِأَنَّ الْعَامَّةَ عُرْفًا لَا تَنْحَصِرُ فِي هَاتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْعَقِيقَةَ كَذَلِكَ وَكَذَا طَعَامُ الْقُدُومِ مِنْ سَفَرِ الْحَجِّ وَفِي زَمَانِنَا يُصْنَعُ طَعَامٌ عَامٌّ فِي الْعِيدَيْنِ فَالْمُعْتَمَدُ مَا فِي الْهِدَايَةِ وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ أَنَّهُ أَصَحُّ مَا قِيلَ فِي تَفْسِيرِهَا. اهـ. وَاخْتَارَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَجَزَمَ بِهِ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ بِقَوْلِهِ، وَإِنَّمَا يُعْرَفُ الْخَاصُّ مِنْ الْعَامِّ إلَى آخِرِهِ، وَلَمْ يَحْكِ غَيْرَهُ فَمَا قَالَهُ النَّسَفِيُّ لَيْسَ بِضَابِطٍ فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ أَضْبَطَ وَكَوْنِهَا لَا يَعْمَلُهَا إلَّا لِأَجْلِ الْقَاضِي لَيْسَ بِخَفِيٍّ، وَبَعْضُهُ يُعْلَمُ بِالتَّصْرِيحِ وَبَعْضُهُ يُعْلَمُ بِالْقَرَائِنِ كَالصَّرِيحِ. قَوْلُهُ (وَيَشْهَدُ الْجِنَازَةَ وَيَعُودُ الْمَرِيضَ) ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ حَقِّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ فَفِي الْحَدِيثِ «لِلْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتُّ حُقُوقٍ إذَا دَعَاهُ يُجِيبُهُ وَإِذْ مَرِضَ يَعُودُهُ وَإِذَا مَاتَ يَحْضُرُهُ وَإِذَا لَقِيَهُ يُسَلِّمُ عَلَيْهِ وَإِذَا اسْتَنْصَحَهُ يَنْصَحُهُ وَإِذَا عَطَسَ يُشَمِّتُهُ» كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَهُوَ لَا يَسْقُطُ بِالْقَضَاءِ لَكِنْ لَا يُطِيلُ مُكْثَهُ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ، وَإِنَّمَا يَعُودُهُ بِشَرْطِ أَنْ لَا خُصُومَةَ وَإِلَّا فَلَا. (قَوْلُهُ وَلْيُسَوِّ بَيْنَهُمَا جُلُوسًا) أَيْ يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ فِي الْجُلُوسِ لِلْحَدِيثِ «إذَا اُبْتُلِيَ أَحَدُكُمْ بِالْقَضَاءِ فَلْيُسَوِّ بَيْنَهُمْ فِي الْمَجْلِسِ وَالنَّظَرِ وَالْإِشَارَةِ، وَلَا يَرْفَعُ صَوْتَهُ عَلَى أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ دُونَ الْآخَرِ» رَوَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَبِمِثْلِهِ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَلِأَنَّ فِي عَدَمِ التَّسْوِيَةِ مَكْسَرَةً لِقَلْبِ الْآخَرِ فَيُجْلِسُهُمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَا يُجْلِسُ وَاحِدًا عَنْ يَمِينِهِ وَالْآخَرَ عَنْ يَسَارِهِ لِأَنَّ لِلْيَمِينِ فَضْلًا أَطْلَقَ فِي التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا فَشَمِلَ الشَّرِيفَ وَالْوَضِيعَ وَالْأَبَ وَالِابْنَ وَالصَّغِيرَ وَالْكَبِيرَ وَالْحُرَّ وَالْعَبْدَ وَالسُّلْطَانُ وَغَيْرَهُ، وَلِذَا قَالَ فِي النَّوَازِلِ وَالْفَتَاوَى الْكُبْرَى خَاصَمَ السُّلْطَانُ مَعَ رَجُلٍ فَجَلَسَ السُّلْطَانُ مَعَ الْقَاضِي فِي مَجْلِسِهِ يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَقُومَ مِنْ مَقَامِهِ وَيُجْلِسُ خَصْمَ السُّلْطَانِ فِيهِ، وَيَقْعُدُ هُوَ عَلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَقْضِي بَيْنَهُمَا اهـ. وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي عَلَى السُّلْطَانِ الَّذِي وَلَّاهُ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قِصَّةُ شُرَيْحٍ مَعَ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَشَمِلَ الْمُسْلِمَ وَالذِّمِّيَّ فَيُسَوَّى بَيْنَهُمَا كَمَا فِي فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ وَقَيَّدَ بِالْجُلُوسِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا بِالْقَلْبِ، وَإِنْ كَانَ أَفْضَلَ فَقَدْ حُكِيَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ وَقْتَ مَوْتِهِ قَالَ اللَّهُمَّ إنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي لَمْ أَمِلْ إلَى أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ حَتَّى بِالْقَلْبِ إلَّا فِي خُصُومَةِ نَصْرَانِيٍّ مَعَ الرَّشِيدِ لَمْ أُسَوِّ بَيْنَهُمَا وَقَضَيْت عَلَى الرَّشِيدِ ثُمَّ بَكَى وَمِمَّا حُكِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ خَادِمًا مِنْ أَكْبَرِ خُدَّامِ الْخَلِيفَةِ جَاءَ مَعَ خَصْمَهُ لِلدَّعْوَى فَتَرَافَعَ عَلَى خَصْمِهِ فَأَمَرَهُ أَبُو يُوسُفَ بِالْمُسَاوَاةِ فَلَمْ يَمْتَثِلْ فَقَالَ الْقَفَا يَا غُلَامُ ائْتِنِي بِعَمْرٍو النَّخَّاسِ يَبِيعُ هَذَا الْخَادِمَ وَأَرْسِلْ ثَمَنَهُ إلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَاسْتَوَى وَانْقَضَتْ الدَّعْوَى، فَذَهَبَ الْخَادِمُ إلَى الْخَلِيفَةِ وَقَصَّ عَلَيْهِ مَا جَرَى وَبَكَى بُكَاءً شَدِيدًا فَقَالَ لَهُ لَوْ بَاعَكَ لَأَجَزْتُ بَيْعَهُ وَلَمْ أَرُدّكَ إلَى مِلْكِي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَيَنْبَغِي لِلْخَصْمَيْنِ أَنْ يَجْثُوَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَا يَتَرَبَّعَانِ وَلَا يَقْعَيَانِ وَلَا يَحْتَبِيَانِ، وَلَوْ فَعَلَا ذَلِكَ مَنَعَهُمَا الْقَاضِي تَعْظِيمًا لِلْحُكْمِ كَمَا يَجْلِسُ الْمُتَعَلِّمُ بَيْنَ يَدَيْ الْمُعَلِّمِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَعِنْدِي أَنَّهُ لَيْسَ بِحَسَنٍ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ، وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا بَعْدَ أَنْ ادَّعَى أَنَّ الْغَالِبَ كَوْنُ الدَّعْوَةِ الْعَامَّةِ هَاتَيْنِ غَيْرُ وَارِدٍ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 306 تَعْظِيمًا لَهُ، وَيَكُونُ بُعْدُهُمَا عَنْهُ قَدْرَ ذِرَاعَيْنِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَرْفَعَا أَصْوَاتَهُمَا، وَتَقِفُ أَعْوَانُ الْقَاضِي بَيْنَ يَدَيْهِ فَيَكُونُ أَهْيَبَ وَقَدَّمْنَا الْخِلَافَ بَيْنَ الشَّيْخَيْنِ فِي ابْتِدَاءِ الْقَاضِي لَهُمَا بِالسُّؤَالِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ هُنَا، وَالْأَصَحُّ عِنْدَنَا أَنَّهُ يَسْتَنْطِقُهُ ابْتِدَاءً لِلْعِلْمِ بِالْمَقْصُودِ، وَلَا يَتَعَجَّلُ عَنْ الْخُصُومِ وَلَا يُخَوِّفُهُمْ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَقُومَ بَيْنَ يَدَيْهِ إذَا جَلَسَ لِلْحُكْمِ رَجُلٌ يَمْنَعُ النَّاسَ عَنْ التَّقَدُّمِ إلَيْهِ مَعَ سَوْطٍ يُقَالُ لَهُ الْجِلْوَازُ، وَصَاحِبُ الْمَجْلِسِ يُقِيمُ الْخُصُومَ بَيْنَ يَدَيْهِ عَلَى الْبُعْدِ وَالشُّهُودُ بِقُرْبٍ مِنْ الْقَاضِي. قَوْلُهُ (وَلْيَتَّقِ عَنْ مُسَارَّةِ أَحَدِهِمَا وَإِشَارَتِهِ وَتَلْقِينِ حُجَّتِهِ وَضِيَافَتِهِ) أَيْ وَلْيَجْتَنِبْ عَنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ؛ لِأَنَّ فِيهَا تُهْمَةً وَمَكْسَرَةً لِقَلْبِ الْآخَرِ وَالْمُسَارَّةُ مِنْ سَارَّهُ فِي أُذُنِهِ وَتَسَارُّوا تَنَاجَوْا كَذَا فِي الْقَامُوسِ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَجْتَنِبُ الْكَلَامَ مَعَهُ خُفْيَةً قَيَّدَ بِمَا ذُكِرَ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ اجْتِنَابُ مَيْلِ قَلْبِهِ إلَى أَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ كَالْقَسْمِ وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ، وَلَا يَنْبَغِي لِلَّذِي يَقُومُ بَيْنَ يَدَيْ الْقَاضِي أَنْ يُسَارَّ أَحَدًا مِنْ الْخَصْمَيْنِ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُ نَائِبُ الْقَاضِي اهـ. وَأَمَّا مَنْعُهُ مِنْ ضِيَافَةِ أَحَدِهِمَا فَمَا رَوَاهُ الْحَسَنُ فَقَالَ جَاءَ رَجُلٌ فَنَزَلَ عَلَى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَأَضَافَهُ فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ إنِّي أُرِيدُ أَنْ أُخَاصِمَ قَالَ لَهُ تَحَوَّلْ فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَانَا أَنْ نُضِيفَ الْخَصْمَ إلَّا وَمَعَهُ خَصْمُهُ قَيَّدَ بِضِيَافَةِ أَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يُضِيفَهُمَا مَعًا لِمَا رَوَيْنَاهُ (قَوْلُهُ وَالْمُزَاحُ) أَيْ وَلْيَتَّقِ الْمِزَاحَ فِي الْمِصْبَاحِ مَزَحَ مَزْحًا مِنْ بَابِ نَفَعَ وَمُزَاحَةً بِالْفَتْحِ وَالِاسْمُ الْمُزَاحُ بِالضَّمِّ وَهُوَ الدُّعَابَةُ وَالْمُزَاحَةُ الْمَرَّةُ وَمَازَحْت مِزَاحًا مِنْ بَابِ قَاتَلَ قِتَالًا اهـ. وَفِي الصِّحَاحِ الدُّعَابَةُ بِالضَّمِّ الْمُزَاحُ مِنْ دَعِبَ لَعِبَ اهـ. فَعَلَى هَذَا الْمُزَاحُ اللَّعِبُ. وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا يَضْحَكُ فِي وَجْهِ أَحَدِهِمَا فَلَا يَقُومُ لَهُ إذَا قَدِمَ بِالْأُولَى فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْمَزْحُ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يَجْتَنِبُ الْمَزْحَ سَوَاءٌ مَازَحَهُ أَحَدٌ أَوْ لَا وَسَوَاءٌ كَانَ مَعَ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ أَوْ مَعَ غَيْرِهِمَا، وَمُرَادُهُ إذَا كَانَ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ، وَأَمَّا فِي غَيْرِهِ فَلَا يُكْثِرَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ يَذْهَبُ بِالْمَهَابَةِ. قَوْلُهُ (وَتَلْقِينُ الشَّاهِدِ) أَيْ يَجْتَنِبُهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ إعَانَةً لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ فِي مَوْضِعِ تُهْمَةٍ أَوْ لَا وَاسْتَحْسَنَهُ أَبُو يُوسُفَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ التُّهْمَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَقُولُ أَعْلَمُ مَكَانَ أَشْهَدُ لِمَهَابَةِ الْمَجْلِسِ وَهُوَ نَوْعُ رُخْصَةٍ عِنْدَهُ رَجَعَ إلَيْهِ بَعْدَمَا تَوَلَّى الْقَضَاءَ وَالْعَزِيمَةُ فِيمَا قَالَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ نَوْعِ تُهْمَةٍ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَظَاهِرُ الْجَوَابِ تَرْجِيحُ مَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَفِي الْقُنْيَةِ مِنْ بَابِ الْمُفْتِي وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْقَضَاءِ لِزِيَادَةِ تَجْرِبَتِهِ وَكَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ الْقَضَاءِ، وَالتَّلْقِينُ أَنْ يَقُولَهُ لَهُ الْقَاضِي كَلَامًا يَسْتَفِيدُ بِهِ عِلْمًا، وَذَكَرَ الصَّدْرُ أَنَّ مِنْهُ أَنْ يَقُولَ لَهُ كَيْفَ تَشْهَدُ، وَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ بِمَ تَشْهَدُ، وَأَمَّا إفْتَاءُ الْقَاضِي فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ وَغَيْرِهِ لَكِنْ لَا يُفْتِي أَحَدَ الْخَصْمَيْنِ كَذَا فِي خِزَانَةِ الْفَتَاوَى وَفِي الْمُلْتَقَطِ فَأَمَّا الْيَوْمُ فَقَدْ ظَهَرَتْ الْمَذَاهِبُ إلَّا إذَا كَانَتْ مَسْأَلَةً لَا يُعْرَفُ جَوَابُهَا فِي مَذْهَبِ الْقَاضِي اهـ. قَيَّدَ بِالشَّاهِدِ لِبَيَانِ أَنَّهُ لَا يُلَقَّنُ الْمُدَّعِي بِالْأَوْلَى وَفِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ أَمَرَ الْقَاضِي رَجُلَيْنِ لِيُعْلِمَاهُ الدَّعْوَى وَالْخُصُومَةَ فَلَا بَأْسَ بِهِ خُصُوصًا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ. [فَصْلٌ فِي الْحَبْسِ] قَدَّمْنَا أَنَّهُ مِمَّا يَمْلِكُهُ الْقَاضِي عَلَى الْمُمْتَنِعِ عَنْ إيفَاءِ الْحَقِّ وَتَعْزِيرًا فَكَانَ مِنْ عَمَلِهِ فَذِكْرُهُ فِيهِ وَهُوَ فِي اللُّغَةِ الْمَنْعُ، وَهُوَ مَصْدَرُ حَبَسَهُ مِنْ بَابِ ضَرَبَ ثُمَّ أُطْلِقَ عَلَى الْمَوْضِعِ وَجُمِعَ عَلَى حُبُوسٍ مِثْلُ فَلْسٍ وَفُلُوسٍ كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ وَدَلِيلُهُ الْكِتَابُ {أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ} [المائدة: 33] وَالْمُرَادُ مِنْهُ الْحَبْسُ وَالسُّنَّةُ «حَبْسُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - رَجُلًا بِالتُّهْمَةِ» وَالْإِجْمَاعُ عَلَيْهِ، وَكَانَ فِي الْمَسْجِدِ إلَى زَمَنِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَبَنَى سِجْنًا، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ بَنَاهُ فِي الْإِسْلَامِ وَسَمَّاهُ نَافِعًا وَلَمْ يَكُنْ حَصِينًا لِكَوْنِهِ مِنْ قَصَبٍ فَانْفَلَتَ النَّاسُ مِنْهُ فَبَنَى آخَرَ وَسَمَّاهُ مَخِيسًا، وَكَانَ مِنْ مَدَرٍ وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ عَلِيٌّ   [منحة الخالق] فَصْلٌ فِي الْحَبْسِ) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 307 أَلَا تَرَانِي كَيِّسًا مُكَيَّسَا ... بَنَيْتُ بَعْدَ نَافِعٍ مُخَيَّسَا بَابًا حَصِينًا وَأَمِينًا كَيِّسَا وَفِي رِوَايَةٍ حِصْنًا حَصِينًا وَفِي رِوَايَةٍ بَدَّلْتُ بَدَلَ بَنَيْتُ وَفِي رِوَايَةٍ بَابًا شَدِيدًا وَفِي رِوَايَةٍ وَأَمِيرًا بَدَلَ أَمِينًا وَالْمُخَيَّسُ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ مَوْضِعُ التَّخْيِيسِ بِيَاءَيْنِ وَهُوَ التَّذْلِيلُ وَرُوِيَ بِكَسْرِ الْيَاءِ؛ لِأَنَّهُ يُذَلِّلُ مَنْ وَقَعَ فِيهِ. وَالْكَيْسُ حُسْنُ التَّأَنِّي فِي الْأُمُورِ وَالْكَيِّسُ الْمَنْسُوبُ إلَى الْكَيْسِ الْمَعْرُوفُ بِهِ وَأَمِينًا أَرَادَ وَنَصَبْت أَمِينًا يَعْنِي السَّجَّانَ كَقَوْلِهِ مُتَقَلِّدًا سَيْفًا وَرُمْحًا كَذَا فِي الْفَائِقِ، وَصِفَةُ الْحَبْسِ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعٍ لَيْسَ فِيهِ فِرَاشٌ وَلَا وَطَاءٌ وَلَا يُمْكِنُ أَحَدٌ يَدْخُلُ عَلَيْهِ لِلِاسْتِئْنَاسِ إلَّا أَقَارِبَهُ وَجِيرَانَهُ وَلَا يَمْكُثُونَ وَلَا يَخْرُجُ لِجُمُعَةٍ وَلَا جَمَاعَةٍ وَلَا لِحَجِّ فَرْضٍ وَلَا لِحُضُورِ جِنَازَةٍ وَلَوْ بِكَفِيلٍ وَفِي الْخُلَاصَةِ يَخْرُجُ بِكَفِيلٍ لِجِنَازَةِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَجْدَادِ وَالْجَدَّاتِ وَالْأَوْلَادِ وَفِي غَيْرِهِمْ لَا يَخْرُجُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ. وَتَعَقَّبَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّ مُحَمَّدًا انَصَّ عَلَى خِلَافِهِ وَقَدْ يُدْفَعُ بِأَنَّ نَصَّ مُحَمَّدٍ فِي الْمَدْيُونِ أَصَالَةٌ، وَالْكَلَامُ فِي الْكَفِيلِ وَلَا لِمَجِيءِ رَمَضَانَ وَالْعِيدَيْنِ لِيَضْجَرَ قَلْبُهُ وَيُوفِي وَلَا لِمَوْتِ قَرِيبِهِ إلَّا إذَا لَمْ يُوجَدْ مَنْ يُغَسِّلُهُ وَيُكَفِّنُهُ فَيَخْرُجُ لِقَرَابَةِ الْوِلَادِ، وَإِنْ مَرِضَ مَرَضًا أَضْنَاهُ فَإِنْ وُجِدَ مَنْ يَخْدُمُهُ لَا يَخْرُجُ، وَإِلَّا أُخْرِجَ بِكَفِيلٍ وَإِلَّا لَا يُطْلِقُهُ وَحَضْرَةُ الْخَصْمِ لَيْسَتْ شَرْطًا وَلَا يَخْرُجُ لِلْمُعَالَجَةِ لِإِمْكَانِهَا فِي السِّجْنِ وَلَا يُمْنَعُ مِنْ الْجِمَاعِ إنْ احْتَاجَ إلَيْهِ فَتَدْخُلُ امْرَأَتُهُ أَوْ جَارِيَتُهُ عَلَيْهِ إنْ كَانَ فِيهِ مَوْضِعُ سُتْرَةٍ، وَاخْتَلَفُوا فِي مَنْعِهِ مِنْ الْكَسْبِ، وَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَلَا يُضْرَبُ الْمَدْيُونُ وَلَا يُقَيَّدُ وَلَا يُغَلُّ وَلَا يُجَرَّدُ وَلَا يُؤَاجَرُ وَلَا يُقَامُ بَيْنَ يَدَيْ صَاحِبِ الْحَقِّ إهَانَةً وَفِي الْمُنْتَقَى إذَا خَافَ فِرَارَهُ قَيَّدَهُ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَفِيهَا إذَا خِيفَ أَنَّهُ يَفِرُّ مِنْ السِّجْنِ يُحَوَّلُ إلَى سِجْنِ اللُّصُوصِ وَإِذَا جَلَسَ الْمَحْبُوسُ فِي السِّجْنِ مُتَعَنِّتًا لَا يُوَفِّي الْمَالَ قَالَ الْإِمَامُ الأرسابندي يُطَيَّنُ الْبَابُ وَيُتْرَكُ لَهُ ثُقْبَةٌ يَلْقَى مِنْهَا الْمَاءَ وَالْخُبْزَ، وَقَالَ الْقَاضِي: الرَّأْيُ فِيهِ إلَى الْقَاضِي. اهـ. وَفِي الْخَانِيَّةِ إذَا كَانَ لِلْمَحْبُوسِ دُيُونٌ عَلَى النَّاسِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُخْرِجُهُ لِيُخَاصِمَ ثُمَّ يُحْبَسُ. اهـ. وَصَرَّحُوا فِي كِتَابِ الظِّهَارِ أَنَّهُ إذَا امْتَنَعَ مِنْ التَّكْفِيرِ مَعَ قُدْرَتِهِ يُضْرَبُ وَصَرَّحُوا فِي كِتَابِ النَّفَقَاتِ أَنَّهُ لَوْ امْتَنَعَ مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَى قَرِيبِهِ يُضْرَبُ بِخِلَافِ سَائِرِ الدُّيُونِ اهـ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْقَاضِيَ يُؤَجِّرُهُ لِقَضَاءِ دَيْنِهِ وَعَلَيْهِ حُمِلَ مَا فِي الْحَدِيثِ مِنْ أَنَّهُ بَاعَ حُرًّا فِي دَيْنِهِ أَيْ أَجَّرَهُ وَتَعْيِينُ مَكَانِ الْحَبْسِ لِلْقَاضِي إلَّا إذَا طَلَبَ الْمُدَّعِي مَكَانًا آخَرَ لِمَا فِي الْقُنْيَةِ ادَّعَى عَلَى بِنْتِهِ مَالًا، وَأَمَرَ الْقَاضِي بِحَبْسِهَا فَطَلَبَ الْأَبُ مِنْهُ أَنْ يَحْبِسَهَا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ غَيْرِ السِّجْنِ حَتَّى لَا يَضِيعَ عِرْضُهُ يُجِيبُهُ الْقَاضِي إلَى ذَلِكَ، وَكَذَا فِي كُلِّ مُدَّعٍ مَعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ، وَيُجْعَلُ لِلنِّسَاءِ سِجْنٌ عَلَى حِدَةٍ نَفْيًا لِوُقُوعِ الْفِتْنَةِ. (قَوْلُهُ وَإِذَا ثَبَتَ الْحَقُّ لِلْمُدَّعِي أَمَرَهُ بِدَفْعِ مَا عَلَيْهِ فَإِنْ أَبَى حَبَسَهُ فِي الثَّمَنِ وَالْقَرْضِ وَالْمَهْرِ الْمُعَجَّلِ وَمَا الْتَزَمَهُ بِالْكَفَالَةِ) ؛ لِأَنَّهُ جَزَاءُ الظُّلْمِ وَقَدْ صَارَ ظَالِمًا بِمَنْعِهِ أَطْلَقَهُ وَقَيَّدَهُ فِي الْهِدَايَةِ بِالْقَاضِي فَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُحَكَّمَ لَا يَحْبِسُ وَلَمْ أَرَهُ الْآنَ صَرِيحًا أَطْلَقَ الثُّبُوتَ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِإِقْرَارٍ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ بِأَنَّهُ إذَا ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ عُجِّلَ حَبْسُهُ لِظُهُورِ الْمَطْلِ بِإِنْكَارِهِ، وَإِلَّا لَمْ يُعَجِّلْ فَإِذَا امْتَنَعَ حَبَسَهُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَنَا وَعَكَسَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ؛ لِأَنَّهُ إذَا ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ رُبَّمَا تَعَلَّلَ بِأَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ إلَّا الْآنَ، وَقَدْ فَرَّقَ الْحَلْوَانِيُّ بَيْنَ مَا ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ فَيُخْبِرُهُ الْقَاضِي أَنَّهُ يُرِيدُ الْقَضَاءَ، وَيَقُولُ أَلَك مَخْرَجٌ وَبَيَّنَ مَا ثَبَتَ بِالْإِقْرَارِ فَلَا يُعْلِمُهُ وَتَمَامُهُ فِي   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَالتَّاءُ الْمُثَنَّاةُ الْفَوْقِيَّةُ) صَوَابُهُ التَّحْتِيَّةُ كَمَا فِي الْقَامُوسِ وَالرَّمْلِيِّ عَلَى الْمِنَحِ، وَقَدْ تَبِعَهُ عَلَى مَا هُنَا فِي النَّهْرِ وَالْمِنَحِ. (قَوْلُهُ وَلَا وِطَاءٍ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ الْوِطَاءُ وِزَانُ كِتَابٍ الْمِهَادُ الْوَطِيءُ، وَقَدْ وَطُؤَ الْفِرَاشُ بِالضَّمِّ فَهُوَ وَطِيءٌ مِثْلُ قَرُبَ فَهُوَ قَرِيبٌ اهـ. وَقَالَ فِي مُخْتَارِ الصِّحَاحِ وَالْمِهَادُ الْفِرَاشُ، وَمَهَدَ الْفِرَاشَ بَسَطَهُ وَوَطَّأَهُ وَبَابُهُ قَطَعَ، (قَوْلُهُ وَقَدْ يُدْفَعُ بِأَنَّ نَصَّ مُحَمَّدٍ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ هَذَا سَهْوٌ، وَذَلِكَ أَنَّهُ نُقِلَ فِي الْخُلَاصَةِ يَخْرُجُ بِالْكَفِيلِ فَسَقَطَتْ الْبَاءُ فِي نُسْخَتِهِ. اهـ. وَذَكَرَ نَحْوَهُ الرَّمْلِيُّ ثُمَّ قَالَ وَالْعَجَبُ أَنَّ الْبَزَّازِيَّ وَقَعَ فِي ذَلِكَ فَقَالَ وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ الْكَفِيلَ يَخْرُجُ لِجِنَازَةِ الْوَالِدَيْنِ إلَخْ، وَاَلَّذِي فِي فَتَاوَى الْقَاضِي يَخْرُجُ بِالْكَفِيلِ. (قَوْلُهُ فَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُحَكَّمَ لَا يَحْبِسْ) كَذَا قَالَ فِي النَّهْرِ أَيْضًا وَفِي حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ عَنْ الْحَمَوِيِّ صَرَّحَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ بِأَنَّ الْمُحَكَّمَ يَحْبِسُ. (قَوْلُهُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَنَا) كَذَا قَالَهُ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ أَيْضًا، وَذَكَرَ أَنَّ التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمَا فِي أَنَّهُ لَا يَحْبِسُهُ فِي أَوَّلِ وَهْلَةٍ (قَوْلُهُ وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَصَاءِ لِلْخَصَّافِ) وَالْأَحْسَنُ إطْلَاقُ الْكِتَابِ مِنْ الْأَمْرِ بِالْإِيفَاءِ مُطْلَقًا فَلَا يُعَجَّلُ بِحَبْسِهِ، وَذَكَرَ الشَّارِحُ أَنَّ الصَّوَابَ أَنَّهُ لَا يَحْبِسُهُ كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ لِلْخَصَّافِ أَنَّهُ لَا يَحْبِسُهُ وَعَلَيْهَا كَتَبَ الرَّمْلِيِّ مُسْتَشْكِلًا لَهَا وَقَدْ عَلِمْت مَا فِيهَا مِنْ السَّقْطِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 308 شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ لِلْخَصَّافِ، وَالْأَحْسَنُ إطْلَاقُ الْكِتَابِ مِنْ الْأَمْرِ بِالْإِيفَاءِ مُطْلَقًا فَلَا يُعَجَّلُ بِحَبْسِهِ، وَذَكَرَ الشَّارِحُ أَنَّ الصَّوَابَ أَنَّهُ لَا يَحْبِسُهُ حَتَّى يَسْأَلَهُ فَإِنْ أَقَرَّ أَنَّ لَهُ مَالًا أَمَرَهُ بِالدَّفْعِ فَإِنْ أَبَى حَبَسَهُ وَإِلَّا سَأَلَ الْمُدَّعِيَ عَنْ الْبَيِّنَةِ أَنَّ لَهُ مَالًا فَإِنْ بَرْهَنَ أَمَرَهُ بِالدَّفْعِ فَإِنْ أَبَى حَبَسَهُ، وَإِنْ عَجَزَ وَاخْتَلَفَا فَالْقَوْلُ لِلْمُدَّعِي فِي الْأَشْيَاءِ الْأَرْبَعَةِ وَلِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي غَيْرِهَا. اهـ. وَنَقَلَهُ فِي الْبِنَايَةِ عَنْ الْخَصَّافِ، وَهُوَ خِلَافُ الْمَذْهَبِ وَلَكِنْ يَسْأَلُ الْمُدَّعِيَ عَنْ مَالِهِ إذَا طَلَبَ الْمَدْيُونُ إجْمَاعًا كَذَا فِي شَرْحِ الصَّدْرِ أَطْلَقَ الْحَقَّ فَشَمِلَ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ وَلَوْ دَانِقًا وَهُوَ سُدُسُ دِرْهَمٍ، وَلَوْ قَالَ حَبَسَهُ بِطَلَبِ الْمُدَّعِي لَكَانَ أَوْلَى كَمَا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ وَقَالَ شُرَيْحٌ يَحْبِسُهُ مِنْ غَيْرِ طَلَبِهِ كَذَا فِي الْبِنَايَةِ وَلَوْ قَالَ الْمَدْيُونُ أَبِيعُ عِرْضِي وَأَقْضِي دَيْنِي أَجَّلَهُ الْقَاضِي ثَلَاثَةً وَلَا يَحْبِسُهُ وَلَوْ لَهُ عَقَارٌ يَحْبِسُهُ لِيَبِيعَهُ وَيَقْضِيَ الدَّيْنَ، وَلَوْ بِثَمَنٍ قَلِيلٍ إنْ وَجَدَ الْمَدْيُونُ مَنْ يُقْرِضُهُ لِيَقْضِيَ بِهِ دَيْنَهُ فَلَمْ يَفْعَلْ فَهُوَ ظَالِمٌ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَفِي كَرَاهِيَةِ الْقُنْيَةِ وَلَوْ كَانَ لِلْمَدْيُونِ حِرْفَةٌ تُفْضِي إلَى قَضَاءِ دَيْنِهِ فَامْتَنَعَ مِنْهَا لَا يُعْذَرُ اهـ. وَأَطْلَقَ الثَّمَنَ فَشَمِلَ الْأُجْرَةَ الْوَاجِبَةَ؛ لِأَنَّهَا ثَمَنُ الْمَنَافِعِ وَشَمِلَ مَا عَلَى الْمُشْتَرِي وَمَا عَلَى الْبَائِعِ بَعْدَ فَسْخِ الْبَيْعِ بَيْنَهُمَا بِإِقَالَةٍ أَوْ خِيَارٍ، وَشَمِلَ رَأْسَ مَالِ السَّلَمِ بَعْدَ الْإِقَالَةِ وَمَا إذَا قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ أَوْ لَا وَلَا شَكَّ فِي دُخُولِ الْأُجْرَةِ تَحْتَ قَوْلِهِمْ أَوْ الْتَزَمَهُ بِعَقْدٍ إنْ لَمْ تَجْعَلْ ثَمَنَ الْمَنَافِعِ، وَيَتَفَاوَتُ الْحَالُ فَإِنْ دَخَلَتْ تَحْتَ مَا كَانَ بَدَلَ مَالٍ حَبَسَهُ عَلَيْهَا عَلَى فَتْوَى قَاضِي خَانْ أَيْضًا، وَإِلَّا لَمْ يَحْبِسْ عَلَيْهَا عَلَى مَا أَفْتَى بِهِ وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهَا لَكِنْ لَمْ يَذْكُرْ الْمُؤَلِّفُ حَبْسَهُ عَلَى الْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ هُنَا. وَذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ بِنَفْيِ الْأَمَانَاتِ إذَا امْتَنَعَ الْأَمِينُ مِنْ دَفْعِهَا غَيْرَ مُدَّعٍ لِهَلَاكِهَا فَإِنَّهُ يُحْبَسُ عَلَيْهِ، وَصَارَتْ مَغْصُوبَةً وَمَا فِي تَهْذِيبِ الْقَلَانِسِيِّ وَهُوَ إذَا ثَبَتَ الْحَقُّ بِإِقْرَارٍ أَوْ بِحُكْمٍ بِنُكُولِهِ أَوْ بِبَيِّنَةٍ فَمَطْلُ الْمَطْلُوبِ عَنْ تَسْلِيمِهِ، وَطَلَبَ الطَّالِبُ حَبْسَهُ أَمَرَهُ بِحَبْسِهِ فِي كُلِّ عَيْنٍ يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهَا وَفِي كُلِّ دَيْنٍ لَزِمَهُ بَدَلًا عَنْ مَالٍ كَثَمَنِ الْمَبِيعِ وَبَدَلِ الْقَرْضِ وَالْمَغْصُوبِ وَنَحْوِهِ أَوْ بِالْتِزَامِهِ بِعَقْدٍ كَالْمَهْرِ وَالْكَفَالَةِ اهـ. أَوْلَى كَمَا لَا يَخْفَى وَلِشُمُولِهِ الْحُكْمَ بِالنُّكُولِ بِخِلَافِ مَنْ قَيَّدَ ثُبُوتَ الْحَقِّ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ الْإِقْرَارِ، وَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ إلَى حَبْسِ الْكَفِيلِ وَالْأَصِيلِ مَعًا الْكَفِيلِ بِمَا الْتَزَمَهُ وَالْأَصِيلِ بِمَا لَزِمَهُ بَدَلًا عَنْ مَالٍ وَلِلْكَفِيلِ بِالْأَمْرِ حَبْسُ الْأَصِيلِ إذَا حُبِسَ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ يَتَمَكَّنُ الْمَكْفُولُ لَهُ مِنْ حَبْسِ الْكَفِيلِ وَالْأَصِيلِ وَكَفِيلِ الْكَفِيلِ وَإِنْ كَثُرُوا اهـ. وَإِلَى تَعَدُّدِ حَبْسِهِ لِتَعَدُّدِ الطَّالِبِ، فَلَوْ حُبِسَ بِدَيْنٍ ثُمَّ جَاءَ آخَرُ وَادَّعَى الدَّيْنَ عَلَيْهِ أَخْرَجَهُ مِنْ الْحَبْسِ، وَجَمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُدَّعِي فَإِنْ بَرْهَنَ عَلَى دَعْوَاهُ كَتَبَ اسْمَهُ وَاسْمَ الْأَوَّلِ ثُمَّ إنْ بَرْهَنَ آخَرُ كَتَبَ اسْمَهُ أَيْضًا وَحَبَسَهُ لِلْكُلِّ، وَيَكْتُبُ التَّارِيخَ أَيْضًا كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَأَطْلَقَهُ فَأَفَادَ أَنَّ الْمُسْلِمَ يُحْبَسُ بِدَيْنِ الذِّمِّيِّ وَالْمُسْتَأْمَنِ وَعَكْسَهُ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ لَهُمَا عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ لِأَحَدِهِمَا أَقَلُّ وَلِلْآخَرِ الْأَكْثَرُ لِصَاحِبِ الْأَقَلِّ حَبْسُهُ وَلَيْسَ لِصَاحِبِ الْكَثِيرِ إطْلَاقُهُ بِلَا رِضَاهُ، وَإِنْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا إطْلَاقَهُ بَعْدَمَا رَضِيَا بِحَبْسِهِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَفِي الْقُنْيَةِ حُبِسَ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ الْأَقَلِّ فَلِصَاحِبِ الدَّيْنِ الْأَكْثَرِ إطْلَاقُهُ لِيَكْتَسِبَ وَيُؤَدِّيَ لَهُ اهـ. وَإِلَى أَنَّهُ لَا يُحْبَسُ مَعَ الْمَدْيُونِ أَحَدٌ غَيْرُ كَفِيلِهِ فَإِذَا لَزِمَ حَبْسُ الْمَرْأَةِ لَا يَحْبِسُهَا مَعَ الزَّوْجِ، وَتُحْبَسُ فِي بَيْتِ الزَّوْجِ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ فَإِذَا حَبَسَتْ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا لَا تُحْبَسُ مَعَهُ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَفِي مَآلِ الْفَتَاوَى إذَا خِيفَ عَلَيْهَا الْفَسَادُ اخْتَارَ الْمُتَأَخِّرُونَ حَبْسَهَا مَعَهُ اهـ. وَفِي خِزَانَةِ الْفَتَاوَى اسْتَحْسَنَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنْ تُحْبَسَ مَعَهُ إذَا كَانَ مَخُوفًا عَلَيْهَا اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَاسْتَحْسَنَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنْ تُحْبَسَ الْمَرْأَةُ إذَا حُبِسَ الزَّوْجُ، وَكَانَ قَاضِي شَاهْ لامش يَحْبِسُهَا مَعَهُ صِيَانَةً لَهَا عَنْ الْفُجُورِ. اهـ. وَقُيِّدَ الْمَهْرُ بِالْمُعَجَّلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُحْبَسُ فِي الْمُؤَجَّلِ وَيُصَدَّقُ فِي الْإِعْسَارِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَفِي الْأَصْلِ لَا يُصَدَّقُ فِي الصَّدَاقِ بِلَا فَصْلٍ بَيْنَ مُؤَجَّلِهِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَلَكِنْ يَسْأَلُ الْمُدَّعِي عَنْ مَالِهِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ يَعْنِي أَنْ يَسْأَلَ الْمَدْيُونَ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَسْأَلَ صَاحِبَ الدَّيْنِ أَلَهُ مَالٌ؟ سَأَلَهُ الْقَاضِي بِالْإِجْمَاعِ اهـ. قُلْت: وَسَيَأْتِي فِي أَثْنَاءِ الْقَوْلَةِ الْآتِيَةِ لَوْ قَالَ الْمَدْيُونُ حَلِّفْهُ أَنَّهُ مَا يَعْلَمُ أَنِّي مُعْسِرٌ يُجِيبُهُ إلَخْ (قَوْلُهُ كَثَمَنِ الْمَبِيعِ وَبَدَلِ الْقَرْضِ) مِثَالٌ لِقَوْلِهِ فِي كُلِّ دَيْنٍ لَزِمَهُ بَدَلًا عَنْ مَالٍ وَقَوْلُهُ: وَالْمَغْصُوبُ مِثَالٌ لِقَوْلِهِ فِي كُلِّ عَيْنٍ إلَخْ فَالْمُرَادُ عَيْنُ الْمَغْصُوبِ لَا بَدَلُهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 309 وَمُعَجَّلِهِ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ قَاضِيَ خَانْ فِي الْفَتَاوَى رَجَّحَ الِاقْتِصَارَ عَلَى الْأَوَّلِ فَقَالَ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ وَاجِبًا بَدَلًا عَمَّا هُوَ مَالٌ كَالْقَرْضِ وَثَمَنِ الْمَبِيعِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الْيَسَارِ مَرْوِيٌّ ذَلِكَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى؛ لِأَنَّ قُدْرَتَهُ كَانَتْ ثَابِتَةً فِي الْمُبْدَلِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي زَوَالِ تِلْكَ الْقُدْرَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الدَّيْنُ بَدَلًا عَمَّا هُوَ مَالٌ فَالْقَوْلُ لِلْمَدْيُونِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ مَا وَجَبَ بِعَقْدٍ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَدَلًا عَمَّا هُوَ مَالٌ. اهـ. فَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى الْأَوَّلِ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُحْبَسُ إلَّا فِيمَا كَانَ بَدَلًا عَنْ مَالٍ فَلَا يُحْبَسُ فِي الْمَهْرِ، وَالْكَفَالَةِ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ وَهُوَ خِلَافُ مُخْتَارِ الْمُصَنِّفِ تَبَعًا لِصَاحِبِ الْهِدَايَةِ، وَذَكَرَ الطَّرَسُوسِيُّ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ الْمُفْتَى بِهِ، فَقَدْ اخْتَلَفَ الْإِفْتَاءُ فِيمَا الْتَزَمَهُ بِعَقْدٍ وَلَمْ يَكُنْ بَدَلَ مَالٍ، وَالْعَمَلُ عَلَى مَا فِي الْمُتُونِ؛ لِأَنَّهُ إذَا تَعَارَضَ مَا فِي الْمُتُونِ وَالْفَتَاوَى فَالْمُعْتَمَدُ مَا فِي الْمُتُونِ كَمَا فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ، وَكَذَا يُقَدَّمُ مَا فِي الشُّرُوحِ عَلَى مَا فِي الْفَتَاوَى، وَقِيلَ الْقَوْلُ لِلْمَدْيُونِ فِي الْكُلِّ وَقِيلَ لِلدَّائِنِ فِي الْكُلِّ وَقِيلَ يُحْكَمُ الزِّيُّ إلَّا فِي الْفُقَهَاءِ وَالْعَلَوِيَّةِ وَالزِّيُّ كَمَا فِي الْقَامُوسِ بِالْكَسْرِ الْهَيْئَةُ وَالْجَمْعُ أَزْيَاءٌ. اهـ. وَصَحَّحَهُ الْكَرَابِيسِيُّ فِي الْفُرُوقِ وَفِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ مَا فِي الْمُخْتَصَرِ خِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَالْمُفْتَى بِهِ وَأُطْلِقَ الْمَدْيُونُ فَشَمِلَ الْمُكَاتَبَ وَالْعَبْدَ الْمَأْذُونَ وَالصَّبِيَّ الْمَحْجُورَ فَإِنَّهُمْ يُحْبَسُونَ لَكِنَّ الصَّبِيَّ لَا يُحْبَسُ بِدَيْنِ الِاسْتِهْلَاكِ بَلْ يُحْبَسُ وَالِدُهُ أَوْ وَصِيُّهُ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا أَمَرَ الْقَاضِي رَجُلًا بِبَيْعِ مَالِهِ فِي دَيْنِهِ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ. قَوْلُهُ (لَا فِي غَيْرِهِ إنْ ادَّعَى الْفَقْرَ إلَّا أَنْ يُثْبِتَ غَرِيمُهُ غِنَاهُ فَيَحْبِسُهُ بِمَا رَأَى) أَيْ لَا يَحْبِسُهُ فِي غَيْرِ مَا ذَكَرْنَا مِمَّا كَانَ بَدَلًا عَنْ مَالٍ أَوْ مُلْتَزَمًا بِعَقْدٍ إنْ ادَّعَى أَنَّهُ مُعْسِرٌ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْآدَمِيِّ الْعُسْرَةُ، وَالْمُدَّعِي يَدَّعِي أَمْرًا عَارِضًا وَهُوَ الْغِنَاءُ فَلَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَيَدْخُلُ تَحْتَ الْغَيْرِ تِسْعُ صُوَرٍ: بَدَلُ الْخُلْعِ وَبَدَلُ عِتْقِ نَصِيبِ الشَّرِيكِ وَبَدَلُ الْمَغْصُوبِ وَنَفَقَةُ الزَّوْجَاتِ وَنَفَقَةُ الْأَقَارِبِ وَأُرُوشُ الْجِنَايَاتِ وَبَدَلُ دَمِ الْعَمْدِ، وَمَا تَأَخَّرَ مِنْ الْمَهْرِ بَعْدَ الدُّخُولِ وَبَدَلُ الْمُتْلَفَاتِ، وَذَكَرَ الطَّرَسُوسِيُّ وَأَخْطَأَ صَاحِبُ الْمُخْتَارِ فِي نَقْلِ الْحُكْمِ فِي الْخُلْعِ فَإِنَّهُ جَعَلَهُ مَعَ ثَمَنِ الْمَتَاعِ وَالْقَرْضِ، وَقَالَ: الْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الدَّيْنِ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى مَا قَالَهُ الْمَدْيُونُ وَهُوَ الْمَرْأَةُ أَوْ الْأَجْنَبِيُّ اهـ. وَقَدْ يُقَالُ إنَّ بَدَلَ الْخُلْعِ مِمَّا الْتَزَمَ بِعَقْدٍ فَإِنَّ الْخُلْعَ بِمَالٍ عَقْدٌ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ، وَيُشْكَلُ بَدَلُ الصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ فَإِنَّهُمْ جَعَلُوا فِيهِ الْقَوْلَ قَوْلَ الْمَدْيُونِ مَعَ أَنَّهُ الْتَزَمَهُ بِعَقْدٍ، وَكَذَا يُشْكِلُ مُؤَجَّلُ الْمَهْرِ فَإِنَّهُ الْتَزَمَهُ بِعَقْدٍ، وَهُوَ نَظِيرُ الْكَفَالَةِ بِالدَّرَكِ فَإِنَّ مُقْتَضَى إطْلَاقِهِمْ الْكَفَالَةَ وَمَا الْتَزَمَهُ بِعَقْدٍ أَنْ لَا يُقْبَلَ قَوْلُهُ فِيهَا، وَمُقْتَضَى تَقْيِيدِ الْمَهْرِ بِالْمُعَجَّلِ قَبُولُ قَوْلِهِ لِأَنَّهَا كَالْمَهْرِ الْمُؤَجَّلِ لِأَنَّهَا لَا تَلْزَمُهُ إلَّا بَعْدَ اسْتِحْقَاقِ الْمَبِيعِ. وَذَكَرَ الطَّرَسُوسِيُّ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ قَاضِيَ خَانْ فِي الْفَتَاوَى رَجَّحَ الِاقْتِصَارَ عَلَى الْأَوَّلِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَالَ الطَّرَسُوسِيُّ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ قَالَ الْقَاضِي فَخْرُ الدِّينِ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ إنْ كَانَ الدَّيْنُ وَجَبَ بَدَلًا عَمَّا هُوَ مَالٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الْيَسَارِ، وَإِنْ كَانَ وَجَبَ بَدَلًا عَمَّا لَيْسَ بِمَالٍ فَإِنْ وَجَبَ بِعَقْدٍ بَاشَرَهُ بِاخْتِيَارِهِ فَكَذَلِكَ لِوُجُودِ دَلِيلِ الْيَسَارِ وَهُوَ الْمُبَادَلَةُ وَالْتِزَامُهُ الدَّيْنَ بِاخْتِيَارِهِ، وَإِلَّا فَالْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الْإِعْسَارِ لِانْعِدَامِ دَلِيلِ الْيَسَارِ اهـ. وَفِي النَّهْرِ ثُمَّ مَا جَرَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِلْقُدُورِيِّ قَالَ الْإِمَامُ قَاضِي خَانْ إنَّ عَلَيْهِ الْفَتْوَى كَذَا فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ مَعْزِيًّا إلَى الْفَتَاوَى الْكُبْرَى لِلْخَاصِّيِّ، وَهَذَا لَيْسَ مِنْ فَتَاوَاهُ، وَإِنَّمَا الَّذِي فِيهَا أَنَّ كُلَّ مَا هُوَ بَدَلٌ كَثَمَنِ الْمَبِيعِ وَبَدَلِ الْقَرْضِ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ: وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيمَا عَدَاهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ. وَهَذَا اخْتِيَارُ الْبَلْخِيّ (قَوْلُهُ: وَذَكَرَ الطَّرَسُوسِيُّ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ) حَيْثُ قَالَ فَتَحَرَّرَ لَنَا مِنْ هَذِهِ الْقَوْلَةِ كُلِّهَا أَنَّ الْمَذْهَبَ الْمُفْتَى بِهِ أَنَّ الْقَوْلَ فِيمَا لَزِمَ الْمَدْيُونَ بِبَدَلٍ هُوَ مَالٌ أَوْ بِعَقْدٍ وَقَعَ بِاخْتِيَارِهِ قَوْلُ الْمُدَّعِي لَا قَوْلُ الْمَدْيُونِ اهـ. (قَوْلُهُ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ مَا فِي الْمُخْتَصَرِ خِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَالْمُفْتَى بِهِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَمَّا كَوْنُهُ خِلَافَ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَلِمَا فِي الْمُحِيطِ، وَأَمَّا كَوْنُهُ خِلَافَ الْمُفْتَى بِهِ فَلِمَا فِي قَاضِي خَانْ مَعَ أَنَّ قَاضِيَ خَانْ قَالَ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّ مَا وَجَبَ بِعَقْدٍ بَاشَرَهُ بِاخْتِيَارِهِ الْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الْيَسَارِ تَأَمَّلْ وَلَكِنْ مَا فِي الْمُخْتَصَرِ عَلَيْهِ أَصْحَابُ الْمُتُونِ، وَذَكَرَ الطَّرَسُوسِيُّ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ الْمُفْتَى بِهِ فَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَيْسَ عَلَى خِلَافِ الْمُفْتَى بِهِ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَبَدَلُ الْمَغْصُوبِ) أَيْ لَا عَيْنُهُ فَلَا يُخَالِفُ مَا مَرَّ عَنْ الْقَلَانِسِيِّ وَفِي الْمِنَحِ عَنْ أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ جَعَلَ ذَلِكَ فِي الْإِقْرَارِ بِالْغَصْبِ أَيْ لَا فِي الْمُثْبَتِ بِالْبُرْهَانِ وَنَصُّهُ وَفِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ قَوْلُهُ وَبَدَلُ الْمَغْصُوبِ مَعْنَاهُ إذَا اعْتَرَفَ بِالْغَصْبِ وَقَالَ إنَّهُ فَقِيرٌ، وَقَالَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ مُوسِرٌ وَتَصَادَقَا عَلَى الْهَلَاكِ أَوْ حُبِسَ لِأَجَلِ الْعِلْمِ بِالْهَلَاكِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْغَاصِبِ فِي الْعُسْرَةِ لَا قَوْلُ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْعَتَّابِيُّ وَتَاجُ الشَّرِيعَةِ وَحَمِيدُ الدِّينِ الضَّرِيرُ فِيمَا نَقَلْنَاهُ عَنْهُمْ اهـ. (قَوْلُهُ وَذَكَرَ الطَّرَسُوسِيُّ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ الطَّرَسُوسِيَّ نَقَلَ عَنْ عِدَّةِ كُتُبٍ أَنَّ الْقَوْلَ لِلْمُدَّعِي فِيمَا كَانَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 310 فَإِنْ ادَّعَى الْمَدْيُونُ أَنَّهُ لَزِمَهُ عَمَّا لَيْسَ بِمَالٍ وَادَّعَى الدَّائِنُ أَنَّهُ ثَمَنُ مَتَاعٍ لَمْ يَذْكُرْهَا الْأَصْحَابُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ فِيهَا قَوْلَ الْمَدْيُونِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ رَبُّ الدَّيْنِ الْبَيِّنَةَ اهـ. وَفِي نَفَقَاتِ الْبَزَّازِيَّةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا بَيِّنَةٌ عَلَى يَسَارِهِ، وَطَلَبَتْ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَسْأَلَ مِنْ جِيرَانِهِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ السُّؤَالُ، وَإِنْ سَأَلَ كَانَ حَسَنًا فَإِنْ سَأَلَ فَأَخْبَرَهُ عَدْلَانِ بِيَسَارِهِ ثَبَتَ الْيَسَارُ بِخِلَافِ سَائِرِ الدُّيُونِ حَيْثُ لَا يَثْبُتُ الْيَسَارُ بِالْإِخْبَارِ، وَإِنْ قَالَا سَمِعْنَا أَنَّهُ مُوسِرٌ أَوْ بَلَغَنَا ذَلِكَ لَا يَقْبَلُهُ الْقَاضِي اهـ. وَلَوْ قَالَ الْمَدْيُونُ حَلِّفْهُ أَنَّهُ مَا يَعْلَمُ أَنِّي مُعْسِرٌ يُجِيبُهُ الْقَاضِي إلَى ذَلِكَ، وَيُحَلِّفُهُ أَنَّهُ مَا يَعْلَمُ إعْسَارَهُ فَإِنْ حَلَفَ حَبَسَهُ بِطَلَبِهِ، وَإِنْ نَكَلَ لَا يَحْبِسُهُ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ مَعْزِيًّا إلَى الْحَلْوَانِيِّ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ غِنَاهُ قُدْرَتُهُ الْآنَ عَلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ فَلَوْ كَانَ لِلْمَحْبُوسِ مَالٌ فِي بَلَدٍ آخَرَ يُطْلِقُهُ بِكَفِيلٍ فَإِنْ عَلِمَ الْقَاضِي عُسْرَتَهُ لَكِنْ لَهُ مَالٌ عَلَى آخَرَ يَتَقَاضَى غَرِيمُهُ فَإِنْ حَبَسَ غَرِيمُهُ الْمُوسِرَ لَا يَحْبِسُهُ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَقِيَاسُ الْأُولَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ غَائِبٌ لَا يَحْبِسُهُ، وَقَوْلُهُ بِمَا رَأَى أَيْ لَا تَقْدِيرَ لِمُدَّةِ حَبْسِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي لِأَنَّهُ لِلضَّجَرِ وَالتَّسَارُعِ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ وَأَحْوَالُ النَّاسِ فِيهِ مُتَفَاوِتَةٌ وَقَدَّرَهُ فِي كِتَابِ الْكَفَالَةِ بِشَهْرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ، وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ بِأَرْبَعَةٍ وَفِي رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ بِنِصْفِ الْحَوْلِ. وَالصَّحِيحُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ فَلَوْ رَأَى الْقَاضِي إطْلَاقَهُ بَعْدَ يَوْمٍ فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ قَالَ فِي الْمُحِيطِ إنْ شَاءَ يَسْأَلُ عَنْهُ قَبْلَ مُضِيِّ شَهْرٍ اهـ. وَذَكَرَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ إنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيِّنًا أَوْ صَاحِبَ عِيَالٍ وَشَكَا عِيَالُهُ إلَى الْقَاضِي حَبَسَهُ شَهْرًا، ثُمَّ سَأَلَ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ وَقِحًا حَبَسَهُ سِتَّةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ سَأَلَ عَنْهُ، هَذَا إذَا كَانَ حَالُهُ مُشْكِلًا عِنْدَ الْقَاضِي، إلَّا عَمِلَ بِمَا ظَهَرَ لَهُ. (قَوْلُهُ ثُمَّ يَسْأَلُ عَنْهُ) أَيْ يَسْأَلُ الْقَاضِيَ عَنْ الْمَحْبُوسِ بَعْدَ حَبْسِهِ بِقَدْرِ مَا يَرَاهُ مِنْ جِيرَانِهِ فَإِنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى إعْسَارِهِ أَطْلَقَهُ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى لَفْظِ الشَّهَادَةِ وَشَرَطَهُ فِي الصُّغْرَى وَالْعَدْلُ الْوَاحِدُ يَكْفِي وَالِاثْنَانِ أَحْوَطُ وَكَيْفِيَّتُهُ أَنْ يَقُولَ الْمُخْبِرُ إنَّ حَالُ الْمُعْسِرِينَ فِي نَفَقَتِهِ وَكِسْوَتِهِ وَحَالَتُهُ ضَيِّقَةٌ، وَقَدْ اُخْتُبِرْنَا فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ لِسَمَاعِهَا حُضُورُ رَبِّ الدَّيْنِ فَإِنْ كَانَ غَائِبًا سَمِعَهَا، أَطْلَقَهُ بِكَفِيلٍ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ قَالَ الطَّرَسُوسِيُّ: الْمَسْتُورُ كَالْعَدْلِ، أَمَّا الْفَاسِقُ فَلَا يُقْبَلُ خَبَرُهُ، وَتَعَقَّبَ الزَّيْلَعِيُّ فِي ذِكْرِ الْعَدَالَةِ، أَنَّهُ مِنْ كَلَامِهِ لَا أَنَّهُ نَقَلَ الْمَذْهَبَ اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ لِقَوْلِهِ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ وَإِنَّمَا يَسْأَلُ مِنْ الثِّقَاتِ اهـ. وَهُمْ الْعُدُولُ فَلَيْسَ ذِكْرُهَا مِنْ كَلَامِهِ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُمْ إنَّ الْوَاحِدَ يَكْفِي مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْحَالُ حَالَ مُنَازَعَةٍ أَمَّا إذَا كَانَ حَالَ مُنَازَعَةٍ بِأَنْ ادَّعَى الْمَطْلُوبُ أَنَّهُ مُعْسِرٌ وَادَّعَى الطَّالِبُ   [منحة الخالق] بَدَلَ مَالٍ لَا فِي غَيْرِهِ كَالْمَهْرِ وَبَدَلِ الْخُلْعِ وَنُقِلَ عَنْ عِدَّةِ كُتُبٍ أُخَرَ أَنَّ الْقَوْلَ لِلْمُدَّعِي فِيمَا كَانَ بَدَلَ مَالٍ أَوْ الْتَزَمَهُ بِعَقْدٍ كَالْمَهْرِ وَبَدَلِ الْكَفَالَةِ وَعَنْ بَعْضِ الْكُتُبِ الْقَوْلُ لِلْمُدَّعِي فِيمَا الْتَزَمَهُ بِعَقْدٍ بَاشَرَهُ لَا بِمَا لَزِمَهُ حُكْمًا بِدُونِ مُبَاشَرَةِ عَقْدٍ. قَالَ وَهَذَا يُوجِبُ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ مَا كَانَ بَدَلًا عَنْ مَالٍ أَوْ غَيْرِهِ قُلْتُ: وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الِالْتِزَامَ بِعَقْدٍ يَشْمَلُ قَوْلَهُمْ مَا كَانَ بَدَلَ مَالٍ فَيَكُونُ قَوْلُهُمْ أَوْ الْتَزَمَهُ بِعَقْدٍ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ ذِكْرَهُمْ الْمَهْرَ مَعَ بَدَلِ الْخُلْعِ يُشْعِرُ بِاتِّحَادِ حُكْمِهِمَا عَلَى اخْتِلَافِ الْقَوْلَيْنِ فَمَنْ قَالَ إنَّ مَا لَيْسَ بَدَلَ مَالٍ كَالْمَهْرِ يَصْدُقُ فِيهِ يَلْزَمُهُ أَنْ يَقُولَ إنَّ الْخُلْعَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَزِمَهُ بِعَقْدٍ بَاشَرَهُ، وَالْعِلَّةُ تَشْمَلُهُمَا فَإِنَّ هَذَا الْقَائِلَ يَقُولُ مَا قَبَضَهُ مِنْ الْمَبِيعِ وَالْقَرْضِ دَلِيلُ يَسَارِهِ بِخِلَافِ مَا الْتَزَمَهُ بِالْعَقْدِ، وَمَنْ قَالَ إنَّ مَا الْتَزَمَهُ بِالْعَقْدِ كَذَلِكَ يَقُولُ إنَّ إقْدَامَهُ عَلَى الْعَقْدِ دَلِيلُ قُدْرَتِهِ فَاعْتَبَرَ هَذَا الْقَائِلُ الْإِقْدَامَ عَلَى الْعَقْدِ دَلِيلًا لِلْقُدْرَةِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْخُلْعَ كَذَلِكَ، وَلِذَا فَصَلَ بَيْنَ الْمَهْرِ الْمُعَجَّلِ وَالْمُؤَجَّلِ فَإِنَّ الْمُؤَجَّلَ لَا يُعْتَبَرُ دَلِيلًا عَلَى الْقُدْرَةِ لِعَدَمِ الْتِزَامِ دَفْعِهِ حَالًّا بِخِلَافِ الْمُعَجَّلِ نَعَمْ يَبْقَى الْإِشْكَالُ فِي بَدَلِ الصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ فَإِنَّهُ مُلْتَزَمٌ بِعَقْدٍ وَلَمْ يَجْعَلُوهُ دَلِيلَ الْقُدْرَةِ، وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ إحْيَاءً لِنَفْسِهِ لِيَدْفَعَ عَنْهَا الْقِصَاصَ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْمُكْرَهِ عَلَى ذَلِكَ الْعَقْدِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ قُدْرَتُهُ عَلَى مَا الْتَزَمَهُ بِهِ. (قَوْلُهُ قَالَ فِي الْمُحِيطِ إنْ شَاءَ سَأَلَ عَنْهُ إلَخْ) وَمِثْلُهُ مَا فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ بَعْدَ ذِكْرِ التَّقْدِيرِ هَذَا إذَا أُشْكِلَ عَلَى أَمْرِهِ أَفَقِيرٌ أَمْ غَنِيٌّ أَمَّا إذَا لَمْ يُشْكِلْ أَمْرُهُ سَأَلْت عَنْهُ عَاجِلًا يَعْنِي إذَا كَانَ ظَاهِرَ الْفَقْرِ أَقْبَلُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْإِفْلَاسِ وَأُخْلِي سَبِيلَهُ اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ وَقِحًا) سَيَأْتِي تَفْسِيرُ الْوَقَاحَةِ قُبَيْلَ قَوْلِهِ وَبَيِّنَةُ الْيَسَارِ أَحَقُّ (قَوْلُهُ قَالَ الطَّرَسُوسِيُّ وَالْمَسْتُورُ كَالْعَدْلِ) أَقُولُ: نَصُّ عِبَارَتِهِ بَعْدَ تَعَقُّبِهِ كَلَامَ الزَّيْلَعِيِّ الْآتِي وَالْأَحْسَنُ عِنْدِي أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ رَأْيُ الْقَاضِي مُوَافِقًا لِقَوْلِ هَذَا الْوَاحِدِ الْمَسْتُورِ فِي الْعُسْرَةِ يَقْبَلُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُوَافِقًا بِمَعْنَى أَنَّ الْقَاضِيَ لَا رَأْيَ لَهُ فِي هَذَا الْوَقْتِ فِي حَالِ هَذَا الْمَحْبُوسِ لَا مِنْ جِهَةِ الْعُسْرَةِ وَلَا الْيَسْرَةِ فَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمُخْبِرُ بِالْعُسْرَةِ عَدْلًا كَمَا قَالُوا فِي الْإِخْبَارِ بِالْعَزْلِ عَنْ الْوَكَالَةِ فَإِنَّهُ بِالْإِجْمَاعِ إذَا أَخْبَرَ الْوَكِيلَ فَاسِقٌ بِالْعَزْلِ وَصَدَّقَهُ الْوَكِيلُ فِيمَا أَخْبَرَهُ بِهِ مِنْ الْعَزْلِ أَنَّهُ يُعْزَلُ. (قَوْلُهُ فَلَيْسَ ذِكْرُهَا مِنْ كَلَامِهِ) قُلْتُ: بَلْ قَدْ رَأَيْت الجزء: 6 ¦ الصفحة: 311 أَنَّهُ مُوسِرٌ فَلَا بُدَّ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ مَعْزِيًّا إلَى النِّهَايَةِ، وَظَاهِرُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْحَبْسَ أَوَّلًا ثُمَّ السُّؤَالُ فِي حَقِّ كُلِّ أَحَدٍ وَلَكِنْ فِي الْبَزَّازِيَّةِ إنْ كَانَ أَمْرُ الْمَدْيُونِ ظَاهِرًا عِنْدَ النَّاسِ فَالْقَاضِي يَقْبَلُ بَيِّنَةَ الْإِعْسَارِ وَيُخَلِّيهِ قَبْلَ الْمُدَّةِ الَّتِي يَذْكُرُهَا، وَإِنْ كَانَ أَمْرُهُ مُشْكِلًا هَلْ يَقْبَلُ الْبَيِّنَةَ قَبْلَ الْحَبْسِ فِيهِ رِوَايَتَانِ اهـ. وَفِي الْمُلْتَقَطِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا أَسْأَلُ عَنْ الْمُعْسِرِ وَأَحْبِسُهُ شَهْرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً، ثُمَّ أَسْأَلُ عَنْهُ إلَّا إذَا كَانَ مَعْرُوفًا بِالْعُسْرَةِ فَلَا أَحْبِسُهُ اهـ. وَفِيهِ أَيْضًا وَلَوْ مُعْسِرًا عَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَهُ عَلَى مُوسِرٍ دَيْنٌ يَعْلَمُ بِهِ الْقَاضِي يُحْبَسُ الْمُعْسِرُ حَتَّى يُطَالِبَ الْمُوسِرَ فَإِذَا طَالَبَهُ وَحُبِسَ الْمُوسِرُ أُطْلِقَ الْمُعْسِرُ اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَلَوْ لِلْمَحْبُوسِ مَالٌ فِي بَلَدٍ آخَرَ يُطْلِقُهُ بِكَفِيلٍ وَإِنْ عَلِمَ الْقَاضِي عُسْرَتَهُ لَكِنْ لَهُ مَالٌ عَلَى آخَرَ يَتَقَاضَى غَرِيمُهُ فَإِنْ حُبِسَ غَرِيمُهُ الْمُوسِرُ لَا يَحْبِسُهُ. اهـ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَحْبِسُ الْمَدْيُونَ إذَا عَلِمَ أَنَّ لَهُ مَالًا غَائِبًا أَوْ مَحْبُوسًا مُوسِرًا، وَأَنَّهُ يُطْلِقُهُ إذَا عَلِمَ بِأَحَدِهِمَا. قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ مَالٌ خَلَّاهُ) أَيْ أَطْلَقَهُ مِنْ الْحَبْسِ؛ لِأَنَّ عُسْرَتَهُ ثَبَتَتْ عِنْدَهُ فَاسْتَحَقَّ النَّظِرَةَ إلَى الْمَيْسَرَةِ لِلْآيَةِ فَحَبْسُهُ بَعْدَهُ يَكُونُ ظُلْمًا، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُطْلِقُهُ بِلَا كَفِيلٍ قُلْتُ: إلَّا فِي مَالِ الْيَتِيمِ لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَلَوْ لِلْمَيِّتِ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ لَهُ وَرَثَةٌ صِغَارٌ وَكِبَارٌ لَا يُطْلِقُهُ مِنْ الْحَبْسِ قَبْلَ الِاسْتِيثَاقِ بِكَفِيلٍ لِلصِّغَارِ. اهـ. وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ يُطْلِقُهُ بِكَفِيلٍ إذَا كَانَ رَبُّ الدَّيْنِ غَائِبًا وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَالُ الْوَقْفِ كَمَالِ الْيَتِيمِ فَلَا يُطْلِقُهُ الْقَاضِي إلَّا بِكَفِيلٍ فَهِيَ ثَلَاثَةُ مَوَاضِعَ مُسْتَثْنَاةٌ، وَالْكَلَامُ فِي إطْلَاقِهِ جَبْرًا عَلَى رَبِّ الدَّيْنِ فَلَوْ أَطْلَقَهُ رَبُّ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ عَلَى إفْلَاسِهِ وَرَضِيَ الْمَحْبُوسُ جَازَ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى حُضُورِ الْقَاضِي كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ إلَّا فِي مَالِ الْيَتِيمِ فَلَا يُطْلِقُهُ الْوَصِيُّ وَفِي وَصَايَا الْقُنْيَةِ حَبَسَ الْوَصِيُّ غَرِيمًا بِدَيْنِ الصَّبِيِّ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُطْلِقَهُ قَبْلَ قَضَائِهِ إذَا كَانَ مُوسِرًا، وَإِنْ رَأَى أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ كَفِيلًا وَيُطْلِقَهُ فَلَهُ ذَلِكَ ثُمَّ رَقْمٌ آخَرُ إذَا كَانَ مُعْسِرًا جَازَ إطْلَاقُهُ اهـ. فَتَحَرَّرَ أَنَّ الْمُعْسِرَ يَجُوزُ إطْلَاقُهُ اتِّفَاقًا، وَفِي الْمُوسِرِ خِلَافٌ وَقَيَّدْنَا بِرِضَا الْمَحْبُوسِ لِمَا فِي الْقُنْيَةِ الْمَحْبُوسُ بِالدَّيْنِ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى إفْلَاسِهِ فَأَرَادَ رَبُّ الدَّيْنِ أَنْ يُطْلِقَهُ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِإِفْلَاسِهِ وَأَبَى الْمَحْبُوسُ أَنْ يَخْرُجَ حَتَّى يُقْضَى بِإِفْلَاسِهِ، يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي الْقَضَاءُ بِهِ حَتَّى لَا يُعِيدَهُ رَبُّ الدَّيْنِ ثَانِيًا قَبْلَ ظُهُورِ غِنَاهُ اهـ. وَإِذَا أَطْلَقَهُ بِلَا بَيِّنَةٍ فَلَهُ إعَادَتُهُ إلَى الْحَبْسِ كَمَا فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ خَلَّاهُ إلَى أَنَّهُ لَا يَحْبِسُهُ مَرَّةً أُخْرَى لِلْأَوَّلِ وَلَا لِغَيْرِهِ حَتَّى يُثْبِتَ غَرِيمُهُ غِنَاهُ لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ أَطْلَقَ الْقَاضِي الْمَحْبُوسَ لِإِفْلَاسِهِ ثُمَّ ادَّعَى عَلَيْهِ آخَرُ مَالًا، وَادَّعَى أَنَّهُ مُوسِرٌ لَا يَحْبِسُهُ حَتَّى يَعْلَمَ يُسْرَهُ اهـ. وَظُهُورُ عَدَمِ مَالٍ لَهُ بِالشَّهَادَةِ بِأَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ، وَقَالَ الْخَصَّافُ يَثْبُتُ الْإِفْلَاسُ بِقَوْلِ الشُّهُودِ هُوَ فَقِيرٌ لَا نَعْلَمُ لَهُ مَالًا وَلَا عَرَضًا يَخْرُجُ بِهِ عَنْ الْفَقْرِ وَعَنْ الصِّغَارِ يَشْهَدُونَ أَنَّهُ مُفْلِسٌ مُعْدَمٌ لَا نَعْلَمُ لَهُ مَالًا سِوَى كِسْوَتِهِ وَثِيَابِهِ لَيْلَةً، وَاخْتَبَرْنَاهُ سِرًّا وَعَلَنًا اهـ. وَفِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ وَلَا تَكُونُ هَذِهِ شَهَادَةً عَلَى النَّفْيِ فَإِنَّ الْإِعْسَارَ بَعْدَ الْيَسَارِ أَمْرٌ حَادِثٌ فَتَكُونُ شَهَادَةً بِأَمْرٍ حَادِثٍ لَا بِالنَّفْيِ نَبَّهَ عَلَيْهِ السِّغْنَاقِيُّ اهـ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْإِخْرَاجَ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ مَعَ إخْبَارِ وَاحِدٍ بِحَالِ الْمَحْبُوسِ لَا يَكُونُ مِنْ بَابِ الثُّبُوتِ حَتَّى لَا يَجُوزَ لِلْقَاضِي أَنْ يَقُولَ ثَبَتَ عِنْدِي أَنَّهُ مُعْسِرٌ كَذَا فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ وَفِي النَّوَازِلِ فَقِيرٌ لَا شَيْءَ وَلَا يَجِدُ مَنْ يَكْفُلُهُ بِنَفْسِهِ لَا يَحْبِسُهُ الْقَاضِي وَخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْغَرِيمِ إنْ شَاءَ لَازَمَهُ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ اهـ. وَفِي الْخَانِيَّةِ فَإِنْ أَحْضَرَ الْمَحْبُوسُ الْمَالَ وَرَبُّ الدَّيْنِ غَائِبٌ يُرِيدُ تَطْوِيلَ الْحَبْسِ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ الْقَاضِي يَعْلَمُ بِالدَّيْنِ وَمِقْدَارِهِ   [منحة الخالق] التَّصْرِيحَ بِالْعَدَالَةِ فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي الَّتِي هِيَ تَلْخِيصُ الْفَتَاوَى الْكُبْرَى لِلْخَاصِّيِّ وَالسِّرَاجِيَّةِ (قَوْلُهُ هَلْ يَقْبَلُ الْبَيِّنَةَ قَبْلَ الْحَبْسِ فِيهِ رِوَايَتَانِ) قَالَ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ تُقْبَلُ وَبِهِ كَانَ يُفْتِي الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ الْفَضْلِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَكَانَ يَقُولُ لَهُ رِوَايَةٌ فِي كِتَابِ الْكَفَالَةِ وَفِي رِوَايَةٍ لَا تُقْبَلُ نَصَّ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْكِتَابِ فِي آخِرِ الْبَابِ وَبِهِ كَانَ يُفْتِي عَامَّةُ الْمَشَايِخِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ فَإِنْ أَحْضَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَيِّنَةً بَعْدَ الْحَبْسِ قَبْلَ هَذَا الْوَقْتِ الَّذِي ذَكَرْنَا بِالْعَدَمِ فَشَهِدُوا عِنْدَ الْقَاضِي بِذَلِكَ قَالَ صَاحِبُ الْكِتَابِ قَبِلَ الْقَاضِي ذَلِكَ، وَأَخْرَجَهُ عَنْ الْحَبْسِ وَفَلَّسَهُ اهـ. وَتَمَامُهُ فِيهِ (قَوْلُهُ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَلَوْ لِلْمَحْبُوسِ مَالٌ فِي بَلَدٍ آخَرَ إلَخْ) مُكَرَّرٌ مَعَ مَا قَدَّمَهُ فِي الْمَقُولَةِ قَبْلَ هَذِهِ. (قَوْلُهُ إذَا عَلِمَ أَنَّ لَهُ مَالًا غَائِبًا أَوْ مَحْبُوسًا مُوسِرًا) قَالَ الرَّمْلِيُّ الضَّمِيرُ فِي لَهُ رَاجِعٌ لِلْمَدْيُونِ وَمُوسِرًا نَعْتٌ لِمَحْبُوسًا، وَالْمَعْنَى أَنَّ الْمَدْيُونَ الْمُعْسِرَ إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ غَائِبٌ أَوْ كَانَ لَهُ مَحْبُوسٌ بِدَيْنٍ وَمَحْبُوسُهُ مُوسِرٌ لَا يَحْبِسُهُ الْقَاضِي تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَإِذَا أَطْلَقَهُ بِلَا بَيِّنَةٍ فَلَهُ إعَادَتُهُ إلَى الْحَبْسِ كَمَا فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَمْ أَجِدْهُ فِيهِ وَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا وَقَعَتْ خُصُومَةٌ بِلَا بَيِّنَةٍ أَمَّا إذَا لَمْ تَقَعْ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُعِيدَهُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْأَمْرَ مَنُوطٌ بِرَأْيِهِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ السُّؤَالَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَإِنَّمَا هُوَ احْتِيَاطٌ فَإِذَا اقْتَضَى رَأْيُهُ إطْلَاقَهُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُعِيدَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ أَطْلَقَ الْقَاضِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 312 وَصَاحِبِهِ فَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْمَالَ وَخَلَّاهُ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ مِنْهُ كَفِيلًا ثِقَةً بِالْمَالِ وَالنَّفْسِ وَخَلَّى سَبِيلَهُ وَلَوْ مَاتَ الطَّالِبُ وَالْقَاضِي الَّذِي حَبَسَهُ وَارِثُهُ لَا غَيْرُ قَالَ بَعْضُهُمْ يُخَلَّى سَبِيلُهُ كَيْ لَا يَتَّهِمَهُ النَّاسُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ بِتَرْكِهِ فِي السِّجْنِ حَتَّى يَقْضِيَ الدَّيْنَ اهـ. قَوْلُهُ (وَلَمْ يَحُلْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غُرَمَائِهِ) أَيْ لَا يَمْنَعُهُمْ مِنْ مُلَازَمَتِهِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَقَالَا بِالْمَنْعِ عَنْهَا لِكَوْنِهِ مُنْظَرًا بِإِنْظَارِ اللَّهِ تَعَالَى وَهِيَ أَقْوَى مِنْ إنْظَارِ الْعَبْدِ بِالتَّأْجِيلِ، وَمَعَهُ لَا مُلَازَمَةَ وَلَهُ أَنَّهُ مُنْظَرٌ إلَى قُدْرَتِهِ عَلَى الْإِيفَاءِ وَهُوَ مُمْكِنٌ كُلَّ حِينٍ فَيُلَازِمُونَهُ كَيْ لَا يُخْفِيَهُ، وَالدَّيْنُ حَالٌّ بِخِلَافِ الْأَجَلِ؛ لِأَنَّهُ لَا مُطَالَبَةَ لَهُ قَبْلَ مُضِيِّهِ، وَلَوْ كَانَ الْمَدْيُونُ قَادِرًا فَظَهَرَ الْفَرْقُ، وَبَطَلَ الْقِيَاسُ وَلِذَا قَالَ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ إنَّ الصَّحِيحَ قَوْلُهُ دَائِمًا هُوَ الصَّحِيحُ وَفِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَأَحْسَنُ الْأَقَاوِيلِ فِي الْمُلَازَمَةِ مَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ يُلَازِمُهُ فِي قِيَامِهِ وَقُعُودِهِ وَلَا يَمْنَعُهُ مِنْ الدُّخُولِ عَلَى أَهْلِهِ وَلَا مِنْ الْغَدَاءِ وَلَا مِنْ الْعَشَاءِ وَلَا مِنْ الْوُضُوءِ وَالْخَلَاءِ، وَلَهُ أَنْ يُلَازِمَهُ بِنَفْسِهِ وَإِخْوَانِهِ وَوَلَدِهِ وَمَنْ أَحَبَّ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ الرَّأْيَ فِيهِ إلَى صَاحِبِ الدَّيْنِ إنْ شَاءَ لَازَمَهُ بِنَفْسِهِ وَإِنْ شَاءَ بِغَيْرِهِ وَلَا عِبْرَةَ بِالْمَدْيُونِ فِي رَأْيِهِ وَفِي الْمُحِيطِ قَالُوا لَا يُلَازِمُهُ بِاللَّيَالِيِ؛ لِأَنَّ اللَّيَالِيَ لَيْسَتْ بِوَقْتِ الْكَسْبِ فَلَا يُتَوَهَّمُ وُقُوعُ الْمَالِ فِي يَدِهِ فِي اللَّيَالِي فَالْمُلَازَمَةُ لَا تُفِيدُ حَتَّى لَوْ كَانَ الرَّجُلُ يَكْتَسِبُ فِي اللَّيَالِي، قَالُوا يُلَازِمُهُ فِي اللَّيَالِي هَكَذَا قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ. اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ لَا يُلَازِمُهُ فِي مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ؛ لِأَنَّهُ حَبْسٌ، وَلَا يَمْنَعُهُ مِنْ دُخُولِ بَيْتِهِ لِغَائِطٍ أَوْ غَدَاءٍ إلَّا إذَا أَعْطَاهُ الدَّائِنُ، وَأَعَدَّ لَهُ مَكَانًا لِلْغَائِطِ وَإِنْ كَانَ عَمَلُ الْمَدْيُونِ السَّقْيَ وَلَا يَمْنَعُهُ اللُّزُومَ مِنْ ذَلِكَ لَازَمَهُ إلَّا إذَا أَعْطَاهُ نَفَقَتَهُ وَنَفَقَةَ عِيَالِهِ فَلَهُ إذَا مَنَعَهُ مِنْ السَّعْيِ لَوْ أَبَى الْمَدْيُونُ مُلَازَمَةَ الْغَرِيمِ، وَقَالَ اجْلِسْ مَعَ الدَّائِنِ لَهُ ذَلِكَ وَلَيْسَ لِلدَّائِنِ أَنْ يُجْلِسَهُ فِي الشَّمْسِ أَوْ عَلَى الثَّلْجِ أَوْ فِي مَكَان يَتَضَرَّرُ بِهِ، وَلَوْ طَلَبَ الْمَطْلُوبُ الْحَبْسَ وَالطَّالِبُ الْمُلَازَمَةَ لَازَمَهُ وَمُلَازَمَةُ الْمَرْأَةِ أَنْ تُلَازِمَهَا امْرَأَةٌ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ حَبَسَهَا فِي بَيْتٍ مَعَ امْرَأَةٍ، وَجَلَسَ هُوَ عَلَى الْبَابِ أَوْ الْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ نَفْسِهَا وَهُوَ عَلَى الْبَابِ، وَلَيْسَ لَهُ غَيْرُ ذَلِكَ وَعَنْ مُحَمَّدٍ الْمَرْأَةُ يُلَازِمُهَا الرِّجَالُ بِالنَّهَارِ فِي مَوْضِعٍ لَا يَخَافُ عَلَيْهَا الْفَسَادَ وَلَا يَخْلُونَ بِهَا وَبِاللَّيْلِ يُلَازِمُهَا النِّسَاءُ وَفِي الْوَاقِعَاتِ عَلَيْهَا حَقٌّ لَهُ أَنْ يُلَازِمَهَا وَيَجْلِسَ مَعَهَا وَيَقْبِضَ عَلَى ثِيَابِهَا؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِحَرَامٍ فَإِنْ هَرَبَتْ إلَى خَرِبَةٍ إذَا كَانَ يَأْمَنُ عَلَى نَفْسِهِ يَدْخُلُ عَلَيْهَا، وَيَكُونُ بَعِيدًا مِنْهَا لِحِفْظِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ لَهُ ضَرُورَةً فِي هَذِهِ الْخَلْوَةِ كَمَا قَالُوا فِيمَنْ هَرَبَ بِمَتَاعِ إنْسَانٍ، وَدَخَلَ دَارِهِ لَهُ أَنْ يَدْخُلَ عَقِيبَهُ لِيَأْخُذَ حَقَّهُ لَوْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ مَالًا وَلَمْ يَجْلِسْ الْقَاضِي أَيَّامًا لَازَمَ خَصْمَهُ أَيَّامًا وَإِنْ طَالَ اهـ. وَفِي الْهِدَايَةِ لَوْ اخْتَارَ الْمَطْلُوبُ الْحَبْسَ وَالطَّالِبُ الْمُلَازَمَةَ فَالْخِيَارُ لِلطَّالِبِ إلَّا إذَا عَلِمَ الْقَاضِي أَنَّ بِالْمُلَازَمَةِ يَدْخُلُ عَلَيْهِ ضَرَرٌ بَيِّنٌ بِأَنْ لَا يُمْكِنَهُ مِنْ دُخُولِ دَارِهِ فَحِينَئِذٍ يَحْبِسُهُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ. اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَيَجُوزُ الْجُلُوسُ فِي الْمَسْجِدِ لِغَيْرِ الصَّلَاةِ لِمُلَازَمَةِ الْغَرِيمِ قَالَ الْقَاضِي الْمَذْهَبُ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا يُلَازِمُهُ فِي الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّهُ بُنِيَ لِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَبِهِ يُفْتَى وَفِيهَا أَيْضًا إنْ كَانَ فِي مُلَازَمَةِ الْغَرِيمِ، ذَهَابُ قُوتِهِ كُلِّفَ أَنْ يُقِيمَ كَفِيلًا بِنَفْسِهِ، ثُمَّ يُخَلِّي سَبِيلَهُ وَلِلطَّالِبِ مُلَازَمَةُ الْغَرِيمِ بِلَا أَمْرِ الْقَاضِي إنْ كَانَ مُقِرًّا بِحَقِّهِ. قَوْلُهُ (وَرَدُّ الْبَيِّنَةِ عَلَى إفْلَاسِهِ قَبْلَ حَبْسِهِ) ؛ لِأَنَّهَا بَيِّنَةُ نَفْيٍ فَلَا تُقْبَلُ مَا لَمْ تَتَأَيَّدْ بِمُؤَيِّدٍ، وَهُوَ الْحَبْسُ وَبَعْدَهُ تُقْبَلُ عَلَى سَبِيلِ الِاحْتِيَاطِ لَا عَلَى وَجْهِ الْوُجُوبِ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ هُوَ مَا اخْتَارَهُ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ قَبُولُهَا وَبِهِ كَانَ يُفْتِي الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ وَنُصَيْرُ بْنُ يَحْيَى وَفِي الْخَانِيَّةِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُفَوَّضًا إلَى الْقَاضِي إنْ عَلِمَ أَنَّهُ وَقِحٌ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ قَبْلَ الْحَبْسِ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَيِّنٌ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ وَفَسَّرَ الطَّرَسُوسِيُّ الْوَقَاحَةَ بِالْإِغْلَاظِ عَلَى الْمُدَّعِي فِي الْقَوْلِ، وَاللِّينَ بِالتَّلَطُّفِ فِيهِ وَنَظِيرُهُ مَا قَالَ الْخَصَّافُ فِي تَعْيِينِ مُدَّةِ الْحَبْسِ إنْ كَانَ الْمَدْيُونُ سَمْحًا يَأْخُذُ الْقَاضِي بِرِوَايَةِ الْكَفَالَةِ مِنْ التَّقْدِيرِ   [منحة الخالق] وَالْمَحْبُوسُ لِإِفْلَاسِهِ ثُمَّ ادَّعَى عَلَيْهِ آخَرُ مَالًا وَادَّعَى أَنَّهُ مُعْسِرٌ لَا يَحْبِسُهُ حَتَّى يَعْلَمَ غَيْرُهُ (قَوْلُهُ وَارِثُهُ) أَيْ وَارِثُ الطَّالِبِ. (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَرَدَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى إفْلَاسِهِ قَبْلَ حَبْسِهِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ هَذَا إذَا كَانَ أَمْرُهُ مُشْكِلًا أَمَّا إذَا كَانَ فَقْرُهُ ظَاهِرًا يَسْأَلُ الْقَاضِيَ عَنْهُ عَاجِلًا، وَيَقْبَلُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْإِفْلَاسِ وَيُخَلِّي سَبِيلَهُ بِحَضْرَةِ خَصْمِهِ اهـ. وَوَقَعَ التَّقْيِيدُ بِإِشْكَالِ أَمْرِهِ فِي عِبَارَةِ الْبَزَّازِيَّةِ كَمَا قَدَّمَهُ الْمُؤَلِّفُ عَنْهُ قَوْلَهُ: ثُمَّ يَسْأَلُ عَنْهُ وَقَدَّمَ هُنَاكَ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَيْنِ وَقَدَّمْنَا هُنَاكَ أَنَّ مَا هُنَا هُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 313 بِشَهْرَيْنِ أَوْ بِثَلَاثَةٍ، وَإِنْ كَانَ مُفْتِيًا أَخَذَ بِالْأَكْثَرِ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ. (قَوْلُهُ وَبَيِّنَةُ الْيَسَارِ أَحَقُّ) أَيْ مِنْ بَيِّنَةِ الْإِعْسَارِ بِالْقَبُولِ عِنْدَ التَّعَارُضِ؛ لِأَنَّ الْيَسَارَ عَارِضٌ وَالْبَيِّنَةُ لِلْإِثْبَاتِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ كَبَيِّنَةِ الْإِبْرَاءِ مَعَ بَيِّنَةِ الْإِقْرَاضِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ وَإِنْ شَهِدُوا أَنَّهُ مُوسِرٌ قَادِرٌ عَلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ جَازَ وَكَفَى، وَلَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ الْمَالِ اهـ. وَاسْتَثْنَى فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ تَقْدِيمِ بَيِّنَةِ الْيَسَارِ مَا لَوْ قَالَ الْمُدَّعِي أَنَّهُ مُوسِرٌ، وَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَعْسَرْت بَعْدَ ذَلِكَ، وَأَقَامَ بِذَلِكَ بَيِّنَةً فَإِنَّهَا تُقَدَّمُ؛ لِأَنَّ مَعَهَا عِلْمًا بِأَمْرٍ حَادِثٍ وَهُوَ حُدُوثُ ذَهَابِ الْمَالِ. اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ بَحْثٌ مِنْهُ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِجَوَازِ حُدُوثِ الْيَسَارِ بَعْدَ إعْسَارِهِ الَّذِي ادَّعَاهُ أَطْلَقَ فِي قَبُولِ بَيِّنَةِ الْيَسَارِ فَأَفَادَ قَبُولَهَا، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرُوا مِقْدَارَ مَا مَلَكَهُ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَلَمْ يُشْتَرَطْ بَيَانُ مَا بِهِ الْيَسَارُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا دَوَامُ الْحَبْسِ عَلَيْهِ، وَلَمْ يُبَيِّنُوا مِقْدَارَ مَا يَمْلِكُ، وَلَوْ بَيَّنُوا مِقْدَارَ مَا يَمْلِكُ لَمْ يُمْكِنْ قَبُولُهَا وَتَمَامُهُ فِي الْقُنْيَةِ وَفِي الْعِنَايَةِ فَإِنْ قِيلَ مُحَمَّدٌ قَبِلَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْيَسَارِ وَهُوَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالْمِلْكِ وَتَعَذَّرَ الْقَضَاءُ بِهِ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَشْهَدُوا بِمِقْدَارِهِ، وَلَمْ يُقْبَلْ فِيمَا إذَا أَنْكَرَ الْمُشْتَرِي جِوَارَ الشَّفِيعِ وَأَنْكَرَ مِلْكَهُ فِي الدَّارِ فَبَرْهَنَ الشَّفِيعُ أَنَّ لَهُ نَصِيبًا فِي هَذِهِ الدَّارِ، وَلَمْ يُبَيِّنُوا مِقْدَارَهُ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الشَّاهِدَ عَلَى الْيَسَارِ شَاهِدٌ عَلَى قُدْرَتِهِ عَلَى أَدَاءِ الدَّيْنِ، وَهِيَ لَا تَكُونُ إلَّا بِمِلْكِ مِقْدَارِ الدَّيْنِ فَثَبَتَ بِهَا قَدْرُ الْمِلْكِ وَفِي النَّصِيبِ لَمْ يَشْهَدُوا بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ فَافْتَرَقَا اهـ. قَوْلُهُ (وَأُبِّدَ حَبْسُ الْمُوسِرِ) ؛ لِأَنَّهُ جَزَاءُ الظُّلْمِ فَإِذَا امْتَنَعَ مِنْ إيفَاءِ الْحَقِّ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ خَلَّدَهُ فِي الْحَبْسِ، وَأَمَّا كَوْنُهُ يُعَجِّلُ الْقَاضِي حَبْسَهُ أَوْ لَا يَحْبِسُهُ حَتَّى تَظْهَرَ مُمَاطَلَتُهُ فَقَدَّمْنَاهُ وَلِذَا حَمَلَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ قَوْلَهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ يُؤَبِّدُ حَبْسَ الْمُوسِرِ إذَا أَقَرَّ عَلَى مَا إذَا أَقَرَّ عِنْدَ غَيْرِ الْقَاضِي أَوْ عِنْدَهُ مَرَّةً فَظَهَرَتْ مُمَاطَلَتُهُ. قَوْلُهُ (وَيُحْبَسُ الرَّجُلُ بِنَفَقَةِ زَوْجَتِهِ) ؛ لِأَنَّهُ ظَالِمٌ بِالِامْتِنَاعِ عَنْ الْإِنْفَاقِ قَيَّدْنَا بِالِامْتِنَاعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُحْبَسُ فِي النَّفَقَةِ الْمَاضِيَةِ لِأَنَّهَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ، وَإِنْ لَمْ تَسْقُطْ بِأَنْ حَكَمَ الْحَاكِمُ بِهَا أَوْ اصْطَلَحَ الزَّوْجَانِ عَلَيْهَا فَلِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِبَدَلٍ عَنْ مَالٍ وَلَا لَزِمَتْهُ بِعَقْدٍ كَذَا ذَكَرَ الشَّارِحُ، وَمُرَادُهُ أَنَّ النَّفَقَةَ الْوَاجِبَةَ الْمُجْتَمِعَةَ دَاخِلَةٌ تَحْتَ قَوْلِهِ لَا فِي غَيْرِهِ فَلَا يُحْبَسُ عَلَيْهَا إنْ ادَّعَى الْفَقْرَ إلَّا أَنْ تُثْبِتَ الْمَرْأَةُ يَسَارَهُ، فَإِذَا ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ بِنَفَقَةٍ أَوْ كِسْوَةٍ مُقَرَّرَةٍ اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ، وَقَالَ إنِّي فَقِيرٌ فَالْقَوْلُ لَهُ مَعَ يَمِينِهِ، وَلَا يُحْبَسُ إذَا حَلَفَ فَإِنْ أَقَامَتْ بَيِّنَةً عَلَى يَسَارِهِ وَطَلَبَتْ حَبْسَهُ حَبَسَهُ الْقَاضِي. (قَوْلُهُ لَا فِي دَيْنِ وَلَدِهِ) أَيْ لَا يُحْبَسُ أَصْلٌ فِي دَيْنِ فَرْعِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةَ بِسَبَبِ وَلَدِهِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ بَحْثٌ مِنْهُ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ يَعْنِي مَا فِي الْفَتْحِ أَنَّهُ بَيَّنَ سَبَبَ الْإِعْسَارِ وَشَهِدُوا بِهِ وَمَا فِي الْبَحْرِ مَدْفُوعٌ بِأَنَّهُمْ لَمْ يَشْهَدُوا بِيَسَارٍ حَادِثٍ بَلْ بِمَا هُوَ سَابِقٌ عَلَى الْإِعْسَارِ الْحَادِثِ وَبَيِّنَةُ الْإِعْسَارِ تُحْدِثُ أَمْرًا عَارِضًا فَقُدِّمَتْ اهـ. فَتَأَمَّلْهُ. وَقَالَ الرَّمْلِيُّ أَقُولُ: بَلْ هُوَ فِقْهٌ حَسَنٌ وَمُجَرَّدُ حُدُوثِ الْيَسَارِ لَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ إذْ الْكَلَامُ فِي قَبُولِ بَيِّنَةِ الْإِعْسَارِ الْحَادِثِ بَعْدَ ثُبُوتِ الْيَسَارِ قَبْلَهُ غَايَةُ مَا فِيهِ أَنَّ اسْتِثْنَاءَهُ مِنْ تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ مُسْتَدْرَكٌ إذْ لَا تَعَارُضَ وَالْحَالُ هَذِهِ، وَإِنَّمَا التَّعَارُضُ إذَا قَامَتَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِلْبَعْدِيَّةِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ بِصَرِيحِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ، وَإِنَّمَا قَالَ وَكُلَّمَا تَعَارَضَتْ بَيِّنَةُ الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْيَسَارِ؛ لِأَنَّ مَعَهَا زِيَادَةَ عِلْمٍ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّهُ مُوسِرٌ وَهُوَ يَقُولُ أَعْسَرْت مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ، وَأَقَامَ بِذَلِكَ بَيِّنَةً فَإِنَّهُ تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّ مَعَهَا عِلْمًا بِأَمْرٍ حَادِثٍ وَهُوَ حُدُوثُ ذَهَابِ الْمَالِ اهـ. فَقَوْلُهُ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ إلَخْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِمُجَرَّدِ تَوَهُّمٍ يَقَعُ فِي الْمَسْأَلَةِ ذُكِرَ عَلَى سَبِيلِ الْإِفَادَةِ الْمُجَرَّدَةِ لَا عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِثْنَاءِ تَأَمَّلْ اهـ. قُلْت: وَقَدَّمْنَا عَنْ شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ فَإِنْ أَحْضَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَيِّنَةً بَعْدَ الْحَبْسِ قَبْلَ هَذَا الْوَقْتِ الَّذِي ذَكَرْنَا بِالْعَدَمِ فَشَهِدُوا عِنْدَ الْقَاضِي بِذَلِكَ قَالَ صَاحِبُ الْكِتَابِ أَقْبَلُ ذَلِكَ وَأُخْرِجُهُ عَنْ الْحَبْسِ وَأُفَلِّسُهُ، وَقَدَّمَ الْمُؤَلِّفُ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ ثُمَّ يَسْأَلُ عَنْهُ عَنْ السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ مَعْزِيًّا إلَى النِّهَايَةِ لَوْ ادَّعَى الْمَطْلُوبُ أَنَّهُ مُعْسِرٌ وَادَّعَى الطَّالِبُ الْيَسَارَ فَلَا بُدَّ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ (قَوْلُهُ وَتَمَامُهُ فِي الْقُنْيَةِ) حَيْثُ قَالَ؛ لِأَنَّهَا قَامَتْ لِلْمَحْبُوسِ وَهُوَ مُنْكِرٌ، وَالْبَيِّنَةُ مَتَى قَامَتْ لِلْمُنْكِرِ لَا تُقْبَلُ وَقَوْلُهُمْ إنَّهُ مُوسِرٌ لَيْسَ كَذَلِكَ فَيُقْبَلُ اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُمْ لَوْ شَهِدُوا وَقَالُوا إنَّهُ يَمْلِكُ الْعَقَارَ الْفُلَانِيَّ مَثَلًا، وَهُوَ مُنْكِرٌ لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ لَا أَمْلِكُ ذَلِكَ الْعَقَارَ وَهُمْ يَشْهَدُونَ لَهُ بِأَنَّهُ يَمْلِكُهُ وَالْبَيِّنَةُ مَتَى قَامَتْ لِلْمُنْكِرِ لَا تُقْبَلُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالُوا إنَّهُ مُوسِرٌ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَشْهَدُوا لَهُ بِمِلْكِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ فَلَمْ تَكُنْ شَهَادَةً لَهُ بَلْ عَلَيْهِ لِأَجْلِ إدَامَةِ الْحَبْسِ فَتُقْبَلُ تَأَمَّلْ. (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ لَا فِي دَيْنِ وَلَدِهِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَقَعَ الِاسْتِفْتَاءُ عَنْ حَبْسِ الْأَبِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ لِابْنِهِ إذَا حَبَسَ الِابْنُ الْكَفِيلَ هَلْ لِلْكَفِيلِ حَبْسُ الْأَبِ فَرَأَيْت بِخَطِّ بَعْضِ الْمَوَالِي أَنَّهُ إذَا كَانَ كَفِيلًا عَنْهُ لَا يُحْبَسُ إذَا حُبِسَ هُوَ، وَنَقَلَهُ عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ فِي الْكَفَالَةِ وَقَالَ بِهِ يُشْعِرُ قَضَاءُ الْخُلَاصَةِ وَكَتَبَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 314 وَلِذَا لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ بِقَتْلِهِ وَلَا بِقَتْلِ مُوَرَّثِهِ، وَلَا يُحَدُّ بِقَذْفِهِ وَلَا بِقَذْفِ أُمِّهِ الْمَيِّتَةِ بِطَلَبِهِ، وَقَوْلُهُمْ هُنَا أَنَّهُ لَا قِصَاصَ بِقَتْلِهِ يَقْتَضِي أَنَّ الْمُرَادَ الْأَصْلُ أَبًا أَوْ أُمًّا أَوْ جَدًّا لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ لِتَصْرِيحِهِمْ فِي بَابِ الْجِنَايَاتِ أَنَّ الْجَدَّ لِأُمٍّ لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ بِقَتْلِ وَلَدِ بِنْتِهِ فَكَذَا لَا يُحْبَسُ بِدَيْنِهِ وَفِي الْمُحِيطِ وَلَا يُحْبَسُ الْأَبَوَانِ وَالْجَدَّانِ وَالْجَدَّتَانِ إلَّا فِي النَّفَقَةِ لِوَلَدِهِمَا اهـ. وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُوسِرِ وَالْمُعْسِرِ وَلَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يُتَنَبَّهَ لِشَيْءٍ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا كَانَ مُوسِرًا وَامْتَنَعَ مِنْ قَضَاءِ دَيْنِ وَلَدِهِ، وَقُلْنَا لَا يُحْبَسُ فَالْقَاضِي يَقْضِي دَيْنَهُ مِنْ مَالِهِ إنْ كَانَ مِنْ جِنْسِهِ وَإِلَّا بَاعَهُ لِلْقَضَاءِ كَبَيْعِهِ مَالَ الْمَحْبُوسِ الْمُمْتَنِعِ عَنْ قَضَاءِ دَيْنِهِ، وَالصَّحِيحُ عِنْدَهُمَا بَيْعُ عَقَارِهِ كَمَنْقُولِهِ، وَلَوْ قَالَ الْمَدْيُونُ: أَبِيعُ عَرَضِي وَأَقْضِي دَيْنِي أَجَّلَهُ الْقَاضِي ثَلَاثَةً وَلَا يَحْبِسُهُ وَلَوْ لَهُ عَقَارٌ يَحْبِسُهُ لِيَبِيعَهُ وَيَقْضِي الدَّيْنَ وَلَوْ بِثَمَنٍ قَلِيلٍ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ فِي الْحَجْرِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَيَبِيعُ الْقَاضِي مَالَ الْأَبِ لِقَضَاءِ دَيْنِ ابْنِهِ إذَا امْتَنَعَ؛ لِأَنَّهُ لَا طَرِيقَ لَهُ إلَّا الْبَيْعُ، وَإِلَّا ضَاعَ وَقُيِّدَ بِدَيْنِ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ يُحْبَسُ بِدَيْنِ أَصْلِهِ، وَيُحْبَسُ الْقَرِيبُ بِدَيْنِ قَرِيبِهِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَقَدْ كَتَبْنَا فِي الْفَوَائِدِ الْفِقْهِيَّةِ أَنَّ مَنْ لَا يُحْبَسُ سَبْعَةٌ الْأَوَّلُ الْأَصْلُ فِي دَيْنِ فَرْعِهِ. الثَّانِي الْمَوْلَى فِي دَيْنِ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ غَيْرِ الْمَدْيُونِ وَإِنْ مَدْيُونًا يُحْبَسُ لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ. الثَّالِثُ الْعَبْدُ لَا يُحْبَسُ بِدَيْنِ مَوْلَاهُ أَطْلَقَهُ الشَّارِحُ فَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ مَدْيُونًا. الرَّابِعُ الْمَوْلَى لَا يُحْبَسُ بِدَيْنِ مُكَاتَبِهِ إنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ لِوُقُوعِ الْمُقَاصَّةِ، وَإِلَّا يُحْبَسْ لِتَوَقُّفِهَا عَلَى الرِّضَا. الْخَامِسُ لَا يُحْبَسُ الْمُكَاتَبُ بِدَيْنِ الْكِتَابَةِ وَإِنْ كَانَ دَيْنًا آخَرَ يُحْبَسُ بِهِ لِلْمَوْلَى وَمِنْهُمْ مَنْ مَنَعَهُ لِأَنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ إسْقَاطِهِ بِالتَّعْجِيزِ، وَصَحَّحَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ. السَّادِسُ لَا يُحْبَسُ صَبِيٌّ عَلَى دَيْنِ الِاسْتِهْلَاكِ وَلَوْ لَهُ مَالٌ مِنْ عُرُوضٍ وَعَقَارٍ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ وَلَا وَصِيٌّ وَالرَّأْيُ إلَى الْقَاضِي فَيَأْذَنُ فِي بَيْعِ بَعْضِ مَالِهِ لِلْإِيفَاءِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ أَبٌ أَوْ وَصِيٌّ فَإِنَّهُ يُحْبَسُ إذَا امْتَنَعَ مِنْ قَضَاءِ دَيْنِهِ مِنْ مَالِهِ، وَلَا يُحْبَسُ الصَّبِيُّ إلَّا بِطَرِيقِ التَّأْدِيبِ حَتَّى لَا يَتَجَاسَرَ إلَى مِثْلِهِ إذَا بَاشَرَ شَيْئًا مِنْ أَسْبَابِ التَّعَدِّي قَصْدًا، أَمَّا إذَا كَانَ خَطَأً فَلَا كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ مِنْ كِتَابِ الْكَفَالَةِ وَفِي الْمُحِيطِ وَلِلْقَاضِي أَنْ يَحْبِسَ الصَّبِيَّ التَّاجِرَ عَلَى وَجْهِ التَّأْدِيبِ لَا عَلَى وَجْهِ الْعُقُوبَةِ حَتَّى لَا يُمَاطِلَ حُقُوقَ الْعِبَادِ فَإِنَّ الصَّبِيَّ يُؤَدَّبُ لِيَنْزَجِرَ عَنْ الْأَفْعَالِ الذَّمِيمَةِ. السَّابِعُ إذَا كَانَ لِلْعَاقِلَةِ عَطَاءٌ لَا يُحْبَسُونَ فِي دِيَةٍ وَأَرْشٍ، وَيُؤْخَذُ مِنْ الْعَطَاءِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ عَطَاءٌ يُحْبَسُونَ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَيُزَادُ هُنَا مَسْأَلَتَانِ قَدَّمْنَاهُمَا لَا يُحْبَسُ الْمَدْيُونُ إذَا عَلِمَ الْقَاضِي أَنَّ لَهُ مَالًا غَائِبًا أَوْ مَحْبُوسًا مُوسِرًا فَصَارَتْ تِسْعًا. قَوْلُهُ (إلَّا إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ) فَيُحْبَسُ؛ لِأَنَّهَا لِحَاجَةِ الْوَقْتِ وَهُوَ بِالْمَنْعِ قَصَدَ إهْلَاكَهُ فَيُحْبَسُ لِدَفْعِ الْهَلَاكِ عَنْهُ، أَلَا تَرَى أَنَّ لَهُ قَتْلَهُ دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ وَهَكَذَا حُكْمُ الْأَجْدَادِ   [منحة الخالق] تَحْتَهُ لَا عِبْرَةَ بِمَا قَالَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ فِي كِتَابِ الْكَفَالَةِ فَطَلَبَ مِنِّي تَحْقِيقَ ذَلِكَ فَقُلْت: رُبَّمَا اغْتَرَّ الْقَائِلُ بِعَدَمِ حَبْسِهِ بِقَوْلِهِمْ لَا يُحْبَسُ أَصْلٌ فِي دَيْنِ فَرْعِهِ مُتَوَهِّمًا أَنَّ الْكَفِيلَ إذَا حَبَسَ الْأَبَ فَقَدْ صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ حُبِسَ أَصْلٌ فِي دَيْنِ فَرْعِهِ وَلَا يُغْتَرُّ بِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا حُبِسَ لِحَقِّ الْكَفِيلِ، وَلِذَلِكَ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا أَدَّى فَهُوَ مَحْبُوسٌ بِدَيْنِهِ الَّذِي ثَبَتَ عَلَيْهِ أَوْ سَيَثْبُتُ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَجْعَلُهَا ضَمًّا فِي الدَّيْنِ وَعَلَى قَوْلِ مَنْ يَجْعَلُهَا ضَمًّا فِي الْمُطَالَبَةِ فَلَمْ يَدْخُلْ فِي قَوْلِهِمْ لَا يُحْبَسُ أَصْلٌ فِي دَيْنِ فَرْعِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا حَبَسَهُ أَجْنَبِيٌّ فِيمَا ثَبَتَ لَهُ عَلَيْهِ تَأَمَّلْ اهـ. وَقَدَّمْنَا عِبَارَةَ الْقُهُسْتَانِيِّ فِي كِتَابِ الْكَفَالَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ فَإِنْ لُوزِمَ لَازِمُهُ وَأَنَّ الشُّرُنْبُلَالِيُّ أَفْتَى بِأَنَّهُ لَيْسَ لِلِابْنِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ حَبْسُ الْكَفِيلِ لِمَا يَلْزَمُهُ مِنْ حَبْسِ أَصْلِ الِابْنِ لَا أَنَّهُ لَيْسَ لِلْكَفِيلِ حَبْسُهُ، وَقَدَّمْنَا الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عِبَارَةِ الْقُهُسْتَانِيِّ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يُتَنَبَّهَ لِشَيْءٍ إلَخْ) قَالَ الْفَهَّامَةُ الْعَلَّامَةُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الشَّيْخُ مُحَمَّدٌ الْغَزِّيِّ وَفِي جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى: رَجُلٌ لَهُ عَلَى أَبِيهِ مَهْرُ أُمِّهِ أَوْ دَيْنٌ آخَرُ فَأَقَرَّ أَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ فَإِنَّهُ لَا يُحْبَسُ مَا لَمْ يَتَمَرَّدْ عَلَى الْحَاكِمِ فَإِذَا تَمَرَّدَ عَلَيْهِ يُحْبَسُ وَهَذَا بِخِلَافِ نَفَقَةِ الْوَلَدِ الصَّغِيرِ فَإِنَّهُ يُحْبَسُ فَإِنَّ فِيهِ صِيَانَةَ مُهْجَتِهِ اهـ. أَقُولُ: مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ أَنَّهُ يَبِيعُ عَلَيْهِ مَالَهُ لِقَضَاءِ دَيْنِهِ يُغْنِي عَنْ حَبْسِهِ اهـ. مَا ذَكَرَهُ الْغَزِّيِّ كَذَا فِي حَاشِيَةِ الرَّمْلِيِّ. (قَوْلُهُ وَالصَّحِيحُ عِنْدَهُمَا بَيْعُ عَقَارِهِ كَمَنْقُولِهِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ الْمَنْقُولُ فِي كِتَابِ الْحَجْرِ أَنَّ مَالَهُ وَدَيْنَهُ لَوْ كَانَا دَرَاهِمَ قَضَى بِلَا أَمْرِهِ، وَكَذَا إذَا كَانَا دَنَانِيرَ وَلَوْ دَيْنُهُ دَرَاهِمَ وَلَهُ دَنَانِيرُ أَوْ بِالْعَكْسِ بِيعَ فِي دَيْنِهِ، وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ وَلَمْ يَبِعْ عَرَضَهُ وَعَقَارَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يُبَاعُ كَذَا فِي تَبْيِينِ الْكَنْزِ وَفِي الِاخْتِيَارِ وَقَالَا يَبِيعُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَقَالَ الْقَاضِي وَفِي قَوْلِ صَاحِبَيْهِ يَبِيعُ مَنْقُولَهُ وَلَا يَبِيعُ عَقَارَهُ عِنْدَهُمَا وَفِي رِوَايَةٍ يَبِيعُ كَمَا يَبِيعُ الْمَنْقُولَ وَهُوَ الصَّحِيحُ اهـ. ذَكَرَهُ الْغَزِّيِّ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ لَهُ أَبٌ أَوْ وَصِيٌّ فَإِنَّهُ يُحْبَسُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ قَالَ الطَّرَسُوسِيُّ: وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَيْسَ لِلْقَاضِي وَلَا نَائِبِهِ بَيْعُ عَقَارِهِ وَلَا مَالِهِ مَعَ وُجُودِهِمَا لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ لَأُمِرَ بِالْبَيْعِ قَبْلَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 315 وَالْجَدَّاتِ وَإِنْ عَلَوْا؛ لِأَنَّ فِي تَرْكِ الْإِنْفَاقِ سَعْيًا فِي هَلَاكِهِمْ، وَقَيَّدَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ الْوَلَدَ بِالصِّغَرِ وَالْفَقْرِ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ بَالِغًا زَمِنًا فَقِيرًا لَا يُحْبَسُ أَبُوهُ إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّ النَّفَقَةَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ وَفِيهِ تَأَمُّلٌ لَا يَخْفَى. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَى أَصْلِهِ وَإِنْ عَلَا وَفَرْعِهِ وَإِنْ سَفَلَ وَعَلَى زَوْجَتِهِ يُحْبَسُ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَيَتَحَقَّقُ الِامْتِنَاعُ بِأَنْ تَقَدَّمَهُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْ يَوْمِ فَرْضِ النَّفَقَةِ، وَإِنْ كَانَ مِقْدَارُ النَّفَقَةِ قَلِيلًا كَالدَّانِقِ إذَا رَأَى الْقَاضِي ذَلِكَ فَأَمَّا بِمُجَرَّدِ فَرْضِهَا لَوْ طَلَبَتْ حَبْسَهُ لَمْ يَحْبِسْهُ؛ لِأَنَّ الْعُقُوبَةَ تُسْتَحَقُّ بِالظُّلْمِ وَهُوَ بِالْمَنْعِ بَعْدَ الْوُجُوبِ، وَلَمْ يَتَحَقَّقْ فَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا لَمْ يُفْرَضْ لَهَا وَلَمْ يُنْفِقْ الزَّوْجُ عَلَيْهَا فِي يَوْمٍ يَنْبَغِي إذَا قَدَّمَتْهُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي أَنْ يَأْمُرَهُ بِالْإِنْفَاقِ فَإِنْ رَجَعَ فَلَمْ يُنْفِقْ أَوْجَعَهُ عُقُوبَةً، وَإِنْ كَانَتْ النَّفَقَةُ سَقَطَتْ بَعْدَ الْوُجُوبِ فَإِنَّهُ ظَالِمٌ لَهَا، وَهُوَ قِيَاسُ مَا أَسْلَفْنَاهُ فِي بَابِ الْقَسْمِ مِنْ قَوْلِهِمْ إذَا لَمْ يَقْسِمْ لَهَا فَرَفَعَتْهُ يَأْمُرُهُ بِالْقَسْمِ وَعَدَمِ الْجَوْرِ فَإِنْ ذَهَبَ وَلَمْ يَقْسِمْ فَرَفَعَتْهُ أَوْجَعَهُ عُقُوبَةً، وَإِنْ كَانَ مَا ذَهَبَ لَهَا مِنْ الْحَقِّ لَا يُقْضَى وَيَحْصُلُ بِذَلِكَ ضَرَرٌ كَبِيرٌ اهـ. وَفِي فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ الزَّوْجُ صَاحِبَ مَائِدَةٍ وَعَلِمَ الْقَاضِي أَنَّهُ يُضَارُّهَا فِي الْإِنْفَاقِ فَرَضَ نَفَقَتَهَا عَلَيْهِ دَرَاهِمَ بِقَدْرِ حَالِهِمَا، وَإِذَا امْتَنَعَ مِنْ أَنْ يَفْرِضَ شَيْئًا حُبِسَ حَتَّى يَفْرِضَ اهـ. وَهُوَ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ يَفْرِضُ إذَا امْتَنَعَ فَلَا حَاجَةَ إلَى فَرْضِ الزَّوْجِ لِيَحْبِسَ إذَا امْتَنَعَ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.   [منحة الخالق] الْحَبْسِ قَالَ ابْنُ وَهْبَانَ وَهِيَ فَائِدَةٌ حَسَنَةٌ. (قَوْلُهُ وَقَيَّدَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ الْوَلَدَ بِالصِّغَرِ وَالْفَقْرِ) قَالَ فِي الْمِنَحِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِقَيْدٍ احْتِرَازِيٍّ عَنْ الْبَالِغِ الزَّمِنِ الْفَقِيرِ فَإِنَّهُ فِي مَعْنَى الصَّغِيرِ كَمَا لَا يَخْفَى فَيُحْبَسُ أَبُوهُ إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَقَدْ فَهِمَ شَيْخُنَا فِي بَحْرِهِ مِنْهُ أَنَّهُ احْتِرَازِيٌّ (قَوْلُهُ وَهُوَ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ يَفْرِضُ إذَا امْتَنَعَ إلَخْ) قَالَ فِي الْمِنَحِ إذَا حُمِلَ قَوْلُهُ وَإِذَا امْتَنَعَ مِنْ أَنْ يَفْرِضَ عَلَى عَدَمِ قَبُولِهِ لِمَا فَرَضَهُ عَلَيْهِ الْقَاضِي وَالِامْتِنَاعِ مِنْ الْإِنْفَاقِ يَزُولُ الْإِشْكَالُ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 316 (بَابُ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي وَغَيْرِهِ) . هَذَا أَيْضًا مِنْ أَحْكَامِ الْقَضَاءِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ فِي الْوُجُودِ إلَّا بِقَاضِيَيْنِ فَهُوَ كَالْمُرَكَّبِ بِالنِّسْبَةِ لِمَا قَبْلَهُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهُوَ أَوْلَى مِمَّا ذَكَرَ الشَّارِحُ مِنْ أَنَّ هَذَا الْبَابَ لَيْسَ مِنْ كِتَابِ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ إمَّا نَقْلُ شَهَادَةٍ أَوْ نَقْلُ حُكْمٍ وَكُلُّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْهُ وَإِنَّمَا أَوْرَدَهُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ عَمَلِ الْقُضَاةِ فَكَانَ ذِكْرُهُ فِيهِ أَنْسَبَ اهـ. وَحَيْثُ كَانَ مِنْ عَمَلِهِمْ فَهُوَ مِنْهُ فَكَيْفَ يَنْفِيهِ وَالْمُرَادُ بِغَيْرِهِ مَا ذَكَرَهُ فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ قَوْلِهِ وَتَقْضِي الْمَرْأَةُ إلَى آخِرِهِ. (قَوْلُهُ يَكْتُبُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي فِي غَيْرِ حَدٍّ وَقَوَدٍ) أَيْ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ؛ لِأَنَّ كِتَابَتَهُ لَا تَكُونُ أَقْوَى مِنْ عِبَارَتِهِ وَهُوَ لَوْ أَخْبَرَ الْقَاضِي الْآخَرُ فِي مَحِلِّهِ لَمْ يَعْمَلْ بِخَبَرِهِ فَكِتَابَتُهُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُزَوَّرُ وَإِنَّمَا جَوَّزْنَاهُ لِأَثَرِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلِلْحَاجَةِ وَلَا يُسْتَغْنَى عَنْهُ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ يَحْتَاجُ فِيهَا إلَى تَعْدِيلِ الْأُصُولِ وَقَدْ يَتَعَذَّرُ ذَلِكَ وَلَمْ يَجُزْ فِي الْحُدُودِ الْقِصَاصُ لِمَا فِيهِ مِنْ الشُّبْهَةِ بِزِيَادَةِ الِاحْتِمَالِ وَيَدْخُلُ تَحْتَ قَوْلِهِ فِي غَيْرِ حَدٍّ وَقَوَدٍ كُلُّ شَيْءٍ مِنْ الدَّيْنِ وَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالشُّفْعَةِ وَالْوَكَالَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَالْإِيصَاءِ وَالْمَوْتِ وَالْوِرَاثَةِ وَالْقَتْلِ إذَا كَانَ مُوجَبُهُ الْمَالَ وَالنَّسَبِ مِنْ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ وَالْغَصْبِ وَالْأَمَانَةِ الْمَجْحُودَةِ مِنْ وَدِيعَةٍ وَمُضَارَبَةٍ وَعَارِيَّةٍ وَالْأَعْيَانِ مَنْقُولًا أَوْ عَقَارًا وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ وَعَلَيْهِ الْمُتَأَخِّرُونَ وَبِهِ يُفْتَى لِلضَّرُورَةِ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يَجُوزُ فِي الْمَنْقُولِ لِلْحَاجَةِ إلَى الْإِشَارَةِ إلَيْهَا عِنْدَ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ وَعَنْ الْإِمَامِ الثَّانِي تَجْوِيزُهُ فِي الْعَبْدِ لِغَلَبَةِ الْإِبَاقِ فِيهِ لَا فِي الْأَمَةِ وَعَنْهُ تَجْوِيزُهُ فِي الْكُلِّ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَالْمُتَقَدِّمُونَ لَمْ يَأْخُذُوا بِقَوْلِ الْإِمَامِ الثَّانِي وَعَمَلُ الْفُقَهَاءِ الْيَوْمَ عَلَى التَّجْوِيزِ فِي الْكُلِّ لِلْحَاجَةِ قَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَلَوْ جَاءَ الْمُدَّعِي مِنْ الْقَاضِي بِرَسُولٍ ثِقَةٍ مَأْمُونٍ عَدْلٍ إلَى قَاضٍ آخَرَ لَا يُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى أَنْ يَأْتِيَ الْقَاضِي بِنَفْسِهِ وَيُخْبِرَ وَهُوَ فِي غَيْرِ وِلَايَتِهِ كَوَاحِدٍ مِنْ الرَّعَايَا بِخِلَافِ كِتَابِهِ؛ لِأَنَّهُ كَالْخِطَابِ مِنْ مَجْلِسِ قَضَائِهِ دَلَّتْ التَّفْرِقَةُ عَلَى مَسْأَلَتَيْنِ الْأُولَى بَلْدَةٌ فِيهَا قَاضِيَانِ حَضَرَ أَحَدُهُمَا مَجْلِسَ الْقَاضِي الْآخَرِ وَأَخْبَرَ بِحَادِثَةٍ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ بِخَبَرِهِ وَحْدَهُ وَلَوْ كَتَبَ إلَيْهِ بِشَرْطِهِ لَهُ الْعَمَلُ بِهِ وَكَذَا لَوْ حَضَرَ قَاضِيَانِ فِي مِصْرٍ لَيْسَ فِيهِ مَجْلِسُ قَاضٍ أَوْ أَحَدُهُمَا قَاضٍ فِيهِ وَالْآخَرُ لَيْسَ بِقَاضٍ فِيهِ لَا يَعْمَلُ بِخَبَرِ مَنْ لَيْسَ بِقَاضٍ فِيهِ لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ كَقَاضٍ بِبُخَارَى الْتَقَى مَعَ قَاضٍ بِخُوَارِزْمَ وَأَخْبَرَهُ بِحَادِثَةٍ حَكَمَ فِيهَا بِبُخَارَى لَا يَعْمَلُ بِإِخْبَارِهِ قَاضِي خُوَارِزْمَ. اهـ. وَقَدْ ذَكَرَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ مَسَائِلَ الْأُولَى طَلَبَ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَسْمَعَ شُهُودَهُ عَلَى الْإِبْرَاءِ أَوْ إيفَاءِ الدَّيْنِ وَيَكْتُبُ لَهُ كِتَابًا بِذَلِكَ خَوْفًا مِنْ رَبِّ الدَّيْنِ أَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِ إذَا ذَهَبَ إلَيْهِ لَمْ يَكْتُبْ فِي قَوْلِ   [منحة الخالق] [بَابٌ كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي وَغَيْرِهِ] (قَوْلُهُ غَيْرَ أَنَّهُ) أَيْ كِتَابَ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي (قَوْلُهُ وَهُوَ أَوْلَى مِمَّا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَعِنْدِي أَنَّهُ لَا تَنَافِي بَيْنَهُمَا بِوَجْهٍ إذْ الْمَنْفِيُّ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ كَوْنُهُ قَضَاءً وَالْمُثْبَتُ فِي الْفَتْحِ كَوْنُهُ مِنْ أَحْكَامِ الْقَضَاءِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ قَضَاءً نَعَمْ كَوْنُهُ مِنْ أَحْكَامِهِ أَدْخَلُ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ (قَوْلُهُ لَيْسَ فِيهِ مَجْلِسُ قَاضٍ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ لَيْسَا بِقَاضِيَيْنِ فِيهِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2 أَبِي يُوسُفَ وَيَكْتُبُ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ. الثَّانِيَةُ لَوْ كَانَ صَاحِبُ الدَّيْنِ حَاضِرًا وَطَلَبَ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَسْأَلَهُ فَإِذَا أَنْكَرَ بَرْهَنَ لِيَكْتُبَ لَهُ لَمْ يَسْأَلْهُ إجْمَاعًا وَهَذِهِ حُجَّةٌ عَلَى مُحَمَّدٍ فِي السَّابِقَةِ. الثَّالِثَةُ امْرَأَةٌ جَاءَتْ إلَى الْقَاضِي وَقَالَتْ طَلَّقَنِي زَوْجِي فُلَانٌ ثَلَاثًا وَتَزَوَّجْت بِآخَرَ بَعْدَ الْعِدَّةِ وَأَخَافُ إنْكَارَهُ فَاسْأَلْهُ فَإِنْ أَنْكَرَ بَرْهَنْت سَأَلَهُ الْقَاضِي إجْمَاعًا وَهِيَ حُجَّةٌ عَلَى أَبِي يُوسُفَ. الرَّابِعَةُ ادَّعَى أَنَّهُ مُشْتَرٍ دَارًا لَهَا شَفِيعٌ سَلَّمَهَا وَهِيَ فِي بَلَدِ كَذَا وَطَلَبَ أَنْ يَسْمَعَ شُهُودَهُ وَيَكْتُبَ لَا يَكْتُبُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَكْتُبُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ كُلِّهَا احْتِيَاطًا احْتِرَازًا عَنْ تَضْيِيعِ الْحُقُوقِ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمَدْيُونَ أَوْ الْمُشْتَرِيَ أَوْ الْمَرْأَةَ لَوْ قَالَ إنَّ صَاحِبَ الدَّيْنِ وَالشَّفِيعَ وَالزَّوْجَ قَدْ تَعَرَّضَ لِي فِيمَا ادَّعَى فَاسْمَعْ شُهُودِي فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَسْمَعُ وَيَكْتُبُ. اهـ. أَطْلَقَ الْقَاضِي فَأَفَادَ أَنَّ قَاضِيَ مِصْرٍ يَكْتُبُ إلَى قَاضِي مِصْرٍ آخَرَ وَإِلَى قَاضِي السَّوَادِ وَالرُّسْتَاقِ وَلَا يَكْتُبُ قَاضِي الرُّسْتَاقِ إلَى قَاضِي مِصْرٍ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ مَعْزِيًّا إلَى الْيَنَابِيعِ ثُمَّ قَالَ وَإِنَّمَا يُقْبَلُ إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا مَسِيرَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا أَمَّا إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ لَا يُقْبَلُ وَفِي نَوَادِرِ هِشَامٍ إذَا كَانَ فِي الْمِصْرِ قَاضِيَانِ جَازَ كِتَابُهُمَا إلَى بَعْضِهِمَا فِي الْأَحْكَامِ ثُمَّ قَالَ وَإِذَا كَانَ الْكِتَابُ الَّذِي وَرَدَ عَلَيْهِ لِمَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ كَالْوَالِدَيْنِ وَالزَّوْجَةِ جَازَ الْقَضَاءُ بِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا تَرَافَعُوا إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ كِتَابٍ. اهـ. (قَوْلُهُ فَإِنْ شَهِدَا عَلَى خَصْمٍ حَاضِرٍ حَكَمَ بِالشَّهَادَةِ) لِوُجُودِ الْحُجَّةِ وَشَرْطِ الْحُكْمِ وَهُوَ حُضُورُ الْخَصْمِ وَالْمُرَادُ بِالْخَصْمِ الْحَاضِرِ مَنْ كَانَ وَكِيلًا مِنْ جِهَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ مُسَخَّرًا وَهُوَ مَنْ نَصَبَهُ الْقَاضِي وَكِيلًا عَنْ الْغَائِبِ لِيَسْمَعَ الدَّعْوَى عَلَيْهِ وَإِلَّا لَوْ أَرَادَ بِالْخَصْمِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَمْ يَبْقَ حَاجَةٌ إلَى الْكِتَابِ إلَى الْقَاضِي الْآخَرِ؛ لِأَنَّ الْخَصْمَ حَاضِرٌ عِنْدَ الْقَاضِي وَقَدْ حَكَمَ عَلَيْهِ وَإِذَا حَكَمَ كَتَبَ بِحُكْمِهِ إلَى قَاضِي الْبَلَدِ الَّتِي فِيهَا الْمُوَكِّلُ لِيَقْتَضِيَ مِنْهُ الْحَقَّ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. (قَوْلُهُ وَكَتَبَ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْمَدْعُوُّ سِجِلًّا) لِئَلَّا يَنْسَى الْوَاقِعَةَ عَلَى طُولِ الزَّمَانِ وَلِيَكُونَ الْكِتَابُ مُذَكِّرًا لَهَا وَإِلَّا فَلَا يَحْتَاجُ إلَى كِتَابَةِ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَمَّ لِحُضُورِ الْخَصْمِ بِنَفْسِهِ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ إلَّا إذَا قُدِّرَ أَنَّهُ غَابَ بَعْدَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ وَجَحَدَهُ فَحِينَئِذٍ يَكْتُبُ لَهُ لِيُسَلِّمَ إلَيْهِ حَقَّهُ أَوْ لِيُنْفِذَ حُكْمَهُ وَفِي الْمِصْبَاحِ السِّجِلُّ كِتَابُ الْقَاضِي وَالْجَمْعُ سِجِلَّاتٌ وَأَسْجَلْتُ لِلرَّجُلِ إسْجَالًا كَتَبْت لَهُ كِتَابًا وَسَجَّلَ الْقَاضِي بِالتَّشْدِيدِ قَضَى وَحَكَمَ وَأَثْبَتَ حُكْمَهُ فِي السِّجِلِّ اهـ. فَالسِّجِلُّ الْحُجَّةُ الَّتِي فِيهَا حُكْمُ الْقَاضِي وَلَكِنْ هَذَا فِي عُرْفِهِمْ وَفِي عُرْفِنَا السِّجِلُّ كِتَابٌ كَبِيرٌ يُضْبَطُ فِيهِ وَقَائِعُ النَّاسِ وَمَا يَحْكُمُ بِهِ الْقَاضِي وَمَا يَكْتُبُ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ وَإِلَّا لَمْ يَحْكُمْ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْخَصْمُ حَاضِرًا لَا يَحْكُمُ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ عَلَى الْغَائِبِ لَا يَجُوزُ لِمَا عُرِفَ وَلَوْ حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ يَرَى ذَلِكَ ثُمَّ نُقِلَ إلَيْهِ نَفَذَهُ بِخِلَافِ الْكِتَابِ الْحُكْمِيِّ حَيْثُ لَا يَنْفُذُ خِلَافُ مَذْهَبِهِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ مَحْكُومٌ بِهِ فَلَزِمَهُ وَالثَّانِي ابْتِدَاءُ حُكْمٍ فَلَا يَجُوزُ لَهُ كَذَا ذَكَرَ الشَّارِحُ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَاكِمَ عَلَى الْغَائِبِ إذَا كَانَ حَنَفِيًّا فَإِنَّ حُكْمَهُ لَا يَنْفُذُ لِقَوْلِهِ يَرَى ذَلِكَ وَهُوَ مُفِيدٌ؛ لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِمْ إنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ يَنْفُذُ فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ إذَا كَانَ الْقَاضِي شَافِعِيًّا (قَوْلُهُ وَكَتَبَ الشَّهَادَةَ لِيَحْكُمَ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ بِهَا وَهُوَ الْكِتَابُ الْحُكْمِيُّ) مَنْسُوبٌ إلَى الْحُكْمِ بِاعْتِبَارِ مَا يَئُولُ إلَيْهِ (وَهُوَ نَقْلُ الشَّهَادَةِ فِي الْحَقِيقَةِ) ؛ لِأَنَّ الْكَاتِبَ لَمْ يَحْكُمْ بِهَا وَإِنَّمَا نَقَلَهَا لِلْمَكْتُوبِ إلَيْهِ لِيَحْكُمَ بِهَا وَلِهَذَا يَحْكُمُ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ بِرَأْيِهِ وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لِرَأْيِ الْكَاتِبِ بِخِلَافِ السِّجِلِّ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُخَالِفَهُ وَيَنْقُضَ حُكْمَهُ وَفِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي وَرَدَ كِتَابُ قَاضٍ إلَى قَاضٍ آخَرَ فِي حَادِثَةٍ لَا يَرَاهُ الْقَاضِي الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ وَهِيَ مُخْتَلَفٌ فِيهَا لَا يُنْفِذُهُ وَإِنْ وَرَدَ فِيهَا سِجِلٌّ نَفَذَهُ؛ لِأَنَّ السِّجِلَّ مَحْكُومٌ بِهِ دُونَ الْكِتَابِ وَلِهَذَا لَهُ أَنْ لَا يَقْبَلَ الْكِتَابَ دُونَ السِّجِلِّ. اهـ. فَقَدْ أَفَادَ عَدَمَ وُجُوبِ قَبُولِ الْكِتَابِ عَلَى الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ وَفِي كِتَابِ الْمَحَاضِرِ وَالسِّجِلَّاتِ مِنْ الظَّهِيرِيَّةِ قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ ثِقَةُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْحَلْوَانِيُّ صَحِبْت كَثِيرًا مِنْ الْقُضَاةِ الْكِبَارِ فَمَا رَأَيْتهمْ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَلَا يَكْتُبُ قَاضِي الرُّسْتَاقِ إلَى قَاضِي مِصْرٍ) قَالَ فِي مِنَحِ الْغَفَّارِ بَعْدَ نَقْلِهِ الْخِلَافَ فِي الْمَسْأَلَةِ أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ الْخِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ فِي أَنَّ الْمِصْرَ هَلْ هُوَ شَرْطٌ لِنَفَاذِ الْقَضَاءِ أَمْ لَا فَحَكَوْا عَنْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ شَرْطٌ وَعَنْ رِوَايَةِ النَّوَادِرِ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَبِهِ يُفْتَى كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ فَعَلَى هَذَا يُفْتَى بِقَبُولِهِ مِنْ قَاضِي رُسْتَاقٍ إلَى قَاضِي مِصْرٍ أَمْ رُسْتَاقٍ اهـ. وَذَكَرَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ أَنَّهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ قَدْ صَرَّحَ بِابْتِنَاءِ الْخِلَافِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى الْخِلَافِ فِي اشْتِرَاطِ الْمِصْرِ (قَوْلُهُ وَإِلَّا لَوْ أَرَادَ بِالْخَصْمِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَمْ يَبْقَ حَاجَةٌ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَأَقُولُ فِي الشَّرْحِ إنَّمَا يَكْتُبُ السِّجِلَّ حَتَّى لَا يَنْسَى الْوَاقِعَةَ عَلَى طُولِ الزَّمَانِ وَلِيَكُونَ الْكِتَابُ مُذَكِّرًا لَهَا وَإِلَّا فَلَا يَحْتَاجُ إلَى كِتَابَةِ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَمَّ بِحُضُورِ الْخَصْمِ نَفْسِهِ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ إلَّا إذَا قُدِّرَ أَنَّهُ غَابَ بَعْدَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ وَجَحَدَ الْحُكْمَ فَحِينَئِذٍ يَكْتُبُ لَهُ لِيُسَلِّمَ إلَيْهِ حَقَّهُ أَوْ لِيَنْفُذَ حُكْمُهُ اهـ. وَهَذَا كَمَا تَرَى صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالْخَصْمِ إمَّا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ وَكِيلُهُ وَأَنَّهُ لَوْ أُرِيدَ بِالْخَصْمِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَانَ لِلْكِتَابِ إلَى الْآخَرِ مَا قَدْ عَلِمْت مِنْ الْفَوَائِدِ، وَأَمَّا الْقَضَاءُ عَلَى الْمُسَخَّرِ فَالْمَنْقُولُ عَنْ الذَّخِيرَةِ أَنَّ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ قَالَ وَالِاعْتِمَادُ عَلَى أَنَّ الْقَاضِيَ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ مُسَخَّرٌ لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ وَإِلَّا نَفَذَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3 أَجَابُوا إلَى شَيْءٍ مِنْ الْحَوَادِثِ الْمُجْتَهَدِ فِيهَا فِي الْكِتَابَةِ إلَى الْقَاضِي الشَّافِعِيِّ إلَّا فِي الْيَمِينِ الْمُضَافَةِ فَإِنَّ دَلَائِلَ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ فِي ذَلِكَ وَاضِحَةٌ وَبَرَاهِينُهُمْ فِيهَا لَائِحَةٌ وَالشُّبَّانُ يَتَجَاسَرُونَ إلَى هَذِهِ الْيَمِينِ ثُمَّ يَحْتَاجُونَ إلَى التَّزَوُّجِ فَيُضْطَرُّونَ إلَى ذَلِكَ فَلَوْ لَمْ يُجِبْهُمْ الْقَاضِي إلَى ذَلِكَ رُبَّمَا يَقَعُونَ فِي الْفِتْنَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَرَأَ عَلَيْهِمْ وَخَتَمَ عِنْدَهُمْ وَسَلَّمَ إلَيْهِمْ) أَيْ الْقَاضِي الْكَاتِبُ يَفْعَلُ ذَلِكَ لِيَعْلَمُوا مَا فِيهِ لِيَشْهَدُوا عِنْدَ الثَّانِي وَلَا بُدَّ لَهُمْ مِنْ حِفْظِ مَا فِيهِ وَلِهَذَا قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَعَهُمْ نُسْخَةٌ أُخْرَى مَفْتُوحَةً فَيَسْتَعِينُوا مِنْهَا عَلَى الْحِفْظِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّذَكُّرِ مِنْ وَقْتِ الشَّهَادَةِ إلَى وَقْتِ الْأَدَاءِ عِنْدَهُمَا وَلَمْ يَذْكُرْ الْعِنْوَانَ وَهُوَ مِنْ شَرَائِطِهِ وَهُوَ أَنْ يَكْتُبَ فِيهِ اسْمَهُ وَاسْمَ أَبِيهِ وَجَدِّهِ وَكَذَا الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ وَيَكْتُبُهُ مِنْ دَاخِلٍ فَلَوْ كَانَ عَلَى الظَّاهِرِ لَمْ يُقْبَلْ وَفِي عُرْفِنَا الْعِنْوَانُ يَكُونُ عَلَى الظَّاهِرِ فَيَكْتَفِي بِهِ وَيَكْتُبُ فِيهِ اسْمَ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى وَجْهٍ يَقَعُ التَّمْيِيزُ بِذِكْرِ جَدِّهِمَا وَيَذْكُرُ الْحَقَّ فِيهِ وَيَذْكُرُ الشُّهُودَ إنْ شَاءَ وَإِنْ شَاءَ اكْتَفَى بِذِكْرِ شَهَادَتِهِمْ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ عَلَى الشُّهُودِ إلَّا نَقْلُ الْكِتَابِ وَالشَّهَادَةُ عَلَى أَنَّهُ كِتَابُ فُلَانٍ وَلَا عَلَى الْقَاضِي سِوَى كِتَابَةِ الْحَاجَةِ الَّتِي لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَتِهَا وَاخْتَارَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ لِكَوْنِهِ أَسْهَلَ. (قَوْلُهُ فَإِنْ وَصَلَ إلَى الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ نَظَرَ إلَى خَتْمِهِ لَمْ يَقْبَلْهُ بِلَا خَصْمٍ وَشُهُودٍ) ؛ لِأَنَّهُ لِلْحُكْمِ بِهِ فَلَا يَقْبَلُهُ إلَّا بِحُضُورِ الْخَصْمِ كَالشَّهَادَةِ وَلَا بُدَّ مِنْ إسْلَامِ الشُّهُودِ وَلَوْ كَانَ الْكِتَابُ لِذِمِّيٍّ عَلَى ذِمِّيٍّ؛ لِأَنَّهُمْ يَشْهَدُونَ عَلَى فِعْلِ الْمُسْلِمِ وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِمْ إذَا أَنْكَرَ الْخَصْمُ كَوْنَهُ كِتَابَ الْقَاضِي أَمَّا إذَا أَقَرَّ فَلَا حَاجَةَ إلَيْهِمْ بِخِلَافِ كِتَابِ الْأَمَانِ إلَى أَهْلِ الْحَرْبِ حَيْثُ يُعْمَلُ بِهِ بِلَا بَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُلْزَمٍ وَمَعْنَاهُ إذَا جَاءَ الْكِتَابُ مِنْ مَلِكِهِمْ يَطْلُبُ الْأَمَانَ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ وَقَدْ كَتَبْنَا فِي الْفَوَائِدِ الْفِقْهِيَّةِ أَنَّهُ لَا يُعْمَلُ بِالْخَطِّ إلَّا فِي مَسْأَلَةِ كِتَابِ الْأَمَانِ وَفِي دَفْتَرِ الْبَيَّاعِ وَالصَّرَّافِ وَالسِّمْسَارِ فَإِنَّهُ حُجَّةٌ وَالْمُرَادُ بِعَدَمِ قَبُولِهِ بِلَا خَصْمٍ عَدَمُ قِرَاءَتِهِ لَا مُجَرَّدُ قَبُولِهِ فَإِنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَجَوَّزَ أَبُو يُوسُفَ قَبُولَهُ بِلَا بَيِّنَةٍ وَلَكِنْ لَا يُعْمَلُ بِهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَفِي السِّرَاجِيَّةِ يُقْبَلُ كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي مَعَ كَسْرِ الْخَتْمِ كَذَا عَنْ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ. (قَوْلُهُ فَإِنْ شَهِدُوا أَنَّ كِتَابَ فُلَانٍ الْقَاضِي سَلَّمَهُ إلَيْنَا فِي مَجْلِسِ حُكْمِهِ وَقَرَأَهُ عَلَيْنَا وَخَتَمَهُ فَتَحَهُ الْقَاضِي وَقَرَأَهُ عَلَى الْخَصْمِ وَأَلْزَمَهُ مَا فِيهِ) يَعْنِي إذَا ثَبَتَتْ عَدَالَتُهُمْ عِنْدَهُ بِأَنْ كَانَ يَعْرِفُهُمْ بِالْعَدَالَةِ أَوْ وَجَدَ فِي الْكِتَابِ عَدَالَتَهُمْ أَوْ سَأَلَ مَنْ يَعْرِفُهُمْ مِنْ الثِّقَاتِ فَزَكَّوْا، وَأَمَّا قَبْلَ ظُهُورِ عَدَالَتِهِمْ فَلَا يَحْكُمُ بِهِ وَلَا يُلْزِمُ الْخَصْمَ وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّهُ لَا يَفْتَحُهُ إلَّا بَعْدِ ظُهُورِ الْعَدَالَةِ وَصَحَّحَهُ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ سَلَّمَهُ إلَيْنَا آخِرُهُ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا قَالُوا لَمْ يُسَلِّمْهُ إلَيْنَا أَوْ لَمْ يَقْرَأْهُ عَلَيْنَا أَوْ لَمْ يَخْتِمْهُ بِحَضْرَتِنَا لَمْ يُعْمَلْ بِهِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إذَا شَهِدُوا أَنَّ هَذَا كِتَابَ فُلَانٍ الْقَاضِي قُبِلَ وَإِنْ لَمْ يَقُولُوا قَرَأَهُ عَلَيْنَا وَشَرَطَ فِي الذَّخِيرَةِ حُضُورَ الْخَصْمِ لِقَبُولِ الْبَيِّنَةِ بِأَنَّهُ كِتَابُ فُلَانٍ لَا لِقَبُولِ الْكِتَابِ حَتَّى لَوْ قَبِلَهُ مَعَ غَيْبَةِ الْخَصْمِ جَازَ وَالْأَشْبَهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْمُؤَلِّفُ مَسَافَةً بَيْنَ الْقَاضِيَيْنِ لِلِاخْتِلَافِ فِيهَا فَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مَسِيرَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ كَالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ وَجَوَّزَهُمَا مُحَمَّدٌ وَإِنْ كَانَا فِي مِصْرٍ وَاحِدٍ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إنْ كَانَ فِي مَكَان لَوْ غَدَا لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَبِيتَ فِي أَهْلِهِ صَحَّ الْإِشْهَادُ وَالْكِتَابَةُ وَفِي السِّرَاجِيَّةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. (قَوْلُهُ وَيَبْطُلُ الْكِتَابُ بِمَوْتِ الْكَاتِبِ وَعَزْلِهِ) يَعْنِي قَبْلَ وُصُولِ الْكِتَابِ إلَى الثَّانِي أَوْ بَعْدَ وُصُولِهِ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَبْطُلُ، وَأَمَّا بَعْدَهُمَا فَلَا يَبْطُلُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَجُنُونُ الْكَاتِبِ وَرِدَّتُهُ وَحَدُّهُ لِقَذْفٍ وَعَمَاهُ كَعَزْلِهِ ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَإِذَا قَبِلَهُ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ فِيمَا إذَا بَطَلَ وَحَكَمَ بِهِ ثُمَّ رُفِعَ إلَى آخَرَ فَأَمْضَاهُ جَازَ لِمُصَادَفَتِهِ الِاجْتِهَادَ وَإِذَا كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي نَفْسِ الْقَضَاءِ فَإِنَّهُ يَنْفُذُ بِالتَّنْفِيذِ مِنْ قَاضٍ آخَرَ وَلَوْ فَسَقَ الْكَاتِبُ أَوْ خَرَجَ عَنْ أَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ فَإِنَّ الْمَكْتُوبَ إلَيْهِ لَا يَقْضِي بِهِ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ قِرَاءَتِهِ أَوْ بَعْدَهَا كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الشَّارِحِ وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَلَوْ شَهِدَ شُهُودٌ بِحَقٍّ ثُمَّ مَاتَ الْقَاضِي الْمَشْهُودُ عِنْدَهُ وَوُلِّيَ قَاضٍ آخَرُ لَمْ يُنْفِذْ تِلْكَ   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 4 الشَّهَادَةِ حَتَّى تُعَادَ. اهـ. وَقَدْ ذَكَرُوا هُنَا أَنَّ مِمَّا يُبْطِلُ كِتَابَهُ فِسْقُهُ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ عَدْلًا فَفَسَقَ عِنْدَ الْبَعْضِ (قَوْلُهُ وَبِمَوْتِ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ إلَّا إذَا كَتَبَ بَعْدَ اسْمِهِ وَإِلَى كُلِّ مَنْ يَصِلُ إلَيْهِ مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ) أَيْ يَبْطُلُ الْكِتَابُ؛ لِأَنَّ الْكَاتِبَ اعْتَمَدَهُ إلَّا إذَا عَمَّمَ لِاعْتِمَادِهِ الْكُلَّ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ بَعْدَ اسْمِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ عَمَّمَ ابْتِدَاءً لَمْ يَجُزْ أَنْ يَحْكُمَ بِهِ أَحَدٌ وَأَجَازَهُ أَبُو يُوسُفَ حِينَ اُبْتُلِيَ بِالْقَضَاءِ وَاخْتَارَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ تَسْهِيلًا لِلْأَمْرِ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَعَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ الْيَوْمَ. (قَوْلُهُ لَا بِمَوْتِ الْخَصْمِ) أَيْ لَا يَبْطُلُ الْكِتَابُ بِمَوْتِ الْخَصْمِ؛ لِأَنَّ وَارِثَهُ يَقُومُ مَقَامَهُ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْمُدَّعِيَ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ تَارِيخُ الْكِتَابِ بَعْدَ مَوْتِ الْمَطْلُوبِ أَوْ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ وَارِثَ الْمَطْلُوبِ وَالْوَصِيَّ قَائِمٌ مَقَامَهُ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ قَيَّدَ بِمَوْتِ الْخَصْمِ؛ لِأَنَّ عَدَمَ حَضْرَتِهِ عِنْدَ الْقَاضِي الْكَاتِبِ تُبْطِلُ كِتَابَتَهُ فَلَا يَحْكُمُ عَلَيْهِ بِشَهَادَةِ أُولَئِكَ حَتَّى يَشْهَدُوا عِنْدَهُ بِحَضْرَةِ الْخَصْمِ كَذَا فِي السِّرَاجِيَّةِ وَلَوْ رَدَّدَ بَيْنَ قَاضِيَيْنِ كَتَبَ إلَى فُلَانٍ أَوْ فُلَانٍ صَحَّ وَشَرَحَهُ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْخَصَّافِ وَسَيَأْتِي بَعْدُ. (فُرُوعٌ) يَجُوزُ عَلَى كِتَابِ الْقَاضِي الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ كَمَا جَازَ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ مَعَ الشُّبُهَاتِ وَلَوْ كَتَبَ الْقَاضِي إلَى الْأَمِيرِ الَّذِي وَلَّاهُ أَصْلَحَ اللَّهُ أَمْرَ الْأَمِيرِ ثُمَّ قَصَّ الْقِصَّةَ وَهُوَ مَعَهُ فِي الْمِصْرِ فَجَاءَ بِهِ ثِقَةٌ يَعْرِفُهُ الْأَمِيرُ فَالِاسْتِحْسَانُ أَنَّ لِلْأَمِيرِ إمْضَاءَهُ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَارَفٌ وَلَا يَلِيقُ بِالْقَاضِي أَنْ يَأْتِيَ فِي كُلِّ حَادِثَةٍ إلَى الْأَمِيرِ لِيُخْبِرَهُ وَشَرْطُنَا فِيهِ شَرْطُ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَوْ سَمِعَ الْخَصْمُ بِوُصُولِ كِتَابِ الْقَاضِي الْبَلْدَةَ فَهَرَبَ إلَى بَلْدَةٍ أُخْرَى كَانَ لِلْقَاضِي الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ أَنْ يَكْتُبَ إلَى قَاضِي تِلْكَ الْبَلْدَةِ بِمَا يَثْبُتُ عِنْدَهُ مِنْ كِتَابِ الْقَاضِي فَكَمَا جَوَّزْنَا لِلْأَوَّلِ الْكِتَابَةَ جَوَّزْنَا لِلثَّانِي وَالثَّالِثِ وَهَلُمَّ جَرًّا لِلْحَاجَةِ وَلَوْ كَتَبَ فَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ يَدِهِ حَتَّى رَجَعَ الْخَصْمُ لَمْ يَحْكُمْ عَلَيْهِ بِتِلْكَ الشَّهَادَةِ الَّتِي سَمِعَهَا مِنْ شُهُودِ الْكِتَابِ بَلْ يُعِيدُ الْمُدَّعِي شَهَادَتَهُمْ وَيَكْتُبُ الْقَاضِي بِعِلْمِهِ كَالْقَضَاءِ بِعِلْمِهِ وَالتَّفَاوُتُ هُنَا أَنَّ الْقَاضِيَ يَكْتُبُ بِالْعِلْمِ الْحَاصِلِ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِالْإِجْمَاعِ كَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ وَإِذَا أَقَامَ شَاهِدًا عِنْدَ الْقَاضِي وَسَأَلَ الْقَاضِي أَنْ يَكْتُبَ بِذَلِكَ كِتَابًا إلَى قَاضٍ آخَرَ فَعَلَ فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ لَهُ شَاهِدٌ فِي مَحَلِّ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْكِتَابَةَ بِعِلْمِهِ كَالْقَضَاءِ بِعِلْمِهِ كَذَا فِي شَرْحِ أَدَبِ الْخَصَّافِ. (قَوْلُهُ وَتَقْضِي الْمَرْأَةُ فِي غَيْرِ حَدٍّ وَقَوَدٍ) ؛ لِأَنَّهَا أَهْلٌ لِلشَّهَادَةِ فِي غَيْرِهِمَا فَكَانَتْ أَهْلًا لِلْقَضَاءِ لَكِنْ يَأْثَمُ الْمُوَلِّي لَهَا لِلْحَدِيثِ «لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمْ امْرَأَةً» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَلَا تَرَى أَنَّهَا تَصْلُحُ شَاهِدَةً وَنَاظِرَةً فِي الْأَوْقَافِ وَوَصِيَّةً عَلَى الْيَتَامَى اهـ. فَظَاهِرُهُ صِحَّةُ تَقْرِيرِهَا فِي النَّظَرِ وَالشَّهَادَةِ فِي الْأَوْقَافِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ وَقَدْ أَفْتَيْت فِيمَنْ شَرَطَ الشَّهَادَةَ فِي وَقْفِهِ لِفُلَانٍ ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ لِوَلَدِهِ فَمَاتَ وَتَرَكَ بِنْتًا أَنَّهَا تَسْتَحِقُّ وَظِيفَةَ الشَّهَادَةِ وَاسْتَغْرَبَهُ بَعْضُ الْقُضَاةِ وَلَا عِبْرَةَ بِهِ بَعْدَمَا ذَكَرْنَا، وَأَمَّا سَلْطَنَتُهَا فَصَحِيحَةٌ وَقَدْ وَلِيَ مِصْرَ امْرَأَةٌ تُسَمَّى شَجَرَةُ الدُّرِّ جَارِيَةُ الْمَلِكِ الصَّالِحِ بْنِ أَيُّوبَ وَفِي الْخُلَاصَةِ لَوْ قَضَتْ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ فَرَفَعَ إلَى قَاضٍ آخَرَ فَأَمْضَاهُ لَيْسَ   [منحة الخالق] [يَبْطُلُ كِتَاب الْقَاضِي إلَيَّ الْقَاضِي بِمَوْتِ الْكَاتِبِ وَعَزْلِهِ] (قَوْلُهُ وَشَرْطُنَا فِيهِ شَرْطُ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي) فِيهِ اخْتِصَارٌ مُخِلٌّ فَإِنَّ عِبَارَةَ الْفَتْحِ هَكَذَا وَلَمْ يَجْرِ الرَّسْمُ فِي مِثْلِهِ مِنْ مِصْرٍ إلَى مِصْرٍ فَشَرْطُنَا هُنَاكَ كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي اهـ فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ إذَا كَانَ الْأَمِيرُ فِي مِصْرٍ غَيْرِ مِصْرِ الْقَاضِي. (قَوْلُهُ وَقَدْ أَفْتَيْت فِيمَنْ شَرَطَ الشَّهَادَةَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ كَأَنَّهُ عَلَّقَ فِي الْفَتْحِ قَوْلَهُ فِي الْأَوْقَافِ بِشَهَادَةٍ وَعِنْدِي فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ صَاحِبَ الْفَتْحِ إنَّمَا اسْتَظْهَرَ بِهَذَا عَلَى عَدَمِ سَلْبِ وِلَايَتِهَا مَعَ نُقْصَانِ عَقْلِهَا وَلَا شَكَّ أَنَّ صَلَاحِيَّتَهَا شَاهِدَةٌ فِي الْأَمْوَالِ اتِّفَاقًا فِيهِ إثْبَاتُ وِلَايَتِهَا وَالْقَضَاءُ أَهْلُهُ أَهْلُ الشَّهَادَةِ وَلَوْ عَلَّقَ فِي الْأَوْقَافِ بِشَاهِدَةٍ لَقَصُرَ عَنْ إفَادَةِ هَذَا الْمَعْنَى وَالْمَقْصُودُ هُوَ الْأَوَّلُ لِمَنْ تَأَمَّلَ وَبِتَقْدِيرِ التَّسْلِيمِ فَعُرْفُ الْوَاقِفِينَ مُرَاعًى وَلَمْ يَتَّفِقْ تَقْرِيرُ أُنْثَى شَاهِدَةً فِي وَقْفٍ فِي زَمَنٍ مَا فِيمَا عَلِمْنَا فَوَجَبَ صَرْفُ أَلْفَاظِهِ إلَى مَا تَعَارَفُوهُ وَإِذَا كَانَ هَذَا الْمَعْنَى لَمْ يَخْطِرْ بِبَالِ وَاقِفٍ وَلَمْ يَسِرْ ذِهْنُهُ إلَيْهِ وَإِنَّمَا أَرَادَ مِنْ الشَّاهِدِ الْكَامِلَ فَكَيْفَ يُصْرَفُ لَفْظُهُ إلَى غَيْرِ مُرَادِهِ وَقَدْ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَبْدُ الْبَرِّ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ يَنْبَغِي تَرْجِيحُ رِوَايَةِ دُخُولِ أَوْلَادِ الْبَنَاتِ فِيمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى ذُرِّيَّتِهِ؛ لِأَنَّ عُرْفَهُمْ عَلَيْهِ لَا يَعْرِفُونَ غَيْرَهُ وَلَا يَسْرِي إلَى أَذْهَانِهِمْ غَالِبًا سِوَاهُ فَاعْتُبِرَ عُرْفُهُمْ وَقَالَ فِيمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ يَنْبَغِي أَنْ تُصَحَّحَ رِوَايَةُ دُخُولِ أَوْلَادِ الْبَنَاتِ أَيْضًا قَطْعًا؛ لِأَنَّ فِيهَا نَصُّ مُحَمَّدٍ عَنْ أَصْحَابِنَا وَقَدْ انْضَمَّ إلَى ذَلِكَ أَنَّ النَّاسَ فِي هَذَا الزَّمَانِ لَا يَفْهَمُونَ سِوَى ذَلِكَ وَلَا يَقْصِدُونَ غَيْرَهُ وَعَلَيْهِ عَمَلُهُمْ وَعُرْفُهُمْ اهـ. وَهَذَا بُرْهَانٌ بَيِّنٌ لِمَا ادَّعَيْنَاهُ فَوَجَبَ الْحُكْمُ بِمُقْتَضَاهُ وَإِذَا عُرِفَ هَذَا فَتَقْرِيرُهَا فِي شَهَادَةِ وَقْفٍ ابْتِدَاءً غَيْرُ صَحِيحٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ اهـ. وَذَكَرَ الْحَمَوِيُّ عَنْ الْمَقْدِسِيَّ مُوَافَقَةَ مَا فِي النَّهْرِ ثُمَّ نَقَلَ عَنْ بَعْضِ الْفُضَلَاءِ مَا نَصُّهُ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّ فِي الْأَوْقَافِ مُتَعَلِّقٌ بِهِمَا لَا بِنَاظِرَةٍ فَقَطْ، وَأَمَّا قَوْلُ الْمَقْدِسِيَّ فَالْمُتَعَارَفُ فِي الْأَوْقَافِ خِلَافُ هَذَا فَلَا يَمْنَعُ كَوْنَهَا أَهْلًا لِلشَّهَادَةِ وَقَوْلُ الْأَصْحَابِ بِأَنَّ شَهَادَتَهَا فِي غَيْرِ حَدٍّ وَقَوَدٍ جَائِزٌ فَكَذَا قَضَاؤُهَا صَرِيحٌ فِي صِحَّةِ تَقْرِيرِهَا فِي الْأَوْقَافِ اهـ. كَذَا فِي حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ قُلْتُ: كَلَامُ الْأَصْحَابِ يُفِيدُ صِحَّةَ تَقْرِيرِهَا شَاهِدَةً ابْتِدَاءً خِلَافًا لِمَا ذَكَرَهُ فِي النَّهْرِ، وَأَمَّا إفَادَتُهُ لِدُخُولِهَا فِي الْوَاقِعَةِ الْمُسْتَفْتَى عَنْهَا فَغَيْرُ ظَاهِرٍ وَهَذَا هُوَ الْإِنْصَافُ لِمَنْ تَأَمَّلَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 5 لِغَيْرِهِ أَنْ يُبْطِلَهُ اهـ. وَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ إلَى صَلَاحِيَّتِهَا لِلنَّظَّارَةِ عَلَى الْوَقْفِ وَالْوِصَايَةِ عَلَى الْيَتَامَى بِالْأَوْلَى كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَأَمَّا قَضَاءُ الْخُنْثَى فَيَصِحُّ بِالْأُولَى وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ لِشُبْهَةِ الْأُنُوثَةِ اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا يَسْتَخْلِفُ قَاضٍ إلَّا أَنْ يُفَوِّضَ إلَيْهِ ذَلِكَ) ؛ لِأَنَّهُ فَوَّضَ إلَيْهِ الْقَضَاءَ دُونَ التَّقْلِيدِ بِهِ فَلَا يَتَصَرَّفُ فِي غَيْرِ مَا فُوِّضَ إلَيْهِ كَالْوَكِيلِ لَا يُوَكِّلُ بِدُونِ إذْنِ الْمُوَكِّلِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ بِعُذْرٍ أَوْ لَا كَمَا فِي الْعِنَايَةِ فَلَوْ اسْتَخْلَفَ بِلَا إذْنٍ فَحَكَمَ الْخَلِيفَةُ فَأَجَازَهُ الْقَاضِي جَازَ حَيْثُ كَانَ الْخَلِيفَةُ أَهْلًا لِلْقَضَاءِ فَإِنْ كَانَ رَقِيقًا أَوْ مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ أَوْ كَافِرًا لَمْ يَجُزْ وَكَذَا إذَا قَضَى بِحَضْرَةِ الْقَاضِي كَمَا فِي الْوَكَالَةِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ حُضُورُ رَأْيِهِ وَفِي آخِرِ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ الْقَاضِي لَوْ قَضَى فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ يَوْمَيْنِ بِأَنْ كَانَ لَهُ وِلَايَةُ الْقَضَاءِ فِي يَوْمَيْنِ مِنْ كُلِّ أُسْبُوعٍ لَا غَيْرُ فَقَضَى فِي الْأَيَّامِ الَّتِي لَمْ تَكُنْ لَهُ وِلَايَةُ الْقَضَاءِ فَإِذَا جَاءَتْ نَوْبَتُهُ أَجَازَ مَا قَضَى جَازَتْ اهـ فَدَخَلَ الْفُضُولِيُّ فِي الْقَضَاءِ وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ الْقَاضِي وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ إجَازَةَ قَضَاءِ الْفُضُولِيِّ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى كَوْنِ الْفُضُولِيِّ خَلِيفَةً مِنْ قَاضٍ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ الِاسْتِخْلَافِ بَلْ لَوْ قَضَى فُضُولِيٌّ بِلَا اسْتِخْلَافٍ أَصْلًا فَأَجَازَهُ الْقَاضِي جَازَ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُمْ كَمَا فِي الْوَكَالَةِ مَعْنَاهُ الْوَكَالَةُ بِالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ وَنَحْوِهِمَا أَمَّا الْوَكِيلُ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ إذَا أَجَازَ أَوْ حَضَرَ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ عِبَارَتُهُ كَمَا فِي الْمُنْيَةِ وَشَمِلَ التَّفْوِيضُ إلَيْهِ مَا إذَا كَانَ صَرِيحًا بِأَنْ قَالَ لَهُ وَلِّ مَنْ شِئْت أَوْ دَلَالَةً كَجَعَلْتُكَ قَاضِيَ الْقُضَاةِ وَالدَّلَالَةُ هُنَا أَقْوَى؛ لِأَنَّ فِي الصَّرِيحِ الْمَذْكُورِ يَمْلِكُ الِاسْتِخْلَافَ لَا الْعَزْلَ وَفِي الدَّلَالَةِ يَمْلِكُهُمَا كَقَوْلِهِ وَلِّ مَنْ شِئْت وَاسْتَبْدِلْ مَنْ شِئْت فَإِنَّ قَاضِيَ الْقُضَاةِ هُوَ الَّذِي يَتَصَرَّفُ فِيهِمْ مُطْلَقًا تَقْلِيدًا وَعَزْلًا وَإِذَا قَالَ لَهُ وَلِّ مَنْ شِئْت وَاسْتَخْلِفْ كَانَ نَائِبًا عَنْ الْإِمَامِ فِي التَّوْلِيَةِ فَلَا يَمْلِكُ عَزْلَهُ كَالْوَكِيلِ إذَا وُكِّلَ بِإِذْنٍ وَلَا يَنْعَزِلُ بِمَوْتِهِ وَيَنْعَزِلَانِ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ بِخِلَافِ الْوَصِيِّ حَيْثُ يَمْلِكُ الْإِيصَاءَ إلَى غَيْرِهِ وَيَمْلِكُ التَّوْكِيلَ وَالْعَزْلَ فِي حَيَاتِهِ لِرِضَى الْمُوصِي بِذَلِكَ دَلَالَةً لَعَجَزَهُ بِخِلَافِ الْإِمَامِ وَالْمُوَكِّلِ وَبِخِلَافِ الْمُسْتَعِيرِ فَإِنَّ لَهُ الْإِعَارَةَ بِشَرْطِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا مَلَكَ الْمَنْفَعَةَ مَلَكَ تَمْلِيكَهَا وَفِي الْمُلْتَقَطِ الْقَاضِي إذَا اسْتَخْلَفَ خَلِيفَةً فَقَضَى لِلْقَاضِي لَا يَجُوزُ وَالطَّرِيقُ فِيهِ أَنْ يَتَحَاكَمَا أَوْ يَنْصِبَ الْإِمَامُ قَاضِيًا آخَرَ لِهَذِهِ الْحَادِثَةِ. اهـ. وَفِي السِّرَاجِيَّةِ الْقَاضِي إذَا وَقَعَتْ لَهُ حَادِثَةٌ أَوْ لِوَلَدِهِ فَأَنَابَ غَيْرَهُ وَكَانَ مِنْ أَهْلِ الْإِنَابَةِ تَخَاصَمَا عِنْدَهُ وَقَضَى لَهُ أَوْ لِوَلَدِهِ جَازَ الْقَاضِي إذَا قَضَى لِلْإِمَامِ الَّذِي قَلَّدَهُ الْقَضَاءَ أَوْ لِوَلَدِ الْإِمَامِ جَازَ اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ كَمَا فِي السِّرَاجِيَّةِ وَفِي الْخُلَاصَةِ الْخَلِيفَةُ إذَا أَذِنَ لِلْقَاضِي فِي الِاسْتِخْلَافِ فَاسْتَخْلَفَ رَجُلًا وَأَذِنَ لَهُ فِي الِاسْتِخْلَافِ جَازَ لَهُ الِاسْتِخْلَافُ ثُمَّ وَثُمَّ اهـ. وَفِيهَا وَإِنْ أَرَادُوا أَنْ يُثْبِتُوا قَضَاءَ الْخَلِيفَةِ عِنْدَ الْقَاضِي الْأَصْلِيِّ فَهُوَ كَمَا لَوْ أَثْبَتُوا قَضَاءَ   [منحة الخالق] قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلَا يَسْتَخْلِفُ قَاضٍ إلَّا أَنْ يُفَوِّضَ إلَيْهِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة نَقْلًا عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يُوَلِّيَ الْقَضَاءَ غَيْرَهُ إلَّا إذَا كَانَ مَكْتُوبًا فِي مَنْشُورِهِ ذَلِكَ أَوْ قِيلَ لَهُ مَا صَنَعْت مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ جَائِزٌ فَإِنْ وَلَّى غَيْرَهُ مِنْ غَيْرِ هَذَا يَكُونُ قَضَاؤُهُ مَوْقُوفًا عَلَى إجَازَةِ الْأَوَّلِ (م) وَلَوْ أَنَّ الْخَلِيفَةَ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي الِاسْتِخْلَافِ فَأَمَرَ رَجُلًا فَحَكَمَ بَيْنَ اثْنَيْنِ لَمْ يَجُزْ حُكْمُهُ ثُمَّ إنَّ الْقَاضِيَ لَوْ أَجَازَ ذَلِكَ الْحُكْمَ يُنْظَرُ إنْ كَانَ بِحَالٍ يَجُوزُ حُكْمُهُ لَوْ كَانَ قَاضِيًا جَازَ إمْضَاءُ الْقَاضِي حُكْمَهُ وَإِنْ كَانَ بِحَالٍ لَا يَجُوزُ حُكْمُهُ لَوْ كَانَ قَاضِيًا يُنْظَرُ إنْ كَانَ مِمَّا يَخْتَلِفُ فِيهِ الْفُقَهَاءُ كَالْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ جَازَ إمْضَاؤُهُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا أَوْ صَبِيًّا لَمْ يَجُزْ وَإِنْ كَانَ الْخَلِيفَةُ أَذِنَ لِلْقَاضِي فِي الِاسْتِخْلَافِ فَاسْتَخْلَفَ غَيْرَهُ جَازَ فَهَذَا الْقَاضِي الثَّانِي يَصِيرُ قَاضِيًا مِنْ جِهَةِ الْخَلِيفَةِ لَا مِنْ جِهَةِ الْقَاضِي الْأَوَّلِ حَتَّى لَوْ أَرَادَ الْقَاضِي الْأَوَّلُ أَنْ يَعْزِلَ الثَّانِيَ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ إلَّا إذَا قَالَ الْخَلِيفَةُ لِلْأَوَّلِ تَسْتَبْدِلُ مَنْ شِئْت. اهـ. (قَوْلُهُ فَدَخَلَ الْفُضُولِيُّ فِي الْقَضَاءِ) الْمُصَرَّحُ بِهِ أَنَّ الْقَضَاءَ عَقْدٌ مِنْ الْعُقُودِ وَإِنَّ كُلَّ عَقْدٍ لَا مُجِيزَ لَهُ حَالَ صُدُورِهِ مِنْ الْفُضُولِيِّ لَا يَتَوَقَّفُ فَكَذَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ قَضَاءُ الْفُضُولِيِّ إنْ كَانَ لَهُ مُجِيزٌ حَالَ صُدُورِهِ يَتَوَقَّفُ وَمَا لَا فَلَا كَدَارِ الْحَرْبِ حَيْثُ لَا سُلْطَانَ وَلَا قَاضِي وَلَوْ قَضَى بَعْدَ مَنْعِهِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَوْقُوفًا وَفَتْوَى مَنْ أَفْتَى بِعَدَمِ الصِّحَّةِ مَحْمُولَةٌ عَلَى عَدَمِ النَّفَاذِ حَتَّى يُجَازَ وَبِعَدَمِ صِحَّةِ إجَازَتِهِ مَحْمُولٌ عَلَى الْإِجَازَةِ الْإِجْمَالِيَّةِ فَتَأَمَّلْ وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ كَذَا بِخَطِّ بَعْضِ الْفُضَلَاءِ. (قَوْلُهُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ بَلْ هُوَ دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِمْ كُلَّمَا صَحَّ التَّوْكِيلُ إذَا بَاشَرَهُ الْفُضُولِيُّ يَتَوَقَّفُ وَفِي قَوْلِهِمْ كُلُّ عَقْدٍ صَدَرَ وَلَهُ مُجِيزٌ حَالَ وُقُوعِهِ انْعَقَدَ مَوْقُوفًا عَلَى إجَازَتِهِ وَالْقَضَاءُ عَقْدٌ مِنْ الْعُقُودِ الشَّرْعِيَّةِ يَصِحُّ التَّوْكِيلُ فِيهِ بِشَرْطِهِ تَأَمَّلْ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ فِي بَيْعِ الْفُضُولِيِّ (قَوْلُهُ الْقَاضِي إذَا قَضَى لِلْإِمَامِ الَّذِي قَلَّدَهُ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَجْهُهُ أَنَّ الْقَاضِيَ نَائِبٌ عَنْ الْعَامَّةِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَمْ يَكُنْ فِعْلُهُ مَنْسُوبًا إلَيْهِ وَمَنْ قَالَ بِأَنَّ الْقَاضِيَ نَائِبٌ عَنْ السُّلْطَانِ فَلَعَلَّ وَجْهَهُ عِنْدَهُ انْحِصَارُ الطَّرِيقِ فِيهِ إذْ الْحُكْمُ مِنْ الْإِمَامِ بِمَنْزِلَةِ الْقَاضِي الْمُوَلَّى فَلَا طَرِيقَ إلَى التَّحْكِيمِ فَجَازَ ذَلِكَ فَتْحًا لِبَابِ الْقَضَاءِ لَهُ وَسَيَأْتِي أَنَّ الْحُكْمَ مِنْ الْإِمَامِ بِمَنْزِلَةِ الْقَاضِي وَلَمْ أَرَ مَنْ حَرَّرَ ذَلِكَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ كَمَا فِي السِّرَاجِيَّةِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ فَثَبَتَ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ وَجْهُ مَا فِي السِّرَاجِيَّةِ أَنَّ الْخَلِيفَةَ لَيْسَ نَائِبًا عَنْهُ وَإِنَّمَا هُوَ نَائِبٌ عَنْ السُّلْطَانِ أَوْ الْعَامَّةِ فَانْقَطَعَتْ النِّسْبَةُ لَكِنْ فِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ أَنَّهُمْ نُوَّابُ الْقَاضِي فِي زَمَانِنَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَعَلَيْهِ يَنْبَغِي تَرْجِيحُ مَا فِي الْمُلْتَقَطِ لِمَا فِي قَضَائِهِ لَهُ مِنْ التُّهْمَةِ إذْ فِعْلُ النَّائِبِ كَفِعْلِهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَضَى لِنَفْسِهِ وَلَمْ أَرَ مَنْ رَجَّحَ أَحَدَ الْقَوْلَيْنِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 6 قَاضٍ آخَرَ عِنْدَ هَذَا الْقَاضِي وَفِي أَدَبِ الْقَاضِي لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ النَّائِبُ يَقْضِي بِمَا شَهِدُوا عِنْدَ الْأَصْلِ وَكَذَا الْأَصْلُ يَقْضِي بِمَا شَهِدُوا عِنْدَ النَّائِبِ اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ جَرَى الْخُلْعُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ عِنْدَ الْقَاضِي مَرَّتَيْنِ فَقَالَ نَائِبُهُ كَانَ قَدْ جَرَى عِنْدِي مَرَّةً أُخْرَى وَالزَّوْجُ يُنْكِرُ فَقَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ لَا يَقْضِي الْقَاضِي بِالْحُرْمَةِ الْغَلِيظَةِ بِكَلَامِ النَّائِبِ أَمَّا النَّائِبُ يَقْضِي بِكَلَامِ الْقَاضِي إذَا أَخْبَرَهُ اهـ. ثُمَّ قَالَ فِي نَوْعٍ فِي الْإِمْضَاءِ وَالنَّائِبُ يَقْضِي بِمَا شَهِدُوا عِنْدَ الْأَصْلِ وَكَذَا الْقَاضِي يَقْضِي بِمَا شَهِدُوا عِنْدَ النَّائِبِ أَمَرَ الْقَاضِي الْخَلِيفَةَ أَنْ يَسْمَعَ الْقَضِيَّةَ وَالشَّهَادَةَ وَيَكْتُبَ الْإِقْرَارَ وَلَا يَقْطَعَ الْحُكْمَ يَفْعَلُ مَا أَمَرَهُ الْقَاضِي وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ لَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ بِإِخْبَارِ خَلِيفَتِهِ بِشَهَادَةِ الشُّهُودِ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقَاضٍ وَكَذَا لَوْ أَخْبَرَهُ بِإِقْرَارِ رَجُلٍ إلَّا أَنْ يَشْهَدَ هُوَ مَعَ آخَرَ وَقَدْ تَنَاطَقَتْ أَجْوِبَةُ أَئِمَّتِنَا بِخُوَارِزْمَ أَنَّ شَهَادَةَ مُسَخَّرَةِ الْقَاضِي وَشَهَادَةَ الْوُكَلَاءِ الْمُفْتَعِلَةِ بِبَابِهِ لَا تُقْبَلُ بِخِلَافِ نُوَّابِهِمْ إلَّا أَهْلِ الْعَدْلِ وَقَدْ رَأَيْت بِنَوَاحِي خُوَارِزْمَ وَبِهَا جَمَاعَةٌ مِمَّنْ فُوِّضَ إلَيْهِمْ الْقَضَاءُ وَكَذَا بِبَعْضِ نَوَاحِي دشت. لَا يَصِحُّ الْقَضَاءُ بِشَهَادَتِهِمْ فَكَيْفَ قَضَاؤُهُمْ وَسُئِلْت عَنْ شَهَادَةِ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ تُقْبَلُ فَقُلْتُ: نَعَمْ تُقْبَلُ مَعَ عَدْلَيْنِ وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ تَهَاوُنِ أَمَرَ الدشت بِالشَّرْعِ وَقَدْ رَأَيْت مِنْ الْعَجَائِبِ أَنَّ وَاحِدًا مِنْ أُمَرَائِهِ الَّذِي يَدَّعِي أَنَّهُ لَمْ يَمْضِ مِثْلُهُ دِينًا قَلَّدَ قَضَاءَ مَدِينَةٍ إلَى شَابٍّ جَاهِلٍ لَا يَعْرِفُ قُرْآنًا وَلَا خَطًّا حَتَّى يَقْضِيَ بِأَرْبَعَةِ مَذَاهِبَ فَقُلْتُ: لَهُ فِيهِ فَقَالَ أَنَا أَعْلَمُ بِالْمَصْلَحَةِ وَاَللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنْ الْمُصْلِحِ. اهـ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا وَلَّى الْخَلِيفَةَ الْقَضَاءَ عُمِلَ بِقَوْلِهِ وَإِنْ وَلَّاهُ سَمَاعَ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ فَقَطْ لَا يُعْمَلُ بِقَوْلِهِ فَلَا تَنَاقُضَ كَمَا لَا يَخْفَى وَفَائِدَةُ هَذَا الِاسْتِخْلَافِ أَنْ يَنْظُرَ الْخَلِيفَةُ هَلْ لِلْمُدَّعِي شُهُودٌ أَوْ يَكْذِبُ فَلَعَلَّ لَهُ شُهُودًا إلَّا أَنَّهُمْ غَيْرُ عُدُولٍ وَقَدْ لَا تَتَّفِقُ أَلْفَاظُهُمْ فَيُفَوِّضُ الْقَاضِي النَّظَرَ إلَى الْخَلِيفَةِ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَقَدْ سُئِلْت عَنْ صِحَّةِ تَوْلِيَةِ الْقَاضِي ابْنَهُ قَاضِيًا حَيْثُ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ بِالِاسْتِخْلَافِ فَأَجَبْت بِنَعَمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَطْلَقَ فِي الِاسْتِخْلَافِ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ مَذْهَبُ الْخَلِيفَةِ مُوَافِقًا لِمَذْهَبِ الْقَاضِي أَوْ مُخَالِفًا وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَلَوْ فَوَّضَ إلَى غَيْرِهِ لِيَقْضِيَ عَلَى وَفْقِ مَذْهَبِهِ نَفَذَا إجْمَاعًا. اهـ. وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ أَنَّ الْمَأْذُونَ لَهُ بِالِاسْتِخْلَافِ صَرِيحًا أَوْ دَلَالَةً يَمْلِكُهُ قَبْلَ الْوُصُولِ إلَى مَحَلِّ قَضَائِهِ كَمَا يَمْلِكُهُ بِعَهْدِهِ وَقَدْ جَرَتْ عَادَتُهُمْ إذَا وَلَّوْا بِبَلَدِ السُّلْطَانَ قَضَاءَ بَلْدَةٍ بَعِيدَةٍ بِإِرْسَالِ خَلِيفَةٍ يَقُومُ مَقَامَهُمْ إلَى حُضُورِهِمْ وَقَدْ سُئِلْت عَنْهَا فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ وَتِسْعِمِائَةٍ فَأَجَبْت بِذَلِكَ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ ثُمَّ رَأَيْت الْأَجَلَّ الصَّدْرَ الشَّهِيدَ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ لِلْخَصَّافِ قَالَ فِي الْبَابِ السَّادِسَ عَشَرَ الْقَاضِي إنَّمَا يَصِيرُ قَاضِيًا إذَا بَلَغَ الْمَوْضِعَ الَّذِي قُلِّدَ فِيهِ الْقَضَاءَ أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَوَّلَ لَا يَنْعَزِلُ مَا لَمْ يَبْلُغْ هُوَ الْبَلَدَ الَّذِي قُلِّدَ فِيهِ الْقَضَاءَ فَكَانَ هُوَ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ بِمَنْزِلَةِ وَاحِدٍ مِنْ الرَّعَايَا. اهـ. وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَمْلِكُ الِاسْتِخْلَافَ قَبْلَ وُصُولِهِ إلَى مَحَلِّ عَمَلِهِ لَكِنَّهُ ذَكَرَ فِي الْبَابِ السَّادِسِ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يُقَدِّمَ نَائِبَهُ قَبْلِ وُصُولِهِ حَتَّى يَتَعَرَّفَ عَلَى أَحْوَالِ النَّاسِ اهـ. إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ قَاضِيَ الْقُضَاةِ مَأْذُونٌ بِالِاسْتِخْلَافِ قَبْلَ الْوُصُولِ مِنْ السُّلْطَانِ فَلَا كَلَامَ وَهَذَا هُوَ الْوَاقِعُ الْآنَ وَقَيَّدَ بِاسْتِخْلَافِهِ قَاضِيًا؛ لِأَنَّ لَهُ التَّوْكِيلَ وَالْإِيصَاءَ بِلَا إذْنِ السُّلْطَانِ وَأَوْرَدَ هَذَا إشْكَالًا عَلَى مَنْعِهِ مِنْ تَقْلِيدِ الْقَضَاءِ فَإِنَّ التَّعْلِيلَ الْمَذْكُورَ يَجْرِي فِيهَا وَأَجَابَ عَنْهُ فِي الْعِنَايَةِ بِأَنَّ الْمُقَلَّدَ يَفْعَلُ مَا لَا يَفْعَلُهُ الْوَكِيلُ وَالْوَصِيُّ فَيَكُونُ تَوَقُّعُ الْفَسَادِ فِي الْقَضَاءِ أَكْثَرَ. اهـ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمَأْمُورِ فِي الْجُمُعَةِ) يَعْنِي فَإِنَّ لَهُ الِاسْتِخْلَافَ وَإِنْ لَمْ يُفَوِّضْ إلَيْهِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ الْأَعْظَمَ لَمَّا فَوَّضَهَا إلَيْهِ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّ الْعَوَارِضَ الْمَانِعَةَ مِنْ إقَامَتِهَا مِنْ الْمَرَضِ وَالْحَدَثِ فِي الصَّلَاةِ مَعَ ضِيقِ الْوَقْتِ وَغَيْرِهِمَا تَعْتَرِيهِ وَلَا يُمْكِنُ انْتِظَارُ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَحْتَمِلُ التَّأْخِيرَ عَنْ الْوَقْتِ فَكَانَ إذْنًا لَهُ بِالِاسْتِخْلَافِ دَلَالَةً وَتَأْخِيرُ سَمَاعِ الْخُصُومَةِ إلَى وُجُودِ الْإِذْنِ مِنْ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ مُمْكِنٌ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُؤَقَّتٍ بِوَقْتٍ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ فَظَاهِرُهُ أَنَّ الِاسْتِخْلَافَ جَائِزٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِسَبْقِ الْحَدَثِ فِي الصَّلَاةِ كَمَا إذَا مَرِضَ الْخَطِيبُ أَوْ سَافَرَ أَوْ حَصَلَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ أَمَرَ الْقَاضِي الْخَلِيفَةَ) أَيْ خَلِيفَةَ الْقَاضِي (قَوْلُهُ اهـ) أَيْ: كَلَامُ الْبَزَّازِيَّةِ. (قَوْلُهُ لَكِنَّهُ ذَكَرَ فِي الْبَابِ السَّادِسِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَمُقْتَضَى الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَا يَسْتَخْلِفُ وَالثَّانِي أَنَّهُ يَسْتَخْلِفُ فَيُحْمَلُ عَلَى إرْسَالِ النَّائِبِ بِإِذْنِ الْخَلِيفَةِ أَوْ أَنَّ ذَلِكَ مَعْرُوفٌ بَيْنَهُمْ اهـ. وَفِي حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ وَأَقُولُ: جَوَازُ إرْسَالِهِ لِتَعَرُّفِ أَحْوَالِ النَّاسِ لَا يُسْتَفَادُ مِنْهُ جَوَازُ حُكْمِهِ قَبْلَ وُصُولِ الْمُرْسَلِ ثُمَّ رَأَيْت بِخَطِّ السَّيِّدِ الْحَمَوِيِّ عَنْ بَعْضِ الْفُضَلَاءِ مَا نَصُّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ مَحْضَ الْإِرْسَالِ إنَّمَا الْمُرَادُ الْإِرْسَالُ عَلَى أَنْ يَحْكُمَ وَهُوَ مَمْنُوعٌ إلَخْ وَحِينَئِذٍ فَلَا يُعَوَّلُ عَلَى مَا أَفْتَى بِهِ صَاحِبُ الْبَحْرِ مِنْ جَوَازِ اسْتِخْلَافِهِ قَبْلَ وُصُولِهِ إلَى مَحَلِّ قَضَائِهِ اهـ. مَا فِي الْحَاشِيَةِ وَأَقُولُ: لَا يَخْفَى أَنَّ الْكَلَامَ فِي صِحَّةِ الِاسْتِخْلَافِ وَلَا شَكَّ أَنَّ قَوْلَهُ نَائِبُهُ يُفِيدُ ذَلِكَ، وَأَمَّا أَنَّ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ أَوَّلًا فَبَحْثٌ آخَرُ لَا ذِكْرَ لَهُ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الْبَحْرِ لَا سِيَّمَا وَقَدْ انْضَمَّ إلَيْهِ أَنَّهُ الْوَاقِعُ الْآنَ وَقَدْ ذَكَرَ أَوَائِلَ كِتَابِ الْقَضَاءِ وَإِذَا عَزَلَهُ السُّلْطَانُ لَا يَنْعَزِلُ مَا لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ الْخَبَرُ كَالْوَكِيلِ وَعَنْ الثَّانِي مَا لَمْ يَأْتِ قَاضٍ آخَرُ صِيَانَةً لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ تَعْطِيلِ قَضَايَاهُمْ اهـ. فَمَا مَشَى عَلَيْهِ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ أَوَّلًا مَبْنِيٌّ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَحَيْثُ كَانَتْ الْعِلَّةُ مَا ذَكَرَ فَلَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يُقَالَ وُصُولُ نَائِبِهِ كَوُصُولِهِ فَيُفِيدُ أَنَّ لِنَائِبِهِ الْحُكْمَ تَأَمَّلْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 7 لَهُ مَانِعٌ فَاسْتَنَابَ خَطِيبًا مَكَانَهُ وَفِي فُرُوقِ الْكَرَابِيسِيِّ مَا يُفِيدُهُ أَيْضًا فَإِنَّهُ قَالَ فُرِّقَ بَيْنَ الْقَاضِي وَالْإِمَامَةِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ لَا يَمْلِكُ الِاسْتِخْلَافَ إلَّا بِإِذْنٍ وَالْإِمَامُ لِلْجَامِعِ يَمْلِكُ بِدُونِهِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الضَّرُورَةَ مُتَحَقِّقَةٌ هَاهُنَا لِجَوَازِ أَنْ يَسْبِقَهُ الْحَدَثُ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَلَوْ تَوَقَّفَ عَلَى الْإِذْنِ تَفُوتُ الْجُمُعَةُ وَلَا كَذَلِكَ فِي الْقَضَاءِ. اهـ. وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الدُّرَرِ وَالْغُرَرِ مِنْ أَنَّ الْخَطِيبَ لَيْسَ لَهُ الِاسْتِخْلَافُ ابْتِدَاءً إلَّا بِإِذْنٍ لَا أَصْلَ لَهُ فَإِنَّمَا هُوَ فَهْمٌ فَهِمَهُ مِنْ بَعْضِ الْعِبَارَاتِ وَقَدْ صَرَّحَ الْعَلَّامَةُ مُحِبُّ الدِّينِ بْنُ جِرْبَاشٍ شَيْخِ شَيْخِنَا فِي النُّجْعَةِ فِي تَعْدَادِ الْجُمُعَةِ بِأَنَّ إذْنَ السُّلْطَانِ بِإِقَامَةِ الْخُطْبَةِ شَرْطٌ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَيَكُونُ الْإِذْنُ مُنْسَحِبًا لِتَوَلِّيَةِ النُّظَّارِ الْخُطَبَاءِ وَإِقَامَةِ الْخَطِيبِ نَائِبًا وَلَا يُشْتَرَطُ الْإِذْنُ لِكُلِّ خَطِيبٍ وَقَدْ أَوْضَحْنَاهُ فِي الْجُمُعَةِ ثُمَّ إنْ أَحْدَثَ الْخَطِيبُ بَعْدَمَا خَطَبَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ إلَّا مَنْ شَهِدَ الْخُطْبَةَ؛ لِأَنَّهَا شَرْطٌ فِيهَا فَلَا تَنْعَقِدُ بِدُونِهَا وَإِنْ كَانَ شَرَعَ فِيهَا جَازَ أَنْ يَسْتَخْلِفَ مَنْ لَمْ يُدْرِكْهَا لِانْعِقَادِهَا بِالْأَصْلِ فَكَانَ الثَّانِي بَانِيًا وَفِي الْعِنَايَةِ وَاعْتَرَضَ بِمَنْ أَفْسَدَ صَلَاتَهُ ثُمَّ افْتَتَحَ بِهِمْ الْجُمُعَةَ فَإِنَّهُ جَائِزٌ وَهُوَ مُفْتَتِحٌ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَمْ يَشْهَدْ الْخُطْبَةَ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمَّا صَحَّ شُرُوعُهُ فِي الْجُمُعَةِ وَصَارَ خَلِيفَةً لِلْأَوَّلِ الْتَحَقَ بِمَنْ شَهِدَ الْخُطْبَةَ وَأَرَى أَنَّ إلْحَاقَهُ بِالْبَانِي لِتَقَدُّمِ شُرُوعِهِ فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ الْأُولَى فَتَأَمَّلْ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِذَا رُفِعَ إلَيْهِ حُكْمُ قَاضٍ أَمْضَاهُ إنْ لَمْ يُخَالِفْ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ الْمَشْهُورَةَ وَالْإِجْمَاعَ) لِتَرَجُّحِ الِاجْتِهَادِ الْأَوَّلِ بِالْقَضَاءِ فَلَا يَنْقُضُهُ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ مُوَافِقًا لِرَأْيِهِ أَوْ مُخَالِفًا لِكَوْنِ لَفْظِ الْحُكْمِ نَكِرَةً فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ فَتَعُمُّ فَلَيْسَ فِي كَلَامِهِ مَا يُوهِمُ أَنَّهُ إنَّمَا يُمْضِيهِ إذَا كَانَ مُوَافِقًا لِرَأْيِهِ كَمَا زَعَمَ الشَّارِحُ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ الْفُقَهَاءُ فَقَضَى بِهِ الْقَاضِي ثُمَّ جَاءَ قَاضٍ آخَرُ يَرَى غَيْرَ ذَلِكَ أَمْضَاهُ وَفِي الْمِعْرَاجِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ لَفْظَ الْجَامِعِ بِهَذَا اللَّفْظِ الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّ فِيهِ فَائِدَتَيْنِ إحْدَاهُمَا أَنَّهُ قَيَّدَ بِالْفُقَهَاءِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِي إذَا كَانَ غَيْرَ عَالِمٍ بِمَوْضِعِ الِاجْتِهَادِ فَاتَّفَقَ قَضَاؤُهُ فِي مَوْضِعِ الِاجْتِهَادِ فَعَلَى قَوْلِ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ لَا يَجِبُ عَلَى الثَّانِي تَنْفِيذُهُ كَذَا ذَكَرَهُ فِي فُصُولِ الْأُسْرُوشَنِيُّ مُحَالًا إلَى الْمُحِيطِ وَالذَّخِيرَةِ فَقَالَ لَوْ قَضَى فِي فَصْلٍ مُجْتَهَدٍ فِيهِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِذَلِكَ قِيلَ يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ وَعَامَّتُهُمْ لَا يَنْفُذُ وَإِنَّمَا يَنْفُذُ إذَا عَلِمَ بِكَوْنِهِ مُجْتَهِدًا فِيهِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ هَذَا هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَالثَّانِي أَنَّهُ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ يَرَى غَيْرَ ذَلِكَ وَفِي رِوَايَةِ الْقُدُورِيِّ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِذَلِكَ فَيَحْتَمِلُ أَنَّ قَوْلَهُ أَمْضَاهُ فِيمَا إذَا كَانَ مُوَافِقًا. اهـ. وَفِي الْخُلَاصَةِ أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ يَعْنِي كَوْنَهُ عَالِمًا بِالِاخْتِلَافِ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ لَكِنْ يُفْتَى بِخِلَافِهِ وَالتَّحْقِيقُ الْمُعْتَمَدُ أَنَّ عِلْمَهُ بِكَوْنِ مَا حَكَمَ فِيهِ مُجْتَهِدًا فِيهِ شَرْطٌ، وَأَمَّا عِلْمُهُ بِكَوْنِ الْمَسْأَلَةِ اجْتِهَادِيَّةً فَلَا وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى وَشَمِلَ قَوْلُهُ حُكْمُ قَاضٍ مَا إذَا كَانَ الْحُكْمُ مُوَافِقًا لِرَأْيِهِ وَمُخَالِفًا وَمَا إذَا كَانَ الْقَاضِي بَاقِيًا عَلَى قَضَائِهِ أَوْ مَاتَ أَوْ عُزِلَ كَمَا فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَفِي فُرُوقِ الْكَرَابِيسِيِّ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قُلْتُ: كَلَامُ صَاحِبِ الْفُرُوقِ إنَّمَا يُفِيدُ جَوَازَ الِاسْتِخْلَافِ فِي الصَّلَاةِ عِنْدَ الْحَدَثِ لِكَوْنِهَا عَلَى شَرَفِ الْفَوَاتِ فَلَا يَنْهَضُ حُجَّةً عَلَى مُنْلَا خُسْرو الْقَائِلِ بِعَدَمِ جَوَازِ الِاسْتِنَابَةِ فِي الْخُطْبَةِ بِدُونِ إذْنِ الْإِمَامِ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ. ذَكَرَهُ الْغَزِّيِّ أَقُولُ: وَقَدْ رَدَّ عَلَيْهِ ابْنُ كَمَالٍ بَاشَا فِي رِسَالَةٍ لَهُ رَدًّا بَلِيغًا فَقَالَ بَقِيَ هُنَا دَقِيقَةٌ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّ إقَامَةَ الْجُمُعَةِ عِبَارَةٌ عَنْ أَمْرَيْنِ الْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ وَالْمَوْقُوفُ عَلَى الْإِذْنِ هُوَ الْأَوَّلُ دُونَ الثَّانِي وَتَمَامُهُ فِيهِ (قَوْلُهُ بِأَنَّ إذْنَ السُّلْطَانِ بِإِقَامَةِ الْخُطْبَةِ شَرْطٌ أَوَّلَ مَرَّةٍ لِلْبَانِي إلَخْ) وَهَكَذَا أَجَابَ بِهِ الْعَلَّامَةُ أَحْمَدُ يُونُسَ الشَّلَبِيُّ حَيْثُ سُئِلَ عَنْ ثَغْرٍ فِيهِ جَوَامِعُ وَلَهَا خُطَبَاءُ وَلَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ إذْنٌ صَرِيحٌ مِنْ السُّلْطَانِ فَأَجَابَ بِأَنَّ أُمُورَ الْمُسْلِمِينَ مَحْمُولَةٌ عَلَى السَّدَادِ وَقَدْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِأَنَّ مَنْ أَنْشَأَ جَامِعًا وَأَرَادَ إقَامَةَ الْجُمُعَةِ اسْتَأْذَنَ الْإِمَامَ وَإِذَا وُجِدَ الْإِذْنُ أَوَّلَ إقَامَتِهَا حَصَلَ الْغَرَضُ وَالْإِذْنُ بَعْدَهُ وَلَوْ تَطَاوَلَتْ الْمُدَّةُ وَتَغَيَّرَتْ الْبِلَادُ لَيْسَ بِمُفْتَرَضٍ اهـ. مُلَخَّصًا. (قَوْلُهُ وَاعْتُرِضَ بِمَنْ أَفْسَدَ صَلَاتَهُ إلَخْ) أَيْ بِمَا لَوْ اسْتَخْلَفَ شَخْصًا لَمْ يَشْهَدْ الْخُطْبَةَ ثُمَّ أَفْسَدَ صَلَاتَهُ ثُمَّ افْتَتَحَ بِهِمْ الْجُمُعَةَ. (قَوْلُهُ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ مُوَافِقًا لِرَأْيِهِ) أَيْ لِرَأْيِ الْقَاضِي الْمَرْفُوعِ إلَيْهِ حُكْمُ الْقَاضِي الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ لِكَوْنِ لَفْظِ الْحُكْمِ نَكِرَةً فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ فَتَعُمُّ) فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ ذَلِكَ إذَا كَانَ الشَّرْطُ يَمِينًا مُثْبَتًا مِثْلَ إنْ كَلَّمْت رَجُلًا فَكَذَا فَإِنَّ الْمَعْنَى لَا أُكَلِّمُ رَجُلًا فَتَكُونُ النَّكِرَةُ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ مَعْنًى فَتَعُمُّ بِخِلَافِ قَوْلِك الْيَمِينُ الْمَنْفِيُّ مِثْلُ إنْ لَمْ أُكَلِّمْ رَجُلًا فَلَا تَعُمُّ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى لَأُكَلِّمَن رَجُلًا فَهِيَ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ وَبِخِلَافِ الشَّرْطِ الْوَاقِعِ غَيْرَ يَمِينٍ مِثْلِ إنْ جَاءَك رَجُلٌ فَأَكْرِمْهُ فَإِنَّهُ أَيْضًا غَيْرُ نَصٍّ فِي الْعُمُومِ؛ لِأَنَّهُ فِي سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ وَمَا فِي الْمَتْنِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ وَالتَّحْقِيقُ الْمُعْتَمَدُ إنْ عَلِمَهُ إلَخْ) قَالَ ابْنُ الْكَمَالِ وَهَاهُنَا شَرْطٌ آخَرُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي عَالِمًا بِأَنَّ مَا حَكَمَ فِيهِ مُجْتَهَدٌ فِيهِ وَلَا يَكْفِي فِيهِ عِلْمُهُ بِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ مُجْتَهَدٌ فِيهَا كَمَا إذَا قَضَى بِبَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ غَيْرَ عَالِمٍ بِأَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِأَنَّ مَسْأَلَةَ أُمِّ الْوَلَدِ اجْتِهَادِيَّةٌ ذَكَرَهُ فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي. اهـ. (قَوْلُهُ وَشَمِلَ قَوْلُهُ حُكْمُ قَاضٍ مَا إذَا كَانَ الْحُكْمُ مُوَافِقًا لِرَأْيِهِ) أَيْ لِرَأْيِ الْقَاضِي الْأَوَّلِ الَّذِي رُفِعَ حُكْمُهُ إلَى الْقَاضِي الثَّانِي ثُمَّ إنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ غَيْرُ مَا قَبْلَهَا فَإِنَّ مَا قَبْلَهَا هُوَ اشْتِرَاطُ كَوْنِ الْقَاضِي الْأَوَّلِ عَالِمًا بِالْخِلَافِ لِيَنْفُذَ حُكْمُهُ وَهَذِهِ فِي اشْتِرَاطِ كَوْنِهِ حَكَمَ عَلَى وَفْقِ مَذْهَبِهِ لَا إذَا كَانَ نَاسِيًا وَحَكَمَ عَلَى مَذْهَبِ غَيْرِهِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 8 فَلَوْ قَضَى فِي الْمُجْتَهَدِ فِيهِ مُخَالِفًا لِرَأْيِهِ نَاسِيًا لِمَذْهَبِهِ نَفَذَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي الْعَامِدِ رِوَايَتَانِ وَعِنْدَهُمَا لَا يَنْفُذُ فِي الْوَجْهَيْنِ وَاخْتَلَفَ التَّرْجِيحُ فَفِي الْخَانِيَّةِ أَظْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ نَفَاذُ قَضَائِهِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ. وَهَكَذَا فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى وَفِي الْمِعْرَاجِ مَعْزِيًّا إلَى الْمُحِيطِ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا وَهَكَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَفِي فَتَاوَى ظَهِيرِ الدِّينِ اسْتَحَقَّ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَنْقُضَهُ. اهـ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي الْفَتْوَى وَالْوَجْهُ فِي هَذَا الزَّمَانِ أَنْ يُفْتَى بِقَوْلِهِمَا لِأَنَّ التَّارِكَ لِمَذْهَبِهِ عَمْدًا لَا يَفْعَلُهُ إلَّا لِهَوًى بَاطِلٍ لَا لِقَصْدٍ جَمِيلٍ، وَأَمَّا النَّاسِي فَلِأَنَّ الْمُقَلِّدَ مَا قَلَّدَهُ إلَّا لِيَحْكُمَ بِمَذْهَبِهِ لَا بِمَذْهَبِ غَيْرِهِ هَذَا كُلُّهُ فِي الْقَاضِي الْمُجْتَهِدِ فَأَمَّا الْمُقَلِّدُ فَإِنَّمَا وَلَّاهُ لِيَحْكُمَ بِمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ فَلَا يَمْلِكُ الْمُخَالَفَةَ فَيَكُونُ مَعْزُولًا بِالنِّسْبَةِ إلَى ذَلِكَ الْحُكْمِ اهـ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ عِبَارَاتِ الْمَشَايِخِ قَدْ اخْتَلَفَتْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَعْنِي مَا إذَا قَضَى الْمُقَلِّدُ بِخِلَافِ مَذْهَبِهِ مُوَافِقًا لِمَذْهَبٍ مُجْتَهِدٍ فَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مَعْزِيًّا إلَى شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ إذَا لَمْ يَكُنْ الْقَاضِي مُجْتَهِدًا وَقَضَى بِالْفَتْوَى ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ عَلَى خِلَافِ مَذْهَبِهِ نَفَذَ وَلَيْسَ لِغَيْرِهِ نَقْضُهُ وَلَهُ أَنْ يَنْقُضَهُ كَذَا عَنْ مُحَمَّدٍ وَقَالَ الثَّانِي لَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْقُضَهُ أَيْضًا. اهـ. وَهَكَذَا ذَكَرَ الْعِمَادِيُّ فِي الْفُصُولِ ثُمَّ قَالَ الْقَاضِي إذَا قَضَى فِي مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ وَهُوَ يَرَى خِلَافَ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ وَفِي بَعْضِهَا أَنَّهُ يَنْفُذُ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ خِلَافًا وَالصَّحِيحُ أَنَّ فِيهِ خِلَافًا بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ اخْتِلَافَ الرِّوَايَةِ فِي بَعْضِهَا فِي نَفَاذِ الْقَضَاءِ وَفِي بَعْضِهَا فِي حِلِّ الْإِقْدَامِ عَلَى الْقَضَاءِ اهـ. وَفِي عُمْدَةِ الْفَتَاوَى الْقَاضِي إذَا قَضَى بِقَوْلٍ مَرْجُوعٍ عَنْهُ جَازَ وَكَذَا لَوْ قَضَى فِي فَصْلٍ مُجْتَهَدٍ فِيهِ اهـ. وَكَذَا فِي السِّرَاجِيَّةِ وَفِي مَآلِ الْفَتَاوَى قَضَى بِخِلَافِ مَذْهَبِهِ وَهُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَنْفُذُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَنْفُذُ اهـ. فَقَدْ تَحَرَّرَ أَنَّ الْقَاضِيَ الْمُقَلِّدَ إذَا قَضَى بِمَذْهَبِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يَنْفُذُ وَكَذَا إذَا قَضَى بِرِوَايَةٍ ضَعِيفَةٍ أَوْ بِقَوْلٍ ضَعِيفٍ لِإِطْلَاقِ قَوْلِهِمْ أَنَّ الْقَوْلَ الضَّعِيفَ يَتَقَوَّى بِقَضَاءِ الْقَاضِي وَمَا قَيَّدَهُ بِهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ أَنَّ هَذَا إنَّمَا هُوَ فِي الْمُجْتَهِدِ ثَابِتٌ فِي بَعْضِ الْعِبَارَاتِ وَلِذَا قَالَ فِي الْقُنْيَةِ الْقَاضِي الْمُقَلِّدُ إذَا قَضَى بِخِلَافِ مَذْهَبِهِ لَا يَنْفُذُ اهـ. وَيُخَالِفُهُ مَا أَفْتَى بِهِ شَيْخُهُ الشَّيْخُ عُمَرُ قَارِئُ الْهِدَايَةِ حِينَ سُئِلَ عَنْ وَقْفٍ لَمْ يَحْكُمْ بِهِ رَجَعَ الْوَاقِفُ عَنْهُ وَوَقَفَهُ عَلَى جِهَةٍ أُخْرَى وَحَكَمَ بِهِ قَاضٍ حَنَفِيٌّ فَهَلْ يَصِحُّ الثَّانِي أَمْ الْأَوَّلُ أَجَابَ بِأَنَّ الثَّانِيَ هُوَ الصَّحِيحُ وَإِنْ كَانَ الْفَتْوَى عَلَى خِلَافِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَكِنَّهُ تَأَيَّدَ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ وَفِي شَرْحِ مَنْظُومَةِ ابْنِ وَهْبَانَ لَهُ صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ لَوْ حَكَمَ الْحَاكِمُ فِي وَاقِعَةٍ بِحُكْمٍ بِخِلَافِ مَذْهَبِ مُقَلَّدِهِ بِفَتْحِ اللَّامِ يَعْنِي الْإِمَامَ الَّذِي يُقَلِّدُهُ وَهَذَا إذَا كَانَ الْقَاضِي مُقَلِّدًا وَلَيْسَ هُوَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ كَالْقُضَاةِ الْحَنَفِيَّةِ فِي زَمَانِنَا مَثَلًا هَلْ يَصِحُّ قَضَاؤُهُ أَوْ لَا وَالْجَوَابُ أَنَّهُ إنْ كَانَ ذَاكِرًا لِمَذْهَبِهِ لَا يَجُوزُ وَإِلَّا جَازَ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا اهـ. وَمِنْ الْعَجِيبِ أَنَّ صَاحِبَ الْبَدَائِعِ قَيَّدَ الْخِلَافَ بِعَكْسِ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فَقَالَ مَا نُقِلَ أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا قَضَى بِخِلَافِ مَذْهَبِهِ عَمْدًا وَقَعَ بَاطِلًا وَإِنْ كَانَ نَاسِيًا عِنْدَهُ يَصِحُّ وَعِنْدَهُمَا لَا يَصِحُّ وَهَذَا إذَا كَانَ الْقَاضِي لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ فَأَمَّا إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ قَضَاؤُهُ فِي الْحُكْمِ بِالْإِجْمَاعِ وَلَا يَكُونُ لِقَاضٍ آخَرَ أَنْ يُبْطِلَهُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَفِي الْعَامِدِ رِوَايَتَانِ) كَأَنَّهُ اقْتَصَرَ فِي مُعِينِ الْحُكَّامِ عَلَى رِوَايَةِ عَدَمِ النَّفَاذِ فَحَكَى الْإِجْمَاعَ حَيْثُ قَالَ كَمَا نَقَلَهُ الرَّمْلِيُّ عِنْدَ ذِكْرِ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْخِلَافَ فِيمَا إذَا قَضَى بِخِلَافِ مَذْهَبِهِ وَقَدْ نَسِيَهُ، وَأَمَّا إذَا قَضَى بِخِلَافِ مَذْهَبِهِ حَالَ ذِكْرِ مَذْهَبِهِ لَا يَجُوزُ حُكْمُهُ بِالْإِجْمَاعِ اهـ. لَكِنْ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ نَقَلَ عَنْ شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ أَنَّهُ فِي الْعَامِدِ لَا خِلَافَ بَيْنَ أَصْحَابِنَا قَالَ وَالْخِلَافُ ثَابِتٌ عَلَى الصَّحِيحِ (قَوْلُهُ وَالْوَجْهُ فِي هَذَا الزَّمَانِ إلَخْ) قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ نَقَلَ هَذَا فِي الْبُرْهَانِ عَنْ الْكَمَالِ ثُمَّ قَالَ وَهَذَا صَرِيحُ الْحَقِّ الَّذِي يُعَضُّ عَلَيْهِ بِالنَّوَاجِذِ (قَوْلُهُ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ عِبَارَاتِ الْمَشَايِخِ قَدْ اخْتَلَفَتْ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ بَعْدَمَا مَرَّ آنِفًا عَنْ الْفَتْحِ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ كَوْنَهُ عَالِمًا بِالْخِلَافِ إنَّمَا هُوَ فِي الْقَاضِي الْمُجْتَهِدِ وَفِي الْقُنْيَةِ الْقَاضِي الْمُقَلِّدُ إذَا قَضَى بِخِلَافِ مَذْهَبِهِ لَا يَنْفُذُ وَادَّعَى فِي الْبَحْرِ أَنَّ الْمُقَلِّدَ إذَا قَضَى بِمَذْهَبِ غَيْرِهِ أَوْ بِرِوَايَةٍ ضَعِيفَةٍ أَوْ بِقَوْلٍ ضَعِيفٍ نَفَذَ وَأَقْوَى مَا تَمَسَّكَ بِهِ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ إذَا لَمْ يَكُنْ الْقَاضِي مُجْتَهِدًا وَقَضَى بِالْفَتْوَى إلَخْ وَمَا فِي الْفَتْحِ يَجِبُ أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ فِي الْمَذْهَبِ وَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ مَحْمُولٌ عَلَى رِوَايَةٍ عَنْهُمَا إذْ قُصَارَى الْأَمْرِ أَنَّ هَذَا مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ النَّاسِي لِمَذْهَبِهِ وَقَدْ مَرَّ عَنْهُمَا فِي الْمُجْتَهِدِ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ فَالْمُقَلِّدُ أَوْلَى. (قَوْلُهُ يَعْنِي الْإِمَامَ الَّذِي يُقَلِّدُهُ) كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ الَّذِي يُقَلِّدُهُ هُوَ بِزِيَادَةِ الضَّمِيرِ الْعَائِدِ إلَى الْقَاضِي. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَذْهَبُ الْمُجْتَهِدِ كَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ مَثَلًا لَا السُّلْطَانُ الْمُقَلِّدُ بِكَسْرِ اللَّامِ (قَوْلُهُ وَمِنْ الْعَجَبِ أَنَّ صَاحِبَ الْبَدَائِعِ قَيَّدَ الْخِلَافَ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ صَاحِبَ الْبَدَائِعِ جَعَلَ الْخِلَافَ فِي نَفَاذِ قَضَائِهِ بِخِلَافِ مَذْهَبِهِ وَعَدَمُ نَفَاذِهِ فِي الْقَاضِي غَيْرِ الْمُجْتَهِدِ عَكْسُ مَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْفَتْحِ بِقَوْلِهِ هَذَا كُلُّهُ فِي الْقَاضِي الْمُجْتَهِدِ وَقَوْلُ الرَّمْلِيِّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ لَا يَظْهَرُ مِنْهُ أَنَّهُ عَكْسُهُ وَكَذَا قَوْلُهُ وَمَا قَيَّدَهُ بِهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فَتَأَمَّلْ. اهـ. غَيْرُ ظَاهِرٍ. ثُمَّ إنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْبَدَائِعِ وَجِيهٌ فَإِنَّ الْمُجْتَهِدَ إذَا حَكَمَ بِخِلَافِ مَذْهَبِهِ عَمْدًا كَانَ ذَلِكَ رُجُوعًا عَنْ مَذْهَبِهِ الْأَوَّلِ لِتَغَيُّرِ اجْتِهَادِهِ وَوُجُوبِ اتِّبَاعِ مَا ظَهَرَ لَهُ ثَانِيًا وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ خَالَفَهُ عَمْدًا يُحْمَلُ عَلَيْهِ لَا عَلَى أَنَّهُ نَسِيَ مَذْهَبَهُ وَحَكَمَ بِخِلَافِهِ إذَا الْأَصْلُ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ عَمْدًا وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْبَدَائِعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ عَلَى النِّسْيَانِ إلَخْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 9 ؛ لِأَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ عَلَى النِّسْيَانِ بَلْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ اجْتَهَدَ فَأَدَّى اجْتِهَادُهُ إلَى مَذْهَبِ خَصْمِهِ فَقَضَى بِهِ فَيَكُونُ قَضَاؤُهُ بِاجْتِهَادِهِ فَيَصِحُّ. اهـ. بِلَفْظِهِ وَالْحَقُّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا حَكَمَ عَلَى خِلَافِ مَذْهَبِهِ فَإِنْ كَانَ مُتَوَهِّمًا أَنَّهُ عَلَى وَفْقِهِ بَاطِلٌ يَجِبُ نَقْضُهُ وَإِنْ وَافَقَ مُجْتَهِدًا فِيهِ وَإِنْ كَانَ مُعْتَمِدًا مَذْهَبَ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَا يُنْقَضُ وَهَذَا التَّفْصِيلُ مُتَعَيِّنٌ فِي حُكَّامِ زَمَانِنَا فَإِنَّهُمْ لَا يَعْتَمِدُونَ فِي أَحْكَامِهِمْ عَلَى الِاجْتِهَادِ لَا مُطْلَقًا وَلَا مُقَيَّدًا لِكَوْنِهِمْ مُقَلِّدِينَ فَإِذَا جَرَى مِنْهُمْ الْحُكْمُ بِخِلَافِ مَذْهَبِهِمْ فَهُوَ مَقْطُوعٌ بِكَوْنِهِ مِنْهُ خَطَأً فَيُنْقَضُ وَقَوْلُهُمْ لَا يُنْقَضُ الْحُكْمُ فِي الْمُجْتَهَدَاتِ مُعَلَّلٌ بِأَنَّ الِاجْتِهَادَ لَا يُنْقَضُ بِمِثْلِهِ لَا مُطْلَقًا فَإِذَا كَانَ الْقَاضِي مُتَوَهِّمًا أَنَّهُ مَذْهَبُهُ فَأَخْطَأَ فِيهِ لَمْ يَكُنْ مُجْتَهِدًا فِيهِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ أَمْضَاهُ حَكَمَ بِمُقْتَضَاهُ وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ الْمُرَادُ مِنْ الْحَاكِمِ الْقَاضِي وَالْمُرَادُ مِنْ الْإِمْضَاءِ إلْزَامُ الْحُكْمِ بَعْدَ دَعْوَى صَحِيحَةٍ مِنْ خَصْمٍ عَلَى خَصْمٍ وَلِذَا قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَإِنْ أَرَادُوا أَنْ يُثْبِتُوا حُكْمَ الْخَلِيفَةِ عِنْدَ الْأَصْلِ لَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيمِ دَعْوَى صَحِيحَةٍ عَلَى خَصْمٍ حَاضِرٍ وَإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ كَمَا لَوْ أَرَادُوا إثْبَاتَ قَضَاءٍ آخَرَ اهـ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْحُكْمَ الْمَرْفُوعَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِي حَادِثَةٍ وَخُصُومَةٍ صَحِيحَةٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْعِمَادِيُّ فِي الْفُصُولِ وَالْبَزَّازِيُّ فِي الْفَتَاوَى قَالَا وَهُنَا شَرْطٌ لِنَفَاذِ الْقَضَاءِ فِي الْمُجْتَهَدَاتِ وَهُوَ أَنْ يَصِيرَ حَادِثَةً تَجْرِي بَيْنَ يَدَيْ الْقَاضِي مِنْ خَصْمٍ عَلَى خَصْمٍ حَتَّى لَوْ فَاتَ هَذَا الشَّرْطُ لَا يَنْفُذُ الْقَضَاءُ؛ لِأَنَّهُ فَتْوَى اهـ. فَلَوْ رُفِعَ إلَى حَنَفِيٍّ قَضَاءُ مَالِكِيٍّ بِلَا دَعْوَى لَمْ يَلْتَفِتْ إلَيْهِ وَيُحْكَمُ بِمُقْتَضَى مَذْهَبِهِ وَلَا بُدَّ فِي إمْضَاءِ الثَّانِي لِحُكْمِ الْأَوَّلِ مِنْ الدَّعْوَى أَيْضًا كَمَا سَمِعْت وَلَا يُشْتَرَطُ إحْضَارُ شُهُودِ الْأَصْلِ بَلْ يَكْفِي عَلَى قَضَاءِ الْقَاضِي قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ قَاضِي بَلْدَةٍ حَكَمَ عَلَى رَجُلٍ بِمَالٍ وَسَجَّلَ ثُمَّ مَاتَ الْقَاضِي وَأَحْضَرَ الْمُدَّعِي الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ عِنْدَ قَاضٍ آخَرَ وَبَرْهَنَ عَلَى قَضَاءِ الْأَوَّلِ أَجْبَرَهُ الثَّانِي عَلَى أَدَاءِ الْمَالِ إنْ كَانَ الْحُكْمُ الْأَوَّلُ صَحِيحًا وَلَوْ شَهِدُوا أَنَّ قَاضِيًا مِنْ قُضَاةِ الْبَلَدِ قَضَى بِهَذَا الْمَالِ لَا يُحْكَمُ بِهِ وَفِي كُلِّ فِعْلٍ لَا بُدَّ مِنْ تَسْمِيَةِ الْفَاعِلِ وَنَسَبِهِ فَإِنْ قَالَ الشُّهُودُ إنَّ الْقَاضِيَ الْأَوَّلَ غَيْرُ عَدْلٍ لَا يُمْضِي الْقَاضِي الثَّانِي قَضَاءَهُ اهـ. وَكَتَبْنَا فِي الْفَوَائِدِ الْفِقْهِيَّةِ أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا ارْتَابَ فِي حُكْمِ الْأَوَّلِ لَهُ أَنْ يَطْلُبَ شُهُودَ الْأَصْلِ وَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ ظَهَرَ لَك أَنَّ التَّنَافِيذَ الْوَاقِعَةَ فِي زَمَانِنَا غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ لِصُدُورِهَا بِلَا دَعْوَى وَحَادِثَةٍ وَإِنَّمَا يُقِيمُ صَاحِبُ الْوَاقِعَةِ بَيِّنَةً يَشْهَدُونَ عَلَى حُكْمِ الْقَاضِي فُلَانٍ لِيَكْتُبَ لَهُ الْقَاضِي الثَّانِي أَنَّهُ اتَّصَلَ بِهِ حُكْمَ الْأَوَّلِ وَنَفَذَهُ فَإِنْ قُلْتُ: الْقَاضِي إذَا قَضَى بِشَيْءٍ فِي حَادِثَةٍ بَعْدَ دَعْوَى هَلْ يَكُونُ قَضَاءً فِيمَا هُوَ مِنْ لَوَازِمِهِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْقَاضِي. قُلْتُ: لَا لِمَا فِي قَضَاءِ الْبَزَّازِيَّةِ فِي فَصْلِ فَسْخِ الْيَمِينِ الْمُضَافَةِ وَإِنْ زَوَّجَهُ رَجُلٌ امْرَأَةً بِلَا أَمْرِهِ وَأَجَازَ بِالْفِعْلِ ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بِنَفْسِهِ ثُمَّ تَرَافَعَا إلَى الْقَاضِي فَإِنْ أَعْلَمَهُ بِتَقَدُّمِ نِكَاحِ الْفُضُولِيِّ فَقَضَى بِالنِّكَاحِ صَحَّ وَيَكُونُ قَدْ قَضَى بِبُطْلَانِ الْيَمِينِ وَبِبُطْلَانِ نِكَاحِ الْفُضُولِيِّ وَبِبُطْلَانِ الثَّلَاثِ بَعْدَهُ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِتَقَدُّمِ النِّكَاحِ يُعْلِمْهُ حَتَّى يَقْضِيَ فِي مَوْضِعِ الِاجْتِهَادِ وَيُقْصَدُ بِالْقَضَاءِ الْيَمِينُ الْمُضَافَةُ وَنِكَاحُ الْفُضُولِيِّ اهـ. ثُمَّ قَالَ وَرُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ الثَّانِي فِيمَنْ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً وَهُوَ لَا يَرَى الْوُقُوفَ فَرَفَعْته امْرَأَتُهُ إلَى قَاضٍ لَا يَرَى الْوُقُوعَ فَقَضَى بِصِحَّةِ النِّكَاحِ ثُمَّ تَحَوَّلَ رَأْيُ الرَّجُلِ إلَى الْوُقُوعِ فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً أُخْرَى بَعْدَهَا فَإِنَّهُ يُمْسِكُ الْأُولَى وَيَعْمَلُ بِرَأْيِهِ الْحَادِثِ فِي الْحَادِثَةِ فَيُفَارِقُهَا؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ إنَّمَا قَضَى بِإِبْطَالِ الطَّلَاقِ فِي الْأُولَى بِالِاجْتِهَادِ فَنَفَذَ قَضَاؤُهُ فَبَعْدَ ذَلِكَ بِتَحَوُّلِ رَأْيِهِ لَا يَمْلِكُ نَقْضَ رَأْيِهِ ذَلِكَ، وَأَمَّا الْحَادِثَةُ فَيَثْبُتُ عَلَيْهَا الْحِلُّ الْآنَ وَلَمْ يَجْرِ عَلَيْهَا حُكْمُ الْقَاضِي فَيَعْمَلُ بِرَأْيِهِ وَالْحِيلَةُ فِيهِ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً بَعْدَ فَسْخٍ وَيَدَّعِي عِنْدَ الْقَاضِي أَنَّهَا زَوْجَتُهُ بِحُكْمِ الْفَسْخِ عَلَى امْرَأَةٍ أُخْرَى وَتَزْعُمُ الْمَرْأَةُ أَنَّهَا عَلَيْهِ حَرَامٌ أَخْذًا بِمَذْهَبِ الثَّانِي فَيَتَرَافَعَانِ إلَى الْقَاضِي الْحَنَفِيِّ فَيُحْكَمُ الْقَاضِي الْحَنَفِيُّ بِأَنَّهَا زَوْجَتُهُ بِمَذْهَبِ مُحَمَّدٍ اهـ. فَقَدْ عَلِمْت مِنْ ذَلِكَ كَثِيرًا مِنْ الْمَسَائِلِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَقَوْلُهُمْ لَا يُنْقَضُ الْحُكْمُ فِي الْمُجْتَهَدَاتِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ يَجِبُ أَنْ يُقَيَّدَ ذَلِكَ بِمَا إذَا لَمْ يُقَيِّدْهُ السُّلْطَانُ بِمَذْهَبٍ أَمَّا إذَا قَيَّدَهُ بِمَذْهَبٍ كَمَا إذَا قَالَ لَهُ أَوْ كَتَبَ فِي مَنْشُورِهِ وَلَّيْتُك لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا صَحَّ أَوْ بِالصَّحِيحِ مِنْ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ مَثَلًا فَلَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ بِغَيْرِهِ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْقَضَاءَ يَتَخَصَّصُ بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَالْأَشْخَاصِ وَالْحَوَادِثِ فَتَنَبَّهْ لِذَلِكَ (قَوْلُهُ وَكَتَبْنَا فِي الْفَوَائِدِ الْفِقْهِيَّةِ أَنَّ الْقَاضِيَ إلَخْ) نَقَلَهُ فِي النَّهْرِ عَنْ الْمُؤَلِّفِ ثُمَّ قَالَ وَلَمْ أَجِدْهُ لِغَيْرِهِ. (قَوْلُهُ التَّنَافِيذَ الْوَاقِعَةَ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ سَيَأْتِي أَيْضًا فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَأَمْضَى الْقَاضِي حُكْمَهُ. اهـ. قُلْتُ: وَتَقَدَّمَ أَيْضًا فِي الْبَحْثِ السَّادِسِ أَوَّلَ كِتَابِ الْقَضَاءِ (قَوْلُهُ فَقَضَى بِالنِّكَاحِ) أَيْ الثَّانِي (قَوْلُهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً بَعْدَ فَسْخٍ) أَيْ بَعْدَ فَسْخِ الْيَمِينِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَإِذَا قَضَى شَافِعِيٌّ إلَخْ) قَالَ الْمُؤَلِّفُ فِي بَعْضِ رَسَائِلِهِ وَفِي الْقَاسِمِيَّةِ أَمَّا كَوْنُ الْحُكْمِ حَادِثَةً فَاحْتِرَازٌ عَمَّا لَمْ يَحْدُثْ بَعْدُ كَمَا لَوْ حَكَمَ بِمُوجِبِ إجَارَةٍ لَا يَكُونُ حُكْمًا بِالْفَسْخِ بِمَوْتِ أَحَدِ الْمُتَآجِرَيْنِ وَكَمَا لَوْ حَكَمَ بِمُوجِبِ بَيْعِ عَقَارٍ لَا يَكُونُ حُكْمًا بِاسْتِحْقَاقِ شُفْعَةِ الْجِوَارِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تُوجَدْ فِيهِ خُصُومَةٌ. وَأَمَّا الْخُصُومَةُ الصَّحِيحَةُ فَهِيَ الدَّعْوَى الْمُشْتَمِلَةُ عَلَى شَرَائِطِ الصِّحَّةِ اهـ. وَذَكَرَ فِيهَا أَيْضًا أَنَّ اشْتِرَاطَ تَقَدُّمِ الدَّعْوَى وَالْحَادِثَةِ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ فِيهَا وَقَالَ الشَّيْخُ مُحِبُّ الدِّينِ أَحْمَدُ بْنُ نَصْرِ اللَّهِ الْبَغْدَادِيُّ قَاضِي قُضَاةِ الْحَنَابِلَةِ فِي رِسَالَةٍ لَهُ، وَأَمَّا الْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ بِفَتْحِ الْجِيمِ فَمَعْنَاهُ الْحُكْمُ بِمُوجَبِ الدَّعْوَى الثَّابِتَةِ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ غَيْرِهَا هَذَا هُوَ مَعْنَى الْمُوجَبِ وَلَا مَعْنَى لَهُ غَيْرُهُ فَيُنْظَرُ فِي الدَّعْوَى فَإِنْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 10 فَإِذَا قَضَى شَافِعِيٌّ بِصِحَّةِ بَيْعِ عَقَارٍ وَمُوجِبِهِ لَا يَكُونُ حُكْمًا مِنْهُ بِأَنْ لَا شُفْعَةَ لِلْجَارِ لِعَدَمِ حَادِثَتِهَا وَكَذَا إذَا قَضَى حَنَفِيٌّ لَا يَكُونُ حُكْمًا بِأَنَّ الشُّفْعَةَ لِلْجَارِ وَإِنْ كَانَتْ الشُّفْعَةُ مِنْ مَوَاجِبِهِ؛ لِأَنَّ حَادِثَتَهَا لَمْ تُوجَدْ وَقْتَ الْحُكْمِ وَلَا شُعُورَ لِلْقَاضِي بِهَا وَكَذَا إذَا قَضَى مَالِكِيٌّ بِصِحَّةِ التَّعْلِيقِ فِي الْيَمِينِ الْمُضَافَةِ لَا يَكُونُ حُكْمًا بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ نِكَاحُ الْفُضُولِيِّ الْمُجَازِ بِالْفِعْلِ لِعَدَمِهِ وَقْتَهُ فَافْهَمْ فَإِنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ الزَّمَانِ عَنْهُ غَافِلُونَ وَشَرَطَ أَنْ لَا يُخَالِفَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَالْإِجْمَاعَ فَإِنْ خَالَفَ وَاحِدًا مِنْهَا لَمْ يُمْضِهِ وَإِنَّمَا يَنْقُضُهُ لِكَوْنِهِ لَيْسَ فِي مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ الصَّحِيحِ وَهُوَ خِلَافٌ لَا اخْتِلَافٌ وَمِثَالُ مَا خَالَفَ الْكِتَابَ الْقَضَاءُ بِحِلِّ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ عَامِدًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ شَامِلٌ لِذَبَائِح الْمُسْلِمِينَ كَالْمُشْرِكِينَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوَاوَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121] لِلْعَطْفِ. وَأَمَّا إذَا كَانَتْ لِلْحَالِ كَانَتْ مُقَيَّدَةً بِمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ؛ لِأَنَّ الْفِسْقَ فُسِّرَ بِهِ كَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ وَلِذَا قَالَ فِي التَّحْرِيرِ إنَّ الْوَاوَ تَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ حَالًا فَتَكُونُ قَيْدًا لِلنَّهْيِ عَنْ أَكْلِ مَا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِمَا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ الْمَيْتَةُ أَوْ مَا ذُكِرَ عَلَيْهِ اسْمُ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّ الْفِسْقَ هُوَ مَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَمِثَالُ مَا خَالَفَ السُّنَّةَ أَيْ الْمَشْهُورَةَ الْقَضَاءُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ فَإِنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ «الْبَيِّنَةُ عَلَى مَنْ ادَّعَى وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» وَمِثَالُ الْقَضَاءِ الْمُخَالِفِ لِلْإِجْمَاعِ الْقَضَاءُ بِبَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ وَالْمُرَادُ مِنْ الْإِجْمَاعِ مَا لَيْسَ فِيهِ خِلَافٌ يَسْتَنِدُ إلَى دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ وَمِنْ الْغَرِيبِ مَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَأَمَّا الْقَضَاءُ بِحِلِّ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ عَامِدًا فَجَائِزٌ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجُوزُ. اهـ. وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مِمَّا يَسُوغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ الْحِلَّ كَمَا فَهِمَهُ ابْنُ الْهُمَامِ؛ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ عِنْدَنَا فِي عَدَمِ الْحِلِّ أَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ مَا لَا يَسُوغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ عِنْدَنَا لِنَقْلِ الْفُقَهَاءِ وَالْأُصُولِيِّينَ بِحَيْثُ شَدَّدُوا النَّكِيرَ عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي الْقَوْلِ بِحِلِّهِ حَتَّى قَالَ الْأُصُولِيُّونَ إنَّهُ جَهْلٌ لَا يَصْلُحُ عُذْرًا لِمُخَالَفَتِهِ الدَّلِيلَ الْقَطْعِيَّ وَقَدْ أَلَّفْت فِيهَا رِسَالَةً مُشْتَمِلَةً عَلَى بَيَانِ الدَّلَائِلِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ. وَفِي الْهِدَايَةِ الْمُعْتَبَرُ الِاخْتِلَافُ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ وَهُمْ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ وَعَلَيْهِ فَرَّعَ الْخَصَّافُ أَنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يَنْقُضَ الْقَضَاءَ بِبَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ لِمُخَالَفَتِهِ لِإِجْمَاعِ التَّابِعِينَ وَقَدْ حُكِيَ فِيهِ الْخِلَافُ عِنْدَنَا فَقِيلَ هَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ أَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا فَيَجُوزُ قَضَاؤُهُ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْإِجْمَاعَ الْمُتَأَخِّرَ هَلْ يَرْفَعُ الْخِلَافَ الْمُتَقَدِّمَ فَعِنْدَهُمَا لَا يَرْفَعُ وَعِنْدَهُ يَرْفَعُ وَفِي التَّقْوِيمِ لِأَبِي زَيْدٍ أَنَّ مُحَمَّدًا رَوَى عَنْهُمْ أَنَّ الْقَضَاءَ بِبَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ لَا يَجُوزُ وَتَفَرَّعَ عَلَى كَوْنِ الْخِلَافِ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ شَرْطًا لِكَوْنِ الْمَحَلِّ اجْتِهَادِيًّا مَا قَالَ بَعْضُهُمْ إنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يُبْطِلَ مَا قَضَى بِهِ الْمَالِكِيُّ وَالشَّافِعِيُّ بِرَأْيِهِ وَفِي الْأَقْضِيَةِ وَأَصْحَابُنَا لَمْ   [منحة الخالق] كَانَتْ مُشْتَمِلَةً عَلَى مَا يَقْتَضِي صِحَّةَ الْعَقْدِ الْمُدَّعَى بِهِ كَانَ الْحُكْمُ بِمُوجِبِهَا حُكْمًا بِالصِّحَّةِ وَإِنْ لَمْ تَشْتَمِلْ عَلَى مَا يَقْتَضِي صِحَّةَ الْعَقْدِ الْمُدَّعَى بِهِ لَمْ يَكُنْ الْحُكْمُ حُكْمًا بِصِحَّةِ الْعَقْدِ وَالْحُكْمُ بِالْمُوجِبِ حُكْمٌ عَلَى الْعَاقِدِ بِمَا ثَبَتَ عَلَيْهِ مِنْ الْعَقْدِ لَا حُكْمَ بِالْعَقْدِ اهـ. وَتَمَامُ ذَلِكَ فِي رِسَالَةِ الْمُؤَلِّفِ وَرَأَيْت فِي كَلَامِ بَعْضِ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الْمُوجَبَ عِبَارَةٌ عَنْ الْأَثَرِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَى ذَلِكَ الشَّيْءِ وَهُوَ وَالْمُقْتَضَى مُخْتَلِفَانِ خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَ اتِّحَادَهُمَا إذْ الْمُقْتَضَى لَا يَنْفَكُّ وَالْمُوجَبُ قَدْ يَنْفَكُّ فَالْأَوَّلُ كَانْتِقَالِ الْمِلْكِ لِلْمُشْتَرِي بَعْدَ لُزُومِ الْبَيْعِ وَالثَّانِي كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَالْمُوجَبُ أَعَمُّ أَيْ لِأَنَّهُ الْأَثَرُ اللَّازِمُ سَوَاءٌ كَانَ يَنْفَكُّ أَوْ لَا وَذَكَرَ أَنَّ الْحُكْمَ بِالْمُوجَبِ يَتَضَمَّنُ الْحُكْمَ بِالصِّحَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْلَا صِحَّةُ الْعَقْدِ مَا تَرَتَّبَتْ عَلَيْهِ تِلْكَ الْآثَارُ إذْ لَا يَصِحُّ الشَّيْءُ مَعَ تَخَلُّفِ آثَارِهِ عَنْهُ وَكَذَا الْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ يَتَضَمَّنُ الْحُكْمَ بِالْمُوجَبِ فَإِذَا حَكَمَ بِصِحَّةِ الشَّيْءِ فَقَدْ حَكَمَ بِتَرَتُّبِ آثَارِهِ عَلَيْهِ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ التَّحْقِيقَ أَنَّ الْحُكْمَ بِالْمُوجَبِ وَارِدٌ عَلَى الْآثَارِ نَصًّا وَمِنْهَا الصِّحَّةُ بِخِلَافِ الْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ الْآثَارَ ضِمْنًا لَا صَرِيحًا فَيَكُونُ الْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ أَعْلَى لِتَنَاوُلِهِ جَمِيعَ الْآثَارِ؛ لِأَنَّهُ مُفْرَدٌ مُضَافٌ فَيَعُمُّ كُلَّ مُوجَبٍ لَكِنَّهُ خِلَافُ الْمَشْهُورِ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ عِنْدَنَا فِي عَدَمِ الْحِلِّ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ وَمِنْ الْغَرِيبِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ لَا أَنَّهُ يُفِيدُ الْحِلَّ إلَخْ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ عَدَمَ الْخِلَافِ عِنْدَ نَافِي عَدَمِ الْحِلِّ قَبْلَ حُكْمِ حَاكِمٍ بِحِلِّهِ أَمَّا بَعْدَ حُكْمِ حَاكِمٍ يَرَاهُ فَفِيهِ خِلَافٌ وَهُوَ مَا نَقَلَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَهَذَا مُرَادُ صَاحِبِ الْفَتْحِ بِإِفَادَتِهِ الْحِلَّ فَإِنَّ مَا فِي الْخُلَاصَةِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ مِمَّا يَسُوغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ أَفَادَ الْقَضَاءَ بِهِ الْحِلَّ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ وَالْحَقُّ أَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ مَا لَا يَسُوغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ عِنْدَنَا) ذَكَرَ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ فِي شَرْحِهِ عَلَى التَّحْرِيرِ مَنْ بَحْثِ الْجَهْلِ آخَرَ الْكِتَابِ بَحْثًا فِي هَذَا الْمَحَلِّ جَيِّدًا حَيْثُ قَالَ قُلْتُ: ثُمَّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ الْمُجْتَهَدُ فِيهِ الْمُعَارِضُ لِمَدْلُولِ هَذِهِ الْأُصُولِ الثَّلَاثَةِ الْمَحْكُومُ بِعَدَمِ اعْتِبَارِهِ حَتَّى أَنَّ الْقَضَاءَ بِهِ لَا يَنْفُذُ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُعَارِضًا لِمَا كَانَ مِنْ الْكِتَابِ قَطْعِيَّ الدَّلَالَةِ غَيْرَ مَنْسُوخٍ أَوْ مَا كَانَ مِنْ السُّنَّةِ كَذَلِكَ مُتَوَاتِرَ الثُّبُوتِ أَوْ مَا كَانَ مِنْ الْإِجْمَاعِ قَطْعِيَّ الثُّبُوتِ وَالدَّلَالَةِ وَهَذَا لَا شَكَّ فِيهِ لَكِنْ فِي صُدُورِ هَذَا مِنْ الْمُجْتَهِدِ بُعْدٌ عَظِيمٌ؛ لِأَنَّ اسْتِحْلَالَ مُخَالَفَةِ كُلٍّ مِنْ ذَلِكَ كُفْرٌ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ. وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُعَارِضًا لِمَا كَانَ مِنْ الْكِتَابِ أَوْ السُّنَّةِ ظَنِّيَّ الدَّلَالَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ السُّنَّةُ قَطْعِيَّةَ الثُّبُوتِ أَوْ لَا وَمِنْ الْإِجْمَاعِ مَا كَانَ ظَنِّيَّ الثُّبُوتِ أَوْ الدَّلَالَةِ وَهَذَا فِي عَدَمِ نَفَاذِ الْحُكْمِ بِمُعَارِضِهِ مُطْلَقًا نَظَرٌ ظَاهِرٌ إلَى أَنْ قَالَ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْقَضَاءَ بِحِلِّ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا وَبِشَاهِدٍ وَيَمِينِ الْمُدَّعِي يَنْفُذُ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى إمْضَاءِ قَاضٍ آخَرَ وَبِبَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ لَا يَنْفُذُ مَا لَمْ يُمْضِهِ قَاضٍ آخَرُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 11 يَعْتَبِرُوا خِلَافَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَعِنْدِي أَنَّ هَذَا لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ فَإِنْ صَحَّ أَنَّ مَالِكًا وَالشَّافِعِيَّ وَأَبَا حَنِيفَةَ مُجْتَهِدُونَ فَلَا شَكَّ فِي كَوْنِ الْمَحَلِّ اجْتِهَادِيًّا وَإِلَّا فَلَا وَلَا شَكَّ أَنَّهُمْ أَهْلُ اجْتِهَادٍ وَرِفْعَةٍ. وَلَقَدْ نَرَى فِي أَثْنَاءِ الْمَسَائِلِ جَعْلَ الْمَسْأَلَةِ اجْتِهَادِيَّةً بِخِلَافٍ بَيْنَ الْمَشَايِخِ حَتَّى يَنْفُذَ الْقَضَاءُ بِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فَكَيْفَ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ إذَا لَمْ يُعْرَفْ الْخِلَافُ إلَّا بَيْنَ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ يُؤَيِّدُهُ مَا فِي الذَّخِيرَةِ عَنْ الْحَلْوَانِيِّ أَنَّ الْأَبَ إذَا خَالَعَ الصَّغِيرَةَ عَلَى صَدَاقِهَا وَرَآهُ خَيْرًا لَهَا بِأَنْ كَانَتْ لَا تُحْسِنُ الْعِشْرَةَ مَعَ زَوْجِهَا فَإِنَّ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ يَصِحُّ وَيَزُولُ الصَّدَاقُ عَنْ مِلْكِهَا وَيَبْرَأُ الزَّوْجُ عَنْهُ فَإِذَا قَضَى بِهِ قَاضٍ نَفَذَ وَفِي حَيْضِ مِنْهَاجِ الشَّرِيعَةِ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ طَلَّقَهَا فَمَضَى عَلَيْهَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ لَمْ تُرَدَّ مَا فَإِنَّهَا تَعْتَدُّ بَعْدَهُ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ فَإِذَا قَضَى بِذَلِكَ قَاضٍ يَنْبَغِي أَنْ يَنْفُذَ؛ لِأَنَّهُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ إلَّا أَنَّهُ نُقِلَ مِثْلُهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ يَجِبُ حِفْظُهَا فَإِنَّهَا كَثِيرَةُ الْوُقُوعِ اهـ. وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا فِي الْخُلَاصَةِ لَوْ قَضَى فِي الْمَأْذُونِ فِي نَوْعٍ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مَأْذُونًا فِي الْأَنْوَاعِ كُلِّهَا نَفَذَ اهـ. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ كَلَامَهُمْ قَدْ اضْطَرَبَ فِي هَذَا الْبَابِ فَتَارَةً اعْتَبِرُوا خِلَافَهُمَا وَأُخْرَى لَمْ يَعْتَبِرُوهُ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُمْ إنَّمَا قَالُوا بِالنَّفَاذِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ لِأَجَلِ خِلَافٍ سَابِقٍ عَلَى مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ لَا بِخِلَافِهِمَا خَاصَّةً ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ نَقَلَ أَوَّلًا عِبَارَةَ الْقُدُورِيِّ وَهِيَ وَإِذَا رَفَعَ إلَيْهِ حُكْمَ حَاكِمٍ أَمْضَاهُ إلَّا أَنْ يُخَالِفَ الْكِتَابَ أَوْ السُّنَّةَ وَالْإِجْمَاعَ أَوْ يَكُونَ قَوْلًا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَثَانِيًا مَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَالَ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ الْفُقَهَاءُ فَقَضَى بِهِ الْقَاضِي ثُمَّ جَاءَ قَاضٍ آخَرُ يَرَى غَيْرَ ذَلِكَ أَمْضَاهُ اهـ. فَقَالَ الشَّارِحُونَ إنَّمَا ذَكَرَ عِبَارَةَ الْجَامِعِ بَعْدَ الْقُدُورِيِّ لِفَائِدَتَيْنِ لَيْسَتَا فِي الْقُدُورِيِّ إحْدَاهُمَا تَقْيِيدُهُ بِالْفُقَهَاءِ فَأَفَادَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِالْخِلَافِ لَا يَنْفُذُ وَالثَّانِيَةُ التَّقْيِيدُ بِكَوْنِ الْقَاضِي يَرَى غَيْرَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْقُدُورِيَّ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِذَلِكَ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ رَأْيُهُ فِي ذَلِكَ مُوَافِقًا الْحُكْمَ الْأَوَّلَ أَمْضَاهُ وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لَهُ لَا يُمْضِيهِ فَأَبَانَتْ رِوَايَةُ الْجَامِعِ أَنَّ الْإِمْضَاءَ عَامٌّ فِيمَا سِوَى الْمُسْتَثْنَيَاتِ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ مُوَافِقًا لِرَأْيِهِ أَوْ لَا وَتَعَقَّبَهُمْ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهُ لَا دَلَالَةَ فِي عِبَارَةِ الْجَامِعِ عَلَى كَوْنِهِ عَالِمًا بِالْخِلَافِ وَإِنَّمَا مُفَادُهُ أَنَّ مَا اخْتَلَفَ فِيهِ الْفُقَهَاءُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَقَضَى الْقَاضِي بِذَلِكَ الَّذِي اُخْتُلِفَ فِيهِ عَالِمًا بِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ أَوْ لَا فَإِنَّهُ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ عَالِمًا ثُمَّ جَاءَ قَاضٍ آخَرُ يَرَى خِلَافَ ذَلِكَ الَّذِي حَكَمَ بِهِ هَذَا أَمْضَاهُ فَرُبَّمَا يُفِيدُ أَنَّ الثَّانِيَ عَالِمٌ بِالْخِلَافِ وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ فَإِنَّ هَذَا هُوَ الْمَنْفَذُ وَالْكَلَامُ فِي الْقَاضِي الْأَوَّلِ الَّذِي يُنْفِذُ هَذَا حُكْمَهُ وَلَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ عَالِمًا بِالْخِلَافِ بِطَرِيقٍ مِنْ طُرُقِ الدَّلَالَةِ نَعَمْ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ التَّنْصِيصُ عَلَى أَنَّهُ يُنْفِذُهُ وَإِنْ كَانَ خِلَافَ رَأْيِهِ وَكَلَامُ الْقُدُورِيِّ يُفِيدُهُ أَيْضًا فَإِنَّهُ قَالَ إذَا رُفِعَ إلَيْهِ حُكْمُ حَاكِمٍ وَهُوَ أَعَمُّ يَنْتَظِمُ مَا إذَا كَانَ مُخَالِفًا لِرَأْيِهِ أَوْ مُوَافِقًا. اهـ. وَأَقُولُ: لَمْ يَفْهَمُوا مُرَادَ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ إنَّمَا ذَكَرَ عِبَارَةَ الْجَامِعِ بَعْدَ الْقُدُورِيِّ لِيُفِيدَ أَنَّ مَا فِي الْجَامِعِ لَا اسْتِثْنَاءَ فِيهِ بَلْ كُلُّ مَسْأَلَةٍ اخْتَلَفَتْ فِيهَا الْفُقَهَاءُ فَإِنَّهَا تَصِيرُ مَحَلَّ اجْتِهَادٍ فَإِنْ قَضَى قَاضٍ بِقَوْلٍ ارْتَفَعَ الْخِلَافُ، وَأَمَّا عِبَارَةُ الْقُدُورِيِّ فَاسْتِثْنَاءٌ كَمَا عَلِمْت وَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَمَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُ الْفَتَاوَى مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي لَا يَنْفُذُ فِيهَا قَضَاءُ الْقَاضِي لِمُخَالَفَةِ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ مَشْهُورَةٍ أَوْ إجْمَاعٍ إنَّمَا هُوَ عَلَى عِبَارَةِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ كَلَامَهُمْ قَدْ اضْطَرَبَ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ بَعْدَ نَقْلِ مَا يَقْتَضِي الِاضْطِرَابَ فَظَهَرَ أَنَّ فِيهِ اخْتِلَافَ مَشَايِخِنَا (قَوْلُهُ ثُمَّ اعْلَمْ إلَخْ) مُكَرَّرٌ مَعَ مَا قَبْلَهُ نَعَمْ فِي هَذَا مَبْسُوطَةٌ عَلَى مَا مَرَّ. (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا مُفَادُهُ أَنَّ مَا اخْتَلَفَ فِيهِ الْفُقَهَاءُ إلَخْ) مَا الْمَوْصُولَةُ اسْمُ إنَّ وَاخْتَلَفَ صِلَةُ الْمَوْصُولِ وَقَوْلُهُ فَقَضَى مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ فَإِنَّهُ أَعَمُّ إلَخْ تَعْلِيلٌ لِلتَّعْمِيمِ بِقَوْلِهِ عَالِمًا أَوْ لَا وَقَوْلُهُ ثُمَّ جَاءَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَضَى وَالْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ هَذَا لِلْقَاضِي الْأَوَّلِ وَقَوْلُهُ أَمَضَاءٌ خَبَرُ إنَّ وَالضَّمِيرُ فِيهِ عَائِدٌ لِلْقَاضِي الْآخَرُ هَذَا وَقَدْ نَقَلَ فِي النَّهْرِ كَلَامَ الْفَتْحِ مُلَخَّصًا ثُمَّ قَالَ وَأَقَرَّهُ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ وَعِنْدِي فِيهِ نَظَرٌ وَذَلِكَ أَنَّ الدَّاعِيَ لِحَمْلِ الْمَشَايِخِ كَلَامَ مُحَمَّدٍ عَلَى مَا مَرَّ أَنَّ شَرْطَهُ أَنْ يَكُونَ الْحَاكِمُ عَالِمًا بِالِاخْتِلَافِ حَتَّى لَوْ قَضَى فِي فَصْلٍ مُجْتَهَدٍ فِيهِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِذَلِكَ لَا يَجُوزُ قَضَاؤُهُ عِنْدَ عَامَّتِهِمْ وَلَا يُمْضِيهِ يَعْنِي الثَّانِيَ كَمَا فِي الشَّرْحِ وَغَيْرِهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي حَيْثُ قَالَ قَضَى فِي مُجْتَهَدٌ فِيهِ وَلَا يَعْلَمُ بِذَلِكَ لَا يَنْفُذُ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ لَهُ مُدَبَّرُونَ عَتَقُوا بِمَوْتِهِ فَأَثْبَتَ رَجُلٌ دَيْنًا عَلَيْهِ فَبَاعَهُمْ الْقَاضِي عَلَى ظَنِّ أَنَّهُمْ عَبِيدٌ وَقَضَى بِجَوَازِهِ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُمْ مُدَبَّرُونَ بَطَلَ قَضَاؤُهُ لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِذَلِكَ حَتَّى لَوْ عَلِمَ فَاجْتَهَدَ وَأَبْطَلَ التَّدْبِيرَ جَازَ اهـ. فَقَوْلُهُ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ الْفُقَهَاءُ فَقَضَى بِهِ الْقَاضِي أَيْ بِمَا اخْتَلَفَ فِيهِ الْفُقَهَاءُ يَعْنِي عَالِمًا بِاخْتِلَافِهِمْ لِيَصِحَّ قَوْلُهُ أَمْضَاهُ إذْ قَدْ عَلِمْت أَنَّهُ مَعَ غَيْرِ الْعِلْمِ لَا يُمْضِيهِ فَإِنْ قُلْتُ: فِي الْخُلَاصَةِ هَذَا الشَّرْطُ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ لَكِنْ يُفْتَى بِخِلَافِهِ قُلْتُ: كَلَامُ مُحَمَّدٍ إنَّمَا هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ اهـ. أَقُولُ: لَا يَخْفَى أَنَّ حَاصِلَ كَلَامِهِ أَنَّ الَّذِي أَفَادَ اشْتِرَاطَ الْعِلْمِ بِالْخِلَافِ هُوَ قَوْلُهُ أَمْضَاهُ وَذَلِكَ لَا يَدْفَعُ رَدَّ ابْنُ الْهُمَامِ عَلَى الشَّارِحِينَ فِي دَعْوَاهُمْ أَنَّهُ مُسْتَفَادٌ مِنْ التَّقْيِيدِ بِالْفُقَهَاءِ نَعَمْ يُدْفَعُ تَعْمِيمُهُ بِقَوْلِهِ عَالِمًا أَوْ غَيْرَ عَالِمٍ بَعْدَ تَسْلِيمِ أَنَّ كَلَامَ مُحَمَّدٍ مَبْنِيٌّ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ لَا عَلَى الْمُفْتَى بِهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَأَقُولُ: لَمْ يَفْهَمُوا مُرَادَ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ إلَخْ) نَقَلَهُ فِي النَّهْرِ وَأَقَرَّهُ وَعِبَارَةُ الْوَاقِعَاتِ أَدَلُّ دَلِيلٍ عَلَيْهِ فَجَزَاهُ اللَّهُ تَعَالَى خَيْرًا حَيْثُ حَقَّقَ الْمَقَامَ وَأَبَانَ الْمَرَامَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 12 الْقُدُورِيِّ، وَأَمَّا عَلَى مَا فِي الْجَامِعِ فَلَا وَعَلِمْت مِنْ هُنَا أَنَّ مَنْ قَالَ لَا اعْتِبَارَ بِخِلَافِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ اعْتَمَدَ قَوْلَ الْقُدُورِيِّ وَمَنْ قَالَ بِاعْتِبَارِ خِلَافِهِمَا اعْتَمَدَ مَا فِي الْجَامِعِ وَهَذَا لَمْ أُسْبَقْ إلَيْهِ وَإِنَّمَا رَأَيْت فِي الْوَاقِعَاتِ الْحُسَامِيَّةِ مَا يُفِيدُهُ قَالَ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ رِوَايَةُ مُحَمَّدٍ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ اخْتَلَفَ فِيهِ الْفُقَهَاءُ فَقَضَى الْقَاضِي بِذَلِكَ جَازَ قَضَاؤُهُ وَلَمْ يَكُنْ لِقَاضٍ آخَرَ أَنْ يُبْطِلَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الِاخْتِلَافَ وَبِهِ نَأْخُذُ. قُلْتُ: هَذَا خِلَافُ مَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَاضِي الْمَنْسُوبُ إلَى الْخَصَّافِ أَنَّ الْقَضَاءَ فِي مَوْضِعِ الِاخْتِلَافِ يَجُوزُ وَفِي مَوْضِعِ الْخِلَافِ لَا يَجُوزُ أَرَادَ بِالْأَوَّلِ مَا كَانَ فِيهِ خِلَافٌ مُعْتَبَرٌ كَالْخِلَافِ بَيْنَ السَّلَفِ وَأَرَادَ بِمَوْضِعِ الْخِلَافِ مَا لَمْ يَكُنْ مُعْتَبَرًا وَلَمْ يَعْتَبِرْ بِخِلَافِ الشَّافِعِيِّ قَالَ أُسْتَاذُنَا الْفَتْوَى عَلَى تَفَاصِيلِ أَدَبِ الْقَاضِي اهـ. فَهَذِهِ الْعِبَارَةُ أَزَالَتْ اللَّبْسَ وَأَوْضَحَتْ كُلَّ تَخْمِينٍ وَحَدْسٍ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى عِبَارَةِ الْقُدُورِيِّ وَتَفَاصِيلُ الْخَصَّافِ فَلِهَذَا السِّرِّ أَوْرَدَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ مَا فِي الْجَامِعِ بَعْدَ الْقُدُورِيِّ فَالْآنَ نَذْكُرُ الْمَوَاضِعَ الَّتِي نَصَّ أَهْلُ الْمَذْهَبِ عَلَى مَسَائِلَ لَا يَنْفُذُ الْقَضَاءُ فِيهَا أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الْخَصَّافِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا فِي الْفَوَائِدِ الْفِقْهِيَّةِ وَلَا بَأْسَ بِسَرْدِهَا تَكْمِيلًا لِلْفَائِدَةِ هُنَا قَضَى بِبُطْلَانِ الدَّعْوَى بِمُضِيِّ سِنِينَ أَوْ فَرَّقَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ لِعَجْزِهِ عَنْ النَّفَقَةِ حَالَ غَيْبَتِهِ أَوْ حَكَمَ بِصِحَّةِ نِكَاحِ مَزْنِيَّةِ أَبِيهِ أَوْ ابْنِهِ أَوْ بِصِحَّةِ نِكَاحِ أُمِّ مَزْنِيَّتِهِ أَوْ بِنْتِهَا أَوْ بِصِحَّةِ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ أَوْ بِسُقُوطِ الْمَهْرِ بِلَا بَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ أَخْذًا بِقَوْلِ الْبَعْضِ إنْ قَدَّمَ النِّكَاحَ يُوجِبُ سُقُوطَ الْمَهْرِ أَوْ بِعَدَمِ تَأْجِيلِ الْعِنِّينِ أَوْ بِعَدَمِ صِحَّةِ الرَّجْعَةِ بِلَا رِضَاهَا أَوْ بِعَدَمِ وُقُوعِ الثَّلَاثِ عَلَى الْحَامِلِ أَوْ بِعَدَمِ وُقُوعِ الثَّلَاثِ عَلَى غَيْرِ الْمَدْخُولَةِ أَوْ بِعَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ أَوْ بِنِصْفِ الْجِهَازِ لِمَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا بَعْدَ قَبْضِ الْمَهْرِ وَالتَّجْهِيزِ أَوْ بِالشَّهَادَةِ عَلَى خَطِّ أَبِيهِ أَوْ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ أَوْ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَتَيْنِ أَوْ بِمَا فِي دِيوَانِهِ وَقَدْ نَسِيَ وَبِشَهَادَةِ شَاهِدٍ عَلَى صَكٍّ لَمْ يَذْكُرْ مَا فِيهِ إلَّا أَنَّهُ يَعْرِفُ خَطَّهُ وَخَاتَمَهُ أَوْ بِشَهَادَةِ مَنْ شَهِدَ عَلَى قَضِيَّةٍ مَخْتُومَةٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُقْرَأَ عَلَيْهِ وَبِقَضَاءِ الْمَرْأَةِ فِي حَدٍّ وَقَوَدٍ وَبِقَضَاءِ عَبْدٍ أَوْ صَبِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيٍّ أَوْ فِي قَسَامَةٍ بِقَتْلٍ. أَوْ فَرَّقَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ بِشَهَادَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى الرَّضَاعِ أَوْ قَضَى لِوَلَدِهِ بِشَهَادَةِ الْأَجَانِبِ أَوْ حَكَمَ بِالْحَجْرِ عَلَى مُفْسِدٍ مُسْتَحَقٍّ لَهُ أَوْ بِصِحَّةِ بَيْعِ نَصِيبِ السَّاكِتِ مِنْ قِنٍّ حَرَّرَهُ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ مُعْسِرًا وَبِجَوَازِ بَيْعِ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ عَامِدًا أَوْ بِجَوَازِ بَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ أَوْ بِبُطْلَانِ عَفْوِ الْمَرْأَةِ عَنْ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ أَوْ بِسُقُوطِ الْمَهْرِ) صُورَتُهُ أَنَّ الْمَرْأَةَ مَتَى لَمْ تُخَاصِمْ زَوْجَهَا فِي الْمَفْرُوضِ حَتَّى مَضَتْ مُدَّةٌ طَوِيلَةٌ ثُمَّ خَاصَمَتْهُ يَبْطُلُ حَقُّهَا فِي الصَّدَاقِ وَالْقَاضِي لَا يَلْتَفِتُ إلَى خُصُومَتِهَا شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ (قَوْلُهُ أَوْ بِعَدَمِ وُقُوعِ الثَّلَاثِ عَلَى غَيْرِ الْمَدْخُولَةِ) قَالَ فِي الْمِنَحِ بَعْدَ هَذَا أَوْ بِعَدَمِ وُقُوعِ طَلَاقِ الْحَائِضِ أَوْ بِعَدَمِ وُقُوعِ الزَّائِدِ عَلَى الْوَاحِدِ أَوْ بِعَدَمِ وُقُوعِ الثَّلَاثِ بِكَلِمَةٍ أَوْ بِعَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ فِي طُهْرٍ إلَخْ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا سَقَطٌ مِنْ النَّاسِخِ وَعِبَارَةُ شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ أَوْضَحُ وَهِيَ قَوْلُهُ قَالَ: وَكَذَلِكَ رَجُلٌ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ ثَلَاثًا وَهِيَ حُبْلَى أَوْ حَائِضٌ أَوْ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا فَقَضَى قَاضٍ بِإِبْطَالِ ذَلِكَ أَوْ أَبْطَلَ بَعْضَهُ فَرَفَعَ إلَى قَاضٍ آخَرَ لَا يَرَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ قَضَاءُ الْقَاضِي بِذَلِكَ وَيَنْفُذُ عَلَى الزَّوْجِ مَا كَانَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ عَلَى قَوْلِ أَهْلِ الزَّيْغِ إذَا أَوْقَعَ الثَّلَاثَ وَهِيَ حُبْلَى أَوْ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ أَوْ فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ لَا يَقَعُ أَصْلًا وَعَلَى قَوْلِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ إذَا أَوْقَعَ الثَّلَاثَ تَقَعُ وَاحِدَةً لَكِنْ كِلَا الْقَوْلَيْنِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْكِتَابِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ} [البقرة: 230] الْآيَةَ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ: وَالْمُرَادُ مِنْهُ الطَّلْقَةُ الثَّالِثَةُ فَمَنْ قَالَ لَا يَقَعُ شَيْءٌ أَوْ تَقَعُ وَاحِدَةً فَقَدْ أَثْبَتَ الْحِلَّ لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ بِدُونِ الزَّوْجِ الثَّانِي وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْكِتَابِ فَإِذَا قَضَى الْقَاضِي لَا يَنْفُذُ فَإِذَا رُفِعَ إلَى قَاضٍ آخَرَ كَانَ لَهُ أَنْ يُبْطِلَهُ. اهـ. أَقُولُ: وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ مَا ذَكَرَ فِي الْفَتَاوَى الْمَنْسُوبَةِ إلَى ابْنِ كَمَالٍ بَاشَا مِنْ وُقُوعِ طَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ لَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَهِيَ حَائِضٌ أَوْ حُبْلَى أَوْ غَيْرُ مَدْخُولٍ بِهَا بَاطِلٌ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ فَتَنَبَّهْ. (قَوْلُهُ أَوْ بِالشَّهَادَةِ عَلَى خَطِّ أَبِيهِ) صُورَتُهُ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا مَاتَ فَوَجَدَ ابْنُهُ خَطَّ أَبِيهِ فِي صَكٍّ عَلِمَ يَقِينًا أَنَّهُ خَطُّ أَبِيهِ يَشْهَدُ بِذَلِكَ الصَّكِّ؛ لِأَنَّ الِابْنَ خَلِيفَةُ الْمَيِّتِ فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ شَرْحُ أَدَبِ الْقَضَاءِ (قَوْلُهُ أَوْ فِي قَسَامَةٍ بِقَتْلٍ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ قَضَى بِمَا فِيهِ الْقَسَامَةُ بِالْقَتْلِ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ حَكَمَ بِالْحَجْرِ عَلَى مُفْسِدٍ) قَالَ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ وَلَوْ أَنَّ قَاضِيًا حَجَرَ عَلَى رَجُلٍ فَاسِدٍ يَسْتَحِقُّ الْحَجْرَ فَجَاءَ قَاضٍ آخَرُ فَأَطْلَقَ حَجْرَهُ وَأَجَازَ مَا صَنَعَ كَانَ إطْلَاقُهُ جَائِزًا وَمَا صَنَعَ فِي مَالِهِ مِنْ شِرَاءٍ أَوْ بَيْعٍ قَبْلَ إطْلَاقِهِ وَبَعْدَ إطْلَاقِهِ عَنْهُ جَازَ لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْأَوَّلَ لَيْسَ بِقَضَاءٍ لِعَدَمِ الْمَقْضِيِّ لَهُ وَالْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ بَلْ فَتْوَى مِنْهُ فَكَانَ لِلثَّانِي أَنْ لَا يَعْمَلَ بِهِ فَيُطْلَقَ وَالثَّانِي إنْ كَانَ قَضَاءً فَنَفْسُ الْقَضَاءِ مُجْتَهَدٌ فِيهِ فَلَا يَكُونُ حَجْرًا مِنْهُ بَلْ يَتَوَقَّفُ عَلَى إمْضَاءِ قَاضٍ آخَرَ إنْ أَمْضَاهُ نَفَذَ وَصَارَ الْقَاضِي الثَّانِي بَيَانًا فِي مَحَلٍّ مُجْتَهَدٍ وَالْبَيَانُ مِنْ الثَّانِي فِي مَحَلٍّ مُجْتَهَدٍ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْقَضَاءِ فِي مَحَلٍّ مُجْتَهَدٍ وَلَوْ قَضَى فِي مَحَلٍّ مُجْتَهَدٍ فِيهِ يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ وَلَا يَكُونُ لِلثَّانِي أَنْ يَرُدَّهُ فَكَذَا إذَا بَيَّنَ الثَّانِيَ لَا يَكُونُ لِلثَّالِثِ أَنْ يَرُدَّهُ فَإِذَا رَدَّ الْقَاضِي الثَّانِي الْقَضَاءَ الْأَوَّلَ بَطَلَ فَلَا يَكُونُ لِلثَّالِثِ أَنْ يُنَفِّذَهُ وَصَارَ هَذَا نَظِيرَ الْقَاضِي إذَا قَضَى فِي حَادِثَةٍ وَهُوَ مَحْدُودٌ فِي قَذْفٍ فَإِنَّ هَذَا الْقَضَاءَ لَا يَكُونُ حُجَّةً حَتَّى يَتَّصِلَ بِهِ الْإِمْضَاءُ مِنْ الْقَاضِي الثَّانِي اهـ. وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ كَلَامَنَا فِيمَا لَا يَنْفُذُ الْقَضَاءُ فِيهِ وَالْقَضَاءُ بِالْحَجْرِ لَا يَنْفُذُ كَمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّهُ فَتْوَى لَكِنْ لَوْ نَفَّذَهُ قَاضٍ آخَرُ نَفَذَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 13 الْقَوَدِ بِنَاءً عَلَى قَوْلِ الْبَعْضِ إنَّهُ لَا حَقَّ لَهُنَّ فِيهِ أَوْ بِصِحَّةِ ضَمَانِ الْخَلَاصِ وَأَلْزَمَهُ تَسْلِيمَ الدَّارِ عِنْدَ الِاسْتِحْقَاقِ أَوْ بِالزِّيَادَةِ فِي مَعْلُومِ الْإِمَامِ مِنْ أَوْقَافِ الْمَسْجِدِ أَوْ بِحِلِّ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا بِمُجَرَّدِ عَقْدِ الْمُحَلِّلِ بِلَا دُخُولٍ عَمَلًا بِقَوْلِ سَعِيدٍ أَوْ بِعَدَمِ تَمَلُّكِ الْكُفَّارِ مَالَ الْمُسْلِمِ الْمُحْرَزِ بِدَرَاهِم أَوْ بِجَوَازِ بَيْعِ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَوْ بِصِحَّةِ صَلَاةِ الْمُحْدِثِ أَوْ بِالْقَسَامَةِ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ بِتَلَفِ الْمَالِ قِيَاسًا عَلَى النَّفْسِ أَوْ بِحَدِّ الْقَذْفِ بِحُكْمِ التَّعْرِيضِ أَوْ بِقُرْعَةٍ فِي رَقِيقٍ أَعْتَقَ الْمَيِّتُ مِنْهُمْ وَاحِدًا أَوْ بِعَدَمِ جَوَازِ تَصَرُّفِ الْمَرْأَةِ فِي مَالِهَا بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا وَهَذِهِ الْمَسَائِلُ مَنْقُولَةٌ مِنْ الْبَزَّازِيَّةِ وَجَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَالْخَانِيَّةِ وَالْقُنْيَةِ وَالصَّيْرَفِيَّةِ وَفِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ لِلْأَسْيُوطِيِّ مَعْزِيًّا إلَى فَتَاوَى السُّبْكِيّ أَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي يُنْقَضُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ إذَا كَانَ حُكْمًا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ قَالَ وَمَا خَالَفَ شَرْطَ الْوَاقِفِ فَهُوَ مُخَالِفٌ لِلنَّصِّ وَهُوَ حُكْمٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ نَصُّهُ فِي الْوَقْفِ نَصًّا أَوْ ظَاهِرًا. اهـ. وَهَذَا مُوَافِقٌ لِقَوْلِ مَشَايِخِنَا كَغَيْرِهِمْ شَرْطُ الْوَاقِفِ كَنَصِّ الشَّارِعِ فَيَجِبُ اتِّبَاعُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِلْمُصَنِّفِ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي الْمَقْضِيِّ بِهِ أَمَّا إذَا كَانَ فِي نَفْسِ الْقَضَاءِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ لَا يَنْفُذُ ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ لَا يُوجَدُ قَبْلَ الْقَضَاءِ فَإِذَا قَضَى فَحِينَئِذٍ يُوجَدُ مَحَلُّ الِاخْتِلَافِ وَالِاجْتِهَادِ فَلَا بُدَّ مِنْ قَضَاءٍ آخَرَ يُرَجِّحُ أَحَدَهُمَا وَذَلِكَ مِثْلُ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ وَلِلْغَائِبِ وَقَضَاءِ الْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ وَشَهَادَتِهِ بَعْدَ التَّوْبَةِ كَذَا ذَكَرَ الشَّارِحُ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ بَابِ الْمَفْقُودِ إذَا رَأَى الْقَاضِي الْمَصْلَحَةَ فِي الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ أَوْ لَهُ فَحَكَمَ فَإِنَّهُ لَا يَنْفُذُ؛ لِأَنَّهُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَنْفُذَ حَتَّى يُمْضِيَهُ قَاضٍ آخَرُ لِأَنَّ نَفْسَ الْقَضَاءِ مُجْتَهَدٌ فِيهِ كَمَا لَوْ كَانَ الْقَاضِي مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ فَإِنَّ نَفَاذَ قَضَائِهِ مَوْقُوفٌ عَلَى أَنْ يُمْضِيَهُ قَاضٍ آخَرُ أُجِيبَ بِمَنْعِ أَنَّهُ مِنْ ذَلِكَ بَلْ الْمُجْتَهِدُ سَبَبُهُ وَهُوَ هَذِهِ الْبَيِّنَةُ هَلْ تَكُونُ حُجَّةً لِلْقَضَاءِ مِنْ غَيْرِ خَصْمٍ حَاضِرٍ أَمْ لَا فَإِذَا قَضَى بِهَا نَفَذَ كَمَا لَوْ قَضَى بِشَهَادَةِ الْمَحْدُودِ فِي قَذْفٍ وَفِي الْخُلَاصَةِ الْفَتْوَى عَلَى هَذَا. اهـ. فَقَدْ اخْتَلَفَ التَّرْجِيحُ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَلَا يَقْضِي عَلَى غَائِبٍ وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ أَنَّ نَفَاذَ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ مَوْقُوفٌ عَلَى تَنْفِيذِ قَاضٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الْقَضَاءِ مُجْتَهَدٌ فِيهِ. اهـ. وَسَيَأْتِي إيضَاحُهُ قَرِيبًا وَفِي الْإِصْلَاحِ وَيَمْضِي حُكْمُ قَاضٍ قَالَ فِي الْإِيضَاحِ لَمْ يَقُلْ حَاكِمٌ احْتِرَازًا عَنْ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ فِيهِ غَيْرُ هَذَا وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِقَوْلِهِ آخَرُ لِيَعُمَّ حُكْمَ نَفْسِهِ قَبْلَ ذَلِكَ اهـ. (قَوْلُهُ وَيَنْفُذُ الْقَضَاءُ بِشَهَادَةِ الزُّورِ فِي الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا لَا فِي الْأَمْلَاكِ الْمُرْسَلَةِ) أَيْ الْمُطْلَقَةِ وَهِيَ الَّتِي لَمْ يُذْكَرْ لَهَا سَبَبٌ مُعَيَّنٌ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا لَا يَنْفُذُ إلَّا ظَاهِرًا؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ الزُّورِ حُجَّةٌ ظَاهِرًا فَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَ غَيْرَ أَهْلٍ لَهَا وَلَهُ قَوْلُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِتِلْكَ الْمَرْأَةِ شَاهِدَاك زَوْجَاك وَلِأَنَّ الْقَضَاءَ لِقَطْعِ الْمُنَازَعَةِ بَيْنَهُمَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَوْ لَمْ يَنْفُذْ بَاطِنًا كَانَ تَمْهِيدًا لَهَا وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَأَمَّا الِاسْتِشْهَادُ بِتَفْرِيقِ الْمُتَلَاعِنَيْنِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ اهـ. يَعْنِي: بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْكَذِبَ لَيْسَ هُوَ فِي الْإِخْبَارِ بِالْفُرْقَةِ وَإِنَّمَا هُوَ فِي الرَّمْيِ بِالزِّنَا أَوْ نَفْيِ الْوَلَدِ وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ النِّكَاحِ وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ هُوَ الْوَجْهُ وَمِنْ فُرُوعِ الْمَسْأَلَةِ ادَّعَى عَلَى امْرَأَةٍ نِكَاحًا وَهِيَ جَاحِدَةٌ وَأَقَامَ بَيِّنَةَ زُورٍ فَقَضَى بِالنِّكَاحِ بَيْنَهُمَا حَلَّ لِلْمُدَّعِي وَطْؤُهَا وَلَهَا التَّمْكِينُ عِنْدَهُ. وَكَذَا إذَا ادَّعَتْ نِكَاحًا عَلَى رَجُلٍ وَهُوَ يَجْحَدُ وَمِنْهَا قَضَى بِبَيْعِ أَمَةٍ بِشَهَادَةِ زُورٍ حَلَّ لِلْمُنْكِرِ وَطْؤُهَا وَكَذَا فِي الْفُسُوخِ بِالْبَيْعِ وَالْإِقَالَةِ وَمِنْهَا ادَّعَتْ أَنَّهُ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَهُوَ يُنْكِرُ وَأَقَامَتْ بَيِّنَةَ زُورٍ فَقَضَى بِالْفُرْقَةِ فَتَزَوَّجَتْ بِآخَرَ بَعْدَ الْعِدَّةِ حَلَّ لَهُ وَطْؤُهَا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ عَلِمَ بِحَقِيقَةِ الْحَالِ وَحَلَّ لِأَحَدِ الشَّاهِدَيْنِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ أَوْ بِصِحَّةِ ضَمَانِ الْخَلَاصِ) يُرِيدُ بِهِ أَنَّ الْإِنْسَانَ يَبِيعُ دَارِهِ مِنْ إنْسَانٍ وَيَضْمَنُ لَهُ الْخَلَاصَ أَوْ غَيْرُ الْبَائِعِ يَضْمَنُ لَهُ الْخَلَاصَ وَتَفْسِيرُهُ أَنَّهُ لَوْ جَاءَ مُسْتَحِقٌّ وَاسْتَحَقَّهَا فَهُوَ ضَامِنٌ لِلْخَلَاصِ يَسْتَخْلِصُ الدَّارَ مِنْ يَدِ الْمُسْتَحِقِّ إمَّا شِرَاءً أَوْ هِبَةً أَوْ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ فَإِذَا ضَمِنَ كَذَلِكَ ثُمَّ ظَهَرَ الِاسْتِحْقَاقُ فَرَفَعَ إلَى قَاضٍ آخَرَ يَرَى ذَلِكَ الضَّمَانَ صَحِيحًا فَقَضَى عَلَيْهِ بِتَسْلِيمِ الدَّارِ ثُمَّ رَفَعَ إلَى آخَرَ لَا يَرَاهُ فَإِنَّهُ يُبْطِلُهُ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْوَفَاءِ بِهِ وَهَذَا التَّفْسِيرُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَاخْتِيَارُ الْخَصَّافِ، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَهُوَ وَالْعُهْدَةُ وَالدَّرْكُ وَاحِدٌ وَهُوَ الرُّجُوعُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ عِنْدَ الِاسْتِحْقَاقِ وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ (قَوْلُهُ أَوْ بِحَدٍّ بِحُكْمِ التَّعْرِيضِ) كَقَوْلِهِ لِآخَرَ أَمَّا أَنَا فَلَسْت بِزَانٍ (قَوْلُهُ لِيَعُمَّ حُكْمَ نَفْسِهِ قَبْلَ ذَلِكَ) أَيْ الْحُكْمَ الصَّادِرَ مِنْهُ قَبْلَ ذَلِكَ الْحُكْمِ وَفِي الْفَوَاكِهِ الْبَدْرِيَّةِ خِلَافُهُ حَيْثُ قَالَ فَإِنْ قِيلَ هَلْ يَجُوزُ لِلْقَاضِي الْأَوَّلِ أَنْ يَحْكُمَ بِصِحَّةِ الْحُكْمِ الصَّادِرِ مِنْهُ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ أَوْ الطَّرِيقِ الْوَاقِعَةِ عِنْدَهُ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا وَيَكُونُ هَذَا رَافِعًا لِلْخِلَافِ فِي ذَلِكَ وَلَا يُحْتَاجُ فِي نُفُوذِهِ عَلَى الْمُخَالِفِ إلَى قَاضٍ آخَرَ مُوَافِقٍ لِلْقَاضِي الْأَوَّلِ فِي الْمَذْهَبِ أَمْ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُمْكِنٍ شَرْعًا إذْ الْقَاضِي لَا يَقْضِي لِنَفْسِهِ بِالْإِجْمَاعِ فَلَا بُدَّ فِي نُفُوذِهِ عَلَى الْمُخَالِفِ مِنْ إمْضَاءِ قَاضٍ آخَرَ مُوَافِقٍ لِمَذْهَبِهِ إلَى آخِرِ مَا قَرَّرَهُ فَتَأَمَّلْ. [الْقَضَاءُ بِشَهَادَةِ الزُّورِ فِي الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ] (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَيَنْفُذُ الْقَضَاءُ) انْتَهَتْ إلَى هُنَا كِتَابَةُ النَّهْرِ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْمُسْتَعَانِ عَلَى كُلِّ أَمْرٍ وَنَسْأَلُهُ التَّيْسِيرَ لِكُلِّ عَسِيرٍ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 14 وَيَطَأَهَا وَلَا يَحِلُّ لِلْأَوَّلِ وَطْؤُهَا وَلَا يَحِلُّ لَهَا تَمْكِينُهُ وَمِنْ صُوَرِ التَّحْرِيمِ صَبِيٌّ وَصَبِيَّةٌ سُبِيَا فَكَبِرَا وَأُعْتِقَا ثُمَّ تَزَوَّجَ أَحَدُهُمَا بِالْآخِرِ فَجَاءَ حَرْبِيٌّ مُسْلِمًا وَأَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهُمَا وَلَدَاهُ قَضَى الْقَاضِي بَيْنَهُمَا بِالْفُرْقَةِ فَإِنْ رَجَعَ الشُّهُودُ أَوْ تَبَيَّنَ أَنَّهُمْ شُهُودُ زُورٍ لَا يَحِلُّ لِلزَّوْجِ وَطْؤُهَا عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالْحُرْمَةِ نَفَذَ بَاطِنًا وَظَاهِرًا وَمُحَمَّدٌ فِي هَذَا الْفَرْعِ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ حَقِيقَةَ كَذِبِ الشُّهُودِ. كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَأَثِمَ الشَّاهِدَانِ إثْمًا عَظِيمًا وَلِلنَّفَاذِ بَاطِنًا عِنْدَهُ شَرْطَانِ الْأَوَّلُ عَدَمُ عِلْمِ الْقَاضِي بِكَذِبِهِمْ فَلَوْ عَلِمَ الْقَاضِي كَذِبَ الشُّهُودِ لَمْ يَنْفُذْ ذَكَرَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ النِّكَاحِ الثَّانِي كَوْنُ الْمَحَلِّ قَابِلًا فَإِذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ تَحْتَ زَوْجٍ أَوْ كَانَتْ مُعْتَدَّةً أَوْ مُرْتَدَّةً أَوْ مُحَرَّمَةً بِمُصَاهَرَةٍ أَوْ بِرَضَاعٍ لَمْ يَنْفُذْ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الْإِنْشَاءَ وَإِنَّمَا لَا يُشْتَرَطُ حُضُورُ الشُّهُودِ لِلنِّكَاحِ عَلَى قَوْلِ بَعْضِ الْمَشَايِخِ وَفِي شَرْحِ الْجَامِعِ لِقَاضِي خَانْ وَلَمْ يَشْتَرِطْ مُحَمَّدٌ حُضُورَ الشُّهُودِ وَذَكَرَ الزَّعْفَرَانِيُّ أَنَّهُ شَرْطٌ وَبِهِ أَخَذَ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ. اهـ. فَالْمُعْتَمَدُ الِاشْتِرَاطُ وَإِذَا قُلْنَا بِعَدَمِهِ وَهُوَ أَوْجَهُ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ النِّكَاحِ فَوَجْهُهُ أَنَّا نَجْعَلُ حُكْمَ الْحَاكِمِ إنْشَاءَ مُقْتَضٍ فِي ضِمْنِ صِحَّةِ الْقَضَاءِ وَالثَّابِتُ اقْتِضَاءً لَا تُرَاعَى فِيهِ شَرَائِطُهُ وَكَذَا لَا يُشْتَرَطُ قَبْضُ رَأْسِ الْمَالِ وَبَدَلِ الصَّرْفِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ قُيِّدَ بِشَهَادَةِ الزُّورِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَوْ قَضَى بِشَهَادَتِهِمْ فَظَهَرَ أَنَّهُمْ عَبِيدٌ أَوْ كُفَّارٌ أَوْ مَحْدُودُونَ فِي قَذْفٍ لَمْ يَنْفُذْ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِحُجَّةٍ أَصْلًا بِخِلَافِ الْفُسَّاقِ عَلَى مَا عُرِفَ وَلِإِمْكَانِ الْوُقُوفِ عَلَيْهِمْ فَلَمْ تَكُنْ شَهَادَتُهُمْ حُجَّةً. وَقَيَّدَ بِالشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ لَا يَنْفُذُ قَالُوا لَوْ ادَّعَتْ أَنَّ زَوْجَهَا أَبَانَهَا بِثَلَاثٍ فَأَنْكَرَ فَحَلَّفَهُ الْقَاضِي فَحَلَفَ وَالْمَرْأَةُ تَعْلَمُ أَنَّ الْأَمْرَ كَمَا قَالَتْ لَا يَسَعُهَا الْإِقَامَةُ مَعَهُ وَلَا أَنْ تَأْخُذَ مِنْ مِيرَاثِهِ شَيْئًا وَهَذَا لَا يُشْكِلُ إذَا كَانَ ثَلَاثًا لِبُطْلَانِ الْمَحَلِّيَّةِ لِلْإِنْشَاءِ قَبْلَ زَوْجٍ آخَرَ وَفِيمَا دُونَ الثَّلَاثِ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ يَقْبَلُ الْإِنْشَاءَ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَثْبُتُ إذَا قَضَى الْقَاضِي بِالنِّكَاحِ وَهُنَا لَمْ يَقْضِ بِهِ لِاعْتِرَافِهِمَا بِهِ وَإِنَّمَا ادَّعَتْ الْفُرْقَةَ كَذَا ذَكَرَ الشَّارِحُ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَلَا يَحِلُّ وَطْؤُهَا إجْمَاعًا وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ قَبِيلَ الْإِيمَانِ سَمِعَتْ بِطَلَاقِ زَوْجِهَا إيَّاهَا ثَلَاثًا وَلَا تَقْدِرُ عَلَى مَنْعِهِ إلَّا بِقَتْلِهِ إنْ عَلِمْت أَنَّهُ يَقْرَبُهَا تَقْتُلُهُ بِالدَّوَاءِ وَلَا تَقْتُلُ نَفْسَهَا وَذَكَرَ الْأُوزْجَنْدِيُّ أَنَّهَا تَرْفَعُ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا بَيِّنَةٌ تُحَلِّفُهُ فَإِنْ حَلَفَ فَالْإِثْمُ عَلَيْهِ وَإِنْ قَتَلَتْهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا وَالْبَائِنُ كَالثَّلَاثِ. اهـ. وَأَطْلَقَ فِي الْعُقُودِ فَشَمِلَ عُقُودَ التَّبَرُّعَاتِ قَالُوا وَفِي الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ رِوَايَتَانِ وَكَذَا فِي الْبَيْعِ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ فِي رِوَايَةٍ لَا يَنْفُذُ بَاطِنًا؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَمْلِكُ إنْشَاءَ التَّبَرُّعَاتِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ وَالْبَيْعُ بِالْأَقَلِّ تَبَرُّعٌ مِنْ وَجْهٍ وَإِطْلَاقُ الْكِتَابِ يَقْتَضِي أَنَّ الْمُعْتَمَدَ النَّفَاذُ فِيهَا بَاطِنًا أَيْضًا؛ لِأَنَّ النَّفَاذَ فِي ضِمْنِ صِحَّةِ الْقَضَاءِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ شَرَائِطُهُ وَلَا يَخْتَصُّ بِمَحَلٍّ وَالْبَيْعُ بِالْأَقَلِّ يَمْلِكُهُ مَنْ لَا يَمْلِكُ التَّبَرُّعَ كَالْمُكَاتَبِ وَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ وَفِي إيضَاحِ الْإِصْلَاحِ أَرَادَ بِالْفَسْخِ إبْطَالَ الْعُقُودِ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ فَيَعُمُّ الطَّلَاقَ اهـ. وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يُبْطِلُ النِّكَاحَ وَإِنَّمَا يَرْفَعُ الْقَيْدَ الثَّابِتَ بِالنِّكَاحِ فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ أَرَادَ بِالْفَسْخِ مَا يَرْفَعُ حُكْمَ الْعَقْدِ فَيَشْمَلُ الطَّلَاقَ كَمَا لَا يَخْفَى وَفِي الْقُنْيَةِ ادَّعَى عَلَيْهِ جَارِيَةً أَنَّهُ اشْتَرَاهَا بِكَذَا فَأَنْكَرَ فَحَلَفَ فَنَكَلَ فَقَضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ تَحِلُّ الْجَارِيَةُ لِلْمُدَّعِي دِيَانَةً وَقَضَاءً كَمَا فِي شَهَادَةِ الزُّورِ اهـ. فَعَلَى هَذَا الْقَضَاءِ بِالنُّكُولِ كَالْقَضَاءِ بِشَهَادَةِ الزُّورِ وَظَاهِرٌ اقْتِصَارُهُ عَلَى نَفْيِ الْأَمْلَاكِ الْمُرْسَلَةِ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ بَاطِنًا فِي النَّسَبِ وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ يَنْفُذُ فِيهِ وَصَرَّحَ بِهِ الْوَلْوَالِجِيُّ فَقَالَ إذَا شَهِدُوا زُورًا أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّ أَمَتَهُ بِنْتٌ لَهُ فَجَعَلَهَا الْقَاضِي بِنْتًا لَهُ تَثْبُتُ جَمِيعُ أَحْكَامِ الْبِنْتِيَّةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ فِي قَوْلِهِ الْأَوَّلِ وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَطَأهَا وَتَرِثُ مِنْهُ وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْقَضَاءَ بِالنَّسَبِ بِشَهَادَةِ الزُّورِ هَلْ يَنْفُذُ بَاطِنًا فَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ وَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ قَالَ الْقَضَاءُ بِالنَّسَبِ بِشَهَادَةِ الزُّورِ لَا يَنْفُذُ بَاطِنًا بِالْإِجْمَاعِ وَنَصَّ الْخَصَّافُ عَلَى أَنَّهُ يَنْفُذُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَفِي النَّسَبِ وَالْهِبَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ وَكَانَ هَذَا حِيلَةً لِمَنْ لَا وَارِثَ لَهُ أَنْ يُثْبِتَ النَّسَبَ مِنْ نَفْسِهِ بِأَنْ يَدَّعِيَ شَخْصًا مَجْهُولَ النَّسَبِ أَنَّهُ ابْنُهُ أَوْ ابْنَتُهُ وَيُقِيمُ عَلَى ذَلِكَ شَاهِدَيْ زُورٍ فَيَقْضِي الْقَاضِي   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 15 بِالنَّسَبِ لَهُ اهـ. مَا فِي الْمُحِيطِ وَفِيهِ وَالشَّهَادَةُ بِعِتْقِ الْأَمَةِ كَالشَّهَادَةِ بِطَلَاقِ الْمَرْأَةِ اهـ. قُلْتُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الشَّهَادَةُ بِالْوَقْفِ كَالْعِتْقِ وَلَمْ أَرَ نَقْلًا فِي الشَّهَادَةِ بِأَنَّ الْوَقْفَ مِلْكٌ أَوْ بِتَزْوِيرِ شَرَائِطِ الْوَقْفِ أَوْ بِأَنَّ الْوَاقِفَ أَخْرَجَ فُلَانًا وَأَدْخَلَ فُلَانًا زُورًا إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْقَضَاءُ وَظَاهِرُ مَا فِي الْهِدَايَةِ أَنَّ مَا عَدَا الْأَمْلَاكَ الْمُرْسَلَةَ فَإِنَّهُ يَنْفُذُ بَاطِنًا حَيْثُ قَالَ وَكُلُّ شَيْءٍ قَضَى بِهِ الْقَاضِي إلَى آخِرِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّحْرِيمَ يَشْمَلُ الْقَصْدِيَّ وَالضِّمْنِيَّ خُصُوصًا إذَا قُلْنَا بِأَنَّ الْوَقْفَ مِنْ قَبِيلِ الْإِسْقَاطِ فَهُوَ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فَعَلَى هَذَا فَاللَّقَبُ لَيْسَ بِعَامٍّ لِخُرُوجِ النَّسَبِ عَنْ الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ مَعَ أَنَّ فِي دُخُولِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ تَحْتَ الْفَسْخِ إشْكَالًا؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ مُقَابِلُ الْفَسْخِ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ لَا يَنْقُصُ الْعَدَدَ وَالطَّلَاقُ يَنْقُصُهُ وَقَدَّمْنَا مَا فِي الْإِيضَاحِ وَقَوْلُهُمْ إنَّ الْمَسْأَلَةَ مُلَقَّبَةٌ بِالْقَضَاءِ بِالْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَنْظُرَ فِيهِ إلَى الْمَعْنَى لِكَوْنِهِ عَلَمًا فِيهِ وَلَوْ حَذَفَ الْأَمْلَاكَ لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ مَا إذَا شَهِدُوا بِزُورٍ بِدَيْنٍ لَمْ يُبَيِّنُوا سَبَبَهُ فَإِنَّهُ لَا يَنْفُذُ وَإِذَا لَمْ يَنْفُذْ بَاطِنًا فِي الْأَمْلَاكِ الْمُرْسَلَةِ لَمْ يَحِلَّ لِلْمَقْضِيِّ لَهُ الْوَطْءُ وَالْأَكْلُ وَاللُّبْسُ وَحَلَّ لَلْمَقْضِيّ عَلَيْهِ لَكِنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ سِرًّا؛ لِأَنَّهُ لَوْ فَعَلَهُ جَهْرًا فَسَّقَهُ النَّاسُ أَوْ عَزَّرُوهُ كَذَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْإِرْثَ حُكْمُهُ حُكْمِ الْأَمْلَاكِ الْمُطْلَقَةِ فَلَا يَنْفُذُ الْقَضَاءُ بِالشُّهُودِ زُورًا فِيهِ بَاطِنًا اتِّفَاقًا وَإِنْ كَانَ مِلْكًا بِسَبَبٍ وَسَيَأْتِي الِاخْتِلَافُ فِي بَابِ اخْتِلَافِ الشَّاهِدَيْنِ فِي أَنَّ الْإِرْثَ مُطْلَقٌ أَوْ بِسَبَبٍ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ مُطْلَقٌ وَاخْتَارَ فِي الْكَنْزِ أَنَّهُ بِسَبَبٍ وَلِذَا قَالَ فِي الْبَدَائِعِ فِي الْجَوَابِ عَنْ حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ مَرْفُوعًا «إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ فَمَنْ قَضَيْت لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ» أَنَّهُ قَالَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي مَوَارِيثَ دُرِسَتْ وَالْمِيرَاثُ وَمُطْلَقُ الْمِلْكِ سَوَاءٌ فِي الدَّعْوَى وَبِهِ نَقُولُ. اهـ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُمَا لَمَّا قَالَا بِعَدَمِ النَّفَاذِ بَاطِنًا اخْتَلَفَا فَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَحِلُّ لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَحِلُّ لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ وَطْؤُهَا فِي الظَّاهِرِ، وَأَمَّا فِي الْبَاطِنِ فَلَا يَحِلُّ لِأَنَّ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ بِوُقُوعِ الْفُرْقَةِ بَاطِنًا صَارَ شُبْهَةً لَهُ فَيَحْرُمُ الْوَطْءُ احْتِيَاطًا وَصَارَ كَمَا إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ كَرِهَ مُحَمَّدٌ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا قَبْلَ الْمُحَلِّلِ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ كَذَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَفِيهَا وَلَوْ تَزَوَّجَهَا الثَّانِي وَدَخَلَ بِهَا وَفَارَقَهَا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا الْأَوَّلُ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِأَنَّ نِكَاحَ الْأَوَّلِ قَائِمٌ لَكِنَّهُمَا يُجَدِّدَانِ النِّكَاحَ حَتَّى لَا يُتَّهَمَا، وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّ الْفُرْقَةَ بِالثَّلَاثِ وَاقِعَةٌ فَيَكُونُ الزَّوْجُ الثَّانِي مُثْبِتًا لِلْحِلِّ هَذَا إذَا فَارَقَهَا الزَّوْجُ الثَّانِي بِطَلَاقٍ بِاخْتِيَارِهِ فَأَمَّا إذَا شَهِدَا عَلَيْهِ زُورًا بِالثَّلَاثِ وَقَضَى الْقَاضِي بِالْفُرْقَةِ حَلَّ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ مَنْ شَاءَتْ مِنْ الزَّوْجِ الْأَوَّلِ وَالشَّاهِدَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرُ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ لَا يَحِلُّ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ مَنْكُوحَةَ الْأَوَّلِ فَلَا تَتَزَوَّجُ إلَّا مِنْ الْأَوَّلِ. اهـ. وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي يُحِلُّ مَا كَانَ حَرَامًا فِي مُعْتَقَدِ الْمُقَضَّى لَهُ وَلِذَا قَالَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَلَوْ قَالَ لَهَا أَنْت طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ فَخَاصَمَهَا إلَى قَاضٍ يَرَاهَا رَجْعِيَّةً بَعْدَ الدُّخُولِ فَقَضَى بِكَوْنِهَا رَجْعِيَّةً وَالزَّوْجُ يَرَى أَنَّهَا بَائِنَةٌ أَوْ ثَلَاثًا فَإِنَّهُ يَتَّبِعُ رَأْيَ الْقَاضِي عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَيَحِلُّ لَهُ الْمُقَامُ مَعَهَا وَقِيلَ إنَّهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لَا يَسَعُهُ الْمُقَامُ مَعَهَا وَإِنْ تَرَافَعَا إلَى قَاضٍ آخَرَ بَعْدَ الْقَضَاءِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ لَا يَنْقُضُهُ وَإِنْ كَانَ عَلَى خِلَافِ رَأْيِهِ وَهَذَا إذَا قَضَى لَهُ فَإِنْ قَضَى عَلَيْهِ بِالْبَيْنُونَةِ أَوْ الثَّلَاثِ وَالزَّوْجُ لَا يَرَاهُ يَتْبَعُ رَأْيَ الْقَاضِي إجْمَاعًا. وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الزَّوْجُ عَالِمًا لَهُ رَأْيٌ وَاجْتِهَادٌ فَإِنْ كَانَ عَامِّيًّا اتَّبَعَ رَأْيَ الْقَاضِي سَوَاءٌ قَضَى لَهُ أَوْ عَلَيْهِ وَهَذَا إذَا قَضَى لَهُ أَمَّا إنْ أَفْتَى لَهُ فَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ السَّابِقِ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْمُفْتِي فِي حَقِّ الْجَاهِلِ بِمَنْزِلَةِ رَأْيِهِ وَاجْتِهَادِهِ كَذَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَفِي آخِرِ النُّتَفِ اعْلَمْ أَنَّ الْقَضَاءَ لَا يَهْدِمُ الْقَضَاءَ وَالرَّأْيَ لَا يَهْدِمُ الرَّأْيَ وَالْقَضَاءُ يَهْدِمُ الرَّأْيَ وَالرَّأْيُ لَا يَهْدِمُ الْقَضَاءَ مِثَالُ الْأَوَّلِ ظَاهِرٌ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ حَيْثُ قَالَ وَكُلُّ شَيْءٍ قَضَى بِهِ الْقَاضِي إلَخْ) عِبَارَةُ الْهِدَايَةِ وَكُلُّ شَيْءٍ قَضَى بِهِ الْقَاضِي فِي الظَّاهِرِ بِتَحْرِيمِهِ فَهُوَ فِي الْبَاطِنِ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ فَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا تَحِلُّ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَحِلُّ لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ وَطْؤُهَا) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَفِي أَغْلِبْ النُّسَخِ فَقَالَ مُحَمَّدٌ يَحِلُّ لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ وَطْؤُهَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَحِلُّ وَهُوَ الصَّوَابُ وَقَوْلُهُ فِي الظَّاهِرِ صَوَابُهُ فِي الْبَاطِنِ وَقَوْلُهُ: وَأَمَّا فِي الْبَاطِنِ فَلَا يَحِلُّ الصَّوَابُ إسْقَاطُهُ وَالِاقْتِصَارُ عَلَى التَّعْلِيلِ وَعِبَارَةُ الْوَلْوَالِجيَّةِ هَكَذَا، وَأَمَّا الزَّوْجُ الْأَوَّلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا فِي الظَّاهِرِ، وَأَمَّا فِي الْبَاطِنِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ يَحِلُّ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَحِلُّ؛ لِأَنَّ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَخْ اهـ. مُلَخَّصًا. وَقَوْلُهُ وَصَارَ كَمَا إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً إلَخْ هَكَذَا رَأَيْته فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ كَمَا هُنَا فَتَأَمَّلْهُ وَلَعَلَّ مَعْنَى قَوْلِهِ ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا أَيْ شَهِدَا زُورًا بِطَلَاقِهَا ثَلَاثًا ثُمَّ رَأَيْت الْمَسْأَلَةَ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ حَيْثُ قَالَ إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِغَيْرِ وَلِيٍّ ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا إلَخْ فَسَقَطَ مِنْ عِبَارَةِ الْوَلْوَالِجيَّةِ قَوْلُهُ بِلَا وَلِيٍّ فَوَقَعَ الْخَلَلُ (قَوْلُهُ مِنْ الزَّوْجِ الْأَوَّلِ وَالشَّاهِدَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ) كَذَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ مِنْ الزَّوْجِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يَتْبَعُ رَأْيَ الْقَاضِي عِنْدَ مُحَمَّدٍ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ وَالْوَجْهُ عِنْدِي قَوْلُ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ اتِّصَالَ الْقَضَاءِ بِالِاجْتِهَادِ الْكَائِنِ لِلْقَاضِي يُرَجِّحُهُ عَلَى اجْتِهَادِ الزَّوْجِ وَالْأَخْذُ بِالرَّاجِحِ مُتَعَيِّنٌ وَكَوْنُهُ لَا يَرَاهُ حَلَالًا إنَّمَا يَمْنَعُهُ مِنْ الْقُرْبَانِ قَبْلَ الْقَضَاءِ أَمَّا بَعْدَهُ وَبَعْدَ نَفَاذِهِ بَاطِنًا كَمَا فُرِضَتْ الْمَسْأَلَةُ فَلَا اهـ. (قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ عَامِّيًّا) ظَاهِرُ الْمُقَابَلَةِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَامِّيِّ غَيْرُ الْمُجْتَهِدِ سَوَاءٌ كَانَ عَالِمًا أَوْ جَاهِلًا. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 16 وَأَمَّا مِثَالُ الثَّانِي فَإِنْ يَعْتَقِدْ الثَّلَاثَ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ فَإِنَّهَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ فَإِنْ تَحَوَّلَ رَأْيُهُ إلَى أَنَّهَا رَجْعِيَّةٌ لَمْ تَحِلَّ وَمِثَالُ الثَّالِثِ أَنْ يَحْكُمَ الْقَاضِي بِكَوْنِهَا رَجْعِيَّةً فَإِنَّ هَذَا الْقَضَاءَ يَهْدِمُ رَأْيَهُ مِنْ أَنَّهَا ثَلَاثٌ وَمِثَالُ الرَّابِعِ إذَا قَضَى قَاضٍ ثُمَّ تَحَوَّلَ رَأْيُهُ فَإِنَّهُ لَا يَنْقُضُ مَا مَضَى؛ لِأَنَّ الرَّأْيَ لَا يَهْدِمُ الْقَضَاءَ وَإِنَّمَا يُعْمَلُ بِرَأْيِهِ فِي الْمُسْتَقْبِلِ اهـ. مُخْتَصَرًا. (قَوْلُهُ وَلَا يُقْضَى عَلَى غَائِبٍ) أَيْ لَا يَصِحُّ الْقَضَاءُ عَلَى خَصْمٍ غَيْرِ حَاضِرٍ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعَلِيٍّ «لَا تَقْضِ لِأَحَدٍ الْخَصْمَيْنِ حَتَّى تَسْمَعَ كَلَامَ الْآخَرِ فَإِنَّك إذَا سَمِعْت كَلَامَ الْآخَرِ عَلِمْت كَيْفَ تَقْضِي» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَلِأَنَّ الْقَضَاءَ لِقَطْعِ الْمُنَازَعَةِ وَلَا مُنَازَعَةَ هُنَا لِعَدَمِ الْإِنْكَارِ فَلَا يَصِحُّ كَذَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَصَرَّحَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّ حَضْرَةَ الْخَصْمِ لِيَتَحَقَّقَ إنْكَارُهُ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْحُكْمِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ الْقَضَاءِ قَضَى لِلْغَائِبِ أَوْ عَلَيْهِ لَا يَصِحُّ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَنْهُ خَصْمٌ حَاضِرٌ اهـ. فَلِذَا فَسَّرْنَا كَلَامَ الْمُصَنِّفِ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ لَا بِعَدَمِ الْحِلِّ وَالْأَوْلَى أَنْ يُفَسَّرَ بِعَدَمِ النَّفَاذِ لِقَوْلِهِمْ إذَا نَفَذَهُ قَاضٍ آخَرُ يَرَاهُ فَإِنَّهُ يَنْفُذُ وَقَدَّمْنَا خِلَافَ التَّصْحِيحِ فِي نَفَذَ الْقَضَاءُ عَلَى الْغَائِبِ فَصَحَّحَ الشَّارِحُ عَدَمَهُ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ الْفَتْوَى عَلَى النَّفَاذِ وَرَجَّحَ الْأَوَّلَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إمْضَاءِ قَاضٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي نَفْسِ الْقَضَاءِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ الْقَضَاءِ قَالَ الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ فِي نَفَاذِ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ رِوَايَتَانِ وَنَحْنُ نُفْتِي بِعَدَمِ النَّفَاذِ كَيْ لَا يَتَطَرَّقُوا إلَى إبْطَالِ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا اهـ. وَالْقَائِلُ بِأَنَّ الْفَتْوَى عَلَى النَّفَاذِ خواهر زاده وَفِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي الْقَضَاءُ عَلَى الْغَائِبِ بِلَا خَصْمٍ فِيهِ رِوَايَتَانِ وَيُفْتَى بِعَدَمِ النَّفَاذِ وَقِيلَ إنْ رَآهُ قَاضٍ فَقَضَى بِهِ يَنْفُذُ. اهـ. لَكِنْ اشْتَبَهَ عَلَى كَثِيرٍ أَنَّ قَوْلَهُمْ الْفَتْوَى عَلَى النَّفَاذِ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِ الْقَاضِي شَافِعِيًّا يَرَاهُ أَوْ حَنَفِيًّا لَا يَرَاهُ وَهُوَ إنَّمَا هُوَ فِيمَنْ يَرَاهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ فِي حَقِّ مَنْ يَرَاهُ لِإِجْمَاعِ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقْضَى عَلَى غَائِبٍ كَمَا ذَكَرَهُ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ وَلَوْ كَانَ أَعَمَّ لَلَزِمَ هَدْمُ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا وَالْعَجَبُ مِنْ الْبَزَّازِيِّ حَيْثُ قَالَ فِي الْفَتَاوَى مِنْ الْمَفْقُودِ وَهَلْ يَنْصِبُ الْقَاضِي وَكِيلًا عَلَى الْغَائِبِ وَعَنْ الْغَائِبِ عِنْدَنَا لَا يَفْعَلُ أَمَّا لَوْ فَعَلَ بِأَنْ حَكَمَ عَلَى الْغَائِبِ نَفَذَ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ سَبَبُ الْقَضَاءِ وَهُوَ أَنَّ الْبَيِّنَةَ هَلْ تَكُونُ حُجَّةً بِلَا خَصْمٍ حَاضِرٍ لِلْقَضَاءِ أَمْ لَا فَإِذَا رَآهَا حُجَّةً وَحَكَمَ نَفَذَ كَمَا لَوْ حَكَمَ بِشَهَادَةِ الْفُسَّاقِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ. فَإِنَّ دَعْوَى الْإِجْمَاعِ لَيْسَتْ بِصَحِيحَةٍ وَهُوَ مَسْبُوقٌ بِهَا عَنْ خواهر زاده وَفِي قَوْلِهِ فَإِذَا رَآهَا حُجَّةً إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ مِمَّنْ يَرَى الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ فَخَرَجَ الْحَنَفِيُّ الْمُقَلِّدُ وَلَقَدْ صَدَقَ الْعَلَّامَةُ مَحْمُودٌ حَيْثُ قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ قَدْ اضْطَرَبَ آرَاؤُهُمْ وَبَيَانُهُمْ فِي مَسَائِلِ الْحُكْمِ لِلْغَائِبِ وَعَلَيْهِ وَلَمْ يَصْفُ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُمْ أَصْلٌ قَوِيٌّ ظَاهِرٌ يُبْنَى عَلَيْهِ الْفُرُوعُ بِلَا اضْطِرَابٍ وَلَا إشْكَالٍ فَالظَّاهِرُ عِنْدِي أَنْ يُتَأَمَّلَ فِي الْوَقَائِعِ وَيُحْتَاطَ وَيُلَاحَظَ الْحَرَجُ وَالضَّرُورَاتُ فَيُفْتَى بِحَسْبِهَا جَوَازًا أَوْ فَسَادًا. اهـ. وَاَلَّذِي   [منحة الخالق] [الْقَضَاءُ عَلَى خَصْمٍ غَيْرِ حَاضِرٍ] (قَوْلُهُ فَلِذَا فَسَّرْنَا كَلَامَ الْمُصَنِّفِ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ هَذَا لَا يَتَأَتَّى عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْخِلَافَ فِي حِلِّ الْإِقْدَامِ لَا فِي حِلِّ النَّفَاذِ فَتَنَبَّهْ (قَوْلُهُ كَيْ لَا يَتَطَرَّقُوا إلَى إبْطَالِ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا) قَالَ الرَّمْلِيُّ فَإِنْ قُلْتُ: مَا وَجْهُ التَّطَرُّقِ إلَى إبْطَالِ الْمَذْهَبِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ دُونَ غَيْرِهَا مِنْ الْخِلَافِيَّاتِ قُلْتُ: لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ وَجْهَهُ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لِأَنَّ الْقَضَاءَ لَا يَخْلُو إمَّا عَلَى حَاضِرٍ أَوْ عَلَى غَائِبٍ فَإِذَا فُتِحَ بَابُ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ فَقَدْ تَرَكَ مِنْهُ النِّصْفَ بِخِلَافِ غَيْرِهَا مِنْ الْمَسَائِلِ الْخِلَافِيَّةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ فِي حَقِّ مَنْ يَرَاهُ إلَخْ) لَمْ يَذْكُرْ مَا لَوْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَرَاهُ الْحَنَفِيُّ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَجْرِي فِيهِ الْكَلَامِ الْمَارِّ فِيمَا لَوْ قَضَى فِي الْمُجْتَهَدِ فِيهِ مُخَالِفًا لِرَأْيِهِ مِنْ كَوْنِهِ نَاسِيًا أَوْ عَامِدًا وَمَا فِيهِ مِنْ الْخِلَافِ بَيْنَ الْإِمَامِ وَصَاحِبَيْهِ وَاخْتِلَافِ التَّرْجِيحِ وَإِنَّ هَذَا فِي غَيْرِ قُضَاةِ زَمَانِنَا قَالَ الرَّمْلِيُّ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ قُنْيَةٌ مج لَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ بِالْفُرْقَةِ بِسَبَبِ الْعَجْزِ عَنْ النَّفَقَةِ وَأَجَابَ هُوَ مِرَارًا فِيمَنْ غَابَ عَنْ امْرَأَتِهِ وَتَرَكَهَا بِلَا نَفَقَةٍ أَنَّهُ لَوْ قَضَى بِالْفُرْقَةِ بِسَبَبِ الْعَجْزِ عَنْ النَّفَقَةِ يَنْفُذُ قَالَ وَإِنَّمَا فَرَّقْت بَيْنَ الْجَوَابَيْنِ إذْ الْخِلَافُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي حِلِّ الْإِقْدَامِ عَلَى الْقَضَاءِ فَعِنْدَهُ يَحِلُّ وَعِنْدَنَا لَا يَحِلُّ وَلَا خِلَافَ فِي النَّفَاذِ فَالْجَوَابُ الْأَوَّلُ جَوَابٌ عَنْ الْإِقْدَامِ وَالثَّانِي عَنْ النَّفَاذِ مَعَ حُرْمَةِ الْإِقْدَامِ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ شَفْعَوِيُّ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي نَفَاذِ الْقَضَاءِ. اهـ. فَهُوَ كَمَا تَرَى صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ أَعَمُّ وَقَوْلُهُ فِيمَا يَأْتِي بَعْدَ أَوْرَاقٍ ثَلَاثٍ وَفَرْقُهُمْ بَيْنَ سَبَبٍ وَبَيْنَ السَّبَبِ وَالشَّرْطِ أَدَلُّ دَلِيلٍ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُمْ بِنَفَاذِ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ فِي أَظْهَرْ الرِّوَايَتَيْنِ إنَّمَا هُوَ فِي قَضَاءِ الشَّافِعِيِّ، وَأَمَّا الْحَنَفِيُّ فَلَا؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا مَعْنَى لِلْفَرْقِ الْمَذْكُورِ يَرُدُّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْخِلَافِ فِي حِلِّ الْإِقْدَامِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَإِنَّ دَعْوَى الْإِجْمَاعِ لَيْسَتْ بِصَحِيحَةٍ) أَيْ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى عَدَمِ النَّفَاذِ لَكِنْ مَرَّ أَيْضًا أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى النَّفَاذِ وَعَلَيْهِ مَشَى الْبَزَّازِيُّ فِيمَا مَرَّ فَكَلَامُهُ هُنَا مَبْنِيٌّ عَلَيْهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَالظَّاهِرُ عِنْدِي أَنْ يُتَأَمَّلَ إلَخْ) تَمَامُ عِبَارَتِهِ مَثَلًا لَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ عِنْدَ الْعَدْلِ فَغَابَ عَنْ الْبَلَدِ وَلَا يُعْرَفُ مَكَانَهُ أَوْ يُعْرَفُ وَلَكِنْ يَعْجِزُ عَنْ إحْضَارِهِ أَوْ عَنْ أَنْ تُسَافِرَ إلَيْهِ هِيَ أَوْ وَكِيلُهَا لِبُعْدِهِ أَوْ لِمَانِعٍ آخَرَ بِأَنْ كَانَ لَا يَرْضَى أَحَدٌ بِالْوَكَالَةِ وَكَذَا الْمَدْيُونُ لَوْ غَابَ عَنْ الْبَلَدِ وَلَهُ نَقْدٌ فِي الْبَلَدِ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ فَفِي مِثْلِ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ لَوْ بَرْهَنَ عَلَى الْغَائِبِ بِحَيْثُ اطْمَأَنَّ قَلْبُ الْقَاضِي وَغَلَبَ ظَنُّهُ أَنَّهُ حَقٌّ لَا تَزْوِيرٌ وَلَا حِيلَةَ فِيهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَحْكُمَ عَلَى الْغَائِبِ وَلِلْغَائِبِ وَكَذَا لِلْمُفْتِي أَنْ يُفْتِيَ بِجَوَازِهِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 17 ظَهَرَ لِي مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْمَذْهَبَ عَنْ أَصْحَابِنَا عَدَمُ صِحَّةِ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ وَأَنَّ الْقَاضِيَ الَّذِي يَرَاهُ إنْ قَضَى عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِمْضَاءِ؛ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي نَفْسِ الْقَضَاءِ وَمَا عَدَا هَذَا مِنْ الْأَقْوَالِ مِنْ تَصَرُّفَاتِ بَعْضِ الْمَشَايِخِ ثُمَّ ظَهَرَ لِي بِحَمْدِ اللَّهِ مَا يَجِبُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ وَهُوَ أَنَّهُمْ قَالُوا بِأَنَّ الْفَتْوَى عَلَى النَّفَاذِ فِيمَا إذَا قَضَى عَلَى مَفْقُودٍ لَا فِي مُطْلَقِ الْغَائِبِ وَيَدُلُّ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَفْقُودِ وَغَيْرِهِ مَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ مِنْ بَابِ فَصْلِ الْقَضَاءِ فِي الْمُجْتَهَدَاتِ رَجُلٌ قَدَّمَ رَجُلًا إلَى قَاضٍ وَقَالَ إنَّ لِأَبِي عَلَى هَذَا الرَّجُلِ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَأَبِي غَائِبٌ وَإِنِّي أَخَاف أَنْ يَتَوَارَى هَذَا الرَّجُلُ فَجَعَلَهُ الْقَاضِي وَكِيلًا لِأَبِيهِ وَقَبِلَ بَيِّنَةَ الِابْنِ عَلَى الْمَالِ وَحَكَمَ بِذَلِكَ ثُمَّ رَفَعَ ذَلِكَ إلَى قَاضٍ آخَرَ فَإِنَّ الثَّانِيَ لَا يُجِيزُ قَضَاءَ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ بَيِّنَةَ الِابْنِ مَا قَامَتْ بِحَقٍّ عَلَى الْغَائِبِ حَتَّى يَكُونَ الْقَضَاءُ عَلَى الْغَائِبِ وَإِنَّمَا قَامَتْ لِغَائِبٍ وَهَذَا بِخِلَافِ الْمَفْقُودِ إذَا أَقَامَ الْقَاضِي ابْنَهُ وَكِيلًا فِي طَلَبِ حُقُوقِهِ؛ لِأَنَّ الْمَفْقُودَ بِمَنْزِلَةِ الْمَيِّتِ فَكَانَ لِلْقَاضِي التَّصَرُّفُ فِي مَالِهِ. اهـ. أَطْلَقَ فِي عَدَمِ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا ثَبَتَ الْحَقَّ بِبَيِّنَةٍ سَوَاءٌ كَانَ غَائِبًا وَقْتَ الشَّهَادَةِ أَوْ غَابَ بَعْدَهَا قَبْلَ التَّزْكِيَةِ وَسَوَاءٌ كَانَ غَائِبًا عَنْ الْمَجْلِسِ حَاضِرًا فِي الْبَلَدِ أَوْ غَائِبًا عَنْ الْبَلَدِ، وَأَمَّا إذَا أَقَرَّ عِنْدَ الْقَاضِي فَغَابَ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ عَلَيْهِ قَضَى عَلَيْهِ وَهُوَ غَائِبٌ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَطْعَنَ فِي الْبَيِّنَةِ دُونَ الْإِقْرَارِ وَلِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالْإِقْرَارِ قَضَاءُ إعَانَةٍ وَإِذَا نَفَذَ الْقَاضِي إقْرَارَهُ سُلِّمَ إلَى الْمُدَّعِي حَقَّهُ عَيْنًا كَانَ أَوْ دَيْنًا أَوْ عَقَارًا إلَّا أَنَّ فِي الدَّيْنِ يُسَلَّمُ إلَيْهِ جِنْسُ حَقِّهِ إذَا وُجِدَ فِي يَدِ مَنْ يَكُونُ مُقِرًّا بِأَنَّهُ مَالُ الْغَائِبِ الْمُقِرِّ وَلَا يَبِيعُ فِي ذَلِكَ الْعُرُوضَ وَالْعَقَارَ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ قَضَاءٌ عَلَى الْغَائِبِ فَلَا يَجُوزُ كَذَا فِي شَرْحِ الزِّيَادَاتِ لِلْعَتَّابِيِّ وَالْإِخْبَارُ بِالْقَضَاءِ مِنْهُ كَالْإِنْشَاءِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ الْحَضْرَةِ قَالَ فِي شَهَادَاتِ الْقُنْيَةِ أَشْهَدَ الْقَاضِي شُهُودًا إنِّي حَكَمْت لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ بِكَذَا فَهُوَ إشْهَادٌ بَاطِلٌ وَالْحُضُورُ شَرْطٌ وَقَالَ قَبْلَهُ خَرَجَ الْحَاكِمُ عَنْ الْمَحْكَمَةِ ثُمَّ أَشْهَدَ عَلَى حُكْمِهِ يَصِحُّ إشْهَادُهُ اهـ. وَفِي تَهْذِيبِ الْقَلَانِسِيِّ إذَا قَالَ الْقَاضِي حَكَمْتُ عَلَى فُلَانٍ بِكَذَا وَهُوَ غَائِبٌ لَمْ يُصَدَّقْ اهـ. وَقُلْنَا عَلَى غَيْرِ خَصْمٍ حَاضِرٍ لِإِخْرَاجِ مَا لَوْ قَضَى عَلَى حَاضِرٍ لَيْسَ بِخَصْمٍ وَعَلَى خَصْمٍ غَائِبٍ فَالْخَصْمُ مَنْ تُسْمَعُ الدَّعْوَى عَلَيْهِ بِانْفِرَادِهِ شَرْعًا فَخَرَجَ مَا لَوْ قَضَى عَلَى رَاهِنٍ فِي غَيْبَةِ مُرْتَهِنٍ وَعَكْسُهُ وَكَذَا فِي الْمُؤَجِّرِ مَعَ الْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُعِيرِ مَعَ الْمُسْتَعِيرِ وَالْمُوصَى لَهُ لَيْسَ بِخَصْمٍ إلَّا فِي إثْبَاتِ الْوِصَايَةِ أَوْ الْوَكَالَةِ وَغَرِيمُ الْمَيِّتِ لَيْسَ بِخَصْمٍ لِمُدَّعِي الدَّيْنِ عَلَى الْمَيِّتِ إنَّمَا الْخَصْمُ وَارِثٌ أَوْ وَصِيٌّ وَأَحَدُ الْوَرَثَةِ خَصْمٌ عَنْ الْبَاقِي فِيمَا لِلْمَيِّتِ وَمَا عَلَيْهِ وَالْخَصْمُ فِي دَعْوَى السِّعَايَةِ الْمَأْمُورُ لَا الْآمِرُ إنْ كَانَ الْآمِرُ سُلْطَانًا وَإِلَّا فَالْآمِرُ وَالْمُسْتَأْجِرُ لَيْسَ بِخَصْمٍ لِمُدَّعِي إجَارَةٍ أَوْ رَهْنٍ أَوْ شِرَاءٍ كَالْمُسْتَعِيرِ وَالْمُشْتَرِي خَصْمٌ لِلْكُلِّ وَكَذَا الْمَوْهُوبُ لَهُ وَالْخَصْمُ فِي دَعْوَى الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ الْعَاقِدَانِ وَفِي الْمَبِيعِ الْفَاسِدِ قَبْلَ الْقَبْضِ الْبَائِعُ وَحْدَهُ وَبَعْدَهُ الْمُشْتَرِي وَحْدَهُ وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى. (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَحْضُرَ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ كَالْوَكِيلِ وَالْوَصِيِّ) ذَكَرَ الْمِثَالَيْنِ لِيُبَيِّنَ أَنَّ الْقَائِمَ مَقَامَهُ قَدْ يَكُونُ بِإِنَابَتِهِ أَوْ بِإِنَابَةِ الشَّرْعِ فَالْوَصِيُّ إنْ كَانَ مِنْ قِبَلِ الْمَيِّتِ فَهُوَ بِإِنَابَتِهِ وَإِنْ كَانَ مَنْصُوبَ الْقَاضِي فَهُوَ بِإِنَابَةِ الشَّرْعِ وَظَاهِرُ الِاسْتِثْنَاءِ أَنَّ الْوَكِيلَ أَوْ الْوَصِيَّ إذَا حَضَرَ فَإِنَّ الْقَاضِيَ إنَّمَا يَحْكُمُ عَلَى الْغَائِبِ وَعَلَى الْمَيِّتِ وَلَا يَحْكُمُ عَلَى الْوَكِيلِ وَالْوَصِيِّ وَيَكْتُبُ فِي السِّجِلِّ أَنَّهُ حَكَمَ عَلَى الْمَيِّتِ وَعَلَى الْغَائِبِ بِحَضْرَةِ وَكِيلِهِ وَبِحَضْرَةِ وَصِيِّهِ كَذَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ الْيَمِينِ ادَّعَى أَنَّهُ وَكِيلُ الْغَائِبِ بِقَبْضِ الدَّيْنِ أَوْ الْعَيْنِ إنْ بَرْهَنَ عَلَى الْوَكَالَةِ وَالْمَالِ قُبِلَتْ وَإِنْ أَقَرَّ بِالْوَكَالَةِ وَأَنْكَرَ الْمَالَ لَا يَصِيرُ خَصْمًا وَلَا تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ كَوْنُهُ خَصْمًا بِإِقْرَارِ الْمَطْلُوبِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فِي حَقِّ الطَّالِبِ وَإِنْ أَقَرَّ بِالْمَالِ وَأَنْكَرَ الْوَكَالَةَ لَا يَسْتَحْلِفُ عَلَى الْوَكَالَةِ؛ لِأَنَّ التَّحْلِيفَ يَتَرَتَّبُ عَلَى دَعْوَى صَحِيحَةٍ وَلَمْ تُوجَدْ لِعَدَمِ ثُبُوتِ الْوَكَالَةِ. وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى الْوَكَالَةِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَلَوْ أَنْكَرَ الْكُلَّ فَهُوَ كَإِنْكَارِ الْوَكَالَةِ وَحْدَهَا وَلَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمَالِ وَالْوَكَالَةُ تُقْبَلُ عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِقَبْضِ الدَّيْنِ خَصْمٌ وَفَصْلُ الْوِصَايَةِ فِي الْمَالِ كَفَصْلِ الْوَكَالَةِ إلَّا فِي فَصْلٍ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا ادَّعَى أَنَّ فُلَانًا الْمَيِّتَ أَوْصَى إلَيْهِ بِحِفْظِ مَالِهِ   [منحة الخالق] دَفْعًا لِلْحَرَجِ وَالضَّرُورَاتِ وَصِيَانَةً لِلْحُقُوقِ عَنْ الضَّيَاعِ مَعَ أَنَّهُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ ذَهَبَ إلَى جَوَازِهِ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَفِيهِ رِوَايَتَانِ عَنْ أَصْحَابِنَا وَالْأَحْوَطُ أَنْ يُنْصَبَ عَنْ الْغَائِبِ وَكِيلٌ يُعْرَفُ أَنَّهُ يُرَاعِي جَانِبَ الْغَائِبِ وَلَا يُفَرِّطُ فِي حَقِّهِ فَيُنْصَبُ الْأَوْلَى ثُمَّ الْأَوْلَى وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَأَقَرَّهُ فِي نُورِ الْعَيْنِ إصْلَاحِ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ. (قَوْلُهُ ثُمَّ ظَهَرَ لِي إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ لَا يَظْهَرُ التَّخْصِيصُ بِالْمَفْقُودِ فِي كَلَامِهِمْ بَلْ الظَّاهِرُ التَّعْمِيمُ ثُمَّ إذَا لُوحِظَ الْحَرَجُ وَالضَّرُورَةُ يَجِبُ اعْتِبَارُ عَدَمِ مُرَاجَعَةِ الْغَائِبِ وَإِحْضَارِهِ حَتَّى لَوْ أَمْكَنَ لَا يَصِحُّ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ وَفَرْعُ قَاضِي خَانْ لَا يَدُلُّ عَلَى الْمُدَّعَى تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْمَفْقُودَ بِمَنْزِلَةِ الْمَيِّتِ فَكَانَ لِلْقَاضِي تَصَرُّفٌ فِي مَالِهِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَقَدْ كَثُرَ فِي كَلَامِهِمْ لِلْقَاضِي بُسُوطَةُ يَدٍ فِي مَالِ الْمَفْقُودِ مَا لَيْسَ فِي مَالِ الْغَائِبِ (قَوْلُهُ وَقَالَ قَبْلَهُ خَرَجَ الْحَاكِمُ عَنْ الْمَحْكَمَةِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لَا يُلَائِمُ مَذْهَبَ الْمُتَأَخِّرِينَ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ عِلْمَ الْقَاضِي غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فَتَأَمَّلْ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 18 وَقَبْضِهِ وَلَهُ كَذَا عِنْدَ هَذَا الْحَاضِرِ فَأَقَرَّ الْحَاضِرُ بِالْكُلِّ يُؤْمَرُ بِتَسْلِيمِ الدَّيْنِ وَالْعَيْنِ بِخِلَافِ الْوَكَالَةِ وَإِنْ أَقَرَّ بِالْوِصَايَةِ وَالْمَوْتِ وَأَنْكَرَ الْمَالَ يَحْلِفُ وَإِنْ أَقَرَّ بِالْمَالِ وَالْمَوْتِ وَأَنْكَرَ الْوِصَايَةَ يَنْصِبُ الْقَاضِي وَصِيًّا وَلَا يُحَلِّفُهُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ دَعْوَى الْوِصَايَةِ لَيْسَتْ بِلَازِمَةٍ وَإِنْ أَقَرَّ بِالْوِصَايَةِ وَالْمَالِ وَأَنْكَرَ الْمَوْتَ يُحَلِّفُهُ عَلَى عِلْمِهِ كَمَا فِي الْوَارِثِ وَإِنْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى كُلِّ ذَلِكَ تُقْبَلُ فِي الْكُلِّ. اهـ. وَفِيهَا مِنْ التَّاسِعِ فِي نَصْبِ الْوَصِيِّ الْخَصْمَ فِي إثْبَاتِ الْوِصَايَةِ الْوَارِثُ الْبَالِغُ أَوْ مَدْيُونُ الْمَيِّتِ أَوْ الْمُوصَى لَهُ وَاخْتَلَفُوا فِي ابْنِ الْمَيِّتِ فَهُوَ خَصْمٌ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ وَخَالَفَهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ وَلَا تَثْبُتُ بِإِقْرَارِ مَدْيُونِ الْمَيِّتِ أَوْ مُودَعِهِ وَإِذَا ثَبَتَتْ الْوِصَايَةُ بِالْبَيِّنَةِ لِمُدَّعِي الدَّيْنِ ثُمَّ حَضَرَ غَرِيمٌ آخَرُ أَوْ مُوصًى لَهُ آخَرُ لَا يُقْضَى لِلثَّانِي بِبَيِّنَةِ الْأَوَّلِ وَعِنْدَ الثَّانِي يُقْضَى وَفِي الْوَصِيَّةِ بِأَنْوَاعِ الْبِرِّ يَكْتَفِي بِتِلْكَ الْبَيِّنَةِ بِالْإِجْمَاعِ اهـ. وَأَطْلَقَ فِي الْوَكِيلِ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ وَكِيلًا فِي الْخُصُومَةِ وَالدَّعْوَى وَمَا إذَا كَانَ وَكِيلًا لِلْقَضَاءِ كَمَا إذَا أُقِيمَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ فَوَكَّلَ لِيَقْضِيَ عَلَيْهِ ثُمَّ غَابَ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ وَفِيهَا مِنْ بَابِ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ اسْتَمْهَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَعْدَ الْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ الْقَاضِي مُدَّةً مُعَيَّنَةً وَغَابَ وَمَضَتْ تِلْكَ الْمُدَّةُ فَإِنْ ظَهَرَ تَعَنُّتُهُ فَلَهُ الْقَضَاءُ حَالَ غَيْبَتِهِ وَمِثْلُهُ عَنْ الْخُجَنْدِيِّ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَاشْتِرَاطُهُمَا التَّغَيُّبُ لِلْقَضَاءِ عَلَيْهِ اخْتِيَارٌ حَسَنٌ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْوَكِيلِ فَغَابَ فَحَضَرَ مُوَكِّلُهُ أَوْ عَلَى الْعَكْسِ أَوْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُوَرِّثِ فَمَاتَ وَحَضَرَ وَارِثُهُ أَوْ قَامَتْ عَلَى وَارِثٍ فَغَابَ وَحَضَرَ وَارِثٌ آخَرُ فَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَقْضِي عَلَى الَّذِي حَضَرَ بِتِلْكَ الْبَيِّنَةِ اهـ. وَفِيهَا مِنْ كِتَابِ الْوَكَالَةِ لَا تُقْبَلُ مِنْ الْوَكِيلِ بِالْخُصُومَةِ بَيِّنَةٌ عَلَى وَكَالَتِهِ مِنْ غَيْرِ خَصْمٍ حَاضِرٍ وَلَوْ قَضَى عَلَيْهِ صَحَّ؛ لِأَنَّهُ قَضَاءٌ فِي الْمُخْتَلَفِ اهـ. وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مِنْ الْخَامِسِ أَرَادَ وَكِيلُ الْبَيْعِ إثْبَاتَ وَكَالَتِهِ بِحَيْثُ لَوْ أَنْكَرَ مُوَكِّلُهُ لَا يُسْمَعُ إنْكَارُهُ فَلَهُ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يُسْلِمَ الْوَكِيلُ الْعَيْنَ إلَى رَجُلٍ ثُمَّ يَدَّعِي أَنَّهُ وَكِيلٌ بِقَبْضِهِ وَبَيْعِهِ فَسَلِّمْهُ إلَيَّ فَيَقُولُ ذُو الْيَدِ لَا أَعْلَمُ وَكَالَتَهُ فَيُبَرْهِنُ فَيَأْمُرُ الْقَاضِي بِتَسْلِيمِهِ إلَيْهِ فَيَبِيعُهُ وَالثَّانِي أَنْ يَقُولَ هَذَا لِفُلَانٍ فَأَبِيعهُ مِنْك فَإِذَا بَاعَهُ وَقَبَضَ ثَمَنَهُ يَقُولُ الْمُشْتَرِي لَا أَقْبِضُ الْمَبِيعَ لِأَنِّي أَخَاف أَنْ يُنْكِرَ الْمَالِكُ وَكَالَتَك وَرُبَّمَا يَهْلِكُ الْمَبِيعُ فِي يَدِي أَوْ يَنْقُصُ فَيُضَمِّنُنِي فَيُبَرْهِنُ الْوَكِيلُ أَنَّهُ وَكِيلُهُ بِذَلِكَ وَيُجْبِرُهُ عَلَى الْقَبْضِ وَيُثْبِتُ بِالْبَيِّنَةِ وِلَايَةَ الْجَبْرِ عَلَى الْقَبْضِ وَهُنَا وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنْ يَبِيعَ فَيَقُولَ إنِّي فُضُولِيٌّ فَلَا أُسَلِّمُ الْمَبِيعَ فَيُبَرْهِنُ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ وَكِيلُ فُلَانٍ بِالْبَيْعِ فَهُوَ خَصْمٌ فَيَثْبُتُ أَنَّهُ وَكِيلٌ بِالْبَيْعِ اهـ وَفِيهِ أَيْضًا وَكَّلَهُمَا بِقَبْضِ دَيْنِهِ فَغَابَ الْمُوَكِّلُ وَأَحَدُ الْوَكِيلَيْنِ فَادَّعَى الْوَكِيلُ الْآخَرُ فَأَقَرَّ الْغَرِيمُ بِدَيْنِهِ وَجَحَدَ وَكَالَتَهُ فَبَرْهَنَ الْوَكِيلُ أَنَّ الدَّائِنَ وَكَّلَهُ وَفُلَانًا الْغَائِبَ بِقَبْضِ دَيْنِهِ يَحْكُمُ بِوَكَالَتِهِمَا حَتَّى لَوْ حَضَرَ الْغَائِبُ لَا يُكَلَّفُ إعَادَةَ الْبَيِّنَةِ وَكَذَا لَوْ جَحَدَ الْغَرِيمُ الدَّيْنَ وَالتَّوْكِيلَ فَبَرْهَنَ عَلَيْهِمَا الْحَاضِرُ يُحْكَمُ بِالدَّيْنِ وَبِوَكَالَتِهِمَا اهـ. وَأَطْلَقَ فِي الْوَكِيلِ أَيْضًا فَشَمِلَ مَا إذَا نَصَبَهُ الْقَاضِي عَنْ الْغَائِبِ وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْمُسَخَّرِ وَفِيهِ اخْتِلَافٌ قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ ادَّعَى عَلَى غَائِبٍ دَيْنًا بِحَضْرَةِ رَجُلٍ يَدَّعِي أَنَّهُ وَكِيلُ الْغَائِبِ فِي الْخُصُومَةِ فَأَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْوَكَالَةِ لَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ حَتَّى لَوْ بَرْهَنَ عَلَى الْغَائِبِ لَمْ يُقْبَلْ وَكَذَا لَوْ ادَّعَى دَيْنًا عَلَى مَيِّتٍ بِحَضْرَةِ رَجُلٍ يَدَّعِي أَنَّهُ وَصِيُّ الْمَيِّتِ وَأَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْوِصَايَةِ كَذَا فِي آخِرِ فَصْلِ الدَّعَاوَى ثُمَّ رَقَمَ لِآخَرَ الْقَاضِي لَوْ عَلِمَ أَنَّ الْمُحْضَرَ لَيْسَ بِخَصْمٍ لَا تُسْمَعُ الْخُصُومَةُ وَالْحُكْمُ عَلَى الْمُسَخَّرِ لَمْ يَجُزْ وَتَفْسِيرُ الْمُسَخَّرِ أَنْ يَنْصِبَ الْقَاضِي وَكِيلًا عَنْ الْغَائِبِ لِيَسْمَعَ الْخُصُومَةَ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يَجُوزُ نَصْبُ الْوَكِيلِ عَمَّنْ اخْتَفَى فِي بَيْتِهِ بَعْدَمَا نَادَى أَمِينُ الْقَاضِي عَلَى بَابِ دَارِهِ أَيَّامًا ثُمَّ رَقَمَ لِآخَرَ الْحُكْمَ عَلَى الْمُسَخَّرِ لَا يَجُوزُ وَقِيلَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ إذْ حَاصِلُهُ الْحُكْمُ عَلَى الْغَائِبِ وَفِيهِ رِوَايَتَانِ عَنْ أَصْحَابِنَا وَكَانَ ظَهِيرُ الدِّينِ يُفْتِي بِأَنَّ الْحُكْمَ عَلَى الْغَائِبِ لَا يَنْفُذُ كَيْ لَا يَتَطَرَّقُوا إلَى هَدْمِ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا. اهـ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ نَصْبَ الْمُسَخَّرِ عِنْدَ الْقَائِلِ بِهِ شَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ الْغَائِبُ فِي وِلَايَةِ الْقَاضِي لِمَا فِي الْخِزَانَةِ الْقَاضِي إذَا جَعَلَ نَائِبًا عَنْ الْغَائِبِ حَتَّى يَسْمَعَ عَلَيْهِ الْخُصُومَةَ وَيُسَمَّى هَذَا الْمُسَخَّرَ فَإِذَا كَانَ الْغَائِبُ لَيْسَ فِي وِلَايَةِ هَذَا الْقَاضِي   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 19 لَا تَصِحُّ هَذِهِ الْإِنَابَةُ وَلَيْسَ لِهَذَا طَرِيقٌ عِنْدَ عُلَمَائِنَا اهـ. وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْمُسَخَّرِ لَا يَجُوزُ وَالْمُجَوِّزُ لَهُ خواهر زاده؛ لِأَنَّهُ أَفْتَى بِنَفَاذِ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ وَهُوَ عَيْنُ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ إلَّا لِضَرُورَةٍ وَهِيَ فِي مَسَائِلَ: الْأُولَى عَلَّقَ الْمَدْيُونُ الْعِتْقَ أَوْ الطَّلَاقَ عَلَى عَدَمِ قَضَائِهِ الْيَوْمَ ثُمَّ تَغَيَّبَ الطَّالِبُ وَخَافَ الْحَالِفُ الْحِنْثَ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَنْصِبُ وَكِيلًا عَنْ الْغَائِبِ وَيَدْفَعُ الدَّيْنَ إلَيْهِ وَلَا يَحْنَثُ الْحَالِفُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ. الثَّانِيَةُ الْمُشْتَرِي بِخِيَارٍ أَرَادَ الرَّدَّ فِي الْمُدَّةِ فَاخْتَفَى الْبَائِعُ فَطَلَبَ الْمُشْتَرِي مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَنْصِبَ خَصْمًا عَنْ الْبَائِعِ لِيَرُدَّهُ عَلَيْهِ قِيلَ يَنْصِبُ نَظَرًا إلَى الْمُشْتَرِي وَقِيلَ لَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا اشْتَرَى وَلَمْ يَأْخُذْ مِنْهُ وَكِيلًا مَعَ احْتِمَالِ غَيْبَتِهِ فَقَدْ تَرَكَ النَّظَرَ لِنَفْسِهِ فَلَا يَنْظُرُ لَهُ وَإِذَا لَمْ يَنْصِبْ وَطَلَبَ الْمُشْتَرِي مِنْ الْقَاضِي الْأَعْذَارَ فَعَنْ مُحَمَّدٍ فِيهِ رِوَايَتَانِ يُعْذَرُ فِي رِوَايَةٍ فَيَبْعَثُ مُنَادِيًا يُنَادِي عَلَى بَابِ الْبَائِعِ أَنَّ الْقَاضِيَ يَقُولُ إنَّ خَصْمَك فُلَانًا يُرِيدُ الرَّدَّ عَلَيْك فَإِنْ حَضَرْت وَإِلَّا نَقَضْتُ الْبَيْعَ فَلَا يَنْقُضُهُ الْقَاضِي بِلَا إعْذَارٍ وَفِي رِوَايَةٍ لَا يُعْذِرُ الْقَاضِي كَذَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ. الثَّالِثَةُ كَفَلَ بِنَفْسِهِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُوَافِ بِهِ غَدًا فَدَيْنُهُ عَلَى الْكَفِيلِ فَغَابَ الطَّالِبُ فِي الْغَدِ فَلَمْ يَجِدْهُ الْكَفِيلُ حَتَّى مَضَى الْغَدُ لَزِمَهُ الْمَالُ وَلَوْ رَفَعَ الْكَفِيلُ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي فَنَصَبَ الْقَاضِي وَكِيلًا عَنْ الطَّالِبِ وَسَلَّمَ إلَيْهِ الْمَكْفُولَ عَنْهُ يَبْرَأُ وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ إنَّمَا هُوَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ كَذَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ. الرَّابِعَةُ إذَا تَوَارَى الْخَصْمُ فَالْقَاضِي يُرْسِلُ أَمِينًا يُنَادِي عَلَى بَابِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ يَنْصِبُ عَنْهُ وَكِيلًا لِلدَّعْوَى وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ اسْتَحْسَنَهُ وَعَمِلَ بِهِ ثُمَّ قَالَ الْخَصْمُ شَرْطٌ لِقَبُولِ الْبَيِّنَةِ لَوْ أَرَادَ الْمُدَّعِي أَنْ يَأْخُذَ مِنْ يَدِ الْخَصْمِ الْغَائِبِ شَيْئًا أَمَّا لَوْ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ حَقَّهُ مِنْ ثَمَنِ مَالٍ كَانَ لِلْغَائِبِ فِي يَدِهِ لَا يُشْتَرَطُ حُضُورُ الْخَصْمِ وَلَا يَحْتَاجُ الْقَاضِي إلَى نَصْبِ الْوَكِيلِ لَوْ اشْتَرَاهُ فَغَابَ وَقَدَّمْنَاهُ فِي مُتَفَرِّقَاتِ الْبُيُوعِ وَإِنَّمَا أَدْخَلَ كَافَ التَّشْبِيهِ فِي قَوْلِهِ كَالْوَكِيلِ وَالْوَصِيِّ لِلْإِشَارَةِ إلَى عَدَمِ الْحَصْرِ فَالْمُتَوَلِّي عَلَى الْوَقْفِ كَذَلِكَ وَأَحَدُ الْوَرَثَةِ عَنْ الْبَاقِينَ فِيمَا لِلْمَيِّتِ وَعَلَيْهِ لَكِنْ إنْ كَانَ فِي عَيْنٍ فَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهَا فِي يَدِهِ فَلَوْ ادَّعَى عَيْنًا مِنْ التَّرِكَةِ عَلَى وَارِثٍ لَيْسَتْ فِي يَدِهِ لَمْ تُسْمَعْ وَفِي دَعْوَى الدَّيْنِ يَنْتَصِبُ أَحَدُهُمْ خَصْمًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ شَيْءٌ وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مِنْ الرَّابِعِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ أَحَدَ شَرِيكَيْ الدَّيْنِ خَصْمٌ عَنْ الْآخَرِ فِي الْإِرْثِ وِفَاقًا وَفِي غَيْرِهِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ قِيَاسٌ وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ اسْتِحْسَانٌ وَمُحَمَّدٌ مَعَ أَبِي يُوسُفَ. اهـ. وَمِنْ ذَلِكَ مَنْ بِيَدِهِ مَالُ الْمَيِّتِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَصِيًّا وَلَا وَارِثًا وَفِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ وَمِنْ ذَلِكَ بَعْضُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ لِمَا فِي الْقُنْيَةِ مِنْ بَابِ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَاتِ فِي الْوَقْفِ وَقْفٌ بَيْنَ أَخَوَيْنِ مَاتَ أَحَدُهُمَا وَبَقِيَ فِي يَدِ الْحَيِّ وَأَوْلَادِ الْمَيِّتِ ثُمَّ الْحَيُّ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى وَاحِدٍ مِنْ أَوْلَادِ الْأَخِ أَنَّ الْوَقْفَ بَطْنٌ بَعْدَ بَطْنٍ وَالْبَاقِي غَيْبٌ وَالْوَقْفُ وَاحِدٌ تُقْبَلُ وَيَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ الْبَاقِي ثُمَّ قَالَ وَقْفٌ بَيْنَ جَمَاعَةٍ فَلِوَاحِدٍ مِنْهُمْ أَوْ لِوَكِيلِهِ أَوْ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَوْ عَلَى وَكِيلِهِ تَصِحُّ الدَّعْوَى إذَا كَانَ الْوَقْفُ وَاحِدًا ثُمَّ رَقَمَ لَا تَصِحُّ الدَّعْوَى عَلَى بَعْضِهِمْ إذَا كَانَ الْمَحْدُودُ فِي أَيْدِي جَمِيعِهِمْ وَلَا يَصِحُّ الْقَضَاءُ إلَّا بِقَدْرِ مَا فِي يَدِ الْحَاضِرِينَ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ يَكُونَ مَا يَدَّعِي عَنْ الْغَائِبِ سَبَبًا لِمَا يَدَّعِي عَلَى الْحَاضِرِ) بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى يَحْضُرَ وَفِي الْحَقِيقَةِ الْحَاضِرُ قَائِمٌ مَقَامَ الْغَائِبِ حُكْمًا أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمَا شَيْئًا وَاحِدًا وَمَا يَدَّعِي عَلَى الْغَائِبِ سَبَبٌ لِمَا يَدَّعِي عَلَى الْحَاضِرِ لَا مَحَالَةَ فَحِينَئِذٍ يَقْضِي عَلَيْهِمَا حَتَّى لَوْ حَضَرَ الْغَائِبُ وَأَنْكَرَ لَا يُلْتَفَتُ إلَى إنْكَارِهِ وَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الْمُدَّعَى شَيْئَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ وَمَا يَدَّعِي عَلَى الْغَائِبِ سَبَبٌ لِمَا يَدَّعِي عَلَى الْحَاضِرِ بِكُلِّ حَالٍ لَا يَنْفَكُّ عَنْهُ فَيَكُونُ خَصْمًا وَيَقْضِي عَلَيْهِمَا أَمَّا الْأَوَّلُ فَفِي مَسَائِلَ: الْأُولَى ادَّعَى دَارًا فِي يَدِ رَجُلٍ أَنَّهَا مِلْكُهُ اشْتَرَاهَا مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ وَأَنْكَرَ ذُو الْيَدِ فَبَرْهَنَ عَلَى الشِّرَاءِ مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ الْمَالِكِ قَضَى لَهُ بِهَا وَكَانَ قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ مِنْ الْمَالِكِ سَبَبٌ لَا مَحَالَةَ الثَّانِيَةُ ادَّعَى عَلَى آخَرَ أَنَّهُ كَفَلَ عَنْ فُلَانٍ بِمَا يَذُوبُ لَهُ عَلَيْهِ فَأَقَرَّ بِهَا وَأَنْكَرَ الْحَقَّ فَبَرْهَنَ أَنَّهُ ذَابَ لَهُ عَلَى فُلَانٍ كَذَا بَعْدَ الْكَفَالَةِ قَضَى عَلَيْهِمَا. وَكَذَا إذَا ادَّعَى عَلَيْهِ   [منحة الخالق] [الْقَضَاءَ عَلَى الْمُسَخَّرِ] (قَوْلُهُ الْأُولَى: عَلَّقَ الْمَدْيُونُ الْعِتْقَ أَوْ الطَّلَاقَ إلَخْ) ذَكَرَ الشَّيْخُ شَرَفُ الدِّينِ الْغَزِّيِّ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى نَصْبِ الْوَكِيلِ لِقَبْضِ الدَّيْنِ فَإِنَّهُ إذْ دَفَعَ إلَى الْقَاضِي بَرَّ فِي يَمِينِهِ عَلَى الْمُخْتَارِ الْمُفْتَى بِهِ كَمَا فِي كَثِيرٍ مِنْ كُتُبِ الْمَذْهَبِ الْمُعْتَمَدَةِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ قَاضٍ حَنِثَ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ. اهـ. أَبُو السُّعُودِ. (قَوْلُهُ الرَّابِعَةُ إذَا تَوَارَى الْخَصْمُ إلَخْ) قَالَ أَبُو السُّعُودِ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ تَصْدُقُ بِمَا قَبْلَهَا مِنْ الصُّوَرِ وَبِغَيْرِهَا أَيْضًا وَحِينَئِذٍ فَلَا مَعْنَى لِحَصْرِ نَصْبِ الْمُسَخَّرِ فِي عَدَدٍ مَخْصُوصٍ اهـ. قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الصُّوَرَ الثَّلَاثَةَ الَّتِي قَبْلَهَا مُوَقَّتَةٌ بِوَقْتٍ خَاصٍّ يَفُوتُ بِإِرْسَالِ الْمُنَادِي لِيُنَادِيَ عَلَى بَابِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 20 أَنَّهُ كَفَلَ لَهُ بِجَمِيعِ مَالِهِ عَلَى فُلَانٍ ثُمَّ بَرْهَنَ عَلَى قَدْرٍ مَعْلُومٍ كَانَ لَهُ قَبْلَ الْكَفَالَةِ يَقْضِي عَلَيْهِمَا سَوَاءٌ قَالَ إنَّهُ كَفِيلٌ بِأَمْرِهِ أَوْ لَا، وَأَمَّا إذَا ادَّعَى أَنَّهُ كَفَلَ لَهُ بِقَدْرٍ مَعْلُومٍ فَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الْكَفَالَةُ بِأَمْرِهِ وَالْكَفَالَةُ الْمُطْلَقَةُ هِيَ الْحِيلَةُ فِي إثْبَاتِ الدَّيْنِ عَلَى الْغَائِبِ ثُمَّ يُبَرِّئُ الْمُدَّعِي الْكَفِيلَ عَنْهَا وَيَبْقَى مَالُهُ عَلَى الْغَائِبِ وَكَذَا إذَا ادَّعَى الْكَفِيلُ بِالْأَمْرِ الْأَدَاءَ وَأَنْكَرَ الْمَكْفُولُ عَنْهُ الْأَدَاءَ وَالطَّالِبُ غَائِبٌ فَبَرْهَنَ عَلَيْهِ يُقْضَى عَلَيْهِمَا كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالْحَوَالَةُ كَالْكَفَالَةِ بَلْ أَوْلَى لِتَضَمُّنِهَا بَرَاءَةَ الْمُحِيلِ الثَّالِثَةُ ادَّعَى شُفْعَةً فَأَنْكَرَ ذُو الْيَدِ الشِّرَاءَ فَبَرْهَنَ الْمُدَّعَى عَلَى الشِّرَاءِ مِنْ الْغَائِبِ يُقْضَى عَلَيْهِمَا، وَأَمَّا الثَّانِي فَفِي مَسَائِلَ: الْأُولَى قَذَفَ مُحْصَنًا فَقَالَ الْقَاذِفُ أَنَا عَبْدٌ وَقَالَ الْمَقْذُوفُ أَعْتَقَك مَوْلَاك وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ قُضِيَ عَلَيْهِمَا. الثَّانِيَةُ ادَّعَى الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ أَنَّ الشَّاهِدَ عَبْدٌ لِفُلَانٍ فَبَرْهَنَ الْمُدَّعِي أَنَّ الْمَالِكَ الْغَائِبَ أَعْتَقَهُ تُقْبَلُ وَيُقْضَى عَلَيْهِمَا وَهِيَ حِيلَةُ إثْبَاتِ الْعِتْقِ عَلَى الْغَائِبِ. الثَّالِثَةُ قَتَلَ عَمْدًا وَلَهُ وَلِيَّانِ أَحَدُهُمَا غَائِبٌ فَادَّعَى الْحَاضِرُ أَنَّ الْغَائِبَ عَفَا عَنْ نَصِيبِهِ وَانْقَلَبَ نَصِيبُهُ مَالًا وَبَرْهَنَ يُقْضَى عَلَيْهِمَا وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ مَا إذَا كَانَ عَبْدٌ بَيْنَ حَاضِرٍ وَغَائِبٍ ادَّعَى الْعَبْدُ أَنَّ الْغَائِبَ أَعْتَقَ حِصَّتَهُ وَصَارَ عِنْدَ الْإِمَامِ مُكَاتَبًا فَوَاجِبٌ عَلَى الْحَاضِرِ قَصْرُ الْيَدِ عَنْهُ عِنْدَهُ لَا تُقْبَلُ وَإِنْ تَحَقَّقَتْ السَّبَبِيَّةُ وَأُجِيبَ بِأَنَّ عَدَمَ الْقَبُولِ عِنْدَ الْإِمَامِ لَا لِعَدَمِ الْخَصْمِ بَلْ لِجَهَالَةِ الْمَقْضِيِّ لَهُ بِالْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا اخْتَارَ السَّاكِتُ التَّضْمِينَ يَكُونُ مُكَاتَبًا لِلْمُعْتِقِ وَإِنْ اخْتَارَ السِّعَايَةَ يَكُونُ مُكَاتَبًا لِلسَّاكِتِ وَمِنْ هَذَا النَّوْعِ مَسْأَلَتَانِ فِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ: الْأُولَى قَالَ لِغَيْرِهِ يَا ابْنَ الزَّانِيَةِ وَأُمُّهُ مَيِّتَةٌ وَادَّعَى أَنَّهَا كَانَتْ أَمَةً لِفُلَانٍ فَأَقَامَ ابْنُهَا بَيِّنَةً أَنَّ فُلَانًا أَعْتَقَهَا أَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهَا فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانٍ الْقُرَشِيَّةُ فَإِنَّهُ يَقْضِي بِعِتْقِهَا فِي الْأُولَى وَبِنَسَبِهَا فِي الثَّانِيَةِ وَإِنْ كَانَ الْمُعْتِقُ وَالْمَنْسُوبُ إلَيْهِ غَائِبَيْنِ وَيَقْضِي بِالْحَدِّ عَلَى الْقَاذِفِ الثَّانِيَةُ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ نَسَبَهُ يَلْتَقِي مَعَ نَسَبِ الْمَيِّتِ إلَى جَدِّ الْمَيِّتِ وَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ فَإِنَّهُ يَقْضِي لَهُ بِمِيرَاثِهِ وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ آبَاؤُهُمْ وَلَا وُكَلَاؤُهُمْ وَفِيهِ قَضَاءٌ عَلَى الْغَائِبِ اهـ. قَيَّدْنَا بِأَنْ يَكُونَ سَبَبًا لَا مَحَالَةَ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا يَكُونُ سَبَبًا فِي حَالٍ وَلَا يَكُونُ سَبَبًا فِي حَالٍ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ وَذَلِكَ فِي مَسْأَلَتَيْنِ الْأُولَى الْوَكِيلُ بِنَقْلِ الْعَبْدِ إلَى مَوْلَاهُ إذَا بَرْهَنَ الْعَبْدُ عَلَى أَنَّهُ حَرَّرَهُ يُقْبَلُ فِي حَقِّ قَصْرِ يَدِ الْحَاضِرِ لَا فِي حَقِّ ثُبُوتِ الْعِتْقِ عَلَى الْمُوَكِّلِ فَلَوْ حَضَرَ الْغَائِبُ وَأَنْكَرَ لَا بُدَّ مِنْ إعَادَةِ الْبَيِّنَةِ الثَّانِيَةِ الْوَكِيلُ بِنَقْلِ الْمَرْأَةِ إذَا بَرْهَنَتْ أَنَّهُ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا يُقْبَلُ فِي حَقِّ قَصْرِ يَدِ الْوَكِيلِ لَا فِي إثْبَاتِ الطَّلَاقِ وَقَدْ أَنْكَرَ بِشْرٌ الْمَرِيسِيِّ الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ قَالَ فِي التَّحْرِيرِ وَقَدْ كَانَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ يَأْبَى انْتِصَابَ الْحَاضِرِ خَصْمًا عَنْ الْغَائِبِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَلَا يُقْضَى عَلَى الْحَاضِرِ بِشَيْءٍ مَا لَمْ يَحْضُرْ الْغَائِبُ وَهُوَ الْقِيَاسُ الظَّاهِرُ إلَّا أَنَّا نَقُولُ بِأَنَّ عَامَّةَ الْخُصُومَاتِ يَتَّصِلُ طَرَفٌ مِنْهَا بِالْغَائِبِ فَلَوْ لَمْ يُجْعَلْ الْحَاضِرُ خَصْمًا لَأَدَّى إلَى إبْطَالِ حُقُوقِ النَّاسِ كَذَا فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ لِلْفَارِسِيِّ وَبِهِ انْدَفَعَ مَا اعْتَرَضَ بِهِ بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ مِنْ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ مَنَعُوا الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ ثُمَّ تَحَيَّلُوا لَهُ بِمَا إذَا كَانَ سَبَبًا وَهُوَ عَيْنُ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ اهـ. وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِ سَبَبًا لِمَا يَدَّعِي عَلَى الْحَاضِرِ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا إذَا كَانَتْ السَّبَبِيَّةُ بِاعْتِبَارِ الْبَقَاءِ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ مُطْلَقًا وَذَلِكَ فِي مَسَائِلَ: الْأُولَى اشْتَرَى جَارِيَةً وَادَّعَى أَنَّ الْبَائِعَ كَانَ زَوَّجَهَا مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ وَاشْتَرَاهَا بِلَا عِلْمٍ بِذَلِكَ فَأَنْكَرَ الْبَائِعُ فَبَرْهَنَ لَمْ يُقْبَلْ فِي حَقِّ الْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ فِي الْبَقَاءِ لِجَوَازِ الطَّلَاقِ بَعْدَهُ فَلَوْ تَعَرَّضَ الشُّهُودُ لِلْبَقَاءِ لَمْ تُقْبَلْ أَيْضًا بِأَنْ قَالُوا إنَّهَا امْرَأَتُهُ لِلْحَالِ؛ لِأَنَّ الْبَقَاءَ تَبَعٌ لِلِابْتِدَاءِ. الثَّانِيَةُ بَرْهَنَ الْمُشْتَرِي فَاسِدًا عَلَى الْبَيْعِ مِنْ غَائِبٍ حِينَ رَامَ الْبَائِعُ فَسْخَ الْبَيْعِ لِلْفَسَادِ لَا يُقْبَلُ مُطْلَقًا وَإِنْ تَعَرَّضُوا لِلْبَقَاءِ. الثَّالِثَةُ فِي يَدِهِ دَارٌ فَبِيعَتْ دَارٌ بِجَنْبِهَا فَأَرَادَ أَخْذَهَا بِالشُّفْعَةِ فَزَعَمَ الْمُشْتَرِي أَنَّ مَا فِي يَدِ الشَّفِيعِ لِغَائِبٍ فَبَرْهَنَ الشَّفِيعُ عَلَى شِرَائِهَا مِنْ الْغَائِبِ لَا تُقْبَلُ فِي حَقِّهِمَا وَقَيَّدَ بِالسَّبَبِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الشَّرْطِ فِي الْجَامِعِ الْأَصْغَرِ قَالَ إنْ طَلَّقَ فُلَانٌ امْرَأَتَهُ فَأَنْت طَالِقٌ فَادَّعَتْ أَنَّهُ طَلَّقَهَا وَفُلَانٌ غَائِبٌ وَبَرْهَنَ لَا يَصِحُّ وَقِيلَ يَصِحُّ وَبِهِ أَخَذَ   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 21 شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْأُوزْجَنْدِيُّ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ فِيهِ ابْتِدَاءَ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ أَنَّ زَوْجَهَا قَالَ لَهَا إنْ دَخَلَ فُلَانٌ الدَّارَ فَأَنْتِ كَذَا وَقَدْ دَخَلَ فُلَانُ الْغَائِبُ الدَّارَ وَبَرْهَنَتْ حَيْثُ يُقْبَلُ اتِّفَاقًا وَاَلَّذِي يَفْعَلُهُ النَّاسُ فِيمَا إذَا أَرَادُوا إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْغَائِبِ أَنَّهُ وَكَّلَهُ فِي قَبْضِ حُقُوقِهِ عَلَى النَّاسِ يَدَّعِي وَاحِدٌ عِنْدَ الْقَاضِي أَنَّ الْغَائِبَ عَلَّقَ تِلْكَ الْوَكَالَةَ بِبَيْعِ هَذَا الْحَاضِرِ دَارِهِ مِنْ فُلَانٍ بِكَذَا وَقَدْ بَاعَ هَذَا دَارِهِ مِنْ فُلَانٍ وَتَحَقَّقَ الشَّرْطُ وَصَارَ هُوَ وَكِيلًا عَنْ الْغَائِبِ فِي الْقَبْضِ وَلِمُوَكِّلِهِ عَلَى هَذَا الْمُحْضَرِ كَذَا فَيَقُولُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ نَعَمْ إنَّهُ وَكَّلَهُ كَمَا ذَكَرَ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ فَيُقِيمُ الْوَكِيلُ الْبَيِّنَةَ عَلَى وُجُودِ الشَّرْطِ فَيَقْضِي الْقَاضِي عَلَيْهِ بِالْبَيْعِ وَالْوَكَالَةُ لَا تَصِحُّ إلَّا عَلَى اخْتِيَارِ الْإِمَامِ الْأُوزْجَنْدِيِّ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّ الْغَائِبِ. كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَفَرْقُهُمْ بَيْنَ سَبَبٍ وَسَبَبٍ وَبَيْنَ السَّبَبِ وَالشَّرْطِ عَلَى الصَّحِيحِ أَدَلُّ دَلِيلٍ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُمْ بِنَفَاذِ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ فِي أَظْهَرْ الرِّوَايَتَيْنِ إنَّمَا هُوَ فِي قَضَاءِ الشَّافِعِيِّ وَأَمَّا الْحَنَفِيُّ فَلَا؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا مَعْنَى لِلْفَرْقِ الْمَذْكُورِ وَمِنْ مَسَائِلِ الشَّرْطِ مَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِتَزَوُّجِهِ عَلَيْهَا فَبَرْهَنَتْ أَنَّهُ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا فُلَانَةَ الْغَائِبَةَ عَنْ الْمَجْلِسِ هَلْ تُسْمَعُ حَالَ غَيْبَةِ فُلَانَةَ فِيهِ رِوَايَتَانِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ فِي حَقِّ الْحَاضِرَةِ وَالْغَائِبَةِ فَلَا طَلَاقَ وَلَا نِكَاحَ وَمِنْ فُرُوعِهِ ادَّعَتْ عَلَيْهِ أَنَّهُ كَفَلَ بِمَهْرِهَا عَنْ زَوْجِهَا لَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَأَنَّهُ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَأَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْكَفَالَةِ وَأَنْكَرَ الْعِلْمَ بِوُقُوعِ الثَّلَاثِ فَبَرْهَنَتْ أَنَّهُ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا يُحْكَمُ لَهَا بِالْمَهْرِ عَلَى الْحَاضِرِ لَا بِالْفُرْقَةِ عَلَى الْغَائِبِ. اهـ. وَقَدْ عُلِمَتْ حِيلَةُ إثْبَاتِ الْعِتْقِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَفِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ رَجُلٌ لَهُ عَلَى عَبْدٍ مَأْذُونٍ دَيْنٌ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى رَجُلٍ أَنَّك كَفَلْت لِي عَنْهُ بِكَذَا إنْ أَعْتَقَهُ مَوْلَاهُ وَقَدْ أَعْتَقَهُ فَإِنَّهُ يَقْضِي بِالْعِتْقِ وَالْمَالِ وَإِنْ كَانَ الْمَوْلَى وَالْعَبْدُ غَائِبَيْنِ؛ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ سَبَبُ ضَمَانِ الْمَوْلَى قِيمَةَ الْعَبْدِ الْمَدْيُونِ لِغَرِيمِهِ فَكَانَ شَرْطًا مُلَائِمًا لَا تَعْلِيقًا مَحْضًا فَصَحَّ الِالْتِزَامُ بِهِ وَنَابَ الْحَاضِرُ فِي الْخُصُومَةِ عَنْ الْغَائِبِ اهـ. وَهُوَ مِنْ قَبِيلِ الشَّرْطِ فَلْيُتَأَمَّلْ، وَأَمَّا حِيلَةُ إثْبَاتِ طَلَاقِ الْغَائِبِ فَكُلُّهَا عَلَى الضَّعِيفِ مِنْ أَنَّ الشَّرْطَ كَالسَّبَبِ فَمِنْهَا حِيلَةُ الْكَفَالَةِ بِمَهْرِهَا مُعَلَّقَةً بِطَلَاقِهِ وَمِنْهَا دَعْوَاهَا كَفَالَةً بِنَفَقَةِ الْعِدَّةِ مُعَلَّقَةً بِالطَّلَاقِ قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَمَعَ هَذَا لَوْ حَكَمَ بِالْحُرْمَةِ نَفَذَ لِاخْتِلَافِ الْمَشَايِخِ اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ فَصْلِ دَعْوَى النِّكَاحِ ادَّعَى عَلَيْهَا أَنَّ زَوْجَهَا الْغَائِبَ طَلَّقَهَا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَتَزَوَّجَهَا فَأَقَرَّتْ بِزَوْجِيَّةِ الْغَائِبِ وَأَنْكَرَتْ طَلَاقَهُ فَبَرْهَنَ عَلَيْهَا بِالطَّلَاقِ يَقْضِي عَلَيْهَا بِأَنَّهَا زَوْجَةُ الْحَاضِرِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إعَادَةِ الْبَيِّنَةِ إذَا حَضَرَ الْغَائِبُ اهـ. وَقَدَّمْنَا حِيلَتَيْنِ لِإِثْبَاتِ الدَّيْنِ عَلَى غَائِبِ الْكَفَالَةِ وَالْحَوَالَةِ، وَأَمَّا حِيلَةُ إثْبَاتِ الرَّهْنِ عَلَى الْغَائِبِ قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مَعْزُوًّا الْمُرْتَهِنُ لَوْ أَرَادَ أَنْ يَحْكُمَ بِهِ الْقَاضِي يُقِيمُ رَجُلًا يَدَّعِي رَقَبَةَ الرَّهْنِ فَيُبَرْهِنُ ذُو الْيَدِ أَنَّهُ رَهَنَ عِنْدَهُ فَيَحْكُمُ بِهِ الْقَاضِي وَفِيهِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ لَا تُقْبَلُ إذْ فِيهِ حُكْمٌ عَلَى غَائِبٍ وَتُقْبَلُ فِي رِوَايَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا رَهَنَ عِنْدَهُ فَقَدْ اسْتَحْفَظَهُ فَصَارَ خَصْمًا فِي إثْبَاتِ الْمِلْكِ لِلرَّاهِنِ اهـ. وَأَمَّا حِيلَةُ الْحُكْمِ بِسُقُوطِ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ الْمَاضِيَتَيْنِ فَالْقُضَاةُ الْآنَ يَجْعَلُونَهَا بِصُورَةٍ إنْ كَانَتْ لَهَا نَفَقَةٌ وَكِسْوَةٌ عَلَيَّ فَهِيَ طَالِقٌ بَائِنٌ فَيَدَّعِي عَلَيْهِ ذُو حِسْبَةٍ عِنْدَ حَنَفِيٍّ بِوُقُوعِهِ لِكَوْنِهَا لَازِمَةً عَلَيْهِ وَيُطَالِبُهُ بِالتَّفْرِيقِ فَيُجِيبُ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَفَرْقُهُمْ بَيْنَ سَبَبٍ وَسَبَبٍ إلَخْ) تَقَدَّمَ جَوَابُهُ قَبْلَ نَحْوِ أَرْبَعَةٍ أَوْرَاقٍ (قَوْلُهُ وَمِنْ مَسَائِلِ الشَّرْطِ مَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ عَلَّقَ طَلَاقَهَا إلَخْ) أَيْ مُعَزِّيًا إلَى فَتَاوَى رَشِيدِ الدِّينِ وَفِيهِ ثُمَّ قَالَ أَيْ رَشِيدُ الدِّينِ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْجَوَابِ فِيمَا لَوْ كَانَ ثُبُوتُ الْحُكْمِ عَلَى الْغَائِبِ شَرْطًا لِلْمُدَّعِي عَلَى الْحَاضِرِ يَنْظُرُ لَوْ لَمْ يَتَضَرَّرْ بِهِ الْغَائِبُ كَدُخُولِ الدَّارِ وَغَيْرِهِ يَصِيرُ الْحَاضِرُ خَصْمًا عَنْهُ لَا لَوْ دَائِرًا بَيْنَ نَفْعٍ وَضَرَرٍ. (قَوْلُهُ يُحْكَمُ لَهَا بِالْمَهْرِ عَلَى الْحَاضِرِ لَا بِالْفُرْقَةِ عَلَى الْغَائِبِ) عِبَارَةُ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ يُحْكَمُ لَهَا بِالْمَهْرِ عَلَى الْحَاضِرِ وَبِوُقُوعِ الثَّلَاثِ عَلَى الْغَائِبِ فَالْمُدَّعَى بِهِ شَيْئَانِ بَيْنَهُمَا سَبَبِيَّةٌ قَالَ (صذ) فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَى الْغَائِبِ وَهُوَ الْفُرْقَةُ شَرْطُ الْمُدَّعِي عَلَى الْحَاضِرِ لَا سَبَبٌ وَفِي مِثْلِهِ لَا يَنْصِبُ الْحَاضِرُ خَصْمًا عَنْ الْغَائِبِ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَقْضِيَ بِالْمَهْرِ عَلَى الْحَاضِرِ لَا بِالْفُرْقَةِ عَلَى الْغَائِبِ (صع) فَعَلَى قِيَاسِ مَا قَالَ (صد) يَنْبَغِي أَنْ يَقْضِيَ فِي مَسْأَلَةِ (فش) يَعْنِي فَتَاوَى رَشِيدِ الدِّينِ بِطَلَاقِ الْمُدَّعِيَةِ لَا بِنِكَاحِ الْغَائِبِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُدَّعِيَ عَلَى الْغَائِبِ إذَا كَانَ شَرْطًا لِمَا يَدَّعِي عَلَى الْحَاضِرِ قِيلَ يَنْتَصِبُ الْحَاضِرُ خَصْمًا عَنْ الْغَائِبِ مُطْلَقًا وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ وَقِيلَ لَا مُطْلَقًا وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ وَقِيلَ يَنْتَصِبُ فِيمَا لَا يَتَضَرَّرُ بِهِ الْغَائِبُ لَا فِيمَا يَتَضَرَّرُ وَقِيلَ فِيمَا يَتَضَرَّرُ وَيَقْضِي عَلَى الْحَاضِرِ لَا عَلَى الْغَائِبِ ثُمَّ قَالَ أَقُولُ: هَذَا بَعِيدٌ إذْ كَانَ الْحُكْمُ عَلَى الْحَاضِرِ فَرْعَ الْحُكْمِ عَلَى الْغَائِبِ فَكَيْفَ يَثْبُتُ الْفَرْعُ بِدُونِ الْأَصْلِ فَالْأَوْلَى أَنْ يَنْتَصِبَ الْحَاضِرُ خَصْمًا عَنْ الْغَائِبِ فِي كُلِّ مَا لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُ حَقِّهِ عَلَى الْحَاضِرِ إلَّا بِإِثْبَاتِ ذَلِكَ عَلَى الْغَائِبِ سَوَاءٌ كَانَ سَبَبًا أَوْ شَرْطًا إذَا الْحُكْمُ عَلَى الْغَائِبِ بِلَا خَصْمٍ عَنْهُ جَائِزٌ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى فَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ الْحُكْمُ عَلَى الْغَائِبِ مَعَ الْخَصْمِ عَنْهُ فِي الْجُمْلَةِ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى صِيَانَةً لِلْحُقُوقِ وَرِعَايَةً لِلْأُصُولِ. اهـ. قَالَ فِي نُورِ الْعَيْنِ يَقُولُ الْحَقِيرُ فِي كَلَامِهِ كَلَامٌ مِنْ وَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ أَنَّ قَوْلَهُ هَذَا بَعِيدٌ غَيْرُ سَدِيدٍ؛ لِأَنَّ جَوَابَهُ ظَاهِرٌ لِكُلِّ مُتَأَمِّلٍ رَشِيدٍ الثَّانِي أَنَّ قَوْلَهُ فَالْأَوْلَى مُخَالِفٌ لِمَا مَرَّ آنِفًا عَنْ رَشِيدِ الدِّينِ مِنْ قَوْلِهِ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْجَوَابِ إلَخْ اهـ. ثُمَّ اسْتَشْهَدَ لِلتَّنْظِيرِ بِكَلَامِ الْخَانِيَّةِ وَفَتْحِ الْقَدِيرِ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إعَادَةِ الْبَيِّنَةِ إذَا حَضَرَ الْغَائِبُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ خِلَافُهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 22 لَازِمَةً لِعَدَمِ التَّقْرِيرِ وَالرِّضَا فَيُحَلِّفُهُ الْقَاضِي عَلَى ذَلِكَ فَيَحْكُمُ بِعَدَمِ الْوُقُوعِ وَبِعَدَمِ اللُّزُومِ وَلَا شَكَّ الْآنَ فِي صِحَّتِهِ لَكِنَّ الْمَرْأَةَ إذَا حَضَرَتْ وَبَرْهَنَتْ عَلَى التَّقْرِيرِ بَطَلَ الْحُكْمُ كَمَا لَا يَخْفَى وَقَيَّدَ بِكَوْنِ السَّبَبِ مَا يَدَّعِي عَلَى الْغَائِبِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَى عَكْسِهِ بِأَنْ كَانَ مَا يَدَّعِي عَلَى الْحَاضِرِ سَبَبًا لِمَا يَدَّعِي عَلَى الْغَائِبِ فَإِنَّهُ لَا يَقْضِي عَلَى الْغَائِبِ كَمَا إذَا كَانَ الْحَاضِرُ هُوَ الْأَصِيلَ وَالْكَفِيلُ غَائِبٌ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ عَلَى الْأَصِيلِ لَا الْكَفِيلِ كَمَا قَبْلَ الْكَفَالَةِ بِخِلَافِ عَكْسِهِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ عَلَى الْكَفِيلِ دُونَ الْأَصِيلِ وَجَزَمَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ بِأَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْأَصِيلِ لَا يَكُونُ قَضَاءً عَلَى الْكَفِيلِ وَتَرَدَّدَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَأَوْرَدَ عَلَى قَوْلِهِمْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْكَفِيلِ دُونَ الْأَصِيلِ مَا إذَا قَالَتْ كَفَلْت بِمَالِك عَلَى زَيْدٍ فَأَقَرَّ الْكَفِيلُ بِأَنَّ لَهُ عَلَى زَيْدٍ كَذَا وَأَنْكَرَهُ زَيْدٌ وَلَا بَيِّنَةَ وَجَبَ الْمَالُ عَلَى الْكَفِيلِ دُونَ الْأَصِيلِ ثُمَّ نَقَلَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ قَضَاءٌ عَلَى الْكَفِيلِ. وَعَنْ ابْنِ سِمَاعَةَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ قَضَاءً عَلَيْهِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ وَالْمُوَافِقُ لِمَفْهُومِ الْمُتُونِ عَدَمُهُ فَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَالْجَوَابُ عَمَّا أَوْرَدَ أَنَّهُ لِكَوْنِ الْإِقْرَارِ حُجَّةً قَاصِرَةً كَمَا لَا يَخْفَى وَفِي الْخُلَاصَةِ الطَّرِيقُ إلَى إثْبَاتِ الرَّمَضَانِيَّةِ أَنْ يُعَلِّقَ وَكَالَةً بِدُخُولِهِ فَيَتَنَازَعَانِ فِي دُخُولِهِ فَيَشْهَدُ الشُّهُودُ فَيَقْضِي بِالْوَكَالَةِ وَبِدُخُولِهِ اهـ. وَعَلَى هَذَا إذَا أُرِيدُ إثْبَاتَ طَلَاقٍ مُعَلَّقٍ بِدُخُولِ شَهْرٍ فَالْحِيلَةُ فِيهِ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ غَائِبًا وَلَيْسَ هَذَا مِنْ قَبِيلِ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِعْلُ الْغَائِبِ وَعَلَى هَذَا إذَا أُرِيدَ إثْبَاتُ شَيْءٍ مِنْ مِلْكٍ وَوَقْفٍ وَنِكَاحٍ وَطَلَاقٍ فَيُعَلِّقُ وَكَالَةً بِمِلْكِ فُلَانٍ ذَلِكَ الشَّيْءَ وَيَدَّعِي الْوَكِيلُ فَيَقُولُ الْخَصْمُ وَكَالَتُك مُعَلَّقَةٌ بِمَا لَمْ يُوجَدْ فَيَقُولُ الْوَكِيلُ بَلْ هِيَ مُنَجَّزَةٌ؛ لِأَنَّهَا مُعَلَّقَةٌ بِأَمْرٍ كَائِنٍ وَيُبَرْهِنُ عَلَى الْمِلْكِ وَكَذَا فِي الْوَقْفِ يُعَلِّقُهَا بِالْوَقْفِيَّةِ وَفِي النِّكَاحِ بِكَوْنِ فُلَانَةَ زَوْجَةَ فُلَانٍ وَفِي الطَّلَاقِ بِكَوْنِهَا مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ وَلَا يُعَلِّقُهَا بِفِعْلِ الْغَائِبِ كَإِنْ نَكَحَ إنْ وَقَفَ إنْ طَلَّقَ إنْ مَلَكَ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي الْآنَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَهَذَا التَّقْرِيرُ فِي هَذَا الْمَحَلِّ كَغَيْرِهِ مِنْ خَوَاصِّ هَذَا الشَّرْحِ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ. (قَوْلُهُ وَيُقْرِضُ الْقَاضِي مَالَ الْيَتِيمِ وَيَكْتُبُ الصَّكَّ لَا الْوَصِيُّ وَالْأَبُ) ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ يَقْدِرُ عَلَى تَحْصِيلِهِ مِنْ الْمُسْتَقْرِضِ وَالْوَصِيُّ وَالْأَبُ لَا يَقْدِرَانِ عَلَى ذَلِكَ فَيَضْمَنَانِ بِالْإِقْرَاضِ لِكَوْنِهِ تَبَرُّعًا ابْتِدَاءً وَالْمُرَادُ وَيُسْتَحَبُّ لِلْقَاضِي الْإِقْرَاضُ وَلَا يَجُوزُ لِلْأَبِ وَالْوَصِيِّ وَإِنَّمَا اُسْتُحِبَّ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لِكَثْرَةِ اشْتِغَالِهِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُبَاشِرَ الْحِفْظَ بِنَفْسِهِ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ الدَّفْعِ لِغَيْرِهِ وَالدَّفْعُ بِالْقَرْضِ أَنْظَرُ لِلْيَتِيمِ لِكَوْنِهِ مَضْمُونًا الْوَدِيعَةُ أَمَانَةٌ وَلَا يُقْرِضُ إلَّا مَنْ يَعْرِفُهُ بِالْأَمَانَةِ وَالدِّيَانَةِ وَيَكْتُبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ لِيَحْفَظَهُ خَوْفَ النِّسْيَانِ لِكَثْرَةِ اشْتِغَالِهِ وَفِي الْبِنَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى تَاجِ الشَّرِيعَةِ يُقْرِضُ الْقَاضِي إلَى الثِّقَاتِ وَالثِّقَةُ الْمَلِيءُ الْحَسَنُ الْمُعَامَلَةِ وَفِي الْأَقْضِيَةِ إنَّمَا يَمْلِكُ الْقَاضِي الْإِقْرَاضَ إذَا لَمْ تَحْصُلْ غَلَّةٌ لِلْيَتِيمِ أَمَّا إذَا وُجِدَتْ فَلَا يَمْلِكُهُ هَكَذَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ. اهـ. وَفِي الْمِصْبَاحِ رَجُلٌ مَلِيءٌ عَلَى فَعِيلٍ غَنِيٌّ مُقْتَدِرٌ وَيَجُوزُ الْإِبْدَالُ وَالْإِدْغَامُ اهـ. وَيَنْبَغِي أَنْ يُشْتَرَطَ لِجَوَازِ إقْرَاضِ الْقَاضِي عَدَمُ وَصِيٍّ لِلْيَتِيمِ فَإِنْ كَانَ لَهُ وَصِيٌّ وَلَوْ مَنْصُوبَ الْقَاضِي لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْهُ مَعَ وُجُودِ وَصِيِّهِ كَمَا فِي بُيُوعِ الْقُنْيَةِ وَسَوَّى الْمُصَنِّفُ بَيْنَ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ مَعَ أَنَّ فِي الْأَبِ رِوَايَتَيْنِ وَلَكِنَّ أَظْهَرَهُمَا أَنَّهُ كَالْوَصِيِّ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَفِي خِزَانَةِ الْفَتَاوَى الصَّحِيحُ أَنَّ الْأَبَ كَالْقَاضِي فَقَدْ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ وَالْمُعْتَمَدُ مَا فِي الْمُتُونِ وَأَطْلَقَ فِي مَنْعِ إقْرَاضِ الْأَبِ فَشَمِلَ مَا إذَا أَخَذَ مَالَ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ قَرْضًا لِنَفْسِهِ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ الْإِمَامِ وَقِيلَ لَهُ ذَلِكَ وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَتَفَقَّدَ أَحْوَالَ الَّذِينَ أَقْرَضَهُمْ مَالَ الْأَيْتَامِ حَتَّى إذَا اخْتَلَّ أَحَدٌ مِنْهُمْ أُخِذَ مِنْهُ الْمَالُ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ وَإِنْ قَدَرَ عَلَى اسْتِخْلَاصِهِ إنَّمَا يَقْدِرُ مِنْ الْغَنِيِّ لَا مِنْ الْفَقِيرِ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ قَرْضَهُ مِنْ الْمُعْسِرِ ابْتِدَاءً فَكَذَا لَا يَتْرُكُهُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي الْآنَ) أَقُولُ: مَا ظَهَرَ لَهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ لِقَوْلِ الْفَتْحِ الْأَصْلُ أَنَّ مَا كَانَ شَرْطًا لِثُبُوتِ الْحَقِّ لِلْحَاضِرِ مِنْ غَيْرِ إبْطَالِ حَقٍّ لِلْغَائِبِ قُبِلَتْ الْبَيِّنَةُ فِيهِ إذْ لَيْسَ فِيهِ قَضَاءٌ عَلَى الْغَائِبِ وَمَا تَضَمَّنَ إبْطَالًا عَلَيْهِ لَا تُقْبَلُ اهـ. وَلَا شَكَّ أَنَّ دُخُولَ رَمَضَانَ لَيْسَ فِيهِ إبْطَالُ حَقٍّ عَلَى الْغَائِبِ فَلِذَا قُبِلَ بِخِلَافِ ثُبُوتِ الْمِلْكِ لِلْغَائِبِ أَوْ طَلَاقِ زَوْجَتِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنَّ فِيهِ حُكْمًا عَلَى الْغَائِبِ ابْتِدَاءً بِلَا فَرْقٍ بَيْنَ كَوْنِ التَّعْلِيقِ بِصِيغَةِ إنْ طَلَّقَ أَوْ إنْ كَانَتْ مُطَلَّقَةً؛ لِأَنَّ الْمَنَاطَ لُحُوقُ الضَّرَرِ فَقِيَاسُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ عَلَى مَا فِي الْخُلَاصَةِ قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَتَدَبَّرْهُ (قَوْلُهُ أَمَّا إذَا وَجَدَ فَلَا يَمْلِكُهُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ كَمَا إذَا وَجَدَ مَا يَشْتَرِيهِ لَهُ يَكُونُ لَهُ رِبْحٌ وَيُقْرِضُ الْقَاضِي مَالَ الْيَتِيمِ وَيَكْتُبُ الصَّكَّ لَا الْوَصِيُّ وَالْأَبُ أَوْ وَجَدَ مَنْ يُضَارِبُ فِيهِ كَمَا سَيَنْقُلُهُ عَنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُشْتَرَطَ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ إطْلَاقُ الْمُتُونِ يَدُلُّ عَلَى خِلَافِهِ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ لَكِنَّهُ تَصَرُّفٌ لَا يَمْلِكُهُ الْوَصِيُّ وَهُوَ أَحْسَنُ تَصَرُّفًا فِي مَالِ الْيَتِيمِ وَأَنْظَرَ فَإِذَا قُلْنَا لَمْ يَجُزْ مِنْهُ وَالْوَصِيُّ مَمْنُوعٌ مِنْ الْإِقْرَاضِ امْتَنَعَ النَّظَرُ لِلْيَتِيمِ فِي ذَلِكَ وَلَا قَائِلَ بِهِ تَأَمَّلْ اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ حِفْظُ مَالِهِ وَإِنَّمَا يُقْرِضُهُ الْقَاضِي لِكَثْرَةِ اشْتِغَالِهِ وَقُدْرَتِهِ عَلَى التَّحْصِيلِ كَمَا مَرَّ فَكَأَنَّ الْمُسَوِّغَ لَهُ ضَرُورَةُ الْحِفْظِ وَإِذَا كَانَ لَهُ وَصِيٌّ فَوَضَعَهُ عِنْدَهُ أَقْرَبُ لِحِفْظِهِ مِنْ الْإِقْرَاضِ فَكَانَ فِيهِ نَظَرٌ لِلْيَتِيمِ تَأَمَّلْ لَكِنَّ هَذَا إذَا اتَّجَرَ فِيهِ لِلْيَتِيمِ يَظْهَرُ النَّفْعُ أَمَّا مُجَرَّدُ وَضْعِهِ عِنْدَهُ فَالْإِقْرَاضُ أَنْفَعُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَى الْمُسْتَقْرِضِ أَمَّا لَوْ هَلَكَ عِنْدَ الْوَصِيِّ فَإِنَّهُ يَهْلِكُ أَمَانَةً الجزء: 7 ¦ الصفحة: 23 عِنْدَهُ انْتِهَاءً. وَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ إلَى أَنَّ لِلْقَاضِي وِلَايَةَ إقْرَاضِ مَالِ الْوَقْفِ كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَلَهُ إقْرَاضُ اللُّقَطَةِ مِنْ الْمُلْتَقِطِ وَإِقْرَاضُ مَالِ الْغَائِبِ وَلَهُ بَيْعُ مَنْقُولِهِ إذَا خَافَ التَّلَفَ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِمَكَانِ الْغَائِبِ أَمَّا إذَا عَلِمَ فَلَا؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ بَعْثُهُ إلَى الْغَائِبِ إذَا خَافَ التَّلَفَ قَالُوا وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْمَالَ مِنْ الْأَبِ إذَا كَانَ مُسْرِفًا مُبَذِّرًا وَيَضَعَهُ عَلَى يَدِ عَدْلٍ كَذَا فِي الْقُنْيَةِ وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ إنَّمَا يَمْلِكُ الْقَاضِي إقْرَاضَهُ إذَا لَمْ يَجِدْ مَا يَشْتَرِيهِ لَهُ يَكُونُ غَلَّةً لِلْيَتِيمِ لَا لَوْ وَجَدَهُ أَوْ وَجَدَ مَنْ يُضَارِبُ؛ لِأَنَّهُ أَنْفَعُ وَكَذَا إنَّمَا يُقْرِضُهُ مِنْ مَلِيءٍ اهـ. وَقَيَّدَ بِالْإِقْرَاضِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّ يَمْلِكُ الْبَيْعَ نَسِيئَةً كَمَا ذَكَرُوهُ فِي الْوَصَايَا وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَلَوْ أَقْرَضَ الْوَصِيُّ لَا يُعَدُّ خِيَانَةً فَلَا يُعْزَلُ بِهِ اهـ. وَأَطْلَقَ فِي الْوَصِيِّ فَشَمِلَ وَصِيَّ الْقَاضِي كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَأَشَارَ بِالْوَصِيِّ إلَى أَنَّ مُتَوَلِّيَ الْوَقْفِ لَيْسَ لَهُ إقْرَاضُ مَالِ الْمَسْجِدِ فَلَوْ أَقْرَضَهُ ضَمِنَ وَكَذَا يَضْمَنُ الْمُسْتَقْرِضُ كَذَا فِي الْخِزَانَةِ وَلَيْسَ لَهُ إيدَاعُهُ إلَّا مِمَّنْ هُوَ فِي عِيَالِهِ كَذَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ الْقَيِّمُ لَوْ أَقْرَضَ مَالَ الْمَسْجِدِ لِيَأْخُذَهُ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَهُوَ أَحْرَزُ مِنْ إمْسَاكِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَفِي الْعُدَّةِ يَسَعُ لِلْمُتَوَلِّي إقْرَاضُ مَا فَضَلَ مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ لَوْ أَحْرَزَ. اهـ. وَقَدَّمْنَا فِي كِتَابِ الْوَقْفِ حُكْمَ مَا إذَا أَقْرَضَ الْمُتَوَلِّي مَالَ الْوَقْفِ بِأَمْرِ الْقَاضِي مِنْ الْإِمَامِ فَمَاتَ مُفْلِسًا وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ لَوْ اسْتَقْرَضَ الْوَصِيُّ مَالَ الْيَتِيمِ وَرَبِحَ بِهِ ثُمَّ أَنْفَقَ عَلَيْهِ مُدَّةً يَكُونُ مُتَبَرِّعًا إذَا صَارَ ضَامِنًا فَلَا يَتَخَلَّصُ مَا لَمْ يَرْفَعْ أَمْرَهُ إلَى الْحَاكِمِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْوَصِيَّ لَا يَمْلِكُ أَنْ يَسْتَقْرِضَ مَالَهُ وَقِيلَ يَمْلِكُهُ لَوْ مَلِيًّا اهـ. وَفِي تَهْذِيبِ الْقَلَانِسِيِّ وَيُصَدَّقُ الْقَاضِي فِيمَا قَالَهُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي الْأَوْقَافِ وَأَمْوَالِ الْأَيْتَامِ وَالْغَائِبِينَ مِنْ أَدَاءً وَقَبْضٍ. اهـ. وَفِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ إقْرَاضُ الْقَاضِي أَنْفَعُ لِلصَّبِيِّ وَأَحْوَطُ لِمَالِهِ لِكَوْنِهِ مَضْمُونًا وَلِتَمَكُّنِهِ مِنْ الِاسْتِرْدَادِ وَقَالُوا الْوَصِيُّ يَمْلِكُ الْإِيدَاعَ لَا الْقَرْضَ وَلَمْ أَرَ حُكْمَ الْجَدِّ فِي جَوَازِ إقْرَاضِهِ عَلَى رِوَايَةِ جَوَازِهِ لِلْأَبِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَالْأَبِ لِقَوْلِهِمْ الْجَدُّ أَبٌ الْأَبِ كَالْأَبِ إلَّا فِي مَسَائِلَ وَيَجِبُ أَنْ يُسْتَثْنَى مِنْ عَدَمِ جَوَازِ إقْرَاضِ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ الْمُعْتَمَدُ إقْرَاضُهُ لِلضَّرُورَةِ كَحَرْقٍ وَنَهْبٍ فَيَجُوزُ اتِّفَاقًا وَاخْتَلَفُوا فِي إعَارَةِ الْأَبِ مَالَ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ وَفِي الصَّحِيحِ لَا وَفِي الْخِزَانَةِ إذَا أَجَّرَ الْأَبُ أَوْ الْوَصِيُّ أَوْ الْجَدُّ أَوْ الْقَاضِي الصَّغِيرَ فِي عَمَلٍ مِنْ الْأَعْمَالِ الَّتِي تَلِيقُ بِهِ فَالصَّحِيحُ جَوَازُهَا وَإِنْ كَانَتْ بِأَقَلَّ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ وَقَدَّمْنَا فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْقَضَاءِ مَا يَسْتَفِيدُهُ الْقَاضِي بِالتَّوْلِيَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (بَابُ التَّحْكِيمِ) لَمَّا كَانَ مِنْ فُرُوعِ الْقَضَاءِ وَكَانَ أَحَطَّ رُتْبَةً مِنْ الْقَضَاءِ أَخَّرَهُ وَلِهَذَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ وَإِضَافَتُهُ إلَى وَقْتٍ بِخِلَافِ الْقَضَاءِ لِكَوْنِهِ صُلْحًا مِنْ وَجْهٍ وَلَهُ مَعْنَيَانِ لُغَوِيٌّ وَاصْطِلَاحِيٌّ أَمَّا الْأَوَّلُ يُقَالُ حَكَّمْت الرَّجُلَ تَحْكِيمًا إذَا مَنَعْته مِمَّا أَرَادَ وَيُقَالُ أَيْضًا حَكَّمْته فِي مَالِي إذَا جَعَلْت إلَيْهِ الْحُكْمَ فِيهِ فَاحْتَكَمَ عَلَيَّ فِي ذَلِكَ وَاحْتَكَمُوا إلَى الْحَاكِمِ وَتَحَاكَمُوا بِمَعْنًى وَالْمُحَاكَمَةُ الْمُخَاصَمَةُ إلَى الْحَاكِمِ كَذَا فِي الصِّحَاحِ وَالْمُرَادُ الثَّانِي فَهُوَ فِي اللُّغَةِ جَعْلُ الْحُكْمِ فِي مَالِكِ إلَى غَيْرِك وَفِي الْمُحِيطِ تَفْسِيرُ التَّحْكِيمِ تَصْيِيرُ غَيْرِهِ حَاكِمًا، وَأَمَّا فِي الِاصْطِلَاحِ فَهُوَ تَوْلِيَةُ الْخَصْمَيْنِ حَاكِمًا يَحْكُمُ بَيْنَهُمَا وَرُكْنُهُ اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَيْهِ مَعَ قَبُولِ الْآخَرِ فَلَوْ حَكَّمَا رَجُلًا فَلَمْ يَقْبَلْ لَا يَجُوزُ حُكْمُهُ إلَّا بِتَجْدِيدِ التَّحْكِيمِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ. [شَرْطُ التَّحْكِيم] وَشَرْطُهُ مِنْ جِهَةِ الْمُحَكِّمِ بِالْكَسْرِ الْعَقْلُ لَا الْحُرِّيَّةُ فَتَحْكِيمُ الْمُكَاتَبِ وَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ صَحِيحٌ وَلَا يُشْتَرَطُ الْإِسْلَامُ فِيهِ فَتَحْكِيمُ الذِّمِّيِّ ذِمِّيًّا صَحِيحٌ وَتَحْكِيمُ الْمُرْتَدِّ مَوْقُوفٌ عِنْدَهُ فَإِنْ حَكَمَ ثُمَّ قُتِلَ الْمُرْتَدُّ أَوْ لَحِقَ بَطَلَ الْحُكْمُ وَإِنْ أَسْلَمَ نَفَذَ وَعِنْدَهُمَا جَائِزٌ بِكُلِّ حَالٍ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَمِنْ جِهَةِ الْمُحَكَّمِ بِالْفَتْحِ صَلَاحِيَّتُهُ لِلْقَضَاءِ بِكَوْنِهِ أَهْلًا لِلشَّهَادَةِ فَلَوْ حَكَّمَ عَبْدًا أَوْ صَبِيًّا أَوْ ذِمِّيًّا أَوْ مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ لَمْ يَصِحَّ وَتُشْتَرَطُ الْأَهْلِيَّةُ وَقْتَهُ وَوَقْتَ الْحُكْمِ جَمِيعًا فَلَوْ حَكَّمَا عَبْدًا فَعَتَقَ أَوْ صَبِيًّا فَبَلَغَ أَوْ ذِمِّيًّا فَأَسْلَمَ ثُمَّ حَكَمَ لَمْ يَنْفُذْ كَمَا فِي الْمُقَلِّدِ وَلَوْ حَكَّمَا حُرًّا أَوْ عَبْدًا فَحَكَمَ الْحُرُّ وَحْدَهُ لَمْ يَجُزْ وَكَذَا إذَا حَكَّمَا كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَكَذَا لَوْ كَانَ مُسْلِمًا وَقْتَ التَّحْكِيمِ ثُمَّ ارْتَدَّ لَمْ يَنْفُذْ وَلَوْ حَكَمَ ذِمِّيٌّ بَيْنَ مُسْلِمَيْنِ فَأَجَازَا لَمْ يَجُزْ كَحُكْمِهِ   [منحة الخالق] [بَابُ التَّحْكِيمِ] ِ (قَوْلُهُ كَمَا فِي الْمُقَلَّدِ) بِفَتْحِ اللَّامِ مُشَدَّدَةً أَيْ مَنْ قَلَّدَهُ السُّلْطَانُ الْقَضَاءَ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 24 ابْتِدَاءً كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ كَافِرًا فِي حَقِّ كَافِرٍ فَلَوْ أَسْلَمَ أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ قَبْلَ الْحُكْمِ لَمْ يَنْفُذْ حُكْمُ الْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ وَيَنْفُذُ لِلْمُسْلِمِ عَلَى الذِّمِّيِّ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ أَيْضًا كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَلِهَذَا قَالُوا لَوْ صَلَحَ الْمُحَكَّمُ قَاضِيًا وَلَمْ يَقُولُوا لَوْ صَلَحَ شَاهِدًا؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَ لَا يُشْتَرَطُ صَلَاحِيَّتُهُ وَقْتَ التَّحَمُّلِ وَإِنَّمَا تُشْتَرَطُ وَقْتَ الْأَدَاءِ فَقَطْ، وَأَمَّا الْقَاضِي وَالْمُحَكَّمُ فَتُشْتَرَطُ وَقْتَ التَّقْلِيدِ وَالْقَضَاءِ كَمَا عَلِمْته وَزَادَ الْحُكْمُ اشْتِرَاطَهَا فِيمَا بَيْنَهُمَا كَمَا سَيَأْتِي فِي الْمَسَائِلِ الْمُخَالِفَةِ وَمِنْ جِهَةِ الْمَحْكُومِ بِهِ أَنْ لَا يَكُونَ فِي حَدٍّ وَقَوَدٍ. وَصِفَتُهُ قَبْلَ الْحُكْمِ الْجَوَازُ وَبَعْدَهُ اللُّزُومُ وَجَوَازُهُ بِالْكِتَابِ {فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} [النساء: 35] وَفِيهِ نَظَرٌ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ غَيْرِ بَيَانِهِ وَوَجْهُهُ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْمُحَكِّمَيْنِ لَمْ يَتَرَاضَيَا عَلَيْهِ خُصُوصًا أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ فَابْعَثُوا عَائِدٌ إلَى الْحُكَّامِ الْعَائِدِ إلَيْهِمْ ضَمِيرُ فَإِنْ خِفْتُمْ وَلِأَنَّ الْحَكَمَ عِنْدَنَا إنَّمَا يَصْلُحُ فَقَطْ وَلَيْسَ لَهُ إيقَاعُ الطَّلَاقِ فَهُوَ وَكِيلٌ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ. وَبِالسُّنَّةِ كَمَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ «قَالَ أَبُو شُرَيْحٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ قَوْمِي إذَا اخْتَلَفُوا فِي شَيْءٍ فَأَتَوْنِي فَحَكَمْت بَيْنَهُمْ فَرَضِيَ عَنِّي الْفَرِيقَانِ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَا أَحْسَنَ هَذَا» وَأُجْمِعَ عَلَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَمِلَ بِحُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ لَمَّا اتَّفَقَتْ الْيَهُودُ عَلَى الرِّضَا بِحُكْمِهِ فِيهِمْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَوَى أَنَّهُ كَانَ بَيْنَ عُمَرَ وَأُبَيُّ بْنِ كَعْبٍ مُنَازَعَةٌ فِي نَخْلٍ فَحَكَّمَا بَيْنَهُمَا زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فَأَتَيَاهُ فَخَرَجَ زَيْدٌ فَقَالَ لِعُمَرَ هَلَّا بَعَثْت إلَيَّ فَأَتَيْتُك يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ عُمَرُ فِي بَيْتِهِ يُؤْتَى الْحَكَمُ قَدْ خَلَا بَيْتُهُ فَأَلْقَى لِعُمَرَ وِسَادَةً فَقَالَ عُمَرُ هَذَا أَوَّلُ جَوْرِك وَكَانَتْ الْيَمِينُ عَلَى عُمَرَ فَقَالَ زَيْدٌ لِأُبَيٍّ لَوْ أَعْفَيْت أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ عُمَرُ يَمِينٌ لَزِمَتْنِي فَقَالَ أُبَيٌّ نُعْفِي أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَنُصَدِّقُهُ وَلْيُعْلَمْ أَنَّهُ لَا يُظَنُّ بِأَحَدٍ مِنْهُمَا فِي هَذِهِ الْخُصُومَةِ التَّلْبِيسُ وَإِنَّمَا هِيَ لِاشْتِبَاهِ الْحَادِثَةِ عَلَيْهِمَا فَتَقَدَّمَا إلَى الْحُكْمِ لِلتَّبْيِينِ لَا لِلتَّلْبِيسِ وَفِيهِ جَوَازُ التَّحْكِيمِ وَإِنَّ زَيْدًا كَانَ مَعْرُوفًا بِالْفِقْهِ وَظَاهِرُ مَا ذَكَرَهُ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ أَنَّ الْحُكْمَ مِنْ الْإِمَامِ بِمَنْزِلَةِ الْقَاضِي الْمُوَلَّى اهـ. فَعَلَى هَذَا إذَا رَفَعَ حُكْمَهُ إلَى قَاضٍ لَا يَرَاهُ أَمْضَاهُ فَلْيَحْفَظْ وَفِي الْمُحِيطِ الْإِمَامُ الَّذِي اسْتَعْمَلَ الْقَاضِي أَمَرَ رَجُلًا مِمَّنْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ جَازَ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْقَاضِي الْمُوَلَّى وَلَوْ أَمَرَ الْقَاضِي رَجُلًا أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ لَمْ يَجُزْ إذَا لَمْ يَكُنْ مَأْذُونًا بِالِاسْتِخْلَافِ إلَّا أَنْ يُجِيزَهُ الْقَاضِي بَعْدَ الْحُكْمِ أَوْ يَتَرَاضَى عَلَيْهِ الْخَصْمَانِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَرُوِيَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - كَانَ يَخْتَلِفُ إلَيْهِ وَيَأْخُذُ بِرِكَابِهِ عِنْدَ رُكُوبِهِ وَقَالَ هَكَذَا أُمِرْنَا أَنْ نَصْنَعَ بِفُقَهَائِنَا فَقَبَّلَ زَيْدٌ يَدَهُ وَقَالَ هَكَذَا أُمِرْنَا أَنْ نَصْنَعَ بِأَشْرَافِنَا وَفِيهِ أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَكُونُ قَاضِيًا فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنَّ مَنْ احْتَاجَ إلَى الْعِلْمِ يَأْتِي إلَى الْعَالِمِ فِي بَيْتِهِ وَلَا يَبْعَثُ إلَيْهِ لِيَأْتِيَهُ وَإِنْ كَانَ أَوْجَهَ النَّاسِ. وَأَمَّا إلْقَاءُ زَيْدٍ الْوِسَادَةَ فَاجْتِهَادٌ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا أَتَاكُمْ كَرِيمُ قَوْمٍ فَأَكْرِمُوهُ» «وَبَسَطَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رِدَاءَهُ لِعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ» وَأَنَّ الْخَلِيفَةَ لَيْسَ كَغَيْرِهِ وَاجْتِهَادُ عُمَرَ عَلَى تَخْصِيصِ هَذِهِ الْحَالَةِ مِنْ عُمُومِ الْأَوَّلِ وَأَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالْحَلِفِ صَادِقًا وَامْتِنَاعُ عُثْمَانَ حِينَ لَزِمَتْهُ كَانَ لِأَمْرٍ آخَرَ وَأَنَّ الْيَمِينَ حَقُّ الْمُدَّعِي عَلَى الْمُدَّعَى لَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَهَا وَتَسْقُطُ بِإِسْقَاطِهِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ تَبَعًا لِمَا فِي النِّهَايَةِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَبَعْضُ عُلَمَائِنَا كَانُوا يَقُولُونَ أَكْثَرُ قُضَاةِ عَهْدِنَا فِي بِلَادِنَا أَكْثَرُهُمْ مُصَالِحُونَ؛ لِأَنَّهُمْ تَقَلَّدُوا الْقَضَاءَ بِالرِّشْوَةِ وَيَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَ حَكَمًا بِتَرَافُعِ الْقَضِيَّةِ إلَيْهِمْ وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الرَّفْعَ لَيْسَ عَلَى وَجْهِ التَّحْكِيمِ بَلْ عَلَى اعْتِقَادِ أَنَّهُ قَاضٍ مَاضِي الْحُكْمِ وَرَفْعُ الدَّعْوَى عَلَيْهِ قَدْ يَكُونُ بِالْإِشْخَاصِ وَالْجَبْرِ فَلَا يَكُونُ حَكَمًا أَلَا تَرَى أَنَّ الْبَيْعَ يَنْعَقِدُ بِالتَّعَاطِي ابْتِدَاءً لَكِنْ إذَا تَقَدَّمَ بَيْعٌ بَاطِلٌ أَوْ فَاسِدٌ وَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ التَّعَاطِي لَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ لِكَوْنِهِ عَلَى سَبَبٍ آخَرَ كَذَا هُنَا وَلِهَذَا قَالَ السَّلَفُ الْقَاضِي النَّافِذُ حُكْمُهُ أَعَزُّ مِنْ الْكِبْرِيتِ الْأَحْمَرِ اهـ. وَذَكَرَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ فِي الطَّبَقَاتِ أَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ الدَّامَغَانِيَّ تِلْمِيذُ الطَّحَاوِيِّ وَالْكَرْخِيِّ لَمَّا تَوَلَّى الْقَضَاءَ بِوَاسِطٍ كَانَ يَقُولُ لِلْخَصْمَيْنِ أَنْظُرُ بَيْنَكُمَا فَإِنْ قَالَا نَعَمْ نَظَرَ وَتَارَةً يَقُولُ أَحْكُمُ بَيْنَكُمَا اهـ. (قَوْلُهُ حَكَّمَا رَجُلًا لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمَا فَحَكَمَ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ أَوْ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ كَانَ يَخْتَلِفُ إلَيْهِ) أَيْ إلَى زَيْدٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَرَأَيْت بِخَطِّ شَيْخِ مَشَايِخِنَا مُنْلَا عَلِيٌّ التُّرْكُمَانِيُّ أَمِينُ الْفَتْوَى بِدِمَشْقَ عَلَى هَامِشِ نُسْخَتِهِ الْبَحْرِ الَّتِي بِخَطِّهِ أَنْشَدَنِي أَخُونَا الْفَاضِلُ الْمُحَدِّثُ الشَّيْخُ عَبْدُ الْكَرِيمِ الشَّرَابَاتِيُّ قَالَ أَنْشَدَنِي الشَّيْخُ عَلِيٌّ الدَّبَّاغُ الْحَلَبِيُّ بِأُمَوِيِّ حَلَبَ خِدْمَةُ أَهْلِ الْعِلْمِ مَسْنُونَةٌ ... قَدْ سَنَّهَا آلُ النَّبِيِّ النِّجَابُ هَذَا ابْنُ عَبَّاسٍ عَلَى فَضْلِهِ ... أَمْسَكَ مِنْ بَغْلَةِ زَيْدٍ الرِّكَابَ (قَوْلُهُ وَاجْتِهَادُ عُمَرَ) أَيْ حَيْثُ جَعَلَ إلْقَاءَهُ الْوِسَادَةَ جَوْرًا وَالْمُرَادُ بِالْحَالَةِ حَالَةُ الْحُكُومَةِ وَالْمُرَادُ بِالْأَوَّلِ الْحَدِيثُ السَّابِقُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 25 نُكُولٍ فِي غَيْرِ حَدٍّ وَقَوَدٍ وَدِيَةٍ عَلَى الْعَاقِلَةِ صَحَّ لَوْ صَلَحَ الْمُحَكَّمُ قَاضِيًا) لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الدَّلَائِلِ وَشُرِطَ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ بِحُجَّةٍ مِنْ الثَّلَاثِ لِيُوَافِقَ حُكْمَ الشَّرْعِ وَإِلَّا يَقَعُ بَاطِلًا وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِعِلْمِهِ وَلَمْ أَرَهُ صَرِيحًا وَلَمْ يَصِحَّ حُكْمُهُ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ؛ لِأَنَّ تَحْكِيمَهُمَا بِمَنْزِلَةِ صُلْحِهِمَا وَلَا يَمْلِكَانِ دَمَهُمَا وَلِذَا لَا يُبَاحُ بِالْإِبَاحَةِ وَكَذَا إلَّا وِلَايَةً لَهُمَا عَلَى الْعَاقِلَةِ فَلَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ عَلَيْهَا وَلَا عَلَى الْقَاتِلِ بِالدِّيَةِ وَحْدَهُ لِمُخَالَفَةِ النَّصَّ فَكَانَ بَاطِلًا وَلَمْ أَرَ حُكْمَ التَّحْكِيمِ فِي اللِّعَانِ مَعَ أَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْحَدِّ وَلِهَذَا قَالُوا لَا تُقْبَلُ فِيهِ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ وَلَا كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي وَلَا التَّوْكِيلُ. وَقَيَّدَ بِكَوْنِهَا عَلَى الْعَاقِلَةِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ عَلَى الْقَاتِلِ بِأَنْ ثَبَتَ الْقَتْلُ بِإِقْرَارِهِ أَوْ ثَبَتَتْ جِرَاحَةٌ بِبَيِّنَةٍ وَأَرْشُهَا أَقَلُّ مِمَّا تَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ خَطَأً كَانَتْ الْجِرَاحَةُ أَوْ عَمْدًا أَوْ كَانَتْ قَدْرَ مَا تَتَحَمَّلُهُ وَلَكِنْ الْجِرَاحَةُ كَانَتْ عَمْدًا لَا تُوجِبُ الْقِصَاصَ نَفَذَ حُكْمُهُ وَمَا فِي الْكِتَابِ مِنْ مَنْعِهِ فِي الْقِصَاصِ هُوَ قَوْلُ الْخَصَّافِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَمَا فِي الْمُحِيطِ مِنْ جَوَازِهِ فِيهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ ضَعِيفٌ رِوَايَةً وَدِرَايَةً الْقِصَاصُ لَمْ يَتَمَحَّضْ حَقَّ الْعَبْدِ بَلْ هُوَ مِنْ قَبِيلِ مَا اجْتَمَعَ فِيهِ الْحَقَّانِ وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ حَقَّ الْعَبْدِ بِدَلِيلِ مَنْعِ شَهَادَةِ النِّسَاءِ فِيهِ وَكِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي وَقَدْ كَتَبْنَا فِي الْفَوَائِدِ أَنَّهُ كَالْحُدُودِ إلَّا فِي مَسَائِلَ مِنْهَا أَنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ بِهِ بِعِلْمِهِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ لَوْ صَلَحَ قَاضِيًا جَوَازَ تَحْكِيمِ الْمَرْأَةِ وَالْفَاسِقِ لِصَلَاحِيَّتِهِمَا لِلْقَضَاءِ وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يُحَكِّمَا فَاسِقًا وَلَوْ حَكَّمَا رَجُلَيْنِ فَحَكَمَ أَحَدُهُمَا لَمْ يَجُزْ وَلَا بُدَّ مِنْ اتِّفَاقِهِمَا عَلَى الْمَحْكُومِ بِهِ فَلَوْ اخْتَلَفَا لَمْ يَجُزْ كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ. وَفِي أَدَبِ الْقَضَاءِ لِلْخَصَّافِ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْت عَلَيَّ حَرَامٌ وَنَوَى الطَّلَاقَ دُونَ الثَّلَاثِ فَحَكَّمَا رَجُلَيْنِ فَحَكَمَ أَحَدُهُمَا بِأَنَّهَا بَائِنٌ وَحَكَمَ الْآخَرُ بِأَنَّهَا بَائِنٌ بِالثَّلَاثِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَجْتَمِعَا عَلَى أَمْرٍ وَاحِدٍ اهـ. فَقَوْلُهُ رَجُلًا مِثَالٌ وَالْمُرَادُ إنْسَانًا مَعْلُومًا فَلَوْ حَكَّمَا أَوَّلَ مَنْ يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ لَمْ يَجُزْ إجْمَاعًا لِجَهَالَةِ الصُّلْحِ عَلَيْهِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَأَشَارَ بِصَلَاحِيَّتِهِ لِلْقَضَاءِ أَنَّ أَحَدَهُمَا لَوْ وَكَّلَ الْحُكْمَ فِي الْخُصُومَةِ وَقَبِلَ خَرَجَ عَنْ الْحُكُومَةِ لِتَعَيُّنِهِ خَصْمًا فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ فَخَرَجَ عَنْ الشَّهَادَةِ فِيهَا وَلَوْ وَكَّلَ أَحَدُهُمَا ابْنَ الْحَكَمِ أَوْ مَنْ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ لَهُ لَمْ يَجُزْ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَقَدَّمْنَا شَرَائِطَهُ وَكَذَا مَا اخْتَارَهُ السَّرَخْسِيُّ مِنْ جَوَازِهِ فِي حَدِّ الْقَذْفِ ضَعِيفٌ بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْأَصَحِّ وَالْحُكْمُ قَالَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي الْحُدُودِ كُلِّهَا وَشَمِلَ قَوْلُهُ فِي غَيْرِ حَدٍّ إلَخْ سَائِرَ الْمُجْتَهَدَاتِ مِنْ النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالْيَمِينِ الْمُضَافَةِ كَمَا سَيَأْتِي. (قَوْلُهُ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْحَكَمَيْنِ أَنْ يَرْجِعَ قَبْلَ حُكْمِهِ) ؛ لِأَنَّهُ تَقَلَّدَ مِنْ جِهَتِهِمَا فَكَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا عَزْلُهُ وَهُوَ مِنْ الْأُمُورِ الْجَائِزَةِ فَيَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِنَقْضِهِ كَالْمُضَارَبَةِ وَالشَّرِكَةِ وَالْوَكَالَةِ (قَوْلُهُ فَإِنْ حَكَمَ لَزِمَهُمَا) لِصُدُورِهِ عَنْ وِلَايَةٍ شَرْعِيَّةٍ فَلَا يَبْطُلُ حُكْمُهُ بِعَزْلِهِمَا وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ لَزِمَهُمَا إلَى أَنَّهُ لَا يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهِمَا فَلَوْ حَكَّمَاهُ فِي عَيْبِ مَبِيعٍ فَقَضَى بِرَدِّهِ لَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى بَائِعِهِ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي وَالْمُشْتَرِي عَلَى تَحْكِيمِهِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ حُكْمُ الْمُحَكَّمِ فِي فَسْخِ الْيَمِينِ الْمُضَافَةِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَنْفُذُ؛ لِأَنَّهُ فِيمَا بَيْنَهُمَا بِمَنْزِلَةِ الْقَاضِي الْمُوَلَّى وَإِنْ كَانَا يَفْتَرِقَانِ فِي شَيْءٍ آخَرَ لَكِنْ هَذَا شَيْءٌ يُعْلَمُ وَلَا يُفْتَى بِهِ اهـ. وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ إلَّا أَنَّ أَصْحَابَنَا امْتَنَعُوا مِنْ هَذِهِ الْفَتْوَى وَقَالُوا لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ حُكْمِ الْمَوْلَى كَالْحُدُودِ كَيْ لَا يَتَجَاسَرَ الْعَوَامُّ. اهـ. وَاعْلَمْ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِمْ لَا يُفْتَى بِهِ لَا يُكْتَبُ عَلَى الْفَتْوَى وَلَا يُجَابُ بِاللِّسَانِ بِالْحِلِّ وَإِنَّمَا يَسْكُتُ الْمُفْتِي كَمَا أَفَادَهُ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى بِقَوْلِهِ نَكْتُمُ هَذَا الْفَصْلَ وَلَا نُفْتِي بِهِ وَظَاهِرُ الْهِدَايَةِ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ الْمُفْتِيَ يُجِيبُ بِقَوْلِهِ لَا يَحِلُّ فَلْيُتَأَمَّلْ فِيهِ وَفِي الْقُنْيَةِ لَيْسَ لِلْمُحَكَّمِ أَنْ يَحْكُمَ بِشَيْءٍ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الصَّغِيرِ يَعْنِي إذَا ادَّعَى عَلَى وَصِيِّهِ ثُمَّ رَقَمَ لِآخَرَ أَنَّهُ لَا يَحْكُمُ. وَقَالَ حِمْيَرُ الْوَبَرِيُّ إنْ كَانَ فِي حُكْمِ الْمُحَكَّمِ نَظَرٌ لِلصَّبِيِّ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ وَيَنْفُذَ حُكْمُهُ وَيَكُونَ بِمَنْزِلَةِ صُلْحِ الْوَصِيِّ وَلَا يَجُوزُ اسْتِخْلَافُ الْمُحَكَّمِ غُرَمَاءَ الصَّبِيِّ مَسَّ صَهَرْته بِشَهْوَةٍ فَانْتَشَرَ لَهَا فَحَكَّمَ الزَّوْجَانِ رَجُلًا لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمَا بِالْحِلِّ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ يَصِيرُ حَكَمًا بَيْنَهُمَا لَكِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ حُكْمَ الْحَكَمِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ لَا يَنْفُذُ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ لَمْ أَرَ حُكْمَ التَّحْكِيمِ فِي اللِّعَانِ) قَالَ أَبُو السُّعُودِ نَقَلَ الْحَمَوِيُّ عَنْ الْبُرْجَنْدِيِّ أَنَّ الْمُحَكَّمَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُلَاعِنَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ (قَوْلُهُ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الجزء: 7 ¦ الصفحة: 26 نَفَاذُ قَضَائِهِ صَحِيحٌ لَكِنْ حُكْمُ الْمُحَكَّمِ فِي أَمْثَالِ هَذَا كَالْحُكْمِ فِي الطَّلَاقِ الْمُضَافِ مُخْتَلَفٌ نَفَاذُ قَضَائِهِ وَإِنْ كَانَ الْأَصَحُّ هُوَ النَّفَاذَ إذَا حَكَّمَاهُ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمَا بِمَا يَرَى وَإِذَا كَانَ التَّحْكِيمُ لِيَحْكُمَ عَلَى خِلَافِ مَا يَرَاهُ الْمُحَكَّمُ كَانَ الصَّحِيحُ عَدَمَ نَفَاذِ قَضَائِهِ، تَزَوَّجَ بِامْرَأَةٍ زَنَى بِهَا ابْنُهُ ثُمَّ ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ عَلَيْهِ نَفَقَةً وَسُكْنَى فَحَكَمَ بِالْحِلِّ بَيْنَهُمَا حَاكِمٌ أَوْ حَكَمَ تَحِلُّ وَلَكِنْ لَا يُكْتَبُ أَيْ لَا يُفْتَى بِهِ اهـ. وَالْفَرْعُ الْأَخِيرُ ضَعِيفٌ وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ مِنْ الْمَوَاضِعِ الَّتِي لَا يَنْفُذُ فِيهَا قَضَاءُ الْقَاضِي فَعَلَى هَذَا الْمُحَكَّمِ يَسْتَحْلِفُ إلَّا فِي مَسْأَلَةِ مَا إذَا كَانَ الْمُحَكَّمُ وَصِيًّا وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ غَرِيمَ الْمَيِّتِ (قَوْلُهُ وَأَمْضَى الْقَاضِي حُكْمَهُ إنْ وَافَقَ مَذْهَبَهُ) يَعْنِي إذَا رَفَعَا حُكْمَهُ إلَى الْقَاضِي وَتَدَاعَيَا عِنْدَهُ عَمِلَ الْقَاضِي بِمُوجِبِهِ إنْ وَافَقَ مَذْهَبَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي نَقْضِهِ ثُمَّ إبْرَامِهِ وَفَائِدَةُ هَذَا الْإِمْضَاءِ أَنْ لَا يَكُونَ لِقَاضٍ آخَرَ يَرَى خِلَافَهُ نَقْضُهُ إذَا رُفِعَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ إمْضَاءَهُ بِمَنْزِلَةِ قَضَائِهِ ابْتِدَاءً وَاسْتُفِيدَ مِنْ كَلَامِهِمْ هُنَا وَفِي مَوَاضِعَ أَنَّ التَّنَافِيذَ الْوَاقِعَةَ فِي زَمَانِنَا لَا اعْتِبَارَ بِهَا إذَا كَانَتْ بِغَيْرِ دَعْوَى صَحِيحَةٍ مِنْ خَصْمٍ عَلَى خَصْمٍ حَاضِرٍ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ الْمُحَكَّمُ إذَا حَلَفَ لَا يَمْلِكُ الْمُدَّعِي أَنْ يَحْلِفَ ثَانِيًا عِنْدَ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى حَقَّهُ عَلَى التَّمَامِ اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ حَكَّمَ رَجُلًا فَأَجَازَ الْقَاضِي حُكُومَتَهُ قَبْلَ أَنْ يَحْكُمَ ثُمَّ حَكَمَ بِخِلَافِ رَأْيِ الْقَاضِي لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ أَجَازَ الْمَعْدُومَ وَإِجَازَةُ الشَّيْءِ قَبْلَ وُجُودِهِ بَاطِلٌ فَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يُجِزْ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِلَّا أَبْطَلَهُ) أَيْ إنْ لَمْ يُوَافِقْ مَذْهَبَهُ لَمْ يُمْضِهِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِإِبْطَالِهِ؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ لَمْ يَصْدُرْ عَنْ وِلَايَةٍ عَامَّةٍ فَلَمْ يَلْزَمْ الْقَاضِي إذَا خَالَفَ رَأْيَهُ فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يَجِبُ إبْطَالُهُ أَيْ عَدَمُ الْعَمَلِ بِمُقْتَضَاهُ وَاعْلَمْ أَنَّ حُكْمَهُ لَوْ رُفِعَ إلَى حَكَمٍ آخَرَ حَكَّمَاهُ بَعْدَ حُكْمِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ الثَّانِيَ كَالْقَاضِي يُمْضِيهِ إنْ كَانَ يُوَافِقُ رَأْيَهُ وَإِلَّا أَبْطَلَهُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَفِيهِ لَوْ رَجَعَ الْمُحَكَّمُ عَنْ حُكْمِهِ فَقَضَى لِلْآخَرِ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهَا تَمَّتْ الْحُكُومَةُ بِالْقَضَاءِ الْأَوَّلِ وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُمْ هُنَا إنَّ حُكْمَ الْحَكَمِ لَا يَتَعَدَّى إلَى الْعَاقِلَةِ بِخِلَافِ حُكْمِ الْقَاضِي يُفِيدُ أَنَّ دَعْوَى الْقَتْلِ خَطَأً عَلَى الْقَاتِلِ وَإِثْبَاتَهُ بِغَيْبَةِ الْعَاقِلَةِ صَحِيحٌ وَهُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الْخِزَانَةِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ حُكْمَ الْمُحَكَّمِ يُخَالِفُ حُكْمَ الْقَاضِي فِي مَسَائِلَ: الْأُولَى هَذِهِ. الثَّانِيَةُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَرَاضِيهِمَا عَلَى كَوْنِهِ حَكَمًا بَيْنَهُمَا بِخِلَافِ الْقَاضِي. الثَّالِثَةُ لَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ وَإِضَافَتُهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بِخِلَافِ الْقَضَاءِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَفِي الْمُحِيطِ بَعْدَهُ وَلَوْ حَكَّمَاهُ عَلَى أَنْ يَسْتَفْتِيَ فُلَانًا ثُمَّ يَقْضِيَ بَيْنَهُمَا بِمَا قَالَ جَازَ كَالْقَضَاءِ وَلَوْ حَكَّمَاهُ عَلَى أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمَا فِي يَوْمِهِ أَوْ فِي مَجْلِسِهِ تَوَقَّتَ بِهِ. الرَّابِعَةُ لَا يَجُوزُ التَّحْكِيمُ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصُ وَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ بِخِلَافِ الْقَضَاءِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. الْخَامِسَةُ لَا يُفْتَى بِجَوَازِهِ فِي فَسْخِ الْيَمِينِ الْمُضَافَةِ بِخِلَافِ الْقَضَاءِ بِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. السَّادِسَةُ أَنَّ حُكْمَهُ لَا يَتَعَدَّى إلَى الْغَائِبِ لَوْ كَانَ مَا يَدَّعِي عَلَيْهِ سَبَبًا لِمَا يَدَّعِي عَلَى الْحَاضِرِ وَكَذَا قَالَ فِي التَّلْخِيصِ وَشَرْحِهِ لَا يَتَعَدَّى حُكْمُهُ بِعِتْقِ الشُّهُودِ مِنْ التَّعْدِيلِ إلَى الْمَوْلَى الْمَالِكِ وَصُورَتُهُ رَجُلَانِ شَهِدَا عِنْدَ مُحَكَّمٍ عَلَى حَقٍّ مِنْ الْحُقُوقِ فَقَالَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ هُمَا عَبْدَانِ فَقَالَا كُنَّا عَبْدَيْنِ لِفُلَانٍ الْغَائِبِ إلَّا أَنَّهُ أَعْتَقَنَا وَبَرْهَنَا عَلَى ذَلِكَ فَحَكَمَ بِشَهَادَتِهِمَا لِثُبُوتِ عَدَالَتِهِمَا عِنْدَهُ جَازَ وَلَا يَتَعَدَّى حُكْمُهُ بِالْعِتْقِ مِنْ التَّعْدِيلِ الثَّابِتِ عِنْدَهُ إلَى حَقِّ الْمَوْلَى الْغَائِبِ لَوْ حَضَرَ وَأَنْكَرَ الْإِعْتَاقَ لِعَدَمِ رِضَاهُ بِالتَّحْكِيمِ اهـ. وَقَالَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَنَازَعَهُ فِي ذَلِكَ فَادَّعَى أَنَّ فُلَانًا الْغَائِبَ ضَمِنَهَا لَهُ عَنْ هَذَا الرَّجُلِ فَحَكَّمَا بَيْنَهُمَا رَجُلًا وَالْكَفِيلُ غَائِبٌ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي شَاهِدَيْنِ عَلَى الْمَالِ وَعَلَى الْكَفَالَةِ بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَحَكَمَ الْمُحَكَّمُ بِالْمَالِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَبِالْكَفَالَةِ عَنْهُ فَحُكْمُهُ جَائِزٌ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ دُونَ الْكَفَالَةِ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ رَضِيَ بِحُكْمِهِ وَالْكَفِيلُ لَمْ يَرْضَ فَصَحَّ التَّحْكِيمُ فِي حَقِّهِمَا دُونَ الْكَفِيلِ، وَكَذَلِكَ إنْ حَضَرَ الْكَفِيلُ وَالْمَكْفُولُ عَنْهُ غَائِبٌ فَتَرَاضَيَا الطَّالِبُ وَالْكَفِيلُ عَلَى رَجُلٍ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمَا فَأَقَامَ الطَّالِبُ شَاهِدَيْنِ بِالْمَالِ عَلَى الْمَطْلُوبِ وَعَلَى كَفَالَةِ الْكَفِيلِ لَهُ بِذَلِكَ بِأَمْرِ الْمَطْلُوبِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَحَكَمَ الْمُحَكَّمُ بِذَلِكَ كَانَ حُكْمُهُ جَائِزًا عَلَى الْكَفِيلِ دُونَ الْمَكْفُولِ عَنْهُ اهـ. السَّابِعَةُ كِتَابُ الْمُحَكَّمِ إلَى الْقَاضِي لَا يَجُوزُ كَمَا لَا يَجُوزُ كِتَابُ الْقَاضِي إلَيْهِ. الثَّامِنَةُ لَا يَحْكُمُ الْمُحَكَّمُ بِكِتَابِ قَاضٍ   [منحة الخالق] نَفَاذُ قَضَائِهِ صَحِيحٌ) الَّذِي فِي الْقُنْيَةِ قَالَ أُسْتَاذُنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَوْلُهُ بِعَدَمِ نَفَاذِ قَضَائِهِ صَحِيحٌ إلَخْ. (قَوْلُهُ الْخَامِسَةُ لَا يُفْتَى بِجَوَازِهِ فِي فَسْخِ الْيَمِينِ الْمُضَافَةِ) يَعْنِي لَا يُفْتَى الْمُفْتِي بِهِ إذَا سُئِلَ عَنْهُ أَمَّا حُكْمُ الْمُحَكَّمِ بِهِ فَنَافِذٌ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا مَرَّ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ وَصَرَّحَ بِهِ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ وَزَادَ أَنَّهُ الظَّاهِرُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 27 إلَّا إذَا رَضِيَ الْخَصْمَانِ كَذَا فِي الْبِنَايَةِ وَفَتْحِ الْقَدِيرِ. التَّاسِعَةُ الْمُحَكَّمُ إذَا ارْتَدَّ انْعَزَلَ فَإِذَا أَسْلَمَ فَلَا بُدَّ مِنْ تَحْكِيمٍ جَدِيدٍ بِخِلَافِ الْقَاضِي كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ. الْعَاشِرَةُ لَوْ رَدَّ الْمُحَكَّمُ الشَّهَادَةَ بِتُهْمَةٍ ثُمَّ اخْتَصَمَا إلَى آخَرَ أَوْ قَاضٍ فَزُكِّيَتْ الْبَيِّنَةُ يَقْضِي؛ لِأَنَّ الْمُحَكَّمَ لَمْ يَكُنْ قَاضِيًا فِي حَقِّ غَيْرِ الْخَصْمَيْنِ وَلَمْ يَتَّصِلْ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ رَدُّ قَاضٍ مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ إنَّمَا اتَّصَلَ بِهَا رَدُّ وَاحِدٍ مِنْ الرَّعَايَا فَكَانَ لِلْقَاضِي إبْطَالُ هَذَا الرَّدِّ بِخِلَافِ مَا لَوْ رَدَّ قَاضٍ شَهَادَتَهُ لِلتُّهْمَةِ لَا يَقْبَلُهَا قَاضٍ آخَرُ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالرَّدِّ نَفَذَ عَلَى الْكِفَايَةِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ. الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ مَا فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ أَنَّهُ لَا يَتَعَدَّى حُكْمُهُ مِنْ وَارِثٍ إلَى الْبَاقِي وَالْمَيِّتِ حَتَّى لَوْ ادَّعَى عِنْدَ الْمُحَكَّمِ رَجُلٌ عَلَى وَارِثٍ بِدَيْنٍ عَلَى الْمَيِّتِ وَأَقَامَ بَيِّنَةً فَحَكَمَ لَهُ بِمَا ادَّعَاهُ عَلَى ذَلِكَ الْوَارِثِ لَمْ يَكُنْ حُكْمًا عَلَى بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ وَلَا عَلَى الْمَيِّتِ لِعَدَمِ رِضَاهُمْ بِتَحْكِيمِهِ بِخِلَافِ حُكْمِ الْقَاضِي. الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ لَا يَتَعَدَّى حُكْمُهُ بِالْعَيْبِ مِنْ الْمُشْتَرِي عَلَى بَائِعِهِ إلَّا بِرِضَا بَائِعٍ كَمَا فِي الْمُحِيطِ. الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ لَا يَتَعَدَّى حُكْمُهُ عَلَى وَكِيلٍ بِعَيْبِ الْمَبِيعِ إلَى مُوَكِّلِهِ وَهُمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ لَا يَصِحُّ حُكْمُهُ عَلَى وَصِيٍّ صَغِيرٍ بِمَا فِيهِ ضَرَرٌ عَلَيْهِ لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَإِذَا حَكَمَ الْوَصِيُّ عَلَى الصَّغِيرِ وَمَنْ يَدَّعِي عَلَيْهِ الْوَصِيُّ مَالَ الصَّغِيرِ فَحَكَمَ بِمَا هُوَ ضَرَرٌ عَلَى الصَّغِيرِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ صُلْحِ الْوَصِيِّ، وَإِنْ كَانَ فِي حُكْمِهِ نَفْعٌ لِلصَّغِيرِ يَصِحُّ حُكْمُهُ. اهـ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ حُكْمَ الْمُحَكَّمِ لَا يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ مَذْكُورَةٍ فِي التَّلْخِيصِ وَشَرْحِهِ لَوْ حَكَّمَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ وَغَرِيمٌ لَهُ رَجُلًا فَحَكَمَ بَيْنَهُمَا وَأَلْزَمَ الشَّرِيكَ شَيْئًا مِنْ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ نَفَذَ حُكْمُهُ عَلَى الشَّرِيكِ وَتَعَدَّى إلَى الْغَائِبِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ بِمَنْزِلَةِ الصُّلْحِ فِي حَقِّ الشَّرِيكِ الْغَائِبِ وَالصُّلْحُ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ رَاضِيًا بِالصُّلْحِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ اهـ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُمْ قَالُوا إنَّ الْقَضَاءَ يَتَعَدَّى إلَى الْكَافَّةِ فِي أَرْبَعٍ: الْحُرِّيَّةِ وَالنَّسَبِ وَالنِّكَاحِ وَالْوَلَاءِ وَلَمْ يُصَرِّحُوا بِحُكْمِهَا مِنْ الْمُحَكَّمِ وَيَجِبُ أَنْ لَا يَتَعَدَّى فَتُسْمَعَ دَعْوَى الْمِلْكِ فِي الْمَحْكُومِ بِعِتْقِهِ مِنْ الْمُحَكَّمِ بِخِلَافِ الْقَاضِي وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَلِيَ الْمُحَكَّمُ الْحَبْسَ وَلَمْ أَرَهُ وَكَذَا لَمْ أَرَ حُكْمَ قَبُولِهِ الْهِدَايَةَ وَإِجَابَةَ الدَّعْوَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَا لَهُ لِانْتِهَاءِ التَّحْكِيمِ بِالْفَرَاغِ إلَّا أَنْ يُهْدِيَ إلَيْهِ وَقْتَهُ مِنْ أَحَدِهِمَا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ لَا يَتَقَيَّدُ بِبَلَدِ التَّحْكِيمِ وَلَهُ الْحُكْمُ فِي الْبِلَادِ كُلِّهَا كَمَا فِي الْمُحِيطِ. السَّادِسَ عَشَرَ مِمَّا خَالَفَ فِيهِ الْمُحَكَّمُ الْقَاضِيَ لَوْ اخْتَلَفَ الشَّاهِدَانِ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ وَكَّلَهُ بِخُصُوصِهِ فُلَانٍ إلَى قَاضِي الْكُوفَةِ وَالْآخَرُ إلَى قَاضِي الْبَصْرَةِ تُقْبَلُ وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِذَلِكَ إلَى الْفَقِيهِ فُلَانٍ فَشَهِدَ الْآخَرُ بِهِ إلَى الْفَقِيهِ فُلَانٍ وَآخَرَ لَمْ تُقْبَلْ كَمَا فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ لِلْخَصَّافِ مِنْ بَابِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْوَكَالَةِ وَالْفَرْقُ فِي شَرْحِهِ لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ. السَّابِعَ عَشَرَ الصَّحِيحُ أَنَّ حُكْمَهُ بِالْوَقْفِ لَا يَرْفَعُ الْخِلَافَ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَفَائِدَتُهُ أَنَّهُ لَوْ رَفَعَ إلَى مُوَافِقٍ فَإِنَّهُ يَحْكُمُ ابْتِدَاءً بِلُزُومِهِ لَا أَنَّهُ يُمْضِيهِ. (قَوْلُهُ وَبَطَلَ حُكْمُهُ لِأَبَوَيْهِ وَوَلَدِهِ وَزَوْجَتِهِ كَحُكْمِ الْقَاضِي بِخِلَافِ حُكْمِهِ عَلَيْهِمْ) كَالشَّهَادَةِ قَيَّدَ بِالْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ لِلْإِخْوَةِ وَأَوْلَادِهِمْ وَالْأَعْمَامِ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهُ لَهُمْ جَائِزَةٌ وَكَذَا لِأَبِي امْرَأَةٍ وَزَوْجِ ابْنَتِهِ إذَا كَانَ حَيًّا لَا إنْ كَانَ مَيِّتًا وَأَفَادَ بِجَوَازِ حُكْمِهِ بِالْحِجَجِ الشَّرْعِيَّةِ كَمَا سَبَقَ أَنَّهُ يَمْلِكُ الْإِخْبَارَ فَلَوْ أَخْبَرَ بِإِقْرَارِ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ أَوْ بِعَدَالَةِ الشُّهُودِ وَهُمَا عَلَى حَالِهِمَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَإِنْ أَخْبَرَ بِالْحُكْمِ لَمْ يُقْبَلْ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَفِي الْمُحِيطِ حَكَّمَا رَجُلًا مَا دَامَ فِي مَجْلِسِهِ وَقَالَا لَمْ يَحْكُمْ بَيْنَنَا وَقَالَ الْمُحَكَّمُ حَكَمَتْ فَالْمُحَكَّمُ مُصَدَّقٌ مَا دَامَ فِي مَجْلِسِهِ وَلَا يُصَدَّقُ بَعْدَهُ اعْتِبَارًا بِالْإِنْشَاءِ وَقَالَ إنَّهُ يَخْرُجُ عَنْ الْحُكُومَةِ بِأَحَدِ أَسْبَابٍ ثَلَاثَةٍ بِالْعَزْلِ أَوْ بِانْتِهَاءِ الْحُكُومَةِ نِهَايَتُهَا بِأَنْ كَانَ مُوَقَّتًا فَمَضَى الْوَقْتُ أَوْ بِخُرُوجِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ أَهْلًا لِلشَّهَادَةِ بِأَنْ عَمِيَ أَوْ ارْتَدَّ وَإِنْ لَمْ يَلْحَقْ بِدَارِ الْحَرْبِ وَلَوْ غَابَ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ وَبَرِئَ مِنْهُ أَوْ قَدِمَ مِنْ سَفَرِهِ أَوْ حُبِسَ كَانَ عَلَى حُكْمِهِ وَكَذَا لَوْ وَلِيَ الْقَضَاءَ ثُمَّ عُزِلَ عَنْهُ فَهُوَ عَلَى حُكُومَتِهِ؛ لِأَنَّ الْعَزْلَ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُمَا وَإِنَّمَا وُجِدَ مِنْ السُّلْطَانِ وَكَذَا لَوْ حَكَمَ بَيْنَهُمَا فِي بَلَدٍ آخَرَ لِإِطْلَاقِ التَّحْكِيمِ وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ حَكَّمَا رَجُلَيْنِ فَشَهِدَ عِنْدَهُمَا رَجُلَانِ فَحَكَّمَا أَوْ لَمْ يُحَكِّمَا ثُمَّ مَاتَ الشَّاهِدَانِ أَوْ غَابَا لَيْسَ لِلْمُحَكَّمَيْنِ أَنْ يَشْهَدَا عَلَى   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَلِيَ الْمُحَكَّمُ الْحَبْسَ) قَدَّمْنَا أَوَّلَ فَصْلِ الْحَبْسِ أَنَّ صَدْرَ الشَّرِيعَةِ صَرَّحَ بِأَنَّهُ يَلِيهِ وَوُجِدَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ قَبْلَ قَوْلِهِ وَلَمْ أَرَهُ مَا نَصُّهُ وَفِي صَدْرِ الشَّرِيعَةِ مِنْ بَابِ التَّحْكِيمِ قَالَ وَفَائِدَةُ إلْزَامِ الْخَصْمِ أَنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ إنْ حَكَّمَا حَكَمًا فَالْحُكْمُ يُجْبِرُ الْمُشْتَرِيَ عَلَى تَسْلِيمِ الثَّمَنِ وَالْبَائِعَ عَلَى تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ وَمَنْ امْتَنَعَ يَحْبِسُهُ اهـ. فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْحَكَمَ يَحْبِسُ اهـ. وَكَأَنَّهُ وَجَدَ بَعْدَ أَوْ الْمُرَادُ وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ السَّادِسَ عَشَرَ إلَى آخِرِ الْقَوْلَةِ) وُجِدَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ كَمَا فِي هَذِهِ النُّسْخَةِ بَعْدَ الْخَامِسَ عَشَرَ وَوُجِدَ فِي بَعْضِهَا فِي آخِرِ الْقَوْلَةِ الْآتِيَةِ وَالْأُولَى أَصْوَبُ (قَوْلُهُ وَالْفَرْقُ فِي شَرْحِهِ لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ) وَهُوَ أَنَّ الْوَكِيلَ بِالْخُصُومَةِ إلَى قَاضِي الْكُوفَةِ يَكُونُ وَكِيلًا بِهَا إلَى قَاضِي الْبَصْرَةِ وَكَذَا الْعَكْسُ؛ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ نَفْسُ الْقَضَاءِ وَلَا يَخْتَلِفُ وَالتَّقْيِيدُ إنَّمَا يُرَاعَى إذَا كَانَ مُفِيدًا وَحُكْمُ الْحَكَمِ تَوَسُّطٌ وَالْمُتَوَسِّطُونَ يَخْتَلِفُونَ فِي ذَلِكَ لِاخْتِلَافِ الذَّكَاءِ وَالذِّهْنِ فَالرِّضَا بِكَوْنِ أَحَدِهِمَا حَكَمًا لِكَوْنِهِ عَالِمًا بِحَقِيقَةِ الْحَالِ لَا يَكُونُ رِضًا بِالْآخِرِ فَقَدْ تَفَرَّدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّاهِدَيْنِ بِمَا شَهِدَ بِهِ. [حُكْمُ المحكم لِأَبَوَيْهِ وَوَلَدِهِ] (قَوْلُهُ وَكَذَا لِأَبِي امْرَأَتِهِ وَزَوْجِ ابْنَتِهِ) قَالَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ كَذَا وُجِدَ بِخَطِّ الشَّيْخِ وَلَمْ يُنْقَلْ مَا قَالَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 28 شَهَادَتِهِمَا وَإِنْ شَهِدَا وَفَسَّرَا لِلْقَاضِي لَمْ يَقْبَلْهُمَا لِعَدَمِ إشْهَادِ الْأُصُولِ عَلَى شَهَادَتِهِمْ وَهُوَ شَرْطٌ اهـ. وَفِي الْبِنَايَةِ لَوْ حَكَّمَا رَجُلًا فَأَخْرَجَهُ الْقَاضِي مِنْ الْحُكُومَةِ فَحَكَمَ بَعْدَهُ جَازَ وَلَيْسَ لِلْمُحَكَّمِ أَنْ يُفَوِّضَ التَّحْكِيمَ إلَى غَيْرِهِ وَلَوْ فَوَّضَ وَحَكَمَ الثَّانِي بِغَيْرِ رِضَاهُمَا فَأَجَازَ الْأَوَّلُ لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يُجِيزَا بَعْدَ الْحُكْمِ وَقِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ كَالْوَكِيلِ الْأَوَّلِ إذَا أَجَازَ بَيْعَ الْوَكِيلِ الثَّانِي وَلَوْ حَكَّمَا وَاحِدًا فَحَكَمَ لِأَحَدِهِمَا ثُمَّ حَكَّمَا آخَرَ يَنْفُذُ حُكْمُ الْأَوَّلِ إنْ كَانَ جَائِزًا عِنْدَهُ وَإِلَّا أَبْطَلَهُ وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُمْ هُنَا إنَّ حُكْمَ الْحَكَمِ لَا يَتَعَدَّى إلَى الْعَاقِلَةِ بِخِلَافِ حُكْمِ الْقَاضِي يُفِيدُ أَنَّ دَعْوَى الْقَتْلِ خَطَأً عَلَى الْعَاقِلَةِ وَإِثْبَاتَهُ بِغَيْبَةِ الْعَاقِلَةِ صَحِيحٌ وَهُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الْخِزَانَةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (مَسَائِلُ شَتَّى) أَيْ مُتَفَرِّقَاتٌ مِنْ كِتَابِ الْقَضَاءِ جَرْيًا عَلَى عَادَةِ الْمُؤَلِّفِينَ جَمْعُ شَتِيتٍ كَمَرْضَى جَمْعُ مَرِيضٍ مِنْ أَمْرٍ شَتٍّ أَيْ مُتَفَرِّقٍ وَشَتَّ الْأَمْرُ شَتًّا وَشَتَاتًا تَفَرَّقَ وَاشْتَتَّ مِثْلُهُ وَالشَّتِيتُ الْمُتَفَرِّقُ وَقَوْمٌ شَتَّى وَأَشْيَاءُ شَتَّى وَجَاءُوا أَشْتَاتًا أَيْ مُتَفَرِّقِينَ وَأَنْكَرَ الْأَصْمَعِيُّ أَنْ تَقُولَ شَتَّانَ مَا بَيْنَهُمَا وَمَا وَرَدَ مِنْهُ فَمُوَلَّدٌ وَتَمَامُهُ فِي الصِّحَاحِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} [الليل: 4] أَيْ إنَّ عَمَلَكُمْ لِمُخْتَلِفٍ أَيْ فِي الْجَزَاءِ وَفِي الرَّازِيّ الْكَبِيرِ أَنَّهَا أُنْزِلَتْ فِي أَبِي بَكْرٍ وَأَبِي سُفْيَانَ. وَفِي الدُّرِّ الْمَنْثُورِ فِي «صَاحِبِ نَخْلَةٍ كَانَ غُصْنٌ مِنْهَا مُتَدَلِّيًا فِي بَيْتِ فَقِيرٍ فَكَانَ إذَا جَاءَ لِيَنْثُرَ ثَمَرَةً وَسَقَطَ شَيْءٌ مِنْهَا فِي بَيْتِ جَارِهِ يَأْخُذُهُ الصِّبْيَانُ فَكَانَ يَنْزِلُ إلَيْهِمْ وَيَأْخُذُ مِنْهُمْ حَتَّى كَانَ يَأْخُذُ التَّمْرَةَ مِنْ فَمِ الصَّبِيِّ فَشُكِيَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَدَعَا صَاحِبَ النَّخْلَةِ وَقَالَ لَهُ اعْطِنِي نَخْلَتَك الْمَائِلَةَ وَلَك نَخْلَةٌ فِي الْجَنَّةِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَيْسَ لِي ثَمَرَةٌ أَطْيَبَ مِنْهَا فَذَهَبَ وَكَانَ عِنْدَهُمَا رَجُلٌ يَسْمَعُ كَلَامَهُمَا فَذَهَبَ إلَيْهِ وَاشْتَرَى مِنْهُ النَّخْلَةَ بِأَرْبَعِينَ نَخْلَةً عَلَى سَاقٍ وَاحِدٍ وَأَشْهَدَ لَهُ ثُمَّ جَاءَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَعْطَاهُ النَّخْلَةَ فَأَرْسَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَلْفَ الْفَقِيرِ وَأَعْطَاهُ النَّخْلَةَ» . (قَوْلُهُ لَا يَتَّدِ ذُو سُفْلٍ وَلَا يَثْقُبْ فِيهِ كُوَّةً بِلَا رِضَا ذِي الْعُلْوِ) أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا يَفْعَلُ مَا لَا يَضُرُّ بِالْعُلْوِ وَقِيلَ مَا حَكَى عَنْهُمَا تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ فَلَا خِلَافَ وَقِيلَ بَلْ فِيهِ خِلَافٌ فَعِنْدَهُمَا الْأَصْلُ الْإِبَاحَةُ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِهِ وَهُوَ يَقْتَضِي الْإِطْلَاقَ وَالْأَصْلُ عِنْدَهُ الْحَظْرُ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ مُحْتَرَمٌ لِلْغَيْرِ فَصَارَ كَحَقِّ الْمُرْتَهِنِ وَالْمُسْتَأْجِرِ فِي مَنْعِ الْمَالِكِ عَنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ وَالْإِطْلَاقُ يُعَارِضُهُ الرِّضَا فَإِذَا أَشْكَلَ لَا يَزُولُ الْمَنْعُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَعْرَى عَنْ نَوْعِ ضَرَرٍ بِالْعُلْوِ مِنْ تَوْهِينِ الْبِنَاءِ أَوْ نَقْصِهِ فَيُمْنَعُ عَنْهُ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ صَاحِبُ السُّفْلِ أَنْ يَهْدِمَ كُلَّ الْجِدَارِ أَوْ السَّقْفِ وَكَذَا بَعْضُهُ وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ قِيَاسٌ كَمَا ذَكَرَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَفِي الْمُغْرِبِ وَتَدَ الْوَتَدَ ضَرَبَهُ بِالْمِيتَدَةِ وَأَثْبَتَهُ وَفِي الْبِنَايَةِ أَنَّهُ كَالْخَازُوقِ وَهُوَ الْقِطْعَةُ مِنْ الْخَشَبِ أَوْ الْحَدِيدِ يُدَقُّ فِي الْحَائِطِ لِيُعَلَّقَ عَلَيْهِ شَيْءٌ أَوْ يُرْبَطَ بِهِ شَيْءٌ. اهـ. وَالْكَوَّةُ بِفَتْحِ الْكَافِ ثُقْبُ الْبَيْتِ وَالْجَمْعُ كُوًى وَقَدْ تُضَمُّ الْكَافُ فِي الْمُفْرَدِ وَالْجَمْعِ وَيُسْتَعَارُ لِمَفَاتِيحِ الْمَاءِ إلَى الْمَزَارِعِ وَالْجَدَاوِلِ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَفِي الصِّحَاحِ أَنَّ الْجَمْعَ يُمَدُّ وَيُقْصَرُ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى مَنْعِهِ مِنْ فَتْحِ الْبَابِ وَوَضْعِ الْجُذُوعِ وَهَدْمِ سُفْلِهِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إنْ فَتَحَ الْبَابَ يَنْبَغِي أَنْ يُمْنَعَ اتِّفَاقًا وَإِنْ وَضَعَ مِسْمَارًا صَغِيرًا أَوْ وَسَطًا يَجُوزُ اتِّفَاقًا وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ مَنْعَ صَاحِبِ الْعُلْوِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي الْعُلْوِ لِاخْتِلَافِ الْمَشَايِخِ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ عُلْوٌ لِرَجُلٍ وَسُفْلٌ لِآخَرَ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ بَعْضُهُمْ لِصَاحِبِ الْعُلْوِ أَنْ يَبْنِيَ مَا بَدَا لَهُ مَا لَمْ يَضُرَّ بِالسُّفْلِ وَذَكَرَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ أَضَرَّ بِالسُّفْلِ أَوْ لَمْ يَضُرَّ هَكَذَا ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى أَنَّهُ إذَا أَشْكَلَ أَنَّهُ يَضُرُّ أَمْ لَا لَا يَمْلِكُ وَإِذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ يَمْلِكُ اهـ. وَجَعَلَهُ فِي الْهِدَايَةِ عَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ وَقَيَّدَ الْمُصَنِّفُ بِالتَّصَرُّفِ فِي الْجِدَارِ بِضَرْبِ الْوَتَدِ وَفَتْحِ الطَّاقِ احْتِرَازًا عَنْ تَصَرُّفِهِ فِي سَاحَةِ السُّفْلِ فَذَكَرَ قَاضِي خَانْ لَوْ حَفَرَ صَاحِبُ السُّفْلِ فِي سَاحَتِهِ بِئْرًا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ لَهُ ذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِنْ تَضَرَّرَ بِهِ صَاحِبُ الْعُلْوِ وَعِنْدَهُمَا الْحُكْمُ مَعْلُولٌ بِعِلَّةِ الضَّرَرِ. اهـ. وَاتَّفَقُوا عَلَى مَنْعِ هَدْمِ صَاحِبِ السُّفْلِ الْجِدَارَ الْحَامِلَ لِلْعُلْوِ كَمَا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُمْ هُنَا إنَّ حُكْمَ الْحَكَمِ لَا يَتَعَدَّى إلَى الْعَاقِلَةِ) كَذَا وُجِدَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ مَكْتُوبًا قَبِيلَ مَسَائِلَ شَتَّى وَسَقَطَ مِنْ بَعْضِهَا وَهُوَ أَحْسَنُ فَإِنَّهُ قَدْ مَرَّ قُبَيْلَ الْمَسَائِلِ الَّتِي خَالَفَ فِيهَا حُكْمَ الْقَاضِي [مَسَائِلُ شَتَّى مِنْ كِتَابِ الْقَضَاءِ] (مَسَائِلُ شَتَّى) (قَوْلُهُ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى مَنْعِهِ) أَيْ مَنْعِ صَاحِبِ السُّفْلِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 29 قَدَّمْنَاهُ فَإِنْ هَدَمَهُ أُجْبِرَ عَلَى بِنَائِهِ؛ لِأَنَّهُ تَعَدَّى عَلَى صَاحِبِ الْعُلْوِ بِهَدْمِ مَا هُوَ قَرَارُ الْعُلْوِ كَالرَّاهِنِ إذَا قَتَلَ الْمَرْهُونَ وَالْمَوْلَى إذَا قَتَلَ عَبْدَهُ الْمَدْيُونَ فَرْقٌ بَيْنَ حَقِّ التَّعَلِّي وَبَيْنَ حَقِّ التَّسْيِيلِ حَيْثُ لَوْ هَدَمَ فِي الْأَوَّلِ يُجْبَرُ عَلَى الْبِنَاءِ وَلَوْ هَدَمَ فِي الثَّانِي لَا يُجْبَرُ وَفِي الذَّخِيرَةِ السُّفْلُ إذَا كَانَ لِرَجُلٍ وَعُلْوٌ لِآخَرَ فَسَقْفُ السُّفْلِ وَجُذُوعُهُ وَهَرَادِيهِ وَبِوَارِيهِ وَطِينُهُ لِصَاحِبِ السُّفْلِ غَيْرَ أَنَّ صَاحِبَ الْعُلْوِ مَسْكَنُهُ فِي ذَلِكَ اهـ. وَذَكَرَ الطَّرَسُوسِيُّ أَنَّ الْهَرَادِيَّ مَا يُوضَعُ فَوْقَ السَّقْفِ إمَّا مِنْ قَصَبٍ أَوْ مِنْ عَرِيشٍ وَذَكَرَ ابْنُ وَهْبَانَ أَنَّهُ الْمُكَعَّبُ وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ لِكُلٍّ مِنْ صَاحِبِ السُّفْلِ وَالْعُلْوِ حَقٌّ فِي مِلْكِ الْآخَرِ لِذِي الْعُلْوِ حَقُّ قَرَارِهِ وَلِذِي السُّفْلِ حَقُّ دَفْعِ الْمَطَرِ وَالشَّمْسِ عَنْ السُّفْلِ فَالْمِلْكُ مُطْلَقٌ وَالْحَقُّ مَانِعٌ وَقَدْ اجْتَمَعَا فَجَمَعْنَا بَيْنَهُمَا وَتَمَامُهُ فِيهِ وَفِي الْحَائِطِ بَيْنَ اثْنَيْنِ لَوْ كَانَ لَهُمَا عَلَيْهِ خَشَبٌ فَبَنَى أَحَدُهُمَا لَلَبَّانِي أَنْ يَمْنَعَ الْآخَرَ مِنْ وَضْعِ الْخَشَبِ حَتَّى يُعْطِيَهُ نِصْفَ قِيمَةِ الْبِنَاءِ مَبْنِيًّا وَفِي الْأَقْضِيَةِ حَائِطٌ مُشْتَرَكٌ أَرَادَ أَحَدُهُمَا نَقْضَهُ وَأَبَى الشَّرِيكُ إنْ كَانَ بِحَالٍ لَا يُخَافُ سُقُوطُهُ لَا يُجْبَرُ وَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ يُخَافُ عَنْ الْإِمَامِ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ يُجْبَرُ وَإِنْ هَدَمَاهُ وَأَرَادَ أَحَدُهُمَا الْبِنَاءَ وَأَبِي الْآخَرَانِ كَانَ أَسَاسُ الْحَائِطِ عَرِيضًا يُمْكِنُهُ أَنْ يَبْنِيَ حَائِطًا فِي نَصِيبِهِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ لَا يُجْبَرُ الشَّرِيكُ وَإِنْ كَانَ لَا يُمْكِنُ يُجْبَرُ كَذَا عَنْ الْإِمَامِ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَتَفْسِيرُ الْجَبْرِ أَنَّهُ إنْ لَمْ يُوَافِقْهُ الشَّرِيكُ أَنْفَقَ عَلَى الْعِمَارَةِ وَرَجَعَ عَلَى الشَّرِيكِ بِنِصْفِ مَا أَنْفَقَ وَفِي شَهَادَاتِ الْفَضْلَيْ لَوْ هَدَمَاهُ وَامْتَنَعَ أَحَدُهُمَا يُجْبَرُ وَلَوْ انْهَدَمَ لَا يُجْبَرُ وَلَكِنْ يُمْنَعُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ مَا لَمْ يَسْتَوْفِ نِصْفَ مَا أَنْفَقَ فِيهِ إنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي وَإِنْ كَانَ بِلَا قَضَاءٍ فَبِنِصْفِ قِيمَةِ الْبِنَاءِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ لَوْ هَدَمَ ذُو السُّفْلِ سُفْلَهُ وَذُو الْعُلْوِ عُلْوَهُ أُخِذَ ذُو السُّفْلِ بِبِنَاءِ سُفْلِهِ إذْ فَوَّتَ عَلَيْهِ حَقًّا أُلْحِقَ بِالْمِلْكِ فَيَضْمَنُ كَمَا لَوْ فَوَّتَ عَلَيْهِ مِلْكًا. اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا جَبْرَ عَلَى ذِي الْعُلْوِ وَظَاهِرُ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ خِلَافُهُ وَالظَّاهِرُ الثَّانِي وَيُحْمَلُ الْأَوَّلُ عَلَى مَا إذَا بَنَى صَاحِبُ السُّفْلِ سُفْلَهُ وَطَلَبَ مِنْ ذِي الْعُلْوِ بِنَاءَ عُلْوِهِ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ وَلَوْ انْهَدَمَ السُّفْلُ بِغَيْرِ صُنْعِ صَاحِبِهِ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْبِنَاءِ لِعَدَمِ التَّعَدِّي وَلِصَاحِبِ الْعُلْوِ أَنْ يَبْنِيَ إنْ شَاءَ وَيَبْنِي عَلَيْهِ عُلْوَهُ ثُمَّ يَرْجِعُ وَيَمْنَعُهُ مِنْ السُّكْنَى حَتَّى يَدْفَعَ إلَيْهِ لِكَوْنِهِ مُضْطَرًّا كَمُسْتَعِيرِ الرَّهْنِ إذَا قَضَى الدَّيْنَ بِغَيْرِ إذْنِ الرَّاهِنِ لَا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا وَلَوْ انْهَدَمَ الْعُلْوُ وَالسُّفْلُ فَكَذَلِكَ ثُمَّ الرُّجُوعُ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ أَوْ بِمَا أَنْفَقَ قِيلَ إنْ كَانَ صَاحِبُ الْعُلْوِ مُضْطَرًّا يَرْجِعُ عَلَى صَاحِبِ السُّفْلِ بِقِيمَةِ السُّفْلِ مَبْنِيًّا لَا بِمَا أَنْفَقَ وَقِيلَ إنْ بَنَى بِأَمْرِ الْقَاضِي رَجَعَ بِمَا أَنْفَقَ وَإِلَّا رَجَعَ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ وَبِهِ يُفْتَى كَذَا فِي قِسْمَةِ الْوَلْوَالِجيَّةِ وَإِذْنُ الشَّرِيكِ كَإِذْنِ الْقَاضِي فَيَرْجِعُ بِمَا أَنْفَقَ كَمَا حَرَّرَهُ الْعَلَّامَةُ ابْنُ الشِّحْنَةِ فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ. وَإِذَا قُلْنَا يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ عِنْدَ عَدَمِ الْإِذْنِ فَهَلْ الْمُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْبِنَاءِ أَوْ وَقْتَ الرُّجُوعِ قَوْلَانِ وَالصَّحِيحُ وَقْتَ الْبِنَاءِ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمَبْنَى يُبْنَى عَلَى مِلْكِ الشَّرِيكِ أَوْ عَلَى مِلْكِ الْبَانِي ثُمَّ يَنْتَقِلُ مِنْهُ أَيْضًا وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ جِدَارٌ بَيْنَهُمَا وَلِكُلٍّ -   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ فَإِنْ هَدَمَهُ أُجْبِرَ عَلَى بِنَائِهِ إلَخْ) قَيَّدَ بِهَدْمِهِ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ انْهَدَمَ لَا يُجْبَرُ بِدَلِيلِ مَا سَيَذْكُرُهُ قَرِيبًا مِنْ أَنَّهُ لَوْ انْهَدَمَ السُّفْلُ بِغَيْرِ صُنْعِ صَاحِبِهِ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْبِنَاءِ لِعَدَمِ التَّعَدِّي إلَخْ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَعَلِمْت أَنَّهُ لَيْسَ لِصَاحِبِ السُّفْلِ هَدْمُهُ فَلَوْ هَدَمَهُ يُجْبَرُ عَلَى بِنَائِهِ؛ لِأَنَّهُ تَعَدٍّ عَلَى صَاحِبِ الْعُلْوِ وَهَذَا أَصْلٌ كُلِّيٌّ كُلُّ مَنْ أُجْبِرَ عَلَى أَنْ يَفْعَلَ مَعَ شَرِيكِهِ فَإِذَا فَعَلَ أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ أَمْرِ شَرِيكِهِ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ؛ لِأَنَّ لَهُ طَرِيقًا وَهُوَ الْمُطَالَبَةُ بِالْمُشَارَكَةِ فِي الْفِعْلِ كَنَهْرٍ بَيْنَهُمَا امْتَنَعَ أَحَدُهُمَا عَنْ كَرْيِهِ وَكَرَى الْآخَرُ إلَى آخِرِ مَا يَأْتِي فِي آخِرِ الْقَوْلَةِ الثَّانِيَةِ ثُمَّ قَالَ وَإِنْ كَانَ لَا يُجْبَرُ لَمْ يَكُنْ مُتَطَوِّعًا كَعُلْوٍ لِرَجُلٍ وَسُفْلٍ لِآخَرَ سَقَطَ السُّفْلُ فَبَنَاهُ الْآخَرُ لَا يَكُونُ مُتَطَوِّعًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُجْبَرُ صَاحِبُ السُّفْلِ عَلَى بِنَائِهِ فَكَانَ فِي بِنَائِهِ إيَّاهُ مُضْطَرًّا لِيَصِلَ إلَى حَقِّهِ إلَخْ فَثَبَتَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْهَدْمِ وَالِانْهِدَامِ فَتَنَبَّهْ. (قَوْلُهُ فَسَقْفُ السُّفْلِ وَجُذُوعُهُ وَهَرَادِيهِ إلَخْ) قَالَ مُنْلَا عَلِيٌّ التُّرْكُمَانِيُّ فِي مَجْمُوعَتِهِ الْفِقْهِيَّة وَتَطْيِينُهُ لَا يَجِبُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَمَّا ذُو الْعُلْوِ فَلِعَدَمِ وُجُوبِ إصْلَاحِ مِلْكِ الْغَيْرِ عَلَيْهِ، وَأَمَّا ذُو السُّفْلِ فَلِعَدَمِ إجْبَارِهِ عَلَى إصْلَاحِ مِلْكِهِ وَإِنْ زَالَ الطِّينُ عَنْهُ بِتَعَدِّي السَّاكِنِ وَجَبَ الضَّمَانُ وَإِلَّا لَا كَذَا أَفْتَى الْعَلَّامَةُ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ فِي فَتَاوِيهِ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى مَوْلَانَا حَامِدٌ أَفَنْدِي وَفِيهَا أَيْضًا وَأَجَابَ الشَّيْخُ اللُّطْفِيُّ فِي فَتَاوِيهِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِقَوْلِهِ سَقْفُ السُّفْلِ لِصَاحِبِ السُّفْلِ غَيْرَ أَنَّ لِصَاحِبِ الْعُلْوِ حَقُّ السُّكْنَى وَالْمَقَامُ عَلَيْهِ وَمَرَمَّةُ ذَلِكَ السَّقْفِ مِنْ تَطْيِينٍ وَغَيْرِهِ تَلْزَمُهُ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ الثَّانِي) أَرَادَ مَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ لِذِكْرِهِ بَعْدَ كَلَامِ الْفَتْحِ السَّابِقِ وَقَوْلُهُ وَيُحْمَلُ الْأَوَّلُ عَلَى مَا إذَا بَنَى إلَخْ أَرَادَ بِالْأَوَّلِ مَا فِي الْفَتْحِ مِنْ قَوْلِهِ لَوْ هَدَمَاهُ وَامْتَنَعَ أَحَدُهُمَا يُجْبَرُ وَيُخَالِفُ هَذَا الْحَمْلُ مَا قَدَّمَهُ عَنْ الذَّخِيرَةِ مِنْ أَنَّ سَقْفَ السُّفْلِ وَجُذُوعَهُ وَهَرَادِيهُ وَبِوَارِيهِ وَطِينَهُ لِصَاحِبِ السُّفْلِ وَعَلَيْهِ فَلَا يُجْبَرُ صَاحِبُ الْعُلْوِ عَلَى الْبِنَاءِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ لِصَاحِبِ السُّفْلِ فِي تَرْكِهِ بَلْ فِيهِ نَفْعُ التَّخْفِيفِ عَنْ سَقْفِهِ تَأَمَّلْ ثُمَّ ظَهَرَ لِي عَدَمُ الْمُخَالَفَةِ بَيْنَ مَا فِي الْفَتْحِ وَبَيْنَ مَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَذَلِكَ أَنَّ مَا فِي الْفَتْحِ فِي الْحَائِطِ الْمُشْتَرَكِ وَمَا فِي الْجَامِعِ فِي السُّفْلِ وَالْعُلْوِ وَالْفَرْقُ أَظْهَرُ مِنْ أَنْ يَخْفَى. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 30 مِنْهُمَا حُمُولَةٌ فَوَهِيَ الْحَائِطُ فَأَرَادَ أَحَدُهُمَا رَفْعَهُ لِيُصْلِحَهُ وَأَبَى الْآخَرُ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ مَرِيدُ الْإِصْلَاحِ لِلْآخَرِ ارْفَعْ حُمُولَتَك بِأُسْطُوَانَاتِ وَعُمُدٍ وَيُعْلِمَهُ أَنَّهُ يُرِيدُ رَفْعَهُ فِي وَقْتِ كَذَا وَأَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ فَلَوْ فَعَلَهُ وَإِلَّا فَلَهُ رَفْعُ الْجِدَارِ فَلَوْ سَقَطَ حُمُولَتُهُ لَمْ يَضْمَنْ اهـ. (قَوْلُهُ زَائِغَةٌ مُسْتَطِيلَةٌ يَتَشَعَّبُ عَنْهَا مِثْلُهَا غَيْرُ نَافِذَةٍ لَا يَفْتَحُ أَهْلُ الْأُولَى فِيهَا بَابًا بِخِلَافِ الْمُسْتَدِيرَةِ) أَيْ سِكَّةٌ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ وَفَسَّرَهَا تَاجُ الشَّرِيعَةِ بِالسِّكَّةِ غَيْرِ النَّافِذَةِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِزَيْغِهَا عَنْ الطَّرِيقِ الْأَعْظَمِ وَفَسَّرَهَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِالْمَحَلَّةِ سُمِّيَتْ بِهَا لِمَيْلِهَا مِنْ طَرَفٍ إلَى طَرَفٍ مِنْ زَاغَتْ الشَّمْسُ إذَا مَالَتْ وَفِي التَّهْذِيبِ الزَّائِغَةُ الطَّرِيقُ الَّذِي حَادَ عَنْ الطَّرِيقِ الْأَعْظَمِ وَالْمُسْتَطِيلَةُ الطَّوِيلَةُ مِنْ اسْتَطَالَ بِمَعْنَى طَالَ وَلَمْ يُقَيِّدْ الْمُؤَلِّفُ الْأُولَى صَرِيحًا بِكَوْنِهَا غَيْرَ نَافِذَةٍ تَبَعًا لِمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ وَقَيَّدَهَا فِي الْهِدَايَةِ تَبَعًا لِلْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ والتمرتاشي وَيُمْكِنُ أَنْ يُفْهَمَ كَلَامُ الْمُؤَلِّفِ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ مِثْلُهَا غَيْرُ نَافِذَةٍ فَجَعَلَ الثَّانِيَةَ كَالْأُولَى بِقَيْدِ عَدَمِ النَّفَاذِ وَصُورَةُ الطَّوِيلَةِ هَكَذَا فَاَلَّذِي يُمْكِنُهُ بِأَنْ يَفْتَحَ بَابًا فِي الزَّائِغَةِ لِقُصْوَى هُوَ صَاحِبُ الدَّارِ الَّتِي فِي رُكْنِ الزَّائِغَةِ الثَّانِيَةِ وَإِنَّمَا قُلْنَا لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ فَتْحَهُ لِلْمُرُورِ وَلَا حَقَّ لِأَهْلِ الزَّائِغَةِ الْأُولَى فِي الْمُرُورِ فِي الزَّائِغَةِ الْقُصْوَى بَلْ هُوَ لِأَهْلِهَا عَلَى الْخُصُوصِ وَلِذَا لَوْ بِيعَتْ دَارٌ فِي الْقُصْوَى لَمْ يَكُنْ لِأَهْلِ الْأُولَى شُفْعَةٌ بِخِلَافِ أَهْلِ الْقُصْوَى   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَلَمْ يُقَيِّدْ الْمُؤَلِّفُ الْأُولَى صَرِيحًا بِكَوْنِهَا غَيْرَ نَافِذَةٍ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّ الْحُكْمَ فِيهِمَا وَاحِدٌ إذْ لَا عِبْرَةَ بِكَوْنِ الْأُولَى نَافِذَةً أَوْ غَيْرَ نَافِذَةٍ لِامْتِنَاعِ مُرُورِ أَهْلِهَا فِي الثَّانِيَةِ مُطْلَقًا فَأَطْلَقَهُ الْمُؤَلِّفُ فَشَمِلَ النَّافِذَةَ وَغَيْرَ النَّافِذَةِ وَقَيَّدَ الْمُتَشَعِّبَةَ بِكَوْنِهَا غَيْرَ نَافِذَةٍ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ نَافِذَةً لَسَاغَ لِلْعَامَّةِ الْمُرُورُ فِيهَا فَلَا يَمْتَنِعُ فَتْحُ بَابٍ لِأَهْلِ الْأُولَى بِهَا وَتَقْيِيدُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ تَبَعًا لِلْفَقِيهَيْنِ وَقَعَ اتِّفَاقًا وَلِذَا صَوَّرَهَا كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ التَّحْرِيرِ نَافِذَةٌ وَكَثِيرٌ غَيْرُ نَافِذَةٍ، وَأَمَّا الْمُتَشَعِّبَةُ عَنْهَا فَأَجْمَعُوا عَلَى تَصْوِيرِهَا غَيْرَ نَافِذَةٍ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ تَفْهَمْهُ اهـ. وَسَيَأْتِي مَا فِيهِ (قَوْلُهُ فَاَلَّذِي يُمْكِنُهُ أَنْ يَفْتَحَ بَابًا فِي الزَّائِغَةِ الْقُصْوَى إلَخْ) الْمُرَادُ بِالْإِمْكَانِ التَّصَوُّرُ لَا الْجَوَازُ يَعْنِي أَنَّ الَّذِي يُتَصَوَّرُ لَهُ فَتْحُ بَابٍ فِي الزَّائِغَةِ الْمُتَشَعِّبَةِ هُوَ صَاحِبُ الدَّارِ الَّتِي فِي رُكْنِ الْمُتَشَعِّبَةِ؛ لِأَنَّ جِدَارَهُ فِيهَا أَمَّا مِنْ قِبَلِهِ فَلَا يُمْكِنُهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ جِدَارَهُ فِي الْأُولَى وَإِنَّمَا فَسَّرْنَاهُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ فَتْحُ الْبَابِ فِيهَا كَمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا قُلْنَا لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ فَتْحَهُ لِلْمُرُورِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَذَكَرَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ أَنَّ لَهُ الْفَتْحَ وَالْمُرُورَ ثُمَّ قَالَ فِي الْمَسْأَلَةِ اخْتِلَافُ الرِّوَايَاتِ وَاخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ وَاخْتَارَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ مُطْلَقًا وَبِهِ يُفْتَى ثُمَّ رَمَزَ (لض) وَجَعَلَهُ خِلَافَ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَأَقُولُ: وَعَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مَشَتْ الْمُتُونُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَنَقَلَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْفَتَاوَى الْغِيَاثِيَّةِ عَنْ الصَّدْرِ الشَّهِيدِ حُسَامِ الدِّينِ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى الْمَنْعِ فَتَحَرَّرَ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ اخْتِلَافًا فَيُرْجَعُ إلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ تَأَمَّلْ رَجُلٌ لَهُ دَارٌ فِي سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ لَهَا بَابٌ أَرَادَ أَنْ يَفْتَحَ لَهَا بَابًا آخَرَ أَعْلَى مِنْ بَابِهِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ اهـ. ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ أَقُولُ: وَإِطْلَاقُ قَوْلِ قَاضِي خَانْ كَانَ لَهُ ذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ لَهُ وَلَوْ لَمْ يَسُدَّ الْأَوَّلُ وَرَأَيْت فِي كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ أَنْ يَسُدَّهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُبْقِيَ الْأَوَّلَ مَعَ الثَّانِي لِمَا فِيهِ مِنْ التَّمَيُّزِ عَنْ بَقِيَّتِهِمْ وَلِتَضَرُّرِهِمْ بِزِيَادَةِ الزَّحْمَةِ بِانْضِمَامِهِ إلَى الْأَوَّلِ وَوُقُوفِ الدَّوَابِّ فِي الدَّرْبِ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ عِنْدَنَا كَذَلِكَ فَتَأَمَّلْ وَذَكَرَ قَاضِي خَانْ فِي الشُّرْبِ وَلَوْ أَنَّ مَنْ لَهُ طَرِيقٌ فِي سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ أَرَادَ أَنْ يَجْعَلَ بَابَهُ فِي أَسْفَلِ السِّكَّةِ اخْتَلَفُوا فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَزْدَادُ طَرِيقُهُ وَمُرُورُهُ فِي السِّكَّةِ وَفِي الْكِتَابِ قَالَ لَهُ ذَلِكَ وَسَوَّى بَيْنَ الْفَصْلَيْنِ وَبِهِ أَخَذَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - اهـ. قُلْتُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ اخْتِلَافَ الْمَشَايِخِ هُنَا مَبْنِيٌّ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَةِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُحَشِّي عَنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَوَّلًا وَعَلَيْهِ فَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ الْمَنْعُ إذْ الْعِلَّةُ الْمَنْعُ مِنْ الْمُرُورِ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الزَّائِغَةِ تَأَمَّلْ هَذَا وَذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ فِي أَثْنَاءِ تَعْلِيلِ مَنْعِ فَتْحِ الْبَابِ لِأَهْلِ الْأُولَى فِي الثَّانِيَةِ مَا نَصُّهُ وَيُخَافُ أَنْ يَسُدَّ بَابَهُ الْأَصْلِيَّ وَيَكْتَفِيَ بِالْبَابِ الْمَفْتُوحِ وَيَجْعَلَ دَارِهِ مِنْ تِلْكَ السِّكَّةِ إلَخْ فَتَأَمَّلْهُ تَرَهُ يُفِيدُ عَدَمَ وُجُوبِ سَدِّ الْبَابِ الْأَوَّلِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَارَّةِ وَإِلَّا لَمَّا عَبَّرَ هُنَا بِالْمَخُوفِ بَلْ كَانَ يُعَبِّرُ بِاللُّزُومِ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ أَهْلِ الْقُصْوَى إلَخْ) الَّذِي يَقْتَضِيهِ التَّعْلِيلُ أَنَّ هَذَا فِيمَا إذَا كَانَتْ الدَّارُ الَّتِي فِي الْقُصْوَى فِي رُكْنِ الْأُولَى الطَّوِيلَةِ فِي نَاحِيَةِ الْعُبُورِ إذْ لَوْ كَانَتْ فِي رُكْنِ الْأُولَى الطَّوِيلَةِ فِي النَّاحِيَةِ الثَّانِيَةِ لَا يَكُونُ لَهُ حَقُّ الْمُرُورِ فِي الطَّوِيلَةِ مِنْ تِلْكَ النَّاحِيَةِ فَلَا يَكُونُ لَهُ فَتْحُ بَابٍ فِيهَا وَهَذَا يُتَصَوَّرُ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْمُتَشَعِّبَةُ فِي وَسَطِ الْأُولَى الطَّوِيلَةِ لَا فِي آخِرِهَا كَالصُّورَةِ الَّتِي رُسِمَتْ هُنَا وَلِتَصَوُّرِهَا بِهَذِهِ الصُّورَةِ فَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَوْ كَانَتْ الدَّارُ الَّتِي فِي رُكْنِ الْمُتَشَعِّبَةِ مِنْ جِهَةِ الْعُبُورِ بَابُهَا مِنْ الزَّائِغَةِ الْأُولَى الْمُسْتَطِيلَةِ فَلَيْسَ لِصَاحِبِهَا فَتْحُ بَابٍ مِنْ الزَّائِغَةِ الْمُتَشَعِّبَةِ وَلَوْ كَانَ بَابُهَا مِنْ الزَّائِغَةِ الْمُتَشَعِّبَةِ فَلِصَاحِبِهَا فَتْحُ بَابٍ مِنْ الْأُولَى الْمُسْتَطِيلَةِ، وَأَمَّا الدَّارُ الَّتِي فِي الْجِهَةِ الثَّانِيَةِ الْمُتَّصِلَةِ بِرُكْنِ الْمُتَشَعِّبَةِ إذَا كَانَ بَابُهَا مِنْ الزَّائِغَةِ الْأُولَى الْمُسْتَطِيلَةِ فَلَيْسَ لَهُ فَتْحُ بَابٍ فِي الْمُتَشَعِّبَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْمُرُورِ فِيهَا وَكَذَا إذَا كَانَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 31 فَإِنَّ لِأَحَدِهِمْ أَنْ يَفْتَحَ بَابًا فِي الْأُولَى؛ لِأَنَّ لَهُ حَقَّ الْمُرُورِ فِيهَا وَبِخِلَافِ النَّافِذَةِ فَإِنَّ الْمُرُورَ فِيهَا حَقُّ الْعَامَّةِ وَلَا خِلَافَ أَنَّ لَهُ أَنْ يَفْتَحَ وَقَالَ الْبَعْضُ أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ مِنْ الْفَتْحِ بَلْ مِنْ الْمُرُورِ؛ لِأَنَّ فَتْحَ الْبَابِ رَفْعُ جِدَارِهِ وَلَهُ رَفْعُهُ كُلِّهِ فَلَهُ رَفْعُ بَعْضِهِ. وَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ مِنْ الْفَتْحِ نَصَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ وَلِأَنَّ الْمَنْعَ بَعْدَ الْفَتْحِ لَا يُمْكِنُ لِعُسْرِ الْمُرَاقَبَةِ وَرُبَّمَا عَلَى طُولِ الزَّمَانِ يَدَّعِي حَقَّ الْمُرُورِ مُسْتَدِلًّا بِفَتْحِ الْبَابِ وَيَكُونُ الْقَوْلُ لَهُ لِلظَّاهِرِ الَّذِي مَعَهُ وَهُوَ فَتْحُ الْبَابِ وَقَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمُسْتَدِيرَةِ مَعْنَاهُ لَوْ كَانَتْ الْمُتَشَعِّبَةُ مُسْتَدِيرَةً فَلَهُمْ أَنْ يَفْتَحُوا؛ لِأَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمْ حَقَّ الْمُرُورِ فِي كُلِّهَا إذْ هِيَ سَاحَةٌ مُشْتَرَكَةٌ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ فِيهَا اعْوِجَاجًا وَلِذَا الْكُلُّ يَشْتَرِكُونَ فِي الشُّفْعَةِ إذَا بِيعَتْ دَارٌ فِيهَا وَهَذِهِ صُورَتُهَا وَهُنَا فُصُولٌ الْأَوَّلُ فِي تَصَرُّفِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ فِيهَا الثَّانِي فِي تَصَرُّفِ الْجِيرَانِ فِيمَا بَيْنَهُمْ الثَّالِثُ فِي تَعْمِيرِ الْمُشْتَرَكِ إذَا خَرِبَ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمُشْتَرَكِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ زُقَاقٌ غَيْرُ نَافِذٍ أَرَادَ إنْسَانٌ مِنْ أَهْلِهِ أَنْ يَتَّخِذَ طِينًا إنْ تَرَكَ مِنْ الطَّرِيقِ قَدْرَ الْمَمَرِّ لِلنَّاسِ وَيَرْفَعُهُ سَرِيعًا وَيَفْعَلُ فِي الْأَحَايِينِ مَرَّةً لَا يُمْنَعُ وَكَذَا لَوْ أَرَادَ أَنْ يَبْنِيَ آرِيًّا أَوْ دُكَّانًا وَهُوَ الْمِصْطَبَةُ اهـ. وَفِي الْخُلَاصَةِ لِرَجُلٍ دَارٌ ظَهْرُهَا إلَى سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ مُشْتَرَكَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ أَرَادَ أَنْ يَفْتَحَ بَابًا الْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ اهـ. وَزَادَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَإِنْ جَعَلَهَا مَسْجِدًا إنْ كَانَ الْجِدَارُ إلَى الطَّرِيقِ الْأَعْظَمِ جَازَ وَإِلَّا فَهُوَ مَسْجِدُ ضِرَارٍ ثُمَّ قَالَ وَفِي الْفَتَاوَى سِكَّةٌ غَيْرُ نَافِذَةٍ مُشْتَرَكَةٍ بَيْنَ عَشَرَةٍ لِكُلٍّ مِنْهُمْ دَارٌ غَيْرَ أَنَّ لِأَحَدِهِمْ دَارًا فِي سِكَّةٍ أُخْرَى لَا طَرِيقَ لَهَا فِي هَذِهِ السِّكَّةِ وَلَيْسَتْ بِحِيَالِ دَارِهِ الَّتِي فِي هَذِهِ غَيْرَ أَنَّ حَائِطَهَا فِي هَذِهِ السِّكَّةِ قَالَ أَبُو نَصْرٍ لَهُ فَتْحُ بَابٍ فِي هَذِهِ السِّكَّةِ؛ لِأَنَّ أَهْلَ السِّكَّةِ شُرَكَاءُ فِيهَا مِنْ أَعْلَاهَا إلَى أَسْفَلِهَا اهـ. وَفِي التَّتِمَّةِ زُقَاقٌ غَيْرُ نَافِذٍ قَدْ اشْتَرَى رَجُلٌ فِي الْقُصْوَى دَارًا فَأَرَادَ أَنْ يَهْدِمَهَا وَيَجْعَلَهَا طَرِيقًا نَافِذًا لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ اهـ. زَادَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَجْعَلَهَا مَسْجِدًا لَهُ ذَلِكَ وَلِمَنْ شَاءَ أَنْ يَدْخُلَهُ وَيُصَلِّيَ فِيهِ وَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَتَّخِذُوهُ طَرِيقًا يَمُرُّونَ فِيهِ وَفِي الْعِمَادِيَّةِ جَعَلَ الْخَانَ لِنُزُولِ النَّاسِ فِيهِ كَالْمَسْجِدِ وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَجْعَلَهَا طَرِيقًا خَاصًّا لَهُ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو الْقَاسِمِ يَرْفَعُ أَهْلُ السِّكَّةِ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي فَيُوَجِّهُ عَدْلَيْنِ يُصَوِّرَانِ لَهُ الْأَمْرَ عَلَى كَاغِدَةٍ فَإِنْ كَانَ ضَرَرًا فَاحِشًا مَنَعَهُ وَإِلَّا لَا كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَلَوْ كَانَتْ لَهُ دَارٌ فِي مَحَلَّةٍ عَامِرَةٍ فَأَرَادَ أَنْ يُخَرِّبَهَا فَالْقِيَاسُ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ وَأَفْتَى الْكَرْخِيُّ بِالْمَنْعِ اسْتِحْسَانًا وَقَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ الْفَتْوَى الْيَوْمَ عَلَى الْقِيَاسِ وَإِذَا تَضَرَّرَ الْجِيرَانُ مِنْ ذَلِكَ هَلْ لَهُمْ جَبْرُهُ عَلَى الْبِنَاءِ فِي غَصْبِ فَتَاوَى سَمَرْقَنْدَ لَهُمْ ذَلِكَ وَقَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ الْمُخْتَارُ أَنَّهُمْ لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ اهـ. وَفِي التَّتِمَّةِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ لَيْسَ لِأَصْحَابِهَا بَيْعُهَا وَلَا قِسْمَتُهَا بَيْنَهُمْ؛ لِأَنَّ الطَّرِيقَ الْأَعْظَمَ إذَا كَثُرَ فِيهِ النَّاسُ كَانَ لَهُمْ الدُّخُولُ لِلزِّحَامِ الثَّانِي فِي تَصَرُّفِ الْجِيرَانِ أَرَادَ الْجَارُ أَنْ يُعْلِيَ حِيطَانَهُ فِي هَوَاءٍ مُشْتَرَكٍ لَمْ يَكُنْ لِلْجَارِ مَنْعُهُ وَقَالَ السَّعْدِيُّ بِالْمَنْعِ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ مُحَمَّدٍ وَلِذَا كَانَ الرَّاجِحُ وَلَهُ صُورَتَانِ أَيْضًا مِنْهَا حَائِطٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ قَدْرُ قَامَةٍ فَأَرَادَ أَحَدُهُمَا أَنْ يَزِيدَ فِي طُولِهِ وَأَبَى الْآخَرُ فَلَهُ مَنْعُهُ وَمِنْهَا نَقَضَ الشَّرِيكَانِ الْجِدَارَ الَّذِي بَيْنَهُمَا فَأَرَادَ أَحَدُهُمَا أَنْ يَرْفَعَهُ أَطْوَلَ مِمَّا كَانَ فَفِي التَّتِمَّةِ لَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ شَيْئًا خَارِجًا عَنْ الرَّسْمِ بِمَا كَانَ أَكْثَرَ مِنْ ذِرَاعَيْنِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَفِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدَ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا أَرَادَ أَنْ يَتَّخِذَ دَارِهِ بُسْتَانًا لَيْسَ لِجَارِهِ مَنْعُهُ إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ صُلْبَةً وَلَا يَتَعَدَّى ضَرَرُ الْمَاءِ إلَى جَارِهِ وَإِنْ كَانَتْ رَخْوَةً فَلَهُ مَنْعُهُ وَعَلَى هَذَا إذَا جَعَلَهَا طَاحُونَةً أَوْ لِلْقِصَارَةِ أَوْ أَرَادَ أَنْ يَبْنِيَهَا حَمَّامًا أَوْ إصْطَبْلًا اهـ. وَذَكَرَ الرَّازِيّ فِي كِتَابِ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الدَّارَ إذَا كَانَتْ مُجَاوِرَةً لِلدُّورِ فَأَرَادَ صَاحِبُهَا أَنْ يَبْنِيَ فِيهَا تَنُّورًا لِلْخُبْزِ الدَّائِمِ كَمَا يَكُونُ فِي الدَّكَاكِينِ أَوْ رَحًى لِلطَّحِينِ أَوْ مِدَقَّاتٍ لِلْقَصَّارِينَ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ   [منحة الخالق] بَابُهَا فِي الْمُتَشَعِّبَةِ لَيْسَ لَهُ فَتْحُ بَابٍ فِي الْأُولَى الْمُسْتَطِيلَةِ إذْ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْمُرُورِ أَيْضًا لَكِنْ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ مِنْ أَنَّ الْأُولَى الْمُسْتَطِيلَةَ غَيْرُ نَافِذَةٍ أَيْضًا إذْ لَوْ كَانَتْ نَافِذَةً فَاَلَّذِي بَابُ دَارِهِ فِي الْمُتَشَعِّبَةِ يَكُونُ لَهُ الْمُرُورُ مِنْ الْجِهَتَيْنِ فَلَهُ فَتْحُ بَابٍ فِي الْمُسْتَطِيلَةِ ثُمَّ رَأَيْت مَنْقُولًا عَنْ شَرْحِ الْمَقْدِسِيَّ عِنْدَ قَوْلِهِ بِخِلَافِ أَهْلِ الْقُصْوَى إلَخْ هَذَا إذَا فَتَحَ فِي جَانِبٍ يَدْخُلُ مِنْهُ إلَيْهَا أَمَّا فِي الْجَانِبِ الْآخَرِ غَيْرِ النَّافِذِ فَلَا. اهـ. وَهَذَا عَيْنُ مَا قُلْنَا وَبِهِ ظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ كَوْنِ الْأُولَى نَافِذَةً أَوْ غَيْرَ نَافِذَةٍ خِلَافًا لِمَا يُفْهِمُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الرَّمْلِيِّ فَاغْتَنِمْ هَذِهِ الْفَائِدَةَ (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ أَرَادَ أَنْ يَبْنِيَ آرِيًّا) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ آخِرِ الْحُرُوفِ وَهُوَ الْمَعْلَفُ عِنْدَ الْعَامَّةِ وَهُوَ الْمُرَادُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ وَالْآرِي فِي اللُّغَةِ مَحْبِسُ الدَّابَّةِ وَهُوَ فِي التَّقْدِيرِ فَاعُولٌ وَالْجَمْعُ الْأَوَارِي مُخَفَّفٌ وَمُشَدَّدٌ نُقِلَ عَنْ هِبَةِ شَرْحِ الْهِدَايَةِ لِلْعَيْنِيِّ هَكَذَا الرَّسْمُ بِالْأَصْلِ وَلْيُنْظَرْ فِيهِ فَإِنَّهُ عَيْنُ الْأُولَى وَلَيْسَتْ مُسْتَدِيرَةً اهـ. مُصَحِّحٌ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 32 يَضُرُّ بِجِيرَانِهِ ضَرَرًا فَاحِشًا لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَأْتِي مِنْهُ الدُّخَانُ الْكَثِيرُ الشَّدِيدُ وَرَحَى الطَّحْنِ وَدَقُّ الْقَصَّارِينَ يُوهِنُ الْبِنَاءَ بِخِلَافِ الْحَمَّامِ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ إلَّا بِالنَّدَاوَةِ وَيُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ بِأَنْ يَبْنِيَ حَائِطًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ جَارِهِ وَبِخِلَافِ التَّنُّورِ الصَّغِيرِ الْمُعْتَادِ فِي الْبُيُوتِ قَالَ الْحُسَامُ الشَّهِيدُ وَكَانَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الصَّيْمَرِيُّ تَارَةً يُفْتِي بِمَنْعِ بِنَاءِ التَّنُّورِ فِي مِلْكِهِ لِلْخُبْزِ الدَّائِمِ فِي وَسَطِ الْبَزَّازِينَ وَتَارَةً يُفْتِي بِأَنَّ لَهُ ذَلِكَ وَالْقِيَاسُ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ فِي الْكُلِّ لَكِنْ تَرَكَ الْقِيَاسَ وَأَخَذَ بِالِاسْتِحْسَانِ لِأَجْلِ الْمَصْلَحَة وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فَمِنْهُمْ مَنْ فَصَّلَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُفَصِّلْ عَلَى حَسَبِ الْحَالِ. قَالَ وَكَانَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْأَجَلُّ بُرْهَانُ الْأَئِمَّةِ يُفْتِي بِأَنَّهُ إنْ كَانَ الضَّرَرُ بَيِّنًا يُمْنَعُ وَبِهِ يُفْتَى هَكَذَا ذَكَرَ فِي كِتَابِ الْحِيطَانِ لِلْحُسَامِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ بُرْهَانَ الْأَئِمَّةِ هُوَ وَالِدُهُ فَقَدْ نَقَلَ عَنْهُ ذَلِكَ الْبَزَّازِيُّ وَأَنَّ وَالِدَهُ كَانَ يُفْتِي بِهِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى قَالَ وَهَذَا جَوَابُ الْمَشَايِخِ وَجَوَابُ الرِّوَايَةِ عَدَمُ الْمَنْعِ ثُمَّ قَالَ أَصَابَهُ سَاحَةٌ فِي الْقِسْمَةِ فَأَرَادَ أَنْ يَبْنِيَ عَلَيْهَا وَيَرْفَعَ لَهُ الْبِنَاءَ وَمَنَعَهُ الْآخَرُ فَقَالَ يَسُدُّ عَلَيَّ الرِّيحَ وَالشَّمْسَ لَهُ الرَّفْعُ وَلَهُ أَنْ يَتَّخِذَهُ حَمَّامًا أَوْ تَنُّورًا فَإِنْ كَفَّ عَمَّا يُؤْذِي جَارَهُ فَهُوَ أَحْسَنُ فَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ «مَنْ أَذَى جَارَهُ وَرَّثَهُ اللَّهُ تَعَالَى دَارِهِ» وَقَدْ جُرِّبَ فَوُجِدَ كَذَلِكَ وَقَالَ نُصَيْرٌ وَالصَّفَّارُ لَهُ الْمَنْعُ وَلَوْ فَتَحَ صَاحِبُ الْبِنَاءِ فِي عُلْوِ بِنَائِهِ بَابًا أَوْ كَوَّةً لَا يَلِي صَاحِبُ السَّاحَةِ مَنْعَهُ بَلْ لَهُ أَنْ يَبْنِيَ مَا يَسْتُرُ جِهَتَهُ وَلَوْ اتَّخَذَ فِي مِلْكِهِ بِئْرًا أَوْ بَالُوعَةً تَنِزُّ إلَى حَائِطِ جَارِهِ وَطَلَبَ مِنْهُ تَحْوِيلَهُ لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ وَلَا يَضْمَنُ عَلَيْهِ إلَّا إذَا انْهَدَمَ مِنْ النَّزِّ وَالْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ كَانَ يُفْتِي بِجَوَابِ الرِّوَايَةِ وَفِيهَا وَعَنْ أُسْتَاذِنَا أَنَّهُ يُفْتَى بِقَبُولِ الْإِمَامِ وَصَحَّحَ النَّسَفِيُّ فِي الْحَمَّامِ أَنَّ الضَّرَرَ إنْ كَانَ فَاحِشًا يُمْنَعُ وَإِلَّا فَلَا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الَّذِي عَلَيْهِ غَالِبُ الْمَشَايِخِ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ الِاسْتِحْسَانُ فِي أَجْنَاسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَأَفْتَى طَائِفَةٌ بِجَوَابِ الْقِيَاسِ الْمَرْوِيِّ وَاخْتَارَ فِي الْعِمَادِيَّةِ الْمَنْعَ إذَا كَانَ الضَّرَرُ بَيِّنًا وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ خِلَافُهُ وَذَكَرَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ الشِّحْنَةِ أَنَّ فِي حِفْظِهِ أَنَّ الْمَنْقُولَ عَنْ أَئِمَّتِنَا الْخَمْسَةِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ وَالْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي مِلْكِهِ وَإِنْ أَضَرَّ بِجَارِهِ قَالَ وَهُوَ الَّذِي أَمِيلُ إلَيْهِ وَأَعْتَمِدُهُ وَأُفْتِي بِهِ تَبَعًا لِوَالِدِي شَيْخِ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. اهـ. وَرَجَّحَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَيْضًا جَوَابَ الرِّوَايَةِ وَقَالَ إنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ قَالَ وَحُكِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ رَجُلًا شَكَا إلَيْهِ مِنْ بِئْرٍ حَفَرَهَا جَارُهُ فِي دَارِهِ فَقَالَ احْفِرْ فِي دَارِك بِقُرْبِ تِلْكَ الْبِئْرِ بَالُوعَةً فَفَعَلَ فَتَنَجَّسَتْ الْبِئْرُ فَكَبَسَهَا صَاحِبُهَا وَلَمْ يُفْتِهِ بِمَنْعِ الْحَافِرِ بَلْ هَدَاهُ إلَى هَذِهِ الْحِيلَةِ ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» فَلَا شَكَّ أَنَّهُ عَامٌّ مَخْصُوصٌ لِلْقَطْعِ بِعَدَمِ امْتِنَاعِ كَثِيرٍ مِنْ الضَّرَرِ كَالتَّعَازِيرِ وَالْحُدُودِ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ وَفِي غَصْبِ الْبَزَّازِيَّةِ هَدَمَ بَيْتَهُ وَأَلْقَى تُرَابًا كَثِيرًا لَزِيقَ جِدَارِ جَارِهِ وَوَضَعَ فَوْقَهُ لَبَنًا كَثِيرًا حَتَّى انْهَدَمَ جِدَارُ جَارِهِ إنْ دَخَلَ الْوَهْنُ بِسَبَبِ مَا أَلْقَى وَحَمَلَ ضَمِنَ هَدْمَ دَارِهِ فَانْهَدَمَ مِنْ ذَلِكَ بِنَاءَ جَارِهِ لَا يَضْمَنُ، وَأَمَّا الثَّالِثُ وَهُوَ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمُشْتَرَكِ وَفِيهِ نَوْعَانِ الْأَوَّلُ فِيمَا لِأَحَدِهِمَا فِعْلُهُ وَالثَّانِي فِي تَعْمِيرِهِ إذَا خَرِبَ أَمَّا الْأَوَّلُ فَفِي وَقْفِ النَّوَازِلِ دَارٌ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ قَوْمٍ لِبَعْضِهِمْ أَنْ يَرْبِطُوا الدَّابَّةَ فِيهَا وَأَنْ يَضَعُوا الْخَشَبَةَ عَلَى وَجْهٍ لَا يَضُرُّ بِصَاحِبِهِ وَأَنْ يَتَوَضَّئُوا بِحَيْثُ لَا تَضِيقُ عَلَيْهِمْ الطَّرِيقُ لِمُرُورِهِمْ وَلَوْ عَطِبَ بِهَا أَحَدٌ لَا يُضْمَنُ وَلَوْ حَفَرَ الْأَرْضَ يُؤْمَرُ أَنْ يُسَوِّيَهَا فَإِنْ نَقَصَ الْحَفْرُ يَضْمَنُ النُّقْصَانَ وَكَذَا لَوْ كَانَ الطَّرِيقُ بَيْنَ قَوْمٍ وَهُوَ غَيْرُ نَافِذٍ غَيْرَ أَنَّ فِي الطَّرِيقِ لَا يَضْمَنُ نُقْصَانَ الْحَفْرِ. اهـ. وَلَوْ أَنَّ لِرَجُلٍ حَائِطًا وَوَجْهُهُ فِي دَارِ رَجُلٍ فَأَرَادَ أَنْ يُطَيِّنَ حَائِطَهُ وَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ إلَّا بِدُخُولِهِ دَارَ الرَّجُلِ أَوْ انْهَدَمَ الْحَائِطُ فَوَقَعَ نَقْضُهُ فِي دَارِهِ فَأَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ لِيَشِيلَ الطِّينَ وَغَيْرَهُ فَمَنَعَهُ صَاحِبُ الدَّارِ أَوْ لَهُ مَجْرَى مَاءِ فِي دَارِهِ فَأَرَادَ حَفْرَهُ وَإِصْلَاحَهُ وَلَا يُمَكَّنُ إلَّا بِدُخُولِ دَارِ الرَّجُلِ وَهُوَ يَمْنَعُهُ يُقَالُ لَهُ إمَّا أَنْ تَتْرُكَهُ يَدْخُلُ وَيُصْلِحُ وَيَفْعَلُ أَوْ تَفْعَلَ بِمَالِك كَذَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مِنْ فَصْلِ الْحِيطَانِ لَوْ لِأَحَدِهِمَا عَلَيْهِ خَشَبَةٌ فَلِلْآخِرِ وَضْعُ مِثْلِهِ إنْ كَانَ الْحَائِطُ يَحْتَمِلُ وَإِلَّا يُؤْمَرُ شَرِيكُهُ بِرَفْعِ بَعْضِ الْخَشَبَةِ إلَى آخِرِهِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلَا جَبْرَ عَلَى الْآبِي؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُجْبَرُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَلَوْ فَتَحَ صَاحِبُ الْبِنَاءِ فِي عُلْوِ بِنَائِهِ بَابًا أَوْ كَوَّةً إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَقُولُ: قَالَ الْغَزِّيِّ وَقَدْ أَفْتَى شَيْخُ الْإِسْلَامِ قَارِئُ الْهِدَايَةِ لَمَّا سُئِلَ هَلْ يُمْنَعُ الْجَارُ أَنْ يَفْتَحَ كَوَّةً يُشْرِفُ مِنْهَا عَلَى جَارِهِ وَعِيَالِهِ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ اهـ. وَفِي الْمُضْمَرَاتِ قَالَ إذَا كَانَتْ الْكَوَّةُ لِلنَّظَرِ وَكَانَتْ السَّاحَةُ مَحَلَّ الْجُلُوسِ لِلنِّسَاءِ يُمْنَعُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ. أَقُولُ: لِكَوْنِ الضَّرَرِ بَيِّنًا وَأَقُولُ: لَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَدِيمِ وَالْحَادِثِ حَيْثُ كَانَتْ الْعِلَّةُ الضَّرَرَ الْبَيِّنَ لِوُجُودِهَا فِيهَا تَأَمَّلْ اهـ. كَلَامُ الرَّمْلِيِّ. (قَوْلُهُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الَّذِي عَلَيْهِ غَالِبُ الْمَشَايِخِ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ الِاسْتِحْسَانُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَهُوَ الْمَنْعُ إذَا كَانَ الضَّرَرُ بَيِّنًا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 33 عَلَى إصْلَاحِ مِلْكِهِ سَوَاءٌ كَانَتْ دَارًا أَوْ حَمَّامًا أَوْ حَائِطًا هَكَذَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ وَفِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ مِنْ كِتَابِ الشَّرِكَةِ حَمَّامٌ بَيْنَهُمَا انْهَدَمَ فَامْتَنَعَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْمَرَمَّةِ لَا يُجْبَرُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْبِنَاءِ مَعَ شَرِيكِهِ وَلَكِنْ لِشَرِيكِهِ أَنْ يَبْنِيَ ثُمَّ يُؤَجِّرَهُ وَيَأْخُذَ مِنْ غَلَّتِهِ نَفَقَتَهُ فَكَذَا فِي تَحْوِيلِ آبَارِ الْقَنَاةِ أَوْ أَنْهَارِ آبَارِهَا أَمَّا لَوْ احْتَاجَتْ الْقَنَاةُ إلَى مَرَمَّةٍ مِنْ رَفْعِ طِينٍ وَفَتْحِ سُدَدٍ وَعُيُونٍ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى مُسَاعَدَةِ شَرِيكِهِ اهـ. فَلَا جَبْرَ إلَّا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَنَحْوِهَا وَفِي تَهْذِيبِ الْقَلَانِسِيِّ مِنْ كِتَابِ الدَّعْوَى وَفِي الْبِئْرِ الْمُشْتَرَكِ وَالدُّولَابِ وَنَحْوِهِ يُجْبَرُ الشَّرِيكُ عَلَى الْعِمَارَةِ وَفِي حَائِطٍ سَاتِرٍ لَا بِنَاءَ عَلَيْهِ إنْ ظَهَرَ تَفَتُّتُهُ يُفْتَى بِالْجَبْرِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَنْفَعَةٌ تَمْنَعُهُ عَنْهَا دُونَ السِّتْرِ وَهُوَ يَحْصُلُ بِالْبِنَاءِ. اهـ. هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَالَ يَتِيمٍ أَوْ وَقْفٍ فَإِنْ كَانَ مَالَ الْيَتِيمِ فَقَالَ فِي وَصَايَا الْخَانِيَّةِ جِدَارٌ بَيْنَ دَارَيْ صَغِيرَيْنِ عَلَيْهِ حُمُولَةٌ يُخَافُ عَلَيْهِ السُّقُوطُ وَلِكُلِّ صَغِيرٍ وَصِيٌّ فَطَلَبَ أَحَدُ الْوَصِيَّيْنِ مَرَمَّةَ الْجِدَارِ فَأَبَى الْآخَرُ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ يَبْعَثُ الْقَاضِي أَمِينًا يَنْظُرُ فِيهِ إنْ عَلِمَ أَنَّ فِي تَرْكِهِ ضَرَرًا عَلَيْهِمَا يُجْبَرُ الْآبِي أَنْ يَبْنِيَ مَعَ صَاحِبِهِ وَلَيْسَ هَذَا كَإِبَاءِ أَحَدِ الْمَالِكَيْنِ؛ لِأَنَّ ثَمَّ الْآبِي رَضِيَ بِدُخُولِ الضَّرَرِ عَلَيْهِ فَلَا يُجْبَرُ أَمَّا هَاهُنَا فَأَرَادَ الْوَصِيُّ إدْخَالَ الضَّرَرِ عَلَى الصَّغِيرِ فَيُجْبَرُ عَلَى أَنْ يَرُمَّ مَعَ صَاحِبِهِ اهـ. قُلْت: وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْوَقْفُ كَمَالِ الْيَتِيمِ فَإِذَا كَانَتْ الدَّارُ مُشْتَرَكَةً بَيْنَ وَقْفَيْنِ احْتَاجَتْ إلَى الْمَرَمَّةِ فَأَرَادَ أَحَدُ النَّاظِرَيْنِ وَأَبَى الْآخَرُ يُجْبَرُ عَلَى التَّعْمِيرِ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ وَقَدْ صَارَ حَادِثَةَ الْفَتْوَى وَإِذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَا جَبْرَ عَلَى الشَّرِيكِ فَلِطَالِبِ الْمَرَمَّةِ الْإِنْفَاقُ وَالتَّعْمِيرُ وَيَرْجِعُ إنْ كَانَ مُضْطَرًّا بِأَنْ كَانَ الْمُشْتَرَكُ لَا يُمْكِنُ قِسْمَتُهُ بِأَنْ كَانَتْ دَارًا صَغِيرَةً لَا يُمْكِنُ قِسْمَتُهَا أَوْ حَمَّامًا أَوْ حَائِطًا غَيْرَ عَرِيضٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُضْطَرًّا كَالدَّارِ الْكَبِيرَةِ الَّتِي يُمْكِنُ قِسْمَةُ عَرْصَتِهَا وَالْبِنَاءُ فِي نَصِيبِهِ فَلَا رُجُوعَ وَذَكَرَ الْحَلْوَانِيُّ ضَابِطًا فَقَالَ كُلُّ مَنْ أُجْبِرَ أَنْ يَفْعَلَ مَعَ شَرِيكِهِ فَإِذَا فَعَلَ أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ أَمْرِ الْآخَرِ لَمْ يَرْجِعْ؛ لِأَنَّهُ مُتَطَوِّعٌ إنْ كَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يُجْبِرَهُ مِثْلُ كَرْيِ الْأَنْهَارِ وَإِصْلَاحِ السَّفِينَةِ الْمَعِيبَةِ وَفِدَاءِ الْعَبْدِ الْجَانِي وَإِنْ لَمْ يُجْبَرْ لَا يَكُونُ مُتَطَوِّعًا كَمَسْأَلَةِ انْهِدَامِ الْعُلْوِ وَالسُّفْلِ. اهـ. وَمِنْ ذَلِكَ لَوْ أَنْفَقَ الشَّرِيكُ عَلَى الدَّابَّةِ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ لَمْ يَرْجِعْ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ رَفْعِهِ إلَى الْقَاضِي لِيُجْبِرَهُ بِخِلَافِ الزَّرْعِ الْمُشْتَرَكِ إذَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ بِلَا إذْنٍ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُجْبِرُ شَرِيكَهُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ فَكَانَ مُضْطَرًّا وَقَدَّمْنَا كَيْفِيَّةَ الرُّجُوعِ وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى تَمَامُ مَسَائِلِ الْحِيطَانِ فِي الدَّعْوَى وَالْقِسْمَةِ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ وَفِي دَعْوَى الْمُلْتَقِطِ حَائِطٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ انْهَدَمَ فَبَنَى أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ كَانَ مُتَطَوِّعًا إذَا لَمْ يَكُنْ لِصَاحِبِهِ عَلَيْهَا جُذُوعٌ وَلَا لَهُ وَإِنْ كَانَ لَهُ عَلَيْهَا جُذُوعٌ يَمْنَعُ صَاحِبَهُ عَنْ وَضْعِ الْجُذُوعِ حَتَّى يَأْخُذَ نِصْفَ مَا أَنْفَقَ فِي الْجِدَارِ. اهـ. (قَوْلُهُ ادَّعَى دَارًا فِي يَدِ رَجُلٍ أَنَّهُ وَهَبَهَا لَهُ فِي وَقْتٍ فَسُئِلَ الْبَيِّنَةَ فَقَالَ جَحَدَنِيهَا فَاشْتَرَيْتُهَا وَبَرْهَنَ عَلَى الشِّرَاءِ قَبْلَ الْوَقْتِ الَّذِي يَدَّعِي فِيهِ الْهِبَةَ لَا تُقْبَلُ وَبَعْدَهُ تُقْبَلُ) لِوُجُودِ التَّنَاقُضِ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الشِّرَاءَ بَعْدَ الْهِبَةِ وَشُهُودُهُ يَشْهَدُونَ لَهُ بِهِ قَبْلَهَا وَهُوَ تَنَاقُضٌ ظَاهِرٌ لَا يُمْكِنُ التَّوْفِيقُ وَمُرَادُهُمْ التَّنَاقُضُ بَيْنَ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةِ وَإِلَّا فَالْمُدَّعِي لَا تَنَاقُضَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ مَا ادَّعَى الشِّرَاءَ سَابِقًا عَلَى الْهِبَةِ وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي أَمْكَنَ التَّوْفِيقُ بَيْنَهُمَا إذْ الشِّرَاءُ وُجِدَ بَعْدَ وَقْتِ الْهِبَةِ وَفِي قَوْلِهِ جَحَدَنِي الْهِبَةَ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَوْفِيقِهِ وَجَزَمَ الشَّارِحُ بِعَدَمِ اشْتِرَاطِهِ لِلْإِمْكَانِ وَعَدَمِهِ وَلَا خُصُوصِيَّةَ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَلْ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ حَصَلَ التَّنَاقُضُ مِنْ الْمُدَّعِي أَوْ مِنْهُ وَمِنْ شُهُودِهِ أَوْ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَهَلْ يَكْفِي إمْكَانُ التَّوْفِيقِ لِدَفْعِهِ أَوْ لَا بُدَّ مِنْهُ أَوْ فِيهِ تَفْصِيلٌ أَقْوَالٌ أَرْبَعَةٌ قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ اخْتَارَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّ إمْكَانَ التَّوْفِيقِ يَكْفِي وَذَكَرَ بَكْرٌ وَفِي شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ أَيْضًا أَنَّ التَّوْفِيقَ بِالْفِعْلِ شَرْطٌ فِي الِاسْتِحْسَانِ وَالْقِيَاسُ الِاكْتِفَاءُ بِإِمْكَانِهِ قَالَ بَكْرٌ وَمُحَمَّدٌ ذَكَرَ التَّوْفِيقَ فِي الْبَعْضِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْبَعْضِ فَيُحْمَلُ السُّكُوتُ عَلَى الْمَذْكُورِ. وَذَكَرَ الْخُجَنْدِيُّ وَاخْتَارَ أَنَّ التَّنَاقُضَ إنْ مِنْ الْمُدَّعِي فَلَا بُدَّ مِنْ التَّوْفِيقِ بِالْفِعْلِ وَلَا يَكْفِي الْإِمْكَانُ وَإِنْ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَكْفِي الْإِمْكَانُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ عِنْدَ الْإِمْكَانِ وُجُودُهُ وَالظَّاهِرُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَيَأْخُذُ مِنْ غَلَّتِهِ إلَخْ) أَيْ وَبِهِ يَنْدَفِعُ الضَّرَرُ (قَوْلُهُ وَذَكَرَ الْحَلْوَانِيُّ ضَابِطًا إلَخْ) قَالَ شَيْخُ مَشَايِخِنَا مُنْلَا عَلِيٌّ التُّرْكُمَانِيُّ حَاصِلُهُ إنْ كَانَ مُضْطَرًّا فَأَمَّا أَنْ يُجْبِرَهُ الْحَاكِمُ أَوْ لَا فَإِنْ كَانَ يُجْبِرُهُ الْحَاكِمُ فَأَنْفَقَ بِلَا إذْنِ شَرِيكِهِ لَا يَرْجِعُ وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُجْبِرُهُ الْحَاكِمُ فَأَنْفَقَ بِدُونِ أَمْرِ الْآخَرِ يَرْجِعُ هَذَا هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ ضَابِطِ الْإِمَامِ الْحَلْوَانِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (قَوْلُهُ كَمَسْأَلَةِ انْهِدَامِ الْعُلْوِ وَالسُّفْلِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَوَصَّلُ إلَى حَقِّهِ أَصْلًا وَلَمْ يُمْكِنْهُ الِانْتِفَاعُ بِنَصِيبِهِ إلَّا بِالْإِصْلَاحِ فَصَارَ مُضْطَرًّا. [ادَّعَى دَارًا فِي يَدِ رَجُلٍ أَنَّهُ وَهَبَهَا لَهُ فِي وَقْتٍ فَسُئِلَ الْبَيِّنَةَ فَقَالَ جَحَدَنِيهَا] (قَوْلُهُ أَقْوَالٌ أَرْبَعَةٌ) الْأَوَّلُ كِفَايَةُ الْإِمْكَانِ مُطْلَقًا أَيْ مِنْ الْمُدَّعِي أَوْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ تَعَدَّدَ وَجْهُ التَّوْفِيقِ أَوْ اتَّحَدَ الثَّانِي لَا بُدَّ مِنْ التَّوْفِيقِ بِالْفِعْلِ وَلَا يَكْفِي الْإِمْكَانُ الثَّالِثُ مَا ذَكَرَهُ عَنْ الْخُجَنْدِيِّ الرَّابِعُ كِفَايَةُ الْإِمْكَانِ إنْ اتَّحَدَ وَجْهُ التَّوْفِيقِ لَا إنْ تَعَدَّدَتْ وُجُوهُهُ قَالَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ (قَوْلُهُ وَذَكَرَ بَكْرٌ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَجَوَابُ الِاسْتِحْسَانِ هُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 34 حُجَّةٌ فِي الدَّفْعِ لَا فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَالْمُدَّعِي مُسْتَحِقٌّ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ دَافِعٌ وَالظَّاهِرُ يَكْفِي فِي الدَّفْعِ لَا فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَيُقَالُ أَيْضًا إنَّ تَعَدُّدَ الْوُجُوهِ لَا يَكْفِي الْإِمْكَانُ وَإِنْ اتَّحَدَ يَكْفِي الْإِمْكَانُ وَالتَّنَاقُضُ كَمَا يَمْنَعُ الدَّعْوَى لِنَفْسِهِ يَمْنَعُ الدَّعْوَى لِغَيْرِهِ وَالتَّنَاقُضُ يَرْتَفِعُ بِتَصْدِيقِ الْخَصْمِ وَبِرُجُوعِ الْمُتَنَاقِضِ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنْ يَقُولَ تَرَكْته وَادَّعَى بِكَذَا وَبِتَكْذِيبِ الْحَاكِمِ أَيْضًا كَمَنْ ادَّعَى أَنَّهُ كَفَلَ عَنْ مَدْيُونِهِ بِأَلْفٍ فَأَنْكَرَ الْكَفَالَةَ وَبَرْهَنَ الدَّائِنُ أَنَّهُ كَفَلَ عَنْ مَدْيُونِهِ وَحَكَمَ بِهِ الْحَاكِمُ وَأَخَذَ الْمَكْفُولُ لَهُ مِنْهُ الْمَالَ ثُمَّ إنَّ الْكَفِيلَ ادَّعَى عَلَى الْمَدْيُونِ أَنَّهُ كَفَلَ عَنْهُ بِأَمْرِهِ وَبَرْهَنَ عَلَى ذَلِكَ تُقْبَلُ عِنْدَنَا وَيَرْجِعُ عَلَى الْمَدْيُونِ بِمَا كَفَلَ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُكَذِّبًا شَرْعًا بِالْقَضَاءِ وَكَذَا إذَا اسْتَحَقَّ الْمُشْتَرِي مِنْ الْمُشْتَرَى بِالْحُكْمِ يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ وَإِنْ كَانَ كُلُّ مُشْتَرٍ مُقِرًّا بِالْمِلْكِ لِبَائِعِهِ لَكِنَّهُ لَمَّا حَكَمَ بِبُرْهَانِ الْمُسْتَحِقِّ صَارَ مُكَذِّبًا شَرْعًا بِاتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهِ. اهـ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي اشْتِرَاطِ كَوْنِ الْكَلَامَيْنِ عِنْدَ الْقَاضِي فَمِنْهُمْ مَنْ شَرَطَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ شَرَطَ كَوْنَ الثَّانِي عِنْدَ الْقَاضِي فَقَطْ ذَكَرَ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَ الْبَزَّازِيَّةِ وَلَمْ يُرَجِّحْ وَيَنْبَغِي تَرْجِيحُ الثَّانِي وَمِنْ التَّنَاقُضِ مَا إذَا ادَّعَاهُ مُطْلَقًا ثُمَّ بِسَبَبٍ فَإِذَا بَرْهَنَ عَلَى السَّبَبِ لَمْ تُقْبَلْ وَلَوْ ادَّعَاهُ بِالشِّرَاءِ ثُمَّ مُطْلَقًا ثُمَّ ادَّعَى الشِّرَاءَ ثَالِثًا تُسْمَعُ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُتَنَاقِضَ إذَا تَرَكَ الْكَلَامَ الْأَوَّلَ وَأَعَادَ دَعْوَى الثَّانِي تُقْبَلُ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ التَّنَاقُضَ كَمَا يَكُونُ مِنْ مُتَكَلِّمٍ وَاحِدٍ يَكُونُ مِنْ مُتَكَلِّمَيْنِ كَمُتَكَلِّمٍ وَاحِدٍ حُكْمًا كَوَارِثٍ وَمُوَرِّثٍ وَوَكِيلٍ وَمُوَكِّلٍ وَالْأُولَى فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَلَمْ أَرَ الْآنَ الثَّانِيَةَ صَرِيحًا وَهِيَ ظَاهِرَةٌ مِنْ الْأُولَى ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ دَعْوَى الْهِبَةِ مِنْ غَيْرِ قَبْضٍ غَيْرُ صَحِيحَةٍ فَلَا بُدَّ فِي دَعْوَاهَا مِنْ ذِكْرِ الْقَبْضِ وَلِهَذَا صَوَّرَ الْمَسْأَلَةَ شُرَّاحُ الْهِدَايَةِ بِأَنَّهُ ادَّعَى أَنَّهُ وَهَبَهَا لَهُ وَسَلَّمَهَا ثُمَّ غَصَبَهَا مِنْهُ وَذَكَرَ الْعِمَادِيُّ اخْتِلَافًا فِي الْإِقْرَارِ بِالْهِبَةِ أَيَكُونُ إقْرَارٌ بِالْقَبْضِ قِيلَ نَعَمْ؛ لِأَنَّهُ كَقَبُولٍ فِيهَا وَالْأَصَحُّ لَا وَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى الشِّرَاءَ أَوَّلًا ثُمَّ بَرْهَنَ عَلَى الْهِبَةِ أَوْ الصَّدَقَةِ فَإِنْ وَفَّقَ فَقَالَ جَحَدَنِي الشِّرَاءَ ثُمَّ وَهَبَهَا مِنِّي أَوْ تَصَدَّقَ قُبِلَ وَإِلَّا فَلَا كَمَا فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ وَفِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي ادَّعَاهَا إرْثًا ثُمَّ قَالَ جَحَدَنِي فَاشْتَرِيهَا وَبَرْهَنَ تُقْبَلُ اهـ. وَقَيَّدَ بِذِكْرِ التَّارِيخِ لَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَذْكُرْ لَهُمَا تَارِيخًا أَوْ ذَكَرَ لِأَحَدِهِمَا فَقَطْ يُقْبَلُ لِإِمْكَانِ التَّوْفِيقِ بِأَنْ يُجْعَلَ الشِّرَاءُ مُتَأَخِّرًا وَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ إلَى مَسَائِلَ مِنْ التَّنَاقُضِ إحْدَاهَا لَوْ ادَّعَى الشِّرَاءَ مِنْ أَبِيهِ فِي حَيَاتِهِ وَصِحَّتِهِ فَأَنْكَرَ وَلَا بَيِّنَةَ فَحَلَفَ ذُو الْيَدِ فَبَرْهَنَ الْمُدَّعِي أَنَّهُ وَرِثَهَا مِنْ أَبِيهِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَبِرُجُوعِ الْمُتَنَاقِضِ عَنْ الْأَوَّلِ إلَخْ) ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ الْبَزَّازِيَّةِ وَلَمْ أَرَهُ فِيهَا وَاَلَّذِي رَأَيْته فِيهَا أَوَائِلَ كِتَابِ الدَّعْوَى فِي نَوْعٍ فِي التَّنَاقُضِ وَالتَّنَاقُضُ يَرْتَفِعُ بِتَصْدِيقِ الْخَصْمِ وَبِتَكْذِيبِ الْحَاكِمِ أَيْضًا وَظَاهِرُ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي الِاسْتِحْقَاقِ أَنَّهُ بَحْثٌ مِنْهُ ثُمَّ رَأَيْت الْبَزَّازِيَّ ذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي نَوْعٍ فِي الدَّفْعِ وَذَكَرَ الْقَاضِي ادَّعَى بِسَبَبٍ وَشَهِدَا بِالْمُطْلَقِ لَا يُسْمَعُ وَلَا تُقْبَلُ لَكِنْ لَا تَبْطُلُ دَعْوَاهُ الْأُولَى حَتَّى لَوْ قَالَ أَرَدْت بِالْمُطْلَقِ الْمُقَيَّدَ يُسْمَعُ كَمَا مَرَّ إنْ بَرْهَنَ عَلَى أَنَّهُ لَهُ وَفِي الذَّخِيرَةِ أَيْضًا ادَّعَاهُ مُطْلَقًا فَدَفَعَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِأَنَّك كُنْت ادَّعَيْته قَبْلَ هَذَا مُقَيَّدًا وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ فَقَالَ الْمُدَّعِي أَدَّعِيهِ الْآنَ بِذَلِكَ السَّبَبِ وَتَرَكْت الْمُطْلَقَ يُقْبَلُ وَيَبْطُلُ الدَّفْعُ اهـ. مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ قَالَ الرَّمْلِيُّ رُبَّمَا يُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَغَيْرِهَا ادَّعَى عَلَى زَيْدٍ أَنَّهُ دَفَعَ لَهُ مَالًا لِيَدْفَعَهُ إلَى غَرِيمِهِ وَحَلَّفَهُ ثُمَّ ادَّعَاهُ عَلَى خَالِدٍ وَزَعَمَ أَنَّ دَعْوَاهُ عَلَى زَيْدٍ كَانَ ظَنًّا لَا يُقْبَلُ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ الْوَاحِدَ كَمَا لَا يُسْتَوْفَى مِنْ اثْنَيْنِ لَا يُخَاصَمُ مَعَ اثْنَيْنِ بِوَجْهٍ وَاحِدٍ اهـ. وَوَجْهُ إشْكَالِهِ أَنَّهُ لَمَّا قَالَ إنَّ دَعْوَاهُ عَلَى زَيْدٍ كَانَ ظَنًّا فَقَدْ ارْتَفَعَ التَّنَاقُضُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ذَكَرَهُ الْغَزِّيِّ وَأَقُولُ: قَدْ كَتَبْت فَرْقًا فِي حَاشِيَتِي عَلَى جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ بَيْنَ فَرْعِ الْبَزَّازِيِّ وَفَرْعٍ ذَكَرَهُ فَرَاجِعْهُ وَيُفَرَّقُ هَاهُنَا بِأَنَّ فِيمَا ذَكَرَهُ الْبَزَّازِيُّ امْتَنَعَ ارْتِفَاعُ التَّنَاقُضِ لِتَعَلُّقِهِ بِاثْنَيْنِ فَلَا تَصِحُّ الدَّعْوَى لِمَا ذَكَرَهُ مِنْ امْتِنَاعِ مُخَاصَمَةِ الِاثْنَيْنِ فِي حَقٍّ وَاحِدٍ وَهَذَا مُنْتَفٍ فِي الْوَاحِدِ وَهُوَ مَحَلُّ مَا فِي هَذَا الشَّرْحِ فَتَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي تَرْجِيحُ الثَّانِي) قَالَ فِي مِنَحِ الْغَفَّارِ بَعْدَ نَقْلِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ وَجْهَ تَرْجِيحِهِ وَلَعَلَّهُ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَتَحَقَّقُ بِهِ التَّنَاقُضُ اهـ. وَقَدَّمْنَا عَنْ النَّهْرِ فِي بَابِ الِاسْتِحْقَاقِ أَنَّهُ قَالَ وَالْأَوْجَهُ عِنْدِي اشْتِرَاطُهُمَا عِنْدَ الْحَاكِمِ إذْ مِنْ شَرَائِطِ الدَّعْوَى كَوْنُهَا لَدَيْهِ وَنَقَلَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَنْ الْعَلَّامَةِ الْمَقْدِسِيَّ يَنْبَغِي أَنْ يَكْفِي أَحَدُهُمَا عِنْدَ الْقَاضِي بَلْ يَكَادُ أَنْ يَكُونَ الْخِلَافُ لَفْظِيًّا؛ لِأَنَّ الَّذِي حَصَلَ سَابِقًا عَلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي لَا بُدَّ أَنْ يَثْبُتَ عِنْدَهُ لِيَتَرَتَّبَ عَلَى مَا عِنْدَهُ حُصُولُ التَّنَاقُضِ وَالثَّابِتُ بِالْبَيَانِ كَالثَّابِتِ بِالْعِيَانِ فَكَأَنَّهُمَا فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي فَاَلَّذِي شَرَطَ كَوْنَهُمَا فِي مَجْلِسِهِ يَعُمُّ الْحَقِيقِيَّ وَالْحُكْمِيَّ فِي السَّابِقِ وَاللَّاحِقِ اهـ. قُلْت: وَسَيَأْتِي فِي الْوَكَالَةِ أَنَّ الْوَكِيلَ بِالْخُصُومَةِ يَصِحُّ إقْرَارُهُ لَوْ أَقَرَّ عِنْدَ الْقَاضِي لَا عِنْدَ غَيْرِهِ وَلَكِنَّهُ يَخْرُجُ بِهِ عَنْ الْوَكَالَةِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَصِحُّ إقْرَارُهُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ إنَّمَا يَخْتَصُّ بِمَجْلِسِ الْقَضَاءِ إذَا لَمْ يَكُنْ مُوجَبًا إلَّا بِانْضِمَامِ الْقَضَاءِ إلَيْهِ كَالْبَيِّنَةِ وَالنُّكُولِ وَلَهُمَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْخُصُومَةِ الْجَوَابُ مَجَازًا وَالْجَوَابُ يُسْتَحَقُّ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ فَيَخْتَصُّ بِهِ فَإِذَا أَقَرَّ فِي غَيْرِهِ لَا يُعْتَبَرُ لِكَوْنِهِ أَجْنَبِيًّا فَلَا يَنْفُذُ عَلَى الْمُوَكِّلِ لَكِنَّهُ يَخْرُجُ بِهِ عَنْ الْوَكَالَةِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ يَتَضَمَّنُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ الْخُصُومَةِ اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ اخْتِصَاصَهُ بِمَجْلِسِ الْقَاضِي لِكَوْنِ لَفْظِ الْخُصُومَةِ يَتَقَيَّدُ بِهِ وَهُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ تَرْجِيحُ عَدَمِ اشْتِرَاطِ كَوْنِ الْكَلَامَيْنِ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 35 تُقْبَلُ لِإِمْكَانِ التَّوْفِيقِ. وَلَوْ ادَّعَى الْإِرْثَ أَوَّلًا ثُمَّ الشِّرَاءَ لَا تُقْبَلُ لِعَدَمِهِ وَمِنْهُ بَرْهَنَ عَلَى أَنَّهُ لَهُ بِالْإِرْثِ ثُمَّ قَالَ لَمْ يَكُنْ لِي قَطُّ أَوْ لَمْ يَزِدْ قَطُّ لَمْ يُقْبَلْ بُرْهَانُهُ وَبَطَلَ الْقَضَاءُ وَمِنْهَا ادَّعَى أَوَّلًا أَنَّهَا وَقْفٌ عَلَيْهِ ثُمَّ ادَّعَاهَا لِنَفْسِهِ لَا تُقْبَلُ كَمَا لَوْ ادَّعَاهَا لِغَيْرِهِ ثُمَّ لِنَفْسِهِ وَلَوْ ادَّعَى الْمِلْكَ أَوَّلًا ثُمَّ الْوَقْفَ تُقْبَلُ كَمَا لَوْ ادَّعَاهَا لِنَفْسِهِ ثُمَّ لِغَيْرِهِ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بَقِيَّتُهَا فِي هَذَا الْبَابِ وَفِي كِتَابِ الدَّعْوَى وَقَدَّمْنَا شَيْئًا مِنْهَا فِي بَابِ الِاسْتِحْقَاقِ مِنْ الْبُيُوعِ وَقَدْ أَسْقَطَ الْمُؤَلِّفُ مِنْ مَسَائِلِ الْهِدَايَةِ هُنَا مَسْأَلَةً قَبْلَ هَذِهِ لِلِاكْتِفَاءِ بِذِكْرِهَا فِي بَابِ الِاسْتِحْقَاقِ وَكَرَّرَهَا فِي الْهِدَايَةِ لِاخْتِلَافِ الْمَقْصُودِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ يَعْرِفُ ذَلِكَ مَنْ نَظَرَ فِي الْمَوْضُوعَيْنِ. (قَوْلُهُ وَمَنْ قَالَ لِآخَرَ اشْتَرَيْتَ مِنِّي هَذِهِ الْأَمَةَ فَأَنْكَرَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَطَأَهَا إنْ تَرَكَ الْخُصُومَةَ) ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَمَّا جَحَدَ كَانَ فَسْخًا مِنْ جِهَتِهِ إذْ الْفَسْخُ يَثْبُتُ بِهِ كَمَا إذَا تَجَاحَدَ فَإِذَا عَزَمَ الْبَائِعُ عَلَى تَرْكِ الْخُصُومَةِ تَمَّ الْفَسْخُ بِمُجَرَّدِ الْعَزْمِ وَإِنْ كَانَ لَا يَثْبُتُ الْفَسْخُ فَقَدْ اقْتَرَنَ بِالْفِعْلِ وَهُوَ إمْسَاكُ الْجَارِيَةِ وَنَقْلُهَا وَمَا يُضَاهِيهِ وَلِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ اسْتِيفَاءُ الثَّمَنِ مِنْ الْمُشْتَرِي فَاتَ رِضَا الْبَائِعِ فَيَسْتَقِلُّ بِفَسْخِهِ وَفِي إقْرَارِ مُنْيَةِ الْمُفْتِي رَجُلٌ أَقَرَّ أَنَّ هَذِهِ الدَّارَ لِذِي الْيَدِ أَنَا بِعْتُهَا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَوَصَلَ الْكَلَامَ وَأَنْكَرَ ذُو الْيَدِ الشِّرَاءَ فَأَقَامَ الْمُقِرُّ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الدَّارَ لَهُ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ وَلَوْ سَكَتَ بَعْدَ الْإِقْرَارِ أَنَّ الدَّارَ لِذِي الْيَدِ ثُمَّ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الدَّارَ لَهُ لَمْ تُقْبَلْ وَلَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْبَيْعِ مِنْهُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ لِأَنَّهُ كَذَلِكَ ادَّعَاهُ اهـ. وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الْإِقْرَارَ إذَا ذُكِرَ لَهُ سَبَبٌ وَلَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ السَّبَبُ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ الْإِقْرَارُ إنْ كَانَ مَوْصُولًا وَإِلَّا لَا أَشَارَ بِحِلِّ وَطْءِ الْبَائِعِ إلَى فَسْخِ الْبَيْعِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ لِلْبَائِعِ أَنْ يَرُدَّهَا عَلَى بَائِعِهِ بِعَيْبٍ قَدِيمٍ لِانْفِسَاخِ الْبَيْعِ وَقَيَّدَهُ فِي النِّهَايَةِ بِأَنْ يَكُونَ بَعْدَ تَحْلِيفِ الْمُشْتَرِي إذْ لَوْ كَانَ قَبْلَهُ فَلَيْسَ لَهُ الرَّدُّ عَلَى بَائِعِهِ لِاحْتِمَالِ نُكُولِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَاعْتُبِرَ بَيْعًا جَدِيدًا فِي حَقٍّ ثَالِثٍ وَقَيَّدَهُ الشَّارِحُ بِأَنْ يَكُونَ بَعْدَ الْقَبْضِ أَمَّا قَبْلَهُ فَيَنْبَغِي أَنَّ لَهُ الرَّدَّ مُطْلَقًا لِكَوْنِهِ فَسْخًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فِي غَيْرِ الْعَقَارِ إلَّا بَعْدَ حَلِفِ فَيَجِبُ تَقْيِيدُ الْكِتَابِ وَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَوْ بَرْهَنَ عَلَى الشِّرَاءِ مِنْهُ لَمْ يُقْبَلْ. وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَى تَرْكِ الْخُصُومَةِ أَوْ الْعَزْمِ عَلَيْهَا فَقِيلَ يُكْتَفَى بِالْقَلْبِ وَقِيلَ يَشْهَدُ بِلِسَانِهِ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَلَا يُكْتَفَى بِالْقَلْبِ ذَكَرَهُمَا فِي الْمُحِيطِ وَفِي الْهِدَايَةِ لَا بُدَّ مِنْ الِاقْتِرَانِ بِالْفِعْلِ بِإِمْسَاكِهَا وَنَقْلِهَا وَاسْتِخْدَامِهَا فَإِنَّ مَنْ لَهُ خِيَارُ الشَّرْطِ إذَا فَسَخَ بِقَلْبِهِ لَا يَنْفَسِخُ وَفِي الِاخْتِيَارِ أَنْكَرَ الْبَيْعَ ثُمَّ ادَّعَاهُ لَا يُقْبَلُ وَفِي النِّكَاحِ يُقْبَلُ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَنْفَسِخُ بِالْإِنْكَارِ وَالنِّكَاحِ لَا، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى تَزْوِيجًا عَلَى أَلْفٍ فَأَنْكَرَتْ ثُمَّ أَقَامَتْ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَلْفَيْنِ قُبِلَتْ وَلَا يَكُونُ إنْكَارُهَا تَكْذِيبًا لِلشُّهُودِ وَفِي الْبَيْعِ لَا تُقْبَلُ وَيَكُونُ تَكْذِيبًا لِلشُّهُودِ. اهـ. وَلَوْ ادَّعَتْ عَلَيْهِ نِكَاحًا وَحَلَفَ عِنْدَهُمَا أَوْ لَمْ يَحْلِفْ عِنْدَهُ لَا يَحِلُّ لَهَا التَّزَوُّجُ بِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ إنْكَارَهُ لَا يَكُونُ فَسْخًا فَيَحْتَاجُ الْقَاضِي بَعْدَهُ أَنْ يَقُولَ فَرَّقْت بَيْنَكُمَا أَوْ يَقُولَ الْخَصْمُ إنْ كَانَتْ زَوْجَتِي فَهِيَ طَالِقٌ بَائِنٌ وَقَيَّدَ بِالْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَحَدَ الزَّوْجُ النِّكَاحَ وَحَلَفَ وَعَزَمَتْ الزَّوْجَةُ عَلَى تَرْكِ الْخُصُومَةِ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ وَالنِّكَاحُ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقَدَّمْنَا فِي النِّكَاحِ مِنْ خِيَارِ الْبُلُوغِ أَنَّهُ يَحْتَمِلُهُ فِي صُوَرٍ بَعْدَ التَّمَامِ وَفِي الْخُلَاصَةِ امْرَأَةٌ ادَّعَتْ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا فَأَنْكَرَ الزَّوْجُ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَأَقَامَتْ الْبَيِّنَةَ تُقْبَلُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَبْطُلُ بِجُحُودِهِمَا وَلَوْ ادَّعَى عَلَى امْرَأَةٍ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا فَأَنْكَرَتْ الْمَرْأَةُ ثُمَّ مَاتَ الزَّوْجُ فَجَاءَتْ الْمَرْأَةُ تَدَّعِي مِيرَاثَهُ لَهَا الْمِيرَاثُ كَعَكْسِهِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا مِيرَاثَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا عِدَّةَ عَلَيْهِ وَلِذَا لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأُخْتِهَا وَأَرْبَعٍ سِوَاهَا. اهـ. وَاعْلَمْ أَنَّ إنْكَارَ النِّكَاحِ كَمَا لَا يَكُونُ فَسْخًا لَا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ وَإِنْ نَوَى بِخِلَافِ لَسْت لِي بِامْرَأَةٍ فَإِنَّهُ يَقَعُ بِهِ إنْ نَوَى عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا كَمَا فِي طَلَاقِ الْبَزَّازِيَّةِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ ادَّعَتْ الطَّلَاقَ فَأَنْكَرَ ثُمَّ مَاتَ لَا تَمْلِكُ مُطَالَبَةَ الْمِيرَاثِ اهـ. فَجُحُودُ الطَّلَاقِ لَا يَرْفَعُهُ وَفِيهَا ادَّعَى عَلَيْهِ الْبَيْعَ فَأَنْكَرَ فَبَرْهَنَ عَلَى الْبَيْعِ فَادَّعَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَسْخَهُ تُسْمَعُ وَلَا يَكُونُ مُتَنَاقِضًا؛ لِأَنَّ جُحُودَ مَا عَدَا النِّكَاحَ فَسْخٌ. اهـ. (قَوْلُهُ وَمَنْ أَقَرَّ بِقَبْضِ عَشَرَةٍ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهَا زُيُوفٌ صُدِّقَ)   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 36 ؛ لِأَنَّ اسْمَ الدَّرَاهِمِ يَقَعُ عَلَى الزُّيُوفِ كَمَا يَقَعُ عَلَى الْجِيَادِ وَالنَّبَهْرَجَةُ كَالزُّيُوفِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا بَيَّنَ مَوْصُولًا أَوْ مَفْصُولًا وَلَكِنْ عَبَّرَ بِثُمَّ لِيُفِيدَ أَنَّ الْبَيَانَ مَفْصُولٌ لِيُعْلَمَ حُكْمُ الْمَوْصُولِ بِالْأَوْلَى وَقَيَّدَ بِالزُّيُوفِ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا إذَا بَيَّنَ أَنَّهَا سَتُّوقَةٌ فَإِنَّهُ لَا يُصَدَّقُ؛ لِأَنَّ اسْمَ الدَّرَاهِمِ لَا يَقَعُ عَلَيْهَا وَلِذَا لَوْ تَجَوَّزَ بِالزُّيُوفِ وَالنَّبَهْرَجَةِ فِي الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ جَازَ وَفِي السَّتُّوقَةِ لَا إنْ كَانَ مَفْصُولًا وَإِنْ كَانَ مَوْصُولًا صُدِّقَ كَمَا فِي النِّهَايَةِ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ مَوْصُولًا صَحِيحٌ فِي الْكُلِّ وَالتَّفْصِيلُ فِي الْمَفْصُولِ وَقَيَّدَ بِإِقْرَارِهِ بِقَبْضِ عَشَرَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ قَبَضَ حَقَّهُ أَوْ الثَّمَنَ أَوْ اسْتَوْفَى لَمْ يُصَدَّقْ لِلتَّنَاقُضِ وَقَيَّدَ بِالدَّرَاهِمِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ قَبَضَ الْمَبِيعَ ثُمَّ ادَّعَى عَيْبًا بِهِ فَالْقَوْلُ لِبَائِعِهِ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ مُتَعَيِّنٌ فَإِذَا قَبَضَهُ فَقَدْ أَقَرَّ بِأَنَّهُ اسْتَوْفَى عَيْنَ حَقِّهِ دَلَالَةً فَبِدَعْوَاهُ الْعَيْبَ صَارَ مُتَنَاقِضًا وَقَيَّدَ بِاقْتِصَارِهِ عَلَى قَبْضِ الدَّرَاهِمِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ قَبَضْت دَرَاهِمَ جِيَادًا لَمْ يُصَدَّقْ فِي دَعْوَاهُ الزُّيُوفَ مَوْصُولًا وَمَفْصُولًا وَفِيهَا إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ قَبَضَ حَقَّهُ أَوْ الثَّمَنَ أَوْ اسْتَوْفَى ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ كَانَ زُيُوفًا فَإِنْ كَانَ مَفْصُولًا لَمْ يُصَدَّقْ وَإِلَّا صُدِّقَ وَهُوَ الْمُرَادُ بِمَا قَدَّمْنَاهُ. وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ أَقَرَّ بِقَبْضِ الْقَدْرِ وَالْجَوْدَةِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ فَإِذَا اسْتَثْنَى الْجَوْدَةَ كَانَ اسْتِثْنَاءَ الْبَعْضِ مِنْ الْكُلِّ فَصَحَّ مَوْصُولًا كَقَوْلِهِ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إلَّا مِائَةً أَمَّا إذَا أَقَرَّ بِقَبْضِ عَشَرَةٍ جِيَادٍ فَقَدْ أَقَرَّ بِكُلٍّ مِنْهُمَا بِلَفْظٍ عَلَى حِدَةٍ فَإِذَا قَالَ إلَّا إنَّهَا زُيُوفٌ فَقَدْ اسْتَثْنَى الْكُلَّ مِنْ الْكُلِّ فِي حَقِّ الْجَوْدَةِ وَهُوَ بَاطِلٌ كَقَوْلِهِ لَهُ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَدِينَارٍ إلَّا دِينَارًا كَانَ بَاطِلًا وَإِنْ كَانَ مَوْصُولًا كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَالْإِقْرَارُ بِقَبْضِ رَأْسِ الْمَالِ كَالْإِقْرَارِ بِقَبْضِ حَقِّهِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُؤَلِّفُ حُكْمَ وَزْنِهَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَالدَّعْوَى وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ لَوْ أَقَرَّ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ عَدَدًا ثُمَّ قَالَ هِيَ وَزْنُ خَمْسَةٍ أَوْ سِتَّةٍ وَكَانَ الْإِقْرَارُ مِنْهُ بِالْكُوفَةِ فَعَلَيْهِ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَزْنُ سَبْعَةٍ فَلَا يُصَدَّقُ عَلَى النُّقْصَانِ إذَا لَمْ يُبَيِّنْ مَوْصُولًا وَكَذَا الدَّنَانِيرُ وَإِنْ كَانُوا فِي بِلَادٍ يَتَعَارَفُونَ عَلَى دَرَاهِمَ مَعْرُوفَةِ الْوَزْنِ بَيْنَهُمْ صُدِّقَ اهـ. وَالزُّيُوفُ مَا زَيَّفَهُ بَيْتُ الْمَالِ وَالنَّبَهْرَجَةُ مَا يَرُدُّهُ التُّجَّارُ وَالسَّتُّوقَةُ بِفَتْحِ السِّينِ مَا غَلَبَ غِشُّهَا فَلَيْسَتْ دَرَاهِمَ إلَّا مَجَازًا؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْغَالِبِ وَأَطْلَقَ فِي الدَّرَاهِمِ الْمُقَرِّ بِهَا فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَتْ دَيْنًا مِنْ قَرْضٍ أَوْ ثَمَنِ مَبِيعٍ أَوْ غَصْبًا أَوْ وَدِيعَةً كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَرَأْسُ الْمَالِ كَذَلِكَ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَقَيَّدَ بِدَعْوَى الْمُقِرِّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِقَبْضِ دَرَاهِمَ مُعَيَّنَةٍ ثُمَّ مَاتَ فَادَّعَى وَارِثُهُ أَنَّهَا زُيُوفٌ لَمْ تُقْبَلْ وَكَذَا إذَا أَقَرَّ الْوَدِيعَةِ وَالْمُضَارَبَةِ أَوْ الْغَصْبِ ثُمَّ زَعَمَ الْوَارِثُ أَنَّهَا زُيُوفٌ لَمْ يُصَدَّقْ الْوَارِثُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ دَيْنًا فِي مَالِ الْمَيِّتِ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَفِيهَا مِنْ الرَّهْنِ قَضَى دَيْنَهُ وَبَعْضُهُ زُيُوفٌ وَسَتُّوقَةٌ فَرَهَنَ شَيْئًا بِالسَّتُّوقَةِ وَالزُّيُوفِ وَقَالَ خُذْهُ رَهْنًا بِمَا فِيهِ مِنْ زُيُوفٍ وَسَتُّوقٍ صَحَّ فِي حَقِّ السَّتُّوقِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْجِنْسِ وَلَا يَصِحُّ فِي الزُّيُوفِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْجِنْسِ فَلَا دَيْنَ اهـ. وَقَيَّدَ بِالْإِقْرَارِ بِالْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِأَلْفٍ وَلَمْ يُبَيِّنْ الْجِهَةَ ثُمَّ ادَّعَى مَوْصُولًا أَنَّهَا زَيْفٌ لَمْ يُقْضَ عَلَيْهِ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ قِيلَ أَيْضًا عَلَى الْخِلَافِ وَقِيلَ يُصَدَّقُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الْجَوْدَةَ تَجِبُ فِي بَعْضِ الْوُجُوهِ لَا عَلَى الْبَعْضِ فَلَا تَجِبُ بِالِاحْتِمَالِ وَلَوْ قَالَ غَصَبْت أَلْفًا أَوْ أَوْدَعَنِي أَلْفًا إلَّا أَنَّهَا زُيُوفٌ صُدِّقَ وَإِنْ فَصَلَ وَعَنْ الْإِمَامِ أَنَّ الْقَرْضَ كَالْغَصْبِ وَلَوْ قَالَ فِي الْغَصْبِ الْوَدِيعَةِ إلَّا أَنَّهَا رَصَاصٌ أَوْ سَتُّوقَةٌ صُدِّقَ إذَا وَصَلَ وَلَوْ قَالَ عَلَيَّ كُرُّ حِنْطَةٍ مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ أَوْ قَرْضٍ إلَّا أَنَّهُ رَدِيءٌ فَالْقَوْلُ لَهُ وَلَيْسَ هَذَا كَدَعْوَى الرَّدَاءَةِ؛ لِأَنَّ الرَّدَاءَةَ فِي الْحِنْطَةِ لَيْسَتْ بِعَيْبٍ؛ لِأَنَّ الْعَيْبَ مَا يَخْلُو عَنْهُ أَصْلُ الْفِطْرَةِ وَالْحِنْطَةُ قَدْ تَكُونُ رَدِيئَةً بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ فَلَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ مُطْلَقُهُ عَلَى الْجَيِّدِ وَلِذَا لَمْ يَجُزْ شِرَاءُ الْبُرِّ بِدُونِ ذِكْرِ الصِّفَةِ أَقَرَّ بِقَرْضِ عَشَرَةِ أَفْلُسٍ أَوْ ثَمَنِ مَبِيعٍ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهَا كَاسِدَةٌ لَمْ يُصَدَّقْ وَإِنْ وَصَلَ وَقَالَا يُصَدَّقُ فِي الْقَرْضِ إذَا وَصَلَ أَمَّا فِي الْبَيْعِ فَلَا يُصَدَّقُ عِنْدَ الثَّانِي فِي قَوْلِهِ الْأَوَّلِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُصَدَّقُ فِي الْبَيْعِ وَعَلَيْهِ قِيمَةُ الْمَبِيعِ وَكَذَا الْخِلَافُ فِي قَوْلِهِ عَلَيَّ عَشَرَةٌ سَتُّوقَةٌ مِنْ قَرْضٍ أَوْ ثَمَنِ الْمَبِيعِ وَلَوْ قَالَ غَصَبْته عَشَرَةَ أَفْلُسٍ أَوْ أَوْدَعَنِي عَشَرَةَ أَفْلُسٍ ثُمَّ قَالَ هِيَ كَاسِدَةٌ صُدِّقَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَذَكَرَ فِي الْقُنْيَةِ مَسْأَلَةَ مَا إذَا أَقَرَّ بِدَيْنٍ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّ بَعْضَهُ قَرْضٌ وَبَعْضَهُ رِبًا أَنَّهُ يُقْبَلُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ فَلَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ مُطْلَقُهُ عَلَى الْجَيِّدِ) عِبَارَةُ الْبَزَّازِيَّةِ فَلَا يُحْمَلُ مُطْلَقُهُ عَلَى الْجَيِّدِ (قَوْلُهُ ثُمَّ قَالَ هِيَ كَاسِدَةٌ صُدِّقَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ) كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ أَقُولُ: الْمَسْأَلَةُ السَّابِقَةُ تَمَّتْ عِنْدَ قَوْلِهِ صُدِّقَ وَقَوْلُهُ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ ابْتِدَاءُ مَسْأَلَةٍ أُخْرَى ذَكَرَهَا الْبَزَّازِيُّ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 37 فِيهِ إذَا بَرْهَنَ وَذَكَرَهُ عَبْدُ الْقَادِرِ فِي الطَّبَقَاتِ مِنْ الْأَلْقَابِ عَنْ عَلَاءِ الدِّينِ (قَوْلُهُ وَمَنْ قَالَ لِآخَرَ لَك عَلَيَّ أَلْفٌ فَرَدَّهُ ثُمَّ صَدَّقَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ هُوَ الْأَوَّلُ وَقَدْ ارْتَدَّ بِرَدِّ الْمُقَرِّ لَهُ وَالثَّانِي دَعْوَى فَلَا بُدَّ مِنْ الْحُجَّةِ أَوْ تَصْدِيقِ الْخَصْمِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ اشْتَرَيْت وَأَنْكَرَ لَهُ أَنْ يُصَدِّقَهُ؛ لِأَنَّ أَحَدَ الْعَاقِدَيْنِ لَا يَنْفَرِدُ بِالْفَسْخِ كَمَا لَا يَنْفَرِدُ بِالْعَقْدِ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ حَقُّهُمَا فَبَقِيَ الْعَقْدُ فَعَمِلَ التَّصْدِيقُ أَمَّا الْمُقَرُّ لَهُ فَيَنْفَرِدُ بِرَدِّ الْإِقْرَارِ فَافْتَرَقَا كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَنَاقَضَهُ فِي الْكَافِي بِأَنَّهُ ذَكَرَ هُنَا أَنَّ أَحَدَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ لَا يَنْفَرِدُ بِالْفَسْخِ وَفِيمَا تَقَدَّمَ يَعْنِي فِي مَسْأَلَةِ التَّجَاحُدِ قَالَ وَلِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ اسْتِيفَاءُ الثَّمَنِ مِنْ الْمُشْتَرِي فَاتَ رِضَا الْبَائِعِ فَيَسْتَبِدُّ بِالْفَسْخِ وَالتَّوْفِيقُ بَيْنَ كَلَامِهِ صَعْبٌ اهـ. وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِقَوْلِهِ بَعْدَهُ وَهُوَ صَحِيحٌ وَيَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ تَعَذَّرَ الِاسْتِيفَاءُ مَعَ الْإِقْرَارِ بِأَنْ مَاتَ وَلَا بَيِّنَةَ أَنَّ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ وَيَسْتَمْتِعَ بِالْجَارِيَةِ وَالْوَجْهُ مَا قَدَّمَهُ أَوَّلًا اهـ. وَأَجَابَ عَنْهُ فِي الْعِنَايَةِ بِأَنْ لَا مُنَاقَضَةَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا حَكَمَ أَوَّلًا بِكَوْنِهِ فَسْخًا مِنْ جِهَتِهِ لَا مُطْلَقًا أَوْ لِأَنَّ كَلَامَهُ الْأَوَّلَ فِيمَا إذَا تَرَكَ الْبَائِعُ الْخُصُومَةَ وَالثَّانِي فِيمَا إذَا لَمْ يَتْرُكْهَا وَقَوْلُهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ أَيْ بِسَبَبِ الْإِقْرَارِ أَمَّا إذَا بَرْهَنَ الْمُقَرُّ لَهُ أَوْ صَدَّقَهُ خَصْمُهُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ الْمُقِرَّ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَسَيَأْتِي رَدُّهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ يَكُونُ الْحَقُّ لَهُمَا جَمِيعًا إذَا رَجَعَ الْمُنْكِرُ إلَى التَّصْدِيقِ قَبْلَ أَنْ يُصَدِّقَهُ الْآخَرُ عَلَى إنْكَارِهِ فَهُوَ جَائِزٌ كَالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ وَكُلُّ شَيْءٍ يَكُونُ الْحَقُّ فِيهِ لِوَاحِدٍ كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْإِقْرَارِ لَا يَنْفَعُهُ إقْرَارُهُ بَعْدَهُ كَذَا فِي الْقُنْيَةِ وَقَيَّدَ بِكَوْنِ التَّصْدِيقِ بَعْدَ الرَّدِّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَبِلَ الْإِقْرَارَ أَوَّلًا ثُمَّ رَدَّهُ لَمْ يَرْتَدَّ وَكَذَا الْإِبْرَاءُ عَنْ الدَّيْنِ وَهِبَتُهُ لِأَنَّهُ بِالْقَبُولِ قَدْ تَمَّ وَكَذَا إذَا وَقَفَ عَلَى رَجُلٍ فَقَبِلَهُ ثُمَّ رَدَّهُ لَمْ يَرْتَدَّ وَإِنْ رَدَّهُ قَبْلَ الْقَبُولِ ارْتَدَّ كَمَا فِي الْإِسْعَافِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْإِبْرَاءَ يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ إلَّا فِيمَا إذَا قَالَ الْمَدْيُونُ أَبْرِئْنِي فَأَبْرَأَهُ فَإِنَّهُ لَا يَرْتَدُّ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَكَذَا إبْرَاءُ الْكَفِيلِ لَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ فَالْمُسْتَثْنَى مَسْأَلَتَانِ كَمَا أَنَّ قَوْلَهُمْ إنَّ الْإِبْرَاءَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبُولِ يَخْرُجُ عَنْهُ الْإِبْرَاءُ عَنْ بَدَلِ الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ فَإِنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبُولِ لِيَبْطُلَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي بَابِ السَّلَمِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا ادَّعَى أَنَّهُ أَقَرَّ بِالْمَالِ الَّذِي أَبْرَأهُ مِنْهُ إنْ قَالَ أَبْرَأَنِي وَقَبِلْته لَمْ يَصِحَّ الْإِقْرَارُ لِعَدَمِ صِحَّةِ الرَّدِّ بَعْدَ الْقَبُولِ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ وَقَبِلْته صَحَّ الْإِقْرَارُ لِجَوَازِ رَدِّ الْإِبْرَاءِ فَيَبْطُلُ فَيَصِحُّ الْإِقْرَارُ وَتَمَامُهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَأَطْلَقَ فِي الرَّدِّ فَشَمِلَ مَا إذَا قَالَ لَيْسَ لِي عَلَيْك شَيْءٌ أَوْ قَالَ هِيَ لَك أَوْ قَالَ هِيَ لِفُلَانٍ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْأَخِيرُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُصَدِّقْ فُلَانًا وَإِلَّا فَهُوَ تَحْوِيلٌ وَأَشَارَ بِاتِّحَادِ الْإِقْرَارِ إلَى أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ ثَانِيًا بَعْدَ الرَّدِّ فَصَدَّقَهُ الثَّانِي ثَبَتَ اسْتِحْسَانًا لَا قِيَاسًا كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي الْقُنْيَةِ لَوْ أَنْكَرَ الْمُقِرُّ الْإِقْرَارَ الثَّانِيَ وَادَّعَاهُ الْمُقَرُّ لَهُ وَأَقَامَ بَيِّنَةً لَا تُسْمَعُ وَلَا يَحْلِفُ لِلتَّنَاقُضِ بَيْنَ هَذِهِ وَرَدِّ الْإِقْرَارِ وَعَدَمِ عِلْمِ الْقَاضِي بِمَا يَدْفَعُ التَّنَاقُضَ وَهُوَ رُجُوعُ الْمُقِرِّ إلَى إقْرَارِهِ قَالَ أُسْتَاذُنَا يَنْبَغِي الْقَبُولُ وَهُوَ الْأَشْبَهُ بِالصَّوَابِ إلَى آخِرِ مَا فِيهَا مِنْ الْإِقْرَارِ وَقَيَّدَ بِرَدِّ الْمُقَرِّ لَهُ؛ لِأَنَّ الْمُقِرَّ لَوْ رَدَّ إقْرَارَ نَفْسِهِ كَأَنْ أَقَرَّ بِقَبْضِ الْمَبِيعِ أَوْ الثَّمَنِ ثُمَّ قَالَ لَمْ أَقْبِضْ وَأَرَادَ تَحْلِيفَ الْآخَرِ أَنَّهُ أَقْبَضَهُ أَوْ قَالَ هَذَا لِفُلَانٍ ثُمَّ قَالَ هُوَ لِي وَأَرَادَ تَحْلِيفَ فُلَانٍ أَوْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ ثُمَّ قَالَ كُنْت كَاذِبًا لَا يَحْلِفُ الْمُقَرُّ لَهُ فِي الْمَسَائِلِ كُلِّهَا   [منحة الخالق] [قَالَ لِآخَرَ لَك عَلَيَّ أَلْفٌ فَرَدَّهُ ثُمَّ صَدَّقَهُ] (قَوْلُهُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْحُجَّةِ) قَالَ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ كَيْفَ تُقْبَلُ حُجَّتُهُ وَهُوَ مُتَنَاقِضٌ فِي دَعْوَاهُ تَأَمَّلْ فِي جَوَابِهِ اهـ. وَاسْتَشْكَلَهُ الْمُؤَلِّفُ أَيْضًا فِيمَا يَأْتِي فِي هَذِهِ السِّوَادَةِ (قَوْلُهُ وَأَجَابَ عَنْهُ فِي الْعِنَايَةِ إلَخْ) وَفِي الْحَوَاشِي الْيَعْقُوبِيَّةِ قَالَ صَاحِبُ الْكِفَايَةِ لَا تَنَاقُضَ بَيْنَ كَلَامِهِ فَيَحْتَاجُ إلَى التَّوْفِيقِ؛ لِأَنَّ مُرَادَهُ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ أَحَدَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ لَا يَنْفَرِدُ بِالْفَسْخِ فِيمَا إذَا كَانَ الْآخَرُ عَلَى الْعَقْدِ مُعْتَرِفًا بِهِ كَمَا إذَا قَالَ أَحَدُهُمَا اشْتَرَيْت وَأَنْكَرَ الْآخَرُ لَا يَكُونُ إنْكَارُهُ فَسْخًا لِلْعَقْدِ إذْ لَا يَتِمُّ بِهِ الْفَسْخُ وَفِيمَا إذَا قَالَ أَحَدُهُمَا اشْتَرَيْت مِنِّي هَذِهِ الْجَارِيَةَ وَأَنْكَرَ فَالْمُدَّعِي لِلْعَقْدِ هُوَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي يُنْكِرُ الْعَقْدَ وَالْبَائِعُ بِانْفِرَادِهِ عَلَى الْعَقْدِ فَيَسْتَبِدُّ بِفَسْخِهِ أَيْضًا وَفِيهِ كَلَامٌ وَهُوَ أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ قَوْلِهِ فِيمَا سَبَقَ وَلِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ إلَخْ كَوْنُ مُجَرَّدِ اسْتِقْلَالِ الْبَائِعِ فِي الْفَسْخِ لِتَعَذُّرِ اسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ دَلِيلًا مُسْتَقِلًّا لِحِلِّ الْوَطْءِ بِدُونِ اعْتِبَارِ كَوْنِ إنْكَارِ الْمُشْتَرِي فَسْخًا مِنْ جَانِبِهِ حَتَّى لَوْ تَعَذَّرَ الِاسْتِيفَاءُ مَعَ عَدَمِ الْإِنْكَارِ لَا يَسْتَبِدُّ بِالْفَسْخِ أَيْضًا وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا قَوْلُ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ فِي تَعْرِيفِهِ حِلَّ الْوَطْءِ لَا سِيَّمَا إذَا جَحَدَ الْمُشْتَرِي إلَخْ كَمَا لَا يَخْفَى بَلْ غَايَةُ مَا يُمْكِنُ فِي التَّوْفِيقِ أَنْ يُقَالَ إنَّ مُرَادَهُ فِيمَا سَبَقَ اسْتِبْدَادُ الْبَائِعِ بِالْفَسْخِ لِضَرُورَةِ تَعَذُّرِ اسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ وَوُجُوبِ دَفْعِ الضَّرَرِ وَهُنَا لَا ضَرُورَةَ لِلْمُقِرِّ لَهُ بِالشِّرَاءِ إلَى الْفَسْخِ فَلَا يَسْتَبِدُّ بِهِ فَمُرَادُهُ مِنْ قَوْلِهِ هَاهُنَا؛ لِأَنَّ أَحَدَ الْعَاقِدَيْنِ لَا يَنْفَرِدُ بِالْفَسْخِ إلَخْ عَدَمُ الِانْفِرَادِ عِنْدَ عَدَمِ الضَّرُورَةِ فَلَا تَنَاقُضَ لَكِنَّهُ بَعِيدٌ لَا يَخْفَى فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ. (قَوْلُهُ وَسَيَأْتِي رَدُّهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ) أَيْ رَدُّ قَوْلِهِ أَمَّا إنْ بَرْهَنَ الْمُقَرُّ لَهُ وَهُوَ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ السَّعْدِيَّةِ (قَوْلُهُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ إلَخْ) وُجِدَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ مُقَدَّمًا عَلَى قَوْلِهِ وَقَوْلُهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ قَيَّدَ بِكَوْنِ التَّصْدِيقِ بَعْدَ الرَّدِّ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ الْإِقْرَارُ وَالْإِبْرَاءُ لَا يَحْتَاجَانِ إلَى الْقَبُولِ وَيَرْتَدَّانِ بِالرَّدِّ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ أَحَدٍ وِلَايَةٌ عَلَى نَفْسِهِ وَلَيْسَ لِغَيْرِهِ أَنْ يَمْنَعَهُ وَلَكِنْ لِلْمُقَرِّ لَهُ أَنْ لَا يَقْبَلَ صِيَانَةً لِنَفْسِهِ عَنْ الْمِنَّةِ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة نَقْلًا عَنْ الْكَافِي وَالْمِلْكُ يَثْبُتُ لِلْمُقَرِّ لَهُ بِلَا تَصْدِيقٍ وَقَبُولٍ وَلَكِنْ يَبْطُلُ بِرَدِّهِ اهـ. قُلْتُ: وَيُسْتَثْنَى الْإِبْرَاءُ عَنْ بَدَلِ الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُؤَلِّفُ قَرِيبًا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 38 عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ مُتَنَاقِضٌ كَقَوْلِهِ لَيْسَ لِي عَلَى فُلَانٍ شَيْءٌ ثُمَّ ادَّعَى عَلَيْهِ مَالًا وَأَرَادَ تَحْلِيفَهُ لَمْ يَحْلِفْ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُحَلِّفُهُ لِلْعَادَةِ وَسَيَأْتِي فِي مَسَائِلَ شَتَّى آخِرَ الْكِتَابِ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ اخْتَارَهُ أَئِمَّةُ خُوَارِزْمَ لَكِنْ اخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا ادَّعَاهُ وَارِثٌ لِلْمُقِرِّ عَلَى قَوْلَيْنِ وَلَمْ يُرَجِّحْ فِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْهُمَا شَيْئًا وَقَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ الرَّأْيُ فِي التَّحْلِيفِ إلَى الْقَاضِي وَفَسَّرَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهُ يَجْتَهِدُ بِخُصُوصِ الْوَقَائِعِ فَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ حِينَ أَقَرَّ يَحْلِفُ لَهُ الْخَصْمُ وَمَنْ لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ فِيهِ ذَلِكَ لَا يُحَلِّفُهُ وَهَذَا إنَّمَا هُوَ فِي الْمُتَفَرِّسِ فِي الْأَخْصَامِ اهـ. وَلَا خُصُوصِيَّةَ لِلْأَلْفِ فَالْعَيْنُ كَالدِّينِ وَقَيَّدَ بِالرَّدِّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِمَالٍ مِنْ جِهَةٍ وَكَذَّبَهُ الْمُقَرُّ لَهُ فِيهَا وَادَّعَى أُخْرَى إنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْجِهَتَيْنِ مُنَافَاةٌ وَجَبَ الْمَالُ كَمَا إذَا قَالَ لَهُ أَلْفٌ بَدَلُ قَرْضٍ فَقَالَ بَدَلُ غَصْبٍ وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مُنَافَاةٌ كَأَنْ قَالَ ثَمَنُ عَبْدٍ لَمْ أَقْبِضْهُ وَقَالَ قَرْضٌ أَوْ غَصْبٌ وَلَمْ يَكُنْ الْعَبْدُ فِي يَدِهِ لَزِمَهُ الْأَلْفُ صَدَّقَهُ فِي الْجِهَةِ أَوْ كَذَّبَهُ عِنْدَ الْإِمَامِ وَإِنْ كَانَ فِي يَدِ الْمُدَّعِي فَالْقَوْلُ لِلْمُقِرِّ فِي يَدِهِ وَسَيَأْتِي فِي الْإِقْرَارِ وَتَمَامُهَا فِي إقْرَارِ مُنْيَةِ الْمُفْتِي وَقَيَّدَ بِالرَّدِّ مِنْ غَيْرِ تَحْوِيلٍ إلَى غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ حَوَّلَهُ كَمَا لَوْ أَقَرَّ ذُو الْيَدِ بِأَنَّ الدَّارَ لِفُلَانٍ فَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ مَا كَانَتْ لِي قَطُّ لَكِنَّهَا لِفُلَانٍ وَصَدَّقَهُ فُلَانٌ فَهِيَ لِلثَّانِي بِخِلَافِ الْمَقْضِيِّ لَهُ بِالدَّارِ إذَا قَالَ بَعْدَ الْقَضَاءِ مَا كَانَ لِي فِيهَا حَقٌّ قَطُّ لَكِنَّهَا لِفُلَانٍ وَتَمَامُهُ فِي الْمُنْيَةِ وَفِي التَّلْخِيصِ قَالَ أَوْدَعْتنِي هَذِهِ الْأَلْفَ فَقَالَ لَا بَلْ لِي أَلْفٌ قَرْضٌ فَقَدْ رُدَّ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ غَيْرُ الدَّيْنِ إلَّا أَنْ يَتَصَادَقَا؛ لِأَنَّ الْمُصِرَّ كَالْمُبْتَدِئِ وَلَوْ قَالَ أُقِرُّ أَقْرَضْتُكهَا أَخَذَ الْأَلْفَ؛ لِأَنَّ التَّكَاذُبَ فِي الزَّوَالِ وَلَوْ قَالَ غَصَبْتهَا أَخَذَ أَلْفًا؛ لِأَنَّ مُوجِبَهُ الضَّمَانُ فَاتَّفَقَا عَلَى الدَّيْنِ وَاخْتَلَفَا فِي الْجِهَةِ فَلَغَتْ وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ بِالْقَرْضِ وَهُوَ ادَّعَى الثَّمَنَ لَا يَلْزَمُ زَوَّجْتُكَ بِكَذَا لَا بَلْ بِعْتنِي؛ لِأَنَّ السَّبَبَ مَقْصُودٌ لِتَبَايُنِ الْحَلَّيْنِ وَلِذَا لَمْ يَصِحَّ الْإِقْرَارُ بِمُطْلَقِهِ بِخِلَافِ الْمَالِ اهـ. وَلَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ وَزْنِهَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَالدَّعْوَى وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ لَوْ أَقَرَّ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ عَدَدًا ثُمَّ قَالَ هِيَ وَزْنُ خَمْسَةٍ أَوْ سِتَّةٍ وَكَانَ الْإِقْرَارُ مِنْهُ بِالْكُوفَةِ فَعَلَيْهِ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَزْنُ سَبْعَةٍ فَلَا يُصَدَّقُ عَلَى النُّقْصَانِ إذَا لَمْ يُبَيِّنْ مَوْصُولًا وَكَذَا الدَّنَانِيرُ وَإِنْ كَانُوا فِي بِلَادٍ يَتَعَارَفُونَ عَلَى دَرَاهِمَ مَعْرُوفَةِ الْوَزْنِ بَيْنَهُمْ صُدِّقَ اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ فِي يَدِهِ عَبْدٌ فَقَالَ لِرَجُلٍ هُوَ عَبْدُك فَرَدَّهُ الْمُقَرُّ لَهُ ثُمَّ قَالَ بَلْ هُوَ عَبْدِي وَقَالَ الْمُقِرُّ هُوَ عَبْدِي فَهُوَ لِذِي الْيَدِ الْمُقِرِّ وَلَوْ قَالَ ذُو الْيَدُ لِلْآخَرِ هُوَ عَبْدُك فَقَالَ لَا بَلْ هُوَ عَبْدُك ثُمَّ قَالَ الْآخَرُ بَلْ هُوَ عَبْدِي وَبَرْهَنَ لَا يُقْبَلُ لِلتَّنَاقُضِ اهـ. وَهَذَا بِخِلَافِ مَا فِي الْهِدَايَةِ مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْحُجَّةِ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي سَمَاعَ الدَّعْوَى وَهُوَ مُشْكِلٌ وَقَيَّدَ بِالْإِقْرَارِ بِالْمَالِ احْتِرَازًا عَنْ الْإِقْرَارِ بِالرِّقِّ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالنَّسَبِ وَالْوَلَاءِ فَإِنَّهَا لَا تَرْتَدُّ بِالرَّدِّ أَمَّا الثَّلَاثَةُ الْأُوَلُ فَفِي الْبَزَّازِيَّةِ قَالَ لِآخَرَ أَنَا عَبْدُك فَرَدَّ الْمُقَرُّ لَهُ ثُمَّ عَادَ إلَى تَصْدِيقِهِ فَهُوَ عَبْدُهُ وَلَا يَبْطُلُ الْإِقْرَارُ بِالرِّقِّ بِالرَّدِّ كَمَا لَا يَبْطُلُ بِجُحُودِ الْمَوْلَى بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ وَالْعَيْنِ حَيْثُ يَبْطُلُ بِالرَّدِّ وَالطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ لَا يَبْطُلَانِ بِالرَّدِّ؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ يَتِمُّ بِالْمُسْقِطِ وَحْدَهُ اهـ. وَأَمَّا الْإِقْرَارُ بِالنَّسَبِ وَوَلَاءِ الْعَتَاقَةِ فَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ مِنْ الْوَلَاءِ، وَأَمَّا الْإِقْرَارُ بِالنِّكَاحِ فَلَمْ أَرَهُ الْآنَ وَحَاصِلُ مَسَائِلِ رَدِّ الْإِقْرَارِ بِالْمَالِ أَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَرُدَّهُ مُطْلَقًا أَوْ يَرُدَّ الْجِهَةَ الَّتِي عَيَّنَهَا الْمُقِرُّ وَحَوَّلَهَا إلَى أُخْرَى أَوْ يَرُدُّهُ لِنَفْسِهِ وَيُحَوِّلُهُ إلَى غَيْرِهِ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ بَطَلَ وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا مُنَافَاةٌ وَجَبَ وَإِلَّا بَطَلَ وَإِنْ كَانَ الثَّالِثُ فَإِنْ صَدَّقَهُ فُلَانٌ تَحَوَّلَ إلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ كَانَ بِطَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ أَوْ وَلَاءٍ أَوْ نِكَاحٍ أَوْ وَقْفٍ أَوْ نَسَبٍ أَوْ رِقٍّ لَمْ يَرْتَدَّ بِالرَّدِّ فَيُقَالُ الْإِقْرَارُ يَرْتَدُّ بِرَدِّ الْمُقَرِّ لَهُ إلَّا فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ (قَوْلُهُ وَمَنْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ مَالًا فَقَالَ مَا كَانَ لَك عَلَيَّ شَيْءٌ قَطُّ فَبَرْهَنَ الْمُدَّعِي عَلَى أَلْفٍ وَهُوَ بَرْهَنَ عَلَى الْقَضَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءِ قُبِلَ) لِإِمْكَانِ التَّوْفِيقِ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْحَقِّ قَدْ يُقْضَى وَيَبْرَأُ مِنْهُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُؤَكِّدَ النَّفْيَ بِكَلِمَةِ قَطُّ أَوْ لَا وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا قَضَى بِالْمَالِ ثُمَّ ادَّعَى الْإِيفَاءَ كَمَا فِي الْمُلْتَقَطِ فَالدَّفْعُ بَعْدَ الْقَضَاءِ صَحِيحٌ إلَّا فِي مَسْأَلَةِ الْمُخَمَّسَةِ كَمَا سَيَأْتِي وَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى الْقِصَاصَ عَلَى آخَرَ فَأَنْكَرَ فَبَرْهَنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْعَفْوِ أَوْ عَلَى الصُّلْحِ عَنْهُ عَلَى مَالٍ تُقْبَلُ وَكَذَا فِي دَعْوَى الرِّقِّ وَقَيَّدَ بِكَوْنِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَمْ يُصَالِحُ لِسُكُوتِهِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مُنَافَاةٌ إلَخْ) عِبَارَةُ الْمُنْيَةِ هَكَذَا وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مُنَافَاةٌ بِأَنْ قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ثَمَنُ عَبْدٍ بَاعَنِيهِ إلَّا أَنِّي لَمْ أَقْبِضْهُ وَقَالَ الْمُدَّعِي بَدَلَ قَرْضٍ أَوْ غَصْبٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْعَبْدُ فِي يَدِ الْمُدَّعِي بِأَنْ أَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِبَيْعِ عَبْدٍ لَا بِعَيْنِهِ فَعِنْدَ الْإِمَامِ يَلْزَمُهُ الْأَلْفُ صَدَّقَهُ الْمُدَّعِي فِي الْجَهَالَةِ أَوْ كَذَّبَهُ وَلَا يُصَدَّقُ فِي قَوْلِهِ لَمْ أَقْبِضْهُ وَإِنْ وَصَلَ وَإِنْ كَانَ فِي يَدِ الْمُدَّعِي بِأَنْ كَانَ الْمُقِرُّ عَيَّنَ عَبْدًا فَإِنْ صَدَّقَهُ الْمُدَّعِي يُؤْمَرُ بِأَخْذِهِ وَتَسْلِيمُ الْعَبْدِ إلَى الْمُقِرِّ كَذَا إذَا قَالَ الْعَبْدُ لَهُ وَلَكِنْ هَذِهِ الْأَلْفُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ ثَمَنٍ هَذَا الْعَبْدُ وَإِنْ كَذَّبَهُ وَقَالَ الْعَبْدُ لِي وَمَا بِعْته وَإِنَّمَا لِي عَلَيْهِ بِسَبَبٍ آخَرَ مِنْ بَدَلِ قَرْضٍ أَوْ غَصْبٍ فَالْقَوْلُ لِلْمُقِرِّ مَعَ يَمِينِهِ بِاَللَّهِ مَا لِهَذَا عَلَيْهِ أَلْفٌ مِنْ غَيْرِ ثَمَنِ هَذَا الْعَبْدِ. اهـ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 39 عَنْهُ وَالْأَصْلُ الْعَدَمُ أَمَّا إذَا أَنْكَرَ فَصَالَحَهُ عَلَى شَيْءٍ ثُمَّ بَرْهَنَ عَلَى الْإِيفَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءِ لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَى الْإِيفَاءَ ثُمَّ صَالَحَهُ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ مِنْهُ بُرْهَانُهُ عَلَى الْإِيفَاءِ كَمَا فِي الْخِزَانَةِ وَإِلَى أَنَّهُ مَتَى أَمْكَنَ التَّوْفِيقُ فَلَا تَنَاقُضَ فَمِنْ ذَلِكَ ادَّعَى مَالًا بِالشَّرِكَةِ ثُمَّ ادَّعَاهُ دَيْنًا عَلَيْهِ تُسْمَعُ وَعَلَى الْقَلْبِ لَا؛ لِأَنَّ مَالَ الشَّرِكَةِ يَنْقَلِبُ دَيْنًا بِالْجُحُودِ وَالدَّيْنُ لَا يَنْقَلِبُ أَمَانَةً وَلَا شَرِكَةً كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ. وَفِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ ادَّعَى عَلَيْهِ شَيْئًا فَأَجَابَ قَائِلًا إنِّي آتِي بِالدَّفْعِ فَقِيلَ أَعْلَى الْإِيفَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءِ فَقَالَ عَلَى كِلَيْهِمَا يُسْمَعُ قَوْلُهُ إنْ وَفَّقَ بِأَنْ قَالَ أَوْفَيْت الْبَعْضَ وَأَبْرَأَنِي عَنْ الْبَعْضِ أَوْ قَالَ أَبْرَأَنِي عَنْ الْكُلِّ لَكِنْ لَمَّا أَنْكَرَ الْإِبْرَاءَ أَوْفَيْت اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْإِمْكَانَ كَافٍ يُسْمَعُ مُطْلَقًا وَمِنْ مَسَائِلِ دَعْوَى الْإِيفَاءِ مَا فِي الْمُحِيطِ مِنْ الْمَسْأَلَةِ الْمُخَمَّسَةِ ادَّعَى عَلَى الْآخَرِ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَأَنَّهُ اسْتَوْفَى مِائَةً وَخَمْسِينَ وَبَقِيَ عَلَيْهِ خَمْسُونَ وَأَثْبَتَهَا بِالْبَيِّنَةِ ثُمَّ بَرْهَنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ أَوْفَاهُ الْخَمْسِينَ لَا تُسْمَعُ حَتَّى يَقُولَا هَذِهِ الْخَمْسُونَ الَّتِي تَدَّعِي؛ لِأَنَّ فِي مِائَةٍ وَخَمْسِينَ خَمْسِينَ اهـ. وَفِي دَعْوَى الْمُلْتَقَطِ لَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ لَهُ عَلَى فُلَانٍ أَرْبَعَمِائَةِ دِرْهَمٍ ثُمَّ أَقَرَّ الْمُدَّعِي أَنَّ لِلْمُنْكِرِ عَلَيْهِ ثَلَثَمِائَةٍ سَقَطَ عَنْ الْمُنْكِرِ ثَلَاثُمِائَةٍ عِنْدَ أَبِي الْقَاسِمِ الصَّفَّارِ وَعِنْدَ أَبِي أَحْمَدَ بْنِ عِيسَى بْنِ النَّضْرِ أَنَّهَا لَا تَسْقُطُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ. وَلْيُتَأَمَّلْ فِي وَجْهِ عَدَمِ السُّقُوطِ وَقَيَّدَ بِدَعْوَى الْإِيفَاءِ بَعْدَ الْإِنْكَارِ إذْ لَوْ ادَّعَاهُ بَعْدَ الْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ فَإِنْ كَانَ كِلَا الْقَوْلَيْنِ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ لَمْ يُقْبَلْ لِلتَّنَاقُصِ وَإِنْ تَفَرَّقَا عَنْ الْمَجْلِسِ ثُمَّ ادَّعَاهُ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْإِيفَاءِ بَعْدَ الْإِقْرَارِ تُقْبَلُ لِعَدَمِ التَّنَاقُضِ وَإِنْ ادَّعَى الْإِيفَاءَ قَبْلَ الْإِقْرَارِ لَا تُقْبَلُ كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ. (قَوْلُهُ وَإِنْ زَادَ وَلَا أَعْرِفُك لَا) أَيْ زَادَ قَوْلَهُ وَلَا أَعْرِفُك عَلَى قَوْلِهِ مَا كَانَ لَك عَلَيَّ شَيْءٌ قَطُّ لَمْ يُقْبَلْ بُرْهَانُهُ وَالْمُرَادُ هَذِهِ الْكَلِمَةُ وَمَا كَانَ مَعْنَاهَا نَحْوَ وَلَا رَأَيْتُك أَوْ وَلَا جَرَى بَيْنِي وَبَيْنَك مُعَامَلَةٌ أَوْ مُخَالَطَةٌ أَوْ خُلْطَةٌ أَوْ وَلَا أَخْذٌ وَلَا إعْطَاءٌ أَوْ مَا اجْتَمَعْت مَعَك فِي مَكَان كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَإِنَّمَا لَمْ تُقْبَلْ لِتَعَذُّرِ التَّوْفِيقِ بَيْنَ كَلَامَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ بَيْنَ اثْنَيْنِ مُعَامَلَةٌ مِنْ غَيْرِ مَعْرِفَةٍ وَذَكَرَ عَنْ أَصْحَابِنَا الْقُدُورِيِّ أَنَّهُ يُقْبَلُ لِإِمْكَانِ التَّوْفِيقِ؛ لِأَنَّ الْمُحْتَجِبَ مِنْ الرِّجَالِ وَالْمُخَدَّرَةَ قَدْ يُؤْذَى بِالشَّغَبِ عَلَى بَابِهِ فَيَأْمُرُ بَعْضَ وُكَلَائِهِ بِإِرْضَاءِ الْخَصْمِ وَلَا يَعْرِفُهُ ثُمَّ يَعْرِفُهُ وَفَرَّعَ عَلَيْهِ فِي النِّهَايَةِ تَبَعًا لِقَاضِي خَانْ بِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَوْ كَانَ مِمَّنْ يَتَوَلَّى الْأَعْمَالَ بِنَفْسِهِ لَا يُقْبَلُ اهـ. فَالْمُحْتَجِبُ مَنْ لَا يَتَوَلَّى الْأَعْمَالَ بِنَفْسِهِ وَقِيلَ مَنْ لَا يَرَاهُ كُلُّ أَحَدٍ لِعَظَمَتِهِ وَفِي الْقَامُوسِ الشَّغْبُ وَيُحَرَّكُ وَقِيلَ لَا تَهْيِيجُ الشَّرِّ وَفِي إصْلَاحِ الْإِيضَاحِ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ مَبْنَى إمْكَانِ التَّوْفِيقِ عَلَى أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مِمَّنْ لَا يَتَوَلَّى الْأَعْمَالَ بِنَفْسِهِ لَا عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِخُصُوصِهِ وَتَصْوِيرُ الْقُدُورِيِّ إمْكَانَ التَّوْفِيقِ فِيهِ لَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ. اهـ. وَدَفْعُهُ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ كُلَّهُ فِي تَنَاقُضِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا الْمُدَّعِي وَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى أَنَّهُ إذَا لَمْ يُمْكِنْ التَّوْفِيقُ لَمْ يَنْدَفِعْ التَّنَاقُضُ فَمِنْ ذَلِكَ مَا فِي الْمِعْرَاجِ مَعْزِيًّا إلَى الشَّافِي لَوْ قَالَ لَمْ أَدْفَعْ إلَيْهِ شَيْئًا ثُمَّ ادَّعَى الدَّفْعَ لَمْ يُسْمَعْ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَقُولَ لَمْ أَدْفَعْ إلَيْهِ شَيْئًا وَقَدْ دَفَعْت أَمَّا لَوْ ادَّعَى إقْرَارَهُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ أَوْ الْقَضَاءِ يَنْبَغِي أَنْ يُسْمَعَ؛ لِأَنَّ الْمُتَنَاقِضَ هُوَ الَّذِي يَجْمَعُ بَيْنَ كَلَامَيْنِ وَهَاهُنَا لَمْ يَجْمَعْ وَلِهَذَا لَوْ صَدَّقَهُ الْمُدَّعِي عِيَانًا لَمْ يَكُنْ مُنَاقِضًا ذَكَرَهُ التُّمُرْتَاشِيُّ وَمِنْ هُنَا أَجَبْت عَنْ حَادِثَةٍ: أَذِنَ لَهُ فِي دَفْعِ الْمَالِ لِأَخِيهِ ثُمَّ ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ مَا دَفَعَ فَقَالَ دَفَعْت ثُمَّ قَالَ لَمْ أَدْفَعْ فَحَكَمَ عَلَيْهِ فَجَاءَ الْأَخُ فَأَقَرَّ أَنَّهُ دَفَعَ لَهُ فَإِنَّهُ يَبْرَأُ؛ لِأَنَّ تَصْدِيقَ الْأَخِ الْمَأْذُونِ فِي الدَّفْعِ إلَيْهِ كَتَصْدِيقِ الْمُدَّعِي وَقَدْ عَلِمْت مَا إذَا صَدَّقَ الْمُدَّعِيَ وَقِيلَ تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْإِبْرَاءِ فِي هَذَا الْفَصْلِ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ؛ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ يَتَحَقَّقُ بِلَا مَعْرِفَةٍ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ ادَّعَى عَلَيْهِ مِلْكًا مُطْلَقًا ثُمَّ ادَّعَى عَلَيْهِ عِنْدَ ذَلِكَ الْحَاكِمِ بِسَبَبٍ يُقْبَلُ وَيُسْمَعُ بُرْهَانُهُ بِخِلَافِ الْعَكْسِ إلَّا أَنْ يَقُولَ الْعَاكِسُ أَرَدْت بِالْمُطْلَقِ الثَّانِي الْمُقَيَّدَ الْأَوَّلَ لِكَوْنِ الْمُطْلَقِ أَزْيَدَ مِنْ الْمُقَيَّدِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى نَصَّ عَلَيْهِ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ ادَّعَى النِّتَاجَ أَوَّلًا ثُمَّ الْمِلْكَ الْمُقَيَّدَ فَقِيَاسُ مَا ذَكَرُوهُ أَنَّهُ إذَا ادَّعَى النِّتَاجَ وَشَهِدَ بِالْمُقَيَّدِ لَا يُقْبَلُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ. اهـ. وَفِي إقْرَارِ الْبَزَّازِيَّةِ أَقَرَّ بِبَيْعِ عَبْدِهِ مِنْ فُلَانٍ ثُمَّ جَحَدَهُ صَحَّ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْبَيْعِ بِلَا ثَمَنٍ إقْرَارٌ بَاطِلٌ اهـ.   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَلْيُتَأَمَّلْ فِي وَجْهِ عَدَمِ السُّقُوطِ) قَالَ فِي الْمِنَحِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ وَجْهَهُ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَمَّا كَانَ جَاحِدًا فَذِمَّتُهُ غَيْرُ مَشْغُولَةٍ بِشَيْءٍ فِي زَعْمِهِ فَأَنَّى تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ اهـ. وَنَقَلَهُ عَنْهُ الرَّمْلِيُّ مَعَ زِيَادَةٍ وَهِيَ قَوْلُهُ أَوْ نَقُولُ يَجْعَلُ تَصْمِيمَهُ عَلَى الْإِنْكَارِ رَدًّا لِمَا أَقَرَّ بِهِ الْمُدَّعِي وَهُوَ مِمَّا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقِيلَ تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْإِبْرَاءِ فِي هَذَا الْفَصْلِ) قَائِلُهُ صَاحِبُ الْكَافِي كَمَا ذَكَرَهُ الْعَيْنِيُّ وَقَوْلُهُ فِي هَذَا الْفَصْلِ أَيْ فَصْلِ الْمُحْتَجِبِ وَالْمُخَدَّرَةِ أَبُو السُّعُودِ (قَوْلُهُ لِكَوْنِ الْمُطْلَقِ أَزْيَدَ مِنْ الْمُقَيَّدِ) ؛ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يَثْبُتُ مِنْ الْأَصْلِ حَتَّى يَسْتَحِقَّ بِهِ الزَّوَائِدَ وَالْمُقَيَّدُ بِسَبَبٍ يَقْتَصِرُ عَلَى وَقْتِ وُجُوبِ السَّبَبِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 40 وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ كَفَلَ بِثَمَنٍ أَوْ مَهْرٍ ثُمَّ الْكَفِيلُ بَرْهَنَ عَلَى فَسَادِ الْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّ إقْدَامَهُ عَلَى الْتِزَامِ الْمَالِ إقْرَارٌ مِنْهُ بِصِحَّةِ سَبَبِ وُجُوبِ الْمَالِ فَلَا تُسْمَعُ مِنْهُ بَعْدَهُ دَعْوَى الْفَسَادِ وَلَوْ بَرْهَنَ عَلَى إيفَاءِ الْأَصِيلِ أَوْ عَلَى إبْرَائِهِ تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ تَقْرِيرٌ لِلْوُجُوبِ السَّابِقِ كَفَلَ عَنْهُ بِأَلْفٍ لِرَجُلٍ يَدَّعِيهِ فَبَرْهَنَ الْكَفِيلُ أَنَّ الْأَلْفَ الْمُدَّعَاةَ ثَمَنُ خَمْرٍ لَا تُقْبَلُ وَلَوْ قَالَ الْكَفِيلُ الْأَلْفُ الْمُدَّعَاةُ قِمَارٌ أَوْ ثَمَنُ خَمْرٍ أَوْ نَحْوِهِ مِمَّا لَا يَجِبُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَلَوْ بَرْهَنَ عَلَى إقْرَارِ الْمَكْفُولِ لَهُ وَهُوَ يَجْحَدُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُحَلِّفَ الطَّالِبَ وَلَوْ أَقَرَّ بِهِ الطَّالِبُ عِنْدَ الْقَاضِي بَرِئَ الْأَصِيلُ وَالْكَفِيلُ جَمِيعًا اهـ. أَقُولُ: لَا يُقَالُ لَمَّا بَرِئَا بِإِقْرَارِهِ يَنْبَغِي أَنْ تُقْبَلَ بَيِّنَةُ إقْرَارِهِ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ تُسْمَعُ عِنْدَ صِحَّةِ الدَّعْوَى وَقَدْ بَطَلَتْ هُنَا لِلتَّنَاقُضِ؛ لِأَنَّ كَفَالَتَهُ إقْرَارٌ بِصِحَّتِهَا اهـ. وَفِي الِاخْتِيَارِ كُلُّ قَوْلَيْنِ مُتَنَاقِضَيْنِ صَدَرَا مِنْ الْمُدَّعِي عِنْدَ الْحَاكِمِ فَإِنْ أَمْكَنَ التَّوْفِيقُ قُبِلَ وَإِلَّا لَمْ يُقْبَلْ كَمَا إذَا صَدَرَ مِنْ الشُّهُودِ وَكُلُّ مَا أَثَّرَ فِي قَدْحِ الشَّهَادَةِ أَثَّرَ فِي مَنْعِ اسْتِمَاعِ الدَّعْوَى اهـ. (قَوْلُهُ وَمَنْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ أَنَّهُ بَاعَهُ أَمَتَهُ فَقَالَ لَمْ أَبِعْهَا مِنْك قَطُّ فَبَرْهَنَ عَلَى الشِّرَاءِ فَوَجَدَ بِهَا عَيْبًا فَبَرْهَنَ الْبَائِعُ أَنَّهُ بَرِئَ إلَيْهِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ لَمْ تُقْبَلْ) لِلتَّنَاقُضِ؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْبَرَاءَةِ تَغْيِيرٌ لِلْعَقْدِ مِنْ اقْتِضَاءِ وَصْفِ السَّلَامَةِ إلَى غَيْرِهِ فَيَقْتَضِي وُجُودَ الْعَقْدِ وَقَدْ أَنْكَرَهُ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ مَسْأَلَةِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْبَاطِلَ قَدْ يُقْضَى وَيُبْرَأُ مِنْهُ دَفْعًا لِلدَّعْوَى الْبَاطِلَةِ وَمَا فِي الْكِتَابِ هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ الْكُلِّ وَحَكَى الْخَصَّافُ رِوَايَةً عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا تُقْبَلُ لِإِمْكَانِ التَّوْفِيقِ بِأَنْ بَاعَهَا وَكِيلُهُ وَأَبْرَأَهُ عَنْ الْعَيْبِ وَنَظِيرُهُ مَا ذَكَرَهُ أَبُو يُوسُفَ أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى الشِّرَاءَ مِنْ شَخْصٍ وَهُوَ مُنْكِرٌ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً عَلَى الشِّرَاءِ مِنْهُ فَأَقَامَ الْمُنْكِرُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ قَدْ رَدَّ الْمَبِيعَ عَلَيَّ تُقْبَلُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ إمْكَانِ التَّوْفِيقِ. هَكَذَا عَزَا هَذَا الْفَرْعَ الشَّارِحُ إلَيْهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ عَلَى أَنَّهُ نَقْلُ الْمَذْهَبِ فَقَالَ ادَّعَى عَلَى آخَرَ أَنَّهُ اشْتَرَى مِنْهُ هَذِهِ الدَّارَ فَأَنْكَرَ الشِّرَاءَ فَلَمَّا أَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ عَلَى الشِّرَاءِ ادَّعَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ رَدَّهَا عَلَيْهِ يَعْنِي أَقَالَهَا يُسْمَعُ هَذَا الدَّفْعُ وَلَوْ لَمْ يَدَّعِ الْإِقَالَةَ وَلَكِنْ يَدَّعِي إيفَاءَ الثَّمَنِ أَوْ الْإِبْرَاءَ اخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ وَمِنْ هَذَا الْجِنْسِ صَارَتْ وَاقِعَةٌ بِسَمَرْقَنْدَ صُورَتُهَا ادَّعَتْ امْرَأَةٌ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا عَلَى كَذَا مِنْ الْمَهْرِ وَطَالَبَتْهُ بِالْمَهْرِ وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ النِّكَاحَ أَصْلًا فَلَمَّا أَقَامَتْ الْمَرْأَةُ الْبَيِّنَةَ عَلَى النِّكَاحِ ادَّعَى الزَّوْجُ أَنَّهُ خَالَعَهَا عَلَى الْمَهْرِ تُسْمَعُ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ زَوَّجَهَا مِنْهُ أَبُوهُ وَهُوَ صَغِيرٌ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ وَمِنْ هَذَا الْجِنْسِ رَجُلٌ ادَّعَى عَلَى آخَرَ أَلْفًا وَدِيعَةً فَأَنْكَرَ فَلَمَّا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْإِيدَاعِ ادَّعَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الرَّدَّ أَوْ الْهَلَاكَ إنْ قَالَ أَوَّلًا لَيْسَ لَك عَلَيَّ شَيْءٌ يُسْمَعُ وَإِنْ قَالَ مَا أَوْدَعْتنِي أَصْلًا لَا يُسْمَعُ. اهـ. وَاسْتَشْكَلَ مَسْأَلَةَ الْكِتَابِ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ بِأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ تُقْبَلَ الْبَيِّنَةُ فِيهَا وِفَاقًا خِلَافًا لِزُفَرَ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُكَذِّبًا شَرْعًا بِبَيِّنَةِ الْمُدَّعِي فَلَحِقَ إنْكَارُهُ بِالْعَدَمِ فَصَارَ كَمَا فِي الْكَفَالَةِ مِنْ أَنَّ رَجُلًا لَوْ بَرْهَنَ أَنَّ لَهُ عَلَى الْغَائِبِ أَلْفًا وَهَذَا كَفِيلُهُ بِأَمْرِهِ يَرْجِعُ الْكَفِيلُ عَلَى الْغَائِبِ وَلَوْ أَنْكَرَ الْكَفَالَةَ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُكَذِّبًا شَرْعًا فِي إنْكَارِهِ فَلَحِقَ بِالْعَدَمِ قَالَ وَيُمْكِنُ الْفَرْقُ بِأَنَّ الْحُكْمَ بِأَدَائِهِ ثَمَّةَ حُكْمٌ بِالرُّجُوعِ أَيْضًا فَلَا حَاجَةَ إلَى إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ ثَانِيًا عَلَى كَفَالَتِهِ لِثُبُوتِهَا أَوَّلًا وَهُنَا الْحُكْمُ بِالشِّرَاءِ لَيْسَ بِحُكْمٍ بِالْبَرَاءَةِ وَالْإِيفَاءِ فَلَا بُدَّ مِنْ الدَّعْوَى فَيُبْطِلُهُ التَّنَاقُضُ فَافْتَرَقَا وَيُمْكِنُ أَنْ يُرَدَّ بِأَنَّ إنْكَارَهُ لَمَّا لَحِقَ بِالْعَدَمِ لِمَا مَرَّ لَا يَتَحَقَّقُ التَّنَاقُضُ لِعَدَمِ إنْكَارِهِ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ فَيَنْبَغِي أَنْ تَصِحَّ الدَّعْوَى عَلَى أَصْلٍ مِنْ الْعُدَّةِ أَنْكَرَ الْبَيْعَ فَبَرْهَنَ عَلَيْهِ الْمُشْتَرِي فَادَّعَى الْبَائِعُ إقَالَةً يُسْمَعُ هَذَا الدَّفْعُ وَلَوْ لَمْ يَدَّعِ الْإِقَالَةَ وَلَكِنْ ادَّعَى إيفَاءَ الثَّمَنِ أَوْ الْإِبْرَاءَ اخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ. اهـ. وَقَدْ أَجَبْنَا عَنْهُ فِي حَاشِيَتِنَا عَلَيْهِ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ الْمُقِرَّ إنَّمَا يَصِيرُ مُكَذَّبًا شَرْعًا إذَا حَكَمَ الْقَاضِي بِمَا يُخَالِفُ إقْرَارَهُ وَفِي مَسْأَلَتِنَا لَمْ يَقْضِ الْقَاضِي بِالْبَيْعِ حَتَّى تَنَاقَضَ الْخَصْمُ فَلَمْ يَكُنْ مُكَذِّبًا شَرْعًا كَمَا لَا يَخْفَى وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ ظَهَرَ أَنَّ تَقْيِيدَ الْمُؤَلِّفِ مَسْأَلَةَ الْكِتَابِ بِدَعْوَى الرَّدِّ بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْإِنْكَارِ لِأَصْلِ الْبَيْعِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ دَعْوَى الْإِقَالَةِ وَيَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا كَمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِيمَا -   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ مِنْ الْعُدَّةِ) لَفْظُ الْعُدَّةِ رَمْزُ كِتَابٍ وَمَا بَعْدَهُ نَقْلٌ عَنْهُ (قَوْلُهُ وَقَدْ أَجَبْنَا عَنْهُ فِي حَاشِيَتِنَا عَلَيْهِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَعَلَيْك أَنْ تَتَأَمَّلَ فِي هَذَا الْجَوَابِ اهـ. أَيْ فَإِنَّ الْقَضَاءَ بِالشِّرَاءِ قَضَاءٌ بِالْبَيْعِ فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ لَمْ يَقْضِ الْقَاضِي بِالْبَيْعِ وَأَقُولُ: الْجَوَابُ النَّافِعُ إنْ شَاءَ اللَّهُ مَا يُسْتَفَادُ مِنْ كِتَابِ نُورِ الْعَيْنِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَحَلِّ وَفِي غَيْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ أَنَّ الْكَفِيلَ لَمَّا الْتَحَقَ زَعْمُهُ بِالْعَدَمِ وَثَبَتَ خِلَافُهُ وَهُوَ كَوْنُهُ كَفِيلًا لَمْ يَسْعَ فِي إعَادَةِ زَعْمِهِ وَلَمْ يُرِدْ نَقْضَ الْبَيِّنَةِ بَلْ رَضِيَ بِمُوجَبِهَا حَتَّى جَعَلَهُ مَبْنًى لِدَعْوَاهُ الرُّجُوعَ عَلَى الْأَصِيلِ، وَأَمَّا الْبَائِعُ فِي مَسْأَلَتِنَا فَقَدْ سَعَى فِي إعَادَةِ مَا آلَ زَعْمُهُ وَهُوَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ بَعْدَ الْتِحَاقِهِ بِالْعَدَمِ بِثُبُوتِ خِلَافِهِ وَأَرَادَ نَقْضَ مَا أَثْبَتَهُ الْبَيِّنَةُ وَهُوَ عَدَمُ بَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ فَهَذَا فَرْقٌ وَاضِحٌ حَقٌّ وَكَذَا يُقَالُ فِي دَعْوَى الْإِقَالَةِ؛ لِأَنَّهَا فَسْخٌ لِلْعَقْدِ الَّذِي أَثْبَتَهُ الْخَصْمُ بِالْبَيِّنَةِ فَفِيهِ تَقْرِيرٌ لِمُوجَبِهَا وَمِثْلُهُ يُقَالُ فِي مَسْأَلَةِ الْبَزَّازِيَّةِ الْأَخِيرَةِ فَاحْفَظْهُ فَإِنَّهُ يَنْفَعُك فِي كَثِيرٍ مِنْ أَمْثَالِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 41 فِي الْبَزَّازِيَّةِ ادَّعَى عَلَيْهِ شِرَاءَ عَبْدِهِ فَأَنْكَرَ فَبَرْهَنَ عَلَيْهِ فَادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ رَدَّهُ عَلَيْهِ بِالْعَيْبِ تُسْمَعُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُكَذَّبًا فِي إنْكَارِ الْبَيْعِ فَارْتَفَعَ التَّنَاقُضُ بِتَكْذِيبِ الشَّرْعِ كَمَا ارْتَفَعَ بِتَصْدِيقِ الْخَصْمِ اهـ. وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَلَوْ قَالَ لَا نِكَاحَ بَيْنِي وَبَيْنَك فَلَمَّا بَرْهَنَتْ عَلَى النِّكَاحِ بَرْهَنَ هُوَ عَلَى الْخُلْعِ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ وَلَوْ قَالَ لَمْ يَكُنْ بَيْنَنَا نِكَاحٌ قَطُّ أَوْ قَالَ لَمْ أَتَزَوَّجْهَا قَطُّ وَالْبَاقِي بِحَالِهِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا وَمَسْأَلَةُ الْعَيْبِ سَوَاءً وَثَمَّةَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْبَرَاءَةِ عَنْ الْعَيْبِ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ عَنْ الْعَيْبِ إقْرَارٌ بِالْبَيْعِ فَكَذَا الْخُلْعُ يَقْتَضِي سَابِقَةَ النِّكَاحِ فَيَتَحَقَّقُ التَّنَاقُضُ. اهـ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ التَّنَاقُضَ بَيْنَ الدَّعْوَتَيْنِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ الْقَاضِي يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي الْأَجْنَاسِ وَالصُّغْرَى ادَّعَى مَحْدُودًا بِشِرَاءٍ أَوْ إرْثٍ ثُمَّ ادَّعَاهُ مِلْكًا مُطْلَقًا لَا يُسْمَعُ إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى الْأُولَى عِنْدَ الْقَاضِي فَأَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ عِنْدَ الْقَاضِي فَهَذَا وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ قَالَ الْبَزَّازِيُّ وَهَذَا عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي ذَكَرُوا أَنَّ التَّنَاقُضَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ إذَا كَانَ كِلَا الدَّعْوَتَيْنِ عِنْدَ الْقَاضِي فَأَمَّا مَنْ اشْتَرَطَ أَنْ يَكُونَ الثَّانِي عِنْدَ الْقَاضِي يَكْفِي فِي تَحْقِيقِ التَّنَاقُضِ كَوْنُ الثَّانِي عِنْدَ الْحَاكِمِ ثُمَّ قَالَ فِي فَصْلِ الدَّفْعِ وَفِي الْمُحِيطِ ادَّعَى عَلَى آخَرَ عِنْدَ غَيْرِ الْحَاكِمِ بِالشِّرَاءِ أَوْ الْإِرْثِ ثُمَّ ادَّعَاهُ عِنْدَ الْحَاكِمِ مُطْلَقًا إنْ ادَّعَى الشِّرَاءَ مِنْ مَعْرُوفٍ لَا تُقْبَلُ وَإِنْ ادَّعَاهُ مِنْ مَجْهُولٍ ثُمَّ الْمُطْلَقُ عِنْدَ الْحَاكِمِ تُقْبَلُ دَلَّتْ الْمَسْأَلَةُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي التَّنَاقُضِ كَوْنُ الْمُتَدَافِعَيْنِ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ بَلْ يَكْتَفِي بِكَوْنِ الثَّانِي فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ. اهـ. وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ الْمُعْتَمَدُ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُتَنَاقِضَيْنِ إذَا قَالَ تَرَكْت الْكَلَامَ الْأَوَّلَ وَاسْتَقَرَّ عَلَى الثَّانِي يُقْبَلُ مِنْهُ قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ فِي الذَّخِيرَةِ ادَّعَاهُ مُطْلَقًا فَدَفَعَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِأَنَّك كُنْت ادَّعَيْته قَبْلَ هَذَا مُقَيَّدًا وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ فَقَالَ الْمُدَّعِي أَدَّعِيهِ الْآنَ بِهَذَا السَّبَبِ وَتَرَكْت الْمُطْلَقَ يُقْبَلُ وَيَبْطُلُ الدَّفْعُ اهـ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ التَّنَاقُضَ الْمَانِعَ إمَّا أَنْ يَسْمَعَ الْحَاكِمُ الْكَلَامَيْنِ أَوْ يَسْمَعَ الثَّانِيَ فَيَدْفَعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ قَالَ أَوَّلًا كَذَا يُرِيدُ دَفْعَهُ فَيُنْكِرَ فَيُبَرْهِنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى قَوْلِهِ الْأَوَّلِ فَيَثْبُتَ التَّنَاقُضُ وَهَذَا هُوَ طَرِيقُ دَفْعِ الدَّعْوَى وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْمُخَمَّسَةِ مِنْ الدَّعْوَى وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّ أَبَاك أَوْصَى لِي بِثُلُثِ مَالِهِ فَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْوَصِيَّةَ فَبَرْهَنَ الْمُدَّعِي فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إنَّ أَبِي رَجَعَ عَنْ هَذِهِ الْوَصِيَّةِ قِيلَ لَا يَصِحُّ هَذَا الدَّفْعُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ صَحِيحٌ وَكَذَا لَوْ بَرْهَنَ عَلَى جُحُودِ أَبِيهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْجُحُودَ رُجُوعٌ اهـ. وَفِيهَا ادَّعَتْ امْرَأَةٌ عَلَى وَرَثَةِ زَوْجِهَا الْمَهْرَ فَأَنْكَرُوا نِكَاحَهَا فَبَرْهَنَتْ فَدَفَعُوا بِأَنَّهَا كَانَتْ أَبْرَأَتْ أَبَانَا فِي حَيَاتِهِ إنْ قَالُوا أَبْرَأَتْهُ عَنْ الْمَهْرِ لَا يَصِحُّ لِلتَّنَاقُضِ وَإِنْ قَالُوا أَبْرَأَتْهُ عَنْ دَعْوَى الْمَهْرِ صَحَّ اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ ادَّعَى عَلَيْهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ ثَمَنَ جَارِيَةٍ بِشَرَائِطَ وَعَجَزَ عَنْ إثْبَاتِهَا فَقَالَ كَانَتْ الْأَلْفُ وَدِيعَةً عِنْدَهُ لَا تُقْبَلُ وَلَوْ ادَّعَى كَوْنَهَا وَدِيعَةً فَعَجَزَ فَادَّعَى كَوْنَهَا قَرْضًا تُقْبَلُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَيَبْطُلُ الصَّكُّ بِإِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى) أَيْ يَبْطُلُ مَكْتُوبُ الشِّرَاءِ أَوْ الْإِقْرَارِ وَنَحْوِهِمَا إذَا كُتِبَ فِي آخِرِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَيَبْطُلُ الْبَيْعُ وَنَحْوُهُ لِكَوْنِ الِاسْتِثْنَاءِ مُبْطِلًا وَفِي الصِّحَاحِ الصَّكُّ كِتَابٌ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ وَالْجَمْعُ أَصُكٌّ وَصِكَاكٌ وَصُكُوكٌ اهـ. أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا اشْتَمَلَ عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ وَأَشْيَاءَ وَفِي الثَّانِي الِاخْتِلَافُ قَالَ الْإِمَامُ إذَا كُتِبَ بَيْعٌ وَإِقْرَارٌ وَإِجَارَةٍ وَغَيْرُ ذَلِكَ ثُمَّ كُتِبَ فِي آخِرِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بَطَلَ الْكُلُّ قِيَاسًا؛ لِأَنَّ الْكُلَّ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ بِحُكْمِ الْعَطْفِ وَبَطَلَ الْأَخِيرُ عِنْدَهُمَا فَقَطْ اسْتِحْسَانًا لِانْصِرَافِ الِاسْتِثْنَاءِ إلَى مَا يَلِيهِ؛ لِأَنَّ الصَّكَّ لِلِاسْتِيثَاقِ وَكَذَا الْأَصْلُ فِي الْكَلَامِ الِاسْتِيثَاقُ وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْكِتَابَةَ كَالنُّطْقِ فَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ اتِّصَالِ الْمَشِيئَةِ فَلَوْ تَرَكَ فُرْجَةً فَإِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَنْصَرِفُ إلَى مَا يَلِيهِ اتِّفَاقًا كَالسُّكُوتِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمَشِيئَةَ إذَا ذُكِرَتْ بَعْدَ جُمَلٍ مُتَعَاطِفَةٍ بِالْوَاوِ كَقَوْلِهِ عَبْدُهُ حُرٌّ وَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ وَعَلَيْهِ الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ إنْ شَاءَ اللَّهُ يَنْصَرِفُ إلَى الْكُلِّ فَيَبْطُلُ الْكُلُّ فَمَشَى أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى حُكْمِهِ وَهُمَا أَخْرَجَا صُورَةَ كَتْبِ الصَّكِّ مِنْ عُمُومِهِ بِعَارِضٍ اقْتَضَى تَخْصِيصَ الصَّكِّ مِنْ عُمُومِ حُكْمِ الشَّرْطِ الْمُتَعَقِّبِ جُمَلًا مُتَعَاطِفَةً لِلْعَادَةِ وَعَلَيْهَا يُحْمَلُ الْحَادِثُ وَلِذَا كَانَ قَوْلُهُمَا اسْتِحْسَانًا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ الْقَاضِي) قَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ عِنْدَ قَوْلِهِ ادَّعَى دَارًا فِي يَدِ رَجُلٍ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُتَنَاقِضَ إذَا قَالَ تَرَكْت الْكَلَامَ الْأَوَّلَ إلَخْ) قَدَّمَ الْمَسْأَلَةَ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ ادَّعَى دَارًا فِي يَدِ رَجُلٍ إلَخْ وَالْأَوْلَى مَا عَبَّرَ بِهِ فِي فَصْلِ الِاسْتِحْقَاقِ حَيْثُ قَالَ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُتَنَاقِضَ الَّذِي لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ إذَا قَالَ تَرَكْت أَحَدَ الْكَلَامَيْنِ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ مِنْهُ اهـ. لِأَنَّ قَوْلَهُ هُنَا إذَا قَالَ تَرَكْت الْكَلَامَ الْأَوَّلَ إلَخْ لَا يُوَافِقُهُ كَلَامُ الْبَزَّازِيَّةِ ثُمَّ إنَّ كَلَامَ الْبَزَّازِيَّةِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا قَاعِدَةٌ كُلِّيَّةٌ كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْمُؤَلِّفِ بَلْ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الْجُزْئِيَّةِ وَفِي الْحَقِيقَةِ رُجُوعُهُ عَنْ الْإِطْلَاقِ إلَى التَّقْيِيدِ مِنْ قَبِيلِ التَّوْفِيقِ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ الْخَانِيَّةِ حَتَّى لَوْ قَالَ أَرَدْت بِهَذَا الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ الْمِلْكَ بِذَلِكَ السَّبَبِ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَتُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ فَلْيُتَأَمَّلْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 42 رَاجِحًا عَلَى قَوْلِهِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فَظَاهِرُهُ أَنَّ الشَّرْطَ يَنْصَرِفُ إلَى الْجَمِيعِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِالْمَشِيئَةِ وَفِي وَكَالَةِ الْبَزَّازِيَّةِ وَعَنْ الثَّانِي قَالَ امْرَأَةُ زَيْدٍ طَالِقٌ وَعَبْدُهُ حُرٌّ وَعَلَيْهِ الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ إنْ دَخَلَ هَذِهِ الدَّارَ فَقَالَ زَيْدٌ نَعَمْ كَانَ بِكُلِّهِ؛ لِأَنَّ الْجَوَابَ يَتَضَمَّنُ إعَادَةَ مَا فِي السُّؤَالِ. اهـ. وَأَمَّا الِاسْتِثْنَاءُ بِإِلَّا وَإِحْدَى أَخَوَاتِهَا فَيَنْصَرِفُ إلَى الْأَخِيرِ عِنْدَنَا كَمَا عُلِمَ فِي آيَةِ رَدِّ شَهَادَةِ الْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ وَعَلَيْهِ فَرَّعَ فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ مِنْ الْإِقْرَارِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الشَّرْطَ إذَا تَعَقَّبَ جُمَلًا مُتَعَاطِفَةً مُتَّصِلًا بِهَا فَإِنَّهُ لِلْكُلِّ، وَأَمَّا الِاسْتِثْنَاءُ بِإِلَّا فَإِلَى الْأَخِيرِ فَلَوْ أَقَرَّ لِاثْنَيْنِ بِمَالَيْنِ وَاسْتَثْنَى شَيْئًا كَانَ مِنْ الْأَخِيرِ وَلَوْ أَقَرَّ بِمَالَيْنِ كَمِائَةِ دِرْهَمٍ وَخَمْسِينَ دِينَارٍ إلَّا دِرْهَمًا انْصَرَفَ إلَى الْأَوَّلِ اسْتِحْسَانًا، وَأَمَّا الِاسْتِثْنَاءُ بِإِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَ جُمْلَتَيْنِ إيقَاعَتَيْنِ فَإِلَيْهِمَا اتِّفَاقًا وَبَعْدَ طَلَاقَيْنِ مُعَلَّقَيْنِ أَوْ طَلَاقٍ مُعَلَّقٍ وَعِتْقٍ فَإِلَيْهِمَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إلَى الْأَخِيرِ وَاتَّفَقُوا عَلَى انْصِرَافِهِ إلَى الْأَخِيرِ فِي غَيْرِ الْعَطْفِ وَفِي الْمَعْطُوفِ بَعْدَ السُّكُوتِ كَمَا فِي إيضَاحِ الْكَرْمَانِيِّ وَفِيهِ مِنْ الْأَيْمَانِ إذَا عَطَفَ عَلَى يَمِينِهِ بَعْدَ سُكُوتِهِ مَا يُوَسِّعُ عَلَى نَفْسِهِ لَمْ يَصِحَّ كَالِاسْتِثْنَاءِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ تَشْدِيدٌ عَلَى نَفْسِهِ صَحَّ فَلَوْ قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْت طَالِقٌ وَسَكَتَ ثُمَّ قَالَ وَهَذِهِ الْأُخْرَى دَخَلَتْ الثَّانِيَةُ فِي الْيَمِينِ بِخِلَافِ وَهَذِهِ الدَّارُ الْأُخْرَى وَلَوْ قَالَ هَذِهِ طَالِقٌ ثُمَّ سَكَتَ وَقَالَ وَهَذِهِ طَلُقَتْ الثَّانِيَةُ وَكَذَا فِي الْعِتْقِ. اهـ. وَفِي الْهِدَايَةِ ذِكْرُ حَقٍّ كُتِبَ فِي أَسْفَلِهِ وَمَنْ قَامَ بِهَذَا الذِّكْرِ الْحَقِّ فَهُوَ وَكِيلِي بِمَا فِيهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ يَبْطُلُ الذِّكْرُ كُلُّهُ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا بَطَلَ التَّوْكِيلُ وَالْمُرَادُ بِذِكْرِ الْحَقِّ الصَّكُّ كَمَا فِي الْقَامُوسِ وَالْمُرَادُ بِمَنْ قَامَ بِهِ أَنَّ مَنْ أَخْرَجَهُ كَانَ لَهُ وِلَايَةُ الْمُطَالَبَةِ بِمَا فِيهِ مِنْ الْحَقِّ وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ لُزُومَ صِحَّةِ تَوْكِيلِ الْمَجْهُولِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ كِتَابَتِهِ إثْبَاتُ رِضَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِتَوْكِيلِ مَنْ يُوَكِّلُهُ الْمُدَّعِي فَلَا يَمْتَنِعُ الْمَدْيُونُ عَنْ سَمَاعِ خُصُومَتِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَدُفِعَ بِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ عَلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الرِّضَا بِتَوْكِيلِ مَجْهُولٍ بَاطِلٌ فَلَا يُفِيدُ عَلَى قَوْلِهِ أَيْضًا وَالظَّاهِرُ عِنْدِي أَنَّ مُحَمَّدًا إنَّمَا ذَكَرَهُ لِيُفِيدَ أَنَّهُ يَنْصَرِفُ الِاسْتِثْنَاءُ إلَى الْكُلِّ عِنْدَهُ وَإِنْ كَانَ فَاسِدًا فَكَيْفَ إذَا كَانَ صَحِيحًا بِدَلِيلِ مَسْأَلَةِ ضَمَانِ الْخَلَاصِ مَعَ فَسَادِهِ عِنْدَهُ وَقِيلَ بَلْ فَائِدَتُهُ التَّحَرُّزُ عَنْ قَوْلِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى فَإِنَّهُ لَا يُصَحِّحُ التَّوْكِيلَ بِالْخُصُومَةِ بِلَا رِضَا الْخَصْمِ إلَّا إذَا وُجِدَ الرِّضَا بِتَوْكِيلِ وَكِيلٍ مَجْهُولٍ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ لَكِنْ الْمَذْكُورُ فِي كُتُبِ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ أَنَّ عِنْدَ ابْنِ أَبِي لَيْلَى يَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِالْخُصُومَةِ بِغَيْرِ رِضَا الْخَصْمِ مُطْلَقًا اهـ. كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي وَكَالَةِ الْبَزَّازِيَّةِ قَالَ لِرَجُلَيْنِ أَيُّكُمَا بَاعَ هَذَا فَهُوَ جَائِزٌ فَأَيُّهُمَا بَاعَ جَازَ قَالَ وَكَّلْت هَذَا أَوْ هَذَا بِبَيْعِهِ فَهُوَ بَاطِلٌ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ مَاتَ ذِمِّيٌّ فَقَالَتْ زَوْجَتُهُ أَسْلَمْت بَعْدَ مَوْتِهِ وَقَالَ الْوَرَثَةُ أَسْلَمَتْ قَبْلَ مَوْتِهِ فَالْقَوْلُ لَهُمْ) وَقَالَ زُفَرُ الْقَوْلُ لَهَا؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ حَادِثٌ فَيُضَافُ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ وَلَنَا أَنَّ سَبَبَ الْحِرْمَانِ ثَابِتٌ فِي الْحَالِ فَيَثْبُتُ فِيمَا مَضَى تَحْكِيمًا لِلْحَالِ كَمَا فِي جَرَيَانِ مَاءِ الطَّاحُونَةِ وَهَذَا ظَاهِرٌ نَعْتَبِرُهُ لِلدَّفْعِ وَمَا ذَكَرَهُ هُوَ يَعْتَبِرُهُ لِلِاسْتِحْقَاقِ وَأَشَارَ بِكَوْنِ الزَّوْجِ ذِمِّيًّا إلَى أَنَّهُ لَوْ مَاتَ مُسْلِمٌ وَلَهُ امْرَأَةٌ نَصْرَانِيَّةٌ فَجَاءَتْ مُسْلِمَةً بَعْدَ مَوْتِهِ وَقَالَتْ أَسْلَمْت قَبْلَ مَوْتِهِ وَقَالَتْ الْوَرَثَةُ أَسْلَمَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُمْ أَيْضًا وَلَا يُحَكَّمُ الْحَالُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً لِلِاسْتِحْقَاقِ وَهِيَ مُحْتَاجَةٌ إلَيْهِ أَمَّا الْوَرَثَةُ فَهُمْ الدَّافِعُونَ وَيَظْهَرُ لَهُمْ ظَاهِرُ الْحُدُوثِ أَيْضًا كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. وَالتَّعْبِيرُ بِالِاسْتِصْحَابِ أَحْسَنُ مِنْ التَّعْبِيرِ بِالظَّاهِرِ فَإِنَّ مَا يَثْبُتُ بِهِ الِاسْتِحْقَاقُ كَثِيرًا مَا يَكُونُ ظَاهِرًا كَأَخْبَارِ الْآحَادِ كَثِيرًا مَا تُوجِبُ اسْتِحْقَاقَ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي التَّحْرِيرِ الِاسْتِصْحَابُ الْحُكْمُ بِبَقَاءِ أَمْرٍ مُحَقَّقٍ لَمْ يَظُنَّ عَدَمَهُ وَكَتَبْنَا تَفَارِيعَهُ فِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ فِي قَاعِدَةِ الْيَقِينُ لَا يَزُولُ بِالشَّكِّ وَسَيَأْتِي فِي آخِرِ بَابِ التَّحَالُفِ مَسَائِلُ مِنْ الظَّاهِرِ وَفِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ مَاتَ ذِمِّيٌّ وَلَهُ ابْنَانِ أَحَدُهُمَا مُسْلِمٌ فَبَرْهَنَ عَلَى أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ مُسْلِمًا وَالْآخَرُ عَلَى أَنَّهُ مَاتَ كَافِرًا أَقْضِي بِالْمِيرَاثِ لِلْمُسْلِمِ مِنْهُمَا وَإِنْ كَانَ شُهُودُهُ مِنْ الذِّمَّةِ وَشُهُودُ الْكَافِرِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَكَذَا لَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا كُنْت مُسْلِمًا وَكَانَ أَبِي مُسْلِمًا فَصَدَّقَهُ أَخُوهُ وَقَالَ وَأَنَا كُنْت مُسْلِمًا فِي   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الشَّرْطَ إذَا تَعَقَّبَ جُمَلًا إلَخْ) قَالَ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ لَا يُقَالُ كَيْفَ خَالَفَ أَبُو حَنِيفَة أَصْلَهُ فَإِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَنْصَرِفُ إلَى الْجُمْلَةِ الْأَخِيرَةِ عَلَى أَصْلِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي الِاسْتِثْنَاءِ بِإِلَّا وَقَوْلُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ شَرْطٌ شَاعَ إطْلَاقُ الِاسْتِثْنَاءِ عَلَيْهِ فِي عُرْفِهِمْ وَلَيْسَ إيَّاهُ حَقِيقَةً فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَيَظْهَرُ لَهُمْ) لَعَلَّهُ وَيَشْهَدُ لَهُمْ إلَخْ (قَوْلُهُ كَأَخْبَارِ الْآحَادِ كَثِيرًا) أَيْ كَالشَّهَادَةِ وَنَحْوِهَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 43 حَيَاتِهِ فَكَذَّبَهُ أَخُوهُ وَقَالَ أَسْلَمْت بَعْدَ مَوْتِهِ فَالْمِيرَاثُ لِلَّذِي اجْتَمَعَا عَلَى إسْلَامِهِ قَبْلَ مَوْتِ أَبِيهِ وَكَذَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي الرِّقِّ وَالْعِتْقِ فَالْمِيرَاثُ لِمَنْ اجْتَمَعَا عَلَى عِتْقِهِ فِي حَيَاةِ أَبِيهِ اهـ. وَفِيهَا ادَّعَى خَارِجَانِ دَارًا فِي يَدِ ذِمِّيٍّ وَادَّعَيَا الْمِيرَاثَ وَبَرْهَنَا قَضَى بِهِ بَيْنَهُمَا وَإِنْ كَانَ شُهُودُ الذِّمِّيِّ مُسْلِمِينَ وَإِلَّا قَضَى بِهِ لِلْمُسْلِمِ وَإِنْ كَانَ شُهُودُهُ كُفَّارًا اهـ. وَقَيَّدَ الْمُؤَلِّفُ بِمَا ذُكِرَ مِنْ الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّ امْرَأَةَ الْمَيِّتِ الْمُسْلِمَةَ لَوْ قَالَتْ مَاتَ زَوْجِي وَهُوَ مُسْلِمٌ وَهَذِهِ دَارُهُ مِيرَاثًا لِي وَقَالَ وَلَدُهُ وَهُمْ كُفَّارٌ مَاتَ كَافِرًا وَصَدَّقَ أَخُو الْمَيِّتِ الْمَرْأَةَ وَهُوَ مُسْلِمٌ قَالَ فِي الْخِزَانَةِ قَضَيْت لِلْمَرْأَةِ وَلِلْأَخِ دُونَ الْوَلَدِ وَفِيهَا لَوْ مَاتَ رَجُلٌ وَأَبَوَاهُ ذِمِّيَّانِ فَقَالَا مَاتَ ابْنُنَا كَافِرًا وَقَالَ وَلَدُهُ الْمُسْلِمُونَ مَاتَ مُسْلِمًا فَمِيرَاثُهُ لِلْوَلَدِ دُونَ الْأَبَوَيْنِ اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُمْ إذَا اخْتَلَفُوا فِي مَوْتِ الْمَيِّتِ عَلَى الْإِسْلَامِ أَوْ الْكُفْرِ فَالْقَوْلُ لِمَنْ يَدَّعِي أَنَّهُ مَاتَ عَلَى الْإِسْلَامِ فَعَلَى هَذَا لَا يَحْتَاجُ إلَى تَصْدِيقِ الْأَخِ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ وَتَكْفِي دَعْوَى الْمَرْأَةِ أَنَّهُ مَاتَ مُسْلِمًا كَمَا لَا يَخْفَى وَإِلَّا فَمَا الْفَرْقُ. (قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ الْمُودِعُ هَذَا ابْنُ مُودِعِي لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ دَفَعَ الْمَالَ إلَيْهِ) أَيْ وُجُوبًا لِإِقْرَارِهِ أَنَّ مَا فِي يَدِهِ مِلْكُ الْوَارِثِ خِلَافَةً عَنْ الْمَيِّتِ قَيَّدَ بِإِقْرَارِهِ بِالْبُنُوَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ هَذَا أَخُوهُ شَقِيقُهُ وَلَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ وَهُوَ يَدَّعِيهِ فَالْقَاضِي يَتَأَنَّى فِي ذَلِكَ وَالْفَرْقُ أَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْأَخِ بِشَرْطِ عَدَمِ الِابْنِ بِخِلَافِ الِابْنِ؛ لِأَنَّهُ وَارِثٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَتَمَامُهُ مَعَ بَيَانِ مُدَّةِ التَّأَنِّي فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهُ وَارِثٌ غَيْرُهُ وَلَا أَدْرِي أَمَاتَ أَمْ لَا لَا يُدْفَعُ إلَيْهِ شَيْءٌ لَا قَبْلَ التَّلَوُّمِ وَلَا بَعْدَهُ حَتَّى يُقِيمَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً تَقُولُ لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ وَأَشَارَ الْوَدِيعَةِ إلَى أَنَّ الْمَدْيُونَ إذَا قَالَ هَذَا ابْنُ دَائِنِي فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ بِالْأَوْلَى وَقَيَّدَ بِالْوَارِثِ احْتِرَازًا عَمَّا إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ وَصِيُّهُ أَوْ وَكِيلُهُ أَوْ الْمُشْتَرِي مِنْهُ فَإِنَّهُ لَا يَدْفَعُهَا إلَيْهِ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّ الْمُودَعِ فِي الْعَيْنِ بِإِزَالَتِهَا عَنْ يَدِهِ؛ لِأَنَّ يَدَ الْمُودَعِ كَيَدِ الْمَالِكِ فَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ عَلَيْهِ وَلَا كَذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ وَكِيلُ الطَّالِبِ بِقَبْضِ دَيْنِهِ حَيْثُ يُؤْمَرُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ بِخَالِصِ حَقِّهِ إذْ الدُّيُونُ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا فَلَوْ دَفَعَ إلَى الْوَكِيلِ فِي الْوَدِيعَةِ قِيلَ لَا يَسْتَرِدُّهَا لِكَوْنِهِ سَاعِيًا فِي نَقْضِ مَا أَوْجَبَهُ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَرِدَّهَا لِبُطْلَانِ إقْرَارِهِ فِي حَقِّ الْمَالِكِ وَالْحِفْظُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فَكَانَ بِالدَّفْعِ مُتَعَدِّيًا وَلِذَا ضَمِنَ إذَا أَنْكَرَ الْمَالِكُ التَّوْكِيلَ وَلَوْ لَمْ يُسَلِّمْهَا إلَى الْوَكِيلِ حَتَّى ضَاعَتْ فَقِيلَ لَا يَضْمَنُ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَ عَمَلًا بِمَا فِي زَعْمِهِ وَقَيَّدَ الْوَدِيعَةِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْمُلْتَقَطِ إذَا أَقَرَّ بِهَا لِرَجُلٍ فَفِيهِ اخْتِلَافٌ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَالْعَارِيَّةُ وَالْعَيْنُ الْمَغْصُوبَةُ كَالْوَدِيعَةِ وَمُرَادُهُ مِنْ الِابْنِ مَنْ يَرِثُ بِكُلِّ حَالٍ فَالْبِنْتُ وَالْأَبُ وَالْأُمُّ كَالِابْنِ وَكُلُّ مَنْ يَرِثُ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ فَهُوَ كَالْأَخِ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ أَخُو الْغَائِبِ وَأَنَّهُ مَاتَ وَهُوَ وَارِثُهُ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ أَوْ ادَّعَى أَنَّهُ ابْنُهُ أَوْ أَبُوهُ أَوْ مَوْلَاهُ أَعْتَقَهُ أَوْ كَانَتْ امْرَأَةٌ وَادَّعَتْ أَنَّهَا عَمَّةُ الْمَيِّتِ أَوْ خَالَتُهُ أَوْ بِنْتُ أَخِيهِ وَقَالَ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرِي وَادَّعَى آخَرُ أَنَّهُ زَوْجٌ أَوْ زَوْجَةٌ لِلْمَيِّتِ أَوْ أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى لَهُ بِجَمِيعِ مَالِهِ أَوْ ثُلُثِهِ وَصَدَّقَهُمَا ذُو الْيَدِ وَقَالَ لَا أَدْرِي لِلْمَيِّتِ وَارِثٌ غَيْرَهُمَا أَوْ لَا لَمْ يَكُنْ لِمُدَّعِي الْوَصِيَّةِ شَيْءٌ بِهَذَا الْإِقْرَارِ وَيَدْفَعُ الْقَاضِي إلَى الْأَبِ وَالْأُمِّ وَالْأَخِ وَمَوْلَى الْعَتَاقَةِ أَوْ الْعَمَّةِ أَوْ الْخَالَةِ أَوْ بِنْتِ الْأُخْتِ إذَا انْفَرَدَ أَمَّا عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ فَلَا يُزَاحِمُ مُدَّعِي الْبُنُوَّةِ مُدَّعِي الْأُخُوَّةِ لَكِنْ مُدَّعِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ إذَا زَاحَمَهُ مُدَّعِي الزَّوْجِيَّةِ أَوْ الْوَصِيَّةِ بِالْكُلِّ أَوْ الثُّلُثِ مُسْتَدِلًّا بِإِقْرَارِ ذِي الْيَدِ فَمُدَّعِي الْأُخُوَّةِ أَوْ الْبُنُوَّةِ أَوْلَى بَعْدَمَا يَسْتَحْلِفُ الِابْنَ مَا هَذِهِ زَوْجَةُ الْمَيِّتِ أَوْ مُوصًى لَهُ هَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ عَلَى الزَّوْجِيَّةِ وَالْوَصِيَّةِ فَإِنْ أَقَامَ أَخَذَ بِهَا اهـ وَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ إلَى أَنَّ ذَا الْيَدِ أَقَرَّ أَنَّ الْمَيِّتَ أَقَرَّ بِأَنَّ هَذَا ابْنُهُ أَوْ أَبُوهُ أَوْ مَوْلَاهُ أَعْتَقَهُ أَوْ أَوْصَى لَهُ بِالْكُلِّ أَوْ ثُلُثِهِ أَوْ أَنَّ هَذِهِ زَوْجَتُهُ فَالْمَالُ لِلِابْنِ وَالْمَوْلَى كَمَا لَوْ عَايَنَاهُ أَقَرَّ بِخِلَافِ النِّكَاحِ وَوَلَاءِ الْمُوَالَاةِ وَالْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّ ذَا الْيَدِ أَقَرَّ بِسَبَبٍ يُنْتَقَضُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَمِنْ دَعْوَى الْمَجْمَعِ وَإِنْ كَانَتْ فِي يَدِ زَيْدٍ فَجَاءَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ فَصَدَّقَهُ زَيْدٌ يُؤْمَرُ بِإِعْطَاءِ أَقَلِّ النَّصِيبَيْنِ لَا أَكْثَرِهِمَا. اهـ. قَيَّدَ بِتَصْدِيقِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ بَرْهَنَ وَقَالَا لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا آخَرَ فَلَهُ أَكْثَرُ النَّصِيبَيْنِ اتِّفَاقًا كَذَا فِي شَرْحِهِ لِابْنِ الْمَلَكِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ شُهُودُ الذِّمِّيِّ مُسْلِمِينَ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ مُصَوَّرَةٌ بِمَا إذَا كَانَ أَحَدُ الْخَارِجَيْنِ ذِمِّيًّا فَيَظْهَرُ مَعْنَى هَذَا وَإِلَّا فَهُوَ غَيْرُ ظَاهِرٍ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَعَلَى هَذَا لَا يَحْتَاجُ إلَى تَصْدِيقِ الْأَخِ إلَخْ) أَقُولُ: الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ تَصْدِيقَ الْأَخِ شَرْطٌ لِإِرْثِهِ مُشَارِكًا لِلْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَكْذَبَهَا يَكُونُ مُعْتَرَفًا بِأَنَّ وَلَدَهُ وَارِثُهُ فَيُحْجَبُ الْأَخُ بِهِ فَلَا يَرِثُ وَكَانَ الْمُؤَلِّفُ فَهِمَ أَنَّهُ شَرْطٌ لِإِرْثِ الْمَرْأَةِ أَيْضًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِيمَا يَظْهَرُ فَلَا مُنَافَاةَ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَتَمَامُهُ مَعَ بَيَانِ مُدَّةِ التَّأَنِّي فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ) حَيْثُ قَالَ غَيْرَ أَنَّهُ احْتَمَلَ مُشَارَكَةَ غَيْرِهِ وَهُوَ مَوْهُومٌ وَإِذَا تَأَنَّى إنْ حَضَرَ وَارِثٌ آخَرُ دَفَعَ الْمَالَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ خَلَفٌ عَنْ الْمَيِّتِ وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ أَعْطَى كُلَّ مُدَّعٍ مَا أَقَرَّ بِهِ لَكِنْ بِكَفِيلٍ ثِقَةٍ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ كَفِيلًا أَعْطَاهُ الْمَالَ وَضَمِنَهُ إنْ كَانَ ثِقَةً حَتَّى لَا يَهْلِكَ أَمَانَةٌ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ثِقَةٍ تَلَوَّمَ الْقَاضِي حَتَّى يَظْهَرَ أَنْ لَا وَارِثَ لِلْمَيِّتِ أَوْ أَكْبَرُ رَأْيِهِ ذَلِكَ ثُمَّ يُعْطِيهِ الْمَالَ وَيُضَمِّنُهُ وَلَمْ يُقَدِّرْ مُدَّةَ التَّلَوُّمِ بِشَيْءٍ بَلْ مَوْكُولٌ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي وَهَذَا أَشْبَهُ بِأَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا مُقَدَّرٌ بِحَوْلٍ هَكَذَا حُكِيَ الْخِلَافُ فِي الْخُلَاصَةِ عَنْ الْأَقْضِيَةِ قَالَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ مُقَدَّرٌ بِشَهْرٍ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 44 (قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ لِآخَرَ هَذَا ابْنُهُ أَيْضًا وَكَذَّبَهُ الْأَوَّلُ قَضَى لِلْأَوَّلِ) أَيْ قَالَ الْمُودَعُ هَذَا ابْنُهُ بَعْدَ إقْرَارِهِ لِلْأَوَّلِ بِأَنَّهُ ابْنُهُ وَكَذَّبَهُ الْمُقَرُّ لَهُ قَضَى بِالْمَالِ لِلْمُقِرِّ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ إقْرَارٌ عَلَى الْغَيْرِ لِصِحَّةِ الْإِقْرَارِ لِلْأَوَّلِ لِعَدَمِ مَنْ يُكَذِّبُهُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ ضَمَانَ الْمُودَعِ لِلثَّانِي لِاخْتِلَافِ الشَّارِحِينَ فِيهِ فَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّهُ لَا يَغْرَمُ الْمُودَعُ لِلِابْنِ الثَّانِي شَيْئًا بِإِقْرَارِهِ لَهُ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ لَمْ يَثْبُتْ فَلَمْ يَتَحَقَّقْ التَّلَفُ وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ مُجَرَّدِ ثُبُوتِ الْبُنُوَّةِ ثُبُوتُ الْإِرْثِ فَلَا يَكُونُ الْإِقْرَارُ بِالْبُنُوَّةِ إقْرَارًا بِالْمَالِ اهـ. وَفِي الْبِنَايَةِ فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَ الْمُودَعُ هُنَا لِلْمُقِرِّ لَهُ الثَّانِي كَمَا قُلْنَا فِي مُودَعِ الْقَاضِي الْمَعْزُولِ إذَا بَدَأَ بِالْإِقْرَارِ رُبَّمَا فِي يَدِهِ لِإِنْسَانٍ ثُمَّ أَقَرَّ بِأَنَّ الْقَاضِيَ الْمَعْزُولَ سَلَّمَهُ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ لِلْقَاضِي عَلَى مَا مَرَّ مِنْ قَبْلُ قُلْنَا هَذَا أَيْضًا يَضْمَنُ نَصِيبَهُ إذَا دَفَعَ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ الْأَوَّلِ بِغَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي اهـ. وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقَيَّدَ بِإِقْرَارِهِ بِالْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ الْمُودَعُ بِهَا لِرَجُلٍ ثُمَّ قَالَ لَا بَلْ وَدِيعَةُ فُلَانٍ أَوْ قَالَ غَصَبْت هَذَا مِنْ فُلَانٍ لَا بَلْ مِنْ فُلَانٍ وَكَذَا الْعَارِيَّةُ فَإِنَّهُ يَقْضِي بِهِ لِلْأَوَّلِ وَيَضْمَنُ لِلثَّانِي قِيمَتَهُ وَكَذَا فِي الْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ فَلَوْ قَالَ هَذَا لِفُلَانٍ إلَّا نِصْفَهُ فَلِفُلَانٍ فَكَمَا قَالَ وَلَوْ قَالَ هَذَانِ لِفُلَانٍ إلَّا هَذَا فَلِفُلَانٍ كَانَ مُصَدَّقًا فَلَوْ قَالَ هَذَا لِفُلَانٍ وَهَذَا لِفُلَانٍ الْمُقَرِّ لَهُ إلَّا الْأَوَّلَ فَإِنَّهُ لِي لَمْ يُصَدَّقْ وَهُمَا لِلْأَوَّلِ وَلَوْ قَالَ هَذَا لِفُلَانٍ وَهَذَا لِفُلَانٍ الْمُقَرِّ لَهُ إلَّا نِصْفَهُ الْأَوَّلَ فَإِنَّهُ لِفُلَانٍ كَانَ جَائِزًا وَلَوْ قَالَ هَذِهِ الْحِنْطَةُ وَالشَّعِيرُ لِفُلَانٍ إلَّا كُرًّا مِنْ هَذِهِ الْحِنْطَةِ إذَا كَانَتْ الْحِنْطَةُ أَكْثَرَ مِنْ الْكُرِّ كَذَا فِي الْأَصْلِ لِمَوْلَانَا مُحَمَّدٍ مِنْ الدَّعْوَى. (قَوْلُهُ مِيرَاثٌ قُسِمَ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ لَا يُكْفَلُ مِنْهُمْ وَلَا مِنْ وَارِثٍ) وَهَذَا شَيْءٌ احْتَاطَ بِهِ بَعْضُ الْقُضَاةِ وَهُوَ ظُلْمٌ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا يَأْخُذُ الْكَفِيلُ مِنْهُمْ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا ثَبَتَ الدَّيْنُ وَالْإِرْثُ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِالْإِقْرَارِ وَالْخِلَافُ فِي الْأَوَّلِ وَلَا خِلَافَ فِي أَخْذِهِ فِي الثَّانِي وَهِيَ وَارِدَةٌ عَلَى إطْلَاقِهِ وَشَمِلَ مَا إذَا قَالَ الشُّهُودُ لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ وَهُنَا لَا يُؤْخَذُ الْكَفِيلُ اتِّفَاقًا وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ فِي التَّكْفِيلِ نَظَرًا لِلْغَائِبِ عَلَى تَقْدِيرِ وُجُودِهِ وَلِأَنَّ وُجُودَ آخَرَ مَوْهُومٌ فَلَا يُؤَخِّرُ الثَّابِتَ قَطْعًا لَهُ وَأَشَارَ إلَى عَدَمِ التَّكْفِيلِ فِي دَعْوَى الشِّرَاءِ عَلَى ذِي الْيَدِ وَفِي بَيْعِ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لِلدَّيْنِ وَقَيَّدَ بِالْمِيرَاثِ؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ كَفِيلًا إذَا دَفَعَ النَّفَقَةَ لِامْرَأَةِ الْغَائِبِ أَوْ اللُّقَطَةِ أَوْ الْآبِقِ إلَى صَاحِبِهِ وَأَطْلَقَ فِي الْوَارِثِ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ مِمَّنْ يُحْجَبُ أَوْ لَا. وَقَيَّدَ بِعَدَمِ التَّكْفِيلِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ يَتَلَوَّمُ وَلَا يَدْفَعُ إلَيْهِ حَتَّى يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ وَلَا غَرِيمَ لَهُ آخَرَ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الِاحْتِيَاطِ لِنَفْسِهِ بِزِيَادَةِ عِلْمٍ بِانْتِفَاءِ الشَّرِيكِ الْمُسْتَحِقِّ مَعَهُ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ وَقَدْرِ مُدَّتِهِ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي وَقَدَّرَهُ الطَّحَاوِيُّ بِحَوْلٍ وَالْمُرَادُ بِالتَّأَنِّي تَأْخِيرُ الْقَضَاءِ إلَى الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ لَا تَأْخِيرُ الدَّفْعِ بَعْدَ الْقَضَاءِ وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ أَنَّ الْمُدَّعِيَ لَوْ بَرْهَنَ عَلَى أَنَّهُ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا لِوَرَثَتِهِ وَلَمْ يَذْكُرُوا عَدَدَ الْوَرَثَةِ وَلَا قَالُوا أَلَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ فَإِنَّهُ لَا يُقْضَى لَهُ وَإِنْ بَيَّنُوا عَدَدَهُمْ وَقَالُوا لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ وَكَانَ ذَلِكَ الْوَارِثُ مِمَّا لَا يُحْجَبُ بِحَالٍ فَإِنَّهُ يُقْضَى وَلَا يُتَأَنَّى وَلَا يُكْفَلُ وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يُحْجَبُ بِحَالٍ تَأَنَّى ثُمَّ يَقْضِي وَإِنْ شَهِدُوا أَنَّهُ ابْنُهُ وَوَارِثُهُ وَأَنَّهُ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا لَهُ وَلَمْ يَقُولُوا لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ تَلَوَّمَ الْقَاضِي زَمَانًا ثُمَّ قَضَى وَلَا يَأْخُذُ مِنْهُ كَفِيلًا عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا وَيَدْفَعُ لِأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ أَوْفَرَ النَّصِيبَيْنِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَقَلَّهُمَا وَقَوْلُهُ وَهَذَا شَيْءٌ احْتَاطَ بِهِ بَعْضُ الْقُضَاةِ وَهُوَ ظُلْمٌ كَلَامُ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَنَى بِهِ ابْنَ أَبِي لَيْلَى فَإِنَّهُ كَانَ يَفْعَلُهُ بِالْكُوفَةِ وَالْمُرَادُ بِالظُّلْمِ الْمَيْلُ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُجْتَهِدَ يُخْطِئُ وَيُصِيبُ وَعَلَى أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ بَرِئَ مِنْ الِاعْتِزَالِ لَا كَمَا ظَنَّهُ الْبَعْضُ بِسَبَبِ مَا نَقَلَهُ يُوسُفُ بْنُ خَالِدٍ السَّمْتِيُّ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ وَالْحَقُّ عِنْدَ اللَّهِ وَاحِدٌ وَتَأْوِيلُهُ أَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ بِالِاجْتِهَادِ وَإِنْ أَخْطَأَ مَا عِنْدَ اللَّهِ. وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ هَذَا التَّأْوِيلِ أَنَّهُ لَوْ حُمِلَ عَلَى ظَاهِرِهِ لَكَانَ مُتَنَاقِضًا فَقَوْلُهُ الْحَقُّ عِنْدَ اللَّهِ وَاحِدٌ يُفِيدُ أَنْ لَيْسَ كُلُّ مُجْتَهِدٍ أَصَابَ الْحَقَّ وَإِلَّا لَكَانَ الْحَقُّ مُتَعَدِّدًا فَلَزِمَ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ أَيْ مُصِيبٌ حُكْمَ اللَّهِ تَعَالَى بِالِاجْتِهَادِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ الدَّعْوَى   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 45 بَعْدَ نَقْلِ عِبَارَةِ الْكِتَابِ عَنْ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ قَالُوا هَذَا كَشَفَ عَنْ مَذْهَبِهِ بِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ يُخْطِئُ أَيْضًا قِيلَ إذًا قَوْلُنَا بِجَوَازِ التَّكْفِيلِ كَشْفٌ عَنْ الِاعْتِزَالِ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا الْإِيرَادَ بَاطِلٌ فَإِنَّهُمَا جَوَّزَا بِالِاجْتِهَادِ أَخْذَ الْكَفِيلِ قِيَاسًا عَلَى رَدِّ الْآبِقِ وَاللُّقَطَةِ فَأَنَّى يَلْزَمُ مِنْهُ كَوْنُ كُلِّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبًا وَالِاسْتِدْلَالُ مِنْ وَصْفِ الْإِمَامِ بِالظُّلْمِ بِنَاءً عَلَى مُلَازَمَةٍ عَادِيَةٍ كَانَتْ فِي تِلْكَ الْعَصْرِ مِنْ عَدَمِ تَقْلِيدِ الْقَضَاءِ إلَّا مِنْ الْمُجْتَهِدِ فَكَانَ التَّكْفِيلُ الصَّادِرُ مِنْ الْقَاضِي تَكْفِيلًا مِنْ الْقَاضِي الْمُجْتَهِدِ وَيَكُونُ الْمُرَادُ مِنْ بَعْضِ الْقُضَاةِ الْقَاضِي الْمَعْهُودُ وَزُيِّفَ أَيْضًا بِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ إذَا أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ بِلَا خِلَافٍ وَغَايَتُهُ أَنَّهُ بِالتَّكْفِيلِ أَخْطَأَ فَلَا يَكُونُ ظُلْمًا فَلَا يَصِحُّ الِاسْتِدْلَال وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ الْإِمَامَ قَالَ وَهُوَ ظُلْمٌ وَمَيْلٌ فَالْوَصْفُ بِالْمِيلِ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالظُّلْمِ وَضْعُ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ وَالْإِطْلَاقُ وَلَوْ بِالْمَجَازِ دَلَّ أَنَّهُ يُخْطِئُ إذْ لَوْلَاهُ لَمَا صَحَّ ذَلِكَ فَحَصَلَ الْكَشْفُ بِالْوَصْفِ الْوَاقِعِ مِنْ الْإِمَامِ بِالِاتِّصَافِ فِي الْوَاقِعِ. اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ وَصْفَهُ بِأَنَّ فِعْلَهُ ظُلْمٌ لَا يَقْتَضِي أَنَّهُ فِي الْوَاقِعِ ظَالِمٌ بِمَعْنَى مُرْتَكِبٍ لِلْحَرَامِ وَإِنْ صَحَّ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ ظَالِمٌ أَيْ وَاضِعٌ لِأَخْذِ الْكَفِيلِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ وَالْمَقْصُودُ تَأْوِيلُ الْعِبَارَةِ بِحَيْثُ لَا تُفِيدُ أَنَّ الْقَاضِيَ بِأَخْذِهِ الْكَفِيلَ آثِمٌ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْأَجْرِ لَهُ فِي ذَلِكَ يُنَافِي الْإِثْمَ وَفِي الْأَصْلِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أَرَأَيْت لَوْ لَمْ يَجِدْ كَفِيلًا كُنْت أَمْنَعُهُ حَقَّهُ بِشَيْءٍ أَخَافُ وَلَمْ يَسْتَبِنْ بَعْدُ وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ بَعْدُ اهـ. وَالْأَوْلَى فِي الْجَوَابِ عَنْ قَوْلِ الْإِمَامِ فِي حَقِّ ابْنِ أَبِي لَيْلَى مَعَ كَوْنِهِ مُجْتَهِدًا مَا قَالَهُ فِي التَّلْوِيحِ وَعِبَارَتُهُ وَالْمُخْطِئُ فِي الِاجْتِهَادِ لَا يُعَاقَبُ وَلَا يُنْسَبُ إلَى الضَّلَالِ بَلْ يَكُونُ مَعْذُورًا وَمَأْجُورًا إذَا لَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا بَذْلُ الْوُسْعِ وَقَدْ فَعَلَ فَلَمْ يَنَلْ الْحَقَّ لِخَفَاءِ دَلِيلِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الدَّلِيلُ الْمُوصِلُ إلَى الصَّوَابِ بَيِّنًا فَأَخْطَأَ الْمُجْتَهِدُ لِتَقْصِيرٍ مِنْهُ وَتَرَكَ مُبَالَغَةً فِي الِاجْتِهَادِ فَإِنَّهُ يُعَاتَبُ وَمَا نُقِلَ مِنْ طَعْنِ السَّلَفِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْمَسَائِلِ الِاجْتِهَادِيَّةِ كَانَ مَبْنِيًّا عَلَى أَنَّ طَرِيقَ الصَّوَابِ بَيِّنٌ فِي زَعْمِ الطَّاعِنِ اهـ. وَفِي مَنَاقِبِ الْكَرْدَرِيِّ مَا زَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُخَطِّئُ ابْنَ أَبِي لَيْلَى وَهُوَ قَاضِي الْكُوفَةِ حَتَّى عَزَلَهُ الْخَلِيفَةُ وَاعْلَمْ أَنَّنَا كَتَبْنَا فِي بَابِ النَّفَقَةِ مَا يُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكَفِيلِ الْكَفِيلُ بِالْمَالِ لِقَوْلِهِ فِي الذَّخِيرَةِ فَإِذَا حَضَرَ الزَّوْجُ وَأَثْبَتَ أَنَّهُ كَانَ دَفَعَهَا لَهَا فَإِنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَيْهَا وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَى الْكَفِيلِ إلَى آخِرِهِ وَلَمْ أَرَ حُكْمَ الْكَفَالَةِ عَلَى قَوْلِهِمَا فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ هَلْ هِيَ بِالْمَالِ أَوْ بِالنَّفْسِ (قَوْلُهُ وَلَوْ ادَّعَى دَارًا إرْثًا لِنَفْسِهِ وَلِأَخٍ لَهُ غَائِبٍ وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ أَخَذَ نِصْفَ الْمُدَّعَى فَقَطْ) أَيْ أَخَذَ نَصِيبَ نَفْسِهِ وَتَرَكَ نَصِيبَ أَخِيهِ الْغَائِبِ فِي يَدِ ذِي الْيَدِ وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ مُطْلَقًا وَفَصَّلَ الشَّيْخَانِ بَيْنَ جُحُودِ ذِي الْيَدِ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ وَيُجْعَلُ فِي يَدِ أَمِينٍ وَإِلَّا تُرِكَ فِي يَدِهِ لِخِيَانَتِهِ بِجُحُودِهِ فَلَا نَظَرَ فِي تَرْكِهِ فِي يَدِهِ وَلَهُ أَنَّ الْحَاضِرَ لَيْسَ بِخَصْمٍ عَنْ الْغَائِبِ فِي الِاسْتِيفَاءِ وَلَيْسَ لِلْقَاضِي التَّعَرُّضُ بِلَا خَصْمٍ كَمَا إذَا رَأَى شَيْئًا فِي يَدِ إنْسَانٍ يَعْلَمُ أَنَّهُ لِغَيْرِهِ لَا يَنْتَزِعُهُ مِنْهُ بِلَا خَصْمٍ وَقَدْ ارْتَفَعَ جُحُودُهُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي بِالْكُلِّ قَيَّدَ بِعَدَمِ أَخْذِ نَصِيبِ الْغَائِبِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي بِالْكُلِّ إرْثًا بِخُصُومَةِ الْحَاضِرِ لِانْتِصَابِ أَحَدِ الْوَرَثَةِ خَصْمًا لِلْمَيِّتِ فَلِذَا تُقْضَى مِنْهَا دُيُونُهُ وَتَنْفُذُ وَصَايَاهُ وَلَا تُعَادُ الْبَيِّنَةُ إذَا حَضَرَ الْغَائِبُ وَلَا الْقَضَاءُ وَلَمْ يَذْكُرْ الشَّارِحُ فِيهِ اخْتِلَافًا وَذَكَرَهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَصَحَّحَ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ وَكَذَا يَنْتَصِبُ أَحَدُهُمْ فِيمَا عَلَيْهِ مُطْلَقًا إنْ كَانَ دَيْنًا وَإِنْ كَانَ فِي دَعْوَى عَيْنٍ فَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهَا فِي يَدِهِ لِيَكُونَ قَضَاءً عَلَى الْكُلِّ وَإِنْ كَانَ الْبَعْضُ فِي يَدِهِ نَفَذَ بِقَدْرِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَظَاهِرُ مَا فِي الْهِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهَا كُلِّهَا فِي يَدِهِ فِي دَعْوَى الدَّيْنِ أَيْضًا وَصَرَّحَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْعَيْنِ وَالدَّيْنِ وَهُوَ الْحَقُّ وَغَيْرُهُ سَهْوٌ وَفِي قَوْلِهِ أَخَذَ نِصْفَ الْمُدَّعَى فَقَطْ إشَارَتَانِ الْأُولَى أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ مِنْ ذِي الْيَدِ كَفِيلٌ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ نُصِبَ لِقَطْعِ الْخُصُومَاتِ لَا لِإِنْشَائِهَا الثَّانِيَةُ أَنَّ الْحَاضِرَ يَأْخُذُ النِّصْفَ مُشَاعًا غَيْرَ مَقْسُومٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْعِمَادِيُّ فِي الْفُصُولِ وَقَيَّدَ بِالْعَقَارِ؛ لِأَنَّ الْمَنْقُولَ يُوضَعُ عِنْدَ عَدْلٍ إلَى حُضُورِ صَاحِبِهِ وَقِيلَ هُوَ كَالْعَقَارِ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ عَلَى قَوْلِهِمَا يُؤْخَذُ مِنْهُ وَيُوضَعُ عَلَى يَدِ عَدْلٍ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ هَلْ هِيَ بِالْمَالِ أَوْ بِالنَّفْسِ) فِي حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ قَالَ شَيْخُنَا فِي الدُّرَرِ أَيْ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُمْ كَفِيلٌ بِالنَّفْسِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَقَالَا يُؤْخَذُ فَهَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ عَلَى قَوْلِهِمَا يُؤْخَذُ كَفِيلٌ بِالنَّفْسِ ثُمَّ رَأَيْته لِتَاجِ الشَّرِيعَةِ [ادَّعَى دَارًا إرْثًا لِنَفْسِهِ وَلِأَخٍ لَهُ غَائِبٍ وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ] (قَوْلُهُ وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ مُطْلَقًا إلَخْ) مِثْلُهُ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا وَفِيهِ أَنَّ هَذَا الْإِطْلَاقَ لَا يَظْهَرُ بَعْدَ تَقْيِيدِ الْمَسْأَلَةِ بِقَوْلِهِ وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ فَكَانَ يَنْبَغِي عَدَمُ التَّقْيِيدِ بِهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ) حَيْثُ قَالَ إنَّمَا يَكُونُ قَضَاءً عَلَى جَمِيعِ الْوَرَثَةِ إذَا كَانَ الْمُدَّعَى فِي يَدِ الْوَارِثِ الْحَاضِرِ وَلَوْ كَانَ الْبَعْضُ فِي يَدِهِ يَنْفُذُ بِقَدْرِهِ؛ لِأَنَّ دَعْوَى الْعَيْنِ لَا تَتَوَجَّهُ إلَّا عَلَى ذِي الْيَدِ فَلَا يَكُونُ خَصْمًا عَنْهُمْ إلَّا فِي قَدْرِ مَا فِي يَدِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمُدَّعَى عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنًا حَيْثُ يَنْتَصِبُ فِيهِ بَعْضُ الْوَرَثَةِ خَصْمًا عَنْ الْكُلِّ مُطْلَقًا كَذَا فِي الزَّيْلَعِيِّ وَقَوْلُهُ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ كَانَ فِي يَدِ الْوَارِثِ عَيْنُ تَرِكَةٍ أَمْ لَا وَوَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَ الدَّيْنِ وَالْعَيْنِ أَنَّ حَقَّ الدَّائِنِ شَائِعٌ فِي جَمِيعِ التَّرِكَةِ بِخِلَافِ مُدَّعِي الْعَيْنِ أَبُو السُّعُودِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 46 لَا يُؤْخَذُ لَوْ مُقِرًّا كَذَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ (تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ إنَّمَا يَنْتَصِبُ الْحَاضِرُ الَّذِي فِي يَدِهِ الْعَيْنُ خَصْمًا عَنْ الْبَاقِي إذَا كَانَتْ الْعَيْنُ لَمْ تُقْسَمْ بَيْنَ الْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ فَإِنْ قُسِمَتْ وَأَوْدَعَ الْغَائِبُ نَصِيبَهُ عِنْدَ الْحَاضِرِ كَانَتْ كَسَائِرِ أَمْوَالِهِ فَلَا يَنْتَصِبُ الْحَاضِرُ خَصْمًا عَنْهُ ذَكَرَهُ الْعَتَّابِيُّ عَنْ مَشَايِخِنَا وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مِنْ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ وَلَوْ أَوْدَعَ نَصِيبَهُ مِنْ عَيْنٍ عِنْدَ وَارِثٍ آخَرَ فَادَّعَى رَجُلٌ هَذَا الْعَيْنَ يَنْتَصِبُ هَذَا الْوَارِثُ خَصْمًا إذَا يَنْتَصِبُ أَحَدُ الْوَرَثَةِ خَصْمًا عَنْ الْبَاقِينَ لَوْ كَانَ الْعَيْنُ بِيَدِهِ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ اهـ. الثَّانِي: إنَّمَا لَا تُسْمَعُ دَعْوَى الْغَائِبِ إذَا حَضَرَ بِشَرْطِ أَنْ يُصَدِّقَ أَنَّ الْعَيْنَ مِيرَاثٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَاضِرِ أَمَّا لَوْ أَنْكَرَ الْإِرْثَ وَادَّعَى أَنَّهُ اشْتَرَاهَا أَوْ وَرِثَ نَصِيبَهُ مِنْ رَجُلٍ آخَرَ لَا يَكُونُ الْقَضَاءُ عَلَى الْحَاضِرِ قَضَاءً عَلَيْهِ فَتُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَتُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ كَمَا فِي الْفُصُولَيْنِ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنَّمَا يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ الْبَاقِي بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ كَوْنِ الْعَيْنِ كُلِّهَا فِي يَدِهِ وَأَنْ لَا تَكُونَ مَقْسُومَةً وَأَنْ يُصَدِّقَ الْغَائِبُ عَلَى أَنَّهَا إرْثٌ عَنْ الْمَيِّتِ الْمُعَيَّنِ الثَّالِثِ إنَّمَا يَكْفِي ثُبُوتُ بَعْضِ الْوَرَثَةِ أَنْ لَوْ ادَّعَى الْجَمِيعَ وَقَضَى بِهِ أَمَّا لَوْ ادَّعَى حِصَّتَهُ فَقَطْ وَقَضَى بِهَا فَلَا يَثْبُتُ حَقُّ الْبَاقِينَ كَذَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مِنْ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ. الرَّابِعُ ادَّعَى بَيْتًا فَقَالَ ذُو الْيَدِ إنَّهُ مِلْكِي وَرِثْته مِنْ أَبِي فَلَوْ قَضَى عَلَيْهِ يَظْهَرُ عَلَى جَمِيعِ الْوَرَثَةِ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَدَّعِيَهُ بِجِهَةِ الْإِرْثِ إذْ صَارَ مُورِثُهُمْ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ فَلَوْ ادَّعَاهُ أَحَدُهُمْ مِلْكًا مُطْلَقًا تُقْبَلُ إذْ لَمْ يَقْضِ عَلَيْهِ فِي الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ فَلَوْ ادَّعَاهُ ذُو الْيَدِ مِلْكًا مُطْلَقًا لَا إرْثًا لَا تَصِيرُ الْوَرَثَةُ مَقْضِيًّا عَلَيْهِمْ فَلَهُمْ أَخَذُهُ بِدَعْوَى الْإِرْثِ لَكِنْ لَيْسَ لِذِي الْيَدِ حِصَّةٌ فِيهِ إذْ قَضَى عَلَيْهِ اهـ. الْخَامِسُ: إذَا كَانَتْ الْوَرَثَةُ كِبَارًا غُيَّبًا وَصَغِيرًا نَصَبَ الْقَاضِي وَكِيلًا عَنْ الصَّغِيرِ لِسَمَاعِ دَعْوَى الدَّيْنِ عَلَى الْمَيِّتِ وَالْقَضَاءُ عَلَى هَذَا الْوَكِيلِ قَضَاءٌ عَلَى جَمِيعِ الْوَرَثَةِ السَّادِسُ إذَا أَثْبَتَ الْمُدَّعِي دَيْنَهُ عَلَى بَعْضِ الْوَرَثَةِ وَفِي يَدِهِ حِصَّةٌ فَإِنَّهُ يَسْتَوْفِي جَمِيعَ دَيْنِهِ مِمَّا فِي يَدِ الْحَاضِرِ ثُمَّ يَرْجِعُ الْحَاضِرُ عَلَى الْغَائِبِ بِحِصَّتِهِ وَهُمَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ السَّابِعُ يَحْلِفُ الْوَارِثُ عَلَى الدَّيْنِ إذَا أَنْكَرَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ تَرِكَةٌ وَهُمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ الثَّامِنُ يَصِحُّ الْإِثْبَاتُ عَلَى الْوَارِثِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ تَرِكَةٌ وَهُمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ التَّاسِعُ لَوْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ وَارِثٌ فَجَاءَ مُدَّعٍ لِلدَّيْنِ عَلَى الْمَيِّتِ نَصَبَ الْقَاضِي وَكِيلًا لِلدَّعْوَى كَمَا فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ لِلْخَصَّافِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ وَكِيلَ بَيْتِ الْمَالِ لَيْسَ بِخَصْمٍ. (قَوْلُهُ وَمَنْ قَالَ مَالِي أَوْ مَا أَمْلِكُ فِي الْمَسَاكِينِ صَدَقَةٌ فَهُوَ عَلَى مَالِ الزَّكَاةِ وَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ) وَالْقِيَاسُ اسْتِوَاؤُهُمَا فَيَتَصَدَّقُ بِالْكُلِّ وَبِهِ قَالَ زُفَرُ وَلَكِنَّا فَرَّقْنَا بَيْنَهُمَا اسْتِحْسَانًا بِاعْتِبَارِ أَنَّ إيجَابَ الْعَبْدِ مُعْتَبَرٌ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى بِخِلَافِهَا؛ لِأَنَّهَا أُخْتُ الْمِيرَاثِ تَجْرِي فِي كُلِّ مَالِ الزَّكَاةِ أَطْلَقَهُ فِي مَالِ الزَّكَاةِ فَشَمِلَ جَمِيعَ الْأَجْنَاسِ كَالسَّوَائِمِ وَالنَّقْدَيْنِ وَعُرُوضِ التِّجَارَةِ بَلَغَتْ نِصَابًا أَوْ لَا سَوَاءٌ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ لَهَا أَوْ لَا؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ جِنْسُ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ قَدْرِهَا وَشُرُوطِهَا فَإِنْ قَضَى دَيْنَهُ لَزِمَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بَعْدَهُ بِقَدْرِهِ وَشَمِلَ الْأَرْضَ الْعُشْرِيَّةُ عِنْدَ الثَّانِي لِكَوْنِهَا مَصْرِفُهَا مَصْرِفُ الزَّكَاةِ وَمَنَعَهُ مُحَمَّدٌ لِمَا فِيهَا مِنْ مَعْنَى الْمُؤْنَةِ وَلِذَا وَجَبَ الْعُشْرُ فِي أَرْضِ الصَّبِيِّ وَالْمُكَاتَبِ وَالْأَوْقَافِ وَضَمَّ أَبَا حَنِيفَةَ إلَيْهِ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى التُّمُرْتَاشِيِّ وَلَا تَدْخُلُ الْخَرَاجِيَّةُ لِتَمَحُّضِهَا لِلْمُؤْنَةِ وَخَرَجَ رَقِيقُ الْخِدْمَةِ وَدُورُ السُّكْنَى وَأَثَاثُ الْمَنَازِلِ وَمَا كَانَ مِنْ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ وَتَسْوِيَةُ الْمُصَنِّفِ بَيْنَ قَوْلِهِ مَالِي وَبَيْنَ قَوْلِهِ مَا أَمْلِكُ هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُمَا يُسْتَعْمَلَانِ اسْتِعْمَالًا وَاحِدًا فَكَانَ فِيهِمَا الْقِيَاسُ وَالِاسْتِحْسَانُ خِلَافًا لِلْبَعْضِ. وَاخْتَارَهُ فِي الْمَجْمَعِ وَمَا صَحَّحْنَاهُ تَبَعًا لِلشَّارِحِ هُوَ مُخْتَارُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَذَكَرَ الْقَاضِي الْإِسْبِيجَابِيُّ أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْمَالِ وَالْمِلْكِ إنَّمَا هُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا وَاخْتَارَهُ الطَّحَاوِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَقَيَّدَهُ بِالتَّنْجِيزِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُعَلَّقًا بِالشَّرْطِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ) أَيْ غَيْرِ الْوَارِثِ تَكُونُ الْعَيْنُ فِي يَدِهِ فَيَدَّعِي عَلَيْهِ فَلَا يَتَعَدَّى الْقَضَاءُ عَلَيْهِ إلَى غَيْرِهِ بِأَنْ تَكُونَ شَرِكَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ فَلَا يَكُونُ الشَّرِيكُ لِلْغَائِبِ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ أَبُو السُّعُودِ عَنْ شَيْخِهِ (قَوْلُهُ فَلَوْ قَضَى عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى ذِي الْيَدِ (قَوْلُهُ وَظَاهِرُهُ أَنَّ وَكِيلَ بَيْتِ الْمَالِ لَيْسَ بِخَصْمٍ) قَالَ الرَّمْلِيُّ يَجِبُ تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا وَكَّلَهُ السُّلْطَانُ بِجَمْعِهِ وَحِفْظِهِ أَمَّا إذَا وَكَّلَهُ بِأَنْ يَدَّعِيَ وَيُدَّعَى عَلَيْهِ أَيْضًا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَالدَّعْوَى عَلَيْهِ وَيَمْلِكُ فِي ذَلِكَ مَا يَمْلِكُهُ السُّلْطَانُ؛ لِأَنَّهُ فَوَّضَ إلَيْهِ مَا يَمْلِكُهُ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ كَثِيرَةُ الْوُقُوعِ وَيَتَفَرَّعُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْمُزَارِعَ لَا يَصْلُحُ خَصْمًا مِمَّنْ يَدَّعِي الْمِلْكَ فِي الْأَرْضِ، وَكَذَلِكَ الْمُقَاطَعُ الْمُسَمَّى بِلُغَتِهِمْ تيماريا تَأَمَّلْ هَذَا وَسُئِلَ شَيْخُنَا ابْنُ الْحَانُوتِيِّ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَأَجَابَ بِمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ زَيْنٌ هُنَا. (قَوْلُهُ وَلَكِنَّا فَرَّقْنَا بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ الصَّدَقَةِ وَبَيْنَ الْوَصِيَّةِ وَقَوْلُهُ بِخِلَافِهَا أَيْ الْوَصِيَّةِ (قَوْلُهُ وَقَيَّدَهُ بِالتَّنْجِيزِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ بِدُونِ التَّنْجِيزِ لَا يَشْمَلُ الْحَادِثَ بَعْدَ الْيَمِينِ وَهَذَا بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ لِمَا فِي وَصَايَا الْخَانِيَّةِ وَلَوْ قَالَ أَوْصَيْت بِثُلُثِ مَالِي لِفُلَانٍ وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ ثُمَّ اسْتَفَادَ مَالًا وَمَاتَ كَانَ لِلْمُوصَى لَهُ ثُلُثُ مَا تَرَكَ ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ وَلَوْ قَالَ عَبِيدِي لِفُلَانٍ أَوْ بَرَاذِينِي لِفُلَانٍ وَلَمْ يُضِفْ إلَى شَيْءٍ وَلَمْ يَنْسُبْهُمْ يَدْخُلُ فِيهِ مَا كَانَ لَهُ فِي الْحَالِ وَمَا يَسْتَفِيدُ قَبْلَ الْمَوْتِ اهـ. لَكِنْ قَدْ يُقَالُ الْوَصِيَّةُ فِي مَعْنَى الْمُعَلَّقِ وَفِي حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ وَقَوْلُهُ وَالْحَادِثُ بَعْدَهُ ظَاهِرُهُ وَلَوْ بَعْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ لَكِنْ ذَكَرَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 47 نَحْوُ قَوْلُهُ مَالِي صَدَقَةٌ فِي الْمَسَاكِينِ إنْ فَعَلْت كَذَا دَخَلَ الْمَالُ الْقَائِمُ عِنْدَ الْيَمِينِ وَالْحَادِثُ بَعْدَهُ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ فَهُوَ صَدَقَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُهْدِيَ جَمِيعَ مَالِي إنْ فَعَلْت كَذَا أَوْ جَمِيعَ مِلْكِي فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ جَمِيعُ مَا يَمْلِكُهُ وَقْتَ الْحَلِفِ بِالْإِجْمَاعِ فَيَجِبُ أَنْ يُهْدِيَ ذَلِكَ كُلَّهُ إلَّا قَدْرَ قُوتِهِ فَإِذَا اسْتَفَادَ شَيْئًا آخَرَ تَصَدَّقَ بِمِثْلِهِ كَذَا ذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَفِي حِيَلِ الْوَلْوَالِجيَّةِ مِنْ آخِرِهَا رَجُلٌ قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَجَمِيعُ مَا أَمْلِكُهُ صَدَقَةٌ فِي الْمَسَاكِينِ فَأَرَادَ أَنْ يَفْعَلَ وَلَا يَحْنَثَ يَبِيعُ جَمِيعَ مَا يَمْلِكُهُ مِنْ رَجُلٍ بِثَوْبٍ فِي مِنْدِيلٍ يَقْبِضُهُ وَلَمْ يَرَهُ ثُمَّ يَفْعَلُ ذَلِكَ ثُمَّ يَنْظُرُ إلَى الثَّوْبِ وَيَرُدُّهُ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ. اهـ. وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ فَهُوَ عَلَى مَالِ الزَّكَاةِ دُونَ أَنْ يَقُولَ يَتَصَدَّقُ بِمَالِ الزَّكَاةِ إلَى أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ سِوَى مَا دَخَلَ تَحْتَ الْإِيجَابِ يَمْسِكُ مِنْ ذَلِكَ قَدْرَ قُوتِهِ فَإِذَا أَصَابَ شَيْئًا بَعْدَ ذَلِكَ تَصَدَّقَ بِمِثْلِ مَا أَمْسَكَ؛ لِأَنَّ حَاجَتَهُ مُقَدَّمَةٌ وَلَمْ يُبَيِّنْ فِي الْمَبْسُوطِ قَدْرَ مَا يُمْسِكُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْعِيَالِ وَبِاعْتِبَارِ مَا يَتَجَدَّدُ لَهُ مِنْ التَّحْصِيلِ فَيُمْسِكُ أَهْلَ كُلِّ صَنْعَةٍ قَدْرَ مَا يَكْفِيهِ إلَى أَنْ يَتَجَدَّدَ لَهُ شَيْءٌ وَقَيَّدَ بِالْمَالِ وَالْمِلْكِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ شَيْءٍ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا إذَا قَالَ أَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ مَالِي صَدَقَةٌ إنْ فَعَلْت كَذَا فَفَعَلَهُ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ الْأَمَانَةَ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا بِقَدْرِ مَا يَمْلِكُ رَوَاهُ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ وَكَذَا عَنْ نُصَيْرٍ وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ كَذَا فِي مَآلِ الْفَتَاوَى مِنْ الْإِيمَانِ وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ فَهُوَ عَائِدٌ إلَى الْمَالِ وَكَذَا لَوْ أَوْصَى بِمَالِهِ وَلَا وَارِثَ لَهُ أَوْ كَانَ لَهُ وَأَجَازَهَا فَإِنَّ الْمُوصَى لَهُ يَسْتَحِقُّ جَمِيعَ مَالِهِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ وَقَعَ فِي الْهِدَايَةِ هُنَا أَنَّ الْوَصِيَّةَ خِلَافَةُ كَالْوِرَاثَةِ وَهُوَ مُشْكِلٌ فَإِنَّ الْمُصَرَّحَ بِهِ أَنَّ مِلْكَ الْمُوصَى لَهُ لَيْسَ بِطَرِيقِ الْخِلَافَةِ كَمِلْكِ الْوَارِثِ قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ أَنَّ الْمُوصَى لَهُ لَيْسَ بِخَلِيفَةٍ عَنْ الْمَيِّتِ وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ إثْبَاتُ دَيْنِ الْمَيِّتِ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يَصِحُّ عَلَى وَارِثٍ أَوْ وَصِيٍّ وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِعَبْدٍ اشْتَرَاهُ فَوَجَدَ بِهِ الْمُوصَى لَهُ عَيْبًا فَإِنَّهُ لَا يَرُدُّهُ بِخِلَافِ الْوَارِثِ وَيَصِيرُ الْوَارِثُ مَغْرُورًا لَوْ اُسْتُحِقَّتْ الْجَارِيَةُ بَعْدَ الْوِلَادَةِ كَالْمُورِثِ بِخِلَافِ الْمُوصَى لَهُ اهـ. وَلَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ الشَّارِحِينَ بَيَّنَهُ وَقَدْ ظَهَرَ لِي أَنَّ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ أَرَادَ بِالْخِلَافَةِ أَنَّ مِلْكَ كُلٍّ مِنْهُمَا يَكُونُ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا بِمَعْنَى أَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْخِلَافَةِ مَا فِي التَّلْخِيصِ بَعْدَ بَيَانِ أَنَّ مِلْكَهُ لَيْسَ خِلَافَهُ أَنَّهُ يَصِحُّ شِرَاؤُهُ مَا بَاعَ الْمَيِّتُ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ بِخِلَافِ الْوَارِثِ وَقَدَّمْنَا تَعْرِيفَ الْمَالِ أَوَّلَ كِتَابِ الْبُيُوعِ وَلَا فَرْقَ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ ثُلُثُ مَالِي لِلْفُقَرَاءِ أَوْ لِفُلَانٍ وَكَذَا لَوْ قَالَ ثُلُثَيْ لِفُلَانٍ أَوْ سُدُسَيْ فَهُوَ وَصِيَّةٌ جَائِزَةٌ وَقَيَّدَ بِالْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ ثُلُثُ مَالِي وَقْفٌ وَلَمْ يَزِدْ قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ الْوَصَايَا إنَّ مَالَهُ دَرَاهِمُ أَوْ دَنَانِيرُ فَقَوْلُهُ بَاطِلٌ وَإِنْ ضَيَاعًا صَارَ وَقْفًا عَلَى الْفُقَرَاءِ وَلَوْ قَالَ ثُلُثُ مَالِي لِلَّهِ تَعَالَى فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَنْصَرِفُ إلَى وُجُوهِ الْبِرِّ وَلَوْ قَالَ ثُلُثُ مَالِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ لِلْغَزْوِ فَإِنْ أَعْطَوْهُ حَاجًّا مُنْقَطِعًا جَازَ وَفِي النَّوَازِلِ لَوْ صَرَفَ إلَى سِرَاجِ الْمَسْجِدِ يَجُوزُ اهـ. وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ فِي الْوَصَايَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَهَلْ يَدْخُلُ تَحْتَ الْوَصِيَّةِ بِالْمَالِ مَا عَلَى النَّاسِ مِنْ الدُّيُونِ قَالُوا إنَّ الدَّيْنَ لَيْسَ بِمَالٍ حَتَّى لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا مَالَ لَهُ وَلَهُ دَيْنٌ عَلَى النَّاسِ لَمْ يَحْنَثْ   [منحة الخالق] الْأَبْيَارِيُّ مَا نَصُّهُ لَوْ عَلَّقَهُ بِشَرْطٍ دَخَلَ الْمَالُ الْمَوْجُودُ عِنْدَ الْيَمِينِ وَالْحَادِثُ بَعْدَهُ إلَى وُجُودِ الشَّرْطِ. اهـ. (قَوْلُهُ ثُمَّ يَفْعَلُ ذَلِكَ) أَيْ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ يُعْلَمُ مِنْهُ كَمَا نُقِلَ عَنْ الْمَقْدِسِيَّ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ الْمِلْكُ حِينَ الْحِنْثِ لَا حِينَ الْحَلِفِ اهـ. وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَيْضًا أَنَّ مَا فِيهِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ لَا يَمْلِكُهُ الْمُشْتَرِي حَتَّى يَرَاهُ وَيَرْضَى بِهِ. (قَوْلُهُ وَقَدْ ظَهَرَ لِي أَنَّ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ إلَخْ) مَا ظَهَرَ لَهُ سَبَقَهُ إلَيْهِ صَاحِبُ الْكِفَايَةِ حَيْثُ قَالَ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهَا خِلَافَةٌ كَهِيَ أَيْ كَالْوِرَاثَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُمَا يُثْبِتَانِ الْمِلْكَ بَعْدَ الْمَوْتِ (قَوْلُهُ وَهَلْ يَدْخُلُ تَحْتَ الْوَصِيَّةِ بِالْمَالِ مَا عَلَى النَّاسِ مِنْ الدُّيُونِ) أَقُولُ: فِي وَصَايَا الْمَنْظُومَةِ الْوَهْبَانِيَّةِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافًا وَرَجَّحَ الدُّخُولَ حَيْثُ قَالَ وَفِي ثُلُثِ مَالِي يَدْخُلُ الدَّيْنُ أَجْدَرُ قَالَ شَارِحُهَا الْعَلَّامَةُ ابْنُ الشِّحْنَةِ الْمَسْأَلَةُ فِي الْقُنْيَةِ رَمَزَ لِبُرْهَانَ صَاحِبِ الْمُحِيطِ وَقَالَ لَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لَا يَدْخُلُ الدَّيْنُ ثُمَّ رَمَزَ لِلْأَصْلِ وَقَالَ يَدْخُلُ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَفِي حِفْظِي مِنْ فَتَاوَى قَاضِي خَانْ رِوَايَةُ دُخُولِ الدَّيْنِ فِي الْوَصِيَّةِ بِثُلُثِ الْمَالِ وَالْمُرَادُ بِدُخُولِهَا أَنْ يَدْخُلَ ثُلُثُهَا فِي الْوَصِيَّةِ وَلَا يَسْقُطُ فَيُجْعَلُ كَأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ اهـ. وَفِي وَصَايَا الْكَنْزِ أَوْصَى لَهُ بِأَلْفٍ وَلَهُ عَيْنٌ وَدَيْنٌ فَإِنْ خَرَجَ الْأَلْفُ مِنْ ثُلُثِ الْعَيْنِ دُفِعَ إلَيْهِ وَإِلَّا فَثُلُثُ الْعَيْنِ وَكُلَّمَا خَرَجَ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ لَهُ ثُلُثُهُ حَتَّى يُسْتَوْفَى الْأَلْفُ وَهَذِهِ غَيْرُ مَسْأَلَتِنَا وَمَا نَقَلَهُ عَنْ حِفْظِ ابْنِ وَهْبَانَ يُخَالِفُهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ هُنَا عَنْ الْخَانِيَّةِ وَرَأَيْت فِي وَصَايَا الظَّهِيرِيَّةِ إذَا كَانَ مِائَةُ دِرْهَمٍ عَيْنٌ وَمِائَةُ دِرْهَمٍ عَلَى أَجْنَبِيٍّ دَيْنٌ فَأَوْصَى لِرَجُلٍ بِثُلُثِ مَالِهِ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ ثُلُثَ الْعَيْنِ دُونَ الدَّيْنِ أَلَا تَرَى إنْ حَلَفَ أَنْ لَا مَالَ لَهُ وَلَهُ دُيُونٌ عَلَى النَّاسِ لَمْ يَحْنَثْ ثُمَّ مَا خَرَجَ مِنْ الدَّيْنِ أُخِذَ مِنْهُ ثُلُثُهُ حَتَّى يَخْرُجَ الدَّيْنُ كُلُّهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَيَّنَ الْخَارِجُ مَالًا الْتَحَقَ بِمَا كَانَ عَيْنًا فِي الِابْتِدَاءِ وَلَا يُقَالُ لَمَّا لِمَ يَثْبُتْ حَقُّهُ فِي الدَّيْنِ قَبْلَ أَنْ يَتَعَيَّنَ كَيْفَ يَثْبُتُ حَقُّهُ فِيهِ إذَا تَعَيَّنَ؛ لِأَنَّا نَقُولُ مِثْلُ هَذَا غَيْرُ مُمْتَنِعٍ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُوصَى لَهُ بِثُلُثِ الْمَالِ لَا يَثْبُتُ حَقُّهُ فِي الْقِصَاصِ وَمَتَى انْقَلَبَ مَالًا يَثْبُتُ حَقُّهُ فِيهِ اهـ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُوَفِّقَ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ بِهَذَا فَتَدَبَّرْ. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 48 وَلَا شَكَّ أَنَّ الدَّيْنَ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهِ بِشَرْطِ الْقَبْضِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَدْخُلَ تَحْتَ النَّذْرِ بِالْمَالِ وَلَكِنْ فِي الْخَانِيَّةِ وَلَا تَدْخُلُ الدُّيُونُ وَفِي كَلَامِ الشَّارِحِ فِي الْوَصَايَا مَا يُفِيدُ دُخُولَ الدَّيْنِ فِي الْوَصِيَّةِ بِالْمَالِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مَالًا بِالِاسْتِيفَاءِ فَتَنَاوَلَتْهُ الْوَصِيَّةُ خُصُوصًا قَالُوا إنَّهَا أُخْتُ الْمِيرَاثِ وَهُوَ يَجْرِي فِيهِمَا وَفِي الْجَامِعِ لِلصَّدْرِ إنْ اشْتَرَيْت بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ فَهِيَ صَدَقَةٌ وَاشْتَرَى بِهَا يَحْنَثُ قَالَ إنْ بِعْت عَبْدًا لِي فَثَمَنُهُ صَدَقَةٌ صَحَّ نَذْرُهُ وَقَبْضُهُ شَرْطٌ فَإِنْ مَاتَ عِنْدَهُ أَوْ اسْتَهْلَكَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ سَقَطَ وَكَذَا بَعْدَهُ فِيمَا يَتَعَيَّنُ رَدُّهُ دُونَ غَيْرِهِ كَالزَّكَاةِ قَالَ إنْ بِعْت هَذَا الْكُرَّ وَهَذِهِ الْمِائَةَ فَهُمَا صَدَقَةٌ وَبَاعَ يَتَصَدَّقُ بِالْكُرِّ دُونَ الدَّرَاهِمِ لِلتَّعَيُّنِ وَعَدَمِهِ وَبِمِثْلِهَا لَا نَظِيرِهِ إنْ نَكَحْتهمَا وَأَحَدُهُمَا مُحَرَّمَةٌ أَوْ اشْتَرَيْتهمَا وَأَحَدُهُمَا حُرٌّ قَالَتْ إنْ تَزَوَّجْت فَمَهْرِي صَدَقَةٌ صَحَّ فَإِنْ ارْتَدَّتْ أَوْ قُبِلَتْ سَقَطَ قَبْلَ قَبْضِهِ وَكَذَا بَعْدَهُ فِيمَا يَتَعَيَّنُ رَدُّهُ وَعَلَى هَذَا الطَّلَاقُ وَفِيمَا يَتَخَيَّرُ تَتَصَدَّقُ بِمَا تَقْبِضُهُ اهـ. (قَوْلُهُ وَمَنْ أَوْصَى إلَيْهِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِالْوَصِيَّةِ فَهُوَ وَصِيٌّ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ) حَتَّى لَوْ بَاعَ الْوَصِيُّ شَيْئًا مِنْ التَّرِكَةِ قَبْلَ الْعِلْمِ بِالْوَصِيَّةِ جَازَ الْبَيْعُ وَلَوْ بَاعَ الْوَكِيلُ قَبْلَ الْعِلْمِ بِهَا لَمْ يَجُزْ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ خِلَافُهُ فَلَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ كَتَصَرُّفِ الْوَارِثِ مِلْكًا وَوِلَايَةً حَتَّى لَوْ بَاعَ الْجَدُّ مَالَ ابْنِ ابْنِهِ بَعْدَ مَوْتِ الْأَبِ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ بِمَوْتِهِ جَازَ، وَأَمَّا الْوَكَالَةُ فَإِثْبَاتُ وِلَايَةِ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ لَا اسْتِخْلَافَ لِبَقَاءِ وِلَايَةِ الْمُوَكِّلِ وَالْإِذْنُ لِلْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ فِي التِّجَارَةِ كَالْوَكَالَةِ فَلَا تَثْبُتُ إلَّا بَعْدَ الْعِلْمِ وَلَا يَجُوزُ تَصَرُّفُ الْمَأْذُونِ قَبْلَهُ هَكَذَا أَطْلَقَهُ الشَّارِحُ وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِابْنِ فِرِشْتَا مِنْ الْمَأْذُونِ إنْ كَانَ الْإِذْنُ خَاصًّا بِأَنْ قَالَ أَذِنْت لِعَبْدِي فُلَانٍ وَلَمْ يُشْهِدْ بَيْنَ النَّاسِ فَعَلِمَ الْعَبْدُ بِهِ شَرْطٌ لِصَيْرُورَتِهِ مَأْذُونًا وَإِنْ كَانَ عَامًّا كَمَا إذَا قَالَ الْمَوْلَى لِأَهْلِ السُّوقِ بَايِعُوا عَبْدِي فُلَانًا يَصِيرُ مَأْذُونًا قَبْلَ الْعِلْمِ اهـ. وَمِثْلُ الْوَكَالَةِ الْأَمْرُ بِالْيَدِ لِلْمَرْأَةِ حَتَّى لَوْ جَعَلَ أَمْرَهَا بِيَدِهَا لَا يَصِيرُ أَمْرُهَا بِيَدِهَا مَا لَمْ تَعْلَمْ حَتَّى لَوْ طَلَّقْت نَفْسَهَا قَبْلَ الْعِلْمِ لَا يَقَعُ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ فَصْلِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ مِنْ الطَّلَاقِ. وَفِي وَكَالَةِ الْبَزَّازِيَّةِ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ الْوَكِيلُ قَبْلَ عِلْمِهِ بِالْوَكَالَةِ لَا يَكُونُ وَكِيلًا وَعَنْ الثَّانِي خِلَافُهُ أَمَّا إذَا عَلِمَ الْمُشْتَرِي بِالْوَكَالَةِ وَاشْتَرَى مِنْهُ وَلَمْ يَعْلَمُ الْبَائِعُ الْوَكِيلَ كَوْنَهُ وَكِيلًا بِالْبَيْعِ بِأَنْ كَانَ الْمَالِكُ قَالَ لِلْمُشْتَرِي اذْهَبْ بِعَبْدِي إلَى زَيْدٍ فَقُلْ لَهُ حَتَّى يَبِيعَهُ بِوَكَالَتِهِ عَنِّي مِنْك فَذَهَبَ بِهِ إلَيْهِ وَلَمْ يُخْبِرْهُ بِالتَّوْكِيلِ فَبَاعَهُ هُوَ مِنْهُ فَالْمَذْكُورُ فِي الْوَكَالَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ وَجَعَلَ مَعْرِفَةَ الْمُشْتَرِي كَمَعْرِفَةِ الْبَائِعِ وَفِي الْمَأْذُونِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْمَوْلَى إذَا قَالَ لِأَهْلِ السُّوقِ بَايِعُوا عَبْدِي فَبَايَعُوهُ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْعَبْدُ يَصِحُّ وَفِي الزِّيَادَاتِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَى آخِرِهِ وَهُوَ حَسَنٌ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ فَهُوَ وَصِيٌّ إلَى أَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إخْرَاجِ نَفْسِهِ عَنْ الْوِصَايَةِ بِشَرْطِ أَنْ يَتَصَرَّفَ مِنْ بَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ لِيَكُونَ ذَلِكَ قَبُولًا وَإِلَّا فَلَهُ إخْرَاجُ نَفْسِهِ قَبْلَ الْقَبُولِ وَعَلَى هَذَا فَقَدْ تَرَكَ الْمُصَنِّفُ قَيْدًا لَا بُدَّ مِنْهُ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ وَمَنْ أَوْصَى إلَيْهِ وَلَمْ يَعْلَمْ فَتَصَرَّفَ فَهُوَ وَصِيٌّ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَإِنْ لَمْ يَتَصَرَّفْ فَلَيْسَ بِوَصِيٍّ لِعَدَمِ الْقَبُولِ وَفِي الْخَانِيَّةِ أَوْدَعَهُ أَلْفًا ثُمَّ قَالَ فِي غَيْبَةِ الْمُودِعِ أَمَرْت فُلَانًا أَنْ يَقْبِضَ الْأَلْفَ الَّتِي هِيَ عِنْدَ فُلَانٍ وَلَمْ يَعْلَمْ فُلَانٌ بِكَوْنِهِ مَأْمُورًا بِالْقَبْضِ وَمَعَ ذَلِكَ قَبَضَهُ بِدَفْعِ الْمَأْمُورِ لَهُ وَتَلِفَ عِنْدَهُ فَالْمَالِكُ بِالْخِيَارِ فِي تَضْمِينِ أَيِّهِمَا شَاءَ الْقَابِضِ وَالدَّافِعِ وَإِنْ سَلَّمَ الدَّافِعُ الْعَالِمُ بِالْإِذْنِ وَالْقَابِضُ لَا يَعْلَمُ بِهِ فَتَلِفَ عِنْدَ الْقَابِضِ لَا ضَمَانَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الْمُسْتَوْدَعَ دَفَعَ بِالْإِذْنِ وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ أَحَدُهُمَا بِالْأَمْرِ فَقَالَ الْمَأْمُورُ لِلْمُودَعِ ادْفَعْ إلَيَّ وَدِيعَةَ فُلَانٍ ادْفَعْهَا إلَى صَاحِبِهَا أَوْ قَالَ ادْفَعْهَا إلَيَّ تَكُونُ عِنْدِي لِفُلَانٍ فَدَفَعَ فَضَاعَتْ فَلِرَبِّ الْوَدِيعَةِ تَضْمِينُ أَيِّهِمَا شَاءَ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ اهـ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْوِصَايَةَ وَالْوَكَالَةَ يَجْتَمِعَانِ وَيَفْتَرِقَانِ فَيَفْتَرِقَانِ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ وَفِي أَنَّ الْوِصَايَةَ لَا تَقْبَلُ التَّخْصِيصَ وَالْوَكَالَةُ تَقْبَلُهَا وَفِي أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْوَصِيِّ أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا حُرًّا بَالِغًا عَاقِلًا بِخِلَافِ الْوَكِيلِ إلَّا الْعَقْلَ وَفِي أَنَّ الْوَصِيَّ إذَا مَاتَ قَبْلَ تَمَامِ الْمَصْلَحَةِ نَصَبَ الْقَاضِي غَيْرَهُ وَلَوْ مَاتَ وَكِيلُ الْغَائِبِ لَا يَنْصِبُ غَيْرَهُ إلَّا عَنْ الْمَفْقُودِ لِلْحِفْظِ وَفِي أَنَّ الْقَاضِيَ يَعْزِلُ الْوَصِيَّ بِخِيَانَةٍ أَوْ تُهْمَةٍ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ عَنْ الْحَيِّ وَتَمَامُهُ فِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ فِي فَنِّ الْفُرُوقِ ثُمَّ اعْلَمْ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَلَا شَكَّ أَنَّ الدَّيْنَ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ بِشَرْطِ الْقَبْضِ) أَيْ فَإِذَا قَبَضَ يَصِيرُ مَالًا فَيَنْبَغِي أَنْ يَدْخُلَ وَمُقْتَضَى مَا قَالُوا أَنَّ الدَّيْنَ لَيْسَ بِمَالٍ أَنْ لَا يَدْخُلَ. [أَوْصَى إلَيْهِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِالْوَصِيَّةِ] (قَوْلُهُ وَلَوْ بَاعَ الْوَكِيلُ قَبْلَ الْعِلْمِ بِهَا لَمْ يَجُزْ) أَيْ لَمْ يَلْزَمْ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ الْفُضُولِيِّ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهِ بَعْدَ الْعِلْمِ أَوْ عَلَى إجَازَةِ الْمُوَكِّلِ (قَوْلُهُ لِيَكُونَ ذَلِكَ قَبُولًا) حَاصِلُهُ أَنَّ بَيْعَهُ وَنَحْوَهُ قَبْلَ الْعِلْمِ قَبُولٌ قَالَ فِي نُورِ الْعَيْنِ مِنْ الْفَصْلِ عَازِيًا مَاتَ وَبَاعَ وَصِيَّهُ قَبْلَ عِلْمِهِ بِوِصَايَتِهِ وَمَوْتِهِ جَازَ اسْتِحْسَانًا وَيَصِيرُ ذَلِكَ قَبُولًا مِنْهُ لِلْوِصَايَةِ وَلَا يَمْلِكُ عَزْلَ نَفْسِهِ (قَوْلُهُ وَفِي أَنَّ الْوِصَايَةَ لَا تَقْبَلُ التَّخْصِيصَ) قَالَ الرَّمْلِيُّ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ؛ لِأَنَّ إيصَاءَ الْقَاضِي يَقْبَلُ التَّخْصِيصَ قَالَ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى مِنْ فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَلَوْ قَالَ الْقَاضِي لِرَجُلٍ جَعَلْتُك وَصِيًّا لِلْمَيِّتِ يَصِيرُ وَصِيًّا فَإِنْ خَصَّ شَيْئًا أَوْ قَالَ فِي كَذَا يَصِيرُ وَصِيًّا فِي ذَلِكَ الشَّيْءِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ إيصَاءَ الْقَاضِي يَقْبَلُ التَّخْصِيصَ بِخِلَافِ إيصَاءِ الْمَيِّتِ اهـ. وَهَكَذَا ذَكَرَ هَذَا الشَّارِحُ فِي فَوَائِدِهِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 49 أَنَّ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ ذَكَرَ هُنَا أَنَّ الْوِصَايَةَ خِلَافَةٌ لَا نِيَابَةٌ كَالْوِرَاثَةِ وَقَالَ قَبْلَهُ إنَّ الْوَصِيَّةَ خِلَافَةٌ كَهِيَ وَقَدَّمْنَا مَا فِي الثَّانِي، وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَالْمُرَادُ أَنَّهُ خَلِيفَةُ الْمَيِّتِ فِي التَّصَرُّفِ كَالْوَارِثِ لَا فِي الْمِلْكِ بِخِلَافِ الْخِلَافَةِ فِي الْوَصِيَّةِ فَإِنَّهَا فِي الْمِلْكِ لَا فِي التَّصَرُّفِ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّ خَلِيفَةُ الْمَيِّتِ مَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ لَوْ مَاتَ عَنْ وَصِيٍّ وَابْنٍ صَغِيرٍ وَدَيْنٍ فَقَبَضَهُ الْوَصِيُّ بَعْدَ بُلُوغِ الصَّغِيرِ جَازَ إلَّا إذَا نَهَاهُ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُمْ فَرَّقُوا بَيْنَ الْوَارِثِ وَالْوَصِيِّ فِي مَسْأَلَةٍ لَوْ أَوْصَى بِعِتْقِ عَبْدٍ مَلَكَ الْوَارِثُ إعْتَاقَهُ تَنْجِيزًا وَتَعْلِيقًا وَتَدْبِيرًا وَكِتَابَةً وَلَا يَمْلِكُ الْوَصِيُّ إلَّا التَّنْجِيزَ وَهِيَ فِي التَّلْخِيصِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ صَرَّحَ فِي التَّلْخِيصِ بِأَنَّ وَصِيَّ الْقَاضِي نَائِبٌ عَنْ الْمَيِّتِ لَا عَنْ الْقَاضِي وَلَمْ أَرَ نَقْلًا فِي حُكْمِ وِصَايَتِهِ قَبْلَ الْعِلْمِ وَكَذَا فِي حُكْمِ تَوْلِيَةِ النَّاظِرِ مِنْ الْوَاقِفِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى الْخِلَافِ فَمَنْ جَعَلَ النَّاظِرَ وَصِيًّا قَالَ تَثْبُتُ قَبْلَ الْعِلْمِ وَمَنْ جَعَلَهُ وَكِيلًا قَالَ لَا وَصَحَّحُوا أَنَّهُ وَكِيلٌ حَتَّى مَلَكَ الْوَاقِفُ عَزْلَهُ بِلَا شَرْطٍ (قَوْلُهُ وَمَنْ أَعْلَمَهُ بِالْوَكَالَةِ صَحَّ تَصَرُّفُهُ) ؛ لِأَنَّهُ مُعَامَلَةٌ لَا إلْزَامَ فِيهِ وَإِنَّمَا هُوَ إطْلَاقٌ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الْمُخْبِرُ عَدْلًا أَوْ غَيْرَ عَدْلٍ كَبِيرًا أَوْ صَغِيرًا فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ إلَّا التَّمْيِيزُ. (قَوْلُهُ وَلَا يَثْبُتُ عَزْلُهُ إلَّا بِعَدْلٍ أَوْ مَسْتُورَيْنِ كَإِخْبَارِ السَّيِّدِ بِجِنَايَةِ عَبْدِهِ وَالشَّفِيعِ وَالْبِكْرِ وَالْمُسْلِمِ الَّذِي لَمْ يُهَاجِرْ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا لَا يُشْتَرَطُ فِي الْمُخْبِرِ بِهَذَا إلَّا التَّمْيِيزُ لِكَوْنِهَا مُعَامَلَةً وَلَهُ أَنَّ فِيهَا إلْزَامًا مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَيُشْتَرَطُ أَحَدُ شَطْرَيْ الشَّهَادَةِ أَمَّا الْعَدَدُ أَوْ الْعَدَالَةُ أَطْلَقَهُ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِأَنْ يَكُونَ الْمُخْبِرُ غَيْرَ الْخَصْمِ وَرَسُولِهِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَالَةُ حَتَّى لَوْ أَخْبَرَ الشَّفِيعُ الْمُشْتَرِيَ بِنَفْسِهِ وَجَبَ الطَّلَبُ إجْمَاعًا وَالرَّسُولُ يَعْمَلُ بِخَبَرِهِ وَإِنْ كَانَ فَاسِقًا اتِّفَاقًا صَدَّقَهُ أَوْ كَذَّبَهُ كَمَا ذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَكَذَا لَوْ كَانَ الرَّسُولُ صَغِيرًا وَظَاهِرُ مَا فِي الْعِمَادِيَّةِ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ لَهُ إنِّي رَسُولٌ يَعْزِلُك وَيَثْبُتُ الْعَزْلُ بِكِتَابِ الْمُوَكِّلِ أَيْضًا وَمُقَيَّدٌ أَيْضًا بِمَا إذَا لَمْ يُصَدِّقْهُ أَمَّا إذَا صَدَّقَهُ قَبْلُ وَلَوْ كَانَ فَاسِقًا ذَكَرَهُ أَيْضًا وَمُقَيَّدٌ أَيْضًا بِمَا إذَا بَلَغَهُ الْعَزْلُ إنْ كَانَ الْعَزْلُ قَصْدِيًّا أَمَّا إذَا كَانَ حُكْمِيًّا كَمَوْتِ الْمُوَكِّلِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ وَيَنْعَزِلُ قَبْلَ الْعِلْمِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ اشْتِرَاطَ سَائِرِ الشُّرُوطِ فِي الشَّاهِدِ وَجَزَمَ فِي تَنْقِيحِ الْأُصُولِ بِاشْتِرَاطِ سَائِرِ الشُّرُوطِ مَعَ الْعَدَدِ أَوْ الْعَدَالَةِ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ فَلَا يَثْبُتُ بِخَبَرِ الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ وَإِنْ وُجِدَ الْعَدَدُ أَوْ الْعَدَالَةُ وَقَلَّ مَنْ نَبَّهَ عَلَى هَذَا ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْإِمَامَ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ نَصَّ عَلَى خَمْسَةٍ مِنْهَا وَلَمْ يَذْكُرْ مَسْأَلَةَ الْبِكْرِ وَإِنَّمَا قَاسَهَا الْمَشَايِخُ وَذَكَرَ مِنْ الْخَمْسَةِ الْحَجْرَ عَلَى الْمَأْذُونِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُؤَلِّفُ إلْحَاقًا لَهُ بِعَزْلِ الْوَكِيلِ فَهِيَ سِتٌّ. وَزِدْت عَلَيْهَا ثَلَاثًا: إحْدَاهَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ قَالَ الْبَيْعُ عَلَى الْخِلَافِ يُرِيدُ بِهِ إذَا قَالَ رَجُلٌ عَدْلٌ هَذِهِ الْعَيْنُ مَعِيبَةٌ فَأَقْدَمَ عَلَى شِرَائِهِ كَانَ ذَلِكَ رِضًا بِالْعَيْبِ إنْ كَانَ الْمُخْبِرُ عَدْلًا وَإِنْ كَانَ فَاسِقًا فَلَا اهـ. الثَّانِيَةُ: فِي التَّنْقِيحِ فَسْخُ الشَّرِكَةِ. الثَّالِثَةِ عَزْلُ الْمُتَوَلِّي عَلَى الْوَقْفِ عَلَى الْقَوْلِ بِصِحَّةِ عَزْلِهِ بِلَا شَرْطٍ أَوْ عَلَى قَوْلِ الْكُلِّ إنْ كَانَ شَرَطَهُ الْوَاقِفُ وَلَمْ أَرَهَا وَلَكِنْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ وَكِيلُ الْوَاقِفِ فَيُسْتَفَادُ مِنْ مَسْأَلَةِ عَزْلِ الْوَكِيلِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ أَيْضًا عَزْلُ الْقَاضِي وَلَمْ أَرَهُ وَقَدْ جَعَلَ الْمُصَنِّفُ مِنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ مَسْأَلَةَ الْمُسْلِمِ الَّذِي لَمْ يُهَاجِرْ وَهُوَ نَصُّ مُحَمَّدٍ فِي النَّوَادِرِ وَاخْتَارَ السَّرَخْسِيُّ قَبُولَ خَبَرِ الْفَاسِقِ حَتَّى تَجِبَ عَلَيْهِ الْأَحْكَامُ بِخَبَرِهِ؛ لِأَنَّ الْمُخْبِرَ لَهُ رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْعَدَالَةُ لَا تُشْتَرَطُ فِي الرَّسُولِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَصَحَّحَهُ الشَّارِحُ وَرَدَّهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالتَّحْرِيرِ بِأَنَّ عَدَمَ اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ إنَّمَا هُوَ فِي الرَّسُولِ الْخَاصِّ بِالْإِرْسَالِ وَإِلَّا فَيَلْزَمُ عَلَى قَوْلِهِ أَنْ لَا تُشْتَرَطَ الْعَدَالَةُ فِي رِوَايَةِ الْحَدِيثِ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ أَوْ مَسْتُورَيْنِ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ خَبَرُ الْفَاسِقَيْنِ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَالصَّحِيحُ قَبُولُهُ وَثُبُوتُ هَذِهِ الْأَحْكَامِ؛ لِأَنَّ تَأْثِيرَ خَبَرِ الْفَاسِقَيْنِ أَقْوَى مِنْ تَأْثِيرِ خَبَرِ الْعَدْلِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَضَى بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ عَدْلٍ لَمْ يَنْفُذْ وَبِشَهَادَةِ فَاسِقَيْنِ يَنْفُذُ وَقَوْلُهُ إلَّا بِعَدْلٍ أَيْ بِخَبَرِ عَدْلٍ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ لَفْظُ الشَّهَادَةِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. (قَوْلُهُ وَلَوْ بَاعَ الْقَاضِي أَوْ أَمِينُهُ عَبْدًا لِلْغُرَمَاءِ وَأَخَذَ الْمَالَ فَضَاعَ وَاسْتُحِقَّ الْعَبْدُ لَمْ يَضْمَنْ) أَيْ الْبَائِعُ الثَّمَنَ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ قَائِمٌ مَقَامَ الْخَلِيفَةِ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْقَاضِي وَأَمِينُ الْقَاضِي   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَصَحَّحُوا أَنَّهُ وَكِيلٌ إلَخْ) فِي حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ قَالَ شَيْخُنَا وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ تَقْرِيرَهُ فِي النَّظَرِ بِلَا عِلْمِهِ لَا يَصِحُّ ثُمَّ رَأَيْت بِخَطِّ الشَّيْخِ شَرَفِ الدِّينِ الْغَزِّيِّ مُحَشِّي الْأَشْبَاهِ أَنَّهُمْ لَمْ يَجْعَلُوهُ وَصِيًّا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَلَا وَكِيلًا كَذَلِكَ بَلْ لَهُ شَبَهٌ بِالْوَصِيِّ حَتَّى صَحَّ تَفْوِيضُهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ وَشَبَهٌ بِالْوَكِيلِ حَتَّى مَلَكَ الْوَاقِفُ عَزْلَهُ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فَهُوَ وَكِيلٌ عَنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْأَشْبَاهِ قُلْتُ: وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ مُشْكِلٌ إذْ مُقْتَضَى كَوْنِهِ وَكِيلًا عَنْهُمْ أَنَّ لَهُمْ عَزْلَهُ مَعَ أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَلْ لَوْ عَزَلَهُ الْقَاضِي لَمْ يَصِحَّ إذَا كَانَ مَنْصُوبَ الْوَاقِفِ إلَّا بِخِيَانَةٍ اهـ. قُلْت: وَلَا يَبْعُدُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ وَكِيلٌ مَا دَامَ الْوَاقِفُ حَيًّا وُصِّيَ بَعْدَ وَفَاتِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ نَظِيرُ الْوَكِيلِ فِي سَعْيِهِ لَهُمْ لَا وَكِيلَ حَقِيقَةً إذْ لَيْسَتْ وِلَايَتُهُ مِنْهُمْ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ عُزِلَ الْقَاضِي) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَهُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُمْ صَرَّحُوا فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ بِأَنَّهُ مُلْحَقٌ بِالْوَكِيلِ كَمَا قَدَّمَهُ هَذَا الشَّارِحُ فِيهِ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 50 كَالْقَاضِي وَهُوَ مَنْ يَقُولُ لَهُ الْقَاضِي جَعَلْتُك أَمِينًا فِي بَيْعِ هَذَا الْعَبْدِ أَمَّا إذَا قَالَ بِعْ هَذَا الْعَبْدَ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا تَلْحَقُهُ عُهْدَةٌ ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خواهر زاده كَذَا فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ لِلْفَارِسِيِّ وَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى أَنَّ الْعَبْدَ لَوْ ضَاعَ مِنْهُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ إلَى الْمُشْتَرِي لَمْ يَضْمَنَا كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَإِلَى أَنَّ أَمِينَهُ لَوْ قَالَ بِعْت وَقَبَضْت الثَّمَنَ وَقَضَيْت الْغَرِيمَ صُدِّقَ بِلَا يَمِينٍ وَعُهْدَةٍ إلْحَاقًا بِالْقَاضِي كَذَا فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ أَيْضًا وَفِي الْبَدَائِعِ مِنْ خِيَارِ الْعَيْبِ أَنَّ الْعَيْبَ إذَا كَانَ ظَاهِرًا يُرَدُّ الْمَبِيعُ بِهِ يَنْظُرُ الْقَاضِي أَوْ أَمِينُهُ اهـ. وَفِي قَضَاءِ الْمُلْتَقَطِ إذَا وَجَبَ يَمِينٌ عَلَى مُخَدَّرَةٍ وَجَّهَ الْقَاضِي لَهَا ثَلَاثَةً مِنْ الْعُدُولِ يَسْتَخْلِفُهَا وَاحِدٌ وَآخَرَانِ يَشْهَدَانِ عَلَى يَمِينِهَا أَوْ نُكُولِهَا. اهـ. فَعَلَى هَذَا الْمُسْتَحْلِفُ لَيْسَ بِأَمِينِهِ وَإِلَّا قُبِلَ قَوْلُهُ فِي الْيَمِينِ وَالنُّكُولِ وَحْدَهُ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْقَاضِيَ وَأَمِينَهُ لَا تَرْجِعُ حُقُوقُ عَقْدٍ بَاشَرَاهُ لِلْيَتِيمِ إلَيْهِمَا بِخِلَافِ الْوَكِيلِ وَالْأَبِ وَالْوَصِيِّ فَلَوْ ضَمِنَ الْقَاضِي أَوْ أَمِينُهُ ثَمَنَ مَا بَاعَاهُ لِلْيَتِيمِ بَعْدَ بُلُوغِهِ صَحَّ بِخِلَافِهِمْ وَتَمَامُهُ فِي قَضَاءِ الْعَتَّابِيَّةِ (قَوْلُهُ وَرَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْغُرَمَاءِ) ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ وَقَعَ لَهُمْ فَكَانَتْ الْعُهْدَةُ عَلَيْهِمْ عِنْدَ تَعَذُّرِ جَعْلِهَا عَلَى الْعَاقِدِ كَمَا تُجْعَلُ الْعُهْدَةُ عَلَى الْمُوَكِّلِ عِنْدَ تَعَذُّرِ جَعْلِهَا عَلَى الْوَكِيلِ فِي الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ قَيَّدَ بِرُجُوعِ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ لَوْ ظَهَرَ لِلْمَيِّتِ غَرِيمٌ آخَرُ لَا يُشَارِكُ الْأَوَّلَ فِي الثَّمَنِ وَإِنْ صَارَ مُقِرًّا بِقَبْضِ الْأَمِينِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُشَارَكَةِ إنَّمَا ثَبَتَ بِقَبْضِ الدَّيْنِ وَلَمْ يُوجَدْ قَبْضُ الدَّيْنِ حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا أَقْصَى مَا فِي الْبَابِ أَنَّهُ أَقَرَّ بِقَبْضِ الْأَمِينِ ثَمَنَ مَا بَاعَهُ مِنْ التَّرِكَةِ وَأَمِينُ الْقَاضِي لَيْسَ بِنَائِبٍ عَنْهُ لَا فِي الْبَيْعِ وَلَا فِي الْقَبْضِ لِيَكُونَ إقْرَارُهُ بِقَبْضِهِ إقْرَارًا بِقَبْضِ نَفْسِهِ حُكْمًا بَلْ هُوَ نَائِبٌ عَنْ الْمَيِّتِ فِي الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ بَدَلُ مِلْكِ الْمَيِّتِ وَلِهَذَا لَوْ تَوِيَ الْمَقْبُوضُ فِي يَدِ الْأَمِينِ لَا يَسْقُطُ بِتَوَاهُ شَيْءٌ مِنْ دَيْنِ الْغَرِيمِ كَذَا فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ مِنْ الْوَكَالَةِ. وَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى أَنَّ الْغَرِيمَ خَصْمٌ لِلْمُشْتَرِي فِي الرَّدِّ بِعَيْبٍ وَلَكِنْ فِي التَّلْخِيصِ مِنْهَا فَإِنْ قَالَ أَمِينُهُ الَّذِي أَمَرَهُ بِالْبَيْعِ فِيهِ بِعْت وَقَبَضْت الثَّمَنَ وَقَضَيْت الْغَرِيمَ صُدِّقَ بِلَا يَمِينٍ وَعُهْدَةٍ إلْحَاقًا بِالْقَاضِي ثُمَّ الْغَرِيمُ إنْ أَنْكَرَ الْإِيفَاءَ دُونَ الْقَبْضِ كَانَ خَصْمًا لِلْمُشْتَرِي فِي الْعَيْبِ فَيَغْرَمُ الثَّمَنَ لَا لِغَرِيمٍ آخَرَ فَلَا يُشَارِكُهُ إذْ الْعُهْدَةُ بِالْعَقْدِ وَهُوَ لَهُ نَفْعًا كَمَا فِي تَوْكِيلِ الْمَحْجُورِ وَالْمُكْرَهِ وَالشَّرِكَةِ بِالْقَبْضِ وَهُوَ لِلْمَيِّتِ حَتَّى لَمْ يَسْقُطْ التَّوَى شَيْئًا وَإِنْ أَنْكَرَهُمَا كَانَ الْخَصْمُ مَنْ يَأْمُرُهُ الْقَاضِي لِانْتِهَاءِ الْأَوَّلِ بِلَا حُقُوقٍ وَيَبِيعُ فِيمَا لِلْمُشْتَرِي هُنَا أَوْ غَرِمَ الْغَرِيمُ فِي الْأُولَى نَظَرًا لِلتَّعَيُّنِ نَظَرًا وَسُلْطَةً كَمَا مَرَّ مُهْدَرًا لِلنَّقْصِ صَارَ فَالْفَضْلُ إلَى دَيْنِ الْغَرِيمِ قَدِيمًا وَفَاءٌ بِقُصُورِ السُّلْطَةِ كَمَا لَوْ ظَهَرَ مَالٌ آخَرُ. اهـ. وَتَوْضِيحُهُ فِي شَرْحِهِ لِلْفَارِسِيِّ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُمْ جَعَلُوا النَّائِبَ كَالْأَصِيلِ فِي نَائِبِ الْقَاضِي وَهُوَ الْأَمِينُ وَفِي الْوَكِيلِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُجْعَلَ نَائِبُ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ كَهُمَا بِدَلِيلِ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْقَاضِيَ إنَّمَا قُبِلَ قَوْلُهُ بِلَا يَمِينٍ لِكَوْنِهِ نَائِبًا عَنْ الْإِمَامِ فَعَلَى هَذَا يُقْبَلُ قَوْلُ أَمِينِ بَيْتِ الْمَالِ بِلَا يَمِينٍ فَلْيُحْفَظْ هَذَا خُصُوصًا أَنَّهُمْ جَعَلُوا أَمِينَ الْقَاضِي كَهُوَ فَأَمِينُ الْإِمَامِ كَهُوَ بِالْأَوْلَى وَسَيَأْتِي نَقْلُهُ عَنْ شَرْحِ التَّلْخِيصِ نَائِبُ النَّاظِرِ كَهُوَ فِي قَبُولِ قَوْلِهِ فَلَوْ ادَّعَى ضَيَاعَ مَالِ الْوَقْفِ أَوْ تَفْرِيقَهُ عَلَى الْمُسْتَحَقِّينَ وَأَنْكَرُوا فَالْقَوْلُ لَهُ كَالْأَصِيلِ لَكِنْ مَعَ الْيَمِينِ وَبِهِ فَارَقَ أَمِينَ الْقَاضِي فَإِنَّهُ لَا يَمِينَ عَلَيْهِ كَالْقَاضِي. وَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ أَيْضًا إلَى أَنَّ الْوَكِيلَ لَوْ ادَّعَى ذَلِكَ لَمْ يَضْمَنْ أَيْضًا وَفِي التَّلْخِيصِ إنْ قَالَ الْوَكِيلُ بِعْت وَقَبَضْت الثَّمَنَ وَسَلَّمْته إلَى الْآمِرِ أَوْ ضَاعَ صُدِّقَ وَبَرِئَ الْمُشْتَرِي لِلتَّسْلِيطِ قَصْدًا أَوْ ضِمْنًا وَيَحْلِفُ عَلَى التَّسْلِيمِ وَالضَّيَاعِ إذْ نُكُولُهُ عَلَى نَفْسِهِ دُونَ الْمُشْتَرِي وَلَا يَحْلِفُ عَلَى الْبَيْعِ وَالْقَبْضِ لِلْعَكْسِ إلَّا فِي دَعْوَى الْغُرْمِ لِعَكْسِ الْعَكْسِ أَلَا تَرَى أَنَّ ذَا الْيَدِ إذَا أَقَرَّ بِالْمُدَّعَى لِصَغِيرٍ حَلَفَ عَلَى الْغُرْمِ دُونَ الْعَيْنِ وَيُسَلَّمُ الْمَبِيعُ إنْ كَانَ فِي يَدِهِ لِلتَّسْلِيطِ يَدًا لَا إنْ كَانَ فِي يَدِ الْآمِرِ لِلْعَدَمِ بَلْ يَفْسَخُ الْمُشْتَرِي أَوْ يَنْقُدُ رَاجِعًا بِهِ عَلَى الْوَكِيلِ لِفَوْتِ رِضًا أَوْ سَلَامَةٍ وَيَسْتَرِدُّ الْمَعِيبَ رَادًّا ثَمَنَهُ وَفَاءً بِالْعَدْلِ وَالْحُقُوقِ وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْآمِرِ إنْ صَدَّقَهُ فِي الْقَبْضِ إذْ يَدُهُ يَدُهُ بِدَلِيلِ التَّلَفِ وَيَبِيعُهُ الْقَاضِي فِيهِ إنْ كَذَّبَهُ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ فِي بَابِ مَا يُصَدَّقُ فِيهِ الْوَكِيلُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَفِي الْبَدَائِعِ مِنْ خِيَارِ الْعَيْبِ إلَخْ) الْغَرَضُ مِنْ هَذَا أَنَّ أَمِينَ الْقَاضِي مُلْحَقٌ بِهِ وَإِلَّا فَلَا دَخْلَ لِهَذَا الْفَرْعِ هُنَا (قَوْلُهُ كَمَا نَجْعَلُ الْعُهْدَةَ عَلَى الْمُوَكِّلِ عِنْدَ تَعَذُّرِ جَعْلِهَا عَلَى الْوَكِيلِ فِي الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ) الْأَوْلَى حَذْفُ لَفْظَةِ فِي لِيَصِيرَ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ صِفَةً لِلْوَكِيلِ وَالْمُرَادُ مَا إذَا كَانَ الْعَاقِدُ عَبْدًا أَوْ صَبِيًّا يَعْقِلُ الْبَيْعَ وَكَّلَهُ رَجُلٌ بِبَيْعِ مَالِهِ فَإِنَّهُ لَا تَتَعَلَّقُ الْحُقُوقُ بِهِمَا بَلْ بِمُوَكِّلِهِمَا؛ لِأَنَّ الْتِزَامَ الْعُهْدَةِ لَا يَصِحُّ مِنْهُمَا لِقُصُورِ الْأَهْلِيَّةِ فِي الصَّبِيِّ وَحَقِّ السَّيِّدِ فِي الْعَبْدِ وَالْأَصْلُ أَنَّهُ إذَا تَعَذَّرَ تَعَلُّقُ الْحُقُوقِ بِالْعَاقِدِ تَتَعَلَّقُ بِأَقْرَبِ النَّاسِ إلَى الْعَاقِدِ وَأَقْرَبُ النَّاسِ فِي مَسْأَلَتِنَا مَنْ يَنْتَفِعُ بِهَذَا الْعَقْدِ وَهُوَ الْغَرِيمُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 51 وَالْوَصِيُّ وَالْقَاضِي مِنْهَا قَيَّدَ بِعَدَمِ ضَمَانِهِ عِنْدَ الِاسْتِحْقَاقِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَخْطَأَ فِي قَضَائِهِ ضَمِنَ لِمَا فِي الْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ مِنْ الْحُدُودِ وَلَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ مِنْ الرِّجَالِ عَلَى مُحْصَنٍ بِالزِّنَا فَرَجَمَهُ الْإِمَامُ ثُمَّ وَجَدَ أَحَدَهُمْ عَبْدًا أَوْ مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ فَدِيَتُهُ عَلَى الْقَاضِي وَيَرْجِعُ الْقَاضِي بِذَلِكَ فِي بَيْتِ الْمَالِ بِالْإِجْمَاعِ الْأَصْلُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ الْقَاضِيَ مَتَى ظَهَرَ خَطَؤُهُ فِيمَا قَضَى بِيَقِينٍ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ مَا قَضَى بِهِ وَيَرْجِعُ بِذَلِكَ عَلَى الْمَقْضِيِّ لَهُ كَالْمُودَعِ وَالْوَكِيلِ وَإِنْ كَانَ الْخَطَأُ فِي الْمَالِ فَإِنْ كَانَ قَائِمًا بِيَدِ الْمَقْضِيِّ لَهُ أَخَذَهُ الْقَاضِي وَرَدَّهُ عَلَى الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ مُسْتَهْلَكًا ضَمِنَ قِيمَتَهُ وَرَجَعَ بِذَلِكَ عَلَى الْمَقْضِيِّ لَهُ وَإِنْ كَانَ فِي رَجْمٍ أَوْ قَطْعِ يَدٍ فِي سَرِقَةٍ ضَمِنَ الْقَاضِي وَرَجَعَ بِمَا ضَمِنَ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَإِنْ ظَهَرَ أَنَّ الشُّهُودَ فَسَقَةٌ لَمْ يَضْمَنْ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ خَطَؤُهُ بِيَقِينٍ؛ لِأَنَّ خَطَأَ الْقَاضِي إنَّمَا يَظْهَرُ إذَا ظَهَرَ أَنَّهُ قَضَى بِغَيْرِ شَهَادَةٍ وَلَمْ يَظْهَرْ؛ لِأَنَّ الْفَاسِقَ أَهْلٌ لِلشَّهَادَةِ عِنْدَنَا اهـ. وَالْمَنْقُولُ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ وَالْمُحِيطِ الْمَذْكُورُ مِنْ كِتَابِ الْقَضَاءِ عَدَمُ ضَمَانِ الْقَاضِي إذَا أَخْطَأَ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْمُحِيطِ مِنْ الْحُدُودِ. (قَوْلُهُ وَإِنْ أَمَرَ الْقَاضِي الْوَصِيَّ بِبَيْعِهِ لَهُمْ فَاسْتُحِقَّ أَوْ مَاتَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَضَاعَ الْمَالُ رَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْوَصِيِّ وَهُوَ عَلَى الْغُرَمَاءِ) ؛ لِأَنَّهُ عَاقِدٌ نِيَابَةً عَنْ الْمَيِّتِ فَتَرْجِعُ الْحُقُوقُ إلَيْهِ كَمَا إذَا وَكَّلَهُ حَالَ حَيَاتِهِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ وَصِيَّ الْمَيِّتِ وَوَصِيَّ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ كَوَصِيِّ الْمَيِّتِ فِي الْأَحْكَامِ كُلِّهَا إلَّا فِي مَسَائِلَ ذَكَرْنَاهَا فِي الْفَوَائِدِ فَهُوَ نَائِبُ الْمَيِّتِ لَا الْقَاضِي بِدَلِيلِ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَمْلِكُ الشِّرَاءَ لِنَفْسِهِ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ وَلَوْ نَصَبَ وَصِيًّا فَاشْتَرَى مِنْهُ صَحَّ كَذَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الْحَصِيرِيُّ وَشِرَاءُ الْقَاضِي مِنْ أَمِينِهِ لَا يَجُوزُ أَيْضًا وَالتَّقْيِيدُ بِأَمْرِ الْقَاضِي اتِّفَاقِيٌّ وَلِيَعْلَمَ حُكْمَهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ بِالْأَوْلَى وَلِهَذَا قَالَ الْإِمَامُ الْحَصِيرِيُّ وَأَمْرُ الْقَاضِي وَعَدَمُ أَمْرِهِ سَوَاءٌ وَإِنَّمَا يَرْجِعُ الْوَصِيُّ عَلَى الْغُرَمَاءِ؛ لِأَنَّهُ عَامِلٌ لَهُمْ وَلَوْ ظَهَرَ لِلْمَيِّتِ بَعْدَ ذَلِكَ مَالٌ رَجَعَ الْغَرِيمُ فِيهِ بِدَيْنِهِ؛ لِأَنَّ دَيْنَهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ وَيَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَ لِلْوَصِيِّ أَوْ لِلْمُشْتَرِي فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ. وَقِيلَ لَا يَرْجِعُ بِهِ فِي الثَّانِيَةِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَصَحَّحَ مَجْدُ الْأَئِمَّةِ السُّرْخَكَتِيُّ عَدَمَ الرُّجُوعِ فِي الْأُولَى فَقَدْ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالسُّرْخَكَتِيِّ بِضَمِّ السِّينِ فَسُكُونِ الرَّاءِ وَفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالْكَافِ وَفِي آخِرِهَا التَّاءُ ثَالِثُ الْحُرُوفِ نِسْبَةٌ إلَى سُرْخَكَتَ قَرْيَةٍ بِثَغْرِ حَسَّانَ سَمَرْقَنْدَ يُنْسَبُ إلَيْهَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ فَاعِلٍ ذَكَرَهُ عَبْدُ الْقَادِرِ فِي الطَّبَقَاتِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْبَيْعَ لِلْغُرَمَاءِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْوَارِثَ مَعَ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي التَّرِكَةِ دَيْنٌ كَانَ الْعَاقِدُ عَامِلًا لَهُ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا لَحِقَهُ مِنْ الْعُهْدَةِ إنْ كَانَ وَصِيُّ الْمَيِّتِ وَإِنْ كَانَ الْقَاضِي أَوْ أَمِينُهُ هُوَ الْعَاقِدَ رَجَعَ عَلَيْهِ الْمُشْتَرِي كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْبَيْعِ لِلْقَاضِي إذَا كَانَتْ التَّرِكَةُ قَدْ أَحَاطَ بِهَا الدَّيْنُ وَلَا يَمْلِكُ الْوَارِثُ الْبَيْعَ وَفِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ مِنْ بَابِ بَيْعِ الْوَصِيِّ مِنْ الْوَصَايَا أَوْصَى بِأَنْ يَشْتَرِيَ بِالثُّلُثِ وَيَعْتِقَ فَبَانَ بَعْدَ الِائْتِمَارِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِالثُّلُثَيْنِ فَشِرَاءُ الْقَاضِي عَنْ الْمُوصِي كَيْ لَا يَصِيرَ خَصْمًا بِالْعُهْدَةِ وَإِعْتَاقُهُ لَغْوٌ لِتَعَدِّي الْوَصِيَّةِ وَهِيَ الثُّلُثُ بَعْدَ الدَّيْنِ وَشِرَاءُ الْوَصِيِّ وَعِتْقُهُ عَنْ نَفْسِهِ لِلْمِلْكِ ضَمِنَ الْخِلَافَةَ كَالْوَكِيلِ وَقِيلَ يَعْذِرُهُ أَبُو يُوسُفَ بِالْجَهْلِ تَفْرِيعًا عَلَى الْغَبْنِ وَإِنْ نَصَبَهُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ عَكْسُ الْأَمِينِ يَنُوبُ عَنْ الْمَيِّتِ لَا الْقَاضِي لِمَا مَرَّ فِي بَيْعِ الْغَنَائِمِ وَيَعْتِقُ عَنْ الْمَيِّتِ بِثُلُثِ مَا اشْتَرَى الْقَاضِي أَوْ غَرِمَ الْوَصِيُّ وَفَاءً بِالْوَصِيَّةِ إلَّا أَنْ يَظْهَرَ لَهُ مَالٌ يَخْرُجُ الْأَوَّلُ مِنْ ثُلُثِهِ فَيَنْقَلِبَ الْوِفَاقُ إلَيْهِ وَالْخِلَافُ إلَى الثَّانِي وَيَنْعَكِسُ الْجَوَابُ. اهـ. وَفِي شَرْحِهِ هُنَا مَرَّ فِي بَابِ بَيْعِ الْغَنَائِمِ مِنْ كِتَابِ الْبُيُوعِ إنَّ تَصَرُّفَ أَمِينِ الْإِمَامِ كَتَصَرُّفِ الْإِمَامِ بِنَفْسِهِ وَتَصَرُّفُ الْإِمَامِ حُكْمٌ وَكَذَا تَصَرُّفُ أَمِينِهِ وَلِهَذَا لَمْ يَجُزْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ نَفْسِهِ شَيْئًا لِنَفْسِهِ مِنْ الْغَنِيمَةِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَنْفَعَةٌ ظَاهِرَةٌ لِلْغَانِمِينَ بِأَنْ اشْتَرَى بِمِثْلِ الْقِيمَةِ وَزِيَادَةٍ لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ وَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ قَالَ إنَّ هَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ مَا عِنْدَهُمَا فَإِنْ كَانَ فِيهِ مَنْفَعَةٌ ظَاهِرَةٌ يَجُوزُ كَوَصِيِّ الْقَاضِي وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ قَوْلُ الْكُلِّ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الذَّخِيرَةِ وَهَذَا بِخِلَافِ الْوَصِيِّ لِأَنَّ الْقَاضِيَ أَقَامَهُ مَقَامَ الْمَيِّتِ بِحُكْمِ الْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ عِنْدَ عَجْزِ الْمَيِّتِ لَا مَقَامَ نَفْسِهِ فَصَارَ كَأَنَّ الْمَيِّتَ بِنَفْسِهِ أَقَامَهُ وَتَصَرُّفُ الْمَيِّتِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْمُحِيطِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ يُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بِأَنْ يُرِيدَ بِعَدَمِ ضَمَانِهِ عَدَمَ اسْتِقْرَارِ الضَّمَانِ عَلَيْهِ بِرُجُوعِهِ فِي بَيْتِ الْمَالِ فَكَأَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَيَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَ لِلْوَصِيِّ أَوْ لِلْمُشْتَرِي فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ) أَيْ فِي مَسْأَلَةِ بَيْعِ الْقَاضِي أَوْ أَمِينِهِ وَالرُّجُوعُ فِيهَا بِمَا ضَمِنَهُ لِلْمُشْتَرِي وَفِي مَسْأَلَةِ بَيْعِ الْوَصِيِّ وَالرُّجُوعِ فِيهَا بِمَا ضَمِنَهُ لِلْوَصِيِّ وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَيَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَ أَيْضًا أَيْ كَمَا يَرْجِعُ بِدَيْنِهِ (قَوْلُهُ ثَالِثُ الْحُرُوفِ) أَيْ حُرُوفِ الْهِجَاءِ لَا حُرُوفِ الْكَلِمَةِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ عَكْسُ الْأَمِينِ) لَعَلَّهُ فِعْلُ الْأَمِينِ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 52 لَيْسَ بِحُكْمٍ فَكَذَا تَصَرُّفُ نَائِبِهِ اهـ. وَقَدْ ظَهَرَ بِهَذَا أَنَّ الْإِمَامَ كَالْقَاضِي فِعْلُهُ حُكْمٌ وَفِي قَضَاءِ الْمُلْتَقَطِ إذَا قَالَ الْقَاضِي جَعَلْتُك وَكِيلًا فِي تَرِكَةِ فُلَانٍ فَهُوَ وَكِيلٌ بِالْحِفْظِ فَقَطْ وَإِذَا قَالَ جَعَلْتُك وَصِيًّا فَهُوَ وَصِيٌّ عَامٌّ كَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَبِهِ أَخَذَ الْقَاضِي وَذَكَرَ الْحَصِيرِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَلَوْ أَوْصَى أَنْ يُبَاعَ عَبْدَهُ وَيُشْتَرَى بِثَمَنِهِ نَسَمَةٌ فَتَعْتِقُ عَنْهُ فَبَاعَ الْوَصِيُّ الْعَبْدَ وَاشْتَرَى بِثَمَنِهِ نَسَمَةً فَأَعْتَقَهَا وَهُوَ الثُّلُثُ ثُمَّ رُدَّ الْعَبْدُ بِعَيْبٍ ضَمِنَ الْوَصِيُّ الثَّمَنَ وَيُقَالُ لَهُ بِعْ الْعَبْدَ فَإِنْ بَلَغَ ذَلِكَ الثَّمَنَ فَالْعِتْقُ جَائِزٌ عَنْ الْمَيِّتِ كَمَا كَانَ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ الْأَوَّلِ أَوْ أَقَلَّ يَعْتِقُ عَنْهُ لَا عَنْ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ خِلَافُهُ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ هُوَ الْبَاقِي وَلَمْ يَشْتَرِ بِثَمَنِهِ فَصَارَ مُخَالِفًا وَيَشْتَرِي بِهَذَا الثَّمَنِ نَسَمَةً فَتَعْتِقُ عَنْ الْمَيِّتِ كَمَا أَمَرَهُ وَلَوْ اسْتَحَقَّ رَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْوَصِيِّ وَيَكُونُ الْعِتْقُ عَنْ الْوَصِيِّ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْوَرَثَةِ فِي نَصِيبِهِمْ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَمْ يُوصِ فِي ذَلِكَ بِشَيْءٍ إنَّمَا أَوْصَى أَنْ يَشْتَرِيَ بِثَمَنِ ذَلِكَ الْعَبْدِ وَتَبَيَّنَ أَنَّ الْعَبْدَ لِغَيْرِهِ اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ قَاضٍ عَدْلٌ عَالِمٌ قَضَيْت عَلَى هَذَا بِالرَّجْمِ أَوْ بِالْقَطْعِ أَوْ بِالضَّرْبِ فَافْعَلْهُ وَسِعَك فِعْلُهُ) ؛ لِأَنَّ طَاعَةَ أُولِي الْأَمْرِ وَاجِبَةٌ بِالْآيَةِ الشَّرِيفَةِ وَتَصْدِيقُهُ طَاعَةٌ لَهُ قَيَّدَ بِعَدَالَتِهِ وَعِلْمِهِ لِتَنْتَفِي عَنْهُ التُّهْمَةُ فَإِنْ كَانَ عَدْلًا جَاهِلًا يَسْتَفْسِرُ فَإِنْ أَحْسَنَ الشَّرَائِطَ وَجَبَ تَصْدِيقُهُ وَإِلَّا لَا وَكَذَا إنْ كَانَ فَاسِقًا إلَّا أَنْ يُعَايِنَ الْحُجَّةَ لِاحْتِمَالِ الْخَطَأِ أَوْ الْخِيَانَةِ وَلَا يَمِينَ عَلَى الْقَاضِي وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَوْلُ الْمَاتُرِيدِيِّ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَمْ يُقَيِّدْهُ بِهِمَا ثُمَّ رَجَعَ مُحَمَّدٌ فَقَالَ لَا يَأْخُذُ بِقَوْلِهِ إلَّا أَنْ يُعَايِنَ الْحُجَّةَ أَوْ يَشْهَدَ بِذَلِكَ مَعَ الْقَاضِي عَدْلٌ وَبِهِ أَخَذَ مَشَايِخُنَا لِفَسَادِ أَكْثَرِ قُضَاةِ زَمَانِنَا وَالتَّدَارُكُ غَيْرُ مُمْكِنٍ كَذَا فِي الشَّرْحِ وَفِي الْعِنَايَةِ لَا سِيَّمَا قُضَاةُ زَمَانِنَا؛ لِأَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَتَوَلَّوْنَ بِالرِّشَا فَأَحْكَامُهُمْ بَاطِلَةٌ وَمَعْنَاهُ أَنْ يَشْهَدَ الْقَاضِي وَالْعَدْلُ عَلَى شَهَادَةِ الَّذِينَ شَهِدُوا بِسَبَبِ الْحَدِّ لَا حُكْمِ الْقَاضِي وَإِلَّا كَانَ الْقَاضِي شَاهِدًا عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَاسْتَثْنَى فِي الْهِدَايَةِ مِنْ هَذَا الْكُلِّيِّ كِتَابَ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي لِضَرُورَةِ إحْيَاءِ الْحُقُوقِ وَلِأَنَّ الْخِيَانَةَ فِي مِثْلِهِ قَلَّمَا تَقَعُ. اهـ. فَظَاهِرُ الِاقْتِصَارِ عَلَى كِتَابِ الْقَاضِي أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيمَا عَدَاهُ سَوَاءٌ كَانَ قَتْلًا أَوْ قَطْعًا أَوْ ضَرْبًا كَمَا فِي الْكِتَابِ أَوْ غَيْرِهَا فَلَوْ قَالَ قَضَيْت بِطَلَاقِهَا أَوْ بِعِتْقِهِ أَوْ بِبَيْعٍ أَوْ نِكَاحٍ أَوْ إقْرَارٍ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْإِمَامَ مُحَمَّدًا لَمَّا رَجَعَ عَنْ الْقَوْلِ بِقَبُولِ قَوْلِهِ إلَّا أَنْ يُعَايِنَ الْحُجَّةَ لَمْ يُجِزْهُ الْمَشَايِخُ عَلَى إطْلَاقِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ زَادَ أَوْ يَشْهَدُ بِذَلِكَ مَعَ الْقَاضِي عَدْلٌ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْهُ وَقَدْ اسْتَبْعَدَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِكَوْنِهِ بَعِيدًا فِي الْعَادَةِ وَهُوَ شَهَادَةُ الْقَاضِي عِنْدَ الْجَلَّادِ وَمِنْهُمْ مَنْ اسْتَثْنَى كِتَابَ الْقَاضِي كَمَا قَدْ عَلِمْت وَالِاكْتِفَاءُ بِالْوَاحِدِ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ فِي حَقٍّ يَثْبُتُ بِشَاهِدَيْنِ وَإِنْ كَانَ فِي زِنًا فَلَا بُدَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ أُخَرَ كَذَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ، وَأَمَّا الْإِمَامُ أَبُو مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيُّ فَقَيَّدَهُ بِغَيْرِ الْعَالِمِ الْعَدْلِ أَمَّا مَنْ كَانَ مُتَّصِفًا بِهِمَا فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الِاعْتِمَادِ إنَّمَا عُلِّلَ بِالْفَسَادِ وَالْغَلَطِ وَهُوَ مُنْتَفٍ فِي الْعَالِمِ الْعَدْلِ وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ مُصَوَّرَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْقَاضِي الْعَالِمِ الْعَدْلِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ غَيْرَ هَذَا لَا يُوَلَّى الْقَضَاءَ وَلَا يُؤْتَمَرُ بِأَمْرِهِ بِالِاتِّفَاقِ. اهـ. فَمَا قَالَهُ أَبُو مَنْصُورٍ كَشَفَ عَنْ مَذْهَبِ الْإِمَامِ فَلِهَذَا اخْتَارَهُ فِي الْكِتَابِ وَفِي التَّهْذِيبِ وَيُصَدَّقُ الْقَاضِي فِيمَا قَالَ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي الْأَوْقَافِ وَأَمْوَالِ الْيَتَامَى وَالْغَائِبِينَ مِنْ أَدَاءً وَقَبْضٍ وَإِذَا رُفِعَ إلَى الْقَاضِي أَنَّك حَكَمْت عَلَى فُلَانٍ بِكَذَا وَهُوَ غَائِبٌ لَمْ يُصَدَّقْ فِيهِ اهـ. وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مِنْ الْفَصْلِ الْعَاشِرِ وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْضِي بِعِلْمِهِ أَقُولُ: يَنْبَغِي أَنْ يُفْتَى بِهِ فِي غَيْرِ كِتَابِ الْقَاضِي لِمَعْنًى ظَاهِرٍ فِي أَكْثَرِ قُضَاةِ الزَّمَانِ أَصْلَحَ اللَّهُ شَأْنَهُمْ وَرَأَيْت فِي عُيُونِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ طَاعَةَ أُولِي الْأَمْرِ وَاجِبَةٌ) قَالَ الْعَلَّامَةُ الْبِيرِيُّ فِي أَوَاخِرِ شَرْحِهِ عَلَى الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى شُرُوطِ الْإِمَامَةِ ثُمَّ إذَا وَقَعَتْ الْبَيْعَةُ مِنْ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ صَارَ إمَامًا يُفْتَرَضُ إطَاعَتُهُ كَمَا فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ وَفِي شَرْحِ الْجَوَاهِرِ تَجِبُ إطَاعَتُهُ فِيمَا أَبَاحَهُ الدِّينُ وَهُوَ مَا يَعُودُ نَفْعُهُ إلَى الْعَامَّةِ كَعِمَارَةِ دَارِ الْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ مِمَّا تَنَاوَلَهُ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ اهـ. وَفِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لَمَّا قَدِمَ بَغْدَادَ صَلَّى بِالنَّاسِ الْعِيدَ وَكَلَّفَهُ هَارُونُ الرَّشِيدُ وَكَبَّرَ تَكْبِيرَ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ هَكَذَا وَتَأْوِيلُهُ أَنَّ هَارُونَ أَمَرَهُمَا أَنْ يُكَبِّرَا تَكْبِيرَ جَدِّهِ فَفَعَلَا ذَلِكَ امْتِثَالًا لِأَمْرِهِ وَقَدْ نَصُّوا فِي الْجِهَادِ عَلَى امْتِثَالِ أَمْرِهِ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُحِيطِ إذَا أَمَرَ الْأَمِيرُ أَهْلَ الْعَسْكَرِ بِشَيْءٍ فَعَصَاهُ فِي ذَلِكَ وَاحِدٌ فَالْأَمِيرُ لَا يُؤَدِّبُهُ فِي أَوَّلِ وَهْلَةٍ وَلَكِنْ يَنْصَحُهُ حَتَّى لَا يَعُودَ إلَى مِثْلِ ذَلِكَ بِلَا عُذْرٍ فَإِنْ عَصَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَدَّبَهُ إلَّا إذَا بَيَّنَ فِي ذَلِكَ عُذْرًا فَعِنْدَ ذَلِكَ يُخَلِّي سَبِيلَهُ وَلَكِنْ يُحَلِّفُهُ بِاَللَّهِ تَعَالَى لَقَدْ فَعَلْت هَذَا بِعُذْرٍ اهـ. وَقَدْ أَخَذَ الْبِيرِيُّ مِنْ مَجْمُوعِ هَذِهِ النُّقُولِ أَنَّهُ لَوْ أَمَرَ أَهْلَ بَلْدَةٍ بِصِيَامِ أَيَّامٍ بِسَبَبِ الْغَلَاءِ أَوْ الْوَبَاءِ وَجَبَ امْتِثَالُ أَمْرِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَكَذَا إنْ كَانَ فَاسِقًا) مَعْطُوفٌ عَلَى الْمَنْفِيِّ الْمُقَدَّرِ بَعْدَ إلَّا وَالْمَعْنَى وَإِلَّا يُحْسِنْ الشَّرَائِطَ أَوْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَجِبُ تَصْدِيقُهُ إلَّا أَنْ يُعَايِنَ الْحُجَّةَ (قَوْلُهُ لَمْ يُقَيِّدْهُ بِهِمَا) أَيْ بِالْعَدَالَةِ وَالْعِلْمِ (قَوْلُهُ لَمَّا رَجَعَ عَنْ الْقَوْلِ بِقَبُولِ قَوْلِهِ إلَّا أَنْ يُعَايِنَ الْحُجَّةَ) الصَّوَابُ إبْدَالُ عَنْ بِإِلَى كَمَا لَا يَخْفَى بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 53 الْمَذَاهِبِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ قَاضٍ عَدْلٌ عَالِمٌ حَكَمْت عَلَى هَذَا بِالرَّجْمِ أَوْ بِالْقَطْعِ فَافْعَلْهُ وَسِعَك أَنْ تَفْعَلَهُ إلَّا عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ فِي قَوْلٍ وَمُحَمَّدٍ فِي رِوَايَةٍ وَبِهِ يُفْتَى. اهـ. فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى مَا رَجَعَ إلَيْهِ مُحَمَّدٌ لَكِنْ رَأَيْت بَعْدَ ذَلِكَ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ أَنَّهُ صَحَّ رُجُوعُ مُحَمَّدٍ إلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَوَاهُ هِشَامٌ عَنْهُ اهـ. وَالْحَاصِلُ الْمَفْهُومُ مِنْ شَرْحِ الصَّدْرِ الشَّهِيدِ أَنَّ الشَّيْخَيْنِ قَالَا بِقَبُولِ إخْبَارِهِ عَنْ إقْرَارِهِ بِشَيْءٍ لَا يَصِحُّ رُجُوعُهُ عَنْهُ مُطْلَقًا وَأَنَّ مُحَمَّدًا أَوَّلًا وَافَقَهُمَا ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ وَقَالَ لَا يُقْبَلُ إلَّا بِضَمِّ رَجُلٍ آخَرَ عَدْلٍ إلَيْهِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِ مَنْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ مُطْلَقًا ثُمَّ صَحَّ رُجُوعُهُ إلَى قَوْلِهِمَا، وَأَمَّا إذَا أَخْبَرَ الْقَاضِي بِإِقْرَارِهِ عَنْ شَيْءٍ يَصِحُّ رُجُوعُهُ عَنْهُ كَالْحَدِّ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ أَخْبَرَ عَنْ ثُبُوتِ الْحَقِّ بِالْبَيِّنَةِ فَقَالَ قَامَتْ بِذَلِكَ بَيِّنَةٌ وَعُدِّلُوا وَقُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ عَلَى ذَلِكَ تُقْبَلُ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا اهـ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا قَضَى بِشَيْءٍ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُشْهِدَ عَلَى قَضَائِهِ سَوَاءٌ كَانَ بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِإِقْرَارٍ مُطْلَقًا إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَلَا بُدَّ مِنْ إشْهَادِهِ عَلَيْهِ فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ فَلَوْ أَشْهَدَ عَلَى قَضَائِهِ بَعْدَمَا خَرَجَ مِنْ الْمِصْرِ لَمْ يَسَعْ الشَّاهِدَيْنِ الشَّهَادَةُ وَإِنْ بَيَّنَا لَمْ يُقْبَلَا كَمَا ذَكَرَهُ الْحَصِيرِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ (قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ قَاضٍ عُزِلَ لِرَجُلٍ أَخَذْت مِنْك أَلْفًا وَدَفَعْته إلَى زَيْدٍ قَضَيْت بِهِ عَلَيْك فَقَالَ الرَّجُلُ أَخَذْته ظُلْمًا فَالْقَوْلُ لِلْقَاضِي وَكَذَا لَوْ قَالَ قَضَيْت بِقَطْعِ يَدِك فِي حَقٍّ إذَا كَانَ الْمَقْطُوعُ يَدُهُ وَالْمَأْخُوذُ مِنْهُ مَالُهُ مُقِرًّا أَنَّهُ فَعَلَهُ وَهُوَ قَاضٍ) ؛ لِأَنَّهُمَا لَمَّا تَوَافَقَا أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ فِي قَضَائِهِ كَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لَهُ إذْ الْقَاضِي لَا يَقْضِي بِالْجَوْرِ ظَاهِرًا وَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ فِعْلُهُ فِي قَضَائِهِ بِالتَّصَادُقِ وَلَا يَمِينَ عَلَى الْقَاضِي وَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ إلَى عَدَمِ الضَّمَانِ عَلَى الْقَاطِعِ وَالْآخِذِ لَوْ أَقَرَّ بِمَا أَقَرَّ بِهِ الْقَاضِي وَقَيَّدَ بِإِقْرَارِهِ أَنَّهُ فَعَلَهُ وَهُوَ قَاضٍ؛ لِأَنَّ الْمَقْطُوعَ يَدُهُ وَالْمَأْخُوذَ مَالُهُ لَوْ زَعَمَا أَنَّهُ فَعَلَ قَبْلَ التَّقْلِيدِ أَوْ بَعْدَ الْعَزْلِ فَفِيهِ اخْتِلَافٌ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْقَوْلَ لِلْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ أَسْنَدَ فِعْلَهُ إلَى حَالَةٍ مَعْهُودَةٍ مُنَافِيَةٍ لِلضَّمَانِ فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ طَلَّقْت أَوْ أَعْتَقْت وَأَنَا مَجْنُونٌ وَجُنُونُهُ مَعْهُودٌ وَلَوْ أَقَرَّ الْقَاطِعُ وَالْآخِذُ فِي هَذَا الْفَصْلِ بِمَا أَقَرَّ بِهِ الْقَاضِي يَضْمَنَانِ؛ لِأَنَّهُمَا أَقَرَّا بِسَبَبِ الضَّمَانِ وَقَوْلُ الْقَاضِي مَقْبُولٌ فِي دَفْعِ الضَّمَانِ عَنْ نَفْسِهِ لَا فِي إبْطَالِ سَبَبِ الضَّمَانِ عَنْ غَيْرِهِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ فِعْلُهُ فِي قَضَائِهِ بِالتَّصَادُقِ وَلَوْ كَانَ الْمَالُ فِي يَدِ الْآخِذِ قَائِمًا وَقَدْ أَقَرَّ بِمَا أَقَرَّ بِهِ الْقَاضِي وَالْمَأْخُوذُ مِنْهُ الْمَالُ صَدَّقَ الْقَاضِيَ فِي أَنَّهُ فَعَلَهُ فِي قَضَائِهِ أَوْ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّ الْيَدَ كَانَ لَهُ فَلَا يُصَدَّقُ فِي دَعْوَى التَّمَلُّكِ إلَّا بِحُجَّةٍ وَقَوْلُ الْمَعْزُولِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فِيهِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الْمُقِرَّ إذَا أَسْنَدَ إقْرَارَهُ إلَى حَالَةٍ مُنَافِيَةٍ لِلضَّمَانِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مِنْهَا مَا ذَكَرْنَاهُ وَمِنْهَا لَوْ قَالَ الْعَبْدُ لِغَيْرِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ قَطَعْت يَدَك وَأَنَا عَبْدٌ فَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ بَلْ قَطَعْتهَا وَأَنْتَ حُرٌّ فَالْقَوْلُ لِلْعَبْدِ وَمِنْهَا مَا لَوْ قَالَ الْمَوْلَى لِعَبْدٍ قَدْ أَعْتَقَهُ أَخَذْت مِنْك غَلَّةَ كُلِّ شَهْرٍ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ وَأَنْتَ عَبْدٌ فَقَالَ الْمُعْتَقُ أَخَذْتهَا بَعْدَ الْعِتْقِ كَانَ الْقَوْلُ لِلْمَوْلَى وَمِنْهَا الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ إذَا قَالَ بِعْت وَسَلَّمْت قَبْلَ الْعَزْلِ وَقَالَ الْمُوَكِّلُ بَعْدَ الْعَزْلِ فَالْقَوْلُ لِلْوَكِيلِ إنْ كَانَ الْمَبِيعُ مُسْتَهْلَكًا وَإِنْ كَانَ قَائِمًا فَالْقَوْلُ لِلْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَمَّا لَا يَمْلِكُ الْإِنْشَاءَ وَكَذَا فِي مَسْأَلَةِ الْغَلَّةِ لَا يُصَدَّقُ فِي الْغَلَّةِ الْقَائِمَةِ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِالْأَخْذِ وَبِالْإِضَافَةِ يَدَّعِي عَلَيْهِ التَّمْلِيكَ وَمِنْهَا لَوْ قَالَ الْوَصِيُّ بَعْدَمَا بَلَغَ الْيَتِيمُ أَنْفَقْت عَلَيْك كَذَا وَكَذَا مِنْ الْمَالِ وَأَنْكَرَ الْيَتِيمُ كَانَ الْقَوْلُ لِلْوَصِيِّ لِكَوْنِهِ أَسْنَدَهُ إلَى حَالَةٍ مُنَافِيَةٍ لِلضَّمَانِ وَأَوْرَدَ فِي النِّهَايَةِ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ مَا إذَا أَعْتَقَ أَمَته ثُمَّ قَالَ لَهَا قَطَعْت يَدَك وَأَنْتِ أَمَتِي فَقَالَتْ هِيَ قَطَعْتهَا وَأَنَا حُرَّةٌ فَالْقَوْلُ لَهَا وَكَذَا فِي كُلِّ شَيْءٍ أَخَذَهُ مِنْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ مَعَ أَنَّهُ مُنْكِرٌ لِلضَّمَانِ بِإِسْنَادِ الْفِعْلِ إلَى حَالَةٍ مُنَافِيَةٍ لِلضَّمَانِ فَأَجَابَ بِالْفَرْقِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمَوْلَى أَقَرَّ بِأَخْذِ مَالِهَا ثُمَّ ادَّعَى التَّمْلِيكَ لِنَفْسِهِ فَيُصَدَّقُ فِي إقْرَارِهِ وَلَا يُصَدَّقُ فِي دَعْوَاهُ التَّمْلِيكَ لَهُ وَكَذَا لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ أَكَلْت طَعَامَك بِإِذْنِك فَأَنْكَرَ الْإِذْنَ يَضْمَنُ الْمُقِرُّ وَذَكَرَ الشَّارِحُ أَنَّ هَذَا الْفَرْقَ غَيْرُ مُخَلَّصٍ وَهُوَ كَمَا قَالَ. وَقَدْ خَرَجَ هَذَا الْفَرْعُ وَنَحْوُهُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ إنَّ الشَّيْخَيْنِ قَالَا بِقَبُولِ أَخْبَارِهِ عَنْ إقْرَارِهِ) أَيْ إخْبَارِ الْقَاضِي عَنْ إقْرَارِ الْخَصْمِ بِمَا لَا يَصِحُّ رُجُوعُ الْمُقِرِّ عَنْهُ كَالْقِصَاصِ وَحَدِّ الْقَذْفِ وَالْأَمْوَالِ وَالطَّلَاقِ وَسَائِرِ الْحُقُوقِ. [قَالَ قَاضٍ عُزِلَ لِرَجُلٍ أَخَذْت مِنْك أَلْفًا وَدَفَعْته إلَى زَيْدٍ قَضَيْت بِهِ عَلَيْك فَقَالَ الرَّجُلُ أَخَذْته ظُلْمًا] (قَوْلُهُ وَذَكَرَ الشَّارِحُ أَنَّ هَذَا الْفَرْقَ غَيْرُ مُخْلَصٍ) قَالَ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ لِعَدَمِ جَرَيَانِهِ فِي صُورَةِ النِّزَاعِ فِي أَخْذِ غَلَّةِ الْعَبْدِ وَقَطْعِ يَدِ الْأَمَةِ كَمَا لَا يَخْفَى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 54 بِمَا زِدْنَاهُ عَلَى الْقَاعِدَةِ مِنْ قَوْلِنَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؛ لِأَنَّ كَوْنَهَا أَمَةً لَهُ لَا يَنْفِي الضَّمَانَ عَنْهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؛ لِأَنَّهُ يَضْمَنُ فِيمَا لَوْ كَانَتْ مَرْهُونَةً أَوْ مَأْذُونَةً مَدْيُونَةً فَلَمْ يَرِدْ وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْمَجْمَعِ مِنْ الْإِقْرَارِ قَالَ وَلَوْ أَقَرَّ حَرْبِيٌّ أَسْلَمَ بِأَخْذِ مَالٍ قَبْلَ الْإِسْلَامِ أَوْ بِإِتْلَافِ خَمْرٍ بَعْدَهُ أَوْ مُسْلِمٌ بِمَالِ حَرْبِيٍّ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ بِقَطْعِ يَدِ مُعْتَقَةٍ قَبْلَ الْعِتْقِ فَكَذَّبُوهُ فِي الْإِسْلَامِ أُفْتِي بِعَدَمِ الضَّمَانِ فِي الْكُلِّ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِهِ وَقَالَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ أَسْنَدَهُ إلَى حَالَةٍ قَدْ يُجَامِعُهَا الضَّمَانُ فِي الْجُمْلَةِ فَلَا يَبْرَأُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ فِي الْبَزَّازِيَّةِ صَبَّ دُهْنًا لِإِنْسَانٍ عِنْدَ الشُّهُودِ فَادَّعَى مَالِكُهُ ضَمَانَهُ فَقَالَ كَانَتْ نَجِسَةً لِوُقُوعِ فَأْرَةٍ فَالْقَوْلُ لِلْمُصَابِ لِإِنْكَارِهِ الضَّمَانَ وَالشُّهُودُ يَشْهَدُونَ عَلَى الصَّبِّ لَا عَلَى عَدَمِ النَّجَاسَةِ وَكَذَا لَوْ أَتْلَفَ لَحْمَ طَوَّافٍ فَطُولِبَ بِالضَّمَانِ فَقَالَ كَانَتْ مَيْتَةً فَأَتْلَفْتهَا لَا يُصَدَّقُ وَلِلشُّهُودِ أَنْ يَشْهَدُوا أَنَّهُ لَحْمٌ ذَكِيٌّ بِحُكْمِ الْحَالِ وَقَالَ الْقَاضِي لَا يَضْمَنُ فَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ بِمَسْأَلَةِ كِتَابِ الِاسْتِحْسَانِ وَهِيَ أَنَّ رَجُلًا لَوْ قَتَلَ رَجُلًا قَالَ كَانَ ارْتَدَّ أَوْ قَتَلَ أَبِي فَقَتَلْته قِصَاصًا أَوْ لِلرِّدَّةِ لَا يُسْمَعُ فَأَجَابَ وَقَالَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قُبِلَ لَأَدَّى إلَى فَتْحِ بَابِ الْعُدْوَانِ فَإِنَّهُ يَقْتُلُ وَيَقُولُ كَانَ الْقَتْلُ لِذَلِكَ وَأَمْرُ الدَّمِ عَظِيمٌ فَلَا يُهْمَلُ بِخِلَافِ الْمَالِ فَإِنَّهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الدَّمِ أَهْوَنُ حَتَّى حُكِمَ فِي الْمَالِ بِالنُّكُولِ وَفِي الدَّمِ حُبِسَ حَتَّى يُقِرَّ أَوْ يَحْلِفَ وَاكْتَفَى بِالْيَمِينِ الْوَاحِدَةِ فِي الْمَالِ وَبِخَمْسِينَ يَمِينًا فِي الدَّمِ اهـ. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (كِتَابُ الشَّهَادَاتِ) . أَخَّرَهَا عَنْ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهَا كَالْوَسِيلَةِ لَهُ وَهُوَ الْمَقْصُودُ وَهِيَ سَبَبُهُ الْكَلَامُ فِيهَا فِي مَوَاضِعَ: الْأَوَّلُ فِي مَعْنَاهَا لُغَةً وَشَرِيعَةً وَاصْطِلَاحًا فَالْأَوَّلُ كَمَا فِي الصِّحَاحِ خَبَرٌ قَاطِعٌ تَقُولُ مِنْهُ شَهِدَ الرَّجُلُ عَلَى كَذَا وَرُبَّمَا قَالُوا شَهِدَ الرَّجُلُ بِسُكُونِ الْهَاءِ لِلتَّخْفِيفِ وَقَوْلُهُمْ أَشْهَدُ بِكَذَا أَيْ أَحْلِفُ وَالْمُشَاهَدَةُ الْمُعَايَنَةُ وَشَهِدَهُ شُهُودًا أَيْ حَضَرَهُ فَهُوَ شَاهِدٌ وَقَوْمٌ شُهُودٌ أَيْ حُضُورٌ وَهُوَ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرٌ وَشُهَّدٌ أَيْضًا مِثْلُ رَاكِعٍ وَرُكَّعٍ وَشَهِدَ لَهُ بِكَذَا شَهَادَةً أَيْ أَدَّى مَا عِنْدَهُ فَهُوَ شَاهِدٌ وَالْجَمْعُ شَهْدٌ كَصَاحِبٍ وَصَحْبٍ وَسَافِرٍ وَسَفْرٍ وَبَعْضُهُمْ يُنَكِّرُهُ وَجَمْعُ الشَّهْدِ شُهُودٌ وَأَشْهَادٌ وَالشَّهِيدُ الشَّاهِدُ وَالْجَمْعُ الشُّهَدَاءُ اهـ. وَفِي الْمِصْبَاحِ فَائِدَةٌ جَرَى عَلَى أَلْسِنَةِ الْأُمَّةِ سَلَفِهَا وَخَلَفِهَا فِي أَدَاءِ الشَّهَادَةِ أَشْهَدُ مُقْتَصِرِينَ عَلَيْهِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الْأَلْفَاظِ الدَّالَّةِ عَلَى تَحْقِيقِ الشَّيْءِ نَحْوُ أَعْلَمُ وَأَتَيَقَّنُ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِأَلْفَاظِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَيْضًا فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ عَلَى تَعْيِينِ هَذِهِ اللَّفْظَةِ دُونَ غَيْرِهَا وَلَا يَخْلُو عَنْ مَعْنَى التَّعَبُّدِ إذْ لَمْ يُنْقَلْ غَيْرُهُ وَلَعَلَّ السِّرَّ فِيهِ أَنَّ الشَّهَادَةَ اسْمٌ مِنْ الْمُشَاهَدَةِ وَهِيَ الِاطِّلَاعُ عَلَى الشَّيْءِ عِيَانًا فَاشْتُرِطَ فِي الْأَدَاءِ مَا يُنْبِئُ عَنْ الْمُشَاهَدَةِ وَاخْتُصَّتْ بِشَيْءٍ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ مَا اُشْتُقَّ مِنْ اللَّفْظِ وَهُوَ أَشْهَدُ بِلَفْظِ الْمُضَارِعِ وَلَا يَجُوزُ شَهِدْت؛ لِأَنَّ الْمَاضِيَ مَوْضُوعٌ لِلْإِخْبَارِ عَمَّا وَقَعَ نَحْوُ قُمْت أَيْ فِيمَا مَضَى مِنْ الزَّمَانِ فَلَوْ قَالَ شَهِدْت احْتَمَلَ الْإِخْبَارَ عَنْ الْمَاضِي فَيَكُونُ غَيْرَ مُخْبِرٍ بِهِ فِي الْحَالِ وَعَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ أَوْلَادِ يَعْقُوبَ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - {وَمَا شَهِدْنَا إِلا بِمَا عَلِمْنَا} [يوسف: 81] ؛ لِأَنَّهُمْ شَهِدُوا عِنْدَ أَبِيهِمْ أَوَّلًا بِسَرِقَتِهِ حِينَ قَالُوا إنَّ ابْنَك سَرَقَ فَلَمَّا اتَّهَمَهُمْ اعْتَذَرُوا عَنْ أَنْفُسِهِمْ بِأَنَّهُمْ لَا صُنْعَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ فَقَالُوا وَمَا شَهِدْنَا عِنْدَك سَابِقًا بِقَوْلِنَا إنَّ ابْنَك سَرَقَ إلَّا بِمَا عَايَنَّاهُ مِنْ إخْرَاجِ الصُّوَاعِ مِنْ رَحْلِهِ وَالْمُضَارِعُ مَوْضُوعٌ لِلْإِخْبَارِ فِي الْحَالِ فَإِذَا قَالَ أَشْهَدُ فَقَدْ أَخْبَرَ فِي الْحَالِ وَعَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} [المنافقون: 1] أَيْ نَحْنُ الْآنَ شَاهِدُونَ بِذَلِكَ وَأَيْضًا فَقَدْ اُسْتُعْمِلَ أَشْهَدُ فِي الْقَسَمِ نَحْوُ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ لَقَدْ كَانَ كَذَا أَيْ أُقْسِمُ فَتَضَمَّنَ لَفْظُ أَشْهَدُ مَعْنَى الْمُشَاهَدَةِ وَالْقَسَمِ وَالْإِخْبَارِ فِي الْحَالِ فَكَأَنَّ الشَّاهِدَ قَالَ أُقْسِمُ بِاَللَّهِ لَقَدْ اطَّلَعْت عَلَى ذَلِكَ وَأَنَا الْآنَ أُخْبِرُ بِهِ وَهَذِهِ الْمَعَانِي مَفْقُودَةٌ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْأَلْفَاظِ فَلِذَا اقْتَصَرَ احْتِيَاطًا وَاتِّبَاعًا لِلْمَأْثُورِ وَقَوْلُهُمْ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ تَعَدَّى بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ بِمَعْنَى أَعْلَمُ. اهـ. وَأَمَّا الثَّانِي فَمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ بِقَوْلِهِ (قَوْلُهُ هِيَ إخْبَارٌ عَنْ مُشَاهَدَةٍ وَعِيَانٍ لَا عَنْ تَخْمِينٍ وَحِسْبَانٍ) أَيْ الشَّهَادَةِ وَصَرَّحَ الشَّارِحُ بِأَنَّ هَذَا مَعْنَاهَا اللُّغَوِيُّ وَهُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَإِنَّمَا هُوَ مَعْنَاهَا الشَّرْعِيُّ أَيْضًا كَمَا أَفَادَهُ فِي إيضَاحِ الْإِصْلَاحِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ فَالْقَوْلُ لِلْمُصَابِ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْقَوْلَ لَهُ فِي عَدَمِ الضَّمَانِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي كَوْنِهِ مُتَنَجِّسًا وَأَمَّا الضَّمَانُ فَلَا فَيَضْمَنُ قِيمَتَهُ مُتَنَجِّسًا قَالَ الشَّيْخُ شَرَفُ الدِّينِ الْغَزِّيِّ وَقَدْ أَوْضَحْنَاهُ فِي تَنْوِيرِ الْبَصَائِرِ عَلَى الْأَشْبَاهِ أَبُو السُّعُودِ وَعَلَيْهِ فَقَوْلُهُ لِإِنْكَارِهِ الضَّمَانَ مَعْنَاهُ ضَمَانُ الْمِثْلِ. [كِتَابُ الشَّهَادَاتِ] الجزء: 7 ¦ الصفحة: 55 وَالْمُشَاهَدَةُ الْمُعَايَنَةُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَالْعِيَانُ بِالْكَسْرِ الْمُعَايَنَةُ كَمَا فِي ضِيَاءِ الْحُلُومِ فَهُوَ تَأْكِيدٌ وَالتَّخْمِينُ الْحَدْسُ وَالْحِسْبَانُ بِالْكَسْرِ الظَّنُّ وَأَوْرَدَ عَلَى هَذَا التَّعْرِيفِ الشَّهَادَةَ بِالتَّسَامُعِ فَإِنَّهَا لَمْ تَكُنْ عَنْ مُشَاهَدَةٍ وَأَجَابَ فِي الْإِيضَاحِ بِأَنَّ جَوَازَهَا إنَّمَا هُوَ لِلِاسْتِحْسَانِ وَالتَّعْرِيفَاتُ الشَّرْعِيَّةُ إنَّمَا تَكُونُ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ وَلِكَوْنِهَا إخْبَارًا عَنْ مُعَايَنَةٍ قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ إذَا قُرِئَ عَلَيْهِ صَكٌّ وَلَمْ يَفْهَمْ مَا فِيهِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِمَا فِيهِ كَذَا فِي الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ وَفِي الْمُلْتَقَطِ إذَا سَمِعَ صَوْتَ الْمَرْأَةِ وَلَمْ يَرَ شَخْصَهَا فَشَهِدَ اثْنَانِ عِنْدَهُ أَنَّهَا فُلَانَةُ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهَا وَإِنْ رَأَى شَخْصَهَا وَأَقَرَّتْ عِنْدَهُ فَشَهِدَ اثْنَانِ أَنَّهَا فُلَانَةُ حَلَّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهَا اهـ. وَتَمَامُ مَسْأَلَةِ الشَّهَادَةِ بِمَا فِي الصَّكِّ فِي شَهَادَاتِ الْبَزَّازِيَّةِ، وَأَمَّا مَعْنَاهَا فِي الِاصْطِلَاحِ فَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ إخْبَارٌ صَادِقٌ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ فَالْإِخْبَارُ كَالْجِنْسِ وَقَوْلُهُ صَادِقٌ يُخْرِجُ الْأَخْبَارَ الْكَاذِبَةَ وَمَا بَعْدَهُ يُخْرِجُ الْأَخْبَارَ الصَّادِقَةَ غَيْرَ الشَّهَادَاتِ اهـ. وَيَرِدُ عَلَيْهِ قَوْلُ الْقَائِلِ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي أَشْهَدُ بِرُؤْيَةِ كَذَا لِبَعْضِ الْعُرْفِيَّاتِ فَالْأَوْلَى أَنْ يُزَادَ لِإِثْبَاتِ حَقٍّ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَمْ يَقُولُوا بَعْدَ دَعْوَى لِتَخَلُّفِهَا عَنْهَا فِي نَحْوِ عِتْقِ الْأَمَةِ وَطَلَاقِ الزَّوْجَةِ فَلَمْ تَكُنْ الدَّعْوَى شَرْطًا لِصِحَّتِهَا مُطْلَقًا وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ إنَّهَا إخْبَارٌ بِحَقٍّ لِلْغَيْرِ عَلَى الْغَيْرِ بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ فَإِنَّهُ إخْبَارٌ بِحَقٍّ عَلَى نَفْسِهِ لِلْغَيْرِ وَالدَّعْوَى فَإِنَّهَا إخْبَارٌ بِحَقٍّ لِنَفْسِهِ عَلَى الْغَيْرِ غَيْرُ صَحِيحٍ لِعَدَمِ شُمُولِهِ لِمَا إذَا أَخْبَرَ بِمَا يُوجِبُ الْفُرْقَةَ مِنْ قِبَلِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَإِنَّهُ شَهَادَةٌ وَلَمْ يُوجَدْ فِيهَا ذَلِكَ الْمَعْنَى كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي إيضَاحِ الْإِصْلَاحِ وَكَأَنَّهُ لَاحَظَ أَنَّهُ لَمْ يُخْبِرْ بِحَقٍّ لِلْغَيْرِ لِأَنَّ ذَلِكَ مُوجِبٌ لِسُقُوطِ الْمَهْرِ وَجَوَابُهُ أَنَّ سُقُوطَهُ عَنْ الزَّوْجِ عَائِدٌ إلَى أَنَّهُ لَهُ فَهُوَ كَالشَّهَادَةِ بِالْإِبْرَاءِ عَنْ الدَّيْنِ فَإِنَّهُ إخْبَارٌ بِحَقٍّ لِلْمَدْيُونِ وَهُوَ السُّقُوطُ عَنْهُ وَكَذَا هُنَا وَجَعَلَ الْأَخْبَارَ أَرْبَعَةً وَالرَّابِعُ الْإِنْكَارُ وَعَزَاهُ إلَى شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَأَمَّا الثَّانِي فَرُكْنُهَا لَفْظُ أَشْهَدُ بِمَعْنَى الْخَبَرِ دُونَ الْقَسَمِ كَذَا فِي الشَّرْحِ مَا لَمْ يَأْتِ فِي آخِرِهَا بِمَا يُوجِبُ الشَّكَّ فَلَوْ قَالَ أَشْهَدُ بِكَذَا فِيمَا أَعْلَمُ لَا تُقْبَلُ كَمَا لَوْ قَالَ فِي ظَنِّي بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ أَشْهَدُ بِكَذَا قَدْ عَلِمْت وَلَوْ قَالَ لَا حَقَّ لِي قِبَلَ فُلَانٍ فِيمَا أَعْلَمُ لَا يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ وَلَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ فِيمَا أَعْلَمُ لَا يَصِحُّ الْإِقْرَارُ كَمَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الْحَصِيرِيُّ وَلَوْ قَالَ الْمُعَدِّلُ هُوَ عَدْلٌ فِيمَا أَعْلَمُ لَا يَكُونُ تَعْدِيلًا ذَكَرَهُ فِي بَابِ أَدَبِ الْقَضَاءِ لِلْخَصَّافِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ قَوْلَهُ فِيمَا أَعْلَمُ بَعْدَ الْإِخْبَارِ مُوجِبٌ لِلشَّكِّ فِيهِ عُرْفًا فَيَبْطُلُ وَأَمَّا الثَّالِثُ فَشَرْطُهَا الْعَقْلُ الْكَامِلُ وَالضَّبْطُ وَالْوِلَايَةُ وَالْقُدْرَةُ عَلَى التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَذَلِكَ بِالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ هَكَذَا فِي الشَّرْحِ وَفَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْعِنَايَةِ وَلَكِنْ زَادَ فِيهَا الْإِسْلَامَ إنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُسْلِمًا وَفِي كَلَامِهِمْ قُصُورٌ؛ لِأَنَّ مِنْ الشَّرَائِطِ أَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَشْهُودِ لَهُ قَرَابَةُ الْوِلَادِ وَلَا زَوْجِيَّةٌ وَأَنْ لَا يَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهِ مَغْرَمًا وَأَنْ لَا يَجْلِبَ لِنَفْسِهِ مَغْنَمًا وَأَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ عَدَاوَةٌ دُنْيَوِيَّةٌ كَمَا سَيَأْتِي مُفَصَّلًا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ إنَّمَا تَرَكُوا هَذِهِ؛ لِأَنَّ مُرَادَهُمْ بَيَانُ شَرَائِطِ الشَّهَادَةِ فِي الْجُمْلَةِ لَا بِالنَّظَرِ إلَى الْمَشْهُودِ لَهُ وَالْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَلِذَا تَرَى بَعْضَهُمْ تَرَكَ قَيْدَ الْإِسْلَامِ لِجَوَازِ شَهَادَةِ الْكَافِرِ عَلَى مِثْلِهِ وَالْأَحْسَنُ مَا فِي الْبَدَائِعِ مِنْ أَنَّ شَرَائِطَهَا نَوْعَانِ مَا هُوَ شَرْطُ تَحَمُّلِهَا وَمَا هُوَ شَرْطُ أَدَائِهَا فَالْأَوَّلُ ثَلَاثَةٌ الْعَقْلُ وَقْتَ التَّحَمُّلِ وَالْبَصَرُ فَلَا يَصِحُّ تَحَمُّلُهَا مِنْ مَجْنُونٍ وَصَبِيٍّ لَا يَعْقِلُ وَأَعْمَى وَأَنْ يَكُونَ التَّحَمُّلُ بِمُعَايَنَةِ الْمَشْهُودِ بِهِ بِنَفْسِهِ لَا بِغَيْرِهِ إلَّا فِي أَشْيَاءَ مَخْصُوصَةٍ يَصِحُّ التَّحَمُّلُ فِيهَا بِالتَّسَامُعِ وَلَا يُشْتَرَطُ لِلتَّحَمُّلِ الْبُلُوغُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالْإِسْلَامُ وَالْعَدَالَةُ حَتَّى لَوْ كَانَ وَقْتَ التَّحَمُّلِ صَبِيًّا عَاقِلًا أَوْ عَبْدًا أَوْ كَافِرًا أَوْ فَاسِقًا ثُمَّ بَلَغَ الصَّبِيُّ وَعَتَقَ الْعَبْدُ وَأَسْلَمَ الْكَافِرُ وَتَابَ الْفَاسِقُ فَشَهِدُوا عِنْدَ الْقَاضِي تُقْبَلُ وَأَمَّا شَرَائِطُ أَدَائِهَا فَأَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ مِنْهَا مَا يَرْجِعُ إلَى الشَّاهِدِ وَمِنْهَا مَا يَرْجِعُ إلَى نَفْسِ الشَّهَادَةِ وَمِنْهَا مَا يَرْجِعُ إلَى مَكَانِهَا وَمِنْهَا مَا يَرْجِعُ إلَى الْمَشْهُودِ بِهِ. فَمَا يَرْجِعُ إلَى الشَّاهِدِ الْبُلُوغُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالْبَصَرُ وَالنُّطْقُ وَالْعَدَالَةُ لَكِنْ هِيَ شَرْطُ وُجُوبِ الْقَبُولِ عَلَى الْقَاضِي لَا جَوَازُهُ وَأَنْ لَا يَكُونَ مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ وَأَنْ لَا يَجُرَّ الشَّاهِدُ إلَى نَفْسِهِ مَغْنَمًا وَلَا يَدْفَعَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ فَمَا يَرْجِعُ إلَى الشَّاهِدِ الْبُلُوغُ وَالْحُرِّيَّةُ إلَخْ) تَرَكَ السَّمْعَ وَقَدْ ذَكَرَهُ فِيمَا مَرَّ آنِفًا عَنْ الشُّرُوحِ وَبِهِ تَصِيرُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 56 عَنْ نَفْسِهِ مَغْرَمًا فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْفَرْعِ لِأَصْلِهِ وَالْأَصْلِ لِفَرْعِهِ وَأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ وَأَنْ لَا يَكُونَ خَصْمًا فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْوَصِيِّ لِلْيَتِيمِ وَالْوَكِيلِ لِمُوَكِّلِهِ وَأَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِالْمَشْهُودِ بِهِ وَقْتَ الْأَدَاءِ ذَاكِرًا لَهُ فَلَا يَجُوزُ اعْتِمَادُهُ عَلَى خَطِّهِ مِنْ غَيْرِ تَذَكُّرٍ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا، وَأَمَّا مَا يَخُصُّ بَعْضَهَا فَالْإِسْلَامُ إنْ كَانَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ مُسْلِمًا وَالذُّكُورَةُ فِي الشَّهَادَةِ بِالْحَدِّ وَالْقِصَاصِ وَتَقَدُّمُ الدَّعْوَى فِيمَا إذَا كَانَ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ وَمُوَافَقَتُهَا لِلدَّعْوَى فِيمَا يُشْتَرَطُ فِيهَا فَإِنْ خَالَفَتْهَا لَمْ تُقْبَلْ إلَّا إذَا وَافَقَ الْمُدَّعِي عِنْدَ إمْكَانِهِ وَقِيَامُ الرَّائِحَةِ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ وَلَمْ يَكُنْ سَكْرَانًا لَا لِبُعْدِ مَسَافَةٍ وَالْأَصَالَةُ فِي الشَّهَادَةِ بِالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ وَتَعَذُّرُ حُضُورِ الْأَصْلِ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ، وَمَا يَرْجِعُ إلَى الشَّهَادَةِ لَفْظُ الشَّهَادَةِ وَالْعَدَدُ فِي الشَّهَادَةِ بِمَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ وَاتِّفَاقُ الشَّاهِدَيْنِ وَمَا يَرْجِعُ إلَى مَكَانِهَا وَاحِدٌ وَهُوَ مَجْلِسُ الْقَضَاءِ وَمَا يَرْجِعُ إلَى الْمَشْهُودِ بِهِ قَدْ عُلِمَ مِنْ الشَّرَائِطِ الْخَاصَّةِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ شَرَائِطَهَا أَحَدٌ وَعِشْرُونَ: شَرَائِطُ التَّحَمُّلِ ثَلَاثَةٌ وَشَرَائِطُ الْأَدَاءِ سَبْعَةَ عَشَرَ مِنْهَا عَشْرُ شَرَائِطَ عَامَّةٌ وَمِنْهَا سَبْعَةُ شَرَائِطَ خَاصَّةٌ وَشَرَائِطُ نَفْسِ الشَّهَادَةِ ثَلَاثَةٌ وَشَرْطُ مَكَانِهَا وَاحِدٌ وَسَيَأْتِي صِفَةُ الشَّاهِدِ الَّذِي يَنْصِبُهُ الْقَاضِي شَاهِدًا لِلنَّاسِ، وَالرَّابِعُ سَبَبُ وُجُوبِهَا طَلَبُ ذِي الْحَقِّ أَوْ خَوْفُ فَوْتِ حَقِّهِ فَإِنَّ مَنْ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ لَا يَعْلَمُ بِهَا صَاحِبُ الْحَقِّ وَخَافَ فَوْتَ الْحَقِّ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَشْهَدَ بِلَا طَلَبٍ. الْخَامِسُ حُكْمُهَا وُجُوبُ الْحُكْمِ عَلَى الْقَاضِي. السَّادِسُ فِي صِفَتِهَا تَحَمُّلًا وَأَدَاءً وَسَيَأْتِي. السَّابِعُ فِي بَيَانِ أَنَّ الْقِيَاسَ عَدَمُ قَبُولِهَا لِاحْتِمَالِ الْكَذِبِ لَكِنْ لَمَّا شُرِطَتْ الْعَدَالَةُ تَرَجَّحَ جَانِبُ الصِّدْقِ وَوَرَدَتْ النُّصُوصُ بِالِاسْتِشْهَادِ جُعِلَتْ مُوجِبَةً. الثَّامِنُ مَحَاسِنُهَا كَثِيرَةٌ مِنْهَا امْتِثَالُ الْأَمْرِ فِي قَوْله تَعَالَى {كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ} [المائدة: 8] وَهُوَ حَسَنٌ. التَّاسِعُ فِي دَلِيلِهَا وَهُوَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ. الْعَاشِرُ فِي أَهْلِهَا وَقَدْ عُلِمَ مِنْ الشَّرَائِطِ. (قَوْلُهُ وَتَلْزَمُ بِطَلَبِ الْمُدَّعِي) أَيْ وَيَلْزَمُ أَدَاؤُهَا الشَّاهِدَ إذَا طَلَبَهُ الْمُدَّعِي فَيَحْرُمُ كِتْمَانُهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة: 283] فَهُوَ نَهْيٌ عَنْ الْكِتْمَانِ فَيَكُونُ أَمْرًا بِضِدِّهِ حَيْثُ كَانَ لَهُ ضِدٌّ وَاحِدٌ وَهُوَ آكَدُ مِنْ الْأَمْرِ بِأَدَائِهَا وَلِذَا أَسْنَدَ الْإِثْمَ إلَى رَأْسِ الْأَعْضَاءِ وَهُوَ الْآلَةُ الَّتِي وَقَعَ بِهَا أَدَاؤُهَا لِمَا عُرِفَ أَنَّ إسْنَادَ الْفِعْلِ إلَى مَحَلِّهِ أَقْوَى مِنْ الْإِسْنَادِ إلَى كُلِّهِ فَقَوْلُهُ أَبْصَرْته بِعَيْنِي آكَدُ مِنْ قَوْلِهِ أَبْصَرْته وَفَسَّرَ الْإِمَامُ الرَّازِيّ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ الْكِتْمَانَ بِعَقْدِ الْقَلْبِ عَلَى تَرْكِ الْأَدَاءِ بِاللِّسَانِ وَفَسَّرَ الْبَغَوِيّ آثِمٌ بِفَاجِرٍ وَأَنَّ اللَّهَ يَمْسَخُ قَلْبَهُ بِالْكِتْمَانِ وَفِيهِ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ وَعِيدٌ أَشَدَّ مِنْهُ وَاسْتَدَلَّ فِي الْهِدَايَةِ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى فَرْضِيَّتِهَا مَعَ احْتِمَالِ أَنَّ إيرَادَ نَهْيِ الْمَدِينِينَ عَنْ كِتْمَانِهَا كَمَا احْتَمَلَ أَنْ يُرَادَ نَهْيُ الشُّهُودِ قَالَ الْقَاضِي وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ أَيُّهَا الشُّهُودُ أَوْ الْمَدِينُونَ وَالشَّهَادَةُ شَهَادَتُهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ اهـ. فَعَلَى الثَّانِي الْمُرَادُ النَّهْيُ عَنْ كِتْمَانِ الْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ فَالْأَوْلَى الِاسْتِدْلَال عَلَى فَرْضِيَّتِهَا بِالْإِجْمَاعِ وَاحْتَمَلَ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ تَلْزَمُ عَائِدٌ إلَى الشَّهَادَةِ بِمَعْنَى تَحَمُّلِهَا لَا بِمَعْنَى أَدَائِهَا فَإِنَّ تَحَمُّلَهَا عِنْدَ الطَّلَبِ وَالتَّعْيِينِ فَرْضٌ كَمَا سَيَأْتِي. وَعَلَى هَذَا فَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ أَنَّهُ إنْ أُرِيدَ بِهَا تَحَمُّلُهَا فَالنَّهْيُ لِكَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ الَّتِي مَرْجِعُهَا خِلَافُ الْأَوْلَى مُشْكِلٌ وَذَكَرَ الْإِمَامُ الرَّازِيّ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ أَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقرة: 282] عَامٌّ فِي التَّحَمُّلِ وَالْأَدَاءِ لَكِنْ فِي التَّحَمُّلِ عَلَى الْمُتَعَاقِدَيْنِ الْحُضُورُ إلَيْهِمَا لِلْإِشْهَادِ وَلَا يَلْزَمُ الشَّاهِدَيْنِ الْحُضُورُ إلَيْهِمَا وَفِي الْأَدَاءِ يَلْزَمُهُمَا الْحُضُورُ إلَى الْقَاضِي لَا أَنَّ الْقَاضِيَ يَأْتِي إلَيْهِمَا لِيُؤَدِّيَا ثُمَّ قَالَ إنَّ الشَّهَادَةَ فَرْضُ كِفَايَةٍ إذَا قَامَ بِهَا الْبَعْضُ سَقَطَ عَنْ الْبَاقِينَ وَتَتَعَيَّنُ إذَا لَمْ يَكُنْ إلَّا شَاهِدَانِ سَوَاءٌ كَانَتْ لِلتَّحَمُّلِ أَوْ الْأَدَاءِ اهـ. فَعَلَى هَذَا يُقَالُ إنَّهَا تَلْزَمُ أَيْ تُفْتَرَضُ كِفَايَةً ثُمَّ صَرَّحَ بِأَنَّ عَلَيْهِمَا الْكِتَابَةَ إذَا لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُمَا إذَا كَانَ الْحَقُّ مُؤَجَّلًا وَإِلَّا فَلَا ثُمَّ إنَّمَا يَلْزَمُ أَدَاؤُهَا بِشُرُوطٍ: الْأَوَّلُ طَلَبُ الْمُدَّعِي فِيمَا كَانَ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا وَإِنَّمَا قُلْنَا أَوْ حُكْمًا لِيَدْخُلَ مَنْ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ لَا يَعْلَمُ بِهَا صَاحِبُ الْحَقِّ وَخَافَ فَوْتَ الْحَقِّ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَشْهَدَ بِلَا طَلَبٍ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ فَالْحَاصِلُ أَنَّ شَرَائِطَهَا أَحَدٌ وَعِشْرُونَ إلَخْ) هَذَا الْحَاصِلُ غَيْرُ مُوَافِقٍ لِمَا مَرَّ بَلْ الْمُوَافِقُ لَهُ أَنْ يُقَالَ فَالْحَاصِلُ أَنَّ شَرَائِطَهَا أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ شَرَائِطُ التَّحَمُّلِ ثَلَاثَةٌ وَشَرَائِطُ الْأَدَاءِ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ مِنْهَا شَرَائِطُ الشَّاهِدِ سَبْعَةَ عَشَرَ عَشَرَةٌ عَامَّةٌ وَسَبْعَةٌ خَاصَّةٌ وَمِنْهَا شَرَائِطُ نَفْسِ الشَّهَادَةِ ثَلَاثَةٌ وَشَرْطُ مَكَانِهَا وَاحِدٌ. (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا قُلْنَا أَوْ حُكْمًا لِيَدْخُلَ إلَخْ) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ وَنَظَرَ فِيهِ الْمَقْدِسِيَّ بِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي هَذَا إعْلَامُ الْمُدَّعِي بِمَا يَشْهَدُ فَإِنْ طَلَبَ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَشْهَدَ وَإِلَّا لَا إذْ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ تَرَكَ حَقَّهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 57 لِكَوْنِهِ طَالِبًا لِأَدَائِهِ حُكْمًا وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِحُقُوقِ الْعِبَادِ لِمَا فِي الْقُنْيَةِ أَجَابَ الْمَشَايِخُ فِي شُهُودٍ شَهِدُوا بِالْحُرْمَةِ الْمُغَلَّظَةِ بَعْدَمَا أَخَّرُوا شَهَادَتَهُمْ خَمْسَةَ أَيَّامٍ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ إنْ كَانُوا عَالِمِينَ بِأَنَّهُمَا يَعِيشَانِ عَيْشَ الْأَزْوَاجِ ثُمَّ نُقِلَ عَنْ الْعَلَاءِ الْحَمَّامِيِّ وَالْخَطِيبِ الْأَنْمَاطِيِّ وَكَمَالِ الْأَئِمَّةِ الْبَيَّاعِيِّ شَهِدُوا بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ بِإِقْرَارِ الزَّوْجِ بِالطَّلَقَاتِ الثَّلَاثِ لَا تُقْبَلُ إذَا كَانُوا عَالِمِينَ بِعَيْشِهِمْ عَيْشَ الْأَزْوَاجِ وَكَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ أَجَابُوا كَذَلِكَ فِي جِنْسِ هَذَا وَإِنْ كَانَ تَأْخِيرُهُمْ بِعُذْرٍ تُقْبَلُ مَاتَ عَنْ امْرَأَةٍ وَوَرَثَةٍ فَشَهِدَ الشُّهُودُ أَنَّهُ كَانَ أَقَرَّ بِحُرْمَتِهَا حَالَ صِحَّتِهِ وَلَمْ يَشْهَدُوا بِذَلِكَ حَالَ حَيَاتِهِ لَا تُقْبَلُ إذَا كَانَتْ هَذِهِ الْمَرْأَةُ مَعَ هَذَا الرَّجُلِ وَسَكَتُوا؛ لِأَنَّهُمْ فَسَقُوا إلَى آخِرِ مَا فِيهَا. الثَّانِي أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الْقَاضِيَ يَقْبَلُ شَهَادَتَهُ فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَقْبَلُهَا لَا يَلْزَمُهُ. الثَّالِثُ أَنْ يَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْأَدَاءُ فَإِنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ بِأَنْ كَانُوا جَمَاعَةً فَأَدَّى غَيْرُهُ مِمَّنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فَقُبِلَتْ لَمْ يَأْثَمْ بِخِلَافِ مَا إذَا أَدَّى غَيْرُهُ وَلَمْ تُقْبَلْ فَإِنَّ مَنْ لَمْ يُؤَدِّ مِمَّنْ يُقْبَلُ يَأْثَمُ بِامْتِنَاعِهِ وَهَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ شَهَادَتُهُ أَسْرَعَ قَبُولًا مِنْ غَيْرِهِ فَإِنْ كَانَتْ أَسْرَعَ وَجَبَ الْأَدَاءُ وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ مَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. الرَّابِعُ أَنْ لَا يُخْبِرَ عَدْلَانِ بِبُطْلَانِ الْمَشْهُودِ بِهِ فَلَوْ شَهِدَ عِنْدَ الشَّاهِدِ عَدْلَانِ أَنَّ الْمُدَّعِيَ قَبَضَ دَيْنَهُ أَوْ أَنَّ الزَّوْجَ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا أَوْ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ أَعْتَقَ الْعَبْدَ أَوْ أَنَّ الْوَلِيَّ عَفَا عَنْ الْقَاتِلِ لَا يَسَعُهُ أَنْ يَشْهَدَ بِالدَّيْنِ وَالنِّكَاحِ وَالْبَيْعِ وَالْقَتْلِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمُخْبِرُ عُدُولًا فَالْخِيَارُ لِلشُّهُودِ إنْ شَاءُوا شَهِدُوا بِالدَّيْنِ وَأَخْبَرُوا الْقَاضِيَ بِخَبَرِ الْقَضَاءِ وَإِنْ شَاءُوا امْتَنَعُوا عَنْ الشَّهَادَةِ. كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَإِنْ كَانَ الْمُخْبِرُ وَاحِدًا عَدْلًا لَا يَسَعُهُ تَرْكُ الشَّهَادَةِ بِهِ وَكَذَا لَوْ قَالَا عَايَنَّا إرْضَاعَهُمَا مِنْ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ وَكَذَا لَوْ عَايَنَا وَاحِدًا يَتَصَرَّفُ فِي شَيْءٍ تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ وَشَهِدَ عَدْلَانِ عِنْدَهُ أَنَّ هَذَا الشَّيْءَ لِفُلَانٍ آخَرَ لَا يَشْهَدَانِ أَنَّهُ لِلْمُتَصَرِّفِ بِخِلَافِ إخْبَارِ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ وَلَوْ أَخْبَرَهُ عَدْلَانِ أَنَّهُ بَاعَهُ مِنْ ذِي الْيَدِ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِمَا عَلِمَ وَلَا يَلْتَفِتُ إلَى قَوْلِهِمَا كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ أَيْضًا وَفِيهَا فِي الشَّهَادَةِ بِالتَّسَامُعِ إذَا شَهِدَ عِنْدَك عَدْلَانِ بِخِلَافِ مَا سَمِعْته مِمَّنْ وَقَعَ فِي قَلْبِك صِدْقُهُ لَمْ يَسَعْ لَك الشَّهَادَةُ إلَّا إذَا عَلِمْت يَقِينًا أَنَّهُمَا كَاذِبَانِ وَإِنْ شَهِدَ عِنْدَك عَدْلٌ بِخِلَافِ مَا وَقَعَ فِي قَلْبِك مِنْ سَمَاعِ الْخَبَرِ لَك أَنْ تَشْهَدَ بِالْأَوَّلِ إلَّا أَنْ يَقَعَ فِي قَلْبِك صِدْقُ الْوَاحِدِ فِي الْأَمْرِ الثَّانِي اهـ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الِاسْتِثْنَاءَانِ فِي كُلِّ شَهَادَةٍ كَمَا لَا يَخْفَى. الْخَامِسُ أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي الَّذِي طَلَبَ الشَّاهِدَ لِلْأَدَاءِ عِنْدَهُ عَدْلًا لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَأَجَابَ خَلَفُ بْنُ أَيُّوبَ فِيمَنْ لَهُ شَهَادَةٌ فَرُفِعَتْ إلَى قَاضِي غَيْرِ عَدْلٍ لَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْ الْأَدَاءِ حَتَّى يَشْهَدَ عِنْدَ قَاضٍ عَدْلٍ اهـ. وَجَزَمَ بِهِ فِي السِّرَاجِيَّةِ مُعَلَّلًا بِأَنَّهُ رُبَّمَا لَا يُقْبَلُ وَيُجْرَحُ اهـ. فَعَلَى هَذَا لَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يَقْبَلُهُ لِشُهْرَتِهِ مَثَلًا يَنْبَغِي أَنْ يَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْأَدَاءُ وَكَذَا الْمُعَدِّلُ لَوْ سَأَلَ عَنْ الشَّاهِدِ فَأُخْبِرَ بِأَنَّهُ غَيْرُ عَدْلٍ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُعَدِّلَهُ عِنْدَهُ وَهِيَ فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ لِلْخَصَّافِ. السَّادِسُ أَنْ لَا يَقِفَ الشَّاهِدُ عَلَى أَنَّ الْمُقِرَّ أَقَرَّ خَوْفًا فَإِنْ عَلِمَ بِذَلِكَ لَا يَشْهَدُ فَإِنْ قَالَ الْمُقِرُّ أَقْرَرْت خَوْفًا وَكَانَ الْمُقَرُّ لَهُ سُلْطَانًا فَإِنْ كَانَ فِي يَدِ عَوْنٍ مِنْ أَعْوَانِ السُّلْطَانِ وَلَمْ يَعْلَمْ الشَّاهِدُ بِخَوْفِهِ شَهِدَ عِنْدَ الْقَاضِي وَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ كَانَ فِي يَدِ عَوْنٍ مِنْ أَعْوَانِ السُّلْطَانِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ. السَّابِعُ أَنْ يَكُونَ مَوْضِعُ الشَّاهِدِ قَرِيبًا مِنْ مَوْضِعِ الْقَاضِي فَإِنْ كَانَ بَعِيدًا بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَغْدُوَ إلَى الْقَاضِي لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَيَرْجِعَ إلَى أَهْلِهِ فِي يَوْمِهِ ذَلِكَ قَالُوا لَا يَأْثَمُ؛ لِأَنَّهُ يَلْحَقُهُ الضَّرَرُ بِذَلِكَ وَقَالَ تَعَالَى {وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ} [البقرة: 282] ثُمَّ إنْ كَانَ الشَّاهِدُ شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْمَشْيِ إلَى مَجْلِسِ الْحَاكِمِ وَلَيْسَ لَهُ شَيْءٌ لِلرُّكُوبِ فَأَرْكَبَهُ الْمُدَّعِي مِنْ عِنْدِهِ قَالُوا لَا بَأْسَ بِهِ وَتُقْبَلُ بِهِ شَهَادَتُهُ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْإِكْرَامِ لِلشُّهُودِ وَفِي الْحَدِيثِ «أَكْرِمُوا الشُّهُودَ» وَإِنْ كَانَ يَقْدِرُ وَأَرْكَبَهُ الْمُدَّعِي مِنْ عِنْدِهِ قَالُوا لَا تُقْبَلُ كَذَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَفِي الْقُنْيَةِ الشُّهُودُ فِي الرُّسْتَاقِ وَاحْتِيجَ إلَى أَدَاءِ شَهَادَتِهِمْ هَلْ يَلْزَمُهُمْ كِرَاءُ الدَّابَّةِ قَالَ لَا رِوَايَةَ فِيهِ وَلَكِنِّي سَمِعْت مِنْ الْمَشَايِخِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُمْ اهـ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَوْ وَضَعَ لِلشُّهُودِ طَعَامًا فَأَكَلُوا إنْ كَانَ مُهَيَّأً مِنْ قَبْلِ ذَلِكَ تُقْبَلُ وَإِنْ صَنَعَهُ لِأَجْلِهِمْ لَا تُقْبَلُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَا تُقْبَلُ فِيهِمَا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ تُقْبَلُ فِيهِمَا لِلْعَادَةِ الْجَارِيَةِ بِإِطْعَامِ مَنْ حَلَّ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَتْ أَسْرَعَ وَجَبَ الْأَدَاءُ إلَخْ) فِيهِ تَأَمُّلٌ مَقْدِسِيٌّ وَكَأَنَّهُ لِعَدَمِ ظُهُورِ وَجْهِ الْوُجُوبِ حَيْثُ كَانَ هُنَاكَ مَنْ يَقُومُ بِهِ الْحَقُّ حَمَوِيٌّ كَذَا نَقَلَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ وَلَكِنَّهُ بَحَثَهُ فِي مُقَابَلَةِ الْمَنْقُولِ فَقَدْ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ عَنْ الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ السَّادِسُ أَنْ لَا يَقِفَ الشَّاهِدُ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ وَكَذَا إذَا خَافَ الشَّاهِدُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ سُلْطَانٍ جَائِرٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ لَمْ يَتَذَكَّرْ الشَّهَادَةَ عَلَى وَجْهِهَا وَسِعَهُ الِامْتِنَاعُ اهـ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 58 مَحَلَّ الْإِنْسَانِ مِمَّنْ يَعِزُّ عَلَيْهِ شَاهِدًا أَوْ لَا وَيُؤْنِسُهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْإِهْدَاءَ إذَا كَانَ بِلَا شَرْطٍ لِيَقْضِيَ حَاجَتَهُ عِنْدَ الْأَمِيرِ تَجُوزُ كَذَا قِيلَ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الْأَدَاءَ فَرْضٌ بِخِلَافِ الذَّهَابِ إلَى الْأَمِيرِ اهـ. وَجَزَمَ فِي الْمُلْتَقَطِ بِالْقَبُولِ مُطْلَقًا وَفِي شَرْحِ مَنْظُومَةِ ابْنِ وَهْبَانَ لِلْمُصَنِّفِ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى أَنَّ الشَّاهِدَ إذَا لَزِمَهُ الْأَدَاءُ بِالشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ فِيهِ فَلَمْ يُؤَدِّ بِلَا عُذْرٍ ظَاهِرٍ ثُمَّ أَدَّى فَإِنَّهَا لَا تُقْبَلُ ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ لِتَمَكُّنِ التُّهْمَةِ فِيهِ إذْ يُمْكِنُ أَنَّ تَأْخِيرَهُ لِعُذْرٍ وَيُمْكِنُ أَنَّهُ لِاسْتِجْلَابِ الْأُجْرَةِ وَتَعَقَّبَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِقَوْلِهِ وَالْوَجْهُ الْقَبُولُ وَيُحْمَلُ عَلَى الْعُذْرِ مِنْ نِسْيَانٍ ثُمَّ تَذَكُّرٍ أَوْ غَيْرِهِ اهـ. وَإِلَى أَنَّ التَّحَمُّلَ كَالْأَدَاءِ فَيَلْزَمُ عِنْدَ خَوْفِ الضَّيَاعِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ لَا بَأْسَ لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَحَرَّزَ عَنْ قَبُولِ الشَّهَادَةِ وَتَحَمُّلِهَا، طُلِبَ مِنْهُ أَنْ يَكْتُبَ شَهَادَتَهُ أَوْ يَشْهَدَ عَلَى عَقْدٍ أَوْ طُلِبَ مِنْهُ الْأَدَاءُ إنْ كَانَ يَجِدُ غَيْرَهُ فَلَهُ الِامْتِنَاعُ وَإِلَّا لَا اهـ. وَفِي الْمُلْتَقَطِ الْإِشْهَادُ عَلَى الْمُدَايَنَاتِ وَالْبُيُوعِ فَرْضٌ كَذَا رَوَاهُ نَصِيرٌ اهـ. وَذَكَرَ الْإِمَامُ الرَّازِيّ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ أَنَّ الْإِشْهَادَ عَلَى الْمُبَايَعَاتِ وَالْمُدَايَنَاتِ مَنْدُوبٌ إلَّا النَّزْرَ الْيَسِيرَ كَالْخُبْزِ وَالْمَاءِ وَالْبَقْلِ وَأَطْلَقَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ حَتَّى فِي الْبَقْلِ (قَوْلُهُ وَسَتْرُهَا فِي الْحُدُودِ أَحَبُّ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلَّذِي شَهِدَ عِنْدَهُ «لَوْ سَتَرْتَهُ بِثَوْبِكَ لَكَانَ خَيْرًا لَكَ» وَالْمُخَاطَبُ هَزَّالٌ وَالضَّمِيرُ فِي سَتَرْته لِمَاعِزٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَتَعَقَّبَ الِاسْتِدْلَالَ بِذَلِكَ فَإِنَّ مَاعِزًا أَقَرَّ بِالزِّنَا وَلَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ أَحَدٌ وَإِنَّمَا هَزَّالٌ أَشَارَ عَلَيْهِ بِالْإِقْرَارِ فَلَمَّا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِهَزَّالٍ ذَلِكَ قَالَ لَمْ أَدْرِ أَنَّ فِي الْأَمْرِ سَعَةً وَلِلْحَدِيثِ «مَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ» وَفِيمَا نُقِلَ مِنْ تَلْقِينِ الدَّرْءِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ السَّتْرِ وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ: أَحَبُّ أَنَّ عَدَمَهُ جَائِزٌ إقَامَةً لِلْحِسِّيَّةِ لِمَا فِيهِ مِنْ إزَالَةِ الْفَسَادِ أَوْ تَقْلِيلِهِ فَكَانَ حَسَنًا وَلَا يُعَارِضُهُ قَوْله تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا} [النور: 19] الْآيَةَ لِأَنَّ ظَاهِرَهَا أَنَّهُمْ يُحِبُّونَ ذَلِكَ لِأَجْلِ إيمَانِهِمْ وَذَلِكَ صِفَةُ الْكَافِرِ وَلِأَنَّ مَقْصُودَ الشَّاهِدِ ارْتِفَاعُهَا لَا إشَاعَتُهَا وَكَذَا لَا يُعَارِضُ أَفْضَلِيَّةَ السَّتْرِ آيَةُ النَّهْيِ عَنْ كِتْمَانِهَا لِأَنَّهَا مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى {وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقرة: 282] إذْ الْحُدُودُ لَا مُدَّعِيَ فِيهَا وَرُدَّ قَوْلُ مَنْ قَالَ إنَّهَا فِي الدُّيُونِ بِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا لِخُصُوصِ السَّبَبِ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّازِيّ أَوْ لِأَنَّهُ عَامٌّ مَخْصُوصٌ بِأَحَادِيثِ السَّتْرِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. فَإِنْ قُلْتُ: كَيْفَ صَحَّ لَك الْقَوْلُ بِتَخْصِيصِ عَامِّ الْكِتَابِ بِهَذِهِ وَهِيَ أَخْبَارُ آحَادٍ وَأَيْضًا شَرْطُ التَّخْصِيصِ عِنْدَكُمْ الْمُقَارَنَةُ وَمِنْ أَيْنَ ثَبَتَ لَك ذَلِكَ قُلْتُ: هَذِهِ الْأَخْبَارُ الْوَارِدَةُ فِي طَلَبِ السَّتْرِ بَلَغَتْ مَبْلَغًا لَا يَنْحَطُّ بِهَا عَنْ دَرَجَةِ الشُّهْرَةِ لِتَعَدُّدِ مُتُونِهَا مَعَ قَبُولِ الْأُمَّةِ لَهَا فَصَحَّ التَّخْصِيصُ بِهَا أَوْ هِيَ مُسْتَنَدُ الْإِجْمَاعِ عَلَى تَخْيِيرِ الشَّاهِدِ فِي الْحُدُودِ فَثُبُوتُ الْإِجْمَاعِ دَلِيلُ ثُبُوتِ الْمُخَصِّصِ. وَأَمَّا الْمُقَارَنَةُ فَإِنَّمَا هِيَ شَرْطُ التَّخْصِيصِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَهَذَا التَّخْصِيصُ الَّذِي ادَّعَيْنَاهُ لَيْسَ بِذَلِكَ بَلْ هُوَ جَمْعٌ لِلْمُعَارَضَةِ عَلَى مَا كَتَبْنَاهُ فِي التَّعَارُضِ فِي كِتَابِ تَحْرِيرِ الْأُصُولِ مِنْ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْعَامِّ وَالْخَاصِّ إذَا تَعَارَضَا بِأَنْ يُحْمَلَ عَلَى تَخْصِيصِهِ بِهِ فَإِذَا وَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى ذَلِكَ تَضَمَّنَ الْحُكْمُ مِنَّا بِأَنَّهُ كَانَ مُقَارِنًا أَوْ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مُخَصِّصَاتٍ أُوَلُ كَمَا إذَا رَجَّحْنَا فِي التَّعَارُضِ الْمُحَرَّمِ عَلَى الْمُبِيحِ وَثَبَتَ صِحَّتُهَا تَضَمَّنَ حُكْمُنَا بِأَنَّ الْمُبِيحَ كَانَ مُقَدَّمًا عَلَى الْمُحَرَّمِ فَنَسَخَ حُكْمُ الْوُجُوبِ تَرْجِيحَ الْمُحَرَّمِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ تَقَدُّمَهُ بِعِلْمِ تَارِيخِهِ وَكَثِيرًا مَا يَعْتَرِضُ بَعْضُ مُتَأَخِّرِي الشَّارِحِينَ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ الْمَوَاضِعِ الْمَحْكُومِ فِيهَا بِالتَّخْصِيصِ مِنْ أَصْحَابِنَا بِأَنَّ الْمُقَارَنَةَ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ فَلَا يَثْبُتُ التَّخْصِيصُ وَمُرَادُهُمْ فِي تِلْكَ الْأَمَاكِنِ مَا ذَكَرْنَا هَذَا كُلُّهُ إذَا نَظَرْنَا إلَى مُجَرَّدِ إطْلَاقِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَفِي شَرْحِ مَنْظُومَةِ ابْنِ وَهْبَانَ إلَخْ) أَقُولُ: قَالَ شَارِحُهَا الْعَلَّامَةُ عَبْدُ الْبَرِّ بْنُ الشِّحْنَةِ نَقْلًا عَنْ مُخْتَصَرِ الْمُحِيطِ لِلْخَبَّازِيِّ أَخْرَجَ الشُّهُودَ إلَى ضَيْعَةٍ اشْتَرَاهَا فَاسْتَأْجَرَ لَهُمْ دَوَابَّ لِيَرْكَبُوهَا إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ قُوَّةُ الْمَشْيِ وَلَا طَاقَةُ الْكَرْيِ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ وَإِلَّا فَلَا فَإِنْ أَكَلَ طَعَامًا لِلْمَشْهُودِ لَهُ لَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ الْجَوَابُ فِي الرُّكُوبِ مَا قَالَ أَمَّا فِي الطَّعَامِ إنْ لَمْ يَكُنْ الْمَشْهُودُ لَهُ هَيَّأَ طَعَامَهُ لِلشَّاهِدِ بَلْ كَانَ عِنْدَهُ طَعَامٌ فَقَدَّمَهُ إلَيْهِمْ وَأَكَلُوهُ لَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُمْ وَإِنْ هَيَّأَ لَهُمْ طَعَامًا فَأَكَلُوهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ هَذَا إذَا فَعَلَ ذَلِكَ لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَكِنَّهُ جَمَعَ النَّاسَ لِلِاسْتِشْهَادِ وَهَيَّأَ لَهُمْ طَعَامًا أَوْ بَعَثَ لَهُمْ دَوَابَّ وَأَخْرَجَهُمْ مِنْ الْمِصْرِ فَرَكِبُوا وَأَكَلُوا طَعَامَهُ اخْتَلَفُوا فِيهِ قَالَ الثَّانِي فِي الرُّكُوبِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ وَتُقْبَلُ فِي أَكْلِ الطَّعَامِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا تُقْبَلُ فِيهِمَا وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ الثَّانِي لِجَرْيِ الْعَادَةِ بِهِ سِيَّمَا فِي الْأَنْكِحَةِ وَنَثْرِ السُّكَّرِ وَالدَّرَاهِمِ وَلَوْ كَانَ قَادِحًا فِي الشَّهَادَةِ لَمَا فَعَلُوهُ كَذَا فِي الْفَجْرِيَّةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَتَعَقَّبَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِقَوْلِهِ إلَخْ) قَالَ الْعَلَّامَةُ عَبْدُ الْبَرِّ بْنُ الشِّحْنَةِ وَعِنْدِي أَنَّ الْوَجْهَ كَمَا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ سِيَّمَا وَقَدْ فَسَدَ الزَّمَانُ وَعَلِمَ مِنْ حَالِ الشُّهُودِ التَّوَقُّفَ وَهَذَا مُطْلَقٌ عَنْ مَسَائِلِ الْفُرُوجِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا مُطَّرِدٌ فِي كُلِّ حِرْفَةٍ لَا يَتَوَجَّهُ فِيهَا تَأْوِيلٌ (قَوْلُهُ وَفِي الْمُلْتَقَطِ الْإِشْهَادُ عَلَى الْمُدَايَنَاتِ وَالْبُيُوعِ فَرْضٌ) قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُحِيطِ وَذَكَرَ فِي فَتَاوَى أَهْلِ سَمَرْقَنْدَ أَنَّ الْإِشْهَادَ عَلَى الْمُدَايَنَةِ وَالْبَيْعِ فَرْضٌ عَلَى الْعِبَادِ إلَّا إذَا كَانَ شَيْئًا حَقِيرًا لَا يَخَافُ عَلَيْهِ التَّلَفَ وَبَعْضُ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّ الْإِشْهَادَ مَنْدُوبٌ وَلَيْسَ بِفَرْضٍ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 59 قَوْله تَعَالَى {وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقرة: 282] أَمَّا إذَا قَيَّدْنَاهُ بِمَا إذَا دُعُوا لِلشَّهَادَةِ فِي الدَّيْنِ الْمَذْكُورِ أَوَّلَ الْآيَةِ فَظَاهِرٌ. اهـ. وَالْأَخِيرُ مَرْدُودٌ بِمَا قَدَّمْنَاهُ وَفِيهِ أَيْضًا مِنْ كِتَابِ الْحُدُودِ وَإِذَا كَانَ السَّتْرُ مَنْدُوبًا إلَيْهِ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الشَّهَادَةُ بِهِ خِلَافَ الْأَوْلَى الَّتِي مَرْجِعُهَا إلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ؛ لِأَنَّهَا فِي رُتْبَةِ النَّدْبِ فِي جَانِبِ الْفِعْلِ وَكَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ فِي جَانِبِ التَّرْكِ وَهَذَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْ لَمْ يَعْتَدْ الزِّنَا وَلَمْ يَتَهَتَّكْ بِهِ أَمَّا إذَا وَصَلَ الْحَالُ إلَى إشَاعَتِهِ وَالتَّهَتُّكِ بِهِ بَلْ بَعْضُهُمْ رُبَّمَا افْتَخَرَ بِهِ فَيَجِبُ كَوْنُ الشَّهَادَةِ أَوْلَى مِنْ تَرْكِهَا؛ لِأَنَّ مَطْلُوبَ الشَّارِعِ إخْلَاءُ الْأَرْضِ مِنْ الْمَعَاصِي وَالْفَوَاحِشِ بِالْخِطَابَاتِ الْمُفِيدَةِ لِذَلِكَ وَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ بِالتَّوْبَةِ مِنْ الْغَافِلِينَ وَبِالزَّجْرِ لَهُمْ فَإِذَا ظَهَرَ حَالُ الشُّهْرَةِ فِي الزِّنَا مَثَلًا وَالشُّرْبِ وَعَدَمُ الْمُبَالَاةِ بِهِ وَإِشَاعَتُهُ فَإِخْلَاءُ الْأَرْضِ الْمَطْلُوبُ حِينَئِذٍ بِالتَّوْبَةِ احْتِمَالٌ يُقَابِلُهُ ظُهُورُ عَدَمِهَا مِمَّنْ اتَّصَفَ بِذَلِكَ فَيَجِبُ تَحْقِيقُ السَّبَبِ الْآخَرِ لِلْإِخْلَاءِ وَهُوَ الْحُدُودُ خِلَافُ مَنْ زَنَى مَرَّةً أَوْ مِرَارًا مُسْتَتِرًا مُتَخَوِّفًا مُتَنَدِّمًا عَلَيْهِ فَإِنَّهُ مَحَلُّ اسْتِحْبَابِ سَتْرِ الشَّاهِدِ وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِهَزَّالٍ فِي مَاعِزٍ لَوْ كُنْت سَتَرْته بِثَوْبِك الْحَدِيثَ وَسَيَأْتِي كَانَ فِي مِثْلِ مَنْ ذَكَرْنَا وَعَلَى هَذَا ذِكْرُهُ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَاضِي وَأَدَاءُ الشَّهَادَةِ بِمَنْزِلَةِ الْغَيْبَةِ فِيهِ فَيَحْرُمُ مِنْهُ مَا يَحْرُمُ مِنْهَا وَيَحِلُّ مِنْهُ مَا يَحِلُّ مِنْهَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَيَقُولُ فِي السَّرِقَةِ أُخِذَ لَا سُرِقَ) إحْيَاءً لِحَقِّ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ وَلَا يَقُولُ سُرِقَ مُحَافَظَةً عَلَى السَّتْرِ وَلِأَنَّهُ لَوْ ظَهَرَتْ السَّرِقَةُ لَوَجَبَ الْقَطْعُ وَالضَّمَانُ لَا يُجَامِعُ الْقَطْعَ فَلَا يَحْصُلُ إحْيَاءُ حَقِّهِ وَصَرَّحَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِأَنَّ قَوْلَهُ أُخِذَ أَوْلَى مِنْ سُرِقَ وَعَلَى هَذَا فَيُحْمَلُ قَوْلُ الْقُدُورِيِّ وَجَبَ أَنْ يَقُولَ أُخِذَ عَلَى مَعْنَى ثَبَتَ لَا الْوُجُوبِ الْفِقْهِيِّ وَقَوْلُهُ فِي الْعِنَايَةِ فَتَعَيُّنُ ذَلِكَ مَعَ قَوْلِهِ لَا يَجُوزُ أَيْ أَنْ يَقُولَ سُرِقَ تَسَامُحٌ وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي الْأَفْضَلِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا جَائِزٌ وَحَكَى الْفَخْرُ الرَّازِيّ فِي التَّفْسِيرِ أَنَّ هَارُونَ الرَّشِيدَ كَانَ مَعَ جَمَاعَةِ الْفُقَهَاءِ وَفِيهِمْ أَبُو يُوسُفَ فَادَّعَى رَجُلٌ عَلَى آخَرَ بِأَنَّهُ أَخَذَ مَالَهُ مِنْ بَيْتِهِ فَأَقَرَّ بِالْأَخْذِ فَسَأَلَ الْفُقَهَاءَ فَأَفْتَوْا بِقَطْعِ يَدِهِ فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ بِالسَّرِقَةِ وَإِنَّمَا أَقَرَّ بِالْأَخْذِ فَادَّعَى الْمُدَّعِي أَنَّهُ سَرَقَ فَأَقَرَّ بِهَا فَأَفْتَوْا بِالْقَطْعِ وَخَالَفَهُمْ أَبُو يُوسُفَ فَقَالُوا لَهُ لِمَ قَالَ؛ لِأَنَّهُ مَا أَقَرَّ أَوَّلًا بِالْأَخْذِ وَثَبَتَ الضَّمَانُ عَلَيْهِ وَسَقَطَ الْقَطْعُ فَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ بَعْدَهُ بِمَا يُسْقِطُ الضَّمَانَ عَنْهُ فَعَجِبُوا. اهـ. (قَوْلُهُ وَشَرَطَ لِلزِّنَا أَرْبَعَةَ رِجَالٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاللاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} [النساء: 15] وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور: 4] وَلَفْظُ أَرْبَعَةٍ نَصٌّ فِي الْعَدَدِ وَالذُّكُورَةِ كَذَا فِي الْبِنَايَةِ وَأَوْرَدَ إنَّكُمْ لَا تَقُولُونَ بِالْمَفْهُومِ فَمِنْ أَيْنَ لَكُمْ عَدَمُ جَوَازِ الْأَقَلِّ فَأَجَابَ الزَّيْلَعِيُّ بِأَنَّهُ بِالْإِجْمَاعِ وَأَوْرَدَ الْمُعَارَضَةَ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ قَوْلِهِ {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ} [البقرة: 282] الْآيَةَ وَأَجَابَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهَا مُبِيحَةٌ وَتِلْكَ مَانِعَةٌ وَالتَّقْدِيمُ لِلْمَانِعِ وَقَدَّمْنَا فِي الْحُدُودِ أَنَّهُ يَجُوزُ كَوْنُ الزَّوْجِ أَحَدَهُمْ إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ أَنْ يَقْذِفَهَا الزَّوْجُ أَوَّلًا ثُمَّ يَشْهَدَ مَعَ ثَلَاثَةٍ وَأَنْ يَشْهَدَ مَعَهُمْ عَلَى زِنَاهَا بِابْنِهِ مُطَاوَعَةً ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْعِتْقَ الْمُعَلَّقَ بِالزِّنَا يَقَعُ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَحُدَّ الْمَوْلَى وَيُسْتَحْلَفُ الْمَوْلَى إذَا أَنْكَرَهُ لِلْعِتْقِ وَفِيهِ خِلَافٌ ذَكَرَهُ فِي الْخَانِيَّةِ وَأَدَبِ الْقَضَاءِ لِلْخَصَّافِ اعْلَمْ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْأَرْبَعَةِ ابْنُ زَوْجِهَا وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا كَانَ لَهُ امْرَأَتَانِ وَلِإِحْدَاهُمَا خَمْسُ بَنِينَ فَشَهِدَ أَرْبَعَةٌ مِنْهُمْ عَلَى أَخِيهِمْ أَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَةِ أَبِيهِمْ تُقْبَلُ إلَّا إذَا كَانَ الْأَبُ مُدَّعِيًا أَوْ كَانَتْ أُمُّهُمْ حَيَّةً. (قَوْلُهُ وَلِبَقِيَّةِ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ رَجُلَانِ) أَيْ وَشَرَطَ لَهَا شَهَادَةَ رَجُلَيْنِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاسْتَشْهِدُوا} [البقرة: 282] الْآيَةَ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِيهَا لِحَدِيثِ الزُّهْرِيِّ «مَضَتْ السُّنَّةُ مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْخَلِيفَتَيْنِ مِنْ بَعْدِهِ أَنْ لَا شَهَادَةَ لِلنِّسَاءِ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ» وَلِأَنَّ فِيهَا شُبْهَةَ الْبَدَلِيَّةِ لِقِيَامِهَا مَقَامَ شَهَادَةِ الرِّجَالِ فَلَا تُقْبَلُ فِيمَا تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا حَقِيقَةُ الْبَدَلِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَكُونُ فِيمَا امْتَنَعَ الْعَمَلُ بِالْبَدَلِ مَعَ إمْكَانِ الْأَصْلِ وَلَيْسَتْ كَذَلِكَ فَإِنَّهَا جَائِزَةٌ مَعَ إمْكَانِ الْعَمَلِ بِشَهَادَةِ الرَّجُلَيْنِ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا وَفِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ لَوْ قَضَى بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ وَهُوَ يَرَاهُ أَوْ لَا يَرَاهُ ثُمَّ رُفِعَ إلَى آخَرَ أَمْضَاهُ اهـ.   [منحة الخالق] [سَتْر الشَّهَادَةِ فِي الْحُدُود] (قَوْلُهُ وَحَكَى الْفَخْرُ الرَّازِيّ فِي التَّفْسِيرِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ هَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ إذَا ادَّعَى أَنَّهُ أَخَذَ مَالِي أَوْ دَابَّتِي تُسْمَعُ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ وَجْهَ الْأَخْذِ اهـ. ذَكَرَهُ الْغَزِّيِّ [شَرَطَ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا أَرْبَعَةَ رِجَالٍ] (قَوْلُهُ وَأَوْرَدَ الْمُعَارَضَةَ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ عِبَارَةُ فَتْحِ الْقَدِيرِ وَأَنَّ النَّصَّ أَوْجَبَ أَرْبَعَةَ رِجَالٍ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} [النساء: 15] فَقَبُولُ امْرَأَتَيْنِ مَعَ ثَلَاثَةٍ مُخَالِفٌ لِمَا نَصَّ عَلَيْهِ مِنْ الْعَدَدِ وَالْمَعْدُودِ وَغَايَةُ الْأَمْرِ الْمُعَارَضَةُ بَيْنَ عُمُومٍ قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة: 282] وَبَيْنَ هَذِهِ فَتُقَدَّمُ هَذِهِ؛ لِأَنَّهَا مَانِعَةٌ وَتِلْكَ مُبِيحَةٌ اهـ. وَلَا يَخْفَى عَلَيْك مَا فِي كَلَامِهِ مِنْ الْمُخَالَفَةِ وَالْإِيهَامِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلِبَقِيَّةِ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ رَجُلَانِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْقِصَاصَ فِي النَّفْسِ وَالْعُضْوِ وَفِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ بِقَتْلِ الْخَطَأِ أَوْ بِقَتْلٍ لَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ وَكَذَا الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ وَكِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي؛ لِأَنَّ مُوجِبَ هَذِهِ الْجِنَايَةِ الْمَالُ فَقَبِلَ فِيهِ شَهَادَةَ الرِّجَالِ مَعَ النِّسَاءِ. اهـ. أَقُولُ: عُلِمَ بِهِ قَبُولُ شَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ فِي طَرَفِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَالْحُرِّ وَالْعَبْدِ وَكُلِّ مَا لَا قِصَاصَ فِيهِ وَكَانَ مُوجِبُهُ الْمَالَ وَيُعْلَمُ بِهِ كَثِيرٌ مِنْ الْوَقَائِعِ الْحَالِيَّةِ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 60 وَمَعْنَى الْآيَةِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ إنْ لَمْ يَشْهَدَا حَالَ كَوْنِهِمَا رَجُلَيْنِ فَلْيَشْهَدْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ وَلَوْلَا هَذَا التَّأْوِيلُ لَمَا اُعْتُبِرَ شَهَادَتُهُنَّ مَعَ وُجُودِ الرِّجَالِ وَشَهَادَتُهُنَّ مُعْتَبَرَةٌ مَعَهُمْ عِنْدَ الِاخْتِلَاطِ بِالرِّجَالِ حَتَّى إذَا شَهِدَ رِجَالٌ وَنِسْوَةٌ بِشَيْءٍ يُضَافُ الْحُكْمُ إلَى الْكُلِّ حَتَّى يَجِبَ الضَّمَانُ عَلَى الْكُلِّ عِنْدَ الرُّجُوعِ اهـ. وَذَكَرَ الْبِقَاعِيُّ فِي الْمُنَاسَبَاتِ مَعْزِيًّا إلَى الْحَرَّانِيِّ وَفِي عُمُومِ مَعْنَى الْكَوْنِ إشْعَارٌ بِتَطَرُّقِ شَهَادَةِ الْمَرْأَتَيْنِ مَعَ إمْكَانِ طَلَبِ الرَّجُلِ بِوَجْهٍ مَا مِنْ حَيْثُ لَمْ يَقُلْ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا اهـ. وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ رَجُلٌ قَالَ إنْ شَرِبْت الْخَمْرَ فَمَمْلُوكِي حُرٌّ فَشَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ أَنَّهُ شَرِبَ الْخَمْرَ عَتَقَ الْعَبْدُ وَلَا يُحَدُّ؛ لِأَنَّ هَذِهِ شَهَادَةٌ لَا مَجَالَ لَهَا فِي الْحُدُودِ وَلَوْ قَالَ إنْ سَرَقْت مِنْ فُلَانٍ شَيْئًا فَعَلَى قِيَاسِ مَا ذَكَرْنَا يَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَ الْمَالَ وَيَعْتِقَ الْعَبْدُ وَلَا يُقْطَعُ اهـ. وَعَزَا الْمَسْأَلَتَيْنِ فِي الْخَانِيَّةِ إلَى أَبِي يُوسُفَ ثُمَّ قَالَ وَالْفَتْوَى فِيهِمَا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَفِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ فِي مَسْأَلَةِ السَّرِقَةِ أَضْمَنُهُ وَلَا أُعْتِقُهُ عَنْ مُحَمَّدٍ وَفِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ شَهِدَا أَنَّهُ أَعْتَقَ عَبْدَهُ ثُمَّ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ بِأَنَّهُ زَنَى وَهُوَ مُحْصَنٌ فَأَعْتَقَهُ الْقَاضِي ثُمَّ رَجَمَهُ ثُمَّ رَجَعَ الْكُلُّ ضَمِنَ شَاهِدَا الْإِعْتَاقِ قِيمَتَهُ لِمَوْلَاهُ وَشُهُودُ الزِّنَا دِيَتَهُ لِمَوْلَاهُ أَيْضًا إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ غَيْرُهُ. (قَوْلُهُ وَلِلْوِلَادَةِ وَالْبَكَارَةِ وَعُيُوبِ النِّسَاءِ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ رَجُلٌ امْرَأَةٌ) أَيْ وَشَرْطُ امْرَأَةٍ أَيْ شَهَادَتِهَا لِلْحَدِيثِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ جَائِزَةٌ فِيمَا لَا يَسْتَطِيعُ الرِّجَالُ النَّظَرَ إلَيْهِ وَالْجَمْعُ الْمُحَلَّى بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ يُرَادُ بِهِ الْجِنْسُ فَيَتَنَاوَلُ الْأَقَلَّ وَهُوَ الْوَاحِدُ وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي اشْتِرَاطِ الْأَرْبَعِ وَلِأَنَّهُ إنَّمَا سَقَطَ الذُّكُورَةُ لِيَخِفَّ النَّظَرُ؛ لِأَنَّ نَظَرَ الْجِنْسِ أَخَفُّ فَكَذَا يَسْقُطُ اعْتِبَارُ الْعَدَدِ لِأَنَّ الْمَثْنَى وَالثَّلَاثَ أَحْوَطُ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْإِلْزَامِ ثُمَّ حُكْمُهَا فِي الْوِلَادَةِ شَرَحْنَاهُ فِي بَابِ ثُبُوتِ النَّسَبِ وَفِي الْبَكَارَةِ شَرَحْنَاهُ فِي بَابِ الْعِنِّينِ مِنْ أَنَّهُنَّ إنْ شَهِدْنَ بِبَكَارَتِهَا يُؤَجَّلُ الْعِنِّينُ سَنَةً وَيُفَرَّقُ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهَا تَأَيَّدَتْ بِمُؤَيِّدٍ إذْ الْبَكَارَةُ أَصْلٌ وَكَذَا فِي رَدِّ الْبَيْعِ إذَا اشْتَرَاهَا بِشَرْطِ الْبَكَارَةِ وَإِنْ قُلْنَ إنَّهَا ثَيِّبٌ يَحْلِفُ الْبَائِعُ لِيَنْضَمَّ نُكُولُهُ إلَى قَوْلِهِنَّ وَالْعَيْبُ يَثْبُتُ بِقَوْلِهِنَّ فَيَحْلِفُ الْبَائِعُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ الْعَيْبُ بِقَوْلِهِنَّ لَمْ يَحْلِفْ الْبَائِعُ بَلْ نَرُدُّ عَلَيْهِ الْجَارِيَةَ فَكَيْفَ يَكُونُ تَحْلِيفُ الْبَائِعِ نَتِيجَةً لِثُبُوتِ الْعَيْبِ فِي الْجَارِيَةِ بَلْ ثُبُوتُ الْعَيْبِ بِقَوْلِهِنَّ يَثْبُتُ الرَّدُّ لَا التَّحْلِيفُ وَأَجَابَ عَنْهُ فِي النِّهَايَةِ بِأَنَّ ثُبُوتَهُ بِقَوْلِهِنَّ لِسَمَاعِ الدَّعْوَى وَفِي حَقِّ التَّحْلِيفِ إذْ لَوْلَا شَهَادَتُهُنَّ لَمْ يَحْلِفْ الْبَائِعُ وَكَانَ الْقَوْلُ لَهُ بِلَا يَمِينٍ لِتَمَسُّكِهِ بِالْأَصْلِ وَهُوَ الْبَكَارَةُ اهـ. وَظَاهِرُ اقْتِصَارِهِ عَلَى الثَّلَاثَةِ يُفِيدُ أَنَّ قَوْلَ الْمَرْأَةِ بَلْ النِّسَاءِ لَا يُقْبَلُ فِي غَيْرِهَا وَلَكِنْ فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ لَوْ شَهِدَ عِنْدَهُ نِسْوَةٌ عُدُولٌ أَنَّهَا امْرَأَةُ فُلَانٍ أَوْ ابْنَتُهُ وَسِعَتْهُ الشَّهَادَةُ اهـ. وَفِيهَا يُقْبَلُ تَعْدِيلُ الْمَرْأَةِ وَلَا تُقْبَلُ تَرْجَمَتُهَا وَأَطْلَقَ فِي الْوِلَادَةِ وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ الشَّهَادَةُ عَلَى اسْتِهْلَالِ الصَّبِيِّ فِي حَقِّ الْإِرْثِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ وَيُمْكِنُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ رَجُلٌ إنْ كَانَ قَيْدًا فِي الْكُلِّ وَإِنْ كَانَ الظَّاهِرُ رُجُوعَهُ إلَى الْأَخِيرِ، وَأَمَّا فِي حَقِّ الصَّلَاةِ فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهَا اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهَا مِنْ أُمُورِ الدِّينِ وَعِنْدَهُمَا تُقْبَلُ فِي حَقِّ الْإِرْثِ أَيْضًا وَبِقَوْلِهِمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَهُوَ أَرْجَحُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَتَقَدَّمَتْ فِي بَابِ ثُبُوتِ النَّسَبِ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ رَجُلٌ إلَى أَنَّ الرَّجُلَ لَوْ شَهِدَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ أَيْ وَشَرَطَ امْرَأَةً أَيْ شَهَادَتَهَا) قَالَ الرَّمْلِيُّ سَيَأْتِي قَرِيبًا أَنَّ قَبُولَ شَهَادَتِهَا لِثُبُوتِ سَمَاعِ الدَّعْوَى لَا لِثُبُوتِ الرَّدِّ بِهَا فَافْهَمْ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ وَفِيمَا لَا يَنْظُرُ إلَيْهِ الرِّجَالُ كَالْقَرَنِ وَالرَّتْقِ وَنَحْوِهِ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ وَآخِرُ مَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَهُوَ عَيْبٌ لَا يَحْدُثُ تُرَدُّ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ وَالْمَرْأَةُ الْوَاحِدَةُ وَالْمَرْأَتَانِ سَوَاءٌ وَالْمَرْأَتَانِ أَوْثَقُ، وَأَمَّا الْحَبَلُ فَيَثْبُتُ بِقَوْلِ النِّسَاءِ فِي حَقِّ الْخُصُومَةِ وَلَا تُرَدُّ بِشَهَادَتِهِنَّ (قَوْلُهُ وَظَاهِرُ اقْتِصَارِهِ عَلَى الثَّلَاثَةِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ ذَكَرَ فِي الدُّرَرِ وَالْغُرَرِ وَالْوِلَادَةُ وَاسْتِهْلَالُ الصَّبِيِّ لِلصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَالْبَكَارَةُ وَعُيُوبُ النِّسَاءِ امْرَأَةٌ اهـ. فَدَخَلَ فِي قَوْلِهِ وَعُيُوبُ النِّسَاءِ الْحَبَلُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْعُيُوبِ الَّتِي يُرَدُّ بِهَا الْمَبِيعُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ رَجُلٌ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَدَّمَ فِي بَابِ ثُبُوتِ النَّسَبِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَالْمُعْتَدَّةُ إنْ جَحَدَتْ وِلَادَتَهَا بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ إلَخْ أَنَّهُ أَفَادَ بِقَوْلِهِ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ قَبُولَ شَهَادَةِ الرِّجَالِ عَلَى الْوِلَادَةِ مِنْ الْأَجْنَبِيَّةِ وَأَنَّهُمْ لَا يَفْسُقُونَ بِالنَّظَرِ إلَى عَوْرَتِهَا إمَّا لِكَوْنِهِ قَدْ يَتَّفِقُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ قَصْدِ نَظَرٍ وَلَا تَعَمُّدٍ أَوْ لِلضَّرُورَةِ كَمَا فِي شُهُودِ الزِّنَا وَفِي مِنَحِ الْغَفَّارِ نَقْلًا عَنْ السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ أَيْضًا وَإِنْ قَالَ تَعَمَّدْت النَّظَرَ إلَيْهَا. اهـ. وَأَقُولُ: فَثَبَتَ الْخِلَافُ فِي التَّعَمُّدِ ظَاهِرٌ أَوْ يُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بِأَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ النَّافِي عَلَى التَّعَمُّدِ لَا لِتَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ وَالْمُثْبِتِ عَلَى التَّعَمُّدِ لَهَا إحْيَاءً لِلْحُقُوقِ بِإِيصَالِهَا إلَى مُسْتَحِقِّهَا بِوَاسِطَةِ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهَا وَفِي كَلَامِهِمْ نَوْعُ إشَارَةٍ إلَيْهِ وَرُبَّمَا أَفْهَمَ كَلَامُ الزَّيْلَعِيِّ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَلَوْ قَالَ شُهُودُ الزِّنَا تَعَمَّدْنَا النَّظَرَ قُبِلَتْ أَرْجَحِيَّةُ الْقَبُولِ وَأَيْضًا عِبَارَتُهُ فِي هَذَا الْمَحَلِّ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا قَالَ تَعَمَّدْت النَّظَرَ قَالَ بَعْضُهُمْ تُقْبَلُ كَمَا فِي الزِّنَا لِطَرْحِهِ ذِكْرَ مُقَابِلِهِ وَقِيَاسِهِ عَلَى الزِّنَا وَالرَّاجِحُ فِيهِ الْقَبُولُ تَأَمَّلْ ثُمَّ رَأَيْت فِي التَّتَارْخَانِيَّة نَقْلًا عَنْ الْعَتَّابِيَّةِ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيمَا إذَا دُعِيَ إلَى تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ عَلَيْهَا وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَوْ نَظَرَ إلَيْهَا يَشْتَهِي فَمِنْهُمْ مَنْ جَوَّزَ ذَلِكَ بِشَرْطِ أَنْ يَقْصِدَ بِذَلِكَ تَحَمُّلَ الشَّهَادَةِ لَا قَضَاءَ الشَّهْوَةِ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُبَاحُ ذَلِكَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 61 وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا قَالَ تَعَمَّدْت النَّظَرَ أَمَّا إذَا شَهِدَ بِالْوِلَادَةِ وَقَالَ فَاجَأْتُهَا فَاتَّفَقَ نَظَرِي عَلَيْهَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ إذَا كَانَ عَدْلًا كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ وَفِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْكَافِرَةِ وَالْمَمْلُوكَةِ وَإِنَّمَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ. (قَوْلُهُ وَلِغَيْرِهَا رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ) لِلْآيَةِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْمَالَ وَغَيْرَهُ كَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالْوَكَالَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَالْعَتَاقِ وَالنَّسَبِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي شَهَادَةِ النِّسَاءِ الْقَبُولُ لِوُجُودِ مَا يُبْتَنَى عَلَيْهِ أَهْلِيَّةُ الشَّهَادَةِ وَهِيَ الْمُشَاهَدَةُ وَالضَّبْطُ وَالْأَدَاءُ وَنُقْصَانُ الضَّبْطِ بِزِيَادَةِ النِّسْيَانِ انْجَبَرَ بِضَمِّ الْأُخْرَى إلَيْهَا فَلَمْ يَبْقَ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا الشُّبْهَةُ وَلِهَذَا لَا تُقْبَلُ فِيمَا يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ وَهَذِهِ الْحُقُوقُ تَثْبُتُ بِالشُّبُهَاتِ وَإِنَّمَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَرْبَعِ مِنْ غَيْرِ رَجُلٍ كَيْ لَا يَكْثُرَ خُرُوجُهُنَّ وَحُكِيَ أَنَّ أُمَّ بِشْرٍ شَهِدَتْ عِنْدَ الْحَاكِمِ فَقَالَ الْحَاكِمُ فَرِّقُوا بَيْنَهُمَا فَقَالَتْ لَيْسَ لَك ذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى} [البقرة: 282] فَسَكَتَ الْحَاكِمُ كَذَا فِي الْمُلْتَقَطِ وَقَدْ حَقَّقَ الْأَكْمَلُ فِي الْعِنَايَةِ هُنَا تَحْقِيقًا حَسَنًا كَمَا هُوَ دَأْبُهُ فَقَالَ لَا نُقْصَانَ فِي عَقْلِهِنَّ فِيمَا هُوَ مَنَاطُ التَّكْلِيفِ وَبَيَانُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ لِلنَّفْسِ الْإِنْسَانِيَّةِ أَرْبَعَ مَرَاتِبَ: الْأُولَى اسْتِعْدَادُ الْعَقْلِ وَيُسَمَّى الْعَقْلُ الْهَيُولَانِيُّ وَهُوَ حَاصِلٌ لِجَمِيعِ أَفْرَادِ الْإِنْسَانِ مِنْ مَبْدَأِ فِطْرَتِهِمْ، وَالثَّانِيَةُ أَنْ يُحَصِّلَ الْبَدِيهِيَّاتِ بِاسْتِعْمَالِ الْحَوَاسِّ فِي الْجُزْئِيَّاتِ فَتَتَهَيَّأَ لِاكْتِسَابِ الْفِكْرِيَّاتِ وَيُسَمَّى الْعَقْلَ بِالْمَلَكَةِ وَهُوَ مَنَاطُ التَّكْلِيفِ، وَالثَّالِثَةُ أَنْ تُحَصِّلَ النَّظَرِيَّاتِ الْمَفْرُوغَ عَنْهَا مَتَى شَاءَ مِنْ غَيْرِ افْتِقَارٍ إلَى اكْتِسَابٍ بِالْفِكْرَةِ وَيُسَمَّى الْعَقْلَ بِالْفِعْلِ، وَالرَّابِعَةُ هُوَ أَنْ يَسْتَحْضِرَهَا وَيَلْتَفِتَ إلَيْهَا مُشَاهَدَةً وَيُسَمَّى الْعَقْلَ الْمُسْتَفَادَ وَلَيْسَ فِيمَا هُوَ مَنَاطُ التَّكْلِيفِ مِنْهَا وَهُوَ الْعَقْلُ بِالْمَلَكَةِ فِيهِنَّ نُقْصَانٌ بِمُشَاهَدَةِ حَالِهِنَّ فِي تَحْصِيلِ الْبَدِيهِيَّاتِ بِاسْتِعْمَالِ الْحَوَاسِّ فِي الْجُزْئِيَّاتِ وَبِالنِّسْبَةِ إنْ ثَبَتَتْ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ فِي ذَلِكَ نُقْصَانٌ لَكَانَ تَكْلِيفُهُنَّ دُونَ تَكْلِيفِ الرِّجَالِ فِي الْأَرْكَانِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَاقِصَاتُ عَقْلٍ» الْمُرَادُ بِهِ الْعَقْلُ بِالْفِعْلِ وَلِذَلِكَ لَمْ يَصْلُحْنَ لِلْوِلَايَةِ وَالْخِلَافَةِ وَالْإِمَارَةِ اهـ. وَهَكَذَا ذَكَرَهُ فِي آخِرِ التَّوْضِيحِ وَمِثْلُ الْأَوَّلِ فِي التَّلْوِيحِ بِقُوَّةِ الطِّفْلِ عَلَى الْكِتَابَةِ وَالثَّانِي بِاسْتِعْدَادِ الرَّجُلِ الْأُمِّيِّ لِلْكِتَابَةِ وَالثَّالِثُ بِاسْتِعْدَادِ الْقَادِرِ عَلَى الْكِتَابَةِ وَالرَّابِعُ بِقُدْرَتِهِ عَلَى الْكِتَابَةِ حَالَةَ الْكِتَابَةِ أُورِدَتْ عَلَى قَوْلِهِ وَلِغَيْرِهَا الشَّهَادَةُ بِإِسْلَامِ الْكَافِرِ فَإِنَّهُ لَا تُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ مِنْ أَلْفَاظِ التَّكْفِيرِ وَكَأَنَّهُ لِكَوْنِهَا تَجُرُّ إلَى قَتْلِهِ إذَا أَصَرَّ عَلَى كُفْرِهِ فَصَارَ كَالشَّهَادَةِ بِالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَيْهِ وَقَيَّدَهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ بِالرَّجُلِ أَمَّا إذَا كَانَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بِالْإِسْلَامِ امْرَأَةً فَإِنَّهَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ بِإِسْلَامِهَا وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ بِالْإِسْلَامِ إذَا كَانَ رَجُلًا لَا يُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ وَلَا الْكُفَّارِ وَأَمَّا الشَّهَادَةُ بِرِدَّةِ الْمُسْلِمِ فَلَا يُقْبَلُ فِيهَا شَهَادَةُ النِّسَاءِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْعِنَايَةِ مِنْ السِّيَرِ. (قَوْلُهُ لِلْكُلِّ لَفْظُ الشَّهَادَةِ وَالْعَدَالَةِ) أَيْ وَشَرَطَ لِجَمِيعِ أَنْوَاعِهَا لَفْظَ أَشْهَدُ بِالْمُضَارِعِ فَلَا يَقُومُ غَيْرُهُ مَقَامَهُ لِمَا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلَهَا وَقَدَّمْنَا أَنَّ لَفْظَهَا رُكْنٌ فَالْمُرَادُ بِالشَّرْطِ هُنَا مَا لَا بُدَّ مِنْهُ لِيَشْمَلَ الرُّكْنَ وَالشَّرْطَ وَقَدْ أَفَادَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ لَفْظِهَا فِي شَهَادَةِ النِّسَاءِ أَيْضًا وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ خِلَافًا لِلْعِرَاقِيِّينَ لِأَنَّهُمْ يَجْعَلُونَهَا مِنْ بَابِ الْإِخْبَارِ لَا الشَّهَادَةِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ يُشْتَرَطُ لَهَا الْحُرِّيَّةُ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي وَلَا بُدَّ مِنْ شَرْطٍ آخَرَ لِجَمِيعِ أَنْوَاعِهَا وَهُوَ التَّفْسِيرُ حَتَّى لَوْ قَالَ أَشْهَدُ بِمِثْلِ شَهَادَتِهِ لَا تُقْبَلُ وَلَوْ قَالَ أَشْهَدُ مِثْلَ شَهَادَةِ صَاحِبِي لَا تُقْبَلُ عِنْدَ الْخَصَّافِ وَعِنْدَ عَامَّةِ مَشَايِخِنَا تُقْبَلُ وَقَيَّدَهُ الْأُوزْجَنْدِيُّ بِمَا إذَا قَالَ لِهَذَا الْمُدَّعِي عَلَى هَذَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَبِهِ يُفْتَى كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ إنْ كَانَ فَصِيحًا لَا يُقْبَلُ مِنْهُ الْإِجْمَالُ وَإِنْ كَانَ عَجَمِيًّا يُقْبَلُ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ بِحَالٍ إنْ اُسْتُفْسِرَ بَيَّنَ وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ إنْ أَحَسَّ الْقَاضِي بِخِيَانَتِهِ كَلَّفَهُ التَّفْسِيرَ وَإِلَّا لَا وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ لَوْ أَقَرَّ الْمُدَّعِي أَوْ وَكِيلُهُ فَقَالَ الشَّاهِدُ أَشْهَدُ بِمَا ادَّعَاهُ هَذَا الْمُدَّعِي عَلَى هَذَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ قَالَ الْمُدَّعِي فِي يَدِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ يَصِحُّ عِنْدَنَا اهـ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ تَبِعَ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ وَغَيْرَهُ فِي اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ كَلَفْظِ الشَّهَادَةِ تَسْوِيَةً مِنْهُمْ بَيْنَهُمَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الشَّهَادَةِ شَرْطٌ   [منحة الخالق] ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْكَرَاهِيَةِ. (قَوْلُهُ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْمَالَ وَغَيْرَهُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَالشَّهَادَةُ عَلَى قَتْلِ الْخَطَأِ وَمَا لَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ مِنْ قَبِيلِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْمَالِ قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ بِقَتْلِ الْخَطَأِ أَوْ بِقَتْلٍ لَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ تُقْبَلُ إلَى آخِرِ مَا مَرَّ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 62 لِصِحَّةِ الْأَدَاءِ بَلْ رُكْنُهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَأَمَّا الْعَدَالَةُ فَلَيْسَتْ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الْأَدَاءِ وَإِنَّمَا ظُهُورُهَا شَرْطُ وُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَى الْقَاضِي كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْبَدَائِعِ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ لَوْ قَضَى الْقَاضِي بِشَهَادَةِ الْفَاسِقِ صَحَّ عِنْدَنَا زَادَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَكَانَ الْقَاضِي عَاصِيًا قَالَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْفَاسِقَ إذَا كَانَ وَجِيهًا فِي النَّاسِ كَمُبَاشِرِي السُّلْطَانِ وَالْمَكَسَةِ وَغَيْرِهِمْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسْتَأْجَرُ لِشَهَادَةِ الزُّورِ لِوَجَاهَتِهِ وَيَمْتَنِعُ عَنْ الْكَذِبِ لِمُرُوءَتِهِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ هَذَا تَعْلِيلٌ لِمُقَابَلَةِ النَّصِّ فَلَا يُقْبَلُ اهـ. وَفَسَّرَ فِي الْعِنَايَةِ الْوَجِيهَ بِأَنْ يَكُونَ ذَا قَدْرٍ وَشَرَفٍ وَفَسَّرَ الْمُرُوءَةَ بِالْإِنْسَانِيَّةِ قَالَ وَالْهَمْزَةُ وَتَشْدِيدُ الْوَاوِ فِيهِمَا لُغَتَانِ اهـ. وَعَلَى هَذَا فَمَا فِي الْقُنْيَةِ شَارِبُ الْخَمْرِ يَسْتَحْيِ وَيَرْتَدِعُ إذَا زُجِرَ فَلِلْقَاضِي أَنْ يَقْبَلَ شَهَادَتَهُ إنْ كَانَ ذَا مُرُوءَةٍ وَتَحَرَّى فِي مَقَالَتِهِ فَوَجَدَهُ صَادِقًا اهـ. مَحْمُولٌ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ. (قَوْلُهُ وَسَأَلَ عَنْ الشُّهُودِ سِرًّا وَعَلَنًا فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ) أَيْ وَسَأَلَ الْقَاضِي عَنْهُمْ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْحُجَّةِ وَهِيَ شَهَادَةُ الْعُدُولِ فَيَتَعَرَّفُ عَنْ الْعَدَالَةِ وَفِيهِ صَوْنُ قَضَائِهِ عَنْ الْبُطْلَانِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَقْتَصِرُ الْحَاكِمُ عَلَى ظَاهِرِ الْعَدَالَةِ فِي الْمُسْلِمِ وَلَا يَسْأَلُ حَتَّى بِطَعْنِ الْخَصْمِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «النَّاسُ عُدُولٌ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إلَّا مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ» وَمِثْلُ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ هُوَ الِانْزِجَارُ عَمَّا هُوَ مُحَرَّمٌ دَيْنُهُ وَبِالظَّاهِرِ كِفَايَةً إذْ لَا وُصُولَ إلَى الْقَطْعِ إلَّا فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ فَإِنَّهُ يَسْأَلُ عَنْهُمْ لِلِاحْتِيَالِ فِي إسْقَاطِهَا فَيَسْتَقْصِي وَلِأَنَّ الشُّبْهَةَ فِيهَا دَارِئَةٌ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ طَعَنَ الْخَصْمُ سَأَلَ عَنْهُمْ فِي الْكُلِّ وَإِلَّا سَأَلَ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ وَفِي غَيْرِهَا مَحَلُّ الِاخْتِلَافِ وَقِيلَ هَذَا اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا فِي هَذَا الزَّمَانِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَمَحَلُّ السُّؤَالِ عَلَى قَوْلِهِمَا عِنْدَ جَهْلِ الْقَاضِي بِحَالِهِمْ وَلِذَا قَالَ فِي الْمُلْتَقَطِ الْقَاضِي إذَا عَرَفَ الشُّهُودَ بِجَرْحٍ أَوْ عَدَالَةٍ لَا يَسْأَلُ عَنْهُمْ اهـ. وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُؤَلِّفُ صِفَةَ السُّؤَالِ وَصَرَّحَ فِي الْهِدَايَةِ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ وَلَمْ يُبَيِّنْ أَنَّهُ شَرْطٌ أَوْ لَا وَفِي الْمُلْتَقَطِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ التَّزْكِيَةُ بِدْعَةٌ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَوْ قَضَى الْقَاضِي بِغَيْرِ تَزْكِيَةِ الشُّهُودِ أَجْزَأَتْ. اهـ. فَأَفَادَ أَنَّ السُّؤَالَ لَيْسَ بِشَرْطِ صِحَّةٍ عِنْدَهُمَا خُصُوصًا قَدَّمْنَا عَنْ الْهِدَايَةِ أَنَّهُ لَوْ قَضَى بِشَهَادَةِ الْفَاسِقِ يَصِحُّ عِنْدَنَا مِنْ غَيْرِ حِكَايَةِ خِلَافٍ فَكَيْفَ إذَا قَضَى بِشَهَادَةِ الْمَسْتُورِ فَلَوْ قَضَى ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ الشُّهُودَ فَسَقَةٌ لَمْ يُنْقَضْ الْقَضَاءُ وَفِي الْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ مِنْ الْحُدُودِ لَوْ قَضَى بِالْحَدِّ بِبَيِّنَةٍ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُمْ فُسَّاقٌ بَعْدَمَا رُجِمَ فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَى الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ الْخَطَأُ بِيَقِينٍ اهـ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَاضِيَ لَوْ قَضَى فِي الْحُدُودِ قَبْلَ السُّؤَالِ بِظَاهِرِ الْعَدَالَةِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَإِنْ كَانَ آثِمًا فَقَوْلُهُ فِي الْهِدَايَةِ يُشْتَرَطُ الِاسْتِقْصَاءُ مَعْنَاهُ يَجِبُ وَمَعْنَى قَوْلِ الْإِمَامِ يَقْتَصِرُ الْحَاكِمُ يَجُوزُ اقْتِصَارُهُ لَا أَنَّهُ يَجِبُ اقْتِصَارُهُ وَفِي التَّهْذِيبِ لِلْقَلَانِسِيِّ وَفِي زَمَانِنَا لَمَّا تَعَذَّرَتْ التَّزْكِيَةُ بِغَلَبَةِ الْفِسْقِ اخْتَارَ الْقُضَاةُ كَمَا اخْتَارَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى اسْتِحْلَافَ الشُّهُودِ لِغَلَبَةِ الظَّنِّ اهـ. قُلْتُ: وَلَا يُضَعِّفُهُ مَا فِي الْكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ كَالْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَمِينَ عَلَى الشَّاهِدِ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ ظُهُورِ عَدَالَتِهِ وَالْكَلَامُ عِنْدَ خَفَائِهَا خُصُوصًا فِي زَمَانِنَا أَنَّ الشَّاهِدَ مَجْهُولُ الْحَالِ وَكَذَا الْمُزَكِّي غَالِبًا وَالْمَجْهُولُ لَا يَعْرِفُ الْمَجْهُولَ وَفِي الْمُلْتَقَطِ عَنْ غَسَّانِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمَرْوَزِيِّ قَالَ قَدِمْت الْكُوفَةَ قَاضِيًا عَلَيْهَا فَوَجَدْت فِيهَا مِائَةً وَعِشْرِينَ عَدْلًا فَطَلَبْت أَسْرَارَهُمْ فَرَدَدْتهمْ إلَى سِتَّةٍ ثُمَّ أَسْقَطْت أَرْبَعَةً فَلَمَّا رَأَيْت ذَلِكَ اسْتَعْفَيْت وَاعْتَزَلْت. قَالَ الْفَقِيهُ لَوْ اسْتَقْصَى الْقَاضِي مِثْلَ ذَلِكَ لَضَاقَ الْأَمْرُ وَلَا يُوجَدُ مُؤْمِنٌ بِغَيْرِ عَيْبٍ كَمَا قِيلَ فَلَسْت بِمُسْتَبِقٍ أَخًا لَا تَلُمْهُ ... عَلَى شُعْثٍ أَيُّ الرِّجَالِ الْمُهَذِّبُ وَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَوَلَّى مِنْكُمْ السَّرَائِرَ وَذَوَى عَنْكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ اهـ. ثُمَّ التَّزْكِيَةُ   [منحة الخالق] [شَرَطَ لِجَمِيعِ أَنْوَاعِهَا لَفْظَ أَشْهَدُ بِالْمُضَارِعِ الشَّهَادَة] (قَوْلُهُ لَوْ قَضَى الْقَاضِي بِشَهَادَةِ الْفَاسِقِ صَحَّ عِنْدَنَا) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَفِي جَامِعِ الْفَتَاوَى وَأَمَّا شَهَادَةُ الْفَاسِقِ فَإِنْ تَحَرَّى الْقَاضِي الصِّدْقَ فِي شَهَادَتِهِ تُقْبَلُ وَإِلَّا فَلَا (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَقْتَصِرُ الْحَاكِمُ عَلَى ظَاهِرِ الْعَدَالَةِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ يَجُوزُ لَهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى سَبِيلِ الْجَوَازِ لَا الْوُجُوبِ (قَوْلُهُ وَلَا يَسْأَلُ حَتَّى يَطْعَنَ الْخَصْمُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَلَوْ بِالْجَرْحِ الْمُجَرَّدِ وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُهُ فِيمَا يَأْتِي وَلَا يَسْمَعُ الْقَاضِي الشَّهَادَةَ عَلَى جَرْحٍ مُجَرَّدٍ؛ لِأَنَّ عَدَمَ سَمَاعِهَا لِعَدَمِ دُخُولِهِ تَحْتَ الْحُكْمِ وَإِلَّا فَالْخَبَرُ عَنْ فِسْقِ الشُّهُودِ يَمْنَعُ الْقَاضِيَ عَنْ قَبُولِ شَهَادَتِهِمْ وَالْحُكْمِ بِهَا فَالطَّعْنُ بِهِ مَسْمُوعٌ مِنْهُ قَبْلَ التَّزْكِيَةِ وَسَيَظْهَرُ مِنْ مَسَائِلِ الطَّعْنِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَوْ قَضَى الْقَاضِي بِغَيْرِ تَزْكِيَةِ الشُّهُودِ أَجْزَأَتْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ عِبَارَةُ الْقُدُورِيِّ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا بُدَّ أَنْ يَسْأَلَ عَنْهُمْ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْقَاضِيَ يَأْثَمُ بِتَرْكِ السُّؤَالِ وَلَا يُنَافِيهِ الْإِجْزَاءُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَفِي التَّهْذِيبِ لِلْقَلَانِسِيِّ إلَخْ) قَالَ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ بَعْدَ ذِكْرِ مَا فِي التَّهْذِيبِ لَا يَخْفَى أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ وَلَا يُقَالُ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ لِأَنَّ الشَّاهِدَ مَجْهُولٌ كَالْمُزَكِّي غَالِبًا وَالْمَجْهُولُ لَا يَعْرِفُ الْمَجْهُولَ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْأَمْرُ كَذَلِكَ لَكِنْ قَالَ الْفَقِيهُ لَوْ اسْتَقْصَى مِثْلَ ذَلِكَ لَضَاقَ الْأَمْرُ وَلَا يُوجَدُ مُؤْمِنٌ بِغَيْرِ عَيْبٍ كَمَا قِيلَ وَمَنْ ذَا الَّذِي تَرْضَى سَجَايَاهُ كُلَّهَا ... كَفَى الْمَرْءُ نُبْلًا أَنْ تُعَدَّ مَعَايِبُهُ نَقَلَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 63 فِي السِّرِّ أَنْ يَبْعَثَ الْمَسْتُورَةَ إلَى الْمُعَدِّلِ فِيهَا النَّسَبُ وَالْحُلِيُّ وَالْمُصَلِّي وَيَرُدُّهَا الْمُعَدِّلُ كُلُّ ذَلِكَ فِي السِّرِّ كَيْ لَا يَظْهَرَ فَيُخْدَعَ أَوْ يَقْصِدَ وَفِي الْخَانِيَّةِ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْمُعَدِّلِ وَالشَّاهِدِ لِتَنْتَفِي شُبْهَةُ تَعْدِيلِ غَيْرِهِ وَقَدْ كَانَتْ الْعَلَانِيَةُ وَحْدَهَا فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ وَوَقَعَ الِاكْتِفَاءُ بِالسِّرِّ فِي زَمَانِنَا تَحَرُّزًا عَنْ الْفِتْنَةِ وَيُرْوَى عَنْ مُحَمَّدٍ تَزْكِيَةُ الْعَلَانِيَةِ بَلَاءٌ وَفِتْنَةٌ ثُمَّ قِيلَ لَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ الْمُعَدِّلُ هُوَ عَدْلٌ جَائِزُ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ قَدْ يُعَدَّلُ وَقِيلَ يُكْتَفَى بِقَوْلِهِ هُوَ عَدْلٌ؛ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ ثَابِتَةٌ بِأَصْلِ الدَّارِ وَهَذَا أَصَحُّ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَفِي السِّرَاجِيَّةِ وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ يَسْأَلُ فِي السِّرِّ وَقَدْ تُرِكَتْ التَّزْكِيَةُ فِي الْعَلَانِيَةِ فِي زَمَانِنَا كَيْ لَا يَخْدَعَ الْمُزَكِّي وَلَا يَخُونَ اهـ. فَقَدْ عَلِمْت أَنَّ مَا فِي الْمَتْنِ عَلَى خِلَافِ الْمُفْتَى بِهِ وَهُوَ الِاقْتِصَارُ عَلَى السِّرِّ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي الْهِدَايَةِ أَيْضًا وَالْمَسْتُورَةُ اسْمُ الرُّقْعَةِ الَّتِي كَتَبَهَا الْقَاضِي وَيَبْعَثُهَا سِرًّا بِيَدِ أَمِينِهِ إلَى الْمُزَكِّي سُمِّيَتْ الْمَسْتُورَةُ؛ لِأَنَّهَا تُسْتَرُ عَنْ نَظَرِ الْعَوَامّ. كَذَا فِي النِّهَايَةِ فَمَنْ عَرَفَ الشَّاهِدَ بِالْعَدَالَةِ كَتَبَ تَحْتَ اسْمِهِ هُوَ عَدْلٌ جَائِزُ الشَّهَادَةِ وَمَنْ لَمْ يَعْرِفْهُ بِشَيْءٍ كَتَبَ هُوَ مَسْتُورٌ وَمَنْ عَرَفَهُ بِالْفِسْقِ لَمْ يُصَرِّحْ بَلْ يَسْكُتُ احْتِرَازًا عَنْ هَتْكِ السَّتْرِ أَوْ يَكْتُبُ اللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ إلَّا إذَا عَدَّلَهُ غَيْرُهُ وَخَافَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُصَرِّحْ بِذَلِكَ يَقْضِي الْقَاضِي بِشَهَادَتِهِ فَحِينَئِذٍ يُصَرِّحُ بِذَلِكَ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ وَيَسْأَلُ عَنْ الشُّهُودِ أَيْ عَنْ عَدَالَتِهِمْ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ وَإِنَّمَا قَدَّرْنَاهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْأَلُ عَنْ حُرِّيَّةِ الشَّاهِدِ وَإِسْلَامِهِ مَا لَمْ يُنَازِعْهُ الْخَصْمُ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْجَامِعِ مِنْ أَنَّ النَّاسَ أَحْرَارٌ إلَّا فِي الشَّهَادَةِ وَالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ وَالْعَقْلِ فَإِنَّهُ لَا يُكْتَفَى بِظَاهِرِ الْحُرِّيَّةِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ بَلْ يُسْأَلُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا طَعَنَ الْخَصْمُ بِالرِّقِّ كَمَا قَيَّدَهُ الْقُدُورِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَذَا ذَكَرَ الشَّارِحُ وَثُبُوتُ حُرِّيَّةِ الشَّاهِدِ إمَّا بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهَا أَوْ بِالْإِخْبَارِ لِلْقَاضِي كَالْعَدَالَةِ وَالْأَوَّلُ أَحَبُّ وَأَحْسَنُ؛ لِأَنَّ الْأَهْلِيَّةَ لِلشَّهَادَةِ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِالْحُرِّيَّةِ وَتَثْبُتُ بِدُونِ الْعَدَالَةِ وَلِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ وَالرِّقَّ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ تَجْرِي فِيهَا الْخُصُومَةُ وَطَرِيقُ الْإِثْبَاتِ فِي مِثْلِهَا لِلْبَيِّنَةِ فَأَمَّا الْعَدَالَةُ فَلَا تَجْرِي فِيهَا الْخُصُومَةُ فَيُمْكِنُ مَعْرِفَتُهَا بِالسُّؤَالِ عَنْ حَالِهِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَفِي الْقُنْيَةِ قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي الشَّاهِدِ أَنَّهُ كَافِرٌ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَلِلْقَاضِي أَنْ يَسْأَلَهُ عَنْ الْإِيمَانِ إنْ اتَّهَمَهُ بِذَلِكَ وَإِنْ كَانَ يَشْهَدُ بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى وَرِسَالَةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَكَذَا لَوْ قَالَ أَنَا مُسْلِمٌ وَلَسْت بِكَافِرٍ وَلَوْ سَأَلَهُ الْحَاكِمُ فَذَكَرَ فِي خِلَالِ سُؤَالِهِ مَا لَا يَجُوزُ عَلَى اللَّهِ لِلتَّجْرِبَةِ فَهَذَا جَهْلٌ مِنْ الْقَاضِي وَحُمْقٌ وَقَدْ أَسَاءَ فِيمَا فَعَلَ وَلَوْ جُوِّزَ هَذَا كَانَ وَبَالًا عَلَى جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ خُصُوصًا فِي قُضَاةِ أَهْلِ الرَّسَاتِيقِ فَلَوْ أَنَّهُ تَحَمَّقَ وَفَعَلَ لَا يَقْبَلُ شَهَادَتَهُ. اهـ. وَأَطْلَقَ فِي السُّؤَالِ عَنْ الشُّهُودِ فَشَمِلَ الْمُسْلِمَ وَالْكَافِرَ فَيَسْأَلُ عَنْ النَّصْرَانِيِّ إذَا شَهِدَ عَلَى مِثْلِهِ وَفِي فَتَاوَى عُمَرَ قَارِئِ الْهِدَايَةِ تَزْكِيَةُ الذِّمِّيِّ أَنْ يُزَكِّيَهُ بِالْأَمَانَةِ فِي دِينِهِ وَلِسَانِهِ وَيَدِهِ وَأَنَّهُ صَاحِبُ يَقَظَةٍ اهـ. وَقَدْ أَخَذَهُ مِنْ فَتَاوَى الْوَلْوَالِجِيِّ وَفِي الْمُلْتَقَطِ نَصْرَانِيٌّ عَدْلٌ ثُمَّ أَسْلَمَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ اهـ. وَفِيهِ إذَا سَكِرَ الذِّمِّيُّ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ اهـ. وَشَمِلَ السُّؤَالُ عَنْهُ إذَا شَهِدَ حِينَ بَلَغَ وَهُوَ ظَاهِرُ الْخَانِيَّةِ وَفِي الْمُلْتَقَطِ صَبِيٌّ احْتَلَمَ لَا أَقْبَلُ شَهَادَتَهُ مَا لَمْ أَسْأَلْ عَنْهُ وَلَا بُدَّ أَنْ يَتَأَتَّى بَعْدَ الْبُلُوغِ بِقَدْرِ مَا يَقَعُ فِي قُلُوبِ أَهْلِ مَسْجِدِهِ وَمَحَلَّتِهِ كَمَا فِي الْغَرِيبِ أَنَّهُ صَالِحٌ أَوْ غَيْرُهُ اهـ. وَفَرَّقَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ النَّصْرَانِيَّ كَانَ لَهُ شَهَادَةٌ مَقْبُولَةٌ قَبْلَ إسْلَامِهِ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْعَدَالَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُؤَلِّفُ مَا يَقُولُهُ الْمُزَكِّي إذَا سُئِلَ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ يَقُولُ هُوَ عَدْلٌ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُعَدِّلَ قَطْعًا وَلَا يَقُولَ هُمْ عُدُولٌ عِنْدِي لِإِخْبَارِ الثِّقَاتِ بِهِ وَلَوْ قَالَ لَا أَعْلَمُ مِنْهُمْ إلَّا خَيْرًا فَهُوَ تَعْدِيلٌ فِي الْأَصَحِّ وَفِي النَّوَازِلِ التَّعْدِيلُ أَنْ يَقُولَ هُمْ عُدُولٌ عِنْدِي جَازَتْ شَهَادَتُهُمْ وَفِي الْمُنْتَقَى إذَا قَالَ الْمُزَكِّي لَا أَعْلَمُ فِيهِ إلَّا خَيْرًا يَكْفِي وَإِذَا جَرَحَ الْجَارِحُ الشُّهُودَ يَقُولُ الْقَاضِي لِلْمُدَّعِي زِدْنِي شُهُودًا أَوْ يَقُولَ لَمْ تَحْمَدْ شُهُودَك وَيَكْتُبُ الْقَاضِي أَسْمَاءَ الشُّهُودِ أَوَّلًا ثُمَّ اسْمَ مَنْ عُدِّلَ. اهـ. وَفِي الْمُلْتَقَطِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ التَّزْكِيَةُ أَنْ يَقُولَ لَا أَعْلَمُ مِنْهُ إلَّا خَيْرًا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَفِي السِّرَاجِيَّةِ وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ يَسْأَلُ فِي السِّرِّ) قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ تَزْكِيَةَ الْعَلَانِيَةِ بَلَاءٌ وَفِتْنَةٌ وَتَزْكِيَةُ السِّرِّ أَحْدَثَهَا شُرَيْحٌ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْمُضْمَرَاتِ وَغَيْرِهِ وَيَشْكُلُ مَا فِي الِاخْتِيَارِ أَنَّهُ يَسْأَلُ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ قُلْتُ: يُمْكِنُ إرْجَاعُهُ إلَى قَوْلِهِ يَسْأَلُ أَيْ لَا يَكْتَفِي بِالْعَدَالَةِ الظَّاهِرَةِ فَهُوَ تَرْجِيحٌ لِقَوْلِهِمَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا قَدَّرْنَاهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْأَلُ عَنْ حُرِّيَّةِ الشَّاهِدِ وَإِسْلَامِهِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَدَّمْنَا أَنَّ سُؤَالَهُ عَنْ الْعَدَالَةِ عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ فَنَفَى سُؤَالَهُ عَنْ الْحُرِّيَّةِ وَالْإِسْلَامِ يَنْفِي الْوُجُوبَ أَيْضًا حَتَّى لَوْ سَأَلَهُ عَنْهُمَا كَانَ حَسَنًا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَفَرَّقَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ بَيْنَهُمَا إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ بَيْنَ النَّصْرَانِيِّ إذَا أَسْلَمَ وَكَانَ عَدْلًا حَيْثُ تُقْبَلُ وَبَيْنَ الصَّبِيِّ إذَا بَلَغَ حَيْثُ لَا تُقْبَلُ حَتَّى يَسْأَلَ عَنْهُ وَيَتَأَتَّى بِقَدْرِ مَا يَقَعُ فِي قُلُوبِ أَهْلِ مَسْجِدِهِ وَمَحَلَّتِهِ أَنَّهُ صَالِحٌ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 64 أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَا بَأْسَ بِهِ فَقَدْ عَدَّلَهُ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ أَنْ يَقُولَ هَذَا عِنْدِي عَدْلٌ مَرْضِيٌّ جَائِزُ الشَّهَادَةِ اهـ. وَاخْتَارَ السَّرَخْسِيُّ أَنَّهُ لَا يَكْتَفِي بِقَوْلِهِ هُوَ عَدْلٌ لِأَنَّ الْمَحْدُودَ فِي قَذْفٍ بَعْدَ التَّوْبَةِ عَدْلٌ غَيْرُ جَائِزِ الشَّهَادَةِ وَكَذَا الْأَبُ إذَا شَهِدَ لِابْنِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ زِيَادَةِ جَائِزِ الشَّهَادَةِ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَيَنْبَغِي تَرْجِيحُهُ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ كِتَابِ الشُّرُوطِ جَوَابُ الْمُزَكِّي عَلَى ثَلَاثِ مَرَاتِبَ أَعْلَاهَا جَائِزُ الشَّهَادَاتِ أَوْ عَدْلٌ خِلَافًا لِلسَّرَخْسِيِّ فِي الثَّانِي وَالثَّانِيَةِ ثِقَةٌ وَهُوَ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَا لِفِسْقِهِ وَلَكِنْ لِغَفْلَةٍ أَوْ نَحْوِهَا وَبَعْضُ الْقُضَاةِ يُقِيمُونَ كُلَّ ثِقَتَيْنِ مَقَامَ عَدْلٍ كَذَا ذَكَرَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْحَاكِمُ السَّمَرْقَنْدِيُّ وَالْمَرْتَبَةُ الثَّالِثَةُ مَسْتُورٌ وَالْمَسْتُورُ هُوَ الْفَاسِقُ وَفِي عُرْفِ مَشَايِخِنَا مَنْ لَا يُعْرَفُ حَالُهُ. اهـ. وَيَكْتَفِي بِالسُّكُوتِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالصَّلَاحِ فَيَكُونُ سُكُوتُهُ تَزْكِيَةً لِلشَّاهِدِ لِمَا فِي الْمُلْتَقَطِ وَكَانَ اللَّيْثُ بْنُ مُسَاوِرٍ قَاضِيًا فَاحْتَاجَ إلَى تَعْدِيلِ شَاهِدٍ وَكَانَ الْمُزَكِّي مَرِيضًا فَعَادَهُ الْقَاضِي وَسَأَلَهُ عَنْ الشَّاهِدِ فَسَكَتَ الْمُعَدِّلُ ثُمَّ سَأَلَهُ فَسَكَتَ فَقَالَ أَسْأَلُك وَلَا تُجِيبُنِي فَقَالَ الْمُعَدِّلُ أَمَا يَكْفِيكَ مِنْ مِثْلِي السُّكُوتُ وَلَمَّا اسْتَقْضَى أَبُو مُطِيعٍ أَرْسَلَ الْأَمِيرُ إلَى يَعْقُوبَ الْقَارِئِ يُشَاوِرُهُ فَسَأَلَهُ الرَّسُولُ فِي الطَّرِيقِ عَنْ أَبِي مُطِيعٍ فَقَالَ يَعْقُوبُ أَبُو مُطِيعٍ أَبُو مُطِيعٍ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ إذَا كَانَ الْمُعَدِّلُ مِثْلَ يَعْقُوبَ الْقَارِئِ فَلَا بَأْسَ بِمِثْلِ هَذَا التَّعْدِيلِ. اهـ. وَسَيَأْتِي فِي مَسَائِلِ الطَّعْنِ فِي الشَّاهِدِ عِنْدَ بَيَانِ الْجَرْحِ الْمُجَرَّدِ وَغَيْرِهِ وَلَكِنْ يُحْتَاجُ هُنَا إلَى بَيَانِ مَسَائِلَ تَعَارُضِ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ فَإِذَا سَأَلَ الْقَاضِي عَنْ الشَّاهِدِ وَلَمْ يُزَكَّ طَلَبَ غَيْرَهُ فَإِنْ زَكَّاهُ وَاحِدٌ وَجَرَحَهُ وَاحِدٌ فَقَدْ تَعَارَضَا فَقَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ فَإِنْ عَدَّلَهُ أَحَدُهُمَا وَجَرَحَهُ الْآخَرُ تَعَارَضَا كَأَنَّهُ لَمْ يَسْأَلْ أَحَدًا وَإِنْ عَدَّلَهُ الثَّالِثُ فَالتَّعْدِيلُ أَوْلَى وَإِنْ جَرَحَهُ الثَّالِثُ فَالْجَرْحُ أَوْلَى وَذَكَرَ الصَّدْرُ إذَا جَرَحَ وَاحِدٌ وَعَدَّلَ وَاحِدٌ فَعِنْدَ الْإِمَامَيْنِ الْجَرْحُ أَوْلَى كَمَا لَوْ كَانَا اثْنَيْنِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ مَا لَمْ يَتِمَّ بِالْوَاحِدِ تَوَقَّفَ الشَّهَادَةَ وَلَا يُجِيزُ حَتَّى يَسْأَلَ الْآخَرَ فَإِنْ جَرَحَهُ تَمَّ الْجَرْحُ وَإِنْ عَدَّلَهُ تَمَّ التَّعْدِيلُ فَإِنْ جَرَحَهُ وَاحِدٌ وَعَدَّلَهُ اثْنَانِ فَالتَّعْدِيلُ أَوْلَى عِنْدَهُمْ وَإِنْ جَرَحَهُ اثْنَانِ وَعَدَّلَهُ عَشَرَةٌ فَالْجَرْحُ أَوْلَى فَلَوْ قَالَ الْمُدَّعِي بَعْدَ الْجَرْحِ أَنَا أَجِيءُ بِقَوْمٍ صَالِحِينَ يُعَدِّلُونَهُمْ قَالَ فِي الْعُيُونِ قُبِلَ ذَلِكَ وَفِي النَّوَادِرِ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ وَهُوَ اخْتِيَارُ ظَهِيرِ الدِّينِ وَعَلَى قَوْلِ مَنْ يُقْبَلُ إذَا جَاءَ بِقَوْمٍ ثِقَةٍ يُعَدِّلُونَهُمْ فَالْقَاضِي يَسْأَلُ الْجَارِحِينَ فَلَعَلَّهُمْ جَرَحُوا بِمَا لَا يَكُونُ جَرْحًا عِنْدَ الْقَاضِي لَا يُلْتَفَتُ إلَى جَرْحِهِمْ هَذَا أَلْطَفُ الْأَقَاوِيلِ وَلَوْ عَدَّلَ الشُّهُودَ سِرًّا فَقَالَ الْخَصْمُ أَجِيءُ فِي الْعَلَانِيَةِ بِمَنْ يُبَيِّنُ فِيهِمْ مَا تُرَدُّ بِهِ شَهَادَتُهُمْ لَا تُقْبَلُ مَقَالَتُهُ إلَى أَنْ قَالَ إنَّ الْجَرْحَ أَوْلَى إلَّا إذَا كَانَ بَيْنَهُمْ تَعَصُّبٌ فَإِنَّهُ لَا يَقْبَلُ جَرْحَهُمْ لِأَنَّ أَصْلَ الشَّهَادَةِ لَا تُقْبَلُ عِنْدَ التَّعَصُّبِ فَالْجَرْحُ أَوْلَى. اهـ. وَقَدْ ظَهَرَ مِنْ إطْلَاقِ كَلَامِهِمْ هُنَا أَنَّ الْجَرْحَ يُقَدَّمُ عَلَى التَّعْدِيلِ سَوَاءٌ كَانَ مُجَرَّدًا أَوْ لَا عِنْدَ سُؤَالِ الْقَاضِي عَنْ الشَّاهِدِ وَالتَّفْصِيلُ الْآتِي مِنْ أَنَّهُ إنْ كَانَ مُجَرَّدًا لَا تُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ بِهِ أَوْ لَا فَتُسْمَعُ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ طَعْنِ الْخَصْمِ فِي الشَّاهِدِ عَلَانِيَةً لَكِنْ فِي الْمُلْتَقَطِ فَلَوْ عُدِّلَ فَقَالَ قَوْمٌ إنَّا رَأَيْنَاهُ أَمْسِ سَكْرَانَ أَوْ يُبَايِعُ بِالرِّبَا أَوْ يَشْرَبُ الْخَمْرَ إنْ كَانَ شَيْئًا يَلْزَمُهُ فِيهِ حَقٌّ مِنْ حَدٍّ أَوْ مَالٍ يُرَدُّ عَلَى صَاحِبِهِ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ وَإِلَّا لَا اهـ. وَيَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا كَانَ عَلَانِيَةً أَمَّا إذَا أَخْبَرُوهُ سِرًّا فَلَا وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَشَمِلَ إطْلَاقُهُ مَا إذَا كَانَ الشَّاهِدُ غَرِيبًا فَإِنْ كَانَ غَرِيبًا وَلَا يَجِدُ مُعَدِّلًا فَإِنَّهُ يَكْتُبُ إلَى قَاضِي بَلَدِهِ لِيُخْبِرَهُ عَنْ حَالِهِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَفِي كَشْفِ الْأَسْرَارِ شَرْحِ أُصُولِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ مِنْ بَحْثِ الْمُجْمَلِ أَنَّهُ عَلَى مِثَالِ رَجُلٍ دَخَلَ بَلْدَةً لَا يَعْرِفُهُ أَهْلُهَا بِالتَّأَمُّلِ فِيهِ بَلْ بِالرُّجُوعِ إلَى أَهْلِ بَلْدَتِهِ حَتَّى لَوْ شَهِدَ لَا يَحِلُّ لِلْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ بِشَهَادَتِهِ وَلَا لِلْمُزَكِّي أَنْ يُعَدِّلَهُ إلَّا بِالرُّجُوعِ إلَى أَهْلِ بَلْدَتِهِ لِيَعْرِفَ اهـ. وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِ أَيْضًا أَنَّهُ يَسْأَلُ عَنْهُمْ فِي كُلِّ حَادِثَةٍ شَهِدُوا فِيهَا لَكِنْ قَالُوا لَوْ عُدِّلَ فِي حَادِثَةٍ وَقَضَى بِهِ ثُمَّ شَهِدَ فِي أُخْرَى فَإِنْ بَعُدَتْ الْمُدَّةُ أُعِيدَ وَإِلَّا لَا وَكَذَا غَرِيبٌ نَزَلَ بَيْنَ ظَهْرَانِي قَوْمٍ لَا يُعَدِّلُهُ قَبْلَ مُضِيِّ ذَلِكَ الزَّمَانِ. وَكَذَا إذَا تَخَلَّلَتْ تِلْكَ الْمُدَّةُ بَيْنَ الشَّهَادَةِ وَالتَّعْدِيلِ هَلْ يُؤَثِّرُ فِي قَبُولِ الشَّهَادَةِ الْمَاضِيَةِ وَكَانَ الْإِمَامُ الثَّانِي يَقُولُ ذَلِكَ الزَّمَانُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ ثُمَّ رَجَعَ إلَى سَنَةٍ وَمُحَمَّدٌ لَمْ يُقَدِّرْهُ بَلْ عَلَى   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَيَكْتَفِي بِالسُّكُوتِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالصَّلَاحِ فَيَكُونُ سُكُوتُهُ تَزْكِيَةً لِلشَّاهِدِ) مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمَهُ عَنْ غَايَةِ الْبَيَانِ مِنْ قَوْلِهِ وَمَنْ عَرَفَهُ بِالْفِسْقِ لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ بَلْ يَسْكُتْ احْتِرَازًا عَنْ هَتْكِ السِّتْرِ أَوْ يَكْتُبْ اللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ إلَخْ ثُمَّ رَأَيْت بِخَطِّ ثِقَةٍ مَعْزِيًّا إلَى الْمَقْدِسِيَّ بَعْدَ ذِكْرِ مَا فِي الْمُلْتَقَطِ قَالَ أَبُو نَصْرٍ كَانَ سُكُوتُهُ مِنْهُ طَعْنًا فِي الشَّهَادَةِ (قَوْلُهُ وَعَلَى قَوْلِ مَنْ يَقْبَلُ إلَخْ) جَزَمَ بِهِ فِي الْخَانِيَّةِ حَيْثُ قَالَ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَسْمَعُ ذَلِكَ وَيَسْأَلُ عَنْهُمْ فَإِنْ عَدَلُوهُمْ سَأَلَ الْقَاضِي الطَّاعِنِينَ بِمَ يَطْعَنُونَ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُمْ طَعَنُوا بِمَا لَا يَكُونُ جَرْحًا عِنْدَ الْقَاضِي فَإِنْ بَيَّنُوا مَا يَكُونُ طَعْنًا فَإِنَّ الْجَرْحَ أَوْلَى وَإِلَّا فَإِنَّ الْقَاضِيَ لَا يَلْتَفِتُ إلَيْهِمْ وَيَقْضِي بِشَهَادَةِ شُهُودِ الْمُدَّعِي وَكَذَا لَوْ عَدَّلَ الْمُزَكِّي الشُّهُودَ وَطَعَنَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ وَقَالَ لِلْقَاضِي سَلْ عَنْهُمْ فُلَانًا وَفُلَانًا وَسَمَّى قَوْمًا يَصْلُحُونَ إلَخْ (قَوْلُهُ عِنْدَ سُؤَالِ الْقَاضِي عَنْ الشَّاهِدِ) كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَزِيدَ أَوْ عِنْدَ طَعْنِ الْخَصْمِ وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ سِرًّا لِأَنَّهُ تُقْبَلُ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَفْسُقُوا بِإِظْهَارِ الْفَاحِشَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا بَرْهَنَ عَلَانِيَةً لَا يُقْبَلُ بُرْهَانُهُ لِفِسْقِ شُهُودِهِ بِإِظْهَارِ الْفَاحِشَةِ كَمَا سَيَأْتِي آخِرَ الْبَابِ الْآتِي وَحِينَئِذٍ يَظْهَرُ الْجَوَابُ الْآتِي عَمَّا فِي الْمُلْتَقَطِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ مِنْ بَحْثِ الْمُجْمَلِ أَنَّهُ) أَيْ الْمُجْمَلُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 65 مَا يَقَعُ فِي الْقُلُوبِ الْوُثُوقُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَفِيهَا أَيْضًا وَفِي الْمُنْتَقَى شَهِدُوا بِمَالٍ فَلَمْ يُعَدَّلُوا فَطَلَبَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَكْتُبَ وَثِيقَةً وَيَحْكُمَ بِأَنَّهُ مَرْدُودُ الشَّهَادَةِ حَتَّى لَا يَقْبَلَهُ قَاضٍ آخَرُ حَكَمَ وَكَتَبَ بِهِ وَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ لَا يَقْبَلُ الْقَاضِي الْآخَرُ هَذِهِ الشَّهَادَةَ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ لَمْ يَحْكُمْ بِرَدِّ شَهَادَتِهِمْ لِلثَّانِي أَنْ يَقْبَلَ إذَا عَدَّلُوا اهـ. وَفِي الْمُلْتَقَطِ وَإِذَا أَبْطَلَ الْقَاضِي شَهَادَتَهُ فِي دَارٍ فَجَاءَ بَعْدَ عِشْرِينَ سَنَةً فَشَهِدَ بِهَا أَيْضًا لِآخَرَ فَشَهَادَتُهُ بَاطِلَةٌ اهـ. وَفِي الْخُلَاصَةِ مَنْ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ فِي حَادِثَةٍ لِعِلَّةٍ ثُمَّ زَالَتْ تِلْكَ الْعِلَّةُ فَشَهِدَ لَمْ تُقْبَلْ إلَّا فِي أَرْبَعَةٍ الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ وَالْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ وَالْأَعْمَى إذَا شَهِدُوا فَرُدَّتْ ثُمَّ زَالَ الْمَانِعُ فَشَهِدُوا تُقْبَلُ اهـ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْمَرْدُودِ لِتُهْمَةٍ وَبَيْنَ الْمَرْدُودِ لِشُبْهَةٍ فَالثَّانِي يُقْبَلُ عِنْدَ زَوَالِ الْمَانِعِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ مُطْلَقًا أَشَارَ إلَيْهِ فِي النَّوَازِلِ وَلَوْ قَالَ الْمُؤَلِّفُ سِرًّا ثُمَّ عَلَنًا بِثُمَّ دُونَ الْوَاوِ لَكَانَ أَوْلَى وَإِنْ أَمْكَنَ حَمْلُهَا عَلَيْهَا لِيُفِيدَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيمِ تَزْكِيَةِ السِّرِّ عَلَى الْعَلَانِيَةِ لِمَا فِي الْمُلْتَقَطِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا أَقْبَلُ تَزْكِيَةَ الْعَلَانِيَةِ حَتَّى يُزَكَّى فِي السِّرِّ اهـ. وَشَمِلَ الشَّاهِدَ الْأَصْلِيَّ وَالْفَرْعِيَّ فَيَسْأَلُهُ عَنْ الْكُلِّ كَذَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَعَنْ مُحَمَّدٍ يَسْأَلُ عَنْ الْأَوَّلَيْنِ فَإِنْ زُكِّيَا سَأَلَ عَنْ الْآخَرَيْنِ كَذَا فِي الْمُلْتَقَطِ. (تَنْبِيهٌ) لَا تَجُوزُ التَّزْكِيَةُ إلَّا أَنْ تَعْرِفَهُ أَنْتَ أَوْ وُصِفَ لَك أَوْ عَرَفْت أَنَّ الْقَاضِيَ زَكَّاهُ أَوْ زُكِّيَ عِنْدَهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ كَمْ مِنْ رَجُلٍ أَقْبَلُ شَهَادَتَهُ وَلَا أَقْبَلُ تَعْدِيلَهُ يَعْنِي أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الظَّوَاهِرِ وَلَا كَذَلِكَ التَّعْدِيلُ كَذَا فِي الْمُلْتَقَطِ فَيُشْتَرَطُ لِجَوَازِهَا شُرُوطٌ الْأَوَّلُ أَنْ تَكُونَ الشَّهَادَةُ عِنْدَ قَاضٍ عَدْلٍ عَالِمٍ الثَّانِي أَنْ تَعْرِفَهُ وَتَخْتَبِرَهُ بِشَرِكَةٍ أَوْ مُعَامَلَةٍ أَوْ سَفَرٍ الثَّالِثُ أَنْ تَعْرِفَ أَنَّهُ مُلَازِمٌ لِلْجَمَاعَةِ الرَّابِعُ أَنْ يَكُونَ مَعْرُوفًا بِصِحَّةِ الْمُعَامَلَةِ فِي الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ الْخَامِسُ أَنْ يَكُونَ مُؤَدِّيًا لِلْأَمَانَةِ السَّادِسُ أَنْ يَكُونَ صَدُوقَ اللِّسَانِ السَّابِعُ اجْتِنَابُ الْكَبَائِرِ الثَّامِنُ أَنْ تَعْلَمَ مِنْهُ اجْتِنَابَ الْإِصْرَارِ عَلَى الصَّغَائِرِ وَمَا يُخِلُّ بِالْمُرُوءَةِ وَالْكُلُّ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ لِلْخَصَّافِ وَفِي النَّوَازِلِ مَنْ قَالَ لَا أَدْرِي أَنَا مُؤْمِنٌ أَمْ غَيْرُ مُؤْمِنٍ لَا تُعَدِّلُهُ وَلَا تُصَلِّي خَلْفَهُ اهـ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ عَرَفَ فِسْقَ الشَّاهِدِ فَغَابَ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً ثُمَّ قَدِمَ وَلَا يُدْرَى مِنْهُ إلَّا الصَّلَاحُ لَا يَجْرَحُهُ الْمُعَدِّلُ وَلَا يُعَدِّلُهُ وَلَوْ كَانَ مَعْرُوفًا بِالصَّلَاحِ فَغَابَ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً ثُمَّ حَضَرَ فَهُوَ عَلَى الْعَدَالَةِ وَالشَّاهِدَانِ لَوْ عُدِّلَا بَعْدَمَا تَابَا يَقْضِي بِشَهَادَتِهِمَا وَكَذَا لَوْ غَابَا ثُمَّ عُدِّلَا وَلَوْ خَرِسَا أَوْ عَمِيَا لَا يَقْضِي تَابَ الْفَاسِقُ لَا يُعَدَّلُ كَمَا تَابَ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ مُضِيِّ زَمَانٍ يَقَعُ فِي الْقَلْبِ صِدْقُهُ فِي التَّوْبَةِ اهـ. (تَنْبِيهٌ آخَرُ) وَلَوْ زُكِّيَ مَنْ فِي السِّرِّ عَلَنًا يَجُوزُ عِنْدَنَا وَالْخَصَّافُ شَرَطَ تَغَايُرَهُمَا كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَفِي الْمَصَابِيحِ عَلَنَ الْأَمْرُ عُلُونًا مِنْ بَابِ قَعَدَ ظَهَرَ وَانْتَشَرَ فَهُوَ عَالِنٌ وَعَلَنَ عَلَنًا مِنْ بَابِ تَعِبَ لُغَةً فَهُوَ عَلَنٌ وَعَلِينٌ وَالِاسْمُ الْعَلَانِيَةُ مُخَفَّفًا اهـ. (تَنْبِيهٌ آخَرُ) يَسْأَلُ الْقَاضِي عَنْ الشُّهُودِ الذِّمَّةِ عُدُولَ الْمُسْلِمِينَ وَإِلَّا فَيَسْأَلُ عَنْهُمْ عُدُولَ الْكُفَّارِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَالِاخْتِيَارِ. (قَوْلُهُ وَتَعْدِيلُ الْخَصْمِ لَا يَصِحُّ) أَيْ تَزْكِيَةُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الشَّاهِدَ بِقَوْلِهِ هُوَ عَدْلٌ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ؛ لِأَنَّ فِي زَعْمِ الْمُدَّعِي وَشُهُودِهِ أَنَّ الْخَصْمَ كَاذِبٌ فِي إنْكَارِهِ مُبْطِلٌ فِي إصْرَارِهِ فَلَا يَصْلُحُ مُعَدِّلًا وَمَوْضُوعُ الْمَسْأَلَةِ إذَا قَالَ هُمْ عُدُولٌ إلَّا أَنَّهُمْ أَخْطَئُوا أَوْ نَسُوا أَمَّا إذَا قَالَ صَدَقُوا أَوْ هُمْ عُدُولٌ صَدَقَةٌ فَقَدْ اعْتَرَفَ بِالْحَقِّ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَفِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ أَنْ يَكُونَ مُقِرًّا بِقَوْلِهِ صَدَقُوا فِيمَا شَهِدُوا بِهِ عَلَيَّ وَبِقَوْلِهِ هُمْ عُدُولٌ فِيمَا شَهِدُوا بِهِ عَلَيَّ أَطْلَقَهُ وَقَيَّدَهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ بِمَا إذَا كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا يَرْجِعُ إلَيْهِ فِي التَّعْدِيلِ فَإِنْ كَانَ صَحَّ قَوْلُهُ وَشَمِلَ الْخَصْمُ الْمُدَّعِيَ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَإِنْ أَرَادَ بِهِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَهُوَ الظَّاهِرُ فَعَدَمُ صِحَّتِهِ مِنْ الْمُدَّعِي بِأَوْلَى كَتَعْدِيلِ الشَّاهِدِ نَفْسَهُ، وَأَمَّا جَرْحُ الشَّاهِدِ نَفْسَهُ فَمَقْبُولٌ لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَقَوْلُ الشَّاهِدِ أَنَّهُ لَيْسَ بِعَدْلٍ إقْرَارُهُ عَلَى نَفْسِهِ جَائِزٌ عَلَيْهِ وَكَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ لَا يَفْعَلَ اهـ. وَظَاهِرُ مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّهُ يَأْثَمُ بِذَلِكَ حَيْثُ كَانَ صَادِقًا فِي شَهَادَتِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّ الْمُدَّعِي وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَعْدِيلَ أَحَدِ الشَّاهِدَيْنِ صَاحِبَهُ وَفِيهِ اخْتِلَافٌ قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ شَاهِدَانِ شَهِدَ الرَّجُلُ وَالْقَاضِي يُعْرَفُ أَحَدُهُمَا بِالْعَدَالَةِ وَلَا يُعْرَفُ الْآخَرُ فَعَدَّلَهُ الَّذِي   [منحة الخالق] وَتَعْدِيلُ الْخَصْمِ لَا يَصِحُّ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 66 عَرَفَهُ الْقَاضِي بِالْعَدَالَةِ قَالَ نَصِيرٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَقْبَلُ الْقَاضِي تَعْدِيلَهُ وَلِابْنِ سَلَمَةَ فِيهِ قَوْلَانِ وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ الْبَلْخِيّ فِي ثَلَاثَةٍ شَهِدُوا وَالْقَاضِي يَعْرِفُ اثْنَيْنِ مِنْهُمْ بِالْعَدَالَةِ وَلَا يَعْرِفُ الثَّالِثَ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَقْبَلُ تَعْدِيلَهُمَا لَوْ شَهِدَ هَذَا الثَّالِثُ شَهَادَةً أُخْرَى وَلَا يَقْبَلُ تَعْدِيلَهُمَا فِي الشَّهَادَةِ الْأُولَى وَهُوَ كَمَا قَالَ نَصِيرٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - اهـ. وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا عَدَّلَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَبْلَ الشَّهَادَةِ أَوْ بَعْدَهَا كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَيَحْتَاجُ إلَى تَأَمُّلٍ فَإِنَّهُ قَبْلَ الدَّعْوَى لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ كَذِبٌ فِي إنْكَارِهِ وَقْتَ التَّعْدِيلِ وَكَانَ الْفِسْقُ الطَّارِئَ عَلَى الْمُعَدَّلِ قَبْلَ الْقَضَاءِ كَالْمُقَارِنِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَلَا يَسْأَلُ رَجُلًا لَهُ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَلَّسَهُ الْحَاكِمُ وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الشَّاهِدَ إذَا كَانَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَهُوَ مُفْلِسٌ لَا تُقْبَلُ اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ مِنْ دَفْعِ الدَّعَاوَى مَعْزِيًّا إلَى الْأُوزْجَنْدِيِّ إذَا قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَعْدَ الشَّهَادَةِ لِي دَفْعٌ لَا يَكُونُ تَعْدِيلًا لِلشُّهُودِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ بِالطَّعْنِ فِي الشَّاهِدِ اهـ. قُلْتُ: بِخِلَافِ قَوْلِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي جَوَابِ دَعْوَى الْوَكِيلِ بِالدَّيْنِ دَفَعْته إلَى الْمُوَكِّلِ أَوْ أَبْرَأَنِي فَإِنَّهُ يَكُونُ إقْرَارًا بِالْوَكَالَةِ فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ بِالدَّفْعِ إلَى الْوَكِيلِ كَمَا سَيَأْتِي فِيهَا [وَالْوَاحِدُ يَكْفِي لِلتَّزْكِيَةِ وَالرِّسَالَةِ وَالتَّرْجَمَةِ الشَّهَادَةُ] (قَوْلُهُ وَالْوَاحِدُ يَكْفِي لِلتَّزْكِيَةِ وَالرِّسَالَةِ وَالتَّرْجَمَةِ) وَهَذَا عِنْدَهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ إلَّا اثْنَانِ؛ لِأَنَّهُمَا فِي مَعْنَى الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْقَاضِي تَنْبَنِي عَلَى ظُهُورِ الْعَدَالَةِ وَهُوَ بِالتَّزْكِيَةِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَدُ كَالْعَدَالَةِ وَتُشْتَرَطُ الذُّكُورَةُ فِي الْمُزَكَّى فِي الْحُدُودِ وَلَهُمَا أَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى الشَّهَادَةِ وَلِهَذَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ لَفْظُ الشَّهَادَةِ وَمَجْلِسُ الْقَضَاءِ وَاشْتِرَاطُ الْعَدَدِ فِي الشَّهَادَةِ أَمْرٌ تَحَكُّمِيٌّ أَيْ تَعَبُّدِيٌّ فِي الشَّهَادَةِ فَلَا يَتَعَدَّاهَا وَمَحَلُّ الِاخْتِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَرْضَ الْخَصْمُ بِتَزْكِيَةِ وَاحِدٍ فَإِنْ رَضِيَ الْخَصْمُ بِتَزْكِيَةِ وَاحِدٍ فَزَكَّى جَازَ إجْمَاعًا كَذَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَأَطْلَقَ فِي التَّزْكِيَةِ وَالْمُرَادُ تَزْكِيَةُ السِّرِّ وَلَوْ قَالَ الْوَاحِدُ الْعَدْلُ الْمُسْلِمُ لَكَانَ أَوْلَى لِاشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ فِيهَا وَالْإِسْلَامِ فِي الْمُزَكِّي لَوْ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ مُسْلِمًا كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَأَطْلَقَ فِي الْوَاحِدِ فَشَمِلَ الْعَبْدَ وَالْمَرْأَةَ وَالْأَعْمَى وَالْمَحْدُودَ فِي الْقَذْفِ إذَا تَابَ وَالصَّبِيَّ وَأَحَدَ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ وَالْوَالِدَ لِوَلَدِهِ وَعَكْسَهُ وَالْعَبْدَ لِمَوْلَاهُ وَعَكْسَهُ وَخَرَجَ مِنْ كَلَامِهِ تَزْكِيَةُ الشَّاهِدِ بِحَدِّ الزِّنَا فَلَا بُدَّ فِي الْمُزَكِّي فِيهَا مِنْ أَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ وَالْعَدَدِ الْأَرْبَعَةِ إجْمَاعًا وَلَمْ أَرَ الْآنَ حُكْمَ تَزْكِيَةِ الشَّاهِدِ بِبَقِيَّةِ الْحُدُودِ وَمُقْتَضَى مَا قَالُوهُ اشْتِرَاطُ رَجُلَيْنِ لَهَا. وَقَيَّدْنَا بِالتَّزْكِيَةِ السِّرَّ احْتِرَازًا عَنْ تَزْكِيَةِ الْعَلَانِيَةِ فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ لَهَا جَمِيعُ مَا يُشْتَرَطُ فِي الشَّهَادَةِ مِنْ الْحُرِّيَّةِ وَالْبَصَرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ إلَّا لَفْظَ الشَّهَادَةِ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ مَعْنَى الشَّهَادَةِ فِيهَا أَظْهَرُ فَإِنَّهَا تَخْتَصُّ بِمَجْلِسِ الْقَضَاءِ وَكَذَا يُشْتَرَطُ الْعَدَدُ فِيهَا عَلَى مَا قَالَهُ الْخَصَّافُ وَأَطْلَقَ فِي الرِّسَالَةِ فَشَمِلَ رَسُولَ الْقَاضِي إلَى الْمُزَكِّي وَرَسُولَ الْمُزَكِّي إلَى الْقَاضِي كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ لَا الْأَوَّلَ كَمَا زَعَمَهُ الشَّارِحُ وَأَطْلَقَ فِي التَّرْجَمَةِ فَشَمِلَ الْمُتَرْجِمَ عَنْ الشُّهُودِ أَوْ عَنْ الْمُدَّعِي أَوْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا الْأَوَّلَ كَمَا تَوَهَّمَهُ الشَّارِحُ قَالُوا وَالْأَحْوَطُ فِي الْكُلِّ اثْنَانِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَلَا يُعْلِمُهُ أَنَّهُ يَسْأَلُ عَنْهُ وَعَلَّلَهُ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ بِأَنَّهُ إذَا أَعْلَمَهُ رُبَّمَا خَدَعَ الْمُزَكِّيَ أَوْ أَخَافَهُ وَلَا يُعْلِمُهُ أَنَّهُ سَأَلَ عَنْهُ سِرًّا إنَّمَا يَطْلُبُ مِنْهُ تَزْكِيَةَ الْعَلَانِيَةِ وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَخْتَارَ فِي الْمَسْأَلَةِ عَنْ الشُّهُودِ مَنْ هُوَ أَخْبَرُ بِأَحْوَالِ النَّاسِ وَأَكْثَرُهُمْ اخْتِلَاطًا بِالنَّاسِ مَعَ عَدَالَتِهِ عَارِفًا بِمَا لَا يَكُونُ جَرْحًا وَمَا يَكُونُ جَرْحًا غَيْرَ طَمَّاعٍ وَلَا فَقِيرٍ كَيْ لَا يُخْدَعَ بِالْمَالِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي جِيرَانِهِ وَلَا أَهْلِ سُوقِهِ مَنْ يَثِقُ بِهِ سَأَلَ أَهْلَ مَحَلَّتِهِ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ فِيهِمْ ثِقَةً اعْتَبَرَ فِيهِمْ تَوَاتُرَ الْأَخْبَارِ كَذَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَخَصَّ فِي الْبَزَّازِيَّةِ لِسُؤَالٍ مِنْ الْأَصْدِقَاءِ وَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ بِقَبُولِ قَوْلِ الْوَاحِدِ فِي التَّزْكِيَةِ إلَى قَبُولِ قَوْلِهِ فِي الْجَرْحِ وَسَيَأْتِي وَلَيْسَ مُرَادُ الْمُؤَلِّفِ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ فِي جَمِيعِ الْوُجُوهِ وَإِنَّمَا مُرَادُهُ التَّسْوِيَةُ فِي الِاكْتِفَاءِ بِالْوَاحِدِ وَبَيْنَ التَّزْكِيَةِ وَالتَّرْجَمَةِ فَرْقٌ فَإِنَّ التُّرْجُمَانَ لَوْ كَانَ أَعْمَى لَا يَجُوزُ عِنْدَ الْإِمَامِ وَيَجُوزُ عِنْدَ الثَّانِي وَقَدَّمْنَا أَنَّ تَزْكِيَةَ الْأَعْمَى جَائِزَةٌ وَلَا يَكُونُ الْمُتَرْجِمُ امْرَأَةً كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْخِزَانَةِ وَتَصْلُحُ لِلتَّزْكِيَةِ وَشَرَطَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ فِي الْمُتَرْجِمِ عَنْ الشَّاهِدِ أَنْ يَكُونَ الشَّاهِدُ أَعْجَمِيًّا وَعَنْ الْخَصْمِ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ فَظَاهِرُهُ أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا كَانَ عَارِفًا بِلِسَانِ الشَّاهِدِ وَالْخَصْمِ لَمْ تَجُزْ تَرْجَمَةُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَأَطْلَقَ فِي الْوَاحِدِ فَشَمِلَ الْعَبْدَ وَالْمَرْأَةَ وَالْأَعْمَى) سَيَأْتِي بِذِكْرِ أَنَّ الْمَرْأَةَ وَالْأَعْمَى لَا تَجُوزُ تَرْجَمَتُهُمَا فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ الْإِطْلَاقُ بِالنِّسْبَةِ لِلتَّزْكِيَةِ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 67 الْوَاحِدِ وَفِي الْمِصْبَاحِ تَرْجَمَ فُلَانٌ كَلَامَهُ إذَا بَيَّنَهُ وَأَوْضَحَهُ وَتَرْجَمَ كَلَامَ غَيْرِهِ إذَا عَبَّرَ عَنْهُ بِلُغَةٍ غَيْرِ لُغَةِ الْمُتَكَلِّمِ وَاسْمُ الْفَاعِلِ تُرْجُمَانٌ وَفِيهِ لُغَاتٌ أَجْوَدُهَا فَتْحُ التَّاءِ وَضَمُّ الْجِيمِ وَالثَّانِيَةُ ضَمُّهُمَا مَعًا وَتُجْعَلُ التَّاءُ تَابِعَةً لِلْجِيمِ وَالثَّالِثَةُ فَتْحُهُمَا بِجَعْلِ الْجِيمِ تَابِعَةً لِلتَّاءِ وَالْجَمْعُ تَرَاجِمُ اهـ. وَالتَّزْكِيَةُ الْمَدْحُ قَالَ فِي الصِّحَاحِ زَكَّى نَفْسَهُ تَزْكِيَةً مَدَحَهَا. اهـ. (تَنْبِيهٌ) يُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِ أَوَّلًا وَسَأَلَ عَنْ الشُّهُودِ أَرْبَعَةُ شُهُودٍ لَا يَسْأَلُ الْقَاضِي عَنْهُمْ قَالَ الْخَصَّافُ فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ قَالَ إسْمَاعِيلُ بْنُ حَمَّادٍ أَرْبَعَةٌ مِنْ الشُّهُودِ لَا أَسْأَلُ عَنْهُمْ شَاهِدُ رَدِّ الطِّينَةِ وَشَاهِدُ تَعْدِيلِ الْعَلَانِيَةِ وَشَاهِدُ الْغَرِيبِ لِيَدْعُوَهُ الْقَاضِي عَلَى غَيْرِ قُرْعَةٍ وَشَاهِدُ الْعَدَوِيِّ وَشَرَحَهَا فِي شَرْحَيْ مَنْظُومَةِ ابْنِ وَهْبَانَ مِنْ أَوَّلِ الشَّهَادَاتِ وَإِسْمَاعِيلُ هَذَا هُوَ حَفِيدُ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْأَئِمَّةِ أَخَذَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَزَاحَمَهُ فِي الْعِلْمِ وَلَوْ عَمَّرَ لَفَاقَ الْمُتَقَدِّمِينَ وَلَكِنَّهُ مَاتَ شَابًّا قُلْتُ: فَيَحْتَاجُ هُنَا إلَى فَهْمِ قَوْلِهِمْ لَا بُدَّ مِنْ الْعَدَالَةِ فِي الْمُزَكِّي فَإِنَّهُ لَا يَسْأَلُ عَنْهُ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْمُزَكِّي الْعَدْلَ مَنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِهَا عِنْدَ الْقَاضِي فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا بِهَا لَمْ يَسْأَلْ عَنْهُ فَلَا يَقْبَلُ تَزْكِيَتَهُ كَمَا لَا يَخْفَى وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ عَدَالَةُ الْمُزَكِّي كَمَا فَهِمَهُ الْعَلَّامَةُ ابْنُ الشِّحْنَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا لِلِاحْتِيَاطِ لِلِاكْتِفَاءِ بِتَزْكِيَةِ السِّرِّ لِتَصْرِيحِ الْكُلِّ بِاشْتِرَاطِ عَدَالَةِ الْمُزَكِّي خُصُوصًا فِي تَزْكِيَةِ الْعَلَانِيَةِ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ مَا فَهِمْنَاهُ عَنْهُمْ وَلَمَّا نَظَرَ إلَى أَنَّ عَدَمَ السُّؤَالِ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ لِأَجْلِ الِاكْتِفَاءِ بِالْمَسْتُورِ ظَنَّ أَنَّ الْمُزَكِّيَ كَذَلِكَ وَلَيْسَ كَمَا ظَنَّهُ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ التَّصْرِيحِ عَنْهُمْ وَإِنْ كَانَ مَا فَهِمَهُ هُوَ الْمُرَادُ فَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي إسْمَاعِيلُ ضَعِيفٌ لِنَقْلِ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ تَزْكِيَةَ الْعَلَانِيَةِ كَالشَّهَادَةِ أَوْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا تَقَدَّمَتْ التَّزْكِيَةُ سِرًّا وَهُوَ الظَّاهِرُ. (تَنْبِيهٌ) ذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْأَوْلَى كَوْنُ الْقَاضِي عَارِفًا بِاللُّغَةِ التُّرْكِيَّةِ وَرَدَّهُ الطَّرَسُوسِيُّ وَأَطَالَ فِي فَوَائِدِهِ وَرَدَّ عَلَيْهِ ابْنُ وَهْبَانَ فِي شَرْحِهِ وَمَنْ أَرَادَ الِاطِّلَاعَ عَلَى ذَلِكَ فَلْيَنْظُرْ فِيهِ وَقَدْ تَرَكْته؛ لِأَنَّهُ لَا طَائِلَ تَحْتَهُ حَتَّى قَالَ ابْنُ وَهْبَانَ وَلَوْلَا قَصْدُ مُنَاقَشَةِ الطَّرَسُوسِيِّ لَمَا تَكَلَّمْت عَلَى ذَلِكَ. (تَنْبِيهٌ آخَرُ) قَبُولُ قَوْلِ الْوَاحِدِ لَا يَنْحَصِرُ فِي الثَّلَاثِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْكِتَابِ بَلْ ذَكَرَ ابْنُ وَهْبَانَ أَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ فِي إحْدَى عَشْرَةَ مَسْأَلَةً وَالرَّابِعَةُ التَّقْوِيمُ لِلْمُتْلَفَاتِ لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ خِيَارِ الْعَيْبِ أَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى تَقْوِيمِ عَدْلَيْنِ لِمَعْرِفَةِ النُّقْصَانِ فَيَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ التَّقْوِيمَيْنِ الْخَامِسَةُ الْجَرْحُ وَقَدَّمْنَاهُ السَّادِسَةُ تَقْدِيرُ الْأَرْشِ السَّابِعَةُ اخْتَلَفَا فِي صِفَةِ الْمُسْلَمِ فِيهِ بَعْدَ إحْضَارِهِ الثَّامِنَةُ الْإِخْبَارُ بِفَلَسِ الْمَحْبُوسِ لِإِطْلَاقِهِ التَّاسِعَةُ الْإِخْبَارُ بِعَيْبِ الْمَبِيعِ الْعَاشِرَةُ الْإِخْبَارُ بِرُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ الْحَادِيَ عَشَرَ الْإِخْبَارُ بِالْمَوْتِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِحَاصِرٍ؛ لِأَنَّ مَا كَانَ مِنْ الدِّيَانَاتِ يُقْبَلُ فِيهِ قَوْلُ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ كَطَهَارَةِ الْمَاءِ وَنَجَاسَتِهِ وَحِلِّ الطَّعَامِ وَحُرْمَتِهِ وَلَا يَخْتَصُّ بِرُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ وَأَيْضًا يُقْبَلُ قَوْلُ الْعَدْلِ فِي عَزْلِ الْوَكِيلِ وَحَجْرِ الْمَأْذُونِ وَإِخْبَارِ الْبِكْرِ بِإِنْكَاحِ وَلِيِّهَا وَإِخْبَارِ الشَّفِيعِ بِالْبَيْعِ وَالْمُسْلِمِ الَّذِي لَمْ يُهَاجِرْ وَنَحْوِهَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ اشْتِرَاطِ أَحَدِ شَطْرَيْ الشَّهَادَةِ أَمَّا الْعَدَدُ أَوْ الْعَدَالَةُ إلَّا أَنْ يُقَالَ أَنَّهُمْ إنَّمَا لَمْ يَذْكُرُوهَا مَعَهَا؛ لِأَنَّ الْعَدْلَ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِجَوَازِ الْعَمَلِ بِهِ بِمَسْتُورِينَ وَالْكَلَامُ فِيمَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَالَةُ حَتَّى لَا يُقْبَلُ خَبَرُ مَسْتُورِينَ فِي الْمَوَاضِعِ الْأَحَدَ عَشَرَ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ يُسْتَثْنَى مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِوَاحِدٍ فِي التَّقْوِيمِ تَقْوِيمُ نِصَابِ السَّرِقَةِ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ اثْنَيْنِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ (قَوْلُهُ وَلَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِمَا سَمِعَ أَوْ رَأَى فِي مِثْلِ الْبَيْعِ وَالْإِقْرَارِ وَحُكْمِ الْحَاكِمِ وَالْغَصْبِ وَالْقَتْلِ وَإِنْ لَمْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ عَلِمَ مَا هُوَ الْمُوجِبُ بِنَفْسِهِ وَهُوَ الشَّرْطُ وَقَوْلُهُ كَالْبَيْعِ مِثَالٌ لَهُمَا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ شَرَحَهَا فِي شَرْحَيْ مَنْظُومَةِ ابْنِ وَهْبَانَ) أَيْ فِي شَرْحِهَا لِمُصَنِّفِهَا وَشَرْحِهَا لِابْنِ الشِّحْنَةِ وَعِبَارَةُ الثَّانِي فَشَاهِدُ الْغَرِيبِ هُوَ أَنْ يَجْتَمِعَ الْخُصُومُ بِبَابِ الْقَاضِي وَمِنْهُمْ شَخْصٌ يَدَّعِي الْغُرْبَةَ وَالْغُرْمَ عَلَى السَّفَرِ وَفَوْتَ الرِّفَاقِ بِالتَّأَخُّرِ وَيَطْلُبُ تَقْدِيمَهُ لِذَلِكَ فَلَا تُقْبَلُ مِنْهُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ عَلَى ذَلِكَ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَزْكِيَتِهِمَا لِتَحَقُّقِ الْفَوْتِ بِطُولِ الْمُدَّةِ بِالتَّزْكِيَةِ وَالْعَدْوَى هُوَ مَا لَوْ سَمَّى شَخْصًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمِصْرِ أَكْثَرُ مِنْ يَوْمٍ وَلَهُ عَلَيْهِ دَعْوَى لَا يُرْسِلُ الْقَاضِي خَلْفَهُ حَتَّى يُقِيمَ بَيِّنَةً بِالْحَقِّ الَّذِي يَدَّعِيهِ وَلَا يَشْرِطُ تَعْدِيلَهُمَا وَنُقِلَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ اشْتَرَطَ تَعْدِيلَ هَذَيْنِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِلْزَامِ عَلَى الْغَيْرِ وَكُلَّمَا كَانَ كَذَلِكَ سَبِيلُهُ التَّعْدِيلُ وَإِلَيْهِ مَالَ الْحَلْوَانِيُّ وَقَالَ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ وَأَمَّا شَاهِدُ رَدِّ الطِّينَةِ فَهُوَ مَا لَوْ ادَّعَى عَلَى شَخْصٍ لَيْسَ بِحَاضِرٍ مَعَهُ بِحَقٍّ وَذَكَرَ أَنَّهُ امْتَنَعَ مِنْ الْحُضُورِ مَعَهُ أَعْطَاهُ الْقَاضِي طِينَةً أَوْ خَاتَمًا وَقَالَ أَرِهِ إيَّاهُ وَادْعُهُ إلَيَّ وَأَشْهِدْ عَلَيْهِ فَإِنْ أَرَاهُ ذَلِكَ وَقَالَ لَا أَحْضُرُ وَشَهِدَ عِنْدَ الْقَاضِي بِذَلِكَ مَسْتُورَانِ لَا يَسْأَلُ عَنْهُمَا قَالُوا وَفِيمَا نُقِلَ عَنْ مُحَمَّدٍ إشَارَةٌ إلَى تَعْدِيلِهِمَا حَيْثُ قَيَّدَ بِمَا فِيهِ إلْزَامٌ عَلَى الْغَيْرِ وَقَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ أَنَّ عَدَمَ التَّعْدِيلِ أَنْظَرُ لِلنَّاسِ وَبِهِ نَأْخُذُ لِخَوْفِ اخْتِفَاءِ الْخَصْمِ مَخَافَةَ الْعُقُوبَةِ فَإِذَا شَهِدَا كَتَبَ إلَى الْوَالِي فِي إحْضَارِهِ، وَأَمَّا شَاهِدَا تَعْدِيلِ الْعَلَانِيَةِ فَلَا تُشْتَرَطُ تَزْكِيَتُهُمَا ظَاهِرًا بَعْدَ سُؤَالِ الْقَاضِي عَنْ الشُّهُودِ الْمَطْلُوبِ تَعْدِيلُهُمْ فِي السِّرِّ بِمَنْ يَثِقُ بِهِ مِنْ أُمَنَائِهِ وَأَخْبَرَهُ بِعَدَالَتِهِمْ وَلَا بُدَّ مِنْ الْمُغَايَرَةِ بَيْنَ شُهُودِ السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ وَإِنَّمَا لَمْ تُشْتَرَطْ عَدَالَتُهُمْ؛ لِأَنَّهَا لِلِاحْتِيَاطِ إجَابَةً لِلْمُدَّعِي إلَى مَا طَلَبَ اهـ. مُلَخَّصًا. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 68 فَإِنَّهُ إنْ عَقَدَاهُ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ كَانَ مِنْ الْمَسْمُوعِ وَأَنَّ بِالتَّعَاطِي فَهُوَ مِنْ الْمَرْئِيَّاتِ وَاخْتَلَفُوا هَلْ يَشْهَدُ بِالْبَيْعِ أَوْ بِالْأَخْذِ وَالْإِعْطَاءِ لِكَوْنِهِ بَيْعًا حُكْمِيًّا لَا حَقِيقِيًّا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ لَكِنَّ مُرَادَ الثَّانِي أَنَّهُ يَجُوزُ كُلٌّ مِنْهُمَا لَا أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ الشَّهَادَةُ بِالتَّعَاطِي لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَفِي بَيْعِ التَّعَاطِي يَشْهَدُونَ بِالْأَخْذِ وَالْإِعْطَاءِ وَلَوْ شَهِدُوا بِالْبَيْعِ جَازَ. اهـ. وَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ الثَّمَنِ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِالشِّرَاءِ بِثَمَنٍ مَجْهُولٍ لَا يَصِحُّ كَمَا فِي شَهَادَاتِ الْبَزَّازِيَّةِ وَفِي الْخُلَاصَةِ رَجُلٌ حَضَرَ بَيْعًا ثُمَّ اُحْتِيجَ إلَى الشَّهَادَةِ لِلْمُشْتَرِي لِيَشْهَدَ لَهُ بِالْمِلْكِ بِسَبَبِ الشِّرَاءِ وَلَا يَشْهَدُ لَهُ بِالْمِلْكِ الْمُطْلَقِ قَالَ وَرَأَيْت فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّهُ يَحِلُّ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّ الْمِلْكَ الْمُطْلَقَ مِلْكٌ مِنْ الْأَصْلِ وَالْمِلْكُ بِالشِّرَاءِ حَادِثٌ. اهـ. وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ إلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَعْلَمَ الْمُقِرُّ بِالشَّاهِدِ بِالْأَوْلَى فَلَوْ اخْتَفَى الشَّاهِدُ وَسَتَرَ نَفْسَهُ وَيَرَى وَجْهَ الْمُقِرِّ وَيَفْهَمُهُ وَالْمُقِرُّ لَا يَعْلَمُهُ وَسِعَهُ أَنْ يَشْهَدَ وَهَكَذَا يَفْعَلُ بِالظَّلَمَةِ كَمَا فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ بِمَا سَمِعَ إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ عِلْمِ الشَّاهِدِ بِمَا يَشْهَدُ بِهِ وَلِهَذَا قَالَ فِي النَّوَازِلِ سُئِلَ أَبُو الْقَاسِمِ عَنْ رَجُلٍ ادَّعَى عَلَى وَرَثَةِ مَيِّتٍ مَالًا فَأُمِرَ بِإِثْبَاتِ ذَلِكَ فَأَحْضَرَ شَاهِدَيْنِ فَشَهِدَا أَنَّ الْمُتَوَفَّى قَدْ أَخَذَ مِنْ هَذَا الْمُدَّعِي مِنْدِيلًا فِيهِ دَرَاهِمُ وَلَمْ يَعْلَمَا كَمْ وَزْنِهَا أَتَجُوزُ شَهَادَتُهُمَا وَهَلْ يَجُوزُ لِلشَّاهِدَيْنِ أَنْ يَشْهَدَا بِذَلِكَ قَالَ إنْ كَانَ الشُّهُودُ وَقَفُوا عَلَى تِلْكَ الصُّرَّةِ وَفَهِمُوا أَنَّهَا دَرَاهِمُ وَحَرَّرُوهَا فِيمَا يَقَعُ عَلَيْهِ تَعْيِينُهُمْ مِنْ مِقْدَارِهَا شَهِدُوا بِذَلِكَ وَيَنْبَغِي أَنْ يَعْتَبِرَا جَوْدَتَهَا فَإِنَّهَا قَدْ تَكُونُ سُتُّوقًا فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ جَازَتْ شَهَادَتُهُمْ اهـ. وَفِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ رَجُلٌ فِي يَدِهِ دِرْهَمَانِ كَبِيرٌ وَصَغِيرٌ فَأَقَرَّ بِأَحَدِهِمَا لِرَجُلٍ فَشَهِدَا أَنَّهُ أَقَرَّ بِأَحَدِهِمَا وَلَا نَدْرِي بِأَيِّهِمَا أَقَرَّ فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ بِتَسْلِيمِ الصَّغِيرِ اهـ. وَالْإِقْرَارُ يَصِحُّ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ مِثَالًا لَهُمَا أَمَّا كَوْنُهُ مِنْ الْمَسْمُوعَاتِ فَظَاهِرٌ،. وَأَمَّا كَوْنُهُ مِنْ الْمَرْئِيَّاتِ فَبِالْكِتَابِ لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ كِتَابِ الْإِقْرَارِ كَتَبَ كِتَابًا فِيهِ أَقَرَّ بَيْنَ يَدَيْ الشُّهُودِ فَهَذَا عَلَى أَقْسَامٍ الْأَوَّلِ أَنْ يَكْتُبَ وَلَا يَقُولَ شَيْئًا وَأَنَّهُ لَا يَكُونُ إقْرَارًا فَلَا تَحِلُّ الشَّهَادَةُ بِأَنَّهُ إقْرَارٌ قَالَ الْقَاضِي النَّسَفِيُّ إنْ كَتَبَ مَصْدَرًا مَرْسُومًا وَعَلِمَ الشَّاهِدُ حَلَّ لَهُ الشَّهَادَةُ عَلَى إقْرَارِهِ كَمَا لَوْ أَقَرَّ كَذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ اشْهَدْ عَلَيَّ بِهِ وَعَلَى هَذَا إذَا كَتَبَ لِلْغَائِبِ عَلَى وَجْهِ الرِّسَالَةِ أَمَّا بَعْدُ فَلَكَ عَلَيَّ كَذَا يَكُونُ إقْرَارًا؛ لِأَنَّ الْكِتَابَ مِنْ الْغَائِبِ كَالْخِطَابِ مِنْ الْحَاضِرِ فَيَكُونُ مُتَكَلِّمًا وَالْعَامَّةُ عَلَى خِلَافِهِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ قَدْ تَكُونُ لِلتَّجْرِبَةِ وَفِي حَقِّ الْأَخْرَسِ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مُعَنْوَنًا مُصَدَّرًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَى الْغَائِبِ الثَّانِي كَتَبَ وَقَرَأَ عِنْدَ الشُّهُودِ لَهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا بِهِ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ اشْهَدُوا عَلَيَّ الثَّالِثُ أَنْ يَقْرَأَ هَذَا عِنْدَهُمْ غَيْرُهُ فَيَقُولَ الْكَاتِبُ اشْهَدُوا عَلَيَّ بِهِ الرَّابِعُ أَنْ يَكْتُبَ عِنْدَهُمْ وَيَقُولَ اشْهَدُوا عَلَيَّ بِمَا فِيهِ إنْ عَلِمُوا بِمَا فِيهِ كَانَ إقْرَارًا وَإِلَّا فَلَا وَذَكَرَ الْقَاضِي ادَّعَى عَلَيْهِ مَالًا فَأَخْرَجَ خَطًّا وَقَالَ أَنَّهُ خَطُّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِهَذَا الْمَالِ فَأَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ خَطُّهُ فَاسْتُكْتِبَ وَكَانَ بَيْنَ الْخَطَّيْنِ مُشَابَهَةٌ ظَاهِرَةٌ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّهُمَا خَطُّ كَاتِبٍ وَاحِدٍ لَا يَحْكُمُ عَلَيْهِ بِالْمَالِ فِي الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى أَنْ يَقُولَ هَذَا خَطِّي وَأَنَا حَرَّرْته لَكِنْ لَيْسَ عَلَى هَذَا الْمَالِ وَثَمَّةَ لَا يَجِبُ كَذَا هُنَا إلَّا فِي تَذَاكِرِ الْبَاعَةِ وَالصَّرَّافِ وَالسِّمْسَارِ. اهـ. ذَكَرَهُ أَيْضًا وَفِيهَا أَيْضًا مِنْ أَوَّلِ الشَّهَادَاتِ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا فَلْيُنْظَرْ وَقَدْ أَوْضَحَ ابْنُ وَهْبَانَ فِي شَرْحِهِ مَسْأَلَةَ خَطِّ السِّمْسَارِ وَالصَّرَّافِ فَلْيُرَاجِعْهُ مَنْ أَرَادَهَا وَسَنَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَحَلِّهَا وَالنِّكَاحُ لَا يَكُونُ إلَّا قَوْلًا وَكَذَا لَوْ ادَّعَى التَّزَوُّجَ فَشَهِدَا لَهُ بِأَنَّهَا زَوْجَتُهُ تُقْبَلُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالْإِجَارَةُ كَالْبَيْعِ وَتَنْعَقِدُ بِالْقَوْلِ وَبِالتَّعَاطِي وَالْوَقْفُ قَوْلٌ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الشَّهَادَةِ بِهِ بَيَانُ الْوَاقِفِ عَلَى الصَّحِيحِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي وَقْفِ الْبَزَّازِيَّةِ وَشَرْطُهُ لِقَبُولِهَا فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا شَهِدَ بِالْبَيْعِ فَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ غَيْرِ الْبَائِعِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَشْهَدَ بِمِلْكِ الْبَائِعِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِي يَدِهِ، وَأَمَّا الشَّهَادَةُ بِالْإِجَارَةِ فَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَشْهَدُوا بِأَنَّ الْعَيْنَ الْمُؤَجَّرَةَ مِلْكُ الْمُؤَجِّرِ وَالْفَرْقُ أَنَّ إجَارَةَ الْغَاصِبِ الْمَغْصُوبَ صَحِيحَةٌ بِلَا إذْنِ الْمَالِكِ وَيَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ كَذَا فِي دَعْوَى الْبَزَّازِيَّةِ وَكَذَا فِي الشَّهَادَةِ بِالشِّرَاءِ وَالْقَبْضِ وَكَذَا الْهِبَةُ مَعَ الْقَبْضِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ الثَّمَنِ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الشِّرَاءِ إلَخْ) سَيَذْكُرُ الْمَسْأَلَةَ أَيْضًا فِي آخِرِ بَابِ الِاخْتِلَافِ فِي الشَّهَادَةِ عِنْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ وَمَنْ شَهِدَ لِرَجُلٍ أَنَّهُ اشْتَرَى عَبْدَ فُلَانٍ بِأَلْفٍ إلَخْ وَيَأْتِي بَسْطُ الْكَلَامِ عَلَيْهَا هُنَاكَ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا كَوْنُهُ مِنْ الْمَرْئِيَّاتِ فَبِالْكِتَابَةِ إلَخْ) أَيْ بِنَاءً عَلَى مَا قَالَهُ النَّسَفِيُّ وَهُوَ خِلَافُ مَا عَلَيْهِ الْعَامَّةُ نَعَمْ أَفْتَى بِهِ الشَّيْخُ سِرَاجُ الدِّينِ قَارِئُ الْهِدَايَةِ إذَا كَانَ عَلَى رَسْمِ الصُّكُوك وَاعْتَرَفَ بِأَنَّهُ خَطُّهُ أَوْ شَهِدُوا عَلَيْهِ بِهِ وَقَدْ شَاهَدُوا كِتَابَتَهُ وَعَرَفُوا مَا كَتَبَهُ أَوْ قَرَأَهُ عَلَيْهِمْ هَذَا حَاصِلُ مَا أَجَابَ بِهِ فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْ فَتَاوَاهُ (قَوْلُهُ إلَّا فِي تَذَاكِرِ الْبَاعَةِ) رَأَيْت فِي هَامِشِ نُسْخَةٍ قَوْلَهُ يَا رَكَّارُ بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ تَحْتٍ وَالرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ آخِرُهَا رَاءٌ مُرَكَّبٌ مَعْنَاهُ الْمُذَكَّرُ وَهُوَ هُنَا الدَّفْتَرُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 69 لَا يَحْتَاجَانِ إلَى الشَّهَادَةِ بِالْمِلْكِ لِلْبَائِعِ وَالْوَاهِبِ كَذَا فِي الصُّغْرَى. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمْ إذَا شَهِدُوا بِالشِّرَاءِ لِمُدَّعِيهِ فَلَا بُدَّ مِنْ الشَّهَادَةِ بِمِلْكِ الْمُدَّعِي أَوْ الْبَائِعِ أَوْ يَدِ الْبَائِعِ أَوْ أَنَّ الْبَائِعَ سَلَّمَهَا لِلْمُشْتَرِي وَفِي الشَّهَادَةِ بِالْبَيْعِ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ مِلْكِ الْبَائِعِ أَوْ يَدِهِ وَهَذَا إذَا شَهِدُوا بِالْبَيْعِ عَلَى غَيْرِ الْبَائِعِ فَلَوْ شَهِدُوا بِهِ عَلَيْهِ لَمْ يُشْتَرَطْ شَيْءٌ مِنْهُمَا كَمَا فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي وَيُشْتَرَطُ فِي الشَّهَادَةِ بِالْإِقْرَارِ رُؤْيَةُ الْمُقِرِّ لِمَا فِي شَهَادَاتِ الْبَزَّازِيَّةِ وَذَكَرَ الْخَصَّافُ رَجُلٌ فِي بَيْتٍ وَحْدَهُ وَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ وَرَآهُ ثُمَّ خَرَجَ وَجَلَسَ عَلَى الْبَابِ وَلَيْسَ لِلْبَيْتِ مَسْلَكٌ غَيْرُهُ فَسَمِعَ إقْرَارَهُ مِنْ الْبَابِ بِلَا رُؤْيَةِ وَجْهِهِ حَلَّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِمَا أَقَرَّ وَفِي الْعُيُونِ رَجُلٌ خَبَّأَ قَوْمًا لِرَجُلٍ ثُمَّ سَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ فَأَقَرُّوهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَهُ وَيَرَوْنَهُ وَهُوَ لَا يَرَاهُمْ جَازَتْ شَهَادَتُهُمْ وَإِنْ لَمْ يَرَوْهُ وَسَمِعُوا كَلَامَهُ لَا تَحِلُّ لَهُمْ الشَّهَادَةُ اهـ. وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ شَرَطَ رُؤْيَةَ وَجْهِ الْمَرْأَةِ وَرَأَيْت الْإِمَامَ خَالِي أَمَرَهَا بِكَشْفِ الْوَجْهِ وَأَمَرَهَا بِالْخُرُوجِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْعُيُونِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ حَسِرَتْ عَنْ وَجْهِهَا وَقَالَتْ أَنَا فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ وَهَبْت لِزَوْجِي مَهْرِي فَلَا يَحْتَاجُ الشُّهُودُ إلَى شَهَادَةِ عَدْلَيْنِ أَنَّهَا فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانٍ مَا دَامَتْ حَيَّةً إذْ يُمْكِنُ الشَّاهِدُ أَنْ يُشِيرَ إلَيْهَا فَإِنْ مَاتَتْ فَحِينَئِذٍ يَحْتَاجُ الشُّهُودُ إلَى شَهَادَةِ عَدْلَيْنِ بِنَسَبِهَا وَقَالَ قَبْلَهُ لَوْ أَخْبَرَ الشَّاهِدُ عَدْلَانِ أَنَّ هَذِهِ الْمُقِرَّةَ فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانٍ يَكْفِي هَذَا لِلشَّهَادَةِ عَلَى الِاسْمِ وَالنَّسَبِ عِنْدَهُمَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى أَلَا يُرَى أَنَّهُمَا لَوْ شَهِدَا عِنْدَ الْقَاضِي يَقْضِي بِشَهَادَتِهِمَا وَالْقَضَاءُ فَوْقَ الشَّهَادَةِ فَتَجُوزُ الشَّهَادَةُ بِإِخْبَارِهِمَا بِالطَّرِيقِ الْأُولَى فَإِنْ عَرَفَهُمَا بِاسْمِهِمَا وَنَسَبِهِمَا عَدْلَانِ يَنْبَغِي لِلْعَدْلَيْنِ أَنْ يُشْهِدَا الْفَرْعَ عَلَى شَهَادَتِهِمَا فَيَشْهَدُ عِنْدَ الْقَاضِي عَلَيْهَا بِالِاسْمِ وَالنَّسَبِ وَبِالْحَقِّ أَصَالَةً اهـ. وَأَمَّا حُكْمُ الْحَاكِمِ فَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مِنْ قَبِيلِ الْمَسْمُوعِ بِأَنْ كَانَ بِالْقَوْلِ وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْمَرْئِيَّاتِ إنْ كَانَ فِعْلًا عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ، وَأَمَّا الْغَصْبُ وَالْقَتْلُ فَلَا يَكُونَانِ إلَّا مِنْ الْمَرْئِيَّاتِ وَمَنْ قَصَرَ الْبَيْعَ وَالْإِقْرَارَ وَالْحُكْمَ عَلَى الْمَرْئِيَّاتِ فَقَدْ قَصَرَ وَالتَّحْقِيقُ مَا أَسْمَعْتُك وَلَوْ قَالَ الْمُؤَلِّفُ وَلَوْ قَالَ لَهُ لَا تَشْهَدُ عَلَيَّ بَدَلَ قَوْلِهِ وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ لَكَانَ أَفْوَدَ لِمَا فِي الْخُلَاصَةِ لَوْ قَالَ الْمُقِرُّ لَا تَشْهَدُ عَلَيَّ بِمَا سَمِعْت تَسَعُهُ الشَّهَادَةُ اهـ فَيَعْلَمُ حُكْمَ مَا إذَا سَكَتَ بِالْأَوْلَى وَإِذَا سَكَتَ يَشْهَدُ بِمَا عَلِمَ وَلَا يَقُولُ أَشْهَدَنِي لِأَنَّهُ كَذِبٌ وَفِي النَّوَازِلِ سُئِلَ مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ عَنْ شَرِيكَيْنِ يَتَحَاسَبَانِ وَعِنْدَهُمَا قَوْمٌ وَقَالَا لَا تَشْهَدُوا عَلَيْنَا بِمَا تَسْمَعُونَهُ مِنَّا ثُمَّ أَقَرَّ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ بِشِرَاءٍ أَوْ بَاعَ شَيْئًا فَطَلَبَ الْمُقَرُّ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْهُمْ الشَّهَادَةَ قَالَ يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا بِذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، وَأَمَّا الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ فَإِنَّهُمَا يَقُولَانِ لَا يَشْهَدُونَ بِهِ قَالَ الْفَقِيهُ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا وَبِهِ نَأْخُذُ اهـ. ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ قَالَ الْفَقِيهُ إنْ كَانَ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ إذَا أَقَرَّ بِشَيْءٍ صُدِّقَ وَادَّعَى أَنَّ شَرِيكَهُ قَبَضَ لَا يُصَدِّقُهُ يَقُولُ لِلْمُتَوَسِّطِ اجْعَلْ كَانَ هَذَا الْمَالُ عَلَى غَيْرِي وَأَنَا أُعَبِّرُ عَنْهُ ثُمَّ يَقُولُ قَبَضَ كَذَا وَكَذَا فَيُبَيِّنُ الْجَمِيعَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُضِيفَ إلَى نَفْسِهِ كَيْ لَا يَصِيرَ حُجَّةً عَلَيْهِ اهـ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُقِرَّ إذَا قَالَ لِلشَّاهِدِ لَا تَشْهَدُ عَلَيَّ بِمَا سَمِعْته فَلَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ إلَّا إذَا قَالَ لَهُ الْمُدَّعِي لَا تَشْهَدْ عَلَيْهِ ذَكَرَهُ فِي حِيَلِ التَّتَارْخَانِيَّة مِنْ حِيَلِ الْمُدَايَنَاتِ مَعْزِيًّا إلَى الْخَصَّافِ حَمْلًا عَلَى أَنَّهُ مُبْطِلٌ فِي دَعْوَاهُ لَكِنْ نَقَلَ بَعْدَهُ الِاخْتِلَافَ فِيمَا لَوْ جَاءَ الْمُدَّعِي بَعْدَ النَّهْيِ وَطَلَبَ مِنْ الشَّاهِدِ الشَّهَادَةَ فَلْيُرَاجَعْ (تَنْبِيهٌ) مِنْ الْفَتَاوَى الصُّغْرَى مِنْ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي إذَا كَتَبَ الْكَاتِبُ مَحْضَرَ امْرَأَةٍ وَأَرَادَ أَنْ يُحَلِّيَهَا فَإِنَّهُ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتْرُكَ مَوْضِعَ تَحْلِيَتِهَا حَتَّى يَكُونَ الْقَاضِي هُوَ الَّذِي يُحَلِّيهَا وَيَكْتُبُ تَحْلِيَتَهَا فِي الْمَحْضَرِ أَوْ يُمْلِي حِلْيَتَهَا عَلَى الْكَاتِبِ؛ لِأَنَّ الْكَاتِبَ وَإِنْ حَلَّاهَا لَا يَسْتَغْنِي الْقَاضِي عَنْ النَّظَرِ فِي وَجْهِهَا فَيَكُونُ فِيهِ نَظَرُ رَجُلَيْنِ إلَيْهَا وَلَوْ حَلَّاهَا الْقَاضِي كَفَى فَيَكُونُ فِيهِ نَظَرٌ وَاحِدٌ وَذَلِكَ أَسْتَرُ لَهَا فَكَانَ أَوْلَى وَهَلْ يُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ وَجْهِهَا ذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ عَنْ نَصِيرِ بْنِ يَحْيَى قَالَ كُنْت عِنْدَ أَبِي سُلَيْمَانَ فَدَخَلَ ابْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ شَرَطَ رُؤْيَةَ وَجْهِ الْمَرْأَةِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَسَيَأْتِي الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى فِي آخِرِ شَرْحِ الْمَقُولَةِ اهـ. قُلْت: مَا سَيَأْتِي غَيْرُ هَذَا كَمَا سَنُبَيِّنُهُ (قَوْلُهُ فَإِنْ عَرَفَهُمَا بِاسْمِهِمَا وَنَسَبِهِمَا عَدْلَانِ) هَكَذَا فِي النُّسَخ بِضَمِيرِ التَّثْنِيَةِ فِي الثَّلَاثَةِ وَالصَّوَابُ حَذْفُهُ وَالضَّمِيرُ لِلْمُؤَنَّثَةِ كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَفِيهِ وَلَا يَجُوزُ الِاعْتِمَادُ عَلَى إخْبَارِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بِاسْمِهِمَا وَنَسَبِهِمَا لَعَلَّهُمَا تَسَمَّيَا وَانْتَسَبَا بِاسْمِ غَيْرِهِمَا وَنَسَبِهِ يُرِيدَانِ أَنْ يُزَوِّرَا عَلَى الشُّهُودِ لِيُخْرِجَا الْمَبِيعَ مِنْ يَدِ مَالِكه فَلَوْ اعْتَمَدَ عَلَى قَوْلِهِمَا نَفَذَ تَزْوِيرُهُمَا وَبَطَلَ أَمْلَاك النَّاس وَهَذَا فَصْلٌ غَفَلَ عَنْهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ فَإِنَّهُمْ يَسْمَعُونَ لَفْظَ الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ وَالْإِقْرَارِ وَالتَّقَابُضِ مِنْ رَجُلَيْنِ لَا يَعْرِفُونَهُمَا ثُمَّ إذَا اُسْتُشْهِدُوا بَعْدَ مَوْتِ صَاحِبِ الْبَيْعِ شَهِدُوا عَلَى ذَلِكَ الِاسْمِ وَالنَّسَبِ وَلَا عِلْمَ لَهُمْ بِذَلِكَ فَيَجِبُ أَنْ يُحْتَرَزَ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ وَطَرِيقُ عِلْمِ الشُّهُودِ بِالنَّسَبِ أَنْ يَشْهَدَ عِنْدَهُمْ جَمَاعَةٌ لَا يُتَصَوَّرُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ كَافٍ كَمَا فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ أَقُولُ: يَحْصُلُ لِلْقَاضِي الْعِلْمُ بِالنَّسَبِ بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَحْصُلَ لِلشُّهُودِ أَيْضًا بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ كَمَا هُوَ قَوْلُهُمَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ الْمُؤَلِّفُ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّ كَلَامَهُ لَا يَشْمَلُ مَسْأَلَةَ النَّهْيِ الْمَذْكُورَةَ مَعَ أَنَّهُ يَشْمَلُهَا وَسَيَأْتِي قَرِيبًا تَقْيِيدُ مَسْأَلَةِ النَّهْيِ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ الْمُدَّعِي. (قَوْلُهُ وَهَلْ يُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ وَجْهِهَا إلَخْ) لَمْ يَذْكُرْ جَوَابَ الِاسْتِفْهَامِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 70 فَسَأَلَهُ عَنْ الشَّهَادَةِ عَلَى الْمَرْأَةِ مَتَى تَجُوزُ إذَا لَمْ يَعْرِفْهَا قَالَ كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ لَا تَجُوزُ حَتَّى يَشْهَدَ عِنْدَهُ جَمَاعَةٌ أَنَّهَا فُلَانَةُ وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ لِأَنَّهُ أَيْسَرُ عَلَى النَّاسِ اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا يَشْهَدُ عَلَى شَهَادَةِ غَيْرِهِ مَا لَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّهَا لَا تَصِيرُ حُجَّةً إلَّا بِالنَّقْلِ إلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي وَلِذَا لَا بُدَّ مِنْ عَدَالَةِ الْأُصُولِ فَلَا يَمْلِكُ غَيْرُهُ أَنْ يَجْعَلَ كَلَامَهُ حُجَّةً بِلَا أَمْرِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّحْمِيلِ وَأَفَادَ أَنَّهُ لَوْ سَمِعَهُ يُشْهِدُ آخَرَ عَلَى شَهَادَتِهِ لَا يَسَعُهُ أَنْ يَشْهَدَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا حَمَلَ غَيْرَهُ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهَذَا الْإِطْلَاقُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ سَمِعَهُ يَشْهَدُ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي حَلَّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ؛ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ مُلْزِمَةٌ اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ مُلْزِمَةً إلَّا بِالْقَضَاءِ وَلَمْ يُوجَدْ وَتَرَكَ الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَيْدَيْنِ آخَرَيْنِ لِجَوَازِهَا عَلَى شَهَادَةِ غَيْرِهِ: الْأَوَّلَ أَنْ يَقْبَلَ التَّحْمِيلَ فَلَوْ أَشْهَدَهُ عَلَيْهَا فَقَالَ لَا أَقْبَلُ فَإِنَّهُ لَا يَصِيرُ شَاهِدًا حَتَّى لَوْ شَهِدَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا تُقْبَلُ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ مِنْ أَنَّهُ تَوْكِيلٌ وَلِلْوَكِيلِ أَنْ لَا يَقْبَلَ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا مِنْ أَنَّهُ تَحْمِيلٌ فَلَا يَبْطُلُ بِالرَّدِّ؛ لِأَنَّ مَنْ حَمَّلَ غَيْرَهُ شَهَادَةً لَمْ تَبْطُلْ بِالرَّدِّ. الثَّانِيَ أَنْ لَا يَنْهَاهُ الْأَصِيلُ بَعْدَ التَّحْمِيلِ عَنْهَا لِمَا فِي الْخُلَاصَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْجَامِعِ الْكَبِيرِ لَوْ حَضَرَ الْأَصْلَانِ وَنَهَيَا الْفُرُوعَ عَنْ الشَّهَادَةِ صَحَّ النَّهْيُ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَصِحُّ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ اهـ. وَفِي النَّوَازِلِ النَّصْرَانِيُّ إذَا أَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ ثُمَّ أَسْلَمَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ اهـ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونُ مُرَادُهُ أَنَّهُ أَشْهَدَ نَصْرَانِيًّا مِثْلَهُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَشْهَدَ مُسْلِمًا وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ كَمَا لَا يَخْفَى وَقَيَّدَ بِالشَّهَادَةِ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي صَحِيحَةٌ وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْهُمَا الْقَاضِي عَلَيْهِ لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْخُلَاصَةِ خِلَافًا بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ فِيمَا إذَا سَمِعَاهُ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ فَجَوَّزَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَهُوَ الْأَقْيَسُ وَمَنَعَهُ أَبُو يُوسُفَ وَهُوَ الْأَحْوَطُ. اهـ. وَجَزَمَ بِالْجَوَازِ فِي الْمِعْرَاجِ مُعَلِّلًا بِأَنَّ الْقَضَاءَ حُجَّةٌ مُلْزِمَةٌ وَمَنْ سَمِعَ الْحُجَّةَ حَلَّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِهَا اهـ. وَفِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ لِلصَّدْرِ مِنْ الْبَابِ الْأَرْبَعِينَ ضَاعَ سِجِلٌّ مِنْ دِيوَانِ الْقَاضِي فَشَهِدَ كَاتِبَاهُ عِنْدَهُ أَنَّهُ أَمْضَى ذَلِكَ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَقْبَلُهُ وَلَوْ ضَاعَ إقْرَارُ رَجُلٍ فَشَهِدَ كَاتِبَاهُ عِنْدَهُ بِأَنَّهُ أَقَرَّ عِنْدَهُ يَقْضِي بِشَهَادَتِهِمَا وَلَوْ ضَاعَ مَحْضَرٌ مِنْ دِيوَانِهِ فِيهِ شَهَادَةُ شُهُودٍ بِحَقٍّ لَا يَذْكُرُهُ الْقَاضِي فَشَهِدَا عِنْدَهُ أَنَّ الشُّهُودَ شَهِدُوا عِنْدَهُ بِكَذَا لَا يَقْبَلُهَا الْقَاضِي وَلَا يُنْفِذُهُ لِأَنَّ الشُّهُودَ لَمْ يَحْمِلَاهُمَا وَلَا بُدَّ مِنْهُ وَتَمَامُهُ فِيهِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْقَضَاءَ بِشَهَادَةِ الْفُرُوعِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بِشَهَادَةِ الْكُلِّ كَذَا فِي الْخِزَانَةِ وَلَوْ قَالَ الْمُؤَلِّفُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ مَا لَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهَا لَكَانَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ عَلَيْهِ لِمَا فِي الْخِزَانَةِ لَوْ قَالَ اشْهَدْ عَلَيَّ بِكَذَا أَوْ اشْهَدْ عَلَيَّ مَا شَهِدْت بِهِ كَانَ بَاطِلًا وَلَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ   [منحة الخالق] وَمَا ذَكَرَهُ بَعْدَهُ لَا يَصْلُحُ جَوَابًا لَهُ وَلَعَلَّ فِي الْعِبَارَةِ سَقْطًا وَقَدْ مَرَّ فِي هَذِهِ الْقَوْلَةِ عَنْ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ اشْتِرَاطُهُ وَعِبَارَةُ الْخُلَاصَةِ وَهَلْ يُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ وَجْهِهَا اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ مِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَشْتَرِطْ وَإِلَيْهِ مَالَ الْإِمَامُ خواهر زاده وَفِي النَّوَازِلِ قَالَ يُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ شَخْصِهَا وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ يُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ وَجْهِهَا إلَى آخِرِ مَا قَدَّمَهُ وَتَقَدَّمَ عَنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ لَوْ أَخْبَرَ الشَّاهِدَ عَدْلَانِ أَنَّهَا فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانٍ يَكْفِي لِلشَّهَادَةِ عَلَى الِاسْمِ وَالنَّسَبِ عِنْدَهُمَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى قَالَ أَبُو السُّعُودِ فَتَحَصَّلَ مِنْهُ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ رُؤْيَةِ وَجْهِ الْمَرْأَةِ اهـ. (تَنْبِيهٌ) لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا كُلَّهُ عِنْدَ عَدَمِ مَعْرِفَتِهِ لَهَا أَمَّا إذَا عَرَفَهَا فَيَشْهَدُ عَلَيْهَا بِدُونِ رُؤْيَةِ وَجْهِهَا وَلَكِنْ هَذَا ظَاهِرٌ إذَا رَأَى وَجْهَهَا ثُمَّ تَنَقَّبَتْ فَشَهِدَ عَلَى إقْرَارِهَا مَثَلًا فِي حَالِ تَنَقُّبِهَا فَهَذَا لَا شَكَّ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَعْرِيفٍ مِنْ غَيْرِهِ إذْ تَعْرِيفُ غَيْرِهِ حِينَئِذٍ لَا يَزِيدُ عَلَى مَعْرِفَتِهِ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ مُتَنَقِّبَةً وَكَانَ يَعْرِفُهَا قَبْلُ فَعَرَفَهَا بِصَوْتِهَا وَهَيْئَتِهَا وَلَمْ يَرَ وَجْهَهَا وَقْتَ التَّنَقُّبِ أَوْ الْإِقْرَارِ فَهَلْ يَكْفِي ذَلِكَ ظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ أَنَّهُ لَا يَكْفِي فَفِي الْعِمَادِيَّةِ قَالُوا لَا يَصِحُّ التَّحَمُّلُ بِدُونِ رُؤْيَةِ وَجْهِهَا وَبِهِ يُفْتِي شَمْسُ الْإِسْلَامِ الْأُوزْجَنْدِيُّ وَظَهِيرُ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيُّ اهـ. وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ مَا إذَا عَرَفَهَا بِصَوْتِهَا أَوْ لَا وَفِي الْبِيرِيِّ عَلَى الْأَشْبَاهِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى مَنْ سَمِعَهُ مِنْ وَرَاءِ حَائِطٍ أَوْ مِنْ فَوْقِ الْبَيْتِ وَهُوَ لَا يَرَاهُ وَإِنْ عَرَفَ كَلَامَهُ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ يُشْبِهُ بَعْضُهُ بَعْضًا كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَفِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي أَقْرَبُ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى إقْرَارِهَا إلَّا إذَا رَأَى شَخْصَهَا وَلَمْ يَشْتَرِطْ فِي النَّوَادِرِ رُؤْيَةَ وَجْهِهَا اهـ. وَانْظُرْ كَلَامَ الْفَتْحِ فَإِنَّهُ يُفِيدُ ذَلِكَ أَيْضًا (قَوْلُهُ كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَى قَوْلِهِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ هُنَا حَذْفٌ وَلَعَلَّهُ بَعْدَ قَوْلِهَا أَنَّهَا فُلَانَةُ وَعِنْدَهُمَا يَكْتَفِي بِشَهَادَةِ اثْنَيْنِ أَنَّهَا فُلَانَةُ ثُمَّ رَاجَعْت النَّوَازِلَ فَوَجَدْتهَا كَمَا أَصْلَحْتهَا ثُمَّ قَالَ وَكَانَ أَبُو يُوسُفَ وَأَبُوك يَقُولَانِ يَجُوزُ إذَا شَهِدَ عِنْدَهُ عَدْلَانِ أَنَّهَا فُلَانَةُ. (قَوْلُهُ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ مُلْزِمَةً لَا بِالْقَضَاءِ) أَيْ لَا تَكُونُ مُلْزِمَةً لِلْخَصْمِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَ الْمُحَقِّقِ أَنَّهَا مُلْزِمَةٌ لِلْقَاضِي الْحُكْمُ بِهَا إذْ لَا يَجُوزُ لَهُ تَأْخِيرُ الْحُكْمِ بِهَا إلَّا فِي مَوَاضِعَ تَقَدَّمَتْ فِي الْقَضَاءِ وَمَا ذَكَرَ الْمُحَقِّقُ صَرَّحَ بِهِ فِي النِّهَايَةِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ ثُمَّ قَالَ وَيُخَالِفُهُ تَصْوِيرُ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ وَغَيْرِهِ اهـ. وَعِبَارَةُ الصَّدْرِ سَمِعَ رَجُلٌ أَدَاءَ الشَّهَادَةِ عِنْدَ الْقَاضِي لَمْ يَسَعْ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ اهـ. (قَوْلُهُ وَتَرَكَ الْمُؤَلِّفُ قَيْدَيْنِ آخَرَيْنِ) لَا يَخْفَى أَنَّهُ لَيْسَ مُرَادُهُ هُنَا بَيَانَ أَحْكَامِ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ شُرُوطَهَا وَإِنَّمَا ذَلِكَ لَهُ بَابٌ مَخْصُوصٌ سَيَأْتِي وَمُرَادُهُ هُنَا إظْهَارُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ غَيْرِهَا مِنْ الْمَسْمُوعَاتِ وَالْمَرْئِيَّاتِ فِي اشْتِرَاطِ الْإِشْهَادِ وَعَدَمِهِ فَتَدَبَّرْ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 71 اشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي إلَى آخِرِهِ. (قَوْلُهُ وَلَا يَعْمَلُ شَاهِدٌ وَقَاضٍ وَرَاوٍ بِالْخَطِّ إنْ لَمْ يَتَذَكَّرُوا) أَيْ لَا يَحِلُّ لِلشَّاهِدِ إذَا رَأَى خَطَّهُ أَنْ يَشْهَدَ حَتَّى يَتَذَكَّرَ وَكَذَا الْقَاضِي إذَا وَجَدَ فِي دِيوَانِهِ مَكْتُوبًا شَهَادَةَ شُهُودٍ وَلَا يَتَذَكَّرُ وَلَا لِلرَّاوِي أَنْ يَرْوِيَ اعْتِمَادًا عَلَى مَا فِي كِتَابِهِ مَا لَمْ يَتَذَكَّرْ وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ وَحَذَفَ مَفْعُولَ يَتَذَكَّرُوا لِإِرَادَةِ التَّعْمِيمُ فَلَا بُدَّ عِنْدَهُ لِلشَّاهِدِ مِنْ تَذَكُّرِ الْحَادِثَةِ وَالتَّارِيخِ وَالْمَالِ مَبْلَغِهِ وَصِفَتِهِ حَتَّى إذَا لَمْ يَتَذَكَّرْ شَيْئًا مِنْهُ وَتَيَقَّنَ أَنَّهُ خَطُّهُ وَخَاتَمُهُ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَشْهَدَ وَإِنْ شَهِدَ فَهُوَ شَاهِدُ زُورٍ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَلَا يَكْفِي تَذَكُّرُ مَجْلِسِ الشَّهَادَةِ وَفِي الْمُلْتَقَطِ وَعَلَى الشَّاهِدِ أَنْ يَشْهَدَ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ مَكَانَ الشَّهَادَةِ وَوَقْتَهَا اهـ. وَجَوَّزَ مُحَمَّدٌ لِلْكُلِّ الِاعْتِمَادَ عَلَى الْكِتَابِ إذَا تَيَقَّنَ أَنَّهُ خَطُّهُ وَإِنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ تَوْسِعَةً لِلْأَمْرِ عَلَى النَّاسِ وَجَوَّزَهُ أَبُو يُوسُفَ لِلرَّاوِي وَالْقَاضِي دُونَ الشَّاهِدِ وَفِي الْخُلَاصَةِ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ ضَيَّقَ فِي الْكُلِّ حَتَّى قَلَّتْ رِوَايَتُهُ الْإِخْبَارَ مَعَ كَثْرَةِ سَمَاعِهِ فَإِنَّهُ رُوِيَ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ أَلْفٍ وَمِائَتَيْ رَجُلٍ غَيْرَ أَنَّهُ يَشْتَرِطُ الْحِفْظَ مِنْ وَقْتِ السَّمَاعِ إلَى وَقْتِ الرِّوَايَةِ اهـ. وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الْقَاضِي إذَا وَجَدَ قَضَاءَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُ وَأَجْمَعُوا أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَعْمَلُ بِمَا يَجِدُهُ فِي دِيوَانِ قَاضٍ آخَرَ وَإِنْ كَانَ مَخْتُومًا كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ يَنْبَغِي أَنْ يُفْتَى بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ وَهَكَذَا فِي الْأَجْنَاسِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَجَزَمَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ بِأَنَّهُ يُفْتَى بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ وَفِي الْمُبْتَغَى بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ مَنْ وَجَدَ خَطَّهُ وَعَرَفَهُ وَنَسِيَ الشَّهَادَةَ وَسِعَهُ أَنْ يَشْهَدَ إذَا كَانَ فِي حَوْزِهِ وَبِهِ نَأْخُذُ. اهـ. وَعَزَاهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ إلَى النَّوَازِلِ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ وَلَا يَعْمَلُ إلَى أَنَّ الشَّاهِدَ إذَا كَتَبَ شَهَادَتَهُ فِي نُسْخَةٍ وَقَرَأَهَا لِأَجْلِ الضَّبْطِ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْتَمِدْ عَلَى خَطِّهِ وَقَدْ عَقَدَ فِي السِّرَاجِيَّةِ لَهَا بَابًا فَقَالَ بَابُ الشَّهَادَةِ مِنْ النُّسْخَةِ إلَى آخِرِ مَا فِيهَا وَيَتَفَرَّعُ عَلَى الِاخْتِلَافِ السَّابِقِ مَسَائِلُ حَاصِلُهَا أَيَجُوزُ الِاعْتِمَادُ عَلَى غَيْرِ الْحِفْظِ مِنْ إخْبَارِ مُخْبِرٍ بِقَضَاءٍ أَوْ شَهَادَةٍ أَوْ رِوَايَةٍ أَمْ لَا الْأَوْلَى لَوْ نَسِيَ الْقَاضِي قَضَاءَهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ سِجِلٌّ فَشَهِدَا عِنْدَهُ أَنَّهُ قَضَى بِكَذَا الثَّانِيَةُ أَخْبَرَهُ قَوْمٌ يَثِقُ بِهِمْ أَنَّهُ كَانَ شَاهِدًا الثَّالِثَةُ سَمِعَ حَدِيثًا مِنْ غَيْرِهِ ثُمَّ نَسِيَ رَاوِيَ الْأَصْلِ فَسَمِعَهُ مِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الشَّاهِدَ إذَا اعْتَمَدَ عَلَى خَطِّهِ عَلَى الْقَوْلِ الْمُفْتَى بِهِ وَشَهِدَ وَقُلْنَا بِقَبُولِهِ فَلِلْقَاضِي أَنْ يَسْأَلَهُ هَلْ يَشْهَدُ عَنْ عِلْمٍ أَمْ عَنْ الْخَطِّ إنْ قَالَ عَنْ عِلْمٍ قَبِلَهُ وَإِنْ قَالَ عَنْ الْخَطِّ لَا كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَفِي الْمِعْرَاجِ وَعَلَى الِاخْتِلَافِ لَوْ سَمِعَ مِنْ غَيْرِهِ حَدِيثًا ثُمَّ نَسِيَ الْأَصْلُ الرِّوَايَةَ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لَا يَعْمَلُ بِهِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَعْمَلُ بِهِ وَعَلَى هَذِهِ الْمَسَائِلِ الَّتِي اخْتَلَفَ فِيهَا أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ فِي الرِّوَايَةِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَهِيَ ثَلَاثٌ سَمِعَهَا مُحَمَّدٌ مِنْ أَبِي يُوسُفَ ثُمَّ نَسِيَ أَبُو يُوسُفَ الرِّوَايَةَ فَكَانَ لَا يَعْتَمِدُ عَلَى رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ وَهُوَ لَا يَدَعُ الرِّوَايَةَ اهـ. وَهِيَ سِتٌّ لَا ثَلَاثٌ كَمَا نَقَلْنَاهَا مُبَيَّنَةً فِي شَرْحِنَا عَلَى الْمَنَارِ وَتَعَقَّبَهُمْ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ هُنَا وَفِي كِتَابِ الصَّلَاةِ بِأَنَّ الْحِكَايَةَ الَّتِي جَرَتْ بَيْنَ الشَّيْخَيْنِ تُفِيدُ أَنَّهُ مِنْ بَابِ تَكْذِيبِ الْأَصْلِ الْفَرْعَ وَلَا خِلَافَ عِنْدَهُمْ فِي بُطْلَانِ الرِّوَايَةِ لَا أَنَّهُ مِنْ بَابِ النِّسْيَانِ فَاعْتِمَادُ الْمَشَايِخِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ مُشْكِلٌ (قَوْلُهُ وَلَا يَشْهَدُ بِمَا لَمْ يُعَايِنْهُ إلَّا فِي النَّسَبِ وَالْمَوْتِ وَالنِّكَاحِ وَالدُّخُولِ وَوِلَايَةِ الْقَاضِي وَأَصْلِ الْوَقْفِ فَلَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِهَا إذَا أَخْبَرَهُ بِهَا مَنْ يَثِقُ بِهِ) اسْتِحْسَانًا دَفْعًا لِلْحَرَجِ وَتَعْطِيلِ الْأَحْكَامِ إذْ لَا يَحْضُرُهَا إلَّا الْخَوَاصُّ وَالْمُرَادُ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِشَيْءٍ لَمْ يَقْطَعْ بِهِ مِنْ جِهَةِ الْمُعَايَنَةِ بِالْعَيْنِ أَوْ السَّمَاعِ إلَّا فِي كَذَا أَمَّا النَّسَبُ فَمِنْ نَسَبْتُهُ إلَى أَبِيهِ نَسَبًا مِنْ بَابِ طَلَبَ عَزَوْته إلَيْهِ وَانْتَسَبَ إلَيْهِ اعْتَزَى ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ النَّسَبُ وَهُوَ الْمَصْدَرُ فِي مُطْلَقِ الْوَصْلَةِ بِالْقَرَابَةِ فَيُقَالُ بَيْنَهُمَا نَسَبٌ أَيْ قَرَابَةٌ وَسَوَاءٌ جَازَ بَيْنَهُمَا التَّنَاكُحُ أَمْ لَا وَجَمْعُهُ أَنْسَابٌ وَتَمَامُهُ فِي الْمِصْبَاحِ، وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ الْأَحْكَامِ هُنَا فَأَفَادَ أَنَّهُ تَجُوزُ الشَّهَادَةُ فِيهِ بِالتَّسَامُعِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ الدَّعْوَى الْعَاشِرِ فِي النَّسَبِ وَفِي دَعْوَى الْعُمُومَةِ لَا بُدَّ أَنْ يُفَسِّرَ أَنَّهُ عَمُّهُ لِأُمِّهِ أَوْ لِأَبِيهِ أَوْ لَهُمَا وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا أَنْ يَقُولَ هُوَ وَارِثُهُ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ فَإِنْ بَرْهَنَ عَلَى ذَلِكَ أَوْ عَلَى أَنَّهُ أَخُو الْمَيِّتِ لِأَبَوَيْهِ لَا يَعْلَمُونَ أَنَّ لَهُ وَارِثًا غَيْرُهُ يَحْكُمُ لَهُ بِالْمَالِ وَلَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ الْأَسْمَاءِ فِي الْأَقْضِيَةِ   [منحة الخالق] [لَا يَعْمَلُ شَاهِدٌ وَقَاضٍ وَرَاوٍ بِالْخَطِّ إنْ لَمْ يَتَذَكَّرُوا] (قَوْلُهُ وَلَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ الْأَسْمَاءِ فِي الْأَقْضِيَةِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَفِي آخِرِ الْفَصْلِ الثَّانِي مِنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ فِي دَعْوَى الْحُكْمِ بِلَا تَسْمِيَةِ الْقَاضِي بَعْدَ كَلَامٍ قَدَّمَهُ قَالَ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ فِي دَعْوَى الْفِعْلِ وَالشَّهَادَةِ عَلَى الْفِعْلِ هَلْ تُشْتَرَطُ تَسْمِيَةُ الْفَاعِلِ فِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وَأَدِلَّةُ الْكُتُبِ فِيهَا مُتَعَارِضَةٌ ثُمَّ ذَكَرَ مَسَائِلَ وَقَالَ وَهَذِهِ الْمَسَائِلُ كُلُّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَسْمِيَةَ الْفَاعِلِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ فَتَأَمَّلْ عِنْدَ الْفَتْوَى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 72 إلَى أَنْ قَالَ ادَّعَى عَلَى آخَرَ أَنَّهُ أَخُوهُ لِأَبِيهِ إنْ ادَّعَى إرْثًا أَوْ نَفَقَةً وَبَرْهَنَ تُقْبَلُ وَيَكُونُ قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ أَيْضًا حَتَّى لَوْ حَضَرَ الْأَبُ وَأَنْكَرَ لَا يُقْبَلُ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إعَادَةِ الْبَيِّنَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَوَصَّلُ إلَيْهِ إلَّا بِإِثْبَاتِ الْحَقِّ عَلَى الْغَائِبِ وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ مَالًا بَلْ ادَّعَى الْأُخُوَّةَ الْمُجَرَّدَةَ لَا تُقْبَلُ لِأَنَّ هَذَا فِي الْحَقِيقَةِ إثْبَاتُ الْبُنُوَّةِ عَلَى الْأَبِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَالْخَصْمُ فِيهِ هُوَ الْأَبُ لَا الْأَخُ. وَكَذَا لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ ابْنُ ابْنِهِ أَوْ أَبُو أَبِيهِ وَالِابْنُ وَالْأَبُ غَائِبٌ أَوْ مَيِّتٌ لَا يَصِحُّ مَا لَمْ يَدَّعِ مَالًا فَإِنْ ادَّعَى مَالًا فَالْحُكْمُ عَلَى الْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ جَمِيعًا بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ أَبُوهُ أَوْ ابْنُهُ أَوْ عَلَى امْرَأَةٍ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ أَوْ ادَّعَتْ عَلَيْهِ أَنَّهُ زَوْجُهَا أَوْ ادَّعَى الْعَبْدُ عَلَى عَرَبِيٍّ أَنَّهُ مَوْلَاهُ عَتَاقَةً أَوْ ادَّعَى عَرَبِيٌّ عَلَى آخَرَ أَنَّهُ مُعْتَقُهُ أَوْ ادَّعَتْ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهَا أَمَتُهُ أَوْ كَانَ الدَّعْوَى فِي وَلَاءِ الْمُوَالَاةِ وَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَبَرْهَنَ الْمُدَّعِي عَلَى مَا قَالَ يُقْبَلُ ادَّعَى بِهِ حَقًّا أَوْ لَا بِخِلَافِ دَعْوَى الْأُخُوَّةِ؛ لِأَنَّهُ دَعْوَى الْغَيْرِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ أَبُوهُ أَوْ ابْنُهُ أَوْ زَوْجُهُ أَوْ زَوْجَتُهُ صَحَّ أَوْ بِأَنَّهُ أَخُوهُ لَا لِكَوْنِهِ حَمَلَ النَّسَبَ عَلَى الْغَيْرِ وَتَمَامُهُ فِيهَا وَحَاصِلُ مَا يَنْفَعُنَا هُنَا أَنَّ الشُّهُودَ إذَا شَهِدُوا بِنَسَبٍ فَإِنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْبَلُهُمْ وَلَا يَحْكُمُ بِهِ إلَّا بَعْدَ دَعْوَى مَالٍ إلَّا فِي الْأَبِ وَالِابْنِ وَقَيَّدَ فِي الْمُحِيطِ مَعْزِيًّا إلَى الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ فِي الْمَبْسُوطِ قَبُولَهَا فِي النَّسَبِ بِقَيْدٍ حَسَنٍ فَلْيُرَاجَعْ مِنْ نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ، وَأَمَّا الْمَوْتُ فَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَالْمَوْتُ كَالْقَتْلِ وَلَعَلَّهُ وَالْقَتْلُ كَالْمَوْتِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَخِزَانَةِ الْمُفْتِينَ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الْقَتْلِ بِالتَّسَامُعِ جَائِزَةٌ وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ مُشْكِلٌ لِتَرَتُّبِ الْقِصَاصِ عَلَيْهَا وَفِيهَا شُبْهَةٌ فَلَا يَثْبُتُ بِهَا مَا يَنْدَرِئُ بِالشُّبْهَةِ وَلَمْ أَرَ مَنْ أَوْضَحَهُ إلَى الْآنِ وَقَدْ ظَهَرَ لِي أَنَّ التَّشْبِيهَ إنَّمَا هُوَ فِي خَاصٍّ وَهُوَ جَوَازُ اعْتِدَادِ الْمَرْأَةِ إذَا أُخْبِرَتْ بِقَتْلِهِ كَمَوْتِهِ لِلتَّزَوُّجِ وَإِنْ كَانَ السِّيَاقُ يُخَالِفُهُ وَكَذَا تَعَارُضُ الْخَبَرَيْنِ عِنْدَنَا بِقَتْلِهِ وَحَيَاتِهِ وَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ إلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ تَعْمَلُ بِالسَّمَاعِ بِالْأَوْلَى لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ قَالَ رَجُلٌ لِامْرَأَةٍ سَمِعْت أَنَّ زَوْجَك مَاتَ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ إنْ كَانَ الْمُخْبِرُ عَدْلًا. اهـ. وَمَسَائِلُ تَعَارُضِ الْخَبَرَيْنِ بِمَوْتِهِ وَحَيَاتِهِ فِيهَا هُنَا وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِ فِي الْمَوْتِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْمَيِّتِ مَشْهُورًا أَوْ لَا وَقَيَّدَهُ فِي الْمِعْرَاجِ مَعْزِيًّا إلَى فَتَاوَى رَشِيدِ الدِّينِ بِأَنْ يَكُونَ عَالِمًا أَوْ مِنْ الْعُمَّالِ أَمَّا إذَا كَانَ تَاجِرًا أَوْ مِثْلَهُ فَإِنَّهُ لَا تَجُوزُ إلَّا بِالْمُعَايَنَةِ اهـ. وَقَيَّدَ بِأَصْلِ الْوَقْفِ احْتِرَازًا عَنْ شَرَائِطِهِ فَإِنَّهُ لَا تُقْبَلُ فِيهَا بِالتَّسَامُعِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَفِي الْوَقْفِ الصَّحِيحِ أَنَّهَا تُقْبَلُ بِالتَّسَامُعِ عَلَى أَصْلِهِ لَا عَلَى شَرَائِطِهِ؛ لِأَنَّهُ يَبْقَى عَلَى الْإِعْصَارِ لَا شَرَائِطِهِ وَكُلُّ مَا تَعَلَّقَ بِهِ صِحَّةُ الْوَقْفِ وَتَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ فَهُوَ مِنْ أَصْلِهِ وَمَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الصِّحَّةُ فَهُوَ مِنْ الشَّرَائِطِ وَنَصَّ الْفَضْلِيُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ فِي الْوَقْفِ الشَّهَادَةُ بِالتَّسَامُعِ وَاخْتَارَ السَّرَخْسِيُّ جَوَازَهُ عَلَى أَصْلِهِ لَا عَلَى شَرَائِطِهِ بِأَنْ يَقُولَ إنَّهُ وَقْفٌ عَلَى الْمَسْجِدِ هَذَا أَوْ الْمَقْبَرَةِ هَذِهِ أَمَّا إذَا لَمْ يَذْكُرَا ذَلِكَ لَا تُقْبَلُ اهـ. وَالْمُرَادُ مِنْ الشَّرَائِطِ أَنْ يَقُولُوا إنَّ قَدْرًا مِنْ الْغَلَّةِ لِكَذَا ثُمَّ يُصْرَفُ الْفَاضِلُ إلَى كَذَا بَعْدَ بَيَانِ الْجِهَةِ فَلَوْ ذَكَرَ هَذَا لَا تُقْبَلُ اهـ وَفِي الْفُصُولِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَحَاصِلُ مَا يَنْفَعُنَا هُنَا إلَخْ) الْأَنْفَعُ مَا فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ عَنْ الْعِمَادِيَّةِ مِنْ قَوْلِهِ حَتَّى لَوْ سَمِعَ مِنْ النَّاسِ أَنَّ هَذَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ الْفُلَانِيَّ وَسِعَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِهِ وَإِنْ لَمْ يُعَايِنْ الْوِلَادَةَ عَلَى فِرَاشِهِ وَطَرِيقَةُ مَعْرِفَتِهِ أَنْ يَسْمَعَ ذَلِكَ مِنْ جَمَاعَةٍ لَا يُتَصَوَّرُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا إذَا أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ عَدْلَانِ يَكْفِي وَذَكَرَ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا اهـ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُحِيطِ وَإِذَا قَدِمَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ بَلَدٍ آخَرَ وَانْتَسَبَ إلَيْهِ وَأَقَامَ مَعَهُ دَهْرًا لَمْ يَسَعْهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى نَسَبِهِ حَتَّى يَشْهَدَ لَهُ رَجُلَانِ مِنْ أَهْلِ بَلَدِهِ عَدْلَانِ أَوْ يَكُونَ النَّسَبُ مَشْهُورًا وَذَكَرَ الْخَصَّافُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَشَرَطَ لِجَوَازِ الشَّهَادَةِ شَرْطَيْنِ أَنْ يَشْتَهِرَ الْخَبَرُ وَالثَّانِيَ أَنْ يَمْكُثَ فِيهِمْ سَنَةً فَإِنَّهُ قَالَ لَا يَسَعُهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا عَلَى نَسَبِهِ حَتَّى يَقَعَ مَعْرِفَةُ ذَلِكَ فِي قُلُوبهمْ وَذَلِكَ بِأَنْ يُقِيمَ مَعَهُمْ سَنَةً وَإِنْ وَقَعَ فِي قَلْبِهِ مَعْرِفَةُ ذَلِكَ قَبْلَ مُضِيِّ السَّنَةِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَدَّرَ ذَلِكَ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ إذَا سَمِعَ مِنْ أَهْلِ بَلَدِهِ مِنْ رَجُلَيْنِ عَدْلَيْنِ حَلَّ لَهُ أَدَاءُ الشَّهَادَةِ وَإِلَّا فَلَا أَمَّا إذَا سَمِعَ ذَلِكَ مِمَّنْ سَمِعَ مِنْ الْمُدَّعِي لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ وَإِنْ اُشْتُهِرَ ذَلِكَ فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ لَكِنَّهُ إنْ شَهِدَ عِنْدَهُ جَمَاعَةٌ حَتَّى يَقَعَ الشُّهْرَةُ حَقِيقَةً وَعُرْفًا وَوَقَعَ عِنْدَهُ أَنَّهُ ثَابِتُ النَّسَبِ مِنْ فُلَانٍ أَوْ شَهِدَ عِنْدَهُ عَدْلَانِ حَتَّى ثَبَتَ الِاشْتِهَارُ شَرْعًا حَلَّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ (قَوْلُهُ وَلَا يَحْكُمُ بِهِ إلَّا بَعْدَ دَعْوَى مَالٍ) قَالَ الرَّمْلِيُّ لَا يَخْفَى أَنَّ دَعْوَى الِاسْتِحْقَاقِ فِي الْوَقْتِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ؛ لِأَنَّهُ دَعْوَى مَالٍ وَمِثْلُهُ الْوَصِيَّةُ وَنَحْوُهَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ قَالَ رَجُلٌ لِامْرَأَةٍ إلَخْ) قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مِنْ الْفَصْلِ الثَّانِي عَشَرَ لَوْ أَخْبَرَهَا عَدْلٌ أَنَّ زَوْجَهَا مَاتَ أَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَلَهَا التَّزَوُّجُ وَلَوْ أَخْبَرَهَا فَاسِقٌ تَحَرَّتْ وَفِي إخْبَارِ الْعَدْلِ بِمَوْتِهِ إنَّمَا يَعْتَمِدُ عَلَى خَبَرِهِ لَوْ قَالَ عَايَنْته مَيِّتًا أَوْ شَهِدَ جِنَازَتَهُ لَا لَوْ قَالَ أَخْبَرَنِي مُخْبِرٌ بِهِ وَيَأْتِي تَمَامُهُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَمَسَائِلُ تَعَارُضِ الْخَبَرِ بِمَوْتِهِ وَحَيَاتِهِ فِيهَا) أَيْ فِي الْبَزَّازِيَّةِ حَيْثُ قَالَ وَلَوْ أَخْبَرَ وَاحِدٌ بِمَوْتِ الْغَائِبِ وَاثْنَانِ بِحَيَاتِهِ إنْ كَانَ الْمُخْبِرُ عَايَنَ الْمَوْتَ أَوْ شَهِدَ جِنَازَتَهُ وَعَدَلَ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ هَذَا إذَا لَمْ يُؤَرِّخَا أَوْ أَرَّخَا وَكَانَ تَارِيخُ الْمَوْتِ آخِرًا أَوْ إنْ كَانَ تَارِيخُ الْحَيَاةِ آخِرًا فَشَاهِدُ الْحَيَاةِ أَوْلَى وَفِي وَصَايَا عِصَامٍ شَهِدَا بِأَنَّ زَوْجَهَا فُلَانًا مَاتَ أَوْ قُتِلَ وَآخَرُ عَلَى الْحَيَاةِ فَالْمَوْتُ أَوْلَى (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ لَا تَجُوزُ إلَّا بِالْمُعَايَنَةِ) قَالَ بَعْدَهُ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ لِابْنِ الشِّحْنَةِ هَكَذَا ذَكَرَ رَشِيدُ الدِّينِ وَلَا تَظْفَرُ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْكُتُبِ فِي غَيْرِ فَتَاوَاهُ اهـ. وَمِثْلُهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ تَأَمَّلْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 73 الْعِمَادِيَّةِ مِنْ الْعَاشِرِ الْمُخْتَارُ أَنْ لَا تُقْبَلَ الشَّهَادَةُ بِالشُّهْرَةِ عَلَى شَرَائِطِ الْوَقْفِ اهـ. وَفِي الْخَانِيَّةِ فِي أَوَاخِرِ فَصْلِ دَعْوَى الْوَقْفِ مِنْ كِتَابِ الْوَقْفِ مَا يُوَافِقُ هَذَا وَكَذَا فِي الْإِسْعَافِ وَفِي الْمُجْتَبَى الْمُخْتَارُ أَنْ تُقْبَلَ عَلَى شَرَائِطِ الْوَقْفِ. اهـ. وَاعْتَمَدَهُ فِي الْمِعْرَاجِ وَقَوَّاهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِقَوْلِهِ وَأَنْتَ إذَا عَرَفْت قَوْلَهُمْ فِي الْأَوْقَافِ الَّتِي انْقَطَعَ ثُبُوتُهَا وَلَمْ يُعْرَفْ لَهَا شَرَائِطُ وَمَصَارِفُ أَنَّهُ يَسْلُكُ بِهَا مَا كَانَتْ عَلَيْهِ فِي دَوَاوِينِ الْقُضَاةِ لَمْ تَقِفْ عَنْ تَحْسِينِ مَا فِي الْمُجْتَبَى؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ مَعْنَى الثُّبُوتِ بِالتَّسَامُعِ. اهـ. وَجَوَابُهُ أَنَّهُ إنَّمَا عَمِلَ فِيهَا بِذَلِكَ عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَالْمُدَّعِي أَعَمُّ ثُمَّ قَالَ أَيْ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَيْسَ مَعْنَى الشُّرُوطِ أَنْ يُبَيِّنَ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ بَلْ أَنْ يَقُولَ يَبْدَأُ مِنْ غَلَّتِهَا بِكَذَا وَكَذَا وَالْبَاقِي كَذَا وَكَذَا اهـ. وَمَسْأَلَةُ الشَّهَادَةِ بِالْوَقْفِ أَصْلًا وَشُرُوطًا لَمْ تُذْكَرْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَإِنَّمَا قَاسَهَا الْمَشَايِخُ عَلَى الْمَوْتِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالتَّقْيِيدُ بِمَا ذُكِرَ مِنْ الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ قَبُولِهَا بِهِ فِي غَيْرِهَا مِنْ الْوَلَاءِ وَالْعِتْقِ وَاخْتَلَفَ الْفَحْلَانِ فِي نَقْلِ الِاخْتِلَافِ فِي الْعِتْقِ فَنَقَلَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ عَدَمَ قَبُولِهَا فِيهِ إجْمَاعًا وَنَقَلَ أُسْتَاذُهُ الْإِمَامُ الْحَلْوَانِيُّ أَنَّهُ عَلَى الِاخْتِلَافِ الْمَنْقُولِ فِي الْوَلَاءِ فَعَنْ أَبِي يُوسُفَ الْجَوَازُ فِيهِمَا وَمِنْ ذَلِكَ الْمَهْرُ فَظَاهِرُ التَّقْيِيدِ أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ فِيهِ بِهِ وَلَكِنْ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ وَالْخِزَانَةِ أَنَّ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ وَالْأَصَحُّ الْجَوَازُ اهـ. وَوَجْهُهُ أَنَّهُ مِنْ تَوَابِعِ النِّكَاحِ فَكَانَ كَأَصْلِهِ وَذَكَرَ فِي الْخُلَاصَةِ خِلَافًا فِي الدُّخُولِ فَفِي فَوَائِدِ أُسْتَاذِنَا ظَهِيرِ الدِّينِ لَا يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا عَلَى الدُّخُولِ بِالْمَنْكُوحَةِ بِالتَّسَامُعِ وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يُثْبِتَ الدُّخُولَ يُثْبِتَ الْخَلْوَةَ الصَّحِيحَةَ اهـ. وَظَاهِرُ مَا فِي الْمِعْرَاجِ أَنَّ الْأَمِيرَ كَالْقَاضِي فَيُزَادُ إلَّا مَرَّةً وَكَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْخَصَّافَ شَرَطَ لِلْقَبُولِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فِي الْعِتْقِ أَنْ يَكُونَ مَشْهُورًا وَلِلْمُعْتِقِ أَبَوَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ فِي الْإِسْلَامِ وَلَمْ يَشْتَرِطْهُ مُحَمَّدٌ فِي الْمَبْسُوطِ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ. وَقَوْلُهُ إذَا أَخْبَرَهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَفْظَةَ الشَّهَادَةِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِي الْكُلِّ أَمَّا الَّذِي يَشْهَدُ عِنْدَ الْقَاضِي فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ لَفْظِهَا وَشَرَطَ فِي الْعِنَايَةِ لَفْظَ الشَّهَادَةِ عَلَى مَا قَالُوا كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَكَذَا فِي الْإِسْعَافِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَقَعَ فِي عِبَارَة الْإِسْعَافِ مَا لَفْظُهُ، وَأَمَّا الشَّهَادَةُ عَلَى شَرَائِطِهِ وَجِهَاتِهِ فَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّرَائِطِ وَالْجِهَاتِ بِالتَّسَامُعِ وَهَكَذَا قَالَهُ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْأُسْتَاذُ ظَهِيرُ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. اهـ. أَقُولُ: وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَجِهَاتِهِ أَيْ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الْوَقْفِ عَلَى جِهَةٍ لَوْ حَصَلَ التَّنَازُعُ فِيهَا بِمُجَرَّدِهَا لَا تُقْبَلُ بِالسَّمَاعِ فَافْهَمْ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ثُمَّ بَعْدَ مُدَّةٍ رَأَيْت فِي خِلَالِ الْمُطَالَعَةِ فِي فَتَاوَى شَيْخِنَا قَالَ بَعْدَ نَقْلِهِ صِحَّةَ الشَّهَادَةِ عَلَى الْجِهَةِ بِالسَّمَاعِ وَأَنَّهَا مِنْ بَابِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْأَصْلِ لَكِنْ وَقَعَ فِي الْإِسْعَافِ عِبَارَةٌ تُنَافِي هَذَا ظَاهِرًا حَيْثُ قَالَ لَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّرَائِطِ وَالْجِهَاتِ وَمِثْلُهُ فِي قَاضِي خَانْ فِي أَوَاخِرِ فَصْلٍ فِي دَعْوَى الْوَقْفِ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُمَا وَالْجِهَاتُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا قَوْلُهُمْ إنْ قَدَّرَا مِنْ الْغَلَّةِ لِكَذَا ثُمَّ يُصْرَفُ الْفَاضِلُ لِكَذَا وَيَكُونُ ذَلِكَ بَعْدَ بَيَانِ الْجِهَةِ اهـ. فَقَوْلُهُ وَيَكُونُ ذَلِكَ بَعْدَ بَيَانِ الْجِهَةِ هُوَ عَيْنُ مَا قُلْته وَاَللَّهُ تَعَالَى هُوَ الْمُوَفِّقُ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ إنَّمَا عَمِلَ فِيهَا بِذَلِكَ عِنْدَ الضَّرُورَةِ) أَيْ ضَرُورَةِ انْقِطَاعِ الثُّبُوتِ بِمَوْتِ الشُّهُودِ وَالْمُدَّعِي أَعَمُّ لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّهُ عِنْدَ حَيَاةِ الشُّهُودِ عَلَى شَرَائِطِ الْوَقْفِ لَا حَاجَةَ إلَى الشَّهَادَةِ بِالتَّسَامُعِ وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا عِنْدَ مَوْتِهِمْ فَكَانَ فِيهِ ضَرُورَةٌ (قَوْلُهُ وَلَيْسَ مَعْنَى الشُّرُوطِ أَنْ يُبَيِّنَ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَالَ فِي صَدْرِ الشَّرِيعَةِ وَالْمُرَادُ بِأَصْلِ الْوَقْفِ أَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ وَقْفٌ عَلَى كَذَا فَبَيَانُ الْمَصْرِفِ دَاخِلٌ مِنْ أَصْلِ الْوَقْفِ أَمَّا الشَّرَائِطُ فَلَا تَحِلُّ فِيهَا الشَّهَادَةُ بِالتَّسَامُعِ اهـ. وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَيْسَ فِي مَعْنَى الشُّرُوطِ أَنْ يُبَيِّنَ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَظَاهِرُ مَا فِي الْمِعْرَاجِ أَنَّ الْأَمِيرَ كَالْقَاضِي) صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَزَّازِيَّةِ حَيْثُ قَالَ وَكَذَا يَجُوزُ الشَّهَادَةُ عَلَى أَنَّهُ قَاضِي بَلَدِ كَذَا أَوْ وَالِي بَلَدِ كَذَا وَإِنْ لَمْ يُعَايِنْ التَّقْلِيدَ وَالْمَنْشُورَ اهـ. وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ أَيْضًا. (قَوْلُهُ وَقَوْلُهُ) أَيْ الْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ وَشَرَطَ فِي الْعِنَايَةِ لَفْظَ الشَّهَادَةِ عَلَى مَا قَالُوا) كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ فِيهِ سَقْطًا أَوْ تَحْرِيفًا وَعِبَارَةُ الْخُلَاصَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَتَلَفَّظَ الْمُخْبِرُ بِالْمَوْتِ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ عِنْدَ مَنْ يَشْهَدُ أَمَّا الَّذِي يَشْهَدُ عِنْدَ الْقَاضِي يَتَلَفَّظُ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ، وَأَمَّا الْفُصُولُ الثَّلَاثَةُ الَّتِي يُشْتَرَطُ فِيهَا شَهَادَةُ الْعَدْلَيْنِ يَنْبَغِي أَنْ يَشْهَدَا عِنْدَهُ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ قَالَ أُسْتَاذُنَا ظَهِيرُ الدِّينِ فِي الْأَقْضِيَةِ وَهَذَا اخْتِيَارُ الصَّدْرِ الْإِمَامِ الشَّهِيدِ بُرْهَانِ الْأَئِمَّةِ وَفِي مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ إنَّمَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ بِالتَّسَامُعِ إذَا أَخْبَرَهُ مَنْ يَثِقُ بِهِ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَفْظَ الشَّهَادَةِ لَيْسَ بِشَرْطٍ اهـ. وَفِي شَرْحِ ابْنِ الشِّحْنَةِ وَالْجَوَابُ فِي الْقَضَاءِ وَالنِّكَاحِ نَظِيرُ الْجَوَابِ فِي النَّسَبِ فَقَدْ فَرَّقُوا جَمِيعًا بَيْنَ الْمَوْتِ وَالْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ فَاكْتَفُوا بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فِي الْمَوْتِ دُونَهَا وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَوْتَ قَدْ يَتَّفِقُ فِي مَوْضِعٍ لَا يَكُونُ فِيهِ إلَّا وَاحِدٌ بِخِلَافِ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّ الْغَالِبَ كَوْنُهَا بَيْنَ جَمَاعَةٍ وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ لَمْ يُفَرِّقْ وَتَمَامُهُ فِيهِ وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْمَوْتَ كَنِكَاحٍ وَغَيْرِهِ لَا يُكْتَفَى فِيهِ بِشَهَادَةِ الْوَاحِدِ وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَوْتِ وَالثَّلَاثَةِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ الْجَوَابُ لِاخْتِلَافِ الْمَوْضُوعِ مَوْضُوعِ مَسْأَلَةِ الْمَوْتِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ وَاحِدٌ عَدْلٌ وَلَمْ يَذْكُرْ الْعَدْلَ فِي الثَّلَاثَةِ فَلَوْ كَانَ الْمُخْبِرُ فِي الثَّلَاثَةِ عَدْلًا أَيْضًا حَلَّ لَهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا ثُمَّ فِي الثَّلَاثَةِ إذَا ثَبَتَ الشُّهْرَةُ عِنْدَهُمَا بِخَبَرِ عَدْلَيْنِ يَجِبُ الْإِخْبَارُ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ وَفِي الْمَوْتِ لَمَّا ثَبَتَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ بِالْإِجْمَاعِ لَا يَجِبُ بَلْ يَكْتَفِي بِمُجَرَّدِ الْإِخْبَارِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 74 مَنْ يَثِقُ بِهِ إلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ عَدَدٍ وَذُكُورَةٍ فِي الْمُخْبِرِ وَلَكِنْ فِي الْخُلَاصَةِ فِي النِّكَاحِ وَالنَّسَبِ لَا بُدَّ أَنْ يُخْبِرَهُ عَدْلَانِ بِخِلَافِ الْمَوْتِ قَالَ وَفِي الْمَوْتِ مَسْأَلَةٌ عَجِيبَةٌ هِيَ إذَا لَمْ يُعَايِنْ الْمَوْتَ إلَّا وَاحِدٌ وَلَوْ شَهِدَ عِنْدَ الْقَاضِي لَا يَقْضِي بِشَهَادَتِهِ وَحْدَهُ مَاذَا يَصْنَعُ قَالُوا يُخْبِرُ بِذَلِكَ عَدْلًا مِثْلَهُ وَإِذَا سَمِعَ مِنْهُ حَلَّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى مَوْتِهِ فَيَشْهَدَ هُوَ مَعَ ذَلِكَ الشَّاهِدِ فَيَقْضِي بِشَهَادَتِهِمَا اهـ. وَظَاهِرُ مَا فِي السِّرَاجِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ خَبَرِ عَدْلَيْنِ فِي الْكُلِّ إلَّا فِي الْمَوْتِ وَصَحَّحَ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّ الْمَوْتَ كَغَيْرِهِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الْمُخْتَارُ الِاكْتِفَاءُ بِالْوَاحِدِ فِي الْمَوْتِ وَالْعَدَالَةُ إنَّمَا تُشْتَرَطُ فِي الْمُخْبِرِ فِي غَيْرِ الْمُتَوَاتِرِ أَمَّا فِي الْمُتَوَاتِرِ فَلَا تُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ وَلَا لَفْظُ الشَّهَادَةِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْإِخْبَارِ وَهُوَ قُصُورٌ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ إذَا شَهِدَ تَعْرِيسَهُ وَزِفَافَهُ أَوْ أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ عَدْلَانِ حَلَّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ أَنَّهَا امْرَأَتُهُ وَذَكَرَ الشَّارِحُ أَنَّهُ إذَا رَأَى رَجُلًا يَدْخُلُ عَلَى امْرَأَتِهِ وَيَنْبَسِطَانِ انْبِسَاطَ الْأَزْوَاجِ وَسَمِعَ مِنْ النَّاسِ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ جَازَ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِهِ وَإِنْ لَمْ يُعَايِنْ النِّكَاحَ وَكَذَا إذَا رَأَى شَخْصًا جَالِسًا مَجْلِسَ الْحُكْمِ يَفْصِلُ الْخُصُومَاتِ جَازَ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى أَنَّهُ قَاضٍ. اهـ. فَظَاهِرُ الْهِدَايَةِ الِاكْتِفَاءُ بِمَا ذُكِرَ وَذَكَرَ غَيْرُهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْإِخْبَارِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهُوَ الْحَقُّ وَفِي الْمُحِيطِ وَلَوْ جَاءَ خَبَرُ مَوْتِ إنْسَانٍ فَصَنَعُوا مَا يُصْنَعُ عَلَى الْمَيِّتِ لَمْ يَسَعْك أَنْ تُخْبِرَ بِمَوْتِهِ حَتَّى يُخْبِرَك ثِقَةٌ أَنَّهُ عَايَنَ مَوْتَهُ؛ لِأَنَّ الْمَصَائِبَ قَدْ تَتَقَدَّمُ عَلَى الْمَوْتِ إمَّا خَطَأً أَوْ غَلَطًا أَوْ حِيلَةً لِقِسْمَةِ الْمَالِ اهـ. وَفِي الْقُنْيَةِ نِكَاحٌ حَضَرَهُ رَجُلَانِ ثُمَّ أَخْبَرَ أَحَدُهُمَا جَمَاعَةً أَنَّ فُلَانًا تَزَوَّجَ فُلَانَةَ بِإِذْنِ وَلِيِّهَا ثُمَّ الْآنَ يَجْحَدُ هَذَا التَّسَامُعَ يَجُوزُ لِلسَّامِعِينَ أَنْ يَشْهَدُوا عَلَى ذَلِكَ اهـ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْقَضَاءَ بِالنَّسَبِ مِمَّا لَا يَقْبَلُ النَّقْضَ لِكَوْنِهِ عَلَى الْكَافَّةِ كَالنِّكَاحِ وَالْحُرِّيَّةِ وَالْوَلَاءِ كَمَا فِي الصُّغْرَى وَكَذَا كَتَبْنَا فِي الْفَوَائِدِ أَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْكَافَّةِ فِي هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ لَكِنْ يُسْتَثْنَى مِنْ النَّسَبِ مَا فِي الْمُحِيطِ مِنْ بَابِ الشَّهَادَةِ بِالتَّسَامُعِ شَهِدَا أَنَّ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ مَاتَ وَهَذَا ابْنُ أَخِيهِ وَوَارِثُهُ قُضِيَ بِالنَّسَبِ وَالْإِرْثِ ثُمَّ أَقَامَ آخَرُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ ابْنُ الْمَيِّتِ وَوَارِثُهُ يُنْقَضُ الْأَوَّلُ وَيَقْضِي لِلثَّانِي؛ لِأَنَّ الِابْنَ مُقَدَّمٌ عَلَى ابْنِ الْأَخِ وَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لَهُ ابْنٌ وَابْنُ أَخٍ فَيُنْقَضُ الْقَضَاءُ فِي حَقِّ الْمِيرَاثِ لَا فِي حَقِّ النَّسَبِ حَتَّى يَبْقَى الْأَوَّلُ ابْنَ عَمٍّ لَهُ حَتَّى يَرِثَ مِنْهُ إذَا مَاتَ وَلَمْ يَتْرُكْ وَارِثًا آخَرَ أَقْرَبَ مِنْهُ فَإِنْ أَقَامَ آخَرُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْمَيِّتَ الْأَوَّلَ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ وَنَسَبَهُ إلَى أَبٍ آخَرَ غَيْرِ الْأَبِ الَّذِي نَسَبَهُ إلَى الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ إنْ ادَّعَى ابْنُ أَخِيهِ لَا يُنْقَضُ الْقَضَاءُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ لَمَّا أَثْبَتَ نَفْسَهُ مِنْ الْأَوَّلِ خَرَجَ عَنْ أَنْ يَكُونَ مَحَلًّا لِإِثْبَاتِهِ فِي إنْسَانٍ آخَرَ وَلَيْسَ فِي الْبَيِّنَةِ الثَّانِيَةِ زِيَادَةُ إثْبَاتٍ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ. وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ مَنْ يَثِقُ بِهِ غَيْرُ الْخَصْمِ إذْ لَوْ أَخْبَرَهُ رَجُلٌ أَنَّهُ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ لَا يَسَعُهُ أَنْ يَعْتَمِدَ عَلَى خَبَرِهِ وَيَشْهَدَ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَازَ لَهُ ذَلِكَ لَجَازَ لِلْقَاضِي الْقَضَاءُ بِقَوْلِهِ كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ وَشَرَطَ فِيهَا لِلْقَبُولِ فِي النَّسَبِ أَنْ يُخْبِرَهُ عَدْلَانِ مِنْ غَيْرِ اسْتِشْهَادِ الرَّجُلِ فَإِنْ أَقَامَ الرَّجُلُ شَاهِدَيْنِ عِنْدَهُ عَلَى نَسَبِهِ لَا يَسَعُهُ أَنْ يَشْهَدَ وَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ غَرِيبًا لَا يَسَعُهُ أَنْ يَشْهَدَ بِنَسَبِهِ حَتَّى يَلْقَى مِنْ أَهْلِ بَلَدِهِ رَجُلَيْنِ عَدْلَيْنِ فَيَشْهَدَانِ عِنْدَهُ عَلَى نَسَبِهِ قَالَ الْجَصَّاصُ وَهُوَ الصَّحِيحُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَمَنْ فِي يَدِهِ شَيْءٌ سِوَى الرَّقِيقِ لَك أَنْ تَشْهَدَ أَنَّهُ لَهُ) ؛ لِأَنَّ الْيَدَ أَقْصَى مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الْمِلْكِ إذْ هِيَ مَرْجِعُ الدَّلَالَةِ فِي الْأَسْبَابِ كُلِّهَا فَيُكْتَفَى بِهَا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يَقَعَ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ لَهُ قَالُوا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا تَفْسِيرًا لِإِطْلَاقِ مُحَمَّدٍ فِي الرِّوَايَةِ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَبِهِ نَأْخُذُ فَهُوَ قَوْلُهُمْ جَمِيعًا اهـ. فَلَوْ رَأَى دُرَّةً فِي يَدِ كَنَّاسٍ أَوْ كِتَابًا بَاقِيًا فِي يَدِ جَاهِلٍ لَا يَشْهَدُ بِالْمِلْكِ لَهُ بِمُجَرَّدِ يَدِهِ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ قَالَ أَنَّهَا دَلِيلُ الْمِلْكِ مَعَ التَّصَرُّفِ لِكَوْنِهَا مُتَنَوِّعَةً إلَى أَمَانَةٍ وَمِلْكٍ قُلْنَا وَالتَّصَرُّفُ يَتَنَوَّعُ أَيْضًا إلَى أَصَالَةٍ وَنِيَابَةٍ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ أَنَّهُ عَايَنَ الْمَالِكَ وَالْمِلْكَ فَإِذَا رَآهُ فِي يَدِ آخَرَ فَجَاءَ الْأَوَّلُ وَادَّعَى الْمِلْكَ وَسِعَهُ أَنْ يَشْهَدَ أَنَّهُ لَهُ بِنَاءً عَلَى يَدِهِ قَالُوا وَكَذَا إذَا عَايَنَ الْمِلْكَ بِحُدُودِهِ دُونَ الْمِلْكِ اسْتِحْسَانٌ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ بِالتَّسَامُعِ لَهُ وَفَرَّعَ عَلَى هَذَا النَّاصِحِيُّ بِأَنَّ الْمَالِكَ لَوْ كَانَ امْرَأَةً   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ فَيُنْقَضُ الْقَضَاءُ فِي حَقِّ الْمِيرَاثِ لَا فِي حَقِّ النَّسَبِ) هَذَا مُنَافٍ لِقَوْلِهِ لَكِنْ يُسْتَثْنَى مِنْ النَّسَبِ إلَخْ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 75 لَا تَخْرُجُ وَلَا يَرَاهَا الرِّجَالُ فَإِنْ كَانَ الْمِلْكُ مَشْهُورًا أَنَّهُ لَهَا جَازَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ شُهْرَةَ الِاسْمِ كَالْمُعَايَنَةِ اهـ. وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ لُزُومَ الشَّهَادَةِ بِالْمَالِ بِالتَّسَامُعِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ فِي ضِمْنِ الشَّهَادَةِ بِالنَّسَبِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَتَعَقَّبَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّ مُجَرَّدَ ثُبُوتِ نَسَبِهِ بِالشَّهَادَةِ عِنْدَ الْقَاضِي لَمْ يُوجِبْ ثُبُوتَ مِلْكِهِ لِتِلْكَ الضَّيْعَةِ لَوْلَا الشَّهَادَةُ بِهِ وَكَذَا الْمَقْصُودُ لَيْسَ إثْبَاتَ النَّسَبِ بَلْ الْمِلْكِ فِي الضَّيْعَةِ. اهـ. وَخَرَجَ مَسْأَلَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنْ لَا يُعَانِيَهُمَا وَإِنَّمَا سَمِعَ أَنَّ لِفُلَانٍ كَذَا الثَّانِيَةُ أَنْ يُعَايِنَ الْمَالِكَ لَا الْمِلْكَ فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ لِكَوْنِهِ مُجَازِفًا فِي الْأُولَى وَفِي الثَّانِيَةِ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ الْعِلْمُ بِالْمَحْدُودِ وَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى أَنَّ مَنْ رَأَى شَيْئًا فِي يَدِ إنْسَانٍ وَلَمْ يَرَهُ قَبْلَ ذَلِكَ فِي يَدِ غَيْرِهِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ مِنْهُ فَإِنْ كَانَ رَآهُ قَبْلَهُ فِي يَدِ غَيْرِهِ فَإِنْ أَخْبَرَهُ بِانْتِقَالِ الْمِلْكِ إلَيْهِ أَوْ بِالْوَكَالَةِ مِنْهُ حَلَّ الشِّرَاءُ وَإِلَّا فَلَا وَكَذَا لَوْ رَأَى جَارِيَةً فِي يَدِ إنْسَانٍ ثُمَّ رَآهَا فِي بَلَدٍ أُخْرَى وَقَالَتْ أَنَا حُرَّةُ الْأَصْلِ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَنْكِحَهَا وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ فِي الْكَرَاهِيَةِ وَاسْتَثْنَى الْمُصَنِّفُ الرَّقِيقَ أَيْ الْعَبْدَ وَالْأَمَةَ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَا كَبِيرَيْنِ لِأَنَّ لَهُمَا يَدًا عَلَى أَنْفُسِهِمَا تَدْفَعُ يَدَ الْغَيْرِ عَنْهُمَا فَانْعَدَمَ دَلِيلُ الْمِلْكِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ فِيهِمَا أَيْضًا اعْتِبَارًا بِالثِّيَابِ. وَالْفَرْقُ مَا بَيَّنَّاهُ وَإِنْ كَانَا صَغِيرَيْنِ لَا يُعَبِّرَانِ عَنْ أَنْفُسِهِمَا كَالْمَتَاعِ لَا يَدَ لَهُمَا فَلَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِالْمِلْكِ لِذَوِي الْيَد وَعَلَى هَذَا فَالْمُرَادُ بِالْكَبِيرِ فِي كَلَامِهِمْ هُنَا مَنْ يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ سَوَاءٌ كَانَ بَالِغًا أَوْ لَا كَمَا فِي النِّهَايَةِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ إنَّمَا يَشْهَدُ بِالْمِلْكِ لِذِي الْيَدِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُخْبِرَهُ عَدْلَانِ بِأَنَّهُ لِغَيْرِهِ فَلَوْ أَخْبَرَاهُ لَمْ تَجُزْ لَهُ الشَّهَادَةُ بِالْمِلْكِ لَهُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَقَدَّمْنَاهُ وَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ إلَى أَنَّ الْقَاضِيَ لَوْ رَأَى عَيْنًا فِي يَدِ رَجُلٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْقَضَاءُ بِالْمِلْكِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ فِي تَقْرِيرِ أَنَّ الشَّاهِدَ إذَا فَسَّرَ لِلْقَاضِي أَنَّهُ يَشْهَدُ عَنْ سَمَاعٍ أَوْ مُعَايَنَةِ يَدٍ لَمْ يَقْبَلْهُ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِسَمَاعِ نَفْسِهِ وَلَوْ تَوَاتَرَ عِنْدَهُ وَلَا بِرُؤْيَةِ نَفْسِهِ فِي يَدِ إنْسَانٍ سَهْوٍ إلَّا أَنْ يَحْمِلَ مَا قَالُوا لَوْ رَأَى شَيْئًا فِي يَدِ إنْسَانٍ ثُمَّ رَآهُ فِي يَدِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَا يَنْتَزِعُهُ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَدَّعِيَهُ الْأَوَّلُ فَمَا فِي الْفَتَاوَى فِيمَا إذَا ادَّعَاهُ الْمَالِكُ وَمَا فِي الشَّرْحِ فِيمَا إذَا لَمْ يَدَّعِهِ (قَوْلُهُ وَإِنْ فَسَّرَ لِلْقَاضِي أَنَّهُ يَشْهَدُ لَهُ بِالتَّسَامُعِ أَوْ بِمُعَايَنَةِ الْيَدِ لَا تُقْبَلُ) وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا ذَكَرَهُ مِسْكِينٌ فِي شَرْحِهِ لَكِنَّهُ اسْتَثْنَى الْمَوْتَ وَالْوَقْفَ فَتُقْبَلُ وَلَوْ فَسَّرَ لِلْقَاضِي أَنَّهُ أَخْبَرَهُ مَنْ يَثِقُ بِهِ وَاسْتَثْنَى الْعِمَادِيُّ فِي الْفُصُولِ الْوَقْفَ فَلَوْ شَهِدَا بِهِ وَقَالَا نَشْهَدُ بِالتَّسَامُعِ تُقْبَلُ؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَ رُبَّمَا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَنْكِحَهَا) لَعَلَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الرِّوَايَةِ الْآتِيَةِ قَرِيبًا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أَنَّ الْقَاضِيَ إلَخْ) مَقُولُ الْقَوْلِ (قَوْلُهُ سَهْوٌ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ إلَخْ) رَدَّهُ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ بِأَنَّهُ لَا سَهْوَ فِي كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ وَمُرَادُهُ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْضِي قَضَاءً مُحْكَمًا مُبْرَمًا بِحَيْثُ لَوْ ادَّعَى الْخَصْمُ لَا يَقْبَلُ مِنْهُ بِدَلِيلِ مَا صَرَّحَ بِهِ قُبَيْلَ هَذَا فِي أَوَّلِ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَقْضِي بِهِ قَضَاءَ تَرْكٍ بِمَعْنَى أَنَّهُ يُتْرَكُ فِي يَدِ ذِي الْيَد مَا دَامَ خَصْمُهُ لَا حُجَّةَ لَهُ حَمَوِيٌّ وَأَقُولُ: لَا حَاجَةَ إلَى تَكَلُّفِ إبْدَاءِ وَجْهِ التَّوْفِيقِ وَدَفْعِ الْمُعَارَضَةِ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ مُخْتَلَفٌ فِيهَا فَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ يُبْتَنَى عَلَى قَوْلِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَنَّ الْقَاضِيَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْضِيَ بِعِلْمِهِ وَهُوَ الْمُفْتَى بِهِ وَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ يُبْتَنَى عَلَى مُقَابِلِهِ أَبُو السُّعُودِ وَفِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ وَلَا يَتَوَهَّمُ الْمُخَالَفَةَ بَيْنَ مَا ذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ وَمَا فِي النِّهَايَةِ فَإِنَّ مَا فِي شَرْحِ الْكَنْزِ هُوَ مَا إذَا رَأَى الْقَاضِي قَبْلَ حَالِ الْقَضَاءِ ثُمَّ رَأَى حَالَ قَضَائِهِ فِي يَدِ غَيْرِهِ كَمَا لَا يَخْفَى. اهـ. (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ فَسَّرَ لِلْقَاضِي إلَخْ) بَقِيَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَسْأَلَةٌ مِنْ الْمَتْنِ لَمْ يَذْكُرْهَا الْمُؤَلِّفُ وَهِيَ قَوْلُهُ بَعْدَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَمَنْ شَهِدَ أَنَّهُ حَضَرَ دَفْنَ فُلَانٍ أَوْ صَلَّى عَلَى جِنَازَتِهِ فَهُوَ مُعَايَنَةٌ حَتَّى لَوْ فَسَّرَ لِلْقَاضِي قُبِلَ قَالَ الشَّارِحُ الزَّيْلَعِيُّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْهَدْ إلَّا بِمَا عَلِمَ فَوَجَبَ قَبُولُهَا لِدُخُولِهِ تَحْتَ قَوْله تَعَالَى {إِلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف: 86] وَقَالَ تَعَالَى {وَمَا شَهِدْنَا إِلا بِمَا عَلِمْنَا} [يوسف: 81] . (قَوْلُهُ وَاسْتَثْنَى الْعِمَادِيُّ فِي الْفُصُولِ الْوَقْفَ إلَخْ) أَفْتَى الْعَلَّامَةُ مُلَّا عَلِيٌّ التُّرْكُمَانِيُّ بِعَدَمِ الْقَبُولِ مُسْتَنِدًا إلَى إطْلَاقِ عِبَارَةِ الْكَنْزِ وَالزَّيْلَعِيِّ وَالْعَيْنِيِّ وَالْوِقَايَةِ وَالنُّقَايَةِ وَالْمُخْتَارِ وَالِاخْتِيَارِ ثُمَّ قَالَ وَفِي الْخَيْرِيَّةِ مِنْ الشَّهَادَةِ وَالشَّهَادَةِ عَلَى الْوَقْفِ بِالسَّمَاعِ أَنْ يَقُولَ الشَّاهِدُ أَشْهَدُ بِهِ لِأَنِّي سَمِعْت مِنْ النَّاسِ أَوْ بِسَبَبِ أَنِّي سَمِعْت مِنْ النَّاسِ وَنَحْوِهِ وَفِيهِ خِلَافٌ فَالْمُتُونُ قَاطِبَةَ قَدْ أَطْلَقَتْ الْقَوْلَ بِأَنَّ الشَّاهِدَ إذَا فَسَّرَ أَنَّهُ يَشْهَدُ بِالسَّمَاعِ لَا تُقْبَلُ وَبِهِ صَرَّحَ قَاضِي خَانْ وَكَثِيرٌ مِنْ عُلَمَائِنَا وَعِبَارَةُ قَاضِي خَانْ وَلَوْ قَالُوا شَهِدْنَا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّا سَمِعْنَا مِنْ النَّاسِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ اهـ. قُلْت: وَعِبَارَةُ الْخَانِيَّةِ إذَا شَهِدَ الشُّهُودُ بِمَا تَجُوزُ بِهِ الشَّهَادَةُ بِالسَّمَاعِ وَقَالُوا شَهِدْنَا لِذَلِكَ؛ لِأَنَّا سَمِعْنَا مِنْ النَّاسِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ انْتَهَتْ ثُمَّ نُقِلَ نَحْوُهُ عَنْ فَتَاوَى شَيْخِ الْإِسْلَامِ عَلِيٍّ أَفَنْدِي التُّرْكِيَّةِ وَعَرَّبَهَا ثُمَّ قَالَ فَتَحَرَّرَ مِنْ النُّقُولِ الْمُعْتَبَرَةِ أَنَّ الشَّاهِدَ فِي أَصْلِ الْوَقْفِ إذَا فَسَّرَ أَنَّهُ يَشْهَدُ بِالتَّسَامُعِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ كَمَا هُوَ صَرِيحُ الْمُتُونِ الْمُتَقَدِّمَةِ الَّتِي تَمْشِي غَالِبًا عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَبِهِ صَرَّحَ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِنَا كَمَا تَقَدَّمَ نَقْلُهُ عَنْ الْخَيْرِيَّةِ وَمَا فِي التَّنْوِيرِ تَبَعًا لِلدُّرَرِ مُسْتَنِدًا فِي الدُّرَرِ لِمَا فِي الْعِمَادِيَّةِ وَفِي التَّنْوِيرِ إلَى الْخُلَاصَةِ قَائِلًا وَهُوَ الْأَصَحُّ فَذَاكَ قَوْلٌ مُخَالِفٌ لِمَا عَلَيْهِ الْمُتُونُ وَكَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَلَى أَنَّا نُقَابِلُ مَا فِي الْعِمَادِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ بِمَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ عَدَمِ قَبُولِهِ؛ لِأَنَّ قَاضِي خَانْ فَقِيهَ النَّفْسِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَحْرِ مِنْ بَابِ الْعَيْبِ وَأَنَّهُ يَقْتَصِرُ عَلَى الْأَشْهَرِ فَكَانَ الْمُعْتَمَدُ وَصَرَّحُوا بِأَنَّ قَاضِي خَانْ مِنْ أَجَلِّ مَنْ يُعْتَمَدُ عَلَى تَصْحِيحَاتِهِ وَيَكْفِينَا أَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَلَيْسَ هَذَا فِي الْوَقْفِ خَاصَّةً بَلْ فِي جَمِيعِ الْمَوَاضِعِ الَّتِي يَجُوزُ لِلشَّاهِدِ الشَّهَادَةُ فِيهَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 76 يَكُونُ عُمُرُهُ عِشْرِينَ سَنَةً وَتَارِيخُ الْوَقْفِ مِائَةُ سَنَةٍ فَيَتَيَقَّنُ الْقَاضِي أَنَّهُ يَشْهَدُ بِالتَّسَامُعِ فَالْإِفْصَاحُ كَالسُّكُوتِ إلَيْهِ أَشَارَ ظَهِيرُ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيُّ وَفِي الْخُلَاصَةِ لَوْ شَهِدَا عِنْدَ الْقَاضِي أَنَّ فُلَانًا مَاتَ وَقَالَا أَخْبَرَنَا بِذَلِكَ مَنْ تَثِقُ بِهِ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا وَهُوَ الْأَصَحُّ وَالْخَصَّافُ أَيْضًا جَوَّزَ ذَلِكَ وَفِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ اهـ. وَمَعْنَى التَّفْسِيرِ لِلْقَاضِي أَنَّهُ شَهِدَ بِالتَّسَامُعِ أَنْ يَقُولَا شَهِدْنَا؛ لِأَنَّا سَمِعْنَا مِنْ النَّاسِ أَمَّا إذَا قَالَا لَمْ نُعَايِنْ ذَلِكَ وَلَكِنَّهُ اشْتَهَرَ عِنْدَنَا جَازَتْ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ وَفِي الْيَنَابِيعِ تَفْسِيرُهُ أَنْ يَقُولَ فِي النِّكَاحِ لَمْ أَحْضُرْ الْعَقْدَ وَفِي غَيْرِهِ أَخْبَرَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ أَوْ سَمِعْت وَنَحْوَهُ وَفِي الْمُحِيطِ مَعْزِيًّا إلَى الْمُنْتَقَى إذَا شَهِدُوا أَنَّهُ مَاتَ عَلَى هَذِهِ الدَّابَّةِ فَهِيَ مِيرَاثٌ وَلَوْ شَهِدُوا أَنَّ أَبَا هَذَا الْمُدَّعِي مَاتَ وَهَذِهِ الدَّارُ كَانَتْ لَهُ يَوْمَ مَاتَ أَوْ شَهْرَ مَاتَ أَوْ سَنَةَ مَاتَ فَهُوَ جَائِزٌ لَهُ وَلَوْ رَآهُ عَلَى حِمَارٍ يَوْمًا لَمْ يَشْهَدْ أَنَّهُ لَهُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ رَكِبَهُ بِالْعَارِيَّةِ وَلَوْ رَآهُ عَلَى حِمَارٍ خَمْسِينَ يَوْمًا أَوْ أَكْثَرَ وَوَقَعَ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ لَهُ وَسِعَهُ أَنْ يَشْهَدَ أَنَّهُ لَهُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَرْكَبُ دَابَّةً مُدَّةً كَثِيرَةً إلَّا بِالْمِلْكِ اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ عَايَنَ الشَّاهِدُ دَابَّةً تَتْبَعُ دَابَّةً وَتَرْضَعُ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِالْمِلْكِ وَالنِّتَاجِ شَهِدَا أَنَّ فُلَانَ ابْنَ فُلَانٍ مَاتَ وَتَرَكَ هَذِهِ الدَّارَ مِيرَاثًا وَلَمْ يُدْرِكَا الْمَيِّتَ فَشَهَادَتُهُمَا بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّهُمَا شَهِدَا بِمِلْكٍ لَمْ يُعَايِنَا سَبَبَهُ وَلَا رَأَيَاهُ فِي يَدِ الْمُدَّعِي اهـ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (بَابُ مَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَمَنْ لَا تُقْبَلُ) يُقَالُ قَبِلْت الْقَوْلَ إذَا حَمَلْته عَلَى الصِّدْقِ كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ وَالْمُرَادُ مَنْ يَجِبُ قَبُولُ شَهَادَتِهِ عَلَى الْقَاضِي وَمَنْ لَا يَجِبُ لَا مَنْ يَصِحُّ قَبُولُهَا وَمَنْ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ مِنْ جُمْلَةِ مَا ذَكَرَهُ مِمَّنْ لَا يُقْبَلُ الْفَاسِقُ وَهُوَ لَوْ قُضِيَ بِشَهَادَتِهِ صَحَّ بِخِلَافِ الْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ وَالزَّوْجَةِ وَالْوَلَدِ وَالْأَصْلِ لَكِنْ فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ إذَا قُضِيَ بِشَهَادَةِ الْأَعْمَى أَوْ الْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ إذَا تَابَ أَوْ بِشَهَادَةِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ مَعَ آخَرَ لِصَاحِبِهِ أَوْ بِشَهَادَةِ الْوَلَدِ لِوَالِدِهِ أَوْ عَكْسِهِ نَفَذَ حَتَّى لَا يَجُوزَ لِلثَّانِي إبْطَالُهُ وَإِنْ رَأَى بُطْلَانَهُ اهـ. فَالْمُرَادُ مِنْ عَدَمِ الْقَبُولِ عَدَمُ حِلِّهِ وَذَكَرَ فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي اخْتِلَافًا فِي النَّفَادِ بِشَهَادَةِ الْمَحْدُودِ بَعْدَ التَّوْبَةِ (قَوْلُهُ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَعْمَى) ؛ لِأَنَّ الْأَدَاءَ يَفْتَقِرُ إلَى التَّمْيِيزِ بِالْإِشَارَةِ بَيْنَ الْمَشْهُودِ لَهُ وَالْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَلَا يُمَيِّزُ الْأَعْمَى إلَّا بِالنَّغْمَةِ وَفِيهِ شُبْهَةٌ يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهَا بِجِنْسِ الشُّهُودِ وَالنِّسْبَةُ لِتَعْرِيفِ الْغَائِبِ دُونَ الْحَاضِرِ وَصَارَ كَالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْأَعْمَى وَقْتَ الشَّهَادَةِ قَبْلَ التَّحَمُّلِ أَوْ بَعْدَهُ وَمَا إذَا عَمَى بَعْدَ الْأَدَاءِ قَبْلَ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِعَدَمِ قَبُولِهَا عَدَمُ الْقَضَاءِ بِهَا؛ لِأَنَّ قِيَامَ أَهْلِيَّتِهَا شَرْطٌ وَقْتَ الْقَضَاءِ لِصَيْرُورَتِهَا حُجَّةً عِنْدَهُ وَصَارَ كَمَا إذَا خَرِسَ أَوْ جُنَّ أَوْ فَسَقَ بِخِلَافِ مَوْتِ الشَّاهِدِ وَغَيْبَتِهِ؛ لِأَنَّ الْأَهْلِيَّةَ بِالْمَوْتِ قَدْ انْتَهَتْ وَبِالْغَيْبَةِ مَا بَطَلَتْ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَشَمِلَ مَا كَانَ طَرِيقُهُ السَّمَاعَ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلِزُفَرَ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ الْإِمَامِ كَمَا فِي الشَّرْحِ وَاخْتَارَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَعَزَاهُ إلَى النِّصَابِ جَازَ مَا بِهِ مِنْ غَيْرِ حِكَايَةِ خِلَافٍ وَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ إلَى عَدَمِ قَبُولِ شَهَادَةِ الْأَخْرَسِ بِالْأَوْلَى سَوَاءٌ كَانَتْ بِالْإِشَارَةِ أَوْ بِالْكِتَابَةِ وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ ابْنِ وَهْبَانَ. (قَوْلُهُ وَالْمَمْلُوكُ وَالصَّبِيُّ) ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْوِلَايَةِ وَلَا وِلَايَةَ لَهُمَا عَلَى نَفْسِهِمَا فَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَكُونَ لَهُمَا عَلَى غَيْرِهِمَا وِلَايَةٌ وَقَدَّمْنَا وَسَيَأْتِي أَنَّ   [منحة الخالق] بِالتَّسَامُعِ وَأَنْتَ عَلَى عِلْمٍ بِأَنَّ مَا فِي الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ مُقَدَّمٌ عَلَى مَا فِي الْفَتَاوَى وَإِنَّمَا أَكْثَرْت النَّقْلَ فِي الْمَسْأَلَةِ لِلِاخْتِلَافِ فِيهَا لِمُحَرِّرِهِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ التُّرْكُمَانِيِّ غَفَرَ اللَّهُ لَهُمَا وَلِلْمُؤْمِنِينَ اهـ. ذَكَرَهُ فِي مَجْمُوعَتِهِ الْفِقْهِيَّةِ الْكُبْرَى وَمِنْ خَطِّهِ نَقَلْت. [بَابُ مَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَمَنْ لَا تُقْبَلُ] (بَابُ مَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَمَنْ لَا تُقْبَلُ) (قَوْلُهُ لَكِنْ إلَخْ) أَقُولُ: لَعَلَّ مَا فِي الْخِزَانَةِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْقَاضِي يَرَى ذَلِكَ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ حَتَّى لَا يَجُوزَ لِلثَّانِي إلَخْ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَذَكَرَ فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي إلَخْ) أَيْ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ فِي بَحْثِ الْقَضَاءِ فِي الْمُجْتَهَدِ فِيهِ وَنَصُّهُ قَضَى بِشَهَادَةِ مَحْدُودِينَ فِي قَذْفٍ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِذَلِكَ ثُمَّ ظَهَرَ لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ وَعَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَ الْمَالَ مِنْ الْمَقْضِيِّ لَهُ وَكَذَا لَوْ عَلِمَ أَنَّهُمَا عَبْدَانِ أَوْ كَافِرَانِ أَوْ أَعْمَيَانِ وَقِيلَ يَنْفُذُ فَإِنَّهُ ذَكَرَ إذَا قَضَى بِشَهَادَةِ مَحْدُودِينَ قَدْ تَابَا ثُمَّ عُزِلَ أَوْ مَاتَ وَرُفِعَ ذَلِكَ إلَى قَاضٍ آخَرَ لَا يَرَاهُ أَمْضَى الْقَضَاءَ الْأَوَّلَ اهـ. أَقُولُ: وَسَيَأْتِي بَعْدَ سَبْعَةِ أَوْرَاقٍ عَدَمُ نَفَاذِ الْقَضَاءِ بِشَهَادَةِ الْعَدُوِّ عَلَى عَدُوِّهِ وَهَلْ يُقَالُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي شَهَادَةِ الْأَجِيرِ الْخَاصِّ صَارَتْ وَاقِعَةُ الْفَتْوَى وَلَمْ أَرَهَا؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ التُّهْمَةُ لَا الْفِسْقُ عَلَى مَا يُحَرِّرُهُ الْمُؤَلِّفُ فِيمَا سَيَأْتِي فِي شَهَادَةِ الْعَدُوِّ وَهَذِهِ مِثْلُهَا (قَوْلُهُ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْأَعْمَى وَقْتَ الشَّهَادَةِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ عُمِيَ بَعْدَ الْأَدَاءِ قَبْلَ الْقَضَاءِ يَقْضِي بِشَهَادَتِهِ قَالَ فِي صَدْرِ الشَّرِيعَةِ وَقَوْلُهُ أَظْهَرُ (قَوْلُهُ وَشَمِلَ مَا كَانَ طَرِيقُهُ السَّمَاعَ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ كَالنَّسَبِ وَالْمَوْتِ وَمَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ بِالشُّهْرَةِ وَالتَّسَامُعِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ (قَوْلُهُ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ عِبَارَةُ الْفَتْحِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَجُوزُ فِيمَا طَرِيقُهُ السَّمَاعُ وَمَا لَا يَكْفِي فِيهِ السَّمَاعُ إذَا كَانَ بَصِيرًا وَقْتَ التَّحَمُّلِ أَعْمَى عِنْدَ الْأَدَاءِ إذَا كَانَ يَعْرِفُهُ بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَاخْتَارَهُ فِي الْخُلَاصَةِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ رَاجَعْنَا الْخُلَاصَةَ فَلَمْ نَجِدْ فِيهَا مَا يَقْتَضِي تَرْجِيحَهُ وَاخْتِيَارَهُ فَرَاجِعْهَا وَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهَا مِنْ بَابِ الْوِلَايَة إلَخْ) قَالَ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ الْوَكَالَةُ وِلَايَةٌ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ أَوَائِلِ عَزْلِ الْوَكِيلِ وَالْعَبْدُ مَحْجُورًا كَانَ أَوْ مَأْذُونًا تَجُوزُ وَكَالَتُهُ فَتَأَمَّلْ فِي جَوَابِهِ اهـ. وَمِثْلُهُ تَوْكِيلُ صَبِيٍّ يَعْقِلُ وَقَدْ يُقَالُ وِلَايَتُهُمَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 77 ثُبُوتَ حُرِّيَّةِ الشَّاهِدِ إمَّا بِظَاهِرِ الدَّارِ عِنْدَ عَدَمِ طَعْنِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ أَوْ بَيِّنَةٍ يُقِيمُهَا الشَّاهِدُ عِنْدَ طَعْنِ الْخَصْمِ بِخِلَافِ مَا إذَا طَعَنَ بِأَنَّهُ مَحْدُودٌ فِي قَذْفٍ أَوْ شَرِيكِ الْمُدَّعِي فَإِنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ وَقَدَّمْنَا أَنَّ الصَّبِيَّ إذَا بَلَغَ فَشَهِدَ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّزْكِيَةِ وَكَذَا الْكَافِرُ إذَا أَسْلَمَ وَأَنَّ الْكَافِرَ إذَا عَدَلَ فِي كُفْرِهِ لِشَهَادَةٍ ثُمَّ أَسْلَمَ فَشَهِدَ فَإِنَّهُ يَكْفِي التَّعْدِيلُ الْأَوَّلُ وَفِي الْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ مَاتَ وَتَرَكَ عَبْدًا لَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ وَقِيمَتُهُ أَلْفٌ وَلَا يُعْلَمُ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَأَعْتَقَهُ الْوَارِثُ ثُمَّ شَهِدَ الْعَبْدُ شَهَادَاتٍ وَاسْتَقْضَى بِقَضَايَا ثُمَّ أَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمَيِّتِ بِالدَّيْنِ فَإِنَّ الْعَبْدَ يُرَدُّ رَقِيقًا وَبَطَلَ عِتْقُهُ وَمَا شَهِدَ بِهِ فَإِنْ أَبْرَأَ الْغَرِيمُ الْمَيِّتَ جَازَ الْعِتْقُ لَا الشَّهَادَةُ وَالْقَضَاءُ وَتَمَامُهُ فِيهِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْقِنَّ وَالْمُكَاتَبَ وَالْمُدَبَّرَ وَأُمَّ الْوَلَدِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَمُعْتَقُ الْبَعْضِ كَالْمُكَاتَبِ وَالْمُعْتَقُ فِي الْمَرَضِ كَالْمُكَاتَبِ فِي زَمَنِ سِعَايَتِهِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَالْمُدَبَّرُ بَعْدَ مَوْتِ مَوْلَاهُ إذَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ فِي زَمَنِ سِعَايَتِهِ كَالْمُكَاتَبِ عِنْدَهُ وَحُرٌّ مَدْيُونٌ عِنْدَهُمَا كَمَا فِي جِنَايَاتِ الْمَجْمَعِ وَالْكَافِي. وَفِي الْكَافِي مِنْ الشَّهَادَاتِ رَجُلٌ مَاتَ عَنْ عَمٍّ وَأَمَتَيْنِ وَعَبْدَيْنِ فَأَعْتَقَ الْعَمُّ الْعَبْدَيْنِ فَشَهِدَا بِبِنْتِيَّةِ إحْدَاهُمَا بِعَيْنِهَا لِلْمَيِّتِ أَيْ أَنَّهُ أَقَرَّ بِهَا فِي حَيَاتِهِ وَصِحَّتِهِ لَمْ تُقْبَلْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ فِي قَبُولِهَا ابْتِدَاءً بُطْلَانَهَا انْتِهَاءً؛ لِأَنَّ مُعْتَقَ الْبَعْضِ فِي حُكْمِ الْمُكَاتَبِ عِنْدَهُ وَلَا شَهَادَةَ لَهُ وَعِنْدَهُمَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ مَدْيُونٌ وَلَوْ شَهِدَا أَنَّ الثَّانِيَةَ أُخْتُ الْمَيِّتِ قَبْلَ الْأُولَى أَوْ بَعْدَهَا أَوْ مَعَهَا لَا تُقْبَلُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّا لَوْ قَبِلْنَا لَصَارَتْ عَصَبَةً مَعَ الْبِنْتِ فَيَخْرُجُ الْعَمُّ عَنْ الْوِرَاثَةِ فَيَبْطُلُ الْعِتْقُ اهـ. وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُؤَلِّفُ الْمَجْنُونَ وَلَا خَفَاءَ فِي عَدَمِ قَبُولِهَا وَفِي الْمُحِيطِ وَمَنْ يُجَنُّ سَاعَةً وَيُفِيقُ سَاعَةً فَشَهِدَ فِي حَالِ الصِّحَّةِ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْإِغْمَاءِ وَالْإِغْمَاءُ لَا يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ وَقَدَّرَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا جُنُونَهُ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ حَتَّى لَوْ جُنَّ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ ثُمَّ أَفَاقَ فَشَهَادَتُهُ جَائِزَةٌ فِي حَالِ الصِّحَّةِ اهـ. وَلَمْ يَذْكُرْ أَيْضًا الْمُغَفَّلَ وَفِي الْمُحِيطِ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي رَجُلٍ أَعْجَمِيٍّ صَوَّامٍ قَوَّامٍ مُغَفَّلٍ يُخْشَى عَلَيْهِ أَنْ يُلَقَّنَ فَيُؤْخَذَ بِهِ قَالَ هَذَا شَرٌّ مِنْ الْفَاسِقِ فِي الشَّهَادَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أُجِيزُ شَهَادَةَ الْمُغَفَّلِ وَلَا أُجِيزُ تَعْدِيلَهُ؛ لِأَنَّ التَّعْدِيلَ يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الرَّأْيِ وَالتَّدْبِيرِ وَالْمُغَفَّلُ لَا يَسْتَقْصِي فِي ذَلِكَ اهـ. وَلَا بُدَّ لِصِحَّةِ الْقَضَاءِ مِنْ حُصُولِ الْحُرِّيَّةِ لِلشَّاهِدِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَلَوْ قَضَى بِشَهَادَتِهِمْ ثُمَّ ظَهَرُوا عَبِيدًا بَطَلَ الْقَضَاءُ وَهِيَ مَسْأَلَةُ ظُهُورِ خَطَأِ الْقَاضِي وَفِي الْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ قَضَى الْقَاضِي بِوِصَايَةِ بَيِّنَةٍ وَأَخَذَ مَا عَلَى النَّاسِ مِنْ الدُّيُونِ ثُمَّ وَجَدُوا عَبِيدًا فَقَدْ بَرِئَ الْغُرَمَاءُ وَلَوْ كَانَ مِثْلَهُ فِي الْوَكَالَةِ لَمْ يَبْرَءُوا. اهـ. وَلَمْ يَذْكُرْ الْفَرْقَ وَكَأَنَّهُ لِكَوْنِهِمْ دَفَعُوا لَهُ دَيْنَ الْمَيِّتِ بِإِذْنِ الْقَاضِي وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ الْإِيصَاءُ بِمَنْزِلَةِ إذْنِهِ لَهُمْ فِي الدَّفْعِ إلَى أَمِينِهِ بِخِلَافِ الْوَكَالَةِ إذْ لَا يَصِحُّ إذْنُهُ لِلْغَرِيمِ بِدَفْعِ دَيْنِ الْحَيِّ إلَى غَيْرِهِ (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَتَحَمَّلَا فِي الرِّقِّ وَالصِّغَرِ وَأَدَّيَا بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ وَالْبُلُوغِ) ؛ لِأَنَّهُمَا أَهْلٌ لِلتَّحَمُّلِ؛ لِأَنَّ التَّحَمُّلَ بِالشَّهَادَةِ وَالسَّمَاعِ وَيَبْقَى إلَى وَقْتِ الْأَدَاءِ بِالضَّبْطِ وَهُمَا لَا يُنَافِيَانِ ذَلِكَ وَهُمَا أَهْلٌ عِنْدَ الْأَدَاءِ وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْكَافِرَ إذَا تَحَمَّلَهَا عَلَى مُسْلِمٍ ثُمَّ أَسْلَمَ فَأَدَّاهَا تُقْبَلُ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا لَمْ يُؤَدِّهَا إلَّا بَعْدَ الْأَهْلِيَّةِ أَوْ أَدَّاهَا قَبْلَهَا فَرُدَّتْ ثُمَّ زَالَتْ الْعِلَّةُ فَأَدَّاهَا ثَانِيًا وَلِذَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ وَمَتَى رُدَّتْ شَهَادَةُ الشَّاهِدِ لِعِلَّةٍ ثُمَّ زَالَتْ الْعِلَّةُ فَشَهِدَ فِي تِلْكَ الْحَادِثَةِ لَا تُقْبَلُ إلَّا فِي أَرْبَعَةٍ الْعَبْدِ وَالْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ وَالْأَعْمَى وَالصَّبِيِّ إذَا شَهِدُوا فَرُدَّتْ ثُمَّ زَالَ الْمَانِعُ فَشَهِدُوا فِي تِلْكَ الْحَادِثَةِ فَإِنَّهُ تُقْبَلُ اهـ. فَعَلَى هَذَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الزَّوْجِ وَالْأَجِيرِ وَالْمُغَفَّلِ وَالْمُتَّهَمِ وَالْفَاسِقِ بَعْدَ رَدِّهَا وَإِدْخَالُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ مَعَ الْأَرْبَعَةِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ سَهْوٌ   [منحة الخالق] فِي الْوَكَالَةِ غَيْرُ أَصْلِيَّةٍ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَقَدَّمْنَا أَنَّ الصَّبِيَّ إلَخْ) قَدَّمَهُ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمَتْنِ وَسَأَلَ عَنْ الشُّهُودِ وَقَدَّمَ أَيْضًا هُنَاكَ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ الْفَرْقَ بَيْنَ الصَّبِيِّ وَالْكَافِرِ وَهُوَ أَنَّ الْكَافِرَ كَانَ لَهُ شَهَادَةٌ مَقْبُولَةٌ قَبْلَ إسْلَامِهِ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ (قَوْلُهُ فَشَهِدَا بِبِنْتِيَّةِ إحْدَاهُمَا) أَيْ شَهِدَا أَنَّ إحْدَى الْأَمَتَيْنِ وَهِيَ فُلَانَةُ بِنْتُ الْمَيِّتِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّا لَوْ قَبِلْنَا لَصَارَتْ عَصَبَةً مَعَ الْبِنْتِ) قَالَ الشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ السَّائِحَانِيُّ هَذَا غَيْرُ ظَاهِرٍ عِنْدَ سَبْقِ شَهَادَةِ الْأُخْتِيَّةِ بَلْ الْعِلَّةُ فِيهَا هِيَ عِلَّةُ الْبِنْتِيَّةِ فَتَفَقَّهْ (قَوْلُهُ وَكَأَنَّهُ لِكَوْنِهِمْ دَفَعُوا إلَخْ) قَالَ الشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ السَّائِحَانِيُّ نَقْلًا عَنْ الْمَقْدِسِيَّ فَعَلَى هَذَا مَا يَقَعُ الْآنَ كَثِيرًا مِنْ تَوْلِيَةِ شَخْصٍ نَظَرَ وَقْفٍ فَيَتَصَرَّفُ فِيهِ تَصَرُّفَ مِثْلِهِ مِنْ قَبْضٍ وَصَرْفٍ وَشِرَاءٍ وَبَيْعٍ ثُمَّ يَظْهَرُ أَنَّهُ يُغَيِّرُ شَرْطَ الْوَاقِفِ أَوْ أَنَّ إنْهَاءَهُ بَاطِلٌ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَضْمَنَ؛ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ بِإِذْنِ الْقَاضِي كَالْوَصِيِّ فَلْيُتَأَمَّلْ قُلْتُ: وَتَقَدَّمَ فِي الْوَقْفِ مَا يُؤَيِّدُهُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِدْخَالُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ مَعَ الْأَرْبَعَةِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ سَهْوٌ) وَالْعَجَبُ أَنَّهُ ذَكَرَ أَوَّلًا أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ كَمَا لَوْ رُدَّتْ لِفِسْقٍ ثُمَّ تَابَ ثُمَّ قَالَ فَصَارَ الْحَاصِلُ إلَخْ فَذَكَرَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ مَعَ مَنْ يُقْبَلُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ سَبْقُ قَلَمٍ لِمُخَالَفَتِهِ صَدْرَ كَلَامِهِ وَلَمَّا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَلِمُخَالَفَتِهِ لِقَوْلِ الْخُلَاصَةِ لَا تُقْبَلُ إلَّا فِي أَرْبَعَةٍ وَلِمَا فِي الْجَوْهَرَةِ إذَا شَهِدَ الزَّوْجُ الْحُرُّ لِزَوْجَتِهِ فَرُدَّتْ ثُمَّ أَبَانَهَا وَتَزَوَّجَتْ غَيْرَهُ ثُمَّ شَهِدَ لَهَا بِتِلْكَ الشَّهَادَةِ لَمْ تُقْبَلْ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ تَوَصَّلَ بِطَلَاقِهَا إلَى تَصْحِيحِ شَهَادَتِهِ وَكَذَا إذَا شَهِدَتْ لِزَوْجِهَا ثُمَّ أَبَانَهَا ثُمَّ شَهِدَتْ لَهُ اهـ. وَلِمَا فِي الْبَدَائِعِ لَوْ شَهِدَ الْفَاسِقُ فَرُدَّتْ أَوْ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ لِصَاحِبِهِ فَرُدَّتْ ثُمَّ شَهِدَا بَعْدَ التَّوْبَةِ وَالْبَيْنُونَةِ لَا تُقْبَلُ وَلَوْ شَهِدَ الْعَبْدُ أَوْ الصَّبِيُّ أَوْ الْكَافِرُ فَرُدَّتْ ثُمَّ عَتَقَ وَبَلَغَ وَأَسْلَمَ وَشَهِدَ فِي تِلْكَ الْحَادِثَةِ بِعَيْنِهَا تُقْبَلُ وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الْفَاسِقَ وَالزَّوْجَ لَهُمَا شَهَادَةٌ فِي الْجُمْلَةِ فَإِذَا رُدَّتْ لَا تُقْبَلُ بَعْدُ بِخِلَافِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 78 وَلَا بُدَّ مِنْ حُكْمِ الْقَاضِي بِرَدِّ شَهَادَتِهِ كَمَا سَيَأْتِي وَأَطْلَقَ فِي تَحَمُّلِ الْعَبْدِ فَشَمِلَ مَا إذَا تَحَمَّلَهَا لِمَوْلَاهُ ثُمَّ أَدَّاهَا بَعْدَ عِتْقِهِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَأَرَادَ بِالْحُرِّيَّةِ الْحُرِّيَّةَ النَّافِذَةَ وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِهِ لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ أَعْتَقَ عَبْدَهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ ثُمَّ شَهِدَ هَذَا لَا تُقْبَلُ عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ عِتْقَهُ مَوْقُوفٌ اهـ. وَفِي السِّرَاجِيَّةِ إذَا طَعَنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي الشُّهُودِ أَنَّهُمْ عَبِيدٌ فَعَلَى الْمُدَّعِي إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَى حُرِّيَّتِهِمْ وَلَوْ قَالَ هُمَا مَحْدُودَانِ فِي الْقَذْفِ فَعَلَى الطَّاعِنِ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ. (قَوْلُهُ وَالْمَحْدُودُ فِي قَذْفٍ وَلَوْ تَابَ) لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} [النور: 4] وَلِأَنَّهُ مِنْ تَمَامِ الْحَدِّ لِكَوْنِهِ مَانِعًا فَيَبْقَى بَعْدَ التَّوْبَةِ كَأَصْلِهِ بِخِلَافِ الْمَحْدُودِ فِي غَيْرِهِ لِأَنَّ الرَّدَّ لِلْفِسْقِ وَقَدْ ارْتَفَعَ بِالتَّوْبَةِ وَالِاسْتِثْنَاءُ فِي الْآيَةِ يَنْصَرِفُ إلَى مَا يَلِيهِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 4] أَوْ هُوَ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ بِمَعْنَى لَكِنْ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَفِي التَّحْرِيرِ الْأَوْجَهُ أَنَّهُ مُتَّصِلٌ وَقَرَّرَهُ فِي التَّلْوِيحِ بِأَنَّ الْمَعْنَى أُولَئِكَ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ مَحْكُومٌ عَلَيْهِمْ بِالْفِسْقِ إلَّا التَّائِبِينَ، وَأَمَّا رُجُوعُ الِاسْتِثْنَاءِ إلَى الْكُلِّ فِي آيَةِ الْمُحَارَبِينَ فَلِدَلِيلٍ اقْتَضَاهُ وَهُوَ قَوْلُهُ {مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} [المائدة: 34] فَإِنَّهُ لَوْ عَادَ إلَى الْأَخِيرِ أَعْنِي قَوْلَهُ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ لَمْ يَبْقَ لَهُ فَائِدَةٌ؛ لِأَنَّ التَّوْبَةَ تُسْقِطُهُ مُطْلَقًا فَفَائِدَتُهُ سُقُوطُ الْحَدِّ وَتَمَامُهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي الْبَدَائِعِ كُلُّ فَاسِقٍ تَابَ عَنْ فِسْقِهِ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ وَشَهَادَتُهُ إلَّا اثْنَيْنِ الْمَحْدُودَ فِي الْقَذْفِ وَالْمَعْرُوفَ بِالْكَذِبِ؛ لِأَنَّ مَنْ صَارَ مَعْرُوفًا بِالْكَذِبِ وَاشْتُهِرَ بِهِ لَا يُعْرَفُ صِدْقُهُ مِنْ تَوْبَتِهِ بِخِلَافِ الْفَاسِقِ إذَا تَابَ عَنْ سَائِرِ أَنْوَاعِ الْفِسْقِ فَإِنَّ شَهَادَتَهُ تُقْبَلُ اهـ. وَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى أَنَّ شَهَادَتَهُ لَا تَسْقُطُ مَا لَمْ يُضْرَبْ تَمَامَ الْحَدِّ وَهُوَ صَرِيحُ الْمَبْسُوطِ؛ لِأَنَّ الْمَحْدُودَ مَنْ ضُرِبَ الْحَدَّ أَيْ تَمَامًا؛ لِأَنَّ مَا دُونَهُ يَكُونُ تَعْزِيرًا غَيْرَ مُسْقِطٍ لَهَا وَلَوْ قَالَ الْمُؤَلِّفُ إنْ لَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً عَلَى صِدْقِهِ لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّهُ لَوْ أَقَامَ أَرْبَعَةً بَعْدَمَا حُدَّ عَلَى أَنَّهُ زَنَى قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ بَعْدَ التَّوْبَةِ فِي الصَّحِيحِ لِأَنَّهُ لَوْ أَقَامَهَا قَبْلَهُ لَمْ يُحَدَّ فَكَذَا لَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ كَذَا ذَكَرَ الشَّارِحُ وَتَمَامُهُ فِي الْعَتَّابِيَّةِ وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ عَلَى أَنَّهُ زَنَى؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى إقْرَارِ الْمَقْذُوفِ بِالزِّنَا لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونُوا أَرْبَعَةً لِمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ بَابِ حَدِّ الْقَذْفِ فَإِنَّهُ شَهِدَ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ عَلَى إقْرَارِ الْمَقْذُوفِ بِالزِّنَا يُدْرَأُ الْحَدُّ عَنْ الْقَاذِفِ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ بِالْمُعَايَنَةِ إلَى آخِرِهِ فَكَذَا إذَا أَقَامَ رَجُلَيْنِ بَعْدَ حَدِّهِ عَلَى إقْرَارِهِ بِالزِّنَا تَعُودُ شَهَادَتُهُ كَمَا لَا يَخْفَى ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ لَهُمْ عِنْدَنَا عَائِدٌ إلَى الْمَحْدُودِينَ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ إلَى الْقَاذِفِينَ الْعَاجِزِينَ عَنْ الْإِثْبَاتِ كَمَا ذَكَرَهُ الْفَخْرُ الرَّازِيّ فَلَوْ لَمْ يُحَدَّ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عِنْدَنَا خِلَافًا قَالَهُ وَلَوْ قَذَفَ رَجُلًا ثُمَّ شَهِدَ مَعَ ثَلَاثَةٍ عَلَى أَنَّهُ زَنَى فَإِذَا كَانَ حُدَّ لَمْ يُحَدَّ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يُحَدَّ الْقَاذِفُ حُدَّ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يُحَدَّ الْكَافِرُ فِي قَذْفٍ ثُمَّ أَسْلَمَ) يَعْنِي فَتُقْبَلَ وَلَوْ كَانَ مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ؛ لِأَنَّ لِلْكَافِرِ شَهَادَةً فَكَانَ رَدُّهَا مِنْ تَمَامِ الْحَدِّ وَبِالْإِسْلَامِ حَدَثَتْ شَهَادَةٌ أُخْرَى وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهَا تُقْبَلُ بَعْدَ إسْلَامِهِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ فَقَطْ قَالَ الْمُؤَلِّفُ فِي الْكَافِي فَإِنْ أَسْلَمَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِمْ وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ ضَرُورَةً وَتَمَامُهُ فِي الْعَتَّابِيَّةِ قَيَّدَ بِالْكَافِرِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ إذَا حُدَّ حَدَّ الْقَذْفِ ثُمَّ عَتَقَ حَيْثُ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا شَهَادَةَ لِلْعَبْدِ أَصْلًا فِي حَالِ رِقِّهِ فَيَتَوَقَّفُ الرَّدُّ عَلَى حُدُوثِهَا فَإِذَا حَدَثَ كَانَ رَدُّ شَهَادَتِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ مِنْ تَمَامِ حَدِّهِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ أَنَّهُ أَسْلَمَ بَعْدَمَا ضُرِبَ تَمَامَ الْحَدِّ فَلَوْ أَسْلَمَ بَعْدَمَا ضُرِبَ بَعْضَهُ فَضُرِبَ الْبَاقِي بَعْدَ إسْلَامِهِ فَفِيهِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا تَبْطُلُ شَهَادَتُهُ عَلَى التَّأْبِيدِ فَإِذَا تَابَ قُبِلَتْ وَفِي رِوَايَةٍ تَبْطُلُ إنْ ضُرِبَ الْأَكْثَرُ بَعْدَ إسْلَامِهِ وَفِي رِوَايَةٍ وَلَوْ سَوْطًا كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَوَضْعُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِسْلَام لَا يُسْقِطُ حَدَّ الْقَذْفِ وَهَلْ يُسْقِطُ شَيْئًا مِنْ الْحُدُودِ قَالَ الشَّيْخُ عُمَرُ قَارِئُ الْهِدَايَةِ إذَا سَرَقَ الذِّمِّيُّ أَوْ زَنَى ثُمَّ أَسْلَمَ فَإِنْ ثَبَتَ عَلَيْهِ ذَلِكَ بِإِقْرَارِهِ أَوْ بِشَهَادَةِ الْمُسْلِمِينَ لَا يُدْرَأُ عَنْهُ وَإِنْ ثَبَتَ بِشَهَادَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَأَسْلَمَ سَقَطَ عَنْهُ الْحَدُّ اهـ. وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ كَذَلِكَ فِي حَدِّ الْقَذْفِ وَفِي الْيَتِيمَةِ مِنْ كِتَابِ السَّيْرِ أَنَّ الذِّمِّيَّ إذَا وَجَبَ التَّعْزِيرُ عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ وَلَمْ أَرَ حُكْمَ الصَّبِيِّ إذَا وَجَبَ التَّعْزِيرُ عَلَيْهِ لِلتَّأْدِيبِ فَبَلَغَ وَنَقَلَ   [منحة الخالق] الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ وَالْكَافِرِ إذْ لَا شَهَادَةَ لَهُمْ أَصْلًا اهـ. كَذَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ وَفِيهَا قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى لَوْ شَهِدَ الْمَوْلَى لِعَبْدِهِ بِالنِّكَاحِ فَرُدَّتْ ثُمَّ شَهِدَ لَهُ بِذَلِكَ بَعْدَ الْعِتْقِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْمَرْدُودَ كَانَ شَهَادَةً ثُمَّ قَالَ وَالصَّبِيُّ أَوْ الْمُكَاتَبُ إذَا شَهِدَ فَرُدَّتْ ثُمَّ شَهِدَهَا بَعْدَ الْبُلُوغِ وَالْعِتْقِ جَازَ؛ لِأَنَّ الْمَرْدُودَ لَمْ يَكُنْ شَهَادَةً بِدَلِيلِ أَنَّ قَاضِيًا لَوْ قَضَى بِهِ لَا يَجُوزُ فَإِذَا عَرَفْت يَسْهُلُ عَلَيْك تَخْرِيجُ الْمَسَائِلِ أَنَّ الْمَرْدُودَ لَوْ كَانَ شَهَادَةً لَا تَجُوزُ بَعْدَ ذَلِكَ أَبَدًا وَلَوْ لَمْ يَكُنْ شَهَادَةً تُقْبَلُ عِنْدَ اجْتِمَاعِ الشَّرَائِطِ اهـ. وَلَكِنْ يَشْكُلُ عَلَيْهِ شَهَادَةُ الْأَعْمَى إذْ لَوْ قَضَى بِهَا جَازَ فَهِيَ شَهَادَةٌ وَقَدْ حَكَمَ بِقَبُولِهَا بِزَوَالِ الْعَمَى. اهـ. (قَوْلُهُ وَفِي السِّرَاجِيَّةِ إذَا طَعَنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي الشُّهُودِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ سَيَأْتِي عَنْ الْخُلَاصَةِ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْجَرْحِ الْمُجَرَّدِ أَنَّهُ يُقَالُ لِلشَّاهِدَيْنِ أَقِيمَا الْبَيِّنَةَ عَلَى الْحُرِّيَّةِ وَهُوَ صَرِيحُ مَا تَقَدَّمَ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَالْمَمْلُوكُ وَمَا هُنَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُدَّعِي وَهُوَ قَوْلُهُ فَعَلَى الْمُدَّعِي إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَى حُرِّيَّتِهِمْ فَتَأَمَّلْ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 79 الْفَخْرُ الرَّازِيّ عَنْ الشَّافِعِيَّةِ سُقُوطَهُ لَوْ لِزَجْرِهِ بِالْبُلُوغِ وَمُقْتَضَى مَا فِي الْيَتِيمَةِ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ إلَّا أَنْ يُوجَدَ نَقْلٌ صَرِيحٌ (قَوْلُهُ وَالْوَلَدِ لِأَبَوَيْهِ وَجَدَّيْهِ وَعَكْسِهِ) أَيْ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَةُ الْفَرْعِ لِأَصْلِهِ وَالْأَصْلِ لِفَرْعِهِ لِلْحَدِيثِ وَلِأَنَّ الْمَنَافِعَ بَيْنَ الْأَوْلَادِ وَالْآبَاءِ مُتَّصِلَةٌ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ أَدَاءُ الزَّكَاةِ إلَيْهِمْ فَتَكُونُ شَهَادَةً لِنَفْسِهِ مِنْ وَجْهٍ وَأَطْلَقَ الْوَلَدَ فَشَمِلَ الْوَلَدَ مِنْ وَجْهٍ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ وَلَدِ الْمُلَاعِنِ لِأُصُولِهِ أَوْ هُوَ لَهُ أَوْ لِفَرْعِهِ لِثُبُوتِهِ مِنْ وَجْهٍ بِدَلِيلِ صِحَّةِ دَعْوَتِهِ مِنْهُ وَعَدَمِهَا مِنْ غَيْرِهِ وَتَحْرُمُ مُنَاكَحَتُهُ وَوَضْعُ الزَّكَاةِ فِيهِ فَأَحْكَامُ الْبُنُوَّةِ ثَابِتَةٌ لَهُ إلَّا الْإِرْثَ وَالنَّفَقَةَ مِنْ الطَّرَفَيْنِ كَوَلَدِ الْعَاهِرِ وَلَوْ بَاعَ أَحَدَ التَّوْأَمَيْنِ وَقَدْ وُلِدَا فِي مِلْكِهِ وَأَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي فَشَهِدَا لِبَائِعِهِ تُقْبَلُ فَإِنْ ادَّعَى الْبَاقِيَ ثَبَتَ نَسَبُهُمَا وَانْتُقِضَ الْبَيْعُ وَالْعِتْقُ وَالْقَضَاءُ وَيَرُدُّ مَا قَبَضَ أَوْ مِثْلَهُ إنْ هَلَكَ لِلِاسْتِنَادِ لِتَحْوِيلِ الْعَقْدِ وَإِنْ كَانَ الْقَضَاءُ قِصَاصًا فِي طَرَفٍ أَوْ نَفْسٍ فَأَرْشُهُ عَلَيْهِ دُونَ الْعَاقِلَةِ وَتَمَامُهُ فِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ مِنْ بَابِ شَهَادَةِ وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ وَلَدِ أُمِّ الْوَلَدِ الْمَنْفِيِّ مِنْ السَّيِّدِ وَلَا يُعْطِيهِ الزَّكَاةَ كَوَلَدِ الْحُرَّةِ الْمَنْفِيِّ بِاللَّعَّانِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لِابْنِهِ رَضَاعًا وَفِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ شَهِدَ ابْنَاهُ أَنَّ الطَّالِبَ أَبْرَأَ أَبَاهُمَا وَاحْتَالَ بِدَيْنِهِ عَلَى فُلَانٍ لَمْ تَجُزْ إذَا كَانَ الطَّالِبُ مُنْكِرًا وَإِنْ كَانَ الْمَالُ عَلَى غَيْرِ أَبِيهِمَا فَشَهِدُوا أَنَّ الطَّالِبَ أَحَالَ بِهِ أَبَاهُمَا وَالطَّالِبُ يُنْكِرُ وَالْمَطْلُوبُ يَدَّعِي الْبَرَاءَةَ وَالْحَوَالَةُ جَازَتْ اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ إذَا شَهِدَا عَلَى فِعْلِ أَبِيهِمَا فِعْلًا مُلْزِمًا لَا تُقْبَلُ إذَا كَانَ لِلْأَبِ فِيهِ مَنْفَعَةٌ اتِّفَاقًا وَإِلَّا فَعَلَى قَوْلِهِمَا لَا تُقْبَلُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ رِوَايَتَانِ فَلَوْ قَالَ إنْ كَلَّمَك فُلَانٌ فَأَنْت حُرٌّ فَادَّعَى فُلَانٌ أَنَّهُ كَلَّمَهُ وَشَهِدَ ابْنَاهُ بِهِ لَمْ تُقْبَلْ عِنْدَهُمَا وَكَذَا إذَا عَلَّقَ عِتْقَهُ بِدُخُولِهِ الدَّارَ وَلَوْ أَنْكَرَ الْأَبُ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا وَكَذَا الْحُكْمُ فِي كُلِّ شَيْءٍ كَانَ مِنْ فِعْلِ الْأَبِ مِنْ نِكَاحٍ أَوْ طَلَاقٍ أَوْ بَيْعٍ وَإِنْ شَهِدَ ابْنَا الْوَكِيلِ عَلَى عَقْدِ الْوَكِيلِ فَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلِ أَنْ يُقِرَّ الْمُوَكِّلُ وَالْوَكِيلُ بِالْأَمْرِ وَالْعَقْدِ وَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ فَإِنْ ادَّعَاهُ الْخَصْمُ قَضَى الْقَاضِي بِالتَّصَادُقِ لَا بِالشَّهَادَةِ وَإِنْ أَنْكَرَ فَعَلَى قَوْلِهِمَا لَا تُقْبَلُ وَلَا يَقْضِي بِشَيْءٍ إلَّا فِي الْخُلْعِ فَإِنَّهُ يَقْضِي بِالطَّلَاقِ بِغَيْرِ مَالٍ لِإِقْرَارِ الزَّوْجِ بِهِ وَهُوَ الْمُوَكِّلُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ يَقْضِي بِالْعَقْدِ إلَّا بِعَقْدٍ تَرْجِعُ حُقُوقُهُ إلَى الْعَاقِدِ كَالْبَيْعِ. الثَّانِي أَنْ يُنْكِرَ الْوَكِيلُ وَالْمُوَكِّلُ فَإِنْ جَحَدَ الْخَصْمُ لَا تُقْبَلُ وَإِلَّا تُقْبَلُ اتِّفَاقًا. الثَّالِثِ أَنْ يُقِرَّ الْوَكِيلُ بِهِمَا وَيَجْحَدَ الْمُوَكِّلُ الْعَقْدَ فَقَطْ فَإِنْ ادَّعَاهُ الْخَصْمُ يَقْضِي بِالْعُقُودِ كُلِّهَا إلَّا النِّكَاحَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَتَمَامُهُ فِيهِ وَقَيَّدَ بِالشَّهَادَةِ لَهُمْ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى أَصْلِهِ وَفَرْعِهِ مَقْبُولَةٌ إلَّا إذَا شَهِدَ الْجَدُّ عَلَى ابْنِهِ لِابْنِ ابْنِهِ قُلْنَا إنَّهَا لَا تُقْبَلُ لِوُجُودِ الْمَانِعِ مِنْ الْمَشْهُودِ لَهُ وَفِي الْمُحِيطِ قَالَ مُحَمَّدٌ رَجُلٌ شَهِدَ لِابْنِ ابْنِهِ عَلَى أَبِيهِ؛ لِأَنَّهُ حِينَ شَهِدَ عَلَيْهِ لَمْ يَصِرْ جَدًّا لِوَلَدِهِ بَلْ يَصِيرُ جَدًّا بَعْدَ حُكْمِ الْحَاكِمِ بِشَهَادَتِهِ فَحِينَئِذٍ يَصِيرُ جَدًّا بِمُوجَبِ الشَّهَادَةِ وَالشَّيْءُ لَا يَنْفِي مُوجَبَ نَفْسِهِ اهـ. وَهَذَا التَّعْلِيلُ يُفِيدُ أَنَّ الْكَلَامَ فِي شَهَادَةِ الْأَبِ عَلَى إقْرَارِ ابْنِهِ بِأَنَّ مَا وَلَدَتْهُ زَوْجَتُهُ ابْنُهُ لَا فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوَّلُ فِي الْأَمْوَالِ وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَتَجُوزُ شَهَادَةُ الِابْنِ عَلَى أَبِيهِ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ إذَا لَمْ تَكُنْ لِأُمِّهِ أَوْ لِضَرَّتِهَا؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى أَبِيهِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ فَادَّعَى فُلَانٌ أَنَّهُ كَلَّمَهُ وَشَهِدَ ابْنَاهُ بِهِ) أَيْ ابْنَا فُلَانٍ وَكَذَا الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ بِدُخُولِهِ لِفُلَانٍ (قَوْلُهُ وَهَذَا التَّعْلِيلُ يُفِيدُ إلَخْ) قَالَ فِي الْمِنَحِ قُلْت وَفِي شَرْحِ النَّظْمِ الْوَهْبَانِيِّ لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ عَبْدِ الْبَرِّ بْنِ الشِّحْنَةِ ذَكَرَ أَنَّ شَهَادَةَ الْإِنْسَانِ لِابْنِ ابْنِهِ عَلَى ابْنِهِ مَقْبُولَةٌ وَعَزَاهُ إلَى قَاضِي خَانْ وَأَطْلَقَهُ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِحَقٍّ دُونَ حَقٍّ وَلَعَلَّ وَجْهَ الْقَبُولِ أَنَّ إقْدَامَهُ عَلَى الشَّهَادَةِ عَلَى وَلَدِهِ وَهُوَ أَعَزُّ عَلَيْهِ مِنْ ابْنِ ابْنِهِ دَلِيلٌ عَلَى صِدْقِهِ فَتَنْتَفِي التُّهْمَةُ الَّتِي رُدَّتْ لِأَجْلِهَا الشَّهَادَةُ اهـ قُلْت وَنَصُّ عِبَارَةِ الْخَانِيَّةِ امْرَأَةٌ وَلَدَتْ وَلَدًا وَادَّعَتْ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا هَذَا وَجَحَدَ الزَّوْجُ ذَلِكَ فَشَهِدَ عَلَى الزَّوْجِ أَبُوهُ وَابْنُهُ أَنَّ الزَّوْجَ أَقَرَّ أَنَّهُ وَلَدُهُ مِنْ هَذِهِ الْمَرْأَةِ قَالَ فِي الْأَصْلِ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا وَلَوْ شَهِدَ أَبُو الْمَرْأَةِ وَجَدُّهَا عَلَى إقْرَارِ الزَّوْجِ بِذَلِكَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا يَشْهَدَانِ لِوَلَدِهِمَا وَلَوْ ادَّعَى الزَّوْجُ ذَلِكَ وَالْمَرْأَةُ تَجْحَدُ فَشَهِدَ عَلَيْهَا أَبُوهَا أَنَّهَا وَلَدَتْ وَأَقَرَّتْ بِذَلِكَ اخْتَلَفَتْ فِيهِ الرِّوَايَةُ قَالَ فِي الْأَصْلِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا فِي رِوَايَةِ هِشَامٍ وَتُقْبَلُ فِي رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَإِذَا شَهِدَ الرَّجُلُ لِابْنِ ابْنِهِ عَلَى ابْنِهِ جَازَتْ شَهَادَتُهُ انْتَهَتْ وَنَقَلَهَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة بِحُرُوفِهَا وَسَيَذْكُرُ بَعْضَهَا الْمُؤَلِّفُ آخِرَ هَذِهِ الْقَوْلَةِ مُحَرَّفَةً وَوَجْهُ الْأُولَى أَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى الِابْنِ لِلْمَرْأَةِ صَرِيحًا لِجُحُودِهِ وَادِّعَائِهَا وَفِي الثَّانِيَةِ بِالْعَكْسِ وَالْقَبُولُ فِي الْأُولَى يَقْتَضِي الْقَبُولَ فِي الثَّالِثَةِ وَتَرْجِيحُ رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ إذْ لَا فَرْقَ يَظْهَرُ وَلَمْ يَصِرْ الْوَلَدُ الْمَجْحُودُ ابْنَ ابْنٍ إلَّا بَعْدَ الشَّهَادَةِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَعَلَى هَذَا فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَمْوَالِ وَالنَّسَبِ فِي الْقَبُولِ فَقَوْلُ الْمُؤَلِّفِ إلَّا إذَا شَهِدَ الْجَدُّ إلَخْ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ تَأَمَّلْ وَفِي فَتَاوَى الشَّيْخِ شِهَابِ الدِّينِ الشَّلَبِيِّ سُئِلْت عَمَّا لَوْ شَهِدَتْ الْأُمُّ لِبِنْتِهَا عَلَى بِنْتٍ لَهَا أُخْرَى هَلْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهَا فَأَجَبْت بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ شَهَادَةَ الْأُمِّ عَلَى إحْدَى الْبِنْتَيْنِ وَإِنْ كَانَتْ مَقْبُولَةً لَكِنْ لَمَّا تَضَمَّنَتْ الشَّهَادَةُ لِلْأُخْرَى رُدَّتْ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهَا لِلتُّهْمَةِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ وَيَشْهَدُ لِمَا أَجَبْت بِهِ قَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي كِتَابِ النِّكَاحِ وَلَوْ تَزَوَّجَهَا بِشَهَادَةِ ابْنَيْهِمَا ثُمَّ تَجَاحَدَا لَا تُقْبَلُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُمَا يَشْهَدَانِ لِغَيْرِ الْمُنْكِرِ مِنْهُمَا اهـ. ثُمَّ أَجَابَ عَنْ سُؤَالٍ آخَرَ بِمَا نَصُّهُ شَهَادَةُ الْأَبِ عَلَى وَلَدِهِ لِابْنَتِهِ غَيْرُ صَحِيحَةٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 80 وَإِنْ كَانَ لِأُمِّهِ أَوْ لِضَرَّتِهَا لَا تَجُوزُ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ لِأُمِّهِ ذَكَرَهُ فِي فَصْلِ الشَّهَادَةِ مِنْ الطَّلَاقِ وَذَكَرَ فِي الْقَضَاءِ مِنْ الْفَصْلِ الرَّابِعِ رَجُلٌ شَهِدَ عَلَيْهِ بَنُوهُ أَنَّهُ طَلَّقَ أُمَّهُمْ ثَلَاثًا وَهُوَ يَجْحَدُ فَإِنْ كَانَتْ الْأُمُّ تَدَّعِي فَالشَّهَادَةُ بَاطِلَةٌ وَإِنْ كَانَتْ تَجْحَدُ فَالشَّهَادَةُ جَائِزَةٌ لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ تَدَّعِي فَهُمْ يَشْهَدُونَ لِأُمِّهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ يُصَدِّقُونَ الْأُمَّ فِيمَا تَدَّعِي وَيُعِيدُونَ الْبُضْعَ إلَى مِلْكِهَا بَعْدَمَا خَرَجَ عَنْ مِلْكِهَا، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ تَجْحَدُ فَيَشْهَدُونَ عَلَى أُمِّهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ يُكَذِّبُونَهَا فِيمَا تَجْحَدُ وَيُبْطِلُونَ عَلَيْهَا مَا اسْتَحَقَّتْ مِنْ الْحُقُوقِ عَلَى زَوْجِهَا مِنْ الْقَسَمِ وَالنَّفَقَةِ وَمَا يَحْصُلُ لَهَا مِنْ مَنْفَعَةِ عَوْدِ بُضْعِهَا إلَى مِلْكِهَا فَتِلْكَ مَنْفَعَةٌ مَجْحُودَةٌ يَشُوبُهَا مَضَرَّةٌ فَلَا تَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ اهـ وَهَذِهِ مِنْ مَسَائِلِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ الشَّهَادَةَ بِالطَّلَاقِ شَهَادَةٌ بِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَوُجُودُ دَعْوَى الْأُمِّ وَعَدَمُهَا سَوَاءٌ لِعَدَمِ اشْتِرَاطِهَا وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ مَعَ كَوْنِهِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى فَهُوَ حَقُّهَا أَيْضًا لَمْ تُشْتَرَطْ الدَّعْوَى لِلْأَوَّلِ وَاعْتُبِرَتْ إذَا وُجِدَتْ مَانِعَةً مِنْ الْقَبُولِ لِلثَّانِي عَمَلًا بِهِمَا وَفِي الْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ مَعْزِيًّا إلَى فَتَاوَى شَمْسِ الْإِسْلَامِ الْأُوزْجَنْدِيّ أَنَّ الْأُمَّ إذَا ادَّعَتْ الطَّلَاقَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا قَالَ وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ دَعْوَاهَا لَغْوٌ قَالَ مَوْلَانَا وَعِنْدِي أَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْجَامِعِ أَصَحُّ اهـ. وَيَتَفَرَّعُ عَلَى هَذَا مَسَائِلُ ذَكَرَهَا ابْنُ وَهْبَانَ فِي شَرْحِهِ: الْأُولَى شَهِدَا أَنَّ امْرَأَةَ أَبِيهِمَا ارْتَدَّتْ وَهِيَ تُنْكِرُ فَإِنْ كَانَتْ أُمُّهُمَا حَيَّةً لَمْ تُقْبَلْ ادَّعَتْ أَوْ أَنْكَرَتْ لِانْتِفَاعِهَا وَإِلَّا فَإِنْ ادَّعَى الْأَبُ لَمْ تُقْبَلْ وَإِلَّا قُبِلَتْ. الثَّانِيَةُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَشَهِدَ ابْنَاهُ أَنَّهُ طَلَّقَهَا فِي الْمُدَّةِ الْأُولَى ثَلَاثًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بِلَا مُحَلِّلٍ فَإِنْ كَانَ الْأَبُ يَدَّعِي لَا تُقْبَلُ وَإِلَّا قُبِلَتْ. الثَّالِثَةُ شَهِدَ ابْنَاهُ عَلَى الْأَبِ أَنَّهُ خَلَعَ امْرَأَتَهُ عَلَى صَدَاقِهَا فَإِنْ كَانَ الْأَبُ يَدَّعِي لَا تُقْبَلُ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَا وَإِلَّا تُقْبَلُ ادَّعَتْ أَوْ لَا. الرَّابِعَةُ شَهِدَ ابْنَا الْجَارِيَةِ الْحُرَّانِ أَنَّ مَوْلَاهَا أَعْتَقَهَا عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ فَإِنْ كَانَتْ تَدَّعِي لَا تُقْبَلُ وَإِلَّا فَتُقْبَلُ وَإِنْ شَهِدَ ابْنَا الْمَوْلَى وَهُوَ يَدَّعِي لَمْ تُقْبَلْ وَعَتَقَتْ لِإِقْرَارِهِ بِغَيْرِ شَيْءٍ وَإِلَّا تُقْبَلُ بِخِلَافِ مَا إذَا شَهِدَا عَلَى عِتْقِ أَبِيهِمَا بِأَلْفٍ فَإِنَّهَا لَا تُقْبَلُ مُطْلَقًا لِأَنَّ دَعْوَاهُ شَرْطٌ عِنْدَهُ وَلَوْ شَهِدَ ابْنَا الْمَوْلَى فَإِنْ ادَّعَى الْمَوْلَى لَمْ تُقْبَلْ وَإِنْ جَحَدَ وَادَّعَى الْغُلَامَ تُقْبَلُ وَيَقْضِي بِالْعِتْقِ وَبِوُجُوبِ الْمَالِ وَإِنْ أَنْكَرَ لَمْ تُقْبَلْ. الْخَامِسَةُ جَارِيَةٌ فِي يَدِ رَجُلٍ ادَّعَتْ أَنَّهُ بَاعَهَا مِنْ فُلَانٍ وَأَنَّ فُلَانًا الَّذِي اشْتَرَاهَا أَعْتَقَهَا وَالْمُشْتَرِي يَجْحَدُ فَشَهِدَ ابْنَا ذِي الْيَدِ بِمَا ادَّعَتْ الْجَارِيَةُ فَإِنْ ادَّعَى الْأَبُ لَمْ تُقْبَلْ وَإِلَّا تُقْبَلُ اهـ. وَهَذِهِ كُلُّهَا مَسَائِلُ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ ذَكَرَهَا الصَّدْرُ سُلَيْمَانُ الشَّهِيدُ فِي بَابٍ مِنْ الشَّهَادَاتِ وَزَادَ قَالَتْ بِعْتنِي مِنْهُ وَأَعْتَقَنِي وَشَهِدَ ابْنَا الْبَائِعِ إنْ ادَّعَى لَا تُقْبَلُ وَعَتَقَتْ بِإِقْرَارِهِ وَإِنْ كَذَّبَهُ قُبِلَتْ وَثَبَتَ الشِّرَاءُ وَالْعِتْقُ؛ لِأَنَّهُ خَصْمٌ كَالشَّفِيعِ فِي يَدِهِ جَارِيَةٌ قَالَ بِعْتهَا مِنْ فُلَانٍ بِأَلْفٍ وَقَبَضَهَا وَبَاعَهَا مِنِّي بِمِائَةِ دِينَارٍ وَشَهِدَ ابْنَا الْبَائِعِ يَقْضِي بِالْبَيْعَيْنِ وَبِالثَّمَنَيْنِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُشْتَرَطُ تَصْدِيقُهُ وَلَا يُحْبَسُ بِهِ وَإِنْ ادَّعَى الْأَبُ لَا تُقْبَلُ وَيَسْلَمُ لَهُ بِإِقْرَارِهِ إلَى آخِرِ مَا فِيهِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَفِي الْمُنْتَقَى شَهِدَا عَلَى أَنَّ أَبَاهُمَا الْقَاضِي قَضَى لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ بِكَذَا لَا تُقْبَلُ وَالْمَأْخُوذُ أَنَّ الْأَبَ لَوْ كَانَ قَاضِيًا يَوْمَ شَهِدَ الِابْنُ عَلَى حُكْمِهِ تُقْبَلُ وَلَوْ شَهِدَ الِابْنَانِ عَلَى شَهَادَةِ أَبِيهِمَا تَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ وَكَذَا عَلَى كِتَابِهِ اهـ. ثُمَّ قَالَ قَضَاءُ الْقَاضِي بِشَهَادَةِ وَلَدِهِ وَحَافِدِهِ يَجُوزُ وَفِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ وَلَدَتْ وَلَدًا وَادَّعَتْ أَنَّهُ مِنْ زَوْجِهَا وَجَحَدَ زَوْجُهَا ذَلِكَ فَشَهِدَ عَلَى أَبِيهِ وَابْنِهِ أَنَّ الزَّوْجَ أَقَرَّ أَنَّ هَذَا وَلَدُهُ مِنْ هَذِهِ الْمَرْأَةِ قَالَ فِي الْأَصْلِ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا وَلَوْ ادَّعَى الزَّوْجُ ذَلِكَ وَالْمَرْأَةُ تَجْحَدُ فَشَهِدَ عَلَيْهَا أَبُوهَا أَنَّهَا وَلَدَتْ وَأَنَّهَا أَقَرَّتْ بِذَلِكَ اخْتَلَفَ فِيهِ الرِّوَايَةُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ) أَيْ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ لِلْحَدِيثِ وَلِأَنَّ الِانْتِفَاعَ مُتَّصِلٌ عَادَةً وَهُوَ الْمَقْصُودُ فَيَصِيرُ شَاهِدًا لِنَفْسِهِ مِنْ وَجْهٍ أَوْ يَصِيرُ مِنْهُمَا وَفِي الْخَانِيَّةِ وَإِنْ شَهِدَ الرَّجُلُ لِامْرَأَةٍ بِحَقٍّ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَطَلَتْ شَهَادَتُهُ وَلَوْ شَهِدَ لِامْرَأَتِهِ وَهُوَ عَدْلٌ وَلَمْ يَرُدَّ الْحَاكِمُ شَهَادَتَهُ حَتَّى طَلَّقَهَا بَائِنًا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا رَوَى ابْنُ شُجَاعٍ أَنَّ الْقَاضِيَ يُنْفِذُ شَهَادَتَهُ اهـ. وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الزَّوْجِيَّةَ إنَّمَا تَمْنَعُ مِنْهَا وَقْتَ الْقَضَاءِ لَا وَقْتَ الْأَدَاءِ وَلَا وَقْتَ التَّحَمُّلِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَلَوْ وَكَّلَتْ امْرَأَةُ الْقَاضِي وَكِيلًا بِالْخُصُومَةِ ثُمَّ طَلَّقَهَا وَانْقَضَتْ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ فَشَهِدَ عَلَى أَبِيهِ وَابْنِهِ) الَّذِي فِي الْخَانِيَّةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَشَهِدَ عَلَى الزَّوْجِ أَبُوهُ وَابْنُهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 81 عِدَّتُهَا وَقَضَى لِوَكِيلِهَا يَجُوزُ وَكَذَا وَكِيلُ مُكَاتَبِهِ إذَا عَتَقَ قَبْلَ الْقَضَاءِ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ انْتِقَاءِ التُّهْمَةِ وَقْتَ الْقَضَاءِ اهـ. وَأَمَّا فِي بَابِ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ فَهِيَ مَانِعَةٌ مِنْهُ وَقْتَ الْهِبَةِ لَا وَقْتَ الرُّجُوعِ فَلَوْ وَهَبَ لِأَجْنَبِيَّةٍ ثُمَّ نَكَحَهَا فَلَهُ الرُّجُوعُ بِخِلَافِ عَكْسِهِ كَمَا سَيَأْتِي وَفِي بَابِ إقْرَارِ الْمَرِيضِ الِاعْتِبَارُ لِكَوْنِهَا زَوْجَةً وَقْتَ الْإِقْرَارِ فَلَوْ أَقَرَّ لِأَجْنَبِيَّةٍ ثُمَّ نَكَحَهَا وَمَاتَ وَهِيَ زَوْجَةٌ صَحَّ وَفِي بَابِ الْوَصِيَّةِ الِاعْتِبَارُ لِكَوْنِهَا زَوْجَةٌ وَقْتَ الْمَوْتِ لَا وَقْتَ الْوَصِيَّةِ وَأَطْلَقَ فِي الزَّوْجَةِ فَشَمِلَ الْأَمَةَ قَالَ فِي الْأَصْلِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ زَوْجٍ لِزَوْجَتِهِ وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً؛ لِأَنَّ لَهَا حَقًّا فِي الْمَشْهُودِ بِهِ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ لَهُ؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهُ عَلَيْهَا مَقْبُولَةٌ إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ الْأُولَى قَذَفَهَا الزَّوْجُ ثُمَّ شَهِدَ عَلَيْهَا بِالزِّنَا مَعَ ثَلَاثَةٍ لَمْ تُقْبَلْ وَهِيَ فِي الْمُحِيطِ الرَّضَوِيِّ وَقَدَّمْنَاهَا فِي الْحُدُودِ الثَّانِيَةِ شَهِدَ الزَّوْجُ وَآخَرُ بِأَنَّهَا أَقَرَّتْ بِالرِّقِّ لِفُلَانٍ وَهُوَ يَدَّعِي ذَلِكَ لَمْ تُقْبَلْ وَلَوْ قَالَ الْمُدَّعِي أَنَا أَذِنْت لَهَا فِي نِكَاحِهِ إلَّا إذَا كَانَ دَفَعَ لَهَا الْمَهْرَ بِإِذْنِ الْمَوْلَى كَذَا فِي النَّوَازِلِ وَشَمِلَ الزَّوْجَةَ مِنْ وَجْهٍ وَهِيَ الْمُعْتَدَّةُ عَنْ الطَّلَاقِ وَلَوْ ثَلَاثًا كَمَا فِي الْقُنْيَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ لَا يَجُوزُ قَضَاؤُهُ فَلَا يَقْضِي لِأَصْلِهِ وَإِنْ عَلَا وَلَا لِفَرْعِهِ وَإِنْ سَفَلَ وَلَوْ وَكِيلَ مَنْ ذَكَرْنَا كَمَا فِي قَضَائِهِ لِنَفْسِهِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَمِنْهَا أَيْضًا اخْتَصَمَ رَجُلَانِ عِنْدَ الْقَاضِي وَوَكَّلَ أَحَدُهُمَا ابْنَ الْقَاضِي أَوْ مَنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لَهُ فَقَضَى الْقَاضِي لِهَذَا الْوَكِيلِ لَا يَجُوزُ فَإِنْ قَضَى عَلَيْهِ يَجُوزُ وَفِي الْخِزَانَةِ وَكَذَا لَوْ كَانَ وَلَدُهُ وَصِيًّا فَقَضَى لَهُ وَلَوْ كَانَ الْقَاضِي وَصِيَّ الْيَتِيمِ لَمْ يَجُزْ قَضَاؤُهُ فِي أَمْرِ الْيَتِيمِ وَلَوْ كَانَ الْقَاضِي وَكِيلًا لَمْ يَجُزْ قَضَاؤُهُ لِمُوَكِّلِهِ وَتَمَامُهُ فِيهَا وَفِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ (قَوْلُهُ وَالسَّيِّدِ لِعَبْدِهِ وَمُكَاتَبِهِ) لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ لِنَفْسِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَمِنْ وَجْهٍ إنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ؛ لِأَنَّ الْحَالَ مَوْقُوفٌ مُرَاعًى وَفِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي شَهِدَ الْعَبْدُ لِمَوْلَاهُ فَرُدَّتْ ثُمَّ شَهِدَ بِهَا بَعْدَ الْعِتْقِ تُقْبَلُ وَلَوْ شَهِدَ الْمَوْلَى لِعَبْدِهِ بِالنِّكَاحِ فَرُدَّتْ ثُمَّ شَهِدَ لَهُ بَعْدَ الْعِتْقِ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ الْمَرْدُودَ كَانَ شَهَادَةً وَكَذَا الصَّبِيُّ أَوْ الْمُكَاتَبُ إذَا شَهِدَ فَرُدَّتْ ثُمَّ شَهِدَ بِهَا بَعْدَ الْبُلُوغِ وَالْعِتْقِ جَازَتْ؛ لِأَنَّ الْمَرْدُودَ لَمْ يَكُنْ شَهَادَةً. اهـ. (قَوْلُهُ وَالشَّرِيكِ لِشَرِيكِهِ فِيمَا هُوَ مِنْ شَرِكَتِهِمَا) أَيْ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّهُ شَهَادَةٌ لِنَفْسِهِ مِنْ وَجْهٍ لِاشْتِرَاكِهِمَا قَيَّدَ بِمَا هُوَ مِنْ شَرِكَتِهِمَا لِجَوَازِهَا بِمَا لَيْسَ مِنْ شَرِكَتِهِمَا لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ شَرِكَةَ الْأَمْلَاكِ وَشَرِكَةَ الْعُقُودِ عِنْدَنَا وَمُفَاوَضَةً وَوُجُوهًا وَصَنَائِعَ وَخَصَّصَهُ فِي النِّهَايَةِ بِشَرِيكِ الْعَنَانِ قَالَ وَأَمَّا شَهَادَةُ أَحَدِ الْمُفَاوِضَيْنِ لِصَاحِبِهِ فَلَا تُقْبَلُ إلَّا فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ وَالنِّكَاحِ؛ لِأَنَّ مَا عَدَاهَا مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا وَتَبِعَهُ فِي الْعِنَايَةِ وَالْبِنَايَةِ وَزَادَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ عَلَى الثَّلَاثَةِ الطَّلَاقَ وَالْعَتَاقَ وَطَعَامَ أَهْلِهِ وَكِسْوَتَهُمْ وَتَعَقَّبَهُ الشَّارِحُ بِأَنَّهُ سَهْوٌ فَإِنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي الشَّرِكَةِ إلَّا الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الْعَقَارُ وَلَا الْعُرُوض وَلِهَذَا قَالُوا لَوْ وُهِبَ لِأَحَدِهِمَا مَالٌ غَيْرُ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ لَا تَبْطُلُ الشَّرِكَةُ؛ لِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ فِيهِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ اهـ. وَمَا ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ هُوَ صَرِيحُ كَلَامِ مُحَمَّدٍ فِي الْأَصْلِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ ثُمَّ قَالَ وَشَهَادَةُ أَحَدِ شَرِيكَيْ الْعِنَانِ فِيمَا لَمْ يَكُنْ مِنْ تِجَارَتِهِمَا مَقْبُولَةٌ لَا فِيمَا كَانَ مِنْهَا وَلَمْ يَذْكُرْ هَذَا التَّفْصِيلَ فِي الْمُفَاوَضَةِ؛ لِأَنَّ الْعَنَانَ قَدْ يَكُونُ خَاصًّا وَقَدْ يَكُونُ عَامًّا، وَأَمَّا الْمُفَاوَضَةُ فَلَا تَكُونُ إلَّا فِي جَمِيعِ الْأَمْوَالِ وَقَدْ عُرِفَ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الشَّرِكَةِ وَعَلَى قِيَاسِ مَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي كِتَابِ الشَّرِكَةِ أَنَّ الْمُفَاوَضَةَ تَكُونُ خَاصَّةً يَجِبُ أَنْ تَكُونَ الْمُفَاوَضَةُ عَلَى التَّفْصِيلِ الَّذِي ذَكَرْنَا فِي الْعَنَانِ اهـ. وَشَمِلَ كَلَامُ الْمُؤَلِّفِ مَا إذَا شَهِدَا أَنَّ لَهُمَا وَلِفُلَانٍ عَلَى هَذَا الرَّجُلِ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَهِيَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلِ أَنْ يَنُصَّا عَلَى الشَّرِكَةِ فَلَا تُقْبَلُ. الثَّانِي أَنْ يَنُصَّا عَلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ بِأَنْ قَالَا نَشْهَدُ أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَى هَذَا خَمْسَمِائَةٍ بِسَبَبٍ عَلَى حِدَةٍ وَلَنَا عَلَيْهِ ضَمَانُهُ بِسَبَبٍ عَلَى حِدَةٍ فَتُقْبَلُ. الثَّالِثِ أَنْ يُطْلِقَا فَلَا تُقْبَلُ لِاحْتِمَالِ الِاشْتِرَاكِ وَلَوْ كَانَ لِوَاحِدٍ عَلَى ثَلَاثَةٍ دَيْنٌ فَشَهِدَ اثْنَانِ أَنَّ الدَّائِنَ أَبْرَأَهُمَا وَفُلَانٌ عَنْ الْأَلْفِ فَإِنْ كَانُوا كُفَلَاءَ لَمْ تُقْبَلْ وَإِلَّا فَإِنْ شَهِدُوا بِالْإِبْرَاءِ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ فَكَذَلِكَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَتَعَقَّبَهُ الشَّارِحُ بِأَنَّهُ سَهْوٌ إلَخْ) وَكَذَا قَالَ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ فِيهِ بَحْثٌ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مَا عَدَاهَا مُشْتَرَكًا يَدْخُلُ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ مَا لَيْسَ مِنْ شَرِكَتِهِمَا فَيَشْمَلُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ شَرِكَةَ الْمُفَاوَضَةِ أَيْضًا فَلَا وَجْهَ لِلْإِخْرَاجِ فَتَأَمَّلْ إلَّا أَنْ يَخُصَّ بِالْأَمْلَاكِ بِقَرِينَةِ السِّيَاقِ ثُمَّ إنَّ قَوْلَهُ؛ لِأَنَّ مَا عَدَاهُمَا مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا غَيْرُ صَحِيحٍ فَإِنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي الشَّرِكَةِ إلَّا الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ إلَخْ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 82 وَإِلَّا تُقْبَلُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ وَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى قَاعِدَةٍ فِي الشَّهَادَاتِ وَهِيَ أَنَّ كُلَّ شَهَادَةٍ جَرَّتْ مَغْنَمًا أَوْ دَفَعَتْ مَغْرَمًا لَمْ تُقْبَلْ لِلتُّهْمَةِ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُسْتَأْجِرِ لِلْأَجِيرِ بِالْمُسْتَأْجَرِ وَالْمُسْتَعِيرِ لِلْمُعِيرِ بِالْمُسْتَعَارِ وَشَهَادَةُ الْأَجِيرِ الْخَاصِّ كَأَجِيرِ الْمُيَاوَمَةِ وَالْمُشَاهَرَةِ لَا الْعَامِّ كَالْخَيَّاطِ لِمَنْ اسْتَأْجَرَهُ فَتُقْبَلُ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ ذَابِحِ الشَّاةِ الْمَأْمُورِ بِذَبْحِهَا لِمُدَّعِيهَا عَلَى غَاصِبِهَا وَلَا شَهَادَةُ ابْنِ الْبَائِعِ عَلَى أَنَّ الشَّفِيعَ طَلَبَ الشُّفْعَةَ مِنْ الْمُشْتَرِي وَلَا شَهَادَةُ الْمُودِعِ بِهَا وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْوَكِيلِ بِالنِّكَاحِ بِالطَّلَاقِ وَالْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ بِالْعِتْقِ وَشَهَادَةُ ابْنِ الْبَائِعِ عَلَى الشَّفِيعِ بِتَسْلِيمِ الشُّفْعَةِ إلَى الْمُشْتَرِي وَلَا تُقْبَلُ عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ سَلَّمَهَا إلَى الشَّفِيعِ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْبَائِعِ عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ أَعْتَقَ الْعَبْدَ وَلَا شَهَادَةُ الْمُعْتَقِ بِقَدْرِ الثَّمَنِ إذَا اخْتَلَفَا وَتُقْبَلُ إذَا شَهِدَ بِإِيفَاءِ الثَّمَنِ أَوْ إبْرَاءِ الْبَائِعِ. وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُودِعِ وَالْمُسْتَعِيرِ وَالْمُسْتَأْجِرِ لِلْمُدَّعِي قَبْلَ الرَّدِّ وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُرْتَهِنِ وَلَوْ شَهِدَ الْمُودِعُ أَوْ الْمُسْتَأْجِرُ لِلْعَبْدِ بِإِعْتَاقِ مَوْلَاهُ أَوْ تَدْبِيرِهِ أَوْ كِتَابَتِهِ عِنْدَ دَعْوَاهُ جَازَتْ لَا بِبَيْعِهِ وَتَمَامُ تَفْرِيعَاتِهِ فِي الْمُحِيطِ وَهُنَا مَسَائِلُ مُتَفَرِّعَةٌ عَلَى عَدَمِ شَهَادَةِ الشَّرِيكِ لِشَرِيكِهِ: الْأُولَى شَهِدَا أَنَّ زَيْدًا أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِقَبِيلَةِ بَنِي فُلَانٍ وَهُمَا مِنْ تِلْكَ الْقَبِيلَةِ صَحَّتْ وَلَا شَيْءَ لَهُمَا مِنْهَا. الثَّانِيَةُ لَوْ أَوْصَى لِفُقَرَاءِ جِيرَانِهِ وَهُمَا مِنْهُمْ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ. الثَّالِثَةُ لَوْ أَوْصَى لِفُقَرَاءِ بَيْتِهِ أَوْ لِأَهْلِ بَيْتِهِ وَهُمَا مِنْهُمْ لَمْ يَصِحَّ وَلَوْ كَانَا غَنِيَّيْنِ صَحَّتْ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْأُولَيَيْنِ وَالثَّالِثَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ فِيهِمَا تَخْصِيصُ الْبَعْضِ مِنْهُمْ بِخِلَافِهِ فِي الثَّالِثَةِ. الرَّابِعَةُ لَوْ أَوْصَى لِفُقَرَاءِ جِيرَانِهِ فَشَهِدَ مَنْ لَهُ أَوْلَادٌ مُحْتَاجُونَ مِنْهُمْ لَمْ تُقْبَلْ مُطْلَقًا فِي حَقِّ الْأَوْلَادِ وَغَيْرِهِمْ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ أَوْلَادِهِمَا أَنَّ الْمُخَاطَبَ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ عُمُومِ خِطَابِهِ فَلَمْ يَتَنَاوَلْهُمَا الْكَلَامُ بِخِلَافِ الْأَوْلَادِ فَإِنَّهُمْ دَاخِلُونَ تَحْتَ الشَّهَادَةِ وَإِنَّمَا أَدْخَلْنَا الْمُتَكَلِّمَ فِي مَسْأَلَةِ الشَّهَادَةِ لِفُقَرَاءِ أَهْلِ بَيْتِهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُمْ يُحْصَوْنَ بِخِلَافِ فُقَرَاءِ جِيرَانِهِ وَبَنِي تَمِيمٍ وَذَكَرَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوَاهُ مِنْ الْوَقْفِ لَوْ شَهِدَا أَنَّهَا صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ عَلَى فُقَرَاءِ جِيرَانِهِ وَهُمَا مِنْهُمْ جَازَتْ وَلَوْ عَلَى فُقَرَاءِ قَرَابَتِهِ لَا قَالَ النَّاطِفِيُّ فِي الْفَرْقِ إنَّ الْقَرَابَةَ لَا تَزُولُ وَالْجَوَازَ يَزُولُ فَلَمْ يَكُنْ شَهَادَةً لِنَفْسِهِ لَا مَحَالَةَ اهـ. وَأَهْلُ بَيْتِ الْإِنْسَانِ لَا يَزُولُ عَنْهُمْ الِاسْمُ؛ لِأَنَّهُمْ أَقَارِبُهُ الَّذِينَ فِي عِيَالِهِ فَلِهَذَا لَمْ تُقْبَلْ فِيهَا وَلَكِنْ يَشْكُلُ بِمَسْأَلَةِ قَبِيلَةٍ فَإِنَّ الِاسْمَ عَنْهُمْ لَا يَزُولُ مَعَ قَبُولِهَا وَلَكِنْ لَا يَدْخُلُونَ وَيُمْكِنُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْوَصِيَّةِ وَالْوَقْفِ بِمَا أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ الشِّحْنَةِ وَقَالَ قَاضِي خَانْ عَقِبَ مَا نَقَلْته عَنْهُ فَعَلَى هَذَا شَهَادَةُ أَهْلِ الْمَدْرَسَةِ بِوَقْفِهَا جَائِزَةٌ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ. وَأَمَّا أَصْحَابُ الْمَدْرَسَةِ إذَا شَهِدُوا بِالْوَقْفِ عَلَى الْمَدْرَسَةِ قَالَ بَعْضُهُمْ إنْ كَانَ الشَّاهِدُ يَطْلُبُ لِنَفْسِهِ حَقًّا مِنْ ذَلِكَ لَا تُقْبَلُ وَإِلَّا تُقْبَلُ قِيَاسًا عَلَى مَسْأَلَةِ الشُّفْعَةِ لَوْ شَهِدَ بَعْضُ الشُّفَعَاءِ بِالْبَيْعِ فَإِنْ كَانَ لَا يَطْلُبُهَا تُقْبَلُ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَعِنْدِي هَذَا يُخَالِفُ الشُّفْعَةَ؛ لِأَنَّ حَقَّ الشُّفْعَةِ مِمَّا يَحْتَمِلُ الْإِبْطَالَ أَمَّا الْوَقْفُ عَلَى الْمَدْرَسَةِ مَنْ كَانَ فَقِيرًا مِنْ أَصْحَابِ الْمَدْرَسَةِ يَكُونُ مُسْتَحِقًّا لِلْوَقْفِ اسْتِحْقَاقًا لَا يَبْطُلُ بِإِبْطَالِهِ فَإِنَّهُ إذَا قَالَ أَبْطَلْت حَقِّي كَانَ لَهُ أَنْ يَطْلُبَ وَيَأْخُذَ بَعْدَ ذَلِكَ فَكَانَ شَاهِدًا لِنَفْسِهِ فَيَجِبُ أَنْ لَا تُقْبَلَ اهـ. وَتَعَقَّبَهُ الطَّرَسُوسِيُّ بِقَوْلِهِ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْفَقِيهَ مِنْ أَهْلِ الْمَدْرَسَةِ يُمْكِنُهُ أَنْ يَعْزِلَ نَفْسَهُ فَلَا تَبْقَى لَهُ وَظِيفَةٌ أَصْلًا فَكَيْفَ يَقُولُ لَا يُمْكِنُهُ إبْطَالُهُ وَرَدَّهُ ابْنُ وَهْبَانَ بِأَنَّ هَذَا الِاعْتِرَاضَ لَيْسَ بِشَيْءٍ فَإِنَّ الْوَاقِفَ إذَا وَقَفَ عَلَى مَنْ اتَّصَفَ بِصِفَةِ الْفِقْهِ وَالْفَقْرِ مَثَلًا وَالْإِقَامَةِ اسْتَحَقَّ مَنْ اجْتَمَعَتْ فِيهِ شَرَائِطُ الْوَقْفِ وَلَا اعْتِبَارَ بِعَزْلِهِ نَفْسَهُ بَلْ لَوْ عَزَلَ نَفْسَهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ ثُمَّ طَلَبَ أَخَذَ كَالْوَقْفِ عَلَى الِابْنِ إذَا عَزَلَ نَفْسَهُ مِنْ الْوَقْفِ فَإِنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ وَصَاحِبُ الْفَوَائِدِ لَمْ يَفْهَمْ هَذَا مِنْ كَلَامِ قَاضِي خَانْ بَلْ جَرَى عَلَى عَادَةِ أَوْقَافِ الْمَدَارِسِ فِي بِلَادِنَا فَإِنَّ الْوَاقِفَ يَجْعَلُ النَّظَرَ فِيهِ إلَى الْحَاكِمِ مَثَلًا أَوْ إلَى النَّاظِرِ وَيَجْعَلُ لَهُ وِلَايَةَ الْعَزْلِ وَالتَّقْرِيرِ وَالْإِعْطَاءِ وَالْحِرْمَانِ مَنْ اتَّصَفَ بِصِفَةِ الْفِقْهِ عَلَى مَذْهَبٍ مِنْ الْمَذَاهِبِ فَحِينَئِذٍ إذَا أَبْطَلَ ذَلِكَ حَقَّهُ وَعَزَلَ نَفْسَهُ صَحَّ وَلَيْسَ لَهُ الْعَوْدُ إلَّا أَنْ يُقَرِّرَهُ الْحَاكِمُ أَوْ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ التَّقْرِيرِ وَلَيْسَ كَلَامُ قَاضِي خَانْ فِي ذَلِكَ بَلْ كَلَامُهُ فِيمَنْ وَقَفَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَشَهَادَةِ الْأَجِيرِ الْخَاصِّ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَفِي الْخَانِيَّةِ وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّ شَهَادَةَ الْأَجِيرِ لِأُسْتَاذِهِ مَرْدُودَةٌ وَهِيَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالُوا إنْ كَانَ الْأَجِيرُ مُشْتَرَكًا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ فِي الرِّوَايَاتِ كُلِّهَا وَمَا ذُكِرَ فِي الدِّيَاتِ مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَإِنْ كَانَ أَجِيرُ وَحْدٍ مُشَاهَرَةً أَوْ مُسَانَهَةً أَوْ مُيَاوَمَةً لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِأُسْتَاذِهِ لَا فِي تِجَارَتِهِ وَلَا فِي شَيْءٍ آخَرَ وَمَا ذُكِرَ فِي الْكَفَالَةِ مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا كَذَا ذَكَرَ النَّاطِفِيُّ وَالصَّدْرُ الْإِمَامُ الْأَجَلُّ الشَّهِيدُ وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ أَجِيرَ الْوَحْدِ يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ وَإِذَا كَانَ يَسْتَوْجِبُ الْأَجْرَ لِزَمَانِ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ كَانَ مُتَّهَمًا فِيمَا شَهِدَ أَمَّا الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ لَا يَسْتَوْجِبُ الْأَجْرَ إلَّا بِالْعَمَلِ الَّذِي عُقِدَتْ عَلَيْهِ الْإِجَارَةُ فَإِذَا لَمْ يَسْتَوْجِبْ بِشَهَادَتِهِ أَجْرًا انْتَفَتْ التُّهْمَةُ عَنْ شَهَادَتِهِ وَلِهَذَا جَازَتْ شَهَادَةُ الْقَابِلَةِ عَلَى الْوِلَادَةِ عِنْدَ شَرْطِهَا وَهُوَ الْعَدَالَةُ اهـ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 83 الْوَاقِفُ عَلَيْهِ وَذَلِكَ يَسْتَحِقُّ مَا وَقَفَ عَلَيْهِ الْوَاقِفُ وَلَا يَبْطُلُ بِإِبْطَالِهِ لَهُ اهـ. وَفِيمَا قَالَ نَظَرٌ لِي؛ لِأَنَّ الْوَاقِفَ إذَا وَقَفَ عَلَى الْفُقَهَاءِ مَثَلًا فَإِنَّ الْفَقِيهَ لَا يَسْتَحِقُّ فِي ذَلِكَ الرَّيْعِ إلَّا بِالتَّقْرِيرِ مِمَّنْ لَهُ وِلَايَتُهُ وَكَذَا عَلَى الْفُقَرَاءِ لَا أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ مَنْ كَانَ فَقِيهًا أَوْ فَقِيرًا مُطْلَقًا كَمَا تَوَهَّمَهُ ابْنُ وَهْبَانَ لِأَنَّ الْفَقِيهَ وَالْفَقِيرَ الطَّالِبَ لَمْ يَتَعَيَّنَا وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَنْصَرِفَ إلَى كُلِّ فَقِيهٍ وَكُلِّ فَقِيرٍ وَإِنَّمَا هُوَ لِلْجِنْسِ وَيَتَعَيَّنُ بِالتَّقْرِيرِ فَالْحَقُّ أَنَّ مَنْ أَسْقَطَ حَقَّهُ مِنْ وَظِيفَةٍ تَقَرَّرَ فِيهَا فَإِنَّهُ يَسْقُطُ حَقُّهُ سَوَاءٌ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى جِنْسِ الْفُقَهَاءِ أَوْ عَلَى عَدَدٍ مُعَيَّنٍ مِنْهُمْ كَمَا هُوَ فِي أَوْقَافِ الْقَاهِرَةِ وَإِنْ أَسْقَطَ حَقَّهُ مِنْ وَقْفٍ عَلَى الْفُقَهَاءِ وَالْفُقَرَاءِ بِلَا تَعْيِينٍ وَلَمْ يُقَرِّرْ فِي وَقْفِهِمْ لَمْ يَصِحَّ لِعَدَمِ تَعَيُّنِهِ فَلِلنَّاظِرِ أَنْ يُقَرِّرَهُ بَعْدَهُ وَيُعْطِيَهُ مَا خَصَّهُ؛ لِأَنَّهُ يَطْلُبُ وَيَأْخُذُ بِلَا تَقْرِيرٍ فَمَعْنَى الِاسْتِحْقَاقِ الَّذِي لَا يَبْطُلُ بِالْإِبْطَالِ فِي كَلَامِ قَاضِي خَانْ جَوَازُ أَنْ يُقَرِّرَ بَعْدَ إبْطَالِهِ وَيُعْطِيَ بَعْدَهُ مَنْ وَقَفَ عَلَى الْفُقَهَاءِ وَمَعْنَى قَوْلِ الطَّرَسُوسِيِّ أَنَّهُ يَبْطُلُ بِعَزْلِهِ نَفْسَهُ إذَا كَانَ بَعْدَ تَقْرِيرِهِ وَلَيْسَ هَذَا كَالْوَقْفِ عَلَى الِابْنِ كَمَا تَوَهَّمَهُ ابْنُ وَهْبَانَ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الِابْنِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى تَقْرِيرٍ بِخِلَافِ اسْتِحْقَاقِ الْفَقِيهِ كَمَا لَا يَخْفَى بَقِيَ مِنْ جِنْسِ الْمَسَائِلِ السَّابِقَةِ مَسْأَلَةٌ لَوْ شَهِدَا عَلَى وَقْفٍ فِي مَكْتَبٍ فِيهِ أَوْلَادُهُمْ. قِيلَ يَصِحُّ وَقِيلَ لَا وَالْأَظْهَرُ الصِّحَّةُ؛ لِأَنَّ كَوْنَ أَوْلَادِهِمْ فِي الْمَكْتَبِ غَيْرُ لَازِمٍ فَلَا تَكُونُ شَهَادَتُهُمْ لَهُمْ كَشَهَادَةِ أَهْلِ الْمَدْرَسَةِ وَفِي وَقْفِ الظَّهِيرِيَّةِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ مَسْأَلَةَ الْمَدْرَسَةِ وَشَهَادَةَ أَهْلِهَا وَشَهَادَةَ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ فِي وَقْفٍ عَلَى الْمَحَلَّةِ مَا نَصُّهُ وَكَذَلِكَ الشَّهَادَةُ عَلَى وَقْفِ مَكْتَبٍ وَلِلشَّاهِدِ صَبِيٌّ فِي الْمَكْتَبِ لَا تُقْبَلُ قِيلَ وَفِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ كُلِّهَا تُقْبَلُ وَهُوَ الصَّحِيحُ اهـ. وَهَكَذَا صَحَّحَ الْقَبُولَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ فِي مَسْأَلَةِ الْمَكْتَبِ وَشَهَادَةِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ فِي وَقْفِ الْمَسْجِدِ وَشَهَادَةِ الْفُقَهَاءِ عَلَى وَقْفِيَّةٍ وَقْفٍ عَلَى مَدْرَسَةِ كَذَا وَهُمْ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ الْمَدْرَسَةِ وَالشَّهَادَةُ عَلَى وَقْفِ الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ وَكَذَا أَبْنَاءُ السَّبِيلِ إذَا شَهِدُوا بِوَقْفٍ عَلَى أَبْنَاءِ السَّبِيلِ إلَى آخِرِهِ فَالْمُعْتَمَدُ الْقَبُولُ فِي الْكُلِّ وَذَكَرَ ابْنُ الشِّحْنَةِ بَعْدَهُ تَنْبِيهًا وَمِنْ هَذَا النَّمَطِ مَسْأَلَةُ قَضَاءِ الْقَاضِي فِي وَقْفٍ تَحْتَ نَظَرِهِ أَوْ هُوَ مُسْتَحَقٌّ فِيهِ اهـ. قُلْتُ (تَنْبِيهٌ) الْكَلَامُ كُلُّهُ فِي شَهَادَةِ الْفُقَهَاءِ بِأَصْلِ الْوَقْفِ لِقَوْلِهِمْ شَهَادَةُ الْفُقَهَاءِ عَلَى وَقْفِيَّةٍ وَقْفٍ أَمَّا شَهَادَةُ الْمُسْتَحِقِّ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْغَلَّةِ كَشَهَادَتِهِ بِإِجَارَةٍ وَنَحْوِهَا لَمْ تُقْبَلْ؛ لِأَنَّ لَهُ حَقًّا فِي الْمَشْهُودِ بِهِ فَكَانَ مُتَّهَمًا فَكَانَ دَاخِلًا فِي شَهَادَةِ الشَّرِيكِ لِشَرِيكِهِ فَهُوَ نَظِيرُ شَهَادَةِ أَحَدِ الدَّائِنَيْنِ لِشَرِيكِهِ بِدَيْنٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا وَقَدْ كَتَبْت فِي حَوَاشِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مِنْ الْفَصْلِ الثَّالِثَ عَشَرَ أَنَّ شَهَادَةَ شُهُودِ الْأَوْقَافِ الْمُقَرَّرِينَ فِي وَظَائِفِ الشَّهَادَةِ بِمَا يَرْجِعُ إلَى الْغَلَّةِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ لِمَا ذَكَرْنَا وَكَوْنُ الْقَاضِي قَرَّرَهُ شَاهِدًا لِلْوَقْفِ مُوَافِقًا لِلشَّرْطِ لَا يُوجِبُ قَبُولَهَا فَإِنْ قُلْت فَحِينَئِذٍ لَا فَائِدَةَ لِوَظِيفَتِهِ؛ لِأَنَّ الْمُتَوَلِّيَ مَقْبُولُ الْقَوْلِ فِي الدَّخْلِ وَالْخَرْجِ بِلَا بَيَانٍ وَقَدْ فَرَضَ أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْغَلَّةِ قُلْت فَائِدَتُهُ إسْقَاطُ التُّهْمَةِ عَنْ الْمُتَوَلِّي إذَا شَهِدَ لَهُ الشَّاهِدُ بِالدَّخْلِ وَالْخَرْجِ فَلَا يُحَلِّفُهُ الْقَاضِي إذَا اتَّهَمَهُ. اهـ. وَيُقَوِّيهِ قَوْلُهُمْ إنَّ الْبَيِّنَةَ تُقْبَلُ لِإِسْقَاطِ الْيَمِينِ كَالْمُودَعِ إذَا ادَّعَى الرَّدَّ أَوْ الْهَلَاكَ فَالْقَوْلُ لَهُ مَعَ الْيَمِينِ فَإِنْ بَرْهَنَ فَلَا يَمِينَ وَإِنَّمَا أَطَلْنَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لِكَثْرَةِ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ فِي زَمَانِنَا وَالْفِقْهُ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ كُلِّهِ وَلَا يَمَلُّهُ أَهْلُ التَّحْصِيلِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُؤَلِّفُ شَهَادَةَ الْأَجِيرِ وَالتِّلْمِيذِ وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ شَارِحُو الْهِدَايَةِ أَنَّ شَهَادَةَ التِّلْمِيذِ لِأُسْتَاذِهِ لَا تُقْبَلُ وَفَسَّرُوهُ بِمَنْ يَعُدُّ ضَرَرَ أُسْتَاذِهِ ضَرَرَهُ وَنَفْعَهُ نَفْعَهُ وَفَسَّرَهُ فِي الْخُلَاصَةِ بِاَلَّذِي يَأْكُلُ مَعَ عِيَالِهِ فِي بَيْتِهِ وَلَيْسَ لَهُ أُجْرَةٌ خَاصَّةٌ، وَأَمَّا الْأَجِيرُ فَإِنْ كَانَ خَاصًّا لَمْ تُقْبَلْ وَإِلَّا قُبِلَتْ وَفِي الْمُحِيطِ ادَّعَى دَارًا فَشَهِدَ لَهُ مَنْ اسْتَأْجَرَهُ لِلْبِنَاءِ تُقْبَلُ وَلَوْ شَهِدَ لَهُ بِهَا مَنْ اسْتَأْجَرَهُ لِهَدْمِهَا لَا اهـ. وَلَمْ يَذْكُرْ شَهَادَةَ الدَّائِنِ لِمَدْيُونِهِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَمِنْ هَذَا النَّمَطِ مَسْأَلَةُ قَضَاءِ الْقَاضِي إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ يُعْلَمُ بِهِ جَوَازُ شَهَادَةِ النَّاظِرِ فِي وَقْفٍ تَحْتَ نَظَرِهِ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ وَالشَّهَادَةَ مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ كَمَا تَقَدَّمَ وَقَدْ أَفْتَى بِهِ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الشَّيْخُ مُحَمَّدٌ الْغَزِّيِّ فِي وَاقِعَةِ الْحَالِ بِقَوْلِهِ الظَّاهِرُ قَبُولُهَا كَمَا لَوْ شَهِدَ بِوَقْفِ مَدْرَسَةٍ وَهُوَ صَاحِبُ وَظِيفَةٍ بِهَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ قُلْت تَنْبِيهُ الْكَلَامِ كُلِّهِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَقُولُ: تَنْبِيهُ أَحْسَنِ الْكَلَامِ كُلِّهِ أَيْضًا عِنْدَ عَدَمِ التُّهْمَةِ فَلَوْ حَصَلَتْ تُهْمَةٌ لَا يُقْبَلُ أَحَدٌ مِمَّنْ ذُكِرَ قَالَ ابْنُ الشِّحْنَةِ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ وَعَنْهُ مَنْ يَتَكَلَّمُ فِي أَحَادِيثِ الرَّعِيَّةِ وَقَسْمِ النَّوَائِبِ وَالضَّرَائِبِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَكَتَبَ بَعْضُ الْأَفَاضِلِ أَيْ شَهَادَةُ الرَّعِيَّةِ لَهُ لِلتُّهْمَةِ ثُمَّ قَالَ عَنْهُ يَعْنِي نَجْمَ الْأَئِمَّةِ تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُزَارِعِ لِرَبِّ الْأَرْضِ ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ لَا تُقْبَلُ لِفَسَادِ الزَّمَانِ وَعَنْ شَرَفِ الْأَئِمَّةِ الْإِسْفِيدَرِيِّ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الرَّعِيَّةِ لِوَكِيلِ الرَّعِيَّةِ وَالشِّحْنَةِ وَالرَّيِّسِ وَالْعَامِلِ لِجَهْلِهِمْ وَمَيْلِهِمْ خَوْفًا مِنْهُ وَكَذَا شَهَادَةُ الْمُزَارِعِ اهـ. فَهُوَ صَرِيحٌ فِي عَدَمِ جَوَازِ شَهَادَةِ مَنْ ذُكِرَ لِلتُّهْمَةِ وَفَسَادِ الزَّمَانِ وَهَذَا الَّذِي يَجِبُ أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ فِي زَمَانِنَا فَتَدَبَّرْ وَبِهِ يَعْلَمُ أَنَّ شَهَادَةَ الْفَلَّاحِينَ لِشَيْخِ قَرْيَتِهِمْ وَشَهَادَتَهُمْ لِلْقَسَّامِ الَّذِي يَقْسِمُ عَلَيْهِمْ وَشَهَادَةَ الرَّعِيَّةِ لِحَاكِمِهِمْ وَعَامِلِهِمْ وَمَنْ لَهُ نَوْعُ وِلَايَةٍ عَلَيْهِمْ لَا تَجُوزُ (قَوْلُهُ وَلَمْ يَذْكُرْ شَهَادَةَ الدَّائِنِ لِمَدْيُونِهِ إلَخْ) فِي فَتَاوَى الْعَلَّامَةِ التُّمُرْتَاشِيِّ تُقْبَلُ شَهَادَةُ رَبِّ الدَّيْنِ لِمَدْيُونِهِ حَالَ حَيَاتِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ مُفْلِسًا قَوْلًا وَاحِدًا وَاخْتُلِفَ فِيمَا إذَا شَهِدَ لَهُ فِي حَالِ كَوْنِهِ مُفْلِسًا فَفِي الْمُحِيطِ لَا تُقْبَلُ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ وَالِدُ صَاحِبِ الْمُحِيطِ قَالَ تُقْبَلُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 84 وَفِي الْهِدَايَةِ أَنَّهَا مَقْبُولَةٌ وَإِنْ كَانَ مُفْلِسًا وَفِي الْمُحِيطِ لَا تُقْبَلُ بِدَيْنٍ لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَهُنَا مَسَائِلُ أُخْرَى: الْأُولَى ثَلَاثَةٌ قَتَلُوا رَجُلًا فَشَهِدَ اثْنَانِ مِنْهُمْ عَلَى أَنَّ الْوَلِيَّ عَفَا عَنْ الثَّالِثِ تُقْبَلُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ. الثَّانِيَةُ ثَلَاثَةٌ عَلَيْهِمْ دَيْنٌ شَهِدَ اثْنَانِ مِنْهُمْ عَلَى الدَّائِنِ بِإِبْرَاءِ الثَّالِثِ فَعَلَى الْخِلَافِ إنْ كَانَا لَمْ يَقْبِضَا وَإِلَّا فَلَا اتِّفَاقًا. الثَّالِثَةُ شَهِدَ اثْنَانِ مِنْ الْوَرَثَةِ عَلَى الْبَاقِي بِأَنَّ هَذَا ابْنُ الْمَيِّتِ تُقْبَلُ. الرَّابِعَةُ شَهِدَ الْكَفِيلَانِ بِالْعُهْدَةِ عَلَى الْبَائِعِ بِأَنَّهُ قَبَضَ الثَّمَنَ أَوْ أَبْرَأَ الْمُشْتَرِيَ مِنْهُ لَمْ تُقْبَلْ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَاعْلَمْ أَنَّ فِي مَسْأَلَةِ الشَّهَادَةِ بِالْعَفْوِ لَوْ شَهِدُوا أَنَّهُ عَفَا عَنَّا قَالَ الْحَسَنُ تُقْبَلُ إذَا قَالَ اثْنَانِ مِنْهُمْ عَفَا عَنَّا وَعَنْ هَذَا الْوَاحِدِ فَتُقْبَلُ فِي حَقِّ الْكُلِّ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ تُقْبَلُ فِي حَقِّ الْوَاحِدِ وَهِيَ فِي الْخَانِيَّةِ وَنَظِيرُ هَذِهِ مَا فِي الْخَانِيَّةِ أَيْضًا لَوْ قَالَ إنْ دَخَلَ دَارِي أَحَدٌ فَعَبْدِي حُرٌّ فَشَهِدَ ثَلَاثَةٌ أَنَّهُمْ دَخَلُوهَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ قَالُوا دَخَلْنَاهَا جَمِيعًا لَا تُقْبَلُ وَإِنْ قَالُوا دَخَلْنَا وَدَخَلَ هَذَا تُقْبَلُ وَسَأَلَ الْحَسَنُ ابْنُ أَبِي يُوسُفَ عَنْهَا فَقَالَ إنْ شَهِدَ ثَلَاثَةٌ بِأَنَّا دَخَلْنَاهَا جَمِيعًا تُقْبَلُ وَإِنْ شَهِدَ اثْنَانِ لَا تُقْبَلُ فَقَالَ لَهُ الْحَسَنُ أَصَبْت وَخَالَفْت أَبَاك اهـ. (قَوْلُهُ وَالْمُخَنَّثِ) أَيْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَمُرَادُهُ الْمُخَنَّثُ فِي الرَّدِيءِ مِنْ الْأَفْعَالِ؛ لِأَنَّهُ فَاسِقٌ فَأَمَّا الَّذِي فِي كَلَامِهِ لِينٌ وَفِي أَعْضَائِهِ تَكَسُّرٌ فَهُوَ مَقْبُولُ الشَّهَادَةِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَفِي الْمُغْرِبِ الْمُخَنَّثُ فِي عُرْفِ النَّاسِ هُوَ الَّذِي يُبَاشِرُ الرَّدِيءَ مِنْ الْأَفْعَالِ أَيْ أَفْعَالِ النِّسَاءِ مِنْ التَّزَيُّنِ بِزِينَتِهِنَّ وَالتَّشَبُّهِ بِهِنَّ فِي الْفِعْلِ وَالْقَوْلِ فَالْفِعْلُ مِثْلُ كَوْنِهِ مَحَلًّا لِلِّوَاطَةِ وَالْقَوْلُ مِثْلُ تَلْيِينِ كَلَامِهِ بِاخْتِيَارِهِ تَشْبِيهًا بِالنِّسَاءِ كَذَا فِي الْبِنَايَةِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ أَبْوَابِ الْإِمَامَةِ الْمُخَنَّثُ بِكَسْرِ النُّونِ وَفَتْحِهَا فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَهُوَ بِمَعْنَى الْمُتَكَسِّرِ فِي أَعْضَائِهِ الْمُتَلَيِّنِ فِي كَلَامِهِ تَشْبِيهًا بِالنِّسَاءِ وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ فَهُوَ الَّذِي يُعْمَلُ بِهِ لِوَاطَةً. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْمُغَنِّيَةِ وَالنَّائِحَةُ) لِارْتِكَابِهِمَا مُحَرَّمًا لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ الصَّوْتَيْنِ الْأَحْمَقَيْنِ النَّائِحَةِ وَالْمُغَنِّيَةِ أَيْ صَوْتِ النَّائِحَةِ وَالْمُغَنِّيَةِ وَوَصَفَ الصَّوْتَ بِصَوْتِ صَاحِبِهِ أَطْلَقَ الْمُغَنِّيَةَ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَتْ تُغَنِّي وَحْدَهَا؛ لِأَنَّ رَفْعَ صَوْتِهَا حَرَامٌ بِخِلَافِ الرَّجُلِ قَيَّدَهُ بِأَنْ يُغَنِّيَ لِلنَّاسِ وَأَطْلَقَ النَّائِحَةَ وَهِيَ مُقَيَّدَةٌ بِاَلَّتِي تَنُوحُ فِي مُصِيبَةِ غَيْرِهَا لِارْتِكَابِهَا الْحَرَامَ طَمَعًا فِي الْمَالِ فَتُقْبَلُ شَهَادَةُ النَّائِحَةِ فِي مُصِيبَتِهَا وَفِي الْقَامُوسِ نَاحَ الرَّجُلُ بَكَى وَاسْتَبْكَى غَيْرَهُ (قَوْلُهُ وَالْعَدُوِّ إنْ كَانَتْ عَدَاوَةً دُنْيَوِيَّةً) أَيْ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَةُ الْعَدُوِّ لِأَجْلِ الدُّنْيَا؛ لِأَنَّ الْمُعَادَاةَ لِأَجْلِهَا حَرَامٌ فَمَنْ ارْتَكَبَهَا لَا يُؤْمَنُ مِنْ التَّقَوُّلِ عَلَيْهِ قَيَّدَ بِكَوْنِهَا دُنْيَوِيَّةً لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا إذَا كَانَتْ دِينِيَّةً فَإِنَّهَا لَا تَمْنَعُ؛ لِأَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى كَمَالِ دِينِهِ وَعَدَالَتِهِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمُعَادَاةَ قَدْ تَكُونُ وَاجِبَةً بِأَنْ رَأَى فِيهِ مُنْكَرًا شَرْعًا وَلَمْ يَنْتَهِ بِنَهْيِهِ بِدَلِيلِ قَبُولِ شَهَادَةِ الْمُسْلِمِ عَلَى الْكَافِرِ مَعَ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْعَدَاوَةِ الدِّينِيَّةِ وَالْمَقْتُولِ وَلِيُّهُ عَلَى الْقَاتِلِ وَالْمَجْرُوحِ عَلَى الْجَارِحِ وَالزَّوْجِ عَلَى امْرَأَتِهِ بِالزِّنَا ذَكَرَهُ ابْنُ وَهْبَانَ وَفِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ وَالْعَدُوُّ مَنْ يَفْرَحُ بِحُزْنِهِ وَيَحْزَنُ لِفَرَحِهِ وَقِيلَ يُعْرَفُ بِالْعُرْفِ اهـ. وَمِثَالُ الْعَدَاوَةِ الدُّنْيَوِيَّةِ أَنْ يَشْهَدَ الْمَقْذُوفُ عَلَى الْقَاذِفِ وَالْمَقْطُوعُ عَلَيْهِ الطَّرِيقُ عَلَى الْقَاطِعِ وَفِي إدْخَالِ الزَّوْجِ هُنَا نَظَرٌ فَقَدْ صَرَّحُوا بِقَبُولِ شَهَادَتِهِ عَلَيْهَا بِالزِّنَا إلَّا إذَا قَذَفَهَا أَوَّلًا وَإِنَّمَا الْمَنْعُ مُطْلَقًا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَفِي بَعْضِ الْفَتَاوَى وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الصَّدِيقِ لِصَدِيقِهِ اهـ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُصَرَّحَ بِهِ فِي غَالِبِ كُتُبِ أَصْحَابِنَا وَالْمَشْهُورَ عَلَى أَلْسِنَةِ فُقَهَائِنَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ التَّفْصِيلِ وَنَقَلَ فِي الْقُنْيَةِ أَنَّ الْعَدَاوَةَ بِسَبَبِ الدُّنْيَا لَا تَمْنَعُ مَا لَمْ يَفْسُقْ بِسَبَبِهَا أَوْ يَجْلِبُ مَنْفَعَةً أَوْ يَدْفَعُ بِهَا عَنْ نَفْسِهِ مَضَرَّةً وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ وَمَا فِي الْوَاقِعَاتِ وَغَيْرِهَا اخْتِيَارُ   [منحة الخالق] وَأَمَّا إذَا شَهِدَ لَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ فَلَا تُقْبَلُ قَوْلًا وَاحِدًا لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِالتَّرِكَةِ كَالْمُوصَى لَهُ كَذَا فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ. اهـ. (قَوْلُهُ قَالَ الْحَسَنُ تُقْبَلُ إذَا قَالَ اثْنَانِ مِنْهُمْ عَفَا عَنَّا وَعَنْ هَذَا الْوَاحِدِ فَتُقْبَلُ) إنْ كَانَ الْمُرَادُ أَنَّ الْقَائِلَ اثْنَانِ فَقَطْ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنْ ظَاهِرِ الْعِبَارَةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْقَبُولَ فِي حَقِّ سُقُوطِ الْقَوَدِ عَنْ الْكُلِّ وَعَلَيْهِ فَتَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ فَقَطْ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ أَنَّ كُلَّ اثْنَيْنِ قَالَا ذَلِكَ أَوْ كُلَّ وَاحِدٍ قَالَ ذَلِكَ فَتَسْقُطُ الدِّيَةُ عَنْ الْكُلِّ وَانْظُرْ مَا وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ هَذَا وَقَدْ جَعَلَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْأَشْبَاهِ مُسْتَثْنَاةً مِنْ قَاعِدَةِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْإِنْسَانِ لِنَفْسِهِ فَقَالَ مُحَشِّيهَا الْحَمَوِيُّ تَبَعًا لِلرَّمْلِيِّ لَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ الضَّابِطِ الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا قَبُولُ شَهَادَةِ الْإِنْسَانِ لِنَفْسِهِ وَلَا عَلَى قَوْلِ الْحَسَنِ بَلْ إنَّمَا قُبِلَتْ عَلَى قَوْلِهِ فِي الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةُ الِاثْنَيْنِ كُلٌّ مِنْهُمْ عَلَى عَفْوِ الْوَلِيِّ عَنْ الثَّالِثِ، وَأَمَّا شَهَادَةُ كُلٍّ لِنَفْسِهِ فَلَا قَائِلَ بِهَا وَالْوَجْهُ فِي ذَلِكَ أَنَّ شَهَادَةَ الِاثْنَيْنِ لِلْآخَرِ لَا تُهْمَةَ فِيهَا لِعَدَمِ الِاشْتِرَاكِ لِوُجُوبِ الْقَتْلِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَمُلَا فَلَمْ تَجُرَّ مَنْفَعَةً فَهِيَ كَشَهَادَةِ غَرِيمَيْنِ لِغَرِيمَيْنِ فَتَأَمَّلْ اهـ. وَفِي حَاشِيَتِهَا لِلْكُفَيْرِيِّ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ تُقْبَلُ فِي حَقِّ الْوَاحِدِ وَيَسْقُطُ الْقِصَاصُ عَنْ الِاثْنَيْنِ وَيَلْزَمُهُمَا بَقِيَّةُ الدِّيَةِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَيْسَتْ لِأَنْفُسِهِمَا وَقَالَ الْحَسَنُ تُقْبَلُ فِي حَقِّ الْكُلِّ وَذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ اعْتِبَارِ أَنَّ كُلَّ اثْنَيْنِ تَكُونُ شَهَادَتُهُمَا لِغَيْرِهِمَا وَإِذَا فُرِضَ ذَلِكَ فَتَحْصُلُ الشَّهَادَةُ فِي الْمَعْنَى لِكُلٍّ مِنْ الِاثْنَيْنِ لِلْآخَرِ فَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْكُلِّ اهـ. نَقَلَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ وَعَلَى هَذَا التَّقْرِيرِ يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ؛ لِأَنَّ فِيهِ قَبُولَ شَهَادَةِ الْإِنْسَانِ لِنَفْسِهِ فَتَأَمَّلْ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 85 الْمُتَأَخِّرِينَ، وَأَمَّا الرِّوَايَةُ الْمَنْصُوصَةُ فَبِخِلَافِهَا وَفِي كَنْزِ الرُّءُوسِ شَهَادَةُ الْعَدُوِّ عَلَى عَدُوِّهِ لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ مِنْهُمْ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ تُقْبَلُ إذَا كَانَ عَدْلًا قَالَ أُسْتَاذُنَا وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ عَدْلًا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا عَدَاوَةٌ بِسَبَبِ أَمْرِ الدُّنْيَا. اهـ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ وَهْبَانَ وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ ابْنُ الشِّحْنَةِ لَكِنَّ الْحَدِيثَ شَاهِدٌ لِمَا عَلَيْهِ الْمُتَأَخِّرُونَ كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مَرْفُوعًا «لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ خَائِنٍ وَلَا خَائِنَةٍ وَلَا زَانٍ وَلَا زَانِيَةٍ وَلَا ذِي غَمْرٍ عَلَى أَخِيهِ» وَالْغَمْرُ الْحِقْدُ وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا كَانَ غَيْرَ عَدْلٍ بِدَلِيلِ أَنَّ الْحِقْدَ فِسْقٌ لِلنَّهْيِ عَنْهُ وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ وَهْبَانَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَنْبِيهَاتٍ حَسَنَةً لَمْ أَرَهَا لِغَيْرِهِ: الْأَوَّلَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ كَلَامُ صَاحِبِ الْقُنْيَةِ وَالْمَبْسُوطِ أَنَّا إذَا قُلْنَا إنَّ الْعَدَاوَةَ قَادِحَةٌ فِي الشَّهَادَةِ تَكُونُ قَادِحَةً فِي حَقِّ جَمِيعِ النَّاسِ لَا فِي حَقِّ الْعَدُوِّ فَقَطْ وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ الْفِقْهُ فَإِنَّ الْفِسْقَ لَا يَتَجَزَّأُ حَتَّى يَكُونَ فَاسِقًا فِي حَقِّ شَخْصٍ عَدْلًا فِي حَقِّ آخَرَ اهـ. قُلْت: وَلِهَذَا لَمْ يَقُلْ الْمُؤَلِّفُ عَلَى عَدُوِّهِ بَلْ أَطْلَقَهُ. الثَّانِيَ لَوْ ادَّعَى شَخْصٌ عَدَاوَةَ آخَرَ يَكُونُ مُجَرَّدُ دَعْوَاهُ اعْتِرَافًا مِنْهُ بِفِسْقِ نَفْسِهِ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ قَادِحًا فِي عَدَالَةِ الْمُدَّعِي أَنَّهُ عَدُوٌّ مَا لَمْ يُثْبِتْ الْمُدَّعِي أَنَّهُ عَدُوٌّ لَهُ. الثَّالِثَ لَوْ قَضَى الْقَاضِي بِشَهَادَةِ الْعَدُوِّ عَلَى عَدُوِّهِ أَوْ عَلَى غَيْرِ عَدُوِّهِ هَلْ يَصِحُّ أَوْ لَا؟ إنْ قُلْنَا إنَّ الْمَانِعَ مِنْ قَبُولِ الشَّهَادَةِ هُوَ الْفِسْقُ فَيَكُونُ حِينَئِذٍ صَحِيحًا نَافِذًا؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ إذَا قَضَى بِشَهَادَةِ الْفَاسِقِ نَفَذَ قَضَاؤُهُ وَيَصِحُّ وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ لِمَعْنًى آخَرَ أَقْوَى مِنْ الْفِسْقِ لَا يَصِحُّ فِي حَقِّ الْعَدُوِّ وَيَصِحُّ فِي حَقِّ غَيْرِهِ وَذَكَرَ ابْنُ الْكَمَالِ فِي إصْلَاحِ الْإِيضَاحِ أَنَّ شَهَادَةَ الْعَدُوِّ لِعَدُوِّهِ جَائِزَةٌ عَكْسَ شَهَادَةِ الْأَصْلِ لِفَرْعِهِ اهـ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا إنَّمَا لَمْ تُقْبَلْ لِلتُّهْمَةِ لَا لِلْفِسْقِ. الرَّابِعَ قَدْ يَتَوَهَّمُ بَعْضُ الْمُتَفَقِّهَةِ وَالشُّهُودِ أَنَّ كُلَّ مَنْ خَاصَمَ شَخْصًا فِي حَقٍّ وَادَّعَى عَلَيْهِ حَقًّا أَنَّهُ يَصِيرُ عَدُوَّهُ فَيَشْهَدُ بَيْنَهُمَا بِالْعَدَاوَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْعَدَاوَةُ إنَّمَا تَثْبُتُ بِنَحْوِ مَا ذَكَرْت نَعَمْ لَوْ خَاصَمَ الشَّخْصُ آخَرَ فِي حَقٍّ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْحَقِّ كَالْوَكِيلِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِيمَا هُوَ وَكِيلٌ فِيهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ لَا أَنَّهُ إذَا تَخَاصَمَ اثْنَانِ فِي حَقٍّ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْمُخَاصَمَةِ. اهـ. قُلْت وَيَدُلُّ لَهُ مَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ مِنْ بَابِ مَا يُبْطِلُ دَعْوَى الْمُدَّعِي رَجُلٌ خَاصَمَ رَجُلًا فِي دَارٍ أَوْ فِي حَقٍّ ثُمَّ إنَّ هَذَا الرَّجُلَ شَهِدَ عَلَيْهِ فِي حَقٍّ آخَرَ جَازَتْ شَهَادَتُهُ إذَا كَانَ عَدْلًا اهـ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَوْ شَهِدَ عَلَى رَجُلٍ آخَرُ فَخَاصَمَهُ فِي شَيْءٍ قَبْلَ الْقَضَاءِ لَا يَمْتَنِعُ الْقَضَاءُ بِشَهَادَتِهِ إلَّا إذَا ادَّعَى أَنَّهُ دَفَعَ لَهُ كَذَا لِئَلَّا يَشْهَدَ عَلَيْهِ وَطَلَبَ الرَّدَّ وَأَثْبَتَ دَعْوَاهُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ أَوْ نُكُولٍ فَحِينَئِذٍ بَطَلَتْ شَهَادَتُهُ وَهُوَ جَرْحٌ مَقْبُولٌ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَسَيَأْتِي فِي بَيَانِ الْجَرْحِ. الْخَامِسَ إذَا قُلْنَا لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْعَدُوِّ عَلَى عَدُوِّهِ إذَا كَانَتْ دُنْيَوِيَّةً هَلْ الْحُكْمُ فِي الْقَاضِي كَذَلِكَ حَتَّى لَا يَجُوزَ قَضَاءُ الْقَاضِي عَلَى مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ دُنْيَوِيَّةٌ لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ فِي كُتُبِ أَصْحَابِنَا وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ فِيهِ عَلَى التَّفْصِيلِ إنْ كَانَ قَضَاؤُهُ عَلَيْهِ بِعِلْمِهِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَنْفُذَ وَإِنْ كَانَ بِشَهَادَةِ الْعُدُولِ وَبِمَحْضَرٍ مِنْ النَّاسِ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ بِطَلَبِ خَصْمٍ شَرْعِيٍّ يَنْبَغِي أَنْ يَنْفُذَ وَفَرَّقَ الْمَاوَرْدِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ أَسْبَابَ الْحُكْمِ ظَاهِرَةٌ وَأَسْبَابَ الشَّهَادَةِ خَافِيَةٌ اهـ. (قَوْلُهُ وَمُدْمِنِ الشُّرْبِ عَلَى اللَّهْوِ) أَيْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُدَاوِمِ عَلَى شُرْبِ مَا لَا يَحِلُّ شُرْبُهُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ فَإِنَّ الْفِسْقَ لَا يَتَجَزَّأُ إلَخْ) وَهَلْ يُقَاسُ عَلَى هَذَا النَّاظِرُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ أَنْظَارُ وَقْفٍ عَدِيدَةٍ وَثَبَتَ فِسْقُهُ بِسَبَبِ خِيَانَتِهِ فِي وَاحِدٍ مِنْهَا فَهَلْ يَسْرِي فِسْقُهُ فِي كُلِّهَا فَيُعْزَلُ أَقُولُ: مُقْتَضَى قَوْلِهِ أَنَّ الْفِسْقَ لَا يَتَجَزَّأُ السَّرَيَانُ فَلْيُتَأَمَّلْ وَلْيُرَاجَعْ ثُمَّ رَأَيْت وَلِلَّهِ الْحَمْدُ بَعْدَ مُدَّةٍ التَّصْرِيحَ بِذَلِكَ فِي فَتَاوَى الْمُفْتَى شَيْخِ الْإِسْلَامِ أَبِي السُّعُودِ الْعِمَادِيِّ الْمُفَسِّرِ وَنَصُّهُ فِي فَتَاوِيهِ مِنْ كِتَابِ الْوَقْفِ فِي نَاظِرٍ عَلَى أَوْقَافٍ مُتَعَدِّدَةٍ ظَهَرَتْ خِيَانَتُهُ فِي بَعْضٍ مِنْ الْأَوْقَافِ هَلْ يَلْزَمُ عَزْلُهُ مِنْ الْكُلِّ أَوْ لَا؟ الْجَوَابُ لَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ أَلْبَتَّةَ اهـ. بِحُرُوفِهِ كَذَا رَأَيْته بِخَطِّ مُلَّا عَلِيٍّ أَمِينِ الْفَتْوَى بِدِمَشْقَ الشَّامِ فِي هَامِشِ نُسْخَتِهِ. وَكَتَبَ الرَّمْلِيُّ هُنَا الظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ عَدَمَ الْقَبُولِ إنَّمَا هُوَ لِلتُّهْمَةِ لَا لِلْفِسْقِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا يَأْتِي عَنْ ابْنِ الْكَمَالِ وَمَا صَرَّحَ بِهِ يَعْقُوبُ بَاشَا وَكَثِيرٌ مِنْ عُلَمَائِنَا صَرَّحَ بِأَنَّ شَهَادَةَ الْعَدُوِّ عَلَى عَدُوِّهِ لَا تُقْبَلُ فَالتَّقْيِيدُ بِكَوْنِهَا عَلَى عَدُوِّهِ يَنْفِي مَا عَدَاهُ وَهُوَ الْمُتَبَادِرُ لِلْأَفْهَامِ فَتَأَمَّلْهُ اهـ. أَقُولُ: أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ فِعْلَ الْكَبِيرَةِ وَالْإِصْرَارَ عَلَى الصَّغِيرَةِ قَادِحٌ فِي الْعَدَالَةِ وَقَدْ شَرَطَ فِي الْقُنْيَةِ لِعَدَمِ الْقَبُولِ كَوْنَهُ فَسَقَ بِتِلْكَ الْعَدَاوَةِ وَعَلَى هَذَا فَعَدَمُ قَبُولِهَا مُطْلَقًا ظَاهِرٌ وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا كَانَتْ عَدَاوَةٌ ظَاهِرَةٌ كَمَا يُفِيدُهُ مَا يَأْتِي عَنْ الْفَتْحِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ أَوْ يَرْتَكِبُ مَا يُوجِبُ الْحَدَّ فَتَحَرَّرَ أَنَّ الْوَجْهَ عَدَمُ الْقَبُولِ مُطْلَقًا وَالتَّعْلِيلُ بِالِاتِّهَامِ كَمَا مَرَّ عَنْ كَنْزِ الرُّءُوسِ لَا يُنَافِيهِ؛ لِأَنَّ الْفَاسِقَ لَا يُقْبَلُ لِلِاتِّهَامِ أَيْضًا وَمَا يَأْتِي عَنْ ابْنِ الْكَمَالِ يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَفْسُقْ بِهَا فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْقَاضِيَ إذَا قَضَى بِشَهَادَةِ الْفَاسِقِ نَفَذَ قَضَاؤُهُ وَيَصِحُّ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَصَرَّحَ يَعْقُوبُ بَاشَا فِي حَاشِيَتِهِ بِعَدَمِ نَفَاذِ قَضَاءِ الْقَاضِي بِشَهَادَةِ الْعَدُوِّ عَلَى عَدُوِّهِ وَأَقُولُ: وَقِيَاسُهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْعَصَبِيَّةَ كَذَلِكَ فَلَا يَنْفُذُ قَضَاءُ الْقَاضِي بِشَهَادَتِهِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَبْغَضُ الرَّجُلَ لِكَوْنِهِ مِنْ بَنِي فُلَانٍ أَوْ مِنْ قَبِيلَةِ كَذَا كَمَا سَيَأْتِي فِي الْحَاشِيَةِ قَرِيبًا مَنْقُولًا عَنْ مُعِينِ الْحُكَّامِ فَتَأَمَّلْهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 86 فَأَطْلَقَ اللَّهْوَ عَلَى الْمَشْرُوبِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْإِدْمَانِ فِي حَقِّ الْخَمْرِ أَيْضًا وَفِي الْخَانِيَّةِ إنَّمَا شَرَطَ الْإِدْمَانَ لِيَظْهَرَ ذَلِكَ عِنْدَ النَّاسِ فَإِنَّ مَنْ اُتُّهِمَ بِشُرْبِ الْخَمْرِ فِي بَيْتِهِ لَا تَبْطُلُ عَدَالَتُهُ وَإِنْ كَانَتْ كَبِيرَةً وَإِنَّمَا تَبْطُلُ إذَا ظَهَرَ ذَلِكَ أَوْ يَخْرُجُ سَكْرَانَ يَسْخَرُ مِنْهُ الصِّبْيَانُ؛ لِأَنَّ مِثْلَهُ لَا يَحْتَرِزُ عَنْ الْكَذِبِ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي وَفِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الذَّخِيرَةِ لَا يَجُوزُ بِشَهَادَةِ مُدْمِنِ الْخَمْرِ ثُمَّ قَالَ بِشَرْطِ الْإِدْمَانِ وَلَمْ يُرِدْ بِهِ الْإِدْمَانَ فِي الشُّرْبِ وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ الْإِدْمَانَ فِي النِّيَّةِ يَعْنِي يَشْرَبُ وَمِنْ نِيَّتِهِ أَنْ يَشْرَبَ بَعْدَ ذَلِكَ إذَا وَجَدَهُ وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ مُدْمِنِ السُّكْرِ وَأَرَادَ بِهِ السُّكْرَ بِسَائِرِ الْأَشْرِبَةِ سِوَى الْخَمْرِ؛ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ فِي سَائِرِ الْأَشْرِبَةِ السُّكْرُ فَشَرْطُ الْإِدْمَانِ عَلَى السُّكْرِ وَالْمُحَرَّمِ فِي الْخَمْرِ نَفْسُ الشُّرْبِ فَشَرْطُ الْإِدْمَانِ عَلَى الشُّرْبِ اهـ. وَالتَّحْقِيقُ خِلَافُ كُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ وَأَنَّ الْإِدْمَانَ بِالْفِعْلِ أَوْ النِّيَّةِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الْخَمْرِ؛ لِأَنَّ شُرْبَ قَطْرَةٍ كَبِيرَةٍ مِنْهَا وَهِيَ مُسْقِطَةٌ لِلْعَدَالَةِ مِنْ غَيْرِ إصْرَارٍ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْمَشَايِخُ الْإِدْمَانَ لِيَظْهَرَ شُرْبُهُ عِنْدَ الْقَاضِي لَا أَنَّهُ شَرْطٌ كَقَوْلِهِمْ إنَّ النَّائِحَةَ لَا تَسْقُطُ عَدَالَتُهَا إلَّا إذَا كَانَتْ نَائِحَةً فِي مُصِيبَةِ غَيْرِهَا مَعَ أَنَّ النِّيَاحَةَ كَبِيرَةٌ لِلتَّوَعُّدِ عَلَيْهَا لَكِنْ لَا يَظْهَرُ إلَّا فِي مُصِيبَةِ غَيْرِهَا غَالِبًا وَأَمَّا فِي غَيْرِ الْخَمْرِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِدْمَانِ لِأَنَّ شُرْبَهُ صَغِيرَةٌ وَالْقَوْلَانِ فِي تَفْسِيرِ الْإِدْمَانِ مَحْكِيَّانِ فِي تَفْسِيرِ الْإِصْرَارِ عَلَيْهَا وَذَكَرَ ابْنُ الْكَمَالِ أَنَّ شُرْبَ الْخَمْرِ لَيْسَ بِكَبِيرَةٍ فَلَا تَسْقُطُ الْعَدَالَةُ إلَّا بِالْإِصْرَارِ عَلَيْهِ قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى وَلَا تَسْقُطُ عَدَالَةُ شَارِبِ الْخَمْرِ بِنَفْسِ الشُّرْبِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْحَدَّ لَمْ يَثْبُتْ بِنَصٍّ قَاطِعٍ إلَّا إذَا دَاوَمَ عَلَى ذَلِكَ. اهـ. وَهُوَ غَلَطٌ مِنْ ابْنِ الْكَمَالِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْمَشَايِخِ مِنْ التَّصْرِيحِ بِأَنَّ شُرْبَهَا كَبِيرَةٌ وَلِمُخَالَفَتِهِ لِلْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ فِي الْكَبَائِرِ أَنَّهَا سَبْعٌ وَذَكَرَ مِنْهَا شُرْبَ الْخَمْرِ وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الصُّغْرَى أَنَّهَا صَغِيرَةٌ كَمَا لَا يَخْفَى لَكِنْ فِي تَعْلِيلِهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيهَا لَا فِي الْحَدِّ وَحُرْمَتُهَا ثَبَتَتْ بِدَلِيلٍ مَقْطُوعٍ بِهِ وَلِذَا قَالُوا يَكْفُرُ مُسْتَحِلُّهَا وَسُقُوطُ الْعَدَالَةِ إنَّمَا هُوَ بِسَبَبِ شُرْبِهَا لَا بِسَبَبِ وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَيْهِ وَذَكَرَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ أَنَّ الْخَصَّافَ أَسْقَطَ الْعَدَالَةَ بِشُرْبِ الْخَمْرِ مِنْ غَيْرِ إدْمَانٍ وَمُحَمَّدٌ شَرَطَ الْإِدْمَانَ لِسُقُوطِهَا وَهُوَ الصَّحِيحُ اهـ. وَفِي الْعَتَّابِيَّةِ لَا تَسْقُطُ عَدَالَةُ أَصْحَابِ الْمُرُوءَاتِ بِالشُّرْبِ مَا لَمْ يَشْتَهِرْ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ مَنْ سَكِرَ مِنْ النَّبِيذِ بَطَلَتْ عَدَالَتُهُ فِي قَوْلِ الْخَصَّافِ؛ لِأَنَّ السُّكْرَ حَرَامٌ عِنْدَ الْكُلِّ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا تَبْطُلُ عَدَالَتُهُ إلَّا إنْ اعْتَادَ ذَلِكَ اهـ. وَهُوَ عَجِيبٌ مِنْ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُ قَالَ بِحُرْمَةِ قَلِيلِهِ وَلَمْ يُسْقِطْهَا بِكَثِيرِهِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَقُولُ بِأَنَّ السُّكْرَ مِنْهُ صَغِيرَةٌ فَشَرَطَ الِاعْتِيَادَ فَإِنْ قُلْت هَلْ لِشَارِبِ الْخَمْرِ أَنْ يَشْهَدَ إذَا لَمْ يُطَّلَعْ عَلَيْهِ قُلْت نَعَمْ لِمَا فِي الْمُلْتَقَطِ وَإِذَا كَانَ فِي الظَّاهِرِ عَدْلًا وَفِي السِّرِّ فَاسِقًا فَأَرَادَ الْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ بِشَهَادَتِهِ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَذْكُرَ فِسْقَهُ؛ لِأَنَّهُ هَتْكُ السِّرِّ وَإِبْطَالُ حَقِّ الْمُدَّعِي اهـ. وَلَا فَرْقَ فِي السُّكْرِ الْمُسْقِطِ لَهَا بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ لِمَا فِي الْمُلْتَقَطِ وَإِذَا سَكِرَ الذِّمِّيُّ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَفِي الْمِصْبَاحِ اللَّهْوُ مَعْرُوفٌ وَأَصْلُهُ تَرْوِيحُ النَّفْسِ بِمَا لَا تَقْتَضِيهِ الْحِكْمَةُ اهـ. وَذَكَرَ الشَّارِحُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ يَجْلِسُ مَجَالِسَ الْفُجُورِ وَالشُّرْبِ وَإِنْ لَمْ يَشْرَبْ لِأَنَّهُ تَشَبُّهٌ بِهِمْ وَلَا يُحْتَرَزُ أَنْ يَظْهَرَ عَلَيْهِ مَا يَظْهَرُ عَلَيْهِمْ فَلَا يُحْتَرَزُ عَنْ شَهَادَةِ الزُّورِ اهـ. وَفِي قَوْلِهِ عَلَى اللَّهْوِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ شَرِبَهَا لِلتَّدَاوِي لَمْ تَسْقُطْ عَدَالَتُهُ؛ لِأَنَّ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ مَسَاغًا ذَكَرَهُ ابْنُ الْكَمَالِ (قَوْلُهُ وَمَنْ يَلْعَبُ بِالطُّنْبُورِ) أَيْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَفَسَّرَهُ فِي الْهِدَايَةِ بِالْمُغَنِّي وَفِي نُسْخَةٍ أُخْرَى بِالطُّيُورِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ فَأَطْلَقَ اللَّهْوَ عَلَى الْمَشْرُوبِ إلَخْ) قَالَ فِي الْمِنَحِ هُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ مِنْ الْعِبَارَةِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْهَا أَنَّ مَعْنَى مُدْمِنِ الشُّرْبِ أَيْ مُدَاوِمِ شُرْبِ الْخَمْرِ عَلَى اللَّهْوِ وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ أَيْ مُدَاوِمُ شُرْبِ الْخَمْرِ لِأَجْلِ اللَّهْوِ؛ لِأَنَّ شُرْبَهَا كَبِيرَةٌ وَقَالَ مُلَّا خُسْرو وَمُدْمِنُ الشُّرْبِ أَيْ شُرْبِ الْأَشْرِبَةِ الْمُحَرَّمَةِ فَإِنَّ إدْمَانَ شُرْبِ غَيْرِهَا لَا يُسْقِطُ الشَّهَادَةَ مَا لَمْ يَكُنْ عَلَى اللَّهْوِ اهـ. فَأَفَادَ كَلَامُهُ أَنَّ الشُّرْبَ عَلَى اللَّهْوِ إنَّمَا هُوَ شَرْطٌ فِي غَيْرِ الْأَشْرِبَةِ الْمُحَرَّمَةِ أَمَّا فِيهَا فَلَا يُشْتَرَطُ وَهَذَا يُوَافِقُ كَلَامَ صَاحِبِ الْبَحْرِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا هُوَ الَّذِي أَحْوَجُهُ إلَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ حَمْلِ اللَّهْوِ فِي كَلَامِ الْكَنْزِ عَلَى الْمَشْرُوبِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِكَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ فَإِنَّهُ جَعَلَهُ شَرْطًا فِي الْخَمْرِ أَيْضًا وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ؛ لِأَنَّ شُرْبَ الْخَمْرِ كَبِيرَةٌ تُرَدُّ الشَّهَادَةُ بِهَا سَوَاءٌ شُرِبَتْ عَلَى اللَّهْوِ أَمْ لَا وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْإِدْمَانِ فِي حَقِّ الْخَمْرِ أَيْضًا. اهـ. (قَوْلُهُ وَالتَّحْقِيقُ خِلَافُ كُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْمِنَحِ لَا يَخْفَى حُسْنُ مَا فِي النِّهَايَةِ مَعْزُوًّا إلَى الذَّخِيرَةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا نَوَى أَنْ يَشْرَبَ ذَلِكَ فَهُوَ فَاسِقٌ لَمْ يَتُبْ بِخِلَافِ مَا إذَا قَطَعَ عَنْهُ فَإِنَّهُ فَاسِقٌ تَابَ وَمِثْلُهُ مَقْبُولُ الشَّهَادَةِ وَبِهِ يَنْحَلُّ الْإِشْكَالُ تَأَمَّلْ اهـ. لَكِنْ فِي هَوَامِشِ ابْنِ الْكَمَالِ الْمَعْزُوَّةِ إلَيْهِ بَعْدَ نَقْلِهِ مَا فِي الذَّخِيرَةِ وَلَا يَذْهَبُ عَلَيْك أَنَّهُ أَمْرٌ خَفِيٌّ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَدَارًا لِعَدَمِ قَبُولِ الشَّهَادَةِ اهـ. وَمِثْلُهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ وَهُوَ عَجِيبٌ مِنْ مُحَمَّدٍ إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ يُعْلَمُ مِمَّا قَدَّمَهُ عَنْ الصَّدْرِ الشَّهِيدِ مِنْ أَنَّ الْإِدْمَانَ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ شَرْطٌ لِسُقُوطِ الْعَدَالَةِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ مَعَ أَنَّهُ مِمَّنْ يَقُولُ بِأَنَّ مُجَرَّدَ شُرْبِ الْخَمْرِ حَرَامٌ وَلَوْ بِدُونِ إدْمَانٍ وَإِسْكَارٍ وَلِهَذَا قَالَ الْمَقْدِسِيَّ وَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ مُحَمَّدٌ يَعْنِي حَيْثُ اشْتَرَطَ الِاعْتِيَادَ عَلَى السُّكْرِ مِنْ النَّبِيذِ لِلِاحْتِيَاطِ فَمَنَعَ الْقَلِيلَ يَعْنِي مِنْ الْمُسْكِرِ وَلَمْ يُسْقِطْ الْعَدَالَةَ إلَّا إذَا اعْتَادَ وَلَمْ يَكْتَفِ بِالْكَثْرَةِ اهـ. فَإِنْ قُلْت لِمَ اشْتَرَطَ الْإِدْمَانَ فِي الشُّرْبِ دُونَ غَيْرِهِ مِمَّا يُوجِبُ الْحَدَّ قُلْت ذَكَرَ الْبُرْجَنْدِيُّ أَنَّ الْوُقُوعَ فِي الشُّرْبِ أَكْثَرُ مِنْ الْوُقُوعِ فِي غَيْرِهِ فَلَوْ جَعَلَ مُجَرَّدَ الشُّرْبِ مُسْقِطًا لِلْعَدَالَةِ أَدَّى إلَى الْحَرَجِ. اهـ. أَبُو السُّعُودِ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 87 لِأَنَّهُ يُورِثُ غَفْلَةً وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ يَقِفُ عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ لِصُعُودِهِ سَطْحَهُ لِيُطَيِّرَ طَيْرَهُ فَأَمَّا إمْسَاكُ الْحَمَامِ فِي بَيْتِهِ لِلِاسْتِئْنَاسِ لَا يُسْقِطُهَا؛ لِأَنَّ إمْسَاكَهَا فِي الْبُيُوتِ مُبَاحٌ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَزَادَ فِي الْمِعْرَاجِ أَنَّ إمْسَاكَهَا لِحَمْلِ الْكُتُبِ كَمَا فِي دِيَارِ مِصْرَ وَالشَّامِ مُبَاحٌ إلَّا إنْ كَانَتْ تَجُرُّ حَمَامَاتٍ أُخَرَ مَمْلُوكَةً لِغَيْرِهِ فَتُفَرِّخُ فِي وَكْرِهَا فَيَأْكُلُ وَيَبِيعُ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُ الْغَيْرِ وَلَا يَحِلُّ لَهُ فَسَقَطَتْ عَدَالَتُهُ كَذَا ذَكَرَ الشَّارِحُ يَعْنِي وَإِنْ لَمْ يَقِفْ عَلَى الْعَوْرَاتِ بِصُعُودِ السَّطْحِ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ وَأَرَادَ الْمُؤَلِّفُ بِالطُّنْبُورِ كُلَّ لَهْوٍ كَانَ شَنِيعًا بَيْنَ النَّاسِ احْتِرَازًا عَمَّا لَمْ يَكُنْ شَنِيعًا كَضَرْبِ الْقَضِيبِ فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ قَبُولَهَا إلَّا أَنْ يُتَفَاحَشَ بِأَنْ يَرْقُصُوا بِهِ فَيَدْخُلُ فِي حَدِّ الْكَبَائِرِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَقَدْ ذَكَرَ الْمَشَايِخُ هُنَا حَدِيثًا مَرْفُوعًا «مَا أَنَا مِنْ دَدٍ وَلَا الدَّدُ مِنِّي» قَالَ فِي الصِّحَاحِ الدَّدُ اللَّهْوُ وَاللَّعِبُ وَفِيهِ ثَلَاثُ لُغَاتٍ تَقُولُ هَذَا دَدٌ وَدَدًا مِثْلَ نَقًا وَدَدَنٌ اهـ. وَذَكَرَ الْقُطْبُ فِي حَاشِيَةِ الْكَشَّافِ مِنْ سُورَةِ النِّسَاءِ الدَّدُ اللَّهْوُ وَاللَّعِبُ وَالتَّنْكِيرُ فِي دَدٍ لِلشُّيُوعِ أَيْ مَا أَنَا فِي شَيْءٍ مِنْ اللَّهْوِ وَالتَّعْرِيفُ فِي الدَّدِ لِلْعَهْدِ كَأَنَّهُ قَالَ وَلَا ذَلِكَ النَّوْعُ مِنِّي اهـ. وَذَكَرَ الْكَرْمَانِيُّ مِنْ شَرِكَاتِ شَرْحِ الْبُخَارِيِّ أَنَّ مِنْ فِي الْحَدِيثِ تُسَمَّى اتِّصَالِيَّةٌ وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ اللَّاعِبُ بِالصَّوْلَجَانِ يُرِيدُ بِهِ الْفُرُوسِيَّةَ جَازَتْ شَهَادَتُهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَحْظُورٍ اهـ. وَفِي الْخَانِيَّةِ وَإِنْ لَعِبَ بِشَيْءٍ مِنْ الْمَلَاهِي وَلَمْ يَشْغَلْهُ ذَلِكَ عَنْ الْفَرَائِضِ لَا تَبْطُلُ عَدَالَتُهُ وَالْمُلَاعَبَةُ بِالْأَهْلِ وَالْفَرَسِ لَا تُبْطِلُ الْعَدَالَةَ مَا لَمْ يَمْنَعْهُ ذَلِكَ عَنْ الْفَرَائِضِ فَإِنْ كَانَ اللَّعِبُ بِالْمَلَاهِي لَا يَشْغَلُهُ عَنْهَا إلَّا أَنَّهُ شَنِيعٌ بَيْنَ النَّاسِ كَالْمَزَامِيرِ وَالطَّنَابِيرِ فَكَذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَنِيعًا نَحْوَ الْحِدَاءِ وَضَرْبِ الْقَضِيبِ لَا إلَّا إذَا فَحُشَ بِأَنْ كَانُوا يَرْقُصُونَ عِنْدَ ذَلِكَ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ يُغَنِّي لِلنَّاسِ) ؛ لِأَنَّهُ يَجْمَعُ النَّاسَ عَلَى ارْتِكَابِ كَبِيرَةٍ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْغِنَاءَ كَبِيرَةٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلنَّاسِ بَلْ لِإِسْمَاعِ نَفْسِهِ دَفْعًا لِلْوَحْشَةِ وَهُوَ قَوْلُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ قَالَ بِعُمُومِ الْمَنْعِ وَالْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ إنَّمَا مَنَعَ مَا كَانَ عَلَى سَبِيلِ اللَّهْوِ وَمِنْهُمْ مَنْ جَوَّزَهُ لِلنَّاسِ فِي عُرْسٍ أَوْ وَلِيمَةٍ وَمِنْهُمْ مَنْ جَوَّزَهُ لِإِسْمَاعِ نَفْسِهِ دَفْعًا لِلْوَحْشَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ جَوَّزَهُ لِيَسْتَقِيدَ بِهِ نَظْمَ الْقَوَافِي وَفَصَاحَةَ اللِّسَانِ وَالْعَجَبُ مِنْ الْمُصَنِّفِ فِي الْكَافِي أَنَّهُ عَلَّلَ بِمَا عَلَّلَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَجَوَّزَهُ إذَا كَانَ لِإِسْمَاعِ نَفْسِهِ إزَالَةً لِلْوَحْشَةِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ التَّغَنِّي الْمُحَرَّمُ هُوَ مَا كَانَ فِي اللَّفْظِ مَا لَا يَحِلُّ كَصِفَةِ الذَّكَرِ وَالْمَرْأَةِ الْمُعَيَّنَةِ الْحَيَّةِ وَوَصْفِ الْخَمْرِ الْمُهَيِّجِ إلَيْهَا وَالدِّيرِيَّاتِ وَالْحَانَاتِ وَالْهِجَاءِ لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ إذَا أَرَادَ الْمُتَكَلِّمُ هِجَاءَهُ لَا إذَا أَرَادَ إنْشَاءَ الشِّعْرِ لِلِاسْتِشْهَادِ بِهِ أَوْ لِتَعَلُّمِ فَصَاحَةٍ وَبَلَاغَةٍ إلَى أَنْ قَالَ وَفِي الْأَجْنَاسِ سُئِلَ مُحَمَّدُ بْنُ شُجَاعٍ عَنْ الَّذِي يَتَرَنَّمُ مَعَ نَفْسِهِ قَالَ لَا يَقْدَحُ فِي شَهَادَتِهِ، وَأَمَّا الْقِرَاءَةُ بِالْأَلْحَانِ فَأَبَاحَهَا قَوْمٌ وَحَظَرَهَا قَوْمٌ وَالْمُخْتَارُ إنْ كَانَتْ الْأَلْحَانُ لَا تُخْرِجُ الْحُرُوفَ عَنْ نَظْمِهَا وَقُدُورَاتِهَا فَمُبَاحٌ وَإِلَّا فَغَيْرُ مُبَاحٍ كَذَا ذَكَرَ وَقَدَّمْنَا فِي بَابِ الْآذَانِ مَا يُفِيدُ أَنَّ التَّلْحِينَ لَا يَكُونُ إلَّا مَعَ تَغْيِيرِ مُقْتَضَيَاتِ الْحُرُوفِ فَلَا مَعْنَى لِهَذَا التَّفْصِيلِ اهـ. وَفِي الْمِعْرَاجِ الْمَلَاهِي نَوْعَانِ مُحَرَّمٌ وَهُوَ الْآلَاتُ الْمُطْرِبَةُ مِنْ غَيْرِ الْغِنَاءِ كَالْمِزْمَارِ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ عُودٍ أَوْ قَصَبٍ كَالشَّبَّابَةِ أَوْ غَيْرِهِ كَالْعُودِ وَالطُّنْبُورِ لِمَا رَوَى أَبُو أُمَامَةَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «إنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ وَأَمَرَنِي بِمَحْقِ الْمَعَازِفِ وَالْمَزَامِيرِ» وَلِأَنَّهُ مُطْرِبٌ مُصِدٌّ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَالنَّوْعُ الثَّانِي مُبَاحٌ وَهُوَ الدُّفُّ فِي النِّكَاحِ وَفِي مَعْنَاهُ مَا كَانَ مِنْ حَادِثِ سُرُورٍ وَيُكْرَهُ فِي غَيْرِهِ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ لَمَّا سَمِعَ صَوْتَ الدُّفِّ بَعَثَ فَنَظَرَ فَإِنْ كَانَ فِي وَلِيمَةٍ سَكَتَ وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِهِ عَمَدَهُ بِالدِّرَّةِ وَهُوَ مَكْرُوهٌ لِلرِّجَالِ عَلَى كُلِّ حَالٍ لِلتَّشَبُّهِ بِالنِّسَاءِ اهـ. وَنَقَلَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ وَنَقَلَ الْبَزَّازِيُّ فِي الْمَنَاقِبِ الْإِجْمَاعَ عَلَى حُرْمَةِ الْغِنَاءِ إذَا كَانَ عَلَى آلَةٍ كَالْعُودِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ بِغَيْرِهَا فَقَدْ عَلِمْت الِاخْتِلَافَ وَلَمْ يُصَرِّحْ الشَّارِحُونَ بِالْمَذْهَبِ وَفِي الْبِنَايَةِ وَالْعِنَايَةِ التَّغَنِّي لِلَّهْوِ مَعْصِيَةٌ فِي جَمِيعِ الْأَدْيَانِ قَالَ فِي الزِّيَادَاتِ إذَا أَوْصَى بِمَا هُوَ مَعْصِيَةٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَذَكَرَ مِنْهَا الْوَصِيَّةَ لِلْمُغَنِّيِينَ وَالْمُغَنِّيَاتِ خُصُوصًا إذَا كَانَ مِنْ الْمَرْأَةِ اهـ.   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْغِنَاءَ كَبِيرَةٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلنَّاسِ) ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْغِنَاءَ الَّذِي جُمِعَ النَّاسُ عَلَيْهِ كَبِيرَةً وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا قَالَهُ السَّرَخْسِيُّ بِأَنْ يَكُونَ كَبِيرَةً بِسَبَبِ الِاجْتِمَاعِ عَلَيْهِ وَيُؤَيِّدُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي الْكَافِي وَهُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنْ لَفْظِ يُغَنِّي لِلنَّاسِ وَعَلَى ذَلِكَ حَمَلَهُ فِي الْعِنَايَةِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا يَأْتِي فِي الْهَامِشِ عَنْ ابْنِ الْكَمَالِ وَالْعَيْنِيِّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِنَفْسِهِ لِيُزِيلَ الْوَحْشَةَ عَنْهَا لَا تَسْقُطُ عَدَالَتُهُ فِي الصَّحِيحِ فَهَذَا التَّصْحِيحُ مُوَافِقٌ لِهَذَا الْمَتْنِ كَغَيْرِهِ مِنْ الْمُتُونِ فَكَانَ عَلَيْهِ الْمُعَوَّلُ فَلَا تَغْفُلْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 88 فَقَدْ ثَبَتَ نَصُّ الْمَذْهَبِ عَلَى حُرْمَتِهِ فَانْقَطَعَ الِاخْتِلَافُ وَفِي ضِيَاءِ الْحُلُومِ الْغِنَاءُ عَلَى وَزْنِ فِعَالٍ صَوْتُ الْمُغَنِّي وَالْغِنَى كَثْرَةُ الْمَالِ اهـ. فَالْأَوَّلُ مَمْدُودٌ وَالثَّانِي مَقْصُورٌ (قَوْلُهُ أَوْ يَرْتَكِبُ مَا يُوجِبُ الْحَدَّ) لِلْفِسْقِ وَلَوْ قَالَ أَوْ يَرْتَكِبُ كَبِيرَةً لَكَانَ أَوْلَى وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْكَبِيرَةِ وَالصَّغِيرَةِ عَلَى أَقْوَالٍ بَيَّنَّاهَا فِي شَرْحِ الْمَنَارِ فِي قِسْمِ السُّنَّةِ وَفِي الْخُلَاصَةِ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ الْقَوْلَ بِأَنَّ الْكَبِيرَةَ مَا فِيهِ حَدٌّ بِنَصِّ الْكِتَابِ قَالَ وَأَصْحَابُنَا لَمْ يَأْخُذُوا بِذَلِكَ وَإِنَّمَا بَنَوْا عَلَى ثَلَاثَةِ مَعَانٍ: أَحَدِهِمَا مَا كَانَ شَنِيعًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَفِيهِ هَتْكُ حُرْمَةٍ، وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ فِيهِ مُنَابَذَةُ الْمُرُوءَةِ وَالْكَرَمِ فَكُلُّ فِعْلٍ يَرْفُضُ الْمُرُوءَةَ وَالْكَرَمَ فَهُوَ كَبِيرَةٌ، وَالثَّالِثِ أَنْ يَكُونَ مُصِرًّا عَلَى الْمَعَاصِي وَالْفُجُورِ اهـ. وَتَعَقَّبَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهُ غَيْرُ مُنْضَبِطٍ وَغَيْرُ صَحِيحٍ وَمَا فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى الْعَدْلُ مَنْ يَجْتَنِبُ الْكَبَائِرَ كُلَّهَا حَتَّى لَوْ ارْتَكَبَ كَبِيرَةً تُسْقِطُ عَدَالَتَهُ وَفِي الصَّغَائِرِ الْعِبْرَةُ لِلْغَلَبَةِ لِتَصِيرَ كَبِيرَةً حَسَنٌ وَنَقَلَهُ عَنْ أَدَبِ الْقَضَاءِ لِعِصَامٍ وَعَلَيْهِ الْمُعَوَّلُ غَيْرَ أَنَّ الْحُكْمَ بِزَوَالِ الْعَدَالَةِ بِارْتِكَابِ الْكَبِيرَةِ يَحْتَاجُ إلَى الظُّهُورِ فَلِذَا شَرَطَ فِي شُرْبِ الْمُحَرَّمِ الْإِدْمَانَ اهـ. وَلَا بَأْسَ بِذِكْرِ مَا اطَّلَعْنَا عَلَيْهِ مِنْ كَلَامِهِمْ فِيمَا يُسْقِطُهَا مِمَّا لَمْ يَكُنْ فِي الْكِتَابِ فِي الذَّخِيرَةِ وَالْمُحِيطِ الْإِعَانَةُ عَلَى الْمَعَاصِي وَالْحَثُّ عَلَيْهَا كَبِيرَةٌ قَالُوا وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ بَائِعِ الْأَكْفَانِ وَقَيَّدَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ بِمَا إذَا تَرَصَّدَ لِذَلِكَ الْعَمَلِ وَإِلَّا فَتُقْبَلُ لِعَدَمِ تَمَنِّيهِ الْمَوْتَ وَالطَّاعُونَ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الصَّكَّاكِينَ؛ لِأَنَّهُمْ يَكْتُبُونَ بِخِلَافِ الْوَاقِعِ وَالصَّحِيحُ قَبُولُهَا إذَا غَلَبَ عَلَيْهِمْ الصَّلَاحُ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الطُّفَيْلِيِّ وَالرَّقَّاصِ وَالْمُجَازِفِ فِي كَلَامِهِ وَالْمَسْخَرَةِ بِلَا خِلَافٍ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ يَشْتُمُ أَهْلَهُ وَمَمَالِيكَهُ كَثِيرًا لَا أَحْيَانًا. وَكَذَا الشَّتَّامُ لِلْحَيَوَانِ كَدَابَّتِهِ، وَأَمَّا فِي دِيَارِنَا فَكَثِيرًا يَشْتُمُونَ بَائِعَ الدَّابَّةِ فَيَقُولُونَ قَطَعَ اللَّهُ يَدَ مَنْ بَاعَك وَلَا مَنْ يَحْلِفُ فِي كَلَامِهِ كَثِيرًا وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْبَخِيلِ الْكُلُّ مِنْ فَتْحِ الْقَدِيرِ وَاَلَّذِي أَخَّرَ الْفَرْضَ بَعْدَ وُجُوبِهِ إنْ كَانَ لَهُ وَقْتٌ مُعَيَّنٌ كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ بَطَلَتْ عَدَالَتُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِعُذْرٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَقْتٌ مُعَيَّنٌ كَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ اخْتَلَفَ الرِّوَايَةُ فِيهِ وَالْمَشَايِخُ وَذَكَرَ الْخَاصِّيُّ عَنْ فَتَاوَى قَاضِي خَانْ الْفَتْوَى عَلَى سُقُوطِهَا فِي تَأْخِيرِ الزَّكَاةِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ بِخِلَافِ تَأْخِيرِ الْحَجِّ اهـ. وَفِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ إذَا أَخَّرَ الزَّكَاةَ وَالْحَجَّ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ بَطَلَتْ وَبِهِ نَأْخُذُ اهـ. وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ مَنْظُومَةِ ابْنِ وَهْبَانَ لَهُ وَفِي الْقُنْيَةِ رُكُوبُ الْبَحْرِ وَلَا يَمْنَعُ قَبُولَ شَهَادَتِهِمْ وَفِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَاضِي لِلشَّهِيدِ حُسَامِ الدِّينِ أَسْبَابُ الْجَرْحِ كَثِيرَةٌ مِنْهَا رُكُوبُ بَحْرِ الْهِنْدِ؛ لِأَنَّهُ مُخَاطَرَةٌ بِنَفْسِهِ وَدِينِهِ مِنْ سُكْنَى دَارِ الْحَرْبِ وَتَكْثِيرِ سَوَادِهِمْ وَعَدَدِهِمْ لِأَجْلِ الْمَالِ وَمِثْلُهُ لَا يُبَالِي بِشَهَادَةِ الزُّورِ وَمِنْهَا التِّجَارَةُ فِي قُرَى فَارِسَ؛ لِأَنَّهُمْ يُطْعِمُونَهُمْ الرِّبَا وَهُمْ يَعْلَمُونَ وَلَوْ شَهِدَ قَبْلَ أَنْ يُسْتَشْهَدَ تُسْمَعُ شَهَادَتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ بِجَمَاعَةٍ إلَّا إذَا تَرَكَهَا بِتَأْوِيلٍ وَلَا تَارِكِ الْجُمُعَةِ إلَّا بِتَأْوِيلٍ وَلَا تَارِكِ الصَّلَاةِ اهـ. وَفِي الْمُلْتَقَطِ وَعَنْ خَلَفٍ مَنْ خَرَجَ لِلنَّظَرِ إلَى قُدُومِ الْأَمِيرِ فَلَيْسَ بِعَدْلٍ وَكَذَا مَنْ شَهِدَ عَلَى صَكِّ مُقَاطَعَةِ النَّخَّاسِينَ وَهُوَ مَلْعُونٌ وَكَذَا كُلُّ مَنْ شَهِدَ عَلَى بَاطِلٍ إذَا عَرَفُوهُ وَإِلَّا فَتُقْبَلُ وَفِي الْجَوْهَرَةِ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ النَّخَّاسِ وَهُوَ الدَّلَّالُ إلَّا إذَا كَانَ عَدْلًا لَمْ يَكْذِبْ وَلَا يَحْلِفُ. اهـ. وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ يَجْلِسُ مَجَالِسَ الْغِنَاءِ أَوْ يَتْبَعُ صَوْتَ الْمُغَنِّيَةِ وَلَا مَنْ يَسْمَعُ الْغِنَاءَ وَشَهَادَةُ الشَّاعِرِ مَا لَمْ يَقْذِفْ فِي شِعْرِهِ مَقْبُولَةٌ إلَّا إذَا هَجَا اهـ. وَقَدْ حَرَّرَ ابْنُ وَهْبَانَ مَسْأَلَةَ الشَّتْمِ وَالْخُرُوجِ لِقُدُومِ الْأَمِيرِ تَحْرِيرًا حَسَنًا أَحْبَبْت ذِكْرَهُ هُنَا: الْأُولَى قَالَ وَالْفِقْهُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الشَّتْمَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ بِمَا فِيهِ أَوْ بِمَا لَيْسَ فِيهِ فِي وَجْهِهِ أَوْ فِي غَيْبَتِهِ فَإِنْ كَانَ بِمَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ كَذِبٌ وَافْتِرَاءٌ فَيَفْسُقُ بِهِ سَوَاءٌ كَانَ فِي وَجْهِهِ أَوْ فِي غَيْبَتِهِ وَإِنْ كَانَ بِمَا فِيهِ فِي غَيْبَتِهِ فَهُوَ غَيْبَةٌ وَأَنَّهَا تُوجِبُ الْفِسْقَ وَإِنْ كَانَ فِي وَجْهِهِ فَفِيهِ إسَاءَةُ أَدَبٍ وَأَنَّهُ مِنْ صَنِيعِ رُعَاعَةِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ فَقَدْ ثَبَتَ نَصُّ الْمَذْهَبِ عَلَى حُرْمَتِهِ) إنْ أَرَادَ أَنَّهُ حَرَامٌ مُطْلَقًا فَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا حَمَلَهُ عَلَيْهِ فِي الْبِنَايَةِ وَالْعِنَايَةِ فَإِنَّهُمَا اسْتَدَلَّا بِعِبَارَةِ الزِّيَادَاتِ عَلَى أَنَّهُ مَعْصِيَةٌ لِقَصْدِ اللَّهْوِ فَلَمْ يُجْرِيَاهُ عَلَى عُمُومِهِ فَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا قَالَهُ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ فَكَانَ مُحْتَمِلًا لِكُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ نَعَمْ ظَاهِرُهُ الْإِطْلَاقُ وَقَدْ يُقَالُ لَفْظَةُ الْمُغَنِّينَ ظَاهِرَةٌ فِي أَنَّ الْمُرَادَ مَنْ اتَّخَذَهُ حِرْفَةً وَعَادَةً ثُمَّ رَأَيْت فِي الْفَتْحِ قَالَ إنَّ اسْمَ مُغَنِّيَةٍ وَمُغَنٍّ إنَّمَا هُوَ فِي الْعُرْفِ لِمَنْ كَانَ الْغِنَاءُ حِرْفَتَهُ الَّتِي يَكْتَسِبُ بِهَا الْمَالَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا قِيلَ مَا حِرْفَةُ فُلَانٍ أَوْ مَا صِنَاعَتُهُ يُقَالُ مُغَنٍّ كَمَا يُقَالُ خَيَّاطٌ وَحَدَّادٌ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ وَفِي إيضَاحِ الْإِصْلَاحِ إنَّمَا قَالَ يُغَنِّي لِلنَّاسِ أَيْ يُسْمِعُهُمْ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لِإِسْمَاعِ نَفْسِهِ حَتَّى يُزِيلَ الْوَحْشَةَ عَنْ نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ ظَنٍّ أَنْ يُسْمِعَ غَيْرَهُ لَا بَأْسَ بِهِ وَلَا يُسْقِطُ عَدَالَتَهُ فِي الصَّحِيحِ اهـ. وَهَكَذَا قَالَ فِي شَرْحِ الْعَيْنِيِّ ثُمَّ قَالَ وَإِنْ أَنْشَدَ شِعْرًا فِيهِ وَعْظٌ وَحِكْمَةٌ فَهُوَ جَائِزٌ بِالِاتِّفَاقِ إلَخْ وَنَحْوُهُ مَا مَرَّ عَنْ الْفَتْحِ مِنْ قَوْلِهِ الْمُحَرَّمُ هُوَ مَا كَانَ إلَخْ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُمْ يَكْتُبُونَ بِخِلَافِ الْوَاقِعِ) قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ؛ لِأَنَّهُمْ يَكْتُبُونَ هَذَا مَا اشْتَرَى وَسَلَّمَ وَقَبَضَ وَضَمِنَ الدَّرْكَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ مَوْجُودًا فَيَكُونُ كَذِبًا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْكَذِبِ بِالْكِتَابِ وَبَيْنَ الْكَذِبِ بِالْقَوْلِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا تُقْبَلُ إذَا كَانَ غَالِبُ حَالِهِ الصَّلَاحَ وَمَا ذَكَرَ مِنْ الْكَذِبِ عَفْوٌ؛ لِأَنَّهُمْ يُحَقِّقُونَ مَا كَتَبُوا. اهـ. (قَوْلُهُ مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ بِجَمَاعَةٍ) أَيْ إنْ تَرَكَهَا مَجَّانًا شَهْرًا كَمَا سَيَذْكُرُهُ قَرِيبًا عَنْ التَّهْذِيبِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 89 النَّاسِ وَسُوقَتِهِمْ الَّذِينَ لَا مُرُوءَةَ لَهُمْ وَلَا حَيَاءَ فِيهِمْ وَأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يُسْقِطُ الْعَدَالَةَ وَكَذَا إذَا كَانَ السَّبُّ بِاللَّعْنَةِ وَالْإِبْعَادِ مِمَّا يَفْعَلُهُ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُمْ مِنْ السُّوقَةِ وَغَيْرِهِمْ وَمِمَّا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ السَّبُّ الشَّتْمُ يُقَالُ سَبَّهُ يَسُبُّهُ سَبًّا وَسِبَابًا قِيلَ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ سَبَّهُ أَوْ قَاتَلَ مُسْلِمًا بِغَيْرِ تَأْوِيلٍ وَقِيلَ إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ عَلَى جِهَةِ التَّغْلِيظِ لَا أَنَّهُ يُخْرِجُهُ إلَى الْكُفْرِ وَالْفِسْقِ وَأَقُولُ: هَذَا خِلَافُ الظَّاهِرِ اهـ. الثَّانِيَةُ قَالَ قَاضِي خَانْ إذَا قَدِمَ الْأَمِيرُ بَلْدَةً فَخَرَجَ النَّاسُ وَجَلَسُوا عَلَى الطَّرِيقِ يَنْتَظِرُونَ قَالَ خَلَفٌ بَطَلَتْ عَدَالَتُهُمْ إلَّا أَنْ يَذْهَبُوا لِلِاعْتِبَارِ فَحِينَئِذٍ لَا تَبْطُلُ اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ إلَّا إذَا كَانَ الْأَمِيرُ لَا يَصْلُحُ لِلتَّعْظِيمِ وَلَمْ يَخْرُجُوا لِلِاعْتِبَارِ وَالْفِقْهُ فِيهِ أَنَّهُمْ إذَا خَرَجُوا لِغَيْرِ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ يَكُونُ طُلُوعُهُمْ مِنْ بَابِ الْعَبَثِ وَاللَّعِبِ وَهُوَ حَرَامٌ أَوْ مِنْ أَجْلِ تَعْظِيمِ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ التَّعْظِيمَ وَهُوَ حَرَامٌ أَيْضًا وَالشَّخْصُ إذَا ارْتَكَبَ حَرَامًا مَا قَدَحَ فِي عَدَالَتِهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَلَى مَا اعْتَادَهُ أَهْلُ الْبَلَدِ فَإِنْ كَانَ مِنْ عَادَةِ أَهْلِ الْبَلَدِ أَنَّهُمْ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ وَلَا يُنْكِرُونَهُ وَلَا يَسْتَخِفُّونَهُ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَقْدَحَ اهـ. وَذَكَرَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ الشِّحْنَةِ بَعْدَهُ وَفِي وَاقِعَاتِ عُمَرَ بْنِ مَازَةَ تَعْلِيلُ عَدَمِ قَبُولِ شَهَادَتِهِمْ بِأَنَّ الطَّرِيقَ حَقُّ الْعَامَّةِ فَلَمْ تُعْمَلْ لِلْجُلُوسِ فَإِذَا جَلَسَ فَقَدْ شَغَلَ حَقَّ الْعَامَّةِ فَصَارَ مُرْتَكِبًا لِلْحَرَامِ فَسَقَطَتْ عَدَالَتُهُ وَفِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ وَقَفَ عَلَى الطَّرِيقِ؛ لِأَنَّهُ شَغَلَ الطَّرِيقَ وَهَذَا التَّعْلِيلُ يُفِيدُ أَنَّ الْخُرُوجَ إذَا تَجَرَّدَ عَنْ شَغْلِ الطَّرِيقِ لَا يَكُونُ قَادِحًا مُطْلَقًا وَلَا يُنَافِيهِ مَا تَقَدَّمَ إذَا تَأَمَّلْته فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ يَنْبَغِي إلَى آخِرِهِ لَيْسَ كَمَا يَنْبَغِي اهـ. وَشَرَطَ فِي التَّهْذِيبِ لِمَنْعِ شَهَادَةِ الْمُغَنِّي أَنْ يَأْخُذَ جَزَاءً عَلَيْهِ وَلِتَارِكِ الْجَمَاعَةِ أَنْ يَتْرُكَهَا مَجَّانًا شَهْرًا وَفِي خِزَانَةِ الْفَتَاوَى إذَا قَدِمَ الْأَمِيرُ بَلْدَةً فَخَرَجَ النَّاسُ وَجَلَسُوا فِي الطَّرِيقِ وَنَظَرُوا إلَيْهِ قَالَ خَلَفٌ بَطَلَتْ شَهَادَتُهُمْ إلَّا أَنْ يَذْهَبُوا لِلِاعْتِبَارِ وَالْفَتْوَى أَنَّهُمْ إذَا خَرَجُوا لِتَعْظِيمِ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ التَّعْظِيمَ لَا لِلِاعْتِبَارِ تَبْطُلُ عَدَالَتُهُمْ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَهْلِ السِّجْنِ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فِيمَا يَقَعُ فِي السِّجْنِ وَكَذَا شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فِيمَا يَقَعُ فِي الْمَلَاعِبِ وَمِنْهَا شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِيمَا يَقَعُ فِي الْحَمَّامَاتِ لَا تُقْبَلُ وَإِنْ مَسَّتْ الْحَاجَةُ. اهـ. وَذَكَرَ ابْنُ وَهْبَانَ مَعْزِيًّا إلَى شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ لِلْحُسَامِ الشَّهِيدِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَشْرَافِ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ؛ لِأَنَّهُمْ قَوْمٌ يَتَعَصَّبُونَ فَإِذَا نَابَتْ أَحَدًا مِنْهُمْ نَائِبَةٌ أَتَى سَيِّدُ قَوْمِهِ فَيَشْفَعُ فَلَا يُؤْمَنُ أَنْ يَشْهَدَ لَهُ بِزُورٍ اهـ. وَعَلَى هَذَا كُلُّ مُتَعَصِّبٍ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَفِي الْمُجْتَبَى مَنْ أَكَلَ فَوْقَ الشِّبَعِ سَقَطَتْ عَدَالَتُهُ عِنْدَ الْأَكْثَرِ الْكَذِبُ مِنْ أَعْظَمِ الْكَبَائِرِ وَعَنْ شَدَّادٍ أَنَّهُ رَدَّ شَهَادَةَ شَيْخٍ مَعْرُوفٍ بِالصَّلَاحِ لِمُحَاسَبَةِ ابْنِهِ فِي النَّفَقَةِ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ مَنْ سَمِعَ الْآذَانَ فَانْتَظَرَ الْإِقَامَةَ سَقَطَتْ عَدَالَتُهُ اهـ. وَصَرَّحَ فِي الْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ بِأَنَّ الْفَرْعَ الْأَخِيرَ مُفَرَّعٌ عَلَى قَوْلِ مَنْ ضَيَّقَ فِي تَفْسِيرِ الْعَدْلِ بِأَنَّهُ مَنْ لَمْ يَرْتَكِبْ ذَنْبًا وَلَيْسَ هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَفِي حِفْظِي قَدِيمًا مِنْ الْكُتُبِ أَنَّ مَنْ تَرَكَ الِاشْتِغَالَ بِالْعِلْمِ الْمَفْرُوضِ عَلَيْهِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ لَكِنْ مَا رَأَيْته الْآنَ وَفِي الْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ مَعْزِيًّا إلَى الْأَقْضِيَةِ إذَا أَسْلَمَ الرَّجُلُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ يَنْبَغِي إلَخْ) أَيْ قَوْلُ ابْنِ وَهْبَانَ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَلَى مَا اعْتَادَهُ أَهْلُ الْبَلَدِ إلَخْ قَالَ الرَّمْلِيُّ فَتَحَرَّرَ مِنْ مَجْمُوعِ مَا ذُكِرَ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْأَمِيرُ غَيْرَ صَالِحٍ قَدَحَ فِي الْعَدَالَةِ وَإِنْ كَانَ صَالِحًا وَلَمْ يَشْغَلْ الطَّرِيقَ لَا يَقْدَحُ وَإِنْ شَغَلَهُ قَدَحَ وَأَنْتَ عَلَى عِلْمٍ بِأَنَّ الْحُكْمَ يَدُورُ مَعَ الْعِلَّةِ وَالْعِلَّةُ فِي الْقَدْحِ ارْتِكَابُ مَا هُوَ مَحْظُورٌ وَشَغْلُ الطَّرِيقِ مَحْظُورٌ وَتَعْظِيمُ الْفَاسِقِ كَذَلِكَ فَعَلَى ذَلِكَ يَدُورُ الْحُكْمُ. (فَائِدَةٌ) شَاهِدٌ تَظْهَرُ عَلَيْهِ كَرَامَةٌ مَعَ فِسْقِهِ هَلْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ أَمْ لَا الظَّاهِرُ لَا وَقَدْ سُئِلَ ابْنُ حَجَرٍ الْهَيْتَمِيُّ الشَّافِعِيُّ عَنْهَا فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ لَا تُقْبَلُ فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَوْ رَأَيْت صَاحِبَ بِدْعَةٍ يَطِيرُ فِي الْهَوَاءِ لَمْ أَقْبَلْهُ حَتَّى يَتُوبَ عَنْ بِدْعَتِهِ ذَكَرَهُ أَبُو نُعَيْمٍ وَقَدْ تَظْهَرُ الْكَرَامَةُ عَلَى يَدِ فَاسِقٍ بَلْ كَافِرٍ كَالسَّامِرِيِّ فَإِنَّهُ رَأَى فَرَسَ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حَتَّى أَخَذَ مِنْ تُرَابِ حَافِرِهَا وَجَعَلَهُ فِي الْعِجْلِ فَخَارَ وَنَقَلَ ابْنُ الْعِمَادِ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ النَّيْسَابُورِيِّ أَنَّهُ قَالَ يَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ إخْفَاءُ الْكَرَامَةِ اهـ. وَلَا شَيْءَ مِنْ قَوَاعِدِنَا يَأْبَاهُ (قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا كُلُّ مُتَعَصِّبٍ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَالَ الْغَزِّيِّ قُلْت وَفِي الْخُلَاصَةِ مِنْ كِتَابِ الْقَضَاءِ فَإِنْ عَدَّلَهُ اثْنَانِ وَجَرَحَهُ اثْنَانِ فَالْجَرْحُ أَوْلَى إلَّا إذَا كَانَ بَيْنَهُمْ تَعَصُّبٌ فَإِنَّهُ لَا يَقْبَلُ جَرْحَهُمْ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الشَّهَادَةِ لَا تُقْبَلُ عِنْدَ الْعَصَبِيَّةِ فَالْجَرْح أَوْلَى اهـ. وَفِي مُعِينِ الْحُكَّامِ فِي مَوَانِعِ قَبُولِ الشَّهَادَةِ قَالَ وَمِنْهُ الْعَصَبِيَّةُ وَهُوَ أَنْ يُبْغِضَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَنِي فُلَانٍ أَوْ مِنْ قَبِيلَةِ كَذَا اهـ. أَقُولُ: مِنْ التَّعَصُّبِ أَنْ يُبْغِضَهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ حِزْبِ فُلَانٍ أَوْ مِنْ أَصْحَابِهِ أَوْ مِنْ أَقَارِبِهِ أَوْ مَنْسُوبِيهِ اهـ. (قَوْلُهُ مَنْ سَمِعَ الْآذَانَ فَانْتَظَرَ الْإِقَامَةَ سَقَطَتْ عَدَالَتُهُ) نُقِلَ عَنْ الْحَمَوِيِّ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمُرَادَ آذَانُ الْجُمُعَةِ (قَوْلُهُ وَفِي حِفْظِي قَدِيمًا إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَدَّمَ فِي التَّعْزِيرِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَمَنْ قَذَفَ مَمْلُوكًا أَوْ كَافِرًا إلَخْ عَازِيًا إلَى الْمُجْتَبَى أَنَّ مَنْ تَرَكَ الِاشْتِغَالَ بِالْفِقْهِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ اهـ. وَرَأَيْت بِخَطِّ مُلَّا عَلِيٍّ التُّرْكُمَانِيُّ فِي هَامِشِ نُسْخَتِهِ هُنَا عَنْ فَتَاوَى الْحَانُوتِيِّ سُئِلَ فِيمَنْ لَا يَعْرِفُ الْإِيمَانَ وَلَا الْوَاجِبَ لِلصَّلَاةِ وَالْفَرْضِ وَلَا السُّنَّةِ وَلَا الْمُسْتَحَبِّ وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ هَلْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ أَجَابَ تَعَلُّمُ هَذَا الْقَدْرِ مِنْ الْعِلْمِ فَرْضُ عَيْنٍ فَإِذَا لَمْ يَتَعَلَّمْ كَانَ مَانِعًا عَنْ قَبُولِ شَهَادَتِهِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُجْتَبَى فِي فَصْلِ التَّعْزِيرِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 90 وَهُوَ لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَشَهَادَتُهُ مَقْبُولَةٌ يُرِيدُ بِقَوْلِهِ لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ لَا يَتَعَلَّمُ الْقُرْآنَ لِلْحَالِ؛ لِأَنَّهُ عَدْلٌ مُسْلِمٌ فَإِذَا لَمْ يَتَعَلَّمْ الْقُرْآنَ لِلْحَالِ لَا يَصِيرُ فَاسِقًا اهـ. وَفِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ تَرَكَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ (قَوْلُهُ أَوْ يَدْخُلُ الْحَمَّامَ بِغَيْرِ إزَارٍ) ؛ لِأَنَّ كَشْفَ الْعَوْرَةِ حَرَامٌ وَرَأَى أَبُو حَنِيفَةَ رَجُلًا فِي الْحَمَّامِ بِغَيْرِ إزَارٍ فَقَالَ أَلَا يَا عِبَادَ اللَّهِ خَافُوا إلَهكُمْ ... وَلَا تَدْخُلُوا الْحَمَّامَ مِنْ غَيْرِ مِئْزَرِ وَعَلَى هَذَا فَرَّعُوا كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَدَمَ قَبُولِ شَهَادَةِ النِّسَاءِ فِي الْحَمَّامَاتِ وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّ مَنْ يَمْشِي فِي الطَّرِيقِ بِالسَّرَاوِيلِ وَحْدَهُ لَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّهُ تَارِكٌ لِلْمُرُوءَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ يَأْكُلُ الرِّبَا) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْكَبَائِرِ أَيْ يَأْخُذُ الْقَدْرَ الزَّائِدَ فَالْمُرَادُ بِالْأَكْلِ الْأَخْذُ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ تَبَعًا لِلْآيَةِ {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا} [البقرة: 275] وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ فِي الْآيَةِ؛ لِأَنَّهُ مُعْظَمُ مَنَافِعِ الْمَالِ وَلِأَنَّ الرِّبَا شَائِعٌ فِي الْمَطْعُومَاتِ وَالْمُرَادُ بِالرِّبَا الْقَدْرُ الزَّائِدُ لَا الزِّيَادَةُ وَهِيَ الْمُرَادَةُ فِي قَوْله تَعَالَى {وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي بَابِهِ وَأَطْلَقَهُ الْمُؤَلِّفُ تَبَعًا لِكَثِيرٍ وَقَيَّدَهُ فِي الْأَصْلِ بِأَنْ يَكُونَ مَشْهُورًا بِهِ وَعَلَّلَهُ فِي الْهِدَايَةِ بِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَلَّ مَا يَنْجُو عَنْ مُبَاشَرَاتِ الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ وَكُلُّ ذَلِكَ رِبَا اهـ. وَهُوَ أَوْلَى مِمَّا قِيلَ؛ لِأَنَّ الرِّبَا لَيْسَ بِحَرَامٍ مَحْضٍ؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ الْمِلْكَ بِالْقَبْضِ كَسَائِرِ الْبِيَاعَاتِ الْفَاسِدَةِ وَإِنْ كَانَ عَاصِيًا مَعَ ذَلِكَ فَكَانَ نَاقِصًا فِي كَوْنِهِ كَبِيرَةً بِخِلَافِ أَكْلِ مَالِ الْيَتِيمِ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ بِمَرَّةٍ وَالْأَوْجَهُ مَا قِيلَ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَشْتَهِرْ بِهِ كَانَ الْوَاقِعُ لَيْسَ إلَّا تُهْمَةَ أَكْلِ الرِّبَا وَلَا تَسْقُطُ الْعَدَالَةُ بِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي وَجْهِ تَقْيِيدِ شُرْبِ الْخَمْرِ بِالْإِدْمَانِ وَلَا يَصِحُّ قَوْلُهُ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ مَحْضٍ بَعْدَ الِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهُ كَبِيرَةٌ وَالْمِلْكُ بِالْقَبْضِ شَيْءٌ آخَرُ، وَأَمَّا أَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ فَلَمْ يُقَيِّدْهُ أَحَدٌ وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الظُّهُورِ لِلْقَاضِي فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الرِّبَا وَمَالِ الْيَتِيمِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْفِسْقَ نَفْسَهُ مَانِعٌ شَرْعًا مِنْ قَبُولِهَا غَيْرَ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَرْتَكِبُ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ ظُهُورِهِ لَهُ فَالْكُلُّ سَوَاءٌ وَفَرَّقَ الزَّيْلَعِيُّ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ أَكْلَ مَالِ الْيَتِيمِ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ مِلْكِهِ وَمَالُ الرِّبَا دَخَلَ فَلَا يُفِيدُ شَيْئًا كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ أَوْ يُقَامِرُ بِالنَّرْدِ وَالشِّطْرَنْجِ أَوْ تَفُوتُهُ الصَّلَاةُ بِسَبَبِهِمَا) ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مِنْ الْكَبَائِرِ وَظَاهِرُ تَقْيِيدِهِ بِمَا ذَكَرَ اسْتِوَاءُ النَّرْدِ وَالشِّطْرَنْجِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ اللَّعِبَ بِالنَّرْدِ مُبْطِلٌ لِلْعَدَالَةِ مُطْلَقًا كَمَا فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا لِلْإِجْمَاعِ عَلَى حُرْمَتِهِ بِخِلَافِ الشِّطْرَنْجِ؛ لِأَنَّ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ مُسَاغًا لِقَوْلِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ بِإِبَاحَتِهِ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ كَمَا فِي الْمُجْتَبَى مِنْ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ وَاخْتَارَهَا ابْنُ الشِّحْنَةِ إذَا كَانَ لِإِحْضَارِ الذِّهْنِ وَاخْتَارَ أَبُو زَيْدٍ الْحَكِيمُ حِلَّهُ ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ كَذَا فِي الْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ وَفِي النَّوَازِلِ سُئِلَ أَبُو الْقَاسِمِ عَمَّنْ يَنْظُرُ إلَى لَاعِبِيهِ مِنْ غَيْرِ لَعِبٍ أَيَجُوزُ فَقَالَ أَخَافُ أَنْ يَصِيرَ فَاسِقًا اهـ. وَفِيهِ إذَا قَامَرَ بِهِ سَقَطَتْ عَدَالَتُهُ إجْمَاعًا وَفِيهِ الْمَيْسِرُ اسْمٌ لِكُلِّ قِمَارٍ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْعَدَالَةَ إنَّمَا تَسْقُطُ بِالشِّطْرَنْجِ إذَا وُجِدَ فِيهِ وَاحِدٌ مِنْ خَمْسٍ الْقِمَارِ وَفَوْتِ الصَّلَاةِ بِسَبَبِهِ وَإِكْثَارِ الْحَلِفِ عَلَيْهِ وَاللَّعِبِ بِهِ عَلَى الطَّرِيقِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَوْ يَذْكُرُ عَلَيْهِ فِسْقًا كَمَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَإِلَّا فَلَا بِخِلَافِ النَّرْدِ فَإِنَّهُ مُسْقِطٌ لَهَا مُطْلَقًا وَالنَّرْدُ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ لُعْبَةٌ مَعْرُوفَةٌ وَهُوَ مُعَرَّبٌ اهـ. وَفِي الْقَامُوسِ أَنَّهُ وَضَعَهُ أردشير بْنُ بَابَكَ وَلِهَذَا يُقَالُ النَّرْدَشِيرُ اهـ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَعِبُ الطَّابِ فِي بِلَادِنَا مِثْلُهُ؛ لِأَنَّهُ يُرْمَى وَيُطْرَحُ بِلَا حِسَابٍ وَإِعْمَالِ فِكْرٍ وَكُلَّمَا كَانَ كَذَلِكَ مِمَّا أَحْدَثَهُ الشَّيْطَانُ وَعَمِلَهُ أَهْلُ الْغَفْلَةِ فَهُوَ حَرَامٌ مُطْلَقًا. اهـ. ، وَأَمَّا الشِّطْرَنْجُ فَسَنَتَكَلَّمُ عَلَيْهِ وَعَلَى وَاضِعِهِ فِي مَحَلِّهِ مِنْ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ، وَأَمَّا الْقِمَارُ فَقَدَّمْنَا أَنَّهُ الْمَيْسِرُ وَفِي الْقَامُوسِ قَامَرَهُ مُقَامَرَةً وَقِمَارًا فَقَمَرَهُ كَنَصَرَهُ وَتَقَمَّرَهُ رَاهِنُهُ فَغَلَبَهُ وَهُوَ التَّقَامُرُ اهـ. وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ أَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْقَمَرِ؛ لِأَنَّ مَالَهُ تَارَةً يَزْدَادُ إذَا غَلَبَ وَيَنْتَقِصُ إذَا غُلِبَ كَالْقَمَرِ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ اهـ. وَعَلَى هَذَا فَلَا بُدَّ فِي الْقِمَارِ مِنْ الرِّهَانِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ لِتَسْقُطَ الْعَدَالَةُ كَالسِّبَاقِ بِالْخَيْلِ وَالْإِقْدَامِ وَالدَّرْسِ وَذَكَرَ فِي يَتِيمَةِ الدَّهْرِ مِنْ الْحُدُودِ أَنَّ اللَّعِبَ بِالشِّطْرَنْجِ مِنْ الْقِمَارِ وَفِي الْقَامُوسِ الشِّطْرَنْجُ وَلَا يُفْتَحُ أَوَّلُهُ لُعْبَةٌ وَالسِّينُ لُغَةٌ فِيهِ اهـ (قَوْلُهُ أَوْ يَبُولُ أَوْ يَأْكُلُ عَلَى الطَّرِيقِ) ؛ لِأَنَّهُ تَارِكٌ لِلْمُرُوءَةِ وَإِذَا كَانَ لَا يَسْتَحْيِ   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 91 عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ لَا يَمْتَنِعُ عَنْ الْكَذِبِ فَيُتَّهَمُ وَقَدَّمْنَا أَنَّ اللَّعِبَ بِالشِّطْرَنْجِ عَلَى الطَّرِيقِ كَذَلِكَ وَالْمُرَادُ بِالْأَكْلِ عَلَى الطَّرِيقِ وَالْبَوْلِ بِأَنْ يَكُونَ بِمَرْأَى مِنْ النَّاسِ وَمِثْلُهُ الَّذِي يَكْشِفُ عَوْرَتَهُ لِيَسْتَنْجِيَ مِنْ جَانِبِ الْبِرْكَةِ وَالنَّاسُ حُضُورٌ وَقَدْ كَثُرَ فِي زَمَانِنَا كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ بِمَا ذَكَرَهُ إلَى أَنَّ مَا يُخِلُّ بِالْمُرُوءَةِ يَمْنَعُ قَبُولَهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحَرَّمًا وَلِذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ يَفْعَلُ الْأَفْعَالَ الْمُسْتَحْقَرَةَ مِثْلَ الْبَوْلِ وَالْأَكْلِ عَلَى الطَّرِيقِ وَالْمُرُوءَةُ أَنْ لَا يَأْتِيَ الْإِنْسَانُ بِمَا يُعْتَذَرُ مِنْهُ مِمَّا يَبْخَسُهُ عَنْ مَرْتَبَتِهِ عِنْدَ أَهْلِ الْفَضْلِ وَقِيلَ السَّمْتُ الْحَسَنُ وَحِفْظُ اللِّسَانِ وَتَجَنُّبُ السُّخْفِ وَالْمُجُونِ وَالِارْتِفَاعُ عَنْ كُلِّ خُلُقٍ دَنِيءٍ وَالسُّخْفُ رِقَّةُ الْعَقْلِ مِنْ قَوْلِهِمْ ثَوْبٌ سَخِيفٌ إذَا كَانَ قَلِيلَ الْغَزْلِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْمِعْرَاجِ وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ مِنْ فَصْلِ التَّعْزِيرِ قَالَ مُحَمَّدٌ وَعِنْدِي الْمُرُوءَةُ الدِّينُ وَالصَّلَاحُ وَقَدْ ذَكَرَ مَشَايِخُنَا مِمَّا يُخِلُّ بِالْمُرُوءَةِ أَشْيَاءَ نَذْكُرُهَا فَمِنْهَا الْأُمُورُ الْأَرْبَعَةُ الْمَذْكُورَةُ وَمِنْهَا مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَخْذًا مِنْ الْمِعْرَاجِ الْمَشْيُ بِسَرَاوِيلَ فَقَطْ وَمَدُّ رِجْلِهِ عِنْدَ النَّاسِ وَكَشْفُ رَأْسِهِ فِي مَوْضِعٍ يُعَدُّ فِعْلُهُ خِفَّةً وَسُوءَ أَدَبٍ وَقِلَّةَ مُرُوءَةٍ وَحَيَاءٍ وَمُصَارَعَةُ الشَّيْخِ الْأَحْدَاثَ فِي الْجَامِعِ وَمِنْ ذَلِكَ مَا حُكِيَ أَنَّ الْفَضْلَ بْنَ الرَّبِيعِ شَهِدَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَرَدَّ شَهَادَتَهُ فَشَكَاهُ إلَى الْخَلِيفَةِ فَقَالَ الْخَلِيفَةُ إنَّ وَزِيرِي رَجُلُ دِينٍ لَا يَشْهَدُ بِالزُّورِ فَلِمَ رَدَدْت شَهَادَتَهُ قَالَ لِأَنِّي سَمِعْته يَوْمًا قَالَ لِلْخَلِيفَةِ أَنَا عَبْدُك فَإِنْ كَانَ صَادِقًا فَلَا شَهَادَةَ لِلْعَبْدِ وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا فَكَذَلِكَ فَعَذَرَهُ الْخَلِيفَةُ زَادَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بَعْدَهُ وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّ رَدَّ أَبِي يُوسُفَ شَهَادَتَهُ لَيْسَ لِلْكِذْبَةِ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْحُرِّ لِلْغَيْرِ أَنَا عَبْدُك إنَّمَا هُوَ مَجَازٌ بِاعْتِبَارِ مَعْنَى الْقِيَامِ بِخِدْمَتِك وَكَوْنِي تَحْتَ أَمْرِكَ مُمْتَثِلًا لَهُ عَلَى إهَانَةِ نَفْسِي فِي ذَلِكَ إلَى آخِرِهِ وَلَيْسَ مِنْهَا الصِّنَاعَةُ الدَّنِيَّةُ كَالْقَنَوَاتِيِّ وَالزَّبَّالِ وَالْحَائِكِ فَإِنَّ الصَّحِيحَ الْقَبُولُ إذَا كَانَ عَدْلًا وَمِثْلُهُ النَّخَّاسُونَ وَالدَّلَّالُونَ وَالْعَامَّةُ عَلَى قَبُولِ شَهَادَةِ الْأَعْرَابِيِّ وَالْقَرَوِيِّ إذَا كَانَ عَدْلًا. اهـ. وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي شَرْحِ الْمَنَارِ أَنَّ مِنْهَا سَرِقَةَ لُقْمَةٍ وَالْإِفْرَاطَ فِي الْمَزْحِ الْمُفْضِي إلَى الِاسْتِخْفَافِ وَصُحْبَةَ الْأَرَاذِلِ وَالِاسْتِخْفَافَ بِالنَّاسِ وَلُبْسَ الْفَقِيهِ قَبَاءً وَلَعِبَ الْحَمَامِ اهـ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُمْ شَرَطُوا فِي الصَّغِيرَةِ الْإِدْمَانَ وَمَا شَرَطُوهُ فِي فِعْلِ مَا يُخِلُّ بِالْمُرُوءَةِ فِيمَا رَأَيْت وَيَنْبَغِي اشْتِرَاطُهُ بِالْأَوْلَى وَإِذَا فَعَلَ مَا يُخِلُّ بِهَا فَقَدْ سَقَطَتْ عَدَالَتُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَاسِقًا بِهِ حَيْثُ كَانَ مُبَاحًا فَفَاعِلُ الْمُخِلِّ بِهَا لَيْسَ بِعَدْلٍ وَلَا فَاسِقٍ فَالْعَدْلُ مَنْ اجْتَنَبَ الثَّلَاثَةَ وَالْفَاسِقُ مَنْ فَعَلَ كَبِيرَةً أَوْ أَصَرَّ عَلَى صَغِيرَةٍ وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَيْهِ وَفِي الْعَتَّابِيَّةِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ يَعْتَادُ الصِّيَاحَ فِي الْأَسْوَاقِ (قَوْلُهُ أَوْ يُظْهِرُ سَبَّ السَّلَفِ) لِظُهُورِ فِسْقِهِ قَيَّدَ بِالظُّهُورِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَتَمَهُ تُقْبَلُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ تَبَرَّأَ مِنْ الصَّحَابَةِ تُقْبَلُ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ وَالسَّبُّ الشَّتْمُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَالسَّلَفُ كَمَا فِي النِّهَايَةِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعُونَ وَأَبُو حَنِيفَةَ اهـ. وَزَادَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَكَذَا الْعُلَمَاءُ وَلَوْ قَالَ الْمُؤَلِّفُ كَغَيْرِهِ أَوْ يُظْهِرُ سَبَّ مُسْلِمٍ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْعَدَالَةَ تَسْقُطُ بِسَبِّ مُسْلِمٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ السَّلَفِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا وَقَوْلُهُمْ هُنَا بِعَدَمِ الْقَبُولِ شَامِلٌ لِمَا إذَا كَانَ السَّبُّ فِسْقًا أَوْ كُفْرًا فَيَشْمَلُ سَبَّ الشَّيْخَيْنِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - فَإِنَّهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ سَبَّهُمَا لِكَوْنِهِ كَافِرًا كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ وَقَدَّمْنَاهُ فِي بَابِ الرِّدَّةِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ أَنَّ السَّلَفَ الصَّالِحَ الصَّدْرُ الْأَوَّلُ مِنْ التَّابِعِينَ وَالْخَلَفَ بِفَتْحِ اللَّامِ مَنْ بَعْدَهُمْ فِي الْخَيْرِ وَالسُّكُونِ فِي الشَّرِّ كَذَا فِي مُخْتَصَرِ النِّهَايَةِ وَعَطْفُ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى التَّابِعِينَ إمَّا عَطْفُ خَاصٍّ عَلَى عَامٍّ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مِنْهُمْ كَمَا فِي مَنَاقِبِ الْكَرْدَرِيِّ وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْعِنَايَةِ أَوْ لَيْسَ مِنْهُمْ بِنَاءً عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ حَجَرٍ فَإِنَّهُ جَعَلَهُ مِنْ الطَّبَقَةِ السَّادِسَةِ مِمَّنْ عَاصَرَ صِغَارَ التَّابِعِينَ وَلَكِنْ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ لِقَاءُ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ذَكَرَهُ فِي تَقْرِيبِ التَّهْذِيبِ (قَوْلُهُ وَتُقْبَلُ لِأَخِيهِ وَعَمِّهِ وَأَبَوَيْهِ رَضَاعًا وَأُمِّ امْرَأَتِهِ وَبِنْتِهَا وَزَوْجِ بِنْتِهِ وَامْرَأَةِ أَبِيهِ وَابْنِهِ) لِانْعِدَامِ التُّهْمَةِ؛ لِأَنَّ الْأَمْلَاكَ وَمَنَافِعَهَا مُتَبَايِنَةٌ وَلَا بِسَوْطَةٍ لِبَعْضِهِمْ فِي مَالِ بَعْضٍ وَفِي الْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ وَهَذَا الْجَوَابُ لَا يَشْكُلُ فِيمَا إذَا شَهِدَ لِأَخِيهِ وَالْأَبُ مَيِّتٌ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ زَادَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ تَمَامُ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالتَّكَلُّمُ بِالْمَجَازِ عَلَى اعْتِبَارِ الْجَامِعِ فَإِنَّ وَجْهَ الشَّبَهِ لَيْسَ كَذِبًا مَحْظُورًا شَرْعًا وَلِذَا وَقَعَ الْمَجَازُ فِي الْقُرْآنِ وَلَكِنَّهُ رَدَّهُ لِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ خُصُوصُ هَذَا الْمَجَازِ مِنْ إذْلَالِ نَفْسِهِ وَطَاعَتِهِ لِأَجْلِ الدُّنْيَا فَرُبَّمَا يَضُرُّ هَذَا الْكَلَامُ إذَا قِيلَ لِلْخَلِيفَةِ فَعَدَلَ إلَى الِاعْتِذَارِ بِأَمْرٍ يَقْرَبُ مِنْ خَاطِرِهِ (قَوْلُهُ وَلَيْسَ مِنْهَا الصِّنَاعَةُ الدَّنِيَّةُ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ فَتَحَرَّرَ أَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْعَدَالَةِ لَا لِلْحِرْفَةِ وَهَذَا الَّذِي يَجِبُ أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ وَيُفْتَى بِهِ فَأَنَّا نَرَى بَعْضَ أَصْحَابِ الْحِرَفِ الدَّنِيَّةِ عِنْدَهُ مِنْ الدِّينِ وَالتَّقْوَى مَا لَيْسَ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ أَرْبَابِ الْوَجَاهَةِ وَأَصْحَابِ الْمَنَاصِبِ وَذَوِي الْمَرَاتِبِ {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13] . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 92 وَإِنَّمَا يَشْكُلُ فِيمَا إذَا شَهِدَ لِأَخِيهِ وَالْأَبُ حَيٌّ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا تُقْبَلَ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَ الْأَمْلَاكِ بَيْنَ أَخِيهِ وَأَبِيهِ مُتَّصِلَةٌ فَكَأَنَّهُ شَهِدَ لِأَبِيهِ وَالْجَوَابُ أَنَّ شَهَادَةَ الْإِنْسَانِ لِأَبِيهِ إنَّمَا لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَ الْأَمْلَاكِ بَيْنَ الْأَبِ وَابْنِهِ مُتَّصِلَةٌ فَكَانَتْ الشَّهَادَةُ لِلْأَبِ شَهَادَةً لِنَفْسِهِ مِنْ وَجْهٍ فَلَمْ تُقْبَلْ، وَأَمَّا شَهَادَتُهُ لِأَخِيهِ فَلَيْسَتْ لِنَفْسِهِ أَصْلًا لِتَبَايُنِ الْأَمْلَاكِ اهـ. وَفِي الْقُنْيَةِ امْتَدَّتْ الْخُصُومَةُ سِنِينَ وَمَعَ الْمُدَّعِي أَخٌ وَابْنُ عَمٍّ يُخَاصِمَانِ لَهُ مَعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ثُمَّ شَهِدَا لَهُ فِي هَذِهِ الْخُصُومَةِ بَعْدَ هَذِهِ الْخُصُومَاتِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا اهـ. وَذَكَرَ ابْنُ وَهْبَانَ وَقِيَاسُ ذَلِكَ أَنْ يَطَّرِدَ ذَلِكَ فِي كُلِّ قَرَابَةٍ وَصَاحِبِ تَرَدُّدٍ مَعَ قَرَابَتِهِ أَوْ صَاحِبِهِ إلَى الْمُدَّعِي فِي الْخُصُومَةِ سِنِينَ وَيُخَاصِمُ لَهُ وَمَعَهُ عَلَى الْمُدَّعِي ثُمَّ يَشْهَدُ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا تُقْبَلَ وَالْفِقْهُ فِيهِ أَنَّهُ لَمَّا طَالَ التَّرَدُّدُ مَعَ الْمُخَاصِمِ وَالْمُخَاصَمَةُ لَهُ مَعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ صَارَ بِمَنْزِلَةِ الْخَصْمِ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ اهـ. وَفِي خِزَانَةِ الْفَتَاوَى إذَا تَخَاصَمَ الشُّهُودُ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ تُقْبَلُ إنْ كَانُوا عُدُولًا اهـ. وَيَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُسَاعِدُوا الْمُدَّعِيَ فِي الْخُصُومَةِ أَوْ لَمْ يَكْثُرْ ذَلِكَ مِنْهُمْ تَوْفِيقًا (قَوْلُهُ وَأَهْلِ الْأَهْوَاءِ إلَّا الْخَطَابِيَّةَ) أَيْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ؛ لِأَنَّ فِسْقَهُمْ مِنْ حَيْثُ الِاعْتِقَادُ وَمَا أَوْقَعَهُ فِيهِ إلَّا تَدَيُّنُهُ بِهِ وَصَارَ كَمَنْ يَشْرَبُ الْمُثَلَّثَ أَوْ يَأْكُلُ مَتْرُوكَ التَّسْمِيَةِ عَامِدًا مُسْتَبِيحًا لِذَلِكَ بِخِلَافِ الْفِسْقِ مِنْ حَيْثُ التَّعَاطِي وَالْهَوَى مَقْصُورًا مَيْلُ النَّفْسِ إلَى مَا تَسْتَلِذُّ بِهِ مِنْ الشَّهَوَاتِ مِنْ غَيْرِ دَاعِيَةِ الشَّرْعِ كَذَا فِي التَّقْرِيرِ وَفِي الْمِصْبَاحِ الْهَوَى مَقْصُورًا مَصْدَرُ هَوِيَّتُهُ مِنْ بَابِ تَعِبَ إذَا أَحْبَبْته وَعَلَقْت بِهِ ثُمَّ أُطْلِقَ عَلَى مَيْلِ النَّفْسِ وَانْحِرَافِهَا نَحْوَ الشَّيْءِ ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ فِي مَيْلٍ مَذْمُومٍ فَيُقَالُ اتَّبَعَ هَوَاهُ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَالْهَوَاءُ مَمْدُودًا الْمُسَخَّرُ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَالْجَمْعُ أَهْوِيَةٌ اهـ. أَطْلَقَهُ وَقَيَّدَهُ فِي الذَّخِيرَةِ بِهَوًى لَا يَكْفُرُ بِهِ صَاحِبُهُ وَزَادَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ أَنْ لَا يَكُونَ مَاجِنًا وَيَكُونَ عَدْلًا فِي تَعَاطِيهِ هُوَ الصَّحِيحُ اهـ. وَلَيْسَ هَذَا الْقَيْدُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَإِنَّ الْحَاكِمَ الشَّهِيدَ فِي الْكَافِي قَالَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى شَهَادَةُ أَصْحَابِ الْأَهْوَاءِ جَائِزَةٌ أَلَا تَرَى أَنَّ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ اخْتَلَفُوا وَاقْتَتَلُوا وَشَهَادَةُ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ كَانَتْ جَائِزَةً فَلَيْسَ بَيْنَ أَصْحَابِ الْأَهْوَاءِ مِنْ الِاخْتِلَافِ أَشَدُّ مِمَّا كَانَ بَيْنَهُمْ مِنْ الْقِتَالِ اهـ. وَفِي التَّقْرِيرِ أَنَّ مَنْ وَجَبَ إكْفَارُهُ مِنْهُمْ فَالْأَكْثَرُ عَلَى عَدَمِ قَبُولِهِ اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْأَصْلِ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ وَفِي النِّهَايَةِ أَنَّ أُصُولَ الْهَوَى سِتَّةٌ الْجَبْرُ وَالْقَدْرُ وَالرَّفْضُ وَالْخُرُوجُ وَالتَّشْبِيهُ وَالتَّعْطِيلُ ثُمَّ كُلُّ وَاحِدٍ يَصِيرُ اثْنَيْ عَشَرَ فِرْقَةً اهـ. وَفِي الْحَدِيثِ «إنَّ بَنِي إسْرَائِيلَ تَفَرَّقَتْ عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً وَسَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً كُلُّهَا فِي النَّارِ إلَّا فِرْقَةً وَاحِدَةً قِيلَ مَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ مَنْ كَانَ عَلَى مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي» . اهـ. وَالْخَطَّابِيَّةُ قَوْمٌ مِنْ الرَّوَافِضِ يُنْسَبُونَ إلَى أَبِي الْخَطَّابِ يَدِينُونَ بِشَهَادَةِ الزُّورِ لِمَنْ وَافَقَهُمْ عَلَى مُخَالِفِيهِمْ وَقِيلَ يَشْهَدُونَ لِمَنْ حَلَفَ لَهُمْ أَنَّهُ مُحِقٌّ وَيَقُولُونَ الْمُسْلِمُ لَا يَحْلِفُ كَاذِبًا فَتَمَكَّنَتْ شُبْهَةُ الْكَذِبِ فِيهَا وَفِي الْعَتَّابِيَّةِ هُمْ قَوْمٌ مِنْ الرَّوَافِضِ يُكَفِّرُونَ بِالصَّغَائِرِ وَفِي الْيَنَابِيعِ أَنَّ الْخَطَّابِيَّةِ انْقَرَضُوا وَفَنُوا لِلْآيَةِ الشَّرِيفَةِ {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا} [النساء: 141] وَفِي التَّقْرِيرِ وَيَلْحَقُ بِهِمْ صَاحِبُ الْإِلْهَامِ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، وَأَمَّا رِوَايَتُهُ فَالْمُخْتَارُ فِي الْمَذْهَبِ عَدَمُ قَبُولِهَا؛ لِأَنَّهُمْ يَحْتَاجُونَ إلَى الْمُحَاجَّةِ فَيَحْتَاجُونَ إلَى التَّقَوُّلِ وَالْكَذِبِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ اهـ. وَالْمَنْقُولُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ عَدَمُ قَبُولِ شَهَادَةِ الْخَطَابِيَّةِ إلَّا مَنْ صَرَّحَ مِنْهُمْ بِالْمُشَاهَدَةِ وَلَمْ أَرَهُ لِأَصْحَابِنَا. (قَوْلُهُ وَالذِّمِّيُّ عَلَى مِثْلِهِ) ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَجَازَ شَهَادَةَ النَّصَارَى بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ؛ وَلِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ عَلَى نَفْسِهِ وَأَوْلَادِهِ الصِّغَارِ فَيَكُونُ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ عَلَى جِنْسِهِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَفِي خِزَانَةِ الْفَتَاوَى إذَا تَخَاصَمَ الشُّهُودُ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ تُقْبَلُ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ مَفْهُومُهُ أَنَّهُمْ إذَا كَانُوا مَسْتُورِينَ لَا تُقْبَلُ وَإِنْ لَمْ تَمْتَدَّ الْخُصُومَةُ لِلتُّهْمَةِ بِالْمُخَاصَمَةِ وَإِذَا كَانُوا عُدُولًا تُقْبَلُ وَإِنْ امْتَدَّتْ لِارْتِفَاعِ التُّهْمَةِ مَعَ الْعَدَالَةِ فَيُحْمَلُ مَا فِي الْقُنْيَةِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُونُوا عُدُولًا؛ لِأَنَّهُ مُطْلَقٌ وَمَا فِي الْخِزَانَةِ مُقَيَّدٌ فَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ تَوْفِيقًا وَمَا قُلْنَاهُ أَشْبَهُ، لِأَنَّ الْمُعْتَمَدَ فِي بَابِ الشَّهَادَةِ الْعَدَالَةُ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَلَيْسَ هَذَا الْقَيْدُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ) إنْ كَانَ الْمُرَادُ الْمُقَيَّدَ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ فَلَا مَعْنَى لِرَدِّهِ؛ لِأَنَّهُ سَيَنْقُلُ تَصْحِيحَهُ وَأَنَّ مَا فِي الْأَصْلِ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ فَكَانَ فِي حُكْمِ الْمَذْكُورِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ مَا زَادَهُ فِي السِّرَاجِ فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعَدَالَةَ شَرْطٌ فِي أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ فَمَا ظَنُّك فِي غَيْرِهِمْ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ قَالَ مُحَمَّدٌ بِقَبُولِ شَهَادَةِ الْخَوَارِجِ إذَا اعْتَقَدُوا وَلَمْ يُقَاتِلُوا فَإِذَا قَاتَلُوا رُدَّتْ شَهَادَتُهُمْ لِإِظْهَارِ الْفِسْقِ بِالْفِعْلِ. (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَالذِّمِّيِّ عَلَى مِثْلِهِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة شَهَادَةُ أَهْلِ الذِّمَّةِ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ مَقْبُولَةٌ وَفِي التَّجْرِيدِ إذَا كَانُوا عُدُولًا فِي دِينِهِمْ اتَّفَقَتْ مِلَلُهُمْ أَوْ اخْتَلَفَتْ وَفِي التَّفْرِيدِ وَعِنْدَ مَالِكٍ تُقْبَلُ إذَا اتَّفَقَتْ مِلَلُهُمْ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا تُقْبَلُ أَصْلًا اهـ. وَكَتَبَ الرَّمْلِيُّ أَيْضًا وَإِنْ اخْتَلَفَا مِلَّةً كَالْيَهُودِ مَعَ النَّصَارَى كَذَا فِي شَرْحِ تَنْوِيرِ الْأَبْصَارِ وَمِثْلُهُ فِي لِسَانِ الْحُكَّامِ لِابْنِ الشِّحْنَةِ وَشَرْحَيْ الْمَجْمَعِ لِلْمُصَنِّفِ وَابْنِ مَلَكٍ وَكَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ كَالْغِيَاثِيَّةِ وَالْكِفَايَةِ وَدَارَا كَمَا فِي الْعِنَايَةِ وَالْكِفَايَةِ وَكَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ اهـ. قُلْت وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْعَدَاوَةَ بَيْنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى دِينِيَّةٌ وَإِلَّا لَمْ تُقْبَلْ فَتَأَمَّلْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 93 وَالْفِسْقُ مِنْ حَيْثُ الِاعْتِقَادُ غَيْرُ مَانِعٍ؛ لِأَنَّهُ يَجْتَنِبُ عَمَّا يَعْتَقِدُهُ مُحَرَّمَ دِينِهِ وَالْكَذِبُ مَحْظُورُ الْأَدْيَانِ قَيَّدَ بِالذِّمِّيِّ لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ لَا شَهَادَةَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ وَاخْتَلَفُوا فِي شَهَادَةِ مُرْتَدٍّ عَلَى مِثْلِهِ وَالْأَصَحُّ عَدَمُ قَبُولِهَا بِحَالٍ كَذَا فِي الْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ عَلَى مِثْلِهِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُقْبَلُ عَلَى مُسْلِمٍ لِلْآيَةِ {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا} [النساء: 141] وَلِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ بِالْإِضَافَةِ إلَيْهِ وَلِأَنَّهُ يَتَقَوَّلُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يَغِيظُهُ قَهْرُهُ إيَّاهُ وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ نَصْرَانِيَّانِ شَهِدَا عَلَى نَصْرَانِيٍّ بِقَطْعِ يَدٍ أَوْ قِصَاصٍ ثُمَّ أَسْلَمَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بَعْدَ الْقَضَاءِ بَطَلَتْ الشَّهَادَةُ؛ لِأَنَّ الْإِمْضَاءَ مِنْ الْقَضَاءِ فِي الْعُقُوبَاتِ اهـ. وَفِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ لِلصَّدْرِ سُلَيْمَانَ نَصْرَانِيٌّ مَاتَ عَنْ مِائَةٍ فَأَقَامَ مُسْلِمٌ شَاهِدَيْنِ عَلَيْهِ بِمِائَةٍ وَمُسْلِمٌ وَنَصْرَانِيٌّ بِمِثْلِهِ فَالثُّلُثَانِ لَهُ وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا وَالشَّرِكَةُ لَا تَمْنَعُ؛ لِأَنَّهَا بِإِقْرَارِهِ بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ لِوَارِثِهِ وَأَجْنَبِيٌّ نَظِيرُهُ أَقَرَّ لِأَجْنَبِيٍّ فِي مَرَضِهِ فَأَقَرَّ لِوَارِثِهِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ النِّصْفُ لَهُمَا لِلِاسْتِوَاءِ وَلَوْ كَانَ الْمُنْفَرِدُ نَصْرَانِيًّا فَالثُّلُثُ لَهُ وَالْبَاقِي لَهُمَا وَيُقَدَّمُ الْمُسْلِمُ. وَكَذَا لَوْ كَانَ شُهُودُ الشَّرِيكَيْنِ مُسْلِمَيْنِ وَشُهُودُهُمَا نَصْرَانِيَّانِ أَوْ مُسْلِمَانِ اسْتَوَيَا نَصْرَانِيٌّ مَاتَ عَنْ ابْنَيْنِ وَأَسْلَمَ أَحَدُهُمَا فَأَقَامَ مُسْلِمٌ شَاهِدَيْنِ نَصْرَانِيَّيْنِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَقُسِمَتْ تَرِكَتُهُ بِدَيْنٍ عَلَيْهِ يُؤْخَذُ مِنْ نَصِيبِ غَيْرِ الْمُسْلِمِ لِعَدَمِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ كَإِقْرَارِهِ وَلَوْ أَقَامَ الْمُسْلِمُ ذِمِّيَّيْنِ وَذِمِّيٌّ مِثْلَهُمَا يُقَدَّمُ الْمُسْلِمُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَسْتَوِيَانِ قَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ قَوْلُهُ الْأَخِيرُ وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ حَيًّا وَادَّعَيَا عَيْنًا فِي يَدِهِ وَعَنْهُ أَنَّهَا لِلْمُسْلِمِ وَفَرَّقَ بِتَعَلُّقِهِ بِالْمَحَلِّ اهـ. وَفِي الْمَجْمَعِ وَلَوْ اشْتَرَى ذِمِّيٌّ دَارًا مِنْ مُسْلِمٍ فَادَّعَاهَا ذِمِّيٌّ أَوْ مُسْلِمٌ بِشَهَادَةِ ذِمِّيَّيْنِ يَقْبَلُهُمَا فِي حَقِّهِ وَرَدَّاهَا اهـ. وَفِي الْخُلَاصَةِ مِنْ أَلْفَاظِ التَّكْفِيرِ شَهِدَ نَصْرَانِيَّانِ عَلَى نَصْرَانِيٍّ أَنَّهُ قَدْ أَسْلَمَ وَهُوَ يَجْحَدُ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُمَا وَكَذَا لَوْ شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَيُتْرَكُ عَلَى دِينِهِ وَجَمِيعُ أَهْلِ الْكُفْرِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ وَلَوْ شَهِدَ نَصْرَانِيَّانِ عَلَى نَصْرَانِيَّةٍ أَنَّهَا أَسْلَمَتْ جَازَ وَأَجْبَرَهَا عَلَى الْإِسْلَامِ وَلَا تُقْتَلُ وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ لَوْ شَهِدَ عَلَى إسْلَامِ النَّصْرَانِيِّ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ يَجْحَدُ أُجْبِرَ عَلَى الْإِسْلَامِ وَلَا يُقْبَلُ وَلَوْ شَهِدَ رَجُلَانِ مِنْ أَهْلِ دِينِهِ وَهُوَ يَجْحَدُ فَشَهَادَتُهُمَا بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّ فِي زَعْمِهِمْ أَنَّهُ مُرْتَدٌّ وَلَا شَهَادَةَ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ عَلَى الْمُرْتَدِّ. اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْكَافِرِ عَلَى الْعَبْدِ الْكَافِرِ التَّاجِرِ وَإِنْ كَانَ مَوْلَاهُ مُسْلِمًا وَعَلَى الْعَكْسِ لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّ فِي الْأَوَّلِ قَامَتْ عَلَى إثْبَاتِ أَمْرٍ عَلَى الْكَافِرِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ يَثْبُتُ عَلَى الْعَبْدِ وَاسْتِحْقَاقُ مَالِيَّةِ الْمَوْلَى غَيْرُ مُضَافٍ إلَى الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ وُجُوبِ الدَّيْنِ عَلَيْهِ اسْتِحْقَاقُ مَالِيَّةِ الْمَوْلَى لَا مَحَالَةَ بَلْ يَنْفَكُّ عَنْهُ فِي الْجُمْلَةِ وَفِي الثَّانِيَةِ قَامَتْ عَلَى إثْبَاتِ أَمْرٍ عَلَى الْمُسْلِمِ وَالْوَكِيلُ مَعَ الْمُوَكِّلِ بِمَنْزِلَةِ الْعَبْدِ مَعَ الْمَوْلَى   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يَغِيظُهُ قَهْرُهُ إيَّاهُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ الضَّمِيرُ فِي أَنَّهُ وَيَغِيظُهُ رَاجِعٌ لِلذِّمِّيِّ وَفِي قَهْرِهِ رَاجِعٌ لِلْمُسْلِمِ أَيْ؛ لِأَنَّهُ بِسَبَبِ قَهْرِ الْمُسْلِمِ إيَّاهُ وَإِذْلَالِهِ لَهُ يَتَقَوَّلُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مِلَلِ الْكُفْرِ؛ لِأَنَّ مِلَّةَ الْأَحْلَامِ قَاهِرَةٌ لِلْكُلِّ فَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ غِيرَةٌ يَسْتَظْهِرُونَ بِهَا. (قَوْلُهُ فَالثُّلُثَانِ لَهُ وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا) أَيْ الثُّلُثَانِ لِلْمُسْلِمِ الْمُنْفَرِدِ وَالْبَاقِي لِلْمُسْلِمِ وَالنَّصْرَانِيِّ ذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ عِبَارَةَ الْجَامِعِ وَلَمْ يُبَيِّنْ وَجْهَ ذَلِكَ ثُمَّ ذَكَرَ مَسْأَلَةً أُخْرَى وَهِيَ نَصْرَانِيٌّ مَاتَ وَتَرَكَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَأَقَامَ مُسْلِمٌ شُهُودًا مِنْ النَّصَارَى عَلَى أَلْفٍ عَلَى الْمَيِّتِ وَنَصْرَانِيٌّ آخَرِينَ كَذَلِكَ يَدْفَعُ الْأَلْفَ الْمَتْرُوكَةَ لِلْمُسْلِمِ وَلَا يَتَحَاصَّانِ فِيهَا عِنْدَهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَتَحَاصَّانِ وَالْخِلَافُ رَاجِعٌ إلَى أَنَّ بَيِّنَةَ النَّصْرَانِيِّ مَقْبُولَةٌ عِنْدَهُ فِي حَقِّ إثْبَاتِ الدَّيْنِ عَلَى الْمَيِّتِ لَا فِي حَقِّ إثْبَاتِ الشَّرِكَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِ وَعَلَى قَوْلِ الثَّانِي مَقْبُولَةٌ فِيهِمَا اهـ. لَكِنْ يَبْقَى وَجْهُ اخْتِصَاصِ الْمُسْلِمِ الْمُنْفَرِدِ بِالثُّلُثَيْنِ فِي مَسْأَلَتِنَا وَلَعَلَّهُ هُوَ أَنَّ الْبَيِّنَةَ تَقْتَضِي أَنَّ لِكُلٍّ مِنْ الثَّلَاثَةِ الْمُدَّعِينَ ثُلُثَ الْمِائَةِ لَكِنَّ الشَّهَادَةَ الثَّانِيَةَ لَا تُثْبِتُ مُشَارَكَةَ النَّصْرَانِيِّ لِكُلٍّ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَيَعُودُ الثُّلُثُ الَّذِي كَانَ يَسْتَحِقُّهُ لِلْمُسْلِمِ الْمُنْفَرِدِ وَإِنَّمَا لَا يَعُودُ مِنْهُ لِلْمُسْلِمِ الْآخَرِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ مُقِرٌّ بِأَنَّ لَهُ حَقًّا فِي الْمَالِ بِقَدْرِ حَقِّهِ وَلِهَذَا يَرْجِعُ النَّصْرَانِيُّ وَيُقَاسِمُهُ فِي الثُّلُثِ الَّذِي أَخَذَهُ لِإِقْرَارِهِ بِأَنَّهُ شَرِيكُهُ فِيمَا لَهُ عَلَى الْمَيِّتِ فَلَمْ تَكُنْ مُشَارَكَتُهُ لَهُ بِالْبَيِّنَةِ تَأَمَّلْ ثُمَّ رَأَيْت الرَّمْلِيَّ قَالَ عِبَارَةُ التَّلْخِيصِ كَافِرٌ مَاتَ عَنْ مِائَةٍ فَأَقَامَ مُسْلِمٌ كَافِرَيْنِ بِمِائَةٍ وَأَقَامَ مُسْلِمٌ وَكَافِرٌ كَذَلِكَ فَثُلُثَاهَا لِلْمُنْفَرِدِ وَالثُّلُثُ لِلشَّرِيكَيْنِ عَكْسُ مَا لَوْ كَانَ الْمُنْفَرِدُ كَافِرًا وَشُهُودًا الشَّرِيكَيْنِ مُسْلِمَانِ؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ الْكَافِرِ حُجَّةٌ لِلْمُسْلِمِ لَا عَلَيْهِ فَضَرَبَ كُلُّ مُسْلِمٍ فِيهَا بِقَدْرِ حَقِّهِ أَوَّلًا وَكُلُّ كَافِرٍ فِي الْبَاقِي كَمَا فِي دَيْنِ الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ وَقَاسَمَ الشَّرِيكُ شَرِيكَهُ لَكِنْ بِحُجَّةِ الزَّعْمِ دُونَ الشَّهَادَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ يَقْبَلُهُمَا) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ أَبُو يُوسُفَ فِي قَوْلِهِ الْأَخِيرِ وَإِذَا قُبِلَتْ يَقْضِي بِهَا عَلَى الْمُشْتَرِي خَاصَّةً وَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْبَائِعِ وَبَيَانُ إمْكَانِ الْقَضَاءِ بِهَا فِي حَقِّ الْكَافِرِ أَنْ يَقْضِيَ بِالْمِلْكِ لِلْمُدَّعِي بِسَبَبٍ جَدِيدٍ مِنْ جِهَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَيُتْرَكُ عَلَى دِينِهِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَالْوَجْهُ فِيهِ أَنَّهُ لَوْ قُبِلَتْ لَلَزِمَ الْقَتْلُ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ تَأَمَّلْ وَفِي الْمِنْهَاجِ لِلْعَلَّامَةِ أَبِي حَفْصٍ عُمَرَ نَصْرَانِيٌّ مَاتَ فَجَاءَ مُسْلِمٌ وَنَصْرَانِيٌّ وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ أَنَّ لَهُ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنًا فَإِنْ كَانَ شُهُودُ الْفَرِيقَيْنِ ذِمِّيَّيْنِ أَوْ شُهُودُ النَّصْرَانِيِّ ذِمِّيَّيْنِ بُدِئَ بِدَيْنِ الْمُسْلِمِ فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ صُرِفَ إلَى دَيْنِ النَّصْرَانِيِّ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُجْعَلُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ دَيْنِهِمَا قِيلَ أَنَّهُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَخِيرُ وَإِنْ كَانَ شُهُودُ الْفَرِيقَيْنِ مُسْلِمِينَ أَوْ شُهُودُ الذِّمِّيِّ خَاصَّةً مُسْلِمِينَ فَالْمَالُ بَيْنَهُمَا فِي قَوْلِهِمْ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعَلَى الْعَكْسِ لَا تُقْبَلُ) أَيْ شَهَادَةُ الْكَافِرِ عَلَى الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ التَّاجِرِ وَإِنْ كَانَ مَوْلَاهُ كَافِرًا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 94 وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ كَافِرَيْنِ عَلَى شَهَادَةِ مُسْلِمَيْنِ وَعَلَى الْعَكْسِ تُقْبَلُ وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الذِّمِّيِّ بِدَيْنٍ عَلَى ذِمِّيٍّ مَيِّتٍ وَإِنْ كَانَ وَصِيُّهُ مُسْلِمًا بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لِمُسْلِمٍ فَإِنْ كَانَ فَقَدْ كَتَبْنَاهُ عَنْ الْجَامِعِ وَفِي الْخَانِيَّةِ ذِمِّيٌّ مَاتَ فَشَهِدَ عَشَرَةٌ مِنْ النَّصَارَى أَنَّهُ أَسْلَمَ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ بِشَهَادَتِهِمْ وَكَذَا لَوْ شَهِدَ فُسَّاقٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَلَوْ كَانَ لِهَذَا الْمَيِّتِ وَلِيٌّ مُسْلِمٌ وَبَقِيَّةُ أَوْلِيَائِهِ كُفَّارٌ مِنْ أَهْلِ دِينِهِ فَادَّعَى الْوَلِيُّ الْمُسْلِمُ أَنَّهُ أَسْلَمَ وَأَنَّهُ أَوْصَى إلَيْهِ وَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ مِيرَاثَهُ وَشَهِدَ اثْنَانِ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ بِذَلِكَ يَأْخُذُ الْمَوْلَى الْمُسْلِمُ مِيرَاثَهُ بِشَهَادَتِهِمَا؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ فِي حُكْمِ الْمِيرَاثِ قَامَتْ عَلَى أَوْلِيَائِهِ الْكُفَّارِ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ بِشَهَادَةِ وَلِيِّهِ الْمُسْلِمِ إنْ كَانَ عَدْلًا وَلَوْ لَمْ يَشْهَدْ عَلَى إسْلَامِهِ غَيْرُ الْوَلِيِّ يُصَلَّى عَلَيْهِ بِقَوْلِ وَلِيِّهِ الْمُسْلِمِ وَلَا مِيرَاثَ لَهُ اهـ. ثُمَّ قَالَ لَوْ شَهِدَ عَلَى نَصْرَانِيٍّ أَرْبَعَةٌ مِنْ النَّصَارَى أَنَّهُ زَنَى بِأَمَةٍ مُسْلِمَةٍ فَإِنْ شَهِدُوا وَأَنَّهُ اسْتَكْرَهَهَا حُدَّ الرَّجُلُ وَإِنْ قَالُوا طَاوَعَتْهُ دُرِئَ الْحَدُّ عَنْهُمَا وَيُعَزَّرُ الشُّهُودُ لِحَقِّ الْمُسْلِمَةِ لِقَذْفِهِمْ الْأَمَةَ. اهـ. وَفِي الْبَدَائِعِ مِنْ النِّكَاحِ لَوْ ادَّعَى مُسْلِمٌ عَبْدًا فِي يَدِ ذِمِّيٍّ أَنَّهُ عَبْدُهُ وَشَهِدَ كَافِرَانِ أَنَّهُ عَبْدُهُ قَضَى بِهِ الْقَاضِي فُلَانٌ لَمْ تُقْبَلْ لِكَوْنِهَا شَهَادَةً عَلَى الْقَاضِي الْمُسْلِمِ وَفِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ وَلَوْ شَهِدَ كَافِرَانِ عَلَى شَهَادَةِ مُسْلِمَيْنِ لِكَافِرٍ عَلَى كَافِرٍ لَمْ تَجُزْ وَلَوْ شَهِدَ مُسْلِمَانِ عَلَى شَهَادَةِ كَافِرٍ جَازَتْ اهـ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّزْكِيَةِ فِي شَهَادَةِ الذِّمِّيِّ قَالَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ تَزْكِيَةُ الذِّمِّيِّ أَنْ تُزَكِّيَهُ بِالْأَمَانَةِ فِي دِينِهِ وَلِسَانِهِ وَيَدِهِ وَأَنَّهُ صَاحِبُ يَقَظَةٍ اهـ. وَأَفْتَى بِهِ قَارِئُ الْهِدَايَةِ وَأَصْلُهُ فِي النَّوَازِلِ وَفِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ مَعْزِيًّا إلَى الْعُيُونِ شَهِدَ كَافِرَانِ عَلَى كَافِرٍ فَعَدَلَا ثُمَّ أَسْلَمَ وَأَسْلَمَا يُؤْمَرَانِ أَنْ يُعِيدَا الشَّهَادَةَ وَيَكْفِي تَعْدِيلُهُمَا فِي الْكُفْرِ وَإِنَّمَا تَعْدِيلُ الْكُفَّارِ إلَى الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّ تَعْدِيلَ الْكَافِرِ لِلْكَافِرِ لَا يَجُوزُ ثُمَّ يَسْأَلُ أُولَئِكَ عَنْ الشُّهُودِ. اهـ. وَقَدَّمْنَا فِي مَسَائِلِ التَّعْدِيلِ أَنَّ تَعْدِيلَ الْكَافِرِ بِالْمُسْلِمِينَ إنْ وُجِدَ وَإِلَّا فَيَسْأَلُ مِنْ عُدُولِ الْكُفَّارِ وَفِي الْمُلْتَقَطِ إذَا سَكِرَ الذِّمِّيُّ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْحَرْبِيِّ عَلَى مِثْلِهِ) أَيْ وَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَى مِثْلِهِ لَا عَلَى الذِّمِّيِّ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى الذِّمِّيِّ وَالْمُرَادُ بِالْحَرْبِيِّ الْمُسْتَأْمَنُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ غَيْرُهُ فَإِنَّ الْحَرْبِيَّ لَوْ دَخَلَ بِلَا أَمَانٍ فَهَذَا اسْتِرْقَاقٌ وَلَا شَهَادَةَ لِلْعَبِيدِ عَلَى أَحَدٍ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَيُسْتَثْنَى مِنْ الْحَرْبِيِّ عَلَى مِثْلِهِ مَا إذَا كَانَا مِنْ دَارَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ كَالْإِفْرِنْجِ وَالْحَبَشِ لِانْقِطَاعِ الْوِلَايَةِ بَيْنَهُمَا وَلِهَذَا لَا يَتَوَارَثَانِ وَالدَّارُ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَنَعَةِ وَالْمِلْكِ. (قَوْلُهُ وَمَنْ أَلَمَّ بِصَغِيرَةٍ إنْ اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ) أَيْ تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ ارْتَكَبَ صَغِيرَةً إنْ اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ كُلَّهَا وَقَدْ أَشَارَ هُنَا إلَى الْعَدَالَةِ فَإِنَّهَا شَرْطُ قَبُولِ الشَّهَادَةِ وَهِيَ الِاسْتِقَامَةُ وَهِيَ بِالْإِسْلَامِ وَاعْتِدَالِ الْعَقْلِ وَيُعَارِضُهُ هَوًى يُضِلُّهُ وَيَصُدُّهُ وَلَيْسَ لِكَمَالِهَا حَدٌّ يُدْرَكُ مَدَاهُ وَيَكْتَفِي لِقَبُولِهَا بِأَدْنَاهُ كَيْ لَا يُضَيِّعَ الْحُقُوقَ وَهُوَ رُجْحَانُ جِهَةِ الدِّينِ وَالْعَقْلِ عَلَى الْهَوَى وَالشَّهْوَةِ وَأَحْسَنُ مَا قِيلَ فِيهِ مَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ الْعَدْلُ أَنْ يَكُونَ مُجْتَنِبًا لِلْكَبَائِرِ غَيْرَ مُصِرٍّ عَلَى الصَّغَائِرِ وَأَنْ تَكُونَ مُرُوءَتُهُ ظَاهِرَةً فَعَدَمُهَا مُفَوِّتٌ لَهَا وَزَادَ فِي الْمُحِيطِ أَنْ يَعْتَادَ الصِّدْقَ وَيَجْتَنِبَ الْكَذِبَ دِيَانَةً وَمُرُوءَتُهُ وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الشَّاهِدُ مُسِنًّا عَفِيفًا ذَا مَالٍ ذَا فَضْلٍ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يَطْمَعُ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ وَيَسْتَحْيِ مِنْ ارْتِكَابِ مَا لَا يَحِلُّ فِي الشَّرْعِ فَكَانَ أَوْلَى بِالِاسْتِشْهَادِ اهـ. وَبِهِ يُعْلَمُ مِنْ يَنْصِبُهُ الْقَاضِي شَاهِدًا بَيْنَ النَّاسِ وَفِي الْخَانِيَّةِ الْفَاسِقُ إذَا تَابَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ مَا لَمْ يَمْضِ عَلَيْهِ زَمَانٌ تَظْهَرُ التَّوْبَةُ ثُمَّ بَعْضُهُمْ قَدَّرَهُ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ وَبَعْضُهُمْ قَدَّرَهُ بِسَنَةٍ وَالصَّحِيحُ أَنَّ ذَلِكَ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي وَالْمُعَدِّلِ اهـ. وَفِي الْخُلَاصَةِ وَلَوْ كَانَ عَدْلًا فَشَهِدَ بِزُورٍ ثُمَّ تَابَ فَشَهِدَ تُقْبَلُ مِنْ غَيْرِ مُدَّةٍ اهـ. وَقَدَّمْنَا أَنَّ الشَّاهِدَ إذَا كَانَ فَاسِقًا سِرًّا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْبِرَ بِفِسْقِهِ كَيْ لَا يُبْطِلَ حَقَّ الْمُدَّعِي وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ أَيْضًا وَفِي الْعَتَّابِيَّةِ مَنْ أَجَّرَ بَيْتَهُ لِمَنْ يَبِيعُ الْخَمْرَ لَمْ تَسْقُطْ عَدَالَتُهُ. (قَوْلُهُ وَالْأَقْلَفِ) أَيْ الْكَبِيرِ الَّذِي لَمْ يُخْتَتَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّ الْعَدَالَةَ لَا تُخِلُّ بِتَرْكِ الْخِتَانِ لِكَوْنِهِ سُنَّةً عِنْدَنَا أَطْلَقَهُ وَقَيَّدَهُ قَاضِي خَانْ بِأَنْ يَتْرُكَهُ لِخَوْفٍ عَلَى نَفْسِهِ أَمَّا إذَا تَرَكَهُ بِغَيْرِ عُذْرٍ لَمْ تُقْبَلْ وَقَيَّدَهُ فِي الْهِدَايَةِ بِأَنْ لَا يَتْرُكَهُ اسْتِخْفَافًا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ فَقَدْ كَتَبْنَاهُ عَنْ الْجَامِعِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَالَ فِي الْكِتَاب أَجَزْت بَيِّنَةَ الْمُسْلِمِ وَأَعْطَيْت حَقَّهُ فَإِنْ بَقِيَ شَيْءٌ كَانَ لِلْكَافِرِ وَرَوَى الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ أَنَّ التَّرِكَةَ تُقْسَمُ بَيْنَهُمَا عَلَى مِقْدَارِ دَيْنِهِمَا اهـ. مِنْ التَّتَارْخَانِيَّة ثُمَّ قَالَ وَلَوْ كَانَ النَّصْرَانِيُّ حَيًّا وَفِي يَدِهِ عَبْدٌ ادَّعَاهُ مُسْلِمٌ وَنَصْرَانِيٌّ وَأَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا شَاهِدَيْنِ نَصْرَانِيَّيْنِ فَهُوَ لِلْمُسْلِمِ قَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَيْضًا وَرَوَى الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْعَبْدَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ. اهـ. (قَوْلُهُ فُلَانٌ) بَدَلٌ مِنْ الْقَاضِي. (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ عَدْلًا فَشَهِدَ بِزُورٍ ثُمَّ تَابَ إلَخْ) الْمَعْرُوفُ بِالْعَدَالَةِ إذَا شَهِدَ بِزُورٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ أَبَدًا لِأَنَّهُ لَا تُعْرَفُ تَوْبَتُهُ وَرَوَى الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ أَنَّهُ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ خَانِيَّةٌ قُبَيْلَ التَّزْكِيَةِ وَالتَّعْدِيلِ (قَوْلُهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْبِرَ بِفِسْقِهِ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ لَا يَحِلُّ وَفِي الْخَانِيَّةِ الشَّاهِدُ إذَا كَانَ فَاسِقًا فِي السِّرِّ وَهُوَ فِي الظَّاهِرِ عَدْلٌ فَأَرَادَ الْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ بِشَهَادَتِهِ فَأَخْبَرَ الشَّاهِدُ عَنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ لَيْسَ بِعَدْلٍ صَحَّ إقْرَارُهُ عَلَى نَفْسِهِ إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَ صَادِقًا فِي الشَّهَادَةِ لَا يَسَعُهُ تَضْمِينُ نَفْسِهِ أَنَّهُ لَيْسَ بِعَدْلٍ؛ لِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ حَقِّ الْمُدَّعِي اهـ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 95 بِالدِّينِ أَمَّا إذَا تَرَكَهُ اسْتِخْفَافًا لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ عَدْلًا وَكَمَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ تَصِحُّ إمَامَتُهُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَمْ يُقَدِّرْ الْإِمَامُ لِلْخِتَانِ وَقْتًا مَعْلُومًا لِعَدَمِ وُرُودِ النَّصِّ بِهِ وَقَدَّرَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ وَاخْتَلَفُوا وَالْمُخْتَارُ أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِهِ سَبْعُ سِنِينَ وَآخِرَهُ اثْنَتَا عَشَرَ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ مِنْ بَابِ الْيَمِينِ فِي الطَّلَاقِ وَقَدَّمْنَا فِي أَوَّلِ الطَّهَارَةِ أَنَّهُ سُنَّةٌ لِلرِّجَالِ مَكْرَمَةٌ لِلنِّسَاءِ إذْ جِمَاعُ الْمَخْتُونَةِ أَلَذُّ قَالَ الْحَلْوَانِيُّ كَانَ النِّسَاءُ يَخْتَتِنَّ فِي زَمَنِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي النَّوَازِلِ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ لَا يُجِيزُ شَهَادَةَ الْأَقْلَفِ وَلَا ذَبِيحَتَهُ وَعُلَمَاؤُنَا قَالُوا تُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ وَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ إنْ كَانَ لِعُذْرٍ وَإِلَّا لَا تُقْبَلُ وَبِهِ نَأْخُذُ اهـ. (فَائِدَةٌ) مِنْ كَرَاهِيَةِ فَتَاوَى الْعَتَّابِيِّ وَقِيلَ فِي خِتَانِ الْكَبِيرِ إذَا أَمْكَنَ أَنْ يَخْتِنَ نَفْسَهُ فَعَلَ وَإِلَّا لَمْ يَفْعَلْ إلَّا أَنْ يُمْكِنَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَوْ يَشْتَرِيَ خَتَّانَةً فَتَخْتِنَهُ وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ فِي الْكَبِيرِ يَخْتِنُهُ الْحَمَّامِيُّ وَكَذَا عَنْ ابْنِ مُقَاتِلٍ لَا بَأْسَ لِلْحَمَّامِيِّ أَنْ يَطْلِيَ عَوْرَةَ غَيْرِهِ بِالنُّورَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْخَصِيِّ وَوَلَدِ الزِّنَا وَالْخُنْثَى) فَإِنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَبِلَ شَهَادَةَ عَلْقَمَةَ الْخَصِيِّ؛ وَلِأَنَّهُ قُطِعَ عُضْوٌ مِنْهُ ظُلْمًا فَصَارَ كَمَا إذَا قُطِعَتْ يَدُهُ وَالْخَصِيُّ بِفَتْحِ الْخَاءِ عَلَى وَزْنِ فَعِيلٍ مَنْزُوعُ الْخُصَا كَذَا فِي الْبِنَايَةِ وَفِسْقُ الْأَبَوَيْنِ لَا يُوجِبُ فِسْقَ الْوَلَدِ كَكُفْرِهِمَا أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا شَهِدَ بِالزِّنَا أَوْ بِغَيْرِهِ خِلَافًا لِمَالِكٍ فِي الْأَوَّلِ وَالْمُرَادُ بِالْخُنْثَى الْمُشْكِلُ وَهُوَ امْرَأَةٌ فِي الشَّهَادَةِ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ (قَوْلُهُ وَالْعُمَّالِ) أَيْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ وَالْمُرَادُ بِهِمْ عُمَّالُ السُّلْطَانِ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الْعَمَلِ لَيْسَ بِفِسْقٍ إلَّا إذَا كَانُوا أَعْوَانًا عَلَى الظُّلْمِ وَقِيلَ الْعَامِلُ إذَا كَانَ وَجِيهًا فِي النَّاسِ ذَا مُرُوءَةٍ لَا يُجَازِفُ فِي كَلَامِهِ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ كَمَا مَرَّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الْفَاسِقِ؛ لِأَنَّهُ لِوَجَاهَتِهِ لَا يُقْدِمُ عَلَى الْكَذِبِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ يَعْنِي وَلَوْ كَانَ عَوْنًا عَلَى الظُّلْمِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ وَقِيلَ أَرَادَ بِالْعُمَّالِ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ وَيُؤَاجِرُونَ أَنْفُسَهُمْ لِلْعَمَلِ؛ لِأَنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ رَدَّ شَهَادَاتِ أَهْلِ الصِّنَاعَاتِ الْخَسِيسَةِ فَأَفْرَدَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لِإِظْهَارِ مُخَالَفَتِهِمْ وَكَيْفَ لَا وَكَسْبُهُمْ أَطْيَبُ كَسْبٍ وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُ الْقَبُولِ بِأَنْ تَكُونَ تِلْكَ الْحِرْفَةُ لَائِقَةً بِهِ بِأَنْ تَكُونَ حِرْفَةَ آبَائِهِ وَأَجْدَادِهِ وَإِلَّا فَلَا مُرُوءَةَ لَهُ إذَا كَانَتْ حِرْفَةً دَنِيَّةً فَلَا شَهَادَةَ لَهُ لِمَا عُرِفَ فِي حَدِّ الْعَدَالَةِ وَكَذَا يَنْبَغِي تَقْيِيدُ الْقَبُولِ بِأَنْ لَا يُكْثِرَ الْكَذِبَ وَالْخَلْفَ فِي الْوَعْدِ وَذَكَرَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ أَنَّ شَهَادَةَ الرَّئِيسِ لَا تُقْبَلُ وَكَذَا الْجَابِي وَالصَّرَّافُ الَّذِي يُجْمَعُ عِنْدَهُ الدَّرَاهِمُ وَيَأْخُذُهَا طَوْعًا لَا تُقْبَلُ وَقَدَّمْنَا عَنْ الْبَزْدَوِيِّ أَنَّ الْقَائِمَ بِتَوْزِيعِ هَذِهِ النَّوَائِبِ السُّلْطَانِيَّةِ وَالْجِبَايَاتِ بِالْعَدْلِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ مَأْجُورٌ وَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ ظُلْمًا فَعَلَى هَذَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَالْمُرَادُ بِالرَّئِيسِ رَئِيسُ الْقَرْيَةِ وَهُوَ الْمُسَمَّى فِي بِلَادِنَا شَيْخَ الْبَلَدِ وَمِثْلُهُ الْمُعَرِّفُونَ فِي الْمَرَاكِبِ وَالْعُرَفَاءُ فِي جَمِيعِ الْأَصْنَافِ وَضَمَانِ الْجِهَاتِ فِي بِلَادِنَا؛ لِأَنَّهُمْ كُلُّهُمْ أَعْوَانٌ عَلَى الظُّلْمِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي السِّرَاجِيَّةِ مَعْزِيًّا إلَى الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ إنْ كَانَ الْعَامِلُ مِثْلَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَشَهَادَتُهُ جَائِزَةٌ وَإِنْ كَانَ مِثْلَ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ فَلَا اهـ. وَفِي إطْلَاقِ الْعَامِلِ عَلَى الْخَلِيفَةِ نَظَرٌ وَالظَّاهِرُ مِنْهُ أَنَّهُ مَنْ قَبِلَ عَمَلًا مِنْ الْخَلِيفَةِ وَفِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ أَمِيرٌ كَبِيرٌ ادَّعَى فَشَهِدَ لَهُ عُمَّالُهُ وَدَوَاوِينُهُ وَنُوَّابُهُ وَرَعَايَاهُمْ لَا تُقْبَلُ كَشَهَادَةِ الْمُزَارِعِ لِرَبِّ الْأَرْضِ اهـ. وَفِي إجَارَاتِ الْبَزَّازِيَّةِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الدَّلَّالِ وَمُحْضَرِ قُضَاةِ الْعَهْدِ وَالْوُكَلَاءِ الْمُفْتَعَلَةِ وَالصَّكَّاكِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْمُعْتَقِ لِلْمُعْتِقِ) أَيْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ كَعَكْسِهِ لِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ وَقَدْ قَبِلَ شُرَيْحٌ شَهَادَةَ قَنْبَرٍ لِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَكَانَ عَتِيقَهُ وَهُوَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَالْبَاءِ، وَأَمَّا قَنْبَرٌ فَهُوَ جَدُّ سِيبَوَيْهِ ذَكَرَهُ الذَّهَبِيُّ فِي مُشْتَبَهِ الْأَسْمَاءِ وَالْأَنْسَابِ وَفِي تَقْرِيبِ التَّهْذِيبِ لِلْحَافِظِ بْنِ حَجَرٍ: شُرَيْحُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسٍ الْكُوفِيُّ النَّخَعِيّ الْقَاضِي أَبُو أُمَيَّةَ ثِقَةٌ وَقِيلَ لَهُ صُحْبَةٌ مَاتَ قَبْلَ الثَّمَانِينَ أَوْ بَعْدَهَا وَلَهُ مِائَةٌ وَثَمَانِ سِنِينَ أَوْ أَكْثَرُ يُقَالُ حَكَمَ سَبْعِينَ سَنَةً. اهـ. قَيَّدْنَا بِعَدَمِ التُّهْمَةِ لِأَنَّ الْعَتِيقَ لَوْ كَانَ مُتَّهَمًا لَمْ تُقْبَلْ لِمَنْ أَعْتَقَهُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُ الْقَبُولِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَعِنْدِي فِي هَذَا التَّقْيِيدِ نَظَرُ يَظْهَرُ لِمَنْ لَهُ نَظَرٌ فَتَأَمَّلْ. اهـ. قُلْت وَجْهُهُ مَا مَرَّ عِنْدَ قَوْلِهِ أَوْ يَبُولُ أَوْ يَأْكُلُ أَنَّ الصَّحِيحَ قَبُولُ ذِي الْحِرْفَةِ الدَّنِيَّةِ إذَا كَانَ عَدْلًا فَحَيْثُ كَانَ الْمُعْتَبَرُ الْعَدَالَةَ فَلَا نَظَرَ إلَى الْحِرْفَةِ نَعَمْ قَدْ يُقَالُ عُدُولُهُ عَنْ حِرْفَةِ آبَائِهِ الشَّرِيفَةِ إلَى الْحِرْفَةِ الْخَسِيسَةِ يَدُلُّ عَلَى رَذَالَتِهِ وَعَدَمِ مُرُوءَتِهِ وَمُبَالَاتِهِ لَكِنْ هَذَا حَيْثُ كَانَ بِلَا دَاعٍ إلَيْهِ مِنْ عَجْزٍ أَوْ عَدَمِ أَسْبَابٍ أَوْ قِلَّةِ يَدٍ تَقْصُرُهُ عَنْ حِرْفَةِ أَبِيهِ وَلَا سِيَّمَا إذَا كَانَ أَبُوهُ أَوْ وَصِيُّهُ عَلَّمَهُ فِي صِغَرِهِ هَذِهِ الْحِرْفَةَ الدَّنِيَّةَ فَكَبِرَ وَهُوَ لَا يَعْرِفُ غَيْرَهَا فَإِذَا كَانَ عَدْلًا فَمَا وَجْهُ رَدِّ شَهَادَتِهِ فَتَعَيَّنَ مَا قُلْنَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أَمِيرٌ كَبِيرٌ ادَّعَى إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ شَهَادَةَ خُدَّامِهِ الْمُلَازِمِينَ لَهُ مُلَازَمَةً كَمُلَازَمَةِ الْعَبْدِ لِمَوْلَاهُ كَذَلِكَ لَا تُقْبَلُ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَلَا سِيَّمَا فِي زَمَانِنَا هَذَا تَأَمَّلْ وَقَدْ أَفْتَيْت بِهِ مِرَارًا وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ وَمِثْلُهُ فِي شَهَادَاتِ جَامِعِ الْفَتَاوَى بِصِيغَةِ أَعْوَانِ الْحُكَّامِ وَالْوُكَلَاءِ عَلَى بَابِ الْقُضَاةِ لَا تُسْمَعُ شَهَادَتُهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ سَاعُونَ فِي إبْطَالِ حَقِّ الْمُسْتَحِقِّ وَهُمْ فُسَّاقٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَفِي إجَارَاتِ الْبَزَّازِيَّةِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ مَحَلُّهُ فِي الْكُلِّ مَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَيْهِمْ الصَّلَاحُ أَمَّا إذَا غَلَبَ عَلَيْهِمْ الصَّلَاحُ فَتُقْبَلُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَزَّازِيَّةِ أَيْضًا فِي الصَّكَّاكِ فِي كِتَابِ الشَّهَادَةِ وَلَا فَارِقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدَّلَّالِ وَالْمُحْضَرِ وَالْوَكِيلِ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي الْوُكَلَاءِ الْمُفْتَعَلَةِ تَأَمَّلْ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 96 وَلِذَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ وَلَوْ شَهِدَ الْعَبْدَانِ بَعْدَ الْعِتْقِ عَلَى أَنَّ الثَّمَنَ كَذَا عِنْدَ اخْتِلَافِ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي لَا تُقْبَلُ. اهـ. ؛ لِأَنَّهُمَا يَجُرَّانِ لِأَنْفُسِهِمَا نَفْعًا بِإِثْبَاتِ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّهُ لَوْلَا شَهَادَتُهُمَا لَتَحَالَفَا وَفُسِخَ الْبَيْعُ الْمُقْتَضِي لِإِبْطَالِ الْعِتْقِ وَلَا يُعَارِضُهُ مَا فِي الْخُلَاصَةِ أَيْضًا مَعْزِيًّا إلَى الْعُيُونِ لَوْ اشْتَرَى غُلَامَيْنِ فَأَعْتَقَهُمَا فَشَهِدَا لِمَوْلَاهُمَا عَلَى الْبَائِعِ أَنَّهُ قَدْ اسْتَوْفَى الثَّمَنَ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا. اهـ. لِأَنَّهُمَا لَا يَجُرَّانِ بِهَا نَفْعًا وَلَا يَدْفَعَانِ مَغْرَمًا وَشَهَادَتُهُمَا بِأَنَّ الْبَائِعَ أَبْرَأَ الْمُشْتَرِيَ مِنْ الثَّمَنِ كَشَهَادَتِهِمَا بِالْإِيفَاءِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَأَشَارَ إلَى قَبُولِ شَهَادَتِهِ عَلَى مَوْلَاهُ بِالْأُولَى إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ ذَكَرْنَاهَا عَنْ الْكَافِي عِنْدَ قَوْلِهِ: وَالْمَمْلُوكِ وَالصَّبِيِّ وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ فِي مَسْأَلَةِ الْمُعْتَقِينَ الثَّلَاثِ هُنَا تَرَكْنَاهَا لِكَثْرَةِ شُعَبِهَا وَفِي الْعَتَّابِيَّةِ لَوْ أَعْتَقَ أُمَّ وَلَدِهِ فَشَهِدَتْ لَهُ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ تُقْبَلُ اهـ. فَعَلَى هَذَا يُفَرَّقُ بَيْنَ الْمُعْتَدَّةِ مِنْ طَلَاقٍ وَمِنْ عِتْقٍ وَفِيهَا لَوْ نَفَى وَلَدَ أُمِّ وَلَدِهِ ثُمَّ أَعْتَقَهُ فَشَهِدَ لَهُ لَمْ يَجُزْ وَسُئِلَ مُحَمَّدٌ عَنْ عَرَبِيٍّ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ مَوْلَاهُ أَعْتَقَهُ فَشَهِدَ مَوْلَيَانِ أَعْتَقَهُمَا الرَّجُلُ لِلْمُدَّعِي لَمْ تَجُزْ؛ لِأَنَّهُمَا يُثْبِتَانِ أَنَّ الْعَرَبِيَّ مَوْلَى مَوْلَاهُمَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَجُوزُ كَمَا لَوْ شَهِدَا أَنَّ أَبَاهُمَا أَعْتَقَ هَذَا وَالْبَنَاتُ يَجْحَدُونَ هَذَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ شَهِدَا أَنَّ أَبَاهُمَا أَوْصَى إلَيْهِ وَالْوَصِيُّ يَدَّعِي جَازَ وَإِنْ أَنْكَرَ لَا كَمَا لَوْ شَهِدَا أَنَّ أَبَاهُمَا وَكَّلَهُ بِقَبْضِ دُيُونِهِ وَادَّعَى الْوَكِيلُ أَوْ أَنْكَرَ) وَالْقِيَاسُ عَدَمُ الْقَبُولِ فِي الْوَصِيِّ أَيْضًا لِكَوْنِهَا شَهَادَةً لِلشَّاهِدِ لِعَوْدِ الْمَنْفَعَةِ إلَيْهِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ لِلْقَاضِي وِلَايَةَ نَصْبِ الْوَصِيِّ إذَا كَانَ طَالِبًا وَالْمَوْتُ مَعْرُوفٌ فَيَكْفِي الْقَاضِيَ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ مُؤْنَةَ التَّعْيِينِ لَا أَنَّهُ يَثْبُتُ بِهَا شَيْءٌ فَصَارَ كَالْقُرْعَةِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَتَعَقَّبَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِقَوْلِهِ وَإِذَا تَحَقَّقْت مَا ذَكَرَ فِي وَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ ظَهَرَ أَنَّ قَبُولَ الشَّهَادَةِ ثَابِتٌ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا إذْ ظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ بِهَا شَيْءٌ وَإِنَّمَا ثَبَتَ عِنْدَهَا نَصْبُ الْقَاضِي وَصِيًّا اخْتَارَهُ وَلَيْسَ هُنَا مَوْضِعٌ غَيْرُ هَذَا يُصْرَفُ إلَيْهِ الْقِيَاسُ وَالِاسْتِحْسَانُ وَلَوْ اعْتَبَرَا فِي نَفْسِ إيصَاءِ الْقَاضِي إلَيْهِ فَالْقِيَاسُ لَا يَأْبَاهُ فَلَا وَجْهَ لِجَعْلِ الْمَشَايِخِ فِيهَا قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا وَالْمَنْقُولُ عَنْ أَصْحَابِ الْمَذْهَبِ الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ مَعَ السُّكُوتِ عَنْ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ اهـ. وَقَدْ ذُكِرَ الْقِيَاسُ وَالِاسْتِحْسَانُ فِي عَامَّةِ كُتُبِ أَصْحَابِنَا وَمِنْهُمْ شَرْحُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلْحُسَامِيِّ وَالْكَافِي وَالتَّبْيِينِ وَالْهِدَايَةِ وَشُرُوحِهَا وَالْمَوْضِعُ الَّذِي يَصْرِفَا إلَيْهِ أَنَّ ظَاهِرَهَا عَدَمُ الْقَبُولِ؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَ يَجُرُّ نَفْعًا لِنَفْسِهِ فَلَا يَكُونُ الْمَشْهُودُ لَهُ وَصِيًّا عَنْ الْمَيِّتِ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ جَعَلْنَاهُ وَصِيًّا عَنْ الْمَيِّتِ وَلَمْ يَعْتَبِرْ نَفْعَ الشَّاهِدِ؛ لِأَنَّ لِلْقَاضِي وِلَايَةَ النَّصْبِ وَالسَّبَبُ الْحَامِلُ لِاعْتِرَاضِ الْمُحَقِّقِ أَنَّهُ فَهِمَ أَنَّهُ وَصِيٌّ مِنْ جِهَةِ الْقَاضِي وَحِينَئِذٍ فَلَا مَعْنَى لِلْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا هُوَ وَصِيٌّ مِنْ جِهَةِ الْمَيِّتِ وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي وَصَايَا الْفَوَائِدِ مِنْ الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ أَنَّ وَصِيَّ الْقَاضِي كَوَصِيِّ الْمَيِّتِ إلَّا فِي مَسَائِلَ وَأَشَارَ بِشَهَادَةِ الِابْنَيْنِ إلَى أَنَّ شَهَادَةَ الْغَرِيمَيْنِ لَهُمَا عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ أَوْ لِلْمَيِّتِ عَلَيْهِمَا دَيْنٌ بِأَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى إلَى فُلَانٍ أَوْ الْوَصِيَّيْنِ بِأَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى إلَى فُلَانٍ مَعَهُمَا كَذَلِكَ أَوْ الْمُوصَى لَهُ بِأَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى إلَى فُلَانٍ فَفِي الْخَمْسِ إنْ ادَّعَى قُبِلَتْ وَإِلَّا لَا وَأَوْرَدَ عَلَى الرَّابِعَةِ بِأَنَّ الْمَيِّتَ إذَا كَانَ لَهُ وَصِيَّانِ فَالْقَاضِي لَا يَحْتَاجُ إلَى نَصْبِ آخَرَ وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ يَمْلِكُهُ لِإِقْرَارِهِمَا بِالْعَجْزِ عَنْ الْقِيَامِ بِأُمُورِ الْمَيِّتِ وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ الْمَوْتِ مَعْرُوفًا فِي الْكُلِّ أَيْ ظَاهِرًا إلَّا فِي مَسْأَلَةِ الْغَرِيمَيْنِ لِلْمَيِّتِ عَلَيْهِمَا دَيْنٌ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَوْتُ مَعْرُوفًا؛ لِأَنَّهُمَا يُقِرَّانِ عَلَى أَنْفُسِهِمَا بِثُبُوتِ وِلَايَةِ الْقَبْضِ لِلْمَشْهُودِ لَهُ فَانْتَفَتْ التُّهْمَةُ وَثَبَتَ مَوْتُ رَبِّ الدَّيْنِ بِإِقْرَارِهِمَا فِي حَقِّهِمَا وَقِيلَ مَعْنَى الثُّبُوتِ أَمْرُ الْقَاضِي إيَّاهُمَا بِأَدَاءِ مَا عَلَيْهِمَا إلَيْهِ لِإِبْرَائِهِمَا عَنْ الدَّيْنِ بِهَذَا الْأَدَاءِ؛ لِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الدَّيْنِ مِنْهُمَا حَقٌّ عَلَيْهِمَا فَيُقْبَلُ مِنْهُمَا وَالْبَرَاءَةُ حَقٌّ لَهُمَا فَلَا يُقْبَلُ فِيهَا كَذَا فِي الْكَافِي. وَإِنَّمَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الِابْنَيْنِ فِي الْوَكَالَةِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْقَاضِي وِلَايَةُ نَصْبِ الْوَكِيلِ عَنْ الْغَائِبِ إلَّا فِي الْمَفْقُودِ فَلَوْ ثَبَتَتْ هَذِهِ الْوِلَايَةُ لَكَانَتْ بِشَهَادَتِهِمَا وَفِيهَا تُهْمَةٌ؛ لِأَنَّهُمَا يَشْهَدَانِ لِأَبِيهِمَا وَلِاحْتِمَالِ التَّوَاضُعِ عَلَى أَخْذِ الْمَالِ وَقَوْلُهُ بِقَبْضِ دُيُونِهِ اتِّفَاقِيٌّ؛ لِأَنَّهُمَا لَوْ شَهِدَا فِي غَيْبَةِ أَبِيهِمَا أَنَّهُ وَكَّلَهُ بِالْخُصُومَةِ لَمْ تُقْبَلْ أَيْضًا كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَفَرَّقَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ الْمُصَنِّفُ وَالْوَصِيُّ يَدَّعِي) قَالَ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ أَيْ وَالْوَصِيُّ يَرْضَى هَكَذَا سَنَحَ لِلْبَالِ ثُمَّ رَأَيْت فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِمَوْلَانَا عَلَاءِ الدِّينِ الْأَسْوَدِ مَا نَصُّهُ وَالْمُرَادُ مِنْ الدَّعْوَى فِي قَوْلِهِ وَالْوَصِيُّ يَدَّعِي هُوَ الرِّضَا إذْ الْجَوْزُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الدَّعْوَى بَلْ لِلْقَاضِي أَنْ يَنْصِبَ وَصِيًّا إذَا رَضِيَ هُوَ بِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا هُوَ وَصِيٌّ مِنْ جِهَةِ الْمَيِّتِ) لَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا يُوَافِقُ كَلَامَ الْهِدَايَةِ الَّذِي قَصَدَ الِانْتِصَارَ لَهُ مِنْ قَوْلِهِ أَنَّ لِلْقَاضِي وِلَايَةَ نَصْبِ الْوَصِيِّ وَقَوْلُهُ فَيَكْفِي الْقَاضِيَ مُؤْنَةُ التَّعْيِينِ وَكَذَا مَا يَأْتِي قَرِيبًا مِنْ قَوْلِهِ وَأَوْرَدَ أَنَّهُ إذَا كَانَ لَهُ وَصِيَّانِ فَالْقَاضِي لَا يَحْتَاجُ إلَى نَصْبِ آخَرَ فَالْحَقُّ مَا فَهِمَهُ الْمُحَقِّقُ مِنْ أَنَّ الْوَصِيَّ مِنْ جِهَةِ الْقَاضِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 97 بَيْنَهُمَا فِي الْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فَقَالَ وَإِذَا شَهِدَا أَنَّ أَبَاهُمَا وَكَّلَ هَذَا الرَّجُلَ بِقَبْضِ دُيُونِهِ بِالْكُوفَةِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا بِشَهَادَتِهِمَا يُعَيِّنَانِ مَنْ يَقُومُ بِحُقُوقِ الْأَبِ وَاسْتِيفَائِهِ فَكَانَا شَاهِدَيْنِ لِأَبِيهِمَا فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا وَلَكِنْ هَذَا إنْ كَانَ الْمَطْلُوبُ يَجْحَدُ الْوَكَالَةَ فَأَمَّا إذَا أَقَرَّ الْمَطْلُوبُ بِهَا جَازَتْ الشَّهَادَةُ فَرَّقَ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبَيْنَ مَسْأَلَةٍ ذَكَرَهَا فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ أَنَّ مَنْ وَكَّلَ رَجُلًا بِالْخُصُومَةِ فِي دَارٍ بِعَيْنِهَا وَقَبَضَهَا وَغَابَ فَشَهِدَ ابْنَا الْمُوَكِّلِ أَنَّ أَبَاهُمَا وَكَّلَ هَذَا الرَّجُلَ بِالْخُصُومَةِ فِي هَذِهِ الدَّارِ وَقَبَضَهَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا سَوَاءٌ جَحَدَ الْمَطْلُوبُ الْوَكَالَةَ أَوْ أَقَرَّ بِهَا وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ فِي مَسْأَلَةِ الدَّيْنِ الْمَطْلُوبَ إذَا كَانَ مُقِرًّا بِالْوَكَالَةِ يُجْبَرُ عَلَى دَفْعِ الْمَالِ بِإِقْرَارِهِ بِدُونِ الشَّهَادَةِ فَإِنَّمَا قَامَتْ الشَّهَادَةُ لِإِبْرَاءِ الْمَطْلُوبِ عِنْدَ الدَّفْعِ إلَى الْوَكِيلِ إذَا حَضَرَ الطَّالِبُ وَأَنْكَرَ الْوَكَالَةَ فَكَانَتْ هَذِهِ الشَّهَادَةُ عَلَى أَبِيهِمَا وَشَهَادَتُهُ عَلَى أَبِيهِ مَقْبُولَةٌ أَمَّا فِي مَسْأَلَةِ كِتَابِ الْوَكَالَةِ الْمَطْلُوبُ وَإِنْ كَانَ مُقِرًّا لَا يُجْبَرُ عَلَى دَفْعِ الدَّارِ إلَى الْوَكِيلِ بِحُكْمِ إقْرَارِهِ وَإِنَّمَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ بِالشَّهَادَةِ فَكَانَتْ وَاقِعَةً لِأَبِيهِمَا فَلَا تُقْبَلُ. اهـ. وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ الْمُؤَلِّفَ تَرَكَ قَيْدًا وَهُوَ إنْ جَحَدَ الْمَطْلُوبُ وَأَشَارَ إلَى عَدَمِ قَبُولِ شَهَادَةِ ابْنَيْ الْوَكِيلِ مُطْلَقًا بِالْأَوْلَى وَكَذَا شَهَادَةُ أَبَوَيْهِ وَأَجْدَادِهِ وَأَحْفَادِهِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَعَلَى هَذَا فَالِابْنَانِ فِي الْكِتَابِ مِثَالٌ وَالْمُرَادُ عَدَمُ قَبُولِهَا فِي الْوَكَالَةِ مِنْ كُلِّ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِلْمُوَكِّلِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَلَمْ يُقَيِّدْ الْمُصَنِّفُ بِغَيْبَةِ الْأَبِ فِي شَهَادَتِهِمَا بِالْوَكَالَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ حَاضِرًا لَا يُمْكِنُ الدَّعْوَى بِهَا لِيَشْهَدَا؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ لَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى بِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ لَكِنْ يَحْتَاجُ إلَى بَيَانِ صُورَةِ شَهَادَتِهِمَا مَا فِي غَيْبَتِهِ مَعَ جَحْدِ الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُسْمَعُ إلَّا بَعْدَ الدَّعْوَى وَلَمْ يَظْهَرْ هُنَا لَهَا وَجْهٌ وَيُمْكِنُ أَنْ تُصَوَّرَ بِأَنْ يَدَّعِيَ صَاحِبُ وَدِيعَةٍ عَلَيْهِ تَسْلِيمَ وَدِيعَتِهِ الْمُوَكِّلَ فِي دَفْعِهَا فَيَجْحَدَ فَيَشْهَدَانِ بِهِ وَيَقْبِضُ دُيُونَ أَبِيهِمَا وَإِنَّمَا صَوَّرْنَاهُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ لَا يُجْبَرُ عَلَى فِعْلِ مَا وُكِّلَ بِهِ إلَّا فِي رَدِّ الْوَدِيعَةِ وَنَحْوِهَا كَمَا سَيَأْتِي فِيهَا. (فُرُوعٌ) شَهِدَ الْوَصِيُّ بَعْدَ الْعَزْلِ لِلْمَيِّتِ إنْ خَاصَمَ لَا تُقْبَلُ وَإِلَّا تُقْبَلُ وَلَوْ وَكَّلَهُ بِالْخُصُومَةِ عِنْدَ الْقَاضِي فَخَاصَمَ الْمَطْلُوبَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ عِنْدَ الْقَاضِي ثُمَّ أَخْرَجَهُ الْمُوَكِّلُ عَنْهَا فَشَهِدَ الْوَكِيلُ أَنَّ لِلْمُوَكِّلِ عَلَى الْمَطْلُوبِ مِائَةَ دِينَارٍ تُقْبَلُ وَلَوْ وَكَّلَهُ عِنْدَ غَيْرِ الْقَاضِي فَشَهِدَ عَلَى الْوَكَالَةِ فَخَاصَمَ الْمَطْلُوبَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَبَرْهَنَ عَلَى الْوَكَالَةِ ثُمَّ عَزَلَهُ الْمُوَكِّلُ مِنْهَا فَشَهِدَ لَهُ عَلَى الْمَطْلُوبِ بِمِائَةِ دِينَارٍ مِمَّا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِالْوَكَالَةِ لَا تُقْبَلُ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا شَهَادَةُ الْوَصِيِّ بِحَقٍّ لِلْمَيِّتِ عَلَى غَيْرِهِ بَعْدَمَا أَخْرَجَهُ الْقَاضِي عَنْ الْوِصَايَةِ قَبْلَ الْخُصُومَةِ أَوْ بَعْدَهَا لَا تُقْبَلُ وَكَذَا لَوْ شَهِدَ الْوَصِيُّ بِحَقٍّ لِلْمَيِّتِ بَعْدَمَا أَدْرَكَتْ الْوَرَثَةُ لَا تُقْبَلُ وَدَلَّتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا عَزَلَ الْوَصِيَّ يَنْعَزِلُ وَلَوْ شَهِدَ لِبَعْضِ الْوَرَثَةِ عَلَى الْمَيِّتِ إنْ كَانَ الْمَشْهُودُ لَهُ صَغِيرًا لَا يَجُوزُ اتِّفَاقًا وَإِنْ كَانَ بَالِغًا فَكَذَلِكَ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ وَلَوْ شَهِدَ لِكَبِيرٍ عَلَى أَجْنَبِيٍّ تُقْبَلُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَلَوْ شَهِدَ لِلْوَارِثِ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ فِي غَيْرِ مِيرَاثٍ لَمْ تُقْبَلْ وَلَوْ شَهِدَ الْوَصِيَّانِ عَلَى إقْرَارِ الْمَيِّتِ بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ لِوَارِثٍ بَالِغٍ تُقْبَلُ اهـ. وَفِيهَا أَيْضًا ادَّعَى دَارًا وَبَرْهَنَ وَأَبْطَلَ الْقَاضِي بِبَيِّنَةٍ ثُمَّ جَاءَ بَعْدَ ثَلَاثِينَ سَنَةً فَشَهِدَا أَنَّهَا لِآخَرَ لَا تُقْبَلُ وَكَذَا لَوْ قَالَ هَذِهِ الدَّارُ لِفُلَانٍ لَا حَقَّ لِي فِيهَا ثُمَّ شَهِدَ أَنَّهَا لِفُلَانٍ آخَرَ لَا تُقْبَلُ اهـ. وَفِي الْعَتَّابِيَّةِ شَهِدَا أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى لَهُمَا وَلِهَذَا تُقْبَلُ فِي حَقِّ هَذَا وَيُضَمُّ إلَيْهِ آخَرَانِ اهـ. وَفِيهَا ادَّعَى الْوَكِيلُ بِالْخُصُومَةِ دَيْنًا بِحَضْرَةِ الْمُوَكِّلِ فَادَّعَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَضَاءَهُ فَشَهِدَ الْوَكِيلُ بِذَلِكَ لَا تُسْمَعُ؛ لِأَنَّ دَعْوَاهُ أَبْطَلَ شَهَادَتَهُ وَكَذَا وَكِيلُهَا ادَّعَى الْمَهْرَ عَلَى الزَّوْجِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ لِلزَّوْجِ بِالْخُلْعِ (قَوْلُهُ وَلَا يَسْمَعُ الْقَاضِي الشَّهَادَةَ عَلَى الْجَرْحِ) وَهُوَ بِفَتْحِ الْجِيمِ لُغَةً مِنْ جَرَحَهُ بِلِسَانِهِ جَرْحًا عَابَهُ وَنَقَصَهُ وَمِنْهُ جَرَحْت الشَّاهِدَ إذَا أَظْهَرْت فِيهِ مَا تُرَدُّ بِهِ شَهَادَتُهُ كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ وَفِي الِاصْطِلَاحِ إظْهَارُ فِسْقِ الشَّاهِدِ فَإِنْ لَمْ يَتَضَمَّنْ ذَلِكَ إثْبَاتُ حَقٍّ لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ لِلْعَبْدِ فَهُوَ جَرْحٌ مُجَرَّدٌ وَإِنْ تَضَمَّنَ إثْبَاتَ حَقٍّ لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ لِلْعَبْدِ فَهُوَ غَيْرُ مُجَرَّدٍ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُرَادُ مِنْ إطْلَاقِهِ كَمَا أَفْصَحَ بِهِ فِي الْكَافِي وَهُوَ غَيْرُ مَقْبُولٍ مِثْلَ أَنْ يَشْهَدُوا أَنَّ شُهُودَ الْمُدَّعِي فَسَقَةٌ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ تَسْلِيمُ وَدِيعَتِهِ الْمُوَكِّلَ فِي دَفْعِهَا) أَيْ الَّتِي وَكَّلَهُ الْغَائِبُ بِدَفْعِهَا لِصَاحِبٍ وَقَوْلُهُ فَيَشْهَدَانِ بِهِ أَيْ بِتَسْلِيمِ الْوَدِيعَةِ لِلَّذِي ادَّعَاهُ الْمُدَّعِي وَقَوْلُهُ وَبِقَبْضِ دُيُونِ أَبِيهِمَا لَمْ تَجْرِ فِيهِ الدَّعْوَى فَمَا مَعْنَى شَهَادَتِهِمَا بِهِ مَعَ أَنَّ الْمَقْصُودَ جَرَيَانُهَا فِيهِ مَعَ إجْبَارِ الْوَكِيلِ وَلَا إجْبَارَ هُنَا فَتَأَمَّلْ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 98 أَوْ زُنَاةٌ أَوْ أَكَلَةُ الرِّبَا أَوْ شَرَبَةُ الْخَمْرِ أَوْ عَلَى إقْرَارِهِمْ أَنَّهُمْ شَهِدُوا بِالزُّورِ أَوْ عَلَى إقْرَارِهِمْ أَنَّهُمْ أُجَرَاءُ فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ أَوْ عَلَى إقْرَارِهِمْ أَنَّ الْمُدَّعِيَ مُبْطِلٌ فِي هَذِهِ الدَّعْوَى أَوْ عَلَى إقْرَارِهِمْ أَنَّهُمْ لَا شَهَادَةَ لَهُمْ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ وَإِنَّمَا لَمْ تُقْبَلْ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ إنَّمَا تُقْبَلُ عَلَى مَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ وَفِي وُسْعِ الْقَاضِي إلْزَامُهُ وَالْفِسْقُ مِمَّا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ وَلَيْسَ فِي وُسْعِ الْقَاضِي إلْزَامُهُ؛ لِأَنَّهُ يَدْفَعُهُ بِالتَّوْبَةِ وَلِأَنَّ الشَّاهِدَ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ صَارَ فَاسِقًا لِأَنَّ فِيهَا إشَاعَةَ الْفَاحِشَةِ بِلَا ضَرُورَةٍ وَهِيَ حَرَامٌ بِالنَّصِّ وَالْمَشْهُودُ بِهِ لَا يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ الْفَاسِقِ وَلَا يُقَالُ إنَّ فِيهِ ضَرُورَةً وَهِيَ كَفُّ الظَّالِمِ عَنْ الظُّلْمِ بِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ الْكَاذِبَةِ وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «اُنْصُرْ أَخَاك ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا» ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَا ضَرُورَةَ إلَى هَذِهِ الشَّهَادَةِ عَلَى مَلَأٍ مِنْ النَّاسِ وَيُمْكِنُهُ كَفُّهُ عَنْ الظُّلْمِ بِإِخْبَارِ الْقَاضِي بِذَلِكَ سِرًّا إلَّا إذَا شَهِدُوا عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعِي أَنَّهُمْ فَسَقَةٌ أَوْ شَهِدُوا بِزُورٍ أَوْ نَحْوِهِ لِأَنَّهُمْ مَا شَهِدُوا بِإِظْهَارِ الْفَاحِشَةِ وَإِنَّمَا حَكَوْا إظْهَارَهَا عَنْ غَيْرِهِمْ فَلَا يَصِيرُونَ فَسَقَةً بِذَلِكَ. وَكَذَا الْإِقْرَارُ مِمَّا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ وَيَقْدِرُ الْقَاضِي عَلَى الْإِلْزَامِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرْتَفِعُ بِالتَّوْبَةِ وَلِذَا لَوْ أَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْمُدَّعِيَ اسْتَأْجَرَهُمْ لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ لَمْ تُقْبَلْ؛ لِأَنَّهُ شَهَادَةٌ عَلَى جَرْحٍ مُجَرَّدٍ وَأَمَّا الِاسْتِئْجَارُ وَإِنْ كَانَ أَمْرًا زَائِدًا عَلَى الْجَرْحِ وَلَكِنَّهُ لَا خَصْمَ فِي إثْبَاتِهِ إذْ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْأُجْرَةِ حَتَّى لَوْ أَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْمُدَّعِيَ اسْتَأْجَرَ الشُّهُودَ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَأَعْطَاهُمْ الْعَشَرَةَ مِنْ مَالِي الَّذِي كَانَ فِي يَدِهِ تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ خَصْمٌ فِي ذَلِكَ وَيَثْبُتُ الْجَرْحُ بِنَاءً عَلَيْهِ وَكَذَا إذَا أَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنِّي صَالَحْت الشُّهُودَ عَلَى كَذَا مِنْ الْمَالِ وَدَفَعْته إلَيْهِمْ عَلَى أَنْ لَا يَشْهَدُوا عَلَيَّ بِهَذَا الْبَاطِلِ فَإِنْ شَهِدُوا فَعَلَيْهِمْ أَنْ يَرُدُّوا ذَلِكَ الْمَالَ عَلَى تَقَبُّلِ بَيِّنَتِهِ لِأَنَّ فِيهِ ضَرُورَةً لِيَصِلَ إلَى مَالِهِ حَتَّى لَوْ قَالَ لَمْ أُعْطِهِمْ الْمَالَ لَمْ تُقْبَلْ؛ لِأَنَّ فِيهِ إظْهَارَ الْفَاحِشَةِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ، وَأَمَّا الثَّانِي أَعْنِي غَيْرَ الْمُجَرَّدِ فَهُوَ كَمَا لَوْ أَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُمْ زَنَوْا وَوَصَفُوا الزِّنَا أَوْ شَرِبُوا الْخَمْرَ أَوْ سَرَقُوا مِنِّي كَذَا وَلَمْ يَتَقَادَمْ الْعَهْدُ أَوْ أَنَّهُمْ عَبِيدٌ أَوْ أَحَدُهُمْ عَبْدٌ أَوْ شَرِيكُ الْمُدَّعِي وَلِلْمُدَّعِي مَالٌ أَوْ قَاذِفٌ وَالْمَقْذُوفُ يَدَّعِيهِ أَوْ مَحْدُودُونَ فِي الْقَذْفِ أَوْ عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعِي أَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُمْ عَلَى هَذِهِ الشَّهَادَةِ تُقْبَلُ لِمَكَانِ الْحَاجَةِ إلَى إحْيَاءِ هَذِهِ الْحُقُوقِ وَفِيهَا إذَا شَهِدُوا أَنَّهُمْ مَحْدُودُونَ فِي قَذْفٍ لَيْسَ فِيهِ إشَاعَةُ الْفَاحِشَةِ؛ لِأَنَّ الْإِظْهَارَ حَصَلَ بِالْقَضَاءِ وَإِنَّمَا حَكَوْا عَنْ إظْهَارِ الْفَاحِشَةِ عَنْ الْغَيْرِ كَذَا فِي الْكَافِي بِتَمَامِهِ. (وَهُنَا تَنْبِيهَاتٌ مُهِمَّةٌ) يَجِبُ التَّنْبِيهُ عَلَيْهَا الْأَوَّلُ أَنَّ النَّظَرَ فِي الْجَرْحِ الْمُجَرَّدِ وَغَيْرِهِ إنَّمَا هُوَ بَعْدَ التَّزْكِيَةِ الشَّرْعِيَّةِ كَمَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ فَإِذَا سَأَلَ الْقَاضِي عَنْ الشُّهُودِ سِرًّا وَعَلَنًا وَثَبَتَ عِنْدَهُ عَدَالَتُهُمْ فَطَعَنَ الْخَصْمُ فَإِنْ كَانَ مُجَرَّدًا لَمْ تُقْبَلْ وَإِلَّا قُبِلَ وَلَكِنَّ عَدَمَ قَبُولِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْجَرْحِ الْمُجَرَّدِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ التَّعْدِيلِ أَوْ بَعْدَهُ فَإِنْ قُلْت أَلَيْسَ الْخَبَرُ عَنْ فِسْقِ الشُّهُودِ قَبْلَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى عَدَالَتِهِمْ يَمْنَعُ الْقَاضِيَ عَنْ قَبُولِ شَهَادَتِهِمْ وَالْحُكْمِ بِهَا قُلْت نَعَمْ لَكِنْ ذَلِكَ لِلطَّعْنِ فِي عَدَالَتِهِمْ لَا لِثُبُوتِ أَمْرٍ يُسْقِطُهُمْ عَنْ حَيِّزِ الْقَبُولِ وَلِذَا لَوْ عَدَلُوا بَعْدَ هَذَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ وَلَوْ كَانَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى فِسْقِهِمْ مَقْبُولَةً لَسَقَطُوا عَنْ حَيِّزِ الشَّهَادَةِ وَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ مَجَالُ التَّعْدِيلِ ذَكَرَهُ ابْنُ الْكَمَالِ وَفِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَى الْجَرْحِ الْمُجَرَّدِ   [منحة الخالق] [فُرُوعٌ شَهِدَ الْوَصِيُّ بَعْدَ الْعَزْلِ لِلْمَيِّتِ] (قَوْلُهُ أَوْ عَلَى إقْرَارِهِمْ أَنَّهُمْ شَهِدُوا بِالزُّورِ) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُمْ لَوْ شَهِدُوا عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعِي بِأَنَّ الشُّهُودَ كَذَلِكَ تُقْبَلُ كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا (قَوْلُهُ وَكَذَا الْإِقْرَارُ مِمَّا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ) أَيْ وَلَيْسَ فِيهِ هَتْكُ السِّتْرِ بَلْ حِكَايَةُ الْهَتْكِ بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ عَلَى إقْرَارِ الشُّهُودِ بِأَنَّهُمْ شَهِدُوا بِزُورٍ فَإِنَّهَا لَا يُقْبَلُ مَعَ أَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى الْإِقْرَارِ الدَّاخِلِ تَحْتَ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ فِيهِ هَتْكَ السِّتْرِ وَبِهِ يَثْبُتُ الْفِسْقُ (قَوْلُهُ عَلَى أَنِّي صَالَحْت الشُّهُودَ) قَالَ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ لَعَلَّ الْمُرَادَ بِصَالَحْتُ أَعْطَيْت الرِّشْوَةَ لِدَفْعِ ظُلْمِهِ وَإِلَّا فَلَا صُلْحَ بِالْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ بَيْنَهُمَا (قَوْلُهُ إنَّمَا هُوَ بَعْدَ التَّزْكِيَةِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ يَفْهَمُ مِنْهُ قَبُولَهُ قَبْلَهَا مِنْهُ عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ سَمَاعِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْجَرْحِ الْمُجَرَّدِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلَكِنَّ عَدَمَ الْقَبُولِ إلَخْ) أَتَى بِالِاسْتِدْرَاكِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ السَّابِقَ مُحْتَمِلٌ لِقَبُولِ الْجَرْحِ الْمُجَرَّدِ قَبْلَ التَّعْدِيلِ كَقَبُولِ غَيْرِ الْمُجَرَّدِ وَمُحْتَمِلٌ لِعَدَمِ قَبُولِهِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَفِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ إلَخْ) هَذَا غَيْرُ مُخَالِفٍ لِمَا قَالَهُ ابْنُ الْكَمَالِ لِأَنَّ إخْبَارَ الْمُخْبِرِ لِلطَّعْنِ لَا لِإِثْبَاتِ الْفِسْقِ كَمَا قَالَهُ وَقَالَ فِي الدُّرَرِ بَعْدَ نَقْلِهِ كَلَامَ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ أَقُولُ: تَحْقِيقُهُ أَنَّ جَرْحَ الشَّاهِدِ قَبْلَ التَّعْدِيلِ دَفْعٌ لِلشَّهَادَةِ قَبْلَ ثُبُوتِهَا وَهِيَ مِنْ بَابِ الدِّيَانَاتِ وَلِهَذَا قُبِلَ فِيهِ خَبَرُ الْوَاحِدِ وَبَعْدَ التَّعْدِيلِ دَفْعٌ لِلشَّهَادَةِ بَعْدَ ثُبُوتِهَا حَتَّى وَجَبَ عَلَى الْقَاضِي الْعَمَلُ بِهَا إنْ لَمْ يُوجَدْ الْجُرْحُ الْمُعْتَبَرُ وَمِنْ الْقَوَاعِدِ الْمُقَرَّرَةِ أَنَّ الدَّفْعَ أَسْهَلُ مِنْ الرَّفْعِ وَهُوَ السِّرُّ فِي كَوْنِ الْجَرْحِ الْمُجَرَّدِ مَقْبُولًا قَبْلَ التَّعْدِيلِ وَلَوْ مِنْ وَاحِدٍ وَغَيْرَ مَقْبُولٍ بَعْدَهُ بَلْ يَحْتَاجُ إلَى نِصَابِ الشَّهَادَةِ وَإِثْبَاتِ حَقِّ الشَّرْعِ أَوْ الْعَبْدِ فَاضْمَحَلَّ بِهَذَا التَّحْقِيقِ مَا اعْتَرَضَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْمُتَصَلَّفِينَ بِلَا شُعُورٍ عَلَى مُرَادِ الْقَائِلِ وَمَعَ ذَلِكَ ذَاهِلٌ عَنْ الْقَوَاعِدِ وَغَافِلٌ حَيْثُ قَالَ أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ إذْ الْفَرْضُ أَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الشَّهَادَةِ لَا تُعْتَبَرُ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ تَعْدِيلِ الشُّهُودِ أَوْ بَعْدَهُ فَلَا حَاجَةَ إلَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ الصُّورَةِ الْمُقَيَّدَةِ اهـ. وَالْمُرَادُ بِالصُّورَةِ الْمُقَيَّدَةِ قَوْلُهُ إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْعَدَالَةِ وَفِي الْعَزْمِيَّةِ وَقَدْ يُقَالُ إنَّمَا لَا تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْجَرْحِ الْمُجَرَّدِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ وَالْبَيِّنَةُ إنَّمَا تُقْبَلُ عَلَى مَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ وَفِي وُسْعِ الْقَاضِي إلْزَامُهُ وَهَذَا لَا يَخْتَلِفُ بِكَوْنِهِ قَبْلَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْعَدَالَةِ وَكَوْنُهُ بَعْدَهَا وَبِالْجُمْلَةِ يَنْبَغِي أَنْ يُطَالِبَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 99 إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْعَدَالَةِ أَمَّا إذَا لَمْ يُقِمْ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهَا فَأَخْبَرَ مُخْبِرٌ أَنَّ الشُّهُودَ فُسَّاقٌ أَوْ أَكَلُوا الرِّبَا فَإِنَّ الْحُكْمَ لَا يَجُوزُ قَبْلَ ثُبُوتِ الْعَدَالَةِ لَا سِيَّمَا إذَا أَخْبَرَ مُخْبِرَانِ أَنَّ الشُّهُودَ فُسَّاقٌ. الثَّانِي أَنَّ التَّفْصِيلَ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا ادَّعَاهُ الْخَصْمُ وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ جَهْرًا أَمَّا إذَا أَخْبَرَ الْقَاضِي بِهِ سِرًّا وَكَانَ مُجَرَّدًا طَلَبَ مِنْهُ الْبُرْهَانَ عَلَيْهِ فَإِذَا بَرْهَنَ عَلَيْهِ سِرًّا أَبْطَلَ الشَّهَادَةَ لِتَعَارُضِ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ عِنْدَهُ فَيُقَدَّمُ الْجَرْحُ فَإِذَا قَالَ الْخَصْمُ لِلْقَاضِي سِرًّا أَنَّ الشَّاهِدَ أَكَلَ الرِّبَا وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ رَدَّ شَهَادَتَهُ كَمَا أَفَادَ فِي الْكَافِي كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الْخَصْمَ لَا يَضُرُّهُ الْإِعْلَانُ بِالْجَرْحِ الْمُجَرَّدِ وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ الْإِخْبَارُ سِرًّا فِي الشَّاهِدِ وَفِي الْخَانِيَّةِ يُمْكِنُ دَفْعُ الضَّرُورَةِ مِنْ غَيْرِ هَتْكِ السِّتْرِ بِأَنْ يَقُولَ شَاهِدُ الْجَرْحِ ذَلِكَ لِلْمُدَّعِي سِرًّا أَوْ يَقُولَ لِلْقَاضِي فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْحُكْمِ فَلَا يُبَاحُ إظْهَارُ الْفَاحِشَةِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ اهـ. الثَّالِثُ: أَنَّ قَوْلَهُمْ إذَا تَضَمَّنَ حَقًّا مِنْ حُقُوقِ الشَّرْعِ لَمْ يَكُنْ مُجَرَّدًا شَامِلٌ لِمَا إذَا تَضَمَّنَ التَّعْزِيرُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى فَعَلَى هَذَا لَوْ بَرْهَنَ أَنَّ الشَّاهِدَ خَلَى بِأَجْنَبِيَّةٍ تُقْبَلُ لِتَضَمُّنِهِ إثْبَاتَ التَّعْزِيرِ لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مُرَادَهُمْ مِنْ الْحَقِّ الْحَدُّ فَلَا يَدْخُلُ التَّعْزِيرُ لِقَوْلِهِمْ وَلَيْسَ فِي وُسْعِ الْقَاضِي إلْزَامُهُ؛ لِأَنَّهُ يَدْفَعُهُ بِالتَّوْبَةِ؛ لِأَنَّ التَّعْزِيرَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ بِخِلَافِ الْحُدُودِ لَا تَسْقُطُ بِهَا فَوَضَحَ الْفَرْقُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُمْ مَثَّلُوا لِلْمُجَرَّدِ بِآكِلِ الرِّبَا مَعَ أَنَّهُ يُوجِبُ التَّعْزِيرَ وَبِإِقْرَارِهِمْ بِالزُّورِ مَعَ أَنَّهُ يُوجِبُ التَّعْزِيرَ فَتَعَيَّنَ إرَادَةُ الْحُدُودِ فَقَطْ الرَّابِعُ أَنَّهُمْ جَعَلُوا مِنْ الْمُجَرَّدِ هُمْ زُنَاةٌ شَرَبَةُ الْخَمْرِ وَمِنْ غَيْرِهِ أَنَّهُمْ زَنَوْا أَوْ شَرِبُوا الْخَمْرَ فَيَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا فَقَالَ الشَّارِحُ يُحْمَلُ الْأَوَّلُ عَلَى مَا إذَا تَقَادَمَ الْعَهْدُ وَالثَّانِي عَلَى مَا إذَا لَمْ يَتَقَادَمْ وَإِلَّا فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا الْخَامِسُ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْجَرْحِ مَا إذَا بَرْهَنَ عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعِي بِفِسْقِهِمْ أَوْ أَنَّهُمْ أُجَرَاءُ أَوْ لَمْ يَحْضُرُوا الْوَاقِعَةَ أَوْ عَلَى أَنَّهُمْ مَحْدُودُونَ فِي قَذْفٍ أَوْ عَلَى رِقِّ الشَّاهِدِ أَوْ عَلَى شَرِكَةِ الشَّاهِدِ فِي الْعَيْنِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَلِذَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ لِلْخَصْمِ أَنْ يَطْعَنَ بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ أَنْ يَقُولَ هُمَا عَبْدَانِ أَوْ مَحْدُودَانِ فِي قَذْفٍ أَوْ شَرِيكَانِ فَإِذَا قَالَ هُمَا عَبْدَانِ يُقَالُ لِلشَّاهِدَيْنِ أَقِيمَا الْبَيِّنَةَ عَلَى الْحُرِّيَّةِ وَفِي الْآخَرَيْنِ يُقَالُ لِلْخَصْمِ أَقِمْ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُمَا كَذَلِكَ اهـ. فَعَلَى هَذَا الْجَرْحِ فِي الشَّاهِدِ إظْهَارُ مَا يُخِلُّ بِالْعَدَالَةِ لَا بِالشَّهَادَةِ مَعَ الْعَدَالَةِ فَإِدْخَالُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ فِي الْجَرْحِ الْمَقْبُولِ كَمَا فَعَلَ ابْنُ الْهُمَامِ مَرْدُودٌ بَلْ مِنْ بَابِ الطَّعْنِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَفِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ لَوْ بَرْهَنَ عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعِي بِفِسْقِهِمْ أَوْ بِمَا يُبْطِلُ شَهَادَتَهُمْ يُقْبَلُ وَلَيْسَ هَذَا بِجَرْحٍ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ إقْرَارِ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ اهـ. السَّادِسُ أَنَّ الْإِمَامَ الْخَصَّافَ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْمُجَرَّدِ وَغَيْرِهِ فِي الْقَبُولِ إحْيَاءً لِلْحُقُوقِ وَلَمَّا كَانَ مُخَالِفًا لِصَرِيحِ الْمَذْهَبِ حَمَلَهُ الْمَشَايِخُ عَلَى مَا إذَا بَرْهَنَ عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعَى بِهِ أَوْ عَلَى التَّزْكِيَةِ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَمَعْنَى قَوْلِهِمْ أَوْ عَلَى التَّزْكِيَةِ بِأَنْ يُجْعَلَ كَشَاهِدٍ زَكَّاهُ نَفَرٌ وَجَرَحَهُ نَفَرٌ وَرَدَّهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنْ تَقَدَّمَ رَدُّهُ يَعْنِي لَا ضَرُورَةَ إلَى   [منحة الخالق] صَدْرَ الشَّرِيعَةِ فِيمَا ادَّعَاهُ بِالنَّقْلِ فَلْيُتَدَبَّرْ. اهـ. وَفِي شَرْحِ الْقُهُسْتَانِيِّ وَفِيهِ أَيْ فِي كَلَامِ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ أَنَّ مُرَادَ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَلْتَفِتُ إلَى هَذِهِ الشَّهَادَةِ وَلَكِنْ يَسْأَلُ عَنْ شُهُودِ الْمُدَّعِي سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَإِذَا ثَبَتَ عَدَالَتُهُمْ تُقْبَلُ كَمَا فِي الْمُضْمَرَاتِ. اهـ. أَقُولُ: وَأَنْتَ إذَا حَقَّقْت النَّظَرَ يَظْهَرُ لَك عَدَمُ الْمُخَالَفَةِ بَيْنَ كَلَامِهِمْ جَمِيعًا فَكَلَامُ السِّرَاجِ مُحْتَمِلٌ لِقَبُولِهَا عَلَى الْمُجَرَّدِ قَبْلَ التَّعْدِيلِ نَعَمْ ظَاهِرُهُ عَدَمُ الْقَبُولِ وَالْمُرَادُ بِهِ أَنَّهَا لَا تُثْبِتُ أَمْرًا يُسْقِطُهُمْ عَنْ حَيِّزِ الْقَبُولِ أَمَّا ثُبُوتُ الطَّعْنِ بِهَا وَعَدَمُ الْحُكْمِ بِشَهَادَةِ الْمَجْرُوحِينَ مَا لَمْ يَعْدِلُوا فَلَا كَلَامَ فِيهِ وَهَذَا مَا قَالَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ وَهُوَ مَا حَقَّقَهُ مُلَّا خُسْرو أَيْضًا مِنْ أَنَّهَا أَفَادَتْ الدَّفْعَ أَيْ عَدَمَ الْعَمَلِ بِتِلْكَ قَبْلَ التَّعْدِيلِ وَلِذَا اسْتَوْضَحَ عَلَيْهِ بِقَبُولِ خَبَرِ الْوَاحِدِ وَحَاصِلُهُ تَسْلِيمُ إفَادَتِهَا مُجَرَّدِ الطَّعْنِ لَا إثْبَاتَ فِسْقِ الشَّاهِدَيْنِ الرَّافِعَ لِلْقَبُولِ مَا لَمْ تَمْضِ مُدَّةٌ يَظْهَرُ فِيهَا حُسْنُ حَالِهِمَا وَيَعْدِلُوا بَعْدَهَا وَهَذَا أَيْضًا مَعْنَى قَوْلِ الْقُهُسْتَانِيِّ لَا يَلْتَفِتُ إلَى هَذِهِ الشَّهَادَةِ أَيْ لَا يَثْبُتُ بِهَا فِسْقُهُمْ فَتَدَبَّرْهُ (قَوْلُهُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الْخَصْمَ لَا يَضُرُّهُ الْإِعْلَامُ بِالْجَرْحِ الْمُجَرَّدِ) ؛ لِأَنَّ فِسْقَهُ بِإِعْلَانِ الْفَاحِشَةِ لَا يُسْقِطُ حَقَّهُ بِخِلَافِ فِسْقِ الشُّهُودِ يُسْقِطُ شَهَادَتَهُمْ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ فَيَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا فَقَالَ الشَّارِحُ إلَخْ) نُقِلَ عَنْ الْمَقْدِسِيَّ أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُفَرَّقَ بِمَا هُوَ أَظْهَرُ مِنْ هَذَا بِأَنَّ قَوْلَهُمْ شَرَبَةُ أَوْ زُنَاةٌ أَوْ أَكَلَةُ رِبَا اسْمُ فَاعِلٍ وَهُوَ قَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى الِاسْتِقْبَالِ فَلَا يَقْطَعُ بِوَصْفِهِمْ بِمَا ذُكِرَ بِخِلَافِ الْمَاضِي مِثْلَ قَوْلِهِمْ شَرِبُوا أَوْ زَنَوْا اهـ. وَهَذَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ تَخْصِيصِهِمْ فِي التَّمْثِيلِ لِلْأَوَّلِ بِاسْمِ الْفَاعِلِ وَلِلثَّانِي بِالْمَاضِي فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ هُوَ الْمُرَادُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَالْمُرَادُ بِتَقَادُمِ الْعَهْدِ بِأَنْ زَالَتْ الرِّيحُ فِي الْخَمْرِ وَمَضَى شَهْرٌ فِي الْبَاقِي وَبِعَدَمِ تَقَادُمِهِ عَدَمُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَرَدَّهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنْ تَقَدَّمَ رَدُّهُ) لَعَلَّهُ بِأَنَّهُ فَسَقَطَ الضَّمِيرُ الْمَنْصُوبُ مِنْ الْكَاتِبِ وَعِبَارَةِ الْفَتْحِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي هَذَا مَا يَمْنَعُهُ وَاَلَّذِي قَدَّمَهُ هُوَ قَوْلُهُ فِي جَوَابِ إيرَادٍ قَبْلَهُ حَيْثُ قَالَ وَأَوْرَدَ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ تُقْبَلَ هَذِهِ الشَّهَادَةُ بِجَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ وُجُوهِ الْفِسْقِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ أَنْ يُجْعَلُوا مُزَكِّينَ لِشُهُودِ الْمُدَّعِي فَيُخْبِرُونَ بِالْوَاقِعِ مِنْ الْجَرْحِ فَيُعَارِضُ تَعْدِيلَهُمْ وَإِذَا تَعَارَضَ الْجَرْحُ وَالتَّعْدِيلُ قُدِّمَ الْجَرْحُ أُجِيبُ بِأَنَّ الْمُعَدِّلَ فِي زَمَانِنَا يُخْبِرُ الْقَاضِيَ سِرًّا تَفَادِيًا مِنْ إشَاعَةِ الْفَاحِشَةِ وَالتَّعَادِي اهـ. وَفِي الْحَوَاشِي الْيَعْقُوبِيَّةِ بَعْدَ نَقْلِهِ ذَلِكَ وَيُعْلَمُ مِنْ هَذَا أَنَّ قَوْلَ بَعْضِ شُرَّاحِ الْوِقَايَةِ قُلْت إذَا كَانَ يُقْبَلُ جَرْحُ الْمُزَكِّي لِلشَّاهِدِ بَعْدَ تَعْدِيلِ آخَرَ إيَّاهُ فَلَيْتَ شِعْرَى لَمْ لَمْ تُقْبَلْ بَيِّنَةُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 100 إظْهَارِهِ. السَّابِعُ أَنَّ قَوْلَهُمْ لَوْ بَرْهَنَ عَلَى أَنَّ الشَّاهِدَ شَرِيكُ الْمُدَّعِي مَحْمُولٌ عَلَى الشَّرِكَةِ عَقَدَا فَمَهْمَا حَصَلَ مِنْ هَذَا الْبَاطِلِ يَكُونُ لَهُ فِيهِ مَنْفَعَةٌ لَا أَنْ يُرَادَ أَنَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُدَّعَى بِهِ وَإِلَّا كَانَ إقْرَارًا بِأَنَّ الْمُدَّعَى بِهِ لَهُمَا. الثَّامِنُ لَوْ طَعَنَ الْخَصْمُ بِأَنَّهُ ابْنُ الْمُدَّعِي أَوْ أَبُوهُ أَوْ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ أَوْ مَمْلُوكُهُ تُقْبَلُ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الطَّعْنَ بِمَا لَا يَكُونُ فِسْقًا بَلْ رَدُّ الشَّهَادَةِ لِلتُّهْمَةِ مَقْبُولٌ وَمِنْهُ مَا إذَا بَرْهَنَ أَنَّ الشَّاهِدَ كَانَ وَكِيلًا عَنْ الْمُدَّعِي وَخَاصَمَ كَمَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَعَلَى هَذَا لَوْ بَرْهَنَ أَنَّ الشَّاهِدَ عَدُوُّهُ بِسَبَبِ الدُّنْيَا تُقْبَلُ إذَا قُلْنَا أَنَّ الْمَنْعَ مِنْ شَهَادَتِهِ عَلَيْهِ لِلتُّهْمَةِ وَإِنْ قُلْنَا لِلْفِسْقِ لَا تُقْبَلُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الطَّعْنُ بِمَا يُخِلُّ بِالْمُرُوءَةِ مِمَّا لَمْ يَكُنْ فِسْقًا مَقْبُولٌ. التَّاسِعُ أَنَّ الْجَرْحَ الْمُجَرَّدَ إذَا تَضَمَّنَ دَفْعَ ضَرَرٍ عَامٍّ يُقْبَلُ وَلِذَا قَالَ فِي الْمِعْرَاجِ فَإِنْ قِيلَ أَلَيْسَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «اُذْكُرُوا الْفَاسِقَ بِمَا فِيهِ» قُلْنَا هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ ضَرَرُهُ يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهِ وَلَا يُمْكِنُ دَفْعُ الضَّرَرِ عَنْهُ إلَّا بَعْدَ الْإِعْلَامِ اهـ. وَعَلَى هَذَا يَجُوزُ إثْبَاتُ فِسْقِ رَجُلٍ عِنْدَ الْقَاضِي إذَا كَانَ ضَرَرُهُ عَامًّا كَرَجُلٍ يُؤْذِي الْمُسْلِمِينَ بِيَدِهِ وَلِسَانِهِ لِيَمْنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ وَيُخْرِجَهُ عَنْ الْبَلَدِ وَفِي كَرَاهِيَةِ الظَّهِيرِيَّةِ رَجُلٌ يُصَلِّي وَيَضُرُّ النَّاسَ بِيَدِهِ وَلِسَانِهِ فَلَا بَأْسَ بِإِعْلَامِ السُّلْطَانِ بِهِ لِيَزْجُرَهُ اهـ. وَقَدْ وَقَعَتْ حَادِثَةٌ بِالْقَاهِرَةِ أَنَّ ثَلَاثَ إخْوَةٍ بِبُولَاقَ شَهِدَ جَمْعٌ كَثِيرٌ عَلَيْهِمْ بِأَنْوَاعٍ مِنْ الْفِسْقِ وَإِيذَاءِ النَّاسِ وَالتَّزْوِيرِ فَأَفْتَيْت بِقَبُولِ الشَّهَادَةِ لِيَزْجُرَهُمْ الْحَاكِمُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ الْعَامِّ فَزَجَرَهُمْ وَكَانَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ الْعَاشِرُ مِنْ الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ فَصْلِ التَّحْلِيفِ طَعْنُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي الشَّاهِدِ بِأَنَّهُ كَانَ ادَّعَاهَا لِنَفْسِهِ وَرَامَ تَحْلِيفَهُ لَا يَحْلِفُ وَإِنْ بَرْهَنَ تُقْبَلُ اهـ. فَعَلَى هَذَا كُلُّ طَعْنٍ يُقْبَلُ عِنْدَ الْبُرْهَانِ لَا تَحْلِيفَ عَلَيْهِ عِنْدَ عَدَمِهِ عَلَى الشَّاهِدِ وَعَلَى الْمُدَّعِي وَهَلْ يُقْبَلُ إقْرَارُ الشَّاهِدِ بِهِ وَيَصِيرُ كَالْبُرْهَانِ لَمْ أَرَهُ وَيَنْبَغِي الْقَبُولُ وَلِذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ لَوْ بَرْهَنَ عَلَى إقْرَارِ الشُّهُودِ أَنَّهُمْ لَمْ يَحْضُرُوا الْمَجْلِسَ الَّذِي كَانَ فِيهِ الْحَقُّ تُقْبَلُ اهـ. وَلَا يُعَارِضُهُ قَوْلُهُ لَوْ بَرْهَنَ عَلَى إقْرَارِ الشُّهُودِ أَنَّهُمْ شَهِدُوا بِالزُّورِ أَوْ أَنَّهُمْ أُجَرَاءُ فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ أَوْ أَنَّ الْمُدَّعِيَ مُبْطِلٌ فِي هَذِهِ الدَّعْوَى أَوْ أَنَّهُمْ لَا شَهَادَةَ لَهُمْ فَإِنَّهَا لَا تُقْبَلُ وَقَدَّمْنَاهُ الْحَادِيَ عَشَرَ أَنَّا قَدَّمْنَا أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذَا ادَّعَى أَنَّهُ دَفَعَ لَهُمْ مَالًا لِئَلَّا يَشْهَدُوا عَلَيْهِ بِهَذَا الْبَاطِلِ وَطَلَبَ اسْتِرْدَادَهُ أَوْ ادَّعَى أَنَّ الْمُدَّعِيَ دَفَعَ لَهُ مِنْ مَالِي كَذَا لِيَشْهَدُوا عَلَيْهِ وَطَلَبَ رَدَّهُ وَبَرْهَنَ تُقْبَلُ فَقُلْت وَكَذَا إذَا ادَّعَى أَجْنَبِيٌّ أَنَّهُ دَفَعَ لَهُمْ كَذَا لِئَلَّا يَشْهَدُوا عَلَى فُلَانٍ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ وَطَلَبَ رَدَّهُ وَثَبَتَ إمَّا بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ أَوْ نُكُولٍ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ بِهِ فِسْقُ الشَّاهِدِ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَقَيَّدَ بِدَفْعِ الْمَالِ وَمَفْهُومُهُ لَوْ ادَّعَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُمْ لِئَلَّا يَشْهَدُوا عَلَيْهِ وَلَمْ يَدَّعِ دَفْعَ الْمَالِ فَأَقَرُّوا لَمْ تَسْقُطْ الْعَدَالَةُ وَبِهِ صَرَّحَ الشَّارِحُونَ الثَّانِي عَشَرَ أَنَّ الطَّعْنَ بِرِقِّهِمَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى دَعْوَى سَيِّدِهِمَا وَأَنَّ إثْبَاتَهُ لَا يَنْحَصِرُ فِي الشَّهَادَةِ بَلْ إذَا أَخْبَرَ الْقَاضِي بِرِقِّهِمَا أَسْقَطَ شَهَادَتَهُمَا وَالْأَحْسَنُ أَنْ يَكُونَ بِالشَّهَادَةِ وَإِذَا سَأَلَهُمَا الْقَاضِي فَقَالَا أَعْتَقَنَا سَيِّدُنَا وَبَرْهَنَا ثَبَتَ عِتْقُ السَّيِّدِ فِي غَيْبَتِهِ فَإِذَا حَضَرَ لَا يُلْتَفَتُ إلَى إنْكَارِهِ كَمَا فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ، وَأَمَّا الْجَرْحُ بِأَنَّهُ قَاذِفٌ فَإِنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى دَعْوَى الْمَقْذُوفِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. (قَوْلُهُ وَمَنْ شَهِدَ وَلَمْ يَبْرَحْ حَتَّى قَالَ أَوْهَمْت بَعْضَ شَهَادَتِي تُقْبَلُ لَوْ كَانَ عَدْلًا) لِأَنَّهُ قَدْ يُبْتَلَى بِالْغَلَطِ لِمَهَابَةِ مَجْلِسِ الْقَاضِي فَوَضَحَ الْعُذْرُ فَيُقْبَلُ إذَا تَدَارَكَهُ فِي أَوَانِهِ وَهُوَ عَدْلٌ أَيْ ثَابِتُ الْعَدَالَةِ عِنْدَ الْقَاضِي أَوْ لَا وَسَأَلَ عَنْهُ فَعُدِّلَ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ يَعْنِي هُوَ احْتِرَازٌ عَنْ الْمَسْتُورِ لَا عَنْ الْفَاسِقِ لِأَنَّ الْفَاسِقَ لَا شَهَادَةَ لَهُ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ وَلَمْ يَبْرَحْ أَيْ لَمْ يُفَارِقْ مَكَانَهُ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَامَ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ ذَلِكَ لِجَوَازِ أَنَّهُ غَرَّهُ الْخَصْمُ بِالدُّنْيَا وَتَرَكَ الْمُؤَلِّفُ قَيْدًا مَذْكُورًا فِي الْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ هُوَ إذَا لَمْ يُكَذِّبْهُ الْمَشْهُودُ لَهُ وَجَعَلَ فِيهِ إطَالَةَ الْمَجْلِسِ كَالْقِيَامِ عَنْهُ وَهُوَ رِوَايَةُ هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدٍ وَقَيَّدَ جَوَابَ الْمَسْأَلَةِ بِأَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْقَضَاءِ أَمَّا بَعْدُ فَإِنْ قَالُوا بَعْدَ الْقَضَاءِ بِالدَّارِ لَا نَدْرِي لِمَنْ الْبِنَاءُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ لِلشَّكِّ وَإِنْ قَالُوا لَيْسَ   [منحة الخالق] عَلَى الْجَرْحِ الْمُجَرَّدِ لَيْسَ بِشَيْءٍ كَمَا لَا يَخْفَى فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ. أَيْ؛ لِأَنَّ الْمُزَكِّيَ لَمْ يَفْسُقْ بِإِظْهَارِ الْفَاحِشَةِ؛ لِأَنَّهُ يُزَكِّي سِرًّا بِخِلَافِ الشَّاهِدِ فَإِنَّهُ إذَا أَظْهَرهَا فَسَقَ فَلَا يُقْبَلُ جَرْحُهُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ مَحْمُولٌ عَلَى الشَّرِكَةِ عَقْدًا فَمَهْمَا حَصَلَ مِنْ هَذَا الْبَاطِلِ إلَخْ) أَيْ مِنْ هَذَا الْمَالِ الْبَاطِلِ الْمُدَّعَى بِهِ ثُمَّ إنَّ قَوْلَهُ عَقْدًا يَشْمَلُ الْعَنَانَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهَا أَنْ يَكُونَ لَهُ فِيهِ مَنْفَعَةٌ ثُمَّ رَأَيْت فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ قَالَ أَنَّهُ شَرِيكٌ مُفَاوِضٌ إلَى آخِرِ الْعِبَارَةِ وَهُوَ الصَّوَابُ وَقَوْلُهُ لَا أَنْ يُرَادَ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ إلَّا أَنْ يُرَادَ وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (قَوْلُهُ رَجُلٌ يُصَلِّي وَيَضُرُّ النَّاسَ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ هَذَا لَا يُفِيدُ إثْبَاتَ الْفِسْقِ الْمُجَرَّدِ عَلَى طَرِيقِ الشَّهَادَةِ الشَّرْعِيَّةِ بَلْ يُفِيدُ جَوَازَ إعْلَامِ السُّلْطَانِ بِهِ لِيَزْجُرَهُ وَيَمْنَعَهُ وَمِنْ ثَمَّ أَجَابَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَبُو السُّعُودِ الْعِمَادِيُّ مُفْتِي الدِّيَارِ الرُّومِيَّةِ لَمَّا سُئِلَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ إذَا صَحِبَ مَنْ لَهُ أَمْرٌ وَنَهْيٌ مِنْ الْقُضَاةِ وَالْوُلَاةِ وَغَيْرِهِمْ يَتَطَاوَلُ عَلَى بَعْضِ النَّاسِ بِالسَّبِّ وَالشَّتْمِ وَأَخْذِ الْمَالِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَلَا يَزَالُ الْمُسْلِمُونَ يَتَضَرَّرُونَ بِذَلِكَ مِنْهُ فَمَاذَا يَلْزَمُهُ أَجَابَ هَذِهِ الصُّورَةُ لَيْسَتْ مِنْ بَابِ الشَّهَادَةِ الشَّرْعِيَّةِ وَلَكِنْ إنْ كَانَ ذَلِكَ مُتَوَاتِرًا عِنْدَ هُمْ لَا بُدَّ مِنْ تَعْزِيرٍ بِالضَّرْبِ الْمُبَرِّحِ ثُمَّ حَبْسُهُ إلَى أَنْ تَظْهَرَ مِنْهُ التَّوْبَةُ وَصَلَاحُ الْحَالِ اهـ. كَلَامُهُ ذَكَرَهُ الْغَزِّيِّ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 101 الْبِنَاءُ لَهُ ضَمِنُوا قِيمَتَهُ وَسَيَأْتِي إيضَاحُهُ أَيْضًا. وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُؤَلِّفُ مَعْنَى الْقَبُولِ لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ فَفِيهِ يَقْضِي بِجَمِيعِ مَا شَهِدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ حَقًّا لِلْمُدَّعِي فَلَا يَبْطُلُ بِقَوْلِهِ أَوْهَمْت وَاخْتَارَهُ فِي الْهِدَايَةِ لِقَوْلِهِ فِي جَوَابِ الْمَسْأَلَةِ جَازَتْ شَهَادَتُهُ وَقِيلَ يَقْضِي بِمَا بَقِيَ إنْ تَدَارَكَ بِنُقْصَانٍ وَإِنْ بِزِيَادَةٍ يَقْضِي بِهَا إنْ ادَّعَاهَا الْمُدَّعِي لِأَنَّ مَا حَدَثَ بَعْدَهَا قَبْلَ الْقَضَاءِ يُجْعَلُ كَحُدُوثِهِ عِنْدَهَا وَإِلَيْهِ مَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ قَاضِي خَانْ وَعَزَاهُ إلَى الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَعَلَى هَذَا مَعْنَى الْقَبُولِ الْعَمَلُ بِقَوْلِهِ الثَّانِي فَعَلَى الْأَوَّلِ يُقْرَأُ الْمَتْنُ بِالتَّاءِ تُقْبَلُ أَيْ الشَّهَادَةُ وَعَلَى الثَّانِي بِالْيَاءِ أَيْ يَقْبَلُ بِقَوْلِهِ أَوْهَمْت وَقَيَّدَ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي تَبَعًا لِلْهِدَايَةِ بِأَنْ يَكُونَ مَوْضِعَ شُبْهَةٍ كَالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ فِي قَدْرِ الْمَالِ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فَلَا بَأْسَ بِإِعَادَةِ الْكَلَامِ مِثْلَ أَنْ يَدَعَ لَفْظَ الشَّهَادَةِ وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهُ وَإِنْ قَامَ عَنْ الْمَجْلِسِ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ الْقَبُولُ فِي غَيْرِ الْمَجْلِسِ فِي الْكُلِّ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ وَعَلَى هَذَا لَوْ وَقَعَ الْغَلَطُ فِي ذِكْرِ بَعْضِ الْحُدُودِ أَوْ فِي بَعْضِ النَّسَبِ ثُمَّ تَذَكَّرَ ذَلِكَ تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُبْتَلَى بِهِ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي اهـ. وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ قَبْلَ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الشَّهَادَةِ وَبَيَانَ اسْمِ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَالْإِشَارَةَ إلَيْهَا شَرْطُ الْقَضَاءِ وَأَطْلَقَ الْمُؤَلِّفُ الْقَبُولَ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ بَعْدَ الْقَضَاءِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَلَا يَضْمَنُ إذَا رَجَعَ بَعْدَ الْقَضَاءِ جَزَمَا كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ أَوْهَمْت أَخْطَأْت بِنِسْيَانِ مَا كَانَ يَحِقُّ عَلَيَّ ذِكْرُهُ أَوْ بِزِيَادَةٍ كَانَتْ بَاطِلَةً كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَفِي الْمِصْبَاحِ أَوْهَمَ مِنْ الْحِسَابِ مِائَةً مِثْلَ أَسْقَطَ وَزْنًا وَمَعْنًى وَأَوْهَمَ مِنْ صَلَاتِهِ رَكْعَةً تَرَكَهَا اهـ. وَقَوْلُ الشَّاهِدِ شَكَكْت أَوْ غَلِطْت أَوْ نَسِيت مِثْلَ أَوْهَمْت كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَلَوْ غَلِطُوا فِي جَدٍّ أَوْ جَدَّيْنِ ثُمَّ تَدَارَكُوا فِي الْمَجْلِسِ أَوْ غَيْرِهِ يُقْبَلُ عِنْدَ إمْكَانِ التَّوْفِيقِ بِأَنْ يَقُولُوا كَانَ اسْمُهُ فُلَانًا ثُمَّ صَارَ اسْمُهُ فُلَانًا أَوْ بَاعَ فُلَانٌ وَاشْتَرَاهُ الْمَذْكُورُ اهـ. وَظَاهِرُ قَوْلِهِ بَعْضُ شَهَادَتِي يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَوْهَمْت الْحَقَّ إنَّمَا هُوَ لِفُلَانٍ آخَرَ لَا هَذَا لَمْ يُقْبَلْ وَلِذَا قَالَ فِي السِّرَاجِيَّةِ شَهِدَا أَنَّهُ سَرَقَ مِنْ هَذَا ثُمَّ قَالَا غَلِطْنَا سَرَقَ مِنْ هَذَا لَمْ يَقْضِ بِشَهَادَتِهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا أَقَرَّا بِالْغَفْلَةِ وَلَمْ يُعَلِّلْ بِأَنَّ الْحَدَّ يُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ فِي غَيْرِ السَّرِقَةِ كَذَلِكَ لِلتَّعْلِيلِ بِالْغَفْلَةِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ فَقِيلَ يَقْضِي بِجَمِيعِ مَا شَهِدَ بِهِ إلَخْ) هَذَا التَّعْبِيرُ وَكَذَا التَّعْلِيلُ لَا يَشْمَلُ مَا إذَا تَدَارَكَ بِزِيَادَةٍ لَكِنَّ عِبَارَةَ فَتْحِ الْقَدِيرِ تُفْهِمُ أَنَّهُ يَقْضِي بِالزِّيَادَةِ أَيْضًا فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَ التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ لِهَذَا الْقِيل وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِهِ بِأَنْ يَكُونَ الْمُدَّعِي يَدَّعِي الزِّيَادَةَ فَإِنَّهُ لَوْ شَهِدَ لَهُ بِأَلْفٍ وَقَالَ بَلْ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ لَا يَدْفَعُ إلَّا إنْ ادَّعَى الْأَلْفَ وَخَمْسَمِائَةٍ وَصُورَةُ الزِّيَادَةِ حِينَئِذٍ عَلَى تَقْدِيرِ الدَّعْوَى أَنْ يَدَّعِيَ أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ فَيَشْهَدُ بِأَلْفٍ ثُمَّ يَقُولُ أَوْهَمْت إنَّمَا هُوَ أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ لَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ اهـ. وَعِبَارَةُ الْعِنَايَةِ تُفِيدُ أَنَّهُ لَا يَقْضِي بِالزِّيَادَةِ فَإِنَّهُ قَالَ كَمَا إذَا شَهِدَ بِأَلْفٍ ثُمَّ قَالَ غَلِطْت بَلْ هِيَ خَمْسُمِائَةٍ أَوْ بِالْعَكْسِ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ إذَا قَالَ فِي الْمَجْلِسِ بِجَمِيعِ مَا شَهِدَ أَوَّلًا عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ وَبِمَا بَقِيَ وَزَادَ عِنْدَ آخَرِينَ (قَوْلُهُ وَاخْتَارَهُ فِي الْهِدَايَةِ لِقَوْلِهِ فِي جَوَابِ الْمَسْأَلَةِ جَازَتْ شَهَادَتُهُ) فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ جَوَازَ الشَّهَادَةِ الْأُولَى أَيْ عَدَمُ رَدِّهَا لَا يَسْتَلْزِمُ أَنْ لَا يَقْضِيَ بِمَا اسْتَدْرَكَهُ وَلِذَا قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَإِذَا جَازَتْ شَهَادَتُهُ وَلَمْ تُرَدَّ فَبِمَاذَا يَقْضِي قِيلَ بِجَمِيعِ مَا شَهِدَ بِهِ وَقِيلَ بِمَا بَقِيَ فَقَطْ إلَخْ فَجَعَلَ كَلَامَ الْهِدَايَةِ مُحْتَمِلًا لِلْقَوْلَيْنِ عَلَى أَنَّهُ فِي الْعِنَايَةِ ذَكَرَ أَنَّ فِي كَلَامِ الْهِدَايَةِ إشَارَةٌ إلَى مَا مَالَ إلَيْهِ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَامَ عَنْ الْمَجْلِسِ ثُمَّ عَادَ وَقَالَ أَوْهَمْت؛ لِأَنَّهُ يُوهِمُ الزِّيَادَةَ مِنْ الْمُدَّعِي بِتَلْبِيسٍ وَخِيَانَةٍ فَوَجَبَ الِاحْتِيَاطُ وَلِأَنَّ الْمَجْلِسَ إذَا اتَّحَدَ لَحِقَ الْمُلْحَقَ بِأَصْلِ الشَّهَادَةِ فَصَارَ كَكَلَامٍ وَاحِدٍ وَلَا كَذَلِكَ إذَا اخْتَلَفَ اهـ. فَفِي الدَّلِيلِ الثَّانِي إشَارَةٌ إلَى الْقَوْلِ الثَّانِي بَلْ قَالَ فِي السَّعْدِيَّةِ فِي الدَّلِيلِ الْأَوَّلِ أَيْضًا إشَارَةٌ إلَيْهِ يَظْهَرُ ذَلِكَ بِالتَّأَمُّلِ. وَرَجَّحَ فِي السَّعْدِيَّةِ أَيْضًا الثَّانِيَ حَيْثُ قَالَ وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي قَوْلُ الْآخَرِينَ فَإِنَّهُ عَلَى قَوْلِ بَعْضِ الْمَشَايِخِ يَكُونُ الشَّاهِدُ مُكَذَّبًا فِي قَوْلِ الثَّانِي فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تُقْبَلَ شَهَادَتُهُ مُطْلَقًا اهـ. فَتَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ فَعَلَى الْأَوَّلِ يُقْرَأُ الْمَتْنُ بِالتَّاءِ) فِيهِ أَنَّ الْقِرَاءَةَ تَابِعَةٌ لِلرَّسْمِ وَفِي حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ كَوْنُهُ بِالتَّاءِ الْفَوْقِيَّةِ أَوْ الْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ لَا يُعَيِّنُ أَحَدَهُمَا؛ لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّاهِدُ أَوَّلًا وَثَانِيًا يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَوْلٌ وَشَهَادَةٌ (قَوْلُهُ كَالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ فِي قَدْرِ الْمَالِ) أَيْ فَهَذَا يَشْرِطُ فِيهِ الْمَجْلِسَ وَعَدَمَ الْبَرَاحِ بِخِلَافِ مَا بَعْدَهُ فَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَقَيَّدَ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي إلَخْ تَقْيِيدَ الْقَبُولِ الْمُقَيَّدِ بِعَدَمِ الْبَرَاحِ (قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا) أَيْ عَلَى اعْتِبَارِ الْمَجْلِسِ فِي دَعْوَى التَّوَهُّمِ لَوْ ذَكَرَ الشَّرْقِيَّ مَكَانَ الْغَرْبِيِّ أَوْ بِالْعَكْسِ أَوْ ذَكَرَ مُحَمَّدَ بْنَ أَحْمَدَ بْنَ عُمَرَ بَدَلَ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عُمَرَ فَإِنْ تَدَارَكَهُ قَبْلَ الْبَرَاحِ عَنْ الْمَجْلِسِ قُبِلَتْ وَإِلَّا فَلَا عِنَايَةَ. (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ) عِبَارَتُهَا وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمُجَرَّدِ إذَا شَهِدَ عِنْدَ الْقَاضِي بِشَهَادَةٍ ثُمَّ زَادَ فِيهَا قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ الْقَاضِي أَوْ بَعْدَمَا قَضَى أَوْ قَالَا وَهِمْنَا وَهُمَا غَيْرُ مُتَّهَمَيْنِ قَبِلَ الْقَاضِي ذَلِكَ مِنْهُمَا ذَكَرَ النَّاطِفِيُّ فِي الْوَاقِعَاتِ وَلَوْ قَالَ الشَّاهِدُ تَعَمَّدْت وَلَمْ أَغْلَطْ ثُمَّ بَدَا لِي فَرَجَعْت كَانَ ذَلِكَ رُجُوعًا عَنْ شَهَادَتِهِ وَالْفَتْوَى عَلَى مَا ذَكَرَ فِي الْمُجَرَّدِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فَأَمَّا تَقْيِيدُ الْمُطْلَقِ وَتَعْيِينُ الْمُحْتَمَلِ يَصِحُّ مِنْ الشُّهُودِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ وَتَمَامُهُ فِيهَا فِي فَصْلِ فِيمَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِلتُّهْمَةِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَبُولِ ذَلِكَ الِاسْتِدْرَاكِ أَيْضًا فَيُؤَيِّدُ مَا رَجَّحَهُ فِي السَّعْدِيَّةِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 102 وَظَاهِرُ الْوَلْوَالِجيَّةِ أَنَّهُ لَا قَطْعَ وَلَا ضَمَانَ مَالٍ قَالَ بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ سَرَقَ مِنْ هَذَا مِائَةً ثُمَّ قَالَ غَلِطْت إنَّمَا سَرَقْت مِائَةً مِنْ هَذَا فَإِنَّهُ لَا يُقْطَعُ وَيَلْزَمُهُ الْمَالَانِ وَفِي الْخَانِيَّةِ ثَلَاثَةٌ شَهِدُوا فِي حَادِثَةٍ ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمْ قَبْلَ الْقَضَاءِ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ قَدْ كَذَبْت فِي شَهَادَتِي فَسَمِعَ الْقَاضِي ذَلِكَ الْقَوْلَ وَلَمْ يَعْلَمْ أَيَّهمْ قَالَ فَسَأَلَهُمْ الْقَاضِي فَقَالُوا كُلُّنَا عَلَى شَهَادَتِنَا قَالُوا لَا يَقْضِي الْقَاضِي بِشَهَادَتِهِمْ وَيُقِيمُهُمْ مِنْ عِنْدِهِ حَتَّى يَنْظُرُوا فِي ذَلِكَ فَإِنْ جَاءَ الْمُدَّعِي بِاثْنَيْنِ مِنْهُمْ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ الثَّانِي يَشْهَدَانِ بِذَلِكَ جَازَتْ شَهَادَتُهُمْ اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ شَهِدَا أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ دِرْهَمًا أَوْ دِرْهَمَيْنِ جَازَتْ عَلَى دِرْهَمٍ وَلَوْ كَانَ فِي يَدِهِ دِرْهَمَانِ صَغِيرٌ وَكَبِيرٌ وَأَقَرَّ بِإِحْدَاهُمَا لِرَجُلٍ ثُمَّ جَحَدَ فَشَهِدَا بِذَلِكَ جَازَتْ عَلَى الصَّغِيرِ مِنْهُمَا اسْتِحْسَانًا سَوَاءٌ أَقَرَّ بِإِحْدَاهُمَا بِغَيْرِ عَيْنِهِ أَوْ بِعَيْنِهِ ثُمَّ نَسِيَاهُ وَكَذَا الْمَكِيلُ كُلُّهُ وَالْمَوْزُونُ كُلُّهُ إذَا كَانَ صِنْفًا وَاحِدًا يَقْضِي بِالْأَوْكَسِ وَإِذَا اخْتَلَفَ النَّوْعَانِ أُبْطِلَ الْإِقْرَارُ وَكُلُّ شَيْءٍ يَضْمَنُ فِيهِ الْقِيمَةَ وَقَدْ صَارَتْ دَيْنًا فَعَلَيْهِ أَوْكَسُ الْقِيمَتَيْنِ نَحْوُ أَنْ يَشْهَدَا أَنَّهُ غَصَبَ مِنْهُ ثَوْبًا هَرَوِيًّا أَوْ مَرْوِيًّا وَأَحْرَقَهُ قَالَا سُمِّيَ لَنَا هَكَذَا أَوْ سُمِّيَ لَنَا أَحَدُهُمَا بِعَيْنِهِ فَنَسِينَاهُ اهـ. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (بَابُ الِاخْتِلَافِ فِي الشَّهَادَةِ) . قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ خَالَفْتُهُ مُخَالَفَةً وَخِلَافًا وَتَخَالَفَ الْقَوْمُ وَاخْتَلَفُوا إذَا ذَهَبَ كُلُّ وَاحِدٍ إلَى خِلَافِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْآخَرُ اهـ. وَاخْتِلَافُ الشَّهَادَةِ شَامِلٌ لِمُخَالَفَتِهَا لِلدَّعْوَى وَلِاخْتِلَافِ الشَّاهِدَيْنِ وَلِاخْتِلَافِ الطَّائِفَتَيْنِ (قَوْلُهُ الشَّهَادَةُ إنْ وَافَقَتْ الدَّعْوَى قَبِلَتْ وَإِلَّا فَلَا) لِأَنَّ تَقَدُّمَ الدَّعْوَى فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ شَرْطُ قَبُولِ الشَّهَادَةِ فَقَدْ وُجِدَتْ فِيمَا يُوَافِقُهَا وَانْعَدَمَتْ فِيمَا يُخَالِفُهَا وَالْمُرَادُ بِالْمُوَافَقَةِ الْمُطَابَقَةُ أَوْ كَوْنُ الْمَشْهُودِ بِهِ أَقَلَّ مِنْ الْمُدَّعَى بِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَأَطْلَقَ الْمُوَافَقَةَ وَلَمْ يُقَيِّدْهَا بِاللَّفْظِ وَالْمَعْنَى كَمَا فِي الْمُوَافَقَةِ بَيْنَ الشَّاهِدَيْنِ لِيُفِيدَ عَدَمَ الِاشْتِرَاطِ وَأَنَّ الْمُوَافَقَةَ مَعْنًى كَافِيَةٌ فَلَوْ ادَّعَى الْغَصْبَ أَوْ الْقَتْلَ فَشَهِدَا بِإِقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ تُقْبَلُ وَلَوْ شَهِدَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِالْغَصْبِ أَوْ الْقَتْلِ وَالْآخَرُ بِالْإِقْرَارِ بِهِ لَا تُقْبَلُ كَذَا ذَكَرَ الشَّارِحُ وَمِنْ الْمُخَالَفَةِ الْمَانِعَةِ مَا إذَا شَهِدَتْ بِأَكْثَرَ وَمِنْ فُرُوعِهَا دَارٌ فِي يَدِ رَجُلَيْنِ اقْتَسَمَاهَا وَغَابَ أَحَدُهُمَا فَادَّعَى رَجُلٌ عَلَى الْحَاضِرِ أَنَّ لَهُ نِصْفَ هَذِهِ الدَّارِ مَشَاعًا فَشَهِدُوا أَنَّ لَهُ النِّصْفَ الَّذِي فِي يَدِ الْحَاضِرِ فَهِيَ بَاطِلَةٌ لِأَنَّهَا بِأَكْثَرَ مِنْ الْمُدَّعَى بِهِ وَلَوْ ادَّعَى دَارًا وَاسْتَثْنَى طَرِيقَ الدُّخُولِ وَحُقُوقَهَا وَمَرَافِقَهَا فَشَهِدُوا أَنَّهَا لَهُ وَلَمْ يَسْتَثْنُوا شَيْئًا لَا تُقْبَلُ. وَكَذَا لَوْ اسْتَثْنَى بَيْتًا وَلَمْ يَسْتَثْنُوهُ إلَّا إذَا وَفَّقَ فَقَالَ: كُنْتُ بِعْتُ ذَلِكَ الْبَيْتَ مِنْهَا فَتُقْبَلُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَمِنْ أَمْثِلَةِ كَوْنِ الْمَشْهُودِ بِهِ أَقَلَّ مَا فِي الْخُلَاصَةِ ادَّعَى النُّقْرَةَ الْجَيِّدَةَ وَبَيَّنَ الْوَزْنَ فَشَهِدُوا عَلَى النُّقْرَةِ وَالْوَزْنِ وَلَمْ يَذْكُرَا جَيِّدَةً أَوْ رَدِيئَةً أَوْ وَسَطًا تُقْبَلُ وَيُقْضَى بِالرَّدِيءِ بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَى قَفِيزَ دَقِيقٍ مَعَ النُّخَالَةِ فَشَهِدُوا مِنْ غَيْرِ نُخَالَةٍ أَوْ مَنْخُولًا فَشَهِدُوا عَلَى غَيْرِ الْمَنْخُولِ لَا تُقْبَلُ اهـ. مَعَ أَنَّهُمْ شَهِدُوا بِأَقَلَّ فِيمَا إذَا شَهِدُوا بِهِ غَيْرَ مَنْخُولٍ وَالدَّعْوَى بِالْمَنْخُولِ بِدَلِيلِ عَكْسِهِ وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ ادَّعَى الْإِتْلَافَ وَشَهِدَا بِقَبْضِهِ تُقْبَلُ وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ قَبَضَ مِنِّي كَذَا دِرْهَمًا بِغَيْرِ حَقٍّ وَشَهِدَا أَنَّهُ قَبَضَهُ بِجِهَةِ الرِّبَا تُقْبَلُ وَلَوْ ادَّعَى الْغَصْبَ وَشَهِدَا بِقَبْضِهِ بِجِهَةِ الرِّبَا لَا تُقْبَلُ إذْ الْغَصْبُ قَبْضٌ بِلَا إذْنٍ وَالْقَبْضُ بِجِهَةِ الرِّبَا قَبْضٌ بِإِذْنٍ وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ غَصَبَ مِنْهُ وَشَهِدَا أَنَّهُ مِلْكُ الْمُدَّعِي وَفِي يَدِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ لَا تُقْبَلُ لَا عَلَى الْمِلْكِ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَقُولَا غَصَبَهُ مِنْهُ وَلَا عَلَى الْغَصْبِ لِأَنَّهُمَا شَهِدَا أَنَّهُ بِيَدِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِيَدِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ لَا مِنْ جِهَةِ الْمُدَّعِي بِأَنْ غَصَبَهُ مِنْ غَيْرِ الْمُدَّعِي لَا مِنْهُ اهـ. ثُمَّ قَالَ: ادَّعَى أَنَّهُ قَبَضَ مِنْ مَالِي كَذَا قَبْضًا مُوجِبًا لِلرَّدِّ وَشَهِدَا أَنَّهُ قَبَضَهُ وَلَمْ يَشْهَدَا أَنَّهُ قَبَضَ قَبْضًا مُوجِبًا لِلرَّدِّ تُقْبَلُ فِي أَصْلِ الْقَبْضِ فَيَجِبُ رَدُّهُ وَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَظَاهِرُ الْوَلْوَالِجيَّةِ أَنَّهُ لَا قَطْعَ وَلَا ضَمَانَ) كَذَا هُوَ ظَاهِرُ تَعْلِيلِ السِّرَاجِيَّةِ كَمَا لَا يَخْفَى. [بَاب الِاخْتِلَافِ فِي الشَّهَادَةِ] (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ الشَّهَادَةُ إنْ وَافَقَتْ الدَّعْوَى قُبِلَتْ) صَدَّرَ الْبَابَ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَعَ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الِاخْتِلَافِ فِي الشَّهَادَةِ لِكَوْنِهَا كَالدَّلِيلِ لِوُجُوبِ اتِّفَاقِ الشَّاهِدَيْنِ أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا لَوْ اخْتَلَفَا لَزِمَ اخْتِلَافُ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ لَهُ أَدْنَى بَصِيرَةٍ سَعْدِيَّةٌ (قَوْلُهُ فَقَدْ وُجِدَتْ فِيمَا يُوَافِقُهَا وَانْعَدَمَتْ فِيمَا يُخَالِفُهَا) قَالَ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ أَمَّا وُجُودُهَا عِنْدَ الْمُوَافَقَةِ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا عَدَمُهَا عِنْدَ الْمُخَالَفَةِ فَكَذَلِكَ لِظُهُورِ أَنْ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ تَقَدُّمِ الدَّعْوَى تَقَدُّمَ أَيَّةِ دَعْوَى كَانَتْ بَلْ تَقَدُّمَ دَعْوَى مَا يَشْهَدُ بِهِ الشُّهُودُ وَتَمَامُهُ فِيهَا (قَوْلُهُ وَلَوْ شَهِدَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِالْغَصْبِ أَوْ الْقَتْلِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ لط شَهِدَ بِنَحْوِ بَيْعٍ وَآخَرُ بِإِقْرَارِهِ بِهِ تُقْبَلُ لِأَنَّهُ قَوْلٌ فَلَا تُرَدُّ إلَّا إذَا كَانَتْ صِيغَةُ الْإِنْشَاءِ بِخِلَافِ صِيغَةِ الْإِخْبَارِ كَقَذْفٍ شَهِدَ بِهِ وَآخَرُ بِإِقْرَارٍ وَلَوْ شَهِدَ بِنَحْوِ غَصْبٍ وَآخَرُ بِإِقْرَارِهِ تُرَدُّ لِأَنَّهُ فِعْلٌ (قَوْلُهُ وَفِي يَدِهِ) أَيْ يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِيَدِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ لَا مِنْ جِهَةِ الْمُدَّعِي) هَذَا يَدْفَعُ تَنْظِيرَ صَاحِبِ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ فِي تَعْلِيلِ الْمَسْأَلَةِ وَقَوْلِهِ إنَّ هَذَا الِاخْتِلَافَ لَا يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ لِأَنَّهُمَا شَهِدَا بِأَقَلَّ مِمَّا ادَّعَى إذْ فِي دَعْوَى الْغَصْبِ مِنْهُ دَعْوَى أَنَّهُ بِيَدِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ مَعَ زِيَادَةِ دَعْوَى الْفِعْلِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقْبَلَ مَعَ أَنَّ عَدَمَ الْقَبُولِ فِي أَمْثَالِهِ يُفْضِي إلَى التَّضْيِيقِ وَتَضْيِيعِ كَثِيرٍ مِنْ الْحُقُوقِ وَالْحَرَجُ مَدْفُوعٌ شَرْعًا اهـ. فَتَدَبَّرْ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 103 أَقَرَّ بِقَبْضِهِ يَنْبَغِي أَنْ تُقْبَلَ قِيَاسًا عَلَى الْغَصْبِ ادَّعَى أَنَّهُ أَهْلَكَ أَقْمِشَتِي كَذَا وَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا وَشَهِدَ أَنَّهُ بَاعَ وَسَلَّمَ لِفُلَانٍ يُقْبَلُ لِأَنَّهُ إهْلَاكٌ وَلَوْ ذَكَرَا بَيْعًا لَا تَسْلِيمًا لَا يَكُونُ شَهَادَةً بِإِهْلَاكٍ ثُمَّ قَالَ: ادَّعَى شِرَاءً مِنْهُ فَشَهِدَا بِشِرَاءٍ مِنْ وَكِيلِهِ تُرَدُّ وَكَذَا لَوْ شَهِدَا أَنَّ فُلَانًا بَاعَ وَهَذَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَجَازَ بَيْعَهُ ثُمَّ قَالَ: ادَّعَى أَنَّ مَوْلَايَ أَعْتَقَنِي وَشَهِدَا أَنَّهُ حُرٌّ تُرَدُّ لِأَنَّهُ يَدَّعِي حُرِّيَّةً عَارِضَةً وَشَهِدَا بِحُرِّيَّةٍ مُطْلَقَةٍ فَيُصْرَفُ إلَى حُرِّيَّةِ الْأَصْلِ وَهِيَ زَائِدَةٌ عَلَى مَا ادَّعَاهُ وَقِيلَ: تُقْبَلُ لِأَنَّهُمَا لَمَّا شَهِدَا أَنَّهُ حُرٌّ شَهِدَا بِنَفْسِ الْحُرِّيَّةِ قَالَ: وَالْأَمَةُ لَوْ ادَّعَتْ أَنَّ فُلَانًا أَعْتَقَنِي وَشَهِدَا أَنَّهَا حُرَّةٌ تُقْبَلُ إذْ الدَّعْوَى لَيْسَتْ بِشَرْطٍ هُنَا فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي الْقِنِّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا يَنْبَغِي أَنْ يُقْبَلَ فِي الْقِنِّ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ كَمَا فِي الْأَمَةِ إذْ الدَّعْوَى لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِي الْقِنِّ عِنْدَهُمَا كَالْأَمَةِ وَلَوْ ادَّعَى حُرِّيَّةَ الْأَصْلِ وَشَهِدَا أَنَّ فُلَانًا حَرَّرَهُ قِيلَ: تُرَدُّ وَقِيلَ: تُقْبَلُ لِأَنَّهُمَا شَهِدَا بِأَقَلَّ مِمَّا ادَّعَاهُ اهـ. وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الْمُطَابَقَةَ بَيْنَ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ إنَّمَا هِيَ شَرْطٌ فِيمَا إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى فِيهِ شَرْطًا وَإِلَّا فَلَا وَلِذَا لَوْ ادَّعَتْ الطَّلَاقَ فَشَهِدَا بِالْخُلْعِ تُقْبَلُ كَمَا سَيَأْتِي. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمْ إذَا شَهِدُوا بِأَقَلَّ مِمَّا ادَّعَى تُقْبَلُ بِلَا تَوْفِيقٍ وَإِنْ كَانَ بِأَكْثَرَ لَمْ تُقْبَلْ إلَّا إذَا وُفِّقَ فَلَوْ ادَّعَى أَلْفًا فَشَهِدَا بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ فَقَالَ الْمُدَّعِي: كَانَ لِي عَلَيْهِ أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ إلَّا أَنِّي أَبْرَأْتُهُ مِنْ خَمْسِمِائَةٍ أَوْ قَالَ: اسْتَوْفَيْت مِنْهُ خَمْسَمِائَةٍ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ الشُّهُودُ تُقْبَلُ وَكَذَا فِي الْأَلْفِ وَالْأَلْفَيْنِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِ التَّوْفِيقِ بِالْبَيِّنَةِ لِأَنَّ الشَّيْءَ إنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِهِ بِالْبَيِّنَةِ إذَا كَانَ سَبَبًا لَا يَتِمُّ بِدُونِهِ وَلَا يَنْفَرِدُ بِإِثْبَاتِهِ كَمَا إذَا ادَّعَى الْمِلْكَ بِالشِّرَاءِ فَشَهِدَ الشُّهُودُ بِالْهِبَةِ فَإِنَّ ثَمَّةَ يَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِهِ بِالْبَيِّنَةِ أَمَّا الْإِبْرَاءُ فَيَتِمُّ بِهِ وَحْدَهُ وَلَوْ أَقَرَّ بِالِاسْتِيفَاءِ يَصِحُّ إقْرَارُهُ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِهِ لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ دَعْوَى التَّوْفِيقِ هُنَا اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنَّ التَّوْفِيقَ إذَا كَانَ مُمْكِنًا يُحْمَلُ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ التَّوْفِيقَ تَصْحِيحًا لِلشَّهَادَةِ وَصِيَانَةً لِكَلَامِهِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمُخَالَفَةَ بَيْنَ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ ثَابِتَةٌ صُورَةً فَإِذَا كَانَ التَّوْفِيقُ مُرَادًا تَزُولُ الْمُخَالَفَةُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ التَّوْفِيقُ مُرَادًا لَا تَزُولُ بِالشَّكِّ فَإِذَا ادَّعَى التَّوْفِيقَ ثَبَتَ التَّوْفِيقُ وَزَالَتْ الْمُخَالَفَةُ وَذَكَرَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْمَعْرُوفُ بخواهر زاده أَنَّ مُحَمَّدًا شَرَطَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ دَعْوَى التَّوْفِيقِ وَلَمْ يَشْتَرِطْ فِي الْبَعْضِ وَذَاكَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا ادَّعَى التَّوْفِيقَ أَوْ ذَاكَ جَوَابُ الْقِيَاسِ فَلَا بُدَّ مِنْ دَعْوَى التَّوْفِيقِ فَلَوْ قَالَ الْمُدَّعِي: مَا كَانَ لِي عَلَيْهِ إلَّا أَلْفُ دِرْهَمٍ فَقَطْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَلَا فَرْقَ فِي كَوْنِ الْمَشْهُودِ بِهِ أَقَلَّ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي الدَّيْنِ أَوْ فِي الْعَيْنِ فَلَوْ ادَّعَى كُلَّ الدَّارِ فَشَهِدَا بِنِصْفِهَا قُضِيَ بِالنِّصْفِ مِنْ غَيْرِ تَوْفِيقٍ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ. وَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إلَى أَنَّ الْمُدَّعِيَ إذَا أَكْذَبَ شُهُودَهُ فِي جَمِيعِ مَا شَهِدُوا بِهِ لَهُ أَوْ بَعْضِهِ بَطَلَتْ شَهَادَتُهُمْ إمَّا لِأَنَّهُ تَفْسِيقٌ لِلشَّاهِدِ أَوْ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تُقْبَلُ بِدُونِ الدَّعْوَى فَلَوْ شَهِدَ الشُّهُودُ بِدَارٍ لِرَجُلٍ فَقَالُوا: هَذَا الْبَيْتُ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ لِفُلَانٍ رَجُلٌ آخَرُ غَيْرُ الْمُدَّعِي فَقَالَ الْمُدَّعِي: لَيْسَ هُوَ لِي فَقَدْ أَكْذَبَ شُهُودَهُ وَإِنْ قَالَ هَذَا قَبْلَ الْقَضَاءِ لَا يُقْضَى لَهُ وَلَا لِفُلَانٍ بِشَيْءٍ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْقَضَاءِ فَقَالَ: هَذَا الْبَيْتُ لَمْ يَكُنْ لِي إنَّمَا هُوَ لِفُلَانٍ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: أَجَزْت إقْرَارَهُ لِفُلَانٍ وَجَعَلْت لَهُ الْبَيْتَ وَأَرُدُّ مَا بَقِيَ مِنْ الدَّارِ عَلَى الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ وَيَضْمَنُ قِيمَةَ الْبَيْتِ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَلِأَبِي يُوسُفَ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ يَضْمَنُ قِيمَةَ الْبَيْتِ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَيَكُونُ مَا بَقِيَ مِنْ الدَّارِ لِلْمَشْهُودِ لَهُ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُدَّعِيَ إذَا كَذَّبَ شُهُودَهُ إنَّمَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُمْ إذَا كَذَّبَهُمْ فِيمَا وَقَعَتْ الدَّعْوَى بِهِ أَمَّا إذَا صَدَّقَهُمْ فِيهَا وَكَذَّبَهُمْ فِي شَيْءٍ زَادُوهُ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ لَهُ فِيمَا ادَّعَاهُ إنْ لَمْ يَدَّعِهِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَعَلَى هَذَا قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: شَهِدَ الرَّجُلُ أَنَّ فُلَانًا غَصَبَ عَبْدَهُ وَلَكِنَّهُ قَدْ رَدَّهُ عَلَيْهِ بَعْدَهُ فَمَاتَ عِنْدَ مَوْلَاهُ فَقَالَ: الْمَغْصُوبُ مِنْهُ: لَمْ يَرُدَّهُ عَلَيَّ وَإِنَّمَا مَاتَ عِنْدَ الْغَاصِبِ وَقَالَ: الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ مَا غَصَبْتُهُ عَبْدًا وَلَا رَدَدْتُهُ عَلَيْهِ وَمَا كَانَ مِنْ هَذَا مِنْ شَيْءٍ قَالَ: إذَا لَمْ يَدَّعِ شَهَادَتَهُمَا ضَمَّنْتُهُ الْقِيمَةَ. وَكَذَا لَوْ شَهِدَا أَنَّهُ غَصَبَهُ عَبْدًا لَهُ فَجَاءَ مَوْلَاهُ قَتَلَهُ عِنْدَ الْغَاصِبِ فَقَالَ: الْمَغْصُوبُ مِنْهُ مَا قَتَلْتُهُ وَلَكِنَّهُ قَدْ غَصَبَهُ وَمَاتَ عِنْدَهُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمْ إذَا شَهِدُوا بِأَقَلَّ مِمَّا ادَّعَى تُقْبَلُ بِلَا تَوْفِيقٍ) اُنْظُرْ مَا سَنَذْكُرُهُ فِي شَرْحِ الْمَقُولَةِ الْآتِيَةِ عِنْدَ مَسْأَلَةِ دَعْوَى النِّتَاجِ وَتَأَمَّلْهُ (قَوْلُهُ لَيْسَ هُوَ لِي) لَعَلَّهُ لَهُ (قَوْلُهُ إنْ لَمْ يَدَّعِهِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ) يَعْنِي إنْ لَمْ يَدَّعِ الزَّائِدَ لَا مَا ادَّعَاهُ الْمُدَّعِي وَإِنْ أَوْهَمَهُ كَلَامُهُ يَظْهَرُ ذَلِكَ مِنْ التَّأَمُّلِ فِي الْمَسَائِلِ الْآتِيَةِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 104 وَقَالَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ: مَا غَصَبْتُهُ عَبْدًا وَلَا قَتَلَ هَذَا الْمُدَّعِي عَبْدًا لَهُ فِي يَدِي كَانَ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ وَكَذَا لَوْ شَهِدَا أَنَّ لِهَذَا عَلَى هَذَا أَلْفَ دِرْهَمٍ وَلَكِنَّهُ قَدْ أَبْرَأَهُ مِنْهَا وَقَالَ الْمُدَّعِي: مَا أَبْرَأْتُهُ عَنْ شَيْءٍ وَقَالَ الشُّهُودُ عَلَيْهِ: مَا كَانَ لَهُ عَلَيَّ شَيْءٌ وَلَا أَبْرَأَنِي عَنْ شَيْءٍ قَالَ: إذَا لَمْ يَدَّعِ شَهَادَتَهُمَا عَلَى الْبَرَاءَةِ قَضَيْت عَلَيْهِ بِالْأَلْفِ اهـ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُدَّعِيَ إذَا تَكَلَّمَ بِكَلَامٍ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ تَكْذِيبًا فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْقَضَاءِ لَا يُقْضَى لَهُ وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ لَمْ يَبْطُلْ إلَّا أَنْ يَكُونَ تَكْذِيبًا لِلشَّاهِدِ قَطْعًا فَلَوْ قُضِيَ لَهُ بِالدَّارِ بِالْبَيِّنَةِ فَأَقَرَّ أَنَّهَا لِرَجُلٍ غَيْرِ الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ لَا حَقَّ لِلْمُدَّعِي فِيهَا وَصَدَّقَهُ فُلَانٌ أَوْ كَذَّبَهُ لَمْ يَبْطُلْ الْقَضَاءُ لِاحْتِمَالِ النَّفْيِ مِنْ الْأَصْلِ وَاحْتِمَالِ أَنَّهُ مَلَّكَهَا إيَّاهُ بَعْدَ الْقَضَاءِ وَإِنْ كَانَ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ فَلَا يَبْطُلُ بِالشَّكِّ فَلَوْ قَالَ بَعْدَ الْقَضَاءِ: هِيَ لِفُلَانٍ لَمْ تَكُنْ لِي قَطُّ فَإِنْ بَدَأَ بِالْإِقْرَارِ وَثَنَّى بِالنَّفْيِ أَوْ عَكْسِهِ فَإِنْ صَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ فِي الْجَمِيعِ بَطَلَ الْقَضَاءُ وَيُرَدُّ عَلَى الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ وَلَا شَيْءَ لِلْمُقَرِّ لَهُ وَإِنْ كَذَّبَهُ فِي النَّفْيِ وَصَدَّقَهُ فِي الْإِقْرَارِ كَانَتْ لِلْمُقَرِّ لَهُ وَضَمِنَ الْمُقِرُّ قِيمَةَ الدَّارِ لِلْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ سَوَاءٌ بَدَأَ بِالْإِقْرَارِ أَوْ بِالنَّفْيِ كَذَا ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ قَالُوا: هَذَا إذَا بَدَأَ بِالنَّفْيِ وَثَنَّى بِالْإِقْرَارِ مَوْصُولًا أَمَّا إنْ كَانَ مَفْصُولًا لَمْ يَصِحَّ. وَتَمَامُهُ فِي الْخَانِيَّةِ بِخِلَافِ الْمُقَرِّ لَهُ إذَا قَالَ: هِيَ لِفُلَانٍ مَا كَانَ لِي قَطُّ لِأَنَّ ثَمَّةَ لَا مُنَازِعَ لِلثَّالِثِ فَيَسْلَمُ لَهُ وَهُنَا الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ يُنَازِعُهُ كَذَا فِي التَّلْخِيصِ وَفِي الْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ قُضِيَ لَهُ بِالدَّارِ بِبِنَائِهَا بِبَيِّنَةٍ ثُمَّ قَالَ: لَيْسَ الْبِنَاءُ لِي وَإِنَّمَا هُوَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَطَلَ الْقَضَاءُ لِأَنَّهُ إكْذَابٌ لِلشَّاهِدِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ: الْبِنَاءُ لَهُ فَلَيْسَ بِإِكْذَابٍ هَكَذَا فِي الْأَقْضِيَةِ وَفَرَّقَ بَيْنَ مَا إذَا ذَكَرُوا الْبِنَاءَ فِي شَهَادَتِهِمْ فَيَكُونُ إكْذَابًا أَوَّلًا فَلَا فِي شَهَادَاتِ الْأَصْلِ وَإِذَا ذَكَرُوهُ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ فَقَطْ فِي كَوْنِهِ تَكْذِيبًا وَلَوْ ادَّعَى قَدْرًا وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَقَرَّ بِقَبْضِ بَعْضِهِ فَإِنْ أَقَرَّ بِمَا يَدُلُّ عَلَى قَبْضِهِ قَبْلَ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةِ فَهُوَ تَكْذِيبٌ لِشُهُودِهِ وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ ادَّعَى أَرْبَعَمِائَةِ دِرْهَمٍ وَقُضِيَ لَهُ بِبَيِّنَةٍ ثُمَّ أَقَرَّ أَنَّ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِائَةً سَقَطَ عَنْهُ مِائَةٌ اتِّفَاقًا وَهَلْ تَسْقُطُ الثَّلَاثُمِائَةِ قَوْلَانِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ وَالْفَتْوَى عَلَى عَدَمِهِ كَمَا فِي الْمُلْتَقَطِ وَفِي الْمُحِيطِ شَهِدَا لَهُ عَلَى رَجُلٍ بِأَلْفٍ وَعَلَى آخَرَ بِمِائَةٍ فَصَدَّقَهُمْ فِي الْأَوَّلِ وَكَذَّبَهُمْ فِي الثَّانِي بَطَلَتَا وَكَذَا لَوْ شَهِدَا بِغَصْبِ ثَوْبَيْنِ فَصَدَّقَهُمَا فِي أَحَدِهِمَا وَكَذَّبَهُمَا فِي الْآخَرِ بَطَلَتْ فِيهِمَا وَلَوْ قُضِيَ لِثَلَاثَةٍ بِمِيرَاثٍ عَنْ أَبِيهِمْ ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمْ: مَا لِي فِيهِ حَقٌّ وَإِنَّمَا هُوَ لِأَخَوَيَّ كَانَ الْكُلُّ لَهُمَا فَإِنْ قَالَ: لَمْ يَكُنْ لِي فِيهِ حَقٌّ وَإِنَّمَا هُوَ لَهُمَا بَطَلَتْ حِصَّتُهُ عَنْ الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ أَوْصَى لَهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ ابْنُ الْمُوصِي وَلَمْ يُبَرْهِنْ فَلَهُ الْأَقَلُّ مِنْ الْمِيرَاثِ وَمِنْ الْأَلْفِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: الْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ وَلَا شَيْءَ لَهُ. اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ ادَّعَى الْمَدْيُونُ الْإِيفَاءَ فَشَهِدَا عَلَى إبْرَاءِ الدَّائِنِ أَوْ عَلَى أَنَّهُ حَالَّهُ تُقْبَلُ كَمَا لَوْ ادَّعَى الْغَصْبَ فَشَهِدَا بِالْإِقْرَارِ بِهِ تُقْبَلُ ادَّعَى الْكَفِيلُ بِالْأَمْرِ الْإِيفَاءَ وَشَهِدَا عَلَى الْبَرَاءَةِ تُقْبَلُ وَوَضَعَ الْمَسْأَلَةَ عَلَى الْإِيفَاءِ لِيُعْلَمَ أَنَّ الْإِيفَاءَ غَيْرُ مُقْتَصِرٍ عَلَيْهِ وَلِهَذَا لَا يَرْجِعُ الْكَفِيلُ عَلَى الْأَصِيلِ وَيَرْجِعُ الطَّالِبُ عَلَى الْأَصِيلِ كَأَنَّهُ إبْرَاءُ الْكَفِيلِ وَإِبْرَاءُ الْكَفِيلِ لَا يُوجِبُ إبْرَاءَ الْأَصِيلِ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ لِيُؤْذِنَ أَنَّ الْمَقْضِيَّ بِهِ بَرَاءَةُ الْكَفِيلِ لَا الْإِيفَاءُ وَهَذَا لِأَنَّ دَعْوَى الْكَفِيلِ تَتَضَمَّنُ الْبَرَاءَةَ مَعَ تَمَكُّنِهِ بِالرُّجُوعِ عَلَى الْأَصِيلِ وَشَاهِدَاهُ شَهِدَا عَلَى الْقَطْعِ بِبَعْضِ دَعْوَاهُ فَيُقْبَلُ فِي ذَلِكَ لَا فِي الزَّائِدِ اهـ. وَفِي السِّرَاجِيَّةِ ادَّعَى عَشَرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ فَشَهِدَا لَهُ بِمَبْلَغِ عَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ لَمْ تُقْبَلُ لِأَنَّ مَبْلَغَ هَذَا الْمَالِ مَالٌ آخَرُ شَهِدَا عَلَى دَعْوَى أَرْضٍ أَنَّهَا خَمْسَةُ مَكَايِيلَ وَأَصَابَا فِي بَيَانِ حُدُودِهَا أَوْ خَطَآ فِي الْمِقْدَارِ قَبِلَتْ اهـ. وَفِي الْعُرْفِ أَنَّ الْمَبْلَغَ هُوَ الْقَدْرُ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ: قَبَضَ مَبْلَغَ كَذَا أَيْ قَدْرَ كَذَا لَا مَالٌ آخَرُ فَيَنْبَغِي أَنْ تُقْبَلَ الشَّهَادَةُ فِي عُرْفِنَا وَفِي الْقُنْيَةِ ادَّعَى الْمَدْيُونُ الْإِيصَالَ إلَى الدَّائِنِ مُتَفَرِّقًا وَشَهِدَ شُهُودُهُ بِالْإِيصَالِ مُطْلَقًا أَوْ جُمْلَةً لَا تُقْبَلُ ادَّعَتْ عَلَى زَوْجِهَا أَنَّهُ وَكَّلَ وَكِيلًا فَطَلَّقَنِي وَشَهِدَا أَنَّهُ طَلَّقَهَا بِنَفْسِهِ يَقَعُ الطَّلَاقُ ادَّعَتْ الطَّلَاقَ فَشَهِدَا بِالْخُلْعِ تُسْمَعُ لِأَنَّ وَجْهَ التَّوْفِيقِ مُمْكِنٌ وَلَوْ ادَّعَى الْمَدْيُونُ الْإِبْرَاءَ وَشَهِدُوا أَنَّ الْمُدَّعِيَ صَالَحَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِمَالٍ مَعْلُومٍ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ إنْ كَانَ الصُّلْحُ بِجِنْسِ   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 105 الْحَقِّ لِحُصُولِ الْإِبْرَاءِ عَنْ الْبَعْضِ بِالِاسْتِيفَاءِ عَنْ الْبَعْضِ بِالْإِسْقَاطِ. وَلَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ خَمْسَةَ دَنَانِيرَ بِوَزْنِ سَمَرْقَنْدَ فَشَهِدُوا فَسَأَلَهُمْ الْقَاضِي عَنْ الْوَزْنِ فَقَالَ بِوَزْنِ مَكَّةَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ إنْ كَانَ وَزْنُ مَكَّةَ مِثْلَ وَزْنِ سَمَرْقَنْدَ أَوْ أَقَلَّ وَإِلَّا فَلَا ادَّعَتْ أَنَّهَا اشْتَرَتْ هَذِهِ الْجَارِيَةَ مِنْ زَوْجِهَا بِمَهْرِهَا وَشَهِدُوا أَنَّ زَوْجَهَا أَعْطَاهَا مَهْرَهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَجْرِيَ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا تُقْبَلُ اهـ. وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ عُلِمَ أَنَّ الْمُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِ وَإِلَّا لَا ثَلَاثَ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً وَسَيَأْتِي قَرِيبًا ثَمَانٍ أُخَرُ فِي الْإِقْرَارِ وَالْإِنْشَاءِ وَاثْنَانِ فِي الْمُقَيَّدِ بِسَبَبٍ وَالْمُطْلَقِ فَصَارَتْ ثَلَاثًا وَعِشْرِينَ فَلْيُتَأَمَّلْ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ فِي الْحَقِيقَةِ لَا اسْتِثْنَاءَ لِأَنَّ الْمُخَالَفَةَ الْمَانِعَةَ أَنْ يَكُونَ الْمَشْهُودُ بِهِ أَكْثَرَ فَفِي كُلِّ صُورَةٍ قَالُوا بِالْمَنْعِ إنَّمَا هُوَ لِكَوْنِهِ أَكْثَرَ مِنْ الْمُدَّعَى وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ قَالُوا بِالْقَبُولِ مَعَ صُورَةِ الْمُخَالَفَةِ فَإِنَّمَا هُوَ لِكَوْنِ الْمَشْهُودِ بِهِ أَقَلَّ وَكَانَ كَذَلِكَ فِي عِتْقِ الْجَارِيَةِ وَطَلَاقِ الْمَرْأَةِ يُعْرَفُ ذَلِكَ بِالتَّأَمُّلِ فِي كَلَامِهِمْ. (قَوْلُهُ ادَّعَى دَارًا إرْثًا أَوْ شِرَاءً فَشَهِدَا بِمِلْكٍ مُطْلَقٍ لَغَتْ) أَيْ لَا تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ لِأَنَّهُمَا شَهِدَا بِأَكْثَرَ مِمَّا ادَّعَاهُ الْمُدَّعِي لِأَنَّهُ ادَّعَى مِلْكًا حَادِثًا وَهُمَا شَهِدَا بِمِلْكٍ قَدِيمٍ وَهُمَا مُخْتَلِفَانِ فَإِنَّ الْمِلْكَ فِي الْمُطْلَقِ يَثْبُتُ مِنْ الْأَصْلِ حَتَّى يَسْتَحِقُّ الْمُدَّعِي بِزَوَائِدِهِ وَلَا كَذَلِكَ فِي الْمِلْكِ الْحَادِثِ وَتَرْجِعُ الْبَاعَةُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فَصَارَا غَيْرَيْنِ وَالتَّوْفِيقُ مُتَعَذِّرٌ لِأَنَّ الْحَادِثَ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ قَدِيمًا وَلَا الْقَدِيمُ حَادِثًا وَقَدْ جَعَلَ الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - دَعْوَى الْإِرْثِ كَدَعْوَى الشِّرَاءِ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ كَدَعْوَى الْمُطْلَقِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَقَيَّدَ بِالدَّارِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الدَّيْنِ لِأَنَّ فِيهِ اخْتِلَافًا. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ لَوْ ادَّعَى الدَّيْنَ بِسَبَبِ الْقَرْضِ فَشَهِدَا بِمِلْكٍ مُطْلَقٍ لَا تُقْبَلُ وَفِي الْمُحِيطِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْقَبُولِ وَعِنْدِي الْوَجْهُ الْقَبُولُ لِأَنَّ أَوَّلِيَّةَ الدَّيْنِ لَا مَعْنَى لَهُ بِخِلَافِ الْعَيْنِ وَلَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ أَلْفًا دَيْنًا فَشَهِدَا أَنَّهُ دَفَعَ إلَيْهِ أَلْفًا وَلَا نَدْرِي بِأَيِّ وَجْهٍ دَفَعَ قِيلَ: لَا تُقْبَلُ وَالْأَشْبَهُ إلَى الصَّوَابِ أَنْ تُقْبَلَ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَتَرَكَ الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - شَرْطَيْنِ فِي دَعْوَى الشِّرَاءِ: الْأَوَّلُ أَنْ يَدَّعِيَهُ مِنْ رَجُلٍ مَعْرُوفٍ بِأَنْ قَالَ: مِلْكِي اشْتَرَيْتُهُ مِنْ فُلَانٍ وَذَكَرَ شَرَائِطَ الْمَعْرِفَةِ أَمَّا إذَا قَالَ: مِلْكِي اشْتَرَيْتُهُ مِنْ رَجُلٍ أَوْ قَالَ مِنْ مُحَمَّدٍ وَالشُّهُودُ شَهِدُوا عَلَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ تُقْبَلُ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ الثَّانِي أَنْ لَا يَدَّعِيَ الْقَبْضَ مَعَ الشِّرَاءِ فَإِنْ ادَّعَاهُمَا فَشَهِدُوا عَلَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ تُقْبَلُ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَقَيَّدَ بِمَا يَكُونُ لَهُ أَسْبَابٌ مُتَعَدِّدَةٌ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا إذَا كَانَ لِلْمِلْكِ سَبَبٌ وَاحِدٌ فَشَهِدُوا بِالْمُطْلَقِ تُقْبَلُ كَمَا لَوْ ادَّعَى أَنَّهَا امْرَأَتُهُ بِسَبَبِ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا بِكَذَا فَشَهِدُوا أَنَّهَا مَنْكُوحَتُهُ وَلَمْ يَذْكُرُوا أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا تُقْبَلُ وَيُقْضَى بِمَهْرِ الْمِثْلِ إذَا كَانَ بِقَدْرِ الْمُسَمَّى أَوْ أَقَلَّ فَإِنْ زَادَ عَلَى الْمُسَمَّى لَا يُقْضَى بِالزِّيَادَةِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ إلَى أَنَّ الْمِلْكَ الْمُؤَرِّخَ أَقْوَى مِنْهُ بِلَا تَارِيخٍ فَلَوْ أَرَّخَ فِي دَعْوَى الْمِلْكِ وَأَطْلَقَ شُهُودُهُ لَا تُقْبَلُ وَفِي عَكْسِهِ الْمُخْتَارُ الْقَبُولُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَلَوْ ادَّعَى الشِّرَاءَ وَأَرَّخَهُ فَشَهِدُوا لَهُ بِلَا تَارِيخٍ تُقْبَلُ لِأَنَّهُ.   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ حَتَّى يَسْتَحِقَّ الْمُدَّعَى بِزَوَائِدِهِ) فَاعِلُ يَسْتَحِقُّ ضَمِيرُ الْمَشْهُودِ لَهُ وَالْمُدَّعَى بِالْفَتْحِ مَبْنِيٌّ لِلْمَجْهُولِ وَفِي الْخَانِيَّةِ وَالْمِلْكُ الْمُطْلَقُ يَظْهَرُ فِي حَقِّ الزَّوَائِدِ وَفِي رُجُوعِ الْبَاعَةِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ فَصَارَ كَأَنَّهُمْ شَهِدُوا لَهُ بِالزَّائِدِ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ وَأَشَارَ مُحَمَّدٌ فِي الْكِتَابِ إلَى مَعْنًى آخَرَ فَقَالَ: الْمُدَّعِي أَقَرَّ بِالْمِلْكِ لِمَنْ ادَّعَى الشِّرَاءَ مِنْهُ ثُمَّ ادَّعَى الِانْتِقَالَ إلَى نَفْسِهِ بِالشِّرَاءِ وَلَمْ يَثْبُتْ الِانْتِقَالُ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَشْهَدُوا بِالِانْتِقَالِ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ اهـ. وَبِهَذَا الْمَعْنَى الْآخَرِ ظَهَرَ وَجْهُ مَا يَأْتِي مِنْ الْقَبُولِ فِيمَا لَوْ ادَّعَى الشِّرَاءَ مِنْ مَجْهُولٍ وَشَهِدُوا بِالْمُطْلَقِ (قَوْلُهُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْبَزَّازِيَّةِ) كَذَا جَزَمَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ (قَوْلُهُ وَعِنْدِي الْوَجْهُ الْقَبُولُ إلَخْ) هُوَ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الْفَتْحِ قَالَ الرَّمْلِيُّ: قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة نَاقِلًا عَنْ الْمُحِيطِ وَلَوْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَقَالَ خَمْسُمِائَةٍ مِنْهَا ثَمَنُ عَبْدٍ اشْتَرَاهُ مِنِّي وَقَبَضَهُ وَخَمْسُمِائَةٍ مِنْهَا ثَمَنُ مَتَاعٍ اشْتَرَاهُ مِنِّي وَقَبَضَهُ وَشَهِدَ الشُّهُودُ لَهُ بِالْخَمْسِمِائَةِ مُطْلَقًا قُبِلَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى الْخَمْسِمِائَةِ فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَنْصِيصٌ عَلَى أَنَّ الْمُدَّعِيَ إذَا ادَّعَى الدَّيْنَ بِسَبَبٍ وَشَهِدَ الشُّهُودُ مُطْلَقًا أَنَّهُ تُقْبَلُ عَلَى الدَّيْنِ وَبِهِ كَانَ يُفْتِي الشَّيْخُ الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيُّ وَالْمَسْأَلَةُ مَرَّتْ مِنْ قَبْلُ اهـ. وَهُوَ مَا تَفَقَّهَ بِهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. اهـ. قُلْت وَفِي نُورِ الْعَيْنِ وَقِيلَ: تُقْبَلُ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْعَيْنِ وَالدَّيْنِ أَنَّ الْعَيْنَ تَحْتَمِلُ الزَّوَائِدَ فِي الْجُمْلَةِ وَحُكْمُ الْمُطْلَقِ أَنْ يُسْتَحَقَّ بِزَوَائِدِهِ وَالْمِلْكُ بِسَبَبٍ بِخِلَافِهِ فَيَصِيرُ بِالسَّبَبِ مُكَذِّبًا لِشُهُودِهِ بِالْمُطْلَقِ بِخِلَافِ الدَّيْنِ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الزَّوَائِدَ فَلَا إكْذَابَ فَافْتَرَقَا اهـ. وَهَكَذَا حَرَّرَهُ مُلَّا عَلِيٌّ التُّرْكُمَانِيُّ فِي مَجْمُوعَتِهِ الْكُبْرَى (قَوْلُهُ الْأَوَّلُ أَنْ يَدَّعِيَهُ مِنْ رَجُلٍ مَعْرُوفٍ إلَخْ) قَالَ فِي نُورِ الْعَيْنِ: أَمَّا لَوْ ادَّعَى مِنْ مَجْهُولٍ بِأَنْ يَقُولَ: شَرَيْتُهُ مِنْ مُحَمَّدٍ أَوْ أَحْمَدَ فَبَرْهَنَ عَلَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ يُقْبَلُ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا فِيهِ أَنَّهُ أَقَرَّ بِالْمِلْكِ لِبَائِعِهِ وَهُوَ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ أَقَرَّ لِمَجْهُولٍ وَهُوَ بَاطِلٌ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ الشِّرَاءَ فش قِيلَ: لَا يُقْبَلُ فِي الْمَجْهُولِ أَيْضًا لِأَنَّهُمْ شَهِدُوا بِأَكْثَرَ مِمَّا يَدَّعِيهِ (قَوْلُهُ الثَّانِي أَنْ لَا يَدَّعِيَ الْقَبْضَ مَعَ الشِّرَاءِ إلَى قَوْلِهِ تُقْبَلُ) قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَحَكَى فِي فُصُولِ الْعِمَادِيِّ خِلَافًا قِيلَ: تُقْبَلُ لِأَنَّ دَعْوَى الشِّرَاءِ مَعَ الْقَبْضِ دَعْوَى مُطْلَقِ الْمِلْكِ حَتَّى لَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ هَذِهِ الدَّعْوَى تَعْيِينُ الْعَبْدِ وَقِيلَ: لَا لِأَنَّ دَعْوَى الشِّرَاءِ مُعْتَبَرَةٌ فِي نَفْسِهَا لَا كَالْمُطْلَقِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُقْضَى لَهُ بِالزَّوَائِدِ فِي ذَلِكَ. (قَوْلُهُ وَلَوْ ادَّعَى الشِّرَاءَ وَأَرَّخَهُ إلَخْ) ذَكَرَهُ فِي الْخُلَاصَةِ أَيْضًا وَانْظُرْ مَا الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا قَبْلَهُ وَاَلَّذِي ظَهَرَ لِي أَنَّ الشَّهَادَةَ بِالْمِلْكِ الْمُطْلَقِ بِدُونِ تَارِيخٍ أَقْوَى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 106 أَقَلُّ وَعَلَى الْقَلْبِ لَا تُقْبَلُ وَلَوْ كَانَ لِلشِّرَاءِ شَهْرَانِ فَأَرَّخُوا شَهْرًا تُقْبَلُ وَعَلَى الْقَلْبِ لَا تُقْبَلُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ ادَّعَاهُ بِسَبَبٍ فَشَهِدَا بِسَبَبٍ آخَرَ كَأَلْفٍ مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ فَشَهِدَا بِأَلْفٍ مِنْ ثَمَنِ مَغْصُوبٍ هَالِكٍ لَا تُقْبَلُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ هَذَا إذَا اخْتَلَفَا فِيمَا هُوَ الْمَقْصُودُ فَإِنْ اتَّفَقَا فِيهِ كَدَعْوَى أَلْفٍ كَفَالَةً عَنْ فُلَانٍ فَشَهِدَا بِأَلْفٍ كَفَالَةً عَنْ آخَرَ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ أَيْضًا إلَّا إذَا قَالَ الطَّالِبُ: لَمْ يُقِرَّ كَذَلِكَ بَلْ أَقَرَّ أَنَّهَا كَفَالَةٌ حَالَّةٌ فَإِنَّهَا لَا تُقْبَلُ لِأَنَّهُ أَكْذَبَ شُهُودَهُ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَكَمَا فِي أَسْبَابِ مِلْكِ الْعَيْنِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ أَيْضًا قَالَ: وَالْمِلْكُ بِسَبَبِ الْهِبَةِ كَالْمِلْكِ بِالشِّرَاءِ وَكَذَا كُلَّمَا كَانَ عَقْدًا فَهُوَ حَادِثٌ اهـ. فَعَلَى هَذَا لَوْ ادَّعَى عَيْنًا بِسَبَبِ شِرَاءٍ فَشَهِدَ بِأَنَّهَا مِلْكُهُ بِالْهِبَةِ تُقْبَلُ وَفِيهَا أَيْضًا لَوْ وَقَعَتْ الْمُخَالَفَةُ بَيْنَ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ ثُمَّ أَعَادُوا الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةَ وَاتَّفَقُوا تُقْبَلُ اهـ. وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ تُحْمَلُ الشَّهَادَةُ عَلَى مِلْكٍ بِسَبَبٍ وَأَرَادَ أَنْ يَشْهَدَ بِالْمُطْلَقِ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَعَلَّلَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ حَقِّهِ أَيْضًا فَإِنَّهَا لَا تُقْبَلُ لَوْ ادَّعَاهُ بِسَبَبٍ. اهـ. . (قَوْلُهُ وَبِعَكْسِهِ لَا) أَيْ إذَا ادَّعَى مِلْكًا مُطْلَقًا فَشَهِدَا بِمِلْكٍ بِسَبَبٍ مُعَيَّنٍ لَا تَكُونُ لَغْوًا فَتُقْبَلُ لِأَنَّهُمْ شَهِدُوا بِأَقَلَّ مِمَّا ادَّعَى وَهُوَ غَيْرُ مَانِعٍ أَطْلَقَهُ وَقَيَّدَهُ فِي الْخُلَاصَةِ بِأَنْ يَسْأَلَ الْقَاضِي مُدَّعِيَ الْمِلْكِ أَلَك بِهَذَا السَّبَبِ الَّذِي شَهِدُوا أَوْ بِسَبَبٍ آخَرَ إنْ قَالَ بِهَذَا السَّبَبِ يَقْضِي بِالْمِلْكِ بِهَذَا السَّبَبِ وَإِنْ قَالَ بِسَبَبٍ آخَرَ لَا يَقْضِي بِشَيْءٍ أَصْلًا اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمِلْكَ بِسَبَبٍ أَقَلُّ مِنْ الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ لِأَنَّهُ يُفِيدُ الْأَوَّلِيَّةَ بِخِلَافِ سَبَبٍ يُفِيدُ الْحُدُوثَ وَالْمُطْلَقُ أَقَلُّ مِنْ النِّتَاجِ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يُفِيدُ الْأَوَّلِيَّةَ عَلَى الِاحْتِمَالِ وَالنِّتَاجَ عَلَى الْيَقِينِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ ادَّعَى النِّتَاجَ وَشَهِدَا عَلَى الشِّرَاءِ لَا تُقْبَلُ اهـ. إلَّا أَنْ يُوَافِقَ الْمُدَّعِي فَيَقُولَ: نَتَجَتْ عِنْدِي ثُمَّ بِعْتُهَا مِنْهُ ثُمَّ اشْتَرَيْتُهَا فَتُقْبَلُ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمْ إذَا شَهِدُوا بِأَكْثَرَ مِمَّا ادَّعَى فَإِنْ وَفَّقَ الْمُدَّعِي قَبِلَتْ فِي الْمَسَائِلِ كُلِّهَا وَإِلَّا لَا وَهَذَا مِمَّا يَجِبُ حِفْظُهُ وَقَدَّمْنَاهُ عَنْ الْخَانِيَّةِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُؤَلِّفُ مَسْأَلَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا مَا إذَا ادَّعَى شَيْئًا لِلْحَالِ فَشَهِدَا بِهِ فِيمَا مَضَى وَعَكْسِهِ الثَّانِيَةُ إذَا ادَّعَى الْإِنْشَاءَ فَشَهِدَ بِالْإِقْرَارِ أَوْ عَكْسِهِ أَمَّا الْأُولَى فَفِي الْمُحِيطِ نَقْلًا عَنْ الْأَقْضِيَةِ وَأَدَبِ الْقَاضِي لِلْخَصَّافِ إذَا ادَّعَى الْمِلْكَ لِلْحَالِ أَيْ فِي الْعَيْنِ فَشَهِدُوا أَنَّ هَذَا الْعَيْنَ كَانَ قَدْ مَلَكَهُ تُقْبَلُ لِأَنَّهَا أَثْبَتَتْ الْمِلْكَ فِي الْمَاضِي فَيُحْكَمُ بِهَا فِي الْحَالِ مَا لَمْ يُعْلَمْ الْمُزِيلُ قَالَ رَشِيدُ الدِّينِ بَعْدَمَا ذَكَرَهَا أَمْرٌ وَرُوِيَ سَيِّدٌ أَنْتَ اهـ. وَمَعْنَى هَذَا لَا يَحِلُّ لِلْقَاضِي أَنْ يَقُولَ: أَتَعْلَمُونَ أَنَّهُ مَلَكَهُ الْيَوْمَ نَعَمْ يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَقُولَ هَلْ تَعْلَمُونَ.   [منحة الخالق] مِنْهُ بَعْدَ دَعْوَاهُ مُؤَرِّخًا لِأَنَّهُ بِدُونِ تَارِيخٍ مُحْتَمِلٌ الْأَوَّلِيَّةَ فَفِي الشَّهَادَةِ بِهِ زِيَادَةٌ فَلَا يَصِحُّ التَّفْرِيعُ الَّذِي ذَكَرَهُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ أَكْذَبَ شُهُودَهُ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَاَلَّذِي فِي الْبَزَّازِيَّةِ شَهِدَا أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ كَفَلَ بِأَلْفٍ عَنْ زَيْدٍ وَقَالَ الطَّالِبُ: نَعَمْ إنَّهُ أَقَرَّ كَذَلِكَ لَكِنْ كَانَتْ الْكَفَالَةُ عَنْ خَالِدٍ بِهَا لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْمَالَ وَتُقْبَلَ الشَّهَادَةُ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى الْمَقْصُودِ فَلَا يَضُرُّهُ اخْتِلَافُ السَّبَبِ وَلَوْ قَالَ الطَّالِبُ: لَمْ يُقِرَّ كَذَلِكَ إلَى آخِرِ مَا نَقَلَهُ هُنَا فَفِي النَّقْلِ قُصُورٌ كَمَا تَرَى (قَوْلُهُ لَوْ وَقَعَتْ الْمُخَالَفَةُ بَيْنَ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَتَقَدَّمَ فِي مَسَائِلَ شَتَّى مَا لَوْ قَالَ الْمُتَنَاقِضُ: تَرَكْت الْكَلَامَ الْأَوَّلَ وَاسْتَقَرَّ عَلَى الثَّانِي. اهـ. قُلْت: وَتَقَدَّمَ أَيْضًا فِي الِاسْتِحْقَاقِ لَكِنْ فِي الْحَامِدِيَّةِ عَنْ حَاوِي الزَّاهِدِيِّ أَقَامَ الشَّاهِدَيْنِ بِلَفْظٍ مُخْتَلِفٍ فَلَمْ يَسْمَعْ الْقَاضِي ثُمَّ أَعَادَا فِي مَجْلِسٍ آخَرَ شَهَادَتَهُمَا بِلَفْظٍ مُوَافِقٍ تُقْبَلُ هَذَا إذَا كَانَ اتِّفَاقُهُمَا بِلَا تَلْقِينٍ مِنْ أَحَدٍ وَإِلَّا لَا تُقْبَلُ اهـ وَيُؤَيِّدُهُ مَا مَرَّ مِنْ قَوْلِ الْمَتْنِ وَمَنْ شَهِدَ وَلَمْ يَبْرَحْ حَتَّى قَالَ: أَوْهَمْت بَعْضَ شَهَادَتِي تُقْبَلُ لَوْ كَانَ عَدْلًا فَقَيَّدَ بِعَدَمِ الْبَرَاحِ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ هُوَ الظَّاهِرُ. (قَوْلُهُ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ ادَّعَى النِّتَاجَ وَشَهِدَا عَلَى الشِّرَاءِ لَا تُقْبَلُ) لَا يَخْفَى أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الشِّرَاءِ شَهَادَةٌ عَلَى الْمِلْكِ بِسَبَبٍ وَهُوَ أَقَلُّ مِنْ النِّتَاجِ فَتَكُونُ شَهَادَةً بِالْأَقَلِّ وَقَدْ مَرَّ أَنَّ الشَّهَادَةَ بِأَقَلَّ مِمَّا ادَّعَى تُقْبَلُ بِلَا تَوْفِيقٍ وَيَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ الْخَانِيَّةِ أَنَّ الشَّهَادَةَ بِالْأَقَلِّ تُقْبَلُ إذَا صَلَحَ ذَلِكَ الْأَقَلُّ بَيَانًا لِمَا ادَّعَاهُ فَإِنَّهُ ذَكَرَ أَوَّلًا أَنَّهُ إذَا ادَّعَى دَارًا فِي يَدِ رَجُلٍ أَنَّهَا لَهُ وَشَهِدَا أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ ذِي الْيَدِ جَازَتْ لِأَنَّ شَهَادَتَهُمْ بِأَقَلَّ مِمَّا ادَّعَى وَمَا شَهِدُوا بِهِ يَصْلُحُ بَيَانًا لِمَا ادَّعَاهُ الْمُدَّعِي فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ: مِلْكِي لِأَنِّي اشْتَرَيْتُهَا مِنْ ذِي الْيَدِ يَصِحُّ وَيَكُونُ آخِرُ كَلَامِهِ بَيَانًا لِلْأَوَّلِ بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَى أَوَّلًا النِّتَاجَ وَشَهِدَ بِالشِّرَاءِ مِنْ ذِي الْيَدِ لَا تُقْبَلُ إلَّا أَنْ يُوَفِّقَ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّ دَعْوَى النِّتَاجِ عَلَى ذِي الْيَدِ لَا يَحْتَمِلُ دَعْوَى مِلْكٍ حَادِثٍ مِنْ جِهَتِهِ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ هَذِهِ الدَّابَّةُ مِلْكِي بِالنِّتَاجِ مِنْ جِهَةِ ذِي الْيَدِ لَا يَصِحُّ كَلَامُهُ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ آخِرُ كَلَامِهِ بَيَانًا لِلْأَوَّلِ وَلَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ بِدُونِ التَّوْفِيقِ اهـ. فَتَأَمَّلْ. وَفِي نُورِ الْعَيْنِ وَلَوْ ادَّعَاهُ نِتَاجًا فَشَهِدَا بِمُطْلَقٍ تُقْبَلُ لَا فِي عَكْسِهِ لِأَنَّ دَعْوَى الْمُطْلَقِ دَعْوَى أَوَّلِيَّةِ الْمِلْكِ بِالِاحْتِمَالِ وَشَهَادَةُ النِّتَاجِ أَوَّلِيَّةُ الْمِلْكِ بِالْيَقِينِ فَقَدْ شَهِدَا بِأَكْثَرَ مِمَّا ادَّعَاهُ فَتُرَدُّ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى نِتَاجًا ثُمَّ مُطْلَقًا يُقْبَلُ لَا عَكْسُهُ ط ادَّعَى نِتَاجًا وَشَهِدَا بِسَبَبٍ تُرَدُّ. (قَوْلُهُ فَيُحْكَمُ بِهَا فِي الْحَالِ إلَخْ) قَالَ صَاحِبُ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: هَذَا عَمَلٌ بِالِاسْتِصْحَابِ وَهُوَ حُجَّةٌ فِي الدَّفْعِ لَا الِاسْتِحْقَاقِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا تُقْبَلَ شَهَادَتُهُمَا فِيهِ لَكِنْ فِيهِ حَرَجٌ فَيُقْبَلُ دَفْعًا لِلْحَرَجِ يَقُولُ الْحَقِيرُ قَوْلُهُ دَفْعًا لِلْحَرَجِ تَعْلِيلٌ عَلِيلٌ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى ذِي فَهْمٍ جَلِيلٍ كَذَا فِي نُورِ الْعَيْنِ (قَوْلُهُ وَمَعْنَى هَذَا لَا يَحِلُّ لِلْقَاضِي أَنْ يَقُولَ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: أَيْ لِأَنَّهُمْ لَوْ قَالُوا لَا نَعْلَمُ أَنَّهُ مِلْكُهُ الْيَوْمَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتَهُمْ فَيُضِيعُ حَقُّ الْمُدَّعِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 107 أَنَّهُ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ فَقَطْ ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ قَالَ الْعِمَادِيُّ: فَعَلَى هَذَا لَوْ ادَّعَى الدَّيْنَ فَشَهِدُوا أَنَّهُ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ كَذَا يَنْبَغِي أَنْ تُقْبَلَ كَمَا فِي الْعَيْنِ وَمِثْلُهُ مَا لَوْ ادَّعَى أَنَّهَا زَوْجَتُهُ فَشَهِدُوا أَنَّهُ كَانَ تَزَوَّجَهَا وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِلْحَالِ تُقْبَلُ هَذَا كُلُّهُ إذَا شَهِدُوا بِالْمِلْكِ فِي الْمَاضِي أَمَّا لَوْ شَهِدُوا بِالْيَدِ لَهُ فِي الْمَاضِي لَا يُقْضَى بِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَإِنْ كَانَتْ الْيَدُ تُسَوِّغُ الشَّهَادَةَ فِي الْمِلْكِ عَلَى مَا أَسْلَفْنَاهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يُقْضَى بِهَا وَخَرَّجَ الْعِمَادِيُّ عَلَى هَذَا مَا فِي الْوَاقِعَاتِ لَوْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ عِنْدَ رَجُلَيْنِ ثُمَّ شَهِدَ عَدْلَانِ عِنْدَ الشَّاهِدِ أَنَّهُ قَضَى دَيْنَهُ أَنَّ شَاهِدَيْ الْإِقْرَارِ يَشْهَدَانِ أَنَّهُ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَا يَشْهَدَانِ أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ فَقَالَ: هَذَا أَيْضًا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ إذَا ادَّعَى الْعَيْنَ وَشَهِدُوا أَنَّهُ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ تُقْبَلُ وَهَذَا غَلَطٌ فَإِنَّهُ إنَّمَا تَعَرَّضَ لِمَا يُسَوِّغُ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِهِ لَا لِلْقَبُولِ وَعَدَمِهِ بَلْ رُبَّمَا يُؤْخَذُ مِنْ مَنْعِهِ مِنْ إحْدَى الْعِبَارَتَيْنِ دُونَ الْأُخْرَى ثُبُوتُ الْقَبُولِ فِي إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى كَيْفَ وَقَدْ ثَبَتَ بِشَهَادَةِ الْعَدْلَيْنِ عِنْدَ الشَّاهِدَيْنِ أَنَّهُ قَضَاهُ فَلَا يَشْهَدَانِ حَتَّى بِخَبَرِ الْقَاضِي بِذَلِكَ وَأَنَّ الْقَاضِيَ حِينَئِذٍ لَا يَقْضِي بِشَيْءٍ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فِي الْبَزَّازِيَّةِ شَهِدَا أَنَّهَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا وَلَا نَعْلَمُ أَنَّهَا فِي الْحَالِ امْرَأَتُهُ أَوْ لَا أَوْ شَهِدُوا أَنَّهُ بَاعَ مِنْهُ هَذَا الْعَيْنَ وَلَا نَدْرِي أَنَّهُ مَلَكَهُ فِي الْحَالِ أَمْ لَا يُقْضَى بِالنِّكَاحِ وَالْمِلْكِ فِي الْحَالِ بِالِاسْتِصْحَابِ وَالشَّاهِدُ فِي الْعَقْدِ شَاهِدٌ فِي الْحَالِ. اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ فِي الْعَيْنِ مَا سَمِعْت وَأَمَّا فِي الدَّيْنِ فَالْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ عَدَمُ الْقَبُولِ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: شَهِدَا عَلَى إقْرَارِ رَجُلٍ بِدَيْنٍ فَقَالَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ: أَتَشْهَدُ أَنَّ هَذَا الْقَدْرَ عَلَيَّ الْآنَ فَقَالَ: لَا أَدْرِي أَهُوَ عَلَيْك الْآنَ أَمْ لَا لَا نَقْبَلُ الشَّهَادَةَ اهـ وَقَالَ قَبْلَهُ ادَّعَى عَلَى آخَرَ دَيْنًا عَلَى مُوَرِّثِهِ وَشَهِدُوا أَنَّهُ كَانَ لَهُ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ لَا تُقْبَلُ حَتَّى يَشْهَدَا أَنَّهُ مَاتَ وَهُوَ عَلَيْهِ اهـ. فَمَوْضُوعُ الْأُولَى فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْإِقْرَارِ وَأَنَّ الشَّاهِدَ قَالَ: لَا أَدْرِي أَهُوَ عَلَيْك الْآنَ أَمْ لَا وَهُوَ سَاكِتٌ عَمَّا إذَا شَهِدُوا أَنَّهُ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ كَذَا وَقَدْ بَحَثَ الْعِمَادِيُّ أَنَّهُ يَنْبَغِي الْقَبُولُ وَلَيْسَ بِمُعَارِضٍ لِلْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ كَمَا عَلِمْت وَفِي مَسْأَلَةِ دَيْنِ الْمَيِّتِ لَا بُدَّ فِي الْقَبُولِ مِنْ شَهَادَتِهِمَا بِأَنَّهُ مَاتَ وَهُوَ عَلَيْهِ احْتِيَاطًا فِي أَمْرِ الْمَيِّتِ وَلِهَذَا يَحْلِفُ الْمُدَّعِي مَعَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ بِخِلَافِهِ فِي دَيْنِ الْحَيِّ فَتَحَرَّرَ أَنَّهُمَا إذَا شَهِدَا فِي دَيْنِ الْحَيِّ بِأَنَّهُ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ كَذَا تُقْبَلُ إلَّا إذَا سَأَلَهُمَا الْخَصْمُ عَنْ الْبَقَاءِ فَقَالَا: لَا نَدْرِي وَفِي دَيْنِ الْمَيِّتِ لَا تُقْبَلُ مُطْلَقًا وَأَمَّا عَكْسُهُ فَقَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: وَلَوْ ادَّعَى مِلْكًا فِي الْمَاضِي وَشَهِدَ بِهِ فِي الْحَالِ بِأَنْ قَالَ: كَانَ هَذَا مِلْكِي وَشَهِدَ أَنَّهُ لَهُ قِيلَ: تُقْبَلُ وَقِيلَ: لَا تُقْبَلُ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَكَذَا لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ كَانَ لَهُ وَشَهِدَا أَنَّهُ كَانَ لَهُ لَا تُقْبَلُ لِأَنَّ إسْنَادَ الْمُدَّعِي يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْمِلْكِ فِي الْحَالِ إذْ لَا فَائِدَةَ لِلْمُدَّعِي فِي الْإِسْنَادِ مَعَ قِيَامِ مِلْكِهِ فِي الْحَالِ بِخِلَافِ الشَّاهِدَيْنِ لَوْ أَسْنَدَا مِلْكَهُ إلَى الْمَاضِي لِأَنَّ إسْنَادَهُمَا لَا يَدُلُّ عَلَى النَّفْيِ فِي الْحَالِ لِأَنَّهُمَا لَا يَعْرِفَانِ بَقَاءَهُ إلَّا بِالِاسْتِصْحَابِ وَالشَّاهِدُ قَدْ يَحْتَرِزُ عَنْ الشَّهَادَةِ بِمَا ثَبَتَ بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ لِعَدَمِ تَيَقُّنِهِ بِخِلَافِ الْمَالِكِ إذْ كَمَا يَعْلَمُ ثُبُوتَ مِلْكِهِ يَقِينًا يَعْلَمُ بَقَاءَهُ يَقِينًا. اهـ. وَأَمَّا الثَّانِيَةُ أَعْنِي مَا إذَا ادَّعَى الْإِنْشَاءَ فَشَهِدَا بِالْإِقْرَارِ أَوْ عَكْسِهِ فَقَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ ادَّعَى الْوَدِيعَةَ وَشَهِدَا أَنَّ الْمُودِعَ أَقَرَّ بِالْإِيدَاعِ تُقْبَلُ كَمَا فِي الْغَصْبِ وَكَذَا الْعَارِيَّةُ ادَّعَى نِكَاحًا وَشَهِدَا بِإِقْرَارِهِمَا بِنِكَاحٍ تُقْبَلُ كَمَا فِي الْغَصْبِ وَلَوْ ادَّعَى دَيْنًا فَشَهِدَا بِإِقْرَارِهِ بِالْمَالِ تُقْبَلُ وَتَكُونُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَى إقْرَارِهِ كَإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى السَّبَبِ وَأَفْتَى بَعْضُهُمْ بِعَدَمِ الْقَبُولِ ادَّعَى قَرْضًا وَشَهِدَا بِإِقْرَارِهِ بِالْمَالِ تُقْبَلُ بِلَا بَيَانِ السَّبَبِ اهـ. فَتُقْبَلُ فِي الْإِيدَاعِ وَالْغَصْبِ وَالْعَارِيَّةِ وَالدُّيُونِ وَالنِّكَاحِ وَأَمَّا الْبَيْعُ فَقَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: ادَّعَى بَيْعًا وَشَهِدَا أَنَّهُ أَقَرَّ بِالْبَيْعِ وَاخْتَلَفَا فِي زَمَانٍ وَمَكَانٍ تُقْبَلُ وَفِيهِ قَبْلَهُ ادَّعَى مِائَةَ قَفِيزٍ بُرٍّ بِسَبَبِ سَلَمٍ صَحِيحٍ وَشَهِدَا أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَقَرَّ أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ مِائَةَ قَفِيزٍ وَلَمْ يَزِيدَا قِيلَ تُقْبَلُ لِأَنَّهُ اخْتِلَافٌ فِي سَبَبِ -.   [منحة الخالق] ظَاهِرًا فَلَا يَسْأَلُهُمْ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لَهُمْ: هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ فَإِنَّهُمْ إذَا قَالُوا: لَا نَعْلَمُ أَنَّهُ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ لَا تَبْطُلُ شَهَادَتُهُمْ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ يَنْبَغِي أَنْ تُقْبَلَ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: مَعَ أَنَّ الْمَنْصُوصَ خِلَافُهُ وَسَيَأْتِي أَنَّ بَحْثَهُ لَا يُعَارِضُ الْمَنْصُوصَ إذْ لَا عِبْرَةَ لِلْأَبْحَاثِ فِي مُقَابَلَةِ النُّصُوصِ. (قَوْلُهُ وَفِي مَسْأَلَةِ دَيْنِ الْمَيِّتِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ نُقِلَ عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّهُ يَثْبُتُ الدَّيْنُ عَلَى الْمَيِّتِ بِمُجَرَّدِ بَيَانِ الشَّاهِدِ سَبَبَهُ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى أَنْ يَقُولَا مَاتَ وَعَلَيْهِ شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ جَرَحَهُ وَلَمْ يَزَلْ صَاحِبَ فِرَاشٍ حَتَّى مَاتَ يُحْكَمُ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَشْهَدُوا أَنَّهُ مَاتَ مِنْ جِرَاحَتِهِ لِأَنَّهُ لَا عِلْمَ لَهُمْ بِهِ بَزَّازِيَّةٌ مُعِينُ الْحُكَّامِ كَذَا رَأَيْت بِخَطِّ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ وَأَقُولُ: مَا فِي الْمُحِيطِ لَا يُعَارِضُ مَا فِي الْقُنْيَةِ إذْ مَا فِيهَا إذَا ادَّعَى الدَّيْنَ لِلْحَالِ فَشَهِدُوا بِهِ كَذَلِكَ بِحَيْثُ إنَّهُمَا لَمْ يَقُولَا كَانَ وَبِهِ يَحْصُلُ التَّوْفِيقُ فَتَأَمَّلْ وَفِي شَرْحِ تَنْوِيرِ الْأَبْصَارِ بَعْدَ نَقْلِ مَا فِي الْبَحْرِ قَالَ: قُلْت وَيُعَارِضُ هَذَا مَا فِي مُعِينِ الْحُكَّامِ مِنْ قَوْلِهِ نُقِلَ عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّهُ يَثْبُتُ الدَّيْنُ عَلَى الْمَيِّتِ بِمُجَرَّدِ بَيَانِ الشَّاهِدَيْنِ سَبَبَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقُولَا مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ اهـ. وَنَقَلَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَنْ الْمَقْدِسِيَّ أَنَّهُ قَوَّى مَا فِي مُعِينِ الْحُكَّامِ وَأَنَّهُ قَالَ: إنَّ الْأَوَّلَ ضَعِيفٌ وَإِنَّ الِاحْتِيَاطَ فِي أَمْرِ الْمَيِّتِ يَكْفِي تَحْلِيفُ خَصْمِهِ مَعَ وُجُودِ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ فِي هَذَا الِاحْتِيَاطِ تَرْكَ احْتِيَاطٍ آخَرَ فِي وَفَاءِ دَيْنِهِ الَّذِي يَحْجُبُهُ عَنْ الْجَنَّةِ وَتَضْيِيعَ حُقُوقَ أُنَاسٍ كَثِيرِينَ لَا يَجِدُونَ مَنْ يَشْهَدُ لَهُمْ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ اهـ. وَبِهِ اعْتَرَضَ فِي نُورِ الْعَيْنِ عَلَى صَاحِبِ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 108 الدَّيْنِ فَلَا يُمْنَعُ وَقِيلَ: لَا وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَذْكُرَا إقْرَارَهُ بِسَبَبِ السَّلَمِ وَالِاخْتِلَافُ فِي سَبَبِ الدَّيْنِ إنَّمَا يَمْنَعُ قَبُولَهَا لَوْ لَمْ يَخْتَلِفْ الدَّيْنُ بِاخْتِلَافِ السَّبَبِ وَدَيْنُ السَّلَمِ مَعَ دَيْنٍ آخَرَ يَخْتَلِفَانِ إذْ الِاسْتِبْدَالُ قَبْلَ الْقَبْضِ لَمْ يَجُزْ فِي السَّلَمِ وَجَازَ فِي دَيْنِ الْبُرِّ بِلَا سَبَبٍ فَلَمْ يَشْهَدَا بِدَيْنٍ يَدَّعِيهِ فَلَا تُقْبَلُ بِخِلَافِ مَا لَوْ ادَّعَى بِسَبَبِ الْقَرْضِ وَشَهِدَا أَنَّهُ أَقَرَّ وَلَمْ يَذْكُرَا بِسَبَبِ الْقَرْضِ تُقْبَلُ. اهـ. ثُمَّ قَالَ: ادَّعَى قَضَاءَ دَيْنِهِ وَشَهِدَا أَنَّهُ أَقَرَّ بِاسْتِيفَائِهِ تُقْبَلُ اهـ. وَفِي الْقِنْيَةِ ادَّعَى عَبْدًا فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا بِمِلْكٍ مُرْسَلٍ وَالْآخَرُ بِإِقْرَارِ ذِي الْيَدِ بِمِلْكِيَّتِهِ لِلْمُدَّعِي تُقْبَلُ وَلَوْ كَانَ هَذَا فِي دَعْوَى الْأَمَةِ وَالضَّيْعَةِ لَا تُقْبَلُ وَالْفَرْقُ فِيهَا وَأَمَّا عَكْسُهَا أَعْنِي مَا إذَا ادَّعَى الْإِقْرَارَ فَشَهِدَا بِالْإِنْشَاءِ فَغَيْرُ مُتَصَوَّرٍ شَرْعًا إذْ لَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى بِالْإِقْرَارِ لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ مَعْزِيًّا إلَى الذَّخِيرَةِ ادَّعَى أَنَّهُ لَهُ عَلَيْهِ كَذَا وَأَنَّ الْعَيْنَ الَّذِي فِي يَدِهِ لَهُ لَمَّا أَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِهِ أَوْ ابْتَدَأَ بِدَعْوَى الْإِقْرَارِ وَقَالَ: أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّ هَذَا لِي أَوْ أَقَرَّ أَنَّ لِي عَلَيْهِ كَذَا قِيلَ: يَصِحُّ وَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّهُ لَا تَصِحُّ الدَّعْوَى لِعَدَمِ صُلُوحِ الْإِقْرَارِ لِلِاسْتِحْقَاقِ كَالْإِقْرَارِ كَاذِبًا فَلَا تَصِحُّ الْإِقْرَارُ لِإِضَافَةِ الِاسْتِحْقَاقِ إلَيْهِ بِخِلَافِ دَعْوَى الْإِقْرَارِ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى الْمُدَّعِي بِأَنَّهُ بَرْهَنَ عَلَى أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِيهِ أَوْ بِأَنَّهُ مِلْكُ الْمُدَّعِي حَيْثُ تُقْبَلُ وَتَمَامُهُ فِيهَا وَسَنَتَكَلَّمُ عَلَيْهَا بِأَوْضَحَ مِنْ ذَلِكَ فِي الدَّعْوَى إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. اهـ. . (قَوْلُهُ وَيُعْتَبَرُ اتِّفَاقُ الشَّاهِدَيْنِ لَفْظًا وَمَعْنًى) أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَيَكْفِي عِنْدَهُمَا الِاتِّفَاقُ فِي الْمَعْنَى وَالْمُرَادُ بِاتِّفَاقِهِمَا لَفْظًا تَطَابُقُ لَفْظَيْهِمَا عَلَى إفَادَةِ الْمَعْنَى بِطَرِيقِ الْوَضْعِ لَا بِطَرِيقِ التَّضَمُّنِ فَلَوْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ مِائَةَ دِرْهَمٍ فَشَهِدَ وَاحِدٌ بِدِرْهَمٍ وَآخَرُ بِدِرْهَمَيْنِ وَآخَرُ بِثَلَاثَةٍ وَآخَرُ بِأَرْبَعَةٍ وَآخَرُ بِخَمْسَةٍ لَمْ تُقْبَلْ عِنْدَهُ فِي شَيْءٍ لِعَدَمِ الْمُوَافَقَةِ لَفْظًا وَعِنْدَهُمَا يُقْضَى بِأَرْبَعَةٍ وَكَذَا إنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفَيْنِ لَمْ تُقْبَلْ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا تُقْبَلُ عَلَى الْأَلْفِ إذَا كَانَ الْمُدَّعِي يَدَّعِي أَلْفَيْنِ وَعَلَى هَذَا الْمِائَةُ وَالْمِائَتَانِ وَالطَّلْقَةُ وَالطَّلْقَتَانِ وَالطَّلْقَةُ وَالثَّلَاثُ كَذَا فِي الْكَافِي وَقَدْ أَشَارَ بِتَفْسِيرِ الْمُوَافَقَةِ إلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ بِعَيْنِ ذَلِكَ اللَّفْظِ بَلْ إمَّا بِعَيْنِهِ أَوْ بِمُرَادِفِهِ حَتَّى لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالْهِبَةِ وَالْآخَرُ بِالْعَطِيَّةِ تُقْبَلُ وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي النِّهَايَةِ مِنْ أَنَّ الْمُطَابَقَةَ فِي الْمَعْنَى كَافِيَةٌ لِلْفَرْعِ الْمَذْكُورِ لِحُصُولِ الْمُطَابَقَةِ لَفْظًا وَمَعْنًى بِخِلَافِ مَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَنَّهُ قَالَ لَهَا: أَنْت خَلِيَّةٌ وَشَهِدَ الْآخَرُ بِأَنَّهُ قَالَ لَهَا: أَنْت بَرِيَّةٌ حَيْثُ لَا يُقْبَلُ لِأَنَّهُمَا لَفْظَانِ مُتَبَايِنَانِ وَإِنْ اشْتَرَكَا فِي لَازِمٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الْبَيْنُونَةُ لِأَنَّ مَعْنَى خَلِيَّةٍ غَيْرُ مَعْنَى بَرِيَّةٍ وَعَلَى هَذَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالنِّكَاحِ وَالْآخَرُ بِالتَّزْوِيجِ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالْغَصْبِ أَوْ الْقَتْلِ وَالْآخَرُ بِالْإِقْرَارِ بِهِ لَا تُقْبَلُ ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَفِي الْعُمْدَةِ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ تُقْبَلُ اهـ. وَخَرَجَ عَنْ ظَاهِرِ قَوْلِ الْإِمَامِ مَسَائِلُ وَإِنْ أَمْكَنَ رُجُوعُهَا إلَيْهِ فِي الْحَقِيقَةِ الْأُولَى مَا فِي الْعُمْدَةِ الثَّانِيَةُ ادَّعَى كُرَّ حِنْطَةٍ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَنَّهَا جَيِّدَةٌ وَالْآخَرُ رَدِيئَةٌ وَالدَّعْوَى بِالْأَفْضَلِ يُقْضَى بِالْأَقَلِّ الثَّالِثَةُ ادَّعَى مِائَةَ دِينَارٍ فَقَالَ أَحَدُهُمَا: نَيْسَابُورِيَّةٌ وَالْآخَرُ بُخَارِيَّةٌ وَالْمُدَّعِي يَدَّعِي النَّيْسَابُورِيَّة وَهُوَ أَجْوَدُ يُقْضَى بِالْبُخَارِيَّةِ بِلَا خِلَافٍ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ فَغَيْرُ مُتَصَوَّرٍ شَرْعًا) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَقُولُ: قَالَ الْغَزِّيِّ مَمْنُوعٌ لِأَنَّهُ لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ مِلْكِي وَأَنَّهُ أَقَرَّ بِهِ تُسْمَعُ لَكِنْ قَدْ يُقَالُ رَجَعَ إلَى دَعْوَى الْمِلْكِ وَالْكَلَامُ لَيْسَ فِيهِ فَيَسْتَقِيمُ كَلَامُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. [يُعْتَبَرُ اتِّفَاقُ الشَّاهِدَيْنِ لَفْظًا وَمَعْنًى] (قَوْلُهُ وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي النِّهَايَةِ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ مَا فِي النِّهَايَةِ هُوَ عَيْنُ مَا قَرَّرَهُ مِنْ أَنَّ الشَّرْطَ تَطَابُقُ اللَّفْظَيْنِ عَلَى إفَادَةِ الْمَعْنَى وَأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ بِعَيْنِ ذَلِكَ اللَّفْظِ بَلْ بِهِ أَوْ بِمُرَادِفِهِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ إنَّ الْمُطَابَقَةَ فِي الْمَعْنَى كَافِيَةٌ وَمُرَادُهُ الْمُطَابَقَةُ بِطَرِيقِ الْوَضْعِ لَا التَّضَمُّنِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِي النِّهَايَةِ الْمَقْصُودُ مَا تَضْمَنَّهُ اللَّفْظُ وَهُوَ مَا صَارَ اللَّفْظُ عَلَمًا عَلَيْهِ فَإِنَّ مَا صَارَ اللَّفْظُ عَلَمًا عَلَيْهِ هُوَ مَعْنَاهُ الْمُطَابِقِيُّ كَمَا لَا يَخْفَى فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالْغَصْبِ أَوْ الْقَتْلِ وَالْآخَرُ بِالْإِقْرَارِ بِهِ لَا تُقْبَلُ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: ذَكَرَ فِي بَابِ اخْتِلَافِ الشَّهَادَاتِ مِنْ شَهَادَاتِ الْجَامِعِ وَلَيْسَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ الشَّاهِدَيْنِ بِمَنْزِلَةِ الِاخْتِلَافِ بَيْنَ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ لِأَنَّ شَهَادَةَ الشَّاهِدَيْنِ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مُطَابِقَةً لِلْأُخْرَى فِي اللَّفْظِ الَّذِي لَا يُوجِبُ خَلَلًا فِي الْمَعْنَى أَمَّا الْمُطَابَقَةُ بَيْنَ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي الْمَعْنَى خَاصَّةً وَلَا عِبْرَةَ لِلَّفْظِ حَتَّى لَوْ ادَّعَى الْغَصْبَ وَشَهِدَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْغَصْبِ وَالْآخَرُ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالْغَصْبِ لَا تُقْبَلُ وَلَوْ شَهِدَا عَلَى الْإِقْرَارِ بِالْغَصْبِ تُقْبَلُ وَتَمَامُهُ فِي الْفُصُولِ الْعِمَادِيَّةِ اهـ. وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ ادَّعَى قَتَلَا وَشَهِدَ بِهِ وَآخَرُ أَنَّهُ أَقَرَّ بِهِ تُرَدُّ إذْ الْإِقْرَارُ يَتَكَرَّرُ لَا الْقَتْلُ قَالَ الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَيْهِ أَقُولُ: فَلَوْ اتَّفَقَا عَلَى الشَّهَادَةِ بِالْإِقْرَارِ تُقْبَلُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَقَدْ صَرَّحَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُحِيطِ قَالَ بَعْدَ أَنْ رَمَزَ لِلْمُحِيطِ وَصَوَّرَ الْمَسْأَلَةَ وَإِذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا عَلَى إقْرَارِهِ أَنَّهُ قَتَلَهُ عَمْدًا بِالسَّيْفِ وَشَهِدَ الْآخَرُ عَلَى إقْرَارِهِ أَنَّهُ قَتَلَهُ عَمْدًا بِالسِّكِّينِ فَقَالَ وَلِيُّ الْقَتِيلِ: إنَّهُ أَقَرَّ بِمَا قَالَا وَلَكِنَّهُ وَاَللَّهِ مَا قَتَلَهُ إلَّا بِالسَّيْفِ أَوْ قَالَ صُدِّقَا جَمِيعًا لَكِنَّهُ وَاَللَّهِ مَا قَتَلَهُ إلَّا بِالرُّمْحِ فَهَذَا كُلُّهُ سَوَاءٌ وَيُقْتَصُّ مِنْ الْقَاتِلِ اهـ. تَدَبَّرْهُ. هَذَا وَقَدْ صَرَّحَ أَيْضًا فِي شَرْحِ الْغُرَرِ بِالْمَسْأَلَةِ فَقَالَ بَعْدَمَا ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ الَّتِي هُنَا: وَبِخِلَافِ مَا إذَا شَهِدَ بِالْإِقْرَارِ بِهِ حَيْثُ تُقْبَلُ اهـ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 109 يُنْقَلُ وَمِثْلُهُ لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ بِيضٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفٍ سُودٍ وَالْمُدَّعِي يَدَّعِي الْأَفْضَلَ تُقْبَلُ عَلَى الْأَقَلِّ وَوَجْهُهُ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ أَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى الْكَمِّيَّةِ وَانْفَرَدَ أَحَدُهُمَا بِزِيَادَةِ وَصْفٍ وَلَوْ كَانَ الْمُدَّعِي يَدَّعِي الْأَقَلَّ لَا تُقْبَلُ إلَّا أَنْ وَفَّقَ بِالْإِبْرَاءِ وَتَمَامُهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الرَّابِعَةُ مَسْأَلَةُ الْهِبَةِ وَالْعَطِيَّةِ الْخَامِسَةُ مَسْأَلَةُ النِّكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ وَقَدَّمْنَاهُمَا السَّادِسَةُ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ جَعَلَهَا صَدَقَةً مَوْقُوفَةً أَبَدًا عَلَى أَنَّ لِزَيْدٍ ثُلُثَ غَلَّتِهَا وَشَهِدَ آخَرُ أَنَّ لِزَيْدٍ نِصْفَهَا تُقْبَلُ عَلَى الثُّلُثِ وَالْبَاقِي لِلْمَسَاكِينِ كَذَا فِي أَوْقَافِ الْخَصَّافِ السَّابِعَةُ ادَّعَى أَنَّهُ بَاعَ بَيْعَ الْوَفَاءِ فَإِذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِهِ وَالْآخَرُ بِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ أَقَرَّ بِذَلِكَ تُقْبَلُ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَا خُصُوصِيَّةَ لِبَيْعِ الْوَفَاءِ فَإِذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالْبَيْعِ وَالْآخَرُ بِالْإِقْرَارِ بِهِ تُقْبَلُ كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَلَا خُصُوصِيَّةَ لِلْبَيْعِ بَلْ كُلُّ قَوْلٍ كَذَلِكَ بِخِلَافِ الْفِعْلِ كَمَا فِيهِ أَيْضًا وَالنِّكَاحُ كَالْفِعْلِ اهـ. الثَّامِنَةُ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا جَارِيَتُهُ وَالْآخَرُ أَنَّهَا كَانَتْ لَهُ تُقْبَلُ كَمَا فِي الْفَتْحِ أَيْضًا التَّاسِعَةُ ادَّعَى أَلْفًا مُطْلَقًا فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا عَلَى إقْرَارِهِ بِأَلْفٍ قَرْضٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفٍ وَدِيعَةٍ تُقْبَلُ وَإِنْ ادَّعَى أَحَدَ السَّبَبَيْنِ لَا تُقْبَلُ لِأَنَّهُ أَكْذَبَ شَاهِدَهُ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ بِخِلَافِ مَا إذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ قَرْضًا وَالْآخَرُ بِأَلْفٍ وَدِيعَةً فَإِنَّهَا لَا تُقْبَلُ مِنْهَا أَيْضًا الْعَاشِرَةُ ادَّعَى الْإِبْرَاءَ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا بِهِ وَالْآخَرُ عَلَى أَنَّهُ وَهَبَهُ أَوْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ أَوْ حَلَّلَهُ جَازَ بِخِلَافِ مَا إذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْهِبَةِ وَالْآخَرُ عَلَى الصَّدَقَةِ لَا تُقْبَلُ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ ادَّعَى الْهِبَةَ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالْبَرَاءَةِ وَالْآخَرُ بِالْهِبَةِ وَأَنَّهُ حَلَّلَهُ جَازَ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ ادَّعَى الْكَفِيلُ الْهِبَةَ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا بِهَا وَالْآخَرُ بِالْإِبْرَاءِ جَازَ وَيَثْبُتُ الْإِبْرَاءُ لَا الْهِبَةُ لِأَنَّهُ أَقَلُّهُمَا فَلَا يَرْجِعُ الْكَفِيلُ عَلَى الْأَصِيلِ وَهُمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ شَهِدَ أَحَدُهُمَا عَلَى إقْرَارِهِ أَنَّهُ أَخَذَ الْعَبْدَ وَالْآخَرُ عَلَى إقْرَارِهِ بِأَنَّهُ أَوْدَعَهُ مِنْهُ هَذَا الْعَبْدَ تُقْبَلُ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى الْإِقْرَارِ بِالْأَخْذِ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ غَصَبَهُ مِنْهُ وَالْآخَرُ أَنَّ فُلَانًا أَوْدَعَ مِنْهُ هَذَا الْعَبْدَ يُقْضَى لِلْمُدَّعِي وَلَا يُقْبَلُ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بَعْدَهُ لِأَنَّ الشَّاهِدَيْنِ شَهِدَا عَلَى إقْرَارِهِ بِالْمِلْكِ الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا وَلَدَتْ مِنْهُ وَالْآخَرُ أَنَّهَا حَبِلَتْ مِنْهُ تُقْبَلُ السَّادِسَةَ عَشْرَةَ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا وَلَدَتْ مِنْهُ ذَكَرًا. وَقَالَ الْآخَرُ: أُنْثَى تُقْبَلُ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ السَّابِعَةَ عَشْرَةَ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّ الدَّارَ لَهُ وَالْآخَرُ أَنَّهُ سَكَنَ فِيهَا تُقْبَلُ الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ أَنْكَرَ إذْنَ عَبْدِهِ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا عَلَى أَنَّهُ أَذِنَ لَهُ فِي الثِّيَابِ وَالْآخَرُ عَلَى أَنَّهُ أَذِنَ لَهُ فِي الطَّعَامِ تُقْبَلُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ: أَحَدُهُمَا إنَّهُ أَذِنَهُ صَرِيحًا وَقَالَ الْآخَرُ: رَآهُ يَشْتَرِي وَيَبِيعُ فَسَكَتَ لَا تُقْبَلُ التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ اخْتَلَفَ شَاهِدَا الْإِقْرَارِ بِالْمَالِ فِي كَوْنِهِ أَقَرَّ بِالْعَرَبِيَّةِ أَوْ بِالْفَارِسِيَّةِ تُقْبَلُ بِخِلَافِهِ فِي الطَّلَاقِ الْعِشْرُونَ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِهِ: أَنْت حُرٌّ وَقَالَ الْآخَرُ قَالَ لَهُ أزدي تُقْبَلُ الْحَادِيَةُ وَالْعِشْرُونَ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: إنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَأَنْت طَالِقٌ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا كَلَّمَتْهُ غُدْوَةً وَالْآخَرُ عَشِيَّةً طَلُقَتْ الثَّانِيَةُ وَالْعِشْرُونَ إنْ طَلَّقْتُك فَعَبْدُهُ حُرٌّ فَقَالَ أَحَدُهُمَا: طَلَّقَهَا الْيَوْمَ وَقَالَ: الْآخَرُ إنَّهُ طَلَّقَهَا أَمْسِ يَقَعُ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ الثَّالِثَةُ وَالْعِشْرُونَ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا أَلْبَتَّةَ وَالْآخَرُ أَنَّهُ طَلَّقَهَا ثِنْتَيْنِ أَلْبَتَّةَ يُقْضَى بِطَلْقَتَيْنِ وَيَمْلِكُ الرَّجْعَةَ ذَكَرَهُ فِي الْمُنْتَقَى عَنْ هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدٍ بِخِلَافِ مَا إذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَعْتَقَ كُلَّهُ وَالْآخَرُ أَنَّهُ أَعْتَقَ نِصْفَهُ لَا تُقْبَلُ وَعَلَى هَذَا فَفَرْقٌ بَيْنَ الطَّلْقَةِ وَالطَّلْقَتَيْنِ وَبَيْنَ هَذِهِ. وَالْفَرْقُ أَنَّهُمَا هُنَا اتَّفَقَا عَلَى الْبَيْنُونَةِ لَفْظًا وَمَعْنًى وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْعَدَدِ بِخِلَافِ تِلْكَ وَفِي الْعُيُونِ لِأَبِي اللَّيْثِ هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي رَجُلٍ تَحْتَهُ أَمَةٌ فَأُعْتِقَتْ فَشَهِدَ عَلَيْهِ شَاهِدَانِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا: أَشْهَدُ أَنَّك طَلَّقَتْهَا وَهِيَ أَمَةٌ ثَلَاثًا وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ طَلَّقَهَا بَعْدَمَا أُعْتِقَتْ ثَلَاثًا قَالَ: هُمَا تَطْلِيقَتَانِ فَيَمْلِكُ الرَّجْعَةَ لِأَنَّ الثَّلَاثَ الَّتِي شَهِدَ بِهَا فِي حَالِ الرِّقِّ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا لَيْسَتْ بِشَيْءٍ وَلَوْ شَهِدَ شَاهِدٌ أَنَّ فُلَانًا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا أَلْبَتَّةَ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ طَلَّقَهَا اثْنَتَيْنِ أَلْبَتَّةَ فَهُمَا تَطْلِيقَتَانِ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى قَوْلِهِ أَلْبَتَّةَ فِي ثَلَاثٍ اهـ. الرَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ: شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَعْتَقَ بِالْعَرَبِيِّ وَالْآخَرُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَلَا خُصُوصِيَّةَ لِبَيْعِ الْوَفَاءِ إلَخْ) يَدْخُلُ فِيهِ مَا فِي الْعُمْدَةِ وَهُوَ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى (قَوْلُهُ مِنْهَا أَيْضًا) الضَّمِيرُ لِلْبَزَّازِيَّةِ أَيْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَنْقُولَةٌ مِنْهَا أَيْضًا (قَوْلُهُ لِأَنَّ الشَّاهِدَيْنِ شَهِدَا عَلَى إقْرَارِهِ بِالْمِلْكِ) فِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ بِخِلَافِهِ فِي الطَّلَاقِ) قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ عَنْ الْمُنْتَقَى لِأَنِّي أَنْوِيهِ فِي وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ لَكِنْ قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ: وَالْأَصَحُّ الْقَبُولُ فِيهِمَا (قَوْلُهُ يُقْضَى بِطَلْقَتَيْنِ وَيَمْلِكُ الرَّجْعَةَ) لَعَلَّ وَجْهَهُ حَمْلُ قَوْلِ الشَّاهِدَيْنِ أَلْبَتَّةَ عَلَى الْجَزْمِ وَالْيَقِينِ لَا عَلَى الْبَيْنُونَةِ لِعَدَمِ إمْكَانِهِ فِي الطَّلْقَتَيْنِ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَظْهَرُ الْفَرْقُ الْآتِي فَتَأَمَّلْ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُخَالِفَةٌ لِمَا قَدَّمَهُ عَنْ الْكَافِي أَوَّلَ الْمَقُولَةِ وَسَيَأْتِي فِي الْمَقُولَةِ الثَّانِيَةِ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ وَأَنَّ الْمَذْهَبَ خِلَافُ مَا هُنَا (قَوْلُهُ اتَّفَقَا عَلَى الْبَيْنُونَةِ) هَذَا مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ وَيَمْلِكُ الرَّجْعَةَ (قَوْلُهُ الرَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ) مُكَرَّرَةٌ مَعَ الْمَسْأَلَةِ الْعِشْرِينَ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 110 بِالْفَارِسِيِّ تُقْبَلُ لِلِاتِّفَاقِ فِي الْمَعْنَى بِخِلَافِ مَا إذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَذَفَهُ بِالْعَرَبِيِّ وَالْآخَرُ بِالْفَارِسِيِّ لَا تُقْبَلُ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْحُدُودِ لِلصُّورَةِ وَالْمَعْنَى جَمِيعًا احْتِيَاطًا لِلدَّرْءِ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ. الْخَامِسَةُ وَالْعِشْرُونَ اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ الْمَهْرِ يُقْضَى بِالْأَقَلِّ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ شَهِدَا بِبَيْعٍ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ طَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ عَلَى مَالٍ وَاخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الْبَدَلِ لَا تُقْبَلُ إلَّا فِي النِّكَاحِ تُقْبَلُ وَيُرْجَعُ فِي الْمَهْرِ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ وَقَالَا: لَا تُقْبَلُ فِي النِّكَاحِ أَيْضًا. اهـ. السَّادِسَةُ وَالْعِشْرُونَ: شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ وَكَّلَهُ بِخُصُومَةٍ مَعَ فُلَانٍ فِي دَارٍ سَمَّاهَا وَشَهِدَ الْآخَرُ وَكَّلَهُ بِخُصُومَةٍ فِيهِ وَفِي شَيْءٍ آخَرَ تُقْبَلُ فِي دَارٍ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ إذْ الْوَكَالَةُ تَقْبَلُ التَّخْصِيصَ وَفِيمَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّاهِدَانِ تَثْبُتُ الْوَكَالَةُ لَا فِيمَا تَفَرَّدَ بِهِ أَحَدُهُمَا فَلَوْ ادَّعَى وَكَالَةً مُعَيَّنَةً فَشَهِدَ بِهَا وَالْآخَرُ بِوَكَالَةٍ عَامَّةٍ يَنْبَغِي أَنْ تَثْبُتَ الْمُعَيَّنَةُ وَلَوْ شَهِدَ بِوَكَالَةٍ وَزَادَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ عَزَلَهُ تُقْبَلُ فِي الْوَكَالَةِ لَا فِي الْعَزْلِ وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ وَكَّلَهُ بِطَلَاقِهَا وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ وَكَّلَهُ بِطَلَاقِهَا وَطَلَاقِ فُلَانَةَ الْأُخْرَى فَهُوَ وَكِيلٌ فِي طَلَاقِ الَّتِي اتَّفَقَا عَلَيْهِ كَذَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ السَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَنَّهُ وَقَفَهُ فِي صِحَّتِهِ وَالْآخَرُ بِأَنَّهُ وَقَفَهُ فِي مَرَضِهِ قُبِلَا إذْ شَهِدَا بِوَقْفٍ بَاتٍّ إلَّا أَنَّ حُكْمَ الْمَرَضِ يُنْقَضُ فِيمَا لَا يُخْرَجُ مِنْ الثُّلُثِ وَبِهَذَا لَا تُمْنَعُ الشَّهَادَةُ كَمَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ وَقَفَ ثُلُثَ أَرْضِهِ وَالْآخَرُ أَنَّهُ وَقَفَ رُبْعَهَا كَذَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مِنْ كِتَابِ الْوَقْفِ مِنْ أَحْكَامِ الْمَرْضَى الثَّامِنَةُ وَالْعِشْرُونَ وَلَوْ شَهِدَ شَاهِدٌ أَنَّهُ أَوْصَى إلَيْهِ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَآخَرُ أَنَّهُ أَوْصَى إلَيْهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ جَازَتْ لِأَنَّهَا كَلَامٌ لَا يَخْتَلِفُ بِزَمَانٍ وَمَكَانٍ كَذَا فِي وَصَايَا الْوَلْوَالِجيَّةِ التَّاسِعَةُ وَالْعِشْرُونَ ادَّعَى مَالًا فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمُحْتَالَ عَلَيْهِ أَحَالَ غَرِيمَهُ بِهَذَا الْمَالِ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ كَفَلَ عَنْ غَرِيمِهِ بِهَذَا الْمَالِ تُقْبَلُ كَذَا فِي الْقُنْيَةِ الثَّلَاثُونَ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ بَاعَهُ بِكَذَا إلَى شَهْرٍ وَشَهِدَ الْآخَرُ بِالْبَيْعِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْأَجَلَ الْحَادِيَةُ وَالثَّلَاثُونَ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ بَاعَهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَمْ يَذْكُرْ الْآخَرُ الْخِيَارَ تُقْبَلُ فِيهِمَا كَمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ فِي بَابِ التَّحَالُفِ الثَّانِيَةُ وَالثَّلَاثُونَ مِنْ وَكَالَةِ مُنْيَةِ الْمُفْتِي شَهِدَ وَاحِدٌ أَنَّهُ وَكَّلَهُ بِالْخُصُومَةِ فِي هَذِهِ الدَّارِ عِنْدَ قَاضِي الْكُوفَةِ وَآخَرُ قَالَ: عِنْدَ قَاضِي الْبَصْرَةِ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا. اهـ. وَالثَّالِثَةُ وَالثَّلَاثُونَ: فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ لِلْخَصَّافِ مِنْ بَابِ الشَّهَادَةِ بِالْوَكَالَةِ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ وَكَّلَهُ بِالْقَبْضِ وَالْآخَرُ أَنَّهُ جَرَاهُ تُقْبَلُ الرَّابِعَةُ وَالثَّلَاثُونَ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ وَكَّلَهُ بِقَبْضِهِ وَالْآخَرُ أَنَّهُ سَلَّطَهُ عَلَى قَبْضِهِ تُقْبَلُ الْخَامِسَةُ وَالثَّلَاثُونَ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ وَكَّلَهُ بِقَبْضِهِ وَالْآخَرُ أَنَّهُ أَوْصَى إلَيْهِ بِقَبْضِهِ فِي حَيَاتِهِ تُقْبَلُ السَّادِسَةُ وَالثَّلَاثُونَ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ وَكَّلَهُ بِطَلَبِ دَيْنِهِ وَالْآخَرُ بِتَقَاضِيهِ تُقْبَلُ السَّابِعَةُ وَالثَّلَاثُونَ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ وَكَّلَهُ بِقَبْضِهِ وَالْآخَرُ بِتَقَاضِيهِ أَوْ طَلَبِهِ تُقْبَلُ الثَّامِنَةُ وَالثَّلَاثُونَ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ وَكَّلَهُ بِقَبْضِهِ وَالْآخَرُ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِأَخْذِهِ أَوْ أَرْسَلَهُ لِيَأْخُذَهُ تُقْبَلُ اهـ. وَهِيَ فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ وَمَا قَبْلَهَا التَّاسِعَةُ وَالثَّلَاثُونَ اخْتَلَفَا فِي زَمَنِ إقْرَارِهِ بِالْوَقْفِ تُقْبَلُ الْأَرْبَعُونَ اخْتَلَفَا فِي مَكَانِ إقْرَارِهِ بِهِ تُقْبَلُ الْحَادِيَةُ وَالْأَرْبَعُونَ اخْتَلَفَا فِي وَقْفِهِ فِي صِحَّتِهِ أَوْ فِي مَرَضِهِ تُقْبَلُ الثَّانِيَةُ وَالْأَرْبَعُونَ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِوَقْفِهَا عَلَى زَيْدٍ وَالْآخَرُ عَلَى عَمْرٍو تُقْبَلُ وَتَكُونُ وَقْفًا عَلَى الْفُقَرَاءِ وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ مِنْ الْإِسْعَافِ. (قَوْلُهُ فَإِنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفَيْنِ لَمْ تُقْبَلْ) يَعْنِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا تُقْبَلُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ الْمَعْنَى لَا غَيْرُ قَالَ: الشَّارِحُ وَاَلَّذِي يُبْطِلُ مَذْهَبَهُمَا أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ لَوْ شَهِدَا بِتَطْلِيقَةٍ وَشَهِدَ آخَرَانِ بِثَلَاثٍ وَفَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا قَبْلَ الدُّخُولِ ثُمَّ رَجَعُوا كَانَ ضَمَانُ نِصْفِ الصَّدَاقِ عَلَى شَاهِدَيْ الثَّلَاثِ دُونَ شَاهِدَيْ الْوَاحِدَةِ وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالَا: إنَّ الْوَاحِدَةَ تُوجَدُ فِي الثَّلَاثِ لَكَانَ الضَّمَانُ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا اهـ. وَأُجِيبَ عَنْهُمَا بِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا إذَا كَانَتْ كُلُّ شَهَادَةٍ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ شَهِدَا إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا فِيمَا إذَا أَنْكَرَ الزَّوْجُ النِّكَاحَ مِنْ أَصْلِهِ وَكَذَا الْبَيْعُ وَنَحْوُهُ وَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ فِيمَا إذَا اتَّفَقَا عَلَى النِّكَاحِ وَاخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الْمَهْرِ وَوَجْهُ عَدَمِ الْقَبُولِ فِي الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ أَنَّ الْعَقْدَ بِأَلْفٍ مَثَلًا غَيْرُ الْعَقْدِ بِأَلْفَيْنِ وَكَذَا النِّكَاحُ عَلَى قَوْلِهِمَا وَعَلَى قَوْلِهِ بِاسْتِثْنَاءِ النِّكَاحِ أَنَّ الْمَالَ فِيهِ غَيْرُ مَقْصُودٍ وَلِذَا صَحَّ بِدُونِ ذِكْرِهِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ (قَوْلُهُ السَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ) فِي الْإِسْعَافِ وَلَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ بِوَقْفِ أَرْضِهِ قَالَ أَحَدُهُمَا: كَانَ ذَلِكَ وَهُوَ صَحِيحٌ وَقَالَ الْآخَرُ: كَانَ ذَلِكَ فِي مَرَضِهِ قُبِلَتْ الشَّهَادَةُ ثُمَّ إنْ خَرَجَتْ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ كَانَتْ كُلُّهَا وَقْفًا وَإِلَّا فَبِحِسَابِهِ وَلَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا: وَقَفَهَا فِي صِحَّتِهِ وَقَالَ الْآخَرُ: جَعَلَهَا وَقْفًا بَعْدَ وَفَاتِهِ بَطَلَتْ الشَّهَادَةُ وَإِنْ كَانَتْ تَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ لِأَنَّ الشَّاهِدَ بِأَنَّهُ وَقَفَهَا بَعْدَ مَوْتِهِ شَهِدَ بِأَنَّهَا وَصِيَّةٌ وَالشَّاهِدَ بِأَنَّهُ وَقَفَهَا فِي صِحَّتِهِ قَدْ أَمْضَى الْوَقْفَ وَهُمَا مُخْتَلِفَانِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمُحْتَالَ عَلَيْهِ أَحَالَ غَرِيمَهُ) الَّذِي فِي الْقُنْيَةِ أَنَّ الْمُحْتَالَ عَلَيْهِ احْتَالَ عَنْ غَرِيمِهِ (قَوْلُهُ وَالْآخَرُ أَنَّهُ جَرَاهُ تُقْبَلُ) قَالَ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَاضِي لِأَنَّ الْجِرَايَةَ وَالْوَكَالَةَ سَوَاءٌ وَالْجَرْيُ وَالْوَكِيلُ سَوَاءٌ فَقَدْ اتَّفَقَ الشَّاهِدَانِ فِي الْمَعْنَى وَاخْتَلَفَا فِي اللَّفْظِ وَأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ إلَخْ (قَوْلُهُ الْحَادِيَةُ وَالْأَرْبَعُونَ) مُكَرَّرَةٌ مَعَ السَّابِعَةِ وَالْعِشْرِينَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 111 لَا تُوجِبُ شَيْئًا بِانْفِرَادِهَا فَحِينَئِذٍ قَالَا بِثُبُوتِ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ وَهُوَ الْأَقَلُّ فَيَثْبُتُ الْحَقُّ بِهِمَا وَأَمَّا هُنَا فَكُلُّ شَهَادَةٍ لَوْ انْفَرَدَتْ أَوْجَبَتْ الْبَيْنُونَةَ وَمَعَ شُهُودِ الثَّلَاثِ زِيَادَةٌ فَأُضِيفَتْ الْبَيْنُونَةُ إلَيْهِمْ دُونَ شُهُودِ الْوَاحِدَةِ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِمْ فَلَمَّا لَمْ يُضَفْ الْحُكْمُ إلَيْهِمْ لَمْ يَضْمَنُوا بِالرُّجُوعِ لِهَذَا الْمَعْنَى لَا لِمَا ذَكَرَهُ قَالَ الشَّارِحُ وَلَا يَلْزَمُ مَا إذَا قَالَ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا فَطَلَّقَتْ وَاحِدَةً حَيْثُ تَقَعُ وَاحِدَةٌ لِأَنَّ ذَلِكَ لِكَوْنِ الثَّلَاثِ صَارَ فِي يَدِهَا فَلَهَا أَنْ تُوقِعَ كُلَّهَا أَوْ بَعْضَهَا وَلَا يَلْزَمُ مَا إذَا طَلَّقَهَا الزَّوْجُ أَلْفًا حَيْثُ يَقَعُ الثَّلَاثُ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ عَنْ مِلْكٍ فَلَهُ أَنْ يُوقِعَ أَيَّ عَدَدٍ شَاءَ إلَّا أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ إلَّا بِقَدْرِ الْمَحِلِّ اهـ. وَقَدَّمْنَا عَنْ الْكَافِي أَنَّ الْمِائَةَ وَالْمِائَتَيْنِ وَالطَّلْقَةَ وَالطَّلْقَتَيْنِ كَالْأَلْفِ وَالْأَلْفَيْنِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَقَعُ شَيْءٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَدَّمْنَا عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ فِي الْمَسَائِلِ الْمُسْتَثْنَاةِ مَا يَقْتَضِي أَنْ يُقْضَى فِي الطَّلَاقِ بِالْأَقَلِّ اتِّفَاقًا وَقَدْ صَرَّحَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوَاهُ بِمَا فِي الْكَافِي فَكَانَ هُوَ الْمَذْهَبُ لِأَنَّ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ رِوَايَةُ الْمُنْتَقَى إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِمَا قَدَّمْنَاهُ وَكَذَا مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ قَبْلَهُ لَوْ ادَّعَى أَلْفَيْنِ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفَيْنِ يُقْبَلُ عَلَى أَلْفٍ إجْمَاعًا سَهْوٌ كَمَا لَا يَخْفَى. (قَوْلُهُ وَإِنْ شَهِدَ الْآخَرُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ وَالْمُدَّعِي يَدَّعِي ذَلِكَ قُبِلَتْ عَلَى الْأَلْفِ) لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى الْأَلْفِ لَفْظًا وَمَعْنًى وَقَدْ انْفَرَدَ أَحَدُهُمَا بِخَمْسِمِائَةٍ بِالْعَطْفِ وَالْمَعْطُوفُ غَيْرُ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فَيَثْبُتُ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْأَلْفِ وَالْأَلْفَيْنِ لِأَنَّ لَفْظَ الْأَلْفِ غَيْرُ لَفْظِ الْأَلْفَيْنِ وَلَمْ يَثْبُتْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَلَا يُقَالُ: إنَّ الْأَلْفَ مَوْجُودٌ فِي الْأَلْفَيْنِ لِأَنَّا نَقُولُ: نَعَمْ مَوْجُودٌ إذَا ثَبَتَ الْأَلْفَانِ فَتَثْبُتُ الْأَلْفُ ضِمْنًا فَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ الْمُتَضَمِّنُ لَا يَثْبُتُ الْمُتَضَمَّنُ وَمُقْتَضَى تَعْلِيلِهِمْ أَنَّهُ لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفٍ وَأَلْفٍ أَنْ يُقْضَى بِالْأَلْفِ اتِّفَاقًا إذَا ادَّعَى الْأَكْثَرَ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ وَالْمُدَّعِي يَدَّعِي الْأَكْثَرَ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَدَّعِ فَهِيَ بَاطِلَةٌ لِلتَّكْذِيبِ إلَّا أَنْ يُوَفِّقَ فَيَقُولَ: أَصْلُ حَقِّي كَانَ كَمَا قَالَ: إلَّا أَنِّي اسْتَوْفَيْت الزَّائِدَ أَوْ أَبْرَأْتُهُ عَنْهُ فَحِينَئِذٍ تُقْبَلُ عَلَى الْأَقَلِّ لِظُهُورِ التَّوْفِيقِ وَنَظِيرُهُ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ الطَّلْقَةُ وَالطَّلْقَةُ وَنِصْفٌ وَالْمِائَةُ وَالْمِائَةُ وَالْخَمْسُونَ وَفِي الْعِنَايَةِ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ التَّوْفِيقِ فِيمَا يَحْتَمِلُهُ عَلَى الْأَصَحِّ فَلَوْ سَكَتَ عَنْهُ لَمْ تُقْبَلُ اهـ. وَهَكَذَا فِي الْمِعْرَاجِ بِخِلَافِ الْعَشَرَةِ وَخَمْسَةَ عَشَرَ حَيْثُ لَا تُقْبَلُ لِأَنَّهُ مُرَكَّبٌ كَالْأَلْفَيْنِ إذْ لَيْسَ بَيْنَهُمَا حَرْفُ الْعَطْفِ ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَفِي الْقُنْيَةِ شَهِدَ أَحَدُهُمَا عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ وَالْآخَرُ عَلَى عَشْرَةٍ وَخَمْسَةٍ وَالْمُدَّعِي يَدَّعِي خَمْسَةَ عَشَرَ يَنْبَغِي أَنْ تُقْبَلَ اهـ. وَفِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا عَلَى تَطْلِيقَةٍ وَالْآخَرُ عَلَى تَطْلِيقَةٍ وَنِصْفٍ أَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا عَلَى تَطْلِيقَةٍ وَالْآخَرُ عَلَى تَطْلِيقَةٍ وَتَطْلِيقَةٍ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا عَلَى الْأَقَلِّ عِنْدَ الْكُلِّ وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ طَلَّقَهَا إنْ دَخَلَتْ الدَّارَ وَقَدْ دَخَلَتْ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ طَلَّقَهَا إنْ كَلَّمَتْ وَقَدْ كَلَّمَتْ لَا تُقْبَلُ عِنْدَ الْكُلِّ وَكَذَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ قَالَ لَهَا: أَنْت عَلَيَّ حَرَامٌ وَنَوَى الثَّلَاثَ لَا تُقْبَلُ عِنْدَ الْكُلِّ وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ طَلَّقَهَا نِصْفَ وَاحِدَةٍ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ طَلَّقَهَا ثُلُثَ وَاحِدَةٍ لَا تُقْبَلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَكَذَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ طَلَّقَهَا فَالشَّهَادَةُ بَاطِلَةٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا جَازَتْ عَلَى الْأَقَلِّ. اهـ. . (قَوْلُهُ وَلَوْ شَهِدَ بِأَلْفٍ وَقَالَ أَحَدُهُمَا: قَضَاهُ مِنْهَا خَمْسَمِائَةٍ تُقْبَلُ بِأَلْفٍ وَلَمْ يُسْمَعْ قَوْلُهُ قَضَاهُ إلَّا إنْ شَهِدَ مَعَهُ آخَرُ) لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى وُجُوبِ الْأَلْفِ وَانْفِرَادِ أَحَدِهِمَا بِقَضَاءِ النِّصْفِ فَلَا يُقْبَلُ لِعَدَمِ كَمَالِ الْحُجَّةِ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ تَكْذِيبًا لِشَاهِدِ الْقَضَاءِ فِيمَا شَهِدَ بِهِ بِأَصْلِ الْمَالِ لِأَنَّهُ لَمْ يُكَذِّبْهُ فِيمَا شَهِدَ لَهُ وَإِنَّمَا كَذَّبَهُ فِيمَا شَهِدَ عَلَيْهِ وَذَلِكَ لَا يُمْنَعُ كَمَا إذَا شَهِدَا لَهُ بِشَيْءٍ ثُمَّ شَهِدَا عَلَيْهِ بِحَقٍّ فَإِنَّ شَهَادَتَهُمَا لَهُ لَا تَبْطُلُ وَإِنْ كَذَّبَهُمَا وَقَدَّمْنَا فُرُوعًا مُبَيِّنَةً عَلَى هَذَا الْأَصْلِ فِي أَوَّلِ الْبَابِ عَنْ الْخَانِيَّةِ وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ الْمُدَّعِي ادَّعَى الْأَلْفَ وَأَنْكَرَ الْقَضَاءَ إذْ لَوْ قَالَ: لَمْ يَكُنْ لِي عَلَيْهِ إلَّا خَمْسُمِائَةٍ لَمْ تُقْبَلْ أَصْلًا لِأَنَّهُ أَكْذَبَ شُهُودَهُ كَذَا فِي الْعُمْدَةِ وَإِنْ اعْتَرَفَ بِالْقَضَاءِ لَزِمَهُ خَمْسُمِائَةٍ كَذَا فِي الْعُمْدَةِ. (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَشْهَدَ حَتَّى يُقِرَّ الْمُدَّعِي بِمَا قَبَضَ) كَيْ لَا يَصِيرَ مُعِينًا عَلَى الظُّلْمِ وَالْمُرَادُ مِنْ يَنْبَغِي مَعْنًى يَجِبُ فَلَا تَحِلُّ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِمَا قَدَّمْنَاهُ) قَدْ عَلِمْت أَنَّ مَا قَدَّمَهُ مِنْ الْفَرْقِ غَيْرُ ظَاهِرٍ. (قَوْلُهُ وَمُقْتَضَى تَعْلِيلِهِمْ أَنَّهُ لَوْ شَهِدَ إلَخْ) يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا يَأْتِي عَنْ الْخَانِيَّةِ قَرِيبًا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 112 لَهُ الشَّهَادَةُ وَقَدَّمْنَا حُكْمَ مَا إذَا تَحَمَّلَ شَهَادَةً ثُمَّ أَخْبَرَ بِمَا يَرْفَعُهَا مِنْ دَيْنٍ وَنِكَاحٍ وَقَتْلٍ أَوَّلَ الشَّهَادَاتِ وَقَدْ ذَكَرَهَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ هُنَا [شَهِدَا بِقَرْضِ أَلْفٍ وَشَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَضَاهُ] (قَوْلُهُ وَلَوْ شَهِدَا بِقَرْضِ أَلْفٍ وَشَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَضَاهُ جَازَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى الْقَرْضِ) لِتَمَامِ الْحُجَّةِ فِي الْقَرْضِ وَعَدَمِهَا فِي الْقَضَاءِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ هَذِهِ وَإِنْ عُلِمَ حُكْمُهَا مِمَّا قَبْلَهَا لِاخْتِلَافِ الْمَوْضُوعِ فَإِنَّهَا فِي الْقَرْضِ وَمَا قَبْلَهَا فِي مُطْلَقِ أَلْفٍ وَهِيَ فِي انْفِرَادِ أَحَدِهِمَا بِقَضَاءِ الْكُلِّ وَمَا قَبْلَهَا بِقَضَاءِ النِّصْفِ وَالْأُولَى مَسْأَلَةُ الْقُدُورِيِّ وَالثَّانِيَةُ مَسْأَلَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى فَإِنَّهُ رُبَّمَا يُتَوَهَّمُ عَدَمُ الْقَبُولِ فِي الثَّانِيَةِ لِأَنَّهُ لَمَّا عَلِمَ بِالْقَضَاءِ انْتَفَتْ شَهَادَتُهُ أَصْلًا فَحِينَ شَهِدَ كَانَتْ بَاطِلَةً بِخِلَافِ قَضَاءِ الْبَعْضِ فَإِنَّهُ يَقُولُ: شَهِدْت لِبَقَاءِ الْخَمْسِمِائَةِ وَشَهِدْت بِالْأَلْفِ أَوَّلًا كَمَا تَحَمَّلْت فَكَانَ الْأَدَاءُ وَاجِبًا عَلَيَّ بِخِلَافِ مَا إذَا عَلِمَ بِقَضَاءِ الْكُلِّ فَإِنَّ الْأَدَاءَ لَمْ يَجِبْ أَصْلًا فَذَكَرَهَا لِدَفْعِ هَذِهِ الشُّبْهَةِ وَإِنَّمَا قُبِلَتْ لِأَنَّهُ صَادِقٌ فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ مِنْ الْقَرْضِ مُتَقَدِّمًا وَلَا يَنْظُرُ الْقَاضِي إلَى اعْتِقَادِهِ إنَّمَا يَنْظُرُ إلَى أَدَاءِ شَهَادَتِهِ. كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اخْتِلَافَ الشَّاهِدَيْنِ فِي الزَّمَانِ أَوْ الْمَكَانِ وَذَكَرَهُ فِي الْكَافِي فَقَالَ: وَإِذَا اخْتَلَفَ الشَّاهِدَانِ فِي الْمَكَانِ أَوْ الزَّمَانِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ وَالْوَكَالَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَالرَّهْنِ وَالدَّيْنِ وَالْقَرْضِ وَالْبَرَاءَةِ وَالْكَفَالَةِ وَالْحَوَالَةِ وَالْقَذْفِ تُقْبَلُ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْجِنَايَةِ وَالْغَصْبِ وَالْقَتْلِ وَالنِّكَاحِ لَا تُقْبَلُ وَالْأَصْلُ أَنَّ الْمَشْهُودَ بِهِ إذَا كَانَ قَوْلًا كَالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ فَاخْتِلَافُ الشَّاهِدَيْنِ فِيهِ فِي الزَّمَانِ أَوْ الْمَكَانِ لَا يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ لِأَنَّ الْقَوْلَ مِمَّا يُعَادُ وَيُكَرَّرُ وَإِنْ كَانَ الْمَشْهُودُ بِهِ فِعْلًا كَالْغَصْبِ وَنَحْوِهِ أَوْ قَوْلًا لَكِنَّ الْفِعْلَ شَرْطُ صِحَّتِهِ كَالنِّكَاحِ فَإِنَّهُ قَوْلٌ وَحُضُورُ الشَّاهِدَيْنِ فِعْلٌ وَهُوَ شَرْطٌ فَاخْتِلَافُهُمَا فِي الزَّمَانِ أَوْ الْمَكَانِ يَمْنَعُ الْقَبُولَ لِأَنَّ الْفِعْلَ فِي زَمَانٍ أَوْ مَكَان غَيْرُ الْفِعْلِ فِي زَمَانٍ أَوْ مَكَان آخَرَ فَاخْتَلَفَ الْمَشْهُودُ بِهِ ثُمَّ قَالَ: أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إذَا اخْتَلَفَ شَاهِدَا الْقَذْفِ فِي مَكَان أَوْ زَمَانٍ لَا تُقْبَلُ وَإِنْ كَانَ قَوْلًا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إنْ كَانَ إنْشَاءً فَهُوَ غَيْرَانُ وَلَيْسَ عَلَى كُلِّ قَذْفٍ شَاهِدَانِ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا إنْشَاءً وَالْآخَرُ إخْبَارًا فَهُمَا لَا يَتَّفِقَانِ لِأَنَّ الْإِنْشَاءَ أَنْ يَقُولَ: زَنَيْت أَوْ أَنْتَ زَانٍ وَالْإِخْبَارُ أَنْ يَقُولَ: قَذَفْتُك بِالزِّنَا وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ سَمِعَ أَحَدُهُمَا الْإِنْشَاءَ وَالْآخَرُ الْإِخْبَارَ فَيَثْبُتُ عِنْدَهُمَا قَذْفُهُ فَشَهِدَا بِهِ اهـ. وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ الشَّهَادَةُ بِعَقْدٍ تَمَامُهُ بِالْفِعْلِ كَرَهْنٍ وَهِبَةٍ وَصَدَقَةٍ يُبْطِلُهَا الِاخْتِلَافُ فِي زَمَانٍ وَمَكَانٍ إلَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ. اهـ. فَعُلِمَ بِهِ أَنَّ مَا فِي الْكَافِي مِنْ أَنَّ الرَّهْنَ وَالْهِبَةَ وَالصَّدَقَةَ مِنْ قَبِيلِ الْبَيْعِ وَنَحْوُهُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَقَوْلُ الشَّيْخَيْنِ بِخِلَافِهِ. وَالْحَاصِلُ كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَنَّ الِاخْتِلَافَ لَا يَخْلُو مِنْ وُجُوهٍ ثَلَاثَةٍ إمَّا فِي زَمَانٍ أَوْ مَكَان أَوْ إنْشَاءٍ أَوْ إقْرَارٍ وَكُلٌّ مِنْهَا لَا يَخْلُو مِنْ أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: إمَّا فِي الْفِعْلِ أَوْ فِي الْقَوْلِ أَوْ فِي فِعْلٍ مُلْحَقٍ بِالْقَوْلِ أَوْ عَكْسِهِ أَمَّا الْفِعْلُ فَيَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ فِي الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ وَأَمَّا الْقَوْلُ الْمَحْضُ كَبَيْعٍ وَرَهْنٍ فَلَا يَمْنَعُ مُطْلَقًا وَأَمَّا الْفِعْلُ الْمُلْحَقُ بِالْقَوْلِ وَهُوَ الْقَرْضُ فَلَا يَمْنَعُ وَأَمَّا عَكْسُهُ كَنِكَاحٍ فَيَمْنَعُ اهـ. وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا فِي الْكَافِي وَفَصَّلَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ فِي الرَّهْنِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ بِأَنَّهُمْ إذَا شَهِدُوا عَلَى مُعَايَنَةِ الْقَبْضِ وَاخْتَلَفَا فِي الْأَيَّامِ وَالْبَلَدِ إنْ جَازَتْ شَهَادَتُهُمْ فِي قَوْلِهِمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَإِنْ شَهِدُوا عَلَى إقْرَارِ الرَّاهِنِ وَالْوَاهِبِ وَالْمُتَصَدِّقِ بِالْقَبْضِ جَازَتْ فِي قَوْلِهِمْ اهـ. وَفِي شَرْحِ ابْنِ وَهْبَانَ. تَنْبِيهٌ الِاخْتِلَافُ فِي الْمَكَانِ يُوجِبُ الِاخْتِلَافَ فِي الزَّمَانِ وَلَا عَكْسَ لِجَوَازِ أَنْ يُشْهَدَ عَلَيْهِ فِي وَقْتَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فِي مَكَان وَاحِدٍ اهـ. وَفِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الثِّيَابِ الَّتِي كَانَتْ عَلَى الطَّالِبِ أَوْ الْمَطْلُوبِ أَوْ الْمَرْكَبِ أَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا: كَانَ مَعَنَا فُلَانٌ وَقَالَ الْآخَرُ: لَمْ يَكُنْ مَعَنَا ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ يَجُوزُ وَلَا تَبْطُلُ هَذِهِ الشَّهَادَةُ اهـ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ ظَاهِرَ إطْلَاقِهِمْ مِنْ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي الزَّمَانِ فِي الْأَقْوَالِ غَيْرُ مَانِعٍ شَامِلٌ لِمَا إذَا تَفَاحَشَ أَوْ لَا لِأَنَّهُمْ يُمَثِّلُونَهُ بِأَمْسٍ وَالْيَوْمِ وَهُوَ لَيْسَ بِمُتَفَاحِشٍ وَفِي الْقُنْيَةِ أَقَامَ شَاهِدَيْنِ عَلَى الصُّلْحِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَالْحَاصِلُ إلَخْ) قَدْ أَوْضَحَ الْإِمَامُ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوِيهِ فِي الْفَصْلِ الْخَامِسِ مِنْ الشَّهَادَاتِ هَذَا الْمَقَامَ بِمَا يُزِيحُ الْأَوْهَامَ وَلَكِنْ رَأَيْت فِي صَدْرِ عِبَارَتِهِ تَحْرِيفًا فِي النُّسْخَةِ الَّتِي عِنْدِي فَمَنَعَنِي عَنْ نَقْلِهِ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ وَأَمَّا الْقَوْلُ الْمَحْضُ كَبَيْعٍ وَرَهْنٍ فَلَا يُمْنَعُ مُطْلَقًا) قَالَ فِي نُورِ الْعَيْنِ فِي إصْلَاحِ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ يَقُولُ الْحَقِيرُ: عَدُّ الرَّهْنِ هُنَا مِنْ الْقَوْلِ الْمَحْضِ مُخَالِفٌ لِمَا مَرَّ قَبْلَ أَسْطُرٍ نَقْلًا عَنْ (فقظ) أَنَّهُ فِعْلٌ مُلْحَقٌ بِالْقَوْلِ إذْ قَالَ: هُوَ عَقْدٌ تَمَامُهُ بِالْفِعْلِ وَلَعَلَّهُ هُوَ الصَّوَابُ كَمَا لَا يَخْفَى ثُمَّ إنَّ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ نَقْلًا عَنْ (ص) أَنَّ الْقَوْلَ الْمَحْضَ كَبَيْعٍ وَطَلَاقٍ وَعَتَاقٍ وَإِقْرَارٍ وَإِبْرَاءٍ لَكِنْ فِي الْخُلَاصَةِ نَقْلًا عَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ كَبَيْعٍ وَشِرَاءٍ وَطَلَاقٍ وَعَتَاقٍ وَوَكَالَةٍ وَكَفَالَةٍ وَحَوَالَةٍ وَوِصَايَةٍ وَإِبْرَاءٍ وَرَهْنٍ وَدَيْنٍ. اهـ. (ضك) أَلْحَقَ الْقَرْضَ بِالْفِعْلِ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَقْرَضْتُك قَوْلٌ وَالتَّسْلِيمَ فِعْلٌ بَعْدَهُ يَتِمُّ بِهِ الْقَرْضُ فَأُلْحِقَ بِهِ حُكْمُهُ أَمَّا النِّكَاحُ فَقَوْلٌ مُلْحَقُ إحْضَارِ الشُّهُودِ إذْ لَا بُدَّ مِنْ الشُّهُودِ لِعَقْدِ النِّكَاحِ فَحُضُورُهُمْ فِعْلٌ يَقَعُ بَعْدَهُ النِّكَاحُ فَأُلْحِقَ بِفِعْلِ الْإِحْضَارِ بِلَا عَكْسٍ. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُمْ يُمَثِّلُونَهُ بِأَمْسِ وَالْيَوْمِ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّ النُّسْخَةَ إلَّا أَنَّهُمْ تَأَمَّلْ فَيَكُونُ اسْتِدْرَاكًا عَلَى الْإِطْلَاقِ وَقَوْلُهُ وَفِي الْقُنْيَةِ اسْتِدْرَاكٌ آخَرُ مُؤَيِّدٌ لِلِاسْتِدْرَاكِ الْأَوَّلِ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 113 فَأَلْجَأَهُمَا الْقَاضِي إلَى بَيَانِ التَّارِيخِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا: أَظُنُّ كَانَ مُنْذُ سَبْعَةَ أَشْهُرٍ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ وَقَالَ الْآخَرُ: أَظُنُّ مُنْذُ ثَلَاثِ سِنِينَ أَوْ أَزْيَدَ لَا تُقْبَلُ لِمَا اخْتَلَفَا هَذَا الِاخْتِلَافَ الْفَاحِشَ وَإِنْ كَانَ لَا يَحْتَاجَانِ إلَى بَيَانِ التَّارِيخِ اهـ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ قُبَيْلَ بَابِ تَفْوِيضِ الطَّلَاقِ مَعْزِيًّا إلَى كَافِي الْحَاكِمِ لَوْ اخْتَلَفَا فِي الْوَقْتِ أَوْ الْمَكَانِ أَوْ الزَّمَانِ بِأَنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ طَلَّقَهَا يَوْمَ النَّحْرِ بِمَكَّةَ وَالْآخَرُ أَنَّهُ طَلَّقَهَا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ بِالْكُوفَةِ فَهِيَ بَاطِلَةٌ لِتَيَقُّنِ كَذِبِ أَحَدِهِمَا وَلَوْ شَهِدَا بِذَلِكَ فِي يَوْمَيْنِ مُتَفَرِّقَيْنِ بَيْنَهُمَا فِي الْأَيَّامِ قَدْرُ مَا يَسِيرُ الرَّاكِبُ مِنْ الْكُوفَةِ إلَى مَكَّةَ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا وَلَوْ شَهِدَ اثْنَانِ أَنَّهُ طَلَّقَ عَمْرَةَ يَوْمَ النَّحْرِ بِالْكُوفَةِ وَالْآخَرُ أَنَّهُ طَلَّقَ زَيْنَبَ يَوْمَ النَّحْرِ بِمَكَّةَ فَشَهَادَتُهُمَا بَاطِلَةٌ وَلَوْ جَاءَتْ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ فَقُضِيَ بِهَا ثُمَّ جَاءَتْ الْأُخْرَى لَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهَا اهـ. وَهَذَا أَيْضًا مُقَيِّدٌ لِقَوْلِهِمْ إنَّ الِاخْتِلَافَ فِي الزَّمَانِ لَا يَضُرُّ فِي الْأَقْوَالِ فَيُقَالُ: إلَّا إذَا ذَكَرَا مَكَانَيْنِ مُتَبَاعِدَيْنِ. (قَوْلُهُ وَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ قَتَلَ زَيْدًا يَوْمَ النَّحْرِ بِمَكَّةَ وَآخَرَانِ أَنَّهُ قَتَلَهُ بِمِصْرَ رُدَّتَا) أَيْ لَمْ تُقْبَلْ الشَّهَادَتَانِ لِأَنَّ إحْدَاهُمَا كَاذِبَةٌ وَلَيْسَتْ إحْدَاهُمَا بِأَوْلَى مِنْ الْأُخْرَى وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي الزَّمَانِ أَوْ الْآلَةِ الَّتِي وَقَعَ الْقَتْلُ بِهَا لَمْ تُقْبَلْ لِمَا بَيَّنَّا وَذَكَرَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَفَائِدَةُ ذَلِكَ إذَا قَالَ: إنْ لَمْ أَحُجَّ الْعَامَ فَعَبْدِي حُرٌّ فَأَقَامَ الْعَبْدُ شَاهِدَيْنِ أَنَّهُ قُتِلَ يَوْمَ النَّحْرِ بِالْكُوفَةِ فَأَقَامَ الْوَرَثَةُ أَنَّهُ قُتِلَ بِمَكَّةَ اهـ. وَقَيَّدَ بِكَوْنِ الْمَشْهُودِ بِهِ الْقَتْلُ لِأَنَّهُمْ لَوْ شَهِدُوا عَلَى إقْرَارِ الْقَاتِلِ بِذَلِكَ فِي وَقْتَيْنِ أَوْ مَكَانَيْنِ تُقْبَلُ لِأَنَّهُ قَوْلٌ يُعَادُ وَيُكَرَّرُ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْقُنْيَةِ مِنْ بَابِ الْبَيِّنَتَيْنِ الْمُتَضَادَّتَيْنِ وَتَرْجِيحِ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فُرُوعًا حَسَنَةً مُحْتَاجًا إلَيْهَا فَنَذْكُرُهَا عَلَى وَجْهِ الِاقْتِصَارِ فِي مَسَائِلَ الْأُولَى بَرْهَنَ أَوْلِيَاءُ الْمَجْرُوحِ أَنَّهُ مَاتَ بِسَبَبِ الْجُرْحِ وَبَرْهَنَ الْجَارِحُ أَنَّهُ بَرِئَ وَمَاتَ بَعْدَ عَشَرَةِ أَيَّامٍ فَبَيِّنَةُ الْمَقْتُولِ أَوْلَى الثَّانِيَةُ وَلَوْ تَعَارَضَتْ بَيِّنَتَا الْغَبْنِ وَمِثْلِ الْقِيمَةِ فِي مَبِيعِ الْوَصِيِّ مَالَ الصَّبِيِّ فَبَيِّنَةُ الْغَبْنِ أَوْلَى الثَّالِثَةُ بَرْهَنَتْ الْأَمَةُ عَلَى أَنَّهُ دَبَّرَهَا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ وَهُوَ عَاقِلٌ وَبَرْهَنَتْ الْوَرَثَةُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مَخْلُوطَ الْعَقْلِ فَبَيِّنَةُ الْأَمَةِ أَوْلَى وَكَذَا فِي الْخُلْعِ الرَّابِعَةُ تَعَارَضَتْ بَيِّنَتَا الْغَبْنِ وَمِثْلِ الْقِيمَةِ فِي بَيْعِ الْأَبِ مَالَ وَلَدِهِ وَالتَّنَازُعِ بَيْنَ الْمُشْتَرِي وَالِابْنِ بَعْدَ بُلُوغِهِ فَفِيهِ قَوْلَانِ الْخَامِسَةُ تَعَارَضَتْ بَيِّنَتَانِ أَنَّهُ بَاعَ وَهُوَ بَالِغٌ أَوْ فِي صِغَرِهِ فَبَيِّنَةُ الْمُشْتَرِي أَوْلَى لِإِثْبَاتِهَا الْعَارِضَ. السَّادِسَةُ تَعَارَضَتْ بَيِّنَتَا إبْرَاءِ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا فِي صِحَّتِهَا أَوْ مَرَضِهَا قَوْلَانِ السَّابِعَةُ تَعَارَضَتْ بَيِّنَتَا الْإِقْرَارِ لِلْوَارِثِ فِي صِحَّةِ الْمُقِرِّ أَوْ فِي مَرَضِهِ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمُقَرِّ لَهُ وَالْقَوْلُ لِلْوَرَثَةِ عِنْدَ عَدَمِهَا وَلَهُ اسْتِحْلَافُهُمْ الثَّامِنَةُ تَعَارَضَتْ بَيِّنَتَا الْإِكْرَاهِ وَالطَّوْعِ فِي الْإِجَازَةِ فَبَيِّنَةُ الطَّوَاعِيَةِ أَوْلَى وَإِنْ قُضِيَ بِبَيِّنَةِ الْإِكْرَاهِ فِي الْإِجَازَةِ نَفَذَ التَّاسِعَةُ تَعَارَضَتْ بَيِّنَتَا الْبَيْعِ صَحِيحًا أَوْ مُكْرَهًا فَقَوْلَانِ الْعَاشِرَةُ تَعَارَضَتْ بَيِّنَتَا الْبَيْعِ بَاتًّا وَوَفَاءً فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ مُدَّعِي الْوَفَاءِ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ تَعَارَضَتْ بَيِّنَتَا الْكُرْهِ وَالطَّوْعِ فِي الْبَيْعِ وَالصُّلْحِ وَالْإِكْرَاهِ فَبَيِّنَةُ الْكُرْهِ أَوْلَى الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ تَعَارَضَتْ بَيِّنَتَا كَوْنِ زَوْجَةِ الْمَيِّتِ حَرَامًا قَبْلَ مَوْتِهِ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ حَلَالًا وَقْتَ الْمَوْتِ فَبَيِّنَةُ الْمَرْأَةِ أَوْلَى لَهُ كَنِيفٌ فِي طَرِيقِ الْعَامَّةِ فَزَعَمَ غَيْرُهُ أَنَّهُ مُحْدَثٌ وَزَعَمَ صَاحِبُهُ أَنَّهُ قَدِيمٌ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ مَنْ يَدَّعِي أَنَّهُ مُحْدَثٌ. وَقِيلَ: الْقَوْلُ لِلْمُدَّعِي لِكَوْنِهِ مُتَمَسِّكًا بِالْأَصْلِ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ تَعَارَضَتْ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ عَلَى الْوَقْفِ عَلَيْهِ مُطْلَقًا مَعَ بَيِّنَةِ ذِي الْيَدِ أَنَّ بَائِعِي اشْتَرَاهَا مِنْ الْوَاقِفِ وَأَرَّخَ فَبَيِّنَةُ الْوَقْفِ أَوْلَى وَقِيلَ: إلَّا إذَا سَبَقَ تَارِيخُ ذِي الْيَدِ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ تَعَارَضَتْ بَيِّنَتَا صِحَّةِ الْوَقْفِ وَفَسَادِهِ فَإِنْ كَانَ الْفَسَادُ لِشَرْطٍ فِي الْوَقْفِ مُفْسِدٍ فَبَيِّنَةُ الْفَسَادِ أَوْلَى وَإِنْ كَانَ لِمَعْنًى فِي الْمَحِلِّ وَغَيْرِهِ فَبَيِّنَةُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ فَبَيِّنَةُ الْمَقْتُولِ أَوْلَى) مُوَافِقٌ لِمَا فِي الْقُنْيَةِ مِنْ بَابِ الْبَيِّنَتَيْنِ الْمُتَضَادَّتَيْنِ لَكِنْ فِي آخِرِ كِتَابِ الدَّعْوَى مِنْ الْخُلَاصَةِ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ هَذَا عَلَى الصِّحَّةِ وَالْآخَرُ عَلَى الْمَوْتِ بِالضَّرْبِ فَبَيِّنَةُ الصِّحَّةِ أَوْلَى وَكَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَمُشْتَمِلِ الْأَحْكَامِ وَبِهِ أَفْتَى الْمَوْلَى أَبُو السُّعُودِ اهـ. مُلَخَّصًا. مِنْ تَعَارُضِ الْبَيِّنَاتِ لِلشَّيْخِ غَانِمٍ الْبَغْدَادِيِّ وَفِي الْفَتَاوَى الْحَامِدِيَّةِ مَعْزِيًّا إلَى بَعْضِ الْفَتَاوَى بَيِّنَةُ الْيَسَارِ أَوْلَى مِنْ بَيِّنَةِ الْإِعْسَارِ بَيِّنَةُ الْمَوْتِ مِنْ الْجُرْحِ أَوْلَى مِنْ بَيِّنَةِ الْمَوْتِ بَعْدَ الْبُرْءِ بَيِّنَةُ مُدَّعِي الْهِبَةِ فِي الصِّحَّةِ أَوْلَى مِنْ بَيِّنَةِ الْهِبَةِ فِي الْمَرَضِ بَيِّنَةُ مُدَّعِي الطَّوَاعِيَةِ أَوْلَى مِنْ مُدَّعِي الْكَرَاهِيَةِ لَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ خِلَافُهُ بَيِّنَةُ الصِّحَّةِ أَوْلَى مِنْ بَيِّنَةِ الْفَسَادِ فِي الشِّرَاءِ بَيِّنَةُ مُدَّعِي الْمَهْرِ أَوْلَى مِنْ مُدَّعِي الْهَدِيَّةِ بَيِّنَةُ الْعَقْلِ أَوْلَى مِنْ كَوْنِهِ مَجْنُونًا وَقْتَ الْخُلْعِ بَيِّنَةُ الشَّفِيعِ أَوْلَى مِنْ بَيِّنَةِ الْمُشْتَرِي بَيِّنَةُ كَوْنِ الْمُتَصَرِّفِ عَاقِلًا أَوْلَى مِنْ بَيِّنَةِ كَوْنِهِ مَجْنُونًا بَيِّنَةُ الْخَارِجِ أَوْلَى مِنْ بَيِّنَةِ ذِي الْيَدِ فِي دَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ بَيِّنَةُ الْوَفَاءِ أَوْلَى مِنْ بَيِّنَةِ الْبَتَاتِ بَيِّنَةُ الْإِكْرَاهِ أَوْلَى مِنْ بَيِّنَةِ الطَّوْعِ بَيِّنَةُ الْهِبَةِ أَوْلَى مِنْ بَيِّنَةِ الْعَارِيَّةِ بَيِّنَةُ الصِّحَّةِ أَوْلَى مِنْ بَيِّنَةِ الْمَوْتِ بَيِّنَةُ الْإِبْرَاءِ أَوْلَى مِنْ بَيِّنَةِ الْإِقْرَارِ بَيِّنَةُ الْبَيْعِ أَوْلَى مِنْ بَيِّنَةِ الرَّهْنِ بَيِّنَةُ الْقَرْضِ أَوْلَى مِنْ بَيِّنَةِ الْمُضَارَبَةِ بَيِّنَةُ الْمِلْكِ أَوْلَى مِنْ بَيِّنَةِ الْغَصْبِ بَيِّنَةُ الْحُدُوثِ أَوْلَى مِنْ بَيِّنَةِ الْقِدَمِ بَيِّنَةُ الرَّهْنِ أَوْلَى مِنْ بَيِّنَةِ الْهِبَةِ بَيِّنَةُ التَّمْلِيكِ أَوْلَى مِنْ بَيِّنَةِ الْعَارِيَّةِ بَيِّنَةُ الصِّحَّةِ أَوْلَى مِنْ بَيِّنَةِ الْمَرَضِ بَيِّنَةُ الْفَاسِدِ أَوْلَى مِنْ بَيِّنَةِ الصِّحَّةِ بَيِّنَةُ الْبَيْعِ أَوْلَى مِنْ بَيِّنَةِ الْهِبَةِ بَيِّنَةُ الْبِنَاءِ الْقَدِيمِ أَوْلَى مِنْ بَيِّنَةِ الْبِنَاءِ الْحَادِثِ وَتَمَامُهُ فَلْيُرَاجَعْ كَذَا فِي حَاشِيَةِ الدُّرِّ الْمُخْتَارِ لِلشَّيْخِ خَلِيلٍ الْفَتَّالِ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 114 الصِّحَّةِ أَوْلَى وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ إذَا اخْتَلَفَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ وَفَسَادِهِ الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ تَعَارَضَتْ بَيِّنَتَا الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ مِنْ الْخَارِجِ وَالشِّرَاءِ مِنْ آخَرَ مِنْ ذِي الْيَدِ فَبَيِّنَةُ مُدَّعِي الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ أَوْلَى السَّادِسَةَ عَشْرَةَ تَعَارَضَتْ بَيِّنَتَا الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ فِي قِيمَةِ الرَّهْنِ فَبَيِّنَةُ الرَّاهِنِ أَوْلَى السَّابِعَةَ عَشْرَةَ تَعَارَضَتْ بَيِّنَتَا وُجُودِ الشَّرْطِ وَعَدَمِهِ فَبَيِّنَةُ الْمَرْأَةِ أَوْلَى الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ تَعَارَضَتْ بَيِّنَتَا بَيْعِ الْوَصِيِّ بَعْدَ عَزْلِهِ أَوْ قَبْلَهُ فَبَيِّنَةُ الْمُشْتَرِي أَوْلَى لِمَا فِيهَا مِنْ زِيَادَةِ إثْبَاتِ نَفَاذِ الشِّرَاءِ أَوْ سَبْقِ التَّارِيخِ وَقِيلَ: بَيِّنَةُ الْعَزْلِ أَوْلَى وَكَذَا الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ مِنْ الْوَكِيلِ التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ تَعَارَضَتْ بَيِّنَتَانِ فِي حِمَارٍ وَقَالَ الْمُدَّعِي: إنَّهُ مِلْكِي غَابَ عَنِّي مُنْذُ ثَمَانِيَةِ أَشْهُرٍ وَقَالَ ذُو الْيَدِ: اشْتَرَيْتُهُ مُنْذُ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَبَيِّنَةُ الْمُدَّعِي أَوْلَى الْعِشْرُونَ ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ الْبَرَاءَةَ مِنْ الْمَهْرِ بِشَرْطٍ وَادَّعَاهَا زَوْجُهَا مُطْلَقَةً وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَبَيِّنَةُ الْمَرْأَةِ أَوْلَى إنْ كَانَ الشَّرْطُ مُتَعَارَفًا يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ مَعَهُ. وَقِيلَ: بَيِّنَةُ الزَّوْجِ أَوْلَى الْحَادِيَةُ وَالْعِشْرُونَ أَقَامَ أَحَدُ الْأَخَوَيْنِ بَيِّنَةً أَنَّ الدَّارَ الَّتِي فِي أَيْدِينَا كَانَتْ لِأُمِّي تَرَكَتْهَا مِيرَاثًا بَيْنِي وَبَيْنَ أَبِي وَأَقَامَ الْآخَرُ بَيِّنَةً أَنَّهَا كَانَتْ لِأَبِينَا فَتَرَكَهَا مِيرَاثًا لَنَا فَبَيِّنَةُ الْأَوَّلِ أَوْلَى لِإِثْبَاتِهِ الزِّيَادَةَ الثَّانِيَةُ وَالْعِشْرُونَ أَقَامَتْ الْمَرْأَةُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمَهْرِ عَلَى أَنَّ زَوْجَهَا كَانَ مُقِرًّا بِذَلِكَ إلَى يَوْمِنَا هَذَا وَأَقَامَ الزَّوْجُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا أَبْرَأَتْهُ مِنْ هَذَا الْمَهْرِ الَّذِي تَدَّعِي فَبَيِّنَةُ الْبَرَاءَةِ أَوْلَى وَكَذَا فِي الدَّيْنِ لِأَنَّ بَيِّنَةَ مُدَّعِي الدَّيْنِ بَطَلَتْ بِإِقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَمَّا ادَّعَى الْبَرَاءَةَ وَلَمْ تَبْطُلْ بَيِّنَةُ الْبَرَاءَةِ وَهَذَا كَشُهُودِ الْبَيْعِ وَالْإِقَالَةِ فَإِنَّ بَيِّنَةَ الْإِقَالَةِ أَوْلَى لِبُطْلَانِ بَيِّنَةِ الْبَيْعِ بِإِقْرَارِ مُدَّعِي الْإِقَالَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَحْفَظَ هَذَا الْأَصْلُ فَإِنَّهُ يُخَرَّجُ بِهِ كَثِيرٌ مِنْ الْوَاقِعَاتِ الثَّالِثَةُ وَالْعِشْرُونَ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ سِتَّةَ دَنَانِيرَ فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: إنَّهُ أَبْرَأَنِي عَنْ هَذِهِ الدَّعْوَى فَأَقَامَ بَيِّنَةً وَأَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً أَنَّهُ كَانَ أَقَرَّ لَهُ بِسِتَّةِ دَنَانِيرَ قِيلَ: تَصِحُّ دَعْوَى الْإِقْرَارِ ثَانِيًا وَقِيلَ: لَا تَصِحُّ وَقِيلَ: إنْ ذَكَرَ الْخَصْمُ الْقَبُولَ أَوْ التَّصْدِيقَ فِي الْإِبْرَاءِ لَا يَصِحُّ وَإِلَّا يَصِحُّ الرَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ تَعَارَضَتْ بَيِّنَةُ الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ فِي الشِّرَاءِ فَفِيهِ قَوْلَانِ الْخَامِسَةُ وَالْعِشْرُونَ تَعَارَضَتْ بَيِّنَتَا الْإِجَازَةِ وَالرَّدِّ فِي بَيْعِ الْفُصُولَيْنِ فَبَيِّنَةُ الْمُشْتَرِي أَوْلَى السَّادِسَةُ وَالْعِشْرُونَ تَعَارَضَتْ بَيِّنَتَا السُّكُوتِ وَالرَّدِّ فِي نِكَاحِ الْبِكْرِ فَبَيِّنَتُهَا أَوْلَى بِخِلَافِ مَا إذَا بَرْهَنَ عَلَى إجَازَتِهَا وَهِيَ عَلَى رَدِّهَا فَبَيِّنَتُهُ أَوْلَى السَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ تَعَارَضَتْ بَيِّنَتَا الْبَيْعِ وَالْوَقْفِ عَلَيْهِ مُسَجَّلًا فَبَيِّنَةُ مُدَّعِي الْبَيْعِ أَوْلَى إلَّا إذَا عَيَّنَ الْوَاقِفُ فَبَيِّنَةُ الْوَقْفِ أَوْلَى لِأَنَّهُ يَصِيرُ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّعْيِينِ كَبَيِّنَةِ الْمِلْكِ مَعَ بَيِّنَةِ الْعِتْقِ اهـ. (قَوْلُهُ فَإِنْ قُضِيَ بِإِحْدَاهُمَا أَوَّلًا بَطَلَتْ الْأُخْرَى) لِأَنَّ الْأُولَى تَرَجَّحَتْ بِاتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهَا فَلَا تُنْقَضُ بِالثَّانِيَةِ وَنَظِيرُهُ لَوْ كَانَ مَعَ رَجُلٍ ثَوْبَانِ أَحَدُهُمَا نَجِسٌ فَتَحَرَّى وَصَلَّى فِي أَحَدِهِمَا ثُمَّ وَقَعَ تَحَرِّيهِ عَلَى طَهَارَةِ الْآخَرِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ إذَا اخْتَلَفَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ وَفَسَادِهِ) قَالَ فِي تَعَارُضِ الْبَيِّنَاتِ لِلشَّيْخِ غَانِمٍ الْبَغْدَادِيِّ: إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ أَحَدُهُمَا يَدَّعِي الصِّحَّةَ وَالْآخَرُ يَدَّعِي الْفَسَادَ شَرْطًا فَاسِدًا أَوْ أَجَلًا فَاسِدًا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ مُدَّعِي الصِّحَّةِ وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةَ مُدَّعِي الْفَسَادِ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ وَإِنْ كَانَ مُدَّعِي الْفَسَادِ يَدَّعِي الْفَسَادَ لِمَعْنًى فِي صُلْبِ الْعَقْدِ بِأَنْ ادَّعَى أَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَرَطْلٍ مِنْ الْخَمْرِ وَالْآخَرُ يَدَّعِي الْبَيْعَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فِيهِ رِوَايَتَانِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ الْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَدَّعِي الصِّحَّةَ أَيْضًا وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْآخَرِ كَمَا فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَفِي رِوَايَةٍ الْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَدَّعِي الْفَسَادَ مُشْتَمِلُ الْأَحْكَامِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَبَيِّنَةُ الْمُدَّعِي أَوْلَى) أَيْ لِأَنَّهُ خَارِجٌ وَلَمْ يُعْتَبَرْ الْأَسْبَقُ تَارِيخًا لِأَنَّ تَارِيخَهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ لِأَنَّهُ تَارِيخُ غَيْبَةٍ لَا تَارِيخُ مِلْكٍ فَلَمْ يُوجَدْ التَّارِيخُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ حَتَّى يُعْتَبَرَ أَسْبَقُهُمَا (قَوْلُهُ أَقَامَ أَحَدُ الْأَخَوَيْنِ بَيِّنَةً) أَيْ عَلَى أَخِيهِ الْآخَرِ لِأَبِيهِ (قَوْلُ الْمُصَنِّفُ فَإِنْ قُضِيَ بِأَحَدِهِمَا أَوَّلًا بَطَلَتْ الْأُخْرَى إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: يَدُلُّ بِظَاهِرِهِ عَلَى أَنَّهُ فِي الْمَسَائِلِ الَّتِي سَرَدَهَا وَفِيهَا تَرْجِيحُ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ لَوْ قُضِيَ بِالْمَرْجُوحَةِ تُقْبَلُ الْمُرَجَّحَةُ وَلَوْ اتَّصَلَ الْقَضَاءُ بِالْأُخْرَى الَّتِي هِيَ مَرْجُوحَةٌ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِخِلَافِ الْمُتَسَاوِيَةِ فَإِنَّهَا مَا تَرَجَّحَتْ إلَّا بِاتِّصَالِهَا بِالْقَضَاءِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَ مَا إذَا تَسَاوَيَا فَتُرَجَّحُ الْأُولَى بِاتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهَا أَوْ سَبْقِ الْقَضَاءِ بِالْمُرَجَّحَةِ إذْ لَا مُعَارِضَ لَهَا وَقْتَهُ وَبَيْنَ مَا إذَا كَانَتْ إحْدَاهُمَا أَوْلَى بِالْقَبُولِ فَقُضِيَ بِغَيْرِهَا ثُمَّ أُقِيمَتْ عَلَيْهَا يُعْمَلُ بِهَا وَلَوْ اتَّصَلَ الْقَضَاءُ بِغَيْرِهَا لِأَوَّلِيَّتِهَا يُؤَيِّدُهُ مَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ فِي شَرْحِ مَا يَأْتِي مِنْ مَسْأَلَةِ مَا لَوْ بَرْهَنَا عَلَى نِكَاحِ امْرَأَةٍ مِنْ قَوْلِهِ فِي تَعْلِيلِ كَوْنِهَا لِمَنْ سَبَقَتْ بَيِّنَتُهُ لِكَوْنِهَا أَقْوَى لِاتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهَا لِأَنَّهَا لَمَّا سَبَقَتْ وَحُكِمَ بِهَا تَأَكَّدَتْ فَلَا تُنْقَضُ بِغَيْرِ الْمُتَأَكِّدَةِ اهـ. فَإِنَّ الْمُرَجَّحَةَ أَقْوَى قَبْلَ اتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهَا فَهِيَ مُتَأَكِّدَةٌ فَيُنْقَضُ الْقَضَاءُ بِغَيْرِهَا لِأَرْجَحِيَّتِهَا قَبْلَهُ لَكِنْ عَلَّلَ الزَّيْلَعِيُّ مَسْأَلَةَ الْقَتْلِ لِأَنَّهُ لَمَّا حُكِمَ بِأَنَّهُ قُتِلَ بِمَكَّةَ صَارَ ذَلِكَ حُكْمًا بِأَنَّهُ لَمْ يُقْتَلْ فِي غَيْرِهَا إذْ قَتْلُ شَخْصٍ وَاحِدٍ فِي مَكَانَيْنِ لَا يُتَصَوَّرُ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ فِي الْمَسَائِلِ الَّتِي سَرَدَهَا لَا يُنْقَضُ الْحُكْمُ السَّابِقُ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ حُكْمٌ بِنَفْيِ مُقَابِلِهِ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ مِثْلُهَا فِي بَيْعٍ وَإِحْدَاثِهِ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ وَبِمِثْلِ الْقِيمَةِ وَكَذَا فِي نَظَائِرِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ ثُمَّ رَأَيْت فِي فَتَاوَى شَيْخِ مَشَايِخِي شِهَابِ الدِّينِ الْحَلَبِيِّ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ إذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ بِالْبَيِّنَةِ الْأُولَى لَا تُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ الثَّانِيَةُ لِأَنَّ الْأُولَى تَرَجَّحَتْ بِاتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهَا قَالَ قَاضِي خَانْ: لَوْ أَقَامَتْ الْمَرْأَةُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْمَيِّتَ تَزَوَّجَهَا يَوْمَ النَّحْرِ بِمَكَّةَ وَحَكَمَ الْقَاضِي بِشَهَادَتِهِمْ ثُمَّ أَقَامَتْ أُخْرَى أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ بِخُرَاسَانَ لَمْ تُقْبَلْ. اهـ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 115 لَا تَجُوزُ لَهُ الصَّلَاةُ فِيهِ لِأَنَّ الْأَوَّلَ اتَّصَلَ بِحُكْمِ الشَّرْعِ فَلَا يَنْتَقِضُ بِوُقُوعِ التَّحَرِّي فِي الْآخَرِ. (قَوْلُهُ وَلَوْ شَهِدَا بِسَرِقَةِ بَقَرَةٍ وَاخْتَلَفَا فِي لَوْنِهَا قُطِعَ بِخِلَافِ الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ وَالْغَصْبِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا: لَا قَطْعَ فِي الْوَجْهَيْنِ وَقِيلَ: الِاخْتِلَافُ فِي لَوْنَيْنِ يَتَشَابَهَانِ كَالسَّوَادِ وَالْحُمْرَةِ لَا فِي السَّوَادِ وَالْبَيَاضِ وَقِيلَ: فِي جَمِيعِ الْأَلْوَانِ لَهُمَا أَنَّ السَّرِقَةَ فِي السَّوْدَاءِ غَيْرُهَا فِي الْبَيْضَاءِ فَلَمْ يَتِمَّ عَلَى كُلِّ فِعْلٍ نِصَابُ الشَّهَادَةِ وَصَارَ كَالْغَصْبِ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ أَمْرَ الْحَدِّ أَهَمُّ وَصَارَ كَالذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ وَلَهُ أَنَّ التَّوْفِيقَ مُمْكِنٌ لِأَنَّ التَّحَمُّلَ فِي اللَّيَالِيِ مِنْ بَعِيدٍ وَاللَّوْنَانِ يَتَشَابَهَانِ أَوْ يَجْتَمِعَانِ فَيَكُونُ السَّوَادُ مِنْ جَانِبٍ وَهَذَا يُبْصِرُهُ وَالْبَيَاضُ مِنْ جَانِبٍ آخَرَ وَهَذَا يُشَاهِدُهُ بِخِلَافِ الْغَصْبِ لِأَنَّ التَّحَمُّلَ فِيهِ بِالنَّهَارِ غَالِبًا عَلَى قُرْبٍ مِنْهُ وَالذُّكُورِيَّةُ وَالْأُنُوثَةُ لَا يَجْتَمِعَانِ فِي وَاحِدٍ وَكَذَا الْوُقُوفُ عَلَى ذَلِكَ بِالْقُرْبِ مِنْهُ فَلَا يَشْتَبِهُ أَطْلَقَ فِي اللَّوْنِ فَشَمَلَ جَمِيعَ الْأَلْوَانِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي الْكَافِي وَقَدَّمْنَا الِاخْتِلَافَ فِيهِ وَفِي الْقُنْيَةِ خِلَافُ غَيْرِ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ فِيمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي صِفَتَيْنِ مُتَضَادَّتَيْنِ كَالسَّوَادِ وَالْبَيَاضِ فَأَمَّا فِي الْمُتَقَارِبَتَيْنِ كَمَا إذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا عَلَى الصُّفْرَةِ وَالْآخَرُ عَلَى الْحُمْرَةِ فَإِنَّهُ تُقْبَلُ لِأَنَّ الصُّفْرَةَ الْمُشْبَعَةَ تَضْرِبُ إلَى الْحُمْرَةِ وَالْحُمْرَةُ إذَا رَقَّتْ تَضْرِبُ إلَى الصُّفْرَةِ وَكَثِيرٌ مِنْ الْعَوَامّ لَا يُمَيِّزُونَ بَيْنَهُمَا وَكَذَا إذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا غَبْرَاءُ وَالْآخَرُ أَنَّهَا بَيْضَاءُ تُقْبَلُ بِلَا خِلَافٍ وَعَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ بَيْنَ الْإِمَامِ وَصَاحِبَيْهِ لَوْ اخْتَلَفَا فِي ثَوْبٍ بِأَنْ قَالَ أَحَدُهُمَا: هَرَوِيٌّ وَقَالَ الْآخَرُ مَرْوِيٌّ وَقَيَّدَ الِاخْتِلَافَ بِمَا ذُكِرَ احْتِرَازًا عَمَّا إذَا اخْتَلَفَا فِي الزَّمَانِ أَوْ الْمَكَانِ فَإِنَّهَا لَا تُقْبَلُ لِأَنَّهَا مِنْ قَبِيلِ الْأَفْعَالِ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ شَهِدَا بِسَرِقَةِ بَقَرَةٍ إلَى أَنَّ الْمُدَّعِيَ ادَّعَى بَقَرَةً مُطْلَقَةً مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِوَصْفٍ وَأَمَّا إذَا ادَّعَى سَرِقَةَ بَقَرَةٍ سَوْدَاءَ أَوْ بَيْضَاءَ لَمْ تُقْبَلْ إجْمَاعًا لِأَنَّ الْمُدَّعِي كَذَّبَ أَحَدَهُمَا. [شَهِدَ لِرَجُلٍ أَنَّهُ اشْتَرَى عَبْدَ فُلَانِ بِأَلْفٍ وَشَهِدَ آخَرُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ] (قَوْلُهُ وَمَنْ شَهِدَ لِرَجُلٍ أَنَّهُ اشْتَرَى عَبْدَ فُلَانِ بِأَلْفٍ وَشَهِدَ آخَرُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ بَطَلَتْ الشَّهَادَةُ) لِأَنَّهُمَا لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى عَقْدٍ وَاحِدٍ وَالشِّرَاءُ بِأَلْفٍ غَيْرُ الشِّرَاءِ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ وَالْمَقْصُودُ إثْبَاتُ الْعَقْدِ فَإِذَا اخْتَلَفَ الْمَشْهُودُ بِهِ تَعَذَّرَ الْحُكْمُ لِقُصُورِ الْحُجَّةِ عَنْ كَمَالِ الْعَدَدِ أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ مَا إذَا كَانَ الْمُدَّعِي يَدَّعِي أَقَلَّ الْمَالَيْنِ أَوْ أَكْثَرَهُمَا وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْمُدَّعِيَ لَوْ كَانَ هُوَ الْبَائِعُ وَاخْتَلَفَ شَاهِدَاهُ لَمْ تُقْبَلْ أَيْضًا لِمَا ذَكَرْنَا وَذَكَرَ عَلَاءُ الدِّينِ السَّمَرْقَنْدِيُّ أَنَّ الشَّهَادَةَ تُقْبَلُ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ لِأَنَّ التَّوْفِيقَ مُمْكِنٌ لِأَنَّ الشِّرَاءَ الْوَاحِدَ قَدْ يَكُونُ بِأَلْفٍ ثُمَّ يَصِيرُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ بِأَنْ يَشْتَرِيَهُ بِأَلْفٍ ثُمَّ يَزِيدَهُ عَلَيْهِ خَمْسَمِائَةٍ فَقَدْ اتَّفَقَا عَلَى شِرَاءٍ وَاحِدٍ اهـ. وَهُوَ عَجِيبٌ مِنْهُ فَإِنَّ الْمَسْأَلَةَ نَصُّ مُحَمَّدٍ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَقَدْ أَجَابَ فِي الْعِنَايَةِ عَنْ دَلِيلِهِ بِأَنَّهُ إذَا اشْتَرَى بِأَلْفٍ ثُمَّ زَادَ خَمْسَمِائَةٍ فَلَا يُقَالُ اشْتَرَى بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ وَلِهَذَا يَأْخُذُ الشَّفِيعُ بِأَصْلِ الثَّمَنِ اهـ. وَلَمْ يَزِدْ فِي الْمِعْرَاجِ عَلَى قَوْلِهِ وَفِيهِ نَوْعُ تَأَمُّلٍ وَنَقَلَهُ عَنْهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَمْ يُبَيِّنْهُ ثُمَّ رَأَيْت الْجَامِعَ الصَّغِيرَ فَإِذَا هُوَ لَمْ يَذْكُرْ إلَّا مَسْأَلَةَ الْبَيْعِ وَكَلَامُ السَّمَرْقَنْدِيِّ فِيمَا قِيسَ عَلَيْهَا وَهُوَ الشِّرَاءُ فَلِذَا قَالَ بِالْقَبُولِ فِيهِ بِخِلَافِ مَا إذَا اخْتَلَفَا فِي جِنْسِ الثَّمَنِ كَأَلْفِ دِرْهَمٍ وَمِائَةِ دِينَارِ فَإِنَّهَا لَا تُقْبَلُ اتِّفَاقًا وَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى أَنَّهُمَا لَوْ شَهِدَا بِالشِّرَاءِ وَلَمْ يُبَيِّنَا الثَّمَنَ لَمْ تُقْبَلْ لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ ادَّعَى مَحْدُودًا بِسَبَبِ الشِّرَاءِ مِنْ فُلَانٍ وَدَفَعَ الثَّمَنَ إلَيْهِ وَقَبَضَ الْمُدَّعِي بِالرِّضَا فَشَهِدَا بِأَنَّهُ مَلَّكَهُ بِالشِّرَاءِ مِنْهُ لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ لِأَنَّهُ دَعْوَى الْمِلْكِ بِسَبَبٍ وَالْقَاضِي أَيْضًا لَا بُدَّ أَنْ يَقْضِيَ بِذَلِكَ السَّبَبِ وَلَمْ يَذْكُرُوا الثَّمَنَ وَلَا قَدْرَهُ وَلَا وَصْفَهُ وَالْحُكْمُ بِالشِّرَاءِ بِثَمَنٍ مَجْهُولٍ لَا يَصِحُّ قِيلَ: الْمُدَّعِي ذَكَرَ التَّقَابُضَ وَشَهِدَا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى أَنَّهُمَا لَوْ شَهِدَا بِالشِّرَاءِ وَلَمْ يُبَيِّنَا الثَّمَنَ لَمْ تُقْبَلْ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِهِمْ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ فِيمَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْقَضَاءِ بِالثَّمَنِ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ قَدْرِهِ وَوَصْفِهِ وَمَا لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْقَضَاءِ بِهِ لَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِهِ تَنَبَّهْ وَفِي الْمَبْسُوطِ وَإِذَا ادَّعَى رَجُلٌ شِرَاءَ دَارٍ فِي يَدِ رَجُلٍ وَشَهِدَ شَاهِدَانِ وَلَمْ يُسَمِّيَا الثَّمَنَ وَالْبَائِعُ يُنْكِرُ ذَلِكَ فَشَهَادَتُهُمَا بَاطِلَةٌ لِأَنَّ الدَّعْوَى إنْ كَانَتْ بِصِفَةِ الشَّهَادَةِ فَهِيَ فَاسِدَةٌ وَإِنْ كَانَتْ مَعَ تَسْمِيَةِ الثَّمَنِ فَالشُّهُودُ لَمْ يَشْهَدُوا بِمَا ادَّعَاهُ الْمُدَّعِي ثُمَّ الْقَاضِي يَحْتَاجُ إلَى الْقَضَاءِ بِالْعَقْدِ وَيَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ بِالْعَقْدِ إذَا لَمْ يَكُنْ الثَّمَنُ مُسَمًّى لِأَنَّهُ كَمَا لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ ابْتِدَاءً بِدُونِ تَسْمِيَةِ الثَّمَنِ فَكَذَلِكَ لَا يَظْهَرُ بِالْقَضَاءِ بِدُونِ تَسْمِيَةِ الثَّمَنِ وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَقْضِيَ بِالثَّمَنِ حِينَ لَمْ يَشْهَدْ بِهِ الشُّهُودُ ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ شَهِدَا عَلَى إقْرَارِ الْبَائِعِ بِالْبَيْعِ وَلَمْ يُسَمِّيَا ثَمَنًا وَلَمْ يَشْهَدَا بِقَبْضِ الثَّمَنِ فَالشَّهَادَةُ بَاطِلَةٌ لِأَنَّ حَاجَةَ الْقَاضِي إلَى الْقَضَاءِ بِالْعَقْدِ وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ الثَّمَنُ مُسَمًّى وَإِنْ قَالَا: أَقَرَّ عِنْدَنَا أَنَّهُ بَاعَهَا مِنْهُ وَاسْتَوْفَى الثَّمَنَ وَلَمْ يُسَمِّيَا الثَّمَنَ فَهُوَ جَائِزٌ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى الْقَضَاءِ بِالْمِلْكِ لِلْمُدَّعِي دُونَ الْقَضَاءِ بِالْعَقْدِ فَقَدْ انْتَهَى حُكْمُ الْعَقْدِ بِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ وَلِأَنَّ الْجَهَالَةَ إنَّمَا تُؤَثِّرُ لِأَنَّهَا تُفْضِي إلَى مُنَازَعَةٍ مَانِعَةٍ مِنْ التَّسْلِيمِ وَالتَّسَلُّمِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَا لَا يُحْتَاجُ إلَى قَبْضِهِ فَجَهَالَتُهُ لَا تَضُرُّ وَهُوَ الْمَصَالِحُ عَنْهُ بِخِلَافِ مَا يُحْتَاجُ إلَى قَبْضِهِ وَهُوَ الْمَصَالِحُ فَإِذَا أَقَرَّ بِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ فَلَا حَاجَةَ هُنَا إلَى تَسْلِيمِ الثَّمَنِ فَجَهَالَتُهُ لَا تَمْنَعُ الْقَاضِيَ مِنْ الْقَضَاءِ بِحُكْمِ الْإِقْرَارِ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 116 عَلَى مُوَافَقَةٍ وَمَعَ التَّقَابُضُ لَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِ الثَّمَنِ قُلْنَا شَهِدَا بِالشِّرَاءِ لَا غَيْرُ وَالتَّقَابُضُ لَا يَنْدَرِجُ تَحْتَ لَفْظِ الشِّرَاءِ لَا صَرِيحًا وَلَا دَلَالَةً وَإِذَا قَضَى بِالشِّرَاءِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ الْقَضَاءِ بِالثَّمَنِ أَيْضًا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَالْقَضَاءُ بِالْمَجْهُولِ لَا يَتَحَقَّقُ. اهـ. . (قَوْلُهُ وَكَذَا الْكِتَابَةُ وَالْخُلْعُ) يَعْنِي إذَا اخْتَلَفَ الشَّاهِدَانِ فِي مِقْدَارِ الْبَدَلِ فِيهِمَا لَمْ تُقْبَلُ أَطْلَقَهُمَا فَشَمَلَ مَا إذَا كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الْعَبْدُ وَهُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ هُوَ الْعَقْدُ وَمَا إذَا كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الْمَوْلَى لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَثْبُتُ قَبْلَ الْأَدَاءِ فَكَانَ الْمَقْصُودُ إثْبَاتَ السَّبَبِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَقِيلَ: إنْ كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الْمَوْلَى لَا تُفِيدُ بَيِّنَتُهُ لِأَنَّ الْعَقْدَ غَيْرُ لَازِمٍ فِي حَقِّ الْعَبْدِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْفَسْخِ بِالتَّعْجِيزِ وَأَطْلَقَ الْخُلْعَ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ هِيَ الْمُدَّعِيَةُ لِلْخُلْعِ لِأَنَّ مَقْصُودَهَا إثْبَاتُ السَّبَبِ دُونَ الْمَالِ فَلَا يَثْبُتُ مَعَ اخْتِلَافِهِمَا فِيهِ كَالْبَيْعِ بِخِلَافِ دَعْوَى الدَّيْنِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الْمَالُ وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الزَّوْجُ وَقَعَ الطَّلَاقُ بِإِقْرَارِهِ فَيَكُونُ دَعْوَى دَيْنٍ فَيَثْبُتُ الْأَقَلُّ وَهُوَ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ وَأَشَارَ بِالْكِتَابَةِ وَالْخُلْعِ إلَى كُلِّ عَقْدٍ شَابَهَهُمَا وَهُوَ الصُّلْحُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ وَالْعِتْقُ عَلَى مَالٍ وَالرَّهْنُ فَفِي الصُّلْحِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمُدَّعِي هُوَ الْقَاتِلُ وَفِي الْإِعْتَاقِ لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ الْمُدَّعِي الْعَبْدَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إثْبَاتُ الْعَقْدِ وَالْحَاجَةُ مَاسَّةٌ إلَيْهِ فَإِنْ كَانَتْ الدَّعْوَى مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ دَعْوَى الدَّيْنِ فِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْوُجُوهِ لِثُبُوتِ الْعَفْوِ وَالْعِتْقِ بِاعْتِرَافِ صَاحِبِ الْحَقِّ فَبَقِيَ الدَّعْوَى فِي الدَّيْنِ. فَإِنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفَيْنِ لَمْ يُقْضَ بِشَيْءٍ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يُقْضَى بِالْأَقَلِّ وَإِنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ يُقْضَى بِأَلْفٍ اتِّفَاقًا وَأَمَّا فِي الرَّهْنِ فَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الرَّاهِنُ لَمْ تُقْبَلْ لِأَنَّهُ لَا حَظَّ لَهُ فِي الرَّهْنِ بِعَدَمِ لُزُومِهِ فِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ فَعَرِيَتْ الشَّهَادَةُ عَنْ الدَّعْوَى وَإِنْ كَانَ الْمُرْتَهِنُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ دَعْوَى الدَّيْنِ وَصَوَّرَهُ الشَّارِحُ بِأَنْ يَدَّعِيَ أَنَّهُ رَهَنَهُ أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ وَادَّعَى أَنَّهُ قَبَضَهُ ثُمَّ أَخَذَهُ الرَّاهِنُ فَطَلَبَ الِاسْتِرْدَادَ مِنْهُ فَأَقَامَ بَيِّنَةً فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ أَقَلُّهُمَا اهـ. وَهَذِهِ صُورَةُ دَعْوَى الْعَقْدِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تُقْبَلَ أَصْلًا وَلَمْ يَذْكُرْ صُورَةَ دَعْوَى الدَّيْنِ وَصَوَّرَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنْ يَقُولَ الْمُرْتَهِنُ: أُطَالِبُهُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ لِي عَلَيْهِ عَلَى رَهْنٍ لَهُ عِنْدِي وَظَاهِرُ الْهِدَايَةِ أَنَّ الرَّهْنَ إنَّمَا هُوَ مِنْ قَبِيلِ دَعْوَى الدَّيْنِ وَتَعَقَّبَهُ فِي الْعِنَايَةِ تَبَعًا لِلنِّهَايَةِ بِأَنَّ عَقْدَ الرَّهْنِ بِأَلْفٍ غَيْرُهُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ فَيَجِبُ أَنْ لَا تُقْبَلَ الْبَيِّنَةُ وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الْمُرْتَهِنُ لِأَنَّهُ كَذَّبَ أَحَدَ شَاهِدَيْهِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْعَقْدَ غَيْرُ لَازِمٍ فِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ حَيْثُ كَانَ لَهُ وِلَايَةُ الرَّدِّ مَتَى شَاءَ فَكَأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْعَدَمِ فَكَانَ الِاعْتِبَارُ لِدَعْوَى الدَّيْنِ لِأَنَّ الرَّهْنَ لَا يَكُونُ إلَّا بِدَيْنٍ فَتُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ كَمَا فِي سَائِرِ الدُّيُونِ وَيَثْبُتُ الرَّهْنُ بِالْأَلْفِ ضِمْنًا وَتَبَعًا اهـ. وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُؤَلِّفُ الْإِجَارَةَ لَكِنْ أَشَارَ بِالْبَيْعِ إلَيْهَا وَلِذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ إنْ كَانَ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْمُدَّةِ فَهُوَ نَظِيرُ الْبَيْعِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ وَالْمُدَّعِي هُوَ الْآجِرُ فَهُوَ دَعْوَى الدَّيْنِ. اهـ. قَيَّدَ بِكَوْنِ الْمُدَّعِي هُوَ الْآجِرُ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا إذَا كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الْمُسْتَأْجِرُ فَهُوَ دَعْوَى الْعَقْدِ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ مُعْتَرِفٌ بِمَالِ الْإِجَارَةِ فَيُقْضَى عَلَيْهِ بِمَا اعْتَرَفَ بِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ اتِّفَاقُ الشَّاهِدَيْنِ أَوْ اخْتِلَافُهُمَا فِيهِ وَلَا يَثْبُتُ الْعَقْدُ لِلِاخْتِلَافِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ: إنْ كَانَ ذَلِكَ اعْتِرَافًا مِنْهُ بِمَالِ الْإِجَارَةِ فَيَجِبُ مَا اعْتَرَفَ بِهِ وَلَا حَاجَةَ إلَى الشُّهُودِ لِأَنَّهُ إنْ أَقَرَّ بِالْأَكْثَرِ فَلَا يَبْقَى نِزَاعٌ وَإِنْ أَقَرَّ بِالْأَقَلِّ فَالْآجِرُ لَا يَأْخُذُ مِنْهُ بِبَيِّنَةٍ سِوَى ذَلِكَ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَفِي بَعْضِ الشُّرُوحِ فَإِنْ كَانَ.   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ فَكَانَ الْمَقْصُودُ إثْبَاتَ السَّبَبِ) قَالَ فِي الْفَتْحِ لِأَنَّ دَعْوَى السَّيِّدِ الْمَالَ عَلَى عَبْدِهِ لَا تَصِحُّ إذْ لَا دَيْنَ لَهُ عَلَى عَبْدِهِ إلَّا بِوَاسِطَةِ دَعْوَى الْكِتَابَةِ فَيَنْصَرِفُ إنْكَارُ الْعَبْدِ إلَيْهِ لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ إلَّا بِهِ فَالشَّهَادَة لَيْسَتْ إلَّا لِإِثْبَاتِهَا (قَوْلُهُ وَهَذِهِ صُورَةُ دَعْوَى الْعَقْدِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تُقْبَلَ أَصْلًا) أَقُولُ: جَوَابُهُ يَأْتِي قَرِيبًا وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْجَوَابِ عَنْ تَعَقُّبِ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ وَالنِّهَايَةِ وَقَوْلُهُ وَصَوَّرَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إلَخْ تَأَمَّلْ فِي هَذَا التَّصْوِيرِ فَإِنَّ الْمُرَادَ بَيَانُ أَنَّ دَعْوَى الْمُرْتَهِنِ الرَّهْنَ بِمَنْزِلَةِ الدَّيْنِ لِيَثْبُتَ الْأَقَلُّ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّصْوِيرِ دَعْوَى الدَّيْنَ مُجَرَّدَةٌ وَفِي ضِمْنِهَا إقْرَارٌ بِالرَّهْنِ فَلَيْسَتْ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ تَصْوِيرُ الشَّارِحِ الزَّيْلَعِيِّ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ اعْتِرَافًا مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ (قَوْلُهُ فَشَمِلَ مَا إذَا ادَّعَتْ أَقَلَّ الْمَالَيْنِ أَوْ أَكْثَرَهُمَا وَهُوَ الصَّحِيحُ) قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: وَهَذَا مُخَالِفٌ لِلرِّوَايَةِ فَإِنْ مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْجَامِعِ قَيَّدَهُ بِدَعْوَى الْأَكْثَرِ حَيْثُ قَالَ: جَازَتْ الشَّهَادَةُ بِأَلْفٍ وَهِيَ تَدَّعِي أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ وَالْمَفْهُومُ مُعْتَبَرُ رِوَايَةٍ وَبِقَوْلِهِ ذَلِكَ أَيْضًا يُسْتَفَادُ لُزُومُ التَّفْصِيلِ فِي الْمُدَّعَى بِهِ بَيْنَ كَوْنِهِ الْأَكْثَرَ فَيَصِحُّ عِنْدَهُ أَوْ الْأَقَلَّ فَلَا يَخْتَلِفُ فِي الْبُطْلَانِ لِتَكْذِيبِ الْمُدَّعِي شَاهِدَ الْأَكْثَرِ كَمَا عَوَّلَ عَلَيْهِ مُحَقِّقُو الْمَشَايِخِ فَإِنَّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ وَهِيَ تَدَّعِي إلَخْ يُفِيدُ تَقْيِيدَ جَوَابِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ بِالْجَوَازِ إذَا كَانَتْ هِيَ الْمُدَّعِيَةَ لِلْأَكْثَرِ دُونَهُ فَإِنَّ الْوَاوَ فِيهِ لِلْحَالِ وَالْأَحْوَالُ شُرُوطٌ فَيَثْبُتُ الْعَقْدُ بِاتِّفَاقِهِمَا وَدَيْنِ أَلْفٍ اهـ. وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة قُلْت: إلَّا أَنَّ الزَّيْلَعِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَشَارَ إلَى جَوَابِ هَذَا فَقَالَ: وَيَسْتَوِي فِيهِ دَعْوَى أَقَلِّ الْمَالَيْنِ فِي الصَّحِيحِ لِاتِّفَاقِهِمَا فِي الْأَصْلِ وَهُوَ الْعَقْدُ فَالِاخْتِلَافُ فِي التَّبَعِ لَا يُوجِبُ خَلَلًا فِيهِ لَكِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ وُجُوبِ الْمَالِ فَيَجِبُ الْأَقَلُّ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَيْهِ وَلَا يَكُونُ بِدَعْوَى الْأَقَلِّ تَكْذِيبًا لِلشَّاهِدِ لِجَوَازِ أَنَّ الْأَقَلَّ هُوَ الْمُسَمَّى ثُمَّ صَارَ الْأَكْثَرَ بِالزِّيَادَةِ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 117 الدَّعْوَى مِنْ الْمُسْتَأْجِر فَهَذَا دَعْوَى الْعَقْدِ بِالْإِجْمَاعِ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَهُوَ فِي مَعْنَى الْأَوَّلِ لِأَنَّ الدَّعْوَى إذَا كَانَتْ فِي الْعَقْدِ بَطَلَتْ الشَّهَادَةُ فَيُؤْخَذُ الْمُسْتَأْجِرُ بِاعْتِرَافِهِ اهـ. وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ شَهِدَا بِرَهْنٍ وَلَمْ يَعْلَمَا قَدْرَ الدَّيْنِ لَمْ يَجُزْ اهـ. وَلَمْ أَرَ صَرِيحًا حُكْمَ الصُّلْحِ عَنْ الْمَالِ وَإِنَّمَا سَكَتُوا لِلْعِلْمِ بِهِ مِنْ الصُّلْحِ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ بِمَالٍ عَنْ إقْرَارٍ كَانَ بَيْعًا وَقَدْ عُلِمَ حُكْمُهُ وَإِنْ كَانَ بِمَنَافِعَ كَانَ إجَارَةً وَقَدْ عُلِمَ حُكْمُهَا وَلَمْ يَذْكُرُوا اخْتِلَافَهُمَا فِي الْكَفَالَةِ وَالْحَوَالَةِ وَلَا يُتَصَوَّرُ الدَّعْوَى بِهَا إلَّا مِنْ الطَّالِبِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا مِنْ قَبِيلِ دَعْوَى الدَّيْنِ فَإِذَا اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ الْمَكْفُولِ بِهِ قُضِيَ بِالْأَقَلِّ وَلَا تُتَصَوَّرُ فِي الْحَوَالَةِ إلَّا مِنْ الْمُحْتَالِ وَهِيَ كَالْكَفَالَةِ (قَوْلُهُ فَأَمَّا فِي النِّكَاحِ فَيَصِحُّ بِأَلْفٍ) اسْتِحْسَانًا وَقَالَا: هِيَ بَاطِلَةٌ أَيْضًا لِأَنَّهُ اخْتِلَافٌ فِي الْعَقْدِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ السَّبَبُ فَأَشْبَهَ الْبَيْعَ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمَالَ فِي النِّكَاحِ تَابِعٌ وَالْأَصْلُ فِيهِ الْحِلُّ وَالِازْدِوَاجُ وَالْمِلْكُ وَلَا اخْتِلَافَ فِيمَا هُوَ الْأَصْلُ فَيَثْبُتُ فَإِذَا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي الْبَيْعِ يُقْضَى بِالْأَقَلِّ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَيْهِ أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ مَا إذَا ادَّعَتْ أَقَلَّ الْمَالَيْنِ وَأَكْثَرَهُمَا وَهُوَ الصَّحِيحُ وَشَمَلَ مَا إذَا كَانَ الْمُدَّعِي الزَّوْجَ أَوْ الْمَرْأَةَ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَقِيلَ: الِاخْتِلَافُ فِيمَا إذَا كَانَتْ هِيَ الْمُدَّعِيَةُ وَفِيمَا إذَا كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الزَّوْجُ فَالْإِجْمَاع عَلَى عَدَمِ قَبُولِهَا لِأَنَّ مَقْصُودَهَا قَدْ يَكُونُ الْمَالَ وَمَقْصُودُهُ لَيْسَ إلَّا الْعَقْدُ وَصَحَّحَهُ فِي الْفَوَائِدِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ. (قَوْلُهُ وَمِلْكِ الْمُوَرِّثِ لَمْ يُقْضَ لِوَارِثِهِ بِلَا جَرٍّ إلَّا أَنْ يَشْهَدَا بِمِلْكِهِ أَوْ يَدِهِ أَوْ يَدِ مُسْتَعِيرِهِ وَقْتَ الْمَوْتِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ هُوَ يَقُولُ: إنَّ مِلْكَ الْوَارِثِ مِلْكُ الْمُوَرِّثِ فَصَارَتْ الشَّهَادَةُ بِالْمِلْكِ لِلْمُوَرِّثِ شَهَادَةً لِلْوَارِثِ وَهُمَا يَقُولَانِ إنَّ مِلْكَ الْوَارِثِ مُتَجَدِّدٌ فِي حَقِّ الْعَيْنِ حَتَّى يَجِبُ عَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءُ فِي الْجَارِيَةِ الْمَوْرُوثَةِ وَيَحِلُّ لِلْوَارِثِ الْغَنِيِّ مَا كَانَ صَدَقَةً عَلَى الْمُوَرِّثِ الْفَقِيرِ فَلَا بُدَّ مِنْ النَّقْلِ إلَّا أَنَّهُ يُكْتَفَى بِالشَّهَادَةِ عَلَى قِيَامِ مِلْكِ الْمُوَرِّثِ وَقْتَ الْمَوْتِ لِثُبُوتِ الِانْتِقَالِ ضَرُورَةً وَكَذَا عَلَى قِيَامِ يَدِهِ لِأَنَّ الْأَيْدِيَ عِنْدَ الْمَوْتِ تَنْقَلِبُ يَدَ مِلْكٍ بِوَاسِطَةِ الضَّمَانِ وَالْأَمَانَةُ تَصِيرُ مَضْمُونَةً بِالتَّجْهِيلِ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الشَّهَادَةِ عَلَى قِيَامِ مِلْكِهِ وَقْتَ الْمَوْتِ وَالْمُرَادُ بِالْمُسْتَعِيرِ الْأَمِينُ مُسْتَعِيرًا أَوْ مُودَعًا أَوْ مُسْتَأْجِرًا لِأَنَّ يَدَهُ قَائِمَةٌ مَقَامَ يَدِهِ فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ الْجَرِّ وَالنَّقْلِ وَلَوْ قَالَ: أَوْ يَدِ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ الْأَمِينَ وَغَيْرَهُ كَالْغَاصِبِ وَالْمُرْتَهِنِ فَالْجَرُّ أَنْ يَقُولَ الشَّاهِدُ: مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا لَهُ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ مِنْ إثْبَاتِ مِلْكِهِ وَقْتَ الْمَوْتِ أَوْ إثْبَاتِ يَدِهِ أَوْ يَدِ مَنْ قَامَ مَقَامَهُ فَإِذَا أَثْبَتَ الْوَارِثُ أَنَّ الْعَيْنَ كَانَتْ لِمُوَرِّثِهِ لَا يُقْضَى لَهُ وَهُوَ مَحِلُّ الِاخْتِلَافِ بِخِلَافِ الْحَيِّ إذَا أَثْبَتَ أَنَّ الْعَيْنَ كَانَتْ لَهُ فَإِنَّهُ يُقْضَى لَهُ بِهَا اعْتِبَارًا لِلِاسْتِصْحَابِ إذْ الْأَصْلُ الْبَقَاءُ. وَكَذَا إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ فُلَانٍ فَإِنَّهُ يَكْفِي وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِ مِلْكِ الْبَائِعِ وَقْتَهُ لِأَنَّ الشِّرَاءَ مَوْضُوعٌ لِلْمِلْكِ بِخِلَافِ الْمَوْتِ فَإِنَّهُ مُزِيلٌ لَهُ وَلِذَا لَمْ يَصِحَّ التَّعْلِيقُ بِقَوْلِهِ لِلْوَارِثِ إنْ مَاتَ سَيِّدُك فَأَنْتَ حُرٌّ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْقَضَاءَ لِلْوَارِثِ لَا بُدَّ فِيهِ لِلْمَشْهُودِ مِنْ الْجَرِّ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ بَيَانِ سَبَبِ الْوِرَاثَةِ فَإِذَا شَهِدُوا أَنَّهُ أَخُوهُ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ بَيَانِ أَنَّهُ أَخُوهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ أَوْ لِأَحَدِهِمَا وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَكَذَا إذَا شَهِدُوا أَنَّهُ عَمُّهُ أَوْ مَوْلَاهُ لَمْ تُقْبَلْ لِأَنَّ الْمَوْلَى مُشْتَرَكٌ فَإِنْ قَالَا: هُوَ مَوْلَاهُ أَعْتَقَهُ وَلَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ فَحِينَئِذٍ تُقْبَلُ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ ادَّعَى أَنَّهُ وَارِثُ فُلَانٍ الْمَيِّتِ وَأَقَامَ شَاهِدَيْنِ فَشَهِدَا أَنَّهُ وَارِثُ فُلَانٍ الْمَيِّتِ لَا وَارِثَ لَهُ سِوَاهُ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَسْأَلُهُمَا عَنْ النَّسَبِ وَلَا يَقْضِي قَبْلَ السُّؤَالِ وَلَوْ أَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً أَنَّهُ وَارِثُ فُلَانٍ وَأَنَّ قَاضِيَ بَلَدِ كَذَا فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ قَضَى بِأَنَّهُ وَارِثُهُ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرَهُ وَأَشْهَدَنَا عَلَى قَضَائِهِ وَلَا نَدْرِي بِأَيِّ سَبَبٍ قَضَى فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَسْأَلُ الْمُدَّعِيَ عَنْ النَّسَبِ الَّذِي قَضَى لَهُ الْقَاضِي بِهِ فَإِنْ بَيَّنَ قَضَى لَهُ بِالْمِيرَاثِ لِأَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي يُحْمَلُ عَلَى الصِّحَّةِ وَالسَّدَادِ مَا أَمْكَنَ وَلَا يُنْقَضُ بِالشَّكِّ وَلَا يَقْضِي بِالنَّسَبِ الَّذِي بَيْنَ الْمُدَّعِي لِأَنَّ هَذَا الْقَاضِيَ.   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ فَالْجَرُّ أَنْ يَقُولَ الشَّاهِدُ إلَخْ) أَشَارَ إلَى أَنَّ الْجَرَّ يَكُونُ نَصًّا وَيَكُونُ غَيْرَهُ بِذِكْرِ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ وَذَلِكَ بِإِثْبَاتِ الْمِلْكِ أَوْ الْيَدِ وَقْتَ الْمَوْتِ (قَوْلُهُ وَهُوَ مَحِلُّ الِاخْتِلَافِ) يَعْنِي أَنَّهُمَا لَوْ شَهِدَا أَنَّهَا كَانَتْ لِمُوَرِّثِهِ بِدُونِ إضَافَةِ الْمِلْكِ إلَى وَقْتِ الْمَوْتِ فَهُوَ مَحِلُّ الِاخْتِلَافِ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَصَاحِبَيْهِ فَعِنْدَهُ يَكْفِي ذَلِكَ وَعِنْدَهُمَا لَا وَلَمَّا طُولِبَا بِالْفَرْقِ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْحَيِّ إذَا ادَّعَى مِلْكَ عَيْنٍ فِي يَدِ رَجُلٍ فَشَهِدَا بِأَنَّهَا كَانَتْ مِلْكَ الْمُدَّعِي أَوْ شَهِدَا لِمُدَّعِي عَيْنٍ فِي يَدِ إنْسَانٍ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ وَلَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ وَذُو الْيَدِ يُنْكِرُ مِلْكَ الْبَائِعِ فَإِنَّهُ يُقْضَى لِلْمُشْتَرِي وَإِنْ لَمْ يَنُصُّوا عَلَى أَنَّهَا مِلْكُهُ يَوْمَ الْبَيْعِ مَعَ أَنَّ كُلًّا مِنْ الشِّرَاءِ وَالْإِرْثِ يُوجِبُ تَجَدُّدَ الْمِلْكِ أَشَارَ إلَى الْجَوَاب بِقَوْلِهِ بِخِلَافِ الْحَيِّ إلَخْ وَبَيَانُهُ عَلَى مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّهُمَا إذَا لَمْ يَنُصَّا عَلَى ثُبُوتِ مِلْكِهِ حَالَةَ الْمَوْتِ فَإِنَّمَا يَثْبُتُ بِالِاسْتِصْحَابِ وَالثَّابِتُ بِهِ حُجَّةٌ لِإِبْقَاءِ الثَّابِتِ لَا لِإِثْبَاتِ مَا لَمْ يَكُنْ وَهُوَ الْمُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْوَارِثِ بِخِلَافِ مُدَّعِي الْعَيْنِ فَإِنَّ الثَّابِتَ بِالِاسْتِصْحَابِ بَقَاءُ مِلْكِهِ لَا تَجَدُّدُهُ وَالْمِلْكُ فِي الشِّرَاءِ مُضَافٌ إلَيْهِ لَا إلَى مِلْكِ الْبَائِعِ لِأَنَّ الشِّرَاءَ آخِرُهُمَا وُجُودًا وَهُوَ سَبَبٌ مَوْضُوعٌ لِلْمِلْكِ حَتَّى لَا يَتَحَقَّقُ لَوْ لَمْ يُوجِبْهُ وَالشِّرَاءُ ثَابِتٌ بِالْبَيِّنَةِ أَمَّا هُنَا فَثُبُوتُ مِلْكِ الْوَارِثِ مُضَافٌ إلَى كَوْنِ الْمَالِ مِلْكًا لِلْمَيِّتِ وَقْتَ الْمَوْتِ لَا إلَى الْمَوْتِ لِأَنَّهُ لَيْسَ سَبَبًا مَوْضُوعًا لِلْمِلْكِ بَلْ عِنْدَهُ يَثْبُتُ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ فَارِغٌ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 118 لَا يَدْرِي أَنَّ الْقَاضِيَ الْأَوَّلَ هَلْ قَضَى بِذَلِكَ النَّسَبِ أَمْ لَا اهـ. وَفِيهَا مِنْ كِتَابِ الدَّعْوَى وَالِابْنُ إذَا ادَّعَى دَارًا بِجِهَةِ الْوِرَاثَةِ فَشَهِدَ الشُّهُودُ أَنَّهَا كَانَتْ دَارًا لِأَبِيهِ وَقْتَ الْمَوْتِ وَلَمْ يَقُولُوا فِي شَهَادَتِهِمْ وَهُوَ ابْنُهُ وَوَارِثُهُ قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا تَصِحُّ هَذِهِ الشَّهَادَةُ فَإِنَّ مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - ذَكَرَ فِي الزِّيَادَاتِ وَشَهِدُوا أَنَّهُ ابْنُهُ وَوَارِثُهُ قَالُوا: إنَّمَا ذَكَرَ ذَلِكَ لِإِزَالَةِ وَهْمِ الرَّضَاعِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ قَوْلَهُ وَوَارِثُهُ اتِّفَاقًا وَلَا مُعَوَّلَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي الْأَبِ وَالْأُمِّ وَهُوَ أَبُوهُ وَأُمُّهُ وَجَوَّزَ الشَّهَادَةَ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ وَوَارِثُهُ فَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ عَمُّ الْمَيِّتِ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الدَّعْوَى أَنْ يُفَسِّرَ فَيَقُولَ عَمُّهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ أَوْ لِأَبِيهِ أَوْ لِأُمِّهِ وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا أَنْ يَقُولَ وَوَارِثُهُ وَإِذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ لَا بُدَّ لِلشُّهُودِ مِنْ نِسْبَةِ الْمَيِّتِ وَالْوَارِثِ حَتَّى يَلْتَقِيَا إلَى أَبٍ وَاحِدٍ وَكَذَلِكَ هَذَا فِي الْأَخِ وَالْجَدِّ اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَكَذَا إذَا شَهِدُوا أَنَّهُ ابْنُ ابْنِهِ أَوْ بِنْتُ ابْنِهِ لَا بُدَّ أَنْ يَقُولُوا: إنَّهُ وَارِثُهُ وَقَيَّدَ بِالْمِلْكِ لِأَنَّ إثْبَاتَ شِرَاءِ الْمُوَرِّثِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْجَدِّ لِمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ ادَّعَى دَارًا فِي يَدِ رَجُلٍ أَنَّ أَبَاهُ اشْتَرَاهَا مِنْ ذِي الْيَدِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَمَاتَ أَبُوهُ فَجَحَدَ الْبَائِعُ ذَلِكَ صَحَّ دَعْوَاهُ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ فِي دَعْوَاهُ أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا لَهُ وَهُوَ الَّذِي يُقَالُ: الْجَرُّ شَرْطٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لِصِحَّةِ الدَّعْوَى ثُمَّ الْقَاضِي يَسْأَلُ الْبَيِّنَةَ فَإِذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ وَقَالُوا: لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ يَقْضِي الْقَاضِي بِالْبَيِّنَةِ وَيَأْمُرُ الْمُدَّعِيَ أَنْ يَنْقُدَ الثَّمَنَ وَلَوْ كَانَتْ الدَّارُ فِي يَدِ رَجُلٍ آخَرَ غَيْرِ الْبَائِعِ لَا بُدَّ مِنْ الْجَرِّ لِصِحَّةِ الدَّعْوَى. اهـ. وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ الْجَرَّ شَرْطُ صِحَّةِ الدَّعْوَى لَا كَمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مِنْ أَنَّهُ شَرْطُ الْقَضَاءِ بِالْبَيِّنَةِ فَقَطْ وَمِنْ شَرْطِ قَبُولِ الشَّهَادَةِ بِالْمِيرَاثِ أَنْ يُدْرِكَ الشَّاهِدُ الْمَيِّتَ وَلِذَا قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: شَهِدَا أَنَّ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ مَاتَ وَتَرَكَ هَذِهِ الدَّارَ مِيرَاثًا وَلَمْ يُدْرِكَا الْمَيِّتَ فَشَهَادَتُهُمَا بَاطِلَةٌ لِأَنَّهُمَا شَهِدَا بِمِلْكٍ لَمْ يُعَايِنَا سَبَبَهُ وَلَا رَأَيَاهُ فِي يَدِ الْمُدَّعِي كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَمِنْ الشُّرُوطِ قَوْلُ الشَّاهِدِ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَيُشْتَرَطُ ذِكْرُ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ لِإِسْقَاطِ التَّلَوُّمِ عَنْ الْقَاضِي وَقَوْلُهُ لَا أَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ عِنْدَنَا بِمَنْزِلَةِ وَلَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ وَلَوْ قَالَ: لَا وَارِث لَهُ غَيْرُهُ بِأَرْضٍ كَذَا تُقْبَلُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا اهـ وَلَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ اسْمِ الْمَيِّتِ حَتَّى لَوْ شَهِدُوا أَنَّهُ جَدُّهُ أَبُو أَبِيهِ وَوَارِثُهُ وَلَمْ يُسَمِّ الْمَيِّتَ تُقْبَلُ بِدُونِ ذِكْرِ اسْمِ الْمَيِّتِ وَفِي الْأَقْضِيَةِ شَهِدَا بِأَنَّهُ جَدُّ الْمَيِّتِ وَقُضِيَ لَهُ بِهِ ثُمَّ جَاءَ آخَرُ وَادَّعَى أَنَّهُ أَبُو الْمَيِّتِ وَبَرْهَنَ فَالثَّانِي أَحَقُّ بِالْمِيرَاثِ شَهِدَا أَنَّهُ أَخُو الْمَيِّتِ وَقُضِيَ لَهُ بِهِ ثُمَّ شَهِدَ هَذَانِ لِآخَرَ عَلَى أَنَّهُ ابْنُ الْمَيِّتِ أَيْضًا لَا يَبْطُلُ الْقَضَاءُ الْأَوَّلُ بَلْ يَضْمَنَانِ لِلثَّانِي مَا أَخَذَ الْأَوَّلُ مِنْ الْمِيرَاثِ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ. (قَوْلُهُ وَلَوْ شَهِدَا بِيَدِ حَيٍّ مُنْذُ شَهْرٍ رُدَّتْ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا تُقْبَلُ لِأَنَّ الْيَدَ مَقْصُودَةٌ كَالْمِلْكِ وَلَوْ شَهِدُوا أَنَّهَا مِلْكُهُ تُقْبَلُ فَكَذَا هَذَا وَصَارَ كَمَا لَوْ شَهِدُوا بِالْأَخْذِ مِنْ الْمُدَّعِي وَوَجْهُ الظَّاهِرِ وَهُوَ قَوْلُهُمَا أَنَّ الشَّهَادَةَ قَامَتْ بِمَجْهُولٍ لِأَنَّ الْيَدَ مُنْقَضِيَةٌ وَهِيَ مُتَنَوِّعَةٌ إلَى مِلْكٍ وَأَمَانَةٍ وَضَمَانٍ فَتَعَذَّرَ الْقَضَاءُ بِإِعَادَةِ الْمَجْهُولِ بِخِلَافِ الْمِلْكِ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ غَيْرُ مُخْتَلِفٍ وَبِخِلَافِ الْأَخْذِ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ وَحُكْمُهُ مَعْلُومٌ وَهُوَ وُجُوبُ الرَّدِّ وَقَوْلُهُ مُنْذُ شَهْرٍ لَيْسَ بِقَيْدٍ فَإِنَّ الْخِلَافَ ثَابِتٌ فِيمَا لَمْ يَذْكُرْهُ فَإِنَّهُ ذَكَرَ الْإِمَامُ التُّمُرْتَاشِيُّ لَوْ شَهِدُوا لِحَيٍّ أَنَّ الْعَيْنَ كَانَ فِي يَدِهِ لَمْ تُقْبَلْ لِأَنَّ الْيَدَ مُحْتَمِلَةٌ يَدَ غَصْبٍ أَوْ يَدَ مِلْكٍ فَإِنْ كَانَتْ يَدَ غَصْبٍ عَنْ ذِي الْيَدِ لَا تَجِبُ إعَادَتُهُ وَإِنْ كَانَتْ يَدَ مِلْكٍ تَجِبُ فَلَا تَجِبُ بِالشَّكِّ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَجَامِعِ الْفُصُولَيْنِ (قَوْلُهُ وَلَوْ أَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ أَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ كَانَ فِي يَدِ الْمُدَّعِي دُفِعَ إلَى الْمُدَّعِي) لِأَنَّ الْإِقْرَارَ مَعْلُومٌ فَتَصِحُّ الشَّهَادَةُ بِهِ وَجَهَالَةُ الْمُقَرِّ بِهِ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ الْأَصْلُ فِي بَابِ الشَّهَادَةِ أَنَّ الشَّهَادَةَ بِالْمِلْكِ الْمُنْقَضِي مَقْبُولَةٌ لَا بِالْيَدِ الْمُنْقَضِيَةِ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَا يَتَنَوَّعُ وَالْيَدَ تَتَنَوَّعُ بِاحْتِمَالِ أَنَّهُ كَانَ لَهُ فَاشْتَرَاهُ مِنْهُ اهـ. قَيَّدَ بِالْإِقْرَارِ بِالْيَدِ مَقْصُودًا لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ لَهُ بِهَا ضِمْنًا لَمْ تُدْفَعْ إلَيْهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْإِقْرَارِ. وَإِنَّمَا قَالَ: دُفِعَ إلَيْهِ دُونَ أَنْ يَقُولَ: إنَّهُ إقْرَارٌ بِالْمِلْكِ لَهُ لِأَنَّهُ لَوْ بَرْهَنَ عَلَى أَنَّهُ مِلْكُهُ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ لِمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَخَذَ عَيْنًا مِنْ يَدِ آخَرَ وَقَالَ: إنِّي أَخَذْتُهُ مِنْ يَدِهِ لِأَنَّهُ كَانَ مِلْكِي وَبَرْهَنَ عَلَى ذَلِكَ تُقْبَلُ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ ذَا يَدٍ بِحُكْمِ الْحَالِ لَكِنَّهُ لَمَّا أَقَرَّ بِقَبْضِهِ مِنْهُ فَقَدْ أَقَرَّ أَنَّ ذَا الْيَدِ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ الْخَارِجُ وَلَوْ أَقَرَّ الْمُدَّعَى   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ لَا كَمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ) فِيهِ أَنَّ قَوْلَهُ بِلَا جَرٍّ يَشْمَلُ الْجَرَّ مِنْ الْمُدَّعِي وَالشَّاهِدِ عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ فِي الشَّهَادَاتِ لَا فِي الدَّعَاوَى (قَوْلُهُ وَمِنْ الشُّرُوطِ قَوْلُ الشَّاهِدِ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرَهُ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ شَرْطٌ لِقَبُولِ الشَّهَادَةِ وَالْحُكْمِ بِهَا وَالْمُرَادُ أَنَّهُ شَرْطٌ لِقَبُولِهَا فِي الْحَالِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ لِإِسْقَاطِ التَّلَوُّمِ وَالْمُرَادُ بِالتَّلَوُّمِ تَأْخِيرُ الْقَضَاءِ مُدَّةً حَتَّى يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَا وَارِثَ لَهُ كَمَا أَفَادَهُ فِي مُتَفَرِّقَاتِ الْقَضَاءِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَرِكَةٌ قُسِّمَتْ بَيْنَ الْوَرَثَةِ أَوْ الْغُرَمَاءِ إلَخْ وَتَمَامُ الْمَسْأَلَةِ هُنَاكَ عَنْ شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ فَرَاجِعْهَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 119 عَلَيْهِ إنِّي أَخَذْتُهُ مِنْ الْمُدَّعِي لِأَنَّهُ كَانَ مِلْكِي فَلَوْ كَذَّبَهُ الْمُدَّعِي فِي الْأَخْذِ مِنْهُ لَا يُؤْمَرُ بِالتَّسْلِيمِ إلَى الْمُدَّعِي لِأَنَّهُ رَدَّ إقْرَارَهُ وَبَرْهَنَ عَلَى ذِي الْيَدِ وَلَوْ صَدَّقَهُ يُؤْمَرُ بِتَسْلِيمِهِ إلَى الْمُدَّعِي فَيَصِيرُ الْمُدَّعِي ذَا يَدٍ فَيَحْلِفُ أَوْ يُبَرْهِنَ الْآخَرُ اهـ. وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِ أَقَرَّ أَنَّهُ كَانَ بِيَدِهِ لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ كَانَ بِيَدِ الْمُدَّعِي بِغَيْرِ حَقٍّ فَفِيهِ اخْتِلَافٌ قِيلَ: هُوَ إقْرَارٌ لَهُ بِالْيَدِ وَبِهِ يُفْتَى وَقِيلَ: لَا إلَّا أَنْ يُقِرَّ أَنَّهُ كَانَ بِيَدِهِ بِحَقٍّ كَذَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَقَيَّدَ بِالْإِقْرَارِ بِكَوْنِهِ فِي يَدِ الْمُدَّعِي لِأَنَّهُ لَوْ ادَّعَى عَقَارًا فَأَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ بِيَدِهِ لَمْ تُقْبَلْ حَتَّى يُبَرْهِنَ الْمُدَّعِي أَوْ يَعْلَمَ الْقَاضِي بِخِلَافِ الْمَنْقُولِ وَسَيَأْتِي فِي الدَّعْوَى إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (بَابُ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ) لَا يَخْفَى حُسْنُ تَأْخِيرِ شَهَادَةِ الْفُرُوعِ عَنْ الْأُصُولِ (قَوْلُهُ تُقْبَلُ فِيمَا لَا يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ) أَيْ يُقْبَلُ أَدَاءُ الْفُرُوعِ فِي حَقٍّ لَا تُسْقِطُهُ الشُّبْهَةُ اسْتِحْسَانًا لِشِدَّةِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا إذْ شَاهِدُ الْأَصْلِ قَدْ يَعْجِزُ عَنْ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ لِبَعْضِ الْعَوَارِضِ فَلَوْ لَمْ تَجُزْ الشَّهَادَةُ عَلَى شَهَادَتِهِ أَدَّى إلَى إتْوَاءِ الْحُقُوقِ وَلِهَذَا جَوَّزْنَا الشَّهَادَةَ عَلَى الشَّهَادَةِ وَإِنْ كَثُرَتْ إلَّا أَنَّ فِيهَا شُبْهَةً مِنْ حَيْثُ الْبَدَلِيَّةُ أَوْ مِنْ حَيْثُ إنَّ فِيهَا زِيَادَةَ الِاحْتِمَالِ وَقَدْ أَمْكَنَ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ بِجِنْسِ الشُّهُودِ فَلَا تُقْبَلُ فِيمَا يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ كَالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ الْوَقْفَ وَهُوَ الصَّحِيحُ إحْيَاءً لَهُ وَصَوْنًا عَنْ انْدِرَاسِهِ وَشَمَلَ التَّقْرِيرَ وَهُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الْأَجْنَاسِ وَقَضَاءِ الْقَاضِي وَكِتَابِهِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَمَا فِي الْمَبْسُوطِ مَنْ أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ لَوْ شَهِدَا عَلَى شَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ أَنَّ قَاضِيَ بَلْدَةِ كَذَا حَدَّ فُلَانًا فِي قَذْفٍ تُقْبَلُ حَتَّى تُرَدُّ شَهَادَةُ فُلَانٍ لَا يُرَدُّ نَقْضًا عَلَى قَوْلِنَا لَا تُقْبَلُ فِي الْحُدُودِ فَإِنَّ الْمَشْهُودَ بِهِ فِعْلُ الْقَاضِي وَهُوَ مِمَّا يَثْبُتُ مَعَ الشُّبُهَاتِ وَالْمُرَادُ بِالشَّهَادَةِ بِالْحَدِّ الشَّهَادَةُ بِوُقُوعِ أَسْبَابِهَا الْمُوجِبَةِ لَهَا مَعَ أَنَّ فِي الْمُحِيطِ لَا تُقْبَلُ هَذِهِ الشَّهَادَةُ وَشَمَلَ النَّسَبَ كَمَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ وَفِي الْقُنْيَةِ أَشْهَدَ الْقَاضِي شُهُودًا أَنِّي حَكَمْت لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ بِكَذَا فَهُوَ إشْهَادٌ بَاطِلٌ لَا عِبْرَةَ بِهِ وَالْحُضُورُ شَرْطٌ اهـ. وَفِي يَتِيمَةِ الدَّهْرِ وَكَتَبْت إلَى الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ إذَا أَشْهَدَ الْقَاضِي عَلَى قَضَائِهِ الشَّاهِدَيْنِ اللَّذَيْنِ شَهِدَا فِي تِلْكَ الْحَادِثَةِ هَلْ يَصِحُّ إشْهَادُهُ إيَّاهُمَا؟ فَقَالَ: نَعَمْ لَكِنَّهُ يَنْفَصِلُ عَنْ الْقَبُولِ فِي الْحُكْمِ. اهـ. . (قَوْلُهُ إنْ شَهِدَ رَجُلَانِ عَلَى شَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ) أَيْ كُلٍّ مِنْ الشَّاهِدَيْنِ فَعَلَى كُلِّ أَصْلٍ شَاهِدَانِ سَوَاءٌ كَانَا هُمَا أَوْ غَيْرَهُمَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ إلَّا الْأَرْبَعُ عَلَى كُلِّ أَصْلٍ اثْنَانِ لِأَنَّ كُلَّ شَاهِدَيْنِ قَائِمَانِ مَقَامَ وَاحِدٍ فَصَارَا كَالْمَرْأَتَيْنِ وَلَنَا قَوْلُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يَجُوزُ عَلَى شَهَادَةِ رَجُلٍ إلَّا شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ وَلِأَنَّ نَقْلَ شَهَادَةِ الْأَصْلِ مِنْ الْحُقُوقِ فَهُمَا لَوْ شَهِدَا بِحَقٍّ ثُمَّ شَهِدَا بِحَقٍّ آخَرَ فَتُقْبَلُ وَقَوْلُهُ رَجُلَانِ وَقَعَ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهَا رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ لِتَمَامِ النِّصَابِ وَكَذَا لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمَشْهُودُ عَلَى شَهَادَتِهِ رَجُلًا لِأَنَّ لِلْمَرْأَةِ أَيْضًا أَنْ تَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِمَا رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى شَهَادَةِ كُلِّ امْرَأَةٍ نِصَابُ الشَّهَادَةِ كَذَا ذَكَرَ الشَّارِحُ وَقَدْ تَوَهَّمَ الْمَقْدِسِيَّ فِي الْحَاوِي أَنَّهُ قَيْدٌ احْتِرَازِيٌّ فَقَالَ: وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ عَلَى الشَّهَادَةِ اهـ. وَهُوَ غَلَطٌ أَطْلَقَ الرَّجُلَيْنِ فَشَمَلَ شَهَادَةَ الِابْنِ عَلَى شَهَادَةِ الْأَبِ فَإِنَّهَا جَائِزَةٌ وَعَلَى قَضَائِهِ لَا يَجُوزُ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَصَحِيحٌ فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ الْجَوَازُ عَلَى قَضَائِهِ أَيْضًا وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ وَإِنْ شَهِدَ كَافِرَانِ عَلَى شَهَادَةِ مُسْلِمَيْنِ لِكَافِرٍ عَلَى كَافِرٍ بِحَقٍّ لَمْ تَجُزْ وَكَذَا لَوْ شَهِدَ كَافِرَانِ عَلَى قَضَاءِ قَاضٍ لِكَافِرٍ أَوْ لِمُسْلِمٍ عَلَى كَافِرٍ وَلَوْ شَهِدَ مُسْلِمَانِ عَلَى شَهَادَةِ كَافِرٍ جَازَتْ الشَّهَادَةُ اهـ. (قَوْلُهُ لَا شَهَادَةِ وَاحِدٍ عَلَى شَهَادَةِ وَاحِدٍ) أَيْ لَا تُقْبَلُ أَطْلَقَ فِي الْوَاحِدِ الثَّانِي فَشَمَلَ الْمَرْأَةَ لِمَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ نِصَابِ الشَّهَادَةِ عَلَى شَهَادَتِهِمَا وَالْمُرَادُ مِنْ الْوَاحِدِ الْأَوَّلِ مَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ نِصَابِ الشَّهَادَةِ فَلِذَا قَالَ فِي الْخِزَانَةِ: وَلَوْ أَنَّ عَشْرَةَ نِسْوَةٍ شَهِدْنَ عَلَى شَهَادَةِ وَاحِدٍ أَوْ عَلَى شَهَادَةِ امْرَأَتَيْنِ أَوْ عَلَى شَهَادَةِ امْرَأَةٍ لَا يَقْبَلُ الْحَاكِمُ ذَلِكَ حَتَّى يَشْهَدَ مَعَهُنَّ رَجُلٌ اهـ. وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَوْ شَهِدَ النِّصَابُ عَلَى شَهَادَةِ وَاحِدٍ لَمْ يُقْضَ فَلَوْ شَهِدَ عَشَرَةٌ عَلَى شَهَادَةِ وَاحِدٍ تُقْبَلُ وَلَكِنْ لَا يُقْضَى حَتَّى يَشْهَدَ شَاهِدٌ آخَرُ -   [منحة الخالق] [بَابُ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ] ِ) (قَوْلُهُ وَشَمِلَ التَّقْرِيرُ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ التَّعْزِيرُ لِأَنَّهُ الْمُصَرَّحُ بِهِ فِي الْأَجْنَاسِ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 120 لِأَنَّ الثَّابِتَ بِشَهَادَتِهِمْ شَهَادَةُ وَاحِدٍ كَذَا فِي الْخِزَانَةِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مَعْزِيًّا إلَى الْأَصْلِ شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ وَأَحَدُهُمَا فِي شَهَادَةِ فَرْعٍ عَنْ آخَرَ ثُمَّ شَهِدَ هَذَا بَعْدَ نَقْلِ شَهَادَةِ الْأَصْلِ عَلَى شَهَادَةِ نَفْسِهِ لَا تُقْبَلُ لِأَدَائِهِ إلَى أَنْ يَثْبُتَ بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْحَقِّ وَأَنَّهُ خِلَافُ وَضْعِ الشَّهَادَةِ وَلَوْ شَهِدَ وَاحِدٌ عَلَى شَهَادَةِ نَفْسِهِ وَآخَرَانِ عَلَى شَهَادَةِ غَيْرِهِ يَصِحُّ اهـ. [صِيغَة الْإِشْهَادُ عَلَى الشَّهَادَة] (قَوْلُهُ وَالْإِشْهَادُ أَنْ يَقُولَ: أَشْهَدُ عَلَى شَهَادَتِي أَنِّي أَشْهَدُ أَنَّ فُلَانًا أَقَرَّ عِنْدِي بِكَذَا) لِأَنَّ الْفَرْعَ كَالنَّائِبِ عَنْهُ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّحْمِيلِ وَالتَّوْكِيلِ وَلَا بُدَّ أَنْ يَشْهَدَ عِنْدَ الْقَاضِي لِيَنْقُلَهُ إلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُؤَلِّفُ بَعْدَ قَوْلِهِ أَقَرَّ عِنْدِي بِكَذَا وَأَشْهَدَنِي عَلَى نَفْسِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِأَنَّ مَنْ سَمِعَ إقْرَارَ غَيْرِهِ حَلَّ لَهُ الشَّهَادَةُ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ لَهُ اشْهَدْ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَإِنَّمَا قَالُوا: الْفَرْعُ كَالنَّائِبِ وَلَمْ يَجْعَلُوهُ نَائِبًا لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ لَهُ أَنْ يَقْضِيَ بِشَهَادَةِ أَصْلٍ وَفَرْعَيْنِ عَنْ أَصْلٍ آخَرَ وَلَوْ كَانَ الْفَرْعُ نَائِبًا حَقِيقَةً لَمَا جَازَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْخَلَفِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَقَدْ يُقَالُ: إنَّهُ فَرْعٌ عَمَّنْ تَعَذَّرَ حُضُورُهُ لَا عَنْ الْأَصْلِ الْحَاضِرِ فَلَا يَضُرُّ الْجَمْعُ لَوْ جُعِلَ نَائِبًا حَقِيقَةً إذْ هُوَ جَمْعٌ بَيْنَ أَصْلٍ وَفَرْعِ أَصْلٍ آخَرَ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ لَهُ اشْهَدْ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقُلْ لَهُ اشْهَدْ لَمْ يَسَعْهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ وَإِنْ سَمِعَهَا مِنْهُ لِمَا قَدَّمْنَاهُ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ عَلَى شَهَادَتِي لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: أَشْهَدُ عَلَيَّ بِذَلِكَ لَمْ تَجُزْ لَهُ الشَّهَادَةُ لِأَنَّهُ لَفْظٌ يُحْتَمَلُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْإِشْهَادُ عَلَى نَفْسِ الْحَقِّ الْمَشْهُودِ بِهِ فَيَكُونُ أَمْرًا بِالْكَذِبِ وَقَيَّدَ بِعَلَيَّ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: بِشَهَادَتِي لَمْ تَجُزْ لَهُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ أَمْرًا بِأَنْ يَشْهَدَ مِثْلَ شَهَادَتِهِ بِالْكَذِبِ وَقَيَّدَ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي صَحِيحٌ وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْهُمَا الْقَاضِي عَلَيْهِ وَذَكَرَ فِي الْخُلَاصَةِ اخْتِلَافًا بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ فِيمَا إذَا سَمِعَاهُ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ فَجَوَّزَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَهُوَ الْأَقْيَسُ وَمَنَعَهُ أَبُو يُوسُفَ وَهُوَ الْأَحْوَطُ اهـ. وَأَشَارَ بِعَدَمِ اشْتِرَاطِ قَبُولِهِ إلَى أَنَّ سُكُوتَ الْفَرْعِ عِنْدَ تَحْمِيلِهِ يَكْفِي لَكِنْ لَوْ قَالَ: لَا أَقْبَلُ قَالَ فِي الْقُنْيَةِ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِيرَ شَاهِدًا حَتَّى لَوْ شَهِدَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا تُقْبَلُ اهـ. وَفِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَشْهَدَ الشَّاهِدُ عَلَى شَهَادَةِ مَنْ لَيْسَ بِعَدْلٍ عِنْدَهُ اهـ. (قَوْلُهُ وَأَدَاءُ الْفَرْعِ أَنْ يَقُولَ: أَشْهَدُ أَنَّ فُلَانًا أَشْهَدَنِي عَلَى شَهَادَتِهِ أَنَّ فُلَانًا أَقَرَّ عِنْدِي بِكَذَا وَقَالَ لِي: اشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي بِكَذَا) لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ شَهَادَتِهِ وَذَكَرَهُ فِي شَهَادَةِ الْأَصْلِ وَذَكَرَ التَّحْمِيلَ وَهُوَ الْأَوْسَطُ وَفِيهِ خَمْسُ شِينَاتٍ وَلَهَا لَفْظٌ أَطْوَلُ مِنْ هَذَا فِيهِ ثَمَانِ شِينَاتٍ وَأَقْصَرُ مِنْهُ أَرْبَعُ شِينَاتٍ بِذِكْرِ أَمَرَنِي فُلَانٌ أَنْ أَشْهَدَ بِإِسْقَاطِ أَشْهَدَنِي وَأَقْصَرُ مِنْ الْكُلِّ مَا فِيهِ شِينَانِ بِأَنْ يَقُولَ: أَشْهَدُ عَلَى شَهَادَةِ فُلَانٍ بِكَذَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ وَأَبِي جَعْفَرٍ وَشَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ وَهُوَ أَسْهَلُ وَأَيْسَرُ وَأَقْصَرُ وَرُوِيَ أَنَّ أَبَا جَعْفَرٍ كَانَ يُخَالِفُهُ فِيهِ عُلَمَاءُ عَصْرِهِ فَأَخْرَجَ لَهُمْ الرِّوَايَةَ مِنْ السِّيَرِ فَانْقَادُوا إلَيْهِ وَقَوْلُهُ فُلَانٌ تَمْثِيلٌ وَإِلَّا فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ شَاهِدِ الْأَصْلِ لِمَا فِي الصُّغْرَى شُهُودُ الْفَرْعِ يَجِبُ أَنْ يَذْكُرُوا أَسْمَاءَ الْأُصُولِ وَأَسْمَاءَ آبَائِهِمْ وَأَجْدَادِهِمْ حَتَّى لَوْ قَالَا: نَشْهَدُ أَنَّ رَجُلَيْنِ نَعْرِفُهُمَا أَشْهَدَانَا عَلَى شَهَادَتِهِمَا أَنَّهُمَا يَشْهَدَانِ بِكَذَا وَقَالَا: لَا نُسَمِّيهِمَا أَوْ لَا نَعْرِفُ أَسْمَاءَهُمَا لَمْ تُقْبَلْ لِأَنَّهُمَا تَحَمَّلَا مُجَازَفَةً لَا عَنْ مَعْرِفَةٍ اهـ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [لَا شَهَادَةَ لِلْفَرْعِ إلَّا بِمَوْتِ أَصْلِهِ أَوْ مَرَضِهِ أَوْ سَفَرِهِ] (قَوْلُهُ وَلَا شَهَادَةَ لِلْفَرْعِ إلَّا بِمَوْتِ أَصْلِهِ أَوْ مَرَضِهِ أَوْ سَفَرِهِ) لِأَنَّ جَوَازَهَا عِنْدَ الْحَاجَةِ وَإِنَّمَا تَمَسُّ عِنْدَ عَجْزِ الْأَصْلِ وَبِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ يَتَحَقَّقُ الْعَجْزُ بِهِ وَإِنَّمَا اعْتَبَرْنَا السَّفَرَ لِأَنَّ الْعَجْزَ بَعْدَ الْمَسَافَةِ وَمُدَّةُ السَّفَرِ بَعِيدَةٌ حُكْمًا حَتَّى أُدِيرَ عَلَيْهَا عِدَّةٌ مِنْ الْأَحْكَامِ فَكَذَا سَبِيلُ هَذَا الْحُكْمِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إنْ كَانَ فِي مَكَان لَوْ غَدَا إلَى أَدَاءِ الشَّهَادَةِ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَبِيتَ فِي أَهْلِهِ صَحَّ الْإِشْهَادُ إحْيَاءً لِحُقُوقِ النَّاسِ قَالُوا: الْأَوَّلُ أَحْسَنُ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي الْحَاوِي وَالثَّانِي أَرْفَقُ وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَكَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ: إنَّهُ حَسَنٌ وَفِي السِّرَاجِيَّةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَعَنْ مُحَمَّدٍ إنَّهُ يَجُوزُ كَيْفَمَا كَانَ حَتَّى رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْأَصْلُ فِي زَاوِيَةِ الْمَسْجِدِ فَشَهِدَ الْفَرْعُ عَلَى شَهَادَتِهِ فِي زَاوِيَةٍ أُخْرَى مِنْ ذَلِكَ الْمَسْجِدِ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ وَدَلَّ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّ السُّلْطَانَ وَالْأَمِيرَ لَا يَجُوزُ إشْهَادُهُمَا فِي الْبَلَدِ وَهِيَ فِي الْقُنْيَةِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ الْحَصْرُ فِي الثَّلَاثَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ أَشْهَدُ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقُلْ لَهُ أَشْهَدُ لَمْ يَسَعْهُ أَنْ يَشْهَدَ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ نَقْلًا عَنْ النِّهَايَةِ أَنَّ هَذَا مَحِلُّهُ فِيمَا إذَا سَمِعَهُ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ أَمَّا لَوْ سَمِعَ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ شَاهِدًا يَشْهَدُ جَازَ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِيمَا إذَا سَمِعَاهُ) أَيْ الشَّاهِدَانِ سَمِعَا الْقَاضِيَ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ سَمِعَا مِنْ الْحَاكِمِ يَقُولُ: حَكَمْت لِهَذَا عَلَى هَذَا بِكَذَا ثُمَّ نُصِبَ حَاكِمٌ آخَرُ لَهُمَا أَنْ يَشْهَدَا بِهِ عَلَيْهِ إنْ سَمِعَاهُ مِنْهُ فِي الْمِصْرِ وَهُوَ الْأَحْوَطُ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ عَلَمُ الْهُدَى وَالْمُتَأَخِّرُونَ أَنَّ كَلَامَ الْعَالِمِ وَالْعَادِلِ مَقْبُولٌ وَكَلَامَ الظَّالِمِ وَالْجَاهِلِ لَا إلَّا الْجَاهِلَ الْعَادِلَ إنْ أَحْسَنَ التَّفْسِيرَ يُقْبَلُ وَإِلَّا فَلَا وَلَا خَفَاءَ أَنَّ عِلْمَ قُضَاةِ بِلَادِنَا لَيْسَ بِشُبْهَةٍ فَضْلًا عَنْ الْحُجَّةِ إلَّا فِي كِتَابِ الْقَاضِي لِلضَّرُورَةِ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 121 فَقَدْ صَرَّحَ فِي الْقُنْيَةِ بِأَنَّ الْأَصْلَ إذَا كَانَتْ امْرَأَةً مُخَدَّرَةً يَجُوزُ إشْهَادُهَا عَلَى شَهَادَتِهِمَا وَهِيَ الَّتِي لَا تُخَالِطُ الرِّجَالَ وَلَوْ خَرَجَتْ لِقَضَاءِ حَاجَةٍ أَوْ لِلْحَمَّامِ. اهـ. وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ إذَا كَانَ شَاهِدُ الْأَصْلِ مَحْبُوسًا فِي الْمِصْرِ فَأَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ هَلْ يَجُوزُ لِلْفَرْعِ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ وَإِذَا شَهِدَ عِنْدَ الْقَاضِي هَلْ يَحْكُمُ بِهَا قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: اخْتَلَفَ فِيهِ مَشَايِخُ زَمَانِنَا قَالَ: بَعْضُهُمْ إنْ كَانَ مَحْبُوسًا فِي سِجْنِ هَذَا الْقَاضِي لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْقَاضِيَ يُخْرِجُهُ مِنْ سِجْنِهِ حَتَّى يَشْهَدَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إلَى السِّجْنِ وَإِنْ كَانَ فِي سِجْنِ الْوَالِي وَلَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ لِلشَّهَادَةِ يَجُوزُ اهـ. وَأَطْلَقَ فِي التَّهْذِيبِ جَوَازَهَا بِحَبْسِ الْأَصْلِ وَقَيَّدَ شَهَادَةَ الْفَرْعِ أَيْ عِنْدَ الْقَاضِي لِأَنَّ وَقْتَ التَّحَمُّلِ لَا يُشْتَرَطُ لَهُ أَنْ يَكُونَ بِالْأُصُولِ عُذْرٌ لِمَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ وَالْإِشْهَادُ عَلَى شَهَادَةِ نَفْسِهِ يَجُوزُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِالْأُصُولِ عُذْرٌ حَتَّى لَوْ حَلَّ بِهِمْ الْعُذْرُ مِنْ مَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ أَوْ مَوْتٍ يَشْهَدُ الْفُرُوعُ اهـ. وَأَطْلَقَ فِي مَرَضِهِ وَقَيَّدَ فِي الْهِدَايَةِ بِأَنْ لَا يَسْتَطِيعَ الْحُضُورَ إلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِلْمُصَنِّفِ الْمَرَضُ الَّذِي لَا يُتَعَذَّرُ مَعَهُ الْحُضُورُ لَا يَكُونُ عُذْرًا. اهـ. وَظَاهِرُ قَوْلِهِ أَوْ سَفَرِهِ أَنَّهُ يَجُوزُ بِمُجَرَّدِ سَفَرِ الْأَصْلِ بِأَنْ يُجَاوِزَ بُيُوتَ مِصْرِهِ قَاصِدًا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيِهَا وَإِنْ لَمْ يُسَافِرْ ثَلَاثًا وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمَشَايِخِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ غَيْبَةِ الْأَصْلِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيِهَا كَمَا أَفْصَحَ بِهِ فِي الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ فَإِنْ عَدَّلَهُمْ الْفُرُوعُ صَحَّ) أَيْ قَبْلَ تَعْدِيلِهِمْ لِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِهِ وَفِي الصُّغْرَى وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ الْفَرْعَ نَائِبٌ نَاقِلٌ عِبَارَةَ الْأَصْلِ إلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي فَبِالنَّقْلِ يَنْتَهِي حُكْمُ النِّيَابَةِ فَيَصِيرُ أَجْنَبِيًّا فَيَصِحُّ تَعْدِيلُهُ. اهـ. وَالْمُرَادُ أَنَّ الْفُرُوعَ مَعْرُوفُونَ بِالْعَدَالَةِ عِنْدَ الْقَاضِي فَعَدَّلُوا الْأُصُولَ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُمْ بِهَا فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْدِيلِهِمْ وَتَعْدِيلِ أُصُولِهِمْ وَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إلَى أَنَّ أَحَدَ الشَّاهِدَيْنِ لَوْ عَدَّلَ صَاحِبَهُ وَهُوَ مَعْرُوفٌ بِالْعَدَالَةِ عِنْدَ الْقَاضِي فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِأَنَّ الْعَدْلَ لَا يُتَّهَمُ بِمِثْلِهِ وَاخْتَارَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَنَقَلَ فِيهِ قَوْلَيْنِ فِي النِّهَايَةِ. وَالْحَاصِلُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ أَنَّ الْقَاضِيَ إنْ عَرَفَ الْأُصُولَ وَالْفُرُوعَ بِالْعَدَالَةِ قَضَى بِشَهَادَتِهِمْ وَإِنْ عَرَفَ أَحَدَهُمَا دُونَ الْآخَرِ سَأَلَ عَمَّنْ لَمْ يَعْرِفْهُ وَإِذَا شَهِدَ الْفُرُوعُ عَلَى شَهَادَةِ أَصْلٍ فَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ لِفِسْقِ الْأَصْلِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمَا بَعْدَ ذَلِكَ اهـ. (قَوْلُهُ وَإِلَّا عُدِّلُوا) أَيْ إنْ لَمْ يُعَدِّلْهُمْ الْفُرُوعُ وَلَمْ يَعْرِفْهُمْ الْقَاضِي بِالْعَدَالَةِ سَأَلَ عَنْهُمْ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا تُقْبَلُ لِأَنَّهُ لَا شَهَادَةَ إلَّا بِالْعَدَالَةِ فَإِذَا لَمْ يَعْرِفُوهَا لَمْ يَنْقُلُوا الشَّهَادَةَ فَلَا تُقْبَلُ وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِمْ النَّقْلُ دُونَ التَّعْدِيلِ لِأَنَّهُ قَدْ يَخْفَى عَلَيْهِمْ وَإِذَا نَقَلُوا يَتَعَرَّفُ الْقَاضِي الْعَدَالَةَ كَمَا إذَا حَضَرُوا بِأَنْفُسِهِمْ وَشَهِدُوا كَذَلِكَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْفَرْعِ التَّحَمُّلُ وَالْأَدَاءُ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ عَدَالَةَ الْأَصْلِ وَفِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ الْفَرْعُ إذَا لَمْ يَعْرِفْ الْأَصْلَ بِعَدَالَةٍ وَلَا غَيْرِهَا فَهُوَ مُسِيئٌ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى شَهَادَتِهِ بِتَرْكِهِ الِاحْتِيَاطَ. اهـ. وَقَالُوا الْإِسَاءَةُ أَفْحَشُ مِنْ الْكَرَاهَةِ وَقَوْلُهُ وَإِلَّا صَادِقٌ بِصُوَرٍ الْأُولَى أَنْ يَسْكُتُوا وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا كَمَا أَفْصَحَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ الثَّانِيَةُ أَنْ يَقُولَ الْفُرُوعُ لِلْقَاضِي بَعْدَ السُّؤَالِ لَا نُخْبِرُك فَجَعَلَهُ فِي الْخَانِيَّةِ عَلَى الْخِلَافِ بَيْنَ الشَّيْخَيْنِ فَقَوْلُهُمَا لَا نُخْبِرُك بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِمَا لَا نَعْرِفُ الْأَصْلَ أَعَدْلٌ أَمْ لَا وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّ عَدَمَ الْقَبُولِ جَوَابُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي الْإِمَامُ عَلِيٌّ السُّغْدِيُّ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَاضِي وَذَكَرَ الْحَلْوَانِيُّ أَنَّ الْقَاضِيَ يَقْبَلُ شَهَادَتَهُمَا وَيَسْأَلُ عَنْ الْأَصْلِ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقِيَ مَسْتُورًا وَوَجْهُ الْمَشْهُورِ أَنَّ قَوْلَهُمَا لَا نُخْبِرُك جَرْحٌ لِلْأُصُولِ وَاسْتَشْهَدَ الْخَصَّافُ فَقَالَ: أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا لَوْ شَهِدَا عِنْدَ الْقَاضِي عَلَى شَهَادَةِ رَجُلٍ وَقَالَا لِلْقَاضِي: إنَّا نَتَّهِمُهُ فِي الشَّهَادَةِ فَلَمْ يَقْبَلْ الْقَاضِي شَهَادَتَهُمَا عَلَى شَهَادَتِهِ فَكَذَا إذَا قَالَ: لَا نُخْبِرُك وَوَجْهُ رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ هَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ جَرْحًا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ تَوَقُّفًا فَلَا يَثْبُتُ الْجَرْحُ بِالشَّكِّ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ أَوْ سَفَرِهِ أَنَّهُ يَجُوزُ بِمُجَرَّدِ سَفَرِ الْأَصْلِ إلَخْ) فِي كَوْنِهِ ظَاهِرَ كَلَامِهِ ذَلِكَ نَظَرٌ حَيْثُ كَانَتْ الْعِلَّةُ الْعَجْزَ وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الْمَرَضُ الَّذِي لَا يُتَعَذَّرُ مَعَهُ الْحُضُورُ عُذْرًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَالْمُتَبَادَرُ غَيْبَةُ مُدَّةِ السَّفَرِ وَلِذَا أَتَى فِي الْهِدَايَةِ بِرَدِيفِهِ فَقَالَ أَوْ يَغِيبُوا مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا فَصَاعِدًا (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِأَنَّ الْعَدْلَ لَا يُتَّهَمُ بِمِثْلِهِ) فِيهِ عَوْدُ الضَّمِيرِ عَلَى غَيْرِ مَذْكُورٍ وَعِبَارَةُ الْهِدَايَةِ وَكَذَا إذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ فَعَدَّلَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ يَجُوزُ لِمَا قُلْنَا أَيْ مِنْ أَنَّهُ أَهْلُ التَّزْكِيَةِ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ فِيهِ مَنْفَعَةً مِنْ حَيْثُ الْقَضَاءُ بِشَهَادَتِهِ وَلَكِنَّ الْعَدْلَ لَا يُتَّهَمُ بِمِثْلِهِ كَمَا لَا يُتَّهَمُ فِي شَهَادَةِ نَفْسِهِ كَيْفَ وَإِنَّ قَوْلَهُ مَقْبُولٌ فِي نَفْسِهِ وَإِنْ رُدَّتْ شَهَادَةُ صَاحِبِهِ فَلَا تُهْمَةَ انْتَهَتْ وَقَوْلُهُ غَايَةُ الْأَمْرِ أَيْ غَايَةُ مَا يَرِدُ أَنَّهُ مُتَّهَمٌ بِسَبَبِ أَنَّ فِي تَعْدِيلِهِ مَنْفَعَةً لَهُ مِنْ حَيْثُ تَنْفِيذُ الْقَاضِي قَوْلَهُ عَلَى مُوجِبِ مَا يَشْهَدُ بِهِ قُلْنَا: الْعَدْلُ لَا يُتَّهَمُ بِمِثْلِ مَا ذَكَرْت مِنْ الشُّبْهَةِ فَإِنَّ مِثْلَهَا ثَابِتٌ فِي شَهَادَةِ نَفْسِهِ فَإِنَّهَا تَتَضَمَّنُ الْقَضَاءَ بِهَا فَكَمَا أَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَعْتَبِرْ مَعَ عَدَالَتِهِ ذَلِكَ مَانِعًا كَذَا مَا نَحْنُ فِيهِ وَإِلَّا لَانْسَدَّ بَابُ الشَّهَادَةِ اهـ. مُلَخَّصًا مِنْ النِّهَايَةِ وَالْفَتْحِ. وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ الضَّمِيرَ لَيْسَ عَائِدًا لِلْعَدْلِ كَمَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُهُمْ (قَوْلُهُ الْإِسَاءَةُ أَفْحَشَ مِنْ الْكَرَاهَةِ) أَقُولُ: هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمَنَارِ وَلَكِنَّ الَّذِي رَأَيْتُهُ فِي التَّقْرِيرِ شَرْحِ أُصُولِ الْبَزْدَوِيِّ وَالتَّحْقِيقِ شَرْحِ الْأَخْسِيكَثِيِّ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ الْإِسَاءَةَ دُونَ الْكَرَاهَةِ وَلَعَلَّ مُرَادَ مَنْ قَالَ دُونَ الْكَرَاهَةِ أَرَادَ بِهَا التَّحْرِيمِيَّةَ وَمَنْ قَالَ: أَفْحَشُ أَرَادَ بِهَا التَّنْزِيهِيَّةَ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 122 كَذَا فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى الثَّالِثَةُ أَنْ يَقُولَ الْفَرْعُ لِلْقَاضِي: إنَّا نَتَّهِمُهُ فِي الشَّهَادَةِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْبَلُهُ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَهُوَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ شَاهِدِ الْخَصَّافِ. (قَوْلُهُ وَتَبْطُلُ شَهَادَةُ الْفُرُوعِ بِإِنْكَارِ الْأَصْلِ الشَّهَادَةَ) أَيْ الْإِشْهَادَ بِأَنْ قَالُوا: لَمْ نُشْهِدْهُمْ عَلَى شَهَادَتِنَا فَمَاتُوا وَغَابُوا ثُمَّ شَهِدَ الْفُرُوعُ لَمْ تُقْبَلْ لِأَنَّ التَّحْمِيلَ لَمْ يَثْبُتْ لِلتَّعَارُضِ بَيْنَ الْخَبَرَيْنِ وَهُوَ شَرْطٌ قُيِّدَ بِالْإِنْكَارِ لِأَنَّهُمْ لَوْ سُئِلُوا فَسَكَتُوا لَمْ يَبْطُلْ الْإِشْهَادُ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَفِيهَا مَعْزُوًّا إلَى الْجَامِعِ الْكَبِيرِ إذَا شَهِدَا عَلَى شَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَنَّهُ أَعْتَقَ عَبْدَهُ وَلَمْ يَقْضِ بِشَهَادَتِهِمَا حَتَّى حَضَرَ الْأَصْلَانِ وَنَهَيَا الْفُرُوعَ عَنْ الشَّهَادَةِ صَحَّ النَّهْيُ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَصِحُّ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ اهـ. وَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إلَى أَنَّ الْمَرْوِيَّ عَنْهُ إذَا أَنْكَرَ الرِّوَايَةَ بَطَلَتْ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْأُصُولِ وَاسْتَشْكَلَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ عَمَلَ الْمَشَايِخِ بِالْمَسَائِلِ الَّتِي أَنْكَرَهَا أَبُو يُوسُفَ عَلَى مُحَمَّدٍ حِينَ عَرَضَ عَلَيْهِ الْجَامِعَ الصَّغِيرَ وَقَدَّمْنَاهُ فِي الصَّلَاةِ وَذَكَرْنَاهُ فِي شَرْحِ الْمَنَارِ وَفِي الْخُلَاصَةِ لَوْ نَهَاهُ عَنْ الرِّوَايَةِ وَسِعَهُ الرِّوَايَةُ عَنْهُ اهـ. فَعَلَى هَذَا يُفَرَّقُ بَيْنَ الشَّهَادَةِ وَالرِّوَايَةِ عَلَى قَوْلِ الْعَامَّةِ وَمِمَّا يُبْطِلُ الْإِشْهَادَ خُرُوجُ الْأَصْلِ عَنْ أَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ لِمَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ وَإِذَا خَرِسَ الْأَصْلَانِ أَوْ فَسَقَا أَوْ عَمِيَا وَارْتَدَّا أَوْ جُنَّا لَهُمْ لَمْ تَجُزْ شَهَادَةُ الْفُرُوعِ اهـ. وَمِمَّا يُبْطِلُهُ أَيْضًا حُضُورُ الْأَصْلِ قَبْلَ الْقَضَاءِ قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: وَلَوْ أَنَّ فُرُوعًا شَهِدُوا عَلَى شَهَادَةِ الْأُصُولِ ثُمَّ حَضَرَ الْأُصُولُ قَبْلَ الْقَضَاءِ لَا يُقْضَى بِشَهَادَةِ الْفُرُوعِ اهـ. وَظَاهِرُ قَوْلِهِ لَا يُقْضَى دُونَ أَنْ يَقُولَ: بَطَلَ الْإِشْهَادُ أَنَّ الْأُصُولَ لَوْ غَابُوا بَعْدَ ذَلِكَ قُضِيَ بِشَهَادَتِهِمْ وَذَكَرَ فِي كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي إذَا كَتَبَ لِلْمُدَّعِي كِتَابًا ثُمَّ حَضَرَ بَلَدَ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ بِكِتَابِهِ لَا يَقْضِي بِكِتَابِهِ كَمَا لَوْ حَضَرَ شَاهِدُ الْأَصْلِ اهـ. وَفِي الْيَتِيمَةِ سُئِلَ الْخُجَنْدِيُّ عَنْ قَاضٍ قَضَى لِرَجُلٍ بِمِلْكِ الْأَرْضِ بِشَهَادَةِ الْفُرُوعِ ثُمَّ جَاءَ الْأُصُولُ هَلْ يَبْطُلُ الْفُرُوعُ؟ فَقَالَ: هَذَا مُخْتَلَفٌ بَيْنَ أَصْحَابِنَا فَمَنْ قَالَ: إنَّ الْقَضَاءَ يَقَعُ بِشَهَادَةِ الْأُصُولِ يُبْطِلُ وَمَنْ قَالَ: الْقَضَاءُ يَقَعُ بِشَهَادَةِ الْفُرُوعِ لَا يُبْطِلُ اهـ. وَهَذَا الِاخْتِلَافُ عَجِيبٌ فَإِنَّ الْقَضَاءَ كَيْفَ يَبْطُلُ بِحُضُورِهِمْ فَالظَّاهِرُ عَدَمُهُ. (قَوْلُهُ وَلَوْ شَهِدَا عَلَى شَهَادَةِ رَجُلَيْنِ عَلَى فُلَانَةِ بِنْتِ فُلَانٍ الْفُلَانِيَّةِ بِأَلْفٍ وَقَالَا: أَخْبَرَانَا أَنَّهُمَا يَعْرِفَانِهَا فَجَاءَ بِامْرَأَةٍ فَقَالَا لَا نَدْرِي أَهِيَ هَذِهِ أَمْ لَا؟ قِيلَ لِلْمُدَّعِي: هَاتِ شَاهِدَيْنِ أَنَّهَا فُلَانَةُ) لِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الْمُعَرَّفَةِ بِالنِّسْبَةِ قَدْ تَحَقَّقَتْ وَالْمُدَّعِي يَدَّعِي الْحَقَّ عَلَى الْحَاضِرَةِ فَلَعَلَّهَا غَيْرُهَا فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْرِيفِهَا بِتِلْكَ النِّسْبَةِ نَظِيرُ هَذَا إذَا تَحَمَّلُوا الشَّهَادَةَ بِبَيْعٍ مَحْدُودٍ بِذِكْرِ حُدُودِهَا وَشَهِدُوا عَلَى الْمُشْتَرِي لَا بُدَّ مِنْ آخَرَيْنِ يَشْهَدَانِ عَلَى أَنَّ الْمَحْدُودَ بِهَا فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَكَذَا إنْ أَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّ الْحُدُودَ الْمَذْكُورَةَ فِي الشَّهَادَةِ حُدُودُ مَا فِي يَدَيْهِ وَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ عَلَى فُلَانَةِ إلَى آخِرِهِ إلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْإِشْهَادِ الْإِعْلَامُ بِأَقْصَى مَا يُمْكِنُ وَلِذَا قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ أَشْهَدَ رَجُلًا عَلَى شَهَادَتِهِ فَإِنْ كَانَ الَّذِي لَهُ الْمَالُ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْمَالُ حَاضِرَيْنِ عِنْدَ الْإِشْهَادِ بِقَوْلِهِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ أَيْ الْإِشْهَادُ بِأَنْ قَالُوا إلَخْ) هَكَذَا فَسَّرَ الزَّيْلَعِيُّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ قَالَ فِي الدُّرَرِ: أَقُولُ: قَدْ وَقَعَتْ الْعِبَارَةُ فِي الْهِدَايَةِ وَشُرُوحِهِ وَسَائِرِ الْمُعْتَبَرَاتِ هَكَذَا وَإِنْ أَنْكَرَ شُهُودُ الْأَصْلِ الشَّهَادَةَ مُوَافَقَةً لِمَا فِي الْكَافِي وَلَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ مُغَايَرَةُ الْإِشْهَادِ لِلشَّهَادَةِ فَكَيْفَ يَصِحُّ تَفْسِيرُهَا بِهِ وَلَعَلَّ مَنْشَأَ غَلَطِهِ قَوْلُهُمْ لِأَنَّ التَّحْمِيلَ لَمْ يَثْبُتْ لِلتَّعَارُضِ فَإِنَّ مَعْنَى التَّحْمِيلِ هُوَ الْإِشْهَادُ وَخَفِيَ عَلَيْهِ أَنَّ التَّحْمِيلَ لَا يَثْبُتُ أَيْضًا إذَا أَنْكَرَ أَصْلَ الشَّهَادَةِ بَلْ هَذَا أَبْلَغُ مِنْ إنْكَارِ الْإِشْهَادِ لِأَنَّهُ كِنَايَةٌ وَهُوَ أَبْلَغُ مِنْ التَّصْرِيحِ اهـ. وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة قَالَ الْفَاضِلُ الْمَرْحُومُ جَوَى زَادَهْ: أَقُولُ: لَمْ يُرِدْ الزَّيْلَعِيُّ تَفْسِيرَ لَفْظِ الشَّهَادَةِ بِالْإِشْهَادِ بَلْ أَرَادَ أَنَّ مَدَارَ بُطْلَانِ شَهَادَةِ الْفَرْعِ عَلَى إنْكَارِ الْأَصْلِ لِلْإِشْهَادِ حَتَّى يَبْطُلُ وَلَوْ قَالَ: لِي شَهَادَةٌ عَلَى هَذِهِ الْحَادِثَةِ لَكِنْ لَمْ أَشْهَدْ وَالْمَذْكُورُ فِي الْمَتْنِ تَصَوُّرُ الْمَسْأَلَةِ فِي صُورَةٍ مِنْ صُورَتِي إنْكَارِ الْإِشْهَادِ وَهِيَ صُورَةُ إنْكَارِ الشَّهَادَةِ رَأْسًا إذْ لَا شَكَّ فِي فَوَاتِ الْإِشْهَادِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَيْضًا وَأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِمَا فِي الْمَتْنِ حَصْرَ الْبُطْلَانِ بِصُورَةِ إنْكَارِ الشَّهَادَةِ وَلَمْ يَخَفْ عَلَيْهِ أَنَّ التَّحْمِيلَ لَا يَثْبُتُ أَيْضًا مَعَ إنْكَارِ أَصْلِ الشَّهَادَةِ وَإِنَّمَا يَكُونُ خَافِيًا عَلَيْهِ لَوْ تَوَهَّمَ عَدَمَ بُطْلَانِ شَهَادَةِ الْفَرْعِ حِينَئِذٍ وَحَاشَاهُ عَنْ ذَلِكَ وَإِذْ قَدْ عَرَفْت أَنَّ الْبُطْلَانَ يَعُمُّ صُورَةَ إنْكَارِ الشَّهَادَةِ رَأْسًا وَصُورَةَ الْإِقْرَارِ بِهَا وَإِنْكَارَ الْإِشْهَادِ تَحَقَّقْت أَنَّ كَوْنَ التَّرْكِيبِ أَبْلَغَ فِي الْإِنْكَارِ غَيْرُ مُرَادٍ اهـ. مَا قَالَهُ الْفَاضِل وَصُورَةُ إنْكَارِ الشَّهَادَةِ مَا قَالَهُ فِي الْجَوْهَرَةِ وَإِنْ أَنْكَرَ شُهُودُ الْأَصْلِ الشَّهَادَةَ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَةُ الْفُرُوعِ بِأَنْ قَالُوا: لَيْسَ لَنَا شَهَادَةٌ فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ وَغَابُوا أَوْ مَاتُوا ثُمَّ جَاءَ الْفُرُوعُ وَيَشْهَدُونَ عَلَى شَهَادَتِهِمْ فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ وَقَالُوا: لَمْ نُشْهِدْ الْفُرُوعَ عَلَى شَهَادَتِنَا فَإِنَّ شَهَادَةَ الْفُرُوعِ لَمْ تُقْبَلْ لِأَنَّ التَّحْمِيلَ لَمْ يَثْبُتْ وَهُوَ شَرْطٌ اهـ. (قَوْلُهُ صَحَّ النَّهْيُ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ) يَعْنِي فَلَوْ غَابَ الْأُصُولُ لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا عَلَى شَهَادَتِهِمْ لِأَنَّ الْإِشْهَادَ قَدْ بَطَلَ بِنَهْيِهِمْ فَلَا يُنَافِي مَا سَيَأْتِي أَنَّهُ إذَا حَضَرَ الْأُصُولُ قَبْلَ الْقَضَاءِ لَا يُقْضَى بِشَهَادَةِ الْفُرُوعِ فَلَا يُقَالُ: لَا حَاجَةَ إلَى النَّهْيِ هُنَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ لَا يُقْضَى إلَخْ) عَلَى هَذَا مَا كَانَ يَنْبَغِي عَدُّهُ الْحُضُورَ مِنْ مُبْطِلَاتِ الْإِشْهَادِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 123 أَشْهَدُ أَنَّ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ هَذَا أَقَرَّ عِنْدِي أَنَّ لِفُلَانِ بْنِ فُلَانٍ هَذَا عَلَيْهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ كَانَ الْإِشْهَادُ صَحِيحًا وَإِنْ كَانَا غَائِبَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا حَاضِرٌ وَالْآخَرُ غَائِبٌ أَوْ مَيِّتٌ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنْسِبَ الْغَائِبَ مِنْهُمَا أَوْ الْمَيِّتَ مِنْهُمَا إلَى أَبِيهِ وَجَدِّهِ وَقَبِيلَتِهِ وَمَا يُعْرَفُ بِهِ لِأَنَّ مَجْلِسَ الْإِشْهَادِ بِمَنْزِلَةِ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ فَكَمَا يُشْتَرَطُ فِي أَدَاءِ الشَّهَادَةِ الْإِعْلَامُ بِأَقْصَى الْإِمْكَانِ يُشْتَرَطُ فِي الْإِشْهَادِ اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَفِي طَلَاقِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ أَقَرَّ أَنَّ عَلَيْهِ لِفُلَانِ ابْنِ فُلَانٍ الْفُلَانِيِّ كَذَا فَجَاءَ رَجُلٌ بِهَذَا الِاسْمِ وَادَّعَاهُ وَقَالَ: أَرَدْت بِهِ رَجُلًا آخَرَ مُسَمًّى بِذَلِكَ صُدِّقَ قَضَاءً وَلَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِالْمَالِ اهـ. وَفِي وَصَايَا الْخَانِيَّةِ قَالَ الْمَرِيضُ لِرَجُلٍ: عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ يُعْطَى الْمَالُ كُلُّهُ لِلْوَرَثَةِ وَلَا يُوقَفُ شَيْءٌ وَلَوْ قَالَ لِمُحَمَّدٍ: عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ دَيْنٌ وَلَا يُعْرَفُ مُحَمَّدٌ يُوقَفُ مِقْدَارُ الدَّيْنِ اهـ. وَفِي الْمِصْبَاحِ فُلَانٌ وَفُلَانَةُ بِدُونِ أَلْفٍ وَلَامٍ كِنَايَةٌ عَنْ الْأَنَاسِيِّ وَبِهِمَا كِنَايَةٌ عَنْ الْبَهَائِمِ يُقَالُ: رَكِبْت الْفُلَانَةَ وَحَلَبْت الْفُلَانَةَ (قَوْلُهُ وَكَذَا كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي) لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ إلَّا أَنَّ الْقَاضِيَ لِكَمَالِ دِيَانَتِهِ وَوُفُورِ وِلَايَتِهِ يَنْفَرِدُ بِالنَّقْلِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - جَوَابَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَلَا بُدَّ مِنْهُ فَإِنَّهُ إنْ قَالَ: لَسْت أَنَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ الْفُلَانِيِّ كَانَ الْبَيَانُ عَلَى الْمُدَّعِي وَأَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ وَادَّعَى الِاشْتِرَاكَ فِي الِاسْمِ وَالنَّسَبِ كَانَ الْبَيَانُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. وَلِذَا قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ الْقَاضِي إذَا كَتَبَ كِتَابًا وَكَتَبَ فِي كِتَابِهِ اسْمَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَنَسَبَهُ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ فَقَالَ: الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: لَسْت أَنَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ الْفُلَانِيِّ وَالْقَاضِي الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ لَا يَعْرِفُهُ يَقُولُ الْقَاضِي لِلْمُدَّعِي: أَقِمْ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ فَإِنْ قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: أَنَا فُلَانُ بْنُ فُلَانِ بْنُ فُلَانٍ وَفِي هَذَا الْحَيِّ أَوْ الْفَخِذِ أَوْ فِي هَذِهِ الْحَارَةِ أَوْ فِي هَذِهِ الْبَلْدَةِ رَجُلٌ غَيْرِي بِهَذَا الِاسْمِ يَقُولُ لَهُ الْقَاضِي أَثْبِتْ ذَلِكَ تَنْدَفِعُ عَنْهُ الْخُصُومَةُ كَمَا لَوْ عَلِمَ الْقَاضِي بِمُشَارِكٍ لَهُ فِي الِاسْمِ وَالنَّسَبِ لِأَنَّ حَالَ وُجُودِ الشَّرِيكِ فِي الِاسْمِ وَالنَّسَبِ لَا يَتَعَيَّنُ هُوَ لِلْكِتَابِ وَإِنْ لَمْ يُثْبِتْ ذَلِكَ يَكُونُ خَصْمًا وَإِنْ أَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ كَانَ بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ رَجُلٌ آخَرُ وَمَاتَ ذَلِكَ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي إثْبَاتِ حَيَاةِ ذَلِكَ الْمَيِّتِ وَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ مَا قَالَهُ: الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ بِمَوْتِ ذَلِكَ الرَّجُلِ بَعْدَ تَارِيخِ الْكِتَابِ لَا يُقْبَلُ كِتَابُ الْقَاضِي وَإِنْ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ وَكَذَا لَوْ كَانَ لَا يَدْرِي وَقْتَ مَوْتِ ذَلِكَ الرَّجُلِ اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَا فِيهِمَا التَّمِيمِيَّةُ لَمْ يَجُزْ حَتَّى يَنْسِبَاهَا إلَى فَخِذِهَا) لِأَنَّ التَّعْرِيفَ لَا يَحْصُلُ بِالنِّسْبَةِ الْعَامَّةِ وَهِيَ عَامَّةٌ إلَى بَنِي تَمِيمٍ لِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يُحْصَوْنَ وَيَحْصُلُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْفَخِذِ لِأَنَّهَا خَاصَّةٌ وَفَسَّرَ فِي الْهِدَايَةِ الْفَخِذَ بِالْقَبِيلَةِ الْخَاصَّةِ وَفِي الشَّرْحِ بِالْجَدِّ الْأَعْلَى وَفِي الْمِصْبَاحِ الْفَخِذُ بِالْكَسْرِ وَبِالسُّكُونِ لِلتَّخْفِيفِ دُونَ الْقَبِيلَةِ وَفَوْقَ الْبَطْنِ وَقِيلَ: دُونَ الْبَطْنِ وَفَوْقَ الْفَصِيلَةِ وَهُوَ مُذَكَّرٌ لِأَنَّهُ بِمَعْنَى النَّفَرِ وَالْفَخِذُ مِنْ الْأَعْضَاءِ مُؤَنَّثَةٌ وَالْجَمْعُ فِيهَا أَفْخَاذٌ اهـ. وَفِي الْمِصْبَاحِ الْفَخِذُ آخِرُ الْقَبَائِلِ أَوَّلُهَا الشَّعْبُ ثُمَّ الْقَبِيلَةُ ثُمَّ الْفَصِيلَةُ ثُمَّ الْعِمَارَةُ ثُمَّ الْبَطْنُ ثُمَّ الْفَخِذُ وَقَالَ فِي غَيْرِهِ: الْفَصِيلَةُ بَعْدَ الْفَخِذِ فَالشَّعْبُ بِفَتْحِ الشِّينِ يَجْمَعُ الْقَبَائِلَ وَالْقَبَائِلُ تَجْمَعُ الْعَمَائِرَ وَالْعِمَارَةُ بِكَسْرِ الْعَيْنِ تَجْمَعُ الْبُطُونَ وَالْبَطْنُ يَجْمَعُ الْأَفْخَاذَ وَالْفَخِذُ يَجْمَعُ الْفَصَائِلَ وَفِي الْقَامُوسِ الْفَخِذُ كَكَتِفٍ مَا بَيْنَ الْوَرِكِ وَالسَّاقِ وَحَيُّ الرَّجُلِ إذَا كَانَ مِنْ أَقْرَبِ عَشِيرَتِهَا اهـ. وَذَكَرَ الزَّمَخْشَرِيّ أَنَّ الْعَرَبَ عَلَى سِتِّ طَبَقَاتٍ شَعْبٌ وَقَبِيلَةٌ وَعِمَارَةٌ وَبَطْنٌ وَفَخِذٌ وَفَصِيلَةٌ فَمُضَرُ شَعْبٌ وَكَذَا رَبِيعَةُ وَمَذْحِجُ وَحِمْيَرٌ وَسُمِّيَتْ شُعُوبًا لِأَنَّ الْقَبَائِلَ تَتَشَعَّبُ مِنْهَا وَكِنَانَةُ قَبِيلَةٌ وَقُرَيْشٌ عُمَارَةُ وَقُصَيٌّ بَطْنٌ وَهَاشِمٌ فَخْذٌ وَالْعَبَّاسُ فَصِيلَةٌ فَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ الِاكْتِفَاءُ بِالْفَخِذِ مَا لَمْ يَنْسِبْهَا إلَى الْفَصِيلَةِ لِأَنَّهَا دُونَهَا وَلِذَا قَالَ: اللَّهُ تَعَالَى {وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ} [المعارج: 13] وَمِنْهُمْ مَنْ ذَكَرَ بَعْدَ الْفَصِيلَةِ الْعَشِيرَةَ وَتَمَامُهُ فِي فَصْلِ الْكَفَاءَةِ مِنْ النِّكَاحِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّعْرِيفَ بِالْإِشَارَةِ إلَى الْحَاضِرِ وَفِي الْغَائِبِ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الِاسْمِ وَالنَّسَبِ وَالنِّسْبَةُ إلَى الْأَبِ لَا تَكْفِي عِنْدَ الْإِمَامِ وَمُحَمَّدٍ وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْجَدِّ خِلَافًا لِلثَّانِي فَإِنْ لَمْ يَنْسِبْ إلَى الْجَدِّ وَنَسَبَهُ إلَى الْفَخِذِ الْأَبِ الْأَعْلَى كَتَمِيمِيٍّ وَبُخَارِيٍّ لَا يَكْفِي وَإِنْ إلَى الْحِرْفَةِ -   [منحة الخالق] وَكَذَا كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي وَلَوْ قَالَا فِيهِمَا التَّمِيمِيَّةُ لَمْ يَجُزْ حَتَّى يَنْسِبَاهَا إلَى فَخِذِهَا. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 124 لَا إلَى الْقَبِيلَةِ وَالْجَدُّ لَا يَكْفِي عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا إنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِالصِّنَاعَةِ يَكْفِي وَإِنْ نَسَبَهَا إلَى زَوْجِهَا يَكْفِي وَالْمَقْصُودُ الْإِعْلَامُ وَلَوْ كَتَبَ إلَى فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ الْفُلَانِيِّ عَلَى فُلَانٍ السِّنْدِيِّ عَبْدِ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ الْفُلَانِيِّ كَفَى اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ ذَكَرَ تَمَامَ التَّعْرِيفِ وَلَوْ ذَكَرَ اسْمَ الْمَوْلَى وَاسْمَ أَبِيهِ لَا غَيْرُ ذَكَرَ السَّرَخْسِيُّ أَنَّهُ لَا يَكْفِي وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ يَكْفِي وَبِهِ يُفْتَى لِحُصُولِ التَّعْرِيفِ بِذِكْرِ ثَلَاثَةٍ الْعَبْدُ وَالْمَوْلَى وَأَبُوهُ وَإِنْ ذَكَرَ اسْمَ الْعَبْدِ وَالْمَوْلَى إنْ نَسَبَ إلَى قَبِيلَةِ الْخَاصِّ لَا يَكْفِي عَلَى مَا ذَكَرَهُ السَّرَخْسِيُّ وَيَكْفِي عَلَى مَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ لِوُجُوهٍ ثَلَاثَةٍ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ قَبِيلَتَهُ الْخَاصَّ لَا يَكْفِي وَإِنْ ذَكَرَ اسْمَ الْعَبْدِ وَمَوْلَاهُ وَنَسَبَ الْعَبْدَ إلَى مَوْلَاهُ ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ يَكْفِي وَبِهِ أَفْتَى الصَّدْرُ لِأَنَّهُ وُجِدَ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ وَشَرَطَ الْحَاكِمُ فِي الْمُخْتَصَرِ لِلتَّعْرِيفِ ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ الِاسْمُ وَالنِّسْبَةُ إلَى الْأَبِ وَالنِّسْبَةُ إلَى الْجَدِّ أَوْ الْفَخِذِ أَوْ الصِّنَاعَةِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّ النِّسْبَةَ إلَى الْجَدِّ لَا بُدَّ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِالِاسْمِ الْمُجَرَّدِ مَشْهُورًا كَشُهْرَةِ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ يَكْفِي وَلَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ وَفِي الدَّارِ كَدَارِ الْخِلَافَةِ وَإِنْ مَشْهُورَةً لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْحُدُودِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا هِيَ كَالرَّجُلِ وَلَوْ كَنَّى بِلَا تَسْمِيَةٍ لَمْ تُقْبَلْ إلَّا إذَا كَانَ مَشْهُورًا كَالْإِمَامِ وَلَوْ كَتَبَ مِنْ ابْنِ فُلَانٍ إلَى فُلَانٍ لَمْ يَجُزْ إلَّا إنْ اُشْتُهِرَ كَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَلَوْ كَتَبَ إلَى أَبِي فُلَانٍ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ الْجُزْءَ يُنْسَبُ إلَى الْكُلِّ لَا الْعَكْسِ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ ثُمَّ قَالَ: وَيُشْتَرَطُ نَظَرُ وَجْهِهَا فِي التَّعْرِيفِ وَإِنْ أَرَادَ ذِكْرَ حِلْيَتِهَا يَتْرُكُ مَوْضِعَ الْحِلْيَةِ حَتَّى يَكُونَ الْقَاضِي هُوَ الَّذِي يَكْتُبُ الْحِلْيَةَ أَوْ يُمْلِي الْكَاتِبَ لِأَنَّهُ إنْ حَلَّاهَا الْكَاتِبُ لَا يَجِدُ الْقَاضِي بُدًّا مِنْ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهَا فَيَكُونُ فِيهِ نَظَرُ رَجُلَيْنِ وَفِيمَا ذَكَرْنَا نَظَرُ رَجُلٍ وَاحِدٍ فَكَانَ أَوْلَى وَهَلْ يُشْتَرَطُ شَهَادَةُ الزَّائِدِ عَلَى عَدْلَيْنِ فِي أَنَّهَا فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانٍ أَمْ لَا قَالَ الْإِمَامُ: لَا بُدَّ مِنْ شَهَادَةِ جَمَاعَةٍ عَلَى أَنَّهَا فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانٍ وَقَالَا: شَهَادَةُ عَدْلَيْنِ تَكْفِي وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى لِأَنَّهُ أَيْسَرُ اهـ. وَهُوَ ظَاهِرٌ إلَّا قَوْلَهُ إنَّ النِّسْبَةَ إلَى الْفَخِذِ لَا تَكْفِي عَنْ الْجَدِّ فَفِي الْهِدَايَةِ ثُمَّ التَّعْرِيفُ وَإِنْ كَانَ يَتِمُّ بِذِكْرِ الْجَدِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَذِكْرُ الْفَخِذِ يَقُومُ مَقَامَ الْجَدِّ لِأَنَّهُ اسْمُ الْجَدِّ الْأَعْلَى فَنَزَلَ مَنْزِلَةَ الْجَدِّ الْأَدْنَى. اهـ. وَكَذَا تَمْثِيلُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ لِلْفَخِذِ بِتَمِيمِيٍّ غَيْرُ صَحِيحٍ لِمَا عَلِمْتُهُ آنِفًا وَفِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ وَلَوْ ذَكَرَ لَقَبَهُ وَاسْمَهُ وَاسْمَ أَبِيهِ قِيلَ: يَكْفِي وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَكْفِي فَإِذَا قَضَى قَاضٍ بِدُونِ ذِكْرِ الْجَدِّ يَنْفُذُ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَإِنْ حَصَلَ التَّعْرِيفُ بِاسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ وَلَقَبِهِ لَا يُحْتَاجُ إلَى ذِكْرِ الْجَدِّ وَإِنْ كَانَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِذِكْرِ الْجَدِّ لَا يَكْفِي وَالْمَدِينَةُ وَالْقَرْيَةُ وَالْكُورَةُ لَيْسَتْ بِسَبَبٍ لِلتَّعْرِيفِ وَلَا تَقَعُ الْمَعْرِفَةُ بِالْإِضَافَةِ إلَيْهَا وَإِنْ دَامَتْ فَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ يُعْرَفُ بِاسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ وَجَدِّهِ لَا يَحْتَاجُ إلَى اللَّقَبِ وَإِنْ كَانَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِذِكْرِ اللَّقَبِ بِأَنْ كَانَ يُشَارِكُهُ فِي الْمِصْرِ غَيْرُهُ فِي ذَلِكَ الِاسْمِ وَاللَّقَبِ كَمَا فِي أَحْمَدْ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ فَهَذَا لَا يَقَعُ التَّعْرِيفُ بِهِ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ الْمِصْرِ يُشَارِكُهُ غَيْرُهُ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ إنَّمَا هُوَ حَاصِلُ الْمَعْرِفَةِ وَارْتِفَاعُ الِاشْتِرَاكِ اهـ. وَفِي إيضَاحِ الْإِصْلَاحِ وَفِي الْعَجَمِ ذِكْرُ الصِّنَاعَةِ بِمَنْزِلَةِ الْفَخِذِ لِأَنَّهُمْ ضَيَّعُوا أَنْسَابَهُمْ. (قَوْلُهُ وَمَنْ أَقَرَّ أَنَّهُ شَهِدَ زُورًا يُشَهَّرُ وَلَا يُعَزَّرُ) أَيْ لَا يُضْرَبُ وَقَالَا يُضْرَبُ وَيُحْبَسُ لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - ضَرَبَ شَاهِدَ الزُّورِ أَرْبَعِينَ سَوْطًا وَسَخَّمَ وَجْهَهُ وَلِأَنَّ هَذِهِ كَبِيرَةٌ يَتَعَدَّى ضَرَرُهَا إلَى الْعِبَادِ وَلَيْسَ فِيهَا حَدٌّ مُقَدَّرٌ فَيُعَزَّرُ وَلَهُ أَنَّ شُرَيْحًا كَانَ يُشَهِّرُهُ وَلَا يَضْرِبُهُ وَلِأَنَّ الِانْزِجَارَ يَحْصُلُ بِالتَّشْهِيرِ فَيُكْتَفَى بِهِ وَالضَّرْبُ وَإِنْ كَانَ مُبَالَغَةً فِي الزَّجْرِ وَلَكِنَّهُ يَقَعُ مَانِعًا عَنْ الرُّجُوعِ فَوَجَبَ التَّخْفِيفُ نَظَرًا إلَى هَذَا الْوَجْهِ وَحَدِيثُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَحْمُولٌ عَلَى السِّيَاسَةِ بِدَلَالَةِ التَّبْلِيغِ إلَى الْأَرْبَعِينَ وَالتَّسْخِيمِ وَفِي السِّرَاجِيَّةِ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِ وَرَجَّحَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ قَوْلَهُمَا وَقَالَ: إنَّهُ الْحَقُّ أَطْلَقَ مَنْ أَقَرَّ فَشَمَلَ الرَّجُلَ وَالْمَرْأَةَ قَالَ: فِي كَافِي الْحَاكِمِ وَالرِّجَالُ -.   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَالصَّحِيحُ أَنَّ النِّسْبَةَ إلَخْ) سَيَأْتِي رَدُّهُ (قَوْلُهُ وَهَلْ يُشْتَرَطُ شَهَادَةُ الزَّائِدِ عَلَى الْعَدْلَيْنِ فِي أَنَّهَا فُلَانَةُ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَالَ الطَّرَابُلُسِيُّ فِي مُعِينِ الْحُكَّامِ وَلَوْ عَرَفَهَا رَجُلَانِ وَقَالَا: نَشْهَدُ أَنَّهَا فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانٍ حَلَّ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَشْهَدَ وِفَاقًا لِأَنَّ فِي لَفْظِ الشَّهَادَةِ مِنْ التَّأْكِيدِ مَا لَيْسَ فِي لَفْظِ الْخَبَرِ لِأَنَّهُ يَمِينٌ بِاَللَّهِ تَعَالَى مَعْنًى وَلَوْ كَانَ بِلَفْظِ الْخَبَرِ إنَّمَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَوْ أَخْبَرَ جَمَاعَةٌ لَا يُمْكِنُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ وَعِنْدَهُمَا لَوْ أَخْبَرَهُ عَدْلَانِ أَنَّهَا فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ يَحِلُّ لَهُ الشَّهَادَةُ اهـ. فَانْظُرْ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا هُنَا مِنْ الْمُخَالَفَةِ وَقَدَّمَ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَلَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِمَا سَمِعَ أَوْ رَأَى عَنْ الْفَتَاوَى الصُّغْرَى مَا يُوَافِقُ مَا ذَكَرَهُ هُنَا تَأَمَّلْ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ مَا فِي مُعِينِ الْحُكَّامِ هُوَ الْمُعْتَبَرُ لِمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْعِلَّةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَفِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَلَا يَخْفَى أَنْ لَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْ التَّعْرِيفِ أَنْ يَنْسِبَ إلَى أَنْ يَعْرِفَهُ الْقَاضِي لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَعْرِفُهُ وَلَوْ نَسَبَهُ إلَى مِائَةِ جَدٍّ وَإِلَى صِنَاعَتِهِ وَمَحَلَّتِهِ بَلْ لِيَثْبُتَ بِذَلِكَ الِاخْتِصَاصُ وَيَزُولَ الِاشْتِرَاكُ فَإِنَّهُ قَلَّمَا يَتَّفِقُ اثْنَانِ فِي اسْمِهِمَا وَاسْمِ أَبِيهِمَا وَجَدِّهِمَا أَوْ صِنَاعَتِهِمَا وَلَقَبِهِمَا فَمَا ذُكِرَ عَنْ قَاضِي خَانْ مِنْ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُعْرَفْ مَعَ ذِكْرِ الْجَدِّ لَا يُكْتَفَى لِذَلِكَ الْأَوْجَهُ مِنْهُ مَا نُقِلَ فِي الْفُصُولِ مِنْ أَنَّ شَرْطَ التَّعْرِيفِ ذِكْرُ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ غَيْرَ أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي اللَّقَبِ مَعَ الِاسْمِ هَلْ هُمَا وَاحِدٌ أَوْ لَا. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 125 وَالنِّسَاءُ فِي شَهَادَةِ الزُّورِ سَوَاءٌ وَقَيَّدَ بِإِقْرَارِهِ لِأَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِهِ إلَّا بِإِقْرَارِهِ وَزَادَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنْ يَشْهَدَ بِمَوْتِ وَاحِدٍ فَيَجِيءُ حَيًّا كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَظَاهِرٌ أَنَّهُ يُشَهَّرُ أَيْضًا فِيهِ وَخَرَجَ مَا إذَا رُدَّتْ شَهَادَتُهُ لِتُهْمَتِهِ أَوْ لِمُخَالَفَتِهِ بَيْنَ الشَّهَادَةِ وَالدَّعْوَى أَوْ بَيْنَ شَهَادَتَيْنِ فَإِنَّهُ لَا يُعَزَّرُ لِأَنَّا نَدْرِي مَنْ هُوَ الْكَاذِبُ مِنْهُمْ الْمَشْهُودُ لَهُ أَوْ الشَّاهِدَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا وَقَدْ يَكْذِبُ الْمُدَّعِي لِيَنْسِبَ الشَّاهِدَ إلَى الْكَذِبِ وَلَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ بِالْبَيِّنَةِ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ النَّفْيِ وَالْبَيِّنَةُ حُجَّةُ الْإِثْبَاتِ فِي إقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ فَيُقْبَلُ إقْرَارُهُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ مُوجَبُهُ مِنْ الضَّمَانِ أَوْ التَّعْزِيرِ ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُ الزُّورِ بِالْبَيِّنَةِ وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ وَمِنْ التَّهَاتُرِ أَنْ يَشْهَدَا أَنَّ هَذَا الشَّيْءَ لَمْ يَكُنْ لِفُلَانٍ فَهَذَا مِمَّا لَا يُقْبَلُ وَكَذَا لَوْ شَهِدَا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ دَيْنٌ وَمَنْ شَهِدَ أَنَّ هَذَا لَمْ يَكُنْ فَقَدْ شَهِدَ بِالْبَاطِلِ وَالْحَاكِمُ يَعْلَمُ أَنَّهُ كَاذِبٌ. اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الزُّورِ فَيُعَزَّرُ فَعَلَى هَذَا يُعَزَّرُ بِإِقْرَارِهِ أَوْ بِتَيَقُّنِ كَذِبِهِ وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهُ الْمُؤَلِّفُ إمَّا لِنُدْرَتِهِ وَإِمَّا لِأَنَّهُ لَا مَحِيصَ لَهُ أَنْ يَقُولَ كَذَبْت أَوْ ظَنَنْتَ ذَلِكَ أَوْ سَمِعْت ذَلِكَ فَشَهِدْت وَهُمَا بِمَعْنَى كَذَبْت لِإِقْرَارِهِ بِالشَّهَادَةِ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَجُعِلَ كَأَنَّهُ قَالَ: ذَلِكَ كَذَا فِي الْبِنَايَةِ وَجَعَلَ فِي إيضَاحِ الْإِصْلَاحِ نَظِيرَ مَسْأَلَةِ ظُهُورِهِ حَيًّا بَعْدَ الشَّهَادَةِ بِمَوْتِهِ أَوْ قَتْلِهِ مَا إذَا شَهِدُوا بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ فَمَضَى ثَلَاثُونَ يَوْمًا وَلَيْسَ فِي السَّمَاءِ عِلَّةٌ وَلَمْ يَرَوْا الْهِلَالَ. وَالزُّورُ فِي اللُّغَةِ الْكَذِبُ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ وَفِي الْقَامُوسِ الزُّورُ بِالضَّمِّ الْكَذِبُ وَالشِّرْكُ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَأَعْيَادُ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالرَّئِيسُ وَمَجْلِسُ الْغِنَاءِ وَمَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْقُوَّةُ وَهَذِهِ وِفَاقٌ بَيْنَ لُغَةِ الْعَرَبِ وَالْفُرْسِ وَنَهْرٌ يَصَبُّ فِي دِجْلَةَ وَالرَّأْيُ وَالْعَقْلُ وَالْبَاطِلُ إلَى آخِرِهِ وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} [الفرقان: 72] لَا يُقِيمُونَ الشَّهَادَةَ الْبَاطِلَةَ أَوْ لَا يَحْضُرُونَ مُحَاضِرَ الْكَذِبِ فَإِنَّ مُشَاهَدَةَ الْبَاطِلِ شَرِكَةٌ فِيهِ اهـ. وَعِنْدَ الْفُقَهَاءِ الشَّهَادَةُ الْبَاطِلَةُ عَمْدًا وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَوْ قَالَ: غَلِطْت أَوْ ظَنَنْت ذَلِكَ قِيلَ: هُمَا بِمَعْنَى كَذَبْت لِإِقْرَارِهِ بِالشَّهَادَةِ بِغَيْرِ عِلْمٍ اهـ. وَيُخَالِفُهُ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فَإِنَّهُ جَعَلَهُمَا كَنَسِيتُ فَلَا تَعْزِيرَ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَالتَّشْهِيرُ فِي اللُّغَةِ مِنْ شَهَّرَهُ بِالتَّشْدِيدِ رَفَعَهُ عَلَى النَّاسِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ أَوْ أَبْرَزَهُ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ وَعِنْدَ الْفُقَهَاءِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ مَا نُقِلَ عَنْ شُرَيْحٍ أَنَّهُ كَانَ يَبْعَثُهُ إلَى سُوقِهِ إنْ كَانَ سُوقِيًّا وَإِلَى قَوْمِهِ إنْ كَانَ غَيْرَ سُوقِيٍّ بَعْدَ الْعَصْرِ أَجْمَعَ مَا كَانُوا أَوْ يَقُولُ: إنَّ شُرَيْحًا يُقْرِئُكُمْ السَّلَامَ وَيَقُولُ: إنَّا وَجَدْنَا هَذَا شَاهِدَ الزُّورِ فَاحْذَرُوهُ وَحَذِّرُوهُ النَّاسَ اهـ. وَبَعْثُهُ مَعَ أَعْوَانِهِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَاشِيًا أَوْ رَاكِبًا وَلَوْ عَلَى بَقَرَةٍ كَمَا يُفْعَلُ الْآنَ وَأَمَّا التَّسْخِيمُ فَقَالَ فِي الْمِصْبَاحِ السُّخَامُ وَزَانُ غُرَابٍ سَوَادُ الْقِدْرِ وَسَخَّمَ الرَّجُلُ وَجْهَهُ سَوَّدَهُ بِالسُّخَامِ وَسَخَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ كِنَايَةٌ عَنْ الْمَقْتِ وَالْغَضَبِ اهـ. وَقَدَّمْنَا فِي دَلِيلِهِمَا أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سَخَّمَ وَجَّهَهُ وَأَنَّ الْإِمَامَ حَمَلَهُ عَلَى السِّيَاسَةِ وَهُوَ تَأْوِيلُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَأَوَّلَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ بِالتَّخْجِيلِ بِالتَّفْضِيحِ وَالتَّشْهِيرِ فَإِنَّ الْخَجَلَ يُسَمَّى سَوَادًا مَجَازًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا} [النحل: 58] كَذَا فِي الْبِنَايَةِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يُسَخِّمَ وَجْهَهُ إذَا رَآهُ سِيَاسَةً وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مَعْزِيًّا إلَى الْمُغْنِي وَلَا يُسَخِّمُ وَجْهَهُ بِالْخَاءِ وَالْحَاءِ وَإِنَّمَا فَسَّرَ قَوْلَهُ لَا يُعَزَّرُ بِلَا يُضْرَبُ لِأَنَّ التَّشْهِيرَ تَعْزِيرٌ. وَالْحَاصِلُ الِاتِّفَاقُ عَلَى تَعْزِيرِهِ غَيْرَ أَنَّهُ اكْتَفَى بِتَشْهِيرِ حَالِهِ فِي الْأَسْوَاقِ وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ أَشَدَّ مِنْ ضَرْبِهِ خُفْيَةً وَهُمَا أَضَافَا إلَى ذَلِكَ الضَّرْبَ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَأَطْلَقَ فِي تَشْهِيرِهِ فَشَمَلَ الْأَحْوَالَ كُلَّهَا وَقَيَّدَهُ الْإِمَامُ الْحَاكِمُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْكَاتِبُ بِأَنْ لَا يَعْلَمَ رُجُوعَهُ بِأَيِّ سَبَبٍ كَانَ فَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ أَمَّا إنْ رَجَعَ تَائِبًا نَادِمًا لَمْ يُعَزَّرْ إجْمَاعًا وَإِنْ رَجَعَ مُصِرًّا عَلَى مَا كَانَ فَإِنَّهُ يُعَزَّرُ إجْمَاعًا أَيْ يُضْرَبُ وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ أَنَّ التَّشْهِيرَ قَوْلُهُمَا أَيْضًا فَهُمَا يَقُولَانِ بِالتَّشْهِيرِ وَالضَّرْبِ وَالْحَبْسِ وَالْكُلُّ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي وَاخْتَلَفُوا فِي قَبُولِ شَهَادَتِهِ إذَا تَابَ قَالُوا: إنْ كَانَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَقَيَّدَ بِإِقْرَارِهِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: الَّذِي يَقْتَضِيهِ التَّحْقِيقُ مَا سَيَأْتِي أَنَّهُ يُحْكَمُ بِهِ فِي كُلِّ مَا يُتَيَقَّنُ بِهِ كَذِبُهُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَزَادَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: قَدْ جَوَّزُوا الشَّهَادَةَ بِالْمَوْتِ لِمَنْ سَمِعَ مِنْ ثِقَةٍ مَوْتَهُ إذَا أَخْبَرَهُ بِهِ فَكَيْفَ يُحْكَمُ بِهِ مَعَهُ وَقَدْ يُقَالُ: لَمَّا جَزَمَ بِالشَّهَادَةِ بِالْمَوْتِ وَظَهَرَ حَيًّا قُطِعَ بِكَذِبِهِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجْزِمَ بَلْ يَقُولُ: أَخْبَرَنِي فُلَانٌ أَوْ سَمِعْت مِنْ النَّاسِ أَوْ اُشْتُهِرَ عِنْدِي ذَلِكَ وَنَحْوَهُ فَفِي مِثْلِ ذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُحْكَمَ بِهِ فَلَا يُشَهَّرُ وَلَا يُعَزَّرُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُ الزُّورِ بِالْبَيِّنَةِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: قَالَ فِي فُصُولِ الْعِمَادِيِّ شَهِدَا أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَى هَذَا الرَّجُلِ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَقَضَى الْقَاضِي بِشَهَادَتِهِمَا وَأَمَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِدَفْعِ الْمَالِ وَهُوَ الْأَلْفُ إلَى الْمُدَّعِي ثُمَّ أَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْبَرَاءَةِ فَإِنَّ الشَّاهِدَيْنِ يَضْمَنَانِ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْخِيَارِ فِي تَضْمِينِ الْمُدَّعِي أَوْ الشَّاهِدَيْنِ لِأَنَّهُمَا حَقَّقَا عَلَيْهِ إيجَابَ الْمَالِ فِي الْحَالِ فَإِذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْبَرَاءَةِ فَقَدْ ظَهَرَ كَذِبُهُمَا فَصَارَا ضَامِنَيْنِ فَغَرِمَا. اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ الشَّاهِدَ يَكُونُ شَاهِدَ زُورٍ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ لِظُهُورِ الْكَذِبِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَالِ لَا إلَى التَّعْزِيرِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ذَكَرَهُ الْغَزِّيِّ (قَوْلُهُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يُسَخِّمَ وَجْهَهُ إذَا رَآهُ سِيَاسَةً) قَدَّمَ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ أَنَّ الْقَاضِيَ لَيْسَ لَهُ الْحُكْمُ بِالسِّيَاسَةِ بَلْ الْحُكْمُ بِهَا لِلْإِمَامِ وَلَيْسَ فِيمَا ذَكَرَهُ هُنَا دَلِيلٌ عَلَيْهِ بَلْ مَا قَدَّمَهُ مِنْ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَعَلَهُ يَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ قَالَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 126 فَاسِقًا تُقْبَلُ لِأَنَّ الْحَامِلَ لَهُ عَلَيْهَا فِسْقُهُ فَإِنْ تَابَ وَظَهَرَ صَلَاحُهُ تُقْبَلُ لِزَوَالِ الْفِسْقِ وَإِنْ كَانَ عَدْلًا أَوْ مَسْتُورًا لَا تُقْبَلُ أَبَدًا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ قَبُولُهَا وَبِهِ يُفْتَى وَاخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِ مُدَّةِ تَوْبَتِهِ وَالصَّحِيحُ التَّفْوِيضُ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي اهـ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (بَابُ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ) مُنَاسَبَتُهُ لِشَهَادَةِ الزُّورِ ظَاهِرَةٌ وَهُوَ أَنَّ الرُّجُوعَ لَا يَكُونُ غَالِبًا إلَّا لِتَقَدُّمِهَا عَمْدًا أَوْ خَطَأً وَتَرْجَمَ لَهُ بِالْبَابِ مُخَالِفًا لِلْهِدَايَةِ الْمُتَرْجَمِ بِكِتَابٍ إذْ لَيْسَ لَهُ أَبْوَابٌ مُتَعَدِّدَةٌ وَهُوَ إنْ كَانَ رَفْعًا لِلشَّهَادَةِ لَكِنَّهُ دَاخِلٌ تَحْتَهَا كَدُخُولِ النَّوَاقِضِ فِي الطَّهَارَةِ وَالْكَلَامُ فِيهِ فِي مَوَاضِعَ: الْأَوَّلُ فِي مَعْنَاهُ لُغَةً قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ رَجَعَ مِنْ سَفَرِهِ وَعَنْ الْأَمْرِ يَرْجِعُ رُجُوعًا وَرَجْعًا وَرُجْعَى وَمَرْجِعًا قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: هُوَ نَقِيضُ الذَّهَابِ اهـ. الثَّانِي: فِي مَعْنَاهُ اصْطِلَاحًا فَهُوَ نَفْيُ مَا أَثْبَتَهُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَالثَّالِثُ فِي رُكْنِهِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّاهِدِ رَجَعْت عَمَّا شَهِدْت بِهِ أَوْ شَهِدْت بِزُورٍ فِيمَا شَهِدْت بِهِ أَوْ كَذَبْت فِي شَهَادَتِي فَلَوْ أَنْكَرَهَا لَمْ يَكُنْ رُجُوعًا كَمَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ الرَّابِعُ فِي شَرْطِهِ مَجْلِسُ الْقَاضِي فَلَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ فِي غَيْرِهِ وَفَائِدَتُهُ عَدَمُ قَبُولِ الْبَيِّنَةِ عَلَى رُجُوعِهِ وَعَدَمُ اسْتِحْلَافِهِ إذَا أَنْكَرَ كَمَا سَيَأْتِي الْخَامِسُ فِي صِفَتِهِ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: إنَّهُ أَمْرٌ مَشْرُوعٌ مَرْغُوبٌ فِيهِ دِيَانَةً لِأَنَّ فِيهِ خَلَاصًا مِنْ عِقَابِ الْكَبِيرَةِ اهـ. وَذَكَرَ الشَّارِحُ أَنَّ شَهَادَةَ الزُّورِ وَكِتْمَانَ الشَّهَادَةِ بِالْحَقِّ سَوَاءٌ فَإِذَا شَهِدَ بِزُورٍ عَمْدًا أَوْ خَطَأً أَوْجَبَتْ عَلَيْهِ التَّوْبَةَ وَهِيَ لَا تَصِحُّ إلَّا عِنْدَ الْحَاكِمِ وَلَا يَمْنَعُهُ عَنْهَا الِاسْتِحْيَاءُ مِنْ الْمَخْلُوقِينَ وَفِيهِ تَدَارُكُ مَا أَتْلَفَ بِالزُّورِ اهـ. السَّادِسُ فِي حُكْمِهِ وَهُوَ شَيْئَانِ: أَحَدُهُمَا يَرْجِعُ إلَى مَالِهِ وَالْآخَرُ إلَى نَفْسِهِ فَالْأَوَّلُ وُجُوبُ الضَّمَانِ وَيَحْتَاجُ إلَى بَيَانِ ثَلَاثَةٍ سَبَبُهُ وَشَرَائِطُهُ وَمِقْدَارُهُ فَسَبَبُهُ إتْلَافُ الْمَالِ أَوْ النَّفْسِ بِهَا فَإِنْ وَقَعَتْ إتْلَافًا انْعَقَدَتْ سَبَبًا لِوُجُوبِ الضَّمَانِ وَإِلَّا فَلَا تَنْزِيلًا لِلسَّبَبِ مَنْزِلَةَ الْمُبَاشَرَةِ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ مُفَصَّلًا وَشَرْطُهُ كَوْنُهُ بَعْدَ الْقَضَاءِ وَمَجْلِسُ الْقَضَاءِ وَكَوْنُ الْمُتْلَفِ بِهَا عَيْنًا فَلَا ضَمَانَ لَوْ رَجَعَ عَنْ مَنْفَعَةٍ كَالنِّكَاحِ بَعْدَ الدُّخُولِ وَمَنْفَعَةِ دَارٍ شَهِدَا عَلَى الْمُؤَجِّرِ لِلْمُسْتَأْجِرِ بِإِجَارَتِهَا بِأَقَلَّ مِنْ أَجْرِ مِثْلِهَا ثُمَّ رَجَعَا وَأَنْ يَكُونَ الْإِتْلَافُ بِغَيْرِ عِوَضٍ لِأَنَّهُ بِعِوَضٍ إتْلَافٌ صُورَةً لَا مَعْنًى وَقَدْرُ الْوَاجِبِ عَلَى قَدْرِ الْإِتْلَافِ لِأَنَّهُ السَّبَبُ وَالْحُكْمُ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الْعِلَّةِ وَأَمَّا مَا يَرْجِعُ إلَى نَفْيِهِ فَنَوْعَانِ: وُجُوبُ الْحَدِّ فِي شَهَادَةِ الزِّنَا سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الْقَضَاءِ أَوْ بَعْدَهُ لِلْقَذْفِ مِنْهُمْ وَلَوْ بَعْدَ الْإِمْضَاءِ رَجْمًا كَانَ أَوْ جَلْدًا خِلَافًا لِزُفَرَ فِي الرَّجْمِ وَوُجُوبِ الضَّمَانِ وَهُوَ الدِّيَةُ عَلَيْهِمْ إنْ رَجَعُوا بَعْدَ الرَّجْمِ لَا بَعْدَ الْجَلْدِ وَإِنْ مَاتَ مِنْهُ وَالثَّانِي وُجُوبُ التَّعْزِيرِ عَلَيْهِ سِوَى شَهَادَةِ الزِّنَا إنْ تَعَمَّدَ الشَّهَادَةَ بِالزُّورِ فَظَهَرَ عِنْدَ الْقَاضِي بِإِقْرَارِهِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ فَلَا ضَمَانَ لَوْ أَتْلَفَا حَقًّا مِنْ الْحُقُوقِ كَالْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ لَوْ شَهِدَا بِهِ ثُمَّ رَجَعَا أَوْ الرَّجْعَةِ أَوْ تَسْلِيمِ الشُّفْعَةِ أَوْ إسْقَاطِ خِيَارٍ مِنْ الْخِيَارَاتِ كَذَا فِي النُّتَفِ وَلَا فَرْقَ فِي وُجُوبِ التَّعْزِيرِ بَيْنَ كَوْنِهِ قَبْلَ الْقَضَاءِ أَوْ بَعْدَهُ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَا يَخْلُو عَنْ نَظَرٍ لِأَنَّ الرُّجُوعَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ تَوْبَةٌ عَنْ تَعَمُّدِ الزُّورِ إنْ تَعَمَّدَهُ وَالتَّهَوُّرِ وَالْعَجَلَةِ إنْ كَانَ أَخْطَأَ فِيهِ وَلَا تَعْزِيرَ عَلَى التَّوْبَةِ وَلَا عَنْ ذَنْبٍ ارْتَفَعَ بِهَا وَلَيْسَ فِيهِ حَدٌّ مُقَدَّرٌ اهـ قُلْتُ: إنَّ رُجُوعَهُ قَدْ يَكُونُ لِقَصْدِ إتْلَافِ الْحَقِّ وَلِجَوَازِ كَوْنِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ غَرَّهُ بِمَالٍ لَا لِمَا ذَكَرَهُ وَلَكِنَّهُ خَاصٌّ بِمَا قَبْلَ الْقَضَاءِ وَأَمَّا بَعْدَهُ فَقَدْ يَظُنُّ بِجَهْلِهِ أَنَّهُ إتْلَافٌ عَلَى الْمَشْهُودِ لَهُ مَعَ أَنَّهُ إتْلَافٌ لِمَالِهِ بِالْغَرَامَةِ. (قَوْلُهُ وَلَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ إلَّا عِنْدَ الْقَاضِي) لِأَنَّهُ فَسْخٌ لِلشَّهَادَةِ فَيَخْتَصُّ بِمَا يَخْتَصُّ بِهِ الشَّهَادَةُ مِنْ مَجْلِسِ الْقَاضِي وَلِأَنَّ الرُّجُوعَ تَوْبَةٌ وَهِيَ عَلَى حَسَبِ الْجِنَايَةِ فَالسِّرُّ بِالسِّرِّ وَالْإِعْلَانُ بِالْإِعْلَانِ أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ الْقَاضِيَ الْمَشْهُودَ عِنْدَهُ وَغَيْرَهُ فَإِذَا لَمْ يَصِحَّ الرُّجُوعُ عِنْدَ غَيْرِ الْقَاضِي وَلَوْ شُرْطِيًّا كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَادَّعَى الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ رُجُوعَهُمَا وَأَرَادَ يَمِينَهُمَا لَا يَحْلِفَانِ وَكَذَا لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُ ادَّعَى رُجُوعًا بَاطِلًا حَتَّى لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهُ رَجَعَ عِنْدَ قَاضِي كَذَا وَضَمَّنَهُ الْمَالَ تُقْبَلُ لِأَنَّ السَّبَبَ صَحِيحٌ وَلَوْ أَقَرَّ عِنْدَ الْقَاضِي أَنَّهُ رَجَعَ عِنْدَ غَيْرِ الْقَاضِي فَإِنَّهُ صَحِيحٌ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَاخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِ مُدَّةِ تَوْبَتِهِ) تَقَدَّمَ قُبَيْلَ قَوْلِهِ وَالْأَقْلَفُ نَقْلًا عَنْ الْخُلَاصَةِ لَوْ كَانَ عَدْلًا فَشَهِدَ بِزُورٍ ثُمَّ تَابَ فَشَهِدَ تُقْبَلُ مِنْ غَيْرِ مُدَّةٍ تَأَمَّلْ. [بَابُ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ] (بَابُ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ) (قَوْلُهُ وَتَرْجَمَ لَهُ بِالْبَابِ مُخَالِفًا لِلْهِدَايَةِ) أَقُولُ: يُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ التَّرْجَمَةُ بِالْكِتَابِ مُوَافِقًا لِلْهِدَايَةِ وَوَجْهُهُ أَنَّ تَحْتَهُ أَبْوَابًا مُتَعَدِّدَةً لَكِنَّ الْمُصَنِّفَ ذَكَرَ بَعْضَهَا وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِالْبَابِ أَوْ الْفَصْلِ وَتَرَكَ بَعْضًا كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُؤَلِّفُ وَشَأْنُ الْمُتُونِ الِاخْتِصَارُ وَلِذَا تَرْجَمَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة بِالْكِتَابِ وَذَكَرَ تَحْتَهُ سِتَّةَ عَشَرَ فَصْلًا سَاقَهَا عَلَى نَسَقٍ وَبِهِ انْدَفَعَ مَا وُجِّهَ بِهِ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ مُشِيرًا بِهِ إلَى الِاعْتِرَاضِ عَلَى الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ التَّعْزِيرُ) الْمُرَادُ بِالتَّعْزِيرِ التَّشْهِيرُ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 127 وَإِنْ أَقَرَّ بِرُجُوعٍ بَاطِلٍ لِأَنَّهُ يُجْعَلُ إنْشَاءً لِلْحَالِ وَفِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ إذَا رَجَعَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا وَأَشْهَدَا بِمَالٍ عَلَى أَنْفُسِهِمَا لِأَجْلِ الرُّجُوعِ ثُمَّ جَحَدَا ذَلِكَ فَشَهِدَ عَلَيْهِمْ الشُّهُودُ بِالْمَالِ مِنْ قَبْلِ الرُّجُوعِ وَالضَّمَانِ لَا تُقْبَلُ إذَا تَصَادَقَا عِنْدَ الْقَاضِي أَنَّ الْإِقْرَارَ بِهَذَا السَّبَبِ فَالْقَاضِي لَا يُلْزِمُهُمَا الضَّمَانَ وَفِي الْمُحِيطِ وَلَوْ ادَّعَى رُجُوعَهُمَا عِنْدَ الْقَاضِي وَلَمْ يَدَّعِ الْقَضَاءَ بِالرُّجُوعِ وَالضَّمَانِ لَا تُسْمَعُ مِنْهُ الْبَيِّنَةُ وَلَا يَحْلِفُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الرُّجُوعَ لَا يَصِحُّ وَلَا يَصِيرُ مُوجِبًا لِلضَّمَانِ إلَّا بِاتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهِ كَالشَّهَادَةِ اهـ. (قَوْلُهُ فَإِنْ رَجَعَا قَبْلَ حُكْمِهِ لَمْ يَقْضِ بِهَا) لِأَنَّ الْحَقَّ إنَّمَا يَثْبُتُ بِالْقَضَاءِ وَالْقَاضِي لَا يَقْضِي بِكَلَامٍ مُتَنَاقِضٍ وَقَدَّمْنَاهُ أَنَّهُ يُعَزَّرُ قَبْلَ الْحُكْمِ أَيْضًا أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا لَوْ رَجَعَا عَنْ بَعْضِهَا كَمَا لَوْ شَهِدَا بِدَارٍ وَبِنَائِهَا أَوْ بِأَتَانٍ وَوَلَدِهَا ثُمَّ رَجَعَا فِي الْبِنَاءِ وَالْوَلَدِ لَمْ يَقْضِ بِالْأَصْلِ كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مُعَلِّلًا بِأَنَّ الشَّاهِدَ فَسَّقَ نَفْسَهُ وَشَهَادَةُ الْفَاسِقِ تُرَدُّ وَفِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ فَلَمْ يَقْضِ بِشَهَادَتِهِمَا حَتَّى شَهِدَ رَجُلَانِ عَلَيْهِمَا أَنَّهُمَا رَجَعَا عَنْ تِلْكَ الشَّهَادَةِ فَإِنْ كَانَ اللَّذَانِ أَخْبَرَا عَنْهُمَا بِالرُّجُوعِ يَعْرِفُهُمَا الْقَاضِي يُعَدِّلُهُمَا وَقَفَ الْأَمْرُ وَلَمْ يُنْفِذْ شَهَادَتَهُمَا شَهِدَا أَنَّهُ سَرَقَ مِنْ هَذَا ثُمَّ قَالَا غَلِطْنَا أَوْ وَهِمْنَا بَلْ سَرَقَ مِنْ هَذَا لَمْ يَقْضِ بِهَا أَصْلًا لِأَنَّهُمَا أَقَرَّا بِالْغَفْلَةِ شَهِدَ الرَّجُلُ ثُمَّ زَادَ فِيهَا قَبْلَ الْقَضَاءِ بِهَا أَوْ بَعْدَهُ وَقَالَا: أَوْهَمْنَا إنْ كَانَا عَدْلَيْنِ غَيْرَ مُتَّهَمَيْنِ قُبِلَ ذَلِكَ مِنْهُمَا اهـ. وَشَمِلَ مَا إذَا شَهِدَا بِطَلَاقِهَا ثُمَّ تَزَوَّجَتْ فَرَجَعَ أَحَدُهُمَا لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا تَزَوَّجَهَا أَحَدُهُمَا ثُمَّ رَجَعَ فَفِي الْكَافِي لِلْحَاكِمِ أَنَّ الشَّعْبِيَّ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا وَبِهِ كَانَ يَأْخُذُ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يُصَدَّقُ عَلَى إبْطَالِ شَهَادَتِهِ الْأُولَى وَلَكِنَّهُ يُصَدَّقُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَإِنْ كَانَ تَزَوَّجَهَا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا وَرَجَعَ أَبُو يُوسُفَ إلَى هَذَا الْقَوْلِ بَعْدَ ذَلِكَ اهـ. وَقَدْ أَفَادَ قَوْلُهُ لَمْ يَنْقَضِ أَنَّ الْمَشْهُودَ لَهُ وَعَلَيْهِ يَعْمَلَانِ بِمُقْتَضَاهُ وَإِنْ عَلِمَا أَنَّ الشُّهُودَ زُورٌ فَلَوْ شَهِدَا عَلَيْهِ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ وَقَضَى بِهِ ثُمَّ رَجَعَا وَالزَّوْجُ يَعْلَمُ أَنَّهُمَا كَاذِبَانِ لَمْ يَسَعْهُ أَنْ يُقِرَّ بِهَا كَذَا فِي الْكَافِي لِلْحَاكِمِ وَقَيَّدَ بِالرُّجُوعِ لِأَنَّهُ لَوْ ظَهَرَ أَنَّ الشَّاهِدَ عَبْدٌ أَوْ مَحْدُودٌ فِي قَذْفٍ يَبْطُلُ الْقَضَاءُ وَيُرَدُّ الْمَالُ إلَى الْمَقْضِيِّ لَهُ كَذَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ (قَوْلُهُ وَبَعْدَهُ لَا يُنْقَضْ) أَيْ إنْ رَجَعَا بَعْدَ الْحُكْمِ لَمْ يُنْقَضْ الْقَضَاءُ لِأَنَّ آخِرَ كَلَامِهِمْ يُنَاقِضُ أَوَّلَهُ فَلَا يُنْقَضُ الْحُكْمُ بِالتَّنَاقُضِ وَلِأَنَّهُ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الصِّدْقِ مِثْلُ الْأَوَّلِ وَقَدْ تَرَجَّحَ الْأَوَّلُ بِاتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الشَّاهِدُ وَقْتَ الرُّجُوعِ مِثْلَ مَا شَهِدَ فِي الْعَدَالَةِ أَوْ دُونَهُ أَوْ أَفْضَلَ وَهَكَذَا لَمْ يُقَيِّدْ فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ مُتُونًا وَشُرُوحًا وَفَتَاوَى وَفِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ مَعْزِيًّا إلَى الْمُحِيطِ إنْ كَانَ الرُّجُوعُ بَعْدَ الْقَضَاءِ يُنْظَرُ إلَى حَالِ الرَّاجِعِ فَإِنْ كَانَ حَالُهُ عِنْدَ الرُّجُوعِ أَفْضَلَ مِنْ حَالِهِ وَقْتَ الشَّهَادَةِ فِي الْعَدَالَةِ صَحَّ رُجُوعُهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَفِي حَقِّ غَيْرِهِ حَتَّى وَجَبَ عَلَيْهِ التَّعْزِيرُ وَيُنْقَضُ الْقَضَاءُ وَيُرَدُّ الْمَالُ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ حَالُهُ عِنْدَ الرُّجُوعِ مِثْلَ حَالِهِ عِنْدَ الشَّهَادَةِ فِي الْعَدَالَةِ أَوْ دُونَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّعْزِيرُ وَلَا يُنْقَضُ الْقَضَاءُ وَلَا يَرُدُّ الْمَشْهُودُ بِهِ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَلَا يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الشَّاهِدِ اهـ. وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ عَنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ لِمُخَالَفَتِهِ مَا نَقَلُوهُ مِنْ وُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَى الشَّاهِدِ إذَا رَجَعَ بَعْدَ الْحُكْمِ وَفِي هَذَا التَّفْصِيلِ عَدَمُ تَضْمِينِهِ مُطْلَقًا مَعَ أَنَّهُ فِي نَقْلِهِ مُنَاقِضٌ لِأَنَّهُ قَالَ أَوَّلَ الْبَابِ بِالضَّمَانِ مُوَافِقًا لِلْمَذْهَبِ ثُمَّ كَشَفْت الْمُحِيطَ لِلْإِمَامِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْمَوْجُودَ فِي دِيَارِنَا فَوَجَدْتُهُ وَافَقَ الْجَمَاعَةَ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ فَهُوَ وَإِنْ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ فِي الْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ لَكِنَّ الْقَوْلَ بِهِ لَا يَصِحُّ عَنْ الْمَذْهَبِ فَإِنَّهُمْ نَقَلُوا عَدَمَ الضَّمَانِ عَنْ الشَّافِعِيِّ ثُمَّ رَأَيْت بَعْدَ ذَلِكَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ الْأَوَّلُ وَهُوَ قَوْلُ شَيْخِهِ حَمَّادٍ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ إلَى أَنَّهُ لَا يُنْقَضُ الْقَضَاءُ وَلَا يُرَدُّ الْمَالُ عَلَى الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ ثُمَّ رَأَيْتُهُ فِي الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ. (قَوْلُهُ وَضَمِنَا مَا أَتْلَفَاهُ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ إذَا قَبَضَ الْمُدَّعِي الْمَالَ) لِأَنَّ التَّسَبُّبَ عَلَى وَجْهِ التَّعَدِّي سَبَبُ الضَّمَانِ كَحَافِرِ الْبِئْرِ وَقَدْ وُجِدَ سَبَبُ الْإِتْلَافِ تَعَدِّيًا وَقَدْ تَعَذَّرَ إيجَابُ الضَّمَانِ عَلَى الْمُبَاشِرِ وَهُوَ الْقَاضِي لِأَنَّهُ كَالْمُلْجَأِ إلَى الْقَضَاءِ وَفِي إيجَابِهِ صَرْفُ النَّاسِ عَنْ تَقَلُّدِهِ وَتَعَذَّرَ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ الْمُدَّعِي   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ لِأَنَّ الرُّجُوعَ لَا يَصِحُّ وَلَا يَصِيرُ مُوجِبًا لِلضَّمَانِ إلَّا بِاتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهِ) قَالَ فِي الْفَتْحِ وَزَادَ جَمَاعَةٌ فِي صِحَّةِ الرُّجُوعِ أَنْ يَحْكُمَ الْقَاضِي بِرُجُوعِهِمَا وَيُضَمِّنَهُمَا الْمَالَ وَإِلَيْهِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ وَنُقِلَ هَذَا عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَاسْتَبْعَدَ بَعْضٌ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ تَوَقُّفَ صِحَّةِ الرُّجُوعِ عَلَى الْقَضَاءِ بِالرُّجُوعِ أَوْ بِالضَّمَانِ وَتَرَكَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ مُصَنِّفِي الْفَتَاوَى هَذَا الْقَيْدَ وَذَكَرَ أَنَّهُ تَرَكَهُ تَعْوِيلًا عَلَى هَذَا الِابْتِعَادِ (قَوْلُهُ وَشَمِلَ مَا إذَا شَهِدَا بِطَلَاقِهَا إلَى آخِرِ الْقَوْلَةِ) مُقَدَّمٌ عَنْ مَحِلِّهِ وَحَقُّهُ أَنْ يُكْتَبَ فِي آخِرِ الْمَقُولَةِ الْآتِيَةِ وَقَدْ رَأَيْتُهُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ ثُمَّ رَأَيْت بَعْدَ ذَلِكَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إلَخْ) وَهَكَذَا قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ ثُمَّ رَجَعَ إلَى قَوْلِهِمَا وَعَلَيْهِ اسْتَقَرَّ الْمَذْهَبُ اهـ. وَمِثْلُهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة بِرَمْزِ الْمُحِيطِ فَإِنَّهُ نَقَلَ عَنْهُ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ كَانَ يَقُولُ كَذَا وَسَاقَ التَّفْصِيلَ ثُمَّ قَالَ: رَجَعَ عَنْ هَذَا الْقَوْلِ وَقَالَ: لَا يَصِحُّ رُجُوعُهُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَهُوَ قَوْلُهُمَا وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمُحِيطُ الْبُرْهَانِيُّ لِمَا ذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ أَنَّ مَا فِي الْمُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ لَيْسَ فِيهِ التَّفْصِيلُ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 128 لِأَنَّ الْحُكْمَ مَاضٍ فَاعْتُبِرَ التَّسَبُّبُ وَفِي الْمُحِيطِ رَجَعَ الشَّاهِدَانِ فِي الْمَرَضِ وَعَلَيْهِمَا دَيْنُ الصِّحَّةِ وَمَاتَا بُدِئَ بِدَيْنِ الصِّحَّةِ لِأَنَّ مَا وَجَبَ عَلَيْهِمَا بِالرُّجُوعِ فِي الْمَرَضِ دَيْنُ الْمَرِيضِ لِأَنَّهُ وَجَبَ بِإِقْرَارِهِمَا فِي الْمَرَضِ اهـ. وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِالْقَبْضِ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ بِهِ يَتَحَقَّقُ وَلِأَنَّهُ لَا مُمَاثَلَةَ بَيْنَ أَخْذِ الْعَيْنِ وَإِلْزَامِ الدَّيْنِ وَقَدْ تَبِعَ الْمُصَنِّفُ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ فِي تَقْيِيدِهِ تَبَعًا لِلْإِمَامِ السَّرَخْسِيِّ وَصَاحِبِ الْمَجْمَعِ وَأَصْحَابِ الْفَتَاوَى فِي إطْلَاقِهِمْ فَقَدْ صَرَّحَ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ وَخِزَانَةِ الْمُفْتِينَ بِالضَّمَانِ بَعْدَ الْقَضَاءِ قَبَضَ الْمُدَّعِي الْمَالَ أَوْ لَا قَالُوا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَفِي الْخُلَاصَةِ أَنَّهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ الْآخِرُ وَهُوَ قَوْلُهُمَا. اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ اشْتِرَاطَ الْقَبْضِ مَرْجُوعٌ عَنْهُ وَفَرَّقَ فِي الْمُحِيطِ بَيْنَ الْعَيْنِ وَالدَّيْنِ فَقَالَ: شَهِدَا بِعَيْنٍ ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا قِيمَتَهَا قَبَضَهَا الْمَشْهُودُ لَهُ أَمْ لَا لِأَنَّ ضَمَانَ الرُّجُوعِ ضَمَانُ إتْلَافٍ مُقَدَّرٌ وَضَمَانُ الْإِتْلَافِ بِالْمِثْلِ إنْ كَانَ الْمَشْهُودُ بِهِ مِثْلِيًّا وَبِالْقِيمَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلِيًّا وَإِنْ كَانَ الْمَشْهُودُ بِهِ دَيْنًا فَرَجَعَ الشُّهُودُ قَبْلَ قَبْضِهِ لَا يَضْمَنُونَ وَإِنْ قَبَضَهُ الْمَشْهُودُ لَهُ ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا لِأَنَّهُمَا أَوْجَبَا عَلَيْهِ دَيْنًا فَيَجِبُ فِي ذِمَّتِهِمَا مِثْلُ ذَلِكَ وَلَا يُسْتَوْفَى مِنْهُمَا إلَّا بَعْدَ قَبْضِ الْمَشْهُودِ بِهِ تَحْقِيقًا لِلْمُعَادَلَةِ اهـ. وَهَذَا قَوْلُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَشَمِلَ أَيْضًا قَوْلُهُ مَا أَتْلَفَاهُ خَمْرَ الذِّمِّيِّ وَخِنْزِيرَهُ لَكِنْ فِي كَافِي الْحَاكِمِ وَإِذَا شَهِدَ الذِّمِّيَّانِ لِذِمِّيٍّ بِمَالٍ أَوْ خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ فَقَضَى الْقَاضِي بِذَلِكَ ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا الْمَالَ وَقِيمَةَ الْخِنْزِيرِ وَلَا يَضْمَنَانِ الْخَمْرَ وَلَا قِيمَتَهُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَيَضْمَنَانِ قِيمَةَ الْخَمْرِ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَلَوْ لَمْ يُسْلِمْ الشَّاهِدَانِ وَأَسْلَمَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ ثُمَّ رَجَعَا عَنْ الشَّهَادَةِ ضَمِنَا قِيمَةَ الْخِنْزِيرِ وَلَمْ يَضْمَنَا قِيمَةَ الْخَمْرِ اهـ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ تَضْمِينَ الشَّاهِدِ لَمْ يَنْحَصِرْ فِي رُجُوعِهِ لِمَا فِي تَلْقِيحِ الْمَحْبُوبِيِّ الْمُعَبَّرِ عَنْهُ تَارَةً بِفُرُوقِ الْكَرَابِيسِيِّ شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى رَجُلٍ أَنَّ فُلَانًا أَقْرَضَهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَقَضَى الْقَاضِي بِهَا ثُمَّ أَقَامَ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ بَيِّنَةً عَلَى الدَّفْعِ قَبْلَ الْقَضَاءِ.   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَصَاحِبِ الْمَجْمَعِ وَأَصْحَابِ الْفَتَاوَى فِي إطْلَاقِهِمْ) كَذَا فِي النُّسْخَةِ وَهِيَ عِبَارَةٌ غَيْرُ مُحَرَّرَةٍ لِأَنَّ صَاحِبَ الْمَجْمَعِ قَالَ فِي شَرْحِهِ هَذَا إذَا قَبَضَ الْمُدَّعِي الْمَالَ دَيْنًا كَانَ أَوْ عَيْنًا وَأَصْحَابُ الْفَتَاوَى لَمْ يُقَيِّدُوا (قَوْلُهُ وَفِي الْخُلَاصَةِ أَنَّهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ الْآخِرُ) أَقُولُ: عِبَارَةُ الْخُلَاصَةِ هَكَذَا الشَّاهِدَانِ إذَا رَجَعَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا رُجُوعًا مُعْتَبَرًا يَعْنِي عِنْدَ الْقَاضِي لَا يَبْطُلُ الْقَضَاءُ لَكِنْ ضَمِنَا الْمَالَ الَّذِي شَهِدَا بِهِ وَهَذَا قَوْلُهُ الْآخِرُ وَهُوَ قَوْلُهُمَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى سَوَاءٌ قَبَضَ الْمَقْضِيُّ لَهُ الْمَالَ الَّذِي قُضِيَ لَهُ أَوْ لَمْ يَقْبِضْ انْتَهَتْ فَقَوْلُهُ وَهُوَ قَوْلُهُ الْآخِرُ لَيْسَ نَصًّا فِي رُجُوعِهِ إلَى الْإِطْلَاقِ وَإِلَّا لَأَخَّرَهُ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ الْآخِرُ الضَّمَانَ بِالرُّجُوعِ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءً كَانَ الشَّاهِدُ كَحَالِهِ الْأَوَّلِ فِي الْعَدَالَةِ أَوْ لَا فَيَكُونُ إشَارَةً إلَى مَا تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ فِي الْقَوْلَةِ السَّابِقَةِ يُقِرُّ بِهِ مَا فِي الْفَتْحِ حَيْثُ قَالَ وَاعْلَمْ أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ اخْتَلَفُوا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الْإِمَامِ وَالْعِرَاقِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ الشُّهُودَ يَضْمَنُونَ كَمَذْهَبِنَا وَالْقَوْلُ الْآخَرُ لَا يُنْقَضُ وَلَا يُرَدُّ الْمَالُ مِنْ الْمُدَّعِي وَلَا يَضْمَنُ الشُّهُودُ وَهُوَ عَيْنُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الْأَوَّلُ إذَا كَانَ حَالُهُمَا وَقْتَ الرُّجُوعِ مِثْلَهُ وَقْتَ الْأَدَاءِ اهـ. وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ ثُمَّ إذَا صَحَّ الرُّجُوعُ لَا يَبْطُلُ الْقَضَاءُ وَلَكِنْ يَضْمَنَانِ الْمَالَ الَّذِي شَهِدَا لَهُ بِهِ وَهُوَ قَوْلُهُمَا وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ الْآخِرُ. اهـ. فَهَذِهِ الْعِبَارَةُ تُؤَيِّدُ مَا قُلْنَا وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّهُ أَرَادَ رُجُوعَ الْإِمَامِ عَنْ التَّقْيِيدِ بِالْقَبْضِ فَنَقُولُ لَوْ صَحَّ لَمْ يَمْشِ عَلَى خِلَافِهِ أَصْحَابُ الْمُتُونِ وَغَيْرُهُمْ كَالْهِدَايَةِ وَالْمُخْتَارِ وَالْوِقَايَةِ وَالْغُرَرِ وَالْإِصْلَاحِ وَالْكَنْزِ وَالْمُنْتَقَى وَمَوَاهِبِ الرَّحْمَنِ فَكُلُّهُمْ قَيَّدُوا بِالْقَبْضِ وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْمَجْمَعِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَالْحَدَّادِيُّ فِي الْجَوْهَرَةِ وَلَوْ صَحَّ نَقْلُ الرُّجُوعِ لَذَكَرَهُ شُرَّاحُ الْهِدَايَةِ فَإِنَّهُمْ اقْتَصَرُوا عَلَى شَرْحِ مَا ذَكَرَهُ الْمَاتِنُ وَنَقَلُوا الْقَوْلَ الْآخَرَ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ وَلَا ذِكْرِ رُجُوعٍ وَأَنْتَ عَلَى عِلْمٍ بِأَنَّ مَا أَثْبَتَهُ أَرْبَابُ الْمُتُونِ فِي مُتُونِهِمْ مُخْتَارٌ لَهُمْ لِأَنَّ الْمُتُونَ مَوْضُوعَةٌ لِنَقْلِ الْمَذْهَبِ وَمِمَّا هُوَ مُقَرَّرٌ مُشْتَهَرٌ أَنَّ مَا فِي الْمُتُونِ مُقَدَّمٌ عَلَى مَا فِي الشُّرُوحِ وَمَا فِي الشُّرُوحِ مُقَدَّمٌ عَلَى مَا فِي الْفَتَاوَى فَكَيْفَ لَا يُقَدَّمُ مَا فِي الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ عَلَى مَا فِي الْفَتَاوَى وَحِينَئِذٍ فَمَا كَانَ يَنْبَغِي لِلتُّمُرْتَاشِيِّ أَنْ يَجْزِمَ بِمَا فِي الْفَتَاوَى فِي مَتْنِ التَّنْوِيرِ وَيَعْدِلَ عَمَّا عَلَيْهِ الْمُتُونُ. (قَوْلُهُ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ تَضْمِينَ الشَّاهِدِ إلَخْ) جَعَلَ لِذَلِكَ أَصْلًا الْعَلَّامَةُ ابْنُ الشِّحْنَةِ فِي لِسَانِ الْحُكَّامِ حَيْثُ قَالَ: دَقِيقَةٌ فِي إيجَابِ الضَّمَانِ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ الشَّاهِدَانِ مَتَى مَا ذَكَرَا شَيْئًا هُوَ لَازِمٌ لِلْقَضَاءِ ثُمَّ ظَهَرَ بِخِلَافِهِ ضَمِنَا وَمَتَى مَا ذَكَرَا شَيْئًا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْقَضَاءُ ثُمَّ تَبَيَّنَ بِخِلَافِ مَا قَالَا لَا يَضْمَنَانِ شَيْئًا حَتَّى إنَّ مَوْلَى الْمُوَالَاةِ إذَا مَاتَ وَادَّعَى رَجُلٌ مِيرَاثَهُ بِسَبَبِ الْمُوَالَاةِ فَشَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ مَوْلَى هَذَا الَّذِي أَسْلَمَ وَالَاهُ وَعَاقَدَهُ وَأَنَّهُ وَارِثُهُ لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ فَقَضَى لَهُ الْقَاضِي بِمِيرَاثِهِ فَاسْتَهْلَكَهُ وَهُوَ مُعْسِرٌ ثُمَّ إنَّ رَجُلًا آخَرَ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ كَانَ نَقَضَ الْوَلَاءَ الْأَوَّلَ وَوَالَى هَذَا الثَّانِيَ وَأَنَّهُ تُوُفِّيَ وَهَذَا الثَّانِي مَوْلَاهُ وَوَارِثُهُ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرَهُ فَالْقَاضِي يَقْضِي بِالْمِيرَاثِ لِلثَّانِي فَيَكُونُ الثَّانِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الشَّاهِدَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمَشْهُودَ لَهُ الْأَوَّلَ لِأَنَّهُ ظَهَرَ كَذِبُ الشَّاهِدَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ فِيمَا لِلْحُكْمِ بِهِ تَعَلُّقٌ وَبَيَانُ ذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ الْوَلَاءِ قَوْلُهُمَا هُوَ وَارِثُهُ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرَهُ أَمْرٌ لَا بُدَّ مِنْهُ لِلْقَضَاءِ لَهُ بِالْمِيرَاثِ فَإِنَّهُمْ إذَا شَهِدُوا بِأَصْلِ الْوَلَاءِ وَلَمْ يَقُولُوا: إنَّهُ وَارِثُهُ فَالْقَاضِي لَا يَقْضِي لَهُ بِالْمِيرَاثِ وَإِنَّمَا أَخَذَ الْأَوَّلُ الْمِيرَاثَ بِقَوْلِ الشَّاهِدَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ إنَّهُ مَوْلَاهُ وَوَارِثُهُ الْيَوْمَ وَقَدْ ظَهَرَ كَذِبُهُمَا فَضَمِنَا بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الشَّهَادَةِ بِالنِّكَاحِ فَإِنَّهُمَا إذَا شَهِدَا أَنَّهُ مَاتَ وَهِيَ امْرَأَتُهُ لِأَنَّ قَوْلَهُمَا مَاتَ وَهِيَ امْرَأَتُهُ زِيَادَةٌ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهَا فَإِنَّهُمَا لَوْ قَالَا: كَانَتْ امْرَأَتَهُ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي لَهَا بِالْمِيرَاثِ فَصَارَ وُجُودُ هَذِهِ الزِّيَادَةِ وَالْعَدَمِ بِمَنْزِلَةٍ وَلَوْ انْعَدَمَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ لَكِنْ لَا يَجِبُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 129 يَأْمُرُ الْقَاضِي بِرَدِّ الْأَلْفِ إلَيْهِ وَلَا يَضْمَنُ الشُّهُودُ وَلَوْ شَهِدُوا أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَقَضَى الْقَاضِي بِذَلِكَ وَأَخَذَ الْأَلْفَ ثُمَّ أَقَامَ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْبَرَاءِ قَبْلَ الْقَضَاءِ يَضْمَنُ الشُّهُودُ وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لَمْ يَظْهَرْ كَذِبُهُمْ لِجَوَازِ أَنَّهُ أَقْرَضَهُ ثُمَّ أَبْرَأَهُ وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي ظَهَرَ كَذِبُهُمْ لِأَنَّهُمْ شَهِدُوا عَلَيْهِ بِالْأَلْفِ فِي الْحَالِ وَقَدْ تَبَيَّنَ كَذِبُهُمْ فَصَارُوا مُتْلِفِينَ عَلَيْهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ: امْرَأَتُهُ طَالِقٌ إنْ كَانَ لِفُلَانٍ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَشَهِدَ الشُّهُودُ أَنَّهُ أَقْرَضَهُ أَلْفًا يُحْكَمُ بِالْمَالِ وَلَا يُحْكَمُ بِالْوُقُوعِ وَلَوْ شَهِدَا أَنَّ عَلَيْهِ أَلْفًا حُكِمَ بِالْمَالِ وَالْوُقُوعِ جَمِيعًا تَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الْإِقْرَاضِ لَيْسَتْ شَهَادَةً عَلَى قِيَامِ الْحَقِّ لِلْحَالِ وَالشَّهَادَةُ بِالدَّيْنِ مُطْلَقًا شَهَادَةٌ عَلَى الْحَقِّ فِي الْحَالِ اهـ. فَقَدْ عُلِمَ تَضْمِينُهُمَا بِظُهُورِ كَذِبِهِمَا مِنْ غَيْرِ رُجُوعٍ فَتَضْمِينُهُمَا إذًا تَيَقُّنُ كَذِبِهِمَا بِالْأَوْلَى وَلِذَا قَالَ فِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ فِي بَابِ بُطْلَانِ الشَّهَادَةِ: أَخَذَ الدِّيَةَ ثُمَّ جَاءَ الْمَشْهُودُ بِقَتْلِهِ حَيًّا ضَمِنَ الْوَلِيُّ لِلْقَبْضِ ظُلْمًا وَلَا يَرْجِعُ لِسَلَامَةِ بَدَلِهِ أَوْ الشَّاهِدُ لِلْإِلْجَاءِ كَمُكْرَهٍ وَيَرْجِعُ بِمَا أَخَذَ الْوَلِيُّ لِمِلْكِهِ ذَلِكَ وَكَذَا لَوْ اقْتَضَّ لَكِنْ لَا يَرْجِعُ عِنْدَهُ إذْ لَيْسَ لِلدَّمِ مَالِيَّةٌ تُمْلَكُ بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ وَلِهَذَا فِي عِتْقِهِ يَضْمَنُ الشَّاهِدُ وَالْمُكْرَهُ وَفِي الْعَفْوِ لَا وَلَوْ شَهِدَ عَلَى الْإِقْرَارِ أَوْ الشَّهَادَةِ ضَمِنَ الْوَلِيُّ لِمَا مَرَّ دُونَ الشَّاهِدِ لِأَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ كَذِبُهُ إذْ لَا تَنَافِي بِخِلَافِ الْأَوَّلِ وَلِهَذَا لَوْ ثَبَتَ الْإِبْرَاءُ ضَمِنَ شَاهِدُ الدَّيْنِ دُونَ الْإِقْرَاضِ وَلَوْ قَالَ: إنْ كَانَ لَهُ عَلَيَّ حَنِثَ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي كَمَا لَوْ وُجِدَ الْمَشْهُودُ بِنِكَاحِهَا أُمًّا وَالشَّاهِدُ عَبْدًا أَوْ مَجْلُودًا فِي قَذْفٍ. اهـ. وَبِهَذَا عَلِمْت أَنَّ فَرْعَ الْكَرَابِيسِيِّ مَنْقُولٌ فِي التَّلْخِيصِ وَانْدَفَعَ الْإِيرَادُ عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّضْمِينِ إذَا ظَهَرَ كَذِبُهُ بِهِ بِمَا لَوْ وُجِدَ الْمَشْهُودُ بِنِكَاحِهَا أُمًّا أَوْ أُخْتًا فَإِنَّهُ ظَهَرَ الْكَذِبُ وَلَا ضَمَانَ وَشَمَلَ أَيْضًا مَا أَتْلَفَاهُ الْعَقَارَ فَيَضْمَنُهُ الشَّاهِدُ بِرُجُوعِهِ كَمَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ فَهُوَ وَإِنْ كَانَ لَا يُضْمَنُ بِالْغَصْبِ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ يُضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ وَهَذَا مِنْهُ وَفِي جَامِعِ صَدْرِ الدِّينِ ادَّعَى عَبْدًا فِي يَدِهِ مِلْكًا وَقُضِيَ بِهِ فَادَّعَاهُ آخَرُ وَقُضِيَ لَهُ وَادَّعَاهُ آخَرُ وَقُضِيَ لَهُ ثُمَّ رَجَعُوا ضَمِنَ كُلُّ فَرِيقٍ لِمَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ قَالَ مُحَمَّدٌ: وَلَا يُشْبِهُ الْوَصِيَّةَ يَعْنِي لَا يَضْمَنُ لِلْوَرَثَةِ لِاتِّحَادِ الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْمِلْكِ دَلِيلُهُ وُجِدَ شُهُودُ الْأَوَّلِ عَبْدًا يُرَدُّ عَلَيْهِ فِي الْمِلْكِ دُونَ الْوَصِيَّةِ وَتَمَامُهُ فِيهِ وَشَمَلَ كُلَّ الْمَشْهُودِ بِهِ أَوْ بَعْضَهُ فَلِذَا قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ شَهِدَا لَهُ بِدَارٍ وَحُكِمَ لَهُ ثُمَّ قَالَا: لَا نَدْرِي لِمَنْ الْبِنَاءُ فَإِنِّي لَا أُضَمِّنُهُمَا قِيمَةَ الْبِنَاءِ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ كَأَنَّهُمَا قَالَا: قَدْ شَكَكْنَا فِي شَهَادَتِنَا وَلَوْ قَالَا: لَيْسَ الْبِنَاءُ لِلْمُدَّعِي أُضَمِّنُهُمَا قِيمَةَ الْبِنَاءِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ شَهِدَا لَهُ بِدَارٍ فَقَالَا قَبْلَ الْحُكْمِ: إنَّمَا شَهِدْنَا بِالْعَرْصَةِ أَقْبَلُ شَهَادَتَهُمَا عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ هَذَا رُجُوعًا وَلَوْ قَالَاهُ بَعْدَ الْحُكْمِ أُضَمِّنُهُمَا قِيمَةَ الْبِنَاءِ. اهـ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الضَّمَانَ عَنْهُمَا يَسْقُطُ بِأَشْيَاءَ: الْأَوَّلُ ضَمَّنَهُمَا نِصْفَ الْمَهْرِ ثُمَّ أَقَرَّ بِهِ رَدَّهُ إلَيْهِمَا الثَّانِي ضَمَّنَهُمَا قِيمَةَ الْعَبْدِ ثُمَّ أَقَرَّ بِالْإِعْتَاقِ رَدَّهُ الثَّالِثُ ضَمَّنَهُمَا قِيمَةَ الْعَيْنِ ثُمَّ وَهَبَهَا الْمَشْهُودُ لَهُ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ رَدَّهَا إلَيْهِمَا الرَّابِعُ رَجَعَ الْوَاهِبُ فِي هِبَتِهِ بِقَضَاءٍ بَعْدَمَا ضَمَّنَ الشَّاهِدَيْنِ رُدَّ الضَّمَانُ الْخَامِسُ وَرَّثَهُ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ رُدَّ الضَّمَانُ بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَرَاهُ الْكُلُّ مِنْ الْعَتَّابِيَّةِ وَشَمَلَ قَوْلُهُ أَيْضًا مَا أَتْلَفَاهُ جَمِيعَ الْأَبْوَابِ إلَّا أَنَّ الْمُصَنِّفَ ذَكَرَ بَعْضَهَا وَفَاتَهُ الْبَعْضُ فَذَكَرَ الدَّيْنَ وَالنِّكَاحَ وَالْبَيْعَ وَالطَّلَاقَ وَالْعَتَاقَ وَالْقِصَاصَ وَشُهُودَ الْفَرْعِ وَالْمُزَكَّى وَشَاهِدَ الْيَمِينِ وَسَنَشْرَحُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَقَدْ فَاتَهُ الْهِبَةُ وَالْإِبْرَاءُ وَالِاسْتِيفَاءُ وَالتَّأْجِيلُ وَالْحَدُّ وَالنَّسَبُ وَالْوَلَاءُ وَالْكِتَابَةُ وَالتَّدْبِيرُ وَأُمُومَةُ الْوَلَدِ وَالْإِقَالَةُ وَالْوَكَالَةُ وَالرَّهْنُ وَالْإِجَارَةُ وَالْمُضَارَبَةُ وَالشَّرِكَةُ وَالشُّفْعَةُ وَالْمِيرَاثُ وَالْوَصِيَّةُ الْوَدِيعَةُ وَالْعَارِيَّةُ أَمَّا الْهِبَةُ فَفِي الْمُحِيطِ شَهِدُوا أَنَّهُ وَهَبَ عَبْدَهُ مِنْ فُلَانٍ وَقَبَضَهُ ثُمَّ رَجَعَا بَعْدَ الْقَضَاءِ ضَمِنَا قِيمَةَ الْعَبْدِ وَحَقُّ الرُّجُوعِ لَا يَمْنَعُ التَّضْمِينَ فَإِنْ ضَمَّنَهُمَا الْقِيمَةَ لَمْ يَرْجِعْ فِيهَا لِوُصُولِ الْعِوَضِ وَلَا يَرْجِعُ الشَّاهِدَانِ فِيهَا وَلَوْ كَانَ أَبْيَضَ الْعَيْنِ يَوْمَ شَهِدَا بِالْهِبَةِ ثُمَّ رَجَعَا وَالْبَيَاضُ زَائِلٌ ضَمِنَا قِيمَتَهُ أَبْيَضَ لِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ يَوْمَ الْقَضَاءِ. اهـ. وَأَمَّا الْإِبْرَاءُ وَالتَّأْجِيلُ فَفِي الْمُحِيطِ شَهِدَا أَنَّهُ أَبْرَأَهُ عَنْ الدَّيْنِ أَوْ أَجَّلَهُ سَنَةً أَوْ أَوْفَاهُ فَقُضِيَ بِهِ ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا وَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ -   [منحة الخالق] عَلَيْهِمَا شَيْءٌ لِأَنَّهُمَا شَهِدَا بِنِكَاحٍ كَانَ وَلَمْ يَظْهَرْ كَذِبُهُمَا فِي ذَلِكَ ثُمَّ ذَكَرَ مَسْأَلَةَ الْفُرُوقِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 130 أَجَّلَهُ سَنَةً فَقُضِيَ بِهَا ثُمَّ رَجَعَا قَبْلَ الْحُلُولِ أَوْ بَعْدَهُ ضَمِنَا وَرَجَعَا بِهِ عَلَى الْمَطْلُوبِ إلَى أَجَلِهِ وَيَبْرَأُ الشَّاهِدَانِ بِقَبْضِ الطَّالِبِ الدَّيْنَ بَعْدَ مُضِيِّ الْأَجَلِ مِنْ الْمَطْلُوبِ فَإِنْ ضَمِنَا رَجَعَا بِهِ عَلَى الْمَطْلُوبِ إلَى أَجَلِهِ وَقَامَا مَقَامَ الطَّالِبِ فَإِنْ نَوَى مَا عَلَى الْمَطْلُوبِ فَمِنْ مَالِهِمَا وَلَوْ أَسْقَطَ الْمَدْيُونُ الْأَجَلَ لَمْ يَضْمَنَا وَلَوْ شَهِدَا أَنَّ لَهُ عَلَى آخَرَ أَلْفًا وَآخَرَانِ أَنَّهُ أَبْرَأَهُ ثُمَّ رَجَعُوا كُلِّفَ مُدَّعِي الْأَلْفَ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ ثَانِيًا وَخَصْمُهُ فِي ذَلِكَ شُهُودُ بَرَاءَةِ الدَّيْنِ رَجَعُوا فَيَضْمَنُهَا الْأَلْفَ وَلَا تَصِحُّ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَى الدَّيْنِ إلَّا بِحَضْرَةِ الشُّهُودِ لَا بِحَضْرَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَلَا يَرْجِعَانِ عَلَى الْمَشْهُودِ لَهُ بِالْبَرَاءَةِ اهـ. وَفِي الْعَتَّابِيَّةِ شَهِدُوا عَلَى أَنَّهُ أَبْرَأَهُ مِنْ الدُّيُونِ ثُمَّ مَاتَ الْغَرِيمُ مُفْلِسًا ثُمَّ رَجَعَا لَمْ يَضْمَنَا لِلطَّالِبِ لِأَنَّهُ نَوَى مَا عَلَيْهِ بِالْإِفْلَاسِ. اهـ. وَأَمَّا الْحَدُّ فَسَنَذْكُرُهُ مَعَ الْقِصَاصِ وَأَمَّا النَّسَبُ وَالْوَلَاءُ وَالْكِتَابَةُ وَأَخَوَاهَا فَمَعَ الْعِتْقِ وَأَمَّا الْإِقَالَةُ فَمَعَ الْبَيْعِ وَأَمَّا الْوَكَالَةُ فَفِي الْمُحِيطِ شَهِدَا أَنَّهُ وَكَّلَهُ بِقَبْضِ دَيْنِهِ مِنْ فُلَانٍ أَوْ وَدِيعَتِهِ فَقَبَضَهُ وَأَنْكَرَ الْمُوَكِّلُ ثُمَّ رَجَعَا لَمْ يَضْمَنَا لِأَنَّ الشَّاهِدَ سَبَبٌ لِتَفْوِيتِ إمْكَانِ الْقَبْضِ عَلَى الْمُوَكِّلِ وَالْوَكِيلُ بَاشَرَ تَفْوِيتَهُ فَيَكُونُ الضَّمَانُ عَلَى الْمُبَاشِرِ وَفِي الْعَتَّابِيَّةِ وَلَا ضَمَانَ عَلَى شُهُودِ التَّوْكِيلِ بِالْإِعْتَاقِ وَلَا عَلَى شُهُودِ التَّفْوِيضِ وَلَا عَلَى شُهُودِ التَّوْكِيلِ بِقَبْضِ الدَّيْنِ. اهـ. وَأَمَّا الرَّهْنُ فَفِي الْمُحِيطِ ادَّعَى مَنْ لَهُ أَلْفٌ عَلَى آخَرَ أَنَّهُ رَهَنَهُ عَبْدًا بِهَا قِيمَتُهُ أَلْفٌ وَالْمَطْلُوبُ مُقِرٌّ بِالدَّيْنِ وَشَهِدَا بِالرَّهْنِ ثُمَّ رَجَعَا لَمْ يَضْمَنَا لِأَنَّهُمَا أَزَالَا بِعِوَضٍ وَلَوْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ عَلَى الدَّيْنِ لَمْ يَضْمَنَا مَا دَامَ الْعَبْدُ حَيًّا فَإِنْ مَاتَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ ضَمِنَا الْفَضْلَ عَلَى الدَّيْنِ وَلَوْ ادَّعَى الرَّاهِنُ الرَّهْنَ وَأَنْكَرَ الْمُرْتَهِنُ لَمْ يَضْمَنَا الْفَضْلَ وَيَضْمَنَانِ قَدْرَ الدَّيْنِ لِلْمُرْتَهِنِ وَإِنْ رَجَعَا عَنْ الرَّهْنِ دُونَ التَّسْلِيمِ بِأَنْ قَالَا: سَلَّمَ إلَيْهِ هَذَا الْعَبْدَ وَمَا رَهَنَهُ لَا يَضْمَنَانِ اهـ. وَأَمَّا الْإِجَارَةُ فَفِي الْمُحِيطِ رَكِبَ بَعِيرَ الرَّجُلِ إلَى مَكَّةَ يَدَّعِي الْإِجَارَةَ بِخَمْسِينَ وَأَقَامَ بَيِّنَةً فَعَطِبَ وَادَّعَى صَاحِبُ الْبَعِيرِ الْغَصْبَ ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا قِيمَةَ الْبَعِيرِ يَوْمَ عَطِبَ إلَّا مِقْدَارَ مَا أَخَذَ صَاحِبُ الْبَعِيرِ مِنْ الْأَجْرِ شَهِدَا أَنَّهُ أَكْرَاهُ دَابَّتَهُ بِمِائَةٍ إلَى مَوْضِعِ كَذَا أَوْ أَجْرَ مِثْلِهَا مِائَتَانِ فَرَكِبَهَا ثُمَّ رَجَعَا لَمْ يَضْمَنَا الْفَضْلَ إنْ ادَّعَى الْمُسْتَأْجِرُ الْإِجَارَةَ وَجَحَدَ صَاحِبُ الدَّابَّةِ وَإِنْ ادَّعَاهُ صَاحِبُ الْإِبِلِ وَجَحَدَ الْمُسْتَأْجِرُ ضَمِنَا لَهُ مَا أَدَّاهُ مَا فَوْقَ أَجْرِ الْبَعِيرِ وَأَمَّا الْمُضَارَبَةُ فَفِي الْمُحِيطِ ادَّعَى الْمُضَارِبُ نِصْفَ الرِّبْحِ فَشَهِدَا بِهِ وَرَبُّ الْمَالِ مُقِرٌّ بِالثُّلُثِ ثُمَّ رَجَعَا وَالرِّبْحُ لَمْ يُقْبَضْ لَمْ يَضْمَنَا فَإِنْ قَبَضَاهُ وَاقْتَسَمَاهُ نِصْفَيْنِ ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا سُدُسَ الرِّبْحِ قِيلَ: هَذَا فِي كُلِّ رِبْحٍ حَصَلَ قَبْلَ رُجُوعِهِمَا فَأَمَّا رِبْحٌ حَصَلَ بَعْدَ رُجُوعِهِمَا فَإِنْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ عَرَضًا فَكَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ نَقْدًا فَرَبُّ الْمَالِ يَمْلِكُ فَسْخَهَا فَكَانَ رَاضِيًا بِاسْتِحْقَاقِ الرِّبْحِ اهـ. وَأَمَّا الشَّرِكَةُ فَفِي الْمُحِيطِ شَهِدَا أَنَّهُمَا اشْتَرَكَا وَرَأْسُ مَالِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَلْفٌ عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ أَثْلَاثٌ وَصَاحِبُ الثُّلُثِ يَدَّعِي النِّصْفَ وَرَبِحَا قَبْلَ الشَّهَادَةِ فَاقْتَسَمَا أَثْلَاثًا ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا لِصَاحِبِ الثُّلُثِ مَا بَيْنَ النِّصْفِ وَالثُّلُثِ وَمَا رَبِحَا بَعْدَ الشَّهَادَةِ فَلَا يَضْمَنَانِ عَلَيْهِمَا. اهـ. وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ فِي يَدِ رَجُلٍ مَالٌ فَشَهِدَ الرَّجُلُ أَنَّهُ شَرِيكُهُ شَرِكَةَ مُفَاوَضَةٍ فَقُضِيَ لَهُ بِنِصْفِ مَا فِي يَدَيْهِ ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا ذَلِكَ النِّصْفَ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَأَمَّا الشُّفْعَةُ فَفِي الْمُحِيطِ وَلَوْ شَهِدَا أَنَّ الدَّارَ الَّتِي فِي يَدِ الشَّفِيعِ مِلْكُهُ فَقُضِيَ لَهُ بِالشُّفْعَةِ ثُمَّ رَجَعَا لَمْ يَضْمَنَا وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ قَدْ بَنَى فَأَمَرَهُ الْقَاضِي بِنَقْضِهِ يَضْمَنَانِ قِيمَةَ بِنَائِهِ وَلَهُمَا النَّقْضُ اهـ. وَأَمَّا الْمِيرَاثُ فَفِي الْمُحِيطِ شَهِدَا لِرَجُلٍ مُسْلِمٍ أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ مُسْلِمًا وَعُرِفَ كَافِرًا وَلِلْمَيِّتِ ابْنٌ آخَرُ كَافِرٌ ثُمَّ رَجَعُوا ضَمِنُوا الْمِيرَاثَ لِلْكَافِرِ الْوَارِثِ وَأَمَّا الْوَصِيَّةُ فَفِي الْمُحِيطِ ادَّعَى رَجُلٌ أَنَّ فُلَانًا الْمَيِّتَ أَوْصَى لَهُ بِالثُّلُثِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ فَقُضِيَ ثُمَّ رَجَعُوا ضَمِنُوا جَمِيعَ الثُّلُثِ وَتَمَامُهُ فِيهِ وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ لَوْ شَهِدَا أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى إلَى هَذَا فِي تَرِكَتِهِ فَقَضَى الْقَاضِي بِذَلِكَ ثُمَّ رَجَعَا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا وَالضَّمَانُ عَلَى الْوَصِيِّ إنْ اسْتَهْلَكَ شَيْئًا اهـ. وَأَمَّا الْوَدِيعَةُ وَالْعَارِيَّةُ فَفِي كَافِي الْحَاكِمِ شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ بِوَدِيعَةٍ فَجَحَدَهَا فَضَمَّنَهَا إيَّاهُ الْقَاضِي ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا لَهُ مَا غَرِمَ وَكَذَلِكَ الْعَارِيَّةُ اهـ. (قَوْلُهُ فَإِنْ رَجَعَ أَحَدُهُمَا ضَمِنَ النِّصْفَ وَالْعِبْرَةُ لِمَنْ بَقِيَ لَا لِمَنْ رَجَعَ) يَعْنِي وَقَدْ بَقِيَ مَنْ يَبْقَى بِشَهَادَتِهِ نِصْفُ الْحَقِّ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَأَمَّا النَّسَبُ وَالْوَلَاءُ وَالْكِتَابَةُ وَأَخَوَاهَا فَمَعَ الْعِتْقِ) أَيْ فَسَنَذْكُرُهَا مَعَ الْعِتْقِ الْآتِي فِي كَلَامِ الْمَتْنِ وَالْمُرَادُ بِأَخَوَيْ الْكِتَابَةِ التَّدْبِيرُ وَالِاسْتِيلَادُ وَكَأَنَّهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - نَسِيَ فَلَمْ يَذْكُرْ شَيْئًا مِنْ أَحْكَامِ النَّسَبِ وَالْوَلَاءِ مُسْتَقِلًّا بَلْ ذَكَرَ الثَّلَاثَةَ فَقَطْ وَلَعَلَّهُ اكْتِفَاءٌ بِمَا تَضَمَّنَتْهُ مِنْ الْوَلَاءِ وَالنَّسَبِ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَلَوْ ادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهُ ابْنُ رَجُلٍ وَالْأَبُ يَجْحَدُ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ ابْنُهُ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ فَقُضِيَ بِذَلِكَ وَأُثْبِتَ نَسَبُهُ ثُمَّ رَجَعُوا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ سَوَاءٌ رَجَعُوا فِي حَالِ حَيَاةِ الْأَبِ أَوْ بَعْدَ وَفَاتِهِ أَمَّا فِي حَالِ حَيَاةِ الْأَبِ فَلِأَنَّهُمَا لَمْ يَشْهَدَا عَلَى الْأَبِ بِالْمَالِ وَإِنَّمَا شَهِدَا عَلَيْهِ بِالنَّسَبِ وَالنَّسَبُ لَيْسَ بِمَالٍ وَمَا لَيْسَ بِمَالٍ لَا يُضْمَنُ بِالْمَالِ وَأَمَّا بَعْدَ وَفَاتِهِ فَلِأَنَّهُمْ لَوْ ضَمِنُوا مَا وَرِثَ الِابْنُ الْمَشْهُودُ لَهُ لِسَائِرِ الْوَرَثَةِ وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْمِيرَاثِ يُضَافُ إلَى مَوْتِ الْأَبِ لَا إلَى النَّسَبِ لِأَنَّ الْمِيرَاثَ يُسْتَحَقُّ بِالنَّسَبِ وَالْمَوْتِ جَمِيعًا وَالْمَوْتُ آخِرُهُمَا وُجُودًا وَكُلُّ حُكْمٍ ثَبَتَ بِعِلَّةٍ ذَاتِ وَصْفَيْنِ يُضَافُ إلَى آخِرِ الْوَصْفَيْنِ وُجُودًا (قَوْلُهُ شَهِدَا أَنَّهُ أَكْرَاهُ دَابَّتَهُ بِمِائَةِ إلَخْ) كَذَا فِي النُّسَخِ وَلَعَلَّ الصَّوَابَ أَنَّهُ أَكْرَاهُ بِمِائَتَيْنِ وَقَوْلُهُ وَأَجْرُ مِثْلِهَا مِائَتَانِ لَعَلَّ صَوَابَهُ مِائَةٌ فَالْعِبَارَةُ مَقْلُوبَةٌ كَمَا يَظْهَرُ بِتَأَمُّلِ تَمَامِهَا. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 131 وَلَا يُقَالُ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ الْحُكْمُ بِبَعْضِ الْعِلَّةِ فَوَجَبَ أَنْ لَا تَبْقَى بِهِ أَيْضًا لِأَنَّا نَقُولُ: يَجُوزُ أَنْ يَبْقَى الْحُكْمُ بِبَعْضِ الْعِلَّةِ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ بِهِ ابْتِدَاءً كَالْحَوْلِ الْمُنْعَقِدِ عَلَى النِّصَابِ يَبْقَى بِبَقَاءِ بَعْضِ النِّصَابِ وَإِنْ لَمْ يَنْعَقِدْ بِهِ ابْتِدَاءً وَمِنْ مَسَائِلِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ أَرْبَعَةٌ شَهِدُوا عَلَى آخَرَ بِأَرْبَعِمِائَةٍ وَقُضِيَ بِهَا فَرَجَعَ وَاحِدٌ عَنْ مِائَةٍ وَآخَرُ عَنْ تِلْكَ الْمِائَةِ وَمِائَةٍ أُخْرَى وَالْآخَرُ عَنْ تِلْكَ الْمِائَتَيْنِ وَمِائَةٍ أُخْرَى فَعَلَى الرَّاجِعِينَ خَمْسُونَ دِرْهَمًا أَثْلَاثًا لِأَنَّ الشَّهَادَةَ قَائِمَةٌ بِقَدْرِ ثَلَاثِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ لِأَنَّ الْقَائِمَ بَقِيَ شَاهِدًا بِأَرْبَعِمِائَةٍ وَالرَّابِعُ بَقِيَ شَاهِدًا بِثَلَاثِمِائَةٍ فَبَقِيَ عَلَى ثَلَاثِمِائَةٍ حُجَّةٌ كَامِلَةٌ فَلَا يَجِبُ ضَمَانُهَا عَلَى أَحَدٍ بَقِيَ عَلَى الْمِائَةِ الزَّائِدَةِ شَاهِدٌ وَاحِدٌ وَهُوَ الْقَائِمُ عَلَى الشَّهَادَةِ فَبَقِيَ مَنْ يَقُومُ بِهِ نِصْفُ الْحَقِّ فَبَقِيَ نِصْفُهَا فَظَهَرَ أَنَّ التَّالِفَ بِرُجُوعِهِمْ نِصْفُ الْمِائَةِ فَيَجِبُ عَلَى الرَّاجِعِينَ لِاسْتِوَائِهِمْ فِي إيجَابِهَا فَإِنْ رَجَعَ الرَّابِعُ عَنْ الْجَمِيعِ ضَمِنُوا الْمِائَةَ أَرْبَاعًا وَضَمِنُوا سِوَى الْأَوَّلِ خَمْسِينَ أَيْضًا أَثْلَاثًا لِأَنَّهُ بَقِيَ عَلَى الشَّهَادَةِ مَنْ يَقُومُ بِهِ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ كَذَا فِي الْمُحِيطِ (قَوْلُهُ فَإِنْ شَهِدَ ثَلَاثَةٌ وَرَجَعَ وَاحِدٌ لَمْ يَضْمَنْ) لِبَقَاءِ مَنْ يَبْقَى بِهِ كُلُّ الْحَقِّ (قَوْلُهُ وَإِنْ رَجَعَ آخَرُ ضَمِنَا النِّصْفَ) أَيْ الْأَوَّلَ وَالثَّانِيَ لِأَنَّهُ لَمَّا رَجَعَ الْأَوَّلُ لَمْ يَظْهَرْ أَثَرُهُ فَلَمَّا رَجَعَ آخَرُ ظَهَرَ أَثَرُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ إلَّا مَنْ يَقُومُ بِهِ النِّصْفُ وَفِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ لَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ بِأَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ وَقُضِيَ بِهَا وَدُفِعَتْ ثُمَّ رَجَعَ وَاحِدٌ عَنْ وَاحِدٍ وَالثَّانِي عَنْ اثْنَيْنِ وَالثَّالِثُ عَنْ ثَلَاثَةٍ ضَمِنُوا نِصْفَ دِرْهَمٍ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ سُدُسُ دِرْهَمٍ لِبَقَاءِ مَنْ يَبْقَى بِهِ ثَلَاثَةٌ وَنِصْفٌ وَلَوْ رَجَعَ الرَّابِعُ عَنْ الْأَرْبَعَةِ ضَمِنُوا دِرْهَمًا وَنِصْفًا عَلَى الْأَوَّلِ سُدُسُ الْمَضْمُونِ الْأَوَّلِ وَهُوَ رُبْعُ دِرْهَمٍ وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ رُبْعُ دِرْهَمٍ وَسُدُسُ دِرْهَمٍ اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ فَرَجَعَتْ امْرَأَةٌ ضَمِنَتْ الرُّبُعَ) لِبَقَاءِ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ الْحَقِّ بِبَقَاءِ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ (قَوْلُهُ وَإِنْ رَجَعَا ضَمِنَتَا النِّصْفَ) لِبَقَاءِ نِصْفِ الْحَقِّ بِبَقَاءِ الرَّجُلِ وَلَوْ شَهِدَ رَجُلَانِ وَامْرَأَتَانِ فَرَجَعَ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ فَعَلَيْهِمَا الرُّبُعُ أَثْلَاثًا وَإِنْ رَجَعَ رَجُلَانِ فَعَلَيْهِمَا النِّصْفُ وَإِنْ رَجَعَتْ امْرَأَتَانِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا (قَوْلُهُ وَإِنْ شَهِدَ رَجُلٌ وَعَشْرُ نِسْوَةٍ فَرَجَعَتْ ثَمَانٍ لَمْ يَضْمَنْ) أَيْ الثَّمَانِ لِبَقَاءِ النِّصَابِ (قَوْلُهُ فَإِنْ رَجَعَتْ أُخْرَى ضَمِنَ رُبُعَهُ) أَيْ التُّسْعَ لِبَقَاءِ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ (قَوْلُهُ فَإِنْ رَجَعُوا فَالْغُرْمُ بِالْأَسْدَاسِ) أَيْ رَجَعَ الرَّجُلُ وَالْعَشْرُ نِسْوَةٍ فَالسُّدُسُ عَلَى الرَّجُلِ وَخَمْسَةُ الْأَسْدَاسِ عَلَى النِّسْوَةِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا عَلَى الرَّجُلِ النِّصْفُ وَعَلَى النِّسْوَةِ النِّصْفُ لِأَنَّهُنَّ وَإِنْ كَثُرْنَ يَقُمْنَ مَقَامَ رَجُلٍ وَاحِدٍ وَلَهُ أَنَّ كُلَّ امْرَأَتَيْنِ مَقَامُ رَجُلٍ وَاحِدٍ لِلْحَدِيثِ «عَدَلَتْ شَهَادَةُ كُلِّ اثْنَيْنِ مِنْهُنَّ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَاحِدٍ» وَإِنْ رَجَعَتْ الْعَشْرُ فَقَطْ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ الْحَقِّ اتِّفَاقًا كَمَا إذَا رَجَعَ الرَّجُلُ وَحْدَهُ وَلَوْ رَجَعَ مَعَهُ ثَمَانٍ فَعَلَيْهِ النِّصْفُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِنَّ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَهُوَ سَهْوٌ بَلْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ النِّصْفُ أَخْمَاسًا عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا أَنْصَافًا وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَلَوْ رَجَعَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ ضَمِنُوا نِصْفَ دِرْهَمٍ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَجْهُهُ كَمَا فِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ أَنَّ الْحُجَّةَ تَشَطَّرَتْ فِي دِرْهَمٍ إذْ ثَبَتَ الْأَوَّلُ عَلَى الثَّلَاثَةِ وَالرَّابِعُ عَلَى الْكُلِّ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ ضَمِنُوا دِرْهَمًا وَنِصْفًا إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَجْهُهُ أَنَّهُمْ اتَّفَقُوا جَمِيعًا عَلَى الرُّجُوعِ عَلَى الرَّابِعِ فَضَمِنُوهُ أَرْبَاعًا عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ رُبْعٌ وَالثَّالِثُ الْأَوَّلُ ثَابِتٌ عَلَيْهِ بِالشَّهَادَةِ وَحْدَهُ فَتَشَطَّرَتْ الْحُجَّةُ فِيهِ فَوَجَبَ نِصْفُهُ عَلَى الثَّلَاثَةِ أَثْلَاثًا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيهِ لِبَقَائِهِ عَلَى الشَّهَادَةِ بِهِ فَتَأَمَّلْ. [شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ فَرَجَعَتْ امْرَأَةٌ] (قَوْلُهُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَهُوَ سَهْوٌ إلَخْ) هَذِهِ عِبَارَةُ الزَّيْلَعِيِّ وَاخْتَصَرَهَا بِحَذْفِ التَّعْلِيلِ مِنْ كَلَامِ الْمُحِيطِ وَهُوَ قَوْلُهُ لِأَنَّهُنَّ وَإِنْ كَثُرْنَ يَقُمْنَ مَقَامَ رَجُلٍ وَاحِدٍ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ النِّسَاءِ مَنْ يَثْبُتُ بِشَهَادَتِهِنَّ نِصْفُ الْحَقِّ فَيُجْعَلُ الرَّاجِعَاتُ كَأَنَّهُنَّ لَمْ يَشْهَدْنَ وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة قُلْت: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحِيطِ عَلَى قَوْلِ الصَّاحِبَيْنِ وَلِذَا عَلَّلَ بِمَا لَمْ يُعَلِّلْ بِهِ الْإِمَامُ بَلْ بِمَا عَلَّلَا بِهِ إذْ مَا عَلَّلَ بِهِ الْإِمَامُ كَمَا ذَكَرَهُ أَنَّ كُلَّ امْرَأَتَيْنِ يَقُومَانِ مَقَامَ رَجُلٍ وَاحِدٍ ثُمَّ قَالَ: وَعَدَمُ الِاعْتِدَادِ بِكَثْرَتِهِنَّ عِنْدَ انْفِرَادِهِنَّ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمُ الِاعْتِدَادِ بِكَثْرَتِهِنَّ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ مَعَ الرِّجَالِ كَمَا فِي الْمِيرَاثِ اهـ. وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الصَّاحِبَيْنِ مَا يُفِيدُ أَنَّهُ مَعَ قِيَامِهِنَّ مَقَامَ رَجُلِ يُقَسَّمُ عَلَيْهِنَّ مَا ثَبَتَ بِشَهَادَتِهِنَّ فِي حَقِّ مَنْ رَجَعَ مِنْهُنَّ فَيُفْرَضُ بِقَدْرِهِ وَقَدْ بَقِيَ مِنْهُنَّ مَنْ يَثْبُتُ بِهِ نِصْفُ الْحَقِّ كَمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ بَعْدَ هَذَا بِقَوْلِهِ وَلَوْ شَهِدَ رَجُلٌ وَثَلَاثُ نِسْوَةٍ ثُمَّ رَجَعُوا إلَخْ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ هُنَا ثُمَّ قَالَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ وَمِثْلُهُ فِي الْفَتْحِ عَلَى أَنَّا لَوْ سَلَّمْنَا الِانْقِسَامَ عَلَيْهِنَّ عِنْدَ الرُّجُوعِ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ تَعْلِيلِ قَوْلِهِمَا إنَّ الِانْقِسَامَ بِحَسَبِ عَدَدِهِنَّ فَعَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ النِّصْفِ وَعَلَى الرَّجُلِ نِصْفٌ كَامِلٌ وَيَبْقَى خُمُسُ نِصْفِ الْمَالِ بِبَقَاءِ الْمَرْأَتَيْنِ وَالْجَوَابُ عَمَّا ذَكَرَهُ عَنْ الْإِسْبِيجَابِيِّ أَنَّهُ مَشَى عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ لَا عَلَى قَوْلِهِمَا فَلْيُتَأَمَّلْ. اهـ. قُلْت وَذَكَرَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ نَحْوَ مَا فِي الْمُحِيطِ وَأَشَارَ إلَى مُخَالَفَةِ الْقِيَاسِ حَيْثُ قَالَ: شَهِدَ رَجُلٌ وَثَلَاثُ نِسْوَةٍ ثُمَّ رَجَعَ الرَّجُلُ وَامْرَأَةٌ ضَمِنَ الرَّجُلُ نِصْفَ الْمَالِ وَلَمْ تَضْمَنْ الْمَرْأَةُ شَيْئًا وَيَنْبَغِي فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ يَكُونَ النِّصْفُ أَثْلَاثًا عَلَى الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ أَمَّا عِنْدَهُمَا النِّسْوَةُ وَإِنْ كَثُرْنَ بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ وَاحِدٍ حَالَةَ الِانْفِرَادِ وَحَالَةَ الِاخْتِلَاطِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 132 وَاحِدٌ وَامْرَأَةٌ كَانَ النِّصْفُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا وَلَوْ كَانَ كَمَا فِي الْمُحِيطِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا شَيْءٌ وَلَوْ شَهِدَ رَجُلَانِ وَامْرَأَةٌ ثُمَّ رَجَعُوا فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمَا دُونَهَا وَلَوْ شَهِدَ رَجُلٌ وَثَلَاثُ نِسْوَةٍ ثُمَّ رَجَعُوا فَعِنْدَهُمَا عَلَى الرَّجُلِ النِّصْفُ وَعَلَى النِّسْوَةِ النِّصْفُ وَعِنْدَهُ عَلَيْهِ الْخُمُسَانِ وَعَلَيْهِنَّ ثَلَاثَةُ الْأَخْمَاسِ وَلَوْ رَجَعَ الرَّجُلُ وَامْرَأَةٌ فَعَلَيْهِ النِّصْفُ كُلُّهُ عِنْدَهُمَا وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمَرْأَةِ وَعِنْدَهُ عَلَيْهِمَا أَثْلَاثًا. (قَوْلُهُ وَإِنْ شَهِدَ رَجُلَانِ عَلَيْهِ أَوْ عَلَيْهَا بِنِكَاحٍ بِقَدْرِ مَهْرِ مِثْلِهَا وَرَجَعَا لَمْ يَضْمَنَا) لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَا شَيْئًا بِعِوَضٍ يُقَابِلُهُ وَالْإِتْلَافُ بِعِوَضٍ كَلَا إتْلَافٍ (قَوْلُهُ وَإِنْ زَادَ عَلَيْهِ ضَمِنَاهَا) أَيْ الزِّيَادَةَ لِلزَّوْجِ لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَاهَا بِلَا عِوَضٍ وَسَكَتَ الْمُؤَلِّفُ عَمَّا إذَا شَهِدَ بِأَصْلِ النِّكَاحِ بِأَقَلَّ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّهُمَا لَا يَضْمَنَانِ مَا نَقَصَ لِأَنَّ مَنَافِعَ الْبُضْعِ غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ عِنْدَ الْإِتْلَافِ فَلَا يَضْمَنُ الْمُتَقَوِّمَ إذْ التَّضْمِينُ يَسْتَدْعِي الْمُمَاثَلَةَ أَوْ لِلِاخْتِلَافِ فَفِي الْمَنْظُومَةِ وَشَرْحِهَا أَنَّهُمَا يَضْمَنَانِ مَا نَقَصَ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَفِي الْهِدَايَةِ وَشُرُوحِهَا أَنَّهُمَا لَا يَضْمَنَانِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي الْمَذْهَبِ قَيَّدَ بِكَوْنِهِمَا شَهِدَا بِالنِّكَاحِ لِأَنَّهُمَا لَوْ شَهِدَا عَلَيْهَا بِقَبْضِ الْمَهْرِ أَوْ بَعْضِهِ ثُمَّ رَجَعَا بَعْدَ الْقَضَاءِ ضَمِنَا لَهَا لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَا عَلَيْهَا مَالًا وَهُوَ الْمَهْرُ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا دُونَ الْبُضْعِ وَأَشَارَ بِمَهْرِ الْمِثْلِ إلَى أَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا إذَا لَمْ يُطَلِّقْهَا أَوْ طَلَّقَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا إذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَحُكْمُهُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ شَهِدَا أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ وَهُوَ مَهْرُ مِثْلِهَا وَقَالَ الزَّوْجُ بِغَيْرِ التَّسْمِيَةِ فَقُضِيَ بِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا ثُمَّ رَجَعَا فَعَلَيْهِمَا فَضْلُ مَا بَيْنَ الْمُتْعَةِ إلَى خَمْسِمِائَةٍ فَلَوْ شَهِدَ آخَرَانِ عَلَى الدُّخُولِ ثُمَّ رَجَعُوا فَعَلَى شَاهِدَيْ الدُّخُولِ خَمْسُمِائَةٍ خَاصَّةٌ وَعَلَيْهِمَا وَشَاهِدَيْ التَّسْمِيَةِ فَضْلُ مَا بَيْنَ الْمُتْعَةِ وَالْخَمْسِمِائَةِ نِصْفَانِ وَلَوْ شَهِدَ آخَرَانِ عَلَى الطَّلَاقِ وَقُضِيَ ثُمَّ رَجَعُوا فَعَلَى شَاهِدَيْ الدُّخُولِ خَمْسُمِائَةٍ وَعَلَيْهِمَا وَشَاهِدَيْ التَّسْمِيَةِ مَا بَيْنَ الْمُتْعَةِ إلَى نِصْفِ الْمَهْرِ وَعَلَى الْفِرَقِ الثَّلَاثِ قَدْرُ الْمُتْعَةِ أَثْلَاثًا اهـ. وَلَوْ شَهِدَا عَلَيْهَا أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ وَمَهْرُ مِثْلِهَا خَمْسُمِائَةٍ وَأَنَّهَا قَبَضَتْ الْأَلْفَ وَهِيَ تُنْكِرُ فَقُضِيَ بِشَهَادَتِهِمَا ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا لَهَا مَهْرَ الْمِثْلِ لَا الْمُسَمَّى لِأَنَّ حَقَّ الِاسْتِيفَاءِ لَمْ يَثْبُتْ لَهَا فِيهِ إذْ لَمْ يُقْضَ بِوُجُوبِهِ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالنِّكَاحِ مَعَ قَبْضِ الْمَهْرِ قَضَاءٌ بِإِزَالَةِ مِلْكِهَا عَنْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ لَا قَضَاءٌ بِالْمُسَمَّى لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مَقْبُوضًا لَا يَحْتَاجُ إلَى الْقَضَاءِ بِهِ فَلَمْ تَقَعْ الشَّهَادَةُ بِالْقَبْضِ إتْلَافًا لِلْمُسَمَّى لِعَدَمِ وُجُوبِهِ أَصْلًا بَلْ وَقَعَتْ إتْلَافًا لِلْبُضْعِ فَيَضْمَنَانِ قِيمَتَهُ هَكَذَا ذَكَرَهُ   [منحة الخالق] وَكَأَنْ شَهِدَ رَجُلَانِ لَا غَيْرُ فَكَانَ الثَّابِتُ بِشَهَادَةِ النِّسْوَةِ النِّصْفَ فَإِذَا بَقِيَ مَنْ يَقُومُ بِشَهَادَتِهِ النِّصْفُ مِنْهُنَّ لَمْ يَكُنْ عَلَى الرَّاجِعَةِ شَيْءٌ وَأَمَّا عِنْدَهُ فَلِأَنَّ كُلَّ ثِنْتَيْنِ حَالَةَ الِاخْتِلَاطِ كَرَجُلٍ وَاحِدٍ وَكُلَّ امْرَأَةٍ كَنِصْفِ رَجُلٍ كَأَنَّهُ شَهِدَ رَجُلَانِ وَنِصْفٌ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ فَإِنْ رَجَعَ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ فَكَأَنَّهُ رَجَعَ رَجُلٌ وَنِصْفٌ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمَا أَثْلَاثًا. اهـ. (قَوْلُهُ وَسَكَتَ الْمُؤَلِّفُ عَمَّا إذَا شَهِدَا بِأَصْلِ النِّكَاحِ بِأَقَلَّ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ الصُّوَرَ سِتٌّ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَشْهَدَا بِمَهْرِ الْمِثْلِ أَوْ بِأَقَلَّ أَوْ بِأَكْثَرَ وَعَلَى كُلٍّ فَإِمَّا أَنْ يَشْهَدَا عَلَيْهِ بِأَنْ كَانَتْ هِيَ الْمُدَّعِيَةُ أَوْ عَلَيْهَا بِأَنْ كَانَ هُوَ الْمُدَّعِي فَصَرَّحَ الْمُصَنِّفُ مِنْهَا بِثَلَاثَةٍ وَهِيَ مَا إذَا شَهِدَا بِمَهْرِ الْمِثْلِ عَلَيْهِ أَوْ عَلَيْهَا وَمَا إذَا شَهِدَا عَلَيْهِ بِالْأَكْثَرِ وَصَرَّحَ بِالضَّمَانِ فِي الثَّالِثَةِ وَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ شَهِدَا عَلَيْهَا بِالْأَكْثَرِ لَا ضَمَانَ وَصَرَّحَ بِعَدَمِ الضَّمَانِ فِي الْأُولَيَيْنِ وَيُفْهَمُ مِنْهُ عَدَمُهُ أَيْضًا لَوْ شَهِدَا عَلَيْهِ أَوْ عَلَيْهَا بِالْأَقَلِّ بِطَرِيقٍ أَوْلَى فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ إلَّا فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ مَا لَوْ شَهِدَا عَلَيْهِ بِالْأَكْثَرِ فَيَضْمَنَانِ الزَّائِدَ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ وَفِي الْخَمْسَةِ الْبَاقِيَةِ لَا ضَمَانَ أَصْلًا وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة حَيْثُ قَالَ: وَفِي الزَّائِدِ وَإِنْ شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى امْرَأَةٍ بِالنِّكَاحِ بِمِقْدَارِ مَهْرِ مِثْلِهَا ثُمَّ رَجَعَا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا وَكَذَا لَوْ شَهِدَا بِأَقَلَّ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا وَإِنْ شَهِدَا بِأَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا الزِّيَادَةَ وَفِي الْمُحِيطِ وَإِنْ ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى امْرَأَةٍ النِّكَاحَ وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً وَالْمَرْأَةُ جَاحِدَةٌ فَقَضَى الْقَاضِي عَلَيْهَا بِالنِّكَاحِ ثُمَّ رَجَعَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا لَا يَضْمَنَانِ لِلْمَرْأَةِ شَيْئًا سَوَاءٌ كَانَ الْمُسَمَّى مَهْرَ الْمِثْلِ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ. اهـ. ثُمَّ قَالَ: وَإِذَا ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى امْرَأَتِهِ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَقَالَتْ الْمَرْأَةُ: لَا بَلْ تَزَوَّجَنِي بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَمَهْرُ مِثْلِهَا أَلْفُ دِرْهَمٍ فَشَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ فَقُضِيَ ثُمَّ رَجَعَا حَالَ قِيَامِ النِّكَاحِ ذَكَرَ أَنَّهُمَا يَضْمَنَانِ لِلْمَرْأَةِ تِسْعَمِائَةٍ عِنْدَهُمَا وَلَا يَضْمَنَانِ شَيْئًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ هَذَا إذَا رَجَعَا قَبْلَ الطَّلَاقِ فَإِنْ رَجَعَا بَعْدَهُ فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ أَمَّا إنْ رَجَعَا قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ بِهَا فَالْجَوَابُ فِيهِ كَالْجَوَابِ حَالَ قِيَامِ النِّكَاحِ فَأَمَّا إذَا كَانَ الطَّلَاقُ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَإِنَّهُمَا لَا يَضْمَنَانِ لِلْمَرْأَةِ شَيْئًا عِنْدَهُمْ جَمِيعًا اهـ. فَأَفَادَ أَنَّ الْكَلَامَ الْأَوَّلَ فِيمَا إذَا كَانَ أَصْلُ النِّكَاحِ مَجْحُودًا وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إشَارَةٌ إلَى ذَلِكَ أَمَّا إذَا كَانَا مُقِرِّينَ بِهِ وَاخْتَلَفَا فِي الْمَهْرِ ثُمَّ رَجَعَ الشَّاهِدَانِ فَفِيهِ هَذَا التَّفْصِيلُ وَالْحُكْمُ فِيهِ مَا عَلِمْت فَتَنَبَّهْ لِذَلِكَ (قَوْلُهُ قَيَّدَ بِكَوْنِهِمَا شَهِدَا بِالنِّكَاحِ لِأَنَّهُمَا لَوْ شَهِدَا بِقَبْضِ الْمَهْرِ إلَخْ) لَمْ يُصَرِّحْ بِكَوْنِ الْمَضْمُونِ مَهْرَ الْمِثْلِ أَوْ الْمُسَمَّى وَلَا أَنَّ الشَّهَادَةَ وَقَعَتْ بَعْدَ الشَّهَادَةِ بِالنِّكَاحِ أَوْ مَعَهَا وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة شَهِدَا عَلَى امْرَأَةٍ أَنَّ فُلَانًا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ وَقَبَضَتْ ذَلِكَ وَهِيَ تُنْكِرُ وَمَهْرُ مِثْلِهَا خَمْسُمِائَةٍ فَقَضَى الْقَاضِي بِذَلِكَ ثُمَّ رَجَعَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا ضَمِنَا مَهْرَ الْمِثْلِ دُونَ الْمُسَمَّى وَلَوْ وَقَعَتْ الشَّهَادَةُ بِالْعَقْدِ بِالْأَلْفِ أَوَّلًا فَقَضَى الْقَاضِي بِهِ ثُمَّ شَهِدَا بِقَبْضِ الْأَلْفِ وَقَضَى الْقَاضِي بِهِ ثُمَّ رَجَعَا عَنْ الشَّهَادَتَيْنِ ضَمِنَ لِلْمَرْأَةِ الْمُسَمَّى. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 133 فِي التَّحْرِيرِ وَهُوَ وَارِدٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ مِنْ الْمَذْهَبِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَوْجَبَ عَلَى الشُّهُودِ قِيمَةَ الْبُضْعِ مَعَ عَدَمِ وُجُوبِهِ بِالْقَضَاءِ وَمُقْتَضَى الْمَذْهَبِ أَنْ لَا يَجِبَ شَيْءٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَهُوَ أَنَّ مَنَافِعَ الْبُضْعِ غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ عِنْدَ الْإِتْلَافِ وَإِنَّمَا يَتَقَوَّمُ عَلَى الزَّوْجِ عِنْدَ تَمَلُّكِهِ إيَّاهُ هَكَذَا ذَكَرَ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقُلْتُ: التَّضْمِينُ هُنَا لَيْسَ بِاعْتِبَارِ إتْلَافِ مَنَافِعِ بُضْعِهَا بَلْ بِاعْتِبَارِ إتْلَافِ الْمَهْرِ لِأَنَّهُمَا كَمَا شَهِدَا بِأَصْلِهِ شَهِدَا بِقَبْضِهَا لَهُ وَقَدْ ذَكَرَ هُوَ أَنَّهُمَا لَوْ شَهِدَا عَلَيْهَا بِقَبْضِهِ ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا وَإِنَّمَا ضَمِنَا بِقَدْرِ مَهْرِ الْمِثْلِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا لَمْ تَدَّعِ الْمُسَمَّى لِإِنْكَارِ الْكُلِّ فَتَرْجِعُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ وَلِهَذَا لَوْ لَمْ يَشْهَدَا بِالْقَبْضِ وَإِنَّمَا شَهِدَا بِالنِّكَاحِ بِأَلْفٍ وَقُضِيَ بِهِ ثُمَّ شَهِدَا بِقَبْضِهَا ثُمَّ رَجَعَا عَنْ الشَّهَادَتَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَضْمَنَانِ الْأَلْفَ لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَا عَلَيْهَا ذَلِكَ. (قَوْلُهُ وَلَمْ يَضْمَنَا فِي الْبَيْعِ إلَّا مَا نَقَصَ) أَيْ عَنْ قِيمَةِ الْمَبِيعِ فَلَوْ شَهِدَا عَلَى الْبَائِعِ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ أَوْ أَكْثَرَ فَلَا ضَمَانَ لِأَنَّهُ إتْلَافٌ بِعِوَضٍ إنْ شَهِدَا بِهِ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ ضَمِنَا النُّقْصَانَ لِأَنَّهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ مَا إذَا شَهِدَا بِهِ بَاتًّا أَوْ بِخِيَارِ شَرْطٍ لِلْبَائِعِ وَمَضَتْ الْمُدَّةُ لِاسْتِنَادِ الْحُكْمِ عِنْدَ سُقُوطِهِ إلَى السَّبَبِ السَّابِقِ وَهُوَ الْبَيْعُ بِدَلِيلِ اسْتِحْقَاقِ الْمُشْتَرِي الزَّوَائِدَ وَأَمَّا إذَا رَدَّ الْبَائِعُ الْبَيْعَ فَلَا إتْلَافَ أَوْ أَجَازَهُ اخْتِيَارًا بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ فَرِضَاهُ بِهِ قَيَّدَ الشَّهَادَةَ بِالْبَيْعِ أَيْ فَقَطْ لِأَنَّهُمَا لَوْ شَهِدَا بِهِ مَعَ قَبْضِ الثَّمَنِ فَإِنْ شَهِدَا بِهِمَا مُتَفَرِّقَيْنِ ثُمَّ رَجَعَا عَنْ الشَّهَادَتَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَضْمَنَانِ الثَّمَنَ وَإِنْ كَانَ جُمْلَةً وَاحِدَةً وَجَبَتْ الْقِيمَةُ عَلَيْهِمَا وَلَوْ شَهِدَا بِالْبَيْعِ وَالْإِقَالَةِ مَعًا فَلَا ضَمَانَ وَلَوْ قَالَ الْمُؤَلِّفُ وَلَمْ يَضْمَنَا الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ إلَّا مَا نَقَصَ أَوْ زَادَ لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ مَا إذَا كَانَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ الْمُشْتَرِيَ فَلَا ضَمَانَ لَوْ شَهِدَا بِشِرَائِهِ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ أَوْ أَقَلَّ وَإِنْ كَانَ بِأَكْثَرَ ضَمِنَا مَا زَادَ عَلَيْهَا وَلَوْ كَانَ بِخِيَارٍ لَهُ وَجَازَ الْبَيْعُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ وَأَمَّا إذَا فَسَخَهُ أَوْ أَجَازَهُ اخْتِيَارًا فَلَا كَمَا فِي الْبَائِعِ وَفِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ وَإِنْ شَهِدَا عَلَى الْبَائِعِ بِالْبَيْعِ بِأَلْفَيْنِ إلَى سَنَةٍ وَقِيمَتُهُ أَلْفٌ فَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الشُّهُودَ قِيمَتَهُ حَالًّا وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْمُشْتَرِيَ بِالثَّمَنِ إلَى سَنَةٍ وَأَيَّامًا اخْتَارَ بَرِئَ الْآخَرُ فَإِنْ اخْتَارَ الشُّهُودَ رَجَعُوا بِالثَّمَنِ عَلَى الْمُشْتَرِي وَيَتَصَدَّقُونَ بِالْفَضْلِ فَإِنْ رَدَّ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ بِعَيْبٍ بِالرِّضَا أَوْ تَقَايُلًا رَجَعَ عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ وَلَا شَيْءَ عَلَى الشُّهُودِ وَإِنْ رَدَّ بِقَضَاءٍ فَالضَّمَانُ عَلَى الشُّهُودِ بِحَالِهِ وَإِنْ أَدَّيَا رَجَعَا بِمَا أَدَّيَا اهـ. وَفِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي شَهِدَا بِالْبَيْعِ بِخَمْسِمِائَةٍ وَقَضَى الْقَاضِي ثُمَّ شَهِدَا أَنَّ الْبَائِعَ أَخَّرَ الثَّمَنَ ثُمَّ رَجَعَا عَنْ الشَّهَادَتَيْنِ جَمِيعًا ضَمِنَا الثَّمَنَ خَمْسَمِائَةٍ عِنْدَ الْإِمَامِ كَمَا لَوْ شَهِدَا بِأَجَلِ دَيْنٍ ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا اهـ. (قَوْلُهُ وَفِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الْوَطْءِ ضَمِنَا نِصْفَ الْمَهْرِ) لِأَنَّهُمَا أَكَّدَا ضَمَانًا عَلَى شَرَفِ السُّقُوطِ أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ طَاوَعَتْ ابْنَ الزَّوْجِ أَوْ ارْتَدَّتْ سَقَطَ الْمَهْرُ أَصْلًا وَلِأَنَّ الْفُرْقَةَ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي مَعْنَى الْفَسْخِ فَيُوجِبُ سُقُوطَ جَمِيعِ الْمَهْرِ كَمَا مَرَّ فِي النِّكَاحِ ثُمَّ يَجِبُ نِصْفُ الْمَهْرِ ابْتِدَاءً بِطَرِيقِ الْمُتْعَةِ فَكَانَ وَاجِبًا بِشَهَادَتِهِمَا كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَالتَّعْلِيلُ الْأَوَّلُ لِلْمُتَقَدِّمَيْنِ وَالثَّانِي لِلْمُتَأَخِّرَيْنِ وَقَالُوا: لَا نُسَلِّمُ التَّأْكِيدَ بِشَهَادَتِهِمْ بَلْ وَجَبَ مُتَأَكِّدًا بِالْعَقْدِ وَلَمْ يَبْقَ بَعْدَهُ إلَّا الْوَطْءُ الَّذِي بِمَنْزِلَةِ الْقَبْضِ وَهَذَا الْعَقْدُ لَا يَتَعَلَّقُ تَمَامُهُ بِالْقَبْضِ وَلَئِنْ سَلَّمْنَا التَّأْكِيدَ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ التَّأْكِيدَ الْوَاجِبَ سَبَبٌ لِلضَّمَانِ فَإِنَّ الشُّهُودَ لَوْ شَهِدُوا عَلَى الْوَاهِبِ بِأَخْذِ الْعِوَضِ حَتَّى قَضَى الْقَاضِي بِإِبْطَالِ حَقِّ الرُّجُوعِ ثُمَّ رَجَعُوا وَقَدْ هَلَكَتْ الْهِبَةُ لَمْ يَضْمَنُوا لِلْوَاهِبِ شَيْئًا كَذَا فِي الْأَسْرَارِ. فَلَمَّا كَانَ قَوْلُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَقْرَبَ إلَى التَّحْقِيقِ اخْتَارَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ كَذَا فِي شَرْحِهِ التَّقْرِيرَ لِلْأَكْمَلِ مِنْ بَحْثِ الْقَضَاءِ وَفِي الْعَتَّابِيَّةِ لَوْ أَقَرَّ الزَّوْجُ بِالطَّلَاقِ بَعْدَ التَّضْمِينِ أَوْ السَّيِّدُ بِالْإِعْتَاقِ رُدَّ الضَّمَانُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْمُحِيطِ شَهِدَ رَجُلَانِ وَامْرَأَتَانِ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ ثُمَّ رَجَعَ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ فَعَلَيْهِمَا ثَمَنُ الْمَهْرِ أَثْلَاثًا ثُلُثَاهُ عَلَى الرَّجُلِ وَثُلُثُهُ عَلَى الْمَرْأَةِ وَلَوْ شَهِدَ رَجُلَانِ بِالطَّلَاقِ وَرَجُلَانِ بِالدُّخُولِ ثُمَّ رَجَعَ شَاهِدَا الطَّلَاقِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُمَا أَوْجَبَا نِصْفَ الْمَهْرِ وَشَاهِدَا الدُّخُولِ أَوْجَبَا جَمِيعَ الْمَهْرِ وَقَدْ بَقِيَ مَنْ يَثْبُتُ بِشَهَادَتِهِ جَمِيعُ الْمَهْرِ وَهُوَ شَاهِدُ الدُّخُولِ وَإِنْ رَجَعَ شَاهِدُ الدُّخُولِ لَا غَيْرُ يَجِبُ عَلَيْهِمَا نِصْفُ الْمَهْرِ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ شُهُودِ الطَّلَاقِ نِصْفُ الْمَهْرِ وَتَلِفَ بِشَهَادَةِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَمُقْتَضَى الْمَذْهَبِ أَنْ لَا يَجِبَ شَيْءٌ إلَخْ) تَأَمَّلْ هَذَا الْكَلَامَ. (قَوْلُهُ فَإِنَّهُمَا يَضْمَنَانِ الثَّمَنَ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ لِأَنَّ الثَّمَنَ تَقَرَّرَ فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي بِالْقَضَاءِ ثُمَّ أَتْلَفَاهُ عَلَيْهِ بِشَهَادَتِهِمَا بِالْقَبْضِ فَيَضْمَنَانِهِ وَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ أَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ الْمَبِيعِ يَضْمَنَانِ الزِّيَادَةَ أَيْضًا مَعَ ذَلِكَ لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَا عَلَيْهِ هَذَا الْقَدْرَ بِشَهَادَتِهِمَا الْأُولَى اهـ. فَإِنْ قُلْت: حَيْثُ ضَمِنَا الزِّيَادَةَ أَيْضًا فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ الثَّانِيَةِ فَإِنَّهُ يَئُولُ إلَى تَضْمِينِ الْقِيمَةِ قُلْت: يَظْهَرُ فِيمَا إذَا كَانَ الثَّمَنُ أَكْثَرَ مِنْ الْقِيمَةِ فَيَضْمَنُهُ هُنَا وَفِي الثَّانِيَةِ لَا يَضْمَنُ إلَّا الْقِيمَةَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَجَبَتْ الْقِيمَةُ عَلَيْهِمَا) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ لِأَنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي بِالْبَيْعِ لَا بِوُجُوبِ الثَّمَنِ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالثَّمَنِ يُقَارِنُهُ مَا يُوجِبُ سُقُوطَهُ أَيْ الثَّمَنِ وَهُوَ الْقَضَاءُ بِالْقَبْضِ وَالْقَضَاءُ بِالشَّيْءِ إذَا اقْتَرَنَ بِهِ مَا يُوجِبُ بُطْلَانَهُ لَا يُقْضَى بِهِ ثُمَّ اسْتَشْهَدَ عَلَيْهِ بِمَسْأَلَةِ الشَّهَادَةِ بِالْبَيْعِ وَالْإِقَالَةِ مَعًا. (قَوْلُهُ كَذَا فِي شَرْحِهِ التَّقْرِيرَ) الضَّمِيرُ فِي شَرْحِهِ عَائِدٌ إلَى فَخْرِ الْإِسْلَامِ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ أَيْ شَرْحِ أُصُولِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَقَوْلُهُ التَّقْرِيرَ بَدَلٌ مِنْ شَرْحِ فَإِنَّ الشَّيْخَ أَكْمَلَ الدِّينِ صَاحِبَ الْعِنَايَةِ شَرَحَ أُصُولَ فَخْرِ الْإِسْلَامِ الشَّهِيرِ بِالْبَزْدَوِيِّ وَسَمَّاهُ التَّقْرِيرَ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 134 شَاهِدَيْ الدُّخُولِ نِصْفُ الْمَهْرِ وَإِنْ رَجَعَ مِنْ كُلِّ طَائِفَةٍ وَاحِدٌ لَا يَجِبُ عَلَى شَاهِدَيْ الطَّلَاقِ شَيْءٌ وَيَجِبُ عَلَى شَاهِدَيْ الدُّخُولِ الرُّبُعُ اهـ. ثُمَّ قَالَ: شَهِدَا أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا وَآخَرَانِ أَنَّهُ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً قَبْلَ الدُّخُولِ ثُمَّ رَجَعُوا فَضَمَانُ نِصْفِ الْمَهْرِ عَلَى شُهُودِ الثَّلَاثِ لَا غَيْرُ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْضِ بِشَهَادَةِ شُهُودِ الْوَاحِدَةِ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ لِأَنَّ حُكْمَ الْوَاحِدَةِ حُرْمَةٌ خَفِيفَةٌ وَحُكْمَ الثَّلَاثِ حُرْمَةٌ غَلِيظَةٌ وَلَوْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى أَحَدٍ اهـ. وَأَشَارَ بِالْمَهْرِ إلَى أَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا إذَا كَانَ مُسَمًّى فَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُسَمًّى ضَمِنَا الْمُتْعَةَ لِأَنَّهَا الْوَاجِبَةُ وَقَدْ أَتْلَفَاهَا وَفِي الْمُحِيطِ تَزَوَّجَهَا بِلَا مَهْرٍ وَطَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَشَهِدَ أَنَّهُ صَالَحَهَا مِنْ الْمُتْعَةِ عَلَى عَبْدٍ وَقَبَضَتْهُ وَهِيَ تُنْكِرُ ثُمَّ رَجَعَا لَا يَضْمَنَانِ الْعَبْدَ بَلْ الْمُتْعَةَ وَإِنْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا عَشَرَةً ضَمِنَا لَهَا خَمْسَةَ دَرَاهِمَ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَمْ يَقْضِ لَهَا بِالْعَبْدِ لِكَوْنِهِ مَقْبُوضًا فَقَدْ أَتْلَفَا بِشَهَادَتِهِمَا عَلَى الْمَرْأَةِ الْمُتْعَةَ لَا الْعَبْدَ بِخِلَافِ مَا لَوْ شَهِدَا أَنَّهُ صَالَحَهَا عَنْهَا بِعَبْدٍ وَقُضِيَ لَهَا بِهِ ثُمَّ شَهِدَا بِقَبْضِهِ ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا قِيمَةَ الْعَبْدِ لِوُقُوعِ الْقَضَاءِ بِالْعَبْدِ اهـ. وَلَوْ قَالَ قَبْلَ الْوَطْءِ وَالْخَلْوَةِ لَكَانَ أَوْلَى وَإِنْ كَانَتْ كَالْوَطْءِ فِي إيجَابِ الْمَهْرِ وَأَطْلَقَ فِي ضَمَانِهَا فَشَمَلَ مَا بَعْدَ مَوْتِ الزَّوْجِ لِمَا فِي الْمُحِيطِ شُهُودُ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ إذَا رَجَعُوا بَعْدَ مَوْتِ الزَّوْجِ ضَمِنَا لِوَرَثَتِهِ نِصْفَ الْمَهْرِ لِأَنَّهُمْ قَائِمُونَ مَقَامَ الْمُوَرِّثِ وَلَا مِيرَاثَ لِلْمَرْأَةِ ادَّعَتْ الطَّلَاقَ أَوْ لَا أَقَرَّتْ الْوَرَثَةُ أَنَّهُ طَلَّقَهَا أَوْ لَا وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا: تَرِثُ وَلَا يَضْمَنُ الشَّاهِدَانِ مِيرَاثَهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي بِالطَّلَاقِ بِشَهَادَةِ الزُّورِ يَنْفُذُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا وَلَوْ شَهِدَا بِذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِ الزَّوْجِ وَادَّعَى ذَلِكَ الْوَرَثَةُ فَقُضِيَ لَهَا بِنِصْفِ الْمَهْرِ ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا لِلْمَرْأَةِ نِصْفَ الْمَهْرِ وَالْمِيرَاثَ اهـ. (قَوْلُهُ وَلَمْ يَضْمَنَا لَوْ بَعْدَ الْوَطْءِ) لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الضَّمَانِ الْمُمَاثَلَةَ وَلَا مُمَاثَلَةَ بَيْنَ الْبُضْعِ وَالْمَالِ وَقَدْ ذَكَرَهُ الْأُصُولِيُّونَ فِي بَحْثِ الْقَضَاءِ وَفِي الْمُحِيطِ شَهِدَا عَلَى الطَّلَاقِ وَآخَرَانِ عَلَى الدُّخُولِ وَلَمْ يُفْرَضْ لَهَا مَهْرٌ ثُمَّ رَجَعُوا ضَمِنَ شَاهِدَا الطَّلَاقِ نِصْفَ الْمُتْعَةِ وَشَاهِدَا الدُّخُولِ بَقِيَّةَ الْمَهْرِ اهـ. وَمِمَّا يُنَاسِبُ هَذَا النَّوْعَ مَسْأَلَتَا الشَّهَادَةِ بِالْخُلْعِ وَالنَّفَقَةِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَفِي الْمُحِيطِ شَهِدَا عَلَى امْرَأَةٍ أَنَّهَا اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ عَلَى أَنَّهَا أَبْرَأْتُهُ مِنْ الْمَهْرِ وَهِيَ تَجْحَدُ ضَمِنَا لَهَا نِصْفَ الْمَهْرِ لِأَنَّهُمَا أَوْجَبَا عَلَيْهَا ذَلِكَ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَلَوْ كَانَ دَخَلَ بِهَا يَضْمَنَانِ كُلَّ الْمَهْرِ اهـ. وَأَمَّا النَّفَقَةُ فَفِي الْمُحِيطِ فَرَضَ الْقَاضِي لَهَا النَّفَقَةَ أَوْ الْمُتْعَةَ ثُمَّ شَهِدَا بِالِاسْتِيفَاءِ وَقَضَى ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا لِلْمَرْأَةِ وَكَذَلِكَ نَفَقَةُ الْأَقَارِبِ قِيلَ فِي نَفَقَةِ الْأَقَارِبِ سَهْوٌ لِأَنَّهَا لَا يَصِيرُ دَيْنًا بِقَضَاءٍ فَمَا أَتْلَفَهُ شَيْئًا وَقِيلَ: إنَّهَا مُؤَوَّلَةٌ وَتَأْوِيلُهَا أَنَّ الْقَاضِيَ قَضَى لَهُ وَأَمَرَهُ بِالِاسْتِدَانَةِ عَلَيْهِ حَتَّى يَرْجِعَ بِمَا اسْتَدَانَ عَلَى الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ بِالنَّفَقَةِ وَقَدْ اسْتَدَانَ وَصَارَ دَيْنًا لَهُ عَلَى الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ فَقَدْ شَهِدَا عَلَيْهِ بِاسْتِيفَاءِ دَيْنٍ مُسْتَحَقٍّ لَهُ عَلَى الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ فَضَمِنَا بِالرُّجُوعِ اهـ. (قَوْلُهُ وَفِي الْعِتْقِ ضَمِنَا الْقِيمَةَ) لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَا مَالِيَّةَ الْعَبْدِ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ وَالْوَلَاءُ لِلْمُعْتِقِ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَتَحَوَّلُ إلَيْهِمَا بِهَذَا الضَّمَانِ وَهُوَ لَا يَصْلُحُ عِوَضًا أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ مَا إذَا كَانَا مُوسِرَيْنِ أَوْ مُعْسِرَيْنِ لِأَنَّهُ ضَمَانُ إتْلَافِ الْمِلْكِ بِخِلَافِ ضَمَانِ الْإِعْتَاقِ لِأَنَّهُ لَمْ يُتْلِفْ إلَّا مِلْكَهُ وَلَزِمَ مِنْهُ فَسَادُ مِلْكِ صَاحِبِهِ فَضَمَّنَهُ الشَّارِعُ صِلَةً وَمُوَاسَاةً لَهُ أَطْلَقَ الْعِتْقَ فَانْصَرَفَ إلَى الْعِتْقِ بِلَا مَالٍ فَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ وَقِيمَتُهُ أَلْفٌ فَقَضَى ثُمَّ رَجَعَا إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الشَّاهِدَيْنِ الْأَلْفَ وَرَجَعَا عَلَى الْعَبْدِ بِخَمْسِمِائَةٍ وَوَلَاءُ الْعَبْدِ لِلْمَوْلَى كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ بِإِعْتَاقِ عَبْدِهِ وَأَرْبَعَةٌ أُخَرُ أَنَّهُ زَنَى وَهُوَ مُحْصَنٌ فَحُكِمَ بِالْعِتْقِ وَالرَّجْمِ وَرُجِمَ ثُمَّ رَجَعُوا فَالْقِيمَةُ عَلَى شُهُودِ الْعِتْقِ لِلْمَوْلَى وَالدِّيَةُ عَلَى شُهُودِ الزِّنَا لِلْمَوْلَى أَيْضًا إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ آخَرُ وَالْمَوْلَى إنْ كَانَ جَاحِدًا لِلْعِتْقِ يُمْنَعُ أَخْذَ الدِّيَةِ لَكِنَّ زَعْمَهُ بَاطِلٌ بِالْحُكْمِ وَصَارَ كَالْمَعْدُومِ وَوُجُوبُ الْقِيمَةِ بَدَلُ الْمَالِيَّةِ وَوُجُوبُ الدِّيَةِ بَدَلُ النَّفْسِ ثُمَّ الدِّيَةُ لِلْمَقْتُولِ حَتَّى تُقْضَى بِهَا دُيُونُهُ فَلَا يَلْزَمُ بَدَلَانِ عَنْ مُبْدَلٍ وَاحِدٍ اهـ. وَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَامَ الْأَوَّلِ فِي رَمَضَانَ وَقَضَى الْقَاضِي بِعِتْقِهِ ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا قِيمَةَ الْعَبْدِ يَوْمَ أَعْتَقَهُ الْقَاضِي وَحُكْمُهُ فِي حُدُودِهِ وَجَزَاءُ جِنَايَةٍ فِيمَا بَيْنَ رَمَضَانَ إلَى أَنْ أَعْتَقَهُ   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 135 الْقَاضِي حُكْمُ الْحُرِّ لِأَنَّ الْقَاضِيَ أَثْبَتَ حُرِّيَّتَهُ مِنْ رَمَضَانَ بِالْبَيِّنَةِ وَالثَّابِتَةُ بِالْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ كَالثَّابِتِ بِالْمُعَايَنَةِ وَفِي حَقِّ إيجَابِ الضَّمَانِ يُعْتَبَرُ حُرًّا يَوْمَ الْقَضَاءِ لِأَنَّ التَّلَفَ حَصَلَ يَوْمَ الْقَضَاءِ لِأَنَّ الْمَنْعَ وَالْحَيْلُولَةَ بَيْنَ الْمَوْلَى وَعَبْدِهِ حَصَلَ يَوْمَ الْقَضَاءِ وَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ عَامَ أَوَّلَ فِي رَمَضَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ وَقَضَى بِهِ وَأَلْزَمَهُ نِصْفَ الْمَهْرِ ثُمَّ رَجَعَا وَضَمِنَا ثُمَّ شَهِدَ آخَرَانِ أَنَّهُ طَلَّقَهَا عَامَ أَوَّلَ فِي شَوَّالٍ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا لَمْ تُقْبَلْ وَلَا يَقَعُ الْأَوَّلَانِ لِأَنَّهَا صَارَتْ مُبَانَةً بِالطَّلَاقِ الْأَوَّلِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا يُتَصَوَّرُ تَطْلِيقُهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَكَانَتْ الشَّهَادَةُ الْأَخِيرَةُ بَاطِلَةً وَبَقِيَ الضَّمَانُ عَلَى الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ بِحَالِهِ وَلَوْ أَقَرَّ الزَّوْجُ بِذَلِكَ يُرَدُّ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ مَا ضَمِنَا. وَكَذَلِكَ إقْرَارُ الْمَوْلَى بِالْعِتْقِ قِيلَ هَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ بِنَاءً عَلَى نَفَاذِ الْقَضَاءِ بَاطِنًا فَمَتَى نَفَذَ الْقَضَاءُ فِي رَمَضَانَ بَاطِنًا عِنْدَهُ لَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فِي شَوَّالٍ مِنْ هَذَا الْعَامِ فَبَقِيَ التَّلَفُ مُضَافًا إلَى شَهَادَتِهِمَا لَا إلَى إقْرَارِهِ وَعِنْدَهُمَا لَمْ يَنْفُذْ الْقَضَاءُ بَاطِنًا بَقِيَ النِّكَاحُ وَالرِّقُّ إلَى شَوَّالٍ بَاطِنًا فَصَحَّ إقْرَارُهُ فِي شَوَّالٍ وَكَانَ التَّلَفُ مُضَافًا إلَى إقْرَارِهِ لَا إلَى الشَّهَادَةِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ شَهِدَا بِالتَّدْبِيرِ وَآخَرَانِ بِالْعِتْقِ فَرَجَعُوا فَالضَّمَانُ عَلَى شُهُودِ الْعِتْقِ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالتَّدْبِيرِ مَعَ الْعِتْقِ لَا يُفِيدُ لِأَنَّ حُكْمَ التَّدْبِيرِ بَقَاءُ الرِّقِّ إلَى وَقْتِ الْمَوْتِ وَلَا يَبْقَى الرِّقُّ مَعَ الْعِتْقِ الْبَاتِّ فَلَا يُقْضَى بِالتَّدْبِيرِ فَإِنْ قُضِيَ بِشَهَادَةِ التَّدْبِيرِ ثُمَّ شَهِدَ آخَرَانِ بِالْعِتْقِ الْبَاتِّ فَقُضِيَ بِهِ ثُمَّ رَجَعُوا ضَمِنَ شُهُودُ التَّدْبِيرِ مَا نَقَصَهُ التَّدْبِيرُ وَشُهُودُ الْعِتْقِ قِيمَتَهُ مُدَبَّرًا لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالتَّدْبِيرِ يُفِيدُ حُكْمَهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ حَالَةُ الْقَضَاءِ بِالتَّدْبِيرِ شَهَادَةً قَائِمَةً بِالْعِتْقِ فَأَمْكَنَ الْقَضَاءُ بِالتَّدْبِيرِ وَشَاهِدَا الْعِتْقِ أَزَالَا الْمُدَبَّرَ عَنْ مِلْكِهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَيَضْمَنَانِ قِيمَتَهُ مُدَبَّرًا اهـ. وَفِي الْعَتَّابِيَّةِ وَلَوْ شَهِدَ وَاحِدٌ بِإِقْرَارِهِ بِالْعِتْقِ أَمْسِ وَآخَرُ بِإِقْرَارِهِ بِالْعِتْقِ مِنْ سَنَةٍ وَقُضِيَ بِهِ ثُمَّ أَقَامَ الشَّاهِدَانِ بَيِّنَةً عَلَى إعْتَاقِهِ مِنْ سِنِينَ بَرِئَا عَنْ الضَّمَانِ وَهَذَا قَوْلُهُمَا لِأَنَّ عِنْدَهُمَا الدَّعْوَى لَيْسَ بِشَرْطٍ اهـ. يَعْنِي ثُمَّ رَجَعَا بَعْدَ الْقَضَاءِ ثُمَّ بَرْهَنَا وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - التَّدْبِيرَ وَالْكِتَابَةَ وَالِاسْتِيلَادَ وَالْوَلَاءَ أَمَّا الْأَوَّلُ فَفِي الْمُحِيطِ لَوْ شَهِدَا أَنَّهُ دَبَّرَ عَبْدَهُ فَقُضِيَ ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا مَا نَقَضَهُ التَّدْبِيرُ فَإِنَّهُ بِالتَّدْبِيرِ فَاتَ بَعْضُ الْمَنَافِعِ مِنْ حَيْثُ التِّجَارَةُ بِالْإِخْرَاجِ عَنْ مِلْكِهِ فَانْتَقَضَ مِلْكُهُ فَضَمِنَا نُقْصَانَهُ بِتَفْوِيتِهِمَا وَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى وَالْعَبْدُ يُخْرَجُ مِنْ ثُلُثِهِ عَتَقَ وَضَمِنَ الشَّاهِدَانِ قِيمَتَهُ مُدَبَّرًا لِأَنَّهُمَا أَزَالَا الْبَاقِيَ عَنْ مِلْكِ الْوَرَثَةِ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُ الْعَبْدِ عَتَقَ ثُلُثُهُ وَسَعَى فِي ثُلُثَيْهِ وَضَمِنَ الشَّاهِدَانِ ثُلُثَ الْقِيمَةِ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَلَمْ يَرْجِعَا بِهِ عَلَى الْعَبْدِ فَإِنْ عَجَزَ الْعَبْدُ عَنْ الثُّلُثَيْنِ يَرْجِعُ بِهِ الْوَرَثَةُ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ وَيَرْجِعُ بِهِ الشَّاهِدُ عَلَى الْعَبْدِ عِنْدَهُمَا اهـ. وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ الزَّيْلَعِيُّ مِنْ أَنَّ الْعَبْدَ إذَا كَانَ مُعْسِرًا فَإِنَّهُمَا يَضْمَنَانِ جَمِيعَ قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا وَيَرْجِعَانِ بِهِ عَلَيْهِ إذَا أَيْسَرَ سَهْوًا لِمَا عَلِمْت أَنَّهُ إنَّمَا يَرْجِعَانِ عَلَيْهِ بِالثُّلُثَيْنِ وَهُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ لِمَا فِي الْمَبْسُوطِ وَصَرَّحَ فِيهِ بِأَنَّهُمَا يَضْمَنَانِ ثُلُثَ قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا فِي الْمُحِيطِ وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْفَتْوَى أَنَّ قِيمَتَهُ مُدَبَّرًا نِصْفُ قِيمَتِهِ لَوْ كَانَ قِنًّا وَأَمَّا الثَّانِي فَفِي الْمُحِيطِ شَهِدَا أَنَّهُ كَاتَبَ عَبْدَهُ عَلَى أَلْفٍ إلَى سَنَةٍ فَقُضِيَ ثُمَّ رَجَعَا يَضْمَنَانِ قِيمَتَهُ وَلَا يَعْتِقُ حَتَّى يُؤَدِّيَ مَا عَلَيْهِ إلَيْهِمَا فَإِذَا أَدَّاهُ عَتَقَ وَالْوَلَاءُ لِلَّذِي كَاتَبَهُ فَإِنْ عَجَزَ فَرُدَّ فِي الرِّقِّ كَانَ لِمَوْلَاهُ أَنْ يَرُدَّ مَا أَخَذَهُ عَلَى الشُّهُودِ اهـ. وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ أَنَّ الْوَلَاءَ لِلَّذِينَ شَهِدُوا عَلَيْهِ بِالْكِتَابَةِ سَهْوٌ وَالصَّوَابُ لِلَّذِي بَدَلَ الَّذِينَ وَيَطِيبُ لَهُمَا مَا أَخَذَا مِنْ الْمُكَاتَبِ إنْ كَانَ بَدَلُ الْكِتَابَةِ مِثْلَ قِيمَتِهِ أَوْ أَقَلَّ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ تَصَدَّقَا بِالْفَضْلِ وَإِنْ أَرَادَ الْمَوْلَى اتِّبَاعَ الْمُكَاتَبِ وَلَا يُضَمِّنُهُمْ كَانَ لَهُ ذَلِكَ ذَكَرَهُ الشَّارِحُ. وَفِي الْمُحِيطِ شَهِدَا أَنَّهُ كَاتَبَ عَبْدَهُ عَلَى أَلْفٍ إلَى سَنَةٍ وَقِيمَتُهُ خَمْسُمِائَةٍ ثُمَّ رَجَعَا يُخَيَّرُ الْمَوْلَى بَيْنَ تَضْمِينِ الشَّاهِدَيْنِ وَبَيْنَ اتِّبَاعِ الْعَبْدِ بِالْكِتَابَةِ إلَى أَجَلِهِ فَإِنْ اخْتَارَ الْمَوْلَى ضَمَانَ الشَّاهِدَيْنِ وَقَبَضَ مِنْهُمَا الْقِيمَةَ لَمْ يَعْتِقْ الْمُكَاتَبُ حَتَّى يُؤَدِّيَ أَلْفًا إلَى الشَّاهِدَيْنِ وَيَتَصَدَّقَانِ بِالْفَضْلِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَطِيبُ لَهُ الْفَضْلُ فَإِنْ تَقَاضَى الْمَوْلَى الْمُكَاتَبَ وَهُوَ يَعْلَمُ بِرُجُوعِ الشَّاهِدَيْنِ أَوْ لَا يَعْلَمُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَالصَّوَابُ لِلَّذِي بَدَلَ الَّذِينَ) أَيْ الصَّوَابُ أَنْ يُبْدِلَ قَوْلَهُ لِلَّذِينَ شَهِدُوا عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ لِلَّذِي شَهِدُوا عَلَيْهِ فَيَأْتِيَ بَدَلَ الْجَمْعِ بِالْمُفْرَدِ فَيَكُونَ وَاقِعًا عَلَى الْمَوْلَى عَلَى الشُّهُودِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 136 فَهُوَ رِضًا بِالْكِتَابَةِ وَلَا يَضْمَنَانِ إلَّا إذَا كَانَتْ الْمُكَاتَبَةُ أَقَلَّ مِنْ الْقِيمَةِ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْمُكَاتَبَةَ وَيَرْجِعَ عَلَيْهِمَا بِفَضْلِ الْقِيمَةِ اهـ. وَلَمْ يَذْكُرْ الشَّارِحُونَ مَا إذَا شَهِدَا عَلَى الْمُكَاتَبِ ثُمَّ رَجَعَا وَفِي الْمُحِيطِ ادَّعَى الْعَبْدُ أَنَّ مَوْلَاهُ كَاتَبَهُ عَلَى أَلْفٍ وَأَنَّهُ قِيمَتُهُ وَقَالَ الْمَوْلَى: كَاتَبْتُهُ عَلَى أَلْفَيْنِ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ وَقُضِيَ ثُمَّ أَدَّاهَا ثُمَّ رَجَعُوا ضَمِنُوا أَلْفَ دِرْهَمٍ لِلْمُكَاتَبِ فَإِنْ أَنْكَرَ الْمُكَاتَبُ الْكِتَابَةَ وَادَّعَاهَا الْمَوْلَى عَلَى أَلْفَيْنِ لَمْ تُقْبَلْ بَيِّنَتُهُ عَلَيْهِ وَيُقَالُ لِلْمُكَاتَبِ إنْ شِئْت فَامْضِ عَلَيْهَا أَوْ دَعْ. اهـ. وَأَمَّا الثَّالِثُ فَفِي الْبَدَائِعِ شَهِدَا عَلَى إقْرَارِ الْمَوْلَى أَنَّ هَذِهِ الْأَمَةَ وَلَدَتْ مِنْهُ وَهُوَ يُنْكِرُ فَقَضَى الْقَاضِي بِذَلِكَ ثُمَّ رَجَعَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا وَلَدٌ فَرَجَعَا فِي حَيَاتِهِ ضَمِنَا نُقْصَانَ قِيمَتِهَا بِأَنْ تُقَوَّمَ قِنَّةً وَأُمَّ وَلَدٍ لَوْ جَازَ بَيْعُهَا فَيَضْمَنَانِ النُّقْصَانَ فَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى عَتَقَتْ وَضَمِنَا بَقِيَّةَ قِيمَتِهَا لِلْوَرَثَةِ فَإِنْ كَانَ مَعَهَا وَلَدٌ فَرَجَعَا فِي حَيَاتِهِ ضَمِنَا قِيمَةَ الْوَلَدِ مَعَ ضَمَانِ نُقْصَانِهَا فَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى بَعْدَهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَ الْوَلَدِ شَرِيكٌ فِي الْمِيرَاثِ لَمْ يَضْمَنَا لَهُ شَيْئًا وَرَجَعَا عَلَى الْوَلَدِ بِمَا قَبَضَ الْأَبُ مِنْهُمَا مِنْ تَرِكَتِهِ إنْ كَانَتْ وَإِلَّا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ مَعَهُ أَخٌ ضَمِنَا لَهُ نِصْفَ الْبَقِيَّةِ مِنْ قِيمَتِهَا وَيَرْجِعَانِ عَلَى الْوَلَدِ بِمَا أَخَذَ الْأَبُ مِنْهُمَا لَا بِمَا قَبَضَ الْأَخُ وَلَا يَضْمَنَانِ لِلْأَخِ مَا أَخَذَهُ الْوَلَدُ مِنْ الْمِيرَاثِ فَإِنْ رَجَعَا بَعْدَ وَفَاةِ الْمَوْلَى فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَ الْوَلَدِ شَرِيكٌ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا وَإِلَّا ضَمِنَا لِلْأَخِ نِصْفَ الْبَقِيَّةِ مِنْ قِيمَتِهِمَا وَنِصْفَ قِيمَةِ الْوَلَدِ لَا مِيرَاثَهُ وَلَا يَرْجِعَانِ عَلَى الْوَلَدِ هُنَا وَإِنْ كَانَتْ الشَّهَادَةُ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى بِأَنْ تَرَكَ وَلَدًا وَعَبْدًا وَأَمَةً وَتَرِكَةً فَشَهِدَا أَنَّ هَذَا الْعَبْدَ وَلَدَتْهُ هَذِهِ الْأَمَةُ مِنْ الْمَيِّتِ وَصَدَّقَهُمَا الْوَلَدُ وَالْأَمَةُ لَا الِابْنُ وَقُضِيَ ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا قِيمَةَ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ وَنِصْفَ الْمِيرَاثِ اهـ. (قَوْلُهُ وَفِي الْقِصَاصِ الدِّيَةُ وَلَمْ يُقْتَصَّا) أَيْ ضَمِنَ شَاهِدًا الْقِصَاصِ بِرُجُوعِهِمَا بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ دِيَةَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَلَا يُقْتَصُّ مِنْهُمَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُقْتَصُّ مِنْهُمَا لِوُجُودِ الْقَتْلِ تَسَبُّبًا فَأَشْبَهَ الْمُكْرَهَ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ الْوَلِيَّ يُعَانُ وَالْمُكْرَهُ يَمْنَعُ وَلَنَا أَنَّ الْقَتْلَ مُبَاشَرَةٌ لَمْ يُوجَدْ وَكَذَا تَسَبُّبًا لِأَنَّ السَّبَبَ مَا يُفْضِي إلَيْهِ غَالِبًا وَلَا يُفْضِي لِأَنَّ الْعَفْوَ مَنْدُوبٌ بِخِلَافِ الْمُكْرَهِ لِأَنَّهُ يُؤْثِرُ حَيَاتَهُ ظَاهِرًا وَلِأَنَّ الْفِعْلَ الِاخْتِيَارِيَّ مِمَّا يَقْطَعُ النِّسْبَةَ ثُمَّ لَا أَقَلَّ مِنْ الشُّبْهَةِ وَهِيَ دَارِئَةٌ لِلْقِصَاصِ بِخِلَافِ الْمَالِ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ مَعَ الشُّبُهَاتِ أَطْلَقَهُ فَيَشْمَلُ مَا إذَا رَجَعَ الْوَلِيُّ مَعَهُمَا أَوْ لَمْ يَرْجِعْ لَكِنْ إنْ رَجَعَ مَعَهُمَا خُيِّرَ الْوَلِيُّ بَيْنَ تَضْمِينِ الْوَلِيِّ الدِّيَةَ أَوْ الشَّاهِدَيْنِ كَمَا لَوْ جَاءَ الْمَشْهُودُ بِقَتْلِهِ حَيًّا وَأَيُّهُمَا ضَمِنَ لَا يَرْجِعُ عَلَى صَاحِبِهِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُمَا عَامِلَانِ لَهُ وَاتَّفَقُوا عَلَى رُجُوعِهِمَا عَلَيْهِ فِي الْخَطَأِ وَبَيَانُ الْحُجَّةِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فِي الشَّرْحِ لِلزَّيْلَعِيِّ وَشَمَلَ مَا إذَا شَهِدُوا بِهِ فِي النَّفْسِ أَوْ مَا دُونَهُ وَقَيَّدَ بِالْقِصَاصِ لِأَنَّهُمَا لَوْ شَهِدَا بِالْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ ثُمَّ رَجَعَا لَمْ يَضْمَنَا لِأَنَّ الْقِصَاصَ لَيْسَ بِمَالٍ وَلَوْ شَهِدَ أَنَّهُ صَالَحَهُ مِنْ دَمِ الْعَمْدِ عَلَى أَلْفٍ ثُمَّ رَجَعَا لَمْ يَضْمَنَا أَيُّهُمَا كَانَ الْمُنْكِرُ لِلصُّلْحِ وَقِيلَ: إذَا كَانَ الْقَاتِلُ مُنْكِرًا فَالصَّحِيحُ أَنَّهُمْ يَضْمَنُونَ لَهُ الْأَلْفَ وَالصَّحِيحُ جَوَابُ الْكِتَابِ وَتَمَامُهُ فِي الْمُحِيطِ وَفِيهِ شَهِدَا أَنَّهُ صَالَحَهُ عَلَى عِشْرِينَ أَلْفًا وَالْقَاتِلُ يَجْحَدُ فَقُضِيَ ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا الْفَضْلَ عَلَى الدِّيَةِ وَقِيلَ: الصَّحِيحُ أَنْ يَضْمَنَا جَمِيعَ الْمَالِ قَالَ الطَّالِبُ: صَالَحْتُك عَلَى أَلْفٍ وَقَالَ الْخَصْمُ: لَا بَلْ عَنْ خَمْسِمِائَةٍ فَالْقَوْلُ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَعَ يَمِينِهِ لِإِنْكَارِهِ الزِّيَادَةَ فَإِنْ بَرْهَنَ الطَّالِبُ وَقَضَى ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا الْخَمْسَمِائَةِ الْوَاجِبَةَ بِشَهَادَتِهِمَا وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْجَوَابَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى سَهْوٌ حَيْثُ أَجَابُوا بِعَدَمِ الضَّمَانِ شَهِدَا عَلَى الْعَفْوِ عَنْ دَمٍ فِيهِ مَالٌ أَوْ جُرْحُ عَمْدٍ فِيهِ مَالٌ ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا الدِّيَةَ وَأَرْشَ الْجِرَاحَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ أَوْ سَنَةٍ اهـ. وَفِي الْبَدَائِعِ شَهِدَا بِالْقَتْلِ خَطَأً ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا الدِّيَةَ فِي مَالِهِمَا وَكَذَا إذَا شَهِدَا بِقَطْعِ يَدٍ خَطَأً ضَمِنَا نِصْفَهَا وَكَذَا إذَا شَهِدَا بِسَرِقَةٍ فَقُطِعَ ثُمَّ رَجَعَا اهـ. وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ أَنَّ الدِّيَةَ الَّتِي عَلَى الشَّاهِدَيْنِ تَكُونُ فِي مَالِهَا فِي ثَلَاثِ سِنِينَ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِمَا وَلَا يُحْرَمَانِ الْمِيرَاثَ بِأَنْ كَانَا وَلَدَيْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُمَا يَرِثَانِهِ اهـ. [شَهِدَا عَلَى شَهَادَةِ أَرْبَعَةٍ وَآخَرَانِ عَلَى شَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ وَقُضِيَ ثُمَّ رَجَعُوا] (قَوْلُهُ وَإِنْ رَجَعَ شُهُودُ الْفَرْعِ ضَمِنُوا) لِأَنَّ الشَّهَادَةَ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ صَدَرَتْ مِنْهُمْ فَكَانَ التَّلَفُ مُضَافًا إلَيْهِمْ وَفِي الْمُحِيطِ شَهِدَا عَلَى شَهَادَةِ أَرْبَعَةٍ وَآخَرَانِ عَلَى شَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ وَقُضِيَ ثُمَّ رَجَعُوا فَعَلَى شَاهِدَيْ الْأَرْبَعَةِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَرَجَعَا عَلَى الْوَلَدِ بِمَا قَبَضَ الْأَبُ مِنْهُمَا إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ لِاعْتِرَافِ الْوَلَدِ بِاشْتِغَالِ التَّرِكَةِ بِمَا أَخَذَ وَالِدُهُ مِنْهُمَا لِأَنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّهُ أَخَذَ مَا أَخَذَهُ مِنْهُمَا ظُلْمًا فَرَجَعَا فِي التَّرِكَةِ فَتَأَمَّلْ وَأَقُولُ: يُؤْخَذُ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُمَا لَوْ شَهِدَا بِأَنَّهُ مِنْ مُسْتَحِقِّي هَذَا الْوَقْفِ فَقَضَى الْقَاضِي بِهِ بِشَهَادَتِهِمَا ثُمَّ رَجَعَا لَا يَضْمَنَانِ شَيْئًا لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِمْ مِنْ الْغَلَّةِ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ لِأَنَّهُمَا لَمْ يُتْلِفَاهَا عَلَيْهِمْ لِعَدَمِ وُجُودِهَا وَقْتَئِذٍ حَتَّى لَوْ كَانَ شَيْءٌ مِنْ الْغَلَّةِ مَوْجُودًا وَقْتَ الشَّهَادَةِ وَحُكِمَ بِهِ يَضْمَنَانِ بِالرُّجُوعِ مَا أَخَذَهُ الشُّهُودُ لَهُ أَوْ اسْتَهْلَكَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِمْ غَلَّةَ السِّنِينَ الْمَاضِيَةِ وَحُكِمَ عَلَيْهِمْ لَهُ بِهَا فَكَذَلِكَ يَضْمَنَانِهَا لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَاهُ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِمْ بِشَهَادَتِهِمَا كَمَسْأَلَةِ الشَّهَادَةِ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى هُنَا وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ وَقَدْ سُئِلْت عَنْهُ فَاسْتَخْرَجْت الْجَوَابَ مِنْ مَسْأَلَةِ الْبَدَائِعِ الْمَذْكُورَةِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ إلَخْ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 137 ثُلُثَا الضَّمَانِ وَعَلَى الْآخَرَيْنِ الثُّلُثُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: عَلَى الْفَرِيقَيْنِ نِصْفَانِ الْجَامِعُ شَهِدَا عَلَى شَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ لِرَجُلٍ عَلَى آخَرَ بِأَلْفٍ وَشَهِدَ آخَرَانِ عَلَى شَهَادَةِ وَاحِدٍ عَلَيْهِ بِأَلْفٍ فَقُضِيَ بِشَهَادَتِهِمْ ثُمَّ رَجَعَ أَحَدُ اللَّذَيْنِ شَهِدَا عَلَى شَهَادَةِ الشَّاهِدَيْنِ وَأَحَدُ اللَّذَيْنِ شَهِدَا عَلَى شَهَادَةِ وَاحِدٍ فَعَلَيْهِمَا ثَلَاثَةُ أَثْمَانِ الْحَقِّ ثَمَنَانِ عَلَى الْأَوَّلِ وَثَمَنٌ عَلَى الْآخَرِ وَلَوْ لَمْ يَرْجِعْ إلَّا وَاحِدٌ مِنْ الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ ضَمِنَ الرُّبُعَ وَلَوْ رَجَعَ بَعْدَ هَذَا الْفَرِيقُ الْآخَرُ كُلُّهُمْ ضَمِنَا رُبُعًا آخَرَ وَلَوْ شَهِدَ كُلُّ فَرِيقٍ عَلَى شَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ وَرَجَعَ وَاحِدٌ مِنْ هَذَا وَوَاحِدٌ مِنْ ذَلِكَ ضَمِنَا ثَمَنَيْنِ وَنِصْفًا وَذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ النِّصْفَ وَعَنْ الْكَرْخِيِّ يَضْمَنَانِ الرُّبُعَ وَعَنْ عِيسَى بْنِ أَبَانَ الثُّلُثَ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْمَبْسُوطِ جَوَابُ الْقِيَاسِ وَالْمَذْكُورَ فِي الْجَامِعِ جَوَابُ الِاسْتِحْسَانِ. اهـ. (قَوْلُهُ لَا شُهُودُ الْأَصْلِ بِلَمْ نُشْهِدْ الْفُرُوعَ عَلَى شَهَادَتِنَا أَوْ أَشْهَدْنَاهُمْ وَغَلِطْنَا) أَيْ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ فِيهِمَا أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّهُمْ أَنْكَرُوا السَّبَبَ وَهُوَ الْإِشْهَادُ فَلَا يَبْطُلُ الْقَضَاءُ لِأَنَّهُ خَبَرٌ مُحْتَمَلٌ فَصَارَ كَرُجُوعِ الشَّاهِدِ بِخِلَافِ مَا قَبْلَ الْقَضَاءِ وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَهُوَ قَوْلُهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَضْمَنُونَ لِأَنَّ الْفُرُوعَ نَقَلُوا شَهَادَةَ الْأُصُولِ فَصَارَ كَأَنَّهُمْ حَضَرُوا وَلَهُمَا أَنَّ الْقَضَاءَ وَقَعَ بِشَهَادَةِ الْفُرُوعِ لِأَنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي بِمَا يُعَايِنُ مِنْ الْحُجَّةِ وَهِيَ شَهَادَتُهُمْ وَقَدَّمْنَا أَنَّ الِاخْتِلَافَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْإِشْهَادَ عَلَى الشَّهَادَةِ إنَابَةٌ وَتَوْكِيلٌ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ تَحْمِيلٌ وَقَوْلُهُ غَلِطْنَا اتِّفَاقِيٌّ إذْ لَوْ قَالُوا: رَجَعْنَا عَنْهَا فَلَا ضَمَانَ أَيْضًا عِنْدَهُمَا وَلَوْ قَالَ بِرُجُوعِهِمْ لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَلِيُفْهَمَ إنْكَارُ الْإِشْهَادِ بِالْأَوْلَى (قَوْلُهُ وَلَوْ رَجَعَ الْأُصُولُ وَالْفُرُوعُ ضَمِنَ الْفُرُوعُ فَقَطْ) أَيْ لَا الْأُصُولُ عِنْدَهُمَا لِأَنَّ الْقَضَاءَ وَقَعَ بِشَهَادَتِهِمْ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْأُصُولَ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْفُرُوعَ (قَوْلُهُ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى قَوْلِ الْفُرُوعِ كَذَبَ الْأُصُولُ أَوْ غَلِطُوا) لِأَنَّ مَا أُمْضِيَ مِنْ الْقَضَاءِ لَا يُنْتَقَضُ بِقَوْلِهِمْ فَلَا يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ مَا رَجَعُوا عَنْ شَهَادَتِهِمْ إنَّمَا شَهِدُوا عَلَى غَيْرِهِمْ بِالرُّجُوعِ. (قَوْلُهُ وَضَمِنَ الْمُزَكُّونَ بِالرُّجُوعِ) أَيْ عَنْ التَّزْكِيَةِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا: لَا يَضْمَنُونَ لِأَنَّهُمْ أَثْنَوْا عَلَى الشُّهُودِ فَصَارُوا كَشُهُودِ الْإِحْصَانِ وَلَهُ أَنَّ التَّزْكِيَةَ إعْمَالُ الشَّهَادَةِ إذْ الْقَاضِي لَا يَعْمَلُ بِهَا إلَّا بِالتَّزْكِيَةِ فَصَارَتْ فِي مَعْنَى عِلَّةِ الْعِلَّةِ بِخِلَافِ شُهُودِ الْإِحْصَانِ لِأَنَّهُمْ شَرْطٌ مَحْضٌ وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا قَالُوا تَعَمَّدْنَا أَوْ عَلِمْنَا أَنَّهُمْ عَبِيدٌ وَمَعَ ذَلِكَ زَكَّيْنَاهُمْ أَمَّا إذَا قَالَ الْمُزَكِّي: أَخْطَأْت فِيهَا فَلَا ضَمَانَ إجْمَاعًا وَقِيلَ: الْخِلَافُ فِيمَا إذَا أَخْبَرَ الْمُزَكُّونَ بِالْحُرِّيَّةِ بِأَنْ قَالُوا هُمْ أَحْرَارٌ أَمَّا إذَا قَالُوا هُمْ عُدُولٌ فَبَانُوا عَبِيدًا لَا يَضْمَنُونَ إجْمَاعًا لِأَنَّ الْعَبْدَ قَدْ يَكُونُ عَدْلًا وَأَطْلَقَ فِي ضَمَانِهِمْ فَشَمِلَ الدِّيَةَ لَوْ زَكُّوا شُهُودَ الزِّنَا فَرُجِمَ فَإِذَا الشُّهُودُ عَبِيدٌ أَوْ مَجُوسٌ فَالدِّيَةُ عَلَى الْمُزَكِّينَ عِنْدَهُ وَمَعْنَاهُ إذَا رَجَعُوا عَنْهَا بِأَنْ قَالُوا: عَلِمْنَا أَنَّهُمْ عَبِيدٌ وَمَعَ ذَلِكَ زَكَّيْنَاهُمْ أَمَّا إذَا ثَبَتُوا عَلَيْهَا وَزَعَمُوا أَنَّهُمْ أَحْرَارٌ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ وَلَا عَلَى الشُّهُودِ وَلَا تُحَدُّ الشُّهُودُ حَدَّ الْقَذْفِ لِأَنَّهُمْ قَدْ قَذَفُوا حَيًّا وَقَدْ مَاتَ وَلَا يُورَثُ عَنْهُ وَقَالَا: الدِّيَةُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ. (قَوْلُهُ وَشُهُودُ الْيَمِينِ) أَيْ وَضَمِنَ شُهُودُ التَّعْلِيقِ لِأَنَّهُمْ شُهُودُ الْعِلَّةِ إذْ التَّلَفُ يَحْصُلُ بِسَبَبِهِ وَهُوَ الْإِعْتَاقُ أَوْ التَّطْلِيقُ وَهُمْ أَثْبَتُوهُ أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ تَعْلِيقَ الْعِتْقِ وَالطَّلَاقَ فَيَضْمَنُونَ فِي الْأَوَّلِ الْقِيمَةَ وَفِي الثَّانِي نِصْفَ الْمَهْرِ إنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ وَفِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي شَهِدَ أَنَّهُ أَمَرَ امْرَأَتَهُ أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا وَآخَرَانِ أَنَّهَا طَلَّقَتْ نَفْسَهَا وَذَلِكَ قَبْلَ الدُّخُولِ ثُمَّ رَجَعُوا فَالضَّمَانُ عَلَى شُهُودِ الطَّلَاقِ لِأَنَّهُمَا أَثْبَتَا السَّبَبَ وَالتَّعْوِيضُ شَرْطُ كَوْنِهِ سَبَبًا وَعَلَى هَذَا إذَا شَهِدُوا أَنَّهُ جَعَلَ عِتْقَ عَبْدِهِ بِيَدِ فُلَانٍ وَآخَرَانِ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ ثُمَّ رَجَعُوا وَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ أَمَرَهُ بِالتَّعْلِيقِ وَآخَرَانِ أَنَّ الْمَأْمُورَ عَلَّقَ وَآخَرَانِ عَلَى وُجُودِ الشَّرْطِ ثُمَّ رَجَعُوا فَالضَّمَانُ عَلَى شُهُودِ التَّعْلِيقِ اهـ. [شُهُودُ الْإِحْصَانِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ] (قَوْلُهُ لَا شُهُودُ الْإِحْصَانِ) أَيْ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُ عَلَامَةٌ وَلَيْسَ بِشَرْطٍ حَقِيقَةً ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الشَّرْطَ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْوُجُودُ وَلَيْسَ بِمُؤَثِّرٍ فِي الْحُكْمِ وَلَا مُفْضٍ إلَيْهِ وَالْعِلَّةُ الْمُؤَثِّرَةُ فِي الْحُكْمِ وَالسَّبَبِ هُوَ الْمُفْضِي إلَى الْحُكْمِ بِلَا تَأْثِيرٍ وَالْعَلَامَةُ مَا دَلَّ عَلَى الْحُكْمِ وَلَيْسَ الْوُجُودُ مُتَوَقِّفًا عَلَيْهِ وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ الْإِحْصَانَ شَرْطٌ كَمَا   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 138 ذَكَرَهُ الْأَكْثَرُ لِتَوَقُّفِ وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَيْهِ بِلَا عَقْلِيَّةِ تَأْثِيرٍ وَلَا إفْضَاءٍ وَعَدَمُ الضَّمَانِ بِرُجُوعِ شُهُودِ الشَّرْطِ هُوَ الْمُخْتَارُ وَإِنَّمَا تَكَلُّفُ الْإِحْصَانِ عَلَامَةُ الْقَائِلِ بِتَضْمِينِ شُهُودِ الشَّرْطِ وَلَيْسَ الْمُخْتَارُ إلَيْهِ أَشَارَ فِي التَّحْرِيرِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى عَدَمِ تَضْمِينِ شُهُودِ الْإِحْصَانِ فَالْقَائِلُ بِأَنَّ شُهُودَ الشَّرْطِ لَا يَضْمَنُونَ بِالرُّجُوعِ لَا إشْكَالَ عَلَى قَوْلِهِ وَالْقَائِلُ بِأَنَّهُمْ يَضْمَنُونَ تَكَلَّفَ وَادَّعَى أَنَّ الْإِحْصَانَ عَلَامَةٌ وَلَيْسَ بِشَرْطٍ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ قَالَ بِهِ بِدَلِيلِ عَطْفِ الشَّرْطِ عَلَيْهِ وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى نَفْيِ الضَّمَانِ عَنْ شُهُودِ الشَّرْطِ كَمَا فِي الْمَجْمَعِ لَكَانَ أَوْلَى وَصَرَّحَ فِي الْبَدَائِعِ بِأَنَّهُ شَرْطٌ وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرَهُ. (قَوْلُهُ وَالشَّرْطِ) أَيْ لَا ضَمَانَ عَلَى شُهُودِ وُجُودِ الشَّرْطِ لِلْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ لِمَا قَدَّمْنَا أَنَّ الْيَمِينَ هِيَ الْعِلَّةُ فَأُضِيفَ الْحُكْمُ إلَى مَنْ أَثْبَتَهَا وَالشَّرْطُ لَا يُعَارِضُ الْعِلَّةَ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا رَجَعُوا وَحْدَهُمْ أَوْ مَعَ شُهُودِ الْعِلَّةِ لَكِنَّ عَدَمَ التَّضْمِينِ فِي الثَّانِي اتِّفَاقٌ وَفِي الْأَوَّلِ اخْتِلَافٌ وَالْمُخْتَارُ مَا فِي الْكِتَابِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الزِّيَادَاتِ وَاخْتَارَهُ السَّرَخْسِيُّ وَاخْتَارَ الْبَزْدَوِيُّ مَا قَابَلَهُ وَأَرَادَ مِنْ الشَّرْطِ مَا لَيْسَ بِعِلَّةٍ فَشَمِلَ السَّبَبَ فَلَا ضَمَانَ عَلَى شُهُودِ التَّفْوِيضِ وَالضَّمَانُ عَلَى شُهُودِ الْإِيقَاعِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَاسْتَشْهَدَ الْحُسَامِيُّ عَلَى عَدَمِ تَضْمِينِ شُهُودِ الشَّرْطِ بِمَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: إنْ ضَرَبَك فُلَانٌ فَأَنْت حُرٌّ فَضَرَبَهُ فُلَانٌ يَعْتِقُ الْعَبْدُ وَلَا يَضْمَنُ الْعَبْدُ وَلَا يَضْمَنُ الضَّارِبُ لِأَنَّهُ عَتَقَ بِيَمِينِ مَوْلَاهُ لَا بِالضَّرْبِ فَكَذَلِكَ هَذَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [كِتَابُ الْوَكَالَةِ] (كِتَابُ الْوَكَالَةِ) مُنَاسَبَتُهَا لِلشَّهَادَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْإِنْسَانَ يَحْتَاجُ فِي مَعَاشِهِ إلَى التَّعَاضُدِ وَالشَّهَادَةُ مِنْهُ فَكَذَا الْوَكَالَةُ وَالْكَلَامُ فِيهَا فِي مَوَاضِعَ: الْأَوَّلُ فِي مَعْنَاهَا لُغَةً قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ وَكَلْت إلَيْهِ الْأَمْرَ وَكْلًا مِنْ بَابِ وَعَدَ وَوُكُولًا فَوَّضْتُهُ إلَيْهِ وَاكْتَفَيْت بِهِ الْوَكِيلُ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ لِأَنَّهُ مَوْكُولٌ إلَيْهِ وَيَكُونُ بِمَعْنَى فَاعِلٍ إذَا كَانَ بِمَعْنَى الْحَافِظِ وَمِنْهُ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ وَالْجَمْعُ وُكَلَاءُ وَوَكَّلْتُهُ تَوْكِيلًا فَتَوَكَّلَ قَبِلَ الْوَكَالَةَ وَهِيَ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَالْكَسْرُ لُغَةٌ وَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى اعْتَمَدَ عَلَيْهِ اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهَا فِي اللُّغَةِ بِمَعْنَى التَّوْكِيلِ وَهُوَ تَفْوِيضُ التَّصَرُّفِ إلَى الْغَيْرِ الثَّانِي فِي مَعْنَاهَا اصْطِلَاحًا فَهِيَ إقَامَةُ الْإِنْسَانِ غَيْرَهُ مَقَامَ نَفْسِهِ فِي تَصَرُّفٍ مَعْلُومٍ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ إلَى الْغَيْرِ الثَّانِي فِي رُكْنِهَا وَهُوَ مَا دَلَّ عَلَيْهَا مِنْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَلَوْ حُكْمًا فَلَوْ قَالَ: وَكَلْتُك فِي هَذَا كَانَ وَكِيلًا بِحِفْظِهِ لِأَنَّهُ الْأَدْنَى فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ هَكَذَا ذَكَرُوا وَقَيَّدُوا بِقَوْلِهِ فِي هَذَا لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: وَكَلْتُك فَقَالَ قَبِلْت الْوَكَالَةَ فَقَالَ الْوَكِيلُ: طَلَّقْت امْرَأَتَك ثَلَاثًا أَوْ أَعْتَقْت عَبْدَك فُلَانًا أَوْ زَوَّجْت بِنْتَك فُلَانَةَ مِنْ فُلَانٍ أَوْ تَصَدَّقْت مِنْ مَالِك بِكَذَا عَلَى الْفُقَرَاءِ فَقَالَ الرَّجُلُ: لَا أَرْضَى بِذَلِكَ فَهَذَا الْكَلَامُ مُتَوَجِّهٌ إلَى الَّذِي تَحَاوَرَا فِيهِ وَقَلِيلًا مَا يَكُونُ هَذَا الْكَلَامُ وَالتَّفْوِيضُ إلَّا بِنَاءً عَلَى سَابِقَةٍ تَجْرِي بَيْنَهُمَا فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَالْأَمْرُ عَلَى مَا تَعَارَفُوهُ بِمَا جَرَتْ الْمُخَاطَبَةُ فِيهِ فَإِنْ فَعَلَ شَيْئًا خَارِجًا مِنْ ذَلِكَ النَّوْعِ لَمْ يَنْفُذْ عَلَى الْمُوَكِّلِ دُونَ إنْفَاذِهِ كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ. وَلَوْ قَالَ: أَنْت وَكِيلِي فِي كُلِّ شَيْءٍ كَانَ تَفْوِيضًا لِلْحِفْظِ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَكُونَ وَكِيلًا بِهِ لِلْجَهَالَةِ وَالِاسْتِحْسَانُ انْصِرَافُهَا إلَى الْحِفْظِ وَلَوْ قَالَ: أَجَزْت لَك بَيْعَ عَبْدِي هَذَا أَنَّهُ يَكُونُ تَوْكِيلًا بِالْبَيْعِ وَلَوْ زَادَ عَلَى قَوْلِهِ أَنْتَ وَكِيلِي فِي كُلِّ شَيْءٍ جَائِزٌ أَمْرُك مَلَكَ الْحِفْظَ وَالْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ وَيَمْلِكُ الْهِبَةَ وَالصَّدَقَةَ حَتَّى إذَا أَنْفَقَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ ذَلِكَ الْمَالِ جَازَ حَتَّى يُعْلَمَ خِلَافُهُ مِنْ قَصْدِ الْمُوَكِّلِ وَعَنْ الْإِمَامِ تَخْصِيصُهُ بِالْمُعَاوَضَاتِ وَلَا يَلِي الْعِتْقَ وَالتَّبَرُّعَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَكَذَا إذَا قَالَ: طَلَّقْت امْرَأَتَك وَوَقَفْت وَوَهَبْت أَرْضَك فِي الْأَصَحِّ لَا يَجُوزُ وَفِي الرَّوْضَةِ فَوَّضْت أَمْرِي إلَيْك قِيلَ: هَذَا بَاطِلٌ وَقِيلَ هَذَا وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ فِي أَنَّهُ تَفْوِيضُ الْحِفْظِ وَلَوْ قَالَ: مَالِكُ الْمُسْتَغَلَّاتِ فَوَّضْت إلَيْك أَمْرَ مُسْتَغِلَّاتِي وَكَانَ آجَرَهَا مِنْ إنْسَانٍ مَلَكَ تَقَاضِي الْأُجْرَةِ وَقَبْضَهَا وَكَذَا لَوْ قَالَ: إلَيْك أَمْرُ دُيُونِي مَلَكَ التَّقَاضِي وَلَوْ قَالَ: إلَيْك فَوَّضْت أَمْرَ دَوَابِّي وَأَمْرَ مَمَالِيكِي مَلَكَ الْحِفْظَ وَالرَّعْيَ وَالتَّعْلِيفَ وَالنَّفَقَةَ عَلَيْهِمْ فَوَّضْت إلَيْك أَمْرَ امْرَأَتِي مَلَكَ طَلَاقَهَا وَاقْتَصَرَ عَلَى الْمَجْلِسِ   [منحة الخالق] كِتَابُ الْوَكَالَةِ) (قَوْلُهُ وَلَوْ حُكْمًا) دَخَلَ بِهِ السُّكُوتُ كَمَا سَنُنَبِّهُ عَلَيْهِ قُبَيْلَ الرَّابِعِ وَسَيَأْتِي فِي الْفَصْلِ الْآتِي فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَلَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ لَا يَشْتَرِيهِ لِنَفْسِهِ عَنْ الرَّمْلِيِّ التَّفْرِقَةُ فِي الْحُكْمِ بَيْنَ الْقَبُولِ الصَّرِيحِ وَبَيْنَ السُّكُوتِ فَرَاجِعْهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 139 بِخِلَافِ قَوْلِهِ مَلَّكْتُك حَيْثُ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ لَوْ وَكَّلَهُ بِالْقِيَامِ عَلَى دَارِهِ وَإِجَارَتِهَا وَقَبْضِ غَلَّتِهَا وَالْبَيْعِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَبْنِيَ وَلَا أَنْ يَرُمَّ مِنْهَا شَيْئًا وَلَيْسَ وَكِيلًا فِي خُصُومَتِهَا وَلَوْ هَدَمَ رَجُلٌ مِنْهَا شَيْئًا كَانَ وَكِيلًا فِي الْخُصُومَةِ لِأَنَّهُ اسْتَهْلَكَ شَيْئًا فِي يَدَيْهِ وَكَذَا لَوْ أَجَرَهَا مِنْ رَجُلٍ فَجَحَدَ ذَلِكَ الرَّجُلُ الْإِجَارَةَ كَانَ خَصْمًا فِيهَا حَتَّى يُثْبِتَهَا وَكَذَا إذَا سَكَنَهَا وَجَحَدَ الْآجِرُ اهـ. وَقَالَ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ بِالدَّيْنِ لَوْ وَكَّلَهُ بِتَقَاضِي كُلِّ دَيْنٍ لَهُ ثُمَّ حَدَثَ لَهُ دَيْنٌ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ وَكِيلٌ فِي قَبْضِهِ وَلَوْ وَكَّلَهُ بِقَبْضِ غَلَّةِ أَرْضِهِ وَثَمَرَتِهَا كَانَ لَهُ أَنْ يَقْبِضَ ذَلِكَ كُلَّ سَنَةٍ اهـ. وَقَالَ فِي بَابِ قَبْضِ الْوَدِيعَةِ وَالْعَارِيَّةِ وَلَوْ وَكَّلَهُ بِقَبْضِ عَبْدٍ عِنْدَ رَجُلٍ فَقُتِلَ الْعَبْدُ خَطَأً كَانَ لِلْمُودَعِ أَنْ يَأْخُذَ الْقِيمَةَ مِنْ عَاقِلَةِ الْقَاتِلِ وَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَقْبِضَ الْقِيمَةَ لِأَنَّهَا كَالثَّمَنِ وَلَوْ كَانَ الْوَكِيلُ قَبَضَ الْعَبْدَ فَقُتِلَ عِنْدَهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْقِيمَةَ وَهُوَ الْآنَ بِمَنْزِلَةِ الْأَوَّلِ وَلَوْ جَنَى عَلَى الْعَبْدِ جِنَايَةً قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ الْوَكِيلُ فَأَخَذَ الْمُسْتَوْدَعُ أَرْشَهَا فَلِلْوَكِيلِ أَنْ يَقْبِضَ الْعَبْدَ دُونَ الْأَرْشِ وَكَذَا لَوْ كَانَ الْمُسْتَوْدَعُ آجَرَهُ بِإِذْنِ مَوْلَاهُ لَمْ يَأْخُذْ الْوَكِيلُ أَجْرَهُ وَكَذَا مَهْرُ الْأَمَةِ إذَا وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ وَلَوْ وَكَّلَهُ بِقَبْضِ أَمَةٍ أَوْ شَاةٍ فَوَلَدَتْ كَانَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَقْبِضَ الْوَلَدَ مَعَ الْأُمِّ وَلَوْ كَانَتْ وَلَدَتْ قَبْلَ أَنْ يُوَكِّلَهُ بِقَبْضِهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَقْبِضَ الْوَلَدَ وَكَذَلِكَ ثَمَرَةُ الْبُسْتَانِ بِمَنْزِلَةِ الْوَلَدِ اهـ. وَفِي الْبَدَائِعِ وَأَمَّا رُكْنُ التَّوْكِيلِ فَهُوَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ فَالْإِيجَابُ مِنْ الْمُوَكِّلِ أَنْ يَقُولَ: وَكَّلْتُك بِكَذَا أَوْ افْعَلْ كَذَا أَوْ أَذِنْت لَك أَنْ تَفْعَلَ كَذَا وَنَحْوَهُ وَالْقَبُولُ مِنْ الْوَكِيلِ أَنْ يَقُولَ: قَبِلْت وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهُ فَمَا لَمْ يُوجَدْ لَمْ يَتِمَّ وَلِهَذَا لَوْ وَكَّلَ إنْسَانًا بِقَبْضِ دَيْنِهِ فَأَبَى أَنْ يَقْبِضَ ثُمَّ ذَهَبَ فَقَبَضَ لَمْ يَبْرَأْ الْغَرِيمُ لِأَنَّهُ ارْتَدَّ بِالرَّدِّ ثُمَّ الرُّكْنُ قَدْ يَكُونُ مُطْلَقًا وَقَدْ يَكُونُ مُعَلَّقًا بِشَرْطٍ نَحْوُ إنْ قَدِمَ زَيْدٌ فَأَنْت وَكِيلِي فِي بَيْعِ هَذَا الْعَبْدِ وَقَدْ يَكُونُ مُضَافًا إلَى وَقْتٍ بِأَنْ يُوَكِّلَهُ فِي بَيْعِ هَذَا الْعَبْدِ غَدًا وَيَصِيرُ وَكِيلًا فِي الْغَدِ وَمَا بَعْدَهُ لَا قَبْلَهُ اهـ. فَإِنْ قُلْتُ: فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ التَّوْكِيلِ وَالْإِرْسَالِ فَإِنَّ الْإِذْنَ وَالْأَمْرَ تَوْكِيلٌ كَمَا عَلِمْت قُلْتُ: الرَّسُولُ أَنْ يَقُولَ لَهُ أَرْسَلْتُك أَوْ كُنْ رَسُولًا عَنِّي فِي كَذَا وَقَدْ جَعَلَ مِنْهَا الزَّيْلَعِيُّ فِي بَابِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ أَمَرْتُك بِقَبْضِهِ وَصَرَّحَ فِي النِّهَايَةِ فِيهِ مَعْزِيًّا إلَى الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّهُ مِنْ التَّوْكِيلِ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا فِي الْبَدَائِعِ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ افْعَلْ كَذَا وَأَمَرْتُك بِكَذَا وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ أَمْرٍ يُفِيدُ التَّوْكِيلَ فِيمَا أُمِرَ بِهِ فَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ دَفَعَ لَهُ أَلْفًا وَقَالَ: اشْتَرِ لِي بِهَا أَوْ بِعْ أَوْ قَالَ: اشْتَرِ بِهَا أَوْ بِعْ وَلَمْ يَقُلْ لِي كَانَ تَوْكِيلًا وَكَذَا اشْتَرِ بِهَذَا الْأَلْفِ جَارِيَةً وَأَشَارَ إلَى مَالِ نَفْسِهِ وَلَوْ قَالَ: اشْتَرِ جَارِيَةً بِأَلْفِ دِرْهَمٍ كَانَتْ مَشُورَةً وَمَا اشْتَرَاهُ الْمَأْمُورُ فَهُوَ لَهُ دُونَ الْآمِرِ وَكَذَا لَوْ قَالَ: اشْتَرِ هَذَا بِأَلْفٍ إلَّا إذَا زَادَ عَلَى أَنْ أُعْطِيَك لِأَجْلِ شِرَائِك دِرْهَمًا لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْأَجْرِ لَهُ يَدُلُّ عَلَى الْإِنَابَةِ اهـ. وَفِي تَهْذِيبِ الْقَلَانِسِيِّ الْوَكِيلُ مَنْ يُبَاشِرُ الْعَقْدَ وَالرَّسُولُ مَنْ يُبَلِّغُ الْمُبَاشَرَةَ وَالسِّلْعَةُ أَمَانَةٌ فِي أَيْدِيهِمَا اهـ. وَإِنَّمَا قُلْتُ فِي الْقَبُولِ وَلَوْ حُكْمًا لِيَدْخُلَ السُّكُوتُ. الرَّابِعُ فِي شَرَائِطِهَا وَهِيَ أَنْوَاعٌ مَا يَرْجِعُ إلَى الْمُوَكِّلِ وَمَا يَرْجِعُ إلَى الْوَكِيلِ وَمَا يَرْجِعُ إلَى الْمُوَكِّلِ بِهِ فَمَا يَرْجِعُ إلَى الْمُوَكِّلِ كَوْنُهُ مِمَّنْ يَمْلِكُ فِعْلَ مَا وَكَّلَ بِهِ بِنَفْسِهِ وَسَنَتَكَلَّمُ عَلَيْهِ عِنْدَ شَرْحِ الْكِتَابِ وَمَا يَرْجِعُ إلَى الْوَكِيلِ فَالْعَقْلُ فَلَا يَصِحُّ تَوْكِيلُ مَجْنُونٍ وَصَبِيٍّ لَا يَعْقِلُ لَا الْبُلُوغُ وَالْحُرِّيَّةُ وَعَدَمُ الرِّدَّةِ فَيَصِحُّ تَوْكِيلُ الْمُرْتَدِّ وَلَا يَتَوَقَّفُ لِأَنَّ الْمُتَوَقِّفَ مِلْكُهُ وَالْعِلْمُ لِلْوَكِيلِ بِالتَّوْكِيلِ فَلَوْ وَكَّلَهُ وَلَمْ يَعْلَمْ فَتَصَرَّفَ تَوَقَّفَ عَلَى إجَازَةِ الْمُوَكِّلِ أَوْ الْوَكِيلِ بَعْدَ عِلْمِهِ وَحَكَى فِي الْبَدَائِعِ فِيهِ اخْتِلَافًا فَفِي الزِّيَادَاتِ أَنَّهُ شَرْطٌ وَفِي الْوَكَالَةِ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَيَثْبُتُ الْعِلْمُ إمَّا بِالْمُشَافَهَةِ أَوْ الْكِتَابِ إلَيْهِ أَوْ الرَّسُولِ إلَيْهِ أَوْ بِإِخْبَارِ رَجُلَيْنِ فُضُولِيَّيْنِ أَوْ وَاحِدٍ عَدْلٍ أَوْ غَيْرِ عَدْلٍ وَصَدَّقَهُ الْوَكِيلُ وَإِلَّا فَعِنْدَهُ لَا وَعِنْدَهُمَا نَعَمْ وَأَمَّا مَا يَرْجِعُ إلَى الْمُوَكِّلِ بِهِ فَأَنْ لَا يَكُونَ بِإِثْبَاتِ حَدٍّ أَوْ اسْتِيفَائِهِ إلَّا حَدَّ السَّرِقَةِ وَالْقَذْفِ وَعَمَّمَ أَبُو يُوسُفَ الْحَدَّ وَالْقِصَاصَ عَلَى الِاخْتِلَافِ وَأَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ جَهَالَةٌ مُتَفَاحِشَةٌ كَمَا سَيَأْتِي. الْخَامِسُ فِي حُكْمِهَا فَمِنْهُ ثُبُوتُ وِلَايَةِ التَّصَرُّفِ الَّذِي تَنَاوَلَهُ التَّوْكِيلُ وَمِنْهُ أَنْ لَا يُوَكِّلَ إلَّا بِإِذْنٍ أَوْ تَعْمِيمٍ -   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَصَرَّحَ فِي النِّهَايَةِ إلَخْ) أَقُولُ: الَّذِي تَقَدَّمَ فِي بَابِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ نَقْلًا عَنْ الْفَوَائِدِ جَعْلُ الْأَمْرِ مِنْ أَلْفَاظِ الرِّسَالَةِ لَا مِنْ أَلْفَاظِ التَّوْكِيلِ وَسَيَأْتِي فِي بَابِ الْوَكَالَةِ بِالْخُصُومَةِ أَنَّهُ لَيْسَ بِتَوْكِيلٍ (قَوْلُهُ وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ أَمْرٍ يُفِيدُ التَّوْكِيلَ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِي الْأَمْرِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَأْمُورَ يَفْعَلُ أَمْرًا لِلْآمِرِ بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ عَنْهُ (قَوْلُهُ وَفِي تَهْذِيبِ الْقَلَانِسِيِّ إلَخْ) حَاصِلُهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي بَابِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ حَيْثُ قَالَ وَفِي الْمِعْرَاجِ قَبْلَ الْفَرْقِ بَيْنَ الْوَكِيلِ أَنَّ الْوَكِيلَ لَا يُضِيفُ الْعَقْدَ إلَى الْمُوَكِّلِ وَالرَّسُولَ لَا يَسْتَغْنِي عَنْ إضَافَتِهِ إلَى الْمُرْسِلِ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ فِي قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ} [المائدة: 67] وَقَوْلِهِ {وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ} [الأنعام: 107] نَفَى الْوَكَالَةَ وَأَثْبَتَ الرِّسَالَةَ اهـ. [شَرَائِطِ الْوَكَالَةُ] (قَوْلُهُ لَا الْبُلُوغُ وَالْحُرِّيَّةُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: أَيْ فَيَصِحُّ تَوْكِيلُ الصَّبِيِّ الَّذِي يَعْقِلُ وَالْعَبْدِ فِي النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالْخُلْعِ وَالصُّلْحِ وَالِاسْتِعَارَةُ وَالْهِبَةِ وَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْإِجَارَةُ وَكُلِّ مَا يَعْقِدُهُ الْمُوَكِّلُ بِنَفْسِهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَأَمَّا مَا يَرْجِعُ إلَى الْمُوَكِّلِ بِهِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَمِنْهُ التَّوْكِيلُ الْعَامُّ وَقَدْ صَنَّفَ صَاحِبُ هَذَا الْكِتَابِ فِيهِ رِسَالَةً فَسَمَّاهَا الْمَسْأَلَةُ الْخَاصَّةُ فِي الْوَكَالَةِ الْعَامَّةِ وَحَاصِلُهَا أَنَّ الْوَكِيلَ وَكَالَةً عَامَّةً يَمْلِكُ كُلَّ شَيْءٍ إلَّا الطَّلَاقَ وَالْعَتَاقَ وَالْهِبَةَ وَالصَّدَقَةَ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ وَتَمَامُهُ فِيهَا اهـ. قُلْت: وَتَقَدَّمَ صُورَةُ الْعَامَّةِ أَوَّلَ هَذَا السِّوَادَةِ وَسَيَأْتِي أَيْضًا أَوَّلَ الْمَقُولَةِ الْآتِيَةِ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 140 وَمِنْهُ أَنَّهُ أَمِينٌ فِيمَا فِي يَدِهِ كَالْمُودَعِ فَيَضْمَنُ بِمَا يَضْمَنُ بِهِ الْمُودَعُ وَيَبْرَأُ بِهِ وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي دَفْعِ الضَّمَانِ عَنْ نَفْسِهِ فَلَوْ دَفَعَ لَهُ مَالًا وَقَالَ: اقْضِهِ فُلَانًا عَنْ دَيْنِي فَقَالَ: قَضَيْتُهُ وَكَذَّبَهُ صَاحِبُ الدَّيْنِ فَالْقَوْلُ لِلْوَكِيلِ فِي بَرَاءَتِهِ وَلِلدَّائِنِ فِي عَدَمِ قَبْضِهِ فَلَا يَسْقُطُ دَيْنُهُ وَيَجِبُ الْيَمِينُ عَلَى أَحَدِهِمَا فَيَحْلِفُ مَنْ كَذَّبَهُ الْمُوَكِّلُ دُونَ مَنْ صَدَّقَهُ وَعَلَى هَذَا لَوْ أَمَرَ الْمُودَعَ بِدَفْعِهَا إلَى فُلَانٍ فَادَّعَاهُ وَكَذَّبَهُ فُلَانٌ وَلَوْ كَانَ الْمَالُ مَضْمُونًا عَلَى رَجُلٍ كَالْمَغْصُوبِ فِي يَدِ الْغَاصِبِ أَوْ الدَّيْنِ عَلَى الطَّالِبِ فَأَمَرَ الطَّالِبُ أَوْ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ الرَّجُلَ أَنْ يَدْفَعَهُ إلَى فُلَانٍ فَقَالَ الْمَأْمُورُ: قَدْ دَفَعْت إلَيْهِ وَقَالَ فُلَانٌ مَا قَبَضْت فَالْقَوْلُ قَوْلُ فُلَانٍ أَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ وَلَمْ يُصَدَّقْ الْوَكِيلُ عَلَى الدَّفْعِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِتَصْدِيقِ الْمُوَكِّلِ وَلَا يُصَدَّقَانِ عَلَى الْقَابِضِ وَالْقَوْلُ لَهُ مَعَ الْيَمِينِ وَلِلْوَكِيلِ تَحْلِيفُ الْمُوَكِّلِ أَنَّهُ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ دَفَعَ فَإِنْ نَكَلَ سَقَطَ الضَّمَانُ عَنْهُ وَلَوْ لَمْ يَدْفَعْ إلَيْهِ شَيْئًا وَإِنَّمَا أَمَرَهُ بِقَضَاءِ دَيْنِهِ مِنْ مَالِهِ فَادَّعَاهُ وَكَذَّبَهُ الطَّالِبُ وَالْمُوَكِّلُ وَلَا بَيِّنَةَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُمَا مَعَ الْيَمِينِ وَيَحْلِفُ الْمُوَكِّلُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ وَإِنْ صَدَّقَهُ الْمُوَكِّلُ دُونَ الطَّالِبِ رَجَعَ عَلَيْهِ بِمَا ادَّعَاهُ وَيَرْجِعُ الطَّالِبُ عَلَيْهِ أَيْضًا بِدَيْنِهِ ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ. وَفِي الْجَامِعِ لَا رُجُوعَ لِلْوَكِيلِ عَلَى مُوَكِّلِهِ وَلَوْ صَدَّقَهُ وَالْأَوَّلُ أَشْبَهَ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَلَوْ ادَّعَى الْمُودَعُ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِدَفْعِهَا إلَى فُلَانٍ وَكَذَّبَهُ صَاحِبُهَا فَالْقَوْلُ لَهُ أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ وَقَدْ وَقَعَتْ حَادِثَةُ الْفَتْوَى حِينَ تَأْلِيفِ هَذَا الْمَحِلِّ دَفَعَ إلَى آخَرَ مَالًا لِيَدْفَعَهُ إلَى آخَرَ ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي تَعْيِينِهِ فَقَالَ الْآمِرُ: أَمَرْتُك بِدَفْعِهِ إلَى زَيْدٍ فَقَالَ الْمَأْمُورُ إلَى عَمْرٍو وَقَدْ دَفَعْت لَهُ فَأَجَبْت بِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْوَكِيلِ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى أَصْلِ الْإِذْنِ فَكَانَ أَمِينًا وَلِهَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي آخِرِ الْمُضَارَبَةِ: لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ مَالًا ثُمَّ اخْتَلَفَا فَقَالَ الدَّافِعُ: مُضَارَبَةٌ وَقَالَ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ: وَدِيعَةٌ فَالْقَوْلُ لِلْمَدْفُوعِ إلَيْهِ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى الْإِذْنِ اهـ. وَمِنْ أَحْكَامِهِ أَنَّهُ لَا جَبْرَ عَلَيْهِ فِي فِعْلِ مَا وُكِّلَ بِهِ إلَّا فِي رَدِّ وَدِيعَةٍ بِأَنْ قَالَ: ادْفَعْ هَذَا الثَّوْبَ إلَى فُلَانٍ فَقَبِلَهُ وَغَابَ الْآمِرُ يُجْبَرُ الْمَأْمُورُ عَلَى دَفْعِهِ فَأَمَّا سَائِرُ الْأَشْيَاءِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّنْفِيذُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَتَمَامُهُ فِي فَوَائِدِنَا وَمِنْهَا مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَكَّلَهُ بِقَبْضِ وَدِيعَتِهِ وَجَعَلَ لَهُ الْأَجْرَ صَحَّ وَإِنْ وَكَّلَهُ بِقَبْضِ دَيْنِهِ وَجَعَلَ لَهُ أَجْرًا لَا يَصِحُّ إلَّا إذَا وَقَّتَ مُدَّةً مَعْلُومَةً وَكَذَا الْوَكِيلُ بِالتَّقَاضِي إنْ وَقَّتَ جَازَ. اهـ. وَكَذَا الْوَكِيلُ بِالْخُصُومَةِ كَذَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَمِنْ أَحْكَامِهَا أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ وَلَا يَصِحُّ شَرْطُ الْخِيَارِ فِيهَا كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَمِنْ أَحْكَامِهَا صِحَّةُ تَعْلِيقِهَا وَإِضَافَتِهَا فَتَقْبَلُ التَّقْيِيدَ بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ فَلَوْ قَالَ: بِعْهُ غَدًا لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ الْيَوْمَ وَكَذَا الْعَتَاقُ وَالطَّلَاقُ وَلَوْ قَالَ: بِعْهُ الْيَوْمَ فَبَاعَهُ غَدًا فِيهِ رِوَايَتَانِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا لَا تَبْقَى بَعْدَ الْيَوْمِ وَلَوْ وَكَّلَهُ بِتَقَاضِي دَيْنِهِ بِالشَّامِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَقَاضَاهُ بِالْكُوفَةِ الْكُلُّ مِنْ الْخَانِيَّةِ. السَّادِسُ فِي صِفَتِهَا وَهُوَ عَدَمُ اللُّزُومِ فَلَهُ أَنْ يَعْزِلَهُ مَتَى شَاءَ إلَّا فِيمَا سَنَذْكُرُهُ آخِرَهَا. (قَوْلُهُ صَحَّ التَّوْكِيلُ) أَيْ تَفْوِيضُ التَّصَرُّفِ إلَى الْغَيْرِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ قَالَ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ أَصْحَابِ الْكَهْفِ {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ} [الكهف: 19] وَكَانَ الْبَعْثُ مِنْهُمْ بِطَرِيقِ الْوَكَالَةِ وَشَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا إذَا قَصَّهُ اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ مِنْ غَيْرِ إنْكَارٍ وَلَمْ يَظْهَرْ نَسْخُهُ «وَوَكَّلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ بِشِرَاءِ أُضْحِيَّتِهِ» وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَيْهِ وَهُوَ عَامٌّ وَخَاصٌّ فَالثَّانِي ظَاهِرٌ وَالْأَوَّلُ نَحْوُ أَنْ يَقُولَ: مَا صَنَعْت مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ جَائِزٌ أَنْت وَكِيلِي فِي كُلِّ شَيْءٍ جَائِزٌ أَمْرُك عَلَى مِلْكِ جَمِيعِ أَنْوَاعِ التَّصَرُّفَاتِ مِنْ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالتَّقَاضِي وَغَيْرِ ذَلِكَ وَلَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ جَازَ قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ: وَبِهِ يُفْتَى حَتَّى يَتَبَيَّنَ خِلَافُهُ وَاخْتَارَ أَبُو اللَّيْثِ أَنَّهُ لَوْ طَلَّقَ أَوْ وَقَفَ لَمْ يَجُزْ كَذَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مَا حَكَمْت فَجَائِزٌ تَحْكِيمٌ لَا تَوْكِيلٌ وَقَدَّمْنَا فَتْوَى قَاضِي خَانْ أَنَّهُ يَخْتَصُّ بِالْمُعَاوَضَاتِ (قَوْلُهُ وَهُوَ إقَامَةُ الْغَيْرِ مَقَامَ نَفْسِهِ فِي التَّصَرُّفِ) أَيْ الْجَائِزِ الْمَعْلُومِ حَتَّى إنَّ التَّصَرُّفَ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعْلُومًا ثَبَتَ أَدْنَى التَّصَرُّفَاتِ وَهُوَ الْحِفْظُ فِيمَا إذَا قَالَ: وَكَّلْتُك بِمَالِي. (قَوْلُهُ مِمَّنْ يَمْلِكُهُ) أَيْ ذَلِكَ التَّصَرُّفَ بَيَانٌ لِلشَّرْطِ فِي الْمُوَكِّلِ فَلَا يَصِحُّ تَوْكِيلُ مَجْنُونٍ وَصَبِيٍّ لَا يَعْقِلُ مُطْلَقًا وَصَبِيٍّ يَعْقِلُ بِنَحْوِ طَلَاقٍ وَعَتَاقٍ وَهِبَةٍ وَصَدَقَةٍ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ الضَّارَّةِ فَيَصِحُّ تَوْكِيلُهُ بِالنَّافِعَةِ بِلَا إذْنِ وَلِيِّهِ كَقَبُولِ الْهِبَةِ وَأَمَّا مَا تَرَدَّدَ بَيْنَ ضَرَرٍ وَنَفْعٍ كَالْبَيْعِ   [منحة الخالق] [حُكْمِ الْوَكَالَة] (قَوْلُهُ وَقَدْ وَقَعَتْ حَادِثَةُ الْفَتْوَى إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَسَيَذْكُرُ فَرَعَ وَاقِعَةِ الْحَالِ بَعْدَ كُرَّاسَةٍ وَيَرُدُّ عَلَيْهِ وَيُجِيبُ عَنْهُ اهـ. أَيْ قُبَيْلَ فَصْلِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ (قَوْلُهُ وَمِنْ أَحْكَامِهَا صِحَّةُ تَعْلِيقِهَا وَإِضَافَتِهَا إلَخْ) قَالَ فِي نُورِ الْعَيْنِ مَعْزِيًّا إلَى الْعُيُونِ وَكَّلَهُ بِقَبْضِ الْوَدِيعَةِ فِي الْيَوْمِ فَلَهُ قَبْضُهُ غَدًا وَلَوْ وَكَّلَهُ بِقَبْضِهِ غَدًا لَا يَمْلِكُ قَبْضَهُ الْيَوْمَ إذْ ذِكْرُ الْيَوْمِ لِلتَّعْجِيلِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: أَنْتَ وَكِيلِي بِهِ السَّاعَةَ فَإِذَا ثَبَتَ وَكَالَتُهُ بِهِ السَّاعَةَ دَامَتْ ضَرُورَةً وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وَكَالَةِ الْغَدِ وَكَالَةُ الْيَوْمِ لَا صَرِيحًا وَلَا دَلَالَةً وَكَذَا لَوْ قَالَ: اقْبِضْهُ السَّاعَةَ فَلَهُ الْقَبْضُ بَعْدَهَا ثُمَّ قَالَ مَعْزِيًّا إلَى قَاضِي خَانْ وَكَّلَهُ بِشَيْءٍ وَقَالَ: افْعَلْهُ الْيَوْمَ فَفَعَلَهُ غَدًا بَعْضُهُمْ قَالُوا: الصَّحِيحُ أَنَّ الْوَكَالَةَ لَا تَبْقَى بَعْدَ الْيَوْمِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: تَبْقَى وَذِكْرُ الْيَوْمِ لِلتَّعْجِيلِ لَا لِتَوْقِيتِ الْوَكَالَةِ بِالْيَوْمِ إلَّا إذَا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَيْهِ اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ مِنْ كِتَابِ الْوَكَالَةِ الْوَكِيلُ إلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ لَا تَنْتَهِي وَكَالَتُهُ بِمُضِيِّ الْعَشَرَةِ فِي الْأَصَحِّ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 141 وَالْإِجَارَةِ فَإِنْ كَانَ مَأْذُونًا فِي التِّجَارَةِ صَحَّ تَوْكِيلُهُ مُطْلَقًا وَإِلَّا تَوَقَّفَ عَلَى إجَازَةِ وَلِيِّهِ وَلَا يَصِحُّ تَوْكِيلُ عَبْدٍ مَحْجُورٍ وَصَحَّ مِنْ مَأْذُونٍ وَمُكَاتَبٍ وَأَمَّا تَوْكِيلُ الْمُرْتَدِّ فَمَوْقُوفٌ إنْ أَسْلَمَ نَفَذَ وَإِلَّا بِأَنْ قُتِلَ أَوْ مَاتَ أَوْ لَحِقَ بَطَلَ عِنْدَهُ وَقَالَا: نَافِذٌ وَشَمَلَ قَوْلُهُ مِمَّنْ يَمْلِكُهُ الْأَبُ وَالْوَصِيُّ فِي مَالِ الصَّبِيِّ فَلَهُمَا أَنْ يُوَكِّلَا بِكُلِّ مَا يَفْعَلَانِهِ وَأُورِدَ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ تَوْكِيلُ الْمُسْلِمِ ذِمِّيًّا بِبَيْعِ خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ وَتَوْكِيلُ الْمُحْرِمِ الْحَلَالَ بِبَيْعِ الصَّيْدِ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ عِنْدَهُ وَلَا يَمْلِكُهُ الْمُوَكِّلُ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ يَمْلِكُهُ بِأَصْلِ التَّصَرُّفِ وَإِنْ امْتَنَعَ بِعَارِضِ النَّهْيِ وَيَرُدُّ عَلَيْهِ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ فِي تَزْوِيجِ نَفْسِهِ لَا يَمْلِكُ التَّوْكِيلَ كَمَا فِي الْمُحِيطِ مَعَ أَنَّهُ يَمْلِكُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِنَفْسِهِ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ عَنْ سَيِّدِهِ وَإِنْ كَانَ عَامِلًا لِنَفْسِهِ وَالْوَكِيلُ لَا يُوَكِّلُ إلَّا بِإِذْنٍ أَوْ تَعْمِيمٍ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَالْوَكَالَةُ عَلَى الْيَمِينِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: وَكَّلْتُك أَنْ تَحْلِفَ عَنِّي لَا يَجُوزُ اهـ. وَأُورِدَ أَيْضًا لَوْ قَالَ: بِعْ عَبْدِي هَذَا بِعَبْدٍ صَحَّ وَلَوْ قَالَ: اشْتَرَيْت مِنْك هَذَا بِعَبْدٍ لَمْ يَصِحَّ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَنْعَ لِلْجَهَالَةِ فِي الْمُبَاشَرَةِ لِلْإِفْضَاءِ إلَى الْمُنَازَعَةِ لَا لِذَاتِهَا وَلِذَا لَمْ تُمْنَعْ فِي بَيْعِ قَفِيزٍ مِنْ صُبْرَةٍ وَلَا يُفْضِي إلَيْهَا فِي الْوَكَالَةِ وَزَادَ فِي الْهِدَايَةِ فَقَالَ: وَمِنْ شَرْطِهَا أَنْ يَكُونَ الْمُوَكِّلُ مِمَّنْ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ وَتَلْزَمُهُ الْأَحْكَامُ فَقِيلَ: هُوَ احْتِرَازٌ عَنْ الْوَكِيلِ فَإِنَّهُ وَإِنْ مَلَكَ التَّصَرُّفَ لَا تَلْزَمُهُ الْأَحْكَامُ بِمَعْنَى لَا تَثْبُتُ لَهُ فَلَا يَصِحُّ تَوْكِيلُهُ وَقِيلَ: احْتِرَازٌ عَنْ الْمَحْجُورِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ تَوْكِيلُهُ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَاقْتَصَرَ الشَّارِحُ عَلَى الثَّانِي وَلَا حَاجَةَ إلَى هَذَا الْقَيْدِ فَإِنَّ الْمَحْجُورَ لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فَخَرَجَ بِهِ وَسَيَأْتِي إخْرَاجُ الْوَكِيلِ بِالضَّابِطِ وَفِي الْجَوْهَرَةِ وَلَيْسَ الْمُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ الْمُوَكِّلُ مَالِكًا لِلتَّصَرُّفِ فِيمَا وَكَّلَ بِهِ وَإِنَّمَا الْمُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يَصِحُّ مِنْهُ التَّصَرُّفُ فِي الْجُمْلَةِ لِأَنَّهُمْ قَالُوا: لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْآبِقِ وَيَجُوزُ أَنْ يُوَكِّلَ بِبَيْعِهِ وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ لَوْ وَكَّلَ الدَّائِنُ عَبْدَ الْمَدْيُونِ فِي قَبْضِ دَيْنِهِ مِنْ مَوْلَاهُ جَازَ وَلَوْ أَقَرَّ الْعَبْدُ بِالْقَبْضِ وَالْهَلَاكِ بَرِئَ الْمَوْلَى وَلَوْ وَكَّلَ الْغَرِيمُ مَوْلَى الْعَبْدِ الْمَدْيُونِ بِالْقَبْضِ مِنْ عَبْدِهِ لَمْ يَجُزْ تَوْكِيلُهُ وَلَا قَبْضُهُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُرَدُّ عَلَى مَنْطُوقِ قَوْلِهِ مِمَّنْ يَمْلِكُهُ تَوْكِيلُ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ بِالتَّزْوِيجِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ مَعَ أَنَّهُ يَمْلِكُهُ وَمَا لَوْ وَكَّلَ بِبَيْعِ عَبْدِهِ بِعَبْدٍ يَصِحُّ مَعَ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ وَيُرَدُّ عَلَى مَفْهُومِهِ تَوْكِيلُ الْمُسْلِمِ ذِمِّيًّا بِبَيْعِ الْخَمْرِ وَتَوْكِيلُ الْمُحْرِمِ حَلَالًا وَالتَّوْكِيلُ بِبَيْعِ الْآبِقِ وَالتَّوْكِيلُ بِالِاسْتِقْرَاضِ. (قَوْلُهُ إذَا كَانَ الْوَكِيلُ يَعْقِلُ الْعَقْدَ وَلَوْ صَبِيًّا أَوْ عَبْدًا مَحْجُورًا) بَيَانٌ لِلشَّرْطِ فِي الْوَكِيلِ فَلَا يَصِحُّ تَوْكِيلُ غَيْرِ الْعَاقِلِ وَفِي يَتِيمَةِ الدَّهْرِ وَذَكَرَ السَّرَخْسِيُّ فِي الْوَكَالَةِ فِي بَابِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَإِنْ كَانَ الْوَكِيلُ مَجْنُونًا فَبَيْعُهُ بَاطِلٌ فَإِنْ كَانَ يَعْقِلُ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الصَّبِيِّ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ وَذَكَرَ فِي بَابِ تَوْكِيلِ الزَّوْجِ بِالطَّلَاقِ وَلَوْ وَكَّلَ مَجْنُونًا بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ فَقَبِلَ الْوَكَالَةَ فِي حَالِ جُنُونِهِ ثُمَّ أَفَاقَ فَهُوَ عَلَى وَكَالَتِهِ لِأَنَّ بِالْإِفَاقَةِ يَزْدَادُ التَّمَكُّنُ مِنْ التَّصَرُّفِ وَلَا يَزُولُ مَا كَانَ ثَابِتًا اهـ. وَذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْوَكِيلُ مِمَّنْ يَعْقِلُ الْعَقْدَ وَيَقْصِدُهُ فَقَالَ الشَّارِحُونَ: إنَّ الْمُرَادَ بِعَقْلِ الْعَقْدِ أَنْ يَعْرِفَ أَنَّ الشِّرَاءَ جَالِبٌ لِلْمَبِيعِ سَالِبٌ لِلثَّمَنِ وَالْبَيْعَ عَلَى عَكْسِهِ وَيَعْرِفُ الْغَبْنَ الْفَاحِشَ مِنْ الْيَسِيرِ وَالْمُرَادُ بِقَصْدِهِ أَنْ يَقْصِدَ ثُبُوتَ الْحُكْمِ أَوْ الرِّبْحَ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ بَيْعِ الْمُكْرَهِ وَالْهَازِلِ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ عَنْ الْآمِرِ اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى اشْتِرَاطِ عَقْلِيَّةِ الْغَبْنِ الْفَاحِشِ مِنْ الْيَسِيرِ لِجَوَازِ بَيْعِ   [منحة الخالق] [صِفَة الْوَكَالَةِ] (قَوْلُهُ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَخْ) قَالَ فِي الْمِنَحِ: أَقُولُ: لَيْسَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ النَّظَرِ وَاقِعًا مَوْقِعَهُ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ إنَّمَا هُوَ لِلصَّبِيِّ الْعَاقِلِ وَهُوَ الْمُمَيِّزِ مُطْلَقًا كَمَا ذَكَرَهُ الْمُحَقِّقُونَ فِي تَعْرِيفِهِ لَا بِالنَّظَرِ إلَى خُصُوصِ الْوَكَالَةِ حَتَّى يَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِ هَذَا النَّظَرِ وَالْجَوَابُ عَنْهُ اهـ. وَيَرُدُّ عَلَيْهِ مَا فِي الْيَعْقُوبِيَّةِ حَيْثُ قَالَ قَوْلُهُ وَيَعْرِفُ الْغَبْنَ الْيَسِيرَ مِنْ الْفَاحِشِ كَذَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ وَهُوَ مُشْكِلٌ لِأَنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ تَوْكِيلَ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ صَحِيحٌ وَفَرْقُ الْغَبْنِ الْيَسِيرِ مِنْ الْفَاحِشِ مِمَّا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ أَحَدٌ إلَّا بَعْدَ الِاشْتِغَالِ بِعِلْمِ الْفِقْهِ فَلَا وَجْهَ لِصِحَّةِ اشْتِرَاطِهِ فِي صِحَّةِ التَّوْكِيلِ كَمَا لَا يَخْفَى اهـ. وَلَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّهُ حَيْثُ كَانَ تَصْرِيفُ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ مَأْخُوذًا فِيهِ مَعْرِفَةُ الْغَبْنِ الْفَاحِشِ مِنْ الْيَسِيرِ كَانَ شَرْطًا فِي الْوَكَالَةِ أَيْضًا ثُمَّ كَانَ الظَّاهِرُ أَنْ يَقُولَ إلَّا بَعْدَ الِاشْتِغَالِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَمَعْرِفَةِ أَثْمَانِ الْمَبِيعَاتِ لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ أَنْ يَعْرِفَ مَا حَدَّهُ الْفُقَهَاءُ بَلْ أَنْ يَعْرِفَ أَنَّ هَذَا الشَّيْءَ قِيمَتُهُ كَذَا وَأَنَّهُ لَوْ اشْتَرَاهُ أَوْ بَاعَهُ بِكَذَا يَكُونُ مَغْبُونًا تَأَمَّلْ وَعَلَى كُلٍّ فَاشْتِرَاطُ مَعْرِفَةِ الْغَبْنِ مُشْكِلٌ فَقَدْ يَكُونُ الرَّجُلُ مِنْ أَعْقَلِ النَّاسِ وَأَذْكَاهُمْ وَيَغْبِنُ فِي بَعْضِ الْأَشْيَاءِ بِعَدَمِ وُقُوفِهِ عَلَى مِقْدَارِ قِيمَةِ مِثْلِهَا وَلَعَلَّ مُرَادَهُمْ اشْتِرَاطُ ذَلِكَ فِيمَا تَكُونُ قِيمَتُهُ مَعْرُوفَةً مَشْهُورَةً. وَانْظُرْ مَا يَأْتِي عِنْدَ قَوْلِهِ وَتَقَيَّدَ شِرَاؤُهُ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ ثُمَّ بَعْدَ كِتَابَتِي ذَلِكَ رَأَيْت فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ قَالَ مَا نَصُّهُ قَوْلُهُ مِمَّا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ أَحَدٌ إلَخْ مَمْنُوعٌ فَإِنَّا نَرَى كَثِيرًا مِنْ الصِّبْيَانِ يَعْرِفُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ اشْتِغَالٍ بِعِلْمِ الْفِقْهِ بَلْ بِالسَّمَاعِ مِنْ الثِّقَاتِ وَكَثُرَتْ الْمُبَاشَرَةُ بِالْمُعَامَلَاتِ ثُمَّ قَدْ يُقَامُ الْمُتَمَكِّنُ مِنْ الشَّيْءِ مَقَامَ ذَلِكَ الشَّيْءِ كَمَا سَبَقَ فِي مَبَاحِثِ عَدَمِ قَبُولِ شَهَادَةِ الْأَعْمَى فِي هَذَا الْكِتَابِ وَأَمَّا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فَالتَّمَكُّنُ مِنْ الْمَعْرِفَةِ بِالْعَقْلِ وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي الصَّبِيِّ الَّذِي كَلَامُنَا فِيهِ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ. قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُمْ أَنْ يَعْرِفَ أَنَّ الْخَمْسَةَ فِيمَا قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ مَثَلًا غَبْنٌ فَاحِشٌ وَأَنَّ الْوَاحِدَ فِيهَا يَسِيرٌ فَإِنَّ مَنْ لَمْ يُدْرِكْ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا غَيْرُ عَاقِلٍ كَصَبِيٍّ دَفَعَ لَهُ رَجُلٌ كَعْبًا وَأَخَذَ ثَوْبَهُ فَإِذَا فَرِحَ بِهِ وَلَا يَعْرِفُ أَنَّهُ مَغْبُونٌ فِي ذَلِكَ لَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ أَصْلًا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 142 الْوَكِيلِ عِنْدَ الْإِمَامِ بِمَا قَلَّ وَكَثُرَ نَعَمْ إنْ قَيَّدَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَبِيعَهُ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ اُشْتُرِطَ وَأَمَّا تَفْسِيرُ الْقَصْدِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ بَيْعِ الْهَازِلِ وَالْمُكْرَهِ فَخَارِجٌ عَنْ الْمَقْصُودِ لِأَنَّ الْكَلَامَ الْآنَ فِي صِحَّةِ الْوَكَالَةِ لَا فِي صِحَّةِ بَيْعِ الْوَكِيلِ وَلِذَا تَرَكَهُ الْمُصَنِّفُ وَفِي الْوَاقِعَاتِ الْحُسَامِيَّةِ الْوَكِيلُ إذَا اخْتَلَطَ عَقْلُهُ بِشَرَابِ نَبِيذٍ وَيَعْرِفُ الشِّرَاءَ وَالْقَبْضَ جَازَ عَلَى الْمُوَكِّلِ شِرَاؤُهُ وَلَوْ اخْتَلَطَ بِبَنْجٍ وَيَعْرِفُ الشِّرَاءَ لَمْ يَجُزْ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَعْتُوهِ اهـ. (قَوْلُهُ بِكُلِّ مَا يَعْقِدُهُ بِنَفْسِهِ) بَيَانٌ لِضَابِطِ الْمُوَكِّلِ فِيهِ وَلَيْسَ حَدًّا فَلَا يَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَمْلِكُ بَيْعَ الْخَمْرِ وَيَمْلِكُ تَوْكِيلَ الذِّمِّيِّ بِهِ لِأَنَّ إبْطَالَ الْقَوَاعِدِ بِإِبْطَالِ الطَّرْدِ لَا الْعَكْسِ وَلَا يُمْكِنُ طَرْدُهُ عَدَمَ تَوْكِيلِ الذِّمِّيِّ مُسْلِمًا بِبَيْعِ خَمْرِهِ وَهُوَ يَمْلِكُهُ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ التَّوَصُّلَ بِهِ بِتَوْكِيلِ الذِّمِّيِّ بِهِ فَصَدَقَ الضَّابِطُ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ كُلُّ عَقْدٍ يَمْلِكُهُ يَمْلِكُ تَوْكِيلَ كُلِّ أَحَدٍ بِهِ بَلْ التَّوَصُّلُ بِهِ فِي الْجُمْلَةِ وَإِنَّمَا يَرُدُّ عَلَيْهِ تَوْكِيلُ الْوَكِيلِ بِلَا إذْنٍ وَتَعْمِيمٍ فَإِنَّهُ يَمْلِكُ الْعَقْدَ الَّذِي وَكَّلَ بِهِ وَلَا يَمْلِكُ التَّوْكِيلَ وَأَجَابُوا بِأَنَّ الْمُرَادَ لِنَفْسِهِ لَكِنْ يَرُدُّ عَلَيْهِ الْأَبُ وَالْجَدُّ يَمْلِكَانِ شِرَاءَ مَالِ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ وَلَا يَمْلِكَانِ التَّوْكِيلَ بِهِ كَمَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَالِاسْتِقْرَاضَ فَإِنَّهُ يُبَاشِرُهُ بِنَفْسِهِ وَلَا يَمْلِكُ التَّوْكِيلَ بِهِ فَيَقَعُ لِلْوَكِيلِ كَذَا ذَكَرَ الشَّارِحُ وَلَمْ يَجِبْ عَنْهُ وَالْجَوَابُ مَنْعُ عَدَمِ صِحَّتِهِ بِهِ لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ إنْ وَكَّلَ بِالِاسْتِقْرَاضِ فَإِنْ أَضَافَ الْوَكِيلُ الِاسْتِقْرَاضَ إلَى الْمُوَكِّلِ كَانَ لِلْمُوَكِّلِ وَإِلَّا كَانَ لِلْوَكِيلِ اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ اسْتَقْرَضَ مِنْهُ أَلْفًا وَأَمَرَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ رَسُولَهُ فُلَانًا وَزَعَمَ الْإِعْطَاءَ وَأَقَرَّ الرَّسُولُ وَأَنْكَرَ الْمُسْتَقْرِضُ دَفْعَ الْمُقْرِضِ لَا يَلْزَمُ الْمُسْتَقْرِضَ شَيْءٌ اهـ. ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ: صَحَّ التَّوْكِيلُ بِالْإِقْرَاضِ لَا بِالِاسْتِقْرَاضِ وَفِي الْقُنْيَةِ التَّوْكِيلُ بِالِاسْتِقْرَاضِ لَا يَصِحُّ وَالتَّوْكِيلُ بِقَبْضِ الْقَرْضِ يَصِحُّ بِأَنْ يَقُولَ لِرَجُلٍ: أَقْرِضْنِي ثُمَّ يُوَكِّلَ رَجُلًا بِقَبْضِهِ يَصِحُّ اهـ. وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ بِكُلِّ مَا يُبَاشِرُهُ لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ الْعَقْدَ وَغَيْرَهُ فَكَانَ يَسْتَغْنِي عَنْ إفْرَادِ بَعْضِ الْأَشْيَاءِ. (قَوْلُهُ وَبِالْخُصُومَةِ فِي الْحُقُوقِ بِرِضَا الْخَصْمِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُوَكِّلُ مَرِيضًا أَوْ غَائِبًا مُدَّةَ السَّفَرِ أَوْ مُرِيدًا لِلسَّفَرِ أَوْ مُخَدَّرَةً) أَيْ وَصَحَّ التَّوْكِيلُ بِالْخُصُومَةِ بِشَرْطِ رِضَا الْخَصْمِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا: يَجُوزُ بِغَيْرِ رِضَاهُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَأَمَّا تَفْسِيرُ الْقَصْدِ بِالِاحْتِرَازِ عَنْ بَيْعِ الْهَازِلِ وَالْمُكْرَهِ فَخَارِجٌ عَنْ الْمَقْصُودِ إلَخْ) سَبَقَهُ إلَى هَذَا الِاعْتِرَاضِ يَعْقُوبُ بَاشَا ثُمَّ قَالَ: وَالْأَوْلَى أَنَّ قَوْلَهُ وَيَقْصِدُهُ تَأْكِيدٌ لِقَوْلِهِ يَعْقِدُ وَالْعَطْفُ عَطْفُ تَفْسِيرٍ لِأَنَّهُ بِالْقَصْدِ يُعْلَمُ كَمَالُ الْعَقْدِ كَمَا لَا يَخْفَى فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَلَا يُمْكِنُ طَرْدُهُ إلَخْ) لَعَلَّهُ وَلَا يَبْطُلُ طَرْدُهُ (قَوْلُهُ لَكِنْ يَرُدُّ عَلَيْهِ الْأَبُ وَالْجَدُّ إلَخْ) وَفِي التَّبْيِينِ قُبَيْلَ الْغَصْبِ أَنَّهُ يَصِحُّ فَلَا يُرَدُّ قَالَ شَيْخُنَا ثُمَّ ظَهَرَ لِي تَسْلِيمُ الْوُرُودِ وَأَنَّهُ لَا مُخَالَفَةَ بَيْنَ مَا فِي السِّرَاجِ وَالتَّبْيِينِ وَذَلِكَ أَنَّ مَا فِي السِّرَاجِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ تَمَلُّكَ مَالِ وَلَدِهِ بِالتَّوْكِيلِ بِشِرَائِهِ أَيْ قَصْدًا وَمَا فِي التَّبْيِينِ إنَّمَا مَلَكَ تَمَلُّكَهُ لِكَوْنِهِ فِي ضِمْنِ التَّوْكِيلِ بِبَيْعِهِ فَمَلَكَ الشِّرَاءَ مَنْ وَكَّلَهُ الْبَيْعَ اهـ. فَإِنْ قَالَ الْأَبُ لِشَخْصٍ: وَكَّلْتُك بِبَيْعِ عَبْدِ ابْنِي مِنِّي كَذَا فِي حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ (قَوْلُهُ وَالْجَوَابُ مَنْعُ عَدَمِ صِحَّتِهِ بِهِ إلَخْ) قَالَ فِي الْحَوَاشِي الْيَعْقُوبِيَّةِ وَلَا يُرَدُّ الِاسْتِقْرَاضُ لِأَنَّ مَحِلَّ الْعَقْدِ مِنْ شُرُوطِهِ وَلَيْسَ بِمَوْجُودٍ فِي التَّوْكِيلِ بِالِاسْتِقْرَاضِ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ الَّتِي يَسْتَقْرِضُهَا الْوَكِيلُ مِلْكُ الْمُقْرِضِ وَالْأَمْرُ بِالتَّصَرُّفِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بَاطِلٌ وَهَذَا مِنْ بَابِ التَّخَلُّفِ الْمَانِعِ وَقَيْدُ عَدَمِ الْمَانِعِ فِي الْأَحْكَامِ الْكُلِّيَّةِ غَيْرُ لَازِمٍ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ التَّوْكِيلَ بِالِاسْتِقْرَاضِ جَائِزٌ فَعَلَى هَذَا لَا نَقْضَ بِهِ عَلَى مَذْهَبِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ. اهـ. وَقَالَ فِي أَوَاخِرِ الْفَصْلِ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ كِتَابِ نُورِ الْعَيْنِ رَجُلٌ بَعَثَ رَجُلًا لِيَسْتَقْرِضَهُ فَأَقْرَضَهُ فَضَاعَ فِي يَدِهِ فَلَوْ قَالَ: أَقْرِضْ لِلْمُرْسِلِ ضَمِنَ مُرْسِلُهُ وَلَوْ قَالَ: أَقْرِضْنِي لِلْمُرْسِلِ ضَمِنَ رَسُولُهُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّوْكِيلَ بِالْإِقْرَاضِ جَائِزٌ لَا بِالِاسْتِقْرَاضِ وَالرِّسَالَةُ بِالِاسْتِقْرَاضِ تَجُوزُ وَلَوْ أَخْرَجَ وَكِيلُ الِاسْتِقْرَاضِ كَلَامَهُ مَخْرَجَ الرِّسَالَةِ يَقَعُ الْقَرْضُ لِلْآمِرِ وَلَوْ مَخْرَجَ الْوَكَالَةِ بِأَنْ أَضَافَهُ إلَى نَفْسِهِ يَقَعُ لِلْوَكِيلِ وَلَهُ مَنْعُهُ مِنْ أَمْرِهِ يَقُولُ الْحَقِيرُ إنَّمَا لَمْ يُجَوِّزُوا التَّوْكِيلَ بِالِاسْتِقْرَاضِ ظَنًّا أَنَّهُ لَا مَحِلَّ فِيهِ لِعَقْدِ الْوَكَالَةِ وَقَدْ أَطَالَ شُرَّاحُ الْهِدَايَةِ الْكَلَامَ فِي هَذَا الْمَقَامِ وَفِي زَمَانِ تَدْرِيسِي كُنْت كَتَبْت فِي هَذَا الْمَبْحَثِ رِسَالَةً طَوِيلَةَ الذُّيُولِ لَطِيفَةً بِحَيْثُ قَبِلَهَا كَثِيرٌ مِنْ الْفُحُولِ وَحَاصِلُهَا أَنَّ مَحِلَّ الْعَقْدِ فِيهِ عِبَارَةُ الْمُوَكِّلِ كَمَا فِي التَّوْكِيلِ بِالنِّكَاحِ وَنَحْوِهِ مِمَّا يَكُونُ فِيهِ الْوَكِيلُ سَفِيرًا مَحْضًا فَلَا بَأْسَ أَصْلًا فِي أَنْ تُسَمَّى الرِّسَالَةُ بِالِاسْتِقْرَاضِ وَكَالَةً كَمَا تُسَمَّى الرِّسَالَةُ بِالنِّكَاحِ وَنَحْوِهِ وَكَالَةً وَيُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْنَاهُ مَا قَالَ الْإِمَامُ الْكَاشَانِيُّ فِي الْبَدَائِعِ: وَيَجُوزُ التَّوْكِيلُ فِي الْقَرْضِ وَالِاسْتِقْرَاضِ وَمَا قَالَ الْإِمَامُ الزَّيْلَعِيُّ أَيْضًا فِي شَرْحِ الْكَنْزِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ التَّوْكِيلَ بِالِاسْتِقْرَاضِ جَائِزٌ لَا يُقَالُ لَوْ كَانَ وَكَالَةً لَمَا دُفِعَ لِلْمُوَكِّلِ فِيمَا إذَا أَضَافَهُ إلَى نَفْسِهِ لِأَنَّا نَقُولُ: حَالُ الْوَكَالَةِ بِالشِّرَاءِ أَيْضًا كَذَلِكَ لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِشِرَاءِ شَيْءٍ لَا بِعَيْنِهِ إذَا اشْتَرَاهُ يَكُونُ هُوَ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الشِّرَاءَ لِمُوَكِّلِهِ إذْ الْعَقْدُ إلَى دَرَاهِمِ مُوَكِّلِهِ كَمَا ذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ اهـ. (قَوْلُهُ وَزَعَمَ) أَيْ الْمُقْرِضُ وَقَوْلُهُ وَأَقَرَّ الرَّسُولُ أَيْ بِالْقَبْضِ رَمْلِيٌّ (قَوْلُهُ لَا يَلْزَمُ الْمُسْتَقْرِضَ شَيْءٌ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَهَلْ يَلْزَمُ الرَّسُولَ الْجَوَابُ؟ لَا لِأَنَّهُ أَمِينٌ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي حَقِّ بَرَاءَةِ نَفْسِهِ لَا فِي لُزُومِ الدَّيْنِ ذِمَّةَ الْمُسْتَقْرِضِ كَرَسُولِ الْمَدْيُونِ بِالدَّيْنِ إلَى الدَّائِنِ إذَا أَنْكَرَ وُصُولَهُ إلَيْهِ وَادَّعَى الرَّسُولُ إيصَالَهُ إلَيْهِ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ لَا فِي حَقِّ بَرَاءَةِ الدَّائِنِ تَأَمَّلْ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 143 وَلَا خِلَافَ فِي الْجَوَازِ إنَّمَا الْخِلَافُ فِي اللُّزُومِ لَهُمَا أَنَّ التَّوْكِيلَ تَصَرُّفٌ فِي خَالِصِ حَقِّهِ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى رِضَا غَيْرِهِ كَالتَّوْكِيلِ بِتَقَاضِي الدُّيُونِ وَلَهُ أَنَّ الْجَوَابَ مُسْتَحَقٌّ عَلَى الْخَصْمِ وَلَهَا يَسْتَحْضِرُهُ وَالنَّاسُ مُتَفَاوِتُونَ فِي الْخُصُومَةِ فَلَوْ قُلْنَا بِلُزُومِهِ يَتَضَرَّرُ بِهِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى رِضَاهُ كَالْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ إذَا كَاتَبَهُ أَحَدُهُمَا يَتَخَيَّرُ الْآخَرُ بِخِلَافِ الْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ لِأَنَّ الْجَوَابَ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهِمَا هُنَالِكَ وَمَرِيدُهُ كَهُوَ لِتَحْقِيقِ الضَّرُورَةِ وَالْمُخَدَّرَةُ لَوْ حَضَرَتْ لَا يُمْكِنُهَا أَنْ تَنْطِقَ بِحَقِّهَا لِحَيَائِهَا فَيَلْزَمُ تَوْكِيلُهَا وَهَذَا شَيْءٌ اسْتَحْسَنَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُخَدَّرَةَ لَا نَصَّ عَلَيْهَا فِي الْمُذْهَبِ وَلِهَذَا قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: أَمَّا عَلَى ظَاهِرِ إطْلَاقِ الْأَصْلِ وَغَيْرِهِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ وَالْمُخَدَّرَةِ وَالْمُبَرَّزَةِ وَالْفَتْوَى عَلَى مَا اخْتَارُوهُ مِنْ ذَلِكَ اهـ. وَالْخُصُومَةُ الْجَدَلُ خَاصَمَهُ مُخَاصَمَةً وَخُصُومَةً فَخَصَمَهُ يَخْصِمُهُ غَلَبَهُ وَهُوَ شَاذٌّ لِأَنَّ فَاعَلْتُهُ فَفَعَلْتُهُ يَرِدُ يَفْعَلُ مِنْهُ إلَى الضَّمِّ إنْ لَمْ تَكُنْ عَيْنُهُ حَرْفَ حَلْقٍ فَإِنَّهُ بِالْفَتْحِ كَفَاخَرَهُ فَفَخَرَهُ وَأَمَّا الْمُعْتَلُّ كَوَجَدْتُ وَبِعْت فَيُرَدُّ إلَى الْكَسْرِ إلَّا ذَوَاتِ الْوَاوِ فَإِنَّهَا تُرَدُّ إلَى الضَّمِّ كَرَاضَيْتُهُ فَرَضَوْتُهُ أَرْضُوهُ وَخَاوَفَنِي أَخُوَّفُهُ وَلَيْسَ فِي كُلِّ شَيْءٍ يُقَالُ نَازَعْتُهُ لِأَنَّهُمْ اسْتَغْنَوْا عَنْهُ بِغَلَبَتِهِ وَاخْتَصَمُوا تَخَاصَمُوا وَالْخَصْمُ الْمُخَاصِمُ وَالْجَمْعُ الْخُصُومُ وَقَدْ يَكُونُ لِلْجَمْعِ وَالِاثْنَيْنِ وَالْمُؤَنَّثِ وَالْخَصْمُ الْمُخَاصِمُ وَالْجَمْعُ خُصَمَاءُ كَذَا فِي الْقَامُوسِ هَذَا مَعْنَاهَا لُغَةً وَأَمَّا شَرْعًا فَهُوَ الْجَوَابُ بِنَعَمْ أَوْ لَا كَمَا سَيَأْتِي وَفَسَّرَهَا فِي الْجَوْهَرَةِ بِالدَّعْوَى الصَّحِيحَةِ أَوْ بِالْجَوَابِ الصَّرِيحِ وَلَوْ وَكَّلَهُ فِي الْخُصُومَةِ لَهُ لَا عَلَيْهِ فَلَهُ إثْبَاتُ مَا لِلْمُوَكِّلِ فَلَوْ أَرَادَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الدَّفْعَ لَمْ تُسْمَعْ كَذَا فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي. وَالْحَاصِلُ أَنَّهَا تُخَصَّصُ بِتَخْصِيصِ الْمُوَكِّلِ وَتُعَمَّمُ بِتَعْمِيمِهِ وَالْأَلْفُ وَاللَّامُ فِي الْحُقُوقِ لِلْجِنْسِ فَشَمِلَ بَعْضًا مُعَيَّنًا وَجَمِيعَهَا وَفِي الْقُنْيَةِ لَوْ رَضِيَ ثُمَّ مَضَى يَوْمٌ فَقَالَ: لَا أَرْضَى لَهُ ذَلِكَ اهـ وَذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ مَعْزِيًّا إلَيْهَا وَالتَّقْيِيدُ بِالْيَوْمِ اتِّفَاقِيٌّ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ أَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ عَنْ الرِّضَا مَا لَمْ يَسْمَعْ الْقَاضِي الدَّعْوَى لِمَا فِي الْقُنْيَةِ أَيْضًا لَوْ ادَّعَى وَكِيلُ الْمُدَّعِي عِنْدَ الْقَاضِي ثُمَّ أَتَى بِشُهُودٍ لِيُقِيمَهَا وَلَمْ يَرْضَ الْخَصْمُ أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْوَكِيلِ وَيُرِيدُ أَنْ يُخَاصِمَ مَعَ الْخَصْمِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ بَعْدَ سَمَاعِ الدَّعْوَى عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَلَوْ وَكَّلَهُ بِكُلِّ حَقٍّ هُوَ لَهُ وَبِخُصُومَتِهِ فِي كُلِّ حَقٍّ لَهُ وَلَمْ يُعَيِّنْ الْمُخَاصِمَ بِهِ وَالْمُخَاصِمَ فِيهِ جَازَ وَإِذَا وَكَّلَهُ بِقَبْضِ كُلِّ حَقٍّ يَحْدُثُ لَهُ وَالْخُصُومَةُ فِيهِ جَائِزٌ أَمْرُهُ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ الدَّيْنُ الْوَدِيعَةُ وَالْعَارِيَّةُ وَكُلُّ حَقٍّ مَلَكَهُ الْمُوَكِّلُ أَمَّا النَّفَقَةُ فَمِنْ الْحُقُوقِ الَّتِي لَا يَمْلِكُهَا كَذَا فِي الْخِزَانَةِ وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَكَّلَهُ بِالْخُصُومَةِ وَلَمْ يُبَيِّنْ أَيَّ الْخُصُومَةِ لَمْ تَجُزْ الْوَكَالَةُ لِأَنَّهَا تَقَعُ فِي الْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ وَأَطْلَقَ فِي الْخَصْمِ فَشَمَلَ الطَّالِبَ وَالْمَطْلُوبَ كَمَا شَمَلَهُمَا الْمُوَكِّلُ وَالشَّرِيفُ وَالْوَضِيعُ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَأَطْلَقَ الْمَرِيضَ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْمَشْيِ عَلَى قَدَمَيْهِ إلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي مُدَّعِيًا كَانَ أَوْ مُدَّعَى عَلَيْهِ وَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْحُضُورِ عَلَى ظَهْرِ الدَّابَّةِ أَوْ ظَهْرِ إنْسَانٍ فَإِنْ زَادَ مَرَضُهُ بِذَلِكَ لَزِمَ تَوْكِيلُهُ فَإِنْ لَمْ يَزِدْ قِيلَ: عَلَى الْخِلَافِ وَالصَّحِيحُ لُزُومُهُ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَفِي الْجَوْهَرَةِ أَمَّا الْمَرِيضُ الَّذِي لَا يَمْنَعُهُ مِنْ الْحُضُورِ فَهُوَ كَالصَّحِيحِ اهـ. وَقَيَّدَ بِمُدَّةِ السَّفَرِ لِأَنَّ مَا دُونَهَا كَالْحَاضِرِ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَفِي الْمُحِيطِ إنْ كَانَ الْمُوَكِّلُ مَرِيضًا أَوْ مُسَافِرًا فَالتَّوْكِيلُ مِنْهُمَا لَا يَلْزَمُ بِدُونِ رِضَا الْخَصْمِ بَلْ يُقَالُ لِلْمُدَّعِي إنْ شِئْت جَوَابَ خَصْمِك فَاصْبِرْ حَتَّى يَرْتَفِعَ الْعُذْرُ وَإِنْ لَمْ تَصْبِرْ فَسَبِيلُك الرِّضَا بِالتَّوْكِيلِ فَإِذَا رَضِيَ لَزِمَهُ بِرِضَاهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ اهـ. وَهُوَ خَاصٌّ بِتَوْكِيلِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَمَا لَا يَخْفَى وَإِرَادَةُ السَّفَرِ أَمْرٌ بَاطِنِيٌّ فَلَا بُدَّ مِنْ دَلِيلِهَا وَهُوَ إمَّا تَصْدِيقُ الْخَصْمِ بِهَا أَوْ الْقَرِينَةُ الظَّاهِرَةُ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إنِّي أُرِيدُ السَّفَرَ لَكِنَّ الْقَاضِيَ يَنْظُرُ فِي حَالِهِ وَفِي عُدَّتِهِ فَإِنَّهَا لَا تَخْفَى هَيْئَةُ مَنْ يُسَافِرُ كَذَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَإِنْ قَالَ: أَخْرُجُ بِالْقَافِلَةِ الْفُلَانِيَّةِ سَأَلَهُمْ عَنْهُ كَمَا فِي فَسْخِ الْإِجَارَةِ. اهـ. وَفِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ وَلَوْ قَالَ: إنِّي أُرِيدُ السَّفَرَ يَلْزَمُ مِنْهُ التَّوْكِيلُ طَالِبًا كَانَ أَوْ مَطْلُوبًا لَكِنْ يَكْفُلُ الْمَطْلُوبُ لِيَتَمَكَّنَ الطَّالِبُ مِنْ اسْتِيفَاءِ دَيْنِهِ وَإِنْ كَذَّبَهُ الْخَصْمُ فِي إرَادَتِهِ السَّفَرَ يُحَلِّفُهُ الْقَاضِي بِاَللَّهِ أَنَّك تُرِيدُ السَّفَرَ اهـ. وَأَمَّا.   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَلَا خِلَافَ فِي الْجَوَازِ إنَّمَا الْخِلَافُ فِي اللُّزُومِ) قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ: يَعْنِي هَلْ تُرَدُّ الْوَكَالَةُ بِرَدِّ الْخَصْمِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ نَعَمْ، وَعِنْدَهُمَا لَا وَيُجْبَرُ وَاخْتَارَهُ أَبُو اللَّيْثِ لِلْفَتْوَى. اهـ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 144 الْمُخَدَّرَةُ فِيهِ فِي اللُّغَةِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ مِنْ الْخِدْرِ كَالْإِخْدَارِ وَالتَّخْدِيرُ بِفَتْحِ الْخَاءِ إلْزَامُ الْبِنْتِ الْخِدْرُ بِكَسْرِ الْخَاءِ وَهُوَ سِتْرٌ يُمَدُّ لِلْجَارِيَةِ فِي نَاحِيَةِ الْبَيْتِ وَهِيَ مَخْدُورَةٌ وَمُخَدَّرَةٌ اهـ. وَفِي الشَّرْعِ هِيَ الَّتِي لَمْ تَجْرِ عَادَتُهَا بِالْبُرُوزِ وَمُخَالَطَةِ الرِّجَالِ قَالَ الْحَلْوَانِيُّ: وَاَلَّتِي تَخْرُجُ فِي حَوَائِجِهَا بَرَزَةً وَقَالَ الْبَزْدَوِيُّ: مَنْ لَا يَرَاهَا غَيْرُ الْمَحَارِمِ مُخَدَّرَةً إذَا لَمْ تُخَالِطْ الرِّجَالَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْفَتَاوَى وَكَلَامُ الْحَلْوَانِيِّ عَلَى هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى الْمُخَالَطَةِ بِالرِّجَالِ وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي كَوْنِهَا مُخَدَّرَةً فَإِنْ كَانَتْ مِنْ بَنَاتِ الْأَشْرَافِ فَالْقَوْلُ لَهَا بِكْرًا أَوْ ثَيِّبًا لِأَنَّهُ الظَّاهِرُ مِنْ حَالِهَا وَفِي الْأَوْسَاطِ قَوْلُهَا لَوْ بِكْرًا وَفِي الْأَسَافِلِ يُقْبَلُ قَوْلُهُمَا فِي الْوَجْهَيْنِ وَالْخُرُوجُ لِلْحَاجَةِ لَا يَقْدَحُ فِيهِ مَا لَمْ يَكْثُرْ بِأَنْ تَخْرُجَ لِغَيْرِ حَاجَةٍ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ بِقَبُولِ تَوْكِيلِ الْمُخَدَّرَةِ إلَى أَنَّ الطَّالِبَ لَيْسَ لَهُ مُخَاصَمَةُ زَوْجِهَا وَلَكِنْ لَا يَمْنَعُهُ الزَّوْجُ مِنْ الْخُصُومَةِ مَعَ وَكِيلِ امْرَأَتِهِ أَوْ مَعَهَا كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ وَفِيهَا امْرَأَةٌ وَكَّلَتْ وَكِيلًا بِالْخُصُومَةِ فَوَجَبَ عَلَيْهَا الْيَمِينُ وَهِيَ لَا تُعْرَفُ بِالْخُرُوجِ وَمُخَالَطَةِ الرِّجَالِ فِي الْحَوَائِجِ يَبْعَثُ إلَيْهَا الْحَاكِمُ ثَلَاثَةً مِنْ الْعُدُولِ يَسْتَحْلِفُهَا أَحَدُهُمْ وَيَشْهَدُ الْآخَرَانِ عَلَى حَلِفِهَا أَوْ نُكُولِهَا اهـ. وَمُرَادُ الْمُؤَلِّفِ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ اسْتِثْنَاءُ الْمُوَكِّلِ إذَا كَانَ لَهُ عُذْرٌ وَلَا يَخْتَصُّ بِالْأَرْبَعَةِ فَشَمَلَ حَيْضُ الْمُدَّعَى عَلَيْهَا إذَا كَانَ الْحُكْمُ فِي الْمَسْجِدِ كَذَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ الطَّالِبُ لَا يَرْضَى بِالتَّأْخِيرِ فِيمَا إذَا كَانَ الْحُكْمُ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ وَأَمَّا إذَا رَضِيَ بِهِ فَلَا يَكُونُ عُذْرًا وَأَمَّا حَيْضُ الطَّالِبَةِ فَهُوَ عُذْرٌ مُطْلَقًا وَالنِّفَاسُ كَالْحَيْضِ كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ وَمِنْ الْعُذْرِ الْحَبْسُ إذَا كَانَ مِنْ غَيْرِ الْقَاضِي الَّذِي تَرَافَعُوا إلَيْهِ ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَكَوْنُهُ مَحْبُوسًا مِنْ الْأَعْذَارِ يَلْزَمُهُ تَوْكِيلُهُ فَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ الشَّاهِدُ مَحْبُوسًا لَهُ أَنْ يُشْهِدَ عَلَى شَهَادَتِهِ قَالَ الْقَاضِي: إنْ كَانَ فِي سِجْنِ الْقَاضِي لَا يَكُونُ عُذْرًا لِأَنَّهُ يُخْرِجُهُ حَتَّى يَشْهَدَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَعَلَى هَذَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِي الدَّعْوَى أَيْضًا كَذَلِكَ بِأَنْ يُجِيبَ عَنْ الدَّعْوَى ثُمَّ يُعَادُ وَلَوْ مُدَّعِيًا يَدَّعِي إنْ لَمْ يُؤَخِّرْ دَعْوَاهُ ثُمَّ يُعَادُ اهـ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُؤَلِّفَ اخْتَارَ قَوْلَ الْإِمَامِ كَمَا هُوَ دَأْبُهُ وَقَدْ اخْتَلَفَ تَرْجِيحُ الْمَشَايِخِ فَأَفْتَى الْفَقِيهُ بِقَوْلِهِمَا وَقَالَ الْغِيَاثِيُّ: وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَبِهِ أَخَذَ الصَّفَّارُ أَيْضًا وَفِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ الْمُخْتَارُ قَوْلُهُمَا وَالشَّرِيفُ وَغَيْرُهُ سَوَاءٌ وَفِي النِّهَايَةِ وَالصَّحِيحُ قَوْلُهُمَا وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ: يُخَيَّرُ الْمُفْتِي قَالَ: وَنَحْنُ نُفْتِي أَنَّ الرَّأْيَ لِلْحَاكِمِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَمِنْ الْمَعْلُومِ الْمُقَرَّرِ أَنَّ تَفْوِيضَ الْخِيَارِ إلَى قُضَاةِ عَهْدِ الْفَسَادِ كَمَا هُوَ الْمُقَرَّرُ مِنْ أَنَّ عِلْمَهُمْ لَيْسَ بِحُجَّةٍ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ إذَا عَلِمَ مِنْ الْآبِي التَّعَنُّتَ فِي إبَاءِ الْوَكِيلِ يُفْتِي بِالْقَبُولِ وَإِنْ عَلِمَ مِنْهُ قَصْدَهُ الْإِضْرَارَ بِالْحِيَلِ كَمَا هُوَ صَنِيعُ وُكَلَاءِ الْمَحْكَمَةِ لَا يُقْبَلُ وَغَرَضُ مَنْ فَوَّضَ الْخِيَارَ إلَى الْقَاضِي مِنْ الْقُدَمَاءِ كَأَنَّ هَذَا لَمَّا عَلِمُوا مِنْ أَحْوَالِ قُضَاتِهِمْ الدَّيْنَ وَالصَّلَاحَ اهـ. وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ الْأَوْلَى أَنْ لَا يَحْضُرَ مَجْلِسَ الْخُصُومَةِ بِنَفْسِهِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْعَامَّةِ وَقَالَ الْبَعْضُ: الْأَوْلَى أَنْ يَحْضُرَ بِنَفْسِهِ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ مِنْ الْحُضُورِ إلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي مِنْ عَلَامَاتِ الْمُنَافِقِينَ وَالْجَوَابُ الرَّدُّ مِنْ الْمُنَافِقِينَ وَالْإِجَابَةُ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اعْتِقَادًا اهـ. وَفِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ وَإِذَا وَكَّلَهُ بِالْخُصُومَةِ عِنْدَ الْقَاضِي فُلَانٍ كَانَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُخَاصِمَهُ إلَى قَاضٍ آخَرَ وَلَوْ وَكَّلَهُ بِالْخُصُومَةِ إلَى فُلَانٍ الْفَقِيهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَهُ إلَى فَقِيهٍ آخَرَ اهـ. وَأَطْلَقَ الْوَكِيلَ بِهَا فَشَمَلَ الصَّبِيَّ الْعَاقِلَ كَمَا فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي وَعَبْدَ الْمَوْلَى فِي خُصُومَتِهِ لِمَا فِي الْخِزَانَةِ عَبْدٌ فِي يَدِ رَجُلٍ فَقَالَ: كُنْت عَبْدًا لِفُلَانٍ وُلِدْت فِي مِلْكِهِ وَقَدْ وَكَّلَنِي بِخُصُومَتِك فِي نَفْسِي لَيْسَ لِمَوْلَاهُ أَنْ يَمْنَعَهُ إذَا كَانَ لِلْعَبْدِ بَيِّنَةٌ عَلَى الْوَكَالَةِ وَلَوْ قَالَ: بَاعَنِي مِنْك وَلَمْ يَقْبِضْ الثَّمَنَ فَوَكَّلَنِي بِقَبْضِ الثَّمَنِ مِنْك فَلِمَوْلَاهُ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ الْخُصُومَةِ اهـ. وَالْقَاضِي وَلَوْ عُزِلَ عَنْ الْقَضَاءِ يَبْقَى عَلَى وَكَالَتِهِ كَمَا فِي قَضَاءِ الْخِزَانَةِ وَمِنْ أَحْكَامِ الْوَكِيلِ بِالْخُصُومَةِ أَنَّ الْحَقَّ إذَا ثَبَتَ عَلَى مُوَكِّلِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ وَلَا يُحْبَسُ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ وَكِيلًا عَامًّا لِأَنَّهَا لَمْ تَنْتَظِمْ الْأَمْرَ بِالْأَدَاءِ وَلَا الضَّمَانَ كَمَا فِي الْخِزَانَةِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ طَرِيقَ إثْبَاتِ الْوَكَالَةِ بِالْخُصُومَةِ أَنْ يَشْهَدُوا بِهَا عَلَى غَرِيمِ الْمُوَكِّلِ سَوَاءٌ كَانَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ الطَّالِبُ لَا يَرْضَى بِالتَّأْخِيرِ إلَخْ) قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ: إنْ كَانَتْ هِيَ طَالِبَةً قُبِلَ مِنْهَا التَّوْكِيلُ بِغَيْرِ رِضَا الْخَصْمِ وَإِنْ كَانَتْ مَطْلُوبَةً إنْ أَخَّرَهَا الطَّالِبُ حَتَّى يَخْرُجَ الْقَاضِي مِنْ الْمَسْجِدِ لَا يُقْبَلُ مِنْهَا التَّوْكِيلُ بِغَيْرِ رِضَا الْخَصْمِ الطَّالِبِ لِأَنَّهُ لَا عُذْرَ لَهَا إلَى التَّوْكِيلِ اهـ. وَقَوْلُ الْمُؤَلِّفِ فِيمَا إذَا كَانَ إلَخْ مُحَرَّفٌ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ كَمَا هُوَ الْمُقَرَّرُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ هُوَ خَبَرَانِ أَيْ الْمُقَرَّرُ فِي هَذَا مِثْلُ الْمُقَرَّرِ فِي ذَلِكَ وَفِي نُسْخَةِ قُضَاةِ الْعَهْدِ فَسَادٌ فَفَسَادُ خَبَرُ إنَّ وَقَوْلُهُ كَمَا هُوَ الْمُقَرَّرُ تَشْبِيهُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَهُ إلَى فَقِيهٍ آخَرَ) كَانَ وَجْهُهُ أَنَّهُ جَعَلَ هَذَا الْفَقِيهَ حَكَمًا فَلَا يَكُونُ الْآخَرُ حَكَمًا بِدُونِ أَمْرِهِ بِخِلَافِ الْقَاضِي الْآخَرِ فَإِنَّ وِلَايَتَهُ ثَابِتَةٌ وَإِنْ لَمْ يَأْمُرْ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَالْقَاضِي) مَعْطُوفٌ عَلَى الصَّبِيِّ (قَوْلُهُ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ طَرِيقَ إثْبَاتِ الْوَكَالَةِ إلَخْ) قَالَ قَاضِي خَانْ وَكَّلَهُ بِقَبْضٍ فَأَقَرَّ الْمَدْيُونُ بِوَكَالَتِهِ وَأَنْكَرَ الدَّيْنَ فَبَرْهَنَ عَلَيْهِ الْوَكِيلُ لَا يُقْبَلُ إذْ الْبَيِّنَةُ لَا تُقْبَلُ إلَّا عَلَى خَصْمٍ وَبِإِقْرَارِ الْمَدْيُونِ لَنْ تَثْبُتَ الْوَكَالَةُ فَلَمْ يَكُنْ خَصْمًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِالْوَكَالَةِ فَقَالَ الْوَكِيلُ: إنِّي أُبَرْهِنُ عَلَى وَكَالَتِي مَخَافَةَ أَنْ يَحْضُرَ الطَّالِبُ وَيُنْكِرَ الْوَكَالَةَ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ وَلَوْ قَامَتْ عَلَى الْمُقِرِّ وَكَذَا وَصِيٌّ أَقَرَّ الْمَدْيُونُ بِوِصَايَتِهِ وَأَنْكَرَ الدَّيْنَ فَأَثْبَتَ الْوَصِيُّ وِصَايَتَهُ بِبَيِّنَةٍ تُقْبَلُ وَكَذَا مَنْ ادَّعَى دَيْنًا عَلَى الْمَيِّتِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 145 مُنْكِرًا لِلْوَكَالَةِ أَوْ مُقِرًّا بِهَا لِيَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهِ كَمَا فِي الْخِزَانَةِ وَلَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَى الْمَالِ حَتَّى تَثْبُتَ الْوَكَالَةُ وَفِي الْقُنْيَةِ لَا تُقْبَلُ مِنْ الْوَكِيلِ بِالْخُصُومَةِ بِبَيِّنَةٍ عَلَى وَكَالَتِهِ مِنْ غَيْرِ خَصْمٍ حَاضِرٍ وَلَوْ قُضِيَ بِهَا صَحَّ لِأَنَّهُ قَضَاءٌ فِي الْمُخْتَلَفِ اهـ. (قَوْلُهُ وَبِإِيفَائِهَا وَاسْتِفْتَائِهَا إلَّا فِي حَدٍّ وَقَوَدِ) أَيْ يَصِحُّ التَّوْكِيلُ بِإِيفَاءِ جَمِيعِ الْحُقُوقِ وَاسْتِيفَائِهَا إلَّا بِالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهَا يُبَاشِرُهُ الْمُوَكِّلُ بِنَفْسِهِ فَيَمْلِكُ التَّوْكِيلَ بِهِ بِخِلَافِ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ فَإِنَّهَا تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ وَالْإِيفَاءُ مِنْ أَوْفَيْت بِهِ إيفَاءً وَأَوْفَيْتُهُ حَقَّهُ وَوَفَّيْتُهُ إيَّاهُ بِالتَّثْقِيلِ كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا دُفِعَ عَلَيْهِ وَالِاسْتِيفَاءُ وَالتَّوَفِّي بِمَعْنًى وَاحِدٍ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الْقَبْضُ فَكَأَنَّهُ يَقُولُ: صَحَّ التَّوْكِيلُ بِدَفْعِ مَا عَلَيْهِ وَيَقْبِضُ مَالَهُ أَمَّا الْأَوَّلُ فَمِنْ مَسَائِلِهِ قَالُوا: لَوْ وَكَّلَهُ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ فَجَاءَ الْوَكِيلُ وَزَعَمَ قَضَاءَهُ وَصَدَّقَهُ مُوَكِّلُهُ فِيهِ فَلَمَّا طَالَبَهُ وَكِيلُهُ بِرَدِّ مَا قَضَاهُ لِأَجْلِهِ قَالَ الْمُوَكِّلُ: أَخَافُ أَنْ يَحْضُرَ الدَّائِنُ وَيُنْكِرَ قَضَاءَ وَكِيلِي وَيَأْخُذُهُ مِنِّي ثَانِيًا لَا يُلْتَفَتُ إلَى قَوْلِ الْمُوَكِّلِ وَيُؤْمَرُ بِالْخُرُوجِ عَنْ حَقِّ وَكِيلِهِ فَإِذَا حَضَرَ الدَّائِنُ وَأَخَذَ مِنْ الْمُوَكِّلِ يَرْجِعُ الْمُوَكِّلُ عَلَى الْوَكِيلِ بِمَا دَفَعَهُ إلَيْهِ وَإِنْ كَانَ صَدَّقَهُ بِالْقَضَاءِ وَفِي كِتَابِ الْحَوَالَةِ أَمَرَهُ بِقَضَاءِ دَيْنِهِ فَقَالَ: قَضَيْت وَصَدَّقَهُ الْآمِرُ فِيهِ ثُمَّ حَلَفَ الدَّائِنُ عَلَى عَدَمِ وُصُولِهِ إلَيْهِ وَأَخَذَهُ مِنْ الْآمِرِ لَا يَرْجِعُ الْمَأْمُورُ عَلَى الْآمِرِ لِأَنَّ الْآمِرَ كَذَبَ فِي إقْرَارِهِ حَيْثُ قَضَى عَلَيْهِ بِالدَّيْنِ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ إنَّمَا يَبْطُلُ بِالْحُكْمِ عَلَى خِلَافِهِ إذَا كَانَ الْحُكْمُ بِالْبَيِّنَةِ أَمَّا بِغَيْرِهَا فَلَا. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُعَلَّلُ لِعَدَمِ رُجُوعِ الْمَأْمُورِ عَلَى الْآمِرِ بِأَنَّ الْمَأْمُورَ وَكِيلٌ بِشِرَاءِ مَا فِي ذِمَّةِ الْآمِرِ بِمِثْلِهِ وَنَقْدِ الثَّمَنِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ وَإِنَّمَا يَرْجِعُ عَلَى الْآمِرِ إذَا سَلِمَ لَهُ مَا فِي ذِمَّتِهِ كَالْمُشْتَرِي إنَّمَا يُؤْمَرُ بِتَسْلِيمِ الثَّمَنِ إلَى الْآمِرِ إذَا سَلِمَ لِلْآمِرِ مَا اشْتَرَى أَمَّا إذَا لَمْ يَسْلَمْ فَلَا وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّ رَبَّ الدَّيْنِ يَرْجِعُ عَلَى الْمَأْمُورِ وَالْمَأْمُورَ يَرْجِعُ عَلَى الْمَدْيُونِ بِمَا قَضَى قَالَ: قَضَيْت دَيْنَك بِأَمْرِك لِفُلَانٍ فَأَنْكَرَ كَوْنَهُ مَدْيُونَ فُلَانٍ وَأَمَرَهُ وَقَضَاهُ أَيْضًا وَالدَّائِنُ غَائِبٌ فَبَرْهَنَ الْمَأْمُورُ عَلَى الدَّيْنِ وَالْأَمْرِ وَالْقَضَاءِ يُحْكَمُ بِالْكُلِّ لِأَنَّ الدَّائِنَ وَإِنْ كَانَ غَائِبًا لَكِنَّهُ عَنْهُ خَصْمٌ حَاضِرٌ فَإِنَّ الْمُدَّعِيَ عَلَى الْغَائِبِ سَبَبٌ لِمَا يَدَّعِي عَلَى الْحَاضِرِ لِأَنَّهُ مَا لَمْ يَقْضِ دَيْنَهُ لَا يَجِبُ لَهُ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَبَيْنَهُمَا اتِّصَالٌ أَيْضًا وَهُوَ الْأَمْرُ وَبَعْدَ السَّبَبِيَّةِ وَالِاتِّصَالِ يَنْتَصِبُ خَصْمًا وَلَوْ قَالَ: لَا تَدْفَعْ الدَّيْنَ إلَّا بِمَحْضَرِ فُلَانٍ فَفَعَلَ بِلَا مَحْضَرِهِ ضَمِنَ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَلَوْ ادَّعَى الْوَكِيلُ أَنَّهُ دَفَعَ بِمَحْضَرِهِ أَوْ قَالَ: لَا تَدْفَعْ إلَّا بِشُهُودٍ فَادَّعَى دَفْعَهُ بِشُهُودٍ وَأَنْكَرَ الدَّائِنُ الْقَبْضَ حَلَفَ الْوَكِيلُ أَنَّهُ دَفَعَ بِشُهُودٍ فَإِذَا حَلَفَ لَمْ يَضْمَنْ كَذَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ. وَلَوْ قَالَ: ادْفَعْهُ بِشُهُودٍ فَدَفَعَ بِغَيْرِهِمْ لَمْ يَضْمَنْ وَأَمَّا الثَّانِي أَعْنِي الْوَكِيلَ بِقَبْضِ الدَّيْنِ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي قَبْضِهِ وَضَيَاعِهِ وَدَفْعِهِ إلَى الْمُوَكِّلِ وَيَبْرَأُ الْغَرِيمُ وَلَوْ كَانَ مِمَّنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِلْوَكِيلِ بِخِلَافِ إقْرَارِهِ بِقَبْضِ الطَّالِبِ وَلَوْ وَجَبَ عَلَى الْوَكِيلِ بِالْقَبْضِ مِثْلُهُ لِمَدْيُونِ مُوَكِّلِهِ وَقَعَتْ الْمُقَاصَّةُ وَكَانَ الْوَكِيلُ مَدْيُونَ الْمُوَكِّلِ وَلَا يَمْلِكُ الْوَكِيلُ بِقَبْضِهِ الْإِبْرَاءَ وَالْهِبَةَ وَأَخَذَ الرَّهْنَ وَمَلَكَ أَخْذَ الْكَفِيلِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ حَيْثُ مَلَكَ الْكُلَّ وَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ بِالْقَبْضِ قَبُولُ الْحَوَالَةِ وَيَصِحُّ التَّوْكِيلُ بِالْقَبْضِ وَالْقَضَاءِ بِلَا رِضَا الْخَصْمِ وَلَا يَنْعَزِلُ بِمَوْتِ الْمَطْلُوبِ وَيَنْعَزِلُ بِمَوْتِ الطَّالِبِ فَلَوْ زَعَمَ الْوَكِيلُ قَبْضَهُ وَتَسْلِيمَهُ إلَى الطَّالِبِ حَالَ حَيَاتِهِ لَمْ يُصَدَّقْ بِلَا حُجَّةٍ فَإِنْ   [منحة الخالق] وَأَحْضَرَ وَارِثًا فَأَقَرَّ الْوَارِثُ بِالدَّيْنِ فَقَالَ الْمُدَّعِي: أَنَا أُثْبِتُ بِبَيِّنَةٍ فَبَرْهَنَ يُقْبَلُ نُورُ الْعَيْنِ. [التَّوْكِيلُ بِإِيفَاءِ جَمِيعِ الْحُقُوقِ وَاسْتِيفَائِهَا] (قَوْلُهُ فَمِنْ مَسَائِلِهِ قَالُوا: لَوْ وَكَّلَهُ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ) أَيْ وَكَّلَهُ بِأَنْ يَدْفَعَ الْوَكِيلُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ إلَى دَائِنِ الْمُوَكِّلِ وَكَذَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ عَنْ كِتَابِ الْحَوَالَةِ أَمَّا لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ دَرَاهِمَ وَقَالَ لَهُ: اقْضِ بِهَا دَيْنِي الَّذِي لِزَيْدٍ فَادَّعَى الْوَكِيلُ الدَّفْعَ إلَى زَيْدٍ الدَّائِنِ وَكَذَّبَهُ كُلٌّ مِنْ الْمُوَكِّلِ وَالدَّائِنِ فَالْقَوْلُ لِلْوَكِيلِ فِي بَرَاءَةِ نَفْسِهِ بِيَمِينِهِ وَالْقَوْلُ لِلدَّائِنِ فِي إنْكَارِهِ الْقَبْضَ بِيَمِينِهِ أَيْضًا كَمَا فِي فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ لَا يَرْجِعُ الْمَأْمُورُ عَلَى الْآمِرِ) أَيْ لَا يَرْجِعُ بِمَا قَضَاهُ بِمَالِ نَفْسِهِ. (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ: لَا تَبِعْ إلَّا بِمَحْضَرِ فُلَانٍ إلَخْ) قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة فِي أَوَاخِرِ الْفَصْلِ الْحَادِيَ عَشَرَ عَازِيًا لِلْمُحِيطِ: نَوْعٌ آخَرُ فِيمَا إذَا حَصَلَ التَّوْكِيلُ بِشَرْطِ مَا يَجِبُ اعْتِبَارُهُ وَمَا لَا يَجِبُ الْأَصْلُ فِي هَذَا النَّوْعِ أَنَّ الْمُوَكِّلَ إذَا شَرَطَ عَلَى الْوَكِيلِ شَرْطًا مُفِيدًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِأَنْ كَانَ يَنْفَعَهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْوَكِيلِ مُرَاعَاةُ شَرْطِهِ أَكَّدَهُ بِالنَّفْيِ أَوْ لَمْ يُؤَكِّدْهُ بَيَانُهُ فِيمَا إذَا قَالَ: بِعْهُ بِخِيَارٍ فَبَاعَهُ بِغَيْرِ خِيَارٍ لَا يَجُوزُ وَإِنْ شَرَطَ فِي الْعَقْدِ شَرْطًا لَا يُفِيدُ أَصْلًا بِأَنْ كَانَ لَا يَنْفَعُهُ بِوَجْهٍ بَلْ يَضُرُّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْوَكِيلِ مُرَاعَاتُهُ أَكَّدَهُ الْمُوَكِّلُ بِالنَّفْيِ أَوْ لَمْ يُؤَكِّدْهُ بَيَانُهُ فِيمَا إذَا قَالَ: بِعْهُ بِأَلْفٍ نَسِيئَةً أَوْ قَالَ: لَا تَبِعْهُ إلَّا بِأَلْفٍ نَسِيئَةً فَبَاعَهُ بِأَلْفٍ نَقْدًا يَجُوزُ عَلَى الْآمِرِ فَإِذَا شَرَطَ شَرْطًا يُفِيدُ مِنْ وَجْهٍ وَلَا يُفِيدُ مِنْ وَجْهٍ بِأَنْ كَانَ يَنْفَعُ مِنْ وَجْهٍ وَلَا يَنْفَعُ مِنْ وَجْهٍ إنْ أَكَّدَهُ بِالنَّفْيِ يَجِبُ مُرَاعَاتُهُ وَإِنْ لَمْ يُؤَكِّدْهُ لَا يَجِبُ مُرَاعَاتُهُ بَيَانُهُ فِيمَا إذَا قَالَ: بِعْهُ فِي سُوقِ كَذَا فَبَاعَهُ فِي سُوقٍ آخَرَ فَإِنْ لَمْ يُؤَكِّدْهُ بِالنَّفْيِ بِأَنْ لَمْ يَقُلْ إلَّا فِي سُوقِ كَذَا فَبَاعَهُ فِي سُوقٍ آخَرَ يَنْفُذُ عَلَى الْآمِرِ وَإِنْ أَكَّدَهُ بِالنَّفْيِ لَا يَنْفُذُ عَلَى الْآمِرِ اهـ. وَتَمَامُ التَّفَارِيعِ فِيهَا فَرَاجِعْهَا (قَوْلُهُ فَلَوْ زَعَمَ الْوَكِيلُ قَبْضَهُ وَتَسْلِيمَهُ إلَى الطَّالِبِ إلَخْ) قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ: كُلُّ أَمِينٍ ادَّعَى إيصَالَ الْأَمَانَةِ إلَى مُسْتَحِقِّهَا قُبِلَ قَوْلُهُ كَالْمُودَعِ وَالْوَكِيلِ وَالنَّاظِرِ إلَّا فِي الْوَكِيلِ بِقَبْضِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 146 احْتَالَ الطَّالِبُ بِالْمَالِ بَعْدَ التَّوْكِيلِ عَلَى إنْسَانٍ لَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُطَالِبَ الْمُحِيلَ وَالْمُحْتَالَ فَلَوْ تَوَى الْمَالُ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ وَعَادَ الدَّيْنُ عَلَى الْمُحِيلِ فَالْوَكِيلُ يَمْلِكُ الطَّلَبَ وَلَوْ كَانَ بِالْمَالِ كَفِيلٌ أَوْ أَخَذَ الطَّالِبُ كَفِيلًا بَعْدَ التَّوْكِيلِ لَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَتَقَاضَى الْكَفِيلَ وَلِلْوَكِيلِ بِالْقَبْضِ قَبْضُ بَعْضِهِ إلَّا إذَا نَصَّ عَلَى أَنْ لَا يَقْبِضَ إلَّا الْكُلَّ مَعًا اهـ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْوَكِيلَ بِقَبْضِ الدَّيْنِ يُخَالِفُ الْوَكِيلَ بِالْبَيْعِ وَقَبْضِ الثَّمَنِ فِي مَسَائِلَ فَلَوْ كَفَلَ الْوَكِيلُ بِقَبْضِ الثَّمَنِ الْمُشْتَرِيَ صَحَّتْ وَلَوْ كَفَلَ الْوَكِيلَ بِالْبَيْعِ لَمْ تَصِحَّ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْوَكِيلِ بِقَبْضِ الدَّيْنِ بِهِ عَلَى الْمَدْيُونِ كَمَا فِي شَهَادَاتِ الْبَزَّازِيَّةِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ وَلَوْ بَاعَ الْوَكِيلُ وَقَبَضَ الثَّمَنَ ثُمَّ رَدَّ الْمَبِيعَ بِعَيْبٍ بَعْدَمَا دَفَعَ الثَّمَنَ لِلْمُوَكِّلِ فَلِلْمُشْتَرِي مُطَالَبَةُ الْوَكِيلِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِقَبْضِ الثَّمَنِ لَا مُطَالَبَةَ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ وَلَا يَصِحُّ إبْرَاءُ الْوَكِيلِ بِالْقَبْضِ وَلَا حَطُّهُ وَلَا أَخْذُهُ الرَّهْنَ وَلَا تَأْجِيلُهُ وَلَا قَبُولُ الْحَوَالَةِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ وَقَوْلُهُ إلَّا فِي حَدٍّ وَقَوَدٍ اسْتِثْنَاءٌ مِنْهُمَا لَكِنْ فِي الْإِيفَاءِ عَلَى إطْلَاقِهِ وَفِي الِاسْتِيفَاءِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ الْمُوَكِّلُ غَائِبًا وَأَمَّا إذَا كَانَ حَاضِرًا وَأَمَرَ بِاسْتِيفَائِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَعَلَّلَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِاحْتِمَالِ الْعَفْوِ الْمَنْدُوبِ إلَيْهِ بِخِلَافِ حَالِ حَضْرَتِهِ لِانْعِدَامِ الشُّبْهَةِ وَبِخِلَافِ حَالِ غَيْبَةِ الشُّهُودِ حَيْثُ يَسْتَوْفِيَانِ حَالَ غَيْبَتِهِمْ وَإِنْ كَانَ رُجُوعُهُمْ مُحْتَمَلًا لِأَنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُهُ احْتِرَازًا عَنْ الْكَذِبِ وَالْفِسْقِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُؤَلِّفُ التَّوْكِيلَ بِإِثْبَاتِهِمَا لِدُخُولِهِمَا تَحْتَ قَوْلِهِ وَبِالْخُصُومَةِ فِي الْحُقُوقِ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِإِثْبَاتِهِمَا هُوَ التَّوْكِيلُ بِالْخُصُومَةِ فِيهِمَا وَاخْتُلِفَ فِيهِ فَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْجَوَازِ قَوْلُ الْإِمَامِ وَخَالَفَ أَبُو يُوسُفَ نَظَرًا إلَى مُجَرَّدِ النِّيَابَةِ وَرُدَّ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ لَهَا وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ حُكْمُ نَائِبِ الْقَاضِي فِيهِمَا وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ مُضْطَرِبٌ وَعَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ التَّوْكِيلُ بِالْجَوَابِ مِنْ جَانِبٍ عَلَيْهِ وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَلَكِنْ لَا يَصِحُّ إقْرَارُ الْوَكِيلِ عَلَى مُوَكِّلِهِ بِأَنْ قَالَ: قَتَلَ مُوَكِّلِي الْقَتِيلَ الَّذِي يَدَّعِيهِ الْوَلِيُّ لِشُبْهَةِ عَدَمِ الْأَمْرِ بِذَلِكَ. (قَوْلُهُ وَالْحُقُوقُ فِيمَا يُضِيفُهُ الْوَكِيلُ إلَى نَفْسِهِ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالصُّلْحِ عَنْ إقْرَارٍ تَتَعَلَّقُ بِالْوَكِيلِ إنْ لَمْ يَكُنْ مَحْجُورًا كَتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ وَقَبْضِهِ وَقَبْضِ الثَّمَنِ وَالرُّجُوعِ عِنْدَ الِاسْتِحْقَاقِ وَالْخُصُومَةِ فِي الْعَيْبِ) لِأَنَّ الْوَكِيلَ هُوَ الْعَاقِدُ حَقِيقَةً لِأَنَّ الْعَقْدَ يَقُومُ بِالْكَلَامِ وَصِحَّةِ عِبَارَتِهِ لِكَوْنِهِ آدَمِيًّا وَكَذَا حُكْمًا لِأَنَّهُ يَسْتَغْنِي عَنْ إضَافَةِ الْعَقْدِ إلَى الْمُوَكِّلِ وَلَوْ كَانَ سَفِيرًا عَنْهُ مَا اسْتَغْنَى عَنْ ذَلِكَ كَالرَّسُولِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ أَصِيلًا فِي الْحُقُوقِ فَتَتَعَلَّقُ بِهِ وَفِي النِّهَايَةِ حَتَّى لَوْ حَلَفَ الْمُشْتَرِي مَا لِلْمُوَكِّلِ عَلَيْهِ شَيْءٌ كَانَ بَارًّا فِي يَمِينِهِ وَلَوْ حَلَفَ مَا لِلْوَكِيلِ عَلَيْهِ شَيْءٌ كَانَ حَانِثًا اهـ. وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فِيمَا يُضِيفُهُ الْوَكِيلُ فِي كُلِّ عَقْدٍ لَا بُدَّ مِنْ إضَافَتِهِ إلَيْهِ لِيَنْفُذَ عَلَى الْمُوَكِّلِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ -   [منحة الخالق] الدَّيْنِ إذَا ادَّعَى بَعْدَ مَوْتِ الْمُوَكِّلِ أَنَّهُ قَبَضَهُ وَدَفَعَهُ لَهُ فِي حَيَاتِهِ لَمْ يُقْبَلْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِقَبْضِ الْعَيْنِ وَالْفَرْقُ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ. اهـ. وَأَقُولُ: تَعَقَّبَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الْوَلْوَالِجيَّةِ وَغَيْرِهَا مِنْ كُتُبِ الْمَذْهَبِ بِأَنَّ دَعْوَى الْوَكِيلِ الْإِيصَالَ تُقْبَلُ لِبَرَاءَتِهِ بِكُلِّ حَالٍ. وَأَمَّا سِرَايَةُ قَوْلِهِ عَلَى مُوَكِّلِهِ لِيَبْرَأَ غَرِيمُهُ فَهُوَ خَاصٌّ بِمَا إذَا ادَّعَى الْوَكِيلُ حَالَ حَيَاةِ مُوَكِّلُهُ وَأَمَّا بَعْدَ مَوْتِهِ فَلَا تَثْبُتُ بَرَاءَةُ الْغَرِيمِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ أَوْ تَصْدِيقِ الْوَرَثَةِ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ فِي الرِّسَالَةِ الْمُسَمَّاةِ بِمِنَّةِ الْجَلِيلِ فِي قَبُولِ قَوْلِ الْوَكِيلِ كَذَا فِي حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ قُلْت وَلِلْعَلَّامَةِ الْمَقْدِسِيَّ أَيْضًا رِسَالَةٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ذَكَرَهَا الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي مَجْمُوعَةِ رَسَائِلِهِ عَقِبَ الرِّسَالَةِ الَّتِي أَلَّفَهَا وَاسْتَشْهَدَ عَلَى مَا ادَّعَاهُ فَارْجِعْ إلَى تِلْكَ الرِّسَالَتَيْنِ فَقَدْ أَشْبَعَا الْكَلَامَ فِيهِمَا جَزَاهُمَا اللَّهُ تَعَالَى خَيْرًا (قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فِيمَا يُضِيفُهُ الْوَكِيلُ إلَخْ) أَقُولُ: قَالَ الْغَزِّيِّ وَفِي الْمُجْتَبَى قُلْت: كُلُّ عَقْدٍ يُضِيفُهُ الْوَكِيلُ إلَى نَفْسِهِ وَيَسْتَغْنِي عَنْ إضَافَتِهِ إلَى الْمُوَكِّلِ لَا أَنَّهُ شَرْطٌ وَلِهَذَا لَوْ أَضَافَ الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ الشِّرَاءَ إلَى الْمُوَكِّلِ صَحَّ بِالْإِجْمَاعِ وَقَوْلُهُ وَكُلُّ عَقْدٍ يُضِيفُهُ إلَى مُوَكِّلِهِ كَالنِّكَاحِ مُرَادُهُ أَنَّهُ لَا يَسْتَغْنِي عَنْ الْإِضَافَةِ إلَى مُوَكِّلِهِ حَتَّى لَوْ أَضَافَهُ إلَى نَفْسِهِ لَا يَصِحُّ فَلَفْظُ الْإِضَافَةِ وَاحِدٌ وَمُرَادُهُ مُخْتَلِفٌ اهـ. وَهَذَا شَاهِدٌ لِمَا فَهِمَهُ شَارِحُ الْمَجْمَعِ. اهـ. خَيْرُ الدِّينِ. فَقَدْ أَفَادَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ شَارِحُ الْمَجْمَعِ أَوْجُهُ وَأَنَّ فِي قَوْلِهِ لَا بُدَّ مِنْ إضَافَتِهِ إلَخْ نَظَرًا كَمَا أَفَادَهُ الْعَلَائِيُّ فِي شَرْحِ التَّنْوِيرِ وَلَا حَاجَةَ إلَى إخْرَاجِ الْعِبَارَةِ عَنْ ظَاهِرِهَا تَأَمَّلْ وَقَدْ ذَكَرَ الرَّمْلِيُّ مِثْلَ مَا فِي الْمَجْمَعِ فِي حَاشِيَةٍ تَأْتِي بَعْدَ أَوْرَاقٍ كَذَا بِخَطِّ مُنْلَا عَلِيٍّ التُّرْكُمَانِيِّ قُلْت: وَمَا ذَكَرَهُ شَارِحُ الْمَجْمَعِ عَزَاهُ لِلْفُصُولِ فَلْيُتَأَمَّلْ فِي التَّوْفِيقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ مَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا أَجَازَ الْمُوَكِّلُ الْعَقْدَ فَلَا يُنَافِي مَا ذَكَرَهُ الصَّفَّارُ وَإِذَا صَحَّ هَذَا التَّوْفِيقُ ظَهَرَ الْجَوَابُ عَمَّا نُقِلَ عَنْ الْمَقْدِسِيَّ مِنْ قَوْلِهِ ثُمَّ إذَا أَجَازَ الْمُوَكِّلُ ذَلِكَ هَلْ تَرْجِعُ الْحُقُوقُ إلَى الْوَكِيلِ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ اللَّاحِقَةَ كَالْوَكَالَةِ السَّابِقَةِ اهـ. وَهَذَا التَّعْلِيلُ مُؤَيِّدٌ لِلتَّوْفِيقِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَفِي حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ وَتَعْبِيرُ ابْنِ الْكَمَالِ بِقَوْلِهِ يَكْتَفِي بِالْإِضَافَةِ إلَى نَفْسِهِ صَرِيحٌ فِي أَنَّ إضَافَتَهُ إلَى نَفْسِهِ لَيْسَ بِلَازِمٍ فَيَتَّجِهُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْمَلَكِ وَيَسْقُطُ مَا اعْتَرَضَهُ فِي الْبَحْرِ وَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ لَا يُنَافِي جَوَازَ الْإِضَافَةِ إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا وَإِنْ كَانَ اللُّزُومُ عَلَى الْمُوَكِّلِ فِيمَا إذَا لَمْ يُضِفْ الْوَكِيلُ الْعَقْدَ إلَى نَفْسِهِ بِأَنْ أَضَافَهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 147 ظَاهِرَ الْعِبَارَةِ مِنْ أَنَّهُ قَدْ يُضِيفُهُ وَقَدْ لَا يُضِيفُهُ فَإِنْ أَضَافَهُ إلَى نَفْسِهِ تَتَعَلَّقُ بِالْوَكِيلِ وَإِنْ أَضَافَهُ إلَى مُوَكِّلِهِ تَتَعَلَّقُ بِالْمُوَكِّلِ كَمَا فَهِمَهُ ابْنُ الْمَلَكِ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ وَكِيلُ شِرَاءِ الْعَبْدِ جَاءَ لِي مَالِكُهُ فَقَالَ: بِعْت هَذَا الْعَبْدَ مِنْ الْمُوَكِّلِ وَقَالَ الْوَكِيلُ: قَبِلْت لَا يَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ لِأَنَّهُ خَالَفَ حَيْثُ أَمَرَهُ أَنْ لَا تَرْجِعَ إلَيْهِ الْعُهْدَةُ وَقَدْ رَجَعَ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الصَّفَّارُ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْوَكِيلَ يَصِيرُ فُضُولِيًّا وَيَتَوَقَّفُ الْعَقْدُ عَلَى إجَازَةِ الْمُوَكِّلِ. اهـ. وَفِي الْجَوْهَرَةِ وَكَّلَهُ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ عَلَى أَنْ لَا تَتَعَلَّقَ بِهِ الْحُقُوقُ لَا يَصِحُّ هَذَا الشَّرْطُ وَقَيَّدَ بِالْوَكِيلِ لِأَنَّ الرَّسُولَ لَا تَرْجِعُ الْحُقُوقُ إلَيْهِ وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ رَسُولٌ وَقَالَ الْبَائِعُ: إنَّهُ وَكِيلٌ وَطَالَبَهُ بِالثَّمَنِ فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي وَالْبَيِّنَةُ عَلَى الْبَائِعِ إلَيْهِ أُشِيرَ فِي بُيُوعِ الْخَانِيَّةِ وَشَرْطُهُ الْإِضَافَةُ إلَى مُرْسِلِهِ لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَالرَّسُولُ فِي الْبَيْعِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالنِّكَاحِ إذَا أَخْرَجَ الْكَلَامَ مَخْرَجَ الْوَكَالَةِ بِأَنْ أَضَافَ إلَى نَفْسِهِ بِأَنْ قَالَ: طَلَّقْتُك وَبِعْتُك وَزَوَّجْت فُلَانَةَ مِنْك لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الرِّسَالَةَ لَا تَتَضَمَّنُ الْوَكَالَةَ لِأَنَّهَا فَوْقَهَا وَإِنْ أَخْرَجَ مَخْرَجَ الرِّسَالَةِ جَازَ بِأَنْ يَقُولَ: إنَّ مُرْسِلِي يَقُولُ: بِعْت مِنْك هـ وَفِي الْمُحِيطِ الْوَكِيلُ بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ يَقَعُ الْعَقْدُ وَالْمِلْكُ لِلْمُوَكِّلِ وَإِنْ لَمْ يُضِفْ الْعَقْدَ إلَيْهِ إلَّا إذَا وَكَّلَ الْعَبْدَ فِي شِرَاءِ نَفْسِهِ لَهُ مِنْ مَوْلَاهُ وَأَطْلَقَ فِي الْوَكِيلِ فَشَمَلَ مَا إذَا كَانَ حَاضِرًا وَمَا إذَا كَانَ غَائِبًا لِمَا فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى لَا تَنْتَقِلُ الْحُقُوقُ إلَى الْمُوَكِّلِ فِيمَا يُضَافُ إلَى الْوَكِيلِ مَا دَامَ الْوَكِيلُ حَيًّا وَإِنْ كَانَ غَائِبًا اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ بَاعَ وَغَابَ لَا يَكُونُ لِلْمُوَكِّلِ قَبْضُ الثَّمَنِ وَمَا إذَا مَاتَ الْوَكِيلُ لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ إنْ مَاتَ الْوَكِيلُ عَنْ وَصِيٍّ قَالَ الْفَضْلِيُّ: تَنْتَقِلُ الْحُقُوقُ إلَى وَصِيِّهِ لَا الْمُوَكِّلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَصِيٌّ يُرْفَعُ إلَى الْحَاكِمِ يَنْصِبُ وَصِيًّا عِنْدَ الْقَبْضِ وَهُوَ الْمَعْقُولُ وَقِيلَ: يَنْتَقِلُ إلَى مُوَكِّلِهِ وِلَايَةُ قَبْضِهِ فَيُحْتَاطُ عِنْدَ الْفَتْوَى. اهـ. وَمَا إذَا كَانَ الْمُوَكِّلُ حَاضِرًا وَقْتَ عَقْدِ الْوَكِيلِ وَمَا إذَا كَانَ غَائِبًا لِمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالْوَكِيلُ لَوْ بَاعَ   [منحة الخالق] إلَى الْمُوَكِّلِ يَتَوَقَّفُ عَلَى صُدُورِ الْإِجَازَةِ مِنْهُ ثُمَّ رَأَيْت فِي الزَّيْلَعِيِّ مِنْ بَابِ الْوَكَالَةِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ التَّصْرِيحَ بِعَدَمِ اللُّزُومِ حَيْثُ قَالَ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ لَا يَشْتَرِيهِ لِنَفْسِهِ مَا نَصُّهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً مُعَيَّنَةً حَيْثُ جَازَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِهَا لِأَنَّ النِّكَاحَ الَّذِي أَتَى بِهِ الْوَكِيلُ غَيْرُ دَاخِلٍ تَحْتَ أَمْرِهِ لِأَنَّ الدَّاخِلَ تَحْتَ وَكَالَةِ نِكَاحٍ مُضَافٌ إلَى الْمُوَكِّلِ وَفِي الْوَكَالَةِ بِالشِّرَاءِ الدَّاخِلِ فِيهَا بِشِرَاءٍ مُطْلَقٌ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِالْإِضَافَةِ إلَى أَحَدٍ فَكُلُّ شَيْءٍ أَتَى بِهِ لَا يَكُونُ مُخَالِفًا إلَخْ فَهُوَ صَرِيحٌ فِيمَا ذَكَرَهُ ابْنُ مَلَكٍ وَصَرِيحٌ أَيْضًا فِي أَنَّ الْوَكِيلَ إذَا أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى الْمُوَكِّلِ لَا يَكُونُ مُخَالِفًا وَيَلْزَمُهُ الْعَقْدُ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهِ خِلَافًا لِمَا سَبَقَ عَلَى الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ اهـ. مُلَخَّصًا. أَقُولُ: وَفِي نُورِ الْعَيْنِ رَامِزًا لِلْجَامِعِ الْأَصْغَرِ أَمَرَهُ بِشِرَاءِ قِنٍّ بِأَلْفٍ فَقَالَ مَالِكُهُ: بِعْت قِنِّي هَذَا مِنْ فُلَانٍ الْمُوَكِّلِ فَقَالَ الْوَكِيلُ: قَبِلْت لَزِمَ الْوَكِيلَ إذَا أَمَرَهُ الْوَكِيلُ أَنْ يَقْبَلَ عَنْ نَفْسِهِ لِيَلْزَمَ الْعُهْدَةَ عَلَى الْوَكِيلِ فَخَالَفَ بِقَبُولِهِ عَلَى مُوَكِّلِهِ قَاضِي خَانْ فِيهِ نَظَرٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمَ الْمُوَكِّلَ أَوْ يَتَوَقَّفَ عَلَى إجَازَتِهِ إذْ الْوَكِيلُ لَمَّا خَالَفَ صَارَ كَأَنَّ الْبَائِعَ قَالَ ابْتِدَاءً بِعْت عَبْدِي مِنْ فُلَانٍ بِكَذَا وَقَالَ الْوَكِيلُ: قَبِلْت يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الْمُوَكِّلِ وَلَا يَصِيرُ الْوَكِيلُ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ يَقُولُ الْحَقِيرُ أَصَابَ فِي إيرَادِ النَّظَرِ لَكِنَّهُ أَهْمَلَ جَانِبَ قَوْلِهِ يَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ حَيْثُ لَمْ يُعَلِّلْهُ بَلْ أَفَادَ بِمَا ذَكَرَهُ مِنْ تَعْلِيلِ التَّوَقُّفِ عَلَى الْإِجَازَةِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ بَلْ يَتَوَقَّفُ فَبَيْنَ كَلَامَيْهِ تَنَافٍ غَيْرُ خَافٍ عَلَى ذِي فَهْمٍ صَافٍ ثُمَّ إنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ بَلْ يَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ لِمَا مَرَّ فِي شِرَاءِ الْفُضُولِيِّ نَقْلًا عَنْ (شحي) أَنَّ الْفُضُولِيَّ لَوْ شَرَى شَيْئًا وَأَضَافَ عَقْدَ الشِّرَاءِ إلَى مَنْ شَرَى لَهُ بِأَنْ قَالَ لِبَائِعِهِ: بِعْهُ مِنْ فُلَانٍ وَلَوْ قَالَ: شَرَيْتُهُ لِفُلَانٍ فَقَالَ بَائِعُهُ: بِعْت أَوْ قَالَ: بِعْتُهُ مِنْك لِفُلَانٍ فَقَالَ الْمُشْتُ رِيّ: قَبِلْت نَفَذَ عَلَى نَفْسِهِ وَلَمْ يَتَوَقَّفْ وَهَذَا لَوْ لَمْ يَسْبِقْ مِنْ فُلَانٍ التَّوْكِيلُ وَلَا الْأَمْرُ فَلَوْ سَبَقَ أَحَدُهُمَا فَشَرَى الْوَكِيلُ نَفَذَ عَلَى مُوَكِّلِهِ وَإِنْ أَضَافَ الْوَكِيلُ الشِّرَاءَ إلَى نَفْسِهِ وَعَلَى الْوَكِيلِ الْعُهْدَةُ اهـ. يَقُولُ الْحَقِيرُ وَظَهَرَ بِقَوْلِهِ وَعَلَى الْوَكِيلِ الْعُهْدَةُ أَنَّ الْوَكِيلَ لَمْ يُخَالِفْ مُوَكِّلَهُ كَمَا ظَنَّهُ الْإِمَامُ قَاضِي خَانْ تَبَعًا لِصَاحِبِ الْجَامِعِ الْأَصْغَرِ غَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ أَوْ يَكُونَ أَحَدُ مَا ذُكِرَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَفَتَاوَى قَاضِي خَانْ غَيْرُ صَوَابٍ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى ذَوِي الْأَلْبَابِ. اهـ. وَمُرَادُهُ بِمَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ مَا رَمَزَهُ بِقَوْلِهِ (شحي) وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا مَرَّ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ فَتَأَمَّلْ فِي هَذَا الْمَحِلِّ فَإِنَّهُ مِنْ مَدَاحِضِ الْإِقْدَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ (قَوْلُهُ وَأَطْلَقَ فِي الْوَكِيلِ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ حَاضِرًا وَمَا إذَا كَانَ غَائِبًا) قَالَ فِي مِنَحِ الْغَفَّارِ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَالْوَكِيلُ لَوْ بَاعَ بِحَضْرَةِ الْمُوَكِّلِ فَالْعُهْدَةُ عَلَى الْوَكِيلِ وَحَضْرَةُ الْمُوَكِّلِ وَغَيْبَتُهُ سَوَاءٌ وَفِي الْجَوْهَرَةِ الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ إذَا بَاعَ وَالْمُوَكِّلُ حَاضِرٌ تَكُونُ الْعُهْدَةُ عَلَى الْوَكِيلِ أَوْ عَلَى الْمُوَكِّلِ قَالَ: الْعُهْدَةُ عَلَى مَنْ أَخَذَ مِنْهُ الثَّمَنَ لَا عَلَى مَنْ بَاشَرَ الْعَقْدَ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْأَقَاوِيلِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ الْإِمَامَ شَيْخَ الْإِسْلَامِ أَبَا الْمَعَالِي ذَكَرَ فِي مُخْتَصَرِهِ أَنَّ الْعُهْدَةَ عَلَى الْمُوَكِّلِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ حَاضِرًا كَانَ كَالْمُبَاشِرِ بِنَفْسِهِ فَعَلَيْهِ الْعُهْدَةُ وَذَكَرَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى أَنَّ الْعُهْدَةَ عَلَى الْوَكِيلِ وَحَضْرَةُ الْمُوَكِّلِ وَغَيْبَتُهُ سَوَاءٌ وَالْجَوَابُ الْمُعْتَمَدُ مَا ذَكَرْنَا أَوَّلًا. اهـ. (قَوْلُهُ وَهُوَ الْمَعْقُولُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَسَيَجْزِمُ أَعْنِي الْبَزَّازِيَّ بِمَا هُوَ الْمَعْقُولُ كَمَا فِي هَذَا الشَّرْحِ مَنْقُولٌ آخَرُ هَذِهِ الْمَقُولَةُ وَسَيُصَرِّحُ هَذَا الشَّارِحُ بِأَنَّهُ أَفْتَى بِهِ بَعْدَمَا احْتَاطَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 148 بِحَضْرَةِ الْمُوَكِّلِ فَالْعُهْدَةُ عَلَى الْوَكِيلِ وَحَضْرَةُ الْمُوَكِّلِ وَغَيْبَتُهُ سَوَاءٌ وَلَوْ وَكَّلَ الْوَكِيلُ بِغَيْرِ إذْنٍ وَتَعْمِيمٍ فَبَاعَ بِحَضْرَةِ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ جَازَ وَالْعُهْدَةُ عَلَى الْوَكِيلِ الثَّانِي اهـ. وَقَوْلُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ مَحْجُورًا شَامِلٌ لِلْحُرِّ الَّذِي لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ وَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ وَالصَّبِيِّ الْمَأْذُونِ وَلَمْ يَذْكُرْ شَارِحُو الْهِدَايَةِ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ بِالسَّفَهِ هُنَا وَإِنَّمَا زِدْتُهُ هُنَا لِدُخُولِهِ تَحْتَ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ فِي كَلَامِهِمْ وَلِقَوْلِ قَاضِي خَانْ فِي الْحَجْرِ إنَّ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ بِالسَّفَهِ بِمَنْزِلَةِ الصَّبِيِّ إلَّا فِي أَرْبَعَةٍ فَلَا تَلْزَمُهُ عُهْدَةٌ كَهُوَ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْعُهْدَةَ عَلَى الْمَأْذُونِ مُطْلَقًا وَفَصَلَ فِي الذَّخِيرَةِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ وَكِيلًا بِالْبَيْعِ فَالْعُهْدَةُ عَلَيْهِ سَوَاءٌ بَاعَ بِثَمَنٍ حَالٍّ أَوْ مُؤَجَّلٍ وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ وَكِيلًا بِالشِّرَاءِ فَإِنْ كَانَ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ فَهِيَ عَلَى الْمُوَكِّلِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْكَفَالَةِ وَإِنْ كَانَ بِثَمَنٍ حَالٍّ فَهِيَ عَلَى الْوَكِيلِ لِكَوْنِهِ ضَمَانَ ثَمَنٍ. اهـ. وَخَالَفَ فِي الْإِيضَاحِ فِيمَا إذَا اشْتَرَى بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ فَجَعْلُهُ الشِّرَاءَ لَهُ لَا لِلْمُوَكِّلِ لِأَنَّ الشِّرَاءَ لِلْمُوَكِّلِ وَالْعُهْدَةَ عَلَيْهِ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ وَإِيضَاحُهُ فِي الشَّرْحِ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ مَحْجُورًا لِأَنَّ الْمَحْجُورَ تَتَعَلَّقُ الْحُقُوقُ بِمُوَكِّلِهِ كَالرَّسُولِ وَالْقَاضِي وَأَمِينِهِ وَلَوْ قَبَضَهُ مَعَ هَذَا صَحَّ قَبْضُهُ لِأَنَّهُ هُوَ الْعَاقِدُ فَكَانَ أَصِيلًا فِيهِ وَانْتِفَاءُ اللُّزُومِ لَا يَدُلُّ عَلَى انْتِفَاءِ الْجَوَازِ ثُمَّ الْعَبْدُ إذَا عَتَقَ تَلْزَمُهُ تِلْكَ الْعُهْدَةُ وَالصَّبِيُّ إذَا بَلَغَ لَا تَلْزَمُهُ لِأَنَّ الْمَانِعَ الْمَوْلَى مَعَ أَهْلِيَّتِهِ وَقَدْ زَالَ وَفِي الصَّبِيِّ حَقُّ نَفْسِهِ وَلَا يَزُولُ بِالْبُلُوغِ وَلَوْ وَقَعَ التَّنَازُعُ فِي كَوْنِهِ مَحْجُورًا أَوْ مَأْذُونًا حَالَ كَوْنِهِ وَكِيلًا لَمْ أَرَهُ وَفِي الْخَانِيَّةِ مِنْ الْحَجْرِ عَبْدٌ اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ شَيْئًا فَقَالَ الْبَائِعُ: لَا أُسَلِّمُ إلَيْك الْمَبِيعَ لِأَنَّك مَحْجُورٌ وَقَالَ الْعَبْدُ: أَنَا مَأْذُونٌ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْعَبْدِ فَإِنْ أَقَامَ الْبَائِعُ بَيِّنَةً عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ أَقَرَّ أَنَّهُ مَحْجُورٌ قَبْلَ أَنْ يَتَقَدَّمَ إلَى الْقَضَاءِ بَعْدَ الشِّرَاءِ لَمْ تُقْبَلْ بَيِّنَتُهُ ثُمَّ قَالَ: عَبْدٌ بَاعَ مِنْ رَجُلٍ شَيْئًا ثُمَّ قَالَ: هَذَا الَّذِي بِعْتُك لِمَوْلَايَ وَأَنَا مَحْجُورٌ وَقَالَ الْمُشْتَرِي: بَلْ أَنْت مَأْذُونٌ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُشْتَرِي وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْعَبْدِ اهـ. وَحَاصِلُهُمَا أَنَّ الْقَوْلَ لِمَنْ يَدَّعِي الْإِذْنَ لِأَنَّ الْأَصْلَ النَّفَاذُ وَإِقْدَامُهُمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَمِنْ هُنَا يَقَعُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ مَا إذَا كَانَ وَكِيلًا فَإِنَّ النَّفَاذَ حَاصِلٌ بِدُونِ الْإِذْنِ وَلُزُومُ الْعُهْدَةِ شَيْءٌ آخَرُ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقْبَلَ قَوْلُ الْعَبْدِ أَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ لِتَنْتَفِي الْعُهْدَةُ عَنْهُ وَشَمَلَ كَلَامُهُ الْمُرْتَدَّ فَإِنَّ الْعُهْدَةَ عَلَيْهِ لَكِنْ مَوْقُوفَةٌ عِنْدَ الْإِمَامِ فَإِنْ أَسْلَمَ كَانَتْ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَعَلَى الْمُوَكِّلِ وَعِنْدَهُمَا هِيَ عَلَيْهِ مُطْلَقًا وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ لِلْوَكِيلِ بِالْإِجَارَةِ قَبْضَ الْأُجْرَةِ وَعَلَيْهِ تَسْلِيمُ الْعَيْنِ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَفِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي خِلَافُهُ قَالَ الْوَكِيلُ بِالْإِجَارَةِ: لَيْسَ لَهُ قَبْضُ الْأُجْرَةِ وَحَبْسُ الْمُسْتَأْجِرِ بِهِ وَلَوْ وَهَبَ الْأُجْرَةَ قَبْلَ الْقَبْضِ جَازَ إنْ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا بِعَيْنِهِ. اهـ. وَهُوَ سَبْقُ قَلَمٍ وَالصَّوَابُ مَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ أَنَّ لِلْوَكِيلِ بِالْإِجَارَةِ الْمُخَاصَمَةَ فِي إثْبَاتِهَا وَقَبْضَ الْأُجْرَةِ وَحَبْسَ الْمُسْتَأْجِرِ بِهِ فَإِنْ وَهَبَ الْأَجْرَ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَوْ أَبْرَأَهُ جَازَ إنْ لَمْ يَكُنْ بِعَيْنِهِ وَيَضْمَنُهُ وَإِنْ بِعَيْنِهِ لَا وَإِنْ نَاقَضَ الْوَكِيلُ الْمُسْتَأْجِرَ الْإِجَارَةَ قَبْلَ أَنْ يَعْمَلَ فِيهَا شَيْئًا جَازَتْ دَيْنًا كَانَ الْأَجْرُ أَوْ عَيْنًا وَبَرِئَ الْمُسْتَأْجِرُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَكِيلُ قَبَضَ الْأَجْرَ اهـ. وَعَلَى هَذَا يُطَالِبُ الْوَكِيلُ بِالِاسْتِئْجَارِ بِالْأُجْرَةِ كَالْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ وَأَطْلَقَ فِي تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ فَشَمَلَ مَا إذَا قَبَضَ الْوَكِيلُ الثَّمَنَ أَوْ لَا وَمَا إذَا قَالَ لَهُ الْمُوَكِّلُ: لَا تَدْفَعْ الْمَبِيعَ بَعْدَ الْبَيْعِ حَتَّى تَقْبِضَ الثَّمَنَ فَدَفَعَ الْوَكِيلُ قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ جَازَ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْوَكِيلِ إذَا أَقَالَ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَفِي الْقُنْيَةِ لَوْ نَهَاهُ عَنْ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ حَتَّى يَقْبِضَ الثَّمَنَ كَانَ بَاطِلًا اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَهَذَا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْوَكِيلِ فَلَوْ كَانَ فِي يَدِ الْمُوَكِّلِ وَأَبَى الدَّفْعَ قَبْلَ قَبْضِ ثَمَنِهِ لَهُ ذَلِكَ وَإِنْ بَاعَهُ نَسِيئَةً وَأَبَى الْمُوَكِّلُ مِنْ دَفْعِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ يُجْبَرُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ فِي يَدِ الْوَكِيلِ وَأَخَذَهُ الْمُوَكِّلُ وَأَرَادَ أَنْ لَا يَدْفَعَ قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ فَأَخَذَهُ الْوَكِيلُ مِنْ بَيْتِهِ وَهَلَكَ فِي يَدِ الْوَكِيلِ إنْ الْأَخْذُ بَعْدَ الْبَيْعِ لَا يَضْمَنُ وَإِنْ قَبْلَهُ وَقَدْ نَهَاهُ عَنْ الْقَبْضِ يَضْمَنُ وَلَوْ لَمْ يَهْلِكْ حَتَّى بَاعَهُ جَازَ فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ إلَى الْمُشْتَرِي انْفَسَخَ الْبَيْعُ. اهـ. وَقَيَّدْنَا بِالنَّهْيِ عَنْ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ بَيْعِهِ أَوْ بَعْدَهُ لِأَنَّهُ لَوْ نَهَاهُ عَنْ الْبَيْعِ حَتَّى يَقْبِضَ الثَّمَنَ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ حَتَّى يَقْبِضَ الثَّمَنَ مِنْ الْمُشْتَرِي ثُمَّ يَقُولُ: بِعْتُك بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ الَّتِي قَبَضْت مِنْك   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَفِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي خِلَافُهُ) قَالَ الْغَزِّيِّ: قُلْت: وَصَرَّحَ فِي السِّرَاجِيَّةِ بِمَا عَنْ مُنْيَةِ الْمُفْتِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ خَيْرُ الدِّينِ الرَّمْلِيُّ. (قَوْلُهُ وَالصَّوَابُ مَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ إلَخْ) أَقُولُ: نُقِلَ فِي الْفَصْلِ السَّادِسِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ التَّتَارْخَانِيَّة مَا فِي الْكَافِي عَنْ نَصِّ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَالظَّاهِرُ أَنَّ لَفْظَهُ لَيْسَ فِي عِبَارَةِ الْمُنْيَةِ مِنْ سَهْوِ النَّاسِخِ تَأَمَّلْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 149 كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ مِنْ كَوْنِهِ أَصِيلًا فِي تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ إلَى أَنَّ الْوَكِيلَ بِالشِّرَاءِ يُطَالِبُ بِالثَّمَنِ وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْهُ مِنْ الْمُوَكِّلِ وَإِلَى أَنَّ وَكِيلَ الْبَيْعِ لَوْ دَفَعَ الْمَبِيعَ إلَى دَلَّالٍ لِيَعْرِضَهُ عَلَى مَنْ يَرْغَبُ فِيهِ فَغَابَ أَوْ ضَاعَ فِي يَدِهِ لَمْ يَضْمَنْ لَكِنَّ الْمُخْتَارَ الضَّمَانُ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ لِكَوْنِهِ دَفَعَ مِلْكَ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَإِنْ كَانَ أَصِيلًا فِي الْحُقُوقِ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَكِيلُ الْبَيْعِ قَالَ: بِعْتُهُ وَسَلَّمْتُهُ مِنْ رَجُلٍ لَا أَعْرِفُهُ وَضَاعَ الثَّمَنُ قَالَ الْقَاضِي: يَضْمَنُ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ التَّسْلِيمَ قَبْلَ قَبْضِ ثَمَنِهِ وَالْحُكْمُ صَحِيحٌ وَالْعِلَّةُ لَا لِمَا مَرَّ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ التَّسْلِيمِ قَبْلَ قَبْضِ ثَمَنِهِ لَا يَصِحُّ فَلَمَّا لَمْ يُعْمِلْ النَّهْيَ عَنْ التَّسْلِيمِ فَلَأَنْ لَا يَكُونَ مَمْنُوعًا عَنْ التَّسْلِيمِ أَوْلَى وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُخَالِفُ مَسْأَلَةَ الْقَمْقَمَةِ اهـ. قُلْتُ: مُرَادُ الْقَاضِي أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ التَّسْلِيمَ مِمَّنْ لَا يَعْرِفُهُ لَا مُطْلَقًا فَصَحَّ التَّعْلِيلُ أَيْضًا وَاسْتُفِيدَ مِنْ قَوْلِهِ وَقَبَضَ الثَّمَنَ أَنَّهُ لَوْ ضَمِنَ الْوَكِيلُ الثَّمَنَ لَمْ يَصِحَّ ضَمَانُهُ وَلَوْ أَحَالَ الْمُشْتَرِي الْمُوَكِّلَ عَلَى وَكِيلِهِ بِهِ بِشَرْطِ بَرَاءَةِ الْمُشْتَرِي لَمْ يَصِحَّ وَلَوْ أَحَالَ الْوَكِيلُ مُوَكِّلَهُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْمُشْتَرِي صَحَّتْ وَهِيَ وَكَالَةٌ لَا حَوَالَةٌ لِأَنَّهُ لَا شَيْءَ لِلْمُوَكِّلِ عَلَى وَكِيلِهِ وَأَنَّ الْوَكِيلُ لَوْ مَنَعَ الْمُشْتَرِيَ مِنْ دَفْعِ الثَّمَنِ إلَى مُوَكِّلِهِ صَحَّ وَلَهُ الِامْتِنَاعُ عَنْ الدَّفْعِ إلَيْهِ وَلَكِنْ لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ صَحَّ وَبَرِئَ اسْتِحْسَانًا وَأَنَّهُ يَصِحُّ إبْرَاءُ الْوَكِيلِ وَحَوَالَتُهُ عَلَى الْأَمْلَأِ وَالْمُمَاثِلِ وَالْأَدْوَنِ وَإِقَالَتُهُ وَحَطُّهُ وَتَأْجِيلُهُ وَالتَّجْوِيزُ بِدُونِ حَقِّهِ عِنْدَهُمَا وَيَضْمَنُ خِلَافًا لِلثَّانِي هَذَا قَبْلَ قَبْضِهِ أَمَّا بَعْدَ قَبْضِهِ لَا يَمْلِكُ الْحَطَّ وَالْإِبْرَاءَ وَالْإِقَالَةَ وَبَعْدَمَا قَبِلَ بِالثَّمَنِ حَوَالَةً لَا يَصِحُّ كَمَا بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ وَالْوَكِيلُ بِالْإِجَارَةِ إذَا فَسَخَهَا بَعْدَهَا صَحَّ لَا بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ وَبَعْدَ قَبْضِ الْأُجْرَةِ دَيْنًا كَانَ أَوْ عَيْنًا لَا يَصِحُّ الْفَسْخُ وَأَنَّ الْوَكِيلَ لَوْ وَكَّلَ مُوَكِّلَهُ بِقَبْضِ الثَّمَنِ صَحَّ وَلَهُ عَزْلُهُ إلَّا إذَا خَاصَمَ الْمُوَكِّلُ مَعَهُ فِي تَأْخِيرِهِ الْمُطَالَبَةَ فَأَلْزَمَ الْقَاضِي الْوَكِيلَ أَنْ يُوَكِّلَ مُوَكِّلَهُ لَا يَمْلِكُ عَزْلَهُ. وَمِنْ أَحْكَامِهِ أَنَّ وَكِيلَ الْبَيْعِ لَا يُطَالِبُ بِالثَّمَنِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ وَلَا يُجْبَرُ عَلَى التَّقَاضِي لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِخِلَافِ الدَّلَّالِ وَالسِّمْسَارِ وَالْبَيَّاعِ لِأَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ بِالْأَجْرِ وَيُقَالُ لِلْوَكِيلِ: أَحِلْ الْمُوَكِّلَ عَلَى الْمُشْتَرِي وَحَقُّ الْقَبْضِ لِلْوَكِيلِ وَلَوْ قَبَضَهُ الْمُوَكِّلُ صَحَّ إلَّا فِي الصَّرْفِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ قَبْضُهُ إلَّا لِلْوَكِيلِ لِأَنَّ الْقَبْضَ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَأَنَّ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُوَكِّلَ بِقَبْضِ الثَّمَنِ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ هَلَكَ فِي يَدِ الثَّانِي لَمْ يَضْمَنَا لَكِنْ فِي الْمُنْتَقَى وَكَّلَ آخَرَ بِقَبْضِ الثَّمَنِ بِلَا أَمْر الْآمِرِ وَهَلَكَ فِي يَدِهِ قَالَ الْإِمَامُ: يَضْمَنُ الْوَكِيلُ لَا الْقَابِضُ وَمَا ذَكَرْتُهُ مِنْ الْأَحْكَامِ الْمُفَرَّعَةِ عَلَى قَبْضِ الثَّمَنِ كُلِّهَا مِنْ الْبَزَّازِيَّةِ وَفِيهَا وَكَّلَهُ بِالْبَيْعِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَقْبِضَ الثَّمَنَ فَالنَّهْيُ بَاطِلٌ وَفِي الْمُحِيطِ كَتَبَ الْوَكِيلُ الصَّكَّ بِاسْمِ رَبِّ الْعَبْدِ لَا يَسْقُطُ حَقُّهُ فِي قَبْضِهِ الثَّمَنَ وَلَهُ أَنْ يَقْبِضَ إلَّا أَنْ يُقِرَّ الْمُوَكِّلُ بِقَبْضِهِ لِأَنَّهُ بِالْكِتَابَةِ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ كَوْنِهِ وَكِيلًا اهـ. وَفِيهَا لَوْ مَاتَ الْمُوَكِّلُ أَوْ جُنَّ بَعْدَ الْبَيْعِ بَقِيَ لِلْوَكِيلِ حَقُّ قَبْضِ الثَّمَنِ وَقَوْلُهُ وَالرُّجُوعُ بِالثَّمَنِ عِنْدَ الِاسْتِحْقَاقِ شَامِلٌ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ: الْأُولَى مَا إذَا كَانَ الْوَكِيلُ بَائِعًا وَقَبَضَ الثَّمَنَ مِنْ الْمُشْتَرِي ثُمَّ اسْتَحَقَّ الْمَبِيعَ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْوَكِيلِ سَوَاءٌ كَانَ الثَّمَنُ بَاقِيًا فِي يَدِهِ أَوْ سَلَّمَهُ إلَى الْمُوَكِّلِ وَهُوَ يَرْجِعُ عَلَى مُوَكِّلِهِ الثَّانِيَةِ مَا إذَا كَانَ مُشْتَرِيًا فَاسْتَحَقَّ الْمَبِيعَ مِنْ يَدِهِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ دُونَ مُوَكِّلِهِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ الْمُشْتَرِي مِنْ الْوَكِيلِ بَاعَهُ مِنْ الْوَكِيلِ ثُمَّ اسْتَحَقَّ مِنْ الْوَكِيلِ رَجَعَ الْوَكِيلُ عَلَى الْمُشْتَرِي مِنْهُ وَهُوَ عَلَى الْوَكِيلِ وَالْوَكِيلُ عَلَى الْمُوَكِّلِ وَتَظْهَرُ فَائِدَتُهُ عِنْدَ اخْتِلَافِ الثَّمَنِ. اهـ. وَفِي الْخَانِيَّةِ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ جَارِيَةٍ فَاشْتَرَى فَاسْتُحِقَّتْ لَمْ يَضْمَنْ الْوَكِيلُ وَلَوْ ظَهَرَ أَنَّهَا حُرَّةٌ يَضْمَنُ الْوَكِيلُ وَكَذَا قَوْلُهُ وَالْخُصُومَةُ فِي الْعَيْبِ شَامِلٌ لِمَسْأَلَتَيْنِ مَا إذَا كَانَ بَائِعًا فَيَرُدُّهُ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ وَمَا إذَا كَانَ مُشْتَرِيًا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ لَكِنَّ الْمُخْتَارَ الضَّمَانُ) أَقُولُ: يَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا لَمْ تَكُنْ الْعَادَةُ جَارِيَةً فِي ذَلِكَ أَمَّا إذَا كَانَ شَيْئًا لَا يَبِيعُهُ الْوَكِيلُ بِنَفْسِهِ بَلْ يَدْفَعُ فِي الْعَادَةِ إلَى دَلَّالٍ لِيَعْرِضَهُ عَلَى الْبَيْعِ لَا يَضْمَنُ لِأَنَّهُ بِمُقْتَضَى الْعَادَةِ يَكُونُ مَأْذُونًا بِذَلِكَ وَفِي الْفَتَاوَى الْخَيْرِيَّةِ سُئِلَ فِيمَا إذَا جَرَتْ عَادَةُ التُّجَّارِ أَنْ يَبْعَثَ بَعْضُهُمْ بِضَاعَةً يَبِيعُهَا وَيَبْعَثَ بِثَمَنِهَا مَعَ مَنْ يَخْتَارُهُ وَيَعْتَقِدُ أَمَانَتَهُ مِنْ الْمُكَارِيَةِ بِحَيْثُ اُشْتُهِرَ ذَلِكَ بَيْنَهُمْ اشْتِهَارًا شَائِعًا فِيهِمْ وَبَاعَ الْمَبْعُوثُ إلَيْهِ الْبِضَاعَةَ الْمَبْعُوثَةَ فِي مَدِينَتِهِ وَأَرْسَلَ مَعَ مَنْ اخْتَارَهُ مِنْهُمْ لِبَاعِثِهَا ثَمَنَهَا عَلَى دُفُعَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ حَسْبَمَا تَيَسَّرَ لَهُ وَأَنْكَرَ الْمَبْعُوثُ إلَيْهِ بَعْضَ الدُّفُعَاتِ هَلْ يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ بَاعِثِ الثَّمَنِ بِيَمِينِهِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ تَفَاصِيلَ ذَلِكَ لِطُولِ الْمُدَّةِ أَمْ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ الْبَيِّنَةِ؟ أَجَابَ الْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ إذْ لَهُ بَعْثُهُ مَعَ مَنْ يَخْتَارُهُ وَيَرَاهُ أَمِينًا لِأَنَّهُ أَمِينٌ لَمْ تَبْطُلْ أَمَانَتُهُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ بِالْإِرْسَالِ مَعَ مَنْ ذُكِرَ وَقَدْ ذَكَرَ الزَّاهِدِيُّ رَامِزًا (بج) لِبَكْرِ خواهر زاده جَرَتْ عَادَةُ حَاكَّةِ الرُّسْتَاقِ أَنَّهُمْ يَبْعَثُونَ الْكَرَابِيسَ إلَى مَنْ يَبِيعُهَا لَهُمْ فِي الْبَلَدِ وَيَبْعَثُ بِأَثْمَانِهَا إلَيْهِمْ بِيَدِ مَنْ شَاءَ وَيَرَاهُ أَمِينًا فَإِذَا بَعَثَ الْبَائِعُ ثَمَنَ الْكَرَابِيسِ بِيَدِ شَخْصٍ ظَنَّهُ أَمِينًا وَأَبَقَ ذَلِكَ الرَّسُولَ لَا يَضْمَنُ الْبَاعِثُ إذَا كَانَتْ هَذِهِ الْعَادَةُ مَعْرُوفَةً عِنْدَهُمْ قَالَ أُسْتَاذُنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: وَبِهِ أَجَبْت أَنَا وَغَيْرِي اهـ. وَقَدْ عُضِّدَ بِقَوْلِهِمْ الْمَعْرُوفُ عُرْفًا كَالْمَشْرُوطِ شَرْطًا وَالْعَادَةُ مُحَكَّمَةٌ وَالْعُرْفُ قَاضٍ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِهِمْ اهـ. مَا فِي الْخَيْرِيَّةِ (قَوْلُهُ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُخَالِفُ مَسْأَلَةَ الْقَمْقَمَةِ) قَالَ فِي مُتَفَرِّقَاتِ الْوَكَالَةِ مِنْ التَّتَارْخَانِيَّة عَازِيًا لِلظَّهِيرِيَّةِ: الْوَكِيلُ إذَا رَفَعَ قَمْقَمَةً إلَى إنْسَانٍ لِإِصْلَاحِهَا بِأَمْرِ الْمُوَكَّلِ وَنَسِيَ مَنْ دَفَعَهَا إلَيْهِ لَا يَضْمَنُ قَالَ فِي النَّوَازِلِ: وَصَارَ كَاَلَّذِي وَضَعَهُ مِنْ دَارِهِ ثُمَّ نَسِيَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ كَذَا هَذَا اهـ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 150 فَيَرُدُّهُ الْوَكِيلُ عَلَى بَائِعِهِ لَكِنْ بِشَرْطِ كَوْنِهِ فِي يَدِهِ فَإِنْ سَلَّمَهُ إلَى الْمُوَكِّلِ فَلَا يَرُدُّهُ إلَّا بِإِذْنِهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْكِتَابِ وَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ إلَى أَنَّ الْوَكِيلَ لَوْ رَضِيَ بِالْعَيْبِ لَزِمَهُ ثُمَّ الْمُوَكِّلُ إنْ شَاءَ أَلْزَمَ الْوَكِيلَ وَقَبْلَ أَنْ يُلْزِمَ الْوَكِيلَ لَوْ هَلَكَ يَهْلِكُ عَلَى الْمُوَكِّلِ وَلَوْ مَاتَ الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ وَظَفِرَ الْمُوَكِّلُ بِالْمُشْتَرَى عَيْبًا يَرُدُّهُ وَارِثُهُ أَوْ وَصِيُّهُ وَإِلَّا فَالْمُوَكِّلُ وَكِيلُ الْبَيْعِ إذَا مَاتَ وَظَفِرَ مُشْتَرِيهِ بِهِ عَيْبًا رَدَّهُ عَلَى وَصِيِّ الْوَكِيلِ أَوْ وَارِثِهِ وَإِلَّا فَعَلَى الْمُوَكِّلِ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَفِي الْخَانِيَّةِ الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ لَا يَمْلِكُ إبْرَاءَ الْبَائِعِ عَنْ الْعَيْبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَاخْتَلَفُوا فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَالْوَكِيلُ إذَا اشْتَرَى بِالنَّسِيئَةِ فَمَاتَ الْوَكِيلُ حَلَّ عَلَيْهِ الثَّمَنُ وَيَبْقَى الْأَجَلُ فِي حَقِّ الْمُوَكِّلِ وَجَزْمُهُ هُنَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُعْتَمَدَ فِي الْمَذْهَبِ مَا قَالَ: إنَّهُ الْمَعْقُولُ وَقَدْ أَفْتَيْت بِهِ بَعْدَ مَا احْتَطْت كَمَا قَالَ فِيمَا سَبَقَ وَقَدْ كَتَبْنَا فِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ مِنْ قِسْمِ الْفَوَائِدِ حُكْمَ التَّوْكِيلِ بِالتَّوْكِيلِ وَمِمَّا فُرِّعَ عَلَى أَنَّ الْوَكِيلَ أَصِيلٌ فِي الْحُقُوقِ مَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ وَلَوْ وَكَّلَ الْقَاضِي وَكِيلًا بِبَيْعِ شَيْءٍ فَبَاعَهُ ثُمَّ خَاصَمَهُ الْمُشْتَرِي فِي عَيْبِهِ جَازَ قَضَاءُ الْقَاضِي لِلْوَكِيلِ اهـ. (قَوْلُهُ وَالْمِلْكُ يَثْبُتُ لِلْمُوَكِّلِ ابْتِدَاءً حَتَّى لَا يَعْتِقُ قَرِيبُ الْوَكِيلِ بِشِرَائِهِ) دَفْعٌ لِمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ أَنَّ الْحُقُوقَ لِمَا تَثْبُتُ لِلْوَكِيلِ أَصَالَةً وَخَلَفَهُ الْمُوَكِّلُ فِيهَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ وَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهَا فَقَالَ الْكَرْخِيُّ: يَثْبُتُ لِلْوَكِيلِ ثُمَّ يَنْتَقِلُ إلَى الْمُوَكِّلِ وَقَالَ أَبُو طَاهِرٍ: يَثْبُتُ لِلْمُوَكِّلِ ابْتِدَاءً وَهُوَ الْأَصَحُّ وَلِهَذَا لَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي مَنْكُوحَةَ الْوَكِيلِ لَا يَفْسُدُ نِكَاحُهُ وَلَا تَعْتِقُ عَلَيْهِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ: الْوَكِيلُ نَائِبٌ فِي حَقِّ الْحُكْمِ أَصِيلٌ فِي الْحُقُوقِ فَوَافَقَ الْكَرْخِيُّ فِي الْحُقُوقِ وَأَبَا طَاهِرٍ فِي حَقِّ الْحُكْمِ وَهَذَا أَحْسَنُ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَصَحَّحَ الشَّارِحُونَ مَا فِي الْكِتَابِ لَكِنْ لَمْ يَذْكُرُوا لِهَذَا الِاخْتِلَافِ ثَمَرَةَ الِاتِّفَاقِ عَلَى عَدَمِ عِتْقِ قَرِيبِ الْوَكِيلِ لَوْ اشْتَرَاهُ وَعَدَمِ فَسَادِ نِكَاحِهَا لَوْ اشْتَرَاهَا وَالْعِتْقُ وَالْفَسَادُ عَلَى الْمُوَكِّلِ لَوْ اشْتَرَى وَكِيلٌ قَرِيبَ مُوَكِّلِهِ وَزَوْجَتَهُ لِأَنَّ الْمِلْكَ لِلْوَكِيلِ لَمْ يَكُنْ مُسْتَقِرًّا وَالْمُوجِبُ لِلْعِتْقِ وَالْفَسَادِ الْمِلْكُ الْمُسْتَقِرُّ هَكَذَا أَجَابَ الْكَرْخِيُّ وَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ إلَى أَنَّ الْمُوَكِّلَ لَوْ أَعْتَقَ قَبْلَ قَبْضِ الْوَكِيلِ فَإِنَّهُ يَنْفُذُ إعْتَاقُهُ لِكَوْنِهِ أَعْتَقَ مِلْكَ نَفْسِهِ وَالْبَائِعُ يَأْخُذُ الْوَكِيلَ بِالثَّمَنِ وَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَى الْمُوَكِّلِ وَكَذَلِكَ فِي التَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ وَلَوْ قَتَلَهُ الْمُوَكِّلُ وَضَمِنَ قِيمَتَهُ لِلْوَكِيلِ فَيَدْفَعُهَا إلَيْهِ لِتَكُونَ مَحْبُوسَةً عِنْدَهُ إلَى أَنْ يَأْخُذَ الثَّمَنَ مِنْ الْمُوَكِّلِ كَذَا فِي بُيُوعِ الْخَانِيَّةِ. (قَوْلُهُ وَفِيمَا يُضِيفُهُ إلَى الْمُوَكِّلِ كَالنِّكَاحِ وَالْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ أَوْ عَنْ إنْكَارٍ يَتَعَلَّقُ بِالْمُوَكِّلِ فَلَا يُطَالِبُ وَكِيلَهُ بِالْمَهْرِ وَوَكِيلَهَا بِتَسْلِيمِهَا) أَيْ وَالْحُقُوقُ فِي كُلِّ عَقْدٍ لَا يَسْتَغْنِي الْوَكِيلُ عَنْ إضَافَتِهِ إلَى مُوَكِّلِهِ لِأَنَّ الْوَكِيلَ فِيهَا سَفِيرٌ مَحْضٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَسْتَغْنِي عَنْ إضَافَتِهِ الْعَقْدَ إلَى الْمُوَكِّلِ وَلَوْ أَضَافَهُ إلَى نَفْسِهِ كَانَ النِّكَاحُ لَهُ فَصَارَ كَالرَّسُولِ وَهَذَا لِأَنَّ الْحُكْمَ فِيهَا لَا يَقْبَلُ الْفَصْلَ عَنْ السَّبَبِ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ فَيَتَلَاشَى فَلَا يُتَصَوَّرُ صُدُورُهُ مِنْ شَخْصٍ وَثُبُوتُ حُكْمِهِ لِغَيْرِهِ فَكَانَ سَفِيرًا وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ الْوَكِيلُ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ إذَا أَخْرَجَ الْكَلَامَ مَخْرَجَ الرِّسَالَةِ بِأَنْ قَالَ: إنَّ فُلَانًا أَمَرَنِي أَنْ أُطَلِّقَ أَوْ أَعْتِقَ يَنْفُذُ عَلَى الْمُوَكِّلِ لِأَنَّ عُهْدَتَهُمَا عَلَى الْمُوَكِّلِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَلَوْ أَخْرَجَ الْكَلَامَ فِي النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ مَخْرَجَ الْوَكَالَةِ بِأَنْ أَضَافَ إلَى نَفْسِهِ صَحَّ إلَّا فِي النِّكَاحِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ وَكِيلِ النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ أَنَّ فِي الطَّلَاقِ أَضَافَ إلَى الْمُوَكِّلِ مَعْنًى لِأَنَّهُ بِنَاءٌ عَلَى مِلْكِ الرَّقَبَةِ وَتِلْكَ لِلْمُوَكِّلِ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فَأَمَّا فِي النِّكَاحِ فَذِمَّةُ الْوَكِيلِ قَابِلَةٌ لِلْمَهْرِ حَتَّى لَوْ كَانَ بِالنِّكَاحِ مِنْ جَانِبِهَا وَأَخْرَجَ مَخْرَجَ الْوَكَالَةِ لَا يَصِيرُ مُخَالِفًا لِإِضَافَتِهِ إلَى الْمَرْأَةِ مَعْنًى لِأَنَّ صِحَّةَ النِّكَاحِ بِمِلْكِ الْبُضْعِ وَذَاكَ لَهَا فَكَأَنَّهُ قَالَ: مَلَّكْتُك بُضْعَ مُوَكِّلَتِي فَانْدَفَعَ جَانِبُهُ اهـ. فَعَلَى هَذَا مَعْنَى الْإِضَافَةِ إلَى الْمُوَكِّلِ مُخْتَلِفٌ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ الْوَكِيلُ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ إلَخْ) قَالَ أَبُو السُّعُودِ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى مِسْكِينٍ: لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ الطَّلَاقَ وَالْعَتَاقَ يَقَعُ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ إنَّ فُلَانًا أَمَرَنِي أَنْ أُطَلِّقَ أَوْ أَعْتِقَ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْإِيقَاعِ مُضَافًا إلَى مُوَكِّلِهِ فِيمَا إذَا خَرَجَ الْكَلَامُ مَخْرَجَ الرِّسَالَةِ أَوْ إلَى نَفْسِهِ إذَا خَرَجَ الْكَلَامُ مَخْرَجَ الْوَكَالَةِ عَلَى مَا يَأْتِي. اهـ. قُلْت وَفِي السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ التَّتَارْخَانِيَّة وَلَوْ قَالَ الْوَكِيلُ: طَلَّقَك الزَّوْجُ لَا يَقَعُ هُوَ الصَّحِيحُ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ بِنَاءٌ عَلَى مِلْكِ الرَّقَبَةِ) كَذَا رَأَيْتُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ فِيهِ سَقْطًا وَالْأَصْلُ لِأَنَّهُ بِنَاءٌ عَلَى مِلْكِ الْمُتْعَةِ وَالرَّقَبَةِ (قَوْلُهُ فَعَلَى هَذَا مَعْنَى الْإِضَافَةِ مُخْتَلِفٌ إلَخْ) هَذَا ظَاهِرٌ بَلْ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَوْ أَضَافَ مَا عَدَا النِّكَاحَ إلَى نَفْسِهِ يَصِحُّ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِكَلَامِ غَيْرِهِ قَالَ فِي الدُّرَرِ بَعْدَ قَوْلِهِ فِي الْمَتْنِ تَتَعَلَّقُ بِالْمُوَكِّلِ وَسِرُّهُ أَنَّ الْحُكْمَ فِيهَا لَا يَقْبَلُ الْفَصْلَ عَنْ السَّبَبِ لِأَنَّهَا مِنْ قَبِيلِ الْإِسْقَاطَاتِ وَالْوَكِيلُ أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْحُكْمِ فَلَا بُدَّ مِنْ إضَافَةِ الْعَقْدِ إلَى الْمُوَكِّلِ لِيَكُونَ الْحُكْمُ مُقَارِنًا لِلسَّبَبِ أَمَّا النِّكَاحُ فَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْبُضْعِ الْحُرْمَةُ فَكَانَ النِّكَاحُ إسْقَاطًا لَهَا وَالسَّاقِطُ يَتَلَاشَى فَلَا يُتَصَوَّرُ صُدُورُ السَّبَبِ عَنْ شَخْصٍ عَلَى سَبِيلِ الْأَصَالَةِ وَوُقُوعُ الْحُكْمِ لِغَيْرِهِ فَجُعِلَ سَفِيرًا لِيُقَارِنَ الْحُكْمُ السَّبَبَ حَتَّى لَوْ أَضَافَ النِّكَاحَ إلَى نَفْسِهِ وَقَعَ لَهُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّ حُكْمَهُ يَقْبَلُ الْفَصْلَ عَنْ السَّبَبِ كَمَا فِي الْبَيْعِ بِخِيَارٍ فَجَازَ صُدُورُ السَّبَبِ عَنْ شَخْصٍ أَصَالَةً وَوُقُوعُ الْحُكْمِ لِغَيْرِهِ خِلَافَةً وَأَمَّا الْخُلْعُ فَلِأَنَّهُ إسْقَاطٌ لِلنِّكَاحِ وَالنَّاكِحُ الْمَرْءُ وَالْمَنْكُوحَةُ الْمَرْأَةُ وَالْوَكِيلُ إمَّا مِنْهُ أَوْ مِنْهَا وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 151 فَفِي وَكِيلِ النِّكَاحِ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ عَلَى وَجْهِ الشَّرْطِ وَفِيمَا عَدَاهُ عَلَى وَجْهِ الْجَوَازِ فَيَجُوزُ عَدَمُهُ وَذَكَرَ فِي الْقُنْيَةِ قَوْلَيْنِ فِيمَا إذَا قَالَ وَكِيلُ الطَّلَاقِ: أَنْت طَالِقٌ مِنِّي وَقَدْ فَرَّعَ عَلَى رُجُوعِ الْحُقُوقِ لِلْمُوَكِّلِ حُكْمَيْنِ وَمِنْهَا أَنَّ وَكِيلَهَا لَا يَلِي قَبْضَ مَهْرِهَا وَالْوَكِيلُ بِالْخُلْعِ لَا يَلِي قَبْضَ الْبَدَلِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَمِنْهَا أَنَّهُ يَصِحُّ ضَمَانُهُ مَهْرَهَا وَتُخَيَّرُ الْمَرْأَةُ بَيْنَ مُطَالَبَتِهِ أَوْ الزَّوْجِ فَإِذَا أَخَذَتْ مِنْ الْوَكِيلِ لَا يَرْجِعُ عَلَى الزَّوْجِ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَفِيهَا وَكِيلُ الْخُلْعِ خَالِعٌ وَضَمِنَ صَحَّ وَإِنْ لَمْ تَأْمُرْهُ الْمَرْأَةُ بِالضَّمَانِ وَكَذَا يَرْجِعُ قَبْلَ الْأَدَاءِ اهـ. وَأَشَارَ بِالْكَافِ فِي قَوْلِهِ كَالنِّكَاحِ إلَى بَقِيَّةِ أَفْرَادِ هَذَا النَّوْعِ وَلِذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ مِنْ أَخَوَاتِهِ الْعِتْقُ عَلَى مَالٍ وَالْكِتَابَةُ وَالصُّلْحُ عَلَى إنْكَارٍ وَالْهِبَةُ وَالتَّصَدُّقُ وَالْإِعَارَةُ وَالْإِيدَاعُ وَالرَّهْنُ وَالْإِقْرَاضُ لِأَنَّ الْحُكْمَ فِيهَا يَثْبُتُ بِالْقَبْضِ وَإِنَّهُ يُلَاقِي مَحِلًّا مَمْلُوكًا لِلْغَيْرِ فَلَا يُجْعَلُ أَصِيلًا وَكَذَا إذَا كَانَ الْوَكِيلُ مِنْ جَانِبِ الْمُلْتَمِسِ وَكَذَا الشَّرِكَةُ وَالْمُضَارَبَةُ إلَّا أَنَّ التَّوْكِيلَ بِالِاسْتِقْرَاضِ بَاطِلٌ حَتَّى لَا يَثْبُتَ الْمِلْكُ لِلْمُوَكِّلِ بِخِلَافِ الرِّسَالَةِ فِيهِ اهـ. وَمِنْ هَذَا النَّوْعِ الْوَكِيلُ بِالْقَبْضِ وَقَدَّمْنَا أَحْكَامَهُ وَفِي الْمُجْتَبَى وَكَّلَهُ أَنْ يَرْتَهِنَ عَبْدَ فُلَانٍ بِدَيْنِهِ أَوْ يَسْتَعِيرَهُ لَهُ أَوْ يَسْتَقْرِضَ لَهُ أَلْفًا فَإِنَّهُ يُضِيفُ الْعَقْدَ إلَى مُوَكِّلِهِ دُونَ نَفْسِهِ فَيَقُولُ: إنَّ زَيْدًا يَسْتَقْرِضُ مِنْك كَذَا أَوْ يَسْتَرْهِنُ عَبْدَك أَوْ يَسْتَعِيرُ مِنْك وَلَوْ قَالَ: هَبْ لِي أَوْ أَعِرْنِي أَوْ أَقْرِضْنِي أَوْ تَصَدَّقْ عَلَيَّ فَهُوَ لِلْوَكِيلِ اهـ. (قَوْلُهُ وَلِلْمُشْتَرِي مَنْعُ الْمُوَكِّلِ عَنْ الثَّمَنِ) لِكَوْنِهِ أَجْنَبِيًّا عَنْ الْحُقُوقِ لِرُجُوعِهَا إلَى الْوَكِيلِ   [منحة الخالق] يَكُونُ سَفِيرًا مَحْضًا فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِضَافَةِ إلَى الْمُوَكِّلِ وَأَمَّا الصُّلْحُ عَنْ إنْكَارٍ فَإِنَّهُ أَيْضًا إسْقَاطٌ لَا يَشُوبُهُ مُعَاوَضَةٌ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِضَافَةِ إلَى الْمُوَكِّلِ وَكَذَا الصُّلْحُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ فَإِنَّهُ إسْقَاطٌ مَحْضٌ وَالْوَكِيلُ أَجْنَبِيٌّ سَفِيرٌ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِضَافَةِ إلَى الْمُوَكِّلِ وَكَذَا الْحَالُ فِي الْبَوَاقِي هَذَا مُلَخَّصُ مَا ذَكَرَهُ الْقَوْمُ فِي هَذَا الْمَقَامِ اهـ. أَقُولُ: يُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بِأَنْ يَكُونَ مَعْنَى الْإِضَافَةِ اشْتِرَاطُ ذِكْرِ الْمُوَكِّلِ وَإِنْ أَسْنَدَ الْوَكِيلُ الْفِعْلَ إلَى نَفْسِهِ فَإِذَا كَانَ وَكِيلًا مِنْ جَانِبِ الْمَرْأَةِ يَقُولُ لِلزَّوْجِ: خَالِعْ امْرَأَتَك عَلَى هَذِهِ الْأَلْفِ فَخَالَعَ يَتِمُّ بِقَبُولِ الْوَكِيلِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي الْخُلْعِ أَمَّا لَوْ قَالَ: خَالِعْ فَقَطْ فَلَا وَلَوْ كَانَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَقَالَ: خَلَعْت فُلَانَةَ مِنْ زَوْجِهَا عَلَى كَذَا جَازَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ أَنَّهُ يَكُونُ وَكِيلًا مِنْ الْجَانِبَيْنِ فِي الْخُلْعِ وَصَرَّحُوا أَيْضًا بِأَنَّهُ لَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ طَلِّقْ امْرَأَتِي رَجْعِيَّةً فَقَالَ لَهَا الْوَكِيلُ: طَلَّقْتُك بَائِنًا تَقَعُ رَجْعِيَّةً وَلَوْ وَكَّلَهُ بِالْبَائِنِ فَقَالَ لَهَا الْوَكِيلُ: أَنْتِ طَالِقٌ تَطْلِيقَةً رَجْعِيَّةً تَقَعُ وَاحِدَةً بَائِنَةً وَصَرَّحُوا بِأَنَّهُ يَصِحُّ تَوْكِيلُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَيَصِيرُ كَأَنَّهُ عَلَّقَ الطَّلَاقَ عَلَى تَلَفُّظِهِمَا بِهِ وَفِي طَلَاقِ الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ الْوَكِيلُ فِي الطَّلَاقِ وَالرَّسُولُ سَوَاءٌ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة الرِّسَالَةُ أَنْ يَبْعَثَ الزَّوْجُ طَلَاقَ امْرَأَتِهِ الْغَائِبَةِ عَلَى يَدِ إنْسَانٍ فَيَذْهَبُ الرَّسُولُ إلَيْهَا وَيُبَلِّغُهَا الرِّسَالَةَ عَلَى وَجْهِهَا فَيَقَعُ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ فَقَدْ ثَبَتَ بِهَذَا أَنَّ قَوْلَ الْوَكِيلِ خَلَعْت وَطَلَّقْت يَكْفِي ثُمَّ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا بِالْوَكِيلِ الْوَكِيلُ مِنْ جِهَةِ مَنْ يَثْبُتُ لَهُ الْمِلْكُ بِقَرِينَةِ التَّعْلِيلِ بِأَنَّ الْحُكْمَ فِيهَا لَا يُقْبَلُ عَنْ السَّبَبِ فَفِي النِّكَاحِ يَقُولُ وَكِيلُ الزَّوْجِ زَوِّجْ بِنْتَك لِفُلَانٍ فَيُضِيفُهُ إلَى الْمُوَكِّلِ وَلَوْ قَالَ: زَوِّجْنِي وَقَعَ لَهُ لَا لِلْمُوَكِّلِ. وَأَمَّا وَكِيلُ الزَّوْجَةِ فَيَقُولُ: زَوَّجْت فَيَصِحُّ وَفِي الطَّلَاقِ بِمَالٍ يَقُولُ وَكِيلُ الزَّوْجِ: طَلَّقْت فُلَانَةَ بِأَلْفٍ وَفِي الْخُلْعِ يَقُولُ وَكِيلُ الزَّوْجِ: خَالَعْتُهَا عَلَى أَلْفٍ وَأَمَّا وَكِيلُ الْمَرْأَةِ فَيَقُولُ: قَبِلْت بِدُونِ إضَافَةٍ إلَيْهَا وَكَذَا فِي الْعِتْقِ عَلَى مَالٍ وَالْكِتَابَةِ وَلَوْ كَانَ الطَّلَبُ مِنْ جِهَةِ وَكِيلِ الْمَرْأَةِ أَوْ الْعَبْدِ يَقُولُ: طَلِّقْ فُلَانَةَ بِأَلْفٍ أَوْ اخْلَعْهَا عَلَى أَلْفٍ أَوْ اعْتِقْ عَبْدَك عَلَى كَذَا أَوْ كَاتِبْهُ عَلَى كَذَا فَيَقُولُ وَكِيلُ الزَّوْجِ أَوْ السَّيِّدِ: فَعَلْت فَيُكْتَفَى بِالْإِضَافَةِ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ لِأَنَّ الْمِلْكَ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا فَإِنَّ الْمَرْأَةَ تَمْلِكُ نَفْسَهَا وَكَذَا الْعَبْدُ كَمَا أَنَّ الزَّوْجَ أَوْ السَّيِّدَ يَمْلِكُ الْعِوَضَ وَفِي الصُّلْحِ عَنْ إنْكَارٍ أَوْ دَمِ عَمْدٍ يَقُولُ الْوَكِيلُ: صَالِحْ فُلَانًا عَنْ دَعْوَاك عَلَيْهِ هَذَا الْمَالَ أَوْ الدَّمَ فَيَقْبَلُ الْمُدَّعِي وَلَوْ قَالَ الْوَكِيلُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ: أَعْتِقْنِي أَوْ طَلِّقْنِي أَوْ كَاتِبْنِي أَوْ صَالِحْنِي لَمْ يَصِحَّ بِخِلَافِ بِعْنِي وَآجِرْنِي فَإِنَّهُ يَصِحُّ إضَافَتُهَا إلَى نَفْسِهِ كَمَا مَرَّ وَكَذَا بَقِيَّةُ الصُّوَرِ الْآتِيَةِ يَقُولُ الْوَكِيلُ مِنْ جِهَةِ طَالِبِ التَّمَلُّكِ: هَبْ فُلَانًا أَوْ تَصَدَّقْ عَلَيْهِ أَوْ أَعِرْهُ أَوْ أَوْدِعْهُ أَوْ ارْهَنْ عِنْدَهُ كَذَا أَوْ أَقْرِضْهُ كَذَا وَلَوْ قَالَ: هَبْنِي أَوْ تَصَدَّقْ عَلَيَّ أَوْ أَعِرْنِي إلَخْ يَقَعُ لَهُ لَا لِلْمُوَكِّلِ وَأَمَّا الْوَكِيلُ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ كَمَا إذَا دَفَعَ لِرَجُلٍ مَالًا وَوَكَّلَهُ بِأَنْ يَهَبَهُ لِفُلَانٍ فَإِنَّهُ يَقُولُ: وَهَبْتُك أَوْ تَصَدَّقْت عَلَيْهِ أَوْ أَعَرْتُك أَوْ أَوْدَعْتُك إلَخْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقُولَ: وَهَبْتُك هَذِهِ الْأَلْفَ الَّتِي لِفُلَانٍ الْمُوَكِّلِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ يَفْتَرِقُ بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ مِنْ حَيْثُ إنَّ مَا كَانَ مِنْهَا إسْقَاطًا يُضِيفُهُ الْوَكِيلُ إلَى نَفْسِهِ مَعَ التَّصْرِيحِ بِالْمُوَكِّلِ فَيَقُولُ: زَوَّجْتُك فُلَانَةَ وَصَالَحْتُك عَمَّا تَدَّعِيهِ عَلَى فُلَانٍ مِنْ الْمَالِ أَوْ الدَّمِ أَمَّا مَا كَانَ مِنْهَا تَمْلِيكًا لِعَيْنٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ أَوْ حِفْظٍ فَلَا يُضِيفُهُ إلَى نَفْسِهِ بَلْ إلَى الْمُوَكِّلِ فَقَطْ كَقَوْلِهِ هَبْ لِفُلَانٍ كَذَا أَوْ أَوْدِعْهُ كَذَا أَوْ أَقْرِضْهُ كَذَا فَلَا بُدَّ فِي هَذَا مِنْ إخْرَاجِ كَلَامِهِ مَخْرَجَ الرِّسَالَةِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَقُولَ: هَبْنِي كَذَا كَمَا مَرَّ وَلَا هَبْنِي لِفُلَانٍ أَوْ أَوْدِعْنِي لِفُلَانٍ وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُمْ التَّوْكِيلُ بِالِاسْتِقْرَاضِ بَاطِلٌ مَعْنَاهُ أَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ رِسَالَةٌ لَا وَكَالَةٌ فَلَوْ أَخْرَجَ الْكَلَامَ مَخْرَجَ الْوَكَالَةِ لَمْ يَصِحَّ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ إخْرَاجِهِ مَخْرَجَ الرِّسَالَةِ كَمَا قُلْنَا وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ خَاصٍّ بِالِاسْتِقْرَاضِ بَلْ كُلُّ مَا كَانَ تَمْلِيكًا إذَا كَانَ الْوَكِيلُ مِنْ جِهَةِ طَالِبِ التَّمَلُّكِ لَا مِنْ جِهَةِ الْمُمَلِّكِ فَإِنَّ التَّوْكِيلَ بِالْإِقْرَاضِ وَالْإِعَارَةِ صَحِيحٌ لَا بِالِاسْتِقْرَاضِ وَالِاسْتِعَارَةِ بَلْ هُوَ رِسَالَةٌ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَتَأَمَّلْهُ (قَوْلُهُ وَقَدْ فَرَّعَ) أَيْ الْمُصَنِّفُ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 152 أَصَالَةً وَقَدَّمْنَا أَحْكَامَ قَبْضِ الثَّمَنِ وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ حَضْرَةِ الْوَكِيلِ وَغَيْبَتِهِ وَإِنَّ وَصِيَّ الْوَكِيلِ تَرْجِعُ الْحُقُوقُ إلَيْهِ بَعْدَ مَوْتِهِ لَا إلَى الْمُوَكِّلِ وَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ إلَى أَنَّ الْمُوَكِّلَ لَوْ كَانَ دَفَعَ الثَّمَنَ إلَى الْوَكِيلِ فَاسْتَهْلَكَهُ وَهُوَ مُعْسِرٌ كَانَ لِلْبَائِعِ حَبْسُ الْمَبِيعِ وَلَا مُطَالَبَةَ لَهُ عَلَى الْمُوَكِّلِ فَإِنْ لَمْ يَنْقُدْ الْمُوَكِّلُ الثَّمَنَ إلَى الْبَائِعِ بَاعَ الْقَاضِي الْجَارِيَةَ بِالثَّمَنِ إذَا رَضِيَا وَإِلَّا فَلَا كَذَا فِي بُيُوعِ خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ (قَوْلُهُ وَإِنْ دَفَعَ إلَيْهِ صَحَّ وَلَا يُطَالِبُهُ الْوَكِيلُ ثَانِيًا) لِأَنَّ نَفْسَ الثَّمَنِ الْمَقْبُوضِ حَقُّ الْمُوَكِّلِ وَقَدْ وَصَلَ إلَيْهِ وَلَا فَائِدَةَ فِي الْأَخْذِ مِنْهُ ثُمَّ فِي الدَّفْعِ إلَيْهِ وَلِهَذَا لَوْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي عَلَى الْمُوَكِّلِ دَيْنٌ تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ وَلَوْ كَانَ لَهُ عَلَيْهِمَا دَيْنٌ تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ بِدَيْنِ الْمُوَكِّلِ دُونَ دَيْنِ الْوَكِيلِ وَبِدَيْنِ الْوَكِيلِ إذَا كَانَ وَحْدَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لِكَوْنِهِ يَمْلِكُ الْإِبْرَاءَ عَنْهُ عِنْدَهُمَا وَلَكِنَّهُ بِضِمْنِهِ لِلْمُوَكِّلِ فِي الْفَصْلَيْنِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ أَبْرَأَهُ عَنْ الثَّمَنِ مَعًا بَرِئَ الْمُشْتَرِي بِإِبْرَاءِ الْمُوَكِّلِ دُونَ وَكِيلِهِ فَلَا رُجُوعَ عَلَى الْوَكِيلِ. كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَيُسْتَفَادُ مِنْ وُقُوعِ الْمُقَاصَّةِ بِدَيْنِ الْوَكِيلِ أَنَّ الْوَكِيلَ لَوْ بَاعَ مِنْ دَائِنِهِ بِدَيْنِهِ صَحَّ وَبَرِئَ وَضَمِنَ الْوَكِيلُ لِمُوَكِّلِهِ وَهِيَ فِي الذَّخِيرَةِ أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ مَا إذَا نَهَاهُ الْوَكِيلُ عَنْ الدَّفْعِ إلَى مُوَكِّلِهِ وَمَعَ ذَلِكَ دَفَعَ لَهُ فَإِنَّهُ يَبْرَأُ اسْتِحْسَانًا كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ إلَى أَنَّ الْمُسَلَّمَ إلَيْهِ لَوْ دَفَعَ الْمُسَلَّمَ فِيهِ إلَى الْمُوَكِّلِ فَإِنَّهُ يَبْرَأُ وَلَوْ امْتَنَعَ مَنْ دَفَعَ إلَيْهِ لَهُ ذَلِكَ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَإِلَى أَنَّ الْمَأْذُونَ كَالْوَكِيلِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ لَا يَمْلِكُ الْمَوْلَى قَبْضَ دُيُونِ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ إذَا غَابَ لِأَنَّهُ فَوْقَ الْوَكِيلِ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ لِنَفْسِهِ وَالْوَكِيلُ لِغَيْرِهِ وَفِي الْوَكِيلِ إذَا غَابَ لَا يَمْلِكُ فَالْمَأْذُونُ أَوْلَى وَمَعَ ذَلِكَ لَوْ قَبَضَهُ الْمَوْلَى يَبْرَأُ الْمَدْيُونُ اسْتِحْسَانًا إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَا يَبْرَأُ لِأَنَّ الْحَقَّ لِلْغُرَمَاءِ وَالْمَوْلَى كَالْأَجْنَبِيِّ اهـ. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (بَابُ الْوَكَالَةِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ) أَفْرَدَهُمَا بِبَابٍ عَلَى حِدَةٍ لِكَثْرَةِ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهِمَا وَقَدَّمَ الشِّرَاءَ عَلَى الْبَيْعِ لِأَنَّ الشِّرَاءَ يُنْبِئُ عَنْ الْإِثْبَاتِ وَالْبَيْعُ عَنْ الْإِزَالَةِ بَعْدَ الْإِثْبَاتِ أَوْ الشِّرَاءُ يَتَحَقَّقُ بِالْمَوْجُودِ وَالْمَعْدُومِ وَالْبَيْعُ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا فِي الْمَوْجُودِ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ (قَوْلُهُ أَمَرَهُ بِشِرَاءِ ثَوْبٍ هَرَوِيٍّ أَوْ فَرَسٍ أَوْ بَغْلٍ صَحَّ سَمَّى ثَمَنًا أَوْ لَا) لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ إلَّا جَهَالَةُ الصِّفَةِ وَهِيَ مُحْتَمَلَةٌ فِيهَا اسْتِحْسَانًا لِأَنَّ مَبْنَاهَا عَلَى التَّوْسِعَةِ لِكَوْنِهَا اسْتِعَانَةً وَفِي اشْتِرَاطِ بَيَانِ الْوَصْفِ بَعْضُ الْحَرَجِ وَهُوَ مَدْفُوعٌ قَيَّدَ بِالْفَرَسِ وَالْبَغْلِ لِلِاخْتِلَافِ فِي الشَّاةِ فَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهَا مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ وَفِي التَّجْرِيدِ جَعَلَهَا مِنْ الْمُتَوَسِّطِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْجَوْهَرَةِ فَقَالَ: الْوَكَالَةُ بَاطِلَةٌ وَمَا اشْتَرَاهُ الْوَكِيلُ فَهُوَ لِنَفْسِهِ وَأَمَّا الْحِمَارُ فَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَفِي الْحِمَارِ تَصِيرُ الصِّفَةُ مَعْلُومَةً بِحَالِ الْمُوَكِّلِ وَكَذَا الْبَقَرُ وَلَوْ كَانَ الْمُوَكِّلُ فَالِيزِيًّا فَاشْتَرَى حِمَارًا مِصْرِيًّا أَوْ كَانَ وَاحِدًا مِنْ الْعَوَامّ فَاشْتَرَى لَهُ فَرَسًا يَلِيقُ بِالْمَمْلُوكِ يَلْزَمُ الْمَأْمُورَ اهـ. (قَوْلُهُ وَبِشِرَاءِ دَارٍ أَوْ عَبْدٍ جَازَ إنْ سَمَّى ثَمَنًا وَإِلَّا فَلَا) لِأَنَّهُ بِتَقْدِيرِ الثَّمَنِ يَصِيرُ النَّوْعُ مَعْلُومًا أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ مَا إذَا كَانَ ذَلِكَ الثَّمَنُ يُخَصِّصُ نَوْعًا أَوْ لَا وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي الْجَوْهَرَةِ حَيْثُ قَالَ وَهَذَا إذَا لَمْ يُوجَدُ بِهَذَا الثَّمَنِ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ أَمَّا إذَا وُجِدَ لَا يَجُوزُ عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ اهـ. وَقَدْ جَعَلَ الْمُؤَلِّفُ الدَّارَ كَالْعَبْدِ مُوَافِقًا لِقَاضِي خَانْ لَكِنَّهُ شَرَطَ مَعَ بَيَانِ الثَّمَنِ بَيَانَ الْمَحَلَّةِ كَمَا فِي فَتَاوَاهُ مُخَالِفًا لِلْهِدَايَةِ لِأَنَّهُ جَعَلَهَا كَالثَّوْبِ قَالَ: وَكَذَا الدَّارُ تَشْمَلُ مَا هُوَ فِي بَعْضِ الْأَجْنَاسِ لِأَنَّهَا تَخْتَلِفُ اخْتِلَافًا فَاحِشًا بِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ وَالْجِيرَانِ وَالْمَرَافِقِ وَالْمَحَالِّ وَالْبُلْدَانِ فَتَعَذَّرَ الِامْتِثَالُ اهـ وَذَكَرَ فِي الْمِعْرَاجِ أَنَّ مَا فِي الْهِدَايَةِ مُخَالِفٌ لِرِوَايَةِ الْمَبْسُوطِ قَالَ: وَالْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ مَشَايِخِنَا قَالُوا فِي دِيَارِنَا لَا يَجُوزُ إلَّا بِبَيَانِ الْمَحَالِّ اهـ. وَبِهِ يَحْصُلُ التَّوْفِيقُ فَيُحْمَلُ مَا فِي الْهِدَايَةِ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ تَخْتَلِفُ فِي تِلْكَ الدِّيَارِ اخْتِلَافًا فَاحِشًا وَكَلَامُ غَيْرِهِ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ لَا تَتَفَاحَشُ وَلَوْ قَالَ الْمُؤَلِّفُ إنْ بَيَّنَ نَوْعًا أَوْ سَمَّى ثَمَنًا كَانَ أَوْلَى لِأَنَّهَا صَحِيحَةٌ بِبَيَانِ النَّوْعِ كَعَبْدٍ رُومِيٍّ حَبَشِيٍّ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ الثَّمَنَ وَالْحِنْطَةُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ وَبَيَانُ الْمِقْدَارِ كَبَيَانِ الثَّمَنِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَفِي الْخَانِيَّةِ اشْتَرِ لِي حِنْطَةً -   [منحة الخالق] [بَابُ الْوَكَالَةِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ] (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ أَمَرَهُ بِشِرَاءِ ثَوْبٍ هَرَوِيٌّ إلَخْ) قَالَ فِي الْكِفَايَةِ: الْأَصْلُ أَنَّ الْجَهَالَةَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: فَاحِشَةٌ وَهِيَ جَهَالَةُ الْجِنْسِ كَالتَّوْكِيلِ بِشِرَاءِ الثَّوْبِ وَالدَّابَّةِ وَالرَّقِيقِ وَهِيَ تَمْنَعُ صِحَّةَ الْوَكَالَةِ وَإِنْ بَيَّنَ الثَّمَنَ وَيَسِيرَةٌ وَهِيَ جَهَالَةُ النَّوْعِ كَالتَّوْكِيلِ بِشِرَاءِ الْحِمَارِ وَالْبَغْلِ وَالْفَرَسِ وَالثَّوْبِ الْهَرَوِيِّ وَالْمَرْوِيِّ فَإِنَّهَا لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْوَكَالَةِ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ الثَّمَنَ وَمُتَوَسِّطَةٌ وَهِيَ بَيْنَ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ كَالتَّوْكِيلِ بِشِرَاءِ عَبْدٍ وَشِرَاءِ أَمَةٍ أَوْ دَارٍ فَإِنْ بَيَّنَ الثَّمَنَ أَوْ النَّوْعَ تَصِحُّ وَتَلْحَقُ بِجَهَالَةِ النَّوْعِ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ الثَّمَنَ أَوْ النَّوْعَ لَا تَصِحُّ وَتَلْحَقُ بِجَهَالَةِ الْجِنْسِ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الِامْتِثَالَ (قَوْلُهُ وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي الْجَوْهَرَةِ إلَخْ) أَقُولُ: جَزَمَ مُنْلَا خُسْرو فِي مَتْنِهِ الْغُرَرِ حَيْثُ قَالَ: فَإِنْ بَيَّنَ النَّوْعَ أَوْ ثَمَنَ عَيْنٍ نَوْعًا صَحَّتْ وَإِلَّا لَا اهـ. وَمِثْلُهُ فِي غُرَرِ الْأَفْكَارِ وَمُخْتَصَرِ النُّقَايَةِ لَكِنْ قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ فِي شَرْحِهَا: وَالْأَحْسَنُ تَرْكُ الصِّفَةِ يَعْنِي صِفَةَ الثَّمَنِ بِقَوْلِهِ عَيَّنَ نَوْعًا فَإِنَّ النَّوْعَ صَارَ مَعْلُومًا بِمُجَرَّدِ تَقْدِيرِ الثَّمَنِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَنْصَرِفُ إلَى مِثْلِ مَا يَلِيقُ بِحَالِ الْمُوَكِّلِ اهـ. وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 153 لَا يَصِحُّ مَا لَمْ يُبَيِّنْ الْقَدْرَ فَيَقُولُ كَذَا قَفِيزًا وَالطَّيْلَسَانُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ أَيْضًا لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ اشْتَرِ لِي طَيْلَسَانًا بِمِائَةٍ صَحَّتْ وَأَمَّا الدَّارُ فَعَلَى مَا فِي الْهِدَايَةِ لَمْ يَصِحَّ التَّوْكِيلُ بِشِرَاءِ دَارٍ بِأَلْفٍ وَصَحَّ عِنْدَ غَيْرِهِ وَيَتَعَيَّنُ الْبَلَدُ الَّذِي هُوَ فِيهِ كَمَا هُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ الثَّانِي وَجَزَمَ بِهِ فِي الْخَانِيَّةِ وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ رَجُلٌ وَكَّلَ رَجُلًا لِيَشْتَرِيَ لَهُ لُؤْلُؤَةً لَمْ يَجُزْ مَا لَمْ يُسَمِّ الثَّمَنَ لِأَنَّ التَّفَاوُتَ بَيْنَ اللُّؤْلُؤَتَيْنِ أَكْثَرُ مِنْ التَّفَاوُتِ بَيْنَ النَّوْعَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ وَلَوْ قَالَ: دَارًا بِالْكُوفَةِ بِأَلْفٍ صَحَّتْ اتِّفَاقًا وَلَوْ قَالَ: دَارًا بِالْكُوفَةِ فِي مَوْضِعِ كَذَا وَسَمَّى مَوْضِعًا مُتَقَارِبًا بَعْضُهُ بِبَعْضٍ جَازَتْ ذَكَرَ الثَّمَنَ أَوْ لَا كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَفِيهَا وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ دَارٍ بِبَلْخٍ فَاشْتَرَى خَارِجَهَا أَنَّ الْمُوَكِّلَ مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ لَا يَجُوزُ وَإِنْ مِنْ الرُّسْتَاقِ جَازَ اهـ. وَاللَّحْمُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ أَيْضًا فَلَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ لَحْمٍ بِدِرْهَمٍ فَاشْتَرَى لَحْمَ ضَأْنٍ أَوْ بَقَرٍ أَوْ إبِلٍ لَزِمَ الْآمِرَ وَقِيلَ: إنْ كَانَ الْآمِرُ غَرِيبًا يَنْصَرِفُ التَّوْكِيلُ إلَى الْمَطْبُوخِ وَالْمَشْوِيِّ لَا الْقَدِيدِ أَوْ لَحْمِ الطُّيُورِ وَالْوُحُوشِ وَالشَّاةِ حَيَّةً أَوْ مَذْبُوحَةً غَيْرَ مَسْلُوخَةٍ وَإِنْ اشْتَرَى شَاةً مَسْلُوخَةً لَزِمَ الْآمِرَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ قَلِيلًا كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ. (قَوْلُهُ وَبِشِرَاءِ ثَوْبٍ أَوْ دَابَّةٍ لَا وَإِنْ سَمَّى ثَمَنًا) أَيْ لَا يَصِحُّ التَّوْكِيلُ لِلْجَهَالَةِ الْفَاحِشَةِ فَإِنَّ الدَّابَّةَ لُغَةً اسْمٌ لِمَا يَدِبُّ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وَعُرْفًا لِلْخَيْلِ وَالْبَغْلِ وَالْحِمَارِ فَقَدْ جَمَعَ أَجْنَاسًا وَكَذَا الثَّوْبُ لِأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ الْمَلْبُوسَ مِنْ الْأَطْلَسِ إلَى الْكِسَاءِ وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ تَسْمِيَتُهُ مَهْرًا وَإِذَا اشْتَرَى الْوَكِيلُ وَقَعَ الشِّرَاءُ لَهُ كَذَا فِي النِّهَايَةِ قَيَّدَ بِالْمُنَكَّرِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُعَيَّنًا لَا يَحْتَاجُ إلَى تَسْمِيَةِ الْجِنْسِ وَالصِّفَةِ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ وَأَشَارَ بِثَوْبٍ إلَى أَنَّ ثِيَابًا كَذَلِكَ لِوُجُودِ جَهَالَةِ الْجِنْسِ وَفِي الْكَافِي وَفَرَّقُوا بَيْنَ ثِيَابٍ وَأَثْوَابٍ فَقَالُوا: الْأَوَّلُ لِلْجِنْسِ وَالثَّانِي لَا وَكَأَنَّ الْفَرْقَ مَبْنِيٌّ عَلَى عُرْفِهِمْ اهـ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ أَثْوَابًا جَمْعُ قِلَّةٍ لِأَنَّ أَفْعَالًا مِنْ جُمُوعِ الْقِلَّةِ وَهُوَ لِمَا دُونَ الْعَشَرَةِ فَلَمْ يَدُلَّ عَلَى الْعُمُومِ بِخِلَافِ ثِيَابٍ فَإِنَّهُ جَمْعُ كَثْرَةٍ لَا يَنْحَصِرُ فِي عَدَدٍ فَتَفَاحَشَتْ الْجَهَالَةُ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ دَفَعَ لَهُ دَرَاهِمَ وَقَالَ: اشْتَرِ بِهَا شَيْئًا لَا يَصِحُّ وَلَوْ قَالَ عَلَى مَا تُحِبُّ وَتَرْضَى جَازَ بِخِلَافِ الْبِضَاعَةِ وَالْمُضَارَبَةِ وَلَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ أَيْ ثَوْبٍ شَاءَ صَحَّ وَفِي الْبِضَاعَةِ لَوْ أَمَرَهُ بِشِرَاءِ ثَوْبٍ أَوْ ثَوْبَيْنِ أَوْ ثِيَابٍ أَوْ الثِّيَابِ صَحَّ وَبِشِرَاءِ أَثْوَابٍ لَا يَصِحُّ دَفَعَ إلَيْهِ أَلْفًا وَقَالَ: اشْتَرِ لِي بِهِ الدَّوَابَّ أَوْ لَمْ يَدْفَعْهُ صَحَّ وَلَوْ قَالَ: خُذْ هَذَا الْأَلْفَ وَاشْتَرِ بِهَا الْأَشْيَاءَ جَازَ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ بِضَاعَةً أَوْ مُضَارَبَةً لِأَنَّهُ أَدْخَلَ اللَّامَ وَلَمْ يُرِدْ الْمَعْهُودَ لِعَدَمِهِ وَلَا كُلَّ الْجِنْسِ لِاسْتِحَالَتِهِ عُلِمَ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ مَا لَيْسَ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ حَتَّى لَوْ لَمْ يُدْخِلْ اللَّامَ لَمْ يَصِحَّ كَقَوْلِهِ ثَوْبًا أَوْ دَابَّةً بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ الشَّيْءَ أَعَمُّ فَكَانَتْ الْجَهَالَةُ أَفْحَشَ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى تَفْوِيضِ الْأَمْرِ إلَيْهِ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ وَلَوْ قَالَ: اشْتَرِ لِي الْأَثْوَابَ لَمْ يَذْكُرْهُ مُحَمَّدٌ وَقِيلَ: لَا وَلَوْ أَثْوَابًا لَا يَجُوزُ وَلَوْ ثِيَابًا أَوْ الدَّوَابَّ أَوْ الثِّيَابَ أَوْ دَوَابَّ يَجُوزُ وَإِنْ لَمْ يُقَدِّرْ الثَّمَنَ اهـ. (قَوْلُهُ وَبِشِرَاءِ طَعَامٍ يَقَعُ عَلَى الْبُرِّ وَدَقِيقِهِ) أَيْ لَوْ وَكَّلَهُ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَقَعَ عَلَى كُلِّ مَطْعُومٍ اعْتِبَارًا لِلْحَقِيقَةِ كَمَا فِي الْيَمِينِ عَلَى الْأَكْلِ إذْ الطَّعَامُ اسْمٌ لِمَا يُطْعَمُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْعُرْفَ أَمْلَكُ وَهُوَ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ إذْ ذُكِرَ مَقْرُونًا بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَلَا عُرْفَ فِي الْأَكْلِ فَبَقِيَ عَلَى الْوَضْعِ أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ مَا إذَا كَثُرَتْ الدَّرَاهِمُ أَوْ قَلَّتْ وَقِيلَ: يَنْظُرُ إلَيْهَا فَإِنْ كَانَتْ كَثِيرَةً فَعَلَى الْبُرِّ وَإِنْ كَانَتْ قَلِيلَةً فَعَلَى الْخُبْزِ وَإِنْ كَانَتْ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ فَعَلَى الدَّقِيقِ وَالْفَارِقُ الْعُرْفُ وَيُعْرَفُ بِالِاجْتِهَادِ حَتَّى إذَا عَرَفَ أَنَّهُ بِالْكَثِيرِ مِنْ الدَّرَاهِمِ يُرِيدُ بِهِ الْخُبْزَ بِأَنْ كَانَ عِنْدَهُ وَلِيمَةٌ يَتَّخِذُهَا هُوَ جَازَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ الْخُبْزَ لَهُ وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ: الطَّعَامُ فِي عُرْفِنَا يَنْصَرِفُ إلَى مَا يُمْكِنُ أَكْلُهُ يَعْنِي الْمُعْتَادَ لِلْأَكْلِ كَاللَّحْمِ الْمَطْبُوخِ وَالْمَشْوِيِّ أَيْ مَا يُمْكِنُ أَكْلُهُ مِنْ غَيْرِ إدَامٍ دُونَ الْحِنْطَةِ وَالدَّقِيقِ وَالْخُبْزِ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَلَمْ يُقَيِّدْ الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - صِحَّةَ التَّوْكِيلِ بِدَفْعِ الدَّرَاهِمِ وَلَا بُدَّ مِنْهُ أَوْ بَيَانِ مِقْدَارِ الطَّعَامِ فَلَوْ قَالَ لَهُ: اشْتَرِ لِي طَعَامًا لَمْ يَجُزْ عَلَى الْآمِرِ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ مِنْ انْصِرَافِ الطَّعَامِ إلَى الْبُرِّ وَدَقِيقِهِ إنَّمَا هُوَ عُرْفُ الْكُوفَةِ وَفِي عُرْفِنَا مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْمُفْتَى بِهِ هَكَذَا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَأَشَارَ إلَى أَنَّ ثِيَابًا كَذَلِكَ إلَخْ) مُخَالِفٌ لِمَا سَيَذْكُرُهُ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَثْوَابًا لَا يَجُوزُ وَلَوْ ثِيَابًا يَجُوزُ وَفِي حَاشِيَةِ مِسْكِينٍ وَلَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ ثِيَابٍ صَحَّ وَبِشِرَاءِ أَثْوَابٍ لَا لِأَنَّ ثِيَابًا يُرَادُ بِهِ الْجِنْسُ مُفَوِّضًا إلَى الْوَكِيلِ لِدَلَالَتِهِ عَلَى الْعُمُومِ لِكَوْنِهِ جَمْعَ كَثْرَةٍ بِخِلَافِ أَثْوَابٍ خِلَافًا لِمَا فِي الْبَحْرِ مَقْدِسِيٌّ اهـ. أَيْ لِأَنَّهُ عَكْسُ الْحُكْمِ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْعَتَّابِيَّةِ وَلَوْ قَالَ: اشْتَرِ لِي شَيْئًا أَوْ ثَوْبًا لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ جِدًّا إلَّا إذَا وَجَدَ دَلَالَةَ التَّفْوِيضِ وَهُوَ التَّعْمِيمُ بِأَنْ قَالَ: ثِيَابًا أَوْ الثِّيَابَ أَوْ الدَّوَابَّ يَجُوزُ بِتَنَاوُلِ أَدْنَى مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ وَلِذَا قَالَ: اشْتَرِ بِهَا شَيْئًا أَوْ ثَوْبًا أَوْ أَثْوَابًا أَوْ قَالَ: مَا أُرِيدُهُ أَوْ احْتَاجَ إلَيْهِ لَا يَصِحُّ بِخِلَافِ اشْتَرِ لِي مَا اتَّفَقَ لَكَ أَوْ مَا شِئْتَ أَوْ مَا اشْتَرَيْت فَهُوَ لِي. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 154 فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَلَكِنْ عُرْفُ الْقَاهِرَةِ عَلَى خِلَافِهِمَا فَإِنَّ الطَّعَامَ عِنْدَهُمْ لِلطَّبْخِ بِالْمَرَقِ وَاللَّحْمِ وَقَيَّدَ بِالْبُرِّ لِأَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى شَعِيرًا لَمْ يَلْزَمْ الْآمِرَ اسْتِحْسَانًا كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ قَيَّدَ بِالْوَكَالَةِ لِأَنَّ الطَّعَامَ فِيمَا لَوْ أَوْصَى لَهُ بِالطَّعَامِ يَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ مَطْعُومٍ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ الْوَكَالَةِ وَمِنْ أَيْمَانِهَا لَا يَأْكُلُ طَعَامًا فَأَكَلَ دَوَاءً لَيْسَ بِطَعَامٍ كَالسَّقَمُونْيَا لَا يَحْنَثُ وَلَوْ بِهِ حَلَاوَةٌ كالسكنجبين يَحْنَثُ اهـ. (قَوْلُهُ وَلِلْوَكِيلِ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ مَا دَامَ الْمَبِيعُ فِي يَدِهِ) لِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ الْعَقْدِ وَهِيَ كُلُّهَا إلَيْهِ وَلِوَارِثِهِ أَوْ وَصِيِّهِ ذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا فَلِلْمُوَكِّلِ وَكَذَا الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَقَدَّمْنَاهُ أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ مَا إذَا كَانَ رَدَّهُ بِإِذْنِ الْمُوَكِّلِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَأَشَارَ بِكَوْنِ الرَّدِّ لَهُ إلَى أَنَّهُ لَوْ رَضِيَ بِالْعَيْبِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ ثُمَّ الْمُوَكِّلُ إنْ شَاءَ قَبِلَهُ وَإِنْ شَاءَ أَلْزَمَ الْوَكِيلَ وَقَبْلَ أَنْ يُلْزِمَ الْوَكِيلَ إذَا هَلَكَ يَهْلِكُ مِنْ الْمُوَكِّلِ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَإِلَى أَنَّ الرَّدَّ عَلَيْهِ لَوْ كَانَ وَكِيلًا بِالْبَيْعِ فَوَجَدَ الْمُشْتَرِي بِالْمَبِيعِ عَيْبًا مَا دَامَ الْوَكِيلُ حَيًّا عَاقِلًا مِنْ أَهْلِ لُزُومِ الْعُهْدَةِ فَإِنْ كَانَ مَحْجُورًا يُرَدُّ عَلَى الْمُوَكِّلِ وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَجَدَ الْمُشْتَرِي فِيمَا اشْتَرَاهُ عَيْبًا رَجَعَ بِالثَّمَنِ عَلَى الْوَكِيلِ إنْ كَانَ نَقَدَهُ الثَّمَنَ وَإِنْ كَانَ نَقَدَهُ مِنْ الْمُوَكِّلِ أَخَذَهُ مِنْ الْمُوَكِّلِ وَلَمْ يَذْكُر مَا إذَا أَنْقَدَ الثَّمَنَ إلَى الْوَكِيلِ ثُمَّ أَعْطَاهُ هُوَ إلَى الْمُوَكِّلِ ثُمَّ وَجَدَ الْمُشْتَرِي عَيْبًا يَرُدُّهُ عَلَى الْوَكِيلِ أَمْ الْمُوَكِّلِ. أَفْتَى الْقَاضِي أَنَّهُ يَرُدُّهُ عَلَى الْوَكِيلِ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَإِلَى أَنَّ الْمُوَكِّلَ أَجْنَبِيٌّ فِي الْخُصُومَةِ بِالْعَيْبِ فَلَوْ أَقَرَّ الْمُوَكِّلُ بِالْعَيْبِ وَأَنْكَرَهُ الْوَكِيلُ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْوَكِيلَ وَلَا الْمُوَكِّلَ شَيْءٌ لِأَنَّ الْخُصُومَةَ فِيهِ مِنْ حُقُوقِ الْعَقْدِ وَالْمُوجَبُ أَجْنَبِيٌّ فِيهِ وَإِلَى أَنَّ إقْرَارَ الْوَكِيلِ يُوجِبُ رَدَّهُ عَلَيْهِ وَلَوْ أَنْكَرَهُ الْمُوَكِّلُ لَكِنْ إقْرَارُهُ صَحِيحٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ لَا فِي حَقِّ الْمُوَكِّلِ لِانْتِهَاءِ وَكَالَتِهِ بِالتَّسْلِيمِ فَلَا يَكُونُ قَوْلُهُ مُلْزِمًا عَلَى الْمُوَكِّلِ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَيْبًا لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ لِلْقَطْعِ بِقِيَامِ الْعَيْبِ عِنْدَ الْمُوَكِّلِ وَإِنْ أَمْكَنَ حُدُوثُ مِثْلِهِ فِي الْمُدَّةِ لَا يَرُدُّهُ عَلَى الْمُوَكِّلِ إلَّا بِبُرْهَانٍ عَلَى كَوْنِهِ عِنْدَ مُوَكِّلِهِ وَإِلَّا يُحَلِّفُهُ فَإِنْ نَكِلَ رَدَّهُ وَإِلَّا لَزِمَ الْوَكِيلَ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ أَيْضًا (قَوْلُهُ وَلَوْ سَلَّمَهُ إلَى الْآمِرِ لَا يَرُدُّهُ إلَّا بِأَمْرِهِ) لِأَنَّهُ انْتَهَى حُكْمُ الْوَكَالَةِ وَلِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ يَدِهِ الْحَقِيقَةِ فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْهُ إلَّا بِإِذْنِهِ وَلِهَذَا كَانَ خَصْمًا لِمَنْ يَدَّعِي فِي الْمُشْتَرَى دَعْوَى كَالشَّفِيعِ وَغَيْرِهِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ إلَى الْمُوَكِّلِ لَا بَعْدَهُ وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ الْوَكِيلُ إذَا قَبَضَ الثَّمَنَ لَا يَمْلِكُ الْإِقَالَةَ إجْمَاعًا اهـ. وَقَيَّدَ بِالْعَيْبِ لِأَنَّهُ لَوْ وَكَّلَهُ بِبَيْعِ مَتَاعِهِ فَبَاعَهُ بَيْعًا فَاسِدًا وَسَلَّمَهُ وَقَبَضَ الثَّمَنَ وَسَلَّمَهُ إلَى الْمُوَكِّلِ فَلَهُ أَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ وَيَسْتَرِدَّ الثَّمَنَ مِنْ الْمُوَكِّلِ بِغَيْرِ رِضَاهُ لِحَقِّ الشَّرْعِ كَذَا فِي الْقُنْيَةِ. (قَوْلُهُ وَحَبَسَ الْمَبِيعَ بِثَمَنٍ دَفَعَهُ مِنْ مَالِهِ) لِأَنَّهُ انْعَقَدَتْ بَيْنَهُمَا مُبَادَلَةٌ حُكْمِيَّةٌ وَلِهَذَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ يَتَحَالَفَانِ فِي الثَّمَنِ وَيَرُدُّ الْمُوَكِّلُ بِالْعَيْبِ عَلَى الْوَكِيلِ وَقَدْ سَلَّمَهُ الْمُشْتَرِي لِلْمُوَكِّلِ مِنْ جِهَةِ الْوَكِيلِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ الْحُقُوقَ لَمَّا كَانَتْ رَاجِعَةً إلَيْهِ وَقَدْ عَلِمَهُ الْمُوَكِّلُ فَيَكُونُ رَاضِيًا بِدَفْعِهِ مِنْ مَالِهِ وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَحْبِسُهُ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ صَارَ قَابِضًا بِيَدِهِ فَكَأَنَّهُ سَلَّمَهُ إلَيْهِ قُلْنَا: هَذَا لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ فَلَا يَكُونُ رَاضِيًا بِسُقُوطِ حَقِّهِ فِي الْحَبْسِ عَلَى أَنَّ قَبْضَهُ مَوْقُوفٌ فَيَقَعُ لِلْمُوَكِّلِ إنْ لَمْ يَحْبِسْهُ وَلِنَفْسِهِ عِنْدَ حَبْسِهِ قَيَّدَ بِكَوْنِهِ دَفَعَ الثَّمَنَ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ دَفَعَهُ فَلَهُ الْحَبْسُ بِالْأَوْلَى لِأَنَّهُ مَعَ الدَّفْعِ رُبَّمَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِدَفْعِ الثَّمَنِ فَلَا يَحْبِسُهُ فَأَفَادَ بِالْحَبْسِ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُتَبَرِّعٍ وَأَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ عَلَى مُوَكِّلِهِ بِمَا دَفَعَهُ وَإِنْ لَمْ يَأْمُرْهُ بِهِ صَرِيحًا لِلْإِذْنِ حُكْمًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَهَذَا إذَا كَانَ الثَّمَنُ حَالًّا فَإِنْ اشْتَرَاهُ الْوَكِيلُ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ تَأَجَّلَ فِي حَقِّ الْمُوَكِّلِ أَيْضًا فَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ طَلَبُهُ حَالًّا بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَاهُ بِنَقْدٍ ثُمَّ أَجَّلَهُ الْبَائِعُ كَانَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُطَالِبَهُ بِهِ حَالًا وَهِيَ الْحِيلَةُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَفِي الْوَاقِعَاتِ الْحُسَامِيَّةِ وَلَوْ أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ جَارِيَةً بِأَلْفٍ فَاشْتَرَاهَا ثُمَّ إنَّ الْبَائِعَ وَهَبَ الْأَلْفَ مِنْ الْوَكِيلِ فَلِلْوَكِيلِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْآمِرِ وَلَوْ وَهَبَ مِنْهُ خَمْسَمِائَةٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْآمِرِ إلَّا بِخَمْسِمِائَةٍ وَلَوْ وَهَبَ مِنْهُ خَمْسَمِائَةٍ ثُمَّ وَهَبَ مِنْهُ أَيْضًا الْخَمْسَمِائَةِ الْبَاقِيَةَ لَمْ يَرْجِعْ الْوَكِيلُ عَلَى الْآمِرِ إلَّا بِالْخَمْسِمِائَةِ الْأُخْرَى لِأَنَّ الْأَوَّلَ حَطٌّ وَالثَّانِي هِبَةٌ وَلَوْ وَهَبَ مِنْهُ تِسْعَمِائَةٍ ثُمَّ وَهَبَ مِنْهُ الْمِائَةَ الْبَاقِيَةَ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْآمِرِ   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 155 إلَّا بِالْمِائَةِ الْأُخْرَى وَهَذَا كُلُّهُ قِيَاسُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَالْحَسَنِ اهـ. وَفِي وَصَايَا الْخَانِيَّةِ الْوَصِيُّ إذَا أَنْفَذَ الْوَصِيَّةَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي تَرِكَةِ الْمَيِّتِ عَلَى كُلِّ حَالٍ أَيْ سَوَاءٌ كَانَ وَارِثًا أَوْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ لِلْعَبْدِ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ. وَفِي الْخُلَاصَةِ الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ إذَا اشْتَرَى مَا أُمِرَ بِهِ ثُمَّ أَنْفَقَ الدَّرَاهِمَ بَعْدَ مَا سَلَّمَ إلَى الْآمِرِ ثُمَّ نَقَدَ الْبَائِعَ غَيْرَهَا جَازَ وَلَوْ اشْتَرَى بِدَنَانِيرَ غَيْرِهَا ثُمَّ نَقَدَ دَنَانِيرَ الْمُوَكِّلِ فَالشِّرَاءُ لِلْوَكِيلِ وَضَمِنَ لِلْمُوَكِّلِ دَنَانِيرَهُ لِلتَّعَدِّي وَفِي الْخَانِيَّةِ الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ إذَا لَمْ يَكُنْ أَخَذَ الثَّمَنَ مِنْ الْمُوَكِّلِ يُطَالَبُ بِتَسْلِيمِ الثَّمَنِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ وَالْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ لَا يُطَالِبُ بِأَدَاءِ الثَّمَنِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ اهـ. وَفِي كَفَالَةِ الْخَانِيَّةِ لَوْ ادَّعَى الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ دَفْعَ الثَّمَنِ مِنْ مَالِهِ وَصَدَّقَهُ الْمُوَكِّلُ وَكَذَّبَهُ الْبَائِعُ لَمْ يَرْجِعْ الْوَكِيلُ عَلَى الْمُوَكِّلِ اهـ. وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مِنْ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ الْوَكِيلُ لَوْ لَمْ يَقْبِضْ ثَمَنَهُ حَتَّى لَقِيَ الْآمِرَ فَقَالَ: بِعْتَ ثَوْبَكَ مِنْ فُلَانٍ فَأَنَا أَقْضِيكَ عَنْهُ ثَمَنَهُ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَلَوْ قَالَ: أَنَا أَقْضِيكَهُ عَنْهُ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمَالُ الَّذِي عَلَى الْمُشْتَرِي لِي لَمْ يَجُزْ وَرَجَعَ الْوَكِيلُ عَلَى مُوَكِّلِهِ بِمَا دَفَعَ بَيَّاعٌ عِنْدَهُ بَضَائِعَ لِنَاسٍ أَمَرُوهُ بِبَيْعِهَا فَبَاعَهَا بِثَمَنٍ مُسَمًّى فَعَجَّلَ الثَّمَنَ مِنْ مَالِهِ إلَى أَصْحَابِهَا عَلَى أَنَّ أَثْمَانَهَا لَهُ إذَا قَبَضَهَا فَأَفْلَسَ الْمُشْتَرِي فَلِلْبَائِعِ أَنْ يَسْتَرِدَّ مَا دَفَعَ إلَى أَصْحَابِ الْبَضَائِعِ اهـ. (قَوْلُهُ فَلَوْ هَلَكَ فِي يَدِهِ قَبْلَ حَبْسِهِ هَلَكَ مِنْ مَالِ الْمُوَكِّلِ وَلَمْ يَسْقُطْ الثَّمَنُ) لِأَنَّ يَدَهُ كَيَدِ الْمُوَكِّلِ فَإِذَا لَمْ يَحْبِسْ يَصِيرُ الْمُوَكِّلُ قَابِضًا بِيَدِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُؤَلِّفُ هُنَا حُكْمَ مَا إذَا وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ شَيْءٍ وَدَفَعَ الثَّمَنَ إلَيْهِ فَهَلَكَ فِي يَدِهِ قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: دَفَعَ إلَيْهِ أَلْفًا لِيَشْتَرِيَ بِهِ فَاشْتَرَى وَقَبْلَ أَنْ يَنْقُدَهُ لِلْبَائِعِ هَلَكَ فَمِنْ مَالِ الْآمِرِ وَإِنْ اشْتَرَى ثُمَّ نَقَدَهُ الْمُوَكِّلُ فَهَلَكَ الثَّمَنُ قَبْلَ دَفْعِهِ إلَى الْبَائِعِ عِنْدَ الْمُوَكِّلِ يَهْلِكُ مِنْ مَالِ الْوَكِيلِ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَكَّلَهُ بِهِ دَفَعَ أَلْفًا فَاشْتَرَى وَلَمْ يَنْقُدْ رَجَعَ بِهِ مَرَّةً فَإِنْ دَفَعَ وَهَلَكَ ثَانِيًا لَا يَرْجِعُ أُخْرَى وَالْمُضَارِبُ مِرَارًا وَالْكُلُّ رَأْسُ الْمَالِ اهـ. وَسَيَزْدَادُ وُضُوحًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْمُضَارَبَةِ وَفِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَأَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ بِهَا عَبْدًا فَوَضَعَ الْوَكِيلُ الدَّرَاهِمَ فِي مَنْزِلِهِ وَخَرَجَ إلَى السُّوقِ وَاشْتَرَى لَهُ عَبْدًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَجَاءَ بِالْعَبْدِ إلَى مَنْزِلِهِ وَأَرَادَ أَنْ يَدْفَعَ الدَّرَاهِمَ إلَى الْبَائِعِ فَإِذَا الدَّرَاهِمُ قَدْ سُرِقَتْ وَهَلَكَ الْعَبْدُ فِي مَنْزِلِهِ فَجَاءَ الْبَائِعُ وَطَلَبَ مِنْهُ الثَّمَنَ وَجَاءَ الْمُوَكِّلُ يَطْلُبُ مِنْهُ الْعَبْدَ كَيْفَ يَفْعَلُ؟ قَالُوا: يَأْخُذُ الْوَكِيلُ مِنْ الْمُوَكِّلِ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَيَدْفَعُهَا إلَى الْبَائِعِ وَالْعَبْدُ وَالدَّرَاهِمُ هَلَكَا عَلَى الْأَمَانَةِ فِي يَدِهِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ: هَذَا إذَا عَلِمَ بِشَهَادَةِ الشُّهُودِ أَنَّهُ اشْتَرَى الْعَبْدَ وَهَلَكَ فِي يَدِهِ أَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ إلَّا بِقَوْلِهِ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ فِي نَفْيِ الضَّمَانِ عَنْ نَفْسِهِ اهـ. وَفِي بُيُوعِ الْبَزَّازِيَّةِ الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ إذَا أَخَذَ الْمُشْتَرَى عَلَى وَجْهِ السَّوْمِ مَعَ قَرَارِ الثَّمَنِ فَأَرَاهُ الْمُوَكِّلَ وَلَمْ يَرْضَ بِهِ فَهَلَكَ فِي يَدِ الْوَكِيلِ ضَمِنَ الْوَكِيلُ قِيمَةَ السِّلْعَةِ لِلْبَائِعِ ثُمَّ يَرْجِعُ عَلَى الْمُوَكِّلِ إنْ كَانَ أَمَرَهُ بِالْأَخْذِ عَلَى وَجْهِ السَّوْمِ وَإِلَّا فَلَا اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ هَلَكَ بَعْدَ حَبْسِهِ فَهُوَ كَالْمَبِيعِ) أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ قَيَّدَ بِالْهَلَاكِ لِأَنَّهُ لَوْ ذَهَبَ عَيْنُهُ عِنْدَهُ بَعْدَ حَبْسِهِ لَمْ يَسْقُطْ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ لِأَنَّهُ وَصْفٌ وَالْأَوْصَافُ لَا يُقَابِلُهَا شَيْءٌ لَكِنْ يُخَيَّرُ الْمُوَكِّلُ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ كَذَا فِي زِيَادَاتِ قَاضِي خَانْ وَيَكُونُ مَضْمُونًا ضَمَانَ الرَّهْنِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَضَمَانَ الْغَصْبِ عِنْدَ زُفَرَ لِأَنَّهُ مَنَعَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَلَهُمَا أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْبَائِعِ مِنْهُ فَكَانَ حَبْسُهُ لِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ فَيَسْقُطُ بِهَلَاكِهِ وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ مَضْمُونٌ بِالْحَبْسِ لِلِاسْتِيفَاءِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ وَهُوَ الرَّهْنُ بِعَيْنِهِ بِخِلَافِ الْمَبِيعِ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَنْفَسِخُ بِهَلَاكِهِ وَهَاهُنَا لَا يَنْفَسِخُ أَصْلُ الْعَقْدِ قُلْنَا: يَنْفَسِخُ فِي حَقِّ الْمُوَكِّلِ وَالْوَكِيلِ كَمَا إذَا رَدَّهُ الْمُوَكِّلُ بِعَيْبٍ وَرَضِيَ الْوَكِيلُ بِهِ. أَشَارَ الْمُؤَلِّفُ إلَى أَنَّ الْوَكِيلَ لَهُ حَبْسُ الْمَبِيعِ لِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ سَوَاءٌ أَدَّاهُ إلَى الْبَائِعِ أَوْ لَا وَقَيَّدَ بِالْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِاسْتِئْجَارِ الدَّارِ إذَا اسْتَأْجَرَ لِلْمُوَكِّلِ دَارًا سَنَةً بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَشَرَطَ التَّعْجِيلَ أَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ وَقَبَضَ الْوَكِيلُ الدَّارَ لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهَا مِنْ الْمُوَكِّلِ بِالْأَجْرِ فَإِنْ حَبَسَهَا حَتَّى مَضَتْ الْمُدَّةُ ذَكَرَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَنَّ الْأَجْرَ عَلَى الْوَكِيلِ ثُمَّ الْوَكِيلُ يَرْجِعُ عَلَى الْمُوَكِّلِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَفِي كَفَالَةِ الْخَانِيَّةِ لَوْ ادَّعَى الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ دَفْعَ الثَّمَنِ مِنْ مَالِهِ وَصَدَّقَهُ الْمُوَكِّلُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ لَيْسَ بِقَيْدٍ لِأَنَّهُ لَوْ كَذَّبَهُ فَبِالْأَوْلَى عَدَمُ الرُّجُوعِ وَعِبَارَةُ الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ عَلَيْهِ أَلْفٌ لِرَجُلٍ فَأَمَرَ الْمَدْيُونُ رَجُلًا أَنْ يَقْضِيَ الطَّالِبَ الْأَلْفَ الَّتِي لَهُ عَلَيْهِ فَقَالَ الْمَأْمُورُ: قَضَيْت وَصَدَّقَهُ الْآمِرُ وَكَذَّبَهُ صَاحِبُ الدَّيْنِ لَا يَرْجِعُ الْمَأْمُورُ عَلَى الْآمِرِ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ وَكِيلٌ بِشِرَاءِ مَا فِي ذِمَّتِهِ فَإِذَا لَمْ يُسَلِّمْ لَهُ مَا فِي ذِمَّتِهِ لَا يَرْجِعُ الْمَأْمُورُ عَلَى الْآمِرِ كَالْوَكِيلِ بِشِرَاءِ الْعَيْنِ إذَا قَالَ: اشْتَرَيْتُ وَنَقَدْتُ الثَّمَنَ مِنْ مَالِ نَفْسِي وَصَدَّقَهُ الْمُوَكِّلُ وَكَذَّبَهُ الْبَائِعُ لَا يَرْجِعُ الْوَكِيلُ عَلَى الْمُوَكِّلِ فَإِنْ أَقَامَ الْمَأْمُورُ بَيِّنَةً عَلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ وَيَرْجِعُ الْمَأْمُورُ عَلَى الْآمِرِ وَيَبْرَأُ الْآمِرُ عَنْ دَيْنِ الطَّالِبِ اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ لَا يَرْجِعُ الْوَكِيلُ عَلَى الْمُوَكِّلِ لَا يَرْجِعُ بِمَا ضَاعَ عَلَيْهِ بِجُحُودِ الْبَائِعِ وَإِلَّا فَالثَّمَنُ الَّذِي وَجَبَ لَهُ بِالْعَقْدِ الْحُكْمِيِّ يُطَالِبُهُ بِهِ بِلَا شُبْهَةٍ لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِالشِّرَاءِ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْبَائِعِ مِنْ الْمُوَكِّلِ وَلِذَلِكَ يَتَحَالَفَانِ إذَا اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ وَيَنْفَسِخُ الْعَقْدُ الَّذِي جَرَى بَيْنَهُمَا حُكْمًا كَمَا سَيَأْتِي فَافْهَمْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 156 وَلَا يَسْقُطُ الْأَجْرُ عَنْ الْمُوَكِّلِ بِحَبْسِ الْوَكِيلِ بِخِلَافِ مَا إذَا غَصَبَهَا غَاصِبٌ فَإِنَّ ثَمَّةَ لَا يَجِبُ الْأَجْرُ عَلَى الْمُوَكِّلِ وَلَا عَلَى الْوَكِيلِ وَفِي بَعْضِهَا يَسْقُطُ الْأَجْرُ عَنْ الْمُوَكِّلِ بِحَبْسِ الْوَكِيلِ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ إلَى هُنَا. وَالْحَاصِلُ فِي مَسْأَلَةِ الِاخْتِلَافِ أَنَّ عِنْدَهُمَا يَسْقُطُ الثَّمَنُ بِهَلَاكِهِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَهْلِكُ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الثَّمَنِ حَتَّى لَوْ كَانَ الثَّمَنُ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ رَجَعَ الْوَكِيلُ بِذَلِكَ الْفَضْلِ عَلَى مُوَكِّلِهِ وَعِنْدَ زُفَرَ يَضْمَنُ جَمِيعَ قِيمَتِهِ وَفِي بُيُوعِ الْبَزَّازِيَّةِ وَإِنْ نَقَدَ الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ الثَّمَنَ مِنْ مَالِهِ ثُمَّ لَقِيَهُ الْمُوَكِّلُ فِي بَلَدٍ آخَرَ وَالْمُشْتَرِي لَيْسَ عِنْدَهُ وَطَلَبَ مِنْهُ الثَّمَنَ فَأَبَى إلَّا أَنْ يُسَلِّمَ الْمُشْتَرِيَ فَإِنْ كَانَ الْآمِرُ طَالَبَهُ بِتَسْلِيمِهِ حِينَ كَانَ الْمُشْتَرِي بِحَضْرَتِهِمَا وَلَمْ يُسَلِّمْهُ حَتَّى يَقْبِضَ الثَّمَنَ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ الثَّمَنَ حَتَّى يَقْبِضَ الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ امْتَنَعَ عَنْ تَسْلِيمِ الْمُشْتَرِي حَالَ حَضْرَتِهِ فَلَأَنْ يَمْنَعَ حَالَ غَيْبَتِهِ وَإِنْ كَانَ الْآمِرُ لَمْ يَطْلُبْهُ مِنْهُ حَالَ حَضْرَةِ الْمُشْتَرِي لَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْ دَفْعِ الثَّمَنِ لِأَنَّهُ صَارَ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ الْآمِرِ اهـ. [مُفَارَقَةُ الْوَكِيلِ فِي الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ] (قَوْلُهُ وَتُعْتَبَرُ مُفَارَقَةُ الْوَكِيلِ فِي الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ) فَيَبْطُلُ الْعَقْدُ إنْ فَارَقَ الْوَكِيلُ صَاحِبَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ لِوُجُودِ الِافْتِرَاقِ عَنْ غَيْرِ قَبْضٍ وَلَا اعْتِبَارَ بِمُفَارَقَةِ الْمُوَكِّلِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَاقِدٍ وَالْمُسْتَحَقُّ بِالْعَقْدِ قَبْضُ الْعَاقِدِ وَهُوَ الْوَكِيلُ فَيَصِحُّ قَبْضُهُ وَإِنْ كَانَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْحُقُوقُ كَالصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ وَلِذَا أَطْلَقَهُ الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَشَمَلَ مَا إذَا كَانَ الْمُوَكِّلُ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا وَمَا فِي النِّهَايَةِ مِنْ تَقْيِيدِهِ بِمَا إذَا كَانَ الْمُوَكِّلُ غَائِبًا أَمَّا إذَا كَانَ حَاضِرًا لَمْ تُعْتَبَرْ مُفَارَقَةُ الْوَكِيلِ ضَعِيفٌ لِكَوْنِ الْوَكِيلِ أَصْلًا فِي الْحُقُوقِ فِي الْبَيْعِ مُطْلَقًا وَقَيَّدَ بِالْوَكِيلِ لِأَنَّ الرَّسُولَ فِيهِمَا لَا تُعْتَبَرُ مُفَارَقَتُهُ لِأَنَّ الرِّسَالَةَ فِي الْعَقْدِ لَا فِي الْقَبْضِ وَيَنْتَقِلُ كَلَامُهُ إلَى الْمُرْسِلِ فَصَارَ قَبْضُ الرَّسُولِ قَبْضَ غَيْرِ الْعَاقِدِ فَلَمْ يَصِحَّ وَاسْتُفِيدَ مِنْ وَضْعِ الْمَسْأَلَةِ صِحَّةُ التَّوْكِيلِ بِهِمَا لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مِمَّا يُبَاشِرُهُ الْمُوَكِّلُ فَيُوَكِّلُ فِيهِ وَهُوَ فِي الصَّرْفِ مُطْلَقٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَأَمَّا فِي السَّلَمِ فَيَجُوزُ مِنْ جَانِبِ رَبِّ السَّلَمِ بِدَفْعِ رَأْسِ الْمَالِ أَوْ بِقَبُولِ السَّلَمِ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَلَا يَجُوزُ مِنْ جَانِبِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ بِأَخْذِ رَأْسِ الْمَالِ لِأَنَّ الْوَكِيلَ إذَا قَبَضَ رَأْسَ الْمَالِ بَقِيَ الْمُسْلَمُ فِيهِ فِي ذِمَّتِهِ وَهُوَ مَبِيعٌ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَمَا فِي النِّهَايَةِ مِنْ تَقْيِيدِهِ إلَخْ) مِثْلُ مَا فِي النِّهَايَةِ فِي الْعَيْنِيِّ وَابْنِ مَلَكٍ وَدُرَرِ الْبِحَارِ وَالْجَوْهَرَةِ عَنْ الْمُسْتَصْفَى وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ بَعْدَ نَقْلِهِ عَنْ النِّهَايَةِ وَعَزَاهُ أَيْ صَاحِبُ النِّهَايَةِ إلَى خواهر زاده وَهَذَا مُشْكِلٌ فَإِنَّ الْوَكِيلَ أَصِيلٌ مِنْ بَابِ الْبَيْعِ حَضَرَ الْمُوَكِّلُ الْعَقْدَ أَوْ لَمْ يَحْضُرْ ثُمَّ ذَكَرَ فِيهِ أَيْ فِي النِّهَايَةِ بَعْدَهُ فَقَالَ: الْمُعْتَبَرُ بَقَاءُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فِي الْمَجْلِسِ وَغَيْبَةُ الْمُوَكِّلِ لَا تَضُرُّ وَعَزَاهُ إلَى وَكَالَةِ الْمَبْسُوطِ وَإِطْلَاقُهُ وَإِطْلَاقُ سَائِرِ الْكُتُبِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مُفَارَقَةَ الْمُوَكِّلِ لَا تُعْتَبَرُ أَصْلًا وَلَوْ كَانَ حَاضِرًا اهـ. وَرَدَّهُ الْعَيْنِيُّ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُشْكِلٍ فَإِنَّ الْوَكِيلَ نَائِبٌ عَنْهُ فَإِذَا حَضَرَ الْأَصِيلُ فَلَا يُعْتَبَرُ النَّائِبُ اهـ. تَعَقَّبَهُ الْحَمَوِيُّ بِأَنَّ الْوَكِيلَ نَائِبٌ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ أَصِيلٌ فِي الْحُقُوقِ وَحِينَئِذٍ فَلَا اعْتِبَارَ بِحَضْرَةِ الْمُوَكِّلِ اهـ. قُلْت وَمِمَّا يَتَّضِحُ بِهِ تَزْيِيفُ جَوَابِ الْعَيْنِيِّ مَا ذَكَرَهُ هُوَ نَفْسُهُ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِيمَا سَبَقَ وَلِلْمُشْتَرِي مَنْعُ الْمُوَكِّلِ عَنْ الثَّمَنِ مِنْ أَنَّ الْمُوَكِّلَ أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْعَقْدِ وَحُقُوقِهِ لِأَنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِالْعَاقِدِ عَلَى مَا بَيَّنَّا اهـ. كَذَا فِي حَاشِيَةِ مِسْكِينٍ وَمَا اسْتَشْكَلَهُ الزَّيْلَعِيُّ اسْتَشْكَلَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ وَذَكَرَ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ أَنَّهُ تَوَارَدَ مَعَ الزَّيْلَعِيِّ فِي هَذَا الْإِشْكَالِ ثُمَّ نَقَلَ عِبَارَةَ الزَّيْلَعِيِّ وَقَالَ: وَعَلَيْك بِالتَّأَمُّلِ. أَقُولُ: وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ: الَّذِي يَقْطَعُ عِرْقَ الْإِشْكَالِ مِنْ أَصْلِهِ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْمِنَحِ مِنْ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّ الْعُهْدَةَ عَلَى الْمُوَكِّلِ دُونَ الْوَكِيلِ إذَا حَضَرَ الْعَقْدَ وَأَنَّهُ أَصَحُّ الْأَقَاوِيلِ فَكَلَامُ الْإِمَامِ خواهر زاده مَبْنِيٌّ عَلَى هَذَا لَا عَلَى مَا مَشَى عَلَيْهِ سَابِقًا مِنْ أَنَّهَا عَلَى الْوَكِيلِ وَإِنْ كَانَ الْمُوَكِّلُ حَاضِرًا وَهُوَ مَنْشَأُ الْإِشْكَالِ وَبِهِ اتَّضَحَ الْحَالُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ. (قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ مِنْ جَانِبِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ يَأْخُذُ رَأْسَ الْمَالِ) عِبَارَةُ الْجَوْهَرَةِ بِأَنْ وَكَّلَهُ يَقْبَلُ لَهُ السَّلَمَ وَعِبَارَةُ الْهِدَايَةِ وَمُرَادُهُ التَّوْكِيلُ بِالْإِسْلَامِ دُونَ قَبُولِ السَّلَمِ قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَقَدْ تَوَارَدَتْ الشُّرَّاحُ وَغَيْرُهُمْ عَلَى هَذَا قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ قَبُولَ السَّلَمِ عَقْدٌ يَمْلِكُهُ الْمُوَكِّلُ وَالْوَاجِبُ أَنْ يَمْلِكَهُ الْوَكِيلُ حِفْظًا لِلْقَاعِدَةِ الْمَذْكُورَةِ عَنْ الِانْتِقَاضِ وَبِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِالشِّرَاءِ جَائِزٌ لَا مَحَالَةَ وَالثَّمَنُ يَجِبُ فِي ذِمَّةِ الْمُوَكِّلِ وَالْوَكِيلُ مُطَالَبٌ بِهِ فَلِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ لِلْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَالْوَكِيلُ مُطَالَبٌ بِتَسْلِيمِ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَأَجَابَ عَنْ الْإِيرَادَيْنِ بِجَوَابَيْنِ رَدَّهُمَا الرَّمْلِيُّ ثُمَّ قَالَ: وَيَخْتَلِجُ فِي صَدْرِي جَوَابٌ لَعَلَّهُ يَكُونُ صَحِيحًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ أَنَّهُ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ كَمَا قَرَّرَهُ فِي الْمِلْكِ هَلْ يَثْبُتُ لِلْمُوَكِّلِ ابْتِدَاءً أَوْ لِلْوَكِيلِ ثُمَّ يَنْتَقِلُ لِلْمُوَكِّلِ أَثَّرَ هَذَا الِاخْتِلَافُ فِي الْمَحَلِّ شُبْهَةً فَأَوْجَبَ عَدَمَ الْجَوَازِ فِيمَا الْقِيَاسُ فِيهِ الْمَنْعُ مُطْلَقًا احْتِيَاطًا إذْ الْعُقُودُ الْفَاسِدَةُ مَجْرَاهَا مَجْرَى الرِّبَا وَالْأَمْرُ الْمُتَوَهَّمُ كَالْمُحَقَّقِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ بَيْعِ الزَّيْتُونِ بِالزَّيْتِ فَعَدَمُ جَوَازِ التَّوْكِيلِ مِنْ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ لِمَا فِيهِ مِنْ بَيْعِ الْمُسْلَمِ فِيهِ قَبْلَ الْقَبْضِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ: إنَّهُ يَنْتَقِلُ مِنْ الْوَكِيلِ لِلْمُوَكِّلِ وَلِاحْتِمَالِهِ عِنْدَ الْقَائِلِ بِثُبُوتِهِ ابْتِدَاءً لِلْمُوَكِّلِ لِأَنَّهُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ وَهُوَ مَحَلُّ الِاحْتِمَالِ وَالْفَاسِدُ مُلْحَقٌ بِالرِّبَا وَالرِّبَا يَثْبُتُ بِالشُّبْهَةِ وَالتَّوَهُّمِ اهـ. وَفِي حَاشِيَةِ الدُّرِّ الْمُخْتَارِ لِلشَّيْخِ خَلِيلٍ الْفَتَّالِ مَا نَصُّهُ وَتَعَقَّبَهُ بَعْضُ حَنَفِيَّةِ زَمَانِنَا حَيْثُ قَالَ: قَوْلُهُ وَلَعَلَّهُ يَكُونُ صَحِيحًا تَخْتَلِفُ فِيهِ الرِّجَالُ فَأَحْسِنْ التَّدْبِيرَ يَظْهَرْ لَك ذَلِكَ وَحَاصِلُهُ أَنَّ بَيْعَ الْمُسْلَمِ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ إنَّمَا يَتَأَتَّى لَوْ كَانَ الْوَكِيلُ مِنْ طَرَفِ رَبِّ السَّلَمِ وَالْمَسْأَلَةُ فِي الْوَكِيلِ مِنْ طَرَفِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَأَيُّ بَيْعٍ لِلْمُسْلَمِ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ نَعَمْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا التَّقْرِيرِ مَا هُوَ الْحَامِلُ لِتَصْحِيحِ الْمَشَايِخِ الْقَوْلَ بِثُبُوتِ الْمِلْكِ لِلْمُوَكِّلِ ابْتِدَاءً إذْ عَلَى مُقَابِلِهِ وَهُوَ الْقَوْلُ بِالِانْتِقَالِ يُشْكِلُ صِحَّةُ التَّوْكِيلِ بِالْإِسْلَامِ لِمَا فِيهِ مِنْ بَيْعِ الْمُسْلَمِ قَبْلَ قَبْضِهِ اهـ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 157 وَرَأْسُ الْمَالِ ثَمَنُهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ الْإِنْسَانُ مَالَهُ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ ثَمَنُهُ لِغَيْرِهِ كَمَا فِي بَيْعِ الْعَيْنِ وَإِذَا بَطَلَ التَّوْكِيلُ كَانَ الْوَكِيلُ عَاقِدًا لِنَفْسِهِ فَيَجِبُ الْمُسْلَمُ فِيهِ فِي ذِمَّتِهِ وَرَأْسُ الْمَالِ مَمْلُوكٌ لَهُ وَإِذَا سَلَّمَهُ إلَى الْآمِرِ عَلَى وَجْهِ التَّمْلِيكِ مِنْهُ كَانَ قَرْضًا فَلَوْ قَالَ الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَإِسْلَامٌ كَمَا فِي الْمَجْمَعِ بَدَلُ السَّلَمِ لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّ الْإِسْلَامَ خَاصٌّ مِنْ رَبِّ السَّلَمِ يُقَالُ: أَسْلَمَ فِي كَذَا أَيْ اشْتَرَى شَيْئًا بِالسَّلَمِ نَعَمْ يَجُوزُ تَوْكِيلُ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ بِدَفْعِ الْمُسْلَمِ فِيهِ. (قَوْلُهُ وَلَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ عَشَرَةِ أَرْطَالِ لَحْمٍ بِدِرْهَمٍ فَاشْتَرَى عِشْرِينَ رِطْلًا بِدِرْهَمٍ مِمَّا يُبَاعُ مِنْهُ عَشَرَةٌ بِدِرْهَمٍ لَزِمَ الْمُوَكِّلَ مِنْهُ عَشَرَةٌ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ: لَا يَلْزَمُهُ الْعِشْرُونَ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِصَرْفِ الدِّرْهَمِ فِي اللَّحْمِ وَظَنَّ أَنَّ سِعْرَهُ عَشَرَةُ أَرْطَالٍ فَإِذَا اشْتَرَى بِهِ عِشْرِينَ فَقَدْ زَادَهُ خَيْرًا وَصَارَ كَمَا إذَا وَكَّلَهُ بِبَيْعِ عَبْدِهِ بِأَلْفٍ فَبَاعَهُ بِأَلْفَيْنِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِشِرَاءِ عَشَرَةٍ وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِشِرَاءِ الزِّيَادَةِ فَنَفَذَ شِرَاؤُهَا عَلَيْهِ وَشِرَاءُ الْعَشَرَةِ عَلَى الْمُوَكِّلِ بِخِلَافِ مَا اسْتَشْهَدَا بِهِ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ هُنَاكَ بَدَلُ مِلْكِ الْمُوَكِّلِ فَتَكُونُ لَهُ قَيَّدَ بِالزِّيَادَةِ الْكَثِيرَةِ لِأَنَّ الْقَلِيلَةَ كَعَشَرَةِ أَرْطَالٍ وَنِصْفِ رِطْلٍ لَازِمَةٌ لِلْآمِرِ لِأَنَّهَا تَدْخُلُ بَيْنَ الْوَزْنَيْنِ فَلَا يَتَحَقَّقُ حُصُولُ الزِّيَادَةِ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ مِمَّا يُبَاعُ إلَى آخِرِهِ لِأَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى مَا يُسَاوِي عِشْرِينَ مِنْهُ بِدِرْهَمٍ صَارَ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ إجْمَاعًا لِأَنَّهُ خِلَافٌ إلَى شَرٍّ لِأَنَّ الْأَمْرَ تَنَاوَلَ السَّمِينَ وَهَذَا مَهْزُولٌ فَلَمْ يَحْصُلْ مَقْصُودُ الْآمِرِ وَقَيَّدَ بِالْمَوْزُونَاتِ لِأَنَّ فِي الْقِيَمِيَّاتِ لَا يَنْفُذُ شَيْءٌ عَلَى الْمُوَكِّلِ إجْمَاعًا فَلَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ ثَوْبٍ هَرَوِيٍّ بِعَشَرَةٍ فَاشْتَرَى لَهُ ثَوْبَيْنِ هَرَوِيَّيْنِ بِعَشَرَةٍ مِمَّا يُسَاوِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَشَرَةً لَمْ يَلْزَمْ الْمُوَكِّلَ لِأَنَّ ثَمَنَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَجْهُولٌ إذْ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِالْحَزْرِ بِخِلَافِ اللَّحْمِ لِأَنَّهُ مَوْزُونٌ مُقَدَّرٌ فَيُقْسَمُ الثَّمَنُ عَلَى أَجْزَائِهِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ أَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ فَاشْتَرَاهُ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَقِيمَةُ الدَّرَاهِمِ مِثْلُ الدَّنَانِيرِ لَزِمَ الْمُوَكِّلَ خِلَافًا لِزُفَرَ وَمُحَمَّدٍ وَلَوْ بِعُرُوضٍ قِيمَتُهَا مِثْلُ الدَّرَاهِمِ لَا يَلْزَمُ الْآمِرَ إجْمَاعًا وَفِي الْمُلْتَقَطِ مُسَافِرٌ نَزَلَ خَانًا وَأَمَرَ إنْسَانًا أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ لَحْمًا بِدِرْهَمٍ وَإِنَّمَا يُبَاعُ هُنَاكَ الْمَطْبُوخُ وَالْمَشْوِيُّ فَأَيُّهُمَا اشْتَرَى جَازَ. (قَوْلُهُ وَلَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءٍ بِعَيْنِهِ لَا يَشْتَرِيهِ لِنَفْسِهِ) أَيْ لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى تَغْرِيرِ الْآمِرِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ اعْتَمَدَ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ فِيهِ عَزْلَ نَفْسِهِ وَلَا يَمْلِكُهُ إلَّا بِمَحْضَرٍ مِنْ الْمُوَكِّلِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَالتَّعْلِيلُ الْأَوَّلُ يُفِيدُ عَدَمَ الْجَوَازِ بِمَعْنَى عَدَمِ الْحِلِّ وَلِذَا فَسَّرْنَاهُ تَبَعًا لِلْمِعْرَاجِ وَفَسَّرَهُ الشَّارِحُ بِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ شِرَاؤُهُ لِنَفْسِهِ وَهُوَ مُنَاسِبٌ لِلتَّعْلِيلِ الثَّانِي وَلَوْ اشْتَرَاهُ نَاوِيًا أَوْ مُتَلَفِّظًا وَقَعَ لِلْمُوَكِّلِ وَلَوْ قَالَ الْمُؤَلِّفُ وَلَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ غَيْرُ الْمُوَكِّلِ لَا يَشْتَرِيهِ لِنَفْسِهِ عِنْدَ غَيْبَتِهِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا لَكَانَ أَوْلَى وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِغَيْرِ الْمُوَكِّلِ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا إذَا وَكَّلَ الْعَبْدُ مَنْ يَشْتَرِيهِ لَهُ مِنْ مَوْلَاهُ أَوْ رَجُلٌ وَكَّلَ الْعَبْدَ بِشِرَائِهِ لَهُ مِنْ مَوْلَاهُ فَاشْتَرَى فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ لِلْآمِرِ مَا لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ لِلْمَوْلَى أَنَّهُ يَشْتَرِيهِ فِيهِمَا لِلْآمِرِ مَعَ أَنَّهُ وَكِيلٌ بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ لِمَا سَيَأْتِي وَقَيَّدْنَا بِغَيْبَةِ الْمُوَكِّلِ حَتَّى لَوْ كَانَ الْمُوَكِّلُ حَاضِرًا أَوْ صَرَّحَ بِأَنَّهُ يَشْتَرِيهِ لِنَفْسِهِ كَانَ الْمُشْتَرَى لَهُ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَعْزِلَ نَفْسَهُ بِحَضْرَةِ الْمُوَكِّلِ وَلَيْسَ لَهُ الْعَزْلُ مِنْ غَيْرِ عِلْمِهِ وَقَيَّدْنَا بِعَدَمِ الْمُخَالَفَةِ لِمَا سَيَأْتِي فِي الْكِتَابِ. وَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ بِقَوْلِهِ لِنَفْسِهِ إلَى أَنَّهُ لَا يَشْتَرِيهِ لِمُوَكِّلٍ آخَرَ بِالْأَوْلَى فَلَوْ اشْتَرَاهُ لِلثَّانِي كَانَ لِلْأَوَّلِ إنْ لَمْ يَقْبَلْ وَكَالَةَ الثَّانِي بِحَضْرَةِ الْأَوَّلِ وَإِلَّا فَهُوَ لِلثَّانِي وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ وَكَّلَهُ بِشِرَائِهِ بِأَلْفٍ وَالثَّانِي بِمِائَةِ دِينَارٍ فَاشْتَرَاهُ بِمِائَةِ دِينَارٍ فَهُوَ لِلثَّانِي لِأَنَّهُ يَمْلِكُ شِرَاءَهُ لِنَفْسِهِ بِمِائَةٍ فَيَمْلِكُ شِرَاءَهُ لِغَيْرِهِ أَيْضًا بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَقَيَّدَ بِالشِّرَاءِ لِأَنَّهُ لَوْ وَكَّلَهُ فِي تَزْوِيجِ مُعَيَّنَةٍ فَلِلْوَكِيلِ التَّزَوُّجُ بِهَا لِلْمُخَالَفَةِ حَيْثُ أَضَافَهُ إلَى نَفْسِهِ فَانْعَزَلَ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ لَا يَشْتَرِيهِ لِأَنَّهُ لَوْ اشْتَرَاهُ وَكِيلُهُ وَهُوَ غَائِبٌ كَانَ الْمِلْكُ لِلْوَكِيلِ الْأَوَّلِ لِانْعِزَالِهِ ضِمْنَ الْمُخَالَفَةِ وَإِنْ اشْتَرَاهُ بِحَضْرَتِهِ نَفَذَ عَلَى الْمُوَكِّلِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ حَضَرَ رَأْيُهُ   [منحة الخالق] قُلْتُ وَفِي قَوْلِهِ نَعَمْ يُمْكِنُ إلَخْ نَظَرٌ ظَاهِرٌ فَقَدْ بَنَاهُ عَلَى مَا نَقَضَهُ فَكَيْفَ يَثْبُتُ غَرَضُهُ. (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ فِيهِ عَزْلَ نَفْسِهِ وَلَا يَمْلِكُهُ إلَخْ) قَالَ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ: وَمَا سَيَجِيءُ مِنْ أَنَّ الْعَزْلَ الْحُكْمِيَّ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ فَلَا تَعَلُّقَ لَهُ بِمَا نَحْنُ فِيهِ إذْ الْمُرَادُ هُنَاكَ أَنَّ الْعَزْلَ الْحُكْمِيَّ مِنْ الْمُوَكِّلِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى عِلْمِ الْوَكِيلِ (قَوْلُهُ غَيْرِ الْمُوَكِّلِ) صِفَةٌ لِشَيْءٍ لِأَنَّ إضَافَتَهَا لَا تُفِيدُ تَعْرِيفًا وَالْمُوَكِّلُ يَجُوزُ أَنْ يُقْرَأَ بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ بِدَلِيلِ مَا يَأْتِي فَلَوْ قَالَ غَيْرِ الْمُوَكِّلِ وَالْمُوَكِّلِ لَكَانَ أَوْضَحَ (قَوْلُهُ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَعْزِلَ نَفْسَهُ بِحَضْرَةِ الْمُوَكِّلِ إلَخْ) كَذَا فِي الْعَيْنِيِّ وَالزَّيْلَعِيِّ وَغَيْرِهِمَا كَالْعِنَايَةِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ وَأُورِدَ عَلَيْهِمْ أَنَّ الْعِلْمَ بِالْعَزْلِ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ يَحْصُلُ بِأَسْبَابٍ مُتَعَدِّدَةٍ مِنْهَا حُضُورُ صَاحِبِهِ وَمِنْهَا بَعْثُ الْكِتَابِ وَوُصُولُهُ إلَيْهِ وَمِنْهَا إرْسَالُ الرَّسُولِ وَتَبْلِيغُ الرِّسَالَةِ وَمِنْهَا إخْبَارُ وَاحِدٍ عَدْلٍ أَوْ اثْنَيْنِ غَيْرِ عَدْلَيْنِ بِالْإِجْمَاعِ أَوْ إخْبَارِ وَاحِدٍ عَدْلًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَقَدْ صُرِّحَ بِهَا فِي عَامَّةِ الْمُعْتَبَرَاتِ سِيَّمَا فِي الْبَدَائِعِ وَاشْتِرَاطُ عِلْمِ الْآخَرِ فِي فَسْخِ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ الْعَقْدَ الْقَائِمَ بَيْنَهُمَا لَا يَقْتَضِي أَنْ لَا يَمْلِكَ الْوَكِيلُ عَزْلَ نَفْسِهِ إلَّا بِمَحْضَرٍ مِنْ الْمُوَكِّلِ لِأَنَّ انْتِفَاءَ سَبَبٍ وَاحِدٍ لَا يَسْتَلْزِمُ انْتِفَاءَ سَائِرِ الْأَسْبَابِ فَلَا يَتِمُّ التَّقْرِيرُ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ وَضْعُ الْمَسْأَلَةِ عَلَى انْتِفَاءِ سَائِرِ أَسْبَابِ الْعِلْمِ بِالْعَزْلِ أَيْضًا لَكِنَّهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 158 وَهُوَ الْمَقْصُودُ فَلَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ وَإِذَا وَكَّلَ رَجُلٌ رَجُلًا بِشِرَاءِ جَارِيَةٍ بِعَيْنِهَا فَقَالَ الْوَكِيلُ: نَعَمْ فَاشْتَرَاهَا لِنَفْسِهِ وَوَطِئَهَا فَحَبِلَتْ مِنْهُ فَإِنَّهُ يُدْرَأُ عَنْهُ الْحَدُّ وَتَكُونُ الْأَمَةُ وَوَلَدُهَا لِلْآمِرِ وَلَا يَثْبُتُ النَّسَبُ اهـ. وَفِي الْقُنْيَةِ أَمَرَهُ بِأَنْ يَشْتَرِيَ جَارِيَةً بِعَيْنِهَا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَاشْتَرَاهَا فَقَالَ الْآمِرُ: اشْتَرَيْتُهَا بِعَشَرَةٍ وَقَالَ الْمَأْمُورُ: اشْتَرَيْتُهَا لِنَفْسِي بِخَمْسَةَ عَشَرَ فَالْقَوْلُ لِلْوَكِيلِ وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَتُهُ اهـ. (قَوْلُهُ فَلَوْ اشْتَرَاهُ بِغَيْرِ النُّقُودِ أَوْ بِخِلَافِ مَا سُمِّيَ لَهُ مِنْ الثَّمَنِ وَقَعَ لِلْوَكِيلِ) لِأَنَّهُ خَالَفَ أَمْرَهُ فَنَفَذَ عَلَيْهِ أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ الْمُخَالَفَةَ فِي الْجِنْسِ وَفِي الْقَدْرِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَقَيَّدَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمَجْمَعِ بِخِلَافِ الْجِنْسِ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إذَا سَمَّى لَهُ ثَمَنًا فَزَادَ عَلَيْهِ أَوْ نَقَصَ عَنْهُ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ مُخَالِفًا وَظَاهِرُ مَا فِي الْكَافِي لِلْحَاكِمِ أَنَّهُ يَكُونُ مُخَالِفًا فِيمَا زَادَ لَا فِيمَا إذَا نَقَصَ فَإِنَّهُ قَالَ: وَإِنْ قَالَ: اشْتَرِ لِي ثَوْبًا هَرَوِيًّا وَلَمْ يُسَمِّ الثَّمَنَ فَهُوَ جَائِزٌ عَلَى الْآمِرِ وَإِنْ سَمَّى ثَمَنًا فَزَادَ عَلَيْهِ شَيْئًا لَمْ يَلْزَمْ الْآمِرَ وَكَذَلِكَ إنْ نَقَصَ مِنْ ذَلِكَ الثَّمَنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ وَصَفَهُ لَهُ بِصِفَةٍ وَسَمَّى لَهُ ثَمَنًا فَاشْتَرَى بِتِلْكَ الصِّفَةِ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ الثَّمَنِ فَيَجُوزُ عَلَى الْآمِرِ اهـ. وَإِذَا كَانَ مُعَيَّنًا فَهُوَ كَالْمَوْصُوفِ فَشَمَلَ مَا إذَا كَانَ خِلَافُ الْجِنْسِ عَرْضًا أَوْ نَقْدًا خِلَافًا لِزُفَرَ فِي الثَّانِي وَمَا إذَا كَانَ مَا اشْتَرَى بِهِ مِثْلَ قِيمَةِ مَا أُمِرَ بِهِ أَوْ أَقَلَّ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ وَلَوْ أَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ عَبْدًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَاشْتَرَاهُ بِأَلْفٍ وَمِائَةٍ ثُمَّ حَطَّ الْبَائِعُ الْمِائَةَ عَنْ الْمُشْتَرِي كَانَ الْعَبْدُ لِلْمُشْتَرِي دُونَ الْآمِرِ اهـ. وَفِي الْوَاقِعَاتِ الْحُسَامِيَّةِ قَالَ الْأَسِيرُ لِرَجُلٍ: اشْتَرِنِي بِأَلْفٍ فَاشْتَرَاهُ بِمِائَةِ دِينَارٍ أَوْ بِعَرْضٍ جَازَ وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْأَسِيرِ بِأَلْفٍ وَالْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ   [منحة الخالق] مِنْ عِبَارَاتِ الْكُتُبِ أَصْلًا قَاضِي زَادَهْ كَذَا فِي حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ. (قَوْلُهُ فَقَالَ الْوَكِيلُ: نَعَمْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: يُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقُلْهَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ وَهُوَ ظَاهِرٌ فَإِذَا لَمْ يَقُلْهَا وَاشْتَرَى وَقَعَ لَهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَسَيَأْتِي قَرِيبًا عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ اشْتَرِ لِي جَارِيَةَ فُلَانٍ فَسَكَتَ وَذَهَبَ وَاشْتَرَاهَا إنْ قَالَ: اشْتَرَيْتُهَا لِي فَلَهُ وَإِنْ قَالَ لِلْمُوَكِّلِ فَلَهُ وَإِنْ أَطْلَقَ وَلَمْ يُضِفْ ثُمَّ قَالَ كَانَ لَك إنْ قَائِمَةً وَلَمْ يَحْدُثْ بِهَا عَيْبٌ صُدِّقَ وَإِنْ هَالِكَةً أَوْ حَدَثَ بِهَا عَيْبٌ لَا يُصَدَّقُ اهـ. وَفِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ سُكُوتُ الْوَكِيلِ قَبُولٌ وَيَرْتَدُّ بِرَدِّهِ اهـ. وَقَدَّمَ هَذَا الشَّارِحُ فِي أَوَّلِ الْوَكَالَةِ أَنَّ رُكْنَهَا مَا دَلَّ عَلَيْهَا مِنْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَلَوْ حُكْمًا لِيَدْخُلَ السُّكُوتُ وَالشَّارِحُ فَهِمَ مِنْ عِبَارَةِ الْبَزَّازِيِّ كَمَا سَيَذْكُرُهُ أَنَّ الْجَارِيَةَ لَمْ تَتَعَيَّنْ بِالْإِضَافَةِ إلَى الْمَالِكِ فِيهِ وَاَلَّذِي يَلُوحُ لِي أَنَّ فَرْعَ الْبَزَّازِيَّةِ فِي الْمُعَيَّنَةِ أَيْضًا وَيُفَرَّقُ بَيْنَ السُّكُوتِ وَبَيْنَ التَّصْرِيحِ بِالْقَبُولِ أَخْذًا مِنْ تَقْيِيدِهِ فِي كَافِي الْحَاكِمِ بِقَوْلِهِ فَقَالَ الْوَكِيلُ: نَعَمْ وَتَقْيِيدُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ بِقَوْلِهِ فَسَكَتَ وَإِلَّا لَا يَكُونُ فِي ذِكْرِهِ ذَلِكَ فَائِدَةٌ وَعَلَيْك أَنْ تَتَأَمَّلَ اهـ. قُلْت: وَقَدْ ذَكَرَ عِبَارَةَ الْبَزَّازِيَّةِ فِي التَّتَارْخَانِيَّة نَقْلًا عَنْ شَرِكَةِ الْعُيُونِ وَأَبْدَلَ قَوْلَ الْبَزَّازِيَّةِ فَسَكَتَ بِقَوْلِهِ وَلَمْ يَقُلْ الْمَأْمُورُ نَعَمْ وَلَمْ يَقُلْ لَا ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِهَا هَذَا كُلُّهُ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَرُبَّمَا يُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَةً أُخْرَى تَأَمَّلْ ثُمَّ مَعْنَى قَوْلِهِ وَيُفَرَّقُ بَيْنَ السُّكُوتِ وَبَيْنَ التَّصْرِيحِ بِالْقَبُولِ أَنَّهُ إنْ سَكَتَ فَعَلَى التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَإِنْ صَرَّحَ فَهِيَ لِلْمَأْمُورِ لِأَنَّهُ إنْ سَكَتَ لَمْ تَصِحَّ الْوَكَالَةُ لِمُنَافَاتِهِ لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ. (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَلَوْ اشْتَرَاهُ بِغَيْرِ النُّقُودِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: يَجِبُ تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا لَمْ يُضِفْ الْعَقْدَ إلَى الْمُوَكِّلِ أَمَّا إذَا أَضَافَهُ إلَيْهِ بِأَنْ قَالَ: بِعْتُهُ لِمُوَكِّلِكَ فَقَالَ الْوَكِيلُ: اشْتَرَيْتُ لَهُ يَتَوَقَّفْ عَلَى إجَازَةِ الْمُوَكِّلِ بِلَا شُبْهَةٍ كَمَا عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ فِي الْكَلَامِ عَلَى شِرَاءِ الْفُضُولِيِّ وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ قَرِيبًا فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَإِنْ قَالَ: بِعْنِي هَذَا لِفُلَانٍ اهـ. قُلْت: وَفِيهِ كَلَامٌ قَدَّمْنَاهُ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَبِإِيفَائِهَا وَاسْتِيفَائِهَا فَلَا تَغْفُلْ (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ أَوْ بِخِلَافِ مَا سَمَّى لَهُ مِنْ الْبَدَلِ) قَالَ الْحَمَوِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْأَشْبَاهِ أَيْ بِأَنْ يَأْمُرَهُ بِالشِّرَاءِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَيَشْتَرِيَهُ بِمِائَةِ دِينَارٍ وَقَدْ جَعَلَ مُحَمَّدٌ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ جِنْسَيْنِ إذْ لَوْ جَعَلَهَا جِنْسًا وَاحِدًا لَصَارَ الْوَكِيلُ مُشْتَرِيًا لِلْآمِرِ حِينَئِذٍ وَقَدْ ذَكَرَ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي بَابِ الْمُسَاوَمَةِ أَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ قِيَاسًا فِي حَقِّ حُكْمِ الرِّبَا حَتَّى جَازَ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخِرِ مُتَفَاضِلًا وَفِيمَا عَدَا حُكْمَ الرِّبَا جُعِلَا جِنْسًا وَاحِدًا اسْتِحْسَانًا حَتَّى يُكَمَّلَ نِصَابُ أَحَدِهِمَا بِالْآخِرِ وَالْقَاضِي فِي قِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَوَّمَ بِالدَّرَاهِمِ وَإِنْ شَاءَ قَوَّمَ بِالدَّنَانِيرِ وَالْمُكْرَهُ عَلَى الْبَيْعِ بِالدَّرَاهِمِ إذَا بَاعَ بِالدَّنَانِيرِ أَوْ عَلَى الْعَكْسِ كَانَ بَيْعُهُ بَيْعَ مُكْرَهٍ وَصَاحِبُ الدَّرَاهِمِ إذَا ظَفِرَ بِدَنَانِيرَ غَرِيمِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا بِجِنْسِ حَقِّهِ كَمَا لَوْ ظَفِرَ بِدَرَاهِمِهِ إلَّا رِوَايَةً شَاذَّةً عَنْ مُحَمَّدٍ وَإِذَا بَاعَ شَيْئًا بِالدَّرَاهِمِ اشْتَرَاهُ بِالدَّنَانِيرِ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ أَوْ عَلَى الْعَكْسِ وَالثَّانِي أَقَلُّ مِنْ قِيمَةِ الْأَوَّلِ كَانَ الْبَيْعُ فَاسِدًا اسْتِحْسَانًا وَتَبَيَّنَ بِمَا ذُكِرَ أَنَّهُمَا اُعْتُبِرَا جِنْسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فِي حُكْمِ الرِّبَا شَهِدَ بِالدَّرَاهِمِ وَالْآخَرُ بِالدَّنَانِيرِ أَوْ شَهِدَ بِالدَّرَاهِمِ وَالْمُدَّعَى دَنَانِيرُ أَوْ عَلَى الْعَكْسِ لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ وَكَذَلِكَ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ اُعْتُبِرَا جِنْسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ عَلَى أَنَّ مَنْ اسْتَأْجَرَ مِنْ آخَرَ دَارًا بِدَرَاهِمَ وَأَجَّرَهَا مِنْ غَيْرِهِ بِدَنَانِيرَ أَوْ عَلَى الْعَكْسِ وَقِيمَةُ الثَّانِي أَكْثَرُ مِنْ الْأَوَّلِ تَطِيبُ لَهُ الزِّيَادَةُ فَمَا ذُكِرَ فِي الْجَامِعِ أَنَّهُمَا جُعِلَا جِنْسًا وَاحِدًا فِيمَا عَدَا حُكْمَ الرِّبَا عَلَى الْإِطْلَاقِ غَيْرُ صَحِيحٍ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة اهـ. قُلْت: وَذَكَرَ الْعِمَادِيُّ فِي فُصُولِهِ أَنَّ الدَّرَاهِمَ أُجْرِيَتْ مَجْرَى الدَّنَانِيرِ فِي سَبْعَةِ مَوَاضِعَ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ أَوَائِلَ الْبُيُوعِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ قَدْرِ وَوَصْفِ ثَمَنٍ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْحَصْرِ (قَوْلُهُ أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ الْمُخَالَفَةَ فِي الْجِنْسِ وَفِي الْقَدْرِ) وَعَلَيْهِ الْفَرْعُ الْمَارُّ آنِفًا عَنْ الْقُنْيَةِ تَأَمَّلْ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 159 إذَا اشْتَرَى بِمِائَةِ دِينَارٍ أَوْ بِعَرْضٍ لَا يَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ شَيْءٌ اهـ. وَفِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ مِنْ الصَّرْفِ الْأَسِيرُ إذَا أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يَفْدِيَهُ بِأَلْفٍ فَفَدَاهُ بِأَلْفَيْنِ يَرْجِعُ بِأَلْفَيْنِ عَلَيْهِ وَلَيْسَ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ. (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ عَيْنِهِ فَالشِّرَاءُ لِلْوَكِيلِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ لِلْمُوَكِّلِ أَوْ يَشْتَرِيَهُ بِمَالِهِ) هَكَذَا أَطْلَقَهُ الْمُؤَلِّفُ وَفَصَّلَهُ فِي الْهِدَايَةِ فَقَالَ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وُجُوهٍ إنْ أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى دَرَاهِمِ الْآمِرِ كَانَ لِلْآمِرِ وَهُوَ الْمُرَادُ عِنْدِي بِقَوْلِهِ أَوْ يَشْتَرِيهِ بِمَالِ الْمُوَكِّلِ دُونَ النَّقْدِ مِنْ مَالِهِ لِأَنَّ فِيهِ تَفْصِيلًا وَخِلَافًا وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ مُطْلَقٌ وَإِنْ أَضَافَهُ إلَى دَرَاهِمِ نَفْسِهِ كَانَ لِنَفْسِهِ حَمْلًا لِحَالِهِ عَلَى مَا يَحِلُّ لَهُ شَرْعًا أَوْ يَفْعَلُهُ عَادَةً إذْ الشِّرَاءُ لِنَفْسِهِ بِإِضَافَةِ الْعَقْدِ إلَى دَرَاهِمِ غَيْرِهِ مُسْتَنْكَرٌ شَرْعًا وَعُرْفًا وَإِنْ أَضَافَهُ إلَى دَرَاهِمَ مُطْلَقَةٍ فَإِنْ نَوَاهَا لِلْآمِرِ فَهُوَ لِلْآمِرِ وَإِنْ نَوَاهَا لِنَفْسِهِ فَلِنَفْسِهِ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ لِنَفْسِهِ وَيَعْمَلَ لِلْآمِرِ فِي هَذَا التَّوْكِيلِ وَإِنْ تَكَاذَبَا فِي النِّيَّةِ يُحَكَّمُ النَّقْدُ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَإِنْ تَوَافَقَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ تَحْضُرْهُ النِّيَّةُ قَالَ مُحَمَّدٌ: هُوَ لِلْعَاقِدِ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يَعْمَلُ لِنَفْسِهِ إلَّا إذَا ثَبَتَ جَعْلُهُ لِغَيْرِهِ وَلَمْ يَثْبُتْ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُحَكَّمُ النَّقْدُ لِأَنَّ مَا أَوْقَعَهُ مُطْلَقًا يَحْتَمِلُ الْوَجْهَيْنِ فَيَبْقَى مَوْقُوفًا فَمِنْ أَيْ الْمَالَيْنِ نَقَدَ نَفَذَ فِعْلُ ذَلِكَ الْمُحْتَمَلِ لِصَاحِبِهِ وَلِأَنَّ مَعَ تَصَادُقِهِمَا يُحْتَمَلُ النِّيَّةُ لِلْآمِرِ وَفِيمَا قُلْنَاهُ حُمِلَ حَالُهُ عَلَى الصَّلَاحِ كَمَا فِي حَالَةِ التَّكَاذُبِ وَالتَّوْكِيلُ بِالْإِسْلَامِ فِي الطَّعَامِ عَلَى هَذِهِ الْوُجُوهِ اهـ. وَقَوْلُ الْإِمَامِ فِيمَا ذَكَرَهُ الْعِرَاقِيُّونَ مَعَ مُحَمَّدٍ وَغَيْرُهُمْ ذَكَرُوهُ مَعَ الثَّانِي. وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ مَعْنَى الشِّرَاءِ لِلْمُوَكِّلِ إضَافَةُ الْعَقْدِ إلَى مَالِهِ لَا النَّقْدِ مِنْ مَالِهِ وَأَنَّ مَحَلَّ النِّيَّةِ لِلْمُوَكِّلِ مَا إذَا أَضَافَهُ إلَى دَرَاهِمَ مُطْلَقَةٍ وَظَاهِرُ مَا فِي الْكِتَابِ تَرْجِيحُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ مِنْ أَنَّهُ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ يَكُونُ لِلْوَكِيلِ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ لِلْوَكِيلِ إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ وَظَاهِرُ مَا فِي الْهِدَايَةِ أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِنِيَّتِهِ لِنَفْسِهِ إذَا أَضَافَهُ إلَى مَالِ مُوَكِّلِهِ وَلَا بِنِيَّتِهِ لِمُوَكِّلِهِ إذَا أَضَافَهُ إلَى مَالِ نَفْسِهِ وَإِنْ نَقَدَهُ الثَّمَنَ مِنْ مَالِ مُوَكِّلِهِ عَلَامَةُ نِيَّتِهِ لَهُ وَإِنْ لَمْ يُضِفْهُ إلَى مَالِهِ وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ أَمَةً وَسَمَّى جِنْسَهَا وَلَمْ يُسَمِّ الثَّمَنَ فَاشْتَرَى أَمَةً وَأَرْسَلَ بِهَا إلَيْهِ فَوَطِئَهَا الْآمِرُ فَعَلِقَتْ فَقَالَ الْوَكِيلُ: مَا اشْتَرَيْتُهَا لَكَ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى ذَلِكَ وَيَأْخُذُهَا وَعُقْرَهَا وَقِيمَةَ وَلَدِهَا لِلشُّبْهَةِ الَّتِي دَخَلَتْ وَإِنْ كَانَ حِينَ بَعَثَ بِهَا إلَيْهِ أَقَرَّ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا لَهُ أَوْ قَالَ: هِيَ الْجَارِيَةُ الَّتِي أَمَرْتَنِي أَنْ اشْتَرِيهَا لَكَ لَمْ يَسْتَطِعْ الرُّجُوعَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْرِهَا فَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ حِينَ اشْتَرَاهَا أَشْهَدَ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا لِنَفْسِهِ لَمْ يُقْبَلْ ذَلِكَ مِنْهُ اهـ. وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الْإِرْسَالَ لِلْمُوَكِّلِ لَا يَكُونُ مُعَيِّنًا كَوْنَهُ اشْتَرَاهَا لَهُ وَأَنَّهُمَا إذَا تَنَازَعَا فِي كَوْنِ الشِّرَاءِ وَقَعَ لَهُ يَحْلِفُ الْوَكِيلُ وَمَحَلُّهُ إنْ لَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ وَإِلَّا فَقَدَّمْنَا أَنَّهُ يُحَكَّمُ النَّقْدُ بِالْإِجْمَاعِ عِنْدَ التَّكَاذُبِ وَذَكَرَ الشَّارِحُ أَنَّهُ إذَا أَنَقَدَ مِنْ مَالِ الْمُوَكِّلِ فِيمَا اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ اهـ. وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ بِمَالِ الْغَيْرِ صَحِيحٌ مُوجِبٌ لِبَرَاءَةِ الدَّافِعِ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ وَقَدْ ذَكَرَ الشَّارِحُ فِي بَيْعِ الْفُضُولِيِّ أَنَّ مَنْ قَضَى دَيْنَهُ بِمَالِ الْغَيْرِ صَارَ مُسْتَقْرِضًا فِي ضِمْنِ الْقَضَاءِ فَيَضْمَنُ مِنْ مِثْلِهِ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا وَقِيمَتِهِ إنْ كَانَ قِيَمِيًّا اهـ. وَفِي مَنْظُومَةِ ابْنِ وَهْبَانَ وَكِيلٌ قَضَى بِالْمَالِ دَيْنًا لِنَفْسِهِ ... يَضْمَنُ مَا يَقْضِيهِ عَنْهُ وَيُهْدَرُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَإِنْ أَضَافَهُ إلَى دَرَاهِمَ مُطْلَقَةٍ فَإِنْ نَوَاهَا لِلْآمِرِ إلَخْ) هَذَا إذَا اشْتَرَاهُ بِثَمَنٍ حَالٍّ وَإِنْ بِمُؤَجَّلٍ فَهُوَ لِلْوَكِيلِ قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَإِنْ اشْتَرَى بِدَرَاهِمَ مُطْلَقَةٍ فَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ: إنْ اشْتَرَى حَالًّا يُحَكَّمُ النَّقْدُ إنْ نَقَدَ مِنْ دَرَاهِمِ الْمُوَكِّلِ فَالشِّرَاءُ لِلْمُوَكِّلِ وَإِنْ نَقَدَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ فَالشِّرَاءُ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَنْقُدْ يَرْجِعُ فِي الْبَيَانِ إلَى الْوَكِيلِ ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ اشْتَرَى مُؤَجَّلًا فَالشِّرَاءُ يَكُونُ لِلْوَكِيلِ حَتَّى لَوْ ادَّعَى الشِّرَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ لِلْمُوَكِّلِ لَا يُصَدَّقُ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ الْمُوَكِّلُ (قَوْلُهُ وَإِنْ تَوَافَقَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ تَحْضُرْهُ النِّيَّةُ) قَالَ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ هَاهُنَا احْتِمَالَانِ آخَرَانِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَقُولَ الْوَكِيلُ: لَمْ تَحْضُرْنِي النِّيَّةُ فَقَالَ الْمُوَكِّلُ: بَلْ نَوَيْتَ لِي وَالثَّانِي عَكْسُ هَذَا اهـ. (قَوْلُهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ إلَخْ) قَالَ الْمَقْدِسِيَّ: وَفِيهِ كَلَامٌ فَإِنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ أَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ بِمَالِ الْغَيْرِ صَحِيحٌ أَنَّهُ جَائِزٌ وَنَافِذٌ وَلَا إثْمَ فِيهِ وَلَا يُنْقَضُ فَهُوَ بَاطِلٌ ضَرُورَةَ أَنَّ هَذَا الْمَالَ مَغْصُوبٌ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِأَنَّ الْمَغْصُوبَ يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ وَيَقْضِي بِهِ الدَّيْنَ وَلَوْ طَلَبَهُ صَاحِبُهُ لَا يُمَكَّنُ فِيهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ رَبَّ دَرَاهِمِ الْغَصْبِ لَوْ رَآهَا مَعَ الدَّائِنِ وَبَرْهَنَ عَلَيْهَا لَهُ أَخْذُهَا وَيُنْقَضُ الْقَضَاءُ وَمَا نَقَلَهُ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ وَغَيْرُهُ لَا يَشْهَدُ لَهُ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ قَرْضًا وَالْقَرْضُ إنَّمَا يَصِحُّ بِالِاخْتِيَارِ وَالرِّضَا الضَّمَانُ وَالرِّضَا لَا يَجُوزُ عَلَى الْجَوَازِ وَيُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا أَجَازَ رَبُّ الدَّرَاهِمِ وَإِلَّا فَلَهُ مَنْعُهَا وَمَنْعُ الْوَفَاءِ بِهَا وَنَقْضُ الْقَضَاءِ نَعَمْ إذَا هَلَكَتْ عِنْدَ الدَّائِنِ فَلَهُ تَضْمِينُ أَيٍّ شَاءَ مِنْ الدَّافِعِ وَالْقَابِضِ لِأَنَّ صَحِيحَ الْقَضَاءِ يَقْتَضِي أَنْ لَا يُطَالِبَ الْقَابِضُ بَلْ الدَّافِعُ وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْمَنْظُومَةِ فَفِيهَا دَفَعَ مَالَ نَفْسِهِ بِاخْتِيَارِهِ وَرِضَاهُ عَنْ دَيْنِ الْمُوَكِّلِ فَلَا يَمَسُّ مَا نَحْنُ فِيهِ فَصَحَّ وَصَارَ مُتَبَرِّعًا فَلَا رُجُوعَ لَهُ فِيمَا كَانَ عِنْدَهُ مِنْ الْمَالِ لِأَنَّهُ لَزِمَ ذِمَّتَهُ وَتَبَرَّعَ مِنْ عِنْدِهِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ اهـ. (قَوْلُهُ وَفِي مَنْظُومَةِ ابْنِ وَهْبَانَ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: قَالَ شَارِحُهَا: مَسْأَلَةُ الْبَيْتِ مِنْ الْقُنْيَةِ قَالَ الْوَكِيلُ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ صَرَفَ مَالَ الْمُوَكِّلِ إلَى دَيْنِ نَفْسِهِ ثُمَّ قَضَى دَيْنَ الْمُوَكِّلِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ ضَمِنَهُ وَكَانَ مُتَبَرِّعًا وَمُقْتَضَاهُ سُقُوطُ الدَّيْنِ عَنْ الْمُوَكِّلِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ وَيُهْدَرُ اهـ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 160 وَمَعْنَى كَوْنِهِ يُهْدَرُ أَنَّهُ يَكُونُ مُتَبَرِّعًا وَهِيَ حَادِثَةُ الْفَتْوَى وَأَطْلَقَ فِي قَوْلِهِ بِغَيْرِ عَيْنِهِ فَشَمَلَ مَا إذَا لَمْ يُعَيِّنْهُ وَأَضَافَهُ إلَى مَالِكِهِ لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ اشْتَرِ لِي جَارِيَةَ فُلَانٍ فَسَكَتَ وَذَهَبَ وَاشْتَرَاهَا إنْ قَالَ: اشْتَرَيْتُهَا لِي فَلَهُ وَإِنْ قَالَ لِلْمُوَكِّلِ فَلَهُ وَإِنْ أَطْلَقَ وَلَمْ يُضِفْ ثُمَّ قَالَ كَانَ لَك إنْ كَانَتْ قَائِمَةً وَلَمْ يَحْدُثْ بِهَا عَيْبٌ صُدِّقَ وَإِنْ هَالِكَةً أَوْ حَدَثَ بِهَا عَيْبٌ لَا يُصَدَّقُ اهـ. وَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ بِصِحَّةِ تَعْيِينِ الْوَكِيلِ إلَى مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ عَبْدٍ وَبَيَّنَ جِنْسَهُ وَثَمَنَهُ وَالْآخَرُ بِمِثْلِ ذَلِكَ فَاشْتَرَى فَرْدًا بِذَلِكَ الْجِنْسِ وَالثَّمَنِ وَقَالَ: كَانَ لِفُلَانٍ يَجُوزُ تَعْيِينُهُ وَإِنْ مَاتَ فَعَلَى مَنْ سَمَّى وَإِنْ اخْتَلَفَ الثَّمَنَانِ وَزَعَمَ الْوَكِيلُ الْمُخَالَفَةَ فِي ثَمَنٍ سَمَّاهُ مُوَكِّلُهُ فَمِنْ الْوَكِيلِ اهـ. وَأَشَارَ بِالنِّيَّةِ إلَى أَنَّهُ لَوْ صَرَّحَ بِكَوْنِهِ اشْتَرَاهُ لِلْمُوَكِّلِ كَانَ لَهُ بِالْأَوْلَى وَفِي تَهْذِيبِ الْقَلَانِسِيِّ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ لِلْمُوَكِّلِ أَوْ يُصَرِّحَ بِذِكْرِهِ أَوْ يَشْتَرِيَهُ بِمَالِهِ اهـ. وَقَدَّمْنَا عَنْ الْكَافِي أَنَّهُ مَعَ التَّصْرِيحِ لِلْمُوَكِّلِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَجْعَلَهُ لِنَفْسِهِ قَالَ: وَلَوْ اشْتَرَاهُ بِغَيْرِ مَالِهِ فَهُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ الْمُوَكِّلِ اهـ. وَفِي بُيُوعِ الْبَزَّازِيَّةِ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ فَاشْتَرَى مَنْ قُطِعَتْ يَدُهُ نَفَذَ عَلَى الْمُوَكِّلِ عِنْدَ الْإِمَامِ لِإِطْلَاقِ اللَّفْظِ وَلَوْ بِعَيْنِهِ فَقُطِعَتْ يَدُهُ لَا يَلْزَمُ لِأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ السَّلِيمَ بِحُكْمِ الْإِشَارَةِ اهـ. وَفِي الْوَاقِعَاتِ الْحُسَامِيَّةِ أَمَرَ غَيْرَهُ بِأَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ عَبْدَ فُلَانٍ بِعَبْدِ الْمَأْمُورِ فَفَعَلَ جَازَ وَالْعَبْدُ لِلْآمِرِ وَعَلَيْهِ لِلْمَأْمُورِ قِيمَةُ عَبْدِ الْمَأْمُورِ اهـ. وَمِنْ بُيُوعِ الْخَانِيَّةِ امْرَأَةٌ أَمَرَتْ زَوْجَهَا أَنْ يَبِيعَ جَارِيَتَهَا وَيَشْتَرِيَ لَهَا أُخْرَى فَفَعَلَ ثُمَّ قَالَ الزَّوْجُ: اشْتَرَيْتُ الْجَارِيَةَ الثَّانِيَةَ لِنَفْسِي وَجَعَلْتُ ثَمَنَ جَارِيَتِكِ دَيْنًا عَلَى نَفْسِي قَالُوا: الْجَارِيَةُ الثَّانِيَةُ لِلْمَرْأَةِ وَلَا يُصَدَّقُ الزَّوْجُ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا لِنَفْسِهِ وَكَذَا لَوْ قَالَ الزَّوْجُ لِلْمَرْأَةِ بَعْدَ الشِّرَاءِ: هَذِهِ الْجَارِيَةُ الَّتِي أَمَرْتِنِي بِشِرَائِهَا اشْتَرَيْتُهَا لِنَفْسِي فَالْجَارِيَةُ لِلْمَرْأَةِ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الزَّوْجِ اهـ. وَكَأَنَّهُ أَوَّلًا أَضَافَ الشِّرَاءَ لَهَا وَإِلَّا فَالنَّقْدُ مِنْ مَالِهَا لَا يُعَيِّنُ كَوْنُهَا لَهَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ. (قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ: اشْتَرَيْتُ لِلْآمِرِ وَقَالَ الْآمِرُ لِنَفْسِكَ فَالْقَوْلُ لِلْآمِرِ وَإِنْ كَانَ دَفَعَ إلَيْهِ الثَّمَنَ فَلِلْمَأْمُورِ) لِأَنَّهُ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ أَخْبَرَ عَمَّا لَا يَمْلِكُ اسْتِئْنَافَهُ وَهُوَ الرُّجُوعُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْآمِرِ وَهُوَ يُنْكِرُ وَالْقَوْلُ لِلْمُنْكَرِ وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي هُوَ أَمِينٌ يُرِيدُ الْخُرُوجَ عَنْ عُهْدَةِ الْأَمَانَةِ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ مَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ مَيِّتًا أَوْ حَيًّا وَلَا خِلَافَ فِي الْأَوَّلِ أَنَّهُ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ وَفِي الثَّانِي اخْتِلَافٌ فَقَالَ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ: هُوَ كَذَلِكَ عَلَى التَّفْصِيلِ وَقَالَا الْقَوْلُ لِلْمَأْمُورِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الثَّمَنُ مَنْقُودًا لِأَنَّهُ يَمْلِكُ اسْتِئْنَافَ الشِّرَاءِ فَلَا يُتَّهَمُ فِي الْإِخْبَارِ عَنْهُ وَلَهُ أَنَّهُ مَوْضِعُ تُهْمَةٍ بِأَنْ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ فَإِذَا رَأَى الصَّفْقَةَ خَاسِرَةً أَلْزَمَهَا الْآمِرَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الثَّمَنُ مَنْقُودًا لِأَنَّهُ أَمِينٌ فِيهِ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ تَبَعًا لِذَلِكَ وَلَا ثَمَنَ فِي يَدِهِ هُنَا وَذِكْرُهُ هَذِهِ عَقِيبَ مَسْأَلَةِ التَّوْكِيلِ بِغَيْرِ الْمُعَيَّنِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِيهِ قُيِّدَ بِهِ لِأَنَّهُ لَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ ثُمَّ اخْتَلَفَا وَالْعَبْدُ حَيٌّ فَالْقَوْلُ لِلْمَأْمُورِ سَوَاءٌ كَانَ الثَّمَنُ مَنْقُودًا أَوْ غَيْرَ مَنْقُودٍ إجْمَاعًا لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَمَّا يَمْلِكُ اسْتِئْنَافَهُ وَلَا تُهْمَةَ فِيهِ لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ لَا يَمْلِكُ شِرَاءَهُ لِنَفْسِهِ بِمِثْلِ ذَلِكَ الثَّمَنِ فِي حَالِ غَيْبَتِهِ عَلَى مَا مَرَّ بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ عَلَى قَوْلِهِ وَإِنْ كَانَ مَيِّتًا فَكَمَا إذَا كَانَ غَيْرَ مُعَيَّنٍ مِنْ أَنَّهُ إذَا كَانَ غَيْرَ مَنْقُودٍ فَالْقَوْلُ لِلْآمِرِ وَإِلَّا فَلِلْمَأْمُورِ. وَحَاصِلُهُ كَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ أَنَّ الثَّمَنَ إنْ كَانَ مَنْقُودًا فَالْقَوْلُ لِلْمَأْمُورِ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَنْقُودٍ فَإِنْ كَانَ مَيِّتًا فَالْقَوْلُ لِلْآمِرِ وَإِلَّا فَلِلْمَأْمُورِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ التُّهْمَةِ وَفِي مَوْضِعِهَا الْقَوْلُ لِلْآمِرِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مَعْزِيًّا إلَى الْعُيُونِ اشْتَرِ لِي جَارِيَةَ فُلَانٍ فَذَهَبَ وَسَاوَمَ ثُمَّ قَالَ الْمَأْمُورُ: اشْتَرَيْتُهَا لِفُلَانٍ كَانَ لِمُوَكِّلِهِ وَإِنْ قَالَ: اشْتَرَيْتُهَا لِنَفْسِي كَانَ لَهُ وَإِنْ قَالَ: اشْتَرَيْتُهَا بِلَا إضَافَةٍ ثُمَّ قَالَ قَبْلَ أَنْ يَحْدُثَ بِهِ عَيْبٌ أَوْ يَهْلِكَ: اشْتَرَيْتُهَا لِفُلَانٍ فَلِفُلَانٍ وَإِنْ بَعْدَ هَلَاكِهَا أَوْ تَعَيُّبِهَا لَمْ يُقْبَلْ بِلَا تَصْدِيقِ الْمُوَكِّلِ اهـ. وَلَمْ يُفَصِّلْ بَيْنَهُمَا إذَا كَانَ الثَّمَنُ مَنْقُودًا أَوْ غَيْرَ مَنْقُودٍ حَالَ مَوْتِهِ أَوْ تَعَيُّبِهِ وَيَنْبَغِي حَمْلُ الْهَلَاكِ أَوْ التَّعَيُّبِ عَلَى مَا إذَا كَانَ غَيْرَ مَنْقُودٍ سَوَاءٌ قُلْنَا: إنَّهُ مُعَيَّنٌ لِلْإِضَافَةِ أَوْ غَيْرُ مُعَيَّنٍ بِالشَّخْصِ.   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَبَيَّنَ جِنْسَهُ وَثَمَنَ الْآخَرِ إلَخْ) أَيْ وَكَّلَهُ الْآخَرُ بِمِثْلِ مَا وَكَّلَهُ الْأَوَّلُ (قَوْلُهُ وَفِي الْوَاقِعَاتِ الْحُسَامِيَّةِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: فَرْعُ الْوَاقِعَاتِ هَذَا يُؤَيِّدُ مَا بَحَثْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْإِضَافَةَ إلَى الْمَالِكِ فِي الْجَارِيَةِ تُعَيِّنُهَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَإِلَّا فَالنَّقْدُ مِنْ مَالِهَا لَا يُعَيِّنُ كَوْنَهَا لَهَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَدْ قَدَّمَ أَنَّهُ عِنْدَ التَّكَاذُبِ يُحَكَّمُ النَّقْدُ بِالْإِجْمَاعِ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَعِنْدَهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ التُّهْمَةِ) لَعَلَّ الْمُرَادَ بِهَا مَا إذَا كَانَ بَعْدَ التَّعَيُّبِ ثُمَّ رَأَيْتُ فِي حَاشِيَةِ مِسْكِينٍ قَالَ: فَإِنْ قُلْتَ: بِمَاذَا تَثْبُتُ التُّهْمَةُ؟ قُلْتُ: بِالرُّجُوعِ إلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ فَإِنْ أَخْبَرُوا أَنَّ الثَّمَنَ يَزِيدُ عَلَى الْقِيمَةِ زِيَادَةً فَاحِشَةً تَثْبُتُ وَإِلَّا فَلَا اهـ. (قَوْلُهُ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مَعْزِيًّا إلَى الْعُيُونِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: هَذَا الْفَرْعُ هُوَ الْفَرْعُ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ أَيْضًا فِي الْمَقُولَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ الْمَقُولَةِ اشْتَرْ لِي جَارِيَةَ فُلَانٍ فَسَكَتَ إلَخْ (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي حَمْلُ حَالِ الْهَلَاكِ أَوْ التَّعْيِيبِ عَلَى مَا إذَا كَانَ غَيْرَ مَنْقُودٍ إلَخْ) لِمَا قَدَّمَهُ أَنَّ الثَّمَنَ إنْ كَانَ مَنْقُودًا فَالْقَوْلُ لِلْمَأْمُورِ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ وَمِنْهَا حَالَةُ الْهَلَاكِ وَالتَّعْيِيبِ وَقَالَ الرَّمْلِيُّ: لَا حَاجَةَ إلَى تَكَلُّفِ الْحَمْلِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَنْقُودًا مَعَ عَدَمِ ذِكْرِهِ أَصْلًا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ إذْ الْأَصْلُ عَدَمُهُ اهـ. يَعْنِي: أَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ لَمْ يُذْكَرْ فِيهَا الثَّمَنُ وَالْأَصْلُ عَدَمُ ذِكْرِهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى مَا قَالَهُ لِأَنَّهُ الْمَفْرُوضُ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 161 (قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ: بِعْنِي هَذَا لِفُلَانٍ فَبَاعَهُ ثُمَّ أَنْكَرَ الْأَمْرَ أَخَذَهُ فُلَانٌ) أَيْ أَنْكَرَ الْمُشْتَرِي أَنْ يَكُونَ فُلَانٌ أَمَرَهُ بِالشِّرَاءِ لِأَنَّ قَوْلَهُ السَّابِقَ إقْرَارٌ مِنْهُ بِالْوَكَالَةِ عَنْهُ فَلَا يَنْفَعُهُ الْإِنْكَارُ اللَّاحِقُ (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَقُولَ: لَمْ آمُرْهُ بِهِ) أَيْ فُلَانٌ لَمْ آمُرْ الْمُشْتَرِيَ بِشِرَائِهِ فَإِنَّهُ لَا يَأْخُذُهُ فُلَانٌ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ ارْتَدَّ بِرَدِّهِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُؤَلِّفُ أَنَّهُ يَنْفُذُ الشِّرَاءُ عَلَى الْمُشْتَرِي لَكِنْ قَوْلُهُ بَعْدَهُ (إلَّا أَنْ يُسَلِّمَهُ الْمُشْتَرِي إلَيْهِ) يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ نَفَذَ الشِّرَاءُ عَلَيْهِ وَصَارَ مِلْكًا لَهُ ثُمَّ تَسْلِيمُهُ بَعْدَهُ لِفُلَانٍ وَأَخْذُ فُلَانٍ لَهُ بَيْعٌ بِالتَّعَاطِي فَتَكُونُ الْعُهْدَةُ عَلَيْهِ وَفِي الْهِدَايَةِ وَدَلَّتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَنَّ التَّسْلِيمَ عَلَى وَجْهِ الْبَيْعِ يَكْفِي لِلتَّعَاطِي وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ نَقْدُ الثَّمَنِ وَهُوَ يَتَحَقَّقُ فِي النَّفِيسِ وَالْخَسِيسِ لِاسْتِتْمَامِ التَّرَاضِي وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي الْبَابِ اهـ. وَقُلْتُ: وَدَلَّتْ أَيْضًا عَلَى أَنَّ بِعْنِي لِفُلَانٍ لَيْسَ إضَافَةً إلَى فُلَانٍ إذْ لَوْ كَانَ إضَافَةُ الشِّرَاءِ لَهُ لَتَوَقَّفَ لِقَوْلِهِمْ إنَّ شِرَاءَ الْفُضُولِيِّ لَا يَتَوَقَّفُ إلَّا إذَا أَضَافَهُ إلَى غَيْرِهِ وَصُورَةُ إضَافَتِهِ إلَى غَيْرِ الْمُشْتَرِي أَنْ يَقُولَ: بِعْ عَبْدَكَ مِنْ فُلَانٍ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ بَحْثِ الْفُضُولِيِّ فَلَمْ يُضِفْهُ الْمُشْتَرِي إلَى نَفْسِهِ وَإِنَّمَا أَضَافَهُ إلَى الْغَيْرِ بِخِلَافِ بِعْنِي لِفُلَانٍ فَإِنَّهُ أَضَافَهُ إلَى يَاءِ الْمُتَكَلِّمِ وَقَوْلُهُ لِفُلَانٍ يَحْتَمِلُ بِشَفَاعَةِ فُلَانٍ كَمَا قَالَ مُحَمَّدٌ لَوْ أَنَّ أَجْنَبِيًّا طَلَبَ مِنْ الشَّفِيعِ تَسْلِيمَ هَذِهِ الدَّارِ فَقَالَ الشَّفِيعُ سَلَّمْتُهَا لَكَ بَطَلَتْ الشُّفْعَةُ كَأَنَّهُ قَالَ لِأَجْلِكَ لَكِنْ إذَا أَقَرَّ فُلَانٌ بِالْأَمْرِ جَعَلْنَا اللَّامَ لِلتَّمْلِيكِ. وَفِي فُرُوقِ الْكَرَابِيسِيِّ شِرَاءُ الْفُضُولِيِّ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ أَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ: بِعْتُ هَذَا لِفُلَانٍ بِكَذَا وَالْفُضُولِيُّ يَقُولُ: اشْتَرَيْتُ لِفُلَانٍ بِكَذَا أَوْ قَبِلْتُ وَلَمْ يَقُلْ لِفُلَانٍ فَهَذَا يَتَوَقَّفُ الثَّانِي أَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ: بِعْتُ مِنْ فُلَانٍ بِكَذَا وَالْمُشْتَرِي يَقُولُ اشْتَرَيْتُهُ لِأَجْلِهِ أَوْ قَبِلْتُ يَتَوَقَّفُ الثَّالِثُ بِعْتُ هَذَا مِنْكَ بِكَذَا فَقَالَ: اشْتَرَيْتُ أَوْ قَبِلْت وَنَوَى أَنْ يَكُونَ لِفُلَانٍ فَإِنَّهُ يَنْفُذُ عَلَيْهِ الرَّابِعُ أَنْ يَقُولَ: اشْتَرَيْتُ لِفُلَانٍ بِكَذَا وَالْبَائِعُ يَقُولُ: بِعْتُ مِنْكَ بَطَلَ الْعَقْدُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ اهـ. قَيَّدَ بِالتَّسْلِيمِ لِأَنَّ فُلَانًا لَوْ قَالَ: أَجَزْتُ بَعْدَ قَوْلِهِ لَمْ آمُرْهُ لَمْ يُعْتَبَرْ ذَلِكَ بَلْ يَكُونُ الْعَبْدُ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْإِجَازَةَ تَلْحَقُ الْمَوْقُوفَ دُونَ الْجَائِزِ وَهَذَا عَقْدٌ جَائِزٌ نَافِذٌ عَلَى الْمُشْتَرِي كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا اشْتَرَى عَبْدًا وَأَشْهَدَ أَنَّهُ يَشْتَرِيهِ لِفُلَانٍ فَقَالَ فُلَانٌ: قَدْ رَضِيتُ فَأَرَادَ الْمُشْتَرِي أَنْ يَمْنَعَهُ كَانَ لَهُ ذَلِكَ فَإِنْ سَلَّمَهُ لَهُ وَأَخَذَ الثَّمَنَ كَانَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ بَيْعٍ مُسْتَقْبَلٍ بَيْنَهُمَا اهـ. وَفِي الْوَاقِعَاتِ الْحُسَامِيَّةِ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَمَرَ رَجُلًا بِأَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ عَبْدَ فُلَانٍ بِأَلْفٍ فَقَالَ صَاحِبُ الْعَبْدِ لِلْوَكِيلِ: بِعْتُ عَبْدِي هَذَا مِنْ فُلَانٍ الْمُوَكِّلِ بِأَلْفٍ فَقَالَ الْوَكِيلُ: قَبِلْتُ لَزِمَ الْوَكِيلَ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ أَمَرَهُ أَنْ يَقْبَلَ عَلَى نَفْسِهِ حَتَّى تَلْزَمَ الْعُهْدَةُ الْوَكِيلَ دُونَ الْآمِرِ وَهُوَ قَبِلَ عَلَى الْمُوَكِّلِ فَصَارَ مُخَالِفًا قُلْتُ: يَجِبُ أَنْ يُعْتَبَرَ فُضُولِيًّا لِأَنَّ هَذَا قَبُولٌ لِغَيْرِهِ لِأَنَّ الْبَائِعَ أَوْجَبَ الْبَيْعَ لِلْمُوَكِّلِ وَالْوَكِيلِ قَبْلَ ذَلِكَ الْإِيجَابِ فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ: قَبِلْتُ لِفُلَانٍ الْمُوَكِّلِ وَإِذَا كَانَ قَبُولًا لِغَيْرِهِ تَعَذَّرَ تَنْفِيذُهُ عَلَيْهِ فَيَتَوَقَّفُ وَقَدْ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِأُسْتَاذِنَا فَصَوَّبَنِي اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ أَمَرَهُ بِشِرَاءِ عَبْدَيْنِ مُعَيَّنَيْنِ وَلَمْ يُسَمِّ ثَمَنًا فَاشْتَرَى لَهُ أَحَدَهُمَا صَحَّ) لِأَنَّ التَّوْكِيلَ مُطْلَقٌ وَقَدْ لَا يَتَّفِقُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي الْبَيْعِ أَطْلَقَهُ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا اشْتَرَاهُ بِقَدْرِ قِيمَتِهِ أَوْ بِزِيَادَةٍ يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهَا أَمَّا بِمَا لَا يَتَغَابَنُ فِيهَا النَّاسُ فَلَا يَجُوزُ إجْمَاعًا وَالْعُذْرُ لَهُ أَنَّهُ سَيُقَيِّدُ شِرَاءَ الْوَكِيلِ بِهِ فِيمَا يَأْتِي فَلِذَا تَرَكَهُ هُنَا وَلَمْ يَذْكُرْ الشَّارِحُونَ فَائِدَةَ التَّقْيِيدِ بِالْمُعَيِّنَيْنِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ أَيْ فُلَانٌ) تَفْسِيرٌ لِلضَّمِيرِ الْمُسْتَتِرِ فِي يَقُولُ (قَوْلُهُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُؤَلِّفُ أَنَّهُ يَنْفُذُ الشِّرَاءُ عَلَى الْمُشْتَرِي إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: مَحَلُّهُ مَا إذَا قَالَ: بِعْنِي لِفُلَانٍ أَمَّا إذَا قَالَ: بِعْهُ لِفُلَانٍ أَوْ بِعْ فُلَانًا عَبْدَكَ أَوْ بِعْهُ مِنْ فُلَانٍ وَنَحْوَهُ فَلَا يَنْفُذُ عَلَيْهِ أَيْضًا وَقَدْ وَضَّحَهُ هَذَا الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ وَدَلَّتْ أَيْضًا إلَخْ (قَوْلُهُ وَقَدْ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِأُسْتَاذِنَا فَصَوَّبَنِي) أَيْ نَسَبَنِي إلَى الصَّوَابِ وَقَالَ الرَّمْلِيُّ: أَيْ قَالَ لِي أَصَبْتَ وَتَقَدَّمَ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَالْحُقُوقُ فِيمَا يُضِيفُهُ الْوَكِيلُ إلَى نَفْسِهِ أَنَّ ابْنَ مَلَكٍ فَهِمَهُ مِنْ الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ فَرَاجِعْ ذَلِكَ وَانْظُرْ مَا كَتَبْنَاهُ فِي الْحَاشِيَةِ اهـ قُلْتُ: الَّذِي مَرَّ عَنْ الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ هُنَاكَ مُخَالِفٌ لِمَا فَهِمَهُ ابْنُ الْمَلَكِ وَقَدَّمْنَا أَنَّ الَّذِي فِي ابْنِ الْمَلَكِ مَنْقُولٌ عَنْ الْفُصُولِ نَقَلَهُ عَنْهَا فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمَجْمَعِ نَعَمْ مَا ذَكَرَهُ هُنَا بَحْثًا تَقَدَّمَ هُنَاكَ فِي عِبَارَةِ الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ حَيْثُ قَالَ: وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الصَّفَّارُ: الصَّحِيحُ أَنَّ الْوَكِيلَ يَصِيرُ فُضُولِيًّا وَيَتَوَقَّفُ الْعَقْدُ عَلَى إجَازَةِ الْمُوَكِّلِ اهـ. وَانْظُرْ مَا كَتَبْنَاهُ هُنَاكَ عَنْ نُورِ الْعَيْنِ (قَوْلُهُ وَلَمْ يَذْكُرْ الشَّارِحُونَ فَائِدَةَ التَّقْيِيدِ بِالْمَعْنَيَيْنِ إلَخْ) قَالَ فِي حَاشِيَةِ مِسْكِينٍ بَعْدَ نَقْلِهِ وَتَبِعَهُ بَعْضُهُمْ كَالْحَمَوِيِّ وَالدُّرِّ وَغَيْرِ هِمَا وَأَقُولُ: دَعْوَى أَنَّ التَّقْيِيدَ اتِّفَاقِيٌّ غَيْرُ مُسَلَّمٍ لِأَنَّهُ عِنْدَ عَدَمِ التَّعْيِينِ يَبْطُلُ التَّوْكِيلُ لِعَدَمِ تَسْمِيَةِ الثَّمَنِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ مِنْ بَيَانِ النَّوْعِ كَالتُّرْكِيِّ وَالْحَبَشِيِّ فَهَذَا غَفْلَةٌ عَنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِيمَا سَبَقَ قَرِيبًا أَمَرَهُ بِشِرَاءِ عَبْدٍ أَوْ دَارٍ صَحَّ إنْ سَمَّى ثَمَنًا وَإِلَّا فَلَا اهـ. أَقُولُ: بَيَانُ الثَّمَنِ أَوْ النَّوْعِ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ غَيْرَ مُعَيَّنٍ وَقَدْ قَدَّمَ الْمُؤَلِّفُ أَنَّ الْإِضَافَةَ إلَى الْمَالِكِ مِثْلُ جَارِيَةِ فُلَانٍ لَا تُعَيِّنُهُ وَنَقَلَ هُنَاكَ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ فَاشْتَرَى مَنْ قُطِعَتْ يَدُهُ نَفَذَ عَلَى الْمُوَكِّلِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِبَيَانِ النَّوْعِ أَوْ الثَّمَنِ وَإِلَّا لَمْ تَصِحَّ الْوَكَالَةُ وَتَقَدَّمَ مَتْنًا أَيْضًا لَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ فَالشِّرَاءُ لِلْوَكِيلِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ لِلْمُوَكِّلِ أَوْ يَشْتَرِيَهُ بِمَالِهِ تَأَمَّلْ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 162 وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ اتِّفَاقِيٌّ فَغَيْرُ الْمُعَيَّنِ كَالْمُعَيَّنِ إذَا نَوَاهُ لِلْمُوَكِّلِ أَوْ اشْتَرَاهُ لَهُ (قَوْلُهُ وَبِشِرَائِهِمَا بِأَلْفٍ وَقِيمَتُهُمَا سَوَاءٌ فَاشْتَرَى أَحَدَهُمَا بِنِصْفِهِ أَوْ أَقَلَّ صَحَّ وَبِالْأَكْثَرِ لَا إلَّا أَنْ يَشْتَرِيَ الْبَاقِيَ بِمَا بَقِيَ قَبْلُ الْخُصُومَةِ) لِأَنَّهُ قَابَلَ الْأَلْفَ بِهِمَا وَقِيمَتُهُمَا سَوَاءٌ فَيُقْسَمُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ دَلَالَةً فَكَانَ آمِرًا بِشِرَاءِ كُلٍّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِخَمْسِمِائَةٍ ثُمَّ الشِّرَاءُ بِهِمَا مُوَافَقَةٌ وَبِأَقَلَّ مِنْهُمَا مُخَالَفَةٌ إلَى خَيْرٍ وَبِالزِّيَادَةِ إلَى شَرٍّ قَلَّتْ الزِّيَادَةُ أَوْ كَثُرَتْ وَلِذَا أَطْلَقَ فِي قَوْلِهِ وَبِالْأَكْثَرِ لَا فَلَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَشْتَرِيَ الْبَاقِيَ بِبَقِيَّةِ الْأَلْفِ قَبْلَ أَنْ يَخْتَصِمَا اسْتِحْسَانًا لِأَنَّ شِرَاءَ الْأَوَّلِ قَائِمٌ وَقَدْ حَصَلَ غَرَضُهُ الْمُصَرَّحُ بِهِ وَهُوَ تَحْصِيلُ الْعَبْدَيْنِ وَمَا يُثْبِتُ الِانْقِسَامَ إلَّا دَلَالَةً وَالصَّرِيحُ يَفُوقُهَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: إنْ اشْتَرَى أَحَدَهُمَا بِأَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الْأَلْفِ بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ الْأَلْفِ مَا يَشْتَرِي بِمِثْلِهِ الْبَاقِيَ جَازَ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ مُطْلَقٌ لَكِنَّهُ يَتَقَيَّدُ بِالْمُتَعَارَفِ وَهُوَ فِيمَا قُلْنَاهُ وَلَكِنْ لَا بُدَّ أَنْ يَبْقَى مِنْ الْأَلْفِ بَاقِيَةٌ يَشْتَرِي بِمِثْلِهَا الْبَاقِيَ لِيُمْكِنَهُ تَحْصِيلُ غَرَضِ الْآمِرِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: احْتَمَلَ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا اخْتِلَافَ فِيهَا لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ إنَّمَا قَالَ: لَمْ يَجُزْ شِرَاؤُهُ عَلَى الْآمِرِ إذَا زَادَ زِيَادَةً لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهَا وَهُمَا قَالَا فِيمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْآمِرَ فَإِذَا حَمَلَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَا يَكُونُ فِي الْمَسْأَلَةِ اخْتِلَافٌ وَاحْتَمَلَ الِاخْتِلَافُ فَفِي قَوْلِهِ إذَا زَادَ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا لَا يَجُوزُ عَلَى الْآمِرِ وَفِي قَوْلِهِمَا يَجُوزُ إذَا كَانَتْ الزِّيَادَةُ قَلِيلَةً اهـ. (قَوْلُهُ وَبِشِرَاءِ هَذَا بِدَيْنٍ لَهُ عَلَيْهِ فَاشْتَرَى صَحَّ وَلَوْ غَيْرَ عَيْنٍ نَفَذَ عَلَى الْمَأْمُورِ) لِأَنَّ فِي تَعْيِينِ الْمَبِيعِ تَعَيَّنَ الْبَائِعُ وَلَوْ عَيَّنَ الْبَائِعَ يَجُوزُ عَلَى مَا نَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْهُمَا نَفَذَ الشِّرَاءُ عَلَى الْمَأْمُورِ فَإِنْ مَاتَ فِي يَدِهِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ الْآمِرُ مَاتَ مِنْ مَالِ الْمُشْتَرِي وَإِنْ قَبَضَهُ الْآمِرُ فَهُوَ لَهُ بَيْعًا بِالتَّعَاطِي وَهَذَا عِنْدَهُ وَقَالَا: هُوَ لَازِمٌ لِلْآمِرِ إذَا قَبَضَهُ الْمَأْمُورُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا أَمَرَهُ أَنْ يُسْلِمَ مَا عَلَيْهِ أَوْ يَصْرِفَ مَا عَلَيْهِ لَهُمَا أَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ لَا يَتَعَيَّنَانِ فِي الْمُعَاوَضَاتِ دَيْنًا كَانَتْ أَوْ عَيْنًا أَلَا تَرَى لَوْ تَبَايَعَا بِدَيْنٍ ثُمَّ تَصَادَقَا أَنْ لَا دَيْنَ لَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ فَصَارَ الْإِطْلَاقُ وَالتَّقْيِيدُ فِيهِ سَوَاءً فَيَصِحُّ التَّوْكِيلُ وَيَلْزَمُ الْآمِرَ لِأَنَّ يَدَ الْوَكِيلِ كَيَدِهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا تَتَعَيَّنُ فِي الْوَكَالَاتِ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَيَّدَ الْوَكَالَةَ بِالْعَيْنِ مِنْهَا أَوْ بِالدَّيْنِ مِنْهَا ثُمَّ اسْتَهْلَكَ الْعَيْنَ أَوْ أَسْقَطَ الدَّيْنَ بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ وَإِذَا تَعَيَّنَتْ كَانَ هَذَا تَمْلِيكُ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ مِنْ دُونِ أَنْ يُوَكِّلَهُ بِقَبْضِهِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ كَمَا إذَا اشْتَرَى بِدَيْنٍ عَلَى غَيْرِ الْمُشْتَرِي أَوْ يَكُونُ أَمْرًا بِصَرْفِ مَا لَا يَمْلِكُهُ إلَّا بِالْقَبْضِ قَبْلَهُ ذَلِكَ بَاطِلٌ كَمَا إذَا قَالَ: أَعْطِ مَالِي عَلَيْكَ مَنْ شِئْتَ بِخِلَافِ مَا إذَا عَيَّنَ الْبَائِعَ فَإِنَّهُ يَصِيرُ وَكِيلًا عَنْهُ فِي الْقَبْضِ ثُمَّ يَتَمَلَّكُهُ قَيَّدَ بِالتَّوْكِيلِ بِالشِّرَاءِ لِأَنَّهُ لَوْ أَمَرَهُ بِالتَّصْدِيقِ بِمَا عَلَيْهِ صَحَّ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْمَالَ لِلَّهِ وَهُوَ مَعْلُومٌ وَلَوْ أَمَرَ الْمُسْتَأْجِرَ بِمَرَمَّةِ مَا اسْتَأْجَرَهُ مِمَّا عَلَيْهِ مِنْ الْأُجْرَةِ صَحَّ أَوْ بِشِرَاءِ عَبْدٍ يَسُوقُ الدَّابَّةَ وَيُنْفِقُ عَلَيْهَا صَحَّ اتِّفَاقًا لِلضَّرُورَةِ لِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ لَا يَجِدُ الْآجِرَ فِي كُلِّ وَقْتٍ فَأُقِيمَتْ الْعَيْنُ مَقَامَ الْمُؤَجَّرِ فِي الْقَبْضِ. (تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ فِي حُكْمِ النُّقُودِ فِي الْوَكَالَاتِ الثَّانِي فِيمَا إذَا ادَّعَى الْمُسْتَأْجِرُ الْمَأْذُونُ لَهُ الْمَرَمَّةَ هَلْ يَحْتَاجُ إلَى بَيَانٍ أَوْ لَا؟ أَمَّا الْأَوَّلُ فَفِي بُيُوعِ خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ وَلَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ: اشْتَرِ لِي بِهَذَا الْأَلْفِ الدَّرَاهِمِ جَارِيَةً فَأَرَاهُ الدَّرَاهِمَ وَلَمْ يُسَلِّمْهَا إلَى الْوَكِيلِ حَتَّى سُرِقَتْ ثُمَّ اشْتَرَى جَارِيَةً بِأَلْفٍ لَزِمَتْ الْمُوَكِّلَ وَالْأَصْلُ أَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ لَا يَتَعَيَّنَانِ فِي الْوَكَالَةِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ بِلَا خِلَافٍ وَكَذَا بَعْدَهُ عَلَى الْأَصَحِّ وَفَائِدَةُ النَّقْدِ وَالتَّسْلِيمِ عَلَى الْأَصَحِّ شَيْئَانِ: أَحَدُهُمَا تَوَقُّفُ   [منحة الخالق] [أَمَرَهُ بِشِرَاءِ عَبْدَيْنِ مُعَيَّنَيْنِ وَلَمْ يُسَمِّ ثَمَنًا فَاشْتَرَى لَهُ أَحَدَهُمَا] (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْهُمَا) أَيْ لَمْ يُعَيِّنْ الْمَبِيعَ وَلَا الْبَائِعَ. (قَوْلُهُ أَمَّا الْأَوَّلُ فَفِي بُيُوعِ خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ إلَخْ) نَقَلَ مِثْلَهُ فِي نُورِ الْعَيْنِ فِي الْفَصْلِ السَّابِعَ عَشَرَ وَنَقَلَ فِيهِ قَبْلَهُ مَا نَصُّهُ (شخ) يَتَعَيَّنُ النَّقْدَانِ فِي التَّبَرُّعَاتِ كَهِبَةٍ وَصَدَقَةٍ وَالنُّقُودُ تَتَعَيَّنُ فِي الشَّرِكَاتِ وَالْمُضَارَبَاتِ وَالْوَكَالَاتِ بَعْدَ التَّسْلِيمِ إلَى هَؤُلَاءِ لِكَوْنِهَا أَمَانَةً وَقَبْلَ التَّسْلِيمِ لَا تَتَعَيَّنُ وَجِيزَ النَّقْدَانِ لَا يَتَعَيَّنَانِ فِي الْمُعَاوَضَاتِ وَفُسُوخِهَا وَإِنْ عُيِّنَتْ حَتَّى لَا يَسْتَحِقَّ عَيْنَهَا وَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يُمْسِكَهَا وَيَرُدَّ مِثْلَهَا وَيَتَعَيَّنَانِ فِي الْغُصُوبِ وَالْأَمَانَاتِ وَالْوَكَالَاتِ وَالشَّرِكَاتِ وَنَحْوِهَا اهـ. وَقَالَ فِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ فِي أَحْكَامِ النُّقُودِ وَفِي وَكَالَةِ الْبِنَايَةِ: اعْلَمْ أَنَّ عَدَمَ تَعْيِينِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فِي حَقِّ الِاسْتِحْقَاقِ لَا غَيْرُ فَإِنَّهُمَا يَتَعَيَّنَانِ جِنْسًا وَقَدْرًا وَوَصْفًا بِالِاتِّفَاقِ وَبِهِ صَرَّحَ الْإِمَامُ الْعَتَّابِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ اهـ. قَالَ الْحَمَوِيُّ: يَعْنِي أَنَّ مِنْ حُكْمِ النُّقُودِ أَنَّهَا لَا تَتَعَيَّنُ وَلَوْ عُيِّنَتْ فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ وَفُسُوخِهَا فِي حَقِّ الِاسْتِحْقَاقِ فَلَا تُسْتَحَقُّ عَيْنُهَا فَلِلْمُشْتَرِي إمْسَاكُهَا وَدَفْعُ مِثْلِهَا جِنْسًا وَقَدْرًا وَوَصْفًا هَذَا هُوَ الْمُرَادُ. اهـ. وَقَدْ مَرَّ آنِفًا فِي الِاسْتِدْلَالِ لِلْإِمَامِ وَصَاحِبَيْهِ أَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ لَا يَتَعَيَّنَانِ فِي الْمُعَاوَضَاتِ عِنْدَهُمَا وَيَتَعَيَّنَانِ عِنْدَهُ فِي الْوَكَالَاتِ ثُمَّ عَلَيْك بِالتَّأَمُّلِ فِي قَوْلِهِ وَفَائِدَةُ النَّقْدِ وَالتَّسْلِيمِ إلَخْ بَعْدَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ أَنَّهُمَا لَا يَتَعَيَّنَانِ وَكَذَا مَا ذَكَرَهُ بَعْدَهُ مِنْ أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى بَعْدَمَا سُرِقَتْ نَفَذَ الشِّرَاءُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى تَعَيُّنِهِمَا كَمَا هُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ لَا عَلَى عَدَمِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ لَزِمَتْ الْمُوَكِّلَ) صَوَابُهُ الْوَكِيلَ وَأَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ يَتَعَيَّنَانِ بِدُونِ لَا لِمَا سَيَأْتِي فِي تَعْلِيلِ ذَلِكَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 163 بَقَاءِ الْوَكَالَةِ بِبَقَاءِ الدَّرَاهِمِ الْمَنْقُودَةِ وَالثَّانِي قَطْعُ الرُّجُوعِ عَلَى الْمُوَكِّلِ فِيمَا وَجَبَ لِلْوَكِيلِ عَلَى الْمُوَكِّلِ بِالثَّمَنِ وَلَوْ كَانَ الْمُوَكِّلُ دَفَعَ الدَّرَاهِمَ إلَى الْوَكِيلِ فَسُرِقَتْ مِنْ يَدِهِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فَإِنْ اشْتَرَى بَعْدَ ذَلِكَ نَفَذَ الشِّرَاءُ عَلَيْهِ وَإِنْ هَلَكَتْ بَعْدَ الشِّرَاءِ فَالشِّرَاءُ لِلْمُوَكِّلِ وَيَرْجِعُ بِمِثْلِهِ فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي كَوْنِ الْهَلَاكِ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ فَالْقَوْلُ لِلْآمِرِ مَعَ يَمِينِهِ اهـ. الثَّانِي: إذَا ادَّعَى الْمُسْتَأْجِرُ أَنَّهُ عَمَّرَ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَكَذَا كُلُّ مَدْيُونٍ أَوْ غَاصِبٍ ادَّعَى بَعْدَ الْإِذْنِ الدَّفْعَ لَمْ يَبْرَأْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ بِخِلَافِ الْأَمِينِ الْمَأْذُونِ بِالدَّفْعِ إذَا ادَّعَاهُ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ كَمَا فِي فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا وَفِي وَدِيعَةِ الْبَزَّازِيَّةِ مَا يُخَالِفُ مَسْأَلَةَ الدَّيْنِ فَلْيُنْظَرْ ثَمَّةَ. (قَوْلُهُ وَبِشِرَاءِ أَمَةٍ بِأَلْفٍ دَفَعَ إلَيْهِ فَاشْتَرَى فَقَالَ: اشْتَرَيْتُ بِخَمْسِمِائَةٍ وَقَالَ الْمَأْمُورُ بِأَلْفٍ فَالْقَوْلُ لِلْمَأْمُورِ) لِأَنَّهُ أَمِينٌ فِيهِ وَقَدْ ادَّعَى الْخُرُوجَ عَنْ عُهْدَةِ الْأَمَانَةِ وَالْآمِرُ يَدَّعِي عَلَيْهِ ضَمَانَ خَمْسِمِائَةٍ وَهُوَ يُنْكِرُ أَطْلَقَهُ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَتْ تُسَاوِي أَلْفًا فَإِنْ كَانَتْ تُسَاوِي خَمْسَمِائَةٍ فَالْقَوْلُ لِلْآمِرِ لِأَنَّهُ خَالَفَ حَيْثُ اشْتَرَى جَارِيَةً تُسَاوِي خَمْسَمِائَةٍ وَالْأَمْرُ تَنَاوَلَ مَا يُسَاوِي أَلْفًا فَيَضْمَنُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ مَا إذَا كَانَتْ قِيمَتُهَا بَيْنَهُمَا (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَدْفَعْ فَلِلْآمِرِ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَفَعَ إلَيْهِ الْأَلْفَ فَالْقَوْلُ لِلْآمِرِ أَطْلَقَهُ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَتْ قِيمَتُهَا خَمْسَمِائَةٍ لِكَوْنِهِ مُخَالِفًا وَأَمَّا إذَا كَانَتْ قِيمَتُهَا أَلْفًا فَإِنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ وَالْوَكِيلَ نَزَلَا مَنْزِلَةَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي وَقَدْ اخْتَلَفَا وَمُوجَبُهُ التَّحَالُفُ ثُمَّ يُفْسَخُ الْعَقْدُ الَّذِي جَرَى بَيْنَهُمَا حُكْمًا فَتَلْزَمُ الْجَارِيَةُ الْمَأْمُورَ (قَوْلُهُ وَبِشِرَاءِ هَذَا الْعَبْدِ وَلَمْ يُسَمِّ ثَمَنًا فَقَالَ الْمَأْمُورُ: اشْتَرَيْتُهُ بِأَلْفٍ وَصَدَّقَهُ الْبَائِعُ وَقَالَ الْآمِرُ بِنِصْفِهِ تَحَالَفَا) لِلِاخْتِلَافِ فِي الثَّمَنِ وَقَدَّمْنَاهُ وَقِيلَ: لَا تَحَالُفَ هُنَا لِأَنَّهُ ارْتَفَعَ الْخِلَافُ بِتَصْدِيقِ الْبَائِعِ إذْ هُوَ حَاضِرٌ وَفِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى هُوَ غَائِبٌ فَاعْتُبِرَ الِاخْتِلَافُ وَقِيلَ: يَتَحَالَفَانِ كَمَا ذَكَرْنَا وَقَدْ ذَكَرَ مُعْظَمَ يَمِينِ التَّحَالُفِ وَهُوَ يَمِينُ الْبَائِعِ وَالْبَائِعُ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ أَجْنَبِيٌّ عَنْهُمَا وَقَبْلَهُ أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْمُوَكِّلِ إذَا لَمْ يَجْرِ بَيْنَهُمَا عَقْدٌ فَلَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ فَبَقِيَ الْخِلَافُ وَهَذَا قَوْلُ الشَّيْخِ الْإِمَامِ أَبِي مَنْصُورٍ وَهُوَ أَظْهَرُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّصْحِيحَ قَدْ اخْتَلَفَ فَصَحَّحَ قَاضِي خَانْ عَدَمَ التَّحَالُفِ تَبَعًا لِلْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ وَصَحَّحَ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي التَّحَالُفَ تَبَعًا لِلْهِدَايَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ أَظْهَرُ بِمَعْنَى أَصَحِّ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ وَأَمَّا الْإِمَامُ مُحَمَّدٌ فَإِنَّمَا نَصَّ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ لِلْمَأْمُورِ مَعَ يَمِينِهِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَتْ تُسَاوِي خَمْسَمِائَةٍ فَالْقَوْلُ لِلْآمِرِ) زَادَ فِي الدُّرَرِ تَبَعًا لِصَدْرِ الشَّرِيعَةِ بِلَا يَمِينٍ وَعِبَارَةُ الصَّدْرِ وَابْنِ الْكَمَالِ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ صُدِّقَ فِي جَمِيعِ مَا ذُكِرَ التَّصْدِيقُ بِغَيْرِ الْحَلِفِ وَفِي حَاشِيَةِ الْعَلَّامَةِ الْوَانِيِّ عَلَى الدُّرَرِ أَقُولُ: مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ قَوْلِهِ بِلَا يَمِينٍ مُخَالِفٌ لِلْعَقْلِ وَالنَّقْلِ أَمَّا الْعَقْلُ فَلِأَنَّ الْقَوْلَ إذَا كَانَ الْآمِرُ يَحْكُمُ بِلُزُومِ الْعَبْدِ مَثَلًا عَلَى الْمَأْمُورِ فَهَذَا الْحُكْمُ بِمُجَرَّدِ قَوْلِ الْخَصْمِ بِلَا يَمِينِهِ بَعِيدٌ جِدًّا وَأَمَّا النَّقْلُ فَلِأَنَّهُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَلَوْ أَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ هَذَا الْعَبْدَ وَلَمْ يُسَمِّ لَهُ ثَمَنًا فَاشْتَرَاهُ فَقَالَ الْآمِرُ: اشْتَرَيْتَهُ بِخَمْسِمِائَةٍ وَقَالَ الْمَأْمُورُ: بِأَلْفٍ وَصَدَّقَ الْبَائِعُ الْمَأْمُورَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَأْمُورِ مَعَ يَمِينِهِ اهـ. عَلَى أَنَّ تَصْدِيقَ الْبَائِعِ إذَا اُحْتِيجَ إلَى تَحْلِيفِ الْمَأْمُورِ فَبِدُونِهِ يَكُونُ أَوْلَى فَإِنْ قِيلَ: سُكُوتُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِ عَنْ ذِكْرِ الْيَمِينِ فِي الصُّورَةِ السَّابِقَةِ وَتَعَرُّضُهُمْ لَهَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يُشْعِرُ أَنْ لَا تَجِبَ الْيَمِينُ فِيهَا كَمَا قَالَ الشَّارِحُ قُلْنَا: لَعَلَّ سُكُوتَهُمْ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ بِنَاءً عَلَى ظُهُورِهَا وَأَمَّا تَعَرُّضُهُمْ لَهَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَتَوْطِئَةٌ لِبَيَانِ الِاخْتِلَافِ الْآتِي هَلْ يَجِبُ الْيَمِينُ فَقَطْ أَوْ تَحَالُفُ الْجَانِبَيْنِ لَا يُقَالُ: إذَا كَانَ الْغَبْنُ فَاحِشًا لَا يَلْزَمُ عَلَى الْآمِرِ سَوَاءٌ حَلَفَ أَوْ لَمْ يَحْلِفْ فَلَا يَكُونُ فَائِدَةً وَيَكُونُ قَوْلُ الشَّارِحِ بِلَا يَمِينٍ فِي مَوْقِعِهِ لِأَنَّا نَقُولُ: فَائِدَتُهَا أَنَّ الْمَأْمُورَ قَدْ يَتَضَرَّرُ بِبَقَاءِ الْعَبْدِ عَلَيْهِ فَلَوْ اسْتَحْلَفَ الْآمِرَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَقُولَ اشْتَرَاهُ بِأَكْثَرَ وَمِثْلُ هَذَا اعْتِرَاضٌ يَرِدُ عَلَى صَدْرِ الشَّرِيعَةِ أَيْضًا فَإِنَّهُ قَالَ بِغَيْرِ الْحَلِفِ وَكَأَنَّهُ مَأْخَذُ الشَّارِحِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ كَلِمَةُ بِغَيْرِ تَصْحِيفًا عَنْ بَعْدَ وَهَذَا تَوْجِيهٌ تَفَرَّدَ بِهِ أَضْعَفُ الْعِبَادِ وَاَللَّهُ تَعَالَى الْهَادِي اهـ. وَاعْتَرَضَ ذَلِكَ أَيْضًا فِي الْحَوَاشِي الْيَعْقُوبِيَّةِ حَيْثُ قَالَ: هَذَا لَيْسَ بِمَذْكُورٍ فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ وَفِيهِ كَلَامٌ وَهُوَ أَنَّهُ صَرَّحَ فِي الْكَافِي فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْمَتْنِ بِقَوْلِهِ فَإِنْ قَالَ شَرَيْت عَبْدًا لِلْآمِرِ فَمَاتَ فَقَالَ الْآمِرُ إلَخْ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ تَصْدِيقِ الْوَكِيلِ تَصْدِيقُهُ مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّ الثَّمَنَ كَانَ أَمَانَةً فِي يَدِهِ وَقَدْ ادَّعَى الْخُرُوجَ عَنْ عُهْدَةِ الْأَمَانَةِ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي أُمِرَ بِهِ فَكَانَ الْقَوْلُ لَهُ وَلَا فَرْقَ فِي تَصْدِيقِ الْوَكِيلِ لِأَجْلِ كَوْنِهِ أَمِينًا بَيْنَ مَوْضِعٍ وَمَوْضِعٍ فَيَكْفِي التَّصْرِيحُ فِي مَوْضِعٍ فَلَا يَتِمُّ قَوْلُ الشَّارِحِ كَمَا لَا يَخْفَى فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ. قُلْت وَذَكَرَ فِي نُورِ الْعَيْنِ فِي مَسَائِلِ الْيَمِينِ قُبَيْلَ الْفَصْلِ السَّادِسَ عَشَرَ الْقَوْلَ فِي كُلِّ أَمَانَةٍ لِلْأَمِينِ مَعَ يَمِينِهِ وَكَذَا الْبَيِّنَةُ بَيِّنَتُهُ وَالضَّمِينُ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ لَا يَمِينُهُ عَلَى الْإِيفَاءِ اهـ. وَعَلَى هَذَا فَكَيْفَ يَكُونُ الْقَوْلُ لِلْمَأْمُورِ بِلَا يَمِينٍ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَكَذَا كَيْفَ يَكُونُ لِلْآمِرِ فِي الثَّانِيَةِ بِلَا يَمِينٍ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ وَلَمْ يَذْكُرْ مَا إذَا كَانَتْ قِيمَتُهَا بَيْنَهُمَا) يُفْهَمُ مِنْ عِبَارَةِ ابْنِ الْكَمَالِ فِي الْإِصْلَاحِ فَإِنْ أَعْطَاهُ الْأَلْفَ صُدِّقَ هُوَ إنْ سَاوَاهُ وَإِلَّا فَالْآمِرُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَعْطَاهُ الْأَلْفَ وَسَاوَى أَقَلَّ مِنْهُ صُدِّقَ الْآمِرُ وَإِنْ سَاوَاهُ تَحَالَفَا. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 164 فَمِنْهُمْ مَنْ نَظَرَ إلَى ظَاهِرِهِ فَنَفَى التَّحَالُفَ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ مُرَادُهُ التَّحَالُفُ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرَهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ جَرَيَانِهِ بِأَنَّهُ عِنْدَ اخْتِلَافِهِمَا وَإِنَّمَا نَصَّ عَلَى يَمِينِ الْوَكِيلِ هُنَا لِأَنَّهُ هُوَ الْمُدَّعَى وَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ إلَّا فِي التَّحَالُفِ فَكَانَ هُوَ الْمَقْصُودَ وَالْمُوَكِّلُ مُنْكِرٌ وَالْيَمِينُ عَلَيْهِ ظَاهِرًا فَلَمْ يَحْتَجْ إلَى بَيَانِهِمَا قَيَّدَ بِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُسَمِّ لَهُ ثَمَنًا لِأَنَّهُمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي تَسْمِيتَةِ فَقَالَ الْآمِرُ: أَمَرْتُكَ أَنْ تَشْتَرِيَهُ لِي بِخَمْسِمِائَةٍ وَقَالَ الْمَأْمُورُ: أَمَرْتَنِي بِالشِّرَاءِ بِأَلْفٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْآمِرِ مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ يُسْتَفَادُ مِنْ جِهَتِهِ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَيَلْزَمُ الْعَبْدَ الْمَأْمُورَ لِمُخَالَفَتِهِ فَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْوَكِيلِ لِأَنَّهَا أَكْثَرُ إثْبَاتًا وَقَدَّمْنَا بَحْثًا لَوْ دَفَعَ الْآخَرُ مَالًا لِيَدْفَعَهُ إلَى آخَرَ فَدَفَعَهُ ثُمَّ اخْتَلَفَا فَقَالَ الْآمِرُ: إنَّمَا أَمَرْتُكَ بِدَفْعِهِ إلَى غَيْرِهِ وَقَالَ الْمَأْمُورُ أَمَرْتَنِي بِالدَّفْعِ إلَيْهِ أَنَّ الْقَوْلَ لِلْمَأْمُورِ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ أَمِينًا وَاسْتَشْهَدْنَا لَهُ بِفَرْعِ الْمُضَارَبَةِ فَرُبَّمَا يُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرُوهُ هُنَا بِجَامِعِ أَنَّ ذَلِكَ يُسْتَفَادُ مِنْ جِهَتِهِ وَكُلٌّ مِنْ الْوَكِيلَيْنِ أَمِينٌ لَكِنَّ الْوَكِيلَ بِالشِّرَاءِ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ الْبَائِعِ فَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَثْبُتْ الْأَمْرُ خَرَجَ عَنْ أَنْ يَكُونَ بَائِعًا وَنَفَذَ الشِّرَاءُ عَلَيْهِ وَلَمْ يَلْحَقْهُ ضَمَانٌ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالْقَبْضِ فَإِنَّهُ يَلْحَقُهُ الضَّمَانُ لَوْ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ مَعَ أَنَّهُ أَمِينٌ فَافْتَرَقَا إلَّا أَنْ يُوجَدَ نَقْلٌ فَيَجِبُ اتِّبَاعُهُ وَقَوْلِي هُنَا أَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى عَدَمِ تَسْمِيَتِهِ الثَّمَنَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ وَهَذَا فِيمَا إذَا اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ أَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ لَهُ بِأَلْفٍ إذْ الْمَسْأَلَةُ إنَّمَا فَرَضَهَا الْمُؤَلِّفُ وَغَيْرُهُ فِيمَا إذَا لَمْ يُسَمِّ ثَمَنًا فَهُوَ سَهْوٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَفِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ وَكَّلَ رَجُلًا بِأَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ أَخَاهُ فَاشْتَرَى الْوَكِيلُ فَقَالَ الْمُوَكِّلُ: لَيْسَ هَذَا بِأَخِي كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ وَيَكُونُ الْوَكِيلُ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ وَيَعْتِقُ الْعَبْدُ عَلَى الْوَكِيلِ لِأَنَّهُ زَعَمَ أَنَّهُ أَخُو الْمُوَكِّلِ وَعَتَقَ عَلَى مُوَكِّلِهِ اهـ (قَوْلُهُ وَبِشِرَاءِ نَفْسِ الْأَمْرِ مِنْ سَيِّدِهِ بِأَلْفٍ وَدَفَعَ فَقَالَ لِسَيِّدِهِ اشْتَرَيْتُهُ لِنَفْسِهِ فَبَاعَهُ عَلَى هَذَا عَتَقَ وَوَلَاؤُهُ لِسَيِّدِهِ وَإِنْ قَالَ: اشْتَرَيْتُهُ فَالْعَبْدُ لِلْمُشْتَرِي وَالْأَلْفُ لِسَيِّدِهِ وَعَلَى الْمُشْتَرِي أَلْفٌ مِثْلُهُ) لِأَنَّ بَيْعَ نَفْسِ الْعَبْدِ مِنْهُ إعْتَاقٌ وَشِرَاءُ الْعَبْدِ نَفْسَهُ قَبُولُ الْإِعْتَاقِ بِبَدَلٍ وَالْمَأْمُورُ سَفِيرٌ عَنْهُ إذْ لَا تَرْجِعُ عَلَيْهِ الْحُقُوقُ فَصَارَ كَأَنَّهُ اشْتَرَى نَفْسَهُ بِنَفْسِهِ وَإِذَا كَانَ اعْتَاقَا أَعْقَبَ الْوَلَاءَ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ لِلْمَوْلَى فَهُوَ عَبْدٌ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّ اللَّفْظَ حَقِيقَتُهُ لِلْمُعَاوَضَةِ وَأَمْكَنَ بِهَا إذَا لَمْ يُبَيِّنْ فَيُحَافَظُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ شِرَاءِ الْعَبْدِ نَفْسَهُ لِأَنَّ الْمَجَازَ فِيهِ مُتَعَيِّنٌ وَإِذَا كَانَ مُعَاوَضَةً يَثْبُتُ الْمِلْكُ لَهُ وَالْأَلْفُ لِلْمَوْلَى لِأَنَّهُ كَسْبُ عَبْدِهِ وَعَلَى الْمُشْتَرِي أَلْفٌ مِثْلُهُ ثَمَنًا لِلْعَبْدِ فَإِنَّهُ فِي ذِمَّتِهِ حَيْثُ لَمْ يَصِحَّ الْأَدَاءُ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِشِرَاءِ الْعَبْدِ مِنْ غَيْرِهِ حَيْثُ لَا يُشْتَرَطُ بَيَانُهُ لِأَنَّ الْعَقْدَيْنِ هُنَاكَ عَلَى نَمَطٍ وَاحِدٍ فَفِي الْحَالَيْنِ الْمُطَالَبَةُ تَتَوَجَّهُ نَحْوَ الْعَاقِدِ. وَأَمَّا هَاهُنَا أَحَدُهُمَا إعْتَاقٌ مُعَقِّبٌ لِلْوَلَاءِ وَلَا مُطَالَبَةَ عَلَى الْوَكِيلِ وَالْمَوْلَى عَسَاهُ لَا يَرْضَاهُ وَيَرْغَبُ فِي الْمُعَاوَضَةِ الْمَحْضَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْبَيَانِ وَقَوْلُهُ وَالْأَلْفُ لِسَيِّدِهِ رَاجِعٌ إلَى الْمَسْأَلَتَيْنِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ بَعْدَهُ: وَعَلَى الْعَبْدِ أَلْفٌ أُخْرَى بَدَلَ الْإِعْتَاقِ وَعَلَى الْمُشْتَرِي فِي الثَّانِيَةِ أَلْفٌ ثَمَنُ الْعَبْدِ لِبُطْلَانِ الْأَدَاءِ فِيهِمَا لِاسْتِحْقَاقِ الْمَوْلَى مَا أَدَّاهُ بِجِهَةٍ أُخْرَى وَهُوَ أَنَّهُ كَسْبُ عَبْدِهِ فَكَانَ مَمْلُوكًا قَبْلَ الشِّرَاءِ وَقَبْلَ الْعِتْقِ وَأَشَارَ بِاحْتِيَاجِ الْوَكِيلِ إلَى إضَافَتِهِ إلَى الْعَبْدِ الْمُوَكِّلِ إلَى أَنَّهُ سَفِيرٌ لَا تَرْجِعُ الْحُقُوقُ إلَيْهِ فَالْمُطَالَبَةُ بِالْأَلْفِ الْأُخْرَى عَلَى الْعَبْدِ لَا عَلَى الْوَكِيلِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَحَيْثُ عُلِمَ أَنَّ شِرَاءَ الْعَبْدِ نَفْسَهُ مِنْ مَوْلَاهُ إعْتَاقٌ مَعْنًى وَإِنْ كَانَ شِرَاءً صُورَةً لَنْ تُعْتَبَرَ فِيهِ أَحْكَامُ الشِّرَاءِ وَلِذَا صَرَّحَ فِي الْمِعْرَاج بِأَنَّهُ إذَا اشْتَرَى نَفْسَهُ إلَى الْعَطَاءِ صَحَّ اهـ. فَعَلَى هَذَا لَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ وَلَا يَدْخُلُهُ خِيَارُ شَرْطٍ وَفِي بُيُوعِ الْخَانِيَّةِ مِنْ الِاسْتِحْقَاقِ عَبْدٌ اشْتَرَى نَفْسَهُ مِنْ مَوْلَاهُ وَمَعَهُ رَجُلٌ آخَرُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ صَفْقَةً وَاحِدَةً ذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى أَنَّهُ يَجُوزُ فِي حِصَّةِ الْعَبْدِ وَحِصَّةِ الشَّرِيكِ بَاطِلٌ وَلَا يُشْبِهُ هَذَا الْأَبَ إذَا اشْتَرَى وَلَدَهُ مَعَ رَجُلٍ آخَرَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ الْعَقْدُ فِي الْكُلِّ اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ لِعَبْدٍ: اشْتَرِ لِي نَفْسَكَ مِنْ مَوْلَاكَ فَقَالَ لِلْمَوْلَى: بِعْنِي نَفْسِي لِفُلَانٍ فَفَعَلَ فَهُوَ لِلْآمِرِ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ لِفُلَانٍ عَتَقَ) بَيَانٌ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ مُرَادُهُ التَّحَالُفُ إلَخْ) اسْتَشْكَلَهُ الزَّيْلَعِيُّ بِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ يَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرُوا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى لَكِنْ لَفْظُهُ لَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَلَا عَلَى الْأَوَّلِ فَإِنَّ قَوْلَهُ إنَّ الْقَوْلَ لِلْمَأْمُورِ مَعَ يَمِينِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَأْمُورَ يُصَدَّقُ فِيمَا قَالَ وَفِي التَّحَالُفِ لَا يُصَدَّقُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَلَوْ كَانَ مُرَادُهُ التَّحَالُفَ لَمَّا قَالَ ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَقَدَّمْنَا بَحْثًا إلَخْ) أَيْ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْوَكَالَةِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِشِرَاءِ الْعَبْدِ مِنْ غَيْرِهِ) الْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ فِي قَوْلِهِ مُتَعَلِّقٌ بِالْوَكِيلِ قَالَ فِي الْكِفَايَةِ أَيْ بِخِلَافِ مَا لَوْ وَكَّلَهُ غَيْرُ الْعَبْدِ أَنْ يَشْتَرِيَهُ لَهُ فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُشْتَرِيًا لِلْآمِرِ سَوَاءٌ أَعْلَمَ الْوَكِيلُ الْبَائِعَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ لِغَيْرِهِ أَوْ لَمْ يُعْلِمْهُ وَهُنَا مَا لَمْ يُعْلِمْهُ أَنَّهُ يَشْتَرِي لِلْعَبْدِ لَا يَصِيرُ مُشْتَرِيًا لِلْعَبْدِ لِأَنَّ الْعَقْدَيْنِ ثَمَّةَ عَلَى نَمَطٍ وَاحِدٍ لِأَنَّهُ فِي الْحَالَيْنِ شَرَاهُ وَفِي الْحَالَيْنِ الْمُطَالَبَةُ مُتَوَجِّهَةٌ إلَى الْوَكِيلِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْبَيَانِ (قَوْلُهُ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ إلَخْ) قَالَ الْإِمَامُ قَاضِي خَانْ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: وَفِيمَا إذَا بَيَّنَ الْوَكِيلُ لِلْمَوْلَى أَنَّهُ يَشْتَرِيهِ لِلْعَبْدِ هَلْ يَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ أَلْفٌ أُخْرَى لَمْ يَذْكُرْ فِي الْكِتَابِ ثُمَّ قَالَ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ لِأَنَّ الْأَوَّلَ مَالُ الْمَوْلَى فَلَا يَصِحُّ بَدَلًا عَنْ مِلْكِهِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 165 لَمَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ وَكِيلًا بِشِرَاءِ نَفْسِهِ بَعْدَ بَيَانِ مَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ مُوَكِّلًا وَإِنَّمَا كَانَ هَكَذَا لِأَنَّ الْعَبْدَ يَصْلُحُ وَكِيلًا عَنْ غَيْرِهِ فِي شِرَاءِ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ عَنْ مَالِيَّتِهِ وَالْبَيْعُ يُرَدُّ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَالٌ إلَّا أَنَّ مَالِيَّتَهُ فِي يَدِهِ حَتَّى لَا يَمْلِكُ الْبَائِعُ الْحَبْسَ بَعْدَ الْبَيْعِ فَإِذَا أَضَافَهُ إلَى الْآمِرِ صَلَحَ فِعْلُهُ امْتِثَالًا فَيَقَعُ الْعَقْدُ لِلْآمِرِ وَإِنْ عَقَدَ لِنَفْسِهِ فَهُوَ حُرٌّ لِأَنَّهُ إعْتَاقٌ وَقَدْ رَضِيَ بِهِ الْمَوْلَى دُونَ الْمُعَاوَضَةِ وَالْعَبْدُ وَإِنْ كَانَ وَكِيلًا بِشِرَاءٍ مُعَيَّنٍ وَلَكِنَّهُ أَتَى بِجِنْسِ تَصَرُّفٍ آخَرَ وَفِي مِثْلِهِ يَنْفُذُ عَلَى الْوَكِيلِ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ لِفُلَانٍ عَتَقَ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ بِعْنِي نَفْسَكَ لِنَفْسِي فَإِنَّهُ يَعْتِقُ بِالْأَوْلَى وَإِنَّمَا عَتَقَ فِي الْمُطْلَقِ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْوَجْهَيْنِ فَلَا يَقَعُ امْتِثَالًا بِالشَّكِّ فَيَبْقَى التَّصَرُّفُ وَاقِعًا لِنَفْسِهِ وَلَمَّا قَدَّمَ الْمُؤَلِّفُ أَوَّلَ الْبُيُوعِ أَنَّ الْبَيْعَ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِلَفْظَيْنِ مَاضِيَيْنِ عُلِمَ أَنَّ قَوْلَهُ هُنَا فِي صُورَةِ وُقُوعِهِ لِلْآمِرِ بِعْنِي لَيْسَ إيجَابًا فَإِذَا قَالَ الْمَوْلَى: بِعْتُ فَلَا بُدَّ مِنْ قَبُولِ الْعَبْدِ لِيَحْصُلَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ بِخِلَافِهِ فِي صُورَةِ وُقُوعِهِ عِتْقًا فَإِنَّهُ إيجَابٌ وَيَتِمُّ بِقَوْلِ الْمَوْلَى بِعْتُ مِنْ غَيْرِ قَبُولِ الْعَبْدِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوَاحِدَ يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ فِي الْعِتْقِ كَالنِّكَاحِ وَلَا يَتَوَلَّى الطَّرَفَيْنِ فِي الْبَيْعِ وَفِي الْكِتَابِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يَتِمُّ بِقَوْلِ الْمَوْلَى بِعْتُ لِأَنَّهُ قَالَ فَفَعَلَ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ مَعْزِيًّا لِلْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ وَسَكَتَ الْمُؤَلِّفُ عَنْ بَيَانِ الْمَطَالِبِ بِالثَّمَنِ لِمَا قَدَّمَهُ مِنْ أَنَّ الْحُقُوقَ فِي الْبَيْعِ رَاجِعَةٌ إلَى الْوَكِيلِ فَيُطَالَبُ الْعَبْدُ بِالثَّمَنِ فِي صُورَةِ وُقُوعِهِ لِلْآمِرِ لِكَوْنِهِ وَكِيلًا كَمَا يُطَالَبُ بِالْمَالِ فِي صُورَةِ وُقُوعِهِ عِتْقًا لِكَوْنِهِ أَصِيلًا وَيَرْجِعُ فِي الْأَوَّلِ عَلَى الْآمِرِ وَلَا يُقَالُ: الْعَبْدُ هُنَا مَحْجُورٌ عَلَيْهِ وَالْوَكِيلُ إذَا كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ لَا تَرْجِعُ الْحُقُوقُ إلَيْهِ لِأَنَّا نَقُولُ زَالَ الْحَجْرُ هُنَا بِالْعَقْدِ الَّذِي بَاشَرَهُ مُقْتَرِنًا بِأَدَاءِ الْمَوْلَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [فَصْلٌ الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ لَا يَعْقِدُ مَعَ مَنْ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ لَهُ] (فَصْلٌ) (قَوْلُهُ الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ لَا يَعْقِدُ مَعَ مَنْ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ لَهُ) أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا: يَجُوزُ بَيْعُهُ مِنْهُمْ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ إلَّا مِنْ عَبْدِهِ وَمُكَاتَبِهِ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ مُطْلَقٌ وَلَا تُهْمَةَ إذْ الْأَمْلَاكُ مُتَبَايِنَةٌ وَالْمَنَافِعُ مُنْقَطِعَةٌ بِخِلَافِ الْعَبْدِ لِأَنَّهُ بَيْعٌ مِنْ نَفْسِهِ لِأَنَّ مَا فِي يَدِ الْعَبْدِ لِلْمَوْلَى وَكَذَا لِلْمَوْلَى حَقٌّ فِي كَسْبِ الْمُكَاتَبِ وَيَنْقَلِبُ حَقِيقَةً بِالْعَجْزِ وَلَهُ أَنَّ مَوَاضِعَ التُّهْمَةِ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ الْوَكَالَاتِ وَهَذَا مَوْضِعُ التُّهْمَةِ بِدَلِيلِ عَدَمِ قَبُولِ الشَّهَادَةِ وَلِأَنَّ الْمَنَافِعَ بَيْنَهُمْ مُتَّصِلَةٌ فَصَارَ بَيْعًا مِنْ نَفْسِهِ مِنْ وَجْهٍ وَدَخَلَ فِي الْبَيْعِ الْإِجَارَةُ وَالصَّرْفُ وَالسَّلَمُ فَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ قَيَّدَ بِكَوْنِهِ وَكِيلًا بِلَا تَعْمِيمٍ لِأَنَّهُ لَوْ أَطْلَقَ لَهُ بِأَنْ قَالَ: بِعْ مِمَّنْ شِئْتَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ لَهُمْ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ وَأَطْلَقَ فِي مَنْعِ عَقْدِهِ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ بِأَكْثَرَ مِنْ الْقِيمَةِ فَإِنْ كَانَ بِأَكْثَرَ جَازَ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَ بِأَقَلَّ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ كَانَ بِغَبْنٍ يَسِيرٍ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا وَإِنْ كَانَ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ فَعَنْهُ رِوَايَتَانِ وَأَطْلَقَ الْوَكِيلُ فَشَمَلَ الْمُضَارِبَ إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَهُ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ وَشَمَلَ مَنْ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ مُفَاوَضَةً فَهُوَ كَعَبْدِهِ وَشَرِيكِهِ شَرِكَةَ عِنَانٍ يَجُوزُ عَقْدُهُ مَعَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْ تِجَارَتِهِمَا كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ السَّلَمِ وَفِي الْخُلَاصَةِ لَوْ بَاعَ مِنْ ابْنِهِ الصَّغِيرِ لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ اهـ. فَعَلَى هَذَا كَانَ يَنْبَغِي لِلشَّارِحِينَ أَنْ يَقُولُوا فِي تَقْرِيرِ قَوْلِهِمَا إلَّا مِنْ عَبْدِهِ وَمُكَاتَبِهِ وَمُفَاوِضِهِ وَابْنِهِ الصَّغِيرِ فَالْمُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِمَا أَرْبَعٌ وَقَيَّدَ الْعَبْدَ فِي الْمَبْسُوطِ بِغَيْرِ الْمَدْيُونِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَدْيُونًا فَإِنَّهُ يَجُوزُ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ لَهُ لِأَنَّهُ لَوْ عَقَدَ مَعَ مَنْ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ لِلْمُوَكِّلِ كَأَبِيهِ وَابْنِهِ وَمُكَاتَبِهِ وَعَبْدِهِ الْمَدْيُونِ جَازَ وَكَذَا الْوَكِيلُ الْعَبْدُ إذَا بَاعَ مِنْ مَوْلَاهُ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ بِمَنْعِ عَقْدِ الْوَكِيلِ إلَى مَنْعِ بَيْعِهِ مُرَابَحَةً مَا اشْتَرَاهُ مِنْهُمْ بِلَا بَيَانٍ قَالَ فِي الْمِعْرَاجِ مَعْزِيًّا إلَى الْكَافِي وَلَوْ اشْتَرَى مِنْ هَؤُلَاءِ عَيْنًا بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ وَأَرَادَ بَيْعَهُ مُرَابَحَةً لَمْ يَجُزْ بِلَا بَيَانٍ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا بِنَاءً عَلَى هَذَا الْأَصْلِ اهـ. وَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ إلَى مَنْعِ بَيْعِهِ مِنْ نَفْسِهِ بِالْأَوْلَى قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ لَا يَمْلِكُ شِرَاءَهُ لِنَفْسِهِ -   [منحة الخالق] (فَصْلٌ) (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَوْ أَطْلَقَ لَهُ بِأَنْ قَالَ: بِعْ مِمَّنْ شِئْت إلَخْ) قَالَ الْمَقْدِسِيَّ: بِعْ مِمَّنْ شِئْت مُسْتَدْرَكٌ لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِمُجَرَّدِ الْوَكَالَةِ يَبِيعُ مِمَّنْ شَاءَ فَلَا يَنْبَغِي إلَّا أَنْ يَنُصَّ عَلَى بَيْعِهِ مِنْ هَؤُلَاءِ حَتَّى يَكُونَ إطْلَاقًا اهـ. وَأَقُولُ: كَوْنُ الْوَكِيلِ بِمُجَرَّدِ الْوَكَالَةِ يَبِيعُ مِمَّنْ شَاءَ مَمْنُوعٌ فَإِنَّ مَوَاضِعَ التُّهْمَةِ مُسْتَثْنَاةٌ عَنْ الْوَكَالَةِ وَالْبَيْعُ مِمَّنْ ذُكِرَ مَوْضِعُ تُهْمَةٍ حَمَوِيٌّ كَذَا فِي حَاشِيَةِ مِسْكِينٍ (قَوْلُهُ وَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ إلَى مَنْعِ بَيْعِهِ مِنْ نَفْسِهِ بِالْأَوْلَى) قَالَ أَبُو السُّعُودِ: الْأَوْلَوِيَّةُ بِالنِّسْبَةِ لِمَذْهَبِ الْإِمَامِ وَأَمَّا الصَّاحِبَانِ فَلَا يَمْنَعَانِ الْوَكِيلَ مِنْ الْعَقْدِ مَعَ مَنْ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ لَهُ إذَا كَانَ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ إلَّا مِنْ عَبْدِهِ وَمُكَاتَبِهِ بِخِلَافِ مَنْعِهِ مِنْ الْبَيْعِ مِنْ نَفْسِهِ فَإِنَّهُمَا مَعَ الْإِمَامِ فِيهِ (قَوْلُهُ قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ إلَخْ) ذَكَرَ فِي نَوْعٍ آخَرَ: الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ لَا يَمْلِكُ شِرَاءَهُ لِنَفْسِهِ إلَخْ وَمِثْلُهُ فِي الذَّخِيرَةِ حَيْثُ قَالَ وَفِي وَكَالَةِ الطَّحَاوِيِّ: لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْوَكِيلِ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ ابْنٍ صَغِيرٍ لَهُ أَوْ عَبْدٍ لَهُ غَيْرِ مَدْيُونٍ وَإِنْ أَمَرَهُ الْمُوَكِّلُ بِالْبَيْعِ مِنْ هَؤُلَاءِ أَوْ أَجَازَ لَهُ مَا صَنَعَ جَازَ اهـ. وَفِي النِّهَايَةِ عَنْ الْمَبْسُوطِ لَوْ بَاعَهُ الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ ابْنٍ صَغِيرٍ لَهُ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ صَرَّحَ الْمُوَكِّلُ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْوَاحِدَ فِي بَابِ الْبَيْعِ إذَا بَاشَرَ الْعَقْدَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ يُؤَدِّي إلَى تَضَادِّ الْأَحْكَامِ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُشْتَرِيًا وَمُسْتَقْضِيًا قَابِضًا مُخَاصِمًا فِي الْعَيْبِ وَمُخَاصِمًا وَفِيهِ مِنْ التَّضَادِّ مَا لَا يَخْفَى اهـ. وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا يَأْتِي عَنْ السِّرَاجِ وَكَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ وَالْوَجْهُ مَا فِي النِّهَايَةِ إلَّا إذَا أَجَازَ الْمُوَكِّلُ بَعْدَ الْبَيْعِ فَلَا يَرِدُ مَا ذَكَرَهُ تَأَمَّلْ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 166 لِأَنَّ الْوَاحِدَ لَا يَكُونُ مُشْتَرِيًا وَبَائِعًا فَيَبِيعُهُ مِنْ غَيْرِهِ ثُمَّ يَشْتَرِيهِ مِنْهُ وَإِنْ أَمَرَهُ الْمُوَكِّلُ أَنْ يَبِيعَهُ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ أَوْلَادِهِ الصِّغَارِ أَوْ مِمَّنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فَبَاعَ مِنْهُمْ جَازَ اهـ. وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ لَوْ أَمَرَهُ بِالْبَيْعِ مِنْ هَؤُلَاءِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ إجْمَاعًا إلَّا أَنْ يَبِيعَهُ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ أَوْ عَبْدِهِ وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ قَطْعًا وَإِنْ صَرَّحَ لَهُ الْمُوَكِّلُ اهـ. وَقَيَّدَ بِالْكَيْلِ لِأَنَّ الْوَصِيَّ لَوْ بَاعَ مِنْهُمْ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَإِنْ حَابَا فِيهِ لَا يَجُوزُ وَإِنْ قَلَّ وَالْمُضَارِبُ كَالْوَصِيِّ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ. وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ لَوْ بَاعَ الْقَيِّمُ مَالَ الْوَقْفِ أَوْ أَجَّرَ مِمَّنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ لَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِيهِ الْمُتَوَلِّي إذَا أَجَّرَ دَارَ الْوَقْفِ مِنْ ابْنِهِ الْبَالِغِ أَوْ أَبِيهِ لَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا بِأَكْثَرَ مِنْ أَجْرِ الْمِثْلِ كَبَيْعِ الْوَصِيِّ وَلَوْ أَجَّرَ مِنْ نَفْسِهِ يَجُوزُ لَوْ خَيْرًا وَإِلَّا لَا اهـ. وَلَوْ حَذَفَ قَوْلَهُ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ لَكَانَ أَوْلَى لِيَدْخُلَ النِّكَاحُ قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَكَّلَهُ بِتَزْوِيجٍ فَزَوَّجَ ابْنَتَهُ الصَّغِيرَةَ لَا يَجُوزُ وَلَوْ كَبِيرَةً أَوْ مِمَّنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهَا لَا يَجُوزُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا اهـ. وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَلَوْ اشْتَرَى الْأَبُ مَالَ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ أَوْ بِأَكْثَرَ أَوْ بِأَقَلَّ بِمِقْدَارِ مَا يَتَغَابَنُ فِيهِ صَحَّ الشِّرَاءُ وَبِمَا لَا يَتَغَابَنُ فِيهِ لَا يَصِحُّ وَكَذَا لَوْ بَاعَ مَالَهُ مِنْ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ وَالْجَدُّ أَبُو الْأَبِ كَالْأَبِ عِنْدَ عَدَمِهِ وَوَصِيِّهِ وَأَمَّا حُكْمُ الْوَصِيِّ فَهُوَ كَالْأَبِ وَالْجَدِّ إذَا عَقَدَ مَعَ أَجْنَبِيٍّ وَأَمَّا مَعَ نَفْسِهِ فَقَالَ الْإِمَامُ: لَا يَجُوزُ إنْ كَانَ خَيْرًا وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ مَعَهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَجُوزُ بِحَالٍ اهـ. وَتَفْسِيرُ الْخَيْرِيَّةِ فِي وَصَايَا الْخَانِيَّةِ وَقَيَّدَ بِالْعَقْدِ احْتِرَازًا عَنْ الْوَكِيلِ بِالْقَبْضِ قَالَ الْحَاكِمُ فِي الْكَافِي: وَلَوْ وَكَّلَهُ بِقَبْضِ دَيْنٍ لَهُ عَلَى أَبِ الْوَكِيلِ أَوْ وَلَدِهِ أَوْ مُكَاتَبٍ لِوَلَدِهِ أَوْ عَبْدِهِ فَقَالَ الْوَكِيلُ: قَدْ قَبَضْتُ الدَّيْنَ وَهَلَكَ وَكَذَّبَهُ الطَّالِبُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَكِيلِ فَإِذَا كَانَ الْوَكِيلُ عَبْدًا فَقَالَ: قَدْ قَبَضْتُ مِنْ مَوْلَايَ أَوْ مِنْ عَبْدِ مَوْلَايَ فَهَلَكَ مِنِّي فَهُوَ مُصَدَّقٌ أَيْضًا فَإِنْ كَانَ الْوَكِيلُ ابْنَ الطَّالِبِ أَوْ الْمَطْلُوبِ فَهُوَ كَذَلِكَ اهـ. (قَوْلُهُ وَيَصِحُّ بَيْعُهُ بِمَا قَلَّ وَكَثُرَ بِالنَّقْدِ أَوْ النَّسِيئَةِ) يَعْنِي عِنْدَ الْإِمَامِ وَقَالَا: لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِنُقْصَانٍ لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ وَلَا يَجُوزُ إلَّا بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْأَمْرِ يَتَقَيَّدُ بِالْمُتَعَارَفِ لِأَنَّ التَّصَرُّفَاتِ لِدَفْعِ الْحَاجَاتِ فَتَتَقَيَّدُ بِمَوَاقِعِهَا وَالْمُتَعَارَفُ الْبَيْعُ بِمِثْلِ الثَّمَنِ وَبِالنُّقُودِ وَلِهَذَا يَتَقَيَّدُ التَّوْكِيلُ بِشِرَاءِ الْفَحْمِ وَالْجَمْدِ وَالْأُضْحِيَّةِ بِزَمَانِ الْحَاجَةِ فَفِي الْفَحْمِ بِالشِّتَاءِ وَفِي الْجَمْدِ بِالصَّيْفِ وَفِي الْأُضْحِيَّةِ بِزَمَانِهَا وَلِأَنَّ الْبَيْعَ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ بَيْعٌ مِنْ وَجْهٍ هِبَةٌ مِنْ وَجْهٍ وَكَذَا الْمُقَايَضَةُ بَيْعٌ مِنْ وَجْهٍ شِرَاءٌ مِنْ وَجْهٍ فَلَا يَتَنَاوَلُهُ مُطْلَقُ اسْمِ الْبَيْعِ وَلَهُ أَنَّ التَّوْكِيلَ بِالْبَيْعِ مُطْلَقٌ فَيَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ التُّهْمَةِ وَالْبَيْعُ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ أَوْ بِالْعَيْنِ مُتَعَارَفٌ عِنْدَ شِدَّةِ الْحَاجَةِ إلَى الثَّمَنِ وَالتَّبَرُّمُ مِنْ الْغَبْنِ أَيْ الْمَلَالِ وَالْمَسَائِلُ مَمْنُوعَةٌ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى مَا هُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْهُ وَأَنَّهُ بَيْعٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ حَتَّى إنْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ يَحْنَثُ بِهِ غَيْرَ أَنَّ الْأَبَ وَالْوَصِيَّ لَا يَمْلِكَانِهِ مَعَ أَنَّهُ يَبِيعُ لِأَنَّ وِلَايَتَهُمَا نَظَرِيَّةٌ وَلَا نَظَرَ فِيهِ وَالْمُقَايَضَةُ شِرَاءٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَبَيْعٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِوُجُودِ حَدِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَيُفْتَى بِقَوْلِهِمَا فِي مَسْأَلَةِ بَيْعِ الْوَكِيلِ بِمَا عَزَّ وَهَانَ وَبِأَيِّ ثَمَنٍ كَانَ اهـ. وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِ الْمُؤَلِّفِ الصَّرْفُ لِمَا فِي الْخُلَاصَةِ الْوَكِيلُ بِبَيْعِ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ إذَا بَاعَ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ لَا يَجُوزُ إجْمَاعًا اهـ. وَأَطْلَقَ فِي جَوَازِ بَيْعِهِ نَسِيئَةً وَهُوَ مُقَيَّدٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بِمَا إذَا كَانَ لِلتِّجَارَةِ فَإِنْ كَانَ لِلْحَاجَةِ لَا يَجُوزُ كَالْمَرْأَةِ إذَا دَفَعَتْ غَزْلًا إلَى رَجُلٍ لِيَبِيعَهُ لَهَا فَهُوَ عَلَى الْبَيْعِ بِالنَّقْدِ وَبِهِ يُفْتَى وَمُقَيَّدٌ بِمَا إذَا بَاعَ بِمَا يَبِيعُ النَّاسُ فَإِنَّ طُولَ الْمُدَّةِ لَا يَجُوزُ وَلَوْ قَالَ بِعْهُ بِالنَّقْدِ فَبَاعَهُ بِالنَّقْدِ أَوْ بِالنَّسِيئَةِ يَجُوزُ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ: وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَلَوْ قَالَ: لَا تَبِعْ إلَّا بِالنَّقْدِ فَبَاعَ بِالنَّسِيئَةِ لَا يَجُوزُ وَلَوْ قَالَ: بِعْهُ بِالنَّسِيئَةِ بِأَلْفٍ فَبَاعَهُ بِالنَّقْدِ قَالَ: بِأَلْفٍ يَجُوزُ فَإِنْ بَاعَهُ بِأَقَلَّ مِنْ أَلْفٍ لَا يَجُوزُ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ ثُمَّ قَالَ لَوْ قَالَ: بِعْهُ إلَى أَجَلٍ فَبَاعَهُ بِالنَّقْدِ قَالَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ اهـ. قُلْت: وَلَا مُخَالَفَةَ بَيْنَ الْفَرْعَيْنِ لِأَنَّ مَا تَقَدَّمَ عَيَّنَ لَهُ ثَمَنًا وَهَذِهِ لَمْ يُعَيِّنْهُ وَفِي الْبِنَايَةِ.   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَتَفْسِيرُ الْخَيْرِيَّةِ فِي وَصَايَا الْخَانِيَّةِ) وَعِبَارَتُهُ فَسَّرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ الْخَيْرِيَّةَ فَقَالَ: إذَا اشْتَرَى الْوَصِيُّ مَالَ الْيَتِيمِ لِنَفْسِهِ مَا يُسَاوِي عَشَرَةً بِخَمْسَةَ عَشَرَ يَكُونُ خَيْرًا لِلْيَتِيمِ وَإِنْ بَاعَ مَالَ نَفْسِهِ مِنْ الْيَتِيمِ مَا يُسَاوِي عَشَرَةً بِثَمَانِيَةٍ يَكُونُ خَيْرًا لِلْيَتِيمِ انْتَهَتْ (قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ إلَّا بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: حَالَّةً أَوْ إلَى أَجَلٍ مُتَعَارَفٍ (قَوْلُهُ وَالْجَمْدُ) بِسُكُونِ الْمِيمِ لَا غَيْرُ هُوَ مَا جَمَدَ مِنْ الْمَاءِ فَكَانَ فِيهِ تَسْمِيَةٌ لِلِاسْمِ بِالْمَصْدَرِ كَذَا فِي الصِّحَاحِ وَالدِّيوَانِ نِهَايَةٌ (قَوْلُهُ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَيُفْتَى بِقَوْلِهِمَا إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: ذَكَرَهُ فِي آخِرِ الرَّابِعِ مِنْ كِتَابِ الْوَكَالَةِ وَأَقُولُ: قَالَ الشَّيْخُ قَاسِمٌ فِي تَصْحِيحِهِ عَلَى الْقُدُورِيِّ وَرَجَّحَ دَلِيلَ الْإِمَامِ وَهُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ عِنْدَ النَّسَفِيِّ أَوْ هُوَ أَصَحُّ الْأَقَاوِيلِ وَالِاخْتِيَارُ عِنْدَ الْمَحْبُوبِيِّ وَوَافَقَهُ الْمَوْصِلِيُّ وَصَدْرُ الشَّرِيعَةِ (قَوْلُهُ وَهُوَ مُقَيَّدٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) مَا فِي الْمَتْنِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَمَا مَعْنَى تَقْيِيدِهِ بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ (قَوْلُهُ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ) أَيْ قَوْلِهِ السَّابِقِ مِنْ تَقْيِيدِ جَوَازِ بَيْعِهِ نَسِيئَةً بِمَا إذَا كَانَ لِلتِّجَارَةِ لَكِنْ سَيَأْتِي مِنْ الْمُؤَلِّفِ قَرِيبًا حَمْلُهُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ) لَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ الْبَيْعَ نَسِيئَةً يَكُونُ بِثَمَنٍ أَزْيَدَ مِنْ ثَمَنِ الْبَيْعِ بِالنَّقْدِ فَيَكُونُ مُرَادُهُ الْبَيْعَ بِالثَّمَنِ الزَّائِدِ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ الثَّمَنُ الزَّائِدُ فِي الْمَالِ أَنْفَعَ لَهُ مِنْ الثَّمَنِ الْأَقَلِّ فِي الْحَالُ لِعَدَمِ احْتِيَاجِهِ إلَيْهِ الْآنَ وَهَذَا بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لِأَنَّهُ قَدْ بَاعَهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 167 يَجُوزُ إلَى أَجَلٍ مُتَعَارَفًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُتَعَارَفٍ وَفِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ أَمَرَهُ بِبَيْعِ عَبْدِهِ فَبَاعَهُ نَسِيئَةً جَازَ عَلَى الْأَصَحِّ إذَا بَاعَهُ بِنَسِيئَةٍ يَتَبَايَعُ بِهَا النَّاسُ أَمَّا إذَا طَوَّلَ الْمُدَّةَ لَا يَجُوزُ اهـ. وَهُوَ تَصْحِيحٌ لِقَوْلِ الْإِمَامِ فِي النَّسِيئَةِ وَتَقْيِيدٌ لَهُ وَلَا يُعَارِضُهُ فَتْوَى الْفَقِيهِ لِأَنَّهُ فِي الْبَيْعِ بِمَا قَلَّ وَكَثُرَ كَمَا لَا يَخْفَى وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَمَنْ جَوَّزَ النَّسِيئَةَ إنَّمَا يُجَوِّزُهُ بِالْأَجَلِ الْمُتَعَارَفِ فَإِنْ طَوَّلَ لَا يَجُوزُ وَقِيلَ: يَجُوزُ عِنْدَهُ وَإِنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ اهـ. فَإِطْلَاقُ وَإِنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ ضَعِيفٌ عِنْدَهُ وَفِي الْخَانِيَّةِ مِنْ فَصْلِ إجَارَةِ الْوَقْفِ الْمُتَوَلِّي إذَا أَجَّرَ الْوَقْفَ بِشَيْءٍ مِنْ الْعُرُوضِ وَالْحَيَوَانِ بِعَيْنِهِ قِيلَ: بِأَنَّهُ يَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ بِخِلَافِ بَيْعِ الْوَكِيلِ وَكَذَا الْوَكِيلُ بِالْإِجَارَةِ إذَا أَجَّرَ بِمَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ أَوْ عُرُوضٍ أَوْ حَيَوَانٍ قِيلَ: بِأَنَّهُ يَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ فِي زَمَانِنَا: الْإِجَارَةُ تَكُونُ عَلَى الْخِلَافِ أَيْضًا لِأَنَّ الْمُتَعَارَفَ الْإِجَارَةُ بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ اهـ. وَفِي الْخُلَاصَةِ الْوَكِيلُ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ عَلَى مَالٍ عَلَى الْخِلَافِ اهـ. وَمَحَلُّ الِاخْتِلَافِ عِنْدَ عَدَمِ التَّعْيِينِ مِنْ الْآمِرِ فَإِنْ عَيَّنَ شَيْئًا تَعَيَّنَ إلَّا فِيمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ تَعْيِينِ النَّسِيئَةِ مَعَ بَيَانِ الثَّمَنِ فَبَاعَ حَالًا فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَتَقَدَّمَ لَوْ عَيَّنَ لَهُ النَّقْدَ إثْبَاتًا أَوْ نَفْيًا وَفِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ وَإِنْ أَمَرَهُ أَنْ يَبِيعَهُ بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ فَبَاعَهُ بِغَيْرِهِ أَوْ بِأَقَلَّ مِنْهُ لَمْ يَجُزْ فِي قَوْلِهِمْ وَإِنْ بَاعَهُ بِأَكْثَرَ مِنْهُ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ جَازَ اهـ. وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ فَإِنْ بَاعَهُ بَيْعًا فَاسِدًا وَدَفَعَهُ لَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا وَلَوْ قَالَ: بِعْهُ نَسِيئَةً فَبَاعَهُ إلَى الْقِطَافِ أَوْ الْحَصَادِ أَوْ النَّيْرُوزِ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ إلَّا أَنْ يَقُولَ الْمُشْتَرِي أَنَا أُعَجِّلُ الْمَالَ وَأَدَعُ الْأَجَلَ فَيَجُوزُ وَلَوْ وَكَّلَهُ بِبَيْعِ طَعَامٍ فَقَالَ: بِعْهُ كُلُّ كُرٍّ بِخَمْسِينَ فَبَاعَهُ كُلَّهُ فَهُوَ جَائِزٌ وَإِنْ قَالَ: بِعْهُ بِمِثْلِ مَا بَاعَ بِهِ فُلَانٌ الْكُرَّ فَقَالَ فُلَانٌ بِعْتُ الْكُرَّ بِأَرْبَعِينَ فَبَاعَ ذَلِكَ ثُمَّ وُجِدَ فُلَانٌ بَاعَ بِخَمْسِينَ فَالْبَيْعُ مَرْدُودٌ فَإِنْ كَانَ فُلَانٌ قَدْ بَاعَ كُرًّا بِخَمْسِينَ وَبَاعَ هَذَا طَعَامَهُ بِخَمْسِينَ خَمْسِينَ ثُمَّ بَاعَ فُلَانٌ بَعْدَ ذَلِكَ بِسِتِّينَ فَذَلِكَ جَائِزٌ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْوَكِيلِ فَإِنْ كَانَ بَاعَ كُرًّا بِأَرْبَعِينَ وَكُرًّا بِخَمْسِينَ فَبَاعَ الْوَكِيلُ طَعَامَهُ كُلَّهُ بِأَرْبَعِينَ أَرْبَعِينَ أَجْزَأَهُ اسْتِحْسَانًا اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَكَّلَهُ أَنْ يَبِيعَ عَبْدَهُ بِأَلْفٍ وَقِيمَتُهُ كَذَلِكَ ثُمَّ زَادَتْ قِيمَتُهُ إلَى أَلْفَيْنِ لَا يَمْلِكُ بَيْعَهُ بِأَلْفٍ بَاعَهُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَزَادَتْ قِيمَتُهُ فِي الْمُدَّةِ لَهُ أَنْ يُجِيزَ عِنْدَهُ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الِابْتِدَاءَ فَيَمْلِكُ الْإِمْضَاءَ أَيْضًا وَإِنْ سَكَتَ حَتَّى مَضَتْ الْمُدَّةُ بَطَلَ الْبَيْعُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِلثَّانِي وَكَّلَهُ بِبَيْعِ عَبْدِهِ بِمِائَةِ دِينَارٍ فَبَاعَهُ بِأَلْفٍ وَقَالَ: بِعْتُ عَبْدَكَ وَلَمْ يَذْكُرْ مَا بَاعَ بِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْمُوَكِّلُ فَقَالَ: أَجَزْتُ جَازَ بِأَلْفٍ اهـ. وَفِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ وَإِنْ وَكَّلَ رَجُلًا بِبَيْعِ عَبْدٍ فَبَاعَهُ فُضُولِيٌّ فَأَجَازَ الْوَكِيلُ جَازَ اهـ وَفِي التَّتِمَّةِ الْوَكِيلُ بِالْقِسْمَةِ لَا يَمْلِكُهَا بِغَبْنٍ فَاحِشٍ وَالتَّوْكِيلُ بِالتَّأْجِيلِ فِي الثَّمَنِ مُطْلَقًا صَحِيحٌ حَتَّى لَوْ أَجَّلَهُ شَهْرًا أَوْ سَنَةً أَوْ سَنَتَيْنِ يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَعِنْدَهُمَا يَنْصَرِفُ إلَى الْمُتَعَارَفِ اهـ. وَفِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي قَالَ لَهُ: بِعْ وَخُذْ رَهْنًا فَأَخَذَ رَهْنًا قَلِيلًا جَازَ عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا لَا إلَّا فِيمَا يَتَغَابَنُ فِيهِ اهـ. (قَوْلُهُ وَتَقَيَّدَ شِرَاؤُهُ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ وَزِيَادَةٍ يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهَا وَهُوَ مَا يَدْخُلُ تَحْتَ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ) لِأَنَّ التُّهْمَةَ فِيهِ مُتَحَقِّقَةٌ فَلَعَلَّهُ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ فَإِذَا لَمْ يُوَافِقْهُ أَلْحَقَهُ بِغَيْرِهِ عَلَى مَا مَرَّ أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ مَا إذَا كَانَ وَكِيلًا بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ فَلَا يَمْلِكُ الشِّرَاءَ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ وَإِنْ كَانَ لَا يَمْلِكُ الشِّرَاءَ لِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ بِالْمُخَالَفَةِ يَكُونُ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ فَكَانَتْ التُّهْمَةُ بَاقِيَةً كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَفِي الْهِدَايَةِ خِلَافُهُ فَإِنَّهُ قَالَ: حَتَّى لَوْ كَانَ وَكِيلًا بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ قَالُوا: يَنْفُذُ عَلَى الْآمِرِ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ شِرَاءَهُ لِنَفْسِهِ اهـ. وَذَكَرَ فِي الْبِنَايَةِ أَنَّ مَا فِي الْهِدَايَةِ قَوْلَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ وَبَعْضُهُمْ قَالَ: لَا يَنْفُذُ عَلَى الْآمِرِ اهـ. وَفِي الْمِعْرَاجِ مَعْزِيًّا إلَى الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ لَا نَصَّ فِيهِ وَشَمَلَ مَا كَانَ سِعْرُهُ مَعْلُومًا شَائِعًا وَهُوَ ضَعِيفٌ قَالُوا: مَا كَانَ مَعْرُوفًا كَالْخُبْزِ وَاللَّحْمِ وَالْمَوْزِ وَالْجُبْنِ لَا يُعْفَى فِيهِ الْغَبْنُ وَإِنْ قَلَّ وَلَوْ كَانَ فَلْسًا وَاحِدًا هَكَذَا جَزَمَ بِهِ الشَّارِحُ وَفِي بُيُوعِ التَّتِمَّةِ وَبِهِ يُفْتَى كَذَا فِي الْبِنَايَةِ وَفِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي أَقْسَامُ الْمُتَصَرِّفِينَ تَصَرُّفُ الْأَبِ وَالْجَدِّ وَالْوَصِيِّ وَمُتَوَلِّي الْوَقْفِ لَا يَجُوزُ إلَّا بِمَعْرُوفٍ أَوْ بِغَبْنٍ يَسِيرٍ وَمِنْ الْحُرِّ جَائِزٌ كَيْفَمَا كَانَ كَذَا الْمُكَاتَبُ وَالْعَبْدُ الْمَأْذُونُ عِنْدَ الْإِمَامِ وَقَالَا: مُقَيَّدٌ بِمَعْرُوفٍ وَمِنْ الْمُضَارِبِ وَشَرِيكِ الْعَنَانِ.   [منحة الخالق] بِالنَّقْدِ بِالثَّمَنِ الَّذِي أَمَرَهُ يَبِيعُهُ بِهِ بِالنَّسِيئَةِ فَقَدْ حَصَلَ لَهُ الثَّمَنُ الزَّائِدُ فِي الْحَالِ مَعَ أَنَّهُ دَفَعَ عَنْهُ عُرْضَةَ الْهَلَاكِ بِإِفْلَاسِ الْمُشْتَرِي أَوْ جُحُودِهِ وَبِهَذَا اتَّضَحَ وَجْهُ عَدَمِ الْمُخَالَفَةِ وَقَدَّمْنَا عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَبِإِيفَائِهَا وَاسْتِيفَائِهَا أَنَّ الشَّرْطَ تَارَةً يَجِبُ اعْتِبَارُهُ مُطْلَقًا وَتَارَةً لَا يَجِبُ مُطْلَقًا وَتَارَةً يَجِبُ إنْ قَيَّدَهُ بِالنَّفْيِ فَرَاجِعْهُ ثُمَّ إنَّ الْفَرْعَ الثَّانِيَ إنَّمَا يَظْهَرُ إذَا بَاعَ بِالنَّقْدِ وَلَمْ يَكُنْ مَا بَاعَ بِهِ مِثْلَ مَا يُبَاعُ بِلَا نَقْدٍ أَمَّا لَوْ كَانَ فَلَا يَظْهَرُ بَيْنَ الْفَرْعَيْنِ فَرْقٌ ثُمَّ رَأَيْت فِي الذَّخِيرَةِ وَإِذَا وَكَّلَهُ بِالْبَيْعِ نَسِيئَةً فَبَاعَهُ بِالنَّقْدِ إنْ بَاعَ بِالنَّقْدِ بِمَا يُبَاعُ بِالنَّسِيئَةِ جَازَ وَمَا لَا فَلَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 168 وَالْمُفَاوِضِ وَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ الْمُطْلَقِ جَازَ الْبَيْعُ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ شِرَاؤُهُمْ بِهِ عَلَيْهِمْ وَالْمَرِيضُ الْمَدْيُونُ الْمُسْتَغْرِقُ دَيْنُهُ لَا يَبِيعُ بِغَبْنٍ يَسِيرٍ وَيَبِيعُ وَصِيُّهُ بِهِ لِقَضَاءِ دَيْنِهِ وَبَيْعُ الْمَرِيضِ مِنْ وَارِثِهِ لَا يَصِحُّ أَصْلًا عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا يَصِحُّ بِقِيمَتِهِ وَأَكْثَرَ وَبَيْعُ الْمَدْيُونِ مِنْ مَوْلَاهُ بِغَبْنٍ يَسِيرٍ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَ الْإِمَامِ وَبَيْعُ الْوَصِيِّ وَشِرَاؤُهُ مِنْ الْيَتِيمِ لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا كَانَ خَيْرًا لِلْيَتِيمِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ أَصْلًا اهـ. وَحَاصِلُ مَسَائِلِ الْغَبْنِ أَنَّ مِنْهَا مَا يُعْفَى فِيهِ يَسِيرُ الْغَبْنِ دُونَ فَاحِشِهِ وَهُوَ تَصَرُّفُ الْأَبِ وَالْجَدِّ وَالْوَصِيِّ وَالْمُتَوَلِّي وَالْمُضَارِبِ وَوَكِيلٍ بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ وَمَا يُعْفَى فِيهِ يَسِيرُهُ وَفَاحِشُهُ فِي تَصَرُّفِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ وَبِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ وَالْمَأْذُونُ لَهُ صَبِيًّا أَوْ عَبْدًا وَالْمُكَاتَبُ وَشَرِيكُ الْعِنَانِ وَالْمُفَاوِضُ وَمَا لَا يُعْفَى فِيهِ يَسِيرُهُ وَفَاحِشُهُ فِي تَصَرُّفِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ مِمَّنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَفِي بَيْعِ رَبِّ الْمَالِ مَالُ الْمُضَارَبَةِ وَفِي الْغَاصِبِ إذَا ضَمِنَ الْقِيمَةَ مَعَ يَمِينِهِ ثُمَّ ظَهَرَتْ الْعَيْنُ وَقِيمَتُهَا أَكْثَرُ وَفِيمَا إذَا أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ وَتَصَرَّفَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ بِغَبَنٍ فَإِنَّهُ يَكُونُ مِنْ الثُّلُثِ وَلَوْ يَسِيرًا وَفِي تَصَرُّفِ الْمَرِيضِ الْمُسْتَغْرَقِ بِالدَّيْنِ وَفِي بَيْعِ الْمَرِيضِ مِنْ وَارِثِهِ وَتَمَامُهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ قَيَّدَ بِالشِّرَاءِ لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِالنِّكَاحِ إذَا زَوَّجَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ وَقَيَّدَ بِالْقِيمَةِ لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِالشِّرَاءِ لَا يَتَقَيَّدُ شِرَاؤُهُ بِالنَّقْدِ فَلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِالنَّسِيئَةِ وَيَكُونُ التَّأْجِيلُ حَقًّا لِلْوَكِيلِ وَالْمُوَكِّلِ بِخِلَافِ التَّأْجِيلِ بَعْدَ الشِّرَاءِ بِالنَّقْدِ فَإِنَّهُ لِلْوَكِيلِ دُونَ الْمُوَكِّلِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَقَدَّمْنَاهُ وَلَا يَتَقَيَّدُ الْمُوَكِّلُ فِيهِ إلَّا بِمَا قَيَّدَ بِهِ الْمُوَكِّلُ فَلَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ جَارِيَةٍ فَاشْتَرَى أُخْتَهُ رَضَاعًا إنْ قَالَ: جَارِيَةً لِأَطَأهَا فَعَلَى الْمَأْمُورِ وَإِنْ كَانَ أَطْلَقَ فَعَلَى الْآمِرِ وَإِنَّ الْمَخْلُوفَةَ بِعِتْقِهَا إذَا مَلَكَهَا أَوْ أُمَّهُ أَوْ أُخْتَهُ نَفَذَ عَلَى الْمُوَكِّلِ وَإِنْ قَالَ: لِأَطَأهَا أَوْ أَسْتَخْدِمَهَا لَزِمَ الْوَكِيلَ وَإِنْ قَالَ: اشْتَرِ لِي جَارِيَةً لِأَطَأهَا فَاشْتَرَى أُخْتَ أُمِّ وَلَدِهِ أَوْ زَوْجَتَهُ أَوْ الَّتِي فِي عِدَّةِ الْغَيْرِ يَجُوزُ. وَكَذَا كُلُّ مَنْ تَحِلُّ بِحَالٍ جَازَ وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ وَهُوَ الْمَأْخُوذُ وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى صَغِيرَةً لَا يُوطَأُ مِثْلُهَا أَوْ مَجُوسِيَّةً أَوْ يَهُودِيَّةً أَوْ نَصْرَانِيَّةً لَزِمَ الْآمِرَ وَالصَّابِئَةُ تَلْزَمُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا وَلَوْ أُخْتَ امْرَأَتِهِ أَوْ عَمَّتَهَا نَسَبًا أَوْ رَضَاعًا كَانَ مُخَالِفًا اشْتَرَى جَارِيَةً لَهَا زَوْجٌ أَوْ فِي عِدَّةٍ مِنْ زَوْجٍ مِنْ بَائِنٍ أَوْ رَجْعِيٍّ يَلْزَمُ الْمَأْمُورَ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ دَابَّةٍ لِيَرْكَبَهَا فَاشْتَرَى مُهْرًا أَوْ عَمْيَاءَ أَوْ مَقْطُوعَةَ الْيَدِ لَا يَلْزَمُ الْآمِرَ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَفِيهَا وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ سَوْدَاءَ فَاشْتَرَى بَيْضَاءَ لَمْ يَجُزْ وَلَوْ بِعَمْيَاءَ فَاشْتَرَى بَصِيرَةً جَازَ وَكَذَا فِي التَّوْكِيلِ بِالنِّكَاحِ وَلَوْ اشْتَرَى رَتْقَاءَ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهَا جَازَ عَلَى الْآمِرِ وَلَهُ حَقُّ الرَّدِّ وَإِنْ عَلِمَ بِهِ فَهُوَ مُخَالِفٌ وَكَذَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ وَاشْتَرَطَ بَرَاءَةَ الْبَائِعِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ وَلَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً عَمْيَاءَ وَقَدْ قَالَ: اشْتَرْ جَارِيَةً أَعْتِقُهَا عَنْ ظِهَارِي لَزِمَ الْمَأْمُورَ وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ لَزِمَ الْآمِرَ وَلَهُ الرَّدُّ وَلَوْ قَالَ: جَارِيَتَيْنِ لِأَطَأَهُمَا فَاشْتَرَى أُخْتَيْنِ أَوْ جَارِيَةً مَعَ خَالَتِهَا أَوْ عَمَّتِهَا رَضَاعًا أَوْ نَسَبًا فَخَالَفَ عِنْدَ الثَّانِي خِلَافًا لِزُفَرَ وَإِنْ فِي صَفْقَتَيْنِ لَا يَكُونُ مُخَالِفًا فِي الْقَوْلَيْنِ وَلَوْ اشْتَرَى أَمَةً وَبِنْتَهَا لَا يَكُونُ مُخَالِفًا لِأَنَّ وَطْأَهَا حَلَالٌ وَإِنَّمَا يَحْرُمُ وَطْءُ إحْدَاهُمَا بِوَطْئِهِ الْأُخْرَى ذَكَرَهُ فِي الْمُنْتَقَى اهـ. وَفِيهَا وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ رَقَبَةٍ لَمْ تَجُزْ الْعَمْيَاءُ لِمَا عُلِمَ أَنَّ الرَّقَبَةَ اسْمٌ لِلْكَامِلَةِ اهـ. فَيُفَرَّقُ بَيْنَ لَفْظِ رَقَبَةٍ وَجَارِيَةٍ فَيَتَقَيَّدُ الْأَوَّلُ بِمَا يَجُوزُ عِتْقُهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ دُونَ الثَّانِي. وَفَسَّرَ الْمُؤَلِّفُ مَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ بِمَا يَدْخُلُ تَحْتَ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ فَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الْغَبْنَ الْفَاحِشَ مَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ مَعْزِيًّا إلَى الْخُجَنْدِيِّ الَّذِي يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ نِصْفُ الْعُشْرِ أَوْ أَقَلُّ مِنْهُ فَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الْعُشْرِ فَهُوَ مِمَّا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ وَقَالَ نَصِيرُ بْنُ يَحْيَى: مَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ فِي الْعُرُوضِ نِصْفُ الْعُشْرِ وَفِي الْحَيَوَانِ الْعُشْرُ وَفِي الْعَقَارِ الْخُمْسُ وَمَا خَرَجَ عَنْهُ فَهُوَ مَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ وَوَجْهُهُ أَنَّ التَّصَرُّفَ يَكْثُرُ وُجُودُهُ فِي الْعُرُوضِ وَيَقِلُّ فِي الْعَقَارِ وَيَتَوَسَّطُ فِي الْحَيَوَانِ وَكَثْرَةُ الْغَبْنِ لِقِلَّةِ التَّصَرُّفِ اهـ. وَالْمُرَادُ بِالتَّغَابُنِ الْخِدَاعُ فَقَوْلُهُمْ لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ مَعْنَاهُ لَا يَخْدَعُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا لِفُحْشِهِ وَظُهُورِهِ وَقَوْلُهُمْ يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ أَيْ يَخْدَعُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا لِقِلَّتِهِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ غَبَنَهُ فِي الْبَيْعِ يَغْبِنُهُ غَبْنًا وَيُحَرَّكُ خَدَعَهُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَالْمُضَارِبُ وَوَكِيلٌ بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ) أَطْلَقَ فِي تَصَرُّفِ الْمُضَارِبِ وَقَدَّمَ آنِفًا عَنْ الْمُنْيَةِ أَنَّ بَيْعَهُ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ جَائِزٌ وَأَمَّا شِرَاؤُهُ بِهِ فَهُوَ عَلَيْهِ فَبَيْنَهُمَا مُخَالَفَةٌ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الشِّرَاءِ (قَوْلُهُ وَفِي بَيْعِ رَبِّ الْمَالِ مَالَ الْمُضَارَبَةِ) أَيْ قَبْلَ ظُهُورِ الرِّبْحِ كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَيْضًا (قَوْلُهُ وَقَالَ نَصِيرُ بْنُ يَحْيَى إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ مَا قَالَهُ نَصِيرُ بْنُ يَحْيَى تَفْسِيرٌ لِمَا فِي بَعْضِ الْكُتُبِ وَأَمَّا مَا لَا يُتَغَابَنُ فِيهِ قِيلَ: فِي الْعُرُوضِ دنيم وَفِي الْحَيَوَانِ ده يازدة وَفِي الْعَقَارِ ده دوازده الجزء: 7 ¦ الصفحة: 169 وَالتَّغَابُنُ أَنْ يَغْبِنَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا اهـ. وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُمْ غَبْنٌ فَاحِشٌ أَيْ خِدَاعٌ. (قَوْلُهُ وَلَوْ وُكِّلَ بِبَيْعِ عَبْدٍ فَبَاعَ نِصْفَهُ صَحَّ) أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ اللَّفْظَ مُطْلَقٌ عَنْ قَيْدِ الِافْتِرَاقِ وَالِاجْتِمَاعِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ الْكُلَّ بِثَمَنِ النِّصْفِ يَجُوزُ عِنْدَهُ فَإِذَا بَاعَ النِّصْفَ أَوْلَى وَقَالَا: لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ لِمَا فِيهِ مِنْ ضَرَرِ الشَّرِكَةِ إلَّا أَنْ يَبِيعَ النِّصْفَ الْآخَرَ قَبْلَ أَنْ يَخْتَصِمَا لِأَنَّ بَيْعَ النِّصْفِ قَدْ يَقَعُ وَسِيلَةً إلَى الِامْتِثَالِ بِأَنْ لَا يَجِدَ مَنْ يَشْتَرِيهِ جُمْلَةً فَيَحْتَاجُ إلَى أَنْ يُفَرِّقَ وَإِذَا بَاعَ الْبَاقِيَ قَبْلَ نَقْضِ الْبَيْعِ الْأَوَّلِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ وَقَعَ وَسِيلَةً وَإِذَا لَمْ يَبِعْ ظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ وَسِيلَةً فَلَا يَجُوزُ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ عِنْدَهُمَا كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَهُوَ يُفِيدُ تَرْجِيحَ قَوْلِهِمَا وَلِذَا أَخَّرَهُ مَعَ دَلِيلِهِ كَمَا هُوَ عَادَتُهُ وَلِذَا اسْتَشْهَدَ لِقَوْلِ الْإِمَامِ بِمَا لَوْ بَاعَ الْكُلَّ بِثَمَنِ النِّصْفِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمُفْتَى بِهِ خِلَافُ قَوْلِهِ وَفِي الْخِزَانَةِ أَمَرَ بِبَيْعِ عَبْدِهِ بِأَلْفٍ فَبَاعَ نِصْفَهُ بِأَلْفٍ جَازَ بَيْعُهُ بِأَلْفٍ وَقَدْ أَحْسَنَ وَإِنْ بَاعَ نِصْفَهُ بِأَلْفٍ إلَّا دِرْهَمًا وَكُرَّ حِنْطَةٍ بَطَلَ اهـ. وَالْمُرَادُ مِنْ الْعَبْدِ مَا فِي تَبْعِيضِهِ ضَرَرٌ احْتِرَازًا عَمَّا لَا ضَرَرَ فِي تَبْعِيضِهِ كَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ فَيَجُوزُ بَيْعُ الْبَعْضِ اتِّفَاقًا كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَكَّلَهُ بِبَيْعِ عَبْدَيْنِ فَبَاعَ أَحَدَهُمَا جَازَ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ وَإِنْ أَحَدُهُمَا أَجْوَدَ فَعَلَى الْخِلَافِ وَكَّلَهُ بِبَيْعِهِمَا بِأَلْفٍ فَبَاعَ أَحَدَهُمَا بِأَرْبَعِمِائَةٍ إنْ كَانَ ذَلِكَ حِصَّةً مِنْ الثَّمَنِ أَوْ أَكْثَرَ جَازَ وَإِنْ أَقَلَّ فَلَا عِنْدَ الْإِمَامِ وَقَالَا: إنْ قَدْرَ مَا يَتَغَابَنُ جَازَ اهـ. (قَوْلُهُ وَفِي الشِّرَاءِ يَتَوَقَّفُ مَا لَمْ يَشْتَرِ الْبَاقِيَ) يَعْنِي لَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ عَبْدٍ فَاشْتَرَى نِصْفَهُ فَالشِّرَاءُ مَوْقُوفٌ اتِّفَاقًا إنْ اشْتَرَى بَاقِيَهُ لَزِمَ الْمُوَكِّلَ لِأَنَّ شِرَاءَ الْبَعْضِ قَدْ يَقَعُ وَسِيلَةً إلَى الِامْتِثَالِ بِأَنْ كَانَ مَوْرُوثًا بَيْنَ جَمَاعَةٍ فَيَحْتَاجُ إلَى شِرَائِهِ شِقْصًا شِقْصًا فَإِذَا اشْتَرَى الْبَاقِيَ قَبْلَ رَدِّ الْآمِرِ الْبَيْعَ تَبَيَّنَ أَنَّهُ وَسِيلَةٌ فَيَنْفُذُ عَلَى الْآمِرِ وَهَذَا بِالِاتِّفَاقِ وَالْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ فِي الشِّرَاءِ تَتَحَقَّقُ التُّهْمَةُ عَلَى مَا مَرَّ وَآخَرَانِ الْآمِرُ بِالْبَيْعِ يُصَادِفُ مِلْكَهُ فَيَصِحُّ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ إطْلَاقُهُ وَالْآمِرُ بِالشِّرَاءِ صَادَفَ مِلْكَ الْغَيْرِ فَلَمْ يَصِحَّ فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ التَّقْيِيدُ وَالْإِطْلَاقُ. [رَدَّ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ عَلَى الْوَكِيلِ بِالْعَيْبِ] (قَوْلُهُ وَلَوْ رَدَّ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ عَلَى الْوَكِيلِ بِالْعَيْبِ بِبَيِّنَةٍ أَوْ نُكُولٍ رَدَّهُ عَلَى الْآمِرِ وَكَذَا بِإِقْرَارٍ فِيمَا لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ) لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ حُجَّةٌ مُطْلَقَةٌ وَالْوَكِيلُ مُضْطَرٌّ فِي النُّكُولِ لِبُعْدِ الْعَيْبِ عَنْ عِلْمِهِ بِاعْتِبَارِ عَدَمِ مُمَارَسَةِ الْمَبِيعِ فَلَزِمَ الْآمِرَ وَكَذَا بِإِقْرَارٍ فِيمَا لَا يَحْدُثُ لِأَنَّ الْقَاضِيَ تَيَقَّنَ بِحُدُوثِ الْعَيْبِ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَلَمْ يَكُنْ قَضَاؤُهُ مُسْتَنِدًا إلَى هَذِهِ الْحُجَجِ وَتَأْوِيلُ اشْتِرَاطِهَا فِي الْكِتَابِ أَنَّ الْقَاضِيَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَحْدُثُ فِي مُدَّةِ شَهْرٍ مَثَلًا لَكِنَّهُ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ تَارِيخُ الْبَيْعِ فَيَفْتَقِرُ إلَى هَذِهِ الْحُجَجِ لِظُهُورِ هَذَا التَّارِيخِ أَوْ كَانَ عَيْبًا لَا يَعْرِفُهُ إلَّا النِّسَاءُ وَالْأَطِبَّاءُ وَقَوْلُهُنَّ وَقَوْلُ الطَّبِيبِ حُجَّةٌ فِي تَوَجُّهِ الْخُصُومَةِ لَا فِي الرَّدِّ فَيَفْتَقِرُ إلَيْهَا فِي الرَّدِّ حَتَّى لَوْ كَانَ الْقَاضِي عَايَنَ الْبَيْعَ وَالْعَيْبُ ظَاهِرٌ لَا يَحْتَاجُ إلَى شَيْءٍ مِنْهَا قَيَّدَ بِمَا لَا يَحْدُثُ لِأَنَّهُ لَوْ رَدَّ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ فِيمَا يَحْدُثُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ الْمَأْمُورَ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ حُجَّةٌ قَاصِرَةٌ وَهُوَ غَيْرُ مُضْطَرٍّ إلَيْهِ لِإِمْكَانِهِ السُّكُوتَ وَالنُّكُولَ إلَّا أَنَّ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ الْمُوَكِّلَ فَيُلْزَمُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِنُكُولِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الرَّدُّ بِغَيْرِ قَضَاءٍ وَالْعَيْبُ يَحْدُثُ مِثْلُهُ حَيْثُ لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ بَائِعَهُ لِأَنَّهُ بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقٍّ ثَالِثٍ وَالْبَائِعُ ثَالِثُهُمَا وَالرَّدُّ بِالْقَضَاءِ فَسْخٌ لِعُمُومِ وِلَايَةِ الْقَاضِي غَيْرَ أَنَّ الْحُجَّةَ الْقَاصِرَةَ وَهُوَ الْإِقْرَارُ فَمِنْ حَيْثُ الْفَسْخُ كَانَ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ وَمِنْ حَيْثُ الْقُصُورُ.   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَالْوَكِيلُ مُضْطَرٌّ فِي النُّكُولِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الدَّعْوَى لَوْ وَقَعَتْ فِي ثَمَنِ الْمَبِيعِ بِأَنْ ادَّعَى الْمُشْتَرِي دَفْعَهُ لِلْوَكِيلِ وَأَنْكَرَهُ الْوَكِيلُ فَطَلَبَ الْمُشْتَرِي يَمِينَهُ عَلَى عَدَمِ الدَّفْعِ لَهُ فَنَكَلَ فَقَضَى عَلَيْهِ أَنَّهُ يَضْمَنُ الثَّمَنَ لِلْمُوَكِّلِ لِفَقْدِ الْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ وَلِكَوْنِهِ إمَّا بَاذِلًا أَوْ مُقِرًّا أَوْ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ يَضْمَنُ وَهِيَ وَاقِعَةُ الْفَتْوَى فَتَأَمَّلْ اهـ. قُلْت: وَفِي الْكِفَايَةِ قَوْلُهُ وَالْوَكِيلُ مُضْطَرٌّ إلَخْ يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْوَكِيلَ يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ إذْ لَوْ كَانَ عَلَى الْعِلْمِ لَمْ يَكُنْ مُضْطَرًّا لِبُعْدِ الْعَيْبِ عَنْ عِلْمِهِ وَلَكِنْ عَامَّةُ الرِّوَايَاتِ عَلَى أَنَّ الْوَكِيلَ يَحْلِفُ عَلَى الْعِلْمِ فَإِذَا عَلِمَ بِالْعَيْبِ فَحِينَئِذٍ يَضْطَرُّ إلَى النُّكُولِ (قَوْلُهُ فَلَمْ يَكُنْ قَضَاؤُهُ مُسْتَنِدًا إلَى هَذِهِ الْحُجَجِ) دَفْعٌ لِسُؤَالٍ وَهُوَ أَنَّ الْعَيْبَ لَمَّا كَانَ لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ كَالْإِصْبَعِ الزَّائِدَةِ لَمْ يَتَوَقَّفْ الْقَضَاءُ عَلَى وُجُودِ هَذِهِ الْحُجَجِ مِنْ الْبَيِّنَةِ وَالْإِقْرَارِ وَإِبَاءِ الْيَمِينِ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَقْضِيَ بِالرَّدِّ بِعِلْمِهِ قَطْعًا لِوُجُودِ الْعَيْبِ عِنْدَ الْبَائِعِ بِدُونِ الْحُجَجِ فَيَجِبُ عَدَمُ تَوَقُّفِهِ عَلَى وُجُودِهَا فِي الْغَيْبِ الَّذِي لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ وَتَأْوِيلُ اشْتِرَاطِهَا إلَخْ نِهَايَةٌ مُلَخَّصًا وَفِي شَرْحِ الزَّيْلَعِيِّ الْحَاصِلُ أَنَّ الْعَيْبَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ لَا يَكُونَ حَادِثًا كَالسِّنِّ الزَّائِدَةِ وَالْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ أَوْ يَكُونُ حَادِثًا لَكِنَّهُ لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ فِي مِثْلِ تِلْكَ الْمُدَّةِ أَوْ يَحْدُثُ فِي مِثْلِهَا فَفِي الْأَوَّلِ رَدَّهُ الْقَاضِي بِغَيْرِ حُجَّةٍ مِنْ بَيِّنَةٍ أَوْ نُكُولٍ أَوْ إقْرَارٍ وَكَذَا فِي الثَّانِي لِعِلْمِهِ بِكَوْنِهِ عِنْدَ الْبَائِعِ وَتَأْوِيلُ اشْتِرَاطِ الْحُجَّةِ إلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ هُنَا وَكَذَا الْحُكْمُ فِي الثَّالِثِ إنْ كَانَ بِبَيِّنَةٍ أَوْ نُكُولٍ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ حُجَّةٌ مُطْلَقَةٌ وَكَذَا النُّكُولُ حُجَّةٌ فِي حَقِّهِ فَيَرُدُّهُ عَلَيْهِ ثُمَّ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ كُلِّهَا رَدَّ الْقَاضِي عَلَى الْوَكِيلِ يَكُونُ رَدًّا عَلَى الْمُوَكِّلِ اهـ. مُلَخَّصًا. ثُمَّ ذَكَرَ حُكْمَ الرَّدِّ فِي هَذَا الثَّالِثِ بِالْإِقْرَارِ بِقَضَاءٍ وَبِدُونِهِ وَحُكْمَ الرَّدِّ فِي الْأَوَّلَيْنِ بِإِقْرَارٍ بِدُونِ قَضَاءٍ وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ (قَوْلُهُ أَنْ يُخَاصِمَ بَائِعَهُ) أَيْ مُوَكِّلَهُ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 170 لَا يَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ إلَّا بِحُجَّةٍ وَلَوْ كَانَ عَيْبًا لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ وَالرَّدُّ بِغَيْرِ قَضَاءٍ بِإِقْرَارِهِ يَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ مِنْ غَيْرِ خُصُومَةٍ فِي رِوَايَةٍ لِأَنَّ الرَّدَّ مُتَعَيِّنٌ وَفِي عَامَّةِ الرِّوَايَاتِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ لِمَا ذَكَرْنَا وَالْحَقُّ فِي وَصْفِ السَّلَامَةِ ثُمَّ يَنْتَقِلُ إلَى الرَّدِّ ثُمَّ إلَى الرُّجُوعِ بِالنُّقْصَانِ فَلَمْ يَتَعَيَّنْ الرَّدُّ وَلَوْ قَالَ الْمُؤَلِّفُ فِي الْجَوَابِ فَهُوَ رَدٌّ عَلَى الْمُوَكِّلِ لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّ الْوَكِيلَ لَا يَحْتَاجُ إلَى خُصُومَةٍ مَعَ الْمُوَكِّلِ إلَّا إذَا كَانَ عَيْبًا يَحْدُثُ مِثْلُهُ وَرَدَّ عَلَيْهِ بِإِقْرَارٍ سَوَاءٌ كَانَ بِقَضَاءٍ أَوْ لَا لَكِنْ إنْ كَانَ بِقَضَاءٍ احْتَاجَ إلَى خُصُومَةٍ مَعَ الْمُوَكِّلِ وَإِلَّا لَا تَصِحُّ خُصُومَتُهُ لِكَوْنِهِ مُشْتَرِيًا وَجَعَلَ النُّكُولَ هُنَا بِمَنْزِلَةِ الْبَيِّنَةِ لَا الْإِقْرَارِ وَلَمْ يُجْعَلْ فِي حَقِّ الْبَائِعِ كَذَلِكَ حَتَّى لَوْ رَدَّ عَلَى الْبَائِعِ بِنُكُولِهِ لَا يَرُدُّهُ عَلَى بَائِعِهِ لِاضْطِرَارِ الْوَكِيلِ إلَى النُّكُولِ بِخِلَافِ الْبَائِعِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَفِيهَا وَقَضَاءُ الْقَاضِي مَعَ إقْرَارِ الْوَكِيلِ مُتَصَوَّرٌ فِيمَا إذَا أَقَرَّ بِالْعَيْبِ وَامْتَنَعَ عَنْ الْقَبُولِ فَيُقْضَى عَلَيْهِ جَبْرًا عَلَى الْقَبُولِ اهـ. أَطْلَقَ فِي جَوَازِ الرَّدِّ عَلَى الْوَكِيلِ فَشَمَلَ مَا إذَا كَانَ قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ أَوْ بَعْدَهُ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْخُصُومَةَ إنَّمَا هِيَ مَعَ الْوَكِيلِ فَلَا دَعْوَى لِلْمُشْتَرِي عَلَى الْمُوَكِّلِ فَلَوْ أَقَرَّ الْمُوَكِّلُ بِعَيْبٍ فِيهِ وَأَنْكَرَهُ الْوَكِيلُ لَا يَلْزَمُ الْوَكِيلَ وَلَا الْمُوَكِّلَ شَيْءٌ لِأَنَّ الْخُصُومَةَ فِيهِ مِنْ حُقُوقِ الْعَقْدِ وَالْمُوَكِّلُ أَجْنَبِيٌّ فِيهِ وَلَوْ أَقَرَّ الْوَكِيلُ وَأَنْكَرَ الْمُوَكِّلُ رَدَّهُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْوَكِيلِ وَإِقْرَارُهُ صَحِيحٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ لَا الْمُوَكِّلِ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُؤَلِّفُ الرُّجُوعَ بِالثَّمَنِ وَحُكْمُهُ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْوَكِيلِ إنْ كَانَ نَقَدَهُ الثَّمَنَ وَعَلَى الْمُوَكِّلِ إنْ كَانَ نَقَدَهُ كَمَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَمْ يَذْكُرْ مَا إذَا نَقَدَ الثَّمَنَ إلَى الْوَكِيلِ ثُمَّ أَعْطَاهُ هُوَ إلَى الْمُوَكِّلِ ثُمَّ وَجَدَ الْمُشْتَرِي عَيْبًا يَرُدُّهُ عَلَى الْوَكِيلِ أَمْ الْمُوَكِّلِ أَفْتَى الْقَاضِي أَنَّهُ يَرُدُّهُ عَلَى الْوَكِيلِ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَقَيَّدَ بِالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِالْإِجَارَةِ إذَا أَجَّرَ وَسَلَّمَ ثُمَّ طَعَنَ الْمُسْتَأْجِرُ فِيهِ بِعَيْبٍ فَقَبِلَ الْوَكِيلُ بِغَيْرِ قَضَاءٍ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ وَلَمْ يُعْتَبَرْ إجَارَةً جَدِيدَةً فِي حَقِّ الْمُوَكِّلِ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ الْمَنَافِعَ فَهِيَ غَيْرُ مَقْبُوضَةٍ فَكَانَ نَظِيرَ الرَّدِّ عَلَى الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَإِنْ كَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ الْعَيْنَ بِاعْتِبَارِ إقَامَتِهَا مَقَامَ الْمَنَافِعِ فَهُوَ حُكْمٌ ثَبَتَ بِالضَّرُورَةِ فَلَا تَعْدُوَ مَوْضِعَهَا كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَقَيَّدَ بِالْعَيْبِ لِمَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ وَإِذَا قَبِلَ الْوَكِيلُ الْعَبْدَ بِغَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي بِخِيَارِ شَرْطٍ أَوْ رُؤْيَةٍ فَهُوَ جَائِزٌ عَلَى الْآمِرِ وَكَذَا لَوْ رَدَّهُ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ بِعَيْبٍ قَبْلَ الْقَبْضِ بِغَيْرِ قَضَاءٍ فَهُوَ جَائِزٌ اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ بَاعَ نَسِيئَةً فَقَالَ: أَمَرْتُكَ بِنَقْدٍ وَقَالَ الْمَأْمُورُ: أَطْلَقْتَ فَالْقَوْلُ لِلْآمِرِ) لِأَنَّ الْأَمْرَ يُسْتَفَادُ مِنْ جِهَتِهِ وَلَا دَلَالَةَ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ وَإِذَا بَاعَ الْوَكِيلُ الْعَبْدَ بِخَمْسِمِائَةٍ فَقَالَ الْآمِرُ: أَمَرْتُكَ بِأَلْفٍ وَقَالَ: أَمَرْتُك بِدِينَارٍ أَوْ بِحِنْطَةٍ أَوْ شَعِيرٍ أَوْ بَاعَهُ بِنَسِيئَةٍ فَقَالَ: أَمَرْتُك بِالْحَالِّ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْآمِرِ وَكَذَلِكَ هَذَا فِي النِّكَاحِ وَالْمُكَاتَبِ وَالْإِجَارَةِ وَالْعِتْقِ عَلَى مَالٍ اهـ. ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ أَمَرَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مِنْ فُلَانٍ بِكَفِيلٍ فَبَاعَهُ بِغَيْرِ كَفِيلٍ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ قَالَ الْوَكِيلُ: لَمْ يَأْمُرْنِي بِذَلِكَ فَالْقَوْلُ لِلْآمِرِ اهـ. فَلَوْ قَالَ الْمُؤَلِّفُ: لَوْ اخْتَلَفَا فِيمَا عَيَّنَهُ الْمُوَكِّلُ فَالْقَوْلُ لَهُ لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ وَكِيلَ الْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ وَالْإِجَارَةِ وَالْخُلْعِ وَالْإِعْتَاقِ وَالْكِتَابَةِ وَالْمِقْدَارِ وَالصِّفَةِ مِنْ حُلُولٍ وَتَأْجِيلٍ وَالتَّقْيِيدُ الْمُقَيَّدُ بِمُشْتَرٍ وَرَهْنٍ وَكَفِيلٍ وَوَقْتٍ وَقَوْلِي فِيمَا عَيَّنَهُ الْمُوَكِّلُ شَامِلٌ لِمَا إذَا ادَّعَى الْمُوَكِّلُ التَّقْيِيدَ وَالْوَكِيلُ الْإِطْلَاقَ وَمَا إذَا ادَّعَى الْمُوَكِّلُ تَعْيِينَ شَيْءٍ وَادَّعَى الْوَكِيلُ تَعْيِينَ آخَرَ قَيَّدَ الِاخْتِلَافَ فِي الْإِطْلَاقِ وَالتَّقْيِيدِ لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِالْبَيْعِ إذَا ادَّعَى الْبَيْعَ وَقَبْضَ الثَّمَنِ وَهَلَاكَهُ وَادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي وَكَذَّبَهُمَا الْآمِرُ فَالْوَكِيلُ يُصَدَّقُ مَعَ يَمِينِهِ فَإِنْ كَانَ الْآمِرُ قَدْ مَاتَ فَقَالَ: وَرِثْتُهُ لَمْ يَبِعْهُ وَقَالَ الْوَكِيلُ: قَدْ بِعْتُهُ مِنْ فُلَانٍ بِأَلْفٍ وَقَبَضْتُ الثَّمَنَ وَهَلَكَ وَصَدَّقَهُ الْمُشْتَرِي فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ قَائِمًا بِعَيْنِهِ لَمْ يُصَدَّقْ الْوَكِيلُ عَلَى الْبَيْعِ إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ بَاعَهُ فِي حَيَاةِ الْآمِرِ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ رَدَّ الْبَيْعَ وَضَمِنَ الْوَكِيلُ الْمَالَ لِلْمُشْتَرِي وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ مُسْتَهْلَكًا فَالْوَكِيلُ مُصَدَّقٌ بَعْدَ الْحَلِفِ اسْتَحْسَنَ ذَلِكَ. وَإِنْ قَالَ الْآمِرُ: قَدْ أَخْرَجْتُكَ مِنْ الْوَكَالَةِ وَقَالَ الْوَكِيلُ: قَدْ بِعْتُهُ أَمْسِ لَمْ يُصَدَّقْ الْوَكِيلُ وَلَوْ أَقَرَّ الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ لِإِنْسَانٍ بِعَيْنِهِ فَقَالَ الْآمِرُ: قَدْ أَخْرَجْتُكَ مِنْ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ عَيْبًا لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ) عِبَارَةُ الزَّيْلَعِيِّ هُنَا أَوْضَحُ وَهِيَ وَإِنْ كَانَ الْعَيْبُ غَيْرَ حَادِثٍ أَيْ كَسِنٍّ زَائِدَةٍ أَوْ كَانَ حَادِثًا إلَّا أَنَّهُ لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ فَرَدَّهُ عَلَى الْوَكِيلِ بِإِقْرَارِهِ بِغَيْرِ قَضَاءٍ لَزِمَ الْوَكِيلَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ الْمُوَكِّلَ فِي عَامَّةِ رِوَايَاتِ الْمَبْسُوطِ وَذَكَرَ فِي الْبُيُوعِ أَنَّهُ يَكُونُ رَدًّا عَلَى الْمُوَكِّلِ لِأَنَّهُمَا فَعَلَا عَيْنَ مَا يَفْعَلُهُ الْقَاضِي لَوْ رَفَعَ إلَيْهِ إذْ لَا يُكَلِّفُهُ الْقَاضِي عَلَى إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَلَا عَلَى الْحَلِفِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بَلْ يَرُدُّهُ عَلَيْهِ بِلَا حُجَّةٍ فَكَانَ الْحَقُّ مُتَعَيِّنًا فِي الرَّدِّ قُلْنَا: الرَّدُّ بِالتَّرَاضِي بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ ثَالِثٍ وَالْمُوَكِّلُ ثَالِثُهُمَا وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْحَقَّ مُتَعَيِّنٌ فِي الرَّدِّ بَلْ يَثْبُتُ حَقُّهُ أَوَّلًا فِي وَصْفِ السَّلَامَةِ ثُمَّ إذَا عَجَزَ يَنْتَقِلُ إلَى الرَّدِّ ثُمَّ إذَا امْتَنَعَ الرَّدُّ بِحُدُوثِ الْعَيْبِ أَوْ بِزِيَادَةِ حَدَثٍ فِيهِ يَنْتَقِلُ إلَى الرُّجُوعِ بِالنُّقْصَانِ فَلَمْ يَكُنْ الرَّدُّ مُتَعَيِّنًا وَهَكَذَا ذَكَرَ الرِّوَايَتَيْنِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِ وَبَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ تَفَاوُتٌ كَثِيرٌ لِأَنَّ فِيهِ نُزُولًا مِنْ اللُّزُومِ إلَى أَنْ لَا يُخَاصِمَ بِالْكُلِّيَّةِ وَكَانَ الْأَقْرَبُ أَنْ يُقَالَ: لَا يَلْزَمُهُ وَلَكِنْ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ انْتَهَتْ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ قَوْلَ الْمَتْنِ وَكَذَا بِإِقْرَارٍ فِيمَا لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ أَيْ فَيَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ مَبْنِيٌّ عَلَى رِوَايَةِ الْبُيُوعِ الْمُخَالِفَةِ لِعَامَّةِ رِوَايَاتِ الْمَبْسُوطِ مِنْ لُزُومِهِ لِلْوَكِيلِ وَلِذَا قَالَ فِي الْمَوَاهِبِ: لَوْ رَدَّ عَلَيْهِ بِمَا لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ بِإِقْرَارٍ يَلْزَمُ الْوَكِيلَ وَلُزُومُ الْمُوَكِّلِ رِوَايَةٌ اهـ. (قَوْلُهُ وَرَدَّ عَلَيْهِ بِإِقْرَارٍ سَوَاءٌ كَانَ بِقَضَاءٍ أَوْ لَا) الْأَصْوَبُ الْأَخْصَرُ أَنْ يُقَالَ: إنْ كَانَ بِقَضَاءٍ وَإِلَّا لَمْ تَصِحَّ خُصُومَتُهُ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 171 الْوَكَالَةِ جَازَ الْبَيْعُ إذَا ادَّعَى ذَلِكَ الْمُشْتَرِي كَذَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ وَإِنَّمَا يُصَدَّقُ الْوَكِيلُ فِي الْبَيْعِ وَقَبْضِ الثَّمَنِ وَهَلَاكِهِ عِنْدَهُ إذَا كَانَ الْمَبِيعُ مُسْلَمًا فِي يَدِهِ فَإِنْ كَانَ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَلَا وَتَمَامُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَفِيهَا أَيْضًا وَكِيلُ الْعِتْقِ قَالَ: أَعْتَقْتُهُ أَمْسِ وَكَذَّبَهُ مُوَكِّلُهُ لَا يَعْتِقُ وَكِيلُ الْبَيْعِ قَالَ: بِعْتُهُ أَمْسِ وَكَذَّبَهُ مُوَكِّلُهُ فَالْقَوْلُ لِلْوَكِيلِ الْوَكِيلُ بِالْكِتَابَةِ وَقَبْضِ بَدَلِهَا إذَا قَالَ: كَاتَبْتُ وَقَبَضْتُ بَدَلَهَا فَالْقَوْلُ لَهُ فِي الْكِتَابَةِ لَا فِي قَبْضِ بَدَلِهَا أَمَّا لَوْ قَالَ: كَاتَبْتُهُ ثُمَّ قَالَ قَبَضْتُ بَدَلَهَا وَدَفَعْتُ إلَى الْمُوَكِّلِ فَهُوَ صَحِيحٌ مُصَدَّقٌ لِأَنَّهُ أَمِينٌ اهـ. وَتَقَدَّمَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ وَكِيلِ الشِّرَاءِ وَمُوَكِّلِهِ وَفِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يَقْضِيَ عَنْهُ دَيْنَهُ فَقَالَ الْمَأْمُورُ بَعْدَ ذَلِكَ: قَضَيْتُ وَصَدَّقَهُ الْآمِرُ وَكَذَّبَهُ رَبُّ الدَّيْنِ وَحَلَفَ رَجَعَ رَبُّ الدَّيْنِ عَلَى الْآمِرِ لَكِنْ لَا يَرْجِعُ الْمَأْمُورُ عَلَى الْآمِرِ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ وَكِيلٌ بِشِرَاءِ مَا فِي ذِمَّةِ الْآمِرِ بِمِثْلِهِ وَبِنَقْدِ الثَّمَنِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ فَإِنَّمَا يَرْجِعُ عَلَى الْآمِرِ لَوْ سَلَّمَ مَا فِي ذِمَّتِهِ كَالْمُشْتَرِي إنَّمَا يُؤْمَرُ بِدَفْعِ الثَّمَنِ إذَا سَلَّمَ لَهُ مَا اشْتَرَى. وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّهُ يَرْجِعُ رَبُّ الدَّيْنِ عَلَى الْمَدْيُونِ بِالدَّيْنِ وَالْمَأْمُورُ عَلَى الْمَدْيُونِ بِمَا قَضَى أَمَرَ غَيْرَهُ بِقَضَاءِ دَيْنِهِ فَقَضَاهُ وَجَاءَ لِيَرْجِعَ عَلَيْهِ فَقَالَ الْآمِرُ مَا كَانَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ شَيْءٌ أَصْلًا وَلَا أَمَرْتُكَ أَنْ تَقْضِيَهُ وَلَا أَنْتَ قَضَيْتَهُ شَيْئًا وَرَبُّ الدَّيْنِ غَائِبٌ فَأَقَامَ الْمَأْمُورُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الدَّيْنِ وَالْأَمْرِ بِالْقَضَاءِ وَالْقَضَاءِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي بِالْمَالِ عَلَى الْآمِرِ لِلْغَائِبِ وَبِالرُّجُوعِ لِلْمَأْمُورِ عَلَى الْآمِرِ وَإِنْ كَانَ رَبُّ الدَّيْنِ غَائِبًا لِأَنَّ عَنْهُ خَصْمًا حَاضِرًا حَكَمًا لِأَنَّ مَا يَدَّعِيهِ الْغَائِبُ سَبَبٌ لِثُبُوتِ مَا يَدَّعِيهِ لِنَفْسِهِ وَفِي مِثْلِهِ يَنْتَصِبُ الْحَاضِرُ خَصْمًا اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي فِعْلِ الْوَكِيلِ بِأَنْ ادَّعَى الْوَكِيلُ الْفِعْلَ وَأَنْكَرَهُ مُوَكِّلُهُ فَإِنْ كَانَ إخْبَارُ الْوَكِيلِ بَعْدَ عَزْلِهِ فَالْقَوْلُ لِلْمُوَكِّلِ وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ فِي حَيَاةِ الْمُوَكِّلِ فَالْقَوْلُ لِلْوَكِيلِ إنْ كَانَ الْمَبِيعُ مُسْلَمًا إلَيْهِ وَإِلَّا لَا وَإِنْ كَانَ بَعْدَ مَوْتِهِ حَالَ هَلَاكِ الْعَيْنِ فَكَذَلِكَ وَإِلَّا لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ إذَا كَذَّبَهُ الْوَارِثُ هَذَا فِي الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ وَأَمَّا الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ فَسَبَقَ حُكْمُهُ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ وَأَمَّا وَكِيلُ الْعِتْقِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَأَمَّا وَكِيلُ الْكِتَابَةِ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الْعَقْدِ لَا فِي الْقَبْضِ وَالْهَلَاكِ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ وَكِيلِ النِّكَاحِ وَالْوَكِيلِ بِقَبْضِ الدَّيْنِ إذَا ادَّعَى الْقَبْضَ وَالْهَلَاكَ مُصَدَّقٌ وَفِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ وَكَّلَ رَجُلًا بِأَنْ يَشْتَرِيَ أَخَاهُ فَاشْتَرَى فَقَالَ الْآمِرُ لَيْسَ هَذَا أَخِي فَالْقَوْلُ لَهُ مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ وُجُوبَ الثَّمَنِ عَلَيْهِ وَيَلْزَمُ الشِّرَاءُ لِلْوَكِيلِ لَكِنْ يَعْتِقُ بِقَوْلِهِ هَذَا أَخُوكَ اهـ. وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ بِالْعِتْقِ وَإِنْ وَكَّلَهُ أَنْ يُكَاتِبَ عَبْدَهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ الْوَكِيلُ يَوْمَ السَّبْتِ قَدْ كَاتَبْتُهُ أَمْسِ بَعْدَ الْوَكَالَةِ عَلَى كَذَا وَكَذَا وَكَذَّبَهُ الْمَوْلَى فَالْقَوْلُ لِلْمَوْلَى فِي الْقِيَاسِ وَلَكِنِّي أَدَعُ الْقِيَاسَ وَأُجِيزُهُ وَكَذَلِكَ الْبَيْعُ وَالْإِجَارَةُ وَالْعِتْقُ عَلَى مَالٍ وَالْخُلْعُ فَإِنَّ الْوَكِيلَ مُصَدَّقٌ وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يُكَاتِبَهُ فَقَالَ الْوَكِيلُ: وَكَّلْتَنِي أَمْسِ وَكَاتَبْتُهُ آخِرَ النَّهَارِ بَعْدَ الْوَكَالَةِ وَقَالَ رَبُّ الْعَبْدِ: إنَّمَا وَكَّلْتُكَ الْيَوْمَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْعَبْدِ وَتَبْطُلُ الْمُكَاتَبَةُ وَكَذَلِكَ الْبَيْعُ وَالنِّكَاحُ وَالْخُلْعُ وَالْعِتْقُ اهـ. وَفِي نِكَاحِ خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ أَمَرَهُ بِالنِّكَاحِ ثُمَّ قَالَ لَهُ: مَا أَشْهَدْتَ وَقَالَ الْوَكِيلُ أَشْهَدْتُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَعَلَيْهِ نِصْفُ الْمَهْرِ أَمَّا لَوْ اخْتَلَفَتْ مَعَ وَكِيلِهَا فَالْقَوْلُ لَهُ وَلَوْ قَالَتْ: لَمْ تُزَوِّجْنِي لَمْ يَلْزَمْهَا إقْرَارُ الْوَكِيلِ بِخِلَافِ مَا قَبْلُ فَإِنَّهَا أَقَرَّتْ بِالْوَكَالَةِ وَالنِّكَاحِ وَأَنْكَرَتْ الصِّحَّةَ وَعَلَى هَذَا لَوْ وَكَّلَ رَجُلٌ رَجُلًا بِتَزْوِيجِهِ امْرَأَةً بِعَيْنِهَا فَقَالَ الْوَكِيلُ: فَعَلْتُ وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا الْقَوْلُ قَوْلُ وَكِيلِ الزَّوْجِ عَلَى الْمَرْأَةِ بِالنِّكَاحِ اهـ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ وَفِي الْمُضَارَبَةِ لِلْمُضَارِبِ) أَيْ لَوْ اخْتَلَفَ رَبُّ الْمَالِ وَالْمُضَارِبُ فِي الْإِطْلَاقِ وَالتَّقْيِيدِ فَالْقَوْلُ لِلْمُضَارِبِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْمُضَارَبَةِ الْعُمُومُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ بِذِكْرِ لَفْظَةِ الْمُضَارَبَةِ فَقَامَتْ دَلَالَةُ الْإِطْلَاقِ بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَى رَبُّ الْمَالِ الْمُضَارَبَةَ فِي نَوْعٍ وَالْآخَرُ فِي نَوْعٍ آخَرَ حَيْثُ يَكُونُ الْقَوْلُ لِرَبِّ الْمَالِ لِأَنَّهُ سَقَطَ الْإِطْلَاقُ بِتَصَادُقِهِمَا فَنَزَلَ إلَى الْوَكَالَةِ الْمَحْضَةِ ثُمَّ مُطْلَقُ الْأَمْرِ بِالْبَيْعِ يَنْتَظِمُهُ نَقْدٌ أَوْ نَسِيئَةٌ إلَى أَيْ أَجَلٍ كَانَ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَتَقَيَّدُ بِأَجَلٍ مُتَعَارَفٍ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَفِي مُضَارَبَةِ الْبَزَّازِيَّةِ نَوْعٌ فِي الِاخْتِلَافِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ فِي يَدِ الْبَائِعِ) أَيْ الْمُوَكِّلِ (قَوْلُهُ وَالْمَأْمُورُ عَلَى الْمَدْيُونِ بِمَا قَضَى) قَالَ الرَّمْلِيُّ: صَوَابُهُ عَلَى الْآمِرِ فَلْيُتَأَمَّلْ هَكَذَا وَجَدْت مَكْتُوبًا عَلَى بَعْضِ النُّسَخِ وَلَا حَاجَةَ إلَى التَّصْوِيبِ فَإِنَّ الْآمِرَ هُوَ الْمَدْيُونُ فَتَأَمَّلْ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 172 مُقْتَضَى الْمُضَارَبَةِ الْعُمُومُ فَالْقَوْلُ لِمَنْ يَدَّعِيهَا وَالتَّخْصِيصُ عَارِضٌ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَإِذَا اتَّفَقَا أَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ خَاصًّا وَاخْتَلَفَا فِيمَا خُصَّ الْعَقْدُ فِيهِ فَالْقَوْلُ لِرَبِّ الْمَالِ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى الْعُدُولِ عَنْ الظَّاهِرِ وَالْإِذْنُ يُسْتَفَادُ مِنْ قِبَلِهِ فَيُعْتَبَرُ قَوْلُهُ أَمَرْتُكَ بِالِاتِّجَارِ فِي الْبُرِّ وَادَّعَى الْإِطْلَاقَ فَالْقَوْلُ لِلْمُضَارِبِ لِادِّعَائِهِ عُمُومَهُ وَعَنْ الْحَسَنِ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ لِرَبِّ الْمَالِ لِأَنَّ الْإِذْنَ يُسْتَفَادُ مِنْهُ وَإِنْ بَرْهَنَا فَإِنَّ نَصَّ شُهُودُ الْعَامِلِ أَنَّهُ أَعْطَاهُ مُضَارَبَةً فِي كُلِّ تِجَارَةٍ فَهِيَ أَوْلَى لِإِثْبَاتِهِ الزِّيَادَةَ لَفْظًا وَمَعْنًى وَإِنْ لَمْ يَنُصُّوا عَلَى هَذَا الْحَرْفِ فَلِرَبِّ الْمَالِ وَكَذَا إذَا اخْتَلَفَا فِي الْمَنْعِ مِنْ السَّفَرِ لِاقْتِضَاءِ الْمُضَارَبَةِ إطْلَاقَهَا عَلَى الرِّوَايَاتِ الْمَشْهُورَةِ قَالَ الْمُضَارِبُ هُوَ فِي الطَّعَامِ وَرَبُّ الْمَالِ قَالَ فِي الْكِرْبَاسِ فَالْقَوْلُ لَهُ وَإِنْ بَرْهَنَا وَلِلْجِمَالِ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْإِثْبَاتِ وَالْمُضَارِبُ مُحْتَاجٌ إلَى إثْبَاتِهِ لِدَفْعِ الضَّمَانِ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنْ وَقَّتَا فَالْوَقْتُ الْأَخِيرُ أَوْلَى اهـ. وَالْبِضَاعَةُ كَالْمُضَارَبَةِ إلَّا أَنَّ الْمُضَارِبَ يَمْلِكُ الْبَيْعَ وَالْمُسْتَبْضِعُ لَا إلَّا إذَا كَانَ فِي لَفْظِهِ مَا يُعْلَمُ أَنَّهُ قَصَدَ الِاسْتِرْبَاحَ أَوْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ كَذَا فِي وَكَالَةِ الْبَزَّازِيَّةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا كَالْوَكَالَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْأَصْلَ فِيهَا التَّقْيِيدُ إلَّا أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْإِبْضَاعَ وَالْإِيدَاعَ وَبَيْعَ مَا اشْتَرَاهُ إلَّا بِالتَّنْصِيصِ بِخِلَافِ الْمُضَارِبِ. (قَوْلُهُ وَلَوْ أَخَذَ الْوَكِيلُ بِالثَّمَنِ رَهْنًا فَضَاعَ أَوْ كَفِيلًا فَتَوِيَ عَلَيْهِ لَا يَضْمَنُ) لِأَنَّ الْوَكِيلَ أَصِيلٌ فِي الْحُقُوقِ وَقَبْضِ الثَّمَنِ مِنْهَا وَالْكَفَالَةُ تَوْثِيقٌ بِهِ وَالِارْتِهَانُ وَثِيقَةٌ لِجَانِبِ الِاسْتِيفَاءِ فَيَمْلِكُهَا بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِقَبْضِ الدَّيْنِ لِأَنَّهُ يَفْعَلُ نِيَابَةً وَقَدْ أَنَابَهُ فِي قَبْضِ الدَّيْنِ دُونَ الْكَفَالَةِ وَأَخْذِ الرَّهْنِ وَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ يَقْبِضُ أَصَالَةً وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ الْمُوَكِّلُ حَجْرَهُ عَنْهُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَهَذَا مُخَالِفًا لِمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ مِنْ أَنَّ الْوَكِيلَ بِقَبْضِ الدَّيْنِ لَهُ أَخْذُ الْكَفِيلِ فَيُحْمَلُ كَلَامُ الْهِدَايَةِ عَلَى أَخْذِ الْكَفِيلِ بِشَرْطِ بَرَاءَةِ الْأَصِيلِ فَإِنَّهَا حِينَئِذٍ حَوَالَةٌ وَهُوَ لَا يَمْلِكُهَا لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَلَوْ أَخَذَ بِهِ كَفِيلًا بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ فَهُوَ حَوَالَةٌ لَا يَجُوزُ لِلْوَكِيلِ بِقَبْضِ الدَّيْنِ قَبُولُهَا اهـ. وَمِنْ هُنَا قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: الْمُرَادُ بِالْكَفَالَةِ هُنَا الْحَوَالَةُ لِأَنَّ التَّوَى لَا يَتَحَقَّقُ فِي الْكَفَالَةِ وَقِيلَ: الْكَفَالَةُ عَلَى حَقِيقَتِهَا لِأَنَّ التَّوَى يَتَحَقَّقُ فِيهَا بِأَنْ مَاتَ الْكَفِيلُ وَالْمَكْفُولُ عَنْهُ مُفْلِسَيْنِ قَالَ الشَّارِحُ أَخْذًا مِنْ الْكَافِي: وَهَذَا كُلُّهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ الْمُرَادَ هُنَا تَوًى مُضَافٌ إلَى أَخْذِهِ الْكَفِيلَ بِحَيْثُ إنَّهُ لَوْ لَمْ يَأْخُذْ كَفِيلًا لَمْ يَتْوَ دَيْنُهُ كَمَا فِي الرَّهْنِ وَالتَّوَى الَّذِي ذَكَرَهُ هُنَا غَيْرُ مُضَافٍ إلَى أَخْذِهِ الْكَفِيلَ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَأْخُذْ كَفِيلًا أَيْضًا لَتَوِيَ بِمَوْتِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ وَحَمْلُهُ عَلَى الْحَوَالَةِ فَاسِدٌ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَا يَتْوَى فِيهِ بِمَوْتِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ مُفْلِسًا بَلْ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْمُحِيلِ وَإِنَّمَا يَتْوَى بِمَوْتِهِمَا مُفْلِسَيْنِ فَصَارَ كَالْكَفَالَةِ وَالْأَوْجَهُ أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ بِالتَّوَى تَوًى مُضَافٌ إلَى أَخْذِ الْكَفِيلِ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِالْمُرَافَعَةِ إلَى حَاكِمٍ يَرَى بَرَاءَةَ الْأَصِيلِ عَنْ الدَّيْنِ بِالْكَفَالَةِ وَلَا يَرَى الرُّجُوعَ عَلَى الْأَصِيلِ بِمَوْتِهِ مُفْلِسًا مِثْلُ أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي مَالِكِيًّا وَيَحْكُمُ بِهِ ثُمَّ يَمُوتُ الْكَفِيلُ مُفْلِسًا اهـ. وَدَلَّ وَضْعُ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ أَنَّ أَخْذَهُ الرَّهْنَ يَقَعُ لِلْمُوَكِّلِ لَكِنْ لَوْ رَدَّهُ الْوَكِيلُ جَازَ وَيَضْمَنُ لِلْمُوَكِّلِ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الثَّمَنِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَصِحُّ رَدُّهُ كَذَا ذَكَرَهُ التُّمُرْتَاشِيُّ وَالْمَحْبُوبِيُّ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ لَا يَضْمَنُ عَدَمَهُ لِلْمُوَكِّلِ وَإِلَّا فَالدَّيْنُ قَدْ سَقَطَ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ إذَا كَانَ مِثْلَ الثَّمَنِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِقَبْضِ الدَّيْنِ إذَا أَخَذَ رَهْنًا فَضَاعَ فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ مِنْ دَيْنِ الْمُوَكِّلِ شَيْءٌ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْوَكِيلِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ. (قَوْلُهُ وَلَا يَتَصَرَّفُ أَحَدُ الْوَكِيلَيْنِ وَحْدَهُ) لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ رَضِيَ بِرَأْيِهِمَا لَا بِرَأْيِ أَحَدِهِمَا وَالْبَدَلُ وَإِنْ كَانَ مُقَدَّرًا وَلَكِنْ التَّقْدِيرُ لَا يَمْنَعُ اسْتِعْمَالَ الرَّأْيِ فِي الزِّيَادَةِ وَاخْتِيَارِ الْمُشْتَرِي أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ مَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا حُرًّا بَالِغًا عَاقِلًا وَالْآخَرُ عَبْدًا أَوْ صَبِيًّا مَحْجُورًا عَلَيْهِ لَكِنَّهُ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ وَكَّلَهُمَا بِكَلَامٍ وَاحِدٍ أَمَّا إذَا كَانَ تَوْكِيلُهُمَا عَلَى التَّعَاقُبِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا الِانْفِرَادُ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِرَأْيِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الِانْفِرَادِ وَقْتَ تَوْكِيلِهِ فَلَا يَتَغَيَّرُ بَعْدَ ذَلِكَ بِخِلَافِ الْوَصِيَّيْنِ فَإِنَّهُ إذَا أَوْصَى إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا بِكَلَامٍ عَلَى حِدَةٍ لَمْ يَجُزْ لِأَحَدِهِمَا الِانْفِرَادُ فِي الْأَصَحِّ لِأَنَّهُ عِنْدَ الْمَوْتِ صَارَا وَصِيَّيْنِ جُمْلَةً وَاحِدَةً وَفِي الْوَكَالَةِ يَثْبُتُ حُكْمُهَا بِنَفْسِ التَّوْكِيلِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا كَالْوَكَالَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْأَصْلَ فِيهَا التَّقْيِيدُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَمِثْلُ الْمُضَارَبَةِ الشَّرِكَةُ الظَّاهِرُ أَنَّ الْأَصْلَ فِيهَا الْإِطْلَاقُ لِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَيْهَا وَمَا عَلَّلَ بِهِ الزَّيْلَعِيُّ كَالصَّرِيحِ فِيهِ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَالْأَوْجَهُ أَنْ يُقَالَ إلَخْ) مَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ نَصَّ عَلَيْهِ النَّسَفِيُّ فِي الْكَافِي بِقَوْلِهِ أَوْ أَخَذَ بِثَمَنِهِ كَفِيلًا فَتَوِيَ الْمَالُ عَلَى الْكَفِيلِ بِأَنْ رَفَعَ الْأَمْرَ إلَى قَاضٍ يَرَى بَرَاءَةَ الْأَصِيلِ بِنَفْسِ الْكَفَالَةِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَيَحْكُمُ بِبَرَاءَةِ الْأَصِيلِ فَيَتْوَى الْمَالُ عَلَى الْكَفِيلِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ اهـ. كَذَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة وَأَشَارَ إلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ أَيْضًا سَابِقًا وَعَلَى هَذَا مَشَى ابْنُ الْكَمَالِ فِي الْإِيضَاحِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 173 وَشَمَلَ مَا إذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ ذَهَبَ عَقْلُهُ فَلَا يَجُوزُ لِلْآخَرِ التَّصَرُّفُ وَحْدَهُ لِعَدَمِ رِضَاهُ بِرَأْيِهِ وَحْدَهُ وَلَوْ كَانَا وَصِيَّيْنِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا لَا يَتَصَرَّفُ الْحَيُّ إلَّا بِأَمْرِ الْقَاضِي كَمَا فِي وَصَايَا الْخَانِيَّةِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ قَالَ لِرَجُلَيْنِ وَكَّلْتُ أَحَدَكُمَا بِشِرَاءِ جَارِيَةٍ لِي بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَاشْتَرَى أَحَدُهُمَا ثُمَّ اشْتَرَى الْآخَرُ فَإِنَّ الْآخَرَ يَكُونُ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ وَلَوْ اشْتَرَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَارِيَةً وَوَقَعَ اشْتِرَاؤُهُمَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ كَانَتْ الْجَارِيَتَانِ لِلْمُوَكِّلِ كَذَا ذَكَرَهُ فِي النَّوَازِلِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ. وَفِي الذَّخِيرَةِ وَفِي الْمُنْتَقَى عَنْ مُحَمَّدٍ رَجُلٌ وَكَّلَ رَجُلًا بِقَبْضِ كُلِّ حَقٍّ لَهُ ثُمَّ فَارَقَهُ ثُمَّ وَكَّلَ آخَرَ بِقَبْضِ كُلِّ دَيْنٍ لَهُ فَقَبَضَ الْوَكِيلُ الْأَوَّلُ شَيْئًا مِنْ الدَّيْنِ فَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ الثَّانِي أَنْ يَقْبِضَهُ مِنْ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ السَّاعَةَ عَيْنٌ وَلَيْسَ بِدَيْنٍ وَلَوْ وَكَّلَ الْأَوَّلَ بِقَبْضِ كُلِّ حَقٍّ لَهُ ثُمَّ وَكَّلَ الثَّانِيَ بِقَبْضِ كُلِّ شَيْءٍ لَهُ وَقَبَضَ الْأَوَّلُ شَيْئًا مِنْ الدَّيْنِ فَلِلثَّانِي أَنْ يَقْبِضَهُ مِنْ الْأَوَّلِ وَلَوْ وَكَّلَ رَجُلًا بِقَبْضِ دَارِهِ الَّتِي فِي مَوْضِعِ كَذَا الَّتِي فِي يَدِ فُلَانٍ فَمَضَى الْوَكِيلُ ثُمَّ وَكَّلَ آخَرَ بَعْدَهُ بِمِثْلِ مَا وَكَّلَ بِهِ الْأَوَّلَ فِي قَبْضِ هَذِهِ بِعَيْنِهَا فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ قَدْ قَبَضَ الدَّارَ قَبْلَ تَوْكِيلِ الثَّانِي فَلِلثَّانِي أَنْ يَقْبِضَهَا لِأَنَّهَا صَارَتْ مَقْبُوضَةً لِصَاحِبِهَا اهـ. وَالْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ لَا يَتَصَرَّفُ عَدَمُ نَفَاذِ تَصَرُّفِهِ وَحْدَهُ لَا عَدَمُ صِحَّتِهِ كَمَا فِي الْإِصْلَاحِ فَلَوْ بَاعَ أَحَدُهُمَا بِحَضْرَةِ صَاحِبِهِ فَإِنْ أَجَازَ صَاحِبُهُ جَازَ وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ كَانَ غَائِبًا فَأَجَازَهُ لَمْ يَجُزْ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ كَذَا فِي الشَّرْحِ قَالَ الْحَاكِمُ أَبُو الْفَضْلِ هَذَا خِلَافُ مَا ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: جَازَ ذَلِكَ كَذَا فِي الْخِزَانَةِ وَلَوْ بَاعَ أَحَدُهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ شَيْئًا لَمْ يَجُزْ لِمَا فِي وَصَايَا الْخَانِيَّةِ وَلَوْ بَاعَ أَحَدُ الْوَصِيَّيْنِ شَيْئًا مِنْ التَّرِكَةِ لِصَاحِبِهِ لَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَيَجُوزُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ اهـ. (قَوْلُهُ إلَّا فِي خُصُومَةٍ) فَإِنَّ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يُخَاصِمَ وَحْدَهُ لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ تَحْتَاجُ إلَى الرَّأْيِ إلَّا أَنْ اجْتِمَاعَهُمَا عَلَى الْخُصُومَةِ وَالتَّكَلُّمِ مُتَعَذِّرٌ لِأَنَّهُ يَلْتَبِسُ عَلَى الْقَاضِي وَيَصِيرُ شَغَبًا فَأَمَّا اجْتِمَاعُهُمَا عَلَى الْبَيْعِ فَغَيْرُ مُتَعَذِّرٍ وَظَاهِرُ مَا فِي الْكِتَابِ أَنَّهُ إذَا خَاصَمَ أَحَدُهُمَا لَمْ يُشْتَرَطْ حَضْرَةُ الْآخَرِ وَهُوَ قَوْلُ الْعَامَّةِ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ بِسَمَاعِهَا وَهُوَ سَاكِتٌ كَذَا فِي الشَّرْحِ وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْمَلَكِ مِنْ اشْتِرَاطِ الْحَضْرَةِ ضَعِيفٌ وَلَكِنْ لَا يَمْلِكُ الْقَبْضَ إلَّا مَعَ صَاحِبِهِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَفِي الذَّخِيرَةِ وَفِي نَوَادِر ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَجُلٌ وَكَّلَ رَجُلَيْنِ بِخُصُومَةِ رَجُلٍ فِي دَارٍ ادَّعَاهَا وَقَبَضَهَا مِنْهُ فَخَاصَمَاهُ فِيهَا ثُمَّ مَاتَ أَحَدُ الْوَكِيلَيْنِ قَالَ: أَقْبَلُ مِنْ الْحَيِّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الدَّارِ وَأَقْضِي بِهَا لِلْمُوَكِّلِ وَلَا أَقْضِي بِدَفْعِ الدَّارِ إلَيْهِ وَلَكِنْ أَجْعَلُ لِلْوَكِيلِ الْمَيِّتِ وَكِيلًا مَعَ هَذَا الْحَيِّ وَدَفَعْتُ الدَّارَ إلَيْهِمَا وَكَذَا لَوْ كَانَ الْوَكِيلُ وَاحِدًا فَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الدَّارِ وَقَضَيْتُ بِهَا لِلْمُوَكِّلِ فَمَاتَ هَذَا الْوَكِيلُ قَبْلَ أَنْ أَدْفَعَهَا إلَيْهِ فَإِنِّي أَجْعَلُ لَهُ وَكِيلًا وَآمُرُ الْمَقْضِيَّ عَلَيْهِ بِدَفْعِ الدَّارِ إلَيْهِ وَلَا أَتْرُكُهَا فِي يَدِ الْغَاصِبِ الَّذِي قَضَيْتُ عَلَيْهِ اهـ. (قَوْلُهُ وَطَلَاقٌ وَعَتَاقٌ بِلَا بَدَلٍ) لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يُحْتَاجُ إلَى الرَّأْيِ وَتَعْبِيرُ الْمُثَنَّى فِيهِ كَالْوَاحِدِ وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ مَسَائِلُ الْأُولَى لَوْ وَكَّلَهُمَا بِطَلَاقِ وَاحِدَةٍ بِغَيْرِ عَيْنِهَا أَوْ عِتْقِ عَبْدٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ لَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ لِأَنَّهُ مِمَّا يُحْتَاجُ إلَى الرَّأْيِ بِخِلَافِ الْمُعَيَّنِ اهـ. وَفِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ لَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ قَالَ لِرَجُلٍ: طَلِّقْ امْرَأَتِي فَقَالَ الْوَكِيلُ: طَلَّقْتُ امْرَأَتَكَ كَانَ الْخِيَارُ إلَى الزَّوْجِ وَإِنْ طَلَّقَ الْوَكِيلُ وَاحِدَةً بِعَيْنِهَا فَقَالَ الْمُوَكِّلُ: لَا أَعْنِي هَذِهِ لَا يُصَدَّقُ اهـ. الثَّانِيَةُ: أَنْ يَقُولَ لَهُمَا: طَلِّقَاهَا إنْ شِئْتُمَا الثَّالِثَةَ جَعَلَ أَمْرَهَا بِأَيْدِيهِمَا فَفِيهِمَا يَكُونُ تَفْوِيضًا فَيَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ لِكَوْنِهِ تَمْلِيكًا أَوْ يَكُونُ تَعْلِيقًا فَيُشْتَرَطُ فِعْلُهُمَا لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِشَيْئَيْنِ لَا يَنْزِلُ عِنْدَ وُجُودِ أَحَدِهِمَا الرَّابِعَةُ لَوْ قَالَ: طَلِّقَاهَا جَمِيعًا لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يُطَلِّقَهَا وَحْدَهُ وَلَا يَقَعُ عَلَيْهَا طَلَاقُ أَحَدِهِمَا وَلَوْ قَالَ: طَلِّقَاهَا جَمِيعًا ثَلَاثًا فَطَلَّقَهَا أَحَدُهُمَا طَلْقَةً وَاحِدَةً وَالْآخَرُ طَلْقَتَيْنِ لَا يَقَعُ وَهَذِهِ الثَّلَاثُ   [منحة الخالق] [تَصَرُّفُ أَحَدُ الْوَكِيلَيْنِ وَحْدَهُ] (قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ قَدْ قَبَضَ الدَّارَ قَبْلَ تَوْكِيلِ الثَّانِي فَلِلثَّانِي أَنْ يَقْبِضَهَا إلَخْ) هَكَذَا فِيمَا رَأَيْنَاهُ مِنْ عِدَّةِ نُسَخٍ وَاَلَّذِي رَأَيْتُهُ فِي الذَّخِيرَةِ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي وَالْعِشْرِينَ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ قَدْ قَبَضَ الدَّارَ قَبْلَ تَوْكِيلِ الثَّانِي فَلِلثَّانِي أَنْ يَقْبِضَهَا مِنْ الْأَوَّلِ وَإِنْ وَكَّلَ الثَّانِي قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ الْأَوَّلُ الدَّارَ فَلَيْسَ لِلثَّانِي أَنْ يَقْبِضَهَا لِأَنَّهَا صَارَتْ مَقْبُوضَةً لِصَاحِبِهَا اهـ. بِحُرُوفِهِ. وَمِثْلُهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة فِي الرَّابِعَ عَشَرَ لَكِنْ ذَكَرَ بَدَلَ التَّعْلِيلِ قَوْلَهُ وَالشَّيْءُ بِعَيْنِهِ لَا يُشْبِهُ مَا لَيْسَ بِعَيْنِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا وَكَّلَ رَجُلًا بِقَبْضِ عَبْدٍ لَهُ بِعَيْنِهِ فِي يَدِ رَجُلٍ ثُمَّ قَبَضَهُ الْمَوْلَى ثُمَّ أَوْدَعَهُ إنْسَانًا آخَرَ فَلِلْوَكِيلِ أَنْ يَقْبِضَهُ اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الْخُلَاصَةِ فِي الْفَصْلِ الثَّالِثِ (قَوْلُهُ وَيَصِيرُ شَغْبًا) قَالَ الرَّمْلِيُّ: الشَّغْبُ بِسُكُونِ الْغَيْنِ تَهْيِيجُ الشَّرِّ وَبِالْفَتْحِ لُغَةٌ ضَعِيفَةٌ كَمَا فِي الصِّحَاحِ. (قَوْلُهُ الْأَوْلَى لَوْ وَكَّلَهُمَا إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: إنَّمَا لَمْ يُقَيِّدْ الْمُصَنِّفُ الطَّلَاقَ وَالْعَتَاقَ بِالْمُعَيَّنِ لِأَنَّهُمَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ يَنْصَرِفَانِ إلَى الْمُعَيَّنِ لَا إلَى الْمُبْهَمِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَفِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ لَهُ إلَخْ) لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي هَذَا الْمَحَلِّ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَفِيهِمَا يَكُونُ تَفْوِيضًا إلَخْ) أَيْ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ الثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ ثُمَّ حَيْثُ كَانَا تَمْلِيكًا أَوْ تَعْلِيقًا لَمْ يَكُونَا دَاخِلَيْنِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّ كَلَامَهُ فِي الْوَكِيلَيْنِ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فَلَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ وَاسْتِثْنَاءُ الزَّيْلَعِيِّ لَهُمَا مُنْقَطِعٌ بِمَعْنَى لَكِنْ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرَ نَبَّهَ عَلَيْهِ الرَّمْلِيُّ (قَوْلُهُ الرَّابِعَةُ لَوْ قَالَ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: إنَّمَا لَمْ يَسْتَثْنِ الْمُصَنِّفُ الرَّابِعَةَ لِعَدَمِ دُخُولِهَا لِأَنَّ فِيهَا زِيَادَةً وَهِيَ شَرْطُ اجْتِمَاعِهِمَا صَرِيحًا فَتَأَمَّلْ وَكَذَلِكَ لَمْ يَسْتَثْنِ الْخَامِسَ لِعَارِضِ النَّهْيِ عَنْ الِانْفِرَادِ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 174 فِي الشَّرْحِ الْخَامِسَةُ قَالَ: لِوَكِيلِي طَلَاقٌ لَا يُطَلِّقُ أَحَدٌ دُونَ صَاحِبِهِ وَلَوْ طَلَّقَ أَحَدُهُمَا ثُمَّ الْآخَرُ أَوْ طَلَّقَ وَاحِدٌ ثُمَّ أَجَازَهُ الْآخَرُ لَا يَقَعُ مَا لَمْ يَجْتَمِعَا وَكَذَا فِي وَكِيلِي عَتَاقٌ كَذَا فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي قَيَّدَ بِقَوْلِهِ بِلَا بَدَلٍ لِأَنَّهُمَا لَوْ كَانَا بِبَدَلٍ فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا الِانْفِرَادُ لِأَنَّهُ مِمَّا يُحْتَاجُ إلَى الرَّأْيِ وَفِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ وَكَّلَ رَجُلَيْنِ بِالْخُلْعِ فَخَلَعَهُمَا أَحَدُهُمَا لَا يَجُوزُ وَكَذَا لَوْ خَلَعَهَا أَحَدُهُمَا وَأَجَازَ الْآخَرُ لَا يَجُوزُ حَتَّى يَقُولَ الْآخَرُ خَلَعْتُهَا اهـ. (قَوْلُهُ وَرَدُّ وَدِيعَةٍ) لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يَحْتَاجُ إلَى الرَّأْيِ فَرَدُّ أَحَدِهِمَا كَرَدِّهِمَا وَلَوْ قَالَ وَرَدُّ عَيْنٍ لَكَانَ أَوْلَى فَإِنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ رَدِّ الْوَدِيعَةِ وَالْعَارِيَّةِ وَالْمَغْصُوبِ وَالْمَبِيعِ فَاسِدًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ وَقَيَّدَ بِالرَّدِّ احْتِرَازًا عَنْ الِاسْتِرْدَادِ فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا الْقَبْضُ بِدُونِ صَاحِبِهِ لِإِمْكَانِ اجْتِمَاعِهِمَا وَلِلْمُوَكِّلِ فِيهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ لِأَنَّ حِفْظَ اثْنَيْنِ لَيْسَ كَحِفْظِ وَاحِدٍ فَإِذَا قَبَضَهُ أَحَدُهُمَا ضَمِنَ كُلَّهُ لِأَنَّهُ قَبْضٌ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ فَإِنْ قِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَ النِّصْفَ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَأْمُورٌ بِقَبْضِ النِّصْفِ قُلْنَا ذَاكَ مَعَ إذْنِ صَاحِبِهِ وَأَمَّا فِي حَالِ الِانْفِرَادِ فَغَيْرُ مَأْمُورٍ بِقَبْضِ شَيْءٍ مِنْهُ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ (قَوْلُهُ وَقَضَاءُ الدَّيْنِ) فَهُوَ كَرَدِّ الْوَدِيعَةِ وَاقْتِضَاؤُهُ فَهُوَ كَاسْتِرْدَادِهَا وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُؤَلِّفُ الْهِبَةَ فِي الْمُسْتَثْنَيَاتِ وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَكَّلَهُمَا الْوَاهِبُ فِي تَسْلِيمِ الْهِبَةِ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ فَلِأَحَدِهِمَا أَنْ يَنْفَرِدَ وَإِذَا وَكَّلَهُمَا الْمَوْهُوبُ لَهُ فِي قَبْضِهَا مِنْ الْوَاهِبِ فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا الِانْفِرَادُ فَالْأَوَّلُ كَرَدِّ الْوَدِيعَةِ وَالثَّانِي كَاسْتِرْدَادِهَا وَفِي الْخَانِيَّةِ مِنْ بَابِ الْوَصِيِّ وَلَوْ وَكَّلَ رَجُلٌ رَجُلَيْنِ بِأَنْ يَهَبَا هَذِهِ الْعَيْنَ وَلَمْ يُعَيِّنْ الْمَوْهُوبَ لَهُ عِنْدَهُمَا لَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِذَلِكَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَنْفَرِدُ وَإِنْ عَيَّنَ الْمَوْهُوبَ لَهُ يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا عِنْدَ الْكُلِّ اهـ. فَلَوْ زَادَ الْمُصَنِّفُ الْهِبَةَ لِلْمُعَيَّنِ لَكَانَ أَوْلَى وَعِبَارَةُ الْمَجْمَعِ هَكَذَا وَإِذَا وَكَّلَ اثْنَيْنِ لَمْ يَنْفَرِدْ أَحَدُهُمَا فِي كُلِّ تَمْلِيكٍ أَوْ عَقْدٍ فِيهِ بَدَلٌ اهـ. وَيَرِدُ عَلَيْهِ الْهِبَةُ لِمُعَيِّنٍ فَإِنَّهَا تَمْلِيكٌ وَلَهُ الِانْفِرَادُ وَيَرِدُ عَلَيْهِ اسْتِرْدَادُ الْعَيْنِ وَالِاقْتِضَاءُ فَإِنَّهُ لَا يَنْفَرِدُ فِيهِمَا وَلَا تَمْلِيكَ وَلَا عَقْدَ كَمَا وَرَدَ عَلَى الْكَنْزِ قَضَاءُ الدَّيْنِ وَرَدَ مَا عَدَا الْوَدِيعَةَ وَالْهِبَةَ لِلْمُعَيَّنِ وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: لَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا إلَّا فِي خُصُومَةٍ وَعِتْقِ مُعَيَّنٍ وَطَلَاقِ مُعَيَّنَةٍ بِلَا بَدَلٍ وَتَعْلِيقٍ بِمَشِيئَتِهِمَا وَتَدْبِيرٍ وَرَدِّ وَدِيعَةٍ وَعَارِيَّةٍ وَمَغْصُوبٍ وَمَبِيعٍ فَاسِدٍ وَتَسْلِيمٍ وَهِبَةٍ وَقَضَاءِ الدَّيْنِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْوَكَالَةَ وَالْوَصَايَا وَالْمُضَارَبَةَ وَالْقَضَاءَ وَالتَّوْلِيَةَ عَلَى الْوَقْفِ سَوَاءٌ فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا الِانْفِرَادُ وَالْأَوَّلَانِ فِي الْكِتَابِ وَالْمُضَارَبَةُ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَقَدَّمْنَا حُكْمَ الْقَاضِيَيْنِ فِي الْقَضَاءِ وَالنَّاظِرِ إمَّا وَكِيلٌ أَوْ وَصِيٌّ فَلَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا. (قَوْلُهُ وَلَا يُوَكِّلُ إلَّا بِإِذْنٍ أَوْ اعْمَلْ بِرَأْيِكَ) لِأَنَّهُ فَوَّضَ إلَيْهِ التَّصَرُّفَ دُونَ التَّوْكِيلِ بِهِ وَهَذَا لِأَنَّهُ رَضِيَ بِرَأْيِهِ وَالنَّاسُ مُخْتَلِفُونَ فِي الْآرَاءِ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ الْمُوَكِّلُ لِوُجُودِ الرِّضَا أَوْ يَقُولَ لَهُ بِرَأْيِكَ لِإِطْلَاقِ التَّفْوِيضِ إلَى رَأْيِهِ وَإِذَا وَكَّلَ الْوَكِيلُ بِالْقَبْضِ بِلَا إذْنٍ فَدَفَعَ لَهُ الْمَدْيُونُ فَإِنْ وَصَلَ إلَى الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ بَرِئَ وَإِلَّا فَإِنْ وَكَّلَ مَنْ فِي عِيَالِهِ بَرِئَ وَإِلَّا لَا فَإِنْ هَلَكَ الْمَالُ فِي يَدِ الثَّانِي كَانَ لِلْغَرِيمِ تَضْمِينُهُ وَلِلثَّانِي الرُّجُوعُ عَلَى الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ وَتَمَامُهُ فِي الذَّخِيرَةِ مِنْ الْفَصْلِ الثَّانِي وَإِذَا وَكَّلَ بِإِذْنٍ أَوْ تَفْوِيضٍ كَانَ الثَّانِي وَكِيلًا عَنْ الْمُوَكِّلِ حَتَّى لَا يَمْلِكَ الْأَوَّلُ عَزْلَهُ وَلَا يَنْعَزِلُ بِمَوْتِهِ وَيَنْعَزِلَانِ بِمَوْتِ الْأَوَّلِ وَقَدْ مَرَّ نَظِيرُهُ فِي أَدَبِ الْقَاضِي وَفِي الْخُلَاصَةِ رَجُلٌ وَكَّلَ رَجُلًا بِبَيْعِ شَيْءٍ وَشِرَائِهِ وَقَالَ لَهُ: اصْنَعْ مَا شِئْتَ فَوَكَّلَ الْوَكِيلُ رَجُلًا بِذَلِكَ ثُمَّ مَاتَ الْوَكِيلُ الْأَعْلَى فَالْوَكِيلُ الْأَسْفَلُ عَلَى وَكَالَتِهِ وَلَوْ أَخْرَجَهُ الْوَكِيلُ الَّذِي وَكَّلَهُ جَازَ وَلَوْ أَخْرَجَهُ الْمُوَكِّلُ كَانَ إخْرَاجُهُ جَائِزًا أَيْضًا سَوَاءٌ كَانَ الْوَكِيلُ الْأَوَّلُ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا اهـ. فَقَدْ صَحَّحَ عَزْلَ الْوَكِيلِ لِوَكِيلِهِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْهِدَايَةِ مِنْ أَنَّ الثَّانِيَ صَارَ وَكِيلَ الْمُوَكِّلِ فَلَا يَمْلِكُ الْوَكِيلُ عَزْلَهُ إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ قَوْلِهِ اصْنَعْ مَا شِئْتَ فَيَمْلِكُ عَزْلَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ اعْمَلْ بِرَأْيِكَ فَلَا يَمْلِكُ عَزْلَهُ. وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ وَعَلَّلَ فِي الْخَانِيَّةِ بِأَنَّهُ لَمَّا فَوَّضَهُ إلَى صُنْعِهِ فَقَدْ رَضِيَ بِصُنْعِهِ وَعَزْلُهُ مِنْ صُنْعِهِ وَفِيهَا إذَا وَكَّلَ ثُمَّ قَالَ لِلْوَكِيلِ فُلَانًا فَإِنَّ الْوَكِيلَ لَا يَمْلِكُ عَزْلَهُ إلَّا إذَا قَالَ لَهُ: وَكِّلْ فُلَانًا إنْ شِئْتَ أَوْ وَكِّلْ مَنْ شِئْت فَيَمْلِكُ عَزْلَهُ اهـ. وَالْمُرَادُ لَا يُوَكِّلُ فِيمَا وَكَّلَ فِيهِ فَيَخْرُجُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا الْقَبْضُ بِدُونِ صَاحِبِهِ) أَيْ بِدُونِ صَاحِبِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الذَّخِيرَةِ عَنْ نَصِّ مُحَمَّدٍ فِي الْأَصْلِ (قَوْلُهُ كَمَا وَرَدَ عَلَى الْكَنْزِ قَضَاءُ الدَّيْنِ) هَذَا لَا يُنَاسِبُ مَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ سَابِقًا كَذَا فِي السِّرَاجِ قَوْلُهُ وَقَضَاءُ الدَّيْنِ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي وُجُودَهُ فِي الْمَتْنِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ قَالَ بَدَلَ قَوْلِهِ لَكِنَّهُ مَوْجُودٌ فِيمَا كُتِبَ عَلَيْهِ الزَّيْلَعِيُّ وَرَأَيْتُهُ فِي مَتْنٍ مُجَرَّدٍ (قَوْلُهُ وَالنَّاظِرُ إمَّا وَكِيلٌ أَوْ وَصِيٌّ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ وَكِيلٌ لَكِنْ قَالَ قَاضِي خَانْ هُوَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَكِيلُ الْوَاقِفِ حَتَّى كَانَ لَهُ أَنْ يَعْزِلَهُ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ لِنَفْسِهِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَكِيلُ الْفُقَرَاءِ حَتَّى لَمْ يَكُنْ لَهُ عَزْلُهُ اهـ. (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلَا يُوَكِّلُ إلَّا بِإِذْنٍ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: الْمُرَادُ نَفْيُ النَّفَاذِ لَا نَفْيُ الصِّحَّةِ حَتَّى لَوْ وَكَّلَ بِدُونِهِمَا فَأَجَازَ الْمُوَكِّلُ نَفَذَ فَيَكُونُ فُضُولِيًّا يُعْلِمُ هَذَا قَوْلُهُمْ كُلَّمَا صَحَّ التَّوْكِيلُ بِهِ إذَا بَاشَرَهُ الْفُضُولِيُّ يَتَوَقَّفُ اهـ. قُلْت: وَيُعْلَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ فِي الْقَوْلَةِ الْآتِيَةِ (قَوْلُهُ حَتَّى لَا يَمْلِكَ الْأَوَّلُ عَزْلَهُ) قَالَ فِي الْحَوَاشِي الْيَعْقُوبِيَّةِ: هَاهُنَا كَلَامٌ وَهُوَ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَمْلِكَ فِي صُورَةِ أَنْ يَقُولَ: اعْمَلْ بِرَأْيِكَ لِتَنَاوُلِ الْعَمَلِ بِالرَّأْيِ الْعَزْلَ كَمَا لَا يَخْفَى فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا يَأْتِي عَنْ الْخُلَاصَةِ وَإِنْ ادَّعَى الْمُؤَلِّفُ ظُهُورَ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا فَإِنَّهُ كَمَا أَنَّ عَزْلَهُ فَهُوَ مِنْ صُنْعِهِ فَهُوَ مِنْ رَأْيِهِ أَيْضًا تَأَمَّلْ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 175 التَّوْكِيلُ بِحُقُوقِ الْعَقْدِ فِيمَا تَرْجِعُ الْحُقُوقُ فِيهِ إلَى الْوَكِيلِ فَلَهُ التَّوْكِيلُ بِلَا إذْنٍ لِكَوْنِهِ أَصِيلًا فِيهَا وَلِذَا لَا يَمْلِكُ الْمُوَكِّلُ نَهْيَهُ عَنْهَا وَصَحَّ تَوْكِيلُ الْمُوَكِّلِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ اعْمَلْ بِرَأْيِكَ احْتِرَازًا عَنْ قَوْلِهِ مَا صَنَعْتَ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ جَائِزٌ قَالَ فِي الْقُنْيَةِ قَالَ لِلْوَكِيلِ: مَا صَنَعْتَ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ جَائِزٌ مِنْ بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ عِتْقِ عَبْدِهِ أَوْ طَلَاقِ امْرَأَتِهِ فَوَكَّلَ هَذَا الْوَكِيلُ غَيْرَهُ بِعِتْقِ عَبْدِ مُوَكِّلِهِ أَوْ طَلَاقِ امْرَأَتِهِ فَفَعَلَ لَا يَنْفُذُ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا يَحْلِفُ بِهِ فَلَا يَقُومُ غَيْرُهُ مَقَامَهُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَحْلِفُ بِهِمَا فَقَامَ غَيْرُهُ مَقَامَهُ اهـ. وَخَرَجَ عَنْ قَوْلِهِ لَا يُوَكِّلُ إلَّا بِإِذْنٍ أَوْ اعْمَلْ بِرَأْيِك مَا لَوْ وَكَّلَ بِقَبْضِ الدَّيْنِ مَنْ فِي عِيَالِهِ فَدَفَعَ الْمَدْيُونُ إلَيْهِ فَإِنَّهُ يَبْرَأُ لِأَنَّ يَدَهُ كَيَدِهِ ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي السَّرِقَة وَفِي وَكَالَةِ الْخِزَانَةِ وَمَا لَوْ وَكَّلَ الْوَكِيلُ بِدَفْعِ الزَّكَاةِ ثُمَّ وَثُمَّ فَدَفَعَ الْآخَرُ جَازَ وَلَا يَتَوَقَّفُ كَمَا فِي أُضْحِيَّةِ الْخَانِيَّةِ وَذَكَرَ قَبْلَهُ رَجُلٌ وَكَّلَ غَيْرَهُ بِشِرَاءِ أُضْحِيَّةٍ فَوَكَّلَ الْوَكِيلُ غَيْرَهُ ثُمَّ وَثُمَّ فَاشْتَرَى الْآخَرُ يَكُونُ مَوْقُوفًا عَلَى إجَازَةِ الْأَوَّلِ إنْ أَجَازَ جَازَ وَإِلَّا فَلَا اهـ. وَمَا إذَا قَدَّرَ الْوَكِيلُ لِوَكِيلِهِ الثَّمَنَ كَمَا سَيَأْتِي. (قَوْلُهُ فَإِنْ وَكَّلَ بِلَا إذْنِ الْمُوَكِّلِ فَعَقَدَ بِحَضْرَتِهِ أَوْ بَاعَ أَجْنَبِيٌّ فَأَجَازَ صَحَّ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ حُضُورُ رَأْيِهِ وَقَدْ حَضَرَ وَتَكَلَّمُوا فِي حُقُوقِهِ وَالصَّحِيحُ رُجُوعُهَا إلَى الثَّانِي لِأَنَّهُ هُوَ الْعَاقِدُ وَإِنْ عَقَدَ بِغَيْبَتِهِ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ فَاتَ رَأْيُهُ إلَّا أَنْ يَبْلُغَهُ فَأَجَازَهُ لِأَنَّهُ حَضَرَ رَأْيُهُ وَكَذَا إذَا بَاعَ غَيْرُ الْوَكِيلِ فَبَلَغَهُ فَأَجَازَهُ وَلَوْ قَدَّرَ الْأَوَّلُ الثَّمَنَ لِلثَّانِي فَعَقَدَ بِغَيْبَتِهِ يَجُوزُ لِأَنَّ الرَّأْيَ يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِتَقْدِيرِ الثَّمَنِ ظَاهِرًا وَقَدْ حَصَلَ بِخِلَافِ مَا إذَا وَكَّلَ وَكِيلَيْنِ وَقَدَّرَ الثَّمَنَ لِأَنَّهُ لَمَّا فَوَّضَ إلَيْهِمَا مَعَ تَقْدِيرِ الثَّمَنِ ظَهَرَ أَنَّ غَرَضَهُ اجْتِمَاعُ رَأْيِهِمَا فِي الزِّيَادَةِ وَاخْتِيَارِ الْمُشْتَرِي أَمَّا إذَا لَمْ يُقَدِّرْ الثَّمَنَ وَفَوَّضَ إلَى الْأَوَّلِ كَانَ غَرَضُهُ رَأْيَهُ فِي مُعْظَمِ الْأَمْرِ وَهُوَ التَّقْدِيرُ فِي الثَّمَنِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَفِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي وَقِيلَ: إذَا بَاعَ الثَّانِي بِثَمَنٍ عَيَّنَهُ الْمُوَكِّلُ جَازَ بِغَيْبَةِ الْأَوَّلِ وَفِي الْأَصَحِّ لَا إلَّا بِحَضْرَةِ الْأَوَّلِ اهـ. وَلَا مُخَالَفَةَ بَيْنَ مَا فِي الْهِدَايَةِ وَمَا صَحَّحَهُ فِي الْمُنْيَةِ لِأَنَّ الْأَوَّلَ فِيمَا إذَا قَدَّرَ الْوَكِيلُ الثَّمَنَ لِوَكِيلِهِ وَالثَّانِي فِيمَا إذَا قَدَّرَ الْمُوَكِّلُ الْأَوَّلُ لِوَكِيلِهِ كَمَا لَا يَخْفَى وَمَعْنَى قَوْلِهِ صَحَّ النَّفَاذُ عَلَى الْمُوَكِّلِ وَفِي الْقُنْيَةِ وَكَّلَهُ بِأَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ هَذَا الْعَبْدَ فَوَكَّلَ الْوَكِيلَ فَاشْتَرَاهُ يَقَعُ لِلْوَكِيلِ الْأَوَّلِ وَلَوْ قَالَ لَهُ: اشْتَرْهُ لِمُوَكِّلِي يَقَعُ لِلثَّانِي وَلَا يَصِحُّ تَوْكِيلُهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَلَا مُوَكِّلِهِ اهـ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْوَكِيلُ غَائِبًا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَمَا إذَا قَدَرَ الْوَكِيلُ) مَعْطُوفٌ عَلَى فَاعِلِ خَرَجَ أَيْ وَخَرَجَ مَا إذَا قَدَرَ الْوَكِيلُ إلَخْ وَقَوْلُهُ كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا أَيْ أَوَّلَ الْمَقُولَةِ الْآتِيَةِ وَقَيَّدَ بِتَقْدِيرِ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ لِلثَّمَنِ احْتِرَازًا عَنْ تَقْدِيرِ الْمُوَكِّلِ الثَّمَنَ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْوَكِيلِ الثَّانِي الِانْفِرَادُ كَمَا سَيَأْتِي تَصْحِيحُهُ عَنْ الْمُنْيَةِ (قَوْلُهُ وَلَا مُخَالَفَةَ بَيْنَ مَا فِي الْهِدَايَةِ وَمَا صَحَّحَهُ فِي الْمُنْيَةِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: هَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ بَلْ بَيْنَهُمَا مُخَالَفَةٌ إذْ فِي الْمَسْأَلَةِ اخْتِلَافُ الرِّوَايَةِ قَالَ فِي الْكِفَايَةِ عِنْدَ قَوْلِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ: وَلَوْ قَدَّرَ الْأَوَّلُ الثَّمَنَ لِلثَّانِي فَعَقَدَ بِغَيْبَتِهِ يَجُوزُ أَطْلَقَ الْجَوَازَ وَهُوَ رِوَايَةُ كِتَابِ الرَّهْنِ وَقَدْ اخْتَارَهَا لِأَنَّ الرَّأْيَ يَحْتَاجُ فِيهِ لِتَقْدِيرِ الثَّمَنِ ظَاهِرًا وَقَدْ حَصَلَ وَفِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ تَقْدِيرَ الثَّمَنِ لِمَنْعِ النُّقْصَانِ لَا لِمَنْعِ الزِّيَادَةِ وَرُبَّمَا يَزِيدُ الْأَوَّلُ عَلَى هَذَا الثَّمَنِ لَوْ كَانَ هُوَ الْمُبَاشِرَ لِلْعَقْدِ اهـ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة نَقْلًا عَنْ الْخَانِيَّةِ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْ الْعَدْلِ وَبَيَّنَ الثَّمَنَ لِلْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ فَوَكَّلَ الْوَكِيلُ غَيْرَهُ فَبَاعَ الثَّانِي بِذَلِكَ الثَّمَنِ ذَكَرَ فِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ يَجُوزُ كَمَا ذَكَرَ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ وَفِي عَامَّةِ الرِّوَايَاتِ لَا يَجُوزُ وَإِنْ بَيَّنَ الثَّمَنَ مَا لَمْ يُجِزْ الْمَالِكُ أَوْ الْوَكِيلُ الْأَوَّلُ اهـ. فَكَيْفَ مَعَ هَذَا يُحْمَلُ عَلَى اخْتِلَافِ الْمَوْضُوعِ وَقَدْ ظَهَرَ بِقَوْلِ صَاحِبِ الْمُنْيَةِ وَفِي الْأَصَحِّ لَا إلَّا بِحَضْرَةِ الْأَوَّلِ وَبِقَوْلِ الْخَانِيَّةِ وَفِي عَامَّةِ الرِّوَايَاتِ لَا يَجُوزُ ضَعَّفَ مَا فِي الْهِدَايَةِ وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ يَمْنَعُ النُّقْصَانَ لَا الزِّيَادَةَ وَاخْتِيَارُ الْمُشْتَرِي خُصُوصًا إذَا كَانَ الثَّمَنُ مُؤَجَّلًا لِتَفَاوُتِهِ فِي الذِّمَمِ وَالِاحْتِيَاجِ إلَى الرَّأْيِ فِي ذَلِكَ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ فَتَأَمَّلْ وَفِي الْخَانِيَّةِ أَيْضًا رَجُلٌ وَكَّلَ رَجُلًا أَنْ يَبِيعَ لَهُ هَذَا الثَّوْبَ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَوَكَّلَ الْوَكِيلُ بِذَلِكَ غَيْرَهُ فَبَاعَهُ الثَّانِي بِحَضْرَةِ الْأَوَّلِ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجُوزُ هَذَا الْبَيْعُ كَانَ الْوَكِيلُ الْأَوَّلُ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِجَازَةِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ: لَا يَجُوزُ كَانَ الْوَكِيلُ الْأَوَّلُ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: يَجُوزُ كَانَ الْوَكِيلُ الْأَوَّلُ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ رَضِيَ بِزَوَالِ مِلْكِهِ بِالثَّمَنِ الْمُقَرَّرِ اهـ. فَهُوَ مُؤَيِّدٌ لِمَا قُلْنَاهُ فَتَدَبَّرْ اهـ. كَلَامُ الرَّمْلِيُّ. قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ لَا شَكَّ فِيمَا قَالَهُ الْمُؤَلِّفُ مِنْ أَنَّ مَا فِي الْهِدَايَةِ تَقْدِيرُ الثَّمَنِ مِنْ جِهَةِ الْوَكِيلِ وَمَا فِي الْمُنْيَةِ مِنْ جِهَةِ مُوَكِّلِهِ وَغَايَةُ مَا نَقَلَهُ الْمُحَشِّي وُجُودُ خِلَافٍ فِي الْأُولَى وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ وُجُودُهُ فِي الثَّانِيَةِ إلَّا بِنَقْلٍ صَرِيحٍ نَعَمْ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِهِ يَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَهُوَ ظَاهِرٌ مِنْ كَلَامِ الْهِدَايَةِ وَذَلِكَ أَنَّ عِنْدَ تَقْدِيرِ الثَّمَنِ مِنْ الْمُوَكِّلِ لِوَكِيلِهِ يَظْهَرُ أَنَّ غَرَضَهُ حُصُولُ رَأْيِهِ فِي الزِّيَادَةِ وَاخْتِيَارِ الْمُشْتَرِي وَإِنْ لَمْ يُقَدِّرْهُ لَهُ كَانَ غَرَضُهُ رَأْيَهُ فِي مُعْظَمِ الْأَمْرِ وَهُوَ التَّقْدِيرُ فِي الثَّمَنِ فَنَقُولُ: إذَا لَمْ يُقَدِّرْ الْمُوَكِّلُ لَهُ الثَّمَنَ وَقَدَّرَهُ الْوَكِيلُ لِلْوَكِيلِ الثَّانِي فَقَدْ حَصَلَ غَرَضُ الْمُوَكِّلِ الْأَوَّلِ فَيَصِحُّ عَقْدُهُ بِغَيْبَتِهِ وَإِنْ قَدَّرَهُ لَهُ فَبَاعَ الثَّانِي بِذَلِكَ الثَّمَنِ فِي غَيْبَةِ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ لَمْ يَحْصُلْ غَرَضُ الْمُوَكِّلِ الْأَوَّلِ وَهُوَ حُصُولُ رَأْيِ وَكِيلِهِ فِي الزِّيَادَةِ وَاخْتِيَارِ الْمُشْتَرِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 176 وَظَاهِرُهُ عَدَمُ التَّوَقُّفِ عَلَى إجَازَةِ الْمُوَكِّلِ لِكَوْنِهِ شِرَاءَ فُضُولِيٍّ وَهُوَ لَا يَتَوَقَّفُ وَقَدَّمْنَا عَنْ أُضْحِيَّةِ الْخَانِيَّةِ أَنَّهُ يَتَوَقَّفُ وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ أَنَّهُ فِي الشِّرَاءِ يَنْفُذُ عَلَى الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ وَقَيَّدَ بِالْعَقْدِ احْتِرَازًا عَنْ الْوَكِيلِ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ إذَا وَكَّلَ غَيْرَهُ وَطَلَّقَ الثَّانِي بِحَضْرَةِ الْوَكِيلِ الْأَجْنَبِيِّ أَوْ طَلَّقَ الْأَجْنَبِيُّ فَأَجَازَ الْوَكِيلُ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ عَلَّقَهُ بِلَفْظِ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي وَهُوَ يَتَعَلَّقُ بِالشَّرْطِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ وَاقْتَصَرَ الشَّارِحُونَ وَقَاضِي خَانْ عَلَى الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَيُزَادُ الْإِبْرَاءُ عَنْ الدَّيْنِ لِمَا فِي الْقُنْيَةِ وَكَّلَهُ بِأَنْ يُبْرِئَ غَرِيمَهُ عَنْ الدَّيْنِ فَوَكَّلَ الْوَكِيلُ فَأَبْرَأهُ بِحَضْرَةِ الْأَوَّلِ لَمْ يَصِحَّ اهـ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ كَالْبَيْعِ وَتُزَادُ الْخُصُومَةُ وَقَضَاءُ الدَّيْنِ فَلَا تَكْفِي الْحَضْرَةُ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَيُخَالِفُهُ فِي الْخُصُومَةِ مَا فِي الْخَانِيَّةِ وَإِنْ خَاصَمَ الْوَكِيلُ الثَّانِي وَالْمُوَكِّلُ حَاضِرٌ جَازَ لِأَنَّ الْأَوَّلَ إذَا كَانَ حَاضِرًا كَانَ الْأَوَّلُ خَاصَمَ بِنَفْسِهِ كَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ اهـ. وَظَاهِرُ مَا فِي الْكِتَابِ الِاكْتِفَاءُ بِالْحَضْرَةِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى الْإِجَازَةِ وَهَذَا قَوْلُ الْبَعْضِ وَالْعَامَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إجَازَةِ الْوَكِيلِ أَوْ الْمُوَكِّلِ وَإِنَّ حَضْرَةَ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ لَا تَكْفِي وَالْمُطْلَقُ مِنْ الْعِبَارَاتِ مَحْمُولٌ عَلَى الْإِجَازَةِ. كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَالسِّرَاجِ الْوَهَّاجِ الْخَانِيَّةِ وَإِنَّمَا قَالَ بَاعَ وَلَمْ يَقُلْ عَقَدَ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الشِّرَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ بَلْ يَنْفُذُ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ كَمَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ لَكِنْ لَا يَشْمَلُ النِّكَاحَ وَالْكِتَابَةَ وَالْخُلْعَ مَعَ أَنَّهُمَا كَالْبَيْعِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ فَالْعِبَارَةُ الصَّحِيحَةُ وَلَا يُوَكِّلُ إلَّا بِإِذْنٍ إلَّا فِي دَفْعِ زَكَاةٍ وَقَبْضِ دَيْنٍ لِمَنْ فِي عِيَالِهِ وَعِنْدَ تَقْدِيرِ الثَّمَنِ لَهُ وَالتَّفْوِيضُ إلَى رَأْيِهِ كَالْإِذْنِ إلَّا فِي طَلَاقٍ وَعَتَاقٍ فَإِنْ وَكَّلَ بِدُونِهِمَا فَفَعَلَ الثَّانِي فَأَجَازَهُ الْأَوَّلُ صَحَّ إلَّا فِي طَلَاقٍ وَعَتَاقٍ وَإِبْرَاءٍ وَخُصُومَةٍ وَقَضَاءِ دَيْنٍ وَإِنْ فَعَلَ أَجْنَبِيٌّ فَأَجَازَهُ الْوَكِيلُ جَازَ إلَّا فِي شِرَاءٍ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ قِيلَ لِلْوَكِيلِ: اصْنَعْ مَا شِئْتَ لَهُ التَّوْكِيلُ وَلَوْ قَالَ الْوَكِيلُ الْأَوَّلُ ذَلِكَ لِوَكِيلِهِ لَا يَمْلِكُ الثَّانِي تَوْكِيلَ ثَالِثٍ وَفِي الْأَقْضِيَةِ لَوْ قَالَ السُّلْطَانُ: اسْتَخْلِفْ مَنْ شِئْتَ فَاسْتَخْلَفَ آخَرَ قَالَ الْقَاضِي لَهُ ذَلِكَ اسْتَخْلِفْ مَنْ شِئْتَ لَهُ ذَلِكَ الِاسْتِخْلَافُ أَيْضًا وَثَمَّةَ اهـ. وَفِيهَا وَوَصِيَّةُ الْوَكِيلِ إلَى آخَرَ عِنْدَ الْمَوْتِ كَالتَّوْكِيلِ وَلَوْ كَانَ قَالَ لَهُ: اعْمَلْ بِرَأْيِك فَوَكَّلَ آخَرَ فَبَاعَهُ الثَّانِي مِنْ الْأَوَّلِ لَا يَجُوزُ اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ زَوَّجَ عَبْدٌ أَوْ مُكَاتَبٌ أَوْ كَافِرٌ صَغِيرَتَهُ الْحُرَّةَ الْمُسْلِمَةَ أَوْ بَاعَ مَالَهَا أَوْ اشْتَرَى لَهَا لَمْ يَجُزْ) لِأَنَّ الرِّقَّ وَالْكُفْرَ يَقْطَعَانِ الْوِلَايَةَ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَوْقُوفَ لَا يَمْلِكُ إنْكَاحَ نَفْسِهِ فَكَيْفَ يَمْلِكُ إنْكَاحَ غَيْرِهِ وَكَذَا الْكَافِرُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى الْمُسْلِمِ حَتَّى لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ هَذِهِ وِلَايَةٌ نَظَرِيَّةٌ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّفْوِيضِ لِلْقَادِرِ الْمُشْفِقِ لِيَتَحَقَّقَ مَعْنَى النَّظَرِ وَالرِّقُّ يُزِيلُ الْقُدْرَةَ وَالْكُفْرُ يَقْطَعُ الشَّفَقَةَ عَلَى الْمُسْلِمِ فَلَا يُفَوَّضُ إلَيْهِمَا وَشَمَلَ الْكَافِرُ الذِّمِّيَّ وَالْحَرْبِيَّ الْمُرْتَدَّ فَتَصَرُّفُهُ عَلَى وَلَدِهِ مَوْقُوفٌ إجْمَاعًا وَإِنْ كَانَ نَافِذًا فِي مَالِهِ عِنْدَهُمَا لِأَنَّهَا وِلَايَةٌ نَظَرِيَّةٌ وَذَلِكَ بِاتِّفَاقِ الْمِلَّةِ وَهِيَ مُتَرَدِّدَةٌ ثُمَّ تَسْتَقِرُّ جِهَةُ الِانْقِطَاعِ إذَا قُتِلَ عَلَى الرِّدَّةِ فَتَبْطُلُ وَبِالْإِسْلَامِ يُجْعَلُ كَأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مُسْلِمًا فَيَصِحُّ وَلَوْ قَالَ الْمُؤَلِّفُ: أَوْ اشْتَرَى لَهَا بِمَالِهَا لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّهُ إذَا اشْتَرَى لَهَا بِمَالِ نَفْسِهِ كَانَ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ وَعَدَمُ الْجَوَازِ فِيمَا إذَا اشْتَرَى لَهَا بِمَالِهَا كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ. وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ شَرْطَ الْوِلَايَةِ عَلَى الصَّغِيرِ فِي نَفْسِهِ وَمَالِهِ حُرِّيَّةُ الْوَلِيِّ وَإِسْلَامُهُ إنْ كَانَ الصَّغِيرُ مُسْلِمًا وَإِلَّا لَا وَفِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ مِنْ الْبُيُوعِ الْوِلَايَةُ فِي مَالِ الصَّغِيرِ إلَى الْأَبِ وَوَصِيِّهِ ثُمَّ وَصِيِّ وَصِيِّهِ ثُمَّ إلَى أَبِ الْأَبِ ثُمَّ إلَى وَصِيِّهِ ثُمَّ إلَى الْقَاضِي ثُمَّ إلَى مَنْ نَصَبَهُ الْقَاضِي فَلَيْسَ لِوَصِيِّ الْأُمِّ وِلَايَةُ التَّصَرُّفِ فِي تَرِكَةِ الْأُمِّ مَعَ حَضْرَةِ الْأَبِ أَوْ وَصِيِّهِ أَوْ وَصِيِّ وَصِيِّهِ أَوْ الْجَدِّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَاحِدٌ مِمَّنْ ذَكَرْنَا فَلَهُ الْحِفْظُ وَبَيْعُ الْمَنْقُولِ لَا الْعَقَارِ وَالشِّرَاءُ لِلتِّجَارَةِ وَمَا اسْتَفَادَهُ الصَّغِيرُ غَيْرُ مَالِ الْأُمِّ مُطْلَقًا وَتَمَامُهُ فِيهَا اهـ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَظَاهِرُهُ عَدَمُ التَّوَقُّفِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: يَنْبَغِي التَّفْصِيلُ فِي الْمَسْأَلَةِ بَيْنَمَا أَضَافَهُ الثَّانِي لِمُوَكِّلِهِ فَيَتَوَقَّفُ وَبَيْنَ مَا لَمْ يُضِفْهُ فَلَا فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَعِنْدَ تَقْدِيرِ الثَّمَنِ لَهُ) فَاعِلُ التَّقْدِيرِ هُوَ الْوَكِيلُ الْأَوَّلُ وَالضَّمِيرُ فِي لَهُ لِلْوَكِيلِ الثَّانِي لِيُوَافِقَ مَا قَدَّمَهُ عَنْ الْهِدَايَةِ وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ مِنْهُ بَدَلَ قَوْلِهِ لَهُ لِيَكُونَ أَبْعَدَ عَنْ إيهَامِ أَنَّ فَاعِلَ الْمَصْدَرِ هُوَ الْمُوَكِّلُ الْأَوَّلُ وَالضَّمِيرُ فِي لَهُ لِلْوَكِيلِ الْأَوَّلِ فَيُخَالِفُ مَا صَحَّحَهُ فِي الْمُنْيَةِ وَقَدْ خَفِيَ هَذَا عَلَى الشَّيْخِ عَلَاءِ الدِّينِ فِي شَرْحِ التَّنْوِيرِ. [زَوَّجَ عَبْدٌ أَوْ مُكَاتَبٌ أَوْ كَافِرٌ صَغِيرَتَهُ الْحُرَّةَ الْمُسْلِمَةَ] (قَوْلُهُ ثُمَّ وَصِيُّ وَصِيِّهِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ وَإِنْ بَعُدَ كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ (قَوْلُهُ فَلَهُ الْحِفْظُ وَبَيْعُ الْمَنْقُولِ لَا الْعَقَارِ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْوَصِيَّ يَمْلِكُ بَيْعَ الْعَقَارِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ وَصِيُّ الْأُمِّ مَعَ أَنَّ الْمُصَرَّحَ بِهِ عَدَمُهُ إلَّا لِمُسَوِّغٍ كَأَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ بِضَعْفِ الْقِيمَةِ أَوْ يَكُونُ فِي يَدِ مُتَغَلِّبٍ أَوْ أَشْرَفَ عَلَى الْخَرَابِ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الْأَعْذَارِ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي الدُّرِّ مِنْ كِتَابِ الْوَصَايَا مَعْزِيًّا لِلدُّرَرِ وَالْأَشْبَاهِ قُلْت: الْمَسْأَلَةُ مُخْتَلَفٌ فِيهَا فَمَا هُنَا يَبْتَنِي عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مِنْ جَوَازِ بَيْعِهِ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ قَالَ الْحَلْوَانِيُّ: وَهَذَا جَوَابُ السَّلَفِ وَمَا فِي الدُّرَرِ وَالْأَشْبَاهِ جَوَابُ الْمُتَأَخِّرِينَ قَالَ فِي الْوَاقِعَاتِ: وَبِهِ يُفْتَى أَفَادَهُ أَبُو السُّعُودِ فِي حَاشِيَةِ مِسْكِينٍ (قَوْلُهُ وَمَا اسْتَفَادَهُ الصَّغِيرُ غَيْرُ مَالِ الْأُمِّ) أَيْ لَيْسَ لِوَصِيِّ الْأُمِّ وِلَايَةُ التَّصَرُّفِ فِي مَالٍ اسْتَفَادَهُ مِنْ غَيْرِ الْأُمِّ قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ فِي الْفَصْلِ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْهُمْ فَلَهُ الْحِفْظُ وَبَيْعُ الْمَنْقُولِ مِنْ الْحِفْظِ وَلَيْسَ لَهُ بَيْعُ عَقَارِهِ وَلَا وِلَايَةُ الشِّرَاءِ عَلَى التِّجَارَةِ إلَّا شِرَاءُ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ مِنْ نَفَقَةٍ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 177 (بَابُ الْوَكَالَةِ بِالْخُصُومَةِ وَالْقَبْضِ) قَدَّمْنَا مَعْنَاهَا لُغَةً وَشَرْعًا وَأَنَّهَا تَتَخَصَّصُ وَتَتَعَمَّمُ فَلْيُرْجَعْ إلَيْهِ أَوَّلَ الْكِتَابِ (قَوْلُهُ الْوَكِيلُ بِالْخُصُومَةِ وَالتَّقَاضِي لَا يَمْلِكُ الْقَبْضَ) وَهَذَا قَوْلُ زُفَرَ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِخُصُومَتِهِ وَالْقَبْضُ غَيْرُهَا وَلَمْ يَرْضَ بِهِ وَعِنْدَنَا هُوَ وَكِيلٌ بِالْقَبْضِ لِأَنَّ مَنْ مَلَكَ شَيْئًا مَلَكَ إتْمَامَهُ وَتَمَامُ الْخُصُومَةِ وَانْتِهَاؤُهَا بِالْقَبْضِ وَالْفَتْوَى الْيَوْمَ عَلَى قَوْلِ زُفَرَ لِظُهُورِ الْخِيَانَةِ فِي الْوُكَلَاءِ وَقَدْ يُؤْتَمَنُ عَلَى الْخُصُومَةِ مَنْ لَا يُؤْتَمَنُ عَلَى الْمَالِ وَنَظِيرُهُ الْوَكِيلُ بِالتَّقَاضِي يَمْلِكُ الْقَبْضَ عَلَى أَصْلِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ وَضْعًا لِمَا فِي الْأَسَاسِ تَقَاضَيْتُهُ دَيْنِي وَبِدَيْنِي وَاقْتَضَيْتُهُ دَيْنِي وَاسْتَقْضَيْتُهُ وَاقْتَضَيْتُ مِنْهُ حَقِّي أَيْ أَخَذْتُهُ إلَّا أَنَّ الْعُرْفَ بِخِلَافِهِ وَهُوَ قَاضٍ عَلَى الْوَضْعِ وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَفِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى التَّوْكِيلُ بِالتَّقَاضِي يَعْتَمِدُ الْعُرْفَ إنْ كَانَ فِي بَلْدَةٍ كَانَ الْعُرْفُ بَيْنَ التُّجَّارِ أَنَّ الْمُتَقَاضِيَ هُوَ الَّذِي يَقْبِضُ الدَّيْنَ كَانَ التَّوْكِيلُ بِالتَّقَاضِي تَوْكِيلًا بِالْقَبْضِ وَإِلَّا فَلَا ذَكَرَهُ عَنْ الْفَضْلِ اهـ قَيَّدَ بِالْوَكِيلِ لِأَنَّ الرَّسُولَ بِالتَّقَاضِي يَمْلِكُ الْقَبْضَ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الرَّسُولِ فِي الْقَبْضِ وَلَا يَمْلِكُ الْخُصُومَةَ إجْمَاعًا كَذَا فِي الصُّغْرَى أَيْضًا وَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ إلَى أَنَّ الْوَكِيلَ بِالْخُصُومَةِ لَا يُصَالِحُ وَإِلَى أَنَّ الْوَكِيلَ بِالْمُلَازَمَةِ لَا يَمْلِكُ الْخُصُومَةَ وَالْقَبْضَ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَهُنَا عَشْرُ مَسَائِلَ الْوَكِيلُ بِقَبْضِ الدَّيْنِ أَوْ الْعَيْنِ وَسَيَأْتِي بِالْخُصُومَةِ أَوْ التَّقَاضِي أَوْ بِالْمُلَازَمَةِ وَقَدَّمْنَاهَا وَبِالْقِسْمَةِ وَبِالْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ وَبِالرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ يَمْلِكُ الْخُصُومَةَ وَالْقَبْضَ وَبِالرَّدِّ بِالْعَيْبِ يُخَاصِمُ وَيَحْلِفُ وَالْوَكِيلُ بِحِفْظِ الْعَيْنِ لَا يُخَاصِمُ وَلَوْ وَكَّلَهُ بِطَلَبِ كُلِّ حَقٍّ لَهُ عَلَى النَّاسِ أَوْ بِكُلِّ حَقٍّ لَهُ بِخُوَارِزْمَ يَدْخُلُ الْقَائِمُ لَا الْحَادِثُ وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ إذَا وَكَّلَهُ بِقَبْضِ كُلِّ حَقٍّ لَهُ عَلَى فُلَانٍ يَدْخُلُ الْقَائِمُ وَالْحَادِثُ أَيْضًا فَلْيُتَأَمَّلْ عِنْدَ الْفَتْوَى وَفِي الْمُنْتَقَى وَكَّلَهُ بِقَبْضِ كُلِّ دَيْنٍ لَهُ يَدْخُلُ الْحَادِثُ أَيْضًا كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ بِقَبْضِ غَلَّتِهِ يَقْبِضُ الْغَلَّةَ الْحَادِثَةَ أَيْضًا اهـ. وَقَدْ فَاتَهُ الْوَكِيلُ بِالصُّلْحِ فَإِنَّهُ لَا يُخَاصِمُ كَمَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ مِنْ بَابِ الْوَكَالَةِ بِالدَّمِ وَفِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي ادَّعَى أَنَّ فُلَانًا وَكَّلَهُ بِطَلَبِ كُلِّ حَقٍّ بِالْكُوفَةِ وَبِقَبْضِهِ بِالْخُصُومَةِ فِيهِ وَجَاءَ بِالْبَيِّنَةِ عَلَى الْوَكَالَةِ وَالْمُوَكِّلُ غَائِبٌ وَلَمْ يُحْضِرُ الْوَكِيلُ أَحَدًا قِبَلَهُ لِلْمُوَكِّلِ حَقٌّ فَالْقَاضِي لَا يَسْمَعُ مِنْ شُهُودِهِ حَتَّى يُحْضِرَ خَصْمًا جَاحِدًا لِذَلِكَ أَوْ مُقِرًّا بِهِ فَحِينَئِذٍ يَسْمَعُ وَيَنْفُذُ لَهُ الْوَكَالَةُ فَإِنْ أَحْضَرَ بَعْدَ ذَلِكَ غَرِيمًا آخَرَ لَمْ يَحْتَجْ إلَى إعَادَةِ الْبَيِّنَةِ وَلَوْ ادَّعَى الْوَكَالَةَ بِطَلَبِ كُلِّ حَقٍّ لَهُ قِبَلَ إنْسَانٍ بِعَيْنِهِ يُشْتَرَطُ حُضُورُهُ بِعَيْنِهِ وَإِذَا ثَبَتَ بِحُضُورِهِ فَجَاءَ بِخَصْمٍ آخَرَ يُقِيمُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْوَكَالَةِ مَرَّةً أُخْرَى ادَّعَى أَنَّهُ وَكَّلَهُ بِقَبْضِ كُلِّ حَقٍّ لَهُ وَلِمُوَكِّلِهِ عَلَى هَذَا كَذَا وَأَقَامَ بِبَيِّنَةٍ شَهِدُوا عَلَى الْوَكَالَةِ وَالْحَقُّ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ دَفْعَةً وَاحِدَةً تُقْبَلُ عَلَى الْوَكَالَةِ لَا غَيْرُ وَيُؤْمَرُ بِإِعَادَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْحَقِّ عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَ هُمَا تُقْبَلُ عَلَى الْأَمْرَيْنِ يَقْضِي بِالْوَكَالَةِ أَوَّلًا ثُمَّ بِالْمَالِ كَذَا لَوْ ادَّعَى بِهِ وَصِيُّ الْمَيِّتِ اهـ. وَفِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي أَيْضًا وَلَوْ حَضَرَ الْمُوَكِّلُ إلَى الْقَاضِي وَوَكَّلَ الْوَكِيلَ وَلَيْسَ مَعَهُ خَصْمٌ جَازَ وَكَانَ وَكِيلًا إنْ كَانَ يَعْرِفُ الْقَاضِي الْمُوَكِّلَ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ الْقَاضِي لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ وَقْتَ الْقَضَاءِ بِالْوَكَالَةِ غَائِبٌ وَالْغَائِبُ إنَّمَا يَصِيرُ مَعْلُومًا بِالِاسْمِ وَالنَّسَبِ فَإِذَا كَانَ الْقَاضِي يَعْرِفُ اسْمَ الْمُوَكِّلِ وَنَسَبَهُ أَمْكَنَ الْقَضَاءُ بِالْوَكَالَةِ وَإِلَّا لَوْ قَضَى بِهَا قَضَى لِمَعْلُومٍ عَلَى مَجْهُولٍ فَإِنْ قَالَ الْمُوَكِّلُ: أَنَا أُقِيمُ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنِّي فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ لَمْ يُسْمَعْ مِنْهُ لِأَنَّ شَرْطَ سَمَاعِهَا عَلَى النَّسَبِ الْخُصُومَةُ فِيهِ وَلَمْ يُوجَدْ اهـ. وَفِي الْقُنْيَةِ لَا يُقْبَلُ مِنْ الْوَكِيلِ بِالْخُصُومَةِ بَيِّنَةٌ عَلَى وَكَالَتِهِ مِنْ غَيْرِ خَصْمٍ حَاضِرٍ وَلَوْ قَضَى بِهَا صَحَّ لِأَنَّهُ قَضَاءٌ فِي الْمُخْتَلَفِ اهـ. وَفِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ رَجُلٌ وَكَّلَ رَجُلًا بِبَيْعِ عَيْنٍ مِنْ أَعْيَانِ مَالِهِ فَأَرَادَ الْوَكِيلُ أَنْ يُثْبِتَ الْوَكَالَةَ بِالْبَيْعِ عِنْدَ الْقَاضِي حَتَّى لَوْ جَاءَ الْمُوَكِّلُ وَأَنْكَرَ لَا يَلْتَفِتُ إلَى إنْكَارِهِ فَلَهُ وُجُودُ أَحَدِهَا أَنْ يُسَلِّمَ الْوَكِيلُ الْعَيْنَ إلَى رَجُلٍ ثُمَّ يَدَّعِيَ أَنَّهُ وَكِيلٌ مِنْ مَالِكِهِ بِالْقَبْضِ وَالْبَيْعِ فَسَلِّمْهُ لِي فَيَقُولَ ذُو الْيَدِ لَا عِلْمَ لِي بِالْوَكَالَةِ فَيُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّهُ وَكِيلُهُ بِالْقَبْضِ وَالْبَيْعِ فَيَسْمَعَ الْقَاضِي ذَلِكَ وَيَأْمُرَهُ بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ فَيَبِيعَهُ.   [منحة الخالق] أَوْ كُسْوَةٍ وَمَا مَلَكَهُ الْيَتِيمُ مِنْ مَالٍ غَيْرِ تَرِكَةِ أُمِّهِ فَلَيْسَ لِوَصِيِّ أُمِّهِ التَّصَرُّفُ فِيهِ مَنْقُولًا أَوْ غَيْرَهُ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ أَضْعَفَ الْوَصِيَّيْنِ فِي أَقْوَى الْحَالَيْنِ كَأَقْوَى الْوَصِيَّيْنِ فِي أَضْعَفِ الْحَالَيْنِ وَأَضْعَفُ الْوَصِيَّيْنِ وَصِيُّ الْأُمِّ وَالْأَخِ وَالْعَمِّ وَأَقْوَى الْحَالَيْنِ حَالُ صِغَرِ الْوَرَثَةِ وَأَقْوَى الْوَصِيَّيْنِ وَصِيُّ الْأَبِ وَالْجَدِّ وَالْقَاضِي وَأَضْعَفُ الْحَالَيْنِ حَالُ كِبَرِ الْوَرَثَةِ ثُمَّ وَصِيُّ الْأُمِّ فِي حَالِ صِغَرِ الْوَرَثَةِ كَوَصِيِّ الْأَبِ فِي حَالِ كِبَرِ الْوَرَثَةِ عِنْدَ غَيْبَةِ الْوَارِثِ فَلِلْوَصِيِّ بَيْعُ مَنْقُولِهِ لَا عَقَارِهِ كَوَصِيِّ الْأَبِ حَالَ كِبَرِهِمْ اهـ. [بَابُ الْوَكَالَةِ بِالْخُصُومَةِ وَالْقَبْضِ] (بَابُ الْوَكَالَةِ بِالْخُصُومَةِ وَالْقَبْضِ) (قَوْلُهُ وَفِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى إلَخْ) نَقَلَ فِي الْمِنَحِ عَنْ السِّرَاجِيَّةِ أَنَّ عَلَيْهِ الْفَتْوَى وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْمُضْمَرَاتِ وَالْآنَ يُحَكَّمُ عُرْفُ التُّجَّارِ وَبِهِ يُفْتَى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 178 وَثَانِيهَا أَنْ يَقُولَ: هَذَا مِلْكُ فُلَانٍ أَبِيعُهُ مِنْكَ فَإِذَا بَاعَهُ مِنْهُ يَأْمُرُهُ بِقَبْضِ الْمَبِيعِ فَيَقُولُ الْمُشْتَرِي لَا أَقْبِضُ مِنْك لِأَنِّي أَخَافُ أَنْ يَجِيءَ الْمَالِكُ وَيُنْكِرَ الْوَكَالَةَ وَرُبَّمَا يَكُونُ الْمَقْبُوضُ هَالِكًا فِي يَدِي أَوْ يَحْصُلُ مِنْهُ نُقْصَانٌ فَيُضَمِّنَنِي فَيُقِيمَ الْوَكِيلُ بِبَيِّنَةٍ أَنَّهُ وَكِيلُ فُلَانٍ بِالْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ وَيُجْبِرُهُ عَلَى الْقَبْضِ وَيَثْبُتُ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وِلَايَةُ الْجَبْرِ عَلَى الْقَبْضِ وَثَالِثُهَا رَجُلٌ ادَّعَى أَنَّ الدَّارَ الَّتِي فِي يَدِكَ مِلْكُ فُلَانٍ وَأَنْتَ وَكِيلُهُ بِالْبَيْعِ وَقَدْ بِعْتَ مِنِّي فَقَالَ: بِعْتُ مِنْكَ وَلَكِنْ لَسْت بِوَكِيلٍ مِنْ فُلَانٍ وَلَمْ يُوَكِّلْنِي بِالْبَيْعِ فَأَقَامَ مُدَّعِي الشِّرَاءِ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّهُ وَكِيلُ فُلَانٍ بِالْبَيْعِ فَهُوَ خَصْمٌ حَتَّى تُقْبَلَ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ وَيَثْبُتَ كَوْنُهُ وَكِيلًا عَنْهُ فِي الْبَيْعِ. (قَوْلُهُ وَبِقَبْضِ الدَّيْنِ يَمْلِكُ الْخُصُومَةَ) أَيْ الْوَكِيلُ بِقَبْضِ الدَّيْنِ يَلِي الْخُصُومَةَ مَعَ الْمَدْيُونِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى لَوْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ عَلَى اسْتِيفَاءِ الْمُوَكِّلِ أَوْ أَبِرَائِهِ تُقْبَلُ عِنْدَهُ وَقَالَا: لَا يَكُونُ خَصْمًا وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ الْقَبْضَ غَيْرُ الْخُصُومَةِ وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ يُؤْتَمَنُ عَلَى الْمَالِ يَهْتَدِي فِي الْخُصُومَاتِ فَلَمْ يَكُنْ الرِّضَا بِالْقَبْضِ رِضًا بِهَا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ وَكَّلَهُ بِالتَّمْلِيكِ لِأَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا إذْ قَبْضُ الدَّيْنِ نَفْسُهُ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا أَنَّهُ جُعِلَ اسْتِيفَاءً لِغَيْرِ حَقِّهِ مِنْ وَجْهٍ فَأَشْبَهَ الْوَكِيلَ بِأَخْذِ الشُّفْعَةِ وَالرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ وَالْوَكِيلَ بِالشِّرَاءِ وَالْقِسْمَةِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَهَذِهِ أَشْبَهُ بِأَخْذِ الشُّفْعَةِ حَتَّى يَكُونَ خَصْمًا قَبْلَ الْقَبْضِ كَمَا يَكُونُ خَصْمًا قَبْلَ الْأَخْذِ هُنَالِكَ وَالْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ لَا يَكُونُ خَصْمًا قَبْلَ مُبَاشَرَةِ الشِّرَاءِ وَهَذَا لِأَنَّ الْمُبَادَلَةَ تَقْتَضِي حُقُوقًا وَهُوَ أَصِيلٌ فِيهَا فَيَكُونُ خَصْمًا فِيهَا كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَفِي الذَّخِيرَةِ عَلَى قَوْلِهِمَا لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ لِبَرَاءَتِهِ وَتُقْبَلُ لِقِصَرِ يَدِ الْوَكِيلِ حَتَّى لَا يَتَمَكَّنَ مِنْ قَبْضِهِ بَلْ يُوقَفُ الْأَمْرُ إلَى حُضُورِ الْغَائِبِ اهـ. وَفِي النِّهَايَةِ فَتُقْبَلُ بَيِّنَةُ الشَّرِيكِ عَلَى الْوَكِيلِ بِالْقِسْمَةِ أَوْ مُوَكِّلُهُ أَخَذَ نَصِيبَهُ وَكَذَا الْمَوْهُوبُ لَهُ فَتُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ عَلَى الْوَكِيلِ فِي الرُّجُوعِ إنَّ مُوَكِّلَهُ أَخَذَ عِوَضَهَا وَكَذَا الْبَائِعُ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ عَلَى الْوَكِيلِ بِالرَّدِّ بِالْعَيْبِ إنْ مُوَكِّلُهُ رَضِيَ بِهِ اهـ. لَا يُقَالُ لَوْ كَانَ وَكِيلًا بِالْمُبَادَلَةِ وَجَبَ أَنْ تَلْحَقَهُ الْعُهْدَةُ فِي الْمَقْبُوضِ لِأَنَّهُ اسْتِيفَاءُ عَيْنِ الْحَقِّ مِنْ وَجْهٍ لِأَنَّ مِنْ الدُّيُونِ مَا لَا يَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ بِهِ فَلِشَبَهِهِ بِالْمُبَادَلَةِ جَعَلْنَاهُ خَصْمًا وَلِشَبَهِهِ بِأَخْذِ الْعَيْنِ لَا تَلْحَقُهُ الْعُهْدَةُ عَمَلًا بِهِمَا كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَالذَّخِيرَةِ أَوْرَدَ أَيْضًا لَوْ كَانَ وَكِيلًا بِالْمُبَادَلَةِ لَمْ يَجُزْ تَوْكِيلُ الْمُسْلِمِ فِي قَبْضِ الْخَمْرِ كَمَا لَا يُوَكَّلُ فِي تَمْلِيكِهَا وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ حُكْمًا وَالْمُسْلِمُ يَصِحُّ أَنْ يَمْلِكَهَا حُكْمًا وَإِنْ لَمْ يَجُزْ عَقْدُهُ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ يَصِحُّ تَوْكِيلُ الذِّمِّيِّ الْمُسْلِمِ فِي قَبْضِ الْخَمْرِ وَيُكْرَهُ لِلْمُسْلِمِ قَبْضُهَا وَفِي الذَّخِيرَةِ أَنَّ الِاخْتِلَافَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُوَكِّلَ فِيهِ مِلْكُ الْمُوَكِّلِ أَوْ مِلْكُ الْغَيْرِ فَقَالَا بِالْأَوَّلِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَقْبُوضَ عَيْنُ صَاحِبِ الدَّيْنِ حُكْمًا حَتَّى كَانَ لَهُ الْأَخْذُ مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ وَلَا رِضًا كَمَا لَوْ كَانَ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ أَوْ غَصْبٌ وَقَالَ الْإِمَامُ: إنَّهُ وَكِيلٌ بِقَبْضِ مِلْكِ الْغَيْرِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَقْبُوضَ لَيْسَ مِلْكَ رَبِّ الدَّيْنِ حَقِيقَةً بَلْ هُوَ بَدَلُهُ بِدَلِيلِ أَنَّ لِلْمَدْيُونِ التَّصَرُّفَ فِيمَا فِي يَدِهِ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ الدَّائِنُ اهـ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّا قَدَّمْنَا عَلَى الْهِدَايَةِ أَنَّ الْوَكِيلَ بِقَبْضِ الدَّيْنِ يَنْتَصِبُ خَصْمًا لِلْمَدْيُونِ إذَا ادَّعَى اسْتِيفَاءَ الْمُوَكِّلِ أَوْ إبْرَاءَهُ وَفَرَّقَ فِي الذَّخِيرَةِ بَيْنَهُمَا فَجَعَلَهُ خَصْمًا لَهُ فِي دَعْوَى الْإِيفَاءِ لِرَبِّ الدَّيْنِ دُونَ الْإِبْرَاءِ لِأَنَّهُ خَصْمٌ فِي الْإِثْبَاتِ لِكَوْنِهِ سَبَبًا لِقَبْضِهِ وَالْإِيفَاءُ إلَى الطَّالِبِ وَقَبْضُ الْوَكِيلِ سَوَاءٌ بِخِلَافِ الْإِبْرَاءِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي جَعْلِهِ خَصْمًا فِيهِ إحْيَاءً لِحَقِّهِ بَلْ فِيهِ إبْطَالُ حَقِّهِ وَهُوَ قِيَاسُ مَسْأَلَةِ الْوَكِيلِ بِأَخْذِ الشُّفْعَةِ فَإِنَّهُ يَكُونُ خَصْمًا فِي الْإِثْبَاتِ وَإِذَا ادَّعَى عَلَيْهِ تَسْلِيمَ الْآخَرِ فَإِنَّهُ لَا يَصِيرُ خَصْمًا لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ إبْطَالِ حَقِّ الْمُوَكِّلِ وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِهِ مَسْأَلَةَ دَعْوَى الْإِبْرَاءِ عَلَى الْوِفَاقِ وَذَكَرَهَا الشَّيْخُ الْإِمَامُ الزَّاهِدُ أَحْمَدُ الطَّوَاوِيسِيُّ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَا فِي دَعْوَى الْإِيفَاءِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ مُحَمَّدٌ فِي أَوَّلِ وَكَالَةِ الْأَصْلِ اهـ. وَالْحَوَالَةُ   [منحة الخالق] قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَبِقَبْضِ الدَّيْنِ يَمْلِكُ الْخُصُومَةَ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّ الْجَابِيَ يَمْلِكُ الْمُخَاصَمَةَ مَعَ مُسْتَأْجِرِي الْوَقْفِ إذَا ادَّعَوْا اسْتِيفَاءَ النَّاظِرِ لِأَنَّ النَّاظِرَ إذَا أَقَامَ جَابِيًا صَارَ وَكِيلًا عَنْهُ فِي الْقَبْضِ لِمَا عَلَيْهِمْ وَهِيَ وَاقِعَةُ الْفَتْوَى وَانْظُرْ لِمَا كَتَبْنَاهُ فِي أَحْكَامِ الْوُكَلَاءِ عَلَى جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ عَلَى اسْتِيفَاءِ الْمُوَكِّلِ أَوْ إبْرَائِهِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَيَّدَ بِهِمَا لِأَنَّهُ لَوْ ادَّعَى دَيْنًا عَلَى الْمُوَكِّلِ وَأَرَادَ مُقَاصَّتَهُ بِهِ لَا يَكُونُ الْوَكِيلُ خَصْمًا عَنْهُ وَهِيَ وَاقِعَةُ الْفَتْوَى وَكَذَلِكَ لَوْ ادَّعَى الْمُشْتَرِي عَلَى وَكِيلِ الْبَائِعِ فِي قَبْضِ ثَمَنِ الْمَبِيعِ عَيْبًا وَأَرَادَ رَدَّهُ عَلَيْهِ لَا يَكُونُ خَصْمًا فِيهِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْكَلَامُ الْأَتِيّ وَهِيَ وَاقِعَةُ الْفَتْوَى أَيْضًا تَأَمَّلْهُ تَفْهَمْهُ وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْمُجْتَبَى شَرْحِ الْقُدُورِيِّ كَالصَّرِيحِ فِيمَا قُلْنَاهُ فَإِنَّهُ قَالَ: وَالْوَكِيلُ بِقَبْضِ الدَّيْنِ وَكِيلٌ بِالْخُصُومَةِ فِيهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَقَوْلُهُ فِيهِ أَيْ فِي الدَّيْنِ يَمْنَعُ كَوْنَهُ وَكِيلًا بِالْخُصُومَةِ فِي غَيْرِهِ كَادِّعَاءِ الْمَدْيُونِ الدَّيْنَ وَكَادِّعَائِهِ الْعَيْبَ فِي وَاقِعَتَيْ الْحَالِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَقَالَا: لَا يَكُونُ خَصْمًا) قَالَ فِي الْفَصْلِ الْخَامِسِ مِنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: وَلَوْ وَكَّلَهُ بِقَبْضِ دَيْنِهِ فَبَرْهَنَ عَلَى الْإِيفَاءِ إلَى مُوَكِّلِهِ يُقْبَلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِخِلَافِ الْعَيْنِ وَيُوقَفُ عِنْدَهُمَا فِي الْكُلِّ الْعَيْنُ وَالدَّيْنُ وَالْحَقُّ أَنَّ قَوْلَهُمَا أَقْوَى وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْهُ كَذَا فِي (عده) وَغَيْرِهِ اهـ. مُلَخَّصًا. وَمِثْلُهُ فِي نُورِ الْعَيْنِ لَكِنْ فِي تَصْحِيحِ الْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ وَعَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ الْمَحْبُوبِيِّ فِي أَصَحِّ الْأَقَاوِيلِ وَالِاخْتِيَارَاتِ وَالنَّسَفِيِّ وَالْمَوْصِلِيِّ وَصَدْرِ الشَّرِيعَةِ (قَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُ جَعَلَ اسْتِيفَاءَ الْعَيْنِ حَقَّهُ مِنْ وَجْهٍ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: إنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِئَلَّا يَمْتَنِعَ قَضَاءُ دُيُونٍ لَا يَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ بِهَا كَبَدَلِ السَّلَمِ وَالصَّرْفِ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 179 كَالْإِبْرَاءِ وَلَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إلَّا أَنَّهُ خَصْمٌ فِي دَعْوَى الْإِيفَاءِ وَسَكَتَ عَنْ الْإِبْرَاءِ وَكَذَا سَكَتَ عَنْهُ فِي كَافِي الْحَاكِمِ الَّذِي هُوَ جَمْعُ كَلَامِ مُحَمَّدٍ وَفِي الْبَدَائِعِ لَوْ أَقَامَ الْغَرِيمُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْإِيفَاءِ سُمِعَتْ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا وَعَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ لَوْ أَقَامَهَا الْغَرِيمُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ أَعْطَى الطَّالِبَ بِالدَّرَاهِمِ دَنَانِيرَ أَوْ بَاعَهُ بِهَا عَرْضًا فَبَيِّنَتُهُ مَسْمُوعَةٌ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا لِأَنَّ إيفَاءَ الدَّيْنِ بِطَرِيقَيْنِ بِالْمُقَاصَّةِ وَالْمُبَادَلَةِ وَيَسْتَوِي فِيهِمَا الْجِنْسُ وَخِلَافُهُ اهـ. وَلَمْ يَذْكُرْ الْإِبْرَاءَ وَنَقَلَ فِي الْمِعْرَاجِ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ دَعْوَى الْإِيفَاءِ وَالْإِبْرَاءِ عَنْ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرَهُ وَصَرَّحَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى بِأَنَّ الْوَكِيلَ بِقَبْضِ الدَّيْنِ يَصِيرُ خَصْمًا فِي إثْبَاتِ الدَّيْنِ وَفِي إثْبَاتِ الْإِبْرَاءِ وَالْإِيفَاءِ عَلَيْهِ بِالْبَيِّنَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا ثُمَّ قَالَ الرَّسُولُ أَوْ الْمَأْمُورُ بِقَبْضِ الدَّيْنِ: لَا يَمْلِكُ الْخُصُومَةَ وَذَكَرَ خواهر زاده فِي الْمَعْقُودِ أَنَّ الْوَكِيلَ بِقَبْضِ الدَّيْنِ لَا يَمْلِكُ الْخُصُومَةَ إجْمَاعًا إنْ كَانَ وَكِيلَ الْقَاضِي كَمَا لَوْ وَكَّلَ وَكِيلًا بِقَبْضِ دُيُونِ الْغَائِبِ اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْأَمْرَ لَيْسَ بِتَوْكِيلٍ وَقَدَّمْنَا مَا فِيهِ وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَكِيلٌ طَلَبَ الشُّفْعَةَ وَالرَّدَّ بِعَيْبٍ وَالْقِسْمَةَ تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ عَلَيْهِ أَنَّ مُوَكِّلَهُ سَلَّمَ الشُّفْعَةَ أَوْ أَبْرَأَ عَنْ الْعَيْبِ ثُمَّ رَقَمَ لَا تُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ أَنَّ مُوَكِّلَهُ سَلَّمَ الشُّفْعَةَ وَكَتَبَ عَلَى حَاشِيَةِ هَذَا الْكِتَابِ أَنَّهُ كُتِبَ مِنْ نُسْخَةٍ وَقَدْ زَلَّ قَدَمٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ تُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ اهـ. فَعُلِمَ أَنَّ مَا فِي الذَّخِيرَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى ضَعِيفٍ فَالْمُعْتَمَدُ مَا فِي الْهِدَايَةِ مِنْ عَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْإِيفَاءِ وَالْإِبْرَاءِ وَقَدَّمْنَا شَيْئًا مِنْ أَحْكَامِ الْوَكِيلِ بِالْقَبْضِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إبْرَاؤُهُ وَلَا حَطُّهُ وَلَا تَأْجِيلُهُ وَلَا أَخْذُهُ الرَّهْنَ وَلَا الْكَفِيلَ بِشَرْطِ بَرَاءَةِ الْأَصِيلِ وَلَا قَبُولُ الْحَوَالَةِ وَلَا تَوْكِيلُهُ بِغَيْرِ إذْنٍ وَتَعْمِيمٍ وَأَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي دَعْوَى الْقَبْضِ وَالْهَلَاكِ فِي يَدِهِ وَالدَّفْعِ إلَى مُوَكِّلِهِ لَكِنْ فِي حَقِّ بَرَاءَةِ الْمَدْيُونِ لَا فِي حَقِّ الرُّجُوعِ عَلَى الْمُوَكِّلِ عَلَى تَقْدِيرِ الِاسْتِحْقَاقِ حَتَّى لَوْ اسْتَحَقَّ إنْسَانٌ مَا أَقَرَّ الْوَكِيلُ بِقَبْضِهِ وَضَمَّنَ الْمُسْتَحِقُّ الْوَكِيلَ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ الْوَكِيلُ عَلَى مُوَكِّلِهِ كَذَا فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى وَيُسْتَثْنَى مِنْ قَبُولِ إقْرَارِهِ بِالْقَبْضِ عَلَى مُوَكِّلِهِ مَسْأَلَةٌ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ قَالَ فِي الْوَاقِعَاتِ الْحُسَامِيَّةِ إذَا قَالَ لِآخَرَ: إنَّ فُلَانًا قَدْ أَقْرَضَكَ أَلْفًا فَوَكَّلْتُكَ بِقَبْضِهَا مِنْهُ ثُمَّ قَالَ الْوَكِيلُ: قَبَضْتُ وَصَدَّقَهُ الْمُقْرِضُ وَأَنْكَرَ الْمُوَكِّلُ فَالْقَوْلُ لِلْمُوَكِّلِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْقَوْلَ لِلْوَكِيلِ وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ الْمُقْرِضَ يَدَّعِي عَلَى الْمُوَكِّلِ ثُبُوتَ الْقَرْضِ وَهُوَ يُنْكِرُ وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمُوَكِّلَ سَلَّطَ الْوَكِيلَ عَلَى ذَلِكَ فَيَنْفُذُ عَلَيْهِ إقْرَارُهُ كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ بِقَبْضِ الدَّيْنِ مِنْ مَدْيُونِهِ فَقَالَ: قَبَضْتُ وَالْفَتْوَى عَلَى الْأَوَّلِ الْوَكِيلُ بِقَبْضِ الدَّيْنِ إذَا قَالَ: قَبَضْتُ وَدَفَعْتُ إلَى الْمُوَكِّلِ فَالْقَوْلُ لَهُ مَعَ الْيَمِينِ لِأَنَّهُ أَمِينٌ أَخْبَرَ عَنْ تَنْفِيذِ الْأَمَانَةِ مِنْ حَيْثُ لَا يَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ ضَمَانٌ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالِاسْتِقْرَاضِ إذَا وَقَعَ التَّنَازُعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُوَكِّلِهِ فَالْقَوْلُ لِلْمُوَكِّلِ لِأَنَّ الْوَكِيلَ يُرِيدُ إلْزَامَهُ ضَمَانَ الْقَرْضِ فَلَا يَلْزَمُهُ بِقَوْلِهِ اهـ وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ وَلَوْ وَكَّلَ رَجُلًا فِي دَيْنِهِ كَانَ وَكِيلًا بِقَبْضِهِ وَلَوْ قَالَ الْوَكِيلُ: قَدْ بَرِئَ إلَى الْغَرِيمِ كَانَ إقْرَارًا مِنْهُ بِقَبْضِهِ وَكَذَا إذَا أُقِيمَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ بِذَلِكَ وَلَوْ قَالَ الْوَكِيلُ بِالْقَبْضِ قَبَضْتُ فِي حَيَاةِ الْمُوَكِّلِ وَدَفَعْتُ إلَيْهِ لَمْ يُقْبَلْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَلَوْ احْتَالَ الطَّالِبُ بِالْمَالِ عَلَى آخَرَ لَمْ يَكُنْ لِلْوَكِيلِ بِالْقَبْضِ أَنْ يَقْبِضَهُ مِنْ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ وَلَا مِنْ الْأَوَّلِ فَإِنْ تَوِيَ الْمَالُ وَرَجَعَ إلَى الْأَوَّلِ فَالْوَكِيلُ عَلَى وَكَالَتِهِ وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى الْمُوَكِّلُ بِالْمَالِ عَبْدًا مِنْ الْمَطْلُوبِ فَاسْتُحِقَّ مِنْ يَدِهِ أَوْ رَدَّهُ بِعَيْبٍ بِقَضَاءِ الْقَبْضِ أَوْ بِغَيْرِ قَضَاءٍ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بِخِيَارٍ فَالْوَكِيلُ عَلَى وَكَالَتِهِ وَكَذَا لَوْ كَانَ قَبَضَ الدَّرَاهِمَ فَوَجَدَهَا زُيُوفًا وَلَوْ أَخَذَ الطَّالِبُ مِنْهُ كَفِيلًا لَمْ يَكُنْ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَتَقَاضَى الْكَفِيلَ وَالْمَقْبُوضُ فِي يَدِ الْوَكِيلِ بِمَنْزِلَةِ الْوَدِيعَةِ وَلَوْ وَجَدَهُ الْكَفِيلُ زُيُوفًا أَوْ سَتُّوقَةً فَرَدَّهُ فَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَ قِيَاسًا وَلَكِنْ اسْتَحْسَنَ أَنْ لَا أُضَمِّنَهُ أَمَرَهُ بِقَبْضِ دَيْنِهِ وَأَنْ لَا يَقْبِضَهُ إلَّا جَمِيعًا فَقَبَضَهُ إلَّا دِرْهَمًا لَمْ يَجُزْ قَبْضُهُ عَلَى الْآمِرِ وَلَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْغَرِيمِ بِكُلِّهِ وَكَذَا لَا تَقْبِضْ دِرْهَمًا دُونَ دِرْهَمٍ اهـ. وَفِي الذَّخِيرَةِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِلْغَرِيمِ بَيِّنَةٌ عَلَى الْإِيفَاءِ فَقَضَى عَلَيْهِ وَقَبَضَهُ الْوَكِيلُ فَضَاعَ مِنْهُ ثُمَّ بَرْهَنَ الْمَطْلُوبُ عَلَى الْإِيفَاءِ فَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَى الْوَكِيلِ وَإِنَّمَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُوَكِّلِ لِأَنَّ يَدَهُ يَدُهُ اهـ.   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْأَمْرَ لَيْسَ بِتَوْكِيلٍ) أَيْ ظَاهِرُ قَوْلِهِ أَوْ الْمَأْمُورُ كَذَا قَالَهُ الرَّمْلِيُّ وَقَوْلُهُ وَقَدَّمْنَا مَا فِيهِ أَيْ أَوَّلَ الْكِتَابِ الْوَكَالَةَ فِي الرَّدِّ عَلَى الزَّيْلَعِيِّ حَيْثُ جَعَلَهُ رِسَالَةً (قَوْلُهُ وَكَتَبَ عَلَى حَاشِيَةِ هَذَا الْكِتَابِ) يَعْنِي الَّذِي رَقَمَ لَهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَرَقْمُهُ (فد) وَهُوَ فَتَاوَى الدِّينَارِيِّ وَهَذَا مِنْ كَلَامِ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَقَوْلُهُ أَنَّهُ كَتَبَ مِنْ نُسْخَةٍ وَقَدْ زَلَّ قَدَمٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ هَكَذَا فِي النُّسَخِ وَاَلَّذِي فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَنَّهُ كَتَبَ فِي نُسْخَةٍ (حَدّ) وَقَدْ زَلَّ قَدَمُ حَدّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إلَخْ وَالضَّمِيرُ فِي أَنَّهُ كَتَبَ رَاجِعٌ لِلدِّينَارِيِّ (قَوْلُهُ وَقَدَّمْنَا شَيْئًا مِنْ أَحْكَامِ الْوَكِيلِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: قَدَّمَهُ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَبِإِيفَائِهَا وَاسْتِيفَائِهَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 180 (قَوْلُهُ وَبِقَبْضِ الْعَيْنِ لَا) أَيْ الْوَكِيلُ بِقَبْضِ الْعَيْنِ لَا يَكُونُ وَكِيلًا بِالْخُصُومَةِ لِأَنَّهُ أَمِينٌ مَحْضٌ وَالْقَبْضُ لَيْسَ بِمُبَادَلَةٍ فَأَشْبَهَ الرَّسُولَ حَتَّى أَنَّ مَنْ وَكَّلَ وَكِيلًا بِقَبْضِ عَبْدٍ لَهُ فَأَقَامَ ذُو الْيَدِ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْمُوَكِّلَ بَاعَهُ إيَّاهُ وَقَفَ الْأَمْرُ حَتَّى يَحْضُرَ الْغَائِبُ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَدْفَعَ إلَى الْوَكِيلِ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ قَامَتْ لَا عَلَى الْخَصْمِ فَلَمْ تُعْتَبَرْ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ خَصْمٌ فِي قَصْرِ يَدِهِ لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْمُوَكِّلِ فِي الْقَبْضِ فَتَقْصُرُ يَدُهُ حَتَّى لَوْ حَضَرَ الْبَائِعُ تُعَادُ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْبَيْعِ وَصَارَ كَمَا إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّ الْمُوَكِّلَ عَزَلَهُ عَنْ ذَلِكَ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ فِي قَصْرِ يَدِهِ كَذَا هَذَا وَكَذَا الْإِعْتَاقُ وَالطَّلَاقُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مَعْنَاهُ إذَا أَقَامَتْ الْمَرْأَةُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الطَّلَاقِ وَالْعَبْدُ أَوْ الْأَمَةُ عَلَى الْإِعْتَاقِ عَلَى الْوَكِيلِ بِنَقْلِهِمْ تُقْبَلُ فِي قَصْرِ يَدِهِمْ حَتَّى يَحْضُرَ الْغَائِبُ اسْتِحْسَانًا دُونَ الْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ كَمَا إذَا ادَّعَى ذُو الْيَدِ الِارْتِهَانَ مِنْ الْمُوَكِّلِ وَبَرْهَنَ تَقْصُرُ يَدُ الْوَكِيلِ عَنْ الْقَبْضِ وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ. وَلَوْ وَكَّلَ رَجُلٌ عَبْدَ رَجُلٍ بِقَبْضِ وَدِيعَةٍ لَهُ عِنْدَ مَوْلَاهُ أَوْ عِنْدَ غَيْرِهِ فَبَاعَ الْمَوْلَى الْعَبْدَ أَوْ أَعْتَقَهُ أَوْ كَانَتْ أَمَةً فَوَلَدَتْ فَالْوَكِيلُ عَلَى وَكَالَتِهِ وَإِذَا وَكَّلَهُ بِقَبْضِ عَبْدٍ لَهُ عِنْدَ رَجُلٍ فَقُتِلَ الْعَبْدُ خَطَأً كَانَ لِلْمُسْتَوْدِعِ أَنْ يَأْخُذَ قِيمَتَهُ مِنْ الْعَاقِلَةِ وَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ قَبْضُهَا كَالثَّمَنِ وَلَوْ قُتِلَ عِنْدَ الْوَكِيلِ كَانَ لَهُ أَخْذُهَا وَلَوْ جَنَى عَلَى الْعَبْدِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ الْوَكِيلُ فَأَخَذَ الْمُسْتَوْدِعُ أَرْشَهَا فَلِلْوَكِيلِ أَنْ يَقْبِضَ الْعَبْدَ دُونَ الْأَرْشِ وَكَذَا لَوْ كَانَ الْمُسْتَوْدِعُ أَجَّرَهُ بِإِذْنِ مَوْلَاهُ لَمْ يَأْخُذْ الْوَكِيلُ أَجْرَهُ وَكَذَلِكَ مَهْرُ الْأَمَةِ إذَا وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ وَلَوْ وَكَّلَهُ بِقَبْضِ أَمَةٍ أَوْ شَاةٍ فَوَلَدَتْ كَانَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَقْبِضَ الْوَلَدَ مَعَ الْأُمِّ وَلَوْ وَلَدَتْ قَبْلَ أَنْ يُوَكِّلَهُ بِقَبْضِهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ قَبْضُ الْوَلَدِ وَثَمَرَةُ الْبُسْتَانِ بِمَنْزِلَةِ الْوَلَدِ وَلَوْ كَانَ الْمُسْتَوْدِعُ بَاعَ الثَّمَرَةَ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ بِأَمْرِ رَبِّ الْأَرْضِ لَمْ يَكُنْ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَقْبِضَهَا وَكَذَلِكَ الْجَارِيَةُ إذَا كَانَتْ الْوَدِيعَةُ مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ فَوَكَّلَهُ بِقَبْضِهَا ثُمَّ اسْتَهْلَكَهَا رَجُلٌ فَقَبَضَ الْمُسْتَوْدِعُ مِنْ الْمُسْتَهْلِكِ مِثْلَهَا لَمْ يَكُنْ لِلْوَكِيلِ أَخْذُهُ قِيَاسًا وَلَكِنْ اُسْتُحْسِنَ أَنْ يَأْخُذَهُ وَلَا أَرَاهُ مِثْلَ قِيمَةِ الْعَبْدِ أَرَأَيْتَ لَوْ أَكَلَهَا الْمُسْتَوْدِعُ أَمَا كَانَ لِلْوَكِيلِ أَخْذُ مِثْلِهَا مِنْهُ إذَا وَكَّلَهُ بِقَبْضِ وَدِيعَةٍ ثُمَّ قَبَضَهَا الْمُوَكِّلُ ثُمَّ أَوْدَعَهَا ثَانِيًا لَمْ يَكُنْ لِلْوَكِيلِ قَبْضُهَا عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ وَكَذَا لَوْ قَبَضَهَا الْوَكِيلُ وَدَفَعَهَا إلَى الْمُوَكِّلِ. ثُمَّ أَوْدَعَهَا الْمُوَكِّلُ فَإِنْ قَبَضَهَا فَلِرَبِّ الْمَالِ تَضْمِينُهُ أَوْ تَضْمِينُ الْمُودَعِ فَإِنْ ضَمِنَ الْوَكِيلُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْمُودَعِ وَإِنْ ضَمِنَ الْمُودَعُ رَجَعَ عَلَى الْوَكِيلِ وَإِذَا وَكَّلَهُ بِقَبْضِهَا الْيَوْمَ فَلَهُ قَبْضُهَا غَدًا اسْتِحْسَانًا وَلَوْ قَالَ: اقْبِضْهَا بِمَحْضَرِ فُلَانٍ فَقَبَضَهَا فِي غَيْبَتِهِ جَازَ وَلَوْ أَنْكَرَ رَبُّهَا التَّوْكِيلَ وَحَلَفَ وَضَمَّنَ الْمُودَعَ فَلَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْقَابِضِ إنْ كَانَتْ قَائِمَةً فَإِنْ ادَّعَى الْوَكِيلُ هَلَاكَهَا أَوْ الدَّفْعَ إلَى الْمُوَكِّلِ وَقَدْ صَدَّقَهُ الْمُودَعُ فِي الْوَكَالَةِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ كَذَّبَهُ أَوْ لَمْ يُصَدِّقْهُ وَلَمْ يُكَذِّبْهُ أَوْ صَدَّقَهُ وَضَمَّنَهُ الْمَالَ كَانَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ وَلَوْ جَعَلَ لِلْوَكِيلِ بِقَبْضِ الْوَدِيعَةِ أَجْرًا جَازَ وَعَلَى تَقَاضِي الدَّيْنِ لَا إلَّا أَنْ يُوَقِّتَ اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ أَقَرَّ الْوَكِيلُ بِالْخُصُومَةِ عِنْدَ الْقَاضِي صَحَّ وَإِلَّا لَا) أَيْ وَإِنْ أَقَرَّ عَلَى مُوَكِّلِهِ عِنْدَ غَيْرِ الْقَاضِي لَا يَصِحُّ عِنْدَهُمَا اسْتِحْسَانًا وَخَرَجَ بِهِ عَنْ الْوَكَالَةِ وَصَحَّحَ أَبُو يُوسُفَ إقْرَارَهُ مُطْلَقًا وَأَبْطَلَهُ زُفَرُ مُطْلَقًا وَهُوَ الْقِيَاسُ لِكَوْنِهِ مَأْمُورًا بِالْخُصُومَةِ وَهِيَ مُنَازَعَةٌ وَالْإِقْرَارُ ضِدُّهَا لِأَنَّهُ مُسَالَمَةٌ فَالْأَمْرُ بِالشَّيْءِ لَا يَتَنَاوَلُ ضِدَّهُ وَلِذَا لَا يَمْلِكُ الصُّلْحَ وَالْإِبْرَاءَ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ التَّوْكِيلَ صَحِيحٌ وَصِحَّتُهُ تَتَنَاوَلُ مَا يُمْلَكُ وَذَلِكَ مُطْلَقُ الْجَوَابِ دُونَ أَحَدِهِمَا عَيْنًا فَيُصْرَفُ إلَيْهِ تَحَرِّيًا لِلصِّحَّةِ فَأَبُو يُوسُفَ يَقُولُ: هُوَ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوَكِّلِ فَلَا يَخْتَصُّ إقْرَارُهُ بِمَجْلِسِ الْقَضَاءِ وَهُمَا يَقُولَانِ: إنَّ التَّوْكِيلَ يَتَنَاوَلُ جَوَابًا يُسَمَّى خُصُومَةً حَقِيقِيَّةً إنْ أَنْكَرَ أَوْ مَجَازًا إنْ أَقَرُّوا الْإِقْرَارَ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ خُصُومَةٌ مَجَازًا لِأَنَّهُ خَرَجَ فِي مُقَابَلَةِ الْخُصُومَةِ أَوْ لِأَنَّهُ سَبَبٌ لَهُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ إتْيَانُهُ بِالْمُسْتَحَقِّ وَهُوَ الْجَوَابُ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ فَيَخْتَصُّ بِهِ لَكِنْ إذَا أُقِيمَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى إقْرَارِهِ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ يَخْرُجُ مِنْ الْوَكَالَةِ حَتَّى لَا يُؤْمَرَ بِدَفْعِ الْمَالِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ صَارَ مُنَاقِضًا وَصَارَ كَالْأَبِ وَالْوَصِيِّ إذَا أَقَرَّ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ لَا يَصِحُّ وَلَا يَدْفَعُ الْمَالَ إلَيْهِمَا كَذَا فِي الْهِدَايَةِ أَطْلَقَهُ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِغَيْرِ الْحَدِّ وَالْقَوَدِ.   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ لَمْ يَكُنْ لِلْوَكِيلِ قَبْضُهَا) مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الذَّخِيرَةِ قُبَيْلَ قَوْلِ الْمَتْنِ إلَّا فِي خُصُومَةٍ وَالظَّاهِرُ مَا هُنَا (قَوْلُهُ أَوْ صَدَّقَهُ وَضَمَّنَهُ الْمَالَ) أَيْ بِأَنْ قَالَ لَهُ: إنْ جَاءَ الْمُوَكِّلُ وَأَنْكَرَ الْوَكَالَةَ تَضْمَنُ لِي الْمَالَ فَقَالَ: نَعَمْ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَصَارَ كَالْأَبِ وَالْوَصِيِّ إذَا أَقَرَّ) أَيْ عَلَى الْيَتِيمِ أَنَّهُ اسْتَوْفَى حَقَّهُ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُمَا وَلَكِنْ لَا يُدْفَعُ الْمَالُ إلَيْهِمَا لِزَعْمِهِمَا بُطْلَانَ حَقِّ الْأَخْذِ وَإِنَّمَا لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُمَا لِأَنَّ وِلَايَتَهُمَا نَظَرِيَّةٌ وَلَا نَظَرَ فِي الْإِقْرَارِ عَلَى الصَّغِيرِ وَأَمَّا التَّفْوِيضُ مِنْ الْمُوَكِّلِ حَصَلَ مُطْلَقًا غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِشَرْطِ النَّظَرِ فَيَدْخُلُ تَحْتَهُ الْإِقْرَارُ وَالْإِنْكَارُ جَمِيعًا غَيْرَ أَنَّ الْإِقْرَارَ صِحَّتُهُ تَخْتَصُّ بِمَجْلِسِ الْقَضَاءِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا كَذَا فِي الْكِفَايَةِ قَوْلُ الْمَتْنِ فَلَوْ بَرْهَنَ لِغَايَةِ قَوْلِهِ وَالْعَتَاقُ لَعَلَّهُ لَمْ يَقَعْ لِلشَّارِحِ فِي نُسْخَةِ مَتْنِهِ وَهُوَ مَوْجُودٌ بِمَا بِأَيْدِينَا. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 181 فَلَا يَصِحُّ إقْرَارُ الْوَكِيلِ عَلَى مُوَكِّلِهِ بِهِمَا لِلشُّبْهَةِ وَقَيَّدَ بِالْخُصُومَةِ لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِغَيْرِهَا لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ مُطْلَقًا وَمِنْهُ الْوَكِيلُ بِالصُّلْحِ كَمَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ كَالْوَكِيلِ بِالْخُصُومَةِ لَا يَمْلِكُ الصُّلْحَ وَالصُّلْحُ عَقْدٌ مِنْ الْعُقُودِ فَالْوَكِيلُ بِعَقْدٍ لَا يُبَاشِرُ عَقْدًا آخَرَ وَقَيَّدَ بِالتَّوْكِيلِ بِالْخُصُومَةِ مِنْ غَيْرِ اسْتِثْنَاءٍ لِأَنَّهُ لَوْ وَكَّلَهُ بِهَا إلَّا الْإِقْرَارَ فَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يَصِحُّ وَصَحَّحَهُ مُحَمَّدٌ وَعَنْهُ أَنَّهُ فَصَّلَ بَيْنَ الطَّالِبِ وَالْمَطْلُوبِ فَلَمْ يُصَحِّحْهُ فِي الثَّانِي كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَفِي النِّهَايَةِ يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الْإِقْرَارِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَلَوْ وَكَّلَهُ بِالْخُصُومَةِ غَيْرُ جَائِزِ الْإِقْرَارِ صَحَّ وَلَمْ يَصِحَّ الْإِقْرَارُ فِي الظَّاهِرِ لَوْ مَوْصُولًا وَفِي الْأَقْضِيَةِ وَمَفْصُولًا أَيْضًا وَلَوْ وَكَّلَهُ غَيْرُ جَائِزِ الْإِنْكَارِ يَصِحُّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَلَوْ غَيْرَ جَائِزِ الْإِقْرَارِ وَالْإِنْكَارِ قِيلَ: لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ لِعَدَمِ بَقَاءِ فَرْدٍ تَحْتَهُ وَقِيلَ: يَصِحُّ لِبَقَاءِ السُّكُوتِ اهـ. فَالْحَاصِلُ أَنَّهَا عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ الْأَوَّلُ أَنْ يُوَكِّلَهُ بِالْخُصُومَةِ فَيَصِيرَ وَكِيلًا بِهِمَا الثَّانِي أَنْ يُسْتَثْنَى الْإِقْرَارُ فَيَكُونَ وَكِيلًا بِالْإِنْكَارِ فَقَطْ الثَّالِثُ عَكْسُهُ فَيَصِيرَ وَكِيلًا بِالْإِقْرَارِ فَقَطْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ رُبَّمَا يَضُرُّهُ الْإِنْكَارُ بِأَنْ كَانَ الْمُدَّعَى بِهِ أَمَانَةً وَلَوْ جَحَدَهَا الْوَكِيلُ لَا يَصِحُّ دَعْوَى الرَّدِّ بَعْدَهُ وَيَصِحُّ قَبْلَهُ فَفِيهِ فَائِدَةٌ الرَّابِعُ أَنْ يُوَكِّلَهُ بِالْخُصُومَةِ جَائِزُ الْإِقْرَارِ فَيَكُونُ وَكِيلًا بِهِمَا الْخَامِسُ أَنْ يُوَكِّلَهُ بِهَا غَيْرُ جَائِزِ الْإِقْرَارِ وَالْإِنْكَارِ فَفِيهِ اخْتِلَافُ الْمُتَأَخِّرِينَ اهـ. وَفِي الْخُلَاصَةِ وَلَوْ كَانَ التَّوْكِيلُ بِسُؤَالِ الْخَصْمِ وَاسْتَثْنَى الْإِقْرَارَ مَوْصُولًا صَحَّ وَمَفْصُولًا لَا يَصِحُّ اهـ. وَيَصِحُّ التَّوْكِيلُ بِالْإِقْرَارِ وَلَا يَصِيرُ بِهِ مُقِرًّا كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَفِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي إذَا اسْتَثْنَى إقْرَارَهُ فَأَقَرَّ خَرَجَ عَنْ الْوَكَالَةِ. (قَوْلُهُ وَبَطَلَ تَوْكِيلُ الْكَفِيلِ بِالْمَالِ) لِأَنَّ الْوَكِيلَ مَنْ يَعْمَلُ لِغَيْرِهِ وَلَوْ صَحَّحْنَاهَا صَارَ عَامِلًا لِنَفْسِهِ فِي إبْرَاءِ ذِمَّتِهِ فَانْعَدَمَ الرُّكْنُ لِأَنَّ قَبُولَ قَوْلِهِ مُلَازِمٌ لِلْوَكَالَةِ لِكَوْنِهِ أَمِينًا وَلَوْ صَحَّحْنَاهَا لَا تُقْبَلُ لِكَوْنِهِ مُبَرِّئًا نَفْسَهُ فَيُعْدَمُ بِانْعِدَامِ لَازِمِهِ وَهُوَ نَظِيرُ عَبْدٍ مَدْيُونٍ أَعْتَقَهُ مَوْلَاهُ حَتَّى ضَمِنَ قِيمَتَهُ لِلْغُرَمَاءِ وَيُطَالِبُ الْعَبْدَ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ فَلَوْ وَكَّلَهُ الطَّالِبُ بِقَبْضِ الْمَالِ مِنْ الْعَبْدِ كَانَ بَاطِلًا لِمَا بَيَّنَّاهُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَأُورِدَ تَوْكِيلُ الْمَدْيُونِ بِإِبْرَاءِ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ مَعَ كَوْنِهِ عَامِلًا لِنَفْسِهِ وَالتَّحْقِيقُ فِي جَوَابِهِ مَا فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي مِنْ قَوْلِهِ وَلَوْ وَكَّلَهُ بِإِبْرَاءِ نَفْسِهِ يَصِحُّ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ عَامِلًا لِنَفْسِهِ بِتَفْرِيغِ ذِمَّتِهِ فَهُوَ عَامِلٌ لِرَبِّ الدَّيْنِ بِإِسْقَاطِ دَيْنِهِ وَشَرْطُ الْوَكَالَةِ كَوْنُهُ عَامِلًا لِغَيْرِهِ لَا كَوْنُهُ غَيْرَ عَامِلٍ لِنَفْسِهِ اهـ. وَأَمَّا قَوْلُ الشَّارِحِ فِي جَوَابِهِ إنَّهُ تَمْلِيكٌ وَلَيْسَ بِتَوْكِيلٍ كَمَا فِي قَوْلِهِ لِامْرَأَتِهِ طَلِّقِي نَفْسَك فَسَهْوٌ ظَاهِرٌ إذْ لَوْ كَانَ تَمْلِيكًا لَمْ يَصِحَّ رُجُوعُ الدَّائِنِ عَنْهُ قَبْلَ إبْرَائِهِ نَفْسَهُ مَعَ أَنَّهُ يَصِحُّ وَفِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ لَوْ قَالَ الدَّائِنُ لِمَدْيُونٍ سَأَلَهُ الْإِبْرَاءَ: ذَلِكَ إلَيْكَ أَوْ أَبْرِئْ نَفْسَك أَوْ حَلِّلْهَا فَقَالَ: أَبْرَأْتُ أَوْ حَلَّلْتُ بَرِئَ لِأَنَّ لَفْظَهُ يَنْتَقِلُ إلَى الْآمِرِ كَمَا فِي هَبْ لِنَفْسِكَ ذَا الْعَبْدَ وَأَقِرَّ عَلَيَّ لِزَيْدٍ وَطَلِّقِي وَأَعْتِقِي وَسَائِرِ مَا يَنْفَرِدُ بِهِ اهـ. وَفِي دَعْوَى الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ فَصْلِ الْإِبْرَاءِ إذَا لَمْ يُضِفْ الْإِبْرَاءَ الْوَكِيلُ إلَى الْمُوَكِّلِ لَا يَصِحُّ اهـ وَإِذَا بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ وَقَبَضَهُ مِنْ الْمَدِينِ وَهَلَكَ مِنْ يَدِهِ لَمْ يَهْلِكْ عَلَى الطَّالِبِ وَأَشَارَ بِبُطْلَانِهِ إلَى أَنَّ الطَّالِبَ لَوْ أَبْرَأهُ عَنْ الْكَفَالَةِ لَمْ تَنْقَلِبْ صَحِيحَةً لِوُقُوعِهَا بَاطِلَةً ابْتِدَاءً كَمَا لَوْ كَفَلَ عَنْ غَائِبٍ فَإِنَّهُ يَقَعُ بَاطِلًا ثُمَّ إذَا بَلَغَهُ فَأَجَازَهُ لَمْ يَجُزْ وَقَيَّدَ بِكَفَالَةِ الْمَالِ لِصِحَّةِ تَوْكِيلِ الْكَفِيلِ بِالنَّفْسِ وَقَيَّدَهُ الشَّارِحُ بِأَنْ يُوَكِّلَهُ بِالْخُصُومَةِ وَلَيْسَ بِقَيْدٍ إذْ لَوْ وَكَّلَهُ بِالْقَبْضِ مِنْ الْمَدِينِ صَحَّ وَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ وَكَّلَهُ بِقَبْضِ الدَّيْنِ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ مِنْ عَبْدِهِ لَمْ يَصِحَّ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَإِلَى أَنَّ الْمُحْتَالَ لَوْ وَكَّلَ الْمُحِيلَ بِقَبْضِ الدَّيْنِ مِنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ لَمْ يَصِحَّ كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَإِلَى بُطْلَانِ تَوْكِيلِ الْمَدِينِ وَكِيلُ الطَّالِبِ بِالْقَبْضِ لِمَا فِي الْقُنْيَةِ وَلَوْ وَكَّلَهُ بِقَبْضِ دَيْنِهِ عَلَى فُلَانٍ فَأَخْبَرَ بِهِ الْمَدْيُونَ فَوَكَّلَهُ بِبَيْعِ سِلْعَتِهِ وَإِيفَاءِ ثَمَنِهِ إلَى رَبِّ الدَّيْنِ فَبَاعَهَا وَأَخَذَ الثَّمَنَ وَهَلَكَ يَهْلِكُ مِنْ مَالِ الْمَدْيُونِ لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يَكُونَ قَاضِيًا وَمُقْتَضِيًا وَالْوَاحِدُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ وَكِيلًا لِلْمَطْلُوبِ وَالطَّالِبِ فِي الْقَضَاءِ وَالِاقْتِضَاءِ اهـ. وَلَا يُخَالِفُهُ مَا فِي الْوَاقِعَاتِ الْحُسَامِيَّةِ الْمَدْيُونُ إذَا بَعَثَ الدَّيْنَ عَلَى يَدِ وَكِيلِهِ فَجَاءَ بِهِ إلَى الطَّالِبِ وَأَخْبَرَهُ وَرَضِيَ بِهِ وَقَالَ اشْتَرِ لِي شَيْئًا فَذَهَبَ وَاشْتَرَى بِبَعْضِهِ شَيْئًا وَهَلَكَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَلَا يَصِيرُ بِهِ مُقِرًّا) أَيْ لَا يَصِيرُ الْوَكِيلُ مُقِرًّا بِقَوْلِهِ وَكَّلْتُكَ أَنْ تُقِرَّ لِفُلَانٍ بِكَذَا عَلَيَّ وَكَتَبَ الرَّمْلِيُّ أَوَّلَ كِتَابِ الْوَكَالَةِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ وَصَحَّ التَّوْكِيلُ بِالْإِقْرَاضِ وَالِاسْتِقْرَاضِ أَقُولُ: وَالتَّوْكِيلُ بِالْإِقْرَارِ صَحِيحٌ وَلَا يَكُونُ التَّوْكِيلُ بِهِ قَبْلَ الْإِقْرَارِ إقْرَارًا مِنْ الْمُوَكِّلِ وَعَنْ الطَّوَاوِيسِيِّ مَعْنَاهُ أَنْ يُوَكِّلَ بِالْخُصُومَةِ وَيَقُولَ خَاصِمْ فَإِذَا رَأَيْتَ لُحُوقَ مُؤْنَةٍ أَوْ خَوْفَ عَارٍ عَلَيَّ فَأَقِرَّ بِالْمُدَّعَى يَصِحُّ إقْرَارُهُ عَلَى الْمُوَكِّلِ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ. (قَوْلُهُ وَأَمَّا قَوْلُ الشَّارِحِ فِي جَوَابِهِ) نَقَلَهُ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْكَافِي (قَوْلُهُ إذْ لَوْ كَانَ تَمْلِيكًا لَمْ يَصِحَّ رُجُوعُ الدَّائِنِ عَنْهُ إلَخْ) وَفِي الْكِفَايَةِ قُلْتُ: لَوْ كَانَ تَمْلِيكًا لَاقْتَصَرَ عَلَى الْمَجْلِسِ وَلَا يَقْتَصِرُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 182 مِنْهُ الْبَاقِي قَالَ بَعْضُهُمْ: يَهْلِكُ مِنْ مَالِ الْمَدْيُونِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ مِنْ مَالِ الطَّالِبِ وَهَذَا أَصَحُّ لِأَنَّ أَمْرَهُ بِالشِّرَاءِ بِمَنْزِلَةِ قَبْضِهِ اهـ. لِأَنَّ مَا فِي الْقُنْيَةِ فِيمَا إذَا سَبَقَ تَوْكِيلُ الطَّالِبِ وَمَا فِي الْوَاقِعَاتِ الْحُسَامِيَّةِ سَبَقَ تَوْكِيلُ الْمَطْلُوبِ كَمَا لَا يَخْفَى وَإِلَى أَنَّ الْوَكِيلَ بِالْبَيْعِ إذَا كَفَلَ عَنْ الْمُشْتَرِي بِثَمَنِ مَا بَاعَهُ لَمْ تَجُزْ وَتَجُوزُ كَفَالَةُ الْوَكِيلِ بِالْقَبْضِ وَالْوَكِيلُ بِالنِّكَاحِ بِالْمَهْرِ لِانْدِفَاعِ التَّنَافِي بِصَرْفِ الْحُقُوقِ عَنْهُ كَمَا عُلِمَ فِي التَّلْخِيصِ وَإِذَا صَحَّتْ كَفَالَةُ الْوَكِيلِ بِالْقَبْضِ بَطَلَتْ وَكَالَتُهُ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْكَفَالَةَ بِالْمَالِ مُبْطِلَةٌ لِلْوَكَالَةِ تَقَدَّمَتْ الْكَفَالَةُ أَوْ تَأَخَّرَتْ لِكَوْنِهَا أَقْوَى مِنْ الْوَكَالَةِ وَهَاهُنَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ لَمْ أَرَهَا الْآنَ صَرِيحَةً وَسُئِلْت عَنْهَا: الْأَوْلَى هَلْ تَصِحُّ كَفَالَةُ الْوَصِيِّ عَنْ مَدْيُونِ الْمَيِّتِ؟ الثَّانِيَةُ هَلْ تَصِحُّ كَفَالَةُ النَّاظِرِ مُسْتَأْجِرَ الْوَقْفِ بِالْأُجْرَةِ الثَّالِثَةُ هَلْ يَصِحُّ تَوْكِيلُ الدَّائِنِ وَصِيَّ الْمَدْيُونِ بِالْقَبْضِ مِنْ تَرِكَةِ الْمَدْيُونِ وَمُقْتَضَى مَا قَدَّمْنَاهُ أَنْ يُفَصِّلَ فِي كَفَالَةِ الْوَصِيِّ وَالنَّاظِرِ فَإِنْ بِشَيْءٍ وَجَبَ بِعَقْدِهِ لَمْ تَصِحَّ وَإِلَّا صَحَّتْ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا وَكِيلٌ وَهَذَا حُكْمُ الْوَكِيلِ وَأَمَّا الثَّالِثَةُ فَيَنْبَغِي صِحَّةُ الْوَكَالَةِ وَيُقِيمُ الْقَاضِي وَصِيًّا لِسَمَاعِ الدَّعْوَى وَالْبُرْهَانِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ لَوْ ادَّعَى الْوَصِيُّ دَيْنًا عَلَى الْمَيِّتِ قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: يُقِيمُ الْقَاضِي وَصِيًّا لِسَمَاعِ الْبَيِّنَةِ فَإِذَا انْتَهَى الْأَمْرُ كَانَ الْأَوَّلُ وَصِيًّا عَلَى حَالِهِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ. (قَوْلُهُ وَمَنْ ادَّعَى أَنَّهُ وَكِيلُ الْغَائِبِ بِقَبْضِ دَيْنِهِ فَصَدَّقَهُ الْغَرِيمُ أُمِرَ بِدَفْعِهِ إلَيْهِ) لِأَنَّهُ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ لِأَنَّ مَا يَقْبِضُهُ خَالِصُ مَالِهِ وَسَيَأْتِي فِي الْكِتَابِ حُكْمُ مَا إذَا ادَّعَى الْإِيفَاءَ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْوَكِيلَ بِقَبْضِ الدَّيْنِ وَكِيلٌ بِالْمُبَادَلَةِ وَالتَّمْلِيكِ وَالتَّمَلُّكِ فَلَا إشْكَالَ فِي صِحَّةِ التَّوْكِيلِ بِهِ وَبِهِ سَقَطَ مَا فِي الذَّخِيرَةِ مِنْ السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ كَمَا لَا يَخْفَى وَقَوْلُ الشَّارِحِ هَذَا سُؤَالٌ حَسَنٌ وَالْجَوَابُ غَيْرُ مُخَلِّصٍ إلَخْ غَفْلَةٌ عَمَّا قَدَّمَهُ وَالْمُرَادُ بِأَمْرِهِ جَبْرُهُ عَلَيْهِ كَمَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ (قَوْلُهُ فَإِنْ حَضَرَ الْغَائِبُ فَصَدَّقَهُ وَإِلَّا دَفَعَ إلَيْهِ الْغَرِيمُ الدَّيْنَ ثَانِيًا) لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ الِاسْتِيفَاءُ حَيْثُ أَنْكَرَ ذَلِكَ وَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ فَيَفْسُدُ الْأَدَاءُ إنْ لَمْ يَجُزْ اسْتِيفَاءٌ حَالَ قِيَامِهِ (قَوْلُهُ وَرَجَعَ بِهِ عَلَى الْوَكِيلِ لَوْ بَاقِيًا) أَيْ رَجَعَ الدَّافِعُ بِمَا قَبَضَهُ الْوَكِيلُ إنْ كَانَ بَاقِيًا فِي يَدِهِ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ وَانْقَطَعَ حَقُّ الطَّالِبِ عَنْهُ أَطْلَقَهُ فِي الْبَقَاءِ فَشَمَلَ الْبَقَاءَ الْحُكْمِيَّ بِأَنْ اسْتَهْلَكَهُ الْوَكِيلُ فَإِنَّهُ بَاقٍ بِبَقَاءِ بَدَلِهِ وَلِذَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ وَإِنْ اسْتَهْلَكَهُ ضَمِنَ مِثْلَهُ فَإِنْ ادَّعَى الْوَكِيلُ هَلَاكَهُ أَوْ دَفْعَهُ إلَى الْمُوَكِّلِ حَلَّفَهُ عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ مَاتَ الْمُوَكِّلُ وَوَرِثَهُ غَرِيمُهُ أَوْ وَهَبَهُ لَهُ وَهُوَ قَائِمٌ فِي يَدِ الْوَكِيلِ أَخَذَهُ مِنْهُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا وَإِنْ كَانَ هَالِكًا ضَمِنَهُ إلَّا إذَا صَدَّقَهُ عَلَى الْوَكَالَةِ. (قَوْلُهُ وَإِنْ ضَاعَ لَا) أَيْ ضَاعَ الْمَقْبُوضُ فِي يَدِ الْوَكِيلِ فَلَا رُجُوعَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ بِتَصْدِيقِهِ اعْتَرَفَ أَنَّهُ مُحِقٌّ فِي الْقَبْضِ وَهُوَ مَظْلُومٌ فِي هَذَا الْأَخْذِ وَالْمَظْلُومُ لَا يَظْلِمُ غَيْرَهُ وَأُورِدَ عَلَيْهِ أَنَّ أَحَدَ الِابْنَيْنِ إذَا صَدَّقَ الْمَدْيُونَ فِي دَعْوَاهُ الْإِيفَاءَ لِلْمَيِّتِ وَكَذَّبَهُ الْآخَرُ وَرَجَعَ الْمُكَذِّبُ عَلَيْهِ بِالنِّصْفِ فَإِنَّ لِلْمَدْيُونِ الرُّجُوعَ عَلَى الْمُصَدِّقِ بِالنِّصْفِ إنْ كَانَ لِلْمَيِّتِ تَرِكَةٌ غَيْرُ الدَّيْنِ مَعَ أَنَّهُ فِي زَعْمِهِ أَنَّ الْمُكَذِّبَ ظَالِمٌ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الرُّجُوعَ عَلَى الْمُصَدِّقِ لِكَوْنِهِ أَقَرَّ عَلَى أَبِيهِ بِالدَّيْنِ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا ضَمِنَهُ عِنْدَ الدَّفْعِ) لِأَنَّ الْمَأْخُوذَ ثَانِيًا مَضْمُونٌ عَلَيْهِ فِي زَعْمِهِمَا وَهَذِهِ كَفَالَةٌ أُضِيفَتْ إلَى حَالَةِ الْقَبْضِ فَتَصِحُّ بِمَنْزِلَةِ الْكَفَالَةِ بِمَا ذَابَ لَهُ عَلَى فُلَانٍ قَالُوا: وَيَجُوزُ فِي ضَمَّنَهُ التَّشْدِيدُ وَالتَّخْفِيفُ فَمَعْنَى التَّشْدِيدِ أَنْ يُضَمِّنَ الْغَرِيمُ الْوَكِيلَ فَالضَّمِيرُ الْمُسْتَتِرُ عَائِدٌ إلَى الْغَرِيمِ وَالْبَارِزُ إلَى الْوَكِيلِ وَمَعْنَى التَّخْفِيفِ أَنْ يَضْمَنَ الْوَكِيلُ الْمَالَ الَّذِي أَخَذَهُ وَصُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ الْغَرِيمُ لِلْوَكِيلِ: أَنْتَ وَكِيلُهُ لَكِنْ لَا آمَنُ أَنْ يَجْحَدَ الْوَكَالَةَ وَيَأْخُذَ مِنِّي ثَانِيًا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَأَمَّا الثَّالِثَةُ فَيَنْبَغِي إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: يَنْبَغِي تَخْصِيصُ هَذَا بِمَا إذَا كَانَتْ الْوَرَثَةُ كُلُّهُمْ صِغَارًا أَمَّا إذَا كَانَ فِيهِمْ كَبِيرٌ فَادَّعَى الْوَصِيُّ عَلَيْهِ بِالْوَكَالَةِ عَنْ الدَّائِنِ لَا يَحْتَاجُ إلَى إقَامَةِ وَصِيٍّ وَهِيَ وَاقِعَةُ الْفَتْوَى تَأَمَّلْ. (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَصَدَّقَهُ الْغَرِيمُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: احْتَرَزَ بِهِ عَمَّا إذَا لَمْ يُصَدِّقْهُ بِأَنْ كَذَّبَهُ أَوْ سَكَتَ كَمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ هَذَا الشَّارِحُ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ أَوْ لَمْ يُصَدِّقْهُ عَلَى الْوَكَالَةِ (قَوْلُهُ وَبِهِ سَقَطَ مَا فِي الذَّخِيرَةِ مِنْ السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَفِي الْمَسْأَلَةِ نَوْعُ إشْكَالٍ وَهُوَ أَنَّ التَّوْكِيلَ بِقَبْضِ الدَّيْنِ تَوْكِيلٌ بِالِاسْتِقْرَاضِ مَعْنًى لِأَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا فَمَا قَبَضَهُ رَبُّ الدَّيْنِ مِنْ الْمَدْيُونِ يَصِيرُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ وَلَهُ عَلَى الْغَرِيمِ مِثْلُ ذَلِكَ فَالْتَقَيَا قِصَاصًا وَالتَّوْكِيلُ بِالِاسْتِقْرَاضِ لَا يَصِحُّ وَالْجَوَابُ أَنَّ التَّوْكِيلَ بِقَبْضِ الدَّيْنِ رِسَالَةٌ بِالِاسْتِقْرَاضِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى وَلَيْسَ بِتَوْكِيلٍ بِالِاسْتِقْرَاضِ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لِلْوَكِيلِ بِقَبْضِ الدَّيْنِ مِنْ إضَافَةِ الْقَبْضِ إلَى مُوَكِّلِهِ بِأَنْ يَقُولَ: إنَّ فُلَانًا وَكَّلَنِي بِقَبْضِ مَا لَهُ عَلَيْكَ مِنْ الدَّيْنِ وَلَا بُدَّ لِلرَّسُولِ فِي الِاسْتِقْرَاضِ مِنْ الْإِضَافَةِ إلَى الْمُرْسِلِ بِأَنْ يَقُولَ: أَرْسَلَنِي إلَيْكَ وَقَالَ لَكَ: أَقْرِضْنِي فَصَحَّ مَا ادَّعَيْنَا هَذَا رِسَالَةٌ مَعْنًى وَالرِّسَالَةُ بِالِاسْتِقْرَاضِ جَائِزَةٌ وَهَكَذَا ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ وَعَزَاهُ إلَى الذَّخِيرَةِ وَهَذَا سُؤَالٌ حَسَنٌ وَالْجَوَابُ غَيْرُ مُخَلَّصٍ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ رَسُولًا لَمَا كَانَ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ اهـ. (قَوْلُهُ الَّذِي أَخَذَهُ) أَيْ الَّذِي أَخَذَهُ الدَّائِنُ مِنْ الْغَرِيمِ لَا الَّذِي أَخَذَهُ كَمَا يَأْتِي التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 183 وَيَصِيرَ ذَلِكَ دَيْنًا عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنِّي ظُلْمًا فَيَضْمَنَ ذَلِكَ الْمَأْخُوذَ فَيَصِحَّ فَالضَّمِيرُ الْمُسْتَتِرُ عَائِدٌ إلَى الْوَكِيلِ وَالْبَارِزُ إلَى الْمَالِ وَمَا فِي النِّهَايَةِ مِنْ أَنَّهُ عَكْسُ مَا فِي التَّشْدِيدِ سَهْوٌ إذْ يَقْتَضِي أَنَّ الْمُسْتَتِرَ لِلْوَكِيلِ وَالْبَارِزَ لِلْغَرِيمِ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ وَإِذَا رَجَعَ الْبَارِزُ إلَى الْمَالِ. فَظَاهِرُ الْكِتَابِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَالِ مَا قَبَضَهُ الْوَكِيلُ لِأَنَّهُ مَرْجِعُ الضَّمِيرِ فِي ضَاعَ وَمَا قَبْلَهُ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ مَا فِي يَدِ الْوَكِيلِ أَمَانَةً لِتَصْدِيقِهِ عَلَى الْوَكَالَةِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَضْمَنَهُ إذْ ضَمَانُ الْأَمَانَاتِ بَاطِلٌ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ مَا يَأْخُذُهُ مِنْهُ الدَّائِنُ ثَانِيًا وَظَاهِرُ الْكِتَابِ أَنْ لَا رُجُوعَ عَلَى الْوَكِيلِ حَالَةَ الْهَلَاكِ إلَّا إذَا ضَمِنَ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ إلَّا إذَا كَانَ الْغَرِيمُ قَالَ: أَخَافُ إنْ حَضَرَ الدَّائِنُ أَنْ يُكَذِّبَك فِيهَا وَضَمَّنَهُ أَوْ قَالَ مُدَّعِي الْوَكَالَةِ: أَقْبِضُ مِنْكَ عَلَى أَنِّي أَبْرَأْتُكَ مِنْ الدَّيْنِ كَمَا إذَا قَالَ الْأَبُ لِلْخَتَنِ عِنْدَ أَخْذِ صَدَاقِ بِنْتِهِ: آخُذُ مِنْكَ عَلَى أَنِّي أَبْرَأْتُكَ مِنْ مَهْرِ بِنْتِي فَإِنْ أَخَذَتْ الْبِنْتُ مِنْ الْخَتَنِ الصَّدَاقَ رَجَعَ الْخَتَنُ عَلَى الْأَبِ كَذَا هَذَا اهـ. فَلِلرُّجُوعِ عِنْدَ الْهَلَاكِ سَبَبَانِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ يَصِحُّ إثْبَاتُ التَّوْكِيلِ بِالْبَيِّنَةِ مَعَ إقْرَارِ الْمَدْيُونِ بِهِ وَلَهُ نَظَائِرُ كَتَبْنَاهَا فِي الْفَوَائِدِ مِنْ أَنَّ الْبَيِّنَةَ لَا تُقَامُ إلَّا عَلَى مُنْكِرٍ إلَّا فِي مَسَائِلَ ذَكَرْنَاهَا فِي الْإِقْرَارِ (قَوْلُهُ أَوْ لَمْ يُصَدِّقْهُ عَلَى الْوَكَالَةِ وَدَفَعَهُ إلَيْهِ عَلَى ادِّعَائِهِ) مَعْطُوفٌ عَلَى ضَمِنَهُ أَيْ إذَا لَمْ يُصَدِّقْهُ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا دَفَعَ لَهُ عَلَى رَجَاءِ الْإِجَازَةِ فَإِذَا انْقَطَعَ رَجَاؤُهُ رَجَعَ عَلَيْهِ أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ مَا إذَا سَكَتَ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ عَدَمُ التَّصْدِيقِ وَأَمَّا إذَا كَذَّبَهُ وَالرُّجُوعُ فِي الثَّانِي أَظْهَرُ وَفِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا لَيْسَ لَهُ الِاسْتِرْدَادُ حَتَّى يَحْضُرَ الْغَائِبُ لِأَنَّ الْمُؤَدَّى صَارَ حَقًّا لِلْغَائِبِ إمَّا ظَاهِرًا أَوْ مُحْتَمَلًا فَصَارَ كَمَا إذَا دَفَعَهُ إلَى فُضُولِيٍّ عَلَى رَجَاءِ الْإِجَازَةِ لَمْ يَمْلِكْ الِاسْتِرْدَادَ لِاحْتِمَالِ الْإِجَازَةِ. كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَذَكَرَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ قَوْلَيْنِ فِي الِاسْتِرْدَادِ مِنْ الْفُضُولِيِّ وَعَلَى الْقَوْلِ بِهِ لَوْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ لِيَدْفَعَهُ إلَى رَبِّ الدَّيْنِ فَلَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ لِأَنَّهُ وَكِيلُ الْمَدْيُونِ وَلِأَنَّ مَنْ بَاشَرَ التَّصَرُّفَ لِغَرَضٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْقُضَهُ مَا لَمْ يَقَعْ الْيَأْسُ عَنْ غَرَضِهِ وَكَذَا لَوْ أَقَامَ الْغَرِيمُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ لَيْسَ بِوَكِيلٍ أَوْ عَلَى إقْرَارِهِ بِذَلِكَ لَمْ يُقْبَلْ وَلَا يَكُونُ لَهُ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ وَلَوْ أَرَادَ اسْتِحْلَافَهُ عَلَى ذَلِكَ لَا يَسْتَحْلِفُ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ يَبْتَنِي عَلَى دَعْوَى صَحِيحَةٍ وَلَمْ تُوجَدْ لِكَوْنِهِ سَاعِيًا فِي نَقْضِ مَا أَوْجَبَهُ الْغَائِبُ وَلَوْ أَقَامَ الْغَرِيمُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الطَّالِبَ جَحَدَ الْوَكَالَةَ وَأَخَذَ مِنِّي الْمَالَ تُقْبَلُ وَلَوْ ادَّعَى الْغَرِيمُ عَلَى الطَّالِبِ حِينَ أَرَادَ الرُّجُوعَ عَلَيْهِ أَنَّهُ وَكَّلَ الْقَابِضَ وَبَرْهَنَ تُقْبَلُ وَيَبْرَأُ وَإِنْ أَنْكَرَ حَلَّفَهُ فَإِنْ نَكِلَ بَرِئَ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ أَقَرَّ بِالدَّيْنِ وَأَنْكَرَ الْوَكَالَةَ وَطَلَبَ زَاعِمُ الْوَكَالَةِ تَحْلِيفَهُ عَلَى عَدَمِ عِلْمِهِ بِكَوْنِهِ وَكِيلًا فَالْإِمَامُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يُحَلِّفُهُ وَصَاحِبُهُ يُحَلِّفُهُ اهـ. وَفِيهَا وَإِنْ أَرَادَ الْغَرِيمُ أَنْ يُحَلِّفَهُ بِاَللَّهِ مَا وَكَّلْتُهُ لَهُ ذَلِكَ وَإِنْ دَفَعَ عَنْ سُكُوتٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُحَلِّفَ الدَّائِنَ إلَّا إذَا عَادَ إلَى التَّصْدِيقِ وَإِنْ كَانَ دَفَعَ عَنْ تَكْذِيبٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُحَلِّفَهُ وَإِنْ عَادَ إلَى التَّصْدِيقِ لَكِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْوَكِيلِ وَلِلْوَكِيلِ أَنْ يُحَلِّفَ الْغَرِيمَ فِي الْجُحُودِ وَالسُّكُوتِ بِاَللَّهِ مَا يَعْلَمُ أَنَّ الدَّائِنَ وَكَّلَهُ فَإِنْ حَلَفَ تَمَّ الْأَمْرُ وَإِنْ نَكِلَ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْغَرِيمِ اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ: إنِّي وَكِيلُهُ بِقَبْضِ الْوَدِيعَةِ فَصَدَّقَهُ الْمُودِعُ لَمْ يُؤْمَرْ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ) لِأَنَّهُ إقْرَارٌ بِمَالِ الْغَيْرِ بِخِلَافِ الدَّيْنِ فَإِذَا لَمْ يُصَدِّقْهُ لَا يُؤْمَرُ بِالْأَوْلَى وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ وَإِذَا قَبَضَ رَجُلٌ وَدِيعَةَ رَجُلٍ فَقَالَ رَبُّ الْوَدِيعَةِ مَا وَكَّلْتُهُ وَحَلَفَ عَلَى ذَلِكَ وَضَمِنَ الْمُسْتَوْدَعُ رَجَعَ عَلَى الْقَابِضِ إنْ كَانَ بِعَيْنِهِ وَإِنْ قَالَ قَدْ هَلَكَ مِنِّي أَوْ قَالَ: دَفَعْتُهُ إلَى الَّذِي وَكَّلَنِي وَقَدْ صَدَّقَهُ الْمُسْتَوْدِعُ بِالْوَكَالَةِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ فَإِنْ كَانَ كَذَّبَهُ بِالْوَكَالَةِ أَوْ لَمْ يُصَدِّقْهُ وَلَمْ يُكَذِّبْهُ أَوْ صَدَّقَهُ وَضَمَّنَهُ الْمَالَ كَانَ لَهُ أَنْ يَضْمَنَهُ اهـ. وَلَوْ أَرَادَ اسْتِرْدَادَهَا بَعْدَ مَا دَفَعَهَا لَهُ لَمْ يَمْلِكْ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ سَاعِيًا فِي نَقْضِ مَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ وَلَوْ هَلَكَتْ الْوَدِيعَةُ عِنْدَهُ بَعْدَمَا مُنِعَ قِيلَ: لَا يَضْمَنُ وَكَانَ يَنْبَغِي الضَّمَانُ لِأَنَّ مَنْعَهَا مِنْ وَكِيلِ الْمُودَعِ فِي زَعْمِهِ وَلَوْ أَثْبَتَ الْوَكِيلُ أَنَّهُ وَكِيلٌ فِي قَبْضِهَا فَادَّعَى الْأَمِينُ دَفْعَهَا إلَى الْمُوَكِّلِ أَوْ إلَى الْوَكِيلِ فَالْقَوْلُ لَهُ فِي بَرَاءَةِ نَفْسِهِ كَذَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ وَفِي الْقُنْيَةِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُلْتَقَطِ لَوْ أَقَرَّ بِاللُّقَطَةِ لِرَجُلٍ هَلْ يُؤْمَرُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ اهـ. (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ ادَّعَى الشِّرَاءَ وَصَدَّقَهُ) أَيْ شِرَاءَ الْوَدِيعَةِ مِنْ صَاحِبِهَا وَصَدَّقَهُ الْمُودِعُ لَمْ يُؤْمَرْ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ مَنْ بَاشَرَ التَّصَرُّفَ لِغَرَضٍ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا دَفَعَ لَهُ إلَخْ فَانْدَفَعَ دَعْوَى الرَّمْلِيِّ هُنَا وَفِي حَاشِيَة الْمِنَحِ أَنَّهُ غَلَطٌ وَقَالَ فِي حَاشِيَةِ هَذَا الْكِتَابِ صَوَابُهُ وَقِيلَ: لَا لِأَنَّ مَنْ بَاشَرَ التَّصَرُّفَ لِغَرَضٍ إلَخْ. (قَوْلُهُ وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ وَإِذَا قَبَضَ رَجُلٌ وَدِيعَةَ رَجُلٍ إلَخْ) قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ فَلَوْ حَضَرَ رَبُّهُ وَكَذَّبَهُ فِي الْوَكَالَةِ لَا يَرْجِعُ الْمُودِعُ عَلَى الْوَكِيلِ لَوْ صَدَّقَهُ وَلَمْ يَشْرِطْ الضَّمَانَ عَلَيْهِ وَإِلَّا رَجَعَ بِعَيْنِهِ لَوْ قَائِمًا وَبِقِيمَتِهِ لَوْ هَالِكًا أَقُولُ: لَوْ صَدَّقَهُ وَدَفَعَهُ بِلَا شَرْطٍ يَنْبَغِي أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْوَكِيلِ لَوْ قَائِمًا إذْ غَرَضُهُ لَمْ يَحْصُلْ فَلَهُ نَقْضُهُ عَلَى قِيَاسِ مَا مَرَّ فِي الْهِدَايَةِ مِنْ أَنَّ الْمَدْيُونَ يَرْجِعُ بِمَا دَفَعَهُ إلَى وَكِيلٍ صَدَّقَهُ لَوْ بَاقِيًا كَذَا هَذَا. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ اهـ. قُلْت: مَا بَحَثَهُ مُسْتَفَادٌ مِنْ كَلَامِ الْكَافِي كَمَا هُوَ غَيْرُ خَافٍ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 184 بِالدَّفْعِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ مَا دَامَ حَيًّا كَانَ إقْرَارًا بِمِلْكِ الْغَيْرِ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِهِ فَلَا يُصَدَّقَانِ فِي دَعْوَى الْبَيْعِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَلَوْ ادَّعَى أَنَّ الْمُودِعَ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا لَهُ وَصَدَّقَهُ دَفَعَ إلَيْهِ) أَيْ أُمِرَ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى مَالُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ فَقَدْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ مَالُ الْوَارِثِ وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الدَّيْنَ كَذَلِكَ بِالْأَوْلَى وَلَوْ قَالَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا أَوْ وَصِيَّةً لَهُ لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ الْوَارِثِ عِنْدَ عَدَمِهِ وَلَا بُدَّ مِنْ التَّلَوُّمِ فِيهِمَا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَارِثٌ آخَرُ وَقَدْ قَدَّمَ الْمُؤَلِّفُ هَذِهِ الْمَسَائِلَ فِي مَسَائِلَ شَتَّى مِنْ كِتَابِ الْقَضَاءِ فَكَانَ تَكْرَارًا مَعْنًى وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الصُّورَةِ فَإِنَّهُ صَوَّرَهَا هُنَاكَ فِيمَا إذَا أَقَرَّ ذُو الْيَدِ بِأَنَّهُ وَارِثٌ وَهُنَا فِيمَا إذَا ادَّعَى أَنَّهُ وَارِثٌ وَصَدَّقَهُ ذُو الْيَدِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا. وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ هُنَاكَ فَلَا نُعِيدُهُ فَارْجِعْ إلَيْهَا وَقَيَّدَ بِالتَّصْدِيقِ لِأَنَّهُ لَوْ أَنْكَرَ مَوْتَهُ أَوْ قَالَ: لَا أَدْرِي لَا يُؤْمَرُ بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ مَا لَمْ يُقِمْ الْبَيِّنَةَ وَلَوْ لَمْ يَقُلْ فِي صُورَةِ دَعْوَى الْوَصِيَّةِ لَمْ يَتْرُكْ وَارِثًا لَمْ يَكُنْ صَاحِبُ الْيَدِ خَصْمًا وَقَيَّدَ بِدَعْوَى الْإِرْثِ مُشِيرًا إلَى الْوَصِيَّةِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ دَعْوَى الْإِيصَاءِ إلَيْهِ فَإِنَّهُ إذَا صَدَّقَهُ ذُو الْيَدِ لَمْ يُؤْمَرْ بِالدَّفْعِ لَهُ إذَا كَانَ عَيْنًا فِي يَدِ الْمُقِرِّ لِأَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ وَكِيلُ صَاحِبِ الْمَالِ بِقَبْضِ الْوَدِيعَةِ أَوْ الْغَصْبِ بَعْدَ مَوْتِهِ فَلَا يَصِحُّ كَمَا لَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ وَكِيلُهُ فِي حَيَاتِهِ بِقَبْضِهَا وَإِنْ كَانَ الْمَالُ دَيْنًا عَلَى الْمُقِرِّ فَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ الْأَوَّلِ يُصَدَّقُ وَيُؤْمَرُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ وَعَلَى قَوْلِهِ الْأَخِيرِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ لَا يُصَدَّقُ وَلَا يُؤْمَرُ بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ وَبَيَانُهُ فِي الشَّرْحِ وَقَدْ عُلِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ مُودَعَ الْمَيِّتِ وَمَدْيُونَهُ لَيْسَ لَهُمَا الدَّفْعُ إلَى مُدَّعِي الْإِيصَاءِ وَلَوْ صَدَّقَاهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَلَا يَبْرَآنِ بِالدَّفْعِ قَبْلَ ثُبُوتِ أَنَّهُ وَصِيٌّ وَأَطْلَقَ فِي دَفْعِهَا إلَى الْوَارِثِ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ لِمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ فِي التَّرِكَةِ دَيْنٌ فَدَفَعَ الْمُودَعُ الْوَدِيعَةَ إلَى الْوَارِثِ بِلَا أَمْرِ الْقَاضِي ضَمِنَ (خ) لَوْ مُسْتَغْرِقَةً ضَمِنَ وَهَذَا إذَا لَمْ يُؤْتَمَنْ وَإِلَّا فَلَهُ الْأَخْذُ وَأَدَاءُ الدَّيْنِ مِنْهُ لِوَارِثِهِ أَنْ يُخَاصِمَ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لِلْمَيِّتِ فَلَهُ قَبْضُهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ الْمَيِّتُ مَدْيُونًا وَلَهُ وَصِيٌّ أَوْ لَا وَلَوْ مَدْيُونًا يُخَاصِمُ وَلَا يَقْبِضُ وَإِنَّمَا يَقْبِضُ وَصِيُّهُ وَلَوْ أَدَّى مَدْيُونٌ إلَى الْوَصِيِّ يَبْرَأُ أَصْلًا وَلَوْ وَصَّى فَدَفَعَ إلَى بَعْضِ الْوَرَثَةِ يَبْرَأُ عَنْ حِصَّتِهِ خَاصَّةً اهـ. (قَوْلُهُ وَكَّلَهُ بِقَبْضِ مَالِهِ فَادَّعَى الْغَرِيمُ أَنَّ رَبَّ الْمَالِ أَخَذَهُ دَفَعَ الْمَالَ إلَيْهِ) لِأَنَّ الْوَكَالَةَ قَدْ ثَبَتَتْ وَالِاسْتِيفَاءُ لَمْ يَثْبُتْ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ فَلَا يُؤَخَّرُ الْحَقُّ وَقَدْ جَعَلُوا دَعْوَاهُ الْإِيفَاءَ لِرَبِّ الدَّيْنِ جَوَابًا لِلْوَكِيلِ إقْرَارًا بِالدَّيْنِ وَبِالْوَكَالَةِ وَإِلَّا لَمَا اشْتَغَلَ بِذَلِكَ كَمَا إذَا طَلَبَ مِنْهُ الدَّائِنُ فَادَّعَى الْإِيفَاءَ فَإِنَّهُ يَكُونُ إقْرَارًا بِالدَّيْنِ وَكَمَا إذَا أَجَابَ الْمُدَّعِي ثُمَّ ادَّعَى الْغَلَطَ فِي بَعْضِ الْحُدُودِ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ فَإِنَّ جَوَابَهُ تَسْلِيمٌ لِلْحُدُودِ كَمَا فِي دَعْوَى مُنْيَةِ الْمُفْتِي أَشَارَ الْمُؤَلِّفُ إلَى أَنَّهُ لَا يَمِينَ عَلَى الْوَكِيلِ عَلَى عَدَمِ عِلْمِهِ بِاسْتِيفَاءِ الْمُوَكِّلِ وَإِلَى أَنَّ الْكَلَامَ عِنْدَ عَجْزِ الْمَدْيُونِ عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْإِيفَاءِ إذْ لَوْ بَرْهَنَ عَلَيْهِ تُقْبَلُ لِمَا قَدَّمَهُ مِنْ أَنَّ الْوَكِيلَ بِقَبْضِ الدَّيْنِ وَكِيلٌ بِالْخُصُومَةِ قَيَّدَ بِالْوَكِيلِ بِقَبْضِ الدَّيْنِ لِمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ بَعْدَ ذِكْرِ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ وَكِيلُ إجَارَةِ الدَّارِ وَقَبْضِ الْغَلَّةِ ادَّعَى بَعْضُ السُّكَّانِ أَنَّهُ عَجَّلَ الْأُجْرَةَ لِمُوَكِّلِهِ وَبَرْهَنَ وُقِفَ وَلَا يُحْكَمُ بِقَبْضِ أَجْرٍ حَتَّى يَحْضُرَ الْغَائِبُ اهـ. (قَوْلُهُ وَاتَّبَعَ رَبَّ الْمَالِ وَاسْتَحْلَفَهُ) رِعَايَةً لِجَانِبِ الْغَرِيمِ فَلَوْ كَانَ رَبُّ الْمَالِ مَيِّتًا قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ ادَّعَى لِلْمَيِّتِ وَصِيُّهُ دِينًا عَلَى آخَرَ فَادَّعَى الْإِيفَاءَ حَالَ حَيَاتِهِ فَأَنْكَرَهُ وَصِيُّهُ لَا يَحْلِفُ لِمَا مَرَّ مِنْ عَدَمِ الْفَائِدَةِ وَيَدْفَعُ الدَّيْنَ إلَى الْوَصِيِّ فَإِنْ قُلْت فِيهِ فَائِدَةٌ وَهِيَ قَصْرُ يَدِهِ. قُلْت: أُرِيدَ بِالْفَائِدَةِ أَنْ يَكُونَ نُكُولُهُ كَنُكُولِ مُوَكِّلِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَلَكِنْ لَا يَخْلُو عَنْ الْمُنَاقَشَةِ لِتَحَقُّقِ الْفَائِدَةِ فِي الْجُمْلَةِ وَلَمْ يَكْفِ هَذَا الْقَدْرُ فِي جَوَازِ التَّحْلِيفِ اهـ. وَأَجَبْت عَنْهُ فِي الْحَاشِيَةِ بِأَنَّ قَصْرَ يَدِهِ مُرَتَّبٌ عَلَى نُكُولِهِ وَأَنَّهُ مُعْتَبَرٌ وَنُكُولُهُ لَمْ يُعْتَبَرْ لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ صَرِيحًا بِأَنَّهُ اسْتَوْفَى لَمْ يُعْتَبَرْ فَلَا فَائِدَةَ أَصْلًا وَلَوْ قَالَ الْمُؤَلِّفُ فَادَّعَى الْغَرِيمُ مَا يُسْقِطُ حَقَّ مُوَكِّلِهِ لَكَانَ أَوْلَى لِشُمُولِهِ مَا إذَا ادَّعَى إبْرَاءَ الْمُوَكِّلِ وَلِشُمُولِهِ مَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ ادَّعَى أَرْضًا وَكَالَةً أَنَّهُ مِلْكُ مُوَكِّلِي فَبَرْهَنَ فَقَالَ ذُو الْيَدِ إنَّهُ مِلْكِي   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ إذَا صَدَّقَهُ ذُو الْيَدِ لَمْ يُؤْمَرْ بِالدَّفْعِ لَهُ) قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ فِي بَحْثِ أَحْكَامِ الْوُكَلَاءِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَكِيلِ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ لِلْقَاضِي وِلَايَةَ نَصْبِ الْوَصِيِّ فَلَوْ قَضَى بِدَفْعِهِ يَكُونُ إقْرَارُهُ مُؤَدِّيًا إلَى إسْقَاطِ حَقِّ الْغَيْرِ وَهُوَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ بِدَفْعِهِ إلَيْهِ بِخِلَافِ الْوَكَالَةِ إذْ الْقَاضِي لَا يَمْلِكُ نَصْبَ الْوَكِيلِ وَالثَّانِي أَنَّهُ لَوْ قَضَى لَهُ بِدَفْعِهِ إلَيْهِ يَصِيرُ وَصِيًّا فِي جَمِيعِ الْمَالِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ اهـ. [وَكَّلَهُ بِقَبْضِ مَالِهِ فَادَّعَى الْغَرِيمُ أَنَّ رَبَّ الْمَالِ أَخَذَهُ] (قَوْلُهُ أَشَارَ الْمُؤَلِّفُ إلَى أَنَّهُ لَا يَمِينَ عَلَى الْوَكِيلِ إلَخْ) قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: إذْ لَوْ أَقَرَّ لَمْ يَجُزْ عَلَى مُوَكِّلِهِ لِأَنَّهُ عَلَى الْغَيْرِ وَكَذَا أَبٌ طَالَبَ زَوْجَ بِنْتِهِ الْبَالِغَةِ بِمَهْرِهَا وَقَالَ: ابْنَتِي بِكْرٌ فِي مَنْزِلِي وَقَالَ الزَّوْجُ: بَلْ دَخَلْتُ بِهَا وَلَمْ يَبْقَ لَهَا حَقُّ الْقَبْضِ صُدِّقَ الْأَبُ لِتَمَسُّكِهِ بِالْأَصْلِ وَالزَّوْجُ يَدَّعِي الْعَارِضَ وَالزَّوْجُ يُنْكِرُ وَلَا يَحْلِفُ الْأَبُ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ بِدُخُولِهِ إذْ لَوْ أَقَرَّ بِهِ لَمْ يَجُزْ عَلَيْهَا لِمَا مَرَّ اهـ. (قَوْلُهُ فَلَوْ كَانَ رَبُّ الْمَالِ مَيِّتًا إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: مَسْأَلَةُ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ قَاصِرَةٌ عَلَى دَعْوَى الْوَصِيِّ وَلَمْ يَذْكُرْ الدَّعْوَى عَلَى وَرَثَتِهِ وَلَا شَكَّ فِي تَحْلِيفِهِمْ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لِمَا مَرَّ مِنْ عَدَمِ الْفَائِدَةِ) أَيْ مَرَّ فِي كَلَامِ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ حَيْثُ قَالَ قَبْلَ هَذَا: إذْ لَوْ أَقَرَّ لَمْ يَجُزْ عَلَى مُوَكِّلِهِ لِأَنَّهُ عَلَى الْغَيْرِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 185 وَمُوَكِّلُك أَقَرَّ بِهِ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ فَلَهُ أَنْ يُحَلِّفَ الْمُوَكِّلَ لَا وَكِيلَهُ فَمُوَكِّلُهُ لَوْ غَائِبًا فَلِلْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ بِهِ لِمُوَكِّلِهِ فَلَوْ حَضَرَ الْمُوَكِّلُ وَحَلَفَ أَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ لَهُ بَقِيَ الْحُكْمُ عَلَى حَالِهِ وَلَوْ نَكِلَ بَطَلَ الْحُكْمُ اهـ. وَلَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ مَا إذَا نَكِلَ الطَّالِبُ عَنْ الْيَمِينِ وَحُكْمَ مَا إذَا بَرْهَنَ الْمَدْيُونُ عَلَى الْإِيفَاءِ وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَإِنْ نَكِلَ عَنْ الْيَمِينِ لَزِمَهُ الْمَالُ دُونَ الْوَكِيلِ فَإِنْ كَانَ الْمَالُ عِنْدَ الْوَكِيلِ فَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهِ إنَّمَا هَذَا مَالُ الطَّالِبِ الْأَوَّلِ وَلَوْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْقَضَاءِ فَإِنْ شَاءَ أَخَذَ بِهِ الْمُوَكِّلَ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْمَالَ مِنْ الْوَكِيلِ إنْ كَانَ قَائِمًا فَإِنْ قَالَ الْوَكِيلُ: قَدْ دَفَعْتُهُ إلَى الْمُوَكِّلِ أَوْ هَلَكَ مِنِّي فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَإِنْ قَالَ: أَمَرَنِي فَدَفَعْتُهُ إلَى وَكِيلٍ لَهُ أَوْ غَرِيمٍ لَهُ أَوْ وَهَبَهُ لِي أَوْ قَضَى مِنْ حَقٍّ كَانَ لِي عَلَيْهِ لَمْ يُصَدَّقْ وَضَمِنَ الْمَالَ اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ وَكَّلَهُ بِعَيْبٍ فِي أَمَةٍ وَادَّعَى الْبَائِعُ رِضَا الْمُشْتَرِي لَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ حَتَّى يَحْلِفَ الْمُشْتَرِي) وَالْفَرْقُ أَنَّ التَّدَارُكَ مُمْكِنٌ هُنَالِكَ بِاسْتِرْدَادِ مَا قَبَضَهُ الْوَكِيلُ إذَا ظَهَرَ الْخَطَأُ عِنْدَ نُكُولِهِ وَفِي الثَّانِيَةِ غَيْرُ مُمْكِنٍ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالْفَسْخِ مَاضٍ عَلَى الصِّحَّةِ وَإِنْ ظَهَرَ الْخَطَأُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا هُوَ مَذْهَبُهُ وَلَا يَسْتَحْلِفُ الْمُشْتَرِي عِنْدَهُ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ فَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَالْوَاجِبُ أَنْ يَتَّحِدَ الْجَوَابُ عَلَى هَذَا فِي الْفَصْلَيْنِ وَلَا يُؤَخَّرُ لِأَنَّ التَّدَارُكَ مُمْكِنٌ عِنْدَهُمَا لِبُطْلَانِ الْقَضَاءِ وَقِيلَ: الْأَصَحُّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَنْ يُؤَخِّرَ فِي الْفَصْلَيْنِ لِأَنَّهُ يَعْتَبِرُ النَّظَرَ حَتَّى يَسْتَحْلِفَ الْمُشْتَرِيَ لَوْ كَانَ حَاضِرًا مِنْ غَيْرِ دَعْوَى الْبَائِعِ فَلَوْ رَدَّهَا الْوَكِيلُ عَلَى الْبَائِعِ بِالْعَيْبِ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ فَحَضَرَ الْمُوَكِّلُ وَصَدَّقَ عَلَى الرِّضَا كَانَتْ لَهُ لَا لِلْبَائِعِ عِنْدَ الْكُلِّ عَلَى الْأَصَحِّ لِأَنَّ الْقَضَاءَ لَمْ يَكُنْ عَنْ دَلِيلٍ مُوجِبٍ لِلنَّقْضِ وَإِنَّمَا كَانَ لِجَهْلٍ بِالدَّلِيلِ الْمُسْقِطِ لِلرَّدِّ وَهُوَ الرِّضَا ثُمَّ ظَهَرَ الدَّلِيلُ بِخِلَافِهِ فَلَا يَنْفُذُ بَاطِنًا كَذَا فِي النِّهَايَةِ. (قَوْلُهُ وَمَنْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ عَشَرَةً يُنْفِقُهَا عَلَى أَهْلِهِ فَأَنْفَقَ عَلَيْهِمْ عَشَرَةً مِنْ عِنْدِهِ فَالْعَشَرَةُ بِالْعَشَرَةِ) لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِالْإِنْفَاقِ وَكِيلٌ بِالشِّرَاءِ وَحُكْمُهُ كَذَلِكَ وَقِيلَ: هَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ لَا وَيَصِيرُ مُتَبَرِّعًا وَقِيلَ: الْقِيَاسُ وَالِاسْتِحْسَانُ فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِشِرَاءٍ فَأَمَّا الْإِنْفَاقُ فَيُضْمَنُ الشِّرَاءُ فَلَا يَدْخُلَا مِنْهُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ أَنْفَقَ دَرَاهِمَهُ مَعَ بَقَاءِ دَرَاهِمِ الْمُوَكِّلِ وَلِذَا قَالَ فِي النِّهَايَةِ: هَذَا إذَا كَانَتْ عَشَرَةُ الدَّافِعِ قَائِمَةً وَقْتَ الْإِنْفَاقِ وَكَانَ يُضِيفُ الْعَقْدَ إلَيْهَا أَوْ يُطْلِقُ أَمَّا إذَا كَانَتْ مُسْتَهْلَكَةً أَوْ أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى عَشَرَةِ نَفْسِهِ يَصِيرُ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ مُتَبَرِّعًا بِالْإِنْفَاقِ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ تَتَعَيَّنُ فِي الْوَكَالَةِ اهـ. وَالْأَهْلُ لَيْسَ بِقَيْدٍ احْتِرَازِيٍّ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْوَكِيلِ بِالْإِنْفَاقِ فِي الْبَيْتِ وَالْوَكِيلِ بِالْإِنْفَاقِ فِي الْبِنَاءِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالْوَكِيلُ بِالْإِنْفَاقِ لَيْسَ احْتِرَازِيًّا أَيْضًا لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ كَذَلِكَ وَفِي الْخُلَاصَةِ الْوَكِيلُ بِبَيْعِ الدِّينَارِ إذَا أَمْسَكَ الدِّينَارَ وَبَاعَ دِينَارَهُ لَا يَصِحُّ وَالْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ إذَا اشْتَرَى مَا أُمِرَ بِهِ ثُمَّ أَنْفَقَ الدَّرَاهِمَ بَعْدَ مَا سَلَّمَ إلَى الْآمِرِ ثُمَّ نَقَدَ الْبَائِعُ غَيْرَهَا جَازَ وَلَوْ اشْتَرَى بِدَنَانِيرَ غَيْرِهَا ثُمَّ نَقَدَ دَنَانِيرَ الْمُوَكِّلِ فَالشِّرَاءُ لِلْوَكِيلِ وَضَمِنَ لِلْمُوَكِّلِ دَنَانِيرَهُ لِلتَّعَدِّي اهـ. وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْوَكِيلُ بِالْإِنْفَاقِ أَوْ الْقَضَاءِ أَوْ الشِّرَاءِ أَوْ التَّصَدُّقِ إذَا أَمْسَكَ الْمَدْفُوعَ إلَيْهِ وَنَقَدَ مِنْ مَالِهِ حَالَ قِيَامِهِ لَا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا إذَا لَمْ يُضِفْ إلَى غَيْرِهِ لَكَانَ أَوْلَى وَأَمَّا مَسْأَلَةُ التَّصَدُّقِ فَفِي الْقُنْيَةِ أَعْطَاهُ دَرَاهِمَ لِيَتَصَدَّقَ بِهَا عَنْ زَكَاتِهِ فَتَصَدَّقَ الْمَأْمُورُ بِدَرَاهِمِ نَفْسِهِ يُجْزِئُهُ إذَا تَصَدَّقَ بِهَا عَلَى نِيَّةِ الرُّجُوعِ كَالْقَيِّمِ وَالْوَصِيِّ وَقَيَّدْنَا بِقِيَامِ الْمَدْفُوعِ لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ أَنْفَقَ الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ الدَّرَاهِمَ عَلَى نَفْسِهِ ثُمَّ اشْتَرَى مَا أُمِرَ مِنْ عِنْدِهِ بِدَرَاهِمَ فَالْمُشْتَرَى لِلْوَكِيلِ لَا لِلْآمِرِ فِي الْمُخْتَارِ اهـ. ثُمَّ قَالَ وَفِي الْعُيُونِ أَمَرَهُ بِصَدَقَةِ أَلْفٍ وَأَعْطَاهُ فَأَنْفَقَهُ وَتَصَدَّقَ بِأَلْفٍ مِنْ عِنْدِهِ لَا يَجُوزُ وَيَضْمَنُ وَإِنْ بَاقِيَةً عِنْدَهُ وَتَصَدَّقَ بِأَلْفٍ مِنْ عِنْدِهِ جَازَ اسْتِحْسَانًا وَفِي الْمُنْتَقَى أَمَرَهُ أَنْ يَقْبِضَ مِنْ مَدْيُونِهِ أَلْفًا وَيَتَصَدَّقَ فَتَصَدَّقَ بِأَلْفٍ لِيَرْجِعَ عَلَى الْمَدْيُونِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَلَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ مَا إذَا نَكِلَ الطَّالِبُ عَنْ الْيَمِينِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَلَمْ يَذْكُرْ هَذَا الشَّارِحُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا إذَا أَنْكَرَ رَبُّ الْمَالِ الْوَكَالَةَ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْأَمْرَ يَرْجِعُ فِيهَا إلَى مَسْأَلَةِ دَعْوَى الْوَكَالَةِ عَنْ الْغَائِبِ فَيَأْخُذُ الْغَرِيمُ الْمَالَ مِنْ الْوَكِيلِ إنْ كَانَ قَائِمًا وَيَضْمَنُهُ إنْ اسْتَهْلَكَهُ وَإِذَا هَلَكَ لَا رُجُوعَ لَهُ عَلَيْهِ إلَّا إذَا ضَمِنَهُ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ إنَّ دَعْوَاهُ الْإِيفَاءَ إقْرَارًا بِالدَّيْنِ وَبِالْوَكَالَةِ فَتَأَمَّلْ وَرَاجِعْ الْمَنْقُولَ فَإِنِّي لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ هَذَا وَيَقْرُبُ مِنْ هَذَا الْجَوَابِ مَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ فِي تَعْلِيلِ الْمَسْأَلَةِ بِقَوْلِهِمْ وَهَذَا لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مُحَقَّقًا عِنْدَهُ فِي طَلَبِ الدَّيْنِ مَا اشْتَغَلَ بِذَلِكَ فَصَارَ كَمَا إذَا طَلَبَ مِنْهُ الدَّائِنُ فَقَالَ: أَوْفَيْتُك فَإِنَّهُ يَكُونُ إقْرَارًا وَلَمْ يَثْبُتْ الْإِيفَاءُ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ فَيُؤْمَرُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِالْوَكَالَةِ صَرِيحًا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَالْفَرْقُ أَنَّ التَّدَارُكَ إلَخْ) أَيْ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ حَيْثُ لَا تُرَدُّ الْأَمَةُ عَلَى الْبَائِعِ وَبَيْنَ الَّتِي قَبْلَهَا حَيْثُ يَدْفَعُ الْغَرِيمُ الْمَالَ إلَى الْوَكِيلِ (قَوْلُهُ فَلَوْ رَدَّهَا الْوَكِيلُ عَلَى الْبَائِعِ بِالْعَيْبِ إلَخْ) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: مُنَافٍ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْضِي بِالرَّدِّ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ مَعْنَاهُ لَا يَنْبَغِي فَلَوْ فَعَلَ كَانَ الْقَضَاءُ مَوْقُوفًا فَإِنْ حَضَرَ الْمُشْتَرِي وَكَذَّبَ الْبَائِعَ قَضَى الْقَاضِي عَلَى الصِّحَّةِ وَإِنْ صَدَّقَهُ اسْتَرَدَّهَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَلَا يَنْفُذُ بَاطِنًا) اُعْتُرِضَ بِأَنَّهُ إذَا جَازَ نَقْضُ الْقَضَاءِ هُنَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا بِأَيِّ سَبَبٍ كَانَ لَا يَتِمُّ الدَّلِيلُ الْمَذْكُورُ لِلْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 186 جَازَ اسْتِحْسَانًا اهـ. وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مِنْ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ نَقَدَ مِنْ مَالِهِ ثَمَنَ شَيْءٍ شَرَاهُ لِوَلَدِهِ وَنَوَى الرُّجُوعَ يَرْجِعُ دِيَانَةً لَا قَضَاءً مَا لَمْ يَشْهَدْ وَلَوْ ثَوْبًا أَوْ طَعَامًا وَأَشْهَدَ أَنَّهُ يَرْجِعُ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ لَوْ لَهُ مَالٌ وَإِلَّا فَلَا لِوُجُوبِهِمَا عَلَيْهِ حِينَئِذٍ وَلَوْ قِنًّا أَوْ شَيْئًا لَا يَلْزَمُهُ رَجَعَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ لَوْ أَشْهَدَ وَإِلَّا لَا وَلَوْ أَنْفَقَ عَلَيْهِ الْوَصِيُّ مِنْ مَالِهِ وَمَالُ الْيَتِيمِ غَائِبٌ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ إلَّا أَنَّهُ يُشْهِدُ أَنَّهُ قَرْضٌ عَلَيْهِ أَوْ أَنَّهُ يَرْجِعُ اهـ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ [بَابُ عَزْلِ الْوَكِيلِ] قَدْ عُلِمَ أَنَّهَا مِنْ الْعُقُودِ الْغَيْرِ اللَّازِمَةِ وَلِهَذَا لَا يَدْخُلُهَا خِيَارُ شَرْطٍ وَلَا يَصِحُّ الْحُكْمُ بِهَا مَقْصُودًا وَإِنَّمَا يَصِحُّ الْحُكْمُ بِهَا ضِمْنَ الدَّعْوَى عَلَى الْغَرِيمِ كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ فَكَانَ لِلْمُوَكِّلِ الْعَزْلُ مَتَى شَاءَ بِشَرْطِ عِلْمِ الْوَكِيلِ وَلَوْ كَانَ وَكِيلًا بِالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ لِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَلْحَقْهُ الضَّرَرُ يَصِيرُ مُكَذِّبًا شَرْعًا فَيَكُونُ غُرُورًا وَيَثْبُتُ عَزْلُهُ بِالْمُشَافَهَةِ بِهِ أَوْ بِكِتَابَتِهِ لَهُ كِتَابًا بِعَزْلِهِ أَوْ بِإِرْسَالِهِ رَسُولًا عَدْلًا أَوْ غَيْرَ عَدْلٍ حُرًّا أَوْ عَبْدًا صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إذَا قَالَ لَهُ الْمُوَكِّلُ: أَرْسَلَنِي إلَيْك لِأُبَلِّغكَ عَزْلَهُ عَنْ الْوَكَالَةِ فَلَوْ أَشْهَدَ عَلَى الْعَزْلِ حَالَ غَيْبَةِ الْوَكِيلِ لَمْ يَنْعَزِلْ وَلَوْ أَخْبَرَهُ فُضُولِيٌّ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا بُدَّ عِنْدَهُ مِنْ أَحَدِ شَطْرِي الشَّهَادَةِ إمَّا الْعَدَدُ أَوْ الْعَدَالَةُ وَلَهَا أَخَوَاتٌ فِي مَسَائِلَ شَتَّى مِنْ كِتَابِ الْقَضَاءِ وَهِيَ غَيْرُ لَازِمَةٍ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَلِلْوَكِيلِ عَزْلُ نَفْسِهِ بِشَرْطِ عِلْمِ الْمُوَكِّلِ كَمَا فِي عَزْلِ الْمُوَكِّلِ وَالْوَكِيلِ بِقَبْضِ الدَّيْنِ لَا بِحَضْرَةِ الْمَدْيُونِ لَهُ عَزْلُهُ وَإِنْ بِحُضُورِهِ لَا مَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْمَدْيُونُ فَلَوْ دَفَعَ الْمَدْيُونُ دَيْنَهُ إلَى هَذَا الْوَكِيلِ قَبْلَ عِلْمِهِ بِعَزْلِهِ يَبْرَأُ وَعَزْلُ الْعَدْلِ بِحَضْرَةِ الْمُرْتَهِنِ لَا يَصِحُّ مَا لَمْ يَرْضَ بِهِ الْمُرْتَهِنُ هَذَا لَوْ بِالْتِمَاسِ الطَّالِبِ أَمَّا لَوْ بِالْتِمَاسِ الْقَاضِي حَالَ غَيْبَةِ الطَّالِبِ يَصِحُّ بِحَضْرَةِ الْقَاضِي وَبِحَضْرَةِ الطَّالِبِ أَيْضًا وَقَوْلُ الْوَكِيلِ بَعْدَ الْقَبُولِ بِمَحْضَرِ الْمُوَكِّلِ أَلْغَيْتُ تَوْكِيلِي أَوْ أَنَا بَرِيءٌ مِنْ الْوَكَالَةِ لَا يُخْرِجُهُ عَنْهَا وَجُحُودُ الْمُوَكِّلِ بِقَوْلِهِ لَمْ أُوَكِّلْكَ لَا يَكُونُ عَزْلًا كَمَا فِي الشَّرْحِ إلَّا أَنْ يَقُولَ: وَاَللَّهِ لَا أُوَكِّلُكَ بِشَيْءٍ فَقَدْ عَرَفْتُ تَهَاوُنَكَ فَيُعْزَلُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ ثُمَّ يَطْرَأُ عَلَى الْوَكَالَةِ اللُّزُومُ فِي مَسَائِلَ وَلِذَا قَالَ فِي الْمَجْمَعِ وَيَمْلِكُ الْمُوَكِّلُ عَزْلَهُ مَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا حَقُّ الْغَيْرِ اهـ. فَمِنْهَا الْوَكَالَةُ بِبَيْعِ الرَّهْنِ سَوَاءٌ كَانَتْ مَشْرُوطَةً فِي الرَّهْنِ أَوْ بَعْدَهُ عَلَى الْأَصَحِّ فَتَلْزَمُ كَالرَّهْنِ وَمِنْهَا الْوَكَالَةُ بِالْخُصُومَةِ بِالْتِمَاسِ الطَّالِبِ عِنْدَ غَيْبَةِ الْمَطْلُوبِ لِأَنَّهُ إنَّمَا خَلَّى سَبِيلَهُ اعْتِمَادًا عَلَى أَنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ إثْبَاتِ حَقِّهِ مَتَى شَاءَ فَلَوْ جَازَ عَزْلُهُ لَتَضَرَّرَ بِهِ الطَّالِبُ عِنْدَ اخْتِفَاءِ الْمَطْلُوبِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمَطْلُوبُ حَاضِرًا أَوْ كَانَتْ الْوَكَالَةُ مِنْ غَيْرِ الْتِمَاسِ الطَّالِبِ أَوْ كَانَتْ مِنْ جِهَتِهِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْخُصُومَةِ مَعَ الْمَطْلُوبِ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَلِعَدَمِ تَعَلُّقِ حَقِّهِ بِالْوَكَالَةِ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي إذْ هُوَ لَمْ يَطْلُبْ وَفِي الْوَجْهِ الثَّالِثِ الْعَزْلُ إلَى الطَّالِبِ الْحَقَّ فَلَهُ أَنْ يَعْزِلَهُ وَيُبَاشِرَ الْخُصُومَةَ بِنَفْسِهِ وَلَهُ أَنْ يَتْرُكَهَا بِالْكُلِّيَّةِ وَعَلَى هَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ: إذَا وَكَّلَ الزَّوْجُ وَكِيلًا بِطَلَاقِ زَوْجَتِهِ بِالْتِمَاسٍ ثُمَّ غَابَ لَا يَمْلِكُ عَزْلَهُ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ بَلْ لَهُ عَزْلُهُ فِي الصَّحِيحِ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا حَقَّ لَهَا فِي الطَّلَاقِ وَعَلَى هَذَا قَالُوا: لَوْ قَالَ الْمُوَكِّلُ لِلْوَكِيلِ كُلَّمَا عَزَلْتُكَ فَأَنْت وَكِيلِي لَا يَمْلِكُ عَزْلَهُ وَسَيَأْتِي فِي آخِرِ الْكِتَابِ   [منحة الخالق] (بَابُ عَزْلِ الْوَكِيلِ) (قَوْلُهُ فَكَانَ لِلْمُوَكِّلِ الْعَزْلُ مَتَى شَاءَ بِشَرْطِ عِلْمِ الْوَكِيلِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ مَا لَوْ وَكَّلَهُ وَشَرَطَ عَلَى نَفْسِهِ عَدَمَ الْعَزْلِ أَوْ مُدَّةَ حَيَاتِهِ أَوْ أَبَدًا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ فَقَدْ صَرَّحَ فِي الْإِسْعَافِ أَنَّ مَنْصُوبَ الْوَاقِفِ كَالْوَكِيلِ عَنْهُ فَيَمْلِكُ عَزْلَهُ مَتَى شَاءَ وَإِنْ شَرَطَ أَنَّهُ لَا يُعْزَلُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَلْحَقْهُ ضَرَرٌ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ تَقْدِيرُهُ كَانَ يَنْبَغِي عَدَمُ اشْتِرَاطِ عِلْمِ الْوَكِيلِ فِيهِمَا لِعَدَمِ رُجُوعِ الْحُقُوقِ فِيهِمَا إلَيْهِ فَأَجَابَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ إلَخْ وَسَيَأْتِي قَرِيبًا وَعَلَى هَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ: إذَا وَكَّلَ الزَّوْجُ وَكِيلًا فِي طَلَاقِ زَوْجَتِهِ بِالْتِمَاسِهِمَا ثُمَّ غَابَ يَعْنِي الْوَكِيلُ لَا يَمْلِكُ عَزْلَهُ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ بَلْ لَهُ عَزْلُهُ فِي الصَّحِيحِ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا حَقَّ لَهَا فِي الطَّلَاقِ وَمِثْلُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ (قَوْلُهُ وَلَهَا أَخَوَاتٌ فِي مَسَائِلَ شَتَّى) وَهِيَ إخْبَارُ السَّيِّدِ بِجِنَايَةِ عَبْدِهِ وَالشَّفِيعِ وَالْبِكْرِ وَالْمُسْلِمِ الَّذِي لَمْ يُهَاجِرْ إلَيْنَا (قَوْلُهُ وَجُحُودُ الْمُوَكِّلِ إلَخْ) قَالَ فِي الْمِنَحِ بَعْدَ نَقْلِ مَا ذُكِرَ عَنْ الشَّارِحِ الزَّيْلَعِيِّ لَكِنْ ذَكَرَ الشَّارِحُ الْمَذْكُورَ فِي كِتَابِ الْوَصَايَا أَنَّ جُحُودَ التَّوْكِيلِ يَكُونُ عَزْلًا وَذَكَرَ فِي مَسَائِلَ شَتَّى بَعْدَ كِتَابِ الْقَضَاءِ أَنَّ جَمِيعَ الْعُقُودِ تَنْفَسِخُ بِالْجُحُودِ إذَا وَافَقَهُ صَاحِبُهُ بِالتَّرْكِ إلَّا النِّكَاحَ فَيَنْبَغِي حَمْلُ مَا فِي الْوَصَايَا عَلَى مَا إذَا وَافَقَهُ الْوَكِيلُ عَلَى تَرْكِ الْوَكَالَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ اهـ. قَالَ أَبُو السُّعُودِ: وَرَأَيْتُ بِخَطِّ السَّيِّدِ الْحَمَوِيِّ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ تَصْحِيحَ أَنَّ الْجُحُودَ يَكُونُ رُجُوعًا قَالَ: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى بَعْدَ أَنْ حَكَى اخْتِلَافَ الرِّوَايَةِ فِيمَا إذَا جَحَدَ الْوِصَايَةَ هَلْ يَكُونُ رُجُوعًا أَمْ لَا اهـ. وَفِي شَرْحِ الْقُهُسْتَانِيِّ وَيَدْخُلُ فِيهِ يَعْنِي فِي الْعَزْلِ جُحُودُ الْوَكَالَةِ فَإِنَّ جُحُودَ مَا عَدَا النِّكَاحَ فَسْخٌ وَفِي رِوَايَةٍ لَمْ يَنْعَزِلْ بِالْجُحُودِ (قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا قَالُوا: لَوْ قَالَ الْمُوَكِّلُ لِلْوَكِيلِ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَإِذَا أَرَادَ الْمُوَكِّلُ عَزْلَهُ عَنْ الْوَكَالَةِ الدَّوْرِيَّةِ كَيْفَ يَعْزِلُهُ قِيلَ: يَقُولُ عَزَلْتُكَ كُلَّمَا وَكَّلْتُكَ وَأَنَّهُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ فِيهِ تَعْلِيقَ الْعَزْلِ بِالشَّرْطِ حَيْثُ قَالَ: إنْ صِرْتَ وَكِيلِي فَأَنْتَ مَعْزُولٌ وَلِأَنَّ الْمُعَلَّقَةَ بِالْعَزْلِ غَيْرُ ثَابِتَةٍ فَكَيْفَ يَصِحُّ الْعَزْلُ عَنْهُ وَاخْتَارَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ أَنْ يَقُولَ عَزَلْتُكَ عَنْ الْوَكَالَاتِ كُلِّهَا أَوْ عَزَلْتُكَ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ وَأَنَّهُ أَيْضًا مُشْكِلٌ لِأَنَّ الْإِخْرَاجَ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي ذَلِكَ الشَّيْءِ لَا يُتَصَوَّرُ وَالْعَزْلُ إخْرَاجٌ وَالْمُعَلَّقَةُ غَيْرُ نَازِلَةٍ فَلَا يُتَصَوَّرُ الْإِخْرَاجُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 187 فِي مَسَائِلَ شَتَّى أَنَّهُ يَقُولُ لَهُ: رَجَعْتُ عَنْ الْوَكَالَةِ الْمُعَلَّقَةِ وَعَزَلْتُكَ عَنْ الْوَكَالَةِ الْمُنَجَّزَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الشَّرْحِ وَبِهِ يُفْتَى كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَفِي الْعُمْدَةِ لَوْ قَالَ الْمُوَكِّلُ: كُلَّمَا أَخْرَجْتُكَ عَنْ الْوَكَالَةِ فَأَنْت وَكِيلِي فَلَهُ أَنْ يُخْرِجَهُ مِنْهَا بِمَحْضَرٍ مِنْهُ مَا خَلَا الطَّلَاقَ وَالْعَتَاقَ لِأَنَّهُمَا مِمَّا يَتَعَلَّقَانِ بِالشَّرْطِ وَالْإِخْطَارُ بِمَنْزِلَةِ الْيَمِينِ وَلَا رُجُوعَ عَنْ الْيَمِينِ اهـ. وَفِي الْخُلَاصَةِ الْمُخْتَارُ أَنَّهُ يَمْلِكُ عَزْلَهُ بِمَحْضَرٍ مِنْهُ إلَّا فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالتَّوْكِيلِ بِسُؤَالِ الْخَصْمِ اهـ. وَفِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي قَالَ مَشَايِخُنَا: يَمْلِكُ عَزْلَهُ فِي الْفُصُولِ كُلِّهَا اهـ. وَهَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَفِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى قَالَ أُسْتَاذُنَا: إذَا أَرَادَ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَدِّمَ قَوْلَهُ رَجَعْتُ عَنْ الْوَكَالَةِ الْمُعَلَّقَةِ ثُمَّ يَقُولُ: وَعَزَلْتُكَ عَنْ الْوَكَالَةِ الْمُنْفَذَةِ كَذَا ذَكَرَهُ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ طَرِيقُ الْعَزْلِ لِأَنَّهُ إذَا قَدَّمَ الْعَزْلَ عَنْ الْمُنْفَذَةِ قَارَنَهُ تَنَجُّزُ وَكَالَةٍ أُخْرَى مِنْ الْوَكَالَاتِ الْمُعَلَّقَةِ فَلَا يَنْعَزِلُ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْهَا بِقَوْلِهِ وَرَجَعْتُ عَنْ الْوَكَالَةِ الْمُعَلَّقَةِ لِأَنَّهُ حِينَ قَالَ ذَلِكَ كَانَتْ تِلْكَ وَكَالَةً مُنَجَّزَةً وَإِنَّمَا صَارُوا إلَى مَا ذُكِرَ مِنْ تَخْصِيصِ لَفْظِ الرُّجُوعِ بِالْمُعَلَّقَةِ مِنْ الْوَكَالَاتِ احْتِرَازًا عَنْ خِلَافِ أَبِي يُوسُفَ فَإِنَّ الْإِخْرَاجَ عَنْ الْوَكَالَةِ الْمُعَلَّقَةِ بِلَفْظِ الْعَزْلِ لَا يَصِحُّ اهـ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: كُلَّمَا وَكَّلْتُكَ فَأَنْتَ مَعْزُولٌ لَمْ يَصِحَّ وَالْفَرْقُ أَنَّ التَّوْكِيلَ يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشُّرُوطِ وَالْعَزْلُ لَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الصُّغْرَى وَالصَّيْرَفِيَّةِ فَإِذَا وَكَّلَهُ لَمْ يَنْعَزِلْ. (قَوْلُهُ وَتَبْطُلُ الْوَكَالَةُ بِالْعَزْلِ إذَا عَلِمَ بِهِ الْوَكِيلُ) وَلَوْ قَالَ كَمَا فِي الْمَجْمَعِ لَكَانَ أَوْلَى كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَأَطْلَقَ فِي الْوَكَالَةِ فَشَمَلَ الْمُنَجَّزَةَ وَالْمُعَلَّقَةَ فَيَمْلِكُ عَزْلَهُ عَنْ الْمُعَلَّقَةِ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَفِي الصُّغْرَى وَبِهِ يُفْتَى وَفِي الْقُنْيَةِ لَوْ قَالَ الْوَكِيلُ: عَزَلَنِي مُوَكِّلِي وَهُوَ غَائِبٌ وَكَذَّبَهُ الْمُدَّعِي لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَفِي شَهَادَاتِ الْعَتَّابِيَّةِ وَبَيِّنَةُ الْعَزْلِ أَوْلَى مِنْ بَيِّنَةِ الْبَيْعِ مِنْ الْوَكِيلِ وَكَذَا الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ وَإِذَا شَهِدُوا بَيْعَ الْوَكِيلِ يَجِبُ أَنْ يَسْأَلَهُمْ الْقَاضِي عَنْ بَيْعِهِ قَبْلَ الْعَزْلِ أَوْ بَعْدَهُ فَإِنْ مَاتُوا أَوْ غَابُوا قَضَى بِشَهَادَتِهِمْ اهـ. وَلَوْ قَالَ الْمُؤَلِّفُ: إلَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِهَا فَلَا يُشْتَرَطُ عِلْمُهُ بِهِ لَكَانَ أَوْلَى لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ إذَا وَكَّلَهُ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهَا فَلَهُ عَزْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ وَقَيَّدَ بِالْوَكِيلِ لِأَنَّ عَزْلَ الرَّسُولِ يَصِحُّ بِلَا عِلْمِهِ وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ يُسْتَثْنَى مِنْ صِحَّةِ عَزْلِهِ الْوَكِيلُ يَبِيعُ الرَّهْنَ وَبِالْخُصُومَةِ بِالْتِمَاسِ الطَّالِبِ عِنْدَ غَيْبَةِ الْمُوَكِّلِ وَفِيمَا إذَا قَالَ: كُلَّمَا عَزَلْتُكَ فَأَنْتَ وَكِيلِي عَلَى قَوْلٍ ضَعِيفٍ وَيُسْتَثْنَى مَا إذَا وَكَّلَ وَكِيلَ الْبَيْعِ مُوَكِّلُهُ بِالثَّمَنِ مِنْ الْمُشْتَرِي بِأَمْرِ الْقَاضِي فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ إخْرَاجَهُ عَنْهَا وَإِنْ لَا يَأْمُرُ الْحَاكِمُ لَهُ عَزْلُهُ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَمَا فِي الْمُحِيطِ وَكَّلَهُ بِبَيْعِ عَيْنٍ لَهُ عَزْلُهُ إلَّا أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْوَكِيلِ بِأَنْ يَأْمُرَهُ بِالْبَيْعِ وَاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ بِإِزَاءِ دَيْنِهِ اهـ. فَالْمُسْتَثْنَى خَمْسَةٌ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْوَكَالَةَ إنَّمَا يَتَوَقَّفُ بُطْلَانُهَا عَلَى الْعَزْلِ إذَا لَمْ يَنْتَهِ الْأَمْرُ فَإِنْ بَلَغَ نِهَايَتَهُ انْعَزَلَ بِلَا عَزْلٍ كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ بِقَبْضِ الدَّيْنِ فَقَبَضَهُ أَوْ بِالنِّكَاحِ فَزَوَّجَهُ فَإِنَّهُ يَنْعَزِلُ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ. (قَوْلُهُ وَمَوْتُ أَحَدِهِمَا وَجُنُونُهُ مُطْبِقًا وَلُحُوقُهُ مُرْتَدًّا) أَيْ تَبْطُلُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ تَصَرُّفٌ غَيْرُ لَازِمٍ فَيَكُونُ لِدَوَامِهِ حُكْمُ ابْتِدَائِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ قِيَامِ الْأَمْرِ وَقَدْ بَطَلَ بِهَذِهِ الْعَوَارِضِ وَفِي الْقُنْيَةِ بَلَغَ الْمُسْتَبْضِعَ مَوْتُ الْمُبْضِعِ وَهُوَ فِي الطَّرِيقِ وَقَدْ اشْتَرَى رَقِيقًا بِمَالِ الْبِضَاعَةِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى الرَّقِيقِ مِنْ بَقِيَّةِ مَالِ الْبِضَاعَةِ إلَّا بِأَمْرِ الْقَاضِي اهـ. وَفِي التَّجْنِيسِ مِنْ بَابِ الْمَفْقُودِ رَجُلٌ غَابَ وَجَعَلَ دَارًا لَهُ فِي يَدِ رَجُلٍ لِيُعَمِّرَهَا فَدَفَعَ إلَيْهِ مَالًا لِيَحْفَظَهُ ثُمَّ فُقِدَ الدَّافِعُ فَلَهُ أَنْ يَحْفَظَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُعَمِّرَ الدَّارَ   [منحة الخالق] قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ وَالْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ يَقُولُ: رَجَعْتُ عَنْ الْمُعَلَّقَةِ وَعَزَلْتُ عَنْ الْمُنْفَذَةِ وَلَا يُقَدَّمُ الْعَزْلُ عَنْ الْمُنْفَذَةِ عَلَى الرُّجُوعِ عَنْ الْمُعَلَّقَةِ لِأَنَّهُ إذَا قَدَّمَ الْعَزْلَ عَنْ الْمُنْفَذَةِ تَنَجَّزَ وَكَالَةٌ أُخْرَى مِنْ الْمُعَلَّقَةِ فَلَا يَنْعَزِلُ بَعْدُ عَنْهَا بِالرُّجُوعِ عَنْ الْمُعَلَّقَةِ. (قَوْلُهُ وَهَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى هُوَ الْمُعْتَمَدُ) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ أَيْ فِي غَيْرِ التَّوْكِيلِ بِسُؤَالِ الْخَصْمِ اهـ. وَعِبَارَةُ الْبَزَّازِيَّةِ هُنَا وَكَّلَهُ غَيْرُ جَائِزِ الرُّجُوعِ ثُمَّ أَرَادَ الرُّجُوعَ قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْزِلَهُ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ كَمَا لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ: جَعَلْتُ أَمْرَ امْرَأَتِي إلَيْكَ يُطَلِّقُهَا مَتَى شَاءَ أَوْ قَالَ: جَعَلْتُ عِتْقَ عَبْدِي فِي يَدِكَ يُعْتِقُهُ مَتَى شَاءَ أَوْ قَالَ: اعْتِقْ عَبْدِي إذَا شِئْتَ أَوْ طَلِّقْ امْرَأَتِي إنْ شِئْتَ لَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ لِأَنَّ وَإِنْ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْإِجَارَةِ يَصِحُّ الْعَزْلُ وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: الْعَزْلُ فِي كُلِّ الْفُصُولِ لَيْسَ فِيهِ رِوَايَةٌ مَسْطُورَةٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ كَمَا فِي الْمَجْمَعِ لَكَانَ أَوْلَى كَمَا قَدَّمْنَاهُ) أَيْ فِي الْقَوْلَةِ السَّابِقَةِ حَيْثُ قَالَ: وَلِذَا قَالَ فِي الْمَجْمَعِ وَيَمْلِكُ الْمُوَكِّلُ عَزْلَهُ مَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا حَقُّ الْغَيْرِ اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ الْمُؤَلِّفُ: إلَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِهَا إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ قَبْلَ عِلْمِهِ لَا يَكُونُ وَكِيلًا حَتَّى لَوْ بَاعَ لَا يَنْفُذُ وَلَا يَكُونُ بَيْعُهُ إجَازَةً لِلْوَكَالَةِ بِخِلَافِ الْوَصِيِّ وَحِينَئِذٍ فَعَزْلُهُ قَبْلَ عِلْمِهِ لَيْسَ عَزْلًا حَقِيقَةً تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَإِنْ لَا يَأْمُرَ الْحَاكِمُ إلَخْ) إنْ شَرْطِيَّةٌ وَلَا نَافِيَةٌ وَهُوَ مُقَابِلُ قَوْلِهِ بِأَمْرِ الْقَاضِي (قَوْلُهُ بِأَنْ يَأْمُرَهُ بِالْبَيْعِ وَاسْتِيفَاءُ الثَّمَنِ بِإِزَاءِ دَيْنِهِ) هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا أَمَّا إذَا كَانَ مُؤَجَّلًا فَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْجَوَاهِرِ وَلَوْ وَكَّلَ الدَّائِنَ بِدَيْنٍ مُؤَجَّلٍ بِبَيْعِ دَارِهِ بِسُؤَالِهِ عِنْدَ الْأَجَلِ كَانَ لَهُ عَزْلُهُ قَبْلَهُ. (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَمَوْتُ أَحَدِهِمَا إلَخْ) قَالَ فِي الْيَعْقُوبِيَّةِ: ذَكَرَ مَوْتَ الْوَكِيلِ وَقَعَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي أَيْضًا لَكِنْ كَوْنُ الْمَوْتِ مُبْطِلًا لِتَصَرُّفِ الْوَكِيلِ ظَاهِرٌ فَلَا فَائِدَةَ لَهُ إلَّا دَفْعُ تَوَهُّمِ جَرَيَانِ الْإِرْثِ وَإِنْ كَانَ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 188 إلَّا بِإِذْنِ الْحَاكِمِ لِأَنَّهُ لَعَلَّهُ قَدْ مَاتَ وَلَا يَكُونُ الرَّجُلُ وَصِيًّا لِلْمَفْقُودِ حَتَّى يَحْكُمَ بِمَوْتِهِ اهـ. وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ الْوَكَالَةَ تَبْطُلُ بِفَقْدِ الْمُوَكِّلِ فِي حَقِّ التَّصَرُّفِ لَا الْحِفْظِ وَظَاهِرُ إطْلَاقِ الْمُؤَلِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ كُلَّ وَكَالَةٍ تَبْطُلُ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ وَجُنُونِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَفِي الْبَزَّازِيَّةِ قَوْلُهُمْ يَنْعَزِلُ بِجُنُونِ الْمُوَكِّلِ وَمَوْتِهِ مُقَيَّدٌ بِالْمَوْضِعِ الَّذِي يَمْلِكُ الْمُوَكِّلُ عَزْلَ وَكِيلِهِ فَأَمَّا فِي الرَّهْنِ فَإِذَا وَكَّلَ الرَّاهِنُ الْعَدْلُ أَوْ الْمُرْتَهِنُ بِبَيْعِ الرَّهْنِ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ أَوْ الْوَكِيلَ بِالْأَمْرِ بِالْيَدِ لَا يَنْعَزِلُ وَإِنْ مَاتَ الْمُوَكِّلُ أَوْ جُنَّ وَالْوَكِيلُ بِالْخُصُومَةِ بِالْتِمَاسِ الْخَصْمِ يَنْعَزِلُ بِجُنُونِ الْمُوَكِّلِ وَمَوْتِهِ وَالْوَكِيلُ بِالطَّلَاقِ يَنْعَزِلُ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ اسْتِحْسَانًا لَا قِيَاسًا اهـ. وَعَلَى هَذَا يُفَرَّقُ فِي الْوَكَالَةِ اللَّازِمَةِ بَيْنَ وَكَالَةٍ وَوَكَالَةٍ فَالْوَكَالَةُ بِبَيْعِ الرَّهْنِ لَا تَبْطُلُ بِالْعَزْلِ حَقِيقِيًّا أَوْ حُكْمِيًّا وَلَا بِالْخُرُوجِ عَنْ الْأَهْلِيَّةِ بِالْجُنُونِ وَالرِّدَّةِ وَفِيمَا عَدَاهَا مِنْ اللَّازِمَةِ لَا تَبْطُلُ بِالْحَقِيقِيِّ وَتَبْطُلُ بِالْحُكْمِيِّ وَبِالْخُرُوجِ عَنْ الْأَهْلِيَّةِ وَقَيَّدَ بِالْمُطْبِقِ لِأَنَّ قَلِيلَهُ بِمَنْزِلَةِ الْإِغْمَاءِ وَحَدُّهُ شَهْرٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ اعْتِبَارًا بِمَا يَسْقُطُ بِهِ الصَّوْمُ وَعَنْهُ أَكْثَرُ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لِسُقُوطِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فَصَارَ كَالْمَيِّتِ وَقَدَّرَهُ مُحَمَّدٌ بِحَوْلٍ كَامِلٍ لِسُقُوطِ جَمِيعِ الْعِبَادَاتِ بِهِ فَقَدَّرَ بِهِ احْتِيَاطًا وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَالْمُطْبِقُ بِكَسْرِ الْبَاءِ أَيْ الدَّائِمُ وَالْحُمَّى الْمُطْبِقَةُ هِيَ الَّتِي لَا تُفَارِقُ لَيْلًا وَنَهَارًا كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَالْبِنَايَةِ وَزَادَ فِي الْبِنَايَةِ وَقِيلَ: مُسْتَوْعَبًا مِنْ قَوْلِهِمْ أَطْبَقَ الْغَيْمُ إذَا اسْتَوْعَبَ وَفِي الْمِصْبَاحِ أَطْبَقَتْ عَلَيْهِ الْحُمَّى فَهِيَ مُطْبِقَةٌ بِالْكَسْرِ عَلَى الْبَابِ وَأَطْبَقَ عَلَيْهِ بِالْجُنُونِ فَهُوَ مُطْبِقٌ أَيْضًا وَالْعَامَّةُ تَفْتَحُ الْبَاءَ عَلَى مَعْنَى أَطْبَقَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ الْحُمَّى وَالْجُنُونَ أَدَامَهُمَا كَمَا يُقَالُ أَحَمَّهُ اللَّهُ وَأَجَنَّهُ أَيْ أَصَابَهُ بِهِمَا وَعَلَى هَذَا فَالْأَصْلُ مُطْبَقٌ عَلَيْهِ فَحُذِفَتْ أَيْضًا تَخْفِيفًا وَيَكُونُ الْفِعْلُ مِمَّا اُسْتُعْمِلَ لَازِمًا وَمُتَعَدِّيًا. اهـ. وَقَيَّدَ بِلَحَاقِ الْمُرْتَدِّ لِأَنَّ تَصَرُّفَاتِ الْمُرْتَدِّ مَوْقُوفَةٌ عِنْدَهُ فَكَذَا وَكَالَتُهُ فَإِنْ أَسْلَمَ نَفَذَ وَإِنْ قُتِلَ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ فَأَمَّا عِنْدَهُمَا تَصَرُّفَاتُهُ نَافِذَةٌ فَلَا تَبْطُلُ وَكَالَتُهُ إلَّا أَنْ يَمُوتَ أَوْ يُقْتَلَ عَلَى رِدَّتِهِ أَوْ يُحْكَمَ بِلَحَاقِهِ وَفِي إيضَاحِ الْإِصْلَاحِ وَالْمُرَادُ بِلُحُوقِهِ ثُبُوتُهُ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ اهـ. وَلَا تَبْطُلُ وَكَالَةُ الْمَرْأَةِ بِارْتِدَادِهَا مَا لَمْ تَلْحَقْ بِدَارِ الْحَرْبِ وَيَحْكُمْ الْحَاكِمُ بِلَحَاقِهَا وَكَذَا يَجُوزُ تَوْكِيلُهَا بَعْدَ ارْتِدَادِهَا أَيْضًا لِأَنَّهَا تَبْقَى بَعْدَ الرِّدَّةِ مَالِكَةً لِلتَّصَرُّفِ بِنَفْسِهَا وَرِدَّتُهَا لَا تُؤَثِّرُ فِي عُقُودِهَا إلَّا إذَا وَكَّلَتْهُ بِالتَّزْوِيجِ ثُمَّ ارْتَدَّتْ فَإِنَّ ذَلِكَ يُبْطِلُ لِأَنَّهَا لَا تَمْلِكُهُ بِنَفْسِهَا فَكَذَا وَكِيلُهَا.   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ الْوَكَالَةَ تَبْطُلُ بِفَقْدِ الْمُوَكِّلِ إلَخْ) رَدَّهُ الْمَقْدِسِيَّ بِأَنَّ ظَاهِرَ مَا فِي التَّجْنِيسِ أَنَّهُ إنَّمَا دَفَعَ الْمَالَ لِيَحْفَظَهُ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَدُلُّ عَلَى مَا اسْتَنْبَطَهُ فَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَوْ دَفَعَهُ لِيَعْمُرَ مِنْهُ كَانَ لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّمَا امْتَنَعَ لِعَدَمِ إذْنِهِ كَذَا فِي حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ عَنْ الْحَمَوِيِّ أَقُولُ: كَيْفَ يَصِحُّ قَوْلُهُ كَانَ لَهُ ذَلِكَ مَعَ التَّعْلِيلِ بِأَنَّهُ لَعَلَّهُ قَدْ مَاتَ وَلَيْسَ هَذَا وَصِيَّةً ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ أَمْرَهُ بِتَعْمِيرِ الدَّارِ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ هَذَا الْمَالِ الْمَدْفُوعِ أَوْ مِنْ مَالٍ آخَرَ دَفَعَهُ لَهُ أَوْ مِنْ مَالِ الْمَأْمُورِ وَعَلَى كُلٍّ فَقَوْلُهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُعَمِّرَ الدَّارَ إلَخْ يَدُلُّ عَلَى عَزْلِهِ فِي التَّصَرُّفِ دُونَ الْحِفْظِ فَثَبَتَ مَا قَالَهُ الْمُؤَلِّفُ فَتَأَمَّلْهُ مُنْصِفًا (قَوْلُهُ وَفِيمَا عَدَاهَا مِنْ اللَّازِمَةِ لَا تَبْطُلُ بِالْحَقِيقِيِّ إلَخْ) يَرِدُ عَلَيْهِ الْوَكِيلُ بِالْأَمْرِ بِالْيَدِ كَمَا قَدَّمَهُ آنِفًا وَالْوَكِيلُ بِبَيْعِ الْوَفَاءِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ آخِرَ الْمَقُولَةِ. (قَوْلُهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ) لَكِنْ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة عَنْ الْمُضْمَرَاتِ مُقَدَّرٌ بِشَهْرٍ وَبِهِ يُفْتَى وَكَذَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَالْبَاقَانِيِّ وَجَعَلَهُ قَاضِي خَانْ فِي فَصْلٍ فِيمَا يُقْضَى بِالْمُجْتَهِدَاتِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَنَّ عَلَيْهِ الْفَتْوَى فَلْيُحْفَظْ كَذَا فِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ (قَوْلُهُ وَيَكُونُ الْفِعْلُ مِمَّا اُسْتُعْمِلَ لَازِمًا وَمُتَعَدِّيًا) كَذَا فِي النُّسَخِ وَلَعَلَّهُ أَوْ يَكُونُ بِأَوْ دُونَ الْوَاوِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مِمَّا اُسْتُعْمِلَ لَازِمًا وَمُتَعَدِّيًا لَا يَحْتَاجُ إلَى دَعْوَى حَذْفِ الصِّلَةِ تَخْفِيفًا فَإِنَّ مَا حُذِفَتْ مِنْهُ الصِّلَةُ يَكُونُ مُتَعَدِّيًا وَمَا ذُكِرَتْ فِيهِ يَكُونُ لَازِمًا فَتَعَيَّنَ مَا قُلْنَا تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَفِي إيضَاحِ الْإِصْلَاحِ وَالْمُرَادُ بِلُحُوقِهِ ثُبُوتُهُ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ) قَالَ فِي الْحَوَاشِي الْيَعْقُوبِيَّةِ: قَوْلُهُ وَلَحَاقُهُ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَهُمَا يَبْطُلُ لَوْ حَكَمَ بِلَحَاقِهِ وَقَدْ مَرَّ فِي السِّيَرِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَهَاهُنَا كَلَامٌ وَهُوَ أَنَّ الْمَعْلُومَ مِمَّا ذُكِرَ فِي كِتَابِ السِّيَرِ أَنَّ الْمُرْتَدَّ إذَا لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ تَكُونُ تَصَرُّفَاتُهُ مَوْقُوفَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنْ عَادَ مُسْلِمًا صَارَ كَأَنْ لَمْ يَزَلْ مُسْلِمًا وَتَصِحُّ تَصَرُّفَاتُهُ وَإِنْ مَاتَ أَوْ حُكِمَ بِلَحَاقِهِ اسْتَقَرَّ كُفْرُهُ فَتَبْطُلُ تَصَرُّفَاتُهُ وَعِنْدَهُمَا تَصَرُّفَاتُهُ نَافِذَةٌ إلَّا أَنْ يَمُوتَ أَوْ يَحْكُمَ بِلَحَاقِهِ وَالْوَكَالَةُ مِنْ جُمْلَةِ التَّصَرُّفَاتِ فَلَا وَجْهَ لِلْحُكْمِ هَاهُنَا بِمُجَرَّدِ اللَّحَاقِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَمَا لَا يَخْفَى اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرَادَ مِنْ بُطْلَانِ الْوَكَالَةِ عَدَمُ نُفُوذِهَا لَكِنَّهُ بَعِيدٌ لَا يَخْفَى فَلْيُتَأَمَّلْ وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَتَبْطُلُ الْوَكَالَةُ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ أَوْ جُنُونِهِ جُنُونًا مُطْبِقًا أَوْ لَحَاقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ: وَإِنْ كَانَ الْمُوَكِّلُ امْرَأَةً فَارْتَدَّتْ فَالْوَكِيلُ عَلَى وَكَالَتِهِ حَتَّى تَمُوتَ أَوْ تَلْحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ لِأَنَّ رِدَّتَهَا لَا تُؤَثِّرُ فِي عُقُودِهَا عَلَى مَا عُرِفَ وَيُعْلَمُ مِنْ هَذَا أَنَّ الرَّجُلَ الْمُوَكِّلَ إذَا ارْتَدَّ تَبْطُلُ وَكَالَتُهُ بِمُجَرَّدِ الِارْتِدَادِ بِدُونِ اللُّحُوقِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ فِي قَوْلِهِ السَّابِقِ وَارْتَدَّ بَدَلَ قَوْلِهِ وَلَحَاقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ كَمَا لَا يَخْفَى اهـ. وَفِي الْكِفَايَةِ ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي الْمَبْسُوطِ وَإِنْ لَحِقَ الْوَكِيلُ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا فَإِنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ عَنْ الْوَكَالَةِ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا مَا لَمْ يَقْضِ الْقَاضِي بِلَحَاقِهِ اهـ. وَهَذَا كَمَا تَرَى مُؤَيِّدٌ لِمَا بَحَثَهُ الْمُحَشِّي ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي السِّيَرِ أَنَّ تَصَرُّفَاتِ الْمُرْتَدِّ كَالْمُبَايَعَةِ وَالْعِتْقِ وَنَحْوِهِمَا مَوْقُوفَةٌ عِنْدَ الْإِمَامِ إنْ أَسْلَمَ نَفَذَتْ وَإِنْ هَلَكَ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَحُكِمَ بِهِ بَطَلَتْ وَأَجَازَهَا مُطْلَقًا وَهَذَا كَمَا تَرَى لَيْسَ خَاصًّا بِمَا إذَا لَحِقَ بَلْ الْحُكْمُ أَعَمُّ فَتَأَمَّلْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 189 وَإِذَا بَطَلَتْ بِاللَّحَاقِ مِنْ أَحَدِهِمَا لَا تَعُودُ بِعَوْدِهِ مُسْلِمًا عَلَى الْمَذْهَبِ الظَّاهِرِ مُوَكِّلًا كَانَ أَوْ وَكِيلًا وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ أَفَاقَ بَعْدَ جُنُونِهِ مُطْبِقًا لَا تَعُودُ وَكَالَتُهُ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْوَكَالَةَ تَبْطُلُ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ إلَّا فِي بَيْعِ الْوَفَاءِ قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: بَاعَهُ جَائِزًا بِوَكَالَةٍ ثُمَّ مَاتَ مُوَكِّلُهُ لَا يَنْعَزِلُ بِمَوْتِهِ الْوَكِيلُ اهـ. وَالْبَيْعُ الْجَائِزُ هُوَ بَيْعُ الْوَفَاءِ اصْطِلَاحًا. (قَوْلُهُ وَافْتِرَاقُ الشَّرِيكَيْنِ) أَيْ تَبْطُلُ بِافْتِرَاقِهِمَا وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْوَكِيلُ لِأَنَّهُ عَزْلٌ حُكْمِيٌّ وَالْعَزْلُ الْحُكْمِيُّ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعِلْمُ أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ مَا إذَا افْتَرَقَا بِبُطْلَانِ الشَّرِكَةِ لِهَلَاكِ الْمَالَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا قَبْلَ الشِّرَاءِ فَتَبْطُلُ الْوَكَالَةُ الضِّمْنِيَّةُ وَمَا إذَا وَكَّلَ الشَّرِيكَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا وَكِيلًا لِلتَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ فَلَوْ افْتَرَقَا انْعَزَلَ هَذَا الْوَكِيلُ فِي حَقِّ غَيْرِ الْمُوَكِّلِ مِنْهُمَا إذَا لَمْ يُصَرِّحَا بِالْإِذْنِ فِي التَّوْكِيلِ وَذَكَرَ الْحَاكِمُ فِي الْكَافِي إذَا وَكَّلَ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ وَكِيلًا ثُمَّ تَفَرَّقَا وَاقْتَسَمَا الْمَالَ وَأَشْهَدَ أَنَّهُ لَا شَرِكَةَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ أَمْضَى الْوَكِيلُ مَا وَكَّلَ بِهِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَوْ لَا يَعْلَمُ جَازَ ذَلِكَ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا وَكَذَا لَوْ كَانَ وَكَّلَاهُ جَمِيعًا لِأَنَّ وَكَالَةَ أَحَدِهِمَا جَائِزَةٌ عَلَى الْآخَرِ وَلَيْسَ تَفَرُّقُهُمَا نَقْضًا لِلْوَكَالَةِ لِأَنَّ أَثَرَ النَّقْضِ لَا يَظْهَرُ فِي تَوَابِعِ عُقُودٍ بَاشَرَهَا أَحَدُهُمَا قَبْلَ ذَلِكَ وَإِذَا وَكَّلَ أَحَدُ شَرِيكَيْ الْعِنَانِ وَكِيلًا بِبَيْعِ شَيْءٍ مِنْ شَرِكَتِهِمَا جَازَ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَعَلَى صَاحِبِهِ اسْتِحْسَانًا وَإِذَا وَكَّلَهُ بِبَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ تَقَاضِي دَيْنٍ ثُمَّ أَخْرَجَهُ الشَّرِيكُ الْآخَرُ مِنْ الْوَكَالَةِ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ عَنْهَا إلَّا فِي تَقَاضِي الدَّيْنِ فَإِنْ كَانَ الْمُوَكِّلُ هُوَ الَّذِي أَدَانَهُ فَإِخْرَاجُ هَذَا إيَّاهُ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ الْمُوَكِّلُ لَمْ يُدْنِهِ لَمْ يَجُزْ تَوْكِيلُهُ هَذَا فِي تَقَاضِيهِ الشَّرِيكَ اهـ. (قَوْلُهُ وَعَجْزُ مُوَكِّلِهِ لَوْ مُكَاتَبًا وَحَجْرُهُ لَوْ مَأْذُونًا) لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ قِيَامَ الْوَكَالَةِ يَعْتَمِدُ قِيَامَ الْأَمْرِ وَقَدْ بَطَلَ بِالْحَجْرِ وَالْعَجْزِ عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ أَطْلَقَهُ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ وَكِيلًا فِي الْعُقُودِ وَالْخُصُومَاتِ وَأَمَّا الْوَكِيلُ فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ وَاقْتِضَائِهِ فَلَا يَنْعَزِلُ بِهِمَا لِأَنَّهُمَا يُوجِبَانِ الْحَجْرَ عَنْ إنْشَاءِ التَّصَرُّفِ لَا عَنْ قَضَاءِ الدَّيْنِ وَاقْتِضَائِهِ فَكَذَا لَا يُوجِبُ عَزْلَ وَكِيلِهِ وَكَذَا الْوَكِيلُ بِقَبْضِ الْوَدِيعَةِ لَمْ يَنْعَزِلْ بِعَجْزِهِ وَحَجْرِهِ كَمَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ وَلَا تَعُودُ الْوَكَالَةُ بِكِتَابَةِ مُوَكِّلِهِ وَإِذْنِهِ وَقَدْ حَصَرَ الْمُؤَلِّفُ عَزْلَ وَكِيلِهِمَا بِهِمَا وَبِعَزْلِ الْمُوَكِّلِ أَخْذًا مِنْ عُمُومِ بُطْلَانِهَا بِعَزْلِ الْمُوَكِّلِ فَأَفَادَ أَنَّ الْمَوْلَى لَوْ عَزَلَ وَكِيلَ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ يَنْعَزِلُ لِأَنَّهُ كَالْحَجْرِ الْخَاصِّ وَلَوْ أَعْتَقَ الْعَبْدَ بَعْدَ مَا وَكَّلَهُ سَيِّدُهُ أَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا بَعْدَمَا وَكَّلَهَا لَمْ يَنْعَزِلَا وَإِنْ بَاعَ الْعَبْدَ فَإِنْ رَضِيَ الْمُشْتَرِي أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ عَلَى وَكَالَتِهِ فَهُوَ وَكِيلٌ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ بِذَلِكَ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى الْوَكَالَةِ كَذَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّ تَوْكِيلَ عَبْدِ الْغَيْرِ مَوْقُوفٌ عَلَى رِضَا السَّيِّدِ وَقَدْ سَبَقَ إطْلَاقُ جَوَازِهِ لِأَنَّهُ لَا عُهْدَةَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ مِنْ بَابِ اسْتِخْدَامِ عَبْدِ الْغَيْرِ وَقَدْ سُئِلْتُ عَنْ نَاظِرٍ وَكَّلَ وَكِيلًا فِي أَمْر الْوَقْفِ ثُمَّ عَزَلَهُ الْقَاضِي هَلْ يَنْعَزِلُ وَكِيلُهُ بِعَزْلِهِ فَأَجَبْتُ بِأَنَّهُ يَنْعَزِلُ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ هُنَا يُشْتَرَطُ لِدَوَامِهَا مَا يُشْتَرَطُ لِابْتِدَائِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ وَتَصَرُّفُهُ بِنَفْسِهِ) أَيْ يَبْطُلُ بِتَصَرُّفِ الْمُوَكِّلِ فِيمَا وَكَّلَ فِيهِ لِانْقِضَاءِ الْحَاجَةِ أَطْلَقَهُ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِتَصَرُّفٍ يَعْجِزُ الْوَكِيلُ عَنْ التَّصَرُّفِ مَعَهُ كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ بِإِعْتَاقِ عَبْدِهِ أَوْ بِكِتَابَتِهِ فَأَعْتَقَهُ أَوْ كَاتَبَهُ الْمُوَكِّلُ بِنَفْسِهِ أَوْ بِتَزْوِيجِ امْرَأَةٍ أَوْ بِشِرَاءِ شَيْءٍ فَفَعَلَ بِنَفْسِهِ أَوْ بِطَلَاقٍ فَطَلَّقَهَا الزَّوْجُ ثَلَاثًا أَوْ وَاحِدَةً فَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا أَوْ بِالْخُلْعِ فَخَالَعَهَا بِنَفْسِهِ وَأَمَّا مَالًا لَا يَعْجِزُ عَنْهُ فَلَا تَبْطُلُ بِهِ كَمَا لَوْ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً وَالْعِدَّةُ بَاقِيَةٌ فَلِلْوَكِيلِ أَنْ يُطَلِّقَهَا أُخْرَى وَلَوْ ارْتَدَّ الزَّوْجُ وَقَعَ طَلَاقُ الْوَكِيلِ عَلَيْهَا مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ وَلُحُوقُهُ بِمَنْزِلَةِ مَوْتِهِ وَلَوْ وَكَّلَهُ بِطَلَاقِهَا فَخَالَعَهَا الزَّوْجُ وَقَعَ طَلَاقُ الْوَكِيلِ فِي عِدَّتِهَا وَلَوْ وَكَّلَ بِالْبَيْعِ فَبَاعَهُ الْمُوَكِّلُ ثُمَّ رُدَّ عَلَيْهِ بِمَا هُوَ فَسْخٌ فَالْوَكِيلُ عَلَى وَكَالَتِهِ وَإِنْ رُدَّ بِمَا لَا يَكُونُ فَسْخًا لَا تَعُودُ الْوَكَالَةُ كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ فِي هِبَةِ شَيْءٍ ثُمَّ وَهَبَهُ الْمُوَكِّلُ ثُمَّ رَجَعَ فِي هِبَتِهِ لَمْ يَكُنْ لِلْوَكِيلِ الْهِبَةُ وَلَوْ وَكَّلَهُ بِالْبَيْعِ ثُمَّ رَهَنَهُ الْمُوَكِّلُ أَوْ آجَرَهُ فَسَلَّمَهُ فَهُوَ عَلَى وَكَالَتِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يُؤَجِّرَ دَارِهِ ثُمَّ أَجَّرَهَا الْمُوَكِّلُ بِنَفْسِهِ ثُمَّ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ يَعُودُ عَلَى وَكَالَتِهِ كَذَا فِي الْقُنْيَةِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَلَوْ وَكَّلَهُ بِبَيْعِ دَارِهِ ثُمَّ بَنَى فِيهَا فَهُوَ رُجُوعٌ عَنْهَا عِنْدَ الْإِمَامِ وَمُحَمَّدٍ لِأَنَّ التَّجْصِيصَ وَالْوَصِيَّةَ بِمَنْزِلَةِ الْوَكَالَةِ. وَكَذَا لَوْ وَكَّلَهُ بِبَيْعِ أَرْضِهِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَإِذَا بَطَلَتْ بِاللَّحَاقِ مِنْ أَحَدِهِمَا إلَخْ) قَالَ فِي الْحَوَاشِي الْيَعْقُوبِيَّةِ: وَاعْلَمْ أَنَّ الْوَكِيلَ إنْ عَادَ مُسْلِمًا بَعْدَ لُحُوقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا وَالْقَضَاءُ بِهِ تَعُودُ الْوَكَالَةُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَا تَعُودُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَلَوْ عَادَ الْمُوَكِّلُ مُسْلِمًا بَعْدَ اللُّحُوقِ وَالْقَضَاءِ بِهِ لَا تَعُودُ الْوَكَالَةُ عِنْدَهُمْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ تَعُودُ كَمَا قَالَ فِي الْوَكِيلِ وَالْفَرْقُ لَهُ عَلَى ظَاهِرِ أَنَّ مَبْنَى الْوَكَالَةِ فِي حَقِّ الْمُوَكِّلِ عَلَى الْمِلْكِ وَقَدْ زَالَ بِرِدَّتِهِ وَالْقَضَاءُ بِلَحَاقِهِ وَفِي حَقِّ الْوَكِيلِ عَلَى مَعْنًى قَائِمٍ بِهِ وَهُوَ الْأَهْلِيَّةُ وَلَمْ تَزُلْ بِالْقَضَاءِ بِلَحَاقِهِ كَذَا ذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ وَشُرُوحِهَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَنْبَغِي أَنْ تَعُودَ الْوَكَالَةُ الْبَاطِلَةُ بِمُجَرَّدِ اللُّحُوقِ بِدُونِ الْقَضَاءِ كَمَا هُوَ قَوْلُهُ إذَا عَادَ الْمُوَكِّلُ مُسْلِمًا بَعْدَهُ كَمَا لَا يَخْفَى فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ. (قَوْلُهُ إلَّا فِي بَيْعِ الْوَفَاءِ) قَالَ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ: وَهُوَ ظَاهِرٌ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْبَائِعِ اهـ. وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُشْتَرِي قَالَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ أَيْ لِأَنَّهُ رَهْنٌ فِي الْمَعْنَى عَلَى مَا عَلَيْهِ الْعَمَلُ الْيَوْمَ فَالْمُشْتَرِي مُرْتَهِنٌ. [افْتِرَاقُ الشَّرِيكَيْنِ هَلْ يُبْطِل الْوَكَالَة] (قَوْلُهُ عُزِلَ وَكِيلُهُمَا بِهِمَا) أَيْ الْحَجْرِ وَالْعَجْزِ (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يُقَالَ إلَخْ) إذَا كَانَ مِنْ بَابِ الِاسْتِخْدَامِ لِعَبْدِ الْغَيْرِ يَتَوَقَّفُ عَلَى رِضَا سَيِّدِهِ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ مَنَافِعَهُ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ التَّجْصِيصَ) هَكَذَا فِي أَغْلِبْ النُّسَخِ وَفِي نُسْخَةٍ لَا التَّجْصِيصُ بِلَا النَّافِيَةِ وَقَوْلُهُ وَالْوَصِيَّةُ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَا بَعْدَهُ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 190 ثُمَّ غَرَسَ فِيهَا بِخِلَافِ مَا إذَا وَكَّلَهُ بِبَيْعِ أَرْضٍ وَزَرْعٍ فَيَبِيعُ الْوَكِيلُ الْأَرْضَ دُونَ الزَّرْعِ لِأَنَّ الْبِنَاءَ وَالْغَرْسَ يُقْصَدُ بِهِمَا الْقَرَارُ لَا الزَّرْعُ أَمَرَهُ بِشِرَاءِ دَارٍ وَهِيَ أَرْضٌ بَيْضَاءُ فَبَنَى فِيهَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهَا بَعْدَهُ وَلَوْ كَانَتْ مَبْنِيَّةً فَزَادَ فِيهَا حَائِطًا أَوْ جَصَّصَهَا لَهُ الْبَيْعُ وَكَّلَهُ بِبَيْعِ وَصِيفَةٍ وَهِيَ شَابَّةٌ فَصَارَتْ عَجُوزًا فَالْوَكَالَةُ عَلَى حَالِهَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَمَرَهُ بِشِرَاءِ سَوِيقٍ فَلَتَّهُ أَوْ سِمْسِمٍ فَعَصَرَهُ فَصَارَ دُهْنًا حَيْثُ تَبْطُلُ الْوَكَالَةُ وَفِي الْبَيْعِ لَا اهـ. وَفِي وَصَايَا الْخَانِيَّةِ وَلَوْ قَالَ: أَوْصَيْتُ بِهَذَا الْكُفُرَّى الَّذِي فِي نَخْلَتِي فَصَارَ بُسْرًا قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ وَلَوْ قَالَ أَوْصَيْتُ بِهَذَا الرُّطَبِ الَّذِي فِي نَخْلَتِي فَصَارَ تَمْرًا قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي فِي الْقِيَاسِ تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ وَلَا تَبْطُلُ اسْتِحْسَانًا وَلَوْ قَالَ: أَوْصَيْتُ بِعِنَبِي هَذَا لِفُلَانٍ فَصَارَ زَبِيبًا قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا وَلَوْ قَالَ: أَوْصَيْتُ بِزَرْعِي هَذَا لِفُلَانٍ وَهُوَ بَقْلٌ فَصَارَ حِنْطَةً أَوْ شَعِيرًا قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ وَفِي الْوَكَالَةِ إذَا تَغَيَّرَ فِي هَذَا كُلِّهِ بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ وَفِي الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ إذَا تَغَيَّرَ فِي أَيَّامِ الْخِيَارِ لَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ وَلَا الْخِيَارُ اهـ. وَفِي الْبَدَائِعِ إذَا بَاعَ الْمُوَكِّلُ مَا وُكِّلَ بِبَيْعِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ الْوَكِيلُ فَبَاعَهُ وَقَبَضَ الثَّمَنَ فَهَلَكَ فِي يَدِهِ وَمَاتَ الْعَبْدُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَرَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْوَكِيلِ رَجَعَ الْوَكِيلُ عَلَى الْمُوَكِّلِ وَكَذَا لَوْ دَبَّرَهُ أَوْ أَعْتَقَهُ أَوْ اُسْتُحِقَّ أَوْ كَانَ حُرَّ الْأَصْلِ لِأَنَّهُ صَارَ مَغْرُورًا مِنْ جِهَةٍ وَلَوْ مَاتَ الْمُوَكِّلُ أَوْ جُنَّ لَا يَرْجِعُ لِعَدَمِ الْغُرُورِ وَالْوَكِيلُ بِقَبْضِ الدَّيْنِ لَوْ قَبَضَهُ وَهَلَكَ فِي يَدِهِ بَعْدَ مَا وَهَبَهُ الْمُوَكِّلُ لِلْمَدْيُونِ وَلَمْ يَعْلَمْ الْوَكِيلُ لَمْ يَضْمَنْ وَتَمَامُهُ فِيهِ اهـ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (كِتَابُ الدَّعْوَى) مُنَاسَبَتُهَا ظَاهِرَةٌ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِالْخُصُومَةِ وَغَيْرِهَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا وَالْكَلَامُ فِيهَا فِي مَوَاضِعَ. الْأَوَّلُ فِي مَعْنَاهَا لُغَةً فَفِي الْمِصْبَاحِ ادَّعَيْته طَلَبْته لِنَفْسِي وَالِاسْمُ الدَّعْوَى وَدَعْوَى فُلَانٍ كَذَا أَيْ قَوْلُهُ وَالدَّعْوَةُ الْمَرَّةُ وَبَعْضُ الْعَرَبِ يُؤَنِّثُهَا بِالْأَلِفِ فَيَقُولُ الدَّعْوَى، وَقَدْ يَتَضَمَّنُ الِادِّعَاءُ مَعْنَى الْإِخْبَارِ فَتَدْخُلُ الْبَاءُ جَوَازًا فَيُقَالُ فُلَانٌ يُدْعَى بِكَرَمِ فِعَالِهِ أَيْ يُخْبِرُ بِذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ، وَجَمْعُ الدَّعْوَى الدَّعَاوَى بِكَسْرِ الْوَاوِ، وَفَتْحِهَا وَبَعْضُهُمْ قَالَ الْفَتْحُ أَوْلَى وَبَعْضُهُمْ الْكَسْرُ أَوْلَى، وَمِنْهُمْ مَنْ سَوَّى بَيْنَهُمَا، وَمِثْلُهُ الْفَتْوَى وَالْفَتَاوَى وَتَمَامُهُ فِيهِ، وَفِي الْقَامُوسِ ادَّعَى بِكَذَا زَعَمَ لَهُ حَقًّا أَوْ بَاطِلًا وَالِاسْمُ الدَّعْوَةُ وَالدَّعَاوَى وَيُكْسَرَانِ وَالدَّعْوَةُ الْحَلِفُ وَالدُّعَاءُ إلَى الطَّعَامِ وَيُضَمُّ كَالْمُدَّعَاةِ وَبِالْكَسْرِ الِادِّعَاءُ فِي النَّسَبِ. اهـ. وَفِي الْكَافِي يُقَالُ ادَّعَى زَيْدٌ عَلَى عَمْرٍو مَالًا فَزَيْدٌ الْمُدَّعِي وَعَمْرٌو الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَالْمَالُ الْمُدَّعَى وَالْمُدَّعَى بِهِ خَطَأٌ وَالْمَصْدَرُ الِادِّعَاءُ افْتِعَالٌ مِنْ دَعَا وَالدَّعْوَى عَلَى فَعْلَى اسْمٌ مِنْهُ، وَأَلِفُهَا لِلتَّأْنِيثِ فَلَا تُنَوَّنُ يُقَالُ دَعْوَى بَاطِلَةٌ وَصَحِيحَةٌ وَجَمْعُهَا دَعَاوَى بِفَتْحِ الْوَاوِ وَلَا غَيْرُ كَفَتْوَى، وَفَتَاوَى وَالدَّعْوَى فِي الْحَرْبِ أَنْ يَقُولَ النَّاسُ يَا فُلَانُ، وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ} [يونس: 10] فَمَعْنَاهَا الدُّعَاءُ وَحَقِيقَتُهَا فِي جَمِيعِ الْمَوَاضِعِ أَنْ تَدْعُوَ إلَى نَفْسِك أَوْ لِنَفْسِك وَالدَّعْوَةُ بِالْفَتْحِ الْمُدَّعَاةُ، وَهِيَ الْمَأْدُبَةُ وَبِالْكَسْرِ فِي النَّسَبِ وَالْمُدَّعِي مَنْ يَقْصِدُ إيجَابَ الْحَقِّ عَلَى نَفْسِهِ وَلَا حُجَّةَ لَهُ. اهـ. الثَّانِي: فِي مَعْنَاهَا شَرْعًا، وَهُوَ مَا أَفَادَهُ الْمُؤَلِّفُ بِقَوْلِهِ (هِيَ إضَافَةُ الشَّيْءِ إلَى نَفْسِهِ حَالَةَ الْمُنَازَعَةِ) فَخَرَجَ الْإِضَافَةُ حَالَةَ الْمُسَالَمَةِ فَإِنَّهَا دَعْوَى لُغَةً لَا شَرْعًا. وَنَظِيرُهُ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ عَيْنٌ فِي يَدِ رَجُلٍ يَقُولُ هُوَ لَيْسَ لِي وَلَيْسَ هُنَاكَ مُنَازِعٌ لَا يَصِحُّ نَفْيُهُ فَلَوْ ادَّعَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ صَحَّ، وَإِنْ كَانَ ثَمَّةَ مُنَازِعٌ فَهُوَ إقْرَارٌ بِالْمِلْكِ لِلْمُنَازِعِ فَلَوْ ادَّعَاهُ بَعْدَهُ لِنَفْسِهِ لَا يَصِحُّ وَعَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ لَا يَكُونُ إقْرَارًا بِالْمِلْكِ لَهُ. اهـ. وَالتَّعْرِيفُ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ خَاصٌّ بِدَعْوَى الْأَعْيَانِ وَالدُّيُونِ فَخَرَجَ عَنْهُ دَعْوَى إيفَاءِ الدَّيْنِ وَالْإِبْرَاءِ مِنْهُ. الثَّالِثُ فِي رُكْنِهَا فَفِي الْبَدَائِعِ قَوْلُهُ لِي عَلَيْهِ كَذَا أَوْ قَضِيَّته أَوْ أَبْرَأْتُهُ وَنَحْوُهُ، وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ رُكْنُهَا مَعْنَاهَا اللُّغَوِيُّ إضَافَةُ الشَّيْءِ مُطْلَقًا، وَفِيهِ نَظَرٌ، وَفِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ وَلَوْ كَانَ الْمُدَّعِي عَاجِزًا عَنْ الدَّعْوَى عَنْ ظَهْرِ الْقَلْبِ يَكْتُبُ دَعْوَاهُ فِي صَحِيفَةٍ وَيَدَّعِي مِنْهَا فَتُسْمَعُ دَعْوَاهُ. اهـ. الرَّابِعُ فِي شُرُوطِهَا الْمُصَحِّحَةِ لَهَا فَمِنْهَا عَقْلُ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَمِنْهَا مَعْلُومِيَّةُ الْمُدَّعَى   [منحة الخالق] [كِتَابُ الدَّعْوَى] (قَوْلُهُ فَخَرَجَ عَنْهُ دَعْوَى إيفَاءِ الدَّيْنِ وَالْإِبْرَاءِ مِنْهُ) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ رَدَّهُ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ بِأَنَّ هَذَا إنَّمَا يَكُونُ مِنْ جَانِبِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِدَفْعِ الدَّعْوَى أَيْ فَلَيْسَ دَعْوَى، وَأَيْضًا إذَا عُلِمَ أَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا فَالْإِيفَاءُ دَعْوَى دَيْنٍ وَالْإِبْرَاءُ دَعْوَى تَمْلِيكٍ مَعْنًى اهـ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 191 كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ. وَمِنْهَا كَوْنُ الْمُدَّعَى مِمَّا يَحْتَمِلُ الثُّبُوتَ فَدَعْوَى مَا يَسْتَحِيلُ وُجُودُهُ بَاطِلَةٌ كَقَوْلِهِ لِمَنْ لَا يُولَدُ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ هَذَا ابْنِي أَوْ قَالَ ذَلِكَ لِمَعْرُوفِ النَّسَبِ وَلَمْ أَرَ حُكْمَ الْمُسْتَحِيلِ عَادَةً كَدَعْوَى فَقِيرٍ أَمْوَالًا عَظِيمَةً عَلَى غَنِيٍّ أَنَّهُ غَصَبَهَا مِنْهُ وَالظَّاهِرُ عَدَمُ سَمَاعِهَا ثُمَّ كَتَبْتُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي آخِرِ بَابِ التَّحَالُفِ مَا يُفِيدُهُ فَلْيُرَاجَعْ. وَمِنْهَا كَوْنُهَا بِلِسَانِ الْمُدَّعِي فَلَا تَصِحُّ بِلِسَانِ وَكِيلِهِ إلَّا بِرِضَا خَصْمِهِ عِنْدَ الْإِمَامِ إذَا لَمْ يَكُنْ بِهِ عُذْرٌ، وَمِنْهَا مَجْلِسُ الْقَضَاءِ فَلَا تُسْمَعُ هِيَ وَالشَّهَادَةُ إلَّا بَيْنَ يَدَيْ الْحَاكِمِ، وَمِنْهَا حَضْرَةُ الْخَصْمِ فَلَا يُسْمَعَانِ إلَّا عَلَى خَصْمٍ حَاضِرٍ إلَّا إذَا الْتَمَسَ الْمُدَّعِي ذَلِكَ بِالْكِتَابِ الْحُكْمِيِّ لِلْقَضَاءِ، وَمِنْهَا عَدَمُ التَّنَاقُضِ فِي الدَّعْوَى إلَّا فِي النَّسَبِ وَالْحُرِّيَّةِ، وَهُوَ أَنْ لَا يَسْبِقَ مِنْهُ مَا يُنَاقِضُ دَعْوَاهُ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِالْمِلْكِ لَهُ ثُمَّ ادَّعَى الشِّرَاءَ مِنْهُ قَبْلَهُ لَا بَعْدَهُ أَوْ مُطْلَقًا، وَهَذِهِ السَّبْعَةُ فِي الْبَدَائِعِ، وَمِنْهَا كَوْنُ الْمُدَّعِي مُلْزَمًا عَلَى الْخَصْمِ فَلَا تَصِحُّ دَعْوَى التَّوْكِيلِ عَلَى مُوَكِّلِهِ الْحَاضِرِ لِإِمْكَانِ عَزْلِهِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ. الْخَامِسُ فِي حُكْمِهَا، وَهُوَ وُجُوبُ الْجَوَابِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْكَافِي وَزَادَ الشَّارِحُ وُجُوبَ الْحُضُورِ عَلَى الْخَصْمِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ حُضُورَهُ شَرْطُهَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَكَيْفَ يَكُونُ وُجُوبُهُ حُكْمَهَا الْمُتَأَخِّرَ عَنْهَا، وَحَاصِلُهُ كَمَا فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي أَنَّ الْمُدَّعِيَ إذَا طَلَبَ مِنْ الْقَاضِي إحْضَارَ الْخَصْمِ أَحْضَرَهُ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى إنْ كَانَ فِي الْمِصْرِ أَوْ كَانَ قَرِيبًا بِحَيْثُ لَوْ أَجَابَ يَبِيتُ فِي مَنْزِلِهِ، وَإِنْ كَانَ أَبْعَدَ مِنْهُ قِيلَ يَأْمُرُهُ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى مُوَافَقَةِ دَعْوَاهُ لِإِحْضَارِ خَصْمِهِ، وَالْمَسْتُورُ فِي هَذَا يَكْفِي فَإِذَا أَقَامَ يَأْمُرُ إنْسَانًا لِيُحْضِرَ خَصْمَهُ، وَقِيلَ يُحَلِّفُهُ الْقَاضِي فَإِنْ نَكَلَ أَقَامَهُ عَنْ مَجْلِسِهِ، وَإِنْ حَلَفَ يَأْمُرُ بِإِحْضَارِهِ. اهـ. وَقَدَّمْنَا فِي أَدَبِ الْقَاضِي حُكْمَ مَا إذَا امْتَنَعَ عَنْ الْحُضُورِ، وَأُجْرَةَ الرَّسُولِ لِإِحْضَارِهِ، وَمَا إذَا اخْتَفَى فِي بَيْتِهِ، وَحُكْمَ الْهُجُومِ عَلَيْهِ. السَّادِسُ فِي سَبَبِهَا قَالَ فِي الْعِنَايَةِ إنَّهُ تَعَلُّقُ الْبَقَاءِ الْمُقَدَّرُ بِتَعَاطِي الْمُعَامَلَاتِ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ إمَّا أَنْ يَكُونَ رَاجِعًا إلَى النَّوْعِ أَوْ إلَى الشَّخْصِ. السَّابِعُ فِي الْمَقْصُودِ مِنْ شَرْعِيَّتِهَا قَالَ فِي الْعِنَايَةِ وَشَرْعِيَّتُهَا لَيْسَتْ لِذَاتِهَا بَلْ مِنْ حَيْثُ انْقِطَاعُهَا بِالْقَضَاءِ دَفْعًا لِلْفَسَادِ الْمَظْنُونِ بِبَقَائِهَا. اهـ. وَلَمْ يَذْكُرْ الشَّارِحُونَ هُنَا حُكْمَ اسْتِيفَاءِ ذِي الْحَقِّ حَقَّهُ مِنْ الْغَيْرِ بِلَا قَضَاءٍ، وَأَحْبَبْت جَمْعَهُ هُنَا مِنْ مَوَاضِعِهِ تَكْثِيرًا لِلْفَوَائِدِ وَتَيْسِيرًا عَلَى طَالِبِيهَا فَإِنْ كَانَ الْحَقُّ حَدَّ قَذْفٍ فَلَا يَسْتَوْفِيهِ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى اتِّفَاقًا وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْغَالِبَ فِيهِ حَقُّهُ تَعَالَى فَلَا يَسْتَوْفِيهِ إلَّا مَنْ يُقِيمُ الْحُدُودَ وَلَكِنْ بِطَلَبِ الْمَقْذُوفِ كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي بَابِهِ، وَإِنْ كَانَ قِصَاصًا فَقَالَ فِي جِنَايَاتِ الْبَزَّازِيَّةِ قُتِلَ الرَّجُلُ عَمْدًا وَلَهُ وَلِيٌّ لَهُ أَنْ يَقْتَصَّ بِالسَّيْفِ قَضَى بِهِ أَوْ لَا وَيَضْرِبُ عِلَاوَتَهُ وَلَوْ رَامَ قَتْلَهُ بِغَيْرِ سَيْفٍ مُنِعَ، وَإِنْ فَعَلَ عُزِّرَ لَكِنْ لَا يَضْمَنُ لِاسْتِيفَائِهِ حَقَّهُ. اهـ. وَإِنْ كَانَ تَعْزِيرًا فَفِي حُدُودِ الْقُنْيَةِ ضَرَبَ غَيْرَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ وَضَرَبَهُ الْمَضْرُوبُ أَيْضًا أَنَّهُمَا يُعَزَّرَانِ وَيَبْدَأُ بِإِقَامَةِ التَّعْزِيرِ بِالْبَادِئِ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ أَظْلَمُ، وَالْوُجُوبُ عَلَيْهِ أَسْبَقُ. اهـ. وَأَمَّا إذَا شَتَمَهُ فَلَهُ أَنْ يَقُولَ لَهُ مِثْلَهُ وَالْأَوْلَى تَرْكُهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي مَحَلِّهِ، وَقَالُوا لِلزَّوْجِ أَنْ يُؤَدِّبَ زَوْجَتَهُ، وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مِنْ التَّحْلِيفِ، وَمَنْ عَلَيْهِ التَّعْزِيرُ لَوْ مُكِّنَ صَاحِبَ الْحَقِّ مِنْهُ أَقَامَهُ. اهـ. وَإِنْ كَانَ عَيْنًا فَفِي إجَارَةِ الْقُنْيَةِ وَلَوْ غَابَ الْمُسْتَأْجِرُ بَعْدَ السَّنَةِ وَلَمْ يُسَلِّمْ الْمِفْتَاحَ إلَى الْآجِرِ فَلَهُ أَنْ يَتَّخِذَ لَهُ مِفْتَاحًا آخَرَ، وَلَوْ آجَرَهُ مِنْ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِ الْحَاكِمِ جَازَ. اهـ. وَقَدْ صَارَتْ حَادِثَةُ الْفَتْوَى مَضَتْ الْمُدَّةُ وَغَابَ الْمُسْتَأْجِرُ وَتَرَكَ مَتَاعَهُ فِي الدَّارِ فَأَفْتَيْت بِأَنَّ لَهُ أَنْ يَفْتَحَ الدَّارَ وَيَسْكُنَ فِيهَا، وَأَمَّا الْمَتَاعُ فَيَجْعَلُهُ فِي نَاحِيَةٍ إلَى حُضُورِ صَاحِبِهِ وَلَا يَتَوَقَّفُ الْفَتْحُ عَلَى إذْنِ الْقَاضِي أَخْذًا مِمَّا فِي الْقُنْيَةِ، وَفِي غَصْبِ مُنْيَةِ الْمُفْتِي أَخَذَتْ أَغْصَانُ شَجَرَةِ إنْسَانٍ هَوَاءَ دَارِ آخَرَ فَقَطَعَ رَبُّ الدَّارِ الْأَغْصَانَ فَإِنْ كَانَتْ الْأَغْصَانُ بِحَالَةٍ يُمْكِنُ لِصَاحِبِهَا أَنْ يَشُدَّهَا بِحَبْلٍ وَيَفْرُغَ هَوَاءَ دَارِهِ ضَمِنَ الْقَاطِعُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَا يَضْمَنُ إذَا قَطَعَ مِنْ مَوْضِعٍ لَوْ رُفِعَ إلَى الْحَاكِمِ أَمَرَ بِالْقَطْعِ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ. اهـ. وَإِنْ كَانَ دَيْنًا فَفِي مُدَايَنَاتِ الْقُنْيَةِ رَبُّ الدَّيْنِ إذَا ظَفِرَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ مِنْ مَالِ الْمَدْيُونِ عَلَى صِفَتِهِ فَلَهُ أَخْذُهُ بِغَيْرِ رِضَاهُ وَلَا يَأْخُذُ خِلَافَ جِنْسِهِ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَهُ أَخْذُهُ بِقَدْرِ قِيمَتِهِ وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيّ لَهُ أَخْذُ الدَّنَانِيرِ بِالدَّرَاهِمِ وَكَذَا أَخْذُ الدَّرَاهِمِ بِالدَّنَانِيرِ اسْتِحْسَانًا لَا قِيَاسًا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَلَمْ أَرَ حُكْمَ الْمُسْتَحِيلِ عَادَةً إلَخْ) قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ الْغَرْسِ فِي الْفَوَاكِهِ الْبَدْرِيَّةِ وَمِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ الدَّعْوَى أَنْ يَكُونَ الْمُدَّعَى بِهِ مِمَّا يَحْتَمِلُ الثُّبُوتَ بِأَنْ لَا يَكُونَ مُسْتَحِيلًا عَقْلًا أَوْ عَادَةً فَإِنَّ الدَّعْوَى - وَالْحَالُ مَا ذُكِرَ - ظَاهِرَةُ الْكَذِبِ فِي الْمُسْتَحِيلِ الْعَادِيِّ يَقِينِيَّةُ الْكَذِبِ فِي الْمُسْتَحِيلِ الْعَقْلِيِّ مِثَالُ الدَّعْوَى بِالْمُسْتَحِيلِ الْعَادِيِّ دَعْوَى مَنْ هُوَ مَعْرُوفٌ بِالْفَقْرِ وَالْحَاجَةِ، وَهُوَ أَنْ يَأْخُذَ الزَّكَاةَ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ عَلَى آخَرَ أَنَّهُ أَقْرَضَهُ مِائَةَ أَلْفِ دِينَارٍ ذَهَبًا نَقْدًا دُفْعَةً وَاحِدَةً، وَأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِيهَا بِنَفْسِهِ وَيُطَالِبُهُ بِرَدِّ بَدَلِهَا فَمِثْلُ هَذِهِ الدَّعْوَى لَا يَلْتَفِتُ إلَيْهَا الْقَاضِي وَلَا يَسْأَلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ جَوَابِهَا. اهـ. لَكِنَّهُ لَمْ يَسْتَنِدْ فِي مَنْعِ دَعْوَى الْمُسْتَحِيلِ الْعَادِيِّ إلَى نَقْلٍ عَنْ الْمَشَايِخِ كَذَا فِي الْمِنَحِ. (قَوْلُهُ وَزَادَ الشَّارِحُ وُجُوبَ الْحُضُورِ عَلَى الْخَصْمِ إلَخْ) عِبَارَةُ الزَّيْلَعِيِّ وَحُكْمُهَا وُجُوبُ الْجَوَابِ عَلَى الْخَصْمِ إذَا صَحَّتْ وَيَتَرَتَّبُ عَلَى صِحَّتِهَا وُجُوبُ إحْضَارِ الْخَصْمِ وَالْمُطَالَبَةُ بِالْجَوَابِ بِلَا أَوْ نَعَمْ، وَإِقَامَةُ الْبَيِّنَةِ أَوْ الْيَمِينِ إذَا أَنْكَرَ. اهـ. فَلَيْسَ فِي كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ مَا يُفِيدُ أَنَّهُ جَعَلَ وُجُوبَ الْحُضُورِ حُكْمًا، وَغَايَةُ مَا اُسْتُفِيدَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يُحْضِرُهُ بِمُجَرَّدِ طَلَبِ الْمُدَّعِي بَلْ بَعْدَ سَمَاعِهِ دَعْوَاهُ فَإِنْ رَآهَا صَحِيحَةً أَحْضَرَهُ لِطَلَبِهِ، وَإِلَّا فَلَا فَتَدَبَّرْ أَبُو السُّعُودِ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 192 وَلَوْ أَخَذَ مِنْ الْغَرِيمِ غَيْرُهُ وَدَفَعَهُ إلَى الدَّائِنِ قَالَ ابْنُ سَلَمَةَ هُوَ وَالْغَرِيمُ غَاصِبٌ فَإِنْ ضَمِنَ الْآخِذُ لَمْ يَصِرْ قِصَاصًا بِدَيْنِهِ، وَإِنْ ضَمِنَ الْغَرِيمُ صَارَ قِصَاصًا، وَقَالَ نَصِيرُ بْنُ يَحْيَى صَارَ قِصَاصًا بِدَيْنِهِ وَالْآخِذُ مُعِينٌ لَهُ وَبِهِ يُفْتَى وَلَوْ غَصَبَ جِنْسَ الدَّيْنِ مِنْ الْمَدْيُونِ فَغَصَبَهُ مِنْهُ الْمَدْيُونُ فَالْمُخْتَارُ هُنَا قَوْلُ ابْنِ سَلَمَةَ. اهـ. وَظَاهِرُ قَوْلِ أَصْحَابِنَا أَنَّ لَهُ الْأَخْذَ مِنْ جِنْسِهِ مُقِرًّا كَانَ أَوْ مُنْكِرًا لَهُ بَيِّنَةٌ أَوْ لَا وَلَمْ أَرَ حُكْمَ مَا إذَا لَمْ يَتَوَصَّلْ إلَيْهِ إلَّا بِكَسْرِ الْبَابِ وَنَقْبِ الْجِدَارِ وَيَنْبَغِي أَنَّ لَهُ ذَلِكَ حَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ الْأَخْذُ بِالْحَاكِمِ، وَإِذَا أَخَذَ غَيْرَ الْجِنْسِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَتَلِفَ فِي يَدِهِ ضَمِنَهُ ضَمَانَ الرَّهْنِ كَمَا فِي غَصْبِ الْبَزَّازِيَّةِ وَلَمْ أَرَ حُكْمَ مَا إذَا ظَفِرَ بِمَالٍ مَدْيُونِ مَدْيُونِهِ وَالْجِنْسُ وَاحِدٌ فِيهِمَا وَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ. الثَّامِنُ فِي دَلِيلِهَا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ، وَهِيَ شَهِيرَةٌ، وَالتَّاسِعُ فِي أَنْوَاعِهَا الْعَاشِرُ فِي وُجُوهِ دَفْعِهَا وَسَيَأْتِيَانِ. (قَوْلُهُ الْمُدَّعِي مَنْ إذَا تَرَكَ تُرِكَ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِخِلَافِهِ) أَيْ الْمُدَّعِي مَنْ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْخُصُومَةِ إذَا تَرَكَهَا وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَنْ يُجْبَرُ عَلَى الْخُصُومَةِ إذَا تَرَكَهَا، وَمَعْرِفَةُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا مِنْ أَهَمِّ مَا يُبْتَنَى عَلَيْهِ مَسَائِلُ الدَّعْوَى، وَقَدْ اخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُ الْمَشَايِخِ فِيهِ فَمِنْهَا مَا فِي الْكِتَابِ، وَهُوَ حَدٌّ عَامٌّ صَحِيحٌ، وَقِيلَ الْمُدَّعِي مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ إلَّا بِحُجَّةٍ كَالْخَارِجِ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَنْ يَكُونُ مُسْتَحِقًّا بِقَوْلِهِ مِنْ غَيْرِ حُجَّةٍ كَذِي الْيَدِ، وَقِيلَ الْمُدَّعِي مَنْ يَلْتَمِسُ غَيْرَ الظَّاهِرِ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَنْ يَتَمَسَّكُ بِالظَّاهِرِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هُوَ الْمُنْكِرُ، وَهَذَا صَحِيحٌ لَكِنَّ الشَّأْنَ فِي مَعْرِفَتِهِ، وَالتَّرْجِيحُ بِالْفِقْهِ عِنْدَ الْحُذَّاقِ مِنْ أَصْحَابِنَا؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ لِلْمَعَانِي دُونَ الصُّوَرِ فَإِنَّ الْمُودِعَ إذَا قَالَ رَدَدْتُ الْوَدِيعَةَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ الْيَمِينِ، وَإِنْ كَانَ مُدَّعِيًا لِلرَّدِّ صُورَةً؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ الضَّمَانَ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمُدَّعِيَ يَدَّعِي فَرَاغَ ذِمَّتِهِ عَنْ الضَّمَانِ وَلِهَذَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ اعْتِبَارًا لِلصُّورَةِ، وَيُجْبَرُ عَلَى الْخُصُومَةِ وَيَحْلِفُ اعْتِبَارًا لِلْمَعْنَى كَذَا فِي الْكَافِي، وَفِي الْمُجْتَبَى الصَّحِيحُ مَا فِي الْكِتَابِ وَالْمُرَادُ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يُجْبَرُ عَلَى أَصْلِ الْخُصُومَةِ وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ إنَّ الْخِيَارَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي تَعْيِينِ الْقَاضِي كَمَا لَا يَخْفَى، وَفِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ كَانَ فِي الْبَلْدَةِ قَاضِيَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي مَحَلَّةٍ عَلَى حِدَةٍ فَوَقَعَتْ الْخُصُومَةُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا مِنْ مَحَلَّةٍ وَالْآخَرُ مِنْ مَحَلَّةٍ أُخْرَى وَالْمُدَّعِي يُرِيدُ أَنْ يُخَاصِمَهُ إلَى قَاضِي مَحَلَّتِهِ وَالْآخَرُ يَأْبَى ذَلِكَ اخْتَلَفَ فِيهَا أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْعِبْرَةَ لِمَكَانِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مِنْ أَهْلِ الْعَسْكَرِ، وَالْآخَرُ مِنْ أَهْلِ الْبَلْدَةِ فَأَرَادَ الْعَسْكَرِيُّ أَنْ يُخَاصِمَهُ إلَى قَاضِي الْعَسْكَرِ فَهُوَ عَلَى هَذَا. اهـ. وَعَلَّلَهُ فِي الْمُحِيطِ بِأَنَّ أَبَا يُوسُفَ يَقُولُ إنَّ الْمُدَّعِيَ مُنْشِئٌ لِلْخُصُومَةِ فَيُعْتَبَرُ قَاضِيهِ وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ إنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ دَافِعٌ لَهَا، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ قَاضِيَانِ فِي مِصْرٍ طَلَبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَذْهَبَ إلَى قَاضٍ فَالْخِيَارُ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. اهـ. وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ شَامِلٌ لِمَا إذَا أَرَادَ الْمُدَّعِي قَاضِي مَحَلَّةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَأَرَادَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَاضِي مَحَلَّةِ الْمُدَّعِي، وَمَا إذَا تَعَدَّدَ الْقُضَاةُ فِي الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ وَكَثُرُوا كَمَا فِي الْقَاهِرَةِ فَأَرَادَ الْمُدَّعِي قَاضِيًا شَافِعِيًّا مَثَلًا، وَأَرَادَ الْآخَرُ مَالِكِيًّا مَثَلًا وَلَمْ يَكُونَا مِنْ مَحَلَّتِهِمَا فَإِنَّ الْخِيَارَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَبِهِ أَفْتَيْتُ مِرَارًا كَثِيرَةً   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَخَذَ مِنْ الْغَرِيمِ غَيْرُهُ) أَيْ أَخَذَ جِنْسَ الْحَقِّ مِنْ الْغَرِيمِ غَيْرُ رَبِّ الدَّيْنِ وَدَفَعَهُ لِرَبِّ الدَّيْنِ (قَوْلُهُ: قَالَ ابْنُ سَلَمَةَ هُوَ وَالْغَرِيمُ غَاصِبٌ) عِبَارَةُ الْقُنْيَةِ هُوَ غَاصِبٌ وَالْغَرِيمُ غَاصِبُ الْغَاصِبِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ غَصَبَ جِنْسَ الدَّيْنِ مِنْ الْمَدْيُونِ فَغَصَبَهُ مِنْهُ الْمَدْيُونُ إلَخْ) كَذَا فِي النُّسَخِ وَاَلَّذِي فِي الْقُنْيَةِ فَغَصَبَهُ مِنْهُ الْغَرِيمُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْغَرِيمِ الدَّائِنُ لَا الْمَدْيُونُ وَالضَّمِيرُ فِي غَصَبَهُ يَعُودُ إلَى الْغَيْرِ السَّابِقِ فِي كَلَامِهِ أَيْ لَوْ غَصَبَ غَيْرُ الدَّائِنِ جِنْسَ الدَّيْنِ مِنْ الْمَدْيُونِ فَغَصَبَهُ مِنْهُ الدَّائِنُ إلَخْ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: كَمَا فِي غَصْبِ الْبَزَّازِيَّةِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَاَلَّذِي فِي غَصْبِ الْبَزَّازِيَّةِ رَفَعَ عِمَامَةَ مَدْيُونِهِ عَنْ رَأْسِهِ حِينَ تَقَاضَاهُ الدَّيْنَ، وَقَالَ لَا أَرُدُّهَا عَلَيْك حَتَّى تَقْضِيَ الدَّيْنَ فَتَلِفَتْ الْعِمَامَةُ فِي يَدِهِ تَهْلَكُ هَلَاكَ الرَّهْنِ بِالدَّيْنِ قَالَ هَذَا إنَّمَا يَصِحُّ إذَا أَمْكَنَهُ اسْتِرْدَادُهَا فَتَرَكَهَا عِنْدَهُ أَمَّا إذَا عَجَزَ فَتَرَكَهَا لِعَجْزِهِ فَفِيهِ نَظَرٌ. اهـ. وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ مَا هُنَا مُشْكِلٌ إذْ يَقْتَضِي أَنَّ الزَّائِدَ عَلَى الدَّيْنِ أَمَانَةٌ مَعَ كَوْنِهِ غَاصِبًا إذْ لَيْسَ لَهُ أَخْذُ غَيْرِ جِنْسِ حَقِّهِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ فِي الرَّهْنِ تَقَاضَى دَيْنَهُ فَلَمْ يَقْضِهِ فَرَفَعَ الْعِمَامَةَ عَنْ رَأْسِهِ وَأَعْطَاهُ مِنْدِيلًا فَلَفَّهُ عَلَى رَأْسِهِ فَالْعِمَامَةُ رَهْنٌ؛ لِأَنَّ الْغَرِيمَ بِتَرْكِهَا عِنْدَهُ رَضِيَ بِكَوْنِهَا رَهْنًا، وَفِي تَنْوِيرِ الْأَبْصَارِ أَخَذَ عِمَامَةَ الْمَدْيُونِ لِتَكُونَ رَهْنًا عِنْدَهُ لَمْ تَكُنْ رَهْنًا. اهـ. وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَخَذَ عِمَامَةَ مَدْيُونٍ لِتَكُونَ رَهْنًا لَمْ يَجُزْ أَخْذُهُ، وَهَلَكُهُ كَرَهْنٍ، وَهَذَا ظَاهِرٌ لَوْ رَضِيَ الْمَدْيُونُ بِتَرْكِهِ هُنَا. اهـ. وَالتَّوْفِيقُ بَيْنَ هَذِهِ النُّقُولِ ظَاهِرٌ فَتَأَمَّلْ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ: وَعَلَّلَهُ فِي الْمُحِيطِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ يَعْنِي عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْمُدَّعِي إذَا تَرَكَ تُرِكَ فَهُوَ مُنْشِئٌ فَيَتَخَيَّرُ إنْ شَاءَ أَنْشَأَ الْخُصُومَةَ عِنْدَ قَاضِي مَحَلَّتِهِ وَإِنْ شَاءَ أَنْشَأَهَا عِنْدَ مَحَلَّةِ خَصْمِهِ وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْمُدَّعَى عَلَيْهِ دَافِعٌ لَهُ وَالدَّافِعُ يَطْلُبُ سَلَامَةَ نَفْسِهِ وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ فَأَخْذُهُ إلَى مَنْ يَأْبَاهُ لِرِيبَةٍ ثَبَتَتْ عِنْدَهُ وَتُهْمَةٍ وَقَعَتْ لَهُ رُبَّمَا يُوقِعُهُ فِي إثْبَاتِ مَا لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا فِي ذِمَّتِهِ بِالنَّظَرِ إلَيْهِ وَاعْتِبَارُهُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يُرِيدُ الدَّفْعَ عَنْ نَفْسِهِ وَخَصْمُهُ يُرِيدُ أَنْ يُوجِبَ عَلَيْهِ الْأَخْذَ بِالْمُطَالَبَةِ وَمَنْ طَلَبَ السَّلَامَةَ أَوْلَى بِالنَّظَرِ مِمَّنْ طَلَبَ ضِدَّهَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَبِهِ أَفْتَيْت مِرَارًا كَثِيرَةً) رَدَّهُ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ بِأَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ أَمَّا أَوَّلًا فَإِنَّ النُّسَخَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 193 ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ سُئِلَ قَارِئُ الْهِدَايَةِ عَنْ الدَّعْوَى بِقَطْعِ النِّزَاعِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ فَأَجَابَ لَا يُجْبَرُ الْمُدَّعِي عَلَى الدَّعْوَى؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ. اهـ. وَلَا يُعَارِضُهُ مَا نَقَلُوهُ فِي الْفَتَاوَى مِنْ صِحَّةِ الدَّعْوَى بِدَفْعِ التَّعَرُّضِ، وَهِيَ مَسْمُوعَةٌ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَالْخِزَانَةِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا ظَاهِرٌ فَإِنَّهُ فِي الْأَوَّلِ إنَّمَا يَدَّعِي أَنَّهُ إنْ كَانَ لَهُ شَيْءٌ عَلَيْهِ يَدَّعِيهِ، وَإِلَّا يُشْهِدُ عَلَى نَفْسِهِ بِالْإِبْرَاءِ، وَفِي الثَّانِي إنَّمَا يَدَّعِي عَلَيْهِ أَنَّهُ يَتَعَرَّضُ لَهُ فِي كَذَا بِغَيْرِ حَقٍّ وَيُطَالَبُ بِدَفْعِ التَّعَرُّضِ فَافْهَمْ. اهـ. وَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ مَنْ يَكُونُ خَصْمًا فِي الدَّعْوَى لِيُعْلَمَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَقَدْ أَغْفَلَهُ الشَّارِحُونَ، وَهُوَ مِمَّا لَا يَنْبَغِي فَأَقُولُ: فِي دَعْوَى الْخَارِجِ مِلْكًا مُطْلَقًا فِي عَيْنٍ فِي يَدِ مُسْتَأْجِرٍ أَوْ مُسْتَعِيرٍ أَوْ مُرْتَهِنٍ فَلَا بُدَّ مِنْ حَضْرَةِ الْمَالِكِ وَذِي الْيَدِ إلَّا إذَا ادَّعَى الشِّرَاءَ مِنْهُ قَبْلَ الْإِجَارَةِ فَالْمَالِكُ وَحْدَهُ يَكُونُ خَصْمًا وَتُشْتَرَطُ حَضْرَةُ الْمُزَارِعِ إنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْهُ أَوْ كَانَ الزَّرْعُ نَابِتًا، وَإِلَّا لَا، وَفِي دَعْوَى الْغَصْبِ عَلَيْهِ لَا تُشْتَرَطُ حَضْرَةُ الْمَالِكِ، وَفِي الْبَيْعِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ لَا بُدَّ فِي دَعْوَى الِاسْتِحْقَاقِ وَالشُّفْعَةِ مِنْ حَضْرَةِ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي وَالْمُشْتَرِي فَاسِدًا بَعْدَ الْقَبْضِ خَصْمٌ لِمَنْ يَدَّعِي الْمِلْكَ فِيهِ، وَقَبْلَ الْقَبْضِ الْخَصْمُ هُوَ الْبَائِعُ وَحْدَهُ، وَأَحَدُ الْوَرَثَةِ يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ الْكُلِّ فَالْقَضَاءُ عَلَيْهِ قَضَاءٌ عَلَى الْكُلِّ وَعَلَى الْمَيِّتِ، وَقَيَّدَهُ فِي الْجَامِعِ بِكَوْنِ الْكُلِّ فِي يَدِهِ، وَإِنْ الْبَعْضُ فِي يَدِهِ فَبِقَدْرِهِ، وَالْمُوصَى لَهُ لَيْسَ بِخَصْمٍ فِي إثْبَاتِ الدَّيْنِ إنَّمَا هُوَ خَصْمٌ فِي إثْبَاتِ الْوِصَايَةِ أَوْ الْوَكَالَةِ إلَّا إذَا كَانَ مُوصًى لَهُ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ، وَلَا وَارِثَ فَهُوَ كَالْوَارِثِ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي إثْبَاتِ الدَّيْنِ عَلَى مَنْ فِي يَدِهِ مَالُ الْمَيِّتِ وَلَيْسَ بِوَارِثٍ وَلَا وَصِيٍّ وَلَا تُسْمَعُ دَعْوَى الدَّيْنِ عَلَى الْمَيِّتِ عَلَى غَرِيمِ الْمَيِّتِ مَدْيُونًا أَوْ دَائِنًا وَالْخَصْمُ فِي إثْبَاتِ النَّسَبِ خَمْسَةٌ: الْوَارِثُ وَالْوَصِيُّ، وَالْمُوصَى لَهُ وَالْغَرِيمُ لِلْمَيِّتِ، أَوْ عَلَى الْمَيِّتِ وَقْفٌ عَلَى صَغِيرٍ لَهُ وَصِيٌّ وَلِرَجُلٍ فِيهِ دَعْوَى يَدَّعِيهِ عَلَى مُتَوَلِّي الْوَقْفِ لَا عَلَى الْوَصِيِّ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّ لَا يَلِي الْقَبْضَ وَلَا تُشْتَرَطُ حَضْرَةُ الصَّبِيِّ عِنْدَ الدَّعْوَى عَلَيْهِ وَتَكْفِي حَضْرَةُ وَصِيِّهِ دَيْنًا أَوْ عَيْنًا بَاشَرَهُ الْوَصِيُّ أَوْ لَا وَلَا يُشْتَرَطُ حَضْرَةُ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ عِنْدَ دَعْوَى الْمَوْلَى أَرْشَهُ، وَمَهْرَهَا وَلَوْ ادَّعَى عَلَى صَبِيٍّ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ اسْتِهْلَاكًا أَوْ غَصْبًا، وَقَالَ لِي بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَتُشْتَرَطُ حَضْرَةُ الصَّبِيِّ مَعَ أَبِيهِ أَوْ وَصِيِّهِ، وَإِلَّا نَصَبَ الْقَاضِي لَهُ وَصِيًّا وَتُشْتَرَطُ   [منحة الخالق] الْمَشْهُورَةَ مِنْ الْبَزَّازِيَّةِ لَيْسَتْ عَلَى الْإِطْلَاقِ الَّذِي ادَّعَاهُ وَبَنَى عَلَيْهِ فَتْوَاهُ بَلْ عَلَى مَا قَيَّدَهُ مِنْ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْمُتَدَاعِيَيْنِ يَطْلُبُ الْمُحَاكَمَةَ عِنْدَ قَاضِي مَحَلَّتِهِ وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ فِي نُسْخَتِهِ إطْلَاقًا فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى التَّقْيِيدِ الْمُصَرَّحِ بِهِ فِي الْعِمَادِيَّةِ وَالْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهِمَا فَإِنَّ الَّذِي وَلَّاهُ خَصَّهُ بِتِلْكَ الْبَلْدَةِ أَوْ بِتِلْكَ الْمَحَلَّةِ وَلِهَذَا قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ اخْتَصَمَ غَرِيبَانِ عِنْدَ قَاضِي بَلْدَةٍ صَحَّ قَضَاؤُهُ عَلَى سَبِيلِ التَّحْكِيمِ أَقُولُ: وَلَا يَحْتَاجُ إلَى هَذَا؛ لِأَنَّ الْقُضَاةَ يُفَوَّضُ لَهُمْ الْحُكْمُ عَلَى الْعُمُومِ فِي كُلِّ مَنْ هُوَ فِي بَلَدِهِمْ أَوْ قَرْيَتِهِمْ الَّتِي تَوَلَّوْا الْقَضَاءَ بِهَا. وَلِهَذَا قَالَ فِي الْفُصُولِ الْعِمَادِيَّةِ بَعْدَ ذِكْرِ الْمَسْأَلَةِ مُقَيَّدَةً بِمَا ذَكَرْنَا وَكَذَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مِنْ أَهْلِ الْعَسْكَرِ وَالْآخَرُ مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ فَأَرَادَ الْعَسْكَرِيُّ أَنْ يُخَاصِمَهُ إلَى قَاضِي الْعَسْكَرِ فَهُوَ عَلَى هَذَا وَلَا وِلَايَةَ لِقَاضِي الْعَسْكَرِ عَلَى غَيْرِ الْجُنْدِيِّ. اهـ. فَهَذَا دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ الْوِلَايَةُ فَالسُّلْطَانُ لَمَّا وَلَّى قَاضِيًا بِبَلْدَةٍ أَوْ مَحَلَّةٍ مَخْصُوصَةٍ خَصَّهُ بِأَهْلِ تِلْكَ الْبَلْدَةِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ عَلَى غَيْرِهِمْ وَمَعْلُومٌ أَنَّ قَاضِيَ مِصْرَ لَمَّا وُلِّيَ لَمْ يَخُصَّ حُكْمُهُ بِأَهْلِ مِصْرَ بَلْ بِمَنْ هُوَ فِيهَا مِنْ مِصْرِيٍّ وَشَامِيٍّ وَحَلَبِيٍّ وَغَيْرِهِمْ فَيَنْبَغِي التَّعْوِيلُ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لِمُوَافَقَتِهِ لِتَعْرِيفِ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَأَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُتَأَخِّرُ يَعْنِي الْعَلَّامَةَ زَيْنًا لَا وَجْهَ لَهُ حَمَوِيٌّ عَنْ الْمَقْدِسِيَّ كَذَا فِي حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ أَقُولُ: وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ تَصْحِيحِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ بِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِمَكَانِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا كَانَ قَاضِيَانِ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي مَحَلَّةٍ، وَقَدْ أُمِرَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِالْحُكْمِ عَلَى أَهْلِ مَحَلَّتِهِ فَقَطْ بِدَلِيلِ قَوْلِ الْعِمَادِيِّ وَلَا وِلَايَةَ لِقَاضِي الْعَسْكَرِ عَلَى غَيْرِ الْجُنْدِيِّ أَمَّا إذَا كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا مَأْذُونًا بِالْحُكْمِ عَلَى أَيٍّ مَنْ حَضَرَ عِنْدَهُ فَيَنْبَغِي تَصْحِيحُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ هُوَ الَّذِي لَهُ الْخُصُومَةُ فَيَطْلُبُهَا عِنْدَ أَيِّ قَاضٍ أَرَادَ وَلَا يَخْفَى أَنَّ قُضَاةَ مِصْرَ وَالشَّامِ إذْ إذْنُهُمْ عَامٌّ. وَهَذَا كَلَامٌ مُتَّجَهٌ وَنُقِلَ مِثْلُهُ فِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ عَنْ خَطِّ صَاحِبِ التَّنْوِيرِ عَلَى هَامِشِ الْبَزَّازِيَّةِ حَيْثُ قَالَ: وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا كَانَ كُلُّ قَاضٍ عَلَى مَحَلَّةٍ عَلَى حِدَةٍ أَمَّا إذَا كَانَ فِي الْمِصْرِ حَنَفِيٌّ وَشَافِعِيٌّ، وَمَالِكِيٌّ وَحَنْبَلِيٌّ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ وَالْوِلَايَةُ وَاحِدَةٌ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ الْخِلَافُ فِي إجَابَةِ الْمُدَّعِي لِمَا أَنَّهُ صَاحِبُ الْحَقِّ. اهـ. قُلْت وَذَكَرَ نَحْوَهُ فِي الْمِنَحِ وَلَكِنْ رَدَّهُ الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَيْهَا وَبَالَغَ فِيهِ حَتَّى جَعَلَهُ بِالْهَذَيَانِ أَشْبَهَ وَلَمْ يَأْتِ لِرَدِّهِ بِوَجْهٍ يُقَوِّيهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ الْمُرَادُ، وَهُوَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي الْحَاصِلِ فَقَالَ مَا قَالَ وَذَكَرَ شَيْخُ مَشَايِخِنَا السَّائِحَانِيُّ بَعْدَ كَلَامٍ قَالَ فِي قَضَاءِ الْبَزَّازِيَّةِ فُوِّضَ قَضَاءُ نَاحِيَةٍ إلَى رَجُلَيْنِ لَا يَمْلِكُ أَحَدُهُمَا الْقَضَاءَ وَلَوْ قَلَّدَ رَجُلَيْنِ عَلَى أَنْ يَنْفَرِدَ كُلًّا مِنْهُمَا بِالْقَضَاءِ لَا رِوَايَةَ فِيهِ، وَقَالَ الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ نَائِبُ السُّلْطَانِ وَيَمْلِكُ التَّفَرُّدَ. اهـ. فَتَحَصَّلَ أَنَّ الْوِلَايَةَ لَوْ لِقَاضِيَيْنِ فَأَكْثَرَ كُلُّ وَاحِدٍ فِي مَحَلَّةٍ فَتَفَرُّدُ الْقَاضِي صَحِيحٌ وَالْعِبْرَةُ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانُوا فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ عَلَى السَّوَاءِ فَقَدْ سَمِعْتُ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ أَحَدُهُمْ التَّفَرُّدَ فَلَا فَائِدَةَ فِي اخْتِيَارِ أَحَدِهِمْ، وَإِنْ أُمِرَ كُلُّ وَاحِدٍ بِالتَّفَرُّدِ جَازَ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَظْهَرُ فَرْقٌ بَيْنَ كَوْنِ كُلِّ وَاحِدٍ فِي مَحَلَّةٍ أَوْ مُجْتَمِعِينَ فَمَا فَهِمَهُ صَاحِبُ التَّنْوِيرِ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ. اهـ. وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَذْكُرَ بَعْدَ قَوْلِهِ جَازَ وَالْعِبْرَةُ لِلْمُدَّعِي، وَقَدْ اتَّضَحَ الْمَرَامُ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى أَتَمِّ وَجْهٍ وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ. (قَوْلُهُ: أَوْ دَائِنًا) فَائِدَتُهُ إثْبَاتُ الْمُخَاصَمَةِ تَأَمَّلْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 194 حَضْرَتُهُ عِنْدَ الدَّعْوَى مُدَّعِيًا أَوْ مُدَّعًى عَلَيْهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا تُشْتَرَطُ حَضْرَةُ الْأَطْفَالِ الرُّضَّعِ عِنْدَ الدَّعْوَى. وَالْمُسْتَأْجِرُ خَصْمٌ لِمَنْ يَدَّعِي الْإِجَارَةَ فِي غَيْبَةِ الْمَالِكِ عَلَى الْأَقْرَبِ إلَى الصَّوَابِ، وَلَيْسَ بِخَصْمٍ عَلَى الصَّحِيحِ لِمَنْ يَدَّعِي الْإِجَارَةَ أَوْ الرَّهْنَ أَوْ الشِّرَاءَ وَالْمُشْتَرِي خَصْمٌ لِلْكُلِّ كَالْمَوْهُوبِ لَهُ، وَفِي دَعْوَى الْعَيْنِ الْمَرْهُونَةِ تُشْتَرَطُ حَضْرَةُ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ وَتَصِحُّ الدَّعْوَى عَلَى الْغَاصِبِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْعَيْنُ فِي يَدِهِ فَلِذَا كَانَ لِلْمُسْتَحِقِّ الدَّعْوَى عَلَى الْبَائِعِ وَحْدَهُ، وَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي لِكَوْنِهِ غَاصِبًا وَالْمُودَعُ أَوْ الْغَاصِبُ إذَا كَانَ مُقِرًّا الْوَدِيعَةِ أَوْ الْغَصْبِ لَا يَنْتَصِبُ خَصْمًا لِلْمُشْتَرِي وَيَنْتَصِبُ خَصْمًا لِوَارِثِ الْمُودِعِ أَوْ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ، وَمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا بِالْخِيَارِ فَادَّعَاهُ آخَرُ يُشْتَرَطُ حَضْرَةُ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي وَالْمُشْتَرِي بَاطِلًا لَا يَكُونُ خَصْمًا لِلْمُسْتَحِقِّ. وَإِذَا اسْتَحَقَّ الْمَبِيعَ بِالْمِلْكِ الْمُطْلَقِ، وَقَضَى بِهِ فَبَرْهَنَ الْبَائِعُ عَلَى النِّتَاجِ وَبَرْهَنَ عَلَى الْمُشْتَرِي فِي غَيْبَةِ الْمُسْتَحِقِّ لِيَدْفَعَ عَنْهُ الرُّجُوعَ بِالثَّمَنِ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا تُشْتَرَطُ حَضْرَتُهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: الْمُخْتَارُ اشْتِرَاطُهَا، وَأَفْتَى السَّرَخْسِيُّ بِالْأَوَّلِ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَالْأَشْبَهُ الْمُوصَى لَهُ يَنْتَصِبُ خَصْمًا لِلْمُوصَى لَهُ فِيمَا فِي يَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ وَلَكِنْ قُضِيَ لَهُ بِالثُّلُثِ فَخَاصَمَهُ مُوصًى لَهُ آخَرُ فَإِنَّ إلَى الْقَاضِي الَّذِي قَضَى لَهُ كَانَ خَصْمًا، وَإِلَّا فَلَا، وَإِذَا ادَّعَى نِكَاحَ امْرَأَةٍ وَلَهَا زَوْجٌ ظَاهِرٌ يُشْتَرَطُ حَضْرَتُهُ لِسَمَاعِ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةِ وَدَعْوَى النِّكَاحِ عَلَيْهَا بِتَزْوِيجِ أَبِيهَا صَحِيحَةٌ بِدُونِ حَضْرَةِ أَبِيهَا وَدَعْوَى الْوَاهِبِ الرُّجُوعَ فِي هِبَةِ الْعَبْدِ عَلَيْهِ صَحِيحَةٌ إنْ كَانَ مَأْذُونًا، وَإِلَّا فَلَا بُدَّ مِنْ حَضْرَةِ مَوْلَاهُ وَالْقَوْلُ لِلْوَاهِبِ أَنَّهُ مَأْذُونٌ، وَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْعَبْدِ أَنَّهُ مَحْجُورٌ فَإِنْ غَابَ الْعَبْدُ لَمْ تَصِحَّ دَعْوَى الرُّجُوعِ عَلَى مَوْلَاهُ إنْ كَانَتْ الْعَيْنُ فِي يَدِ الْعَبْدِ وَتَمَامُهُ فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ. (قَوْلُهُ وَلَا تَصِحُّ الدَّعْوَى حَتَّى يَذْكُرَ شَيْئًا عَلِمَ جِنْسَهُ وَقَدْرَهُ) ؛ لِأَنَّ فَائِدَتَهَا الْإِلْزَامُ بِوَاسِطَةِ إقَامَةِ الْحُجَّةِ وَالْإِلْزَامُ فِي الْمَجْهُولِ لَا يَتَحَقَّقُ وَيُسْتَثْنَى مِنْ فَسَادِ الدَّعْوَى بِالْمَجْهُولِ دَعْوَى الرَّهْنِ وَالْغَصْبِ لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ مَعْزِيًّا إلَى رَهْنِ الْأَصْلِ إذَا شَهِدُوا أَنَّهُ رَهَنَ عِنْدَهُ ثَوْبًا وَلَمْ يُسَمُّوا الثَّوْبَ، وَلَمْ يَعْرِفُوا عَيْنَهُ جَازَتْ شَهَادَتُهُمْ وَالْقَوْلُ لِلْمُرْتَهِنِ فِي أَيِّ ثَوْبٍ كَانَ وَكَذَلِكَ فِي الْغَصْبِ. اهـ. فَالدَّعْوَى بِالْأُولَى وَلَمْ أَرَ اشْتِرَاطَ لَفْظٍ مَخْصُوصٍ لِلدَّعْوَى وَيَنْبَغِي اشْتِرَاطُ مَا يَدُلُّ عَلَى الْجَزْمِ وَالتَّحْقِيقِ، وَلَوْ قَالَ أَشُكُّ أَوْ أَظُنُّ لَمْ تَصِحَّ الدَّعْوَى، وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْمُصَنِّفُ بَيَانَ السَّبَبِ، وَفِيهِ تَفْصِيلٌ، فَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى دَيْنًا لَمْ يُشْتَرَطْ، وَلِلْقَاضِي أَنْ يَسْأَلَهُ عَنْ سَبَبِهِ فَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ لَمْ يُجْبَرْ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَلَوْ كَانَ الْمُدَّعَى مَكِيلًا فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ سَبَبِ الْوُجُوبِ لِاخْتِلَافِ الْأَحْكَامِ بِاخْتِلَافِ الْأَسْبَابِ حَتَّى إنَّ مَنْ سَلَّمَ يَحْتَاجُ إلَى مَكَانِ الْإِيفَاءِ وَيَمْنَعُ الِاسْتِبْدَالَ قَبْلَ قَبْضِهِ وَثَمَنُ الْمَبِيعِ بِخِلَافِهِ فِيهِمَا، وَإِنْ مِنْ قَرْضٍ لَا يَلْزَمُ التَّأْجِيلُ. اهـ. ثُمَّ قَالَ وَفِي دَعْوَى اللَّحْمِ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ السَّبَبِ وَكَذَا فِي دَعْوَى الْكَعْكِ. اهـ. وَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِاشْتِرَاطِ مَعْلُومِيَّةِ الْجِنْسِ وَالْقَدْرِ إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ الْوَزْنِ فِي الْمَوْزُونَاتِ، وَفِي دَعْوَى، وِقْرِ رُمَّانٍ أَوْ سَفَرْجَلٍ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْوَزْنِ لِلتَّفَاوُتِ فِي الْوِقْرِ وَيَذْكُرُ أَنَّهُ حُلْوٌ أَوْ حَامِضٌ أَوْ صَغِيرٌ أَوْ كَبِيرٌ، وَفِي دَعْوَى الْكَعْكِ يَذْكُرُ أَنَّهُ مِنْ دَقِيقِ الْمَغْسُولِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ، وَمَا عَلَيْهِ مِنْ السِّمْسِمِ أَنَّهُ أَبْيَضُ أَوْ أَسْوَدُ، وَقَدْرَ السِّمْسِمِ، وَقِيلَ لَا حَاجَةَ إلَى السِّمْسِمِ، وَقَدْرِهِ وَصِفَتِهِ، وَفِي دَعْوَى الْإِبْرَيْسَمِ بِسَبَبِ السَّلَمِ لَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِ الشَّرَائِطِ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الشَّرَائِطِ، وَفِي الْقُطْنِ يُشْتَرَطُ بَيَانُ أَنَّهُ بُخَارِيٌّ أَوْ خَوَارِزْمِيٌّ، وَفِي الْحِنَّاءِ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ أَنَّهُ مَدْقُوقٌ أَوْ وَرَقٌ، وَفِي الدِّيبَاجِ إنْ سَلَمًا يَذْكُرُ الْأَوْصَافَ وَالْوَزْنَ، وَإِنْ عَيْنًا لَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِ الْوَزْنِ. وَيَذْكُرُ الْأَوْصَافَ، وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ النَّوْعِ وَالْوَصْفِ مَعَ ذِكْرِ الْجِنْسِ وَالْقَدْرِ فِي الْمَكِيلَاتِ وَيَذْكُرُ فِي السَّلَمِ شَرَائِطَهُ مِنْ إعْلَامِ جِنْسِ رَأْسِ الْمَالِ وَغَيْرِهِ وَنَوْعِهِ وَصِفَتِهِ، وَقَدْرِهِ بِالْوَزْنِ إنْ كَانَ وَزْنِيًّا وَانْتِقَادِهِ بِالْمَجْلِسِ حَتَّى يَصِحَّ، وَلَوْ قَالَ بِسَبَبِ بَيْعٍ صَحِيحٍ جَرَى بَيْنَهُمَا صَحَّتْ الدَّعْوَى بِلَا خِلَافٍ وَعَلَى هَذَا فِي كُلِّ سَبَبٍ لَهُ شَرَائِطُ كَثِيرَةٌ يُكْتَفَى بِقَوْلِهِ بِسَبَبِ كَذَا صَحِيحٍ، وَإِنْ ادَّعَى ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً فَلَا بُدَّ مِنْ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: فِي هِبَةِ الْعَبْدِ) أَيْ فِي الْهِبَةِ لِلْعَبْدِ. (قَوْلُهُ: وَيُسْتَثْنَى مِنْ فَسَادِ الدَّعْوَى بِالْمَجْهُولِ دَعْوَى الرَّهْنِ وَالْغَصْبِ) أَقُولُ:، وَفِي الْمِعْرَاجِ، وَفَسَادُ الدَّعْوَى إمَّا أَنْ لَا يَكُونَ لَزِمَهُ شَيْءٌ عَلَى الْخَصْمِ أَوْ يَكُونُ الْمُدَّعَى مَجْهُولًا فِي نَفْسِهِ وَلَا يُعْلَمُ فِيهِ خِلَافٌ إلَّا فِي الْوَصِيَّةِ بِأَنْ ادَّعَى حَقًّا مِنْ وَصِيَّةٍ أَوْ إقْرَارٍ فَإِنَّهُمَا يَصِحَّانِ بِالْمَجْهُولِ وَتَصِحُّ دَعْوَى الْإِبْرَاءِ الْمَجْهُولِ بِلَا خِلَافٍ. اهـ. فَبَلَغَتْ الْمُسْتَثْنَيَاتُ خَمْسَةً تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَعَلَى هَذَا فِي كُلِّ سَبَبٍ لَهُ شَرَائِطُ كَثِيرَةٌ) قَالَ الرَّمْلِيُّ يَجِبُ بَدَلَ قَوْلِهِ كَثِيرَةٌ قَلِيلَةٌ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَجَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَغَيْرِهِمَا. اهـ. قُلْت وَعِبَارَةُ الْبَزَّازِيَّةِ وَلَوْ قَالَ بِسَلَمٍ صَحِيحٍ وَلَمْ يَذْكُرْ الشَّرَائِطَ كَانَ شَمْسُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُفْتِي بِالصِّحَّةِ وَغَيْرُهُ لَا؛ لِأَنَّ شَرَائِطَهُ مِمَّا لَا يَعْرِفُهُ إلَّا الْخَوَاصُّ وَيَخْتَلِفُ فِيهِ بَعْضُهَا، وَفِي الْمُنْتَقَى لَوْ قَالَ بِبَيْعٍ صَحِيحٍ يَكْفِي وَعَلَى هَذَا كُلُّ مَا لَهُ شَرَائِطُ كَثِيرَةٌ لَا يَكْفِي فِيهِ قَوْلُهُ: بِسَبَبٍ صَحِيحٍ وَإِذَا قَلَّتْ الشَّرَائِطُ يُكْتَفَى بِهِ أَجَابَ شَمْسُ الْإِسْلَامِ فِيمَنْ قَالَ كَفَلَ كَفَالَةً صَحِيحَةً أَنَّهُ لَا يَصِحُّ كَمَا فِي السَّلَمِ؛ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ مُخْتَلَفٌ فِيهَا فَلَعَلَّهُ صَحِيحٌ عَلَى اعْتِقَادِهِ لَا فِي الْوَاقِعِ، وَلَا عِنْدَ الْحَاكِمِ وَالْحَنَفِيُّ يَعْتَقِدُ عَدَمَ صِحَّةِ الْكَفَالَةِ بِلَا قَبُولٍ فَيَقُولُ كَفَلَ، وَقَبِلَ الْمَكْفُولُ لَهُ فِي الْمَجْلِسِ فَيَصِحُّ وَيَذْكُرُ فِي الْقَرْضِ، وَأَقْرَضَهُ مِنْهُ مَالَ نَفْسِهِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ وَكِيلًا فِي الْإِقْرَاضِ مِنْ غَيْرِهِ وَالْوَكِيلُ سَفِيرٌ فِيهِ فَلَا يَمْلِكُ الطَّلَبَ وَيَذْكُرُ أَيْضًا قَبْضَ الْمُسْتَقْرِضِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 195 بَيَانِ جِنْسِهِ وَنَوْعِهِ إنْ كَانَ مَضْرُوبًا كَبُخَارِيِّ الضَّرْبِ وَصِفَتِهِ جَيِّدٌ أَوْ وَسَطٌ أَوْ رَدِيءٌ إذَا كَانَ فِي الْبَلَدِ نُقُودٌ مُخْتَلِفَةٌ، وَفِي الْعِمَادِيِّ إذَا كَانَ فِي الْبَلَدِ نُقُودٌ، وَأَحَدُهَا أَرَوْجُ لَا تَصِحُّ الدَّعْوَى مَا لَمْ يُبَيِّنْ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَخِزَانَةِ الْمُفْتِينَ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ عَيْنًا فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كُلِّفَ إحْضَارَهَا لِيُشِيرَ إلَيْهَا بِالدَّعْوَى وَكَذَا فِي الشَّهَادَاتِ وَالِاسْتِحْلَافِ) ؛ لِأَنَّ الْإِعْلَامَ بِأَقْصَى مَا يُمْكِنُ شَرْطٌ وَذَلِكَ بِالْإِشَارَةِ فِي الْمَنْقُولِ؛ لِأَنَّ النَّقْلَ مُمْكِنٌ، وَالْإِشَارَةُ أَبْلَغُ فِي التَّعْرِيفِ حَتَّى قَالُوا فِي الْمَنْقُولَاتِ الَّتِي يَتَعَذَّرُ نَقْلُهَا كَالرَّحَى وَنَحْوِهِ حَضَرَ الْحَاكِمُ عِنْدَهَا أَوْ بَعَثَ أَمِينًا، وَفِي الْمُجْتَبَى مَعْزُوًّا فِي مَسْأَلَةِ الشَّاهِدَيْنِ إذَا شَهِدُوا عَلَى سَرِقَةِ بَقَرَةٍ وَاخْتَلَفَا فِي لَوْنِهَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ خِلَافًا لَهُمَا، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ إحْضَارَ الْمَنْقُولِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ الدَّعْوَى، وَلَوْ شُرِطَ لَأُحْضِرَتْ، وَلَمَا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ عِنْدَ الْمُشَاهَدَةِ فِي لَوْنِهَا ثُمَّ قَالَ: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ النَّاسُ عَنْهَا غَافِلُونَ. اهـ. قُلْتُ: لَا تَدُلُّ؛ لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ غَائِبَةً لَا يُشْتَرَطُ إحْضَارُهَا وَالْقِيمَةُ كَافِيَةٌ كَمَا سَيَأْتِي فَلْيُتَأَمَّلْ، وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، وَفِي دَعْوَى إحْضَارِ الْمُدَّعِي مَجْلِسَ الْحُكْمِ لَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ فَوَاجِبٌ عَلَيْهِ إحْضَارُهُ مَجْلِسَ الْحُكْمِ لِأُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ جَاحِدًا، وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ هَذِهِ اللَّفْظَةِ فِي الدَّعْوَى؛ لِأَنَّ ذَا الْيَدِ لَوْ كَانَ مُقِرًّا لَا يَلْزَمُ الْإِحْضَارُ؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ مِنْ الْمُقِرِّ وَالْأَمْرُ بِالْإِحْضَارِ إنَّمَا يَصِحُّ لَوْ مُنْكِرًا أَمَّا لَوْ كَانَ مُودَعًا عِنْدَهُ لَا يَصِحُّ الْأَمْرُ بِإِحْضَارِهِ إذْ الْوَاجِبُ فِيهِ التَّخْلِيَةُ لَا نَقْلُهَا فَلَوْ أَنْكَرَ ذُو الْيَدِ الْإِحْضَارَ يَكُونُ مُحِقًّا، ادَّعَى عَيْنًا فِي يَدِهِ، وَأَرَادَ إحْضَارَهُ مَجْلِسَ الْحُكْمِ فَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَوْنَهُ فِي يَدِهِ فَبَرْهَنَ الْمُدَّعِي أَنَّهُ كَانَ بِيَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَبْلَ هَذَا التَّارِيخِ بِسَنَةٍ هَلْ يُقْبَلُ وَيُجْبَرُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى إحْضَارِهِ بِهَذِهِ الْبَيِّنَةِ أَمْ لَا كَانَتْ وَاقِعَةَ الْفَتْوَى وَيَنْبَغِي أَنْ تُقْبَلَ إذَا ثَبَتَ فِي يَدِهِ فِي الزَّمَانِ الْمَاضِي، وَلَمْ يَثْبُتْ خُرُوجُهُ مِنْ يَدِهِ فَتَبْقَى، وَلَا تَزُولُ بِشَكٍّ. اهـ. أَطْلَقَ فِي لُزُومِ إحْضَارِهَا، وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا لَا حَمْلَ لَهُ، وَلَا مُؤْنَةَ أَمَّا مَا لَهُ حَمْلٌ، وَمُؤْنَةٌ فَإِنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا يُجْبَرُ عَلَى إحْضَارِهِ وَتَفْسِيرُ الْحَمْلِ وَالْمُؤْنَةِ كَوْنُهُ بِحَالٍ يُحْمَلُ إلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي بِأَجْرٍ لَا مَجَّانًا فَهَذَا مِمَّا لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ وَذَكَرَ بَعْدَهُ بِوَرَقَتَيْنِ أَنَّ مَا لَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ بِيَدٍ وَاحِدَةٍ فَهُوَ مِمَّا لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ، وَقِيلَ مَا يَحْتَاجُ فِي نَقْلِهِ إلَى مُؤْنَةٍ كَبُرٍّ وَشَعِيرٍ فَهُوَ مِمَّا لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ لَا مَا لَا يَحْتَاجُ فِي نَقْلِهِ إلَى الْمُؤْنَةِ كَمِسْكٍ وَزَعْفَرَانٍ قَلِيلٍ، وَقِيلَ مَا اخْتَلَفَ سِعْرُهُ فِي الْبَلَدَانِ فَهُوَ مِمَّا لَهُ حَمْلٌ، وَمُؤْنَةٌ لَا مَا اتَّفَقَ. اهـ. ثُمَّ ذَكَرَ فِيهِ مَسَائِلَ فِيمَا إذَا وَصَفَ الْمُدَّعِي الْمُدَّعَى فَلَمَّا حَضَرَ خَالَفَ فِي الْبَعْضِ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إنْ تَرَكَ الدَّعْوَى الْأُولَى وَادَّعَى الْحَاضِرُ تُسْمَعُ؛ لِأَنَّهَا مُبْتَدَأَةٌ، وَإِلَّا فَلَا وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ عُلِمَ أَنَّ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ تَسَاهُلًا إذْ فِي دَعْوَى عَيْنٍ وَدِيعَةٍ لَا يُكَلَّفُ إحْضَارَهَا إنَّمَا يُكَلَّفُ التَّخْلِيَةَ. (قَوْلُهُ فَإِنْ تَعَذَّرَ ذَكَرَ قِيمَتِهَا) أَيْ بِهَلَاكِهَا أَوْ غَيْبَتِهَا فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ قِيمَتِهَا لِيَصِيرَ الْمُدَّعَى بِهِ مَعْلُومًا؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ لَا تُعْرَفُ بِالْوَصْفِ وَالْقِيمَةُ تُعْرَفُ بِهِ، وَقَدْ تَعَذَّرَ مُشَاهَدَةُ الْعَيْنِ، وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا التَّعَذُّرَ بِالْهَلَاكِ أَوْ الْغَيْبَةِ لِئَلَّا يَرِدَ الرَّحَى وَصُبْرَةُ الطَّعَامِ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا يَتَعَذَّرُ إحْضَارُهُ مَعَ بَقَائِهِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَبْعَثُ أَمِينَهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَلَا يَكْتَفِي بِذِكْرِ الْقِيمَةِ، وَفِي الدَّابَّةِ يُخَبَّرُ الْقَاضِي إنْ شَاءَ خَرَجَ إلَيْهَا، وَإِنْ شَاءَ بَعَثَ إلَيْهَا مَنْ يَسْمَعُ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةَ   [منحة الخالق] وَصَرْفَهُ إلَى حَوَائِجِهِ لِيَكُونَ دَيْنًا بِالْإِجْمَاعِ فَإِنَّ كَوْنَهُ دَيْنًا عِنْدَ الثَّانِي مَوْقُوفٌ عَلَى صَرْفِهِ وَاسْتِهْلَاكِهِ وَتَمَامُهُ فِيهَا. (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: وَإِنْ كَانَ عَيْنًا فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كُلِّفَ إحْضَارَهَا) قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ ثُمَّ إذَا حَضَرَ ذَلِكَ الشَّيْءُ إلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي فَشَهِدُوا بِأَنَّهُ لَهُ وَلَمْ يَشْهَدُوا بِأَنَّهُ مِلْكُهُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ اللَّامَ لِلتَّمْلِيكِ وَكَذَلِكَ إنْ شَهِدُوا أَنَّ هَذَا مَالِكٌ لَهُ أَوْ شَهِدُوا عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لِلْمُدَّعِي وَذَلِكَ لَا إشْكَالَ فِيهِ إنَّمَا الْإِشْكَالُ فِيمَا لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ أَقَرَّ بِهَذَا الشَّيْءِ وَلَمْ يَدَّعِ بِأَنَّهُ مِلْكِي، وَأَقَامَ الشُّهُودَ عَلَى ذَلِكَ هَلْ يُقْبَلُ، وَهَلْ يُقْضَى بِالْمِلْكِ، مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ نَعَمْ فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الشُّهُودَ لَوْ شَهِدُوا بِأَنَّ هَذَا أَقَرَّ بِهَذَا الشَّيْءِ لَهُ تُقْبَلُ، وَإِنْ لَمْ يَشْهَدُوا بِأَنَّهُ مِلْكُهُ وَكَذَلِكَ الْمُدَّعِي، وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَا تَصِحُّ الدَّعْوَى مَا لَمْ يَقُلْ أُقِرُّ بِهِ، وَهُوَ مِلْكِي؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ خَبَرٌ وَالْخَبَرُ يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ فَإِنْ كَانَ كَذِبًا لَا يُوجِبُ وَالْمُدَّعِي يَقُولُ أَقَرَّ بِهِ لِي يَصِيرُ مُدَّعِيًا بِالْمِلْكِ وَالْإِقْرَارُ غَيْرُ مُوجِبٍ لَهُ فَلَمْ تُوجَدْ دَعْوَى الْمِلْكِ فَلِهَذَا شُرِطَ قَوْلُهُ وَهُوَ مِلْكِي بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِهَا كَالثَّابِتِ بِالْمُعَايَنَةِ. اهـ. مُلَخَّصًا. (قَوْلُهُ: إذَا كَانَتْ غَائِبَةً) الْأَظْهَرُ أَنْ يَقُولَ هَالِكَةً (قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي أَنْ تُقْبَلَ إذَا ثَبَتَ فِي يَدِهِ إلَخْ) قَالَ فِي نُورِ الْعَيْنِ يَقُولُ الْحَقِيرُ الظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ يَنْبَغِي لَا يَنْبَغِي؛ لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ يُسَمَّى فِي عِلْمِ الْأُصُولِ اسْتِصْحَابًا، وَهُوَ حُجَّةٌ فِي الدَّفْعِ لَا فِي الْإِثْبَاتِ وَلَا شَكَّ أَنَّ مَا ذُكِرَ مِنْ قَبِيلِ الْإِثْبَاتِ قَالَ صَاحِبُ التَّوْضِيحِ، وَمِنْ الْحُجَجِ الْفَاسِدَةِ الِاسْتِصْحَابُ، وَهُوَ حُجَّةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِي كُلِّ مَا يَثْبُتُ وُجُودُهُ بِدَلِيلٍ ثُمَّ وَقَعَ الشَّكُّ فِي بَقَائِهِ، وَعِنْدَنَا حُجَّةٌ لِلدَّفْعِ لَا لِلْإِثْبَاتِ إذْ الدَّلِيلُ الْمُوجِبُ لَا يَدُلُّ عَلَى الْبَقَاءِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ. (قَوْلُهُ: وَفِي الدَّابَّةِ يُخَيَّرُ الْقَاضِي إلَخْ) ، وَقَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ فَإِنْ كَانَ دَابَّةٌ وَلَا يَقَعُ بَصَرُ الْقَاضِي وَلَا يَتَأَتَّى الْإِشَارَةَ مِنْ الشُّهُودِ وَالْمُدَّعِي، وَهِيَ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ يَأْمُرُ بِإِدْخَالِهَا فَإِنَّهُ جَائِزٌ عِنْدَ الْحَاجَةِ أَلَا تَرَى «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - طَافَ بِالْبَيْتِ عَلَى نَاقَتِهِ» مَعَ أَنَّ حُرْمَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَوْقَ حُرْمَةِ سَائِرِ الْمَسَاجِدِ، وَإِنْ كَانَ يَقَعُ بَصَرُ الْقَاضِي عَلَيْهَا فَلَا يُدْخِلُهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ مَا يَكُونُ مِنْهَا وَالْحَاجَةُ مُنْعَدِمَةٌ. اهـ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 196 بِحَضْرَتِهَا كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، وَفِيهِ ادَّعَى أَعْيَانًا مُخْتَلِفَةَ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ وَالصِّفَةِ وَذَكَرَ قِيمَةَ الْكُلِّ جُمْلَةً، وَلَمْ يَذْكُرْ قِيمَةَ كُلِّ عَيْنٍ عَلَى حِدَةٍ اخْتَلَفَ فِيهِ الْمَشَايِخُ فَقِيلَ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ التَّفْصِيلِ، وَقِيلَ يُكْتَفَى بِالْإِجْمَالِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ. اهـ. وَفِي السِّرَاجِيَّةِ ادَّعَى عَبِيدًا يُبَيِّنُ جِنْسَهُمْ وَسِنَّهُمْ وَصِفَتَهُمْ وَحِلْيَتَهُمْ، وَقِيمَتُهُمْ، وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي حَاضِرًا كَفَتْ الْإِشَارَةُ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ أَنَّ اشْتِرَاطَ ذِكْرِ الْقِيمَةِ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ تَعَذُّرِ إحْضَارِ الْعَيْنِ أَمَّا قَبْلَ ظُهُورِ التَّعَذُّرِ فَلَا قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ إنَّمَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ الْقِيمَةِ فِي الدَّعْوَى إذَا كَانَتْ دَعْوَى سَرِقَةٍ لِيَعْلَمَ أَنَّهَا نِصَابٌ أَوْ لَا فَأَمَّا فِيمَا سِوَى ذَلِكَ فَلَا حَاجَةَ إلَى بَيَانِهَا. اهـ. وَأَطْلَقَ فِي وُجُوبِ بَيَانِ الْقِيمَةِ عِنْدَ التَّعَذُّرِ وَاسْتَثْنَوْا مِنْهُ دَعْوَى الْغَصْبِ وَالرَّهْنِ فَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ لَوْ ادَّعَى عَيْنًا غَائِبًا لَا يُعْرَفُ مَكَانَهُ بِأَنْ ادَّعَى أَنَّهُ غَصَبَ مِنْهُ ثَوْبًا أَوْ قِنًّا، وَلَا يَدْرِي قِيَامَهُ، وَهَلَاكَهُ فَلَوْ بَيَّنَ الْجِنْسَ وَالصِّفَةَ وَالْقِيمَةَ تُقْبَلُ دَعْوَاهُ، وَلَوْ لَمْ يُبَيِّنْ قِيمَتَهُ أَشَارَ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ إلَى أَنَّهَا تُقْبَلُ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ دَهَنَ عِنْدَهُ ثَوْبًا، وَهُوَ يُنْكِرُ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ، وَذَكَرَ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ ادَّعَى أَنَّهُ غَصَبَ مِنْهُ أَمَةً وَبَرْهَنَ تُسْمَعُ وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا قَالُوا إنَّمَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ إذَا ذَكَرَ الْقِيمَةَ، وَهَذَا تَأْوِيلُ مَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ أَنَّ الشُّهُودَ شَهِدُوا عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْغَصْبِ فَيَثْبُتُ غَصْبُ الْقِنِّ بِإِقْرَارِهِ فِي حَقِّ الْحَبْسِ وَالْحُكْمِ جَمِيعًا. وَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةَ تُقْبَلُ، وَلَكِنْ فِي حَقِّ الْحَبْسِ، وَإِطْلَاقُ مُحَمَّدٍ فِي الْكِتَابِ يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَمَعْنَى الْحَبْسِ أَنْ يَحْبِسَهُ حَتَّى يُحْضِرَهُ لِيُعِيدَ الْبَيِّنَةَ عَلَى عَيْنِهِ فَلَوْ قَالَ لَا أَقْدِرُ عَلَيْهِ حُبِسَ قَدْرَ مَا لَوْ قَدَرَ أَحْضَرَهُ ثُمَّ يَقْضِي عَلَيْهِ بِقِيمَتِهِ. اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ فِي دَعْوَى الْغَصْبِ وَالرَّهْنِ لَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ الْجِنْسِ وَالْقِيمَةِ فِي صِحَّةِ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ وَيَكُونُ الْقَوْلُ فِي الْقِيمَةِ لِلْغَاصِبِ وَالْمُرْتَهِنِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ إنَّمَا يُكْتَفَى بِالْقِيمَةِ عِنْدَ التَّعَذُّرِ فِيمَا إذَا ادَّعَى الْعَيْنَ أَمَّا إذَا ادَّعَى قِيمَةَ شَيْءٍ مُسْتَهْلَكٍ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ جِنْسِهِ وَنَوْعِهِ وَاخْتَلَفُوا فِي بَيَانِ الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ فِي الدَّابَّةِ كَمَا فِي الْخِزَانَةِ وَجَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَدَعْوَى قِيمَةِ الْأَعْيَانِ الْمُشْتَرَكَةِ لَا تَصِحُّ بِلَا بَيَانِ الْأَعْيَانِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مِثْلِيًّا وَيُطَالَبُ بِالْقِيمَةِ، وَقَالَ فِي النِّصَابِ لَا يَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِ الْأَعْيَانِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ الْمُطَالَبَةُ بِالْوَاجِبِ فَلَا تُرَدُّ الدَّعْوَى بِالِاحْتِمَالِ قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ: لَا بُدَّ أَنْ يَذْكُرَ أَنَّ الْقَبْضَ كَانَ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ أَوْ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَقِيلَ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِإِغْنَاءِ الطَّلَبِ عَنْ ذَلِكَ. اهـ. وَلَمْ يُفَرِّقْ الْمُؤَلِّفُ بَيْنَ دَعْوَى عَيْنٍ وَعَيْنٍ مَعَ أَنَّ دَعْوَى بَعْضِ الْأَعْيَانِ لَهُ شَرْطٌ آخَرُ قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَفِي دَعْوَى الْإِيدَاعِ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ مَكَانِ الْإِيدَاعِ، سَوَاءٌ كَانَ لَهُ حَمْلٌ أَوْ لَا، وَفِي الْغَصْبِ إنْ كَانَ لَهُ حَمْلٌ، وَمُؤْنَةٌ لَا يَصِحُّ بِلَا بَيَانِ الْمَكَانِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَمْلٌ يَصِحُّ اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ ادَّعَى عَقَارًا ذَكَرَ حُدُودَهُ) ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ التَّعْرِيفُ بِالْإِشَارَةِ لِتَعَذُّرِ النَّقْلِ فَيُصَارُ إلَى التَّحْدِيدِ وَكَمَا يُشْتَرَطُ التَّحْدِيدُ فِي الدَّعْوَى يُشْتَرَطُ فِي الشَّهَادَةِ، وَفِي الْمُلْتَقَطِ، وَإِذَا عَرَفَ الشُّهُودُ الدَّارَ بِعَيْنِهَا جَازَ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرُوا حُدُودَهَا. اهـ. أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الْعَقَارُ مَشْهُورًا فَلَا بُدَّ مِنْ تَحْدِيدِهِ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا كَذَا فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي، وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْمُؤَلِّفُ لِدَعْوَى الْعَقَارِ غَيْرَ التَّحْدِيدِ، وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ فِي دَعْوَى الْعَقَارِ لَا بُدَّ أَنْ يَذْكُرَ بَلْدَةً فِيهَا الدَّارُ ثُمَّ الْمَحَلَّةَ ثُمَّ السِّكَّةَ فَيَبْدَأُ أَوَّلًا بِذِكْرِ الْكُورَةِ ثُمَّ الْمَحَلَّةِ اخْتِيَارًا لِقَوْلِ مُحَمَّدٍ فَإِنَّ مَذْهَبَهُ أَنْ يَبْدَأَ أَوَّلًا بِالْأَعَمِّ ثُمَّ بِالْأَخَصِّ فَالْأَخَصِّ، وَقِيلَ يَبْدَأُ بِالْأَخَصِّ ثُمَّ بِالْأَعَمِّ فَيَقُولُ دَارٌ فِي سِكَّةِ كَذَا فِي مَحَلَّةِ كَذَا فِي كُورَةِ كَذَا، وَقَاسَهُ عَلَى النَّسَبِ فَيُقَالُ فُلَانٌ ثُمَّ يُقَالُ ابْنُ فُلَانٍ ثُمَّ يَذْكُرُ الْجَدَّ فَبَدَأَ بِمَا هُوَ أَقْرَبُ فَيَتَرَقَّى إلَى الْأَبْعَدِ، وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ أَحْسَنُ إذْ الْعَامُّ يُعْرَفُ بِالْخَاصِّ لَا بِالْعَكْسِ، وَفَصْلُ النَّسَبِ حُجَّةٌ عَلَيْهِ إذْ الْأَعَمُّ اسْمُهُ فَإِنَّ أَحْمَدَ فِي الدُّنْيَا كَثِيرٌ فَإِنْ عُرِفَ، وَإِلَّا تَرَقَّى إلَى الْأَخَصِّ فَيَقُولُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَفِي السِّرَاجِيَّةِ ادَّعَى عَبِيدًا إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مُقَابِلُ الصَّحِيحِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ إنَّمَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ الْقِيمَةِ إلَخْ) نَقَلَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَنْ الشَّيْخِ عُمَرَ صَاحِبِ النَّهْرِ أَخِي الْمُؤَلِّفِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى أَنَّهُ إذَا كَانَتْ الْعَيْنُ حَاضِرَةً لَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ قِيمَتِهَا إلَّا فِي دَعْوَى السَّرِقَةِ. اهـ. قُلْت: فَكَانَ الْأَوْلَى لِلْمُؤَلِّفِ أَنْ يَقُولَ قَبْلَ عِبَارَةِ الْخَانِيَّةِ أَمَّا إذَا كَانَتْ حَاضِرَةً فَلَا بَدَلَ قَوْلِهِ أَمَّا قَبْلَ ظُهُورِ التَّعَذُّرِ فَلَا (قَوْلُهُ: ثُمَّ يُقْضَى عَلَيْهِ بِقِيمَتِهِ) لَمْ يُبَيِّنْ الْحُكْمَ فِيمَا إذَا لَمْ يَدْرِ قِيمَتَهُ أَيْضًا، وَفِي الدُّرَرِ قَالَ فِي الْكَافِي، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ الْقِيمَةَ، وَقَالَ غُصِبَتْ مِنِّي عَيْنُ كَذَا، وَلَا أَدْرِي أَهُوَ هَالِكٌ أَوْ قَائِمٌ وَلَا أَدْرِي كَمْ كَانَتْ قِيمَتُهُ ذَكَرَ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ أَنَّهُ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ رُبَّمَا لَا يَعْلَمُ قِيمَةَ مَالِهِ فَلَوْ كُلِّفَ بَيَانَ الْقِيمَةِ لَتَضَرَّرَ بِهِ أَقُولُ: فَائِدَةُ صِحَّةِ الدَّعْوَى مَعَ هَذِهِ الْجَهَالَةِ الْفَاحِشَةِ تَوَجُّهُ الْيَمِينِ عَلَى الْخَصْمِ إذَا أَنْكَرَ وَالْجَبْرُ عَلَى الْبَيَانِ إذَا أَقَرَّ أَوْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ فَلْيُتَأَمَّلْ فَإِنَّ كَلَامَ الْكَافِي لَا يَكُونُ كَافِيًا إلَّا بِهَذَا التَّحْقِيقِ. اهـ. وَقَوْلُهُ: فَائِدَتُهَا تَوَجُّهُ الْيَمِينِ أَيْ حَيْثُ لَا بَيِّنَةَ، وَإِلَّا فَفَائِدَتُهَا الْحَبْسُ كَمَا عَلِمْت (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَمْلٌ يَصِحُّ) قَالَ فِي نُورِ الْعَيْنِ بَعْدَ هَذِهِ الْعِبَارَةِ، وَفِي غَصْبِ غَيْرِ الْمِثْلِيِّ وَإِهْلَاكِهِ يَنْبَغِي أَنْ يُبَيِّنَ قِيمَتَهُ يَوْمَ غَصْبِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَفِي رِوَايَةٍ يَتَخَيَّرُ الْمَالِكُ أَخْذَ قِيمَتِهِ يَوْمَ غَصْبِهِ أَوْ يَوْمَ هَلَاكِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ أَنَّهَا قِيمَةٌ أَيْ الْيَوْمَيْنِ وَلَوْ ادَّعَى أَلْفَ دِينَارٍ بِسَبَبِ إهْلَاكِ الْأَعْيَانِ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُبَيِّنَ قِيمَتَهَا فِي مَوْضِعِ الْإِهْلَاكِ، وَكَذَا لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ الْأَعْيَانِ فَإِنَّ مِنْهَا مَا هُوَ قِيَمِيٌّ وَمِنْهَا مَا هُوَ مِثْلِيٌّ. اهـ. وَهَذَا مَا ذَكَرَهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 197 ابْنُ مُحَمَّدٍ فَإِنْ عُرِفَ، وَإِلَّا تَرَقَّى إلَى الْجَدِّ. اهـ. ثُمَّ قَالَ يُكْتَبُ فِي الْحَدِّ ثُمَّ يَنْتَهِي إلَى كَذَا أَوْ يُلَاصِقُ كَذَا أَوْ لَزِيقُ كَذَا، وَلَا يَكْتُبُ أَحَدَ حُدُودِهِ كَذَا، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَوْ كَتَبَ أَحَدَ حُدُودِهِ دِجْلَةَ أَوْ الطَّرِيقَ أَوْ الْمَسْجِدَ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ، وَلَا تَدْخُلُ الْحُدُودُ فِي الْبَيْعِ إذْ قَصْدُ النَّاسِ بِهِ إظْهَارُ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الْبَيْعُ لَكِنْ قَالَ أَبُو يُوسُفَ الْبَيْعُ فَاسِدٌ إذْ الْحُدُودُ فِيهِ تَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ فَاخْتَرْنَا يَنْتَهِي أَوْ لَزِيقَ أَوْ يُلَاصِقُ تَحَرُّزًا عَنْ الْخِلَافِ؛ وَلِأَنَّ الدَّارَ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ يَدْخُلُ الْحَدُّ فِي الْبَيْعِ هِيَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يَنْتَهِي إلَيْهِ فَأَمَّا ذَلِكَ الْمَوْضِعُ الْمُنْتَهَى إلَيْهِ فَقَدْ جُعِلَ حَدًّا، وَهُوَ دَاخِلٌ فِي الْبَيْعِ وَعَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ لَا يَدْخُلُ الْحَدُّ فِي الْبَيْعِ فَالْمُنْتَهَى إلَى الدَّارِ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْبَيْعِ، وَلَكِنْ عِنْدَ ذِكْرِ قَوْلِنَا بِحُدُودِهِ يَدْخُلُ فِي الْمَبِيعِ وِفَاقًا. اهـ. ثُمَّ قَالَ الطَّرِيقُ يَصْلُحُ حَدًّا، وَلَا حَاجَةَ فِيهِ إلَى بَيَانِ طُولِهِ وَعَرْضِهِ إلَّا عَلَى قَوْلٍ فَإِنَّهُ شَرَطَ أَنْ يُبَيِّنَهَا بِالذَّرْعِ، وَالنَّهْرُ لَا يَصْلُحُ حَدًّا عِنْدَ الْبَعْضِ، وَكَذَا السُّورُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَصْلُحُ حَدًّا وَالْخَنْدَقُ كَنَهْرٍ، وَلَوْ حُدَّ بِأَنَّهُ لَزِيقُ أَرْضِ فُلَانٍ، وَلِفُلَانٍ فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ الَّتِي فِيهَا الْمُدَّعَاةُ أَرَاضٍ كَثِيرَةٌ مُتَفَرِّقَةٌ مُخْتَلِفَةٌ تَصِحُّ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةُ ثُمَّ قَالَ لَا بُدَّ مِنْ تَحْدِيدِ الْمُسْتَثْنَيَاتِ مِنْ الْمَسَاجِدِ وَالْمَقَابِرِ وَالْحِيَاضِ الْعَامَّةِ لِتَتَمَيَّزَ، وَمَا يَكْتُبُونَ فِي زَمَانِنَا، وَقَدْ عَرَفَ الْمُتَعَاقِدَانِ جَمِيعَ ذَلِكَ، وَأَحَاطَا بِهِ عِلْمًا فَقَدْ اسْتَرْذَلَهُ بَعْضُ مَشَايِخِنَا، وَهُوَ الْمُخْتَارُ إذْ الْمَبِيعُ لَا يَصِيرُ بِهِ مَعْلُومًا لِلْقَاضِي عِنْدَ الشَّهَادَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّعْيِينِ. اهـ. ثُمَّ قَالَ بَيِّنْ حُدُودَهُ، وَلَمْ يُبَيِّنْ أَنَّهُ كَرْمٌ أَوْ أَرْضٌ أَوْ دَارٌ وَشَهِدَا كَذَلِكَ قِيلَ لَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى، وَلَا الشَّهَادَةُ، وَقِيلَ تُسْمَعُ، وَلَوْ بَيَّنَ الْمِصْرَ وَالْمَحَلَّةَ وَالْمَوْضِعَ ثُمَّ قَالَ ادَّعَى سُكْنَى دَارٍ وَنَحْوِهِ وَبَيِّنْ حُدُودَهُ، وَلَا يَصِحُّ إذْ السُّكْنَى نَقْلِيٌّ فَلَا يُحَدُّ بِشَيْءٍ، وَإِنْ كَانَ السُّكْنَى نَقْلِيًّا لَكِنْ لَمَّا اتَّصَلَ بِالْأَرْضِ اتِّصَالَ تَأْبِيدٍ كَانَ تَعْرِيفُهُ بِمَا بِهِ تَعْرِيفُ الْأَرْضِ إذْ فِي سَائِرِ النَّقْلِيَّاتِ إنَّمَا لَا يُعْرَفُ بِالْحُدُودِ لِإِمْكَانِ إحْضَارِهِ فَيُسْتَغْنَى بِالْإِشَارَةِ إلَيْهِ عَنْ الْحَدِّ أَمَّا السُّكْنَى فَنَقْلُهُ لَا يُمْكِنُ؛ لِأَنَّهُ مُرَكَّبٌ فِي الْبِنَاءِ تَرْكِيبَ قَرَارٍ فَالْتَحَقَ بِمَا لَا يُمْكِنُ نَقْلُهُ أَصْلًا شَرَى عُلُوَّ بَيْتٍ لَيْسَ لَهُ سُفْلٌ يَحُدُّ السُّفْلُ لَا الْعُلُوَّ إذْ السُّفْلُ مَبِيعٌ مِنْ وَجْهٍ مِنْ حَيْثُ إنَّ قَرَارَ الْعُلُوِّ عَلَيْهِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَحْدِيدِهِ وَتَحْدِيدُهُ يُغْنِي عَنْ تَحْدِيدِ الْعُلُوِّ إذْ الْعُلُوُّ عُرِفَ بِتَحْدِيدِ السُّفْلِ؛ وَلِأَنَّ السُّفْلَ أَصْلٌ وَالْعُلُوَّ تَبَعٌ فَتَحْدِيدُ الْأَصْلِ أَوْلَى هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ حَوْلَ الْعُلُوِّ حُجْرَةٌ فَلَوْ كَانَتْ يَنْبَغِي أَنْ يُحَدَّ الْعُلُوُّ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَبِيعُ فَلَا بُدَّ مِنْ إعْلَامِهِ، وَهُوَ يَحُدُّهُ، وَقَدْ أَمْكَنَ. اهـ. وَفِي الْمِصْبَاحِ الْعَقَارُ كَسَلَامٍ كُلُّ مِلْكٍ ثَابِتٍ لَهُ أَصْلٌ كَالدَّارِ وَالنَّخْلِ وَرُبَّمَا أُطْلِقَ عَلَى الْمَتَاعِ، وَالْجَمْعُ عَقَارَاتٌ. اهـ. وَفِي الْمُغْرِبِ الْعَقَارُ الضَّيْعَةُ، وَقِيلَ كُلُّ مَالٍ لَهُ أَصْلٌ كَالدَّارِ وَالضَّيْعَةِ. اهـ. وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ ادَّعَى طَاحُونَةً وَحْدَهَا وَذَكَرَ أَدَوَاتِهَا الْعَامَّةَ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُسَمِّ الْأَدَوَاتِ، وَلَمْ يَذْكُرْ كَيْفِيَّتَهَا فَقَدْ قِيلَ لَا تَصِحُّ الدَّعْوَى، وَقِيلَ تَصِحُّ إذَا ذَكَرَ جَمِيعَ مَا فِيهَا مِنْ الْأَدَوَاتِ الْقَائِمَةِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. اهـ. وَقَدْ صَرَّحَ مَشَايِخُنَا فِي كِتَابِ الشُّفْعَةِ بِأَنَّ الْبِنَاءَ وَالنَّخْلَ مِنْ الْمَنْقُولَاتِ، وَأَنَّهُ لَا شُفْعَةَ فِيهِمَا إذَا بِيعَا بِلَا عَرْصَةٍ فَإِنْ بِيعَا مَعَهَا وَجَبَتْ تَبَعًا وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا، وَقَدْ غَلِطَ بَعْضُ الْعَصْرِيِّينَ فَجَعَلَ النَّخِيلَ مِنْ الْعَقَارِ، وَأَفْتَى بِهِ وَنُبِّهَ فَلَمْ يَرْجِعْ كَعَادَتِهِ. وَقَيَّدَ بِدَعْوَى الْمَحْدُودِ إذْ لَوْ ادَّعَى ثَمَنَ مَحْدُودٍ لَمْ يُشْتَرَطْ بَيَانُ حُدُودِهِ كَذَا فِي السِّرَاجِيَّةِ، وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، وَلَوْ ادَّعَى ثَمَنَ مَبِيعٍ لَمْ يُقْبَضْ لَا بُدَّ مِنْ إحْضَارِ الْمَبِيعِ مَجْلِسَ الْحُكْمِ حَتَّى يَثْبُتَ الْبَيْعُ عِنْدَ الْقَاضِي بِخِلَافِ مَا لَوْ ادَّعَى ثَمَنَ مَبِيعٍ قُبِضَ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ إحْضَارُهُ؛ لِأَنَّهُ دَعْوَى الدَّيْنِ حَقِيقَةً. اهـ. (قَوْلُهُ وَكَفَتْ ثَلَاثَةٌ) لِوُجُودِ الْأَكْثَرِ خِلَافًا لِزُفَرَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُكْتَفَى بِاثْنَيْنِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ بِخِلَافِ مَا إذَا غَلِطَ فِي الرَّابِعِ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ الْمُدَّعَى بِهِ، وَلَا كَذَلِكَ بِتَرْكِهِ، وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ الْغَلَطُ بِإِقْرَارِ الشَّاهِدِ إنِّي غَلِطْت فِيهِ أَمَّا لَوْ ادَّعَاهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا تُسْمَعُ، وَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ؛ لِأَنَّ دَعْوَى غَلَطِ الشَّاهِدِ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ دَعْوَى الْمُدَّعِي وَجَوَابِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ حِينَ أَجَابَ الْمُدَّعِي فَقَدْ صَدَّقَهُ أَنَّ الْمُدَّعِي بِهَذِهِ الْحُدُودِ فَيَصِيرُ الْمُدَّعِي بِدَعْوَى الْغَلَطِ مُنَاقِضًا بَعْدَهُ أَوْ نَقُولُ   [منحة الخالق] الْمُؤَلِّفُ آنِفًا عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ قَالَ ادَّعَى سُكْنَى دَارٍ) ضَمِيرُ قَالَ لِصَاحِبِ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَالْمُرَادُ بِالسُّكْنَى مَا رُكِّبَ فِي الْأَرْضِ كَمَا يَظْهَرُ مِمَّا بَعْدَهُ، وَقَوْلُهُ: إنْ كَانَ السُّكْنَى نَقْلِيًّا إلَخْ هَذَا قَوْلٌ آخَرُ رَمَزَ لَهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ (فش) بِعَلَامَةِ فَتَاوَى رَشِيدِ الدِّينِ (قَوْلُهُ: وَأَنَّهُ لَا شُفْعَةَ فِيهِمَا إلَخْ) يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا لَمْ تَكُنْ الْأَرْضُ مُحْتَكَرَةً وَإِلَّا فَالْبِنَاءُ بِالْأَرْضِ الْمُحْتَكَرَةِ تَثْبُتُ فِيهِ الشُّفْعَةُ لِأَنَّهُ لِمَا لَهُ مِنْ حَقِّ الْقَرَارِ الْتَحَقَ بِالْعَقَارِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الشُّفْعَةِ أَبُو السُّعُودِ (قَوْلُهُ: وَقَدْ غَلِطَ بَعْضُ الْعَصْرِيِّينَ إلَخْ) سَيَذْكُرُ الْمُؤَلِّفُ قَوْلَهُ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمَتْنِ، وَقِيلَ لِخَصْمِهِ أَعْطِهِ كَفِيلًا إلَخْ عَنْ الْفَتَاوَى الصُّغْرَى لَوْ طَلَبَ الْمُدَّعِي مِنْ الْقَاضِي وَضْعَ الْمَنْقُولِ عَلَى يَدِ عَدْلٍ فَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَدْلًا لَا يُجِيبُهُ، وَإِنْ فَاسِقًا أَجَابَهُ وَفِي الْعَقَارِ لَا يُجِيبُهُ إلَّا فِي الشَّجَرِ الَّذِي عَلَيْهِ الثَّمَرُ لِأَنَّ الثَّمَرَ نَقْلِيٌّ. اهـ. قَالَ الْمُؤَلِّفُ هُنَاكَ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الشَّجَرَ مِنْ الْعَقَارِ، وَقَدَّمْنَا خِلَافَهُ، وَفِي حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ هُنَاكَ أَقُولُ: نَقَلَ الْحَمَوِيُّ عَنْ الْمَقْدِسِيَّ التَّصْرِيحَ بِأَنَّ الشَّجَرَ عَقَارٌ. اهـ. قُلْت وَيُؤَيِّدُهُ كَلَامُ الْمِصْبَاحِ نَعَمْ إذَا قِيلَ إنَّهُ عَقَارٌ يُبْتَنَى عَلَيْهِ وُجُوبُ التَّحْدِيدِ فِي الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ وَكَيْفَ يُمْكِنُ ذَلِكَ فِي شَجَرَةِ بُسْتَانٍ بَيْنَ أَشْجَارٍ كَثِيرَةٍ (قَوْلُهُ: فَيَصِيرُ الْمُدَّعِي بِدَعْوَى الْغَلَطِ مُنَاقِضًا بَعْدَهُ) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 198 تَفْسِيرُ دَعْوَى الْغَلَطِ فِي أَحَدِ الْحُدُودِ أَنْ يَقُولَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَحَدُ الْحُدُودِ لَيْسَ مَا ذَكَرَهُ الشَّاهِدُ أَوْ يَقُولَ صَاحِبُ الْحَدِّ لَيْسَ بِهَذَا الِاسْمِ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّاهِدُ وَكُلُّ ذَلِكَ نَفْيٌ وَالشَّهَادَةُ عَلَى النَّفْيِ لَا تُقْبَلُ. اهـ. وَفِي الْمُلْتَقَطِ قَالَ الْخَصَّافُ إذَا قَضَيْت بِثَلَاثَةِ حُدُودٍ أَجْعَلُ الْحَدَّ الرَّابِعَ يَمْضِي بِإِزَاءِ الْحَدِّ الثَّالِثِ حَتَّى يُحَاذِيَ الْحَدَّ الْأَوَّلَ يَعْنِي عَلَى الِاسْتِقَامَةِ. اهـ. ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ شَهِدَ عَلَى دَعْوَى أَرْضٍ أَنَّهَا خَمْسَةُ مَكَايِيلَ، وَأَصَابَ فِي بَيَانِ حُدُودِهَا، وَأَخْطَأَ فِي الْمِقْدَارِ قُبِلَتْ هَذِهِ الشَّهَادَةُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَأَسْمَاءُ أَصْحَابِهَا) أَيْ إنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَقَارًا ذَكَرَ أَسْمَاءَ أَصْحَابِهَا؛ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ يَحْصُلُ بِذَلِكَ، وَأَسْمَاءَ أَنْسَابِهِمْ لِيَتَمَيَّزُوا عَنْ غَيْرِهِمْ (قَوْلُهُ: وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْجَدِّ إنْ لَمْ يَكُنْ مَشْهُورًا) ؛ لِأَنَّ تَمَامَ التَّعْرِيفِ بِهِ فَإِنْ كَانَ مَشْهُورًا اكْتَفَى بِذِكْرِهِ، وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ لَا يُكْتَفَى بِشُهْرَةِ الدَّارِ عَنْ تَحْدِيدِهَا عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الْحَدُّ لَزِيقُ أَرْضِ وَقْفٍ فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْوَاقِفِ وَحْدَهُ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَذْكُرَ الْمَصْرِفَ، وَأَنْ يَذْكُرَ أَنَّهُ فِي يَدِ مَنْ. وَلَوْ قَالَ عَلَى مَسْجِدِ كَذَا يَجُوزُ وَيَكُونُ كَذِكْرِ الْوَاقِفِ، وَقِيلَ لَا، وَلَوْ قَالَ لَزِيقُ مِلْكِ وَرَثَةِ فُلَانٍ لَا يَكْفِي إذْ الْوَرَثَةُ مَجْهُولُونَ مِنْهُمْ ذُو فَرْضٍ، وَمِنْهُمْ عَصَبَةٌ، وَمِنْهُمْ ذُو رَحِمٍ فَجُهِلَتْ فَاحِشَةٌ أَلَا تَرَى أَنَّ الشَّهَادَةَ بِأَنَّ هَذَا وَارِثُ فُلَانٍ لَا تُقْبَلُ لِجَهَالَتِهِ فِي الْوَارِثِ، وَقِيلَ يَصِحُّ لَوْ كَتَبَ لَزِيقُ أَرْضِ وَرَثَةِ فُلَانٍ قَبْلَ الْقِسْمَةِ قِيلَ يَصِحُّ، وَقِيلَ لَا كَتَبَ لَزِيقَ دَارٍ مِنْ تَرِكَةِ فُلَانٍ يَصِحُّ حَدًّا كَذَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ ثُمَّ قَالَ لَوْ جَعَلَ أَحَدَ حُدُودِهِ أَرْضًا لَا يَدْرِي مَالِكَهَا لَا يَكْفِي مَا لَمْ يُقَلْ هُوَ فِي يَدِ فُلَانٍ حَتَّى تَحْصُلَ الْمَعْرِفَةُ، وَلَوْ جَعَلَ أَحَدَ الْحُدُودِ أَرْضَ الْمَمْلَكَةِ يَصِحُّ، وَلَوْ لَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ فِي يَدِ مَنْ؛ لِأَنَّ أَرْضَ الْمَمْلَكَةِ فِي يَدِ السُّلْطَانِ بِوَاسِطَةِ يَدِ نَائِبِهِ الْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَوْ ذَكَرَ اسْمَ ذِي الْيَدِ يَكْفِي لَوْ كَانَ الْحَدُّ أَرْضًا لَا يَدْرِي مَالِكُهُ. اهـ. وَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ إلَى أَنَّ ذِكْرَ الْكُنْيَةِ بِالْأَبِ أَوْ الِابْنِ لَا تَكْفِي عَنْ الْحَدِّ إلَّا إذَا كَانَ مَشْهُورًا كَأَبِي حَنِيفَةَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى. اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي أَنَّ التَّعْرِيفَ بِالْحِرْفَةِ لَا يَكْفِي عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا إنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِالصِّنَاعَةِ كَفَى، وَإِنْ نَسَبَهَا إلَى زَوْجِهَا يَكْفِي وَالْمَقْصُودُ الْإِعْلَامُ، وَلَوْ ذَكَرَ اسْمَ الْمَوْلَى وَاسْمَ أَبِيهِ لَا غَيْرُ ذَكَرَ السَّرَخْسِيُّ أَنَّهُ لَا يَكْفِي وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ يَكْفِي وَبِهِ يُفْتِي لِحُصُولِ التَّعْرِيفِ بِذِكْرِ ثَلَاثَةٍ الْعَبْدُ وَالْمَوْلَى، وَأَبُوهُ. اهـ. وَقِيَاسُهُ فِي بَيَانِ أَسْمَاءِ أَصْحَابِ الْحُدُودِ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ، وَفِي الْمُلْتَقَطِ وَرُبَّمَا لَا يَحْصُلُ إلَّا بِذِكْرِ الْجَدِّ، وَإِذَا لَمْ يَعْرِفْ جَدَّهُ لَا يُمَيَّزُ عَنْ غَيْرِهِ إلَّا بِذِكْرِ مَوَالِيهِ أَوْ ذِكْرِ حِرْفَتِهِ أَوْ وَطَنِهِ أَوْ دُكَّانِهِ أَوْ حِلْيَتِهِ فَإِنَّ التَّمْيِيزَ هُوَ الْمَقْصُودُ فَلْيَحْصُلْ بِمَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ. اهـ. وَأَمَّا حُكْمُ الشَّهَادَةِ بِالْمَحْدُودِ فَفِي دَعْوَى الْخَانِيَّةِ عَنْ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ أَنَّهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ فِي فَصْلِ دَعْوَى الدُّورِ وَالْأَرَاضِي فَلْيُرَاجِعْ مَنْ أَرَادَهُ فِي شَهَادَةِ الْخِزَانَةِ رَجُلٌ أَشْهَدَ عَلَى مِلْكِ دَارٍ بِعَيْنِهَا   [منحة الخالق] قَالَ صَاحِبُ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَقُولُ: يُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ الْمُدَّعِي بِأَنَّ هَذَا لَيْسَ لَك فَلَا يَكُونُ حِينَئِذٍ بِدَعْوَى الْغَلَطِ بَعْدَهُ مُنَاقِضًا فَيَنْبَغِي أَنْ يُفَصَّلَ، وَأَيْضًا يُمْكِنُ أَنْ يَغْلَطَ بِمُخَالَفَتِهِ لِتَحْدِيدِ الْمُدَّعِي فَلَا تَنَاقُضَ. (قَوْلُهُ: وَكُلُّ ذَلِكَ نَفْيٌ إلَخْ) قَالَ صَاحِبُ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَقُولُ: لَوْ قَالَ بَعْضُ حُدُودِهِ كَذَا لَا مَا ذَكَرَهُ الشَّاهِدُ وَالْمُدَّعِي يَنْبَغِي أَنْ تُقْبَلَ بَيِّنَتُهُ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ إثْبَاتُهُ أَنَّ بَعْضَ حُدُودِهِ كَذَا فَيَنْتَفِي مَا ذَكَرَهُ الْمُدَّعِي ضِمْنًا فَيَكُونُ شَهَادَةً عَلَى الْإِثْبَاتِ لَا عَلَى النَّفْيِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَسْأَلَةٌ ذُكِرَتْ فِي فَصْلِ التَّنَاقُضِ أَنَّهُ ادَّعَى دَارًا مَحْدُودَةً فَأَجَابَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ مِلْكِي، وَفِي يَدِي ثُمَّ ادَّعَى أَنَّ الْمُدَّعِيَ غَلِطَ فِي بَعْضِ حُدُودِهِ لَمْ يُسْمَعْ؛ لِأَنَّ جَوَابَهُ إقْرَارٌ بِأَنَّهُ بِهَذِهِ الْحُدُودِ، وَهَذَا إذَا أَجَابَ بِأَنَّهُ مِلْكِي أَمَّا لَوْ أَجَابَ بِقَوْلِهِ لَيْسَ هَذَا مِلْكُك وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ يُمْكِنُ الدَّفْعُ بَعْدَهُ بِخَطَأِ الْحُدُودِ كَذَا حُكِيَ عَنْ (طَه) أَنَّهُ لَقَّنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الدَّفْعَ بِخَطَأِ الْحُدُودِ أَقُولُ: دَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَوْ بَرْهَنَ عَلَى الْغَلَطِ يُقْبَلُ فَدَلَّ عَلَى ضَعْفِ الْجَوَابَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فَالْحَقُّ مَا قُلْت مِنْ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى التَّفْصِيلِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. اهـ. قَالَ فِي نُورِ الْعَيْنِ جَمِيعُ مَا ذَكَرَهُ الْمُعْتَرِضُ فِي هَذَا الْبَحْثِ مَحَلُّ نَظَرٍ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ تَأَمَّلْ وَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ: ثُمَّ قَالَ وَلَوْ شَهِدَ إلَخْ) أَقُولُ: عِبَارَةُ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ شَهِدَا بِمِلْكِيَّةِ أَرْضٍ وَحَدَّاهُ، وَقَالَا هُوَ بِمِقْدَارِ خَمْسَةِ مَكَايِيلَ بَذْرٍ وَالْمُدَّعِي يَدَّعِي ذَلِكَ، وَأَصَابُوا فِي الْحَدِّ لَا الْمِقْدَارِ فَظَهَرَ أَنَّهُ يَسَعُ فِيهِ ثَلَاثَةَ مَكَايِيلَ بَذْرٍ قِيلَ تُرَدُّ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَالْأَشْبَهُ بِالْفِقْهِ، وَقِيلَ تُقْبَلُ إذْ بَيَانُ الْقَدْرِ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فَصَارَ ذِكْرُهُ وَعَدَمُهُ سَوَاءً وَنَصَّ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ أَنَّ ذِكْرَ الشَّاهِدِ فِي شَهَادَتِهِ مَا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِلْحُكْمِ بِالْمَشْهُودِ بِهِ وَلَا ذِكْرَهُ سَوَاءٌ، وَقِيلَ لَوْ شَهِدَ بِحَضْرَةِ الْأَرْضِ، وَأَشَارَ إلَيْهِ يُقْبَلُ وَيَلْغُو ذِكْرُ الْوَصْفِ وَهُوَ قَدْرُ الْبَذْرِ، وَلَوْ شَهِدَا بِغَيْبَةِ الْأَرْضِ لَا تَثْبُتُ بِشَهَادَتِهِمَا مِلْكِيَّةُ أَرْضٍ يَسَعُ فِيهِ خَمْسَةُ مَكَايِيلَ بَذْرٍ أَقُولُ: قَدْ مَرَّ أَنَّ الْوَصْفَ فِي الْإِشَارَةِ لَغْوٌ فِي الْبَيْعِ وَالْأَثْمَانِ أَمَّا فِي بَابِ الشَّهَادَةِ لَوْ شَهِدَا بِوَصْفٍ فَظَهَرَ خِلَافُهُ لَا يُقْبَلُ إلَخْ، وَهَذَا يُخَالِفُ الْقَوْلَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ فَظَهَرَ أَنَّ فِي بَابِ الشَّهَادَةِ اخْتِلَافًا. اهـ. (قَوْلُهُ: أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الْحَدُّ لَزِيقَ أَرْضِ وَقْفٍ إلَخْ) عِبَارَةُ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ لَوْ ذَكَرَ فِي الْحَدِّ لَزِيقَ أَرْضِ الْوَقْفِ لَا يَكْفِي وَيَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَ أَنَّهَا وَقْفٌ عَلَى الْفُقَرَاءِ أَوْ عَلَى مَسْجِدِ كَذَا وَنَحْوِهِ أَقُولُ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا، وَمَا يَتْلُوهُ مِنْ جِنْسِهِ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ الْمَعْرِفَةِ إلَّا بِهِ، وَإِلَّا فَهُوَ تَضْيِيقٌ بِلَا ضَرُورَةٍ (فش) جَعَلَا أَحَدَ الْحُدُودِ أَرْضَ الْوَقْفِ عَلَى مَصَالِحِ كَذَا وَلَمْ يَذْكُرَا أَنَّهُ فِي يَدِ مَنْ لَا يَصِحُّ وَلَوْ ذَكَرَ أَرْضَ الْوَقْفِ عَلَى مَسْجِدِ كَذَا يَجُوزُ وَيَكُونُ كَذِكْرِ الْوَاقِفِ، وَقِيلَ لَا يَثْبُتُ التَّعْرِيفُ بِذِكْرِ الْوَاقِفِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 199 إلَّا أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ حُدُودَهَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْأَلَ الثِّقَاتِ عَنْ حُدُودِهَا لِلشَّهَادَةِ، وَلَكِنْ يَشْهَدُ بِالدَّارِ عَلَى إقْرَارِهِ، وَلَا يَشْهَدُ بِذِكْرِ الْحُدُودِ عَلَى إقْرَارِهِ حَتَّى لَا يَكُونَ كَاذِبًا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَأَنَّهُ فِي يَدِهِ) أَيْ وَذَكَرَ الْمُدَّعِي أَنَّ الْمُدَّعَى بِهِ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِيرُ خَصْمًا بِكَوْنِهِ فِي يَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ فَلَا خُصُومَةَ بَيْنَهُمَا، وَإِنَّمَا جَعَلْت الضَّمِيرَ عَائِدًا إلَى الْمُدَّعَى الشَّامِلِ لِلْمَنْقُولِ وَالْعَقَارِ، وَلَمْ أَخْصُصْهُ بِالْعَقَارِ كَمَا فَعَلَ الشَّارِحُ لِكَوْنِهِ شَرْطًا فِيهِمَا، وَفِي الْمَنْقُولِ يَجِبُ أَنْ يَقُولَ فِي يَدِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ إذْ الشَّيْءُ قَدْ يَكُونُ فِي يَدِ غَيْرِ الْمَالِكِ بِحَقٍّ كَالرَّهْنِ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ، وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ غَصَبَ قِنًّا فَبَرْهَنَ آخَرُ أَنَّهُ لَهُ، وَقُضِيَ لَهُ بِهِ ثُمَّ بَرْهَنَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ عَلَى الْغَاصِبِ أَنَّهُ لَهُ لَا تُقْبَلُ إذْ دَعْوَى الْمِلْكِ لَا تَصِحُّ إلَّا عَلَى ذِي الْيَدِ لَكِنْ لَوْ ادَّعَى عَلَى غَيْرِ ذِي الْيَدِ أَنَّك غَصَبْتَ مِنِّي تُسْمَعُ دَعْوَاهُ فِي حَقِّ الضَّمَانِ أَلَا تَرَى أَنَّ دَعْوَاهُ الضَّمَانَ عَلَى الْغَاصِبِ الْأَوَّلِ تَصِحُّ وَإِنْ كَانَ الْعَيْنُ فِي يَدِ غَاصِبِ الْغَاصِبِ، وَفِي دَعْوَى غَاصِبِ نِصْفِ الدَّارِ شَائِعًا هَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يُبَيِّنَ كَوْنَ جَمِيعِ الدَّارِ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قِيلَ يُشْتَرَطُ إذْ غَصْبُ نِصْفِهِ شَائِعًا لَا يَكُونُ إلَّا بِكَوْنِ كُلِّهِ بِيَدِهِ، وَقِيلَ غَصْبُ نِصْفِهِ شَائِعًا يُتَصَوَّرُ بِأَنْ تَكُونَ الدَّارُ بَيْنَهُمَا فَغَصَبَ مِنْ أَحَدِهِمَا يَكُونُ غَصْبًا لِنِصْفِهِ شَائِعًا. اهـ. قَيَّدَ بِالدَّعْوَى؛ لِأَنَّهُمْ إذَا شَهِدُوا بِمَنْقُولٍ أَنَّهُ مِلْكُ الْمُدَّعِي تُقْبَلُ، وَإِنْ لَمْ يَشْهَدُوا أَنَّهُ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِغَيْرِ حَقٍّ؛ لِأَنَّهُمْ لَمَّا شَهِدُوا بِالْمِلْكِ، وَمِلْكُ الْإِنْسَانِ لَا يَكُونُ فِي يَدِ غَيْرِهِ إلَّا بِعَارِضٍ وَالْبَيِّنَةُ تَكُونُ عَلَى مُدَّعِي الْعَارِضِ، وَلَا تَكُونُ عَلَى صَاحِبِ الْأَصْلِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ مَا لَمْ يَشْهَدُوا أَنَّهُ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِغَيْرِ حَقٍّ لَا تُقْطَعُ يَدُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، وَفِيمَا سِوَى الْعَقَارِ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَشْهَدُوا أَنَّهُ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ يَرَاهُ فِي يَدِهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْبَيَانِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَالْخَانِيَّةِ. (قَوْلُهُ: وَلَا تَثْبُتُ الْيَدُ فِي الْعَقَارِ بِتَصَادُقِهِمَا بَلْ بِبَيِّنَةٍ أَوْ عِلْمِ الْقَاضِي بِخِلَافِ الْمَنْقُولِ) نَفْيًا لِتُهْمَةِ الْمُوَاضَعَةِ إذْ الْعَقَارُ عَسَاهُ فِي يَدِ غَيْرِهِمَا بِخِلَافِ الْمَنْقُولِ؛ لِأَنَّ الْيَدَ فِيهِ مُشَاهَدَةٌ قَيَّدَ بِالدَّعْوَى لِمَا فِي شَهَادَاتِ الْبَزَّازِيَّةِ شَهِدُوا أَنَّهُ مِلْكُهُ، وَلَمْ يَقُولُوا فِي يَدِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ يُفْتَى بِالْقَبُولِ قَالَ الصَّدْرُ الْأَجَلُّ الْحَلْوَانِيُّ اخْتَلَفَ فِيهِ الْمَشَايِخُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ فِي يَدِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ لَا يُمْكِنُهُ الْمُطَالَبَةُ بِالتَّسْلِيمِ وَبِهِ كَانَ يُفْتِي أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ، وَقِيلَ يَقْضِي فِي الْمَنْقُولِ، وَلَا يَقْضِي فِي الْعَقَارِ حَتَّى يَقُولُوا إنَّهُ فِي يَدِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَالصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْفَتْوَى أَنَّهُ يُقْبَلُ فِي حَقِّ الْقَضَاءِ بِالْمِلْكِ لَا فِي حَقِّ الْمُطَالَبَةِ بِالتَّسْلِيمِ. حَتَّى قَالُوا لَوْ سَأَلَ الْقَاضِي الشَّاهِدَ أَهُوَ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِغَيْرِ حَقٍّ فَقَالَ لَا أَدْرِي يُقْبَلُ عَلَى الْمَالِكِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُحِيطِ، وَفِي دَعْوَى الْبَزَّازِيَّةِ مَعْزِيًّا إلَى الصُّغْرَى ادَّعَى عَلَى آخَرَ ضَيْعَةً أَنَّهَا لَهُ فَأَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهَا فِي يَدِهِ وَبَرْهَنَ الْمُدَّعِي عَلَى أَنَّهَا مِلْكُهُ فَحَكَمَ الْحَاكِمُ بِالْمِلْكِ لَهُ لَا يَصِحُّ مَا لَمْ يُثْبِتْ الْيَدَ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ يَعْلَمُ الْحَاكِمُ، وَفِيهِ قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَيْسَ الْعَقَارُ فِي يَدِي يُحَلِّفُهُ حَتَّى يُقِرَّ فَإِذَا أَقَرَّ بِالْيَدِ يُحَلِّفُهُ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِلْكَهُ حَتَّى يُقِرَّ بِالْمِلْكِ لِلْمُدَّعِي فَإِذَا أَقَرَّ لَهُ بِهِ يَأْمُرُهُ بِتَرْكِ التَّعَرُّضِ لَكِنْ إنْ أَرَادَ أَنْ يُبَرْهِنَ أَنَّهَا مِلْكُهُ لَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيمِ الْبَيِّنَةِ عَلَى أَنَّهَا فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ قَدْ يَبْعُدُ عَنْ الْعَقَارِ عَادَةً فَأَمْكَنَ أَنْ يَتَوَاضَعَ اثْنَانِ وَيُقِرَّ أَحَدُهُمَا بِالْيَدِ وَيُبَرْهِنُ الْآخَرُ عَلَيْهِ بِالْمِلْكِ وَيُسَامِحُ فِي الشُّهُودِ ثُمَّ يَدْفَعُ الْمَالِكُ مُعَلِّلًا بِحُكْمِ الْحَاكِمِ، وَهَذِهِ التُّهْمَةُ فِي الْمَنْقُولِ مُنْتَفٍ؛ لِأَنَّ يَدَ الْمَالِكِ لَا تَنْقَطِعُ عَنْ الْمَنْقُولِ عَادَةً بَلْ يَكُونُ فِي يَدِهِ فَانْدَفَعَ بِهِ مَا قِيلَ فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ تُهْمَةُ الْمُوَاضَعَةِ ثَابِتَةٌ فِي الْمَوْضِعَيْنِ عَلَى السَّوَاءِ فَيَقْضِي فِي الْمَنْقُولِ بِإِقْرَارِهِ بِالْيَدِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ جَمِيعُ الْكُتُبِ. اهـ. وَهَكَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ ثُبُوتَ الْيَدِ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ الْعِلْمِ فِي الْعَقَارِ إنَّمَا هُوَ لِصِحَّةِ الْقَضَاءِ بِالْمِلْكِ بِالْبَيِّنَةِ لَا لِصِحَّةِ الدَّعْوَى كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْمُتُونِ، وَلَوْ كَانَ لَهَا لَمْ يَحْلِفْ قَبْلَهُ كَمَا لَا يَخْفَى. ثُمَّ ذَكَرَ فِي الْخَامِسَ عَشَرَ مِنْ أَنْوَاعِ الدَّعَاوَى الدَّعْوَى فِي الْعَقَارِ إنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِ يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي الْعَقَارِ إذَا ادَّعَاهُ بِالْمِلْكِ الْمُطْلَقِ أَمَّا إذَا ادَّعَى الشِّرَاءَ مِنْهُ، وَإِقْرَارَهُ بِأَنَّهُ فِي يَدِهِ فَأَنْكَرَ الشِّرَاءَ، وَأَقَرَّ بِكَوْنِهِ فِي يَدِهِ لَا يَحْتَاجُ إلَى إعَادَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى كَوْنِهِ فِي يَدِهِ وَالْفَرْقُ أَنَّ دَعْوَى الْفِعْلِ كَمَا تَصِحُّ   [منحة الخالق] مَا لَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ فِي يَدِ مَنْ (عَدَّهُ) لَوْ كَانَ الْحَدُّ أَرْضَ الْوَقْفِ لَا بُدَّ أَنْ يَذْكُرَ الْمَصْرِفَ. (قَوْلُهُ: لَكِنْ لَوْ ادَّعَى عَلَى غَيْرِ ذِي الْيَدِ إلَخْ) أَفَادَ أَنَّ اشْتِرَاطَ ذِكْرِ الْمُدَّعِي كَوْنَ الْمُدَّعِي فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي دَعْوَى الْمِلْكِ دُونَ دَعْوَى الضَّمَانِ وَكَذَا دُونَ دَعْوَى الشِّرَاءِ كَمَا سَيُنَبِّهُ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: فَانْدَفَعَ بِهِ مَا قِيلَ فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ) أَجَابَ فِي الدُّرَرِ عَنْ اعْتِرَاضِ الْوِقَايَةِ وَاعْتَرَضَهُ مُحَشُّوهُ وَلِلْمُحَقِّقِ سَعْدِيٍّ جَلْبِي فِي حَوَاشِي الْهِدَايَةِ تَحْقِيقٌ نَفِيسٌ فِي هَذَا الْمَحَلِّ فَرَاجِعْهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 200 عَلَى ذِي الْيَدِ تَصِحُّ عَلَى غَيْرِهِ أَيْضًا فَإِنَّهُ يَدَّعِي عِلَّتَهُ التَّمْلِيكَ وَالتَّمَلُّكَ، وَهُوَ كَمَا يَتَحَقَّقُ مِنْ ذِي الْيَدِ يَتَحَقَّقُ مِنْ غَيْرِهِ أَيْضًا فَعَدَمُ ثُبُوتِ الْيَدِ بِالْإِقْرَارِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الدَّعْوَى أَمَّا دَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ فَدَعْوَى تَرْكِ التَّعَرُّضِ بِإِزَالَةِ الْيَدِ، وَطَلَبُ إزَالَتِهَا لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا مِنْ صَاحِبِ الْيَدِ وَبِإِقْرَارِهِ لَا يَثْبُتُ كَوْنُهُ ذَا يَدٍ لِاحْتِمَالِ الْمُوَاضَعَةِ كَمَا قَرَّرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ. اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ اشْتِرَاطَ ثُبُوتِ الْيَدِ فِي الْعَقَارِ إنَّمَا هُوَ فِي دَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ أَمَّا فِي دَعْوَى الْغَصْبِ وَالشِّرَاءِ فَلَا، وَفِي الْخَانِيَّةِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ دَعْوَى الْمِلْكِ فِي الْعَقَارِ لَا تُسْمَعُ إلَّا عَلَى صَاحِبِ الْيَدِ وَدَعْوَى الْيَدِ تُقْبَلُ عَلَى غَيْرِ صَاحِبِ الْيَدِ إذَا كَانَ ذَلِكَ الْغَيْرُ يُنَازِعُهُ فِي الْيَدِ فَيُجْعَلُ مُدَّعِيًا لِلْيَدِ مَقْصُودًا، وَمُدَّعِيًا لِلْمِلْكِ تَبَعًا لِمِلْكِ الْيَدِ. اهـ. وَقَدْ ظَهَرَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ، وَأَطْلَقَهُ أَصْحَابُ الْمُتُونِ أَنَّهُ يَصِحُّ دَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ فِي الْعَقَارِ بِلَا بَيَانِ سَبَبِ الْمِلْكِ، وَفِي دَعْوَى الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ فَصْلِ التَّنَاقُضِ. وَاعْلَمْ أَنَّ مَشَايِخَ فَرْغَانَةَ ذَكَرُوا أَنَّ الشَّرْطَ فِي دَعْوَى الْعَقَارِ فِي بِلَادٍ قَدُمَ بِنَاؤُهَا بَيَانُ السَّبَبِ، وَلَا تُسْمَعُ فِيهِ دَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ لِوُجُوهٍ: الْأَوَّلُ أَنَّ دَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ دَعْوَى الْمِلْكِ مِنْ الْأَصْلِ بِسَبَبِ الْخُطَّةِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ صَاحِبَ الْخُطَّةِ فِي مِثْلِ تِلْكَ الْبِلَادِ غَيْرُ مَوْجُودٍ فَيَكُونُ كَذِبًا لَا مَحَالَةَ فَكَيْفَ يُقْضَى بِهِ. وَالثَّانِي أَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ الْقَضَاءُ بِالْمُطْلَقِ لَمَا قُلْنَا فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُقْضَى بِالْمِلْكِ بِسَبَبٍ وَذَلِكَ إمَّا سَبَبٌ مَجْهُولٌ أَوْ مَعْلُومٌ فَالْمَجْهُولُ لَا يُمْكِنُ الْقَضَاءُ بِهِ لِلْجَهَالَةِ وَالْمَعْلُومُ لِعَدَمِ تَعْيِينِ الْمُدَّعِي إيَّاهُ. وَالثَّالِثُ أَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ لَوْ فُرِضَ بِسَبَبٍ حَادِثٍ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ السَّبَبُ شِرَاءَ ذِي الْيَدِ مِنْ آخَرَ ثُمَّ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ السَّبَبُ سَابِقًا عَلَى تَمَلُّكِ ذِي الْيَدِ فَيُمْنَعُ الرُّجُوعُ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَاحِقًا فَلَا يُمْنَعُ الرُّجُوعُ فَيَشْتَبِهُ وَكُلُّ هَذِهِ الرِّوَايَةِ غَيْرُ مُتَحَقِّقٍ فِي الْمَنْقُولِ لِعَدَمِ الْمَانِعِ مِنْ الْحَمْلِ عَلَى التَّمَلُّكِ مِنْ الْأَصْلِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَأَنَّهُ يُطَالِبُهُ) أَيْ وَذَكَرَ الْمُدَّعِي أَنَّهُ يُطَالِبُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْمُدَّعَى؛ لِأَنَّ الْمُطَالَبَةَ حَقُّهُ فَلَا بُدَّ مِنْ طَلَبِهِ؛ وَلِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَرْهُونًا فِي يَدِهِ أَوْ مَحْبُوسًا بِالثَّمَنِ فِي يَدِهِ، وَإِنَّمَا يَزُولُ هَذَا الِاحْتِمَالُ بِالْمُطَالَبَةِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ دَيْنًا ذَكَرَ وَصْفَهُ) ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَعْرِيفِهِ، وَهُوَ بِالْوَصْفِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْمَكِيلَ وَالْمَوْزُونَ نَقْدًا وَغَيْرَهُ، وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ فِي دَعْوَى الْمِثْلِيَّاتِ لَا بُدَّ أَنْ يَذْكُرَ الْجِنْسَ وَالنَّوْعَ وَالصِّفَةَ وَالْقَدْرَ وَسَبَبَ الْوُجُوبِ، وَلِذَا قَالَ فِي الْخِزَانَةِ، وَإِذَا ادَّعَى عَلَيْهِ عَشَرَةَ أَقْفِزَةِ حِنْطَةٍ دَيْنًا عَلَيْهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ بِأَيِّ سَبَبٍ لَا تُسْمَعُ، وَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ السَّبَبِ؛ لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ بِسَبَبِ السَّلَمِ فَإِنَّمَا يَكُونُ لَهُ حَقُّ الْمُطَالَبَةِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي عَيَّنَاهُ، وَإِنْ كَانَتْ بِسَبَبِ الْقَرْضِ أَوْ بِسَبَبِ كَوْنِهَا ثَمَنَ الْمَبِيعِ يَتَعَيَّنُ مَكَانُ الْقَرْضِ وَالْبَيْعِ مَكَانَ الْإِيفَاءِ، وَإِنْ كَانَ بِسَبَبِ الْغَصْبِ وَالِاسْتِهْلَاكِ فَيَكُونُ لَهُ حَقُّ الْمُطَالَبَةِ لِتَسْلِيمِ الْحِنْطَةِ فِي مَكَانِ الْغَصْبِ وَالِاسْتِهْلَاكِ. اهـ. وَفِيهَا، وَفِي دَعْوَى الْقَرْضِ يَذْكُرُ أَنَّ الْمُقْرِضَ أَقْرَضَهُ كَذَا مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ وَكِيلًا بِالْإِقْرَاضِ، وَالْوَكِيلُ بِالْإِقْرَاضِ سَفِيرٌ وَمُعِيرٌ لَا يُطَالِبُ بِالْأَدَاءِ وَيَذْكُرُ أَيْضًا وَصَرَفَ الْمُسْتَقْرِضُ ذَلِكَ إلَى حَاجَةِ نَفْسِهِ لِيَصِيرَ ذَلِكَ دَيْنًا عَلَيْهِ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الْمُسْتَقْرَضُ لَا يَصِيرُ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ الْمُسْتَقْرِضِ إلَّا بِصَرْفِهِ فِي حَوَائِجِ نَفْسِهِ، وَفِي الْقَرْضِ لَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ مَكَانِ الْإِيفَاءِ وَيَتَعَيَّنُ مَكَانُ الْعَقْدِ. اهـ. وَأَمَّا الدَّعْوَى بِسَبَبِ الْإِقْرَارِ فِي الْعَيْنِ وَالدَّيْنِ فَالْمُفْتَى بِهِ عِنْدَ الْمَشَايِخِ أَنَّهَا إنْ كَانَتْ فِي طَرَفِ الِاسْتِحْقَاقِ لَا تُسْمَعُ، وَإِنْ فِي طَرَفِ الدَّفْعِ تُسْمَعُ، وَالْبَيَانُ مَعَ التَّمَامِ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَالْخِزَانَةِ. (قَوْلُهُ: وَأَنَّهُ يُطَالِبُهُ بِهِ) لِمَا قُلْنَا؛ وَلِأَنَّ صَاحِبَ الذِّمَّةِ قَدْ حَضَرَ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْمُطَالَبَةُ هَكَذَا جُزِمَ بِهِ فِي الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ لَفْظَ وَأُطَالِبُهُ بِهِ بَلْ هُوَ أَوْ مَا يُفِيدُهُ مِنْ قَوْلِهِ مَرَّةً لِيُعْطِنِي حَقِّي كَمَا فِي الْعُمْدَةِ، وَأَمَّا أَصْحَابُ الْفَتَاوَى كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ فَجَعَلُوا اشْتِرَاطَهُ قَوْلًا ضَعِيفًا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ رَجُلٌ ادَّعَى عَلَى آخَرَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ عِنْدَ الْقَاضِي، وَقَالَ لِي عَلَيْهِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ الدَّعْوَى صَحِيحَةٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَصِحُّ مَا لَمْ يَقُلْ مَرَّةً لِيُعْطِنِي حَقِّي هَذَا فِي النَّوَازِلِ قَالَ أَبُو نَصْرٍ الصَّحِيحُ أَنَّهُ تُسْمَعُ الدَّعْوَى. اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَلَمْ أَرَ أَحَدًا نَبَّهَ عَلَيْهِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ فِي كَلَامِ أَصْحَابِ الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ فِي الدَّعْوَى قُصُورًا فَإِنَّهُمْ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ اشْتِرَاطَ إلَخْ) أَقُولُ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَقَعُ كَثِيرًا وَيَغْفُلُ الْقُضَاةُ عَنْهَا فِي زَمَانِنَا حَيْثُ لَا يَتَعَرَّضُونَ إلَى الْبَيِّنَةِ عَلَى الْيَدِ مُطْلَقًا فَلِذَا نَظَمْتهَا بِقَوْلِي وَالْيَدُ لَا تَثْبُتُ فِي الْعَقَارِ ... مَعَ التَّصَادُقِ فَلَا تُمَارِي فَيَلْزَمُ الْبُرْهَانُ مَا لَمْ يَدَّعِ ... عَلَيْهِ غَصْبًا أَوْ شِرَاءً مُدَّعِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 201 لَمْ يُبَيِّنُوا بَقِيَّةَ شَرَائِطِ دَعْوَى الدَّيْنِ، وَلَمْ يَذْكُرُوا دَعْوَى الْعَقْدِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَفِي دَعْوَى الْبِضَاعَةِ الْوَدِيعَةِ بِسَبَبِ الْمَوْتِ مُجْهِلًا لَا بُدَّ أَنْ يُبَيِّنَ قِيمَتَهُ يَوْمَ مَوْتِهِ إذْ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ يَوْمَ مَوْتِهِ، وَفِي دَعْوَى مَالِ الْمُضَارَبَةِ بِمَوْتِ الْمُضَارِبِ مُجْهِلًا لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ أَنَّ مَالَ الْمُضَارَبَةِ يَوْمَ مَوْتِهِ نَقْدٌ أَوْ عَرَضٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ عَرَضًا فَلَهُ وِلَايَةُ دَعْوَى قِيمَةِ الْعَرَضِ، وَفِي دَعْوَى مَالِ الشَّرِكَةِ بِمَوْتِهِ مُجْهِلًا لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ أَنَّهُ مَاتَ مُجْهِلًا لِمَالِ الشَّرِكَةِ أَمْ لِلْمُشْتَرِي بِمَالِ الشَّرِكَةِ إذْ مَالُ الشَّرِكَةِ مَضْمُونٌ بِالْمِثْلِ وَالْمُشْتَرَى بِمَالِ الشَّرِكَةِ مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ. وَلَوْ ادَّعَى مَالًا بِكَفَالَةٍ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ الْمَالِ أَنَّهُ بِأَيِّ سَبَبٍ لِجَوَازِ بُطْلَانِهَا إذْ الْكَفَالَةُ بِنَفَقَةِ الْمَرْأَةِ إذَا لَمْ تُذْكَرْ مُدَّةٌ مَعْلُومَةٌ لَا تَصِحُّ إلَّا أَنْ يَقُولَ مَا عِشْت أَوْ مَا دَامَتْ فِي نِكَاحِهِ، وَالْكَفَالَةُ بِمَالِ الْكِتَابَةِ لَا تَصِحُّ، وَكَذَا بِالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ، وَأَجَارَ الْمَكْفُولُ لَهُ الْكَفَالَةَ فِي مَجْلِسِ الْكَفَالَةِ حَتَّى لَوْ قَالَ فِي مَجْلِسِهِ لَمْ يَجُزْ، وَلَوْ ادَّعَتْ امْرَأَةٌ مَالًا عَلَى وَرَثَةِ الزَّوْجِ لَمْ يَصِحَّ مَا لَمْ تُبَيِّنْ السَّبَبَ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ دَيْنَ النَّفَقَةِ، وَهِيَ تَسْقُطُ بِمَوْتِهِ، وَفِي دَعْوَى الدَّيْنِ عَلَى الْمَيِّتِ لَوْ كَتَبَ تُوُفِّيَ بِلَا أَدَائِهِ وَخَلَّفَ مِنْ التَّرِكَةِ بِيَدِ هَذَا الْوَارِثِ مَا يَفِي تُسْمَعُ هَذِهِ الدَّعْوَى وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ أَعْيَانَ التَّرِكَةِ وَبِهِ يُفْتَى. لَكِنْ إنَّمَا يَأْمُرُ الْقَاضِي الْوَارِثَ بِأَدَاءِ الدَّيْنِ لَوْ ثَبَتَ وُصُولُ التَّرِكَةِ إلَيْهِ، وَلَوْ أَنْكَرَ وُصُولَهَا إلَيْهِ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ إلَّا بَعْدَ بَيَانِ أَعْيَانِ التَّرِكَةِ فِي يَدِهِ بِمَا يَحْصُلُ بِهِ الْإِعْلَامُ، وَلَوْ ادَّعَى الدَّيْنَ بِسَبَبِ الْوِرَاثَةِ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ كُلِّ وَرَثَتِهِ، وَفِي دَعْوَى السِّعَايَةِ لَا يَجِبُ ذِكْرُ قَابِضِ الْمَالِ، وَلَكِنْ فِي مَحْضَرِ دَعْوَاهَا لَا بُدَّ أَنْ يُفَسِّرَ السِّعَايَةَ لِنَنْظُرَ أَنَّهُ هَلْ يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَيْهِ لِجَوَازِ أَنَّهُ سَعَى بِحَقٍّ فَلَا يَضْمَنُ، وَلَوْ ادَّعَى الضَّمَانَ عَلَى الْآمِرِ أَنَّهُ أَمَرَ فُلَانًا، وَأَخَذَ مِنْهُ كَذَا تَصِحُّ الدَّعْوَى عَلَى الْآمِرِ لَوْ سُلْطَانًا، وَإِلَّا فَلَا، وَأَمَّا دَعْوَى الْعَقْدِ مِنْ بَيْعٍ، وَإِجَارَةٍ وَوَصِيَّةٍ وَغَيْرِهَا مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ الطَّوْعِ وَالرَّغْبَةِ بِأَنْ يَقُولَ بَاعَ مِنْهُ طَائِعًا وَرَاغِبًا فِي حَالِ نَفَاذِ تَصَرُّفِهِ لِاحْتِمَالِ الْإِكْرَاهِ، وَفِي ذِكْرِ التَّخَارُجِ وَالصُّلْحِ مِنْ التَّرِكَةِ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ أَنْوَاعِ التَّرِكَةِ وَتَحْدِيدِ الْعَقَارِ وَبَيَانِ قِيمَةِ كُلِّ نَوْعٍ لِيَعْلَمَ أَنَّ الصُّلْحَ لَمْ يَقَعْ عَلَى أَزْيَدَ مِنْ قِيمَةِ نَصِيبِهِ؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ اسْتَهْلَكُوا التَّرِكَةَ ثُمَّ صَالَحُوا الْمُدَّعِيَ عَلَى أَزْيَدَ مِنْ نَصِيبِهِ لَمْ يَجُزْ عِنْدَهُمْ كَمَا فِي الْغَصْبِ، وَفِي دَعْوَى الْبَيْعِ مُكْرَهًا لَا حَاجَةَ إلَى تَعْيِينِ الْمُكْرَهِ هَذَا مَا حَرَّرْته مِنْ كَلَامِهِمْ. (قَوْلُهُ: فَإِذَا صَحَّتْ الدَّعْوَى سَأَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْهَا) لِيَنْكَشِفَ وَجْهُ الْحُكْمِ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّهَا إذَا لَمْ تَصِحَّ لَا يَسْأَلُهُ الْقَاضِي عَنْهَا لِعَدَمِ وُجُوبِ الْجَوَابِ عَلَيْهِ لَهَا بِخِلَافِ الصَّحِيحَةِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ جَوَابُهَا وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْقَاضِيَ يَسْأَلُهُ، وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْ الْمُدَّعِي، وَفِي السِّرَاجِيَّةِ إذَا حَضَرَ الْخَصْمَانِ لَا بَأْسَ أَنْ يَقُولَ مَالَكُمَا، وَإِنْ شَاءَ سَكَتَ حَتَّى يَبْتَدِئهُ بِالْكَلَامِ، وَإِذَا تَكَلَّمَ الْمُدَّعِي يَسْكُتُ الْآخَرُ وَيَسْمَعُ مَقَالَتَهُ فَإِذَا فَرَغَ يَقُولُ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِطَلَبِ الْمُدَّعِي مَاذَا تَقُولُ، وَقِيلَ إنَّ الْمُدَّعِيَ إذَا كَانَ جَاهِلًا فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَسْأَلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِدُونِ طَلَبِ الْمُدَّعِي. اهـ. وَفِي شَهَادَاتِ الْخِزَانَةِ يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَأْمُرَ رَجُلًا يُعَلِّمُ الْمُدَّعِيَ الدَّعْوَى وَالْخُصُومَةَ إذَا كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا، وَلَا يُحْسِنُهَا. اهـ. وَفِي الْقُنْيَةِ لَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَمْنَعَ ذَا الْيَدِ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي الضَّيْعَةِ بِالدَّعْوَى وَطَلَبِ الْمُدَّعِي ذَلِكَ. اهـ. وَسَيَأْتِي (قَوْلُهُ فَإِنْ أَقَرَّ أَوْ أَنْكَرَ فَبَرْهَنَ الْمُدَّعِي قُضِيَ عَلَيْهِ) لِوُجُودِ الْحُجَّةِ الْمُلْزِمَةِ لِلْقَضَاءِ، وَفِي الْمِعْرَاجِ، وَلَفْظُ الْقَضَاءِ فِي الْإِقْرَارِ مَجَازٌ لِلُزُومِهِ بِإِقْرَارِهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْقَضَاءِ لِكَوْنِهِ حُجَّةً بِنَفْسِهِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَضَاءِ فَكَانَ الْحُكْمُ إلْزَامًا لِلْخُرُوجِ عَنْ مُوجَبِهِ بِخِلَافِ الْبَيِّنَةِ فَإِنَّ الشَّهَادَةَ خَبَرٌ مُحْتَمَلٌ وَبِالْقَضَاءِ يَصِيرُ حُجَّةً وَيَسْقُطُ احْتِمَالُ الْكَذِبِ. اهـ. وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - طَلَبَ الْخَصْمِ الْقَضَاءَ بَعْدَ الْحُجَّةِ لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَيُعْلِمَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ يُرِيدُ الْقَضَاءَ، وَهَذَا أَدَبٌ غَيْرُ لَازِمٍ وَكَذَا قَوْلُ الْقَاضِي أَحْكُمُ أَدَبٌ غَيْرُ لَازِمٍ. اهـ. وَظَاهِرُ مَا فِي الْكِتَابِ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يُمْهِلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذَا اسْتَمْهَلَهُ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ فَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَيُمْهِلُهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إنْ قَالَ الْمَطْلُوبُ لِيَدْفَعَ، وَإِنَّمَا يُمْهِلُهُ هَذِهِ الْمُدَّةَ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَجْلِسُونَ فِي كُلِّ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ جُمُعَةٍ فَإِنْ كَانَ يَجْلِسُ فِي كُلِّ يَوْمٍ، وَمَعَ هَذَا يُمْهِلُهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ جَازَ فَإِنْ مَضَتْ الْمُدَّةُ، وَلَمْ يَأْتِ بِالدَّفْعِ حَكَمَ. اهـ. وَلِذَا كَتَبْنَا فِي الْفَوَائِدِ لَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي تَأْخِيرُ الْحُكْمِ بَعْدَ وُجُودِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَفِي دَعْوَى السِّعَايَةِ) أَيْ السِّعَايَةِ بِهِ إلَى الْحَاكِمِ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 202 شَرَائِطِهِ إلَّا فِي ثَلَاثٍ، وَظَاهِرُ مَا فِي الْكِتَابِ أَنَّ الْبَيِّنَةَ لَا تُقَامُ إلَّا عَلَى مُنْكِرٍ فَلَا تُقَامُ عَلَى مُقِرٍّ وَكَتَبْنَا فِي فَوَائِدِ كِتَابِ الْقَضَاءِ أَنَّهَا تُقَامُ عَلَى الْمُقِرِّ فِي وَارِثٍ مُقِرٍّ بِدَيْنٍ عَلَى الْمَيِّتِ فَتُقَامُ عَلَيْهِ لِلتَّعَدِّي، وَفِي مُدَّعًى عَلَيْهِ أَقَرَّ بِالْوِصَايَةِ فَبَرْهَنَ الْوَصِيُّ، وَفِي مُدَّعًى عَلَيْهِ أَقَرَّ بِالْوَكَالَةِ فَيُثْبِتُهَا الْوَكِيلُ ثُمَّ زِدْت الْآنَ رَابِعًا مِنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مِنْ فَصْلِ الِاسْتِحْقَاقِ قَالَ الْمَرْجُوعُ عَلَيْهِ عِنْدَ الِاسْتِحْقَاقِ لَوْ أَقَرَّ بِالِاسْتِحْقَاقِ، وَمَعَ ذَلِكَ بَرْهَنَ الرَّاجِعُ عَلَى الِاسْتِحْقَاقِ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى بَائِعِهِ إذْ الْحُكْمُ وَقَعَ بِبَيِّنَةٍ لَا بِإِقْرَارٍ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَى أَنْ يُثْبِتَ عَلَيْهِ الِاسْتِحْقَاقَ لِيُمْكِنَهُ الرُّجُوعُ عَلَى بَائِعِهِ، وَفِيهِ لَوْ بَرْهَنَ الْمُدَّعِي ثُمَّ أَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْمِلْكِ لَهُ يُقْضَى لَهُ بِإِقْرَارٍ لَا بِبَيِّنَةٍ إذْ الْبَيِّنَةُ إنَّمَا تُقْبَلُ عَلَى الْمُنْكِرِ لَا عَلَى الْمُقِرِّ. اهـ. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ هَذَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ إقَامَتِهَا مَعَ الْإِقْرَارِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ يَتَوَقَّعُ الضَّرَرَ مِنْ غَيْرِ الْمُقِرِّ لَوْلَاهَا فَيَكُونُ هَذَا أَصْلًا. اهـ. وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُؤَلِّفُ حُكْمَ مَا إذَا سَكَتَ عَنْ الْجَوَابِ، وَفِي الْخُلَاصَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْأَقْضِيَةِ رَجُلٌ ادَّعَى عَلَى آخَرَ مَالًا فَلَزِمَ السُّكُوتَ فَلَمْ يَجِبْ أَصْلًا يُؤْخَذُ مِنْهُ كَفِيلٌ ثُمَّ سَأَلَ جِيرَانَهُ عَسَى بِهِ آفَةٌ فِي لِسَانِهِ أَوْ سَمْعِهِ فَإِنْ أَخْبَرُوا أَنَّهُ لَا آفَةَ بِهِ يَحْضُرُ مَجْلِسَ الْحُكْمِ فَإِنْ سَكَتَ، وَلَمْ يُجِبْ يُنْزِلُهُ مُنْكِرًا قَالَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ هَذَا قَوْلُهُمَا أَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَيُحْبَسُ إلَى أَنْ يُجِيبَ. اهـ. وَفِي رَوْضَةِ الْفُقَهَاءِ لَوْ سَكَتَ عَنْ الْجَوَابِ لَا يَكُونُ مُنْكِرًا بِلَا خِلَافٍ. اهـ. وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْقَضَاءِ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ فَلِذَا أَفْتَيْت بِأَنْ يُحْبَسَ إلَى أَنْ يُجِيبَ، وَفِي الْمَجْمَعِ، وَلَوْ قَالَ لَا أُقِرُّ، وَلَا أُنْكِرُ فَالْقَاضِي لَا يَسْتَحْلِفُهُ قَالَ الشَّارِحُ بَلْ يُحْبَسُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى يُقِرَّ أَوْ يُنْكِرَ وَقَالَا يُسْتَحْلَفُ، وَفِي الْبَدَائِعِ الْأَشْبَهُ أَنَّهُ إنْكَارٌ. اهـ. وَهُوَ تَصْحِيحٌ لِقَوْلِهِمَا كَمَا لَا يَخْفَى فَإِنَّ الْأَشْبَهَ مِنْ أَلْفَاظِ التَّصْحِيحِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ السَّاكِتَ لَا تُقَامُ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ إلَّا فِيمَا إذَا وَكَّلَهُ بِالْخُصُومَةِ غَيْرُ جَائِزِ الْإِقْرَارِ وَالْإِنْكَارِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْوَكَالَةِ بِالْخُصُومَةِ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا حَلَفَ بِطَلَبِهِ) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ حَلَّفَ الْقَاضِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِطَلَبِ الْمُدَّعِي لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِلْمُدَّعِي «أَلَكَ بَيِّنَةٌ فَقَالَ لَا فَقَالَ لَك يَمِينُهُ» سَأَلَ وَرَتَّبَ الْيَمِينَ عَلَى فُقْدَانِ الْبَيِّنَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ السُّؤَالِ لِيُمْكِنَهُ الِاسْتِحْلَافُ، وَلَا بُدَّ مِنْ طَلَبِهِ الْيَمِينَ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ حَقُّهُ، قَيَّدَ بِتَحْلِيفِ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَوْ حَلَفَ بِطَلَبِ الْمُدَّعِي يَمِينَهُ بَيْنَ يَدَيْ الْقَاضِي مِنْ غَيْرِ اسْتِحْلَافِ الْقَاضِي فَهَذَا لَيْسَ بِتَحْلِيفٍ؛ لِأَنَّ التَّحْلِيفَ حَقُّ الْقَاضِي كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَلَوْ اصْطَلَحَا عَلَى أَنْ يَحْلِفَ عِنْدَ غَيْرِ الْقَاضِي وَيَكُونَ بَرِّيًّا فَهُوَ بَاطِلٌ فَلَوْ بَرْهَنَ عَلَيْهِ يُقْبَلُ، وَإِلَّا يَحْلِفُ ثَانِيًا عِنْدَ الْقَاضِي كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ. وَأَشَارَ إلَى أَنَّ إبْرَاءَ الْمُدَّعِي عَنْ التَّحْلِيفِ غَيْرُ صَحِيحٍ لِكَوْنِهِ حَقَّ الْقَاضِي كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ أَيْضًا، وَفِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي حَلَّفَهُ فِي مَجْلِسِ قَاضٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُحَلِّفَهُ ثَانِيًا، وَلَوْ حَلَّفَهُ عِنْدَ قَوْمٍ لَهُ أَنْ يُحَلِّفَهُ ثَانِيًا عِنْدَ الْقَاضِي، وَلَوْ قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حِينَ أَرَادَ الْقَاضِي تَحْلِيفَهُ إنَّهُ حَلَّفَنِي عَلَى هَذَا الْمَالِ عِنْدَ قَاضٍ آخَرَ أَوْ أَبْرَأَنِي عَنْهُ إنْ بَرْهَنَ قُبِلَ وَانْدَفَعَ عَنْهُ الدَّعْوَى، وَإِلَّا قَالَ الْإِمَامُ الْبَزْدَوِيُّ: انْقَلَبَ الْمُدَّعِي مُدَّعًى عَلَيْهِ فَإِنْ نَكَلَ انْدَفَعَ الدَّعْوَى، وَإِنْ حَلَفَ لَزِمَ الْمَالُ؛ لِأَنَّ دَعْوَى الْإِبْرَاءِ عَنْ الْمَالِ إقْرَارٌ بِوُجُوبِ الْمَالِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ دَعْوَى الْإِبْرَاءِ عَنْ دَعْوَى الْمَالِ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ لَا تَحْلِيفَ إلَّا بَعْدَ طَلَبِ الْمُدَّعِي عِنْدَهُمَا فِي جَمِيعِ الدَّعَاوَى وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَسْتَحْلِفُ بِلَا طَلَبٍ فِي أَرْبَعِ مَوَاضِعَ فِي: الرَّدِّ بِالْعَيْبِ يَحْلِفُ الْمُشْتَرِي بِاَللَّهِ مَا رَضِيتُ بِالْعَيْبِ وَالشَّفِيعُ بِاَللَّهِ مَا أَبْطَلْت شُفْعَتَك وَالْمَرْأَةُ إذَا طَلَبَتْ فَرْضَ النَّفَقَةِ عَلَى زَوْجِهَا الْغَائِبِ تَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا خَلَّفَ لَك زَوْجُك الْغَائِبُ شَيْئًا، وَلَا أَعْطَاك النَّفَقَةَ. وَالرَّابِعُ يَحْلِفُ الْمُسْتَحِقُّ بِاَللَّهِ مَا بِعْت، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى جَوَازِ تَلْقِينِ الشَّاهِدِ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَنْ ادَّعَى دَيْنًا عَلَى الْمَيِّتِ يُحَلِّفُهُ الْقَاضِي بِلَا طَلَبِ الْوَصِيِّ وَالْوَارِثِ بِاَللَّهِ مَا اسْتَوْفَيْتَ مِنْ الْمَدْيُونِ، وَلَا مِنْ أَحَدٍ أَدَّاهُ إلَيْك عَنْهُ، وَلَا قَبَضَهُ لَك قَابِضٌ بِأَمْرِك، وَلَا أَبْرَأْتَهُ مِنْهُ، وَلَا شَيْئًا مِنْهُ، وَلَا أَحَلْتَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ أَحَدًا، وَلَا عِنْدَك بِهِ، وَلَا بِشَيْءٍ مِنْهُ رَهْنٌ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ مَعَ وُجُودِ الْبُرْهَانِ قُلْت إلَّا فِي مَسَائِلَ الْأُولَى تَحْلِيفُ مُدَّعِي الدَّيْنِ عَلَى   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: إنْ بَرْهَنَ إلَخْ) فِيهِ تَأَمُّلٌ فَإِنَّهُ عِنْدَ دَعْوَاهُ الْإِبْرَاءَ صَارَ مُدَّعِيًا (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ دَعْوَى الْإِبْرَاءِ عَنْ دَعْوَى الْمَالِ) سَيَأْتِي بَيَانُهَا قَرِيبًا عِنْدَ قَوْلِهِ، وَقُضِيَ لَهُ إنْ نَكَلَ مَرَّةً الجزء: 7 ¦ الصفحة: 203 الْمَيِّتِ إذَا بَرْهَنَ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ كَمَا وَصَفْنَا، وَهِيَ فِي الْخُلَاصَةِ، وَلَا خُصُوصِيَّةَ لِدَعْوَى الدَّيْنِ بَلْ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ يَدَّعِي حَقًّا فِي التَّرِكَةِ، وَأَثْبَتَهُ بِالْبَيِّنَةِ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ مِنْ غَيْرِ خَصْمٍ أَنَّهُ مَا اسْتَوْفَى حَقَّهُ، وَهُوَ مِثْلُ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى يَحْلِفُ مِنْ غَيْرِ دَعْوَى كَذَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ، وَلَمْ أَرَ حُكْمَ مَنْ ادَّعَى أَنَّهُ دَفَعَ لِلْمَيِّتِ دَيْنَهُ وَبَرْهَنَ هَلْ يَحْلِفُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَحْلِفَ احْتِيَاطًا الثَّانِيَةُ الْمُسْتَحِقُّ لِلْمَبِيعِ بِالْبَيِّنَةِ لِلْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ تَحْلِيفُهُ بِاَللَّهِ مَا بَاعَهُ، وَلَا وَهَبَهُ، وَلَا تَصَدَّقَ بِهِ، وَلَا خَرَجَتْ الْعَيْنُ عَنْ مِلْكِهِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مِنْ فَصْلِ الِاسْتِحْقَاقِ. الثَّالِثَةُ يَحْلِفُ مُدَّعِي الْآبِقِ مَعَ الْبَيِّنَةِ بِاَللَّهِ أَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِك إلَى الْآنَ لَمْ يَخْرُجْ بِبَيْعٍ، وَلَا هِبَةٍ كَمَا فِي آباقِ فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي الصَّبِيُّ الْعَاقِلُ الْمَأْذُونُ لَهُ يُسْتَحْلَفُ وَيُقْضَى عَلَيْهِ بِنُكُولِهِ، وَلَا يُسْتَحْلَفُ الْأَبُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ، وَلَا الْوَصِيُّ فِي مَالِ الْيَتِيمِ وَالْمُتَوَلِّي فِي مَالِ الْوَقْفِ وَتَحْلِيفُ الْأَخْرَسِ أَنْ يُقَالَ لَهُ عَلَيْك عَهْدُ اللَّهِ، وَمِيثَاقُهُ أَنَّهُ كَانَ كَذَا فَيُشِيرُ بِنَعَمْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ دَيْنًا مُؤَجَّلًا فَأَنْكَرَ لَا يَحْلِفُ فِي أَظْهَرِ الْقَوْلَيْنِ ادَّعَى عَلَى عَبْدٍ مَحْجُورٍ حَقًّا يُؤَاخَذُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ فَإِنْ أَنْكَرَ يَحْلِفُ. اهـ. وَفِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ، وَأَرَادَ أَنْ يُحَلِّفَهُ عِنْدَ الْقَاضِي يَنْبَغِي لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْ يَسْأَلَ الْقَاضِيَ أَنَّ الْمُدَّعِيَ يَدَّعِي نَسِيئَةً أَمْ حَالَّةً فَإِنْ قَالَ حَالَّةً يَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا لَهُ عَلَيَّ هَذِهِ الدَّرَاهِمُ الَّتِي يَدَّعِيهَا وَيَسَعُهُ ذَلِكَ. اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الِاسْتِحْلَافِ لَوْ قَالَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ كَانَتْ قِيمَةُ ثَوْبِي مِائَةً، وَقَالَ الْغَاصِبُ مَا أَدْرِي مَا قِيمَتُهُ، وَلَكِنْ عَلِمْت أَنَّ قِيمَتَهُ لَمْ تَكُنْ مِائَةً فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْغَاصِبِ مَعَ يَمِينِهِ وَيُجْبَرُ عَلَى الْبَيَانِ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِقِيمَةٍ مَجْهُولَةٍ فَإِذَا لَمْ يُبَيِّنْ يَحْلِفُ عَلَى مَا يَدَّعِي الْمَغْصُوبُ مِنْهُ فِي الزِّيَادَةِ فَإِنْ حَلَفَ يَحْلِفُ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ أَيْضًا أَنَّ قِيمَةَ ثَوْبِهِ مِائَةٌ وَيَأْخُذُ مِنْ الْغَاصِبِ مِائَةً فَإِذَا أَخَذَ ثُمَّ ظَهَرَ الثَّوْبُ فَالْغَاصِبُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَضِيَ بِالثَّوْبِ وَسَلَّمَ الْقِيمَةَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّ الثَّوْبَ، وَأَخَذَ الْقِيمَةَ، وَهَذَا مِنْ خَوَاصِّ هَذَا الْكِتَابِ وَغَرَائِبِ مَسَائِلِهِ فَيَجِبُ حِفْظُهَا. اهـ. بِلَفْظِهِ. (قَوْلُهُ وَلَا تُرَدُّ يَمِينٌ عَلَى مُدَّعٍ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» قَسَمَ وَالْقِسْمَةُ تُنَافِي الشَّرِكَةَ وَجَعَلَ جِنْسَ الْأَيْمَانِ عَلَى الْمُنْكِرِينَ، وَلَيْسَ وَرَاءَ الْجِنْسِ شَيْءٌ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ بَرْهَنَ عَلَى دَعْوَاهُ فَطَلَبَ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يُحَلِّفَ الْمُدَّعِيَ أَنَّهُ مُحِقٌّ فِي الدَّعْوَى أَوْ عَلَى أَنَّ الشُّهُودَ صَادِقُونَ أَوْ مُحِقُّونَ فِي الشَّهَادَةِ لَا يُجِيبُهُ قَالَ عَلَّامَةُ خُوَارِزْمَ الْخَصْمُ لَا يَحْلِفُ مَرَّتَيْنِ فَكَيْفَ الشَّاهِدُ فَإِنَّ قَوْلَ الشَّاهِدِ أَشْهَدُ يَمِينٌ؛ لِأَنَّ لَفْظَ أَشْهَدُ عِنْدَنَا، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ بِاَللَّهِ يَمِينٌ فَإِذَا طُلِبَ مِنْهُ الشَّهَادَةُ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ فَقَالَ أَشْهَدُ فَقَدْ حَلَفَ، وَلَا يُكَرِّرُ الْيَمِينَ؛ لِأَنَّا أُمِرْنَا بِإِكْرَامِ الشُّهُودِ، وَفِي التَّحْلِيفِ تَعْطِيلُ الْحُقُوقِ، وَأَنَّ الشَّاهِدَ إذَا عَلِمَ أَنَّ الْقَاضِيَ يُحَلِّفُهُ بِالْمَنْسُوخِ لَهُ الِامْتِنَاعُ عَنْ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ، وَمَنْ أَقْدَمَ عَلَى الشَّهَادَةِ الْبَاطِلَةِ يُقْدِمُ عَلَى الْحَلِفِ أَيْضًا غَالِبًا لِتَرْوِيجِ الْبَاطِلِ، وَإِذَا لَمْ يَحْلِفْ وَرَدَّ شَهَادَتَهُ فَقَدْ ظَلَمَ بِخِلَافِ الْيَمِينِ فِي بَابِ اللِّعَانِ؛ لِأَنَّ كَلِمَاتِ اللِّعَانِ جَارِيَةٌ مَجْرَى الْحَدِّ فَنَاسَبَ التَّغْلِيظَ. اهـ. وَفِي الْوَاقِعَاتِ الْحُسَامِيَّةِ قُبَيْلَ الرَّهْنِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ مَنْ قَالَ لِآخَرَ لِي عَلَيْك أَلْفُ دِرْهَمٍ فَقَالَ لَهُ الْآخَرُ إنْ حَلَفْت أَنَّهَا لَكَ عَلَيَّ أَدَّيْتهَا إلَيْك فَحَلَفَ فَأَدَّاهَا إلَيْهِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إنْ كَانَ أَدَّاهَا إلَيْهِ عَلَى الشَّرْطِ الَّذِي شَرَطَا فَهُوَ بَاطِلٌ، وَلِلْمُؤَدِّي أَنْ يَرْجِعَ فِيمَا أَدَّى؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الشَّرْطَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ عَلَى خِلَافِ حُكْمِ الشَّرْعِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الشَّرْعِ أَنَّ الْيَمِينَ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ دُونَ الْمُدَّعِي. اهـ. وَفِي الْقُنْيَةِ لَوْ أَنَّ ذَا الْيَدِ طَلَبَ مِنْ الْقَاضِي اسْتِحْلَافَ الْمُدَّعِي مَا تَعْلَمُ أَنِّي بَنَيْت بِنَاءَ هَذِهِ الدَّارِ لَا يُجِيبُهُ الْقَاضِي. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَا بَيِّنَةَ لِذِي الْيَدِ فِي الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ وَبَيِّنَةُ الْخَارِجِ أَحَقُّ) ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُقْضَى بِبَيِّنَةِ ذِي الْيَدِ لِاعْتِضَادِهَا بِالْيَدِ فَيَتَقَوَّى الظُّهُورُ فَصَارَ كَالنِّتَاجِ وَالنِّكَاحِ وَذِي الْمِلْكِ مَعَ الْإِعْتَاقِ وَالِاسْتِيلَادِ أَوْ التَّدْبِيرِ، وَلَنَا أَنَّ بَيِّنَةَ الْخَارِجِ أَكْثَرُ إثْبَاتًا، وَإِظْهَارًا؛ لِأَنَّ قَدْرَ مَا أَثْبَتَهُ الْيَدُ لَا يُثْبِتُهُ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ إذْ الْيَدُ دَلِيلُ مُطْلَقِ الْمِلْكِ بِخِلَافِ النِّتَاجِ؛ لِأَنَّ الْيَدَ لَا تَدُلُّ عَلَيْهِ وَكَذَا عَلَى الْإِعْتَاقِ وَأُخْتَيْهِ وَعَلَى الْوَلَاءِ الثَّابِتِ بِهَا قَيَّدَ بِالْمِلْكِ الْمُطْلَقِ لِمَا سَيَأْتِي، وَأَطْلَقَهُ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يُؤَرِّخَا أَوْ أَرَّخَا وَتَارِيخُ الْخَارِجِ مُسَاوٍ أَوْ أَسْبَقُ أَمَّا إذَا كَانَ تَارِيخُ ذِي الْيَدِ أَسْبَقُ فَإِنَّهُ يُقْضَى لَهُ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْكِتَابِ بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَى الْخَارِجُ الْمِلْكَ الْمُطْلَقَ وَذُو الْيَدِ الشِّرَاءَ مِنْ فُلَانٍ وَبَرْهَنَا، وَأَرَّخَا وَتَارِيخُ ذِي الْيَدِ أَسْبَقُ فَإِنَّهُ يُقْضَى لِلْخَارِجِ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ.   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَأَثْبَتَهُ بِالْبَيِّنَةِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِهِ الْوَارِثُ أَوْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ الْمُتَوَجِّهَةِ عَلَيْهِ لَا يَحْلِفُ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ مَسْأَلَةِ إقْرَارِ الْوَرَثَةِ بِالدَّيْنِ وَكَمَا يُعْلَمُ مِمَّا قَدَّمَهُ فِي الْمَقُولَةِ قَبْلَ هَذِهِ مِنْ كَوْنِ الْإِقْرَارِ حُجَّةً بِنَفْسِهِ بِخِلَافِ الْبَيِّنَةِ تَأَمَّلْ لَكِنْ ذَكَرَ فِي خِزَانَةِ أَبِي اللَّيْثِ خَمْسَةَ نَفَرٍ جَائِزٌ لِلْقَاضِي تَحْلِيفُهُمْ ثُمَّ قَالَ وَرَجُلٌ ادَّعَى دَيْنًا فِي التَّرِكَةِ يُحَلِّفُهُ الْقَاضِي بِاَللَّهِ الْعَظِيمِ جَلَّ ذِكْرُهُ مَا قَبَضْته. اهـ. فَهَذَا مُطْلَقٌ، وَمَا هُنَا مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا أَثْبَتَهُ بِالْبَيِّنَةِ وَتَعْلِيلُهُمْ بِأَنَّهُ حَقُّ الْمَيِّتِ رُبَّمَا يُعَكِّرُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَقَدْ يُقَالُ التَّرِكَةُ مِلْكُهُمْ خُصُوصًا عِنْدَ عَدَمِ دَيْنٍ عَلَى الْمَيِّتِ، وَقَدْ صَادَفَ إقْرَارُهُمْ مِلْكَهُمْ فَأَنَّى يُرَدُّ بِخِلَافِ الْبَيِّنَةِ فَإِنَّهَا حُجَّةٌ قَائِمَةٌ مِنْ غَيْرِهِمْ عَلَيْهِمْ فَيُحْتَاطُ فِيهَا، وَأَمَّا الْإِقْرَارُ فَهُوَ حُجَّةٌ مِنْهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى شَيْءٍ آخَرَ، وَأَقُولُ: يَنْبَغِي أَنْ يُحَلِّفَهُ الْقَاضِي مَعَ الْإِقْرَارِ فِيمَا إذَا كَانَ فِي التَّرِكَةِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ لِعَدَمِ صِحَّةِ إقْرَارِهِمْ فِيهَا وَالْحَالُ هَذِهِ فَيُحَلِّفُهُ الْقَاضِي بِطَلَبِ الْغُرَمَاءِ إذَا أَقَامَ بَيِّنَةً وَبِغَيْرِ طَلَبِهِمْ لَكِنْ إذَا صَدَّقُوهُ شَارَكَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ أَقَرُّوا بِأَنَّ هَذَا الشَّيْءَ الَّذِي هُوَ بَيْنَهُمْ خَاصٌّ بِهِمْ لِهَذَا فِيهِ شَرِكَةٌ مَعَنَا بِقَدْرِ دَيْنِهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يُحَلِّفُهُ مِنْ غَيْرِ خَصْمٍ) قَالَ الرَّمْلِيُّ بَلْ، وَإِنْ أَبَى الْخَصْمُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَزَّازِيَّةِ مُعَلِّلًا بِأَنَّهُ حَقُّ الْمَيِّتِ (قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَحْلِفَ احْتِيَاطًا) قَالَ الرَّمْلِيُّ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَتَرَدَّدَ فِي التَّحْلِيفِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ الدُّيُونُ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا لَا بِأَعْيَانِهَا، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ قَدْ ادَّعَى حَقًّا لِلْمَيِّتِ. اهـ. ذَكَرَهُ الْغَزِّيِّ وَأَقُولُ: يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ بَدَلَ اللَّامِ عَلَى كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَأَقُولُ: قَدْ يُقَالُ إنَّمَا يَحْلِفُ فِي مَسْأَلَةِ مُدَّعِي الدَّيْنِ عَلَى الْمَيِّتِ احْتِيَاطًا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُمْ شَهِدُوا بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ وَقَدْ اسْتَوْفَى فِي بَاطِنِ الْأَمْرِ، وَأَمَّا فِي مَسْأَلَةِ دَفْعِ الدَّيْنِ فَقَدْ شَهِدُوا عَلَى حَقِيقَةِ الدَّفْعِ فَانْتَفَى الِاحْتِمَالُ الْمَذْكُورُ فَكَيْفَ يُقَالُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَتَرَدَّدَ فِي التَّحْلِيفِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: فَكَيْفَ الشَّاهِدُ) ظَاهِرُهُ أَنَّ التَّحْلِيفَ لِلشَّاهِدِ وَظَاهِرُ مَا قَبْلَهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 204 (قَوْلُهُ: وَقُضِيَ لَهُ إنْ نَكَلَ مَرَّةً بِلَا أَحْلِفُ أَوْ سَكَتَ) ؛ لِأَنَّ النُّكُولَ دَلَّ عَلَى كَوْنِهِ بَاذِلًا أَوْ مُقِرًّا إذْ لَوْلَا ذَلِكَ لَأَقْدَمَ عَلَى الْيَمِينِ إقَامَةً لِلْوَاجِبِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ فَتَرَجَّحَ هَذَا الْجَانِبُ، وَلَا وَجْهَ لِرَدِّ الْيَمِينِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ وَاللَّامُ فِي لَهُ بِمَعْنَى عَلَى أَيْ قَضَى الْقَاضِي عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَالسُّكُوتُ لِغَيْرِ آفَةٍ دَلَالَةُ النُّكُولِ وَذَكَرَ الشَّارِحُ مِنْ بَابِ التَّحَالُفِ أَنَّ النُّكُولَ لَا يُوجِبُ شَيْئًا إلَّا إذَا اتَّصَلَ الْقَضَاءُ بِهِ وَبِدُونِهِ لَا يُوجِبُ شَيْئًا أَمَّا عَلَى اعْتِبَارِ الْبَدَلِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا عَلَى اعْتِبَارِ أَنَّهُ إقْرَارٌ فَلِأَنَّهُ إقْرَارٌ فِيهِ شُبْهَةُ الْبَدَلِ فَلَا يَكُونُ مُوجِبًا بِانْفِرَادِهِ. اهـ. وَذَكَرَ بَعْدَهُ أَنَّ الْمُكَاتَبَ إذَا نَكَلَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْفَسْخِ بِالتَّعْجِيزِ. اهـ. أَيْ إذَا نَكَلَ عَنْ دَعْوَى السَّيِّدِ الْكِتَابَةَ وَذَكَرَ هُنَا، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ النُّكُولُ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي، وَهَلْ يُشْتَرَطُ الْقَضَاءُ عَلَى فَوْرِ النُّكُولِ فِيهِ خِلَافٌ. اهـ. وَلَمْ يُبَيِّنْ الْفَوْرَ بِمَاذَا يَكُونُ، وَلَوْ قَضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَحْلِفَ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ، وَلَا يَبْطُلُ الْقَضَاءُ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَفِيهَا، وَلَوْ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَعْدَمَا عُرِضَ عَلَيْهِ الْيَمِينُ مَرَّتَيْنِ اسْتَمْهَلَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ مَضَتْ، وَقَالَ لَا أَحْلِفُ فَإِنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْضِي عَلَيْهِ حَتَّى يَنْكُلَ ثَلَاثًا وَيَسْتَقْبِلُ عَلَيْهِ الْيَمِينَ ثَلَاثًا، وَلَا يُعْتَبَرُ نُكُولُهُ قَبْلَ الِاسْتِمْهَالِ. اهـ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ ظَهَرَ مِنْ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ أَنَّ طُرُقَ الْقَضَاءِ ثَلَاثَةٌ بَيِّنَةٌ، وَإِقْرَارٌ وَنُكُولٌ وَصَرَّحُوا بِأَنَّ مِنْهَا عِلْمَ الْقَاضِي بِشَيْءٍ يُنْفِذُ الْقَضَاءَ فِي غَيْرِ الْحُدُودِ، وَأَمَّا الْقِصَاصُ فَلَهُ الْقَضَاءُ بِهِ بِعِلْمِهِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَتَرَكَهُ الْمُصَنِّفُ لِلِاخْتِلَافِ، وَظَاهِرُ مَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْضِي بِعِلْمِهِ لِفَسَادِ قُضَاةِ الزَّمَانِ، وَسَيَأْتِي أَنَّ الْقَسَامَةَ مِنْ طُرُقِ الْقَضَاءِ بِالدِّيَةِ فَهِيَ خَمْسٌ وَزَادَ ابْنُ الْغَرْسِ سَادِسًا لَمْ أَرَهُ إلَى الْآنَ لِغَيْرِهِ فَقَالَ: وَالْحُجَّةُ إمَّا الْبَيِّنَةُ أَوْ الْإِقْرَارُ أَوْ الْيَمِينُ أَوْ النُّكُولُ عَنْهُ أَوْ الْقَسَامَةُ أَوْ عِلْمُ الْقَاضِي بِمَا يُرِيدُ أَنْ يَحْكُمَ بِهِ أَوْ الْقَرَائِنُ الدَّالَّةُ عَلَى مَا يُطْلَبُ الْحُكْمُ بِهِ دَلَالَةً وَاضِحَةً بِحَيْثُ تُصَيِّرُهُ فِي حَيِّزِ الْمَقْطُوعِ بِهِ فَقَدْ قَالُوا لَوْ ظَهَرَ إنْسَانٌ مِنْ دَارٍ، وَمَعَهُ سِكِّينٌ فِي يَدِهِ، وَهُوَ مُتَلَوِّثٌ بِالدِّمَاءِ سَرِيعُ الْحَرَكَةِ عَلَيْهِ أَثَرُ الْخَوْفِ فَدَخَلُوا الدَّارَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ عَلَى الْفَوْرِ فَوَجَدُوا بِهَا إنْسَانًا مُذْ بُوحًا لِذَلِكَ الْحِينِ، وَهُوَ مُتَضَمِّخٌ بِدِمَائِهِ، وَلَمْ يَكُنْ فِي الدَّارِ غَيْرُ ذَلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي وُجِدَ بِتِلْكَ الصِّفَةِ، وَهُوَ خَارِجٌ مِنْ الدَّارِ أَنَّهُ يُؤْخَذُ بِهِ إذْ لَا يَمْتَرِي أَحَدٌ فِي أَنَّهُ قَاتِلُهُ وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ ذَبَحَ نَفْسَهُ أَوْ أَنَّ غَيْرَ ذَلِكَ الرَّجُلِ قَتَلَهُ ثُمَّ تَسَوَّرَ الْحَائِطَ فَذَهَبَ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ احْتِمَالٌ بَعِيدٌ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ إذْ لَمْ يَنْشَأْ عَنْ دَلِيلٍ. اهـ. قَيَّدْنَا السُّكُوتَ لِغَيْرِ آفَةٍ؛ لِأَنَّ سُكُوتَهُ لِخَرَسٍ أَوْ طَرَشٍ عُذْرٌ كَذَا فِي الِاخْتِيَارِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْقَضَاءَ بِالنُّكُولِ لَا يَمْنَعُ الْمَقْضِيَّ عَلَيْهِ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ بِمَا يُبْطِلُهُ لِمَا   [منحة الخالق] أَنَّ التَّحْلِيفَ لِلْمُدَّعِي عَلَى صِدْقِ الشَّاهِدِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَلَا وَجْهَ لِرَدِّ الْيَمِينِ) أَيْ عَلَى الْمُدَّعِي، وَقَوْلُهُ: لِمَا قَدَّمْنَاهُ إشَارَةٌ لِقَوْلِهِ وَلَا تُرَدُّ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعِي لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي» إلَخْ كِفَايَةٌ (قَوْلُهُ: إنَّ النُّكُولَ لَا يُوجِبُ شَيْئًا إلَّا إذَا اتَّصَلَ الْقَضَاءُ بِهِ) أَمَّا الْإِقْرَارُ فَهُوَ حُجَّةٌ بِنَفْسِهِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَضَاءِ وَلَفْظُ فِيهِ مَجَازٌ كَمَا تَقَدَّمَ نَقْلُهُ عَنْ الْمِعْرَاجِ عِنْدَ قَوْلِهِ فَإِنْ أَقَرَّ أَوْ أَنْكَرَ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يُبَيِّنْ الْفَوْرَ بِمَاذَا يَكُونُ) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ هُوَ ظَاهِرٌ، وَهُوَ أَنْ يَقْضِيَ عَقِبَهُ مِنْ غَيْرِ تَرَاخٍ قَبْلَ تَكْرَارِهِ أَوْ بَعْدَهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ (قَوْلُهُ: وَصَرَّحُوا بِأَنَّ مِنْهَا عِلْمَ الْقَاضِي إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ عِلْمَهُ الْحَادِثَ بَعْدَ تَقْلِيدِهِ الْقَضَاءَ فَلَا يُقْضَى إلَّا بِعِلْمِهِ الْمُتَقَدِّمِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: لَمْ أَرَهُ إلَى الْآنَ لِغَيْرِهِ) صَرِيحُ قَوْلِ ابْنِ الْغَرْسِ فَقَدْ قَالُوا: إنَّهُ مَنْقُولٌ عَنْهُمْ لَا أَنَّهُ قَالَهُ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ وَعَدَمُ رُؤْيَةِ الْمُؤَلِّفِ لَهُ لَا تَقْتَضِي عَدَمَ وُجُودِهِ فِي كَلَامِهِمْ وَالْمُثْبِتُ مُقَدَّمٌ لَكِنْ فِي حَاشِيَةِ الرَّمْلِيِّ عَلَى الْمِنَحِ وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ مَا زَادَهُ ابْنُ الْغَرْسِ غَرِيبٌ خَارِجٌ عَنْ الْجَادَّةِ فَلَا يَنْبَغِي التَّعْوِيلُ عَلَيْهِ مَا لَمْ يُعَضِّدْهُ نَقْلٌ مِنْ كِتَابٍ مُعْتَمَدٍ فَلَا تَغْتَرَّ بِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْقَضَاءَ بِالنُّكُولِ لَا يَمْنَعُ الْمَقْضِيَّ عَلَيْهِ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ) عِبَارَتُهُ فِي الْأَشْبَاهِ وَتُسْمَعُ الدَّعْوَى بَعْدَ الْقَضَاءِ بِالنُّكُولِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ قَالَ مُحَشِّيهَا الْحَمَوِيُّ فِي الْخَانِيَّةِ فِي بَابِ مَا يُبْطِلُ دَعْوَى الْمُدَّعِي مَا يُخَالِفُ مَا ذَكَرَهُ وَعِبَارَتُهُ ادَّعَى عَبْدًا فِي يَدِ رَجُلٍ أَنَّهُ لَهُ فَجَحَدَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَاسْتَحْلَفَهُ فَنَكَلَ، وَقُضِيَ عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ ثُمَّ إنَّ الْمَقْضِيَّ عَلَيْهِ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ كَانَ اشْتَرَى هَذَا الْعَبْدَ مِنْ الْمُدَّعِي قَبْلَ دَعْوَاهُ لَا تُقْبَلُ هَذِهِ الْبَيِّنَةُ إلَّا أَنْ يَشْهَدَ أَنَّهُ كَانَ اشْتَرَاهُ مِنْهُ بَعْدَ الْقَضَاءِ وَذَكَرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَوْ قَالَ كُنْت اشْتَرَيْته مِنْهُ قَبْلَ الْخُصُومَةِ، وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ وَيُقْضَى لَهُ. اهـ. قُلْت: وَسَيَذْكُرُ الْمُؤَلِّفُ فِي فَصْلِ دَفْعِ الدَّعْوَى عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ وَكَمَا يَصِحُّ الدَّفْعُ قَبْلَ الْبُرْهَانِ يَصِحُّ بَعْدَ إقَامَتِهِ أَيْضًا وَكَذَا يَصِحُّ قَبْلَ الْحُكْمِ كَمَا يَصِحُّ بَعْدَهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 205 فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ بَابِ مَا يُبْطِلُ دَعْوَى الْمُدَّعِي رَجُلٌ اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ عَبْدًا فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَخَاصَمَ الْبَائِعُ فَأَنْكَرَ الْبَائِعُ أَنْ يَكُونَ الْعَيْبُ عِنْدَهُ فَاسْتَحْلَفَ فَنَكَلَ فَقَضَى الْقَاضِي عَلَيْهِ، وَأَلْزَمَهُ الْعَبْدَ ثُمَّ قَالَ الْبَائِعُ بَعْدَ ذَلِكَ قَدْ كُنْت تَبَرَّأْتُ إلَيْهِ مِنْ هَذَا الْعَيْبِ، وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ. اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ إذَا شَكَّ فِيمَا يَدَّعِي عَلَيْهِ يَنْبَغِي أَنْ يَرْضَى خَصْمُهُ، وَلَا يَحْلِفُ احْتِرَازًا عَنْ الْوُقُوعِ فِي الْحَرَامِ، وَإِنْ أَبَى خَصْمُهُ إلَّا حَلِفَهُ إنْ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّ الْمُدَّعِيَ مُحِقٌّ لَا يُحَلِّفُهُ، وَإِنْ أَنَّهُ مُبْطِلٌ سَاغَ لَهُ الْحَلِفُ ادَّعَى عَلَيْهِ عِنْدَ الْقَاضِي مَالًا فَلَمْ يُقِرَّ، وَلَمْ يُنْكِرْ، وَقَالَ أَبْرَأَنِي الْمُدَّعِي عَنْ هَذِهِ الدَّعْوَى وَعَنْ حَلِفِهِ يُنْظَرُ إنْ كَانَ الْمُدَّعِي بَرْهَنَ عَلَى دَعْوَاهُ حَلَفَ هُوَ عَلَى عَدَمِ الْإِبْرَاءِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ يَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عِنْدَ الْمُتَقَدِّمِينَ وَخَالَفَهُمْ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَقَوْلُ الْمُتَقَدِّمِينَ أَحْسَنُ، وَإِذَا قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَعْدَ الْإِنْكَارِ أَبْرَأَنِي الْمُدَّعِي وَطَلَبَ حَلِفَهُ عَلَى عَدَمِ الْإِبْرَاءِ يَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوَّلًا فَإِنْ نَكَلَ يَحْلِفُ الْمُدَّعِي ذَكَرَهُمَا الْفَضْلِيُّ. اهـ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ حُكْمَ أَدَاءِ الْيَمِينِ انْقِطَاعُ الْخُصُومَةِ لِلْحَالِ مُؤَقَّتًا إلَى غَايَةِ إحْضَارِ الْبَيِّنَةِ عِنْدَ الْعَامَّةِ، وَقِيلَ انْقِطَاعُهَا مُطْلَقًا فَلَوْ أَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ بَعْدَ يَمِينِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قُبِلَتْ عِنْدَ الْعَامَّةِ لَا عِنْدَ الْبَعْضِ وَالصَّحِيحُ قَوْلُ الْعَامَّةِ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ هِيَ الْحُجَّةُ فِي الْأَصْلِ فَأَمَّا الْيَمِينُ فَكَالْخُلْفِ عَنْ الْبَيِّنَةِ؛ لِأَنَّهَا كَلَامُ الْخَصْمِ صُيِّرَ إلَيْهَا لِلضَّرُورَةِ فَإِذَا جَاءَ الْأَصْلُ انْتَهَى حُكْمُ الْخُلْفِ كَأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ أَصْلًا، وَلَوْ قَالَ الْمُدَّعِي لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ احْلِفْ، وَأَنْتَ بَرِيءٌ مِنْ هَذَا الْحَقِّ الَّذِي ادَّعَيْتُ أَوْ أَنْت بَرِيءٌ مِنْ هَذَا الْحَقِّ ثُمَّ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ قُبِلَتْ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَنْتَ بَرِيءٌ يَحْتَمِلُ الْبَرَاءَةَ لِلْحَالِ أَيْ بَرِيءٌ عَنْ دَعْوَاهُ وَخُصُومَتِهِ لِلْحَالِ وَيَحْتَمِلُ الْبَرَاءَةَ عَنْ الْحَقِّ فَلَا يُجْعَلُ إبْرَاءً بِالشَّكِّ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَذَكَرَ الشَّارِحُ، وَهَلْ يَظْهَرُ كَذِبُ الْمُنْكِرِ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يَظْهَرُ كَذِبُهُ حَتَّى لَا يُعَاقَبَ عُقُوبَةَ شَاهِدِ الزُّورِ، وَلَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ أَنَّهُ كَانَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفٌ فَادَّعَى عَلَيْهِ فَأَنْكَرَ فَحَلَفَ ثُمَّ أَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ أَلْفًا، وَقِيلَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَظْهَرُ كَذِبُهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَظْهَرُ. اهـ. وَفِي الْخَانِيَّةِ مِنْ الطَّلَاقِ وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ يَحْنَثُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ، وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ مُحَمَّدٍ. اهـ. وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ مِنْ فَصْلِ الْإِقْرَارِ بِالطَّلَاقِ رَجُلٌ ادَّعَى عَلَى آخَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ إنْ كَانَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ فَقَالَ الْمُدَّعِي امْرَأَتِي طَالِقٌ إنْ لَمْ يَكُنْ لِي عَلَيْك أَلْفٌ، وَأَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ عَلَى حَقٍّ، وَقَضَى الْقَاضِي فُرِّقَ بَيْنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعَنْ مُحَمَّدٍ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، وَفِي رِوَايَةٍ لَا يُفَرَّقُ وَيُفْتَى بِأَنَّهُ يُفَرَّقُ، وَلَوْ أَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ بِأَنَّهُ قَدْ أَوْفَاهُ أَلْفًا قَبْلَ دَعْوَاهُ وَكَانَ تَفْرِيقُ الْقَاضِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ بَاطِلًا؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَخْطَأَ فِيهِ وَتَطْلُقُ امْرَأَةُ الْمُدَّعِي إنْ زَعَمَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إلَّا هَذَا الْأَلْفُ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ حَانِثٌ هَذَا إذَا أَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ عَلَى الْأَلْفِ أَمَّا إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْأَلْفِ لَمْ يُفَرِّقْ الْقَاضِي بَيْنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ كَوْنُ الْأَلْفِ عَلَيْهِ، وَهَذَا مُحْتَمَلٌ وَالْقَاضِي يَقْضِي بِالْإِقْرَارِ بِالْأَلْفِ، وَالْإِقْرَارُ مُحْتَمَلٌ هَكَذَا ذَكَرَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ. اهـ. وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَالْفَتْوَى فِي مَسْأَلَةِ الدَّيْنِ   [منحة الخالق] وَدَفْعُ الدَّفْعِ وَدَفْعُهُ وَالْأَكْثَرُ صَحِيحٌ فِي الْمُخْتَارِ وَسَنَذْكُرُ تَمَامَهُ هُنَاكَ لَكِنْ سَيَذْكُرُ الْمُؤَلِّفُ فِي أَوَّلِ فَصْلِ دَعْوَى الْخَارِجِينَ عَنْ النِّهَايَةِ مَا نَصُّهُ وَلَوْ لَمْ يُبَرْهِنَا حَلَفَ صَاحِبُ الْيَدِ فَإِنْ حَلَفَ لَهُمَا تُتْرَكُ فِي يَدِهِ قَضَاءَ تَرْكٍ لَا قَضَاءَ اسْتِحْقَاقٍ حَتَّى لَوْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ بَعْدَ ذَلِكَ يُقْضَى بِهَا وَإِنْ نَكَلَ لَهُمَا جَمِيعًا يُقْضَى بِهِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ثُمَّ بَعْدَهُ إذَا أَقَامَ صَاحِبُ الْيَدِ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ مِلْكُهُ لَا يُقْبَلُ وَكَذَا إذَا ادَّعَى أَحَدُ الْمُسْتَحَقِّينَ عَلَى صَاحِبِهِ، وَأَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهَا مِلْكُهُ لَا تُقْبَلُ لِكَوْنِهِ صَارَ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ. اهـ. وَلَعَلَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ الْمُقَابِلِ لِلْقَوْلِ الْمُخْتَارِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَالْفَتْوَى فِي مَسْأَلَةِ الدَّيْنِ إلَخْ) قَالَ فِي نُورِ الْعَيْنِ حَلَفَ أَنْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ ثُمَّ بَرْهَنَ عَلَيْهِ الْمُدَّعِي فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَظْهَرُ كَذِبُهُ فِي يَمِينِهِ إذْ الْبَيِّنَةُ حُجَّةٌ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَظْهَرُ كَذِبُهُ فَيَحْنَثُ وَالْفَتْوَى فِي مَسْأَلَةِ الدَّيْنِ أَنَّهُ لَوْ ادَّعَاهُ بِلَا سَبَبٍ فَحَلَفَ ثُمَّ بَرْهَنَ عَلَيْهِ يَظْهَرُ كَذِبُهُ وَلَوْ ادَّعَاهُ بِسَبَبٍ وَحَلَفَ أَنَّهُ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ ثُمَّ بَرْهَنَ عَلَى السَّبَبِ لَا يَظْهَرُ كَذِبُهُ لِجَوَازِ أَنْ وَجَدَ الْقَرْضَ ثُمَّ وَجَدَ الْإِيفَاءَ أَوْ الْإِبْرَاءَ (قت) حَلَفَ بِطَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ مَا لَهُ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَشَهِدَا عَلَيْهِ بِدَيْنٍ لَهُ، وَأَلْزَمَهُ الْقَاضِي، وَهُوَ يُنْكِرُ قَالَ أَبُو يُوسُفَ يَحْنَثُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي لَعَلَّهُ صَادِقٌ وَالْبَيِّنَةُ حُجَّةٌ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ فَلَا يَظْهَرُ كَذِبُهُ فِي يَمِينِهِ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي (ح) قَالَ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ إنْ كَانَ لِفُلَانٍ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَشَهِدَا أَنَّ فُلَانًا أَقْرَضَهُ كَذَا قَبْلَ يَمِينِهِ وَحَكَمَ بِالْمَالِ لَمْ يَحْنَثْ وَلَوْ شَهِدَا أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَيْهِ شَيْئًا وَحَكَمَ بِهِ حَنِثَ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ شَرْطَ حِنْثِهِ وُجُوبَ شَيْءٍ مِنْ الْمَالِ عَلَيْهِ وَقْتَ الْيَمِينِ وَحِينَ شَهِدَا بِالْقَرْضِ لَمْ يَظْهَرْ كَوْنُ الْمَالِ عَلَيْهِ وَقْتَ الْحَلِفِ بِخِلَافِ مَا لَوْ شَهِدَا أَنَّ الْمَالَ عَلَيْهِ يَقُولُ الْحَقِيرُ قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا شَهِدَا مَحَلُّ نَظَرٍ إذْ كَيْفَ يَظْهَرُ كَوْنُ الْمَالِ عَلَيْهِ إذَا شَهِدَا بِأَنَّ الْمَالَ عَلَيْهِ بَعْدَ أَنْ مَرَّ آنِفًا أَنَّ الْبَيِّنَةَ حُجَّةٌ ظَاهِرَةٌ فَلَا يَظْهَرُ كَذِبُهُ فِي يَمِينِهِ، وَأَيْضًا يُرَدُّ عَلَيْهِ أَنْ يُقَالَ فَعَلَى مَا ذُكِرَ ثَمَّ يَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ فِي مَسْأَلَةِ الْحَلِفِ بِطَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ أَيْضًا إذْ لَا شَكَّ أَنَّ الْحَلِفَ عَلَيْهِمَا لَا يَكُونُ إلَّا بِطَرِيقِ الشَّرْطِ أَيْضًا. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَتَّحِدَ حُكْمُ الْمَسْأَلَتَيْنِ نَفْيًا أَوْ إثْبَاتًا وَالْفَرْقُ تَحَكُّمٌ فَالْعَجَبُ كُلَّ الْعَجَبِ مِنْ التَّنَاقُضِ بَيْنَ كَلَامَيْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَعَ أَنَّهُ إمَامُ ذَوِي الْأَدَبِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 206 أَنَّهُ لَوْ ادَّعَاهُ بِلَا سَبَبٍ فَحَلَفَ ثُمَّ بَرْهَنَ ظَهَرَ كَذِبُهُ، وَلَوْ ادَّعَاهُ بِسَبَبٍ وَحَلَفَ أَنَّهُ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ ثُمَّ بَرْهَنَ عَلَى السَّبَبِ لَا يَظْهَرُ كَذِبُهُ لِجَوَازِ أَنَّهُ وَجَدَ الْقَرْضَ ثُمَّ وَجَدَ الْإِبْرَاءَ وَالْإِيفَاءَ. اهـ. فَإِنْ قُلْت هَلْ يُقْضَى بِالنُّكُولِ عَنْ الْيَمِينِ لِنَفْيِ التُّهْمَةِ كَالْأَمِينِ إذَا ادَّعَى الرَّدَّ أَوْ الْهَلَاكَ فَحَلَفَ فَنَكَلَ وَعَنْ الْيَمِينِ الَّتِي لِلِاحْتِيَاطِ فِي مَالِ الْمَيِّتِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ قُلْت أَمَّا الْأَوَّلُ فَنَعَمْ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلَمْ أَرَهُ اهـ. (قَوْلُهُ وَعَرَضَ الْيَمِينَ ثَلَاثًا نَدْبًا) أَيْ وَعَرَضَ الْقَاضِي عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْبَابِ بِأَنْ يَقُولَ لَهُ الْقَاضِي إنِّي أَعْرِضُ عَلَيْك ثَلَاثًا فَإِنْ حَلَفْت، وَإِلَّا قَضَيْت عَلَيْك بِمَا ادَّعَاهُ، وَهَذَا الْإِنْذَارُ لِإِعْلَامِهِ بِالْحُكْمِ إذْ هُوَ مَوْضِعُ الْخَفَاءِ وَتَكْرَارُ الْعَرْضِ لِزِيَادَةِ الِاحْتِيَاطِ وَالْمُبَالَغَةِ فِي إبْدَاءِ الْعُذْرِ، وَأَمَّا الْمَذْهَبُ فَإِنَّهُ لَوْ قَضَى بِالنُّكُولِ بَعْدَ الْعَرْضِ مَرَّةً جَازَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى. (قَوْلُهُ: وَلَا يُسْتَحْلَفُ فِي نِكَاحٍ وَرَجْعَةٍ وَفَيْءٍ وَاسْتِيلَادٍ وَرِقٍّ وَنَسَبٍ وَوَلَاءٍ وَحَدٍّ وَلِعَانٍ) وَقَالَا يُسْتَحْلَفُ فِي الْكُلِّ إلَّا فِي الْحُدُودِ وَاللِّعَانِ؛ لِأَنَّ النُّكُولَ إقْرَارٌ؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ كَاذِبًا فِي الْإِنْكَارِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ فَكَانَ إقْرَارًا أَوْ بَدَلًا عَنْهُ وَالْإِقْرَارُ يَجْرِي فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لَكِنَّهُ إقْرَارٌ فِيهِ شُبْهَةٌ وَالْحُدُودُ تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ، وَاللِّعَانُ فِي مَعْنَى الْحَدِّ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ بَدَلٌ؛ لِأَنَّ مَعَهُ لَا تَبْقَى الْيَمِينُ وَاجِبَةً لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ، وَإِنْزَالُهُ بَاذِلًا أَوْلَى كَيْ لَا يَصِيرَ كَاذِبًا فِي الْإِنْكَارِ وَالْبَذْلُ لَا يَجْرِي فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، وَفَائِدَةُ الِاسْتِحْلَافِ الْقَضَاءُ بِالنُّكُولِ فَلَا يُسْتَحْلَفُ إلَّا أَنَّ هَذَا بَذْلٌ لِدَفْعِ الْخُصُومَةِ فَيَمْلِكُهُ الْمُكَاتَبُ، وَالْعَبْدُ الْمَأْذُونُ بِمَنْزِلَةِ الضِّيَافَةِ الْيَسِيرَةِ وَصِحَّتُهُ فِي الدَّيْنِ بِنَاءً عَلَى زَعْمِ الْمُدَّعِي، وَهُوَ يَقْبِضُهُ حَقًّا لِنَفْسِهِ وَالْبَذْلُ مَعْنَاهُ هَا هُنَا تَرْكُ الْمَنْعِ، وَأَمْرُ الْمَالِ هَيِّنٌ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَفِي الْقُنْيَةِ يُسْتَحْلَفُ فِي دَعْوَى الْإِقْرَارِ بِالنِّكَاحِ. اهـ. وَظَاهِرُهُ بِأَنَّهُ اتِّفَاقٌ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ فَلْيُتَأَمَّلْ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ تَفْسِيرُ الْبَذْلِ عِنْدَهُ تَرْكُ الْمُنَازَعَةِ وَالْإِعْرَاضُ عَنْهَا ثُمَّ الدَّعْوَى فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ تُتَصَوَّرُ مِنْ إحْدَى الْخَصْمَيْنِ أَيَّهُمَا كَانَ إلَّا بِالْحَدِّ وَاللِّعَانِ وَالِاسْتِيلَادِ فَإِنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ الْمُدَّعِي فِيهَا إلَّا الْمَقْذُوفَ وَالْمَوْلَى كَذَا فِي الشَّرْحِ، وَهُوَ سَبْقُ قَلَمٍ وَالصَّوَابُ وَالْأَمَةُ دُونَ الْمَوْلَى، وَفِي الْهِدَايَةِ وَصُورَةُ الِاسْتِيلَادِ أَنْ تَقُولَ الْجَارِيَةُ أَنَا أُمُّ وَلَدٍ لِمَوْلَايَ، وَهَذَا ابْنِي مِنْهُ، وَأَنْكَرَ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَوْ ادَّعَى الْمَوْلَى ثَبَتَ الِاسْتِيلَادُ بِإِقْرَارِهِ، وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى إنْكَارِهَا. اهـ. وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَصُورَةُ النِّكَاحِ أَنْكَرَ هُوَ أَوْ هِيَ نِكَاحًا وَالرَّجْعَةُ ادَّعَى عَلَى امْرَأَةٍ رَجْعَةً فَفِي الْعِدَّةِ تَثْبُتُ بِقَوْلِهِ، وَإِنْ كَذَّبَتْهُ؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى أَمْرًا يَمْلِكُ اسْتِئْنَافَهُ لِلْحَالِ وَبَعْدَهَا لَوْ صَدَّقَتْهُ ثَبَتَ بِتَصَادُقِهِمَا، وَلَوْ كَذَّبَتْهُ، وَلَا بَيِّنَةَ فَعَلَى قَوْلِهِمَا يَحْلِفُ لَا عَلَى قَوْلِهِ وَكَذَا لَوْ ادَّعَتْ أَنَّهُ رَاجَعَهَا وَكَذَّبَهَا وَصُورَةُ الْفَيْءِ فِي الْإِيلَاءِ قَالَ فِئْتُ، وَأَنْكَرَتْ فَلَوْ ادَّعَاهُ فِي مُدَّةِ الْإِيلَاءِ يَثْبُتُ بِقَوْلِهِ، وَلَوْ بَعْدَ مُضِيِّهَا فَإِنْ صَدَّقَتْهُ ثَبَتَ، وَإِلَّا وَلَا بَيِّنَةَ أَوْ ادَّعَتْ أَنَّهُ فَاءَ إلَيْهَا فِي الْمُدَّةِ أَوْ بَعْدَهَا، وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ. وَصُورَةُ الرِّقِّ ادَّعَى عَلَى مَجْهُولِ الْحَالِ أَنَّهُ قِنُّهُ أَوْ ادَّعَى مَجْهُولُ الْحَالِ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ عَبْدُهُ، وَأَنْكَرَ الْمَوْلَى وَصُورَةُ النَّسَبِ ادَّعَى مَجْهُولُ النَّسَبِ أَنَّهُ أَبُوهُ أَوْ ابْنُهُ وَصُورَةُ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ أَنْ تَدَّعِيَ أُمُّ الْوَلَدِ أَنَّهَا وَلَدَتْهُ مِنْ سَيِّدِهَا، وَصُورَةُ الْوَلَاءِ أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّهُ مَوْلَاهُ الْأَسْفَلُ أَوْ الْأَعْلَى. اهـ. أُطْلِقَ فِي الْوَلَاءِ فَشَمِلَ وَلَاءَ الْعَتَاقَةِ وَوَلَاءَ الْمُوَالَاةِ كَمَا فِي الْكَافِي، وَفِيهِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ مَحَلٍّ يَقْبَلُ الْإِبَاحَةَ بِالْإِذْنِ ابْتِدَاءً يُقْضَى عَلَيْهِ بِنُكُولِهِ، وَمَا لَا فَلَا. اهـ. وَإِذَا لَمْ يُسْتَحْلَفْ فِي النِّكَاحِ عِنْدَهُ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُدَّعِي لَهُ الزَّوْجَ أَوْ الْمَرْأَةَ فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ، وَقَالَ أَنَا أُرِيدُ أَنْ أَتَزَوَّجَ أُخْتَهَا أَوْ أَرْبَعًا سِوَاهَا فَإِنَّ الْقَاضِيَ لَا يُمَكِّنُهُ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّ هَذِهِ امْرَأَتُهُ فَيَقُولُ لَهُ   [منحة الخالق] وَالْأَرَبِ إلَّا أَنْ تَكُونَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ غَيْرَ صَحِيحَةٍ. اهـ. مَا قَالَهُ فِي أَوَاخِرِ الْخَامِسَ عَشَرَ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلَمْ أَرَهُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَالْوَجْهُ يَقْتَضِي الْقَضَاءَ بِالنُّكُولِ فِيهَا أَيْضًا إذْ فَائِدَةُ الِاسْتِحْلَافِ الْقَضَاءُ بِالنُّكُولِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْمَذْهَبُ فَإِنَّهُ لَوْ قَضَى إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ مُقَابِلٌ لِمَا فِي الْمَتْنِ مَعَ أَنَّهُ عَيَّنَهُ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّ التَّكْرَارَ حَتْمٌ حَتَّى لَوْ قَضَى الْقَاضِي بِالنُّكُولِ مَرَّةً لَا يَنْفُذُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَنْفُذُ وَالْعَرْضُ ثَلَاثًا مُسْتَحَبٌّ، وَهُوَ نَظِيرُ إمْهَالِ الْمُرْتَدِّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنَّهُ مُسْتَحَبٌّ فَكَذَا هَذَا مُبَالَغَةٌ فِي الْإِنْذَارِ. اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْكِفَايَةِ (قَوْلُهُ: وَالصَّوَابُ وَالْأَمَةُ دُونَ الْمَوْلَى) بَقِيَ أَنْ يُقَالَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ كَغَيْرِهِ أَنَّهَا ادَّعَتْ الِاسْتِيلَادَ مُجَرَّدًا عَنْ دَعْوَى اعْتِرَافِهِ وَاَلَّذِي فِي صَدْرِ الشَّرِيعَةِ ادَّعَتْ أَنَّهَا وَلَدَتْ مِنْهُ هَذَا الْوَلَدَ وَادَّعَاهُ أَيْ ادَّعَتْ أَنَّهُ ادَّعَاهُ فَهُوَ مِنْ تَتِمَّةِ كَلَامِهَا كَمَا ذَكَرَهُ أَخِي جَلْبِي وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِهِ لَيْسَ احْتِرَازِيًّا بَلْ يُبْتَنَى عَلَى مَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِثُبُوتِ نَسَبِ وَلَدِ الْأَمَةِ وُجُودُ الدَّعْوَةِ مِنْ السَّيِّدِ وَعَلَى غَيْرِ الْمَشْهُورِ لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ بَلْ يَكْفِي عَدَمُ نَفْيِهِ وَكَذَا ظَاهِرُ قَوْلِهِمْ ادَّعَتْ أَمَةٌ يُفِيدُ الِاحْتِرَازَ عَنْ دَعْوَى الزَّوْجَةِ، وَيُخَالِفُهُ قَوْلُ الْقُهُسْتَانِيِّ بَعْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ وَاسْتِيلَادٍ بِأَنْ ادَّعَى أَحَدٌ مِنْ الْأَمَةِ وَالْمَوْلَى أَوْ الزَّوْجَةِ وَالزَّوْجِ أَنَّهَا وَلَدَتْ مِنْهُ وَلَدًا حَيًّا أَوْ مَيِّتًا كَمَا فِي قَاضِي خَانْ وَلَكِنْ فِي الْمَشَاهِيرِ أَنَّ دَعْوَى الزَّوْجِ وَالْمَوْلَى لَا تُتَصَوَّرُ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ بِإِقْرَارِهِ وَلَا عِبْرَةَ لِإِنْكَارِهَا بَعْدَهُ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ لَمْ يَدَّعِ النَّسَبَ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ تَصْوِيرُهُمْ. اهـ. كَذَا فِي حَاشِيَةِ السَّيِّدِ أَبِي السُّعُودِ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 207 إنْ كُنْت تُرِيدُ ذَلِكَ فَطَلِّقْ هَذِهِ ثُمَّ تَزَوَّجْ أُخْتَهَا أَوْ أَرْبَعًا سِوَاهَا، وَإِنْ كَانَتْ الدَّعْوَى مِنْ الْمَرْأَةِ فَعِنْدَهُ لَوْ قَالَتْ إنِّي أُرِيدُ أَنْ أَتَزَوَّجَ فَإِنَّ الْقَاضِيَ لَا يُمَكِّنُهَا مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا قَدْ أَقَرَّتْ أَنَّ لَهَا زَوْجًا فَلَا يُمْكِنُهَا التَّزَوُّجُ بِآخَرَ فَإِنْ قَالَتْ: مَا الْخَلَاصُ عَنْ هَذَا، وَقَدْ بَقِيت فِي عُهْدَتِهِ الدَّهْرَ، وَلَا بَيِّنَةَ لِي، وَهَذِهِ تُسَمَّى عُهْدَةَ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ يَقُولُ الْقَاضِي لِلزَّوْجِ طَلِّقْهَا فَإِنْ أَبَى أَجْبَرَهُ الْقَاضِي عَلَيْهِ فَإِنْ قَالَ الزَّوْجُ لَوْ طَلَّقْتهَا لَزِمَنِي الْمَهْرُ فَلَا أَفْعَلُ ذَلِكَ يَقُولُ الْقَاضِي لَهُ قُلْ لَهَا إنْ كُنْتِ امْرَأَتِي فَأَنْتِ طَالِقٌ فَتَطْلُقُ لَوْ كَانَتْ امْرَأَتَهُ، وَإِلَّا فَلَا، وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ فَإِنْ أَبَى أَجْبَرَهُ الْقَاضِي فَإِنْ فَعَلَ تَخَلَّصَ عَنْ تِلْكَ الْعُهْدَةِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ ثُمَّ إذَا لَمْ يُسْتَحْلَفْ الْمُنْكِرُ عِنْدَهُ فِي النَّسَبِ هَلْ تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْمُدَّعِي يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَ نَسَبًا يَثْبُتُ بِالْإِقْرَارِ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ مِثْلُ الْوَلَدِ وَالْوَالِدِ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ بِإِقْرَارِهِ لَا تُقْبَلُ بَيَّنْتُهُ مِثْلُ الْجَدِّ وَوَلَدِ الْوَلَدِ وَالْأَعْمَامِ وَالْإِخْوَةِ، وَأَوْلَادِهِمْ؛ لِأَنَّ فِيهِ حَمْلَ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ بِخِلَافِ دَعْوَى الْمَوْلَى الْأَعْلَى أَوْ الْأَسْفَلِ حَيْثُ يُقْبَلُ، وَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ مُعْتَقُ جَدِّهِ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَتَمَامُهُ فِي الشَّرْحِ، وَقَوْلُهُ قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحْلَفُ الْمُنْكِرُ فِي الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ. الْمُرَادُ بِهِ مَوْلَانَا قَاضِي خَانْ كَمَا صَرَّحَ بِهِ مِسْكِينٌ وَعَزَاهُ الْمُصَنِّفُ لَهُ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مَعَ أَنَّهُ صَرَّحَ بِهِ فِي فَتَاوَاهُ أَيْضًا وَصَرَّحَ الشَّارِحُ بِأَنَّ فَخْرَ الْإِسْلَامِ عَلِيًّا الْبَزْدَوِيَّ اخْتَارَ قَوْلَهُمَا لِلْفَتْوَى عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْمُخْتَصَرِ. وَاخْتَارَ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ مَشَايِخِنَا عَلَى أَنَّ الْقَاضِيَ يَنْظُرُ فِي حَالِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَإِنْ رَآهُ مُتَعَنِّتًا يُحَلِّفُهُ أَخْذًا بِقَوْلِهِمَا، وَإِنْ رَآهُ مَظْلُومًا لَا يُحَلِّفُهُ أَخْذًا بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ وَصُورَةُ الِاسْتِحْلَافِ عَلَى قَوْلِهِمَا مَا هِيَ بِزَوْجَةٍ لِي، وَإِنْ كَانَتْ زَوْجَةً لِي فَهِيَ طَالِقٌ بَائِنٌ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ صَادِقَةً لَا يَبْطُلُ النِّكَاحُ بِجُحُودِهِ فَإِذَا حَلَفَ تَبْقَى مُعَطَّلَةً، وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُسْتَحْلَفُ عَلَى النِّكَاحِ فَإِنْ حَلَفَ يَقُولُ الْقَاضِي فَرَّقْتُ بَيْنَكُمَا كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَفِي الِاخْتِيَارِ ثُمَّ عِنْدَهُمَا كُلُّ نَسَبٍ يَثْبُتُ مِنْ غَيْرِ دَعْوَى الْمَالِ كَالْبُنُوَّةِ وَالزَّوْجِيَّةِ، وَالْمَالُ يُسْتَحْلَفُ عَلَيْهِ وَكُلُّ نَسَبٍ لَوْ أَقَرَّ بِهِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِدَعْوَى الْمَالِ كَالْأَخِ وَالْعَمِّ لَا يُسْتَحْلَفُ إلَّا إذَا ادَّعَى بِسَبَبِهِ مَالًا أَوْ حَقًّا كَدَعْوَى الْإِرْثِ وَدَعْوَى عَدَمِ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ وَنَحْوِهِ. اهـ. وَظَاهِرُهُ صِحَّةُ الدَّعْوَى بِنَسَبِ الْأَخِ وَنَحْوِهِ، وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ الْمَالَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا نَفَى الِاسْتِحْلَافَ فَقَطْ وَظَاهِرُ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ الْفَصْلِ الْعَاشِرِ فِي النَّسَبِ وَالْإِرْثِ عَدَمُ صِحَّةِ الدَّعْوَى بِالْأُخُوَّةِ الْمُجَرَّدَةِ، وَلِهَذَا لَوْ بَرْهَنَ لَا يُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ إثْبَاتُ الْبُنُوَّةِ عَلَى أَبِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَالْخَصْمُ فِيهِ هُوَ الْأَبُ لَا الْأَخُ. اهـ. وَفِي شَرْحِ مِسْكِينٍ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ تَكُونُ هَذِهِ الْمَسَائِلُ سِتَّةً، وَهِيَ سَبْعَةٌ قُلْنَا أُمُومِيَّةُ الْوَلِيدِ تَابِعَةٌ لِثُبُوتِ النَّسَبِ. اهـ. وَعَبَّرَ عَنْهَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ بِالْأَشْيَاءِ السَّبْعَةِ، وَفِيهِ ادَّعَى نِكَاحَهَا فَحِيلَةُ دَفْعِ الْيَمِينِ عَنْهَا عَلَى قَوْلِهِمَا أَنْ تَتَزَوَّجَ فَلَا تَحْلِفَ؛ لِأَنَّهَا لَوْ نَكَلَتْ لَا يُحْكَمُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا لَوْ أَقَرَّتْ بَعْدَمَا تَزَوَّجَتْ لَمْ يَجُزْ إقْرَارُهَا وَكَذَا لَوْ أَقَرَّتْ بِنِكَاحٍ لِغَائِبٍ قِيلَ صَحَّ إقْرَارُهَا لَكِنْ يَبْطُلُ بِالتَّكْذِيبِ وَيَنْدَفِعُ عَنْهَا الْيَمِينُ، وَقِيلَ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهَا فَلَا تَنْدَفِعُ عَنْهَا الْيَمِينُ. اهـ. وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ رَجُلٌ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ ثُمَّ أَنْكَرَتْ وَتَزَوَّجَتْ بِآخَرَ، وَمَاتَ شُهُودُ الْأَوَّلِ لَيْسَ لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ أَنْ يُخَاصِمَهَا؛ لِأَنَّهَا لِلتَّحْلِيفِ وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ النُّكُولُ، وَلَوْ أَقَرَّتْ صَرِيحًا لَمْ يَجُزْ إقْرَارُهَا لَكِنْ يُخَاصِمُ الزَّوْجَ الثَّانِي وَيُحَلِّفُهُ فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ، وَإِنْ نَكَلَ فَلَهُ أَنْ يُخَاصِمَهَا وَيُحَلِّفَهَا فَإِنْ نَكَلَتْ يُقْضَى بِهَا لِلْمُدَّعِي، وَهَذَا الْجَوَابُ عَلَى قَوْلِهِمَا الْمُفْتَى بِهِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَيُسْتَحْلَفُ السَّارِقُ فَإِنْ نَكَلَ ضَمِنَ، وَلَمْ يُقْطَعْ) ؛ لِأَنَّ الْمَنُوطَ بِفِعْلِهِ شَيْئَانِ الضَّمَانُ وَيَعْمَلُ فِيهِ النُّكُولُ وَالْقَطْعُ، وَلَا يَثْبُتُ بِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا شَهِدَ عَلَيْهَا رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ قَيَّدَ بِحَدِّ السَّرِقَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسْتَحْلَفُ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْحُدُودِ إجْمَاعًا، وَلَوْ كَانَ حَدُّ الْقَذْفِ إلَّا إذَا تَضَمَّنَ حَقًّا بِأَنْ عَلَّقَ عِتْقَ عَبْدِهِ بِالزِّنَا، وَقَالَ إنْ زَنَيْتُ فَأَنْت حُرٌّ فَادَّعَى الْعَبْدُ أَنَّهُ قَدْ زَنَى، وَلَا بَيِّنَةَ عَلَيْهِ يُسْتَحْلَفُ الْمَوْلَى حَتَّى إذَا نَكَلَ ثَبَتَ الْعِتْقُ دُونَ الزِّنَا كَذَا فِي الشَّرْحِ وَصَحَّحَهُ الْحَلْوَانِيُّ خِلَافًا لِلسَّرَخْسِيِّ، وَهِيَ فِي الْخَانِيَّةِ وَالضَّمِيرُ فِي زَنَيْت لِلْمُتَكَلِّمِ، وَلِهَذَا قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ، وَهَلْ يَصِيرُ الْعَبْدُ قَاذِفًا لِمَوْلَاهُ بِهَذَا الْكَلَامِ ذَكَرَ الْخَصَّافُ   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 208 فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ مَا هُوَ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يَصِيرُ قَاذِفًا فَإِنَّهُ قَالَ: وَقَدْ أَتَى الَّذِي حَلَفَ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَقُلْ إنَّهُ زَنَى تَحَرُّزًا عَنْ ذَلِكَ وَذَكَرَ فِي الْحُدُودِ رَجُلٌ قَذَفَ غَيْرَهُ فَقَالَ رَجُلٌ آخَرُ لِلْقَاذِفِ هُوَ كَمَا قُلَته يَصِيرُ الثَّانِي قَاذِفًا ثُمَّ إذَا حَلَفَ الْمَوْلَى هَا هُنَا كَمَا هُوَ الْمُخْتَارُ يَحْلِفُ عَلَى السَّبَبِ بِاَللَّهِ مَا زَنَيْتَ بَعْدَمَا حَلَفْتَ بِعِتْقِ عَبْدِكَ هَذَا. اهـ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ اقْتَصَرَ عَلَى عَدَمِ الِاسْتِحْلَافِ عِنْدَهُ فِي الْأَشْيَاءِ السَّبْعَةِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ أَنَّهُ لَا اسْتِحْلَافَ فِي أَحَدٍ وَثَلَاثِينَ خَصْلَةً بَعْضُهَا مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَبَعْضُهَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَنَذْكُرُهَا سَرْدًا اخْتِصَارًا السَّبْعَةَ، وَفِي تَزْوِيجِ الْبِنْتِ صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً وَعِنْدَهُمَا يُسْتَحْلَفُ الْأَبُ فِي الصَّغِيرَةِ، وَفِي تَزْوِيجِ الْمَوْلَى أَمَتَهُ خِلَافًا لَهُمَا، وَفِي دَعْوَى الدَّائِنِ الْإِيصَاءَ فَأَنْكَرَهُ لَا يَحْلِفُ، وَفِي دَعْوَى الدَّيْنِ عَلَى الْوَصِيِّ، وَفِي الدَّعْوَى عَلَى الْوَكِيلِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ كَالْوَصِيِّ، وَفِيمَا إذَا كَانَ فِي يَدِ رَجُلٍ شَيْءٌ فَادَّعَاهُ رَجُلَانِ كُلٌّ الشِّرَاءِ مِنْهُ فَأَقَرَّ بِهِ لِأَحَدِهِمَا، وَأَنْكَرَ الْآخَرُ لَا يُحَلِّفُهُ وَكَذَا لَوْ أَنْكَرَهُمَا فَحَلَفَ لِأَحَدِهِمَا فَنَكَلَ لَهُ، وَقُضِيَ عَلَيْهِ لَمْ يَحْلِفْ لِلْآخَرِ، وَفِيمَا إذَا ادَّعَيَا الْهِبَةَ مَعَ التَّسْلِيمِ مِنْ ذِي الْيَدِ فَأَقَرَّ لِأَحَدِهِمَا لَا يَحْلِفُ لِلْآخَرِ وَكَذَا لَوْ نَكَلَ لِأَحَدِهِمَا لَا يَحْلِفُ لِلْآخَرِ، وَفِيمَا إذَا ادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّهُ رَهَنَهُ، وَقَبَضَهُ فَأَقَرَّ بِهِ لِأَحَدِهِمَا أَوْ حَلَفَ لِأَحَدِهِمَا فَنَكَلَ لَا يَحْلِفُ لِلْآخَرِ، وَفِيمَا إذَا ادَّعَى أَحَدُهُمَا الرَّهْنَ وَالتَّسْلِيمَ وَالْآخَرُ الشِّرَاءَ فَأَقَرَّ بِالرَّهْنِ، وَأَنْكَرَ الْبَيْعَ لَا يَحْلِفُ لِلْمُشْتَرِي،، وَفِيمَا إذَا ادَّعَى أَحَدُ رَجُلَيْنِ الْإِجَارَةَ، وَالْآخَرُ الشِّرَاءَ فَأَقَرَّ بِهَا، وَأَنْكَرَهُ لَا يَحْلِفُ لِمُدَّعِيهِ وَيُقَالُ لِمُدَّعِيهِ إنْ شِئْت فَانْتَظِرْ انْقِضَاءَ الْمُدَّةِ وَفَكَّ الرَّهْنِ، وَإِنْ شِئْت فَافْسَخْ، وَفِيمَا إذَا ادَّعَى أَحَدُهُمَا الصَّدَقَةَ وَالْقَبْضَ، وَالْآخَرُ الشِّرَاءَ فَأَقَرَّ لِأَحَدِهِمَا لَا يُسْتَحْلَفُ لِلثَّانِي، وَفِيمَا إذَا ادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا الْإِجَارَةَ فَأَقَرَّ لِأَحَدِهِمَا أَوْ نَكَلَ لَا يَحْلِفُ لِلْآخَرِ بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى ذِي الْيَدِ الْغَصْبَ مِنْهُ فَأَقَرَّ لِأَحَدِهِمَا أَوْ حَلَفَ لِأَحَدِهِمَا فَنَكَلَ يَحْلِفُ لِلثَّانِي كَمَا لَوْ ادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا الْإِيدَاعَ فَأَقَرَّ لِأَحَدِهِمَا يَحْلِفُ لِلثَّانِي وَكَذَا الْإِعَارَةُ وَيَحْلِفُ مَا لَهُ عَلَيْك كَذَا، وَلَا قِيمَةَ، وَهِيَ كَذَا وَكَذَا، وَفِيمَا إذَا ادَّعَى الْبَائِعُ رِضَا الْمُوَكِّلِ بِالْعَيْبِ لَمْ يَحْلِفْ وَكِيلُهُ، وَفِيمَا إذَا أَنْكَرَ تَوْكِيلَهُ لَهُ فِي النِّكَاحِ، وَفِيمَا إذَا اخْتَلَفَ الصَّانِعُ وَالْمُسْتَصْنِعُ فِي الْمَأْمُورِ بِهِ لَا يَمِينَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَكَذَا لَوْ ادَّعَى الصَّانِعُ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ اسْتَصْنَعَهُ فِي كَذَا فَأَنْكَرَ لَا يَحْلِفُ. الْحَادِيَةُ وَالثَّلَاثُونَ لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ وَكِيلٌ عَنْ الْغَائِبِ بِقَبْضِ دَيْنِهِ وَبِالْخُصُومَةِ فَأَنْكَرَ لَا يُسْتَحْلَفُ الْمَدْيُونُ عَلَى قَوْلِهِ خِلَافًا لَهُمَا هَكَذَا ذَكَرَ بَعْضُهُمْ، وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ يُسْتَحْلَفُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا. اهـ. وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ مَا فِي الْخُلَاصَةِ تَسَاهُلٌ، وَقُصُورٌ حَيْثُ قَالَ كُلُّ مَوْضِعٍ لَوْ أَقَرَّ لَزِمَهُ فَإِذَا أَنْكَرَهُ يُسْتَحْلَفُ إلَّا فِي ثَلَاثِ مَسَائِلَ مِنْهَا الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ إذَا وَجَدَ بِالْمُشْتَرَى عَيْبًا فَأَرَادَ أَنْ يَرُدَّهُ بِالْعَيْبِ، وَأَرَادَ الْبَائِعُ أَنْ يُحَلِّفَهُ بِاَللَّهِ مَا يَعْلَمُ أَنَّ الْمُوَكِّلَ رَضِيَ بِالْعَيْبِ لَا يَحْلِفُ فَإِنْ أَقَرَّ الْوَكِيلُ لَزِمَهُ ذَلِكَ وَيَبْطُلُ حَقُّ الرَّدِّ. الثَّانِيَةُ لَوْ ادَّعَى عَلَى الْآمِرِ رِضَاهُ لَا يَحْلِفُ، وَإِنْ أَقَرَّ لَزِمَهُ. الثَّالِثَةُ الْوَكِيلُ بِقَبْضِ الدَّيْنِ إذَا ادَّعَى الْمَدْيُونُ أَنَّ الْمُوَكِّلَ أَبْرَأَهُ عَنْ الدَّيْنِ وَطَلَبَ يَمِينَ الْوَكِيلِ عَلَى الْعِلْمِ لَا يَحْلِفُ، وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ لَزِمَهُ. اهـ. وَزِدْت عَلَى الْوَاحِدَةِ وَالثَّلَاثِينَ السَّابِقَةِ الْبَائِعَ إذَا أَنْكَرَ قِيَامَ الْعَيْبِ لِلْحَالِ لَا يَحْلِفُ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَلَوْ أَقَرَّ بِهِ لَزِمَهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي خِيَارِ الْعَيْبِ وَالشَّاهِدُ إذَا أَنْكَرَ رُجُوعَهُ لَا يُسْتَحْلَفُ، وَلَوْ أَقَرَّ بِهِ ضَمِنَ مَا تَلِفَ بِهَا وَالسَّارِقُ إذَا أَنْكَرَهَا لَا يُسْتَحْلَفُ لِلْقَطْعِ، وَلَوْ أَقَرَّ بِهَا قُطِعَ وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ، وَلَا يُسْتَحْلَفُ الْأَبُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ، وَلَا الْوَصِيُّ فِي مَالِ الْيَتِيمِ، وَلَا الْمُتَوَلِّي لِلْمَسْجِدِ وَالْأَوْقَافِ إلَّا إذَا اُدُّعِيَ عَلَيْهِمْ الْعَقْدُ يُسْتَحْلَفُونَ حِينَئِذٍ. اهـ. . (قَوْلُهُ: وَالزَّوْجُ إنْ ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ طَلَاقًا قَبْلَ الْوَطْءِ فَإِنْ نَكَلَ ضَمِنَ نِصْفَ الْمَهْرِ) ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْلَافَ يَجْرِي فِي الطَّلَاقِ عِنْدَهُمْ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ الْمَقْصُودُ هُوَ الْمَالُ أَشَارَ الْمُؤَلِّفُ إلَى أَنَّ الِاسْتِحْلَافَ فِي الْمَوَاضِعِ السَّابِقَةِ يَجْرِي عِنْدَ دَعْوَى الْمَالِ فَيَحْلِفُ فِي النِّكَاحِ إذَا ادَّعَتْ هِيَ الصَّدَاقَ؛ لِأَنَّهُ دَعْوَى الْمَالِ ثَمَّ يَثْبُتُ الْمَالُ بِنُكُولِهِ، وَلَا يَثْبُتُ النِّكَاحُ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي تَقْيِيدِ الْمُؤَلِّفِ الْمَسْأَلَةَ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الطَّلَاقِ أَوْ بَعْدَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ فِي الِاسْتِحْلَافِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَدَّعِيَ الْمَهْرَ أَوْ نَفَقَةَ الْعِدَّةِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَكَذَا فِي النَّسَبِ إذَا ادَّعَى حَقًّا كَالْإِرْثِ وَالْحَجْرِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَفِي دَعْوَى الدَّائِنِ الْإِيصَاءَ) أَيْ أَنَّ فُلَانًا وَصِيٌّ عَنْ الْمَيِّتِ (قَوْلُهُ: رَضِيَ الْمُوَكِّلُ) أَيْ مُوَكِّلُ الْمُشْتَرِي (قَوْلُهُ: الثَّانِيَةُ لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ الْآمِرُ رِضَاهُ إلَخْ) صُورَتُهُ اشْتَرَى شَيْئًا بِالْوَكَالَةِ فَظَهَرَ بِهِ عَيْبٌ فَأَرَادَ الْآمِرُ أَيْ الْمُوَكِّلُ رَدَّهُ بِالْعَيْبِ فَادَّعَى الْبَائِعُ عَلَى الْآمِرِ إنَّك رَضِيت بِالْعَيْبِ لَا يَحْلِفُ الْآمِرُ وَتَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى هَذِهِ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ (قَوْلُهُ: الثَّالِثَةُ الْوَكِيلُ بِقَبْضِ الدَّيْنِ إلَخْ) قَالَ فِي نُورِ الْعَيْنِ فِيهِ نَظَرٌ إذْ الْمُقَرُّ بِهِ هُوَ الْإِبْرَاءُ الَّذِي يَدَّعِيهِ الْمَدْيُونُ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ لُزُومُهُ عَلَى الْوَكِيلِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ مِنْ لُزُومِ الْإِبْرَاءِ لُزُومُ حُكْمِهِ، وَهُوَ الْفَرَاغُ عَنْ مُطَالَبَةِ الْمَدْيُونِ، وَأَمَّا احْتِمَالُ بَرَاءَةِ الْمَدْيُونِ بِإِقْرَارِ الْوَكِيلِ وَانْتِقَالِ الدَّيْنِ إلَى ذِمَّةِ الْوَكِيلِ جَزَاءً عَلَى إقْرَارِهِ فَبَعِيدٌ بَلْ غَيْرُ مُسَلَّمٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ: وَزِدْت عَلَى الْوَاحِدَةِ وَالثَّلَاثِينَ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ عَلَى الْأَرْبَعِ وَالثَّلَاثِينَ بِضَمِّ مَا فِي الْخُلَاصَةِ إلَى مَا فِي الْخَانِيَّةِ لَكِنْ الْأُولَى مِنْ مَسَائِلِ الْخُلَاصَةِ تَقَدَّمَتْ فِي كَلَامِ الْخَانِيَّةِ فَبَقِيَ مِنْهَا ثِنْتَانِ (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا ادُّعِيَ عَلَيْهِمْ الْعَقْدُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ يُرِيدُ غَيْرَ عَقْدِ النِّكَاحِ إذْ قَدَّمَ أَنَّهُ لَا تَحْلِيفَ فِي تَزْوِيجِ الْبِنْتِ صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً وَعِنْدَهُمَا يُسْتَحْلَفُ الْأَبُ فِي الصَّغِيرَةِ تَأَمَّلْ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 209 فِي اللَّقِيطِ وَالنَّفَقَةِ وَامْتِنَاعِ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِي هَذِهِ الْحُقُوقِ هُوَ الْمَالُ وَبَيَانُ صُورَةِ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ فِي النِّهَايَةِ. (قَوْلُهُ: وَجَاحِدُ الْقَوَدِ فَإِنْ نَكَلَ فِي النَّفْسِ حُبِسَ حَتَّى يُقِرَّ أَوْ يَحْلِفَ، وَفِيمَا دُونَهُ يُقْتَصُّ) ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا لَزِمَهُ الْأَرْشُ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ النُّكُولَ إقْرَارٌ فِيهِ شُبْهَةٌ عِنْدَهُمَا فَلَا يَثْبُتُ فِيهِ الْقِصَاصُ وَيَجِبُ بِهِ الْمَالِ خُصُوصًا إذَا كَانَ امْتِنَاعُ الْقِصَاصِ لِمَعْنًى مِنْ جِهَةِ مَنْ عَلَيْهِ كَمَا إذَا أَقَرَّ بِالْخَطَأِ وَالْوَلِيُّ يَدَّعِي الْعَمْدَ، وَلَهُ أَنَّ الْأَطْرَافَ يُسْلَكُ بِهَا مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ فَيَجْرِي فِيهَا الْبَدَلُ بِخِلَافِ الْأَنْفُسِ فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ اقْطَعْ يَدِي فَقَطَعَهُ لَا يَجِبُ الضَّمَانُ، وَهَذَا إعْمَالٌ لِلْبَذْلِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُبَاحُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ، وَهَذَا الْبَذْلُ مُفِيدٌ لِانْدِفَاعِ الْخُصُومَةِ بِهِ فَصَارَ كَقَطْعِ الْيَدِ لِلْأَكِلَةِ، وَقَلْعِ السِّنِّ لِلْوَجَعِ، وَإِذَا امْتَنَعَ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ وَالْيَمِينُ حَقٌّ مُسْتَحَقٌّ يُحْبَسُ بِهِ كَمَا فِي الْقَسَامَةِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ ثُمَّ فِي كَيْفِيَّةِ التَّحْلِيفِ فِي الْقَتْلِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ يُسْتَحْلَفُ عَلَى الْحَاصِلِ بِاَللَّهِ مَا لَهُ عَلَيْك دَمُ ابْنِهِ فُلَانٍ، وَلَا دَمُ عَبْدِهِ فُلَانٍ، وَلَا دَمُ وَلِيِّهِ فُلَانٍ، وَلَا قِبَلَك حَقٌّ بِسَبَبِ هَذَا الدَّمِ الَّذِي يَدَّعِي، وَفِي رِوَايَةٍ يَحْلِفُ عَلَى السَّبَبِ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْت فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ، وَلِيَّ هَذَا عَمْدًا، وَفِيمَا سِوَى الْقَتْلِ مِنْ الْقَطْعِ وَالشَّجَّةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ يَحْلِفُ عَلَى الْحَاصِلِ بِاَللَّهِ مَا لَهُ عَلَيْك قَطْعُ هَذِهِ الْيَدِ، وَلَا لَهُ قِبَلَك حَقٌّ بِسَبَبِهَا وَكَذَلِكَ فِي الشِّجَاجِ وَالْجِرَاحَاتِ الَّتِي يَجِبُ فِيهَا الْقِصَاصُ. وَإِذَا ادَّعَى قَتْلَ أَبِيهِ خَطَأً أَوْ وَلِيًّا لَهُ أَوْ قَطْعَ يَدَهِ أَوْ شَجِّهِ خَطَأً إذَا ادَّعَى شَيْئًا فِيهِ دِيَةٌ أَوْ أَرْشٌ يُسْتَحْلَفُ بِاَللَّهِ مَا لِفُلَانٍ عَلَيْك هَذَا الْحَقُّ الَّذِي يَدَّعِي مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي ادَّعَى، وَلَا شَيْءَ مِنْهُ وَيُسَمِّي الدِّيَةَ وَالْأَرْشَ عِنْدَ الْيَمِينِ؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى مَالًا فَيَحْلِفُ عَلَى الْحَاصِلِ كَمَا فِي سَائِرِ الْأَمْوَالِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ كُلُّ حَقٍّ يَجِبُ عَلَى غَيْرِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَالدِّيَةِ فِي الْخَطَأِ يَحْلِفُ عَلَى السَّبَبِ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْت ابْنَ فُلَانٍ هَذَا، وَفِي الشَّجَّةِ بِاَللَّهِ مَا شَجَجْت هَذَا هَذِهِ الشَّجَّةَ الَّتِي يَدَّعِي، وَكُلُّ جِنَايَةٍ يَجِبُ فِيهَا الْأَرْشُ أَوْ الدِّيَةُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يُسْتَحْلَفُ كَمَا يُسْتَحْلَفُ فِي الْقِصَاصِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ الْمُدَّعِي لِي بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ وَطَلَبَ الْيَمِينَ لَمْ يُسْتَحْلَفْ) أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُسْتَحْلَفُ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ حَقُّهُ بِالْحَدِيثِ الْمَعْرُوفِ فَإِذَا طَالَبَهُ بِهِ يُجِيبُهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ ثُبُوتَ الْحَقِّ فِي الْيَمِينِ مُرَتَّبٌ عَلَى الْعَجْزِ عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ بِمَا رَوَيْنَاهُ فَلَا يَكُونُ حَقُّهُ دُونَهُ وَمُحَمَّدٌ مَعَ أَبِي يُوسُفَ فِيمَا ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ، وَمَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ أَطْلَقَ فِي حُضُورِهَا فَشَمِلَ حُضُورَهَا فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ، وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ وَحُضُورُهَا فِي الْمِصْرِ، وَهُوَ مَحَلُّ الِاخْتِلَافِ وَحُضُورُهَا فِي الْمِصْرِ بِصِفَةِ الْمَرَضِ، وَظَاهِرُ مَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ خِلَافُهُ فَإِنَّهُ قَالَ الِاسْتِحْلَافُ يَجْرِي فِي الدَّعَاوَى الصَّحِيحَةِ إذَا أَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَيَقُولُ الْمُدَّعِي لَا شُهُودَ لِي أَوْ شُهُودِي غُيَّبٌ أَوْ مَرْضَى. اهـ. وَقَيَّدَ بِحُضُورِهَا؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ خَارِجَ الْمِصْرِ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ اتِّفَاقًا، وَفِي الْمُجْتَبَى: وَقُدِّرَتْ الْغَيْبَةُ بِمَسِيرَةِ السَّفَرِ. اهـ. وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ الْمُدَّعِي؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ بَيِّنَةٌ عَادِلَةٌ حَاضِرَةٌ، وَلَمْ يُخْبِرْ الْقَاضِيَ بِهَا فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الِاسْتِحْلَافِ وَبَيْنَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ كَذَا فِي الْقُنْيَةِ ثُمَّ رَقَّمَ بَعْدَهُ لِآخَرَ إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يَنْكُلُ فَلَهُ أَنْ يُحَلِّفَهُ، وَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يَحْلِفُ كَاذِبًا لَا يُعْذَرُ فِي التَّحْلِيفِ، وَفِيهَا أَيْضًا ادَّعَى الْمَدْيُونُ الْإِيصَالَ فَأَنْكَرَ الْمُدَّعِي، وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ فَطَلَبَ يَمِينَهُ فَقَالَ الْمُدَّعِي اجْعَلْ حَقِّي فِي الْخَتْمِ ثُمَّ اسْتَحْلِفْنِي فَلَهُ ذَلِكَ فِي زَمَانِنَا. اهـ. وَلَوْ قَالَ لَا بَيِّنَةَ لِي وَطَلَبَ يَمِينَ خَصْمِهِ فَحَلَّفَهُ الْقَاضِي فَقَالَ لِي بَيِّنَةٌ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَقْبَلُ ذَلِكَ مِنْهُ، وَقِيلَ لَا يَقْبَلُ كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ، وَقَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ، وَقِيلَ لِخَصْمِهِ أَعْطِهِ كَفِيلًا بِنَفْسِك ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) كَيْ لَا يُغَيِّبَ نَفْسَهُ فَيَضِيعَ حَقُّهُ، وَأَخْذُ الْكَفِيلِ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى اسْتِحْسَانًا عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ فِيهِ نَظَرًا لِلْمُدَّعِي، وَلَيْسَ فِيهِ كَثِيرُ ضَرَرٍ بِالْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْحُضُورَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى حَتَّى يُعَدَّى عَلَيْهِ وَيُحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَشْغَالِهِ فَصَحَّ التَّكْفِيلُ بِإِحْضَارِهِ وَالتَّقْدِيرُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ يُرْوَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي الْكَافِي وَصَحَّحَ فِي الْخَانِيَّةِ أَنَّهُ إلَى جُلُوسِ الْقَاضِي مَجْلِسًا آخَرَ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ الثَّانِي، وَفَاعِلُهُ قِيلَ الْقَاضِي بِطَلَبِ الْمُدَّعِي كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَإِلَّا فَلَا يَطْلُبُ الْقَاضِي مِنْهُ كَفِيلًا، وَفِي الصُّغْرَى هَذَا إذَا كَانَ الْمُدَّعِي   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 210 عَالِمًا بِذَلِكَ أَمَّا إذَا كَانَ جَاهِلًا فَالْقَاضِي يَطْلُبُ رَوَاهُ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ. اهـ. أَطْلَقَ فِي الْخَصْمِ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ خَامِلًا أَوْ وَجِيهًا، وَمَا إذَا كَانَ مَا عَلَيْهِ حَقِيرًا أَوْ خَطِيرًا كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَفِي الْمِصْبَاحِ خَمَلَ الرَّجُلُ خُمُولًا مِنْ بَابِ قَعَدَ فَهُوَ خَامِلٌ أَيْ سَاقِطُ النَّبَاهَةِ لَا حَظَّ لَهُ. اهـ. وَالْوَجِيهُ إذَا كَانَ لَهُ حَظٌّ وَرُتْبَةٌ مِنْهُ أَيْضًا، وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ لِي بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ لِلتَّكْفِيلِ، وَمَعْنَاهُ فِي الْمِصْرِ حَتَّى لَوْ قَالَ الْمُدَّعِي لَا بَيِّنَةَ لِي أَوْ شُهُودِي غُيَّبٌ لَا يَكْفُلُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَفِي الْمُجْتَبَى لَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي لِي بَيِّنَةَ عَلَى الْإِيفَاءِ لَا يُجْبِرُهُ عَلَى الْإِيفَاءِ بَلْ يُمْهِلُهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بِشَرْطِ أَنْ يَدَّعِيَ حُضُورَ الشُّهُودِ، وَلَوْ قَالَ شُهُودِي غُيَّبٌ يُقْضَى عَلَيْهِ بِغَيْرِ إمْهَالٍ، وَلَوْ ادَّعَى الْإِبْرَاءَ، وَقَالَ لِي بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ يُمْهِلُهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَقَالَ الطَّوَاوِيسِيُّ يُؤَجِّلُهُ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ ادَّعَى الْقَاتِلُ أَنَّ لَهُ بَيِّنَةً حَاضِرَةً عَلَى الْعَفْوِ أُجِّلَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنْ مَضَتْ، وَلَمْ يَأْتِ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ قَالَ لِي بَيِّنَةٌ غَائِبَةٌ يُقْضَى بِالْقِصَاصِ قِيَاسًا كَالْأَمْوَالِ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يُؤَجَّلُ اسْتِعْظَامًا لِأَمْرِ الدَّمِ. اهـ. وَأَطْلَقَ الْكَفِيلُ، وَقَيَّدَهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَغَيْرِهَا بِالثِّقَةِ، وَفَسَّرَهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ بِأَنْ يَكُونَ لَهُ دَارٌ وَحَانُوتٌ مِلْكًا لَهُ. اهـ. وَفَسَّرَهُ فِي الصُّغْرَى بِأَنْ لَا يُخْفِيَ نَفْسَهُ، وَلَا يَهْرُبَ مِنْ الْبَلَدِ بِأَنْ تَكُونَ لَهُ دَارٌ مَعْرُوفَةٌ وَحَانُوتٌ مَعْرُوفٌ لَا يَسْكُنُ فِي بَيْتٍ بِكِرَاءٍ يَتْرُكُهُ وَيَهْرُبُ، وَهَذَا شَيْءٌ يُحْفَظُ جِدًّا. اهـ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْفَقِيهُ ثِقَةً بِوَظَائِفِهِ بِالْأَوْقَافِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِلْكٌ فِي دَارٍ وَحَانُوتٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتْرُكُهَا وَيَهْرُبُ، وَفَسَّرَهُ فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ بِأَنْ يَكُونَ مَعْرُوفَ الدَّارِ مَعْرُوفَ التِّجَارَةِ، وَلَا يَكُونُ لَحُوحًا مَعْرُوفًا بِالْخُصُومَةِ، وَأَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْمِصْرِ لَا غَرِيبٌ. اهـ. وَفِي كَفَالَةِ الْفَتَاوَى الصُّغْرَى الْقَاضِي إذَا أَخَذَ كَفِيلًا مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ بِأَمْرِ الْمُدَّعِي أَوَّلًا بِأَمْرِهِ فَالْكَفِيلُ إذَا سَلَّمَ إلَى الْقَاضِي أَوْ إلَى رَسُولِهِ يَبْرَأُ، وَإِنْ سَلَّمَ إلَى الْمُدَّعِي لَا يَبْرَأُ هَذَا إذَا لَمْ يُضِفْ الْكَفَالَةَ إلَى الْمُدَّعِي بِأَنْ قَالَ الْقَاضِي أَوْ رَسُولُهُ أَعْطِ كَفِيلًا بِنَفْسِك، وَلَمْ يَقُلْ لِلطَّالِبِ فَتَرْجِعُ الْحُقُوقُ إلَى الْقَاضِي أَوْ إلَى رَسُولِهِ الَّذِي أَخَذَ الْكَفِيلُ حَتَّى لَوْ سَلَّمَ إلَيْهِ الْكَفِيلُ يَبْرَأُ، وَلَوْ سَلَّمَ إلَى الْمُدَّعِي لَا يَبْرَأُ، وَإِنْ أَضَافَ إلَى الْمُدَّعِي بِأَنْ قَالَ أَعْطِ كَفِيلًا بِالنَّفْسِ لِلطَّالِبِ كَانَ الْجَوَابُ عَلَى الْعَكْسِ. اهـ. وَفِي قَضَائِهَا ثَمَّ تَأْقِيتُ الْكَفَالَةِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ نَحْوِهَا لَيْسَ لِأَجْلِ أَنْ يَبْرَأَ الْكَفِيلُ عَنْ الْكَفَالَةِ بَعْدَ ذَلِكَ الْوَقْتِ فَإِنَّ الْكَفِيلَ إلَى شَهْرٍ لَا يَبْرَأُ بَعْدَ مُضِيِّ شَهْرٍ لَكِنْ التَّكْفِيلُ إلَى شَهْرٍ لِتَوْسِعَةِ الْأَمْرِ عَلَى الْكَفِيلِ حَتَّى لَا يُطَالَبَ الْكَفِيلُ إلَّا بَعْدَ مُضِيِّ شَهْرٍ لَكِنْ لَوْ عَجَّلَ الْكَفِيلُ يَصِحُّ، وَهَذَا لِتَوْسِعَةِ الْمُدَّعِي حَتَّى لَا يُسَلِّمَ الْكَفِيلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِلْحَالِ فَيَبْرَأُ الْكَفِيلُ فَيَعْجِزُ الْمُدَّعِي عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ مَتَى أَحْضَرَ الْبَيِّنَةَ فَإِنَّمَا يُسَلِّمُ إلَى الْمُدَّعِي بَعْدَ وُجُودِ ذَلِكَ الْوَقْتِ حَتَّى لَوْ أَحْضَرَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً قَبْلَ وُجُودِ ذَلِكَ الْوَقْتِ يَجِبُ أَنْ يُطَالَبَ الْكَفِيلُ هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ يُنْظَرُ فِي بَابِ كَفَالَةِ الْقَاضِي مِنْ كَفَالَةِ عِصَامٍ. اهـ. وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - طَلَبَ الْمُدَّعِي وَكِيلًا مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَذَكَرَهُ فِي الْكَافِي فَقَالَ: وَلَهُ أَنْ يَطْلُبَ وَكِيلًا بِخُصُومَتِهِ حَتَّى لَوْ غَابَ الْأَصِيلُ يُقِيمُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْوَكِيلِ فَيُقْضَى عَلَيْهِ، وَإِنْ أَعْطَاهُ وَكِيلًا لَهُ أَنْ يُطَالِبَهُ بِالْكَفِيلِ بِنَفْسِ الْوَكِيلِ، وَإِذَا أَعْطَاهُ كَفِيلًا بِنَفْسِ الْوَكِيلِ لَهُ أَنْ يُطَالِبَهُ كَفِيلًا بِنَفْسِ الْأَصِيلِ لَوْ كَانَ الْمُدَّعَى دَيْنًا؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ يُسْتَوْفَى مِنْ ذِمَّةِ الْأَصِيلِ دُونَ الْوَكِيلِ فَلَوْ أَخَذَ كَفِيلًا بِالْمَالِ لَهُ أَنْ يَطْلُبَ كَفِيلًا بِنَفْسِ الْأَصِيلِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ مِنْ الْأَصِيلِ قَدْ يَكُونُ أَيْسَرَ، وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى مَنْقُولًا لَهُ أَنْ يَطْلُبَ مِنْهُ مَعَ ذَلِكَ كَفِيلًا بِالْعَيْنِ لِيُحْضِرَهَا، وَلَا يُغَيِّبُهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ عَقَارًا لَا يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ التَّغْيِيبَ وَصَحَّ أَنْ يَكُونَ الْوَاحِدُ كَفِيلًا بِالنَّفْسِ وَوَكِيلًا بِالْخُصُومَةِ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَ يَقُومُ بِهِمَا فَلَوْ أَقَرَّ وَغَابَ يُقْضَى؛ لِأَنَّهُ قَضَاءُ إعَانَةٍ، وَلَوْ أُقِيمَتْ الْبَيِّنَةُ فَلَمْ تُزَكَّ فَغَابَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ فَزُكِّيَتْ لَا يُقْضَى عَلَيْهِ حَالَ غَيْبَتِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ لَهُ حَقَّ الْجَرْحِ فِي الشُّهُودِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُقْضَى. اهـ. بِلَفْظِهِ. وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَا لَوْ طَلَبَ الْمُدَّعِي الْحَيْلُولَةَ بَيْنَ الْعَيْنِ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَفِي الصُّغْرَى طَلَبَ الْمُدَّعِي بِنَفْسِ الدَّعْوَى مِنْ الْقَاضِي وَضْعَ الْمَنْقُولِ عَلَى يَدِ عَدْلٍ، وَلَمْ يَكْتَفِ بِكَفِيلِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَفِي الْمُجْتَبَى لَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ عِبَارَةُ الْمُجْتَبَى ادَّعَى الْمُشْتَرِي إيفَاءَ الثَّمَنِ إلَى الْبَائِعِ فَأَنْكَرَ لَا يَحْلِفُ إلَّا بِطَلَبِ الْمُدَّعِي فَإِنْ حَلَفَ قَبْلَهُ فَلَهُ أَنْ يُحَلِّفَهُ ثَانِيًا فَإِذَا حَلَفَ ثُمَّ قَالَ الْمُشْتَرِي إلَخْ (قَوْلُهُ: ادَّعَى الْقَاتِلُ أَنَّ لَهُ بَيِّنَةً إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ، وَمُقْتَضَى الْإِطْلَاقِ أَنَّ دَعْوَى الطَّلَاقِ كَدَعْوَى الْأَمْوَالِ، وَإِنْ احْتَاطُوا فِي الْفُرُوجِ لَا تَبْلُغُ اسْتِعْظَامَ أَمْرِ الدِّمَاءِ وَلِذَلِكَ يَثْبُتُ بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 211 النَّفْسِ وَالْمُدَّعِي فَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَدْلًا لَا يُجِيبُهُ الْقَاضِي، وَلَوْ كَانَ فَاسِقًا يُجِيبُهُ، وَفِي الْعَقَارِ لَا يُجِيبُهُ إلَّا فِي الشَّجَرِ الَّذِي عَلَيْهِ الثَّمَرُ؛ لِأَنَّ الثَّمَرَ نَقْلِيٌّ. اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ الشَّجَرَ مِنْ الْعَقَارِ، وَقَدَّمْنَا خِلَافَهُ، وَفِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ فِيمَا إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ، وَلَمْ تُزَكَّ فِي الْجَارِيَةِ قَالَ يَضَعُهَا الْقَاضِي عَلَى يَدِ امْرَأَةٍ ثِقَةٍ مَأْمُونَةٍ تَحْفَظُهَا حَتَّى يَسْأَلَ عَنْ الشُّهُودِ، وَلَا يَتْرُكُهَا فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ عَدْلًا أَوْ لَا، وَهَذَا إذَا سَأَلَ الْمُدَّعِي مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَضَعَهَا. اهـ. وَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ إلَى أَنَّ الْمُدَّعِيَ لَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ، وَلَمْ تُزَكَّ فَالْحُكْمُ بِالْأُولَى كَمَا لَا يَخْفَى وَيُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ فَإِنْ أَبَى فَالْحَاصِلُ أَنَّ أَخْذَ الْكَفِيلِ وَالْوَكِيلِ إنَّمَا هُوَ بِرِضَا الْخَصْمِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ أَبَى لَازَمَهُ أَيْ دَارَ مَعَهُ حَيْثُ دَارَ) أَيْ بِمِقْدَارِ مُدَّةِ التَّكْفِيلِ الْمَذْكُورَةِ أَشَارَ إلَى تَفْسِيرِ الْمُلَازَمَةِ بِالدَّوَرَانِ إلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ فِي مَكَان مُعَيَّنٍ، وَفِي الصُّغْرَى الْمَذْهَبُ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا يُلَازِمُهُ فِي الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ بُنِيَ لِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَبِهِ يُفْتَى ثُمَّ قَالَ فِيهَا وَتَفْسِيرُ الْمُلَازَمَةِ أَنْ يَدُورَ مَعَهُ حَيْثُمَا دَارَ وَيَبْعَثُ مَعَهُ أَمِينًا حَتَّى يَدُورَ مَعَهُ وَرَأَيْت فِي زِيَادَاتِ بَعْضِ الْمَشَايِخِ أَنَّ الطَّالِبَ لَوْ أَمَرَ غَيْرَهُ بِمُلَازَمَةِ مَدْيُونِهِ فَلِلْمَدْيُونِ أَنْ لَا يَرْضَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا وَجَعَلَهُ فَرْعًا لِمَسْأَلَةِ التَّوْكِيلِ بِغَيْرِ رِضَا الْخَصْمِ لَكِنَّهُ لَا يَحْبِسُهُ فِي مَوْضِعٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حَبْسٌ، وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهِ بِنَفْسِ الدَّعْوَى، وَلَا يَشْغَلُهُ عَنْ التَّصَرُّفِ بَلْ هُوَ يَتَصَرَّفُ وَالْمُدَّعِي يَدُورُ مَعَهُ، وَإِذَا انْتَهَى الْمَطْلُوبُ إلَى دَارِهِ فَإِنَّ الطَّالِبَ لَا يَمْنَعُهُ مِنْ الدُّخُولِ إلَى أَهْلِهِ بَلْ يَدْخُلُ الْمَطْلُوبُ إلَى أَهْلِهِ، وَالْمُلَازِمُ يَجْلِسُ عَلَى بَابِ دَارِهِ هَكَذَا ذُكِرَ هُنَا، وَفِي الزِّيَادَاتِ أَنَّ الْمَطْلُوبَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ بَيْتَهُ فَإِمَّا أَنْ يَأْذَنَ لِلْمُدَّعِي فِي الدُّخُولِ مَعَهُ أَوْ يَجْلِسَ مَعَهُ عَلَى بَابِ الدَّارِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَهُ حَتَّى يَدْخُلَ الدَّارَ وَحْدَهُ فَرُبَّمَا يَهْرُبُ مِنْ جَانِبٍ آخَرَ فَيُفَوِّتُ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْهَا، وَفِي تَعْلِيقِ أُسْتَاذِنَا لَوْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ امْرَأَةً فَإِنَّ الطَّالِبَ لَا يُلَازِمُهَا بِنَفْسِهِ بَلْ يَسْتَأْجِرُ امْرَأَةً فَتُلَازِمُهَا، وَفِي أَوَّلِ كَرَاهِيَةِ الْوَاقِعَاتِ رَجُلٌ لَهُ عَلَى امْرَأَةٍ حَقٌّ فَلَهُ أَنْ يُلَازِمَهَا وَيَجْلِسَ مَعَهَا وَيَقْبِضَ عَلَى ثِيَابِهَا؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِحَرَامٍ فَإِنْ هَرَبَتْ وَدَخَلَتْ خَرِبَةً فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ إذَا كَانَ الرَّجُلُ يَأْمَنُ عَلَى نَفْسِهِ وَيَكُونُ بَعِيدًا مِنْهَا يَحْفَظُهَا بِعَيْنِهِ؛ لِأَنَّ فِي هَذِهِ الْخَلْوَةِ ضَرُورَةً. اهـ. وَأَشَارَ بِمُلَازَمَتِهِ إلَى مُلَازَمَةِ الْمُدَّعَى لِمَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ إذَا كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِتْلَافًا، وَأَبَى إعْطَاءَ الْكَفِيلِ بِالْمُدَّعِي فَلِلْمُدَّعِي أَنْ يُلَازِمَ ذَلِكَ الشَّيْءَ إلَى أَنْ يُعْطِيَهُ كَفِيلًا، وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي ضَعِيفًا عَنْ مُلَازَمَتِهِ يَضَعُ ذَلِكَ الشَّيْءَ عَلَى يَدِ عَدْلٍ. اهـ. وَظَاهِرُ مَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ أَنَّهُ لَا يُلَازِمُهُ إلَّا بِإِذْنِ الْقَاضِي وَذَكَرَ فِيهِ أَنَّ مِنْهَا أَنْ يَسْكُنَ حَيْثُ سَكَنَ، وَفِي الْمِصْبَاحِ دَارَ حَوْلَ الْبَيْتِ يَدُورُ دَوْرًا وَدَوَرَانًا طَافَ بِهِ وَدَوَرَانُ الْفَلَكِ تَوَاتُرُ حَرَكَاتِهِ بَعْضُهَا إثْرَ بَعْضٍ مِنْ غَيْرِ ثُبُوتٍ، وَلَا اسْتِقْرَارٍ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ دَارَتْ الْمَسْأَلَةُ أَيْ كُلَّمَا تَعَلَّقَتْ بِمَحَلٍّ تَوَقَّفَ ثُبُوتُ الْحُكْمِ عَلَى غَيْرِهِ فَتَنْتَقِلُ إلَيْهِ ثُمَّ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْأَوَّلِ، وَهَكَذَا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ غَرِيبًا لَازَمَهُ مِقْدَارَ مَجْلِسِ الْقَاضِي) وَكَذَا لَا يَكْفُلُ إلَّا إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ فَلَوْ قَالَ إلَّا أَنْ يَكُونَ غَرِيبًا فَإِلَى انْتِهَاءِ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ لَكَانَ أَوْلَى لِيَرْجِعَ إلَى الْمُلَازَمَةِ وَالتَّكْفِيلِ وَعَلَّلَهُ فِي الْهِدَايَةِ بِأَنَّ فِي أَخْذِ الْكَفِيلِ وَالْمُلَازَمَةِ زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ إضْرَارًا بِهِ بِمَنْعِهِ عَنْ السَّفَرِ، وَلَا ضَرَرَ فِي هَذَا الْمِقْدَارِ ظَاهِرًا، أَطْلَقَ فِي مِقْدَارِ مَجْلِسِ الْقَاضِي فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ يَجْلِسُ فِي كُلِّ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا مَرَّةً كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَالْمُرَادُ بِالْغَرِيبِ الْمُسَافِرُ لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ لَوْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُسَافِرًا وَعُرِفَ ذَلِكَ مِنْهُ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ كَفِيلٌ، وَأَجَّلَهُ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ فَإِنْ بَرْهَنَ فِي الْمَجْلِسِ، وَإِلَّا خَلَّى سَبِيلَهُ، وَلَوْ قَالَ أَنَا أَخْرُجُ غَدًا أَوْ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ يَكْفُلُهُ إلَى وَقْتِ الْخُرُوجِ، وَإِنْ أَنْكَرَ الطَّالِبُ خُرُوجَهُ نَظَرَ إلَى زِيِّهِ أَوْ بَعَثَ مَنْ يَثِقُ بِهِ إلَى رُفَقَائِهِ فَإِنْ قَالُوا أُعَدَّ لِلْخُرُوجِ مَعَنَا يَكْفُلُهُ إلَى وَقْتِ الْخُرُوجِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْيَمِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى لَا بِطَلَاقٍ وَعَتَاقٍ إلَّا إذَا أَلَحَّ الْخَصْمُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ كَانَ حَالِفًا مِنْكُمْ فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَذَرْ» ، وَفِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ وَالْيَمِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُ اسْمِهِ تَعَالَى، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ وَاَللَّهِ. اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا تَحْلِيفَ بِغَيْرِ هَذَا الِاسْمِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَقَدَّمْنَا خِلَافَهُ) أَيْ عِنْدَ قَوْلِهِ، وَإِنْ ادَّعَى عَقَارًا ذَكَرَ حُدُودَهُ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 212 فَلَوْ حَلَّفَهُ بِالرَّحْمَنِ أَوْ الرَّحِيمِ لَا يَكُونُ يَمِينًا، وَلَمْ أَرَهُ صَرِيحًا فَلَا يَحْلِفُ بِغَيْرِهِ مِنْ طَلَاقٍ وَعَتَاقٍ، وَقِيلَ فِي زَمَانِنَا إذَا أَلَحَّ الْخَصْمُ سَاغَ لِلْقَاضِي أَنْ يُحَلِّفَ بِذَلِكَ لِقِلَّةِ الْمُبَالَاةِ بِالْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ خَارِجٌ عَنْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَمَا كَانَ يَنْبَغِي لِلْمُؤَلِّفِ ذِكْرُهُ فِي الْمَتْنِ؛ لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مَعَ أَنَّهُ ضَعِيفٌ أَيْضًا لِمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالتَّحْلِيفُ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْأَيْمَانِ الْمُغَلَّظَةِ لَمْ يُجَوِّزْهُ أَكْثَرُ مَشَايِخِنَا. اهـ. وَفِي الْخَانِيَّةِ، وَإِنْ أَرَادَ الْمُدَّعِي تَحْلِيفَهُ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يُجِيبُهُ الْقَاضِي إلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ التَّحْلِيفَ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ حَرَامٌ، وَمِنْهُمْ جَوَّزَهُ فِي زَمَانِنَا وَالصَّحِيحُ مَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. اهـ. وَفِي كِتَابِ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ مِنْ التَّتَارْخَانِيَّة وَالْفَتْوَى عَلَى عَدَمِ التَّحْلِيفِ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ. اهـ. وَفِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي لَمْ يُجِزْهُ أَكْثَرُ مَشَايِخِنَا، وَإِنْ مَسَّتْ إلَيْهِ الضَّرُورَةُ يُفْتَى أَنَّ الرَّأْيَ فِيهِ لِلْقَاضِي اتِّبَاعًا لِلْبَعْضِ. اهـ. وَفِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ كَمَا فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي وَزَادَ فَلَوْ حَلَّفَهُ الْقَاضِي بِالطَّلَاقِ فَنَكَلَ، وَقَضَى بِالْمَالِ لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ عَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِ. اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِ مِنْ أَنَّهُ لَا تَحْلِيفَ بِهِمَا فَلَا اعْتِبَارَ بِنُكُولِهِ عَنْهُمَا، وَأَمَّا مَنْ قَالَ بِالتَّحْلِيفِ بِهِمَا فَيَعْتَبِرُ نُكُولَهُ وَيَقْضِي بِهِ؛ لِأَنَّ التَّحْلِيفَ بِهِمَا لِرَجَاءِ النُّكُولِ فَيُقْضَى بِهِ، وَإِلَّا فَلَا فَائِدَةَ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِ خِلَافُهُ قَيَّدَ بِالْيَمِينِ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ؛ لِأَنَّ الْخَصْمَ لَوْ طَلَبَ تَحْلِيفَ الشَّاهِدِ أَوْ الْمُدَّعِي مَا يَعْلَمُ أَنَّ الشُّهُودَ كَذَبَةٌ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ: وَيُغَلَّظُ بِذِكْرِ أَوْصَافِهِ) مِثْلُ قَوْلِهِ وَاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الَّذِي يَعْلَمُ مِنْ السِّرِّ مَا يَعْلَمُ مِنْ الْعَلَانِيَةِ مَا لِفُلَانٍ هَذَا عَلَيْك، وَلَا قِبَلَك هَذَا الْمَالُ الَّذِي ادَّعَاهُ، وَهُوَ كَذَا وَكَذَا، وَلَا شَيْءٌ مِنْهُ، وَلَهُ أَنْ يَزِيدَ فِي التَّغْلِيظِ عَلَى هَذَا وَيُنْقِصَ مِنْهُ إلَّا أَنَّهُ يَحْتَاطُ كَيْ لَا تَتَكَرَّرَ عَلَيْهِ الْيَمِينُ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ شَاءَ الْقَاضِي لَمْ يُغَلِّظْ وَيَقْتَصِرُ عَلَى بِاَللَّهِ أَوْ وَاَللَّهِ، وَقِيلَ لَا يُغَلِّظُ عَلَى الْمَعْرُوفِ بِالصَّلَاحِ، وَقِيلَ يُغَلِّظُ فِي الْخَطِيرِ مِنْ الْمَالِ دُونَ الْحَقِيرِ، وَقَدَّمْنَا أَنَّ التَّغْلِيظَ لَمْ يُجَوِّزْهُ أَكْثَرُ مَشَايِخِنَا وَذَكَرَ الشَّارِحُ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ بِاَللَّهِ وَنَكَلَ عَنْ التَّغْلِيظِ لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْحَلِفُ بِاَللَّهِ تَعَالَى، وَقَدْ حَصَلَ، وَفِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ وَالِاخْتِيَارِ فِي صِفَةِ التَّغْلِيظِ أَنَّ الْقُضَاةَ يَزِيدُونَ فِيهِ مَا شَاءُوا وَيُنْقِصُونَ مَا شَاءُوا. اهـ. (قَوْلُهُ لَا بِزَمَانٍ وَمَكَانٍ) أَيْ لَا يُغَلِّظُ الْقَاضِي بِهِمَا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَعْظِيمُ الْمُقْسَمِ بِهِ، وَهُوَ حَاصِلٌ بِدُونِ ذَلِكَ، وَفِي إيجَابِ ذَلِكَ حَرَجٌ عَلَى الْقَاضِي حَيْثُ يُكَلَّفُ حُضُورَهَا، وَهُوَ مَدْفُوعٌ وَظَاهِرُ مَا فِي الْهِدَايَةِ أَنَّ الْمَنْفِيَّ وُجُوبُ التَّغْلِيظِ بِهِمَا فَيَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَجِبْ وَظَاهِرُ مَا فِي الْكِتَابِ عَدَمُ الْمَشْرُوعِيَّةِ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ فِي الْكَافِي؛ لِأَنَّ فِي التَّغْلِيظِ بِالزَّمَانِ تَأْخِيرَ حَقِّ الْمُدَّعِي فِي الْيَمِينِ إلَى ذَلِكَ الزَّمَانِ أَنَّهُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ، وَلِذَا قَالَ الشَّارِحُ فَلَا يُشْرَعُ وَظَاهِرُ مَا فِي الْمُحِيطِ أَنَّ التَّغْلِيظَ بِهِ لَيْسَ بِحَسَنٍ عِنْدَنَا أَصْلًا فَيُفِيدُ الْإِبَاحَةَ، وَلَكِنْ ذَكَرَ بَعْدَهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّغْلِيظُ بِالْمَكَانِ. (قَوْلُهُ: وَيُسْتَحْلَفُ الْيَهُودِيُّ بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَالنَّصْرَانِيُّ بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ الْإِنْجِيلَ عَلَى عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَالْمَجُوسِيُّ بِاَللَّهِ الَّذِي خَلَقَ النَّارَ وَالْوَثَنِيُّ بِاَللَّهِ تَعَالَى) «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِابْنِ صُورِيَّا الْأَعْوَرِ أَنْشُدُك بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى أَنَّ حُكْمَ الزِّنَا فِي كِتَابِكُمْ هَذَا» ؛ وَلِأَنَّ الْيَهُودِيَّ يَعْتَقِدُ نُبُوَّةَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: فَلَوْ حَلَّفَهُ بِالرَّحْمَنِ أَوْ الرَّحِيمِ لَا يَكُونُ يَمِينًا وَلَمْ أَرَهُ) رَدَّهُ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ عَلَى مَا نَقَلَ عَنْهُ الْحَمَوِيُّ بِأَنَّهُ قُصُورٌ لِوُجُودِ النَّصِّ عَلَى خِلَافِهِ فَقَدْ ذَكَرُوا فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ وَالرَّحْمَنِ أَوْ الرَّحِيمِ أَوْ الْقَادِرِ فَكُلُّ ذَلِكَ يَمِينٌ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُمْ فِيمَا إذَا غَلَّظَ بِذِكْرِ الصِّفَةِ يُحْتَرَزُ عَنْ الْإِتْيَانِ بِالْوَاوِ لِئَلَّا تَتَكَرَّرُ الْيَمِينُ وَنَصُّوا هُنَا فِي تَحْلِيفِ الْأَخْرَسِ أَنْ يُقَالَ لَهُ عَهْدُ اللَّهِ عَلَيْك وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّحِيحِ بَلْ صَرَّحَ بِهَذَا فِي الصَّحِيحِ وَصَحَّحَ فِي رَوْضَةِ الْقُضَاةِ بِأَنَّ الرَّحْمَنَ الرَّحِيمَ وَسَائِرَ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى تَكُونُ يَمِينًا. اهـ. كَذَا فِي حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ (قَوْلُهُ: نُكُولُهُ) وَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ خِلَافُهُ حَيْثُ قَالَ: وَقَالَ بَعْضُ هُمْ يَسُوغُ لِلْقَاضِي أَنْ يُحَلِّفَهُ بِهِمَا إذَا أَلَحَّ الْخَصْمُ لَكِنْ إذَا نَكَلَ لَا يَقْضِي عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ وَلَوْ قَضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ لَا يَنْفُذُ. اهـ. وَفِي غُرَرِ الْأَفْكَارِ مِثْلُهُ وَعَلَّلَهُ بِقَوْلِهِ لِامْتِنَاعِهِ عَمَّا هُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فَلْيُتَأَمَّلْ فِي هَذَا التَّعْلِيلِ، وَفِي حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ، وَفِي الدُّرِّ عَنْ مُصَنَّفِ التَّنْوِيرِ أَنَّهُ اعْتَمَدَ مَا فِي الْبَحْرِ لَكِنْ نَقَلَ السَّيِّدُ الْحَمَوِيُّ عَنْ الْعَلَّامَةِ الْمَقْدِسِيَّ مَا مُحَصَّلُهُ أَنَّ فَائِدَةَ التَّحْلِيفِ بِهِمَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ اطْمِئْنَانُ خَاطِرِ الْمُدَّعِي إذَا حَلَفَ فَرُبَّمَا كَانَ مُشْتَبِهًا عَلَيْهِ الْأَمْرُ بِنِسْيَانٍ وَنَحْوِهِ فَإِذَا حَلَفَ لَهُ بِهِمَا صَدَّقَهُ. اهـ. قُلْت بَلْ فِي الْغَالِبِ يَمْتَنِعُ عَنْهُ إذَا كَانَ كَاذِبًا خَوْفًا مِنْ طَلَاقِ زَوْجَتِهِ وَعِتْقِ عَبْدِهِ فَلَهُ فَائِدَةٌ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: إلَّا أَنَّهُ يُحْتَاطُ إلَخْ) أَيْ يُحْتَاطُ عَنْ الْعَطْفِ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَلَوْ أَمَرَهُ بِالْعَطْفِ فَأَتَى بِوَاحِدَةٍ وَنَكَلَ عَنْ الْبَاقِي لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَلَيْهِ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ، وَقَدْ أَتَى بِهَا. (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَيُسْتَحْلَفُ الْيَهُودِيُّ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَلَا يَحْلِفُ عَلَى الْإِشَارَةِ إلَى مُصْحَفٍ مُعَيَّنٍ بِأَنْ يَقُولَ بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ هَذَا التَّوْرَاةَ أَوْ هَذَا الْإِنْجِيلَ لِأَنَّهُ ثَبَتَ تَحْرِيفُ بَعْضِهَا فَلَا يُؤْمَنُ أَنْ تَقَعَ الْإِشَارَةُ إلَى الْحَرْفِ الْمُحَرَّفِ فَيَكُونُ التَّحْلِيفُ بِهِ تَعْظِيمًا لِمَا لَيْسَ كَلَامَ اللَّهِ تَعَالَى كَذَا فِي الشرنبلالية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 213 مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَالنَّصْرَانِيّ نُبُوَّةَ عِيسَى فَيُغَلِّظُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ بِذِكْرِ الْمُنَزَّلِ عَلَى نَبِيِّهِ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ صُورَةِ تَحْلِيفِ الْمَجُوسِيِّ مَذْكُورٌ فِي الْأَصْلِ وَيُرْوَى عَنْ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ أَنَّهُ لَا يُسْتَحْلَفُ أَحَدٌ إلَّا بِاَللَّهِ تَعَالَى خَالِصًا، وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّهُ لَا يُسْتَحْلَفُ غَيْرُ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ إلَّا بِاَللَّهِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ النَّارِ مَعَ اسْمِهِ تَعَالَى تَعْظِيمٌ لَهَا، وَمَا يَنْبَغِي أَنْ تُعَظَّمَ بِخِلَافِ الْكِتَابَيْنِ؛ لِأَنَّ كُتُبَ اللَّهِ تَعَالَى مُعَظَّمَة، وَالْوَثَنِيُّ لَا يَحْلِفُ إلَّا بِاَللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ الْكَفَرَةَ بِأَسْرِهِمْ يَعْتَقِدُونَ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [لقمان: 25] . وَظَاهِرُ مَا فِي الْمُحِيطِ أَنَّ مَا فِي الْكِتَابِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ، وَمَا ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ قَوْلُهُمَا فَإِنْ قُلْت إذَا حَلَفَ الْكَافِرُ بِاَللَّهِ فَقَطْ وَنَكَلَ عَمَّا ذَكَرَ هَلْ يَكْفِيهِ أَمْ لَا؟ . قُلْتُ: لَمْ أَرَهُ صَرِيحًا وَظَاهِرُ قَوْلِهِمْ إنَّهُ يُغَلِّظُ بِهِ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَأَنَّهُ مِنْ بَابِ التَّغْلِيظِ فَيُكْتَفَى بِاَللَّهِ، وَلَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ عَنْ الْوَصْفِ الْمَذْكُورِ، وَفِي الْعِنَايَةِ ابْنِ صُورِيَّا بِالْقَصْرِ اسْمٌ أَعْجَمِيٌّ وَأَنْشُدُك أَيْ أُحَلِّفُك بِاَللَّهِ. اهـ. وَذَكَرَ ابْنُ الْكَمَالِ أَنَّ الْكَفَرَةَ بِأَسْرِهِمْ لَا يَعْتَقِدُونَ اللَّهَ تَعَالَى فَإِنَّ الدَّهْرِيَّةَ مِنْهُمْ لَا يَعْتَقِدُونَهُ، وَلَا دَلَالَةَ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ} [لقمان: 25] الْآيَةَ، عَلَى ذَلِكَ بَلْ؛ لِأَنَّ الْوَثَنِيَّ يَعْبُدُ غَيْرَ اللَّهِ تَعَالَى وَيَعْتَقِدُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَالِقُهُ. اهـ. وَالْيَهُودِيُّ نِسْبَةٌ إلَى هُودٍ، وَهُوَ اسْمُ نَبِيٍّ عَرَبِيٍّ وَسُمِّيَ بِالْجَمْعِ وَبِالْمُضَارِعِ مِنْ هَادَ إذَا رَجَعَ وَيُقَالُ هُمْ يَهُودُ، وَهُوَ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ لِلْعَلَمِيَّةِ وَوَزْنِ الْفِعْلِ وَجَازَ تَنْوِينُهُ، وَقِيلَ نِسْبَةً إلَى يَهُودَ بْنِ يَعْقُوبَ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - وَتَمَامُهُ فِي الْمِصْبَاحِ، وَفِيهِ رَجُلٌ نَصْرَانِيٌّ بِفَتْحِ النُّونِ وَامْرَأَةٌ نَصْرَانِيَّةٌ وَرُبَّمَا قِيلَ نَصْرَانٌ وَنَصْرَانِيَّةٌ وَيُقَالُ هُوَ نِسْبَةٌ إلَى قَرْيَةٍ اسْمُهُمَا نَصْرَةُ قَالَهُ الْوَاحِدِيُّ: وَلِهَذَا قِيلَ فِي الْوَاحِدِ نَصْرِيٌّ عَلَى الْقِيَاسِ وَالنَّصَارَى جَمْعُهُ مِثْلُ مَهْرِيٌّ، وَمَهَارَى ثُمَّ أَطْلَقَ النَّصْرَانِيَّ عَلَى كُلِّ مَنْ تَعَبَّدَ بِهَذَا الدِّينِ. اهـ. وَفِيهِ الْمَجُوسُ أُمَّةٌ مِنْ النَّاسِ، وَهِيَ كَلِمَةٌ فَارِسِيَّةٌ وَتَمَجَّسَ دَخَلَ فِي دِينِ الْمَجُوسِ كَمَا يُقَالُ تَهَوَّدَ أَوْ تَنَصَّرَ إذَا دَخَلَ فِي دِينِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى. اهـ. وَفِيهِ الْوَثَنُ الصَّنَمُ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ خَشَبٍ أَوْ حَجَرٍ أَوْ غَيْرِهِ وَالْجَمْعُ وُثْنٌ مِثْلُ أَسَدٍ وَأُسْدٌ، وَأَوْثَانٌ وَيُنْسَبُ إلَيْهِ مَنْ يَتَدَيَّنُ بِعِبَادَتِهِ عَلَى لَفْظِهِ فَيُقَالُ رَجُلٌ وَثَنِيٌّ. اهـ. (قَوْلُهُ، وَلَا يَحْلِفُونَ فِي بُيُوتِ عِبَادَتِهِمْ) ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَحْضُرُهَا بَلْ هُوَ مَمْنُوعٌ عَنْ ذَلِكَ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَلَوْ قَالَ الْمُسْلِمُ لَا يَحْضُرُهَا لَكَانَ أَوْلَى لِمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة يُكْرَهُ لِلْمُسْلِمِ الدُّخُولُ فِي الْبِيعَةِ وَالْكَنِيسَةِ، وَإِنَّمَا يُكْرَهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَجْمَعُ الشَّيَاطِينِ لَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَيْسَ لَهُ حَقُّ الدُّخُولِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا تَحْرِيمِيَّةٌ؛ لِأَنَّهَا الْمُرَادَةُ عِنْدَ إطْلَاقِهِمْ، وَقَدْ أَفْتَيْت بِتَعْزِيرِ مُسْلِمٍ لَازَمَ الْكَنِيسَةَ مَعَ الْيَهُودِ. (قَوْلُهُ: وَيَحْلِفُ عَلَى الْحَاصِلِ أَيْ بِاَللَّهِ مَا بَيْنَكُمَا نِكَاحٌ قَائِمٌ وَبَيْعٌ قَائِمٌ، وَمَا يَجِبُ عَلَيْك رَدُّهُ، وَمَا هِيَ بَائِنٌ مِنْك الْآنَ فِي دَعْوَى النِّكَاحِ وَالْبَيْعِ وَالْغَصْبِ وَالطَّلَاقِ) يَعْنِي، وَلَا يَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا بِعْت؛ لِأَنَّهُ قَدْ تُبَاعُ الْعَيْنُ ثُمَّ يُقَالُ فِيهَا، وَلَا يَحْلِفُ فِي النِّكَاحِ مَا نَكَحْت؛ لِأَنَّهُ يَطْرَأُ عَلَيْهِ الْخُلْعُ، وَلَا فِي الْغَصْبِ مَا غَصَبْت؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا رَدَّهُ، وَفِي الطَّلَاقِ مَا طَلَّقْت؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ قَدْ يُجَدَّدُ بَعْدَ الْإِبَانَةِ فَيَحْلِفُ عَلَى الْحَاصِلِ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ عَلَى السَّبَبِ يَتَضَرَّرُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يَحْلِفُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ عَلَى السَّبَبِ إلَّا إذَا عَرَّضَ بِمَا ذَكَرْنَا فَحِينَئِذٍ يَحْلِفُ عَلَى الْحَاصِلِ، وَلَهُ مَعْنَيَانِ لُغَوِيٌّ وَاصْطِلَاحِيٌّ هُنَا فَالْأَوَّلُ كَمَا فِي الْقَامُوسِ الْحَاصِلُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَا بَقِيَ وَثَبَتَ وَذَهَبَ مَا سِوَاهُ حَصَلَ حُصُولًا، وَمَحْصُولًا. اهـ. وَالثَّانِي: تَحْلِيفُهُ عَلَى صُورَةِ إنْكَارِ الْمُنْكِرِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَحْلِفُ عَلَى السَّبَبِ، وَهُوَ صُورَةُ دَعْوَى الْمُدَّعِي، وَبَيَانُهُ إذَا ادَّعَى عِنْدَهُ وَدِيعَةً أَوْ قَرْضًا أَوْ غَصْبًا أَوْ بَيْعًا فَهُوَ يُنْكِرُ وَيَقُولُ لَيْسَ لَك عَلَيَّ شَيْءٌ فَعَلَى قَوْلِهِمَا يَحْلِفُ عَلَى صُورَةِ إنْكَارِهِ بِاَللَّهِ لَيْسَ لَهُ عِنْدَك شَيْءٌ، وَلَا عَلَيْك دَيْنٌ وَعِنْدَهُ بِاَللَّهِ مَا أَوْدَعَهُ، وَلَا بَاعَهُ، وَلَا أَقْرَضَهُ ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ. وَقَوْلُهُ الْآنَ مُتَعَلِّقٌ بِالْجَمْعِ كَمَا أَفَادَهُ مِسْكِينٌ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ وَيَحْلِفُ عَلَى الْحَاصِلِ أَنَّ الْأَصْلَ هَذَا إذَا كَانَ سَبَبًا يَرْتَفِعُ إلَّا إذَا كَانَ فِيهِ تَرْكُ النَّظَرِ فِي جَانِبِ الْمُدَّعِي فَحِينَئِذٍ يَحْلِفُ عَلَى السَّبَبِ بِالْإِجْمَاعِ وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ تَدَّعِيَ مَبْتُوتَةٌ نَفَقَةَ الْعِدَّةِ وَالزَّوْجُ مِمَّنْ لَا يَرَاهَا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَذَكَرَ ابْنُ الْكَمَالِ أَنَّ الْكَفَرَةَ بِأَسْرِهِمْ إلَخْ) عِبَارَةُ ابْنِ الْكَمَالِ لَا؛ لِأَنَّ الْكَفَرَةَ بِأَسْرِهِمْ يَعْتَقِدُونَ اللَّهَ تَعَالَى فَإِنَّ الدَّهْرِيَّةَ إلَخْ. (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا عَرَّضَ بِمَا ذَكَرْنَا) أَيْ بِأَنْ يَقُولَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عِنْدَ طَلَبِ الْيَمِينِ مِنْهُ عَلَى السَّبَبِ إنَّ الشَّخْصَ قَدْ يَبِيعُ ثُمَّ يُقْبِلُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 214 أَوْ ادَّعَى شُفْعَةً بِالْجِوَارِ وَالْمُشْتَرِي لَا يَرَاهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ عَلَى الْحَاصِلِ يُصَدَّقُ فِي يَمِينِهِ فِي مُعْتَقَدِهِ فَيَفُوتُ النَّظَرُ فِي حَقِّ الْمُدَّعِي، وَإِنْ كَانَ سَبَبًا لَا يَرْتَفِعُ بِرَافِعٍ فَالتَّحْلِيفُ عَلَى السَّبَبِ بِالْإِجْمَاعِ كَالْعَبْدِ الْمُسْلِمِ إذَا ادَّعَى الْعِتْقَ عَلَى مَوْلَاهُ بِخِلَافِ الْأَمَةِ وَالْعَبْدِ الْكَافِرِ؛ لِأَنَّهُ يُكَرِّرُ الرِّقَّ عَلَيْهَا بِالرِّدَّةِ وَاللِّحَاقِ بِدَارِ الْحَرْبِ وَعَلَيْهِ يُنْقَضُ الْعَهْدُ وَاللِّحَاقُ، وَلَا يُكَرَّرُ عَلَى الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَفِي قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ بِالْغَصْبِ، وَمَا يَجِبُ عَلَيْك رَدُّهُ قُصُورٌ وَالصَّوَابُ مَا فِي الْخُلَاصَةِ مَا يَجِبُ عَلَيْك رَدُّهُ، وَلَا مِثْلُهُ، وَلَا بُدَّ لَهُ، وَلَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ. اهـ. وَكَذَا فِي قَوْلِهِ مَا هِيَ بَائِنٌ مِنْك الْآنَ؛ لِأَنَّهُ خَاصٌّ بِالْبَائِنِ، وَأَمَّا الرَّجْعِيُّ فَيَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا هِيَ طَالِقٌ فِي النِّكَاحِ الَّذِي بَيْنَكُمَا، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ فَقَالَ الْإِسْبِيجَابِيُّ يَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا طَلَّقْتهَا ثَلَاثًا فِي النِّكَاحِ الَّذِي بَيْنَكُمَا. اهـ. كَمَا أَنَّ إدْخَالَ النِّكَاحِ فِي الْمَسَائِلِ الَّتِي يَحْلِفُ فِيهَا عَلَى الْحَاصِلِ عِنْدَهُمَا غَفْلَةٌ مِنْ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَالشَّارِحِينَ؛ لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ لَا يَقُولُ بِالتَّحْلِيفِ فِي النِّكَاحِ، وَلِذَا قَالَ الْإِسْبِيجَابِيُّ إنَّهُ يَحْلِفُ فِي النِّكَاحِ عَلَى قَوْلِهِمَا لَا عَلَى قَوْلِهِ ثُمَّ اخْتَلَفَا فَقَالَ مُحَمَّدٌ يَحْلِفُ عَلَى صُورَةِ إنْكَارِ الْمُنْكِرِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ عَلَى صُورَةِ دَعْوَى الْمُدَّعِي. اهـ. إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الْإِمَامَ فَرَّعَ عَلَى قَوْلِهِمَا، وَإِنْ كَانَ لَا يَقُولُ بِهِ كَتَفْرِيعِهِ فِي الْمُزَارَعَةِ عَلَى قَوْلِهِمَا وَالْمَذْهَبُ فِي التَّحْلِيفِ قَوْلُهُمَا، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ، وَلِذَا اخْتَارَهُ أَصْحَابُ الْمُتُونِ لَكِنْ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ إنَّهُ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْقَاضِيَ يَنْظُرُ إلَى إنْكَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إنْ أَنْكَرَ السَّبَبَ كَالْبَيْعِ يَحْلِفُ عَلَى السَّبَبِ، وَإِنْ أَنْكَرَ الْحُكْمَ يَحْلِفُ عَلَى الْحَاصِلِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْقُضَاةِ ذَكَرَهُ مِسْكِينٌ، وَلَمْ يَسْتَوْفِ الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْمَسَائِلَ الْمُفَرَّعَةَ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ فَمِنْهَا الْأَمَانَةُ وَالدَّيْنُ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُمَا، وَفِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْأَلْفُ يَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا لَهُ قِبَلَك مَا يَدَّعِي، وَلَا شَيْءَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ عَلَيْهِ الْأَلْفُ إلَّا دِرْهَمًا فَيَكُونُ صَادِقًا. اهـ. وَفِيمَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي التَّحْلِيفِ عَلَى الْوَدِيعَةِ قُصُورٌ وَالصَّوَابُ مَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ، وَفِي دَعْوَى الْوَدِيعَةِ إذَا لَمْ تَكُنْ حَاضِرَةً يَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا لَهُ هَذَا الْمَالُ الَّذِي ادَّعَاهُ فِي يَدَيْك وَدِيعَةً، وَلَا شَيْءَ مِنْهُ، وَلَا لَهُ قِبَلَك حَقٌّ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ مَتَى اسْتَهْلَكَهَا أَوْ دَلَّ إنْسَانًا عَلَيْهَا لَا تَكُونُ فِي يَدَيْهِ وَيَكُونُ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا فَلَا يُكْتَفَى بِقَوْلِهِ فِي يَدَيْك بَلْ يُضَمُّ إلَيْهِ، وَلَا لَهُ قِبَلَك حَقٌّ مِنْهُ احْتِيَاطًا. اهـ. وَمِنْهَا دَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ فَإِنْ كَانَ فِي مِلْكٍ مَنْقُولٍ حَاضِرٍ فِي الْمَجْلِسِ يَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا هَذَا الْعَيْنُ مِلْكُ الْمُدَّعِي مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي يَدَّعِيهِ، وَلَا شَيْءٌ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا عَنْ الْمَجْلِسِ إنْ أَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ فِي يَدِهِ، وَأَنْكَرَ كَوْنَهُ مِلْكَ الْمُدَّعِي كُلِّفَ إحْضَارَهُ لِيُشِيرَ إلَيْهِ، وَإِنْ أَنْكَرَ كَوْنَهُ فِي يَدِهِ فَإِنَّهُ يُسْتَحْلَفُ بَعْدَ صِحَّةِ الدَّعْوَى مَا لِهَذَا فِي يَدَيْك كَذَا، وَلَا شَيْءَ مِنْهُ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْك، وَلَا قِبَلَك، وَلَا قِيمَتَهُ، وَهِيَ كَذَا، وَلَا شَيْءَ مِنْهَا كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ، وَمِنْهَا دَعْوَى إجَارَةِ الضَّيْعَةِ أَوْ الدَّارِ أَوْ الْحَانُوتِ أَوْ الْعَبْدِ أَوْ دَعْوَى مُزَارَعَةٍ فِي أَرْضٍ أَوْ مُعَامَلَةٍ فِي نَخْلٍ بِاَللَّهِ مَا بَيْنَك وَبَيْنَ هَذَا الْمُدَّعِي إجَارَةٌ قَائِمَةٌ تَامَّةٌ لَازِمَةٌ الْيَوْمَ فِي هَذَا الْعَيْنِ الْمُدَّعَى، وَلَا لَهُ قِبَلَك حَقٌّ بِالْإِجَارَةِ الَّتِي وُصِفَتْ كَذَا فِي الْخِزَانَةِ، وَمِنْهَا مَا لَوْ ادَّعَتْ امْرَأَةٌ عَلَى زَوْجِهَا أَنَّهُ جَعَلَ أَمْرَهَا بِيَدِهَا، وَأَنَّهَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا، وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ فَالْمَسْأَلَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: إمَّا أَنْ يُنْكِرَ الزَّوْجُ الْأَمْرَ وَالِاخْتِيَارَ جَمِيعًا، وَفِيهِ لَا يَحْلِفُ عَلَى الْحَاصِلِ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ مَا هِيَ بَائِنٌ مِنْك السَّاعَةَ رُبَّمَا تَأَوَّلَ قَوْلَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْوَاقِعَ بِالْأَمْرِ بِالْيَدِ رَجْعِيٌّ فَيَحْلِفُ عَلَى السَّبَبِ، وَلَكِنْ يُحْتَاطُ فِيهِ لِلزَّوْجِ بِاَللَّهِ مَا قُلْت لَهَا مُنْذُ آخِرِ تَزَوُّجٍ تَزَوَّجْتهَا أَمْرُك بِيَدِك، وَمَا تَعْلَمُ أَنَّهَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا بِحُكْمِ ذَلِكَ الْأَمْرِ، وَإِنْ أَقَرَّ بِالْأَمْرِ، وَأَنْكَرَ اخْتِيَارَهَا يَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا تَعْلَمُ أَنَّهَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا، وَإِنْ أَقَرَّ بِالِاخْتِيَارِ وَأَنْكَرَ الْأَمْرَ يَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا جَعَلْت أَمْرَ امْرَأَتِك هَذِهِ بِيَدِهَا قَبْلَ أَنْ تَخْتَارَ نَفْسَهَا فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ، وَكَذَا إنْ ادَّعَتْ أَنَّ الزَّوْجَ حَلَفَ بِطَلَاقِهَا ثَلَاثًا أَنْ لَا يَفْعَلَ كَذَا، وَقَدْ فَعَلَ فَهُوَ عَلَى التَّفْصِيلِ كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ. وَمِنْهَا أَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي حَلِفِ الْبَيْعِ قَاصِرٌ وَالْحَقُّ مَا فِي الْخِزَانَةِ مِنْ التَّفْصِيلِ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا ادَّعَى الشِّرَاءَ فَإِنْ ذَكَرَ نَقْدَ الثَّمَنِ فَادَّعَى عَلَيْهِ يَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا هَذَا الْعَبْدُ مِلْكُ الْمُدَّعِي، وَلَا شَيْءٌ مِنْهُ بِالسَّبَبِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الْإِمَامَ فَرَّعَ عَلَى قَوْلِهِمَا) أَوْ يُقَالُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ مَعَ النِّكَاحِ دَعْوَى الْمَالِ كَمَا نُقِلَ عَنْ الْعَلَّامَةِ الْمَقْدِسِيَّ وَلَكِنْ ذَكَرَهُ فِي الْيَعْقُوبِيَّةِ أَيْضًا ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا بَعِيدٌ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ يَحْلِفُ عِنْدَهُ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْمَالِ لَا عَلَى عَدَمِ النِّكَاحِ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَفِيمَا ذَكَرَهُ) أَيْ فِي أَوَّلِ الصَّفْحَةِ السَّابِقَةِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 215 الَّذِي ادَّعَى، وَلَا يَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا بِعْته، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الْمُشْتَرِي نَقْدَ الثَّمَنِ يُقَالُ لَهُ أَحْضِرْ الثَّمَنَ فَإِذَا حَضَرَ اسْتَحْلَفَهُ الْقَاضِي بِاَللَّهِ مَا عَلَيْك قَبْضُ هَذَا الثَّمَنِ وَتَسْلِيمُ هَذَا الْعَبْدِ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي ادَّعَى، وَإِنْ شَاءَ حَلَفَ بِاَللَّهِ مَا بَيْنَك وَبَيْنَ هَذَا شِرَاءٌ قَائِمٌ السَّاعَةَ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ دَعْوَى الشِّرَاءِ مَعَ نَقْدِ الثَّمَنِ دَعْوَى الْمَبِيعِ مِلْكًا مُطْلَقًا، وَلَيْسَتْ بِدَعْوَى الْعَقْدِ، وَلِهَذَا تَصِحُّ مَعَ جَهَالَةِ الثَّمَنِ فَيَحْلِفُ عَلَى مِلْكِ الْمَبِيعِ وَدَعْوَى الْبَيْعِ مَعَ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ دَعْوَى الثَّمَنِ مَعْنًى، وَلَيْسَتْ بِدَعْوَى الْعَقْدِ، وَلِهَذَا تَصِحُّ مَعَ جَهَالَةِ الْمَبِيعِ فَيَحْلِفُ عَلَى مِلْكِ الثَّمَنِ. اهـ. وَمِنْهَا فِي دَعْوَى الْكَفَالَةِ إذَا كَانَتْ صَحِيحَةً بِأَنْ ذَكَرَ أَنَّهَا مُنْجَزَةٌ أَوْ مُعَلَّقَةٌ بِشَرْطٍ مُتَعَارَفٍ، وَأَنَّهَا كَانَتْ بِإِذْنِهِ أَوْ أَجَازَهَا فِي الْمَجْلِسِ، وَإِذَا حَلَّفَهُ يُحَلِّفُهُ بِاَللَّهِ مَا لَهُ قِبَلَك هَذِهِ الْأَلْفُ بِسَبَبِ هَذِهِ الْكَفَالَةِ الَّتِي يَدَّعِيهَا حَتَّى لَا يَتَنَاوَلَ كَفَالَةً أُخْرَى وَكَذَا إذَا كَانَتْ كَفَالَةٌ يَعْرِضُ بِاَللَّهِ مَا لَهُ قِبَلَك هَذَا الثَّوْبُ بِسَبَبِ هَذِهِ الْكَفَالَةِ، وَفِي النَّفْسِ بِاَللَّهِ مَا لَهُ قِبَلَك تَسْلِيمُ نَفْسِ فُلَانٍ بِسَبَبِ هَذِهِ الْكَفَالَةِ الَّتِي يَدَّعِيهَا كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ، وَمِنْهَا تَحْلِيفُ الْمُسْتَحِقِّ قَالَ فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ رَجُلٌ أَعَارَ دَابَّةً أَوْ آجَرَهَا أَوْ أَوْدَعَهَا فَجَاءَ مُدَّعٍ، وَأَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهَا لَهُ لَا يُقْضَى لَهُ بِشَيْءٍ حَتَّى يَحْلِفَ بِاَللَّهِ مَا بِعْت، وَلَا وَهَبْت، وَلَا أَذِنْت فِيهَا، وَلَا هِيَ خَارِجَةٌ عَنْ مِلْكِك لِلْحَالِ، وَمِنْهَا إذَا ادَّعَى غَرِيمُ الْمَيِّتِ إيفَاءَ الدَّيْنِ لَهُ، وَأَنْكَرَ الْوَارِثُ يَحْلِفُ مَا نَعْلَمُ أَنَّهُ قَبَضَهُ، وَلَا شَيْئًا مِنْهُ، وَلَا بَرِئَ إلَيْهِ مِنْهُ كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ، وَقَدَّمْنَا كَيْفِيَّةَ تَحْلِيفِ مُدَّعِيهِ عَلَى الْمَيِّتِ، وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَقُولُ: قَوْلُهُ: وَلَا بَرِئَ إلَى آخِرِهِ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الْإِيفَاءَ لَا الْبَرَاءَةَ فَلَا وَجْهَ لِذِكْرِهِ فِي التَّحْلِيفِ. اهـ. وَأَجَبْت عَنْهُ فِيمَا كَتَبْنَاهُ عَلَيْهِ بِجَوَازِ أَنَّ الْمَيِّتَ أَبْرَأَهُ، وَلَمْ يَعْلَمْ الْمَدْيُونُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قَبُولِهِ، وَمِنْهَا فِي دَعْوَى الْإِتْلَافِ قَالَ فِي الْخِزَانَةِ ادَّعَى عَلَى آخَرَ أَنَّهُ خَرَقَ ثَوْبَهُ، وَأَحْضَرَ الثَّوْبَ مَعَهُ إلَى الْقَاضِي لَا يُحَلِّفُهُ مَا خَرَقْت ثُمَّ يَنْظُرُ فِي الْخَرْقِ إنْ كَانَ يَسِيرًا وَضَمِنَ النُّقْصَانَ يَحْلِفُ مَا لَهُ عَلَيْك هَذَا الْقَدْرُ مِنْ الدَّرَاهِمِ الَّتِي تَدَّعِي، وَلَا أَقَلُّ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الثَّوْبُ حَاضِرًا كَلَّفَهُ الْقَاضِي بَيَانَ قِيمَتِهِ، وَمِقْدَارِ النُّقْصَانِ ثُمَّ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ وَكَذَلِكَ هَذَا فِي هَدْمِ الْحَائِطِ أَوْ فَسَادِ مَتَاعٍ أَوْ ذَبْحِ شَاةٍ أَوْ نَحْوِهِ. اهـ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ تَكَرَّرَ مِنْهُمْ فِي بَعْضِ صُوَرِ التَّحْلِيفِ تَكْرَارُ لَا فِي لَفْظِ الْيَمِينِ خُصُوصًا فِي تَحْلِيفِ مُدَّعِي دَيْنٍ عَلَى الْمَيِّتِ فَإِنَّهَا تَصِلُ إلَى خَمْسَةٍ، وَفِي الِاسْتِحْقَاقِ إلَى أَرْبَعَةٍ مَعَ قَوْلِهِمْ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ إنَّ الْيَمِينَ تَتَكَرَّرُ بِتَكْرَارِ حَرْفِ الْعَطْفِ مَعَ قَوْلِهِ لَا كَقَوْلِهِ لَا آكُلُ طَعَامًا، وَلَا شَرَابًا، وَمَعَ قَوْلِهِمْ هُنَا فِي تَغْلِيظِ الْيَمِينِ يَجِبُ الِاحْتِرَازُ عَنْ الْعَطْفِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا عُطِفَ صَارَتْ أَيْمَانًا، وَلَمْ أَرَ عَنْهُ جَوَابًا بَلْ، وَلَا مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ، وَقَدْ ظَهَرَ لِي فِي الْجَمْعِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ ادَّعَى شُفْعَةً بِالْجِوَارِ أَوْ نَفَقَةَ الْمَبْتُوتَةِ وَالْمُشْتَرِي أَوْ الزَّوْجُ لَا يَرَاهُمَا يَحْلِفُ عَلَى السَّبَبِ) يَعْنِي بِأَنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا شَافِعِيًّا مَثَلًا لِمَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ عَلَى الْحَاصِلِ يُصَدَّقُ فِي يَمِينِهِ فِي مُعْتَقَدِهِ فَيَفُوتُ النَّظَرُ فِي حَقِّ الْمُدَّعِي، وَقَدْ اُسْتُفِيدَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِمَذْهَبِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَأَمَّا مَذْهَبُ الْمُدَّعِي فَفِيهِ اخْتِلَافٌ فَقِيلَ إنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِهِ أَيْضًا، وَإِنَّمَا الِاعْتِبَارُ لِمَذْهَبِ الْقَاضِي فَلَوْ ادَّعَى شَافِعِيٌّ شُفْعَةَ الْجِوَارِ عِنْدَ حَنَفِيٍّ سَمِعَهَا، وَقِيلَ لَا، وَقِيلَ يَسْأَلُهُ الْقَاضِي هَلْ يَعْتَقِدُ وُجُوبَهَا أَوْ لَا، وَفِي شَرْحِ الصَّدْرِ الشَّهِيدِ أَنَّ الْأَخِيرَ أَوْجَهُ الْأَقَاوِيلِ، وَأَحْسَنُهَا. اهـ. وَهَذَا تَصْحِيحٌ فَكَانَ هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَذَكَرَ الصَّدْرُ حِكَايَةً عَنْ الْقَاضِي أَبِي عَاصِمٍ أَنَّهُ كَانَ يُدَرِّسُ وَالْخَلِيفَةُ يَحْكُمُ فَاتَّفَقَ أَنَّ امْرَأَةً ادَّعَتْ عَلَى زَوْجِهَا نَفَقَةَ الْعِدَّةِ فَأَنْكَرَ الزَّوْجُ فَحَلَّفَهُ بِاَللَّهِ مَا عَلَيْك تَسْلِيمُ النَّفَقَةِ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي تَدَّعِي فَلَمَّا تَهَيَّأَ لِيَحْلِفَ نَظَرَتْ الْمَرْأَةُ إلَيْهِ فَعَلِمَ لِمَاذَا نَظَرَتْ إلَيْهِ فَنَادَى خَلِيفَتَهُ سَلْ الرَّجُلَ مِنْ أَيِّ الْمَحَلَّةِ هُوَ حَتَّى إنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ حَلِّفْهُ بِاَللَّهِ مَا هِيَ مُعْتَدَّةٌ مِنْك؛ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ لَا يَرَى النَّفَقَةَ لِلْمَبْتُوتَةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِنَا حَلِّفْهُ بِاَللَّهِ مَا عَلَيْك تَسْلِيمُ النَّفَقَةِ إلَيْهَا مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي تَدَّعِي نَظَرًا لَهَا. اهـ. فَإِنْ قُلْت قَدْ رَاعَيْتُمْ جَانِبَ الْمُدَّعِي وَتَرَكْتُمْ النَّظَرَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِجَوَازِ أَنَّهُ اشْتَرَى، وَلَا شُفْعَةَ لَهُ بِأَنْ سَلَّمَ أَوْ سَكَتَ عَنْ الطَّلَبِ قُلْتُ أَشَارَ الصَّدْرُ إلَى جَوَابِهِ بِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَجِدُ بُدًّا مِنْ إلْحَاقِ الضَّرَرِ بِأَحَدِهِمَا فَكَانَ مُرَاعَاةُ جَانِبِ الْمُدَّعِي أَوْلَى، وَأَوْجَبَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَأَجَبْت عَنْهُ فِيمَا كَتَبْنَاهُ عَلَيْهِ إلَخْ) وَأَجَابَ عَنْهُ أَيْضًا فِي نُورِ الْعَيْنِ حَيْثُ قَالَ قَوْلُهُ: لَا حَاجَةَ إلَيْهِ مَحَلُّ نَظَرٍ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعَى هُوَ إيفَاءُ مَجْمُوعِ الدَّيْنِ فَلَوْ أُرِيدَ تَسْوِيَتُهُ بِالْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ لَاكْتَفَى فِي الْحَلِفِ بِلَفْظِ مَا تَعْلَمُونَ أَنَّ أَبَاكُمْ قَبَضَهُ فَزِيَادَةُ لَفْظِ وَلَا شَيْءَ مِنْهُ تَدُلُّ قَطْعًا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ إنَّمَا هُوَ دَفْعُ جَمِيعِ الْوُجُوهِ الْمُحْتَمَلَةِ فِي جَانِبِ الْمُوَرِّثِ نَظَرًا لِلْغَرِيمِ وَشَفَقَةً عَلَيْهِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَجْهُ زِيَادَةٍ وَلَا بَرِئَ إلَيْهِ احْتِمَالُ أَنَّ الْغَرِيمَ تَجُوزَ فَأَرَادَ بِالْإِيفَاءِ الْإِبْرَاءَ نَظَرًا إلَى اتِّحَادِ مَآلِهَا، وَهُوَ خَلَاصُ الذِّمَّةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: لَا يُحَلِّفُهُ مَا خَرَقْت) أَيْ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ خَرَقَهُ، وَأَدَّى ضَمَانَهُ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَقَدْ ظَهَرَ لِي فِي الْجَمْعِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ هَكَذَا فِي النُّسْخَةِ الَّتِي كَتَبْت مِنْهَا، وَهُنَا كَلَامٌ سَاقِطٌ وَأَقُولُ: إذَا تَأَمَّلْ الْمُتَأَمِّلُ وَجَدَ التَّكْرَارَ لِتَكْرِيرِ الْمُدَّعَى فَلْيُتَأَمَّلْ. اهـ. يَعْنِي: أَنَّ الْمُدَّعِيَ، وَإِنْ ادَّعَى شَيْئًا وَاحِدًا فِي اللَّفْظِ لَكِنَّهُ مُدَّعٍ لِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ ضِمْنًا. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا مَذْهَبُ الْمُدَّعِي فَفِيهِ اخْتِلَافٌ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الِاخْتِلَافَ فِي غَيْرِ قُضَاةِ زَمَانِنَا الْمَأْمُورِينَ بِالْحُكْمِ عَلَى مَذْهَبِ مُوَلِّيهِمْ عَزَّ نَصْرُهُ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 216 ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ الْمُوجِبَ لِلْحَقِّ لَهُ، وَهُوَ الشِّرَاءُ إذَا أُثْبِتَ ثَبَتَ الْحَقُّ لَهُ وَسُقُوطُهُ إنَّمَا يَكُونُ بِأَسْبَابٍ عَارِضَةٍ فَيَصِحُّ التَّمَسُّكُ بِالْأَصْلِ حَتَّى يَقُومَ الدَّلِيلُ عَلَى الْعَارِضِ. اهـ. وَلَا خُصُوصِيَّةَ لِمَسْأَلَتَيْ الْكِتَابِ فَمَسْأَلَةُ الْإِيلَاءِ كَذَلِكَ كَمَا ذَكَرَهُ الصَّدْرُ فَيَحْلِفُ عَلَى نَفْسِ الْإِيلَاءِ إذَا قَالَتْ إنَّهُ لَا يَرَى الْوُقُوعَ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ ظَاهِرَ مَا ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ وَتَبِعَهُ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ أَنَّ مَعْرِفَةَ كَوْنِ الْمُدَّعِي شَافِعِيًّا وَنَحْوَهُ إنَّمَا هِيَ بِقَوْلِ الْمُدَّعِي، وَلَمْ أَرَ حُكْمَ مَا إذَا تَنَازَعَا فِي ذَلِكَ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمَا أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِقَوْلِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: وَعَلَى الْعِلْمِ لَوْ وَرِثَ عَبْدًا فَادَّعَاهُ آخَرُ) ؛ لِأَنَّهُ لَا عِلْمَ لَهُ بِمَا صَنَعَ الْمُوَرِّثُ فَلَا يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا ادَّعَاهُ مِلْكًا مُطْلَقًا أَوْ بِسَبَبٍ مِنْ الْمُوَرِّثِ (قَوْلُهُ وَعَلَى الْبَتَاتِ لَوْ وُهِبَ لَهُ أَوْ اشْتَرَاهُ) لِوُجُودِ الْمُطْلِقِ لِلْيَمِينِ إذْ الشِّرَاءُ سَبَبٌ لِثُبُوتِ الْمِلْكِ وَضْعًا وَكَذَا الْهِبَةُ، وَمُرَادُهُ وُصُولُهُ إلَيْهِ بِسَبَبٍ اخْتِيَارِيٍّ، وَلَوْ كَانَ غَيْرَ الشِّرَاءِ وَالْهِبَةِ، وَلَوْ قَالَ الْمُؤَلِّفُ لَوْ ادَّعَى عَلَى الْوَارِثِ عَيْنًا أَوْ دَيْنًا لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ دَعْوَى الدَّيْنِ عَلَى الْمَيِّتِ وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ الصَّدْرُ فِي دَعْوَى الدَّيْنِ عَلَى الْوَارِثِ أَنَّ الْقَاضِيَ يَسْأَلُهُ أَوَّلًا عَنْ مَوْتِ أَبِيهِ لِيَكُونَ خَصْمًا فَإِنْ أَقَرَّ بِمَوْتِهِ سَأَلَهُ عَنْ الدَّيْنِ فَإِنْ أَقَرَّ بِهِ يَسْتَوْفِيهِ الْمُدَّعِي مِنْ نَصِيبِهِ فَقَطْ، وَإِنْ أَنْكَرَ فَبَرْهَنَ الْمُدَّعِي اسْتَوْفَاهُ مِنْ التَّرِكَةِ، وَإِلَّا وَطَلَبَ يَمِينَهُ اسْتَحْلَفَهُ الْقَاضِي عَلَى الْعِلْمِ فَإِنْ حَلَفَ انْتَهَتْ، وَإِلَّا قُضِيَ عَلَيْهِ فَيَسْتَوْفِي مِنْ نَصِيبِهِ إنْ أَقَرَّ بِوُصُولِهِ إلَيْهِ، وَإِلَّا فَإِنْ صَدَّقَهُ الْمُدَّعِي فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِلَّا اُسْتُحْلِفَ عَلَى الْبَتَاتِ مَا وَصَلَ إلَيْهِ قَدْرُ الْمَالِ الْمُدَّعَى، وَلَا بَعْضُهُ فَإِنْ نَكَلَ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ، وَإِلَّا لَا هَذَا إذَا حَلَفَ عَلَى الدَّيْنِ أَوَ لَا فَإِنْ حَلَّفَهُ عَلَى الْوُصُولِ أَوَّلًا فَحَلَفَ فَلَهُ تَحْلِيفُهُ عَلَى الدَّيْنِ ثَانِيًا لِاحْتِمَالِ ظُهُورِ مَالٍ فَكَانَ فِيهِ فَائِدَةٌ مُنْتَظَرَةٌ، وَلَوْ أَرَادَ الْمُدَّعِي اسْتِحْلَافَهُ عَلَى الدَّيْنِ وَالْوُصُولِ مَعًا فَقِيلَ لَهُ ذَلِكَ وَعَامَّتُهُمْ أَنَّهُ يَحْلِفُ مَرَّتَيْنِ، وَلَا يَجْمَعُ، وَإِنْ أَنْكَرَ مَوْتَهُ حَلَّفَهُ عَلَى الْعِلْمِ فَإِنْ نَكَلَ حَلَّفَهُ عَلَى الدَّيْنِ. اهـ. مُخْتَصَرًا. وَدَعْوَى الْوَصِيَّةِ عَلَى الْوَارِثِ كَدَعْوَى الدَّيْنِ فَيَحْلِفُ عَلَى الْعِلْمِ لَوْ أَنْكَرَهَا، وَإِذَا تَنَازَعَا فِي كَوْنِهَا مِيرَاثًا فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَرِثْتُهَا فَاحْلِفْ عَلَى الْعِلْمِ وَكَذَّبَهُ الْمُدَّعِي حَلَفَ عَلَى الْبَتَاتِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الِاسْتِحْقَاقِ قَدْ تَقَرَّرَ، وَهُوَ ظُهُورُ الدَّارِ فِي يَدِهِ، وَهُوَ يُرِيدُ إسْقَاطَ يَمِينِ الْبَتَاتِ فَالْقَوْلُ لِلْمُدَّعِي فَإِذَا أَرَادَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ تَحْلِيفَهُ أَنَّهُ مَا يَعْلَمُ أَنَّهَا وَصَلَتْ إلَيْهِ بِالْمِيرَاثِ فَلَهُ ذَلِكَ فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ عَلَى الْعِلْمِ، وَإِلَّا فَعَلَى الْبَتَاتِ وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الصَّدْرِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مُدَّعِيَ الدَّيْنِ عَلَى الْمَيِّتِ إذَا ادَّعَى عَلَى وَاحِدٍ مِنْ الْوَرَثَةِ بِهِ وَحَلَّفَهُ فَلَهُ أَنْ يُحَلِّفَ الْبَاقِيَ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَتَفَاوَتُونَ فِي الْيَمِينِ وَرُبَّمَا لَا يَعْلَمُ الْأَوَّلُ بِهِ وَيَعْلَمُ بِهِ الثَّانِي، وَلَوْ ادَّعَى أَحَدُ الْوَرَثَةِ دَيْنًا عَلَى رَجُلٍ لِلْمَيِّتِ وَحَلَّفَهُ لَيْسَ لِلْبَاقِي تَحْلِيفُهُ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوَرِّثِ، وَهُوَ لَا يُحَلِّفُهُ إلَّا مَرَّةً كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى أَنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ فِي فِعْلِ الْغَيْرِ وَعَلَى الْبَتَاتِ فِي فِعْلِ نَفْسِهِ، وَلِهَذَا «حَلَّفَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْيَهُودَ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْتُمْ، وَلَا عَلِمْتُمْ لَهُ قَاتِلًا» قَالَ الْإِمَامُ الْحَلْوَانِيُّ هَذَا الْأَصْلُ مُسْتَقِيمٌ فِي الْمَسَائِلِ كُلِّهَا إلَّا فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا ادَّعَى الْإِبَاقَ وَنَحْوَهُ فَإِنَّ الْبَائِعَ يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ مَعَ أَنَّهُ فِعْلُ الْغَيْرِ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ ضَمِنَ لَهُ الْمَبِيعَ سَالِمًا عَنْ الْعُيُوبِ فَالتَّحْلِيفُ يَرْجِعُ إلَى مَا ضَمِنَ بِنَفْسِهِ فَيَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُودِعَ إذَا قَالَ إنَّ الْوَدِيعَةَ قَبَضَهَا صَاحِبُهَا يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ وَكَذَا الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ إذَا ادَّعَى قَبْضَ الْمُوَكِّلِ الثَّمَنَ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ لِادِّعَائِهِ الْعِلْمَ بِذَلِكَ كَذَا ذَكَرَ الشَّارِحُ، وَفِي الْخُلَاصَةِ لَوْ قَالَ إنْ لَمْ يَدْخُلْ فُلَانٌ الدَّارَ الْيَوْمَ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ إنَّهُ دَخَلَ يُحَلِّفُهُ عَلَى الْبَتَاتِ بِاَللَّهِ أَنَّهُ دَخَلَ الدَّارَ الْيَوْمَ. اهـ. مَعَ أَنَّهُ فِعْلُ الْغَيْرِ لِكَوْنِهِ ادَّعَى عِلْمًا بِهِ، وَفِي الْقُنْيَةِ بَاعَ الْوَصِيُّ عَبْدًا فَادَّعَى الْمُشْتَرِي بِهِ عَيْبًا، وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ يَحْلِفُ الْوَصِيُّ عَلَى الْبَتَاتِ وَالْوَكِيلُ عَلَى الْعِلْمِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ فِي يَدِ الْوَصِيِّ فَيَعْلَمُ بِالْعَيْبِ ظَاهِرًا بِخِلَافِ الْوَكِيلِ. اهـ. وَمِمَّا يَحْلِفُ فِيهِ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ مَا فِي الْقُنْيَةِ، وَلَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً مِنْ رَجُلٍ فَادَّعَتْ امْرَأَتُهُ أَنَّهَا اشْتَرَتْهَا قَبْلَ هَذَا، وَلَا بَيِّنَةَ فَلَهَا أَنْ تُحَلِّفَ الْمُشْتَرِيَ عَلَى الْعِلْمِ. اهـ. وَمِنْهُ مَا فِيهَا أَيْضًا قَالَ فِي حَالِ مَرَضِهِ لَيْسَ لِي شَيْءٌ مِنْ دَارِ الدُّنْيَا ثُمَّ مَاتَ عَنْ زَوْجَةٍ وَبِنْتٍ وَوَرَثَةٍ فَلِلْوَرَثَةِ أَنْ يُحَلِّفُوا زَوْجَتَهُ وَابْنَتَهُ عَلَى   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: يَسْتَوْفِيهِ الْمُدَّعِي مِنْ حِصَّتِهِ فَقَطْ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ عَلَى الْمَيِّتِ فَيَبْقَى إقْرَارًا فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَقَوْلُهُ: اسْتَوْفَاهُ مِنْ التَّرِكَةِ أَيْ؛ لِأَنَّ أَحَدَ الْوَرَثَةِ يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ الْبَاقِينَ فِيمَا يَدَّعِي عَلَى الْمَيِّتِ، وَقَوْلُهُ: وَإِلَّا وَطَلَبَ يَمِينَهُ أَيْ، وَإِلَّا يُبَرْهِنَ الْمُدَّعِي وَطَلَبَ يَمِينَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ اسْتَحْلَفَهُ عَلَى الْعِلْمِ أَيْ بِاَللَّهِ مَا تَعْلَمُ أَنَّ لِفُلَانِ بْنِ فُلَانٍ هَذَا عَلَى أَبِيك هَذَا الْمَالَ الَّذِي ادَّعَاهُ، وَهُوَ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَلَا شَيْءَ مِنْهُ، وَقَوْلُهُ: إنْ أَقَرَّ بِوُصُولِهِ إلَيْهِ أَيْ بِوُصُولِ نَصِيبِهِ مِنْ الْمِيرَاثِ إلَيْهِ، وَقَوْلُهُ: وَإِلَّا أَيْ، وَأَلَّا يُقِرَّ بِوُصُولِهِ إلَيْهِ وَقَوْلُهُ: فَلَهُ تَحْلِيفُهُ عَلَى الدَّيْنِ ثَانِيًا أَيْ عَلَى الْعِلْمِ. وَقَوْلُهُ: لِاحْتِمَالِ إلَخْ أَيْ أَنَّ فِي إثْبَاتِ الدَّيْنِ فَائِدَةً، وَإِنْ لَمْ يَصِلْ الْمَالُ إلَيْهِ فَإِنَّهُ مَتَى اسْتَحْلَفَهُ، وَأَقَرَّ أَوْ نَكَلَ وَثَبَتَ الدَّيْنُ فَإِذَا ظَهَرَ لِلْأَبِ مَالٌ مِنْ الْوَدِيعَةِ أَوْ الْبِضَاعَةِ عِنْدَ إنْسَانٍ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْإِثْبَاتِ فَفِيهِ فَائِدَةٌ مُنْتَظَرَةٌ، وَقَوْلُهُ: فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ عَلَى الدَّيْنِ أَيْ عَلَى الْعِلْمِ أَيْضًا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 217 أَنَّهُمَا لَا يَعْلَمَانِ شَيْئًا مِنْ تَرِكَةِ الْمُتَوَفَّى بِطَرِيقِهِ. اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ فِي يَدِهِ جَارِيَةٌ يَقُولُ أَوْدَعَنِيهَا فُلَانٌ الْغَائِبُ وَبَرْهَنَ فَقَالَ الْمُدَّعِي بَاعَهَا أَوْ وَهَبَهَا بَعْدَ الْإِيدَاعِ مِنْك عَلَيْهِ يَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا بَاعَهَا أَوْ، وَهَبَهَا مِنْك. فِي يَدِهِ عَبْدٌ وَرِثَهُ مِنْ أُمِّهِ ادَّعَى آخَرُ أَنَّهُ كَانَ أَوْدَعَهُ مِنْ أَبِيهِ يَحْلِفُ عَلَى الْعِلْمِ. اهـ. فِي كُلِّ مَوْضِعٍ وَجَبَتْ الْيَمِينُ فِيهِ عَلَى الْعِلْمِ فَحَلَفَ عَلَى الْبَتَاتِ كَفَى وَسَقَطَتْ عَنْهُ وَعَلَى عَكْسِهِ لَا، وَلَا يُقْضَى بِنُكُولِهِ عَمَّا لَيْسَ وَاجِبًا عَلَيْهِ وَالْبَتَاتُ بِمَعْنَى الْبَتِّ بِمَعْنَى الْقَطْعِ وَكَانَ الْيَمِينُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ لَا قَطْعَ فِيهَا بِخِلَافِ الْأُخْرَى، وَفِي بَعْضِ كُتُبِ الْفِقْهِ الْبَتُّ بَدَلُ الْبَتَاتِ، وَلَمْ أَرَ فِيمَا عِنْدِي مِنْ كُتُبِ اللُّغَةِ أَنَّ الْبَتَاتَ بِمَعْنَى الْقَطْعِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ فِي الْقَامُوسِ أَنَّ الْبَتَّ بِمَعْنَى الْقَطْعِ، وَأَنَّ الْبَتَاتَ الزَّادُ وَالْجِهَازُ، وَمَتَاعُ الْبَيْتِ وَالْجَمْعُ أَبِتَّةٌ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْمِصْبَاحِ وَالْمُغْرِبِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ افْتَدَى الْمُنْكِرُ يَمِينَهُ أَوْ صَالَحَهُ مِنْهَا عَلَى شَيْءٍ صَحَّ، وَلَمْ يَحْلِفْ بَعْدَهُ) أَمَّا الْجَوَازُ فَلِمَا رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا فَأَعْطَى شَيْئًا وَافْتَدَى بِيَمِينِهِ، وَلَمْ يَحْلِفْ وَعَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ افْتَدَى بِيَمِينِهِ بِمَالٍ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ يَقَعُ فِي الْقِيلِ وَالْقَالِ فَإِنَّ النَّاسَ بَيْنَ مُصَدِّقٍ، وَمُكَذِّبٍ فَإِذَا افْتَدَى بِيَمِينِهِ فَقَدْ صَانَ عِرْضَهُ، وَهُوَ حَسَنٌ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «ذُبُّوا عَنْ أَعْرَاضِكُمْ بِأَمْوَالِكُمْ» وَذَكَرَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ أَنَّ الِاحْتِرَازَ عَنْ الْيَمِينِ الصَّادِقَةِ وَاجِبٌ. اهـ. وَمُرَادُهُ ثَابِتٌ بِدَلِيلِ جَوَازِ الْحَلِفِ صَادِقًا، وَإِنَّمَا لَا يَحْلِفُ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ خُصُومَتَهُ بِأَخْذِ الْبَدَلِ عَنْهُ قَيَّدَ بِالْفِدَاءِ وَالصُّلْحِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى بِيَمِينِهِ لَمْ يَجُزْ وَكَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَحْلِفَهُ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ عَقْدُ تَمْلِيكِ الْمَالِ بِالْمَالِ وَالْيَمِينُ لَيْسَتْ بِمَالٍ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَظَاهِرُ مَا قَرَّرَهُ الشَّارِحُ أَنَّ أَخْذَ الْمَالِ فِي الْفِدَاءِ وَالصُّلْحِ عَنْ الْيَمِينِ إنَّمَا يَحِلُّ إذَا كَانَ الْمُدَّعِي مُحِقًّا لِيَكُونَ الْمَأْخُوذُ فِي حَقِّهِ بَدَلًا كَمَا فِي الصُّلْحِ عَنْ الْإِنْكَارِ فَلَوْ كَانَ مُبْطِلًا لَمْ يَحِلَّ وَالضَّمِيرُ فِي مِنْهَا عَائِدٌ إلَى يَمِينِهِ أَيْ بَدَلِهَا، وَفِي شَرْحِ مِسْكِينٍ ثُمَّ الِافْتِدَاءُ قَدْ يَكُونُ بِمَالٍ بِمِثْلِ الْمُدَّعَى، وَقَدْ يَكُونُ بِأَقَلَّ مِنْهُ، وَأَمَّا الصُّلْحُ فَإِنَّمَا يَكُونُ مِنْهُ عَلَى مَالٍ هُوَ أَقَلُّ مِنْ الْمُدَّعَى غَالِبًا كَذَا فِي النِّهَايَةِ. اهـ. قَيَّدَ بِالْإِسْقَاطِ ضِمْنَ الِافْتِدَاءِ وَالصُّلْحِ؛ لِأَنَّ إسْقَاطَهَا قَصْدًا غَيْرُ صَحِيحٍ لِمَا فِي دَعْوَى الْبَزَّازِيَّةِ آخِرَ الرَّابِعَ عَشَرَ قَالَ الْمُدَّعِي بَرِئْتَ مِنْ الْحَلِفِ أَوْ تَرَكْتُ عَلَيْهِ الْحَلِفَ أَوْ وَهَبْتُ لَا يَصِحُّ، وَلَهُ التَّحْلِيفُ بِخِلَافِ الْبَرَاءَةِ عَنْ الْمَالِ؛ لِأَنَّ التَّحْلِيفَ لِلْحَاكِمِ. اهـ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ التَّحَالُفِ] لَمَّا ذَكَرَ حُكْمَ يَمِينِ الْوَاحِدِ ذَكَرَ حُكْمَ يَمِينِ الِاثْنَيْنِ إذْ الِاثْنَانِ بَعْدَ الْوَاحِدِ وَالتَّحَالُفُ قَالَ فِي الْقَامُوسِ تَحَالَفُوا تَعَاهَدُوا. اهـ. وَفِي الْمِصْبَاحِ الْحَلِيفُ الْمُعَاهِدُ، يُقَالُ مِنْهُ تَحَالَفَا إذَا تَعَاهَدَا أَوْ تَعَاقَدَا عَلَى أَنْ يَكُونَ أَمْرُهُمَا وَاحِدًا فِي النُّصْرَةِ وَالْحِمَايَةِ. اهـ. وَلَيْسَ بِمُرَادٍ هُنَا، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ حَلِفُ الْمُتَعَاقِدِينَ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ (قَوْلُهُ: اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الثَّمَنِ أَوْ الْمَبِيعِ قُضِيَ لِمَنْ بَرْهَنَ) أَيْ اخْتَلَفَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي فِي قَدْرِ أَحَدِهِمَا، وَأَقَامَ أَحَدُهُمَا بَيِّنَةً قُضِيَ لَهُ؛ لِأَنَّ فِي الْجَانِبِ الْآخَرِ مُجَرَّدَ الدَّعْوَى، وَالْبَيِّنَةُ أَقْوَى مِنْهَا، وَفِي الْمِصْبَاحِ الْبُرْهَانُ الْحُجَّةُ، وَإِيضَاحُهَا قِيلَ النُّونُ زَائِدَةٌ، وَقِيلَ أَصْلِيَّةٌ وَحَكَى الْأَزْهَرِيُّ الْقَوْلَيْنِ فَقَالَ فِي بَابِ الثُّلَاثِيّ النُّونُ زَائِدَةٌ، وَقَوْلُهُ بَرْهَنَ فُلَانٌ مُوَلَّدٌ وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ أَبْرَه إذَا جَاءَ بِالْبُرْهَانِ كَمَا قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ، وَقَالَ فِي بَابِ الرُّبَاعِيِّ بَرْهَنَ إذَا أَتَى بِحُجَّتِهِ. اهـ. اعْلَمْ أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي الثَّمَنِ رَأْسُ الْمَالِ، وَفِي الْمَبِيعِ الْمُسْلَمُ فِيهِ، وَقَدَّمْنَا فِي بَابِهِ أَنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ إذَا اخْتَلَفَا فِي جِنْسِهِ أَوْ نَوْعِهِ أَوْ صِفَتِهِ أَوْ قَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ أَوْ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَيَتَحَالَفَانِ وَيُفْسَخُ السَّلَمُ وَيَدْخُلُ أَيْضًا مَا فِي الْكَافِي عَبْدٌ قُطِعَ عِنْدَ الْبَائِعِ فَقَالَ الْبَائِعُ قَطَعَهُ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْبَيْعِ، وَلِي عَلَيْهِ نِصْفُ الْقِيمَةِ وَكُلُّ الثَّمَنِ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي قَطَعَهُ الْبَائِعُ بَعْدَ الْبَيْعِ، وَلِي الْخِيَارُ بَيْنَ أَخْذِهِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ أَوْ تَرْكِهِ، وَلَا بَيِّنَةَ تَحَالَفَا فَإِنْ حَلَفَا أَخَذَهُ الْمُشْتَرِي بِكُلِّ ثَمَنِهِ أَوْ تَرَكَ، وَإِنْ بَرْهَنَا فَلِمُشْتَرِيهِ، وَإِنْ اتَّفَقَا أَنَّ قَاطِعَهُ بَائِعُهُ أَوْ مُشْتَرِيهِ أَوْ أَجْنَبِيٌّ وَادَّعَاهُ الْبَائِعُ قَبْلَ الْبَيْعِ وَالْمُشْتَرِي بَعْدَهُ فَالْقَوْلُ وَالْبَيِّنَةُ لِمُشْتَرِيهِ. اهـ. وَيَدْخُلُ فِي الِاخْتِلَافِ فِي الْمَبِيعِ مَا فِي الْكَافِي ادَّعَى أَنَّهُ بَاعَهُ هَذَا الْعَبْدَ بِمِائَةِ دِينَارٍ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَلَا يُقْضَى بِنُكُولِهِ عَمَّا لَيْسَ وَاجِبًا عَلَيْهِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَكُلُّ مَوْضِعٍ يَجِبُ الْيَمِينُ بَتًّا فَحَلَّفَ الْقَاضِي عَلَى الْعِلْمِ لَا يُعْتَبَرُ نُكُولُهُ، لَوْ وَجَبَ عَلَى الْعِلْمِ فَحَلَّفَهُ بَتًّا سَقَطَ عَنْهُ الْحَلِفُ إذْ الْبَتُّ أَقْوَى وَلَوْ نَكَلَ يُقْضَى عَلَيْهِ، وَقِيلَ هَذَا الْفَرْعُ مُشْكِلٌ. اهـ. أَقُولُ: وَجْهُ الْإِشْكَالِ أَنَّهُ كَيْفَ يُقْضَى عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ إلَى الْبَتِّ فَنُكُولُهُ عَنْهُ لِعَدَمِ لُزُومِهِ لَهُ فَلَا يَكُونُ بَذْلًا وَلَا إقْرَارًا وَيَزُولُ الْإِشْكَالُ بِأَنَّهُ مُسْقِطٌ لِلْيَمِينِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِ فَاعْتُبِرَ فَيَكُونُ قَضَاءً بَعْدَ نُكُولٍ عَنْ يَمِينٍ مُسْقِطٍ لِلْحَلِفِ عَنْهُ بِخِلَافِ عَكْسِهِ وَلِهَذَا يَحْلِفُ ثَانِيًا فِي صُورَةِ الْعَكْسِ لِعَدَمِ سُقُوطِ الْحَلِفِ عَنْهُ بِهَا فَنُكُولُهُ عَنْهُ لِعَدَمِ اعْتِبَارِهِ وَالِاجْتِزَاءِ بِهِ فَلَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِسَبَبِهِ تَأَمَّلْ (بَابُ التَّحَالُفِ) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 218 وَقَالَ الْمُشْتَرِي مَا اشْتَرَيْت إلَّا نِصْفَهُ بِخَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَالْقَوْلُ لِمُشْتَرِيهِ فِي النِّصْفِ وَتَحَالَفَا فِي النِّصْفِ فَيَحْلِفُ الْمُشْتَرِي فِي النِّصْفَيْنِ يَمِينًا وَاحِدَةً فَإِنْ نَكَلَ لَزِمَهُ الْبَيْعُ بِمِائَةِ دِينَارٍ، وَإِنْ حَلَفَ لَمْ يَثْبُتْ الْبَيْعُ فِي أَحَدِ النِّصْفَيْنِ وَيَحْلِفُ بَائِعُهُ فَإِنْ نَكَلَ لَزِمَهُ الْبَيْعُ بِخَمْسِمِائَةٍ، وَإِنْ حَلَفَ فُسِخَ الْبَيْعُ وَتَمَامُهُ فِيهِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ بَرْهَنَا فَلِلْمُثْبِتِ الزِّيَادَةُ) ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَاتِ لِلْإِثْبَاتِ، وَلَا تَعَارُضَ فِي الزِّيَادَةِ أَشَارَ الْمُؤَلِّفُ إلَى أَنَّهُمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ وَالْمَبِيعِ فَبَيِّنَةُ الْبَائِعِ أَوْلَى فِي الثَّمَنِ وَبَيِّنَةُ الْمُشْتَرِي أَوْلَى فِي الْمَبِيعِ نَظَرًا إلَى زِيَادَةِ الْإِثْبَاتِ، وَلَوْ حُذِفَ الْقَدْرُ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي وَصْفِ الثَّمَنِ وَالْجِنْسُ كَذَلِكَ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ فِي بَيَانِ الِاخْتِلَافِ فِي الْأَجَلِ وَسَيَأْتِي لَهُ مَزِيدٌ. اهـ. اخْتَلَفَا فِي جِنْسِ الثَّمَنِ، وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ مَنْ لَا اتِّفَاقَ عَلَى قَوْلِهِ فَلَوْ قَالَ الْبَائِعُ بِعْتُك هَذِهِ الْجَارِيَةَ بِعَبْدِك هَذَا، وَقَالَ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْتهَا مِنْك بِمِائَةِ دِينَارٍ، وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَبَيِّنَةُ الْبَائِعِ أَوْلَى كَذَا فِي النِّهَايَةِ. (قَوْلُهُ، وَإِنْ عَجَزَا، وَلَمْ يَرْضَيَا بِدَعْوَى أَحَدِهِمَا تَحَالَفَا) أَيْ اسْتَحْلَفَ الْحَاكِمُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى دَعْوَى صَاحِبِهِ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَهُوَ قِيَاسِيٌّ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُنْكِرٌ، وَأَمَّا بَعْدَهُ فَاسْتِحْسَانِيٌّ فَقَطْ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَدَّعِي شَيْئًا؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ سَالِمٌ لَهُ بَقِيَ دَعْوَى الْبَائِعِ فِي زِيَادَةِ الثَّمَنِ وَالْمُشْتَرِي يُنْكِرُهُ فَيَكْتَفِي بِحَلِفِهِ لَكِنَّا عَرَفْنَاهُ بِالنَّصِّ، وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ بِعَيْنِهَا تَحَالَفَا وَتَرَادَّا» قَيَّدَ بِعَدَمِ رِضَاهُمَا لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّ الْقَاضِيَ يَقُولُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا إمَّا أَنْ تَرْضَى بِدَعْوَى صَاحِبِك، وَإِلَّا فَسَخْنَاهُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ قَطْعُ الْمُنَازَعَةِ، وَهَذَا جِهَةٌ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا لَا يَرْضَيَانِ بِالْفَسْخِ فَإِذَا عَلِمَا بِهِ يَتَرَاضَيَانِ، وَلَوْ قَالَ: وَلَمْ يَرْضَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِدَعْوَى صَاحِبِهِ بَدَلَ قَوْلِهِ، وَلَمْ يَرْضَيَا لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ شَرْطَ التَّحَالُفِ عَدَمُ رِضَا وَاحِدٍ لَا عَدَمُ رِضَا كُلٍّ مِنْهُمَا كَمَا لَا يَخْفَى. وَأَشَارَ بِعَجْزِهِمَا إلَى أَنَّ الْبَيْعَ لَيْسَ فِيهِ خِيَارٌ لِأَحَدِهِمَا، وَلِهَذَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ إذَا كَانَ لِلْمُشْتَرِي خِيَارُ الرُّؤْيَةِ أَوْ خِيَارُ عَيْبٍ أَوْ خِيَارُ شَرْطٍ لَا يَتَحَالَفَانِ. اهـ. وَالْبَائِعُ كَالْمُشْتَرِي فَالْمَقْصُودُ أَنَّ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ الْفَسْخِ فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّحَالُفِ، وَلَكِنْ يَنْبَغِي أَنَّ الْبَائِعَ إذَا كَانَ يَدَّعِي لِزِيَادَةِ الثَّمَنِ، وَأَنْكَرَهَا الْمُشْتَرِي فَإِنَّ خِيَارَ الْمُشْتَرِي يَمْنَعُ التَّحَالُفَ، وَأَمَّا خِيَارُ الْبَائِعِ فَلَا، وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي يَدَّعِي زِيَادَةَ الْمَبِيعِ وَالْبَائِعُ يُنْكِرُهَا فَإِنَّ خِيَارَ الْبَائِعِ يَمْنَعُهُ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْفَسْخِ، وَأَمَّا خِيَارُ الْمُشْتَرِي فَلَا هَذَا مَا ظَهَرَ لِي تَخْرِيجًا لَا نَقْلًا، وَفِي الْخُلَاصَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْفَتَاوَى رَجُلٌ اشْتَرَى عَبْدًا ثُمَّ اخْتَلَفَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي فِي الثَّمَنِ فَقَالَ الْبَائِعُ إنْ كُنْتُ بِعْتُهُ إلَّا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَهُوَ حُرٌّ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي إنْ كُنْتُ اشْتَرَيْتُهُ إلَّا بِخَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَهُوَ حُرٌّ فَالْبَيْعُ لَازِمٌ، وَلَا يَعْتِقُ الْعَبْدُ وَيَلْزَمُهُ مِنْ الثَّمَنِ مَا أَقَرَّ بِهِ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِلزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ أَقَرَّ أَنَّ الْعَبْدَ قَدْ عَتَقَ فَلَا يُمْكِنُ نَقْضُهُ بَعْدَ الْعِتْقِ، وَلَا يَعْتِقُ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ مُنْكِرٌ لِلْعِتْقِ. اهـ. وَقَيَّدَ بِالِاخْتِلَافِ فِي الْقَدْرِ؛ لِأَنَّهُمَا لَوْ اخْتَلَفَا فَقَالَ الْبَائِعُ بِعْتُهُ بِالْمَيْتَةِ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْتُهُ بِالدَّرَاهِمِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ إنْكَارٌ لِلْبَيْعِ كَمَا لَوْ قَالَ طَلَّقْتُ، وَأَنَا صَبِيٌّ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَمِنْ الِاخْتِلَافِ فِي الْقَدْرِ مَا فِي الْخُلَاصَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمُحِيطِ قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ سَمِعْت أَبُو يُوسُفَ فِيمَنْ بَاعَ طَعَامًا بِعَيْنِهِ بِعَشَرَةٍ، وَقَالَ بِعْتُك جُزَافًا بِعَشَرَةٍ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْت مُكَايَلَةً يَتَحَالَفَانِ وَكَذَا كُلُّ مَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ، وَلَوْ كَانَ هَذَا فِي ثَوْبٍ فَقَالَ بِعْتُ، وَلَمْ أُسَمِّ ذِرَاعًا، وَقَالَ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْتُ مُذَارَعَةً الْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ، وَلَوْ قَالَ اشْتَرَيْتُ عَلَى أَنَّهُ كَذَا وَكَذَا ذِرَاعًا كُلُّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ، وَقَالَ الْبَائِعُ لَمْ أُسَمِّ ذِرَاعًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي وَيَتَحَالَفَانِ وَيَتَرَادَّانِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ. اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ اشْتَرَى مَزْبَلَةً بِخَمْسِمِائَةٍ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ اشْتَرَى الْأَرْضَ أَيْضًا وَالْبَائِعُ يَدَّعِي أَنَّهُ بَاعَ الْكُنَاسَةَ فَقَطْ يُحَكَّمُ الثَّمَنُ؛ إنْ صَلُحَ لَهُمَا قُضِيَ بِهِمَا، وَإِنْ مِثْلُهُ لَا يَكُونُ إلَّا ثَمَنَ الْكُنَاسَةِ قُضِيَ بِهَا فَقَطْ لَا الْأَرْضِ وَكَذَا الْحُكْمُ فِي الرِّوَايَةِ مَعَ الْمَاءِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ لَهُ أَجَمَةٌ تُسَاوِي أَلْفًا، وَفِيهَا قَصَبٌ يُسَاوِي أَلْفًا فَبَاعَ الْأَجَمَةَ بِعَشَرَةِ آلَافٍ ثُمَّ ادَّعَى الْمُشْتَرِي وُقُوعَ الْعَقْدِ عَلَى الْأَصْلِ وَالْبَائِعُ وُقُوعَ الْعَقْدِ عَلَى الْقَصَبِ أَنَّ الْعَقْدَ يَفْسُدُ، وَلَوْ اشْتَرَى   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَقَيَّدَ بِالِاخْتِلَافِ فِي الْقَدْرِ؛ لِأَنَّهُمَا لَوْ اخْتَلَفَا إلَخْ) فِي نُورِ الْعَيْنِ عَنْ قَاضِي خَانْ اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ أَحَدُهُمَا يَدَّعِي الصِّحَّةَ وَالْآخَرُ الْفَسَادَ فَالْقَوْلُ لِمُدَّعِي الصِّحَّةِ وَالْبَيِّنَةُ لِمُدَّعِي الْفَسَادِ وِفَاقًا وَفِي غَيْرِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مَنْ ادَّعَى فَسَادًا فِي صُلْبِ الْعَقْدِ فَالْقَوْلُ لَهُ ثُمَّ نَقَلَ عَنْ الْأَشْبَاهِ اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فِي الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ فَالْقَوْلُ لِمُدَّعِي الصِّحَّةِ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الصِّحَّةِ وَالْبُطْلَانِ فَالْقَوْلُ لِمُدَّعِي الْبُطْلَانِ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ ثُمَّ قَالَ يَقُولُ الْحَقِيرُ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ مَحَلُّ نَظَرٍ لِمَا مَرَّ أَنَّ فِي غَيْرِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَوْ ادَّعَى فَسَادًا فِي صُلْبِ الْعَقْدِ فَالْقَوْلُ لَهُ. اهـ. ذَكَرَ هَذَا فِي بَحْثِ اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ مِنْ الْفَصْلِ 29. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 219 سَرْجًا وَادَّعَى أَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِرِكَابِهِ أَوْ خَاتَمًا وَادَّعَى أَنَّهُ بِفَصِّهِ، وَأَنْكَرَ الْبَائِعُ يَتَحَالَفَانِ وَيَتَرَادَّانِ، وَالْبَقَّالِي اخْتَلَفَا فِي الثِّيَابِ وَالْجِرَابِ وَالنَّخْلَةِ وَالرُّطَبِ وَادَّعَى الْبَائِعُ أَحَدَهُمَا وَالْمُشْتَرِي كِلَيْهِمَا يُحَكَّمُ الثَّمَنُ فَإِذَا اسْتَوَيَا فِي الْعَادَةِ لَمْ يَجُزْ وَعَنْ الْإِمَامِ فِيمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا بِأَلْفٍ، وَقَبَضَهُ، وَقَبَضَ الْبَائِعُ الثَّمَنَ ثُمَّ زَعَمَ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ كَانَ مَعَ الْعَبْدِ أَمَةٌ بِعَيْنِهَا دَخَلَتْ فِي الْبَيْعِ، وَأَنْكَرَهُ الْبَائِعُ يَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا بَاعَهُ الْأَمَةَ مَعَهُ، وَلَا يَرُدُّ شَيْئًا مِنْ الثَّمَنِ، وَقَالَ الثَّانِي بَعْدَ الْحَلِفِ يَرُدُّ عَلَيْهِ حِصَّةَ الْأَمَةِ مِنْ الثَّمَنِ فِي الِاسْتِحْسَانِ وَكَذَا فِي كُلِّ مَا يَكُونُ مِثْلُهُ فِي الْبَيْعِ فَإِذَا كَانَ شَيْئًا لَا يَكُونُ مِثْلُهُ فِي الْبَيْعِ لَا يُصَدَّقُ. اهـ. وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ التَّحَالُفَ عِنْدَ اخْتِلَافِهِمَا فِي قَدْرِ الْمَبِيعِ عِنْدَ عَدَمِ تَحْكِيمِ الثَّمَنِ أَمَّا إذَا حُكِّمَ الثَّمَنُ فَلَا تَحَالُفَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ تَحْكِيمَ الثَّمَنِ خَارِجٌ عَنْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَلَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فِي الْمَذْهَبِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ التَّحَالُفَ فِي الْبَيْعِ لَمْ يَنْحَصِرْ فِي الِاخْتِلَافِ فِي الثَّمَنِ أَوْ الْمَبِيعِ بَلْ يَجْرِي فِي كُلِّ مَوْضِعٍ يَكُونُ كُلٌّ مِنْهُمَا مُدَّعِيًا أَوْ مُنْكَرًا لِمَا ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي بَاعَ أَمَةً وَتَقَابَضَا فَقَالَ الْبَائِعُ هِيَ لِزَيْدٍ أَمَرَنِي بِبَيْعِهَا، وَقَالَ زَيْدٌ بِعُتِّهَا مِنْك بِمِائَةِ دِينَارٍ، وَقَبَضْتَهَا وَبِعْت مِلْكَكَ فَهِيَ لِلْمُشْتَرِي وَتَحَالَفَا؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ يَدَّعِي الْأَمْرَ بِالْبَيْعِ وَالْمُقَرُّ لَهُ يُنْكِرُ وَالْمُقَرُّ لَهُ يَدَّعِي عَلَيْهِ الثَّمَنَ، وَهُوَ يُنْكِرُ، وَإِنْ حَلَفَا فَإِنْ جُهِلَتْ أَنَّهَا لِلْمُقَرِّ لَهُ وَكَذَّبَهُمَا الْمُشْتَرِي ضَمِنَ الْمُقِرُّ قِيمَتَهَا لِلْمُقَرِّ لَهُ، وَإِنْ كَانَتْ مَعْرُوفَةً أَنَّهَا لِلْمُقَرِّ لَهُ لَا ضَمَانَ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَبَدَأَ بِيَمِينِ الْمُشْتَرِي) ، وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَأَبِي يُوسُفَ آخِرًا، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ أَشَدُّهُمَا إنْكَارًا؛ لِأَنَّهُ يُطَالِبُ أَوَّلًا بِالثَّمَنِ أَوْ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَجَّلُ فَائِدَةَ النُّكُولِ، وَهُوَ إلْزَامُ الثَّمَنِ، وَلَوْ بَدَأَ بِيَمِينِ الْبَائِعِ تَتَأَخَّرُ الْمُطَالَبَةُ بِتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ إلَى زَمَانِ اسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ وَكَانَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ أَوَّلًا يَبْدَأُ بِيَمِينِ الْبَائِعِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فَالْقَوْلُ مَا قَالَهُ الْبَائِعُ» خَصَّهُ بِالذِّكْرِ، وَأَقَلُّ فَائِدَتِهِ التَّقْدِيمُ أَطْلَقَهُ، وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِبَيْعِ الْعَيْنِ بِالدَّيْنِ أَمَّا فِي بَيْعِ الْعَيْنِ بِالْعَيْنِ أَوْ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ فَالْقَاضِي مُخَيَّرٌ لِلِاسْتِوَاءِ وَصِفَةُ الْيَمِينِ أَنْ يَحْلِفَ الْبَائِعُ بِاَللَّهِ تَعَالَى مَا بَاعَهُ بِأَلْفٍ وَيَحْلِفُ الْمُشْتَرِي بِاَللَّهِ مَا اشْتَرَاهُ بِأَلْفَيْنِ، وَقَالَ فِي الزِّيَادَاتِ يَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا بَاعَهُ بِأَلْفٍ، وَلَقَدْ بَاعَهُ بِأَلْفَيْنِ وَيَحْلِفُ الْمُشْتَرِي بِاَللَّهِ مَا اشْتَرَاهُ بِأَلْفَيْنِ، وَلَقَدْ اشْتَرَاهُ بِأَلْفٍ يُضَمُّ الْإِثْبَاتُ إلَى النَّفْيِ تَأْكِيدًا وَالْأَصَحُّ الِاقْتِصَارُ عَلَى النَّفْيِ؛ لِأَنَّ الْأَيْمَانَ عَلَى ذَلِكَ وُضِعَتْ دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ الْقَسَامَةِ «بِاَللَّهِ مَا قُلْتُمْ، وَلَا عَلِمْتُمْ لَهُ قَاتِلًا» ، وَفِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ مِنْ بَابِ الِاخْتِلَافِ فِيمَا يَجِبُ لِلْبَائِعِ عَلَى الْمُشْتَرِي وَبِالْعَكْسِ مَسْأَلَةٌ الْأَصَحُّ فِيهَا تَقْدِيمُ يَمِينِ الْبَائِعِ. (قَوْلُهُ: وَفَسَخَ الْقَاضِي بِطَلَبِ أَحَدِهِمَا فَلَا يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ بِحَلِفِهِمَا) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ مَا ادَّعَاهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَيَبْقَى بَيْعٌ مَجْهُولٌ فَيَفْسَخُهُ الْقَاضِي قَطْعًا لِلْمُنَازَعَةِ أَوْ يُقَالُ إذَا لَمْ يَثْبُتْ الْبَدَلُ يَبْقَى بَيْعًا بِلَا بَدَلٍ، وَهُوَ فَاسِدٌ، وَلَا بُدَّ مِنْ الْفَسْخِ فِي فَاسِدِ الْبَيْعِ فَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ جَارِيَةً فَلِلْمُشْتَرِي وَطْؤُهَا، وَلَوْ فَسَدَ بِنَفْسِ التَّحَالُفِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ كَذَا فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمَبْسُوطِ، وَقَيَّدَ بِطَلَبِ أَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَفْسَخُهُ بِدُونِ طَلَبِ أَحَدِهِمَا كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ وَظَاهِرُ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُونَ أَنَّهُمَا لَوْ فَسَخَاهُ انْفَسَخَ بِلَا تَوَقُّفٍ عَلَى الْقَاضِي، وَإِنْ فَسَخَ أَحَدُهُمَا لَا يَكْتَفِي، وَإِنْ اكْتَفَى بِطَلَبِ أَحَدِهِمَا. (قَوْلُهُ: وَمَنْ نَكَلَ لَزِمَهُ دَعْوَى الْآخَرِ) ؛ لِأَنَّهُ جُعِلَ بَاذِلًا فَلَمْ يَبْقَ فِي دَعْوَاهُ مُعَارِضًا لِدَعْوَى الْآخَرِ فَلَزِمَ الْقَوْلُ بِثُبُوتِهِ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي الْبَدَلِ مَقْصُودًا فَإِنْ كَانَ فِي ضِمْنِ شَيْءٍ كَاخْتِلَافِهِمَا فِي الزِّقِّ فَلَا تَحَالُفَ وَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي فِي أَنَّهُ الزِّقُّ؛ لِأَنَّهُ اخْتِلَافٌ فِي الْمَقْبُوضِ وَالْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُ الْقَابِضِ وَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - حُكْمَ الِاخْتِلَافِ فِي الْوَصْفِ، وَفِيهِ تَفْصِيلٌ فَإِنْ كَانَ فِي وَصْفِ الثَّمَنِ تَحَالَفَا، وَإِنْ كَانَ فِي وَصْفِ الْمَبِيعِ كَمَا لَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْت هَذَا الْعَبْدَ عَلَى أَنَّهُ كَاتِبٌ أَوْ خَبَّازٌ فَقَالَ الْبَائِعُ لَمْ أَشْتَرِطْ فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ، وَلَا تَحَالُفَ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْأَجَلِ أَوْ فِي شَرْطِ الْخِيَارِ أَوْ فِي قَبْضِ بَعْضِ الثَّمَنِ أَوْ بَعْدَ هَلَاكِ الْمَبِيعِ أَوْ بَعْضِهِ أَوْ فِي بَدَلِ الْكِتَابَةِ أَوْ فِي رَأْسِ الْمَالِ بَعْدَ   [منحة الخالق] قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: وَبَدَأَ بِيَمِينِ الْمُشْتَرِي) قَالَ الرَّمْلِيُّ هَذَا إذَا كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي الثَّمَنِ أَمَّا لَوْ كَانَ فِي الْمَبِيعِ يَبْدَأُ بِيَمِينِ الْبَائِعِ كَمَا يُسْتَفَادُ مِمَّا يَأْتِي فِي الِاخْتِلَافِ فِي الْإِجَارَةِ تَأَمَّلْ. اهـ. قُلْت وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ لَكِنْ عِبَارَةُ ابْنِ الْكَمَالِ وَحَلَفَ الْمُشْتَرِي أَوَّلًا فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ إلَخْ يَعْنِي الِاخْتِلَافَ فِي الثَّمَنِ أَوْ فِي الْمَبِيعِ أَوْ فِيهِمَا، وَهُوَ مُخَالِفٌ أَيْضًا لِظَاهِرِ التَّعْلِيلِ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ أَشَدُّهُمَا إنْكَارًا إلَخْ تَأَمَّلْ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 220 إقَالَةِ السَّلَمِ لَمْ يَتَحَالَفَا وَالْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ) أَمَّا الِاخْتِلَافُ فِي الْأَجَلِ وَالشَّرْطِ وَالْقَبْضِ فَلِأَنَّهُ اخْتِلَافٌ فِي غَيْرِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَالْمَعْقُودِ بِهِ فَأَشْبَهَ الِاخْتِلَافَ فِي الْحَطِّ وَالْإِبْرَاءِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ بِانْعِدَامِهِ لَا يَخْتَلُّ مَا بِهِ قِوَامُ الْعَقْدِ بِخِلَافِ الِاخْتِلَافِ فِي وَصْفِ الثَّمَنِ أَوْ جِنْسِهِ حَيْثُ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الِاخْتِلَافِ فِي الْقَدْرِ فِي جَرَيَانِ التَّحَالُفِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَرْجِعُ إلَى نَفْسِ الثَّمَنِ فَإِنَّ الثَّمَنَ دَيْنٌ، وَهُوَ يُعْرَفُ بِالْوَصْفِ، وَلَا كَذَلِكَ الْأَجَلُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَصْفٍ. أَلَا تَرَى أَنَّ الثَّمَنَ مَوْجُودٌ بَعْدَ مُضِيِّهِ فَالْقَوْلُ لِمُنْكِرِ الْخِيَارِ وَالْأَجَلِ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُمَا يَثْبُتَانِ بِعَارِضِ الشَّرْطِ، وَالْقَوْلُ لِمُنْكِرِ الْعَوَارِضِ فَقَدْ جَزَمُوا هُنَا بِأَنَّ الْقَوْلَ لِمُنْكِرِ الْخِيَارِ كَمَا عَلِمْت وَذَكَرُوا فِي خِيَارِ الشَّرْطِ فِيهِ قَوْلَيْنِ قَدَّمْنَاهُمَا فِي بَابِهِ وَالْمَذْهَبُ مَا ذَكَرُوهُ هُنَا وَيُسْتَثْنَى مِنْ الِاخْتِلَافِ فِي الْأَجَلِ مَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي الْأَجَلِ فِي السَّلَمِ بِأَنْ ادَّعَاهُ أَحَدُهُمَا وَنَفَاهُ الْآخَرُ فَإِنَّ الْقَوْلَ فِيهِ لِمُدَّعِيهِ عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ فِيهِ شَرْطٌ وَتَرْكُهُ فِيهِ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ، وَإِقْدَامُهُمَا عَلَيْهِ يَدُلُّ عَلَى الصِّحَّةِ فَكَانَ الْقَوْلُ لِمُدَّعِيهِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ يَشْهَدُ لَهُ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ فِيهِ فَكَانَ الْقَوْلُ لِنَافِيهِ، وَلِهَذَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالْبَيْعِ بِأَلْفٍ إلَى شَهْرٍ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ بَاعَهُ بِأَلْفٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْأَجَلَ تُقْبَلُ كَمَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ بَاعَهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ إلَى ثَلَاثٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْآخَرُ الْخِيَارَ، وَلَوْ كَانَ وَصْفًا لِلثَّمَنِ لَمَا قُبِلَ، كَذَا ذَكَرَ الشَّارِحُ أَطْلَقَ الِاخْتِلَافَ فِي الْأَجَلِ فَشَمِلَ الِاخْتِلَافَ فِي أَصْلِهِ، وَفِي قَدْرِهِ فَالْقَوْلُ لِمُنْكِرِ الزَّائِدِ بِخِلَافِ مَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ الْأَجَلِ فِي السَّلَمِ فَإِنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي بَابِهِ وَخَرَجَ الِاخْتِلَافُ فِي مُضِيِّهِ فَإِنَّ الْقَوْلَ فِيهِ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ حَقُّهُ، وَهُوَ مُنْكِرٌ اسْتِيفَاءَ حَقِّهِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ الْبُيُوعِ مِنْ الْفَصْلِ الثَّالِثِ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي رَجُلَيْنِ تَبَايَعَا شَيْئًا وَاخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ فَقَالَ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْتُ هَذَا الشَّيْءَ بِخَمْسِينَ دِرْهَمًا إلَى عِشْرِينَ شَهْرًا عَلَى أَنْ أُؤَدِّيَ إلَيْك كُلَّ شَهْرٍ دِرْهَمَيْنِ وَنِصْفً ا، وَقَالَ الْبَائِعُ بِعْتُكَهُ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ إلَى عَشَرَةِ أَشْهُرٍ عَلَى أَنْ تُؤَدِّيَ إلَيَّ كُلَّ شَهْرٍ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ قَالَ مُحَمَّدٌ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا وَيَأْخُذُ الْبَائِعُ مِنْ الْمُشْتَرِي سِتَّةَ أَشْهُرٍ كُلَّ شَهْرٍ عَشَرَةً، وَفِي الشَّهْرِ السَّابِعِ سَبْعَةً وَنِصْفًا ثُمَّ يَأْخُذُ بَعْدَ ذَلِكَ كُلَّ شَهْرٍ دِرْهَمَيْنِ وَنِصْفًا إلَى أَنْ تَتِمَّ لَهُ مِائَةٌ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ أَقَرَّ لَهُ بِخَمْسِينَ دِرْهَمًا عَلَى أَنْ يُؤَدِّيَ إلَيْهِ كُلَّ شَهْرٍ دِرْهَمَيْنِ وَنِصْفًا وَبَرْهَنَ دَعْوَاهُ بِالْبَيِّنَةِ، وَأَقَامَ الْبَائِعُ الْبَيِّنَةَ بِزِيَادَةِ خَمْسِينَ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ مِنْ هَذِهِ الْخَمْسِينَ مَعَ مَا أَقَرَّ لَهُ بِهِ الْمُشْتَرِي فِي كُلِّ شَهْرٍ عَشَرَةً فَالزِّيَادَةُ الَّتِي يَدَّعِيهَا الْبَائِعُ فِي كُلِّ شَهْرٍ سَبْعَةٌ وَنِصْفٌ، وَمَا أَقَرَّ بِهِ الْمُشْتَرِي لَهُ فِي كُلِّ شَهْرٍ دِرْهَمَانِ وَنِصْفٌ فَإِذَا أَخَذَ فِي كُلِّ شَهْرٍ عَشَرَةً فَقَدْ أَخَذَ فِي كُلِّ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِمَّا ادَّعَاهُ خَمْسَةً وَأَرْبَعِينَ، وَمِمَّا أَقَرَّ بِهِ الْمُشْتَرِي خَمْسَةَ عَشَرَ بَقِيَ إلَى تَمَامِ مَا يَدَّعِيهِ مِنْ الْخَمْسِينَ خَمْسَةٌ فَيَأْخُذُهَا الْبَائِعُ مَعَ مَا يُقِرُّ بِهِ الْمُشْتَرِي فِي كُلِّ شَهْرٍ وَذَلِكَ سَبْعَةٌ وَنِصْفٌ ثُمَّ يَأْخُذُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي كُلِّ شَهْرٍ دِرْهَمَيْنِ وَنِصْفَهَا إلَى عِشْرِينَ شَهْرًا حَتَّى تَتِمَّ الْمِائَةُ، وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ عَجِيبَةٌ يَقِفُ عَلَيْهَا مَنْ أَمْعَنَ النَّظَرَ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ. اهـ. وَفِي كَافِي الْمُصَنِّفِ اشْتَرَى عَبْدَيْنِ صَفْقَةً أَوْ صَفْقَتَيْنِ أَحَدَهُمَا بِأَلْفٍ حَالٍّ وَالْآخَرَ بِأَلْفٍ مُؤَجَّلٍ إلَى سَنَةٍ فَرَدَّ أَحَدَهُمَا بِعَيْبٍ فَقَالَ الْمُشْتَرِي ثَمَنُ الْمَرْدُودِ حَالٌّ، وَقَالَ الْبَائِعُ مُؤَجَّلٌ فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ، وَلَمْ يَتَحَالَفَا؛ لِأَنَّهُ اخْتِلَافٌ فِي الْأَجَلِ وَكَذَا لَوْ اشْتَرَاهُمَا بِمِائَةٍ فِي صَفْقَةٍ وَقَبَضَهُمَا، وَمَاتَ أَحَدُهُمَا فِي يَدِهِ وَرَدَّهُ الْآخَرُ بِعَيْبٍ وَاخْتَلَفَا فِي قِيمَةِ الْمَرْدُودِ فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ، وَلَوْ كَانَ ثَمَنُ أَحَدِهِمَا دَرَاهِمَ وَثَمَنُ الْآخَرِ دَنَانِيرَ، وَقَبَضَهُمَا الْبَائِعُ وَاخْتَلَفَا فِي ثَمَنِ الْبَاقِي بَعْدَ رَدِّ أَحَدِهِمَا بِالْعَيْبِ فَقَالَ الْمُشْتَرِي ثَمَنُهُ دَرَاهِمُ فَرُدَّ لِي الدَّنَانِيرَ وَعَكَسَ الْبَائِعُ فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ إنْ مَاتَا، وَلَا تَحَالُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ، وَإِنْ كَانَا قَائِمَيْنِ تَحَالَفَا إجْمَاعًا. وَكَذَا إذَا اخْتَلَفَا فِي الصَّفْقَةِ فَادَّعَى الْبَائِعُ اتِّحَادَ الثَّمَنِ وَالْمُشْتَرِي تَعَدُّدَهُ فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي، وَفِي الْقُنْيَةِ لَوْ اخْتَلَفَا فِي خِيَارِ الشَّرْطِ، وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَبَيِّنَةُ مُدَّعِي خِيَارِ الشَّرْطِ أَوْلَى. اهـ. وَالِاخْتِلَافُ فِي قَدْرِهِ كَالِاخْتِلَافِ فِي أَصْلِهِ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ وَالتَّقْيِيدُ بِقَبْضِ بَعْضِ الثَّمَنِ اتِّفَاقِيٌّ إذْ الِاخْتِلَافُ فِي قَبْضِ كُلِّهِ كَذَلِكَ، وَهُوَ قَبُولُ قَوْلِ الْبَائِعِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مَفْرُوغٌ عَنْهُ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ الدَّعَاوَى كَذَا فِي النِّهَايَةِ   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 221 وَأَشَارَ بِالْأَجَلِ وَالْخِيَارِ إلَى الِاخْتِلَافِ فِي شَرْطِ الرَّهْنِ أَوْ شَرْطِ الضَّمَانِ أَوْ الْعُهْدَةِ بِالْمَالِ فَلَا تَحَالُفَ وَالْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ وَبِالِاخْتِلَافِ فِي قَبْضِ الثَّمَنِ إلَى الِاخْتِلَافِ فِي حَطِّ الْبَعْضِ أَوْ إبْرَاءِ الْكُلِّ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ أَيْضًا. وَأَمَّا إذَا اخْتَلَفَا بَعْدَ هَلَاكِ الْمَبِيعِ فَلَا تَحَالُفَ عِنْدَهُمَا وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي إلَّا إذَا اسْتَهْلَكَهُ فِي يَدِ الْبَائِعِ غَيْرُ الْمُشْتَرِي كَمَا سَنَذْكُرُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ الثَّمَنِ بَعْدَ الْإِقَالَةِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَتَحَالَفَانِ وَيُفْسَخُ الْبَيْعُ عَلَى قِيمَةِ الْهَالِكِ وَعَلَى هَذَا إذَا خَرَجَ الْمَبِيعُ عَنْ مِلْكِهِ أَوْ صَارَ بِحَالٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى رَدِّهِ بِالْعَيْبِ لَهُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَّعِي غَيْرَ الْعَقْدِ الَّذِي يَدَّعِيهِ صَاحِبُهُ وَالْآخَرُ يُنْكِرُهُ، وَأَنَّهُ يُفِيدُ دَفْعَ زِيَادَةِ الثَّمَنِ فَيَتَحَالَفَانِ كَمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي جِنْسِ الثَّمَنِ بَعْدَ هَلَاكِ السِّلْعَةِ، وَلَهُمَا أَنَّ التَّحَالُفَ بَعْدَ الْقَبْضِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ لِمَا أَنَّهُ سَلَّمَ لِلْمُشْتَرِي مَا يَدَّعِيهِ، وَقَدْ وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ فِي حَالِ قِيَامِ السِّلْعَةِ وَالتَّحَالُفُ فِيهِ يُفْضِي إلَى الْفَسْخِ، وَلَا كَذَلِكَ بَعْدَ هَلَاكِهَا لِارْتِفَاعِ الْعَقْدِ فَلَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَاهُ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يُبَالِي بِالِاخْتِلَافِ فِي السَّبَبِ بَعْدَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ، وَإِنَّمَا يُرَاعَى مِنْ الْفَائِدَةِ مَا يُوجِبُ الْعَقْدَ، وَفَائِدَةُ دَفْعِ زِيَادَةِ الثَّمَنِ لَيْسَتْ مِنْ مُوجَبَاتِهِ، وَهَذَا إذَا كَانَ الثَّمَنُ دَيْنًا فَإِنْ كَانَ عَيْنًا يَتَحَالَفَانِ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ كُلٌّ مِنْهُمَا فَكَانَ قَائِمًا بِبَقَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَيَرُدُّهُ وَيَرُدُّ الْآخَرُ مِثْلَ الْهَالِكِ إذَا كَانَ مِثْلِيًّا، وَقِيمَتَهُ إنْ كَانَ قِيَمِيًّا بِخِلَافِ مَا إذَا اخْتَلَفَا فِي جِنْسِ الثَّمَنِ بِأَنْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا أَنَّهُ دَرَاهِمُ وَالْآخَرُ أَنَّهُ دَنَانِيرُ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى ثَمَنٍ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّحَالُفِ لِلْفَسْخِ، وَهُنَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ، وَهُوَ كَافٍ لِلصِّحَّةِ. وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي جِنْسِ الثَّمَنِ كَالِاخْتِلَافِ فِي قَدْرِهِ إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ هِيَ مَا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ هَالِكًا، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ إبْرَاهِيمُ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي رَجُلٍ اشْتَرَى تِبْنًا فِي مَوْضِعَيْنِ بِكَذَا دِرْهَمًا، وَقَبَضَ تِبْنَ أَحَدِ الْمَوْضِعَيْنِ وَذَهَبَ الرِّيحُ بِتِبْنِ الْمَوْضِعِ الْآخَرِ وَاخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ مَا قُبِضَ، وَمَا ذَهَبَ فَإِنْ كَانَ مَا قُبِضَ قَائِمًا تَحَالَفَا أَوْ تَرَادَّا، وَإِنْ كَانَ مُسْتَهْلَكًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي فِي قِيَاسِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَأَمَّا إذَا اخْتَلَفَا بَعْدَ هَلَاكِ الْمَبِيعِ) قَالَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ قَوْلُهُ: فَإِنْ هَلَكَ الْمَبِيعُ أَيْ بَعْدَ قَبْضِ الثَّمَنِ إذْ قَبْلَ قَبْضِهِ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ بِهَلَاكِهِ ثُمَّ اخْتَلَفَا أَيْ فِي مِقْدَارِ الثَّمَنِ هَكَذَا ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ. اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ صَارَ بِحَالٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى رَدِّهِ بِالْعَيْبِ) قَالَ فِي الْكِفَايَةِ بِأَنْ زَادَ زِيَادَةً مُتَّصِلَةً أَوْ مُنْفَصِلَةً، وَفِي شَرْحِ دُرَرِ الْبِحَارِ أَوْ تَغَيَّرَ إلَى زِيَادَةٍ مَنْشَؤُهَا الذَّاتُ بَعْضُ الْقَبْضِ مُتَّصِلَةً كَانَتْ أَوْ مُنْفَصِلَةً كَوَلَدٍ، وَأَرْشٍ وَعُقْرٍ، وَإِذَا تَحَالَفَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ يُفْسَخُ عَلَى الْقِيمَةِ إلَّا إذَا اخْتَارَ الْمُشْتَرِي رَدَّ الْعَيْنِ مَعَ الزِّيَادَةِ وَلَوْ لَمْ تَنْشَأْ مِنْ الذَّاتِ سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ حَيْثُ السِّعْرُ أَوْ غَيْرُهُ كَانَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ يَتَحَالَفَانِ اتِّفَاقًا وَيَكُونُ الْكَسْبُ لِلْمُشْتَرِي اتِّفَاقًا. اهـ. قَالَ الرَّمْلِيُّ، وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الزِّيَادَةَ الْمُتَّصِلَةَ بِالْمَبِيعِ الَّتِي لَمْ تَتَوَلَّدْ مِنْ الْأَصْلِ مَانِعَةٌ مِنْ الرَّدِّ كَالْغَرْسِ وَالْبِنَاءِ وَطَحْنِ الْحِنْطَةِ وَشَيِّ اللَّحْمِ وَخَبْزِ الدَّقِيقِ فَإِذَا وُجِدَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَا تَحَالُفَ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَلَمْ يَذْكُرْ هَذَا الشَّارِحُ وَلَا غَالِبُ الشُّرُوحِ وَالْفَتَاوَى اخْتِلَافَهُمَا بَعْدَ الزِّيَادَةِ وَلَا بَعْدَ مَوْتِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا مَعَ شِدَّةِ الْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ، وَقَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ مُفَصَّلًا فِي التَّتَارْخَانِيَّة فَارْجِعْ إلَيْهِ إنْ شِئْت ثُمَّ بَحَثْت فِي الْكُتُبِ فَرَأَيْت ابْنَ مَالِكٍ قَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ اعْلَمْ أَنَّ مَسْأَلَةَ التَّغَيُّرِ مَذْكُورَةٌ فِي الْمَنْظُومَةِ، وَقَدْ أَهْمَلَهَا الْمُصَنِّفُ ثُمَّ تَغَيُّرُهُ إلَى زِيَادَةٍ إنْ كَانَ مِنْ حَيْثُ الذَّاتُ بَعْدَ الْقَبْضِ مُتَّصِلَةً كَانَتْ أَوْ مُنْفَصِلَةً مُتَوَلِّدَةً مِنْ عَيْنِهَا كَالْوَلَدِ أَوْ بَدَلَ الْعَيْنِ كَالْأَرْشِ وَالْعُقْرِ يَتَحَالَفَانِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لَهُمَا، وَإِذَا تَحَالَفَا يَتَرَادَّانِ الْقِيمَةَ عِنْدَهُ إلَّا إنْ شَاءَ الْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّ الْعَيْنَ مَعَ الزِّيَادَةِ، وَقِيلَ يَتَرَادَّانِ رَضِيَ الْمُشْتَرِي أَوْ لَا قَيَّدْنَا الزِّيَادَةَ بِقَوْلِنَا مِنْ حَيْثُ الذَّاتُ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مِنْ حَيْثُ السِّعْرُ يَتَحَالَفَانِ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ، وَقَيَّدْنَا بِقَوْلِنَا مُتَوَلِّدَةً مِنْ عَيْنِهَا؛ لِأَنَّهَا لَوْ لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ يَتَحَالَفَانِ اتِّفَاقًا وَيَكُونُ الْكَسْبُ لِلْمُشْتَرِي عِنْدَهُمْ جَمِيعًا، وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة، وَفِي التَّجْرِيدِ، وَإِنْ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ وَرَثَتِهِمَا أَوْ بَيْنَ وَرَثَةِ أَحَدِهِمَا وَبَيْنَ الْحَيِّ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ قَبْضِ السِّلْعَةِ يَتَحَالَفَانِ بِالْإِجْمَاعِ، وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ إلَّا أَنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْوَرَثَةِ عَلَى الْعِلْمِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ فَكَذَلِكَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لَا يَتَحَالَفَانِ وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي أَوْ قَوْلُ وَرَثَتِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ، وَفِيهَا، وَفِي الْخُلَاصَةِ رَجُلٌ اشْتَرَى شَيْئًا فَمَاتَ الْبَائِعُ أَوْ الْمُشْتَرِي وَوَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي الثَّمَنِ بَيْنَ الْحَيِّ وَوَرَثَةِ الْمَيِّتِ إنْ مَاتَ الْبَائِعُ فَإِنْ كَانَتْ السِّلْعَةُ فِي يَدِ الْوَرَثَةِ يَتَحَالَفَانِ، وَإِنْ كَانَتْ السِّلْعَةُ فِي يَدِ الْحَيِّ لَا يَتَحَالَفَانِ عِنْدَهُمَا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَتَحَالَفَانِ هَذَا إذَا مَاتَ الْبَائِعُ فَإِنْ مَاتَ الْمُشْتَرِي وَالسِّلْعَةُ فِي يَدِ الْبَائِعِ يَتَحَالَفَانِ عِنْدَ الْكُلِّ، وَإِنْ كَانَتْ السِّلْعَةُ فِي يَدِ وَرَثَةِ الْمُشْتَرِي عِنْدَهُمَا لَا يَتَحَالَفَانِ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ يَتَحَالَفَانِ وَهَلَاكُ الْعَاقِدِ بِمَنْزِلَةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَمِمَّنْ ذَكَرَ مَسْأَلَةَ التَّغَيُّرِ بِالزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ الِاخْتِيَارُ وَالْمِنْهَاجُ وَالتَّغَيُّرِ بِالْعَيْبِ الدُّرَرُ وَالْغُرَرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَاقِعَةُ حَالٍ: اخْتَلَفَ الْمُشْتَرِي مَعَ الْوَكِيلِ بِقَبْضِ الثَّمَنِ هَلْ يَجْرِي التَّحَالُفُ بَيْنَهُمَا، وَقَدْ كَتَبْت الْجَوَابَ لَا يَجْرِي إذْ الْوَكِيلُ بِالْقَبْضِ لَا يَحْلِفُ، وَإِنْ مَلَكَ الْخُصُومَةَ عِنْدَ الْإِمَامِ فَيَدْفَعُ الثَّمَنَ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ لَهُ، وَإِذَا حَضَرَ الْمُوَكِّلُ الْمُبَاشِرُ لِلْعَقْدِ وَطَلَبَهُ بِالزِّيَادَةِ يَتَحَالَفَانِ حِينَئِذٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا إذَا اخْتَلَفَا فِي جِنْسِ الثَّمَنِ) أَيْ بَعْدَ هَلَاكِ الْمَبِيعِ، وَهَذَا مُقَابِلٌ لِقَوْلِهِ، وَأَمَّا إذَا اخْتَلَفَا بَعْدَ هَلَاكِ الْمَبِيعِ إلَخْ فَإِنَّ هُنَاكَ الِاخْتِلَافَ فِي مِقْدَارِ الثَّمَنِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْمِعْرَاجِ فَصَحَّتْ الْمُقَابَلَةُ. (قَوْلُهُ: وَبِهَذَا عُلِمَ) أَيْ بِقَوْلِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا اخْتَلَفَا فِي جِنْسِ الثَّمَنِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 222 قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَتَحَالَفَانِ وَيَرُدُّ الْمُشْتَرِي مِثْلَ مَا أَخَذَ مِنْ التِّبْنِ وَالْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُهُ. اهـ. وَفِي إيضَاحِ الْكَرْمَانِيِّ لَوْ اخْتَلَفَا بَعْدَ هَلَاكِ الْجَارِيَةِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَادَّعَى الْبَائِعُ أَنَّ الثَّمَنَ عَيْنٌ، وَهُوَ هَذَا الْعَبْدُ أَوْ ادَّعَى الْمُشْتَرِي أَنَّ الثَّمَنَ عَيْنٌ وَادَّعَى الْبَائِعُ أَنَّ الثَّمَنَ دَيْنٌ لَمْ يَنْظُرْ إلَى دَعْوَى الْبَائِعِ، وَإِنَّمَا يَنْظُرُ إلَى دَعْوَى الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ فِي جَانِبِ الْبَائِعِ هَلَكَ فَكَانَ الْقَوْلُ فِي الثَّمَنِ قَوْلَ الْمُشْتَرِي فَإِنْ أَقَرَّ بِالدَّيْنِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ: وَإِنْ أَقَرَّ بِالْعَيْنِ يَتَحَالَفَا؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ فِي جَانِبِهِ قَائِمٌ، وَلَوْ تَحَالَفَا، وَقَدْ هَلَكَ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ فِي يَدِ الْآخَرِ رَدَّ مِثْلَهُ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا، وَقِيمَتَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِثْلٌ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ قَدْ انْفَسَخَ فَبَقِيَ مَقْبُوضًا مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ فَصَارَ كَالْغَاصِبِ. اهـ. وَفِي كَافِي الْمُصَنِّفِ ادَّعَى شِرَاءَ أَمَةٍ قَبَضَهَا، وَمَاتَتْ بِأَلْفٍ وَبِهَذَا الْوَصِيفِ، وَقِيمَتُهُ خَمْسُمِائَةٍ، وَقَالَ الْبَائِعُ بِعْت بِأَلْفَيْنِ حَلَفَ الْمُشْتَرِي فِي ثُلُثَيْ الْأَمَةِ وَتَحَالَفَا فِي ثُلُثِهَا وَبِعَكْسِهِ حَلَفَ الْمُشْتَرِي، وَفِيهِ اخْتَلَفَا فِي مَوْتِ الْمَبِيعِ عِنْدَ أَحَدِهِمَا فَبَرْهَنَ الْبَائِعُ أَنَّهُ مَاتَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْقَبْضِ وَبَرْهَنَ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ مَاتَ فِي يَدِ الْبَائِعِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَالْبَيِّنَةُ لِبَائِعِهِ، وَإِنْ وَقَفَا فَلَا سَابِقَ وَالْقَتْلُ كَالْمَوْتِ، وَلَوْ بَرْهَنَ الْمُشْتَرِي أَنَّ الْبَائِعَ قَتَلَهُ بَعْدَ الْبَيْعِ بِيَوْمٍ فَبَرْهَنَ الْبَائِعُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ قَتَلَهُ بَعْدَ الْبَيْعِ بِيَوْمَيْنِ فَالْبَيِّنَةُ لِلْمُشْتَرِي لِلسَّبْقِ اهـ. وَأَمَّا إذَا اخْتَلَفَا أَيْ الْمَوْلَى وَالْمُكَاتَبُ فِي بَدَلِ الْكِتَابَةِ أَيْ فِي قَدْرِهِ فَعَدَمُ التَّحَالُفِ فِي قَوْلِ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ وَالْقَوْلُ لِلْعَبْدِ مَعَ يَمِينِهِ وَقَالَا يَتَحَالَفَانِ وَتُفْسَخُ الْكِتَابَةُ كَالْبَيْعِ بِجَامِعِ قَبُولِ الْفَسْخِ، وَلَهُ أَنَّ التَّحَالُفَ فِي الْمُعَاوَضَاتِ اللَّازِمَةِ وَبَدَلِ الْكِتَابَةِ غَيْرُ لَازِمٍ عَلَى الْمُكَاتَبِ مُطْلَقًا فَلَمْ تَكُنْ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ؛ وَلِأَنَّ فَائِدَتَهُ النُّكُولُ لِيُقْضَى عَلَيْهِ وَالْمُكَاتَبُ لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِهِ، وَإِنْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا بَيِّنَةً قُبِلَتْ، وَإِنْ أَقَامَاهَا فَبَيِّنَةُ الْمَوْلَى أَوْلَى لِإِثْبَاتِهَا الزِّيَادَةَ لَكِنْ يَعْتِقُ بِأَدَاءِ قَدْرِ مَا بَرْهَنَ عَلَيْهِ، وَلَا يَمْنَعُ وُجُوبُهُ بَدَلَ الْكِتَابَةِ بَعْدَ عِتْقِهِ كَمَا لَوْ كَاتَبَهُ عَلَى أَلْفٍ عَلَى أَنَّهُ إنْ أَدَّى خَمْسَمِائَةٍ عَتَقَ وَكَمَا لَوْ اسْتَحَقَّ الْبَدَلَ بَعْدَ الْأَدَاءِ. وَأَمَّا إذَا اخْتَلَفَا أَيْ رَبُّ السَّلَمِ وَالْمُسَلَّمِ إلَيْهِ بَعْدَ إقَالَةِ عَقْدِ السَّلَمِ فِي مِقْدَارِ رَأْسِ الْمَالِ لَمْ يَتَحَالَفَا وَالْقَوْلُ لِلْمُسَلَّمِ إلَيْهِ مَعَ يَمِينِهِ، وَلَا يَعُودُ السَّلَمُ؛ لِأَنَّ الْإِقَالَةَ فِي بَابِ السَّلَمِ لَا تَحْتَمِلُ النَّقْضَ؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ فَلَا يَعُودُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ كَمَا سَيَأْتِي وَيَنْبَغِي أَخْذًا مِنْ تَعْلِيلِهِمْ أَنَّهُمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي جِنْسِهِ أَوْ نَوْعِهِ أَوْ صِفَتِهِ بَعْدَهَا فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ، وَلَمْ أَرَهُ صَرِيحًا. وَاعْلَمْ أَنَّ حُكْمَ رَأْسِ الْمَالِ بَعْدَ الْإِقَالَةِ كَحُكْمِهِ قَبْلَهَا فَلَا يَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ بِهِ بَعْدَهَا إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ لَا تَحَالُفَ إذَا اخْتَلَفَا فِيهِ بَعْدَهَا بِخِلَافِ مَا قَبْلَهَا، وَلَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهَا قَبْضُهُ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ بِخِلَافِ مَا قَبْلَهَا، وَهَذِهِ قَدَّمْنَاهَا فِي بَابِهِ، وَقَيَّدَ بِالِاخْتِلَافِ بَعْدَهَا؛ لِأَنَّهُمَا لَوْ اخْتَلَفَا قَبْلَهَا فِي قَدْرِهِ تَحَالَفَا كَالِاخْتِلَافِ فِي جِنْسِهِ وَنَوْعِهِ وَصِفَتِهِ كَالِاخْتِلَافِ فِي الْمُسَلَّمِ فِيهِ فِي الْوُجُوهِ الْأَرْبَعَةِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ، وَقَدْ عُلِمَ مِنْ تَقْرِيرِهِمْ هُنَا أَنَّ الْإِقَالَةَ تَقْبَلُ الْإِقَالَةَ إلَّا فِي إقَالَةِ السَّلَمِ، وَأَنَّ الْإِبْرَاءَ لَا يَقْبَلُهَا، وَقَدْ كَتَبْنَاهُ فِي الْفَوَائِدِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ الثَّمَنِ بَعْدَ الْإِقَالَةِ تَحَالَفَا) أَيْ اخْتَلَفَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي فِي مِقْدَارِهِ بِأَنْ قَالَ الْمُشْتَرِي كَانَ الثَّمَنُ أَلْفًا، وَقَالَ الْبَائِعُ خَمْسَمِائَةٍ، وَلَا بَيِّنَةَ لَهُمَا فَإِنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ وَيَعُودُ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ، أَطْلَقَهُ، وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ كُلٌّ مِنْ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ مَقْبُوضًا، وَلَمْ يَرُدَّهُ الْمُشْتَرِي إلَى بَائِعِهِ فَأَمَّا إذَا رَدَّ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ إلَيْهِ بِحُكْمِ الْإِقَالَةِ فَلَا تُحَالَفَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُ يَرَى النَّصَّ مَعْلُولًا بَعْدَ الْقَبْضِ أَيْضًا، وَهُمَا قَالَا كَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا تَحَالُفَ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا ثَبَتَ فِي الْبَيْعِ الْمُطْلَقِ بِالسُّنَّةِ وَالْإِقَالَةُ فَسْخٌ فِي حَقِّهِمَا إلَّا أَنَّهُ قَبْلَ الْقَبْضِ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ فَوَجَبَ الْقِيَاسُ عَلَيْهِ كَمَا قِسْنَا الْإِجَارَةَ عَلَى الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَالْوَارِثَ عَلَى الْعَاقِدِ وَالْقِيمَةَ عَلَى الْعَيْنِ فِيمَا إذَا اسْتَهْلَكَهُ فِي يَدِ الْبَائِعِ غَيْرُ الْمُشْتَرِي. (قَوْلُهُ: وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْمَهْرِ قُضِيَ لِمَنْ بَرْهَنَ) أَيْ الزَّوْجَانِ لَوْ اخْتَلَفَا فِي الْمَهْرِ قُضِيَ لِمَنْ بَرْهَنَ؛ لِأَنَّهُ فَوْرَ دَعْوَاهُ بِالْحُجَّةِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ بَرْهَنَا فَلِلْمَرْأَةِ) فَإِنَّهَا تُثْبِتُ الزِّيَادَةَ أَطْلَقَهُ، وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ مَهْرُ الْمِثْلِ يَشْهَدُ لِلزَّوْجِ بِأَنْ كَانَ مِثْلَ مَا يَدَّعِي الزَّوْجُ أَوْ أَقَلَّ؛ لِأَنَّ بَيِّنَتَهَا أَثْبَتَتْ خِلَافَ الظَّاهِرِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ يَشْهَدُ لَهَا بِأَنْ كَانَ مِثْلَ مَا تَدْعِيهِ أَوْ أَكْثَرَ فَبَيِّنَتُهُ أَوْلَى لِإِثْبَاتِهَا الْحَطَّ، وَهُوَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَبِعَكْسِهِ حَلَفَ) أَيْ لَوْ ادَّعَى الْبَائِعُ الْمَبِيعَ بِأَلْفٍ، وَهَذَا الْوَصِيفُ وَالْمُشْتَرِي الشِّرَاءَ بِأَلْفَيْنِ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 223 خِلَافُ الظَّاهِرِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَشْهَدُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بِأَنْ كَانَ بَيْنَهُمَا فَالصَّحِيحُ التَّهَاتُرُ وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَأَطْلَقَ الِاخْتِلَافَ فِي الْمَهْرِ فَشَمِلَ مَا إذَا اخْتَلَفَا فِي قَدْرِهِ كَأَلْفٍ، وَأَلْفَيْنِ أَوْ فِي جِنْسِهِ كَقَوْلِهِ هُوَ هَذَا الْعَبْدُ، وَقَالَتْ هَذِهِ الْجَارِيَةُ إلَّا فِي فَصْلٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا قِيمَةَ الْجَارِيَةِ أَوْ أَكْثَرَ فَلَهَا قِيمَةُ الْجَارِيَةِ لَا عَيْنُهَا كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالْهِدَايَةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ حُكْمَهُ بَعْدَ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَحُكْمُهُ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّ لَهَا نِصْفَ مَا ادَّعَاهُ الزَّوْجُ، وَفِي مَسْأَلَةِ الْعَبْدِ وَالْجَارِيَةِ لَهَا الْمُتْعَةُ إلَّا أَنْ يَتَرَاضَيَا عَلَى أَنْ تَأْخُذَ نِصْفَ الْجَارِيَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ عَجَزَا تَحَالَفَا، وَلَمْ يُفْسَخْ النِّكَاحُ) ؛ لِأَنَّ أَثَرَ التَّحَالُفِ فِي انْعِدَامِ التَّسْمِيَةِ، وَأَنَّهُ لَا يُخِلُّ بِصِحَّةِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ تَابِعٌ فِيهِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ عَدَمَ التَّسْمِيَةِ يُفْسِدُهُ عَلَى مَا مَرَّ فَيُفْسَخُ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُؤَلِّفُ الْبَدَاءَةَ بِيَمِينِ مَنْ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَيَبْدَأُ بِيَمِينِ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ أَوَّلَ التَّسْلِيمَيْنِ عَلَيْهِ فَيَكُونُ أَوَّلُ الْيَمِينَيْنِ عَلَيْهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: بَلْ يُحَكَّمُ مَهْرُ الْمِثْلِ فَيُقْضَى بِقَوْلِهِ لَوْ كَانَ كَمَا قَالَ أَوْ أَقَلَّ وَبِقَوْلِهَا لَوْ كَانَ كَمَا قَالَتْ أَوْ أَكْثَرَ وَبِهِ لَوْ بَيْنَهُمَا) ، وَهَذَا أَعْنِي التَّحَالُفَ أَوَّلًا ثُمَّ التَّحْكِيمُ قَوْلُ الْكَرْخِيِّ؛ لِأَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ لَا اعْتِبَارَ بِهِ مَعَ وُجُودِ التَّسْمِيَةِ وَسُقُوطِ اعْتِبَارِهَا بِالتَّحَالُفِ فَلِهَذَا يُقَدَّمُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا، وَأَمَّا عَلَى تَخْرِيجِ الرَّازِيّ فَالتَّحْكِيمُ قَبْلَ التَّحَالُفِ، وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ فِي الْمَهْرِ مَعَ بَيَانِ اخْتِلَافِ التَّصْحِيحِ وَخِلَافِ أَبِي يُوسُفَ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الْإِجَارَةِ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ تَحَالَفَا) ؛ لِأَنَّ التَّحَالُفَ فِي الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ وَالْإِجَارَةُ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ نَظِيرُهُ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الِاخْتِلَافَ فِي الْبَدَلِ أَوْ الْمُبْدَلِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَمَعَ الْقَصَّارِ كَمَا فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي، وَلَا يَشْمَلُ مَا إذَا ادَّعَى الْمَالِكُ الْأَجْرَ وَنَفَاهُ السَّاكِنُ وَالْقَوْلُ لِلْمُسْتَأْجِرِ وَكَذَا إذَا نَزَلَ الْخَانَ وَاخْتَلَفَا وَالْفَتْوَى عَلَى وُجُوبِ الْأَجْرِ إلَّا إذَا عُرِفَ بِخِلَافِهِ وَتَمَامِهِ فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَفِي التَّهْذِيبِ الِاخْتِلَافُ فِي قَدْرِ الْمُدَّةِ يُوجِبُ التَّحَالُفَ. اهـ. فَإِنْ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي الْأُجْرَةِ بَدَأَ بِيَمِينِ الْمُسْتَأْجِرِ لِكَوْنِهِ مُنْكِرًا وُجُوبَهَا، وَإِنْ وَقَعَ فِي الْمَنْفَعَةِ بَدَأَ بِيَمِينِ الْمُؤَجِّرِ، وَأَيُّهُمَا نَكَلَ لَزِمَهُ دَعْوَى صَاحِبِهِ، وَأَيُّهُمَا بَرْهَنَ قُبِلَ فَإِنْ بَرْهَنَا فَبَيِّنَةُ الْمُؤَجِّرِ أَوْلَى فِي الْأُجْرَةِ وَبَيِّنَةُ الْمُسْتَأْجِرِ أَوْلَى فِي الْمَنَافِعِ، وَإِنْ كَانَ الِاخْتِلَافُ فِيهِمَا قُبِلَتْ بَيِّنَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا فِيمَا يَدَّعِيهِ مِنْ الْفَضْلِ نَحْوُ أَنْ يَدَّعِيَ هَذَا شَهْرًا بِعَشَرَةٍ وَالْمُسْتَأْجِرُ شَهْرَيْنِ بِخَمْسَةٍ فَيُقْضَى بِشَهْرَيْنِ بِعَشَرَةٍ (قَوْلُهُ: وَبَعْدَهُ لَا وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْتَأْجِرِ) أَيْ لَوْ اخْتَلَفَا بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ فَلَا تَحَالُفَ، وَهَذَا عِنْدَهُمَا ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ هَلَاكَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ يَمْنَعُ التَّحَالُفَ عِنْدَهُمَا وَكَذَا عَلَى أَصْلِ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ الْهَلَاكَ إنَّمَا لَا يَمْنَعُ عِنْدَهُ فِي الْمَبِيعِ لِمَا أَنَّ لَهُ قِيمَةً تَقُومُ مَقَامَهُ فَيَتَحَالَفَانِ عَلَيْهَا، وَلَوْ جَرَى التَّحَالُفُ هَا هُنَا، وَفُسِخَ الْعَقْدُ فَلَا قِيمَةَ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ لَا تَتَقَوَّمُ بِنَفْسِهَا بَلْ بِالْعَقْدِ وَتَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا عَقْدَ، وَإِذَا امْتَنَعَ فَالْقَوْلُ لِلْمُسْتَأْجِرِ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ، وَنَظِيرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي التَّفْصِيلِ إجَارَةُ الْفُضُولِيِّ إنْ أَجَازَهَا الْمَالِكُ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ فَالْأُجْرَةُ لَهُ، وَإِنْ بَعْدَهُ فَلِلْعَاقِدِ، وَإِنْ فِي بَعْضِ الْمُدَّةِ فَالْمَاضِي لِلْعَاقِدِ وَالْمُسْتَقْبَلُ لِلْمَالِكِ كَمَا فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي (قَوْلُهُ وَالْبَعْضُ مُعْتَبَرٌ بِالْكُلِّ) يَعْنِي لَوْ اخْتَلَفَا بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الْبَعْضِ تَحَالَفَا، وَفُسِخَ الْعَقْدُ فِيمَا بَقِيَ وَكَانَ الْقَوْلُ فِي الْمَاضِي قَوْلَ الْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَنْعَقِدُ سَاعَةً فَسَاعَةً فَيَصِيرُ فِي كُلِّ جُزْءٍ مِنْ الْمَنْفَعَةِ كَأَنَّهُ ابْتِدَاءُ الْعَقْدِ عَلَيْهَا بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ فِيهِ دُفْعَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا تَعَذَّرَ فِي الْبَعْضِ تَعَذَّرَ فِي الْكُلِّ، وَفِي إجَارَاتِ الْبَزَّازِيَّةِ الْمُسْتَأْجِرُ إنْ كَانَ هُوَ الْمُدَّعِيَ فَهُوَ يَدَّعِي الْعَقْدَ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ وَبَعْدَهَا، وَإِنَّ الْآجِرَ فَهُوَ مُدَّعٍ قَبْلَ قَبْضِهَا وَبَعْدَ الْمُضِيِّ فَهُوَ مُدَّعِي الْعَيْنِ. اهـ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالِاسْتِيفَاءِ التَّمَكُّنُ مِنْهُ فِي الْمُدَّةِ وَبِعَدَمِهِ عَدَمُهُ لِمَا عُرِفَ أَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ فِي وُجُوبِ الْأَجْرِ، وَمِنْ فُرُوعِ التَّنَازُعِ فِي الْإِجَارَةِ مَا فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي ادَّعَى اثْنَانِ عَيْنًا أَحَدُهُمَا إجَارَةً وَالْآخَرُ شِرَاءً فَأَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِلْمُسْتَأْجِرِ فَلِمُدَّعِي الشِّرَاءِ أَنْ يُحَلِّفَهُ عَلَى دَعْوَى الشِّرَاءِ، وَلَوْ ادَّعَيَا إجَارَةً فَأَقَرَّ لِأَحَدِهِمَا لَيْسَ لِلْآخَرِ أَنْ يُحَلِّفَهُ، آجَرَ دَابَّةً بِعَيْنِهَا مِنْ رَجُلٍ ثُمَّ مِنْ آخَرَ فَأَقَامَ الْأَوَّلُ بَيِّنَةً فَإِنْ كَانَ الْآجِرُ حَاضِرًا تُقْبَلُ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ وَإِنْ كَانَ مُقِرًّا بِمَا يَدَّعِي عَلَيْهِ هَذَا الْمُدَّعِي، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا لَا تُقْبَلُ. اهـ. .   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُؤَلِّفُ الْبَدَاءَةَ بِيَمِينِ مَنْ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَدَّمَ هَذَا الشَّارِحُ فِي بَابِ الْمَهْرِ نَقْلًا عَنْ غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّهُ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا يَعْنِي اسْتِحْبَابًا؛ لِأَنَّهُ لَا رُجْحَانَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ وَاخْتَارَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ والولوالجية وَشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَكَثِيرٌ أَنَّهُ يَبْدَأُ بِيَمِينِ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ أَوَّلَ التَّسْلِيمَيْنِ عَلَيْهِ فَيَكُونُ أَوَّلُ الْيَمِينَيْنِ عَلَيْهِ كَتَقْدِيمِ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ، وَالْخِلَافُ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ أَوَّلَ التَّسْلِيمَيْنِ عَلَيْهِ) التَّسْلِيمَانِ هُمَا تَسْلِيمُ الزَّوْجِ الْمَهْرَ وَتَسْلِيمُ الْمَرْأَةِ نَفْسَهَا (قَوْلُهُ: وَمَعَ الْقَصَّارِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ وَشَمِلَ الِاخْتِلَافَ مَعَ الْقَصَّارِ تَأَمَّلْ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 224 (قَوْلُهُ: وَإِنْ اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ فَالْقَوْلُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيمَا يَصْلُحُ لَهُ) ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لَهُ وَالْمَتَاعُ لُغَةً كُلُّ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ كَالطَّعَامِ وَالْبُرِّ، وَأَثَاثِ الْبَيْتِ، وَأَصْلُهُ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ مِنْ الزَّادِ، وَهُوَ اسْمٌ مِنْ مَتَّعْته بِالتَّثْقِيلِ إذَا أَعْطَيْته ذَلِكَ وَالْجَمْعُ أَمْتِعَةٌ كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ، وَمُرَادُهُمْ مِنْ الْمَتَاعِ هُنَا مَا كَانَ فِي الْبَيْتِ، وَلَوْ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً كَمَا سَيَأْتِي فِي الْمُشْكِلِ قَالُوا وَالصَّالِحُ لَهُ الْعِمَامَةُ وَالْقَبَاءُ وَالْقَلَنْسُوَةُ وَالطَّيْلَسَانُ وَالسِّلَاحُ وَالْمِنْطَقَةُ وَالْكُتُبُ وَالْفَرَسُ وَالدِّرْعُ الْحَدِيدُ فَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ لَهُ مَعَ يَمِينِهِ، وَمَا يَصْلُحُ لَهَا الْخِمَارُ وَالدِّرْعُ وَالْأَسَاوِرَةُ وَخَوَاتِمُ النِّسَاءِ وَالْحُلِيُّ وَالْخَلْخَالُ وَنَحْوُهَا فَالْقَوْلُ لَهَا فِيهَا مَعَ الْيَمِينِ قَالُوا إلَّا إذَا كَانَ الزَّوْجُ يَبِيعُ مَا يَصْلُحُ لَهَا فَالْقَوْلُ لَهُ لِتَعَارُضِ الظَّاهِرَيْنِ، وَكَذَا إذَا كَانَتْ تَبِيعُ مَا يَصْلُحُ لَهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ لِمَا ذَكَرْنَا. وَفِي الْخَانِيَّةِ: وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي مَتَاعِ النِّسَاءِ، وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ يُقْضَى لِلزَّوْجِ أَطْلَقَ الزَّوْجَيْنِ فَشَمِلَ الْمُسْلِمَيْنِ وَالْمُسْلِمَ مَعَ الذِّمِّيَّةِ وَالْحُرَّيْنِ وَالْمَمْلُوكَيْنِ وَالْمُكَاتَبَيْنِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَالزَّوْجَيْنِ الْكَبِيرَيْنِ وَالصَّغِيرَيْنِ إذَا كَانَ الصَّغِيرُ يُجَامِعُ كَمَا فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا حُرًّا وَالْآخَرُ مَمْلُوكًا فَسَيَأْتِي وَشَمِلَ اخْتِلَافَهُمَا حَالَ بَقَاءِ النِّكَاحِ، وَمَا بَعْدَ الْفُرْقَةِ كَمَا فِي الْكَافِي، وَمَا إذَا كَانَ الْبَيْتُ مِلْكًا لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا خَاصَّةً كَمَا فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْيَدِ لَا لِلْمِلْكِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ. وَفِي الْقُنْيَةِ مِنْ بَابِ مَا يَتَعَلَّقُ بِتَجْهِيزِ الْبَنَاتِ: افْتَرَقَا، وَفِي بَيْتِهَا جَارِيَةٌ نَقَلَتْهَا مَعَ نَفْسِهَا وَاسْتَخْدَمَتْهَا سَنَةً وَالزَّوْجُ عَالِمٌ بِهِ سَاكِتٌ ثُمَّ ادَّعَاهَا فَالْقَوْلُ لَهُ؛ لِأَنَّ يَدَهُ قَدْ كَانَتْ ثَابِتَةً، وَلَمْ يُوجَدْ الْمُزِيلُ. اهـ. وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ سُكُوتَ الزَّوْجِ عِنْدَ نَقْلِهَا مَا يَصْلُحُ لَهُمَا لَا يُبْطِلُ دَعْوَاهُ، وَفِي الْبَدَائِعِ هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ تُقِرَّ الْمَرْأَةُ أَنَّ هَذَا الْمَتَاعَ اشْتَرَاهُ فَإِنْ أَقَرَّتْ بِذَلِكَ سَقَطَ قَوْلُهَا؛ لِأَنَّهَا أَقَرَّتْ بِالْمِلْكِ لِزَوْجِهَا ثُمَّ ادَّعَتْ الِانْتِقَالَ إلَيْهَا فَلَا يَثْبُتُ الِانْتِقَالُ إلَّا بِالْبَيِّنَةِ. اهـ. وَكَذَا إذَا ادَّعَتْ أَنَّهَا اشْتَرَتْهُ مِنْهُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَوْ بَرْهَنَ عَلَى شِرَائِهِ كَانَ كَإِقْرَارِهَا بِشِرَائِهِ مِنْهُ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيِّنَةٍ عَلَى الِانْتِقَالِ إلَيْهَا مِنْهُ بِهِبَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، وَلَا يَكُونُ اسْتِمْتَاعُهَا بِمُشْرِيهِ وَرِضَاهُ بِذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ مَلَّكَهَا ذَلِكَ كَمَا تَفْهَمُهُ النِّسَاءُ وَالْعَوَامُّ، وَقَدْ أَفْتَيْت بِذَلِكَ مِرَارًا، وَقَيَّدَ بِاخْتِلَافِ الزَّوْجَيْنِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ اخْتِلَافِ نِسَاءِ الزَّوْجِ دُونَهُ فَإِنَّ مَتَاعَ النِّسَاءِ بَيْنَهُنَّ عَلَى السَّوَاءِ إنْ كُنَّ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ، وَإِنْ كَانَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ فِي بَيْتٍ عَلَى حِدَةٍ فَمَا فِي بَيْتِ كُلِّ امْرَأَةٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا عَلَى مَا وَصَفْنَا، وَلَا يَشْتَرِكُ بَعْضُهُنَّ مَعَ بَعْضٍ كَذَا فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ وَالْخَانِيَّةِ، وَلِلِاحْتِرَازِ عَنْ اخْتِلَافِ الْأَبِ مَعَ بِنْتِهِ فِي جِهَازِهَا، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي النِّكَاحِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمُفْتَى بِهِ أَنَّ الْعُرْفَ إنْ كَانَ مُسْتَمِرًّا أَنَّ الْأَبَ يُجَهِّزُهَا مِلْكًا لَا عَارِيَّةً فَالْقَوْلُ لَهَا، وَلِوَرَثَتِهَا مِنْ بَعْدِهَا، وَإِنْ كَانَ الْعُرْفُ مُشْتَرَكًا كَعُرْفِ مِصْرَ فَالْقَوْلُ لِلْأَبِ، وَلِوَرَثَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ، وَلِلِاحْتِرَازِ عَنْ اخْتِلَافِ الْأَبِ وَابْنِهِ فِيمَا فِي الْبَيْتِ قَالَ فِي الْخِزَانَةِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ إذَا كَانَ الْأَبُ فِي عِيَالِ الِابْنِ فِي بَيْتِهِ فَالْمَتَاعُ كُلُّهُ لِلِابْنِ كَمَا لَوْ كَانَ الِابْنُ فِي بَيْتِ الْأَبِ وَعِيَالِهِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَمُرَادُهُمْ مِنْ الْمَتَاعِ هُنَا مَا كَانَ فِي الْبَيْتِ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ الْبَيْتُ وَمَا كَانَ فِيهِ بِدَلِيلِ مَا يَذْكُرُهُ فِي الْمَقُولَةِ الْآتِيَةِ مِنْ عِدَّةِ الْعَقَارِ وَالْمَنْزِلِ مِنْ الْمَتَاعِ الصَّالِحِ لَهُمَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَالْفَرَسُ وَالدِّرْعُ الْحَدِيدُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَكَذَا الْقَوْسُ، وَهُنَا ثَلَاثَةُ أَلْفَاظٍ الْفَرَسُ بِالْفَاءِ وَالرَّاءِ وَالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ، وَهُوَ الْحَيَوَانُ الْمَخْصُوصُ وَالْقَوْسُ بِالْقَافِ وَالْوَاوِ وَالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَالْفُرُشُ بِالْفَاءِ وَالرَّاءِ وَالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ إلَّا؛ الْأَوَّلَانِ مِمَّا يَصْلُحُ لَهُ وَالثَّالِثُ مِمَّا يَصْلُحُ لَهُمَا وَرُبَّمَا تَصَحَّفَ بَعْضُهَا فَضَبَطْتهَا لِذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ: قَالُوا إلَّا إذَا كَانَ الزَّوْجُ يَبِيعُ إلَخْ) مِثْلُهُ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ عَنْ التُّمُرْتَاشِيِّ وَمِثْلُهُ فِي الْكِفَايَةِ وَشَرْحِ الزَّيْلَعِيِّ وَعِبَارَةُ النِّهَايَةِ كَذَلِكَ إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ تَبِيعُ ثِيَابَ الرِّجَالِ وَمَا يَصْلُحُ لَهُمَا كَالْآنِيَةِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْأَمْتِعَةِ وَالْعَقَارِ فَهُوَ لِلرَّجُلِ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ، وَمَا فِي يَدِهَا فِي يَدِ الزَّوْجِ وَالْقَوْلُ فِي الدَّعَاوَى لِصَاحِبِ الْيَدِ بِخِلَافِ مَا يَخْتَصُّ بِهَا؛ لِأَنَّهُ يُعَارِضُ ظَاهِرَ الزَّوْجِ بِالْيَدِ ظَاهِرٌ أَقْوَى مِنْهُ، وَهُوَ الِاخْتِصَاصُ بِالِاسْتِعْمَالِ فَإِنَّ مَا هُوَ صَالِحٌ لِلرِّجَالِ فَهُوَ مُسْتَعْمَلٌ لِلرِّجَالِ وَمَا هُوَ مُسْتَعْمَلٌ لِلنِّسَاءِ فَهُوَ مُسْتَعْمَلٌ لِلنِّسَاءِ فَإِذَا وَقَعَ الِاشْتِبَاهُ يَرْجِعُ بِالِاسْتِعْمَالِ. اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الْعِنَايَةِ وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة قَوْلُهُ: إلَّا إذَا كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا يُفَصِّلُ أَوْ يَبِيعُ مَا يَصْلُحُ لِلْآخَرِ لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ فِي عُمُومِ نَفْيِ قَوْلِ أَحَدِهِمَا بِفِعْلِ أَوْ بَيْعِ الْآخَرِ مَا يَصْلُحُ لَهُ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا كَانَتْ تَبِيعُ ثِيَابَ الرِّجَالِ أَوْ مَا يَصْلُحُ لَهُمَا فَهُوَ لِلرَّجُلِ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ، وَمَا فِي يَدِهَا لِلزَّوْجِ وَالْقَوْلُ فِي الدَّعَاوَى لِصَاحِبِ الْيَدِ بِخِلَافِ مَا يَخْتَصُّ بِهَا؛ لِأَنَّهُ عَارَضَ يَدَ الزَّوْجِ أَقْوَى مِنْهُ، وَهُوَ الِاخْتِصَاصُ بِالِاسْتِعْمَالِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ وَيُعْلَمُ مِمَّا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ. اهـ. وَلَعَلَّ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَشَمِلَ اخْتِلَافَهُمَا حَالَ بَقَاءِ النِّكَاحِ وَمَا بَعْدَ الْفُرْقَةِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ فِي لِسَانِ الْحُكَّامِ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ فَارْجِعْ إلَيْهِ وَلَكِنْ الَّذِي هُنَا هُوَ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الشُّرَّاحُ (قَوْلُهُ: وَفِي الْبَدَائِعِ هَذَا كُلُّهُ إلَخْ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ مِمَّا يَخْتَصُّ بِالنِّسَاءِ تَأَمَّلْ وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا لَمْ يَكُنْ مِنْ ثِيَابِ الْكِسْوَةِ الْوَاجِبَةِ عَلَى الزَّوْجِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: فَلَا يَثْبُتُ الِانْتِقَالُ إلَّا بِالْبَيِّنَةِ) نُسْخَةُ الْبَدَائِعِ إلَّا بِدَلِيلٍ كَذَا بِخَطِّ شَيْخِ مَشَايِخِنَا مُنْلَا عَلِيٍّ التُّرْكُمَانِيِّ (قَوْلُهُ: فَإِنَّ مَتَاعَ النِّسَاءِ بَيْنَهُنَّ عَلَى السَّوَاءِ) أَيْ أَرْبَاعًا كَمَا فِي الْمِنَحِ عَنْ السِّرَاجِ أَيْ إنْ كُنَّ أَرْبَعًا (قَوْلُهُ: فِي بَيْتٍ عَلَى حِدَةٍ) أَيْ فِي مِسْكِينٍ مِنْ الدَّارِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: إذَا كَانَ الْأَبُ فِي عِيَالِ الِابْنِ فِي بَيْتِهِ فَالْمَتَاعُ كُلُّهُ لِلِابْنِ إلَخْ) اُنْظُرْ هَلْ يَأْتِي التَّفْصِيلُ هُنَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 225 فَمَتَاعُ الْبَيْتِ لِلْأَبِ. اهـ. ثُمَّ قَالَ قَالَ مُحَمَّدٌ: رَجُلٌ زَوَّجَ بِنْتَه، وَهِيَ وَخَتَنُهُ فِي دَارِهِ وَعِيَالِهِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ فَهُوَ لِلْأَبِ؛ لِأَنَّهُ فِي بَيْتِهِ، وَفِي يَدِهِ، وَلَهُمْ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ الثِّيَابِ. اهـ. وَجَزَمَ فِي الْخَانِيَّةِ بِمَا قَالَهُ أَبُو يُوسُفَ، وَلِلِاحْتِرَازِ أَيْضًا عَنْ إسْكَافِيٍّ وَعَطَّارٍ اخْتَلَفَا فِي آلَةِ الْأَسَاكِفَةِ أَوْ آلَةِ الْعَطَّارِينَ، وَهِيَ فِي أَيْدِيهِمَا فَإِنَّهُ يَقْضِي بِهِ بَيْنَهُمَا، وَلَا يَنْظُرُ إلَى مَا يَصْلُحُ لِأَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَتَّخِذُهُ لِنَفْسِهِ أَوْ لِلْبَيْعِ فَلَا يَصْلُحُ مُرَجِّحًا، وَلِلِاحْتِرَازِ عَمَّا إذَا اخْتَلَفَ الْمُؤَجِّرُ وَالْمُسْتَأْجِرُ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ فَإِنَّ الْقَوْلَ فِيهِ لِلْمُسْتَأْجِرِ لِكَوْنِ الْبَيْتِ مُضَافًا إلَيْهِ بِالسُّكْنَى، وَهُمَا فِي شَرْحِ الزَّيْلَعِيِّ، وَلِلِاحْتِرَازِ عَنْ اخْتِلَافِ الزَّوْجَيْنِ فِي غَيْرِ مَتَاعِ الْبَيْتِ وَكَانَ فِي أَيْدِيهِمَا فَإِنَّهُمَا كَالْأَجْنَبِيَّيْنِ يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا (قَوْلُهُ، وَلَهُ فِيمَا يَصْلُحُ لَهُمَا) أَيْ الْقَوْلُ لَهُ فِي مَتَاعٍ يَصْلُحُ لِلرَّجُلِ، وَلِلْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ، وَمَا فِي يَدِهَا فِي يَدِ الزَّوْجِ وَالْقَوْلُ فِي الدَّعَاوَى لِصَاحِبِ الْيَدِ بِخِلَافِ مَا يَخْتَصُّ بِهَا؛ لِأَنَّهُ يُعَارِضُهُ ظَاهِرٌ أَقْوَى مِنْهُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ الِاخْتِلَافُ حَالَ قِيَامِ النِّكَاحِ أَوْ بَعْدَمَا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ، وَمَا يَصْلُحُ لَهُمَا الْفُرُشُ وَالْأَمْتِعَةُ وَالْأَوَانِي وَالرَّقِيقُ وَالْمَنْزِلُ وَالْعَقَارُ وَالْمَوَاشِي وَالنُّقُودُ كَمَا فِي الْكَافِي وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الْبَيْتَ لِلزَّوْجِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهَا بَيِّنَةٌ، وَعَزَاهُ فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ إلَى الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ، وَلَوْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ يُقْضَى بِبَيِّنَتِهَا؛ لِأَنَّهَا خَارِجَةٌ مَعْنًى وَشَمِلَ كَلَامُ الْمُؤَلِّفِ مَا إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ فِي لَيْلَةِ الزِّفَافِ، وَهُوَ خِلَافُ الْمُتَعَارَفِ فِي الْفُرُشِ وَنَحْوِهَا، وَلِهَذَا قَالَ فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ لَوْ مَاتَتْ الْمَرْأَةُ فِي لَيْلَتِهَا الَّتِي زُفَّتْ إلَيْهِ فِي بَيْتِهِ لَا يُسْتَحْسَنُ أَنْ يُجْعَلَ مَتَاعُ الْفُرُشِ وَحُلِيُّ النِّسَاءِ، وَمَا يَلِيقُ بِهِنَّ لِلزَّوْجِ وَالطَّنَافِسُ وَالْقَمَاقِمُ وَالْأَبَارِيقُ وَالصَّنَادِيقُ وَالْفُرُشُ وَالْخَدَمُ وَاللُّحُفُ لِلنِّسَاءِ وَكَذَا مَا يُجَهَّزُ مِثْلُهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ مَعْرُوفًا بِتِجَارَةِ جِنْسٍ مِنْهَا فَهُوَ لَهُ. اهـ. وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ اسْتَثْنَى فِي حَالِ مَوْتِهَا مِنْ كَوْنِ مَا يَصْلُحُ لَهُمَا لَهُ مَا إذَا كَانَ مَوْتُهَا لَيْلَةَ الزِّفَافِ فَكَذَا إذَا اخْتَلَفَا حَالَ الْحَيَاةِ فِيمَا يَصْلُحُ لَهُمَا فَالْقَوْلُ لَهُ إلَّا إذَا كَانَ الِاخْتِلَافُ لَيْلَةَ الزِّفَافِ فَالْقَوْلُ لَهَا فِي الْفُرُشِ وَنَحْوِهَا لِجَرَيَانِ الْعُرْفِ غَالِبًا مِنْ أَنَّ الْفُرُشَ وَمَا ذُكِرَ مِنْ الصَّنَادِيقِ وَالْخَدَمِ تَأْتِي بِهِ الْمَرْأَةُ وَيَنْبَغِي اعْتِمَادُهُ لِلْفَتْوَى إلَّا أَنْ يُوجَدَ نَصٌّ فِي حُكْمِهِ لَيْلَةَ الزِّفَافِ عَنْ الْإِمَامِ بِخِلَافِهِ فَيُتَّبَعُ. وَاعْلَمْ أَنَّ قَاضِي خَانْ فِي الْفَتَاوَى جَعَلَ الصُّنْدُوقَ مِمَّا يَصْلُحُ لَهَا فَقَطْ وَيَنْبَغِي أَنْ يُجْعَلَ مِمَّا يَصْلُحُ لَهُمَا. (قَوْلُهُ: فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا فَلِلْحَيِّ) أَيْ مَاتَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ وَاخْتَلَفَ وَارِثُهُ مَعَ الْحَيِّ فِيمَا يَصْلُحُ لَهُمَا؛ لِأَنَّ الْيَدَ لِلْحَيِّ دُونَ الْمَيِّتِ قَيَّدَ بِكَوْنِهِمَا زَوْجَيْنِ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا إذَا طَلَّقَهَا فِي الْمَرَضِ، وَمَاتَ الزَّوْجُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ كَانَ الْمُشْكِلُ لِوَارِثِ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ أَجْنَبِيَّةً لَمْ يَبْقَ لَهَا يَدٌ، وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ كَانَ الْمُشْكِلُ لِلْمَرْأَةِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهَا تَرِثُ فَلَمْ تَكُنْ أَجْنَبِيَّةً فَكَانَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ مَاتَ الزَّوْجُ قَبْلَ الطَّلَاقِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَفِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ، وَلَوْ مَاتَ الزَّوْجُ فَقَالَتْ الْوَرَثَةُ قَدْ كَانَ الزَّوْجُ طَلَّقَكِ فِي حَيَاتِهِ ثَلَاثًا لَمْ يُصَدَّقُوا فِي حَقِّ الْأَمْتِعَةِ وَالْقَوْلُ بِاَللَّهِ مَا تَعْلَمُ أَنَّهُ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فِي صِحَّتِهِ أَوْ مَرَضِهِ، وَقَدْ مَاتَ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا فَمَا كَانَ مِنْ مَتَاعِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فَهُوَ لِوَرَثَةِ الزَّوْجِ، وَإِنْ مَاتَ فِي عِدَّةِ الْمَرْأَةِ فَهُوَ لِلْمَرْأَةِ كَأَنَّهُ لَمْ يُطَلِّقْ. اهـ. . (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَحَدُهُمَا مَمْلُوكًا فَلِلْحُرِّ فِي الْحَيَاةِ، وَلِلْحَيِّ فِي الْمَوْتِ) ؛ لِأَنَّ يَدَ الْحُرِّ أَقْوَى، وَلَا يَدَ لِلْمَيِّتِ فَخَلَتْ يَدُ الْحُرِّ عَنْ الْمُعَارِضِ أَطْلَقَ الْمَمْلُوكُ فَشَمِلَ الْمَأْذُونَ وَالْمُكَاتَبَ، وَجَعَلَاهُمَا كَالْحُرِّ؛ لِأَنَّ لَهُمَا يَدًا مُعْتَبَرَةً، وَفِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ، وَإِنْ أُعْتِقَتْ الْأَمَةُ فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَمَا فِي الْبَيْتِ قَبْلَ عِتْقِهَا فَهُوَ لِلرَّجُلِ، وَمَا بَعْدَ الْعِتْقِ قَبْلَ أَنْ تَخْتَارَ نَفْسَهَا فَهُوَ عَلَى مَا وَصَفْنَا فِي الطَّلَاقِ. اهـ. وَفِي مَسْأَلَةِ اخْتِلَافِ الزَّوْجَيْنِ تِسْعَةُ أَقْوَالٍ مَذْكُورَةٍ فِي الْخَانِيَّةِ إجْمَالًا الْأَوَّلُ مَا فِي الْكِتَابِ، وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ. الثَّانِي قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ لِلْمَرْأَةِ جِهَازُ مِثْلِهَا وَالْبَاقِي لِلرَّجُلِ يَعْنِي فِي الْمُشْكِلِ فِي الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ. الثَّالِثُ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى الْمَتَاعُ كُلُّهُ لَهُ، وَلَهَا مَا عَلَيْهِ فَقَطْ. الرَّابِعُ قَوْلُ ابْنِ مَعْنٍ وَشَرِيكٍ هُوَ بَيْنَهُمَا. الْخَامِسُ قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ كُلُّهُ لَهَا، وَلَهُ مَا عَلَيْهِ. السَّادِسُ قَوْلُ شُرَيْحٍ الْبَيْتُ لِلْمَرْأَةِ. السَّابِعُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ فِي الْمُشْكِلِ لِلزَّوْجِ فِي الطَّلَاقِ وَالْمَوْتِ وَوَافَقَ الْإِمَامَ فِيمَا لَا يُشْكِلُ   [منحة الخالق] كَمَا ذَكَرُوهُ فِي الزَّوْجَيْنِ بِأَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا عَالِمًا مَثَلًا وَالْآخَرُ جَاهِلًا، وَفِي الْبَيْتِ كُتُبٌ وَنَحْوُهَا مِمَّا يَصْلُحُ لِأَحَدِهِمَا فَقَطْ وَكَذَا لَوْ كَانَتْ الْبِنْتُ فِي عِيَالِ أَبِيهَا فَهَلْ لَهَا ثِيَابُ النِّسَاءِ وَيَقَعُ كَثِيرًا أَنَّ الْبِنْتَ يَكُونُ لَهَا جِهَازٌ فَيُطَلِّقُهَا زَوْجُهَا فَتَسْكُنُ فِي بَيْتِ أَبِيهَا فَهَلْ يَكُونُ كَمَسْأَلَةِ الزَّوْجَيْنِ أَوْ كَمَسْأَلَةِ الْإِسْكَافِ وَالْعَطَّارِ الْآتِيَةِ لَمْ أَرَهُ فَلْيُرَاجَعْ. (قَوْلُهُ: وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الْبَيْتَ لِلزَّوْجِ) الْبَيْتُ الْمَسْكَنُ وَبَيْتُ الشَّعْرِ مَعْرُوفٌ مِصْبَاحٌ وَالْبَيْتُ اسْمٌ لِمُسَقَّفٍ وَاحِدٍ مُغْرِبٌ وَلَمْ يَذْكُرْ الدَّارَ، وَإِنْ كَانَ دَاخِلًا فِي الْعَقَارِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ حُكْمَهُ مِثْلُ الْبَيْتِ بِدَلِيلِ مَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ فِي بَابِ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ عَنْ الْكَافِي حَيْثُ قَالَ: وَأَمَّا فِي عُرْفِنَا فَالدَّارُ وَالْبَيْتُ وَاحِدٌ فَيَحْنَثُ إنْ دَخَلَ صَحْنَ الدَّاخِلِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. اهـ. إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْيَمِينِ أَقُولُ: وَاَلَّذِي نَقَلَهُ الشَّارِحُ فِيمَا يَأْتِي أَنَّهَا لِلزَّوْجِ عَلَى قَوْلِهِمَا وَيُؤَيِّدُ مَا قَدَّمْنَاهُ فَلِلَّهِ الْحَمْدُ لِمُحَرِّرِهِ عَلِيٍّ يَعْنِي شَيْخَ مَشَايِخِنَا مُنْلَا عَلِيًّا التُّرْكُمَانِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. (قَوْلُهُ: الْخَامِسُ قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ إلَخْ) قَالَ فِي الْكِفَايَةِ وَعَلَى قَوْلِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ إنْ كَانَ الْبَيْتُ بَيْتَ الْمَرْأَةِ فَالْمَتَاعُ كُلُّهُ لَهَا إلَّا مَا عَلَى الزَّوْجِ مِنْ ثِيَابِ بَدَنِهِ، وَإِنْ كَانَ الْبَيْتُ لِلزَّوْجِ فَالْمَتَاعُ كُلُّهُ لَهُ اهـ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 226 الثَّامِنُ قَوْلُ زُفَرَ الْمُشْكِلُ بَيْنَهُمَا. التَّاسِعُ قَوْلُ مَالِكٍ الْكُلُّ بَيْنَهُمَا هَكَذَا حَكَى الْأَقْوَالَ فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ التَّاسِعَ هُوَ الرَّابِعُ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ هَذَا إذَا لَمْ يَقَعْ التَّنَازُعُ بَيْنَهُمَا فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ وَالنِّكَاحِ وَعَدَمِهِ فَإِنْ وَقَعَ قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: وَلَوْ كَانَتْ الدَّارُ فِي يَدِ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ فَأَقَامَتْ الْمَرْأَةُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الدَّارَ لَهَا، وَأَنَّ الرَّجُلَ عَبْدُهَا، وَأَقَامَ الرَّجُلُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الدَّارَ لَهُ وَالْمَرْأَةُ امْرَأَتُهُ تَزَوَّجَهَا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَدَفَعَ إلَيْهَا، وَلَمْ يُقِمْ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ حُرٌّ يُقْضَى بِالدَّارِ وَالرَّجُلِ لِلْمَرْأَةِ، وَلَا نِكَاحَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ أَقَامَتْ الْبَيِّنَةَ عَلَى رِقِّ الرَّجُلِ وَالرَّجُلُ لَمْ يُقِمْ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْحُرِّيَّةِ فَيُقْضَى بِالرِّقِّ، وَإِذَا قُضِيَ بِالرِّقِّ بَطَلَتْ بَيِّنَةُ الرَّجُلِ فِي الدَّارِ وَالنِّكَاحِ ضَرُورَةً، وَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ حُرُّ الْأَصْلِ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا يُقْضَى بِحُرِّيَّةِ الرَّجُلِ وَنِكَاحِ الْمَرْأَةِ وَيُقْضَى بِالدَّارِ لِلْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّا لَمَّا قَضَيْنَا بِالنِّكَاحِ صَارَ الرَّجُلُ فِي الدَّارِ صَاحِبَ يَدٍ وَالْمَرْأَةُ خَارِجَةٌ فَيُقْضَى بِالدَّارِ لَهَا كَمَا لَوْ اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ فِي دَارٍ فِي أَيْدِيهِمَا كَانَتْ الدَّارُ لِلزَّوْجِ فِي قَوْلِهِمَا، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الْمَتَاعِ وَالنِّكَاحِ فَأَقَامَتْ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْمَتَاعَ لَهَا، وَأَنَّهُ عَبْدُهَا، وَأَقَامَ أَنَّ الْمَتَاعَ لَهُ، وَأَنَّهُ تَزَوَّجَهَا بِأَلْفٍ وَنَقَدَهَا فَإِنَّهُ يُقْضَى بِهِ عَبْدًا لَهَا وَبِالْمَتَاعِ أَيْضًا لَهَا، وَإِنْ بَرْهَنَ عَلَى أَنَّهُ حُرُّ الْأَصْلِ قُضِيَ لَهُ بِالْحُرِّيَّةِ وَبِالْمَرْأَةِ وَالْمَتَاعِ إنْ كَانَ مَتَاعَ النِّسَاءِ، وَإِنْ كَانَ مُشْكِلًا قُضِيَ بِحُرِّيَّتِهِ وَبِالْمَرْأَةِ وَالْمَتَاعِ لَهَا. اهـ. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ اخْتِلَافِهِمَا فِي الْغَزْلِ وَالْقُطْنِ فَمَذْكُورَةٌ فِي الْخَانِيَّةِ عَقِبَ مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْهَا تَرَكْتُهَا طَلَبًا لِلِاخْتِصَارِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ أَصْحَابَنَا عَمِلُوا بِالظَّاهِرِ فِي مَسَائِلَ مِنْهَا مَسْأَلَةُ اخْتِلَافِهِمَا فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ فَرَجَّحُوهُ فِيمَا يَصْلُحُ لَهُ، وَهِيَ فِيمَا يَصْلُحُ لَهَا عَمَلًا بِالظَّاهِرِ، وَفِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ مِنْ آخِرِ الدَّعَاوَى قَالَ ظَاهِرٌ ثُمَّ قَالَ فِي نَوَادِرِ هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدٍ رَجُلٌ يُعْرَفُ بِالْحَاجَةِ وَالْفَقْرِ لَيْسَ بِبَيْتِهِ إلَّا بِوَرِيَّةٍ مُلْقَاةٍ صَارَ بِيَدِهِ غُلَامُ غُرِفَ بِالْيَسَارِ وَعَلَى عُنُقِ الْعَبْدِ بُدْرَةٌ فِيهَا عِشْرُونَ أَلْفَ دِينَارٍ فَادَّعَاهُ رَجُلٌ عُرِفَ بِالْيَسَارِ وَادَّعَاهُ صَاحِبُ الدَّارِ فَهُوَ لِلَّذِي عُرِفَ بِالْيَسَارِ وَكَذَا كَنَّاسٌ فِي مَنْزِلِ رَجُلٍ وَعَلَى عُنُقِ الْكَنَّاسِ قَطِيفَةٌ فَقَالَ هِيَ لِي وَادَّعَاهُ صَاحِبُ الْمَنْزِلِ أَيْضًا فَهِيَ لِصَاحِبِ الْمَنْزِلِ، وَفِي نَوَادِرِ مُعَلَّى عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَجُلَانِ فِي سَفِينَةٍ فِيهَا دَقِيقٌ فَادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ السَّفِينَةَ، وَمَا فِيهَا، وَأَحَدُهُمَا يُعْرَفُ بِبَيْعِ الدَّقِيقِ وَالْآخَرُ يُعْرَفُ بِأَنَّهُ مَلَّاحٌ مَعْرُوفٌ فَالدَّقِيقُ لِلَّذِي يُعْرَفُ بِبَيْعِهِ وَالسَّفِينَةُ لِمَنْ يُعْرَفُ أَنَّهُ مَلَّاحٌ، وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ دَخَلَ رَجُلٌ فِي مَنْزِلٍ يُعْرَفُ الدَّاخِلُ أَنَّهُ مُنَادٍ يَبِيعُ الذَّهَبَ أَوْ الْفِضَّةَ أَوْ الْمَتَاعَ، وَمَعَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَادَّعَيَاهُ فَهُوَ لِمَنْ يُعْرَفُ بِبَيْعِهِ، وَلَا يُصَدَّقُ رَبُّ الْمَنْزِلِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْمَنْزِلِ. وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَجُلٌ خَرَجَ مِنْ دَارِ إنْسَانٍ عَلَى عُنُقِهِ مَتَاعٌ رَآهُ قَوْمٌ، وَهُوَ يُعْرَفُ بِبَيْعِ مِثْلِهِ مِنْ الْمَتَاعِ فَقَالَ صَاحِبُ الدَّارِ ذَلِكَ الْمَتَاعُ مَتَاعِي، وَالْحَامِلُ يَدَّعِيهِ فَهُوَ لِلَّذِي يُعْرَفُ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ فَهُوَ لِصَاحِبِ الدَّارِ سَفِينَةٌ فِيهَا رَاكِبٌ وَآخَرُ يَتَمَسَّكُ وَآخَرُ يَجْذِبُ وَآخَرُ يَمُدُّهَا وَكُلُّهُمْ يَدَّعُونَهَا فَهِيَ بَيْنَ الرَّاكِبِ وَالْمُمْسِكِ وَالْجَاذِبِ أَثْلَاثًا، وَلَا شَيْءَ لِلْمَادِّ رَجُلٌ يَقُودُ قِطَارًا مِنْ الْإِبِلِ وَرَجُلٌ رَاكِبٌ بَعِيرًا مِنْهَا فَادَّعَيَاهَا كُلَّهَا يُنْظَرُ إنْ كَانَ عَلَى الْكُلِّ حِمْلُ الرَّاكِبِ وَمَتَاعُهُ فَكُلُّهَا لِلرَّاكِبِ وَالْقَائِدُ أَجِيرُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْإِبِلِ شَيْءٌ فَلِلرَّاكِبِ الْبَعِيرُ الَّذِي عَلَيْهِ، وَمَا بَقِيَ فَهُوَ لِلْقَائِدِ أَمَّا لَوْ كَانَ بَقَرًا أَوْ غَنَمًا عَلَيْهَا رَجُلَانِ أَحَدُهُمَا قَائِدٌ وَالْآخَرُ سَائِقٌ فَهِيَ لِلسَّائِقِ إلَّا أَنْ يَقُودَ شَاةً مَعَهُ فَيَكُونُ لَهُ تِلْكَ الشَّاةُ وَحْدَهَا هَكَذَا فِي نَوَادِرِ مُعَلَّى. اهـ. وَفِي الْمُلْتَقَطِ مِنْ الدَّعْوَى مَسَائِلُ مِنْهَا، وَقَدْ اسْتَنْبَطَ مِنْ فَرْعِ الْغُلَامِ أَنَّ مِنْ شَرْطِ سَمَاعِ الدَّعْوَى أَنْ لَا يُكَذِّبَ الْمُدَّعِيَ ظَاهِرُ حَالِهِ كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ فَلَوْ ادَّعَى فَقِيرٌ ظَاهِرُ الْفَقْرِ عَلَى رَجُلٍ أَمْوَالًا عَظِيمَةً قَرْضًا أَوْ ثَمَنَ مَبِيعٍ لَا تُسْمَعُ فَلَا جَوَابَ لَهَا ثُمَّ رَأَيْت ابْنَ الْغَرْسِ فِي الْفَوَائِدِ الْفِقْهِيَّةِ فِي أَطْرَافِ الْقَضَايَا الْحُكْمِيَّةِ صَرَّحَ بِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ هَلْ هُوَ مَنْقُولٌ أَوْ قَالَهُ تَفَقُّهًا كَمَا وَقَعَ لِي فَقَالَ. وَمِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ الدَّعْوَى أَنْ يَكُونَ الْمُدَّعَى بِهِ مِمَّا يَحْتَمِلُ الثُّبُوتَ بِأَنْ لَا يَكُونَ مُسْتَحِيلًا عَقْلًا أَوْ عَادَةً فَإِنَّ الدَّعْوَى وَالْحَالُ مَا ذُكِرَ ظَاهِرَةُ الْكَذِبِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحِيلَ الْعَادِيَ كَالْمُسْتَحِيلِ الْعَقْلِيِّ مِثَالُ الْمُسْتَحِيلِ عَادَةً   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 227 دَعْوَى مَنْ هُوَ مَعْرُوفٌ بِالْفَقْرِ وَالْحَاجَةِ، وَهُوَ يَأْخُذُ الزَّكَاةَ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ عَلَى آخَرَ أَنَّهُ أَقْرَضَهُ مِائَةَ أَلْفِ دِينَارٍ ذَهَبًا نَقْدًا دُفْعَةً وَاحِدَةً، وَأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِيهَا لِنَفْسِهِ، وَأَنَّهُ يُطَالِبُهُ بِرَدِّ بَدَلِهَا فَمِثْلُ هَذِهِ الدَّعْوَى لَا يَلْتَفِتُ إلَيْهَا الْقَاضِي لِخُرُوجِهَا مَخْرَجَ الزُّورِ وَالْفُجُورِ، وَلَا يَسْأَلُ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ جَوَابِهَا. اهـ. قُلْت اللَّهُمَّ إلَّا إذَا ادَّعَى أَنَّهُ غَصَبَ لَهُ مَالًا عَظِيمًا كَانَ وَرِثَهُ مِنْ مُوَرِّثِهِ الْمَعْرُوفِ بِالْغِنَى فَحِينَئِذٍ تُسْمَعُ ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْغَرْسِ: وَفِي الْمَبْسُوطِ رَجُلٌ تَرَكَ الدَّعْوَى ثَلَاثَةً وَثَلَاثِينَ سَنَةً، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَانِعٌ مِنْ الدَّعْوَى ثُمَّ ادَّعَى لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ؛ لِأَنَّ تَرْكَ الدَّعْوَى مَعَ التَّمَكُّنِ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْحَقِّ ظَاهِرًا. اهـ. وَقَدَّمْنَا عَنْهُمْ أَنَّ مِنْ الْقَضَاءِ الْبَاطِلِ الْقَضَاءَ بِسُقُوطِ الْحَقِّ بِمُضِيِّ سِنِينَ لَكِنْ مَا فِي الْمَبْسُوطِ لَا يُخَالِفُهُ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ قَضَاءٌ بِالسُّقُوطِ، وَإِنَّمَا فِيهِ عَدَمُ سَمَاعِهَا، وَقَدْ كَثُرَ السُّؤَالُ بِالْقَاهِرَةِ عَنْ ذَلِكَ مَعَ وُرُودِ النَّهْيِ مِنْ السُّلْطَانِ - أَيَّدَهُ اللَّهُ - بِعَدَمِ سَمَاعِ حَادِثَةٍ لَهَا خَمْسَةَ عَشَرَ، وَقَدْ أَفْتَيْتُ بِعَدَمِ سَمَاعِهَا عَمَلًا بِنَهْيِهِ اعْتِمَادًا عَلَى مَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) يَعْنِي فِي دَفْعِ الدَّعْوَى. (قَوْلُهُ: قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هَذَا الشَّيْءُ أَوْدَعَنِيهِ أَوْ آجَرَنِيهِ أَوْ أَعَارَنِيهِ فُلَانٌ الْغَائِبُ أَوْ رَهَنَهُ أَوْ غَصَبْتُهُ مِنْهُ وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ دُفِعَتْ خُصُومَةُ الْمُدَّعِي) ؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتَتْ بِبَيِّنَةِ أَنَّ يَدَهُ لَيْسَتْ بِيَدِ خُصُومَةٍ، وَهَذِهِ مُخَمَّسَةُ كِتَابِ الدَّعْوَى؛ لِأَنَّ صُوَرَهَا خَمْسٌ وَدِيعَةٌ، وَإِجَارَةٌ وَإِعَارَةٌ، وَرَهْنٌ وَغَصْبٌ أَوْ؛ لِأَنَّ فِيهَا خَمْسَةَ أَقْوَالٍ لِلْعُلَمَاءِ الْأَوَّلُ مَا فِي الْكِتَابِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ الثَّانِي قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَاخْتَارَهُ فِي الْمُخْتَارِ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إنْ كَانَ صَالِحًا فَكَمَا قَالَ الْإِمَامُ، وَإِنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِالْحِيَلِ لَمْ تَنْدَفِعْ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَدْفَعُ مَالَهُ إلَى مُسَافِرٍ يُودِعُهُ إيَّاهُ وَيُشْهِدُ فَيَحْتَالُ لِإِبْطَالِ حَقِّ غَيْرِهِ فَإِذَا اتَّهَمَهُ بِهِ الْقَاضِي لَا يَقْبَلُهُ الثَّالِثُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ إنَّ الشُّهُودَ إذَا قَالُوا نَعْرِفُهُ بِوَجْهِهِ فَقَطْ لَا تَنْدَفِعُ فَعِنْدَهُ لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَتِهِ بِالْوَجْهِ وَالِاسْمِ وَالنَّسَبِ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَتَعْوِيلُ الْأَئِمَّةِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَفِي الْعِمَادِيَّةِ لَوْ قَالُوا نَعْرِفُهُ بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ لَا بِوَجْهِهِ لَمْ يَذْكُرْهُ مُحَمَّدٌ فِي شَيْءٍ مِنْ الْكُتُبِ، وَفِيهِ قَوْلَانِ وَعِنْدَ الْإِمَامِ لَا بُدَّ أَنْ يَقُولُوا نَعْرِفُهُ بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ وَتَكْفِي مَعْرِفَةُ الْوَجْهِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُمْ لَوْ قَالُوا أَوْدَعَهُ رَجُلٌ لَا نَعْرِفُهُ لَمْ تَنْدَفِعْ. الرَّابِعُ: قَوْلُ ابْنِ شُبْرُمَةَ إنَّهَا لَا تَنْدَفِعُ عَنْهُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ إثْبَاتُ الْمِلْكِ لِلْغَائِبِ لِعَدَمِ الْخَصْمِ عَنْهُ، وَدَفْعُ الْخُصُومَةِ بِنَاءً عَلَيْهِ قُلْنَا مُقْتَضَى الْبَيِّنَةِ شَيْئَانِ ثُبُوتُ الْمِلْكِ لِلْغَائِبِ، وَلَا خَصْمَ فِيهِ فَلَمْ يَثْبُتْ وَدَفْعُ خُصُومَةِ الْمُدَّعِي، وَهُوَ خَصْمٌ فِيهِ فَثَبَتَ، وَهُوَ كَالْوَكِيلِ بِنَقْلِ الْمَرْأَةِ، وَإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الطَّلَاقِ الْخَامِسُ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى تَنْدَفِعُ بِدُونِ بَيِّنَةٍ لِإِقْرَارِهِ بِالْمِلْكِ لِلْغَائِبِ، وَقُلْنَا صَارَ خَصْمًا بِظَاهِرِ يَدِهِ فَهُوَ بِإِقْرَارِهِ يُرِيدُ أَنْ يُحَوِّلَ مُسْتَحَقًّا عَلَى نَفْسِهِ فَلَا يُصَدَّقُ إلَّا بِالْحُجَّةِ كَمَا لَوْ ادَّعَى تَحَوُّلَ الدَّيْنِ مِنْ ذِمَّتِهِ إلَى ذِمَّةِ غَيْرِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - صُورَةَ دَعْوَى الْمُدَّعِي، وَأَرَادَ بِهَا أَنَّ الْمُدَّعِيَ ادَّعَى مِلْكًا مُطْلَقًا فِي الْعَيْنِ، وَلَمْ يَدَّعِ عَلَى ذِي الْيَدِ فِعْلًا بِدَلِيلِ مَا سَيَأْتِي مِنْ الْمَسَائِلِ الْمُقَابِلَةِ لِهَذِهِ وَحَاصِلُ جَوَابِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ ادَّعَى أَنَّ يَدَهُ يَدُ أَمَانَةٍ أَوْ مَضْمُونَةٌ وَالْمِلْكُ لِلْغَيْرِ، وَلَمْ يَذْكُرْ بُرْهَانَ الْمُدَّعِي، وَلَا بُدَّ مِنْهُ لِمَا عُرِفَ أَنَّ الْخَارِجَ هُوَ الْمُطَالِبُ بِالْبُرْهَانِ، وَلَا يَحْتَاجُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إلَى الدَّفْعِ قَبْلَهُ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمُدَّعِيَ لَمَّا ادَّعَى الْمِلْكَ الْمُطْلَقَ فِيمَا فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْكَرَهُ فَطَلَبَ مِنْ الْمُدَّعِي الْبُرْهَانَ فَأَقَامَهُ، وَلَمْ يَقْضِ الْقَاضِي بِهِ حَتَّى دَفَعَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِمَا ذَكَرَ وَبَرْهَنَ عَلَى الدَّفْعِ وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ عُلِمَ أَنَّ الصُّوَرَ لَا تَنْحَصِرُ فِي الْخَمْسِ فَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ قَالَ وَكَّلَنِي صَاحِبُهُ بِحِفْظِهِ كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ. وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ قَالَ أَسْكَنَنِي فِيهَا فُلَانٌ الْغَائِبُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ قَالَ سَرَقْته مِنْهُ أَوْ أَخَذْته مِنْهُ أَوْ ضَلَّ مِنْهُ فَوَجَدْته كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالْأَوَّلَانِ رَاجِعَانِ إلَى الْأَمَانَةِ وَالثَّلَاثَةُ الْأَخِيرَةُ إلَى الضَّمَانِ إنْ لَمْ يُشْهِدْ فِي الْأَخِيرَةِ، وَإِلَّا فَإِلَى الْأَمَانَةِ فَالصُّوَرُ عَشْرٌ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الصُّوَرَ لَمْ تَنْحَصِرْ فِي الْخَمْسِ فَالْأَوْلَى أَنْ تُفَسَّرَ الْخَمْسَةُ بِالثَّانِي، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَيَلْحَقُ بِهَا دَعْوَى كَوْنِهَا مُزَارَعَةً بِأَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ أَرْضًا فَبَرْهَنَ عَلَى أَنَّهَا فِي يَدِهِ بِالْمُزَارَعَةِ مِنْ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ الْفُلَانِيِّ الْغَائِبِ وَتَلْحَقُ الْمُزَارَعَةُ بِالْإِجَارَةِ أَوْ الْوَدِيعَةِ فَلَا يَزْدَادُ عَلَى الْخَمْسِ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَاتِ. اهـ.   [منحة الخالق] [فَصْلٌ يَعْنِي فِي دَفْعِ الدَّعْوَى] فَصْلٌ فِي دَفْعِ الدَّعْوَى) (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ قَيْدٌ يَدْفَعُ مَالَهُ إلَى مُسَافِرٍ يُودِعُهُ إيَّاهُ) أَيْ؛ لِأَنَّ الشَّخْصَ يَدْفَعُ مَالَهُ أَيْ مَالَ غَيْرِهِ إلَى مُسَافِرٍ يُودِعُهُ أَيْ يُودِعُ ذَلِكَ الْمُسَافِرُ لِذَلِكَ الشَّخْصِ الدَّافِعِ ذَلِكَ الْمَالَ الْمَدْفُوعَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الصُّوَرَ لَمْ تَنْحَصِرْ فِي الْخَمْسِ) أَيْ بِحَسَبِ فُرُوعِهَا، وَإِلَّا فَعَلَى مَا قَرَّرَهُ مِنْ رُجُوعِ الْخَمْسَةِ الْمَزِيدَةِ إلَى الْخَمْسَةِ الْأُصُولِ فَهِيَ مُنْحَصِرَةٌ فَالْمُرَادُ انْحِصَارُ أُصُولِهَا فِي الْخَمْسَةِ وَبِهِ يَنْدَفِعُ مَا أَوْرَدَهُ عَلَى الْبَزَّازِيَّةِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 228 وَهُوَ ذُهُولٌ عَمَّا ذَكَرْنَاهُ، وَأَطْلَقَ فِي قَوْلِهِ هَذَا الشَّيْءَ فَشَمِلَ الْمَنْقُولَ وَالْعَقَارَ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ هَذَا الشَّيْءِ أَنَّهُ قَائِمٌ؛ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ الْحِسِّيَّةَ لَا تَكُونُ إلَّا إلَى مَوْجُودٍ فِي الْخَارِجِ فَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَا تَنْدَفِعُ لَوْ كَانَ الْمُدَّعَى هَالِكًا وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْعِنَايَةِ أَخْذًا مِنْ خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ فَقَالَ عَبْدٌ هَلَكَ فِي يَدِ رَجُلٍ أَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ عَبْدُهُ، وَأَقَامَ الَّذِي مَاتَ فِي يَدِهِ أَنَّهُ أَوْدَعَهُ فُلَانٌ أَوْ غَصَبَهُ أَوْ آجَرَهُ لَمْ يُقْبَلْ، وَهُوَ خَصْمٌ فَإِنَّهُ يَدَّعِي إيدَاعَ الدَّيْنِ عَلَيْهِ، وَإِيدَاعُ الدَّيْنِ لَا يُمْكِنُ ثُمَّ إذَا حَضَرَ الْغَائِبُ وَصَدَّقَهُ فِي الْإِيدَاعِ وَالْإِجَارَةِ وَالرَّهْنِ رَجَعَ عَلَيْهِ بِمَا ضَمِنَ لِلْمُدَّعِي أَمَّا لَوْ كَانَ غَصْبًا لَمْ يَرْجِعْ وَكَذَا فِي الْعَارِيَّةِ وَالْإِبَاقُ مِثْلُ الْهَلَاكِ هَا هُنَا فَإِنْ عَادَ الْعَبْدُ يَوْمًا يَكُونُ عَبْدًا لِمَنْ اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الضَّمَانُ، جَارِيَةٌ فِي يَدِهِ ذَهَبَتْ عَيْنُهَا فَأَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا لَهُ وَطَلَبَ أَرْشَ الْعَيْنِ، وَأَخْذَ الْجَارِيَةِ، وَأَقَامَ ذُو الْيَدِ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْوَدِيعَةِ وَغَيْرِهَا فَلَا خُصُومَةَ بَيْنَهُمَا، وَلَوْ كَانَتْ، وَلَدَتْ ثُمَّ مَاتَتْ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا جَعَلَهُ الْقَاضِي خَصْمًا فِي حَقِّ الْقِيمَةِ، وَلَا يَقْضِي بِالْوَلَدِ وَيَقِفُ فِيهِ وَيَجْعَلُهُ تَبَعًا لِلْأُمِّ بِخِلَافِ الْأَرْشِ أَمَةٌ فِي يَدِ رَجُلٍ قَتَلَهَا عَبْدٌ خَطَأً، وَذُو الْيَدِ زَعَمَ أَنَّهَا وَدِيعَةٌ لِفُلَانٍ عِنْدِي يُقَالُ لِمَوْلَى الْعَبْدِ افْدِهِ أَوْ ادْفَعْهُ فَإِنْ دَفَعَهُ ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ، وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْجَارِيَةَ كَانَتْ لَهُ، وَأَقَامَ ذُو الْيَدِ بَيِّنَةً عَلَى الْإِيدَاعِ وَغَيْرِهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فَإِنَّهُ يُقَالُ لِلْمُدَّعِي إنْ طَلَبْت الْعَبْدَ فَلَا حَقَّ لَك، وَإِنْ طَلَبْت الْقِيمَةَ قَضَيْنَا بِهَا عَلَيْهِ لَك فَإِنْ اخْتَارَ الْقِيمَةَ، وَأَخَذَهَا مِنْهُ ثُمَّ حَضَرَ الْغَائِبُ وَصَدَّقَ الْمُقِرَّ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا ضَمِنَ لَا فِي الْغَصْبِ وَالْعَارِيَّةِ، وَإِنْ أَنْكَرَ الْغَائِبُ فَلَهُ أَنْ يُحَلِّفَهُ أَوْ يُقِيمَ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ فِي فَصْلِ الْوَدِيعَةِ وَالْإِجَارَةِ وَالرَّهْنِ فَإِنْ حَلَفَ لَمْ يَرْجِعْ قَطْعًا، وَمَعَ الْقَتْلِ لَا خُصُومَةَ بَيْنَهُمَا لَا فِي الرَّقَبَةِ، وَلَا فِي الْأَرْشِ حَتَّى يَحْضُرَ الْمَالِكُ. اهـ. وَظَاهِرُ قَوْلِهِ أَوْدَعَنِيهِ، وَمَا بَعْدَهُ يُفِيدُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ دَعْوَى إيدَاعِ الْكُلِّ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا فِي الِاخْتِيَارِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ النِّصْفُ لِي وَالنِّصْفُ وَدِيعَةٌ عِنْدِي لِفُلَانٍ، وَأَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى ذَلِكَ انْدَفَعَتْ فِي الْكُلِّ لِتَعَذُّرِ التَّمْيِيزِ. اهـ. وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ فُلَانٌ أَنَّهُ عَيَّنَهُ بِاسْمِهِ، وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَوْدَعَنِيهِ رَجُلٌ لَا أَعْرِفُهُ لَمْ تَنْدَفِعْ فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ الْغَائِبِ فِي الدَّفْعِ وَالشَّهَادَةِ فَلَوْ ادَّعَاهُ مِنْ مَجْهُولٍ وَشَهِدَا بِمُعَيَّنٍ أَوْ عَكْسُهُ لَمْ تَنْدَفِعْ، وَقَدَّمْنَا أَنَّ مَعْرِفَةَ الشُّهُودِ الْغَائِبَ بِوَجْهِهِ فَقَطْ كَافِيَةٌ عِنْدَ الْإِمَامِ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ لَوْ قَالَ الشُّهُودُ أَوْدِعْهُ مَنْ نَعْرِفُهُ بِالطُّرُقِ الثَّلَاثِ لَكِنْ لَا نَقُولُهُ، وَلَا نَشْهَدُ بِهِ لَا تَنْدَفِعُ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَوْ أَجَابَ بِذَلِكَ لَا يَكْفِي وَكَذَا لَوْ قَالَ أَعْرِفُهُ إلَّا أَنِّي نَسِيته، وَمَحَلُّ الِاخْتِلَافِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ مُحَمَّدٍ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا ادَّعَاهُ الْخَصْمُ مِنْ مُعَيَّنٍ بِالِاسْمِ وَالنَّسَبِ فَشَهِدَا بِمَجْهُولٍ لَكِنْ قَالَا نَعْرِفُهُ بِوَجْهِهِ أَمَّا لَوْ ادَّعَاهُ مِنْ مَجْهُولٍ لَمْ تُقْبَلْ الشَّهَادَةُ إجْمَاعًا، وَهُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ لِلْخَصَّافِ. وَفِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ وَالْخَانِيَّةِ، وَلَوْ أَقَرَّ الْمُدَّعِي أَنَّ رَجُلًا دَفَعَهُ إلَيْهِ أَوْ شَهِدُوا عَلَى إقْرَارِهِ بِذَلِكَ فَلَا خُصُومَةَ بَيْنَهُمَا، وَأَطْلَقَ فِي الْغَائِبِ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ بَعِيدًا مَعْرُوفًا يَتَعَذَّرُ الْوُصُولُ إلَيْهِ أَوْ قَرِيبًا كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْبُرْهَانِ عَلَى مَا ادَّعَاهُ مُطَابَقَةً، وَفِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ لَوْ شَهِدُوا أَنَّ فُلَانًا دَفَعَهُ إلَيْهِ، وَلَا نَدْرِي لِمَنْ هُوَ فَلَا خُصُومَةَ بَيْنَهُمَا. اهـ. وَبِهِ عُلِمَ أَنَّهُ لَا تُشْتَرَطُ الْمُطَابَقَةُ لِعَيْنِ مَا ادَّعَاهُ، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ أَيْ عَلَى مَا قَالَهُ إلَى أَنَّهُ لَوْ بَرْهَنَ عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعِي أَنَّهُ لِفُلَانٍ، وَلَمْ يَزِيدُوا فَالْخُصُومَةُ بَيْنَهُمَا قَائِمَةٌ كَمَا فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ وَالْفُصُولِ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ دُفِعَتْ خُصُومَةُ الْمُدَّعِي دَفَعَهَا الْقَاضِي أَيْ حَكَمَ بِدَفْعِهَا فَأَفَادَ أَنَّهُ لَوْ أَعَادَ الْمُدَّعِي الدَّعْوَى عِنْدَ قَاضٍ آخَرَ لَا يَحْتَاجُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إلَى إعَادَةِ الدَّفْعِ بَلْ يَثْبُتُ حُكْمُ الْقَاضِي الْأَوَّلِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، وَأَرَادَ بِالْبُرْهَانِ وُجُودَ حُجَّةٍ عَلَى مَا قَالَ سَوَاءٌ كَانَتْ بَيِّنَةً أَوْ عِلْمَ الْقَاضِي أَوْ إقْرَارَ الْمُدَّعِي كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَلَوْ عَلِمَ الْقَاضِي أَنَّهَا لِرَجُلٍ ثُمَّ وَجَدَهَا فِي يَدِ آخَرَ فَقَالَ الْأَوَّلُ إنَّهَا لِي، وَأَقَامَ صَاحِبُ الْيَدِ بَيِّنَةً عَلَى الْوَدِيعَةِ فَلَا خُصُومَةَ بَيْنَهُمَا وَكَذَا إذَا عَلِمَ الْقَاضِي إيدَاعَ هَذَا الْآخَرِ كَمَا عَلِمَ مِلْكَ الْأَوَّلِ أَقَرَّهُ فِي يَدِهِ أَمَّا لَوْ عَلِمَ الْقَاضِي أَنَّ الْغَائِبَ غَصَبَهَا مِنْ هَذَا الَّذِي كَانَتْ لَهُ ثُمَّ أَوْدَعَهَا هَذَا أَخَذَهَا وَرَدَّهَا فَإِنَّ عِلْمَهُ بِمَنْزِلَةِ الْبَيِّنَةِ. اهـ. ، وَلَوْ لَمْ يُبَرْهِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَطَلَبَ يَمِينَ الْمُدَّعِي اسْتَحْلَفَهُ الْقَاضِي فَإِنْ حَلَفَ عَلَى الْعِلْمِ كَانَ خَصْمًا، وَإِنْ نَكَلَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَدَّعِي إيدَاعَ الدَّيْنِ عَلَيْهِ) عِبَارَةُ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ فَإِذَا كَانَ الْعَيْنُ هَالِكًا فَالدَّعْوَى فِي الدَّيْنِ، وَمَحَلُّ الدَّيْنِ الذِّمَّةُ فَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَنْتَصِبُ خَصْمًا بِذِمَّتِهِ، وَبِالْبَيِّنَةِ أَنَّهُ كَانَ فِي يَدِهِ وَدِيعَةً لَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ مَا فِي ذِمَّتِهِ لِغَيْرِهِ فَلَا تَتَحَوَّلُ الْخُصُومَةُ عَنْهُ (قَوْلُهُ: رَجَعَ عَلَيْهِ بِمَا ضَمِنَ) أَيْ ذُو الْيَدِ عَلَى الْغَائِبِ (قَوْلُهُ: وَصُدِّقَ الْمُقِرُّ فَإِنَّهُ) أَيْ ذَا الْيَدِ (قَوْلُهُ: لَوْ بَرْهَنَ عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعِي أَنَّهُ لِفُلَانٍ وَلَمْ يَزِيدُوا فَالْخُصُومَةُ بَيْنَهُمَا قَائِمَةٌ) يُخَالِفُهُ مَا يَأْتِي بَعْدَ صَفْحَةٍ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ أَنَّهَا تَنْدَفِعُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَكَذَا مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمَهُ قَبْلَ أَسْطُرٍ عَنْ خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ لَكِنْ مَا قَدَّمَهُ فِيهِ الشَّهَادَةُ عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعِي أَنَّ رَجُلًا دَفَعَهُ إلَيْهِ، وَمَا هُنَا عَلَى إقْرَارِهِ بِأَنَّهُ لِفُلَانٍ بِدُونِ التَّصْرِيحِ بِالدَّفْعِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 229 فَلَا خُصُومَةَ كَمَا فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ دُفِعَتْ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا يُحَلِّفُ الْمُدَّعِيَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُهُ إلَيْهِ، وَلَمْ أَرَهُ الْآنَ، وَأَطْلَقَ فِي انْدِفَاعِهَا فِيمَا ذُكِرَ فَشَمِلَ مَا إذَا صُدِّقَ ذُو الْيَدِ عَلَى دَعْوَى الْمِلْكِ ثُمَّ دَفَعَهُ بِمَا ذُكِرَ فَإِنَّهَا تَنْدَفِعُ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَإِنْ ادَّعَى ذُو الْيَدِ الْوَدِيعَةَ، وَلَمْ يُبَرْهِنْ عَلَيْهَا، وَأَرَادَ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّ الْغَائِبَ أَوْدَعَهُ عِنْدَهُ يُحَلِّفُ الْحَاكِمُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِاَللَّهِ تَعَالَى لَقَدْ أَوْدَعَهَا إلَيْهِ عَلَى الْبَتَاتِ لَا عَلَى الْعِلْمِ؛ لِأَنَّهُ، وَإِنْ كَانَ فِعْلَ الْغَيْرِ لَكِنْ تَمَامُهُ بِهِ، وَهُوَ الْقَبُولُ، وَإِنْ طَلَبَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَمِينَ الْمُدَّعِي فَعَلَى الْعِلْمِ بِاَللَّهِ مَا يَعْلَمُ إيدَاعَ فُلَانٍ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ فِعْلُ الْغَيْرِ، وَلَا تَعَلُّقَ لَهُ بِهِ، وَفِي الذَّخِيرَةِ لَا يَحْلِفُ ذُو الْيَدِ عَلَى الْإِيدَاعِ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الْإِيدَاعَ، وَلَا حَلِفَ عَلَى الْمُدَّعِي، وَلَوْ حَلَفَ أَيْضًا لَا يَنْدَفِعُ، وَلَكِنْ لَهُ أَنْ يُحَلِّفَ الْمُدَّعِيَ عَلَى عَدَمِ الْعِلْمِ. اهـ. وَقَيَّدْنَا بِكَوْنِ الْمُدَّعِي ادَّعَاهُ مِلْكًا مُطْلَقًا يَعْنِي فَقَطْ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا إذَا ادَّعَى عَبْدًا أَنَّهُ مِلْكُهُ، وَأَعْتَقَهُ فَدَفَعَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِمَا ذُكِرَ وَبَرْهَنَا فَإِنَّهُ لَا تَنْدَفِعُ وَيُقْضَى بِالْعِتْقِ عَلَى ذِي الْيَدِ فَإِنْ جَاءَ الْغَائِبُ وَادَّعَى أَنَّهُ عَبْدُهُ، وَأَنَّهُ أَعْتَقَهُ يُقْضَى بِهِ فَلَوْ ادَّعَى آخَرُ أَنَّهُ عَبْدُهُ لَمْ يُسْمَعْ وَكَذَا فِي الِاسْتِيلَادِ وَالتَّدْبِيرِ، وَلَوْ أَقَامَ الْعَبْدُ بَيِّنَةً أَنَّ فُلَانًا أَعْتَقَهُ، وَهُوَ يَمْلِكُهُ فَبَرْهَنَ ذُو الْيَدِ عَلَى إيدَاعِ فُلَانٍ الْغَائِبِ بِعَيْنِهِ يُقْبَلُ وَبَطَلَتْ بَيِّنَةُ الْعَبْدِ فَإِذَا حَضَرَ الْغَائِبُ قِيلَ لِلْعَبْدِ أَعِدْ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ فَإِنْ أَقَامَهَا قَضَيْنَا بِعِتْقِهِ، وَإِلَّا رُدَّ عَلَيْهِ، وَلَوْ قَالَ الْعَبْدُ أَنَا حُرُّ الْأَصْلِ قُبِلَ قَوْلُهُ: وَلَوْ بَرْهَنَ ذُو الْيَدِ عَلَى الْإِيدَاعِ، وَلَا يُنَافِيهِ دَعْوَى حُرِّيَّةِ الْأَصْلِ فَإِنَّ الْحُرَّ قَدْ يُودَعُ وَكَذَا الْإِجَارَةُ وَالْإِعَارَةُ. وَأَمَّا فِي الرَّهْنِ قَالَ بَعْضُهُمْ الْحُرُّ قَدْ يُرْهَنُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يُرْهَنُ فَتُعْتَبَرُ الْعَادَةُ كَذَا فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ، وَلَمْ أَرَ حُكْمَ مَا إذَا ادَّعَى أَنَّ الدَّارَ وَقْفٌ عَلَيْهِ فَدَفَعَهُ ذُو الْيَدِ بِمَا ذُكِرَ، وَمُقْتَضَى قَوْلِهِمْ إنَّ دَعْوَى الْوَقْفِ مِنْ قَبِيلِ دَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ أَنْ تَنْدَفِعَ إذَا بَرْهَنَ، وَقَيَّدْنَا بِكَوْنِ الْقَاضِي لَمْ يَقْضِ بِبَيِّنَةِ الْمُدَّعِي؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَوْ قَضَى بِبَيِّنَةِ الْمُدَّعِي ثُمَّ بَرْهَنَ ذُو الْيَدِ عَلَى مَا ذُكِرَ لَمْ تُسْمَعْ كَذَا فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ وَالْفُصُولِ وَسَوَاءٌ كَانَ بَعْدَ دَعْوَى الْإِيدَاعِ قَبْلَ الْبُرْهَانِ أَوْ قَبْلَ دَعْوَاهُ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَقَيَّدَ بِكَوْنِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ اقْتَصَرَ عَلَى الدَّفْعِ بِمَا ذَكَرَ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا إذَا زَادَ، وَقَالَ كَانَتْ دَارِي بِعْتهَا مِنْ فُلَانٍ، وَقَبَضَهَا ثُمَّ أَوْدَعَنِيهَا أَوْ ذَكَرَ هِبَةً، وَقَبْضًا لَمْ تَنْدَفِعْ إلَّا أَنْ يُقِرَّ الْمُدَّعِي بِذَلِكَ أَوْ يَعْلَمُهُ الْقَاضِي، وَلَوْ ادَّعَى الْمُدَّعِي ثُمَّ قَامَا إلَى إحْضَارِ الْبَيِّنَةِ فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إنِّي وُهِبْتُهَا مِنْ فُلَانٍ فَسَلَّمْتهَا إلَيْهِ ثُمَّ أَوْدَعَنِيهَا وَغَابَ لَمْ يُسْمَعْ وَكَذَا فِي الْبَيْعِ إلَّا أَنْ يُقِرَّ الْمُدَّعِي أَوْ يَعْلَمَ الْقَاضِي فَلَوْ بَرْهَنَ الْمُدَّعِي ثُمَّ صَنَعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَيْعًا أَوْ هِبَةً قَبْلَ الْقَضَاءِ لَمْ تَنْدَفِعْ سَوَاءٌ أَقَرَّ بِهِ الْمُدَّعِي أَوْ عَلِمَهُ الْقَاضِي أَوْ قَامَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ كَذَا فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ فِي الْمَسَائِلِ الْمُخَمَّسَةِ لَوْ شَهِدُوا أَنَّهَا لِفُلَانٍ الْغَائِبِ فَقَطْ لَمْ تُقْبَلْ، وَلَوْ شَهِدُوا عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعِي أَنَّهُ لِفُلَانٍ الْغَائِبِ انْدَفَعَتْ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَأَفَادَ الْمُؤَلِّفُ بِجَوَابِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ أَجَابَ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ لِي أَوْ هِيَ لِفُلَانٍ، وَلَمْ يَزِدْ لَا يَكُونُ دَفْعًا، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُؤَلِّفُ دَفْعَ الدَّفْعِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ قَوْلِهِ دُفَعْت أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا يَحْلِفُ لِلْمُدَّعِي إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ بَعْدَ الْبُرْهَانِ كَيْفَ يُتَوَهَّمُ وُجُوبُ الْحَلِفِ أَمَّا قَبْلَهُ فَسَيُذْكَرُ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ أَنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ وَعَنْ الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الْمُؤَلِّفَ لَاحَظَ أَنَّهُ يُمْكِنُ قِيَاسُهُ عَلَى مَدْيُونِ الْمَيِّتِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: فَشَمِلَ مَا إذَا صُدِّقَ ذُو الْيَدِ عَلَى دَعْوَى الْمِلْكِ) قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ (شح) قَالَ ذُو الْيَدِ إنَّهُ لِلْمُدَّعِي إلَّا أَنَّهُ أَوْدَعَنِي فُلَانٌ تَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ لَوْ بَرْهَنَ، وَإِلَّا فَلَا (فش) لَا تَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ إذَا صَدَّقَهُ أَقُولُ: فَعَلَى إطْلَاقِهِ يَقْتَضِي أَنْ لَا تَنْدَفِعَ وَلَوْ بَرْهَنَ عَلَى الْإِيدَاعِ، وَفِيهِ نَظَرٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: قَالَ بَعْضُهُمْ الْحُرُّ قَدْ يُرْهَنُ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَالُوا الْحُرُّ لَا يَجُوزُ رَهْنُهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ وَأَقُولُ: فَلَوْ رَهَنَ رَجُلٌ قَرَابَتَهُ كَابْنِهِ أَوْ أَخِيهِ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ السَّلَاطِينِ فَلَا حُكْمَ لَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] . وَالْحُرُّ لَا تَثْبُتُ عَلَيْهِ الْيَدُ قَالَ بَعْضُهُمْ وَرَأَيْت فِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ وَهُوَ النَّخَعِيّ قَالَ إذَا رُهِنَ الرَّجُلُ الْحُرُّ فَأَقَرَّ بِذَلِكَ كَانَ رَهْنًا حَتَّى يَفُكَّهُ لِذِي رَهْنِهِ أَوْ يَفُكَّ نَفْسَهُ وَجْهُ كَلَامِ النَّخَعِيّ الْمُؤَاخَذَةُ بِإِقْرَارِهِ (قَوْلُهُ: وَمُقْتَضَى كَلَامِهِمْ أَنَّ دَعْوَى الْوَقْفِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ هَذَا مِمَّا لَا يُشَكُّ فِيهِ إذْ هُوَ دَاخِلٌ تَحْتَ إطْلَاقِ الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ وَالْفَتَاوَى فَإِنَّ أَحَدًا لَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْمِلْكِ وَانْظُرْ فِي عِبَارَةِ هَذَا الْمَتْنِ فَإِنَّهَا صَرِيحَةٌ فِيهِ فَقَوْلُهُ: وَلَمْ أَرَ إلَخْ مُسْتَدْرَكٌ مَعَ هَذَا الْإِطْلَاقِ الْمَذْكُورِ وَسَيَنْقُلُهُ بِعَيْنِهِ قَرِيبًا عَنْ الْإِسْعَافِ فِي أَوَاخِرِ الْوَرَقَةِ الثَّانِيَةِ تَأَمَّلْ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. اهـ. يَعْنِي: أَوَّلَ الْفَصْلِ الْآتِي. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَوْ قَضَى بِبَيِّنَةِ الْمُدَّعِي إلَخْ) قَالَ فِي نُورِ الْعَيْنِ يَقُولُ الْحَقِيرُ فِيهِ إشْكَالٌ سَيَأْتِي فِي أَوَاخِرِ هَذَا الْفَصْلِ نَقْلًا عَنْ (ذ) أَنَّهُ كَمَا يَصِحُّ الدَّفْعُ قَبْلَ الْحُكْمِ يَصِحُّ بَعْدَهُ أَيْضًا وَلَعَلَّهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الدَّفْعَ بَعْدَ الْحُكْمِ لَا يُسْمَعُ، وَهُوَ خِلَافُ الْقَوْلِ الْمُخْتَارِ كَمَا سَيَأْتِي أَيْضًا هُنَاكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. اهـ. وَسَيَأْتِي عَيْنُ هَذَا الْإِشْكَالِ فِي كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ قَرِيبًا، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَدَّعِ الْإِيدَاعَ أَوْ ادَّعَاهُ وَلَمْ يُبَرْهِنْ عَلَيْهِ لَمْ يَظْهَرْ أَنَّ يَدَهُ لَيْسَتْ يَدَ خُصُومَةٍ فَتَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ دَعْوَى الْخَارِجِ وَصَحَّ الْحُكْمُ بِهَا بَعْدَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْمِلْكِ؛ لِأَنَّهَا قَامَتْ عَلَى خَصْمٍ ثُمَّ إذَا أَرَادَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْ يُثْبِتَ الْإِيدَاعَ لَا يُمْكِنُهُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ أَجْنَبِيًّا يُرِيدُ إثْبَاتَ الْمِلْكِ لِلْغَائِبِ، وَإِيدَاعِهِ فَلَمْ تَتَضَمَّنْ دَعْوَاهُ إبْطَالَ الْقَضَاءِ السَّابِقِ وَالدَّفْعُ إنَّمَا يَصِحُّ إذَا كَانَ فِيهِ بُرْهَانٌ عَلَى إبْطَالِ الْقَضَاءِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ قَرِيبًا وَلَمَّا لَمْ يُقْبَلْ بُرْهَانُهُ وَلَا دَعْوَاهُ لِمَا قُلْنَا لَمْ يَظْهَرْ بُطْلَانُ الْقَضَاءِ وَعَلَى هَذَا لَا تَرِدُ الْمَسْأَلَةُ عَلَى الْقَوْلِ الْمُخْتَارِ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: لَوْ شَهِدُوا أَنَّهَا لِفُلَانٍ الْغَائِبِ فَقَطْ) أَيْ وَلَمْ يَشْهَدُوا بِالْإِيدَاعِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 230 فَلَوْ بَرْهَنَا عَلَى مَا ادَّعَيَاهُ فَدَفَعَهُ الْمُدَّعِي بِأَنَّهُ مِلْكُهُ غَصَبَهُ مِنْهُ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ، وَلَا تَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَفِي الِاخْتِيَارِ لَوْ قَالَ الْمُدَّعِي أَوْدَعَنِيهَا ثُمَّ وَهَبَهَا مِنْك أَوْ بَاعَهَا، وَأَنْكَرَ يَسْتَحْلِفُهُ الْقَاضِي أَنَّهُ مَا وَهَبَهَا مِنْهُ، وَلَا بَاعَهَا لَهُ فَإِنْ نَكَلَ صَارَ خَصْمًا؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّ يَدَهُ يَدُ مِلْكٍ فَكَانَ خَصْمًا. اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ الدَّفْعُ الصَّحِيحُ لِلدَّعْوَى الْفَاسِدَةِ الَّتِي اتَّفَقَتْ الْأَئِمَّةُ عَلَى فَسَادِهَا صَحِيحٌ فِي الْأَصَحِّ، وَقِيلَ الدَّفْعُ أَيْضًا فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى فَاسِدٍ، وَالْبِنَاءُ عَلَى الْفَاسِدِ فَاسِدٌ وَكَمَا يَصِحُّ الدَّفْعُ قَبْلَ الْبُرْهَانِ يَصِحُّ بَعْدَ إقَامَتِهِ أَيْضًا وَكَذَا يَصِحُّ قَبْلَ الْحُكْمِ كَمَا يَصِحُّ بَعْدَهُ وَدَفْعُ الدَّفْعِ وَدَفْعُهُ، وَإِنْ كَثُرَ صَحِيحٌ فِي الْمُخْتَارِ، وَقِيلَ لَا يُسْمَعُ بَعْدَ ثَلَاثٍ بِأَنْ ادَّعَى الْمِلْكَ الْمُطْلَقَ فَقَالَ اشْتَرَيْتُهُ مِنْك فَدَفَعَ قَائِلًا بِالْإِقَالَةِ فَدَفَعَ قَائِلًا بِأَنَّك أَقْرَرْت مَا اشْتَرَيْته مِنِّي يُسْمَعُ فِي الْمُخْتَارِ كَمَا لَوْ كَانَ الشُّهُودُ عُدُولًا وَالدَّفْعُ مِنْ غَيْرِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا يُسْمَعُ وَدَفْعُ أَحَدِ الْوَرَثَةِ يُسْمَعُ، وَإِنْ ادَّعَى عَلَى غَيْرِهِ لِقِيَامِ بَعْضِهِمْ مَقَامَ الْكُلِّ حَتَّى لَوْ ادَّعَى مُدَّعٍ عَلَى أَحَدِ الْوَرَثَةِ دَارًا فَبَرْهَنَ الْوَارِثُ الْآخَرُ أَنَّ الْمُدَّعِيَ أَقَرَّ بِكَوْنِهِ مُبْطِلًا فِي الدَّعْوَى يُسْمَعُ. اهـ. فَإِنْ قُلْت مَا فَائِدَةُ دَفْعِ الدَّعْوَى الْفَاسِدَةِ مَعَ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَسْمَعُهَا قُلْت تَفَقُّهًا، وَلَمْ أَرَهُ: فَائِدَتُهُ لَوْ ادَّعَاهَا عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ كَانَ الدَّفْعُ الْأَوَّلُ كَافِيًا. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُمْ إنَّ الدَّفْعَ بَعْدَ الْحُكْمِ صَحِيحٌ مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْقَاضِيَ لَوْ قَضَى لِلْمُدَّعِي قَبْلَ الدَّفْعِ ثُمَّ دَفَعَ بِالْإِيدَاعِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ إلَّا أَنْ يَخُصَّ مِنْ الْكُلِّيِّ فَافْهَمْ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُؤَلِّفُ حُكْمَ جَوَابِ الْغَائِبِ إذَا حَضَرَ، وَفِي الْخَانِيَّةِ فَإِنْ حَضَرَ فُلَانٌ وَسَلَّمَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الدَّارَ إلَيْهِ فَادَّعَاهُ الْمُدَّعِي الْأَوَّلُ دَعْوَاهُ عَلَى الْمُقَرِّ لَهُ فَأَجَابَ أَنَّهَا وَدِيعَةٌ عِنْدَهُ لِفُلَانٍ آخَرَ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ وَتَنْدَفِعُ عَنْهُ خُصُومَةُ الْمُدَّعِي. اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ لَوْ لَمْ يُبَرْهِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَبَرْهَنَ الطَّالِبُ وَحُكِمَ لَهُ بِهِ ثُمَّ حَضَرَ الْغَائِبُ وَادَّعَى بِأَنَّهُ مِلْكُهُ إنْ أَطْلَقَ الْمِلْكَ تُقْبَلُ، وَإِنْ قَالَ بِالشِّرَاءِ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ لَا؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى ذِي الْيَدِ بِالْبَيِّنَةِ بَعْدَ دَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ قَضَاءٌ عَلَى كُلِّ مَنْ تَلَقَّى الْمِلْكَ إلَيْهِ مِنْهُ فَكَانَ الْمُشْتَرِي مَقْضِيًّا عَلَيْهِ، وَإِنْ حَضَرَ قَبْلَ الْحُكْمِ وَبَرْهَنَ عَلَى مُطْلَقِ الْمِلْكِ فَهُمَا كَخَارِجَيْنِ بَرْهَنَا عَلَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَسْأَلَةَ الرَّهْنِ مِنْ الْمَسَائِلِ الْمُخَمَّسَةِ تَصْلُحُ حِيلَةً لِإِثْبَاتِ الرَّهْنِ فِي غَيْبَةِ الرَّاهِنِ كَمَا فِي حِيلَ الْوَلْوَالِجيَّةِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْقَاضِيَ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ لَوْ لَمْ يَسْمَعْ دَفْعَ ذِي الْيَدِ، وَقَضَى بِبَيِّنَةِ الْمُدَّعِي كَانَ قَضَاءً عَلَى غَائِبٍ، وَقَدَّمْنَا أَنَّ فِي نَفَاذِهِ رِوَايَتَيْنِ فَلْيَكُنْ هَذَا عَلَى ذِكْرٍ مِنْك، وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَيْهِ، وَفِي الْعُبَابِ لِلشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ حُكْمٌ عَلَى غَائِبٍ وَيَحْلِفُ عَلَى بَقَاءِ مِلْكِهِ. اهـ. . (قَوْلُهُ: وَإِنْ قَالَ ابْتَعْته مِنْ الْغَائِبِ أَوْ قَالَ الْمُدَّعِي غَصَبْتُهُ أَوْ سُرِقَ مِنِّي، وَقَالَ ذُو الْيَدِ أَوْدَعَنِيهِ فُلَانٌ وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ لَا) أَيْ لَا تَنْدَفِعُ بَيَانٌ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ حَاصِلُ الْأُولَى أَنَّ الْمُدَّعِيَ ادَّعَى فِي الْعَيْنِ مِلْكًا مُطْلَقًا، وَأَنْكَرَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَبَرْهَنَ الْمُدَّعِي عَلَى الْمِلْكِ فَدَفَعَهُ ذُو الْيَدِ بِأَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ لَمْ تَنْدَفِعْ عَنْهُ الْخُصُومَةُ يَعْنِي فَيَقْضِي الْقَاضِي بِبُرْهَانِ الْمُدَّعِي؛ لِأَنَّهُ لَمَّا زَعَمَ أَنَّ يَدَهُ يَدُ مِلْكٍ اعْتَرَفَ بِكَوْنِهِ خَصْمًا فَالضَّمِيرُ فِي قَالَ عَائِدٌ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَذَكَر الْوَتَّارُ قَالَ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْحَاكِمِ إنَّهُ مِلْكِي ثُمَّ قَالَ فِي مَجْلِسِهِ إنَّهُ وَدِيعَةٌ عِنْدِي   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَدَفْعُ الدَّفْعِ وَدَفْعُهُ، وَإِنْ كَثُرَ صَحِيحٌ فِي الْمُخْتَارِ) قَالَ فِي نُورِ الْعَيْنِ خُلَاصَةُ صُورَتِهِ ادَّعَى مِلْكًا مُطْلَقًا فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ اشْتَرَيْته مِنْك فَقَالَ الْمُدَّعِي قَدْ أَقَلْتُ الْمَبِيعَ فَلَوْ قَالَ الْآخَرُ إنَّكَ أَقْرَرْت أَنِّي مَا اشْتَرَيْتُهُ يُسْمَعُ إذَا ثَبَتَ الْعَدَالَةُ (ذ) وَيَصِحُّ الدَّفْعُ قَبْلَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَبَعْدَهَا، وَقَبْلَ الْحُكْمِ وَبَعْدَهُ حَتَّى لَوْ بَرْهَنَ عَلَى مَالٍ وَحَكَمَ لَهُ فَبَرْهَنَ خَصْمُهُ أَنَّ الْمُدَّعِيَ أَقَرَّ قَبْلَ الْحُكْمِ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ بَطَلَ الْحُكْمُ قَالَ صَاحِبُ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَقُولُ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَبْطُلَ الْحُكْمُ لَوْ أَمْكَنَ التَّوْفِيقُ بِحُدُوثِهِ بَعْدَ إقْرَارِهِ عَلَى مَا سَيَأْتِي قَرِيبًا فِي (فش) أَنَّهُ لَمْ يَبْطُلْ الْحُكْمُ الْجَائِزُ بِشَكٍّ. يَقُولُ الْحَقِيرُ قَوْلُهُ: يَنْبَغِي مَحَلُّ نَظَرٍ؛ لِأَنَّ مَا فِي (ذ) بِنَاءً عَلَى اخْتِيَارِ اشْتِرَاطِ التَّوْفِيقِ وَعَدَمِ الِاكْتِفَاءِ بِمُجَرَّدِ إمْكَانِ التَّوْفِيقِ كَمَا مَرَّ مِرَارًا (فَقَطْ) مُتَقَدِّمُو مَشَايِخِنَا جَوَّزُوا دَفْعَ الدَّفْعِ وَبَعْضُ مُتَأَخِّرِيهِمْ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ، وَقِيلَ يَصِحُّ مَا لَمْ يَظْهَرْ احْتِيَالٌ وَتَلْبِيسٌ (فش) حُكِمَ لَهُ بِمَالٍ ثُمَّ رَفَعَا إلَى قَاضٍ آخَرَ وَجَاءَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالدَّفْعِ يُسْمَعُ وَيَبْطُلُ بِحُكْمِ الْأَوَّلِ، وَفِيهِ لَوْ أَتَى بِالدَّفْعِ بَعْدَ الْحُكْمِ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ لَا يُقْبَلُ نَحْوُ أَنْ يُبَرْهِنَ بَعْدَ الْحُكْمِ أَنَّ الْمُدَّعِيَ أَقَرَّ قَبْلَ الدَّعْوَى أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي الدَّارِ لَا يَبْطُلُ الْحُكْمُ لِجَوَازِ التَّوْفِيقِ بِأَنَّهُ شَرَاهُ بِخِيَارٍ فَلَمْ يَمْلِكْهُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ ثُمَّ مَضَتْ مُدَّةُ الْخِيَارِ وَقْتَ الْحُكْمِ فَمَلَكَهُ فَلَمَّا احْتَمَلَ هَذَا لَمْ يَبْطُلْ الْحُكْمُ الْجَائِزُ بِشَكٍّ وَلَوْ بَرْهَنَ قَبْلَ الْحُكْمِ يُقْبَلُ وَلَا يُحْكَمُ إذْ الشَّكُّ يَدْفَعُ الْحُكْمَ وَلَا يَرْفَعُهُ يَقُولُ الْحَقِيرُ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ بَرْهَنَ قَبْلَ الْحُكْمِ فِيمَا لَمْ يَكُنْ التَّوْفِيقُ خَفِيفًا يَنْبَغِي أَنْ لَا يُقْبَلَ وَيُحْكَمَ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ جَعَلَ إمْكَانَ التَّوْفِيقِ كَافِيًا إذْ لَا شَكَّ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّ إمْكَانَهُ كَتَصْرِيحِهِ عِنْدَهُمْ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. اهـ. ثُمَّ نُقِلَ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ بَعْدَهُ فِيهِ إلَّا أَنْ يُبَرْهِنَ عَلَى إبْطَالِ الْقَضَاءِ بِأَنْ ادَّعَى دَارًا بِالْإِرْثِ وَبَرْهَنَ، وَقَضَى ثُمَّ ادَّعَى الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ الشِّرَاءَ مِنْ مُوَرِّثِ الْمُدَّعِي وَادَّعَى الْخَارِجُ الشِّرَاءَ مِنْ فُلَانٍ وَبَرْهَنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى شِرَائِهِ مِنْ فُلَانٍ أَوْ مِنْ الْمُدَّعِي قَبْلَهُ أَوْ يَقْضِي عَلَيْهِ بِالدَّابَّةِ فَبَرْهَنَ عَلَى نِتَاجِهَا عِنْدَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ) أَيْ قَرِيبًا، وَقَدْ عَلِمْت جَوَابَهُ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 231 أَوْ رَهْنٌ عِنْدِي مِنْ فُلَانٍ يَنْدَفِعُ إذَا بَرْهَنَ عَلَى مَا ذُكِرَ، وَلَوْ بَرْهَنَ عَلَيْهِ الْمُدَّعِي أَنَّهُ أَقَرَّ بِكَوْنِهِ مِلْكًا لَهُ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْحَاكِمِ يَجْعَلُهُ خَصْمًا وَيْحُكُمْ عَلَيْهِ بِسَبْقِ إقْرَارِهِ وَيُمْنَعُ مِنْ الدَّفْعِ. اهـ. وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ دَعْوَى الشِّرَاءِ عَنْ الْغَائِبِ مِثَالٌ، وَالْمُرَادُ أَنَّ ذَا الْيَدِ ادَّعَى مِلْكًا لِنَفْسِهِ سَوَاءٌ أَطْلَقَهُ أَوْ قَيَّدَهُ بِشِرَاءٍ وَهِبَةٍ مَعَ قَبْضِ أَوْ صَدَقَةٍ كَذَلِكَ، وَأَطْلَقَ فِي الشِّرَاءِ فَشَمِلَ الْفَاسِدَ مَعَ الْقَبْضِ كَمَا فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ لِلْخَصَّافِ، وَلِهَذَا قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ أَيْضًا لَوْ قَالَ إنَّهُ مِلْكِي ثُمَّ بَرْهَنَ عَلَى الْوَدِيعَةِ لَا يُسْمَعُ. اهـ. وَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إلَى مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ فِي يَدِهِ دَارٌ زَعَمَ شِرَاءَهَا مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ أَوْ صَدَقَةً مَقْبُوضَةً أَوْ هِبَةً كَذَلِكَ مُنْذُ شَهْرٍ أَوْ أَمْسِ وَبَرْهَنَ أَوَّلًا وَبَرْهَنَ آخِرًا أَنَّ هَذَا الْغَائِبَ رَهَنَهَا مِنْهُ مُنْذُ شَهْرٍ أَوْ آجَرَهَا مِنْهُ أَوْ أَعَارَهَا مِنْهُ، وَقَبَضَهَا وَبَرْهَنَ يُحْكَمُ بِهَا لِلْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُسْتَعِيرِ وَالْمُرْتَهِنِ، وَلَا تَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ عَنْ ذِي الْيَدِ ثُمَّ ذُو الْيَدِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ سَلَّمَ إلَى الْمُدَّعِي وَتَرَبَّصَ إلَى انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ أَوْ فَكِّ الرَّهْنِ، وَإِنْ شَاءَ نَقَضَ الْبَيْعَ، وَإِنْ اخْتَارَ عَدَمَ النَّقْضِ فَأَدَّى الْبَائِعُ الدَّيْنَ، وَفَكَّ الرَّهْنَ قَبْلَ قَبْضِهِ تَمَّ الْبَيْعُ، وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي بَرْهَنَ أَنَّ الدَّارَ لَهُ أَعَارَهَا أَوْ آجَرَهَا أَوْ رَهَنَهَا مِنْ الْغَائِبِ أَوْ اشْتَرَاهَا الْغَائِبُ مِنْهُ، وَلَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ قَبْلَ أَنْ يَشْتَرِيَهَا مِنْهُ ذُو الْيَدِ يُقْضَى بِهَا لِلْمُدَّعِي فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا أَمَّا فِي الْإِعَارَةِ فَلِعَدَمِ اللُّزُومِ. وَأَمَّا فِي الْإِجَارَةِ فَلِأَنَّهُ عُذِرَ فِي الْفَسْخِ؛ لِأَنَّهُ يُرِيدُ إزَالَتَهَا عَنْ مِلْكِهِ، وَأَمَّا فِي الشِّرَاءِ فَلِأَنَّ لَهُ حَقَّ الِاسْتِرْدَادِ لِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ فَإِنْ دَفَعَ الْحَاكِمُ الدَّارَ إلَى الْمُدَّعِي فَإِنْ كَانَ آجَرَهَا، وَلَمْ يَقْبِضْ الْأُجْرَةَ أَخَذَ مِنْهُ كَفِيلًا بِالنَّفْسِ إلَى انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ، وَإِنْ كَانَ قَبَضَ الْأُجْرَةَ أَوْ كَانَ ادَّعَى رَهْنًا لَا يَدْفَعُ إلَى الْمُدَّعِي وَيَضَعُهَا عَلَى يَدِ عَدْلٍ. اهـ. وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ دَعْوَى الرَّهْنِ أَوْ الْإِجَارَةِ أَوْ الْإِعَارَةِ مِنْ الْغَائِبِ كَدَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ عَلَى ذِي الْيَدِ، وَقَيَّدَ بِدَعْوَى الشِّرَاءِ مِنْ الْغَائِبِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّ الْمُدَّعِيَ بَاعَهَا مِنْ الْغَائِبِ فَلَوْ ادَّعَى ذُو الْيَدِ أَنَّ الْمُدَّعِيَ بَاعَ الْعَيْنَ مِنْ الْغَائِبِ فَفِيهِ اخْتِلَافٌ قَالَ فِي الْقُنْيَةِ ادَّعَى عَلَيْهِ عَبْدًا، وَأَثْبَتَهُ بِالْبَيِّنَةِ فَأَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ أَنَّك بِعْتَهُ مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ فَعَلَى مَا عَلَيْهِ إشَارَاتُ الْجَامِعِ وَالزِّيَادَاتُ لَا تُقْبَلُ وَذَكَرَ النَّاطِفِيُّ فِي أَجْنَاسِهِ أَنَّهَا تُقْبَلُ وَتَنْدَفِعُ الدَّعْوَى ثُمَّ إذَا قُبِلَتْ فَإِنْ لَمْ يَدَّعِ تَلَقِّيَ الْمِلْكِ مِنْ الْمُشْتَرِي فَأَوْلَى أَنْ تُقْبَلَ إذَا ادَّعَاهُ. اهـ. وَفِيهَا قَبْلَهُ ادَّعَى عَلَيْهِ دَارًا أَنَّهَا مِلْكُهُ، وَأَثْبَتَهُ بِالْبَيِّنَةِ ثُمَّ أَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَيِّنَةً أَنَّ الْمُدَّعِيَ بَاعَهَا مِنْ زَوْجَتِهِ وَبَاعَتْهَا هِيَ مِنِّي تُسْمَعُ. اهـ. وَإِذَا لَمْ تَنْدَفِعْ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَأَقَامَ الْخَارِجُ الْبَيِّنَةَ فَقُضِيَ لَهُ ثُمَّ جَاءَ الْمُقَرُّ لَهُ الْغَائِبُ وَبَرْهَنَ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ؛ لِأَنَّ الْغَائِبَ لَمْ يَصِرْ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا قُضِيَ عَلَى ذِي الْيَدِ خَاصَّةً ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَحَاصِلُ الثَّانِيَةِ أَنَّ الْمُدَّعِيَ ادَّعَى فِعْلًا عَلَى ذِي الْيَدِ فَدَفَعَهُ بِدَعْوَى الْإِيدَاعِ مِنْ الْغَائِبِ وَبَرْهَنَ فَإِنَّهَا لَا تَنْدَفِعُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا صَارَ خَصْمًا بِدَعْوَى الْفِعْلِ عَلَيْهِ لَا بِيَدِهِ بِخِلَافِ دَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ؛ لِأَنَّهُ خَصْمٌ فِيهِ بِاعْتِبَارِ يَدِهِ حَتَّى لَا تَصِحَّ دَعْوَاهُ عَلَى غَيْرِ ذِي الْيَدِ وَتَصِحُّ دَعْوَى الْفِعْلِ، وَقَدْ بُنِيَ فِعْلُ الْغَصْبِ لِلْفَاعِلِ، وَفِعْلُ السَّرِقَةِ لِلْمَفْعُولِ فَخَرَجَ مَا إذَا بُنِيَ الْأَوَّلُ لِلْمَفْعُولِ بِأَنْ قَالَ غُصِبَ مِنِّي كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَإِنَّمَا قُيِّدَ فِي السَّرِقَةِ لِلْمَفْعُولِ لِيُعْلَمَ حُكْمُ مَا إذَا بَنَاهُ لِلْفَاعِلِ بِالْأَوْلَى، وَهُوَ اتِّفَاقٌ، وَفِي الْمَبْنِيِّ لِلْمَفْعُولِ الِاخْتِلَافُ فَقَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ كَبِنَاءِ فِعْلِ الْغَصْبِ لِلْفَاعِلِ، وَهُوَ الْقِيَاسُ وَاسْتَحْسَنَاهُ وَجَعَلَاهُ مِنْ دَعْوَى الْفِعْلِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ فِي ذِكْرِ الْفَاعِلِ إشَاعَةَ الْفَاحِشَةِ بِخِلَافِ الْغَصْبِ، وَلَوْ ادَّعَاهُ بِالْمَصْدَرِ لَمْ يَذْكُرْهُ الشَّارِحُونَ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ ادَّعَى أَنَّهُ مِلْكُهُ، وَفِي يَدِهِ غَصْبٌ وَبَرْهَنَ ذُو الْيَدِ عَلَى الْإِيدَاعِ قِيلَ تَنْدَفِعُ لِعَدَمِ دَعْوَى الْفِعْلِ عَلَيْهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا تَنْدَفِعُ. اهـ. وَأَرَادَ بِالْبُرْهَانِ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ فَخَرَجَ الْإِقْرَارُ لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ مَعْزِيًّا إلَى الذَّخِيرَةِ مَنْ صَارَ خَصْمًا لِدَعْوَى الْفِعْلِ عَلَيْهِ إنْ بَرْهَنَ عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعِي بِإِيدَاعِ الْغَائِبِ مِنْهُ تَنْدَفِعُ وَإِنْ لَمْ تَنْدَفِعْ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْإِيدَاعِ لِثُبُوتِ إقْرَارِ الْمُدَّعِي أَنَّ يَدَهُ لَيْسَتْ يَدَ خُصُومَةٍ. اهـ. وَذِكْرُ الْغَصْبِ وَالسَّرِقَةِ تَمْثِيلٌ وَالْمُرَادُ دَعْوَى فِعْلٍ عَلَيْهِ فَلَوْ قَالَ الْمُدَّعِي أَوْدَعْتُك إيَّاهُ أَوْ اشْتَرَيْته مِنْك وَبَرْهَنَ ذُو الْيَدِ كَمَا ذَكَرْنَا عَلَى وَجْهٍ لَا يُفِيدُ مِلْكَ الرَّقَبَةِ لَهُ لَا تَنْدَفِعُ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَلَوْ قَالَ الْمُدَّعِي مِلْكِي، وَفِي يَدِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ لَا يَكُونُ دَعْوَى الْغَصْبِ فَتَنْدَفِعُ لَوْ بَرْهَنَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ يُرِيدُ إزَالَتَهَا عَنْ مِلْكِهِ) أَيْ؛ لِأَنَّ ذَا الْيَدِ يُرِيدُ إزَالَةَ الدَّارِ عَنْ مِلْكِ الْمُدَّعِي بِدَعْوَاهُ شِرَاءَهَا مِنْ الْغَائِبِ فَلِهَذَا كَانَ لِلْمُدَّعِي حَقُّ الْفَسْخِ وَتَسَلُّمِ الدَّارِ مِنْ ذِي الْيَدِ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَعْذَارِ فَسْخِ الْإِجَارَةِ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 232 عَلَى الْإِيدَاعِ بِالطَّرِيقِ الْمَذْكُورِ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ أَيْضًا، وَقَيَّدَ بِدَعْوَى الْفِعْلِ عَلَى ذِي الْيَدِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ دَعْوَاهُ عَلَى غَيْرِهِ فَدَفَعَهُ ذُو الْيَدِ بِوَاحِدٍ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ وَبَرْهَنَ فَإِنَّهَا تَنْدَفِعُ كَدَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَذَكَرَ الشَّارِحُ لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ ذِي الْيَدِ، وَقَبَضَهَا وَنَقَدَ الثَّمَنَ، وَأَقَامَ ذُو الْيَدِ الْبَيِّنَةَ أَنَّ فُلَانًا أَوْدَعَهَا إيَّاهُ انْدَفَعَتْ الْخُصُومَةُ وَإِنْ ادَّعَى عَلَى ذِي الْيَدِ فِعْلًا؛ لِأَنَّ الْمُدَّعَى عَقْدٌ اسْتَوْفَى أَحْكَامَهُ فَصَارَ كَالْعَدَمِ فَكَانَ كَدَعْوَى مِلْكٍ مُطْلَقٍ حَتَّى لَوْ لَمْ يَشْهَدُوا عَلَى قَبْضِهِ لَمْ تَنْدَفِعْ. اهـ. وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْخُلَاصَةِ نَقْدَ الثَّمَنِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الشِّرَاءَ مَعَ الْقَبْضِ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ بَعْدَمَا ذَكَرَ أَنَّهُ مَعَ الْقَبْضِ كَدَعْوَى مِلْكٍ مُطْلَقٍ قَالَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ مَشَايِخِنَا قَالُوا لَا تَنْدَفِعُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ دَعْوَى الشِّرَاءِ بَقِيَ مُعْتَبَرًا، وَلِهَذَا لَا يَحْكُمُ الْقَاضِي بِالزَّوَائِدِ الْمُنْفَصِلَةِ، وَلَا يَكُونُ لِلْبَاعَةِ أَنْ يَرْجِعَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَلَوْ كَانَ كَدَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ لَكَانَ الْأَمْرُ بِخِلَافِهِ. اهـ. وَالظَّاهِرُ مَا عَلَيْهِ هَؤُلَاءِ لِإِطْلَاقِ الْمُتُونِ الشِّرَاءَ، وَأَفَادَ الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِمَا ذَكَرَهُ مِنْ دَعْوَى الْفِعْلِ وَدَفْعِهَا أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَعْدَ دَعْوَى الْفِعْلِ عَلَيْهِ لَا يَقْدِرُ عَلَى التَّحْوِيلِ إلَى غَيْرِهِ فَلَوْ دَفَعَ بِأَنَّهُ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ بَعْدَ دَعْوَى الْغَصْبِ عَلَيْهِ لَمْ تَنْدَفِعْ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ أَوْ دَفَعَ بِأَنَّهُ مِلْكُ وَالِدِهِ أَوْدَعَهُ عِنْدَهُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ قَالَ الْمُدَّعِي ابْتَعْته مِنْ فُلَانٍ، وَقَالَ ذُو الْيَدِ أَوْدَعَنِيهِ فُلَانٌ ذَلِكَ سَقَطَتْ الْخُصُومَةُ) أَيْ بِغَيْرِ بُرْهَانٍ وَحَاصِلُهَا أَنَّ الْمُدَّعِيَ ادَّعَى الْمِلْكَ بِسَبَبٍ مِنْ جِهَةِ الْغَائِبِ فَدَفَعَهُ ذُو الْيَدِ بِأَنَّ يَدَهُ مِنْ الْغَائِبِ فَقَدْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ أَصْلَ الْمِلْكِ فِيهِ لِلْغَائِبِ فَيَكُونُ وُصُولُهَا إلَى يَدِ ذِي الْيَدِ مِنْ جِهَتِهِ فَلَمْ تَكُنْ يَدُهُ يَدَ خُصُومَةٍ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً أَنَّ فُلَانًا وَكَّلَهُ بِقَبْضِهِ؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ بِبَيِّنَتِهِ كَوْنَهُ أَحَقَّ بِإِمْسَاكِهَا، وَلَوْ صَدَّقَهُ ذُو الْيَدِ فِي شِرَائِهِ مِنْهُ لَا يَأْمُرُهُ الْقَاضِي بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ حَتَّى لَا يَكُونَ قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ بِإِقْرَارِهِ، وَهِيَ عَجِيبَةٌ قَيَّدَ بِتَلَقِّي الْيَدِ مِنْ الْغَائِبِ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا إذَا قَالَ ذُو الْيَدِ أَوْدَعَنِيهِ وَكِيلُ فُلَانٍ ذَلِكَ لَمْ تَنْدَفِعْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ تَلَقِّي الْيَدِ مِمَّنْ اشْتَرَى هُوَ مِنْهُ لِإِنْكَارِ ذِي الْيَدِ، وَلَا مِنْ جِهَةِ وَكِيلِهِ لِإِنْكَارِ الْمُدَّعِي وَكَذَا لَوْ ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ أَنَّهُ دَفَعَهَا إلَى الْوَكِيلِ، وَلَمْ يَشْهَدُوا أَنَّ الْمُوَكِّلَ دَفَعَهَا إلَى ذِي الْيَدِ ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَظَاهِرُ قَوْلُهُ سَقَطَتْ السُّقُوطُ بِلَا بَيِّنَةٍ وَيَمِينٍ، وَفِي الْبِنَايَةِ، وَلَوْ طَلَبَ الْمُدَّعِي يَمِينَهُ عَلَى الْإِيدَاعِ يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ. اهـ. وَتَقَيُّدُ الْمُؤَلِّفِ بِدَعْوَى الشِّرَاءِ مِنْ الْغَائِبِ اتِّفَاقِيٌّ فَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مَعْزِيًّا إلَى الذَّخِيرَةِ ادَّعَى أَنَّهُ لَهُ غَصَبَهُ مِنْهُ فُلَانٌ الْغَائِبُ وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ وَزَعَمَ ذُو الْيَدِ أَنَّ هَذَا الْغَائِبَ أَوْدَعَهُ عِنْدَهُ تَنْدَفِعُ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى وُصُولِ الْعَيْنِ مِنْ غَيْرِهِ، وَأَنَّ صَاحِبَ الْيَدِ ذَلِكَ الرَّجُلُ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ مَكَانَ دَعْوَى الْغَصْبِ دَعْوَى السَّرِقَةِ فَإِنَّهُ لَا يَنْدَفِعُ بِزَعْمِ ذِي الْيَدِ إيدَاعَ ذَلِكَ الْغَائِبِ فِي الِاسْتِحْسَانِ. اهـ. وَقَدْ سُئِلْت بَعْدَ تَأْلِيفِ هَذَا الْمَحَلِّ بِيَوْمٍ عَنْ رَجُلٍ أَخَذَ مَتَاعَ أُخْتِهِ مِنْ بَيْتِهَا وَرَهَنَهُ وَغَابَ فَادَّعَتْ الْأُخْتُ بِهِ عَلَى ذِي الْيَدِ فَأَجَابَهُ بِالرَّهْنِ فَأَجَبْتُ إنْ ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ غَصْبَ أَخِيهَا وَبَرْهَنَ ذُو الْيَدِ عَلَى الرَّهْنِ انْدَفَعَتْ، وَإِنْ ادَّعَتْ السَّرِقَةَ لَا، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ قَبْلَهُ مَعْزِيًّا إلَى الذَّخِيرَةِ أَيْضًا بَرْهَنَ عَلَى أَنَّهُ وَدِيعَةٌ عِنْدَهُ مِنْ جِهَةِ الْمَيِّتِ الَّذِي يَدَّعِي الْوَصِيَّةَ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَصْبِهِ مِنْهُ فَلَا خُصُومَةَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا تَصَادَقَا عَلَى وُصُولِ الْمَالِ مِنْ جِهَةِ الْمَيِّتِ إمَّا غَصْبٌ، وَإِمَّا أَمَانَةٌ فَلَا تَكُونُ يَدُهُ يَدَ الْخُصُومَةِ فِي حَقِّ مَنْ يَدَّعِي تَلَقِّيَ الْمِلْكِ مِنْهُ، وَفَرَّقَ بَيْنَ الْوَصِيَّةِ وَالْوِرَاثَةِ فَلَوْ بَرْهَنَ فِي دَعْوَى الْوِرَاثَةِ أَنَّهُ وَدِيعَةٌ عِنْدَهُ مِنْ قِبَلِ الْمُوَرِّثِ الَّذِي يَدَّعِي مِنْهُ الْوِرَاثَةَ لَا يَنْدَفِعُ، وَفِي دَعْوَى الْوَصِيَّةِ كَمَا ذَكَرْنَا يَنْدَفِعُ حَتَّى يَحْضُرَ الْوَارِثُ أَوْ الْوَصِيُّ. اهـ. وَقَيَّدْنَا بِاتِّحَادِ الْغَائِبِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ادَّعَى الشِّرَاءَ مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ الْمَالِكِ وَبَرْهَنَ ذُو الْيَدِ عَلَى إيدَاعِ غَائِبٍ آخَرَ مِنْهُ لَا تَنْدَفِعُ كَمَا لَوْ ادَّعَى الْإِيدَاعَ مِنْ غَيْرِ الْوَصِيِّ أَوْ الْغَصْبَ مِنْهُ فَإِنَّهُ خَصْمٌ إلَّا أَنْ يُبَرْهِنَ عَلَى مَقَالِهِ، وَقَالَ الْبَلْخِيّ لَا تَنْدَفِعُ، وَإِنْ بَرْهَنَ كَمَسْأَلَةِ الشِّرَاءِ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ: وَهِيَ عَجِيبَةٌ) أَقُولُ: تَقَدَّمَتْ الْمَسْأَلَةُ مَتْنًا فِي آخِرِ كِتَابِ الْوَكَالَةِ قَبْلَ بَابِ عَزْلِ الْوَكِيلِ، وَوَجْهُهَا أَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى الْغَيْرِ، وَهُوَ رَبُّ الْوَدِيعَةِ فَلَا يُسَلِّمُهَا إلَى مُدَّعِي الْوَكَالَةِ بِالْقَبْضِ أَوْ الشِّرَاءِ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ مَدْيُونَ الْغَائِبِ وَادَّعَى عَلَيْهِ شَخْصٌ الْوَكَالَةَ بِالْقَبْضِ وَصَدَّقَهُ فَإِنَّهُ يَدْفَعُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا فَكَانَ إقْرَارًا عَلَى نَفْسِهِ لَا عَلَى الْغَائِبِ فَانْظُرْ مَا وَجْهُ الْعَجَبِ؟ . (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ لَا يَنْدَفِعُ بِزَعْمِ ذِي الْيَدِ إيدَاعَ ذَلِكَ الْغَائِبِ فِي الِاسْتِحْسَانِ) قَالَ فِي نُورِ الْعَيْنِ يَقُولُ الْحَقِيرُ: لَعَلَّ وَجْهَ الِاسْتِحْسَانِ هُوَ أَنَّ الْغَصْبَ إزَالَةُ الْيَدِ الْمُحِقَّةِ بِإِثْبَاتِ الْيَدِ الْمُبْطِلَةِ كَمَا ذِكْرَ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ فَالْيَدُ لِلْغَاصِبِ فِي مَسْأَلَةِ الْغَصْبِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ السَّرِقَةِ إذْ الْيَدُ فِيهَا لِذِي الْيَدِ إذْ لَا يَدَ لِلسَّارِقِ شَرْعًا ثُمَّ إنَّ عِبَارَةَ لَا يَدَ لِلسَّارِقِ نُكْتَةٌ لَا يَخْفَى حُسْنُهَا عَلَى ذَوِي النُّهَى. اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ ادَّعَتْ السَّرِقَةَ لَا) أَيْ لَا تَنْدَفِعُ وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا ادَّعَتْ سَرِقَةَ أَخِيهَا، وَقَدْ مَرَّ قَرِيبًا أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى الْفِعْلَ عَلَى غَيْرِ ذِي الْيَدِ فَدَفَعَهُ ذُو الْيَدِ بِوَاحِدٍ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ وَبَرْهَنَ فَإِنَّهَا تَنْدَفِعُ كَدَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ فَيُحْمَلُ كَلَامُهُ هُنَا عَلَى أَنَّهَا ادَّعَتْ أَنَّهُ سُرِقَ مِنْهَا مَبْنِيًّا لِلْمَجْهُولِ لِيَكُونَ دَعْوَى الْفِعْلِ عَلَى ذِي الْيَدِ وَإِنْ أُبْقِيَ عَلَى ظَاهِرِهِ يَكُونُ جَرْيًا عَلَى مُقَابِلِ الِاسْتِحْسَانِ الْمَذْكُورِ آنِفًا. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 233 (بَابُ دَعْوَى الرَّجُلَيْنِ) . لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ دَعْوَى الْوَاحِدِ ذَكَرَ دَعْوَى مَا زَادَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (بَرْهَنَا عَلَى مَا فِي يَدِ وَاحِدٍ آخَرَ قُضِيَ لَهُمَا) لِحَدِيثِ تَمِيمِ بْنِ طَرَفَةَ «أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي نَاقَةٍ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ فَقَضَى بِهَا بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ» وَحَدِيثُ الْقُرْعَةِ كَانَ فِي الِابْتِدَاءِ ثُمَّ نُسِخَ وَلِأَنَّ الْمُطْلَقَ لِلشَّهَادَةِ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَحْتَمِلُ الْوُجُوهَ بِأَنْ يَعْتَمِدَ أَحَدُهُمَا سَبَبَ الْمِلْكِ وَالْآخَرُ الْيَدَ فَصَحَّتْ الشَّهَادَتَانِ فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِهِمَا مَا أَمْكَنَ وَقَدْ أَمْكَنَ بِالتَّنْصِيفِ إذْ الْمَحَلُّ يَقْبَلُهُ وَإِنَّمَا يُنَصَّفُ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ بَرْهَنَا عَائِدٌ عَلَى الرَّجُلَيْنِ أَيْ الْخَارِجَيْنِ بِقَرِينَةٍ عَلَى مَا فِي يَدَ آخَرَ وَالْمَعْنَى عَلَى مِلْكِ مَا فِي يَدِ الْآخَرِ فَالْكَلَامُ فِي دَعْوَى الْخَارِجَيْنِ الْمِلْكَ الْمُطْلَقَ فَخَرَجَ مَا إذَا ادَّعَيَا مِلْكًا بِسَبَبٍ مُعَيَّنٍ أَوْ مُقَيَّدٍ بِتَارِيخٍ وَسَيَأْتِي وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ مَا فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي أَقَامَا بَيِّنَةً عَلَى عَبْدٍ فِي يَدِ رَجُلٍ أَحَدُهُمَا بِغَصْبٍ وَالْآخَرُ بِوَدِيعَةٍ فَهُوَ بَيْنَهُمَا اهـ. وَأَطْلَقَهُمَا فَشَمِلَ مَا إذَا ادَّعَيَا الْوَقْفَ فِي يَدِ ثَالِثٍ فَيُقْضَى بِالْعَقَارِ نِصْفَيْنِ لِكُلِّ وَقْفٍ النِّصْفُ وَهُوَ مِنْ قَبِيلِ دَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ بِاعْتِبَارِ مِلْكِ الْوَاقِفِ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْقُنْيَةِ دَارٌ فِي يَدِ رَجُلٍ أَقَامَ رَجُلٌ عَلَيْهِ بَيِّنَةً أَنَّهَا وُقِفَتْ عَلَيْهِ وَأَقَامَ قَيِّمُ الْمَسْجِدِ بَيِّنَةً أَنَّهَا وَقْفُ الْمَسْجِدِ فَإِنْ أَرَّخَا فَهِيَ لِلسَّابِقِ مِنْهُمَا وَإِنْ لَمْ يُؤَرِّخَا فَهِيَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ اهـ. وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَدَّعِيَ ذُو الْيَدِ الْمِلْكَ فِيهَا أَوْ الْوَقْفَ عَلَى جِهَةٍ أُخْرَى وَالْحَاصِلُ أَنَّ دَعْوَى الْوَقْفِ مِنْ قَبِيلِ دَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ وَلِهَذَا لَوْ ادَّعَى وَقَفِيَّةَ مَا فِي يَدِ آخَرَ وَبَرْهَنَ فَدَفَعَهُ ذُو الْيَدِ بِأَنَّهُ مُودَعٌ فُلَانٍ وَنَحْوِهِ وَبَرْهَنَ فَإِنَّهَا تَنْدَفِعُ خُصُومَةُ الْمُدَّعِي كَمَا فِي الْإِسْعَافِ فَدَعْوَى الْوَقْفِ دَاخِلٌ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُخَمَّسَةِ وَكَمَا يُقْسَمُ الدَّارُ بَيْنَ الْوَاقِفَيْنِ كَذَلِكَ لَوْ بَرْهَنَ كُلٌّ عَلَى أَنَّ الْوَاقِفَ جَعَلَ لَهُ الْغَلَّةَ وَلَا مُرَجِّحَ فَإِنَّهَا تَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِمَا فِي الْإِسْعَافِ مِنْ بَابِ إقْرَارِ الصَّحِيحِ بِأَرْضٍ فِي يَدِهِ أَنَّهَا وَقْفٌ لَوْ شَهِدَ اثْنَانِ عَلَى إقْرَارِ رَجُلٍ بِأَنَّ أَرْضَهُ وَقْفٌ عَلَى زَيْدٍ وَنَسْلِهِ وَشَهِدَ آخَرَانِ عَلَى إقْرَارِهِ بِأَنَّهَا وَقْفٌ عَلَى عَمْرٍو وَنَسْلِهِ تَكُونُ وَقْفًا عَلَى الْأَسْبَقِ وَقْتًا إنْ عُلِمَ وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ أَوْ ذَكَرُوا وَقْتًا وَاحِدًا تَكُونُ الْغَلَّةُ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ إنْصَافًا وَمَنْ مَاتَ مِنْ وَلَدِ زَيْدٍ فَنَصِيبُهُ لِمَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ وَكَذَلِكَ حُكْمُ أَوْلَادِ عَمْرٍو وَإِذَا انْقَرَضَ أَحَدُ الْفَرِيقَيْنِ رَجَعَتْ إلَى الْفَرِيقِ الْبَاقِي لِزَوَالِ الْمُزَاحِمِ اهـ. وَقَيَّدَ بِالْبُرْهَانِ مِنْهُمَا إذْ لَوْ بَرْهَنَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ فَإِنَّهُ يُقْضَى لَهُ بِالْكُلِّ فَلَوْ بَرْهَنَ الْخَارِجُ الْآخَرُ يُقْضَى لَهُ بِالْكُلِّ لِأَنَّ الْمَقْضِيَّ لَهُ صَارَ ذَا يَدٍ بِالْقَضَاءِ لَهُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْعَيْنُ فِي يَدِهِ حَقِيقَةً فَتُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ الْآخَرِ عَلَيْهِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ قَرِيبًا فِي دَعْوَى الرَّجُلَيْنِ النِّكَاحَ وَلَوْ لَمْ يُبَرْهِنَا حَلَفَ صَاحِبُ الْيَدِ فَإِنْ حَلَفَ لَهُمَا تُتْرَكُ فِي يَدِهِ قَضَاءَ تَرْكٍ لَا قَضَاءَ اسْتِحْقَاقٍ حَتَّى لَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ بَعْدَ ذَلِكَ يُقْضَى بِهَا وَإِنْ نَكَلَ لَهُمَا جَمِيعًا يُقْضَى بِهِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ثُمَّ بَعْدَهُ إذَا أَقَامَ صَاحِبُ الْيَدِ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ مِلْكُهُ لَا تُقْبَلُ وَكَذَا إذَا ادَّعَى أَحَدُ الْمُسْتَحِقَّيْنِ عَلَى صَاحِبِهِ وَأَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهَا مِلْكُهُ لَا تُقْبَلُ لِكَوْنِهِ صَارَ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَمِنْ أَهَمِّ مَسَائِلِ هَذَا الْبَابِ مَعْرِفَةُ الْخَارِجِ مِنْ ذِي الْيَدِ وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ ادَّعَى كُلٌّ أَنَّهُ فِي يَدِهِ فَلَوْ بَرْهَنَ أَحَدُهُمَا يُقْبَلُ وَيَكُونُ الْآخَرُ خَارِجًا وَلَوْلَا بَيِّنَةَ لَهُمَا لَا يَحْلِفُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَلَوْ بَرْهَنَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْيَدِ وَحُكِمَ بِيَدِهِ ثُمَّ بَرْهَنَ عَلَى الْمِلْكِ لَا تُقْبَلُ إذْ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ عَلَى الْمِلْكِ لَا تُقْبَلُ أَخَذَ عَيْنًا مِنْ يَدِ آخَرَ وَقَالَ إنِّي أَخَذْته مِنْ يَدِهِ لِأَنَّهُ كَانَ مِلْكِي وَبَرْهَنَ عَلَى ذَلِكَ تُقْبَلُ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ ذَا يَدٍ بِحُكْمِ الْحَالِ لَكِنَّهُ لَمَّا أَقَرَّ بِقَبْضِهِ مِنْهُ فَقَدْ أَقَرَّ أَنَّ ذَا الْيَدِ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ الْخَارِجُ وَلَوْ غَصَبَ أَرْضًا وَزَرَعَهَا فَادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهَا لَهُ وَغَصَبَهَا مِنْهُ فَلَوْ بَرْهَنَ عَلَى غَصْبِهِ وَإِحْدَاثِ يَدِهِ يَكُونُ هُوَ ذَا يَدٍ وَالزَّارِعُ خَارِجًا وَلَوْ لَمْ يُثْبِتْ إحْدَاثَ يَدِهِ فَالزَّارِعُ ذُو يَدٍ وَالْمُدَّعِي هُوَ الْخَارِجُ بِيَدِهِ عَقَارٌ أَحْدَثَ الْآخَرُ عَلَيْهِ يَدَهُ لَا يَصِيرُ بِهِ ذَا يَدٍ فَلَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ إنَّك أَحْدَثْت الْيَدَ وَكَانَ بِيَدِي فَأَنْكَرَ يَحْلِفُ اهـ. وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الْيَدَ الظَّاهِرَةَ لَا اعْتِبَارَ بِهَا ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ قَالَ فِي الْعِمَادِيَّةِ اعْلَمْ أَنَّ الرَّجُلَيْنِ إذَا ادَّعَيَا عَيْنًا وَبَرْهَنَا فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَدَّعِيَا مِلْكًا مُطْلَقًا أَوْ إرْثًا أَوْ شِرَاءً وَكُلُّ قِسْمٍ عَلَى ثَلَاثَةٍ إمَّا أَنْ يَكُونَ   [منحة الخالق] [بَابُ دَعْوَى الرَّجُلَيْنِ] (قَوْلُهُ وَالْآخَرُ بِوَدِيعَةٍ فَهُوَ بَيْنَهُمَا) أَيْ لِأَنَّ الْمُودَعَ بِالْجُحُودِ يَصِيرُ غَاصِبًا ثُمَّ إنَّ مَا ذَكَرَهُ عَنْ الْمُنْيَةِ سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْبَابِ (قَوْلُهُ ثُمَّ بَعْدَهُ إذَا أَقَامَ صَاحِبُ الْيَدِ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ مِلْكُهُ لَا يُقْبَلُ) اُنْظُرْ مَا كَتَبْنَاهُ عِنْدَ قَوْلِهِ وَقُضِيَ لَهُ إنْ نَكَلَ مَرَّةً الجزء: 7 ¦ الصفحة: 234 الْمُدَّعِي فِي يَدِ ثَالِثٍ أَوْ فِي يَدِهِمَا أَوْ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا وَكُلُّ وَجْهٍ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ لَا يُؤَرِّخَا أَوْ أَرَّخَا تَارِيخًا وَاحِدًا أَوْ أَرَّخَا وَتَارِيخُ أَحَدِهِمَا أَسْبَقُ أَوْ أَرَّخَ أَحَدُهُمَا لَا الْآخَرُ وَجُمْلَةُ ذَلِكَ سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ فَصْلًا اهـ. أَقُولُ: إنَّ هَذَا التَّقْسِيمَ لَيْسَ بِحَاصِرٍ وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ إذَا ادَّعَيَا عَيْنًا فَإِمَّا أَنْ يَدَّعِيَا مِلْكًا مُطْلَقًا أَوْ مِلْكًا بِسَبَبٍ مُتَّحِدٍ قَابِلٍ لِلتَّكْرَارِ أَوْ غَيْرِ قَابِلٍ لَهُ أَوْ مُخْتَلَفُ أَحَدِهِمَا أَقْوَى مِنْ الْآخَرِ أَوْ مُسْتَوِيَانِ مِنْ وَاحِدٍ أَوْ مِنْ مُتَعَدِّدٍ أَوْ يَدَّعِي أَحَدُهُمَا الْمِلْكَ الْمُطْلَقَ وَالْآخَرُ الْمِلْكَ بِسَبَبٍ أَوْ أَحَدُهُمَا مَا يَتَكَرَّرُ وَالْآخَرُ مَا لَا يَتَكَرَّرُ فَهِيَ تِسْعَةٌ وَكُلٌّ مِنْهَا إمَّا أَنْ يُبَرْهِنَ أَوْ يُبَرْهِنَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ أَوْ لَا بُرْهَانَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَا مُرَجِّحَ أَوْ لِأَحَدِهِمَا مُرَجِّحٌ فَهِيَ أَرْبَعَةٌ صَارَتْ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَكُلٌّ مِنْهَا إمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُدَّعِي فِي يَدِ ثَالِثٍ أَوْ فِي يَدِهِمَا أَوْ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا فَهِيَ أَرْبَعَةٌ صَارَتْ مِائَةً وَثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ وَكُلٌّ مِنْهَا عَلَى أَرْبَعَةٍ أَمَّا إذَا لَمْ يُؤَرِّخَا أَوْ أَرَّخَا وَاسْتَوَيَا أَوْ سَبَقَ أَحَدُهُمَا أَوْ أَرَّخَ أَحَدُهُمَا صَارَتْ خَمْسَمِائَةٍ وَاثْنَيْ عَشَرَ. قَوْلُهُ (وَعَلَى نِكَاحِ امْرَأَةٍ سَقَطَا) أَيْ لَوْ بَرْهَنَا عَلَى نِكَاحِ امْرَأَةٍ تَهَاتَرَا لِتَعَذُّرِ الْعَمَلِ بِهِمَا لِأَنَّ الْمَحَلَّ لَا يَقْبَلُ الِاشْتِرَاكَ وَإِذَا تَهَاتَرَا فَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا حَيْثُ لَا مُرَجِّحَ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ وَإِذَا تَهَاتَرَا وَكَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا شَيْءَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَذَا فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي أَطْلَقَهُ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِحَيَاتِهِمْ أَيْ الْمُدَّعِيَيْنِ وَالْمَرْأَةِ أَمَّا لَوْ بَرْهَنَا عَلَيْهِ بَعْدَ مَوْتِهَا وَلَمْ يُؤَرِّخَا أَوْ أَرَّخَا وَاسْتَوَى تَارِيخُهُمَا فَإِنَّهُ يَقْضِي بِالنِّكَاحِ بَيْنَهُمَا وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الْمَهْرِ وَهُمَا يَرِثَانِ مِيرَاثَ زَوْجٍ وَاحِدٍ فَإِنْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُمَا وَيَرِثُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِيرَاثَ ابْنٍ كَامِلٍ وَهُمَا يَرِثَانِ مِنْ الِابْنِ مِيرَاثَ أَبٍ وَاحِدٍ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَفِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي وَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْإِقْرَارُ وَالْيَدُ فَإِنْ سَبَقَ تَارِيخُ أَخْذِهِمَا يُقْضَى لَهُ وَلَوْ ادَّعَيَا نِكَاحَهَا وَبَرْهَنَا وَلَا مُرَجِّحَ ثُمَّ مَاتَا فَإِنَّ لَهَا نِصْفَ الْمَهْرِ وَنِصْفَ الْمِيرَاثِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَوْ مَاتَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الْمُسَمَّى وَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا فَقَالَتْ الْمَرْأَةُ هُوَ الْأَوَّلُ لَهَا الْمَهْرُ وَالْمِيرَاثُ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَأَطْلَقَ فِي النِّكَاحِ فَشَمِلَ مَا إذَا بَرْهَنَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْعَقْدِ وَالْآخَرُ عَلَى إقْرَارِهَا لَهُ بِهِ فَلَا تَرْجِيحَ لَكِنْ بَعْدَ التَّهَاتُرِ لَوْ بَرْهَنَ أَحَدُهُمَا عَلَى إقْرَارِهَا بِالنِّكَاحِ يُحْكَمُ لَهُ كَمَا لَوْ عَايَنَا اعْتِرَافَهَا لِأَحَدِهِمَا بِهِ بَعْدَ التَّهَاتُرِ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَفِي الْعُبَابِ لِلشَّافِعِيَّةِ وَتُرَجَّحُ بَيِّنَةُ الْعَقْدِ عَلَى بَيِّنَةِ إقْرَارِهَا كَبَيِّنَةِ غَصْبٍ عَلَى بَيِّنَةِ إقْرَارٍ اهـ. وَلَمْ أَرَ الْآنَ حُكْمَ الْمُشَبَّهِ بِهِ عِنْدَنَا وَفِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي ادَّعَيَا نِكَاحَ امْرَأَةٍ فَأَقَرَّتْ لِأَحَدِهِمَا ثُمَّ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ لَا يُقْضَى لِأَحَدِهِمَا كَمَا لَوْ لَمْ تُقِرَّ اهـ. وَفِي الْهِدَايَةِ إذَا أَقَرَّتْ لِأَحَدِهِمَا قَبْلَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ فَهِيَ امْرَأَتُهُ لِتَصَادُقِهِمَا فَإِنْ أَقَامَ الْآخَرُ الْبَيِّنَةَ قُضِيَ بِهَا لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ أَقْوَى مِنْ الْإِقْرَارِ اهـ. وَقُيِّدَ بِبُرْهَانِهِمَا مَعًا لِأَنَّهُ لَوْ بَرْهَنَ مُدَّعِي نِكَاحَهَا وَقُضِيَ لَهُ بِهِ ثُمَّ بَرْهَنَ الْآخَرُ عَلَى نِكَاحِهَا لَا تُقْبَلُ كَمَا فِي الشِّرَاءِ إذَا ادَّعَاهُ مِنْ فُلَانٍ وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ وَحُكِمَ لَهُ بِهِ ثُمَّ ادَّعَى الْآخَرُ شِرَاءَهُ مِنْ فُلَانٍ أَيْضًا وَبَرْهَنَ لَا تُقْبَلُ وَيُجْعَلُ الشِّرَاءُ الْمَحْكُومُ بِهِ سَابِقًا كَذَا هُنَا وَلَوْ بَرْهَنَ عَلَى نَسَبِ مَوْلُودٍ وَحُكِمَ لَهُ بِهِ ثُمَّ ادَّعَاهُ آخَرُ وَبَرْهَنَ عَلَى ذَلِكَ لَا يُقْبَلُ وَفِي الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ لَوْ بَرْهَنَ عَلَيْهِ أَحَدٌ وَحُكِمَ لَهُ بِهِ ثُمَّ ادَّعَاهُ آخَرُ وَبَرْهَنَ عَلَى ذَلِكَ يُقْبَلُ وَيُحْكَمُ لِلثَّانِي كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَهَذَا مَا وَعَدْنَا بِهِ فِي مَسْأَلَةِ الْخَارِجِ إذَا حُكِمَ لَهُ ثُمَّ ادَّعَاهُ آخَرُ وَهَذَا مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْفَتَاوَى الصُّغْرَى مِنْ أَنَّ الْقَضَاءَ لَا يَكُونُ عَلَى الْكَافَّةِ إلَّا فِي الْقَضَاءِ بِالْحُرِّيَّةِ وَالنَّسَبِ وَالْوَلَاءِ وَالنِّكَاحِ وَلَكِنْ فِي النِّكَاحِ شَرْطٌ هُوَ أَنْ لَا يُؤَرِّخَا فَإِنْ أَرَّخَ الْمَحْكُومُ لَهُ ثُمَّ ادَّعَاهَا آخَرُ بِتَارِيخٍ أَسْبَقَ فَإِنَّهُ يُقْضَى لَهُ وَيَبْطُلُ الْقَضَاءُ الْأَوَّلُ وَسَبَقَ مِنَّا أَيْضًا اشْتِرَاطُ ذَلِكَ فِي الْحُرِّيَّةِ الْأَصْلِيَّةِ أَيْضًا فِي بَابِ الِاسْتِحْقَاقِ فَكُنْ عَلَى ذِكْرٍ مِنْهُ يَنْفَعْك كَثِيرًا وَقَيَّدَ بِدَعْوَى الرَّجُلَيْنِ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا إذَا أَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ عَلَى امْرَأَةٍ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا وَأَقَامَتْ هِيَ بَيِّنَةً عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الرَّجُلِ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا ادَّعَى نِكَاحَ صَغِيرَةٍ بِتَزْوِيجِ الْحَاكِمِ لَهُ لَمْ تُسْمَعْ إلَّا بِشُرُوطٍ أَنْ يَذْكُرَ اسْمَ الْحَاكِمِ وَنَسَبَهُ وَأَنَّ السُّلْطَانَ فَوَّضَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ أَقُولُ: إنَّ هَذَا التَّقْسِيمَ لَيْسَ بِحَاصِرٍ وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ تَأَمَّلْ فِي هَذَا التَّقْسِيمِ يَظْهَرْ لَك مَا فِيهِ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 235 إلَيْهِ التَّزْوِيجَ وَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلِيٌّ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ يَوْمَ الْمَوْتِ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْقَضَاءِ وَيَوْمَ الْقَتْلِ يَدْخُلُ هَكَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ والولوالجية وَالْبَزَّازِيَّةِ وَغَيْرِهَا وَفَرَّعُوا عَلَى الْأَوَّلِ مَا لَوْ بَرْهَنَ الْوَارِثُ عَلَى مَوْتِ مُوَرِّثِهِ فِي يَوْمٍ ثُمَّ بَرْهَنَتْ امْرَأَةٌ عَلَى أَنَّ مُوَرِّثَهُ كَانَ نَكَحَهَا بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ يُقْضَى لَهَا بِالنِّكَاحِ وَعَلَى الثَّانِي لَوْ بَرْهَنَ الْوَارِثُ عَلَى أَنَّهُ قُتِلَ يَوْمَ كَذَا فَبَرْهَنَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى أَنَّ هَذَا الْمَقْتُولَ نَكَحَهَا بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ لَا يُقْبَلُ وَعَلَى هَذَا جَمِيعُ الْعُقُودِ وَالْمُدَايَنَاتِ وَكَذَا لَوْ بَرْهَنَ الْوَارِثُ عَلَى أَنَّ مُوَرِّثَهُ قُتِلَ يَوْمَ كَذَا فَبَرْهَنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ مَاتَ قَبْلَ هَذَا بِزَمَانٍ لَا يُسْمَعُ وَلَوْ بَرْهَنَ عَلَى أَنَّ مُوَرِّثَهُ قُتِلَ يَوْمَ كَذَا فَبَرْهَنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ قَتَلَهُ فُلَانٌ قَبْلَ هَذَا بِزَمَانٍ يَكُونُ دَفْعًا لِدُخُولِهِ تَحْتَ الْقَضَاءِ هَذِهِ عِبَارَةُ الْبَزَّازِيَّةِ وَزَادَ الْوَلْوَالِجِيُّ مُوَضِّحًا لِلثَّانِيَةِ بِقَوْلِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ امْرَأَةً لَوْ أَقَامَتْ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا يَوْمَ النَّحْرِ بِمَكَّةَ فَقَضَى بِشُهُودِهَا ثُمَّ أَقَامَتْ أُخْرَى بَيِّنَةً أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا يَوْمَ النَّحْرِ بِخُرَاسَانَ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْمَرْأَةِ الْأُخْرَى لِأَنَّ النِّكَاحَ يَدْخُلُ تَحْتَ الْقَضَاءِ فَاعْتُبِرَ ذَلِكَ التَّارِيخُ فَإِذَا ادَّعَتْ امْرَأَةٌ أُخْرَى بَعْدَ ذَلِكَ التَّارِيخِ بِتَارِيخٍ لَمْ يُقْبَلْ اهـ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ ادَّعَى ضَيْعَةً فِي يَدِ رَجُلٍ أَنَّهَا كَانَتْ لِفُلَانٍ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا لِفُلَانَةَ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهَا ثُمَّ أَنَّ فُلَانَةَ مَاتَتْ وَتَرَكَتْهَا مِيرَاثًا لِي لَا وَارِثَ لَهَا غَيْرِي وَقَضَى الْقَاضِي لَهُ بِالضَّيْعَةِ فَقَالَ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ دَفْعًا لِلدَّعْوَى إنَّ فُلَانَةَ الَّتِي تَدَّعِي أَنْت الْإِرْثَ عَنْهَا لِنَفْسِهَا مَاتَتْ قَبْلَ فُلَانٍ الَّذِي تَدَّعِي الْإِرْثَ عَنْهُ لِفُلَانَةَ اخْتَلَفُوا فِيهِ بَعْضُهُمْ قَالُوا إنَّهُ صَحِيحٌ وَبَعْضُهُمْ قَالُوا إنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ يَوْمَ الْمَوْتِ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْقَضَاءِ اهـ. وَفِيهَا قَبْلَهُ بَعْدَمَا ذَكَرَ الْفَرْقَ بَيْنَ يَوْمِ الْمَوْتِ وَيَوْمِ الْقَتْلِ قَالَ غَيْرَ أَنَّ مَسْأَلَةً أُخْرَى تَرِدُ إشْكَالًا عَلَى هَذَا وَهِيَ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ قَتَلَ أَبَاهُ عَمْدًا بِالسَّيْفِ مُنْذُ عِشْرِينَ سَنَةً وَأَنَّهُ وَارِثُهُ لَا وَارِثَ لَهُ سِوَاهُ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ فَجَاءَتْ امْرَأَةٌ وَمَعَهَا وَلَدٌ وَأَقَامَتْ الْبَيِّنَةَ أَنَّ وَالِدَ هَذَا تَزَوَّجَهَا مُنْذُ خَمْسَةَ عَشَرَ سَنَةً وَأَنَّ هَذَا وَلَدُهُ مِنْهَا وَوَارِثُهُ مَعَ ابْنِهِ هَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أَسْتَحْسِنُ فِي هَذَا أَنْ أُجِيزَ بَيِّنَةَ الْمَرْأَةِ وَأُثْبِتَ نَسَبَ الْوَلَدِ وَلَا أُبْطِلَ بَيِّنَةَ الِابْنِ عَلَى الْقَتْلِ وَكَانَ هَذَا الِاسْتِحْسَانُ لِلِاحْتِيَاطِ فِي أَمْرِ النَّسَبِ بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَوْ أَقَامَتْ الْبَيِّنَةَ عَلَى النِّكَاحِ وَلَمْ تَأْتِ بِالْوَلَدِ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الِابْنِ وَلَهُ الْمِيرَاثُ دُونَ الْمَرْأَةِ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ اهـ. فَقَدْ عَلِمْت مِمَّا فِي الظَّهِيرِيَّةِ اسْتِثْنَاءَ مَسْأَلَةٍ مِنْ قَوْلِهِمْ يَوْمُ الْمَوْتِ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْقَضَاءِ عَلَى قَوْلِ الْبَعْضِ وَاسْتِثْنَاءَ مَسْأَلَةٍ مِنْ قَوْلِهِمْ يَوْمُ الْقَتْلِ يَدْخُلُ فَافْهَمْ وَفِي الْقُنْيَةِ مِنْ بَابِ دَفْعِ الدَّعْوَى ادَّعَى عَلَيْهِ شَيْئًا أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْ أَبِيهِ مُنْذُ عَشْرِ سِنِينَ وَالْأَبُ مَيِّتٌ لِلْحَالِ فَأَقَامَ ذُو الْيَدِ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ مَاتَ مُنْذُ عِشْرِينَ سَنَةً تُسْمَعُ وَقَالَ عُمَرُ الْحَافِظُ لَا تُسْمَعُ قَالَ أُسْتَاذُنَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالصَّوَابُ جَوَابُ الْحَافِظِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَحْفَظَ فَإِنَّهُ كَانَ يَحْفَظُ أَنَّ زَمَانَ الْمَوْتِ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْقَضَاءِ اهـ. وَهِيَ ثَانِيَةٌ تُسْتَثْنَى عَلَى قَوْلِ الْبَعْضِ مِنْ قَوْلِهِمْ يَوْمُ الْمَوْتِ لَا يَدْخُلُ أَنَّ زَمَانَ الْمَوْتِ لَا يَدْخُلُ وَفِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ بَعْدَمَا ذَكَرَ أَنَّ يَوْمَ الْمَوْتِ لَا يَدْخُلُ وَيَوْمَ الْقَتْلِ يَدْخُلُ قَالَ وَلَوْ أَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ أَنَّ هَذَا قَتَلَ أَبِي يَوْمَ النَّحْرِ بِمَكَّةَ وَأَقَامَ أَخُو هَذَا الْمُدَّعِي بَيِّنَةً عَلَى رَجُلٍ آخَرَ أَنَّهُ قَتَلَ أَبِي يَوْمَ النَّحْرِ بِالْكُوفَةِ جَازَتْ وَيُحْكَمُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِنِصْفِ الدِّيَةِ أَمَّا لَوْ كَانَ الْقَاتِلُ وَاحِدًا وَالْمَقْتُولُ اثْنَيْنِ لَمْ تُقْبَلْ ذَكَرَهُ فِي نَوَادِرِ ابْنِ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ اهـ. ثُمَّ قَالَ وَلَوْ أَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ قَتَلَ أَبِي مُنْذُ سَنَةٍ وَأَقَامَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بَيِّنَةً أَنَّ أَبَاهُ صَلَّى بِالنَّاسِ الْجُمُعَةَ الْمَاضِيَةَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الْأَخْذُ بِالْأَحْدَثِ أَوْلَى إنْ كَانَ شَيْئًا مَشْهُورًا اهـ.   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَزَادَ الْوَلْوَالِجِيُّ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ فِي أَوَاخِرِ الْفَصْلِ الرَّابِعِ وَقَوْلُهُ مُوَضِّحًا لِلثَّانِيَةِ يَعْنِي دَعْوَى الْمَرْأَةِ النِّكَاحَ بَعْدَ ثُبُوتِ الْقَتْلِ فِي يَوْمِ كَذَا (قَوْلُهُ فَإِذَا ادَّعَتْ امْرَأَةٌ أُخْرَى بَعْدَ ذَلِكَ التَّارِيخِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَجْهُ الشَّبَهِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ أَنَّ تَارِيخَ بُرْهَانِ الْمَرْأَةِ عَلَى نِكَاحِ الْمَقْتُولِ مُخَالِفٌ لِتَارِيخِ الْقَتْلِ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ بَعْدَ قَتْلِهِ أَنْ يَنْكِحَ كَمَا أَنَّ نِكَاحَ الثَّانِيَةِ لَهُ يَوْمَ النَّحْرِ بِخُرَاسَانَ لَا يُتَصَوَّرُ مَعَ نِكَاحِ الْأُولَى لَهُ يَوْمَهُ بِمَكَّةَ فَهُوَ مُخَالِفٌ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ فَأَشْبَهَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فِي الْمُخَالَفَةِ وَكُلٌّ مِنْ النِّكَاحِ وَالْقَتْلِ يَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ ادَّعَى ضَيْعَةً فِي يَدِ رَجُلٍ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ إذَا كَانَ الْمَوْتُ مُسْتَفِيضًا عَلِمَ بِهِ كُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ وَكُلُّ عَالِمٍ وَجَاهِلٍ لَا يُقْضَى لَهُ وَلَا يَكُونُ بِطَرِيقِ أَنَّ الْقَاضِيَ قَبِلَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ الْمَوْتِ بَلْ يَكُونُ بِطَرِيقِ التَّيَقُّنِ بِكَذِبِ الْمُدَّعِي ارْجِعْ إلَى التَّتَارْخَانِيَّة مِنْ كِتَابِ الشَّهَادَةِ فِي الْفَصْلِ الثَّامِنَ عَشَرَ يَظْهَرْ لَك صِحَّةَ مَا قُلْته. (قَوْلُهُ وَلَا أُبْطِلُ بَيِّنَةَ الِابْنِ عَلَى الْقَتْلِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّ حَرْفَ النَّفْيِ زَائِدٌ وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَعِبَارَتُهُ وَلَوْ أَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ قَتَلَ أَبَاهُ مُنْذُ عِشْرِينَ سَنَةً وَأَقَامَتْ الْمَرْأَةُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا مُنْذُ خَمْسَةَ عَشَرَ سَنَةً وَأَنَّ هَؤُلَاءِ أَوْلَادُهُ مِنْهَا اسْتَحْسَنَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنْ أَجَازَ بَيِّنَةَ الْمَرْأَةِ وَأَثْبَتَ النَّسَبَ وَأَبْطَلَ بَيِّنَةَ الِابْنِ عَلَى الْقَتْلِ وَالْقِيَاسُ أَنْ يُقْضَى بِبَيِّنَةِ الْقَتْلِ. اهـ. (قَوْلُهُ أَمَّا لَوْ كَانَ الْقَاتِلُ وَاحِدًا وَالْمَقْتُولُ اثْنَيْنِ لَمْ تُقْبَلْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ يَعْنِي لَوْ ادَّعَى أَنَّ هَذَا قَتَلَ أَبِي زَيْدًا يَوْمَ النَّحْرِ بِمَكَّةَ وَادَّعَى آخَرُ أَنَّهُ قَتَلَ عَمْرًا يَوْمَ النَّحْرِ بِالْكُوفَةِ لَا يَجُوزُ وَلَا يُحْكَمُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا (قَوْلُهُ الْأَخْذُ بِالْأَحْدَثِ أَوْلَى إنْ كَانَ شَيْئًا مَشْهُورًا) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَهَذَا يُقَيَّدُ بِهِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 236 (قَوْلُهُ (وَهِيَ لِمَنْ صَدَّقَتْهُ أَوْ سَبَقَتْ بَيِّنَتُهُ) لِأَنَّ النِّكَاحَ مِمَّا يُحْكَمُ بِهِ بِتَصَادُقِ الزَّوْجَيْنِ وَالتَّعْبِيرُ بِأَوْ يُفِيدُ أَنَّ التَّصْدِيقَ مُعْتَبَرٌ مُرَجَّحٌ عِنْدَ عَدَمِ التَّارِيخِ مِنْهُمَا أَوْ مَعَ اسْتِوَاءِ تَارِيخِهِمَا أَوْ مَعَ تَارِيخِ أَحَدِهِمَا فَإِنَّ السَّبْقَ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا أَرَّخَا وَسَبَقَ تَارِيخُ أَحَدِهِمَا وَأَطْلَقَ فِي اعْتِبَارِ التَّصْدِيقِ عِنْدَ عَدَمِ السَّبْقِ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ تَكُنْ فِي يَدِ مَنْ كَذَّبَتْهُ وَلَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا أَمَّا إذَا كَانَتْ فِي يَدِ الْآخَرِ أَوْ دَخَلَ بِهَا فَلَا اعْتِبَارَ بِالتَّصْدِيقِ لِأَنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى سَبْقِ عَقْدِهِ وَلَا يُعْتَبَرَانِ مَعَ سَبْقِ تَارِيخِ الْآخَرِ لِكَوْنِهِ صَرِيحًا وَهُوَ يَفُوقُ الدَّلَالَةَ وَقَدْ عُلِمَ بِمَا قَرَّرْنَاهُ أَنَّ أَحَدَهُمَا لَوْ أَرَّخَ فَقَطْ فَإِنَّهَا لِمَنْ أُقِرَّتْ لَهُ وَهُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ كَمَا لَوْ أَرَّخَ أَحَدُهُمَا وَلِلْآخَرِ يَدٌ فَإِنَّهَا لِذِي الْيَدِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ بِخِلَافِ مَا إذَا بَرْهَنَا وَأَرَّخَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ وَلَا إقْرَارَ فَهِيَ لِصَاحِبِ التَّارِيخِ كَمَا فِيهِمَا أَيْضًا فَالْحَاصِلُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ أَنَّهُ لَا يَتَرَجَّحُ أَحَدُهُمَا إلَّا بِسَبْقِ التَّارِيخِ أَوْ بِالْيَدِ أَوْ بِإِقْرَارِهَا لَهُ أَوْ دُخُولِ أَحَدِهِمَا اهـ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَزِيدَ أَوْ بِتَارِيخٍ مِنْ أَحَدِهِمَا فَقَطْ كَمَا عَلِمْته. وَالْحَاصِلُ أَنَّ أَحَدَهُمَا إذَا أَرَّخَ فَقَطْ قُدِّمَ إنْ لَمْ يَكُنْ إقْرَارٌ لِلْآخَرِ وَلَا بُدَّ فَإِنْ وُجِدَ إقْرَارٌ لِأَحَدِهِمَا وَيَدٌ لِلْآخَرِ قُدِّمَ ذُو الْيَدِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ دَخَلَ بِهَا أَحَدُهُمَا وَهِيَ فِي بَيْتِ الْآخَرِ فَصَاحِبُ الْبَيْتِ أَوْلَى. وَالْحَاصِلُ أَنَّ سَبْقَ التَّارِيخِ أَرْجَحُ مِنْ الْكُلِّ ثُمَّ الْيَدُ ثُمَّ الدُّخُولُ ثُمَّ الْإِقْرَارُ ثُمَّ ذُو التَّارِيخِ وَأَطْلَقَ فِي التَّصْدِيقِ فَشَمِلَ مَا إذَا سَمِعَهُ الْقَاضِي أَوْ بَرْهَنَ عَلَيْهِ مُدَّعِيهِ بَعْدَ إنْكَارِهَا لَهُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَلَوْ قَالَتْ زَوَّجْت نَفْسِي مِنْ زَيْدٍ بَعْدَمَا زَوَّجْت نَفْسِي مِنْ عَمْرٍو وَهُمَا يَدَّعِيَانِ فَهِيَ امْرَأَةُ زَيْدٍ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا هُوَ فِي الْخُلَاصَةِ وَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ قَالَ لِأُخْتَيْنِ تَزَوَّجْت فَاطِمَةَ بَعْدَ خَدِيجَةَ فَامْرَأَتُهُ فَاطِمَةُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَخَدِيجَةُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ بَعْضَهُمْ عَبَّرَ بِإِقْرَارِهَا وَبَعْضَهُمْ بِتَصْدِيقِهَا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ هُنَا وَلَكِنْ فَرَّقُوا بَيْنَهُمَا فَقَالَ الشَّارِحُ فِي بَابِ اللِّعَانِ فَإِنْ أَبَتْ حُبِسَتْ حَتَّى تُلَاعِنَ أَوْ تُصَدِّقَهُ وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْقُدُورِيِّ أَوْ تُصَدِّقَهُ فَتُحَدَّ وَهُوَ غَلَطٌ لِأَنَّ الْحَدَّ لَا يَجِبُ بِالْإِقْرَارِ مَرَّةً فَكَيْفَ يَجِبُ بِالتَّصْدِيقِ مَرَّةً وَهُوَ لَا يَجِبُ بِالتَّصْدِيقِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ لِأَنَّ التَّصْدِيقَ لَيْسَ بِإِقْرَارٍ قَصْدًا فَلَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّ وُجُوبِ الْحَدِّ وَيُعْتَبَرُ فِي دَرْئِهِ فَيَنْدَفِعُ بِهِ اللِّعَانُ وَلَا يَجِبُ بِهِ الْحَدُّ اهـ. وَقَدَّمْنَا فِي بَابِ حَدِّ الْقَذْفِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ يَا زَانِي فَقَالَ لَهُ غَيْرُهُ صَدَقْت حُدَّ الْمُبْتَدِئُ دُونَ الْمُصَّدِّقِ وَلَوْ قَالَ صَدَقْت هُوَ كَمَا قُلْت فَهُوَ قَاذِفٌ أَيْضًا اهـ. وَإِنَّمَا وَجَبَ فِي الثَّانِيَةِ لِلْعُمُومِ فِي كَافِ التَّشْبِيهِ لَا لِلتَّصْدِيقِ فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ الْحَدَّ لَا يَجِبُ بِالتَّصْدِيقِ فَإِنْ قُلْت لَوْ قَالَ لِي عَلَيْك أَلْفٌ فَقَالَ صَدَقْت أَيَكُونُ إقْرَارًا مُلْزِمًا لِلْمَالِ قُلْت نَعَمْ يُنَافِي التَّلْخِيصَ لَوْ قَالَ لِي عَلَيْك أَلْفٌ فَقَالَ الْحَقُّ أَوْ الصِّدْقُ أَوْ الْيَقِينُ فَهُوَ إقْرَارٌ لِأَنَّهُ لِلتَّصْدِيقِ عُرْفًا وَكَذَا لَوْ أَنْكَرَ إلَى آخِرِ مَا فِيهِ فَإِنْ قُلْت إذَا شَهِدَ عَلَيْهِ وَاحِدٌ فَقَالَ هُوَ صَادِقٌ أَوْ شَهِدَ اثْنَانِ فَقَالَ صَدَقْتُمَا أَوْ فَهُمَا صَادِقَانِ فَهَلْ يَكُونُ إقْرَارًا قُلْت لَمْ أَرَهَا الْآنَ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ إقْرَارًا إلَّا إذَا قَالَ فِيمَا يَشْهَدُ بِهِ أَوْ شَهِدَا بِهِ لِلِاحْتِمَالِ أَمَّا لَوْ قَالَ إنْ شَهِدَ عَلَيَّ اثْنَانِ فَهُوَ عَلَيَّ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ الْإِقْرَارِ وَأَنَّهُ لَوْ قَالَ إنْ حَلَفَ فَعَلَى مَا ادَّعَى بِهِ فَحَلَفَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ فَكَذَا هُنَا وَفِي الْخَانِيَّةِ إنْ شَهِدَ فُلَانٌ فَعَلَيَّ لَا يَلْزَمُهُ اهـ. ثُمَّ رَأَيْته فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ مِنْ بَابِ الْمَسْأَلَةِ عَنْ الشُّهُودِ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى تَعْدِيلِ الْخَصْمِ لَوْ قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَعْدَمَا شَهِدَ الشَّاهِدُ هُوَ عَدْلٌ صَادِقٌ   [منحة الخالق] مَا مَضَى أَيْضًا وَهَذَا قَيْدٌ لَازِمٌ لَا بُدَّ مِنْهُ حَتَّى لَوْ اُشْتُهِرَ مَوْتُ رَجُلٍ عِنْدَ النَّاسِ فَادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهُ اشْتَرَى مِنْهُ دَارِهِ مُنْذُ سَنَةٍ وَكَانَ مَوْتُهُ قَدْ اُشْتُهِرَ عِنْدَ النَّاسِ مُنْذُ عِشْرِينَ سَنَةً فَدَفَعَهُ بِذَلِكَ يَجِبُ قَبُولُهُ لِمَا ذُكِرَ تَأَمَّلْ ثُمَّ بِفَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَمِنَّتِهِ رَأَيْت مَا يَشْهَدُ بِهِ صَرِيحًا قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة فِي الْفَصْلِ الثَّانِي فِي التَّهَاتُرِ نَقْلًا عَنْ الذَّخِيرَةِ فِيمَا لَوْ ادَّعَى الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ أَنَّ الشُّهُودَ مَحْدُودُونَ فِي قَذْفٍ مِنْ قَاضِي بَلَدِ كَذَا فَأَقَامَ الشُّهُودُ أَنَّهُ أَيْ الْقَاضِي مَاتَ فِي سَنَةِ كَذَا إلَخْ أَنَّهُ لَا يُقْضَى بِهِ إذَا كَانَ مَوْتُ الْقَاضِي قَبْلَ تَارِيخِ شُهُودِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُسْتَفِيضًا اهـ. مَعَ غَايَةِ الِاخْتِصَارِ فَرَاجِعْهُ إنْ شِئْت وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ. (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَهِيَ لِمَنْ صَدَّقَتْهُ أَوْ سَبَقَتْ بَيِّنَتُهُ) ظَاهِرُهُ أَنَّ التَّرْجِيحَ بِالتَّصْدِيقِ فِي رُتْبَةِ التَّرْجِيحِ بِسَبْقِ التَّارِيخِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ حَتَّى لَوْ صَدَّقَتْ مَنْ لَمْ يَسْبِقْ تَارِيخُهُ لَا يُعْتَبَرُ تَصْدِيقُهَا وَيُقْضَى بِالنِّكَاحِ لِمَنْ سَبَقَ تَارِيخُهُ لِأَنَّ سَبْقَ التَّارِيخِ أَرْجَحُ ثُمَّ الْيَدُ ثُمَّ الدُّخُولُ ثُمَّ الْإِقْرَارُ فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَهِيَ لِمَنْ صَدَّقَتْهُ إنْ لَمْ يَسْبِقْ تَارِيخُ الْآخَرِ لَكَانَ أَوْلَى (قَوْلُهُ لِأَنَّ التَّصْدِيقَ لَيْسَ بِإِقْرَارٍ قَصْدًا) قَالَ الرَّمْلِيُّ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ إقْرَارٌ ضِمْنًا فَلَا يُسْتَدْرَكُ بِهِ عَلَى مَا قَالُوهُ هُنَا وَقَوْلُهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ صَحِيحٌ فِي الْحُكْمِ أَمَّا فِي أَصْلِ الْمَفْهُومِ فَلَا لِاخْتِلَافِهِمَا لُغَةً تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ قُلْت نَعَمْ لِمَا فِي التَّلْخِيصِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ قَالَ لِي عَلَيْك كَذَا فَقَالَ صَدَقْت يَلْزَمُهُ إذَا لَمْ يَقُلْ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِهْزَاءِ وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِالنَّغْمَةِ اهـ. فَهُوَ صَرِيحٌ فِيمَا اسْتَنْبَطَهُ وَأَقُولُ: لَوْ اخْتَلَفَا فِي كَوْنِهِ صَدَرَ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِهْزَاءِ أَمْ لَا فَالْقَوْلُ لِمُنْكِرِ الِاسْتِهْزَاءِ بِيَمِينِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ لَا عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَقَالَ الْحَقُّ أَوْ الصِّدْقُ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَفِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ قَالَ الْحَقُّ حَقٌّ وَالْيَقِينُ يَقِينٌ أَوْ الصِّدْقُ صِدْقٌ لَا يَكُونُ إقْرَارًا (قَوْلُهُ ثُمَّ رَأَيْته فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ إلَخْ) هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا بَحَثَهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ النُّسْخَةَ رَأَيْت بِدُونِ ضَمِيرٍ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 237 كَانَ إقْرَارًا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ الَّذِي يَشْهَدُ بِهِ عَلَى صِدْقٍ لَا يَكُونُ إقْرَارًا وَتَمَامُهُ فِيهِ. قَوْلُهُ (وَعَلَى الشِّرَاءِ مِنْهُ لِكُلٍّ نِصْفُهُ بِبَدَلِهِ إنْ شَاءَ) أَيْ لَوْ بَرْهَنَ الْخَارِجَانِ عَلَى الشِّرَاءِ مِنْ ذِي الْيَدِ خُيِّرَ كُلٌّ مِنْهُمَا إنْ شَاءَ أَخَذَ النِّصْفَ بِنِصْفِ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ لِأَنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي بِهِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي السَّبَبِ فَصَارَ كَفُضُولِيَّيْنِ بَاعَ كُلٌّ مِنْهُمَا مِنْ رَجُلٍ وَأَجَازَ الْمَالِكُ الْبَيْعَيْنِ فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُخَيَّرُ لِأَنَّهُ تَغَيَّرَ عَلَيْهِ شَطْرُ عَقْدِهِ فَلَعَلَّ رَغْبَتَهُ فِي تَمَلُّكِ الْكُلِّ أَشَارَ الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إلَى أَنَّ الْخَارِجَيْنِ لَوْ بَرْهَنَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى ذِي الْيَدِ أَنَّهُ أَوْدَعَهُ الَّذِي فِي يَدِهِ فَإِنَّهُ يُقْضَى بِهِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ثُمَّ إذَا أَقَامَ أَحَدُهُمَا الْبَيِّنَةَ عَلَى صَاحِبِهِ أَنَّهُ عَبْدُهُ لَمْ تُسْمَعْ وَلَوْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا الْبَيِّنَةَ عَلَى دَعْوَاهُ وَلَمْ يُقِمْ الْآخَرُ وَأَقَامَ شَاهِدًا وَاحِدًا أَوْ شَاهِدَيْنِ لَمْ يُزَكَّيَا فَقُضِيَ بِالْعَبْدِ لِصَاحِبِ الْبَيِّنَةِ ثُمَّ أَقَامَ الْآخَرُ بَيِّنَةً عَادِلَةً عَلَى أَنَّ عَبْدَهُ أَوْدَعَهُ الَّذِي فِي يَدِهِ أَوْ لَمْ يَذْكُرُوا ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُقْضَى بِهِ لِلثَّانِي عَلَى الْمَقْضِيِّ لَهُ وَتَمَامُهُ فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَحْكَامُ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ فِيمَا إذَا أَقَامَ أَحَدُهُمَا بَيِّنَةً عَلَى الشِّرَاءِ وَقُضِيَ لَهُ ثُمَّ أَقَامَ الْآخَرُ فَإِنَّهُ يُقْضَى لَهُ عَلَى الْمَقْضِيِّ لَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا بَرْهَنَا وَقُضِيَ بِالتَّنْصِيفِ فَبَرْهَنَ أَحَدُهُمَا لَمْ تُسْمَعْ وَقَيَّدَ بِكَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا مُدَّعِيًا لِلشِّرَاءِ فَقَطْ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا إذَا ادَّعَى أَحَدُهُمَا شِرَاءً وَعِتْقًا وَالْآخَرُ شِرَاءً فَقَطْ فَإِنَّ مُدَّعِيَ الْعِتْقِ أَوْلَى فَإِنَّ الْعِتْقَ بِمَنْزِلَةِ الْقَبْضِ كَذَا فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ مِنْهُ لِأَنَّهُمَا لَوْ ادَّعَيَا الشِّرَاءَ مِنْ غَيْرِ ذِي الْيَدِ فَسَيَأْتِي وَقَوْلُهُ بِبَدَلِهِ أَيْ بِنِصْفِ الثَّمَنِ الَّذِي عَيَّنَهُ فَإِنْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا أَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِمِائَةٍ وَالْآخَرُ بِمِائَتَيْنِ أَخَذَ الْأَوَّلُ نِصْفَهُ بِخَمْسِينَ وَالْآخَرُ نِصْفَهُ بِمِائَةٍ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الثَّمَنَ مَنْقُودٌ أَوَّلًا لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ لَكِنْ إنْ بَرْهَنَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى الشِّرَاءِ وَالنَّقْدِ اسْتَرَدَّ نِصْفَ مَا دَفَعَهُ كَمَا فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِ أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِتَصْدِيقِ ذِي الْيَدِ أَحَدُهُمَا وَفِي الْعِمَادِيَّةِ وَاقَرَارُ صَاحِبِ الْيَدِ لِأَحَدِهِمَا لَا يُعْتَبَرُ لِأَنَّهُ شَهَادَةٌ عَلَى قَوْلِهِ وَفِي فَوَائِدِ جَدِّي شَيْخِ الْإِسْلَامِ بُرْهَانِ الدِّينِ إذَا شَهِدَ الْبَائِعُ بِالْمِلْكِ لِمُشْتَرِيهِ وَالْعَيْنُ فِي يَدِ غَيْرِهِ بِأَنْ قَالَ هَذِهِ الْعَيْنُ مِلْكُهُ لِأَنِّي بِعْته مِنْهُ أَوْ قَالَ كَانَ مِلْكًا لِي وَبِعْته مِنْهُ فَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي فِي دَعْوَاهُ ادَّعَى الشِّرَاءَ مِنْهُ لَا تُقْبَلُ لِأَنَّهُ شَهَادَةٌ عَلَى قَوْلِ نَفْسِهِ اهـ. وَأَفَادَ بِإِشَارَةِ كَلَامِهِ مَسْأَلَةَ التَّنَازُعِ فِي الْمِيرَاثِ فَلَوْ ادَّعَى كُلٌّ مِنْ خَارِجَيْنِ الْمِيرَاثَ عَنْ أَبِيهِ وَبَرْهَنَ قُضِيَ بِهَا بَيْنَهُمَا وَلِذَا قَالَ فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ دَارٌ فِي يَدِ رَجُلٍ ادَّعَاهَا رَجُلَانِ أَحَدُهُمَا ابْنُ أَخِ الَّذِي فِي يَدِهِ وَأَقَامَ كُلٌّ بَيِّنَةً أَنَّهَا لَهُ وَرِثَهَا عَنْ أَبِيهِ فُلَانٌ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ فَقَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ الْقَاضِي مَاتَ الْعَمُّ وَلَمْ يَتْرُكْ وَارِثًا غَيْرَ ابْنِ أَخِيهِ دُفِعَتْ إلَيْهِ وَلَمْ تَبْطُلْ بَيِّنَتُهُ فَيَقْضِي الْقَاضِي بِالدَّارِ بَيْنَهُمَا ثُمَّ إنْ أَقَامَ الْأَجْنَبِيُّ بَيِّنَةً بَعْدَهُ عَلَى أَنَّهَا دَارُهُ وَرِثَهَا عَنْ أَبِيهِ لَمْ يَصِحَّ فَإِنْ زُكِّيَتْ شُهُودُ الْأَجْنَبِيِّ وَلَمْ يُزَكَّ شُهُودُ ابْنِ الْأَخِ فَقَضَى بِهَا لِلْأَجْنَبِيِّ فَإِنْ زُكِّيَتْ بِبَيِّنَةِ ابْنِ الْأَخِ بَعْدَهُ لَمْ يُقْضَ بِشَيْءٍ وَتَمَامُهُ فِيهَا قَوْلُهُ (وَبِإِبَاءِ أَحَدِهِمَا بَعْدَ الْقَضَاءِ لَمْ يَأْخُذْ الْآخَرُ كُلَّهُ) لِأَنَّهُ صَارَ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ بِالنِّصْفِ فَانْفَسَخَ الْبَيْعُ فِيهِ لِظُهُورِ اسْتِحْقَاقِهِ بِالْبَيِّنَةِ لَوْلَا بَيِّنَةَ صَاحِبِهِ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ بَعْدَ الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ قَبْلَ الْقَضَاءِ لَهُ أَخْذُ الْجَمِيعِ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الْكُلَّ وَلَمْ يُفْسَخْ سَبَبُهُ وَالْعَوْدُ إلَى النِّصْفِ لِلْمُزَاحَمَةِ وَلَمْ يُوجَدْ وَنَظِيرُهُ تَسْلِيمُ أَحَدِ الشَّفِيعَيْنِ قَبْلَ الْقَضَاءِ وَنَظِيرُ الْأَوَّلِ تَسْلِيمُهُ بَعْدَ الْقَضَاءِ قَوْلُهُ (وَإِنْ أَرَّخَا فَلِلسَّابِقِ) لِأَنَّهُ أَثْبَتَ الشِّرَاءَ فِي زَمَنٍ لَا يُنَازِعُهُ فِيهِ أَحَدٌ فَانْدَفَعَ الْآخَرُ بِهِ فَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ قَبَضَ الثَّمَنَ مِنْهُ رَدَّهُ إلَيْهِ كَمَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ قَيَّدَ بِكَوْنِهِمَا أَرَّخَا لِأَنَّهُ لَوْ أَرَّخَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ فَهُوَ لِصَاحِبِ الْوَقْتِ لِثُبُوتِ مِلْكِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَاحْتَمَلَ الْآخَرُ أَنْ يَكُونَ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ فَلَا يُقْضَى لَهُ بِالشَّكِّ وَقَيَّدَ بِدَعْوَى الشِّرَاءِ مِنْ وَاحِدٍ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ قَبْلَ مَا شَهِدَ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ الَّذِي يَشْهَدُ بِهِ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَوْ قَالَ بَعْدَ مَا شَهِدَ الَّذِي شَهِدَ بِهِ بِصِيغَةِ الْمَاضِي يَكُونُ إقْرَارًا. اهـ. قُلْت وَعِبَارَةُ شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ وَإِنْ شَهِدَا عَلَيْهِ فَقَالَ بَعْدَ مَا شَهِدَا عَلَيْهِ الَّذِي شَهِدَ بِهِ فُلَانٌ عَلَيَّ هُوَ الْحَقُّ أَلْزَمَهُ الْقَاضِي وَلَمْ يَسْأَلْ عَنْ الْآخَرِ لِأَنَّ هَذَا إقْرَارٌ مِنْهُ وَإِنْ قَالَ قَبْلَ أَنْ يَشْهَدَا عَلَيْهِ الَّذِي شَهِدَ بِهِ فُلَانٌ عَلَيَّ حَقٌّ أَوْ هُوَ الْحَقُّ فَلَمَّا شَهِدَا قَالَ لِلْقَاضِي سَلْ عَنْهُمَا فَإِنَّهُمَا شَهِدَا عَلَيَّ بِبَاطِلٍ وَمَا كُنْت أَظُنُّهُمَا يَشْهَدَانِ لَمْ يَلْزَمْهُ وَسَأَلَ عَنْهُمَا لِأَنَّهُ إقْرَارٌ مُعَلَّقٌ بِالْحَظْرِ فَلَا يَصِحُّ. (قَوْلُهُ وَقَيَّدَ بِدَعْوَى الشِّرَاءِ مِنْ وَاحِدٍ إلَخْ) قَالَ فِي نُورِ الْعَيْنِ قَاضِي خان خَارِجَانِ ادَّعَيَا شِرَاءً مِنْ اثْنَيْنِ يُقْضَى بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَإِنْ أَرَّخَا وَأَحَدُهُمَا أَسْبَقُ فَهُوَ أَحَقُّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يُعْتَبَرُ التَّارِيخُ يَعْنِي يُقْضَى بَيْنَهُمَا وَإِنْ أَرَّخَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ يُقْضَى بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وِفَاقًا فَلَوْ لِأَحَدِهِمَا يَدٌ فَالْخَارِجُ أَوْلَى خُلَاصَةً إلَّا إذَا سَبَقَ تَارِيخُ ذِي الْيَدِ هِدَايَةً بَرْهَنَ خَارِجَانِ عَلَى شِرَاءِ شَيْءٍ مِنْ اثْنَيْنِ وَأَرَّخَا فَهُمَا سَوَاءٌ لِأَنَّهُمَا يُثْبِتَانِ الْمِلْكَ لِبَائِعِهِمَا فَيَصِيرُ كَأَنَّهُمَا حَضَرَا وَادَّعَيَا ثُمَّ يُخَيَّرُ كُلٌّ مِنْهُمَا كَمَا مَرَّ يَعْنِي فِي مَسْأَلَةِ دَعْوَى الْخَارِجَيْنِ شِرَاءً مِنْ ذِي الْيَدِ (كَفًّا) لَوْ بَرْهَنَا عَلَى شِرَاءٍ مِنْ اثْنَيْنِ وَتَارِيخُ أَحَدِهِمَا أَسْبَقُ اخْتَلَفَتْ رِوَايَاتُ الْكُتُبِ فَمَا فِي الْهِدَايَةِ يُشِير إلَى أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ لِسَبْقِ التَّارِيخِ بَلْ يُقْضَى بَيْنَهُمَا وَفِي (بس) مَا يَدُلُّ صَرِيحًا أَنَّ الْأَسْبَقَ أَوْلَى يَقُولُ الْحَقِيرُ وَيُؤَيِّدُهُ مَا مَرَّ عَنْ قَاضِي خان إنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ فَمَا فِي الْهِدَايَةِ اخْتِيَارُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ. اهـ. ثُمَّ نَقَلَ بَعْدَهُ عَنْ صَاحِبِ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ تَرْجِيحَ مَا فِي الْهِدَايَةِ وَرَدَّهُ بِأَنَّ دَلِيلَ مَا فِي الْمَبْسُوطِ وَقَاضِي خان وَهُوَ أَنَّ الْأَسْبَقَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 238 لِأَنَّهُ لَوْ اخْتَلَفَ بَائِعُهُمَا لَمْ يَتَرَجَّحْ أَسْبَقُهُمَا تَارِيخًا وَلَا الْمُؤَرِّخُ فَقَطْ لِأَنَّ مِلْكَ بَائِعِهِمَا لَا تَارِيخَ لَهُ وَلِأَنَّهُمَا لَوْ ادَّعَيَا الْمِلْكَ الْمُطْلَقَ وَلَمْ يَدَّعِيَا الشِّرَاءَ مِنْ ذِي الْيَدِ فَلَا تَرْجِيحَ لِصَاحِبِ التَّارِيخِ عِنْدَ الْإِمَامِ كَمَا سَيَأْتِي قَوْلُهُ (وَإِلَّا فَلِذِي الْقَبْضِ) أَيْ وَإِلَّا يَسْبِقْ تَارِيخُ أَحَدِهِمَا وَمَعَ أَحَدِهِمَا قَبْضٌ قُدِّمَ بُرْهَانُهُ لِأَنَّ تَمَكُّنَهُ مِنْ قَبْضِهِ يَدُلُّ عَلَى سَبْقِ شِرَائِهِ وَلِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي الْإِثْبَاتِ فَلَا تَنْقَضِي الْيَدُ الثَّابِتَةُ بِالشَّكِّ وَظَاهِرُ الْكِتَابِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحِيطِ تَقْدِيمُ صَاحِبِ الْقَبْضِ سَوَاءٌ أَرَّخَا وَاسْتَوَى تَارِيخُهُمَا أَوْ لَمْ يُؤَرِّخَا وَأُرِّخَتْ إحْدَاهُمَا فَقَطْ وَإِنَّمَا يَتَأَخَّرُ صَاحِبُهُ إذَا سَبَقَ تَارِيخُ غَيْرِهِ لِأَنَّ الصَّرِيحَ يَفُوقُ الدَّلَالَةَ فَاقْتِصَارُ الشَّارِحِ فِي قَوْلِهِ وَالْأَعْلَى مَا إذَا لَمْ يُؤَرِّخَا قُصُورٌ وَلِي أَشْكَالٌ فِي عِبَارَةِ الْكِتَابِ هُوَ أَنَّ أَصْلَ الْمَسْأَلَةِ مَفْرُوضَةٌ فِي خَارِجَيْنِ يُنَازِعَانِ فِيمَا فِي يَدِ ثَالِثٍ فَإِذَا كَانَ مَعَ أَحَدِهِمَا قَبْضٌ كَانَ ذَا يَدٍ تَنَازَعَ مَعَ خَارِجٍ فَلَمْ تَكُنْ الْمَسْأَلَةُ ثُمَّ رَأَيْت فِي الْمِعْرَاجِ مَا يُزِيلُهُ مِنْ جَوَازِ أَنْ يُرَادَ أَنَّهُ أَثْبَتَ بِالْبَيِّنَةِ قَبْضَهُ فِيمَا مَضَى مِنْ الزَّمَانِ وَهُوَ الْآنَ فِي يَدِ الْبَائِعِ اهـ. إلَّا أَنَّهُ يُشْكِلُ مَا ذَكَرَهُ بَعْدَهُ عَنْ الذَّخِيرَةِ بِأَنَّ ثُبُوتَ الْيَدِ لِأَحَدِهِمَا بِالْمُعَايَنَةِ اهـ. وَالْحَقُّ أَنَّهَا مَسْأَلَةٌ أُخْرَى وَكَانَ يَنْبَغِي إفْرَادُهَا وَحَاصِلُهَا أَنَّ خَارِجًا وَذَا يَدٍ ادَّعَى كُلٌّ الشِّرَاءَ مِنْ ثَالِثٍ وَبَرْهَنَا قُدِّمَ ذُو الْيَدِ فِي الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ وَالْخَارِجُ فِي وَجْهٍ وَاحِدٍ. (قَوْلُهُ وَالشِّرَاءُ أَحَقُّ مِنْ الْهِبَةِ) أَيْ لَوْ بَرْهَنَ خَارِجَانِ عَلَى ذِي يَدٍ أَحَدُهُمَا عَلَى الشِّرَاءِ مِنْهُ وَالْآخَرُ عَلَى الْهِبَةِ مِنْهُ كَانَ الشِّرَاءُ أَوْلَى مِنْ الْهِبَةِ لِأَنَّ الشِّرَاءَ أَقْوَى لِكَوْنِهِ مُعَاوَضَةً مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَلِأَنَّهُ يَثْبُتُ الْمِلْكُ بِنَفْسِهِ وَالْمِلْكُ فِي الْهِبَةِ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبْضِ قَيَّدَ بِاتِّحَادِ الْمِلْكِ لَهُمَا إذْ لَوْ اخْتَلَفَا اسْتَوَيَا لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا خَصْمٌ عَنْ مُمَلِّكِهِ فِي إثْبَاتِ مِلْكِهِ وَهُمَا فِيهِ سَوَاءٌ بِخِلَافِ مَا إذَا اتَّحَدَ لِاحْتِيَاجِهِمَا إلَى إثْبَاتِ السَّبَبِ وَفِيهِ يُقَدَّمُ الْأَقْوَى قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ ادَّعَى الشِّرَاءَ مِنْ رَجُلٍ وَادَّعَى آخَرُ هِبَةً وَقَبَضَا مِنْ غَيْرِهِ وَالثَّالِثُ إرْثًا مِنْ أَبِيهِ وَالرَّابِعُ صَدَقَةً وَقَبَضَا مِنْ آخَرَ غَيْرِهِ فَهُوَ بَيْنَهُمْ أَرْبَاعًا عِنْدَ اسْتِوَاءِ الْحُجَّةِ إذْ تَلَقَّوْا الْمِلْكِ مِنْ مُمَلِّكِهِمْ فَكَأَنَّهُمْ حَضَرُوا وَبَرْهَنُوا عَلَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ اهـ. وَأَطْلَقَهُ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِأَنْ لَا تَارِيخَ لَهُمَا إذْ لَوْ أَرَّخَا مَعَ اتِّحَادِ الْمِلْكِ كَانَ الْأَسْبَقُ بِخِلَافِ مَا إذَا اخْتَلَفَ الْمِلْكُ وَلَوْ أُرِّخَتْ إحْدَاهُمَا فَقَطْ فَالْمُؤَرَّخَةُ أَوْلَى وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِمَا خَارِجَيْنِ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا إذَا كَانَتْ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَإِنَّهُ يُقْضَى لِلْخَارِجِ إلَّا فِي أَسْبَقِ التَّارِيخِ فَهُوَ لِلْأَسْبَقِ وَإِنْ أُرِّخَتْ إحْدَاهُمَا فَقَطْ فَلَا تَرْجِيحَ لَهَا كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَإِنْ كَانَتْ فِي أَيْدِيهِمَا يُقْضَى بَيْنَهُمَا إلَّا فِي أَسْبَقِ التَّارِيخِ فَهِيَ لَهُ كَدَعْوَى مِلْكٍ مُطْلَقٍ وَهَذَا إذَا كَانَ الْمُدَّعَى بِهِ مِمَّا لَا يُقْسَمُ كَالْعَبْدِ وَالدَّابَّةِ وَأَمَّا فِيمَا يُقْسَمُ كَالدَّارِ فَإِنَّهُ يُقْضَى لِمُدَّعِي الشِّرَاءَ لِأَنَّ مُدَّعِيَ الْهِبَةِ أَثْبَتَ بِالْبَيِّنَةِ الْهِبَةَ فِي الْكُلِّ ثُمَّ اسْتَحَقَّ الْآخَرُ نِصْفَهُ بِالشِّرَاءِ وَاسْتِحْقَاقُ نِصْفِ الْهِبَةِ فِي مُشَاعٍ يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ تَبْطُلُ الْهِبَةُ بِالْإِجْمَاعِ فَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ مُدَّعِي الْهِبَةِ فَكَانَ مُدَّعِي الشِّرَاءِ مُنْفَرِدًا بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَفِي الْعِمَادِيَّةِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ لِأَنَّ الشُّيُوعَ الطَّارِئَ لَا يُفْسِدُ الْهِبَةَ وَالصَّدَقَةَ وَيُفْسِدُ الرَّهْنَ اهـ. وَأَطْلَقَ فِي الْهِبَةِ وَهِيَ مُقَيَّدَةٌ بِالتَّسْلِيمِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَمُقَيَّدَةٌ   [منحة الخالق] تَارِيخًا يُضِيفُ الْمِلْكَ إلَى نَفْسِهِ فِي زَمَانٍ لَا يُنَازِعُهُ فِيهِ غَيْرُهُ أَقْوَى مِنْ دَلِيلِ مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ سَبْقُ التَّارِيخِ وَهُوَ قَوْلُهُمْ لِأَنَّهُمَا يُثْبِتَانِ الْمِلْكَ لِبَائِعِهِمَا فَكَأَنَّهُمَا حَضَرَا وَادَّعَيَا الْمِلْكَ بِلَا تَارِيخٍ وَجْهُ قُوَّةِ الْأَوَّلِ غَيْرُ خَافٍ عَلَى مَنْ تَأَمَّلَ وَيُرَجِّحُهُ أَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ ثُمَّ قَالَ وَلَمْ أَرَ مَا لَوْ ادَّعَى ذَوَا يَدَيْنِ شِرَاءً مِنْ اثْنَيْنِ فِي الْكُتُبِ صَرِيحًا غَيْرَ أَنَّ صَاحِبَ الْوَجِيزِ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِ مَسَائِلِ دَعْوَى الرَّجُلَيْنِ مِلْكًا مُطْلَقًا وَكَذَا لَوْ ادَّعَيَا تَلَقِّي الْمِلْكِ مِنْ اثْنَيْنِ بِإِرْثٍ أَوْ شِرَاءٍ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَوْ اخْتَلَفَ بَائِعُهُمَا لَمْ يَتَرَجَّحْ أَسْبَقُهُمَا) قُلْت سَيَأْتِي فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمَتْنِ وَعَلَى الشِّرَاءِ مِنْ آخَرَ نَقْلٌ مِثْلُ مَا ذَكَرَهُ هُنَا عَنْ الزَّيْلَعِيِّ تَبَعًا لِلْكَافِي وَأَنَّهُ سَهْوٌ بَلْ يُقَدَّمُ الْأَسْبَقُ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ فِيهِ اخْتِلَافَ الرِّوَايَةِ نَعَمْ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ تَقْدِيمُ الْأَسْبَقِ كَمَا ذَكَرَهُ قَاضِي خان. (قَوْلُهُ فَكَأَنَّهُمْ حَضَرُوا وَبَرْهَنُوا) الضَّمَائِرُ رَاجِعَةٌ إلَى الْمُمَلَّكِينَ أَيْ مَنْ ادَّعَى الْمُدَّعُونَ هُنَا الْمِلْكَ مِنْ جِهَتِهِمْ وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُمْ مِنْ مُمَلِّكِيهِمْ بِيَاءِ الْجَمْعِ قَبْلَ الضَّمِيرِ وَسَيَنْقُلُ الْمَسْأَلَةَ عَنْ الْهِدَايَةِ قُبَيْلَ قَوْلِهِ بَعْدَ وَرَقَتَيْنِ وَلَوْ بَرْهَنَ الْخَارِجُ عَلَى مِلْكٍ مُؤَرَّخٍ (قَوْلُهُ وَفِي الْعِمَادِيَّةِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ إلَخْ) أَقُولُ: لَيْسَ الِاسْتِحْقَاقُ مِنْ قَبِيلِ الشُّيُوعِ الطَّارِئِ بَلْ هُوَ مِنْ قَبِيلِ الْمُقَارِنِ قَالَ فِي الْكَافِي وَهَبَ أَرْضًا وَزَرَعَهَا وَسَلَّمَهَا فَاسْتَحَقَّ الزَّرْعَ بَطَلَتْ الْهِبَةُ فِي الْأَرْضِ لِأَنَّ الزَّرْعَ مَعَ الْأَرْضِ بِحُكْمِ اتِّصَالٍ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ فَإِذَا اسْتَحَقَّ أَحَدُهُمَا صَارَ كَأَنَّهُ اسْتَحَقَّ الْبَعْضَ الشَّائِعَ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ فَتَبْطُلُ الْهِبَةُ فِي الْبَاقِي كَذَا فِي الْكَافِي قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ الْمُفْسِدُ هُوَ الشُّيُوعُ الْمُقَارِنُ لَا الشُّيُوعُ الطَّارِئُ كَمَا إذَا وَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ فِي الْبَعْضِ الشَّائِعِ أَوْ اسْتَحَقَّ الْبَعْضَ الشَّائِعَ بِخِلَافِ الرَّهْنِ فَإِنَّ الشُّيُوعَ الطَّارِئَ يُفْسِدُهُ وَفِي الْفُصُولَيْنِ إنَّ الشُّيُوعَ الطَّارِئَ لَا يُفْسِدُ الْهِبَةَ بِالِاتِّفَاقِ وَهُوَ أَنْ يَرْجِعَ فِي بَعْضِ الْهِبَةِ شَائِعًا أَمَّا الِاسْتِحْقَاقُ فَيُفْسِدُ الْكُلَّ لِأَنَّهُ مُقَارِنٌ لَا طَارِئٌ كَذَا ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَبُو بَكْرٍ فِي هِبَةِ الْمُحِيطِ هَكَذَا قَرَّرَهُ مُنْلَا خُسْرو فِي شَرْحِهِ ثُمَّ قَالَ أَقُولُ: عَدُّهُ صُورَةَ الِاسْتِحْقَاقِ مِنْ أَمْثِلَةِ الشُّيُوعِ الطَّارِئِ غَيْرُ صَحِيحٍ وَالصَّحِيحُ مَا فِي الْكَافِي وَالْفُصُولَيْنِ فَإِنَّ الِاسْتِحْقَاقَ إذَا ظَهَرَ بِالْبَيِّنَةِ كَانَ مُسْتَنِدًا إلَى مَا قَبْلَ الْهِبَةِ فَيَكُونُ مُقَارِنًا لَهَا لَا طَارِئًا عَلَيْهَا اهـ. كَذَا فِي مِنَحِ الْغَفَّارِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 239 بِأَنْ لَا تَكُونَ بِعِوَضٍ إذْ لَوْ كَانَتْ بِعِوَضٍ كَانَتْ بَيْعًا كَمَا فِي الْمُحِيطِ فَإِنَّهُ قَالَ الْهِبَةُ بِعِوَضٍ أَوْلَى مِنْ الرَّهْنِ لِأَنَّ الشِّرَاءَ يُفِيدُ الْمِلْكَ بِعِوَضٍ لِلْحَالِ وَالرَّهْنُ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ لِلْحَالِ فَكَانَ الشِّرَاءُ أَقْوَى اهـ. وَمُقْتَضَاهُ اسْتِوَاءُ الشِّرَاءِ وَالْهِبَةِ بِعِوَضٍ وَلَمْ أَرَ حُكْمَ الشِّرَاءِ الْفَاسِدَ مَعَ الْقَبْضِ وَالْهِبَةَ مَعَ الْقَبْضِ فَإِنَّ الْمِلْكَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا مُتَوَقِّفٌ عَلَى الْقَبْضِ وَيَنْبَغِي تَقْدِيمُ الشِّرَاءِ لِلْمُعَاوَضَةِ وَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إلَى أَنَّ الشِّرَاءَ أَحَقُّ مِنْ الصَّدَقَةِ وَإِلَى اسْتِوَاءِ الصَّدَقَةِ الْمَقْبُوضَةِ بِالْهِبَةِ الْمَقْبُوضَةِ لِلِاسْتِوَاءِ فِي التَّبَرُّعِ وَلَا تَرْجِيحَ لِلصَّدَقَةِ بِاللُّزُومِ لِأَنَّ أَثَرَ اللُّزُومِ يَظْهَرُ فِي ثَانِي الْحَالِ وَهُوَ عَدَمُ التَّمَكُّنِ مِنْ الرُّجُوعِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَالتَّرْجِيحُ يَكُونُ بِمَعْنًى قَائِمٍ فِي الْحَالِ وَالْهِبَةُ قَدْ تَكُونُ لَازِمَةً بِأَنْ كَانَتْ لِمَحْرَمٍ وَالصَّدَقَةُ قَدْ لَا تَلْزَمُ بِأَنْ كَانَتْ لِغَنِيٍّ وَهَذَا فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ اتِّفَاقًا وَفِيمَا يَحْتَمِلُهَا عِنْدَ الْبَعْضِ لِأَنَّ الشُّيُوعَ طَارِئٌ وَعِنْدَ الْبَعْضِ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ تَنْفِيذُ الْهِبَةِ فِي الشَّائِعِ فَصَارَ كَإِقَامَةِ الْبَيِّنَتَيْنِ عَلَى الِارْتِهَانِ وَهَذَا أَصَحُّ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الصَّدَقَةَ أَوْلَى مِنْ الْهِبَةِ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ وَهَذَا عِنْدَ عَدَمِ التَّارِيخِ وَالْقَبْضِ كَمَا سَنُبَيِّنُهُ وَأَمَّا إذَا أَرَّخَا قُدِّمَ الْأَسْبَقُ وَإِنْ لَمْ يُؤَرِّخَا وَمَعَ أَحَدِهِمَا قَبْضٌ كَانَ أَوْلَى وَكَذَا إذَا أَرَّخَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ كَمَا قَدَّمْنَا فِي الشِّرَاءِ مِنْ ذِي الْيَدِ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَلَوْ كَانَ كِلَاهُمَا هِبَةً أَوْ صَدَقَةً أَوْ أَحَدُهُمَا هِبَةً وَالْآخَرُ صَدَقَةً فَمَا لَمْ يَذْكُرْ الشُّهُودُ الْقَبْضَ لَا يَصِحُّ وَإِنْ ذَكَرُوا الْقَبْضَ وَلَمْ يُؤَرِّخُوا أَوْ أَرَّخُوا تَارِيخًا وَاحِدًا فَهُوَ بَيْنَهُمَا إذَا كَانَ لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ كَالْعَبْدِ وَنَحْوِهِ وَإِنْ كَانَ يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ كَالدَّارِ وَنَحْوِهَا فَلَا يُقْضَى لَهُمَا بِشَيْءٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يُقْضَى بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَلَوْ كَانَ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا يُقْضَى لَهُ بِالْإِجْمَاعِ اهـ. قَوْلُهُ (وَالشِّرَاءُ وَالْمَهْرُ سَوَاءٌ) يَعْنِي لَوْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا الشِّرَاءَ مِنْ ذِي الْيَدِ وَامْرَأَةً أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا عَلَيْهِ فَهُمَا سَوَاءٌ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْقُوَّةِ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُعَاوَضَةٌ يَثْبُتُ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ الشِّرَاءُ أَوْلَى وَلَهَا عَلَى الزَّوْجِ الْقِيمَةُ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ الْعَمَلُ بِالْبَيِّنَتَيْنِ بِتَقْدِيمِ الشِّرَاءِ إذْ التَّزْوِيجُ عَلَى عَيْنٍ مَمْلُوكٍ لِلْغَيْرِ صَحِيحٌ فَيَجِبُ قِيمَتُهُ عِنْدَ تَعَذُّرِ تَسْلِيمِهِ وَأَفَادَ بِاسْتِوَائِهِمَا أَنَّهَا بَيْنَهُمَا فَيَكُونُ لِلْمَرْأَةِ نِصْفُهَا وَنِصْفُ قِيمَتِهَا عَلَى الزَّوْجِ لِاسْتِحْقَاقِ نِصْفِ الْمُسَمَّى وَلِلْمُشْتَرِي نِصْفُهَا وَيَرْجِعُ بِنِصْفِ الثَّمَنِ إنْ كَانَ أَدَّاهُ وَلَهُ فَسْخُ الْبَيْعِ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ وَفِي الْبِنَايَةِ هَذَا إذَا لَمْ يُؤَرِّخَا أَوْ أَرَّخَا وَاسْتَوَى تَارِيخُهُمَا فَإِنْ سَبَقَ تَارِيخُ أَحَدِهِمَا كَانَ أَوْلَى اهـ. وَفِي الْعِمَادِيَّةِ وَلَوْ اجْتَمَعَ نِكَاحٌ وَهِبَةٌ أَوْ رَهْنٌ أَوْ صَدَقَةٌ فَالنِّكَاحُ أَوْلَى اهـ. وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَقُولُ: لَوْ اجْتَمَعَ نِكَاحٌ وَهِبَةٌ يُمْكِنُ أَنْ يُعْمَلَ بِالْبَيِّنَتَيْنِ لَوْ اسْتَوَيَا بِأَنْ تَكُونَ مَنْكُوحَةً لِذَا وَهِبَةً لِلْآخَرِ بِأَنْ يَهَبَ أَمَتَهُ الْمَنْكُوحَةَ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَبْطُلَ بَيِّنَةُ الْهِبَةِ حَذَرًا عَنْ تَكْذِيبِ الْمُؤَمَّنِ وَحَمْلًا عَلَى الصَّلَاحِ وَكَذَا الصَّدَقَةُ مَعَ النِّكَاحِ وَكَذَا الرَّهْنُ مَعَ النِّكَاحِ اهـ. وَقَدْ كَتَبْت فِي حَاشِيَتِهِ أَنَّهُ وَهْمٌ لِأَنَّهُ فَهِمَ أَنَّ الْمُرَادَ لَوْ تَنَازَعَا فِي أَمَةٍ أَحَدُهُمَا ادَّعَى أَنَّهَا مِلْكُهُ بِالْهِبَةِ وَآخَرُ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا وَلَيْسَ مُرَادَهُمْ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ مِنْ النِّكَاحِ الْمَهْرُ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الْكِتَابِ وَلِذَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَالشِّرَاءُ أَوْلَى مِنْ النِّكَاحِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ هُمَا سَوَاءٌ لِمُحَمَّدٍ أَنَّ الْمَهْرَ صِلَةٌ مِنْ وَجْهٍ إلَى آخِرِهِ فَقَدْ أَطْلَقَ النِّكَاحَ وَأَرَادَ الْمَهْرَ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ أَنَّ الْعِمَادِيَّ بَعْدَمَا ذَكَرَ أَنَّ النِّكَاحَ أَوْلَى قَالَ ثُمَّ إنْ كَانَتْ الْعَيْنُ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا فَهُوَ أَوْلَى إلَّا أَنْ يُؤَرِّخَا وَتَارِيخُ الْخَارِجِ أَسْبَقُ فَحِينَئِذٍ يُقْضَى لِلْخَارِجِ وَلَوْ كَانَتْ فِي أَيْدِيهِمَا يُقْضَى بِهَا بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ إلَّا أَنْ يُؤَرِّخَا وَتَارِيخُ أَحَدِهِمَا أَسْبَقُ فَيُقْضَى لَهُ اهـ. فَكَيْفَ يَتَوَهَّمُ عَاقِلٌ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْمَنْكُوحَةِ بَعْدَ قَوْلِهِ تَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فِيمَا إذَا كَانَتْ فِي أَيْدِيهِمَا فَآخِرُ الْكَلَامِ أَزَالَ اللَّبْسَ وَأَوْضَحَ كُلَّ تَخْمِينٍ وَحَدْسٍ وَحُكِمَ بِغَلَطِ الْجَامِعِ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ وَيَنْبَغِي أَنَّهُمَا لَوْ تَنَازَعَا فِي الْأَمَةِ ادَّعَى أَحَدُهُمَا مِلْكَهُ وَالْآخَرُ أَنَّهَا مَنْكُوحَتُهُ وَهُمَا مِنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ وَبَرْهَنَا وَلَا مُرَجِّحَ أَنْ يُثْبِتَا لِعَدَمِ الْمُنَافَاةِ فَيَكُونُ مِلْكًا لِمُدَّعِي الْمِلْكَ هِبَةً أَوْ شِرَاءَ مَنْكُوحَةً لِلْآخَرِ كَمَا بَحَثَهُ الْجَامِعُ وَلَمْ أَرَهُ صَرِيحًا وَالْغَصْبُ وَالْإِيدَاعُ سَوَاءٌ لِمَا فِي الْخُلَاصَةِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي تَقْدِيمُ الشِّرَاءِ لِلْمُعَاوَضَةِ) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ رَدَّهُ الْمَقْدِسِيَّ بِأَنَّ الْأَوْلَى تَقْدِيمُ الْهِبَةِ لِكَوْنِهَا مَشْرُوعَةً (قَوْلُهُ فَهُوَ بَيْنَهُمَا إذَا كَانَ لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ) إلَى آخِرِ كَلَامِهِ تَأَمَّلْهُ مَعَ قَوْلِهِ الصَّدَقَةُ أَوْلَى مِنْ الْهِبَةِ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 240 عَبْدٌ فِي يَدِ رَجُلٍ أَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ عَبْدُهُ غَصَبَهُ الَّذِي فِي يَدَيْهِ وَأَقَامَ آخَرُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ عَبْدُهُ أَوْدَعَهُ الَّذِي فِي يَدَيْهِ يُقْضَى بِهِ بَيْنَهُمَا اهـ. (قَوْلُهُ وَالرَّهْنُ أَحَقُّ مِنْ الْهِبَةِ) يَعْنِي لَوْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا رَهْنًا مَقْبُوضًا وَالْآخَرُ هِبَةً وَقَبَضَا وَبَرْهَنَا فَالرَّهْنُ أَوْلَى وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنَّ الْهِبَةَ أَوْلَى لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الْمِلْكَ وَالرَّهْنَ لَا يُثْبِتُهُ وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمَقْبُوضَ بِحُكْمِ الرَّهْنِ مَضْمُونٌ وَبِحُكْمِ الْهِبَةِ غَيْرُ مَضْمُونٍ وَعَقْدُ الضَّمَانِ أَقْوَى أَطْلَقَ الْهِبَةَ وَهِيَ مُقَيَّدَةٌ بِأَنْ لَا عِوَضَ فِيهَا فَإِنْ كَانَتْ بِشَرْطِ الْعِوَضِ فَهِيَ أَوْلَى مِنْ الرَّهْنِ لِأَنَّهَا بَيْعٌ انْتِهَاءً وَالْبَيْعُ أَوْلَى مِنْ الرَّهْنِ لِأَنَّهُ ضَمَانٌ يُثْبِتُ الْمِلْكَ صُورَةً وَمَعْنًى وَالرَّهْنُ لَا يُثْبِتُهُ إلَّا عِنْدَ الْهَلَاكِ مَعْنًى لَا صُورَةً فَكَذَا الْهِبَةُ بِشَرْطِ الْعِوَضِ قُيِّدَ بِكَوْنِ الْعَيْنِ فِي يَدِ ثَالِثٍ إذْ لَوْ كَانَتْ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا فَإِنَّهُ أَوْلَى إلَّا أَنْ يُؤَرِّخَا وَتَارِيخُ الْخَارِجِ أَسْبَقُ فَهُوَ أَوْلَى وَلَوْ كَانَتْ فِي أَيْدِيهِمَا يُقْضَى بِهَا بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ إلَّا أَنْ يُؤَرِّخَا وَتَارِيخُ أَحَدِهِمَا أَسْبَقُ فَيُقْضَى لَهُ قَالَ الْعِمَادِيُّ هَذَا فِي الشِّرَاءِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ مُسْتَقِيمٌ لِأَنَّ الشُّيُوعَ الطَّارِئَ لَا يُفْسِدُ الْهِبَةَ وَالصَّدَقَةَ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْفَتْوَى أَمَّا فِي الرَّهْنِ لَا يَسْتَقِيمُ لِأَنَّ الشُّيُوعَ الطَّارِئَ يُفْسِدُ الرَّهْنَ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقْضَى بِالْكُلِّ لِمُدَّعِي الشِّرَاءَ إذَا اجْتَمَعَ الرَّهْنُ وَالشِّرَاءُ لِأَنَّ مُدَّعِيَ الرَّهْنِ أَثْبَتَ رَهْنًا فَاسِدًا فَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ فَصَارَ كَأَنَّ مُدَّعِيَ الشِّرَاءِ انْفَرَدَ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَلِهَذَا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خواهر زاده إنَّهُ إنَّمَا يُقْضَى بِهِ بَيْنَهُمَا فِيمَا إذَا اجْتَمَعَ الشِّرَاءُ وَالْهِبَةُ إذَا كَانَ الْمُدَّعَى مِمَّا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ كَالْعَبْدِ وَالدَّابَّةِ أَمَّا إذَا كَانَتْ شَيْئًا يَحْتَمِلُهَا يُقْضَى بِالْكُلِّ لِمُدَّعِي الشِّرَاءِ قَالَ لِأَنَّ مُدَّعِيَ الشِّرَاءِ قَدْ اسْتَحَقَّ النِّصْفَ عَلَى مُدَّعِي الْهِبَةِ وَاسْتِحْقَاقُ نِصْفِ الْهِبَةِ فِي مُشَاعٍ يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ يُوجِبُ فَسَادَ الْهِبَةِ فَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ مُدَّعِي الْهِبَةِ غَيْرَ أَنَّ الصَّحِيحَ مَا أَعْلَمْتُك مِنْ أَنَّ الشُّيُوعَ الطَّارِئَ لَا يُفْسِدُ الْهِبَةَ وَالصَّدَقَةَ وَيُفْسِدُ الرَّهْنَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ. قَوْلُهُ (وَلَوْ بَرْهَنَ الْخَارِجَانِ عَلَى الْمِلْكِ وَالتَّارِيخِ أَوْ عَلَى الشِّرَاءِ مِنْ وَاحِدٍ فَالْأَسْبَقُ أَحَقُّ) لِأَنَّهُ أَثْبَتَ أَنَّهُ أَوَّلُ الْمَالِكَيْنِ فَلَا يَتَلَقَّى الْمِلْكَ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ وَلَمْ يَتَلَقَّ الْآخَرُ مِنْهُ وَأَطْلَقَ الْوَاحِدَ فَشَمِلَ ذَا الْيَدِ وَقَيَّدَهُ فِي الْهِدَايَةِ بِغَيْرِ ذِي الْيَدِ وَتَعَقَّبَهُ الشَّارِحُونَ بِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ فَإِنَّ الْحُكْمَ لَا يَتَفَاوَتُ أَنْ يَكُونَ دَعْوَاهُمَا الشِّرَاءَ مِنْ صَاحِبِ الْيَدِ أَوْ غَيْرِهِ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ الْبَائِعُ وَاحِدًا وَلَا يُعْلَمُ فِيهِ خِلَافٌ اهـ. وَيَتَأَتَّى التَّفْرِيعُ فِيهَا كَالَّتِي قَبْلَهَا مِنْ أَنَّ أَحَدَهُمَا إذَا ادَّعَى شِرَاءً وَالْآخَرَ هِبَةً وَقَبَضَا إلَى آخِرِهِ وَحَاصِلُ الْمَسْأَلَتَيْنِ أَنَّ الْخَارِجَيْنِ ادَّعَيَا تَلَقِّي الْمِلْكِ مِنْ وَاحِدٍ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْوَاحِدُ ذَا يَدٍ أَوْ غَيْرَهُ قُلْت إنَّمَا قَيَّدَهُ بِهِ لِأَنَّهُمَا لَوْ ادَّعَيَا الشِّرَاءَ مِنْ ذِي الْيَدِ فَقَدْ تَقَدَّمَتْ فَلَا فَائِدَةَ فِي التَّعْمِيمِ مَعَ تَقَدُّمِ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ وَقَيَّدَ بِالْبُرْهَانِ عَلَى التَّارِيخِ مِنْهُمَا فِي الْأُولَى لِأَنَّهُ لَوْ أُرِّخَتْ إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى فَهُمَا سَوَاءٌ كَمَا لَوْ لَمْ يُؤَرَّخَا عِنْدَهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ الْمُؤَرَّخُ أَوْلَى وَقَالَ مُحَمَّدٌ الْمُبْهَمُ أَوْلَى بِخِلَافِ مَا إذَا أُرِّخَتْ إحْدَاهُمَا فَقَطْ فِي الثَّانِيَةِ فَإِنَّ الْمُؤَرَّخَ أَوْلَى. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمَا إذَا لَمْ يُؤَرَّخَا أَوْ أُرِّخَا وَاسْتَوَيَا فَهِيَ بَيْنَهُمَا فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَإِنْ أُرِّخَا وَسَبَقَ إحْدَاهُمَا فَالسَّابِقُ أَوْلَى فِيهِمَا وَإِنْ أُرِّخَتْ إحْدَاهُمَا فَقَطْ فَهِيَ الْأَحَقُّ فِي الثَّانِيَةِ لَا فِي الْأُولَى وَقَدَّمْنَا أَنَّ دَعْوَى الْوَقْفِ كَدَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ فَيُقَدَّمُ الْخَارِجُ وَالْأَسْبَقُ تَارِيخًا وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ فَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى دَابَّةً أَوْ أَمَةً فَوَافَقَ سِنُّهَا أَحَدَ التَّارِيخَيْنِ كَانَ أَوْلَى لِأَنَّ سِنَّ الدَّابَّةِ مُكَذِّبٌ لِأَحَدِ الْبَيِّنَتَيْنِ فَكَانَ مَنْ صَدَّقَهُ أَوْلَى قَوْلُهُ (وَعَلَى الشِّرَاءِ مِنْ آخَرَ وَذَكَرَا تَارِيخًا اسْتَوَيَا) أَيْ بَرْهَنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الشِّرَاءِ مِنْ آخَرَ وَذَكَرَ تَارِيخًا فَهُمَا سَوَاءٌ لِأَنَّهُمَا يُثْبِتَانِ الْمِلْكَ لِبَائِعِهِمَا فَيَصِيرُ كَأَنَّهُمَا حَضَرَا أَطْلَقَ فِي قَوْلِهِ وَذَكَرًا تَارِيخًا فَشَمِلَ مَا إذَا اسْتَوَى تَارِيخُهُمَا أَوْ سَبَقَ تَارِيخُ أَحَدِهِمَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمِلْكُ لَهُمَا وَاحِدًا حَيْثُ يَكُونُ الْأَسْبَقُ أَوْلَى كَذَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ تَبَعًا لِلْكَافِي وَهُوَ سَهْوٌ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ غَيْرَ أَنَّ الصَّحِيحَ مَا أَعْلَمْتُك) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَالَ الْغَزِّيِّ هَذَا الْكَلَامُ مِنْ الْعِمَادِيِّ يُشِيرُ إلَى أَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ مِنْ قَبِيلِ الشُّيُوعِ الطَّارِئِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ مِنْ الشُّيُوعِ الْمُقَارِنِ الْمُفْسِدِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَصَحَّحَهُ فِي شَرْحِ الدُّرَرِ وَالْغُرَرِ وَقَدْ نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِهِ هَذَا مِنْ كِتَابِ الْهِبَةِ وَأَقَرَّهُ. اهـ. قُلْت وَقَدَّمْنَا عِبَارَةَ الْغَزِّيِّ فِي كِتَابِهِ الْمِنَحِ قَبْلَ وَرَقَةٍ (قَوْلُهُ قُلْت إنَّمَا قَيَّدَ بِهِ إلَخْ) يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ كَانَ الْأَوْلَى حِينَئِذٍ حَذْفُ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ وَالِاسْتِغْنَاءُ عَنْهَا بِهَذِهِ رَوْمًا لِلِاخْتِصَارِ بِتَعْمِيمِ الْوَاحِدِ لِيَشْمَلَ ذَا الْيَدِ وَغَيْرَهُ وَلِذَا قَالَ فِي الْعِنَايَةِ قَوْلُهُ مِنْ وَاحِدٍ أَيْ مِنْ غَيْرِ ذِي الْيَدِ لَيْسَ فِيهِ زِيَادَةُ فَائِدَةٍ فَإِنَّهُ لَا تَفَاوُتَ فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْوَاحِدُ ذَا الْيَدِ أَوْ غَيْرَهُ اهـ. فَحَيْثُ كَانَتْ الْأَحْكَامُ مُتَّحِدَةً فَلَا فَائِدَةَ بِالتَّطْوِيلِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَهُوَ سَهْوٌ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ بَلْ السَّهْوُ مِنْهُ لَا مِنْ الشَّارِحِ وَالْكَافِي إذْ الْمَسْأَلَةُ فِيهَا اخْتِلَافُ الرِّوَايَةِ ثُمَّ نَقَلَ جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ مَا قَدَّمْنَاهُ مُحَقَّقًا عَنْ نُورِ الْعَيْنِ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمَتْنِ وَإِنْ أَرَّخَا فَلِلسَّابِقِ فَرَاجِعْهُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا مَشَى عَلَيْهِ الشَّارِحُ الزَّيْلَعِيُّ مُوَافِقٌ لِمَا فِي الْهِدَايَةِ وَهُوَ مَا رَجَّحَهُ صَاحِبُ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 241 بَلْ يُقَدَّمُ الْأَسْبَقُ هُنَا أَيْضًا وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَذَكَرَا تَارِيخَ التَّسَاوِي فِيهِ أَيْ تَارِيخًا وَاحِدًا وَلِذَا قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَإِنْ كَانَ تَارِيخُ أَحَدِهِمَا أَسْبَقَ كَانَ أَوْلَى عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ آخِرًا وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ فِي رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلِ يُقْضَى بِهِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُمَا يُثْبِتَانِ الْمِلْكَ لِبَائِعِهِمَا فَصَارَ كَأَنَّ الْبَائِعَيْنِ حَضَرَا وَادَّعَيَا مِلْكًا مُطْلَقًا لِأَنْفُسِهِمَا وَالْحُكْمُ فِي دَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ ذَلِكَ فَكَذَا هُنَا اهـ. وَفِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ وَذَكَرَ فِي الْكِتَابِ لَوْ وَقَّتَا وَقْتَيْنِ فَصَاحِبُ الْوَقْتِ الْأَوَّلِ أَوْلَى اهـ. وَالْعَجَبُ مِنْ الشَّارِحِ أَنَّهُ جَعَلَهُ مِنْ قَبِيلِ دَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ وَنَسِيَ مَا قَالَهُ فِي الْكِتَابِ قَرِيبًا مِنْ قَوْلِهِ وَلَوْ بَرْهَنَ الْخَارِجَانِ عَلَى الْمِلْكِ وَالتَّارِيخِ فَالْأَسْبَقُ أَحَقُّ فَقَطْ وَلَوْ قَالَ الْمُؤَلِّفُ وَذَكَرَا تَارِيخًا أَوْ أَحَدُهُمَا فَقَطْ لَكَانَ أَوْلَى فَلَا يَتَرَجَّحُ صَاحِبُ التَّارِيخِ عَلَى غَيْرِهِ لِأَنَّ تَوْقِيتَ أَحَدِهِمَا لَا يَدُلُّ عَلَى تَقَدُّمِ الْمِلْكِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْآخَرُ أَقْدَمَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْبَائِعُ وَاحِدًا لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ لَا يُتَلَقَّى إلَّا مِنْ جِهَتِهِ فَإِذَا أَثْبَتَ أَحَدُهُمَا تَارِيخًا يُحْكَمُ بِهِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَنَّهُ تَقَدَّمَهُ شِرَاءُ غَيْرِهِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الشِّرَاءِ لَا تُقْبَلُ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ فُلَانٍ وَهُوَ يَمْلِكُهَا كَمَا فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَى الشِّرَاءِ مِنْ فُلَانٍ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنَّهُ بَاعَهَا مِنْهُ يَوْمئِذٍ يَمْلِكُهَا أَوْ يَشْهَدُوا أَنَّهَا لِهَذَا الْمُدَّعِي اشْتَرَاهَا مِنْ فُلَانٍ بِكَذَا وَنَقَدَهُ الثَّمَنَ وَسَلَّمَهَا إلَيْهِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَبِيعُ مَا لَا يَمْلِكُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ وَكِيلًا أَوْ مُتَعَدِّيًا فَلَا يَسْتَحِقُّ الْمُشْتَرِي الْمِلْكَ بِذَلِكَ فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ مِلْكِ الْبَائِعِ أَوْ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ. اهـ. قُلْت إذَا كَانَ الْبَائِعُ وَكِيلًا فَكَيْفَ يَشْهَدُونَ بِأَنَّهُ بَاعَهَا وَهُوَ يَمْلِكُهَا فَلْيُتَأَمَّلْ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ إنْ كَانَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْبَائِعِ تُقْبَلُ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ مِلْكِ الْبَائِعِ وَإِنْ كَانَ فِي يَدِ غَيْرِهِ وَالْمُدَّعِي يَدَّعِيهِ لِنَفْسِهِ إنْ ذَكَرَ الْمُدَّعِي وَشُهُودُهُ أَنَّ الْبَائِعَ يَمْلِكُهَا أَوْ قَالُوا سَلَّمَهَا إلَيْهِ وَقَالَ سَلَّمَهَا إلَيَّ أَوْ قَالَ قَبَضْت وَقَالُوا قَبَضَ أَوْ قَالَ مِلْكِي اشْتَرَيْتهَا مِنْهُ وَهِيَ لِي تُقْبَلُ فَإِنْ شَهِدُوا عَلَى الشِّرَاءِ وَالنَّقْدِ وَلَمْ يَذْكُرُوا الْقَبْضَ وَلَا التَّسْلِيمَ وَلَا مِلْكَ الْبَائِعِ وَلَا مِلْكَ الْمُشْتَرِي لَا تُقْبَلُ الدَّعْوَى وَلَا الشَّهَادَةُ وَلَوْ شَهِدُوا بِالْيَدِ لِلْبَائِعِ دُونَ الْمِلْكِ اخْتَلَفُوا اهـ. وَإِذَا اسْتَوَيَا فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ يُقْضَى بِهِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ثُمَّ يُخَيَّرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إنْ شَاءَ أَخَذَ نِصْفَ الْعَبْدِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ وَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ إلَى أَنَّ أَحَدَهُمَا لَوْ ادَّعَى الشِّرَاءَ مِنْ رَجُلٍ وَهُوَ يَمْلِكُهُ وَادَّعَى الْآخَرُ الْهِبَةَ مِنْ آخَرَ وَقَبْضَهَا مِنْهُ وَهُوَ يَمْلِكُهَا فَإِنَّهَا تَكُونُ بَيْنَهُمَا وَلِذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا الشِّرَاءَ مِنْ رَجُلٍ وَالْآخَرُ الْهِبَةَ وَالْقَبْضَ مِنْ غَيْرِهِ وَالثَّالِثُ الْمِيرَاثَ مِنْ أَبِيهِ وَالْآخَرُ الصَّدَقَةَ وَالْقَبْضَ مِنْ آخَرَ قُضِيَ بَيْنَهُمْ أَرْبَاعًا لِأَنَّهُمْ يَتَلَقَّوْنَ الْمِلْكَ مِنْ بَاعَتِهِمْ فَيُجْعَلُ كَأَنَّهُمْ حَضَرُوا وَأَقَامُوا الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ اهـ. قَوْلُهُ (وَلَوْ بَرْهَنَ الْخَارِجُ عَلَى مِلْكٍ مُؤَرَّخٍ وَتَارِيخُ ذِي الْيَدِ أَسْبَقُ أَوْ بَرْهَنَا عَلَى النِّتَاجِ أَوْ سَبَبِ مِلْكٍ لَا يَتَكَرَّرُ أَوْ الْخَارِجِ عَلَى الْمِلْكِ وَذُو الْيَد عَلَى الشِّرَاء مِنْهُ فَذُو الْيَدِ أَحَقُّ) بَيَانٌ لِثَلَاثِ مَسَائِلَ تُقَدَّمُ فِيهَا بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ عَلَى الْخَارِجِ الْأُولَى بَرْهَنَا عَلَى مِلْكٍ مُؤَرَّخٍ وَسَبَقَ تَارِيخَ ذِي الْيَدِ وَهَذَا عِنْدَهُمَا وَرِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ وَعَنْهُ عَدَمُ قَبُولِهَا رُجِعَ إلَيْهِ لِأَنَّ الْبَيِّنَتَيْنِ قَامَتَا عَلَى مُطْلَقِ الْمِلْكِ وَلَمْ يَتَعَرَّضَا لِجِهَةِ الْمِلْكِ فَكَانَ التَّقَدُّمُ وَالتَّأَخُّرُ سَوَاءً وَلَهُمَا أَنَّ الْبَيِّنَةَ مَعَ التَّارِيخِ مُتَضَمِّنَةٌ مَعْنَى الدَّفْعِ فَإِنَّ الْمِلْكَ إذَا ثَبَتَ لِشَخْصٍ فِي وَقْتٍ فَثُبُوتُهُ لِغَيْرِهِ بَعْدَهُ لَا يَكُونُ إلَّا بِالتَّلَقِّي مِنْ جِهَتِهِ وَبَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ عَلَى الدَّفْعِ مَقْبُولَةٌ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ كَانَتْ الدَّارُ فِي أَيْدِيهِمَا وَالْمَعْنَى مَا بَيَّنَّا قُيِّدَ بِسَبْقِ تَارِيخِ ذِي الْيَدِ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا تَارِيخٌ أَوْ اسْتَوَى تَارِيخُهُمَا أَوْ أُرِّخَتْ إحْدَاهُمَا فَقَطْ كَانَ الْخَارِجُ أَوْلَى وَكَذَا لَوْ كَانَتْ فِي أَيْدِيهِمَا فَإِنَّهَا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ بَلْ يُقَدَّمُ الْأَسْبَقُ هُنَا أَيْضًا) أَيْ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُمَلَّكُ مُتَعَدِّدًا كَمَا إذَا كَانَ مُتَّحِدًا (قَوْلُهُ وَالْعَجَبُ مِنْ الشَّارِحِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ لَا عَجَبَ مِنْهُ بَلْ الْعَجَبُ مِنْك إذْ مِلْكُ الْبَائِعِينَ مِلْكٌ بِلَا تَارِيخٍ كَمَا عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ فَصَارَ كَأَنَّهُمَا حَضَرَا وَبَرْهَنَا عَلَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ بِلَا تَارِيخٍ وَمَسْأَلَةُ الْكِتَابِ فِي بُرْهَانِ الْخَارِجِينَ عَلَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ وَالتَّارِيخِ وَفِيهَا الْأَسْبَقُ الْأَحَقُّ فَبَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ بَوْنٌ فَأَيُّ عَجَبٍ مِنْ الشَّارِحِ وَإِنَّمَا الْعَجَبُ مِنْك تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الشِّرَاءِ إلَخْ) قَالَ فِي نُورِ الْعَيْنِ فِي آخِرِ الْفَصْلِ السَّادِسِ رَامِزًا لِلْمَبْسُوطِ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الشِّرَاءِ مِنْ الْغَائِبِ إلَّا بِالشَّهَادَةِ بِأَحَدِ الثَّلَاثَةِ إمَّا بِمِلْكِ بَائِعِهِ بِأَنْ يَقُولُوا بَاعَ وَهُوَ يَمْلِكُهُ وَإِمَّا بِمِلْكِ مُشْتَرِيهِ بِأَنْ يَقُولُوا هُوَ لِلْمُشْتَرِي اشْتَرَاهُ مِنْ فُلَانٍ وَإِمَّا بِقَبْضِهِ بِأَنْ يَقُولُوا اشْتَرَاهُ مِنْهُ وَقَبَضَهُ اهـ. وَفِيهِ رَامِزًا لِفَتَاوَى الْقَاضِي ظَهِيرٍ ادَّعَى إرْثًا وَرِثَهُ مِنْ أَبِيهِ وَادَّعَى آخَرُ شِرَاءَهُ مِنْ الْمَيِّتِ وَشُهُودُهُ شَهِدُوا بِأَنَّ الْمَيِّتَ بَاعَهُ مِنْهُ وَلَمْ يَقُولُوا بَاعَهُ مِنْهُ وَهُوَ يَمْلِكُهُ قَالُوا لَوْ كَانَ الدَّارُ فِي يَدِ مُدَّعِي الشِّرَاءَ أَوْ مُدَّعِي الْإِرْثَ فَالشَّهَادَةُ جَائِزَةٌ لِأَنَّهَا عَلَى مُجَرَّدِ الْبَيْعِ إنَّمَا لَا تُقْبَلُ إذَا لَمْ تَكُنْ الدَّارُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي أَوْ الْوَارِثِ أَمَّا لَوْ كَانَتْ فَالشَّهَادَةُ بِالْبَيْعِ كَالشَّهَادَةِ بِبَيْعٍ وَمِلْكٍ. اهـ. (قَوْلُهُ قُلْت إلَخْ) أَقُولُ: إذَا عَرَفَ الشُّهُودُ أَنَّ الْبَائِعَ وَكِيلٌ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ بَاعَهَا بِالْوَكَالَةِ عَمَّنْ يَمْلِكُهَا عَلَى أَنَّك عَلِمْت مِمَّا نَقَلْنَاهُ آنِفًا أَنَّ خُصُوصَ وَهُوَ يَمْلِكُهَا غَيْرُ لَازِمٍ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 242 تُقَدَّمُ الْمُؤَقَّتَةُ عَلَى غَيْرِهَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ فِي يَدِ ثَالِثٍ فَإِنَّهُمَا سَوَاءٌ عِنْدَهُ وَعِنْدَ الثَّانِي تُقَدَّمُ الْمُؤَقَّتَةُ وَعِنْدَ الثَّالِثِ الْمُطْلَقَةُ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَلَا بَيِّنَةَ لِذِي الْيَدِ فِي الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ وَمُرَادُهُ وَتَارِيخُ مِلْكِ ذِي الْيَد سَبَقَ وَإِنَّمَا قَرَّرْنَاهُ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ أَمَةٌ فِي يَدِ رَجُلٍ أَقَامَ آخَرُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا لَهُ مُنْذُ سَنَتَيْنِ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا فِي يَدِهِ مُنْذُ سَنَتَيْنِ وَلَمْ يَشْهَدُوا أَنَّهَا لَهُ قُضِيَتْ بِهَا لِلْمُدَّعِي. اهـ. لِأَنَّ بَيِّنَةَ ذِي الْيَدِ إنَّمَا شَهِدَتْ بِالْيَدِ لَا بِالْمِلْكِ وَلَا بُدَّ مِنْ تَحَقُّقِ سَبْقِ تَارِيخِ ذِي الْيَدِ لِمَا فِي الْخِزَانَةِ أَيْضًا لَوْ أَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا لَهُ مُنْذُ سَنَةٍ أَوْ سَنَتَيْنِ شَكَّ الشُّهُودُ فِيهِ وَأَقَامَ ذُو الْيَدِ أَنَّهَا لَهُ مُنْذُ سَنَتَيْنِ قُضِيَ بِهَا لِذِي الْيَدِ وَلَوْ وَقَّتَ شُهُودُ الْمُدَّعِي سَنَةً وَوَقَّتَ شُهُودُ ذِي الْيَدِ سَنَةً أَوْ سَنَتَيْنِ فَهِيَ لِلْمُدَّعِي اهـ. وَالشَّهَادَةُ بِأَنَّهَا لَهُ عَامَ أَوَّلٍ مُقَدَّمَةٌ عَلَى أَنَّهَا لَهُ مُنْذُ الْعَامِ كَمَا فِيهَا أَيْضًا الثَّانِيَةُ أَقَامَ كُلٌّ مِنْ الْخَارِجِ وَذِي الْيَدِ بَيِّنَةً عَلَى النِّتَاجِ فَصَاحِبُ الْيَدِ أَوْلَى لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ قَامَتْ عَلَى مَا لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْيَدُ فَاسْتَوَيَا وَتَرَجَّحَتْ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ بِالْيَدِ فَيُقْضَى لَهُ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَدَلِيلُهُ مِنْ السُّنَّةِ مَا رَوَى جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ «أَنَّ رَجُلًا ادَّعَى نَاقَةً فِي يَدِ رَجُلٍ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا نَاقَتُهُ نُتِجَتْ وَأَقَامَ الَّذِي فِي يَدَيْهِ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا نَاقَتُهُ نُتِجَهَا فَقَضَى بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلَّذِي هِيَ فِي يَدِهِ» وَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ مَشْهُورٌ فَصَارَتْ مَسْأَلَةُ النِّتَاجِ مَخْصُوصَةً كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَأَشَارَ إلَى أَنَّ أَحَدَهُمَا لَوْ بَرْهَنَ عَلَى الْمِلْكِ وَالْآخَرَ عَلَى النِّتَاجِ فَصَاحِبُ النِّتَاجِ أَوْلَى أَيُّهُمَا كَانَ لِأَنَّ بَيِّنَتَهُ عَلَى أَوَّلِيَّةِ الْمِلْكِ فَلَا يَثْبُتُ الْآخَرُ إلَّا بِالتَّلَقِّي مِنْ جِهَتِهِ وَكَذَا إذَا كَانَ الدَّعْوَى بَيْنَ خَارِجَيْنِ فَبَيِّنَةُ النِّتَاجِ أَوْلَى لِمَا ذَكَرْنَا وَفِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ قُضِيَ بِالنِّتَاجِ لِصَاحِبِ الْيَدِ ثُمَّ أَقَامَ ثَالِثٌ الْبَيِّنَةَ عَلَى النِّتَاجِ يُقْضَى لَهُ إلَّا أَنْ يُعِيدَهَا ذُو الْيَدِ لِأَنَّ الثَّالِثَ لَمْ يَكُنْ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ بِتِلْكَ الْقَضِيَّةِ وَكَذَا الْمَقْضِيَّ عَلَيْهِ بِالْمِلْكِ الْمُطْلَقِ إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى النِّتَاجِ تُقْبَلُ وَيُنْقَضُ الْقَضَاءُ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ النَّصِّ اهـ. وَأَطْلَقَ فِي قَوْلِهِ وَلَوْ بَرْهَنَا فَشَمِلَ مَا إذَا بَرْهَنَ الْخَارِجُ فَقَطْ عَلَى النِّتَاجِ وَقُضِيَ لَهُ ثُمَّ بَرْهَنَ ذُو الْيَدِ فَإِنَّهُ يُقْضَى لَهُ وَيَبْطُلُ الْقَضَاءُ الْأَوَّلُ كَمَا فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مَعْزِيًّا إلَى الْعُدَّةِ ادَّعَى ذُو الْيَدِ نِتَاجًا أَيْضًا وَلَمْ يُبَرْهِنْ حَتَّى حُكِمَ بِهَا لِلْمُدَّعِي بِالنِّتَاجِ ثُمَّ بَرْهَنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى النِّتَاجِ لَا يُنْقَضُ الْحُكْمُ اهـ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمَقْضِيَّ عَلَيْهِ فِي حَادِثَةٍ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ بَعْدَهُ إلَّا إذَا بَرْهَنَ عَلَى إبْطَالِ الْقَضَاءِ أَوْ عَلَى تَلَقِّي الْمِلْكِ مِنْ الْمَقْضِيِّ لَهُ أَوْ عَلَى النِّتَاجِ كَمَا فِي الْعِمَادِيَّةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا أَرَّخَا وَاسْتَوَى تَارِيخُهُمَا أَوْ سَبَقَ أَحَدُهُمَا أَوْ لَمْ يُؤَرِّخَا أَصْلًا أَوْ أُرِّخَتْ إحْدَاهُمَا فَلَا اعْتِبَارَ بِالتَّارِيخِ مَعَ النِّتَاجِ إلَّا مَنْ أَرَّخَ تَارِيخًا مُسْتَحِيلًا بِأَنْ لَمْ يُوَافِقْ سِنَّ الْمُدَّعِي لِوَقْتِ ذِي الْيَدِ وَوَافَقَ وَقْتَ الْخَارِجِ فَحِينَئِذٍ يُحْكَمُ لِلْخَارِجِ وَلَوْ خَالَفَ سِنَّهُ لِلْوَقْتَيْنِ لَغَتْ الْبَيِّنَتَانِ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ وَيُتْرَكُ فِي يَدِ ذِي الْيَدِ عَلَى مَا كَانَ كَذَا فِي رِوَايَةٍ وَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ فِي رِوَايَةٍ كَذَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَالنِّتَاجُ وِلَادَةُ الْحَيَوَانِ وَوَضْعُهُ عِنْدَهُ مَنْ نُتِجَتْ عِنْدَهُ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَلَدَتْ وَوَضَعَتْ كَمَا فِي الْمُغْرِبِ وَالْمُرَادُ وِلَادَتُهُ فِي مِلْكِهِ أَوْ فِي مِلْكِ بَائِعِهِ أَوْ مُوَرِّثِهِ وَلِذَا قَالَ فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّ هَذِهِ الدَّابَّةَ نَتَجَتْ عِنْدَهُ أَوْ نَسَجَ هَذَا الثَّوْبَ عِنْدَهُ أَوْ أَنَّ هَذَا الْوَلَدَ وَلَدَتْهُ أَمَتُهُ وَلَمْ يَشْهَدُوا بِالْمِلْكِ لَهُ فَإِنَّهُ لَا يُقْضَى لَهُ. اهـ. وَكَذَا لَوْ شَهِدُوا أَنَّهَا بِنْتُ أَمَتِهِ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا شَهِدُوا بِالنَّسَبِ كَذَا فِي الْخِزَانَةِ وَإِنَّمَا قُلْت أَوْ مَلَكَ بَائِعُهُ لِمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ بَرْهَنَ كُلٌّ مِنْ الْخَارِجِ وَذِي الْيَدِ عَلَى نِتَاجٍ فِي مِلْكِ بَائِعِهِ حُكِمَ لِذِي الْيَدِ إذْ كُلٌّ مِنْهُمَا خَصْمٌ عَنْ بَائِعِهِ فَكَأَنَّ بَائِعَهُمَا حَضَرَ أَوْ ادَّعَيَا مِلْكًا بِنِتَاجٍ فَإِنَّهُ يُحْكَمُ لِذِي الْيَدِ وَلَوْ بَرْهَنَ أَنَّهُ لَهُ وَلَدٌ فِي مِلْكِهِ وَبَرْهَنَ ذُو الْيَدِ أَنَّهُ لَهُ وَلَدٌ فِي مِلْكِ بَائِعِهِ حُكِمَ بِهِ لِذِي الْيَدِ لِأَنَّهُ خَصْمٌ عَمَّنْ تَلَقَّى الْمِلْكَ مِنْهُ وَيَدُهُ يَدُ الْمُتَلَقِّي مِنْهُ فَكَأَنَّهُ حَضَرَ وَبَرْهَنَ عَلَى النِّتَاجِ وَالْمُدَّعِي فِي يَدِهِ بِحُكْمٍ لَهُ بِهِ كَذَا هَذَا اهـ. وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّهُ لَا يَتَرَجَّحُ نِتَاجٌ فِي مِلْكِهِ عَلَى نِتَاجٍ فِي مِلْكِ بَائِعِهِ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَشْهَدُوا بِأَنَّ أُمَّهُ فِي مِلْكِهِ لَكِنْ لَوْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِذَلِكَ دُونَ أُخْرَى قُدِّمَتْ عَلَيْهَا لِمَا فِي الْخِزَانَةِ عَبْدٌ فِي يَدِ رَجُلٍ أَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ عَبْدُهُ وُلِدَ فِي مِلْكِهِ وَأَقَامَ آخَرُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ عَبْدُهُ وُلِدَ فِي مِلْكِهِ مِنْ أَمَتِهِ هَذِهِ قُضِيَ لِلَّذِي أُمُّهُ فِي يَدِهِ فَإِنْ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمَقْضِيَّ عَلَيْهِ إلَخْ) تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَبْلَ هَذَا الْبَابِ وَقَالَ الرَّمْلِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ هُوَ الرَّاجِحُ كَمَا يَشْهَدُ لَهُ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ فِي الْعِمَادِيَّةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ وَغَيْرِهِمَا فَازْدَدْ نَقْلًا فِي الْمَسْأَلَةِ إنْ شِئْت الجزء: 7 ¦ الصفحة: 243 أَقَامَ صَاحِبُ الْيَدِ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ عَبْدُهُ وُلِدَ فِي مِلْكِهِ مِنْ أَمَةٍ أُخْرَى فَصَاحِبُ الْيَدِ أَوْلَى عَبْدٌ فِي يَدِ رَجُلٍ أَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ عَبْدُهُ وُلِدَ مِنْ أَمَتِهِ هَذَا مِنْ عَبْدِهِ هَذَا وَأَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ بِمِثْلِ ذَلِكَ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ فَيَكُونُ ابْنَ عَبْدَيْنِ وَأَمَتَيْنِ وَقَالَ صَاحِبَاهُ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُمَا اهـ وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ بَرْهَنَ الْخَارِجُ أَنَّ هَذِهِ أَمَتُهُ وَلَدَتْ هَذَا الْقِنَّ فِي مِلْكِي وَبَرْهَنَ ذُو الْيَدِ عَلَى مِثْلِهِ يُحْكَمُ بِهَا لِلْمُدَّعِي لِأَنَّهُمَا ادَّعَيَا فِي الْأَمَةِ مِلْكًا مُطْلَقًا فَيُقْضَى بِهَا لِلْمُدَّعِي ثُمَّ يَسْتَحِقُّ الْقِنَّ تَبَعًا اهـ. وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ ذَا الْيَدِ إنَّمَا يُقَدَّمُ فِي دَعْوَى النِّتَاجِ عَلَى الْخَارِجِ أَنْ لَوْ لَمْ يَتَنَازَعَا فِي الْأُمِّ أَمَّا لَوْ تَنَازَعَا فِيهَا فِي الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ وَشَهِدُوا بِهِ وَبِنِتَاجِ وَلَدِهَا فَإِنَّهُ لَا يُقَدَّمُ وَهَذِهِ يَجِبُ حِفْظُهَا وَإِنَّمَا قُلْت أَوْ مَلَكَ مُوَرِّثَةً لِمَا فِي الْقُنْيَةِ كَمَا تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ ذِي الْيَد إذَا ادَّعَى أَوَّلِيَّةَ الْمِلْكِ بِالنِّتَاجِ عِنْدَهُ فَكَذَا إذَا ادَّعَاهُ عِنْدَ مُوَرِّثِهِ فَإِذَا أَقَامَا بَيِّنَةً عَلَى عِمَارَةِ دَارٍ أَنَّ أَبَاهُ بَنَاهَا مُنْذُ سِتِّينَ سَنَةً وَقَالَا مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا لَنَا فَبَيِّنَةُ ذِي الْيَد أَوْلَى اهـ. وَقَيَّدَ بِكَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا مُدَّعِيًا لِلْمِلْكِ وَالنِّتَاجِ فَقَطْ إذْ لَوْ ادَّعَى الْخَارِجُ الْفِعْلَ عَلَى ذِي الْيَدِ كَالْغَصْبِ وَالْإِجَارَةِ وَالْعَارِيَّةِ فَبَيِّنَةُ الْخَارِجِ أَوْلَى وَإِنْ ادَّعَى ذُو الْيَدِ النِّتَاجَ لِأَنَّ بَيِّنَةَ الْخَارِجِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ أَكْثَرُ إثْبَاتًا لِإِثْبَاتِهَا الْفِعْلَ عَلَى ذِي الْيَدِ إذْ هُوَ غَيْرُ ثَابِتٍ أَصْلًا كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَفِي الْمُحِيطِ الْخَارِجُ وَذُو الْيَدِ إذَا أَقَامَا الْبَيِّنَةَ عَلَى نِتَاجِ الْعَبْدِ وَالْخَارِجُ يَدَّعِي الْإِعْتَاقَ أَيْضًا فَهُوَ أَوْلَى وَكَذَا إذَا ادَّعَيَا وَهُوَ فِي يَدِ ثَالِثٍ وَأَحَدُهُمَا يَدَّعِي الْإِعْتَاقَ فَهُوَ أَوْلَى لِأَنَّ بَيِّنَةَ النِّتَاجِ مَعَ الْعِتْقِ أَكْثَرُ إثْبَاتًا لِأَنَّهَا أَثْبَتَتْ أَوَّلِيَّةَ الْمِلْكِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ أَصْلًا وَبَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ أَثْبَتَتْ الْمِلْكَ عَلَى وَجْهٍ يُتَصَوَّرُ اسْتِحْقَاقُ ذَلِكَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَى الْخَارِجُ الْعِتْقَ مَعَ مُطْلَقِ الْمِلْكِ وَذُو الْيَدِ ادَّعَى النِّتَاجَ فَبَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ أَوْلَى لِأَنَّهُمَا لَمْ يَسْتَوِيَا فِي إثْبَاتِ أَوَّلِيَّةِ الْمِلْكِ لِأَنَّ الْخَارِجَ مَا أَثْبَتَ الْمِلْكَ فَلَمْ يُعْتَبَرْ الْعِتْقُ لِلتَّرْجِيحِ وَكَذَا لَوْ ادَّعَى الْخَارِجُ التَّدْبِيرَ أَوْ الِاسْتِيلَادَ مَعَ النِّتَاجِ أَيْضًا وَذُو الْيَدِ مَعَ النِّتَاجِ عِتْقًا بَاتًّا فَهُوَ أَوْلَى وَلَوْ ادَّعَى ذُو الْيَدِ التَّدْبِيرَ أَوْ الِاسْتِيلَادَ مَعَ النِّتَاجِ وَالْخَارِجُ ادَّعَى عِتْقًا بَاتًّا مَعَ النِّتَاجِ فَالْخَارِجُ أَوْلَى اهـ. وَقُيِّدَ بِتَنَازُعِ الْخَارِجِ مَعَ ذِي الْيَدِ إذْ لَوْ كَانَا خَارِجَيْنِ ادَّعَى كُلٌّ دَابَّةً فِي يَدِ آخَرَ وَبَرْهَنَا عَلَى النِّتَاجِ فَإِنَّهُمَا يَسْتَوِيَانِ وَيُقْضَى بِهَا بَيْنَهُمَا كَمَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ وَفِي شَهَادَاتِ الْبَزَّازِيَّةِ عَايَنَ الشَّاهِدُ دَابَّةً تَتْبَعُ دَابَّةً وَتَرْضَعُ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِالْمِلْكِ وَالنِّتَاجِ اهـ. وَفِي الْخُلَاصَةِ وَعَلَى هَذَا لَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى النِّتَاجِ لِزَيْدٍ وَآخَرَانِ عَلَى النِّتَاجِ لِعَمْرٍو وَيُتَصَوَّرُ هَذَا بِأَنْ رَأَى الشَّاهِدَانِ أَنَّهُ ارْتَضَعَ مِنْ لَبَنِ أُنْثَى كَانَتْ لَهُ فِي مِلْكِهِ وَآخَرَانِ رَأَيَا أَنَّهُ ارْتَضَعَ مِنْ لَبَنِ أُنْثَى فِي مِلْكٍ آخَرَ فَتَحِلُّ الشَّهَادَةُ لِلْفَرِيقَيْنِ اهـ. وَأَلْحَقُوا بِالنِّتَاجِ مَا لَا يَتَكَرَّرُ سَبَبُهُ لِكَوْنِهِ فِي مَعْنَاهُ لِأَنَّهُ دَعْوَى أَوَّلِيَّةِ الْمِلْكِ كَالنَّسْجِ فِي الثِّيَابِ الَّتِي لَا تُنْسَجُ إلَّا مَرَّةً كَالثِّيَابِ الْقُطْنِيَّةِ وَغَزْلِ الْقُطْنِ وَحَلْبِ اللَّبَنِ وَاتِّخَاذِ الْجُبْنِ وَاللِّبْدِ وَالْمِرْعِزَّى وَجَزِّ الصُّوفِ وَإِنْ كَانَ سَبَبًا يَتَكَرَّرُ لَا يَكُونُ فِي مَعْنَاهُ فَيُقْضَى بِهِ لِلْخَارِجِ بِمَنْزِلَةِ الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ مِثْلَ الْجَزِّ وَالْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ وَزِرَاعَةِ الْحِنْطَةِ وَالْحُبُوبِ فَإِنْ أَشْكَلَ يَرْجِعُ إلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ فَإِنْ أَشْكَلَ عَلَيْهِمْ قُضِيَ بِهِ لِلْخَارِجِ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِبَيِّنَةٍ هُوَ الْأَصْلُ وَإِنَّمَا عَدَلْنَا عَنْهُ بِخَبَرِ النِّتَاجِ فَإِذَا بَرْهَنَ الْخَارِجُ أَنَّهُ ثَوْبُهُ نَسَجَهُ وَبَرْهَنَ ذُو الْيَدِ كَذَلِكَ فَإِنْ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يُنْسَجُ إلَّا مَرَّةً فَهُوَ لِذِي الْيَدِ وَإِنْ عُلِمَ تَكْرَارُ نَسَجَهُ فَهُوَ لِلْخَارِجِ كَالْخَزِّ وَكَذَا إذَا أَشْكَلَ وَكَذَا إذَا اخْتَلَفَا فِي صُوفٍ وَبَرْهَنَ كُلٌّ أَنَّهُ صُوفُهُ جَزَّهُ مِنْ غَنَمِهِ فَإِنَّهُ يُقْضَى بِهِ لِذِي الْيَدِ وَأَوْرَدَ كَيْفَ يَكُونُ الْجَزُّ فِي مَعْنَاهُ وَهُوَ لَيْسَ بِسَبَبٍ لَا وَلِيَّةِ الْمِلْكِ لِأَنَّ الصُّوفَ كَانَ مَمْلُوكًا لَهُ قَبْلَهُ وَأَجَابَ عَنْهُ فِي الْكَافِي بِأَنَّهُ كَوَصْفِ الشَّاةِ وَلَمْ يَكُنْ مَالًا إلَّا بَعْدَ الْجَزِّ وَلِذَا لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ قَبْلَهُ وَفَصْلُ السَّيْفِ يُسْأَلُ عَنْهُ فَإِنْ أَخْبَرُوا أَنَّهُ لَا يُضْرَبُ إلَّا مَرَّةً كَانَ لِذِي الْيَدِ وَإِلَّا فَلِلْخَارِجِ وَالْغَزْلُ فِي مَعْنَى النِّتَاجِ لِأَنَّهُ لَا يَتَكَرَّرُ وَهُوَ سَبَبٌ لَا وَلِيَّةُ الْمِلْكِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ إذْ لَوْ ادَّعَى الْخَارِجُ الْفِعْلَ عَلَى ذِي الْيَدِ إلَخْ) قَالَ فِي مَتْنِ الدُّرَرِ إلَّا إذَا ادَّعَى الْخَارِجُ عَلَيْهِ فِعْلًا فِي رِوَايَةٍ قَالَ بَعْدَ نَقْلِهِ عَنْ الذَّخِيرَةِ وَإِنَّمَا قَالَ فِي رِوَايَةٍ لَمَّا قَالَ الْعِمَادِيُّ بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ الذَّخِيرَةِ ذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي بَابِ دَعْوَى النِّتَاجِ مِنْ الْمَبْسُوطِ مَا يُخَالِفُ الْمَذْكُورَ فِي الذَّخِيرَةِ فَقَالَ دَابَّةٌ فِي يَدِ رَجُلٍ أَقَامَ آخَرُ بَيِّنَةً أَنَّهَا دَابَّتُهُ أَجَّرَهَا مِنْ ذِي الْيَدِ أَوْ أَعَارَهَا مِنْهُ أَوْ رَهَنَهَا إيَّاهُ وَذُو الْيَدِ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهَا دَابَّتُهُ نَتَجَتْ عِنْدَهُ فَإِنَّهُ يُقْضَى بِهَا لِذِي الْيَدِ لِأَنَّهُ يَدَّعِي مِلْكَ النِّتَاجِ وَالْآخَرُ يَدَّعِي الْإِجَارَةَ أَوْ الْإِعَارَةَ وَالنِّتَاجُ أَسْبَقُ مِنْهُمَا فَيُقْضَى لِذِي الْيَدِ وَهَذَا خِلَافُ مَا نُقِلَ عَنْهُ. اهـ. وَفِي نُورِ الْعَيْنِ الظَّاهِرُ أَنَّ مَا فِي الذَّخِيرَةِ هُوَ الْأَصَحُّ وَالْأَرْجَحُ لِأَنَّ الْيَدَ دَلِيلُ الْمِلْكِ وَالنِّتَاجُ مِنْ خَصَائِصِهِ فَيَكُونُ دَعْوَى ذِي الْيَدِ نِتَاجًا مُوَاقِفًا لِلظَّاهِرِ وَأَمَّا دَعْوَى الْخَارِجِ فِعْلًا عَلَى ذِي الْيَدِ فَخِلَافُ الظَّاهِرِ وَالْبَيِّنَاتُ إنَّمَا شُرِعَتْ لِإِثْبَاتِ خِلَافِ الظَّاهِرِ فَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ أَوْلَى فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ يُؤَيِّدُهُ مَا قَالَ صَاحِبُ الْخُلَاصَةِ ذَكَرَ الْإِمَامُ خواهر زاده فِي كِتَابِ الْوَلَاءِ أَنَّ ذَا الْيَدِ إذَا ادَّعَى النِّتَاجَ وَادَّعَى الْخَارِجُ أَنَّهُ مِلْكُهُ غَصَبَهُ مِنْهُ ذُو الْيَدِ أَوْ أَوْدَعَهُ لَهُ أَوْ أَعَارَهُ مِنْهُ كَانَتْ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ أَوْلَى وَإِنَّمَا تَتَرَجَّحُ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ عَلَى النِّتَاجِ إذَا لَمْ يَدَّعِ الْخَارِجُ فِعْلًا عَلَى ذِي الْيَدِ أَمَّا لَوْ ادَّعَى فِعْلًا كَالشِّرَاءِ وَغَيْرِهِ ذَلِكَ فَبَيِّنَةُ الْخَارِجِ أَوْلَى لِأَنَّهَا أَكْثَرُ إثْبَاتًا لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الْفِعْلَ عَلَيْهِ اهـ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 244 فِي الْمَغْزُولِ وَالْحِنْطَةُ مِمَّا يَتَكَرَّرُ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَزْرَعُ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُغَرْبِلُ التُّرَابَ فَيُمَيِّزُ الْحِنْطَةَ مِنْهَا ثُمَّ تُزْرَعُ ثَانِيَةً وَكَذَا كُلُّ مَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ وَالْجُبْنُ لَا يُصْنَعُ إلَّا مَرَّةً وَهُوَ سَبَبٌ لِأَوَّلِيَّةِ الْمِلْكِ وَكَذَا اللَّبَنُ إذَا تَنَازَعَا فِي كَوْنِهِ حُلِبَ فِي مِلْكِهِ وَالنَّخْلُ يُغْرَسُ غَيْرَ مَرَّةٍ فَإِذَا تَنَازَعَا فِي أَرْضٍ وَنَخِيلٍ فِي يَدِ رَجُلٍ فَإِنَّهُ يُقْضَى لِلْخَارِجِ بِهِمَا وَكَذَا فِي أَرْضٍ مَزْرُوعَةٍ أَمَّا إذَا كَانَ الزَّرْعُ مِمَّا يَتَكَرَّرُ فَظَاهِرٌ وَإِلَّا كَانَ تَبَعًا لِلْأَرْضِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَفِيهَا لَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى شَاةٍ فِي يَدِ غَيْرِهِ أَنَّهَا شَاتُه وَجَزَّ هَذَا الصُّوفَ مِنْهَا وَأَقَامَ ذُو الْيَدِ أَنَّ الشَّاةَ الَّتِي يَدَّعِيهَا لَهُ وَجَزَّ الصُّوفَ مِنْهَا فَإِنَّهُ يُقْضَى بِالشَّاةِ لِلْمُدَّعِي لِأَنَّهُمَا ادَّعَيَا فِي الشَّاةِ مِلْكًا مُطْلَقًا فَيُقْضَى بِالشَّاةِ لِلْخَارِجِ ثُمَّ يَتْبَعُهَا الصُّوفُ لِأَنَّ الْجَزَّ لَيْسَ مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَنْظُورَ إلَيْهِ مِنْ كَوْنِهِ يَتَكَرَّرُ أَوَّلًا إنَّمَا هُوَ الْأَصْلُ لَا التَّبَعُ وَفِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ شَاتَانِ فِي يَدِ رَجُلٍ إحْدَاهُمَا بَيْضَاءُ وَالْأُخْرَى سَوْدَاءُ فَادَّعَاهُمَا رَجُلٌ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُمَا لَهُ وَأَنَّ هَذِهِ الْبَيْضَاءَ وَلَدَتْ هَذِهِ السَّوْدَاءَ فِي مِلْكِهِ وَأَقَامَ ذُو الْيَدِ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُمَا لَهُ وَأَنَّ هَذِهِ السَّوْدَاءَ وَلَدَتْ هَذِهِ الْبَيْضَاءَ فِي مِلْكِهِ فَإِنَّهُ يُقْضَى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالشَّاةِ الَّتِي ذَكَرَتْ شُهُودُهُ أَنَّهَا وَلَدَتْ فِي مِلْكِهِ وَإِنْ كَانَ فِي يَدِ رَجُلٍ حَمَامٌ أَوْ دَجَاجٌ أَوْ طَيْرٌ مِمَّا يُفَرِّخُ أَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ لَهُ فَرَّخَ فِي مِلْكِهِ وَأَقَامَ صَاحِبُ الْيَدِ الْبَيِّنَةَ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ قُضِيَ بِهِ لِصَاحِبِ الْيَدِ وَلَوْ ادَّعَى لَبَنًا فِي يَدِ رَجُلٍ ضَرَبَهُ فِي مِلْكِهِ وَبَرْهَنَ ذُو الْيَدِ يُقْضَى بِهِ لِلْخَارِجِ وَلَوْ كَانَ مَكَانَ اللَّبَنِ آجُرٌّ أَوْ جِصٌّ أَوْ نَوْرَةٌ يُقْضَى بِهِ لِصَاحِبِ الْيَدِ وَغَزْلُ الْقُطْنِ لَا يَتَكَرَّرُ فَيُقْضَى بِهِ لِذِي الْيَدِ بِخِلَافِ غَزْلِ الصُّوفِ وَوَرَقِ الشَّجَرِ وَثَمَرَتِهِ فِي النِّتَاجِ بِخِلَافِ غُصْنِ الشَّجَرَةِ وَالْحِنْطَةِ وَلَا بُدَّ مِنْ الشَّهَادَةِ بِالْمِلْكِ مَعَ السَّبَبِ الَّذِي لَا يَتَكَرَّرُ كَالنِّتَاجِ وَلَوْ بَرْهَنَ الْخَارِجُ عَلَى أَنَّ الْبَيْضَةَ الَّتِي تَعَلَّقَتْ مِنْ هَذِهِ الدَّجَاجَةِ كَانَتْ لَهُ لَمْ يُقْضَ لَهُ بِالدَّجَاجَةِ وَيُقْضَى عَلَى صَاحِبِ الدَّجَاجَةِ بِبَيْضَةٍ مِثْلِهَا لِصَاحِبِهَا لِأَنَّ مِلْكَ الْبَيْضَةِ لَيْسَ بِسَبَبٍ لِمِلْكِ الدَّجَاجَةِ فَإِنَّ مَنْ غَصَبَ بَيْضَةً وَحَضَّنَهَا تَحْتَ دَجَاجَةٍ لَهُ كَانَ الْفَرْخُ لِلْغَاصِبِ وَعَلَيْهِ مِثْلُهَا بِخِلَافِ الْأَمَةِ فَإِنَّ وَلَدَهَا لِصَاحِبِ الْأُمِّ وَجِلْدُ الشَّاةِ يُقْضَى بِهِ لِصَاحِبِ الْيَدِ وَالْجُبَّةُ الْمَحْشُوَّةُ وَالْفَرْوُ وَكُلُّ مَا يُقْطَعُ مِنْ الثِّيَابِ وَالْبُسُطُ وَالْأَنْمَاطُ الْمَصْبُوغُ بِعُصْفُرِ أَوْ زَعْفَرَانٍ يُقْضَى بِهَا لِلْخَارِجِ اهـ. الثَّالِثَةُ: بَرْهَنَ الْخَارِجُ عَلَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ وَذُو الْيَدِ عَلَى الشِّرَاءِ مِنْهُ فَذُو الْيَدِ أَوْلَى لِأَنَّ الْأَوَّلَ وَإِنْ كَانَ يَدَّعِي أَوَّلِيَّةَ الْمِلْكِ فَهَذَا تَلَقَّى مِنْهُ وَفِي هَذِهِ لَا تَنَافِيَ كَمَا إذَا أَقَرَّ بِالْمِلْكِ لَهُ ثُمَّ ادَّعَى الشِّرَاءَ مِنْهُ وَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى أَنَّ الْخَارِجَ لَوْ بَرْهَنَ أَنَّ فُلَانًا الْقَاضِيَ قَضَى لَهُ بِهَذِهِ الْأَمَةِ بِشُهُودٍ أَنَّهَا لَهُ وَبَرْهَنَ ذُو الْيَدِ عَلَى النِّتَاجِ فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ الْخَارِجُ وَهُوَ قَوْلُهُمَا لِأَنَّ الْقَضَاءَ صَحَّ ظَاهِرًا فَلَا يُنْقَضُ مَا لَمْ يَظْهَرْ خَطَؤُهُ بِيَقِينٍ وَلَمْ يَظْهَرْ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ ذِي الْيَدِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُقْضَى بِهَا لِذِي الْيَدِ كَذَا فِي الْكَافِي وَهَذَا إذَا لَمْ يُبَيِّنُوا سَبَبَ الْقَضَاءِ فَإِنْ بَيَّنُوهُ فَإِنْ شَهِدُوا أَنَّ الْقَاضِيَ أَقَرَّ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ قَضَى بِشَهَادَةِ شُهُودٍ أَنَّهَا لَهُ أَوْ بِالنِّتَاجِ فَإِنَّهُ يُنْقَضُ الْقَضَاءُ اتِّفَاقًا وَإِنْ شَهِدُوا أَنَّهُ قَضَى لَهُ بِالنِّتَاجِ بِبَيِّنَةٍ وَلَمْ يَشْهَدُوا عَلَى إقْرَارِ الْقَاضِي لَا يُنْقَضُ الْقَضَاءُ لِاحْتِمَالِ الْقَضَاءِ بِالشِّرَاءِ مِنْ ذِي الْيَدِ كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ. قَوْلُهُ (وَلَوْ بَرْهَنَ كُلٌّ عَلَى الشِّرَاءِ مِنْ الْآخَرِ وَلَا تَارِيخَ سَقَطَا وَتُتْرَكُ الدَّارُ فِي يَدِ ذِي الْيَدِ) وَهَذَا عِنْدَهُمَا وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ يُقْضَى بِالْبَيِّنَتَيْنِ وَيَكُونُ لِلْخَارِجِ لِأَنَّ الْعَمَلَ بِهِمَا مُمْكِنٌ فَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ اشْتَرَى ذُو الْيَدِ مِنْ الْآخَرِ وَقَبَضَ ثُمَّ بَاعَ لِأَنَّ الْقَبْضَ دَلَالَةُ السَّبْقِ وَلَا يُعْكَسُ الْأَمْرُ لِأَنَّ الْبَيْعَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ فِي الْعَقَارِ عِنْدَهُ وَلَهُمَا أَنَّ الْإِقْدَامَ عَلَى الشِّرَاءِ إقْرَارٌ مِنْهُ بِالْمِلْكِ لِلْبَائِعِ فَصَارَ كَأَنَّهُمَا قَامَتَا عَلَى الْإِقْرَارَيْنِ وَفِيهِ التَّهَاتُرُ بِالْإِجْمَاعِ كَذَا هُنَا وَلِأَنَّ السَّبَبَ يُرَادُ لِحُكْمِهِ وَهُوَ الْمِلْكُ وَلَا يُمْكِنُ الْقَضَاءُ لِذِي الْيَدِ إلَّا بِمِلْكٍ مُسْتَحَقٍّ فَبَقِيَ الْقَضَاءُ لَهُ بِمُجَرَّدِ السَّبَبِ وَأَنَّهُ لَا يُفِيدُهُ ثُمَّ لَوْ شَهِدَتْ الْبَيِّنَتَانِ عَلَى نَقْدِ الثَّمَنِ فَالْأَلْفُ بِالْأَلْفِ قِصَاصٌ عِنْدَهُمَا إذَا اسْتَوَيَا لِوُجُودِ قَبْضِ الْمَضْمُونِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ وَإِنْ لَمْ يَشْهَدُوا نَقْدَ الثَّمَنِ فَالْقِصَاصُ مَذْهَبُ مُحَمَّدٍ لِلْوُجُوبِ عِنْدَهُ وَلَوْ شَهِدَ الْفَرِيقَانِ بِالْبَيْعِ وَالْقَبْضِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَفِيهَا لَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى شَاةٍ إلَخْ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ نَظِيرُ الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ لَوْ بَرْهَنَ الْخَارِجُ أَنَّ هَذِهِ أَمَتُهُ وَلَدَتْ هَذَا الْقِنَّ فِي مِلْكِي إلَخْ (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يُقْضَى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَخْ) أَيْ فَيُقْضَى لِلْأَوَّلِ بِالسَّوْدَاءِ وَلِلثَّانِي بِالْبَيْضَاءِ قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَقِبَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ هَكَذَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ وَهَذَا إذَا كَانَ سِنُّ الشَّاتَيْنِ مُشْكِلًا فَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا تَصْلُحُ أُمًّا لِلْأُخْرَى لَا تَصْلُحُ أُمًّا لِهَذِهِ كَانَتْ عَلَامَةُ الصِّدْقِ ظَاهِرَةً فِي شَهَادَةِ شُهُودِ أَحَدِهِمَا فَيُقْضَى بِشَهَادَةِ شُهُودِهِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِيمَا إذَا كَانَ سِنُّ الشَّاتَيْنِ مُشْكِلًا إنِّي لَا أُقْبَلُ بَيِّنَتَهُمَا وَأَقْضِي بِالشَّاةِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالشَّاةِ الَّتِي فِي يَدِهِ وَهَذَا قَضَاءُ تَرْكٍ لَا قَضَاءُ اسْتِحْقَاقٍ وَلَوْ أَقَامَ الَّذِي فِي يَدِهِ الْبَيْضَاءُ أَنَّ الْبَيْضَاءَ شَاتِي وُلِدَتْ فِي مِلْكِي وَالسَّوْدَاءَ الَّتِي فِي يَدِ صَاحِبِي شَاتِي وُلِدَتْ مِنْ هَذِهِ الْبَيْضَاءِ وَأَقَامَ الَّذِي السَّوْدَاءُ فِي يَدِهِ أَنَّ السَّوْدَاءَ وُلِدَتْ فِي مِلْكِي وَالْبَيْضَاءَ الَّتِي فِي يَدِ صَاحِبِي مِلْكِي وُلِدَتْ مِنْ هَذِهِ السَّوْدَاءِ فَإِنَّهُ يُقْضَى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمَا فِي يَدِهِ اهـ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 245 تَهَاتُرًا بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ الْجَمْعَ غَيْرُ مُمْكِنٍ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِجَوَازِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْبَيْعَيْنِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ وَإِنْ وُقِّتَتْ الْبَيِّنَتَانِ فِي الْعَقَارِ وَلَمْ يُثْبِتَا قَبْضًا وَوَقْتُ الْخَارِجِ أَسْبَقُ يُقْضَى لِصَاحِبِ الْيَدِ عِنْدَهُمَا فَيُجْعَلُ كَأَنَّ الْخَارِجَ اشْتَرَى أَوَّلًا ثُمَّ بَاعَ قَبْلَ الْقَبْضِ مِنْ صَاحِبِ الْيَدِ وَهُوَ جَائِزٌ فِي الْعَقَارِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُقْضَى لِلْخَارِجِ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَبَقِيَ عَلَى مِلْكِهِ وَإِنْ بَيَّنَتَا قَبْضًا يُقْضَى لِصَاحِبِ الْيَدِ لِأَنَّ الْبَيْعَيْنِ جَائِزَانِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَإِنْ كَانَ وَقْتُ صَاحِبِ الْيَدِ أَسْبَقَ يُقْضَى لِلْخَارِجِ فِي الْوَجْهَيْنِ فَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ اشْتَرَاهَا ذُو الْيَدِ وَقَبَضَ ثُمَّ بَاعَ وَلَمْ يُسَلِّمْ أَوْ سَلَّمَ وَوَصَلَ إلَيْهِ بِسَبَبٍ آخَرَ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَفِي الْمَبْسُوطِ مَا يُخَالِفُهُ كَمَا عُلِمَ مِنْ الْكَافِي وَفِيهِ دَارٌ فِي يَدِ زَيْدٍ بَرْهَنَ عَمْرٌو عَلَى أَنَّهُ بَاعَهَا مِنْ بَكْرٍ بِأَلْفٍ وَبَرْهَنَ بَكْرٌ عَلَى أَنَّهُ بَاعَهَا مِنْ عَمْرٍو بِمِائَةِ دِينَارٍ وَجَحَدَ زَيْدٌ ذَلِكَ كُلَّهُ قُضِيَ بِالدَّارِ بَيْنَ الْمُدَّعِيَيْنِ وَلَا يُقْضَى بِشَيْءٍ مِنْ الثَّمَنَيْنِ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ الْقَضَاءُ بِالْبَيْعِ لِجَهَالَةِ التَّارِيخِ وَلَمْ يَتَعَذَّرْ الْقَضَاءُ بِالْمِلْكِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُقْضَى بِهَا بَيْنَهُمَا وَلِكُلِّ وَاحِدٍ نِصْفُ الثَّمَنِ عَلَى صَاحِبِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلَّمْ لِكُلِّ وَاحِدٍ إلَّا نِصْفُ الْمَبِيعِ وَلَوْ ادَّعَتْ امْرَأَةٌ شِرَاءَ الدَّارِ مِنْ عَمْرٍو بِأَلْفٍ وَعَمْرٌو ادَّعَى أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْهَا بِأَلْفٍ وَزَيْدٌ وَهُوَ ذُو الْيَدِ يَدَّعِي أَنَّهَا لَهُ اشْتَرَاهَا مِنْ عَمْرٍو بِأَلْفٍ وَأَقَامُوا الْبَيِّنَةَ قُضِيَ لِذِي الْيَدِ لِتَعَارُضِ بَيِّنَتَيْ غَيْرِهِ فَبَقِيَتْ بَيِّنَتُهُ بِلَا مُعَارِضٍ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُقْضَى بِالدَّارِ لِذِي الْيَدِ بِأَلْفٍ عَلَيْهِ لِلْخَارِجِ وَيُقْضَى لَهَا عَلَى الْخَارِجِ بِأَلْفٍ لِأَنَّ ذَا الْيَدِ وَالْمَرْأَةَ ادَّعَيَا التَّلَقِّيَ مِنْ الْخَارِجِ فَيُجْعَلُ كَأَنَّهَا فِي يَدِهِ اهـ. وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ وَلَا تَارِيخَ لِأَنَّهُمَا لَوْ أَرَّخَا يُقْضَى بِهِ لِصَاحِبِ الْوَقْتِ الْآخَرِ كَذَا فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ وَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إلَى أَنَّهُ لَوْ بَرْهَنَ كُلٌّ عَلَى إقْرَارِ الْآخَرِ أَنَّ هَذَا الشَّيْءَ لَهُ فَإِنَّهُمَا يَتَهَاتَرَانِ وَيَبْقَى فِي يَدِ ذِي الْيَدِ كَذَا فِي الْخِزَانَةِ أَيْضًا قَوْلُهُ (وَلَا يُرَجَّحُ بِزِيَادَةِ عَدَدِ الشُّهُودِ) فَلَوْ أَقَامَ أَحَدُ الْمُدَّعِيَيْنِ شَاهِدَيْنِ وَالْآخَرُ أَرْبَعَةً فَهُمَا سَوَاءٌ وَكَذَا لَا تَرْجِيحَ بِزِيَادَةِ الْعَدَالَةِ لِأَنَّ التَّرْجِيحَ لَا يَقَعُ بِكَثْرَةِ الْعِلَلِ حَتَّى لَا يَتَرَجَّحَ الْقِيَاسُ بِقِيَاسٍ آخَرَ وَلَا بِحَدِيثٍ آخَرَ وَشَهَادَةُ كُلِّ شَاهِدَيْنِ عِلَّةٌ تَامَّةٌ فَلَا تَصْلُحُ لِلتَّرْجِيحِ وَالْعَدَالَةُ لَيْسَتْ بِذِي حَدٍّ فَلَا يَقَعُ التَّرْجِيحُ بِهَا. قَوْلُهُ (دَارٌ فِي يَدِ آخَرَ ادَّعَى رَجُلٌ نِصْفَهَا وَآخَرُ كُلَّهَا وَبَرْهَنَا فَلِلْأَوَّلِ رُبْعُهَا وَالْبَاقِي لِلْآخَرِ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ اعْتِبَارُ الطَّرِيقِ الْمُنَازَعَةِ فَإِنَّ صَاحِبَ النِّصْفِ لَا يُنَازِعُ الْآخَرَ فِي النِّصْفِ فَسَلِمَ لَهُ وَاسْتَوَتْ مُنَازَعَتُهُمَا فِي النِّصْفِ الْآخَرِ فَيَتَنَصَّفُ بَيْنَهُمَا وَقَالَا هِيَ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا فَاعْتُبِرَ طَرِيقُ الْعَوْلِ وَالْمُضَارَبَةِ فَصَاحِبُ الْجَمِيعِ يَضْرِبُ بِكُلِّ حَقِّهِ سَهْمَيْنِ وَصَاحِبُ النِّصْفِ بِسَهْمٍ وَاحِدٍ فَيُقَسَّمُ أَثْلَاثًا وَذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ أَنَّ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَظَائِرَ وَأَضْدَادَ لَا يَحْتَمِلُهَا هَذَا الْمُخْتَصَرُ وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا فِي الزِّيَادَاتِ اهـ. وَذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ فِي الْكَافِي بَعْضَهَا وَقَالَ وَسَيَجِيءُ فِي كِتَابِ الدِّيَاتِ عَلَى الِاسْتِقْصَاءِ مَعَ الْأُصُولِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. اهـ. وَاخْتَصَرَ الشَّارِحُ مَسَائِلَهَا وَقَالَ وَبَيَانُ طُرُقِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَتَخْرِيجِهَا عَلَى هَذِهِ الْأُصُولِ وَتَمَامُ تَفْرِيعِهَا مَذْكُورٌ فِي شَرْحِ الزِّيَادَاتِ لِقَاضِي خان اهـ. وَقَدْ يَسَّرَ اللَّهُ تَعَالَى لِي بِشَرْحِ الزِّيَادَاتِ لِقَاضِي خان قُبَيْلَ تَأْلِيفِ هَذَا الْمَحَلِّ فَأَحْبَبْت أَنْ أَنْقُلَهَا مِنْهُ بِأَلْفَاظِهِ فَأَقُولُ: مُسْتَعِينًا بِاَللَّهِ قَالَ قَاضِي خان فِي هَذَا الشَّرْحِ مِنْ كِتَابِ الْجِنَايَاتِ مِنْ بَابِ جِنَايَةِ أُمِّ الْوَلَدِ عَلَى مَوْلَاهَا وَعَلَى غَيْرِهِ وَجِنْسُ مَسَائِلِ الْقِسْمَةِ أَرْبَعَةٌ مِنْهَا مَا يُقْسَمُ بِطَرِيقِ الْعَوْلِ وَالْمُضَارَبَةِ عِنْدَ الْكُلِّ وَمِنْهَا مَا يُقْسَمُ بِطَرِيقِ الْمُنَازَعَةِ عِنْدَهُمْ وَمِنْهَا مَا يُقْسَمُ بِطَرِيقِ الْمُنَازَعَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا بِطَرِيقِ الْعَوْلِ وَالْمُضَارَبَةِ وَمِنْهَا مَا يُقْسَمُ عَلَى عَكْسِ ذَلِكَ أَمَّا مَا يُقْسَمُ بِطَرِيقِ الْعَوْلِ عِنْدَهُمْ ثَمَانِيَةٌ إحْدَاهَا الْمِيرَاثُ إذَا اجْتَمَعَتْ سِهَامُ الْفَرَائِضِ فِي التَّرِكَةِ وَضَاقَتْ التَّرِكَةُ عَنْ الْوَفَاءِ بِهَا تُقْسَمُ التَّرِكَةُ بَيْنَ أَرْبَابِ الدُّيُونِ عَلَى طَرِيقِ الْعَوْلِ وَالثَّانِيَةُ إذَا اجْتَمَعَتْ الدُّيُونُ الْمُتَفَاوِتَةُ وَضَاقَتْ التَّرِكَةُ عَنْ الْوَفَاءِ بِهَا تُقْسَمُ التَّرِكَةُ بَيْنَ أَرْبَابِ الدُّيُونِ بِطَرِيقِ الْعَوْلِ وَالثَّالِثَةُ إذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِثُلُثِ مَالِهِ وَلِآخَرَ بِرُبْعِ مَالِهِ وَلِآخَرَ بِسُدُسِ مَالِهِ وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ حَتَّى عَادَتْ الْوَصَايَا إلَى الثُّلُثِ يُقْسَمُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمْ عَلَى طَرِيقِ الْعَوْلِ وَالرَّابِعَةُ الْوَصِيَّةُ بِالْمُحَابَاةِ   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 246 إذَا أَوْصَى أَنْ يُبَاعَ الْعَبْدُ الَّذِي قِيمَتُهُ ثَلَاثَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ وَأَوْصَى لِآخَرَ أَنْ يُبَاعَ مِنْهُ الْعَبْدُ الَّذِي يُسَاوِي أَلْفَيْ دِرْهَمٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ حَتَّى حَصَلَتْ الْمُحَابَاةُ لَهُمَا بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ كَانَ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا بِطَرِيقِ الْعَوْلِ وَالْخَامِسَةُ الْوَصِيَّةُ بِالْعِتْقِ إذَا أَوْصَى بِأَنْ يُعْتَقَ مِنْ هَذَا الْعَبْدِ نِصْفُهُ وَأَوْصَى بِأَنْ يُعْتَقَ مِنْ هَذَا الْآخَرِ ثُلُثُهُ وَذَاكَ لَا يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ يُقْسَمُ ثُلُثُ الْمَالِ بَيْنَهُمَا بِطَرِيقِ الْعَوْلِ وَيَسْقُطُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حِصَّتُهُ مِنْ السِّعَايَةِ وَالسَّادِسَةُ الْوَصِيَّةُ بِأَلْفٍ مُرْسَلَةٍ إذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِأَلْفٍ وَلِآخَرَ بِأَلْفَيْنِ كَانَ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا بِطَرِيقِ الْعَوْلِ وَالسَّابِعَةُ عَبْدٌ فَقَأَ عَيْنَ رَجُلٍ وَقَتَلَ آخَرَ خَطَأً فَدُفِعَ بِهِمَا يُقْسَمُ الْجَانِي بَيْنَهُمَا بِطَرِيقِ الْعَوْلِ ثُلُثَاهُ لِوَلِيِّ الْقَتِيلِ وَثُلُثُهُ لِلْآخَرِ وَالثَّامِنَةُ مُدَبَّرٌ جَنَى عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَدُفِعَتْ الْقِيمَةُ إلَى أَوْلِيَاءِ الْجِنَايَةِ كَانَتْ الْقِيمَةُ بَيْنَهُمَا بِطَرِيقِ الْعَوْلِ وَأَمَّا مَا يُقْسَمُ بِطَرِيقِ الْمُنَازَعَةِ عِنْدَهُمْ مَسْأَلَةٌ وَاحِدَةٌ ذَكَرَهَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ فُضُولِيٌّ بَاعَ عَبْدًا مِنْ رَجُلٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَفُضُولِيٌّ آخَرُ بَاعَ نِصْفَهُ مِنْ آخَرَ بِخَمْسِمِائَةٍ فَأَجَازَ الْمَوْلَى الْبَيْعَيْنِ جَمِيعًا يُخَيَّرُ الْمُشْتَرِيَانِ فَإِنْ اخْتَارَ الْأَخْذَ أَخَذَا بِطَرِيقِ الْمُنَازَعَةِ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِهِ لِمُشْتَرِي الْكُلِّ وَرُبْعَهُ لِمُشْتَرِي النِّصْفِ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا وَأَمَّا مَا يُقْسَمُ بِطَرِيقِ الْمُنَازَعَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا بِطَرِيقِ الْعَوْلِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ إحْدَاهَا دَارٌ تَنَازَعَ فِيهَا رَجُلَانِ أَحَدُهُمَا يَدَّعِي كُلَّهَا وَالْآخَرُ يَدَّعِي نِصْفَهَا وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تُقْسَمُ الدَّارُ بَيْنَهُمَا بِطَرِيقِ الْمُنَازَعَةِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا لِمُدَّعِي الْكُلَّ وَالرُّبْعُ لِمُدَّعِي النِّصْفَ وَعِنْدَهُمَا أَثْلَاثًا ثُلُثَاهَا لِمُدَّعِي الْكُلَّ وَثُلُثُهَا لِمُدَّعِي النِّصْفَ وَالثَّانِيَةُ إذَا أَوْصَى بِجَمِيعِ مَالِهِ لِرَجُلٍ وَنِصْفِهِ لِآخَرَ وَأَجَازَتْ الْوَرَثَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ الْمَالَ بَيْنَهُمَا أَرْبَاعًا وَعِنْدَهُمَا أَثْلَاثًا وَالثَّالِثَةُ إذَا أَوْصَى بِعَبْدٍ بِعَيْنِهِ لِرَجُلٍ وَبِنِصْفِهِ لِآخَرَ وَهُوَ يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِهِ أَوْ لَا يَخْرُجُ وَأَجَازَتْ الْوَرَثَةُ كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَهُمَا أَرْبَاعًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا أَثْلَاثًا وَأَمَّا مَا يُقْسَمُ بِطَرِيقِ الْعَوْلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا بِطَرِيقِ الْمُنَازَعَةِ خَمْسُ مَسَائِلَ مِنْهَا مَا ذَكَرَهُ فِي الْمَأْذُونِ عَبْدٌ مَأْذُونٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَدَانَهُ أَحَدُ الْمَوْلَيَيْنِ مِائَةً يَعْنِي بَاعَهُ شَيْئًا بِنَسِيئَةٍ وَأَدَانَهُ أَجْنَبِيٌّ مِائَةً فَبِيعَ الْعَبْدُ بِمِائَةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُقْسَمُ ثَمَنُ الْعَبْدِ بَيْنَ الْمَوْلَى الْمَدِينِ وَبَيْنَ الْأَجْنَبِيِّ أَثْلَاثًا ثُلُثَاهُ لِلْأَجْنَبِيِّ وَثُلُثُهُ لِلْمَوْلَى لِأَنَّ إدَانَتَهُ تَصِحُّ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ لَا فِي نَصِيبِهِ وَالثَّانِيَةُ إذَا أَدَانَهُ أَجْنَبِيٌّ مِائَةً وَأَجْنَبِيٌّ آخَرُ خَمْسِينَ وَبِيعَ الْعَبْدُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُقْسَمُ الثَّمَنُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا وَعِنْدَهُمَا أَرْبَاعًا وَالثَّالِثَةُ عَبْدٌ قَتَلَ رَجُلًا خَطَأً وَآخَرَ عَمْدًا وَلِلْمَقْتُولِ عَمْدًا وَلِيَّانِ فَعَفَا أَحَدُهُمَا يُخَيَّرُ مَوْلَى الْعَبْدِ بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ فَإِنَّ هَذَا الْمَوْلَى يَفْدِي بَخَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفًا خَمْسَةُ آلَافٍ لِشَرِيكِهِ الْعَافِي وَعَشْرُ آلَافٍ لِوَلِيِّ الْخَطَأِ فَإِنْ دَفَعَ يُقْسَمُ الْعَبْدُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا أَرْبَاعًا وَالرَّابِعَةُ لَوْ كَانَ الْجَانِي مُدَبَّرًا وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا وَدَفَعَ الْمَوْلَى الْقِيمَةَ وَالْخَامِسَةُ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ أُمُّ وَلَدٍ قَتَلَتْ مَوْلَاهَا وَأَجْنَبِيًّا عَمْدًا وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلِيَّانِ فَعَفَا أَحَدُ وَلِيِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى التَّعَاقُبِ سَعَتْ فِي ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ قِيمَتِهَا كَانَ لِلسَّاكِتِ مِنْ وَلِيِّ الْأَجْنَبِيِّ رُبْعُ الْقِيمَةِ وَيُقْسَمُ نِصْفُ الْقِيمَةِ بَيْنَهُمَا بِطَرِيقِ الْعَوْلِ أَثْلَاثًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا أَرْبَاعًا بِطَرِيقِ الْمُنَازَعَةِ وَالْأَصْلُ لِأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّ الْحَقَّيْنِ مَتَى ثَبَتَا عَلَى الشُّيُوعِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ كَانَتْ الْقِسْمَةُ عَوْلِيَّةً وَإِنْ ثَبَتَا عَلَى وَجْهِ التَّمْيِيزِ أَوْ فِي وَقْتَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ كَانَتْ الْقِسْمَةُ نِزَاعِيَّةً وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْقِيَاسَ يَأْبَى الْقِسْمَةَ بِطَرِيقِ الْعَوْلِ لِأَنَّ تَفْسِيرَ الْعَوْلِ أَنْ يَضْرِبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِجَمِيعِ حَقِّهِ أَحَدُهُمَا بِنِصْفِ الْمَالِ وَالْآخَرُ بِالْكُلِّ وَالْمَالُ الْوَاحِدُ لَا يَكُونُ لَهُ كُلٌّ وَنِصْفٌ آخَرُ وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مَنْ شَاءَ بَاهَلْتُهُ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ فِي الْمَالِ الْوَاحِدِ ثُلُثَيْنِ وَنِصْفًا وَلَا نِصْفَيْنِ وَثُلُثًا وَإِنَّمَا تَرَكْنَا الْقِيَاسَ فِي الْمِيرَاثِ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ فَيَلْحَقُ بِهِ مَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ وَفِي الْمِيرَاثِ حُقُوقُ الْكُلِّ بُنِيَتْ عَلَى وَجْهِ الشُّيُوعِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَهُوَ حَالَةُ الْمَوْتِ وَفِي التَّرِكَةِ إذَا اجْتَمَعَتْ حُقُوقٌ مُتَفَاوِتَةٌ حَقُّ أَرْبَابِ الدُّيُونِ وَيَثْبُتُ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَهُوَ حَالَةُ الْمَوْتِ أَوْ الْمَرَضِ فَكَانَتْ فِي مَعْنَى الْمِيرَاثِ وَكَذَلِكَ فِي الْوَصَايَا وَفِي الْعَبْدِ وَالْمُدَبَّرِ إذَا فَقَأَ عَيْنَ إنْسَانٍ وَقَتَلَ آخَرَ خَطَأً   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 247 حَقُّ أَصْحَابِ الْجِنَايَةِ ثَبَتَ فِي وَقْتٍ وَهُوَ وَقْتُ دَفْعِ الْعَبْدِ الْجِنَايَةَ أَوْ قِيمَةَ الْمُدَبَّرِ لِأَنَّ مُوجَبَ جِنَايَةِ الْخَطَأِ لَا يُمْلَكُ قَبْلَ الدَّفْعِ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَلَا تَصِحُّ بِهِ الْكَفَالَةُ وَإِنَّمَا يُمْلَكُ عِنْدَ التَّسْلِيمِ وَوَقْتُ الدَّفْعِ وَاحِدٌ وَفِي مَسْأَلَةِ دَعْوَى الدَّارِ الْحَقُّ إنَّمَا ثَبَتَ بِالْقَضَاءِ وَوَقْتُ الْقَضَاءِ وَاحِدٌ فَكَانَتْ فِي مَعْنَى الْمِيرَاثِ وَفِي مَسْأَلَةِ بَيْعِ الْفُضُولِيِّ وَقْتُ ثُبُوتِ الْحَقَّيْنِ مُخْتَلِفٌ لِأَنَّ الْمِلْكَ ثَبَتَ عِنْدَ الْإِجَازَةِ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْعَقْدِ وَوَقْتُ الْعَقْدِ مُخْتَلِفٌ وَفِي الْقِسْمِ الرَّابِعِ وَقْتُ ثُبُوتِ الْحَقَّيْنِ مُخْتَلِفٌ أَمَّا فِي مَسْأَلَةِ الْإِدَانَةِ فَلِأَنَّ الْحَقَّ ثَبَتَ بِالْإِدَانَةِ وَوَقْتُ الْإِدَانَةِ مُخْتَلِفٌ وَفِي الْعَبْدِ إذَا قَتَلَ رَجُلًا عَمْدًا وَآخَرَ خَطَأً وَلِلْمَقْتُولِ عَمْدًا وَلِيَّانِ فَعَفَا أَحَدُهُمَا وَاخْتَارَ الْمَوْلَى دَفْعَ الْعَبْدِ أَوْ كَانَ الْجَانِي مُدَبَّرًا وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَدَفَعَ الْمَوْلَى الْقِيمَةَ عِنْدَهُمَا يُقْسَمُ بِطَرِيقِ الْمُنَازَعَةِ لِأَنَّ وَقْتَ ثُبُوتِ الْحَقَّيْنِ مُخْتَلِفٌ لِأَنَّ حَقَّ السَّاكِتِ مِنْ وَلِيِّ الدَّمِ كَانَ فِي الْقِصَاصِ لِأَنَّهُ مِثْلٌ وَالْمَالُ بَدَلٌ عَنْ الْقِصَاصِ وَوُجُوبُ الْبَدَلِ مُضَافٌ إلَى سَبَبِ الْأَصْلِ وَهُوَ الْقَتْلُ فَكَانَ وَقْتُ ثُبُوتِ حَقِّهِ الْقَتْلَ وَحَقُّ وَلِيِّ الْخَطَأِ فِي الْقِيمَةِ إذْ الْعَبْدُ الْمَدْفُوعُ يَثْبُتُ عِنْدَ الدَّفْعِ لَا قَبْلَهُ لِأَنَّهُ صِلَةٌ مَعْنًى وَالصِّلَاتُ لَا تُمْلَكُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَكَانَ وَقْتُ الْحَقَّيْنِ مُخْتَلِفًا فَلَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَى الْمِيرَاثِ وَكَانَتْ الْقِسْمَةُ نِزَاعِيَّةً وَفِي جِنَايَةِ أُمِّ الْوَلَدِ وُجُوبُ الدِّيَةِ لِلَّذِي لَمْ يَعْفُ مُضَافٌ إلَى الْقَتْلِ لِمَا قُلْنَا وَالْقَتْلَانِ وُجِدَا فِي وَقْتَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فَكَانَتْ الْقِسْمَةُ نِزَاعِيَّةً عِنْدَهُمَا وَالْأَصْلُ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ قِسْمَةَ الْعَيْنِ مَتَى كَانَتْ بِحَقٍّ ثَابِتٍ فِي الذِّمَّةِ أَوْ بِحَقٍّ ثَبَتَ فِي الْعَيْنِ عَلَى وَجْهِ الشُّيُوعِ فِي الْبَعْضِ دُونَ الْكُلِّ كَانَتْ الْقِسْمَةُ عَوْلِيَّةً وَمَتَى وَجَبَتْ قِسْمَةُ الْعَيْنِ بِحَقٍّ ثَبَتَ عَلَى وَجْهِ التَّمْيِيزِ أَوْ كَانَ حَقُّ أَحَدِهِمَا فِي الْبَعْضِ الشَّائِعِ وَحَقُّ الْآخَرِ فِي الْكُلِّ كَانَتْ الْقِسْمَةُ نِزَاعِيَّةً وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْحُقُوقَ مَتَى وَجَبَتْ فِي الذِّمَّةِ فَقَدْ اسْتَوَتْ فِي الْقُوَّةِ لِأَنَّ الذِّمَّةَ مُتَّسِعَةٌ فَيَضْرِبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِجَمِيعِ حَقِّهِ فِي الْعَيْنِ وَكَذَا إذَا كَانَ حَقُّ كُلِّ وَاحِدٍ فِي الْعَيْنِ لَكِنْ فِي الْجُزْءِ الشَّائِعِ فَقَدْ اسْتَوَتْ فِي الْقُوَّةِ لِأَنَّ مَا مِنْ جُزْءٍ ثَبَتَ فِيهِ حَقُّ أَحَدِهِمَا إلَّا وَلِلْآخَرِ أَنْ يُزَاحِمَهُ فَكَانَتْ الْحُقُوقُ مُسْتَوِيَةً فِي الْقُوَّةِ وَالْأَصْلُ فِي قِسْمَةِ الْعَوْلِ الْمِيرَاثُ كَمَا قَالَا وَثَمَّةَ حَقُّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثَبَتَ فِي الْبَعْضِ الشَّائِعِ وَإِذَا ثَبَتَ الْحَقَّانِ عَلَى وَجْهِ التَّمْيِيزِ لَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَى الْمِيرَاثِ وَكَذَا إذَا كَانَ حَقُّ أَحَدِهِمَا فِي الْبَعْضِ الشَّائِعِ وَحَقُّ الْآخَرِ فِي الْكُلِّ لَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَى الْمِيرَاثِ لِأَنَّ صَاحِبَ الْكُلِّ يُزَاحِمُ صَاحِبَ الْبَعْضِ فِي كُلِّ شَيْءٍ أَمَّا صَاحِبُ الْبَعْضِ لَا يُزَاحِمُ صَاحِبَهُ فِي الْكُلِّ فَلَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَى الْمِيرَاثِ وَلِأَنَّ حَقَّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إذَا كَانَ فِي الْبَعْضِ الشَّائِعِ وَمَا يَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِحُكْمِ الْقِسْمَةِ غَيْرُ مُفْرَزٍ وَأَنَّهُ غَيْرُ الشَّائِعِ كَانَ الْمَأْخُوذُ بَدَلَ حَقِّهِ لَا أَصْلَ حَقِّهِ فَيَكُونُ فِي مَعْنَى الْمِيرَاثِ وَالتَّرِكَةِ الَّتِي اجْتَمَعَتْ فِيهَا الدُّيُونُ وَفِي مَسَائِلِ الْقِسْمَةِ إنَّمَا وَجَبَتْ بِحَقٍّ ثَابِتٍ فِي الذِّمَّةِ لِأَنَّ حَقَّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي مُوجِبِ الْجِنَايَةِ وَمُوجِبُ الْجِنَايَةِ يَكُونُ فِي الذِّمَّةِ فَكَانَتْ الْقِسْمَةُ فِيهَا عَوْلِيَّةً فَعَلَى هَذَا تَخْرُجُ الْمَسَائِلُ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ مِنْ الْمَوْلَى فَإِنْ كَانَ لَهَا وَلَدٌ مِنْ الْمَوْلَى يَرِثُهُ فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهَا بِدَمِ الْمَوْلَى لِأَنَّ الْوَلَدَ لَا يَسْتَوْجِبُ الْقِصَاصَ عَلَى وَالِدَيْهِ وَلِهَذَا لَوْ قَتَلَتْ الْمَرْأَةُ وَلَدَهَا لَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْقِصَاصُ لِأَنَّ الْوَالِدَةَ سَبَبٌ لِوُجُودِهِ فَلَا يُسْتَحَقُّ قَتْلُهَا وَلِهَذَا لَا يُبَاحُ لَهُ قَتْلُ وَاحِدٍ مِنْ أَبَوَيْهِ وَإِنْ كَانَ حَرْبِيًّا أَوْ مُرْتَدًّا أَوْ زَانِيًا مُحْصَنًا فَإِذَا سَقَطَ حَقُّ وَلَدِهَا سَقَطَ حَقُّ الْبَاقِي وَانْقَلَبَ الْكُلُّ مَالًا لِأَنَّ الْقِصَاصَ تَعَذَّرَ اسْتِيفَاؤُهُ لَا لِمَعْنًى مِنْ جِهَةِ الْقَاتِلِ بَلْ حُكْمًا مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ فَانْقَلَبَ الْكُلُّ مَالًا بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ لِأَنَّ ثَمَّةَ الْعَافِي أَسْقَطَ حَقَّ نَفْسِهِ فَلَا يَنْقَلِبُ نَصِيبُهُ مَالًا فَإِنْ قِيلَ إذَا لَمْ تَكُنْ هَذِهِ الْجِنَايَةُ مُوجِبَةً لِلْقِصَاصِ عَلَيْهَا بِدَمِ الْمَوْلَى فَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ هَدَرًا كَمَا لَوْ قَتَلَتْهُ خَطَأً قُلْنَا الْجِنَايَةُ وَقَعَتْ مُوجِبَةً لِلْقِصَاصِ لِأَنَّهُ يَجِبُ لِلْمَقْتُولِ وَالْمَوْلَى يَسْتَوْجِبُ الْقِصَاصَ عَلَى مَمْلُوكِهِ وَإِنَّمَا سَقَطَ الْقِصَاصُ ضَرُورَةً لِلِانْتِقَالِ إلَى الْوَارِثِ وَهِيَ حُرَّةٌ وَقْتَ الِانْتِقَالِ فَتَنْقَلِبُ مَالًا وَتَلْزَمُهَا الْقِيمَةُ دُونَ الدِّيَةِ اعْتِبَارًا لِحَالَةِ الْقَتْلِ هَذَا كَمَنْ قَتَلَ رَجُلًا عَمْدًا وَابْنُ الْقَاتِلِ وَارِثُ الْمَقْتُولِ كَانَ لِابْنِ الْمَقْتُولِ الدِّيَةُ عَلَى وَالِدِهِ الْقَاتِلِ كَذَلِكَ هُنَا   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 248 وَلِوَرَثَةِ الْأَجْنَبِيِّ الْقِصَاصُ كَمَا كَانَ لِأَنَّ حَقَّهُمَا يَمْتَازُ عَنْ حَقِّ وَرَثَةِ الْمَوْلَى فَكَانَ لَهُمَا الْقِصَاصُ إنْ شَاءَا أَخَّرَا حَتَّى يُؤَدِّيَ الْقِيمَةَ إلَى وَرَثَةِ الْمَوْلَى وَإِنْ شَاءَا عَجَّلَ الْقَتْلَ لِأَنَّهُمَا لَوْ أَخَّرَا إلَى أَنْ يُؤَدِّيَ السِّعَايَةَ بِمَا لَا يُؤَدِّي مَخَافَةَ الْقَتْلِ فَيَبْطُلُ حَقُّهُمَا فَكَانَ لَهُمَا التَّعْجِيلُ فَإِنْ عَفَا أَحَدُ وَلِيِّ الْأَجْنَبِيِّ وَجَبَ لِلسَّاكِتِ مِنْهُمَا نِصْفُ الْقِيمَةِ أَيْضًا وَجِنَايَاتُ أُمِّ الْوَلَدِ وَإِنْ كَثُرَتْ لَا تُوجِبُ إلَّا قِيمَةً وَاحِدَةً فَصَارَتْ الْقِيمَةُ مُشْتَرَكَةً بَيْنَ وَرَثَةِ الْمَوْلَى وَوَارِثِ الْأَجْنَبِيِّ ثُمَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تُقْسَمُ قِيمَتُهَا بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا وَعِنْدَهُمَا أَرْبَاعًا لِمَا ذَكَرْنَا فَإِنْ كَانَتْ سَعَتْ فِي قِيمَتِهَا لِوَرَثَةِ الْمَوْلَى ثُمَّ عَفَا أَحَدُ وَلِيِّ الْأَجْنَبِيِّ إنْ دُفِعَتْ الْقِيمَةُ إلَى وَرَثَةِ الْمَوْلَى بِقَضَاءِ الْقَاضِي لَا سَبِيلَ لِوَارِثِ الْأَجْنَبِيِّ عَلَيْهَا لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهَا قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ وَقَدْ أَدَّتْ بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَتَفْرُغُ ذِمَّتُهَا وَيَتْبَعُ وَارِثُ الْأَجْنَبِيِّ وَرَثَةَ الْمَوْلَى وَيُشَارِكُهُمْ فِي تِلْكَ الْقِيمَةِ لِأَنَّهُمْ أَخَذُوا قِيمَةً مُشْتَرَكَةً وَإِنْ دُفِعَتْ بِغَيْرِ قَضَاءٍ عِنْدَهُمَا كَذَلِكَ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَارِثُ الْأَجْنَبِيِّ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ يَرْجِعُ عَلَى وَرَثَةِ الْمَوْلَى وَإِنْ شَاءَ يَرْجِعُ عَلَى أُمِّ الْوَلَدِ لَهُمَا أَنَّهَا فَعَلَتْ عَيْنَ مَا يَفْعَلُهُ الْقَاضِي لَوْ رُفِعَ الْأَمْرُ إلَيْهِ فَيَسْتَوِي فِيهِ الْقَضَاءُ وَعَدَمُهُ كَالرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ لَمَّا كَانَ فَسْخًا بِقَضَاءٍ لَوْ حَصَلَ بِتَرَاضِيهِمَا يَكُونُ فَسْخًا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مُوجَبَ الْجِنَايَةِ فِي الذِّمَّةِ فَإِذَا أَدَّتْ فَقَدْ نُقِلَتْ مِنْ الذِّمَّةِ إلَى الْعَيْنِ فَيَظْهَرُ أَثَرُ الِانْتِقَالِ فِي حَقِّ الْكُلِّ إنْ كَانَ بِقَضَاءٍ وَلَا يَظْهَرُ إذَا كَانَ بِغَيْرِ قَضَاءٍ فَكَانَ لَهُ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ رَضِيَ بِدَفْعِهَا وَيَتْبَعُ وَرَثَةَ الْمَوْلَى وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَرْضَ وَيَرْجِعُ عَلَيْهَا بِحَقِّهِ وَهُوَ ثُلُثُ الْقِيمَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَتَرْجِعُ هِيَ عَلَى وَرَثَةِ الْمُوَلِّي هَذَا إذَا دُفِعَتْ الْقِيمَةُ إلَى وَرَثَةِ الْمَوْلَى ثُمَّ عَفَا وَلِيُّ الْأَجْنَبِيِّ فَإِنْ عَفَا أَحَدُ وَلِيِّ الْأَجْنَبِيِّ ثُمَّ دُفِعَتْ الْقِيمَةُ قَالَ بَعْضُهُمْ إنْ كَانَ الدَّفْعُ بِغَيْرِ قَضَاءٍ يَتَخَيَّرُ وَارِثُ الْأَجْنَبِيِّ عِنْدَهُمْ وَإِنْ كَانَ بِقَضَاءٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَتَخَيَّرُ وَعِنْدَهُمَا لَا يَتَخَيَّرُ وَالصَّحِيحُ أَنَّ هُنَا يَتَخَيَّرُ عِنْدَ الْكُلِّ سَوَاءٌ كَانَ الدَّفْعُ بِقَضَاءٍ أَوْ بِغَيْرِ قَضَاءٍ لِأَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي بِدَفْعِ الْكُلِّ إلَى وَرَثَةِ الْمَوْلَى بَعْدَ تَعَلُّقِ حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ وَثُبُوتِهِ لَا يَصِحُّ بِخِلَافِ الْوَصِيِّ إذَا قَضَى دَيْنَ أَحَدِ الْغَرِيمَيْنِ بِأَمْرِ الْقَاضِي حَيْثُ لَا يَضْمَنُ لِأَنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يَضَعَ مَالَ الْمَيِّتِ حَيْثُ شَاءَ أَمَّا هُنَا بِخِلَافِهِ وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ قَضَاءُ الْقَاضِي هُنَا لَأَنْ لَا يَصِحَّ فِعْلُهَا بِغَيْرِ قَضَاءٍ أَوْلَى قَوْلُهُ (وَلَوْ كَانَتْ فِي أَيْدِيهِمَا فَهِيَ لِلثَّانِي) أَيْ فَالدَّارُ كُلُّهَا لِصَاحِبِ الْجَمِيعِ نِصْفُهَا عَلَى وَجْهِ الْقَضَاءِ وَنِصْفُهَا لَا عَلَى وَجْهِ الْقَضَاءِ لِأَنَّ دَعْوَى مُدَّعِي النِّصْفِ مُنْصَرِفَةٌ إلَى مَا فِي يَدِهِ لِتَكُونَ يَدُهُ يَدًا مُحِقَّةً فِي حَقِّهِ لِأَنَّ حَمْلَ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الصِّحَّةِ وَاجِبٌ فَمُدَّعِي النِّصْفَ لَا يَدَّعِي شَيْئًا مِمَّا فِي يَدِ صَاحِبِ الْجَمِيعِ فَيُسَلَّمُ النِّصْفُ لِمُدَّعِي الْجَمِيعَ بِلَا مُنَازَعَةٍ فَبَقِيَ مَا فِي يَدِهِ لَا عَلَى وَجْهِ الْقَضَاءِ إذْ لَا قَضَاءَ بِدُونِ الدَّعْوَى وَاجْتَمَعَ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ وَذِي الْيَدِ فِيمَا فِي يَدِ صَاحِبِ النِّصْفِ فَتَقَدُّمُ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ وَلَوْ كَانَتْ فِي يَدِ ثَلَاثَةٍ فَادَّعَى أَحَدُهُمْ كُلَّهَا وَآخَرُ ثُلُثَيْهَا وَآخَرُ نِصْفَهَا وَبَرْهَنُوا فَهِيَ مَقْسُومَةٌ عِنْدَهُ بِطَرِيقِ الْمُنَازَعَةِ وَعِنْدَهُمَا بِالْعَوْلِ وَبَيَانُهُ فِي الْكَافِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [كِتَابُ الْإِقْرَارِ] (هُوَ إخْبَارٌ) بِحَقٍّ عَلَيْهِ مِنْ وَجْهٍ إنْشَاءٌ مَنْ وَجْهٍ فَلِلْأَوَّلِ يَصِحُّ إقْرَارُهُ بِمَمْلُوكٍ لِلْغَيْرِ وَيَلْزَمُهُ تَسْلِيمُهُ إذَا   [منحة الخالق] وَلَوْ كَانَتْ فِي أَيْدِيهِمَا فَهِيَ لِلثَّانِي وَلَوْ بَرْهَنَا عَلَى نِتَاجِ دَابَّةٍ وَأَرَّخَا قُضِيَ لِمَنْ وَافَقَ سِنُّهَا تَارِيخَهُ وَإِنْ أَشْكَلَ ذَلِكَ فَلَهُمَا وَلَوْ بَرْهَنَ أَحَدُ الْخَارِجَيْنِ عَلَى الْغَصْبِ وَالْآخَرُ عَلَى الْوَدِيعَةِ اسْتَوَيَا وَالرَّاكِبُ وَاللَّابِسُ أَحَقُّ مِنْ آخِذِ اللِّجَامِ وَالْكُمِّ وَصَاحِبُ الْحِمْلِ وَالْجُذُوعِ وَالْأَنْصَالِ أَحَقُّ مِنْ الْغَيْرِ ثَوْبٌ فِي يَدِهِ وَطَرَفُهُ فِي يَدِ آخَرَ نِصْفٌ صَبِيٌّ يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ فَقَالَ أَنَا حُرٌّ فَالْقَوْلُ لَهُ وَإِنْ قَالَ أَنَا عَبْدٌ لِفُلَانٍ أَوْ لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ فَهُوَ عَبْدٌ لِمَنْ فِي يَدِهِ عَشَرَةُ أَبْيَاتٍ مِنْ دَارٍ فِي يَدِهِ وَبَيْتٌ فِي يَدِ آخَرَ فَالسَّاحَةُ نِصْفَانِ ادَّعَى كُلٌّ أَرْضًا أَنَّهَا فِي يَدِهِ وَلَبِنُ أَحَدِهِمَا فِيهَا أَوْ بَنَى أَوْ حَفَرَ فَهِيَ فِي يَدِهِ كَمَا لَوْ بَرْهَنَ أَنَّهَا فِي يَدِهِ (بَابُ دَعْوَى النَّسَبِ) وَلَدَتْ مَبِيعَةٌ لِأَقَلِّ مُدَّةِ الْحَمْلِ مُذْ بِيعَتْ فَادَّعَاهُ الْبَائِعُ فَهُوَ ابْنُهُ وَهِيَ أُمُّ وَلَدِهِ وَيُفْسَخُ وَيُرَدُّ الثَّمَنُ وَإِنْ ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي مَعَهُ أَوْ بَعْدَهُ وَكَذَا إنْ مَاتَتْ الْأُمُّ بِخِلَافِ مَوْتِ الْوَلَدِ وَعِتْقُهُمَا كَمَوْتِهِمَا وَإِنْ وَلَدَتْ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ رُدَّتْ دَعْوَةُ الْبَائِعِ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ الْمُشْتَرِي وَمَنْ ادَّعَى نَسَبَ أَحَدِ التَّوْأَمَيْنِ ثَبَتَ نَسَبُهُمَا مِنْهُ وَإِنْ بَاعَ أَحَدَهُمَا وَأَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي بَطَلَ عِتْقُ الْمُشْتَرِي صَبِيٌّ عِنْدَ رَجُلٍ فَقَالَ هُوَ ابْنُ فُلَانٍ ثُمَّ قَالَ هُوَ ابْنِي لَمْ يَكُنْ ابْنَهُ وَإِنْ جَحَدَ أَنْ يَكُونَ ابْنَهُ وَلَوْ كَانَ فِي يَدِ مُسْلِمٍ وَنَصْرَانِيٍّ فَقَالَ النَّصْرَانِيُّ ابْنِي وَقَالَ الْمُسْلِمُ عَبْدِي فَهُوَ حُرٌّ ابْنُ النَّصْرَانِيِّ وَإِنْ كَانَ صَبِيٌّ فِي يَدَيْ زَوْجَيْنِ فَزَعَمَ أَنَّهُ ابْنُهُ مِنْ غَيْرِهَا وَزَعَمَتْ أَنَّهُ ابْنُهَا مِنْ غَيْرِهِ فَهُوَ ابْنُهُمَا وَلَدَتْ مُشْتَرَاةٌ فَاسْتُحِقَّتْ غَرِمَ الْأَبُ قِيمَةَ الْوَلَدِ وَهُوَ حُرٌّ فَإِنْ مَاتَ الْوَلَدُ لَمْ يَضْمَنْ الْأَبُ قِيمَتَهُ وَإِنْ تَرَكَ مَالًا وَإِنْ قُتِلَ الْوَلَدُ غَرِمَ الْأَبُ قِيمَتَهُ وَيَرْجِعُ بِالثَّمَنِ وَقِيمَتِهِ عَلَى بَائِعَةِ لَا بِالْعُقْرِ. (كِتَابُ الْإِقْرَارِ) . هُوَ إخْبَارٌ عَنْ ثُبُوتِ حَقٍّ لِلْغَيْرِ عَلَى نَفْسِهِ إذَا أَقَرَّ حُرٌّ مُكَلَّفٌ بِحَقٍّ صَحَّ وَلَوْ مَجْهُولًا كَشَيْءٍ وَحَقٍّ يُجْبَرُ عَلَى بَيَانِهِ وَيُبَيِّنُ مَا لَهُ قِيمَةٌ وَالْقَوْلُ لِلْمُقِرِّ مَعَ يَمِينِهِ إنْ ادَّعَى الْمُقَرُّ لَهُ أَكْثَرَ مِنْهُ وَفِي مَالٍ لَمْ يَصَدَّقْ فِي أَقَلَّ مِنْ دِرْهَمٍ (قَوْلُهُ وَبَيَانُهُ فِي الْكَافِي) قَالَ الرَّمْلِيُّ يُنْظَرُ الْمَجْمَعِ هُنَا وَالتَّلْخِيصَ مِنْ الْبُيُوعِ مِنْ بَابِ اخْتِلَافِ الْبَيِّنَاتِ فَإِنَّ هُنَا بَيَاضًا نَحْوَ أَرْبَعَةِ أَسْطُرٍ اهـ. قُلْت قَدْ سَقَطَ مِنْ هُنَا كَلَامٌ كَثِيرٌ لَيْسَ بِمِقْدَارِ هَذَا الْبَيَاضِ فَإِنَّ الْمُؤَلِّفَ قَدْ أَسْقُط الْكَلَامَ عَلَى تَتِمَّةِ هَذَا الْبَابِ وَأَسْقَطَ أَيْضًا الْكَلَامَ عَلَى الْبَابِ الَّذِي يَلِيه بِتَمَامِهِ وَهُوَ بَابُ دَعْوَى النَّسَبِ (كِتَاب الْإِقْرَار) هُوَ إخْبَار عَنْ ثُبُوت حَقّ لِلْغَيْرِ عَلَى نَفْسه إذَا أَقَرَّ حُرّ مُكَلَّف بِحَقِّ صَحَّ وَلَوْ مَجْهُولًا كَشَيْءِ وَحَقّ وَيُجْبَر عَلَى بَيَانه وَيُبَيِّن مَاله قِيمَة وَالْقَوْل لِلْمُقِرِّ مَعَ يَمِينه إنْ ادَّعَى الْمُقِرّ لَهُ أَكْثَر مِنْهُ وَفِي مَال لَمْ يُصَدِّق فِي أَقُلْ مِنْ دِرْهَم (كِتَاب الْإِقْرَار) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 249 مَلَكَهُ وَلَوْ أَقَرَّ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ مُكْرَهًا لَا يَصِحُّ وَلَوْ أَقَرَّ الْمَرِيضُ بِجَمِيعِ مَالِهِ لِأَجْنَبِيٍّ يَصِحُّ وَلَا يُتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الْوَارِثِ وَصَحَّ إقْرَارُ الْمَأْذُونِ بِعَيْنٍ فِي يَدِهِ وَالْمُسَلَّمِ بِخَمْرٍ وَصَحَّ الْإِقْرَارُ بِنِصْفِ دَارِهِ مُشَاعًا وَإِقْرَارُ الْمَرِيضِ بِالزَّوْجِيَّةِ مِنْ غَيْرِ شُهُودٍ وَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقُولَ وَهُوَ مِلْكِي وَلَوْ عَلِمَ الْمُقَرُّ لَهُ أَنَّهُ كَاذِبٌ فِي إقْرَارِهِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَخْذُهُ مِنْهُ جَبْرًا دِيَانَةً كَإِقْرَارِهِ لِامْرَأَتِهِ بِجَمِيعِ مَا فِي مَنْزِلِهِ وَلَيْسَ لَهَا عَلَيْهِ شَيْءٌ وَإِذَا أَقَرَّ بِالْمُدَّعَى بِهِ ثُمَّ أَنْكَرَ إقْرَارَهُ لَا يَحْلِفُ عَلَى إقْرَارِهِ بَلْ عَلَى الْمَالِ وَالثَّانِي لَوْ رَدَّ إقْرَارَهُ ثُمَّ قُبِلَ لَا يَصِحُّ إلَّا إذَا أَضَافَهُ إلَى غَيْرِهِ مُتَّصِلًا بِالرَّدِّ كَانَ لَهُ وَكَذَا الْمِلْكُ الثَّابِتُ بِالْإِقْرَارِ لَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الزَّوَائِدِ الْمُسْتَهْلَكَةِ فَلَا يَمْلِكُهَا الْمُقَرُّ لَهُ وَشَرْطُهُ التَّكْلِيفُ وَالطَّوْعُ مُطْلَقًا وَالْحُرِّيَّةُ لِلتَّنْفِيذِ لِلْحَالِ لَا مُطْلَقًا فَصَحَّ إقْرَارُ الْعَبْدِ لِلْحَالِ فِيمَا لَا تُهْمَةَ فِيهِ كَالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ وَيُؤَخَّرُ مَا فِيهِ تُهْمَةٌ إلَى مَا بَعْدَ الْعِتْقِ وَالْمَأْذُونُ بِمَا كَانَ مِنْ التِّجَارَةِ لِلْحَالِ وَتَأَخَّرَ بِمَا لَيْسَ مِنْهَا إلَى الْعِتْقِ كَإِقْرَارِهِ بِجِنَايَةٍ وَمَهْرِ مَوْطُوءَةٍ بِلَا إذْنٍ وَالصَّبِيُّ الْمَأْذُونُ كَالْعَبْدِ فِيمَا كَانَ لِلتِّجَارَةِ لَا فِيمَا لَيْسَ مِنْهَا كَالْكَفَالَةِ. وَإِقْرَارُ السَّكْرَانِ بِطَرِيقٍ مَحْظُورٍ صَحِيحٌ إلَّا فِي حَدِّ الزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ لَا يَقْبَلُ الرُّجُوعَ وَإِنْ بِطَرِيقٍ مُبَاحٍ لَا وَصَحَّ بِالْمَجْهُولِ وَلَزِمَهُ الْبَيَانُ كَشَيْءٍ وَحَقٍّ وَالْقَوْلُ لَهُ مَعَ يَمِينِهِ فِي تَعْيِينِ الْمَجْهُولِ وَتَعْيِينِ الْعَبْدِ الْمَغْصُوبِ إنْ كَانَ قَائِمًا وَقِيمَتَهُ إنْ كَانَ هَالِكًا فَإِنْ بَيَّنَ سَبَبًا تَضُرُّهُ الْجَهَالَةُ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ لَا يَصِحُّ وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَإِنْ بَيَّنَ مَا لَا يَضُرُّهُ صَحَّ وَيُبَيِّنُ مَا لَهُ قِيمَةٌ فَلَا يَصِحُّ فِي حَبَّةِ حِنْطَةٍ وَصَبِيٍّ حُرٍّ وَزَوْجَةٍ وَجِلْدِ مَيْتَةٍ وَقَوْلُهُ أَرَدْت حَقَّ الْإِسْلَامِ فِي لَهُ عَلَيَّ حَقٍّ لَا يُصَدَّقُ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْعُرْفِ وَجَهَالَةُ الْمُقَرِّ لَهُ مَانِعَةٌ مِنْ صِحَّتِهِ إنْ تَفَاحَشَتْ كَالْوَاحِدِ مِنْ النَّاسِ عَلَى كَذَا أَوْ لَا كَلِأَحَدِ هَذَيْنِ عَلَيَّ كَذَا لَا وَلَا يُجْبَرُ عَلَى الْبَيَانِ وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا أَنْ يُحَلِّفَهُ وَكَذَا جَهَالَةُ الْمُقَرِّ عَلَيْهِ مَانِعَةٌ نَحْوُ لَك عَلَى أَحَدِنَا كَذَا فَلَوْ قِيلَ بَعْدَهُ أَهُوَ هَذَا قَالَ لَا لَا يَجِبُ الْمَالُ عَلَى الْآخَرِ وَصَحَّ بِالْعَامِّ كَمَا فِي يَدِي مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ أَوْ عَبِيدٍ أَوْ مَتَاعٍ أَوْ جَمِيعِ مَا يُعْرَفُ لِي أَوْ جَمِيعُ مَا يُنْسَبُ لِي لِفُلَانٍ وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي عَيْنٍ أَنَّهَا كَانَتْ مَوْجُودَةً فِي يَدِهِ وَقْتَ الْإِقْرَارِ أَوْ لَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقِرِّ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْمُقَرُّ لَهُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا كَانَتْ مَوْجُودَةً فِي يَدِهِ وَقْتَهُ. وَلَوْ قَالَ جَمِيعُ مَالِي أَوْ مَا أَمْلِكُهُ لِفُلَانٍ كَانَ هِبَةً لَا يَجُوزُ إلَّا بِالتَّسْلِيمِ وَلَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ دَارٌ أَوْ عَبْدٌ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ أَوْ مَالٌ أَوْ مَالٌ قَلِيلٌ أَوْ دِرْهَمٌ عَظِيمٌ أَوْ دُرَيْهَمٌ لَزِمَهُ دِرْهَمٌ (وَمَالٌ عَظِيمٌ نِصَابٌ وَأَمْوَالٌ عِظَامٌ ثَلَاثَةُ نُصُبٍ) مِنْ أَيِّ مَالٍ فَسَّرَهُ بِهِ (وَدَرَاهِمُ) أَوْ دُرَيْهِمَاتٌ أَوْ شَيْءٌ مِنْ الدَّرَاهِمِ أَوْ مِنْ دَرَاهِمَ (ثَلَاثَةٌ وَدَرَاهِمُ كَثِيرَةٌ) أَوْ ثِيَابٌ كَثِيرَةٌ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ لَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الزَّوَائِدِ الْمُسْتَهْلَكَةِ) يُفِيدُ بِظَاهِرِهِ أَنَّهُ يَظْهَرُ فِي حَقِّ الزَّوَائِدِ الْغَيْرِ الْمُسْتَهْلَكَةِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ فِي يَدِهِ جَارِيَةٌ وَوَلَدُهَا أَقَرَّ أَنَّ الْجَارِيَةَ لِفُلَانٍ لَا يَدْخُلُ فِيهِ الْوَلَدُ وَلَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى جَارِيَةٍ أَنَّهَا لَهُ يَسْتَحِقُّ أَوْلَادَهَا اهـ وَالْفَرْقُ أَنَّهُ بِالْبَيِّنَةِ يَسْتَحِقُّهَا مِنْ الْأَصْلِ وَلِذَا قُلْنَا إنَّ الْبَاعَةَ يَتَرَاجَعُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ حَيْثُ لَا يَتَرَاجَعُونَ (قَوْلُهُ وَصَحَّ بِالْمَجْهُولِ وَلَزِمَهُ الْبَيَانُ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَدَّمَ الشَّارِحُ فِي الْبَيْعِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ النُّقُودُ فَسَدَ الْبَيْعُ لَوْ أَقَرَّ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ حُمْرٍ وَفِي الْبَلَدِ نَقُودُ مُخْتَلِفَةٌ حُمْرٌ لَا يَصِحُّ بِلَا بَيَانٍ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ يَنْصَرِفُ إلَى الْأَرْوَجِ اهـ. وَلَا رَيْبَ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ لَا يَصِحُّ بِلَا بَيَانٍ أَيْ لَا يَثْبُتُ بِهِ شَيْءٌ بِلَا بَيَانٍ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ يُثْبِتُ الْأَرْوَجَ بِغَيْرِ بَيَانٍ إذْ صِحَّةُ الْإِقْرَارِ بِالْمَجْهُولِ مُقَرَّرَةٌ وَعَلَيْهِ الْبَيَانُ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ لَا يُصَدَّقُ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْعُرْفِ) قَيَّدَهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة بِمَا إذَا قَالَ ذَلِكَ مَفْصُولًا لَا قَالَ وَإِنْ قَالَ مَوْصُولًا يَصِحُّ (قَوْلُهُ أَوْ لَا) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ إنْ لَمْ تَتَفَاحَشْ وَذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ قَوْلًا آخَرَ فِيمَا إذَا لَمْ تَتَفَاحَشْ ثُمَّ نَقَلَ عَنْ الْكَافِي أَنَّ الصِّحَّةَ أَصَحُّ فَرَاجِعْهُ إنْ شِئْت اهـ. وَعِبَارَتُهُ وَبِخِلَافِ الْجَهَالَةِ فِي الْمُقَرِّ لَهُ سَوَاءٌ تَفَاحَشَتْ أَوْ لَا لِأَنَّ الْمَجْهُولَ لَا يَصْلُحُ مُسْتَحَقًّا إذْ لَا يُمْكِنُ جَبْرُهُ عَلَى الْبَيَانِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ الْمُدَّعِي فَلَا يُفِيدُ فَائِدَتَهُ هَكَذَا ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي مَبْسُوطِهِ وَالنَّاطِفِيُّ فِي وَاقِعَاتِهِ إنْ لَمْ تَتَفَاحَشْ جَازَ لِأَنَّ صَاحِبَ الْحَقِّ لَا يَعْدُو مِنْ ذِكْرِهِ وَفِي مِثْلِهِ يُؤْمَرُ بِالتَّذَكُّرِ لِأَنَّ الْمُقِرَّ قَدْ نَسِيَ صَاحِبَ الْحَقِّ وَلَا يُجْبَرُ عَلَى الْبَيَانِ لِأَنَّهُ قَدْ يُؤَدِّي إلَى إبْطَالِ الْحَقِّ عَنْ الْمُسْتَحِقِّ وَالْقَاضِي نُصِبَ لِإِيصَالِ الْحَقِّ إلَى مُسْتَحِقِّهِ لَا لِإِبْطَالِهِ اهـ. مُلَخَّصًا. وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ عَنْ الْوَاقِعَاتِ الْحُسَامِيَّةِ أَنَّهُ يَجُوزُ وَيَحْلِفُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إذَا ادَّعَى. (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ دَارٌ أَوْ عَبْدٌ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ) كَذَا فِي الْأَشْبَاهِ وَيُخَالِفُهُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ لَهُ عَلَيَّ ثَوْبٌ أَوْ عَبْدٌ صَحَّ وَيُقْضَى بِقِيمَةِ وَسَطٍ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ الْقَوْلُ لَهُ فِي الْقِيمَةِ وَفِي حَاشِيَةِ الْحَمَوِيِّ عَلَى الْأَشْبَاهِ عَنْ الْمُلْتَقَطِ إذَا قَالَ عَلَيَّ دَارٌ أَوْ شَاةٌ قَالَ أَبُو يُوسُفَ يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ بِقِيمَةِ الْمُقَرِّ بِهِ وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَقَالَ بِشْرٌ تَجِبُ الشَّاةُ اهـ. قَالَ شَيْخُ مَشَايِخِنَا السَّائِحَانِيُّ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَا فِي الْأَشْبَاهِ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ اهـ. ثُمَّ رَأَيْته فِي التَّتَارْخَانِيَّة حَيْثُ قَالَ وَفِي الْحَاوِي قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ دَارٌ أَوْ شَاةٌ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَزِمَهُ الضَّمَانُ وَقَالَ بِشْرٌ يَنْبَغِي أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَزِمَهُ الشَّاةُ دُونَ الدَّارِ لِأَنَّهَا لَا تَصْلُحُ دَيْنًا لَزِمَهُ فِي الصَّدَاقِ وَالشَّاةُ تَصْلُحُ قَالَ بِشْرٌ وَبِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ تَأْخُذُ وَلَوْ قَالَ عَلَيَّ ثَوْبٌ هَرَوِيٍّ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي الثَّوْبِ الْهَرَوِيِّ وَلَا يَلْزَمُهُ ثَوْبٌ هَرَوِيٌّ وَسَطٌ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 250 أَوْ وَصَائِفُ كَثِيرَةٌ أَوْ دَنَانِيرُ كَثِيرَةٌ أَوْ أَكْثَرُ الدَّرَاهِمِ فَ (عَشَرَةٌ) وَدَرَاهِمُ مُضَاعَفَةٌ سِتَّةٌ وَأَضْعَافٌ مُضَاعَفَةٌ أَوْ عَكْسُهُ ثَمَانِيَةَ عَشْرَةَ وَمَالٌ نَفِيسٌ أَوْ خَطِيرٌ أَوْ كَرِيمٌ أَوْ جَلِيلٌ أَوْ لَا قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ مِائَتَانِ (كَذَا دِرْهَمًا دِرْهَمٌ كَذَا كَذَا أَحَدَ عَشَرَ كَذَا وَكَذَا أَحَدٌ وَعِشْرُونَ وَلَوْ ثُلُثٌ بِالْوَاوِ وَيُزَادُ مِائَةٌ وَلَوْ رُبْعٌ زِيدَ أَلْفٌ) لَوْ خَمْسٌ زِيدَ عَشَرَةُ آلَافٍ وَلَوْ سُدُسٌ يُزَادُ مِائَةُ أَلْفٍ وَلَوْ سَبْعٌ يُزَادُ أَلْفُ أَلْفٍ وَكُلُّ مَا زَادَ عَدَدًا مَعْطُوفًا بِالْوَاوِ زِيدَ عَلَيْهِ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ إلَى مَا لَا يَتَنَاهَى وَلَوْ ثُلُثٌ بِلَا وَاوٍ لَزِمَهُ أَحَدَ عَشَرَ وَلَوْ قَالَ كَذَا كَذَا دِرْهَمًا وَدِينَارًا فَعَلَيْهِ أَحَدَ عَشَرَ بِالسَّوِيَّةِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ كَذَا كَذَا دِرْهَمًا وَكَذَا كَذَا دِينَارًا لَزِمَهُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ أَحَدَ عَشَرَ وَالْمُعْتَبَرُ الْوَزْنُ الْمُعْتَادُ فِي كُلِّ زَمَانٍ أَوْ مَكَان وَالنَّيِّفُ مَجْهُولٌ يُرْجَعُ إلَيْهِ فِيهِ وَالْبِضْعَةُ لِلثَّلَاثَةِ (عَلَيَّ وَقِبَلِي إقْرَارٌ بِالدَّيْنِ) إلَّا إذَا فَسَّرَهُ بِالْأَمَانَةِ مُتَّصِلًا وَأَقْرَضَنِي كَذَا لَزِمَهُ وَاسْتَقْرَضْت لَا وَلَيْسَ لِي قِبَلَهُ حَقُّ إبْرَاءٍ عَنْ الدَّيْنِ وَالْأَمَانَةِ (عِنْدِي مَعِي فِي بَيْتِي فِي صُنْدُوقِي فِي كِيسِي أَمَانَةٌ) وَعِنْدِي عَارِيَّةٌ أَلْفُ دِرْهَمٍ قَرْضٌ لَهُ قِبَلِي كَذَا دَيْنُ وَدِيعَةٍ أَوْ وَدِيعَةُ دَيْنٍ فَهُوَ دَيْنٌ مُطْلَقٌ. وَالْأَصْلُ أَنَّ أَحَدَ اللَّفْظَيْنِ إذَا كَانَ لِلْأَمَانَةِ وَالْآخَرَ لِلدَّيْنِ وَجُمِعَ بَيْنَهُمَا يُرَجَّحُ الدَّيْنُ (لَوْ قَالَ لِي عَلَيْك أَلْفٌ فَقَالَ اتَّزِنْهُ أَوْ انْتَقِدْهُ أَوْ أَجِّلْنِي بِهِ أَوْ قَضَيْتُكَهُ) أَوْ أَعُدُّهَا أَوْ أَرْسِلْ غَدًا مَنْ يَأْخُذُهَا يَعْنِي يَقْبِضُهَا أَوْ يَتَّزِنُهَا أَوْ لَا أَزِنُهَا لَك الْيَوْمَ أَوْ لَا تَأْخُذُهَا مِنِّي الْيَوْمَ أَوْ حَتَّى يَدْخُلَ عَلَيَّ مَالِي أَوْ يَقْدَمَ عَلَيَّ غُلَامِي أَوْ أَبْرَأَنِي عَنْهَا أَوْ تَصَدَّقَ عَلَيَّ بِهَا أَوْ وَهَبَهَا لِي مُدَّعِيًا ذَلِكَ أَوْ أَحَلْته بِهَا (فَهُوَ إقْرَارٌ) إلَّا إذَا تَصَادَقَا أَنَّهُ عَلَى وَجْهِ السُّخْرِيَةِ (وَبِلَا كِتَابَةٍ لَا) كَقَوْلِهِ مَا قَبَضْت بِغَيْرِ حَقٍّ جَوَابًا لِدَعْوَاهُ أَنَّهُ قَبَضَ مِنْهُ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلُهُ أَبْرَأَنِي عَنْ هَذِهِ الدَّعْوَى أَوْ صَالِحْنِي عَنْهَا وَقَوْلُهُ مَا اسْتَقْرَضْت مِنْ أَحَدٍ سِوَاك أَوْ غَيْرِك أَوْ قَبْلَك أَوْ بَعْدَك وَقَضَيْتُك مِائَةً بَعْدَ مِائَةٍ بَعْدَ دَعْوَى الْمِائَتَيْنِ بِخِلَافِ دَفَعْت إلَى أَخِيك بِأَمْرِك وَعَلَيْهِ إثْبَاتُ ذَلِكَ وَضَمَانُهُ لِلْآجِرِ مَا يَجِبُ لَهُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ إقْرَارٌ بِمِلْكِ الْعَيْنِ لِلْآجِرِ بِخِلَافِ ضَمَانِهِ لِلْمُسْتَأْجِرِ مَالَ الْإِجَارَةِ فِي الْإِجَارَةِ الطَّوِيلَةِ لَا يَكُونُ إقْرَارًا بِالْمِلْكِ لِلْآجِرِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ فُلَانٌ سَاكِنٌ هَذِهِ الدَّارَ فَإِقْرَارٌ لَهُ بِهَا بِخِلَافِ كَانَ يَسْكُنُهَا وَفُلَانٌ زَرَعَ هَذِهِ الْأَرْضَ أَوْ غَرَسَ هَذَا الْكَرْمَ أَوْ بَنَى هَذِهِ الدَّارَ وَهِيَ فِي يَدِ الْقَاتِلِ مُدَّعِيًا أَنَّهُ مُعَيَّنٌ أَوْ مُسْتَأْجِرًا فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ بِالْعَيْنِ لَهُ وَكَذَا هَذَا الدَّقِيقُ مِنْ طَحِينِ فُلَانٍ بِخِلَافِ هَذَا الطَّعَامِ مِنْ زَرْعِ فُلَانٍ أَوْ هَذَا التَّمْرُ مِنْ نَخْلِهِ أَوْ أَرْضِهِ أَوْ بُسْتَانِهِ أَوْ هَذَا الصُّوفُ مِنْ غَنَمِهِ فَهُوَ إقْرَارٌ كَقَوْلِهِ قَبَضْت مِنْ أَرْضِهِ عَدْلَ ثِيَابٍ وَشِرَاؤُهُ مُتَنَقَّبَةً إقْرَارٌ بِالْمِلْكِ لِلْبَائِعِ كَثَوْبٍ فِي جِرَابٍ وَكَذَا الِاسْتِيَامُ وَالِاسْتِيدَاعُ وَالِاسْتِعَارَةُ وَالِاسْتِيهَابُ وَالِاسْتِئْجَارُ وَلَوْ مِنْ وَكِيلٍ وَكَذَا قَبُولُ الْوَدِيعَةِ وَقَوْلُهُ نَعَمْ بَعْدَ كَلَامِ إقْرَارٍ مُطْلَقًا وَالْإِيمَاءُ بِالرَّأْسِ بَعْدَ الِاسْتِفْهَامِ لَا يَكُونُ إقْرَارًا بِمَالٍ وَعِتْقٍ وَطَلَاقٍ وَبَيْعٍ وَنِكَاحٍ وَإِجَارَةٍ وَهِبَةٍ بِخِلَافِ الْكُفْرِ وَالْإِسْلَامِ وَالنَّسَبِ وَالْفَتْوَى. (وَإِنْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ مُؤَجَّلٍ وَادَّعَى الْمُقَرُّ لَهُ أَنَّهُ حَالٌّ لَزِمَهُ حَالًّا) كَإِقْرَارِهِ بِعَبْدٍ فِي يَدِهِ أَنَّهُ لِرَجُلٍ وَأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ مِنْهُ (وَيُسْتَحْلَفُ الْمُقَرُّ لَهُ فِيهِمَا) بِخِلَافِ مَا لَوْ أَقَرَّ بِالدَّرَاهِمِ السُّودِ فَكَذَّبَهُ فِي صِفَتِهَا يَلْزَمُهُ مَا أَقَرَّ بِهِ فَقَطْ كَإِقْرَارِ الْكَفِيلِ بِدَيْنٍ مُؤَجَّلٍ وَلِمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ إذَا خَافَ لَوْ اعْتَرَفَ بِهِ لَا يُصَدِّقُهُ إنْكَارُ أَصْلِ الدَّيْنِ إذَا لَمْ يَرُدَّ تَوِيَ حَقُّهُ وَمَنْ أَقَرَّ بِعَدَدٍ مُبْهَمٍ وَعَطَفَ مَوْزُونًا أَوْ مَكِيلًا كَانَ بَيَانًا لَهُ (كَمِائَةٌ وَدِرْهَمٌ) أَوْ دِرْهَمَانِ أَوْ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ (فَهِيَ دَرَاهِمُ) وَإِنْ عَطَفَ عَلَيْهِ قِيَمِيًّا وَاحِدًا (لَا كَمِائَةٌ وَثَوْبٌ) أَوْ ثَوْبَانِ وَإِنْ مُتَعَدِّدًا فَبَيَانُ (كَمِائَةٌ وَثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ)   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَأَضْعَافٌ مُضَاعَفَةٌ أَوْ عَكْسُهُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ) أَيْ لَوْ قَالَ دَرَاهِمُ أَضْعَافٌ مُضَاعَفَةٌ لِأَنَّ دَرَاهِمُ وَأَضْعَافٌ لَفْظُهُ جَمْعٌ وَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ فَتَصِيرُ تِسْعَةً وَضِعْفُ التِّسْعَةِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة مَا نَصُّهُ ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي شَرْحِ كِتَابِ الْإِقْرَارِ إذَا قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ دَرَاهِمُ مُضَاعَفَةٌ فَعَلَيْهِ سِتَّةُ دَرَاهِمَ وَلَوْ قَالَ مُضَاعَفَةٌ أَضْعَافًا أَوْ قَالَ أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً فَهِيَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَفِي السِّرَاجِيَّةِ لَوْ قَالَ لَهُ دَرَاهِمُ أَضْعَافٌ مُضَاعَفَةٌ لَزِمَتْهُ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ لِأَنَّ بِقَوْلِهِ دَرَاهِمُ لَزِمَهُ ثَلَاثَةٌ وَبِقَوْلِهِ أَضْعَافًا تِسْعَةٌ وَبِقَوْلِهِ مُضَاعَفَةٌ اثْنَيْ عَشَرَ فَجُمْلَتُهُ مَا قُلْنَا (قَوْلُهُ وَلَوْ خَمْسٌ زِيدَ عَشَرَةُ آلَافٍ) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ هَذَا حَكَاهُ الْعَيْنِيُّ بِلَفْظِ يَنْبَغِي لَكِنَّهُ غَلَطٌ ظَاهِرٌ لِأَنَّ الْعَشَرَةَ الْآلَافَ تَتَرَكَّبُ مَعَ الْأَلْفِ بِلَا وَاوٍ فَيُقَالُ أَحَدَ عَشَرَ أَلْفًا فَيَلْزَمُ أَنْ تُهْدَرَ الْوَاوُ الَّتِي تُعْتَبَرُ مَهْمَا أَمْكَنَ وَهُنَا مُمْكِنٌ فَيُقَالُ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ أَلْفًا وَمِائَةٌ وَأَحَدٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا نَعَمْ قَوْلُهُ وَلَوْ سُدُسٌ إلَخْ مُسْتَقِيمٌ أَيْ فَيُقَالُ فِيهِ مِائَةُ أَلْفٍ وَأَحَدٌ وَعِشْرُونَ أَلْفًا وَمِائَةٌ وَأَحَدٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا لَا أَنَّهُ مُسْتَقِيمٌ زِيَادَةً عَلَى الْعَشَرَةِ آلَافِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 251 وَلَوْ قَالَ نِصْفُ دِرْهَمٍ وَدِينَارٍ وَثَوْبٍ فَعَلَيْهِ نِصْفُ كُلٍّ مِنْهَا وَكَذَا نِصْفُ هَذَا الْعَبْدِ وَهَذِهِ الْجَارِيَةِ بِخِلَافِ نِصْفِ هَذَا الدِّينَارِ وَدِرْهَمٍ فَدِرْهَمٌ تَامٌّ وَعَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَدَانَقٌ وَقِيرَاطُ فِضَّةٍ. وَلَوْ (أَقَرَّ بِتَمْرٍ فِي قَوْصَرَّةٍ) أَوْ طَعَامٍ فِي الْجُوَالِقِ أَوْ سَفِينَةٍ أَوْ ثَوْبٍ فِي مِنْدِيلٍ أَوْ ثَوْبٍ (لَزِمَهُ) الظَّرْفُ كَالْمَظْرُوفِ وَمِنْ قَوْصَرَّةٍ لَا كَدَابَّةٍ فِي إصْطَبْلٍ وَثَوْبٍ فِي عَشَرَةٍ وَطَعَامٍ فِي بَيْتٍ (وَبِخَاتَمٍ لَهُ الْحَلْقَةُ وَالْفَصُّ وَبِسَيْفٍ لَهُ النَّصْلُ وَالْجَفْنُ وَالْحَمَائِلُ وَبِحَجَلَةٍ لَهُ الْعِيدَانُ وَالْكِسْوَةُ وَبِخَمْسَةٍ فِي خَمْسَةٍ وَعَنَى الضَّرْبَ خَمْسَةً وَعَشَرَةً إنْ عَنَى مَعَ وَمِنْ دِرْهَمٍ إلَى عَشَرَةٍ أَوْ) مَا بَيْنَ تِسْعَةٍ وَكُرِّ حِنْطَةٍ إلَى كُرِّ شَعِيرٍ لَزِمَاهُ إلَّا قَفِيزًا مِنْ شَعِيرٍ وَعَشَرَةِ دَرَاهِمَ إلَى عَشَرَةِ دَنَانِيرَ لَزِمَاهُ إلَّا دِينَارًا لَهُ مِنْ دَارِي مَا بَيْنَ هَذَا الْحَائِطِ إلَى هَذَا الْحَائِطِ لَهُ مَا بَيْنَهُمَا فَقَطْ (وَصَحَّ الْإِقْرَارُ بِالْحَمْلِ) الْمُحْتَمَلِ وُجُودُهُ وَقْتَهُ وَلَوْ غَيْرَ آدَمِيٍّ مُطْلَقًا بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ لِلرَّضِيعِ يَصِحُّ وَإِنْ بَيَّنَ سَبَبًا غَيْرَ صَالِحٍ مِنْهُ حَقِيقَةً كَالْإِقْرَاضِ وَلَهُ إنْ بَيَّنَ سَبَبًا صَالِحًا وَإِلَّا فَلَا كَمَا إذَا أَبْهَمَ أَوْ بَيَّنَ سَبَبًا غَيْرَ صَالِحٍ كَالْقَرْضِ وَإِنَّمَا يَصِحُّ لَهُ إذَا عَلِمَ وُجُودَهُ وَقْتَهُ أَوْ احْتَمَلَ بِأَنْ تَضَعَهُ لِأَقَلَّ مِنْ مُدَّتِهِ إنْ كَانَتْ مُتَزَوِّجَةً وَلِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْفِرَاقِ إنْ كَانَتْ مُعْتَدَّةً ثُمَّ إنْ وَلَدَتْهُ حَيًّا كَانَ لَهُ مَا أَقَرَّ بِهِ وَإِنْ وَلَدَتْهُ مَيِّتًا يُرَدُّ إلَى وَرَثَةِ الْمُوصِي أَوْ وَرَثَةِ أَبِيهِ وَإِنْ وَلَدَتْ وَلَدَيْنِ فَإِنْ كَانَا ذَكَرَيْنِ أَوْ أُنْثَيَيْنِ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَإِلَّا فَكَذَلِكَ فِي الْوَصِيَّةِ وَفِي الْإِرْثِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ (وَلَوْ أَقَرَّ بِشَيْءٍ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ لَزِمَهُ بِلَا خِيَارٍ) وَإِنْ صَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ إلَّا إنْ أَقَرَّ بِعَقْدِ بَيْعٍ وَقَعَ بِالْخِيَارِ لَهُ إلَّا أَنْ يُكَذِّبَهُ الْمُقَرُّ لَهُ كَإِقْرَارِهِ بِدَيْنٍ بِسَبَبِ كَفَالَةٍ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فِي مُدَّةٍ وَلَوْ طَوِيلَةً اهـ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (بَابُ الِاسْتِثْنَاءِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ) لَا حُكْمَ فِيمَا بَعْدَ إلَّا بَلْ مَسْكُوتٌ عِنْدَ عَدَمِ الْقَصْدِ كَمَسْأَلَةِ الْإِقْرَارِ فِي قَوْلِهِ لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا ثَلَاثَةً لِفَهْمِ أَنَّ الْغَرَضَ الْإِثْبَاتُ فَقَطْ فَنَفْيُ الثَّلَاثَةِ إشَارَةٌ لَا عِبَارَةٌ وَإِثْبَاتُ السَّبْعَةِ عَكْسُهُ وَعِنْدَ الْقَصْدِ يَثْبُتُ لِمَا بَعْدَهَا نَقِيضُ مَا قَبْلَهَا، كَلِمَةُ التَّوْحِيدِ نَفْيٌ وَإِثْبَاتٌ قَصْدًا فَالِاسْتِثْنَاءُ تَكَلُّمٌ بِالْبَاقِي بَعْدَ الثُّنْيَا بِاعْتِبَارِ الْحَاصِلِ مِنْ مَجْمُوعِ التَّرْكِيبِ وَنَفْيٌ وَإِثْبَاتٌ بِاعْتِبَارِ الْأَجْزَاءِ وَيُشْتَرَطُ فِيهِ الِاتِّصَالُ إلَّا لِنَفَسٍ أَوْ سُعَالٍ أَوْ أَخْذِ فَمٍ وَالنِّدَاءُ بَيْنَهُمَا لَا يَضُرُّ كَقَوْلِهِ لَك عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ يَا فُلَانُ إلَّا عَشْرَةً بِخِلَافِ لَك أَلْفٌ فَاشْهَدُوا إلَّا كَذَا وَنَحْوُهُ وَالْمُسْتَغْرِقُ بَاطِلٌ وَلَوْ فِيمَا يَقْبَلُ الرُّجُوعَ كَالْوَصِيَّةِ إنْ كَانَ بِلَفْظِ الصَّدْرِ أَوْ مُسَاوِيهِ وَإِنْ بِغَيْرِهِمَا كَعَبِيدِي أَحْرَارٌ إلَّا هَؤُلَاءِ أَوْ إلَّا سَالِمًا وَغَانِمًا وَرَاشِدًا وَهُمْ الْكُلُّ وَكَذَا نِسَائِي طَوَالِقُ إلَّا فُلَانَةَ وَفُلَانَةَ وَفُلَانَةَ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ اسْتِثْنَاءِ الْأَقَلِّ وَالْأَكْثَرِ وَلَا بَيْنُ مَا يُقْسَمُ وَمَا لَا يُقْسَمُ كَهَذَا الْعَبْدِ إلَّا ثَلَاثَةً وَإِذَا اسْتَثْنَى عَدَدَيْنِ بَيْنَمَا حَرْفُ الشَّكِّ كَانَ الْأَقَلُّ مُخَرَّجًا نَحْوَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ لَا مِائَةٌ أَوْ خَمْسُونَ لَزِمَهُ تِسْعُمِائَةٍ وَخَمْسُونَ عَلَى الْأَصَحِّ. (وَصَحَّ اسْتِثْنَاءُ الْكَيْلِيِّ وَالْوَزْنِيِّ) وَالْمَعْدُودِ الَّذِي لَا تَتَفَاوَتُ آحَادُهُ كَالْفُلُوسِ وَالْجَوْزِ (مِنْ الدَّرَاهِمِ) وَالدَّنَانِيرِ وَيَكُونُ الْمُسْتَثْنَى الْقِيمَةَ وَإِنْ اسْتَغْرَقَتْ جَمِيعَ مَا أَقَرَّ بِهِ بِخِلَافِ دِينَارٍ إلَّا مِائَةَ دِرْهَمٍ فَإِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ مُسْتَغْرَقٌ بِالْمُسَاوِي وَإِذَا كَانَ الْمُسْتَثْنَى مَجْهُولًا يَثْبُتُ الْأَكْثَرُ نَحْوَ لَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ إلَّا شَيْئًا قَلِيلًا أَوْ بَعْضًا لَزِمَهُ أَحَدٌ وَخَمْسُونَ (وَلَوْ وَصَلَ إقْرَارَهُ بِإِنْ شَاءَ اللَّهُ بَطَلَ إقْرَارُهُ) وَكَذَا بِمَشِيئَةِ فُلَانٍ وَإِنْ شَاءَ وَكَذَا كُلُّ إقْرَارٍ عُلِّقَ بِشَرْطٍ عَلَى خَطَرٍ وَلَمْ يَتَضَمَّنْ دَعْوَى أَجَلٍ كَأَنْ حَلَفْت فَلَكَ مَا ادَّعَيْت بِهِ وَإِنْ بِشَرْطٍ كَائِنٍ فَتَنْجِيرٌ   [منحة الخالق] أَقَرَّ بِتَمْرٍ فِي قَوْصَرَّةٍ لَزِمَاهُ وَبِدَابَّةٍ فِي إصْطَبْلٍ لَزِمَتْهُ الدَّابَّةُ فَقَطْ وَبِخَاتَمٍ لَهُ الْحَلْقَةُ وَالْفَصُّ وَبِسَيْفٍ لَهُ النَّصْلُ وَالْجِفْنُ وَالْحَمَائِلُ وَبِحَجَلَةٍ لَهُ الْعِيدَانُ وَالْكِسْوَةُ وَبِثَوْبٍ فِي مِنْدِيلٍ أَوْ فِي ثَوْبٍ لَزِمَاهُ وَبِثَوْبٍ فِي عَشَرَةٍ لَهُ ثَوْبٌ وَبِخَمْسَةٍ فِي خَمْسَةٍ وَعَنَى الضَّرْبَ خَمْسَةً وَعَشَرَةً إنْ عَنَى مَعَ لَهُ عَلَيَّ مِنْ دِرْهَمٍ إلَى عَشَرَةٍ أَوْ مَا بَيْنَ دِرْهَمٍ إلَى عَشَرَةٍ لَهُ تِسْعَةٌ وَلَهُ مِنْ دَارِي مَا بَيْنَ هَذَا الْحَائِطِ إلَى هَذَا الْحَائِطِ لَهُ مَا بَيْنَهُمَا فَقَطْ وَصَحَّ الْإِقْرَارُ بِالْحَمْلِ وَلِلْحَمْلِ إنْ بَيَّنَ سَبَبًا صَالِحًا وَإِلَّا لَا وَإِنْ أَقَرَّ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَزِمَهُ الْمَالُ وَبَطَلَ الشَّرْطُ (قَوْلُهُ وَلَوْ أَقَرَّ بِتَمْرٍ فِي قَوْصَرَّةٍ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْقَوْصَرَّةُ بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ وِعَاءُ التَّمْرِ يُتَّخَذُ مِنْ قَصَبٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَبِحَجْلَةٍ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَالَ فِي الصِّحَاحِ الْحَجَلَةُ بَيْتٌ يُزَيَّنُ بِالثِّيَابِ وَالْأَسِرَّةِ قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ حَجَلَتْ الْعَرُوسُ إذَا اتَّخَذَتْ لَهَا حَجَلَةً اهـ. مِنْ غَايَةِ الْبَيَانِ. (قَوْلُهُ وَلَهُ إنْ بَيَّنَ سَبَبًا صَالِحًا) الضَّمِيرُ فِي لَهُ لِلْحَمْلِ وَالظَّاهِرُ أَنْ مَحَلَّ قَوْلِهِ بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ لِلرَّضِيعِ إلَخْ بَعْدَ هَذَا فَتَقْدِيمُهُ عَلَيْهِ سَهْوٌ (قَوْلُهُ وَإِنْ وَلَدَتْهُ مَيِّتًا إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ يَعْنِي إنْ قَالَ الْمُقِرُّ أَوْصَى لَهُ بِهِ فُلَانٌ ثُمَّ وُلِدَ مَيِّتًا فَإِنَّهُ يُرَدُّ إلَى وَرَثَةِ الْمُوصِي الَّذِي قَالَ الْمُقِرُّ إنَّهُ أَوْصَى لِلْحَمْلِ وَقَوْلُهُ أَوْ وَرَثَةِ أَبِيهِ يَعْنِي إنْ قَالَ الْمُقِرُّ مَاتَ أَبُوهُ فَوَرِثَهُ فَإِنَّهُ يُرَدُّ إلَى وَرَثَةِ أَبِيهِ إنْ وُلِدَ مَيِّتًا عَمَلًا بِقَوْلِهِ الْمُقِرُّ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ (قَوْلُهُ كَإِقْرَارِهِ بِدَيْنٍ بِسَبَبِ كَفَالَةٍ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَالَ فِي التَّبْيِينِ هُنَا لِأَنَّ الْكَفَالَةَ عَقْدٌ يَصِحُّ اشْتِرَاطُ الْخِيَارِ فِيهِ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ عَقْدٌ يَصِحُّ فِيهِ خِيَارُ الشَّرْطِ اهـ. فَلْيُحْفَظْ هَذَا. [بَابُ الِاسْتِثْنَاءِ فِي الْإِقْرَارِ] (بَابُ الِاسْتِثْنَاءِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ) (قَوْلُهُ كَهَذَا الْعَبْدِ إلَّا ثَلَاثَةً) لَعَلَّهُ إلَّا ثُلُثَهُ (قَوْلُهُ كَأَنْ حَلَفْت فَلَكَ مَا ادَّعَيْت) قَالَ الرَّمْلِيُّ فَلَوْ حَلَفَ لَا يَلْزَمُهُ وَلَوْ دَفَعَ بِنَاءَ عَلَى أَنَّهُ يَلْزَمُهُ فَلَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ الْمَدْفُوعَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 252 كَعَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ إنْ مِتّ لَزِمَهُ قَبْلَ الْمَوْتِ وَإِنْ تَضَمَّنَ دَعْوَى الْأَجَلِ كَإِذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَلَكَ عَلَيَّ كَذَا لَزِمَهُ لِلْحَالِ وَيُسْتَحْلَفُ الْمُقَرُّ لَهُ فِي الْأَجَلِ وَمِنْ التَّعْلِيقِ الْمُبْطِلِ لَهُ أَلْفٌ إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي غَيْرُ ذَلِكَ أَوْ أَرَى غَيْرَهُ أَوْ فِيمَا أَعْلَمُ وَكَذَا اشْهَدُوا أَنَّ لَهُ عَلَيَّ كَذَا فِيمَا أَعْلَمُ وَالْحِلْيَةُ فِي السَّيْفِ وَالظِّهَارَةُ وَالْبِطَانَةُ فِي الْجُبَّةِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَاسْتِثْنَاءُ الْبَيْتِ مِنْ الدَّارِ صَحِيحٌ (وَلَوْ اسْتَثْنَى الْبِنَاءَ مِنْ الدَّارِ فَهُمَا لِلْمُقَرِّ لَهُ) وَالطَّوْقُ فِي الْجَارِيَةِ وَالْفَصُّ فِي الْخَاتَمِ وَالنَّخْلَةُ فِي الْبُسْتَانِ نَظِيرُ الْبِنَاءِ وَالْإِقْرَارُ بِالْحَائِطِ وَالْأُسْطُوَانَةِ إقْرَارٌ بِمَا تَحْتَهُمَا مِنْ الْأَرْضِ إلَّا إذَا كَانَتْ مِنْ خَشَبٍ (وَبِنَاؤُهَا لِي وَالْعَرْصَةُ لِفُلَانٍ فَهُوَ كَمَا قَالَ) وَبِنَاؤُهَا لِي وَأَرْضُهَا لِفُلَانٍ فَهُمَا لِفُلَانٍ وَبِنَاؤُهَا لِزَيْدٍ وَأَرْضُهَا لِعَمْرٍو فَلِكُلٍّ مَا أَقَرَّ لَهُ بِهِ وَفِي عَكْسِهِ الْكُلُّ لِلْأَوَّلِ كَقَوْلِهِ هَذِهِ الدَّارُ لِفُلَانٍ وَهَذَا الْبَيْتُ لِي وَأَرْضُهَا لِي وَبِنَاؤُهَا لِفُلَانٍ فَعَلَى مَا أَقَرَّ وَيُؤْمَرُ الْمُقَرُّ لَهُ بِنَقْلِ الْبِنَاءِ مِنْ أَرْضِهِ وَالْأَصْلُ أَنَّ الدَّعْوَى قَبْلَ الْإِقْرَارِ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ بَعْدَهُ وَالدَّعْوَى بَعْدَ الْإِقْرَارِ فِي بَعْضِ مَا دَخَلَ تَحْتَهُ غَيْرُ صَحِيحَةٍ وَأَنَّ إقْرَارَهُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ فَقَطْ. (وَلَوْ قَالَ عَلَيَّ أَلْفٌ مِنْ ثَمَنِ عَبْدٍ لَمْ أَقْبِضْهُ) فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ مُعَيَّنًا فَإِمَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ وَيُسَلِّمَهُ أَوْ لَا فَإِنْ صَدَّقَهُ وَسَلَّمَهُ لَزِمَهُ أَلْفٌ وَكَذَا إنْ صَدَّقَهُ عَلَى بَيْعِ عَبْدِ غَيْرِهِ فَإِنَّ الْمُعَيَّنَ مِلْكُ الْمُقِرِّ سَوَاءٌ كَانَ فِي يَدِهِ أَوْ فِي يَدِ الْمُقَرِّ لَهُ كَإِقْرَارِهِ بِأَلْفٍ غَصْبًا فَقَالَ هِيَ قَرْضٌ وَإِنْ لَمْ يُصَدِّقْهُ عَلَى بَيْعِ الْعَبْدِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَإِنْ صَدَّقَهُ عَلَى أَنَّ الْمَبِيعَ غَيْرُهُ وَأَنَّ الْمُعَيَّنَ لَيْسَ مِلْكَ الْمُقِرِّ يَتَحَالَفَانِ وَيَسْقُطُ الْمَالُ وَالْعَبْدُ لِمَنْ هُوَ فِي يَدِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْعَبْدُ مُعَيَّنًا لَزِمَهُ الْأَلْفُ مُطْلَقًا وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إنْ لَمْ يَقْبِضْهُ (كَقَوْلِهِ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ) أَوْ مَالِ الْقِمَارِ أَوْ حُرٍّ أَوْ مَيْتَةٍ أَوْ دَمٍ وَإِنْ وَصَلَ إلَّا إذَا صَدَّقَهُ أَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً وَلَوْ قَالَ إنِّي اشْتَرَيْت مِنْهُ مَبِيعًا إلَّا إنِّي لَمْ أَقْبِضْهُ قُبِلَ قَوْلُهُ كَمَا قُبِلَ قَوْلُ الْبَائِعِ بِعْته هَذَا وَلَمْ أَقْبِضْ الثَّمَنَ وَالْمَبِيعُ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ حَرَامٌ أَوْ رِبًا فَهِيَ لَازِمَةٌ مُطْلَقًا وَلَوْ قَالَ زُورًا أَوْ بَاطِلًا لَزِمَهُ إنْ كَذَّبَهُ الْمُقَرُّ لَهُ وَإِلَّا فَلَا وَالْإِقْرَارُ بِالْبَيْعِ تَلْجِئَةٌ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ وَلَوْ أَقَرَّ بِالشِّرَاءِ أَوْ الْإِجَارَةِ أَوْ الْهِبَةِ أَوْ الصَّدَقَةِ وَقَالَ لَمْ أَقْبِضْ صُدِّقَ مَوْصُولًا كَانَ أَوْ مَفْصُولًا وَلَوْ أَقَرَّ بِالْمُسْلَمِ ثُمَّ قَالَ لَمْ أَقْبِضْ رَأْسَ الْمَالِ لَا يُصَدَّقُ إلَّا إذَا كَانَ مَوْصُولًا كَالْوَدِيعَةِ وَالْقَرْضِ بِخِلَافِ دَفَعْت إلَيَّ أَوْ نَقَدْتنِي وَقَالَ لَمْ أَقْبِضْ لَا يُصَدَّقُ مُطْلَقًا بِخِلَافِ أَعْطَيْتنِي إنْ وَصَلَ. (وَلَوْ أَقَرَّ بِثَمَنِ مَبِيعٍ أَوْ قَرْضٍ) مِنْ النُّقُودِ أَوْ الْفُلُوسِ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهَا (زُيُوفٌ أَوْ نَبَهْرَجَةٌ) أَوْ سَتُّوقَةٌ أَوْ رَصَاصٌ أَوْ كَاسِدَةٌ (لَزِمَهُ الْجِيَادُ) وَإِنْ وَصَلَ وَيَتَحَالَفَانِ فِي الْبَيْعِ حَالَ قِيَامِ السِّلْعَةِ (بِخِلَافِ الْغَصْبِ الْوَدِيعَةِ) وَالْمُضَارَبَةِ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ فِي الزُّيُوفِ وَالنَّبَهْرَجَةِ مُطْلَقًا وَفِي السَّتُّوقَةِ إنْ وَصَلَ وَكَانَ حَيًّا وَلَا يُصَدَّقُ وَارِثُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَيُصَدَّقُ فِي دَعْوَى الرَّدَاءَةِ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ الثَّمَنِ أَوْ الْقَرْضِ وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ زُيُوفٌ فَهِيَ كَمَا قَالَ عَلَى الْأَصَحِّ كَقَوْلِهِ لَهُ   [منحة الخالق] وَسَيُصَرِّحُ الْمُصَنِّفُ بِهِ قَرِيبًا فِي كِتَابِ الصُّلْحِ فِي فَصْلٍ فِي صُلْحِ الْوَرَثَةِ بِقَوْلِهِ وَلَوْ قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إنْ حَلَفْت أَنَّهَا لَك دَفَعْتهَا فَحَلَفَ الْمُدَّعِي وَدَفَعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الدَّرَاهِمَ إنْ كَانَ دَفَعَ لَهُ بِحُكْمِ الشَّرْطِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَلِلدَّافِعِ أَنْ يَسْتَرِدَّ اهـ. وَقَدَّمْنَا شَيْئًا مِنْ مَسَائِلِ تَعْلِيقِ الْإِقْرَارِ فِي بَابِ دَعْوَى الرَّجُلَيْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْحِلْيَةُ فِي السَّيْفِ إلَخْ) هَكَذَا فِي النُّسَخِ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُنْتَقَى إذَا قَالَ لِغَيْرِهِ هَذَا الْخَاتَمُ لِي إلَّا فَصَّهُ فَإِنَّهُ لَك أَوْ هَذِهِ الْمِنْطَقَةُ إلَّا حِلْيَتَهَا فَلَكَ أَوْ هَذَا السَّيْفُ إلَّا حِلْيَتَهُ أَوْ إلَّا حَمَائِلَهُ فَلَكَ أَوْ هَذِهِ الْجُبَّةُ لِي إلَّا بِطَانَتَهَا فَلَكَ وَالْمُقَرُّ لَهُ يَقُولُ هَذِهِ الْجُبَّةُ لِي فَالْقَوْلُ عَلَى مَا أَقَرَّ بِهِ الْمُقِرُّ ثُمَّ يُنْظَرُ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي نَزْعِ الْمُقَرِّ بِهِ ضَرَرٌ لِلْمُقِرِّ يُؤْمَرُ بِنَزْعِهِ وَالدَّفْعِ وَإِلَّا أُجْبِرَ الْمُقِرُّ بِقِيمَةِ مَا أَقَرَّ بِهِ وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ اهـ. وَفِيهَا قَبْلَ مَا مَرَّ لَوْ قَالَ هَذَا الْبُسْتَانُ لِفُلَانٍ إلَّا النَّخْلَةَ بِغَيْرِ أُصُولِهَا فَإِنَّهَا لِي لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ بِخِلَافِ إلَّا نَخْلَهَا بِأُصُولِهَا وَكَذَلِكَ هَذِهِ الْجُبَّةُ لِفُلَانٍ إلَّا بِطَانَتَهَا لِأَنَّ الْبِطَانَةَ تَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ تَبَعًا فَكَانَ كَالْبِنَاءِ ثُمَّ قَالَ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى جُبَّةٍ بِطَانَتُهَا فِي النَّفَاسَةِ دُونَ الظِّهَارَةِ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ هَذَا السَّيْفُ لِفُلَانٍ إلَّا حِلْيَتَهُ لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ. (قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ مُعَيَّنًا إلَخْ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وُجُوهٍ أَحَدُهَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ مَاذَا صَدَّقَهُ وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ وَحُكْمُهُ مَا ذَكَرَهُ لِأَنَّ مَا ثَبَتَ بِتَصَادُقِهِمَا يَكُونُ كَالثَّابِتِ عِيَانًا وَالثَّانِي أَنْ يَقُولَ الْمُقَرُّ لَهُ الْعَبْدُ عَبْدُك مَا بِعْتُكَهُ وَإِنَّمَا بِعْتُك عَبْدًا آخَرَ وَسَلَّمْته إلَيْك وَالْحُكْمُ فِيهِ كَالْأَوَّلِ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى مَا أَقَرَّ بِهِ مِنْ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَسْتَحِقُّ مَا أَقَرَّ بِهِ غَيْرَ أَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ وَلَا يُبَالَى بِاخْتِلَافِهِمَا وَلَا بِاخْتِلَافِ السَّبَبِ عِنْدَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ وَاتِّحَادِ الْحُكْمِ فَصَارَ كَمَا إذَا أَقَرَّ لَهُ بِغَصْبِ أَلْفِ دِرْهَمٍ فَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ هِيَ قَرْضٌ فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى الِاسْتِحْقَاقِ وَالثَّالِثُ أَنْ يَقُولَ الْعَبْدُ عَبْدِي مَا بِعْتُكَهُ وَحُكْمُهُ أَنْ لَا يَلْزَمَ الْمُقِرَّ شَيْءٌ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ عَلَى صِفَةٍ وَهِيَ سَلَامَةُ الْعَبْدِ فَلَا يَلْزَمُهُ بِدُونِهَا وَالرَّابِعُ أَنْ يَقُولَ الْمُقَرُّ لَهُ لَمْ أَبِعْك هَذَا الْعَبْدَ وَإِنَّمَا بِعْتُك عَبْدًا آخَرَ فَحُكْمُهُ أَنْ يَتَحَالَفَا لِأَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي الْمَبِيعِ اهـ وَتَمَامُهُ فِيهِ قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ (إنِّي اشْتَرَيْت مِنْهُ مَبِيعًا إلَخْ) الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا قَبْلَهُ هُوَ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ قَوْلُهُ لَهُ عَلَيَّ قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَالْفَرْقُ ابْتِدَاءٌ ثَمَّةَ بِالِاعْتِرَافِ وَهُنَا ابْتِدَاءٌ بِالْبَيْعِ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 253 عَلَيَّ كَذَا إلَّا أَنَّهَا وَزْنُ خَمْسَةٍ وَنَقْدُ الْبَلَدِ وَزْنُ سَبْعَةٍ (أَوْ إلَّا أَنْ يَنْقُصَ كَذَا مُتَّصِلًا) وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ جِيَادٌ إلَّا خَمْسَةً زُيُوفًا لَزِمَهُ خَمْسَةٌ جِيَادٌ وَيَصِيرُ مُسْتَثْنِيًا مِنْ الْعَشَرَةِ خَمْسَةً جِيَادًا. (وَمَنْ أَقَرَّ بِغَصْبِ ثَوْبٍ وَجَاءَ بِمَعِيبٍ صُدِّقَ وَإِنْ قَالَ أَخَذْت مِنْك أَلْفًا وَدِيعَةً وَهَلَكَتْ وَقَالَ أَخَذْتهَا غَصْبًا فَهُوَ ضَامِنٌ) بِخِلَافِ أَخَذْتهَا قَرْضًا أَوْ بَيْعًا أَوْ قَالَ أَعْطَيْتنِيهَا وَدِيعَةً فَقَالَ غَصَبْتَنِيهَا لَا يَضْمَنُ الْمُقِرُّ (وَلَوْ قَالَ هَذَا كَانَ وَدِيعَةً لِي عِنْدَك فَأَخَذْته فَقَالَ هُوَ لِي آخُذُهُ) إنْ كَانَ قَائِمًا وَقِيمَتَهُ إنْ كَانَ هَالِكًا وَكَذَا أَقْرَضْتُك أَلْفًا ثُمَّ أَخَذْتهَا مِنْك (وَلَوْ قَالَ أَجَرْت) أَوْ أَعَرْت (بَعِيرِي أَوْ ثَوْبِي هَذَا فُلَانًا فَرَكِبَهُ أَوْ لَبِسَهُ فَرَدَّهُ) وَكَذَّبَهُ فُلَانٌ (فَالْقَوْلُ لِلْمُقِرِّ) بِخِلَافِ اقْتَضَيْت مِنْ فُلَانٍ أَلْفًا كَانَتْ لِي فَكَذَّبَهُ (وَلَوْ قَالَ هَذَا الْأَلْفُ وَدِيعَةُ فُلَانٍ لَا بَلْ وَدِيعَةٌ لِفُلَانٍ فَالْأَلْفُ لِلْأَوَّلِ وَعَلَى الْمُقِرِّ مِثْلُهُ لِلثَّانِي) بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ هِيَ لِفُلَانٍ لَا بَلْ لِفُلَانٍ بِلَا ذِكْرِ إيدَاعٍ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ لِلثَّانِي شَيْءٌ إنْ كَانَتْ مُعَيَّنَةً وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ لَزِمَهُ أَيْضًا بِأَنْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفٌ لَا بَلْ لِفُلَانٍ كَقَوْلِهِ غَصَبْت فُلَانًا مِائَةَ دِرْهَمٍ وَمِائَةَ دِينَارٍ وَكُرَّ حِنْطَةٍ لَا بَلْ فُلَانًا لَزِمَهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كُلُّهُ وَلَوْ كَانَتْ بِعَيْنِهَا فَهِيَ لِلْأَوَّلِ وَعَلَيْهِ لِلثَّانِي مِثْلُهَا وَلَوْ كَانَ الْمُقَرُّ لَهُ وَاحِدًا يَلْزَمُهُ أَكْثَرُهُمَا قَدْرًا وَأَفْضَلُهُمَا وَصْفًا نَحْوَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ لَا بَلْ أَلْفَانِ أَوْ أَلْفُ دِرْهَمٍ جِيَادٌ لَا بَلْ زُيُوفٌ أَوْ عَكْسُهُ وَلَوْ قَالَ الدَّيْنُ الَّذِي لِي عَلَى فُلَانٍ لِفُلَانٍ أَوْ الْوَدِيعَةُ الَّتِي لِي عِنْدَ فُلَانٍ هِيَ لِفُلَانٍ فَهُوَ إقْرَارٌ لَهُ وَحَقُّ الْقَبْضِ لِلْمُقِرِّ وَلَكِنْ لَوْ سُلِّمَ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ بَرِئَ اهـ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (بَابُ إقْرَارِ) (الْمَرِيضِ) إقْرَارُهُ بِدَيْنٍ نَافِذٍ مِنْ كُلِّ مَالِهِ وَأَخَّرَ الْإِرْثَ عَنْهُ (وَدَيْنُ الصِّحَّةِ وَمَا لَزِمَهُ فِي مَرَضِهِ بِسَبَبٍ مَعْرُوفٍ قُدِّمَ عَلَى مَا أَقَرَّ بِهِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ) وَلَوْ وَدِيعَةً وَالسَّبَبُ الْمَعْرُوفُ كَالنِّكَاحِ الْمُشَاهَدِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ وَالْبَيْعِ الْمُشَاهَدِ وَالْإِتْلَافِ كَذَلِكَ وَغَيْرِهَا مِمَّا لَيْسَ مِنْ التَّبَرُّعَاتِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْضِيَ دَيْنَ بَعْضِ الْغُرَمَاءِ دُونَ بَعْضٍ وَلَوْ إعْطَاءَ مَهْرٍ وَإِيفَاءَ أُجْرَةٍ إلَّا إذَا قَضَى مَا اسْتَقْرَضَ فِي مَرَضِهِ أَوْ نَقَدَ ثَمَنَ مَا اشْتَرَى فِيهِ وَقَدْ عُلِمَ ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُؤَدِّ حَتَّى مَاتَ فَإِنَّ الْبَائِعَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ إذَا لَمْ تَكُنْ الْعَيْنُ فِي يَدِهِ وَإِذَا أَقَرَّ بِدَيْنٍ ثُمَّ بِدَيْنٍ تَحَاصًّا وَصَلَ أَوْ فَصَلَ وَلَوْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ ثُمَّ بِوَدِيعَةٍ تَحَاصًّا وَعَلَى الْقَلْبِ الْوَدِيعَةُ أَوْلَى وَإِقْرَارُهُ بِبَيْعِ عَبْدِهِ فِي صِحَّتِهِ وَقَبْضِ الثَّمَنِ مَعَ دَعْوَى الْمُشْتَرِي ذَلِكَ صَحِيحٌ فِي الْبَيْعِ دُونَ قَبْضِ الثَّمَنِ إلَّا بِقَدْرِ الثُّلُثِ بِخِلَافِ إقْرَارِهِ بِأَنَّ هَذَا الْعَبْدَ لِفُلَانٍ فَإِنَّهُ كَالدَّيْنِ وَلَوْ أَقَرَّ بِقَبْضِ دَيْنِهِ إنْ كَانَ دَيْنَ الصِّحَّةِ يَصِحُّ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنُ الصِّحَّةِ أَوْ لَا وَإِنْ كَانَ دَيْنُ الْمَرَضِ إنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنُ الصِّحَّةِ لَا يَصِحُّ وَإِلَّا نَفَذَ مِنْ الثُّلُثِ إلَّا فِي إقْرَارِهِ بِاسْتِيفَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ فَنَافِذٌ بِخِلَافِ إقْرَارِهِ بِاسْتِيفَاءِ ثَمَنِ مَا بَاعَهُ فِي صِحَّتِهِ مِنْ وَارِثِهِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ وَتَبْيِينُهُ الْعِتْقَ الْمُبْهَمَ فِي صِحَّتِهِ كَثِيرَ الْقِيمَةِ نَافِذٌ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ كَتَبْيِينِهِ مَا أَقَرَّ بِهِ فِي صِحَّتِهِ وَهُوَ مُبْهَمٌ وَلَوْ اشْتَرَى فِي صِحَّتِهِ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ بِشَرْطِ الْخِيَارِ ثُمَّ أَجَازَ أَوْ سَكَتَ وَهُوَ مَرِيضٌ حَتَّى مَضَتْ الْمُدَّةُ ثُمَّ مَاتَ كَانَتْ الْمُحَابَاةُ مِنْ الثُّلُثِ وَإِبْرَاؤُهُ مَدْيُونَهُ وَهُوَ مَدْيُونٌ غَيْرُ جَائِزٍ إنْ كَانَ أَجْنَبِيًّا وَإِنْ كَانَ وَارِثًا لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا وَقَوْلُهُ لَمْ يَكُنْ لِي عَلَى هَذَا الْمَطْلُوبِ شَيْءٌ صَحِيحٌ فِي الْقَضَاءِ لَا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يُقْبَلُ مِنْ وَرَثَتِهِ بَيِّنَةٌ عَلَى هَذَا الْمَطْلُوبِ. (وَلَوْ أَقَرَّ الْمَرِيضُ لِوَارِثِهِ بَطَلَ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ الْوَرَثَةُ) وَلَوْ كَانَ إقْرَارًا بِقَبْضِ دَيْنٍ عَلَيْهِ وَلَوْ ادَّعَى الْمُقَرُّ لَهُ أَنَّ الْإِقْرَارَ كَانَ فِي الصِّحَّةِ وَكَذَّبَهُ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ فَالْقَوْلُ لَهُمْ وَلَوْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَبَيِّنَةُ الْمُقَرِّ لَهُ أَوْلَى وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ فَلَهُ أَنْ يُحَلِّفَ الْوَرَثَةَ وَالْعِبْرَةُ لِكَوْنِهِ وَارِثًا وَقْتَ الْمَوْتِ لَا وَقْتَ الْإِقْرَارِ إلَّا إذَا صَارَ وَارِثًا بِسَبَبٍ جَدِيدٍ كَالتَّزَوُّجِ وَعَقْدِ الْمُوَالَاةِ فَلَوْ أَقَرَّ لَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا صَحَّ بِخِلَافِ إقْرَارِهِ لِأَخِيهِ الْمَحْجُوبِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ أَوْ قَالَ أَعْطَيْتنِيهَا) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَمِثْلُهُ أَعْطَيْتنِيهَا دَفَعْتهَا لِي وَدِيعَةً وَنَحْوَهُ مِمَّا يَكُونُ مِنْ فِعْلِ الْمُقَرِّ لَهُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ أَجَّرْت أَوْ أَعَرْت بَعِيرِي إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ فِي يَدِ إنْسَانٍ بَعِيرٌ أَوْ ثَوْبٌ فَقَالَ مُخَاطِبًا لِزَيْدٍ إنَّك كُنْت أَجَّرْت أَوْ أَعَرْت بَعِيرِي هَذَا أَوْ ثَوْبِي هَذَا لِعَمْرٍو فَرَدَّهُ عَمْرٌو عَلَيَّ وَكَذَّبَهُ عَمْرٌو أَيْ قَالَ لَمْ أَسْتَأْجِرْهُ أَوْ لَمْ أَسْتَعِرْهُ فَالْقَوْلُ لِلْمُقِرِّ الَّذِي هُوَ ذُو الْيَدِ وَلَا يَكُونُ قَوْلُهُ لِزَيْدٍ أَجَّرْته أَوْ أَعَرْته إقْرَارًا لِزَيْدٍ بِالْمِلْكِ لِقَوْلِهِ بَعِيرِي أَوْ ثَوْبِي تَأَمَّلْ. [بَابُ إقْرَارِ الْمَرِيضِ] (بَابُ إقْرَارِ الْمَرِيضِ) (قَوْلُهُ إذَا لَمْ تَكُنْ الْعَيْنُ فِي يَدِهِ) أَيْ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَإِنْ كَانَتْ كَانَ أَوْلَى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 254 إذَا صَارَ غَيْرَ مَحْجُوبٍ وَلَوْ وَهَبَ لِأَجْنَبِيَّةٍ أَوْ أَوْصَى لَهَا ثُمَّ نَكَحَهَا بَطَلَتْ وَلَوْ أَقَرَّ لِوَارِثِهِ ثُمَّ مَاتَ الْمُقَرُّ لَهُ ثُمَّ الْمَرِيضُ وَوَرَثَةُ الْمُقَرِّ لَهُ مِنْ وَرَثَةِ الْمَرِيضِ وَإِقْرَارُهُ بِعَبْدٍ لَأَجْنَبِيٍّ فَقَالَ الْأَجْنَبِيُّ هُوَ لِفُلَانٍ وَارِثِ الْمُقِرِّ وَإِقْرَارُهُ لِمُكَاتَبِ وَارِثِهِ إقْرَارٌ لِوَارِثِهِ فَلَا يَصِحُّ بِخِلَافِ إقْرَارِهِ لِمُكَاتَبِ نَفْسِهِ بِدَيْنٍ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ وَإِقْرَارُهُ لِامْرَأَتِهِ بِدَيْنِ الْمَهْرِ صَحِيحٌ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ فَلَوْ أَقَامَتْ الْوَرَثَةُ بَيِّنَةً بَعْدَ مَوْتِهِ أَنَّهَا وَهَبَتْهُ لَهُ فِي حَيَاتِهِ هِبَةً صَحِيحَةً لَا تُقْبَلُ وَإِقْرَارُهَا لِزَوْجِهَا بِأَنْ لَا مَهْرَ لِي عَلَيْك فِي مَرَضِهَا صَحِيحٌ وَإِقْرَارُهُ لِوَارِثِهِ وَلِأَجْنَبِيٍّ بِدَيْنٍ بَاطِلٍ تَصَادَقَا عَلَى الشَّرِكَةِ أَوْ تَكَاذَبَا (وَلَوْ أَقَرَّ لِمَنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا) وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ (فَلَهَا الْأَقَلُّ مِنْ الْإِرْثِ وَالدَّيْنِ) وَإِنْ كَانَ بِسُؤَالِهَا وَإِلَّا فَلَهَا الْمِيرَاثُ بَالِغًا مَا بَلَغَ وَلَا يَصِحُّ الْإِقْرَارُ وَالْوَصِيَّةُ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ. (وَإِنْ أَقَرَّ بِغُلَامٍ مَجْهُولٍ يُولَدُ لِمِثْلِهِ أَنَّهُ ابْنُهُ وَصَدَّقَهُ الْغُلَامُ) إنْ كَانَ يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ (ثَبَتَ نَسَبُهُ وَلَوْ مَرِيضًا وَيُشَارِكُ الْوَرَثَةَ) وَإِنْ كَانَ لَهُ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ وَكَذَا إذَا لَمْ يُولَدْ لِمِثْلِهِ أَوْ لَمْ يُصَدِّقْهُ وَهُوَ يُعَبِّرُ وَالْأَصَحُّ وَتُشْتَرَطُ هَذِهِ الشَّرَائِطُ الثَّلَاثَةُ فِي صِحَّةِ الْإِقْرَارِ بِالْوَلَدِ خَلَا أَنْ لَا يَكُونَ الْمُقِرُّ ثَابِتَ النَّسَبِ مِنْ الْغَيْرِ فَكَأَنَّ الْمُقَرَّ لَهُ بِتِلْكَ الصِّفَةِ هُنَاكَ (وَصَحَّ إقْرَارُهُ بِالْوَلَدِ وَالْوَالِدَيْنِ) بِالشَّرَائِطِ الْمُتَقَدِّمَةِ (وَالزَّوْجَةِ) إنْ كَانَتْ خَالِيَةً عَنْ الزَّوْجِ وَعِدَّتِهِ وَلَيْسَ تَحْتَ الْمُقِرِّ أُخْتُهَا وَلَا أَرْبَعٌ سِوَاهَا (وَبِالْمَوْلَى) مِنْ جِهَةِ الْعَتَاقَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ وَلَاؤُهُ ثَابِتًا مِنْ جِهَةِ الْغَيْرِ (وَ) صَحَّ (إقْرَارُهَا بِمَا عَدَا الْوَلَدَ وَبِهِ إنْ شَهِدَتْ قَابِلَةٌ أَوْ صَدَّقَهَا الزَّوْجُ) إنْ كَانَ لَهَا زَوْجٌ أَوْ كَانَتْ مُعْتَدَّةً وَمُطْلَقًا إنْ لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ أَوْ كَانَتْ وَادَّعَتْ أَنَّهُ مِنْ غَيْرِهِ (وَلَا بُدَّ مِنْ تَصْدِيقِ الْمُقَرِّ لَهُ) فِي الْجَمِيعِ إلَّا فِي الْوَلَدِ إذَا كَانَ لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ وَلَوْ كَانَ الْمُقَرُّ لَهُ عَبْدًا لِغَيْرِهِ يُشْتَرَطُ تَصْدِيقُ الْمَوْلَى (وَصَحَّ التَّصْدِيقُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُقِرِّ إلَّا تَصْدِيقَ الزَّوْجِ بَعْدَ مَوْتِهَا وَإِنْ أَقَرَّ بِنَسَبٍ عَلَى غَيْرِهِ كَالْأَخِ وَالْعَمِّ وَالْجَدِّ وَابْنِ الِابْنِ لَا يَصِحُّ) فِي حَقِّ غَيْرِهِ وَيَصِحُّ فِي حَقِّ نَفْسِهِ حَتَّى تَلْزَمَهُ الْأَحْكَامُ مِنْ النَّفَقَةِ وَالْحَضَانَةِ وَالْإِرْثِ إذَا تَصَادَقَا عَلَيْهِ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ غَيْرُهُ) قَرِيبٌ أَوْ بَعِيدٌ (وَرِثَهُ وَإِلَّا لَا) . وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَوْضِعَيْنِ مِنْ وَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ أَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ فِي الْإِقْرَارِ بِنَحْوِ الْوَلَدِ عَلَى الْعُمُومِ فَيَتَعَدَّى الْإِقْرَارُ إلَى غَيْرِ الْمُقِرِّ حَتَّى إذَا أَقَرَّ بِابْنٍ وَرِثَهُ وَشَارَكَ وَرَثَتَهُ وَإِنْ جَحَدُوهُ وَيَرِثُ مِنْ أَبٍ الْمُقِرِّ وَهُوَ جَدُّ الْمُقَرِّ لَهُ وَإِنْ كَانَ الْجَدُّ يَجْحَدُ بُنُوَّتَهُ لِابْنِهِ وَيُفْسِدُ النِّكَاحَ لَوْ أَقَرَّتْ مَجْهُولَةُ النَّسَبِ أَنَّهَا بِنْتُ أَبِي زَوْجِهَا إذَا صَدَّقَهَا الْأَبُ وَفِي الْإِقْرَارِ بِنَحْوِ الْأَخِ عَلَى الْخُصُوصِ فَلَا مُشَارَكَةَ لِلْأَخِ الْمُقَرِّ لَهُ مَعَ وَرَثَتِهِ إذَا جَحَدُوا وَلَا يَرِثُ مِنْ أَبٍ لِتُقِرَّ وَأَمَّا الثَّانِي عَدَمُ صِحَّةِ رُجُوعِ الْمُقِرِّ بِنَحْوِ الْوَلَدِ وَصِحَّتُهُ بِنَحْوِ الْأَخِ حَتَّى لَوْ أَقَرَّ بِأَخٍ وَصَدَّقَهُ ثُمَّ رَجَعَ عَمَّا أَقَرَّ بِهِ ثُمَّ أَوْصَى بِمَالِهِ كُلِّهِ لِإِنْسَانٍ كَانَ كُلُّهُ لِلْمُوصَى لَهُ (وَمَنْ مَاتَ أَبُوهُ فَأَقَرَّ بِأَخٍ شَارَكَهُ فِي الْإِرْثِ وَلَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ) فَيَسْتَحِقُّ الْمُقَرُّ لَهُ نِصْفَ نَصِيبِ الْمُقِرِّ مُطْلَقًا فَلَوْ أَقَرَّ بِأُخْتٍ تَأْخُذُ ثُلُثَ مَا فِي يَدِهِ وَلَوْ أَقَرَّ ابْنٌ وَبِنْتٌ بِأَخٍ وَكَذَّبَهُمَا ابْنٌ وَبِنْتٌ يُقْسَمُ نَصِيبُ الْمُقِرَّيْنِ أَخْمَاسًا وَلَوْ أَقَرَّ بِامْرَأَةٍ أَنَّهَا زَوْجَةُ أَبِيهِ أَخَذَتْ ثُمُنَ مَا فِي يَدِهِ وَإِقْرَارُ أَحَدِ الْوَرَثَةِ بِاسْتِيفَاءِ الْمَيِّتِ دَيْنَهُ صَحِيحٌ فِي حِصَّتِهِ فَقَطْ وَيَحْلِفُ الْمُنْكِرُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ بِخِلَافِ إقْرَارِهِ بِاسْتِيفَاءِ الْبَعْضِ قَدْرَ مِيرَاثِهِ فَإِنَّهُ لَا يَحْلِفُ الْمُنْكِرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (كِتَابُ الصُّلْحِ) (هُوَ عَقْدٌ يَرْفَعُ النِّزَاعَ) وَسَبَبُهُ سَبَبُ الْمُعَامَلَاتِ تَعَلُّقُ الْمَقْدُورِ بِتَعَاطِيهِ وَرُكْنُهُ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ الْمَوْضُوعَانِ لَهُ وَشَرْطُهُ كَوْنُ الْمُصَالَحِ عَلَيْهِ مَعْلُومًا إنْ كَانَ يُحْتَاجُ إلَى قَبْضِهِ وَالْمُصَالَحُ عَنْهُ حَقًّا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ وَلَوْ غَيْرَ مَالٍ كَالْقِصَاصِ مَعْلُومًا كَانَ أَوْ مَجْهُولًا لَا مَا لَا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ كَحَقِّ الشُّفْعَةِ وَحَدِّ الْقَذْفِ وَالْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ، وَطَلَبُ الصُّلْحِ كَافٍ عَنْ الْقَبُولِ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إنْ كَانَ الْمُدَّعَى بِهِ مِمَّا لَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَتَعَيَّنُ فَلَا بُدَّ مِنْ قَبُولِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَيُشْتَرَطُ شَرَائِطُ ذَلِكَ الْعَقْدِ الْمُلْحَقِ بِهِ مِنْ بَيْعٍ وَإِجَارَةٍ وَحُكْمُهُ فِي جَانِبِ الْمُصَالَحِ عَلَيْهِ وُقُوعُ الْمِلْكِ فِيهِ لِلْمُدَّعِي سَوَاءٌ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُقِرًّا أَوْ مُنْكِرًا وَفِي الْمُصَالَحِ عَنْهُ وُقُوعُ الْمِلْكِ فِيهِ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ إنْ كَانَ مِمَّا يَحْتَمِلُ التَّمْلِيكَ كَالْمَالِ وَكَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُقِرًّا بِهِ وَإِنْ كَانَ مِمَّا   [منحة الخالق] وَإِنْ أَقَرَّ لِمَنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فِيهِ فَلَهَا الْأَقَلُّ مِنْ الْإِرْثِ وَالدَّيْنِ وَإِنْ أَقَرَّ بِغُلَامٍ مَجْهُولٍ يُولَدُ لِمِثْلِهِ أَنَّهُ ابْنُهُ وَصَدَّقَهُ الْغُلَامُ ثَبَتَ نَسَبُهُ وَلَوْ مَرِيضًا وَيُشَارِكُ الْوَرَثَةَ وَصَحَّ إقْرَارُهُ بِالْوَلَدِ وَالْوَالِدَيْنِ وَالزَّوْجَةِ وَالْمَوْلَى وَإِقْرَارُهَا بِالْوَالِدَيْنِ وَالزَّوْجِ وَالْمَوْلَى وَبِالْوَالِدِ إنْ شَهِدَتْ قَابِلَةٌ أَوْ صَدَّقَهَا زَوْجُهَا وَلَا بُدَّ مِنْ تَصْدِيق هَؤُلَاءِ وَصَحَّ التَّصْدِيقُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُقِرِّ لَا تَصْدِيقُ الزَّوْجِ بَعْدَ مَوْتِهَا وَإِنْ أَقَرَّ بِنَسَبِ نَحْوِ الْأَخِ وَالْعَمِّ لَمْ يَثْبُتْ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ غَيْرَهُ قَرِيبٌ أَوْ بَعِيدٌ وَرِثَهُ وَإِنْ كَانَ لَا وَمَنْ مَاتَ أَبُوهُ فَأَقَرَّ بِأَخٍ شَارَكَهُ فِي الْإِرْثِ وَلَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ وَإِنْ كَانَ لَا وَمَنْ مَاتَ أَبُوهُ فَأَقَرَّ بِأَخٍ شَارَكَهُ فِي الْإِرْثِ وَلَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ وَإِنْ تَرَكَ ابْنَيْنِ وَلَهُ عَلَى آخَرَ مِائَةٌ فَأَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِقَبْضِ أَبِيهِ خَمْسِينَ مِنْهَا فَلَا شَيْءَ لِلْمُقِرِّ وَلِلْآخَرِ خَمْسُونَ. [كِتَابُ الصُّلْحِ] الجزء: 7 ¦ الصفحة: 255 لَا يَحْتَمِلُ التَّمْلِيكَ كَالْقِصَاصِ، وَوُقُوعُ الْبَرَاءَةِ كَمَا إذَا كَانَ مُنْكِرًا مُطْلَقًا وَالْجَهَالَةُ فِيهِ إنْ كَانَتْ تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ كَوُقُوعِهَا فِيمَا يَحْتَاجُ إلَى التَّسْلِيمِ مَنَعَتْ صِحَّتَهُ وَإِلَّا لَا فَبَطَلَ إنْ كَانَ الْمُصَالَحُ عَلَيْهِ أَوْ عَنْهُ مَجْهُولًا يَحْتَاجُ إلَى التَّسْلِيمِ كَصُلْحِهِ بَعْدَ دَعْوَاهُ مَجْهُولًا عَلَى أَنْ يَدْفَعَ لَهُ مَالًا وَلَمْ يُسَمِّهِ. (وَهُوَ جَائِزٌ بِإِقْرَارٍ وَسُكُوتٍ وَإِنْكَارٍ) فَلَوْ أَنْكَرَ ثُمَّ صَالَحَ ثُمَّ أَقَرَّ لَا يَلْزَمُهُ مَا أَقَرَّ بِهِ وَكَذَا لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً بَعْدَ صُلْحِهِ لَا تُقْبَلُ وَلَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعِي أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ قِبَلَهُ قَبْلَ الصُّلْحِ أَوْ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَالصُّلْحُ بَعْدَ الْحَلِفِ لَا يَصِحُّ كَالصُّلْحِ مَعَ الْمُودَعِ بَعْدَ دَعْوَى الِاسْتِهْلَاكِ وَصُلْحُ الْأَبِ عَنْ مَالِ الصَّبِيِّ جَائِزٌ كَيْفَمَا كَانَ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ وَإِلَّا لَا قَوْلُهُ (فَإِنْ وَقَعَ عَنْ مَالٍ بِمَالٍ بِإِقْرَارٍ اُعْتُبِرَ بَيْعًا) إنْ كَانَ عَلَى خِلَافِ الْجِنْسِ إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ الْأُولَى إذَا صَالَحَ مِنْ الدَّيْنِ عَلَى عَبْدٍ وَصَاحِبُهُ مُقِرٌّ بِالدَّيْنِ وَقَبَضَ الْعَبْدَ لَيْسَ لَهُ الْمُرَابَحَةُ مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ، الثَّانِيَةُ إذَا تَصَادَقَا عَلَى أَنْ لَا دَيْنَ بَطَلَ الصُّلْحُ كَمَا لَوْ اسْتَوْفَى عَيْنَ حَقِّهِ ثُمَّ تَصَادَقَا أَنْ لَا دَيْنَ فَلَوْ تَصَادَقَا عَلَى أَنْ لَا دَيْنَ لَا يَبْطُلُ الشِّرَاءُ وَإِنْ وَقَعَ عَلَى جِنْسِهِ فَإِنْ كَانَ بِأَقَلَّ مِنْ الْمُدَّعَى فَهُوَ حَطٌّ وَإِبْرَاءٌ وَإِنْ كَانَ بِمِثْلِهِ فَهُوَ قَبْضٌ وَاسْتِيفَاءٌ وَإِنْ كَانَ بِأَكْثَرَ فَهُوَ رِبًا وَإِذَا اُعْتُبِرَ بَيْعًا ثَبَتَتْ أَحْكَامُهُ (فَيَثْبُتُ بِهِ الشُّفْعَةُ وَالرَّدُّ بِالْعَيْبِ وَخِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَيُفْسِدُهُ جَهَالَةُ الْأَجَلِ وَالْبَدَلِ) إنْ كَانَ مِمَّا يَحْتَاجُ إلَى التَّسْلِيمِ. (وَإِنْ اُسْتُحِقَّ بَعْضُ الْمُصَالَحِ عَنْهُ أَوْ كُلُّهُ رَجَعَ الْمُدَّعِي بِحِصَّةِ ذَلِكَ مِنْ الْعِوَضِ أَوْ كُلِّهِ وَلَوْ اُسْتُحِقَّ الْمُصَالَحُ عَلَيْهِ أَوْ بَعْضُهُ رَجَعَ بِكُلِّ الْمُصَالَحِ عَنْهُ أَوْ بِبَعْضِهِ وَإِنْ وَقَعَ عَنْ مَالٍ بِمَنْفَعَةٍ اُعْتُبِرَ إجَارَةً) فَثَبَتَ أَحْكَامُهَا (فَيُشْتَرَطُ التَّوْقِيتُ) فِيمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ كَخِدْمَةِ الْعَبْدِ وَسُكْنَى الدَّارِ بِخِلَافِ صَبْغِ الثَّوْبِ وَرُكُوبِ الدَّابَّةِ وَحَمْلِ الطَّعَامِ فَالشَّرْطُ بَيَانُ تِلْكَ الْمَنْفَعَةِ (وَتَبْطُلُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا) إنْ عَقَدَهَا لِنَفْسِهِ وَكَذَا بِفَوَاتِ الْمَحَلِّ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ وَلَوْ كَانَ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الْبَعْضِ بَطَلَ فِيمَا بَقِيَ وَيَرْجِعُ بِالْمُدَّعَى بِقَدْرِهِ وَلَوْ كَانَ الصُّلْحُ عَلَى خِدْمَةِ عَبْدٍ فَقُتِلَ إنْ كَانَ الْقَاتِلُ الْمَوْلَى بَطَلَ وَإِلَّا ضَمِنَ قِيمَتَهُ وَاشْتَرَى بِهَا عَبْدًا يَخْدُمُهُ إنْ شَاءَ كَالْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ بِخِلَافِ الْمَرْهُونِ حَيْثُ يَضْمَنُ الْمَوْلَى بِالْإِتْلَافِ وَالْعِتْقِ وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ إجَارَةً إذَا وَقَعَ عَلَى خِلَافِ الْمُدَّعَى بِهِ فَإِنْ ادَّعَى دَارًا فَصَالَحَهُ عَلَى سُكْنَاهَا شَهْرًا فَهُوَ اسْتِيفَاءٌ لِبَعْضِ حَقِّهِ لَا إجَارَةٌ فَتَصِحُّ إجَارَتُهُ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ. (وَالصُّلْحُ عَنْ سُكُوتٍ وَإِنْكَارٍ فِدَاءٌ فِي حَقِّ الْمُنْكِرِ وَمُعَاوَضَةٌ فِي حَقِّ الْمُدَّعِي) فَبَطَلَ الصُّلْحُ عَلَى دَرَاهِمَ بَعْدَ دَعْوَى دَرَاهِمَ إذَا تَفَرَّقَا قَبْلَ الْقَبْضِ (فَلَا شُفْعَةَ إنْ صَالَحَا عَنْ دَارَيْهِمَا وَيَجِبُ لَوْ صَالَحَا عَلَى دَارَيْهِمَا) وَلَا يَحِلُّ لِلْمُدَّعِي مَا أَخَذَهُ إنْ كَانَ كَاذِبًا وَلَا يَبْرَأُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَذَلِكَ مِمَّا عَلَيْهِ وَإِنْ بَرِئَ قَضَاءً إلَّا إذَا أَبْرَأَهُ الْمُدَّعِي عَمَّا بَقِيَ (وَلَوْ اُسْتُحِقَّ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ رَجَعَ الْمُدَّعِي بِالْخُصُومَةِ) مَعَ الْمُسْتَحِقِّ (وَرَدَّ الْبَدَلَ وَلَوْ بَعْضَهُ فَبِقَدْرِهِ وَلَوْ اُسْتُحِقَّ الْمُصَالَحُ عَلَيْهِ أَوْ بَعْضُهُ رَجَعَ إلَى الدَّعْوَى فِي كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ) إلَّا إذَا كَانَ مِمَّا لَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ وَهُوَ مِنْ جِنْسِ الْمُدَّعَى بِهِ فَحِينَئِذٍ يَرْجِعُ بِمِثْلِ مَا اُسْتُحِقَّ وَلَا يَبْطُلُ الصُّلْحُ كَمَا إذَا ادَّعَى أَلْفًا فَصَالَحَهُ عَلَى مِائَةٍ وَقَبَضَهَا فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمِائَةٍ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِهَا سَوَاءٌ كَانَ الصُّلْحُ بَعْدَ الْإِقْرَارِ أَوْ قَبْلَهُ كَمَا لَوْ وَجَدَهَا سَتُّوقَةً أَوْ نَبَهْرَجَةً بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ كَالدَّنَانِيرِ هُنَا إذَا اُسْتُحِقَّتْ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ فَإِنَّ الصُّلْحَ يَبْطُلُ وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ رَجَعَ بِمِثْلِهَا وَلَا يَبْطُلُ الصُّلْحُ كَالْفُلُوسِ (وَهَلَاكُ بَدَلِ الصُّلْحِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ كَاسْتِحْقَاقِهِ فِي فَصْلِ الْإِقْرَارِ وَفَصْلِ الْإِنْكَارِ وَالسُّكُوتِ) وَإِنْ ادَّعَى حَقًّا فِي دَارٍ مَجْهُولًا فَصُولِحَ عَلَى شَيْءٍ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ بَعْضُ الدَّارِ لَمْ يَرُدَّ شَيْئًا مِنْ الْعِوَضِ وَإِنْ ادَّعَى دَارًا فَصَالَحَهُ عَلَى قِطْعَةٍ مِنْهَا لَمْ يَصِحَّ حَتَّى يَزِيدَ دِرْهَمًا فِي بَدَلِ الصُّلْحِ أَوْ يُلْحِقَ بِهِ ذِكْرَ الْبَرَاءَةِ عَنْ دَعْوَى الْبَاقِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَصْلٌ الصُّلْحُ عَنْ دَعْوَى الْمَالِ] (فَصْلٌ) (الصُّلْحُ جَائِزٌ عَنْ دَعْوَى الْمَالِ) مُطْلَقًا (وَالْمَنْفَعَةِ) كَصُلْحِ الْمُسْتَأْجِرِ مَعَ الْمُؤَجِّرِ عِنْدَ إنْكَارِهِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَالصُّلْحُ بَعْدَ الْحَلِفِ لَا يَصْلُحُ) مَشَى الْمُؤَلِّفُ فِي الْأَشْبَاهِ عَلَى أَنَّهُ يَصِحُّ وَنَقَلَ الْأَوَّلَ فِي الْمِنَحِ عَنْ السِّرَاجِيَّةِ وَحَكَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْقُنْيَةِ قَالَ الْحَمَوِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْأَشْبَاهِ مَا مَشَى عَلَيْهِ فِي الْأَشْبَاهِ رِوَايَةُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَا مَشَى عَلَيْهِ فِي الْبَحْرِ قَوْلُهُمَا وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي مُعِينِ الْمُفْتِي. (فَصْلٌ) (قَوْلُهُ عَنْ دَعْوَى الْمَالِ وَالْمَنْفَعَةِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ قَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى صُورَةُ دَعْوَى الْمَنَافِعِ أَنْ يَدَّعِيَ عَلَى الْوَرَثَةِ أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى بِخِدْمَةِ هَذَا الْعَبْدِ وَأَنْكَرَ الْوَرَثَةُ لِأَنَّ الرِّوَايَةَ مَحْفُوظَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى اسْتِئْجَارَ عَيْنِ وَالْمَالِكِ يُنْكِرُ ثُمَّ صَالَحَ لَمْ يَجُزْ اهـ. وَفِي الْأَشْبَاهِ لِلشَّارِحِ الصُّلْحُ جَائِزٌ عَنْ دَعْوَى الْمَنَافِعِ إلَّا دَعْوَى إجَارَةٍ كَمَا فِي الْمُسْتَصْفَى اهـ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 256 الْإِجَارَةَ أَوْ مِقْدَارَ الْمُدَّةِ الْمُدَّعَى بِهَا أَوْ الْأُجْرَةَ وَكَذَا الْوَرَثَةُ إذَا صَالَحُوا الْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ عَلَى مَالٍ مُطْلَقًا أَوْ الْمَنَافِعِ إنْ اخْتَلَفَ جِنْسُهَا فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَا إنْ اتَّحَدَ وَإِنْ صَالَحُوهُ عَلَى ثَوْبٍ فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا كَانَ لَهُ رَدُّهُ وَالرُّجُوعُ بِالْمُوصَى بِهِ وَلَيْسَ لَهُ بَيْعُ الْمُصَالَحِ عَلَيْهِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَلَهُ الِاسْتِبْدَالُ بِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ إنْ كَانَ مِمَّا لَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ وَلَوْ اشْتَرَى الْوَارِثُ مِنْهُ الْخِدْمَةَ لَمْ يَجُزْ وَلَوْ قَالَ أَعْطَيْتُك هَذِهِ الدَّرَاهِمَ مَكَانَ خِدْمَتِك أَوْ عِوَضًا عَنْهَا أَوْ بَدَلًا أَوْ عَلَى أَنْ تَتْرُكَهَا جَازَ صُلْحًا كَقَوْلِهِ أَهَبُ لَك هَذِهِ الدَّرَاهِمَ عَلَى أَنْ تَهَبَ لِي خِدْمَتَك بِشَرْطِ قَبْضِ الدَّرَاهِمِ وَلَوْ كَانَ الْوَارِثُ اثْنَيْنِ فَصَالَحَهُ أَحَدُهُمَا عَلَى عَشْرَةِ دَرَاهِمَ عَلَى أَنْ جَعَلَ لَهُ خِدْمَةَ هَذَا الْخَادِمِ خَاصَّةً دُونَ شَرِيكِهِ لَمْ يَجُزْ. وَلَوْ بَاعَ الْوَرَثَةُ الْعَبْدَ فَأَجَازَ صَاحِبُ الْخِدْمَةِ الْبَيْعَ بَطَلَتْ خِدْمَتُهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الثَّمَنِ حَقٌّ كَدَفْعِهِ بِجِنَايَةٍ بِخِلَافِ الْمُرْتَهِنِ إذَا أَجَازَ بَيْعَ الرَّاهِنِ كَانَ الثَّمَنُ رَهْنًا وَلَوْ قُتِلَ الْعَبْدُ وَأَخَذُوا قِيمَتَهُ كَانَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَشْتَرُوا بِهَا عَبْدًا لِلْخِدْمَةِ وَصُلْحُهُمْ مَعَهُ عَلَى شَيْءٍ قَبْلَ الشِّرَاءِ جَائِزٌ كَصُلْحِهِمْ بَعْدَمَا قُطِعَتْ إحْدَى يَدَيْهِ وَأَخَذَ أَرْشَهَا وَلَوْ كَانَ الْمُوصَى بِهِ غَلَّةَ الْعَبْدِ فَصُولِحَ عَلَى دَرَاهِمَ جَازَ وَإِنْ كَانَتْ غَلَّتُهُ أَكْثَرَ وَصُلْحُ أَحَدِهِمْ عَلَى أَنَّ الْغَلَّةَ لَهُ غَيْرُ جَائِزٍ وَإِنْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ لَهُ بِغَلَّةِ مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ وَلَهُ هُنَا الْإِجَارَةُ بِخِلَافِ الْمُوصَى لَهُ بِالسُّكْنَى وَالْخِدْمَةِ وَصُلْحُهُمْ مَعَ الْمُوصَى لَهُ بِغَلَّةِ نَخْلَةٍ بَعْدَمَا خَرَجَتْ جَائِزٌ بِشَرْطِ الْقَبْضِ إنْ كَانَ إحْدَى عِلَّتَيْ الرِّبَا مَوْجُودَةً وَيَحْرُمُ الْفَضْلُ إنْ وُجِدَ الْعِلَّتَانِ وَصُلْحُهُمْ هُنَا مَعَهُ عَلَى غَلَّةِ نَخْلَةٍ أُخْرَى أَوْ غَلَّةِ عَبْدِهِ مُدَّةً مَعْلُومَةً غَيْرُ جَائِزٍ وَصُلْحُهُمْ مَعَ الْمُوصَى لَهُ بِمَا فِي بَطْنِ أَمَتِهِ الْحَامِلِ عَلَى دَرَاهِمَ مَعْلُومَةٍ جَائِزٌ بِخِلَافِ بَيْعِهِ وَصُلْحِ أَحَدِهِمْ عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ خَاصَّةً وَإِذَا وَلَدَتْ مَيِّتًا هُنَا بَطَلَ الصُّلْحُ بِخِلَافِ مَا لَوْ ضَرَبَ إنْسَانٌ بَطْنَهَا فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا وَالْأَرْشُ لَهُمْ وَمُضِيُّ أَكْثَرِ مُدَّةِ الْحَمْلِ قَبْلَ وَضْعِهَا مُبْطِلٌ لِلصُّلْحِ كَصُلْحِ الْأَجْنَبِيِّ عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ وَالصُّلْحُ فِي كُلِّ جِنَايَةٍ فِيهَا قِصَاصٌ عَلَى مَا قَلَّ مِنْ الْمَالِ أَوْ كَثُرَ جَائِزٌ. وَلَوْ صَالَحَهُ مِنْ الْجِرَاحِ أَوْ الْجِرَاحَةِ أَوْ الضَّرْبَةِ أَوْ الْقَطْعِ أَوْ الشَّجَّةِ أَوْ الْيَدِ عَلَى شَيْءٍ ثُمَّ بَرِئَ فَهُوَ جَائِزٌ وَإِنْ مَاتَ بَطَلَ وَعَلَيْهِ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ وَإِنْ كَانَ الْجُرْحُ خَطَأً فَعَلَى عَاقِلَتِهِ إلَّا إذَا صَالَحَهُ عَنْهُ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهُ فَهُوَ مَاضٍ عَاشَ أَوْ مَاتَ وَصُلْحُ الْمَرِيضِ الْمَجْرُوحِ عَنْ الْعَمْدِ نَافِذٌ مُطْلَقًا وَعَنْ الْخَطَأِ مِنْ الثُّلُثِ إنْ كَانَ فِيهِ حَطٌّ وَصُلْحُهُ عَنْ أُصْبُعٍ قَطَعَهُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً عَلَى شَيْءٍ لَا يُوجِبُ بَرَاءَتَهُ عَنْ أُصْبُعٍ أُخْرَى شُلَّتْ كَصُلْحِهِ عَنْ مُوضِحَةٍ فَصَارَتْ مُنَقِّلَةً فَإِنَّهُ يَجِبُ أَرْشُهَا وَهُوَ عَشْرٌ وَنِصْفٌ مِنْ الدِّيَةِ وَصُلْحُ أَحَدِ الْوَرَثَةِ مِنْ حِصَّتِهِ مَعَ الْقَاتِلِ عَمْدًا عَلَى شَيْءٍ صَحِيحٌ وَلَا شَيْءَ لِلْبَقِيَّةِ مِنْهُ وَكُلُّ مَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ صَدَاقًا فِي النِّكَاحِ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ عِوَضًا فِي الصُّلْحِ عَنْ الْقِصَاصِ وَلَهُ التَّصَرُّفُ فِي بَدَلِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَتَجِبُ قِيمَتُهُ لَوْ هَلَكَ كَمَا لَوْ اُسْتُحِقَّ وَلَا يَبْطُلُ الصُّلْحُ وَيَرُدُّهُ بِالْعَيْبِ الْفَاحِشِ وَيَرْجِعُ بِقِيمَتِهِ لَا بِالْيَسِيرِ كَالصَّدَاقِ وَلَوْ ظَهَرَ الْبَدَلُ حُرًّا وَجَبَ عَلَى الْقَاتِلِ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ كَوُجُوبِ مَهْرِ الْمِثْلِ فِي الصَّدَاقِ وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الْبَدَلِ فَالْقَوْلُ لِلْقَاتِلِ مَعَ يَمِينِهِ بِخِلَافِ الصَّدَاقِ يُرْجَعُ فِيهِ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ وَنَظِيرُ الْأَوَّلِ الْخُلْعُ وَصُلْحُ أَحَدِ الْوَرَثَةِ مَعَ الْقَاتِلِ خَطَأً يُوجِبُ شَرِكَةَ الْبَقِيَّةِ مَعَهُ إنْ شَاءُوا إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْمُصَالِحُ أَنْ يُعْطِيَهُمْ مَا خَصَّهُمْ مِنْ الْأَرْشِ كَالدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ وَلَوْ صَالَحَهُ مِنْ الْخَطَأِ عَلَى عِوَضٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ لَمْ يَجُزْ وَكَذَا الْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ. وَهَلَاكُ بَدَلِ الصُّلْحِ هُنَا قَبْلَ قَبْضِهِ أَوْ اسْتِحْقَاقِهِ مُوجِبٌ نَسْخَهُ وَلَهُ رَدُّهُ بِالْعَيْبِ وَلَوْ يَسِيرًا وَلَيْسَ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ كَالْبَيْعِ وَصُلْحُهُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ عَلَى مَنْفَعَةٍ كَالسُّكْنَى وَالْخِدْمَةِ لِمُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ جَائِزٌ كَالصَّدَاقِ بِخِلَافِ مَا فِي بَطْنِ أَمَتِهِ أَوْ غَلَّةِ نَخْلَةٍ وَلَوْ لِمُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ بِخِلَافِ الْخُلْعِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ وَتَجِبُ الدِّيَةُ إذَا فَسَدَتْ التَّسْمِيَةُ لَا الْقَوَدُ بِخِلَافِ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرِ لَا يَجِبُ شَيْءٌ وَالصُّلْحُ عَنْ الْقَوَدِ عَلَى عَفْوٍ عَنْ الْقَوَدِ صَحِيحٌ وَلَا يَصْلُحُ الْعَفْوُ عَنْهُ أَنْ يَكُونَ صَدَاقًا فَالْكُلِّيَّةُ الْمُتَقَدِّمَةُ غَيْرُ مُنْعَكِسَةٍ وَلِلْأَبِ أَنْ يُصَالِحَ عَنْ دَمِ عَمْدٍ وَاجِبٍ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ أَوْ الْمَعْتُوهِ عَلَى الدِّيَةِ وَلَا يَجُوزُ حَطُّهُ مِنْهَا وَلَوْ يَسِيرًا بِخِلَافِ الْبَيْعِ بِالْغَبْنِ الْيَسِيرِ وَكَذَلِكَ الْوَصِيُّ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ لَهُ   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 257 الصُّلْحُ كَالِاسْتِيفَاءِ وَلَيْسَ لَهُ الْأَمْرَانِ فِي النَّفْسِ وَالْإِمَامُ كَالْأَبِ لَا الْوَصِيِّ وَصُلْحُ الْمَوْلَى عَنْ عَبْدِهِ الْقَاتِلِ عَمْدًا مَعَ أَحَدِ الْوَرَثَةِ عَلَى دَفْعِ نَفْسِ الْعَبْدِ يُوجِبُ شَرِكَةَ الْبَقِيَّةِ أَوْ الْفِدَاءَ وَصُلْحُهُ عَنْ أَمَتِهِ الْقَاتِلَةِ خَطَأً مَعَ أَحَدِهِمْ عَلَى دَفْعِ وَلَدِهَا الْحَادِثِ اخْتِيَارٌ مِنْ الْمَوْلَى لِلْفِدَاءِ فَتَرْجِعُ الْبَقِيَّةُ عَلَيْهِ بِحِصَّتِهِمْ مِنْ الدِّيَةِ وَصُلْحُهُ مَعَ الْقَاطِعَةِ يَدَهُ عَمْدًا عَلَى أَنْ يَتَزَوَّجَهَا صَحِيحٌ إنْ لَمْ يَمُتْ مِنْهَا فَإِنْ مَاتَ بَطَلَ وَعَلَيْهَا الدِّيَةُ فِي مَالِهَا وَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ وَإِنْ خَطَأً فَعَلَى عَاقِلَتِهَا وَلَا تَرِثُ مِنْهُ وَصُلْحُهَا مَعَ زَوْجِهَا الْجَارِحِ لَهَا عَمْدًا عَلَى أَنْ يَخْلَعَهَا صَحِيحٌ إلَّا إذَا مَاتَتْ فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ وَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ وَعَلَى أَنْ يُطَلِّقَهَا كَذَا وَالطَّلَاقُ رَجْعِيٌّ وَصُلْحُ الْمُكَاتَبِ الْقَاتِلِ عَمْدًا عَلَى شَيْءٍ صَحِيحٌ إنْ لَمْ يُرَدَّ فِي الرِّقِّ وَإِنْ رُدَّ بَطَلَ الْمَالُ عَنْهُ إلَّا إذَا أُعْتِقَ وَلَوْ كَانَ بِهِ كَفِيلٌ أُخِذَ لِلْحَالِ وَلَوْ كَانَ لِلْمَقْتُولِ وَلِيَّانِ فَصَالَحَ الْمُكَاتَبُ أَحَدَهُمَا ثُمَّ عَجَزَ تَأَخَّرَ نَصِيبُ الْمُصَالَحِ إلَى عِتْقِهِ وَلِغَيْرِهِ مُطَالَبَةُ الْمَوْلَى بِالدَّفْعِ بِحِصَّتِهِ أَوْ بِالْفِدَاءِ وَصُلْحُ الْمَأْذُونِ الْقَاتِلِ عَمْدًا عَنْ نَفْسِهِ غَيْرُ صَحِيحٍ وَعَنْ عَبْدِهِ صَحِيحٌ وَسَقَطَ الْقَوَدُ فِي الْكُلِّ وَتَأَخَّرَ فِي الْأَوَّلِ إلَى مَا بَعْدَ الْعِتْقِ. (وَالصُّلْحُ عَنْ الْحُدُودِ لَا يَصِحُّ) وَلَوْ عَنْ حَدِّ الْقَذْفِ وَلَوْ عَنْ الْإِبْرَاءِ عَنْهُ بِخِلَافِ صُلْحِهِ بَعْدَ دَعْوَى السَّرِقَةِ عَلَيْهِ عَلَى أَنْ أَبْرَأَهُ عَنْهَا فَإِنَّهُ صَحِيحٌ وَعَلَى أَنْ يُقِرَّ لَهُ بِهَا فَأَقَرَّ فَإِنْ كَانَتْ الْعَيْنُ قَائِمَةً تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فَالصُّلْحُ جَائِزٌ وَإِنْ كَانَتْ مُسْتَهْلَكَةً أَوْ دَرَاهِمَ لَا تَتَعَيَّنُ فَبَاطِلٌ إنْ كَانَ الْمَسْرُوقُ دَرَاهِمَ وَإِنْ اخْتَلَفَ الْجِنْسُ فَصَحِيحٌ وَلَوْ فِي حَالَةِ الِاسْتِهْلَاكِ وَصُلْحُهُ بَعْدَ دَعْوَاهَا أَنَّ هَذَا وَلَدَهُ لِتَتْرُكَهَا بَاطِلٌ كَصُلْحِ رَجُلٍ مَعَ مَنْ تَعَدَّى عَلَى طَرِيقِ الْعَامَّةِ كَبِنَاءِ ظُلَّةٍ إلَّا إذَا كَانَ إمَامًا بِخِلَافِ الطَّرِيقِ الْخَاصِّ وَلَا يَسْقُطُ بِهِ حَقُّ الْبَاقِينَ إلَّا بِرِضَاهُمْ. (وَجَازَ الصُّلْحُ عَنْ دَعْوَى النِّكَاحِ) سَوَاءٌ كَانَ هُوَ الْمُدَّعِي أَوْ هِيَ وَلَوْ صَالَحَهَا عَلَى أَنْ تُقِرَّ بِهِ جَازَ وَيَجِبُ الْمَالُ وَيَكُونُ ابْتِدَاءَ نِكَاحٍ فَيَحْتَاجُ إلَى الشُّهُودِ (وَ) صَحَّ عَنْ دَعْوَى (الرِّقِّ وَكَانَ) فِي حَقِّ الْمُدَّعِي (عِتْقًا عَلَى مَالٍ) وَفِي حَقِّ الْآخَرِ دَفْعًا لِلْخُصُومَةِ فَصَحَّ عَلَى جَوَازِهِ فِي الذِّمَّةِ إلَى أَجَلٍ كَالْكِتَابَةِ وَلَا وَلَاءَ لِلْمُدَّعِي إلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً بَعْدَهُ فَتُقْبَلُ فِي ثُبُوتِ الْوَلَاءِ لَا فِي كَوْنِهِ رَقِيقًا وَكَذَا فِي كُلِّ مَوْضِعٍ أَقَامَ بَيِّنَةً بَعْدَ الصُّلْحِ لَا يَسْتَحِقُّ الْمُدَّعَى بِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَتَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِبَدَلِ الصُّلْحِ هُنَا بِخِلَافِهَا بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ وَلَوْ أَقَامَتْ بَيِّنَةً بَعْدَ صُلْحِهَا مَعَهُ عَلَى أَنَّهُ أَعْتَقَهَا قَبْلَ الصُّلْحِ أَوْ أَنَّهَا حُرَّةُ الْأَصْلِ رَجَعَتْ عَلَيْهِ بِمَا أَخَذَهُ وَلَوْ أَقَامَتْهَا أَنَّ فُلَانًا أَعْتَقَهَا قَبْلَهُ لَا تُقْبَلُ وَلَا يَصِحُّ الصُّلْحُ عَنْ دَعْوَى الْعِتْقِ مِنْ الْعَبْدِ عَلَى الْمَوْلَى وَيَصِحُّ لَوْ دُفِعَ الْعَبْدُ لِلْمَوْلَى عَلَى إمْضَاءِ الْعِتْقِ كَمَا تَقَدَّمَ وَتُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْعَبْدِ بَعْدَهُ عَلَى الْعِتْقِ وَالْأَمَةُ كَالْعَبْدِ وَإِذَا ادَّعَى الْمُكَاتَبُ أَنَّ مَوْلَاهُ أَعْتَقَهُ قَبْلَ الْأَدَاءِ فَصَالَحَهُ عَلَى حَطِّ النِّصْفِ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ ثُمَّ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهُ كَانَ أَعْتَقَهُ قَبْلَ ذَلِكَ فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ وَالصُّلْحُ عَنْ الْمَغْصُوبِ الْهَالِكِ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِالْقِيمَةِ جَائِزٌ فَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْغَاصِبِ بَعْدَهُ عَلَى أَنَّ قِيمَتَهُ أَقَلُّ مِمَّا صَالَحَ عَلَيْهِ وَلَا رُجُوعَ لِلْغَاصِبِ لَوْ تَصَادَقَا بَعْدَهُ عَلَى أَنَّهَا أَقَلُّ. (وَلَوْ أَعْتَقَ مُوسِرٌ عَبْدًا مُشْتَرَكًا فَصَالَحَ الشَّرِيكَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ قِيمَتِهِ لَا) يَجُوزُ كَالصُّلْحِ فِي الْأَوَّلِ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِالْقِيمَةِ، وَصُلْحُ رَبِّ الْعَيْنِ مَعَ الْغَاصِبِ بَعْدَ اسْتِهْلَاكٍ آخَرَ عَلَى أَقَلَّ مِنْ الْقِيمَةِ صَحِيحٌ وَلِلْغَاصِبِ الرُّجُوعُ عَلَى الْمُسْتَهْلِكِ بِجَمِيعِ الْقِيمَةِ وَيَتَصَدَّقُ بِالْفَضْلِ وَلِلْمَالِكِ صُلْحُ الْمُسْتَهْلِكِ عَلَى الْأَقَلِّ وَلَا يَتَصَدَّقُ بِشَيْءٍ وَصَحَّ تَأْجِيلُ بَدَلِ الْمَغْصُوبِ الْمُصَالَحِ عَلَيْهِ بَعْدَ إبَاقِهِ إذَا كَانَ مِمَّا لَا يَتَعَيَّنُ إلَّا إذَا كَانَ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا مَوْصُوفًا مُؤَجَّلًا فَهُوَ فَاسِدٌ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ مُؤَجَّلًا وَفَارَقَهُ قَبْلَ التَّعْيِينِ وَإِنْ كَانَ بِعَيْنِهِ لَمْ يَبْطُلْ بِالِافْتِرَاقِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَإِنْ كَانَ الْمُصَالَحُ عَنْهُ الْمَغْصُوبُ قَائِمًا جَازَ تَأْجِيلُ بَدَلِهِ مُطْلَقًا وَكَانَ بَيْعًا وَلَوْ ادَّعَى الْغَاصِبُ عَدَمَ إبَاقِهِ وَأَنَّهُ فِي بَيْتِهِ وَالْمَوْلَى إبَاقَهُ ثُمَّ صَالَحَهُ عَلَى طَعَامٍ مُؤَجَّلٍ جَازَ عَمَلًا بِقَوْلِ الْغَاصِبِ لِكَوْنِ الْعِوَضِ مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِ وَلِدَعْوَاهُ الصِّحَّةَ كَشِرَائِهِ عَبْدًا أَقَرَّ بِحُرِّيَّتِهِ نَظَرًا إلَى زَعْمِ الْبَائِعِ وَقَبُولِ قَوْلِهِ فِي مِقْدَارِهِ وَلَوْ كَانَ الْمَغْصُوبُ مَكِيلًا قَائِمًا فَالصُّلْحُ عَلَى مَوْزُونٍ مُؤَجَّلٍ صَحِيحٌ وَعَلَى مَكِيلٍ نَسِيئَةٍ لَا وَإِنْ كَانَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَلَيْسَ لَهُ الْأَمْرُ إنَّ فِي النَّفْسِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ ذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ فِي الْجِنَايَاتِ أَنَّ لَهُ الصُّلْحَ فِي رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَبَيَّنَ وَجْهَ كُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ فَرَاجِعْهُ وَتَأَمَّلْ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 258 مُسْتَهْلَكًا لَا يَجُوزُ نَسِيئَةً مُطْلَقًا إلَّا عَلَى طَعَامٍ مِثْلِهِ فَيَجُوزُ وَلَوْ مُؤَجَّلًا مُطْلَقًا إلَّا عَلَى أَكْثَرَ مِنْهُ فَلَا وَلَوْ حَالًّا. وَلَوْ غَصَبَ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا وَلَوْ مِمَّا لَا يَتَعَيَّنُ فَصَالَحَهُ مِنْهُ عَلَى نِصْفِهِ أَوْ نِصْفِ مِثْلِهِ وَالْمَغْصُوبُ قَائِمٌ جَازَ إنْ كَانَ الْمَغْصُوبُ غَائِبًا كَهَلَاكِهِ وَيَجِبُ عَلَى الْغَاصِبِ رَدُّ الْبَاقِي عَلَى الْمَغْصُوبِ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ حَاضِرًا وَهُوَ مُقِرٌّ بِهِ فَصَالَحَهُ عَلَى نِصْفِهِ بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْبَاقِي لَا يَجُوزُ وَيَلْزَمُهُ دَفْعُ الْكُلِّ لِأَنَّ الْمَغْصُوبَ الْقَائِمَ بَعْدَ الْإِبْرَاءِ مِنْهُ يَكُونُ أَمَانَةً وَلَا يَكُونُ مِلْكًا لِلْغَاصِبِ وَإِنْ كَانَ عَرْضًا كَعَبْدٍ وَثَوْبٍ فَصَالَحَهُ عَلَى نِصْفِهِ وَهُوَ غَائِبٌ لَا يَجُوزُ مُقِرًّا كَانَ الْغَاصِبُ أَوْ مُنْكِرًا وَأَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ فِي الْعَرْضِ إذَا صَالَحَ الْغَاصِبَ لَهُ مِنْ نَصِيبِهِ عَلَى دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ بَعْدَ اسْتِهْلَاكِهِ شَرِكَهُ فِيهِ الْآخَرُ كَالدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ وَعَلَى عَرْضٍ خُيِّرَ الْقَابِضُ إنْ شَاءَ أَعْطَاهُ نِصْفَهُ أَوْ رُبْعَ قِيمَةِ الْعَرْضِ بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَرَى بِنَصِيبِهِ ثَوْبًا فَإِنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ دَفْعِ نَصِيبِهِ أَوْ دَفْعِ نِصْفِ الْقِيمَةِ لِكَوْنِهِ مَبْنِيًّا عَلَى الِاسْتِقْصَاءِ وَالصُّلْحِ عَلَى الْمُمَاكَسَةِ وَإِنْ كَانَ قَائِمًا حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا لَا يُشَارِكُهُ الْآخَرُ كَمَا لَوْ بَاعَ أَحَدُهُمَا حِصَّتَهُ وَلَا يَكُونُ الْغَاصِبُ مُقِرًّا بِهَذَا الصُّلْحِ لِلْمُصَالَحِ مَعَهُ فَلَا يَكُونُ مُقِرًّا لِلشَّرِيكِ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى وَإِنْ كَانَ الْمَغْصُوبُ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا فَصَالَحَهُ أَحَدُهُمَا عَلَى غَيْرِ جِنْسِهِ وَهُوَ غَائِبٌ شَارَكَهُ الْآخَرُ كَالْمُسْتَهْلَكِ وَإِنْ كَانَ حَاضِرًا مُقِرًّا بِهِ لَا أَوْ مُنْكِرًا لَا وَلَوْ ادَّعَيَا أَنَّ هَذِهِ الدَّارَ مِيرَاثُ أَبِيهِمَا فَصَالَحَ رَبُّ الدَّارِ أَحَدَهُمَا لَمْ يُشَارِكْهُ الْآخَرُ سَوَاءٌ كَانَ الْمُصَالَحُ مُنْكِرًا أَوْ مُقِرًّا. (وَمَنْ وَكَّلَ رَجُلًا بِالصُّلْحِ عَنْهُ فَصَالَحَ لَمْ يَلْزَمْ الْوَكِيلَ مَا صَالَحَ عَلَيْهِ) وَالْمَالُ لَازِمٌ لِلْمُوَكِّلِ إذَا كَانَ عَنْ دَمٍ عَمْدًا وَعَلَى بَعْضِ مَا يَدَّعِيهِ مِنْ الدَّيْنِ وَلَوْ بَعْدَ الْإِقْرَارِ إلَّا أَنْ يُضِيفَهُ الْوَكِيلُ أَوْ كَانَ عَنْ مَالٍ بِمَالٍ عَلَى إقْرَارٍ وَعَلَى إنْكَارٍ لَا يَلْزَمُهُ مُطْلَقًا وَالْأَمْرُ بِالصُّلْحِ أَمْرٌ بِالضَّمَانِ فَلَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ إنْ أَدَّى بِغَيْرِ أَمْرِهِ كَالْخُلْعِ بِخِلَافِ الْأَمْرِ بِالنِّكَاحِ لِصِحَّتِهِمَا مِنْ الْأَجْنَبِيِّ بِلَا أَمْرٍ بِخِلَافِهِ وَهُوَ عَلَى أَوْجُهٍ إنْ صَالَحَ بِمَالٍ وَضَمِنَهُ تَمَّ وَهُوَ مُتَبَرِّعٌ لَا شَيْءَ لَهُ مِنْ الْمُصَالَحِ عَنْهُ بَلْ هُوَ لِلَّذِي فِي يَدِهِ مُقِرًّا كَانَ أَوْ مُنْكِرًا إلَّا إذَا كَانَ عَنْ عَيْنٍ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُقِرٌّ فَهِيَ لِلْمُصَالَحِ وَكَذَا إنْ صَالَحَهُ عَلَى مَالِ نَفْسِهِ كَأَلْفِي هَذَا وَعَبْدِي صَحَّ وَلَزِمَهُ التَّسْلِيمُ وَكَذَا لَوْ قَالَ صَالِحْ فُلَانًا عَلَى أَلْفٍ وَسَلِّمْهَا وَإِنْ لَمْ يُسَلِّمْهَا فَهُوَ مَوْقُوفٌ إنْ أَجَازَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ جَازَ وَلَزِمَهُ الْأَلْفُ وَإِلَّا بَطَلَ إلَّا إذَا قَالَ صَالَحَنِي فَفَرْقٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ صَالِحْ فُلَانًا وَالْخَامِسُ أَنْ يَقُولَ صَالِحْ فُلَانًا عَلَى هَذِهِ الْأَلْفِ أَوْ عَلَى هَذَا الْعَبْدِ مِنْ غَيْرِ نِسْبَةٍ لَهُ فَهُوَ كَالْإِضَافَةِ إلَى نَفْسِهِ وَفِي صَالَحْتُك عَلَى أَلْفٍ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ مِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ مَوْقُوفًا وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ نَافِذًا وَالْأَوَّلُ أَوْلَى وَلَوْ اسْتَحَقَّ الْعِوَضَ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا أَوْ وَجَدَ زُيُوفًا أَوْ سَتُّوقَةً لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْمُصَالِحِ وَيَرْجِعُ بِالدَّعْوَى إلَّا إذَا ضَمِنَ الْمُصَالِحُ اهـ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الصُّلْحِ فِي الدَّيْنِ] وَكُلُّ شَيْءٍ وَقَعَ عَلَيْهِ (الصُّلْحُ) وَهُوَ مِنْ جِنْسِ مَا يَسْتَحِقُّهُ الْمُدَّعِي عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (بِعَقْدِ الْمُدَايَنَةِ) أَيْ الْبَيْعِ بِالدَّيْنِ لَمْ يُحْمَلْ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ وَإِنَّمَا هُوَ (أَخْذٌ لِبَعْضِ حَقِّهِ وَإِسْقَاطٌ لِلْبَاقِي فَلَوْ صَالَحَ عَنْ أَلْفٍ عَلَى نِصْفِهِ أَوْ عَلَى أَلْفٍ مُؤَجَّلٍ) أَوْ خَمْسِمِائَةٍ مُؤَجَّلَةٍ أَوْ عَنْ أَلْفٍ جِيَادٍ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ زُيُوفٍ حَالَّةٍ أَوْ مُؤَجَّلَةٍ أَوْ عَنْ أَلْفٍ مُؤَجَّلَةٍ عَلَى أَلْفٍ حَالَّةٍ مَقْبُوضَةٍ أَوْ عَنْ أَلْفٍ سُودٍ عَلَى أَلْفٍ بِيضٍ مَقْبُوضَةٍ أَوْ عَنْ أَلْفِ دِرْهَمٍ وَمِائَةِ دِينَارٍ عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ حَالَّةٍ أَوْ مُؤَجَّلَةٍ أَوْ عَنْ أَلْفٍ مُؤَجَّلَةٍ بَدَلَ الْكِتَابَةِ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ حَالَّةٍ (جَازَ) وَعَنْ أَلْفٍ مُؤَجَّلَةٍ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ حَالَّةٍ فِي غَيْرِ الْمُكَاتَبِ أَوْ عَنْ أَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى دَنَانِيرَ مُؤَجَّلَةٍ أَوْ عَنْ أَلْفٍ سُودٍ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ بِيضٍ أَوْ عَنْ أَلْفٍ عَلَى طَعَامٍ مَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ مُؤَجَّلٍ أَوْ غَيْرِ مُؤَجَّلٍ غَيْرِ مَقْبُوضٍ لَمْ يَجُزْ وَالْأَصْلُ أَنَّهُ مَتَى كَانَ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ الصُّلْحُ أَدْوَنَ مِنْ حَقِّهِ قَدْرًا أَوْ وَصْفًا أَوْ فِي إحْدَاهُمَا فَهُوَ إسْقَاطٌ لِلْبَعْضِ وَاسْتِيفَاءٌ لِلْبَاقِي وَإِنْ كَانَ أَزْيَدَ مِنْهُ بِمَعْنَى أَنَّهُ دَخَلَ فِيهِ مَا لَا يَسْتَحِقُّ مِنْ وَصْفٍ أَوْ مَا هُوَ بِمَعْنَى الْوَصْفِ كَتَعْجِيلِ الْمُؤَجَّلِ وَعَنْ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ فَهُوَ مُعَاوَضَةٌ وَيَجُوزُ الصُّلْحُ بِدَرَاهِمَ عَنْ دَرَاهِمَ مَجْهُولَةٍ فِي الذِّمَّةِ   [منحة الخالق] بَابُ الصُّلْحِ فِي الدَّيْنِ) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 259 (وَمَنْ لَهُ عَلَى آخَرَ أَلْفٌ فَقَالَ أَدِّ غَدًا نِصْفَهُ عَلَى أَنَّك بَرِيءٌ مِنْ الْفَضْلِ فَفَعَلَ بَرِئَ وَإِلَّا لَا) وَكَذَا لَوْ قَالَ وَأَنْتَ بَرِيءٌ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَى أَنَّك إنْ لَمْ تَدْفَعْهَا إلَيَّ غَدًا فَلَا تَبْرَأُ عَنْ الْبَاقِي وَلَوْ قَالَ أَبْرَأْتُك عَنْ كَذَا عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي كَذَا فَإِنَّهُ يَبْرَأُ وَإِنْ لَمْ يُؤَدِّ غَدًا وَكَذَا لَوْ قَالَ أَدِّ إلَيَّ كَذَا عَلَى أَنَّك بَرِيءٌ مِنْ بَاقِيهِ وَلَمْ يُوَقِّتْ وَلَوْ قَالَ إنْ أَدَّيْت إلَيَّ خَمْسَمِائَةٍ أَوْ إذَا أَدَّيْت أَوْ مَتَى أَدَّيْت فَأَنْت بَرِيءٌ مِنْ الْبَاقِي لَمْ يَصْلُحْ مُطْلَقًا لِعَدَمِ صِحَّةِ تَعْلِيقِ الْبَرَاءَةِ بِصَرِيحِ الشَّرْطِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بِمَعْنَاهُ (وَمَنْ قَالَ لِآخَرَ لَا أُقِرُّ لَك بِمَا لَك حَتَّى تُؤَخِّرَهُ عَنِّي أَوْ تَحُطَّ) بَعْضَهُ (فَفَعَلَ صَحَّ) إنْ قَالَ ذَلِكَ سِرًّا وَإِنْ قَالَ عَلَانِيَةً يُؤْخَذُ بِهِ وَلَوْ ادَّعَى أَلْفًا فَجَحَدَهُ فَقَالَ أَقْرِرْ لِي بِهَا عَلَى أَنْ أَحُطَّ مِنْهَا مِائَةً أَوْ عَلَى أَنْ حَطَطْت مِنْهَا مِائَةً فَأَقَرَّ جَازَ بِخِلَافِ قَوْلِهِ عَلَى أَنْ أُعْطِيَك مِائَةً لِأَنَّ الْإِقْرَارَ لَا يَسْتَحِقُّ بِهِ الْبَدَلَ وَلَوْ قَالَ إنْ أَقْرَرْت لِي حَطَطْت مِنْهَا مِائَةً فَأَقَرَّ صَحَّ الْإِقْرَارُ لَا الْحَطُّ كَذَا فِي الْمُجْتَبَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَصْلٌ فِي الدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ) الدَّيْنُ الْمُشْتَرَكُ بِسَبَبٍ مُتَّحِدٍ كَثَمَنِ مَبِيعٍ بِيعَ صَفْقَةً وَاحِدَةً عَيْنًا وَاحِدَةً أَوْ أَعْيَانًا بِلَا تَفْصِيلِ ثَمَنٍ أَوْ قِيمَةٍ عَيْنٍ مُشْتَرَكَةٍ مُسْتَهْلَكَةٍ أَوْ بَدَلِ قَرْضٍ أَوْ دَيْنٍ مَوْرُوثٍ صَالَحَهُ أَحَدُهُمَا عَنْ نَصِيبِهِ فَإِنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ جِنْسِ الدَّيْنِ خُيِّرَ الشَّرِيكُ إنْ شَاءَ اتَّبَعَ الْمَدْيُونَ بِحِصَّتِهِ أَوْ شَرِيكَهُ فَإِنْ اخْتَارَ اتِّبَاعَ شَرِيكِهِ خُيِّرَ الْمُصَالَحُ إنْ شَاءَ دَفَعَ لَهُ حِصَّتَهُ مِنْ الْمُصَالَحِ عَلَيْهِ وَإِنْ شَاءَ ضَمِنَ لَهُ رُبْعَ الدَّيْنِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الصُّلْحِ عَنْ إقْرَارٍ أَوْ سُكُوتٍ أَوْ إنْكَارٍ وَالْحِيلَةُ فِي اخْتِصَاصِهِ بِهِ دُونَ رُجُوعِ الشَّرِيكِ عَلَيْهِ أَنْ يَهَبَهُ الْغَرِيمُ قَدْرَ دَيْنِهِ وَهُوَ يُبْرِئُهُ عَنْ دَيْنِهِ أَوْ يَبِيعَهُ الطَّالِبُ شَيْئًا يَسِيرًا بِقَدْرِ نَصِيبِهِ ثُمَّ يُبْرِئَهُ عَنْ الدَّيْنِ وَيَأْخُذَ ثَمَنَ الْمَبِيعِ وَإِنْ صَالَحَهُ عَلَى جِنْسِهِ خُيِّرَ الشَّرِيكُ إنْ شَاءَ اتَّبَعَ الْمَدْيُونَ أَوْ شَارَكَهُ ثُمَّ يَرْجِعَانِ بِالْبَاقِي عَلَى الْغَرِيمِ كَمَا لَوْ قَبَضَ فَلَوْ اخْتَارَ مُتَابَعَةَ الْغَرِيمِ ثُمَّ تَوِيَ نَصِيبُهُ بِأَنْ مَاتَ الْغَرِيمُ مُفْلِسًا رَجَعَ عَلَى الْقَابِضِ بِنِصْفِ مَا قَبَضَ وَلَوْ مِنْ غَيْرِهِ. وَلَوْ اشْتَرَى بِنَصِيبِهِ شَيْئًا ضَمَّنَهُ رُبْعَ الدَّيْنِ إنْ شَاءَ كَالِاسْتِئْجَارِ بِنِصْفِهِ وَحُدُوثِ دَيْنٍ لِلْمَطْلُوبِ عَلَى أَحَدِهِمَا حَتَّى الْتَقَيَا قِصَاصًا كَالْقَبْضِ كَتَزَوُّجِهِ الْمَدْيُونَةَ بِدَرَاهِمَ مُطْلَقَةٍ وَكَغَصْبِ أَحَدِهِمَا مِنْهُ عَيْنًا وَهَلَكَتْ عِنْدَهُ أَوْ شِرَاءً فَاسِدًا كَذَلِكَ بِخِلَافِ الدَّيْنِ الْمُتَقَدِّمِ عَلَى أَحَدِهِمَا قَبْلَ وُجُوبِ الْمُشْتَرَكِ إذَا صَارَ قِصَاصًا لَا يَكُونُ قَبْضًا كَتَزَوُّجِهِ الْمَدْيُونَةَ عَلَى نَصِيبِهِ وَكَإِتْلَافِ أَحَدِهِمَا مَتَاعَ الْمَطْلُوبِ وَصُلْحِهِ عَلَيْهِ عَنْ جِنَايَةِ عَمْدٍ وَكَإِبْرَاءِ أَحَدِهِمَا نَصِيبَهُ أَوْ عَنْ بَعْضِهِ وَاقْتَسَمَا مَا بَقِيَ بِالْحِصَّةِ فَلَيْسَ بِقَبْضٍ فَلَا يَضْمَنُ لِشَرِيكِهِ شَيْئًا وَلَوْ أَجَّلَهُ أَحَدُهُمَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا بِعَقْدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِأَنْ وَرِثَا دَيْنًا مُؤَجَّلًا فَالتَّأْجِيلُ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ وَاجِبًا بِإِدَانَةِ أَحَدِهِمَا فَإِنْ كَانَا شَرِيكَيْنِ شَرِكَةَ عَنَانٍ فَإِنْ أَخَّرَ الَّذِي وَلِيَ الْإِدَانَةَ صَحَّ تَأْجِيلُهُ فِي جَمِيعِ الدَّيْنِ وَإِنْ أَخَّرَ الَّذِي لَمْ يُبَاشِرْهَا لَمْ يَصِحَّ فِي حِصَّتِهِ أَيْضًا وَإِنْ كَانَا مُتَفَاوِضَيْنِ وَأَجَّلَ أَحَدُهُمَا أَيُّهُمَا أَجَّلَ صَحَّ تَأْجِيلُهُ كَتَأْجِيلِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ الثَّمَنَ وَإِنْ حَطَّ أَحَدُهُمَا إنْ كَانَ عَاقِدًا جَازَ حَطُّهُ بَعْضًا وَكُلًّا وَيَضْمَنُ نَصِيبَ شَرِيكِهِ إنْ حَطَّ الْكُلَّ وَإِنْ صَالَحَ أَحَدُهُمَا عَنْ عَيْنٍ اخْتَصَّ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَاقِدًا يَجُوزُ فِي نَصِيبِهِ لَا فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خان وَإِذَا صَالَحَ أَحَدُ رَبَّيْ السَّلَمِ عَنْ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا شَرِكَةً خَاصَّةً عَنْ نَصِيبِهِ عَلَى مَا دَفَعَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ تَوَقَّفَ عَلَى إجَازَةِ شَرِيكِهِ فَإِنْ رَدَّ بَطَلَ أَصْلًا وَبَقِيَ الْمُسْلَمُ فِيهِ عَلَى حَالِهِ وَإِنْ أَجَازَ نَفَذَ عَلَيْهِمَا فَيَكُونُ نِصْفُ رَأْسِ الْمَالِ بَيْنَهُمَا وَبَاقِي الطَّعَامِ بَيْنَهُمَا سَوَاءٌ كَانَ الْمَالُ مَخْلُوطًا أَوْ لَا وَإِنْ كَانَا شَرِيكَيْنِ مُفَاوَضَةً جَازَ وَلَوْ فِي الْجَمِيعِ وَعَنَانًا تُوُقِّفَ أَيْضًا إنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ تِجَارَتِهِمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَصْلٌ فِي صُلْحِ الْوَرَثَةِ) (وَلَوْ أَخْرَجَتْ الْوَرَثَةُ أَحَدَهُمْ عَنْ عَرْضٍ أَوْ عَقَارٍ بِمَالٍ أَوْ عَنْ ذَهَبٍ بِفِضَّةٍ أَوْ عَلَى الْعَكْسِ صَحَّ قَلَّ أَوْ كَثُرَ) حَمْلًا عَلَى الْمُبَادَلَةِ لَا إبْرَاءً إذْ هُوَ عَنْ الْأَعْيَانِ بَاطِلٌ كَذَا أَطْلَقَ الشَّارِحُونَ هُنَا وَاَلَّذِي تُعْطِيهِ عِبَارَاتُ الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ التَّفْصِيلُ فَإِنْ كَانَ الْإِبْرَاءُ عَنْهَا عَلَى وَجْهِ   [منحة الخالق] وَمَنْ لَهُ عَلَى آخَرَ أَلْفٌ فَقَالَ أَدِّ غَدًا نِصْفَهُ عَلَى أَنَّك بَرِيءٌ مِنْ الْفَضْلِ فَفَعَلَ بَرِئَ وَإِلَّا لَا وَمَنْ قَالَ لَا أُقِرُّ لَك بِمَالِكِ حَتَّى تُؤَخِّرَهُ عَنِّي أَوْ تَحُطَّ فَفَعَلَ صَحَّ عَلَيْهِ. [فَصْلٌ فِي الدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ] (قَوْلُهُ وَإِنْ صَالَحَهُ عَلَى جِنْسِهِ خُيِّرَ الشَّرِيكُ إلَخْ) وَلَا خِيَارَ لِلْمُصَالَحِ لِأَنَّهُ كَقَبْضِ بَعْضِ الدَّيْنِ كَمَا فِي (قَوْلِهِ وَلَوْ مِنْ غَيْرِهِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ غَيْرِ مَا قَبَضَ. اهـ. قُلْت وَعِبَارَةُ الزَّيْلَعِيِّ رَجَعَ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْحَوَالَةِ لَكِنْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي عَيْنِ تِلْكَ الدَّرَاهِمِ الْمَقْبُوضَةِ لِأَنَّ حَقَّهُ فِيهَا قَدْ سَقَطَ بِالتَّسْلِيمِ فَلَا يَعُودُ حَقُّهُ فِيهَا بِالتَّوَى وَيَعُودُ إلَى ذِمَّتِهِ فِي مِثْلِهَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 260 الْإِنْشَاءِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ عَنْ الْعَيْنِ أَوْ عَنْ الدَّعْوَى بِهَا فَإِنْ كَانَ عَنْ الْعَيْنِ فَهُوَ بَاطِلٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ لَهُ الدَّعْوَى بِهَا عَلَى الْمُخَاطَبِ وَغَيْرِهِ صَحِيحٌ مِنْ جِهَةِ الْإِبْرَاءِ عَنْ وَصْفِ الضَّمَانِ وَلِهَذَا قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ قَالُوا إنَّ عَبْدًا فِي يَدِ رَجُلٍ لَوْ قَالَ لَهُ رَجُلٌ بَرِئْت مِنْهُ كَانَ بَرِيئًا مِنْهُ وَلَوْ قَالَ أَبْرَأْتُك مِنْهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَدَّعِيَهُ وَإِنَّمَا أَبْرَأَهُ مِنْ ضَمَانِهِ اهـ. وَإِنْ كَانَ عَنْ الدَّعْوَى فَإِنْ كَانَ بِطَرِيقِ الْخُصُوصِ كَمَا إذَا أَبْرَأَهُ عَنْ دَعْوَى هَذِهِ الْعَيْنِ فَإِنَّهُ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُخَاطَبِ وَتُسْمَعُ بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِ وَلِهَذَا قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوِيهِ قُبَيْلَ كِتَابِ الْإِقْرَارِ رَجُلٌ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ دَارًا أَوْ عَبْدًا ثُمَّ قَالَ الْمُدَّعِي لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَبْرَأْتُك عَنْ هَذِهِ الدَّارِ أَوْ عَنْ خُصُومَتِي فِي هَذِهِ الدَّارِ أَوْ فِي دَعْوَايَ فِي هَذِهِ الدَّارِ فَهَذَا كُلُّهُ بَاطِلٌ حَتَّى لَوْ ادَّعَى ذَلِكَ تُسْمَعُ وَلَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ تُقْبَلُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ بَرِئْت لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ بَعْدَهُ وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ أَنَا بَرِيءٌ مِنْ هَذَا الْعَبْدِ أَوْ خَرَجْت فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَدَّعِيَ بَعْدَهُ لِأَنَّ أَبْرَأْتُك عَنْ خُصُومَتِي فِي هَذِهِ الدَّارِ خَاطَبَ الْوَاحِدَ فَلَهُ أَنْ يُخَاصِمَ غَيْرَهُ بِخِلَافِ قَوْلِهِ بَرِئْت لِأَنَّهُ أَضَافَ الْبَرَاءَةَ إلَى نَفْسِهِ مُطْلَقًا فَيَكُونُ هُوَ بَرِيئًا. اهـ. وَإِنْ كَانَ بِطَرِيقِ التَّعْمِيمِ فَلَهُ الدَّعْوَى عَلَى الْمُخَاطَبِ وَغَيْرِهِ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْقُنْيَةِ افْتَرَقَ الزَّوْجَانِ وَأَبْرَأَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ عَنْ جَمِيعِ الدَّعَاوَى وَلِلزَّوْجِ أَعْيَانٌ قَائِمَةٌ لَا تَبْرَأُ الْمَرْأَةُ مِنْهَا وَلَهُ الدَّعْوَى لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ إنَّمَا يَنْصَرِفُ إلَى الدُّيُونِ لَا الْأَعْيَانِ اهـ. وَإِنْ كَانَ الْإِبْرَاءُ عَلَى وَجْهِ الْإِخْبَارِ كَقَوْلِهِ هُوَ بَرِيءٌ مِمَّا لِي قِبَلَهُ فَهُوَ صَحِيحٌ مُتَنَاوِلٌ لِلدَّيْنِ وَالْعَيْنِ فَلَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى وَكَذَا إذَا قَالَ لَا مِلْكَ لِي فِي هَذِهِ الْعَيْنِ ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْمُحِيطِ فَعُلِمَ أَنَّ قَوْلَهُ لَا أَسْتَحِقُّ قِبَلَهُ حَقًّا مُطْلَقًا وَلَا اسْتِحْقَاقًا   [منحة الخالق] [فَصْلٌ فِي صُلْحِ الْوَرَثَةِ] (قَوْلُهُ وَلِهَذَا قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ إلَخْ) وَفِي الْخَانِيَّةِ الْإِبْرَاءُ عَنْ الْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ إبْرَاءٌ عَنْ ضَمَانِهَا وَتَصِيرُ أَمَانَةً فِي يَدِ الْغَاصِبِ وَقَالَ زُفَرُ لَا يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ وَبَرِئَ مِنْ ضَمَانِ قِيمَتِهَا اهـ. وَفِي الْخُلَاصَةِ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى إبْرَائِهِ عَنْ الْمَغْصُوبِ لَا يَكُونُ إبْرَاءً عَنْ قِيمَةِ الْمَغْصُوبِ وَإِنَّمَا هُوَ إبْرَاءٌ عَنْ ضَمَانِ الرَّدِّ لَا عَنْ ضَمَانِ الْقِيمَةِ لِأَنَّ حَالَ قِيَامِهِ الرَّدُّ وَاجِبٌ عَلَيْهِ لَا قِيمَتُهُ فَكَانَ إبْرَاءً عَمَّا لَيْسَ بِوَاجِبٍ اهـ. يَعْنِي: لَيْسَ بِوَاجِبٍ الْآنَ حَالَ قِيَامِ الْعَيْنِ حَتَّى إذَا مَنَعَهَا بَعْدَ الطَّلَبِ أَوْ اسْتَهْلَكَهَا بَعْدَ الْإِبْرَاءِ ضَمِنَ وَفِي الْأَشْبَاهِ قَوْلُهُمْ الْإِبْرَاءُ عَنْ الْأَعْيَانِ بَاطِلٌ مَعْنَاهُ لَا تَكُونُ مِلْكًا لَهُ بِالْإِبْرَاءِ وَإِلَّا فَالْإِبْرَاءُ عَنْهَا لِسُقُوطِ الضَّمَانِ صَحِيحٌ أَوْ يُحْمَلُ عَلَى الْأَمَانَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ ادَّعَى ذَلِكَ تُسْمَعُ) أَيْ لَوْ ادَّعَاهَا عَلَى غَيْرِ الْمُخَاطَبِ بِقَرِينَةِ التَّعْلِيلِ الْآتِي. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا كَانَتْ الْبَرَاءَةُ عَلَى طَرِيقِ الْخُصُوصِ أَيْ عَنْ دَعْوَى عَيْنٍ مَخْصُوصَةٍ فَإِنْ أَضَافَ الْبَرَاءَةَ عَنْ الْعَيْنِ إلَى الْمُخَاطَبِ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ بِهَا عَلَيْهِ وَتُسْمَعُ عَلَى غَيْرِهِ وَإِنْ أَضَافَهَا إلَى نَفْسِهِ لَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى عَلَى أَحَدٍ. (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ بِطَرِيقِ التَّعْمِيمِ) عَطَفَ عَلَى قَوْلِهِ فَإِنْ كَانَ بِطَرِيقِ الْخُصُوصِ يَعْنِي إنْشَاءَ الْإِبْرَاءِ عَنْ دَعْوَى الْأَعْيَانِ إنْ كَانَتْ بِطَرِيقِ التَّعْمِيمِ لَا تَصِحُّ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ أَبْرَأْتُك عَنْ كُلِّ دَعْوَى فَهَذَا شَامِلٌ لِلْعَيْنِ وَغَيْرِهَا فَلَهُ الدَّعْوَى عَلَى الْمُخَاطَبِ وَغَيْرِهِ بِالْعَيْنِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَبْرَأهُ عَنْ دَعْوَى عَيْنٍ مَخْصُوصَةٍ فَلَا يَدَّعِي بِهَا عَلَى الْمُخَاطَبِ وَلَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّهُ حَيْثُ صَحَّ إبْرَاءُ الْمُخَاطَبِ عَنْ دَعْوَى الْعَيْنِ الْمَخْصُوصَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ أَيْضًا إبْرَاؤُهُ عَنْهَا فِي صِيغَةِ التَّعْمِيمِ إذْ لَا فَرْقَ يَظْهَرُ بَلْ قَدْ يَدَّعِي الْأَوْلَوِيَّةَ فِي التَّعْمِيمِ كَيْفَ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِمْ الْإِبْرَاءُ عَنْ دَعْوَى الْأَعْيَانِ صَحِيحٌ بِخِلَافِ الْإِبْرَاءِ عَنْ الْأَعْيَانِ نَفْسِهَا وَفِي الْقُنْيَةِ لَوْ أَبْرَأهُ بَعْدَ الصُّلْحِ عَنْ جَمِيعِ دَعَاوِيهِ وَخُصُومَاتِهِ صَحَّ وَإِنْ لَمْ يُحْكَمْ بِصِحَّةِ الصُّلْحِ. اهـ. وَنَحْوُهُ فِي حَاوِي الْحَصِيرِيِّ وَأَمَّا مَا نَقَلَهُ الْمُؤَلِّفُ عَنْ الْقُنْيَةِ مُسْتَشْهِدًا بِهِ عَلَى مُدَّعَاهُ فَيُمْكِنُ تَأْوِيلُهُ لِأَنَّ عِبَارَةَ الْقُنْيَةِ فِي الْمُدَايَنَاتِ هَكَذَا افْتَرَقَ الزَّوْجَانِ وَأَبْرَأَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ عَنْ جَمِيعِ الدَّعَاوَى وَكَانَ لِلزَّوْجِ بَذْرٌ فِي أَرْضِهَا وَأَعْيَانٌ قَائِمَةٌ فَالْحَصَادُ وَالْأَعْيَانُ الْقَائِمَةُ لَا تَدْخُلُ فِي الْإِبْرَاءِ عَنْ جَمِيعِ الدَّعَاوَى اهـ. وَتَأْوِيلُهُ أَنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْنِ وَالْمُرَجَّحُ خِلَافُهُ أَوْ عَلَى أَنَّ الزَّوْجَةَ مُقِرَّةٌ بِالْحَصَادِ وَالْأَعْيَانِ بِأَنَّهَا لِلزَّوْجِ فَلِهَذَا قَالَ لَا تَدْخُلُ فِي الْإِبْرَاءِ يَعْنِي أَنَّهَا لَا تَصِيرُ مِلْكًا لِلزَّوْجَةِ وَتُؤْمَرُ بِدَفْعِهَا لِلزَّوْجِ يُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ أَبْرَأَ الْمُسْتَأْجِرُ الْآجِرَ عَنْ كُلِّ الدَّعَاوَى ثُمَّ أَدْرَكَ الزَّرْعَ فَجَاءَ الْمُسْتَأْجِرُ بَعْدَ مَا رَفَعَ الْآجِرُ الْغَلَّةَ وَادَّعَى الْغَلَّةَ قِيلَ تُسْمَعُ وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ لَا تُسْمَعُ وَلَوْ رَفَعَ الْآجِرُ الْغَلَّةَ أَوَّلًا ثُمَّ أَبْرَأَهُ الْمُسْتَأْجِرُ عَنْ الدَّعَاوَى لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَهَذَا إذَا جَحَدَ الْآجِرُ أَنْ يَكُونَ الزَّرْعُ لِلْمُسْتَأْجِرِ وَإِنْ مُقِرًّا أَنَّهُ لِلْمُسْتَأْجِرِ يُؤْمَرُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ اهـ. فَإِنْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ مُنْكِرَةً فَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى خِلَافِ الْأَشْبَهِ وَإِنْ كَانَتْ مُقِرَّةً فَلَا إشْكَالَ وَيُؤَيِّدُ أَنَّهَا مُقِرَّةٌ بِذَلِكَ قَوْلُهُ وَكَانَ لِلزَّوْجِ بَذْرٌ وَأَعْيَانٌ إلَخْ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا مُسَلِّمَةٌ لِذَلِكَ وَإِلَّا كَانَ مُقْتَضَى التَّعْبِيرِ أَنْ يُقَالَ وَادَّعَى الزَّوْجُ بَذْرًا وَأَعْيَانًا إلَخْ فَتَدَبَّرْ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ فَعُلِمَ أَنَّ قَوْلَهُ لَا أَسْتَحِقُّ قِبَلَهُ حَقًّا مُطْلَقًا إلَخْ) يُشِيرُ إلَى أَنَّ هَذَا مِنْ الْإِبْرَاءِ عَلَى وَجْهِ الْإِخْبَارِ الْمُتَنَاوِلِ لِلدَّيْنِ وَالْعَيْنِ لَكِنْ يَرُدُّ عَلَيْهِ مَا نَقَلَهُ الْإِمَامُ الْأُسْرُوشَنِيُّ فِي آخِرِ كِتَابِ أَحْكَامِ الصِّغَارِ عَنْ الْمُنْتَقَى حَيْثُ قَالَ رَجُلٌ أَوْصَى إلَى رَجُلٍ وَمَاتَ فَدَفَعَ الْوَصِيُّ إلَى الْوَارِثِ مِيرَاثَهُ وَكُلَّ شَيْءٍ كَانَ لَهُ فِي يَدَيْهِ مِنْ تَرِكَةِ أَبِيهِ وَأَشْهَدَ الِابْنُ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ قَبَضَ مِنْهُ جَمِيعَ تَرِكَةِ وَالِدِهِ فَلَمْ يَبْقَ مِنْ تَرِكَةِ وَالِدِهِ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ إلَّا وَقَدْ اسْتَوْفَاهُ ثُمَّ ادَّعَى بَعْدَ ذَلِكَ دَارًا فِي يَدِ هَذَا الْوَصِيِّ وَقَالَ هَذِهِ مِنْ تَرِكَةِ وَالِدِي تَرَكَهَا مِيرَاثًا وَلَمْ أَقْبِضْهَا قَالَ فَهُوَ عَلَى حُجَّتِهِ وَأَقْبَلُ بَيِّنَتَهُ وَأَقْضِي بِهَا لَهُ. اهـ. وَمِثْلُهُ فِي فَصْلِ الدَّعْوَى مِنْ أَدَبِ الْأَوْصِيَاءِ مَعْزِيًّا إلَى الْمُنْتَقَى وَالْخَانِيَّةِ وَالْعَتَّابِيَّةِ وَقَدْ اسْتَشْكَلَ هَذَا الْفَرْعَ الْعَلَّامَةُ الطَّرَسُوسِيُّ بِأَنَّ قَوْلَهُ وَلَمْ يَبْقَ لِي شَيْءٌ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 261 وَلَا دَعْوَى يَمْنَعُ الدَّعْوَى بِحَقٍّ مِنْ الْحُقُوقِ قَبْلَ الْإِقْرَارِ عَيْنًا كَانَ أَوْ دَيْنًا قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ وَيَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ لَا حَقَّ لِي قِبَلَ فُلَانٍ كُلُّ عَيْنٍ أَوْ دَيْنٍ وَكُلُّ كَفَالَةٍ أَوْ جِنَايَةٍ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ حَدٍّ فَإِنْ ادَّعَى الطَّالِبُ بَعْدَ ذَلِكَ حَقًّا لَمْ تُقْبَلْ بَيِّنَتُهُ عَلَيْهِ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنَّهُ بَعْدَ الْبَرَاءَةِ لِأَنَّ بِهَذَا اللَّفْظِ اسْتَفَادَ عَلَى الْعُمُومِ اهـ. وَلَا يُشْتَرَطُ فِي صُلْحِ أَحَدِ الْوَرَثَةِ الْمُتَقَدِّمِ أَنْ تَكُونَ أَعْيَانُ التَّرِكَةِ مَعْلُومَةً لَكِنْ إنْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَنْ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ بِالْآخَرِ يُعْتَبَرُ التَّقَابُضُ فِي الْمَجْلِسِ غَيْرَ أَنَّ الَّذِي فِي يَدِهِ بَقِيَّةُ التَّرِكَةِ إنْ كَانَ جَاحِدًا يُكْتَفَى بِذَلِكَ الْقَبْضِ لِأَنَّهُ قَبْضُ ضَمَانٍ فَيَنُوبُ عَنْ قَبْضِ الصُّلْحِ وَإِنْ كَانَ مُقِرًّا غَيْرَ مَانِعٍ يُشْتَرَطُ تَجْدِيدُ الْقَبْضِ وَلَوْ صَالَحُوهُ عَنْ النَّقْدَيْنِ وَغَيْرِهِمَا بِأَحَدِ النَّقْدَيْنِ لَا يَصِحُّ الصُّلْحُ مَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ مَا أَعْطَوْهُ أَكْثَرُ مِنْ نَصِيبِهِ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ إنْ كَانُوا مُتَصَادِقَيْنِ وَإِنْ أَنْكَرُوا وِرَاثَتَهُ جَازَ مُطْلَقًا بِشَرْطِ التَّقَابُضِ فِيمَا يُقَابِلُ النَّقْدَ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ قَدْرَ نَصِيبِهِ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ فَالصَّحِيحُ أَنَّ الشَّكَّ إنْ كَانَ فِي وُجُودِ ذَلِكَ فِي التَّرِكَةِ جَازَ الصُّلْحُ وَإِنْ عَلِمَ وُجُودَ ذَلِكَ فِي التَّرِكَةِ لَكِنْ لَا يَدْرِي أَنَّ بَدَلَ الصُّلْحِ مِنْ حِصَّتِهَا أَقَلُّ أَوْ أَكْثَرُ أَوْ مِثْلُهُ فَسَدَ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خان. وَلَوْ كَانَ بَدَلُ الصُّلْحِ عَرْضًا جَازَ مُطْلَقًا وَلَوْ كَانَ نَقْدَيْنِ جَازَ مُطْلَقًا بِشَرْطِ التَّقَابُضِ فِي الْمَجْلِسِ وَلَوْ كَانَ فِي التَّرِكَةِ دَيْنٌ عَلَى النَّاسِ فَأَخْرَجُوهُ لِيَكُونَ الدَّيْنُ لَهُمْ بَطَلَ وَإِنْ شَرَطُوا أَنْ يَبْرَأَ الْغُرَمَاءُ مِنْهُ صَحَّ وَلَوْ كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ يُحِيطُ بَطَلَ الصُّلْحُ وَالْقِسْمَةُ إلَّا أَنْ يَضْمَنَ الْوَارِثُ الدَّيْنَ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَرْجِعَ فِي التَّرِكَةِ أَوْ يَضْمَنَ أَجْنَبِيٌّ بِشَرْطِ بَرَاءَةِ الْمَيِّتِ أَوْ يُؤَدُّوا دَيْنَهُ مِنْ مَالٍ آخَرَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَغْرِقًا صَحَّ الصُّلْحُ وَالْقِسْمَةُ وَيَرْفَعُونَ مِنْهَا قَدْرَ الدَّيْنِ حَتَّى لَا يَحْتَاجُونَ إلَى نَقْضِ الْقِسْمَةِ وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَفْعَلُوا ذَلِكَ حَتَّى يَقْضُوا الدَّيْنَ فَإِذَا أَخْرَجُوا وَاحِدًا فَحِصَّتُهُ تُقْسَمُ بَيْنَ الْبَقِيَّةِ عَلَى السَّوَاءِ إنْ كَانَ مَا أَعْطَوْهُ مِنْ مَالِهِمْ غَيْرَ الْمِيرَاثِ وَإِنْ كَانَ مِمَّا وَرِثُوهُ فَعَلَى قَدْرِ مِيرَاثِهِمْ وَقَيَّدَهُ الْخَصَّافُ بِأَنْ يَكُونَ عَنْ إنْكَارٍ أَمَّا إذَا كَانَ عَنْ إقْرَارٍ فَهُوَ بَيْنَهُمْ عَلَى السَّوَاءِ مُطْلَقًا وَصُلْحُ أَحَدِهِمْ عَنْ بَعْضِ الْأَعْيَان صَحِيحٌ وَصُلْحُ أَحَدِهِمْ عَنْ دَعْوَى أَجْنَبِيٍّ حَقًّا فِي التَّرِكَةِ مَعَ غَيْبَةِ الْبَقِيَّةِ جَائِزٌ وَيَكُونُ مُتَبَرِّعًا فِي حِصَّةِ شُرَكَائِهِ كَالْأَجْنَبِيِّ وَإِنْ كَانَ صَالَحَ عَلَى أَنْ يَكُونَ حَقُّ الْمُدَّعِي لَهُ دُونَ غَيْرِهِ فَهُوَ جَائِزٌ فَإِنْ أَثْبَتَهُ سُلِّمَ لَهُ وَإِلَّا بَطَلَ الصُّلْحُ فِي حِصَّةِ الشُّرَكَاءِ وَيَرْجِعُ عَلَى الْمُدَّعِي بِحِصَّةِ ذَلِكَ مِنْ الْبَدَلِ وَالْمُوصَى لَهُ بِمَنْزِلَةِ الْوَارِثِ فِيمَا قَدَّمْنَاهُ وَإِذَا صَالَحُوا أَحَدَهُمْ ثُمَّ ظَهَرَ لِلْمَيِّتِ دَيْنٌ أَوْ عَيْنٌ لَمْ يَعْلَمُوهَا هَلْ يَكُونُ دَاخِلًا فِي الصُّلْحِ فِيهِ قَوْلَانِ مَذْكُورَانِ فِي فَتَاوَى قَاضِي خان قُدِّمَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ دَاخِلًا وَيَكُونُ ذَلِكَ الدَّيْنُ وَالْعَيْنُ بَيْنَ جَمِيعِ الْوَرَثَةِ وَقَدْ ذَكَرَ فِي أَوَّلِ الْفَتَاوَى أَنَّهُ يُقَدَّمُ مَا هُوَ الْأَشْهَرُ فَكَانَ هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَعَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ بِالدُّخُولِ فَإِنْ كَانَ الظَّاهِرُ دَيْنًا فَلَهُ الصُّلْحُ كَأَنَّهُ وُجِدَ فِي الِابْتِدَاءِ وَإِنْ كَانَ عَيْنًا لَا وَلَوْ ادَّعَتْ الزَّوْجَةُ مِيرَاثَهَا صَحَّ الصُّلْحُ عَلَى أَقَلَّ مِنْ نَصِيبِهَا أَوْ مَهْرِهَا وَلَا يَطِيبُ لَهُمْ إنْ عَلِمُوا ذَلِكَ فَإِنْ أَقَامَتْ بَيِّنَةً بَطَلَ الصُّلْحُ (فُرُوعٌ) ادَّعَى أَرْضًا   [منحة الخالق] النَّفْيِ فَتَعُمُّ فَيَكُونُ بِالدَّعْوَى مُتَنَاقِضًا وَأَجَابَ عَنْهُ ابْنُ وَهْبَانَ بِأَنَّ اعْتِرَافَهُ بِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لَهُ حَقٌّ يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا قَبَضَهُ يَعْنِي لَمْ يَبْقَ لِي حَقٌّ مِمَّا قَبَضْته اهـ. وَهُوَ بَعِيدٌ كَمَا لَا يَخْفَى وَأَجَابَ عَنْهُ ابْنُ الشِّحْنَةِ بِجَوَابٍ آخَرَ بِأَنَّهُ إنَّمَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ اسْتِحْسَانًا لَا قِيَاسًا لِقُوَّةِ الشُّبْهَةِ لِعَدَمِ مَعْرِفَتِهِ بِمَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْ جِهَةِ وَالِدِهِ لِجَهْلِهِ بِمَعْرِفَةِ مَا لَوْ لِوَالِدِهِ عَلَى جِهَةِ التَّفْصِيلِ فَاسْتَحْسَنُوا سَمَاعَ دَعْوَاهُ هُنَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مِثْلُ هَذَا الْإِشْهَادِ مُجَرَّدًا عَنْ سَابِقَةِ الْجَهْلِ الْمَذْكُورِ اهـ. فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ خَارِجَةٌ عَنْ قَوْلِهِمْ لَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى بَعْدَ الْإِبْرَاءِ الْعَامِّ وَلَذَّ اسْتَثْنَاهَا الْمُؤَلِّفُ فِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ مِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ لَكِنْ يَنْبَغِي عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ الشِّحْنَةِ أَنَّهُ لَوْ اعْتَرَفَ بِاطِّلَاعِهِ عَلَى مُفْرَدَاتِ تَرِكَةِ وَالِدِهِ وَأُصُولِهَا وَإِحَاطَتِهِنَّ بِهَا عِلْمًا كَمَا يُكْتَبُ الْآنَ فِي وَثِيقَةِ الْإِقْرَارِ أَنْ لَا تُسْمَعَ دَعْوَاهُ هَذَا. وَأَمَّا مَا قَالَهُ الْعَلَّامَةُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ بِأَنَّ هَذَا إقْرَارٌ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ لَا إبْرَاءٌ لِمُعَيَّنٍ فَلَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الدَّعْوَى حَيْثُ لَمْ يُخَاطِبْ مُعَيَّنًا وَالْإِقْرَارُ لِمَجْهُولٍ بَاطِلٌ وَبِأَنَّ الْإِبْرَاءَ عَنْ الْأَعْيَانِ بَاطِلٌ فَصَحَّ دَعْوَاهُ الدَّارَ وَنَحْوَهَا اهـ. مُلَخَّصًا. فَفِيهِ نَظَرٌ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ قَوْلَهُ إنَّهُ إقْرَارٌ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ فَإِنَّمَا يَرِدُ عَلَى مَا فِي الْأَشْبَاهِ أَمَّا عَلَى مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ أَحْكَامِ الصِّغَارِ وَأَدَبِ الْأَوْصِيَاءِ فَلَا لِأَنَّ الْمُخَاطَبَ فِيهِ الْوَصِيُّ فَهُوَ مُعَيَّنٌ وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ الْإِبْرَاءَ عَنْ الْأَعْيَانِ بَاطِلٌ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي ضِمْنِ الْإِبْرَاءِ الْعَامِّ أَوْ الْإِقْرَارِ الْعَامِّ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ هُنَا وَمَا فِي مَسْأَلَتِنَا إنْ لَمْ يَكُنْ إبْرَاءً عَامًّا يَكُنْ إقْرَارًا عَامًّا فَيَمْنَعُ الدَّعْوَى لِلتَّنَاقُضِ فَيَتَعَيَّنُ الْجَوَابُ بِمَا قَالَهُ ابْنُ وَهْبَانَ أَوْ بِمَا قَالَهُ ابْنُ الشِّحْنَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لَكِنْ ذَكَرَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَبْرَأَهُ عَنْ جَمِيعِ الدَّعَاوَى فَادَّعَى عَلَيْهِ مَالًا بِالْإِرْثِ فَلَوْ مَاتَ مُوَرِّثُهُ قَبْلَ إبْرَائِهِ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ هُوَ بِمَوْتِ مُوَرِّثِهِ عِنْدَ إبْرَائِهِ. اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ وَكَذَا فِي الْفَوَاكِهِ الْبَدْرِيَّةِ لِابْنِ الْغَرْسِ حَيْثُ قَالَ لَوْ أَبْرَأَهُ مُطْلَقٌ أَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ شَيْئًا ثُمَّ ظَهَرَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ الْمُقَرَّ لَهُ كَانَ قَبْلَ الْإِبْرَاءِ أَوْ الْإِقْرَارُ مَشْغُولُ الذِّمَّةِ بِشَيْءٍ مِنْ مَتْرُوكَاتِ أَبِي الْمُقِرِّ وَلَمْ يَعْلَمْ الْمُقِرُّ بِذَلِكَ وَلَا بِمَوْتِ أَبِيهِ إلَّا بَعْدَ الْإِقْرَارِ وَالْإِبْرَاءِ لَا يَكُونُ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِذَلِكَ وَيَعْمَلُ الْإِقْرَارُ وَالْإِبْرَاءُ عَمَلَهُ وَلَا يُعْذَرُ الْمُقِرُّ اهـ. فَهَذَا كَمَا تَرَى مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّ هَذَا هُوَ الْقِيَاسُ وَالِاسْتِحْسَانُ مَا مَرَّ أَوْ عَلَى أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ أَوْ عَلَى أَنَّ مَا مَرَّ فِي إبْرَاءِ بَعْضِ الْوَرَثَةِ لِلْوَصِيِّ أَوْ لِبَاقِي الْوَرَثَةِ وَهَذَا فِي إبْرَاءِ بَعْضِ الْوَرَثَةِ لِأَجْنَبِيٍّ (قَوْلُهُ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنَّهُ بَعْدَ الْبَرَاءَةِ) هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ لَا حَقَّ لِي يُسَمَّى إبْرَاءً عَامًّا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 262 أَنَّهَا وَقْفٌ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ فَصَالَحَهُ الْمُنْكِرُ لِقَطْعِ الْخُصُومَةِ جَازَ وَيَطِيبُ لَهُ إذَا كَانَ صَادِقًا وَفِي الْأَجْنَاسِ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْبَيْعِ وَبَيْعُ الْوَقْفِ لَا يَصِحُّ وَكُلُّ صُلْحٍ بَعْدَ صُلْحٍ فَالثَّانِي بَاطِلٌ وَكَذَا الصُّلْحُ بَعْدَ الشِّرَاءِ وَالشِّرَاءُ بَعْدَ الشِّرَاءِ جَائِزٌ وَلَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً بَعْدَ الصُّلْحِ عَنْ إنْكَارٍ أَنَّ الْمُدَّعِيَ قَالَ قَبْلَهُ لَيْسَ لِي قِبَلَ فُلَانٍ حَقٌّ فَالصُّلْحُ مَاضٍ وَلَوْ قَالَ بَعْدَهُ مَا كَانَ لِي قِبَلَهُ حَقٌّ بَطَلَ ادَّعَى مَالًا أَوْ غَيْرَهُ فَجَاءَ رَجُلٌ وَاشْتَرَى ذَلِكَ مِنْ الْمُدَّعِي يَجُوزُ الشِّرَاءُ فِي حَقِّ الْمُدَّعِي وَيَقُومُ مَقَامَهُ فِي الدَّعْوَى فَإِنْ اسْتَحَقَّ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ كَانَ لَهُ وَإِلَّا فَلَا فَإِنْ جَحَدَ الْمَطْلُوبَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُدَّعِي وَالصُّلْحُ عَنْ الدَّعْوَى الْفَاسِدَةِ يَصِحُّ وَعَنْ الْبَاطِلَةِ لَا وَالْفَاسِدَةُ مَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُهَا وَالصُّلْحُ عَنْ دَعْوَى حَقِّ الشِّرْبِ أَوْ حَقِّ الشُّفْعَةِ أَوْ حَقِّ وَضْعِ الْجُذُوعِ وَنَحْوِهِ يَجُوزُ عَلَى الْأَصَحِّ لِأَنَّ الْأَصْلَ مَتَى تَوَجَّهَتْ الْيَمِينُ نَحْوَ الشَّخْصِ فِي أَيِّ حَقٍّ كَانَ فَافْتَدَى الْيَمِينَ بِدَرَاهِمَ يَجُوزُ وَكَذَا لَوْ ادَّعَى قِبَلَهُ تَعْزِيرًا بِأَنْ قَالَ كَفَّرَنِي أَوْ أَضْلَلْنِي أَوْ رَمَانِي بِسُوءٍ وَنَحْوَهُ حَتَّى تَوَجَّهَتْ الْيَمِينُ وَنَحْوُهُ فَافْتَدَاهَا بِدِرْهَمٍ يَجُوزُ عَلَى الْأَصَحِّ. وَكَذَا لَوْ صَالَحَهُ مِنْ يَمِينِهِ عَلَى عَشَرَةٍ أَوْ مِنْ دَعْوَاهُ الْكُلَّ فِي الْمُجْتَبَى وَلَوْ قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إنْ حَلَفْت أَنَّهَا لَك دَفَعْتهَا فَحَلَفَ الْمُدَّعِي وَدَفَعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الدَّرَاهِمَ إنْ كَانَ دَفَعَ إلَيْهِ بِحُكْمِ الشَّرْطِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَلِلدَّافِعِ أَنْ يَسْتَرِدَّ وَلَوْ اسْتَقْرَضَ مِنْ رَجُلٍ دَرَاهِمَ بُخَارِيَّةً بِبُخَارَى أَوْ اشْتَرَى سِلْعَةً بِدَرَاهِمَ بُخَارِيَّةً بِبُخَارَى فَالْتَقَيَا بِبَلْدَةٍ لَا يُوجَدُ فِيهَا الْبُخَارِيَّةُ قَالُوا يُؤَجَّلُ قَدْرُ الْمَسَافَةِ ذَاهِبًا وَجَائِيًا وَيَسْتَوْثِقُ مِنْهُ بِكَفِيلٍ وَالصُّلْحُ مَعَ الْمُودِعِ عَلَى أَقْسَامٍ أَحَدُهَا أَنْ يُنْكِرَ الِاسْتِيدَاعَ ثُمَّ تَصَالَحَا عَلَى مَعْلُومٍ جَازَ الصُّلْحُ ثَانِيهَا أَنْ يُقِرَّ بِهِ فَطَالَبَهُ بِهَا وَادَّعَى أَنَّهُ اسْتَهْلَكَهَا فَسَكَتَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ثُمَّ تَصَالَحَا جَازَ أَيْضًا ثَالِثُهَا أَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِ الِاسْتِهْلَاكَ وَالْآخَرُ يَدَّعِي الرَّدَّ أَوْ الْهَلَاكَ لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَصُلْحِهِ بَعْدَ حَلِفِهِ وَرَابِعُهَا إذَا ادَّعَى الْمُودِعُ الرَّدَّ أَوْ الْهَلَاكَ وَصَاحِبُ الْمَالِ سَاكِتٌ لَا يُصَدِّقُهُ وَلَا يُكَذِّبُهُ فِيهِ قَوْلَانِ لَا يَجُوزُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَيَجُوزُ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خان وَفِي الْخُلَاصَةِ مِنْ آخِرِ الدَّعْوَى لَوْ اسْتَعَارَ مِنْ آخَرَ دَابَّةً فَهَلَكَتْ فَأَنْكَرَ رَبُّ الدَّابَّةِ الْإِعَارَةَ فَصَالَحَهُ الْمُسْتَعِيرُ عَلَى مَالٍ جَازَ فَلَوْ أَقَامَ الْمُسْتَعِيرُ بَيِّنَةً بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى الْعَارِيَّةِ وَقَالَ إنَّهَا هَلَكَتْ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ وَبَطَلَ الصُّلْحُ وَفِيهَا مِنْ آخِرِ الصُّلْحِ إذَا أَقَرَّ الْوَصِيُّ أَنَّ عِنْدَهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ لِلْمَيِّتِ وَلِلْمَيِّتِ ابْنَانِ فَصَالَحَ أَحَدَهُمَا مِنْ حَقِّهِ عَلَى أَرْبَعِمِائَةٍ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ كَانَ اسْتَهْلَكَهَا ثُمَّ صَالَحَ جَازَ وَفِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ امْرَأَةٌ وَقَعَتْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا مُشَاجَرَةٌ فَتَوَسَّطَ الْمُتَوَسِّطُونَ بَيْنَهُمَا لِلْمُصَالَحَةِ فَقَالَتْ الْمَرْأَةُ لَا أُصَالِحُهُ حَتَّى يُعْطِيَنِي خَمْسِينَ دِرْهَمًا يَحِلُّ لَهَا ذَلِكَ لِأَنَّ لَهَا عَلَيْهِ حَقًّا مِنْ الْمَهْرِ وَغَيْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [كِتَابُ الْمُضَارَبَةِ] (هِيَ شَرِكَةٌ فِي الرِّبْحِ بِمَالٍ مِنْ جَانِبٍ وَعَمَلٌ مِنْ جَانِبٍ) فَلَوْ شُرِطَ كُلُّ الرِّبْحِ لِأَحَدِهِمَا لَا يَكُونُ مُضَارَبَةً وَيَجُوزُ التَّفَاوُتُ فِي الرِّبْحِ وَإِذَا كَانَ الْمَالُ مِنْ اثْنَيْنِ فَلَا بُدَّ مِنْ تُسَاوِيهِمَا فِيمَا فَضَلَ مِنْ الرِّبْحِ حَتَّى لَوْ شُرِطَ لِأَحَدِهِمَا الثُّلُثَانِ وَلِلْآخَرِ الثُّلُثُ فِيمَا فَضَلَ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي رَأْسِ الْمَالِ وَرُكْنِهَا اللَّفْظُ الدَّالُ عَلَيْهَا كَقَوْلِهِ دَفَعْت إلَيْك هَذَا الْمَالَ مُضَارَبَةً أَوْ مُفَاوَضَةً أَوْ مُعَامَلَةً أَوْ خُذْ هَذَا الْمَالَ وَاعْمَلْ بِهِ عَلَى أَنَّ لَك مِنْ الرِّبْحِ نِصْفَهُ أَوْ ثُلُثَهُ أَوْ قَالَ ابْتَعْ بِهِ مَتَاعًا فَمَا كَانَ مِنْ فَضْلٍ فَلَكَ كَذَا أَوْ خُذْ ذَلِكَ بِالنِّصْفِ بِخِلَافِ خُذْ هَذِهِ الْأَلْفَ وَاشْتَرِ بِهَا هَرَوِيًّا بِالنِّصْفِ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ فَلَيْسَ بِمُضَارَبَةٍ بَلْ إجَارَةٌ فَاسِدَةٌ لَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ إنْ اشْتَرَى وَلَيْسَ لَهُ الْبَيْعُ إلَّا بِأَمْرٍ وَشَرْطُهَا أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الْمَالِ مِنْ الْأَثْمَانِ وَهُوَ مَعْلُومٌ وَيَكْفِي الْإِعْلَامُ بِالْإِشَارَةِ فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ رَأْسِ الْمَالِ عِنْدَ قِسْمَةِ الرِّبْحِ فَالْقَوْلُ لِلْمُضَارِبِ مَعَ يَمِينِهِ وَالْبَيِّنَةُ لِرَبِّ الْمَالِ. وَأَمَّا الْمُضَارَبَةُ بِدَيْنٍ فَإِنْ كَانَ عَلَى الْمُضَارِبِ فَلَا يَصِحُّ وَمَا اشْتَرَاهُ لَهُ وَالدَّيْنُ فِي ذِمَّتِهِ وَإِنْ كَانَ عَلَى غَيْرِهِ بِأَنْ قَالَ اقْبِضْ مَالِي عَلَى فُلَانٍ ثُمَّ اعْمَلْ بِهِ مُضَارَبَةً فَهُوَ جَائِزٌ وَإِنْ كَانَ مَكْرُوهًا لِأَنَّهُ شَرَطَ لِنَفْسِهِ مَنْفَعَةً قَبْلَ الْعَقْدِ كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ وَلَوْ قَالَ اقْبِضْ دَيْنِي عَلَى فُلَانٍ ثُمَّ اعْمَلْ بِهِ مُضَارَبَةً فَعَمِلَ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 263 كُلَّهُ ضَمِنَ وَلَوْ قَالَ فَاعْمَلْ بِهِ لَا يَضْمَنُ وَكَذَا بِالْوَاوِ لِأَنَّ ثُمَّ لِلتَّرْتِيبِ فَلَا يَكُونُ مَأْذُونًا بِالْعَمَلِ إلَّا بَعْدَ قَبْضِ الْكُلِّ بِخِلَافِ الْفَاءِ وَالْوَاوِ فَإِنَّهُ يَكْفِي قَبْلَ الْقَبْضِ وَلَوْ قَالَ اقْبِضْ دَيْنِي لِتَعْمَلَ بِهِ مُضَارَبَةً لَا يَكُونُ مَأْذُونًا مَا لَمْ يَقْبِضْ الْكُلَّ وَلَوْ قَالَ اشْتَرِ لِي عَبْدًا بِنَسِيئَةٍ ثُمَّ بِعْهُ وَاعْمَلْ بِثَمَنِهِ مُضَارَبَةً فَاشْتَرَاهُ ثُمَّ بَاعَهُ وَعَمِلَ فِيهِ جَازَ وَلَوْ قَالَ رَبُّ الْمَالِ لِلْغَاصِبِ أَوْ الْمُسْتَوْدَعِ أَوْ الْمُبْضَعِ اعْمَلْ بِمَا فِي يَدِك مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ جَازَ الثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الْمَالِ مُسَلَّمًا إلَى الْمُضَارِبِ بِخِلَافِ الشَّرِكَةِ الرَّابِعُ أَنْ يَكُونَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا شَائِعًا كَالنِّصْفِ وَالثُّلُثِ لَا سَهْمًا مُعَيَّنًا يَقْطَعُ الشَّرِكَةَ كَمِائَةِ دِرْهَمٍ أَوْ مَعَ النِّصْفِ عَشَرَةٌ الْخَامِسُ أَنْ يَكُونَ نَصِيبُ كُلٍّ مِنْهُمَا مَعْلُومًا فَكُلُّ شَرْطٍ يُؤَدِّي إلَى جَهَالَةِ الرِّبْحِ فَهِيَ فَاسِدَةٌ وَمَا لَا فَلَا مِثْلَ أَنْ يَشْتَرِطَ أَنْ تَكُونَ الْوَضِيعَةُ عَلَى الْمُضَارِبِ أَوْ عَلَيْهَا فَهِيَ صَحِيحَةٌ وَهُوَ بَاطِلٌ السَّادِسُ أَنْ يَكُونَ الْمَشْرُوطُ لِلْمُضَارِبِ مَشْرُوطًا مِنْ الرِّبْحِ حَتَّى لَوْ شَرَطَ لَهُ شَيْئًا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ أَوْ مِنْهُ وَمِنْ الرِّبْحِ فَسَدَتْ. وَحُكْمُهَا أَنَّهُ أَمِينٌ بَعْدَ دَفْعِ الْمَالِ إلَيْهِ وَوَكِيلٌ عِنْدَ الْعَمَلِ وَشَرِيكٌ عِنْدَ الرِّبْحِ وَأَجِيرٌ عِنْدَ الْفَسَادِ فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ وَالرِّبْحُ كُلُّهُ لِرَبِّ الْمَالِ إلَّا فِي الْوَصِيِّ إذَا أَخَذَ مَالَ الصَّغِيرِ مُضَارَبَةً وَشَرَطَ لِنَفْسِهِ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَإِنَّهُ لَا أَجْرَ لَهُ إذَا عَمِلَ كَذَا فِي أَحْكَامِ الصِّغَارِ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إذَا فَسَدَتْ بِالْهَلَاكِ بِغَيْرِ صُنْعِهِ وَغَاصِبٌ عِنْدَ الْخِلَافِ وَمُسْتَقْرِضٌ عِنْدَ اشْتِرَاطِ كُلِّ الرِّبْحِ لَهُ وَمُسْتَبْضِعٌ عِنْدَ اشْتِرَاطِهِ لِرَبِّ الْمَالِ فَلَا رِبْحَ لَهُ وَلَا أَجْرَ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ بِالْهَلَاكِ وَإِنَّمَا تَصِحُّ بِمَا تَصِحُّ بِهِ الشَّرِكَةُ وَهِيَ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ إلَّا الْفُلُوسُ النَّافِقَةُ وَأَمَّا التِّبْرُ فَإِنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ يَرُوجُ بِهِ كَالْأَثْمَانِ تَجُوزُ بِهِ وَإِلَّا فَلَا كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ عَرْضًا وَقَالَ بِعْهُ وَاعْمَلْ بِثَمَنِهِ مُضَارَبَةً جَازَ وَشَرْطُ الْعَمَلِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ لَا يَصِحُّ سَوَاءٌ كَانَ الْمَالِكُ عَاقِدًا أَوْ غَيْرَ عَاقِدٍ كَالصَّغِيرِ وَالْمَعْتُوهِ وَكَذَا أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ إذَا دَفَعَ الْمَالَ مُضَارَبَةً بِشَرْطِ أَنْ يَعْمَلَ شَرِيكُهُ مَعَ الْمُضَارِبِ إنْ كَانَ الْمَالُ مِنْ شَرِكَتِهِمَا وَإِلَّا فَهِيَ جَائِزَةٌ إنْ كَانَتْ شَرِكَةَ عَنَانٍ وَإِنْ كَانَتْ مُفَاوَضَةً لَا تَصِحُّ مُطْلَقًا وَإِذَا شَرَطَ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي الْمَالِ مَعَ الْمُضَارِبِ فَإِنْ كَانَ الْعَاقِدُ لَيْسَ أَهْلًا لِلْمُضَارَبَةِ فِي ذَلِكَ الْمَالِ تَفْسُدُ كَالْمَأْذُونِ إذَا دَفَعَ مَالَهُ مُضَارَبَةً وَشَرَطَ عَمَلَهُ مَعَ الْمُضَارِبِ وَإِنْ كَانَ الْعَاقِدُ مِمَّنْ يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ مَالَهُ مُضَارَبَةً لَمْ تَفْسُدْ كَالْأَبِ وَالْوَصِيِّ إذَا دَفَعَا مَالَ الصَّغِيرِ مُضَارَبَةً وَشَرَطَا عَمَلَهُمَا مَعَهُ بِجُزْءٍ مِنْ الرِّبْحِ وَإِنْ شَرَطَ الْمَأْذُونُ عَمَلَ مَوْلَاهُ فَسَدَتْ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَإِلَّا صَحَّتْ كَالْمُكَاتَبِ إذَا شَرَطَ عَمَلَ مَوْلَاهُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ مُطْلَقًا (وَيَبِيعُ) الْمُضَارِبُ فِي الْمُضَارَبَةِ الصَّحِيحَةِ (بِالنَّقْدِ وَالنَّسِيئَةِ وَيَشْتَرِي وَيُوَكِّلُ وَيُسَافِرُ) بَرًّا وَبَحْرًا وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ فِي بَلْدَةٍ عَلَى الظَّاهِرِ وَيَأْذَنُ لِعَبْدِ الْمُضَارَبَةِ فِي التِّجَارَةِ وَلَا يُزَوِّجُ عَبْدًا وَلَا أَمَةً كَالشَّرِيكِ عَنَانًا وَمُفَاوَضَةً بِخِلَافِ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ يَمْلِكَانِ تَزْوِيجَ الْأَمَةِ (وَلَهُ الْإِبْضَاعُ وَالْإِيدَاعُ) وَاسْتِئْجَارُ الْعُمَّالِ لِلْأَعْمَالِ وَاسْتِئْجَارُ الْمَنَازِلِ لِحِفْظِ الْأَمْوَالِ وَاسْتِئْجَارُ السُّفُنِ وَالدَّوَابِّ وَلَهُ أَنْ يَرْهَنَ وَيَرْتَهِنَ لَهَا وَلَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ أَرْضًا بَيْضَاءَ وَيَشْتَرِيَ بِبَعْضِ الْمَالِ طَعَامًا لِيَزْرَعَهَا أَوْ لِيَغْرِسَ فِيهَا نَخْلًا أَوْ شَجَرًا وَلَوْ أَخَذَ نَخْلًا أَوْ شَجَرًا مُعَامَلَةً عَلَى أَنْ يُنْفِقَ فِي تَلْقِيحِهَا أَوْ تَأْبِيرِهَا مِنْ الْمَالِ لَمْ يَجُزْ عَلَيْهَا وَإِنْ قَالَ لَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِك وَلَا يَمْلِكُ الِاسْتِدَانَةَ فَإِنْ رَهَنَ شَيْئًا مِنْ الْمُضَارَبَةِ ضَمِنَ وَلَوْ أَذِنَهُ رَبُّ الْمَالِ فِي ذَلِكَ كَانَ الدَّيْنُ عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ وَلَوْ أَخَّرَ الْمُضَارِبُ الثَّمَنَ جَازَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ وَلَا يَضْمَنُ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ الْخَاصِّ وَلَوْ حَطَّ بَعْضَ الثَّمَنِ إنْ كَانَ لِعَيْبٍ طَعَنَ فِيهِ الْمُشْتَرِي وَكَانَ مَا حَطَّ حِصَّتُهُ أَوْ أَكْثَرُ يَسِيرًا جَازَ وَإِنْ كَانَ لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي الزِّيَادَةِ يَصِحُّ وَيَضْمَنُ ذَلِكَ مِنْ مَالِهِ لِرَبِّ الْمَالِ وَكَانَ رَأْسُ الْمَالِ مَا بَقِيَ عَلَى الْمُشْتَرِي وَيَحْرُمُ عَلَى الْمُضَارِبِ وَطْءُ جَارِيَةِ الْمُضَارَبَةِ وَالدَّوَاعِي وَلَوْ أَذِنَ لَهُ رَبُّ الْمَالِ فِي ذَلِكَ. وَلَوْ تَزَوَّجَ الْمُضَارِبُ جَارِيَةً بِتَزْوِيجِ صَاحِبِ الْمَالِ إيَّاهُ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَالِ رِبْحٌ جَازَ وَإِنْ كَانَ فِيهِ رِبْحٌ لَا يَجُوزُ وَمَتَى جَازَ خَرَجَتْ الْجَارِيَةُ عَنْ الْمُضَارَبَةِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُشَارِكَ إلَّا أَنْ يَقُولَ لَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِك وَلَوْ عَقَدَ مُضَارَبَةً وَكَذَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَخْلِطَ مَالَ الْمُضَارَبَةِ بِمَالِهِ وَلَا بِمَالِ غَيْرِهِ إلَّا أَنْ يَقُولَ لَهُ اعْمَلْ   [منحة الخالق] [فُرُوعٌ ادَّعَى أَرْضًا أَنَّهَا وَقْفٌ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ فَصَالَحَهُ الْمُنْكِرُ لِقَطْعِ الْخُصُومَةِ] (قَوْلُهُ بِالنَّقْدِ وَالنَّسِيئَةِ) سَيَأْتِي قَرِيبًا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ إلَى أَجَلٍ لَا يَبِيعُهُ التُّجَّارُ (قَوْلُهُ وَاسْتِئْجَارُ الْمَنَازِلِ لِحِفْظِ الْأَمْوَالِ) عِبَارَةُ الذَّخِيرَةِ مِنْ الْفَصْلِ التَّاسِعِ وَكَذَلِكَ يَسْتَأْجِرُ الْمُضَارِبُ الْبُيُوتَ لِحِفْظِ الْأَمْوَالِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 264 بِرَأْيِك وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ مَا فِيهِ ضَرَرٌ وَلَا مَا لَا يَعْمَلُهُ التُّجَّارُ وَلَا أَنْ يَبِيعَ إلَى أَجَلٍ لَا يَبِيعُهُ التُّجَّارُ وَلَيْسَ لِأَحَدِ الْمُضَارِبَيْنِ أَنْ يَبِيعَ أَوْ يَشْتَرِيَ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ وَلَوْ اشْتَرَى بَيْعًا فَاسِدًا مِمَّا يُمْلَكُ بِالْقَبْضِ فَلَيْسَ بِمُخْتَلِفٍ وَمَا اشْتَرَاهُ عَلَى الْمُضَارَبَةِ وَلَوْ اشْتَرَى بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ يَكُونُ مُخَالِفًا سَوَاءٌ قِيلَ لَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِك أَوَّلًا وَلَوْ بَاعَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَهُوَ جَائِزٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا كَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ الْمُطْلَقِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُقْرِضَ وَلَا أَنْ يَأْخُذَ سَفْتَجَةً كَذَا فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ وَلَهُ أَنْ يَحْتَالَ وَإِنْ كَانَ الثَّانِي أَعْسَرَ مِنْ الْأَوَّلِ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خان فَالْقَرْضُ وَالِاسْتِدَانَةُ لَا يَمْلِكُهُمَا إلَّا بِصَرِيحِ الْإِذْنِ وَلَا يَكْفِي قَوْلُهُ اعْمَلْ بِرَأْيِك وَإِذَا صَرَّحَ بِالِاسْتِدَانَةِ كَانَتْ شَرِكَةَ وُجُوهٍ. وَإِذَا اشْتَرَى بِأَكْثَرَ مِنْ الْمَالِ كَانَتْ الزِّيَادَةُ لَهُ وَلَا يَضْمَنُ بِهَذَا الْخَلْطِ الْحُكْمِيِّ وَلَوْ كَانَ الْمَالُ دَرَاهِمَ فَاشْتَرَى بِغَيْرِ الْأَثْمَانِ كَانَ لِنَفْسِهِ وَبِالدَّنَانِيرِ لِلْمُضَارَبَةِ لِأَنَّهُمَا جِنْسٌ هُنَا وَلَوْ كَانَ فِي يَدِهِ عَرْضٌ لَهَا فَاشْتَرَى شَيْئًا لَهَا لِبَيْعِ الْعَرْضِ وَيَنْقُدَ الثَّمَنَ لَمْ يَجُزْ حَالًّا كَانَ الثَّمَنُ أَوْ مُؤَجَّلًا لِأَنَّهُ اسْتِدَانَةٌ وَلَا بُدَّ أَنْ يَشْتَرِيَ مَتَاعًا فِي يَدِهِ مِثْلُهُ مِنْ جِنْسِهِ وَصِفَتِهِ وَقَدْرِهِ وَلَا يَمْلِكُ الْمُضَارِبُ فِي الْفَاسِدَةِ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ إلَّا الْإِيدَاعَ كَذَا فِي الْفَوَائِدِ التَّاجِيَّةِ وَلَمْ يَتَعَدَّ عَمَّا عَيَّنَهُ إنْ كَانَ التَّعْيِينُ مُقَيَّدًا مِنْ بَلَدٍ وَسِلْعَةٍ وَوَقْتٍ وَمُعَامِلٍ كَمَا فِي الشَّرِكَةِ فَإِنْ تَعَدَّى صَارَ ضَامِنًا فَإِذَا اشْتَرَى بَعْدَهُ كَانَ لَهُ وَلَوْ لَمْ يَشْتَرِ حَتَّى عَادَ إلَى الْوِفَاقِ بَرِئَ مِنْ الضَّمَانِ وَعَادَ الْمَالُ مُضَارَبَةً وَلَوْ عَادَ إلَيْهِ فِي الْبَعْضِ كَانَ مُضَارَبَةً فِيهِ اعْتِبَارًا لِلْجُزْءِ بِالْكُلِّ وَلَوْ كَانَ التَّقْيِيدُ غَيْرَ مُفِيدٍ كَسُوقٍ مِنْ مِصْرَ لَا يَتَقَيَّدُ بِهِ إلَّا إذَا صَرَّحَ بِالنَّهْيِ وَكَانَ مُفِيدًا فِي الْجُمْلَةِ كَالسُّوقِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُفِيدًا أَصْلًا كَنَهْيِهِ عَنْ بَيْعِ الْحَالِّ فَلَا يُعْتَبَرُ. وَقَوْلُهُ خُذْ مُضَارَبَةً تَعْمَلُ بِهِ فِي مِصْرَ أَوْ لِتَعْمَلْ بِهِ أَوْ فَاعْمَلْ بِهِ أَوْ بِالنِّصْفِ بِمِصْرَ أَوْ فِي مِصْرَ أَوْ عَلَى أَنْ تَعْمَلَ بِمِصْرَ تَقْيِيدٌ فَلَا يَتَجَاوَزهُ كَقَوْلِهِ عَلَى أَنْ تَشْتَرِيَ بِهِ الطَّعَامَ أَوْ فَاشْتَرِ بِهِ الطَّعَامَ أَوْ لِتَشْتَرِي بِهِ الطَّعَامَ أَوْ خُذْهُ بِالنِّصْفِ مُضَارَبَةً فِي الطَّعَامِ أَوْ عَلَى أَنْ تَشْتَرِيَ مِنْ فُلَانٍ وَتَبِيعَ مِنْهُ بِخِلَافِ وَاعْمَلْ بِهِ فِي مِصْرَ أَوْ عَلَى أَنْ تَشْتَرِيَ بِهِ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ أَوْ مِنْ الصَّيَارِفَةِ وَتَبِيعَ مِنْهُمْ لَيْسَ بِتَقْيِيدٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَهْلِ الْكُوفَةِ فَلَهُ الْبَيْعُ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا وَمِنْ غَيْرِ الصَّيَارِفَةِ تَقْيِيدٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَكَانِ وَالصَّرْفِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الْكُوفَةِ وَلَا أَنْ يَعْمَلَ فِي غَيْرِ الصَّرْفِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ مَنْ يُعْتَقُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ بِقَرَابَةٍ أَوْ يَمِينٍ فَلَوْ اشْتَرَاهُ كَانَ لِنَفْسِهِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ إلَّا إذَا قَامَتْ قَرِينَةٌ عَلَى خِلَافِهِ كَقَوْلِهِ اشْتَرِ لِي عَبْدًا أَبِيعُهُ أَوْ أَسْتَخْدِمُهُ أَوْ جَارِيَةً أَطَؤُهَا وَلَا مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ إذَا كَانَ فِي الْمَالِ رِبْحٌ وَضَمِنَ إنْ فَعَلَ وَالْمُرَادُ مِنْ الرِّبْحِ هُنَا أَنْ يَكُونَ قِيمَةُ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَى أَكْثَرَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ سَوَاءٌ كَانَ فِي جُمْلَةِ مَالِ الْمُضَارَبَةِ رِبْحٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ حَتَّى لَوْ كَانَ الْمَالُ أَلْفًا فَاشْتَرَى بِهَا الْمُضَارِبُ عَبْدَيْنِ قِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَلْفٌ فَأَعْتَقَهُمَا الْمُضَارِبُ لَا يَصِحُّ عِتْقُهُ. وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى اسْتِحْقَاقِ الْمُضَارِبِ فَإِنْ يَظْهَرُ فِي الْجُمْلَةِ رِبْحٌ حَتَّى لَوْ أَعْتَقَهُمَا رَبُّ الْمَالِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ صَحَّ وَضَمِنَ نَصِيبَ الْمُضَارِبِ مِنْهُمَا وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا كَذَا فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ رِبْحٌ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ جَازَ شِرَاؤُهُ لِعَدَمِ مِلْكِهِ فَإِنْ ازْدَادَتْ قِيمَتُهُ عَنْ رَأْسِ الْمَالِ عَتَقَ نَصِيبُ الْمُضَارِبِ وَلَمْ يَضْمَنْ لِرَبِّ الْمَالِ وَسَعَى الْمُعْتَقُ فِي قِيمَةِ نَصِيبِ رَبِّ الْمَالِ وَلَوْ اشْتَرَى الشَّرِيكُ مَنْ يُعْتَقُ عَلَى شَرِيكِهِ أَوْ الْأَبُ أَوْ الْوَصِيُّ مَنْ يُعْتَقُ عَلَى الصَّغِيرِ نَفَذَ عَلَى الْعَاقِدِ وَالْمَأْذُونُ إذَا اشْتَرَى مَنْ يُعْتَقُ عَلَى الْمَوْلَى فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَيُعْتَقُ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَغْرَقًا بِالدَّيْنِ وَإِلَّا لَا فَإِنْ كَانَ مَعَ الْمُضَارِبِ أَلْفٌ بِالنِّصْفِ وَاشْتَرَى بِهَا جَارِيَةً قِيمَتُهَا أَلْفٌ فَوَطِئَهَا فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ يُسَاوِي أَلْفًا فَادَّعَاهُ ثُمَّ بَلَغَتْ قِيمَةُ الْغُلَامِ أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ نَفَذَتْ دَعْوَةُ الْمُضَارِبِ فِيهِ لِظُهُورِ الرِّبْحِ فِيهِ وَقَبِلَهُ لَا لِعَدَمِ ظُهُورِهِ إذْ قِيمَةُ كُلٍّ لَا تَزِيدُ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ وَلَزِمَهُ عُقْرُهَا لِإِقْرَارِهِ بِوَطْئِهَا وَيَكُونُ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ بِخِلَافِ مَا إذَا عَتَقَ الْوَلَدُ ثُمَّ ظَهَرَتْ الزِّيَادَةُ حَيْثُ لَا يَنْفُذُ إعْتَاقُهُ السَّابِقُ لِأَنَّهُ إنْشَاءٌ فَيُشْتَرَطُ وُجُودُ الْمِلْكِ وَقْتَهُ كَمَا لَوْ أَعْتَقَ عَبْدَ الْغَيْرِ ثُمَّ مَلَكَهُ لَا يَنْفُذُ عِتْقُهُ أَمَّا الدَّعْوَةُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَلَوْ عَادَ إلَيْهِ فِي الْبَعْضِ) أَيْ إلَى الْوِفَاقِ فِي بَعْضِ الْمَالِ كَانَ مُضَارَبَةً فِيهِ أَيْ فِي ذَلِكَ الْبَعْضِ قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ فَإِنْ اشْتَرَى بِبَعْضِهِ فِي غَيْرِ الْكُوفَةِ ثُمَّ اشْتَرَى بِمَا بَقِيَ مِنْهُ فِي الْكُوفَةِ فَهُوَ مُخَالِفٌ فِيمَا اشْتَرَى بِغَيْرِ الْكُوفَةِ وَمَا اشْتَرَى بِالْكُوفَةِ فَهُوَ عَلَى الْمُضَارَبَةِ لِأَنَّ دَلِيلَ الْخِلَافِ وُجِدَ فِي بَعْضِهِ دُونَ بَعْضِهِ كَذَا فِي شَرْحِ الْكَافِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 265 فَإِخْبَارٌ لَا يُشْتَرَطُ وُجُودُهُ وَقْتَهُ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِحُرِّيَّةِ عَبْدِ الْغَيْرِ ثُمَّ مَلَكَهُ يَعْنِي اشْتَرَاهُ فَإِنَّهُ يَنْفُذُ وَإِذَا نَفَذَتْ لَا ضَمَانَ عَلَى الْمُضَارِبِ فِي حِصَّةِ رَبِّ الْمَالِ مِنْ الْوَلَدِ سَوَاءٌ كَانَ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا لِأَنَّ النُّفُوذَ بِالْمِلْكِ وَلَا صُنْعَ لَهُ فِيهِ وَعَتَقَ مِنْ الْوَلَدِ حِصَّةُ الْمُضَارِبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَقَطْ وَوَلَاءُ الْوَلَدِ بَيْنَ الْمُضَارِبِ وَرَبِّ الْمَالِ بِالْحِصَّةِ وَخُيِّرَ رَبُّ الْمَالِ إنْ شَاءَ اسْتَسْعَى الْغُلَامَ فِي أَلْفٍ وَمِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ وَإِنْ شَاءَ أَعْتَقَهُ. ثُمَّ إذَا قَبَضَ رَبُّ الْمَالِ الْأَلْفَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُضَارِبَ نِصْفَ قِيمَةِ الْأُمِّ لِظُهُورِ أَنَّ الْجَارِيَةَ رِبْحٌ فَنَفَذَتْ دَعْوَةُ الْمُضَارِبِ فِيهَا أَيْضًا وَصَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا لِأَنَّهُ ضَمَانُ تَمَلُّكٍ وَهُوَ لَا يَخْتَلِفُ بِهِمَا وَلَا يُتَوَقَّفُ عَلَى التَّعَدِّي لِأَنَّهُ ضَمَانُ تَمْلِيكٍ بِخِلَافِ ضَمَانِ الْوَلَدِ فَإِنَّهُ ضَمَانُ عِتْقٍ وَهُوَ يَعْتَمِدُ التَّعَدِّيَ وَلَمْ يُوجَدْ وَلَوْ لَمْ تَزِدْ قِيمَةُ الْوَلَدِ عَلَى أَلْفٍ وَزَادَتْ قِيمَةُ الْأُمِّ حَتَّى صَارَتْ أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ صَارَتْ الْجَارِيَةُ أُمَّ وَلَدٍ لِلْمُضَارِبِ وَيَضْمَنُ لِرَبِّ الْمَالِ أَلْفًا وَمِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ إنْ كَانَ مُوسِرًا وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهَا لِأَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ لَا تَسْعَى وَمَا لَمْ يَصِلْ إلَى رَبِّ الْمَالِ رَأْسُ مَالِهِ فَالْوَلَدُ رَقِيقٌ ثُمَّ يَأْخُذُ مِنْهُ مِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ عَلَى أَنَّهُ نَصِيبُهُ مِنْ الرِّبْحِ وَلَوْ زَادَتْ قِيمَتُهَا بِأَنْ صَارَتْ قِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ أَلْفَيْ دِرْهَمٍ عَتَقَ الْوَلَدُ وَصَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَيُؤْخَذُ رَأْسُ الْمَالِ مِنْهُ وَهُوَ أَلْفٌ وَمَا بَقِيَ مِنْ قِيمَةِ الْجَارِيَةِ وَهُوَ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَيَضْمَنُ لَهُ عُقْرُ مِائَةِ دِرْهَمٍ وَإِذَا اُسْتُوْفِيَ ذَلِكَ مِنْ الْمُضَارِبِ فَلِلْمُضَارِبِ أَنْ يَسْتَوْفِيَ مِنْ رِبْحِ الْوَلَدِ مِقْدَارَ أَلْفٍ وَمِائَةٍ فَعَتَقَ الْوَلَدُ مِنْهُ بِذَلِكَ الْمِقْدَارِ وَبَقِيَ مِنْ الْوَلَدِ مِقْدَارُ تِسْعمِائَةٍ رِبْحٌ بَيْنَهُمَا لِكُلِّ وَاحِدٍ أَرْبَعُمِائَةٍ وَخَمْسُونَ فَمَا أَصَابَ الْمُضَارِبَ عَتَقَ وَمَا أَصَابَ رَبَّ الْمَالِ سَعَى فِيهِ الْوَلَدُ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَلَوْ ادَّعَى رَبُّ الْمَالِ أَنَّهُ ابْنُهُ لَا الْمُضَارِبُ فَهُوَ ابْنُهُ وَالْجَارِيَةُ أُمُّ وَلَدٍ لَهُ وَلَا يَضْمَنُ لِلْمُضَارِبِ شَيْئًا مِنْ عُقْرٍ وَقِيمَةٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ (بَابُ " الْمُضَارِبُ يُضَارِبُ ") قَوْلُهُ (فَإِنْ ضَارَبَ الْمُضَارِبُ بِلَا إذْنٍ لَمْ يَضْمَنْ مَا لَمْ يَعْمَلْ الثَّانِي) يَعْنِي رَبِحَ أَوْ لَا حَتَّى لَوْ ضَاعَ فِي يَدِهِ قَبْلَ الْعَمَلِ لَا ضَمَانَ عَلَى أَحَدٍ وَكَذَا لَوْ غُصِبَ مِنْ الثَّانِي فَالضَّمَانُ عَلَى الْغَاصِبِ فَقَطْ وَلَوْ اسْتَهْلَكَ الثَّانِي الْمَالَ أَوْ وَهَبَهُ كَانَ الضَّمَانُ عَلَيْهِ دُونَ الْأَوَّلِ وَإِذَا عَمِلَ الثَّانِي خُيِّرَ رَبُّ الْمَالِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْأَوَّلَ رَأْسَ مَالِهِ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الثَّانِيَ وَإِنْ اخْتَارَ رَبُّ الْمَالِ أَنْ يَأْخُذَ الرِّبْحَ وَلَا يَضْمَنُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ فَإِنْ ضَمِنَ الْأَوَّلُ صَحَّتْ الْمُضَارَبَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الثَّانِي وَكَانَ الرِّبْحُ عَلَى مَا شَرَطَا وَإِنْ ضَمِنَ الثَّانِي رَجَعَ بِمَا ضَمِنَ عَلَى الْأَوَّلِ وَصَحَّتْ بَيْنَهُمَا وَكَانَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا وَطَابَ لِلثَّانِي مَا رَبِحَ دُونَ الْأَوَّلِ وَإِنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا فَاسِدَةً أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا ضَمَانَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلِلْعَامِلِ أَجْرُ الْمِثْلِ عَلَى الْمُضَارِبِ الْأَوَّلِ وَيَرْجِعُ بِهِ الْأَوَّلُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ وَالْوَضِيعَةُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ وَالرِّبْحُ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَرَبِّ الْمَالِ عَلَى الشَّرْطِ بَعْدَ أَخْذِ الثَّانِي أُجْرَتَهُ إذَا كَانَتْ الْمُضَارَبَةُ الْأُولَى صَحِيحَةً وَإِلَّا فَلِلْمُضَارِبِ الْأَوَّلِ أَجْرُ مِثْلِهِ وَلَوْ دَفَعَ الثَّانِي مُضَارَبَةً إلَى ثَالِثٍ وَرَبِحَ الثَّانِي أَوْ وَضَعَ فَإِنْ قَالَ الْأَوَّلُ لِلثَّانِي اعْمَلْ فِيهِ بِرَأْيِك فَلِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يُضَمِّنَ أَيَّ الثَّلَاثَةِ شَاءَ وَيَرْجِعُ الثَّالِثُ عَلَى الثَّانِي وَالثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ وَالْأَوَّلُ لَا يَرْجِعُ عَلَى أَحَدٍ إذَا ضَمَّنَهُ رَبُّ الْمَالِ وَإِلَّا لَا ضَمَانَ عَلَى الْأَوَّلِ وَضَمِنَ الثَّانِي وَالثَّالِثُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ. (قَوْلُهُ فَإِنْ دَفَعَ بِإِذْنٍ بِالثُّلُثِ وَقِيلَ مَا رَزَقَ اللَّهُ بَيْنَنَا نِصْفَانِ فَلِلْمَالِكِ النِّصْفُ وَلِلْأَوَّلِ السُّدُسُ وَلِلثَّانِي الثُّلُثُ) يَعْنِي ضَارَبَ بِإِذْنِ رَبِّ الْمَالِ وَإِنَّمَا كَانَ لَهُ النِّصْفُ بِشَرْطِهِ فَبَقِيَ النِّصْفُ وَقَدْ شَرَطَ الْمُضَارِبُ لِلثَّانِي الثُّلُثَ فَكَانَ لَهُ السُّدُسُ وَطَابَ الرِّبْحُ لِلْجَمِيعِ لِأَنَّ عَمَلَ الثَّانِي عَمَلٌ عَنْ الْمُضَارِبِ كَالْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ إذَا اسْتَأْجَرَ آخَرَ بِأَقَلَّ مِمَّا اُسْتُؤْجِرَ وَنَظِيرُ مَا فِي الْكِتَابِ لَوْ قَالَ مَا كَانَ فِي ذَلِكَ مِنْ رِزْقٍ فَهُوَ بَيْنَنَا نِصْفَانِ أَوْ قَالَ خُذْ هَذَا الْمَالَ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ قَوْلُهُ (وَلَوْ قِيلَ مَا رَزَقَ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَنَا نِصْفَانِ فَلِلثَّانِي ثُلُثُهُ وَالْبَاقِي بَيْنَ الْأَوَّلِ وَالْمَالِكِ نِصْفَانِ) أَيْ لَوْ قَالَ رَبُّ الْمَالِ ذَلِكَ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا لِأَنَّ الْمَشْرُوطَ مَا رَزَقَ اللَّهُ الْمُضَارِبَ وَهُوَ هُنَا الثُّلُثَانِ فَيُقْسَمُ بَيْنَهُمَا وَلِلثَّانِي الثُّلُثُ الْبَاقِي بِالشَّرْطِ وَنَظِيرُهُ مَا رَبِحْت فِي هَذَا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَلَوْ زَادَتْ قِيمَتُهَا إلَخْ) عِبَارَةُ الزَّيْلَعِيِّ هُنَا وَلَوْ زَادَتْ قِيمَتُهَا عَتَقَ الْوَلَدُ صَارَتْ الْجَارِيَةُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ لِأَنَّ الرِّبْحَ ظَهَرَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَيَأْخُذُ رَأْسَ الْمَالِ مِنْ الْمُضَارِبِ لِأَنَّ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ أَيْسَرُ الْمَالَيْنِ لِأَنَّهُ مُعَجَّلٌ وَهُوَ مُوسِرٌ وَالسِّعَايَةُ مُؤَجَّلَةٌ وَالْعَبْدُ مُعْسِرٌ وَيَأْخُذُ مِنْهُ أَيْضًا مَا بَقِيَ مِنْ نَصِيبِهِ مِنْ الرِّبْحِ وَيَضْمَنُ أَيْضًا نِصْفَ عُقْرِهَا لِأَنَّهُ لَمَّا اسْتَوْفَى رَأْسَ الْمَالِ ظَهَرَ أَنَّهُ رَبِحَ لِأَنَّ عُقْرُ مَالِ الْمُضَارَبَةِ يَكُونُ لِلْمُضَارَبَةِ وَيَسْعَى الْغُلَامُ فِي نَصِيبِ رَبِّ الْمَالِ وَيَسْقُطُ عَنْهُ نَصِيبُ الْمُضَارِبِ اهـ. وَرَأَيْت فِي هَامِشِهِ مَا نَصُّهُ قَوْلُهُ وَيَضْمَنُ إلَخْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى الِاسْتِيلَادِ بِالنِّكَاحِ فَكَيْفَ يَجِبُ الْعُقْرُ كَذَا بِخَطِّ الْحَلَبِيِّ نَقْلًا عَنْ قَارِئِ الْهِدَايَةِ [بَابُ الْمُضَارِبُ يُضَارِبُ] الجزء: 7 ¦ الصفحة: 266 مِنْ شَيْءٍ أَوْ مَا كَانَ لَك فِيهِ مِنْ فَضْلِ الرِّبْحِ أَوْ مَا كَسَبْت فِيهِ مِنْ كَسْبٍ أَوْ مَا رُزِقْت فِيهِ مِنْ شَيْءٍ أَوْ مَا صَارَ لَك فِيهِ مِنْ رِبْحٍ وَكَذَا لَوْ شَرَطَ لِلْمُضَارِبِ الثَّانِي أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ فَمَا بَقِيَ بَعْدَمَا يَأْخُذُ مِنْهُ فَهُوَ بَيْنَ رَبِّ الْمَالِ الْأَوَّلِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ فِي الْأَوَّلِ شُرِطَ نِصْفُ الرِّبْحِ جَمِيعُهُ لِأَنَّهُ أَضَافَ الرِّزْقَ إلَى الْمَالِ وَفِي الثَّانِي أَضَافَهُ إلَى الْمُضَارِبِ قَوْلُهُ (وَلَوْ قَالَ لَهُ مَا رَبِحْت بَيْنَنَا نِصْفَانِ وَدَفَعَ بِالنِّصْفِ فَلِلثَّانِي النِّصْفُ وَاسْتَوَيَا فِيمَا بَقِيَ) وَلَا فَرْقَ بَيْنَ هَذِهِ الصُّورَةِ وَمَا قَبْلَهَا إلَّا مِنْ حَيْثُ اشْتِرَاطُ الْمُضَارِبِ لِلثَّانِي فَإِنَّ فِي الْأُولَى شُرِطَ لَهُ الثُّلُثُ فَكَانَ مَا بَقِيَ بَيْنَهُمَا وَفِي الثَّانِي شُرِطَ لَهُ النِّصْفُ فَكَانَ النِّصْفُ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا قَوْلُهُ. (وَلَوْ قِيلَ مَا رَزَقَ اللَّهُ فَلِي نِصْفُهُ أَوْ مَا كَانَ مِنْ فَضْلٍ فَبَيْنَنَا نِصْفَانِ فَدَفَعَ بِالنِّصْفِ فَلِلْمَالِكِ النِّصْفُ وَلِلثَّانِي النِّصْفُ وَلَا شَيْءَ لِلْأَوَّلِ وَلَوْ شَرَطَ لِلثَّانِي ثُلُثَيْهِ) وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا (ضَمِنَ الْأَوَّلُ لِلثَّانِي سُدُسًا) ظَاهِرٌ حُكْمًا وَتَعْلِيلًا قَوْلُهُ (وَإِنْ شُرِطَ لِلْمَالِكِ ثُلُثُهُ وَلِعَبْدِهِ ثُلُثُهُ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ مِنْهُ وَلِنَفْسِهِ ثُلُثُهُ صَحَّ) أَيْ لِعَبْدِ الْمَالِكِ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ مَعَ الْمُضَارِبِ وَاشْتِرَاطُ الثُّلُثِ لِلْعَبْدِ اشْتِرَاطٌ لِمَوْلَاهُ وَكَانَ الْعَبْدُ مَأْذُونًا لَهُ فَتَكُونُ حِصَّتُهُ مِنْ الرِّبْحِ لِلْمَوْلَى إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ وَإِلَّا فَهُوَ لِغُرَمَائِهِ إنْ شَرَطَ عَمَلَهُ وَإِلَّا فَهُوَ لِلْمَوْلَى وَقَوْلُهُ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ مَعَهُ عَادِيٌّ وَلَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ يَصِحُّ الشَّرْطُ وَيَكُونُ لِسَيِّدِهِ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ عَمَلَهُ وَقَيَّدَ بِرَبِّ الْمَالِ لِأَنَّ عَبْدَ الْمُضَارِبِ لَوْ شُرِطَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الرِّبْحِ وَلَمْ يُشْتَرَطْ عَمَلُهُ لَا يَجُوزُ وَيَكُونُ مَا شُرِطَ لَهُ لِرَبِّ الْمَالِ إنْ كَانَ عَلَى الْعَبْدَيْنِ وَإِلَّا لَا يَصِحُّ سَوَاءٌ شُرِطَ عَمَلُهُ أَوْ لَا وَيَكُونُ لِلْمُضَارِبِ وَقُيِّدَ بِكَوْنِ الْعَاقِدِ الْمَوْلَى لِأَنَّ الْمَأْذُونَ لَوْ عَقَدَهَا مَعَ أَجْنَبِيٍّ وَشَرَطَ عَمَلَ مَوْلَاهُ لَا يَصِحُّ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَالْأَصَحُّ وَشَمِلَ قَوْلُهُ الْعَبْدَ مَا لَوْ شُرِطَ لِلْمُكَاتَبِ بَعْضُ الرِّبْحِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَكَذَا لَوْ كَانَ مُكَاتَبَ الْمُضَارِبِ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَشْتَرِطَ عَمَلَهُ فِيهِمَا وَكَانَ الْمَشْرُوطُ لِلْمُكَاتَبِ لَهُ لَا لِمَوْلَاهُ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ عَمَلَهُ لَا يَجُوزُ وَعَلَى هَذَا غَيْرُهُ مِنْ الْأَجَانِبِ فَتَصِحُّ الْمُضَارَبَةُ وَتَكُونُ لِرَبِّ الْمَالِ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ وَالْوَلَدُ وَالْمَرْأَةُ كَالْأَجَانِبِ هُنَا كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَقَيَّدَ بِاشْتِرَاطِ عَمَلِ الْعَبْدِ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ عَمَلِ رَبِّ الْمَالِ مَعَ الْمُضَارِبِ مُفْسِدٌ لَهَا. وَكَذَا اشْتِرَاطُ عَمَلِ الْمُضَارِبِ مَعَ مُضَارِبِهِ أَوْ عَمَلُ رَبِّ الْمَالِ مَعَ الثَّانِي كَذَا فِي الْمُحِيطِ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ إذَا دَفَعَ مَالَهُ مُضَارَبَةً وَشَرَطَ عَمَلَ مَوْلَاهُ مَعَهُ لَا يَفْسُدُ مُطْلَقًا فَإِنْ عَجَزَ قَبْلَ الْعَمَلِ وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ فَسَدَتْ وَلَوْ دَفَعَ الْمُكَاتَبُ مَالَهُ مُضَارَبَةً إلَى مَوْلَاهُ يَصِحُّ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَإِذَا كَانَ الِاشْتِرَاطُ لِلْعَبْدِ اشْتِرَاطًا لِمَوْلَاهُ فَاشْتِرَاطُ بَعْضِ الرِّبْحِ لِقَضَاءِ دَيْنِ الْمُضَارِبِ أَوْ لِقَضَاءِ دَيْنِ رَبِّ الْمَالِ جَائِزٌ بِالْأَوْلَى وَيَكُونُ الْمَشْرُوطُ لِلْمَشْرُوطِ لَهُ قَضَاءُ دِينِهِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَلَا يُجْبَرُ عَلَى دَفْعِهِ لِغُرَمَائِهِ وَلَوْ شُرِطَ بَعْضُ الرِّبْحِ لِلْمَسَاكِينِ أَوْ لِلْحَجِّ أَوْ فِي الرِّقَابِ لَمْ يَصِحَّ وَيَكُونُ لِرَبِّ الْمَالِ وَلَوْ شُرِطَ الْبَعْضُ لِمَنْ شَاءَ الْمُضَارِبُ فَإِنْ شَاءَ الْمُضَارِبُ لِنَفْسِهِ أَوْ لِرَبِّ الْمَالِ صَحَّ الشَّرْطُ وَإِنْ شَاءَهُ لِأَجْنَبِيٍّ لَمْ يَصِحَّ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَاشْتِرَاطُ أَنْ يَكُونَ لِلْعَبْدِ رِبْحٌ فِي مُقَابَلَةِ عَمَلِهِ اتِّفَاقِيٌّ لِأَنَّهُ لَوْ شُرِطَ عَمَلُ رَبِّ الْمَالِ مَعَ الْمُضَارِبِ وَلَمْ يُذْكَرْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الرِّبْحِ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ سَوَاءٌ كَانَ عَلَى الْعَبْدَيْنِ أَوْ لَا يَكُونُ الْعَبْدُ مُضَارِبًا فِي حَقِّ الْمَوْلَى فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ مَدْيُونًا فَحِصَّتُهُ مِنْ الرِّبْحِ لِغُرَمَائِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَحِصَّتُهُ لِمَوْلَاهُ وَكَذَلِكَ مُكَاتَبُهُ وَمَنْ لَمْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ قَوْلُهُ (وَتَبْطُلُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا) لِكَوْنِهَا وَكَالَةً وَهِيَ تَبْطُلُ بِالْمَوْتِ قَوْلُهُ (وَبِلُحُوقِ الْمَالِكِ مُرْتَدًّا) لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا لَمْ يُجْعَلْ الْمُضَارِبُ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ فِيمَا لَوْ دُفِعَ إلَيْهِ الثَّمَنُ قَبْلَ الشِّرَاءِ وَهَلَكَ فِي يَدِهِ بَعْدَ الشِّرَاءِ فَإِنَّ الْوَكِيلَ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْمُوَكِّلِ ثُمَّ لَوْ هَلَكَ مَا أَخَذَهُ مِنْهُ ثَانِيًا لَا يَرْجِعُ بِهِ مَرَّةً أُخْرَى بِخِلَافِ الْمُضَارِبِ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى إلَى أَنْ يَصِلَ الثَّمَنُ إلَى الْبَائِعِ لِأَنَّ شِرَاءَ الْوَكِيلِ يُوجِبُ الثَّمَنَ عَلَيْهِ لِلْبَائِعِ وَلَهُ عَلَى الْمُوَكِّلِ فَإِذَا رَجَعَ عَلَى الْمُوَكِّلِ بَعْدَ الشِّرَاءِ صَارَ مُقْتَضِيًا مَا اسْتَوْجَبَهُ دَيْنًا عَلَيْهِ وَصَارَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِالْقَبْضِ فَيَهْلِكُ مِنْ ضَمَانِهِ وَأَمَّا الْمُضَارِبُ إذَا رَجَعَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ فَمَا يَقْبِضُهُ يَكُونُ أَمَانَةً فَإِذَا هَلَكَ كَانَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ فَيَرْجِعُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى وَفِيمَا إذَا اشْتَرَى بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ عُرُوضًا ثُمَّ عُزِلَ لَا يَنْعَزِلُ وَإِنْ عَلِمَ وَالْوَكِيلُ يَنْعَزِلُ وَسَيَأْتِي الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَفِيمَا إذَا   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 267 عَادَ رَبُّ الْمَالِ بَعْدَ اللُّحُوقِ مُسْلِمًا فَالْمُضَارِبُ عَلَى مُضَارَبَتِهِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ وَالْفَرْقُ أَنَّ مَحَلَّ التَّصَرُّفِ خَرَجَ عَنْ مِلْكِ الْمُوَكِّلِ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ الْوَكِيلِ بِخِلَافِ الْمُضَارِبِ قُيِّدَ بِلُحُوقِ الْمَالِكِ لِأَنَّ الْمَالِكَ لَوْ ارْتَدَّ وَلَمْ يَلْحَقْ فَتَصَرُّفُهُ مَوْقُوفٌ وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْمُضَارِبَ لَوْ ارْتَدَّ فَالْمُضَارَبَةُ عَلَى حَالِهَا اتِّفَاقًا حَتَّى لَوْ اشْتَرَى وَبَاعَ وَرَبِحَ أَوْ خَسِرَ ثُمَّ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ أَوْ مَاتَ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَإِنَّ التَّصَرُّفَ جَائِزٌ وَالرِّبْحَ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا، وَالْعُهْدَةُ فِي جَمِيعِ تَصَرُّفِهِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ قَوْلُهُ (وَيَنْعَزِلُ بِعَزْلِهِ إنْ عَلِمَ) أَيْ يَنْعَزِلُ الْمُضَارِبُ بِعَزْلِ رَبِّ الْمَالِ إنْ عَلِمَ بِهِ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ لَا وَالْمُرَادُ بِالْعِلْمِ مَا يُسْتَفَادُ مِنْ خَبَرِ رَجُلَيْنِ مُطْلَقًا أَوْ وَاحِدٍ عَدْلٍ إنْ كَانَ فُضُولِيًّا وَإِلَّا فَخَبَرِ مُمَيِّزٍ قَوْلُهُ (وَإِنْ عَلِمَ وَالْمَالُ عُرُوضٌ بَاعَهَا ثُمَّ لَا يَتَصَرَّفُ فِي ثَمَنِهَا وَلَا يَمْلِكُ الْمَالِكُ فَسْخَهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ) لِأَنَّ لِلْمُضَارِبِ حَقًّا فِي الرِّبْحِ قَيَّدَ بِالْمُضَارَبَةِ لِأَنَّ أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ إذَا فَسَخَ الشَّرِكَةَ وَمَالُهَا أَمْتِعَةٌ قَالُوا يَصِحُّ فَسْخُهُ بِخِلَافِ الْمُضَارَبَةِ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خان مِنْ الشَّرِكَةِ وَالْمُرَادُ مِنْ الْعَرْضِ هُنَا أَنْ يَكُونَ خِلَافَ جِنْسِ رَأْسِ الْمَالِ وَالدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ جِنْسَانِ هُنَا فَإِذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ دَرَاهِمَ وَعَزَلَهُ وَمَعَهُ دَنَانِيرُ لَهُ بَيْعُهَا بِالدَّرَاهِمِ اسْتِحْسَانًا وَلَهُ بَيْعُ الْعُرُوضِ بَعْدَ الْعَزْلِ بِالنَّقْدِ وَالنَّسِيئَةِ وَإِنْ نَهَاهُ رَبُّ الْمَالِ عَنْ النَّسِيئَةِ كَمَا لَا يَصِحُّ نَهْيُهُ عَنْ الْمُسَافَرَةِ فِي الرِّوَايَاتِ الْمَشْهُورَةِ وَكَمَا لَا يَمْلِكُ عَزْلَهُ لَا يَمْلِكُ تَخْصِيصَ الْإِذْنِ لِأَنَّهُ عَزْلٌ مِنْ وَجْهٍ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَشَمِلَ كَلَامُهُ الْعَزْلَ الْحُكْمِيَّ حَتَّى لَوْ كَانَ لَهُ بَيْعُ الْعُرُوضِ بَعْدَ مَوْتِ رَبِّ الْمَالِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا وَلَا يَنْعَزِلُ فِي الْحُكْمِيِّ إلَّا بِالْعِلْمِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ حَيْثُ يَنْعَزِلُ فِي الْحُكْمِيِّ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ لِأَنَّهُ حَقٌّ لَهُ بِخِلَافِ الْمُضَارِبِ قَوْلُهُ (وَلَوْ افْتَرَقَا وَفِي الْمَالِ دُيُونٌ وَرِبْحٌ أُجْبِرَ عَلَى اقْتِضَاءِ الدُّيُونِ) لِأَنَّهُ كَالْأَجِيرِ وَالرِّبْحُ كَالْأُجْرَةِ وَطَلَبُ الدَّيْنِ مِنْ تَمَامِ تَكْمِلَةِ الْعَمَلِ فَيُجْبَرُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (وَإِلَّا لَا يَلْزَمُهُ الِاقْتِضَاءُ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَالِ رِبْحٌ لِكَوْنِهِ وَكِيلًا مُتَبَرِّعًا وَلَا جَبْرَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (يُوَكِّلُ الْمَالِكُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الِاقْتِضَاءِ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْمُطَالَبَةِ إلَّا بِتَوْكِيلِهِ لِكَوْنِهِ غَيْرَ عَاقِدٍ وَالْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ وَالْمُسْتَبْضِعُ كَالْمُضَارِبِ يُجْبَرَانِ عَلَى التَّوْكِيلِ قَوْلُهُ (وَالسِّمْسَارُ يُجْبَرُ عَلَى التَّقَاضِي) وَهُوَ بِكَسْرِ الْأَوَّلِ الْمُتَوَسِّطُ بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي وَجَمْعُهُ سَمَاسِرَةٌ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي لِلنَّاسِ بِأَجْرٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ وَلَوْ اُسْتُؤْجِرَ عَلَى الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ لَا يَجُوزُ لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ وَالْحِيلَةُ فِي جَوَازِهَا أَنْ يَسْتَأْجِرَهُ يَوْمًا لِلْخِدْمَةِ فَيَسْتَعْمِلَهُ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ إلَى آخِرِ الْمُدَّةِ وَلَوْ عَمِلَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ وَأَعْطَاهُ شَيْئًا لَا بَأْسَ بِهِ وَبِهِ جَرَتْ الْعَادَةُ وَإِنَّمَا أُجْبِرَ عَلَى طَلَبِ الثَّمَنِ مِنْ الْمُشْتَرِي وَاسْتِيفَائِهِ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ عَمَلِهِ قَوْلُهُ (وَمَا هَلَكَ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ فَمِنْ الرِّبْحِ فَإِنْ زَادَ الْهَالِكُ عَلَى الرِّبْحِ لَمْ يَضْمَنْ الْمُضَارِبُ) لِكَوْنِهِ أَمِينًا سَوَاءٌ كَانَ مِنْ عَمَلِهِ أَوْ لَا قَوْلُهُ (وَإِنْ قُسِّمَ الرِّبْحُ وَبَقِيَتْ الْمُضَارَبَةُ ثُمَّ هَلَكَ الْمَالُ أَوْ بَعْضُهُ تَرَادَّا الرِّبْحَ لِيَأْخُذَ الْمَالِكُ رَأْسَ مَالِهِ وَمَا فَضَلَ فَهُوَ بَيْنَهُمَا وَإِنْ نَقَصَ لَمْ يَضْمَنْ) لِأَنَّ قِسْمَةَ الرِّبْحِ قَبْلَ قَبْضِ رَأْسِ الْمَالِ مَوْقُوفَةٌ فَإِذَا قَبَضَ رَبُّ الْمَالِ رَأْسَ مَالِهِ نَفَذَتْ الْقِسْمَةُ وَإِنْ هَلَكَ مَا أَعَدَّ لِرَأْسِ الْمَالِ كَانَتْ الْقِسْمَةُ بَاطِلَةً وَتَبَيَّنَ أَنَّ الْمَقْسُومَ كَانَ رَأْسَ الْمَالِ قَوْلُهُ (وَإِنْ قُسِّمَ الرِّبْحُ وَفُسِخَتْ ثُمَّ عَقَدَاهَا فَهَلَكَ الْمَالُ لَمْ يَتَرَادَّا) وَهَذِهِ مَفْهُومُ قَوْلِهِ وَبَقِيَتْ الْمُضَارَبَةُ لِأَنَّ الْأُولَى قَدْ انْتَهَتْ بِالْفَسْخِ وَهِيَ الْحِيلَةُ النَّافِعَةُ لِلْمُضَارَبَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [فَصْلٌ دَفْعِ مَالِ الْمُضَارَبَةُ إلَى الْمَالِكِ بِضَاعَةً] (فَصْلٌ) قَوْلُهُ (وَلَا تَفْسُدُ الْمُضَارَبَةُ بِدَفْعِ الْمَالِ إلَى الْمَالِكِ بِضَاعَةً) لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ مُعَيَّنٌ لِلْمُضَارِبِ فِي إقَامَةِ الْعَمَلِ وَالْمَالُ فِي يَدِهِ عَلَى سَبِيلِ الْبِضَاعَةِ وَأَطْلَقَ الْمَالَ فَشَمِلَ الْكُلَّ وَالْبَعْضَ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الذَّخِيرَةِ وَالْمَبْسُوطِ وَمَا وَقَعَ فِي الْهِدَايَةِ مِنْ التَّقْيِيدِ بِالْبَعْضِ فَاتِّفَاقِيٌّ صَرَّحَ بِهِ فِي النِّهَايَةِ وَأَشَارَ بِالدَّفْعِ إلَى أَنَّ الْمُضَارِبَ لَا بُدَّ أَنْ يُسَلِّمَ الْمَالَ أَوَّلًا حَتَّى لَوْ جَعَلَ الْمَالَ بِضَاعَةً قَبْلَ أَنْ يَتَسَلَّمَهُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ شَرْطٌ فِيهَا كَمَا لَوْ شَرَطَ عَمَلَ رَبِّ الْمَالِ ابْتِدَاءً وَقَيَّدَ بِدَفْعِهِ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ لَوْ أَخَذَ مَالَ الْمُضَارَبَةِ بِغَيْرِ أَمْر الْمُضَارِبِ وَبَاعَ وَاشْتَرَى فَإِنَّ الْمُضَارَبَةَ تَبْطُلُ إنْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ نَقْدًا وَإِنْ صَارَ عَرْضًا لَا لِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ   [منحة الخالق] (فَصْلٌ) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 268 لَا مُعِينٌ فَانْتَقَضَتْ وَفِي الثَّانِي لَا يَمْلِكُ النَّقْضَ صَرِيحًا فَكَذَا دَلَالَةً فَلَوْ بَاعَ الْعُرُوضَ بِنَقْدٍ ثُمَّ اشْتَرَى عُرُوضًا كَانَ لِلْمُضَارِبِ حِصَّتُهُ مِنْ رِبْحِ الْعُرُوضِ الْأُولَى لَا الثَّانِيَةِ لِأَنَّهُ لَمَّا بَاعَ الْعُرُوضَ وَصَارَ الْمَالُ نَقْدًا فِي يَدِهِ كَانَ ذَلِكَ نَقْضًا لِلْمُضَارَبَةِ فَشِرَاؤُهُ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ يَكُونُ لِنَفْسِهِ فَلَوْ بَاعَ الْعُرُوضَ بِعُرُوضٍ مِثْلِهَا أَوْ بِمَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ وَرَبِحَ كَانَ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ نَقْضِ الْمُضَارَبَةِ مَا دَامَ الْمَالُ عُرُوضًا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ تَصَرُّفٍ صَارَ حَقًّا لِلْمُضَارِبِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَمْلِكُ رَبُّ الْمَالِ مَنْعَهُ فَرَبُّ الْمَالِ فِي ذَلِكَ يَكُونُ مُعِينًا لَهُ سَوَاءٌ بَاشَرَهُ بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ وَكُلُّ تَصَرُّفٍ يَتَمَكَّنُ رَبُّ الْمَالِ أَنْ يَمْنَعَ الْمُضَارِبَ مِنْهُ فَرَبُّ الْمَالِ فِي ذَلِكَ التَّصَرُّفِ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِأَمْرِ الْمُضَارِبِ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ مُعِينًا لَهُ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَتَقْيِيدُهُ بِالْبِضَاعَةِ اتِّفَاقِيٌّ لِأَنَّهُ لَوْ دُفِعَ الْمَالُ إلَى رَبِّ الْمَالِ مُضَارَبَةً لَا تَبْطُلُ الْمُضَارَبَةُ الْأُولَى لَكِنْ تَبْطُلُ الثَّانِيَةُ لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ تَنْعَقِدُ شَرِكَةً عَلَى مَالِ رَبِّ الْمَالِ وَعَمَلِ الْمُضَارِبِ وَلَا مَالَ هُنَا فَلَوْ جَوَّزْنَاهُ يُؤَدِّي إلَى قَلْبِ الْمَوْضُوعِ وَإِذَا لَمْ تَصِحَّ بَقِيَ عَمَلُ رَبِّ الْمَالِ بِأَمْرِ الْمُضَارِبِ فَلَا تَبْطُلُ بِهِ الْمُضَارَبَةُ الْأُولَى كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّهَا بِضَاعَةٌ وَإِنْ سُمِّيَتْ مُضَارَبَةً لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْبِضَاعَةِ هُنَا الِاسْتِعَانَةُ لِأَنَّ الْإِبْضَاعَ الْحَقِيقِيَّ لَا يَتَأَتَّى هُنَا وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ لِلْمُبْضِعِ وَالْعَمَلَ مِنْ الْآخَرِ وَلَا رِبْحَ لِلْعَامِلِ وَفُهِمَ مِنْ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ جَوَازُ الْإِبْضَاعِ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ بِالْأَوْلَى وَحَاصِلُ مَا يَمْلِكُهُ الْمُضَارِبُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ نَوْعٌ يَمْلِكُهُ بِمُطْلَقِ الْمُضَارَبَةِ وَهُوَ مَا كَانَ مُعْتَادًا بَيْنَ التُّجَّارِ وَنَوْعٌ لَا يَمْلِكُهُ إلَّا إذَا قَالَ لَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِك كَالْمُضَارَبَةِ وَالشَّرِكَةِ وَالْخَلْطِ وَنَوْعٌ لَا يَمْلِكُهُ إلَّا بِالصَّرِيحِ كَالِاسْتِدَانَةِ وَالْعِتْقِ مُطْلَقًا وَالْكِتَابَةِ وَالْإِقْرَاضِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَقَدْ قَدَّمْنَا تَفَاصِيلَهَا أَوَّلَ الْكِتَابِ قَوْلُهُ (فَإِنْ سَافَرَ فَطَعَامُهُ وَشِرَاؤُهُ وَكِسْوَتُهُ وَرَكُوبُهُ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ وَإِنْ عَمِلَ فِي الْمِصْرِ فَنَفَقَتُهُ فِي مَالِهِ) أَيْ إنْ سَافَرَ الْمُضَارِبُ وَالرَّكُوبُ بِفَتْحِ الرَّاءِ مَا يُرْكَبُ سَوَاءٌ كَانَ بِشِرَاءٍ أَوْ كِرَاءٍ وَالْفَرْقُ أَنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ جَزَاءَ الِاحْتِبَاسِ كَنَفَقَةِ الْقَاضِي وَالْمَرْأَةِ وَالْمُضَارِبُ فِي الْمِصْرِ سَاكِنٌ بِالسُّكْنَى الْأَصْلِيِّ وَإِذَا سَافَرَ صَارَ مَحْبُوسًا بِالْمُضَارَبَةِ فَيَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ قَيَّدَ بِالْمُضَارِبِ لِأَنَّ الْأَجِيرَ وَالْوَكِيلَ وَالْمُسْتَبْضِعَ لَا نَفَقَةَ لَهُمْ مُطْلَقًا لِأَنَّ الْأَجِيرَ يَسْتَحِقُّ الْبَدَلَ لَا مَحَالَةَ وَالْوَكِيلَ وَالْمُسْتَبْضِعَ مُتَبَرِّعَانِ وَكَذَا الشَّرِيكُ إذَا سَافَرَ بِمَالِ الشَّرِكَةِ لَا نَفَقَةَ لَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْرِ التَّعَارُفُ بِهِ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي وَصَرَّحَ فِي النِّهَايَةِ بِوُجُوبِهَا فِي مَالِ الشَّرِكَةِ وَأَطْلَقَ الْمُضَارَبَةَ فَانْصَرَفَتْ إلَى الصَّحِيحَةِ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ فِي الْفَاسِدَةِ أَجِيرٌ لَا نَفَقَةَ لَهُ وَلَمَّا كَانَتْ الْعِلَّةُ فِي وُجُوبِ النَّفَقَةِ حَبْسَ نَفْسِهِ لِأَجْلِهَا عُلِمَ أَنْ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالسَّفَرِ السَّفَرَ الشَّرْعِيَّ الْمُقَدَّرَ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بَلْ الْمُرَادُ أَنْ لَا يُمْكِنَهُ أَنْ يَبِيتَ فِي مَنْزِلِهِ وَإِنْ خَرَجَ مِنْ الْمِصْرِ وَأَمْكَنَهُ أَنْ يَعُودَ إلَيْهِ فِي لَيْلَتِهِ فَهُوَ كَالْمِصْرِ لَا نَفَقَةَ لَهُ وَأَطْلَقَ الْمِصْرَ فَشَمِلَ مِصْرَهُ الَّذِي وُلِدَ فِيهِ وَالْمِصْرَ الَّذِي اتَّخَذَهُ دَارًا أَمَّا لَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ بِمِصْرٍ وَلَمْ يَتَّخِذْهُ دَارًا فَلَهُ النَّفَقَةُ كَذَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ. فَلَوْ أَخَذَ مَالًا بِالْكُوفَةِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَكَانَ قَدِمَ الْكُوفَةِ مُسَافِرًا فَلَا نَفَقَةَ لَهُ فِي الْمَالِ مَا دَامَ بِالْكُوفَةِ فَإِذَا خَرَجَ مِنْهَا مُسَافِرًا فَلَهُ النَّفَقَةُ حَتَّى يَأْتِيَ الْبَصْرَةَ لِأَنَّ خُرُوجَهُ لِأَجْلِ الْمَالِ وَلَا يُنْفِقُ مِنْ الْمَالِ مَا دَامَ بِالْبَصْرَةِ لِأَنَّ الْبَصْرَةَ وَطَنٌ أَصْلِيٌّ لَهُ فَكَانَ إقَامَتُهُ فِيهِ لِأَجْلِ الْوَطَنِ لَا لِأَجْلِ الْمَالِ فَإِذَا خَرَجَ مِنْ الْبَصْرَةِ لَهُ أَنْ يُنْفِقَ مِنْ الْمَالِ إلَى أَنْ يَأْتِيَ الْكُوفَةَ لِأَنَّ خُرُوجَهُ مِنْ الْبَصْرَةِ لِأَجْلِ الْمَالِ وَلَهُ أَنْ يُنْفِقَ أَيْضًا مَا أَقَامَ بِالْكُوفَةِ حَتَّى يَعُودَ إلَى الْبَصْرَةِ لِأَنَّ وَطَنَهُ بِالْكُوفَةِ كَانَ وَطَنَ إقَامَةٍ وَإِنَّهُ يَبْطُلُ بِالسَّفَرِ فَإِنْ عَادَ إلَيْهَا وَلَيْسَ لَهُ بِهَا وَطَنٌ فَكَانَ إقَامَتُهُ فِيهَا لِأَجْلِ الْمَالِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَالْمُحِيطِ وَالْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ. وَأَشَارَ بِالطَّعَامِ وَمَا بَعْدَهُ إلَى أَنَّهُ يُنْفِقُ عَلَى نَفْسِهِ فِي السَّفَرِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ فِي عَادَةِ التُّجَّارِ بِالْمَعْرُوفِ فَدَخَلَ فِيهِ غَسْلُ ثِيَابِهِ وَأُجْرَةُ مَنْ يَخْدُمُهُ مِنْ الْخَبْزِ وَالطَّبْخِ وَعَلْفِ دَابَّةِ الرُّكُوبِ وَالْحَمْلِ وَنَفَقَةِ غِلْمَانِهِ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ مَعَهُ وَالدُّهْنُ فِي مَوْضِعٍ يَحْتَاجُ إلَيْهِ كَالْحِجَازِ وَأُجْرَةِ الْحَمَّامِ وَالْحَلَّاقِ وَقَصِّ الشَّارِبِ وَمَا أَسْرَفَ فِيهِ ضَمِنَهُ لِانْتِفَاءِ الْإِذْنِ وَمَا فَضَلَ مِنْ النَّفَقَةِ بَعْدَ رُجُوعِهِ إلَى بَلَدِهِ رَدَّهُ إلَى مَالِ الْمُضَارَبَةِ كَالْحَاجِّ عَنْ الْغَيْرِ يَرُدُّ الْفَاضِلَ عَنْ   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 269 الْمَحْجُوجِ عَنْهُ إنْ كَانَ حَيًّا وَإِنْ كَانَ مَيِّتًا إلَى وَرَثَتِهِ وَالْغَازِي إذَا خَرَجَ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ رَدَّ مَا مَعَهُ مِنْ النَّفَقَةِ وَكَالْأَمَةِ إذَا رَجَعَ الْمَوْلَى فِي تَبْوِئَتهَا تَرُدُّ مَا مَعَهَا مِنْ النَّفَقَةِ عَلَى الزَّوْجِ وَأَشَارَ بِنَفْيِ وُجُوبِ الدَّوَاءِ مِنْ مَالِهَا مُطْلَقًا إلَى أَنَّ أُجْرَةَ الْحَجَّامِ وَالْفَصَّادِ لَا تَجِبُ مِنْ مَالِهَا لِأَنَّهَا مِنْ الدَّوَاءِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ الدَّوَاءُ لِأَنَّهُ مِنْ الْعَوَارِضِ كَدَوَاءِ الْمَرْأَةِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ وَأَطْلَقَ فِي وُجُوبِ النَّفَقَةِ فِي السَّفَرِ فَشَمِلَ مَا إذَا اتَّفَقَ لَهُ شِرَاءُ شَيْءٍ أَوْ لَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ وَلَمَّا كَانَ الْمُعْتَبَرُ عَادَةَ التُّجَّارِ كَانَ لَهُ أَكْلُ الْفَاكِهَةِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ النَّفَقَةِ وَلَهُ الْخِضَابُ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ. وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ فَطَعَامُهُ إلَى أَنَّهُ يَأْكُلُ مَا كَانَ يَعْتَادُهُ كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ وَأَشَارَ بِالنَّفَقَةِ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ جَارِيَةً لِلْوَطْءِ وَلَا لِلْخِدْمَةِ فَإِنْ اشْتَرَى كَانَ مِنْ مَالِهِ خَاصًّا كَذَا فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ وَعَلَّلَهُ فِي الْمُحِيطِ بِأَنَّ الْوَطْءَ قَدْ يَأْتِي بِدُونِ الْجَارِيَةِ وَالْحَاجَةُ إلَى الْخِدْمَةِ تَرْتَفِعُ بِالِاسْتِئْجَارِ وَقَيَّدَ بِنَفَقَةِ الْمُضَارِبِ لِأَنَّ نَفَقَةَ عَبِيدِ رَبِّ الْمَالِ وَدَوَابِّهِ إذَا سَافَرَ بِهِمْ لَيْسَتْ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ بَلْ عَلَى رَبِّ الْمَالِ فَإِنْ أَنْفَقَ الْمُضَارِبُ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ عَلَيْهِمْ فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا أَنْفَقَ تُؤْخَذُ مِمَّا خَصَّهُ مِنْ الرِّبْحِ إنْ وَفَى وَإِلَّا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالزِّيَادَةِ وَإِنْ أَنْفَقَ بِأَمْرِ رَبِّ الْمَالِ حُسِبَ ذَلِكَ مِنْ مَالِ رَبِّ الْمَالِ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَالْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ وَإِذَا رَدَّ شَيْئًا مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ عَلَى عَبِيدِ رَبِّ الْمَالِ لَا يَضْمَنُ فَهُوَ كَالْمُودَعِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَأَفَادَ بِذِكْرِ الْكِسْوَةِ وُجُوبُ الْفِرَاشِ الَّذِي يَنَامُ عَلَيْهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحِيطِ. وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ إلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْإِنْفَاقُ مِنْ عَيْنِهِ حَتَّى لَوْ أَنْفَقَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ أَوْ اسْتَدَانَ عَلَى الْمُضَارَبَةِ لِنَفَقَتِهِ يَرْجِعُ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ فِي الْإِنْفَاقِ إلَيْهِ كَالْوَصِيِّ إذَا أَنْفَقَ عَلَى الصَّغِيرِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ وَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ فِيهِ حَتَّى تَوِيَ مَالُ الْمُضَارَبَةِ لَا يَرْجِعُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ لِفَوَاتِ مَحَلِّ النَّفَقَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى شَيْئًا لِلْمُضَارَبَةِ أَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا مَالَ الْمُضَارَبَةِ فَضَاعَ الْمَالُ قَبْلَ أَنْ يَنْقُدَ مِنْهُ يَرْجِعُ بِذَلِكَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ لِأَنَّهُ عَامِلٌ لِرَبِّ الْمَالِ بِخِلَافِ نَفَقَتِهِ لِأَنَّهُ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَأَطْلَقَ السَّفَرَ فَشَمِلَ السَّفَرَ لِلتِّجَارَةِ وَلِطَلَبِ الدُّيُونِ فَيَرْجِعُ بِمَا أَنْفَقَ لِطَلَبِهِ إلَّا إذَا زَادَ عَلَى الدَّيْنِ فَلَا يَرْجِعُ بِالزِّيَادَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحِيطِ وَأَطْلَقَ عَمَلَهُ فِي الْمِصْرِ فَشَمِلَ عَمَلَهُ لِلتِّجَارَةِ وَلِاقْتِضَاءِ الدُّيُونِ وَلَا رُجُوعَ لَهُ فِيمَا أَنْفَقَهُ فِي الْخُصُومَةِ لِتَقَاضِي الدَّيْنِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَأَطْلَقَ الْمُضَارِبَ لِيُفِيدَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُضَارِبِ وَمُضَارِبِهِ إذَا كَانَ إذْنُهُ فِي الْمُضَارَبَةِ وَإِلَّا فَلَا نَفَقَةَ لِلثَّانِي كَمَا فِي الْمُحِيطِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ رَبِحَ أَخَذَ الْمَالِكُ مَا أَنْفَقَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ) أَيْ مَا أَنْفَقَهُ الْمُضَارِبُ فَإِذَا اسْتَوْفَى رَأْسَ مَالِهِ وَفَضَلَ شَيْءٌ اقْتَسَمَاهُ لِأَنَّ مَا أَنْفَقَهُ يُجْعَلُ كَالْهَالِكِ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ لِلْمُضَارِبِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ فِي السَّفَرِ قَبْلَ الرِّبْحِ وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَظْهَرْ رِبْحٌ لَا شَيْءَ عَلَى الْمُضَارِبِ قَيَّدَ بِالنَّفَقَةِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي الْمَالِ دَيْنٌ غَيْرُهَا قُدِّمَ إيفَاؤُهُ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ وَلَوْ أَنْفَقَ الْمُضَارِبُ مِنْ مَالِهِ ثُمَّ هَلَكَ مَالُ الْمُضَارَبَةِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى رَبِّ الْمَالِ بِشَيْءٍ كَمَا قَدَّمْنَاهُ قَوْلُهُ (فَلَوْ بَاعَ الْمَتَاعَ مُرَابَحَةً حُسِبَ مَا أَنْفَقَ عَلَى الْمَتَاعِ) مِنْ الْحُمْلَانِ وَأُجْرَةِ السِّمْسَارِ وَالْقَصَّارِ وَالصَّبَّاغِ وَنَحْوِهِ وَيَقُولُ قَامَ عَلَيَّ بِكَذَا وَالْأَصْلُ أَنَّ مَا يُوجِبُ زِيَادَةً فِي رَأْسِ الْمَالِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا يَضُمُّهُ إلَى رَأْسِ الْمَالِ وَكَذَا مَا اعْتَادَهُ التُّجَّارُ كَأُجْرَةِ السِّمْسَارِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ. قَوْلُهُ (لَا عَلَى نَفْسِهِ) أَيْ لَا يَحْسُبُ نَفَقَةَ نَفْسِهِ إذَا بَاعَ مُرَابَحَةً وَالْفَرْقُ أَنَّ الْأَوَّلَ يُوجِبُ زِيَادَةً فِي الْمَالِيَّةِ بِزِيَادَةِ الْقِيمَةِ وَالثَّانِي لَا يُوجِبُهَا قَوْلُهُ (وَلَوْ قَصَرَهُ أَوْ حَمَلَهُ بِمَالِهِ وَقِيلَ لَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِك فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ) يَعْنِي إذَا قَالَ لَهُ رَبُّ الْمَالِ اعْمَلْ بِرَأْيِك فَاشْتَرِي بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ كُلِّهِ مَتَاعًا ثُمَّ قَصَرَهُ أَوْ حَمَلَهُ بِمَالِهِ يَكُونُ مُتَطَوِّعًا لَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ لِأَنَّهُ اسْتَدَانَهُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ زَادَ عَلَى الثَّمَنِ بِأَنْ اشْتَرَى بِأَكْثَرَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ يَكُونُ مُتَطَوِّعًا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ وَقِيلَ لَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِك أَنَّهُ لَوْ أَذِنَ لَهُ صَرِيحًا بِذَلِكَ لَا يَكُونُ تَطَوُّعًا وَلَوْ لَمْ يَقُلْ اعْمَلْ بِرَأْيِك وَسَكَتَ يَكُونُ مُتَطَوِّعًا بِالْأَوْلَى وَإِذَا كَانَ مُتَطَوِّعًا يَكُونُ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ الرِّبْحِ فَلَوْ اشْتَرَى بِكُلِّ رَأْسِ الْمَالِ وَهُوَ أَلْفٌ ثِيَابًا وَاسْتَقْرَضَ مِائَةً لِلْحَمْلِ عَلَيْهَا ثُمَّ بَاعَهَا   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 270 بِأَلْفَيْنِ قُسِّمَتْ الْأَلْفُ الرِّبْحُ عَلَى أَحَدَ عَشَرَ سَهْمًا فَعَشَرَةٌ مِنْهَا لِلْمُضَارَبَةِ عَلَى شَرْطِهِمَا وَسَهْمٌ لِلْمُضَارِبِ خَاصَّةً فِي مُقَابَلَةِ مَا تَبَرَّعَ بِهِ مِنْ الْكِرَاءِ وَيُرَابِحُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ عَلَى أَلْفٍ وَمِائَةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَة لِأَنَّهَا قَامَتْ عَلَيْهِ بِذَلِكَ وَعِنْدَهُمَا عَلَى أَلْفٍ لَا غَيْرُ وَالثَّمَنُ كُلُّهُ عَلَى الْمُضَارَبَةِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ صَبَغَهُ أَحْمَرَ فَهُوَ شَرِيكٌ بِمَا زَادَ الصَّبْغُ فِيهِ وَلَا يَضْمَنُ) لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالٍ قَائِمٍ حَتَّى إذَا بِيعَ كَانَ لَهُ حِصَّةُ الصَّبْغِ وَحِصَّةُ الثَّوْبِ الْأَبْيَضِ عَلَى الْمُضَارَبَةِ بِخِلَافِ الْقَصَارَةِ وَالْحَمْلِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَيْنِ مَالٍ قَائِمٍ بِهِ وَلِهَذَا إذَا فَعَلَهُ الْغَاصِبُ ضَاعَ وَلَا يَضِيعُ إذَا صُبِغَ الْمَغْصُوبُ وَإِنَّمَا لَا يَضْمَنُ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ قَالَ لَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِك فَيَمْلِكُ الْخَلْطَ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَقُلْ لَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِك فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ شَرِيكًا بَلْ يَضْمَنُ كَالْغَاصِبِ وَالْقَصَارَةُ بِفَتْحِ الْقَافِ مَصْدَرٌ مِنْ قَصَرَ الثَّوْبَ فِعْلُ الْقَصَّارِ وَبِكَسْرِهَا حِرْفَتُهُ وَخَصَّ الْمُصَنِّفُ الْحُمْرَةَ لِأَنَّ السَّوَادَ نُقْصَانٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَمَّا سَائِرُ الْأَلْوَانِ فَمِثْلُ الْحُمْرَةِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ قَوْلُهُ (مَعَهُ أَلْفٌ بِالنِّصْفِ فَاشْتَرَى بِهِ بَزًّا وَبَاعَهُ بِأَلْفَيْنِ وَاشْتَرَى بِهِمَا عَبْدًا فَضَاعَا غَرِمَا أَلْفًا وَالْمَالِكُ أَلْفًا) أَيْ غَرِمَ الْمُضَارِبُ وَرَبُّ الْمَالِ أَلْفًا ثُمَّ غَرِمَ رَبُّ الْمَالِ وَحْدَهُ أَلْفًا أُخْرَى فَيَغْرَمُ الْمُضَارِبُ خَمْسَمِائَةٍ وَالْمَالِكُ أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ الْبَزُّ الثِّيَابُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي السِّيَرِ الْبَزُّ عِنْدَ أَهْلِ الْكُوفَةِ ثِيَابُ الْكَتَّانِ أَوْ الْقُطْنِ لَا ثِيَابُ الصُّوفِ وَالْخَزِّ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ قَوْلُهُ (وَرُبْعُ الْعَبْدِ لِلْمُضَارِبِ وَبَاقِيهِ عَلَى الْمُضَارَبَةِ وَرَأْسُ الْمَالِ أَلْفَانِ وَخَمْسُمِائَةٍ وَيُرَابِحُ عَلَى أَلْفَيْنِ) لِأَنَّهُ لَمَّا نَضَّ الْمَالُ ظَهَرَ الرِّبْحُ وَلَهُ مِنْهُ خَمْسُمِائَةٍ فَإِذَا اشْتَرَى بِأَلْفَيْنِ عَبْدًا صَارَ مُشْتَرِيًا رُبْعَهُ لِنَفْسِهِ وَثَلَاثَةَ أَرْبَاعِهِ لِلْمُضَارَبَةِ عَلَى حَسَبِ انْقِسَامِ الْأَلْفَيْنِ فَإِذَا ضَاعَتْ الْأَلْفَانِ وَجَبَ عَلَيْهِ الثَّمَنُ وَلَهُ الرُّجُوعُ بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ الثَّمَنِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ مِنْ جِهَتِهِ وَيَخْرُجُ نَصِيبُ الْمُضَارِبِ وَهُوَ الرُّبْعُ مِنْ الْمُضَارَبَةِ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ وَمَالُ الْمُضَارَبَةِ أَمَانَةٌ وَبَيْنَهُمَا مُنَافَاةٌ وَيَكُونُ رَأْسُ الْمَالِ أَلْفَيْنِ وَخَمْسُمِائَةٍ لِأَنَّهُ دَفَعَ مَرَّةً أَلْفًا وَمَرَّةً أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ وَلَا يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً إلَّا عَلَى أَلْفَيْنِ لِأَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِهِمَا وَيَظْهَرُ ذَلِكَ فِيمَا إذَا بِيعَ الْعَبْدُ بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ فَحِصَّةُ الْمُضَارَبَةِ ثَلَاثَةُ آلَافٍ يَرْفَعُ رَأْسَ الْمَالِ وَيَبْقَى خَمْسُمِائَةٍ رِبْحٌ بَيْنَهُمَا وَالْأَلْفُ يَخْتَصُّ بِهَا الْمُضَارِبُ قَوْلُهُ (وَإِنْ اشْتَرَى مِنْ الْمَالِكِ عَبْدًا بِأَلْفٍ اشْتَرَاهُ بِنِصْفِهِ رَابَحَ بِنِصْفِهِ) أَيْ لَوْ اشْتَرَى الْمُضَارِبُ مِنْ رَبِّ الْمَالِ بِأَلْفِ الْمُضَارَبَةِ عَبْدًا قِيمَتُهُ أَلْفٌ وَقَدْ كَانَ اشْتَرَاهُ رَبُّ الْمَالِ بِنِصْفِ الْأَلْفِ يَبِيعُهُ الْمُضَارِبُ مُرَابَحَةً بِمَا اشْتَرَاهُ رَبُّ الْمَالِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً عَلَى الْأَلْفِ لِأَنَّ بَيْعَهُ مِنْ الْمُضَارِبِ كَبَيْعِهِ مِنْ نَفْسِهِ. وَكَذَا لَوْ اشْتَرَاهُ رَبُّ الْمَالِ بِأَلْفٍ وَقِيمَتُهُ أَلْفٌ وَبَاعَهُ مِنْ الْمُضَارِبِ بِخَمْسِمِائَةٍ وَمَالُ الْمُضَارَبَةِ أَلْفٌ فَإِنَّهُ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى خَمْسِمِائَةٍ قَيَّدْنَا بِكَوْنِهِ لَا فَضْلَ فِي قِيمَةِ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنُ عَلَى رَأْسِ مَالِ الْمُضَارَبَةِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِيهِمَا فَضْلٌ بِأَنْ اشْتَرَى رَبُّ الْمَالِ عَبْدًا بِأَلْفٍ قِيمَتُهُ أَلْفَانِ ثُمَّ بَاعَهُ مِنْ الْمُضَارِبِ بِأَلْفَيْنِ بَعْدَمَا عَمِلَ الْمُضَارِبُ فِي أَلْفِ الْمُضَارَبَةِ وَرَبِحَ فِيهَا أَلْفًا فَإِنَّهُ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى أَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ وَكَذَا إذَا كَانَ فِي قِيمَةِ الْمَبِيعِ فَضْلٌ دُونَ الثَّمَنِ بِأَنْ كَانَ الْعَبْدُ يُسَاوِي أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ فَاشْتَرَاهُ رَبُّ الْمَالِ بِأَلْفٍ فَبَاعَهُ مِنْ الْمُضَارِبِ بِأَلْفٍ يَبِيعُهُ الْمُضَارِبُ مُرَابَحَةً عَلَى أَلْفٍ وَمِائَتَيْنِ وَأَمَّا إذَا كَانَ فِي الثَّمَنِ فَضْلٌ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ وَلَا فَضْلَ فِي قِيمَةِ الْمَبِيعِ بِأَنْ اشْتَرَى رَبُّ الْمَالِ عَبْدًا بِأَلْفٍ قِيمَتُهُ أَلْفٌ فَبَاعَهُ مِنْ الْمُضَارِبِ بِأَلْفَيْنِ فَإِنَّهُ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى أَلْفٍ فَهُوَ كَمَسْأَلَةِ الْكِتَابِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ قِسْمَانِ لَا يُرَابِحُ فِيهِمَا إلَّا عَلَى مَا اشْتَرَى بِهِ رَبُّ الْمَالِ وَهُمَا إذَا كَانَ لَا فَضْلَ فِيهِمَا أَوْ لَا فَضْلَ فِي قِيمَةِ الْمَبِيعِ فَقَطْ وَقِسْمَانِ يُرَابِحُ عَلَى مَا اشْتَرَى بِهِ رَبُّ الْمَالِ وَحِصَّةُ الْمُضَارِبِ وَهُمَا إذَا كَانَ فِيهِمَا فَضْلٌ أَوْ فِي قِيمَةِ الْمَبِيعِ فَقَطْ وَهَذَا إذَا كَانَ الْبَائِعُ رَبَّ الْمَالِ. وَأَمَّا إذَا كَانَ الْبَائِعُ الْمُضَارِبَ فَهُوَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ أَيْضًا الْأَوَّلُ أَنْ لَا يَكُونَ فَضْلٌ فِيهِمَا بِأَنْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ أَلْفًا فَاشْتَرَى مِنْهَا الْمُضَارِبُ عَبْدًا بِخَمْسِمِائَةٍ قِيمَتُهُ أَلْفٌ وَبَاعَهُ مِنْ رَبِّ الْمَالِ بِأَلْفٍ فَإِنَّ رَبَّ الْمَالِ يُرَابِحُ عَلَى مَا اشْتَرَى بِهِ الْمُضَارِبُ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ الْفَضْلُ فِي قِيمَةِ الْمَبِيعِ دُونَ الثَّمَنِ فَإِنَّهُ كَالْأَوَّلِ الثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ فِيهِمَا فَضْلٌ فَإِنَّهُ يُرَابِحُ عَلَى مَا اشْتَرَى بِهِ الْمُضَارِبُ وَحِصَّةِ الْمُضَارِبِ الرَّابِعُ أَنْ يَكُونَ الْفَضْلُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَمَّا نَضَّ) بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ (قَوْلُهُ عَلَى أَلْفٍ وَمِائَتَيْنِ) لَعَلَّهُ وَمِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ تَأَمَّلْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 271 فِي الثَّمَنِ فَقَطْ وَهُوَ كَالثَّالِثِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ مُخْتَصَرًا وَقَالَ الشَّارِحُ الزَّيْلَعِيُّ وَلَوْ كَانَ بِالْعَكْسِ بِأَنْ اشْتَرَى الْمُضَارِبُ عَبْدًا بِخَمْسِمِائَةٍ فَبَاعَهُ مِنْ رَبِّ الْمَالِ بِأَلْفٍ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى خَمْسمِائَةٍ وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ هُوَ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ فِي كَلَامِ الْمُحِيطِ فَلَيْسَ كَلَامُهُ هُنَا مُخَالِفًا لِمَا ذَكَرَهُ هُوَ بِنَفْسِهِ فِي بَابِ الْمُرَابَحَةِ أَنَّهُ يَضُمُّ حِصَّةَ الْمُضَارِبِ وَقَدْ اشْتَبَهَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى كَثِيرٍ حَتَّى زَعَمُوا أَنَّهُ وَقَعَ مِنْهُ تَنَاقُضٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ مَا ذَكَرَهُ هُنَا هُوَ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ فِي كَلَامِ الْمُحِيطِ وَهُوَ أَنَّهُ لَا فَضْلَ فِي الثَّمَنِ وَقِيمَةُ الْمَبِيعِ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ وَمَا ذَكَرَهُ فِي بَابِ الْمُرَابَحَةِ هُوَ الْقِسْمُ الثَّالِثُ أَوْ الرَّابِعُ فِي كَلَامِ الْمُحِيطِ كَمَا لَا يَخْفَى وَلِهَذَا صَوَّرُوا الْمَسْأَلَةَ هُنَاكَ بِأَنَّ مَعَهُ عَشَرَةً بِالنِّصْفِ فَاشْتَرَى ثَوْبًا بِعَشَرَةٍ وَبَاعَهُ مِنْ رَبِّ الْمَالِ بَخَمْسَةَ عَشَرَ قَالُوا يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً بِاثْنَيْ عَشَرَ وَنِصْفٍ وَلَوْ مَلَكَهُ رَبُّ الْمَالِ بِغَيْرِ شَيْءٍ فَبَاعَهُ مِنْ الْمُضَارِبِ لَا يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً حَتَّى يُبَيِّنَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْ رَبِّ الْمَالِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ (قَوْلُهُ) مَعَهُ أَلْفٌ بِالنِّصْفِ فَاشْتَرَى بِهِ عَبْدًا قِيمَتُهُ أَلْفَانِ فَقَتَلَ رَجُلًا خَطَأً فَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْفِدَاءِ عَلَى الْمَالِكِ وَرُبُعُهُ عَلَى الْمُضَارِبِ وَالْعَبْدُ يَخْدُمُ الْمَالِكَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَالْمُضَارِبُ يَوْمًا) لِأَنَّ الْفِدَاءَ مُؤْنَةُ الْمِلْكِ وَقَدْ كَانَ الْمِلْكُ بَيْنَهُمَا أَرْبَاعًا لِأَنَّهُ لَمَّا صَارَ الْمَالُ عَيْنًا وَاحِدًا ظَهَرَ الرِّبْحُ وَهُوَ أَلْفٌ بَيْنَهُمَا وَأَلْفٌ لِرَبِّ الْمَالِ فَإِذَا فَدَيَاهُ خَرَجَ الْعَبْدُ عَنْ الْمُضَارَبَةِ لِأَنَّ نَصِيبَ الْمُضَارِبِ صَارَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ وَنَصِيبُ رَبِّ الْمَالِ صَارَ لَهُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي بِالْفِدَاءِ عَلَيْهِمَا وَإِذَا خَرَجَ عَنْهَا بِالدَّفْعِ أَوْ بِالْفِدَاءِ يَخْدُمُهُمَا عَلَى قَدْرِ مِلْكِهِمَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ: قِيمَتُهُ أَلْفَانِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ قِيمَتُهُ أَلْفًا فَتَدْبِيرُ الْجِنَايَةِ إلَى رَبِّ الْمَالِ لِأَنَّ الرَّقَبَةَ عَلَى مِلْكِهِ لَا مِلْكَ لِلْمُضَارَبِ فِيهَا فَإِنْ اخْتَارَ رَبُّ الْمَالِ الدَّفْعَ وَاخْتَارَ الْمُضَارِبُ الْفِدَاءَ مَعَ ذَلِكَ فَلَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَسْتَبْقِي بِالْفِدَاءِ مَالَ الْمُضَارَبَةِ وَلَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ الرِّبْحَ يُتَوَهَّمُ كَذَا فِي الْإِيضَاحِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْعَبْدَ الْمُشْتَرَى فِي الْمُضَارَبَةِ إذَا جَنَى خَطَأً لَا يَدْفَعُ بِهَا حَتَّى يَحْضُرَ الْمُضَارِبُ وَرَبُّ الْمَالِ سَوَاءً كَانَ الْأَرْشُ مِثْلَ قِيمَةِ الْعَبْدِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ وَكَذَا إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ أَلْفًا لَا غَيْرَ لَا يَدْفَعُ إلَّا بِحَضْرَتِهِمَا لِأَنَّ الْمُضَارِبَ لَهُ فِيهِ حَقُّ مِلْكٍ حَتَّى لَيْسَ لِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يَأْخُذَهُ وَيَمْنَعَهُ عَنْ بَيْعِهِ كَالْمَرْهُونِ إذَا جَنَى خَطَأً لَا يَدْفَعُ إلَّا بِحَضْرَةِ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ حَضْرَةُ الْمَالِ وَالْمُضَارِبِ لِلدَّفْعِ دُونَ الْفِدَاءِ إلَّا إذَا أَبَى الْمُضَارِبُ الدَّفْعَ وَالْفِدَاءَ وَقِيمَتُهُ مِثْلُ رَأْسِ الْمَالِ فَلِرَبِّ الْمَالِ دَفْعُهُ لِتَعَنُّتِهِ فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا غَائِبًا وَقِيمَةُ الْعَبْدِ أَلْفَا دِرْهَمٍ فَفَدَاهُ الْحَاضِرُ كَانَ مُتَطَوِّعًا لِأَنَّهُ أَدَّى دَيْنَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ وَهُوَ غَيْرُ مُضْطَرٍّ فِيهِ فَإِنَّهُ لَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الشَّرِكَةِ لَا يُطَالَبُ بِحِصَّةِ صَاحِبِهِ لَا بِالدَّفْعِ وَلَا بِالْفِدَاءِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَذَكَرَ قَاضِي خان أَنَّ الْمُضَارِبَ لَيْسَ لَهُ الدَّفْعُ وَالْفِدَاءُ وَحْدَهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَحْكَامِ الْمُضَارَبَةِ فَلِهَذَا كَانَ إلَيْهَا. (قَوْلُهُ مَعَهُ أَلْفٌ فَاشْتَرَى بِهِ عَبْدًا وَهَلَكَ الثَّمَنُ قَبْلَ النَّقْدِ دَفَعَ الْمَالِكُ أَلْفًا آخَرَ ثُمَّ وَثُمَّ وَرَأْسُ الْمَالَ جَمِيعُ مَا دَفَعَ) لِأَنَّ الْمَالَ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ وَالِاسْتِيفَاءُ إنَّمَا يَكُونُ بِقَبْضٍ مَضْمُونٍ وَحُكْمُ الْأَمَانَةِ تُنَافِيهِ فَيَرْجِعُ إلَّا مَرَّةً لِأَنَّهُ أَمْكَنَ جَعْلُهُ الْوَكِيلَ إذَا كَانَ الثَّمَنُ مَدْفُوعًا إلَيْهِ قَبْلَ الشِّرَاءِ وَهَلَكَ بَعْدَ الشِّرَاءِ حَيْثُ لَا يَرْجِعُ إلَّا مَرَّةً لِأَنَّهُ أَمْكَنَ جَعْلُهُ مُسْتَوْفِيًا لِأَنَّ الْوَكَالَةَ تُجَامِعُ الضَّمَانَ كَالْغَاصِبِ إذَا وَكَّلَ بِبَيْعِ الْمَغْصُوبِ ثُمَّ فِي الْوَكَالَةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَرْجِعُ مَرَّةً وَفِيمَا إذَا اشْتَرَى ثُمَّ دَفَعَ الْمُوَكَّلُ إلَيْهِ الْمَالَ فَهَلَكَ بَعْدَهُ لَا يَرْجِعُ لِأَنَّهُ ثَبَتَ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ بِنَفْسِ الشِّرَاءِ فَجُعِلَ مُسْتَوْفِيًا بِالْقَبْضِ بَعْدَهُ أَمَّا الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ قَبْلَ الشِّرَاءِ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ وَهُوَ قَائِمٌ عَلَى الْأَمَانَةِ بَعْدَهُ فَلَمْ يَصِرْ مُسْتَوْفِيًا فَإِذَا هَلَكَ يَرْجِعُ عَلَيْهِ مَرَّةً ثُمَّ لَا يَرْجِعُ لِوُقُوعِ الِاسْتِيفَاءِ. (قَوْلُهُ مَعَهُ أَلْفَانِ فَقَالَ دَفَعْت إلَيَّ أَلْفًا وَرَبِحْت أَلْفًا وَقَالَ الْمَالِكُ دَفَعْت أَلْفَيْنِ فَالْقَوْلُ لِلْمُضَارِبِ) لِأَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي الْمَقْبُوضِ وَالْقَوْلُ فِي مِقْدَارِهِ لِلْقَابِضِ وَلَوْ ضَمِينًا اعْتِبَارًا بِمَا لَوْ أَنْكَرَهُ أَصْلًا فَإِنَّ الْقَوْلَ لَهُ وَلَوْ كَانَ الِاخْتِلَافُ مَعَ ذَلِكَ فِي قَدْرِ الرِّبْحِ فَالْقَوْلُ لِرَبِّ الْمَالِ فِي مِقْدَارِ الرِّبْحِ فَقَطْ وَأَيُّهُمَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ وَإِنْ أَقَامَاهَا فَتُقْبَلُ بَيِّنَةُ رَبِّ الْمَالِ فِي دَعْوَاهُ الزِّيَادَةَ فِي رَأْسِ الْمَالِ وَالْمُضَارِبِ فِي دَعْوَاهُ الزِّيَادَةَ فِي الرِّبْحِ. قُيِّدَ الِاخْتِلَافُ بِكَوْنِهِ فِي الْمِقْدَارِ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ إذَا وَقَعَ فِي صِفَةِ الْمَقْبُوضِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْمَالِ كَمَا سَيَأْتِي. (قَوْلُهُ مَعَهُ أَلْفٌ فَقَالَ هُوَ مُضَارَبَةً   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَقَدْ اشْتَبَهَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى كَثِيرٍ) مِنْ ذَلِكَ الْكَثِيرِ الْمُؤَلِّفُ نَفْسَهُ حَتَّى وَفَّقَ بَيْنَ كَلَامَيْهِ فِي بَابِ الْمُرَابَحَةِ بِغَيْرِ مَا هُنَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 272 بِالنِّصْفِ وَقَدْ رَبِحَ أَلْفًا وَقَالَ الْمَالِكُ هُوَ بِضَاعَةٌ فَالْقَوْلُ لِلْمَالِكِ) لِأَنَّ الْمُضَارِبَ يَدَّعِي عَلَيْهِ تَقْوِيمَ عَمَلِهِ أَوْ شَرْطًا مِنْ جِهَتِهِ أَوْ يَدَّعِي الشَّرِكَةَ وَهُوَ يُنْكِرُ، وَالتَّقْيِيدُ بِالْمُضَارَبَةِ وَالْبِضَاعَةِ لَيْسَ احْتِرَازِيًّا مُطْلَقًا بَلْ لَوْ قَالَ الْمُضَارِبُ هِيَ قَرْضٌ وَقَالَ رَبُّ الْمَالِ هِيَ بِضَاعَةٌ أَوْ وَدِيعَةٌ أَوْ مُضَارَبَةٌ فَالْقَوْلُ لِرَبِّ الْمَالِ وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمُضَارِبِ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ يَدَّعِي عَلَيْهِ التَّمْلِيكَ وَهُوَ يُنْكِرُ بَلْ احْتِرَازٌ عَمَّا لَوْ ادَّعَى رَبُّ الْمَالِ الْقَرْضَ وَالْمُضَارِبُ الْمُضَارَبَةَ كَانَ الْفَوْرُ لِلْمُضَارِبِ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ يَدَّعِي عَلَيْهِ ضَمَانًا وَهُوَ يُنْكِرُ وَأَيُّهُمَا أَقَامَهَا قُبِلَتْ وَإِنْ أَقَامَاهَا فَبَيِّنَةُ رَبِّ الْمَالِ أَوْلَى. قُيِّدَ الِاخْتِلَافُ بِكَوْنِهِ فِي الصِّفَةِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي النَّوْعِ بِأَنْ ادَّعَى رَبُّ الْمَالِ الْمُضَارَبَةَ فِي نَوْعٍ وَقَالَ الْمُضَارِبُ مَا سَمَّيْت لِي تِجَارَةً بِعَيْنِهَا فَالْقَوْلُ لِلْمُضَارِبِ مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ الْعُمُومُ وَالْإِطْلَاقُ، وَالتَّخْصِيصُ يُعَارَضُ، وَتُقْبَلُ بَيِّنَةُ مَنْ أَقَامَهَا فَإِنْ أَقَامَاهَا فَإِنْ وَقَّتَتَا وَقْتًا قَبْلَ صَاحِبِهَا يَقْضِي بِالْمُتَأَخِّرَةِ وَإِنْ لَمْ يُوَقِّتَا وَقْتًا عَلَى السَّوَاءِ أَوْ وَقَّتَتْ إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى قَضَى بِبَيِّنَةِ رَبِّ الْمَالِ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَلَوْ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَوْعًا فَالْقَوْلُ لِرَبِّ الْمَالِ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى التَّخْصِيصِ، وَالْإِذْنُ يُسْتَفَادُ مِنْ جِهَتِهِ وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمُضَارِبِ لِحَاجَتِهِ إلَى نَفْيِ الضَّمَانِ وَعَدَمِ حَاجَةِ الْآخَرِ إلَى الْبَيِّنَةِ وَلَوْ وَقَّتَتْ الْبَيِّنَتَانِ وَقْتًا فَصَاحِبُ الْوَقْتِ الْأَخِيرِ أَوْلَى لِأَنَّ آخِرَ الشَّرْطَيْنِ يَنْقُضُ الْأَوَّلَ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَإِنْ كَانَ رَبُّ الْمَالِ يَدَّعِي الْعُمُومَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [كِتَابُ الْوَدِيعَةِ] (قَوْلُهُ كِتَابُ الْوَدِيعَةِ) لَا خَفَاءَ فِي اشْتِرَاكِهَا مَعَ مَا قَبْلَهَا فِي الْحُكْمِ وَهُوَ الْأَمَانَةُ وَهِيَ فِي اللُّغَةِ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْوَدْعِ وَهُوَ التَّرْكُ وَفِي الشَّرِيعَةِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (قَوْلُهُ الْإِيدَاعُ هُوَ تَسْلِيطُ الْغَيْرِ عَلَى حِفْظِ مَالِهِ) يَعْنِي صَرِيحًا أَوْ دَلَالَةً وَإِنَّمَا قُلْنَا أَوْ دَلَالَةً لِأَنَّ الْمَنْقُولَ فِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ لَوْ انْفَتَقَ زِقُّ رَجُلٍ فَأَخَذَهُ رَجُلٌ ثُمَّ تَرَكَهُ وَلَمْ يَكُنْ الْمَالِكُ حَاضِرًا يَضْمَنُ لِأَنَّهُ لَمَّا أَخَذَهُ فَقَدْ الْتَزَمَ حِفْظَهُ دَلَالَةً وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْهُ وَلَمْ يَذُقْ مِنْهُ لَا يَضْمَنُ وَإِنْ كَانَ الْمَالِكُ حَاضِرًا لَمْ يَضْمَنْ فِي الْوَجْهَيْنِ (قَوْلُهُ الْوَدِيعَةُ مَا تُتْرَكُ عِنْدَ الْأَمِينِ) وَرُكْنُهَا الْإِيجَابُ قَوْلًا صَرِيحًا أَوْ كِنَايَةً أَوْ فِعْلًا وَالْقَبُولُ مِنْ الْمُودَعِ صَرِيحًا أَوْ دَلَالَةً فِي حَقِّ وُجُوبِ الْحِفْظِ وَإِنَّمَا قُلْنَا صَرِيحًا أَوْ كِنَايَةً لِيَشْمَلَ مَا لَوْ قَالَ الرَّجُلُ أَعْطِنِي أَلْفَ دِرْهَمٍ أَوْ قَالَ لِرَجُلٍ فِي يَدِهِ ثَوْبٌ أَعْطِنِيهِ فَقَالَ أَعْطَيْتُك فَهَذَا عَلَى الْوَدِيعَةِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُحِيطِ لِأَنَّ الْإِعْطَاءَ يَحْتَمِلُ الْهِبَةَ وَالْوَدِيعَةَ الْوَدِيعَةُ أَدْنَى وَهُوَ مُتَيَقَّنٌ فَصَارَ كِنَايَةً وَإِنَّمَا قُلْنَا فِي الْإِيجَابِ أَوْ فِعْلًا لِيَشْمَلَ مَا لَوْ وَضَعَ ثَوْبَهُ بَيْنَ يَدَيْ رَجُلٍ وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا فَهُوَ إيدَاعٌ وَإِنَّمَا قُلْنَا فِي الْقَبُولِ أَوْ دَلَالَةً لِيَشْمَلَ سُكُوتَهُ عِنْدَ وَضْعِهِ بَيْنَ يَدَيْهِ فَإِنَّهُ قَبُولٌ دَلَالَةً حَتَّى لَوْ قَالَ لَا أَقْبَلُ لَا يَكُونُ مُودَعًا لِأَنَّ الدَّلَالَةَ لَمْ تُوجَدْ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ لَوْ وَضَعَ كِتَابَهُ عِنْدَ قَوْمٍ فَذَهَبُوا وَتَرَكُوهُ ضَمِنُوا إذَا ضَاعَ وَإِنْ أَقَامُوا وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ ضَمِنَ الْأَخِيرُ لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ لِلْحِفْظِ فَتَعَيَّنَ لِلضَّمَانِ اهـ. وَلِهَذَا إذَا وَضَعَ ثِيَابَهُ فِي الْحَمَّامِ بِمَرْأًى مِنْ الثِّيَابِيِّ كَانَ إيدَاعًا وَإِنْ لَمْ يَتَكَلَّمْ وَلَا يَكُونُ الْحَمَّامِيُّ مُودَعًا مَا دَامَ الثِّيَابِيُّ حَاضِرًا فَإِنْ كَانَ غَائِبًا فَالْحَمَّامِيُّ مُودَعٌ وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ لِصَاحِبِ الْخَانِ أَيْنَ أَرْبِطُهَا فَقَالَ هُنَاكَ كَانَ إيدَاعًا كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خان وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ فِي الْإِجَارَاتِ فِي الْجِنْسِ الرَّابِعِ فِي الْحَمَّامِيِّ لَبِسَ ثَوْبًا بِمَرْأَى عَيْنِ الثِّيَابِيِّ فَظَنَّ الثِّيَابِيُّ أَنَّهُ ثَوْبُهُ فَإِذَا هُوَ ثَوْبُ الْغَيْرِ ضَمِنَ هُوَ الْأَصَحُّ وَإِنَّمَا قُلْنَا فِي حَقِّ وُجُوبِ الْحِفْظِ لِأَنَّهَا تَتِمُّ بِالْإِيجَابِ وَحْدَهُ فِي حَقِّ الْأَمَانَةِ حَتَّى لَوْ قَالَ لِلْغَاصِبِ أَوْدَعْتُك الْمَغْصُوبَ بَرِئَ عَنْ الضَّمَانِ وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ كَذَا فِي الِاخْتِيَارِ وَشَرْطُهَا كَوْنُ الْمَالِ قَابِلًا لِإِثْبَاتِ الْيَدِ عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ أَوْدَعَ الْآبِقَ أَوْ الطَّيْرَ الَّذِي فِي الْهَوَاءِ وَالْمَالَ السَّاقِطَ فِي الْبَحْرِ لَا يَصِحُّ وَكَوْنُ الْمُودَعِ مُكَلَّفًا شَرْطٌ لِوُجُوبِ الْحِفْظِ عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ أَوْدَعَ صَبِيًّا فَاسْتَهْلَكَهَا لَمْ يَضْمَنْ وَلَوْ كَانَ عَبْدًا مَحْجُورًا ضَمِنَ بَعْدَ الْعِتْقِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَلَوْ كَانَتْ الْوَدِيعَةُ عَبْدًا فَقَتَلَهُ ضَمِنَ عَاقِلَةُ الصَّبِيِّ قِيمَتَهُ وَخُيِّرَ مَوْلَى الْعَبْدِ بَيْنَ دَفْعِهِ أَوْ فِدَائِهِ وَحُكْمُهَا كَوْنُ الْمَالِ أَمَانَةً عِنْدَهُ مَعَ وُجُوبِ الْحِفْظِ عَلَيْهِ وَالْأَدَاءِ عِنْدَ الطَّلَبِ وَاسْتِحْبَابِ قَبُولِهَا (قَوْلُهُ وَهِيَ أَمَانَةٌ فَلَا تُضْمَنُ بِالْهَلَاكِ) سَوَاءٌ   [منحة الخالق] (كِتَابُ الْوَدِيعَةِ) (قَوْلُهُ وَلَمْ يَدْنُ مِنْهُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ فِي أَصْلِهِ وَلَمْ يَذُقْ مِنْهُ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَخُيِّرَ مَوْلَى الْعَبْدِ بَيْنَ دَفْعِهِ أَوْ فِدَائِهِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْعَبْدَ هُوَ الْمَقْتُولُ فَكَيْفَ يَتَأَتَّى قَوْلُهُ وَخُيِّرَ الْمَوْلَى إلَخْ وَلَعَلَّ هُنَا كَلَامًا سَقَطَ مِنْ الْكَتَبَةِ فَتَأَمَّلْ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْعَبْدَ الْمَحْجُورَ يَضْمَنُ بَعْدَ الْعِتْقِ وَلَعَلَّ التَّخْيِيرَ فِي صُورَةِ مَا لَوْ أَذِنَ لَهُ بِالِاسْتِيدَاعِ فَأَتْلَفَ الْوَدِيعَةَ أَوْ يَكُونُ الْمَعْنَى وَخُيِّرَ مَوْلَى الْعَبْدِ لَوْ كَانَ الْمُودَعُ عَبْدًا فَقَتَلَ الْعَبْدُ الْوَدِيعَةَ إذْ ضَمَانُهُ فِي الْجِنَايَةِ عَلَى النَّفْسِ وَتَوَابِعِهَا يَكُونُ حَالًّا مُطْلَقًا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 273 أَمْكَنَ التَّحَرُّزُ عَنْهُ أَوْ لَا هَلَكَ مَعَهَا لِلْمُودَعِ شَيْءٌ أَوْ لَا وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْوَدِيعَةِ وَالْأَمَانَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْوَدِيعَةَ خَاصَّةٌ بِمَا ذَكَرْنَاهُ وَالْأَمَانَةَ خَاصَّةٌ بِمَا لَوْ وَقَعَ فِي يَدِهِ شَيْءٌ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ بِأَنْ هَبَّتْ الرِّيحُ بِثَوْبِ إنْسَانٍ وَأَلْقَتْهُ فِي حِجْرِ غَيْرِهِ وَحُكْمُهُمَا مُخْتَلِفٌ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ لِأَنَّ فِي الْوَدِيعَةِ يَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ إذَا عَادَ إلَى الْوِفَاقِ وَفِي الْأَمَانَةِ لَا يَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ بَعْدَ الْخِلَافِ الثَّانِي أَنَّ الْأَمَانَةَ عَلَمٌ لِمَا هُوَ غَيْرُ مَضْمُونٍ فَيَشْمَلُ جَمِيعَ الصُّوَرِ الَّتِي لَا ضَمَانَ فِيهَا كَالْعَارِيَّةِ وَالْمُسْتَأْجَرِ وَالْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ فِي يَدِ الْمُوصَى لَهُ بِهَا الْوَدِيعَةُ مَا وُضِعَ لِلْأَمَانَةِ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فَكَانَا مُتَغَايِرَيْنِ وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ وَنُقِلَ الْأَوَّلُ عَنْ الْإِمَامِ بَدْرِ الدِّينِ الْكَرْدَرِيِّ وَعُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ اشْتِرَاطَ الضَّمَانِ عَلَى الْأَمِينِ بَاطِلٌ وَلِهَذَا لَوْ شَرَطَ عَلَى الْحَمَّامِيِّ الضَّمَانَ إنْ ضَاعَتْ ثِيَابُهُ كَانَ بَاطِلًا وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ وَبِهِ يُفْتَى [لِلْمُودَعِ أَنْ يَحْفَظ الْوَدِيعَة بِنَفْسِهِ وَبِعِيَالِهِ] (قَوْلُهُ وَلِلْمُودَعِ أَنْ يَحْفَظَهَا بِنَفْسِهِ وَبِعِيَالِهِ) لِأَنَّهُ يَحْفَظُهَا بِمَا يَحْفَظُ بِهِ مَالَهُ وَالْمُرَادُ بِالْعِيَالِ مَنْ يَسْكُنُ مَعَهُ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا لَا مَنْ يُمَوِّنُهُ فَدَخَلَ فِيهِمْ الزَّوْجَةُ فَإِنَّ لَهَا أَنْ تَدْفَعَهَا إلَى زَوْجِهَا وَخَرَجَ الْأَجِيرُ الَّذِي لَا يَسْكُنُ مَعَهُ وَإِنَّمَا قُلْنَا أَوْ حُكْمًا لِأَنَّهُ لَوْ دَفَعَهَا إلَى وَلَدِهِ الصَّغِيرِ وَزَوْجَتِهِ وَهُمَا فِي مَحَلَّةٍ وَالزَّوْجُ يَسْكُنُ فِي مَحَلَّةٍ أُخْرَى لَا يَضْمَنُ وَلَوْ كَانَ لَا يَجِيءُ إلَيْهِمَا وَلَا يُنْفِقُ عَلَيْهِمَا لَكِنْ يُشْتَرَطُ فِي الصَّغِيرِ أَنْ يَكُونَ قَادِرًا عَلَى الْحِفْظِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَنْ فِي عِيَالِهِ أَمِينًا لِأَنَّهُ لَوْ دَفَعَ إلَى زَوْجَتِهِ وَهِيَ غَيْرُ أَمِينَةٍ وَهُوَ عَالِمٌ بِذَلِكَ أَوْ تَرَكَهَا فِي بَيْتِهِ الَّذِي فِيهِ وَدَائِعُ النَّاسِ وَذَهَبَ فَضَاعَتْ ضَمِنَ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالنِّهَايَةِ وَظَاهِرُ الْمُتُونِ أَنَّ كَوْنَ الْغَيْرِ فِي عِيَالِهِ شَرْطٌ وَاخْتَارَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَقَالَ وَالْأَبَوَانِ كَالْأَجْنَبِيِّ حَتَّى يُشْتَرَطَ كَوْنُهُمَا فِي عِيَالِهِ وَاخْتَارَ صِحَابُ النِّهَايَةِ تَبَعًا لِغَيْرِهِ عَدَمَ الِاشْتِرَاطِ وَقَالَ عَلَيْهِ الْفَتْوَى حَتَّى جَوَّزَ الدَّفْعَ إلَى وَكِيلِهِ أَوْ أَمِينٍ مِنْ أُمَنَائِهِ وَلَيْسَ فِي عِيَالِهِ أَوْ شَرِيكِهِ مُفَاوَضَةً أَوْ عَنَانًا وَفِي الْخُلَاصَةِ لِمَنْ فِي عِيَالِهِ أَنْ يَدْفَعَ إلَى مَنْ فِي عِيَالِهِ وَلَوْ نَهَاهُ عَنْ الدَّفْعِ إلَى بَعْضِ مَنْ فِي عِيَالِهِ فَدَفَعَ إنْ لَمْ يَجِدْ بُدًّا مِنْ الدَّفْعِ لَا يَضْمَنُ وَإِلَّا ضَمِنَ وَلَوْ قَالَ لَهُ احْفَظْهَا فِي هَذَا الْبَيْتِ فَحَفِظَهَا فِي بَيْتٍ آخَرَ مِنْ تِلْكَ الدَّارِ لَا يَضْمَنُ إلَّا إذَا كَانَ ظَهْرُ الْبَيْتِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ إلَى السِّكَّةِ فَحِينَئِذٍ يَضْمَنُ كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ احْفَظْهَا فِي هَذِهِ الدَّارِ فَحَفِظَهَا فِي دَارٍ أُخْرَى فَإِنَّهُ يَضْمَنُ إلَّا إذَا كَانَتْ الدَّارُ الْأُخْرَى مِثْلَ الدَّارِ الْأُولَى أَوْ أَحْرَزَ مِنْهَا فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ (قَوْلُهُ وَإِنْ حَفِظَهَا بِغَيْرِهِمْ ضَمِنَ) أَيْ إنْ حَفِظَهَا بِغَيْرِ مَنْ فِي عِيَالِهِ ضَمِنَ فَأَفَادَ أَنَّ الْمُودَعَ لَا يُودِعُ فَإِنْ أَوْدَعَ فَهَلَكَتْ عِنْدَ الثَّانِي إنْ لَمْ يُفَارِقْ الْأَوَّلَ لَا ضَمَانَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَإِنْ فَارَقَهُ ضَمِنَ الْأَوَّلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَا يَضْمَنُ الثَّانِي وَإِنْ أَوْدَعَ بِلَا إذْنٍ ثُمَّ أَجَازَ الْمَالِكُ خَرَجَ الْأَوَّلُ مِنْ الْبَيْنِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالرَّدُّ إلَى عِيَالِ الْمَالِكِ كَالرَّدِّ إلَى الْمَالِكِ فَلَا يَكُونُ إيدَاعًا بِخِلَافِ الْغَاصِبِ إذَا رَدَّ إلَى مَنْ فِي عِيَالِ الْمَالِكِ فَإِنَّهُ لَا يَبْرَأُ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خان وَفِي الْخُلَاصَةِ الْمُودِعُ إذَا رَدَّ الْوَدِيعَةَ إلَى مَنْزِلِ الْمُودِعِ أَوْ إلَى أَحَدٍ مِمَّنْ فِي عِيَالِهِ فَضَاعَتْ لَا يَضْمَنُ كَمَا فِي الْعَارِيَّةِ وَفِي رِوَايَةِ الْقُدُورِيِّ يَضْمَنُ بِخِلَافِ الْعَارِيَّةِ وَالْفَتْوَى عَلَى الْأَوَّلِ وَهَذَا إذَا دَفَعَ إلَى الْمَرْأَةِ لِلْحِفْظِ أَمَّا إذَا أَخَذَتْ لِتُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهَا وَهُوَ دَفَعَ يَضْمَنُ اهـ. وَالْوَضْعُ فِي حِرْزِ غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْجَارٍ لَهُ إيدَاعٌ حَتَّى يَضْمَنَ بِهِ وَفِي الْخُلَاصَةِ مُودَعٌ غَابَ عَنْ بَيْتِهِ وَدَفَعَ مِفْتَاحَ الْبَيْتِ إلَى غَيْرِهِ فَلَمَّا رَجَعَ إلَى بَيْتِهِ لَمْ يَجِدْ الْوَدِيعَةَ لَا يَضْمَنُ وَبِدَفْعِ الْمِفْتَاحِ إلَى غَيْرِهِ لَمْ يَجْعَلْ الْبَيْتَ فِي يَدِ غَيْرِهِ وَلَوْ أَجَرَ بَيْتًا مِنْ دَارِهِ وَدَفَعَهَا إلَى الْمُسْتَأْجِرِ إنْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَلْقٌ عَلَى حِدَةٍ يَضْمَنُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَكُلٌّ مِنْهُمَا يَدْخُلُ عَلَى صَاحِبِهِ مِنْ غَيْرِ حِشْمَةٍ لَا يَضْمَنُ وَلَوْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَحْمِلَ لَهُ شَيْئًا لَهُ حِمْلٌ وَمُؤْنَةٌ إلَى بَغْدَادَ لِيُوَصِّلَهُ إلَى رَجُلٍ فَوَجَدَ الرَّجُلَ غَائِبًا فَتَرَكَ الْأَجِيرُ الْمَحْمُولَ عَلَى يَدِ رَجُلٍ لِيُوَصِّلَهَا إلَى ذَلِكَ الرَّجُلِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَضْمَنَ فَلَوْ وَجَدَ الرَّجُلَ لَكِنَّهُ لَمْ يَقْبَلْ يَدْفَعُ إلَى الْقَاضِي وَلَوْ طَلَبَ مِنْهُ الْقَاضِي وَهُوَ لَمْ يَدْفَعْ وَلَمْ يُجْبَرْ. اهـ. وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خان عَشَرَةُ أَشْيَاءَ إذَا مَلَكَهَا إنْسَانٌ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْلِكَ غَيْرَهُ لَا قَبْلَ الْقَبْضِ وَلَا بَعْدَهُ الْمُرْتَهِنُ لَا يَمْلِكُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ حَتَّى يَضْمَنَ بِهِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ إذْ لَيْسَ لِلْمُودَعِ أَنْ يُودِعَ (قَوْلُهُ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خان عَشَرَةُ أَشْيَاءَ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ الْعَاشِرُ الْمُسَاقِي لَا يُسَاقِي غَيْرَهُ بِغَيْرِ إذْنٍ كَمَا فِي السِّرَاجِيَّةِ وَشَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 274 أَنْ يَرْهَنَ وَالْمُودَعُ لَا يَمْلِكُ الْإِيدَاعَ وَالْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ لَا يَمْلِكُ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ وَمُسْتَأْجِرُ الدَّابَّةِ أَوْ الثَّوْبِ لَا يُؤَجِّرُ غَيْرَهُ وَالْمُسْتَعِيرُ لَا يُعِيرُ غَيْرَهُ مَا يَخْتَلِفُ بِالْمُسْتَعْمِلِ وَالْمُزَارِعُ لَا يَدْفَعُ الْأَرْضَ مُزَارَعَةً إلَى غَيْرِهِ وَالْمُضَارِبُ لَا يُضَارِبُ وَالْمُسْتَبْضِعُ لَا يَمْلِكُ الْإِبْضَاعَ وَالْمُسْتَبْضِعُ لَا يَمْلِكُ الْإِيدَاعَ وَلَمْ يَذْكُرْ الْعَاشِرَ وَفِي الْخُلَاصَةِ الْوَدِيعَةُ لَا تُودَعُ وَلَا تُعَارُ وَلَا تُؤَجَّرُ وَلَا تُرْهَنُ وَإِنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْهَا ضَمِنَ وَالْمُسْتَأْجِرُ يُؤَجِّرُ وَيُعَارُ وَيُودَعُ وَلَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ الرَّهْنِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَرْهَنَ وَفِي التَّجْرِيدِ وَلَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَتَصَرَّفَ بِشَيْءٍ فِي الرَّهْنِ غَيْرِ الْإِمْسَاكِ لَا يَبِيعُ وَلَا يُؤَجِّرُ وَلَا يُعِيرُ وَلَا يَلْبَسُ وَلَا يَسْتَخْدِمُ فَإِنْ فَعَلَ كَانَ مُتَعَدِّيًا وَلَا يَبْطُلُ الرَّهْنُ (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَخَافَ الْحَرْقَ أَوْ الْغَرَقَ فَيُسَلِّمَهَا إلَى جَارِهِ أَوْ فُلْكٍ آخَرَ) لِأَنَّ هَذَا تَعَيَّنَ حِفْظًا فَلَا يَضْمَنُ بِهِ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ امْرَأَةٌ حَضَرَتْهَا الْوَفَاةُ وَعِنْدَهَا وَدِيعَةٌ فَدَفَعَتْهَا إلَى جَارَةٍ لَهَا فَهَلَكَتْ عِنْدَهَا إنْ لَمْ يَكُنْ وَقْتَ وَفَاتِهَا بِحَضْرَتِهَا أَحَدٌ مِنْ عِيَالِهَا لَا تَضْمَنُ. اهـ. لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ طَرِيقًا لِلْحِفْظِ وَلِهَذَا قَالُوا أَيْضًا لَوْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَحْفَظَهَا فِي وَقْتِ الْحَرْقِ وَالْغَرَقِ بِعِيَالِهِ فَدَفَعَهَا لِأَجْنَبِيٍّ ضَمِنَ وَفِي قَوْلِهِ وَسَلَّمَهَا إلَى فُلْكٍ آخَرَ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ أَلْقَاهَا فِي سَفِينَةٍ أُخْرَى وَهَلَكَتْ قَبْلَ أَنْ تَسْتَقِرَّ فِيهَا بِأَنْ وَقَعَتْ فِي الْبَحْرِ ابْتِدَاءً أَوْ بِالتَّدَرُّجِ يَضْمَنُ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ حَصَلَ بِفِعْلِهِ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَخَافَ الْحَرْقَ إلَى أَنَّ الْحَرِيقَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ غَالِبًا مُحِيطًا بِمَنْزِلِ الْمُودَعِ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ مُحِيطًا يَضْمَنُ بِالدَّفْعِ إلَى الْأَجْنَبِيِّ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ لِأَنَّهُ لَا يُخَافُ عَلَيْهَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَفِي الْهِدَايَةِ وَلَا يُصَدَّقُ عَلَى ذَلِكَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ لِأَنَّهُ يَدَّعِي ضَرُورَةً مُسْقِطَةً لِلضَّمَانِ بَعْدَ تَحَقُّقِ السَّبَبِ فَصَارَ كَمَا إذَا ادَّعَى الْإِذْنَ فِي الْإِيدَاعِ. اهـ. وَفِي الْخُلَاصَةِ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ وَقَعَ الْحَرِيقُ فِي بَيْتِهِ قُبِلَ قَوْلُهُ وَإِلَّا فَلَا. اهـ. وَفِي الْفَوَائِدِ التَّاجِيَّةِ فَلَوْ أَوْدَعَهَا وَهَلَكَتْ فَقَالَ الْمَالِكُ هَلَكَتْ عِنْدَ الثَّانِي وَقَالَ بَلْ رَدَّهُ إلَيَّ وَهَلَكَتْ عِنْدِي لَا يُصَدَّقُ لِأَنَّ إيدَاعَ الْغَيْرِ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ بِخِلَافِ مَا لَوْ غُصِبَ مِنْ الْمُودِعِ وَهَلَكَتْ فَأَرَادَ الْمَالِكُ أَنْ يُضَمِّنَ الْغَاصِبَ فَقَالَ الْمُودِعُ قَدْ رَدَّهُ إلَيَّ فَهَلَكَتْ عِنْدِي وَقَالَ لَا بَلْ هَلَكَتْ عِنْدَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُودَعِ لِأَنَّهُ أَمِينٌ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ طَلَبَهَا رَبُّهَا فَحَبَسَهَا قَادِرًا عَلَى تَسْلِيمِهَا فَمَنَعَهَا) يَعْنِي لَوْ مَنَعَ صَاحِبُ الْوَدِيعَةِ بَعْدَ طَلَبِهِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى تَسْلِيمِهَا يَكُونُ ضَامِنًا لِأَنَّهُ ظَالِمٌ بِالْمَنْعِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَكُنْ ظَالِمًا بِالْمَنْعِ لَا يَضْمَنُ وَلِهَذَا قَالَ قَاضِي خان فِي فَتَاوِيهِ لَوْ كَانَتْ الْوَدِيعَةُ سَيْفًا فَأَرَادَ صَاحِبُهُ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ الْمُودِعِ لِيَضْرِبَ بِهِ رَجُلًا ظُلْمًا فَإِنَّهُ لَا يَدْفَعُهُ إلَيْهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِعَانَةِ عَلَى الظُّلْمِ وَلَوْ أَوْدَعَتْ كِتَابًا فِيهِ إقْرَارٌ مِنْهَا لِلزَّوْجِ بِمَالٍ أَوْ بِقَبْضِ مَهْرِهَا مِنْ الزَّوْجِ فَلِلْمُودَعِ أَنْ لَا يَدْفَعَ الْكِتَابَ إلَيْهَا لِمَا فِيهِ مِنْ ذَهَابِ حَقِّ الزَّوْجِ. اهـ. وَمِنْ الْمَنْعِ ظُلْمًا مَوْتُهُ مُجَهَّلًا وَلِهَذَا قَالَ قَاضِي خان الْأَمَانَاتُ تَنْقَلِبُ مَضْمُونَةً عَنْ تَجْهِيلٍ إلَّا فِي ثَلَاثٍ أَحَدُهَا مُتَوَلِّي الْمَسْجِدِ إذَا أَخَذَ مِنْ غَلَّاتِ الْمَسْجِدِ وَمَاتَ مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ لَا يَكُونُ ضَامِنًا وَالثَّانِيَةُ السُّلْطَانُ إذَا خَرَجَ إلَى الْغَزْوِ وَغَنِمُوا وَأَوْدَعَ بَعْضَ الْغَنِيمَةِ عِنْدَ بَعْضِ الْغَانِمِينَ وَمَاتَ وَلَمْ يُبَيِّنْ عِنْدَ مَنْ أَوْدَعَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَالثَّالِثَةُ الْقَاضِي إذَا أَخَذَ مَالَ الْيَتِيمِ وَأَوْدَعَ غَيْرَهُ ثُمَّ مَاتَ وَلَمْ يُبَيِّنْ عِنْدَ مَنْ أَوْدَعَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَلَوْ أَنَّ قَاضِيًا قَبِلَ مَالَ الْيَتِيمِ وَوَضَعَهُ فِي بَيْتِهِ ثُمَّ مَاتَ الْقَاضِي وَلَمْ يُبَيِّنْ ذَكَرَ هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَضْمَنُ اهـ. وَذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوِيهِ أَنَّ الْأَمَانَاتِ تَنْقَلِبُ مَضْمُونَةً بِالتَّجْهِيلِ إلَّا فِي ثَلَاثَةٍ وَلَمْ يَذْكُرْ مَسْأَلَةَ الْقَاضِي وَذَكَرَ بَدَلَهَا مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الشَّرِكَةِ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ إذَا مَاتَ وَلَمْ يُبَيِّنْ حَالَ الْمَالِ الَّذِي فِي يَدِهِ لَمْ يَضْمَنْ نَصِيبَ شَرِيكِهِ اهـ. فَتَحَصَّلَ أَنَّ الْمَسَائِلَ الْمُسْتَثْنَاةَ أَرْبَعَةٌ وَقَيَّدَ فِي الْخُلَاصَةِ ضَمَانَ الْمُودَعِ بِمَوْتِهِ مُجَهِّلًا بِأَنْ لَا يَعْرِفَهَا الْوَارِثُ أَمَّا إذَا عَرَفَهَا وَالْمُودَعُ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَعْرِفُ فَمَاتَ وَلَمْ يُبَيِّنْ لَمْ يَضْمَنْ وَلَوْ قَالَ الْوَارِثُ أَنَا عَلِمْتهَا وَأَنْكَرَ الطَّالِبُ إنْ فَسَّرَ الْوَدِيعَةَ وَقَالَ الْوَدِيعَةُ كَذَا وَأَنَا عَلِمْتهَا وَقَدْ هَلَكَتْ صُدِّقَ هَذَا وَمَا لَوْ كَانَتْ الدَّرَاهِمُ عِنْدَهُ فَقَالَ هَلَكَتْ سَوَاءٌ إلَّا فِي خَصْلَةٍ وَهِيَ أَنَّ الْوَارِثَ إذَا دَلَّ السَّارِقَ عَلَى الْوَدِيعَةِ لَا يَضْمَنُ وَالْمُودَعُ إذَا دَلَّ ضَمِنَ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ قَادِرًا عَلَى تَسْلِيمِهَا لِأَنَّهُ لَوْ مَنَعَهَا لِلْعَجْزِ عَنْ التَّسْلِيمِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَلَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ الرَّهْنِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَرْهَنَ) هَذَا مِنْ عِبَارَةِ الْخُلَاصَةِ وَفِي نُورِ الْعَيْنِ يَقُولُ الْحَقِيرُ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ قَدْ مَرَّ آنِفًا فِي مُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ لِصَاحِبِ الْهِدَايَةِ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ لَا يَرْهَنُ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ أَوْ سَقَطَتْ كَلِمَةٌ لَا مِنْ عِبَارَةِ أَنْ يَرْهَنَ فِي الْخُلَاصَةِ سَهْوًا مِنْ قَلَمِ النَّاسِخِ لَا يُقَالُ لَعَلَّ مُرَادَ صَاحِبِ الْخُلَاصَةِ مِنْ قَوْلِهِ يَنْبَغِي أَنْ يَرْهَنَ هُوَ الرَّاهِنُ لَا الْمُسْتَأْجِرُ لِأَنَّا نَقُولُ لَا مُحَالَ لِذَلِكَ الِاحْتِمَالِ لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْخُلَاصَةِ أَيْضًا فِي كِتَابِ الرَّهْنِ أَنَّ الرَّاهِنَ لَا يَرْهَنُ (قَوْلُهُ وَفِي الْخُلَاصَةِ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ وَقَعَ الْحَرِيقُ فِي بَيْتِهِ قُبِلَ قَوْلُهُ إلَخْ) قَالَ فِي الْمِنَحِ وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الْهِدَايَةِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِوُقُوعِ الْحَرِيقِ فِي بَيْتِهِ وَبِهِ يَحْصُلُ التَّوْفِيقُ وَمِنْ ثَمَّ عَوَّلْنَا عَلَيْهِ فِي الْمُخْتَصَرِ. اهـ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 275 لَا يَضْمَنُ فَلَوْ طَلَبهَا مِنْهُ فَقَالَ لَا يُمْكِنُنِي أَنْ أُحْضِرَهَا السَّاعَةَ فَتَرَكَهَا وَذَهَبَ إنْ تَرَكَ عَنْ رِضًا وَذَهَبَ لَا يَضْمَنُ لِأَنَّهُ لَمَّا ذَهَبَ فَقَدْ أَنْشَأَ الْوَدِيعَةَ وَإِنْ كَانَ عَنْ غَيْرِ رِضًا يَضْمَنُ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ هَذَا التَّفْصِيلِ مَا إذَا كَانَ الْمُودَعُ يُمْكِنُهُ وَكَانَ كَاذِبًا فِي قَوْلِهِ أَمَّا إذَا كَانَ صَادِقًا فَلَا يَضْمَنُ مُطْلَقًا لِمَا قُلْنَا وَلَوْ كَانَ الَّذِي طَلَبَهَا وَكِيلًا يَضْمَنُ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إنْشَاءُ الْوَدِيعَةِ بِخِلَافِ الْمَالِكِ وَلَوْ قَالَ لَهُ بَعْدَ طَلَبِهِ اُطْلُبْهَا غَدًا ثُمَّ ادَّعَى ضَيَاعَهَا فَإِنْ قَالَ ضَاعَتْ بَعْدَ الْإِقْرَارِ لَا ضَمَانَ وَإِلَّا ضَمِنَ. وَلَوْ قَالَ لَهُ احْمِلْهَا إلَيَّ الْيَوْمَ فَمَضَى وَلَمْ يَحْمِلْهَا لَا يَضْمَنُ لِأَنَّ مُؤْنَةَ الرَّدِّ عَلَى الْمَالِكِ وَلَوْ مَنَعَهَا مِنْ رَسُولِ الْمَالِكِ وَقَالَ لَا أَدْفَعُهَا إلَّا إلَى الَّذِي جَاءَ بِهَا لَا يَضْمَنُ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَمَنْعِهِ بَعْدَ قَوْلِهِ مَنْ جَاءَك وَبَيَّنَ عَلَامَةَ كَذَا فَادْفَعْهَا إلَيْهِ فَبَيَّنَ رَجُلٌ تِلْكَ الْعَلَامَةَ وَلَمْ يَدْفَعْ إلَيْهِ حَتَّى هَلَكَتْ لَا يَضْمَنُ وَمَنْعُهُ مِنْهُ وَدِيعَةَ عَبْدِهِ لَا يَكُونُ ظُلْمًا لِأَنَّ الْمَوْلَى لَيْسَ لَهُ قَبْضُ وَدِيعَةَ عَبْدِهِ مَأْذُونًا كَانَ أَوْ مَحْجُورًا مَا لَمْ يَحْضُرْ وَيَظْهَرْ أَنَّهُ مِنْ كَسْبِهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ مَالُ الْغَيْرِ وَدِيعَةً فَإِذَا ظَهَرَ أَنَّهُ لِلْعَبْدِ بِالْبَيِّنَةِ فَحِينَئِذٍ يَأْخُذُ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ (قَوْلُهُ أَوْ خَلَطَهَا بِمَالِهِ بِغَيْرِ الْإِذْنِ حَتَّى لَا تَتَمَيَّزَ ضَمِنَهَا) لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَهْلِكًا لَهَا وَإِذَا ضَمِنَهَا مَلَكَهَا وَلَا تُبَاحُ لَهُ قَبْلَ أَدَاءِ الضَّمَانِ وَلَا سَبِيلَ لِلْمَالِكِ عَلَيْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَوْ أَبْرَأهُ سَقَطَ حَقُّهُ مِنْ الْعَيْنِ وَالدَّيْنِ أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فَشَمِلَ خَلْطَ الْجِنْسِ بِجِنْسِهِ أَوْ بِغَيْرِ جِنْسِهِ كَخَلْطِ الزَّيْتِ بِالشَّيْرَجِ وَالْحِنْطَةِ بِالشَّعِيرِ وَبِالْحِنْطَةِ وَالْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ بَعْدَ الْإِذَابَةِ قَيَّدَ بِكَوْنِ الْمُودَعِ هُوَ الْخَالِطُ لِأَنَّ الْخَالِطَ لَوْ كَانَ أَجْنَبِيًّا أَوْ مَنْ فِي عِيَالِهِ لَا يَضْمَنُ الْمُودَعُ وَالضَّمَانُ عَلَى الْخَالِطِ صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا وَلَا يَضْمَنُ أَبُوهُ لِأَجْلِهِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَقَيَّدَ بِكَوْنِهَا لَا تَتَمَيَّزُ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ يُمْكِنُ الْوُصُولُ إلَيْهِ عَلَى وَجْهِ التَّيْسِيرِ كَخَلْطِ الْجَوْزِ بِاللَّوْزِ وَالدَّرَاهِمِ السُّودِ بِالْبِيضِ فَإِنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَالِكِ إجْمَاعًا وَاسْتُفِيدَ مِنْهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِعَدَمِ التَّمَيُّزِ عَدَمُهُ عَلَى وَجْهِ التَّيْسِيرِ لَا عَدَمُ إمْكَانِهِ مُطْلَقًا كَمَا لَا يَخْفَى وَإِنْ خَلَطَهَا بِإِذْنِهِ كَانَ شَرِيكًا لَهُ (قَوْلُهُ وَإِنْ اخْتَلَطَ بِغَيْرِ فِعْلِهِ اشْتَرَكَا) يَعْنِي وَكَانَتْ شِرْكَةَ مِلْكٍ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ الصُّنْعِ مِنْهُ فَإِنْ هَلَكَ بَعْضُهَا هَلَكَ مِنْ مَالِهِمَا جَمِيعًا وَيُقَسَّمُ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ مَا كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَالْمَالِ الْمُشْتَرَكِ (قَوْلُهُ وَلَوْ أَنْفِقْ بَعْضَهَا فَرَدَّ مِثْلَهُ فَخَلَطَهُ بِالْبَاقِي ضَمِنَ الْكُلَّ) أَيْ الْبَعْضَ بِالْإِنْفَاقِ وَالْبَعْضَ بِالْخَلْطِ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِالْإِنْفَاقِ مِنْهَا وَرَدُّ مِثْلِهِ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ وَقَدْ خَلَطَهُ بِمَا بَقِيَ   [منحة الخالق] [طَلَبَ الْوَدِيعَة رَبُّهَا فَحَبَسَهَا قَادِرًا عَلَى تَسْلِيمِهَا فَمَنَعَهَا] (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ هَذَا التَّفْصِيلِ إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ لِمَا فِي التَّجْنِيسِ أَنَّهُ لَوْ طَلَبَهَا بِوَكِيلِهِ أَوْ رَسُولِهِ فَحَبَسَهَا لَا يَضْمَنُ فَتَأَمَّلْ وَانْظُرْ إلَى مَا ذَكَرَهُ بُعَيْدَهُ مِنْ قَوْلِهِ مَنْ جَاءَك وَبَيَّنَ عَلَامَةَ كَذَا إلَخْ كَذَا رَأَيْت بِخَطِّ بَعْضِهِمْ وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ فَرْعُ التَّجْنِيسِ وَفَرْعُ مَنْ جَاءَك بِعَلَامَةِ كَذَا يُحَجُّ بِأَنَّهُ إنَّمَا مَنَعَهُ لِيُوَصِّلَهَا إلَى الْأَصِيلِ بِنَفْسِهِ لِتَكْذِيبِهِ إيَّاهُ وَفَرْعُ الْخُلَاصَةِ فِيهِ الْمَنْعُ لِلْعَجْزِ عَنْ التَّسْلِيمِ وَالتَّرْكِ وَالذَّهَابِ عَنْ رِضَا إلَى وَقْتٍ آخَرَ وَفِيهِ إنْشَاءُ إيدَاعٍ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ حَتَّى لَوْ كَذَّبَهُ فِي الْفَرْعِ الَّذِي نَفْقَهُ فِيهِ مَعَ ذَلِكَ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا لَا يَضْمَنُ فَتَأَمَّلْ كَذَا فِي حَاشِيَةِ الرَّمْلِيِّ (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ الَّذِي طَلَبَهَا وَكِيلٌ يَضْمَنُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ الْمَالِكُ إذَا طَلَبَ الْوَدِيعَةَ فَقَالَ الْمُودِعُ لَا يُمْكِنُنِي أَنْ أُحْضِرَهَا السَّاعَةَ فَتَرَكَهَا وَذَهَبَ إنْ تَرَكَهَا عَنْ رِضًا فَهَلَكَتْ لَا يَضْمَنُ لِأَنَّهُ لَمَّا ذَهَبَ فَقَدْ أَنْشَأَ الْوَدِيعَةَ وَإِنْ كَانَ عَنْ غَيْرِ رِضًا يَضْمَنُ وَلَوْ كَانَ الَّذِي طَلَبَ الْوَدِيعَةَ وَكِيلَ الْمَالِكِ يَضْمَنُ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إنْشَاءُ الْوَدِيعَةِ بِخِلَافِ الْمَالِكِ. اهـ. وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ يَضْمَنُ بِعَدَمِ الدَّفْعِ إلَى وَكِيلِ الْمَالِكِ كَمَا لَا يَخْفَى وَفِي الْعِمَادِيَّةِ مَعْزِيًّا إلَى الظَّهِيرِيَّةِ وَرَسُولُ الْمُودِعِ إذَا طَلَبَ الْوَدِيعَةَ فَقَالَ لَا أَدْفَعُ إلَّا لِلَّذِي جَاءَ بِهَا وَلَمْ يَدْفَعْ إلَى الرَّسُولِ حَتَّى هَلَكَتْ ضَمِنَ وَذَكَرَ فِي فَتَاوَى قَاضِي ظَهِيرٍ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَأَجَابَ نَجْمُ الدِّينِ أَنَّهُ يَضْمَنُ وَفِيهِ نَظَرٌ بِدَلِيلِ أَنَّ الْمُودَعَ إذَا صَدَّقَ مَنْ ادَّعَى أَنَّهُ وَكِيلٌ يَقْبِضُ الْوَدِيعَةَ فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْوَكَالَةِ لَا يُؤْمَرُ بِدَفْعِ الْوَدِيعَةِ إلَيْهِ وَلَكِنْ لِقَائِلٍ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ الْوَكِيلِ وَالرَّسُولِ لِأَنَّ الرَّسُولَ يَنْطِقُ عَلَى لِسَانِ الْمُرْسِلِ وَلَا كَذَلِكَ الْوَكِيلُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ عُزِلَ الْوَكِيلُ قَبْلَ عِلْمِ الْوَكِيلِ بِالْعَزْلِ لَا يَصِحُّ وَلَوْ رَجَعَ عَنْ الرِّسَالَةِ قَبْلَ عِلْمِ الرَّسُولِ بِالرُّجُوعِ صَحَّ كَذَا فِي فَتَاوَاهُ اهـ. أَقُولُ: ظَاهِرُ مَا نَقَلَهُ فِي الْفُصُولِ الْعِمَادِيَّةِ مَعْزِيًّا إلَى قَاضِي ظَهِيرٍ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ فِي مَسْأَلَةِ الْوَكِيلِ كَمَا هُوَ مَنْقُولٌ عَنْ التَّجْنِيسِ فَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْخُلَاصَةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُهُ وَيَتَرَاءَى لِي التَّوْفِيقُ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ بِأَنْ يُحْمَلَ مَا فِي الْخُلَاصَةِ عَلَى مَا إذَا قَصَدَ الْوَكِيلُ إنْشَاءَ الْوَدِيعَةِ عِنْدَ الْمُودِعِ بَعْدَ مَنْعِهِ لِيَدْفَعَ لَهُ فِي وَقْتٍ آخَرَ وَمَا فِي فَتَاوَى قَاضِي ظَهِيرٍ وَالتَّجْنِيسِ عَلَى مَا إذَا مَنَعَ لِيُؤَدِّيَ إلَى الْمُودِعِ بِنَفْسِهِ وَلِذَلِكَ قَالَ فِي جَوَابِهِ إلَّا لِلَّذِي جَاءَ بِهَا وَفِي الْخُلَاصَةِ مَا هُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْوَكِيلَ تَرَكَهَا وَذَهَبَ عَنْ رِضًا بَعْدَ قَوْلِ الْمُودَعِ لَا يُمْكِنُنِي أَنْ أُحْضِرَهَا السَّاعَةَ أَيْ وَأَدْفَعَهَا لَك فِي غَيْرِ هَذِهِ السَّاعَةِ فَإِذَا فَارَقَهُ فَقَدْ أَنْشَأَ الْإِيدَاعَ وَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ بِخِلَافِ قَوْلِهِ لَا أَدْفَعُهَا إلَّا لِلَّذِي جَاءَ بِهَا فَإِنَّهُ اسْتِبْقَاءٌ لِلْإِيدَاعِ الْأَوَّلِ لَا إنْشَاءُ إيدَاعٍ فَتَأَمَّلْ وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِهَذَا التَّوْفِيقِ وَاَللَّهُ تَعَالَى هُوَ الْمُوَفِّقُ اهـ. (قَوْلُهُ فَإِنْ قَالَ ضَاعَتْ بَعْدَ الْإِقْرَارِ) أَيْ الْإِقْرَارِ ضِمْنًا فِي قَوْلِهِ اُطْلُبْهَا غَدًا وَقَوْلُهُ بَعْدَ الْإِقْرَارِ ظَرْفٌ لِضَاعَتْ لَا لِقَالَ وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ طَلَبَهَا رَبُّهَا فَقَالَ اُطْلُبْهَا غَدًا فَقَالَ فِي الْغَدِ تَلِفَتْ قَبْلَ قَوْلِي اُطْلُبْهَا غَدًا ضَمِنَ لِتَنَاقُضِهِ لَا بَعْدَهُ اهـ. وَالْمَسْأَلَةُ فِي الْخَانِيَّةِ أَيْضًا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 276 مِنْ الْوَدِيعَةِ فَضَمِنَ الْجَمِيعَ وَالْمُرَادُ بِالْخَلْطِ هُنَا خَلْطٌ لَا تَتَمَيَّزُ مَعَهُ أَمَّا لَوْ جَعَلَ عَلَى مَالِهِ عَلَامَةً حِينَ خَلَطَهُ بِهَا بِحَيْثُ يَتَأَتَّى التَّمْيِيزُ لَا يَضْمَنُ إلَّا مَا أَنْفَقَ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَقَيَّدَ بِالْإِنْفَاقِ وَرَدِّ الْمِثْلِ لِأَنَّهُ إذَا أَخَذَ بَعْضَ الْوَدِيعَةِ لِيُنْفِقَهُ فِي حَاجَتِهِ فَرَدَّهُ إلَى مَوْضِعِهِ ثُمَّ ضَاعَتْ الْوَدِيعَةُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِوَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ أَنَّ رَفْعَهُ حِفْظٌ فَلَا يَضْمَنُ بِهِ وَلَا بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ الثَّانِي أَنَّهُ وَإِنْ صَارَ ضَامِنًا بِالرَّفْعِ فَقَدْ عَادَ إلَى الْوِفَاقِ بِرَدِّ الْعَيْنِ إلَى مَكَانِهَا فَبَرِئَ عَنْ الضَّمَانِ بِخِلَافِ مَا إذَا رَدَّ مِثْلَهُ لِأَنَّهُ إنَّمَا جَاءَ بِمِلْكِ نَفْسِهِ فَلَا يَكُونُ عَوْدًا إلَى الْوِفَاقِ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُمْ قَالُوا بِأَنَّهُ لَوْ بَاعَهَا وَضَمِنَ قِيمَتَهَا نَفَذَ الْبَيْعُ مِنْ جِهَتِهِ وَاسْتَنَدَ مِلْكُهُ بِالضَّمَانِ إلَى وَقْتِ وُجُوبِ الضَّمَانِ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ الرَّفْعُ لِلْبَيْعِ مُوجِبًا لِلضَّمَانِ عَلَيْهِ قَبْلَ الْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ لَمْ يَسْتَنِدْ مِلْكُهُ إلَى تِلْكَ الْحَالَةِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ فَرَدَّ مِثْلَهَا لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَرُدَّ كَانَ ضَامِنًا لِمَا أَنْفَقَ خَاصَّةً لِأَنَّهُ حَافِظٌ لِلْبَاقِي وَلَمْ يَتَعَيَّبْ لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يَضُرُّهُ التَّبْعِيضُ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْوَدِيعَةُ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ أَوْ أَشْيَاءَ مِنْ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ فَهُوَ كَمَا لَوْ أَوْدَعَهُ وَدِيعَتَيْنِ فَأَنْفَقَ إحْدَاهُمَا لَا يَكُونُ ضَامِنًا لِلْأُخْرَى كَذَا فِي النِّهَايَةِ (قَوْلُهُ وَإِنْ تَعَدَّى فِيهَا ثُمَّ أَزَالَ التَّعَدِّيَ زَالَ الضَّمَانُ) أَيْ تَعَدَّى فِي الْوَدِيعَةِ بِأَنْ كَانَتْ دَابَّةً فَرَكِبَهَا أَوْ ثَوْبًا فَلَبِسَهُ أَوْ عَبْدًا فَاسْتَخْدَمَهُ أَوْ أَوْدَعَهَا غَيْرَهُ ثُمَّ أَزَالَ التَّعَدِّي فَرَدَّهَا إلَى يَدِهِ بَرِئَ عَنْ الضَّمَانِ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْحِفْظِ فِي كُلِّ الْأَوْقَاتِ فَإِذَا خَالَفَ فِي الْبَعْضِ ثُمَّ رَجَعَ أَتَى بِالْمَأْمُورِ بِهِ كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَهُ لِلْحِفْظِ شَهْرًا فَتَرَكَ الْحِفْظَ فِي بَعْضِهِ ثُمَّ حَفِظَ فِي الْبَاقِي اسْتَحَقَّ الْأُجْرَةَ بِقَدْرِهِ وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي بَابِ الْجِنَايَاتِ عَلَى الْإِحْرَامِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّهُ يَزُولُ الضَّمَانُ عَنْهُ بِشَرْطِ أَنَّهُ لَا يَعْزِمُ عَلَى الْعَوْدِ إلَى التَّعَدِّي حَتَّى لَوْ نَزَعَ ثَوْبَ الْوَدِيعَةِ لَيْلًا وَمِنْ عَزْمِهِ أَنْ يَلْبَسَهُ نَهَارًا ثُمَّ سُرِقَ لَيْلًا لَا يَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمُسْتَعِيرِ وَالْمُسْتَأْجِرِ) إذَا تَعَدَّيَا ثُمَّ أَزَالَاهُ لَا يَزُولُ الضَّمَانُ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ عَنْهُ إنَّمَا تَكُونُ بِالْإِعَادَةِ إلَى يَدِ الْمَالِكِ حَقِيقَةً أَوْ تَقْدِيرًا وَيَدِهِمَا لَهُمَا لِأَنَّهُمَا عَامِلَانِ لِأَنْفُسِهِمَا بِخِلَافِ الْمُودَعِ فَإِنَّ يَدَهُ كَيَدِ الْمَالِكِ وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ تَبَعًا لِغَيْرِهِ مَنْ اسْتَعَارَ شَيْئًا لِيَرْهَنَهُ فَتَعَدَّى فِيهِ كَمَا إذَا اسْتَعَارَ عَبْدًا لِيَرْهَنَهُ أَوْ دَابَّةً فَاسْتَخْدَمَ الْعَبْدَ وَرَكِبَ الدَّابَّةَ قَبْلَ أَنْ يَرْهَنَهُمَا ثُمَّ رَهَنَهُمَا بِمَالٍ بِمِثْلِ قِيمَتِهِمَا ثُمَّ قَضَى الْمَالَ وَلَمْ يَقْبِضْهَا حَتَّى هَلَكَتْ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ لَا ضَمَانَ عَلَى الرَّاهِنِ لِأَنَّهُ قَدْ بَرِئَ عَنْ الضَّمَانِ حِينَ رَهَنَهُمَا فَإِنْ كَانَ أَمِينًا خَالَفَ فَقَدْ عَادَ إلَى الْوِفَاقِ وَإِنَّمَا كَانَ مُسْتَعِيرُ الرَّهْنِ كَالْمُودَعِ لِأَنَّ تَسْلِيمَهُ إلَى الْمُرْتَهِنِ يَرْجِعُ إلَى تَحْقِيقِ مَقْصُودِ الْمُعِيرِ حَتَّى لَوْ هَلَكَ بَعْدَ ذَلِكَ يَصِيرُ دَيْنُهُ مَقْضِيًّا فَيَسْتَوْجِبُ الْمُعِيرُ الرُّجُوعَ عَلَى الرَّاهِنِ بِمِثْلِهِ فَكَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الرَّدِّ عَلَيْهِ حُكْمًا فَلِهَذَا بَرِئَ مِنْ الضَّمَانِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ مِنْ بَابِ الْإِعَارَةِ فِي الرَّهْنِ (قَوْلُهُ وَإِقْرَارُهُ بَعْدَ جُحُودِهِ) يَعْنِي أَنَّ الْمُودَعَ إذَا جَحَدَ الْوَدِيعَةَ بِأَنْ قَالَ لَمْ يُودِعْنِي عِنْدَ مَالِكِهَا بَعْدَ طَلَبِ رَدِّهَا وَنَقْلِهَا مِنْ مَكَانِهَا وَقْتَ الْإِنْكَارِ وَكَانَتْ مَنْقُولًا وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَنْ يُخَافُ مِنْهُ عَلَيْهَا وَلَمْ يُحْضِرْهَا بَعْدَ الْجُحُودِ لِمَالِكِهَا ثُمَّ أَقَرَّ بِهَا لَا يَزُولُ الضَّمَانُ لِأَنَّ الْجُحُودَ رَفْعٌ لِلْعَقْدِ فَيُفْسَخُ بِهِ الْعَقْدُ فَلَا يَعُودُ إلَّا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ كَجُحُودِ الْوَكِيلِ الْوَكَالَةَ وَجُحُودِ أَحَدِ الْمُتَبَايِعَيْنِ الْبَيْعَ قَيَّدْنَا بِكَوْنِهِ أَنْكَرَ الْإِيدَاعَ لِأَنَّ الْمُودِعَ لَوْ ادَّعَى أَنَّ الْمَالِكَ وَهَبَهَا مِنْهُ أَوْ بَاعَهَا لَهُ وَأَنْكَرَ صَاحِبُهَا ثُمَّ هَلَكَتْ لَا ضَمَانَ عَلَى الْمُودَعِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَقَيَّدْنَا بِكَوْنِ الْإِنْكَارِ عِنْدَ الْمَالِكِ لِأَنَّ جُحُودَهَا عِنْدَ غَيْرِهِ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ وَقَيَّدْنَا بِكَوْنِهِ بَعْدَ الطَّلَبِ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهُ مَا حَالُ وَدِيعَتِي عِنْدَك لِيَشْكُرَ عَلَى حِفْظِهَا فَجَحَدَهَا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَقَيَّدْنَا بِكَوْنِهِ نَقَلَهَا لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَنْقُلْهَا مِنْ مَكَانِهَا حَالَ جُحُودِهِ فَهَلَكَتْ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ عَنْ الْأَجْنَاسِ. وَقَيَّدْنَا بِكَوْنِهِ مَنْقُولًا لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ عَقَارًا لَا يَضْمَنُ بِالْجُحُودِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ فِي الْأَصَحِّ ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي الْغَصْبِ وَقَيَّدْنَا بِكَوْنِهِ لَمْ يَكُنْ مَنْ يَخَافُ عَلَيْهَا مِنْهُ لِأَنَّهُ لَوْ جَحَدَهَا فِي وَجْهِ عَدُوٍّ يَخَافُ عَلَيْهَا التَّلَفَ إنْ أَقَرَّ ثُمَّ هَلَكَتْ لَا يَضْمَنُهَا لِأَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ حِفْظَهَا وَقَيَّدْنَا بِكَوْنِهِ لَمْ يُحْضِرْهَا لِأَنَّهُ لَوْ جَحَدَهَا ثُمَّ أَحْضَرَهَا فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهَا دَعْهَا وَدِيعَةً عِنْدَك فَهَلَكَتْ فَإِنْ أَمْكَنَهُ أَخْذُهَا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَقَيَّدْنَا بِكَوْنِهِ نَقَلَهَا إلَخْ) (فَشٌّ) جَحَدَهَا فَلَوْ نَقَلَهَا مِنْ مَكَان كَانَتْ فِيهِ حَالَ الْجُحُودِ ضَمِنَ وَإِلَّا فَلَا فَلَوْ قُلْنَا بِوُجُوبِ الضَّمَانِ فِي الْوَجْهَيْنِ فَلَهُ وَجْهُ خُلَاصَةٍ لَوْ جَحَدَهَا إنَّمَا يَضْمَنُ إذَا نَقَلَهَا عَنْ مَوْضِعِهَا الَّتِي كَانَتْ فِيهِ حَالَ الْجُحُودِ وَهَلَكَتْ وَإِنْ لَمْ يَنْقُلْهَا وَهَلَكَتْ لَا يَضْمَنُ وَفِي الْمُنْتَقَى إذَا كَانَتْ الْوَدِيعَةُ أَوْ الْعَارِيَّةُ مِمَّا يُحَوَّلُ يَضْمَنُ بِالْجُحُودِ وَإِنْ لَمْ يُحَوِّلْهَا نُورُ الْعَيْنِ (قَوْلُهُ وَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ رَدَّهَا قَبْلَ الْجُحُودِ إلَخْ) رَأَيْت مُلْحَقًا فِي نُسْخَتَيْ الْخُلَاصَةِ بَعْدَ لَفْظَةِ الْجُحُودِ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ وَبَعْدَهُ كَلِمَةٌ مَمْحُوَّةٌ لَمْ أَعْرِفْهَا وَفِي الْخَانِيَّةِ وَذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى إذَا جَحَدَ الْمُودِعُ الْوَدِيعَةَ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ رَدَّهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ وَكَذَا لَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ رَدَّهَا قَبْلَ الْجُحُودِ وَقَالَ إنَّمَا غَلِطْت إلَخْ فَظَهَرَ أَنَّ فِيمَا نَقَلَهُ الْمُؤَلِّفُ سَقْطًا وَفِي الْخَانِيَّةِ أَيْضًا وَلَوْ جَحَدَ الْمُودِعُ الْوَدِيعَةَ ثُمَّ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى هَلَاكِهَا قَبْلَ الْجُحُودِ إنْ قَالَ لَيْسَ لَك عِنْدِي وَدِيعَةً قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ وَيَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ وَلَوْ قَالَ نَسِيت فِي الْجُحُودِ أَوْ قَالَ غَلِطْت ثُمَّ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ دَفَعَهَا إلَى صَاحِبِهَا قَبْلَ الْجُحُودِ بَرِئَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 277 فَلَمْ يَأْخُذْهَا لَمْ يَضْمَنْ لِأَنَّهُ إيدَاعٌ جَدِيدٌ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ أَخْذُهَا ضَمِنَ لِأَنَّهُ لَمْ يُتِمَّ الرَّدَّ كَذَا فِي الِاخْتِيَارِ وَلَوْ جَحَدَهَا ثُمَّ ادَّعَى رَدَّهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ قُبِلَتْ وَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ رَدَّهَا قَبْلَ جُحُودِهِ وَقَالَ غَلِطْت فِي الْجُحُودِ أَوْ نَسِيت أَوْ ظَنَنْت أَنِّي دَفَعْته فَأَنَا صَادِقٌ فِي قَوْلِي لَمْ يَسْتَوْدِعْنِي ثُمَّ ادَّعَى الرَّدَّ أَوْ الْهَلَاكَ لَا يُصَدَّقُ وَلَوْ قَالَ لَيْسَ لَهُ عَلَيَّ شَيْءٌ ثُمَّ ادَّعَى الرَّدَّ أَوْ الْهَلَاكَ يُصَدَّقُ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَقَيَّدَ الْوَدِيعَةِ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ لَوْ قَالَ لِرَبِّ الْمَالِ لَمْ تَدْفَعْ إلَيَّ شَيْئًا ثُمَّ قَالَ بَلَى قَدْ دَفَعْت إلَيَّ ثُمَّ اشْتَرَى بِالْمَالِ كَانَ عَلَى الْمُضَارَبَةِ وَبَرِئَ عَنْ الضَّمَانِ وَإِنْ جَحَدَ ثُمَّ اشْتَرَى ثُمَّ أَقَرَّ فَهُوَ ضَامِنٌ وَالْمَتَاعُ لَهُ. وَكَذَا الْوَكِيلُ بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ بِأَلْفٍ وَدَفَعَ الْمَالَ إلَى الْوَكِيلِ وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ مُعَيَّنًا فَاشْتَرَاهُ فِي حَالِ الْجُحُودِ أَوْ بَعْدَمَا أَقَرَّ فَهُوَ لِلْآمِرِ وَلَوْ دَفَعَ رَجُلٌ إلَى رَجُلٍ عَبْدًا لِيَبِيعَهُ فَجَحَدَ الْمَأْمُورُ ثُمَّ أَقَرَّ بِهِ فَبَاعَهُ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ جَازَ وَيَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْ الْمَشَايِخِ فِي قِيَاسِ قَوْلِهِ لَوْ بَاعَ بَعْدَ الْجُحُودِ ثُمَّ أَقَرَّ جَازَ أَيْضًا كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خان مِنْ كِتَابِ الْمُضَارَبَةِ وَإِذَا ضَمِنَهَا الْمُودَعُ بِالْجُحُودِ تُعْتَبَرُ قِيمَتُهَا يَوْمَ الْإِيدَاعِ لَا يَوْمَ الْجُحُودِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْخُلَاصَةِ رَجُلٌ أَوْدَعَ رَجُلًا عَبْدًا فَجَحَدَهُ الْمُودِعُ فَمَاتَ فِي يَدِهِ ثُمَّ أَقَامَ الْمُودِعُ الْبَيِّنَةَ عَلَى قِيمَتِهِ يَوْمَ الْجُحُودِ وَلَكِنَّ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْإِيدَاعِ كَذَا قُضِيَ عَلَيْهِ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ الْإِيدَاعِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِهَا عِنْدَ عَدَمِ النَّهْيِ وَالْخَوْفِ) أَيْ لِلْمُودَعِ أَنْ يُسَافِرَ الْوَدِيعَةِ إذَا لَمْ يَنْهَهُ الْمُودِعُ وَلَمْ يَخَفْ عَلَيْهَا بِالْإِخْرَاجِ لِأَنَّ الْأَمْرَ مُطْلَقٌ فَلَا يَتَقَيَّدُ بِالْمَكَانِ كَمَا لَا يَتَقَيَّدُ بِالزَّمَانِ قَيَّدَ بِعَدَمِ النَّهْيِ لِأَنَّهُ لَوْ نَهَاهُ عَنْ السَّفَرِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَقَيَّدَ بِعَدَمِ الْخَوْفِ لِأَنَّ الطَّرِيقَ لَوْ كَانَ مُخِيفًا وَلَهُ بُدٌّ مِنْ السَّفَرِ كَانَ ضَامِنًا وَكَذَا الْأَبُ وَالْوَصِيُّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بُدٌّ مِنْهُ إنْ سَافَرَ بِأَهْلِهِ لَا يَضْمَنُ وَإِنْ سَافَرَ بِنَفْسِهِ يَكُونُ ضَامِنًا كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خان وَمِنْ الْمَخُوفِ السَّفَرُ فِي الْبَحْرِ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهِ الْعَطَبُ كَذَا فِي الِاخْتِيَارِ وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فَشَمِلَ مَا لَهُ حِمْلٌ وَمُؤْنَةٌ طَالَ الْخُرُوجُ أَوْ قَصُرَ وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَاسْتَثْنَى مِنْهُ الشَّيْخُ أَبُو نَصْرٍ فِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ الطَّعَامَ الْكَثِيرَ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ إذَا سَافَرَ بِهِ اسْتِحْسَانًا وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَلِلْمُودَعِ أَنْ يُسَافِرَ بِمَالِ الْوَدِيعَةِ عِنْدَنَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا حِمْلٌ وَمُؤْنَةٌ وَقَيَّدَ الْوَدِيعَةِ لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِالْبَيْعِ إذَا سَافَرَ بِمَا وُكِّلَ بِبَيْعِهِ إنْ قَيَّدَ الْوَكَالَةَ بِمَكَانٍ بِأَنْ قَالَ بِعْهُ بِالْكُوفَةِ فَأَخْرَجَهَا مِنْ الْكُوفَةِ يَصِيرُ ضَامِنًا عِنْدَنَا وَإِنْ أَطْلَقَ الْوَكَالَةَ فَسَافَرَ بِهِ إنْ كَانَ شَيْئًا لَهُ حِمْلٌ وَمُؤْنَةٌ يَكُونُ ضَامِنًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حِمْلٌ وَمُؤْنَةٌ لَا يَصِيرُ ضَامِنًا عِنْدَنَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ بُدٌّ مِنْ السَّفَرِ وَإِنْ كَانَ لَهُ بُدٌّ مِنْ السَّفَرِ لَا يَكُونُ ضَامِنًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ طَالَ الْخُرُوجُ أَمْ قَصُرَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَكُونُ ضَامِنًا طَالَ الْخُرُوجُ أَمْ قَصُرَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ طَالَ الْخُرُوجُ يَكُونُ ضَامِنًا وَإِنْ قَصُرَ لَا يَكُونُ ضَامِنًا كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خان (قَوْلُهُ وَلَوْ أَوْدَعَا شَيْئًا لَمْ يَدْفَعْ الْمُودِعُ إلَى أَحَدِهِمَا حَظَّهُ حَتَّى يَحْضُرَ الْآخَرُ) يَعْنِي فِي غَيْبَةِ صَاحِبِهِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ وَالْقِيَمِ، وَخِلَافُهُمَا فِي الْأَوَّلِ قِيَاسًا عَلَى الدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ وَفَرَّقَ أَبُو حَنِيفَةَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْمُودَعَ لَا يَمْلِكُ الْقِسْمَةَ بَيْنَهُمَا فَكَانَ تَعَدِّيًا عَلَى مِلْكِ الْغَيْرِ وَفِي الدَّيْنِ يُطَالِبُهُ بِتَسْلِيمِ حَقِّهِ إذْ الدُّيُونُ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا فَكَانَ تَصَرُّفًا فِي مَالِ نَفْسِهِ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ لَمْ يَدْفَعْ إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ حَتَّى لَوْ خَاصَمَهُ إلَى الْقَاضِي لَمْ يَأْمُرْهُ بِدَفْعِ نَصِيبِهِ إلَيْهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ لَا يَكُونُ قِسْمَةً اتِّفَاقًا حَتَّى لَوْ هَلَكَ الْبَاقِي رَجَعَ صَاحِبُهُ عَلَى الْآخِذِ بِحِصَّتِهِ وَإِلَى أَنَّ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَأْخُذَ حِصَّتَهُ مِنْهَا إذَا ظَفِرَ بِهَا وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ دَفَعَ وَارْتَكَبَ الْمَمْنُوعَ لَا يَضْمَنُ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خان مَا يُفِيدُهُ وَلَفْظُهُ ثَلَاثَةٌ أَوْدَعُوا رَجُلًا مَالًا وَقَالُوا لَا تَدْفَعْ الْمَالَ إلَى أَحَدٍ مِنَّا حَتَّى يَجْتَمِعَ فَدَفَعَ نَصِيبَ أَحَدِهِمْ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْقِيَاسِ يَكُونُ ضَامِنًا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا يَضْمَنُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ اهـ. فَقَدْ جَعَلَ عَدَمَ الضَّمَانِ هُوَ الِاسْتِحْسَانُ فَكَانَ هُوَ الْمُخْتَارُ (قَوْلُهُ فَإِنْ أَوْدَعَ رَجُلٌ عِنْدَ رَجُلَيْنِ مِمَّا يُقَسَّمُ اقْتَسَمَاهُ وَحَفِظَ كُلٌّ نِصْفَهُ وَلَوْ دَفَعَهُ إلَى الْآخَرِ ضَمِنَ بِخِلَافِ مَا لَا يُقَسَّمُ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَحْفَظَ بِإِذْنِ الْآخَرِ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ رَضِيَ بِأَمَانَتِهِمَا وَلَهُ إنَّمَا رَضِيَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ ثُمَّ ادَّعَى الرَّدَّ أَوْ الْهَلَاكَ لَا يُصَدَّقُ) عِبَارَةُ الْخُلَاصَةِ بَعْدَ قَوْلِهِ لَمْ تَسْتَوْدِعْنِي هَكَذَا وَفِي الْأَقْضِيَةِ لَوْ قَالَ لَمْ يَسْتَوْدِعْنِي ثُمَّ ادَّعَى الرَّدَّ أَوْ الْهَلَاكَ لَا يُصَدَّقْ فَفِي عِبَارَتِهِ سَقْطٌ. (قَوْلُهُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْخُلَاصَةِ إلَخْ) قَالَ فِي الْمِنَحِ لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْعِمَادِيَّةِ أَنَّهُ لَوْ جَحَدَ الْوَدِيعَةَ وَهَلَكَتْ ثُمَّ أَقَامَ الْمُودِعُ بَيِّنَةً عَلَى قِيمَتِهَا يَوْمَ الْجُحُودِ يُقْضَى بِقِيمَتِهَا يَوْمَ الْجُحُودِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ قِيمَتَهَا يَوْمَ الْجُحُودِ يُقْضَى بِقِيمَتِهَا يَوْمَ الْإِيدَاعِ يَعْنِي إذَا أَثْبَتَ الْوَدِيعَةَ كَذَا ذَكَرَ فِي الْعُدَّةِ وَتَمَامُ هَذَا يُنْظَرُ فِي وَدِيعَةِ الذَّخِيرَةِ. اهـ. وَكَتَبَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَلَى هَامِشِ الْمِنَحِ أَنَّ فِيمَا نُقِلَ مِنْ عِبَارَةِ الْخُلَاصَةِ سَقْطًا وَأَنَّ أَصْلَ الْعِبَارَةِ مُوَافِقٌ لِمَا فِي الْعِمَادِيَّةِ لِأَنَّ أَصْلَ الْعِبَارَةِ قَضَى عَلَيْهِ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ الْجُحُودِ فَإِنْ قَالَ الشُّهُودُ لَا نَعْلَمُ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْجُحُودِ لَكِنَّ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْإِيدَاعِ كَذَا قُضِيَ عَلَيْهِ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ الْإِيدَاعِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 278 بِحِفْظِهِمَا لَا بِحِفْظِ أَحَدِهِمَا قَيَّدَ بِضَمَانِ الدَّافِعِ لِأَنَّ الْقَابِضَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مُودِعُ الْمُودَعِ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ اقْتَسَمَاهُ لِأَنَّ فِيمَا يُقَسَّمُ لَوْ أَبَيَا الْقِسْمَةَ وَأَوْدَعَاهُ فَهَلَكَ ضَمِنَاهُ لِتَرْكِهِمَا مَا الْتَزَمَاهُ وَكَذَلِكَ الْجَوَابُ فِي الْمُرْتَهِنَيْنِ والمُسْتَبْضِعِين وَالْوَصِيَّيْنِ وَالْعَدْلَيْنِ فِي الرَّهْنِ وَالْوَكِيلَيْنِ بِالشِّرَاءِ إذَا سَلَّمَ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمَا الْقِسْمَةُ فِيمَا لَا يُقَسَّمُ كَانَ لَهُمَا التَّهَايُؤُ فِي الْحِفْظِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ لَهُ لَا تَدْفَعُ إلَى عِيَالِك أَوْ احْفَظْ فِي هَذَا الْبَيْتِ فَدَفَعَهَا إلَى مَنْ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ أَوْ حَفِظَهَا فِي بَيْتٍ آخَرَ مِنْ الدَّارِ لَمْ يَضْمَنْ) لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْحِفْظُ مَعَ مُرَاعَاةِ شَرْطِهِ فَلَمْ يَكُنْ مُفِيدًا وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الْوَدِيعَةُ مِمَّا تُحْفَظُ فِي يَدِ مَنْ مَنَعَهُ حَتَّى لَوْ كَانَتْ فَرَسًا فَمَنَعَهُ مِنْ دَفْعِهَا إلَى امْرَأَتِهِ أَوْ عَقْدَ جَوْهَرٍ فَمَنَعَهُ مِنْ دَفْعِهِ إلَى غُلَامِهِ فَدَفَعَ ضَمِنَ وَإِلَى أَنَّ بُيُوتَ الدَّارِ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ مُسْتَوِيَةً فِي الْحِفْظِ حَتَّى لَوْ مَنَعَهُ مِنْ وَضْعِهَا فِي بَيْتٍ فِيهِ خَلَلٌ فَوَضَعَهَا فِيهِ ضَمِنَ وَكَذَا إذَا كَانَ ظَهْرُ الْبَيْتِ عَلَى السِّكَّةِ (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ لَهُ بُدٌّ أَوْ حَفِظَهَا فِي دَارٍ أُخْرَى ضَمِنَ) فَالْأُولَى صَادِقَةٌ بِصُورَتَيْنِ الْأُولَى أَنْ تَكُونَ الْوَدِيعَةُ شَيْئًا خَفِيفًا يُمْكِنُ الْمُودَعَ اسْتِصْحَابُهُ بِنَفْسِهِ كَالْخَاتَمِ فَدَفَعَهَا إلَى عِيَالِهِ ضَمِنَ الثَّانِيَةُ أَنْ يَكُونَ لَهُ عِيَالٌ سِوَى مَنْ مَنَعَهُ مِنْ الدَّفْعِ إلَيْهِ وَالثَّانِيَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ تَكُنْ الدَّارُ الْأُخْرَى مِثْلَهَا فِي الْحِرْزِ أَمَّا لَوْ كَانَتْ مِثْلَهَا أَوْ أَحْرَزَ مِنْهَا لَا يَضْمَنُ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ (قَوْلُهُ وَضَمِنَ مُودَعُ الْغَاصِبِ لَا مُودَعُ الْمُودِعِ) وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مُودَعَ الْغَاصِبِ غَاصِبٌ لِعَدَمِ إذْنِ الْمَالِكِ ابْتِدَاءً وَبَقَاءً وَفِي الثَّانِي لَيْسَ بِغَاصِبٍ لِأَنَّهُ لَا يَضْمَنُ الْمُودَعُ بِمُجَرَّدِ الدَّفْعِ مَا لَمْ يُفَارِقْهُ وَإِذَا ضَمِنَ مُودَعُ الْغَاصِبِ رَجَعَ عَلَى الْغَاصِبِ مُطْلَقًا عَلِمَ أَنَّهُ غَاصِبٌ أَوْ لَا وَإِذَا ضَمِنَ مُودَعُ الْغَاصِبِ ضَمِنَ غَاصِبُ الْغَاصِبِ وَالْمُشْتَرَى مِنْهُ بِالْأَوْلَى وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْمُضَارَبَةِ أَنَّ الْمُضَارِبَ لَوْ دَفَعَ الْمَالَ مُضَارَبَةً بِلَا إذْنٍ لَا يَضْمَنُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا قَبْلَ عَمَلِ الثَّانِي (قَوْلُهُ مَعَهُ أَلْفٌ فَادَّعَى رَجُلَانِ كُلٌّ أَنَّهُ لَهُ أَوْدَعَهُ إيَّاهُ فَنَكَلَ لَهُمَا فَالْأَلْفُ لَهُمَا وَغَرِمَ أَلْفًا آخَرَ بَيْنَهُمَا) أَشَارَ بِقَوْلِهِ نَكَلَ إلَى أَنَّ الْمُودَعَ يَحْلِفُ إذَا أَنْكَرَ الْإِيدَاعَ كَمَا يَحْلِفُ إذَا ادَّعَى رَدَّهَا أَوْ هَلَاكَهَا إمَّا لِنَفْيِ التُّهْمَةِ أَوْ لِإِنْكَارِهِ الضَّمَانَ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَثْبُتُ الرَّدُّ بِيَمِينِهِ حَتَّى لَا يَضْمَنَ الْوَصِيُّ لَوْ ادَّعَى الرَّدَّ عَلَيْهِ وَحَلَفَ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا شَيْءَ لَهُمَا عَلَيْهِ وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لِأَحَدِهِمَا وَنَكَلَ لِلْآخَرِ قُضِيَ بِهِ لِمَنْ نَكَلَ لَهُ فَقَطْ وَإِلَى أَنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يَبْدَأَ لِأَيِّهِمَا شَاءَ بِالتَّحْلِيفِ وَالْأَوْلَى الْقُرْعَةُ وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ نَكَلَ لِلْأَوَّلِ يَحْلِفُ لِلثَّانِي وَلَا يُقْضَى بِالنُّكُولِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ لِأَحَدِهِمَا لِأَنَّ الْإِقْرَارَ حُجَّةٌ بِنَفْسِهِ فَيُقْضَى بِهِ أَمَّا النُّكُولُ فَإِنَّمَا يَصِيرُ حُجَّةً عِنْدَ الْقَضَاءِ فَجَازَ أَنْ يُؤَخِّرَهُ لِيَحْلِفَ لِلثَّانِي فَيَنْكَشِفَ وَجْهُ الْقَضَاءِ فَإِنْ حَلَفَ لِلثَّانِي فَالْكُلُّ لِلْأَوَّلِ وَإِنْ نَكَلَ فَهِيَ بَيْنَهُمَا فَإِنْ قُضِيَ لِلْأَوَّلِ حِينَ نَكَلَ قَبْلَ أَنْ يَحْلِفَ لِلثَّانِي لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ خِلَافًا لِلْخَصَّافِ وَذِكْرُ الْأَلْفِ فِي الْكِتَابِ لَيْسَ احْتِرَازِيًّا كَمَا أَنَّ الْعَبْدَ فِي كَلَامِ الْخَصَّافِ لَيْسَ احْتِرَازِيًّا وَفِي التَّحْلِيفِ لِلثَّانِي يَقُولُ بِاَللَّهِ مَا هَذِهِ الْعَيْنُ لَهُ وَلَا قِيمَتُهَا لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَرَّ بِهَا لِلْأَوَّلِ ثَبَتَ الْحَقُّ فِيهَا لَهُ فَلَا يُفِيدُ إقْرَارُهُ بِهَا لِلثَّانِي فَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى الْأَوَّلِ كَانَ صَادِقًا قَيَّدَ الْمُصَنِّفُ بِهَذِهِ الصُّورَةِ لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِهَا لِإِنْسَانٍ ثُمَّ قَالَ بَلْ هِيَ لِهَذَا اخْتَصَّ بِهَا الْأَوَّلُ وَضَمِنَ لِلْآخَرِ قِيمَتَهَا إنْ دَفَعَهَا بِغَيْرِ قَضَاءٍ وَإِنْ كَانَ بِقَضَاءٍ لَا يَكُونُ ضَامِنًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَلَوْ قَالَ أَوْدَعَنِيهَا أَحَدُكُمَا وَلَا أَدْرِي أَيُّكُمَا فَإِنْ اصْطَلَحَا عَلَى أَخْذِهَا بَيْنَهُمَا فَلَهُمَا ذَلِكَ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَلَيْسَ لَهُ الِامْتِنَاعُ مِنْ التَّسْلِيمِ بَعْدَ الصُّلْحِ وَإِلَّا وَادَّعَاهَا كُلٌّ وَأَرَادَ أَخْذَهَا لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمُقِرَّ لَهُ مَجْهُولٌ وَلِكُلٍّ أَنْ يَسْتَحْلِفَهُ فَإِنْ حَلَفَ قَطَعَ دَعْوَاهُمَا وَإِنْ نَكَلَ فَكَمَسْأَلَةِ الْكِتَابِ وَكَذَا لَوْ قَالَ عَلَيَّ أَلْفُ أَلْفٍ لِهَذَا أَوْ لِهَذَا. اهـ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ [كِتَابُ الْعَارِيَّةِ] (قَوْلُهُ كِتَابُ الْعَارِيَّةِ) أَخَّرَهَا عَنْ الْوَدِيعَةِ لِأَنَّ فِيهَا تَمْلِيكًا وَإِنْ اشْتَرَكَا فِي الْأَمَانَةِ، وَمَحَاسِنُهَا النِّيَابَةُ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى فِي إجَابَةِ الْمُضْطَرِّ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا لِمُحْتَاجٍ كَالْقَرْضِ فَلِذَا كَانَتْ الصَّدَقَةُ بِعَشَرَةٍ وَالْقَرْضُ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَهِيَ بِالتَّشْدِيدِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ فَكَانَ هُوَ الْمُخْتَارُ) تَعَقَّبَهُ الْمَقْدِسِيَّ فَقَالَ كَيْفَ يَكُونُ هُوَ الْمُخْتَارُ مَعَ أَنَّ سَائِرَ الْمُتُونِ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ وَقَالَ الشَّيْخُ قَاسِمٌ اخْتَارَ النَّسَفِيُّ قَوْلَ الْإِمَامِ وَالْمَحْبُوبِيِّ وَصَدْرِ الشَّرِيعَةِ وَقَالَ الْمَقْدِسِيَّ وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ عَدَمُ الضَّمَانِ هُوَ الْمُخْتَارُ مُسْتَدِلًّا بِكَوْنِهِ الِاسْتِحْسَانَ مُخَالِفٌ لِمَا عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ الْأَعْيَانُ بَلْ غَالِبُ الْمُتُونِ عَلَيْهِ مُتَّفِقُونَ حَمَوِيٌّ كَذَا فِي حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ (كِتَابُ الْعَارِيَّةِ) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 279 كَأَنَّهَا مَنْسُوبَةٌ إلَى الْعَارِ لِأَنَّ طَلَبَهَا عَارٌ وَعَيْبٌ كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ وَفِي الْمُغْرِبِ أَنَّهَا مَنْسُوبَةٌ إلَى الْعَارَةِ اسْمٌ مِنْ الْإِعَارَةِ وَأَخْذُهَا مِنْ الْعَارِ الْعَيْبِ خَطَأٌ وَفِي النِّهَايَةِ أَنَّ مَا فِي الْمُغْرِبِ هُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَاشَرَ الِاسْتِعَارَةَ فَلَوْ كَانَ الْعَارُ فِي طَلَبِهَا لَمَا بَاشَرَهَا اهـ. وَفِي الْمَبْسُوطِ أَنَّهَا مُشْتَقَّةٌ مِنْ التَّعَاوُرِ وَهُوَ التَّنَاوُبُ (قَوْلُهُ هِيَ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ بِغَيْرِ عِوَضٍ) وَهَذَا تَعْرِيفُهَا شَرْعًا وَأَشَارَ بِهِ إلَى الرَّدِّ عَلَى الْكَرْخِيِّ الْقَائِلِ بِأَنَّهَا إبَاحَةٌ وَلَيْسَتْ بِتَمْلِيكٍ وَيَشْهَدُ لِمَا فِي الْمَتْنِ الْأَحْكَامُ مِنْ انْعِقَادِهَا بِلَفْظِ التَّمْلِيكِ وَجَوَازِ أَنْ يُعِيرَ مَا لَا يَخْتَلِفُ بِالْمُسْتَعْمِلِ وَلَوْ كَانَ إبَاحَةً لَمَا جَازَ لِأَنَّ الْمُبَاحَ لَهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُبِيحَ لِغَيْرِهِ وَإِنَّمَا لَا يُفْسِدُ هَذَا التَّمْلِيكَ الْجَهَالَةُ لِكَوْنِهَا لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ لِعَدَمِ لُزُومِهَا كَذَا قَالَ الشَّارِحُونَ وَالْمُرَادُ بِالْجَهَالَةِ جَهَالَةُ الْمَنَافِعِ الْمُمَلَّكَةِ لَا جَهَالَةُ الْعَيْنِ الْمُسْتَعَارَةِ بِدَلِيلِ مَا فِي الْخُلَاصَةِ لَوْ اسْتَعَارَ مِنْ آخَرَ حِمَارًا فَقَالَ ذَلِكَ الرَّجُلُ لِي حِمَارَانِ فِي الْإِصْطَبْلِ فَخُذْ أَحَدَهُمَا وَاذْهَبْ فَأَخَذَ أَحَدَهُمَا وَذَهَبَ بِهِ يَضْمَنُ إذَا هَلَكَ وَلَوْ قَالَ لَهُ خُذْ أَحَدَهُمَا أَيَّهُمَا شِئْت لَا يَضْمَنُ اهـ. وَانْعِقَادُهَا بِلَفْظِ الْإِبَاحَةِ لِأَنَّهُ اُسْتُعِيرَ لِلتَّمْلِيكِ وَقَدْ قَالُوا عَلَفُ الدَّابَّةِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ مُطْلَقَةً كَانَتْ أَوْ مُوَقَّتَةً وَكَذَا نَفَقَةُ الْعَبْدِ أَمَّا كِسْوَتُهُ فَعَلَى الْمُعِيرِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَحُكْمُهَا كَوْنُهَا أَمَانَةً وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَلَوْ فِعْلًا فَلَوْ قَالَ لِآخَرَ خُذْ عَبْدِي وَاسْتَعْمِلْهُ وَاسْتَخْدِمْهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَعِيرَهُ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ لَا يَكُونُ عَارِيَّةً حَتَّى تَكُونَ نَفَقَتُهُ عَلَى مَوْلَاهُ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَلَوْ اسْتَعَارَ مِنْ رَجُلٍ شَيْئًا فَسَكَتَ لَا يَكُونُ إعَارَةً كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خان وَشَرْطُهَا كَوْنُ الْمُسْتَعَارِ قَابِلًا لِلِانْتِفَاعِ وَخُلُوُّهَا عَنْ شَرْطِ الْعِوَضِ فِي الْإِعَارَةِ حَتَّى لَوْ شَرَطَ الْعِوَضَ فِي الْإِعَارَةِ تَصِيرُ إجَارَةً كَذَا فِي الْمُحِيطِ (قَوْلُهُ وَتَصِحُّ بِأَعَرْتُكَ وَأَطْعَمْتُك أَرْضَى) لِأَنَّ الْأَوَّلَ صَرِيحٌ حَقِيقَةً وَالثَّانِي صَرِيحٌ مَجَازًا لِأَنَّ الْإِطْعَامَ إذَا أُضِيفَ إلَى مَا لَا يُؤْكَلُ عَيْنُهُ يُرَادُ بِهِ مَا يُسْتَغَلُّ مِنْهُ مَجَازًا لِأَنَّهُ مَحَلُّهُ (قَوْلُهُ وَمَنَحْتُك ثَوْبِي وَحَمَلْتُك عَلَى دَابَّتِي) وَهُوَ صَرِيحٌ أَيْضًا فَيُفِيدُ الْعَارِيَّةَ أَيْضًا مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى نِيَّةٍ لَكِنْ إذَا نَوَى بِهِ الْهِبَةَ كَانَ هِبَةً وَمَنَحْتُك بِمَعْنَى أَعْطَيْتُك. (قَوْلُهُ وَأَخْدَمْتُك عَبْدِي) لِأَنَّهُ أَذِنَ لَهُ فِي الِاسْتِخْدَامِ (قَوْلُهُ وَدَارِي لَك سُكْنَى) أَيْ مِنْ جِهَةِ السُّكْنَى لِأَنَّ دَارِي مُبْتَدَأٌ وَلَك خَبَرُهُ وَسُكْنَى تَمْيِيزٌ عَنْ النِّسْبَةِ إلَى الْمُخَاطَبِ (قَوْلُهُ وَدَارِي لَك عُمْرَى سُكْنَى) يُقَالُ عُمَرَهُ الدَّارَ أَيْ قَالَ لَهُ هِيَ لَك مُدَّةَ عُمُرِك وَالْعُمْرَى اسْمٌ مِنْهُ فَيَصِيرُ مَعْنَاهُ جَعَلْت سُكْنَاهَا لَك مُدَّةَ عُمُرِك وَلَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ أَجَرْتُك هَذِهِ الدَّارَ شَهْرًا بِغَيْرِ عِوَضٍ كَانَتْ إعَارَةً وَلَوْ لَمْ يَقُلْ شَهْرًا لَا تَكُونُ إعَارَةً كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خان (قَوْلُهُ وَيَرْجِعُ الْمُعِيرُ مَتَى شَاءَ) لِعَدَمِ لُزُومِهَا أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ فِي رُجُوعِهِ ضَرَرٌ بَيِّنٌ بِالْمُسْتَعِيرِ فَإِنَّ الْإِعَارَةَ تَبْطُلُ وَتَبْقَى الْعَيْنُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ وَلِهَذَا قَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ رَجُلٌ اسْتَعَارَ مِنْ رَجُلٍ أَمَةً لِتُرْضِعَ ابْنًا لَهُ فَأَرْضَعَتْهُ فَلَمَّا صَارَ الصَّبِيُّ لَا يَأْخُذُ إلَّا مِنْهَا قَالَ الْمُعِيرُ أَرْدُدْ عَلَيَّ خَادِمِي قَالَ أَبُو يُوسُفَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ خَادِمِهِ إلَى أَنْ تَفْطِمَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ فَلَوْ قَالَ لِآخَرَ خُذْ عَبْدِي إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى اشْتِرَاطِ الْإِيجَابِ وَأَنَّ قَوْلَهُ خُذْ عَبْدِي هَذَا لَيْسَ بِإِيجَابٍ كَقَوْلِهِ اشْتَرِ ثَوْبِي هَذَا وَلَا يَصِحُّ كَوْنُهُ مُفَرَّعًا عَلَى اشْتِرَاطِ الْقَبُولِ لِأَنَّ أَخْذَ الْعَبْدِ قَبُولٌ فِعْلًا فَيَكُونُ وَدِيعَةً تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَهُوَ صَرِيحٌ أَيْضًا فَيُفِيدُ الْعَارِيَّةَ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى نِيَّةٍ إلَخْ) فِي الْكَافِي لِلْعَلَّامَةِ النَّسَفِيِّ وَقَوْلُهُ فِي الْهِدَايَةِ وَمَنَحْتُك هَذَا الثَّوْبَ وَحَمَلْتُك عَلَى هَذِهِ الدَّابَّةِ إذَا لَمْ يُرِدْ بِهِ الْهِبَةَ لِأَنَّهُمَا لِتَمْلِيكِ الْعَيْنِ وَعِنْدَ إرَادَتِهِ الْهِبَةَ يُحْمَلُ عَلَى تَمْلِيكِ الْمَنَافِعِ تَجَوُّزًا مُشْكِلٌ مِنْ وُجُوهٍ أَحَدُهَا قَوْلُهُ إذَا لَمْ يُرِدْ بِهِ الْهِبَةَ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ إذَا لَمْ يُرِدْ بِهِمَا بِدَلِيلِ التَّعْلِيلِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ الضَّمِيرَ يَرْجِعُ إلَى الْمَذْكُورِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ} [البقرة: 68] وَثَانِيهِمَا أَنَّهُ جَعَلَ هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ حَقِيقَةً لِتَمْلِيكِ الْعَيْنِ وَمَجَازًا لِتَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ. ثُمَّ ذَكَرَ فِي كِتَابِ الْهِبَةِ فِي بَيَانِ أَلْفَاظِهَا وَحَمَلْتُك عَلَى هَذِهِ الدَّابَّةِ إذَا نَوَى بِالْحَمْلِ الْهِبَةَ وَعَلَّلَ بِأَنَّ الْحَمْلَ هُوَ الِارْتِكَابُ حَقِيقَةً فَيَكُونُ عَارِيَّةً لَكِنَّهُ يَحْتَمِلُ الْهِبَةَ وَثَالِثُهَا أَنَّهُمَا لَمَّا كَانَا لِتَمْلِيكِ الْعَيْنِ حَقِيقَةً وَالْحَقِيقَةُ تُرَادُ بِاللَّفْظِ بِلَا نِيَّةٍ فَعِنْدَ عَدَمِ إرَادَةِ الْهِبَةِ لَا يُحْمَلُ عَلَى تَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ بَلْ عَلَى الْهِبَةِ وَفِي الْمُسْتَصْفَى شَرْحُ النَّافِعِ قُلْنَا جَازَ أَنْ يَكُونَا لِتَمْلِيكِ الْعَيْنِ حَقِيقَةً وَلِتَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ مَجَازًا وَإِلَى هَذَا مَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي كِتَابِ الْعَارِيَّةِ وَيَكُونُ التَّقْدِيرُ إذَا لَمْ يُرِدْ بِهِ الْهِبَةَ وَأَرَادَ بِهِ الْعَارِيَّةَ أَيْ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ تُرِدْ الْحَقِيقَةَ لَا يُصَارُ إلَى الْمَجَازِ إلَّا عِنْدَ إرَادَتِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَا بِالْعَكْسِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي مَبْسُوطِهِ وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي كِتَابِ الْهِبَةِ وَيَكُونُ قَوْلُهُ إذَا لَمْ يُرِدْ بِهِ الْهِبَةَ لِلتَّأْكِيدِ أَيْ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْكَلَامِ مَحْمُولٌ عَلَى الْعَارِيَّةِ فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ التَّقْيِيدَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَيَانِ حَقِيقَةً لَهُمَا إنَّمَا تَرَجَّحَ أَحَدُهُمَا لِأَنَّهُ أَدْنَى الْأَمْرَيْنِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ لِلتَّيَقُّنِ اهـ. كَذَا فِي الْكِفَايَةِ مُوَضَّحًا (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ أَجَرْتُك هَذِهِ الدَّارَ شَهْرًا إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ كِتَابِ الْإِجَارَةِ فِي الثَّانِي فِي صِفَتِهَا قَالَ لَا تَنْعَقِدُ الْإِعَارَةُ بِالْإِجَارَةِ حَتَّى لَوْ قَالَ أَجَرْتُك مَنَافِعَهَا سَنَةً بِلَا عِوَضٍ تَكُونُ إجَارَةً فَاسِدَةً لَا عَارِيَّةً اهـ فَتَأَمَّلْهُ مَعَ هَذَا وَسَيَأْتِي فِي أَوَّلِ الْإِجَارَةِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 280 الصَّبِيَّ وَكَذَا لَوْ اسْتَعَارَ مِنْ رَجُلٍ فَرَسًا لِيَغْزُوَ عَلَيْهِ فَأَعَارَهُ الْفَرَسَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ لَقِيَهُ بَعْدَ شَهْرَيْنِ فِي بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ فَأَرَادَ أَخْذَ الْفَرَسِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ وَإِنْ لَقِيَهُ فِي بِلَادِ الشِّرْكِ فِي مَوْضِعٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْكِرَاءِ وَالشِّرَاءِ كَانَ لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ لَا يَدْفَعَهُ إلَيْهِ لِأَنَّ هَذَا ضَرَرٌ بَيِّنٌ وَعَلَى الْمُسْتَعِيرِ أَجْرُ مِثْلِ الْفَرَسِ مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي طَلَبَ صَاحِبَهُ إلَى أَدْنَى الْمَوَاضِعِ الَّذِي يَجِدُ فِيهِ شِرَاءً أَوْ كِرَاءً. اهـ. [هَلَكَتْ الْعَارِيَّة بِلَا تَعَدٍّ] (قَوْلُهُ وَلَوْ هَلَكَتْ بِلَا تَعَدٍّ لَا يَضْمَنُ) أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا هَلَكَتْ فِي حَالِ الِاسْتِعْمَالِ وَمَا إذَا شَرَطَ عَلَيْهِ الضَّمَانَ فَإِنَّهُ شَرْطٌ بَاطِلٌ كَشَرْطِ عَدَمِ الضَّمَانِ فِي الرَّهْنِ إذَا هَلَكَ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَهَذَا إذَا لَمْ يَتَبَيَّنْ أَنَّهَا مُسْتَحَقَّةٌ لِلْغَيْرِ فَإِنْ ظَهَرَ اسْتِحْقَاقُهَا أَنَّهَا لِلْغَيْرِ ضَمِنَهَا وَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْمُعِيرِ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ وَلِلْمُسْتَحِقِّ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُعِيرَ وَإِذَا ضَمَّنَهُ لَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ بِخِلَافِ الْمُودَعِ إذَا ضَمِنَهَا لِلْمُسْتَحِقِّ حَيْثُ يَرْجِعُ عَلَى الْمُودِعِ لِأَنَّهُ عَامِلٌ لَهُ وَلَا يَمْلِكُ وَالِدُ الصَّغِيرِ إعَارَةَ مَالِ وَلَدِهِ وَالْعَبْدُ الْمَأْذُونُ يَمْلِكُ أَنْ يُعِيرَ وَالْمَرْأَةُ إذَا أَعَارَتْ شَيْئًا مِنْ مِلْكِ الزَّوْجِ فَهَلَكَ إنْ كَانَ شَيْئًا دَاخِلَ الْبَيْتِ وَمَا يَكُونُ فِي أَيْدِيهِنَّ عَادَةً فَلَا ضَمَانَ عَلَى أَحَدٍ أَمَّا فِي الْفَرَسِ أَوْ الثَّوْرِ فَيَضْمَنُ الْمُسْتَعِيرُ وَالْمَرْأَةُ كَذَا فِي النِّهَايَةِ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ بِلَا تَعَدٍّ لِأَنَّهُ لَوْ تَعَدَّى ضَمِنَهَا كَمَا لَوْ كَبَحَهَا بِاللِّجَامِ أَوْ فَقَأَ عَيْنَهَا بِالضَّرْبِ أَوْ حَمَّلَهَا مَا يُعْلَمُ أَنَّ مِثْلَهَا لَا يَحْمِلُهُ أَوْ اسْتَعْمَلَهَا لَيْلًا وَنَهَارًا مِمَّا لَا يُسْتَعْمَلُ مِثْلُهَا فِي الدَّوَابِّ وَكَذَا لَوْ نَزَلَ عَنْ الدَّابَّةِ وَدَخَلَ الْمَسْجِدَ وَتَرَكَهَا فِي السِّكَّةِ فَهَلَكَتْ يَضْمَنُ عَلَى الْأَصَحِّ وَكَذَا إذَا اسْتَعَارَ دَابَّةً لِيَرْكَبَهَا فِي حَاجَتِهِ إلَى نَاحِيَةٍ مُسَمَّاةٍ فَأَخْرَجَهَا إلَى النَّهْرِ لِيَسْقِيَهَا وَهِيَ غَيْرُ تِلْكَ النَّاحِيَةِ ضَمِنَ إذَا هَلَكَتْ وَكَانَ إذَا اسْتَعَارَ ثَوْرًا لِيَكْرُبَ بِهِ أَرْضَهُ فَكَرَبَ أَرْضًا أُخْرَى يَضْمَنُ إذَا عَطِبَ وَكَذَا إذَا قَرَنَهُ بِثَوْرٍ أَعْلَى مِنْهُ وَلَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِهِ فَهَلَكَ وَكَذَا إذَا نَامَ فِي الْمَفَازَةِ وَمِقْوَدُ الدَّابَّةِ فِي يَدِهِ فَسُرِقَتْ إنْ كَانَ مُضْطَجِعًا وَإِنْ كَانَ جَالِسًا لَا يَضْمَنُ فِي غَيْرِ السَّفَرِ وَإِنْ كَانَ فِي السَّفَرِ لَا يَضْمَنُ سَوَاءٌ نَامَ قَاعِدًا أَوْ مُضْطَجِعًا إذَا كَانَ الْمُسْتَعَارُ تَحْتَ رَأْسِهِ أَوْ مَوْضُوعًا بَيْنَ يَدَيْهِ أَوْ حَوَالَيْهِ بِحَيْثُ يُعَدُّ حَافِظًا عَادَةً وَلَوْ تَرَكَهُ فِي الْمَرَجِ يُرَاعَى إنْ كَانَتْ الْعَادَةُ هَكَذَا لَا يَضْمَنُ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَوْ كَانَتْ الْعَادَةُ مُشْتَرَكَةً يَضْمَنُ وَلَوْ جَعَلَهُ فِي الْقَرْيَةِ وَلَيْسَ لِلْقَرْيَةِ بَابٌ مَفْتُوحٌ لَا يَضْمَنُ إنْ نَامَ مُضْطَجِعًا أَوْ قَاعِدًا وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خان لَوْ اسْتَعَارَ دَابَّةً لِلذَّهَابِ فَأَمْسَكَهَا فِي بَيْتِهِ فَهَلَكَتْ كَانَ ضَامِنًا لِأَنَّهُ أَعَارَهَا لِلذَّهَابِ لَا لِلْإِمْسَاكِ فِي الْبَيْتِ (قَوْلُهُ وَلَا تُؤَجَّرُ) لِأَنَّ الْإِجَارَةَ أَقْوَى لِأَنَّهَا لَازِمَةٌ فَلَوْ مَلَكَهَا لَزِمَ لُزُومُ مَا لَا يَلْزَمُ وَهُوَ الْعَارِيَّةُ أَوْ عَدَمُ لُزُومِ مَا يَلْزَمُ وَهُوَ الْإِجَارَةُ (قَوْلُهُ وَلَا تُرْهَنُ كَالْوَدِيعَةِ) لِأَنَّ الرَّهْنَ إيفَاءٌ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُوَفِّيَ دَيْنَهُ بِمَالِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَلَهُ أَنْ يُودِعَ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَصَحَّحَ بَعْضُهُمْ عَدَمَهُ وَيَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ مَا لَوْ أَرْسَلَهَا عَلَى يَدِ أَجْنَبِيٍّ فَهَلَكَتْ يَضْمَنُ عَلَى الثَّانِي لَا الْأَوَّلِ وَسَيَأْتِي قَرِيبًا (قَوْلُهُ فَإِنْ أَجَرَ فَعَطِبَتْ ضَمِنَ) لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِالتَّسْلِيمِ فَصَارَ غَاصِبًا وَلَهُ أَنْ يَضْمَنَ الْمُسْتَأْجِرُ كَالْمُسْتَأْجِرِ مِنْ الْغَاصِبِ وَإِذَا ضَمِنَهُ رَجَعَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ كَانَ عَارِيَّةً فِي يَدِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا عَلِمَ وَبِخِلَافِ الْمُسْتَعِيرِ إذَا ضَمِنَ لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ لِأَنَّهُ بِالضَّمَانِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ آجَرَ مِلْكَ نَفْسِهِ وَيَتَصَدَّقُ بِالْأُجْرَةِ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ (قَوْلُهُ وَيُعِيرُ مَا لَا يَخْتَلِفُ بِالْمُسْتَعْمِلِ) لِكَوْنِهِ مَلَكَ الْمَنْفَعَةَ فَمَلَكَ أَنْ يُمَلِّكَهَا قَيَّدَ بِمَا لَا يَخْتَلِفُ وَهُوَ الْحَمْلُ وَالِاسْتِخْدَامُ وَالسُّكْنَى لِأَنَّ مَا يَخْتَلِفُ لَيْسَ فِيهِ أَنْ يُعِيرَ كَاللُّبْسِ وَالرُّكُوبِ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ مُقَيَّدَةً أَمَّا لَوْ كَانَتْ مُطْلَقَةً كَمَا لَوْ اسْتَعَارَ دَابَّةً لِلرُّكُوبِ أَوْ ثَوْبًا لِلُّبْسِ لَهُ أَنْ يُعِيرَهُمَا وَيَكُونُ ذَلِكَ تَعْيِينًا لِلرَّاكِبِ وَاللَّابِسِ فَإِنْ رَكِبَ هُوَ بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ الْإِمَامُ عَلِيٌّ الْبَزْدَوِيُّ يَكُونُ ضَامِنًا وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ وخواهر زاده لَا يَضْمَنُ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خان وَصُحِّحَ الْأَوَّلُ فِي الْكَافِي (قَوْلُهُ فَلَوْ قَيَّدَهَا بِوَقْتٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ أَوْ بِهِمَا لَا يَتَجَاوَزُ عَمَّا سِوَاهُ وَإِنْ أَطْلَقَ لَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ أَيَّ نَوْعٍ شَاءَ فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ) يَعْنِي أَنَّهَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ وَالتَّقْيِيدَ دَائِرٌ بَيْنَ شَيْئَيْنِ الْوَقْتِ وَالِانْتِفَاعِ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ لَا يَتَجَاوَزُ إلَى أَنَّهُ لَا يَتَعَدَّى الْمُسَمَّى فَأَفَادَ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الْمُخَالَفَةُ إلَى شَرٍّ فَلَوْ خَالَفَ إلَى مِثْلِ الْمُسَمَّى بِأَنْ اسْتَعَارَ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ فَكَرَبَ أَرْضًا أُخْرَى) قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَقُولُ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَضْمَنَ لَوْ كَرَبَ مِثْلَ الْمُعَيَّنَةِ أَوْ أَرْخَى مِنْهَا كَمَا لَوْ اسْتَعَارَ دَابَّةً لِلْحَمْلِ وَسَمَّى نَوْعًا فَخَالَفَ لَا يَضْمَنُ لَوْ حَمَلَ مِثْلَ الْمُسَمَّى أَوْ أَخَفَّ مِنْهُ كَمَا سَيَجِيءُ (قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا قَرَنَهُ بِثَوْرٍ أَعْلَى مِنْهُ) فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مَا يُفِيدُ أَنَّ أَغْلَى بَالِغِينَ الْمُعْجَمَةِ حَيْثُ قَالَ اسْتَعَارَ ثَوْرًا قِيمَتُهُ خَمْسُونَ لِيَسْتَعْمِلَهُ فَقَرَنَهُ مَعَ ثَوْرٍ قِيمَتُهُ مِائَةٌ يَبْرَأُ لَوْ كَانَ النَّاسُ يَفْعَلُونَ مِثْلَ ذَلِكَ وَإِلَّا ضَمِنَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 281 دَابَّةً لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا عَشَرَةَ أَقْفِزَةٍ مِنْ حِنْطَةٍ مُعَيَّنَةٍ فَحَمَلَ عَلَيْهَا هَذَا الْقَدْرَ مِنْ حِنْطَةٍ أُخْرَى أَوْ لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا حِنْطَةَ نَفْسِهِ فَحَمَلَ عَلَيْهَا حِنْطَةَ غَيْرِهِ أَوْ خَالَفَ إلَى خَيْرٍ مِنْ الْمُسَمَّى بِأَنْ حَمَلَ هَذَا الْقَدْرَ مِنْ الشَّعِيرِ لَا يَكُونُ ضَامِنًا لِأَنَّهُ إنَّمَا يُعْتَبَرُ مِنْ تَقْيِيدِهِ مَا يَكُونُ مُفِيدًا حَتَّى لَوْ سَمَّى مِقْدَارًا مِنْ الْحِنْطَةِ وَزْنًا فَحَمَلَ مِثْلَ ذَلِكَ الْوَزْنِ مِنْ الشَّعِيرِ يَضْمَنُ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ مِنْ ظَهْرِ الدَّابَّةِ أَكْثَرَ مِمَّا تَأْخُذُهُ الْحِنْطَةُ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَصَحَّحَ الْوَلْوَالِجِيُّ عَدَمَ الضَّمَانِ وَفِي الْمُحِيطِ إذَا اسْتَعَارَ دَابَّةً لِيَرْكَبَهَا فَرَكِبَهَا وَأَرْكَبَ غَيْرَهُ فَعَطِبَتْ ضَمِنَ نِصْفَ قِيمَتِهَا. اهـ. وَإِذَا قَيَّدَهَا بِوَقْتٍ فَهِيَ مُطْلَقَةٌ إلَّا فِي حَقِّ الْوَقْتِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَرُدَّهَا بَعْدَ مُضِيِّ الْوَقْتِ مَعَ الْإِمْكَانِ ضَمِنَ إذَا هَلَكَتْ سَوَاءٌ اسْتَعْمَلَهَا بَعْدَ الْوَقْتِ أَوْ لَا وَلَوْ كَانَتْ مُقَيَّدَةً بِالْمَكَانِ فَهِيَ مُطْلَقَةٌ إلَّا مِنْ حَيْثُ الْمَكَانُ حَتَّى لَوْ جَاوَزَهُ ضَمِنَ وَكَذَا لَوْ خَالَفَهُ ضَمِنَ وَإِنْ كَانَ هَذَا الْمَكَانُ أَقْرَبَ إلَيْهِ مِنْ الْمَكَانِ الْمَأْذُونِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَإِنْ قَيَّدَهَا بِالْمُسْتَعِيرِ بِأَنْ قَالَ لَا تَدْفَعْ إلَى غَيْرِك فَدَفَعَ فَهَلَكَ ضَمِنَ فِيمَا يَتَفَاوَتُ وَفِيمَا لَا يَتَفَاوَتُ وَالتَّفْصِيلُ عِنْدَ عَدَمِ النَّهْيِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خان إذَا اسْتَعَارَ دَابَّةً إلَى مَوْضِعِ كَذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَذْهَبَ عَلَيْهَا وَيَجِيءَ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ لَهُ مَوْضِعًا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ بِهَا مِنْ الْمِصْرِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعَارِيَّةٌ الثَّمَنَيْنِ وَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْمَعْدُودِ قَرْضٌ) وَمُرَادُهُ أَنَّ إعَارَةَ مَا لَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ الْعَيْنِ قَرْضٌ وَلَوْ كَانَ قِيَمِيًّا حَتَّى لَوْ قَالَ أَعَرْتُك هَذِهِ الْقَصْعَةَ مِنْ الثَّرِيدِ فَأَخَذَهَا وَأَكَلَهَا فَعَلَيْهِ مِثْلُهُ أَوْ قِيمَتُهُ وَكَانَ قَرْضًا إلَّا إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا مُبَاسَطَةً فَيَكُونُ ذَلِكَ دَلَالَةً لِإِبَاحَةٍ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ اسْتَعَارَ رُقْعَةً لِيَجْعَلَهَا عَلَى قَمِيصِهِ أَوْ خَشَبَةً يُدْخِلَهَا فِي بِنَائِهِ فَهُوَ ضَامِنٌ لِأَنَّهُ قَرْضٌ هَذَا إذَا لَمْ يَقُلْ لِأَرُدَّهَا عَلَيْك فَإِنْ قَالَ فَهُوَ عَارِيَّةٌ لِأَنَّ الْقَرْضَ لَا يَكُونُ عَيْنُهُ وَاجِبَ الرَّدِّ فَصَارَ إعَادَةً قَيَّدْنَا بِكَوْنِهِ لَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ لِأَنَّهُ لَوْ أَمْكَنَ بِأَنْ اسْتَعَارَ دِرْهَمًا لِيُعَايِرَ بِهِ مِيزَانَهُ كَانَ عَارِيَّةً فَلَيْسَ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِعَيْنِهِ كَعَارِيَّةِ الْحُلِيِّ وَإِذَا كَانَ عَارِيَّةً مَا ذَكَرْنَا قَرْضًا كَانَ قَرْضُ الْحَيَوَانِ لِلِاسْتِعْمَالِ عَارِيَّةً لَا قَرْضًا فَاسِدًا لِأَنَّ الْقَرْضَ الْفَاسِدَ أَنْ يَأْخُذَ الْحَيَوَانَ لِيَسْتَهْلِكَهُ وَيَنْتَفِعَ بِهِ ثُمَّ يَرُدَّ عَلَيْهِ مِثْلَهُ وَهَذَا فَاسِدٌ وَهُوَ مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خان (قَوْلُهُ وَإِنْ أَعَارَ أَرْضًا لِلْبِنَاءِ أَوْ الْغِرَاسِ صَحَّ) لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ مَعْلُومَةٌ اهـ. (قَوْلُهُ وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ) لِأَنَّهَا غَيْرُ لَازِمَةٍ (قَوْلُهُ وَيُكَلَّفُ قَلْعَهُمَا) أَيْ قَلْعَ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ وَهُوَ بِفَتْحِ الْغَيْنِ وَكَسْرِهَا كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَيُجْبَرُ الْمُسْتَعِيرُ عَلَى الْقَلْعِ إلَّا إذَا كَانَ فِيهِ مَضَرَّةٌ بِالْأَرْضِ فَإِنْ كَانَ يُتْرَكُ بِقِيمَتِهِ مَقْلُوعًا كَذَا فِي النِّهَايَةِ (قَوْلُهُ وَلَا يَضْمَنُ إنْ لَمْ يُوَقِّتْ) أَيْ لَا ضَمَانَ عَلَى الْمُعِيرِ إذَا رَجَعَ إنْ لَمْ يُوَقِّتْ لَهَا وَقْتًا لِأَنَّهَا غَيْرُ لَازِمَةٍ وَلَمْ يَغُرَّهُ. (قَوْلُهُ وَإِنْ وَقَّتَ فَرَجَعَ قَبْلَهُ ضَمِنَ مَا نَقَصَ بِالْقَلْعِ) بِأَنْ يُقَوَّمَ قَائِمًا غَيْرَ مَقْلُوعٍ يَعْنِي: بِكَمْ يَشْتَرِي بِشَرْطِ قِيَامِهِ إلَى الْمُدَّةِ الْمَضْرُوبَةِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَتُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ يَوْمَ الِاسْتِرْدَادِ كَمَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خان لِأَنَّهُ صَارَ مَغْرُورًا مِنْ جِهَتِهِ فَإِنْ قُلْت قَدْ ذَكَرُوا أَنَّهُ لَا رُجُوعَ عَلَى الْغَارِّ إلَّا إذَا كَانَ الْغُرُورُ فِي ضِمْنِ عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ حَتَّى لَوْ قَالَ اُسْلُكْ هَذَا الطَّرِيقَ فَإِنَّهُ آمِنٌ فَسَلَكَهُ فَأَخَذَهُ اللُّصُوصُ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْغَارِّ بِمَا هَلَكَ مِنْ مَالِهِ فَكَيْفَ يَرْجِعُ فِي الْعَارِيَّةِ وَلَا يَرْجِعُ الْمَوْهُوبُ لَهُ بِمَا لَحِقَهُ مِنْ ضَمَانِ الِاسْتِحْقَاقِ عَلَى الْوَاهِبِ قُلْت إنَّهُ مِنْ بَابِ الِالْتِزَامِ لِأَنَّ تَقْدِيرَ كَلَامِهِ ابْنِ فِي هَذَا الْأَرْضِ لِنَفْسِك عَلَى أَنْ أَتْرُكَهَا فِي يَدِك إلَى كَذَا مِنْ الْمُدَّةِ فَإِنْ لَمْ أَتْرُكْهَا فَأَنَا ضَامِنٌ لَك مَا تُنْفِقُ فِي بِنَائِك وَيَكُونُ الْبِنَاءُ لِي فَإِذَا بَدَا لَهُ إخْرَاجُهُ ضَمِنَ قِيمَتَهُ وَكَانَ كَأَنَّهُ بَنَى بِأَمْرِهِ فَلَيْسَ مِنْ بَابِ الْغُرُورِ كَذَا حَقَّقَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَذَكَرَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ أَنَّهُ يَضْمَنُ رَبُّ الْأَرْضِ لِلْمُسْتَعِيرِ قِيمَةَ غَرْسِهِ وَبِنَائِهِ وَيَكُونَانِ لَهُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْمُسْتَعِيرُ أَنْ يَرْفَعَهُمَا وَلَا يُضَمِّنُهُ قِيمَتَهُمَا فَيَكُونُ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مَلَّكَهُ قَالُوا إذَا كَانَ فِي الْقَلْعِ ضَرَرٌ بِالْأَرْضِ فَالْخِيَارُ إلَى رَبِّ الْأَرْضِ لِأَنَّهُ صَاحِبُ أَصْلٍ وَالْمُسْتَعِيرُ صَاحِبُ تَبَعٍ وَالتَّرْجِيحُ بِالْأَصْلِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَفِي الْمُحِيطِ يَضْمَنُ الْمُعِيرُ قِيمَةَ الْبِنَاءِ وَالْأَشْجَارُ قَائِمَةً عَلَى الْأَرْضِ غَيْرَ مَقْلُوعَةٍ مَنْقُوضَةٍ وَإِنْ شَاءَ الْمُسْتَعِيرُ قَلَعَ غِرَاسَهُ وَبِنَاءَهُ وَلَمْ يُضَمِّنْهُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ ضَمِنَ نِصْفَ قِيمَتِهَا) مَعْنَاهُ أَنَّهُمَا رَكِبَاهَا مَعًا لِأَنَّ سَبَبَ الْعَطَبِ رُكُوبُهُمَا مَعًا وَأَحَدُهُمَا مَأْذُونٌ فِيهِ فَلِهَذَا ضَمِنَ النِّصْفَ حَتَّى لَوْ أَرْكَبَ غَيْرَهُ فَقَطْ ضَمِنَ الْكُلَّ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَيْهِ أَبُو السُّعُودِ يَعْنِي أَرْكَبَ غَيْرَهُ بَعْدَمَا رَكِبَ هُوَ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يُعِيرَ مَا اخْتَلَفَ اسْتِعْمَالُهُ إنْ لَمْ يُعَيِّنْ مُنْتَفَعًا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 282 إذَا لَمْ يَضُرَّ بِالْأَرْضِ وَإِنْ كَانَ الْقَلْعُ يَضُرُّ بِالْأَرْضِ لَا يَقْلَعُ إلَّا بِرِضَا صَاحِبِهَا وَيَضْمَنُ لَهُ قِيمَتَهُ مَقْلُوعًا اهـ. وَظَاهِرُهُ مَعَ مَا قَبْلَهُ أَنَّ الْقَلْعَ إذَا لَمْ يَضُرَّ بِالْأَرْضِ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُسْتَعِيرِ بَيْنَ قَلْعِهِ وَبَيْنَ تَضْمِينِ جَمِيعِ الْقِيمَةِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْكِتَابِ حَيْثُ جَعَلَ لَهُ تَضْمِينَ مَا نَقَصَهُ الْقَلْعُ لَا تَضْمِينَ جَمِيعِ الْقِيمَةِ (قَوْلُهُ وَلَوْ اسْتَعَارَهَا لِيَزْرَعَهَا لَمْ تُؤْخَذْ مِنْهُ حَتَّى يَحْصُدَ الزَّرْعَ وَقَّتَ أَوْ لَمْ يُوَقِّتْ) لِأَنَّ لَهُ نِهَايَةً مَعْلُومَةً فَيُتْرَكُ بِأَجْرِ الْمِثْلِ إلَى وَقْتِ الْإِدْرَاكِ إذَا رَجَعَ لِأَنَّ فِيهِ مُرَاعَاةَ الْحَقَّيْنِ كَمَا فِي الْإِجَارَةِ إذَا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ وَالزَّرْعُ لَمْ يُدْرَكْ بَعْدُ فَإِنَّهُ يُتْرَكُ بِأَجْرِ الْمِثْلِ مُرَاعَاةً لِلْجَانِبَيْنِ فَإِنْ قَالَ رَبُّ الْأَرْضِ أُعْطِيك الْبَذْرَ وَنَفَقَتُك وَأُخْرِجُك وَيَكُونُ مَا زَرَعْت لِي وَرَضِيَ بِهِ الْمُزَارِعُ فَإِنْ كَانَ لَمْ يَطْلُعْ مِنْ الزَّرْعِ شَيْءٌ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْمُزَارِعَ يَصِيرُ بَائِعًا الزَّرْعَ، وَبَيْعُ الزَّرْعِ قَبْلَ النَّبَاتِ لَا يَجُوزُ وَبَعْدَمَا خَرَجَ فِيهِ كَلَامٌ وَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ فِي الْمُغْنِي إلَى الْجَوَازِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَلَوْ بَنَى حَائِطًا فِي الدَّارِ الْمُسْتَعَارَةِ اسْتَرَدَّ الْمُعِيرُ الدَّارَ فَإِذَا أَرَادَ الْمُسْتَعِيرُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِمَا أَنْفَقَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَهْدِمَ الْحَائِطَ إنْ كَانَ الْبِنَاءُ مِنْ تُرَابِ صَاحِبِ الْأَرْضِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ اسْتَعَارَ أَرْضًا لِيَبْنِيَ وَيَسْكُنَ وَإِذَا خَرَجَ فَالْبِنَاءُ لِرَبِّ الْأَرْضِ فَلِرَبِّ الْأَرْضِ أَجْرُ مِثْلِهَا مِقْدَارَ السُّكْنَى وَالْبِنَاءُ لِلْمُسْتَعِيرِ لِأَنَّ هَذِهِ إجَارَةٌ مَعْنًى لِأَنَّ الْإِعَارَةَ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَلَمَّا شَرَطَ الْبِنَاءَ لَهُ كَانَتْ إجَارَةً فَاسِدَةً لِجَهَالَةِ الْمُدَّةِ وَالْأُجْرَةِ لِأَنَّ الْبِنَاءَ مَجْهُولٌ فَوَجَبَ أَجْرُ الْمِثْلِ (قَوْلُهُ وَمُؤْنَةُ الرَّدِّ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ) لِأَنَّ الرَّدَّ وَاجِبٌ عَلَيْهِ لِمَا أَنَّهُ قَبَضَهُ لِمَنْفَعَةِ نَفْسِهِ وَالْأُجْرَةُ مُؤْنَةُ الرَّدِّ فَتَكُونُ عَلَيْهِ وَفَائِدَةُ كَوْنِهَا عَلَى الْمُسْتَعِيرِ تَظْهَرُ أَيْضًا فِيمَا لَوْ كَانَتْ الْعَارِيَّةُ مُؤَقَّتَةً فَمَضَى الْوَقْتُ فَأَمْسَكَهَا الْمُسْتَعِيرُ فَهَلَكَتْ ضَمِنَهَا لِأَنَّ مُؤْنَةَ الرَّدِّ عَلَيْهِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِهِمْ مَا ذَكَرَهُ قَاضِي خان فِي فَتَاوِيهِ فِي فَصْلِ مَنْ يَرْهَنُ مَالَ الْغَيْرِ رَجُلٌ أَعَارَ شَيْئًا لَهُ حِمْلٌ وَمُؤْنَةٌ لِيَرْهَنَهُ فَرَهَنَهُ قَالُوا إنَّ رَدَّ الْعَارِيَّةِ يَكُونُ عَلَى الْمُعِيرِ وَفَرَّقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ غَيْرِهَا مِنْ الْعَوَارِيّ فِي غَيْرِ هَذَا يَكُونُ الرَّدُّ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ لِأَنَّ هَذِهِ إعَارَةٌ فِيهَا مَنْفَعَةٌ لِصَاحِبِهَا فَإِنَّهَا تَصِيرُ مَضْمُونَةً فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ وَلِلْمُعِيرِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ بِقِيمَتِهِ فَكَانَتْ بِمَنْزِلَةِ الْإِجَارَةِ اهـ. فَقَدْ حَصَلَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْعَارِيَّةِ لِلرَّهْنِ وَغَيْرِهَا مِنْ وَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ مَا ذَكَرْنَاهُ أَنَّ الْمُسْتَعِيرَ لِلرَّهْنِ لَوْ خَالَفَ ثُمَّ عَادَ إلَى الْوِفَاقِ بَرِئَ عَنْ الضَّمَانِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ الثَّانِي مَا ذَكَرْنَاهُ هُنَا وَيَدْخُلُ فِي الْمُسْتَعِيرِ الْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ فَإِنَّ مُؤْنَةَ رَدِّ الْعَبْدِ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْمُسْتَعِيرِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ (قَوْلُهُ وَالْمُودِعِ) أَيْ مُؤْنَةُ الرَّدِّ عَلَى مَالِكِ الْوَدِيعَةِ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْقَبْضِ حَاصِلَةٌ لَهُ لِأَنَّهُ يَحْفَظُ الْعَيْنَ وَمَنْفَعَتُهُ عَائِدَةٌ إلَيْهِ (قَوْلُهُ وَالْمُؤَجِّرِ) أَيْ مُؤْنَةُ الرَّدِّ عَلَى الْمُؤَجِّرِ لَا الْمُسْتَأْجِرِ لِأَنَّهَا مَقْبُوضَةٌ لِمَنْفَعَةِ الْمَالِكِ لِأَنَّ الْأَجْرَ سُلِّمَ لَهُ بِهِ فَإِذَا أَمْسَكَهَا الْمُسْتَأْجِرُ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ لَا يَضْمَنُهَا مَا لَمْ يُطَالِبْهُ صَاحِبُهَا بِالرَّدِّ وَفِي الْفَصْلِ السَّادِسِ مِنْ إجَارَةِ الْفَتَاوَى الْبَزَّازِيَّةِ قَالَ صَاحِبُ الْمُحِيطِ قَالَ مَشَايِخُنَا هَذَا إذَا كَانَ الْإِخْرَاجُ بِإِذْنِ صَاحِبِ الْمَالِ وَلَوْ بِلَا إذْنِهِ فَمُؤْنَةُ الرَّدِّ مُسْتَأْجِرًا أَوْ مُسْتَعِيرًا عَلَى الَّذِي أَخْرَجَ. اهـ. وَفِي الْخُلَاصَةِ الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ كَالْخَيَّاطِ وَنَحْوِهِ مُؤْنَةُ الرَّدِّ عَلَيْهِ لَا عَلَى رَبِّ الثَّوْبِ (قَوْلُهُ وَالْغَاصِبِ) أَيْ مُؤْنَةُ الرَّدِّ عَلَى الْغَاصِبِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ الرَّدُّ وَالْإِعَادَةُ إلَى يَدِ الْمَالِكِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ (قَوْلُهُ وَالْمُرْتَهِنِ) أَيْ مُؤْنَةُ الرَّدِّ عَلَى الْمُرْتَهِنِ لَا الرَّاهِنِ لِأَنَّ الْغُنْمَ حَصَلَ لَهُ وَلِهَذَا اخْتَصَّ بِهِ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ حَتَّى يُسْتَوْفَى دَيْنُهُ مِنْهُ أَوْ لَا فَكَانَ الْغُرْمُ عَلَيْهِ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ إنَّ مُؤْنَةَ الرَّدِّ عَلَى الرَّاهِنِ وَفِيهِ كَلَامٌ لَا يَخْفَى وَقَدْ قَدَّمْنَا حُكْمَ نَفَقَةِ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ وَكِسْوَتِهَا (قَوْلُهُ وَإِنْ رَدَّ الْمُسْتَعِيرُ الدَّابَّةَ إلَى إصْطَبْلِ مَالِكِهَا أَوْ الْعَبْدَ إلَى دَارِ الْمَالِكِ بَرِئَ) عَنْ الضَّمَانِ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّهُ أَتَى بِالتَّسْلِيمِ الْمُتَعَارَفِ لِأَنَّ رَدَّ الْعَوَارِيّ إلَى دَارِ الْمُلَّاكِ مُعْتَادٌ كَآلَةِ الْبَيْتِ قَيَّدَ بِالدَّابَّةِ وَالْعَبْدِ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ عَقْدَ جَوْهَرٍ لَا يَرُدُّهَا إلَّا إلَى الْمُعِيرِ لِعَدَمِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْعُرْفِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَقَيَّدْنَا بِالْإِصْطَبْلِ لِأَنَّهُ لَوْ رَدَّهَا إلَى أَرْضِ مَالِكِهَا لَا يَبْرَأُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمَغْصُوبِ الْوَدِيعَةِ) حَيْثُ لَا يَبْرَأُ إلَّا بِالرَّدِّ إلَى الْمَالِكِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْغَاصِبِ نَسْخُ فِعْلِهِ وَذَلِكَ بِالرَّدِّ إلَى الْمَالِكِ دُونَ غَيْرِهِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ الْأَوَّلُ مَا ذَكَرْنَاهُ) أَيْ فِي قَوْلِهِ فِي كِتَابِ الْوَدِيعَةِ بِخِلَافِ الْمُسْتَعِيرِ وَالْمُسْتَأْجِرِ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 283 الْوَدِيعَةُ لَيْسَ فِيهَا عُرْفٌ لِعَدَمِ رِضَاهُ بِالرَّدِّ إلَى الدَّارِ أَوْ مَنْ فِي عِيَالِهِ لِأَنَّهُ لَوْ ارْتَضَاهُ لَمَا أَوْدَعَهَا إيَّاهُ وَالْمُسْتَأْجَرُ كَالْوَدِيعَةِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ (قَوْلُهُ وَإِنْ رَدَّ الْمُسْتَعِيرُ الدَّابَّةَ مَعَ عَبْدِهِ أَوْ أَجِيرِهِ مُشَاهَرَةً أَوْ مَعَ عَبْدِ رَبِّ الدَّابَّةِ أَوْ أَجِيرِهِ بَرِئَ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ) لِلْعُرْفِ قَيَّدَ بِالْمُسْتَعِيرِ لِأَنَّ الْمُودَعَ لَوْ رَدَّ مَعَ عَبْدِ رَبِّ الدَّابَّةِ أَوْ أَجِيرِهِ لَا يَبْرَأُ لِعَدَمِ الْعُرْفِ وَلَوْ رَدَّ مَعَ عَبْدِهِ لَا يَضْمَنُ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَسْتَحْفِظَ بِهِ وَقَيَّدَ بِالدَّابَّةِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ شَيْئًا نَفِيسًا فَرَدَّهَا إلَى يَدِ غُلَامِ صَاحِبِهَا ضَمِنَ لِعَدَمِ الْعُرْفِ بِهِ وَأَطْلَقَ فِي عَبْدِ رَبِّ الدَّابَّةِ فَشَمِلَ عَبْدًا يَقُومُ عَلَيْهَا أَوْ لَا وَهُوَ الْأَصَحُّ وَفِي قَوْلِهِ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْمُسْتَعِيرَ لَيْسَ لَهُ الْإِيدَاعُ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُخْتَارَ الْمُفْتَى بِهِ جَوَازُهُ فَتَعَيَّنَ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَحْمُولَةً عَلَى مَا إذَا كَانَتْ الْعَارِيَّةُ مُؤَقَّتَةً فَمَضَتْ مُدَّتُهَا ثُمَّ بَعَثَهَا مَعَ الْأَجْنَبِيِّ لِأَنَّهُ بِالْإِمْسَاكِ بَعْدَ الْمُدَّةِ يَصِيرُ مُتَعَدِّيًا (قَوْلُهُ وَيَكْتُبُ الْمُعَارُ أَطْعَمْتنِي أَرْضَك) أَيْ إذَا اسْتَعَارَ أَرْضًا بَيْضَاءَ لِلزِّرَاعَةِ يَكْتُبُ الْمُسْتَعِيرُ إنَّك أَطْعَمْتنِي أَرْضَك لِأَزْرَعَهَا مَا أَشَاءُ مِنْ غَلَّةِ الشِّتَاءِ أَوْ الصَّيْفِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا يَكْتُبُ إنَّك أَعَرْتنِي لِأَنَّ لَفْظَ الْإِعَارَةِ مَوْضُوعَةٌ لَهُ وَلَهُ أَنَّ لَفْظَ الْإِطْعَامِ أَدَلُّ عَلَى الْمُرَادِ لِأَنَّهَا تَخُصُّ الزِّرَاعَةَ وَالْإِعَارَةُ تَنْتَظِمُهَا وَغَيْرَهَا كَالْبِنَاءِ وَنَحْوِهِ فَكَانَتْ الْكِتَابَةُ بِهَا أَوْلَى قَيَّدَ بِالْأَرْضِ لِأَنَّ فِي إعَارَةِ الثَّوْبِ وَالدَّارِ يَكْتُبُ أَعَرْتنِي وَلَا يَكْتُبُ أَلْبَسْتنِي وَلَا أَسْكَنْتنِي. اهـ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [كِتَابُ الْهِبَةِ] (قَوْلُهُ كِتَابُ الْهِبَةِ) هِيَ لُغَةً التَّفَضُّلُ عَلَى الْغَيْرِ بِمَا يَنْفَعُهُ وَلَوْ غَيْرَ مَالٍ وَاصْطِلَاحًا مَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ (قَوْلُهُ هِيَ تَمْلِيكُ الْعَيْنِ بِلَا عِوَضٍ) فَخَرَجَتْ الْإِبَاحَةُ وَالْعَارِيَّةُ وَالْإِجَارَةُ وَالْبَيْعُ وَهِبَةُ الدَّيْنِ مِمَّنْ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ إسْقَاطٌ وَإِنْ كَانَ بِلَفْظِ الْهِبَةِ وَفِي الِاخْتِيَارِ إنَّ الْهِبَةَ نَوْعَانِ تَمْلِيكٌ وَإِسْقَاطٌ وَعَلَيْهِمَا الْإِجْمَاعُ وَأَمَّا هِبَةُ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ فَصَحِيحَةٌ بِشَرْطِ أَنْ يَأْمُرَهُ بِقَبْضِهِ كَذَا فِي الْمُنْتَقَى وَغَيْرِهِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَيْسَ بِوَكِيلٍ عَنْهُ فِي قَبْضِهِ فَيَمْلِكُهُ وَيَكُونُ هِبَةً وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحِيطِ فَقَالَ وَلَوْ وَهَبَ دَيْنًا لَهُ عَلَى رَجُلٍ وَأَمَرَهُ أَنْ يَقْبِضَهُ فَقَبَضَهُ جَازَتْ الْهِبَةُ اسْتِحْسَانًا فَيَصِيرُ قَابِضًا لِلْوَاهِبِ بِحُكْمِ النِّيَابَةِ ثُمَّ يَصِيرُ قَابِضًا لِنَفْسِهِ بِحُكْمِ الْهِبَةِ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ فِي الْقَبْضِ لَمْ يَجُزْ وَسَبَبُهَا إرَادَةُ الْخَيْرِ لِلْوَاهِبِ دُنْيَوِيٍّ كَالْعِوَضِ وَحُسْنِ الثَّنَاءِ وَالْمَحَبَّةِ مِنْ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَأُخْرَوِيٍّ وَشَرَائِطُ صِحَّتِهَا فِي الْوَاهِبِ الْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ وَالْمِلْكُ فَلَا تَصِحُّ هِبَةُ الْمَجْنُونِ وَالصَّغِيرِ وَالْعَبْدِ وَلَوْ مُكَاتَبًا أَوْ أُمَّ وَلَدٍ أَوْ مُدَبَّرًا أَوْ مُبَعَّضًا وَغَيْرَ الْمَالِكِ وَفِي الْمَوْهُوبِ أَنْ يَكُونَ مَقْبُوضًا غَيْرَ مُشَاعٍ مُتَمَيِّزًا غَيْرَ مَشْغُولٍ عَلَى مَا سَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ وَرُكْنُهَا هُوَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ وَحُكْمُهَا ثُبُوتُ الْمِلْكِ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ غَيْرَ لَازِمٍ حَتَّى يَصِحَّ الرُّجُوعُ وَالْفَسْخُ وَعَدَمُ صِحَّةِ خِيَارِ الشَّرْطِ فِيهَا فَلَوْ وَهَبَهُ عَلَى أَنَّ الْمَوْهُوبَ لَهُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ صَحَّتْ الْهِبَةُ إنْ اخْتَارَهَا قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا وَلَوْ أَبْرَأَهُ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ صَحَّ الْإِبْرَاءُ وَبَطَلَ الْخِيَارُ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَأَنَّهَا لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ حَتَّى لَوْ وَهَبَ لِرَجُلٍ عَبْدَهُ عَلَى أَنْ يُعْتِقَهُ صَحَّتْ الْهِبَةُ وَبَطَلَ الشَّرْطِ وَمَحَاسِنُهَا كَثِيرَةٌ حَتَّى قَالَ الْإِمَامُ أَبُو مَنْصُورٍ يَجِبُ عَلَى الْمُؤْمِنِ أَنْ يُعَلِّمَ وَلَدَهُ الْجُودَ وَالْإِحْسَانَ كَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُعَلِّمَهُ التَّوْحِيدَ وَالْإِيمَانَ إذْ حُبُّ الدُّنْيَا رَأْسُ كُلِّ خَطِيئَةٍ كَذَا فِي النِّهَايَةِ (قَوْلُهُ وَتَصِحُّ بِإِيجَابٍ كَقَوْلِهِ وَهَبْت وَنَحَلْت وَأَطْعَمْتُك هَذَا الطَّعَامَ) لِأَنَّهَا صَرِيحَةٌ فِيهَا أَطْلَقَهَا فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الْمِزَاحِ فَإِنَّ الْهِبَةَ صَحِيحَةٌ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَشَمِلَ مَا إذَا أَضَافَ الْهِبَةَ إلَى جُزْءٍ يُعَبِّرُ بِهِ عَنْ الْكُلِّ كَمَا إذَا قَالَ وَهَبْت لَك فَرْجَهَا كَانَ هِبَةً كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ أَيْضًا وَشَمِلَ مَا لَوْ قَالَ لِقَوْمٍ قَدْ وَهَبْت جَارِيَتِي هَذِهِ لِأَحَدِكُمْ فَلْيَأْخُذْهَا مَنْ شَاءَ فَأَخَذَهَا رَجُلٌ مِنْهُمْ مَلَكَهَا وَكَذَا بِقَوْلِهِ أَذِنْت النَّاسَ جَمِيعًا فِي ثَمَرِ نَخْلِي مَنْ أَخَذَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ فَبَلَغَ النَّاس مَنْ أَخَذَ شَيْئًا يَمْلِكُهُ كَذَا فِي الْمُنْتَقَى وَظَاهِرُهُ أَنَّ مَنْ أَخَذَهُ وَلَمْ يَبْلُغْهُ مَقَالَةَ الْوَاهِبِ لَا يَكُونُ لَهُ كَمَا لَا يَخْفَى وَقَيَّدَ بِالطَّعَامِ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ أَطْعَمْتُك أَرْضَى كَانَ عَارِيَّةً لِرَقَبَتِهَا وَإِطْعَامًا لِغَلَّتِهَا كَذَا فِي الْمُحِيطِ   [منحة الخالق] [مُؤْنَةُ رد الْوَدِيعَةِ عَلَى الْمَالِكِ] (قَوْلُهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُخْتَارَ إلَخْ) أَيْ عِنْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ وَلَا يَرْهَنُ (كِتَابُ الْهِبَةِ) (قَوْلُهُ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحِيطِ) أَيْ بِكَوْنِهِ وَكِيلًا عَنْهُ فِي قَبْضِهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَشَمِلَ مَاذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الْمِزَاحِ إلَخْ) رَدَّهُ الْمَقْدِسِيَّ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْخُلَاصَةِ مَا يُفِيدُ دَعْوَاهُ وَاَلَّذِي فِيهَا أَنَّهُ طَلَبَ الْهِبَةَ مِزَاحًا لَا جِدًّا فَوَهَبَهُ جِدًّا وَسَلَّمَ صَحَّتْ الْهِبَةُ لِأَنَّ الْوَاهِبَ غَيْرُ مَازِحٍ وَقَدْ قَبِلَ الْمَوْهُوبُ لَهُ قَبُولًا صَحِيحًا كَذَا فِي حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ عَنْ الْحَمَوِيُّ قُلْت وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ الْمِزَاحَ وَقَعَ فِي الْإِيجَابِ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَطْلَقَهَا أَيْ أُطَلِّق الْهِبَةَ وَقَوْلُهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ أَيْ طَلَبُهُ لَهَا تَأَمَّلْ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ أَنَّهُ مَرَّ بِقَوْمٍ يَضْرِبُونَ الطُّنْبُورَ فَوَقَفَ عَلَيْهِمْ وَقَالَ هَبُوهُ مِنِّي حَتَّى تَرَوْا كَيْفَ أَضْرِبُ فَدَفَعُوا إلَيْهِ فَضَرَبَهُ عَلَى الْأَرْضِ وَكَسَرَهُ فَقَالَ رَأَيْتُمْ كَيْفَ أَضْرِبُ قَالُوا أَيُّهَا الشَّيْخُ خَدَعْتنَا وَإِنَّمَا قَالَ لَهُمْ ذَلِكَ احْتِرَازًا عَنْ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّ عِنْدَهُ كَسْرُ الْمَلَاهِي يُوجِبُ الضَّمَانَ وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ هِبَةَ الْمَازِحِ جَائِزَةٌ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خان وَاَلَّذِي مَرَّ هُوَ قَوْلُهُ رَجُلٌ قَالَ لِآخَرَ هَبْ لِي هَذَا الشَّيْءَ مِزَاحًا فَقَالَ وَهَبْت وَسَلَّمَ قَالَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 284 (قَوْلُهُ وَجَعَلْته لَك) لِأَنَّ اللَّامَ لِلتَّمْلِيكِ وَلِهَذَا لَوْ قَالَ هَذِهِ الْأَمَةُ لَك كَانَ هِبَةً وَلَوْ قَالَ هِيَ لَك حَلَالٌ لَا تَكُونُ هِبَةً إلَّا أَنْ يَكُونَ قَبْلَهُ كَلَامٌ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْهِبَةَ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ لَك لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ جَعَلْته بِاسْمِك لَا يَكُونُ هِبَةً وَلِهَذَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ لَوْ غَرَسَ لِابْنِهِ كَرْمًا إنْ قَالَ جَعَلْته لِابْنِي تَكُونُ هِبَةً وَإِنْ قَالَ بِاسْمِ ابْنِي لَا تَكُونُ هِبَةً وَلَوْ قَالَ أَغْرِسُ بِاسْمِ ابْنِي فَالْأَمْرُ مُتَرَدِّدٌ وَهُوَ إلَى الصِّحَّةِ أَقْرَبُ اهـ. (قَوْلُهُ وَأَعْمَرْتُكَ هَذَا الشَّيْءَ) لِأَنَّ الْعُمْرَى تَمْلِيكٌ لِلْحَالِ فَتَثْبُتُ الْهِبَةُ وَيَبْطُلُ مَا اقْتَضَاهُ مِنْ شَرْطِ الرُّجُوعِ وَكَذَلِكَ لَوْ شَرَطَ الرُّجُوعَ صَرِيحًا يَبْطُلُ شَرْطُهُ أَيْضًا لَوْ قَالَ وَهَبْتُك هَذَا الْعَبْدَ حَيَاتَك وَحَيَاتَهُ أَوْ أَعْمَرْتُكَ دَارِي هَذِهِ حَيَاتَك أَوْ أَعْطَيْتهَا حَيَاتَك أَوْ وَهَبْت هَذَا الْعَبْدَ حَيَاتَك فَإِذَا مَتَّ فَهُوَ لِي أَوْ إذَا مِتُّ فَهُوَ لِوَرَثَتِي فَهَذَا تَمْلِيكٌ صَحِيحٌ وَشَرْطٌ بَاطِلٌ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ (قَوْلُهُ وَحَمَلْتُك عَلَى هَذِهِ الدَّابَّةِ نَاوِيًا الْهِبَةَ) لِأَنَّ الْحَمْلَ عَلَى الدَّابَّةِ إرْكَابٌ وَهُوَ تَصَرُّفٌ فِي مَنَافِعِهَا لَا فِي عَيْنِهَا فَتَكُونُ عَارِيَّةً إلَّا أَنْ يَقُولَ صَاحِبُهَا أَرَدْت الْهِبَةَ لِأَنَّهُ نَوَى مُحْتَمَلُ كَلَامِهِ وَفِيهِ تَشْدِيدٌ عَلَيْهِ وَمِثْلُهُ أَخَدَمْتُك هَذِهِ الْجَارِيَةَ (قَوْلُهُ وَكَسَوْتُك هَذَا الثَّوْبَ) لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ التَّمْلِيكُ قَالَ تَعَالَى {أَوْ كِسْوَتُهُمْ} [المائدة: 89] وَيُقَالُ كَسَا الْأَمِيرُ فُلَانًا ثَوْبًا إذَا مَلَّكَهُ لَا إذَا أَعَارَهُ وَفِي الْخُلَاصَةِ لَوْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ ثَوْبًا وَقَالَ أَلْبِسْ نَفْسَك فَفَعَلَ يَكُونُ هِبَةً وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ دَرَاهِمَ وَقَالَ أَنْفِقْهَا تَكُونُ قَرْضًا. اهـ. وَلَوْ قَالَ مَتَّعْتُك بِهَذَا الثَّوْبِ أَوْ بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ فَهِيَ هِبَةٌ كَذَا فِي الْمُحِيطِ. (قَوْلُهُ وَدَارِي لَك هِبَةٌ تَسْكُنُهَا) لِأَنَّ قَوْلَهُ تَسْكُنُهَا مَشُورَةٌ بِضَمِّ الشِّينِ وَلَيْسَ بِتَفْسِيرٍ لِأَنَّ الْفِعْلَ لَا يَصْلُحُ تَفْسِيرًا لِلِاسْمِ فَقَدْ أَشَارَ عَلَيْهِ فِي مِلْكِهِ بِأَنْ يُسْكِنَهُ فَإِنْ شَاءَ قِبَلَ مَشُورَتَهُ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَقْبَلْ كَقَوْلِهِ هَذَا الطَّعَامُ لَك تَأْكُلُهُ أَوْ هَذَا الثَّوْبُ لَك تَلْبَسُهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْعُمْرَى كَالْهِبَةِ فَقَوْلُهُ هُنَا هِبَةٌ لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ لَوْ قَالَ دَارِي لَك عُمْرَى تَسْكُنُهَا كَانَ كَذَلِكَ نَصَّ عَلَيْهِ فِي النِّهَايَةِ (قَوْلُهُ لَا هِبَةَ سُكْنَى أَوْ سُكْنَى هِبَةً) بِنَصَبِ هِبَةٍ فِيهِمَا عَلَى الْحَالِ وَيُحْتَمَلُ انْتِصَابُهُمَا عَلَى التَّمْيِيزِ لِمَا فِي قَوْلِهِ دَارِي لَك مِنْ الْإِبْهَامِ يَعْنِي أَنَّهَا عَارِيَّةٌ فِيهِمَا لِأَنَّ السُّكْنَى مُحْكَمٌ فِي تَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ فَكَانَ عَارِيَّةً قَدَّمَ لَفْظَ الْهِبَةِ أَوْ أَخَّرَهُ وَلَوْ ذَكَرَ بَدَلَ سُكْنَى عَارِيَّةً كَانَ عَارِيَّةً بِالْأَوْلَى وَلَوْ قَالَ هِيَ لَك هِبَةُ إجَارَةٍ كُلَّ شَهْرٍ بِدِرْهَمٍ أَوْ إجَارَةُ هِبَةٍ فَهِيَ إجَارَةٌ غَيْرُ لَازِمَةٍ فَيَمْلِكُ كُلٌّ فَسْخَهَا بَعْدَ الْقَبْضِ وَلَوْ سَكَنَ وَجَبَ الْأَجْرُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ (قَوْلُهُ وَقَبُولٍ) أَيْ صَحَّتْ الْهِبَةُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فِي حَقِّ الْمَوْهُوبِ لَهُ لِأَنَّهُ عَقْدٌ فَيَنْعَقِدُ بِهِمَا كَسَائِرِ الْعُقُودِ قَيَّدْنَا بِكَوْنِهِمَا فِي حَقِّ الْمَوْهُوبِ لَهُ لِأَنَّهَا تَصِحُّ بِالْإِيجَابِ وَحْدَهُ فِي حَقِّ الْوَاهِبِ لِمَا ذَكَرُوا فِي الْأَيْمَانِ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ أَنْ يَهَبَ عَبْدَهُ لِفُلَانٍ فَوَهَبَ فَلَمْ يَقْبَلْ بَرَّ فِي يَمِينِهِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَالْقَبُولُ تَارَةً يَكُونُ بِالْقَوْلِ وَتَارَةً بِالْفِعْلِ وَمِنْ الثَّانِي مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ قَوْلِهِ لَوْ قَالَ قَدْ وَهَبْت جَارِيَتِي هَذِهِ لِأَحَدِكُمْ فَلْيَأْخُذْهَا مَنْ شَاءَ فَأَخَذَهَا رَجُلٌ مِنْهُمْ تَكُونُ لَهُ وَكَانَ أَخْذُهُ قَبُولًا وَمَا فِي الْمُحِيطِ مِنْ أَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْهِبَةِ الْقَبُولُ مُشْكِلٌ وَفِيهِ رَجُلٌ دَفَعَ ثَوْبَيْنِ إلَى رَجُلٍ فَقَالَ أَيَّمَا شِئْت لَك وَالْآخَرُ لِابْنِك فُلَانٍ فَإِنْ بَيَّنَ الَّذِي لَهُ قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا جَازَ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ لَمْ تَرْتَفِعْ (قَوْلُهُ وَقَبْضٍ بِلَا إذْنٍ فِي الْمَجْلِسِ وَبَعْدَهُ بِهِ) يَعْنِي وَبَعْدَ الْمَجْلِسِ لَا بُدَّ مِنْ الْإِذْنِ صَرِيحًا فَأَفَادَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْقَبْضِ فِيهَا لِثُبُوتِ الْمِلْكِ لَا لِلصِّحَّةِ وَالتَّمَكُّنُ مِنْ الْقَبْضِ كَالْقَبْضِ وَلِهَذَا قَالَ   [منحة الخالق] أَبُو نَصْرٍ أَنَّهُ يَجُوزُ ذَلِكَ اهـ. (قَوْلُهُ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ لَا غَرْسَ إلَخْ) قَالَ فِي الْمِنَحِ وَفِي الْخَانِيَّةِ قَالَ جَعَلْته لِابْنِي فُلَانٍ يَكُونُ هِبَةَ لِأَنَّ الْجَعْلَ عِبَارَةٌ عَنْ التَّمْلِيكِ وَإِنْ قَالَ اغْرِسْهُ بِاسْمِ ابْنِي لَا يَكُونُ هِبَةَ وَإِنْ قَالَ جَعَلْته بِاسْمِ ابْنِي يَكُونُ هِبَةً لِأَنَّ النَّاسَ يُرِيدُونَ بِهِ التَّمْلِيكَ وَالْهِبَةَ. اهـ. وَفِيهِ مُخَالَفَةٌ لِمَا فِي الْخُلَاصَةِ كَمَا لَا يَخْفَى اهـ. قَالَ الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْمَنْحِ مَا فِي الْخَانِيَّةِ أَقْرَبُ لِعُرْفِ النَّاسِ. اهـ. وَرَأَيْت فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ مَا نَصُّهُ رَجُلٌ لَهُ ابْنٌ صَغِيرٌ فَغَرَسَ كَرْمًا لَهُ فَهَذَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ إنْ قَالَ اغْرِسْ هَذَا الْكَرْمَ بِاسْمِ ابْنِي فُلَانٍ أَوْ قَالَ جَعَلْته لِابْنِي فُلَانٍ هِبَةً لِأَنَّ الْجَعْلَ إثْبَاتٌ فَيَكُونُ تَمْلِيكًا وَإِنْ قَالَ جَعَلْته بِاسْمِ ابْنِي فَالْأَمْرُ مُتَرَدِّدٌ وَهُوَ أَقْرَبُ إلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ. اهـ. وَلْتُرَاجَعْ نُسْخَةٌ أُخْرَى (قَوْلُهُ وَمَا فِي الْمُحِيطِ مِنْ أَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْهِبَةِ الْقَبُولُ مُشْكِلٌ) الضَّمِيرُ فِي أَنَّهَا لِلْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ وَيَظْهَرُ لِي أَنَّهُ أَرَادَ بِالْقَبُولِ الْقَبُولَ صَرِيحًا وَأَنَّ الْقَبُولَ فِعْلًا يَكْفِي وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ الْخِلَافُ فِي اشْتِرَاطِ الْقَبُولِ وَعَدَمِهِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَفِي الذَّخِيرَةِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ حِينَئِذٍ إذَا قَالَ الرَّجُلُ لِغَيْرِهِ وَهَبْت عَبْدِي هَذَا مِنْك وَالْعَبْدُ حَاضِرٌ فَقَبَضَ الْمَوْهُوبُ لَهُ الْعَبْدَ وَلَمْ يَقُلْ قَبِلْت جَازَتْ الْهِبَةُ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْعَبْدُ غَائِبًا فَذَهَبَ وَقَبَضَهُ وَلَمْ يَقُلْ قَبِلْت جَازَتْ الْهِبَةُ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَبِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ نَأْخُذُ وَفِي التَّهْذِيبِ وَلَوْ قَالَ قَبَضْته قَالَ أَبُو بَكْرٍ جَازَتْ الْهِبَةُ مِنْ غَيْرِ قَوْلِهِ قَبِلْت وَيَصِيرُ قَابِضًا فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَصِيرُ قَابِضًا مَا لَمْ يَقْبِضْ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالتَّمَكُّنُ مِنْ الْقَبْضِ كَالْقَبْضِ) قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْهِبَةَ لَا تَتِمُّ إلَّا بِالْقَبْضِ وَالْقَبْضُ نَوْعَانِ حَقِيقِيٌّ وَأَنَّهُ ظَاهِرٌ وَحُكْمِيٌّ وَذَلِكَ بِالتَّخْلِيَةِ وَقَدْ أَشَارَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إلَى الْقَبْضِ الْحُكْمِيِّ وَهُوَ الْقَبْضُ بِطَرِيقِ التَّخْلِيَةِ وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ خَاصَّةً وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ التَّخْلِيَةُ لَيْسَتْ بِقَبْضٍ وَهَذَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 285 فِي الِاخْتِيَارِ وَلَوْ وُهِبَ مِنْ رَجُلٍ ثَوْبًا فَقَالَ قَبَضْته صَارَ قَابِضًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَجُعِلَ تَمَكُّنُهُ مِنْ الْقَبْضِ كَالْقَبْضِ كَالتَّخْلِيَةِ فِي الْبَيْعِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا بُدَّ مِنْ الْقَبْضِ فِي يَدِهِ. اهـ. وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ نَهَاهُ عَنْ الْقَبْضِ لَا يَصِحُّ قَبْضُهُ لَا فِي الْمَجْلِسِ وَلَا بَعْدَهُ لِأَنَّ صِحَّةَ قَبْضِهِ فِي الْمَجْلِسِ لِأَجْلِ أَنَّهُ أَذِنَ بِهِ دَلَالَةً لِتَسْلِيطِهِ عَلَيْهِ بِهَا فَإِذَا نَهَاهُ كَانَ صَرِيحًا وَهُوَ يَفُوقُهَا وَلَوْ وَهَبَ لِرَجُلٍ ثِيَابًا فِي صُنْدُوقٍ مُقْفَلٍ وَدَفَعَ إلَيْهِ الصُّنْدُوقَ لَمْ يَكُنْ قَبْضًا وَإِنْ كَانَ الصُّنْدُوقُ مَفْتُوحًا كَانَ قَبْضًا لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الْقَبْضُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ (قَوْلُهُ فِي مَحُوزٍ مَقْسُومٍ وَمُشَاعٍ لَا يُقَسَّمُ) أَيْ تَجُوزُ الْهِبَةُ فِيمَا ذُكِرَ قَيَّدَ بِالْمَحُوزِ لِأَنَّ الْمُتَّصِلَ كَالثَّمَرَةِ عَلَى الشَّجَرِ لَا تَجُوزُ هِبَتُهُ وَقَيَّدَ الْمُشَاعَ بِمَا لَمْ يُقَسَّمْ لِأَنَّ هِبَةَ الْمُشَاعِ الَّذِي تُمْكِنُ قِسْمَتُهُ لَا يَصِحُّ وَأَطْلَقَهَا فَشَمِلَ الْهِبَةَ مِنْ الشَّرِيكِ مُشَاعًا يُقَسَّمُ قَيَّدَ بِالْهِبَةِ لِأَنَّ بَيْعَ الشَّائِعِ جَائِزٌ فِيمَا يُقَسَّمُ وَمَا لَا يُقَسَّمُ وَأَمَّا إجَارَتُهُ فَإِنْ كَانَ مِنْ الشَّرِيكِ فَهُوَ جَائِزٌ وَإِنْ مِنْ أَجْنَبِيٍّ لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهِيَ فَاسِدَةٌ عَلَى قَوْلِهِ فَيَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ عَلَى الْأَصَحِّ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ بِبُطْلَانِهَا فَلَمْ يُوجِبْ شَيْئًا وَأَمَّا الشُّيُوعُ الطَّارِئُ فَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يُفْسِدُ الْإِجَارَةَ وَأَمَّا إعَارَتُهُ فَجَائِزَةٌ إنْ كَانَتْ مِنْ شَرِيكِهِ وَإِلَّا فَإِنْ سَلَّمَ الْكُلَّ فَهِيَ إعَارَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ لِلْكُلِّ وَإِلَّا لَا يُجْبَرُ وَأَمَّا رَهْنُهُ فَهُوَ فَاسِدٌ فِيمَا يَنْقَسِمُ أَوْ لَا مِنْ شَرِيكِهِ أَوْ مِنْ أَجْنَبِيٍّ بِخِلَافِ الرَّهْنِ مِنْ اثْنَيْنِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ وَأَمَّا وَقْفُهُ فَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ فِيمَا يَحْتَمِلُهَا وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَحْتَمِلُهَا فَجَائِزٌ اتِّفَاقًا وَأَفْتَى الْكَثِيرُ بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ وَاخْتَارَ مَشَايِخُ بَلْخٍ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ وَأَمَّا وَدِيعَتُهُ فَجَائِزَةٌ وَتَكُونُ مَعَ الشَّرِيكِ وَأَمَّا قَرْضُهُ فَجَائِزٌ كَمَا إذَا دَفَعَ إلَيْهِ أَلْفًا وَقَالَ خَمْسَمِائَةٍ قَرْضًا وَخَمْسَمِائَةٍ شِرْكَةً كَذَا فِي النِّهَايَةِ هُنَا. وَأَمَّا غَصْبُهُ فَمُتَصَوَّرٌ قَالَ الْبَزَّازِيُّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَذَكَرَ لَهُ فِي الْفُصُولِ صُوَرًا وَأَمَّا صَدَقَتُهُ فَكَهِبَتِهِ إلَّا إذَا تَصَدَّقَ بِالْكُلِّ عَلَى اثْنَيْنِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ عَلَى الْأَصَحِّ وَإِذَا عُرِفَ هَذَا فَهِبَةُ الْمُشَاعِ فِيمَا لَا يَنْقَسِمُ تُفِيدُ الْمِلْكَ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ عَلَى وَجْهٍ لَا يَسْتَحِقُّ الْمُطَالَبَةَ بِالْقِسْمَةِ لِأَنَّهَا لَا تُمْكِنُ وَأَمَّا الْمُهَايَأَةُ فَلَا تَجِبُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّهَا إعَارَةٌ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَصِيرُ مُعِيرًا نَصِيبَهُ مِنْ صَاحِبِهِ وَالْجَبْرُ عَلَى الْإِعَارَةِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ وَفِي رِوَايَةٍ تَجِبُ ثُمَّ الْحَدُّ الْفَاصِلُ بَيْنَ مَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ وَمَا لَا يَحْتَمِلُهَا أَنَّ كُلَّ مَا كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَ اثْنَيْنِ فَطَلَبَ أَحَدُهُمَا الْقِسْمَةَ وَأَبَى الْآخَرُ فَإِنْ كَانَ لِلْقَاضِي أَنْ يُجْبِرَ الْآبِي عَلَى الْقِسْمَةِ فَهُوَ مِمَّا يَحْتَمِلُهَا كَالدَّارِ وَالْبَيْتِ الْكَبِيرِ وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُجْبِرُهُ فَهُوَ مِمَّا لَا يَحْتَمِلُهَا كَالْعَبْدِ وَالْحَمَّامِ وَالْبَيْتِ الصَّغِيرِ وَالْحَائِطِ وَيُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ هِبَةِ الْمُشَاعِ الَّذِي لَا يَحْتَمِلُهَا أَنْ يَكُونَ قَدْرًا مَعْلُومًا حَتَّى لَوْ وَهَبَ نَصِيبَهُ مِنْ عَبْدٍ وَلَمْ يُعْلِمْهُ بِهِ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهَا جَهَالَةٌ تُوجِبُ الْمُنَازَعَةَ وَمِمَّا لَا يَحْتَمِلُهَا الدِّرْهَمُ الصَّحِيحُ حَتَّى لَوْ وَهَبَ دِرْهَمًا صَحِيحًا لِرَجُلَيْنِ صَحَّ. وَلَوْ كَانَ مَعَهُ دِرْهَمَانِ فَقَالَ لِرَجُلٍ وَهَبْت لَك دِرْهَمًا مِنْهُمَا فَإِنْ كَانَا مُسْتَوِيَيْنِ لَمْ تَجُزْ الْهِبَةُ إلَّا أَنْ يُفْرِزَ أَحَدَهُمَا وَإِنْ كَانَا مُخْتَلِفَيْنِ يَجُوزُ لِعَدَمِ احْتِمَالِهِمَا فَأَمَّا فِي الْمُقَطَّعَةِ فَلَا تَجُوزُ إلَّا بِالْإِفْرَازِ وَلَوْ كَانَ عَبْدٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَوَهَبَ أَحَدُهُمَا لِهَذَا الْعَبْدِ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ لَا تَصِحُّ أَصْلًا وَإِنْ كَانَ لَا يَحْتَمِلُهَا صَحَّتْ فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ وَلَوْ وَهَبَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ حِصَّتَهُ مِنْ الرِّبْحِ لِآخَرَ فَإِنْ كَانَ الْمَالُ قَائِمًا لَمْ يَصِحَّ لِاحْتِمَالِهِ الْقَسْمَ وَإِنْ كَانَ مُسْتَهْلَكًا صَحَّ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَا يَحْتَمِلُهَا كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَفِي الصِّحَاحِ يُقَالُ سَهْمٌ شَائِعٌ أَيْ غَيْرُ مَقْسُومٍ وَأَرَادَ الْمُصَنِّفُ بِالشُّيُوعِ الْمَانِعِ الشُّيُوعَ الْمُقَارِنَ لِلْعَقْدِ لَا الطَّارِئَ كَأَنْ يَرْجِعَ الْوَاهِبُ فِي بَعْضِ الْهِبَةِ شَائِعًا فَإِنَّهُ لَا يُفْسِدُهَا أَمَّا الِاسْتِحْقَاقُ فَيُفْسِدُ الْكُلَّ لِأَنَّهُ مُقَارِنٌ لَا طَارِئٌ قَيَّدْنَا بِالْهِبَةِ لِأَنَّ الرَّهْنَ يُبْطِلُهُ الشُّيُوعُ الطَّارِئُ كَالْمُقَارِنِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ (قَوْلُهُ فَإِنْ قَسَمَهُ وَسَلَّمَهُ صَحَّ) أَيْ لَوْ وَهَبَ مُشَاعًا يُقَسَّمُ ثُمَّ قَسَّمَهُ وَسَلَّمَهُ صَحَّ وَمَلَّكَهُ لِأَنَّ التَّمَامَ بِالْقَبْضِ وَعِنْدَهُ لَا شُيُوعَ فَأَفَادَ أَنَّهُ لَوْ قَبَضَهُ مُشَاعًا لَا يَمْلِكُهُ فَلَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فِيهِ لِأَنَّهَا هِبَةٌ فَاسِدَةٌ مَآلًا وَهِيَ مَضْمُونَةٌ بِالْقَبْضِ وَلَا تُفِيدُ الْمِلْكَ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ وَهُوَ الْمُخْتَارُ فَلَوْ بَاعَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ لَا يَصِحُّ كَذَا فِي الْمُبْتَغَى بِالْمُعْجَمَةِ وَأَفَادَ أَنَّهُ لَوْ دَفَعَ دِرْهَمَيْنِ إلَى رَجُلٍ وَقَالَ أَحَدُهُمَا هِبَةٌ لَك وَالْآخَرُ أَمَانَةٌ عِنْدَك فَهَلَكَا جَمِيعًا يَضْمَنُ دِرْهَمَ الْهِبَةِ وَهُوَ فِي الْآخَرِ أَمِينٌ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خان   [منحة الخالق] الْخِلَافُ فِي الْهِبَةِ الصَّحِيحَةِ فَأَمَّا الْهِبَةُ الْفَاسِدَةُ فَالتَّخْلِيَةُ لَيْسَتْ بِقَبْضٍ اتِّفَاقًا (قَوْلُهُ وَأَمَّا الْمُهَايَأَةُ فَلَا تَجِبُ إلَخْ) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ الَّذِي يُفِيدُهُ الزَّيْلَعِيُّ أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى الْمُهَايَأَةِ لِأَنَّهَا قِسْمَةُ الْمَنَافِعِ وَالتَّبَرُّعُ وَقَعَ فِي الْعَيْنِ فَيَكُونُ إيجَابًا فِي غَيْرِ مَا تَبَرَّعَ بِهِ فَلَا يُبَالَى بِهِ وَإِنَّمَا الْمَحْظُورُ الْإِيجَابُ فِي عَيْنِ مَا تَبَرَّعَ بِهِ وَقَالَ قَاضِي زَادَهْ بَعْدَ نَقْلٍ أَنَّ الْمُهَايَأَةَ لَا تَجِبُ مَعَ عِلَّتِهِ عَنْ صَاحِبِ غَايَةِ الْبَيَانِ لَعَلَّ هَذَا الْجَوَابَ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ التَّهَايُؤَ يَجِبُ وَيَجْرِي فِيهِ جَبْرُ الْقَاضِي إذَا طَلَبَهُ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ لَا سِيَّمَا فِيمَا لَا يُقَسَّمُ نُصَّ عَلَيْهِ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ (قَوْلُهُ وَيُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ هِبَةِ الْمُشَاعِ إلَخْ) فِي الْهِنْدِيَّةِ لَوْ وَهَبَ نَصِيبَهُ مِنْ عَبْدٍ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ لَمْ يَجُزْ فَإِنْ عَلِمَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ عِنْدَ الْإِمَامِ دُونَهُمَا وَفِيهَا قَبْلَ ذَلِكَ جَمِيعُ مَا أَمْلِكُهُ لِفُلَانٍ يَكُونُ هِبَةً لَا تَجُوزُ بِدُونِ الْقَبْضِ وَفِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي قَالَ وَهَبْت نَصِيبِي مِنْ هَذِهِ الدَّارِ وَالْمَوْهُوبُ لَهُ لَا يَعْلَمُ كَمْ نَصِيبُهُ صَحَّتْ اهـ. وَلَعَلَّ الْمُتَفَاحِشَ جَهَالَتُهُ لَا تَصِحُّ هِبَتُهُ كَقَوْلِهِ وَهَبْتُك شَيْئًا مِنْ مَالِي أَوْ مِنْ كَذَا كَذَا بِخَطِّ السَّائِحَانِيِّ قُلْت وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة مِثْلُ مَا فِي الْمُنْيَةِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 286 وَأَفَادَ أَنَّهُ لَوْ وَهَبَ نِصْفَ الدَّارِ مِنْ رَجُلٍ وَلَمْ يُسَلِّمْ ثُمَّ وَهَبَ النِّصْفَ الْبَاقِيَ لِذَلِكَ الرَّجُلِ فَسَلَّمَ جَمِيعَ الدَّارِ مِنْهُ جُمْلَةً يَجُوزُ وَأَفَادَ أَنَّهُ لَوْ وَهَبَ نِصْفَ الدَّارِ لِرَجُلٍ فَسَلَّمَ ثُمَّ وَهَبَ النِّصْفَ الْبَاقِي لِذَلِكَ الرَّجُلِ فَسَلَّمَ فَكِلَا الْعَقْدَيْنِ فَاسِدٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَبِمَا ذَكَرَهُ هُنَا عُلِمَ أَنَّ قَوْلَهُ تَصِحُّ فِي مَحُوزٍ مَقْسُومٍ مَعْنَاهُ أَنَّهَا تُمْلَكُ بِهَذِهِ الشُّرُوطِ لَا أَنَّ الصِّحَّةَ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى الْقِسْمَةِ لِأَنَّهُ لَوْ وَهَبَ شَائِعًا يُقَسَّمُ تَصِحُّ الْهِبَةُ مِنْ غَيْرِ مِلْكٍ وَلِهَذَا لَوْ قَبَضَهُ مَقْسُومًا مَا مَلَكَهُ وَلَوْ كَانَ شَرْطًا لِلصِّحَّةِ لَاحْتِيجَ إلَى تَجْدِيدِ الْعَقْدِ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ وَإِنْ وَهَبَ دَقِيقًا فِي بُرٍّ لَا وَإِنْ طُحِنَ وَسَلَّمَ) أَيْ لَا تَصِحُّ الْهِبَةُ وَأَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ هِبَةَ الْمَعْدُومِ تَقَعُ بَاطِلَةً فَلَا تَعُودُ صَحِيحَةً بِالتَّسْلِيمِ فَدَخَلَ فِيهِ مَا لَوْ وَهَبَ دُهْنًا فِي سِمْسِمٍ أَوْ سَمْنًا فِي لَبَنٍ أَوْ حَمْلَ جَارِيَةٍ وَخَرَجَ عَنْهُ اللَّبَنُ فِي الضَّرْعِ وَالصُّوفُ عَلَى ظَهْرِ الْغَنَمِ وَالزَّرْعُ وَالنَّخْلُ فِي الْأَرْضِ وَالتَّمْرُ فِي النَّخْلِ وَالدَّارُ الَّتِي فِيهَا مَتَاعُ الْوَاهِبِ وَالْجَوْلَقُ الَّذِي فِيهِ الدَّقِيقُ أَوْ السَّرْجُ أَوْ اللِّجَامُ دُونَ الدَّابَّةِ أَوْ حُلِيُّ الْجَارِيَةِ دُونَهَا أَوْ دَابَّةٌ وَلَهُ عَلَيْهَا حِمْلٌ أَوْ قُمْقُمَةٌ فِيهَا مَاءٌ دُونَهُ فَإِنَّهُ كَالْمُشَاعِ يَصِحُّ وَيَمْلِكُ إذَا فَصَلَهُ وَسَلَّمَهُ وَيُعْتَبَرُ الْإِذْنُ بِالْقَبْضِ بَعْدَ الْفَرَاغِ وَلَا يُعْتَدُّ بِالْإِذْنِ قَبْلَهُ كَمَا لَا يُعْتَدُّ بِالتَّسْلِيمِ قَبْلَهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ وَهَبَ الْمَتَاعَ الَّذِي فِي الدَّارِ وَسَلَّمَهَا مَعَهُ أَوْ الدَّقِيقَ فِي الْجُوَالِقِ وَسَلَّمَهَا أَوْ دَابَّةً مُسَرَّجَةً مُلَجَّمَةً دُونَهُمَا أَوْ جَارِيَةً عَلَيْهَا حُلِيٌّ دُونَهُ أَوْ حَمَلَا عَلَى دَابَّةٍ دُونَهَا وَسَلَّمَهُمَا أَوْ مَاءٌ فِي قَمْقَمَةٍ دُونَهَا أَوْ دَارَهَا وَلَهَا فِيهَا أَمْتِعَةٌ وَهُوَ سَاكِنٌ فِيهَا حَيْثُ يَجُوزُ وَإِنْ وَهَبَ دَارًا فِيهَا مَتَاعٌ وَسَلَّمَهَا كَذَلِكَ ثُمَّ وَهَبَ الْمَتَاعَ مِنْهُ أَيْضًا جَازَتْ فِي الْمَتَاعِ خَاصَّةً وَإِنْ بَدَأَ فَوَهَبَ لَهُ الْمَتَاعَ وَقَبَضَ الدَّارَ وَالْمَتَاعَ ثُمَّ وَهَبَ الدَّارَ جَازَتْ الْهِبَةُ فِيهِمَا لِأَنَّهُ حِينَ هِبَةِ الدَّارِ لَمْ يَكُنْ لِلْوَاهِبِ فِيهَا شَيْءٌ وَحِينَ هِبَةِ الْمَتَاعِ فِي الْأَوَّلِ زَالَ الْمَانِعُ عَنْ قَبْضِ الدَّارِ لَكِنْ لَمْ يُوجَدْ بَعْدَ ذَلِكَ فِعْلٌ فِي الدَّارِ لِيَتِمَّ قَبْضُهُ فِيهَا فَلَا يَنْقَلِبُ الْقَبْضُ الْأَوَّلُ صَحِيحًا فِي حَقِّهَا كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَقَيَّدْنَا بِكَوْنِ الدَّارِ الْمَوْهُوبَةِ مَشْغُولَةً بِمَتَاعِ الْوَاهِبِ لِأَنَّهُ لَوْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمَتَاعَ مُسْتَحَقٌّ لِلْغَيْرِ صَحَّتْ الْهِبَةُ لِأَنَّ يَدَ غَيْرِهِ قَاصِرَةٌ عَنْهَا فَلَمْ يَظْهَرْ أَنَّهَا مَشْغُولَةٌ بِمَتَاعِ الْوَاهِبِ كَمَا لَوْ كَانَ فِيهَا مَتَاعٌ غَصَبَهُ الْوَاهِبُ أَوْ الْمَوْهُوبُ لَهُ فَلَوْ هَلَكَ الْمَتَاعُ ثُمَّ ظَهَرَ الِاسْتِحْقَاقُ إنْ شَاءَ الْمُسْتَحِقُّ ضَمِنَ الْوَاهِبُ وَإِنْ شَاءَ ضَمِنَ الْمَوْهُوبُ لَهُ عِوَضَهُ عَنْهَا أَوْ لَا فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا وَهُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ (قَوْلُهُ وَمَلَكَ بِلَا قَبْضٍ جَدِيدٍ لَوْ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ) يَعْنِي يَمْلِكُ الْمَوْهُوبُ لَهُ الْعَيْنَ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ تَجْدِيدِ الْقَبْضِ إذَا كَانَتْ فِي يَدِهِ لِحُصُولِ الشَّرْطِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَتْ فِي يَدِهِ أَمَانَةً أَوْ مَضْمُونَةً وَلَوْ وَدِيعَةً لِأَنَّهُ بَعْدَ الْهِبَةِ لَمْ يَكُنْ عَامِلًا لِلْمَالِكِ فَاعْتُبِرَتْ يَدُهُ الْحَقِيقِيَّةُ وَالْأَصْلُ أَنَّهُ مَتَى تَجَانَسَ الْقَبْضَانِ نَابَ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ وَإِذَا تَغَايَرَ أَنَابَ الْأَعْلَى عَنْ الْأَدْنَى لَا عَكْسُهُ فَنَابَ قَبْضُ الْمَغْصُوبِ وَالْمَبِيعِ فَاسِدًا عَنْ قَبْضِ الْبَيْعِ الصَّحِيحِ وَلَا يَنُوبُ قَبْضُ الْأَمَانَةِ عَنْهُ وَفِي الْكَافِي مِنْ بَابِ الْمُتَفَرِّقَاتِ تَقَابَضَا فَتَقَايَلَا فَاشْتَرَى أَحَدُهُمَا مَا أَقَالَ صَارَ قَابِضًا بِنَفْسِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَأَفَادَ أَنَّهُ لَوْ وَهَبَ نِصْفَ الدَّارِ إلَخْ) قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ بِرَمْزِ فَتَاوَى الْقَاضِي ظَهِيرٍ وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمَوْهُوبِ مَقْسُومًا مُفْرَزًا وَقْتَ الْقَبْضِ لَا وَقْتَ الْهِبَةِ حَتَّى لَوْ وَهَبَ نِصْفَ دَارِ شَائِعًا وَلَمْ يُسَلِّمْ حَتَّى وَهَبَ النِّصْفَ الْآخَرَ وَسَلَّمَ الْكُلَّ جَازَ اهـ. ثُمَّ رَمَزَ لخواهر زاده الشُّيُوعُ حَالَةَ الْقَبْضِ يَمْنَعُ الْهِبَةَ وَحَالَةَ الْعَقْدِ لَا يَمْنَعُ وَالتَّخْلِيَةَ فِي الْهِبَةِ الصَّحِيحَةِ قَبْضٌ لَا فِي الْفَاسِدَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ وَهَبَ الْمَتَاعَ إلَخْ) (فَقَطْ) أَيْ فَتَاوَى الْقَاضِي ظَهِيرٍ جَازَ هِبَةُ الشَّاغِلِ لَا الْمَشْغُولِ وَالْأَصْلُ أَنَّ اشْتِغَالَ الْمَوْهُوبِ بِمِلْكِ الْوَاهِبِ يَمْنَعُ تَمَامَ الْهِبَةِ إذْ الْقَبْضُ شَرْطٌ أَمَّا اشْتِغَالُ مِلْكِ الْوَاهِبِ بِالْمَوْهُوبِ فَلَا يَمْنَعُهُ (ت) أَيْ الزِّيَادَاتِ وَهَبَهُ دَابَّةً مُسَرَّجَةً بِدُونِ سَرْجِهَا وَلِجَامِهَا وَسَلَّمَهَا كَذَلِكَ لَمْ يَجُزْ لِاشْتِغَالِهَا بِهِمَا وَجَازَ عَكْسُهُ لِعَدَمِ اشْتِغَالِهِمَا بِهَا وَعَلَى هَذَا الرَّهْنُ قَالَ صَاحِبُ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ إذْ الدَّابَّةُ شَاغِلَةٌ لِلسَّرْجِ وَاللِّجَامِ لَا مَشْغُولَةٌ (صِلْ) أَيْ الْأَصْلُ عَكَسَ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ يَقُولُ الْحَقِيرُ الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى ذَوِي الْأَلْبَابِ نُورُ الْعَيْنِ (قَوْلُهُ وَقَيَّدْنَا بِكَوْنِ الدَّارِ الْمَوْهُوبَةِ مَشْغُولَةً إلَخْ) (ت) رَمْزُ الزِّيَادَاتِ جَازَ هِبَةُ الْمَشْغُولِ بِمِلْكِ غَيْرِ الْوَاهِبِ فَلَوْ أَعَارَ بَيْتًا فَوَضَعَ فِيهِ الْمُعِيرُ أَوْ الْمُسْتَعِيرُ مَتَاعًا غَصَبَهُ ثُمَّ وَهَبَ الْبَيْتَ مِنْ الْمُسْتَعِيرِ جَازَ وَكَذَا لَوْ وَهَبَ بَيْتًا بِمَا فِيهِ أَوْ جُوَالِقًا بِمَا فِيهِ مِنْ الْمَتَاعِ وَسَلَّمَ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ الْمَتَاعُ جَازَ فِي الدَّارِ وَالْجُوَالِقِ إذْ يَدُ الْوَاهِبِ كَانَتْ ثَابِتَةً عَلَى الْبَيْتِ وَالْمَتَاعِ جَمِيعًا حَقِيقَةً فَصَحَّ التَّسْلِيمُ ثُمَّ بِالِاسْتِحْقَاقِ ظَهَرَ أَنَّ الْمَتَاعَ لِغَيْرِهِ وَلَمْ يَظْهَرْ أَنَّ الْبَيْتَ مَشْغُولٌ بِمِلْكِ الْوَاهِبِ وَهُوَ الْمَانِعُ. وَكَذَا الرَّهْنُ وَالصَّدَقَةُ إذْ الْقَبْضُ شَرْطُ تَمَامِهَا كَالْهِبَةِ أَقُولُ: فِي الْفُصُولَيْنِ اُسْتُدِلَّ بِهَذِهِ الْمَسَائِلِ عَلَى جَوَازِ هِبَةِ الْمَشْغُولِ بِمِلْكِ غَيْرِ الْوَاهِبِ وَقَدْ صَرَّحَ فِي زِيَادَاتِ قَاضِي خان أَنَّ الِاشْتِغَالَ بِمِلْكِ غَيْرِ الْمَوْهُوبِ لَهُ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْهِبَةِ سَوَاءٌ كَانَ مِلْكَ الْوَاهِبِ أَوْ غَيْرَهُ لَكِنَّ الْهِبَةَ إنَّمَا تَمْتَنِعُ إذَا كَانَ الِاشْتِغَالُ بِمَتَاعٍ فِي يَدِ الْوَاهِبِ أَوْ فِي يَدِ غَيْرِ الْمَوْهُوبِ لَهُ أَمَّا إذَا كَانَ الْمَتَاعُ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ بِغَصْبٍ أَوْ عَارِيَّةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَلَا تَمْتَنِعُ وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِمَا مَرَّ مِنْ مَسَائِلِ الْإِجَارَةِ وَالْغَصْبِ وَالِاسْتِحْقَاقِ فَظَهَرَ أَنَّ الْأَصْلِ أَنَّ الْهِبَةَ إذَا كَانَتْ مَشْغُولَةً بِمِلْكِ الْوَاهِبِ أَوْ بِمِلْكِ غَيْرِ الْمَوْهُوبِ لَهُ تُمْنَعُ الْهِبَةُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَقَدْ قَرَّرْته فِي شَرْحِ لَطَائِفِ الْإِشَارَاتِ كَذَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَأَقَرَّهُ فِي نُورِ الْعَيْنِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 287 الْعَقْدِ لِأَنَّ الْعَرْضَيْنِ قَائِمَانِ فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مَضْمُونًا بِقِيمَةِ نَفْسِهِ كَالْمَغْصُوبِ وَلَوْ هَلَكَ أَحَدُهُمَا فَتَقَايَلَا ثُمَّ جُدِّدَ الْعَقْدُ فِي الْقَائِمِ لَا يَصِيرُ قَابِضًا بِنَفْسِ الْعَقْدِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مَضْمُونًا بِقِيمَةِ الْعَرْضِ الْآخَرِ فَشَابَهُ الْمَرْهُونَ. اهـ. وَذَكَرَ فُرُوعًا تَتَعَلَّقُ بِالْقَبْضَيْنِ فَرَاجِعْهَا [هِبَةُ الْأَبِ لِطِفْلَةِ] (قَوْلُهُ وَهِبَةُ الْأَبِ لِطِفْلَةِ تَتِمُّ بِالْعَقْدِ) لِأَنَّ قَبْضَ الْأَبِ يَنُوبُ عَنْهُ وَشَمِلَ كَلَامُهُ مَا إذَا كَانَتْ فِي يَدِ مُودَعِ الْأَبِ لِأَنَّ يَدَهُ كَيَدِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ أَوْ الْمُرْتَهِنِ أَوْ الْمُسْتَأْجِرِ حَيْثُ لَا تَجُوزُ الْهِبَةُ لِعَدَمِ قَبْضِهِ لِأَنَّ قَبْضَهُمْ لِأَنْفُسِهِمْ وَشَمِلَ مَا إذَا لَمْ يُشْهِدْ فَإِنَّ الْإِشْهَادَ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّتِهَا وَمَا فِي الْكَافِي لِلْحَاكِمِ مِنْ إشْهَادِ الْأَبِ عَلَيْهَا فَلِلِاحْتِيَاطِ لِلتَّحَرُّزِ عَنْ جُحُودِهِ أَوْ جُحُودِ وَرَثَتِهِ وَشَمِلَ مَا إذَا لَمْ يَقْبَلْ الْأَبُ لِأَنَّ الْأَبَ يَتَوَلَّاهُ فَاكْتَفَى فِيهِ بِالْإِيجَابِ كَبَيْعِ مَالِهِ مِنْ ابْنِهِ الصَّغِيرِ وَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ عَبْدًا آبِقًا أَوْ أَرْسَلَهُ فِي حَاجَتِهِ فَوَهَبَهُ لَهُ قَبْلَ عَوْدِهِ فَإِنَّهَا صَحِيحَةٌ وَشَمِلَ مَا إذَا كَانَتْ دَارًا مَشْغُولَةً بِمَتَاعِ الْأَبِ فَإِنَّهُ لَا يُمْنَعُ كَمَا إذَا كَانَ سَاكِنًا فِيهَا وَأَرَادَ بِالْأَبِ مَنْ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَيْهِ فِي الْجُمْلَةِ فَشَمِلَ الْأُمَّ إذَا وَهَبَتْ وَلَا وَلِيَّ لَهُ وَلَا وَصِيَّ وَكُلُّ مَنْ يَعُولُهُ لِوُجُودِ الْوِلَايَةِ فِي التَّأْدِيبِ وَالتَّسْلِيمِ فِي الصِّنَاعَةِ فَدَخَلَ الْأَخُ وَالْعَمُّ عِنْدَ غَيْبَةِ الْأَبِ غَيْبَةً مُنَقَّطَةً إذَا كَانَ فِي عِيَالِهِمْ وَإِذَا عُلِمَ الْحُكْمُ فِي الْهِبَةِ عُلِمَ فِي الصَّدَقَةِ بِالْأَوْلَى وَقَيَّدَ بِالطِّفْلِ لِأَنَّ الْهِبَةَ لِلْوَلَدِ الْكَبِيرِ لَا تَتِمُّ إلَّا بِقَبْضِهِ وَلَوْ كَانَ فِي عِيَالِهِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَأَطْلَقَ الْهِبَةَ فَانْصَرَفَتْ إلَى الْأَعْيَانِ فَاسْتُفِيدَ مِنْهُ أَنَّ الْأُمَّ لَوْ وَهَبَتْ مَهْرَهَا لِوَلَدِهَا قَبْلَ أَنْ تَقْبِضَهُ لَا يَتِمُّ إلَّا بِقَبْضِ الْوَلَدِ بَعْدَ أَنْ تُسَلِّطَهُ عَلَيْهِ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خان. (قَوْلُهُ فُرُوعٌ) يُكْرَهُ تَفْضِيلُ بَعْضِ الْأَوْلَادِ عَلَى الْبَعْضِ فِي الْهِبَةِ حَالَةَ الصِّحَّةِ إلَّا لِزِيَادَةِ فَضْلٍ لَهُ فِي الدِّينِ وَإِنْ وَهَبَ مَالَهُ كُلَّهُ الْوَاحِدِ جَازَ قَضَاءً وَهُوَ آثِمٌ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خان رَجُلٌ أَمَرَ شَرِيكَهُ بِأَنْ يَدْفَعَ إلَى وَلَدِهِ مَالًا فَامْتَنَعَ الشَّرِيكُ عَنْ الْأَدَاءِ كَانَ لِلِابْنِ أَنْ يُخَاصِمَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى وَجْهِ الْهِبَةِ وَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْهِهَا لَا لِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ وَكِيلٌ عَنْ الْأَبِ وَفِي الثَّانِي لَا وَهِيَ غَيْرُ تَامَّةٍ لِعَدَمِ الْمِلْكِ لِعَدَمِ الْقَبْضِ وَفِي الْخُلَاصَةِ الْمُخْتَارُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى فِي الْهِبَةِ وَلَوْ كَانَ وَلَدُهُ فَاسِقًا فَأَرَادَ أَنْ يَصْرِفَ مَالَهُ إلَى وُجُوهِ الْخَيْرِ وَيَحْرِمَهُ عَنْ الْمِيرَاثِ هَذَا خَيْرٌ مِنْ تَرْكِهِ لِأَنَّ فِيهِ إعَانَةً عَلَى الْمَعْصِيَةِ وَلَوْ كَانَ وَلَدُهُ فَاسِقًا لَا يُعْطِي لَهُ أَكْثَرَ مِنْ قُوتِهِ وَلَوْ اتَّخَذَ لِوَلَدِهِ ثِيَابًا ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَدْفَعَ إلَى آخَرَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يُبَيِّنَ وَقْتَ الِاتِّخَاذِ أَنَّهُ عَارِيَّةٌ وَكَذَا لَوْ اتَّخَذَ لِتِلْمِيذِهِ ثِيَابًا فَأَرَادَ أَنْ يَدْفَعَ إلَى غَيْرِهِ وَإِنْ أَرَادَا الِاحْتِيَاطَ يُبَيِّنُ أَنَّهَا عَارِيَّةٌ حَتَّى يُمْكِنَهُ أَنْ يَدْفَعَ إلَى غَيْرِهِ. اهـ. وَفِي الْمُبْتَغَى بَالِغِينَ الْمُعْجَمَةِ مِنْ آخِرِهِ مَنْ صَنَعَ لِوَلَدِهِ ثِيَابًا قَبْلَ أَنْ يُولَدَ لِيُوضَعَ عَلَيْهَا نَحْوَ الْمِلْحَفَةِ وَالْوِسَادَةِ ثُمَّ وَلَدَتْهُ امْرَأَتُهُ وَوُضِعَ عَلَيْهَا ثُمَّ مَاتَ الْوَلَدُ لَا تَكُونُ الثِّيَابُ مِيرَاثًا مَا لَمْ يُقِرَّ أَنَّ الثِّيَابَ مِلْكُ الْوَلَدِ بِخِلَافِ ثِيَابِ الْبَدَنِ فَإِنَّهُ يَمْلِكُهَا إذَا لَبِسَهَا كَمَنْ قَالَ إنَّ فُلَانًا كَانَ لَابِسًا فَهُوَ إقْرَارٌ لَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ كَانَ قَاعِدًا عَلَى هَذَا الْبِسَاطِ أَوْ نَائِمًا عَلَيْهِ لَا يَكُونُ مُقِرًّا لَهُ بِذَلِكَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ وَهَبَ لَهُ أَجْنَبِيٌّ يَتِمُّ بِقَبْضِ وَلِيِّهِ) لِأَنَّ لِلْوَلِيِّ وِلَايَةَ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ وَقَبْضِهَا مِنْهُ أَرَادَ بِالْوَلِيِّ هُنَا وَاحِدًا مِنْ أَرْبَعَةٍ وَهُوَ الْأَبُ وَوَصِيُّهُ وَالْجَدُّ وَوَصِيُّهُ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ فِي حِجْرِهِ أَوْ لَا وَلَا يَجُوزُ قَبْضُ غَيْرِ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةِ مَعَ وُجُودِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ سَوَاءٌ كَانَ الصَّغِيرُ فِي عِيَالِ الْقَابِضِ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَسَوَاءٌ كَانَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ أَوْ أَجْنَبِيًّا وَالْمُرَادُ بِالْوُجُودِ الْحُضُورُ فَلَوْ غَابَ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً جَازَ قَبْضُ الَّذِي يَتْلُوهُ إلَى الْوِلَايَةِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَيُبَاحُ لِلْوَالِدَيْنِ أَنْ يَأْكُلَا مِنْ الْمَأْكُولِ الْمَوْهُوبِ لِلصَّغِيرِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ أَيْضًا فَأَفَادَ أَنَّ غَيْرَ الْمَأْكُولِ لَا يُبَاحُ لَهُمَا إلَّا عِنْدَ الِاحْتِيَاجِ كَمَا لَا يَخْفَى وَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ إلَى أَنَّ مَا عُلِمَ أَنَّهُ وُهِبَ لِلصَّغِيرِ يَكُونُ مِلْكًا لَهُ أَمَّا لَوْ اتَّخَذَ الْأَبُ وَلِيمَةً لِلْخِتَانِ فَأَهْدَى النَّاسَ هَدَايَا وَوَضَعُوا بَيْنَ يَدَيْ الْوَلَدِ فَإِنْ كَانَتْ الْهِبَةُ تَصْلُحُ لِلصَّبِيِّ مِثْلُ ثِيَابِ الصِّبْيَانِ أَوْ شَيْءٍ يَسْتَعْمِلُهُ الصِّبْيَانُ فَالْهَدِيَّةُ لِلصَّبِيِّ وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ تِلْكَ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْحَيَوَانِ وَمَتَاعِ الْبَيْتِ يُنْظَرُ إلَى الْمُهْدِي   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَشَمِلَ مَا إذَا كَانَتْ دَارًا مَشْغُولَةً بِمَتَاعِ الْأَبِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَكَذَا إذَا وَهَبَتْ الْمَرْأَةُ دَارَهَا لِزَوْجِهَا وَهِيَ سَاكِنَةٌ فِيهَا وَلَهَا أَمْتِعَةٌ فِيهَا وَالزَّوْجُ سَاكِنٌ مَعَهَا حَيْثُ يَصِحُّ كَمَا فِي التَّجْنِيسِ. اهـ. وَفِي فَتَاوَى أَبِي اللَّيْثِ رَجُلٌ وَهَبَ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ دَارًا وَالدَّارُ مَشْغُولَةٌ بِمَتَاعِ الْوَاهِبِ جَازَ وَفِي الْعَتَّابِيَّةِ وَهُوَ الْمَأْخُوذُ بِهِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى (م) وَسَيَأْتِي بَعْدَ هَذَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ مَا يُخَالِفُ هَذَا وَفِي الْمُنْتَقَى عِنْدَ مُحَمَّدٍ رَجُلٌ وَهَبَ دَارًا لِابْنِهِ الصَّغِيرِ وَفِيهَا سَاكِنٌ بِأَجْرٍ قَالَ لَا يَجُوزُ وَلَوْ كَانَ بِغَيْرِ أَجْرٍ أَوْ كَانَ فِيهَا يَعْنِي الْوَاهِبُ فَالْهِبَةُ جَائِزَةٌ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة (قَوْلُهُ وَلَوْ اتَّخَذَ لِوَلَدِهِ ثِيَابًا إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَفِي الْحَاوِي الزَّاهِدِيِّ بِرَمْزِ (بِمَ) دَفَعَ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ قُرْصًا فَأَكَلَ نِصْفَهُ ثُمَّ أَخَذَهُ مِنْهُ وَدَفَعَهُ لِآخَرَ يَضْمَنُهُ إذَا كَانَ دَفَعَهُ لِوَلَدِهِ عَلَى وَجْهِ التَّمْلِيكِ وَإِذَا دَفَعَهُ عَلَى وَجْهِ التَّمْلِيكِ وَإِذَا دَفَعَهُ عَلَى وَجْهِ الْإِبَاحَةِ لَا يَضْمَنُ قَالَ عُرِفَ بِهِ أَنَّ مُجَرَّدَ الدَّفْعِ مِنْ الْأَبِ إلَى الصَّغِيرِ لَا يَكُونُ تَمْلِيكًا وَأَنَّهُ حَسَنٌ. اهـ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 288 إنْ كَانَ مِنْ أَقْرِبَاءِ الْأَبِ أَوْ مَعَارِفِهِ فَهُوَ لِلْأَبِ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَقْرِبَاءِ الْأُمِّ أَوْ مَعَارِفِهَا فَهُوَ لِلْأُمِّ وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُهْدِي يَقُولُ عِنْدَ الْهَدِيَّةِ هَذَا لِلصَّبِيِّ أَوْ لَمْ يَقُلْ وَكَذَا لَوْ اتَّخَذَ الْوَلِيمَةَ لِزِفَافِ بِنْتِهِ إلَى بَيْتِ زَوْجِهَا فَأَهْدَى أَقْرِبَاءَ الزَّوْجِ أَوْ الْمَرْأَةِ وَهَذَا إذَا لَمْ يَقُلْ الْمُهْدِي أَهْدَيْت لِلْأَبِ أَوْ لِلْأُمِّ وَتَعَذَّرَ الرُّجُوعُ إلَى قَوْلِهِ أَمَّا إذَا قَالَ شَيْئًا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَأُمِّهِ وَأَجْنَبِيٍّ لَوْ فِي حِجْرِهِمَا) أَيْ وَتَتِمُّ الْهِبَةُ بِقَبْضِ الْأُمِّ أَوْ الْأَجْنَبِيِّ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ فِي حِجْرِ الْقَابِضِ لِأَنَّ لِلْأُمِّ الْوِلَايَةَ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى حِفْظِهِ وَحِفْظِ مَالِهِ وَلِلْأَجْنَبِيِّ يَدٌ مُعْتَبَرَةٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ أَجْنَبِيٌّ آخَرُ أَنْ يَنْزِعَهُ مِنْ يَدِهِ فَيَمْلِكَ مَا تَمَحَّضَ نَفْعًا فِي حَقِّهِ وَلَيْسَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَصْرَ الْحُكْمِ عَلَى الْأُمِّ وَالْأَجْنَبِيِّ بَلْ كُلُّ غَرِيبٍ غَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ وَوَصِيِّهِمَا كَالْأُمِّ يَتِمُّ بِقَبْضِهِ إنْ كَانَ الصَّغِيرُ فِي عِيَالِهِ وَإِلَّا فَلَا وَدَخَلَ الْمُلْتَقِطُ فِي الْأَجْنَبِيِّ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَقْبِضَ هِبَةَ اللَّقِيطِ إنْ كَانَ فِي عِيَالِهِ وَلَيْسَ لَهُ أَحَدٌ سِوَاهُ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خان وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ لِلْأَجْنَبِيِّ أَنْ يُسَلِّمَ الْوَلَدَ الَّذِي فِي حِجْرِهِ فِي صِنَاعَةٍ كَقَبْضِهِ مَا وُهِبَ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَصِيًّا كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَقَيَّدَ بِقَبْضِ الْهِبَةِ لِأَنَّهُ إذَا قَبَضَهَا الْأَجْنَبِيُّ أَوْ غَيْرُهُ غَيْرُ الْأَرْبَعَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ لَيْسَ لَهُ الْإِنْفَاقُ مِنْهَا كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ مِنْ الْإِجَارَاتِ (قَوْلُهُ وَبِقَبْضِهِ إنْ عَقَلَ) أَيْ تَتِمُّ هِبَةُ الْأَجْنَبِيِّ لِلصَّغِيرِ بِقَبْضِ الصَّغِيرِ إنْ كَانَ عَاقِلًا لِأَنَّهُ نَافِعٌ فِي حَقِّهِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِهِ وَالْمُرَادُ مِنْ الْعَقْلِ هُنَا أَنْ يَكُونَ مُمَيِّزًا يَعْقِلُ التَّحْصِيلَ أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الْأَبُ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ كَمَا يَتِمُّ بِقَبْضِهِ يَصِحُّ رَدُّهُ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْمُبْتَغَى بِالْمُعْجَمَةِ مَنْ وَهَبَ لِصَغِيرٍ يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ شَيْئًا فَرَدَّهُ يَصِحُّ كَمَا يَصِحُّ قَبُولُهُ وَفِي الْمَبْسُوطِ مَنْ وَهَبَ لِلصَّغِيرِ شَيْئًا لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ وَلَيْسَ لِلْأَبِ التَّعْوِيضُ مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ. اهـ. وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خان وَيَبِيعُ الْقَاضِي مَا وُهِبَ لِلصَّغِيرِ حَتَّى لَا يَرْجِعَ الْوَاهِبُ فِي هِبَتِهِ اهـ. وَقَيَّدَ بِالْهِبَةِ لِأَنَّ الْمَدْيُونَ لَوْ دَفَعَ مَا عَلَيْهِ لِلصَّبِيِّ وَمُسْتَأْجِرَهُ لَوْ دَفَعَ الْأُجْرَةَ إلَيْهِ لَا يَصِحُّ وَأَفَادَ أَنَّهُ تَصِحُّ الْهِبَةُ لِلصَّغِيرِ الَّذِي لَا يَعْقِلُ وَيَقْبِضُهُ وَلِيُّهُ وَأَشَارَ بِإِطْلَاقِهِ إلَّا أَنَّ الْمَوْهُوبَ لَوْ كَانَ مَدْيُونًا لِلصَّغِيرِ تَصِحُّ الْهِبَةُ وَيَسْقُطُ الدَّيْنُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ قَاضِي خان فِي فَتَاوِيهِ [قَبْضُ زَوْجِ الصَّغِيرَةِ مَا وُهِبَ بَعْدَ الزِّفَافِ] (قَوْلُهُ وَيَجُوزُ قَبْضُ زَوْجِ الصَّغِيرَةِ مَا وُهِبَ بَعْدَ الزِّفَافِ) لِتَفْوِيضِ الْأَبِ أُمُورَهَا إلَيْهِ دَلَالَةً قَيَّدَ بِالصَّغِيرَةِ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ قَبْضَ مَا وُهِبَ لِزَوْجَتِهِ الْبَالِغَةِ كَمَا لَا يَمْلِكُهُ الْأَبُ وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِ بَعْدَ الزِّفَافِ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ قَبْلَهُ وَعَلَّلَ الشَّارِحُ لَهُ بِأَنَّهُ لَا يَعُولُهَا قَبْلَهُ فَاسْتُفِيدَ مِنْهُ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مِمَّنْ تَقْدِرُ عَلَى الْجِمَاعِ وَكَانَ الْمَانِعُ مِنْ الدُّخُولِ مِنْ قِبَلِهِ جَازَ قَبْضُهُ قَبْلَهُ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَعُولُهَا لَكِنْ ذَكَرَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ عِلَّةً مُرَكَبَّةً مِنْ شَيْئَيْنِ وَهُوَ أَنَّهُ بَعْدَ الزِّفَافِ يَعُولُهَا وَلَهُ عَلَيْهَا يَدٌ مُسْتَحَقَّةٌ فَفِي الْمَسْأَلَةِ الْمَفْرُوضَةِ وَإِنْ كَانَ يَعُولُهَا لَيْسَ لَهُ عَلَيْهَا يَدٌ مُسْتَحَقَّةٌ فَانْتَفَى الْحُكْمُ مُطْلَقًا كَمَا لَا يَخْفَى وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فَأَفَادَ أَنَّهُ يَمْلِكُ الْقَبْضَ بَعْدَ الزِّفَافِ حَالَ حَيَاةِ الْأَبِ أَيْضًا بِخِلَافِ الْأُمِّ وَمَنْ بِمَعْنَاهَا كَمَا تَقَدَّمَ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهَا مِمَّنْ تُجَامَعُ أَوْ لَا وَهُوَ الصَّحِيحُ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ يَجُوزُ إلَى أَنَّ الْأَبَ لَوْ قَبَضَهَا جَازَ وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ قَبَضَتْهَا جَازَ أَيْضًا إنْ كَانَتْ عَاقِلَةً وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ مَا وُهِبَ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ قَبْضَ دُيُونِهَا مُطْلَقًا وَقَيَّدَ بِالصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةُ لِأَنَّ مَا وُهِبَ لِلْعَبْدِ الْمَحْجُورِ لَا يَمْلِكُ الْمَوْلَى قَبْضَهُ وَإِنَّمَا يَمْلِكُهُ الْعَبْدُ وَإِذَا قَبَضَهُ مَلَكَهُ الْمَوْلَى لِأَنَّهُ كَسْبُ عَبْدِهِ وَكَذَا الْمُكَاتَبُ لَكِنْ لَا يَمْلِكُهُ الْمَوْلَى لِأَنَّهُ أَحَقُّ بِأَكْسَابِهِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ (قَوْلُهُ وَلَوْ وَهَبَ اثْنَانِ دَارًا لِوَاحِدٍ صَحَّ) لِأَنَّهُمَا سَلَّمَاهَا جُمْلَةً وَهُوَ قَدْ قَبَضَهَا جُمْلَةً فَلَا شُيُوعَ (قَوْلُهُ لَا عَكْسُهُ) وَهُوَ أَنْ يَهَبَ وَاحِدٌ مِنْ اثْنَيْنِ كَبِيرَيْنِ وَلَمْ يُبَيِّنْ نَصِيبَ كُلِّ وَاحِدٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ هِبَةُ النِّصْفِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَبِلَ أَحَدُهُمَا فِيمَا لَا يُقَسَّمُ صَحَّتْ فِي حِصَّتِهِ دُونَ الْآخَرِ فَعُلِمَ أَنَّهَا عَقْدَانِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ لَوْ قَبِلَ أَحَدَهُمَا فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ عَقْدٌ وَاحِدٌ وَقَالَا يَجُوزُ نَظَرًا إلَى أَنَّهُ عَقْدٌ وَاحِدٌ فَلَا شُيُوعَ قَيَّدَ بِالْهِبَةِ لِأَنَّ الرَّهْنَ مِنْ رَجُلَيْنِ وَالْإِجَارَةَ مِنْ اثْنَيْنِ جَائِزٌ اتِّفَاقًا وَقَيَّدَ بِكَوْنِ الْوَاهِبِ وَاحِدًا لِأَنَّ الْوَاهِبَ لَوْ كَانَ اثْنَيْنِ وَالْمَوْهُوبَ لَهُ كَذَلِكَ عَلَى   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 289 أَنْ يَكُونَ نَصِيبُ أَحَدِهِمَا لِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ وَنَصِيبَ الْآخَرِ لِلْآخَرِ لَا يَجُوزُ اتِّفَاقًا كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَقَيَّدْنَا بِكَوْنِ الْمَوْهُوبِ لَهُمَا كَبِيرَيْنِ لِأَنَّهُ لَوْ وَهَبَ دَارًا مِنْ اثْنَيْنِ أَحَدُهُمَا صَغِيرٌ وَالْآخَرُ كَبِيرٌ وَالصَّغِيرُ فِي عِيَالِهِ لَمْ تَجُزْ الْهِبَةُ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ حِينَ وَهَبَ صَارَ قَابِضًا حِصَّةَ الصَّغِيرِ فَبَقِيَ النِّصْفُ الْآخَرُ شَائِعًا كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَقَيَّدْنَا بِعَدَمِ الْبَيَانِ لِأَنَّهُ لَوْ بَيَّنَ بِأَنْ قَالَ لِهَذَا ثُلُثُهَا وَلِهَذَا ثُلُثَاهَا أَوْ لِهَذَا نِصْفُهَا وَلِهَذَا نِصْفُهَا لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَإِنْ قَبَضَهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَجُوزُ إنْ قَبَضَهُ وَقَيَّدْنَا بِالدَّارِ وَمُرَادُهُ مِنْهَا مَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ لِأَنَّ مَا لَا يَحْتَمِلُهَا كَالْبَيْتِ يَجُوزُ اتِّفَاقًا وَقَيَّدَ بِكَوْنِ الْمَوْهُوبِ لَهُ اثْنَيْنِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ وَاحِدًا فَوَكَّلَ اثْنَيْنِ بِقَبْضِهَا فَقَبَضَاهَا جَازَ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خان (قَوْلُهُ وَصَحَّ تَصَدُّقُ عَشَرَةٍ وَهِبَتُهَا لِفَقِيرَيْنِ لَا لِغَنِيَّيْنِ) أَيْ لَا يَجُوزُ التَّصَدُّقُ بِهَا عَلَى غَنِيَّيْنِ وَلَا هِبَتُهَا لَهُمَا وَالْفَرْقُ أَنَّ الصَّدَقَةَ يُرَادُ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ وَهُوَ وَاحِدٌ فَلَا شُيُوعَ وَالْهِبَةُ يُرَادُ بِهَا وَجْهُ الْغِنَى وَهُمَا اثْنَانِ وَالصَّدَقَةُ عَلَى الْغَنِيِّ مَجَازٌ عَنْ الْهِبَةِ كَالْهِبَةِ مِنْ الْفَقِيرِ مَجَازٌ عَنْ الصَّدَقَةِ لِأَنَّ بَيْنَهُمَا اتِّصَالًا مَعْنَوِيًّا وَهُوَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَمْلِيكٌ بِغَيْرِ بَدَلٍ فَيَجُوزُ اسْتِعَارَةُ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ فَالْهِبَةُ لِلْفَقِيرِ لَا تُوجِبُ الرُّجُوعَ وَالصَّدَقَةُ عَلَى الْغَنِيِّ تُجَوِّزُ الرُّجُوعَ وَصَحَّحَ فِي الْهِدَايَةِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْفَرْقِ وَهُوَ رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَقَدْ عُلِمَ بِمَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ نَفْيِ الصِّحَّةِ هُنَا نَفْيُ الْمِلْكِ فَلَوْ قَسَّمَهَا وَسَلَّمَهَا لَهُمَا صَحَّتْ وَمَلَكَاهَا كَمَا لَا يَخْفَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (بَابُ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ) لَا خَفَاءَ فِي حُسْنِ تَأْخِيرِهِ (قَوْلُهُ صَحَّ الرُّجُوعُ فِيهَا) يَعْنِي صَحَّ الرُّجُوعُ فِي الْهِبَةِ بَعْدَ الْقَبْضِ إذَا لَمْ يَمْنَعْ مَانِعٌ مِنْ الْمَوَانِعِ الْآتِيَةِ وَالْمُرَادُ مِنْ الْهِبَةِ الْمَوْهُوبُ لِأَنَّ الرُّجُوعَ إنَّمَا يَكُونُ فِي حَقِّ الْأَعْيَانِ لَا فِي حَقِّ الْأَقْوَالِ وَأَشَارَ بِذِكْرِ الصِّحَّةِ دُونَ الْجَوَازِ إلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمَبْسُوطِ وَتَبِعَهُ فِي النِّهَايَةِ أَنَّهَا كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ فَإِنَّهُ قَالَ إنَّهُ غَيْرُ مُسْتَحَبٍّ وَمُقْتَضَى دَلِيلِ الشَّافِعِيِّ الْقَائِلِ بِعَدَمِ الرُّجُوعِ إلَّا فِيمَا يَهَبُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَقَيَّدْنَا بِكَوْنِ الْمَوْهُوبِ لَهُمَا كَبِيرَيْنِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ التَّقْيِيدُ لَا يُفِيدُ إلَّا الْإِشَارَةَ إلَى خِلَافِهِمَا فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ لَا يَذْكُرَهُ وَيَقُولُ أَطْلَقَ الِاثْنَيْنِ فَأَفَادَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَا كَبِيرَيْنِ أَوْ صَغِيرَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا كَبِيرًا وَالْآخَرُ صَغِيرًا وَفِي الْأُولَيَيْنِ خِلَافُهُمَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَوْ وَهَبَ دَارًا مِنْ اثْنَيْنِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ ظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُمَا لَوْ كَانَا صَغِيرَيْنِ فِي عِيَالِهِ جَازَ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَلَكِنَّ هَذَا كُلَّهُ عَلَى قَوْلِهِمَا لَا عَلَى قَوْلِهِ لِمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْخَانِيَّةِ فَرَاجِعْهُ إنْ شِئْت وَأَصْلُ الْوَهْمِ أَنَّ صَاحِبَ الْمُنْتَقَى ذَكَرَ الْحُكْمَ فِي مَسْأَلَةِ الِاثْنَيْنِ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ غَيْرَ مُضَافٍ إلَى أَحَدٍ فَتَوَهَّمَ أَنَّهُ قَوْلُ الْكُلِّ وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَبَطَلَ إطْلَاقُ الْمُتُونِ فِي قَوْلِهِ لَا عَكْسُهُ تَأَمَّلْ اهـ. أَقُولُ: نَصُّ عِبَارَةِ الْخَانِيَّةِ هَكَذَا وَلَوْ وَهَبَ دَارًا لِابْنَيْنِ لَهُ أَحَدُهُمَا صَغِيرٌ فِي عِيَالِهِ كَانَتْ هِبَةً فَاسِدَةً عِنْدَ الْكُلِّ بِخِلَافِ مَا لَوْ وَهَبَ مِنْ كَبِيرَيْنِ وَسَلَّمَ إلَيْهِمَا جُمْلَةً فَإِنَّ الْهِبَةَ جَائِزَةٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لِأَنَّ فِي الْكَبِيرَيْنِ لَمْ يُوجَدْ الشُّيُوعُ لَا وَقْتَ الْعَقْدِ وَلَا وَقْتَ الْقَبْضِ وَأَمَّا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا صَغِيرًا فَكَمَا وَهَبَ يَصِيرُ الْأَبُ قَابِضًا حِصَّةَ الصَّغِيرِ فَيَتَمَكَّنُ الشُّيُوعُ وَقْتَ الْقَبْضِ. اهـ. وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ إظْهَارَ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ الصَّاحِبَيْنِ الْقَائِلَيْنِ بِجَوَازِهَا لِلْكَبِيرَيْنِ مَعَ مُوَافَقَتِهِمَا الْإِمَامَ بِعَدَمِ جَوَازِهَا لِكَبِيرٍ وَصَغِيرٍ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ كَانَتْ الْهِبَةُ فَاسِدَةً عِنْدَ الْكُلِّ فَلَيْسَتْ مَسْأَلَةُ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ مَبْنِيَّةً عَلَى قَوْلِهِمَا فَقَطْ فَمَا فَهِمَهُ الْمُؤَلِّفُ مِنْ عِبَارَةِ صَاحِبِ الْمُنْتَقَى أَنَّهَا قَوْلُ الْكُلِّ صَحِيحٌ لَا وَهْمَ فِيهِ وَعِبَارَةُ الْمُتُونِ لَا تُنَافِيهِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى نَبِيهٍ نَعَمْ إذَا قُلْنَا إذَا كَانَ الْوَلَدَانِ صَغِيرَيْنِ تَجُوزُ الْهِبَةُ يَكُون مُخَالِفًا لِإِطْلَاقِ الْمُتُونِ عَدَمَ جَوَازِ هِبَةِ وَاحِدٍ مِنْ اثْنَيْنِ وَلَكِنْ إذَا تَأَمَّلَ الْفَقِيهُ فِي عِلَّةِ عَدَمِ الْجَوَازِ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ وَهِيَ تَحَقُّقُ الشُّيُوعِ يَجْزِمُ بِتَقْيِيدِ كَلَامِ الْمُتُونِ بِغَيْرِ مَا إذَا كَانَا صَغِيرَيْنِ لِأَنَّ الْأَبَ إذَا وَهَبَ مِنْهُمَا تَحَقَّقَ الْقَبْضُ مِنْهُ لَهُمَا بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا كَبِيرًا فَإِنَّ قَبْضَ الْكَبِيرِ يَتَأَخَّرُ عَنْ الْعَقْدِ فَيَتَحَقَّقُ الشُّيُوعُ عِنْدَ قَبْضِهِ كَمَا مَرَّ عَنْ الْخَانِيَّةِ وَعِبَارَةُ الْبَزَّازِيَّةِ أَوْضَحُ فِي إفَادَةِ الْمُرَادِ حَيْثُ قَالَ لِأَنَّ هِبَةَ الصَّغِيرِ مُنْعَقِدَةٌ حَالَ مُبَاشَرَةِ الْهِبَةِ لِقِيَامِ قَبْضِ الْأَبِ مَقَامَ قَبْضِهِ وَهِبَةُ الْكَبِيرِ مُحْتَاجَةٌ إلَى قَبُولٍ فَسَبَقَتْ هِبَةَ الصَّغِيرِ فَتَمَكَّنَ الشُّيُوعُ وَالْحِيلَةُ أَنْ يُسَلِّمَ الدَّارَ إلَى الْكَبِيرِ وَيَهَبَهَا مِنْهُمَا اهـ. أَيْ فَإِذَا سَلَّمَهَا إلَى الْكَبِيرِ أَوْ لَا ثُمَّ وَهَبَهَا مِنْهُمَا تَحَقَّقَ الْقَبْضَانِ مَعًا وَقْتَ الْعَقْدِ فَلَمْ يَتَمَكَّنْ الشُّيُوعُ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ سَلَّمَهَا لِلْكَبِيرَيْنِ ثُمَّ وَهَبَهَا مِنْهُمَا تَصِحُّ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ فَلَا شُيُوعَ) أَشَارَ بِنَفْيِ الشُّيُوعِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ إلَى أَنَّ الشُّيُوعَ إذَا تَحَقَّقَ فِي الصَّدَقَةِ يُفْسِدُهَا لِأَنَّهَا كَالْهِبَةِ فِي ذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي آخِرَ الْبَابِ فَإِذَا تَصَدَّقَ بِبَعْضِ مَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ عَلَى فَقِيرٍ وَاحِدٍ لَمْ يَصِحَّ لِتَحَقُّقِ الشُّيُوعِ بِخِلَافِ التَّصَدُّقِ بِكُلِّهِ عَلَى فَقِيرَيْنِ لِمَا عَلِمْته مِنْ عَدَمِ الشُّيُوعِ [بَابُ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ] (بَابُ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ) (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ قَالَ أَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَحَبٍّ) قَدْ يُقَالُ أَنَّ مَا كَانَ غَيْرَ مَحْبُوبٍ شَرْعًا كَانَ مَكْرُوهًا فَمَعْنَى غَيْرِ مُسْتَحَبٍّ كَوْنُهُ مَكْرُوهًا وَمُطْلَقُ الْكَرَاهَةِ لِلتَّحْرِيمِ وَيَدُلُّ لَهُ تَعْبِيرُ الزَّيْلَعِيِّ بِأَنَّهُ قَبِيحٌ كَمَا يَأْتِي وَلَا سِيَّمَا وَقَدْ وُجِدَ دَلِيلٌ خَاصٌّ مِنْ السُّنَّةِ عَلَى التَّحْرِيمِ وَهُوَ الْحَدِيثُ الْآتِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 290 الْوَالِدُ لِوَلَدِهِ أَنَّهَا كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ وَهُوَ مَا رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ مَرْفُوعًا «لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يُعْطِيَ عَطِيَّةً أَوْ يَهَبَ هِبَةً فَيَرْجِعَ فِيهَا إلَّا الْوَالِدُ فِيمَا يُعْطِي وَلَدَهُ وَمَثَلُ الَّذِي يُعْطِي الْعَطِيَّةَ ثُمَّ يَرْجِعُ فِيهَا كَمَثَلِ الْكَلْبِ يَرْجِعُ فِي قَيْئِهِ فَإِنَّهُ يَأْكُلُ حَتَّى يَشْبَعَ فَإِذَا شَبِعَ قَاءَ ثُمَّ عَادَ فِي قَيْئِهِ» وَنَقَلَ تَصْحِيحَهُ الْحَافِظُ الزَّيْلَعِيُّ فَإِنْ بِهَذَا يَحْصُلُ الْجَمْعُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ أَئِمَّتُنَا لِصِحَّتِهِ وَهُوَ مَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ مَرْفُوعًا «مَنْ وَهَبَ هِبَةً فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا مَا لَمْ يَنُبْ مِنْهَا» أَيْ لَمْ يُعَوَّضْ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ قَوْلُ الشَّارِحِ إنَّ الرُّجُوعَ قَبِيحٌ وَلَا يُقَالُ لِلْمَكْرُوهِ تَنْزِيهًا قَبِيحٌ لِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْمُبَاحِ أَوْ قَرِيبٌ مِنْهُ. وَقَدْ يُقَالُ إنَّ الْحَدِيثَ الْمُفِيدَ لِعَدَمِ الْحِلِّ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ بِغَيْرِ قَضَاءٍ وَلَا رِضًا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْمُحِيطِ وَشَمِلَ كَلَامُهُ مَا إذَا قَالَ الْوَاهِبُ أَسْقَطْت حَقِّي مِنْ الرُّجُوعِ فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ حَقُّهُ وَلَهُ الرُّجُوعُ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَشَمِلَ مَا إذَا قَالَ لِآخَرَ هَبْ لِفُلَانٍ عَنِّي أَلْفَ دِرْهَمٍ فَوَهَبَ الْمَأْمُورُ كَمَا أُمِرَ كَانَتْ الْهِبَةُ مِنْ الْآمِرِ وَلَا يَرْجِعُ الْمَأْمُورُ عَلَى الْآمِرِ وَلَا عَلَى الْقَابِضِ وَلِلْآمِرِ أَنْ يَرْجِعَ فِي الْهِبَةِ وَالدَّافِعُ يَكُونُ مُتَطَوِّعًا وَلَوْ قَالَ هَبْ لِفُلَانٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ فَفَعَلَ جَازَتْ الْهِبَةُ وَيَضْمَنُ الْآمِرُ لِلْمَأْمُورِ وَلِلْآمِرِ أَنْ يَرْجِعَ فِي الْهِبَةِ وَلَا يَرْجِعَ الدَّافِعُ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خان مِنْ بَابِ الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ وَأَطْلَقَ الْهِبَةَ فَانْصَرَفَتْ إلَى الْأَعْيَانِ فَلَا رُجُوعَ فِي هِبَةِ الدَّيْنِ لِلْمَدْيُونِ بَعْدَ الْقَبُولِ بِخِلَافِهِ قَبْلَهُ لِكَوْنِهَا إسْقَاطًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَشَمِلَ كَلَامُهُ مَا إذَا وَهَبَا عَبْدًا فَلِأَحَدِهِمْ الرُّجُوعُ فِي نَصِيبِهِ مَعَ غَيْبَةِ صَاحِبِهِ لِأَنَّ الشُّيُوعَ لَا يَمْنَعُ فَسْخَهَا بِدَلِيلِ أَنَّ لِلْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ فِي بَعْضِهَا كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خان الْوَاهِبُ إذَا اشْتَرَى الْهِبَةَ مِنْ الْمَوْهُوبِ لَهُ قَالُوا لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لِأَنَّ الْمَوْهُوبَ لَهُ يَسْتَحْيِ مِنْ الْمَالِكِ فَيَصِيرُ مُشْتَرِيًا بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ إلَّا الْوَالِدَ إذَا وَهَبَ لِوَلَدِهِ شَيْئًا لِأَنَّ شَفَقَتَهُ عَلَى وَلَدِهِ تَمْنَعُهُ مِنْ الشِّرَاءِ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ (قَوْلُهُ وَمُنِعَ الرُّجُوعَ دمع خزقه) أَيْ وَمَنَعَ الرُّجُوعَ فِي الْمَوْهُوبِ الْمَوَانِعُ السَّبْعَةُ الْآتِي تَفْصِيلُهَا (قَوْلُهُ فَالدَّالُ الزِّيَادَةُ الْمُتَّصِلَةُ كَالْغَرْسِ وَالْبِنَاءِ وَالسَّمْنِ) أَيْ حَرْفُ الدَّالِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الزِّيَادَةَ الْمُتَّصِلَةَ تَمْنَعُ وَلَوْ زَالَتْ قَبْلَ الرُّجُوعِ كَمَا إذَا شَبَّ الصَّغِيرُ ثُمَّ شَاخَ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ إلَى الرُّجُوعِ فِيهَا دُونَ الزِّيَادَةِ لِعَدَمِ الْإِمْكَانِ وَلَا مَعَ الزِّيَادَةِ لِعَدَمِ دُخُولِهَا تَحْتَ الْعَقْدِ قَيَّدَ بِالزِّيَادَةِ لِأَنَّ النُّقْصَانَ كَالْحَبَلِ، وَقَطْعُ الثَّوْبِ بِفِعْلِ الْمَوْهُوبِ لَهُ أَوَّلًا غَيْرُ مَانِعٍ وَقَيَّدَ بِالْمُتَّصِلَةِ لِأَنَّ الْمُنْفَصِلَةَ كَالْوَلَدِ وَالْأَرْشِ وَالْعُقْرِ غَيْرُ مَانِعٍ مِنْ الرُّجُوعِ فِي الْأَصْلِ وَالزِّيَادَةُ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ بِخِلَافِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ حَيْثُ يَمْتَنِعُ بِزِيَادَةِ الْوَلَدِ وَمُرَادُهُ الزِّيَادَةُ فِي الْعَيْنِ الْمُوجِبَةِ لِزِيَادَةِ الْقِيمَةِ فَدَخَلَ الْجَمَالُ وَالْخِيَاطَةُ وَالصَّبْغُ وَزِيَادَةُ الْقِيمَةِ بِالنَّقْلِ مِنْ مَكَان إلَى مَكَان وَإِسْلَامُ الْعَبْدِ وَعَفْوُ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ عَنْهُ وَسَمَاعُ الْأَصَمِّ وَإِبْصَارُ الْأَعْمَى وَخَرَجَ الزِّيَادَةُ مِنْ حَيْثُ السِّعْرُ فَلَهُ الرُّجُوعُ وَالزِّيَادَةُ فِي الْعَيْنِ فَقَطْ كَطُولِ الْغُلَامِ وَفِدَاءِ الْمَوْهُوبِ لَهُ لَوْ كَانَ الْمَوْهُوبُ جَنَى خَطَأً وَتَعْلِيمُهُ الْقُرْآنَ أَوْ الْكِتَابَةَ أَوْ الصَّنْعَةَ وَالْبِنَاءَ وَالْغَرْسَ إذَا كَانَ لَا يُوجِبُ زِيَادَةً فِي الْأَرْضِ كَبِنَاءِ تَنُّورِ الْخَبْزِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ وَإِنْ كَانَ يُوجِبُ فِي قِطْعَةٍ مِنْهَا امْتَنَعَ فِيهَا فَقَطْ هَذَا حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ هُنَا. وَقَدْ ذَكَرَ قَاضِي خان فِي فَتَاوِيهِ مَا يُخَالِفُ بَعْضَهُ فَذَكَرَ أَنَّ الزِّيَادَةَ لَوْ ذَهَبَتْ كَانَ لِلْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ وَلَوْ عَلَّمَهُ الْقُرْآنَ أَوْ الْكِتَابَةَ أَوْ الْقِرَاءَةَ أَوْ كَانَتْ أَعْجَمِيَّةً فَعَلَّمَهَا الْكَلَامَ أَوْ شَيْئًا مِنْ الْحُرُوفِ لَا يَرْجِعُ الْوَاهِبُ فِي هِبَتِهِ لِحُدُوثِ الزِّيَادَةِ فِي الْعَيْنِ وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ الْأُولَى بِلَا خِلَافٍ وَالثَّانِيَةَ عَلَى خِلَافٍ وَالْمَسْأَلَةُ الْأُولَى مَذْكُورَةٌ فِي الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ ثُمَّ قَالَ وَلَوْ وَهَبَ جَارِيَةً   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ فَلَا رُجُوعَ فِي هِبَةِ الدَّيْنِ لِلْمَدْيُونِ بَعْدَ الْقَبُولِ بِخِلَافِهِ قَبْلَهُ) لَا يَخْفَى أَنَّ الْكَلَامَ فِي رُجُوعِ الْوَاهِبِ وَهَذَا فِي رَدِّ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَلَا رُجُوعَ لِلْوَاهِبِ هُنَا مُطْلَقًا قَالَ فِي الْمَنْظُومَةِ الْوَهْبَانِيَّةِ وَوَاهِبُ دَيْنٍ لَيْسَ يَرْجِعُ مُطْلَقًا (قَوْلُهُ لِأَنَّ النُّقْصَانَ كَالْحَبَلِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَلَوْ وَهَبَ لَهُ جَارِيَةً فَحَبِلَتْ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ فَأَرَادَ الرُّجُوعَ فِيهَا قَبْلَ انْفِصَالِ الْوَلَدِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهَا مُتَّصِلَةٌ بِزِيَادَةٍ لَمْ تَكُنْ مَوْهُوبَةً لِأَنَّ الْوَلَدَ يَحْدُثُ جُزْءًا فَجُزْءًا فَلَا يَصِلُ إلَى الرُّجُوعِ فِيمَا وُهِبَ إلَّا بِالرُّجُوعِ فِيمَا لَمْ يُهَبْ كَالزِّيَادَةِ الْمُتَّصِلَةِ. اهـ. وَقَدْ ذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ أَنَّ الْحَبَلَ لَوْ لَمْ تَزِدْ بِهِ فَلِلْوَاهِبِ الرُّجُوعُ فِيهَا لِأَنَّهُ نُقْصَانٌ فَتَأَمَّلْ مَا بَيْنَهُمَا اهـ. قُلْت وَذَكَرَ فِي النَّهْرِ فِي بَابِ خِيَارِ الْعَيْبِ أَنَّ الْحَبَلَ عَيْبٌ فِي بَنَاتِ آدَمَ لَا فِي الْبَهَائِمِ (قَوْلُهُ وَقَدْ ذَكَرَ قَاضِي خان فِي فَتَاوِيهِ مَا يُخَالِفُ بَعْضَهُ) وَمِنْهُ قَوْلُهُ وَلَوْ وُهِبَ عَبْدًا صَغِيرًا فَشَبَّ وَصَارَ رَجُلًا طَوِيلًا لَا يَرْجِعُ الْوَاهِبُ فِيهِ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الْبَدَنِ تَمْنَعُ الرُّجُوعَ وَإِنْ كَانَتْ تُنْقِصُ الْقِيمَةَ (قَوْلُهُ وَلَوْ عَلَّمَهُ الْقُرْآنَ إلَخْ) قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَفِي وَاقِعَاتِ النَّاطِفِيِّ رَجُلٌ وَهَبَ لِرَجُلٍ جَارِيَةً فَعَلَّمَهَا الْقُرْآنَ وَالْكِتَابَةَ أَوْ الْمَشْطَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ هُوَ الْمُخْتَارُ. (قَوْلُهُ وَالْمَسْأَلَةُ الْأُولَى مَذْكُورَةٌ فِي الْكَافِي) قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَقَالَ فِي الْكَافِي رَجُلٌ وَهَبَ لِرَجُلٍ أَرْضًا فَبَنَى فِيهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ بِنَاءً ثُمَّ أَرَادَ الْوَاهِبُ الرُّجُوعَ فَخَاصَمَهُ إلَى الْقَاضِي فَقَالَ لَهُ الْقَاضِي لَيْسَ لَك أَنْ تَرْجِعَ فِيهَا ثُمَّ هَدَمَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ كَانَ لِلْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ يُرِيدُ بِهِ أَنَّ قَوْلَ الْقَاضِي لَمْ يَقَعْ قَضَاءً حَتَّى لَا يُنْقَضَ وَإِنَّمَا وَقَعَ فَتْوَى بِنَاءً عَلَى مَانِعٍ فَإِذَا زَالَ الْمَانِعُ تَغَيَّرَ الْحُكْمُ. اهـ. وَمِثْلُهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُحِيطِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 291 فِي دَارِ الْحَرْبِ فَأَخْرَجَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ وَقِصَارَةُ الثَّوْبِ زِيَادَةٌ بِخِلَافِ غَسْلِهِ وَفَتْلِهِ إنْ لَمْ يَزِدْ فِي الثَّمَنِ وَلَوْ قُطِعَتْ يَدُهُ وَأَخَذَ الْمَوْهُوبُ لَهُ أَرْشَهُ كَانَ لِلْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ وَلَا يَأْخُذَ الْأَرْشَ وَلَوْ مَرِضَ عِنْدَهُ فَدَاوَاهُ لَا يَمْتَنِعُ الرُّجُوعُ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ مَرِيضًا فَدَاوَاهُ فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَذَكَرَ الشَّارِحُ أَنَّهُمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي الزِّيَادَةِ كَانَ الْقَوْلُ لِلْوَاهِبِ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ لُزُومَ الْعَقْدِ وَذَكَرَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خان تَفْصِيلًا حَسَنًا وَهُوَ أَنَّ الزِّيَادَةَ الْمُتَوَلِّدَةَ كَكِبَرِ الْجَارِيَةِ الصَّغِيرَةِ إذَا أَنْكَرَ الْوَاهِبُ وُجُودَهَا عِنْدَ الْمَوْهُوبِ لَهُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَأَمَّا فِي الْبِنَاءِ وَالْخِيَاطَةِ وَنَحْوِهَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمَوْهُوبِ لَهُ. وَهَكَذَا فِي الْمُحِيطِ إلَّا أَنَّهُ اسْتَثْنَى مَا إذَا كَانَ لَا يَبْنِي فِي مِثْلِ تِلْكَ الْمُدَّةِ قَالَ وَكَذَلِكَ فِي الصَّبْغِ وَلَتِّ السَّوِيقِ بِسَمْنٍ لِأَنَّهُ امِمَّا يَقْبَلُ الِانْفِكَاكَ وَالْمُدَّعِي يَدَّعِي أَنَّهُ وَهَبَ لَهُ هَذِهِ الزِّيَادَةَ وَالْمَوْهُوبُ لَهُ مُنْكِرٌ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَنَقْطُ الْمُصْحَفِ بِإِعْرَابِهِ زِيَادَةٌ مَانِعَةٌ مِنْ الرُّجُوعِ وَقَطْعُ الشَّجَرَةِ مِنْ مَكَانِهَا غَيْرُ مَانِعٍ كَجَعْلِهَا حَطَبًا بِخِلَافِ جَعْلِهَا أَبْوَابًا وَجُذُوعًا وَذَبْحِهَا عَنْ أُضْحِيَّةٍ أَوْ هَدْيٍ أَوْ غَيْرِهِمَا لَا يَمْنَعُ وَفِي الْمُحِيطِ وَهَبَ ثَوْبًا فَشَقَّهُ نِصْفَيْنِ وَخَلَطَ نِصْفَهُ قَبَاءً لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي النِّصْفِ الْبَاقِي لِأَنَّهُ لَا مَانِعَ فِي النِّصْفِ الْبَاقِي وَلَوْ وَهَبَ حَلْقَةً فَرَكَّبَ فِيهَا فَصًّا إنْ كَانَ لَا يُمْكِنُ نَزْعُهُ إلَّا بِضَرَرٍ لَا يَرْجِعُ وَإِنْ كَانَ يُمْكِنُ بِغَيْرِ ضَرَرٍ يَرْجِعُ وَإِنْ وَهَبَ لَهُ وَرَقَةً فَكَتَبَ فِيهَا سُورَةً أَوْ بَعْضَ سُورَةٍ يَرْجِعُ لِأَنَّهُ لَا يَزِيدُ فِي ثَمَنِهِ وَإِنْ قَطَعَهُ مُصْحَفًا وَكَتَبَ لَا يَرْجِعُ لِأَنَّهُ يَزِيدُ فِي الثَّمَنِ وَإِنْ كَانَتْ دَفَاتِرَ ثُمَّ كَتَبَ فِيهَا فِقْهًا أَوْ حَدِيثًا أَوْ شِعْرًا إنْ كَانَ يَزِيدُ فِي ثَمَنِهِ لَا يَرْجِعُ وَإِنْ نَقَصَ يَرْجِعُ (قَوْلُهُ وَالْمِيمُ مَوْتُ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ) يَعْنِي حَرْفَ الْمِيمِ إشَارَةً إلَى أَنَّ مَوْتَ أَحَدِهِمَا مَانِعٌ إذَا كَانَ بَعْدَ التَّسْلِيمِ لِأَنَّ بِمَوْتِ الْمَوْهُوبِ لَهُ يَنْتَقِلُ الْمِلْكُ إلَى الْوَرَثَةِ فَصَارَ كَمَا إذَا انْتَقَلَ فِي حَالِ حَيَاتِهِ وَإِذَا مَاتَ الْوَاهِبُ فَوَارِثُهُ أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْعَقْدِ إذْ هُوَ مَا أَوْجَبَهُ وَهُوَ مُجَرَّدُ خِيَارٍ فَلَا يُورَثُ كَخِيَارِ الشَّرْطِ بِخِلَافِ خِيَارِ الْعَيْبِ كَمَا عُرِفَ قَيَّدْنَا بِكَوْنِهِ بَعْدَ التَّسْلِيمِ لِأَنَّهُ لَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَهُ بَطَلَتْ لِعَدَمِ الْمِلْكِ وَرُجُوعُ الْمُسْتَأْمَنِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ بَعْدَ الْهِبَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ مُبْطِلٌ لَهَا كَالْمَوْتِ فَإِنْ كَانَ الْحَرْبِيُّ أَذِنَ لِلْمُسْلِمِ فِي قَبْضِهِ وَقَبَضَهُ بَعْدَ رُجُوعِهِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ جَازَ اسْتِحْسَانًا بِخِلَافِ قَبْضِهِ بَعْدَ مَوْتِ الْوَاهِبِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَفِي الْمُحِيطِ وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ وَهَبَ لَك وَارِثِي هَذَا الْعَبْدَ فَلَمْ تَقْبِضْهُ فِي حَيَاتِهِ وَإِنَّمَا قَبَضْته بَعْدَ وَفَاتِهِ وَقَالَ الْمَوْهُوبُ لَهُ بَلْ قَبَضْت فِي حَيَاتِهِ وَالْعَبْدُ فِي يَدِ الْوَارِثِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَارِثِ لِأَنَّ الْقَابِضَ قَدْ عَلِمَ السَّاعَةَ وَالْمِيرَاثُ قَدْ تَقَدَّمَ الْقَبْضَ (قَوْلُهُ وَالْعَيْنُ الْعِوَضُ فَإِنْ قَالَ خُذْهُ عِوَضَ هِبَتِك أَوْ بَدَلَهَا أَوْ بِمُقَابَلَتِهَا فَقَبَضَهُ الْوَاهِبُ سَقَطَ الرُّجُوعُ) لِمَا تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ مِنْ قَوْلِهِ مَا لَمْ يَثِبْ عَنْهَا وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ خُذْهُ إلَى آخِرِهِ إلَى أَنَّ الشَّرْطَ فِي كَوْنِهِ عِوَضًا أَنْ يَذْكُرَ لَفْظًا يَعْلَمُ الْوَاهِبُ أَنَّهُ عِوَضٌ فَأَفَادَ أَنَّهُ لَوْ وَهَبَ لَهُ شَيْئًا أَوْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ عِوَضٌ لَا يَسْقُطُ الرُّجُوعُ بَلْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ فَقَبَضَهُ إلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْعِوَضِ شَرَائِطُ الْهِبَةِ مِنْ الْقَبْضِ وَالْإِفْرَازِ فَأَفَادَ أَنَّهُ تَمْلِيكٌ جَدِيدٌ وَإِنْ سُمِّيَ عَوَّضَا فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ بِأَقَلَّ مِنْ الْمَوْهُوبِ مِنْ جِنْسِهِ فِي الْمُقَدَّرَاتِ وَلَا يَجُوزُ لِلْأَبِ أَنْ يُعَوِّضَ عَمَّا وَهَبَ لِلصَّغِيرِ مِنْ مَالِهِ وَلَوْ وَهَبَ الْعَبْدَ التَّاجِرُ ثُمَّ عَوَّضَ فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا الرُّجُوعُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَلَا يَصِحُّ تَعْوِيضُ الْمُسْلِمِ لِلنَّصْرَانِيِّ مِنْ هِبَةٍ خَمْرًا أَوْ خِنْزِيرًا لِمَا أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ تَمْلِيكًا مِنْ الْمُسْلِمِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَدَلَّ ذِكْرُ الْعِوَضِ عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَكُونَ بَعْضُ الْمَوْهُوبِ فَلَوْ عَوَّضَهُ الْبَعْضَ عَنْ الْبَاقِي فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي الْبَاقِي وَلَوْ كَانَ الْمَوْهُوبُ شَيْئَيْنِ فَعَوَّضَهُ أَحَدُهُمَا عَنْ الْجَمِيعِ إنْ كَانَا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عِوَضًا وَإِنْ كَانَا فِي عَقْدَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فِي مَجْلِسٍ أَوْ مَجْلِسَيْنِ فَعَوَّضَهُ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ فَهُوَ عِوَضٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّ اخْتِلَافَ الْعَقْدِ كَاخْتِلَافِ الْعَيْنِ وَدَقِيقُ الْحِنْطَةِ يَصْلُحُ عِوَضًا عَنْهَا لِكَوْنِهِ حَادِثًا بِالطَّحْنِ. وَكَذَا لَوْ صَبَغَ ثَوْبًا مِنْ الثِّيَابِ الْمَوْهُوبَةِ أَوْ خَاطَهُ أَوْ لَتَّ بَعْضَ السَّوِيقِ ثُمَّ عَوَّضَهُ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الرُّجُوعِ قَدْ انْقَطَعَ بِهَذَا الصُّنْعِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَالْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بِالْهِبَةِ إذَا ضَمِنَ شُهُودُهُ بِعَدَدِ رُجُوعِهِمْ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَذَبَحَهَا عَنْ أُضْحِيَّتِهِ إلَخْ) وَفِي الْخَانِيَّةِ أَوْ بَقَرَةً فَذَبَحَهَا فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا وَهَذَا بِلَا خِلَافٍ وَكَذَا لَوْ ضَحَّى بِهَا أَوْ ذَبَحَهَا فِي هَدْيِ الْمُتْعَةِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَرْجِعُ وَتَجْزِئَةُ الْأُضْحِيَّةِ وَالْمُتْعَةِ وَلَمْ يَنُصَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ كَقَوْلِ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 292 لَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ لِحُصُولِ الْعِوَضِ وَإِنْ لَمْ يُضَمِّنْهُمْ فَلَهُ الرُّجُوعُ ذَكَرَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ الشَّهَادَاتِ وَلَوْ وَهَبَهُ جَارِيَتَيْنِ فَوَلَدَتْ إحْدَاهُمَا فَعَوَّضَهُ الْوَلَدُ امْتَنَعَ الرُّجُوعُ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ فِي الْوَلَدِ فَصَلَحَ عِوَضًا. (قَوْلُهُ وَصَحَّ مِنْ أَجْنَبِيٍّ) أَيْ جَازَ الْعِوَضُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ وَسَقَطَ حَقُّ الْوَاهِبِ فِي الرُّجُوعِ إذَا قَبَضَهُ لِأَنَّ الْعِوَضَ لِإِسْقَاطِ الْحَقِّ فَيَصِحُّ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ كَبَدَلِ الْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عَنْ إنْكَارٍ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ بِأَمْرِ الْمَوْهُوبِ لَهُ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ وَلَا رُجُوعَ لِلْمُعَوِّضِ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ وَلَوْ كَانَ شَرِيكَهُ سَوَاءٌ كَانَ بِإِذْنِهِ أَوْ لَا لِأَنَّ التَّعْوِيضَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَمَرَهُ بِأَنْ يَتَبَرَّعَ لِإِنْسَانٍ إلَّا إذَا قَالَ عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ بِخِلَافِ الْمَدْيُونِ إذَا أَمَرَ رَجُلًا بِأَنْ يَقْضِيَ دَيْنَهُ حَيْثُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَضْمَنْ لِأَنَّ الدَّيْنَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فَهُوَ كَقَوْلِهِ أَنْفِقْ مِنْ مَالِك عَلَى عِيَالِي أَوْ أَنْفِقْ فِي بِنَاءِ دَارِي أَوْ أَمَرَ الْأَسِيرُ رَجُلًا لِيَشْتَرِيَهُ وَيُخَلِّصَهُ أَوْ لِيَدْفَعَ الْفِدَاءَ وَيَأْخُذَ مِنْهُ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ الرُّجُوعَ ذَكَرَهُ قَاضِي خان مِنْ الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ وَتَمَامُهُ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ هُنَا أَصْلًا حَسَنًا لِهَذِهِ الْمَسَائِلِ وَهُوَ الْأَصْلُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ كُلَّ مَا يُطَالَبُ بِهِ الْإِنْسَانُ بِالْحَبْسِ وَالْمُلَازَمَةِ يَكُونُ الْأَمْرُ بِأَدَائِهِ سَبَبًا لِلرُّجُوعِ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ الضَّمَانِ وَكُلَّ مَا لَا يُطَالَبُ بِهِ الْإِنْسَانُ بِالْحَبْسِ وَالْمُلَازَمَةِ لَا يَكُونُ الْأَمْرُ بِأَدَائِهِ سَبَبًا لِلرُّجُوعِ إلَّا بِشَرْطِ الضَّمَانِ اهـ. لَكِنْ رُبَّمَا يَخْرُجُ عَنْهُ الْأَمْرُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَى الْبِنَاءِ وَالْأَمْرِ بِشِرَاءِ الْأَسِيرِ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَإِنْ اسْتَحَقَّ نِصْفَ الْهِبَةِ رَجَعَ بِنِصْفِ الْعِوَضِ) لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ مَا يُقَابِلُ نِصْفَهُ (قَوْلُهُ وَعَكْسُهُ لَا حَتَّى يَرُدَّ مَا بَقِيَ) أَيْ إذَا اسْتَحَقَّ نِصْفَ الْعِوَضِ لَمْ يَرْجِعْ فِي الْهِبَةِ إلَّا أَنْ يَرُدَّ مَا بَقِيَ ثُمَّ يَرْجِعُ لِأَنَّهُ صَلَحَ عِوَضًا لِلْكُلِّ مِنْ الِابْتِدَاءِ وَبِالِاسْتِحْقَاقِ ظَهَرَ أَنَّهُ لَا عِوَضَ إلَّا هُوَ إلَّا أَنَّهُ يَتَخَيَّرُ لِأَنَّهُ مَا أَسْقَطَ حَقَّهُ فِي الرُّجُوعِ إلَّا لِيُسَلِّمَ لَهُ كُلَّ الْعِوَضِ وَلَمْ يُسَلِّمْ لَهُ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ وَمُرَادُهُ الْعِوَضُ الَّذِي لَيْسَ بِمَشْرُوطٍ فَأَمَّا الْمَشْرُوطُ فَهُوَ مُبَادَلَةٌ كَمَا سَيَأْتِي فَتَوَزَّعَ الْبَدَلُ عَلَى الْمُبْدَلِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَدَلَّ كَلَامُهُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ اسْتَحَقَّ جَمِيعَ الْعِوَضِ فَلِلْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ كَأَنَّهُ لَمْ يُعَوِّضْهُ أَصْلًا إنْ كَانَتْ قَائِمَةً وَلَا يُضَمِّنَهُ إنْ كَانَتْ هَالِكَةً وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا تُزَادَ الْعَيْنُ الْمَوْهُوبَةُ فَلَوْ اسْتَحَقَّ الْعِوَضَ وَقَدْ ازْدَادَتْ الْهِبَةُ لَمْ يَرْجِعْ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَإِنْ اسْتَحَقَّ جَمِيعَ الْهِبَةِ كَانَ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي جَمِيعِ الْعِوَضِ إنْ كَانَ قَائِمًا وَبِمِثْلِهِ إنْ هَلَكَتْ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا وَبِقِيمَتِهِ إنْ كَانَ قِيَمِيًّا كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ (قَوْلُهُ وَلَوْ عَوَّضَ النِّصْفَ رَجَعَ بِمَا لَمْ يُعَوِّضْ) لِأَنَّ الْمَانِعَ قَدْ خَصَّ النِّصْفَ غَايَةُ مَا فِيهِ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ الشُّيُوعُ فِي الْهِبَةِ لَكِنَّهُ طَارِئٌ فَلَا يَضُرُّهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ وَالْخَاءُ خُرُوجُ الْهِبَةِ عَنْ مِلْكِ الْمَوْهُوبِ لَهُ) أَيْ حَرْفُ الْخَاءِ إشَارَةٌ إلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ حَصَلَ بِتَسْلِيطِ الْوَاهِبِ فَلَا يَنْقُضُهُ وَلِأَنَّهُ تَجَدَّدَ الْمِلْكُ بِتَجَدُّدِ سَبَبِهِ وَهُوَ كَتَجَدُّدِ الْعَيْنِ بِدَلِيلِ قِصَّةِ بَرِيرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَأَطْلَقَ فِي الْخُرُوجِ فَشَمِلَ مَا إذَا وَهَبَ لِإِنْسَانٍ دَرَاهِمَ ثُمَّ اسْتَقْرَضَهَا مِنْهُ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ فِيهَا لِاسْتِهْلَاكِهَا كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خان وَشَمِلَ أَيْضًا مَا إذَا وَهَبَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ فَإِنَّهُ لَا رُجُوعَ لِلْوَاهِبِ الْأَوَّلِ إلَّا إذَا رَجَعَ الثَّانِي فَلِلْوَاهِبِ الْأَوَّلِ حِينَئِذٍ الرُّجُوعُ سَوَاءٌ كَانَ بِقَبْضٍ أَوْ تَرَاضٍ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَشَمِلَ أَيْضًا مَا لَوْ وَهَبَ لِمُكَاتَبِ إنْسَانٍ ثُمَّ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ لَمْ يَرْجِعْ الْمَالِكُ فِي الْهِبَةِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِانْتِقَالِهَا مِنْ مِلْكِ الْمُكَاتَبِ إلَى مِلْكِ مَوْلَاهُ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَفِي الْمُحِيطِ وَلَوْ تَصَدَّقَ بِهِ الثَّالِثُ عَلَى الثَّانِي أَوْ بَاعَهَا مِنْهُ لَمْ يَكُنْ لِلْأَوَّلِ أَنْ يَرْجِعَ لِأَنَّ هَذَا مِلْكٌ جَدِيدٌ لِأَنَّهُ عَادَ إلَيْهِ بِسَبَبٍ جَدِيدٍ وَحَقُّ الرُّجُوعِ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا فِي هَذَا الْمِلْكِ فَلَا يَرْجِعُ اهـ. فَأَفَادَ أَنَّ الْعَيْنَ إذَا عَادَتْ إلَى مِلْكِ الْمَوْهُوبِ لَهُ بِفَسْخٍ كَانَ لِلْأَوَّلِ الرُّجُوعُ وَإِنْ كَانَ بِسَبَبٍ جَدِيدٍ فَلَا وَأَطْلَقَ فِي الْخُرُوجِ عَنْ الْمِلْكِ فَانْصَرَفَ إلَى الْخُرُوجِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَوْ ضَحَّى الْمَوْهُوبُ لَهُ بِالشَّاةِ الْمَوْهُوبَةِ أَوْ نَذَرَ التَّصَدُّقَ بِهَا وَصَارَتْ لَحْمًا فَإِنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ الرُّجُوعُ فِي الْهِبَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لِعَدَمِ الْخُرُوجِ عَنْ الْمِلْكِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ بِامْتِنَاعِهِ لِأَنَّهَا خَرَجَتْ عَنْ مِلْكِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى كَذَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَلَوْ ذَبَحَهَا مِنْ غَيْرِ أُضْحِيَّةٍ يَبْقَى حَقُّ   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 293 الرُّجُوعُ اتِّفَاقًا (قَوْلُهُ وَبِبَيْعِ نِصْفِهَا رَجَعَ بِالنِّصْفِ كَعَدَمِ بَيْعِ شَيْءٍ) لِأَنَّ الْمَانِعَ وُجِدَ فِي الْبَعْضِ فَيَمْتَنِعُ بِقَدْرِهِ كَمَا كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي النِّصْفِ وَالْعَيْنُ كُلُّهَا لَمْ تَخْرُجْ عَنْ مِلْكِ الْمَوْهُوبِ لَهُ لِأَنَّ لَهُ حَقَّ الرُّجُوعِ فِي الْكُلِّ فَلَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ أَوْ بَعْضَهُ (قَوْلُهُ وَالزَّايُ الزَّوْجِيَّةُ) أَيْ الزَّوْجِيَّةُ مَانِعَةٌ مِنْ الرُّجُوعِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِيهَا الصِّلَةُ أَيْ الْإِحْسَانُ كَمَا فِي الْقَرَابَةِ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ مِنْ الْمَهْرِ بَعَثَ إلَى امْرَأَتِهِ مَتَاعًا وَبَعَثَتْ أَيْضًا ثُمَّ افْتَرَقَا بَعْدَ الزِّفَافِ وَادَّعَى أَنَّهُ عَارِيَّةٌ وَأَرَادَ الِاسْتِرْدَادَ وَأَرَادَتْ الِاسْتِرْدَادَ أَيْضًا يَسْتَرِدُّ كُلَّ مَا أَعْطَى لِأَنَّ الْمَرْأَةَ زَعَمَتْ أَنَّ الْإِعْطَاءَ كَانَ عِوَضًا عَنْ الْهِبَةِ لَمْ تَثْبُتْ الْهِبَةُ فَلَا يَثْبُتُ الْعِوَضُ. اهـ. وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خان وَلَوْ وَهَبَتْ الْمَرْأَةُ شَيْئًا لِزَوْجِهَا وَادَّعَتْ أَنَّهُ اسْتَكْرَهَهَا فِي الْهِبَةِ تُسْمَعُ دَعْوَاهَا (قَوْلُهُ فَلَوْ وَهَبَ ثُمَّ نَكَحَ رَجَعَ وَبِالْعَكْسِ لَا) أَيْ لَوْ نَكَحَ ثُمَّ وَهَبَ لَا يَرْجِعُ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ حَالَةُ الْهِبَةِ وَفِي الْأَوَّلِ لَمْ تَكُنْ مَنْكُوحَةً بِخِلَافِ الثَّانِي وَلِهَذَا لَوْ أَبَانَهَا بَعْدَ الْهِبَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا وَقَدَّمْنَا فِي بَابِ الصَّرْفِ مِنْ الزَّكَاةِ مَا يُخَالِفُ الْهِبَةَ مِنْ الْمَسَائِلِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالزَّوْجِيَّةِ كَالشَّهَادَةِ وَالْوَصِيَّةِ (قَوْلُهُ وَالْقَافُ الْقَرَابَةُ فَلَوْ وَهَبَ لِذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ لَا يَرْجِعُ) لِحَدِيثِ الْحَاكِمِ مَرْفُوعًا «إذَا كَانَتْ الْهِبَةُ لِذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ لَمْ يَرْجِعْ فِيهَا» وَصَحَّحَهُ وَقَالَ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَمَفْهُومُ شَرْطِهِ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ لِغَيْرِ مَحْرَمٍ فَلَهُ الرُّجُوعُ فَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ قَائِلٌ بِالْمَفَاهِيمِ وَأَئِمَّتُنَا وَإِنْ لَمْ يَعْتَبِرُوهُ لَكِنْ صُرِّحَ بِهِ فِي أَثَرِ ابْنِ عُمَرَ عَلَى مَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ مَنْ وَهَبَ هِبَةً لِغَيْرِ ذِي رَحِمٍ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا إلَّا أَنْ يُثَابَ مِنْهَا خَرَّجَهُ الْحَافِظُ الزَّيْلَعِيُّ وَلِأَنَّهُ قَدْ حَصَلَ مَقْصُودُهُ وَهُوَ صِلَةُ الرَّحِمِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْمَحْرَمَ الْمُسْلِمَ وَالذِّمِّيَّ الْمُسْتَأْمَنَ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَقَيَّدَ بِالرَّحِمِ لِأَنَّ الْمَحْرَمَ بِلَا رَحِمٍ كَأَخِيهِ مِنْ الرَّضَاعِ وَأُمَّهَاتِ النِّسَاءِ وَالرَّبَائِبِ وَأَزْوَاجِ الْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ لَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ وَقَيَّدَ بِالْمَحْرَمِ لِأَنَّ الرَّحِمَ بِلَا مَحْرَمٍ كَابْنِ عَمِّهِ لَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ وَفِي ذِكْرِ الْقَرَابَةِ ثُمَّ تَفْسِيرِهَا بِالرَّحِمِ الْمَحْرَمِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ وَهَبَ لِرَحِمٍ مَحْرَمٍ لَا مِنْ جِهَةِ الْقَرَابَةِ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ كَمَا لَوْ وَهَبَ لِابْنِ عَمِّهِ وَهُوَ أَخُوهُ رَضَاعًا وَخَرَجَ مَا لَوْ وَهَبَ لِعَبْدِ أَخِيهِ أَوْ لِأَخِيهِ وَهُوَ عَبْدٌ لِأَجْنَبِيٍّ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ فِيهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَمْ يَقَعْ فِيهَا لِلْقَرِيبِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِدَلِيلِ أَنَّ الْعَبْدَ أَحَقُّ بِمَا وُهِبَ إلَيْهِ إذَا احْتَاجَ إلَيْهِ وَقَالَا لَا يَرْجِعُ فِي الْأُولَى وَيَرْجِعُ فِي الثَّانِيَةِ وَلَوْ كَانَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْوَاهِبِ فَلَا رُجُوعَ فِيهَا اتِّفَاقًا عَلَى الْأَصَحِّ لِأَنَّ الْهِبَةَ لِأَيِّهِمَا وَقَعَتْ تَمْنَعُ الرُّجُوعَ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَلَوْ عَجَزَ قَرِيبُهُ الْمُكَاتَبُ فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَرْجِعُ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَإِنْ عَتَقَ لَا رُجُوعَ وَإِنْ كَانَ مَوْلَاهُ قَرِيبًا لِلْوَاهِبِ رَجَعَ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ أَوْ عَتَقَ عِنْدَ الْإِمَامِ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خان وَلَوْ وَهَبَ لِأَخِيهِ وَلِأَجْنَبِيٍّ شَيْئًا فَقَبَضَاهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي نَصِيبِ الْأَجْنَبِيِّ (قَوْلُهُ وَالْهَاءُ الْهَلَاكُ) يَعْنِي: هَلَاكُ الْعَيْنِ الْمَوْهُوبَةِ مَانِعٌ وَأَمَّا هَلَاكُ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ فَقَدْ قَدَّمَهُ لِتَعَذُّرِ الرُّجُوعِ بَعْدَ الْهَلَاكِ (قَوْلُهُ فَلَوْ ادَّعَاهُ صُدِّقَ) أَيْ لَوْ ادَّعَى الْمَوْهُوبُ لَهُ هَلَاكَ الْمَوْهُوبِ يُصَدَّقُ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِوُجُوبِ الرَّدِّ عَلَيْهِ قَيَّدَ بِدَعْوَى الْهَلَاكِ لِأَنَّ الْمَوْهُوبَ لَهُ لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ أَخُوهُ وَأَنْكَرَهُ الْوَاهِبُ يُسْتَحْلَفُ الْوَاهِبُ عِنْدَ الْكُلِّ لِأَنَّهُ ادَّعَى بِسَبَبِ النَّسَبِ مَالًا لَازِمًا فَكَانَ الْمَقْصُودُ إثْبَاتَهُ دُونَ النَّسَبِ ذَكَرَهُ قَاضِي خان فِي فَتَاوِيهِ مِنْ بَابِ الِاسْتِحْلَافِ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ صُدِّقَ إلَى أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ بِغَيْرِ يَمِينٍ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ لَوْ قَالَ الْمَوْهُوبُ لَهُ هَلَكَتْ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ فَإِنْ قَالَ الْوَاهِبُ هِيَ هَذِهِ حَلَفَ الْمُنْكِرُ أَنَّهَا لَيْسَتْ هَذِهِ اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ بِتَرَاضِيهِمَا أَوْ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ) لِأَنَّهُ مُخْتَلِفٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَفِي أَصْلِهِ وَهِيَ وَفِي حُصُولِ الْمَقْصُودِ وَعَدَمِهِ خَفَاءٌ فَلَا بُدَّ مِنْ الْفَصْلِ بِالرِّضَا أَوْ بِالْقَضَاءِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ الْهِبَةُ عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ قَبْلَ الْقَضَاءِ نَفَذَ وَلَوْ مَنَعَهُ فَهَلَكَ لَمْ يَضْمَنْ لِقِيَامِ مِلْكِهِ فِيهِ. وَكَذَا إذَا هَلَكَ فِي يَدِهِ بَعْدَ الْقَضَاءِ لِأَنَّ أَوَّلَ الْقَبْضِ غَيْرُ مَضْمُونٍ وَهَذَا دَوَامٌ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَمْنَعَهُ بَعْدَ طَلَبِهِ لِأَنَّهُ تَعَدِّي وَإِذَا رَجَعَ بِالْقَضَاءِ أَوْ بِالتَّرَاضِي يَكُونُ فَسْخًا مِنْ الْأَصْلِ حَتَّى لَا يُشْتَرَطَ قَبْضُ الْوَاهِبِ وَيَصِحُّ فِي الشَّائِعِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْوَاهِبِ) كَأَنْ يَكُونَ أَخُوهُ مِنْ أَبِيهِ مَمْلُوكًا لِأَخِيهِ مِنْ أُمِّهِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 294 وَلِلْوَاهِبِ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى بَائِعِهِ سَوَاءٌ كَانَ بِقَضَاءٍ أَوْ رِضَا لِأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ جَائِزًا مُوجِبًا حَقَّ الْفَسْخِ فَكَانَ بِالْفَسْخِ مُسْتَوْفِيًا حَقًّا ثَابِتًا لَهُ فَيَظْهَرُ عَلَى الْإِطْلَاقِ بِخِلَافِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْقَبْضِ بِغَيْرِ قَضَاءٍ فَإِنَّهُ لَا يَرُدُّهُ عَلَى بَائِعِهِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْحَقَّ هُنَالِكَ فِي وَصْفِ السَّلَامَةِ لَا فِي الْفَسْخِ فَافْتَرَقَا وَأَمَّا رَدُّ الْمَرِيضِ الْهِبَةَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ فَمُعْتَبَرٌ مِنْ الثُّلُثِ وَإِنْ كَانَ بِقَضَاءٍ فَلَا شَيْءَ لِوَرَثَةِ الْمَرِيضِ عَلَى الْوَاهِبِ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خان وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ الْوَاهِبَ بَعْدَ التَّسْلِيمِ لَوْ اسْتَهْلَكَهَا ضَمِنَهَا وَلَوْ كَانَ عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ الْوَاهِبُ لَمْ يَصِحَّ عِتْقُهُ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خان وَاعْلَمْ أَنَّ مُرَادَهُمْ بِالْفَسْخِ مِنْ الْأَصْلِ هُوَ أَنْ لَا يَتَرَتَّبَ عَلَى الْعَقْدِ أَثَرٌ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَا أَنْ يَبْطُلَ أَثَرُهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فِيمَا مَضَى وَإِلَّا لَعَادَ الزَّوَائِدُ الْمُنْفَصِلَةُ الْمُتَوَلِّدَةُ إلَى مِلْكِ الْوَاهِبِ بِرُجُوعِهِ وَيَحْرُمُ قَبْلَ الرَّدِّ انْتِفَاعُ الْمُشْتَرِي بِالْمَبِيعِ قَبْلَ الرَّدِّ إذَا رَدَّ بِعَيْبٍ بِقَضَاءٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَذَا ذَكَرَهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خان لَوْ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ جِنَايَةٌ خَطَأً فَوَهَبَهُ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ بَطَلَتْ الْجِنَايَةُ وَيَكُونُ لِلْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ اسْتِحْسَانًا وَإِذَا رَجَعَ مَوْلَى الْعَبْدِ فِي هِبَةِ الْعَبْدِ لَا يَعُودُ الدَّيْنُ وَالْجِنَايَةُ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَرِوَايَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَصِحُّ رُجُوعُهُ فِي الْهِبَةِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الثَّلَاثَةِ وَلَوْ كَانَ الْمَوْلَى وَهَبَ الْأَمَةَ مِنْ زَوْجِهَا بَطَلَ النِّكَاحُ فَإِنْ رَجَعَ فِي الْهِبَةِ بَعْدَ ذَلِكَ صَحَّ رُجُوعُهُ وَلَا يَعُودُ النِّكَاحُ كَمَا لَا يَعُودُ الدَّيْنُ وَالْجِنَايَةُ وَفِي رِوَايَةٍ يَعُودُ النِّكَاحُ. اهـ. مُخْتَصَرًا (قَوْلُهُ فَإِنْ تَلِفَتْ الْمَوْهُوبَةُ وَاسْتَحَقَّهَا مُسْتَحِقٌّ وَضَمِنَ الْمَوْهُوبُ لَهُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْوَاهِبِ بِمَا ضَمِنَ) لِأَنَّهَا عَقْدُ تَبَرُّعٍ وَهُوَ غَيْرُ عَامِلٍ لَهُ فَلَا يَسْتَحِقُّ السَّلَامَةَ وَلَا يَثْبُتُ بِهِ الْغُرُورُ قَيَّدَ بِالْهِبَةِ لِأَنَّ عُقُودَ الْمُعَاوَضَاتِ يَثْبُتُ بِهَا الْغُرُورُ فَلِلْمُشْتَرِي الرُّجُوعُ عَلَى بَائِعِهِ وَكَذَا بِكُلِّ عَقْدٍ يَكُونُ لِلدَّافِعِ كَالْوَدِيعَةِ وَالْإِجَارَةِ إذَا هَلَكَتْ الْوَدِيعَةُ أَوْ الْعَيْنُ الْمُسْتَأْجَرَةُ ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ وَاسْتَحَقَّ الْوَدِيعَةَ أَوْ الْمُسْتَأْجَرَ وَضَمِنَ الْمُودِعُ وَالْمُسْتَأْجِرُ فَإِنَّ الْمُودَعَ وَالْمُسْتَأْجِرَ يَرْجِعُ عَلَى الدَّافِعِ بِمَا ضَمِنَ وَكَذَا كُلُّ مَنْ كَانَ فِي مَعْنَاهُمَا فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَغْرُورَ يَرْجِعُ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ إمَّا بِعَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ أَوْ بِعَقْدٍ يَكُونُ لِلدَّافِعِ وَالْإِعَارَةُ كَالْهِبَةِ هُنَا لِأَنَّ قَبْضَ الْمُسْتَعِيرِ كَانَ لِنَفْسِهِ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خان مِنْ فَصْلِ الْغُرُورِ مِنْ الْبُيُوعِ (قَوْلُهُ وَالْهِبَةُ بِشَرْطِ الْعِوَضِ هِبَةٌ ابْتِدَاءً فَيُشْتَرَطُ فِيهَا التَّقَابُضُ فِي الْعِوَضَيْنِ وَتَبْطُلُ فِي الشُّيُوعِ بَيْعٌ انْتِهَاءً فَتُرَدُّ بِالْعَيْبِ وَخِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَتُؤْخَذُ بِالشُّفْعَةِ) لِاشْتِمَالِهَا عَلَى جِهَتَيْنِ فَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا مَا أَمْكَنَ عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ وَقَدْ أَمْكَنَ لِأَنَّ الْهِبَةَ مِنْ حُكْمِهَا تَأَخُّرُ الْمِلْكِ إلَى الْقَبْضِ وَقَدْ يَتَرَاخَى عَنْ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَالْبَيْعُ مِنْ حُكْمِهِ اللُّزُومُ وَقَدْ تَنْقَلِبُ الْهِبَةُ لَازِمَةً بِالتَّعْوِيضِ فَجَمَعْنَا بَيْنَهُمَا وَقَالَ زُفَرُ هُوَ بَيْعٌ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً وَفِي الْحَقَائِقِ وَصُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ وَهَبْتُك ذَا عَلَى أَنْ تُعَوِّضَنِي كَذَا إذْ لَوْ قَالَ وَهَبْتُك بِكَذَا فَهُوَ بَيْعٌ إجْمَاعًا. اهـ. وَكَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ بَيْعٌ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خان الْمُكْرَهُ عَلَى الْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ إذَا بَاعَ يَكُونُ مُكْرَهًا وَالْمُكْرَهُ بِالْبَيْعِ إذَا وَهَبَ بِشَرْطِ الْعِوَضِ كَانَ مُكْرَهًا فِيهِ وَالْإِكْرَاهُ بِأَحَدِهِمَا يَكُونُ إكْرَاهًا بِالْآخِرِ. اهـ. فَالظَّاهِرُ أَنَّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ تَكُونُ الْهِبَةُ بِشَرْطِ الْعِوَضِ بَيْعًا ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ وَقَالَ النَّاصِحِيُّ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ وَقْفِي هِلَالٌ وَالْخَصَّافِ فِي بَابِ مَا يَجُوزُ مِنْ الْوَقْفِ وَمَا لَا يَجُوزُ وَلَوْ وَهَبَ الْوَاقِفُ الْأَرْضَ الَّتِي شَرَطَ الِاسْتِبْدَالَ بِهِ وَلَمْ يَشْتَرِطْ عِوَضًا لَمْ يَجُزْ وَلَوْ شَرَطَ عِوَضًا فَهُوَ كَالْبَيْعِ. اهـ. وَفِي الْمَجْمَعِ وَأَجَازَ مُحَمَّدٌ هِبَةَ الْأَبِ مَالَ ابْنِهِ الصَّغِيرِ بِشَرْطِ عِوَضٍ مُسَاوٍ قِيمَتَهُ يَعْنِي وَقَالَا لَا يَجُوزُ فَيَحْتَاجُ عَلَى قَوْلِهِمَا إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْوَقْفِ وَمَالِ الصَّغِيرِ وَأَرَادَ بِالْعِوَضِ الْعِوَضَ الْمُعَيَّنَ إذْ فِي اشْتِرَاطِ الْعِوَضِ الْمَجْهُولِ تَكُونُ هِبَةً ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً لِبُطْلَانِ اشْتِرَاطِهِ كَمَا سَيَأْتِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [فَصْلٌ مَسَائِلَ شَتَّى فِي الْهِبَة] (فَصْلٌ) هَذَا الْفَصْلُ بِمَنْزِلَةِ مَسَائِلَ شَتَّى تُذْكَرُ فِي آخِرِ الْكِتَابِ (قَوْلُهُ وَمَنْ وَهَبَ أَمَةً إلَّا حَمْلَهَا أَوْ عَلَى أَنْ يَرُدَّهَا عَلَيْهِ أَوْ يُعْتِقَهَا أَوْ يَسْتَوْلِدَهَا أَوْ دَارًا عَلَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنْهَا أَوْ يُعَوِّضَهُ مِنْهَا شَيْئًا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ لَا يَعُودُ الدَّيْنُ وَالْجِنَايَةُ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ) قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يَعُودُ الدَّيْنُ وَالْجِنَايَةُ وَأَبُو يُوسُفَ اسْتَفْحَشَ قَوْلَ مُحَمَّدٍ وَقَالَ أَرَأَيْت لَوْ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ لِصَغِيرٍ فَوَهَبَ الْمَوْلَى عَبْدَهُ مِنْ الصَّغِيرِ فَقَبِلَ الْوَصِيُّ وَقَبَضَ فَسَقَطَ الدَّيْنُ فَإِنْ رَجَعَ الْوَاهِبُ فِي الْهِبَةِ بَعْدَ ذَلِكَ لَوْ قُلْنَا بِأَنَّهُ لَا يَعُودُ الدَّيْنُ كَانَ قَبُولُ الْوَصِيِّ الْهِبَةَ تَصَرُّفًا ضَارًّا عَلَى الصَّغِيرِ وَأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ (فَصْلٌ) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 295 صَحَّتْ الْهِبَةُ وَبَطَلَ الِاسْتِثْنَاءُ وَالشَّرْطُ) لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لَا يَعْمَلُ إلَّا فِي مَحَلٍّ يَعْمَلُ فِيهِ الْعَقْدُ وَالْهِبَةُ لَا تَعْمَلُ فِي الْحَمْلِ لِكَوْنِهِ وَصْفًا فَانْقَلَبَ شَرْطًا فَاسِدًا وَالْهِبَةُ لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ فَدَخَلَ فِيهِ كُلُّ عَقْدٍ لَا يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ كَالنِّكَاحِ وَالْخَلْعِ وَالصَّدَقَةِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ وَالْعِتْقِ فَيَصِحُّ وَيَبْطُلُ الِاسْتِثْنَاءُ وَخَرَجَ كُلُّ مَا يُبْطِلُهُ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالرَّهْنِ وَالْكِتَابَةِ وَمَا يَصِحُّ مَعَ الِاسْتِثْنَاءِ كَالْوَصِيَّةِ وَالْخُلْعِ فَهَذَا ظَهَرَ أَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْحَمْلِ فِي الْعُقُودِ عَلَى ثَلَاثَةِ مَرَاتِبَ وَأَمَّا إيرَادُ الْعَقْدِ عَلَيْهِ بِانْفِرَادِهِ فَلَا يَصِحُّ كَالْبَيْعِ وَالْكِتَابَةِ وَإِنْ قَبِلَتْ الْأُمُّ وَالْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ وَإِنْ سَلَّمَ الْأُمَّ إلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ أَوْ الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ وَالنِّكَاحُ وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ. وَلَوْ صَالَحَ عَنْ الْقِصَاصِ عَلَى مَا فِي الْبَطْنِ فَهُوَ صَحِيحٌ مُبْطِلٌ لِلْقِصَاصِ وَتَجِبُ الدِّيَةُ وَعِتْقُهُ مُنْفَرِدًا صَحِيحٌ إذَا عُلِمَ وُجُودُهُ وَقْتَهُ كَالْوَصِيَّةِ وَالْخُلْعُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا وَقْتَهُ فَلَا وَيَرْجِعُ عَلَيْهَا بِمَا سَاقَ لَهَا مِنْ الْمَهْرِ إنْ قَالَتْ اخْلَعْنِي عَلَى مَا فِي بَطْنِ جَارِيَتِي مِنْ وَلَدٍ وَإِنْ لَمْ تَقُلْ مِنْ وَلَدٍ فَلَا كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مُخْتَصَرًا وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَ مَا فِي بَطْنِهَا ثُمَّ وَهَبَهَا جَازَ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ الْجَنِينُ عَلَى مِلْكِهِ فَأَشْبَهَ الِاسْتِثْنَاءَ وَلَوْ دَبَّرَ مَا فِي بَطْنِهَا ثُمَّ وَهَبَهَا لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ الْحَمْلَ بَقِيَ عَلَى مِلْكِهِ فَلَمْ يَكُنْ شَبِيهُ الِاسْتِثْنَاءِ وَلَا يُمْكِنُ تَنْفِيذُ الْهِبَةِ فِيهِ لِمَكَانِ التَّدْبِيرِ فَبَقِيَ هِبَةُ الْمُشَاعِ أَوْ هِبَةُ شَيْءٍ هُوَ مَشْغُولٌ بِمِلْكِ الْمِلْكِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ فِي الْفُصُولِ كُلِّهَا لِلنَّهْيِ عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْعِوَضَ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ بَعْضَ الْمَوْهُوبِ فَلِهَذَا بَطَلَ قَوْلُهُ عَلَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنْهَا سَوَاءٌ كَانَ الشَّرْطُ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ أَوْ كَانَ الشَّيْءُ مُعَيَّنًا كَالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ وَأَمَّا قَوْلُهُ أَوْ يُعَوِّضُهُ عَنْهَا شَيْئًا فَلَا يَصِحُّ أَيْضًا لِأَنَّ اشْتِرَاطَ التَّعْوِيضِ فِي الْهِبَةِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْعِوَضُ مَعْلُومًا لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ تَمْلِيكٌ مُبْتَدَأٌ وَهَذَا مَجْهُولٌ وَبِهَذَا انْدَفَعَ إشْكَالُ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - تَبَعًا لِصَاحِبِ النِّهَايَةِ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا أَرَادَ بِهِ الْهِبَةَ بِشَرْطِ الْعِوَضِ فَهِيَ وَالشَّرْطُ جَائِزَانِ فَلَا يَسْتَقِيمُ قَوْلُهُ بَطَلَ الشَّرْطُ وَإِنْ أَرَادَ بِهِ أَنْ يُعَوِّضَهُ عَنْهَا شَيْئًا مِنْ الْعَيْنِ الْمَوْهُوبَةِ فَهُوَ تَكْرَارٌ مَحْضٌ لِأَنَّهُ ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ عَلَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنْهَا اهـ. فَإِنَّ كَلَامَهُ لَا يَتِمُّ إلَّا إذَا كَانَ الْعِوَضُ مُعَيَّنًا وَلَيْسَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي قَبْلَ الِاطِّلَاعِ عَلَى كَلَامِ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ ثُمَّ رَأَيْته صَرَّحَ بِهِ فَقَالَ أَقُولُ: إنَّ مُرَادَهُمْ مَا إذَا كَانَ الْعِوَضُ مَجْهُولًا وَإِنَّمَا يَصِحُّ الْعِوَضُ إذَا كَانَ مَعْلُومًا. اهـ. (قَوْلُهُ وَمَنْ قَالَ لِمَدْيُونِهِ إذَا جَاءَ غَدٌ فَهُوَ لَك أَوْ أَنْت مِنْهُ بَرِيءٌ أَوْ إنْ أَدَّيْت إلَيَّ نِصْفَهُ فَلَكَ نِصْفُهُ أَوْ أَنْتَ بَرِيءٌ مِنْ النِّصْفِ الْبَاقِي فَهُوَ بَاطِلٌ) لِأَنَّ هِبَةَ الدَّيْنِ مِمَّنْ عَلَيْهِ إبْرَاءٌ وَهُوَ تَمْلِيكٌ مِنْ وَجْهٍ فَيَرْتَدُّ بِالرَّدِّ وَلَوْ بَعْدَ الْمَجْلِسِ عَلَى خِلَافٍ فِيهِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَإِسْقَاطٌ مِنْ وَجْهٍ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبُولِ وَالتَّعْلِيقِ بِالشُّرُوطِ مُخْتَصٌّ بِالْإِسْقَاطَاتِ الْمَحْضَةِ الَّتِي يَحْلِفُ بِهَا كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ التَّمْلِيكَاتِ وَلَا الْإِسْقَاطَاتِ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ وَلَا الْإِسْقَاطَاتِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَلَا يَحْلِفُ بِهَا كَالْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ إنْ أَدَّيْت لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنْتَ بَرِيءٌ مِنْ النِّصْفِ عَلَى أَنْ تُؤَدِّيَ إلَيَّ النِّصْفَ صَحَّ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَعْلِيقٍ بَلْ تَقْيِيدٌ وَلِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ بَابِ التَّعْلِيقِ أَنَّ الْمُعَلَّقَ بِعَلَى هُوَ مَا بَعْدَهَا لَا مَا قَبْلَهَا وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ لِمَدْيُونِهِ إنَّ هِبَةَ الدَّيْنِ لِلْكَفِيلِ تَمْلِيكٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ حَتَّى يَرْجِعَ بِالدَّيْنِ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ وَلَا يَتِمُّ إلَّا بِقَبُولٍ وَإِبْرَاءُ الْكَفِيلِ عَنْ الدَّيْنِ إسْقَاطٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ حَتَّى لَا يَرْتَدَّ بِالرَّدِّ كَذَا فِي النِّهَايَةِ ثُمَّ قَوْلُهُمْ إنَّ الْإِبْرَاءَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبُولِ يُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا إذَا أَبْرَأَ رَبُّ الدَّيْنِ بَدَلَ الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ أَوْ وَهَبَهُ لَهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبُولِ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ عَنْهُ تُوجِبُ انْفِسَاخَهُ لِفَوَاتِ الْقَبْضِ الْمُسْتَحَقِّ بِعَقْدِ الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ وَلَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِفَسْخِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ قَبُولِهِ وَفَرَّعَ قَاضِي خان عَلَى كَوْنِ الْبَرَاءَةِ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهَا مَا لَوْ قَالَ لِمَدْيُونِهِ إنْ مِتَّ بِفَتْحِ التَّاءِ فَأَنْت بَرِيءٌ مِنْ ذَلِكَ الدَّيْنِ لَا يَبْرَأُ وَهُوَ مُخَاطَرَةٌ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ إنْ مِتُّ بِضَمِّ التَّاءِ فَأَنْت بَرِيءٌ مِنْ الدَّيْنِ الَّذِي لِي عَلَيْك جَازَ وَيَكُونُ وَصِيَّةً وَلَوْ قَالَ لِمَدْيُونِهِ إنْ لَمْ تَقْضِ مَا لِي عَلَيْك حَتَّى تَمُوتَ فَأَنْت فِي حِلٍّ فَهُوَ بَاطِلٌ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ إذَا مِتَّ فَأَنْتَ فِي حِلٍّ كَانَ وَصِيَّةً (قَوْلُهُ وَصَحَّ الْعُمْرَى لِلْمُعَمَّرِ لَهُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَهُوَ مُخَاطَرَةٌ) كَأَنَّهُ لِاحْتِمَالِ مَوْتِ الدَّائِنِ قَبْلَهُ تَأَمَّلْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 296 حَالَ حَيَاتِهِ وَلِوَرَثَتِهِ بَعْدَهُ) وَهِيَ أَنْ يَجْعَلَ دَارِهِ لَهُ عُمُرَهُ فَإِذَا مَاتَ يَرُدُّ عَلَيْهِ لِحَدِيثِ الشَّيْخَيْنِ مَرْفُوعًا «الْعُمْرَى لِمَنْ وُهِبَتْ لَهُ» [الرُّقْبَى] (قَوْلُهُ لَا الرُّقْبَى) أَيْ إنْ مِتُّ قَبْلَك فَهِيَ لَك لِحَدِيثِ أَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ مَرْفُوعًا «مَنْ أَعْمَرَ عُمْرَى فَهِيَ لِمُعَمَّرِهِ مَحْيَاهُ وَمَمَاتَهُ لَا تَرْقُبُوا مَنْ أَرْقَبَ شَيْئًا فَهُوَ سَبِيلُ الْمِيرَاثِ» فَهِيَ بَاطِلَةٌ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَأَجَازَهَا أَبُو يُوسُفَ وَأَبْطَلَ الشَّرْطَ قِيَاسًا عَلَى الْعُمْرَى (قَوْلُهُ وَالصَّدَقَةُ كَالْهِبَةِ لَا تَصِحُّ إلَّا بِالْقَبْضِ وَلَا فِي مُشَاعٍ يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ) لِأَنَّهَا تَبَرُّعٌ كَالْهِبَةِ فَإِنْ قُلْت قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الصَّدَقَةَ لِفَقِيرَيْنِ جَائِزَةٌ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ بِقَوْلِهِ وَصَحَّ تَصَدُّقُ عَشَرَةٍ لِفَقِيرَيْنِ قُلْت الْمُرَادُ هُنَا مِنْ الْمُشَاعِ أَنْ يَهَبَ بَعْضَهُ لِوَاحِدٍ فَقَطْ فَحِينَئِذٍ هُوَ مُشَاعٌ يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ بِخِلَافِ الْفَقِيرَيْنِ فَإِنَّهُ لَا شُيُوعَ كَمَا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ وَلَا رُجُوعَ فِيهَا) أَيْ فِي الصَّدَقَةِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الثَّوَابُ وَقَدْ حَصَلَ وَلَوْ اخْتَلَفَا فَقَالَ الْوَاهِبُ كَانَتْ هِبَةً وَقَالَ الْمَوْهُوبُ لَهُ صَدَقَةً فَالْقَوْلُ لِلْوَاهِبِ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خان وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا تَصَدَّقَ عَلَى غَنِيٍّ وَاخْتَارَهُ فِي الْهِدَايَةِ مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قَدْ يَقْصِدُ بِالصَّدَقَةِ عَلَى الْغَنِيِّ الثَّوَابَ لِكَثْرَةِ عِيَالِهِ وَكَذَا إذَا وَهَبَ لِفَقِيرٍ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الثَّوَابُ وَقَدْ حَصَلَ وَفِي الْمُحِيطِ رَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ وَسَلَّمَهَا إلَيْهِ ثُمَّ تَقَايَلَا الصَّدَقَةَ لَمْ يَجُزْ حَتَّى يَقْبِضَ لِأَنَّهَا هِبَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ لِأَنَّهُ لَا رُجُوعَ فِيهَا وَكَذَلِكَ الْهِبَةُ إذَا كَانَتْ لِذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ قَالَ أَبُو يُوسُفَ لَوْ تَنَاقَضَا الصَّدَقَةَ فَمَاتَ الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهَا الْمُتَصَدِّقُ فَالْمُنَاقَضَةُ بَاطِلَةٌ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي هِبَةٍ كَانَتْ الْمُنَاقَضَةُ جَائِزَةً لِأَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ فِيهَا فَإِذَا فَعَلَا شَيْئًا لَوْ تَقَدَّمَا إلَى الْقَاضِي فَعَلَهُ أَجْزَأَتْهُ وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ. اهـ. [كِتَابُ الْإِجَارَةِ] لَمَّا اشْتَرَكَتْ الْهِبَةُ وَالْإِجَارَةُ فِي مَعْنَى التَّمْلِيكِ وَكَانَتْ الْهِبَةُ تَمْلِيكَ عَيْنٍ وَالْإِجَارَةُ تَمْلِيكَ مَنْفَعَةٍ قَدَّمَ تِلْكَ وَأَخَّرَ هَذِهِ لِكَوْنِ الْعَيْنِ أَقْوَى وَهِيَ فِي اللُّغَةِ اسْمٌ لِلْأُجْرَةِ وَهِيَ مَا يُسْتَحَقُّ عَلَى عَمَلِ الْخَيْرِ وَتَمَامُهُ فِي الْمُغْرِبِ وَفِي الِاصْطِلَاحِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَرُكْنُهَا الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ سَوَاءٌ كَانَ بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ أَوْ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهَا فَتَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْعَارِيَّةِ حَتَّى لَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ أَعَرْتُك هَذِهِ الدَّارَ شَهْرًا بِكَذَا أَوْ قَالَ كُلَّ شَهْرٍ بِكَذَا وَقَبِلَ الْمُخَاطَبُ كَانَتْ الْإِجَارَةُ صَحِيحَةً لِأَنَّهَا مَأْخُوذَةٌ مِنْ التَّعَاوُرِ وَالتَّدَاوُلِ وَهُوَ كَمَا يَكُونُ بِغَيْرِ عِوَضٍ يَكُونُ بِعِوَضٍ وَالتَّعَاوُرُ بِعِوَضٍ إجَارَةٌ بِخِلَافِ الْعَارِيَّةِ حَيْثُ لَا تَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ حَتَّى لَوْ قَالَ آجَرْتُك هَذِهِ الدَّارَ بِغَيْرِ عِوَضٍ كَانَتْ إجَارَةً فَاسِدَةً وَلَا تَكُونُ عَارِيَّةً لِأَنَّهَا عَقْدٌ خَاصٌّ لِتَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ كَمَا لَوْ قَالَ بِعْتُك هَذَا الْعَيْنَ بِغَيْرِ عِوَضٍ كَانَ بَاطِلًا أَوْ فَاسِدًا وَلَا تَكُونُ هِبَةً كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خان وَلَوْ قَالَ وَهَبْتُك مَنَافِعَ هَذِهِ الدَّارِ شَهْرًا بِكَذَا يَجُوزُ وَتَكُونُ إجَارَةً وَفِي الْفَتَاوَى لَوْ قَالَ لِآخَرَ اشْتَرَيْت مِنْك خِدْمَةَ عَبْدِك هَذَا شَهْرًا بِكَذَا فَهِيَ إجَارَةٌ فَاسِدَةٌ وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَوْ قَالَ أَعْطَيْتُك هَذَا الْعَبْدَ سَنَةً يَخْدُمُك بِكَذَا جَازَ وَتَكُونُ إجَارَةً وَفِي الْمُحِيطِ وَلَوْ قَالَ بِعْت مِنْك مَنَافِعَ الدَّارِ شَهْرًا بِكَذَا ذَكَرَ فِي الْعُيُونِ أَنَّ الْإِجَارَةَ فَاسِدَةٌ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ مَعْدُومَةٌ وَهِيَ لَيْسَتْ بِمَحَلٍّ لِلْبَيْعِ. وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّ فِيهِ اخْتِلَافَ الْمَشَايِخِ وَقَالَ الْحُرُّ إذَا قَالَ لِغَيْرِهِ بِعْتُك نَفْسِي شَهْرًا بِكَذَا لِعَمَلِ كَذَا فَهُوَ إجَارَةٌ وَعَنْ الْكَرْخِيِّ أَنَّ الْإِجَارَةَ لَا تَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْبَيْعِ ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ تَنْعَقِدُ وَلَا تَنْعَقِدُ الْإِجَارَةُ الطَّوِيلَةُ بِالتَّعَاطِي لِأَنَّ الْأُجْرَةَ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ قَدْ يَجْعَلُونَ لِكُلِّ سَنَةٍ دَانِقًا وَقَدْ يَجْعَلُونَ طَسُّوجًا وَفِي غَيْرِ الطَّوِيلَةِ الْإِجَارَةُ تَنْعَقِدُ بِالتَّعَاطِي الْكُلُّ مِنْ الْخُلَاصَةِ مِنْ الْفَصْلِ الثَّانِي فِي صِحَّةِ الْإِجَارَةِ وَفَسَادِهَا وَشَرْطُهَا أَنْ تَكُونَ الْأُجْرَةُ وَالْمَنْفَعَةُ مَعْلُومَتَيْنِ لِأَنَّ جَهَالَتَهُمَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ وَحُكْمُهَا وُقُوعُ الْمِلْكِ فِي الْبَدَلَيْنِ سَاعَةً فَسَاعَةً وَهِيَ مَشْرُوعَةٌ بِالْكِتَابِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6] وَغَيْرِهِ وَالسُّنَّةِ حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ «وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِهِ أَجْرَهُ» وَالْإِجْمَاعِ. (قَوْلُهُ هِيَ بَيْعُ مَنْفَعَةٍ مَعْلُومَةٍ بِأَجْرٍ مَعْلُومٍ) يَعْنِي الْإِجَارَةَ شَرْعًا تَمْلِيكُ مَنْفَعَةٍ بِعِوَضٍ فَخَرَجَ الْبَيْعُ وَالْهِبَةُ وَالْعَارِيَّةُ وَالنِّكَاحُ فَإِنَّهُ اسْتِبَاحَةُ الْمَنَافِعِ بِعِوَضٍ لَا تَمْلِيكُهَا وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -   [منحة الخالق] كِتَابُ الْإِجَارَةِ) (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ وَهَبْتُك مَنَافِعَ هَذِهِ الدَّارِ شَهْرًا بِكَذَا يَجُوزُ وَتَكُونُ إجَارَةً) قَالَ الرَّمْلِيُّ سَيَأْتِي قَرِيبًا أَنَّهُ لَوْ أُضِيفَ الْعَقْدُ إلَى الْمَنَافِعِ لَا يَجُوزُ اهـ. فَتَأَمَّلْهُ. اهـ. قُلْت وَسَيَأْتِي عَنْ الْمُحَشِّيِّ نَقْلُ قَوْلَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ فَلَعَلَّ مَا هُنَا عَلَى أَحَدِهِمَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 297 إلَى أَنَّ عَقْدَ الْإِجَارَةِ يَنْعَقِدُ بِإِقَامَةِ الْعَيْنِ مَقَامَ الْمَنْفَعَةِ فِي حَقِّ الِانْعِقَادِ لَا فِي حَقِّ الْمِلْكِ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مَحَلٍّ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لِلصِّحَّةِ لِقَوْلِ الْفُقَهَاءِ الْمَحَالُّ شُرُوطٌ وَمَحَلُّ الْعَقْدِ هُنَا الْمَنَافِعُ وَهِيَ مَعْدُومَةٌ وَالْمَعْدُومُ لَا يَصْلُحُ مَحَلًّا فَجُعِلَتْ الدَّارُ مَحَلًّا بِإِقَامَتِهَا مَقَامَ الْمَنَافِعِ وَلِهَذَا لَوْ أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى الْمَنَافِعِ لَا يَجُوزُ بِأَنْ قَالَ آجَرْتُك مَنَافِعَ هَذِهِ الدَّارِ شَهْرًا بِكَذَا وَإِنَّمَا يَصِحُّ بِإِضَافَتِهِ إلَى الْعَيْنِ وَالْمُرَادُ مِنْ انْعِقَادِ الْعِلَّةِ سَاعَةً فَسَاعَةً فِي كَلَامِ مَشَايِخِنَا عَلَى حَسَبِ حُدُوثِ الْمَنَافِعِ هُوَ عَمَلُ الْعِلَّةِ وَنَفَاذُهَا فِي الْمَحَلِّ سَاعَةً فَسَاعَةً لَا ارْتِبَاطُ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ كُلَّ سَاعَةٍ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ كَلَامِ مَشَايِخِنَا يُوهِمُ ذَلِكَ وَالْحُكْمُ تَأَخَّرَ مِنْ زَمَانِ انْعِقَادِ الْعِلَّةِ إلَى حُدُوثِ الْمَنَافِعِ سَاعَةً فَسَاعَةً لِأَنَّ الْحُكْمَ قَابِلٌ لِلتَّرَاخِي كَمَا فِي الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ. ثُمَّ عَقْدُ الْإِجَارَةِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ عِلَّةٌ اسْمًا لِإِضَافَةِ الْحُكْمِ إلَيْهِ وَمَعْنًى لِكَوْنِهِ مُؤَثِّرٌ إلَّا حُكْمًا لِتَرَاخِي الْحُكْمِ عَنْهُ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ تَعْرِيفَ الْمُصَنِّفِ أَوْلَى مِنْ تَعْرِيفِ الْقُدُورِيِّ بِقَوْلِهِ عَقْدٌ عَلَى الْمَنَافِعِ بِعِوَضٍ لِمَا عَلِمْت أَنَّهَا عَقْدٌ عَلَى الْعَيْنِ وَإِنَّمَا الْمَمْلُوكُ الْمَنَافِعُ وَالْمُرَادُ مِنْ الْمَنْفَعَةِ الْمَنْفَعَةُ الْمَقْصُودَةُ مِنْ الْعَيْنِ حَتَّى لَوْ اسْتَأْجَرَ ثِيَابًا لِيَبْسُطَهَا وَلَا يَقْعُدَ عَلَيْهَا وَلَا يَنَامَ أَوْ دَابَّةً لِيَرْبِطَهَا فِي فِنَائِهِ وَيَظُنَّ النَّاسُ أَنَّهَا لَهُ أَوْ لِيَجْعَلَهَا جَنِيبَةً بَيْنَ يَدَيْهِ أَوْ آنِيَةً يَضَعَهَا فِي بَيْتِهِ يَتَجَمَّلُ بِهَا وَلَا يَسْتَعْمِلُهَا أَوْ دَارًا لَا يَسْكُنُهَا لَكِنْ يَظُنُّ النَّاسُ أَنَّهَا لَهُ مِلْكًا أَوْ عَبْدًا عَلَى أَنْ لَا يَسْتَخْدِمَهُ أَوْ دَرَاهِمَ يَضَعُهَا فَالْإِجَارَةُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ فَاسِدَةٌ وَلَا أُجْرَةَ لَهُ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ مِنْ الْجِنْسِ الثَّالِثِ فِي الدَّوَابِّ وَعَلَّلَ الْبَزَّازِيُّ فِي فَتَاوِيهِ بِأَنَّهَا مَنْفَعَةٌ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ مِنْ الْعَيْنِ وَذَكَرَ فِي الْخُلَاصَةِ فِي كِتَابِ الْعَارِيَّةِ أَنَّهُ لَوْ اسْتَعَارَ دَرَاهِمَ لِيَتَجَمَّلَ بِهَا كَانَتْ عَارِيَّةً لَا قَرْضًا اهـ. فَأَفَادَ أَنَّ الْعَارِيَّةَ تُخَالِفُ الْإِجَارَةَ فِي اشْتِرَاطِ كَوْنُ الْمَنْفَعَةِ مَقْصُودَةً وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ بَيْعُ مَنْفَعَةٍ إلَى أَنَّهُ لَوْ اسْتَأْجَرَ خَيَّاطًا لِيَخِيطَ لَهُ هَذَا الْقَمِيصَ وَالْكُمَّ مِنْهُ أَوْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَجْرَ مِنْهُ فَهِيَ فَاسِدَةٌ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِبَيْعِ عَيْنٍ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ بِأَجْرٍ مَعْلُومٍ عَمَّا إذَا كَانَ مَجْهُولًا كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَ عَبْدًا بِأَجْرٍ مَعْلُومٍ وَبِطَعَامِهِ لَا يَجُوزُ وَكَذَا لَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً بِعَلْفِهَا لَا يَجُوزُ لِلْجَهَالَةِ بِخِلَافِ الظِّئْرِ كَمَا سَيَأْتِي كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَفِيهَا أَيْضًا رَجُلٌ اسْتَأْجَرَ مِنْ آخَرَ غُلَامًا فَقَالَ صَاحِبُ الْغُلَامِ بِعِشْرِينَ وَقَالَ الْمُسْتَأْجِرُ بِعَشَرَةٍ فَافْتَرَقُوا عَلَى ذَلِكَ قَالَ هُوَ بِعِشْرِينَ إلَّا أَنْ يَرْضَى الَّذِي آجَرَهُ بِعَشَرَةٍ (قَوْلُهُ وَمَا صَحَّ ثَمَنًا صَحَّ أُجْرَةً) أَيْ مَا جَازَ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا فِي الْبَيْعِ جَازَ أَنْ يَكُونَ أُجْرَةً فِي الْإِجَارَةِ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ ثَمَنُ الْمَنْفَعَةِ فَتُعْتَبَرُ بِثَمَنِ الْمَبِيعِ وَمُرَادُهُ مِنْ الثَّمَنِ مَا كَانَ بَدَلًا عَنْ شَيْءٍ فَدَخَلَ فِيهِ الْأَعْيَانُ فَإِنَّ الْعَيْنَ تَصْلُحُ بَدَلًا فِي الْمُقَايَضَةِ فَتَصْلُحُ أُجْرَةً وَأَشَارَ إلَى أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ الْأُجْرَةُ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ انْصَرَفَتْ إلَى غَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ فَإِنْ كَانَتْ الْغَلَبَةُ مُخْتَلِفَةً فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةً مَا لَمْ يُبَيِّنْ نَقْدًا مِنْهَا فَإِنْ بَيَّنَ جَازَ فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ كَيْلِيًّا أَوْ وَزْنِيًّا أَوْ عَدَدِيًّا مُتَقَارِبًا فَالشَّرْطُ فِيهِ بَيَانُ الْقَدْرِ وَالصِّفَةِ وَيَحْتَاجُ فِيهِ إلَى بَيَانِ مَكَانِ الْإِيفَاءِ إذَا كَانَ لَهُ حِمْلٌ وَمُؤْنَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حِمْلٌ وَمُؤْنَةٌ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى بَيَانِ مَكَانِ الْإِيفَاءِ وَعِنْدَهُمَا لَيْسَ بِشَرْطٍ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى بَيَانِ الْأَجَلِ فَإِنْ بَيَّنَ جَازَ وَثَبَتَ وَأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ ثِيَابًا أَوْ عُرُوضًا فَالشَّرْطُ فِيهِ بَيَانُ الْقَدْرِ وَالْأَجَلِ وَالصِّفَةِ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ إلَّا مِنْ جِهَةِ السَّلَمِ فَكَانَ لِثُبُوتِهِ أَصْلٌ وَاحِدٌ هُوَ السَّلَمُ فَلَا يَجُوزُ إلَّا عَلَى شَرَائِطِ السَّلَمِ بِخِلَافِ الْكَيْلِيِّ وَالْوَزْنِيِّ لِأَنَّ لِثُبُوتِهِمَا أَصْلَيْنِ الْقَرْضَ وَالسَّلَمَ وَالْأَجَلُ فِي الْقَرْضِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فَإِنْ بَيَّنَ جَازَ كَالسَّلَمِ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ جَازَ كَالْقَرْضِ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يُشِرْ إلَيْهَا فَإِنْ أَشَارَ فَهِيَ كَافِيَةٌ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى بَيَانِ الْقَدْرِ وَالْوَصْفِ وَالْأَجَلِ وَأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ حَيَوَانًا فَلَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا كَذَا ذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ. وَأَشَارَ أَيْضًا إلَى أَنَّ هَذَا الضَّابِطَ لَا يَنْعَكِسُ كَيْلِيًّا فَلَا يُقَالُ مَا لَا يَجُوزُ أُجْرَةً لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ أُجْرَةً لِلْمَنْفَعَةِ إذَا كَانَتْ مُخْتَلِفَةَ الْجِنْسِ كَاسْتِئْجَارِ سُكْنَى الدَّارِ بِزِرَاعَةِ الْأَرْضِ وَإِنْ اتَّحَدَ جِنْسُهُمَا لَا يَجُوزُ كَاسْتِئْجَارِ الدَّارِ لِلسُّكْنَى بِالسُّكْنَى وَكَاسْتِئْجَارِ الْأَرْضِ لِلزِّرَاعَةِ بِزِرَاعَةِ أَرْضٍ أُخْرَى لِأَنَّ الْجِنْسَ بِانْفِرَادِهِ يَحْرُمُ لِلنِّسَاءِ (قَوْلُهُ وَالْمَنْفَعَةُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَلِهَذَا لَوْ أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى الْمَنَافِعِ لَا يَجُوزُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ ذَكَرَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَكَثِيرٌ مِنْ الْكُتُبِ قَوْلَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ (قَوْلُهُ فَهِيَ فَاسِدَةٌ) قَالَ الرَّمْلِيُّ إنَّمَا كَانَتْ فَاسِدَةً لِأَنَّهُ شَرَطَ فِيهَا بَيْعَ عَيْنٍ حَتَّى لَوْ وَقَعَتْ عَلَى نَفْسِ الْعَيْنِ كَانَتْ بَاطِلَةً لَا فَاسِدَةً بِمَا صَرَّحُوا بِهِ مِنْ أَنَّهَا لَوْ وَقَعَتْ عَلَى إتْلَافِ الْأَعْيَانِ قَصْدًا لَا تَنْعَقِدُ فَتَأَمَّلْ وَقَوْلُهُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ أَيْ الْإِجَارَةُ (قَوْلُهُ وَعِنْدَهُمَا لَيْسَ بِشَرْطٍ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَقَدَّمَ فِي السَّلَمِ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ عِنْدَهُمَا مَكَانُ الدَّارِ وَمَكَانُ تَسْلِيمِ الدَّابَّةِ وَفِي الْجَوْهَرَةِ وَعِنْدَهُمَا لَا يُشْتَرَطُ وَيُسَلِّمُهُ عِنْدَ الْأَرْضِ الْمُسْتَأْجَرَةِ (قَوْلُهُ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى بَيَانِ الْأَجَلِ فَإِنْ بَيَّنَ جَازَ وَثَبَتَ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى بَيَانِ الْأَجَلِ فَإِنَّ الْأَجْرَ صَارَ مُؤَجَّلًا كَالثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ اهـ. يَعْنِي بِبَيَانِ الْمُدَّةِ كَمَا لَوْ قَالَ بِعْتُك بِكَذَا إلَى شَهْرٍ مَثَلًا تَأَمَّلْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 298 تُعْلَمُ بِبَيَانِ الْمُدَّةِ كَالسُّكْنَى وَالزِّرَاعَةِ فَتَصِحُّ عَلَى مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ أَيِّ مُدَّةٍ كَانَتْ) لِأَنَّ الْمُدَّةَ إذَا كَانَتْ مَعْلُومَةً كَانَ قَدْرُ الْمَنْفَعَةِ فِيهَا مَعْلُومًا فَأَفَادَ أَنَّهَا تَجُوزُ وَلَوْ كَانَتْ الْمُدَّةُ لَا يَعِيشُ إلَى مِثْلِهَا عَادَةً وَاخْتَارَهُ الْخَصَّافُ وَمَنَعَهُ بَعْضُهُمْ وَأَفَادَ أَنَّهَا تَجُوزُ مُضَافًا كَمَا لَوْ قَالَ آجَرْتُك هَذِهِ الدَّارَ غَدًا وَلِلْمُؤَجِّرِ بَيْعُهَا الْيَوْمَ وَتَنْتَقِضُ الْإِجَارَةُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خان الْوَصِيُّ إذَا أَجَرَ أَرْضَ الْيَتِيمِ أَوْ اسْتَأْجَرَ لِلْيَتِيمِ أَرْضًا بِمَالِ الْيَتِيمِ إجَارَةً طَوِيلَةً رَسْمِيَّةً ثَلَاثَ سِنِينَ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ أَبُو الصَّغِيرِ وَمُتَوَلِّي الْوَقْفِ لِأَنَّ الرَّسْمَ فِي الْإِجَارَةِ الطَّوِيلَةِ أَنْ يُجْعَلَ شَيْءٌ يَسِيرٌ مِنْ مَالِ الْإِجَارَةِ بِمُقَابَلَةِ السِّنِينَ الْأَوَّلُ وَمُعْظَمُ الْمَالِ بِمُقَابَلَةِ السَّنَةِ الْأَخِيرَةِ فَإِنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ لِأَرْضِ الْيَتِيمِ أَوْ الْوَقْفِ لَا تَصِحُّ الْإِجَارَةُ فِي السِّنِينَ الْأُوَلِ لِأَنَّهَا تَكُونُ بِأَقَلَّ مِنْ أَجْرِ الْمِثْلِ فَلَا تَصِحُّ فَإِنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا لِلْيَتِيمِ أَوْ الْوَقْفِ بِمَالِ الْوَقْفِ فَفِي السَّنَةِ الْأَخِيرَةِ يَكُونُ الِاسْتِئْجَارُ بِأَكْثَرَ مِنْ أَجْرِ الْمِثْلِ فَلَا يَصِحُّ فَإِذَا فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ فِي الْبَعْضِ فِي الْوَجْهَيْنِ هَلْ يَصِحُّ فِيمَا كَانَ خَيْرًا لِلْيَتِيمِ وَالْوَقْفِ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَجْعَلَ الْإِجَارَةَ الطَّوِيلَةَ عَقْدًا وَاحِدًا لَا يَصِحُّ وَعَلَى قَوْلِ مَنْ يَجْعَلُهَا عُقُودًا يَصِحُّ فِيمَا كَانَ خَيْرًا لِلْيَتِيمِ وَلَا يَصِحُّ فِيمَا كَانَ شَرًّا لَهُ وَالظَّاهِرُ هُوَ الْفَسَادُ فِي الْكُلِّ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا تُزَادُ فِي الْأَوْقَافِ عَلَى ثَلَاثِ سِنِينَ) كَيْلًا يَدَّعِي الْمُسْتَأْجِرُ مِلْكَهَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الضَّيَاعَ وَغَيْرَهُ وَقَدْ أَفْتَى الصَّدْرُ الشَّهِيدُ بِعَدَمِ الزِّيَادَةِ عَلَى ثَلَاثِ سِنِينَ فِي الضَّيَاعِ وَعَلَى سَنَةٍ فِي غَيْرِهَا إلَّا إذَا كَانَتْ الْمَصْلَحَةُ فِي غَيْرِهِ قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى. اهـ. وَمُرَادُ الْمُصَنِّفِ عِنْدَ عَدَمِ شَرْطِ الْوَاقِفِ فَإِنْ نَصَّ عَلَى شَيْءٍ فَآجَرَهُ النَّاظِرُ أَكْثَرَ مِنْهُ لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا كَانَتْ إجَارَتُهَا أَكْثَرَ أَنْفَعَ لِلْفُقَرَاءِ وَالنَّاسُ لَا يَرْغَبُونَ فِي اسْتِئْجَارِهَا فَلِلْقَيِّمِ أَنْ يَرْفَعَ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي حَتَّى يُؤَاجِرَهَا أَكْثَرَ لِأَنَّ لِلْقَاضِي وِلَايَةَ النَّظَرِ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَعَلَى الْمَيِّتِ أَيْضًا وَلَيْسَ لِلْقَيِّمِ أَنْ يُؤَاجِرَهَا بِنَفْسِهِ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خان وَالْمُرَادُ بِعَدَمِ الْجَوَازِ عَدَمُ الصِّحَّةِ يَعْنِي لَوْ آجَرَ النَّاظِرُ الْوَقْفَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِ سِنِينَ لَا تَصِحُّ الْإِجَارَةُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَقِيلَ تَصِحُّ وَتَنْفَسِخُ ذَكَرَهُ الشُّمُنِّيُّ. وَاعْلَمْ أَنَّ إجَارَةَ الْوَقْفِ لَا تَجُوزُ إلَّا بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ أَوْ أَكْثَرَ فَلَوْ أَجَرَ النَّاظِرُ بِدُونِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ لَا تَصِحُّ الْإِجَارَةُ وَيَلْزَمُ الْمُسْتَأْجِرَ تَمَامُ أَجْرِ الْمِثْلِ وَقَدْ وَقَعَ فِي الْخُلَاصَةِ عِبَارَةٌ أَوْهَمَتْ أَنَّ النَّاظِرَ يَضْمَنُ تَمَامَ أَجْرِ الْمِثْلِ فَقَالَ مُتَوَلِّي الْوَقْفِ أَجَرَ بِدُونِ أَجْرِ الْمِثْلِ يَلْزَمُهُ تَمَامُ أَجْرِ الْمِثْلِ. اهـ. وَقَدْ رَدَّهُ الشَّيْخُ قَاسِمٌ فِي فَتَاوِيهِ بِأَنَّ الضَّمِيرَ يَرْجِعُ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ فِي تَلْخِيصِ الْفَتَاوَى الْكُبْرَى وَعِبَارَتُهُ وَمُتَوَلِّي الْوَقْفِ أَجَرَهَا بِغَيْرِ أَجْرِ الْمِثْلِ يَلْزَمُ مُسْتَأْجِرَهَا تَمَامُ أَجْرِ الْمِثْلِ عِنْدَ بَعْضِ عُلَمَائِنَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ. وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَإِذَا أَجَرَ الْقَيِّمُ دَارًا بِأَقَلَّ مِنْ أَجْرِ الْمِثْلِ قَدْرَ مَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ حَتَّى لَمْ تَجُزْ الْإِجَارَةُ لَوْ تَسَلَّمَهَا الْمُسْتَأْجِرُ كَانَ عَلَيْهِ أَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ عَلَى مَا أَجَازَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ الْمَشَايِخِ اهـ. وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي الْمُزَارَعَةِ إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ أَرْضَ وَقْفٍ اسْتَأْجَرَهَا مِنْ الْمُتَوَلِّي إلَى طَوِيلِ الْمُدَّةِ يُنْظَرُ إنْ كَانَ السِّعْرُ بِحَالِهِ لَمْ يَزْدَدْ وَلَمْ يَنْقُصْ كَمَا كَانَ وَقْتَ الْعَقْدِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَإِنْ غَلَا أَجْرُ مِثْلِهَا فَإِنَّهُ يُفْسَخُ ذَلِكَ الْعَقْدُ وَيَحْتَاجُ إلَى تَجْدِيدِ ذَلِكَ الْعَقْدِ ثَانِيًا وَكَذَلِكَ إذَا اسْتَأْجَرَهَا بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ إلَى سَنَةٍ فَلَمَّا مَضَى نِصْفُ السَّنَةِ غَلَا سِعْرُهَا وَازْدَادَ أَجْرُ مِثْلِهَا فَإِنَّهُ يُفْسَخُ ذَلِكَ الْعَقْدُ وَيُعْقَدُ ثَانِيًا عَلَى أُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ وَلَوْ كَانَتْ الْأَرْضُ بِحَالٍ لَمْ يُمْكِنْ فَسْخُهَا نَحْوُ مَا إذَا كَانَ فِيهَا زَرْعٌ لَمْ يُحْصَدْ بَعْدُ وَلَمْ يُدْرَكْ بَعْدُ فَلَا يُمْكِنُ فَسْخُهَا وَلَكِنْ إلَى وَقْتِ زِيَادَتِهِ يَجِبُ الْمُسَمَّى بِقَدْرِهِ وَبَعْدَ الزِّيَادَةِ إلَى تَمَامِ السَّنَةِ يَجِبُ أَجْرُ مِثْلِهَا وَأَمَّا إذَا كَانَ يُنْتَقَصُ مِنْ أُجْرَتِهَا يَعْنِي رُخْصَ أُجْرَتِهَا وَسِعْرِهَا قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ فَإِنَّ الْإِجَارَةَ لَا تَبْطُلُ وَلَا تَنْفَسِخُ لِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ قَدْ رَضِيَ بِذَلِكَ حَيْثُ عَقَدَ عَلَيْهَا وَزِيَادَةُ الْأُجْرَةِ إنَّمَا تُعْتَبَرُ إذَا زَادَتْ عِنْدَ الْكُلِّ فَأَمَّا إذَا زَادَ وَاحِدٌ فِي أُجْرَتِهَا تَعَنُّتًا عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ الْأَوَّلِ فَلَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ وَلَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ وَلَا يُفْسَخُ مَا لَمْ تَمْضِ الْمُدَّةُ وَكَذَلِكَ حُكْمُ الْحَانُوتِ وَالطَّاحُونَةِ وَجَمِيعِ مَا يَكُونُ وَقْفًا اُسْتُؤْجِرَ مِنْ الْمُتَوَلِّي. اهـ. وَكَذَا ذَكَرَ قَاضِي خان فِي فَتَاوِيهِ وَرَجَّحَهُ الْعَلَامَةُ قَاسِمٌ فِي فَتَاوِيهِ بِأَنَّهُ أَنْفَعُ لِلْوَقْفِ   [منحة الخالق] قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلَا تُزَادُ فِي الْأَوْقَافِ عَلَى ثَلَاثِ سِنِينَ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَفِي الْجَوْهَرَةِ وَعَلَى هَذَا أَرْضُ الْيَتِيمِ وَقَدْ أَفْتَى صَاحِبُ الْبَحْرِ بِإِلْحَاقِ عَقَارِ الْيَتِيمِ بِالْوَقْفِ وَكَذَا تِلْمِيذُهُ الشَّيْخُ الْعَلَّامَةُ الْغَزِّيِّ وَأَكْثَرُ كَلَامِهِمْ فِي الْمَسْأَلَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ الْمُخْتَارُ وَأَنَّهُ الْمُفْتَى بِهِ وَعِلَّتُهُ أَنَّهُ كَمَا يُصَانُ الْوَقْفُ يُصَانُ مَالُ الْيَتِيمِ عَنْ دَعْوَى الْمِلْكِ بِطُولِ الْمُدَّةِ بَلْ مَالُ الْيَتِيمِ أَوْلَى لِلنُّصُوصِ الْمُوجِبَةِ لَهُ الْمُصَرَّحَةِ بِالنَّهْيِ عَنْ قُرْبَانِهِ فَلْيَكُنْ عَلَيْهِ الْمُعَوَّلُ وَأَقُولُ: أَيْضًا وَمِثْلُ عَقَارِ الْيَتِيمِ عَقَارُ بَيْتِ الْمَالِ فَتَأَمَّلْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 299 (قَوْلُهُ أَوْ بِالتَّسْمِيَةِ كَالِاسْتِئْجَارِ عَلَى صَبْغِ الثَّوْبِ وَخِيَاطَتِهِ) يَعْنِي تُعْرَفُ الْمَنْفَعَةُ بِالتَّسْمِيَةِ كَالصَّبْغِ وَنَحْوِهِ وَمِنْهُ اسْتِئْجَارُ الدَّابَّةِ لِلْحَمْلِ أَوْ لِلرُّكُوبِ وَالْإِجَارَةُ عَلَى الْعَمَلِ كَاسْتِئْجَارِ الْقَصَّارِ وَنَحْوِهِ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ مَعْلُومًا وَذَلِكَ فِي الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ وَأَمَّا الْأَجِيرُ الْوَاحِدُ فَمِنْ النَّوْعِ الْأَوَّلِ وَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ بَيَانِ الْوَقْتِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَصَرَّحَ فِي تُحْفَةِ الْفُقَهَاءِ بِأَنَّهُ مِنْ نَوْعِ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى الْعَمَلِ لَكِنْ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ بَيَانِ الْوَقْتِ وَاخْتَارَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ عَلَى صَبْغِ الثَّوْبِ إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يُعَيِّنَ الثَّوْبَ الَّذِي يُصْبَغُ وَلَوْنَ الصِّبْغِ بِأَنَّهُ أَحْمَرُ أَوْ نَحْوُهُ وَقَدْرَ الصِّبْغِ إذَا كَانَ مِمَّا يَخْتَلِفُ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ وَخِيَاطَتِهِ إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الثَّوْبُ مَعْلُومًا وَلِهَذَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِقَصْرِ عَشَرَةِ أَثْوَابٍ وَلَمْ يَرَهَا فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ وَإِنْ سُمِّيَ جِنْسُهَا لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِغِلَظِهِ وَرِقَّتِهِ وَاعْلَمْ أَنَّ اسْتِئْجَارَ الدَّابَّةِ لِلرُّكُوبِ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ بَيَانِ الْوَقْتِ أَوْ الْمَوْضِعِ حَتَّى لَوْ خَلَا عَنْهُمَا فَهِيَ فَاسِدَةٌ ذَكَرَهُ الْبَزَّازِيُّ فِي فَتَاوِيهِ وَبِهِ يُعْلَمُ فَسَادُ إجَارَةِ دَوَابِّ الْعَلَّافِينَ الْوَاقِعَةِ فِي زَمَانِنَا لِعَدَمِ بَيَانِ الْوَقْتِ وَالْمَوْضِعِ (قَوْلُهُ أَوْ بِالْإِشَارَةِ كَالِاسْتِئْجَارِ عَلَى نَقْلِ هَذَا الطَّعَامِ إلَى كَذَا) يَعْنِي تُعْرَفُ الْمَنْفَعَةُ بِالْإِشَارَةِ لِأَنَّهُ إذَا أَرَاهُ مَا يَنْقُلُهُ وَالْمَوْضِعَ الَّذِي يَحْمِلُ إلَيْهِ كَانَتْ الْمَنْفَعَةُ مَعْلُومَةً فَيَصِحُّ الْعَقْدُ (قَوْلُهُ وَالْأُجْرَةُ لَا تُمْلَكُ بِالْعَقْدِ) لِأَنَّ الْعَقْدَ يَنْعَقِدُ شَيْئًا فَشَيْئًا عَلَى حَسَبِ حُدُوثِ الْمَنْفَعَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَالْعَقْدُ مُعَاوَضَةٌ وَمِنْ قَضِيَّتِهَا الْمُسَاوَاةُ فَمِنْ ضَرُورَةِ التَّرَاخِي فِي جَانِبِ الْمَنْفَعَةِ التَّرَاخِي فِي جَانِبِ الْبَدَلِ الْآخَرِ فَلَا يَعْتِقُ قَرِيبُ الْمُؤَجِّرِ لَوْ كَانَ أُجْرَةً وَلَا يَمْلِكُ الْمُطَالَبَةَ بِتَسْلِيمِهَا لِلْحَالِ وَلَا يَلْزَمُ عَلَيْنَا صِحَّةُ الْإِبْرَاءِ عَنْ الْأُجْرَةِ وَالْكَفَالَةِ وَالرَّهْنِ بِهَا لِأَنَّا نَقُولُ ذَاكَ بِنَاءً عَلَى وُجُودِ السَّبَبِ فَصَارَ كَالْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ بَعْدَ وُجُودِ الْجُرْحِ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ لَكِنْ فِي الْمُحِيطِ أَنَّ جَوَازَ الْإِبْرَاءِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُمَا لَوْ تَصَارَفَا بِالْأُجْرَةِ فَأَخَذَ بِالدَّرَاهِمِ دَنَانِيرَ لَا يَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَإِنْ كَانَتْ الْأُجْرَةُ نَقْرَةً بِعَيْنِهَا لَا تَجُوزُ الْمُصَارَفَةُ بِهَا بِالْإِجْمَاعِ وَالْإِبْرَاءُ عَنْ بَعْضِ الْأُجْرَةِ صَحِيحٌ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْحَطِّ كَذَا ذَكَرَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ (قَوْلُهُ بَلْ بِالتَّعْجِيلِ أَوْ بِشَرْطِهِ أَوْ بِالِاسْتِيفَاءِ أَوْ بِالتَّمَكُّنِ) يَعْنِي لَا يَمْلِكُ الْأُجْرَةَ إلَّا بِوَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّهَا الْمُؤَجِّرُ إلَّا بِذَلِكَ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ دَيْنًا لَا يُقَالُ أَنَّهُ مَلَكَهُ الْمُؤَجِّرُ قَبْلَ قَبْضِهِ وَإِذَا اسْتَحَقَّهَا الْمُؤَجِّرُ قَبْلَ قَبْضِهَا فَلَهُ الْمُطَالَبَةُ بِهَا وَحُبِسَ الْمُسْتَأْجِرُ عَلَيْهَا وَحُبِسَ الْعَيْنُ عَنْهُ وَلَهُ حَقُّ الْفَسْخِ إنْ لَمْ يُعَجِّلْ لَهُ الْمُسْتَأْجِرُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ لَكِنْ لَيْسَ لَهُ بَيْعُهَا قَبْلَ قَبْضِهَا وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إلَى أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ لَوْ بَاعَ الْمُؤَجِّرَ بِالْأَجْرِ شَيْئًا وَسَلَّمَ جَازَ لِتَضَمُّنِهِ اشْتِرَاطَ التَّعْجِيلِ فَتَقَعُ الْمُقَاصَّةُ بَيْنَهُمَا فَإِنْ تَعَذَّرَ إيفَاءُ الْعَمَلِ رَجَعَ بِالدَّرَاهِمِ دُونَ الْمَتَاعِ وَالْمُرَادُ مِنْ التَّمَكُّنِ تَسْلِيمُ الْمَحَلِّ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ بِحَيْثُ لَا مَانِعَ مِنْ الِانْتِفَاعِ فَلَوْ سَلَّمَهُ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا الِامْتِنَاعُ مِنْ التَّسْلِيمِ وَالتَّسَلُّمِ فِي الْبَاقِي إذَا لَمْ يَكُنْ فِي مُدَّةِ الْإِجَارَةِ وَقْتٌ يَرْغَبُ فِي الْإِجَارَةِ لِأَجَلِهِ فَإِنْ كَانَ فِي الْمُدَّةِ وَقْتٌ كَذَلِكَ كَحَانُوتٍ يُسْتَأْجَرُ سَنَةً لِرَوَاجِ السُّوقِ فِي بَعْضِهَا أَوْ دَارٍ بِمَكَّةَ تُسْتَأْجَرُ سَنَةً لِأَجْلِ الْمَوْسِمِ فَلَمْ يُسَلِّمْ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَرْغَبُ لِأَجَلِهِ فَإِنَّهُ يَتَخَيَّرُ فِي قَبْضِ الْبَاقِي كَمَا فِي الْبَيْعِ وَفِي الذَّخِيرَةِ مِنْ الْفَصْلِ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ فِي الِاخْتِلَافِ لَوْ اخْتَلَفَ الْمُسْتَأْجِرُ وَالْآجِرُ بَعْدَ شَهْرٍ وَالْمِفْتَاحُ مَعَ الْمُسْتَأْجِرِ وَقَالَ لَمْ أَقْدِرْ عَلَى فَتْحِهِ وَقَالَ الْمُؤَجِّرُ بَلْ قَدَرْت عَلَى فَتْحِهِ وَسَكَنْت وَلَا بَيِّنَةَ لَهُمَا بِحُكْمِ الْحَالِ وَإِنْ أَقَامَاهَا فَالْبَيِّنَةُ لِرَبِّ الْمَنْزِلِ لِأَنَّهُ لَا عِبْرَةَ لِتَحْكِيمِ الْحَالِ مَتَى جَاءَتْ الْبَيِّنَةُ بِخِلَافِهِ وَفِي الْقُنْيَةِ تَسْلِيمُ الْمِفْتَاحِ فِي الْمِصْرِ مَعَ التَّخْلِيَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدَّارِ تَسْلِيمٌ لِلدَّارِ حَتَّى يَجِبَ الْأَجْرُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ وَإِنْ لَمْ يَسْكُنْ وَتَسْلِيمُ الْمِفْتَاحِ فِي السَّوَادِ لَيْسَ بِتَسْلِيمِ الدَّارِ وَإِنْ حَضَرَ الْمِصْرَ وَالْمِفْتَاحُ فِي يَدِهِ. اهـ. وَفِي فَتَاوَى الْوَلْوَالِجيَّةِ وَلَوْ اسْتَأْجَرَ دَارًا عَلَى عَبْدٍ بِعَيْنِهِ ثُمَّ وَهَبَ الْعَبْدَ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِذَا قَالَ الْمُسْتَأْجِرُ قَبِلْت كَانَ هَذَا إقَالَةً كَالْمُشْتَرِي إذَا قَالَ لِلْبَائِعِ وَهَبْت مِنْك الْعَبْدَ قَبْلَ الْقَبْضِ انْتَقَضَ الْبَيْعُ كَذَا هُنَا. اهـ. وَمُرَادُ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْإِجَارَةُ الْمُنْجَزَةُ إذْ الْإِجَارَةُ الْمُضَافَةُ   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 300 لَا تُمْلَكُ فِيهَا الْأُجْرَةُ بِشَرْطِ التَّعْجِيلِ (قَوْلُهُ فَإِنْ غُصِبَ مِنْهُ سَقَطَ الْأَجْرُ) لِأَنَّ تَسْلِيمَ الْمَحَلِّ إنَّمَا أُقِيمَ مَقَامَ تَسْلِيمِ الْمَنْفَعَةِ لِتَمَكُّنٍ مِنْ الِانْتِفَاعِ فَإِذَا فَاتَ التَّمَكُّنُ فَاتَ التَّسْلِيمُ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ سَقَطَ الْأَجْرُ إلَى أَنَّ الْعَقْدَ يَنْفَسِخُ بِالْغَصْبِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ خِلَافًا لِقَاضِي خَانْ وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا غُصِبَ فِي جَمِيعِ الْمُدَّةِ فَيَسْقُطُ جَمِيعُ الْأَجْرِ وَمَا إذَا غُصِبَ فِي بَعْضِهَا فَبِحِسَابِهِ وَشَمِلَ الْعَقَارَ وَغَيْرَهُ وَمُرَادُهُ مِنْ الْغَصْبِ هُنَا الْحَيْلُولَةُ بَيْنَ الْمُسْتَأْجِرِ وَالْعَيْنِ لَا حَقِيقَتُهُ إذْ الْغَصْبُ لَا يَجْرِي فِي الْعَقَارِ عِنْدَنَا وَشَمِلَ مَا إذَا حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّاكِنِ الْأَوَّلِ فَلَوْ ادَّعَى ذَلِكَ الْمُسْتَأْجِرُ وَأَنْكَرَهُ الْمُؤَجِّرُ وَلَا بَيِّنَةَ يُحَكَّمُ الْحَالُ فَإِنْ كَانَ الْمُسْتَأْجِرُ هُوَ السَّاكِنُ فِي الدَّارِ حَالَ الْمُنَازَعَةِ فَالْقَوْلُ لِلْمُؤَجِّرِ وَإِنْ كَانَ فِيهَا غَيْرُ الْمُسْتَأْجِرِ فَالْقَوْلُ لِلْمُسْتَأْجِرِ وَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ كَمَسْأَلَةِ الطَّاحُونَةِ وَهِيَ لَوْ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ مُسْتَأْجِرِ الطَّاحُونَةِ وَالْأَجْرُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ فِي جَرَيَانِ الْمَاءِ وَانْقِطَاعِهِ فَإِنَّهُ يُحَكَّمُ الْحَالُ فَإِنْ كَانَ جَارِيًا حَالَ الْمُنَازَعَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَدَّعِي دَوَامَ التَّسْلِيمِ وَإِلَّا فَالْقَوْلُ لِمُدَّعِي زَوَالَهُ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ السَّاكِنِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى عَلَى غَيْرِهِ لِأَنَّهُ فَرْدٌ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَشَمِلَ مَا إذَا حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَيْنِ الْمُؤَجَّرِ أَيْضًا وَكَذَا لَوْ سَلَّمَهُ إلَّا بَيْتًا فَإِنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ بِحِسَابِهِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَكَذَا لَوْ سَكَنَ مَعَهُ فِي الدَّارِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ [لِرَبِّ الدَّارِ وَالْأَرْضِ طَلَبُ الْأَجْرِ كُلَّ يَوْمٍ] (قَوْلُهُ وَلِرَبِّ الدَّارِ وَالْأَرْضِ طَلَبُ الْأَجْرِ كُلَّ يَوْمٍ) لِأَنَّهُ مَنْفَعَةٌ مَقْصُودَةٌ وَمَا دُونَ الْيَوْمِ لَا حَدَّ لَهُ فَصَارَ كَالنَّفَقَةِ لَهَا طَلَبُهَا عِنْدَ الْمَسَاءِ فِي كُلِّ سَاعَةٍ أَرَادَ بِهِ مَا إذَا أَطْلَقَهُ أَمَّا إذَا بَيَّنَ وَقْتَ الِاسْتِحْقَاقِ فِي الْعَقْدِ تَعَيَّنَ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ التَّعْجِيلِ كَمَا إذَا قَالَ آجَرْتُك هَذِهِ الدَّارَ سَنَةً عَلَى أَنْ تُعْطِيَ الْأُجْرَةَ بَعْدَ شَهْرَيْنِ (قَوْلُهُ وَلِلْجَمَّالِ كُلَّ مَرْحَلَةٍ) لِأَنَّ سَيْرَ كُلِّ مَرْحَلَةٍ مَقْصُودٌ (قَوْلُهُ وَلِلْقِصَارِ وَالْخَيَّاطِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ عَمَلِهِ) لِأَنَّ الْعَمَلَ فِي الْبَعْضِ غَيْرُ مُنْتَفَعٍ بِهِ فَلَا يَسْتَوْجِبُ بِهِ الْأَجْرَ وَأَرَادَ بِهِ إذَا سَلَّمَهُ فَأَفَادَ أَنَّهُ لَوْ هَلَكَ فِي يَدِهِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَلَا أَجْرَ لَهُ وَكَذَا كُلُّ مَنْ لِعَمَلِهِ أَثَرٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِعَمَلِهِ أَثَرٌ فَكَمَا فَرَغَ مِنْهُ اسْتَحَقَّ الْأَجْرَ وَإِنْ لَمْ يُسَلِّمْهَا كَالْجَمَّالِ وَالْمَلَّاحِ فَلَا يَسْقُطُ الْأَجْرُ فِي الْهَلَاكِ بَعْدَهُ وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الْخَيَّاطُ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ بِبَعْضِ الْعَمَلِ شَيْئًا لِمَا قَدَّمْنَاهُ وَاخْتَارَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَيَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ أَيْضًا مَا إذَا اسْتَأْجَرَهُ لِبِنَاءِ دَارِهِ فَبَنَى الْبَعْضَ ثُمَّ انْهَدَمَ فَلَا أَجْرَ لَهُ وَلَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ عَلَى الْبَعْضِ إلَّا فِي سُكْنَى الدَّارِ وَقَطْعِ الْمَسَافَةِ وَاخْتَارَ جَمَاعَةٌ مِنْ مَشَايِخِنَا خِلَافَهُ وَمَسْأَلَةُ الْبِنَاءِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ يَجِبُ الْأَجْرُ بِالْبَعْضِ لِكَوْنِهِ مُسَلَّمًا إلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَنَقَلَهُ الْكَرْخِيُّ عَنْ أَصْحَابِنَا وَجَزَمَ بِهِ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ رَدًّا عَلَى الْهِدَايَةِ فَكَانَ هُوَ الْمَذْهَبُ وَلِهَذَا اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُسْتَصْفَى وَإِنْ كَانَتْ عِبَارَتُهُ هُنَا مُطْلَقَةً وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ الْخَيْطُ وَالْمِخْيَطُ عَلَى الْخَيَّاطِ وَهَذَا فِي عُرْفِهِمْ أَمَّا فِي عُرْفِنَا فَالْخَيْطُ عَلَى صَاحِبِ الثَّوْبِ وَفِي الْمَخِيطِ الْخَيَّاطُ إذَا خَاطَهُ بِأَجْرٍ فَفَتَقَهُ رَجُلٌ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ رَبُّ الثَّوْبِ فَلَا أَجْرَ لِلْخَيَّاطِ وَلَا يُجْبَرُ عَلَى الْإِعَادَةِ وَإِنْ كَانَ الْخَيَّاطُ هُوَ الَّذِي فَتَقَهُ فَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ كَأَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ بِخِلَافِ مَا إذَا فَتَقَهُ الْأَجْنَبِيُّ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ وَفِي الْخَيَّاطِ لَا يَلْزَمُهُ. اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَا ضَمِنَهُ الْأَجْنَبِيُّ يَكُونُ لِلْخَيَّاطِ لِكَوْنِهِ بَدَلَ مَا أَتْلَفَهُ عَلَيْهِ حَتَّى سَقَطَتْ أُجْرَتُهُ وَفِي الْخُلَاصَةِ رَجُلٌ دَفَعَ إلَى خَيَّاطٍ ثَوْبًا لِيَخِيطَهُ فَقَطَّعَهُ وَمَاتَ لَا يَجِبُ شَيْءٌ مِنْ الْأُجْرَةِ لِأَنَّ الْأَجْرَ فِي الْعَادَةِ لِلْخِيَاطَةِ لَا لِلْقَطْعِ وَهُوَ الْأَصَحُّ. اهـ. . وَفِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى إذَا دَفَعَ ثَوْبًا لِقَصَّارٍ لِيَقْصِرَهُ وَلَمْ يُسَمِّ لَهُ أَجْرًا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا أَجْرَ لَهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ إنْ انْتَصَبَ الْقَصَّارُ لِقَبُولِ ذَلِكَ مِنْ النَّاسِ بِالْأَجْرِ كَمَا هُوَ الْمُعْتَادُ يَجِبُ وَإِلَّا فَلَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ مَعْزِيًّا إلَى الصَّدْرِ الشَّهِيدِ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ (قَوْلُهُ وَلِلْخَبَّازِ بَعْدَ إخْرَاجِ الْخُبْزِ مِنْ التَّنُّورِ) لِأَنَّ تَمَامَ الْعَمَلِ بِالْإِخْرَاجِ أَطْلَقَهُ فَأَفَادَ أَنَّهُ يُسْتَحَقُّ بِإِخْرَاجِ الْبَعْضِ بِقَدْرِهِ لِأَنَّ الْعَمَلَ فِي ذَلِكَ الْقَدْرِ صَارَ مُسَلَّمًا إلَى صَاحِبِ الدَّقِيقِ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَالْجَوْهَرَةِ وَمُرَادُهُ إذَا كَانَ الْخَبْزُ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ لِأَنَّهُ صَارَ مُسَلَّمًا إلَيْهِ بِمُجَرَّدِ الْإِخْرَاجِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي مُسْتَصْفَاهُ أَمَّا إذَا كَانَ خَارِجًا عَنْ بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ سَوَاءٌ كَانَ فِي بَيْتِ الْخَبَّازِ أَوْ لَا فَلَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ إلَّا بِالتَّسْلِيمِ حَقِيقَةً وَفِي الْجَوْهَرَةِ فَإِنْ سُرِقَ الْخُبْزُ بَعْدَمَا أَخْرَجَهُ فَإِنْ كَانَ يَخْبِزُ فِي   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 301 بَيْتِ صَاحِبِ الطَّعَامِ فَلَهُ الْأُجْرَةُ وَإِنْ كَانَ يَخْبِزُ فِي بَيْتِ الْخَبَّازِ فَلَا أُجْرَةَ لَهُ لِعَدَمِ التَّسْلِيمِ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيمَا سُرِقَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ فِي يَدِهِ أَمَانَةٌ خِلَافًا لَهُمَا وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ (قَوْلُهُ فَإِنْ أَخْرَجَهُ فَاحْتَرَقَ فَلَهُ الْأَجْرُ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ صَارَ مُسَلَّمًا بِالْوَضْعِ فِي بَيْتِهِ فَاسْتَحَقَّ الْمُسَمَّى وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ جِنَايَةٌ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إجْمَاعًا فَأَفَادَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْخُبْزُ فِي غَيْرِ بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ فَاحْتَرَقَ فَلَا أَجْرَ لَهُ وَلَا ضَمَانَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ دَقِيقًا مِثْلَ دَقِيقِهِ وَلَا أَجْرَ لَهُ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ الْخُبْزِ وَأَعْطَاهُ الْأَجْرَ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ الْحَطَبِ وَالْمِلْحِ وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِ احْتَرَقَ عُقَيْبَ الْإِخْرَاجِ لِأَنَّهُ إذَا احْتَرَقَ قَبْلَ الْإِخْرَاجِ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ فِي قَوْلِ أَصْحَابِنَا جَمِيعًا لِأَنَّهُ مِمَّا جَنَتْهُ يَدَاهُ بِتَقْصِيرِهِ فِي الْقَلْعِ مِنْ التَّنُّورِ فَإِنْ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ مَخْبُوزًا أَعْطَاهُ الْأَجْرَ وَإِنْ ضَمَّنَهُ دَقِيقًا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَجْرُ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ (قَوْلُهُ وَلِلطَّبَّاخِ بَعْدَ الْغَرْفِ) أَيْ بَعْدَ وَضْعِ الطَّعَامِ فِي الْقِصَاعِ اعْتِبَارًا لِلْعُرْفِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ كُلَّ طَعَامٍ كَمَا أَطْلَقَهُ فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ وَقَيَّدَهُ الْقُدُورِيُّ بِأَنْ يَكُونَ طَعَامَ الْوَلِيمَةِ قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ إذْ لَوْ كَانَ لِأَهْلِ بَيْتِهِ فَلَا غَرْفَ عَلَيْهِ. اهـ. وَإِنَّمَا لَمْ يُقَيِّدْهُ الْمُصَنِّفُ بِهِ لِأَنَّهُ يَرِدُ عَلَيْهِ بَقِيَّةُ أَنْوَاعِ الْأَطْعِمَةِ فَإِنَّ الْوَلِيمَةَ طَعَامُ الْعُرْسِ وَالْوَكِيرَةَ طَعَامُ الْبِنَاءِ وَالْخَرَسَ طَعَامُ الْوِلَادَةِ وَمَا تُطْعِمُ النُّفَسَاءُ نَفْسَهَا خُرْسَةً وَطَعَامَ الْخِتَانِ إعْذَارٌ وَطَعَامَ الْقَادِمِ مِنْ سَفَرِهِ نَقِيعَةٌ وَكُلَّ طَعَامٍ صُنِعَ لِدَعْوَةٍ مَأْدُبَةٌ وَمَادِّيَّةٌ جَمِيعًا وَيُقَالُ فُلَانٌ يَدْعُو النَّقْرِيُّ إذَا خُصَّ وَفُلَانٌ يَدْعُو الْجَفْلَيْ وَإِلَّا جَفْلًا إذَا عَمَّ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مَعْزِيًّا إلَى الْقُتَبِيِّ وَلَا يَرِدُ عَلَى الْمُصَنِّفِ طَعَامُ أَهْلِ بَيْتِهِ لِأَنَّ الْعُرْفَ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى طَبَّاخٍ وَإِنْ أَفْسَدَ الطَّبَّاخُ الطَّعَامَ أَوْ أَحْرَقَهُ أَوْ لَمْ يُنْضِجْهُ فَهُوَ ضَامِنٌ وَإِذَا دَخَلَ الْخَبَّازُ أَوْ الطَّبَّاخُ بِنَارٍ لِيَخْبِزَ بِهَا أَوْ يَطْبُخَ بِهَا فَوَقَعَتْ مِنْهُ شَرَارَةٌ فَاحْتَرَقَ بِهَا الْبَيْتُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَى الْعَمَلِ إلَّا بِإِدْخَالِ النَّارِ وَهُوَ مَأْذُونٌ لَهُ فِي ذَلِكَ وَلَا ضَمَانَ عَلَى صَاحِبِ الدَّارِ إذَا احْتَرَقَ شَيْءٌ مِنْ السُّكَّانِ فِي الدَّارِ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُتَعَدِّيًا فِي هَذَا السَّبَبِ كَمَنْ حَفَرَ بِئْرًا فِي مِلْكِهِ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ (قَوْلُهُ وَلِلَّبَّانِ بَعْدَ الْإِقَامَةِ) يَعْنِي مَنْ اسْتَأْجَرَ إنْسَانًا لِيَضْرِبَ لَهُ لَبَنًا اسْتَحَقَّ الْأَجْرَ إذَا أَقَامَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا لَا يَسْتَحِقُّهَا حَتَّى يُشَرِّجَهُ لِأَنَّ التَّشْرِيجَ مِنْ تَمَامِ عَمَلِهِ إذْ لَا يُؤْمَنُ مِنْ الْفَسَادِ قَبْلَهُ فَصَارَ كَالْإِخْرَاجِ مِنْ التَّنُّورِ وَلَهُ أَنَّ الْعَمَلَ قَدْ تَمَّ بِالْإِقَامَةِ وَالتَّشْرِيجُ عَمَلٌ زَائِدٌ كَالنَّقْلِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَنْتَفِعُ بِهِ قَبْلَ التَّشْرِيجِ بِالنَّقْلِ إلَى مَوْضِعِ الْعَمَلِ بِخِلَافِ مَا قَبْلَ الْإِقَامَةِ لِأَنَّهُ طِينٌ مُنْتَشِرٌ وَبِخِلَافِ الْخَبْزِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُنْتَفَعٍ بِهِ قَبْلَ الْإِخْرَاجِ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا تَلِفَ اللَّبَنُ قَبْلَ التَّشْرِيجِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تَلِفَ مِنْ مَالِ الْمُسْتَأْجِرِ وَعِنْدَهُمَا مِنْ مَالِ الْأَجِيرِ وَأَمَّا إذَا أُتْلِفَ قَبْلَ الْإِقَامَةِ فَلَا أُجْرَةَ إجْمَاعًا وَمُرَادُهُ مَا إذَا كَانَ ضَرَبَ اللَّبَنَ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ أَمَّا إذَا كَانَ فِي أَرْضِ الْأَجِيرِ فَلَا يَسْتَحِقُّهَا إلَّا بِتَسْلِيمَةِ وَهُوَ بِالْعَدِّ بَعْدَ الْإِقَامَةِ عِنْدَهُ وَبِالْعَدِّ بَعْدَ التَّشْرِيجِ عِنْدَهُمَا كَذَا ذَكَرَ الشَّارِحُ وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ فِي الْمُسْتَصْفَى فَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْأَجْرُ حَتَّى يُسَلِّمَهُ مَنْصُوبًا عِنْدَهُ وَمُشَرَّجًا عِنْدَهُمَا كَذَا فِي الْإِيضَاحِ وَالْمَبْسُوطِ اهـ. فَلَمْ يَشْتَرِطْ الْعَدَّ وَهُوَ الْأَوْلَى لِأَنَّهُ لَوْ سَلَّمَهُ بِغَيْرِ عَدٍّ كَانَ لَهُ الْأَجْرُ كَمَا لَا يَخْفَى وَالْإِقَامَةُ النِّصْفُ بَعْدَ الْجَفَافِ وَالتَّشْرِيجِ أَنْ يُرَكِّبَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ بَعْدَ الْجَفَافِ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خان وَالظَّهِيرِيَّةِ الْمَلْبَنُ عَلَى اللَّبَّانِ وَالتُّرَابُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَإِدْخَالُ الْحِمْلِ الْمَنْزِلَ عَلَى الْحَمَّالِ وَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ أَنْ يَصْعَدَ بِهِ عَلَى السَّطْحِ أَوْ الْغَرْفَةِ إلَّا أَنَّهُ يَشْتَرِطُ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ صَبُّ الطَّعَامِ فِي الْجَفْنَةِ لَا يَكُونُ عَلَيْهِ إلَّا بِشَرْطٍ وَلَوْ تَكَارَى دَابَّةً لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا صَاحِبُ الدَّابَّةِ الْحِمْلَ فَإِنْزَالُ الْحِمْلِ عَنْ الدَّابَّةِ يَكُونُ عَلَى الْمُكَارِي وَإِدْخَالُ الْحِمْلِ فِي الْمَنْزِلِ لَا يَكُونُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعٍ يَكُونُ ذَلِكَ عُرْفًا لَهُمْ وَفِي اسْتِئْجَارِ الدَّابَّةِ الْحِمْلُ وَالْإِكَافُ يَكُونُ عَلَى الْمُكَارِي وَكَذَلِكَ الْحِبَالُ وَالْجُوَالِقُ وَالْحَبْرُ عَلَى الْكَاتِبِ وَاشْتِرَاطُ الْوَرَقِ عَلَيْهِ فَاسِدٌ اهـ (قَوْلُهُ وَمَنْ لِعَمَلِهِ أَثَرٌ فِي الْعَيْنِ كَالصَّبَّاغِ وَالْقَصَّارِ يَحْبِسُهُمَا لِلْأَجْرِ) لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ وَصْفٌ قَائِمٌ فِي الثَّوْبِ فَلَهُ حَقُّ الْحَبْسِ لِاسْتِيفَاءِ الْبَدَلِ كَمَا فِي الْمَبِيعِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ فَأَفَادَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْخَبْزُ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ فَاحْتَرَقَ إلَخْ) أَقُولُ: فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَشُرُوحِهِ أَطْلَقُوا الْجَوَابَ بِعَدَمِ الضَّمَانِ وَلَمْ يَذْكُرُوا الْخِلَافَ فَعَنْ هَذَا قَالُوا الْجَوَابُ مُجْرًى عَلَى عُمُومِهِ فَعِنْدَهُ لَا ضَمَانَ مِنْ صُنْعِهِ وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِأَنَّهُ هَلَكَ بَعْدَ التَّسْلِيمِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْخِلَافَ الْقُدُورِيُّ بِرِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ وَإِذَا أَخْرَجَهُ مِنْ التَّنُّورِ فَوَضَعَهُ وَهُوَ يَخْبِزُ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ وَقَدْ فَرَغَ فَإِنْ احْتَرَقَ مِنْ غَيْرِ جِنَايَةٍ فَلَهُ الْأَجْرُ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ فَالْكَلَامُ فِي الْخَبْزِ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ لَا فِي غَيْرِ بَيْتِهِ تَأَمَّلْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 302 لِعَمَلِهِ إلَّا إزَالَةُ الدَّرَنِ بِالْغَسْلِ فَقَطْ عَلَى الْأَصَحِّ لِأَنَّ الْبَيَاضَ كَانَ مُسْتَتِرًا وَقَدْ ظَهَرَ بِفِعْلِهِ فَكَأَنَّهُ أَحْدَثَهُ فِيهِ كَذَا ذَكَرَ قَاضِي خان فِي شَرْحِهِ وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي مُسْتَصْفَاهُ مَعْزِيًّا إلَى الذَّخِيرَةِ أَنْ لَيْسَ لَهُ حَقُّ الْحَبْسِ فَاخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ وَيَنْبَغِي تَرْجِيحُ الْمَنْعِ وَقَدْ جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ بِقَوْلِهِ وَغَسْلُ الثَّوْبِ نَظِيرَ الْحِمْلِ وَمُرَادُهُ إذَا كَانَ الْأَجْرُ حَالًّا أَمَّا إذَا كَانَ مُؤَجَّلًا فَلَيْسَ لَهُ الْحَبْسُ عَلَيْهَا لِأَنَّ التَّسْلِيمَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ لِلْحَالِّ فَلَا يَمْلِكُ الْحَبْسَ كَمَا لَوْ بَاعَ شَيْئًا بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ لَيْسَ لَهُ الْحَبْسُ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ يَحْبِسُهُ إلَى أَنَّهُ عَمِلَهُ فِي بَيْتِهِ أَوْ دُكَّانِهِ فَأَفَادَ أَنَّهُ إذَا خَاطَهُ أَوْ صَبَغَهُ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ فَلَيْسَ لَهُ حَقُّ الْحَبْسِ لِأَنَّ الْمَتَاعَ وَقَعَ مُسَلَّمًا إلَى الْمَالِكِ لِكَوْنِ الْمَحَلِّ فِي يَدِهِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا جَنَتْ يَدُهُ عِنْدَ الْإِمَامِ وَإِنْ كَانَ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ بِخِلَافِ الْمَلَّاحِ إذَا غَرِقَتْ السَّفِينَةُ بِمَدِّهِ وَصَاحِبُ الْمَتَاعِ فِيهَا حَيْثُ لَا يَضْمَنُ الْمَتَاعَ لِأَنَّهُ فِي يَدِ مَالِكِهِ حَقِيقَةً وَالْمَدُّ تَصَرَّفَ فِي السَّفِينَةِ دُونَ الْمَتَاعِ فَمَتَى كَانَ مَأْذُونًا فِيهِ مِنْ قِبَلِ الْمَالِكِ لَمْ يَكُنْ مُتَعَدِّيًا فِي السَّبَبِ فَلَا يُؤَاخَذُ بِالضَّمَانِ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ (قَوْلُهُ فَإِنْ حُبِسَ فَضَاعَ فَلَا أَجْرَ وَلَا ضَمَانَ) وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فِي الْحَبْسِ فَبَقِيَ أَمَانَةً كَمَا كَانَ عِنْدَهُ وَلَا أَجْرَ لَهُ لِهَلَاكِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَعِنْدَهُمَا الْعَيْنُ كَانَتْ مَضْمُونَةً قَبْلَ الْحَبْسِ فَكَذَا بَعْدَهُ لَكِنَّهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ غَيْرَ مَعْمُولٍ وَلَا أَجْرَ لَهُ وَإِنْ شَاءَ مَعْمُولًا وَلَهُ الْأَجْرُ (قَوْلُهُ وَمَنْ لَا أَثَرَ لِعَمَلِهِ كَالْجَمَالِ وَالْمَلَّاحِ لَا يُحْبَسُ لِلْأَجْرِ) لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ نَفْسُ الْعَمَلِ وَهُوَ غَيْرُ قَائِمٍ فِي الْعَيْنِ فَلَا يُتَصَوَّرُ حَبْسُهُ فَلَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ الْحَبْسِ فَأَفَادَ أَنَّهُ لَوْ حَبَسَهَا ضَمِنَهَا ضَمَانَ الْغَاصِبِ وَصَاحِبُهَا بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهَا مَحْمُولَةً وَلَهُ الْأَجْرُ وَإِنْ شَاءَ غَيْرَ مَحْمُولَةٍ فَلَا أَجْرَ لَهُ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ مِنْ الْأَثَرِ فَقِيلَ أَنْ تَكُونَ الْأَثَرَةُ مُتَّصِلَةٌ بِمَحَلِّ الْعَمَلِ كَالنَّشَّارِ وَالصَّبْغِ وَقِيلَ أَنْ يَرَى وَيُعَايِنَ فِي مَحَلِّ الْعَمَلِ وَثَمَرَتُهُ تَظْهَرُ فِي كَسْرِ الْحَطَبِ وَطَحْنِ الْحِنْطَةِ وَحَلْقِ رَأْسِ الْعَبْدِ فَلَيْسَ لَهُ الْحَبْسُ عَلَى الْأَوَّلِ وَلَهُ الْحَبْسُ عَلَى الثَّانِي وَظَاهِرُ مَا فِي الْقُنْيَةِ تَرْجِيحُ الثَّانِي وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ لِمَا عَلَّلُوا بِهِ فِي حَقِّ الْحَبْسِ مِنْ أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ وَصْفٌ فِي الثَّوْبِ وَمِنْهُمْ مَنْ ضَبَطَ الْحَمَّالَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ ضَبَطَهَا بِالْجِيمِ وَالْأَوْلَى الْأَوَّلُ لِأَنَّ الْحَمْلَ يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ عَلَى الظَّهْرِ وَعَلَى الدَّابَّةِ فَيَكُونُ أَعَمَّ مِنْ لَفْظِ الْجَمَّالِ بِالْجِيمِ وَلَا يُرَدُّ الْآبِقُ حَيْثُ يَكُونُ لِلرَّادِّ حَقُّ حَبْسِهِ لِاسْتِيفَاءِ الْجُعْلِ وَلَا أَثَرَ لِعَمَلِهِ لِأَنَّهُ كَانَ عَلَى شُرَفِ الْهَلَاكِ وَقَدْ أَحْيَاهُ فَكَأَنَّهُ بَاعَهُ مِنْهُ فَلَهُ حَقُّ الْحَبْسِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ وَلَا يُسْتَعْمَلُ غَيْرُهُ إنْ شَرَطَ عَمَلَهُ بِنَفْسِهِ) لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ الْعَمَلُ فِي مَحَلٍّ بِعَيْنِهِ كَالْمَنْفَعَةِ فِي مَحَلٍّ بِعَيْنِهِ وَاسْتَثْنَى فِي الْخُلَاصَةِ الظِّئْرَ فَإِنَّ لَهَا أَنْ تَسْتَعْمِلَ غَيْرَهَا وَالْمُرَادُ مِنْ اشْتِرَاطِ الْعَمَلِ بِنَفْسِهِ أَنْ يَقُولَ لَهُ اعْمَلْ بِنَفْسِك أَوْ بِيَدِك وَلَا تَفْعَلُ بِيَدِ غَيْرِك كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ أَمَّا إذَا قَالَ عَلَى أَنْ تَعْمَلَ فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ مَا إذَا أَطْلَقَ كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى وَغَايَةِ الْبَيَانِ وَفِي الْخُلَاصَةِ رَجُلٌ اسْتَأْجَرَ رَجُلَيْنِ لِيَحْمِلَا لَهُ خَشَبَةً إلَى مَنْزِلِهِ بِدِرْهَمٍ فَحَمَلَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ فَلَهُ نِصْفُ دِرْهَمٍ وَإِنْ لَمْ يَكُونَا شَرِيكَيْنِ فِي الْعَمَلِ قَبْلَ ذَلِكَ وَكَذَا لَوْ اسْتَأْجَرَ أَحَدَهُمَا لِبِنَاءِ حَائِطٍ أَوْ حَفْرِ بِئْرٍ وَلَوْ كَانَا شَرِيكَيْنِ يَجِبُ كُلُّ الْأَجْرِ بَيْنَهُمَا وَقَيَّدَ بِاشْتِرَاطِ الْعَمَلِ لِأَنَّهُ لَوْ اشْتَرَطَا عَلَيْهِ أَنْ يَعْمَلَ الْيَوْمَ أَوْ غَدًا فَلَمْ يَفْعَلْ فَطَالَبَهُ صَاحِبُهُ مَرَّاتٍ فَفَرَّطَ حَتَّى سُرِقَ لَا يَضْمَنُ وَأَجَابَ شَمْسُ الْإِسْلَامِ بِالضَّمَانِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ (قَوْلُهُ وَإِنْ أَطْلَقَ كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ غَيْرَهُ) لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَمَلٌ فِي ذِمَّتِهِ وَيُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ بِنَفْسِهِ وَبِالِاسْتِعَانَةِ بِغَيْرِهِ بِمَنْزِلَةِ إيفَاءِ الدَّيْنِ وَأَشَارَ بِكَوْنِهِ لَهُ الِاسْتِئْجَارُ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الدَّفْعُ إلَى غَيْرِهِ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ رَجُلٌ دَفَعَ غَزْلًا إلَى رَجُلٍ لِيَنْسِجَهُ كِرْبَاسًا فَدَفَعَ هُوَ إلَى آخَرَ لِيَنْسِجَهُ فَسُرِقَ مِنْ يَدِهِ إنْ كَانَ الثَّانِي أَجِيرًا لِلْأَوَّلِ لَا يَضْمَنُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَإِنْ كَانَ الثَّانِي أَجْنَبِيًّا ضَمِنَ الْأَوَّلُ دُونَ الْآخَرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا فِي الْأَوَّلِ ضَامِنٌ مُطْلَقًا وَفِي الْأَجْنَبِيِّ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْأَوَّلَ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْآخَرَ [اسْتَأْجَرَهُ لِيَجِيءَ بِعِيَالِهِ فَمَاتَ بَعْضُهُمْ فَجَاءَ بِمَا بَقِيَ] (قَوْلُهُ وَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَجِيءَ بِعِيَالِهِ فَمَاتَ بَعْضُهُمْ فَجَاءَ بِمَا بَقِيَ فَلَهُ أَجْرُهُ بِحِسَابِهِ) لِأَنَّهُ أَوْ فِي بَعْضِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَيَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ بِقَدْرِهِ وَمُرَادُهُ إذَا   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي تَرْجِيحُ الْمَنْعِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَدَّمَ هَذَا الشَّارِحُ فِي الْقَضَاءِ أَنَّ الْحَبْسَ فِي اللُّغَةِ الْمَنْعُ فَلَعَلَّهُ وَيَنْبَغِي تَرْجِيحُ عَدَمِ الْمَنْعِ أَيْ عَدَمُ الْحَبْسِ لِلْعَيْنِ فَسَقَطَ مِنْ خَطِّ الْكَاتِبِ ذَلِكَ أَوْ مَعْنَاهُ تَرْجِيحُ مَنْعِ الْحَبْسِ لَهَا شَرْعًا وَالْأَلِفُ وَاللَّامُ بَدَلٌ عَنْ الْإِضَافَةِ تَأَمَّلْ اهـ. قُلْت لَا يَخْفَى بُعْدُ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ هُنَا بَلْ الْمُرَادُ الْمُتَبَادِرُ الْمَنْعُ الْمَفْهُومُ مِنْ قَوْلِهِ لَيْسَ لَهُ حَقُّ الْحَبْسِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 303 كَانُوا مَعْلُومِينَ لِيَكُونَ الْأَجْرُ مُقَابِلَا بِجُمْلَتِهِمْ وَإِنْ كَانُوا غَيْرَ مَعْلُومِينَ يَجِبُ الْأَجْرُ كُلُّهُ إلَيْهِ أَشَارَ فِي الْهِدَايَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [بَابُ مَا يَجُوزُ مِنْ الْإِجَارَةِ وَمَا يَكُونُ خِلَافًا فِيهَا] (بَابُ مَا يَجُوزُ مِنْ الْإِجَارَةِ وَمَا يَكُونُ خِلَافًا فِيهَا) (قَوْلُهُ صَحَّ إجَارَةُ الدُّورِ وَالْحَوَانِيتِ بِلَا بَيَانِ مَا يُعْمَلُ فِيهَا) لِأَنَّ الْعَمَلَ الْمُتَعَارَفَ فِيهِ السُّكْنَى فَيَنْصَرِفُ إلَيْهِ وَأَنَّهُ لَا يَتَفَاوَتُ فَصَحَّ الْعَقْدُ وَالْحَوَانِيتُ الدَّكَاكِينُ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَيْضًا بَيَانُ مَنْ يَسْكُنُهَا فَلَهُ أَنْ يَسْكُنَهَا بِنَفْسِهِ وَيُسْكِنَهَا غَيْرَهُ بِإِجَارَةٍ وَغَيْرِهَا وَكَذَا مَنْ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا لِلْخِدْمَةِ لَهُ أَنْ يُؤَجِّرَهُ لِغَيْرِهِ بِخِلَافِ الدَّابَّةِ وَالثَّوْبِ كَذَا فِي الْقُنْيَةِ وَقَيَّدَ بِالدُّورِ وَالْحَوَانِيتِ لِأَنَّ الثَّوْبَ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ لَابِسِهِ وَكَذَا كُلُّ مَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمِلِ فَلَهُ الْوُضُوءُ وَالِاغْتِسَالُ وَغَسْلُ الثِّيَابِ وَكَسْرُ الْحَطَبِ الْمُعْتَادِ وَالِاسْتِنْجَاءُ بِحَائِطِهِ وَالدَّقُّ الْمُعْتَادُ الْيَسِيرُ وَأَنْ يَتِدَ وَتَدًا وَرَبْطُ الدَّوَابِّ فِي مَوْضِعٍ مُعْتَادٍ لَهُ لَا إنْ لَمْ يَكُنْ مُعْتَادًا وَلَهُ رَبْطُهَا عَلَى بَابِ الدَّارِ وَلَيْسَ لِلْآجِرِ أَنْ يُدْخِلَ دَابَّتَهُ الدَّارَ الْمُسْتَأْجَرَةَ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَفِي الْقُنْيَةِ لِمُسْتَأْجِرِ الدَّارِ الْمُسَبَّلَةِ إلْقَاءُ مَا اجْتَمَعَ مِنْ كَنْسِ الدَّارِ مِنْ التُّرَابِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قِيمَةٌ وَلَهُ أَنْ يَتِدَ فِيهِ وَتَدًا وَيَسْتَنْجِيَ بِجِدَارِهِ وَيَتَّخِذَ فِيهِ بَالُوعَةً إلَّا إذَا كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ بَيِّنٌ وَلَوْ اسْتَأْجَرَ حَانُوتًا مُسَبَّلًا لِدَقِّ الْأُرْزِ لَهُ ذَلِكَ إنْ لَمْ يَضُرَّ بِالْبِنَاءِ وَلَيْسَ لِمُسْتَأْجِرِ الدَّارِ الْمُسَبَّلَةِ أَنْ يَجْعَلَهَا إصْطَبْلًا اهـ. وَفِي الْخُلَاصَةِ وَلَوْ كَانَ فِيهَا مَاءٌ تَوَضَّأَ مِنْهَا وَشَرِبَ وَلَوْ فَسَدَتْ الْبِئْرُ لَا يُجْبَرُ أَحَدُهُمَا عَلَى إصْلَاحِهَا وَلَوْ بَنَى الْمُسْتَأْجِرُ التَّنُّورَ فِي الدَّارِ الْمُسْتَأْجَرَةِ فَاحْتَرَقَ شَيْءٌ مِنْ الدَّارِ لَمْ يَضْمَنْ الْمُسْتَأْجِرُ (قَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُ لَا يُسْكِنُ حَدَّادًا أَوْ قَصَّارًا أَوْ طَحَّانًا) فِيهِ وَجْهَانِ الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ بِفَتْحِ الْيَاءِ مِنْ الثَّلَاثِي الْمُجَرَّدِ فَيَكُونُ انْتِصَابُ حَدَّادًا وَمَا بَعْدَهُ عَلَى الْحَالِ وَيُفْهَمُ مِنْهُ عَدَمُ إسْكَانِهِ غَيْرَهُ دَلَالَةً بِالْأَوْلَى الثَّانِي أَنْ يَكُونَ بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْكَافِ وَانْتِصَابِ مَا بَعْدَهُ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ وَيُفْهَمُ مِنْهُ عَدَمُ سُكْنَاهُ بِنَفْسِهِ بِالْإِشَارَةِ لِأَنَّهُ إنَّمَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يُسْكِنَ غَيْرَهُ لِأَنَّ ذَلِكَ يُوهِنُ الْبِنَاءَ وَفِي سُكْنَى نَفْسِهِ مُلْتَبِسًا بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ هَذَا الْمَعْنَى حَاصِلٌ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَهَذَا إذَا لَمْ يَرْضَ بِهِ الْمَالِكُ أَوْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ فِي الْإِجَارَةِ فَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ لِذَلِكَ كَانَ لَهُ ذَلِكَ وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الِاشْتِرَاطِ فَالْقَوْلُ لِلْمُؤَجِّرِ كَمَا لَوْ أَنْكَرَ أَصْلَ الْعَقْدِ وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمُسْتَأْجِرِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَفِي الْقُنْيَةِ اسْتَأْجَرَ حَانُوتًا مُسَبَّلًا لِدَقِّ الْأُرْزِ لَهُ ذَلِكَ إنْ لَمْ يَضُرَّ بِالْبِنَاءِ. اهـ. وَفِي الْخُلَاصَةِ وَإِذَا اسْتَأْجَرَ لِيُقْعِدَ قَصَّارًا فَلَهُ أَنْ يُقْعِدَ حَدَّادًا إذَا كَانَ مَضَرَّتُهُمَا وَاحِدَةً وَالْمُرَادُ مِنْ الرَّحَى غَيْرُ رَحَى الْيَدِ أَمَّا رَحَى الْيَدِ فَلَا يُمْنَعُ مِنْ الطَّحْنِ عَلَيْهَا وَإِنْ كَانَ يَضُرُّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَلَوْ فَعَلَ مَا لَا يَجُوزُ لَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ الْأَجْرُ وَإِنْ انْهَدَمَ الْبِنَاءُ بِعَمَلِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ وَلَا أَجْرَ لِمَا عُلِمَ أَنَّهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ قَيَّدَ بِالدُّورِ وَالْحَوَانِيتِ لِأَنَّ اسْتِئْجَارَ الْبِنَاءِ وَحْدَهُ لَا يَجُوزُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّهُ لَا يُنْتَفَعُ بِالْبِنَاءِ وَحْدَهُ وَفِي الْقُنْيَةِ يُفْتِي بِرِوَايَةِ جَوَازِ اسْتِئْجَارِ الْبِنَاءِ إذَا كَانَ مُنْتَفَعًا بِهِ كَالْجُدْرَانِ مَعَ السَّقْفِ اهـ. وَفِي الْجَوْهَرَةِ الْمُسْتَأْجِرُ إذَا أَجَرَ بِأَكْثَرَ مِمَّا اسْتَأْجَرَ تَصَدَّقَ بِالْفَضْلِ إلَّا إذَا أَصْلَحَ فِيهَا شَيْئًا أَوْ أَجَرَهَا بِخِلَافِ جِنْسِ مَا اسْتَأْجَرَ وَالْكَنْسُ لَيْسَ بِإِصْلَاحٍ وَفِي الْجَوْهَرَةِ وَإِنْ أَجَرَهَا مِنْ الْمُؤَجِّرِ لَمْ يَجُزْ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ وَهَلْ هُوَ نَقْضٌ لِلْعَقْدِ الْأَوَّلِ فِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْعَقْدَ يَنْفَسِخُ (قَوْلُهُ وَالْأَرَاضِي لِلزِّرَاعَةِ إنْ بَيَّنَ مَا يُزْرَعُ فِيهَا أَوْ قَالَ عَلَى أَنْ يَزْرَعَ فِيهَا مَا شَاءَ) أَيْ صَحَّ ذَلِكَ لِلْإِجْمَاعِ الْعَمَلِيِّ عَلَيْهِ وَلَا بُدَّ مِنْ الْبَيَانِ لِأَنَّهَا تُسْتَأْجَرُ لِلزِّرَاعَةِ وَغَيْرِهَا وَمَا يُزْرَعُ فِيهَا مُتَفَاوِتٌ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّعْيِينِ كَيْلًا تَقَعَ الْمُنَازَعَةُ وَتَرْتَفِعُ بِتَفْوِيضِ الْخِيَرَةِ إلَيْهِ أَيْضًا وَإِلَّا فَهِيَ فَاسِدَةٌ لِلْجَهَالَةِ وَتَنْقَلِبُ صَحِيحَةً بِزَرْعِهَا وَيَجِبُ الْمُسَمَّى لِارْتِفَاعِهَا كَاسْتِئْجَارِ ثَوْبٍ لَمْ يُبَيِّنْ لَابِسَهُ إذَا أَلْبَسَ شَخْصًا انْقَلَبَتْ صَحِيحَةً وَكَذَا الدَّابَّةُ وَالْقِدْرُ لِلطَّبْخِ وَلِلْمُسْتَأْجِرِ الشِّرْبُ وَالطَّرِيقُ لِأَنَّهَا تَنْعَقِدُ لِلِانْتِفَاعِ وَلَا انْتِفَاعَ إلَّا بِهِمَا فَيَدْخُلَانِ تَبَعًا بِخِلَافِ الْبَيْعِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ مِلْكُ الرَّقَبَةِ لَا الِانْتِفَاعُ فِي الْحَالِ حَتَّى جَازَ بَيْعُ الْجَحْشِ وَالْأَرْضِ السَّبِخَةِ دُونَ إجَارَتِهَا إلَّا بِذَكَرِ الْحُقُوقِ وَالْمَرَافِقِ كَمَا عُرِفَ فِي الْبُيُوعِ وَفِي الْقُنْيَةِ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا سَنَةً عَلَى أَنْ يَزْرَعَ   [منحة الخالق] بَابُ مَا يَجُوزُ مِنْ الْإِجَارَةِ وَمَا يَكُونُ خِلَافًا فِيهَا) (قَوْلُهُ أَمَّا رَحَى الْيَدِ إلَخْ) فِيهِ سَقْطٌ وَاَلَّذِي فِي الْخُلَاصَةِ لَا يُمْنَعُ مِنْ رَحَى الْيَدِ إنْ كَانَ لَا يَضُرُّ وَإِنْ كَانَ يَضُرُّ يُمْنَعُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 304 فِيهَا مَا شَاءَ فَلَهُ أَنْ يَزْرَعَ فِيهَا زَرْعَيْنِ رَبِيعِيًّا وَخَرِيفِيًّا وَفِي الْجَوْهَرَةِ وَلَا بَأْسَ بِاسْتِئْجَارِ الْأَرْضِ لِلزِّرَاعَةِ قَبْلَ رَيِّهَا إذَا كَانَتْ مُعْتَادَةً لِلرَّيِّ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمُدَّةِ الَّتِي عَقْدُ الْإِجَارَةِ عَلَيْهَا وَإِنْ جَاءَ مِنْ الْمَاءِ مَا يُزْرَعُ بِهِ بَعْضُهَا فَالْمُسْتَأْجِرُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ نَقَضَ الْإِجَارَةَ كُلَّهَا وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَنْقُضْهَا وَكَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْأَجْرِ بِحِسَابِ مَا رَوَى مِنْهَا اهـ. وَفِي الْقُنْيَةِ وَلَوْ اسْتَأْجَرَهَا وَلَا يُمْكِنُهَا الزِّرَاعَةَ فِي الْحَالِ لِاحْتِيَاجِهَا إلَى السَّقْيِ أَوْ كَرْيِ الْأَنْهَارِ أَوْ مَجِيءِ الْمَاءِ فَإِنْ كَانَ بِحَالٍ تُمْكِنُ الزِّرَاعَةُ فِي مُدَّةِ الْعَقْدِ جَازَ وَإِلَّا فَلَا كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَهَا فِي الشِّتَاءِ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ وَلَا يُمْكِنُ زِرَاعَتُهَا فِي الشِّتَاءِ وَجَازَ لِمَا أَمْكَنَ فِي الْمُدَّةِ أَمَّا إذَا لَمْ يُمْكِنْ الِانْتِفَاعُ بِهَا أَصْلًا بِأَنْ كَانَتْ سَبِخَةً فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ وَفِي مَسْأَلَةِ الِاسْتِئْجَارِ فِي الشِّتَاءِ يَكُونُ الْأَجْرُ مُقَابَلًا بِكُلِّ الْمُدَّةِ لَا بِمَا يُنْتَفَعُ بِهِ فَحَسْبُ وَقِيلَ بِمَا يُنْتَفَعُ بِهِ اهـ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَرْضَ لَا يَنْحَصِرُ اسْتِئْجَارُهَا لِلزِّرَاعَةِ لِلْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ كَمَا يُوهِمُهُ الْمُتُونُ فَقَدْ صَرَّحَ فِي الْهِدَايَةِ بِأَنَّ الْأَرْضَ تُسْتَأْجَرُ لِلزِّرَاعَةِ وَغَيْرِهَا وَقَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَرَادَ بِغَيْرِ الزِّرَاعَةِ الْبِنَاءَ وَالْغَرْسَ وَطَبْخِ الْآجُرِّ وَالْخَزَفِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ سَائِرِ الِانْتِفَاعَاتِ بِالْأَرْضِ اهـ. فَإِذَا عَرَفْت ذَلِكَ ظَهَرَ لَك صِحَّةُ الْإِجَارَاتِ الْوَاقِعَةِ فِي زَمَانِنَا مِنْ أَنَّهُ تُسْتَأْجَرُ الْأَرْضُ مَقِيلًا وَمَرَاحًا قَاصِدِينَ بِذَلِكَ إلْزَامَ الْأُجْرَةِ بِالتَّمَكُّنِ مِنْهَا مُطْلَقًا سَوَاءٌ شَمِلَهَا الْمَاءُ وَأَمْكَنَ زِرَاعَتُهَا أَوْ لَا وَلَا شَكَّ فِي صِحَّتِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَأْجِرْهَا لِلزِّرَاعَةِ بِخُصُوصِهَا حَتَّى يَكُونَ عَدَمُ رَيِّهَا فَسْخًا لَهَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا لِيُلَبِّنَ فِيهَا فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ ثُمَّ هِيَ عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ كَانَ لِلتُّرَابِ قِيمَةٌ ضَمِنَ قِيمَتَهُ وَيَكُونُ اللَّبِنُ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قِيمَةٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَاللَّبِنُ لَهُ وَضَمِنَ نُقْصَانَ الْأَرْضِ إنْ نَقَصَتْ. وَفِي فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ أَنَّ إجَارَةَ الْأَرْضِ الْمَشْغُولَةِ بِزَرْعِ الْغَيْرِ إنْ كَانَ الزَّرْعُ بِحَقٍّ بِأَنْ كَانَ بِإِجَارَةٍ لَا يَجُوزُ أَنْ تُؤَجَّرَ مَا لَمْ يُسْتَحْصَدْ الزَّرْعُ إلَّا أَنْ يُؤَجِّرَهَا مُضَافَةً إلَى الْمُسْتَقْبَلِ وَإِنْ كَانَ الزَّرْعُ بِغَيْرِ مُسْتَنَدٍ شَرْعِيٍّ صَحَّتْ الْإِجَارَةُ لِأَنَّ الزَّرْعَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَاجِبُ الْقَلْعِ فَإِنَّ الْمُؤَجِّرَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ قَادِرٌ عَلَى تَسْلِيمِ مَا أَجَرَهُ بِأَنْ يُجْبِرَ صَاحِبَ الزَّرْعِ عَلَى قَلْعِهِ سَوَاءٌ أُدْرِكَ أَمْ لَا لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِصَاحِبِهِ فِي إبْقَائِهِ اهـ. وَالدَّارُ الْمَشْغُولَةُ بِمَتَاعِ السَّاكِنِ الَّذِي لَيْسَ بِمُسْتَأْجِرٍ تَصِحُّ إجَارَتُهَا وَابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ مِنْ حِينِ تَسْلِيمِهَا فَارِغَةً كَذَا فِي الْقُنْيَةِ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَلَوْ أَجَرَ الْأَرْضَ الْمَزْرُوعَةَ ثُمَّ سَلَّمَهَا بَعْدَمَا فَرَغَ وَحَصَدَ يَنْقَلِبُ جَائِزًا وَلَوْ قَالَ الْمُسْتَأْجِرُ اسْتَأْجَرْت مِنْك الْأَرْضَ وَهِيَ فَارِغَةٌ وَقَالَ الْمُؤَجِّرُ لَا بَلْ هِيَ مَشْغُولَةٌ بِزَرْعِي يُحَكَّمُ الْحَالُ كَذَا فِي الْمُنْتَقَى وَفِي فَتَاوَى الْفَضْلِيِّ الْقَوْلُ قَوْلُ الْآجِرِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلِلْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ) أَيْ صَحَّ اسْتِئْجَارُ الْأَرْضِ لِلْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ وَهُوَ بِفَتْحِ الْغَيْنِ بِمَعْنَى الْمَغْرُوسِ وَقَدْ جَاءَ فِيهِ الْكَسْرُ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ لِأَنَّهَا مَنْفَعَةٌ تُقْصَدُ بِالْأَرَاضِيِ وَفِي الْقُنْيَةِ وَلَا يَجُوزُ لِمُسْتَأْجِرِ السَّبِيلِ أَنْ يَبْنِيَ فِيهِ غَرْفَةً لِنَفْسِهِ إلَّا أَنْ يَزِيدَ فِي الْأُجْرَةِ وَلَا يَضُرَّ بِالْبِنَاءِ وَإِنْ كَانَ مُعَطَّلًا غَالِبًا وَلَا يَرْغَبُ الْمُسْتَأْجِرُ إلَّا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ جَازَ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ فِي الْأُجْرَةِ إذَا قَالَ الْقَيِّمُ أَوْ الْمَالِكُ لِمُسْتَأْجِرِهَا أَذِنْت لَك فِي عِمَارَتِهَا فَعَمَّرَهَا بِإِذْنِهِ يَرْجِعُ عَلَى الْقَيِّمِ وَالْمَالِكِ وَهَذَا إذًا يَرْجِعُ مُعْظَمُ مَنْفَعَتِهِ إلَى الْمَالِكِ أَمَّا إذَا رَجَعَ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَفِيهِ ضَرَرٌ بِالدَّارِ كَالْبَالُوعَةِ أَوْ شَغْلِ بَعْضِهَا كَالتَّنُّورِ فَلَا مَا لَمْ يَشْتَرِطْ الرُّجُوعَ ذَكَرَهُ فِي الْوَقْفِ (قَوْلُهُ فَإِنْ مَضَتْ الْمُدَّةُ قَلَعَهُمَا وَسَلَّمَهَا فَارِغَةً) لِأَنَّهُ لَا نِهَايَةَ لَهُمَا فَفِي إبْقَائِهِمَا إضْرَارٌ بِصَاحِبِ الْأَرْضِ فَوَجَبَ الْقَلْعُ وَفِي الْقُنْيَةِ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا وَقْفًا وَغَرَسَ فِيهَا أَوْ بَنَى   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ لِيُلَبِّنَ فِيهَا) قَالَ الرَّمْلِيُّ صَوَابُهُ مِنْهَا كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ قَائِلًا لِوُقُوعِ الْإِجَارَةِ عَلَى الْعَيْنِ (قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ لِمُسْتَأْجِرِ السَّبِيلِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ أَنَّ السَّبِيلَ هُوَ الْوَقْفُ عَلَى الْعَامَّةِ (قَوْلُهُ وَفِي الْقُنْيَةِ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا وَقْفًا وَغَرَسَ فِيهَا أَوْ بَنَى إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ ذَكَرَهَا بَعْدَ أَنْ رَمَزَ (سم) (قع) لِإِسْمَاعِيلَ الْمُتَكَلِّمِ أَوْ هُوَ بِالْمُعْجَمَةِ لِشَرَفِ الْأَئِمَّةِ الْمَكِّيِّ وَالْقَاضِي عَبْدِ الْجَبَّارِ وَقَالَ فِيهَا قِيلَ لَهُمَا فَلَوْ أَبَى الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِمْ إلَّا الْقَلْعَ هَلْ لَهُمْ ذَلِكَ قَالَ لَا وَقَدْ قَالُوا لَا تَعْوِيلَ وَلَا الْتِفَاتَ إلَى كُلِّ مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْقُنْيَةِ مُخَالِفًا لِلْقَوَاعِدِ مَا لَمْ يُعَضِّدْهُ نَقْلٌ مِنْ غَيْرِهِ وَقَدْ عَضَّدَ بِمَا فِي أَوْقَافِ الْخَصَّافِ وَوَجْهُهُ إمْكَانُ رِعَايَةِ الْجَانِبَيْنِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ فَعَلَيْهِ إذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا فَلِلْمُسْتَأْجِرِ أَوْ وَرَثَتِهِ الِاسْتِبْقَاءُ فَيَكُونُ مُخَصِّصًا لِكَلَامِ الْمُتُونِ وَوَجْهُهُ أَيْضًا عَدَمُ الْفَائِدَةِ فِي الْقَلْعِ إذْ لَوْ قَلَعَ لَا تُؤَجَّرُ بِأَكْثَرَ مِنْهُ حَتَّى لَوْ حَصَلَ ضَرَرٌ مَا مِنْ أَنْوَاعِ الضَّرَرِ بِأَنْ كَانَ الْمُسْتَأْجِرُ أَوْ وَارِثُهُ مُفْلِسًا أَوْ سَيِّئَ الْمُعَامَلَةِ أَوْ مُتَغَلِّبًا يُخْشَى عَلَى الْوَقْفِ مِنْهُ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الضَّرَرِ يَجِبُ أَنْ لَا يُجْبَرَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِمْ تَأَمَّلْ اهـ. كَلَامُ الرَّمْلِيِّ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنْ عِبَارَةِ الْمَتْنِ كَغَيْرِهِ مِنْ الْمُتُونِ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْمُسْتَأْجِرَ بَعْدَ انْتِهَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ تَسْلِيمُ الْأَرْضِ لِلْمُؤَجِّرِ فَارِغَةً سَوَاءٌ كَانَتْ الْأَرْضُ مِلْكًا أَوْ وَقْفًا فَلَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يُجْبِرَ الْمُؤَجِّرَ عَلَى أَنْ يُؤَجِّرَهَا مِنْهُ مُدَّةً ثَانِيَةً بِدُونِ رِضَاهُ وَاسْتَثْنَى فِي الْقُنْيَةِ أَرْضَ الْوَقْفِ إذَا بَنَى فِيهَا أَوْ غَرَسَ فَلَهُ اسْتِبْقَاؤُهَا بِيَدِهِ مُدَّةً أُخْرَى بِأَجْرِ الْمِثْلِ لِمَا فِيهِ مِنْ حُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْ أَرْضِ الْوَقْفِ وَهُوَ إيجَارُهَا بِأَجْرِ الْمِثْلِ لِأَنَّ أَرْضَ الْوَقْفِ لَا يُمْكِنُ الْمُتَوَلِّي تَعْطِيلُهَا فَحَيْثُ كَانَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ إيجَارِهَا بِأَجْرِ الْمِثْلِ وَرَضِيَ الْبَانِي وَالْغَارِسُ بِذَلِكَ كَانَ أَحَقَّ مِنْ غَيْرِهِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ مَعَ دَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُ وَقَدْ اضْطَرَبَ كَلَامُ الْخَبَرِ الرَّمْلِيِّ فِي فَتَاوِيهِ فَتَارَةً أَفْتَى بِهَذَا وَقَالَ بَعْدَمَا نَقَلَ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ عَنْ الْقُنْيَةِ وَالْخَصَّافِ مَا نَصُّهُ وَأَنْتَ عَلَى عِلْمٍ أَنَّ الشَّرْعَ يَأْبَى الضَّرَرَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 305 ثُمَّ مَضَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ فَلِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَسْتَبْقِيَهَا بِأَجْرِ الْمِثْلِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ وَلَوْ أَبَى الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِمْ إلَّا الْقَلْعَ لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ اهـ. وَبِهَذَا يُعْلَمُ مَسْأَلَةُ الْأَرْضِ الْمُحْتَكَرَةِ وَهِيَ مَنْقُولَةٌ أَيْضًا فِي أَوْقَافِ الْخَصَّافِ (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَغْرَمَ لَهُ الْمُؤَجِّرُ قِيمَتَهُ مَقْلُوعًا وَيَتَمَلَّكَهُ) يَعْنِي بِأَنْ تُقَوَّمَ الْأَرْضُ بِدُونِ الْبِنَاءِ وَالشَّجَرِ وَيُقَوَّمُ بِهَا بِنَاءٌ أَوْ شَجَرٌ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ أَنْ يَأْمُرَهُ بِقَلْعِهِ فَيَضْمَنُ فَضْلَ مَا بَيْنَهُمَا كَذَا فِي الِاخْتِيَارِ وَهَذَا الِاسْتِثْنَاءُ رَاجِعٌ إلَى لُزُومِ الْقَلْعِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ فَأَفَادَ أَنَّهُ إذَا رَضِيَ الْمُؤَجِّرُ يَدْفَعُ الْقِيمَةَ لَا يَلْزَمُ الْمُسْتَأْجِرَ الْقَلْعُ وَهَذَا صَحِيحٌ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَتْ الْأَرْضُ تَنْقُصُ بِالْقَلْعِ أَوْ لَا فَلَا حَاجَةَ إلَى حَمْلِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ تَنْقُصُ بِالْقَلْعِ كَمَا فَعَلَ الشَّارِحُ تَبَعًا لِغَيْرِهِ لَكِنْ لَا يَتَمَلَّكُهَا الْمُؤَجِّرُ جَبْرًا عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ إلَّا إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ تَنْقُصُ بِالْقَلْعِ وَأَمَّا إذَا كَانَتْ لَا تَنْقُصُ فَلَا بُدَّ مِنْ رِضَاهُ. (قَوْلُهُ أَوْ يَرْضَى بِتَرْكِهِ فَيَكُونُ الْبِنَاءُ وَالْغَرْسُ لِهَذَا وَالْأَرْضُ لِهَذَا) يَعْنِي إذَا رَضِيَ الْمُؤَجِّرُ بِتَرْكِ الْبِنَاءِ أَوْ الْغَرْسِ لَا يَلْزَمُ الْمُسْتَأْجِرَ الْقَلْعُ فَلَا حَاجَةَ إلَى جَعْلِ الضَّمِيرِ فِي يَرْضَى عَائِدًا إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا وَلَا إلَى التَّصْرِيحِ بِرِضَاهُمَا كَمَا وَقَعَ فِي الْمَجْمَعِ كَمَا لَا يَخْفَى وَهَذَا التَّرْكُ مِنْ الْمُؤَجِّرِ يَكُونُ عَارِيَّةً لِأَرْضِهِ إنْ كَانَ بِغَيْرِ أَجْرٍ وَإِجَارَةٍ وَإِنْ كَانَ بِأَجْرٍ فَقَصَرَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ عَلَى الْأَوَّلِ مِمَّا لَا يَنْبَغِي وَعَلَى الْأَوَّلِ لَهُمَا أَنْ يُؤَجِّرَاهُمَا مِنْ أَجْنَبِيٍّ فَإِنْ فَعَلَا فَلَهُمَا أَنْ يَقْسِمَا الْأَجْرَ عَلَى قِيمَةِ الْأَرْضِ مِنْ غَيْرِ بِنَاءٍ وَعَلَى قِيمَةِ الْبِنَاءِ مِنْ غَيْرِ أَرْضٍ فَيَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حِصَّتَهُ كَذَا فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ وَفِي الْقُنْيَةِ مِنْ الْوَقْفِ بَنَى فِي الدَّارِ الْمُسَبَّلَةِ بِغَيْرِ إذْنِ الْقَيِّمِ وَنَزْعُ الْبِنَاءِ يَضُرُّ بِالْوَقْفِ يُجْبَرُ الْقَيِّمُ عَلَى   [منحة الخالق] خُصُوصًا وَالنَّاسُ عَلَى هَذَا وَفِي الْقَلْعِ ضَرَرٌ عَلَيْهِمْ وَفِي الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ عَنْ النَّبِيِّ الْمُخْتَارِ «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» اهـ. وَتَارَةً أَفْتَى بِمَا هُوَ إطْلَاقُ الْمُتُونِ مِنْ لُزُومِ الْقَلْعِ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ يُكَلَّفُ قَلْعَ الْأَشْجَارِ إنْ لَمْ يَضُرَّ بِأَرْضِ الْوَقْفِ فَإِذَا ضَرَّ يَتَمَلَّكُهُ النَّاظِرُ بِقِيمَتِهِ مُسْتَحِقِّ الْقَلْعِ لِلْوَقْفِ هَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ الْأَخْيَارُ وَعَلَيْهِ أَصْحَابُ الْمُتُونِ وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْقُنْيَةِ بِأَنَّ لَهُ أَنْ يَسْتَبْقِيَهَا بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ وَإِنْ أَبَى الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِمْ وَبِمِثْلِهِ صَرَّحَ الْخَصَّافُ وَهُوَ خِلَافُ مَا فِي الْمُتُونِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. اهـ. وَقَدْ تَكَرَّرَ مِنْهُ الْإِفْتَاءُ بِذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِ الْإِجَارَةِ وَمَبْنَاهُ عَلَى أَنَّ مَا فِي الْقُنْيَةِ وَالْخَصَّافِ لَا يُعَارِضُ إطْلَاقَ الْمُتُونِ أَقُولُ: وَبِهَذَا تَعْلَمُ قَطْعًا أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهَا بِنَاءٌ وَلَا غِرَاسٌ وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ وَأَرَادَ اسْتِئْجَارَهَا مُدَّةً أُخْرَى لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ بِدُونِ رِضَا الْمُؤَجِّرِ وَأَنَّهُ لَا وَجْهَ لِمَا اُشْتُهِرَ فِي زَمَانِنَا مِنْ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ الْأَوَّلَ أَحَقُّ وَيُسَمُّونَهُ ذَا الْيَدِ حَتَّى إذَا فَرَغَتْ مُدَّةُ إيجَارِهِ وَأَرَادَ الْمُتَكَلِّمُ عَلَى الْأَرْضِ إيجَارَهَا لِغَيْرِهِ لِكَوْنِ الْمُسْتَأْجِرِ الْأَوَّلِ مُفْلِسًا أَوْ سَيِّئَ الْمُعَامَلَةِ أَوْ مُتَغَلِّبًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ يُفْتُونَهُ بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَيَقُولُونَ إنَّ ذَا الْيَدِ أَحَقُّ حَتَّى تَبْقَى الْأَرْضُ بِيَدِهِ سِنِينَ عَدِيدَةً وَيَتَحَكَّمُ بِالْمُؤَجِّرِ بِمَا أَرَادَ وَرُبَّمَا امْتَنَعَ عَنْ دَفْعِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ بِسَبَبِ ذَلِكَ بَلْ رُبَّمَا اسْتَوْلَى عَلَى الْأَرْضِ وَادَّعَى مِلْكِيَّتَهَا بِسَبَبِ طُولِ اسْتِيلَائِهِ عَلَيْهَا. وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ يَخْشَى عَلَى الْأَرْضِ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ فَلِلْمُتَوَلِّي فَسْخُ الْإِجَارَةِ وَنَزْعُهَا مِنْ يَدِهِ فَكَيْفَ إذَا مَضَتْ الْمُدَّةُ نَعَمْ قَالُوا إذَا زَادَتْ أُجْرَةُ الْمِثْلِ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ فَفِي رِوَايَةٍ لَيْسَ لَهُ فَسْخُهَا لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِأَوَّلِ الْعَقْدِ وَقَدْ كَانَ ابْتِدَاؤُهُ بِأَجْرِ الْمِثْلِ فَلَا يُفْسَخُ وَفِي رِوَايَةِ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ تُفْسَخُ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تَنْعَقِدُ شَيْئًا فَشَيْئًا وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ فَرَّعُوا أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ إذَا رَضِيَ بِدَفْعِ الزِّيَادَةِ فَهُوَ أَحَقُّ وَلَا يَخْفَى ظُهُورُ وَجْهِهِ وَهُوَ أَنَّ مُدَّتَهُ بَاقِيَةٌ وَأَنَّ عِلَّةَ الْفَسْخِ هِيَ زِيَادَةُ الْأُجْرَةِ فَإِذَا رَضِيَ بِدَفْعِ الزِّيَادَةِ زَالَتْ عِلَّةُ الْفَسْخِ فَيَكُونُ أَحَقَّ بِإِبْقَائِهَا بِيَدِهِ إتْمَامًا لِمُدَّةِ عَقْدِهِ أَمَّا بَعْدَ تَمَامِ مُدَّةِ عَقْدِهِ فَلَمْ يَبْقَ لَهُ حَقٌّ فَمَا وَجْهُ كَوْنِهِ أَوْلَى وَأَحَقَّ بِإِيجَارِهَا ثَانِيًا مِنْهُ جَبْرًا عَلَى الْمُؤَجِّرِ وَإِنْ رَضِيَ بِدَفْعِ الزِّيَادَةِ فَقِيَاسُ هَذَا عَلَى مَا إذَا كَانَتْ الْمُدَّةُ بَاقِيَةً قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ وَالْقِيَاسُ لَا يَصِحُّ إلَّا بَعْدَ كَوْنِهِ مِنْ أَهْلِهِ مَعَ اسْتِيفَاءِ شَرَائِطِهِ وَلِي فِي أَهْلِ هَذَا الزَّمَانِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْقِيَاسِ إذَا اسْتَوْفَى شَرَائِطَهُ فَكَيْفَ مَعَ كَوْنِهِ غَيْرَ مُسْتَوْفٍ لِشَرَائِطِهِ. (قَوْلُهُ وَبِهَذَا يُعْلَمُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ بِقَوْلِهِ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا وَقْفًا إلَخْ وَقَوْلُهُ وَهِيَ مَنْقُولَةٌ أَيْ مَسْأَلَةُ الِاسْتِيفَاءِ تَأَمَّلْ (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ إلَّا أَنْ يَغْرَمَ لَهُ الْمُؤَجِّرُ قِيمَتَهُ مَقْلُوعًا وَيَتَمَلَّكَهُ إلَى قَوْلِهِ أَوْ يَرْضَى بِتَرْكِهِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَالَ فِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ الْمُسَمَّى بِمَجْمَعِ الرِّوَايَةِ قَالَ الزَّاهِدِيُّ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ فَلَهُ أَنْ لَا يَسْتَوْفِيَهُ لِأَنَّ الْأَرْضَ تَصِيرُ عَارِيَّةً فِي يَدِهِ بِهَذَا قُلْت وَفِي هَذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يَبْقَى بِغَيْرِ أَجْرٍ بِخِلَافِ الزَّرْعِ وَلَهُمَا أَنْ يُؤَاجِرَاهَا مِنْ أَجْنَبِيٍّ وَذَكَرَ مَا نَقَلَهُ عَنْ الْأَقْطَعِ وَأَقُولُ: الَّذِي يَتَّضِحُ أَنَّ الْجَوَابَ مُتَّحِدٌ فِي حَقِّ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ فِي الْغَصْبِ وَالْعَارِيَّةِ وَالْإِجَارَةِ وَهُوَ وُجُوبُ الْقَلْعِ وَتَسْلِيمُ الْأَرْضِ فَارِغَةً حَيْثُ لَا يَضُرُّ بِالْأَرْضِ وَإِنْ أَضَرَّ بِهَا يَتَمَلَّكُهُ صَاحِبُ الْأَرْضِ بِأَقَلِّ الْقِيمَتَيْنِ مَنْزُوعًا وَغَيْرَ مَنْزُوعٍ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَرْضِ الْوَقْفِ وَالْمِلْكِ فَقَوْلُهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ فِي الْوَقْفِ وَلَوْ اصْطَلَحُوا عَلَى أَنْ يُجْعَلَ ذَلِكَ لِلْوَقْفِ بِثَمَنٍ لَا يُجَاوِزُ أَقَلَّ الْقِيمَتَيْنِ مَنْزُوعًا أَوْ مَبْنِيًّا فِيهِ صَحَّ إمَّا بَيَانٌ لِلْأَفْضَلِ فَلَا يُنَافِي الْجَبْرَ عِنْدَ عَدَمِ الِاصْطِلَاحِ أَوْ هِيَ رِوَايَةٌ ضَعِيفَةٌ. (قَوْلُهُ وَهَذَا الِاسْتِثْنَاءُ رَاجِعٌ إلَى لُزُومِ الْقَلْعِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ لَا يَخْفَى أَنَّ ظَاهِرَ قَوْلُهُ وَيَتَمَلَّكُهُ الْإِطْلَاقُ فَدَخَلَ فِيهِ الْجَبْرُ وَالرِّضَا مُطْلَقًا فِي حَالَتَيْ الضَّرَرِ وَعَدَمِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَلِذَلِكَ قَيَّدَهُ الشُّرَّاحُ بِقَوْلِهِمْ وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ تَنْقُصُ بِالْقَلْعِ فَفِي قَوْلِهِ لَا حَاجَةَ إلَى حَمْلِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ تَنْقُصُ اهـ. نَظَرٌ فَتَأَمَّلْ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 306 دَفْعِ قِيمَتِهِ لِلْبَانِي وَيَجُوزُ لِلْمُسْتَأْجَرَيْنِ غَرْسُ الْأَشْجَارِ وَالْكُرُومِ فِي الْمَوْقُوفَةِ إذَا لَمْ يَضُرَّ بِالْأَرْضِ بِدُونِ صَرِيحِ الْإِذْنِ مِنْ الْمُتَوَلِّي دُونَ حَفْرِ الْحِيَاضِ وَإِنَّمَا يَحِلُّ لِلْمُتَوَلِّي الْإِذْنُ فِيمَا يَزِيدُ الْوَقْفَ بِهِ خَيْرًا وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ حَقُّ قَرَارِ الْعِمَارَةِ فِيهَا أَمَّا إذَا كَانَ يَجُوزُ الْحَفْرُ وَالْغَرْسُ وَالْحَائِطُ مِنْ تُرَابِهَا لِوُجُودِ الْإِذْنِ فِي مِثْلِهَا دَلَالَةً (قَوْلُهُ وَالرُّطَبَةُ كَالشَّجَرِ) وَلِهَذَا قَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَإِذَا انْقَضَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ وَفِي الْأَرْضِ رُطَبَةٌ فَإِنَّهَا تُقْلَعُ لِأَنَّ الرِّطَابَ لَا نِهَايَةَ لَهَا فَأَشْبَهَ الشَّجَرَ [الزَّرْعُ يُتْرَكُ بِأَجْرِ الْمِثْلِ إلَى أَنْ يُدْرَكَ إذَا انْقَضَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ] (قَوْلُهُ وَالزَّرْعُ يُتْرَكُ بِأَجْرِ الْمِثْلِ إلَى أَنْ يُدْرَكَ) لِأَنَّ لَهُ نِهَايَةً مَعْلُومَةً فَأَمْكَنَ رِعَايَةُ الْجَانِبَيْنِ إذَا انْقَضَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ بِخِلَافِ مَوْتِ أَحَدِهِمَا قَبْلَ إدْرَاكِهِ فَإِنَّهُ يُتْرَكُ بِالْمُسَمَّى عَلَى حَالِهِ إلَى الْحَصَادِ وَإِنْ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ لِأَنَّ إبْقَاءَهُ عَلَى مَا كَانَ أَوْلَى مَا دَامَتْ الْمُدَّةُ بَاقِيَةً وَيَلْحَقُ بِالْمُسْتَأْجِرِ الْمُسْتَعِيرُ فَيُتْرَكُ إلَى إدْرَاكِهِ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ وَخَرَجَ الْغَاصِبُ فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ بِالْقَلْعِ مُطْلَقًا لِأَنَّ ابْتِدَاءَ الْفِعْلِ ظُلْمٌ وَهُوَ وَاجِبُ الْهَدْمِ لَا التَّقْرِيرِ وَفِي التَّقْرِيرِ الْمُرَادُ بِقَوْلِ الْفُقَهَاءِ إذَا انْتَهَتْ الْإِجَارَةُ وَالزَّرْعُ لَمْ يُسْتَحْصَدْ يُتْرَكُ بِأَجْرٍ أَيْ بِقَضَاءٍ أَوْ بِعَقْدِهِمَا حَتَّى لَا يَجِبَ الْأَجْرُ إلَّا بِأَحَدِهِمَا. اهـ. وَهُوَ مِمَّا يَجِبُ حِفْظُهُ (قَوْلُهُ وَالدَّابَّةُ لِلرُّكُوبِ وَالْحَمْلِ وَالثَّوْبُ لِلُّبْسِ) أَيْ صَحَّ اسْتِئْجَارُ الدَّابَّةِ وَالثَّوْبِ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ مَقْصُودَةٌ مَعْهُودَةٌ مَعْلُومَةٌ قَيَّدَ بِالرُّكُوبِ وَالْحَمْلِ لِأَنَّهُ لَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيُجَنِّبَهَا وَلَا يَرْكَبَهَا أَوْ لِيَرْبِطَهَا عَلَى بَابِ دَارِهِ لِيُرِيَ النَّاسَ أَنَّ لَهُ فَرَسًا فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ وَلَا أَجْرَ لَهُ وَقَيَّدَ بِاللُّبْسِ فِي الثَّوْبِ لِأَنَّهُ لَوْ اسْتَأْجَرَ ثَوْبًا لِيُزَيِّنَ بَيْتَهُ بِهِ أَوْ حَانُوتَهُ فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ وَمِنْ هَذَا النَّوْعِ مَا إذَا اسْتَأْجَرَ آنِيَةً يَصُفُّهَا فِي بَيْتِهِ يَتَجَمَّلُ بِهَا وَلَا يَسْتَعْمِلُهَا أَوْ دَارًا لَا يَسْكُنُهَا لَكِنْ لِيَظُنَّ النَّاسُ أَنَّ لَهُ دَارًا أَوْ عَبْدًا عَلَى أَنْ لَا يَسْتَخْدِمَهُ أَوْ دَرَاهِمَ يَضَعُهَا كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَوَجْهُهُ أَنَّ هَذِهِ الْمَنْفَعَةَ لَيْسَتْ مَقْصُودَةً مِنْ الْعَيْنِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ الْكِتَابِ وَخَرَجَ أَيْضًا مَا إذَا اسْتَأْجَرَ فَحْلًا لِيُنْزِيَهُ عَلَى أُنْثَى فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ وَفِي الْخُلَاصَةِ مُعَاوَضَةُ الثِّيرَانِ فِي الْكِرَابِ لَا خَيْرَ فِيهَا أَمَّا إذَا أَعْطَى الْبَقَرَ لِيَأْخُذَ الْحِمَارَ جَازَ وَيَكْفِي فِي اسْتِئْجَارِ الثَّوْبِ لِلُّبْسِ التَّمَكُّنُ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يُلْبَسْ لِمَا فِي الْخُلَاصَةِ رَجُلٌ اسْتَأْجَرَ ثَوْبًا لِيَلْبَسَهُ كُلَّ يَوْمٍ بِدَانِقٍ فَوَضَعَهُ فِي بَيْتِهِ سِنِينَ وَلَمْ يَلْبَسْهُ رَدَّ لِكُلِّ يَوْمٍ دَانِقً إلَى الْوَقْتِ الَّذِي لَوْ لَبِسَهُ إلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ لِتُخْرَقَ فَحِينَئِذٍ سَقَطَ الْأَجْرُ بَعْدَ ذَلِكَ اهـ. وَهُوَ كَالسُّكْنَى قَالَ فِي الْمَجْمَعِ وَيَجِبُ بِنَفْسِ الْقَبْضِ وَإِنْ لَمْ يَسْكُنْهَا وَفِي الدَّابَّةِ لَا يَكْفِي التَّمَكُّنُ لِمَا فِي فُصُولِ الْعِمَادِيِّ مِنْ الْفَصْلِ الثَّانِي وَالثَّلَاثِينَ وَلَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيَرْكَبَهَا إلَى مَكَان مَعْلُومٍ فَأَمْسَكَهَا فِي مَنْزِلِهِ فِي الْمِصْرِ لَا يَجِبُ الْأَجْرُ وَيَضْمَنُ لَوْ هَلَكَ اهـ. وَفِي الْخُلَاصَةِ وَلَوْ حَبَسَ الدَّابَّةَ لَيْلَةً حَتَّى أَصْبَحَ فَرَدَّهَا وَلَمْ يَرْكَبَ عَلَيْهَا لَا أَجْرَ عَلَيْهِ. اهـ. وَفِيهَا أَيْضًا رَجُلٌ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا لَهُ أَنْ يَرْكَبَهَا وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا لِيَرْكَبَهَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا وَلَوْ حَمَلَ عَلَيْهَا فَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الرُّكُوبَ يُسَمَّى حَمْلًا يُقَالُ رَكِبَ فُلَانٌ وَحَمَلَ مَعَهُ غَيْرَهُ وَلَا يُسَمَّى الْحَمْلُ رُكُوبًا أَصْلًا. اهـ. وَفِي فُصُولِ الْعِمَادِيِّ مَعْزِيًّا إلَى الذَّخِيرَةِ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا حِنْطَةً مِنْ مَوْضِعٍ إلَى مَنْزِلِهِ يَوْمًا إلَى اللَّيْلِ وَكَانَ يَحْمِلُ الْحِنْطَةَ إلَى مَنْزِلِهِ وَكُلَّمَا رَجَعَ كَانَ يَرْكَبُهَا فَعَطِبَتْ الدَّابَّةُ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ يَضْمَنُ لِأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهَا لِلْحَمْلِ دُونَ الرُّكُوبِ فَكَانَ غَاصِبًا لِلرُّكُوبِ وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي الِاسْتِحْسَانِ لَا يَضْمَنُ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ بِذَلِكَ فَصَارَ مَأْذُونًا فِيهِ دَلَالَةً وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ بِالْإِفْصَاحِ اهـ. فَالْحَاصِلُ أَنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ مَنْ اسْتَأْجَرَهَا لِلْحَمْلِ لَهُ أَنْ يَرْكَبَهَا لَكِنَّ الرَّازِيَّ قَيَّدَهُ بِأَنْ لَا يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا وَالْفَقِيهُ عَمَّمَهُ (قَوْلُهُ وَإِنْ أَطْلَقَ أَرْكَبَ وَأَلْبَسَ مَنْ شَاءَ) أَرَادَ بِالْإِطْلَاقِ التَّعْمِيمَ بِأَنْ يَأْتِيَ بِلَفْظٍ دَالٍّ عَلَى الْعُمُومِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِرَاكِبٍ وَلَابِسٍ مُعَيَّنٍ لَا الْإِطْلَاقَ الْمُصْطَلَحَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ فَلَوْ قَالَ عَلَى أَنْ تُرْكِبَ مَنْ شِئْت أَوْ تُلْبِسَ مَنْ شِئْت صَحَّ الْعَقْدُ وَلَوْ اسْتَأْجَرَهَا لِلرُّكُوبِ وَلَمْ يُسَمِّ مَنْ يُرْكِبَهُ لَا تَصِحُّ الْإِجَارَةُ وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الثَّانِيَةِ صَارَ الرُّكُوبَانِ مَثَلًا مِنْ شَخْصَيْنِ كَالْجِنْسَيْنِ فَيَكُونُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ مَجْهُولًا فَلَا يَصِحُّ وَفِي الْأُولَى رَضِيَ الْمَالِكُ بِالْقَدْرِ الَّذِي يَحْصُلُ فِي ضِمْنِ الرُّكُوبِ فَصَارَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 307 مَعْلُومًا وَإِذَا فَسَدَتْ فَلَوْ أَرْكَبَهَا أَوْ رَكِبَ بِنَفْسِهِ وَجَبَ الْمُسَمَّى اسْتِحْسَانًا وَتَنْقَلِبُ صَحِيحَةً وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْهَلَاكِ وَإِذَا صَحَّتْ عِنْدَ التَّعْمِيمِ تَعَيَّنَ أَوَّلُ رَاكِبٍ أَوْ لَابِسٍ لِتَعَيُّنِهِ مُرَادًا مِنْ الْأَصْلِ فَصَارَ كَالنَّصِّ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً وَفِي الْخُلَاصَةِ وَإِذَا تَكَارَى قَوْمٌ مُشَاةٌ إبِلًا عَلَى أَنَّ الْمُكَارِيَ يَحْمِلُ مَنْ مَرِضَ مِنْهُمْ أَوْ مَنْ عَيِيَ مِنْهُمْ فَهَذَا فَاسِدٌ (قَوْلُهُ وَإِنْ قَيَّدَ بِرَاكِبٍ أَوْ لَابِسٍ فَخَالَفَ ضَمِنَ) يَعْنِي إذَا عَطِبَتْ لِأَنَّ النَّاسَ يَتَفَاوَتُونَ فِي الْعِلْمِ بِالرُّكُوبِ وَاللُّبْسِ وَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مَعَ الضَّمَانِ مُمْتَنِعٌ وَكَذَا لَا أَجْرَ عَلَيْهِ إنْ سَلَّمَ لِأَنَّهُ لَمَّا سَلَّمَ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يُخَالِفْ وَأَنَّهُ مِمَّا لَا يُوهِنُ الدَّارَ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَاسْتُفِيدَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ إذَا قَيَّدَ لَيْسَ لَهُ الْإِجَارَةُ وَالْإِعَارَةُ كَمَا أَنَّهُ إذَا عَمَّمَ لَهُ ذَلِكَ وَلَيْسَ لَهُ الْإِيدَاعُ فِي الْأَوَّلِ وَلَوْ لِضَرُورَةٍ دُونَ الثَّانِي ذَكَرَهُ فِي فُصُولِ الْعِمَادِيِّ فِي مَسْأَلَةِ مَا إذَا عَيِيَ الْحِمَارُ فِي الطَّرِيقِ فَأَرْسَلَهُ إلَى صَاحِبِهِ مَعَ آخَرَ (قَوْلُهُ وَمِثْلُهُ مَا يَخْتَلِفُ) بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمِلِ فِي كَوْنِهِ يَضْمَنُ إذَا عَطِبَتْ مَعَ الْمُخَالَفَةِ وَالتَّقْيِيدِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ وَفِيمَا لَا يَخْتَلِفُ بِهِ بَطَلَ تَقْيِيدُهُ بِهِ كَمَا لَوْ شَرَطَ سُكْنَى وَاحِدٍ لَهُ أَنْ يُسْكِنَ غَيْرَهُ) لِأَنَّ التَّقْيِيدَ غَيْرُ مُفِيدٍ لِعَدَمِ التَّفَاوُتِ وَاَلَّذِي يَضُرُّ بِالْبِنَاءِ كَالْحِدَادَةِ وَالْقِصَارَةِ خَارِجٌ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ فَلَا يَمْلِكُهُ إلَّا بِالتَّنْصِيصِ (قَوْلُهُ وَإِنْ سَمَّى نَوْعًا وَقَدْرًا كَكُرِّ بُرٍّ لَهُ حَمْلُ مِثْلِهِ وَأَخَفَّ لَا آخَرَ كَالْمِلْحِ) لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ مَنْ اسْتَحَقَّ مَنْفَعَةً مُقَدَّرَةً بِالْعَقْدِ فَاسْتَوْفَى تِلْكَ الْمَنْفَعَةَ أَوْ مِثْلَهَا أَوْ أَقَلَّ مِنْهَا جَازَ وَإِنْ اسْتَوْفَى أَكْثَرَ مِنْهَا لَمْ يَجُزْ فَلَهُ أَنْ يَحْمِلَ كُرَّ حِنْطَةٍ لِغَيْرِهِ لَوْ اسْتَأْجَرَهَا لِحَمْلِ كُرِّ حِنْطَةٍ لِأَنَّهُ مِثْلُهُ وَلَوْ حَمَلَ كُرَّ شَعِيرٍ لِأَنَّهُ دُونَهُ وَغَلَطَ مَنْ مَثَّلَ بِالشَّعِيرِ لِلْمِثْلِ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ اسْتَأْجَرَهَا لِحَمْلِ كُرِّ شَعِيرٍ لَهُ أَنْ يَحْمِلَ كُرَّ حِنْطَةٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ فَوْقَهُ وَعَلَى هَذَا زِرَاعَةُ الْأَرَاضِيِ لَوْ عَيَّنَ نَوْعًا لِلزِّرَاعَةِ لَهُ أَنْ يَزْرَعَ مِثْلَهُ وَأَخَفَّ مِنْهُ لَا أَضُرَّ وَمِنْهُ مَا لَوْ اسْتَأْجَرَهَا لِحَمْلِ قُطْنٍ مَعْلُومٍ فَحَمَلَ مِثْلَ وَزْنِهِ حَدِيدًا أَوْ مِثْلَ وَزْنِ الْحِنْطَةِ قُطْنًا أَوْ تِبْنًا أَوْ حَطَبًا وَأَشَارَ بِالْكَافِ فِي قَوْلِهِ كَكُرِّ بُرٍّ أَنَّهُ لَوْ سَمَّى مِقْدَارًا مِنْ الْحِنْطَةِ فَحَمَلَ عَلَيْهَا مِنْ الشَّعِيرِ مِثْلَ ذَلِكَ بِالْوَزْنِ لَا يَضْمَنُ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَبِهِ كَانَ يُفْتِي الصَّدْرُ الشَّهِيدُ لِأَنَّهُ أَخَفُّ مِنْ ضَرَرِ الْحِنْطَةِ (قَوْلُهُ وَإِنْ عَطِبَتْ الدَّابَّةُ بِالْأَرْدَافِ ضَمِنَ النِّصْفَ) وَلَا اعْتِبَارَ بِالثِّقَلِ لِأَنَّ الدَّابَّةَ يَعْقِرُهَا جَهْلُ الرَّاكِبِ الْخَفِيفِ وَيَخِفُّ عَلَيْهَا رُكُوبُ الثَّقِيلِ لِعِلْمِهِ بِالْفُرُوسِيَّةِ وَلِأَنَّ الْآدَمِيَّ غَيْرُ مَوْزُونٍ فَلَا يُمْكِنُ مَعْرِفَتُهُ بِالْوَزْنِ فَاعْتُبِرَ عَدَدُ الرَّاكِبِ كَعَدَدِ الْجِنَايَةِ فِي الْجِنَايَاتِ وَقَيَّدَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي بِكَوْنِ الدَّابَّةِ تُطِيقُ حَمْلَ الِاثْنَيْنِ أَمَّا إذَا كَانَتْ لَا تُطِيقُ ضَمِنَ جَمِيعَ قِيمَتِهَا وَقَيَّدَهُ الشَّارِحُ بِمَا إذَا كَانَ الرَّدِيفُ يَسْتَمْسِكُ بِنَفْسِهِ وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا لَا يَسْتَمْسِكُ يَضْمَنُ بِقَدْرِ ثِقَلِهِ وَقَيَّدَ بِكَوْنِ الْعَطَبِ بِالْإِرْدَافِ لِأَنَّهُ لَوْ حَمَلَهُ عَلَى عَاتِقِهِ ضَمِنَ جَمِيعَ قِيمَتِهَا لِكَوْنِهِ يَجْتَمِعُ فِي مَكَان وَاحِدٍ فَيَشُقُّ عَلَى الدَّابَّةِ وَإِنْ كَانَتْ تُطِيقُ حَمْلَهَا ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ وَأَطْلَقَ الْإِرْدَافَ فَشَمِلَ مَا إذَا أَرْدَفَ خَلْفَهُ وَلَدَ النَّاقَةِ الَّذِي وَلَدَتْهُ بَعْدَ الْإِجَارَةِ وَإِنْ كَانَ مِلْكَ صَاحِبِهَا لِعَدَمِ الْإِذْنِ كَمَا لَوْ حَمَلَ عَلَى دَابَّتِهِ شَيْئًا آخَرَ مِنْ مِلْكِ صَاحِبِهَا ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ وَلَمْ يُعَيِّنْ الْمُصَنِّفُ الضَّامِنَ لِأَنَّ الْمَالِكَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الرَّدِيفَ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الرَّاكِبَ فَالرَّاكِبُ لَا يَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَ وَالرَّدِيفُ يَرْجِعُ إنْ كَانَ مُسْتَأْجِرًا مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ وَإِلَّا فَلَا وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ لِوُجُوبِ الْأَجْرِ وَالْمَنْقُولُ فِي النِّهَايَةِ وَالْمُحِيطِ أَنَّهُ يَجِبُ جَمِيعُ الْأَجْرِ إذَا هَلَكَتْ بَعْدَ بُلُوغِ الْمَقْصِدِ مَعَ تَضْمِينِ النِّصْفِ وَلَا يُقَالُ كَيْفَ اجْتَمَعَ الْأَجْرُ وَالضَّمَانُ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّ الضَّمَانَ لِرُكُوبِ غَيْرِهِ وَالْأَجْرَ لِرُكُوبِهِ بِنَفْسِهِ وَقَيَّدَ بِكَوْنِهَا عَطِبَتْ لِأَنَّهَا لَوْ سُلِّمَتْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ غَيْرَ الْأَجْرِ الْمُسَمَّى كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِ أَرْدَفَهُ حَتَّى صَارَ الْأَجْنَبِيُّ كَالتَّابِعِ لَهُ أَمَّا إذَا أَقْعَدَهُ فِي السَّرْجِ صَارَ غَاصِبًا وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْأَجْرِ لِأَنَّهُ رَفَعَ يَدَهُ عَنْ الدَّابَّةِ وَأَوْقَعَهَا فِي يَدٍ مُتَعَدِّيَةٍ فَصَارَ ضَامِنًا وَالْأَجْرُ لَا يُجَامِعُ الضَّمَانَ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَقَيَّدَ بِالْإِرْدَافِ لِأَنَّهُ لَوْ رَكِبَهَا وَحَمَلَ عَلَيْهَا شَيْئًا يَضْمَنُ قَدْرَ الزِّيَادَةِ إنْ عَطِبَتْ الدَّابَّةُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ الرَّجُلَ يُوزَنُ وَيُوزَنُ الْحِمْلُ لِتُعْرَفَ الزِّيَادَةُ لِأَنَّ الرِّجَالَ لَا يُوزَنُونَ بِالْقَبَّانِ بَلْ الْمُرَادُ أَنْ يُرْجَعَ إلَى أَهْلِ الْبَصِيرَةِ فَيُسْأَلُ مِنْهُمْ إنَّ هَذَا الْحِمْلَ كَمْ يَزِيدُ عَلَى رُكُوبِهِ فِي الثِّقَلِ وَهَذَا   [منحة الخالق] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 308 إذَا لَمْ يَرْكَبْ مَوْضِعَ الْحَمْلِ بَلْ يَكُونُ رُكُوبُهُ فِي مَوْضِعٍ وَالْحَمْلُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَمَّا إذَا رَكِبَ عَلَى مَوْضِعِ الْحَمْلِ ضَمِنَ جَمِيعَ الْقِيمَةِ ذَكَرَهُ خواهر زاده (قَوْلُهُ وَبِالزِّيَادَةِ عَلَى الْحِمْلِ الْمُسَمَّى مَا زَادَ) أَيْ إذَا اسْتَأْجَرَهَا لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا مِقْدَارًا فَحَمَلَ عَلَيْهَا أَكْثَرَ مِنْهُ فَعَطِبَتْ يَضْمَنُ مَا زَادَ الثِّقَلُ حَتَّى لَوْ كَانَ الْمَأْذُونُ مِائَةَ مَنٍّ وَزَادَ عَلَيْهِ عِشْرِينَ مَنًّا يَضْمَنُ سُدُسَ الدَّابَّةِ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُسْتَصْفَى قَيَّدَ بِكَوْنِ الْمُسْتَأْجِرِ هُوَ الَّذِي حَمَّلَهَا أَمَّا إذَا حَمَّلَهَا صَاحِبُهَا بِيَدِهِ وَحْدَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ لِمَا فِي فُصُولِ الْعِمَادِيِّ اسْتَكْرَى إبِلًا عَلَى أَنْ يَحْمِلَ كُلُّ بَعِيرٍ مِائَةَ رِطْلٍ فَحَمَلَ مِائَةً وَخَمْسِينَ رِطْلًا إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ ثُمَّ أَتَى الْجَمَّالُ بِإِبِلِهِ وَأَخْبَرَهُ الْمُسْتَكْرِي أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ حَمْلٍ إلَّا مِائَةَ رِطْلٍ فَحَمَلَ الْجَمَّالُ إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَقَدْ عَطِبَتْ بَعْضُ الْإِبِلِ لَا ضَمَانَ عَلَى الْمُسْتَكْرِي لِأَنَّ صَاحِبَ الْجَمَلِ هُوَ الَّذِي حَمَّلَ فَيُقَالُ لَهُ كَانَ يَنْبَغِي لَك أَنْ تَزِنَ أَوَّلًا. اهـ. وَإِنْ حَمَّلَاهُ مَعًا وَجَبَ النِّصْفُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ وَلَوْ حَمَّلَ كُلُّ وَاحِدٍ جَوْلَقًا وَحْدَهُ لَا ضَمَانَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَيُجْعَلُ حَمْلُ الْمُسْتَأْجِرِ مَا كَانَ مُسْتَحَقًّا بِالْعَقْدِ ذَكَرَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَقَيَّدَهُ الشَّارِحُ بِأَنْ تُطِيقَ الدَّابَّةُ مِثْلَهُ أَمَّا إذَا كَانَتْ لَا تُطِيقُ ضَمِنَ جَمِيعَ الْقِيمَةِ وَأَشَارَ بِالزِّيَادَةِ إلَى أَنَّهَا مِنْ جِنْسِ الْمُسَمَّى فَلَوْ حَمَّلَ جِنْسًا آخَرَ غَيْرَ الْمُسَمَّى وَجَبَ جَمِيعُ الْقِيمَةِ وَأَشَارَ بِهَا إلَى أَنَّهُ حَمَّلَ الزِّيَادَةَ مَعَ الْمُسَمَّى مَعًا فَلَوْ حَمَلَ الْمُسَمَّى وَحْدَهُ ثُمَّ حَمَّلَ الزِّيَادَةَ وَحْدَهَا فَهَلَكَتْ ضَمِنَ جَمِيعَ الْقِيمَةِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ لِلْأَجْرِ إذَا هَلَكَ وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّ عَلَيْهِ الْكِرَاءَ كَامِلًا. اهـ. وَلَا يُقَالُ كَيْفَ اجْتَمَعَ الْأَجْرُ وَالضَّمَانُ لِأَنَّا نَقُولُ الْأَجْرُ فِي مُقَابَلَةِ الْحَمْلِ الْمُسَمَّى وَالضَّمَانُ فِي مُقَابَلَةِ الزَّائِدِ كَمَا تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ وَكَذَا لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْأَجْرِ إذَا سُلِّمَتْ وَلَمْ أَرَهُ صَرِيحًا وَالْقَوَاعِدُ تَقْتَضِي أَنْ يَجِبَ الْمُسَمَّى فَقَطْ وَأَمَّا إنْ حَمَّلَهُ الْجَمَّالُ بِنَفْسِهِ وَحْدَهُ فَلَا كَلَامَ وَأَمَّا إذَا حَمَّلَهُ الْمُسْتَأْجِرُ زَائِدًا عَلَى الْمُسَمَّى فَمَنَافِعُ الْغَصْبِ لَا تُضْمَنُ عِنْدَنَا وَمِنْ هُنَا يُعْلَمُ حُكْمُ الْمُكَارِي فِي طَرِيقِ مَكَّةَ وَإِنْ كَانَ لَا يَحِلُّ لِلْمُسْتَأْجِرِ الزِّيَادَةُ عَلَى الْمُسَمَّى إلَّا بِرِضَا صَاحِبِ الدَّابَّةِ وَلِهَذَا قَالُوا يَنْبَغِي أَنْ يَرَى الْمُكَارِي جَمِيعَ مَا يَحْمِلُهُ (قَوْلُهُ وَبِالضَّرْبِ وَالْكَبْحِ) أَيْ يَضْمَنُ بِهِمَا إذَا هَلَكَتْ وَفِي الْمُغْرِبِ كَبْحُ الدَّابَّةِ بِاللِّجَامِ إذَا رَدَّهَا وَهُوَ أَنْ يَجْذِبَهَا إلَى نَفْسِهِ لِتَقِفَ وَلَا تَجْرِي وَقَالَا لَا يَضْمَنُ إذَا فَعَلَ فِعْلًا مُتَعَارَفًا لِأَنَّ الْمُتَعَارَفَ مِمَّا يَدْخُلُ تَحْتَ مُطْلَقِ الْعَقْدِ فَكَانَ حَاصِلًا بِإِذْنِهِ فَلَا يَضْمَنُهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْإِذْنَ مُقَيَّدٌ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ إذْ يَتَحَقَّقُ السَّوْقُ بِدُونِهِ وَإِنَّمَا هُمَا لِلْمُبَالَغَةِ فَيَتَقَيَّدُ بِوَصْفِ السَّلَامَةِ كَالْمُرُورِ فِي الطَّرِيقِ قَيَّدَ بِالضَّرْبِ وَالْكَبْحِ لِأَنَّهُ لَا يَضْمَنُ بِالسَّوْقِ اتِّفَاقًا وَظَاهِرُ مَا فِي الْهِدَايَةِ أَنَّ لِلْمُسْتَأْجِرِ الضَّرْبَ وَلَا إثْمَ عَلَيْهِ لِلْإِذْنِ الْعُرْفِيِّ فِيهِ وَإِنْ كَانَ مُقَيَّدًا بِشَرْطِ السَّلَامَةِ وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ إنَّ ضَرْبَهُ لِلدَّابَّةِ يَكُونُ تَعَدِّيًا مُوجِبًا لِلضَّمَانِ بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمُسْتَأْجَرِ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ ضَرْبُهُ وَيَضْمَنُ بِهِ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ يُؤْمَرُ وَيُنْهَى لِفَهْمِهِ فَلَا ضَرُورَةَ إلَى الضَّرْبِ وَلِلسَّيِّدِ ضَرْبُ عَبْدِهِ تَأْدِيبًا وَلِلْأَبِ وَالْوَصِيِّ ضَرْبُ الصَّغِيرِ لِلتَّأْدِيبِ لَكِنْ مُقَيَّدٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ حَتَّى يَضْمَنَانِ لَوْ هَلَكَ بِضَرْبِهِمَا لِأَنَّ التَّأْدِيبَ قَدْ يَقَعُ بِالزَّجْرِ وَالتَّعْرِيكِ وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ عَنْ التَّتِمَّةِ. الْأَصَحُّ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَجَعَ إلَى قَوْلِهِمَا وَالْمُعَلِّمُ وَالْأُسْتَاذُ لَيْسَ لَهُمَا ضَرْبُ الصَّغِيرِ إلَّا بِإِذْنِ الْأَبِ أَوْ الْوَصِيِّ فَإِنْ مَاتَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا إذَا كَانَ بِإِذْنٍ وَإِلَّا ضَمِنَا وَأَمَّا ضَرْبُهُ دَابَّةَ نَفْسِهِ فَقَالَ فِي الْقُنْيَةِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَضْرِبُهَا أَصْلًا وَلَوْ كَانَتْ مِلْكَهُ وَكَذَا حُكْمُ كُلِّ مَا يُسْتَعْمَلُ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ ثُمَّ قَالَ لَا يُخَاصَمُ ضَارِبُ الْحَيَوَانِ فِيمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِلتَّأْدِيبِ وَيُخَاصَمُ فِيمَا زَادَ عَلَيْهِ وَلَا يَجُوزُ ضَرْبُ أُخْتِهَا الصَّغِيرَةِ الَّتِي لَيْسَ لَهَا وَلِيٌّ بِتَرْكِ الصَّلَوَاتِ إذَا بَلَغَتْ عَشْرًا ثُمَّ قَالَ لَهُ أَنْ يَضْرِبَ الْيَتِيمَ فِيمَا يَضْرِبُ وَلَدَهُ بِهِ وَرَدَتْ الْأَخْبَارُ وَالْآثَارُ وَفِي الرَّوْضَةِ لَهُ أَنْ يُكْرِهَ وَلَدَهُ الصَّغِيرَ عَلَى تَعَلُّمِ الْقُرْآنِ وَالْأَدَبِ وَالْعِلْمِ لِأَنَّ ذَلِكَ فَرْضٌ عَلَى الْوَالِدَيْنِ وَلَوْ أَمَرَ غَيْرَهُ بِضَرْبِ عَبْدِهِ حَلَّ لِلْمَأْمُورِ ضَرْبُ عَبْدِهِ بِخِلَافِ الْحُرِّ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَهَذَا تَنْصِيصٌ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ ضَرْبِ وَلَدِ الْآمِرِ بِأَمْرِهِ بِخِلَافِ الْمُعَلِّمِ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِضَرْبِهِ نِيَابَةٌ عَنْ الْأَبِ لِمَصْلَحَتِهِ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ وَإِنْ حَمَلَاهُ مَعًا وَجَبَ النِّصْفُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ) نَقَلَ بُعْدَهُ فِي الْمِنَحِ عَنْ الْخُلَاصَةِ أَنَّهُ يَضْمَنُ رُبُعَ الْقِيمَةِ لِأَنَّ النِّصْفَ مَأْذُونٌ فِيهِ وَالنِّصْفَ الْآخَرَ بِغَيْرِ إذْنٍ وَبِحَمْلِهِ يَضْمَنُ نِصْفَ هَذَا النِّصْفِ وَنَقَلَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ عَنْ تَتِمَّةِ الْفَتَاوَى قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ وَنَقَلَهُ فِي حَاشِيَةِ الشَّلَبِيِّ عَلَى الزَّيْلَعِيِّ عَنْهُمَا أَيْضًا وَفِي حَاشِيَةِ سَرِيِّ الدِّينِ عَنْ الْخُلَاصَةِ وَالْمَبْسُوطِ اهـ. قُلْت وَمِثْلُهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الذَّخِيرَةِ فَلْيُرَاجَعْ الْمُحِيطِ فَلَعَلَّ مَا هُنَا مُحَرَّفٌ أَوْ الْمُرَادُ نِصْفُ الزَّائِدِ يُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَأَنْ يَحْمِلَ عَشَرَةً فَجُعِلَ عِشْرِينَ وَحَمَلَا مَعًا ضَمِنَ نِصْفَ الْقِيمَةِ لِأَنَّ النِّصْفَ مَأْذُونٌ وَالنِّصْفُ لَا فَيَنْتَصِفُ هَذَا النِّصْفُ وَمِثْلُهُ مَا مَرَّ عَنْ الْخُلَاصَةِ (قَوْلُهُ وَقَيَّدَهُ) أَيْ كَلَامَ الْمَتْنِ (قَوْلُهُ إذَا هَلَكَ) أَيْ إذَا هَلَكَ الْحَيَوَانُ الْمُسْتَأْجَرُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 309 وَالْمُعَلِّمُ يَضْرِبُهُ بِحُكْمِ الْمِلْكِ بِتَمْلِيكِ أَبِيهِ لِمَصْلَحَةِ الْعِلْمِ وَأَمَّا ضَرْبُ الزَّوْجَةِ فَجَائِزٌ فِي مَوَاضِعَ أَرْبَعَةٍ وَمَا فِي مَعْنَاهَا عَلَى تَرْكِ الزِّينَةِ لِزَوْجِهَا وَهُوَ يُرِيدُهَا وَتَرْكِ الْإِجَابَةِ إلَى الْفِرَاشِ وَتَرْكِ الْغُسْلِ وَالْخُرُوجِ مِنْ الْمَنْزِلِ. وَفِي ضَرْبِ امْرَأَتِهِ وَوَلَدِهِ عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ رِوَايَتَانِ كَذَا قَالُوا وَمِمَّا فِي مَعْنَاهَا مَا إذَا ضَرَبَتْ جَارِيَةَ زَوْجِهَا غَيْرَةً وَلَا تَتَّعِظُ بِوَعْظِهِ فَلَهُ ضَرْبُهَا كَذَا فِي الْقُنْيَةِ وَيَلْحَقُ بِهِ مَا إذَا ضَرَبَتْ الْوَلَدَ الَّذِي لَا يَعْقِلُ عِنْدَ بُكَائِهِ لِأَنَّ ضَرْبَ الدَّابَّةِ إذَا كَانَ مَمْنُوعًا فَهَذَا أَوْلَى وَمِنْهُ مَا إذَا شَتَمَتْهُ أَوْ مَزَّقَتْ ثِيَابَهُ أَوْ أَخَذَتْ لِحْيَتَهُ أَوْ قَالَتْ لَهُ يَا حِمَارُ يَا أَبْلَهُ أَوْ لَعَنَتْهُ سَوَاءٌ شَتَمَهَا أَوْ لَا عَلَى قَوْلِ الْعَامَّةِ وَمِنْهُ مَا إذَا شَتَمَتْ أَجْنَبِيًّا وَمِنْهُ مَا إذَا كَشَفَتْ وَجْهَهَا لِغَيْرِ مَحْرَمٍ أَوْ كَلَّمَتْ أَجْنَبِيًّا أَوْ تَكَلَّمَتْ عَامِدًا مَعَ الزَّوْجِ أَوْ شَاغَبَتْ مَعَهُ لِيَسْمَعَ صَوْتَهَا الْأَجْنَبِيُّ وَمِنْهُ مَا إذَا أَعْطَتْ مِنْ بَيْتِهِ شَيْئًا مِنْ الطَّعَامِ بِلَا إذْنِهِ إنْ كَانَتْ الْعَادَةُ لَمْ تَجْرِ بِهِ وَإِنْ كَانَتْ الْعَادَةُ مُسَامَحَةَ الْمَرْأَةِ بِذَلِكَ بِلَا مَشُورَةِ الزَّوْجِ فَلَيْسَ لَهُ ضَرْبُهَا وَمِنْهُ مَا إذَا ادَّعَتْ عَلَيْهِ وَلَيْسَ مِنْهُ مَا إذَا طَلَبَتْ نَفَقَتَهَا أَوْ كِسْوَتَهَا وَأَلَحَّتْ لِأَنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ يَدَ الْمُلَازَمَةِ وَلِسَانَ التَّقَاضِي كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ النَّوْعِ الثَّالِثِ فِي الضَّرْبِ مِنْ الِاخْتِيَارِ (قَوْلُهُ وَنَزْعُ السَّرْجِ وَالْإِيكَافِ وَالْإِسْرَاجُ بِمَا لَا يُسَرَّجُ بِمِثْلِهِ) يَعْنِي لَوْ اكْتَرَى حِمَارًا بِسَرْجٍ فَنَزَعَ السَّرْجَ فَأَسْرَجَهُ سَرْجًا لَا يُسَرَّجُ بِمِثْلِهِ الْحُمُرُ أَوْ أَوْكَفَهُ مُطْلَقًا أَوْ نَزَعَ الْإِكَافَ وَأَسْرَجَهُ بِسَرْجٍ لَا يُسَرَّجُ بِمِثْلِهِ فَعَطِبَ ضَمِنَ جَمِيعَ قِيمَتِهِ لِأَنَّ الْإِكَافَ يُسْتَعْمَلُ لِغَيْرِ مَا يُسْتَعْمَلُ لَهُ السَّرْجُ وَهُوَ الْحَمْلُ وَأَثَرُهُ يُخَالِفُ أَيْضًا لِأَنَّهُ لَا يَنْبَسِطُ انْبِسَاطَ السَّرْجِ فَكَانَ فِي حَقِّ الدَّابَّةِ خِلَافًا إلَى جِنْسِ غَيْرِ الْمُسَمَّى فَلَمْ يَصِرْ مُسْتَوْفِيًا شَيْئًا مِنْ الْمُسَمَّى فَيَضْمَنُ الْكُلَّ كَمَا لَوْ أَبْدَلَ الْحَدِيدَ مَكَانَ الْحِنْطَةِ قَيَّدَ بِكَوْنِهِ لَا يُسَرَّجُ بِمِثْلِهِ لِأَنَّهُ إذَا اسْتَأْجَرَهَا بِإِكَافٍ فَأَوْكَفَهَا بِإِكَافٍ مِثْلِهِ أَوْ أَسْرَجَهَا مَكَانَ الْإِكَافِ لَا يَضْمَنُ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَإِنَّمَا قُلْنَا فِي الْإِكَافِ مُطْلَقًا لِأَنَّ الْمَنْقُولَ فِي الْخُلَاصَةِ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ اسْتَأْجَرَهَا بِسَرْجٍ فَأَوْكَفَهَا بِإِكَافٍ يُوكِفُ مِثْلَهَا فَهَلَكَتْ ضَمِنَ كُلَّ الْقِيمَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِيهَا أَيْضًا لَوْ اسْتَأْجَرَهَا عُرْيَانَةً فَأَسْرَجَهَا وَرَكِبَهَا ضَمِنَ قَالَ مَشَايِخُنَا إنْ اسْتَأْجَرَهَا مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ لَا يَضْمَنُ وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا لِيَرْكَبَهَا فِي الْمِصْرِ إنْ كَانَ الْمُسْتَكْرِي مِنْ الْأَشْرَافِ لَا يَضْمَنُ وَإِنْ كَانَ مِنْ الْعَوَامّ الَّذِينَ يَرْكَبُونَ عُرْيَانًا ضَمِنَ وَلَوْ تَكَارَى دَابَّةً وَلَمْ يَذْكُرْ السَّرْجَ وَالْإِكَافَ وَسَلَّمَهَا عُرْيَانَةً فَرَكِبَهَا بِهَذَا أَوْ بِهَذَا إنْ كَانَ مِثْلُهُ يَرْكَبُ بِسَرْجٍ يَضْمَنُ إذَا رَكِبَهَا بِإِكَافٍ وَإِنْ كَانَ يَرْكَبُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يَضْمَنُ إذَا رَكِبَهَا بِهَذَا أَوْ بِهَذَا قَالَ تَأْوِيلُهُ إذَا رَكِبَ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ اهـ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَنْقُولَ فِي الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ الضَّمَانُ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلِ الْمَشَايِخِ فَكَانَ هُوَ الْمَذْهَبُ لِأَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا لَا يَخْفَى وَصَحَّحَ قَاضِي خان فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ يَضْمَنُ جَمِيعَ الْقِيمَةِ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الضَّمَانَ مُطْلَقًا فَيَنْصَرِفُ إلَى الْكُلِّ لِأَنَّهُ خِلَافُهُ صُورَةً وَمَعْنًى وَقَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ قُلْت يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْأَصَحُّ ضَمَانَ قَدْرِ الزِّيَادَةِ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَلَوْ اسْتَأْجَرَهَا بِغَيْرِ لِجَامٍ فَأَلْجَمَهَا لَا يَضْمَنُ إلَّا إذَا أَلْجَمَ بِلِجَامٍ لَا يُلْجِمُ مِثْلُهَا. اهـ. وَكَذَا إذَا أَبْدَلَهُ لِأَنَّ الْحِمَارَ لَا يَخْتَلِفُ   [منحة الخالق] (قَوْلُهُ أَوْ نَزَعَ الْإِكَافَ فَأَسْرَجَهُ بِمَا لَا يُسَرَّجُ مِثْلُهُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَالَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَلَوْ اكْتَرَى حِمَارًا بِإِكَافٍ فَأَسْرَجَهُ وَنَزَعَ الْإِكَافَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِأَنَّ ضَرَرَ السَّرْجِ أَقَلُّ مِنْ ضَرَرِ الْإِكَافِ وَيَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا أَسْرَجَهُ بِسَرْجٍ يُسَرَّجُ بِمِثْلِهِ الْحُمُرُ أَمَّا إذَا كَانَ لَا يُسَرَّجُ بِمِثْلِهِ الْحُمُرُ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ كَمَا هُنَا فَلَا مُخَالَفَةَ بَيْنَهُمَا فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا أَبْدَلَهُ لِأَنَّ الْحِمَارَ إلَخْ) أَيْ وَكَذَا لَا يَضْمَنُ وَعِبَارَةُ غَايَةِ الْبَيَانِ وَقَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ لِجَامٌ فَأَلْجَمَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إذَا كَانَ مِثْلُهُ يُلَجَّمُ بِذَلِكَ اللِّجَامِ وَكَذَلِكَ إنْ أَبْدَلَهُ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْحِمَارَ لَا يَخْتَلِفُ بِاللِّجَامِ وَغَيْرِهِ وَلَا يَتْلَفُ بِهِ فَلَمْ يَضْمَنْ بِإِلْجَامِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَهُوَ الْمُوَفِّقُ وَالْمُعِينُ قَالَ أُسْتَاذُنَا مُؤَلَّفُ هَذِهِ الْحَوَاشِي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَأَعَادَ عَلَيْنَا وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ صَالِحِ دَعَوَاتِهِ وَحَشَرَنَا فِي زُمْرَتِهِ تَحْتَ لِوَاءِ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ تَعَالَى قَدْ انْتَهَى هَذَا السِّفْرُ الْمُبَارَكُ وَالسِّفْرَانِ اللَّذَانِ قَبْلَهُ قِرَاءَةً وَمُقَابَلَةً وَتَصْحِيحًا وَكِتَابَةً عَلَى الْهَامِشِ بِحَسَبِ الطَّاقَةِ مَعَ قِرَاءَةِ الدُّرِّ الْمُخْتَارِ لِلشَّيْخِ عَلَاءِ الدِّينِ الْحَصْفَكِيِّ وَحَاشِيَتِهِ لِلشَّيْخِ إبْرَاهِيمَ الْحَلَبِيِّ الْمَدَارِيِّ وَكِتَابَةٍ عَلَى هَامِشِهِمَا وَضَبْطِهِمَا وَتَصْحِيحِهِمَا عَلَى جَنَابِ شَيْخِنَا فَقِيهِ عَصْرِهِ السَّيِّدِ مُحَمَّد سَعِيد الْحَلَبِيِّ أَطَالَ اللَّهُ بَقَاءَهُ وَأَنَالَهُ مَا أَمَّلَهُ وَتَمَنَّاهُ وَقُلْت شِعْرًا. رَكِبْنَا جَوَادَ الْفِكْرِ فِي مَهْمَهِ الْبَرِّ ... وَخُضْنَا بِفُلْكِ الْعُمْرِ فِي لُجَجِ الْبَحْرِ وَغُصْنَا بِصَافِي اللُّبِّ تَيَّارَ عُمْقِهِ ... إلَى أَنْ تَحَلَّيْنَا مِنْ الْكَنْزِ بِالدُّرِّ وَعُدْنَا وَقَدْ أَوْفَى لَنَا الدَّهْرُ وَعْدَهُ ... وَزَاحَتْ سَحَابُ الْهَمِّ عَنْ أُفُقِ الصَّدْرِ إلَى أَنْ بَدَا الْبَرُّ الْمُنِيرُ لَنَا وَقَدْ ... مَلَأْنَا نَوَاحِي الْبَرِّ بِالرِّفْدِ وَالْبِرِّ فَشُكْرًا لِرَبٍّ قَدْ تَعَاظَمَ فَضْلُهُ ... عَلَيْنَا وَحَمْدًا فَائِقَ الْعَدِّ وَالْحَصْرِ وَسَقْيًا لِزَيْنِ الدَّيْنِ رَائِدِ فُلْكِهِ ... خِتَامِ ذَوِي التَّحْقِيقِ مُنْشِئِ ذَا السِّفْرِ فَلِلَّهِ مَا أَبْدَى وَلِلَّهِ دَرُّهُ ... وَلِلَّهِ مَا أَهْدَى جَزَى أَعْظَمَ الْأَجْرِ فَقَدْ أُودِعَتْ أَفْكَارُهُ غُرُرًا بِهَا ... يُقِرُّ جَمِيعُ الْحَاسِدِينَ عَلَى الْقَسْرِ وَرَعْيًا لِشَيْخِ الْعَصْرِ سَيِّدِنَا الَّذِي ... رَقَى ذِرْوَةَ التَّحْقِيقِ أَوْحَدَ ذَا الْعَصْرِ وَفَاقَ عَلَى أَهْلِ الْفَضَائِلِ كُلِّهِمْ ... بِخَفْضِ جَنَاحِ النَّفْسِ مَعْ رِفْعَةِ الْقَدْرِ وَحَلَّ بِفِكْرٍ ثَاقِبٍ كُلَّ مُشْكِلٍ ... وَحَلَّى بِعَذْبِ اللَّفْظِ مَا مَرَّ فِي الدَّهْرِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 310 بِاللِّجَامِ وَغَيْرِهِ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ (قَوْلُهُ وَسُلُوكُ طَرِيقٍ غَيْرِ مَا عَيَّنَهُ وَتَفَاوَتَا) أَيْ يَجِبُ الضَّمَانُ إذَا عَيَّنَ لِلْمُكَارِي طَرِيقًا أَوْ لِمُسْتَأْجِرِ الدَّابَّةِ طَرِيقًا وَسَلَكَ غَيْرَهُ وَكَانَ بَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ بِأَنْ كَانَ الْمَسْلُوكُ أَبْعَدَ أَوْ أَوْعَرَ أَوْ أَخْوَفَ بِحَيْثُ لَا يُسْلَكُ لِصِحَّةِ التَّقْيِيدِ لِكَوْنِهِ مُفِيدًا وَأَمَّا إذَا كَانَ بِحَيْثُ يُسْلَكُ فَظَاهِرُ الْكِتَابِ أَنَّهُ إنْ كَانَ بَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ ضَمِنَ وَإِلَّا فَلَا وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُمَا لَوْ تَسَاوَيَا لَا ضَمَانَ وَقَيَّدَ بِالتَّعْيِينِ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُعَيِّنْ لَا ضَمَانَ وَفِي الْخُلَاصَةِ الْحَمَّالُ إذَا نَزَلَ فِي مَفَازَةٍ وَتَهَيَّأَ لَهُ الِانْتِقَالُ فَلَمْ يَنْتَقِلْ حَتَّى فَسَدَ الْمَتَاعُ بِمَطَرٍ أَوْ سَرِقَةٍ فَهُوَ ضَامِنٌ إذَا كَانَتْ السَّرِقَةُ وَالْمَطَرُ غَالِبًا (قَوْلُهُ وَحَمْلُهُ فِي الْبَحْرِ الْكُلَّ) أَيْ يَضْمَنُ بِحَمْلِهِ فِي الْبَحْرِ إذَا قَيَّدَ بِالْبَرِّ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ مُفِيدٌ بِخَطَرِ الْبَحْرِ وَبِنُدْرَةِ السَّلَامَةِ فِيهِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ مِمَّا يَسْلُكُهُ النَّاسُ أَوْ لَا قَيَّدْنَا بِكَوْنِهِ قَيَّدَ بِالْبَرِّ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُقَيِّدْ بِهِ لَا ضَمَانَ (قَوْلُهُ وَإِنْ بَلَغَ فَلَهُ الْأَجْرُ) قَالَ الْأَتْقَانِيِّ السَّمَّاعُ بِالتَّشْدِيدِ أَيْ وَإِنْ بَلَّغَ الْحَمَّالُ الْمَتَاعَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ الَّذِي اشْتَرَطَهُ وَيَجُوزُ بِالتَّخْفِيفِ عَلَى إسْنَادِ الْفِعْلِ إلَى الْمَتَاعِ أَيْ إذَا بَلَغَ الْمَتَاعُ إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَإِنَّمَا وَجَبَ الْأَجْرُ لِارْتِفَاعِ الْخِلَافِ وَلَا يَلْزَمُ اجْتِمَاعُ الْأَجْرِ وَالضَّمَانِ لِأَنَّهُمَا فِي حَالَتَيْنِ (قَوْلُهُ وَبِزَرْعِ رُطَبَةٍ وَأَذِنَ بِالْبُرِّ مَا نَقَصَ وَلَا أَجْرَ) أَيْ ضَمِنَ مَا نَقَصَ مِنْ الْأَرْضِ إذَا زَرْع رُطَبَةً وَقَدْ أَذِنَ لَهُ بِزَرْعِ الْحِنْطَةِ لِأَنَّ الرِّطَابَ أَكْثَرُ ضَرَرًا بِالْأَرْضِ مِنْ الْحِنْطَةِ وَلَا يَجِبُ الْأَجْرُ الْمُسَمَّى وَلَا غَيْرُهُ لِأَنَّهُ غَاصِبٌ قَيَّدَ بِكَوْنِهِ مَا زَرَعَهُ أَشَدُّ ضَرَرًا لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ أَنْقَصُ ضَرَرًا لَا ضَمَانَ وَيَجِبُ الْأَجْرُ (قَوْلُهُ وَبِخِيَاطَةِ قَبَاءٍ وَأَمَرَ بِقَمِيصٍ قِيمَةُ ثَوْبِهِ وَلَهُ أَخْذُ الْقَبَاءِ وَدَفْعُ أَجْرِ مِثْلِهِ) لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ يُشْبِهُ الْقَمِيصَ مِنْ وَجْهٍ لِأَنَّ الْأَتْرَاكِ يَسْتَعْمِلُونَهُ اسْتِعْمَالَ الْقَمِيصِ كَانَ مُوَافِقًا مِنْ وَجْهٍ مُخَالِفًا مِنْ وَجْهٍ فَإِنْ شَاءَ مَالَ إلَى جَانِبِ الْوِفَاقِ وَأَخَذَ الثَّوْبَ وَإِنْ شَاءَ مَالَ إلَى جَانِبِ الْخِلَافِ وَضَمَّنَهُ الْقِيمَةَ وَإِنَّمَا وَجَبَ أَجْرُ الْمِثْلِ دُونَ الْمُسَمَّى لِأَنَّ صَاحِبَهُ إنَّمَا رَضِيَ بِالْمُسَمَّى عِنْدَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَلَمْ يَحْصُلْ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ يُسْتَعْمَلُ اسْتِعْمَالَ الْقَمِيصِ وَمَا إذَا شَقَّهُ وَجَعَلَهُ قَبَاءً خِلَافًا لِلْإِسْبِيجَابِيِّ فِي الثَّانِي حَيْثُ أَوْجَبَ فِيهِ الضَّمَانَ مِنْ غَيْرِ خِيَارٍ وَسَيَأْتِي أَنَّهُمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي الْمَأْمُورِ بِهِ فَالْقَوْلُ لِرَبِّ الثَّوْبِ وَالتَّقْيِيدُ بِالْقَبَاءِ اتِّفَاقِيٌّ إذْ لَوْ خَاطَهُ سَرَاوِيلَ وَقَدْ أَمَرَهُ بِالْقَبَاءِ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ عَلَى الْأَصَحِّ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَالصَّبَّاغُ إذَا خَالَفَ فَصَبَغَ الْأَصْفَرَ مَكَانَ الْأَحْمَرِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ ثَوْبٍ أَبْيَضَ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَهُ وَأَعْطَاهُ مَا زَادَ الصَّبْغُ فِيهِ وَلَا أَجْرَ لَهُ وَلَوْ صَبَغَ رَدِيئًا إنْ لَمْ يَكُنْ فَاحِشًا لَا يَضْمَنُ وَإِنْ كَانَ فَاحِشًا بِحَيْثُ يَقُولُ أَهْلُ تِلْكَ الصَّنْعَةِ أَنَّهُ فَاحِشٌ يَضْمَنُ قِيمَةَ ثَوْبٍ أَبْيَضَ وَفِيهَا أَيْضًا رَجُلٌ دَفَعَ إلَى خَيَّاطٍ ثَوْبًا وَقَالَ لَهُ اقْطَعْهُ حَتَّى يُصِيبَ الْقَدَمَ وَكُمُّهُ خَمْسَةُ أَشْبَارٍ وَعَرْضُهُ كَذَا فَجَاءَ بِهِ نَاقِصًا إنْ كَانَ قَدْرَ أُصْبُعٍ وَنَحْوِهِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ يَضْمَنُهُ وَفِيهَا أَيْضًا وَلَوْ قَالَ لِلْخَيَّاطِ اُنْظُرْ إلَى هَذَا الثَّوْبِ إنْ كَفَانِي قَمِيصًا قَطِّعْهُ بِدِرْهَمٍ وَخَيِّطْهُ ثُمَّ قَالَ أَنَّهُ لَا يَكْفِيك يَضْمَنُ الثَّوْبَ وَلَوْ قَالَ اُنْظُرْ أَيَكْفِينِي قَمِيصًا فَقَالَ نَعَمْ فَقَالَ اقْطَعْهُ ثُمَّ قَالَ لَا يَكْفِيك لَا يَضْمَنُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ [بَابُ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ] (قَوْلُهُ بَابُ الْإِجَارَةُ الْفَاسِدَةِ) وَهِيَ كُلُّ عَقْدٍ كَانَ مَشْرُوعًا بِأَصْلِهِ دُونَ وَصْفِهِ وَبَيْنَ الْفَاسِدِ وَالْبَاطِلِ هُنَا فَرْقٌ أَيْضًا فَإِنَّ الْبَاطِلَ مَا لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ أَصْلًا وَحُكْمُهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِيهِ بِالِاسْتِعْمَالِ أَجْرٌ بِخِلَافِ الْفَاسِدِ فَإِنَّهُ يَجِبُ فِيهِ بِهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ صَرَّحَ بِهِ فِي الْحَقَائِقِ شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ فِي مَسْأَلَةِ إجَارَةِ الْمُشَاعِ وَهَكَذَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ لَكِنْ بَيْنَ الْإِجَارَةِ وَالْبَيْعِ فَرْقٌ فَإِنَّ الْفَاسِدَ مِنْ الْبَيْعِ يُمْلَكُ بِالْقَبْضِ وَالْفَاسِدَ مِنْ الْإِجَارَةِ لَا يُمَلِّكُ الْمَنَافِعَ بِالْقَبْضِ حَتَّى لَوْ قَبَضَهَا الْمُسْتَأْجِرُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَاجِرَهَا وَلَوْ أَجَرَهَا وَجَبَ أَجْرُ الْمِثْلِ وَلَا يَكُونُ غَاصِبًا وَلِلْآجِرِ الْأَوَّلِ أَنْ يَنْقُضَ هَذِهِ الْإِجَارَةَ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ (قَوْلُهُ يُفْسِدُ الْإِجَارَةُ الشَّرْطُ) أَيْ الشُّرُوطُ الْمَعْهُودَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ فِي بَابِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ الَّتِي لَيْسَتْ مِنْ مُقْتَضَى الْعَقْدِ لَا كُلُّ شَرْطٍ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ   [منحة الخالق] وَحَلَّى بِدُرِّ الْفَضْلِ عَاطِلَ نَحْرِنَا ... فَفُقْنَا عَلَى الْحَسْنَاءِ فِي حِلْيَةِ النَّحْرِ فَلَا زَالَ فِينَا مُشْرِقَ الْوَجْهِ ذَا سَنًا ... يَلُوحُ عَلَى الْأَكْوَانِ أَشْرَقَ مِنْ بَدْرِ مَدَى الدَّهْرِ مَا غَنَّى الْهَزَارُ مُرَنِّمًا ... مَا جَدَّدَتْ أَفْرَاحُنَا خَتْمَةَ الْبَحْرِ وَذَلِكَ فِي أَوَائِلِ رَبِيعٍ الثَّانِي سَنَةَ أَلْفٍ وَمِائَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَأَنَا الْفَقِيرُ إلَيْهِ تَعَالَى أَقَلُّ عَبِيدِهِ وَأَحْوَجُهُمْ إلَى تَأْيِيدِهِ وَتَسْدِيدِهِ مُحَمَّد أَمِين بْنُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَحْمَدَ الشَّهِيرُ بِابْنِ عَابِدِينَ عَفَى اللَّهُ عَنْهُ آمِينَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 311 مُحْصَنَةٍ تُقَالُ وَتُفْسَخُ فَكَانَتْ كَالْبَيْعِ فَكُلُّ مَا أَفْسَدَ الْبَيْعَ أَفْسَدَهَا وَقَدْ ضَبَطَهُ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ فَقَالَ إذَا كَانَ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ عَقْدُ الْإِجَارَةِ مَجْهُولًا فِي نَفْسِهِ أَوْ فِي أُجْرَةٍ أَوْ فِي مُدَّةِ الْإِجَارَةِ أَوْ فِي الْعَمَلِ الْمُسْتَأْجَرِ عَلَيْهِ فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ وَكُلُّ جَهَالَةٍ تَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ فَتُفْسِدُهُ مِنْ جِهَةِ الْجَهَالَةِ فَكَذَلِكَ هِيَ فِي الْإِجَارَةِ اهـ. وَالشُّرُوطُ الَّتِي تُفْسِدُهَا تَفْصِيلًا كَاشْتِرَاطِ تَطْيِينِ الدَّارِ وَمَرَمَّتِهَا أَوْ تَعْلِيقِ بَابٍ عَلَيْهَا أَوْ إدْخَالِ جِذْعٍ فِي سَقْفِهَا عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَكَذَا اشْتِرَاطُ كَرْيِ نَهْرِ الْأَرْضِ أَوْ ضَرْبِ مُسْنَاةٍ عَلَيْهَا أَوْ حَفْرِ بِئْرٍ فِيهَا أَوْ أَنْ يَسْرِقَنَّهَا عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَكَذَلِكَ اشْتِرَاطُ رَدِّ الْأَرْضِ مَكْرُوبَةً وَكَذَا لَوْ شَرَطَ إنْ انْقَطَعَ الْمَاءُ عَنْ الرَّحَى فَالْأَجْرُ عَلَيْهِ وَكَذَا إنْ تَكَارَى دَابَّةً إلَى بَغْدَادَ أَوْ عَلَى أَنَّهُ إنْ رُزِقَ شَيْئًا أَعْطَاهُ وَإِنْ بَلَغَتْ بَغْدَادَ فَلَهُ كَذَا وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهُ فَهِيَ فَاسِدَةٌ وَعَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِ مَا سَارَ عَلَيْهَا وَكَذَا لَوْ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا شَهْرًا عَلَى أَنَّهُ إنْ مَرِضَ فِيهِ عَمِلَ فِي الشَّهْرِ الَّذِي بَعْدَهُ بِقَدْرِ الْأَيَّامِ الَّتِي مَرِضَ فِيهَا كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ فَخَرَجَ مَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ كَاشْتِرَاطِ أَنْ يَدْفَعَ لَهُ الْأَجْرَ إذَا رَجَعَ مِنْ السَّفَرِ وَاشْتِرَاطُ أَنْ يَفْرُغَ لَهُ الْيَوْمَ وَفِي الْخُلَاصَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْأَصْلِ لَوْ اسْتَأْجَرَ دَارًا عَلَى أَنْ يَعْمُرَهَا وَيُعْطِيَ نَوَائِبَهَا تَفْسُدُ لِأَنَّهُ شَرْطٌ مُخَالِفٌ لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ اهـ. فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ مَا يَقَعُ فِي زَمَانِنَا مِنْ إجَارَةِ أَرْضِ الْوَقْفِ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ عَلَى أَنَّ الْمَغَارِمَ وَكُلْفَةَ الْكَاشِفِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ أَوْ عَلَى أَنَّ الْجَرْفَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ فَاسِدٌ كَمَا لَا يَخْفَى. (قَوْلُهُ وَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ لَا يُجَاوِزُ بِهِ الْمُسَمَّى) لِأَنَّ الْفَاسِدَ مُلْحَقٌ بِالصَّحِيحِ فَوُجِدَ فِي قَدْرِ الْمُسَمَّى شُبْهَةُ الْعَقْدِ وَفِيمَا زَادَ عَلَيْهِ لَمْ يُوجَدْ فِيهِ عَقْدٌ وَلَا شُبْهَةٌ فَبَقِيَ عَلَى الْأَصْلِ وَأَشَارَ بِعَدَمِ مُجَاوَزَتِهِ لِلْمُسَمَّى إلَى أَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُسَمَّى مَعْلُومًا غَيْرَ مَحْرَمٍ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْفَسَادُ لِجَهَالَةِ الْمُسَمَّى كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ أَوْ لِعَدَمِهِ لَيْسَ فِيهِ مُسَمًّى حَتَّى يَصِحَّ أَنْ تَنْتَفِيَ الْمُجَاوَزَةُ عَنْهُ فَلِهَذَا وَجَبَ أَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ وَكَذَا لَوْ كَانَ الْأَجْرُ خَمْرًا أَوْ خِنْزِيرًا فَإِنَّهُ يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ وَاسْتَثْنَى الشَّارِحُ أَيْضًا مَا إذَا اسْتَأْجَرَ دَارًا عَلَى أَنْ لَا يَسْكُنَهَا فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ وَيَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ إنْ سَكَنَهَا وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ إنْ لَمْ تَكُنْ مُسَمَّاةً فَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ وَإِنْ كَانَتْ مُسَمَّاةً يَنْبَغِي أَنْ لَا يُجَاوِزَ بِهِ الْمُسَمَّى كَغَيْرِهَا مِنْ الشُّرُوطِ وَقَدْ ذَكَرَهَا فِي الْخُلَاصَةِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْأُجْرَةِ ثُمَّ قَالَ وَإِنْ شَرَطَ أَنْ يَسْكُنَهَا الْمُسْتَأْجِرُ وَحْدَهُ يَجُوزُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ وَهَذَا آخِرُ مَا نَظَمَهُ بَنَانُ التَّحْقِيقِ فِي سَمْطِ الدَّرَارِي وَتُحَلَّى بِهِ عُقُودُ الْبَيَانِ فَفَاقَ اللَّآلِئِ فِي جَيِّدِ الْجَوَارِي وَنِهَايَةِ مَا يَسَّرَ اللَّهُ تَأْلِيفَهُ لِلْعَلَّامَةِ الْفَاضِلِ وَالْأُسْتَاذِ الْكَامِلِ الشَّيْخِ زَيْنِ الدِّينِ الشَّهِيرِ بِابْنِ نَجِيمٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَغَفَرَ اللَّهُ لَنَا وَلَهُ وَلِكُلِّ الْمُسْلِمِينَ أَجْمَعِينَ آمِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.   [منحة الخالق] وَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ لَا يُجَاوِزُ بِهِ الْمُسَمَّى. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 312 [تَكْمِلَة الْبَحْر الرَّائِق للطوري] [كِتَابُ الْإِجَارَةِ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَابُ الْإِجَارَةِ. لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ تَمْلِيكِ الْأَعْيَانِ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَهُوَ الْهِبَةُ شَرَعَ فِي بَيَانِ تَمْلِيكِ الْمَنَافِعِ بِعِوَضٍ وَهُوَ الْإِجَارَةُ وَقَدَّمَ الْأَوَّلَ عَلَى الثَّانِي؛ لِأَنَّ الْأَعْيَانَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْمَنَافِعِ؛ وَلِأَنَّ الْأَوْلَى فِيهَا عَدَمُ الْعِوَضِ، وَالثَّانِيَةُ فِيهَا الْعِوَضُ وَالْعَدَمُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوُجُودِ، ثُمَّ لِعَقْدِ الْإِجَارَةِ مُنَاسَبَةٌ خَاصَّةٌ بِفِعْلِ الصَّدَقَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُمَا يَقَعَانِ لَازِمَيْنِ فَلِذَلِكَ أَوْرَد َ كِتَابَ الْإِجَارَةِ مُتَّصِلًا بِفِعْلِ الصَّدَقَةِ، وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ وَإِنَّمَا جَمَعَهَا إشَارَةً إلَى أَنَّهَا حَقِيقَةٌ وَذَاتُ أَفْرَادِ فَإِنَّ لَهَا نَوْعَيْنِ: نَوْعٌ يَرِدُ عَلَى الْأَعْيَانِ كَاسْتِئْجَارِ الدُّورِ وَالْأَرَاضِي، وَنَوْعٌ يَرِدُ عَلَى الْعَمَلِ كَاسْتِئْجَارِ الْمُحْتَرِفِينَ لِلْأَعْمَالِ نَحْوُ الْخِيَاطَةِ وَالْقِصَارَةِ اهـ. وَسَيُبَيِّنُ الْمُؤَلِّفُ أَنَّ الْمَنْفَعَةَ تَارَةً تَصِيرُ مَعْلُومَةً بِبَيَانِ الْمُدَّةِ، وَتَارَةً تَصِيرُ مَعْلُومَةً بِالتَّسْمِيَةِ وَتَارَةً تَصِيرُ مَعْلُومَةً بِالتَّعْيِينِ وَالْإِشَارَةِ، وَلَوْ قَالَ الْمُؤَلِّفُ كِتَابُ الْإِيجَارِ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الَّذِي يُعْرَفُ هُوَ الْإِيجَارُ الَّذِي هُوَ بَيْعُ الْمَنَافِعِ لَا الْإِجَارَةُ الَّتِي هِيَ الْأُجْرَةُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. (هِيَ بَيْعُ مَنْفَعَةٍ مَعْلُومَةٍ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ) فَقَوْلُهُ بَيْعُ جِنْسٍ يَشْمَلُ بَيْعَ الْعَيْنِ وَالْمَنْفَعَةِ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ جِنْسًا كَمَا يَكُونُ مَدْخَلًا يَكُونُ مَخْرَجًا كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْمَعْقُولَاتِ فَخَرَجَ بِهِ الْعَارِيَّةُ؛ لِأَنَّهَا تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ وَالنِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكُ الْبُضْعِ لَيْسَ بِمَنْفَعَةٍ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ مَنْفَعَةُ بَيْعِ الْعَيْنِ وَقَوْلُهُ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ تَمَامُ التَّعْرِيفِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ بَيْعَ مَصْدَرُ بَاعَ وَالْمَصْدَرُ هُوَ الْمَعْنَى الْقَائِمُ بِالذَّاتِ وَجَازَ أَنْ يُرَادَ بِهِ اسْمُ الْمَفْعُولِ وَهُوَ الْمَبِيعُ. وَسَوَاءٌ أُرِيدَ الْمَصْدَرُ أَوْ اسْمُ الْمَفْعُولِ لَا يَصْلُحُ مَا ذُكِرَ تَعْرِيفًا لِلْإِيجَابِ؛ لِأَنَّ الْإِيجَابَ وَالْقَبُولَ وَالِارْتِبَاطَ غَيْرُ الْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ وَاسْمِ الْمَفْعُولِ فَهَذَا تَعْرِيفٌ بِبَعْضِ الْخَوَاصِّ، وَلَوْ أَرَادَ التَّعْرِيفَ بِالْحَقِيقَةِ لَقَالَ هُوَ عَقْدٌ يَرِدُ عَلَى بَيْعٍ إلَى آخِرِهِ، وَاحْتُرِزَ بِذِكْرِ الْمَعْلُومِ عَمَّا إذَا اشْتَمَلَ الْعَقْدُ عَلَى بَيْعٍ مَعْلُومٍ وَأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ وَشَيْءٍ مَجْهُولٍ بِأَنْ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا مِائَةً مَعْلُومَةً بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ وَطَعَامِهِ وَكِسْوَتِهِ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ لِلْجَهَالَةِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَإِنَّمَا لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمْلِكَ الرَّقَبَةَ، وَلَوْ مَلَكَ الْمَنْفَعَةَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 2 قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَقَفَ عَلَى قَوْمٍ مُعَيَّنِينَ فَأَجَّرَهُمْ الْقَيِّمُ الْوَقْفَ جَازَ؛ لِأَنَّهُمْ لَا حَقَّ لَهُمْ فِي الرَّقَبَةِ وَإِنَّمَا حَقُّهُمْ فِي الْغَلَّةِ فَصَارُوا فِي حَقِّ الرَّقَبَةِ كَالْأَجَانِبِ إلَّا أَنَّهُ يَسْقُطُ حِصَّةُ الْمُسْتَأْجِرِ مِنْ الْأُجْرَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أُخِذَ مِنْهُ يُسْتَرَدُّ لَهُ وَفِي الْقُنْيَةِ لَوْ أَجَّرَ الْقَيِّمُ نَفْسَهُ لِلْعَمَلِ فِي الْوَقْفِ فَعَمِلَ يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ وَبِهِ يُفْتَى، وَلَوْ عَمِلَ مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ وَالْكَلَامُ فِي الْإِجَارَةِ فِي مَوَاضِعَ: الْأَوَّلُ فِي مَعْنَاهَا لُغَةً قِيلَ هِيَ بَيْعُ الْمَنَافِعِ قَالَ الْعَيْنِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ قَالَ قَاضِي زَادَهْ، قَوْلُهُمْ الْإِجَارَةُ فِي اللُّغَةِ بَيْعُ الْمَنَافِعِ قَالَ الشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ اسْمٌ لِلْأُجْرَةِ وَهِيَ مَا أُعْطِيت مِنْ كِرَاءِ الْأَجِيرِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ قَالَ قَاضِي زَادَهْ وَالنَّظَرُ الْمَذْكُورُ وَارِدٌ؛ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ إنَّمَا هُوَ الْإِجَارَةُ الَّتِي هِيَ اسْمُ الْأُجْرَةِ وَاَلَّذِي هُوَ بَيْعُ الْمَنَافِعِ الْإِيجَارُ لَا الْأُجْرَةُ، قَالَ الْعَيْنِيُّ وَتَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْإِجَارَةُ مَصْدَرًا قَالَ قَاضِي زَادَهْ وَلَمْ يُسْمَعْ فِي اللُّغَةِ أَنَّ الْإِجَارَةَ مَصْدَرٌ وَفِي الْمُضْمَرَاتِ يُقَالُ: أَجَّرَهُ إذَا أَعْطَاهُ أُجْرَتَهُ وَالْأُجْرَةُ مَا يُسْتَحَقُّ عَلَى عَمَلِ الْخَيْرِ وَلِهَذَا يُدَّعَى بِهِ يُقَالُ آجَرَك اللَّهُ وَعَظَّمَ اللَّهُ أَجْرَك، وَفِي كِتَابِ الْعَيْنِيِّ أَجَّرَهُ مَمْلُوكِيٌّ وَآجَرَهُ إيجَارًا فَهُوَ مُؤَجِّرٌ وَفِي الْأَسَاسِ أَجَّرَنِي دَارِهِ فَاسْتَأْجَرْتهَا وَهُوَ مُؤَجِّرٌ وَلَا يَقُلْ مُؤَاجِرٌ فَإِنَّهُ خَطَأٌ وَقَبِيحٌ قَالَ وَلَيْسَ آجَرَ هَذَا فَاعِلٌ، بَلْ هُوَ أَفْعَلُ. اهـ. . وَأَمَّا دَلِيلُهَا مِنْ الْكِتَابِ فَهُوَ قَوْله تَعَالَى حِكَايَةٌ عَنْ شُعَيْبٍ: {عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ} [القصص: 27] . وَشَرِيعَةُ مَنْ قَبْلَنَا شَرِيعَةٌ لَنَا إذَا قَصَّهَا اللَّهُ عَلَيْنَا مِنْ غَيْرِ إنْكَارٍ وَمِنْ السُّنَّةِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أَعْطُوا الْأَجِيرَ أُجْرَتَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ» ، وَمِنْ الْإِجْمَاعِ فَإِنَّ الْأُمَّةَ أَجْمَعَتْ عَلَى جَوَازِهَا، وَسَبَبُ الْمَشْرُوعِيَّةِ الْحَاجَةُ؛ لِأَنَّ كُلَّ إنْسَانٍ لَا يَجِدُ مَا يَشْتَرِي بِهِ الْعَيْنَ فَجُوِّزَتْ لِلضَّرُورَةِ، وَأَمَّا رُكْنُهَا فَهُوَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ وَالِارْتِبَاطُ بَيْنَهُمَا، وَأَمَّا شَرْطُ جَوَازِهَا فَثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ: أَجْرٌ مَعْلُومٌ، وَعَيْنٌ مَعْلُومٌ، وَبَدَلٌ مَعْلُومٌ، وَمَحَاسِنُهَا دَفْعُ الْحَاجَةِ بِقَلِيلِ الْمَنْفَعَةِ، وَأَمَّا حُكْمُهَا فَوُقُوعُ الْمِلْكِ فِي الْبَدَلَيْنِ سَاعَةً فَسَاعَةً، وَأَمَّا أَلْفَاظُهَا فَتَنْعَقِدُ بِلَفْظَيْنِ مَاضِيَيْنِ أَوْ يُعَبَّرُ بِأَحَدِهِمَا عَنْ الْمَاضِي وَالْآخَرِ عَنْ الْمُسْتَقْبَلِ كَقَوْلِهِ أَجَّرْتُك وَأَعَرْتُك مَنْفَعَةَ دَارِي سَنَةً بِكَذَا وَتَنْعَقِدُ بِالتَّعَاطِي كَمَا فِي الْبَيْعِ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة وَتَنْعَقِدُ الْإِجَارَةُ بِغَيْرِ لَفْظٍ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ دَارًا سَنَةً، فَلَمَّا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ قَالَ رَبُّهَا لِلْمُسْتَأْجِرِ فَرِّغْهَا لِي الْيَوْمَ وَإِلَّا فَعَلَيْك كُلَّ شَهْرٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَتُجْعَلُ فِي قَدْرِ مَا يَنْقُلُ مَتَاعَهُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ فَإِنْ سَكَنَ شَهْرًا فَهِيَ بِمَا قَالَ الْمَالِكُ إلَى آخِرِ مَا ذُكِرَ. وَصِفَتُهَا أَنَّهَا عَقْدٌ لَازِمٌ وَفِي الْعِنَايَةِ وَيَثْبُتُ فِي الْإِجَارَةِ خِيَارُ الشَّرْطِ وَالرُّؤْيَةِ وَالْعَيْبِ كَمَا فِي الْبَيْعِ اهـ. وَأَفَادَ الْمُؤَلِّفُ أَنَّ عَقْدَ الْإِجَارَةِ يَنْعَقِدُ بِإِقَامَةِ الْعَيْنِ مَقَامَ الْمَنْفَعَةِ وَلِهَذَا لَوْ أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى الْمَنَافِعِ فَلَا تَجُوزُ بِأَنْ قَالَ أَجَّرْتُك مَنَافِعَ دَارِي بِكَذَا شَهْرٍ وَإِنَّمَا يَصِحُّ إضَافَتُهُ إلَى الْعَيْنِ، وَالْمُرَادُ مِنْ الْمَنْفَعَةِ أَنْ تَكُونَ مَقْصُودَةً مِنْ الْعَيْنِ فَلَوْ اسْتَأْجَرَ ثِيَابًا لِيَبْسُطَهَا وَلَا يَجْلِسُ عَلَيْهَا وَلَا يَنَامُ أَوْ دَابَّةً لِيَرْبِطَهَا فِي دَارِهِ وَيَظُنُّ النَّاسُ أَنَّهَا لَهُ أَوْ لِيَجْعَلَهَا جَنِيبَةً بَيْنَ يَدَيْهِ أَوْ آنِيَةً يَضَعُهَا فِي بَيْتِهِ يَتَجَمَّلُ بِهَا وَلَا يَسْتَعْمِلُهَا فَالْإِجَارَةُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ فَاسِدَةٌ وَلَا أُجْرَةَ لَهُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَنْفَعَةَ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ. كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ فِي الْجِنْسِ الثَّالِثِ مِنْ الدَّوَابِّ كَمَا فِي الْبَيْعِ اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَا صَحَّ ثَمَنًا صَحَّ أُجْرَةً) لِأَنَّ الْأُجْرَةَ ثَمَنُ الْمَنْفَعَةِ فَتُعْتَبَرُ بِثَمَنِ الْمَبِيعِ، ثُمَّ إنْ كَانَتْ الْأُجْرَةُ عَيْنًا جَازَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ عَيْنٍ بَدَلًا عَنْ الْمَبِيعِ وَلَا يَنْعَكِسُ حَتَّى صَحَّ أُجْرَةً مَا لَا يَصِحُّ ثَمَنًا كَالْمَنْفَعَةِ فَإِنَّهَا لَا تَصِحُّ ثَمَنًا وَتَصِحُّ أُجْرَةً إذَا كَانَا مُخْتَلِفَيْ الْجِنْسِ كَمَا سَيَأْتِي وَفِي الْجَوْهَرَةِ وَلَوْ كَانَ عَبْدٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَأَجَّرَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ مِنْ شَرِيكِهِ عَلَى أَنْ يَخِيطَ مَعَهُ شَهْرًا عَلَى أَنْ يَخْدُمَ الْآخَرَ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي لَمْ يَجُزْ مِنْ جِهَةِ أَنَّ النَّصِيبَيْنِ فِي الْعَبْدِ الْوَاحِدِ مُتَّفِقَانِ فِي الصَّفْقَةِ، وَلَوْ كَانَ فِي الْعَبْدَيْنِ جَازَ اهـ. وَإِنْ كَانَتْ الْأُجْرَةُ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ الْقَدْرِ وَالصِّفَةِ وَأَنَّهُ جَيِّدٌ أَوْ رَدِيءٌ وَإِنْ كَانَتْ النُّقُودُ مُخْتَلِفَةً انْصَرَفَتْ إلَى غَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ وَإِنْ كَانَتْ الْأُجْرَةُ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا يَحْتَاجُ إلَى بَيَانِ الْقَدْرِ وَالصِّفَةِ وَمَكَانِ الْإِيفَاءِ هَذَا إذَا كَانَ لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ عِنْدَ الْإِمَامِ وَإِلَّا فَلَا يَحْتَاجُ إلَى بَيَانِ مَكَانِ الْإِيفَاءِ وَإِنْ كَانَتْ ثِيَابًا أَوْ عُرُوضًا فَالشَّرْطُ بَيَانُ الْقَدْرِ وَالْأَجَلِ وَالصِّفَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ إلَّا بِهَذَا، هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُشَارًا إلَيْهِ وَفِي الْهِدَايَةِ وَمَا لَا يَصْلُحُ ثَمَنًا يَصْلُحُ أُجْرَةً أَيْضًا كَالْأَعْيَانِ الَّتِي لَيْسَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ كَالْحَيَوَانِ وَالثِّيَابِ مَثَلًا فَإِنَّهَا إذَا كَانَتْ مُعَيَّنَةً تَصْلُحُ أُجْرَةً وَلَا تَصْلُحُ ثَمَنًا كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَ دَارًا بِثَوْبٍ مُعَيَّنٍ فَإِنَّهُ لَا يَصْلُحُ ثَمَنًا لِمَا تَقَرَّرَ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ، إذْ الْأَمْوَالُ ثَلَاثَةٌ ثَمَنٌ مَحْضٌ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ، وَمَبِيعٌ مَحْضٌ كَالْأَعْيَانِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3 الَّتِي لَيْسَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ وَمَا كَانَ بَيْنَهُمَا كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْمُقَايَضَةَ بَيْعٌ وَلَيْسَ فِيهَا إلَّا الْعَيْنُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَإِذَا لَمْ تَصْلُحْ ثَمَنًا كَانَ بَيْعًا بِلَا ثَمَنٍ وَهُوَ بَاطِلٌ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالثَّمَنِ مَا ثَبَتَ فِي الذِّمَّةِ، وَإِذَا كَانَتْ الْأُجْرَةُ فَلْسًا فَغَلَا أَوْ رَخُصَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَالْأُجْرَةُ الْفَلْسُ لَا غَيْرُ، وَإِنْ كَسَدَتْ فَعَلَيْهِ قِيمَةُ الْمَنْفَعَةِ كَذَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَكَذَا إذَا كَانَ الثَّمَنُ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا فَانْقَطَعَ عَنْ أَيْدِي النَّاسِ. اهـ. وَأَمَّا إذَا كَانَتْ حَيَوَانًا لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا كَانَ مُعَيَّنًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمَنْفَعَةُ تُعْلَمُ بِبَيَانِ الْمُدَّةِ كَالسُّكْنَى وَالزِّرَاعَةِ فَتَصِحُّ عَلَى مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ) أَيِّ مُدَّةٍ كَانَتْ؛ لِأَنَّ الْمُدَّةَ إذَا كَانَتْ مَعْلُومَةً كَانَتْ الْمَنْفَعَةُ مَعْلُومَةً فَيَجُوزُ طَالَتْ الْمُدَّةُ أَوْ قَصُرَتْ أَوْ تَأَخَّرَتْ بِأَنْ كَانَتْ مُضَافَةً أَوْ تَقَدَّمَتْ بِأَنْ كَانَتْ مُتَّصِلَةً بِوَقْتِ الْعَقْدِ؛ وَلِأَنَّ الْمَنَافِعَ لَا تَصِيرُ مَعْلُومَةً إلَّا بِضَرْبِ الْمُدَّةِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَضْرِبَ إلَى مُدَّةٍ لَا يَعِيشُ إلَيْهَا عَادَةً؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ كَالْمُتَحَقِّقِ فِي حَقِّ الْأَحْكَامِ فَصَارَ كَالثَّابِتِ بَعْدُ فَلَا تَجُوزُ وَبِهِ كَانَ يُفْتِي الْقَاضِي أَبُو عِصْمَةَ وَبَعْضُ الْعُلَمَاءِ فَيَجُوزُ ضَرْبُ الْمُدَّةِ الَّتِي لَا يَعِيشُ إلَى مِثْلِهَا وَمِنْهُمْ الْخَصَّافُ قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: رَجُلٌ قَالَ لِآخَرَ أَجَّرْتُك دَابَّتِي غَدًا بِدِرْهَمٍ، ثُمَّ أَجَّرَهَا الْيَوْمَ وَغَدًا وَبَعْدَ غَدٍ مِنْ غَيْرِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَجَاءَ الْغَدُ وَأَرَادَ الْمُسْتَأْجِرُ الْأَوَّلُ أَنْ يَفْسَخَ الْإِجَارَةَ الثَّانِيَةَ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا، فِي رِوَايَةٍ يَفْسَخُ الْإِجَارَةَ الثَّانِيَةَ وَبِهِ أَخَذَ نُصَيْرٌ وَفِي رِوَايَةٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ وَالْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى فَيَسْتَوْفِي الْأَوَّلُ مُدَّتَهُ وَالثَّانِي مَا بَقِيَ لَهُ، وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ أَجَّرَ دَارِهِ إجَارَةً مُضَافَةً بِأَنْ قَالَ أَجَّرْتُك دَارِي مُدَّةَ شَوَّالٍ وَهُمَا فِي رَمَضَانَ، ثُمَّ بَاعَهَا مِنْ آخَرَ فَالْبَيْعُ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَارَةِ الْمُسْتَأْجِرِ وَفِي الْخُلَاصَةِ أَجَّرْتُك دَارِي غَدًا فَلِلْمُؤَجِّرِ بَيْعُهَا الْيَوْمَ وَتُنْتَقَضُ الْإِجَارَةُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَمْ تَزِدْ فِي الْأَوْقَافِ عَلَى ثَلَاثِ سِنِينَ) يَعْنِي لَا يُزَادُ عَلَى هَذِهِ الْمُدَّةِ خَوْفًا مِنْ دَعْوَى الْمُسْتَأْجِرِ أَنَّهَا مِلْكُهُ إذَا تَطَاوَلَتْ الْمُدَّةُ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ الْحِيلَةَ فِي جَوَازِ الزِّيَادَةِ عَلَى ثَلَاثِ سِنِينَ أَنْ يَعْقِدَ عُقُودًا كُلَّ عَقْدٍ عَلَى سَنَةٍ وَيَكْتُبَ فِي الْكِتَابِ أَنَّ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ اسْتَأْجَرَ وَقْفَ كَذَا كَذَا سَنَةً فِي كَذَا كَذَا عَقْدًا وَذَكَرَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ أَنَّ الْحِيلَةَ فِيهِ أَنْ يُرْفَعَ الْأَمْرُ إلَى الْحَاكِمِ حَتَّى يُجِيزَهُ هَذَا إذَا لَمْ يَنُصَّ الْوَاقِفُ عَلَى مُدَّةٍ فَلَوْ نَصَّ الْوَاقِفُ عَلَى مُدَّةٍ فَهُوَ عَلَى مَا شَرَطَ قَصُرَتْ الْمُدَّةُ أَوْ طَالَتْ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْوَاقِفِ يُرَاعَى، كَذَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ وَفِي الْخَانِيَّةِ وَإِنْ كَانَ الْوَاقِفُ شَرَطَ أَنْ لَا يُؤَجِّرَ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ يَجِبُ مُرَاعَاةُ شَرْطِهِ وَلَا يُفْتَى بِجَوَازِ هَذِهِ الْإِجَارَةِ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ، زَادَ فِي الذَّخِيرَةِ إلَّا إذَا كَانَتْ إجَارَتُهَا أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ أَنْفَعَ لِلْفُقَرَاءِ فَحِينَئِذٍ تُؤَجَّرُ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ إنْ لَمْ يَشْتَرِطْ الْوَاقِفُ شَيْئًا قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ أُجَوِّزُهَا فِي الثَّلَاثَةِ وَلَا أُجَوِّزُهَا فِي أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَالصَّدْرُ الشَّهِيدُ حُسَامُ الدِّينِ كَانَ يَقُولُ يُفْتَى فِي الضِّيَاعِ بِالْجَوَازِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ إلَّا إذَا كَانَتْ الْمَصْلَحَةُ فِي عَدَمِ الْجَوَازِ وَفِي غَيْرِ الضِّيَاعِ يُفْتَى بِعَدَمِ الْجَوَازِ فِيمَا زَادَ عَلَى سَنَةٍ إلَّا إذَا كَانَتْ الْمَصْلَحَةُ فِي الْجَوَازِ، وَهَذَا أَمْرٌ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ وَالْمَوَاضِعِ. وَالْمُرَادُ بِعَدَمِ الْجَوَازِ عَدَمُ الصِّحَّةِ، وَقِيلَ تَصِحُّ وَتُفْسَخُ ذَكَرَهُ النَّسَفِيُّ وَإِجَارَةُ الْوَقْفِ وَمَالِ الْيَتِيمِ لَا يَجُوزُ إلَّا بِأَجْرِ الْمِثْلِ فَلَوْ أَجَّرَ بِدُونِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ يَلْزَمُ الْمُسْتَأْجِرَ تَمَامُ الْأُجْرَةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَذَا فِي قَاضِي خان، وَإِذَا اسْتَأْجَرَ الْوَقْفَ فَرَخُصَتْ الْأُجْرَةُ لَا تُفْسَخُ الْإِجَارَةُ وَإِنْ زَادَتْ أُجْرَةُ مِثْلِهَا بَعْدَ مُضِيِّ بَعْضِ الْمُدَّةِ ذَكَرَ فِي فَتَاوَى أَهْلِ سَمَرْقَنْدَ أَنَّهُ لَا يُفْسَخُ الْعَقْدُ، وَذَكَرَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ يُفْسَخُ الْعَقْدُ وَيُحَدَّدُ عَلَى مَا زَادَ، وَلَوْ كَانَتْ الْأَرْضُ بِحَالٍ لَا يُمْكِنُ فَسْخُهَا بِأَنْ كَانَتْ مَزْرُوعَةً لَمْ تُحْصَدْ، فَمِنْ وَقْتِ الزِّيَادَةِ تَجِبُ إلَى انْتِهَاءِ الْمُدَّةِ هَذَا إذَا زَادَتْ عِنْدَ الْكُلِّ قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ أَمَّا فِي الْأَمْلَاكِ لَا يُفْسَخُ الْعَقْدُ بِرُخْصِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ وَلَا بِزِيَادَتِهِ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ، وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة فِي بَابِ مَنْ يَجِبُ الْأَجْرُ الْجَارِي سُئِلَ عَمَّنْ آجَرَ مَنْزِلًا لِرَجُلٍ وَالْمَنْزِلُ وَقْفٌ عَلَى الْآخَرِ وَعَلَى أَوْلَادِهِ فَأَنْفَقَ الْمُسْتَأْجِرُ فِي عِمَارَةِ الْمَنْزِلِ بِأَمْرِ الْمُؤَجِّرِ قَالَ إنْ كَانَ لِلْمُؤَجِّرِ وِلَايَةٌ عَلَى الْوَقْفِ كَانَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ وَلَا يَرْجِعُ بِمَا أَنْفَقَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَى الْوَقْفِ كَانَ مُتَطَوِّعًا وَلَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ. اهـ. وَقَدْ وَقَعَتْ حَادِثَةُ الْفَتْوَى فِي وَاقِفٍ شَرَطَ فِي كِتَابِ وَقْفِهِ أَنْ لَا يُؤَاجِرَ وَقْفَهُ مِنْ مَتْجَرٍ وَلَا مِنْ ظَالِمٍ وَلَا مِنْ حَاكِمٍ فَأَجَّرَ النَّاظِرُ الْوَقْفَ مِنْهُمْ وَعَجَّلُوا الْأُجْرَةَ قَدْرَ أُجْرَةِ الْمِثْلِ هَلْ يَجُوزُ هَذَا الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ الْوَاقِفَ إنَّمَا مَنَعَ خَوْفًا عَلَى الْأُجْرَةِ مِنْ الضَّيَاعِ وَعَدَمِ حُصُولِ النَّفْعِ لِلْفُقَرَاءِ أَوْ لَا يَجُوزُ؟ فَأُجِيبَ بِالْجَوَازِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِ صَاحِبِ الْوَجِيزِ إذَا شَرَطَ الْوَاقِفُ مُدَّةً وَإِنْ كَانَ نَفْعُ الْفُقَرَاءِ فِي غَيْرِهِ يُخَالِفُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 4 شَرْطَ الْوَاقِفِ وَيُؤَجَّرُ بِخِلَافِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ بِالتَّسْمِيَةِ كَالِاسْتِئْجَارِ عَلَى صَبْغِ الثَّوْبِ وَخِيَاطَتِهِ) يَعْنِي الْمَنْفَعَةَ تُعْلَمُ بِالتَّسْمِيَةِ فِيمَا ذُكِرَ مِنْ الصَّبْغِ وَالْخِيَاطَةِ كَمَا ذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ، وَكَذَلِكَ اسْتِئْجَارُ الدَّابَّةِ لِلْحَمْلِ وَالرُّكُوبِ؛ وَلِأَنَّهُ إذَا بَيَّنَ الْمَصْبُوغَ وَالصَّبْغَ، وَقَدْرَ مَا يَصْبُغُ بِهِ وَجِنْسَهُ وَجِنْسَ الْخِيَاطَةِ وَالْمَخِيطِ وَمَنْ يَرْكَبُ عَلَى الدَّابَّةِ وَالْقَدْرَ الْمَحْمُولَ عَلَيْهَا وَالْمَسَافَةَ صَارَتْ الْمَنْفَعَةُ مَعْلُومَةً بِلَا شُبْهَةٍ فَصَحَّ الْعَقْدُ وَمِنْ هَذَا النَّوْعِ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى الْعَمَلِ كَالْقِصَارَةِ وَنَحْوِهِ وَبِهِ يُعْلَمُ فَسَادُ إجَارَةِ دَوَابِّ الْعَلَّافِينَ فِي دِيَارِنَا لِعَدَمِ بَيَانِ الْوَقْتِ وَالْمَوْضِعِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ بِالْإِشَارَةِ كَالِاسْتِئْجَارِ عَلَى نَقْلِ هَذَا الطَّعَامِ إلَى كَذَا) يَعْنِي تَكُونُ الْمَنْفَعَةُ مَعْلُومَةً بِالْإِشَارَةِ كَمَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّهُ إذَا عُلِمَ الْمَنْقُولُ وَالْمَكَانُ الْمَنْقُولُ إلَيْهِ صَارَتْ الْمَنْفَعَةُ مَعْلُومَةً، وَهَذَا النَّوْعُ قَرِيبٌ مِنْ النَّوْعِ الْأَوَّلِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْأُجْرَةُ لَا تُمْلَكُ بِالْعَقْدِ، بَلْ بِالتَّعْجِيلِ أَوْ بِشَرْطِهِ أَوْ بِالِاسْتِيفَاءِ أَوْ بِالتَّمَكُّنِ مِنْهُ) يَعْنِي الْأُجْرَةَ لَا تُمْلَكُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ، سَوَاءٌ كَانَتْ عَيْنًا أَوْ دَيْنًا وَإِنَّمَا تُمْلَكُ بِالتَّعْجِيلِ أَوْ بِشَرْطِهِ أَوْ بِاسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَهِيَ الْمَنْفَعَةُ أَوْ بِالتَّمَكُّنِ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ بِتَسْلِيمِ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ فِي الْمُدَّةِ اهـ. كَلَامُ الشَّارِحِ. وَالظَّاهِرُ مِنْ إطْلَاقِ الْمَاتِنِ وَالشَّارِحِ أَنَّ الْأُجْرَةَ تُمْلَكُ بِالتَّمَكُّنِ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ فِي الْمُدَّةِ، سَوَاءٌ اسْتَعْمَلَهَا فِي الْمُدَّةِ أَوْ لَا وَيُخَالِفُهُ مَا فِي الْخُلَاصَةِ حَيْثُ قَالَ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيَرْكَبَهَا إلَى مَكَانِ كَذَا مَثَلًا فَحَبَسَهَا فِي بَيْتِهِ لَمْ تَجِبْ الْأُجْرَةُ. اهـ. وَالظَّاهِرُ مِنْ إطْلَاقِ الْمُؤَلِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الْأُجْرَةَ تَجِبُ بِاسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ فِي مُدَّةِ الْإِجَارَةِ أَوْ بَعْدَ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ وَسَوَاءٌ اسْتَأْجَرَهَا لِيَرْكَبَهَا فِي الْمِصْرِ أَوْ خَارِجَهُ، وَيُخَالِفُهُ مَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ حَيْثُ قَالَ: وَلَوْ ذَكَرَ مُدَّةً وَمَسَافَةً فَرَكِبَهَا إلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ لَمْ تَجِبْ الْأُجْرَةُ. اهـ. وَفِي الْعَتَّابِيَّةِ هَذَا إذَا اسْتَأْجَرَهَا لِيَرْكَبَهَا خَارِجَ الْمِصْرِ، وَلَوْ كَانَ لِيَرْكَبَهَا فِي الْمِصْرِ وَحَبَسَهَا فِي بَيْتِهِ تَجِبُ الْأُجْرَةُ، قَالَ فِي الْمُحِيطِ: وَالتَّمَكُّنُ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ فِي غَيْرِ الْمُدَّةِ الْمُضَافِ إلَيْهَا لَا يَكْفِي لِوُجُوبِ الْأُجْرَةِ، وَكَذَا التَّمَكُّنُ فِي غَيْرِ الْمَكَانِ لَا يَكْفِي لِوُجُوبِ الْأُجْرَةِ، فَلَوْ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَوْ بِالتَّمَكُّنِ مِنْهُ فِي الْمُدَّةِ وَاسْتَوْفَى لَكَانَ أَوْلَى، وَقَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ تُمْلَكُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ وَيَجِبُ تَسْلِيمُهَا عِنْدَ تَسْلِيمِ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ؛ لِأَنَّهَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ وَلَنَا أَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَيَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ بَيْنَهُمَا وَذَلِكَ بِتَقَابُلِ الْبَدَلَيْنِ فِي الْمِلْكِ وَالتَّسْلِيمِ وَأَحَدِ الْبَدَلَيْنِ وَهُوَ الْمَنْفَعَةُ لَمْ يَصِرْ مَمْلُوكًا بِنَفْسِ الْعَقْدِ لِاسْتِحَالَةِ ثُبُوتِ الْمِلْكِ فِي الْمَعْدُومِ، وَلَوْ مَلَكَ الْأُجْرَةَ لِمِلْكِهَا مِنْ غَيْرِ بَدَلٍ وَهُوَ لَيْسَ مِنْ قَضِيَّةِ الْمُعَاوَضَةِ فَتَأَخُّرُ الْمِلْكِ فِيهِ ضَرُورَةُ جَوَازِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ عِوَضٌ لَا يَبْقَى زَمَانَيْنِ وَالْمَنْفَعَةُ إنَّمَا جُعِلَتْ مَوْجُودَةً فِي حَقِّ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَمَا ثَبَتَ لِلضَّرُورَةِ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا، لَا يُقَالُ لَوْ لَمْ يَجْعَلْ الْمَعْدُومَ مَوْجُودًا فِي حَقِّ الْعَقْدِ وَالْأُجْرَةِ لَمَا جَازَ الْإِيجَارُ بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّمَا جَازَ الْإِيجَارُ بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَنْعَقِدْ فِي حَقِّ الْمَنْفَعَةِ فَلَمْ يَصِرْ دَيْنًا فِي الْمُدَّةِ وَإِنَّمَا يَنْعَقِدُ فِي حَقِّ الِارْتِبَاطِ، وَعِنْدَ انْعِقَادِ الْعَقْدِ وَهُوَ زَمَانُ حُدُوثِهَا تَصِيرُ هِيَ مَقْبُوضَةً فَلَا يَكُونُ دَيْنًا بِدَيْنٍ أَصْلًا، وَلَوْ كَانَ الْعَقْدُ يَنْعَقِدُ فِي حَقِّ الْمَنْفَعَةِ لَمَا جَازَتْ الْإِجَارَةُ بِالدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ أَصْلًا كَمَا لَا يَجُوزُ السَّلَمُ بِهِ، وَلَوْ جَازَ أَنْ يُجْعَلَ الْمَعْدُومُ كَالْمُسْتَوْفَى لَجَازَ ذَلِكَ فِي السَّلَمِ أَيْضًا، وَإِذَا عَجَّلَهَا أَوْ اشْتَرَطَ تَعْجِيلَهَا فَقَدْ الْتَزَمَهُ بِنَفْسِهِ وَأَبْطَلَ الْمُسَاوَاةَ الَّتِي اقْتَضَاهَا الْعَقْدُ. قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ شَرْطَ التَّعْجِيلِ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ يُخَالِفُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَلَهُ مَطَالِبُ فَيَفْسُدُ الْعَقْدُ. وَالْجَوَابُ أَنَّ كَوْنَهُ مُخَالِفًا إمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ إجَارَةً أَوْ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ مُعَاوَضَةً، وَالْأَوَّلُ مُسَلَّمٌ وَلَيْسَ شَرْطَ التَّعْجِيلِ بِاعْتِبَارِهِ، وَالثَّانِي مَمْنُوعٌ فَإِنَّ تَعْجِيلَ الْبَدَلِ وَاشْتِرَاطَهُ لَا يُخَالِفُ مِنْ حَيْثُ الْمُعَاوَضَةُ، وَفِي الْمُحِيطِ وَحِينَئِذٍ فَلِلْمُؤَجِّرِ حَبْسُ الْمَنَافِعِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْأُجْرَةَ وَيُطَالِبَهُ بِهَا وَيَحْبِسَهُ وَحَقُّهُ الْفَسْخُ أَنَّ الْحَاكِمَ يُعَجِّلُ اهـ. وَلَوْ أَجَّرَ إجَارَةً مُضَافَةً وَاشْتَرَطَ تَعْجِيلَ الْأُجْرَةِ حَيْثُ يَكُونُ الشَّرْطُ بَاطِلًا وَلَا يَلْزَمُ لِلْحَالِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَ وُجُوبِ الْأُجْرَةِ لَيْسَ بِمُقْتَضَى الْعَقْدِ، بَلْ بِالتَّصْرِيحِ بِالْإِضَافَةِ إلَى وَقْتٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَالْمُضَافُ إلَى وَقْتٍ لَا يَكُونُ مَوْجُودًا قَبْلَ ذَلِكَ الْوَقْتِ فَلَا يَتَغَيَّرُ هَذَا الْمَعْنَى بِالشَّرْطِ وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ إنَّمَا لَا يَجِبُ لِاقْتِضَاءِ الْعَقْدِ الْمُسَاوَاةَ، وَقَدْ بَطَلَ بِالتَّصْرِيحِ لَا يُقَالُ يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ عَنْ الْأُجْرَةِ بَعْدَ الْعَقْدِ، وَلَوْ لَمْ يَمْلِكْهَا لَمَا صَحَّ، وَكَذَا يَصِحُّ الِارْتِهَانُ وَالْكَفَالَةُ بِهَا، وَكَذَا لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِسُكْنَى دَارِهِ سَنَةً وَسَلَّمَ لَيْسَ لَهَا أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا، وَلَوْ لَمْ تَمْلِكْ الْمَنْفَعَةَ لَمَنَعَتْ نَفْسَهَا؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَا يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ عَنْ الثَّانِي لِعَدَمِ وُجُوبِهِ كَالْمُضَافِ بِخِلَافِ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ؛ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ فِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 5 الذِّمَّةِ فَجَازَ الْإِبْرَاءُ عَنْهُ وَالْجَوَابُ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ وُجِدَ سَبَبُهُ فَجَازَ الْإِبْرَاءُ عَنْهُ كَالْإِبْرَاءِ عَنْ الْقِصَاصِ بَعْدَ الْجُرْحِ وَالرَّهْنِ وَالْكَفَالَةِ لِلْوَثِيقَةِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ حَقِيقَةُ الْوُجُوبِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا جَائِزَانِ فِي الْبَيْعِ الْمَشْرُوطِ فِيهِ الْخِيَارُ وَبِالدَّيْنِ الْمَوْعُودِ وَجَازَتْ الْكَفَالَةُ بِالدَّرْكِ وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَحْبِسَ نَفْسَهَا بَعْدَ تَسْلِيمِ الدَّارِ إلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ أَوْفَى مَا سَمَّى لَهَا بِرِضَاهَا وَفِي الْمُحِيطِ وَلَوْ وَهَبَ الْمُؤَجِّرُ أُجْرَةَ رَمَضَانَ هَلْ يَجُوزُ؟ قَالَ مُحَمَّدٌ إنْ اسْتَأْجَرَهُ سَنَةً لَا يَجُوزُ وَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ مُشَاهَرَةً يَجُوزُ إذَا دَخَلَ رَمَضَانُ وَلَا يَجُوزُ قَبْلَهُ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجُوزُ إلَّا بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ، وَلَوْ مَضَى مِنْ السَّنَةِ نِصْفُهَا، ثُمَّ أَبْرَأَهُ عَنْ الْجَمِيعِ أَوْ وَهَبَهَا مِنْهُ فَإِنَّهُ يَبْرَأُ عَنْ الْكُلِّ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بَرِئَ عَنْ النِّصْفِ وَلَا يَبْرَأُ عَنْ النِّصْفِ اهـ. وَعَبَّرَ الْمُؤَلِّفُ بِقَوْلِهِ لَا تَمْلِكُ؛ لِأَنَّ لَفْظَ مُحَمَّدٍ فِي الْجَامِعِ الْأُجْرَةُ لَا تُمْلَكُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ، قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: الْأُجْرَةُ لَا تَجِبُ بِالْعَقْدِ مَعْنَاهُ لَا يَجِبُ تَسْلِيمُهَا وَأَدَاؤُهَا بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ وَلَيْسَ بِوَاضِحٍ؛ لِأَنَّ نَفْيَ وُجُوبِ التَّسْلِيمِ لَا يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ الْمِلْكِ كَالْمَبِيعِ فَإِنَّهُ يَمْلِكُهُ الْمُشْتَرِي بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ وَلَا يَجِبُ تَسْلِيمُهُ مَا لَمْ يَقْبِضْ الثَّمَنَ، وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ مَعْنَاهُ لَا تُمْلَكُ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ الْأُجْرَةَ لَا تُمْلَكُ وَمَا لَا يُمْلَكُ لَا يَجِبُ إيفَاؤُهُ، فَإِنْ قُلْت فَإِذَا لَمْ يَسْتَلْزِمْ نَفْيُ الْوُجُوبِ نَفْيَ الْمِلْكِ كَانَ أَعَمَّ مِنْهُ، وَذِكْرُ الْعَامِّ وَإِرَادَةُ الْخَاصِّ لَيْسَ بِمَجَازٍ شَائِعٍ لِعَدَمِ دَلَالَةِ الْأَعَمِّ عَلَى الْأَخَصِّ أَصْلًا، وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ: الْأُجْرَةُ لَا تَجِبُ بِالْعَقْدِ قَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ أَيْ وُجُوبُ الْأَدَاءِ أَمَّا نَفْسُ الْوُجُوبِ فَيَثْبُتُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ، وَقَالَ صَاحِبُ الْكَفَالَةِ الْمُرَادُ نَفْسُ الْوُجُوبِ لَا وُجُوبُ الْأَدَاءِ وَبَيَانُ ذَلِكَ إجْمَالًا وَتَفْصِيلًا أَمَّا إجْمَالًا؛ فَلِأَنَّ الْأُجْرَةَ لَوْ كَانَتْ عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ الْمُؤَجِّرُ قَبْلَ وُجُودِ أَحَدِ الْمَعَانِي الثَّلَاثَةِ لَا يَعْتِقُ فَلَوْ كَانَ نَفْسُ الْوُجُوبِ ثَابِتًا لَصَحَّ الْإِعْتَاقُ كَمَا فِي الْبَيْعِ. اهـ. وَإِذَا لَمْ يَتَمَلَّكْ بِنَفْسِ الْعَقْدِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَهُ بِالْأُجْرَةِ وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ طَالَبَهُ بِالْأُجْرَةِ عَيْنًا وَقَبَضَ جَازَ لِتَضْمِينِهِ تَعْجِيلَ الْأُجْرَةِ، وَقَالَ أَيْضًا وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ أَحَدُ هَذِهِ الْأُمُورِ يَأْخُذُ الْأُجْرَةَ يَوْمًا فَيَوْمًا فِي الْعَقَارِ وَفِي الْمَسَافَاتِ كُلُّ مَرْحَلَةٍ وَفِي الْمُنْتَقَى رَجُلٌ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً بِالْكُوفَةِ إلَى الرَّيِّ بِدَرَاهِمَ أَيْ النَّقْدَيْنِ يَجِبُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ قَالَ نَقْدُ الْكُوفَةِ؛ لِأَنَّهُ مَكَانُ الْعَقْدِ فَيَنْصَرِفُ مُطْلَقُ الدَّرَاهِمِ إلَى الْمُتَعَارَفِ فِيهَا، وَفِي الْعَتَّابِيَّةِ وَإِذَا عَجَّلَ الْأُجْرَةَ إلَى رَبِّهَا لَا يَمْلِكُ الِاسْتِرْدَادَ، وَلَوْ كَانَتْ الْأُجْرَةُ عَيْنًا فَأَعَارَهَا، ثُمَّ أَوْدَعَهَا إلَى رَبِّ الدَّارِ فَهُوَ كَالتَّعْجِيلِ. اهـ. وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ الْأُجْرَةُ لَا تَخْلُو إمَّا أَنْ تَكُونَ مُعَجَّلَةً أَوْ مُؤَجَّلَةً أَوْ مُنَجَّمَةً أَوْ مَسْكُوتًا عَنْهَا فَإِنْ كَانَتْ مُعَجَّلَةً فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَتَمَلَّكَهَا وَلَهُ أَنْ يُطَالِبَ بِهَا وَإِنْ كَانَتْ مُؤَجَّلَةً، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ إلَّا بَعْدَ الْأَجَلِ وَإِنْ كَانَتْ مُنَجَّمَةً فَلَهُ أَنْ يُطَالِبَ عِنْدَ كُلِّ نَجْمٍ وَإِنْ كَانَتْ مَسْكُوتًا عَنْهَا تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ فِي الْعَقَارِ وَفِي الْمَسَافَةِ إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْحَمْلِ فِيمَا بَقِيَ يُجْبَرُ عَلَيْهِ اهـ. بِالْمَعْنَى، وَفِي النَّسَفِيَّةِ اسْتَأْجَرَ حَانُوتًا مُدَّةً مَعْلُومَةً بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ وَسَكَنَ فَخَرِبَ الْحَانُوتُ فِي بَعْضِ الْمُدَّةِ وَتَعَطَّلَ وَكَانَ يُمْكِنُهُ الِانْتِقَالُ فَلَمْ يَفْعَلْ وَسَكَنَ الْمُدَّةَ نُلْزِمُهُ جَمِيعَ الْأُجْرَةِ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَحْمِلَ هَذَا إلَى مَوْضِعِ كَذَا فَحَمَلَ نِصْفَ الطَّرِيقِ وَأَعَادَهُ إلَى مَكَانِهِ الْأَوَّلِ فَلَا أَجْرَ لَهُ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً إلَى مَكَّةَ فَلَمْ يَرْكَبْهَا وَمَضَى رَاجِلًا إنْ كَانَ بِغَيْرِ عُذْرٍ فِي الدَّابَّةِ فَعَلَيْهِ الْأُجْرَةُ وَإِنْ كَانَ لِعُذْرٍ فِي الدَّابَّةِ لَا أَجْرَ عَلَيْهِ طَالَبَهُ بِالْأُجْرَةِ بَعْدَ الْمُدَّةِ فَقَالَ قَصَّرْت فِي الْعَمَلِ فَلَكَ بَعْضُ الْأُجْرَةِ، وَقَالَ لَمْ أُقَصِّرْ فَلَهُ الْأُجْرَةُ كَامِلَةً اسْتَأْجَرَهُ لِيَحْمِلَ لَهُ الْعَصِيرَ فَحَمَلَهُ فَإِذَا هُوَ خَمْرٌ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا أَجْرَ لَهُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ خَمْرٌ فَلَا أَجْرَ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَلَهُ الْأَجْرُ، وَفِي الذَّخِيرَةِ مِنْ الْفَصْلِ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ فِي الِاخْتِلَافِ لَوْ اخْتَلَفَ الْمُسْتَأْجِرُ وَالْآجِرُ بَعْدَ شَهْرٍ وَالْمِفْتَاحُ مَعَ الْمُسْتَأْجِرِ، وَقَالَ لَمْ أَقْدِرْ عَلَى فَتْحِهِ، وَقَالَ الْمُؤَجِّرُ، بَلْ قَدَرْت عَلَى فَتْحِهِ وَسَكَنْت وَلَا بَيِّنَةَ لَهُمَا يُحَكَّمُ الْحَالُ، وَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَةً فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ رَبِّ الْمَنْزِلِ. اهـ. وَفِي الْقُنْيَةِ تَسْلِيمُ الْمِفْتَاحِ فِي الْمِصْرِ مَعَ التَّخْلِيَةِ قَبْضٌ وَفِي السَّوَادِ لَيْسَ بِقَبْضٍ وَفِي فَتَاوَى الْوَلْوَالِجِيِّ وَلَوْ اسْتَأْجَرَ دَارًا عَلَى عَبْدٍ بِعَيْنِهِ، ثُمَّ وُهِبَ الْعَبْدَ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَقَالَ الْمُسْتَأْجِرُ قَبِلْت كَانَ ذَلِكَ إقَالَةً، وَمُرَادُ الْمُصَنِّفِ الْإِجَارَةُ الْمُنَجَّزَةُ؛ لِأَنَّ الْمُضَافَةَ لَا تَمْلِكُ الْأُجْرَةَ فِيهَا بِشَرْطِ التَّعْجِيلِ وَقَوْلُهُ أَوْ بِالِاسْتِيفَاءِ أَوْ بِالتَّمَكُّنِ مِنْهُ يَعْنِي يَجِبُ بِالِاسْتِيفَاءِ لِلْمَنْفَعَةِ أَوْ بِالتَّمَكُّنِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَوْفِ، وَفِي الْهِدَايَةِ وَإِذَا قَبَضَ الْمُسْتَأْجِرُ الدَّارَ فَعَلَيْهِ الْأُجْرَةُ وَإِنْ لَمْ يَسْكُنْ قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَهَذِهِ مُقَيَّدَةٌ بِقُيُودٍ، أَحَدُهَا: التَّمَكُّنُ فَإِذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ بِأَنْ مَنَعَهُ الْمَالِكُ أَوْ الْأَجْنَبِيُّ أَوْ سَلَّمَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 6 الدَّارَ مَشْغُولَةً بِمَتَاعِهِ لَا تَجِبُ الْأُجْرَةُ. الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ الْإِجَارَةُ صَحِيحَةً فَإِنْ كَانَتْ فَاسِدَةً فَلَا بُدَّ مِنْ حَقِيقَةِ الِانْتِفَاعِ. وَالثَّالِثُ: إنَّ التَّمَكُّنَ إنَّمَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ فِي مَكَانِ الْعَقْدِ حَتَّى لَوْ اسْتَأْجَرَهَا لِلْكُوفَةِ فَسَلَّمَهَا فِي بَغْدَادَ حِينَ مَضَتْ الْمُدَّةُ فَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ. وَالرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ مُتَمَكِّنًا مِنْ الِاسْتِيفَاءِ فِي الْمُدَّةِ فَلَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً إلَى الْكُوفَةِ فِي هَذَا الْيَوْمِ وَذَهَبَ بَعْدَ مُضِيِّ الْيَوْمِ بِالدَّابَّةِ وَلَمْ يَرْكَبْ لَمْ يَجِبْ الْأَجْرُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا تَمَكَّنَ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ وَفِي الْمُحِيطِ أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يَسْتَأْجِرَ لَهُ دَارًا سَنَةً كَامِلَةً فَاسْتَأْجَرَهَا وَتَسَلَّمَهَا الْوَكِيلُ وَسَكَنَهَا هُوَ سَنَةً، قَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا أَجْرَ عَلَى الْمُؤَجِّرِ وَالْأُجْرَةُ عَلَى الْمَأْمُورِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ الْأَجْرُ عَلَى الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّ قَبْضَ وَكِيلِهِ كَقَبْضِ نَفْسِهِ وَالْمَأْمُورُ غَاصِبٌ لِلسُّكْنَى فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَجْرٌ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ غَصَبَهَا غَاصِبٌ مِنْهُ سَقَطَتْ الْأُجْرَةُ) يَعْنِي إذَا غَصَبَ الْعَيْنَ الْمُسْتَأْجَرَةَ فِي جَمِيعِ الْمُدَّةِ غَاصِبٌ سَقَطَتْ الْأُجْرَةُ، وَلَوْ فِي بَعْضِهَا فَبِقَدْرِهِ لِزَوَالِ التَّمَكُّنِ مِنْ الِانْتِفَاعِ وَهُوَ شَرْطٌ لِوُجُوبِ الْأُجْرَةِ كَمَا بَيَّنَ، وَهَلْ تَنْفَسِخُ بِالْغَصْبِ؟ قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ تَنْفَسِخُ، وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي فَتَاوِيهِ وَالْفَضْلِيُّ لَا تَنْفَسِخُ فَإِذَا أَرَادَ الْمُسْتَأْجِرُ أَنْ يَسْكُنَ بَقِيَّةَ الْمُدَّةِ لَيْسَ لِلْمُؤَجِّرِ مَنْعُهُ اهـ. وَفِي قَاضِي خان أَيْضًا جَاءَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ إلَى الْغَاصِبِ، وَقَالَ الدَّارُ دَارِي إنْ لَمْ تَخْرُجْ مِنْهَا فَهِيَ عَلَيْك كُلَّ شَهْرٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ، قَالَ مُحَمَّدٌ إنْ كَانَ الْغَاصِبُ مُنْكِرًا وَيَقُولُ الدَّارُ لِي وَيَسْكُنُ مُدَّةً فَأَقَامَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا دَارُهُ فَقُضِيَ لَهُ بِهَا لَا أَجْرَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ مُقِرًّا يَلْزَمُهُ الْمُسَمَّى. اهـ. وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ رَجُلٌ دَفَعَ ثَوْبًا إلَى قَصَّارٍ لِيُقَصِّرَهُ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ فَجَحَدَ الْقَصَّارُ الثَّوْبَ، ثُمَّ جَاءَ بِهِ مَقْصُورًا وَأَقَرَّ قَالَ هَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ قَصَّرَهُ قَبْلَ الْجُحُودِ لَهُ الْأَجْرُ وَإِنْ قَصَّرَهُ بَعْدَ الْجُحُودِ لَا أَجْرَ لَهُ، وَلَوْ كَانَ صَبَّاغًا وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا إنْ صَبَغَهُ قَبْلَ الْجُحُودِ فَلَهُ الْأَجْرُ وَإِنْ صَبَغَهُ بَعْدَهُ فَرَبُّ الثَّوْبِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ الثَّوْبَ وَأَعْطَاهُ قِيمَةَ مَا زَادَ فِيهِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ الثَّوْبَ وَضَمَّنَهُ قِيمَةَ ثَوْبٍ أَبْيَضَ اهـ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة رَجُلٌ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً إلَى مَكَان مَعْلُومٍ، فَلَمَّا بَلَغَ نِصْفَ الْمُدَّةِ أَنْكَرَ الْإِجَارَةَ لَزِمَهُ مِنْ الْأُجْرَةِ مَا قَبْلَ الْإِنْكَارِ وَلَا يَلْزَمُ مَا بَعْدَهُ وَهُوَ قَوْلُ الثَّانِي، وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا تَسْقُطُ عَنْهُ الْأُجْرَةُ بِنَفْسِ الْإِنْكَارِ، وَلَوْ كَانَ عَبْدًا وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا وَقِيمَةُ الْعَبْدِ يَوْمَ الْعَقْدِ أَلْفَانِ وَيَوْمَ الْجُحُودِ أَلْفٌ فَهَلَكَ الْعَبْدُ فِي يَدِهِ بَعْدَمَا مَضَتْ السَّنَةُ فَالْأُجْرَةُ لَازِمَةٌ وَتَجِبُ كُلُّ الْأُجْرَةِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَةُ الْعَبْدِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَعَلَى قَوْلِ الثَّانِي لَمَّا جَحَدَ فَقَدْ أَسْقَطَ الْأَجْرَ، وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ غَرِقَتْ الْأَرْضُ أَوْ انْقَطَعَ عَنْهَا الشِّرْبُ أَوْ مَرِضَ الْعَبْدُ سَقَطَ مِنْ الْأَجْرِ بِقَدْرِهِ لِفَوَاتِ التَّمَكُّنِ مِنْ الِانْتِفَاعِ فِي الْمُدَّةِ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ دَارًا سَنَةً فَلَمْ يُسَلِّمْهَا الْآجِرُ حَتَّى مَضَى شَهْرٌ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا الِامْتِنَاعُ عَنْ التَّسْلِيمِ فِي الثَّانِي؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ وَإِنْ كَانَتْ عَقْدًا وَاحِدًا حَقِيقَةً لَكِنَّهَا عُقُودٌ مُتَفَرِّقَةٌ مُضَافَةٌ إلَى مَا يُوجَدُ مِنْ الْمَنْفَعَةِ، وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي مُدَّةِ الْإِجَارَةِ وَقْتٌ يُرْغَبُ فِي الْإِجَارَةِ لِأَجْلِهِ، فَإِنْ كَانَ وَقْتٌ يُرْغَبُ فِي الْإِجَارَةِ لِأَجْلِهِ زِيَادَةُ رَغْبَةٍ كَحَانُوتٍ فِي سُوقِ رَوَاجِهِ فِي بَعْضِ السَّنَةِ أَوْ دَارٍ بِمَكَّةَ تُسْتَأْجَرُ سَنَةً لِأَجْلِ الْمَوْسِمِ فَلَمْ تُسَلَّمْ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يُرْغَبُ لِأَجْلِهِ فَإِنَّهُ يُخَيَّرُ فِي بَعْضِ الْبَاقِي دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ. اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِرَبِّ الدَّارِ وَالْأَرْضِ طَلَبُ الْأُجْرَةِ كُلَّ يَوْمٍ وَلِلْجَمَّالِ كُلَّ مَرْحَلَةٍ) يَعْنِي إذَا وَقَعَتْ الْإِجَارَةُ مُطْلَقَةً وَلَمْ يَتَعَرَّضْ فِيهَا لِوَقْتِ وُجُوبِ الْأُجْرَةِ فَلِلْمُؤَجِّرِ مَا ذَكَرَهُ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْإِجَارَةَ مُعَاوَضَةٌ وَالْمِلْكُ فِي الْمَنَافِعِ يَمْتَنِعُ ثُبُوتُهُ زَمَانَ الْعَقْدِ فَكَذَا الْمِلْكُ فِي الْأُجْرَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَكَانَ الْإِمَامُ أَوَّلًا يَقُولُ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْإِجَارَةِ لَا تَجِبُ الْأُجْرَةُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْمَنْفَعَةَ، ثُمَّ رَجَعَ لِمَا ذُكِرَ هُنَا وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ تَجِبَ الْأُجْرَةُ سَاعَةً فَسَاعَةً إلَّا أَنَّهُ يُفْضِي إلَى الْحَرَجِ فَتَرَكْنَاهُ لِهَذَا، وَفِي الْخُلَاصَةِ امْرَأَةٌ أَجَّرَتْ دَارَهَا مِنْ زَوْجِهَا، ثُمَّ أَسْكَنَهَا فِيهَا لَا تَجِبُ الْأُجْرَةُ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ دَارًا شَهْرًا وَسَكَنَ فِيهَا مَعَ صَاحِبِ الدَّارِ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ فَقَالَ الْمُسْتَأْجِرُ لَا أَدْفَعُ الْأُجْرَةَ لِعَدَمِ التَّخْلِيَةِ فَعَلَيْهِ مِنْ الْأُجْرَةِ بِقَدْرِ مَا فِي يَدِهِ لِوُجُودِ التَّخْلِيَةِ فِيهَا. اهـ. وَلَوْ عَبَّرَ بِالْفَاءِ التَّفْرِيعِيَّةِ لَكَانَ أَوْلَى لِيُفِيدَ أَنَّهُ مُتَفَرِّعٌ عَلَى الِاسْتِيفَاءِ وَالتَّمَكُّنِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِلْخَيَّاطِ وَالْقَصَّارِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ عَمَلِهِ) يَعْنِي إذَا وَقَعَتْ الْإِجَارَةُ مُطْلَقَةً عَنْ وَقْتِ وُجُوبِ الْأُجْرَةِ فَلِلْعَامِلِ أَنْ يُطَالِبَ بَعْدَمَا ذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ وَأَطْلَقَ فِي قَوْلِهِ بَعْدَ الْفَرَاغِ فَأَفَادَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا إذَا عَمِلَ فِي بَيْتِ نَفْسِهِ أَوْ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ كَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَصَاحِبُ التَّجْرِيدِ وَذُكِرَ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ وَالذَّخِيرَةِ وَمَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَشَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِفَخْرِ الْإِسْلَامِ وَقَاضِي خان والتمرتاشي إذَا خَاطَ فِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 7 بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ تَجِبُ الْأُجْرَةُ لَهُ بِحِسَابِهِ حَتَّى إذَا سَرَقَ الثَّوْبَ بَعْدَمَا خَاطَ بَعْضَهُ يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ بِحِسَابِهِ وَاسْتَشْهَدَ فِي الْأَصْلِ لِهَذَا بِمَا إذَا اسْتَأْجَرَ إنْسَانًا لِيَبْنِيَ لَهُ حَائِطًا فَبَنَى بَعْضَهُ، ثُمَّ انْهَدَمَ فَلَهُ أَجْرُ مَا بَنَى فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ بِبَعْضِ الْعَمَلِ إلَّا أَنْ يُشْتَرَطَ فِيهِ التَّسْلِيمُ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَنُقِلَ هَذَا عَنْ الْكَرْخِيِّ وَجَزَمَ بِهِ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ فَكَانَ هُوَ الْمَذْهَبُ فَفِي سُكْنَى الدَّارِ وَقَطْعِ الْمَسَافَةِ صَارَ مُسْلَمًا لَهُ بِمُجَرَّدِ تَسْلِيمِ الدَّارِ وَقَطْعِ الْمَسَافَةِ وَفِي الْخِيَاطَةِ وَنَحْوِهَا لَا يَكُونُ مُسْلَمًا إلَيْهِ إلَّا إذَا سَلَّمَهُ إلَى صَاحِبِهِ حَقِيقَةً وَفِي الْخِيَاطَةِ فِي مَنْزِلِ الْمُسْتَأْجِرِ يَحْصُلُ التَّسْلِيمُ بِمُجَرَّدِ الْعَمَلِ إذْ هُوَ فِي مَنْزِلِهِ وَالْمَنْزِلُ فِي يَدِهِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَسْلِيمٍ لِيَدِهِ وَيُعْرَفُ تَوْزِيعُ الْأُجْرَةِ بِقَوْلِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ بِهَا وَالْخَيْطُ وَالْإِبْرَةُ عَلَى الْخَيَّاطِ حَيْثُ كَانَ الْعُرْفُ ذَلِكَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِلْخَبَّازِ بَعْدَ إخْرَاجِ الْخُبْزِ مِنْ التَّنُّورِ) يَعْنِي إذَا أَطْلَقَ الْأُجْرَةَ وَلَمْ يُبَيِّنْ وَقْتَهَا فَلِلْخَبَّازِ أَنْ يُطَالِبَ بِهَا بَعْدَ إخْرَاجِ الْخُبْزِ مِنْ التَّنُّورِ؛ لِأَنَّهُ بِإِخْرَاجِهِ قَدْ فَرَغَ مِنْ عَمَلِهِ فَيَمْلِكُ الْمُطَالَبَةَ كَالْخَيَّاطِ إذَا فَرَغَ مِنْ الْعَمَلِ حَتَّى إذَا خَبَزَهُ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْلَمًا إلَيْهِ بِمُجَرَّدِ الْإِخْرَاجِ فَيَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ وَإِنْ كَانَ فِي مَنْزِلِ الْخَبَّازِ لَمْ يَكُنْ مُسْلَمًا بِمُجَرَّدِ الْإِخْرَاجِ مِنْ التَّنُّورِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّسْلِيمِ إلَى يَدِهِ، وَفِي الْمُحِيطِ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيَطْحَنَ عَلَيْهَا كُلَّ يَوْمٍ عَشَرَةَ أَقْفِزَةٍ فَوَجَدَهَا لَا تُطِيقُ إلَّا خَمْسَةً فَلَهُ الْخِيَارُ وَعَلَيْهِ الْأَجْرُ بِحِسَابِ مَا عَمِلَ مِنْ الْأَيَّامِ وَلَا يَحُطُّ مِنْ الْأَجْرِ شَيْئًا؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ وَقَعَتْ عَلَى الْوَقْتِ لَا عَلَى الْعَمَلِ فَلَا تُوَزَّعُ الْأُجْرَةُ عَلَى الْعَمَلِ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ إشْكَالٌ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ إذَا اسْتَأْجَرَ خَبَّازًا لِيَخْبِزَ لَهُ الْيَوْمَ بِدِرْهَمٍ يَكُونُ فَاسِدًا، وَالْفَرْقُ أَنَّ مِقْدَارَ الْعَمَلِ فِي بَابِ الطَّحْنِ فِي الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ لَا يُذْكَرُ لِتَعْلِيقِ الْعَقْدِ بِالْعَمَلِ، وَإِنَّمَا يُذْكَرُ لِبَيَانِ قُوَّةِ الدَّابَّةِ فَبَقِيَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى الْوَقْتِ وَفِي الْخُبْزِ يُذْكَرُ مِقْدَارُ الْعَمَلِ لِتَعْلِيقِ الْعَقْدِ بِالْعَمَلِ لَا لِبَيَانِ قُوَّةِ الْخَبَّازِ فَيَصِيرُ الْعَقْدُ مَجْهُولًا فَيَفْسُدُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ أَخْرَجَهُ فَاحْتَرَقَ فَلَهُ الْأَجْرُ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ) يَعْنِي إذَا أَخْرَجَ الْخُبْزَ مِنْ التَّنُّورِ، ثُمَّ احْتَرَقَ هَذَا إذَا خَبَزَ فِي مَنْزِلِ الْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّهُ بِمُجَرَّدِ الْإِخْرَاجِ صَارَ مُسْلَمًا وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ إذَا هَلَكَ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ هَلَكَ بَعْدَ التَّسْلِيمِ، وَلَوْ احْتَرَقَ فِي التَّنُّورِ قَبْلَ الْإِخْرَاجِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ جِنَايَةُ يَدِهِ وَإِنْ كَانَ الْخَبَّازُ يَخْبِزُ فِي مَنْزِلِ نَفْسِهِ لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ بِالْإِخْرَاجِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ الضَّمَانُ، وَإِذَا صَارَ ضَامِنًا فَالْمَالِكُ بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ دَقِيقًا مِثْلَ دَقِيقِهِ وَلَا أَجْرَ لَهُ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ الْخُبْزِ وَأَعْطَاهُ الْأَجْرَ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ الْحَطَبِ وَالْمِلْحِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ صَارَ مُسْتَهْلَكًا قَبْلَ وُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَيْهِ وَحِينَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ كَانَ رَمَادًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِلطَّبَّاخِ بَعْدَ الْغَرْفِ) يَعْنِي لِلطَّبَّاخِ أَنْ يُطَالِبَ بِالْأُجْرَةِ بَعْدَ الْغَرْفِ؛ لِأَنَّ الْغَرْفَ عَلَيْهِ، وَهَذَا إذَا طَبَخَ لِلْوَلِيمَةِ أَوْ لِلْعُرْسِ فَإِنْ كَانَ يَطْبُخُ قَدْرًا خَاصًّا، فَلَيْسَ عَلَيْهِ الْغَرْفُ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ لَمْ تَجْرِ بِهِ وَالْمُعْتَبَرُ هُوَ الْعُرْفُ، وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة وَإِنْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِلْحَمْلِ فَفِي الْإِكَافِ وَالْجَوَالِقِ يُعْتَبَرُ الْعُرْفُ، وَلَوْ لِلرُّكُوبِ فَفِي اللِّجَامِ وَالسَّرْجِ يُعْتَبَرُ الْعُرْفُ وَفِي إدْخَالِ الطَّعَامِ الْمَنْزِلَ وَإِخْرَاجِ الْحَمْلِ يُعْتَبَرُ الْعُرْفُ وَإِحْثَاءُ التُّرَابِ عَلَى الْقَبْرِ عَلَى الْحَفَّارِ وَحَمْلُ الثَّوْبِ عَلَى الْقَصَّارِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِلَّبَّانِ بَعْدَ الْإِقَامَةِ) يَعْنِي إذَا اسْتَأْجَرَهُ لِيَضْرِبَ لَهُ لَبِنًا فِي أَرْضِهِ يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ إذَا أَقَامَهُ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَقَالَا لَا يَسْتَحِقُّ حَتَّى يُشَرِّجَهُ؛ لِأَنَّ التَّشْرِيجَ مِنْ تَمَامِ عَمَلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهِ الْفَسَادُ إلَّا بِهِ؛ وَلِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّاهُ عَادَةً وَالْمُعْتَادُ كَالْمَشْرُوطِ، وَقَوْلُهُمَا اسْتِحْسَانٌ وَلِلْإِمَامِ أَنَّ الْعَمَلَ قَدْ تَمَّ بِالْإِقَامَةِ وَالِانْتِفَاعُ بِهِ مُمْكِنٌ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا أَفْسَدَهُ الْمَطَرُ وَنَحْوُهُ بَعْدَ الْإِقَامَةِ فَعِنْدَهُ تَجِبُ الْأُجْرَةُ، وَعِنْدَهُمَا لَا تَجِبُ هَذَا إذَا لَبَّنَ فِي أَرْضِ الْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُسْلَمًا إلَيْهِ بِالْإِقَامَةِ أَوْ بِالتَّشْرِيجِ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَصْلَيْنِ، وَلَوْ لَبَّنَ فِي أَرْضِ نَفْسِهِ لَا تُسْتَحَقُّ الْأُجْرَةُ حَتَّى يُسْلِمَهُ إلَيْهِ، وَفِي الْجَوْهَرَةِ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا تَلِفَ اللَّبِنُ قَبْلَ التَّشْرِيجِ فَعِنْدَ الْإِمَامِ هَلَكَ مِنْ مَالِ الْمُسْتَأْجِرِ، وَعِنْدَهُمَا مِنْ مَالِ الْأَجِيرِ وَالتَّشْرِيجُ أَنْ يُرْكِبَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ بَعْدَ الْجَفَافِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ لِعَمَلِهِ أَثَرٌ فِي الْعَيْنِ كَالصَّبَّاغِ وَالْقَصَّارِ يَحْبِسُهَا لِلْأَجْرِ) يَعْنِي لِمَنْ ذُكِرَ أَنْ يَحْبِسَ الْعَيْنَ إذَا عَمِلَ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْأَجْرَ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ وَصْفٌ فِي الْمَحَلِّ فَكَانَ لَهُ حَقُّ الْحَبْسِ لِاسْتِيفَاءِ الْبَدَلِ كَمَا فِي الْبَيْعِ، قَالَ فِي النِّهَايَةِ: الْقَصَّارُ إذَا ظَهَرَ عَمَلُهُ بِاسْتِعْمَالِ النَّشَا كَانَ لَهُ حَقُّ الْحَبْسِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِعَمَلِهِ إلَّا إزَالَةُ الدَّرَنِ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ لَهُ الْحَبْسَ عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّ الْبَيَاضَ كَانَ مُسْتَتِرًا، وَقَدْ ظَهَرَ بِفِعْلِهِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 8 بَعْدَ أَنْ كَانَ هَالِكًا، وَقَالَ زُفَرُ: لَيْسَ لَهُ الْحَبْسُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُتَّصِلًا بِمِلْكِ الْآخَرِ كَمَا لَوْ أَمَرَ شَخْصًا بِأَنْ يَزْرَعَ لَهُ أَرْضَهُ بِبَذْرٍ مِنْ عِنْدِهِ قَرْضًا فَزَرَعَهَا الْمَأْمُورُ صَارَ قَابِضًا بِاتِّصَالِهِ بِمِلْكِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا صَبَغَ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ قُلْنَا اتِّصَالُ الْعَمَلِ بِالْمَحَلِّ ضَرُورَةُ إقَامَةِ الْعَمَلِ، فَلَمْ يَكُنْ رَاضِيًا بِهَذَا الِاتِّصَالِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ تَسْلِيمٌ، بَلْ رِضَاهُ فِي تَحْقِيقِ عَمَلِ الصَّبْغِ وَنَحْوِهِ مِنْ الْأَثَرِ فِي الْمَحَلِّ إذْ لَا وُجُودَ لِلْعَمَلِ إلَّا بِهِ فَكَانَ مُضْطَرًّا إلَيْهِ وَلَيْسَ هَذَا كَصَبْغِهِ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ فَيَكُونُ رَاضِيًا بِالتَّسْلِيمِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يُمْكِنُهُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ بِأَنْ يَعْمَلَ فِي غَيْرِ بَيْتِهِ وَفِي الْخُلَاصَةِ إلَّا إذَا كَانَتْ الْأُجْرَةُ مُؤَجَّلَةً وَقَبِلَ الْعَمَلَ، فَلَيْسَ لَهُ الْحَبْسُ. اهـ. وَالْمُرَادُ بِالْأَثَرِ أَنْ يَكُونَ الْأَثَرُ مُتَّصِلًا بِمَحَلِّ الْعَمَلِ كَالنَّشَاءِ وَالصِّبْغِ وَقَبْلَ أَنْ يَرَى وَيُعَايِنَ فِي مَحَلِّ الْعَمَلِ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي كَسْرِ الْحَطَبِ وَحَلْقِ رَأْسِ الْعَبْدِ، فَلَيْسَ لَهُ الْحَبْسُ عَلَى الْأَوَّلِ وَلَهُ الْحَبْسُ عَلَى الثَّانِي. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ حَبَسَ فَضَاعَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَلَا أَجْرَ) أَمَّا عَدَمُ الضَّمَانِ؛ فَلِأَنَّ الْعَيْنَ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ وَلَهُ حَبْسُ الْعَيْنِ شَرْعًا فَلَمْ يَكُنْ بِهِ مُتَعَدِّيًا فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ وَلَا يَجِبُ الْأَجْرُ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ هَلَكَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَهُوَ يُوجِبُ سُقُوطَ الْبَدَلِ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ الْعَيْنَ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ مَضْمُونَةً عَلَيْهِ قَبْلَ الْحَبْسِ فَلَا يَسْقُطُ ذَلِكَ بِالْحَبْسِ وَصَاحِبُ الْعَيْنِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ غَيْرَ مَعْمُولٍ وَلَا أَجْرَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ لَمْ يُسْلَمْ إلَيْهِ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ مَعْمُولًا وَلَهُ الْأَجْرُ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ صَارَ مُسْلَمًا إلَيْهِ بِتَسْلِيمِ بَدَلِهِ، وَلَوْ أَتْلَفَ الْأَجِيرُ الثَّوْبَ وَيَتَخَيَّرُ صَاحِبُ الثَّوْبِ فِي التَّضْمِينِ كَمَا تَقَدَّمَ وَفِي الْمُضْمَرَاتِ فَإِنْ حَبَسَ الْعَيْنَ مَنْ لَيْسَ لَهُ حَقُّ الْحَبْسِ فَهَلَكَتْ ضَمِنَهَا ضَمَانَ الْغَاصِبِ، وَالْمُؤَاجِرُ يُخَيَّرُ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهَا مَعْمُولًا وَأَعْطَاهُ الْأَجِيرُ أُجْرَتَهُ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ غَيْرَ مَعْمُولٍ وَلَا يُعْطِي الْأَجِيرُ اهـ. وَفِي فَتَاوَى أَبِي اللَّيْثِ نَسَّاجٌ نَسَجَ ثَوْبًا فَجَاءَ بِهِ لِيَأْخُذَ الْأُجْرَةَ، فَقَالَ لَهُ صَاحِبُ الثَّوْبِ اذْهَبْ بِهِ إلَى مَنْزِلِك فَإِذَا فَرَغْنَا مِنْ الْجُمُعَةِ دَفَعْت لَك الْأُجْرَةَ فَاخْتَلَسَ الثَّوْبَ مِنْ يَدِ النَّسَّاجِ فِي الْمُزَاحَمَةِ قَالَ إنْ كَانَ الْحَائِكُ دَفَعَ الثَّوْبَ لِرَبِّهِ فَدَفَعَهُ لِلْحَائِكِ عَلَى وَجْهِ الرَّهْنِ وَهَلَكَ الثَّوْبُ هَلَكَ بِالْأُجْرَةِ وَإِنْ دَفَعَهُ إلَيْهِ عَلَى وَجْهِ الْوَدِيعَةِ فَهَلَكَ هَلَكَ عَلَى الْأَمَانَةِ وَالْأَجْرُ عَلَى حَالِهِ؛ لِأَنَّهُ سَلَّمَ الْعَمَلَ إلَى صَاحِبِهِ فَيُقَرَّرُ عَلَيْهِ الْأَجْرُ وَفِي الْمُنْتَقَى حَائِكً عَمِلَ ثَوْبًا بِالْآخَرِ فَتَعَلَّقَ الْأَمْرُ فِيهِ لِيَأْخُذَهُ فَأَبَى الْحَائِكُ أَنْ يَدْفَعَهُ حَتَّى يَأْخُذَ الْأُجْرَةَ فَتَخَرَّقَ مِنْ يَدِ صَاحِبِهِ لَا ضَمَانَ عَلَى الْحَائِكِ وَإِنْ تَخَرَّقَ مِنْ يَدِهِمَا فَعَلَى الْحَائِكِ نِصْفُ ضَمَانِ الْخَرْقِ. اهـ. وَفِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ جَاءَ الْحَائِكُ بِالثَّوْبِ إلَى صَاحِبِهِ فَقَالَ لَهُ رَبُّ الثَّوْبِ امْسِكْ حَتَّى أَفْرُغَ مِنْ الْعَمَلِ وَأُعْطِيَك الْأَجْرَ فَسُرِقَ مِنْهُ لَا يَضْمَنُ. اهـ. وَفِي الْخَانِيَّةِ السِّمْسَارُ إذَا بَاعَ شَيْئًا مِنْ الثِّيَابِ بِأَمْرِ رَبِّهَا وَأَمْسَكَ الثَّمَنَ حَتَّى يَنْقُدَ الْأُجْرَةَ فَسُرِقَ مِنْهُ الثَّمَنُ لَا يَضْمَنُ اهـ. وَفِي الْحَاوِي رَجُلٌ أَقْرَضَ آخَرَ دَرَاهِمَ فَاسْتَأْجَرَ مِنْهُ دَارِهِ مُدَّةً مَعْلُومَةً بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ وَجَعَلَ الْأَجْرَ بِبَعْضِ الدَّيْنِ قِصَاصًا وَمَضَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ هَلْ لِلْمُقْرِضِ أَنْ يَحْبِسَ الْعَيْنَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ، قَالَ لَيْسَ لَهُ الْمَنْعُ وَفِي السِّغْنَاقِيِّ لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى سُكْنَى دَارٍ سَنَةً فَسَلَّمَ الدَّارَ إلَيْهَا لَيْسَ لَهَا أَنْ تَحْبِسَ نَفْسَهَا عَنْهُ. اهـ. وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ إذَا أَجَّرَ دَارِهِ سَنَةً وَعَجَّلَ الْأُجْرَةَ وَلَمْ يُسْلِمْ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ حَتَّى مَاتَ الْآجِرُ وَانْفَسَخَ الْعَقْدُ لَا يَكُونُ لِلْمُسْتَأْجِرِ وِلَايَةُ الْحَبْسِ فِي الْأُجْرَةِ الْمُعَجَّلَةِ، وَلَوْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ فَاسِدَةً وَفَسَخَا الْعَقْدَ بِسَبَبِ الْفَسَادِ لَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَحْبِسَ الْعَيْنَ بِالدَّيْنِ السَّابِقِ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَفِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ لِلْمُسْتَأْجِرِ حَقُّ الْحَبْسِ لِاسْتِيفَاءِ الْأُجْرَةِ الْمُعَجَّلَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ لَا أَثَرَ لِعَمَلِهِ كَالْحَمَّالِ وَالْمَلَّاحِ لَا يَحْبِسُ لِلْأَجْرِ) يَعْنِي لَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَ لِلْأَجْرِ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ نَفْسُ الْعَمَلِ وَهُوَ عَرْضٌ يَفْنَى وَلَا يُتَصَوَّرُ بَقَاؤُهُ وَاخْتَلَفُوا فِي غَسْلِ الثَّوْبِ حَسَبَ اخْتِلَافِهِمْ فِي الْقَصَّارِ بِلَا نَشَاءٍ كَمَا تَقَدَّمَ وَفِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ قَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي الْحَمَّالِ إذَا طَلَبَ الْأُجْرَةَ مَا بَلَغَ الْمَنْزِلَ قَبْلَ أَنْ يَضَعَهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. اهـ. وَفِي الْفَتَاوَى اسْتَأْجَرَ جَمَّالًا لِيَحْمِلَ لَهُ إلَى بَلْدَةِ كَذَا بِكَذَا فَحَمَلَهُ، فَقَالَ لَهُ صَاحِبُ الْجَمَلِ أَمْسِكْهُ عِنْدَك فَهَلَكَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَسْتَعْمِلُ غَيْرَهُ إنْ شَرَطَ عَمَلَهُ بِنَفْسِهِ) يَعْنِي لَيْسَ لِلْأَجِيرِ أَنْ يَسْتَعْمِلَ غَيْرَهُ إذَا شَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ يَعْمَلَ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ الْعَمَلُ مِنْ مَحَلٍّ مُعَيَّنٍ فَلَا يَقُومُ غَيْرُهُ مَقَامَهُ كَمَا إذَا كَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ الْمَنْفَعَةَ كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِلْخِدْمَةِ شَهْرًا لَا يَقُومُ غَيْرُهُ مَقَامَهُ فِي الْخِدْمَةِ وَلَا يَسْتَحِقُّ بِهِ الْأَجْرَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَطْلَقَ لَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ غَيْرَهُ) لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ عَمَلٌ مُطْلَقٌ فِي ذِمَّتِهِ وَيُمْكِنُ الْإِيفَاءُ بِنَفْسِهِ وَبِغَيْرِهِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 9 كَالْمَأْمُورِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَجِيءَ بِعِيَالِهِ فَمَاتَ بَعْضُهُمْ فَجَاءَ بِمَنْ بَقِيَ فَلَهُ الْأَجْرُ بِحِسَابِهِ) لِأَنَّهُ أَوْفَى بِبَعْضِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَيَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ بِحِسَابِهِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيُّ هَذَا إذَا كَانُوا مَعْلُومِينَ حَتَّى يَكُونَ الْأَجْرُ مُقَابِلًا لِجُمْلَتِهِمْ وَإِنْ كَانُوا غَيْرَ مَعْلُومِينَ يَجِبُ الْأَجْرُ. اهـ. وَفِي الْخُلَاصَةِ وَإِذَا كَانُوا غَيْرَ مَعْلُومِينَ فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ وَفِي النِّهَايَةِ نَقْلًا عَنْ الْفَضْلِيِّ إذَا اسْتَأْجَرَهُ فِي الْمِصْرِ لِيَحْمِلَ لَهُ الْحِنْطَةَ مِنْ الْقَرْيَةِ فَذَهَبَ فَلَمْ يَجِدْ الْحِنْطَةَ فَعَادَ إنْ كَانَ قَالَ اسْتَأْجَرْت مِنْك مِنْ الْمِصْرِ حَتَّى أَحْمِلَ الْحِنْطَةَ مِنْ الْقَرْيَةِ يَجِبُ نِصْفُ الْأَجْرِ بِالذَّهَابِ، وَإِنْ قَالَ اسْتَأْجَرْت مِنْك حَتَّى أَحْمِلَ الْحِنْطَةَ مِنْ الْقَرْيَةِ لَا يَجِبُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ عَلَى الْحَمْلِ لَا غَيْرُ، وَفِي الْأَوَّلِ عَلَى الذَّهَابِ وَالْحَمْلِ وَعَزَاهُ إلَى الذَّخِيرَةِ، وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ لَا أَجْرَ وَمِثْلُهُ فِي السَّفِينَةِ اهـ. كَلَامُ الشَّارِحِ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة مِنْ بَابِ مَا يَسْتَحِقُّ الْفَارِسُ اسْتَأْجَرَهُ لِيَحْمِلَ لَهُ كَذَا كَذَا مِنْ الْمَطْمُورَةِ فَذَهَبَ فَلَمْ يَجِدْ الْمَطْمُورَةَ اسْتَحَقَّ نِصْفَ الْأُجْرَةِ. اهـ. فَظَهَرَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا أَجْرَ لِحَامِلِ الْكِتَابِ لِلْجَوَابِ وَلَا لِحَامِلِ الطَّعَامِ إنْ رَدَّهُ لِلْمَوْتِ) يَعْنِي إذَا اسْتَأْجَرَهُ لِيَذْهَبَ بِطَعَامِهِ إلَى فُلَانٍ بِمَكَّةَ أَوْ لِيَذْهَبَ بِكِتَابِهِ إلَيْهِ وَيَجِيءَ بِجَوَابِهِ فَذَهَبَ وَوَجَدَ فُلَانًا مَيِّتًا وَرَدَّهُ فَلَا أَجْرَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ نُقِضَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ بِالرَّدِّ فَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ فَلَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ، وَقَالَ زُفَرُ لَهُ الْأَجْرُ فِي الطَّعَامِ؛ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ بِمُقَابَلَةِ حَمْلِ الطَّعَامِ إلَى مَكَّةَ، وَقَدْ وَفَّى بِالْمَشْرُوطِ عَلَيْهِ فَاسْتُحِقَّتْ الْأُجْرَةُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَهُ الْأَجْرُ لِلذَّهَابِ فِي نَقْلِ الْكِتَابِ؛ لِأَنَّهُ أَوْفَى بِبَعْضِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، قُلْنَا الْأُجْرَةُ مُقَابَلَةٌ بِالْجَوَابِ وَالنَّقْلِ وَلَمْ يُوجَدْ وَلَمْ يَأْتِ بِالْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَلَا أَجْرَ لَهُ كَمَا لَوْ نَقَضَ الْخَيَّاطُ الْخِيَاطَةَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ فَلَوْ وَجَدَهُ غَائِبًا فَهُوَ كَمَا لَوْ وَجَدَهُ مَيِّتًا لِتَعَذُّرِ الْوُصُولِ إلَيْهِ، وَلَوْ تَرَكَ الْكِتَابَ هُنَاكَ لِيُوصِلَهُ إلَيْهِ أَوْ إلَى وَرَثَتِهِ فَلَهُ الْأَجْرُ فِي الذَّهَابِ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِأَقْصَى مَا فِي وُسْعِهِ قَالَ فِي الْمُحِيطِ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ رَسُولًا لِيُبَلِّغَ رِسَالَتَهُ إلَى فُلَانٍ بِبَغْدَادَ فَلَمْ يَجِدْ فُلَانًا وَعَادَ فَلَهُ الْأَجْرُ؛ لِأَنَّ الْأَجْرَ بِقَطْعِ الْمَسَافَةِ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا فِي وُسْعِهِ، وَأَمَّا الِاجْتِمَاعُ، فَلَيْسَ فِي وُسْعِهِ فَلَا يُقَابِلُهُ الْأَجْرُ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِيُبَلِّغَ الرِّسَالَةَ إلَى فُلَانٍ بِالْبَصْرَةِ فَذَهَبَ الرَّجُلُ فَلَمْ يَجِدْ الْمُرْسَلَ إلَيْهِ أَوْ وَجَدَهُ، لَكِنْ لَمْ يُبَلِّغْ الرِّسَالَةَ وَرَجَعَ فَلَهُ الْأَجْرُ اهـ. أَقُولُ: لَعَلَّهُ لَمْ يُبَلِّغْ الرِّسَالَةَ لِعَدَمِ تَمَكُّنِهِ مِنْ التَّبْلِيغِ فَعَذَرَهُ، قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: وَالْفَرْقُ بَيْنَ الرِّسَالَةِ وَالْكِتَابِ أَنَّ الرِّسَالَةَ قَدْ تَكُونُ سِرًّا لَا بِرِضَى الْمُرْسِلِ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهَا غَيْرُهُ أَمَّا الْكِتَابُ فَمَخْتُومٌ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ: لَا نُسَلِّمُ الْفَرْقَ، بَلْ هُمَا سَوَاءً فِي الْحُكْمِ اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ اسْتَأْجَرَ خَيَّاطًا لِيَخِيطَ قَمِيصًا فَخَاطَهُ فَفَتَقَهُ رَجُلٌ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ رَبُّ الثَّوْبِ فَلَا أَجْرَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ تَلِفَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَلَا يُجْبَرُ الْخَيَّاطُ عَلَى أَنْ يُعِيدَهُ، فَإِنْ كَانَ الْخَيَّاطُ فَتَقَهُ يُجْبَرُ عَلَى عَوْدِهِ، اسْتَأْجَرَ مَلَّاحًا لِحَمْلِ طَعَامٍ إلَى مَوْضِعِ كَذَا فَرَدَّ السَّفِينَةَ إنْسَانٌ فَلَا أَجْرَ لِلْمَلَّاحِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُعِيدَ السَّفِينَةَ وَإِنْ رَدَّهَا الْمَلَّاحُ بِنَفْسِهِ لَزِمَهُ الرَّدُّ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ سَفِينَةً مُدَّةً مَعْلُومَةً فَانْقَضَتْ الْمُدَّةُ فِي أَثْنَاءِ الْبَحْرِ تُتْرَكُ السَّفِينَةُ فِي يَدِهِ إلَى بُلُوغِ ذَلِكَ الْمَكَانِ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ سَفِينَةً لِحَمْلِ طَعَامٍ إلَى مَوْضِعِ كَذَا، فَلَمَّا بَلَغَتْ السَّفِينَةُ الْمَوْضِعَ أَوْ بَعْضَهُ رَدَّهَا الرِّيحُ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي اكْتَرَاهَا مِنْهُ قَالَ مُحَمَّدٌ إنْ كَانَ صَاحِبُ الطَّعَامِ مَعَهُ فَعَلَيْهِ الْأَجْرُ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ بِقَدْرِ مَا بَلَغَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَاحِبُ الطَّعَامِ مَعَهُ فَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ انْتَقَضَ الْحَمْلُ بِالرَّدِّ فَلَمْ يَسْتَوْفِ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ اكْتَرَى بَغْلًا إلَى مَوْضِعِ كَذَا، فَلَمَّا سَارَ بَعْضَ الطَّرِيقِ جَمَعَ فَرْدَهُ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ فَعَلَيْهِ مِنْ الْكِرَاءِ بِقَدْرِ مَا سَارَ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَوْفِيًا لِلْمَنْفَعَةِ بِنَفْسِهِ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْبَدَلُ بَعْدَ التَّسْلِيمِ، قُيِّدَ بِقَوْلِهِ لِلْجَوَابِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ الرَّدَّ لِلْجَوَابِ. قَالَ الْحَدَّادِيُّ، وَلَوْ تَرَكَهُ حَتَّى يُوصِلَهُ إلَيْهِ حَيْثُ كَانَ غَائِبًا أَوْ إلَى قَرِيبِهِ حَيْثُ كَانَ مَيِّتًا اسْتَحَقَّ الْأَجْرَ كَامِلًا قَالَ فَلَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ الْجَوَابَ فَدَفَعَهُ إلَيْهِ فَلَمْ يَقْرَأْهُ حَتَّى عَادَ مِنْ غَيْرِ جِوَابٍ لَهُ الْأَجْرُ كَامِلًا؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا فِي وُسْعِهِ، وَلَوْ لَمْ يَجِدْهُ أَوْ وَجَدَهُ وَلَمْ يَدْفَعْ لَهُ، بَلْ رَدَّ الْكِتَابَ فَلَا أَجْرَ لَهُ، وَلَوْ نَسِيَ الْكِتَابَ هُنَاكَ لَا يَسْتَحِقُّ أُجْرَةَ الذَّهَابِ. اهـ. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [بَابُ مَا يَجُوزُ مِنْ الْإِجَارَةِ وَمَا يَكُونُ خِلَافًا فِيهَا] (بَابُ مَا يَجُوزُ مِنْ الْإِجَارَةِ وَمَا يَكُونُ خِلَافًا فِيهَا) قَالَ فِي النِّهَايَةِ لَمَّا ذَكَرَ مُقَدِّمَاتِ الْإِجَارَةِ ذَكَرَ فِي هَذَا الْبَابِ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْهَا وَهُوَ بَيَانُ مَا يَجُوزُ مِنْ عُقُودِ الْإِجَارَةِ وَمَا لَا يَجُوزُ وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ لَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ الْإِجَارَةِ وَشَرْطِهَا وَوَقْتِ اسْتِحْقَاقِ الْأُجْرَةِ ذَكَرَ مَا يَجُوزُ مِنْ الْإِجَارَةِ بِإِطْلَاقِ اللَّفْظِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 10 وَتَقَيُّدِهِ وَذَكَرَ أَيْضًا مِنْ الْأَفْعَالِ مَا يُعَدُّ خِلَافًا مِنْ الْأَجِيرِ لِلْمُؤَجِّرِ وَمَا لَا يُعَدُّ خِلَافًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (صَحَّ إجَارَةُ الدُّورِ وَالْحَوَانِيتِ بِلَا بَيَانٍ مَا يَعْمَلُ فِيهَا) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَجُوزَ هَذِهِ الْإِجَارَةُ حَتَّى يُبَيِّنَ مَا يَعْمَلُ فِيهَا؛ لِأَنَّ الدَّارَ تَصْلُحُ لِلسُّكْنَى وَلِغَيْرِهَا، وَكَذَا الْحَوَانِيتُ تَصْلُحُ لِأَشْيَاءَ مُخْتَلِفَةٍ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَجُوزَ حَتَّى يُبَيِّنَ مَا يَعْمَلُ فِيهَا كَاسْتِئْجَارِ الْأَرْضِ لِلزِّرَاعَةِ وَالثِّيَابِ لِلُّبْسِ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْعَمَلَ الْمُتَعَارَفَ فِيهَا السُّكْنَى وَالْمُتَعَارَفُ كَالْمَشْرُوطِ؛ وَلِأَنَّ إجَارَتَهَا لَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْعَامِلِ وَالْعَمَلِ فَجَازَ إجَارَتُهَا مُطْلَقًا بِخِلَافِ الْأَرَاضِي وَالثِّيَابِ؛ لِأَنَّهُمَا يَخْتَلِفَانِ وَعِبَارَةُ الْمُؤَلِّفِ أَحْسَنُ مِنْ عِبَارَةِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ حَيْثُ زَادَ لِلسُّكْنَى لِسَلَامَتِهِ عَمَّا أَوْرَدَ عَلَى هَذَا اللَّفْظِ قَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ قَوْلُهُ لِلسُّكْنَى صِلَةُ الدُّورِ وَالْحَوَانِيتِ لَا صِلَةُ الِاسْتِئْجَارِ يَعْنِي وَيَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الدُّورِ وَالْحَوَانِيتِ الْمُعَدَّةِ لِلسُّكْنَى لَا أَنْ يَقُولَ زَمَانَ الْعَقْدِ اسْتَأْجَرْت هَذِهِ الدَّارَ لِلسُّكْنَى؛ لِأَنَّهُ لَوْ نَصَّ عَلَى هَذَا وَقْتَ الْعَقْدِ لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِيهَا غَيْرَ السُّكْنَى اهـ. كَلَامُهُ. قَالَ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ وَيَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ قَوْلُهُ لِلسُّكْنَى بِالِاسْتِئْجَارِ أَيْ يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الدُّورِ وَالْحَوَانِيتِ لِلسُّكْنَى وَلَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِيهَا كُلَّ شَيْءٍ لَا يُوهِنُ الْبِنَاءَ وَلَا يُفْسِدُهُ، وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ الْقُدُورِيِّ اهـ. وَقَوْلُ تَاجِ الشَّرِيعَةِ لَوْ نَصَّ عَلَى السُّكْنَى لَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ غَيْرَهَا كَمَا سَيَأْتِي لَيْسَ بِظَاهِرٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ عَمِلَ غَيْرَهَا بِمَا هُوَ أَنْفَعُ مِنْ السُّكْنَى بِأَنْ خَزَّنَ فِيهَا بُرًّا أَوْ غَيْرَهُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ فِيمَا لَا يَتَفَاوَتُ لَا يُعْتَبَرُ، وَلَوْ اُسْتُحِقَّ الْمُسْتَأْجَرُ مِنْ يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ، وَقَدْ هَلَكَ عِنْدَهُ وَضَمِنَهُ يَرْجِعُ عَلَى الَّذِي أَجَّرَهُ وَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ فِيمَا اسْتَعْمَلَهُ؛ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ وَالضَّمَانَ لَا يَجْتَمِعَانِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِيهَا كُلَّ شَيْءٍ) لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهَا لَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْعَامِلِ وَالْعَمَلِ فَجَازَ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِيهَا مَا شَاءَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَلَهُ أَنْ يُسْكِنَ غَيْرَهُ مَعَهُ أَوْ يَنْفَرِدَ؛ وَلِأَنَّ كَثْرَةَ السُّكَّانِ لَا يَضُرُّ بِهَا، بَلْ يَزِيدُ فِي عِمَارَتِهَا؛ لِأَنَّ خَرَابَ الْمَسْكَنِ بِتَرْكِ السُّكَّانِ وَلَهُ أَنْ يَضَعَ فِيهَا مَا بَدَا لَهُ حَتَّى الْحَيَوَانَ وَلَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِيهَا مَا بَدَا لَهُ مِنْ الْعَمَلِ كَالْوُضُوءِ وَالِاغْتِسَالِ وَغَسْلِ الثِّيَابِ وَكَسْرِ الْحَطَبِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنْ تَوَابِعِ السُّكْنَى وَذُكِرَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْحَيَوَانُ فِي عُرْفِنَا؛ لِأَنَّ الْمَنَازِلَ ضَيِّقَةٌ. اهـ. وَبِرَبْطِهَا عَلَى الْبَابِ فَإِنْ أَجَّرَهُ صَحْنَ الدَّارِ رَبَطَهَا فِي الصَّحْنِ وَلَيْسَ لِلْمُؤَجِّرِ أَنْ يُدْخِلَ دَابَّتَهُ الدَّارَ بَعْدَمَا أَجَّرَهَا، وَلَوْ كَانَ فِيهَا بِئْرٌ أَوْ بَالُوعَةٌ فَسَدَتْ لَا يُجْبَرُ عَلَى إصْلَاحِهَا، وَلَوْ بَنَى الْمُسْتَأْجِرُ التَّنُّورَ فِي الدَّارِ الْمُسْتَأْجَرَةِ فَاحْتَرَقَ شَيْءٌ مِنْ الدَّارِ لَمْ يَضْمَنْ، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَفِي الْمُحِيطِ وَلَهُ أَنْ يَرْبِطَ الدَّابَّةَ إنْ كَانَ فِي الدَّارِ سَعَةٌ أَمَّا إنْ كَانَتْ ضَيِّقَةً فَلَا، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ دَارًا عَلَى أَنْ يَسْكُنَهَا وَحْدَهُ فَلَهُ أَنْ يَتْرُكَ امْرَأَتَهُ مَعَهُ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا فَائِدَةَ فِيهِ. اهـ. وَفِي الْخُلَاصَةِ وَإِذَا رَبَطَ الدَّابَّةَ فَضَرَبَتْ إنْسَانًا أَوْ هَدَمَتْ الْحَائِطَ لَمْ يَضْمَنْ اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إلَّا أَنَّهُ لَا يُسْكِنُ حَدَّادًا أَوْ قَصَّارًا أَوْ طَحَّانًا) لِأَنَّ فِي نَصْبِ الرَّحَى وَاسْتِعْمَالِهَا فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ ضَرَرًا ظَاهِرًا؛ لِأَنَّهُ يُوهِنُ الْبِنَاءَ فَيَتَقَيَّدُ الْعَقْدُ بِمَا وَرَاءَهَا دَلَالَةً، وَالْمُرَادُ بِالرَّحَى رَحَى الْمَاءِ وَالثَّوْرِ، وَأَمَّا رَحَى الْيَدِ فَلَا يُمْنَعُ مِنْهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَضُرُّ بِالْبِنَاءِ وَفِي الْحَدَّادِيِّ رَحَى الْيَدِ إذَا بُنِيَتْ فِي الْحَائِطِ يُمْنَعُ مِنْهَا وَلَهُ أَنْ يَكْسِرَ فِيهَا الْحَطَبَ الْكَسْرَ الْمُعْتَادَ وَلَهُ أَنْ يَطْبُخَ فِيهَا الطَّبْخَ الْمُعْتَادَ وَإِنْ زَادَ عَلَى الْعَادَةِ بِحَيْثُ يُوهِنُ الْبِنَاءَ، فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِرِضَا صَاحِبِ الدَّارِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الدَّقُّ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ فَظَهَرَ أَنَّ الْحَاصِلَ كُلُّ مَا يُوهِنُ الْبِنَاءَ أَوْ فِيهِ ضَرَرٌ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِيهَا إلَّا بِإِذْنٍ، وَكُلُّ مَا لَا ضَرَرَ فِيهِ جَازَ بِمُطْلَقِ الْعَقْدِ وَاسْتَحَقَّهُ بِهِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُؤَلِّفُ لِبَيَانِ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ وَنَحْنُ نُبَيِّنُهُ فَلَوْ أَقْعَدَ حَدَّادًا فَهَدَمَ الْبِنَاءَ بِعَمَلِهِ وَجَبَ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدِّي وَلَا أَجْرَ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ وَالْأَجْرَ لَا يَجْتَمِعَانِ، وَلَوْ لَمْ يَنْهَدِمْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْأَجْرُ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجِبَ؛ لِأَنَّ هَذَا الْعَمَلَ غَيْرُ دَاخِلٍ تَحْتَ الْعَقْدِ، وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ هُوَ السُّكْنَى وَفِي الْحِدَادَةِ وَأَخَوَاتِهَا السُّكْنَى وَزِيَادَةً فَيَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْأَجْرُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ فَصَارَ نَظِيرُ مَا لَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا قَدْرًا مَعْلُومًا فَزَادَ عَلَيْهَا وَسُلِّمَتْ الدَّابَّةُ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْأَجْرُ، وَلَوْ اخْتَلَفَ الْمُؤَجِّرُ وَالْمُسْتَأْجِرُ فِي اشْتِرَاطِ ذَلِكَ كَانَ الْقَوْلُ لِلْمُؤَجِّرِ؛ لِأَنَّهُ أَنْكَرَ الْإِجَارَةَ، وَلَوْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ كَانَتْ بَيِّنَةُ الْمُسْتَأْجِرِ أَوْلَى وَفِي الْخُلَاصَةِ وَلَوْ اسْتَأْجَرَ لِيُقْعِدَ قَصَّارًا فَلَهُ أَنْ يُقْعِدَ حَدَّادًا إنْ كَانَ ضَرَرُهُمَا وَاحِدًا، وَفِي الْمُحِيطِ أَوْ كَانَ ضَرَرُ الْحَدَّادِ أَقَلَّ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ، فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ الرَّحَى اهـ. قُيِّدَ بِالدُّورِ؛ لِأَنَّ اسْتِئْجَارَ الْبِنَاءِ وَحْدَهُ لَا يَجُوزُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ وَحْدَهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 11 وَفِي الْقُنْيَةِ وَيُفْتَى بِجَوَازِ اسْتِئْجَارِ الْبِنَاءِ وَحْدَهُ إذَا كَانَ يُنْتَفَعُ بِهِ كَالْجِدَارِ لِلسَّقْفِ، وَلَوْ أَجَّرَهُ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ الْمُؤَجِّرِ لَمْ يَجُزْ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْعَقْدَ يَنْفَسِخُ بِالْإِجَارَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْأَرَاضِي لِلزِّرَاعَةِ إنْ بَيَّنَ مَا يُزْرَعُ فِيهَا أَوْ قَالَ عَلَى أَنْ يَزْرَعَ مَا شَاءَ) يَعْنِي يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الْأَرْضِ لِلزِّرَاعَةِ إنْ بَيَّنَ مَا يُزْرَعُ فِيهَا أَوْ قَالَ عَلَى أَنْ يَزْرَعَ فِيهَا مَا يَشَاءُ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْأَرْضِ مُخْتَلِفَةٌ بِاخْتِلَافِ مَا يُزْرَعُ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ مِنْهُ مَا يَنْفَعُ كَالْبِرْسِيمِ فِي دِيَارِنَا وَمَا يَضُرُّ كَالْقَمْحِ مَثَلًا فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهِ أَوْ يَقُولُ لَهُ ازْرَعْ فِيهَا مَا شِئْت كَيْ لَا يُفْضِيَ إلَى الْمُنَازَعَةِ، وَلَوْ لَمْ يُبَيِّنْ وَلَمْ يَقُلْ لَهُ ازْرَعْ فِيهَا مَا شِئْت فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ لِلْجَهَالَةِ، وَلَوْ زَرَعَهَا لَا تَعُودُ صَحِيحَةً فِي الْقِيَاسِ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَجِبُ الْمُسَمَّى وَتَنْقَلِبُ صَحِيحَةً؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ صَارَ صَحِيحًا مَعْلُومًا بِالِاسْتِعْمَالِ وَصَارَ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ ثَوْبًا وَلَمْ يُبَيِّنْ اللَّابِسَ، ثُمَّ أَلْبَسَ إنْسَانًا عَادَتْ صَحِيحَةً لِمَا ذَكَرْنَا، وَفِي الْقُنْيَةِ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا سَنَةً عَلَى أَنْ يَزْرَعَ فِيهَا مَا شَاءَ فَلَهُ أَنْ يَزْرَعَ فِيهَا زَرْعَيْنِ رَبِيعِيًّا وَخَرِيفِيًّا وَفِي الْجَوْهَرَةِ وَلَا بَأْسَ بِاسْتِئْجَارِ الْأَرْضِ لِلزِّرَاعَةِ قَبْلَ رَيِّهَا إنْ كَانَتْ مُعْتَادَةً لِلرَّيِّ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمُدَّةِ الَّتِي عَقَدَ الْإِجَارَةَ عَلَيْهَا وَإِنْ جَاءَ مِنْ الْمَاءِ مَا يُزْرَعُ بِهِ الْبَعْضُ فَالْمُسْتَأْجِرُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ نَقَضَ الْإِجَارَةَ كُلَّهَا وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَنْقُضْ وَكَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْأَجْرِ بِحِسَابِ مَا رَوَى مِنْهَا. اهـ. وَفِي الْقُنْيَةِ وَلَوْ اسْتَأْجَرَهَا وَلَا يُمْكِنُهُ الزِّرَاعَةُ فِي الْحَالِ لِاحْتِيَاجِهَا إلَى السَّقْيِ وَكَرْيِ الْأَنْهَارِ أَوْ مَجِيءِ الْمَاءِ فَإِنْ كَانَ بِحَالٍ تُمْكِنُهُ الزِّرَاعَةُ فِي مُدَّةِ الْعَقْدِ جَازَ وَإِلَّا فَلَا كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَهَا فِي الشِّتَاءِ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ وَيُمْكِنُ زِرَاعَتُهَا فِي الشِّتَاءِ جَازَ لِمَا أَمْكَنَ مِنْ الْمُدَّةِ أَمَّا إذَا لَمْ يُمْكِنْ الِانْتِفَاعُ بِهَا أَصْلًا بِأَنْ كَانَتْ سَبِخَةً فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ وَفِي مَسْأَلَةِ الِاسْتِئْجَارِ فِي الشِّتَاءِ يَكُونُ الْأَجْرُ مُقَابَلًا بِكُلِّ الْمُدَّةِ لَا بِمَا يُنْتَفَعُ بِهِ فَحَسْبُ، وَقِيلَ بِمَا يُنْتَفَعُ بِهِ. اهـ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَرْضَ لَا يَنْحَصِرُ اسْتِئْجَارُهَا لِلزِّرَاعَةِ وَالْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ كَمَا تُوهِمُهُ الْمُتُونُ فَقَدْ صَرَّحَ فِي الْهِدَايَةِ بِأَنَّ الْأَرْضَ تُسْتَأْجَرُ لِلزِّرَاعَةِ وَغَيْرِهَا، وَقَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَرَادَ بِغَيْرِ الزِّرَاعَةِ الْبِنَاءَ وَالْغَرْسَ وَطَبْخَ الْآجُرِّ وَالْخَزَفِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ سَائِرِ الِانْتِفَاعَاتِ بِالْأَرْضِ. اهـ. فَإِذَا عَرَفْت ذَلِكَ ظَهَرَ لَك صِحَّةُ الْإِجَارَاتِ الْوَاقِعَةِ فِي زَمَانِنَا مِنْ أَنَّهُ يَسْتَأْجِرُ الْأَرْضَ مَقِيلًا وَمَرَاحًا قَاصِدًا بِذَلِكَ إلْزَامَ الْأُجْرَةِ بِالتَّمَكُّنِ مِنْهَا مُطْلَقًا سَوَاءٌ شَمِلَهَا الْمَاءُ وَأَمْكَنَ زِرَاعَتُهَا أَوْ لَا وَلَا شَكَّ فِي صِحَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَأْجِرْهَا لِلزِّرَاعَةِ بِخُصُوصِهَا حَتَّى يَكُونَ عَدَمُ رَيِّهَا عَيْبًا تَنْفَسِخُ بِهِ، وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا لِيُلَبِّنَ فِيهَا فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ، ثُمَّ هِيَ عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ كَانَ لِلتُّرَابِ قِيمَةٌ ضَمِنَ قِيمَتَهُ وَيَكُونُ اللَّبِنُ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قِيمَةٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَاللَّبِنُ لَهُ وَضَمِنَ نُقْصَانَ الْأَرْضِ إنْ نَقَصَتْ وَفِي فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ أَنَّ إجَارَةَ الْأَرْضِ الْمَشْغُولَةِ بِزَرْعِ الْغَيْرِ إنْ كَانَ الزَّرْعُ بِحَقٍّ بِأَنْ كَانَ بِأُجْرَةٍ لَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَجِّرَ مَا لَمْ يُسْتَحْصَدْ الزَّرْعُ إلَّا أَنْ يُؤَجِّرَهَا مُضَافَةً إلَى الْمُسْتَقْبَلِ وَإِنْ كَانَ الزَّرْعُ بِغَيْرِ مُسْتَنَدٍ شَرْعِيٍّ صَحَّتْ الْإِجَارَةُ؛ لِأَنَّ الزَّرْعَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَاجِبُ الْقَلْعِ فَإِنَّ الْمُؤَجِّرَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ قَادِرٌ عَلَى تَسْلِيمِ مَا أَجَّرَهُ وَيُجْبَرُ صَاحِبُ الزَّرْعِ عَلَى قَلْعِهِ سَوَاءٌ أَدْرَكَ أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِصَاحِبِهِ فِي إبْقَائِهِ. اهـ. ، وَالدَّارُ الْمَشْغُولَةُ بِمَتَاعِ السَّاكِنِ الَّذِي لَيْسَ بِمُسْتَأْجِرٍ تَصِحُّ إجَارَتُهَا وَابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ مِنْ حِينِ تَسْلِيمِهَا فَارِغَةً كَذَا فِي الْقُنْيَةِ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَلَوْ أَجَّرَ الْأَرْضَ الْمَزْرُوعَةَ، ثُمَّ سَلَّمَهُ بَعْدَمَا فَرَغَ وَحَصَدَ يَنْقَلِبُ جَائِزًا، وَلَوْ قَالَ الْمُسْتَأْجِرُ أَجَّرْت مِنْك الْأَرْضَ وَهِيَ فَارِغَةٌ، وَقَالَ الْمُؤَجِّرُ لَا، بَلْ هِيَ مَشْغُولَةٌ بِزَرْعِي يُحَكَّمُ الْحَالُ كَذَا فِي الْمُنْتَقَى وَفِي فَتَاوَى الْفَضْلِيِّ الْقَوْلُ قَوْلُ الْآجِرِ. اهـ. وَلِلْمُسْتَأْجِرِ الشِّرْبُ وَالطَّرِيقُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنْتَفَعُ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ إلَّا بِهِمَا بِخِلَافِ الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِلْكُ الرَّقَبَةِ لَا الِانْتِفَاعُ وَلِهَذَا صَحَّ بَيْعُ الْجَحْشِ الصَّغِيرِ وَالْأَرْضِ السَّبْخَةِ. وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَإِنْ أَجَّرَ الْمُسْتَأْجِرُ بِأَكْثَرَ مِمَّا اسْتَأْجَرَ فَإِنْ كَانَتْ الْأُجْرَةُ مِنْ جِنْسِ مَا اسْتَأْجَرَ بِهِ وَلَمْ يَزِدْ فِي الدَّارِ شَيْئًا لَا تَطِيبُ لَهُ الزِّيَادَةُ وَيَتَصَدَّقُ بِهَا فَإِنْ زَادَ شَيْئًا آخَرَ طَابَتْ لَهُ الزِّيَادَةُ أَوْ أَجَّرَ بِخِلَافِ جِنْسِ مَا اسْتَأْجَرَ بِهِ وَالْكَنْسُ لَيْسَ بِزِيَادَةٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِلْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ إنْ بَيَّنَ مُدَّةً) يَعْنِي جَازَ اسْتِئْجَارُ الْأَرْضِ لِلْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ إنْ بَيَّنَ مُدَّةً؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ مَعْلُومَةٌ وَالْمُدَّةَ مَعْلُومَةٌ فَتَصِحُّ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَهَا لِلزِّرَاعَةِ وَفِي الْمُحِيطِ دَفَعَ أَرْضَهُ لِرَجُلٍ لِيَغْرِسَ أَشْجَارًا عَلَى أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ وَالشَّجَرُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لَمْ يَجُزْ وَالشَّجَرُ لِرَبِّ الْأَرْضِ وَعَلَيْهِ قِيمَةُ الشَّجَرِ وَلَهُ أَجْرُ مَا عَمِلَ وَلَا يُؤْمَرُ بِقَلْعِهِ وَهَذِهِ إجَارَةٌ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ أُجْرَةَ مَا يَخْرُجُ مِنْ الْعَمَلِ وَعَلَى رَبِّ الْأَرْضِ قِيمَةُ الْأَشْجَارِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَقْرِضًا لِلْأَشْجَارِ مِنْهُ وَتَقَايَضَا لَهَا حُكْمًا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 12 وَاسْتِقْرَاضُ الْأَشْجَارِ لَا يَجُوزُ فَيَكُونُ قَرْضًا فَاسِدًا فَيُوجِبُ الْمِلْكَ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْقَبْضُ وَفِي الْقُنْيَةِ مِنْ الْوَقْفِ وَلَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ السَّبِيلِ لِيَبْنِيَ بِهِ غُرْفَةً لِنَفْسِهِ إلَّا أَنْ يَزِيدَ فِي الْأُجْرَةِ وَلَا يَضُرُّ بِالْبِنَاءِ وَإِنْ كَانَ لَا يَرْغَبُ الْمُسْتَأْجِرُ إلَّا عَلَى هَذَا الْوَقْفِ جَازَ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ فِي الْأُجْرَةِ إذَا قَالَ الْقَيِّمُ أَوْ الْمَالِكُ أَذِنْت لَهُ فِي عِمَارَتِهَا فَعَمَّرَ بِإِذْنِهِ يَرْجِعُ عَلَيْهِ وَعَلَى الْوَقْفِ هَذَا إذَا كَانَ يَرْجِعُ نَفْعُهُ إلَى الْوَقْفِ وَالْمَالِكِ وَإِنْ كَانَ يَرْجِعُ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَفِيهِ ضَرَرٌ كَالْبَالُوعَةِ وَالتَّنُّورِ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ إلَّا إذَا شَرَطَ الرُّجُوعَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ مَضَتْ الْمُدَّةُ قَلَعَهُمَا وَسَلَّمَهَا فَارِغَةً) يَعْنِي إذَا مَضَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ قَلَعَ الْبِنَاءَ وَالْغَرْسَ وَسَلَّمَ الْأَرْضَ إلَى الْمُؤَجِّرِ فَارِغَةً؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ تَفْرِيغُهَا وَتَسْلِيمُهَا إلَى صَاحِبِهَا فَارِغَةً وَذَلِكَ بِقَلْعِهَا فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ غَايَةٌ تُعْلَمُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ لِلزِّرَاعَةِ وَانْقَضَتْ الْمُدَّةُ وَالزَّرْعُ لَمْ يُدْرِكْ حَيْثُ يُتْرَكُ عَلَى حَالِهِ إلَى الْحَصَادِ بِأَجْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ لَهُ غَايَةً مَعْلُومَةً فَأَمْكَنَ مُرَاعَاةُ الْجَانِبَيْنِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فِي الْمُدَّةِ وَالزَّرْعِ لَمْ يُدْرِكْ بِحَيْثُ يُتْرَكُ بِالْأُجْرَةِ عَلَى حَالِهِ إلَى الْحَصَادِ وَإِنْ بَطَلَتْ الْإِجَارَةُ فَكَانَ تَرْكُهُ بِالْمُسَمَّى، وَإِبْقَاءُ الْعَقْدِ عَلَى مَا كَانَ أَوْلَى مِنْ النَّقْضِ وَإِعَادَتِهِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا غَصَبَ أَرْضًا وَزَرَعَهَا حَيْثُ يُؤْمَرُ بِالْقَلْعِ وَإِنْ كَانَ لَهُ نِهَايَةٌ؛ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ فِعْلِهِ وَقَعَ ظُلْمًا وَالظُّلْمُ يَجِبُ إعْدَامُهُ لَا تَقْرِيرُهُ، وَالْقِيَاسُ أَنْ يُقْلَعَ فِي الْأُمُورِ كُلِّهَا؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ مِلْكُهُ فَلَا تُؤَجَّرُ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ وَالزَّرْعِ مَا تَقَدَّمَ وَفِي الْقُنْيَةِ وَالْخَصَّافِ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا وَقْفًا لِيَبْنِيَ فِيهَا أَوْ يَغْرِسَ، ثُمَّ مَضَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَسْتَبْقِيَهَا بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ، وَلَوْ أَبَى الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ إلَّا الْقَلْعَ، فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ اهـ. وَمِنْ هُنَا عُلِمَ حُكْمُ الِاسْتِحْكَارِ، وَهَذَا وَارِدٌ عَلَى إطْلَاقِ الْمُؤَلِّفِ وَفِي الْمُحِيطِ، وَإِذَا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ وَفِي الْأَرْضِ غِرَاسٌ أَوْ رَطْبَةٌ يُؤْمَرُ بِالْقَلْعِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهَا نِهَايَةٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إلَّا أَنْ يَغْرَمَ الْمُؤَجِّرُ قِيمَتَهُ مَقْلُوعًا وَيَتَمَلَّكَهُ) يَعْنِي إذَا مَضَتْ الْمُدَّةُ يَجِبُ عَلَيْهِ قَلْعُ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ إلَّا أَنْ يَغْرَمَ الْمُؤَجِّرُ قِيمَةَ ذَلِكَ إلَى آخِرِهِ هَذَا إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ تُنْتَقَصُ بِالْقَلْعِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ دَفْعُ الضَّرَرِ عَنْهُمَا فَيَدْفَعُ الضَّرَرَ عَنْ صَاحِبِ الْغَرْسِ وَالْبِنَاءِ بِدَفْعِ الْقِيمَةِ لَهُ، وَعَنْ صَاحِبِ الْأَرْضِ بِالتَّمَلُّكِ بِالْقِيمَةِ وَإِنْ كَانَتْ لَا تُنْتَقَصُ، فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِرِضَا صَاحِبِهِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي ثُبُوتِ الْمِلْكِ وَعَدَمِ الْمُرَجِّحِ وَلَيْسَ لِرَبِّ الْأَرْضِ أَنْ يَتَمَلَّكَ الْغِرَاسَ جَبْرًا عَلَى صَاحِبِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي قَلْعِهِمَا ضَرَرٌ فَاحِشٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ يَرْضَى بِتَرْكِهِ فَيَكُونُ الْبِنَاءُ وَالْغَرْسُ لِهَذَا وَالْأَرْضُ لِهَذَا) لِأَنَّ الْحَقَّ لِرَبِّ الْأَرْضِ فَيُتْرَكُ ذَلِكَ بِأُجْرَةٍ أَوْ بِغَيْرِ أُجْرَةٍ فَإِنْ تَرَكَهَا عَارِيَّةً فَلَهُ أَنْ يُؤَاجِرَهَا لِأَجْنَبِيٍّ، وَفِي الْقُنْيَةِ مِنْ الْوَقْفِ بَنَى فِي الدَّارِ بِغَيْرِ إذْنِ الْقَيِّمِ، وَنَزْعُ الْبِنَاءِ يَضُرُّ بِالْوَقْفِ يُجْبَرُ الْقَيِّمُ عَلَى دَفْعِ الْقِيمَةِ لِلْبَانِي وَيَجُوزُ لِمُسْتَأْجِرِ الْوَقْفِ غَرْسُ الْأَشْجَارِ وَالْكَرْمِ بِغَيْرِ إذْنٍ إذَا لَمْ يَكُنْ يَضُرُّ بِأَرْضِ الْوَقْفِ وَيَجُوزُ لِلْمُتَوَلِّي الْإِذْنُ فِي أَرْضِ الْوَقْفِ فِيمَا يَزِيدُ فِيهَا خَيْرًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالرَّطْبَةُ كَالشَّجَرِ) وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالزَّرْعُ يُتْرَكُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ إلَى أَنْ يُدْرِكَ) وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ بِخِلَافِ مَوْتِ أَحَدِهِمَا قَبْلَ إدْرَاكِ الزَّرْعِ فَإِنَّهُ يُتْرَكُ بِالْمُسَمَّى عَلَى حَالِهِ إلَى الْحَصَادِ وَالْمُسْتَعِيرِ كَالْمُسْتَأْجِرِ وَفِي الْقُنْيَةِ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِ الْفُقَهَاءِ يُتْرَكُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ إلَى الْحَصَادِ بِعَقْدٍ أَوْ بِقَضَاءٍ فَلَا يَجِبُ الْأَجْرُ إلَّا بِأَحَدِهِمَا، وَهَذَا يَجِبُ حِفْظُهُ. اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالدَّابَّةُ لِلرُّكُوبِ وَالْحَمْلِ وَالثَّوْبُ لِلُّبْسِ) يَعْنِي يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لِمَا ذُكِرَ إذَا عَيَّنَ الرَّاكِبَ وَالْحِمْلَ أَوْ أَطْلَقَ؛ لِأَنَّ لَهَا مَنَافِعَ مَعْلُومَةً قَيَّدَ بِالرُّكُوبِ لِيَحْتَرِزَ عَمَّا إذَا اسْتَأْجَرَهَا كَمَا تَقَدَّمَ وَبِاللُّبْسِ لِيَحْتَرِزَ عَمَّا إذَا اسْتَأْجَرَ الثَّوْبَ لِيُزَيِّنَ بِهِ دُكَّانَهُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَفِي الذَّخِيرَةِ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا حِنْطَةً مِنْ مَوْضِعِ كَذَا إلَى مَنْزِلِهِ وَكَانَ كُلَّمَا رَجَعَ يَرْكَبُهَا فَعَطِبَتْ الدَّابَّةُ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهَا لِلْحَمْلِ دُونَ الرُّكُوبِ فَكَانَ غَاصِبًا بِالرُّكُوبِ، وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي الِاسْتِحْسَانِ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بَيْنَ النَّاسِ بِذَلِكَ فَصَارَ مَأْذُونًا فِيهِ، ثُمَّ شَرَعَ يُبَيِّنُ أَنَّهَا تَارَةً تَكُونُ مُطْلَقَةً وَتَارَةً تَكُونُ مُقَيَّدَةً. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ أَطْلَقَ أَرْكَبَ وَأَلْبَسَ مَنْ شَاءَ) يَعْنِي إذَا أُطْلِقَ لَهُ الرُّكُوبُ وَاللُّبْسُ جَازَ لَهُ أَنْ يُرْكِبَ الدَّابَّةَ وَيُلْبِسَ الثَّوْبَ مَنْ شَاءَ وَالْمُرَادُ بِالْإِطْلَاقِ أَنْ يَقُولَ عَلَى أَنْ تُرْكِبَ مَنْ تَشَاءُ وَتُلْبِسَ مَنْ تَشَاءُ اهـ. كَلَامُ الشَّارِحِ وَفَسَّرَ الْإِطْلَاقَ بِهَذَا تَاجُ الشَّرِيعَةِ وَصَاحِبُ الْعِنَايَةِ وَالْغَايَةِ وَفَسَّرَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَالْكِفَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ الْإِطْلَاقَ بِأَنْ يَقُولَ اسْتَأْجَرْتهَا لِلرُّكُوبِ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ أَوْ اللُّبْسِ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 13 اعْلَمْ أَنَّ اسْتِئْجَارَ الدَّابَّةِ وَالثَّوْبِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ: الْأَوَّلُ أَنْ يَقُولَ عِنْدَ الْعَقْدِ اسْتَأْجَرْتهَا لِلرُّكُوبِ أَوْ لِلُّبْسِ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ. وَالثَّانِي أَنْ يَزِيدَ فِي قَوْلِهِ عَلَى أَنْ أُرْكِبَ مَنْ أَشَاءَ وَأُلْبِسَ مَنْ أَشَاءُ. وَالثَّالِثُ أَنْ يَقُولَ عَلَى أَنْ أَرْكَبَ أَنَا أَوْ فُلَانٌ أَوْ أَلْبَسَ أَنَا أَوْ فُلَانٌ، فَفِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ يَفْسُدُ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ الرُّكُوبَ وَاللُّبْسَ مُخْتَلِفَانِ اخْتِلَافًا فَاحِشًا فَإِنْ أَرْكَبَ شَخْصًا وَمَضَتْ الْمُدَّةُ تَنْقَلِبُ صَحِيحَةً وَيَجِبُ الْمُسَمَّى اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّهُ ارْتَفَعَ الْمُوجِبُ لِلْفَسَادِ وَهُوَ الْجَهَالَةُ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إنْ هَلَكَتْ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدِّدٍ وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي يَصِحُّ الْعَقْدُ وَيَجِبُ الْمُسَمَّى وَيَتَعَيَّنُ أَوَّلُ مَنْ يَرْكَبُ سَوَاءٌ كَانَ الْمُسْتَأْجِرَ أَوْ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ مِنْ الْأَصْلِ فَصَارَ كَأَنَّهُ نَصَّ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً وَفِي الثَّالِثِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَعَدَّاهُ؛ لِأَنَّ التَّعْيِينَ مُفِيدٌ فَإِذَا تَعَدَّى صَارَ ضَامِنًا وَحُكْمُ الْحَمْلِ حُكْمُ الرُّكُوبِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا وَفِي قَاضِي خان اسْتَأْجَرَتْ الْمَرْأَةُ دِرْعًا لِتَلْبَسَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إنْ كَانَ الثَّوْبُ بَدَلَهُ كَانَ لَهَا أَنْ تَلْبَسَهُ فِي الْأَيَّامِ وَاللَّيَالِي وَإِنْ كَانَتْ صِيَانَةً تَلْبَسُهُ فِي النَّهَارِ وَفِي أَوَّلِ اللَّيْلِ وَآخِرِهِ وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَلْبَسَهُ كُلَّ اللَّيْلِ فَإِنْ لَبِسَتْهُ كُلَّ اللَّيْلِ وَبَاتَتْ فِيهِ حَتَّى جَاءَ النَّهَارُ بَرِئَتْ مِنْ الضَّمَانِ إنْ لَمْ يَتَخَرَّقْ اهـ. وَفِي الْبَقَّالِيِّ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا فَحَمَلَ عَلَيْهَا رَجُلًا لَا يَضْمَنُ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيَطْحَنَ عَلَيْهَا وَمَا بَيَّنَ مِقْدَارَ مَا يَعْمَلُ بِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَلَهُ أَنْ يَعْمَلَ عَلَيْهَا مِقْدَارَ مَا تَحْمِلُ، وَفِي الْمُحِيطِ يَنْعَقِدُ فَاسِدًا فَإِذَا عَمِلَ عَلَيْهَا مِقْدَارَ مَا يَحْمِلُ يَعُودُ جَائِزًا وَيَجِبُ الْمُسَمَّى اسْتِحْسَانًا فَظَهَرَ أَنَّ الْمَشِيئَةَ فِي قَوْلِهِ مَا شَاءَ مُقَيَّدَةٌ بِقَدْرِ حَمْلِهَا وَفِي الْمُحِيطِ اسْتَأْجَرَ ثَوْبًا لِيَلْبَسَهُ لِيَذْهَبَ إلَى مَكَانِ كَذَا فَلَمْ يَذْهَبْ إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَلَبِسَهُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ يَكُونُ مُخَالِفًا وَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ، وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ عِنْدِي أَنَّهُ غَيْرُ مُخَالِفٍ وَيَجِبُ الْأَجْرُ؛ لِأَنَّ هَذَا خِلَافٌ إلَى خَيْرٍ وَلَيْسَ هَذَا كَمَنْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيَذْهَبَ إلَى مَوْضِعِ كَذَا فَرَكِبَهَا فِي الْمِصْرِ فِي حَوَائِجِهِ فَهُوَ مُخَالِفٌ؛ لِأَنَّ الدَّابَّةَ لَا يَجُوزُ إيجَارُهَا إلَّا إذَا بَيَّنَ الْمَكَانَ وَفِي الثَّوْبِ لَا يَحْتَاجُ إلَى بَيَانِ الْمَكَانِ اهـ. وَفِي الْخُلَاصَةِ وَإِذَا تَكَارَى قَوْمٌ مُشَاةٌ إبِلًا عَلَى أَنَّ الْمُكَارِيَ يَحْمِلُ عَلَيْهَا مَنْ مَرِضَ مِنْهُمْ أَوْ مَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ مِنْهُمْ فَهَذَا فَاسِدٌ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ قَيَّدَ بِرَاكِبٍ وَلَابِسٍ فَخَالَفَ ضَمِنَ) يَعْنِي إذَا عَطِبَتْ؛ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ مُقَيَّدٌ فَتَعَيَّنَ فَإِذَا خَالَفَ صَارَ ضَامِنًا بِالتَّعَدِّي؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَتَفَاوَتُونَ فِي الرُّكُوبِ وَاللُّبْسِ وَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْأَجْرَ وَالضَّمَانَ لَا يَجْتَمِعَانِ، وَكَذَا الْأُجْرَةُ عَلَيْهِ إنْ سَلَّمَ بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَأْجَرَ حَانُوتًا وَأَقْعَدَ فِيهِ قَصَّارًا أَوْ حَدَّادًا حَيْثُ يَجِبُ الْأَجْرُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا سَلَّمَ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يُخَالِفْ، كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَاسْتُفِيدَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ إذَا قَيَّدَ لَيْسَ لَهُ الْإِجَارَةُ وَالْإِعَارَةُ كَمَا إذَا عَمَّمَ وَلَيْسَ لَهُ الْإِيدَاعُ فِي الْأَوَّلِ وَلَا ضَرُورَةَ دُونَ الثَّانِي، كَذَا فِي فُصُولِ الْعِمَادِيِّ كَمَا إذَا عَمِيَ الْحِمَارُ فِي الطَّرِيقِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمِثْلُهُ مَا يَخْتَلِفُ بِالْمُسْتَعْمِلِ) يَعْنِي يَضْمَنُ مِثْلَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمِلِ إذَا كَانَ مُقَيَّدًا وَخَالَفَ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَعْنَى قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِيمَا لَا يَخْتَلِفُ بَطَلَ تَقْيِيدُهُ كَمَا لَوْ شَرَطَ سُكْنَى وَاحِدٍ لَهُ أَنْ يُسْكِنَ غَيْرَهُ) يَعْنِي فِيمَا لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمِلِ كَالدُّورِ لِلسُّكْنَى لَا يُعْتَبَرُ تَقْيِيدُهُ حَتَّى إذَا شَرَطَ سُكْنَى وَاحِدٍ لَهُ أَنْ يُسْكِنَ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ لَا يُفِيدُ لِعَدَمِ التَّفَاوُتِ وَمَا يَضُرُّ بِالْبِنَاءِ كَالْحَدَّادِ وَالْقَصَّارِ وَالطَّحَّانِ خَارِجٌ كَمَا مَرَّ وَالْفُسْطَاطُ كَالدَّارِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ مِثْلُ اللُّبْسِ لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِي نَصْبِهِ وَضَرْبِ أَوْتَادِهِ وَاخْتِيَارِ مَكَانِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ سَمَّى نَوْعًا، وَقَدْرًا كَكُرِّ بُرٍّ لَهُ حَمْلُ مِثْلِهِ وَأَخَفَّ لَا أَضَرَّ كَالْمِلْحِ) يَعْنِي لَوْ سَمَّى النَّوْعَ وَالْقَدْرَ فَلَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَى الدَّابَّةِ مَا هُوَ مِثْلُهُ وَأَخَفُّ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ لِيَحْمِلَ هَذِهِ الْحِنْطَةَ وَهِيَ قَدْرٌ مَعْلُومٌ فَحَمَلَ مِثْلَ قَدْرِهَا وَمَا هُوَ أَخَفُّ مِنْهُ كَالشَّعِيرِ وَالسِّمْسِمِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا مَا هُوَ أَضَرُّ مِنْهُ كَالْمِلْحِ؛ لِأَنَّ الرِّضَا بِالشَّيْءِ يَكُونُ رِضًا بِمَا هُوَ مِثْلُهُ أَوْ دُونَهُ عَادَةً لَا بِمَا هُوَ أَضَرُّ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي إجَازَةِ كُرِّ حِنْطَةٍ وَمَنْعِ كُرِّ شَعِيرٍ، بَلْ الشَّعِيرُ أَخَفُّ مِنْهُ فَكَانَ أَوْلَى بِالْجَوَازِ حَتَّى لَوْ سَمَّى قَدْرًا مِنْ الْحِنْطَةِ فَحَمَلَ عَلَيْهَا مِنْ الشَّعِيرِ مِثْلَهُ وَزْنًا ضَمِنَ؛ لِأَنَّ الشَّعِيرَ يَأْخُذُ مِنْ ظَهْرِ الدَّابَّةِ أَكْثَرَ مَا تَأْخُذُ الْحِنْطَةُ فَصَارَ كَمَا لَوْ حَمَلَ عَلَيْهَا قِرْبَةَ مَاءٍ أَوْ حَطَبٍ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ، وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِهِ لَا يَضْمَنُ اسْتِحْسَانًا. وَقَالَ وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ ضَرَرَ الشَّعِيرِ عِنْدَ اسْتِوَائِهِمَا فِي الْوَزْنِ أَخَفُّ مِنْ ضَرَرِ الْحِنْطَةِ؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ مِنْ ظَهْرِ الدَّابَّةِ أَكْثَرَ مِمَّا تَأْخُذُ الْحِنْطَةُ فَكَانَ أَخَفَّ عَلَيْهَا بِالِانْبِسَاطِ وَبِهِ كَانَ يُفْتِي الصَّدْرُ الشَّهِيدُ، وَلَوْ حَمَلَ عَلَيْهَا مِثْلَ وَزْنِهِ حَدِيدًا أَوْ مِلْحًا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ يَجْتَمِعُ فِي مَكَان وَاحِدٍ مِنْ ظَهْرِ الدَّابَّةِ فَيَضُرُّ بِهَا أَكْثَرَ، وَكَذَا لَا يَضْمَنُ إذَا حَمَلَ عَلَيْهَا مِثْلَ وَزْنِهَا قُطْنًا؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ مِنْ ظَهْرِ الدَّابَّةِ أَكْثَرَ وَفِيهِ حَرَارَةٌ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 14 وَمَا ذَكَرْنَاهُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ يَضْمَنُ فِي الشَّعِيرِ وَنَحْوِهِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الشَّيْئَيْنِ مَتَى كَانَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ضَرَرٌ فَوْقَ ضَرَرِ الْآخَرِ مِنْ وَجْهٍ لَا يُسْتَفَادُ مِنْ الْإِذْنِ فِي أَحَدِهِمَا الْإِذْنُ فِي الْآخَرِ وَإِنْ كَانَ هُوَ أَخَفُّ ضَرَرًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَفِي الْأَصْلِ إذَا تَكَارَى مِنْ رَجُلٍ إبِلًا مُسَمَّاةً بِغَيْرِ عَيْنِهَا إلَى مَكَّةَ فَالْإِجَارَةُ جَائِزَةٌ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ لَيْسَ تَفْسِيرُ الْمَسْأَلَةِ مَا ذَكَرْنَا، بَلْ تَفْسِيرُهَا اسْتَأْجَرَ الْمُكَارِي عَلَى الْحَمْلِ فَالْمَقْصُودُ عَلَيْهِ الْحَمْلُ فِي ذِمَّةِ الْمُكَارِي وَأَنَّهُ مَعْلُومٌ وَالْإِبِلُ آلَةٌ، وَجَهَالَةُ الْآلَةِ لَا تُوجِبُ فَسَادَ الْإِجَارَةِ كَمَا فِي الْخَيَّاطِ وَالْقَصَّارِ وَمَا أَشْبَهَهُ. وَاسْتَدَلَّ عَلَى تَفْسِيرِ الْمَسْأَلَةِ بِمَا ذُكِرَ أَنَّهُ لَوْ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا لِلْخِدْمَةِ لَا بِعَيْنِهِ لَا يَجُوزُ قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَنَحْنُ نُفْتِي بِالْجَوَازِ كَمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ مِنْ غَيْرِ تَأْوِيلٍ، وَفِي الذَّخِيرَةِ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً إلَى كَذَا وَدَفَعَ لَهُ الدَّابَّةَ لَا يُجْبَرُ رَبُّ الدَّابَّةِ أَنْ يُرْسِلَ غُلَامَهُ مَعَهَا قَالَ مُحَمَّدٌ يُؤْمَرُ بِأَنْ يُرْسِلَ غُلَامَهُ مَعَهَا، قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ إنْ شَاءَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ وَفِي الصَّيْرَفِيَّةِ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً بِعَيْنِهَا لِلْحَمْلِ فَحَمَلَ الْمُكَارِي عَلَى غَيْرِهَا لَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ وَيَكُونُ مُتَبَرِّعًا وَفِي الْفَتَاوَى تَكَارَى دَابَّةً إلَى مَوْضِعٍ مَعْلُومٍ بِأَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ عَلَى أَنْ يَرْجِعَ فِي يَوْمِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ إلَى خَمْسَةِ أَيَّامٍ قَالَ يَجِبُ دِرْهَمَانِ أُجْرَةُ الذَّهَابِ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ فِي الرُّجُوعِ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً إلَى مَكَّةَ فَهُوَ عَلَى الذَّهَابِ وَفِي الْغَايَةِ عَلَى الذَّهَابِ وَالرُّجُوعِ وَفِي فَتَاوَى هُوَ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا مِائَةً مِنْ الْحِنْطَةِ فَمَرِضَتْ فَلَمْ تُطِقْ إلَّا خَمْسِينَ فَحَمَلَ عَلَيْهَا هَلْ يَرْجِعُ عَلَى الْمُكَارِي بِحِصَّةِ ذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي بَدِيعُ الدِّينِ لَا يَرْجِعُ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِذَلِكَ وَفِي جَامِعِ الْفَتَاوَى اسْتَأْجَرَ دَابَّةً يَوْمًا وَانْتَفَعَ بِهَا فَأَمْسَكَهَا، وَقَدْ وَرِمَ بَطْنُهَا أَوْ اعْتَلَّتْ فَتُرِكَتْ فِي الدَّارِ الَّذِي هُوَ فِيهَا فَمَاتَتْ غَرِمَ، وَفِي الْعَتَّابِيَّةِ تَكَارَى قَوْمٌ مُشَاةٌ إبِلًا عَلَى أَنَّ الْمُكَارِيَ يَحْمِلُ مَنْ مَرِضَ مِنْهُمْ أَوْ مَنْ أَعْيَا مِنْهُمْ فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ وَفِي الْأَصْلِ وَلَوْ شَرَطُوا عَلَيْهِ أَنْ يَرْكَبَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فِيهِ، ثُمَّ يَرْكَبَ الْآخَرُ وَهَكَذَا فَذَلِكَ جَائِزٌ وَفِي الْخُلَاصَةِ تَكَارَى عَلَى دُخُولِ عِشْرِينَ يَوْمًا إلَى مَوْضِعِ كَذَا فَمَا دَخَلَ إلَّا فِي خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا قَالَ يُحَطُّ عَنْهُ مِنْ الْأُجْرَةِ بِحِسَابِ ذَلِكَ وَيَسْتَقِيمُ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ. اهـ. وَفِي الْخُلَاصَةِ رَجُلٌ اكْتَرَى إبِلًا لِلْحَجِّ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي وَقْتِ الْخُرُوجِ فَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُ مَنْ يُرِيدُ الْخُرُوجَ فِي الْوَقْتِ الْمَعْرُوفِ لِلْخُرُوجِ. اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ تَكَارَى دَابَّةً بِغَيْرِ عَيْنِهَا إلَى مَوْضِعِ كَذَا لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ هَذَا عَقْدٌ وَاحِدٌ وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ فِي كُلِّ مَجْهُولٍ جَهَالَةٌ تُؤَدِّي إلَى النِّزَاعِ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً إلَى مَوْضِعِ كَذَا وَضَعُفَتْ قَبْلَ الْوُصُولِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِغَيْرِهَا؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَنْفَسِخُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَإِنْ كَانَتْ بِعَيْنِهَا، فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِغَيْرِهَا فَيُفْسَخُ الْعَقْدُ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ رَجُلٌ دَابَّتَيْنِ بِعَشَرَةٍ صَفْقَةً وَاحِدَةً لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا عِشْرِينَ قَفِيزًا فَحَمَلَ عَلَى كُلِّ دَابَّةٍ عَشَرَةً يُقْسَمُ الْأَجْرُ عَلَى أَجْرِ مِثْلِ كُلِّ دَابَّةٍ اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ عَطِبَتْ بِالْإِرْدَافِ ضَمِنَ النِّصْفَ) يَعْنِي إذَا اسْتَأْجَرَ دَابَّةً فَأَرْدَفَ عَلَيْهَا غَيْرَهُ ضَمِنَ نِصْفَ الْقِيمَةِ وَلَا يُعْتَبَرُ بِالثِّقَلِ؛ لِأَنَّ الدَّابَّةَ يَعْقِرُهَا الرَّاكِبُ الْخَفِيفُ وَيَخِفُّ عَلَيْهَا رُكُوبُ الثَّقِيلِ لِعِلْمِهِ بِالْفُرُوسِيَّةِ؛ وَلِأَنَّ الْآدَمِيَّ غَيْرُ مَوْزُونٍ فَلَا يُمْكِنُ مَعْرِفَتُهُ بِالْوَزْنِ فَيَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ بِالْعَدَدِ كَالْجِنَايَةِ فِي بَابِ الْجِنَايَةِ هَذَا إذَا كَانَتْ الدَّابَّةُ تُطِيقُ حَمْلَ الِاثْنَيْنِ وَإِنْ كَانَتْ لَا تُطِيقُ ضَمِنَ جَمِيعَ قِيمَتِهَا ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي، قَالُوا هَذَا إذَا كَانَ الرَّدِيفُ يَسْتَمْسِكُ بِنَفْسِهِ وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا لَا يَسْتَمْسِكُ بِنَفْسِهِ يَضْمَنُ بِقَدْرِ ثِقَلِهِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ قُيِّدَ بِالرَّدِيفِ احْتِرَازًا عَمَّا إذَا حَمَلَهُ عَلَى عَاتِقِهِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ جَمِيعَ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ ثِقَلَهُ مَعَ الَّذِي حَمَلَهُ يَجْتَمِعَانِ فِي مَكَان وَاحِدٍ فَيَكُونُ أَشَقَّ عَلَى الدَّابَّةِ، وَقَالَ الْحَدَّادِيُّ الرَّدِيفُ مِثَالٌ وَلَيْسَ بِقَيْدٍ حَتَّى لَوْ جَعَلَ الْمُسْتَأْجِرُ نَفْسَهُ رَدِيفًا وَغَيْرَهُ أَصِيلًا فَالْحُكْمُ وَاحِدٌ وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ قُيِّدَ بِكَوْنِهِ رَدِيفًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَقْعَدَ الْأَجْنَبِيَّ فِي السَّرْجِ صَارَ غَاصِبًا وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْأُجْرَةِ. قَالَ قَاضِي خان اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيَرْكَبَهَا إلَى مَوْضِعِ كَذَا فَحَمَلَ عَلَيْهَا صَبِيًّا صَغِيرًا فَعَطِبَتْ ضَمِنَ قِيمَتَهَا كَمَا لَوْ حَمَلَ عَلَيْهَا حِمْلًا وَأَطْلَقَ فِي ضَمَانِ النِّصْفِ فَشَمِلَ مَا إذَا هَلَكَتْ قَبْلَ الْوُصُولِ أَوْ بَعْدَهُ قَالَ وَعَلَيْهِ جَمِيعُ الْأُجْرَةِ إذَا هَلَكَتْ بَعْدَمَا بَلَغَ مَقْصِدَهُ وَنِصْفُ الْقِيمَةِ إذَا هَلَكَتْ قَبْلَهُ وَفِي الْمُحِيطِ إذَا عَطِبَتْ بَعْدَ الْبُلُوغِ مِنْ الرُّكُوبِ فَعَلَيْهِ الْأَجْرُ كَامِلًا وَنِصْفُ الْقِيمَةِ كَانَ الرَّدِيفُ أَخَفَّ أَوْ أَثْقَلَ أَمَّا الْأُجْرَةُ؛ فَلِأَنَّهُ اسْتَوْفَى الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الضَّمَانُ؛ فَلِأَنَّ التَّلَفَ حَصَلَ بِرُكُوبِهِمَا وَلَمْ يُبَيِّنْ مَنْ عَلَيْهِ الضَّمَانُ فَالْمَالِكُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الرَّدِيفَ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُسْتَأْجِرَ فَإِنْ ضَمَّنَ الْمُسْتَأْجِرَ لَا يَرْجِعُ بِمَا ضَمَّنَ وَإِنْ ضَمَّنَ الرَّدِيفَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 15 يَرْجِعُ إنْ كَانَ مُسْتَأْجِرًا وَإِلَّا فَلَا وَفِي الْخَانِيَّةِ فَإِذَا أَرَادَ صَاحِبُ الدَّابَّةِ أَنْ يُضَمِّنَ الرَّدِيفَ نِصْفَ الْقِيمَةِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا عَشَرَةَ أَقْفِزَةٍ فَأَجَّرَهَا مِنْ غَيْرِهِ فَحَمَلَ عَلَيْهَا عِشْرِينَ فَتَلِفَتْ يُخَيَّرُ الْمَالِكُ فِي التَّضْمِينِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الثَّانِيَ وَيَرْجِعُ عَلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ وَإِنْ ضَمَّنَ الْأَوَّلَ لَا يَرْجِعُ عَلَى الثَّانِي. اهـ. وَأَقُولُ: يَنْبَغِي أَنْ يَفْصِلَ بِأَنَّهُ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ مُسْتَأْجِرٌ لِمَا ذُكِرَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَرْجِعَ عَلَى الْأَوَّلِ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ مَالِكٌ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ يَنْبَغِي أَنْ يَرْجِعَ وَأَطْلَقَ الْمُؤَلِّفُ فِي الْإِرْدَافِ فَشَمِلَ مَا إذَا أَرْدَفَ فِي كُلِّ الْمُدَّةِ أَوْ بَعْضِهَا، وَفِي الْمُحِيطِ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً ذَاهِبًا وَرَاجِعًا بِعَلَفِهَا فَرَكِبَهَا ذَاهِبًا وَحَمَلَ عَلَيْهَا مَتَاعًا وَأَرْدَفَ آخَرَ رَاجِعًا فَعَلَيْهِ أُجْرَةُ مِثْلِهَا فِي الذَّهَابِ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ وَقَعَتْ فَاسِدَةً لِجَهَالَةِ الْعَلَفِ وَفِي الرُّجُوعِ رَكِبَهَا اثْنَانِ فَهَلَكَتْ فَعَلَيْهِ نِصْفُ الْقِيمَةِ وَلَمَّا زَادَ مِنْ الْحَمْلِ وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِالرُّجُوعِ إلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَرْكَبْ عَلَى الْحَمْلِ أَمَّا إذَا رَكِبَ عَلَيْهِ يَضْمَنُ جَمِيعَ قِيمَتِهَا؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ ثِقَلُهُ وَثِقَلُ الْحِمْلِ عَلَيْهَا، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ مَحْمَلَ الْوَلَدِ مَعَهَا فَتَلِفَتْ ضَمِنَ بِقَدْرِ الْوَلَدِ، وَكَذَا لَوْ وَلَدَتْ النَّاقَةُ فَحَمَلَ وَلَدَهَا عَلَيْهَا وَقُيِّدَ بِالْعَطَبِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ سَلِمَتْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْأَجْرُ تَمَامًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِالزِّيَادَةِ عَلَى الْحَمْلِ الْمُسَمَّى مَا زَادَ) يَعْنِي إذَا اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا قَدْرًا فَحَمَلَ عَلَيْهَا أَكْثَرَ مِنْهُ فَعَطِبَتْ يَضْمَنُ مَا زَادَ بِالثِّقَلِ؛ لِأَنَّهَا هَلَكَتْ بِمَأْذُونٍ وَغَيْرِهِ فَانْقَسَمَ عَلَيْهِمَا هَذَا إذَا كَانَتْ الدَّابَّةُ تُطِيقُ ذَلِكَ فَلَوْ كَانَتْ لَا تُطِيقُ مِثْلَهُ يَضْمَنُ جَمِيعَ الْقِيمَةِ لِعَدَمِ الْإِذْنِ فِيهِ هَذَا إذَا حَمَلَ الْمُسَمَّى وَزَادَ عَلَيْهِ وَإِنْ حَمَلَ عَلَيْهَا غَيْرَهُ فَهَلَكَتْ وَجَبَ عَلَيْهِ جَمِيعُ الْقِيمَةِ لِعَدَمِ الْإِذْنِ، قَالَ الْأَكْمَلُ وَنُوقِضَ بِمَا إذَا اسْتَأْجَرَ ثَوْرًا لِيَطْحَنَ عَلَيْهِ مِقْدَارًا فَزَادَ فَهَلَكَ يَضْمَنُ جَمِيعَ الْقِيمَةِ وَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مِنْ جِنْسِهِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الطَّحْنَ يَكُونُ شَيْئًا فَشَيْئًا فَإِذَا طَحَنَ الْقَدْرَ الْمُسَمَّى فَقَدْ انْتَهَى الْإِذْنُ وَبِطَحْنِ غَيْرِهِ مَعَهُ فَقَدْ تَعَدَّى فَيَضْمَنُ جَمِيعَ الْقِيمَةِ قُيِّدَ بِكَوْنِهِ زَادَ عَلَى الْمُعْتَادِ؛ لِأَنَّهُ إنْ زَادَ عَلَى الْمَسَافَةِ فَهَلَكَتْ يَضْمَنُ جَمِيعَ الْقِيمَةِ لِعَدَمِ الْإِذْنِ فِي الزِّيَادَةِ وَقُيِّدَ بِكَوْنِهِ حَمَلَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ رَبَّ الدَّابَّةِ لَوْ كَانَ هُوَ الَّذِي حَمَلَ عَلَيْهَا فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ، قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا عَشَرَةَ مَخَاتِيمَ مِنْ الْحِنْطَةِ فَجَعَلَ فِي الْجَوَالِقِ عِشْرِينَ مِنْ الْحِنْطَةِ وَأَمَرَ الْمُكَارِيَ أَنْ يَحْمِلَ هُوَ عَلَيْهَا فَحَمَلَ هُوَ وَلَمْ يُشَارِكْهُ الْمُسْتَكْرِي فَهَلَكَتْ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ أَصْلًا. وَلَوْ حَمَلَ ذَلِكَ عَلَيْهَا رَبُّ الدَّابَّةِ وَالْمُسْتَكْرِي جَمِيعًا وَوَضَعَاهُ عَلَى ظَهْرِ الدَّابَّةِ فَهَلَكَتْ الدَّابَّةُ ضَمِنَ الْمُسْتَكْرِي رُبْعَ الْقِيمَةِ هَذَا إذَا كَانَ فِي جَوْلَقٍ وَاحِدٍ، وَلَوْ جَعَلَهَا فِي جَوْلَقَيْنِ وَحَمَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَوْلَقًا وَوَضَعَا عَلَى الدَّابَّةِ جَمِيعًا لَا يَضْمَنُ الْمُسْتَأْجِرُ شَيْئًا وَيَجْعَلُ حَمْلَ الْمُسْتَأْجِرِ مَا كَانَ مُسْتَحَقًّا لَهُ بِالْعَقْدِ. اهـ. وَفِي الْخُلَاصَةِ هَذَا إذَا حَمَلَ الْمُسْتَأْجِرُ أَوَّلًا وَإِنْ حَمَلَ رَبُّ الدَّابَّةِ أَوَّلًا، ثُمَّ الْمُسْتَأْجِرُ فَهَلَكَتْ ضَمِنَ نِصْفَ الْقِيمَةِ، وَفِي الْأَصْلِ إذَا اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيَرْكَبَهَا، فَلَيْسَ مِنْ الثِّيَابِ أَكْثَرُ مِمَّا كَانَ يَلْبَسُ وَرَكِبَ الدَّابَّةَ فَهَلَكَتْ إنْ لَبِسَ مَا يَلْبَسُ النَّاسُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهَا وَإِنْ لَبِسَ مَا لَا يَلْبَسُهُ النَّاسُ ضَمِنَ مَا زَادَ بِحِسَابِهِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيَرْكَبَهَا إنْسَانًا فَأَرْكَبَهَا امْرَأَةً بِآلَةٍ أَوْ رَجُلًا بِسَرْجٍ فَهَلَكَتْ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى الرَّاكِبِ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ مِثْلَ الدَّابَّةِ لَا تُطِيقُ ذَلِكَ فَيَضْمَنُ جَمِيعَ الْقِيمَةِ، وَفِي الْأَصْلِ اسْتَأْجَرَ حِمَارًا بِسَرْجٍ فَأَسْرَجَهُ بِسَرْجٍ لَا يُسْرَجُ بِهِ مِثْلُهُ فَهُوَ ضَامِنٌ مِقْدَارَ مَا زَادَ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ وَإِنْ كَانَ أَخَفَّ مِنْ الْأَوَّلِ أَوْ مِثْلَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ هَذَا إذَا كَانَتْ الدَّابَّةُ تُوكَفُ بِمِثْلِهِ وَإِنْ كَانَتْ لَا تُوكَفُ بِمِثْلِهِ يَضْمَنُ جَمِيعَ الْقِيمَةِ، وَفِي قَاضِي خَانْ وَإِنْ تَلِفَتْ فَلَهُ الْأُجْرَةُ تَمَامًا، وَلَوْ عَلِمَ أَنَّهَا تُطِيقُ فَبَلَغَ فَلَهُ تَمَامُ الْأُجْرَةِ، وَإِذَا هَلَكَتْ يَضْمَنُ وَلَا تَجِبُ الْأُجْرَةُ هَذَا إذَا جَعَلَ الْأَقَلَّ وَالزِّيَادَةَ فِي جَوْلَقٍ وَاحِدٍ، وَلَوْ جَعَلَ الزِّيَادَةَ فِي جَوْلَقٍ مُنْفَرِدَةً وَحَمَلَهَا ضَمِنَ الْقِيمَةَ وَفِي الْمُحِيطِ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا امْرَأَةً فَوَلَدَتْ فَحَمَلَ وَلَدَهَا مَعَهَا عَلَيْهَا يَضْمَنُ بِقَدْرِ الْوَلَدِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِالضَّرْبِ وَالْكَبْحِ) أَيْ يَضْمَنُ إذَا هَلَكَتْ مِنْهَا وَفِي الْمُغْرِبِ الْكَبْحُ ضَرْبُ الدَّابَّةِ بِاللِّجَامِ وَهُوَ أَنْ يَجْذِبَهَا إلَى نَفْسِهِ، وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ، وَقَالَا لَا يَضْمَنُ إذَا فَعَلَ فِعْلًا مُعْتَادًا؛ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يَدْخُلُ تَحْتَ الْمُتَعَارَفِ فَكَانَ هَالِكًا بِالْمَأْذُونِ بِهِ وَلِلْإِمَامِ أَنَّ الْمُتَعَارَفَ مُقَيَّدٌ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ؛ لِأَنَّ السَّوْقَ يَتَحَقَّقُ بِدُونِهِ وَإِنَّمَا تُضْرَبُ لِلْمُبَالَغَةِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا ضَرَبَ الْعَبْدَ الْمُسْتَأْجَرَ لِلْخِدْمَةِ حَيْثُ يَضْمَنُ بِالْإِجْمَاعِ، وَالْفَرْقُ لَهُمَا أَنَّهُ يُؤْمَرُ وَيُنْهَى لِفَهْمِهِ فَلَا ضَرُورَةَ إلَى ضَرْبِهِ وَظَاهِرُ مَا فِي الْهِدَايَةِ أَنَّ لِلْمُسْتَأْجِرِ الضَّرْبَ وَلَا إثْمَ عَلَيْهِ، وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ إنْ ضَرَبَ الدَّابَّةَ يَكُونُ مُعْتَدِيًا لِلضَّمَانِ وَفِيهَا مُوجِبًا أَنَّ الْإِمَامَ رَجَعَ إلَى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 16 قَوْلِهِمَا، وَأَمَّا ضَرْبُ دَابَّةِ نَفْسِهِ فَقَالَ فِي الْقُنْيَةِ لَا يَضْرِبُهَا أَصْلًا وَإِنْ كَانَتْ مِلْكَهُ، ثُمَّ قَالَ لَا يُخَاصَمُ ضَارِبُ الْحَيَوَانِ فِيمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِلتَّأْدِيبِ وَيُخَاصَمُ فِيمَا زَادَ عَلَيْهِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ ضَرْبُ الْأَبِ أَوْ الْوَصِيِّ لِلصَّغِيرِ إذَا لَمْ يُجَاوِزْ ضَرْبَ مِثْلِهِ لِلتَّأْدِيبِ حَيْثُ تَجِبُ الدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا لَا تَجِبُ الدِّيَةُ؛ لِأَنَّ الضَّرْبَ لِإِصْلَاحِ الصَّغِيرِ مُتَعَارَفٌ وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لَهُ فَكَانَ كَضَرْبِ الْمُعَلِّمِ، بَلْ أَوْلَى بِخِلَافِ ضَرْبِ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُ لِمَنْفَعَةِ نَفْسِهِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ السَّلَامَةُ وَلِلْإِمَامِ أَنَّ مَنْفَعَةَ الصَّغِيرِ كَالْوَاقِعِ لَهُ لِقِيَامِ الْبَعْضِيَّةِ بَيْنَهُمَا أَلَا تَرَى أَنَّ الشَّهَادَةَ لَهُ جُعِلَتْ كَشَهَادَتِهِ لِنَفْسِهِ وَبِخِلَافِ ضَرْبِ الْمُعَلِّمِ بِإِذْنِ الْأَبِ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ مِنْ الْأَبِ صَحِيحٌ لِمَا لَهُ مِنْ الْوِلَايَةِ، وَإِذَا صَحَّ كَانَ الْأَبُ مُعَيَّنًا وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُعَيَّنِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَضْرِبَ أَخِيهِ الصَّغِيرَ عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ وَأَطْلَقَ فِي الضَّرْبِ وَالْكَبْحِ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهَا، فَفِي التَّتَارْخَانِيَّة اسْتَأْجَرَهَا لِيَرْكَبَهَا فَضَرَبَهَا فَمَاتَتْ فَإِنْ كَانَ بِإِذْنِ صَاحِبِهَا وَأَصَابَ الْمَوْضِعَ لَا يَضْمَنُ بِالْإِجْمَاعِ، وَفِي الْعَتَّابِيَّةِ فَإِنْ عَنَّفَ فِي السَّيْرِ ضَمِنَ إجْمَاعًا وَالْمُعَلِّمُ وَالْمُؤَدِّبُ وَأُسْتَاذُ الْحِرْفَةِ يَضْمَنُ بِالضَّرْبِ فَإِنْ كَانَ يَأْذَنُ لَمْ يَضْمَنْ. اهـ. وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ اسْتَأْجَرَ حِمَارًا لِحَمْلِ مَتَاعٍ وَلَمْ يَكُنْ صَاحِبُ الْمَتَاعِ مَعَهُ فَمَرِضَ الْحِمَارُ فِي الطَّرِيقِ فَتَرَكَ الْحِمَارُ صَاحِبَهُ وَتَرَكَ الْمَتَاعَ لَمْ يَضْمَنْ لِلضَّرُورَةِ وَالْعُذْرِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَنَزْعُ السَّرْجِ وَالْإِكَافِ أَوْ الْإِسْرَاجِ بِمَا لَا يُسْرَجُ بِمِثْلِهِ) يَعْنِي لَوْ اسْتَأْجَرَ حِمَارًا مُسْرَجًا فَنَزَعَهُ وَأَسْرَجَهُ بِسَرْجٍ لَا يُسْرَجُ بِمِثْلِهِ الْحَمِيرُ أَوْ أَوْكَفَهُ بِذَلِكَ فَتَلِفَ يَضْمَنُ جَمِيعَ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ يَتَنَاوَلُ مَا يُسْرَجُ بِمِثْلِهِ دُونَ مَا لَا يُسْرَجُ بِمِثْلِهِ فَيَكُونُ مُتَعَدِّيًا فَيَضْمَنُ وَإِنْ أُسْرِجَ بِسَرْجٍ يُسْرَجُ مِثْلُهُ بِهِ لَا يَضْمَنُ وَقَوْلُهُ بِمَا لَا يُسْرَجُ بِمِثْلِهِ قُيِّدَ بِالسَّرْجِ لَا لِلْإِكَافِ؛ لِأَنَّهُ يَضْمَنُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ يُوكَفُ بِمِثْلِهِ أَوْ لَا، وَهَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ، وَقَالَا الْإِكَافُ كَالسَّرْجِ مُطْلَقًا لَا يُضْمَنُ إذَا كَانَ يُوكَفُ بِمِثْلِهِ إلَّا إذَا كَانَ زَائِدًا عَلَى السَّرْجِ الَّذِي عَلَيْهِ فَيُضْمَنُ بِقَدْرِ الزِّيَادَةِ كَمَا فِي السَّرْج؛ لِأَنَّهُ هُوَ وَالسِّرَاجُ سَوَاءٌ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْجِنْسَ يَخْتَلِفُ؛ لِأَنَّ الْإِكَافَ لِلْحَمْلِ وَالسَّرْجَ لِلرُّكُوبِ، وَكَذَا يَنْبَسِطُ أَحَدُهُمَا عَلَى ظَهْرِ الدَّابَّةِ مَا لَا يَنْبَسِطُ الْآخَرُ فَصَارَ كَاخْتِلَافِ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ، قَالَ فِي النِّهَايَةِ ذَكَرَ فِي الْإِجَارَةِ إنَّهُ يُضْمَنُ بِقَدْرِ مَا زَادَ وَهُوَ قَوْلُهُمَا فَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ لَيْسَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ عَنْ الْإِمَامِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ عَنْ الْإِمَامِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ يُضْمَنُ بِقَدْرِ مَا زَادَ وَفِي رِوَايَةٍ يُضْمَنُ جَمِيعُ الْقِيمَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَتَكَلَّمُوا فِي مَعْنَى قَوْلِهِمَا يُضْمَنُ بِحِسَابِهِ قَالَ بَعْضُهُمْ إذَا كَانَ السَّرْجُ يَأْخُذُ مِنْ ظَهْرِ الدَّابَّةِ قَدْرَ شِبْرَيْنِ وَالْإِكَافُ قَدْرَ أَرْبَعَةِ أَشْبَارٍ فَيَضْمَنُ بِحِسَابِهِ، وَقِيلَ يُعْتَبَرُ بِالْوَزْنِ قَالَ قَاضِي خان: وَهَذَا إذَا اسْتَأْجَرَ الْحِمَارَ مُسْرَجًا فَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ عُرْيَانًا فَالْمَسْأَلَةُ عَلَى وُجُوهٍ إنْ اسْتَأْجَرَهُ مِنْ الْبَلَدِ إلَى الْبَلَدِ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الْحِمَارَ لَا يُرْكَبُ بَيْنَهُمَا إلَّا بِسَرْجٍ أَوْ إكَافٍ فَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَرْكَبَ فِي الْمِصْرِ فَإِنْ كَانَ مِنْ ذَوَاتِ الْمَقَامَاتِ فَكَذَلِكَ فَإِنَّهُ مِنْ عَادَتِهِ أَنْ لَا يَرْكَبَ عُرْيَانًا وَإِنْ كَانَ مِنْ الْعَوَامّ الَّذِي يَرْكَبُونَ فِي الْمِصْرِ عُرْيَانًا فَفَعَلَ يَضْمَنُ. اهـ. أَقُولُ: يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ فِيمَا إذَا اسْتَأْجَرَ مِنْ الْقَرْيَةِ إلَى الْقَرْيَةِ إنْ كَانَ الْمُسْتَأْجِرُ مِمَّنْ جَرَتْ الْعَادَةُ أَنْ يَرْكَبَ مِنْ الْقَرْيَةِ إلَى الْقَرْيَةِ عُرْيَانًا كَمَا يُشَاهَدُ فِي دِيَارِنَا فَإِذَا أَسْرَجَهُ يَضْمَنُ وَإِلَّا فَلَا، وَفِي الْمُحِيطِ اسْتَأْجَرَ حِمَارًا بِغَيْرِ لِجَامٍ فَأَلْجَمَهُ بِلِجَامٍ مِثْلِهِ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ اللِّجَامَ وُضِعَ لِلْحِفْظِ فَلَا بُدَّ لِلرَّاكِبِ مِنْهُ فَيَصِيرُ مَأْذُونًا لِلِّجَامِ دَلَالَةً إلَّا إذَا كَانَ الْحِمَارُ لَا يُلْجَمُ بِمِثْلِهِ. اهـ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة وَلَوْ هَلَكَتْ الْمُسْتَأْجَرَةُ عِنْدَ الْمُسْتَأْجِرِ فَاسْتَحَقَّهَا رَجُلٌ يَضْمَنُ الْمُسْتَأْجِرُ قِيمَةَ ذَلِكَ وَيَرْجِعُ عَلَى الْمُؤَجِّرِ كَمَا ضَمِنَ اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَسُلُوكُ طَرِيقٍ غَيْرِ مَا عَيَّنَهُ وَتَفَاوَتَا) يَعْنِي يَجِبُ الضَّمَانُ إذَا عَيَّنَ لِلْمُكَارِي طَرِيقًا وَسَلَكَ هُوَ غَيْرَهَا وَكَانَ بَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ بِأَنْ كَانَ الْمَسْلُوكُ أَوْعَرَ أَوْ أَبْعَدَ أَوْ أَخْوَفَ بِحَيْثُ لَا يُسْلَكُ؛ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ حِينَئِذٍ مُقَيَّدٌ فَإِذَا خَالَفَ حِينَئِذٍ فَقَدْ تَعَدَّى فَيَضْمَنُ قِيمَتَهُ إنْ هَلَكَ وَإِنْ لَمْ يَهْلَكْ وَبَلَغَ فَلَهُ الْأَجْرُ اسْتِحْسَانًا لِارْتِفَاعِ الْخِلَافِ وَلَا يَلْزَمُ اجْتِمَاعُ الضَّمَانِ وَالْأُجْرَةِ؛ لِأَنَّهَا فِي حَالَتَيْنِ وَنَظِيرُهُ الْعَبْدُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ إذَا أَجَّرَ نَفْسَهُ فَإِنْ تَلِفَ فِي الْعَمَلِ يَجِبُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ الضَّمَانُ وَإِنْ سَلِمَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْأَجْرُ وَإِنْ كَانَ الطَّرِيقُ يَسْلُكُهُ النَّاسُ وَهَلَكَ الْمَتَاعُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ فِيمَا يَسْلُكُهُ النَّاسُ عَدَمُ التَّفَاوُتِ، قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الطَّرِيقَيْنِ تَفَاوُتٌ؛ لِأَنَّ عِنْدَ عَدَمِ التَّفَاوُتِ لَا يَصِحُّ التَّعْيِينُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ أَمَّا إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ يَضْمَنُ لِصِحَّةِ التَّقْيِيدِ فَجَعَلَاهُ كَالطَّرِيقِ الَّذِي لَا يَسْلُكُهُ النَّاسُ، فَإِنْ قُلْت مَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا حَيْثُ إذَا سَلِمَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 17 يَجِبُ الْأَجْرُ وَبَيْنَ مَا إذَا اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِرُكُوبٍ مُعَيَّنٍ فَإِنْ رَكِبَ غَيْرُهُ وَسَلِمَتْ حَيْثُ لَا أَجْرَ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالْحَدَّادِيِّ وَالْفَتَاوَى الْعَتَّابِيَّةِ، قُلْت الْفَرْقُ أَنَّهُ هُنَا وَافَقَ مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ وُصُولُ الْمَتَاعِ إلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ وَهُنَاكَ لَمْ يَحْصُلْ الْمَقْصُودُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ رُكُوبُ الْمُعَيَّنِ وَلَمْ يَحْصُلْ وَلَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُ وَتَفَاوَتَا لَيْسَ بِقَيْدٍ احْتِرَازِيٍّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ذَهَبَ إلَى مَكَان غَيْرِ مَا عَيَّنَهُ يَضْمَنُ، وَلَوْ كَانَ أَقْرَبَ، قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً إلَى مَوْضِعِ كَذَا فَرَكِبَهَا إلَى مَكَان أَقْرَبَ مِنْهُ فَعَطِبَتْ ضَمِنَ قِيمَتَهَا. اهـ. زَادَ فِي الْمُحِيطِ فِي بَابِ الرَّاعِي وَلَوْ سَلِمَ فَلَا أَجْرَ لَهُ؛ لِأَنَّ رُبَّ طَرِيقٍ يُفْسِدُ الدَّابَّةَ السَّيْرُ فِيهَا يَوْمًا لِصُعُوبَتِهَا وَطَرِيقٍ لَا يُفْسِدُ الدَّابَّةَ السَّيْرُ فِيهَا شَهْرًا لِسُهُولَتِهَا فَاخْتَلَفَ جِنْسُ الْمَنْفَعَةِ فَاسْتُوْفِيَ جِنْسٌ آخَرُ فَلَا يَجِبُ الْأَجْرُ فَهَذِهِ رِوَايَةٌ تُخَالِفُ مَا تَقَدَّمَ وَفِي الْخُلَاصَةِ، وَلَوْ نَزَلَ وَتَهَيَّأَ لَهُ الِارْتِحَالُ فَلَمْ يَرْتَحِلْ حَتَّى أَفْسَدَ الْمَطَرُ الْمَتَاعَ يَضْمَنُ إلَّا إذَا كَانَ الْمَطَرُ عَامًّا وَفِي الْخُلَاصَةِ إذَا أَفْسَدَ الْمَطَرُ الْمَتَاعَ عَلَى ظَهْرِ الدَّابَّةِ أَوْ سُرِقَ لَا يَضْمَنُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَحَمَّلَهُ فِي الْبَحْرِ الْكُلَّ وَإِنْ بَلَغَ فَلَهُ الْأَجْرُ) يَعْنِي لَوْ عَيَّنَ عَلَيْهِ أَنْ يَحْمِلَهُ فِي الْبَرِّ فَحَمَلَهُ فِي الْبَحْرِ إنْ هَلَكَ الْقُمَاشُ ضَمِنَ وَإِنْ سَلِمَ فَلَهُ الْأَجْرُ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَلَوْ كَانَ الْبَحْرُ يَسْلُكُهُ النَّاسُ وَلِهَذَا أَطْلَقَهُ الْمُؤَلِّفُ، قَالَ الْأَتْقَانِيُّ السَّمَاعُ بَلَّغَ بِالتَّشْدِيدِ وَقَوْلُهُ الْكُلُّ عَائِدٌ إلَى الْمَسَائِلِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ كُلُّهَا مِنْ قَوْلِهِ وَبِالضَّرْبِ. اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِزَرْعِ رَطْبَةٍ وَأَذِنَ بِالْبَرِّ مَا نَقَصَ) يَعْنِي إذَا قُيِّدَ عَلَيْهِ بِأَنْ يَزْرَعَ حِنْطَةً فَزَرَعَ رَطْبَةً يَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ نُقْصَانِ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّ الرَّطْبَةَ أَكْثَرُ ضَرَرًا مِنْ الْحِنْطَةِ لِانْتِشَابِ عُرُوقِهَا فِيهَا وَكَثْرَةِ الْحَاجَةِ إلَى سَقْيِهَا فَكَانَ خِلَافًا إلَى شَرٍّ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ النُّقْصَانُ بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِلرُّكُوبِ أَوْ الْحَمْلِ فَأَرْدَفَ غَيْرَهُ أَوْ زَادَ حَيْثُ يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ الضَّمَانِ بِحِسَابِهِ؛ لِأَنَّهُ تَلِفَ بِمَا هُوَ مَأْذُونٌ فِيهِ وَبِمَا هُوَ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا أَجْرَ) يَعْنِي وَلَا يَجِبُ الْأَجْرُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا خَالَفَ صَارَ غَاصِبًا وَاسْتَوْفَى الْمَنْفَعَةَ بِالْغَصْبِ فَلَا تَجِبُ الْأُجْرَةُ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ وَالْأُجْرَةَ لَا يَجْتَمِعَانِ وَإِنْ زَرَعَ فِيهَا مَا هُوَ أَقَلُّ ضَرَرًا مِنْ الْحِنْطَةِ لَا يَجِبُ الضَّمَانُ وَتَجِبُ الْأُجْرَةُ؛ لِأَنَّهُ خِلَافٌ إلَى خَيْرٍ فَلَا يَصِيرُ بِهِ غَاصِبًا وَأَقُولُ: يَنْبَغِي أَنْ يَرْجِعَ قَوْلُهُ وَلَا أَجْرَ لِجَمِيعِ الْمَسَائِلِ الَّتِي قُيِّدَ فِيهَا وَالتَّقْيِيدُ مُقَيَّدٌ إذَا خَالَفَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِخِيَاطَةِ قَبَاءٍ وَأَمْرٍ بِقَمِيصٍ فَلَهُ قِيمَةُ ثَوْبِهِ وَلَهُ أَخْذُ الْقَبَاءِ وَدَفْعُ أُجْرَةِ مِثْلِهِ) يَعْنِي إذَا أَمَرَهُ أَنْ يَخِيطَ ثَوْبَهُ قَمِيصًا فَخَاطَهُ قَبَاءً فَرَبُّ الثَّوْبِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ ثَوْبِهِ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَهُ وَدَفَعَ لَهُ أُجْرَةَ مِثْلِهِ أَيْ مِثْلِ الْقَبَاءِ الْقَبَاءُ الْقَرْطَفُ الَّذِي يَلْبَسُهُ الْأَتْرَاكُ مَكَانَ الْقَمِيصِ وَهُوَ ذُو طَاقٍ وَاحِدٍ، قَالَ ظَهِيرُ الدِّينِ الْقَمِيصُ إذَا قُدَّ مِنْ قُبُلٍ كَانَ قَبَاءَ طَاقٍ إذَا خِيطَ جَانِبَاهُ كَانَ قَمِيصًا قُيِّدَ بِالْقَبَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ خَاطَهُ غَيْرَ قَبَاءٍ لَا يَثْبُتُ لَهُ خِيَارٌ، بَلْ يُضَمِّنُهُ الْقِيمَةَ حَتْمًا، وَقِيلَ لَهُ الْخِيَارُ فِي الْكُلِّ وَوَجْهُ مَا ذُكِرَ أَنَّهُ قَمِيصٌ مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ سَدُّهُ وَالِانْتِفَاعُ بِهِ انْتِفَاعَ الْقَمِيصِ فَصَارَ مُوَافِقًا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَهُوَ مُخَالِفٌ مِنْ حَيْثُ الْقَطْعُ فَيُخَيَّرُ كَمَا ذَكَرْنَا، وَإِذَا أَخَذَ الْقَبَاءَ يَدْفَعُ أُجْرَةَ مِثْلِهِ لَا يَتَجَاوَزُ بِهِ الْمُسَمَّى، وَلَوْ خَاطَهُ قَمِيصًا مُخَالِفًا لِمَا وَصَفَهُ لَهُ يُخَيَّرُ فَإِذَا أَخَذَهُ فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ لَا يَتَجَاوَزُ بِهِ الْمُسَمَّى، وَلَوْ خَاطَهُ سَرَاوِيلَ، وَقَدْ أَمَرَهُ بِالْقَبَاءِ يَضْمَنُ مِنْ غَيْرِ خِيَارٍ لِلتَّفَاوُتِ فِي الْمَنْفَعَةِ وَالْهَيْئَةِ، وَقِيلَ يُخَيَّرُ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِوُجُودِ الِاتِّحَادِ فِي أَصْلِ الْمَنْفَعَةِ وَهُوَ السَّتْرُ فَصَارَ كَمَا لَوْ دَفَعَ لِرَجُلٍ نُحَاسًا وَأَمَرَهُ أَنْ يَضْرِبَ لَهُ شَيْئًا مِنْ الْأَوَانِي فَضَرَبَهُ لَهُ بِخِلَافِهِ فَإِنَّهُ يُخَيَّرُ، وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة إذَا أَمَرَ إنْسَانًا أَنْ يَنْقُشَ اسْمَهُ فِي فَصِّ خَاتَمِهِ فَغَلِطَ فَنَقَشَ اسْمَ غَيْرِهِ ضَمِنَ الْخَاتَمَ وَفِي الْغِيَاثِيَّةِ وَإِنْ شَاءَ صَاحِبُ الْخَاتَمِ أَخَذَهُ وَأَعْطَاهُ مِثْلَ أَجْرِ عَمَلِهِ لَا يُزَادُ عَلَى الْمُسَمَّى، وَلَوْ دَفَعَ إلَى نَجَّارٍ بَابًا وَأَمَرَهُ أَنْ يَنْقُشَهُ كَذَا فَفَعَلَ غَيْرَ مَا أَمَرَهُ بِهِ فَلَهُ الْخِيَارُ كَمَا تَقَدَّمَ وَإِنْ وَافَقَ أَمْرَهُ إلَّا قَلِيلًا فَلَا وَإِنْ أَجَّرَهُ أَنْ يُحَمِّرَ لَهُ بَيْتًا فَخَضَّرَ فَالْمَالِكُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَعْطَاهُ مَا زَادَتْ الْخُضْرَةُ فِيهِ وَلَا أَجْرَ لَهُ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ. وَلَوْ دَفَعَ ثَوْبَهُ إلَى صَبَّاغٍ لِيَصْبُغَهُ بِزَعْفَرَانٍ فَصَبَغَهُ بِغَيْرِ مَا سَمَّى فَصَاحِبُ الثَّوْبِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ ثَوْبٍ أَبْيَضَ وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الثَّوْبَ وَأَعْطَاهُ أُجْرَةَ مِثْلِ عَمَلِهِ لَا يَتَجَاوَزُ بِهِ الْمُسَمَّى وَفِي الْغِيَاثِيَّةِ لَوْ اخْتَلَفَ فِي كَيْفِيَّةِ الصَّبْغِ قَبْلَ الْعَمَلِ مُخَالِفًا وَيُفْسَخُ الْعَقْدُ وَإِنْ بَعْدَ الْعَمَلِ فَالْقَوْلُ لِرَبِّ الثَّوْبِ، وَلَوْ دَفَعَ إلَى حَائِكٍ غَزْلًا لِيَنْسِجَهُ كَذَا فَخَالَفَ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْخِلَافُ مِنْ حَيْثُ الْقَدْرُ أَوْ مِنْ حَيْثُ الصِّفَةُ وَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ إلَى زِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ وَفِي الْفُصُولِ كُلِّهَا صَاحِبُ الثَّوْبِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ تَرَكَ الثَّوْبَ وَضَمَّنَهُ غَزْلًا وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ الثَّوْبَ وَأَعْطَاهُ أُجْرَةَ الْمِثْلِ لَا يَتَجَاوَزُ بِهِ الْمُسَمَّى وَفِي الْخُلَاصَةِ رَجُلٌ دَفَعَ إلَى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 18 خَيَّاطٍ ثَوْبًا فَقَالَ اقْطَعْهُ حَتَّى يَصِلَ الْقَدَمُ وَكُمُّهُ خَمْسَةَ أَشْبَارٍ وَعَرْضُهُ كَذَا فَجَاءَ بِهِ نَاقِصًا فَإِنْ كَانَ قَدْرَ أُصْبُعٍ وَنَحْوِهِ، فَلَيْسَ بِنُقْصَانٍ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ يَضْمَنُهُ، وَلَوْ قَالَ لِلْخَيَّاطِ اُنْظُرْ إلَى هَذَا الثَّوْبِ إنْ كَفَانِي قَمِيصًا اقْطَعْهُ وَخِطْهُ بِدِرْهَمٍ فَقَطَعَهُ، ثُمَّ قَالَ لَا يَكْفِيك يَضْمَنُ الثَّوْبَ، وَلَوْ قَالَ اُنْظُرْ يَكْفِينِي قَمِيصًا قَالَ نَعَمْ قَالَ اقْطَعْهُ فَقَطَعَهُ، ثُمَّ قَالَ لَا يَكْفِيك لَا يَضْمَنُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ] (بَابُ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الْإِجَارَةِ الصَّحِيحَةِ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْفَاسِدَةِ وَفِي بَيَانِ مَا يَكُونُ مُفْسِدًا وَلَا يَخْفَى أَنَّ ذِكْرَ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ بَعْدَ صَحِيحِهَا لَا يَحْتَاجُ إلَى مَعْذِرَةٍ فَهِيَ فِي مَحَلِّهَا كَمَا لَا يَخْفَى وَعَبَّرَ بِالْفَاسِدِ دُونَ الْبَاطِلِ لِكَثْرَةِ فُرُوعِهِ وَذَكَرَ خِلَافَ مَا تَرْجَمَ لَهُ فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ: الْفَاسِدَةُ الْعَقْدُ الْمُشْتَمِلُ عَلَى مَنْفَعَةٍ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ أَوْ جَهَالَةٍ؛ لِأَنَّ الْفَقِيهَ نَظِيرٌ لِلْأَحْكَامِ وَالْفَاسِدُ مَا كَانَ مَشْرُوعًا بِأَصْلِهِ دُونَ وَصْفِهِ وَبَيْنَ الْفَاسِدِ وَالْبَاطِلِ فَرْقٌ هَا هُنَا فَالْبَاطِلُ مَا لَيْسَ مَشْرُوعًا أَصْلًا وَحُكْمُهُ أَنْ لَا يَجِبَ فِيهِ بِالِاسْتِعْمَالِ أَجْرٌ بِخِلَافِ الْفَاسِدِ فَإِنَّهُ يَجِبُ فِيهِ بِالِاسْتِعْمَالِ الْأَجْرُ، كَذَا فِي الْحَقَائِقِ وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ بَيْنَ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَالْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ فَرْقٌ فَإِنَّ الْفَاسِدَ مِنْ الْبَيْعِ يُمْلَكُ بِالْقَبْضِ وَالْفَاسِدُ مِنْ الْإِجَارَةِ لَا يُمْلَكُ بِالْقَبْضِ حَتَّى إذَا قَبَضَهَا الْمُسْتَأْجِرُ لَا يَمْلِكُهَا، وَلَوْ أَجَّرَهَا يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ وَلَا يَكُونُ غَاصِبًا وَلَيْسَ لِلْأَوَّلِ أَنْ يَنْقُضَ هَذَا الْعَقْدَ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (يُفْسِدُ الْإِجَارَةُ الشَّرْطُ) قَالَ فِي الْمُحِيطِ كُلُّ جَهَالَةٍ تُفْسِدُ الْبَيْعَ تُفْسِدُ الْإِجَارَةَ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ الْمُتَمَكِّنَةَ فِي الْبَدَلِ أَوْ الْمُبْدَلِ تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ، وَكُلُّ شَرْطٍ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ يُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ فَيُفْسِدُ الْإِجَارَةَ، وَفِي الْغِيَاثِيَّةِ الْفَسَادُ قَدْ يَكُونُ لِجَهَالَةِ قَدْرِ الْعَمَلِ بِأَنْ لَا يُعَيِّنَ مَحَلَّ الْعَمَلِ، وَقَدْ يَكُونُ لِجَهَالَةِ قَدْرِ الْمَنْفَعَةِ بِأَنْ لَا يُبَيِّنَ الْمُدَّةَ، وَقَدْ يَكُونُ لِجَهَالَةِ الْبَدَلِ أَوْ الْمُبْدَلِ، وَقَدْ يَكُونُ لِشَرْطٍ فَاسِدٍ مُخَالِفٍ لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ، فَالْفَاسِدُ يَجِبُ فِيهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لَا يُزَادُ عَلَى الْمُسَمَّى إنْ سَمَّى وَإِلَّا فَأَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ وَفِي الْبَاطِلِ لَا تَجِبُ الْأُجْرَةُ وَالْعَيْنُ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ سَوَاءٌ كَانَتْ صَحِيحَةً أَوْ فَاسِدَةً أَوْ بَاطِلَةً. اهـ. قَالَ الشَّارِحُ؛ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ أَلَا تَرَى أَنَّهَا تُقَالُ وَتُفْسَخُ فَتَفْسُدُ بِالشُّرُوطِ وَفِي الْخُلَاصَةِ رَجُلٌ اسْتَأْجَرَ دَارًا شَهْرًا بِعَشَرَةٍ عَلَى أَنَّهُ إنْ سَكَنَ فِيهَا يَوْمًا فَبِعَشَرَةٍ فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ، وَكَذَا لَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً إلَى بَغْدَادَ عَلَى أَنَّهُ إنْ حَمَلَ كَذَا فَبِأُجْرَةِ كَذَا وَإِنْ حَمَلَ كَذَا فَبِأُجْرَةِ كَذَا، وَكَذَا لَوْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا عَلَى أَنَّهُ إنْ زَرَعَ كَذَا فَبِأُجْرَةِ كَذَا. اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ اسْتَأْجَرَ دَارًا بِكَذَا عَلَى أَنْ يُعَمِّرَهَا فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ هُوَ الَّذِي لَا يُلَائِمُ الْعَقْدَ كَمَا مَرَّ فِي الْبَيْعِ أَمَّا الشَّرْطُ الْمُلَائِمُ فَإِنَّهُ لَا يُفْسِدُ الْعَقْدَ وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ الْإِجَارَةَ الْوَاقِعَةَ فِي مِصْرَ فِي الْوَقْفِ فِي زَمَانِنَا عَلَى أَنَّ الْمَغَارِمَ وَكُلْفَةَ الْكَاشِفِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ فَاسِدَةٌ كَمَا لَا يَخْفَى. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ لَا يَتَجَاوَزُ بِهِ الْمُسَمَّى) لَا يَخْفَى أَنَّ الْعَقْدَ الْفَاسِدَ فِي الْإِجَارَةِ لَهُ حُكْمَانِ وُجُوبُ الدَّفْعِ وَالضَّمَانِ إذَا انْتَفَعَ وَوُجُوبُ الدَّفْعِ مُقَدَّمٌ عَلَى وُجُوبِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُقَدِّمَ الْحُكْمَ الْمُتَقَدِّمَ عَلَى الْمُتَأَخِّرِ، وَلَكِنْ اهْتَمَّ بِالضَّمَانِ فَقَدَّمَهُ وَتَرَكَ قَيْدًا وَهُوَ أَنْ يَقُولَ فَإِنْ انْتَفَعَ فَلَهُ الْأَجْرُ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ لَا يَتَجَاوَزُ بِهِ الْمُسَمَّى إلَى أَنَّ الْفَسَادَ لَيْسَ لِجَهَالَةِ الْمُسَمَّى أَوْ لِعَدَمِ التَّسْمِيَةِ فَلَوْ كَانَ الْفَسَادُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ، وَكَذَا إذَا كَانَ بَعْضُهُ مَعْلُومًا وَبَعْضُهُ مَجْهُولًا مِثْلُ أَنْ يُسَمِّيَ دَابَّةً أَوْ ثَوْبًا أَوْ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ الْمَاتِنِ وَالشَّارِحِ أَنَّ الْفَسَادَ إذَا كَانَ لِغَيْرِ جَهَالَةِ الْمُبْدَلِ لَا يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ، بَلْ لَا يُزَادُ عَلَى الْمُسَمَّى وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْبَدَلُ مَعْلُومًا وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ، كَذَا فِي قَاضِي خان وَغَيْرِهِ قَالُوا لَوْ اسْتَأْجَرَ حَمَّامًا أَوْ غَيْرَهُ بِمَالٍ مَعْلُومٍ بِشَرْطِ أَنْ يَرُمَّهُ، وَكَذَا إذَا اسْتَأْجَرَ دَارًا بِشَرْطِ أَنْ لَا يَسْكُنَهَا فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ وَيَجِبُ عَلَيْهِ إنْ سَكَنَهَا أُجْرَةُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ، وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ فِي الْكُلِّ إذَا كَانَ الْفَسَادُ لِجَهَالَةِ الْبَدَلِ أَوْ لِعَدَمِ التَّسْمِيَةِ وَلَنَا أَنَّ الْمَنَافِعَ غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ بِنَفْسِهَا؛ لِأَنَّ التَّقَوُّمَ يَسْتَدْعِي سَابِقَةَ الْإِحْرَازِ وَمَا لَا بَقَاءَ لَهُ لَا يُمْكِنُ إحْرَازُهُ فَلَا يَتَقَوَّمُ وَإِنَّمَا يَتَقَوَّمُ بِالْعَقْدِ الشَّرْعِيِّ لِلضَّرُورَةِ فَإِذَا فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ وَجَبَ أَنْ لَا تَجِبَ الْأُجْرَةُ لِعَدَمِ الْعَقْدِ الشَّرْعِيِّ إلَّا أَنَّ الْفَاسِدَ مِنْ كُلِّ عَقْدٍ مُلْحَقٌ بِصَحِيحِهِ لِكَوْنِهِ تَبَعًا لَهُ ضَرُورَةً فَيَكُونُ لَهُ قِيمَةٌ فِي قَدْرِ مَا وُجِدَ فِيهِ شُبْهَةُ الْعَقْدِ وَهُوَ قَدْرُ الْمُسَمَّى فَيَجِبُ فِيهِ الْمُسَمَّى بَالِغًا مَا بَلَغَ وَفِيمَا زَادَ عَلَى الْمُسَمَّى لَمْ يُوجَدْ فِيهِ عَقْدٌ وَلَا شُبْهَةُ عَقْدٍ فَلَا يَتَقَوَّمُ وَيَبْقَى عَلَى الْأَصْلِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 19 (قَوْلُهُ وَلَهُ أَجْرُ الظَّاهِرِ مِنْ قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ وَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ أَنَّهُ هُوَ الْوَاجِبُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَالَ جُمْهُورُ الشَّارِحِينَ الْوَاجِبُ فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ الْأَقَلُّ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ وَمِنْ الْمُسَمَّى وَهُوَ فِي الذَّخِيرَةِ وَفَتَاوَى قَاضِي خان. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ أَجَّرَ دَارًا كُلَّ شَهْرٍ بِدِرْهَمٍ صَحَّ فِي شَهْرٍ وَاحِدٍ إلَّا أَنْ يُسَمِّيَ الْكُلَّ) ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ كُلَّ إذَا دَخَلَتْ عَلَى مَجْهُولٍ وَأَفْرَادُهُ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ انْصَرَفَ إلَى الْوَاحِدِ لِكَوْنِهِ مَعْلُومًا وَفَسَدَ فِي الْبَاقِي لِلْجَهَالَةِ كَمَا إذَا بَاعَ صُبْرَةً مِنْ طَعَامٍ كُلَّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ فِي قَفِيزٍ وَاحِدٍ، وَهَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ وَمَهْمَا وَافَقَاهُ فِي الشُّهُورِ وَأَجَازَ اهـ. الْعَقْدُ فِي الْكُلِّ فِي الصُّبْرَةِ وَالْفَرْقُ لَهُمَا أَنَّ الشُّهُورَ لَا نِهَايَةَ لَهَا وَالصُّبْرَةُ مُتَنَاهِيَةٌ فَتَرْتَفِعُ الْجَهَالَةُ بِالْكَيْلِ، وَإِذَا تَمَّ الشَّهْرُ الْأَوَّلُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَقْضُ الْإِجَارَةِ بِشَرْطِ حُضُورِ الْآخَرِ وَإِنْ كَانَ غَائِبًا لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ، وَقِيلَ يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ قَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ لَوْ كَانَ فَاسِدًا فِيمَا بَقِيَ مِنْ الشُّهُورِ لَجَازَ الْفَسْخُ فِي الْحَالِ قَالَ قُلْت الْإِجَارَةُ مِنْ الْعُقُودِ الْمُضَافَةِ وَانْعِقَادُ الْإِجَارَةِ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ فَقِيلَ الِانْعِقَادُ كَيْفَ تَفَسَّخَ اهـ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ أَنْتُمْ قَرَّرْتُمْ فِي الْإِجَارَةِ الصَّحِيحَةِ أَنَّهَا تَنْعَقِدُ سَاعَةً فَسَاعَةً وَجَازَ الْفَسْخُ فِيهَا بِقَدْرِ مَا بَقِيَ مِنْ الْمُسْتَقْبَلِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هُنَا كَذَلِكَ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي كَيْفِيَّةِ الْفَسْخِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي رَأْسِ الشَّهْرِ؛ لِأَنَّ رَأْسَ الشَّهْرِ فِي الْحَقِيقَةِ عِبَارَةٌ عَنْ السَّاعَةِ الَّتِي يُهِلُّ فِيهَا الْهِلَالُ وَلَا يُمْكِنُ الْفَسْخُ بَعْدَ ذَلِكَ لِمُضِيِّ وَقْتِ الْخِيَارِ، وَالصَّحِيحُ فِي هَذَا أَحَدُ الطُّرُقِ الثَّلَاثِ أَنْ يَقُولَ الَّذِي يُرِيدُ الْفَسْخَ قَبْلَ مُضِيِّ الْوَقْتِ فُسِخَتْ الْإِجَارَةُ فَيَتَوَقَّفُ هَذَا الْفَسْخُ إلَى انْقِضَاءِ الشَّهْرِ فَإِذَا انْقَضَى الشَّهْرُ وَأَهَلَّ الْهِلَالُ عَمِلَ الْفَسْخُ حِينَئِذٍ عَمَلَهُ وَنَفَذَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِدُ نَفَادًا فِي وَقْتِهِ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ إذَا لَمْ يَجِدْ نَفَاذًا يَتَوَقَّفُ إلَى وَقْتِهِ وَبِهِ كَانَ يَقُولُ أَبُو النَّصْرِ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَّامٍ أَوْ يَقُولُ الَّذِي يُرِيدُ الْفَسْخَ فِي هِلَالِ الشَّهْرِ فَسَخْت الْعَقْدَ رَأْسَ الشَّهْرِ فَيَنْفَسِخُ الْعَقْدُ إذَا هَلَّ الشَّهْرُ أَوْ يَفْسَخُ الَّذِي يُرِيدُ الْفَسْخَ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي يُهِلُّ الْهِلَالَ فِي يَوْمِهَا، كَذَا فِي النِّهَايَةِ مُخْتَصَرًا وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْخِيَارَ فِي اللَّيْلَةِ الْأُولَى وَيَوْمِهَا وَبِهِ يُفْتَى؛ لِأَنَّ فِي اعْتِبَارِ السَّاعَاتِ حَرَجًا بَيِّنًا وَالْمَقْصُودُ هُوَ الْفَسْخُ فِي رَأْسِ الشَّهْرِ وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ اللَّيْلَةِ الْأُولَى وَيَوْمِهَا؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا قَالَ لَوْ حَلَفَ لِيَقْضِيَ فُلَانًا دَيْنَهُ فِي رَأْسِ الشَّهْرِ فَقَضَاهُ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي يُهِلُّ فِيهَا الْهِلَالُ وَيَوْمِهَا لَمْ يَحْنَثْ اسْتِحْسَانًا، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ صَحَّ فِي شَهْرٍ وَاحِدٍ الْفَسَادُ فِي الْبَاقِي كَمَا تَقَدَّمَ قَالَ فِي الْمُحِيطِ: وَهَذَا قَوْلُ بَعْضِهِمْ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْإِجَارَةَ كُلَّ شَهْرٍ جَائِزَةٌ وَإِطْلَاقُ مُحَمَّدٍ يَدُلُّ عَلَى هَذَا فَيَجُوزُ الْعَقْدُ فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي وَالثَّالِثِ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ خِيَارُ الْفَسْخِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي مُضَافَةٌ إلَى وَقْتٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ فَسْخُ الْإِجَارَةِ الْمُضَافَةِ إلَى وَقْتٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَقَوْلُهُ دَارًا مِثَالٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اسْتَأْجَرَ ثَوْرًا لِيَطْحَنَ عَلَيْهِ كُلَّ يَوْمٍ بِدِرْهَمٍ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكُلُّ شَهْرٍ سَكَنَ سَاعَةً مِنْهُ صَحَّ فِيهِ) ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَعْلُومًا فَتَمَّ الْعَقْدُ فِيهِ بِتَرَاضِيهِمَا وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ وَهُوَ الْقِيَاسُ وَعَلَى مَا فِي الْأَصْلِ إذَا سَكَنَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ صَحَّ وَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا الْفَسْخُ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَلَى مَا قَدَّمْنَا، وَلَوْ قَدَّمَ أُجْرَةَ شَهْرٍ أَوْ أَكْثَرَ وَقَبَضَ الْمُعَجَّلَ يَوْمًا لَا يَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْفَسْخُ فِيمَا عُجِّلَ؛ لِأَنَّ بِالتَّقْدِيمِ زَالَتْ الْجَهَالَةُ فِي ذَلِكَ الْقَدْرِ فَصَارَ كَالْمُسَمَّى فِي الْعَقْدِ قَالَ فِي الْمُحِيطِ الْإِجَارَةُ الطَّوِيلَةُ الَّتِي تُفْعَلُ بِبُخَارَى صُورَتُهَا أَنَّهُمْ يُؤَجِّرُونَ الدَّارَ وَالْأَرْضَ سِنِينَ مُدَّةً مَعْلُومَةً مُتَوَالِيَةً غَيْرَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي آخِرِ كُلِّ سَنَةٍ عَلَى أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ آخِرِ كُلِّ سَنَةٍ وَيَجْعَلُونَ لِكُلِّ سَنَةٍ أُجْرَةً قَلِيلَةً وَيَجْعَلُونَ بَقِيَّةَ الْأُجْرَةِ لِلسَّنَةِ الْأَخِيرَةِ، الصَّحِيحُ أَنَّ هَذَا الْعَقْدَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ فِي الْإِجَارَةِ، بَلْ اسْتِثْنَاءُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا سَنَةً صَحَّ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ أُجْرَةً كُلَّ شَهْرٍ) يَعْنِي إذَا بَيَّنَ الْأُجْرَةَ جُمْلَةً جَازَ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ صَارَتْ مَعْلُومَةً بِبَيَانِ الْمُدَّةِ، وَالْأُجْرَةُ مَعْلُومَةٌ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ الْقِسْطَ كُلَّ شَهْرٍ فَإِذَا صَحَّ وَجَبَ أَنْ يَقْسِمَ الْأُجْرَةَ عَلَى الشُّهُورِ عَلَى السَّوَاءِ وَلَا يُعْتَبَرُ تَفَاوُتُ الْأَسْعَارِ بِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ وَلَمَّا كَانَتْ السَّنَةُ مُنَكَّرَةً أَفَادَ أَنَّ هَذَا الْمُنَكَّرَ يَتَعَيَّنُ بِقَرِينَةِ الْحَالِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ وَقْتُ الْعَقْدِ) يَعْنِي ابْتِدَاءَ أَوَّلِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ الْوَقْتُ الَّذِي يَلِي الْعَقْدَ؛ لِأَنَّ فِي مِثْلِهِ يَتَعَيَّنُ الزَّمَانُ الَّذِي يَلِي الْعَقْدَ كَالْأَجَلِ وَالْيَمِينِ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا شَهْرًا؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَتَعَيَّنْ عَقِيبَ الْعَقْدِ لَصَارَتْ مَجْهُولَةً وَبِهِ تَبْطُلُ الْإِجَارَةُ وَالظَّاهِرُ مِنْ حَالِهِمَا أَنَّهُمَا يَعْقِدَانِ الْعَقْدَ الصَّحِيحَ فَتَعَيَّنَ عَقِيبَ الْعَقْدِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ حَيْثُ لَا يَتَعَيَّنُ ابْتِدَاؤُهُ عَقِيبَ الْيَمِينِ وَلَا عَقِيبَ النَّذْرِ؛ لِأَنَّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 20 الْأَوْقَاتِ فِي حَقِّهِ لَيْسَتْ سَوَاءً فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي اللَّيْلِ وَلَا يَصِيرُ شَارِعًا فِيهِ إلَّا بِالْعَزِيمَةِ فَلَا يَتَعَيَّنُ عَقِيبَ التَّسَبُّبِ هَذَا إذَا كَانَ الْعَقْدُ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ الْمُدَّةِ وَإِنْ بَيَّنَ مُدَّةً تَعَيَّنَ ذَلِكَ وَهُوَ ظَاهِرٌ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ كَانَ حِينَ يُهَلُّ يُعْتَبَرُ بِالْأَهِلَّةِ وَإِلَّا فَالْأَيَّامِ) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الْهَاءِ عَلَى صِيغَةِ الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَيْ يُبْصَرُ الْهِلَالُ، وَقَالَ أَرَادَ بِهِ الْيَوْمَ الْأَوَّلَ اهـ. قَالَ ابْنُ قَاضِي زَادَهْ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ الْيَوْمُ الْأَوَّلُ تَفْسِيرُ مَعْنَى حِينَ يُهَلُّ إذْ قَدْ عُلِمَ مَعْنَاهُ مِنْ التَّفْسِيرِ السَّابِقِ قَطْعًا، بَلْ مُرَادُهُ بِذَلِكَ بَيَانُ أَثَرِ قَوْلِهِ حِينَ يُهَلُّ وَلَيْسَ الْمُرَادُ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيَّ، بَلْ الْمُرَادُ مَعْنَاهُ الْعُرْفِيُّ وَهُوَ الْيَوْمُ الْأَوَّلُ مِنْ الشَّهْرِ اهـ. يَعْنِي إذَا وَقَعَ عَقْدُ الْإِجَارَةِ فِي لَيْلَةِ الْهِلَالِ أَوْ فِي يَوْمِهَا تُعْتَبَرُ الْمُدَّةُ بِالْأَهِلَّةِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَمَا مَضَى شَيْءٌ مِنْ الشَّهْرِ يُعْتَبَرُ بِالْأَيَّامِ وَهُوَ أَنْ يُعْتَبَرَ كُلُّ شَهْرٍ ثَلَاثُونَ يَوْمًا، وَهَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الثَّانِي، وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُعْتَبَرُ الْأَوَّلُ بِالْأَيَّامِ وَيُكَمَّلُ مِنْ الْأَخِيرِ وَيَبْقَى غَيْرُهُ عَلَى الْأَصْلِ وَلِلْإِمَامِ أَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ اعْتِبَارُ الشَّهْرِ الْأَوَّلِ بِالْأَهِلَّةِ فَكَذَا الْبَقِيَّةُ. اهـ. [أَخْذُ أُجْرَةِ الْحَمَّامِ] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَحَّ أَخْذُ أُجْرَةِ الْحَمَّامِ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا رَآهُ الْمُؤْمِنُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ» قَالَ الْأَكْمَلُ وَإِنَّمَا ذَكَرَ هَذِهِ فِي الْفَاسِدَةِ مَعَ أَنَّهَا جَائِزَةٌ؛ لِأَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ خَالَفَ فِي ذَلِكَ قَالَ الشَّارِحُ وَبَعْضُ الْعُلَمَاءِ كَرِهَ الْحَمَّامَ لِمَا رُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَنَّهُ سَمَّاهُ شَرَّ بَيْتٍ» ، وَقَالَ عُثْمَانُ إنَّهُ بَيْتُ الشَّيْطَانِ وَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ كَرِهَهُ لِلنِّسَاءِ لَا لِلرِّجَالِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالْحَمَّامَاتِ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَفِي الْخُلَاصَةِ اسْتَأْجَرَ حَمَّامًا فِي قَرْيَةٍ فَوَقَعَ الْجَلَاءُ فِي الْقَرْيَةِ وَنَفَرَ النَّاسُ سَقَطَتْ الْأُجْرَةُ أَوْ نَفَرَ بَعْضُ النَّاسِ لَا تَسْقُطُ وَفِي الْمُحِيطِ إذَا كَانَ حَمَّامٌ لِلرِّجَالِ وَحَمَّامٌ لِلنِّسَاءِ فَأَجَّرَهُمَا جَمِيعًا وَسَمَّى حَمَّامًا جَازَ اسْتِحْسَانًا إذَا كَانَ بَابُ الْحَمَّامَيْنِ وَاحِدًا وَإِنْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ بَابٌ عَلَى حِدَةٍ لَا يَجُوزُ الْعَقْدُ. اهـ. وَفِي الْخُلَاصَةِ اسْتَأْجَرَ حَمَّامًا بِبَدَلٍ عَلَى أَنَّ عَلَيْهِ الْأُجْرَةَ حَالَ جَرَيَانِ الْمَاءِ وَانْقِطَاعِهِ فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ وَفِي الْخَانِيَّةِ شَيْلُ الرَّمَادِ وَالسِّرْقِينِ وَتَفْرِيغُ مَوْضِعِ الْبَالُوعَةِ وَغَيْرِهَا عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ فَإِنْ شَرَطَ عَلَى الْمُؤَجِّرِ فَسَدَتْ. اهـ. وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ: وَلَوْ امْتَلَأَ مَسِيلُ مَاءِ الْحَمَّامِ فَعَلَى الْمُسْتَأْجِرِ تَفْرِيعُهُ، وَلَوْ امْتَلَأَتْ الْبَالُوعَةُ فَعَلَى الْآجِرِ تَفْرِيغُهَا وَالْفَرْقُ أَنَّ تَفْرِيغَ مَسِيلِ الْمَاءِ يُمْكِنُ مِنْ غَيْرِ نَقْضِ الْبِنَاءِ. وَأَمَّا الْبَالُوعَةُ فَلَا يُمْكِنُ تَفْرِيغُهَا بِنَفْسِهِ إلَّا بِنَقْضِ شَيْءٍ مِنْ الْبِنَاءِ وَلَا يَمْلِكُ الْمُسْتَأْجِرُ نَقْضَ شَيْءٍ مِنْ الْبِنَاءِ وَإِنَّمَا يَمْلِكُهُ رَبُّ الْأَرْضِ فَجُعِلَ تَفْرِيغُهُ عَلَيْهِ وَفِيهِ أَيْضًا اسْتَأْجَرَ حَمَّامَيْنِ سَنَةً فَانْهَدَمَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَهُ تَرْكُ الْبَاقِي؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ تَفَرَّقَتْ عَلَيْهِ قَبْلَ التَّمَامِ بِخِلَافِ مَا لَوْ اسْتَأْجَرَ حَمَّامًا سَنَةً فَلَمْ يُسَلِّمْهُ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ حَتَّى مَضَى شَهْرَانِ وَلَمْ يَنْتَفِعْ وَامْتَنَعَ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ الْقَبْضِ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى الْقَبْضِ وَلَا يُخَيَّرُ؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ هُنَا تَفَرَّقَتْ فِي حَقِّ الْمَنَافِعِ فَلَا يُوجِبُ ثُبُوتَ الْخِيَارِ وَهُنَاكَ فِي الْقَبْضِ، وَإِذَا انْهَدَمَ الْحَمَّامُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَهُ الْخِيَارُ، وَلَوْ انْهَدَمَ أَحَدُ الْحَمَّامَيْنِ بَعْدَ الْقَبْضِ فَالْبَاقِي لَازِمٌ بِحِصَّتِهِ؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ تَفَرَّقَتْ بَعْدَ التَّمَامِ اسْتَأْجَرَ حَمَّامًا وَعَبْدًا لِيُقَوَّمَ عَلَيْهِ فَانْهَدَمَ الْحَمَّامُ بَعْدَ قَبْضِهِمَا فَلَهُ تَرْكُ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ عَجَزَ عَنْ اسْتِعْمَالِ الْعَبْدِ فِيمَا اسْتَأْجَرَهُ لَهُ وَإِنْ هَلَكَ الْعَبْدُ، فَلَيْسَ لَهُ تَرْكُ الْحَمَّامِ؛ لِأَنَّ هَلَاكَ الْعَبْدِ لَا يُوجِبُ خَلَلًا فِي مَنْفَعَةِ الْحَمَّامِ اسْتَأْجَرَ الْحَمَّامَ وَدَخَلَ بِنَوْرَةٍ أَوْ أَخَذَهُ مِنْ رَبِّ الْحَمَّامِ يَجُوزُ اسْتِحْسَانًا اسْتَأْجَرَ حَمَّامًا بِغَيْرِ قِدْرٍ وَاسْتَأْجَرَ الْقِدْرَ مِنْ آخَرَ فَانْكَسَرَ الْقِدْرُ بَعْدَ شَهْرٍ فَأُجْرَةُ الْحَمَّامِ لَازِمَةٌ دُونَ أُجْرَةِ الْقِدْرِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ قِدْرًا غَيْرَهُ وَيَسْتَعْمِلَهُ فِي الْحَمَّامِ اسْتَأْجَرَ حَمَّامًا شَهْرًا فَعَمِلَ فِيهِ مِنْ الشَّهْرِ الثَّانِي فَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي وَرُوِيَ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ عَلَيْهِ أُجْرَةَ الشَّهْرِ الثَّانِي لِلْعُرْفِ. [أَخْذُ أُجْرَةِ الْحَجَّامِ] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْحَجَّامِ) أَيْ جَازَ أَخْذُ أُجْرَةِ الْحَجَّامِ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «احْتَجَمَ وَأَعْطَى أُجْرَتَهُ» وَبِهِ جَرَى التَّعَارُفُ بَيْنَ النَّاسِ مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى يَوْمِنَا هَذَا فَانْعَقَدَ إجْمَاعًا، وَقَالَتْ الظَّاهِرِيَّةُ لَا يَجُوزُ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نَهَى عَنْ عَسْبِ التَّيْسِ وَكَسْبِ الْحَجَّامِ وَقَفِيزِ الطَّحَّانِ» ، قُلْنَا هَذَا الْحَدِيثُ مَنْسُوخٌ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَالَ لَهُ رَجُلٌ إنَّ لِي عِيَالًا وَغُلَامًا حَجَّامًا أَفَأُطْعِمُ عِيَالِي مِنْ كَسْبِهِ، قَالَ نَعَمْ» وَإِنَّمَا فَسَّرْنَا الصِّحَّةَ بِالْجَوَازِ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ هُنَا وَفِيمَا بَعْدَهُ لِعَدَمِ جَرَيَانِ عَقْدٍ فِيهِ، قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا أُجْرَةِ عَسْبِ التَّيْسِ) يَعْنِي لَا يَجُوزُ أَخْذُ أُجْرَةِ عَسْبِ التَّيْسِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ مِنْ السُّحْتِ عَسْبَ التَّيْسِ وَمَهْرَ الْبَغِيِّ» ؛ وَلِأَنَّهُ عَمَلٌ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَهُوَ الْإِحْبَالُ فَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ وَلَا أَخْذُ الْمَالِ بِمُقَابَلَةِ الْمَاءِ وَهُوَ نَجِسٌ لَا قِيمَةَ لَهُ فَلَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 21 يَجُوزُ وَالْمُرَادُ هُنَا اسْتِئْجَارُ التَّيْسِ لِيَنْزُوَ عَلَى الْغَنَمِ وَيُحْبِلَهَا بِأَجْرٍ أَمَّا لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَجْرٍ لَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّ بِهِ يَبْقَى النَّسْلُ، وَفِي الْمُحِيطِ وَمَهْرُ الْبَغِيِّ فِي الْحَدِيثِ هُوَ أَنْ يُؤَاجِرَ أَمَتَهُ عَلَى الزِّنَا وَمَا أَخَذَهُ مِنْ الْمَهْرِ فَهُوَ حَرَامٌ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ الْإِمَامِ إنْ أَخَذَهُ بِغَيْرِ عَقْدٍ بِأَنْ زَنَى بِأَمَتِهِ، ثُمَّ أَعْطَاهَا شَيْئًا فَهُوَ حَرَامٌ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا لِيَزْنِيَ بِهَا، ثُمَّ أَعْطَاهَا مَهْرَهَا أَوْ مَا شَرَطَ لَهَا لَا بَأْسَ بِأَخْذِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي إجَارَةٍ فَاسِدَةٍ فَيَطِيبُ لَهُ وَإِنْ كَانَ السَّبَبُ حَرَامًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْأَذَانُ وَالْحَجُّ وَالْإِمَامَةُ وَتَعْلِيمُ الْقُرْآنِ وَالْفِقْهِ) يَعْنِي لَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، وَقَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ اسْتِئْجَارٌ عَلَى عَمَلٍ غَيْرِ مُتَعَيَّنٍ عَلَيْهِ وَكَوْنُهُ عِبَارَةً لَا يُنَافِي ذَلِكَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى بِنَاءِ الْمَسْجِدِ وَأَدَاءِ الزَّكَاةِ وَكِتَابَةِ الْمُصْحَفِ وَالْفِقْهِ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اقْرَءُوا الْقُرْآنَ وَلَا تَأْكُلُوا بِهِ» ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعُثْمَانَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ «لَا تَأْخُذْ عَلَى الْأَذَانِ أَجْرًا» ؛ وَلِأَنَّ الْقُرْبَةَ تَقَعُ لِلْعَامِلِ فَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأَجْرِ عَلَى عَمَلٍ وَقَعَ لَهُ كَمَا فِي الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ؛ وَلِأَنَّ التَّعْلِيمَ مِمَّا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ الْمُعَلِّمُ إلَّا بِمَعْنًى مِنْ جِهَةِ الْمُتَعَلِّمِ فَيَكُونُ مُلْتَزِمًا مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ فَلَا يَجُوزُ بِخِلَافِ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ وَأَدَاءِ الزَّكَاةِ وَكِتَابَةِ الْمُصْحَفِ وَالْفِقْهِ فَإِنَّهُ يَقْدِرُ عَلَيْهَا الْأَجِيرُ، وَكَذَا الْأَجِيرُ يَكُونُ لِلْآمِرِ لِوُقُوعِ الْفِعْلِ عَنْهُ نِيَابَةً وَلِهَذَا لَا تُشْتَرَطُ أَهْلِيَّةُ الْمَأْمُورِ فِيهِمَا، بَلْ أَهْلِيَّةُ الْآمِرِ حَتَّى جَازَ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الْكَافِرَ فِيهِمَا وَلَا يَجُوزُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ كَذَا قَالُوا وَيُنْتَقَضُ هَذَا بِمَا ذَكَرُوا فِي بَابِ الْحَجِّ عَنْ الْغَيْرِ أَنَّ الْحَجَّ يَقَعُ عَنْ الْآمِرِ وَأَنَّ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَجْعَلَ ثَوَابَ عَمَلِهِ لِغَيْرِهِ قُيِّدَ بِأَفْعَالِ الطَّاعَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِيُعَلِّمَ وَلَدَهُ الْكِتَابَةَ أَوْ النَّحْوَ أَوْ الطِّبَّ أَوْ التَّعْبِيرَ يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَفِي الْكُبْرَى تَعْلِيمُ الْفَرَائِضِ وَالْحِسَابِ وَالْوَصَايَا بِأَجْرٍ يَجُوزُ وَفِي الذَّخِيرَةِ لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِيُعَلِّمَ وَلَدَهُ الشِّعْرَ وَالْأَدَبَ إذَا بَيَّنَ لَهُ مُدَّةً جَازَ وَيَسْتَحِقُّ الْمُسَمَّى إذَا سَلَّمَ نَفْسَهُ تَعَلَّمَ أَوْ لَمْ يَتَعَلَّمْ، وَإِذَا لَمْ يَذْكُرْ لَهُ مُدَّةً فَالْعَقْدُ فَاسِدٌ وَيَسْتَحِقُّ أُجْرَةَ الْمِثْلِ إذَا تَعَلَّمَ. اهـ. وَفِيهَا أَيْضًا وَيَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى تَعْلِيمِ الصَّنْعَةِ وَالتِّجَارَةِ وَالْهَدْمِ وَالْبِنَاءِ وَالْحَفْرِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ فَإِذَا أَجَّرَهُ عَبْدُهُ لِيُعَلِّمَهُ كَذَا عَلَى إعْطَاءِ الْمَوْلَى شَيْئًا مُعَيَّنًا فَهُوَ جَائِزٌ وَإِنْ شَرَطَ الْمُعَلِّمُ عَلَى الْمَوْلَى أَنْ يُعْطِيَهُ فِي كُلِّ شَهْرٍ كَذَا وَيَقُومُ عَلَى غُلَامِهِ فِي تَعْلِيمِ كَذَا فَهُوَ جَائِزٌ، وَإِذَا لَمْ يَشْتَرِطْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَيْئًا، فَلَمَّا فَرَغَ وَتَعَلَّمَ قَالَ الْمُعَلِّمُ لِي الْأُجْرَةُ عَلَى رَبِّ الْعَبْدِ كَذَا، وَقَالَ سَيِّدُ الْعَبْدِ لِي الْأُجْرَةُ عَلَى الْمُعَلِّمِ يُنْظَرُ فِي ذَلِكَ إلَى عُرْفِ تِلْكَ الْبَلْدَةِ فَإِنْ كَانَ سَيِّدُ الْعَبْد هُوَ الَّذِي يُعْطِي فَالْأُجْرَةُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ الْمُعَلِّمُ هُوَ الَّذِي يُعْطِي فَالْأُجْرَةُ عَلَى الْمُعَلِّمِ. اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْفَتْوَى الْيَوْمَ عَلَى جَوَازِ الِاسْتِئْجَارِ لِتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ) ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ مَشَايِخِ بَلْخٍ اسْتَحْسَنُوا ذَلِكَ وَقَالُوا بَنَى أَصْحَابُنَا الْمُتَقَدِّمُونَ الْجَوَابَ عَلَى مَا شَاهَدُوا مِنْ قِلَّةِ الْحُفَّاظِ وَرَغْبَةِ النَّاسِ فِيهِمْ؛ وَلِأَنَّ الْحُفَّاظَ وَالْمُعَلِّمِينَ كَانَ لَهُمْ عَطَايَا فِي بَيْتِ الْمَالِ وَافْتِقَادَاتٍ مِنْ الْمُتَعَلِّمِينَ فِي مَجَازَاتِ التَّعْلِيمِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ، وَهَذَا الزَّمَانُ قَلَّ ذَلِكَ وَاشْتَغَلَ الْحُفَّاظُ بِمَعَائِشِهِمْ فَلَوْ لَمْ يُفْتَحْ لَهُمْ بَابُ التَّعْلِيمِ بِالْأَجْرِ لَذَهَبَ الْقُرْآنُ فَأَفْتَوْا بِالْجَوَازِ، وَالْأَحْكَامُ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ يُفْتِي بِأَنَّ الْأُجْرَةَ تَجِبُ وَيُحْبَسُ عَلَيْهَا وَفِي الْخُلَاصَةِ إذَا أَخَذَ الْمُعَلِّمُ مِنْ الصَّبِيِّ شَيْئًا مِنْ الْمَأْكُولِ أَوْ دَفَعَ الصَّبِيُّ ذَلِكَ إلَى وَلَدِ الْمُعَلِّمِ لَا يَحِلُّ لَهُ بِخِلَافِ ثَمَنِ الْحُصُرِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَمْلِيكٌ مِنْ أَبِ الصَّغِيرِ. اهـ. وَفِي الْحَاوِي لِلْكَرَابِيسِيِّ إذَا اسْتَأْجَرَهُ لِيَخْتِمَ عِنْدَهُ الْقُرْآنَ وَلَمْ يُسَمِّ لَهُ أَجْرًا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا شَرْعًا أَمَّا إذَا سَمَّى أَجْرًا لَزِمَ مَا سَمَّى لَكِنْ يَأْثَمُ الْمُسْتَأْجِرُ إذَا عَقَدَ عَلَى أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا إلَّا أَنْ يَهَبَ الْمُسْتَأْجِرُ مَا بَقِيَ مِنْ تَمَامِ الْقَدْرِ أَوْ يَشْتَرِطَ أَنْ يَكُونَ ثَوَابُ مَا فَوْقَهُ لِنَفْسِهِ فَلَا يَأْثَمُ، وَكَذَا إذَا قَالَ اقْرَأْ بِقَدْرِ مَا قَدَرْت عَلَيْهِ فَلَهُ مِنْ الْأَجْرِ بِقَدْرِ مَا قَرَأَ، وَهَذَا يَجِبُ حِفْظُهُ كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ. أَقُولُ: وَهَذَا فِي عُرْفِهِمْ أَمَّا فِي عُرْفِنَا فَيَجُوزُ ذَلِكَ، وَفِي الْخُلَاصَةِ رَجُلٌ اسْتَأْجَرَ قَوْمًا يَحْمِلُونَ جِنَازَةً وَيَغْسِلُونَ مَيِّتًا إنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ لَا يَجِدُ مَنْ يُغَسِّلُهُ غَيْرُهُمْ وَلَا مَنْ يَحْمِلُهُ فَلَا أَجْرَ لَهُمْ وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ غَيْرُهُمْ فَلَهُمْ الْأَجْرُ. اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ اسْتَأْجَرَ الْإِمَامُ رَجُلًا لِيَقْتُلَ مُرْتَدًّا أَوْ أَسِيرًا أَوْ لِاسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ لَمْ يَجُزْ عِنْدَهُمَا، وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِاسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ يَجُوزُ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ مُصْحَفًا لِيَقْرَأَ فِيهِ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ قَرَأَ فِيهِ فَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ وَالْقَاضِي كَالْإِمَامِ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ الْقَاضِي رَجُلًا لِيَقُومَ عَلَيْهِ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ شَهْرًا جَازَ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ مَنْ لَهُ الْقِصَاصُ رَجُلًا لِيَقْتَصَّ لَهُ فَلَا أَجْرَ لَهُ لَا يَجُوزُ هَذَا الْعَقْدُ عِنْدَ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي وَيَجُوزُ عِنْدَ الثَّالِثِ وَفِي قَاضِي خان أَهْلُ الذِّمَّةِ إذَا اسْتَأْجَرُوا ذِمِّيًّا لِيُصَلِّيَ بِهِمْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 22 أَوْ لِيَضْرِبَ النَّاقُوسَ لَهُمْ لَا يَجُوزُ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ الْمَجُوسِيُّ مُسْلِمًا لِيُقِيمَ لَهُ النَّارَ لَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِالنَّارِ مُبَاحٌ. اهـ. وَفِي النِّهَايَةِ يَعْنِي يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى تَعَلُّمِ الْفِقْهِ وَفِي الرَّوْضَةِ وَفِي زَمَانِنَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ وَالْمُؤَذِّنِ وَالْمُعَلِّمِ أَخْذُ الْأُجْرَةِ وَمِثْلُهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَلَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ كُتُبِ الْفِقْهِ وَالتَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ لِعَدَمِ التَّعَارُفِ. قَالَ ابْنُ قَاضِي زَادَهْ أَقُولُ: وَفِيمَا ذَكَرُوا مِنْ وَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ نَظَرٌ قَوِيٌّ بَيَانُ ذَلِكَ هُوَ أَنَّ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَحْقِيقُ مَاهِيَّةِ الْإِجَارَةِ وَهِيَ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ بِعِوَضٍ فِي الِاسْتِئْجَارِ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَنَظَائِرِهِ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى تَسْلِيمِ مَا الْتَزَمَهُ الْمُؤَجِّرُ مِنْ الْمَنْفَعَةِ فَكَيْفَ يَصِحُّ اسْتِحْسَانًا، وَالِاسْتِحْسَانُ فَرْعُ تَحَقُّقِ مَاهِيَّةِ الْإِجَارَةِ كَمَا لَا يَخْفَى، وَهَذَا مَحَلٌّ تُسْكَبُ فِيهِ الْعَبَرَاتُ أَقُولُ: وَالْجَوَابُ أَنَّ الْإِجَارَةَ فِي تَعَلُّمِ الْقُرْآنِ وَالْفِقْهِ عَلَى أَمْرَيْنِ عَلَى التَّلْقِينِ وَالتَّعْلِيمِ فَفِي الْقِيَاسِ نَظَرُوا إلَى التَّعْلِيمِ وَجَعَلُوا التَّلْقِينَ تَابِعًا لَهُ فَقَالُوا لَا يُمْكِنُ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ نَظَرُوا إلَى التَّلْقِينِ وَجَعَلُوا التَّعْلِيمَ تَابِعًا لَهُ فَقَالُوا بِالْجَوَازِ فَاخْتَلَفَتْ الْجِهَةُ، وَالْأَذَانُ وَالْإِمَامَةُ دَخَلَا تَبَعًا فَتَدَبَّرْهُ فَإِنَّهُ جَيِّدٌ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَمَشَايِخُ بَلْخٍ أَفْتَوْا بِجَوَازِ ذَلِكَ إذَا ضَرَبَ لَهُ مُدَّةً، وَعِنْدَ عَدَمِ الِاسْتِئْجَارِ أَصْلًا يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ. اهـ. وَفِي الْمُلْتَقَطِ وَلَوْ امْتَنَعَ أَبُو الصَّبِيِّ مِنْ دَفْعِ الْوَظِيفَةِ جُبِرَ عَلَيْهِ وَحُبِسَ عَلَيْهِ اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَجُوزُ عَلَى الْغِنَاءِ وَالنَّوْحِ وَالْمَلَاهِي) ؛ لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ لَا يُتَصَوَّرُ اسْتِحْقَاقُهَا بِالْعَقْدِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْأُجْرَةُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُسْتَحَقَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمُبَادَلَةَ لَا تَكُونُ إلَّا عِنْدَ الِاسْتِحْقَاقِ وَإِنْ أَعْطَاهُ الْأَجْرَ وَقَبَضَهُ لَا يَحِلُّ لَهُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّهُ عَلَى صَاحِبِهِ وَفِي الْمُحِيطِ مِنْ كِتَابِ الِاسْتِحْسَانِ إذَا أَخَذَ الْمَالَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ يُبَاحُ لَهُ، وَفِي الْمُحِيطِ ذِمِّيٌّ اسْتَأْجَرَ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ بِيعَةً يُصَلِّي فِيهَا لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ صَلَاةَ الذِّمِّيِّ مَعْصِيَةٌ وَإِنْ كَانَتْ طَاعَةً فِي زَعْمِهِ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ الْمُسْلِمُ مِنْ الْمُسْلِمِ مَسْجِدًا لِيُصَلِّيَ فِيهِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ لَا يُمْلَكُ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ ذِمِّيٌّ دَارًا مِنْ مُسْلِمٍ فَاتَّخَذَ فِيهَا مُصَلَّى لِنَفْسِهِ لَمْ يُمْنَعْ فَإِنْ جَمَعَ الْجَمَاعَةَ وَضَرَبَ النَّاقُوسَ فَلِصَاحِبِهَا مَنْعُهُ، وَلَوْ أَرَادَ بَيْعَ الْخَمْرِ فِيهَا فَإِنْ كَانَ فِي السَّوَادِ لَا يُمْنَعُ، وَأَمَّا فِي سَوَادِ خُرَاسَانَ فَإِنَّهُمْ يُمْنَعُونَ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهَا الْمُسْلِمُونَ، مُسْلِمٌ يَشْرَبُ الْخَمْرَ فِي دَارِهِ وَيَجْمَعُ الْقَوْمَ يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا يَخْرُجُ مِنْ دَارِهِ، وَكَذَا الذِّمِّيُّ لَوْ اسْتَأْجَرَ مُسْلِمًا لِيَرْعَى لَهُ الْخَنَازِيرَ وَيَجُوزُ عِنْدَ الْإِمَامِ خِلَافًا لَهُمَا اسْتَأْجَرَ ذِمِّيٌّ مُسْلِمًا لِيَحْمِلَ لَهُ مَيْتًا أَوْ دَمًا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ نَقْلَ الْمَيِّتِ وَالدَّمِ لِإِمَاطَةِ الْأَذَى عَنْ النَّاسِ مُبَاحٌ مَاتَ مَيِّتٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَاسْتَأْجَرُوا مُسْلِمًا لِيَحْمِلَهُ إلَى بَلْدَةٍ أُخْرَى قَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا أَجْرَ لَهُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ إنْ عَلِمَ الْأَجِيرُ أَنَّهَا جِيفَةٌ لَا أَجْرَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ نَقَلَ مَا لَا يَجُوزُ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَلَهُ الْأَجْرُ وَفِي الْخَانِيَّةِ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ اهـ. وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَنْقُلَ الْمَيِّتَ الْمُشْرِكَ إلَى الْمَقْبَرَةِ يَجُوزُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَفِي الْمُضْمَرَاتِ الْغِنَاءُ حَرَامٌ فِي جَمِيعِ الْأَدْيَانِ، وَكَذَا إذَا أَوْصَى بِمَا هُوَ مَعْصِيَةٌ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ أَهْلِ الْكِتَابِ لَا يَجُوزُ وَذَكَرَ مِنْهَا الْوَصِيَّةَ لِلْمُغَنِّيِينَ وَالْمُغَنِّيَاتِ، وَقَالَ ظَهِيرُ الدِّينِ مَنْ قَالَ لِمُقْرِئِي زَمَانِنَا أَحْسَنْت عِنْدَ قِرَاءَتِهِ يَكْفُرُ، وَفِي الْكُبْرَى رَجُلٌ جَمَعَ الْمَالَ وَهُوَ كَانَ مُطْرِبًا مُغَنِّيًا هَلْ يُبَاحُ لَهُ ذَلِكَ إنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ يُبَاحُ لَهُ وَإِنْ كَانَ بِالشَّرْطِ يَرُدَّهُ عَلَى أَصْحَابِهِ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ يَتَصَدَّقْ بِهِ، وَفِي الْعَتَّابِيَّةِ، وَأَمَّا الْمَعْصِيَةُ نَحْوُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ نَائِحَةً أَوْ مُغَنِّيَةً أَوْ لِتَعْلِيمِ الْغِنَاءِ وَفِي فَتَاوَى أَهْلِ سَمَرْقَنْدَ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَنْحِتَ لَهُ مِزْمَارًا أَوْ طُنْبُورًا أَوْ بَرْبَطًا فَفَعَلَ يَطِيبُ لَهُ الْأَجْرُ إلَّا أَنَّهُ يَأْثَمُ فِي الْإِعَانَةِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ الْمُسْلِمَ لِيَبْنِيَ لَهُ بِيعَةً أَوْ كَنِيسَةً جَازَ وَيَطِيبُ لَهُ الْأَجْرُ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَتْهُ امْرَأَةٌ لِيَكْتُبَ لَهَا قُرْآنًا أَوْ غَيْرَهُ جَازَ وَيَطِيبُ لَهُ الْأَجْرُ إذَا بَيَّنَ الشَّرْطَ وَهُوَ إعْدَادُ الْخَطِّ وَقَدْرُهُ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ مُسْلِمًا لِيَحْمِلَ لَهُ خَمْرًا وَلَمْ يَقُلْ لِأَشْرَبَهُ جَازَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ خِلَافًا لَهُمَا وَفِي الْمُحِيطِ السَّارِقُ أَوْ الْغَاصِبُ لَوْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا يَحْمِلُ الْمَغْصُوبَ أَوْ الْمَسْرُوقَ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ نَقْلَ مَالِ الْغَيْرِ مَعْصِيَةٌ اهـ. وَفِي شَرْحِ الْكَافِي وَلَا يَجُوزُ الْإِجَارَةُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْغِنَاءِ وَاللَّهْوِ وَالنَّوْحِ وَالْمَزَامِيرِ وَالطَّبْلِ وَلَا عَلَى الْحِدَاءِ وَقِرَاءَةِ الشِّعْرِ وَلَا غَيْرِهِ وَلَا أَجْرَ فِي ذَلِكَ هَذَا فِي الطَّبْلِ إذَا كَانَ لِلَّهْوِ أَمَّا إذَا كَانَ لِغَيْرِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ كَطَبْلِ الْقِرَاءَةِ وَطَبْلِ الْعُرْسِ وَفِي الْأَجْنَاسِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَكُونَ لَيْلَةَ الْعُرْسِ دُفٌّ يُضْرَبُ بِهِ لِشُهْرَةِ الْعُرْسِ وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ رَجُلٌ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَضْرِبَ الطَّبْلَ إنْ كَانَ لِلَّهْوِ لَا يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ لِلْغَزْوِ وَالْقَافِلَةِ يَجُوزُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفَسَدَ إجَارَةُ الْمَشَاعِ إلَّا مِنْ الشَّرِيكِ) أَطْلَقَ فِي قَوْلِهِ وَفَسَدَ إلَى آخِرِهِ فَشَمِلَ مَشَاعًا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ أَوْ لَا يَحْتَمِلُهَا وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ، وَقَالَا يَجُوزُ بِشَرْطِ بَيَانِ نَصِيبِهِ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ لَا يَجُوزُ فِي الصَّحِيحِ لَهُمَا أَنَّ الْمَشَاعَ مَنْفَعَةٌ وَتَسْلِيمُهُ مُمْكِنٌ بِالتَّخْلِيَةِ أَوْ بِالتَّهَايُؤِ فَصَارَ كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 23 مِنْ شَرِيكِهِ أَوْ مِنْ رَجُلَيْنِ وَكَالشُّيُوعِ الطَّارِئِ بِأَنْ مَاتَ أَحَدُ الْمُسْتَأْجَرِينَ وَكَالْعَارِيَّةِ، وَإِذَا جَازَ إعَارَةُ الْمَشَاعِ فَأَوْلَى أَنْ تَجُوزَ إجَارَتُهُ فَإِنَّ تَأْثِيرَ الْمَشَاعِ فِي مَنْعِ التَّبَرُّعِ أَقْوَى مِنْ تَأْثِيرِهِ فِي مَنْعِ الْمُعَاوَضَةِ. أَلَا تَرَى أَنَّ هِبَةَ الْمَشَاعِ لَا تَجُوزُ وَبَيْعُ الْمَشَاعِ جَائِزٌ وَلِلْإِمَامِ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْإِجَارَةِ الِانْتِفَاعُ وَالِانْتِفَاعُ بِالْمَشَاعِ لَا يُمْكِنُ وَلَا يُتَصَوَّرُ تَسْلِيمُهُ بِخِلَافِ الْمَبِيعِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ فِيهِ الْمِلْكُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الْجَحْشِ وَنَحْوِهِ وَلَا يَجُوزُ إجَارَتُهُ وَالتَّخْلِيَةُ اُعْتُبِرَتْ تَسْلِيمًا فِي مَحَلٍّ يَتَمَكَّنُ مِنْ الِانْتِفَاعِ وَفِي الْمَشَاعِ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الِانْتِفَاعِ وَلَا مِنْ الْقَبْضِ فَكَيْفَ يُجْعَلُ تَسْلِيمًا وَلَا يُعْتَبَرُ بِالتَّهَايُؤِ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ حُكْمًا بِمِلْكِ الْمَنْفَعَةِ يُصَارُ إلَيْهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَى الْقِسْمَةِ بَعْدَ الْمِلْكِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا أَجَّرَهُ مِنْ شَرِيكِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا شُيُوعَ فِي حَقِّهِ إذْ الْكُلُّ فِي يَدِهِ وَلَا عِبْرَةَ لِاخْتِلَافِ السَّبَبِ عِنْدَ اتِّحَادِ الْحَاجَةِ عَلَى أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الْمَنْفَعَةِ الَّتِي تَنَاوَلَهَا الْعَقْدُ لَا يَتَأَتَّى إلَّا بِغَيْرِهَا وَهُوَ مَنْفَعَةُ نَصِيبِ شَرِيكِهِ وَذَلِكَ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ كَمَنْ اسْتَأْجَرَ أَحَدَ زَوْجَيْ الْقِرَاضِ لِقَرْضِ الثِّيَابِ وَبِخِلَافِ مَا لَوْ أَجَّرَ مِنْ رَجُلَيْنِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ أُضِيفَ إلَى الْكُلِّ وَلَا شُيُوعَ فِيهِ وَإِنَّمَا الشُّيُوعُ يَظْهَرُ لِتَفَرُّقِ الْمِلْكِ فِيمَا بَيْنَهُمَا وَفِيمَا إذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا انْفَسَخَ الْعَقْدُ فِي نَصِيبِهِ وَبَقِيَ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ فَطَرَأَ الشُّيُوعُ بَعْدَ الْقَبْضِ فَلَا يَضُرُّ وَالْعَارِيَّةُ لَيْسَتْ بِلَازِمَةٍ فَلَا يَجِبُ التَّسْلِيمُ، وَعِنْدَ التَّسْلِيمِ جَازَ الِانْتِفَاعُ بِجَمِيعِهِ لِوُجُودِ إذْنِهِ فِي ذَلِكَ فَصَارَ كُلُّهُ عَارِيَّةً وَلَا شُيُوعَ. وَفِي الْمُغْنِي الْفَتْوَى فِي إجَارَةِ الْمَشَاعِ عَلَى قَوْلِهِمَا، وَقَالَ ابْنُ فِرِشْتَا الْفَتْوَى فِي إجَارَةِ الْمَشَاعِ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ وَفِي الْخَانِيَّةِ إجَارَةُ الْمَشَاعِ فِيمَا يُقْسَمُ وَفِيمَا لَا يُقْسَمُ فَاسِدَةٌ فِي قَوْلِ الْإِمَامِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. اهـ. وَفِي التَّهْذِيبِ، وَإِذَا سَكَنَ يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ وَفِي التَّهْذِيبِ، وَالشُّيُوعُ الطَّارِئُ لَا يُفْسِدُهَا إجْمَاعًا كَمَا إذَا أَجَّرَ كُلَّهَا، ثُمَّ تَفَاسَخَا فِي النِّصْفِ أَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ اُسْتُحِقَّ بَعْضُهَا يَبْقَى فِي الْبَاقِي وَفِي الصُّغْرَى وَطَرِيقُ جَوَازِهَا فِي الْمَشَاعِ أَنْ يَلْحَقَهَا حُكْمٌ لِتَصِيرَ مُتَّفَقًا عَلَيْهَا بَعْدَ الْمُرَافَعَةِ أَوْ بَعْدَ الْعَقْدِ فَإِذَا مَاتَ أَحَدُ الْمُؤَجِّرَيْنِ بَطَلَتْ الْإِجَارَةُ فِي نَصِيبِهِ وَتَبْقَى فِي نَصِيبِ الْحَيِّ صَحِيحَةً وَفِي الْخَانِيَّةِ فَإِنْ رَضِيَ وَارِثُ الْمَيِّتِ وَهُوَ كَبِيرٌ أَنْ يَكُونَ حِصَّتُهُ عَلَى الْإِجَارَةِ وَرَضِيَ الْمُسْتَأْجِرُ جَازَ وَإِنْ كَانَتْ إجَارَةُ الْمَشَاعِ لَكِنَّهَا مِنْ الشَّرِيكِ وَفِي الْغِيَاثِيَّةِ رَجُلَانِ أَجَّرَا دَارَهُمَا مِنْ رَجُلٍ جَازَ وَإِنْ فَسَخَ أَحَدُهُمَا بِرِضَا الْمُسْتَأْجِرِ أَوْ مَاتَ لَا تَبْطُلُ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ وَفِي الْأَصْلِ وَلَوْ اسْتَأْجَرَ عُلُوَّ مَنْزِلٍ لِيَمُرَّ فِيهِ إلَى حُجْرَتِهِ لَمْ يَجُزْ فِي قَوْلِ الْإِمَامِ، وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ قَالَ الطَّوَاوِيسِيُّ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ بِالْإِجْمَاعِ وَفِي النَّوَازِلِ أَنَّهُ يَجُوزُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو عَلِيٍّ النَّسَفِيُّ وَبِهِ كَانَ يُفْتِي شَيْخُنَا وَفِي الْعَتَّابِيَّةِ. وَلَوْ كَانَ الْبِنَاءُ لِرَجُلٍ وَالْعَرْصَةُ لِرَجُلٍ آخَرَ أَجَّرَ صَاحِبُ الْبِنَاءِ بِنَاءَهُ مِنْ صَاحِبِ الْعَرْصَةِ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ وَفِي الْخُلَاصَةِ لَوْ اسْتَأْجَرَ الْعَرْصَةَ دُونَ الْبِنَاءِ يَجُوزُ وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ اسْتَأْجَرَ نَخْلًا أَوْ شَجَرًا لِيَبْسُطَ عَلَيْهِ ثِيَابًا أَوْ يَشُدَّ بِهَا الدَّابَّةَ ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّهُ يَجُوزُ وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ مَنْفَعَةً مَقْصُودَةً مِنْ الشَّجَرِ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ شَاةً لِيَحْلُبَ لَبَنَهَا أَوْ صُوفَهَا لَا يَنْعَقِدُ وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ اسْتَأْجَرَ حَائِطًا لِيَضَعَ عَلَيْهَا جَذَعًا أَوْ يَبْنِيَ عَلَيْهَا سُتْرَةً أَوْ يَضَعَ فِيهِ وَتَدًا لَا يَجُوزُ وَالْحَائِطُ اسْمٌ لِلْبِنَاءِ فَقَدْ اسْتَأْجَرَ مَا لَا يَنْتَفِعُ بِهِ فَلَا يَجُوزُ إجَارَةُ الْبِنَاءِ وَحْدَهُ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ طَرِيقًا لِيَمُرَّ فِيهِ لَمْ يَجُزْ عِنْدَ الْإِمَامِ وَيَجُوزُ عِنْدَهُمَا. [اسْتِئْجَارُ الظِّئْرِ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَحَّ اسْتِئْجَارُ الظِّئْرِ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَصِحَّ؛ لِأَنَّهَا تَرِدُ عَلَى اسْتِهْلَاكِ عَيْنٍ وَهُوَ اللَّبَنُ فَصَارَ كَاسْتِئْجَارِ الْبَقَرَةِ وَالشَّاةِ لِشُرْبِ لَبَنِهَا وَالْبُسْتَانِ لِيَأْكُلَ ثَمَرَتَهُ، وَالِاسْتِحْسَانُ أَنَّهُ يَجُوزُ وَدَلِيلُهُ قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6] وَالْإِجْمَاعُ فِي ذَلِكَ وَجَرَى التَّعَامُلُ بِهِ فِي الْأَعْصَارِ وَتَحْقِيقُهَا عَقْدٌ يَرِدُ عَلَى التَّرْبِيَةِ وَاللَّبَنُ تَابِعٌ لَهَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْعَقْدُ يَرِدُ عَلَى اللَّبَنِ وَالتَّرْبِيَةُ وَالْخِدْمَةُ تَابِعَةٌ لَهَا وَإِلَيْهِ مَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ، وَقَالَ هُوَ الْأَصَحُّ وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ بِالْفِقْهِ وَأَقْرَبُ إلَيْهِ، وَقَالَ فِي الْكَافِي وَهُوَ الصَّحِيحُ وَالظِّئْرُ الْمَرْأَةُ ذَاتُ اللَّبَنِ سَوَاءٌ كَانَتْ مُسْلِمَةً أَوْ كَافِرَةً حُرَّةً أَوْ أَمَةً أَوْ مُدَبَّرَةً أَوْ أُمَّ وَلَدٍ أَوْ مُكَاتَبَةً كَذَا فِي قَاضِي خان وَفِي ابْنِ فِرِشْتَا فَلَوْ عَجَزَتْ الْمُكَاتَبَةُ وَرُدَّتْ فِي الرِّقِّ يَحْكُمُ أَبُو يُوسُفَ بِبَقَاءِ الْعَقْدِ وَأَبْطَلَهُ مُحَمَّدٌ وَفِي الْمُحِيطِ وَأَجَّرَتْ الْأَمَةُ الْفَاجِرَةُ أَوْ الْكَافِرَةُ نَفْسَهَا ظِئْرًا جَازَ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ مِنْ التِّجَارَةِ، وَلَوْ رَضَعَ الصَّبِيُّ جَارِيَةَ الظِّئْرِ أَوْ خَادِمُهَا فَلَهَا الْأَجْرُ كَامِلًا؛ لِأَنَّ الظِّئْرَ بِمَنْزِلَةِ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَتْ الظِّئْرُ ظِئْرًا فَأَرْضَعَتْهُ فَلَهَا الْأَجْرُ اسْتِحْسَانًا، وَلَوْ شَرَطَ عَلَيْهَا أَنْ تُرْضِعَ الصَّبِيَّ بِنَفْسِهَا فَأَرْضَعَتْهُ بِمَنْ ذُكِرَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 24 فَلَهَا الْأَجْرُ؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الرَّضَاعِ عَلَيْهَا بِنَفْسِهَا لَا يُفِيدُ. وَلَوْ اخْتَلَفَا فَقَالَ أَهْلُ الصَّغِيرِ أَرْضَعْتِيهِ بِلَبَنِ شَاةٍ فَلَا أَجْرَ لَك، وَقَالَتْ أَرْضَعْته بِلَبَنِ آدَمِيَّةٍ فَلِي الْأَجْرُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا مَعَ يَمِينِهَا؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ يَشْهَدُ لَهَا وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَتُهَا؛ لِأَنَّهَا مُثْبِتَةٌ وَإِنْ شَرَطُوا عَلَيْهَا إرْضَاعَ الصَّبِيِّ فِي مَنْزِلِ الْأَبِ، فَلَيْسَ لِلظِّئْرِ أَنْ تَخْرُجَ بِهِ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْإِرْضَاعَ فِي مَنْزِلِ الْأَبِ أَجْوَدُ لِلصَّبِيِّ وَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَحْبِسُوا الظِّئْرَ فِي مَنْزِلِهِمْ إنْ لَمْ يَشْتَرِطُوا ذَلِكَ. اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ تَكُونَ الْمُدَّةُ مَعْلُومَةً وَلِهَذَا قَالَ فِي التَّجْرِيدِ وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الْمُدَّةُ مَعْلُومَةً وَمَا جَازَ فِي اسْتِئْجَارِ الْعَبْدِ لِلْخِدْمَةِ جَازَ فِي الظِّئْرِ وَمَا بَطَلَ هُنَاكَ بَطَلَ هُنَا وَفِي الْأَصْلِ، وَإِذَا جَازَتْ هَذِهِ الْإِجَارَةُ يُنْظَرُ بَعْدَ ذَلِكَ إنْ شُرِطَ فِي عَقْدِ الْإِجَارَةِ أَنَّهَا تُرْضِعُ الصَّبِيَّ فِي مَنْزِلِ الْأَبِ اُعْتُبِرَ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ شَرْطٌ يُنْظَرُ لِلْعُرْفِ إنْ كَانَتْ تُرْضِعُ فِي مَنْزِلِ الْأَبِ أَوْ فِي مَنْزِلِهَا يُعْمَلُ بِهِ وَإِلَّا فَلَهَا الْخِيَارُ إنْ شَاءَتْ أَرْضَعَتْ الصَّبِيَّ فِي مَنْزِلِ الْأَبِ أَوْ فِي مَنْزِلِهَا. اهـ. قَالَ الْأَكْمَلُ فَإِنْ قُلْت الظِّئْرُ أَجِيرٌ خَاصٌّ أَوْ مُشْتَرَكٌ، قُلْت هُوَ أَجِيرٌ خَاصٌّ يَدُلُّ عَلَيْهِ لَفْظُ الْمَبْسُوطِ قَالَ لَوْ ضَاعَ الصَّبِيُّ مِنْ يَدِهَا أَوْ وَقَعَ فَمَاتَ أَوْ سُرِقَ مِنْ حُلِيِّ الصَّبِيِّ أَوْ ثِيَابِهِ شَيْءٌ لَمْ تَضْمَنْ الظِّئْرُ؛ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْأَجِيرِ الْخَاصِّ وَذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَمَا يَكُونُ مُشْتَرَكًا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ خَاصًّا قَالَ لَوْ أَجَّرَتْ نَفْسَهَا لِقَوْمٍ غَيْرِ الْأَوَّلِ وَلَمْ يَعْلَمْ الْأَوَّلُ فَأَرْضَعَتْ كُلًّا مِنْهُمَا صَحَّ وَتَصِيرُ الْمُرْضِعَةُ أَمِينَةً وَهَذِهِ خِيَانَةٌ مِنْهَا وَلَهَا الْأَجْرُ كَامِلًا عَلَى الْفَرِيقَيْنِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا تَحْتَمِلُهُمَا مَعًا فَقُلْنَا تَجِبُ الْأُجْرَةُ كَامِلًا نَظَرًا إلَى أَنَّهَا مُشْتَرَكٌ وَيَأْثَمُ نَظَرًا إلَى أَنَّهَا خَاصٌّ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِطَعَامِهَا وَكِسْوَتِهَا) ، وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ، وَقَالَا لَا يَجُوزُ وَهُوَ الْقِيَاسُ وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْأُجْرَةَ مَجْهُولَةٌ فَصَارَ كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَهَا لِلطَّبْخِ وَالْخَبْزِ وَالْجَهَالَةُ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِالتَّوْسِعَةِ عَلَيْهَا شَفَقَةً عَلَى الْأَوْلَادِ، بَلْ يُعْطِيهَا مَا طَلَبَتْ وَيُوَافِقُهَا عَلَى مُرَادِهَا وَالْجَهَالَةُ إنَّمَا تُمْنَعُ إذَا أَفَضْت إلَى الْمُنَازَعَةِ أَطْلَقَ فِي طَعَامِهَا أَوْ كِسْوَتِهَا فَشَمِلَ مَا إذَا بَيَّنَ جِنْسَهَا أَوْ لَمْ يُبَيِّنْ قَالَ الْحَدَّادِيُّ إذَا لَمْ يُوصَفْ ذَلِكَ فَلَهَا الْمُتَوَسِّطُ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَإِذَا بَيَّنَ جِنْسَ الثِّيَابِ أَوْ صِفَتَهَا وَعَرْضَهَا وَبَيَّنَ كَيْلَ الطَّعَامِ وَصِفَتَهُ جَازَ بِالِاتِّفَاقِ. اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ اشْتَرَطَتْ طَعَامَهَا وَكِسْوَتَهَا عِنْدَهُ سِتَّةَ أَشْهُرٍ وَسَمَّتْ دَرَاهِمَ مُسَمَّاةً عِنْدَ الْفِطَامِ وَلَمْ تُضِفْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ جَازَ اسْتِحْسَانًا عِنْدَ الْإِمَامِ وَقَالُوا مَعْنَى تَسْمِيَتِهِ الدَّرَاهِمَ أَنْ يَجْعَلَ الْأُجْرَةَ دَرَاهِمَ، ثُمَّ يَدْفَعَ الطَّعَامَ مَكَانَ الدَّرَاهِمِ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ عَلَى التَّقْدِيرِ سَمَّا بَدَلَ الدَّرَاهِمِ طَعَامًا، وَإِذَا بَيَّنَ كَيْلَ الطَّعَامِ وَصِفَتَهُ جَازَ بِالِاتِّفَاقِ سَوَاءٌ كَانَ حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلًا وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَذْكُرَ أَجَلًا وَفِي الْكِسْوَةِ يُشْتَرَطُ بَيَانُ الْأَجَلِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَثْبُتُ مَوْصُوفَةً فِي الذِّمَّةِ إلَّا مُؤَجَّلًا، كَذَا فِي الشَّارِحِ وَغَيْرِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُؤَلِّفُ لِمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ أُجْرَةُ الظِّئْرِ وَنَحْنُ نُبَيِّنُ ذَلِكَ قَالَ فِي قَاضِي خان اسْتَأْجَرَ ظِئْرًا لِتُرْضِعَ وَلَدَهُ شُهُورًا فَمَاتَ الْأَبُ فَقَالَ عَمُّ الصَّغِيرِ أَرْضِعِيهِ وَأَنَا أُعْطِيك الْأَجْرَ فَأَرْضَعَتْهُ شَهْرًا بَعْدَ ذَلِكَ قَالُوا إنْ لَمْ يَكُنْ لِلصَّغِيرِ مَالٌ حِينَ اسْتَأْجَرَهَا كَانَتْ الْأُجْرَةُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ، وَإِذَا مَاتَ بَطَلَتْ فَإِذَا قَالَ الْعَمُّ ذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِهِ وَلَمْ يَكُنْ وَصِيًّا كَانَ ذَلِكَ عَلَى الْعَمِّ، وَلَوْ كَانَ لِلصَّغِيرِ مَالٌ حِينَ اسْتَأْجَرَهَا الْأَبُ لَا تَبْطُلُ الْإِجَارَةُ بِمَوْتِ الْأَبِ، وَإِذَا امْتَنَعَ الظِّئْرُ مِنْ الرَّضَاعِ وَالصَّغِيرُ لَا يَأْخُذُ ثَدْيَ غَيْرِهَا تُخَيَّرُ عَلَى أَنْ تُرْضِعَهُ بِأُجْرَةِ مِثْلِهَا قَالُوا هَذَا إذَا عَقَدَتْ بِإِذْنِ الزَّوْجِ، وَإِذَا عَقَدَتْ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَلِلزَّوْجِ مَنْعُهَا، وَإِذَا اسْتَأْجَرَ الْقَاضِي ظِئْرًا لِلْيَتِيمِ كَانَ حَسَنًا، وَإِذَا كَانَ لِلرَّضِيعِ أُمٌّ وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ فَأُجْرَةُ إرْضَاعِهِ عَلَى أَقَارِبِهِ بِقَدْرِ مِيرَاثِهِمْ مِنْهُ وَيَجُوزُ لِلْأَبِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ أُمَّهُ لِتُرْضِعَ وَلَدَهُ وَبِنْتَه وَأُخْتَه اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يُمْنَعُ الزَّوْجُ مِنْ وَطْئِهَا) لِأَنَّهُ حَقُّهُ فَلَا يُمَكَّنُ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ إبْطَالِهِ وَلِهَذَا كَانَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَفْسَخَ هَذَا الْعَقْدَ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ سَوَاءٌ كَانَ يَشِينُهُ إجَارَتُهَا بِأَنْ كَانَ وَجِيهًا بَيْنَ النَّاسِ أَوْ لَمْ يَشِنْهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا لَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ الْخُرُوجِ وَأَنْ يَمْنَعَ الصَّبِيَّ مِنْ الدُّخُولِ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْإِرْضَاعَ وَالسَّهَرَ يُذْهِبُ جَمَالَهَا فَكَانَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ ذَلِكَ كَمَا يَمْنَعُهَا مِنْ الصِّيَامِ تَطَوُّعًا لَكِنْ إذَا ثَبَتَتْ الزَّوْجِيَّةُ بِإِقْرَارِهِمَا لَيْسَ لَهَا أَنْ تَفْسَخَ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يُصَدَّقَانِ فِي حَقِّ الْمُسْتَأْجِرِ كَمَا إذَا أَقَرَّتْ الْمَنْكُوحَةُ بِالرِّقِّ لَا تُصَدَّقُ فِي حَقِّ بُطْلَانِ النِّكَاحِ وَلِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَمْنَعَ زَوْجَهَا مِنْ دُخُولِ بَيْتِهِ وَفِي الْأَصْلِ إذَا عَقَدَتْ بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ وَالزَّوْجُ لَا يَشِينُهُ ذَلِكَ، فَلَيْسَ لَهُ حَقُّ الْفَسْخِ فِي الصَّحِيحِ وَالْمَرْأَةُ إذَا كَانَتْ مِنْ الْأَشْرَافِ وَأَجَّرَتْ نَفْسَهَا ظِئْرًا فَلِلْأَوْلِيَاءِ حَقُّ الْفَسْخِ لِدَفْعِ الْعَارِ عَنْهُمْ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلِوَلِيِّ الصَّبِيِّ أَنْ يَمْنَعَ أَقَارِبَ الظِّئْرِ مِنْ الْمُكْثِ فِي مَنْزِلِهِ، وَأَمَّا الزِّيَادَةُ إذَا كَانَ يُؤَدِّي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 25 ذَلِكَ إلَى الْإِخْلَالِ بِالْقِيَامِ بِمَصَالِحِ الصَّغِيرِ لَهُ حَقُّ الْمَنْعِ وَإِلَّا فَلَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ مَرِضَتْ أَوْ حَبِلَتْ فُسِخَتْ) يَعْنِي إذَا حَبِلَتْ الْمُرْضِعَةُ أَوْ مَرِضَتْ فَتُفْسَخُ الْإِجَارَةُ؛ لِأَنَّ لَبَنَ الْحُبْلَى وَالْمَرِيضَةِ يَضُرُّ الصَّغِيرَ وَهِيَ أَيْضًا يَضُرُّهَا الْإِرْضَاعُ فَكَانَ لَهَا وَلَهُمْ الْخِيَارُ، وَلَوْ تَقَيَّأَ الصَّبِيُّ لَبَنَهَا لِأَهْلِهِ الْفَسْخُ، وَكَذَا إذَا كَانَتْ سَارِقَةً، وَكَذَا إذَا كَانَتْ فَاجِرَةً ظَاهِرُ فُجُورِهَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ كَافِرَةً، قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ عَيْبُ الْفُجُورِ فِي هَذَا فَوْقَ عَيْبِ الْكُفْرِ؛ لِأَنَّ كُفْرَهَا فِي اعْتِقَادِهَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ كَانَ فِي نِسَاءِ بَعْضِ الرُّسُلِ كَامْرَأَتَيْ نُوحٍ وَلُوطٍ - عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَمَا بَغَتْ امْرَأَةُ نَبِيٍّ قَطُّ، هَكَذَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَلَمْ يَتَزَوَّجْ نَبِيٌّ فَاجِرَةً» ، وَكَذَا إذَا كَانَ الصَّبِيُّ لَا يَأْخُذُ لَبَنَهَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَفْسَخُوا وَلَهَا ذَلِكَ أَيْضًا، وَكَذَا عُيِّرَتْ بِهِ، وَلَوْ مَاتَ الصَّبِيُّ أَوْ الظِّئْرُ انْقَضَتْ الْإِجَارَةُ وَفِي الْخَانِيَّةِ إذَا ظَهَرَ الظِّئْرُ كَافِرَةً أَوْ زَانِيَةً أَوْ مَجْنُونَةً أَوْ حَمْقَاءَ كَانَ لَهُمْ الْفَسْخُ وَفِي الْأَصْلِ أَرَادُوا سَفَرًا وَأَبَتْ الْخُرُوجَ فَلَهُمْ الْفَسْخُ، وَكَذَا إذَا كَانَتْ سَيِّئَةً بَذِيَّةَ اللِّسَانِ. وَكَذَا إذَا أَذَاهَا أَهْلُهُ بِاللِّسَانِ كَانَ لَهَا الْفَسْخُ، وَكَذَا إذَا كَانَ أَلْفُهَا الصَّبِيُّ وَلَمْ يَأْخُذْ لَبَنَ غَيْرِهَا وَهِيَ تُعَيَّرُ بِذَلِكَ كَانَ لَهَا الْفَسْخُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَيْسَ لَهَا الْفَسْخُ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ الِاعْتِمَادُ عَلَى رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ وَفِي الْمُحِيطِ انْتَهَتْ مُدَّةُ إرْضَاعِ الظِّئْرِ وَالصَّغِيرُ لَا يَأْخُذُ إلَّا ثَدْيَهَا تَبْقَى الْإِجَارَةُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ جَبْرًا عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ كَمَا لَا تُفْسَخُ بِالْأَعْذَارِ تَبْقَى بِالْأَعْذَارِ، وَلَوْ مَاتَ أَبُو الصَّغِيرِ لَمْ تَنْقَضِ الْإِجَارَةُ سَوَاءٌ كَانَ لِلصَّغِيرِ مَالٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَهَا لِتُرْضِعَ صَبِيَّيْنِ كُلَّ شَهْرٍ بِكَذَا فَمَاتَ أَحَدُهُمَا سَقَطَ نِصْفُ الْأُجْرَةِ؛ لِأَنَّهَا لَا يُمْكِنُهَا الْوَفَاءُ بِهَذَا فَانْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ ظِئْرَيْنِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا بَقِيَ الْعَقْدُ فِي أَحَدِهِمَا وَانْفَسَخَ فِي الْأُخْرَى بِحِصَّتِهَا، وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا إذَا مَاتَ أَحَدُ الصَّبِيَّيْنِ أَنَّ فِي الظِّئْرِ يُقْسَمُ الْأَجْرُ عَلَيْهِمَا بِاعْتِبَارِ قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّهُمَا مُتَفَاوِتَانِ فِي الْإِرْضَاعِ وَفِي الصَّبِيِّ الْإِيجَارُ وَقَعَ لَهُمَا وَاسْتَحَقَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَ الْبَدَلِ وَهُوَ لَبَنُ الظِّئْرِ فَيَجِبُ الْمُبْدَلُ عَلَيْهِمَا نِصْفَانِ. اهـ. وَفِي الْمُنْتَقَى اسْتَأْجَرَ امْرَأَتَهُ لِتُرْضِعَ ابْنَهُ مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ فَهُوَ جَائِزٌ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ شَاةً لِتُرْضِعَ وَلَدَهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ لَبَنَ الْبَهَائِمِ لَهُ قِيمَةٌ فَوَقَعَتْ الْإِجَارَةُ عَلَيْهِ وَهُوَ مَجْهُولٌ فَلَا يَجُوزُ بِخِلَافِ لَبَنِ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا قِيمَةَ لَهُ وَالْإِجَارَةُ عَلَى الْخِدْمَةِ، وَلَوْ الْتَقَطَ صَبِيًّا فَاسْتَأْجَرَ لَهُ ظِئْرًا حَالًّا فَالْأُجْرَةُ عَلَيْهِ وَهُوَ مُتَطَوِّعٌ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى الصَّبِيِّ. اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَلَيْهَا إصْلَاحُ طَعَامِ الصَّبِيِّ) لِأَنَّ خِدْمَةَ الصَّبِيِّ وَاجِبَةٌ عَلَيْهَا، وَهَذَا مِنْهُ عُرْفًا وَهُوَ مُعْتَبَرٌ فِيمَا لَا نَصَّ فِيهِ وَغَسَلَ ثِيَابَهُ مِنْهُ وَالطَّعَامُ وَالثِّيَابُ عَلَى الْوَالِدِ وَالدُّهْنُ وَالرَّيْحَانُ أَعَلَى الظِّئْرِ كَمَا هُوَ عَادَةُ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَفِي عُرْفِ دِيَارِنَا مَا يُعَالَجُ بِهِ الصَّبِيُّ عَلَى أَهْلِهِ وَفِي الْمُضْمَرَاتِ وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الظِّئْرِ الدُّهْنُ وَالرَّيْحَانُ وَطَعَامُ الصَّبِيِّ عَلَى أَهْلِهِ إذَا كَانَ الصَّبِيُّ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَعَلَى الظِّئْرِ أَنْ تُهَيِّئَهُ لَهُ، وَفِي الْيَنَابِيعِ وَعَلَيْهَا طَبْخُهُ وَعَلَيْهَا أَنْ تَمْضُغَ الطَّعَامَ لِلصَّبِيِّ وَلَا تَأْكُلُ شَيْئًا يُفْسِدُ لَبَنَهَا وَتَضْمَنُ بِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ أَرْضَعَتْهُ بِلَبَنِ شَاةٍ فَلَا أَجْرَ) لِأَنَّهَا لَمْ تَأْتِ بِالْوَاجِبِ عَلَيْهَا مِنْ الْعَمَلِ وَهُوَ الْإِرْضَاعُ، وَهَذَا إيجَارٌ وَلَيْسَ بِإِرْضَاعٍ قَالَ فِي الصِّحَاحِ الْوَجُورُ الدَّوَاءُ يُوجَرُ فِي وَسَطِ الْفَمِ أَيْ يُصَبُّ يُقَالُ لَهُ مِنْهُ وَجَرْت الصَّبِيَّ وَأُوجِرَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ. اهـ. أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إنْ كَانَ هَذَا إيجَارًا لَا إرْضَاعًا فَلَا مَعْنَى لِقَوْلِ الْمُؤَلِّفِ فَإِنْ أَرْضَعَتْهُ، بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ فَإِذَا وَجَرْته بَدَلَهُ وَإِنْ كَانَ إرْضَاعًا فَكَيْفَ يَقُولُ الشَّارِحُ هَذَا إيجَارٌ لَا إرْضَاعٌ وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ الْمُشَاكَلَةِ وَهُوَ ذِكْرُ الشَّيْءِ بِلَفْظِ الشَّيْءِ غَيْرَهُ لِوُقُوعِهِ فِي صُحْبَتِهِ كَقَوْلِهِ قُلْت اُطْبُخُوا لِي جُبَّةً وَقَمِيصًا فَذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ الْإِيجَارَ بِلَفْظِ الْإِرْضَاعِ لِوُقُوعِهِ فِي صُحْبَتِهِ قُيِّدَ بِلَبَنِ الشَّاةِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ أَرْضَعَتْهُ بِلَبَنِ خَادِمِهَا أَوْ جَارِيَتِهَا أَوْ بِلَبَنِ ظِئْرٍ اسْتَأْجَرْتهَا بِلَا عَقْدٍ فَلَهَا الْأُجْرَةُ كَمَا تَقَدَّمَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ دَفَعَ غَزْلًا لِيَنْسِجَهُ بِنِصْفِهِ أَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَحْمِلَ طَعَامَهُ بِقَفِيزٍ مِنْهُ أَوْ لِيَخْبِزَ لَهُ كَذَا الْيَوْمَ بِدِرْهَمٍ لَمْ يَجُزْ) ؛ لِأَنَّهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ جَعَلَ الْأُجْرَةَ بَعْضَ مَا يَخْرُجُ مِنْ عَمَلِهِ فَيَصِيرُ فِي مَعْنَى قَفِيزِ الطَّحَّانِ؛ وَلِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ عَاجِزٌ عَنْ تَسْلِيمِ الْأُجْرَةِ؛ لِأَنَّهُ بَعْضُ مَا يَخْرُجُ وَالْقُدْرَةُ عَلَى التَّسْلِيمِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْعَقْدِ وَهُوَ لَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ بِنَفْسِهِ وَإِنَّمَا يَقْدِرُ بِغَيْرِهِ فَلَا يُعَدُّ قَادِرًا فَإِذَا نُسِجَ أَوْ عُمِلَ فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ لَا يُجَاوِزُ بِهِ الْمُسَمَّى بِخِلَافِ مَا لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَحْمِلَ لَهُ نِصْفَ هَذَا الطَّعَامِ بِنِصْفِهِ الْآخَرِ حَيْثُ لَا يَجِبُ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الْأَجْرِ؛ لِأَنَّ الْأَجِيرَ مَلَكَ فِيهِ النِّصْفَ فِي الْحَالِ بِالتَّعْجِيلِ فَصَارَ الطَّعَامُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا فِي الْحَالِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 26 وَمَنْ حَمَلَ طَعَامًا مُشْتَرَكًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ هَذَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْمَلُ شَيْئًا لِشَرِيكِهِ عَمَّا لَا يَقَعُ بَعْضُهُ لِنَفْسِهِ فَلَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ، هَكَذَا قَالُوا قَالَ الشَّارِحُ وَفِيهِ إشْكَالَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْإِجَارَةَ فَاسِدَةٌ وَالْأُجْرَةُ لَا تُمْلَكُ إلَّا فِي الصَّحِيحَةِ مِنْهَا بِالْعَقْدِ سَوَاءٌ كَانَتْ عَيْنًا أَوْ دَيْنًا عَلَى مَا بَيَّنَّا فَكَيْفَ تُمْلَكُ هُنَا مِنْ غَيْرِ تَسْلِيمٍ وَمِنْ غَيْرِ شَرْطِ التَّعْجِيلِ، الثَّانِي أَنَّهُ قَالَ مَلَكَهُ فِي الْحَالِ. وَقَوْلُهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ يُنَافِي الْمِلْكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إذَا مَلَكَ بِطَرِيقِ الْإِجَارَةِ فَإِذَا لَمْ يَسْتَحِقَّ فَكَيْفَ يَمْلِكُ وَبِأَيِّ سَبَبٍ يَمْلِكُ وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّهُ مَلَكَ هُنَا بِالتَّعْجِيلِ وَالتَّسْلِيمِ كَمَا صَرَّحَ هُوَ بِهِ فِي تَقْرِيرِهِ وَصَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ حَيْثُ قَالَا وَدُفِعَ إلَيْهِ وَالْجَوَابُ عَنْ الثَّانِي أَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ قَوْلِهِ مَلَكَهُ فِي الْحَالِ وَبَيْنَ قَوْلِهِ لَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ وَلَا يَجِبُ؛ لِأَنَّ مَعْنَى مَلَكَهُ فِي الْحَالِ يَعْنِي ابْتِدَاءً بِمُوجِبِ الْعَقْدِ وَتَسْلِيمِ الْأَجْرِ إلَى الْأَجِيرِ بِالتَّعْجِيلِ وَمَعْنَى لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ لِبُطْلَانِ الْعَقْدِ قَبْلَ الْعَمَلِ بَعْدَ أَنْ مَلَكَ الْأَجْرَ بِالتَّسْلِيمِ بِسَبَبِ أَنَّهُ صَارَ شَرِيكًا فِي الطَّعَامِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ لَوْ قَالَ احْمِلْ لِي هَذَا الْكُرَّ إلَى بَغْدَادَ بِنِصْفِهِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ شَرِيكًا وَتَفْسُدُ الْإِجَارَةُ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى قَفِيزِ الطَّحَّانِ وَلِلْأَجِيرِ أَجْرُ مِثْلِهِ إنْ وَصَلَ إلَى بَغْدَادَ لَا يَتَجَاوَزُ الْمُسَمَّى وَمَشَايِخُ بَلْخٍ وَالنَّسَفِيُّ جَوَّزُوا حَمْلَ الطَّعَامِ بِبَعْضِ الْمَحْمُولِ وَنَسْجَ الثَّوْبِ بِبَعْضِ الْمَنْسُوجِ لِتَعَامُلِ أَهْلِ بِلَادِهِمْ بِذَلِكَ، وَالْقِيَاسُ يُتْرَكُ بِالتَّعَامُلِ كَمَا فِي الِاسْتِصْنَاعِ وَمَشَايِخُنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - لَمْ يُجَوِّزُوا ذَلِكَ وَقَالُوا هَذَا التَّخْصِيصُ تَعَامُلُ أَهْلِ بَلْدَةٍ وَاحِدَةٍ وَبِهِ لَا يُخَصُّ الْأَثَرُ وَالْحِيلَةُ فِي جَوَازِهِ أَنْ يَشْتَرِطَا قَفِيزًا مُطْلَقًا فَإِذَا عَمِلَ اسْتَحَقَّ الْأُجْرَةَ وَفِي الْغِيَاثِيَّةِ دَفَعَ إلَى حَائِكٍ ثَوْبًا لِيَنْسِجَهُ بِنِصْفِهِ أَوْ بِثُلُثِهِ أَوْ رُبْعِهِ فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ عِنْدَ عُلَمَائِنَا وَبِهِ أَفْتَى الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ وَالسَّيِّدُ الْإِمَامُ الشَّهِيدُ. وَمَشَايِخُ بَلْخٍ يُفْتُونَ بِالْجَوَازِ لِعُرْفِ بِلَادِهِمْ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو عَلِيٍّ النَّسَفِيُّ. اهـ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة لَوْ اسْتَأْجَرَ ثَوْرًا لِيَطْحَنَ لَهُ إرْدَبًّا بِبَعْضٍ مِنْهُ أَوْ حِمَارًا لِيَحْمِلَ لَهُ إرْدَبًّا بِبَعْضٍ مِنْهُ فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ حَانُوتًا بِنِصْفِ مَا رَبِحَ فِيهِ فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ اسْتَأْجَرَ حَائِكًا لِيَنْسِجَ هَذَا الثَّوْبَ بِنِصْفِهِ عَلَى أَنْ يَزِيدَ رِطْلًا مِنْ عِنْدِهِ فَنَسَجَ وَزَادَ فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِ عَمَلِهِ وَيَضْمَنُ صَاحِبُ الثَّوْبِ لِلْحَيَّاكِ رِطْلًا مِنْ الْغَزْلِ، وَأَمَّا الثَّالِثُ وَهُوَ مَا إذَا اسْتَأْجَرَهُ لِيُنَجِّزَ لَهُ طُولَ النَّهَارِ بِدِرْهَمٍ؛ فَلِأَنَّ ذِكْرَ الْوَقْتِ يُوجِبُ كَوْنَ الْمَعْقُودِ هُوَ الْمَنْفَعَةُ وَذِكْرَ الْعَمَلِ يُوجِبُ كَوْنَ الْعَمَلِ هُوَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ وَلَا تَرْجِيحَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ فَإِنْ وَقَعَ عَلَى الْمَنْفَعَةِ اُسْتُحِقَّ الْأَجْرُ بِمُضِيِّ الْوَقْتِ عَمِلَ أَوْ لَمْ يَعْمَلْ وَإِنْ وَقَعَ عَلَى الْعَمَلِ لَا يَسْتَحِقُّ إلَّا بِالْعَمَلِ فَيَفْسُدُ الْعَقْدُ وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ، وَقَالَا الْعَقْدُ جَائِزٌ وَيَكُونُ الْعَقْدُ عَلَى الْعَمَلِ دُونَ الْيَوْمِ حَتَّى إذَا فَرَغَ مِنْهُ نِصْفَ النَّهَارِ فَلَهُ الْأَجْرُ وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ فِي الْيَوْمِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَعْمَلَ فِي الْغَدِ، وَذِكْرُ الْيَوْمِ لِلتَّعْجِيلِ فَصَارَ كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَهُ لِلْعَمَلِ عَلَى أَنْ يَفْرُغَ مِنْهُ فِي هَذَا الْيَوْمِ يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ وَالْفَرْقُ لِلْإِمَامِ هُنَا أَنَّ الْيَوْمَ لَمْ يُذْكَرْ هُنَا إلَّا لِإِثْبَاتِ صِفَةٍ فِي الْعَمَلِ، وَالصِّفَةُ تَابِعَةٌ لِلْمَوْصُوفِ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ بِالذَّاتِ وَفِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ ذَكَرَ الْيَوْمَ قَصْدًا وَفِي الْغِيَاثِيَّةِ لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَخِيطَ لَهُ هَذَا الثَّوْبَ قَمِيصًا الْيَوْمَ بِدِرْهَمٍ لَمْ يَجُزْ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَلَوْ قَالَ لِيَخِيطَ وَلَمْ يَذْكُرْ الْوَقْتَ يَجُوزُ، وَلَوْ قَالَ لِيَخِيطَهُ قَمِيصًا وَيَفْرُغَ فِي الْيَوْمِ جَازَ. وَلَوْ قَالَ بِشَرْطِ أَنْ يَفْرُغَ أَوْ عَلَى أَنْ يَفْرُغَ فِي الْيَوْمِ لَمْ يَجُزْ فَإِنْ قُلْت وَرَدَ فِي بَابِ الرَّاعِي إذَا جَمَعَ بَيْنَ الْمُدَّةِ وَالْعَمَلِ يُعْتَبَرُ الْأَوَّلُ قَالَ فِي الْمُحِيطِ: لَوْ اسْتَأْجَرَهُ شَهْرًا لِيَرْعَى غَنَمَهُ بِدِرْهَمٍ أَوْقَعَ الْعَقْدَ عَلَى الْعَمَلِ لَمَّا قَدَّمَ ذِكْرَ الْعَمَلِ عَلَى الْوَقْتِ وَالْعِلَّةُ الَّتِي اقْتَضَتْ فَسَادَ الْعَقْدِ فِي مَسْأَلَةِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمُدَّةِ وَالْعَمَلِ فَمُقْتَضَى النَّظَرِ أَنْ يَفْسُدَ فِي الرَّاعِي كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ وَيَجُوزُ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ كَمَا جَازَ فِي مَسْأَلَةِ الرَّاعِي تَرْجِيحًا لِلْمُقَدَّمِ فِي الذِّكْرِ وَمَا الْفَارِقُ بَيْنَهُمَا، أَقُولُ: الْفَارِقُ بَيْنَهُمَا قَالَ فِي الْأَصْلِ وَالْأَصْلُ عِنْدَ الْإِمَامِ أَنَّهُ إذَا جَمَعَ بَيْنَ الْوَقْتِ وَالْعَمَلِ إنَّمَا يَفْسُدُ الْعَقْدُ إذَا ذُكِرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى وَجْهٍ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَعْقُودًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الْوَقْتِ وَالْعَمَلِ عَلَى وَجْهٍ لَا يُجَوِّزُ إفْرَادَ الْعَقْدِ عَلَيْهِ لَا يُفْسِدُ الْعَقْدَ بَيَانُهُ إذَا اسْتَأْجَرَ رَجُلًا يَوْمًا لِيَبْنِيَ لَهُ بِالْجِصِّ وَالْآجُرِّ جَازَ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ جَمَعَ بَيْنَ الْوَقْتِ وَالْعَمَلِ فَكَانَ ذِكْرُ الْبِنَاءِ لِبَيَانِ نَوْعِ الْعَمَلِ، وَهَذَا الْعَمَلُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَا يَجُوزُ إفْرَادُ الْعَقْدِ عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ ذُكِرَ الْعَمَلُ عَلَى وَجْهٍ يَجُوزُ إفْرَادُ الْعَقْدِ عَلَيْهِ فَإِنْ بَيَّنَ قَدْرَ الْبِنَاءِ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ عِنْدَ الْإِمَامِ اهـ. فَعَلَى مَسْأَلَةِ الْخُبْزِ بَيَّنَ قَدْرَ الْمَحَلِّ تَفْسُدُ وَفِي مَسْأَلَةِ الرَّاعِي لَمْ يُبَيِّنْ قَدْرَ الْغَنَمِ الْمَرْعِيِّ فَلَا يَفْسُدُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا، وَعَنْ مُحَمَّدٍ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 27 إذَا اسْتَأْجَرَهُ لِيَحْمِلَ لَهُ هَذَا الْيَوْمَ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ الْيَوْمَ فَهُوَ عَلَى الْمَحَلِّ دُونَ الْوَقْتِ اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا عَلَى أَنْ يُكْرِيَهَا بِهَا وَيَزْرَعَهَا أَوْ يَسْقِيَهَا وَيَزْرَعَهَا صَحَّ) لِأَنَّهُ شَرْطٌ يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَهُوَ مُلَائِمٌ لَهُ فَلَا يُفْسِدُ الْعَقْدَ، قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ شَرَطَ أَنْ يُثْنِيَهَا أَوْ يُكْرِيَ أَنْهَارَهَا أَوْ يُسَرْقِنَهَا أَوْ يَزْرَعَهَا بِزِرَاعَةِ أَرْضٍ أُخْرَى) لَا يُعَيَّنُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ أَثَرَ التَّثْنِيَةِ وَكَرْيِ الْأَنْهَارِ وَالسَّرْقَنَةِ يَبْقَى بَعْدَ مُضِيِّ عَقْدِ الْإِجَارَةِ فَيَكُونُ عَقْدٌ فِيهِ نَفْعٌ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ وَهُوَ شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ فَيَفْسُدُ؛ وَلِأَنَّ مُؤَجِّرَ الْأَرْضِ يَصِيرُ مُسْتَأْجِرًا مَنَافِعَ الْأَجْرِ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ فَتَصِيرُ صَفْقَةً فِي صَفْقَةٍ فَلَا يَجُوزُ حَتَّى لَوْ كَانَتْ بِحَيْثُ لَا تَبْقَى بِأَنْ كَانَتْ الْمُدَّةُ طَوِيلَةً لَوْ كَانَ الْبَيْعُ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِهِ لَا يَفْسُدُ اشْتِرَاطُهُ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَاخْتَلَفُوا فِي التَّثْنِيَةِ قَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ أَنْ يَرُدَّهَا مَكْرُوبَةً، وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ أَنْ يُكْرِيَهَا مَرَّتَيْنِ وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ إذَا اُشْتُرِطَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَرُدَّهَا مَكْرُوبَةً بَعْدَ الْإِجَارَةِ فَالْمَسْأَلَةُ عَلَى وَجْهَيْنِ، إنْ قَالَ صَاحِبُ الْأَرْضِ أَجَّرْتُك بِكَذَا بِأَنْ تَرُدَّهَا مَكْرُوبَةً بَعْدَ مُضِيِّ الْعَقْدِ فَالْعَقْدُ جَائِزٌ، وَأَمَّا إذَا قَالَ أَجَّرْتُك عَلَى أَنْ تُكْرِيَهَا بَعْدَ الْعَقْدِ فَفِي هَذَا الْوَجْهِ الْعَقْدُ فَاسِدٌ وَإِنْ أَطْلَقَ الْكِرَابَ يَنْصَرِفُ إلَى مَا بَعْدَ الْعَقْدِ وَيَصِحُّ الْعَقْدُ، وَأَمَّا إذَا شَرَطَ أَنْ يُكْرِيَ أَنْهَارَهَا يَفْسُدُ الْعَقْدُ وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْجَدَاوِلِ وَالْأَنْهَارِ فَقَالَ اشْتِرَاطُ كَرْيِ الْجَدَاوِلِ صَحِيحٌ. قَالَ فِي الْكَافِي الصَّحِيحُ لَا يَفْسُدُ بِهَذَا الْعَقْدِ بِخِلَافِ اشْتِرَاطِ كَرْيِ الْأَنْهَارِ، وَأَمَّا إذَا شُرِطَ عَلَيْهِ أَنْ يُسَرْقِنَهَا فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ السِّرْقِينُ مِنْ عِنْدِ الْمُسْتَأْجِرِ فَقَدْ شَرَطَ عَلَيْهِ عَيْنًا هُوَ مَالٌ فَإِنْ كَانَ تَبْقَى مَنْفَعَتُهُ إلَى الْعَامِ الثَّانِي لَا يَفْسُدُ كَذَا فِي الْأَصْلِ، وَمُقْتَضَى النَّظَرِ أَنْ يُفَصَّلَ فِيهَا بِأَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ الْأَرْضُ لَا يَظْهَرُ رِيعُهَا إلَّا بِالسِّرْقِينِ فَهُوَ شَرْطٌ مُلَائِمٌ لِلْعَقْدِ فَلَا يَفْسُدُ وَإِنْ كَانَ يَظْهَرُ رِيعُهَا مِنْ غَيْرِ سَرْقَنَةٍ فَهُوَ شَرْطٌ فِيهِ مَنْفَعَةٌ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَيَفْسُدُ، وَأَمَّا اسْتِئْجَارُ الْأَرْضِ بِأَرْضٍ أُخْرَى لِيَزْرَعَهَا الْآخَرُ يَكُونُ بَيْعُ الشَّيْءِ بِجِنْسِهِ نَسِيئَةً وَهُوَ حَرَامٌ كَمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا كَإِجَارَةِ السُّكْنَى بِالسُّكْنَى) يَعْنِي لَا يَجُوزُ إجَارَةُ السُّكْنَى بِالسُّكْنَى؛ لِأَنَّ الْجِنْسَ بِانْفِرَادِهِ يُحَرِّمُ النَّسَاءَ وَإِلَيْهِ أَشَارَ مُحَمَّدٌ حِينَ كَتَبَ لَهُ مُحَمَّدُ بْنُ سِمَاعَةَ لِمَ لَا يَجُوزُ إجَارَةُ سُكْنَى دَارٍ بِسُكْنَى دَارٍ أُخْرَى بِقَوْلِهِ فِي جَوَابِهِ أَطَلْت الْفِكْرَةَ وَأَصَابَتْك الْحِيرَةُ وَجَالَسْت الْحَيَارَى أَيْ فَكَانَ مِنْك ذِلَّةٌ وَمَا عَلِمْت أَنَّ إجَارَةَ السُّكْنَى بِالسُّكْنَى بِالدَّيْنِ كَبَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ بِنَسِيئَةٍ، قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي هَذَا الِاسْتِدْلَالِ بَحْثٌ مِنْ وَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ أَنَّ النَّسَاءَ مَا يَكُونُ عَنْ اشْتِرَاطِ أَجَلٍ فِي الْعَقْدِ وَتَأْخِيرُ الْمَنْفَعَةِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَالثَّانِي أَنَّ النَّسَاءَ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي مُبَادَلَةِ مَوْجُودٍ فِي الْحَالِ بِمَا لَيْسَ كَذَلِكَ وَمَا نَحْنُ فِيهِ لَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَيْسَ بِمَوْجُودٍ وَإِنَّمَا يَحْدُثَانِ شَيْئًا فَشَيْئًا وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّهُ لَمَّا أَقْدَمَا عَلَى عَقْدٍ يَتَأَخَّرُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ فِيهِ وَيَحْدُثُ شَيْئًا فَشَيْئًا كَانَ ذَلِكَ أَبْلَغُ فِي وُجُوبِ التَّأْخِيرِ مِنْ الْمَشْرُوطِ فَالْحَقُّ بِهِ دَلَالَةٌ احْتِيَاطًا عَنْ شُبْهَةِ الْحُرْمَةِ، وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الَّذِي لَمْ تَصْحَبْهُ الْبَاءُ تُقَامُ فِيهِ الْعَيْنُ مَقَامَ الْمَنْفَعَةِ ضَرُورَةَ تَحَقُّقِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ دُونَ مَا تَصْحَبُهُ لِفُقْدَانِهَا فِيهِ وَلَزِمَ وُجُودُ أَحَدِهِمَا حُكْمًا وَعَدَمُ الْآخَرِ فَيَتَحَقَّقُ النَّسَاءُ، وَفِي الشَّارِحِ وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ إنَّ الْإِجَارَةَ أُجِيزَتْ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ لِلْحَاجَةِ وَلَا حَاجَةَ إلَى اسْتِئْجَارِ الْمَنْفَعَةِ بِمَنْفَعَةٍ مِنْ جِنْسِهَا، وَلَوْ اسْتَوْفَى أَحَدُهُمَا الْمَنْفَعَةَ فِي الْمَسْأَلَةِ فَعَلَيْهِ أَجْرُ الْمِثْلِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ اسْتَوْفَى الْمَنْفَعَةَ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ فَيَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَجُوزُ هَذَا الْعَقْدُ اهـ. [اسْتَأْجَرَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ صَاحِبَهُ لِحَمْلِ طَعَامٍ بَيْنَهُمَا] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ لِحَمْلِ طَعَامٍ بَيْنَهُمَا فَلَا أَجْرَ لَهُ) يَعْنِي لَوْ اسْتَأْجَرَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ صَاحِبَهُ لِحَمْلِ طَعَامٍ بَيْنَهُمَا لَا يُسْتَحَقُّ الْمُسَمَّى وَلَا أَجْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَرَدَ عَلَى مَا لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ حَمْلُ النِّصْفِ شَائِعًا وَذَلِكَ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ فِعْلٌ حِسِّيٌّ لَا يُمْكِنُ وُجُودُهُ فِي الشَّائِعِ وَلِهَذَا يَحْرُمُ وَطْءُ الْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَكَةِ وَضَرْبُهَا وَإِذَا لَمْ يَنْعَقِدْ لَمْ يَجِبْ الْأَجْرُ أَصْلًا؛ وَلِأَنَّهُ مَا مِنْ جُزْءٍ يَحْمِلُهُ إلَّا وَهُوَ شَرِيكُهُ فِيهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ اسْتَأْجَرَ دَارًا مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ لِيَضَعَ فِيهَا الطَّعَامَ حَيْثُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ الْمَنْفَعَةُ وَيَسْتَحِقُّ بِتَحَقُّقِ تَسْلِيمِهَا بِدُونِ وَضْعِ الطَّعَامِ وَبِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ حَيْثُ يَجُوزُ اسْتِئْجَارُهُ لِيَخِيطَ لَهُ قَمِيصًا لَكِنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ نَصِيبُ الْأَجْرِ وَهُوَ أَمْرٌ حُكْمِيٌّ يُمْكِنُ إيقَاعُهُ فِي الشَّائِعِ وَبِخِلَافِ إجَارَةِ الْمَشَاعِ عِنْدَ الْإِمَامِ حَيْثُ يَجِبُ فِيهَا أَجْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ فَسَادَ الْعَقْدِ لِلْعَجْزِ عَنْ التَّسْلِيمِ، وَإِذَا سَكَنَ تَبَيَّنَ عَدَمُهُ، وَقَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 28 يَجُوزُ وَفِي الْعُيُونِ وَالْكُبْرَى كُلُّ شَيْءٍ اسْتَأْجَرَهُ أَحَدُهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ مِمَّا يَكُونُ الْعَمَلُ فِيهِ لَهُمَا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ فَإِنْ عَمِلَ فَلَا أَجْرَ لَهُ وَذَلِكَ مِثْلُ الدَّابَّةِ يَعْنِي لَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً مُشْتَرَكَةً لِحَمْلِ طَعَامٍ بَيْنَهُمَا فَلَا أَجْرَ لَهُ وَكُلُّ شَيْءٍ اسْتَأْجَرَهُ أَحَدُهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ مِمَّا لَا يَكُونُ الْعَمَلُ فِيهِ لَهُمَا فَهُوَ جَائِزٌ نَحْوُ الْجَوَالِقِ وَالسَّفِينَةِ وَالدَّارِ قَالَ فَخْرُ الدِّينِ وَالْفَتْوَى عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْعُيُونِ وَفِي النَّوَادِرِ اسْتَأْجَرَ رَجُلَيْنِ لِيَحْمِلَا لَهُ هَذِهِ الْحِنْطَةَ إلَى مَنْزِلِهِ بِدِرْهَمٍ فَحَمَلَهَا أَحَدُهُمَا فَلَهُ نِصْفُ الدِّرْهَمِ وَهُوَ مُتَطَوِّعٌ إذَا لَمْ يَكُونَا شَرِيكَيْنِ قَبْلَ الْعَمَلِ، وَكَذَا إذَا اسْتَأْجَرَهُمَا لِبِنَاءِ حَائِطٍ أَوْ حَفْرِ بِئْرٍ فَلَوْ كَانَا شَرِيكَيْنِ فِي الْعَمَلِ يَجِبُ الْأَجْرُ كُلُّهُ وَيَكُونُ بَيْنَهُمَا وَفِي الْأَصْلِ اسْتَأْجَرَ قَوْمًا لِيَحْفِرُوا لَهُ سِرْدَابًا إجَارَةً صَحِيحَةً فَعَمِلُوا وَتَعَاوَنُوا فِي الْعَمَلِ إنْ كَانَ يَسِيرًا قُسِمَ الْأَجْرُ بَيْنَهُمَا عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ وَإِنْ كَانَ فَاحِشًا يُقْسَمُ عَلَى قَدْرِ الْعَمَلِ، وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ أَحَدُهُمَا لِمَرَضٍ أَوْ عُذْرٍ سَقَطَتْ حِصَّتُهُ وَفِي الْغِيَاثِيَّةِ لِرَجُلٍ بَيْتٌ عَلَى نَهْرٍ فَجَاءَ آخَرُ بِحَجَرٍ وَمَتَاعِهَا فَوَضَعَهُمَا فِي الْبَيْتِ وَاشْتَرَكَا عَلَى أَنْ يَطْحَنَا حُبُوبَ النَّاسِ فَمَا حَصَلَ قَسَمَاهُ نِصْفَيْنِ جَازَ وَهُوَ شَرِكَةُ التَّقَبُّلِ وَلَيْسَ لِلْبَيْتِ وَالْمَتَاعِ أَجْرٌ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (كَرَاهِنٍ اسْتَأْجَرَ الرَّهْنَ مِنْ الْمُرْتَهِنِ) يَعْنِي لَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الشَّرِيكِ هُنَا كَمَا لَا يَجُوزُ فِي مَسْأَلَةِ الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ وَالْمُرْتَهِنُ لَيْسَ بِمَالِكٍ حَتَّى يُؤَجِّرَهُ فَلَا يَتَأَتَّى مِنْهُ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ بِعِوَضٍ؛ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ مِنْ غَيْرِ الْمَالِكِ مُحَالٌ وَالرَّاهِنُ إنَّمَا يُمَكَّنُ مِنْ الِانْتِفَاعِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَلَكَهُ وَمَنْ انْتَفَعَ بِمِلْكِ نَفْسِهِ لَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ يَزْرَعُهَا أَوْ أَيَّ شَيْءٍ يَزْرَعُهَا فَزَرَعَهَا فَمَضَى الْأَجَلُ فَلَهُ الْمُسَمَّى) لِأَنَّ الْأَرْضَ تُؤَجَّرُ لِلزِّرَاعَةِ وَلِغَيْرِهَا مِنْ الْبِنَاءِ وَالْمُرَاحِ وَنَصْبِ الْخِيَمِ، وَكَذَا مَا يُزْرَعُ فِيهَا يَخْتَلِفُ كَمَا تَقَدَّمَ فَلَا يَجُوزُ الْعَقْدُ حَتَّى يُبَيِّنَ مَا يَزْرَعُ وَيُبَيِّنَ جِنْسَهُ، وَإِذَا زَرَعَ وَمَضَى الْأَجَلُ جَازَ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ ارْتَفَعَتْ قَبْلَ تَمَامِ الْعَقْدِ فَيَنْقَلِبُ جَائِزًا قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي حِلِّ قَوْلِهِ قَبْلَ تَمَامِ الْعَقْدِ يُنْقَضُ الْحُكْمُ أَقُولُ: لَا يَخْفَى عَلَى ذِي تَأَمُّلٍ إنْ جَعَلَ الْعَقْدَ تَامًّا يُنْقَضُ الْحُكْمُ مِمَّا لَا تَقْبَلُهُ الْفِطْرَةُ السَّلِيمَةُ فَإِنَّ الْعَقْدَ يَنْفَسِخُ مِنْ الْأَصْلِ بِنَقْضِ الْحَاكِمِ إيَّاهُ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ تَتِمَّ بِهِ وَتَمَامُ الشَّيْءِ مِنْ أَثَرِ بَقَائِهِ بِهِ وَالْحَقُّ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ قَبْلَ تَمَامِ الْعَقْدِ قَبْلَ تَمَامِ مُدَّةِ الْعَقْدِ، قَالَ فِي النِّهَايَةِ فَإِنْ قِيلَ إذَا ارْتَفَعَتْ الْجَهَالَةُ بِمُجَرَّدِ الزِّرَاعَةِ لَمْ يَرْتَفِعْ مَا هُوَ الْمُوجِبُ لِلْفَسَادِ وَهُوَ احْتِمَالُ أَنْ يَزْرَعَ فِيهَا مَا يَضُرُّ بِالْأَرْضِ فَكَيْفَ يَنْقَلِبُ إلَى الْجَوَازِ بِتَحَقُّقِ شَيْءٍ احْتِمَالُهُ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ؛ وَلِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ إذَا كَانَ مَجْهُولًا لَا يَتَعَيَّنُ إلَّا بِتَعْيِينِهِمَا صَوْنًا عَنْ الْإِضْرَارِ بِالْآخَرِ وَلَا يَنْفَرِدُ بِهِ أَحَدُهُمَا، قُلْت الْأَصْلُ إجَارَةُ الْعَقْدِ عِنْدَ انْتِفَاءِ الْمَانِعِ؛ لِأَنَّ الْعُقُودَ تَصِحُّ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ وَالْمَانِعُ الَّذِي فَسَدَ الْعَقْدُ بِاعْتِبَارِهِ تُوقِعُ الْمُنَازَعَةُ بَيْنَهُمَا، وَعِنْدَ اسْتِيفَاءِ الْمَنَافِعِ يَزُولُ هَذَا. اهـ. وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَيَجِبُ الْمُسَمَّى إذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بَعْدَ نَقْضِ الْقَاضِي الْعَقْدَ. اهـ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ قِيلَ: وَهَذَا تَحْرِيفٌ مِنْ الْكَاتِبِ يَعْنِي إذَا كَانَ بَعْدَهُ فَلَهُ أَجْرُ الْمِثْلِ لَا يُقَالُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُتَكَرِّرَةٌ مَعَ قَوْلِهِ وَالْأَرْضُ لِلزِّرَاعَةِ إنْ بَيَّنَ مَا يَزْرَعُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْأَوَّلُ بِاعْتِبَارِ مَا يَصِحُّ مِنْ الْعُقُودِ وَذِكْرُهَا هُنَا بِاعْتِبَارِ مَا يَفْسُدُ مِنْ الْعُقُودِ قَالَ الْأَكْمَلُ لَا يُقَالُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُتَكَرِّرَةٌ مَعَ مَا ذَكَرَهُ أَوَّلَ الْبَابِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ وَضْعُ الْقُدُورِيُّ، وَهَذَا مَوْضِعُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ يَشْتَمِلُ عَلَى زِيَادَةِ قَوْلِهِ فَلَهُ يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ انْعَقَدَ فَاسِدًا وَزَالَ الْفَسَادُ بِالزَّرْعِ عَلَى مَا فِيهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ اسْتَأْجَرَ حِمَارًا إلَى مَكَّةَ وَلَمْ يُسَمِّ مَا يَحْمِلُ فَحَمَلَ مَا يَحْمِلُ النَّاسُ فَنَفَقَ لَمْ يَضْمَنْ) لِأَنَّ الْعَيْنَ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ وَإِنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ فَاسِدَةً؛ لِأَنَّ الْفَاسِدَ يُعْتَبَرُ بِالصَّحِيحِ لِكَوْنِهِ مَشْرُوعًا مِنْ وَجْهٍ فَلَا يَضْمَنُ مَا لَمْ يَتَعَدَّ فَإِذَا تَعَدَّى ضَمِنَ وَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ، قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ بَلَغَ مَكَّةَ فَلَهُ الْمُسَمَّى) ؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ كَانَ لِجَهَالَةِ مَا يُحْمَلُ فَإِذَا حَمَلَ عَلَيْهِ شَيْئًا تَعَيَّنَ ذَلِكَ فَانْقَلَبَ صَحِيحًا لِزَوَالِ الْمُوجِبِ لِلْفَسَادِ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً وَجَحَدَ الْإِجَارَةَ فِي أَثْنَاءِ الطَّرِيقِ وَجَبَ عَلَيْهِ أَجْرُ مَا رَكِبَ قَبْلَ الْإِنْكَارِ وَلَا يَجِبُ الْأَجْرُ لِمَا بَعْدَهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ بِالْجُحُودِ صَارَ غَاصِبًا وَالْأَجْرُ وَالضَّمَانُ لَا يَجْتَمِعَانِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَجِبُ الْأَجْرُ كُلُّهُ. اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ تَشَاحَّا قَبْلَ الزَّرْعِ وَالْحَمْلِ نُقِضَتْ الْإِجَارَةُ دَفْعًا لِلْفَسَادِ) إذْ الْفَسَادُ بَاقٍ قَبْلَ أَنْ تَرْتَفِعَ الْجَهَالَةُ بِالتَّعْيِينِ بِالزَّرْعِ وَالْحَمْلِ، فَإِنْ قُلْت حُكْمُ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ نَقْضُهَا قَبْلَ تَمَامِ الْأُجْرَةِ بَعْدَ الِاسْتِعْمَالِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَدَّمَ عَلَى وُجُوبِ الْأُجْرَةِ بَعْدَ الِاسْتِعْمَالِ قُلْنَا قَدَّمَ الْأُجْرَةَ لِكَثْرَةِ وُقُوعِهَا فَتَأَمَّلْ وَلَا يَخْفَى أَنَّ رَفْعَ الْفَاسِدِ وَاجِبٌ سَوَاءٌ تَشَاحَّا أَوْ لَمْ يَتَشَاحَّا فَكَانَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 29 عَلَيْهِ أَنْ لَا يُقَيِّدَهُ بِذَلِكَ، وَلَوْ قَالَ وَعَلَيْهِمَا أَنْ يَرْفَعَا الْعَقْدَ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ رَفْعَهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِمَا تَشَاحَّا أَوْ لَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [بَابُ ضَمَانِ الْأَجِيرِ] (بَابُ ضَمَانِ الْأَجِيرِ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ أَنْوَاعِ الْإِجَارَةِ صَحِيحِهَا وَفَاسِدِهَا شَرَعَ فِي بَيَانِ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْعَوَارِضِ الَّتِي تَتَرَتَّبُ عَلَى عَقْدِ الْإِجَارَةِ فَيَحْتَاجُ إلَى بَيَانِهَا كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْأَجِيرَ عَلَى ضَرْبَيْنِ خَاصٍّ وَمُشْتَرَكٍ فَشَرَعَ الْمُؤَلِّفُ يُبَيِّنُ ذَلِكَ وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَعْنَى ضَمَانِ الْأَجِيرِ إثْبَاتًا وَنَفْيًا، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَعْنَاهُ ذَلِكَ، بَلْ مَعْنَاهُ إثْبَاتُ الضَّمَانِ فَقَطْ لَزِمَ أَنْ لَا يَصِحَّ عِنْوَانُ الْبَابِ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ لَا ضَمَانَ عِنْدَهُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ وَالْخَاصِّ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ مَنْ يَعْمَلُ لِغَيْرِ وَاحِدٍ) قَالَ الْأَكْمَلُ وَالسُّؤَالُ عَنْ وَجْهِ تَقْدِيمِ الْمُشْتَرَكِ عَلَى الْخَاصِّ دَوْرِيٌّ اهـ. يَعْنِي أَنَّ السُّؤَالَ عَنْ تَوْجِيهِ تَقْدِيمِ الْمُشْتَرَكِ يَتَوَجَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ الْعَكْسِ فَلَا مُرَجِّحَ سِوَى الِاخْتِيَارِ قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ فَإِنْ قُلْت تَعْرِيفُ الْمُشْتَرَكِ بِقَوْلِهِ مَنْ يَعْمَلُ لِغَيْرِ وَاحِدٍ تَعْرِيفٌ يَدُلُّ عَلَى عَاقِبَتِهِ إلَى الدَّوْرِ؛ لِأَنَّ هَذَا حُكْمٌ لَا يَعْرِفُهُ إلَّا مَنْ يَعْرِفُ الْأَجِيرَ الْمُشْتَرَكَ، وَلَوْ كَانَ عَارِفًا بِالْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ لَا يَحْتَاجُ إلَى هَذَا التَّعْرِيفِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ عَارِفًا بِهِ قَبْلَ ذَلِكَ لَا يَحْصُلُ لَهُ تَعْرِيفُ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى السُّؤَالِ عَمَّنْ لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ حَتَّى يَعْلَمَ مَنْ هُوَ فَلَا بُدَّ لِلْمُعَرِّفِ أَنْ يَقُولَ هُوَ الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ وَهُوَ عَيْنُ الدَّوْرِ قُلْت نَعَمْ هُوَ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّ هَذَا تَعْرِيفٌ لِلْخَفِيِّ بِمَا هُوَ أَشْهَرُ مِنْهُ فِي مَفْهُومِ الْمُتَعَلِّمِينَ أَوْ هُوَ تَعْرِيفٌ لِمَا لَمْ يُذْكَرْ بِمَا قَدْ سَبَقَ ذِكْرُهُ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ قَبْلَ هَذَا اسْتِحْقَاقَ الْأَجِيرِ بِالْعَمَلِ بِقَوْلِهِ أَوْ بِاسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فِي بَابِ الْأُجْرَةِ مَتَى تُسْتَحَقُّ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ وَمَا عَرَفْته بِأَنَّ الْأَجِيرَ هُوَ الَّذِي يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ بِاسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَهُوَ الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ إلَى هُنَا كَلَامُهُ وَاعْتَرَضَ بِأَنَّ الْجَوَابَ فِيهِ خَلَلٌ مِنْ أَوْجُهٍ، أَمَّا أَوَّلًا؛ فَلِأَنَّ قَوْلَهُ فِي أَوَّلِ الْجَوَابِ نَعَمْ كَذَلِكَ اعْتِرَافٌ بِلُزُومِ الدَّوْرِ وَمَا يَسْتَلْزِمُ الدَّوْرَ يَتَعَيَّنُ فَسَادُهُ وَلَا يُمْكِنُ إصْلَاحُهُ. وَأَمَّا ثَانِيًا؛ فَلِأَنَّ كَوْنَ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ خَفِيًّا وَمَا ذَكَرَهُ فِي التَّعْرِيفِ أَشْهَرُ مِنْهُ فَمَمْنُوعٌ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ فَمَا صَحَّ الْجَوَابُ إذَا سُئِلَ عَمَّنْ يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ حَتَّى يُعْلَمَ، وَأَمَّا ثَالِثًا؛ فَلِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي بَابِ الْأَجِيرِ حَتَّى يُسْتَحَقَّ غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِالْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ، قَالَ الْأَكْمَلُ: تَعْرِيفُ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكُ يَسْتَلْزِمُ الدَّوْرَ؛ لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ مَنْ يَعْمَلُ لِغَيْرِ وَاحِدٍ حَتَّى يَعْرِفَ الْأَجِيرَ الْمُشْتَرَكَ فَتَكُونُ مَعْرِفَةُ الْمُعَرِّفِ مَوْقُوفَةً عَلَى مَعْرِفَةِ الْمُعَرَّفِ بِهِ وَهُوَ الدَّوْرُ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ قَدْ عَلِمَ مِمَّا سَبَقَ مَتَى يُسْتَحَقُّ الْأَجِيرُ بِالْعَمَلِ فَلَمْ تَتَوَقَّفْ مَعْرِفَتُهُ عَلَى مَعْرِفَةِ الْمُعَرِّفِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ مَنْ يَعْمَلُ لِغَيْرِ وَاحِدٍ كَالْخَيَّاطِ وَالصَّبَّاغِ اهـ. وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ مَنْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَخْتَصَّ بِوَاحِدٍ عَمِلَ لِغَيْرِهِ أَوْ لَمْ يَعْمَلْ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ عَامِلًا لِغَيْرِ وَاحِدٍ، بَلْ إذَا عَمِلَ لِوَاحِدٍ فَهُوَ مُشْتَرَكٌ إذَا كَانَ بِحَيْثُ لَا يَمْتَنِعُ وَلَا يَبْعُدُ عَلَيْهِ أَنْ يَعْمَلَ لِغَيْرِ وَاحِدٍ، قَالَ الشَّارِحُ: وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ مَنْ يَكُونُ عَقْدُهُ وَارِدًا عَلَى عَمَلٍ مَعْلُومٍ بِبَيَانِ مَحَلِّهِ لِيَسْلَمَ مِنْ النَّقْضِ وَالْخَاصُّ مَنْ يَكُونُ الْعَقْدُ وَارِدًا عَلَى مَنْفَعَتِهِ وَلَا تَصِيرُ مَنَافِعُهُ مَعْلُومَةً إلَّا بِذِكْرِ الْمُدَّةِ وَالْمَسَافَةِ وَمَنَافِعُهُ مَعْلُومَةٌ فِي حُكْمِ الْعَيْنِ فَفِي الْمُشْتَرَكِ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ الْوَصْفُ الَّذِي يَحْدُثُ فِي الْعَيْنِ بِفِعْلِهِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِ الْمُدَّةِ وَلَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ التَّقَبُّلُ. وَحُكْمُ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ أَنْ يَتَقَبَّلَ الْعَمَلَ لِغَيْرِ وَاحِدٍ وَالْخَاصُّ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَعْمَلَ لِغَيْرِ وَاحِدٍ وَفِي الْأَصْلِ مَا مَعْنَاهُ الْمُشْتَرَكُ مَنْ يَقَعُ الْعَقْدُ عَلَى الْعَمَلِ الْمَعْلُومِ فَيَصِحُّ بِدُونِ بَيَانِ الْمُدَّةِ وَالْإِجَارَةُ عَلَى الْمُدَّةِ لَا تَصِحُّ إلَّا بِبَيَانِ نَوْعٍ مِنْ الْعَمَلِ، وَإِذَا جَمَعَ بَيْنَ الْعَمَلِ وَالْمُدَّةِ يُعْتَبَرُ الْأَوَّلُ فَلَوْ اسْتَأْجَرَ رَاعِيًا لِيَرْعَى لَهُ غَنَمَهُ الْمَعْلُومَةَ بِدِرْهَمٍ شَهْرًا فَهُوَ أَجِيرٌ مُشْتَرَكٌ إلَّا إذَا صَرَّحَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ بِمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ خَاصٌّ بِأَنْ قَالَ لَا يَرْعَى غَنَمَ غَيْرِي، وَإِذَا ذَكَرَ الْمُدَّةَ أَوَّلًا نَحْوَ أَنْ يَسْتَأْجِرَ رَاعِيًا شَهْرًا يَرْعَى غَنَمَهُ الْمَعْلُومَةَ بِدِرْهَمٍ فَهُوَ أَجِيرٌ خَاصٌّ إلَّا إذَا صَرَّحَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ بِمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مُشْتَرَكٌ بِأَنْ يَقُولَ ارْعَ غَنَمِي وَغَنَمَ غَيْرِي. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ حَتَّى يَعْمَلَ كَالْقَصَّارِ وَالصَّبَّاغِ وَالْخَيَّاطِ وَالنَّسَّاجِ) لِأَنَّ الْإِجَارَةَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَيَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ بَيْنَهُمَا كَمَا تَقَدَّمَ أَقُولُ: لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا اخْتَارَهُ الْقُدُورِيُّ فِي تَعْرِيفِ الْمُشْتَرَكِ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ، وَقِيلَ قَوْلُهُ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ حَتَّى يَعْمَلَ مُفْرَدًا، وَالتَّعْرِيفُ بِالْمُفْرَدِ لَا يَصِحُّ عِنْدَ عَامَّةِ الْمُحَقِّقِينَ، وَالْحَقُّ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ مِنْ التَّعْرِيفَاتِ اللَّفْظِيَّةِ وَفِي الْعَتَّابِيَّةِ الْمُشْتَرَكُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 30 الْحَمَّالُ وَالْمَلَّاحُ وَالْحَائِكُ وَالْخَائِطُ وَالنَّدَّافُ وَالصَّبَّاغُ وَالْقَصَّارُ وَالرَّاعِي وَالْحَجَّامُ وَالْبَزَّاغُ وَالْبَنَّاءُ وَالْحَفَّارُ. اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمَتَاعُ فِي يَدِهِ غَيْرُ مَضْمُونٍ بِالْهَلَاكِ) يَعْنِي لَا يَضْمَنُ مَا ذُكِرَ سَوَاءٌ هَلَكَ بِسَبَبٍ يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ كَالسَّرِقَةِ أَوْ بِمَا لَا يُمْكِنُ كَالْحَرِيقِ الْغَالِبِ وَالْفَارَةِ الْمُكَابِرَةِ، وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ، وَقَالَا لَا يَضْمَنُ إذَا هَلَكَ بِمَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ؛ لِأَنَّ عَلِيًّا وَعُمَرَ ضَمَّنَاهُ؛ وَلِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ الْحِفْظُ وَبِمَا ذُكِرَ لَمْ يُوجَدْ الْحِفْظُ التَّامُّ كَمَا فِي الْوَدِيعَةِ إذَا كَانَتْ بِأَجْرٍ وَكَمَا إذَا هَلَكَ بِفِعْلِهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْقَبْضَ حَصَلَ بِإِذْنِهِ فَلَا يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ كَالْوَدِيعَةِ وَالْعَارِيَّةِ وَلِهَذَا لَا يَضْمَنُ فِيمَا لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ كَالْمَوْتِ وَالْغَصْبِ، وَلَوْ كَانَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ لَمَا اخْتَلَفَ الْحَالُ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ هُوَ الْحِفْظُ، بَلْ الْعَمَلُ وَالْحِفْظُ تَبَعًا بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ بِأُجْرَةٍ؛ لِأَنَّ الْحِفْظَ وَجَبَ مَقْصُودًا وَبِخِلَافِ مَا إذَا تَلِفَ بِعَمَلِهِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَقْتَضِي سَلَامَةَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْعَمَلُ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ سَلِيمًا ضَمِنَ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ أَنَّهُمَا كَانَا لَا يُضَمِّنَانِ الْأَجِيرَ الْمُشْتَرَكَ وَهُوَ قَوْلُ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ فَيَتَعَارَضُ عَنْهُمَا الرِّوَايَةُ فَلَا تَلْزَمُ حُجَّةٌ، وَقِيلَ هَذَا اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ وَرُدَّ بِأَنَّ الِاخْتِلَافَ مَوْجُودٌ بَيْنَ الصَّحَابَةِ وَبَيْنَ أَئِمَّتِنَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَمَبْنَى الِاخْتِلَافِ أَنَّ عِنْدَهُمَا الْحِفْظَ مَعْقُودٌ عَلَيْهِ وَمَا لَا يَتَوَصَّلُ إلَى الْوَاجِبِ إلَّا بِهِ يَكُونُ وَاجِبًا لِوُجُوبِهِ فَيَكُونُ الْعَقْدُ وَارِدًا عَلَيْهِ، وَعِنْدَهُ لَا يَكُونُ وَارِدًا عَلَيْهِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ بِقَوْلِهِمَا يُفْتَى فِي هَذَا الزَّمَانِ لِتَغَيُّرِ أَحْوَالِ النَّاسِ وَإِنْ شَرَطَ الضَّمَانَ عَلَى الْأَجِيرِ فَإِنْ كَانَ فِيمَا لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَإِنْ كَانَ فِيمَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ يَجُوزُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِلْإِمَامِ وَفِي الدِّرَايَةِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ بِقَوْلِ الْإِمَامِ وَبِهِ أَفْتَى، وَفِي الْمُزَارَعَةِ وَالْمُعَامَلَةِ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا لِمَكَانِ الضَّرُورَةِ وَفِي السِّرَاجِيَّةِ وَأَفْتَى بَعْضُهُمْ بِالصُّلْحِ عَلَى نِصْفِ الْقِيمَةِ فِيمَا هَلَكَ فِي يَدِ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ فِيمَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ فِي عَمَلِهِ وَقَيَّدَ بِالْهَلَاكِ لِيَحْتَرِزَ عَنْ الْخَطَأِ، قَالَ فِي الْمُحِيطِ دَفَعَ إلَى قَصَّارٍ ثَوْبًا لِيُقَصِّرَهُ فَجَاءَ لِيَطْلُبَ ثَوْبَهُ فَدَفَعَ إلَيْهِ الْقَصَّارُ ثَوْبًا ظَانًّا أَنَّهُ لَهُ فَهُوَ ضَامِنٌ لَهُ وَكُلُّ مَنْ أَخَذَ شَيْئًا عَلَى أَنَّهُ لَهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ فَهُوَ ضَامِنٌ، وَلَوْ كَانَ صَاحِبُ الثَّوْبِ أَرْسَلَ رَجُلًا لِيَأْخُذَ ثَوْبَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الرَّسُولِ وَإِنْ أَخَذَ الرَّسُولُ الثَّوْبَ بِغَيْبَةِ الْقَصَّارِ فَرَبُّ الثَّوْبِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْقَصَّارَ أَوْ الرَّسُولَ وَأَيُّهُمَا ضُمِّنَ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْآخَرِ. اهـ. وَفِي الْمُضْمَرَاتِ وَإِذَا ضُمِّنَ عِنْدَهُمَا إنْ كَانَ الْهَلَاكُ قَبْلَ الْعَمَلِ ضَمِنَ قِيمَتَهُ غَيْرَ مَعْمُولٍ وَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْعَمَلِ فَرَبُّ الثَّوْبِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ غَيْرَ مَعْمُولٍ وَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ وَإِنْ شَاءَ أَعْطَاهُ قِيمَتَهُ مَعْمُولًا وَيُعْطِيهِ أُجْرَتَهُ قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ مَعْنَاهُ يُحَطُّ عَنْهُ قَدْرُ الْأُجْرَةِ، وَلَوْ ادَّعَى الرَّدَّ عَلَى صَاحِبِهِ وَصَاحِبُهُ يُنْكِرُ، الْقَوْلُ قَوْلُ الْأَجِيرِ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَلَكِنْ لَا يُصَدَّقُ فِي دَعْوَى الْأَجْرِ، وَعِنْدَهُمَا الْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِ الثَّوْبِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَا تَلِفَ مِنْ عَمَلِهِ كَتَخْرِيقِ الثَّوْبِ مِنْ دَقِّهِ وَزَلْقِ الْجِمَالِ وَانْقِطَاعِ الْحَبْلِ الَّذِي يُشَدُّ بِهِ الْحِمْلُ وَغَرَقِ السَّفِينَةِ مِنْ مَدِّهَا مَضْمُونٌ) هَذَا جَوَابُ الْمَسَائِلِ كُلِّهَا، وَقَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ وَزُفَرُ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ فَصَارَ كَالْمُعِينِ لِلدَّقَّاقِ وَالْأَمْرُ الْمُطْلَقُ يَنْتَظِمُ الْعَمَلَ بِنَوْعَيْهِ الْمَعِيبِ وَالسَّلِيمِ وَلَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْ الدَّقِّ الْمَعِيبِ وَلَنَا أَنَّ التَّلَفَ حَصَلَ بِفِعْلٍ غَيْرِ مَأْذُونٍ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْمَأْذُونَ فِيهِ هُوَ السَّلِيمُ دُونَ غَيْرِهِ عُرْفًا وَعَادَةً فَيَضْمَنُ وَفِي الْمُحِيطِ، وَلَوْ تَخَرَّقَ لِتَقْصِيرِهِ فِي الْعَمَلِ أَوْ لِعَدَمِ مَعْرِفَتِهِ بِالْعَمَلِ يَضْمَنُ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ زُفَرَ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ بِعَمَلِهِ فَشَمِلَ عَمَلَهُ بِنَفْسِهِ وَعَمَلَ أَجِيرِهِ؛ لِأَنَّهُ عَمَلُهُ حُكْمًا قَالَ فِي الْمُحِيطِ: ثُمَّ الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ إنَّمَا يَضْمَنُ مَا تَلِفَ فِي يَدِهِ بِشَرَائِطَ ثَلَاثَةٍ: الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ فِي قُدْرَتِهِ دَفْعُ ذَلِكَ الْفَسَادِ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى ذَلِكَ كَمَا لَوْ غَرِقَتْ السَّفِينَةُ مِنْ مَوْجٍ أَوْ رِيحٍ أَوْ جَبَلٍ صَدَمَهَا لَا ضَمَانَ عَلَى الْمَلَّاحِ. الثَّانِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ الْعَمَلِ مُسْلَمًا إلَيْهِ بِالتَّخْلِيَةِ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَحَلُّ الْعَمَلِ مُسْلَمًا إلَيْهِ بِأَنْ كَانَ رَبُّ الْمَتَاعِ فِي السَّفِينَةِ أَوْ وَكِيلُهُ فَانْكَسَرَتْ السَّفِينَةُ بِجَذْبِ الْمَلَّاحِ لَمْ يَضْمَنْ. وَأَمَّا الثَّالِثُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمَضْمُونُ مِمَّا يَجُوزُ أَنْ يُضْمَنَ بِالْعَقْدِ فَلَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِحَمْلِ عَبْدٍ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُكَارِي فِيمَا عَطِبَ مِنْ سَوْقِهِ أَوْ قَوْدِهِ، قَالَ فِي الْمُحِيطِ لَوْ تَلِفَ مِنْ فِعْلِ أَجِيرِ الْقَصَّارِ لَا مُتَعَمِّدًا فَالضَّمَانُ عَلَى الْقَصَّارِ لَا عَلَى الْأَجِيرِ؛ لِأَنَّ التَّلَفَ حَصَلَ مِنْ عَمَلِ الْقِصَارَةِ، وَلَوْ وَطِئَ ثَوْبًا فَتَخَرَّقَ يُنْظَرُ إنْ كَانَ يُوطَأُ مِثْلُهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ دَلَالَةً وَإِنْ كَانَ لَا يُوطَأُ بِأَنْ كَانَ رَقِيقًا ضَمِنَ، وَلَوْ وَقَعَ مِنْ يَدِهِ سِرَاجٌ فَأَحْرَقَ ثَوْبًا مِنْ الْقِصَارَةِ أَوْ حَمَلَ شَيْئًا فَوَقَعَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 31 عَلَى ثَوْبِ الْقِصَارَةِ فَتَخَرَّقَ فَالضَّمَانُ عَلَى الْأُسْتَاذِ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَخْدُمَهُ فَوَقَعَ شَيْءٌ مِنْ يَدِهِ مِنْ مَتَاعِ الْبَيْتِ فَفَسَدَ لَا يَضْمَنُ، وَلَوْ وَقَعَ الْأَجِيرُ عَلَى ثَوْبِ وَدِيعَةٍ عِنْدَ الْأُسْتَاذِ فَتَخَرَّقَ ضَمِنَ الْأَجِيرُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَأْذُونٍ فِيهِ وَذُكِرَ فِي الْأَصْلِ انْفَلَتَتْ الْمِدَقَّةُ مِنْ يَدِ الْأَجِيرِ فَأَصَابَتْ شَيْئًا فَضَمَانُهُ عَلَى الْقَصَّارِ وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ ثَوْبِ الْقِصَارَةِ وَغَيْرِهِ، وَمَشَايِخُنَا فَصَلُوا فَقَالُوا إنْ وَقَعَ عَلَى ثَوْبِ الْوَدِيعَةِ ابْتِدَاءً وَخَرَقَهُ ضَمِنَ الْأَجِيرُ وَإِنْ وَقَعَ عَلَى ثَوْبِ الْقِصَارَةِ ابْتِدَاءً يَضْمَنُ الْأُسْتَاذُ دُونَ الْأَجِيرِ؛ لِأَنَّهَا انْفَلَتَتْ ابْتِدَاءً عَلَى ثَوْبِ الْوَدِيعَةِ فَهَذَا عَمَلٌ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ فَيَضْمَنُ. فَأَمَّا إذَا انْفَلَتَتْ عَلَى ثَوْبِ الْقِصَارَةِ ابْتِدَاءً فَهُوَ عَمَلٌ مَأْذُونٌ فِيهِ الْأَجِيرُ فَيَضْمَنُ الْأُسْتَاذُ وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ إذَا أَصَابَ آدَمِيًّا وَقَالُوا لَوْ مَشَى الضَّيْفُ عَلَى بِسَاطِ الْمَضِيفِ فَتَخَرَّقَ مِنْ مَشْيِهِ لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ، وَكَذَا لَوْ انْقَلَبَتْ الْأَوَانِي فَانْكَسَرَتْ بِخِلَافِ مَا إذَا وَطِئَ آنِيَةً مِنْ الْأَوَانِي فَأَفْسَدَهَا يَضْمَنُهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَأْذُونٍ فِيهِ، وَلَوْ جَفَّفَ الْقَصَّارُ ثَوْبًا عَلَى حَبْلٍ فَمَرَّتْ حُمُولَةٌ فَحَرَقَتْهُ فَالضَّمَانُ عَلَى الْحَمَّالِ وَالرَّاعِي إذَا سَاقَ الْغَنَمَ فَمَاتَتْ أَوْ وَطِئَ بَعْضُهَا بَعْضًا فَمَاتَ إنْ كَانَ أَجِيرًا مُشْتَرَكًا ضَمِنَ وَإِنْ كَانَ أَجِيرًا خَاصًّا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ اهـ. مُخْتَصَرًا. وَقَوْلُهُ مِنْ دَقِّهِ أَيْ دَقِّهِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا كَدَقِّ أَجِيرِهِ وَقَوْلُهُ كَزَلْقِ الْجَمَّالِ قَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ اسْتَأْجَرَ جَمَّالًا لِيَحْمِلَ لَهُ كَذَا إلَى مَوْضِعِ كَذَا فَزَلَقَ الْجَمَّالُ فِي أَثْنَاءِ الطَّرِيقِ إنْ حَصَلَ بِجِنَايَةِ يَدِهِ ضَمِنَ وَإِنْ حَصَلَ بِمَا لَمْ يُمْكِنْ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ لَا يَضْمَنُ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ وَفِي الذَّخِيرَةِ هَذَا إذَا تَلِفَ فِي وَسَطِ الطَّرِيقِ، وَلَوْ زَلَقَتْ رِجْلُهُ بَعْدَمَا انْتَهَى إلَى الْمَكَانِ الْمَشْرُوطِ فَلَهُ الْأَجْرُ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ أَخِيرًا وَعَلَى قَوْلِهِ أَوَّلًا يَضْمَنُ هُنَا أَيْضًا وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ، وَلَوْ مَطَرَتْ السَّمَاءُ فَأَفْسَدَتْ الْحِمْلَ أَوْ أَصَابَتْهُ الشَّمْسُ فَفَسَدَ فَلَا ضَمَانَ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَضْمَنُ وَفِي الْأَصْلِ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا شَيْئًا فَعَثَرَتْ الدَّابَّةُ فَوَقَعَ الْحِمْلُ أَوْ الْمَمْلُوكُ لَا يَضْمَنُ الْمَمْلُوكَ وَيَضْمَنُ الْحِمْلَ قَالُوا إنَّمَا يَضْمَنُ الْمَتَاعَ إذَا كَانَ الصَّبِيُّ لَا يَصْلُحُ لِحِفْظِ الْمَتَاعِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ يَصْلُحُ لَهُ لَا يَضْمَنُ الْمَتَاعَ، وَلَوْ مَرَّ بِالدَّابَّةِ عَلَى قَنْطَرَةٍ وَفِيهَا حَجَرٌ أَوْ ثُقْبٌ فَوَقَعَ فِيهِ حِمْلُهُ فَتَلِفَ يَضْمَنُ وَقُيِّدَ بِزَلْقِ الْجَمَّالِ الْمُسْتَأْجَرِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَسْتَأْجِرْهُ قَالَ فِي الْمُحِيطِ اسْتَأْجَرَ قِدْرًا، فَلَمَّا فَرَغَ حَمَلَهُ عَلَى حِمَارِهِ فَزَلَقَ رِجْلُ الْحِمَارِ فَوَقَعَ فَانْكَسَرَ الْقِدْرُ فَإِنْ كَانَ الْحِمَارُ يُطِيقُ حَمْلَ ذَلِكَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ لَا يُطِيقُ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ اهـ. قَوْلُهُ وَانْقِطَاعُ الْحَبْلِ الَّذِي يُشَدُّ بِهِ الْحِمْلُ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ إذَا انْقَطَعَ حَبْلُ الْجَمَّالِ وَسَقَطَ الْحِمْلُ وَتَلِفَ ضَمِنَ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ يُشَدُّ بِهِ الْحِمْلُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْحَبْلُ لِصَاحِبِ الْمَتَاعِ لَا يَضْمَنُ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ، وَلَوْ حَمَلَ بِحَبْلِ صَاحِبِ الْمَتَاعِ فَتَلِفَ لَمْ يَضْمَنْ، وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَقَطْعُ الْحَبْلِ مِنْ قِلَّةِ اهْتِمَامِهِ فَكَانَ مِنْ صُنْعِهِ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ تَقَدَّمَ أَنَّ الْأَجِيرَ الْمُشْتَرَكَ لَا يَضْمَنُ مَا تَلِفَ فِي يَدِهِ إنْ كَانَ الْهَلَاكُ بِسَبَبٍ يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ وَفَرَّقَ بِأَنَّ التَّقْصِيرَ هُنَا فِي نَفْسِ الْعَمَلِ فَيَضْمَنُ وَهُنَاكَ فِي نَفْسِ الْحِفْظِ فَلَا يَضْمَنُ، وَلَوْ قَالَ رَبُّ الْمَتَاعِ لِلْحَمَّالِ احْمِلْهُ فَحَمَلَاهُ فَسَقَطَ لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ إلَيْهِ لَمْ يَتِمَّ، وَلَوْ حَمَلَهُ، ثُمَّ اسْتَعَانَ فِي مَوْضِعِهِ بِرَبِّ الْمَتَاعِ فَوَضَعَهُ فَتَلِفَ ضَمِنَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَلَمْ يَضْمَنْ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَلَوْ قَالَ احْمِلْ أَيَّهُمَا شِئْت هَذَا بِدِرْهَمٍ، وَهَذَا بِنِصْفِ دِرْهَمٍ فَحَمَلَهُمَا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِهِمَا وَنِصْفُهُمَا إنْ هَلَكَا، وَلَوْ حَمَلَ أَحَدَهُمَا أَوَّلًا فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ فِي الثَّانِي وَيَضْمَنُهُ إنْ هَلَكَ؛ لِأَنَّهُ حَمَلَهُ بِغَيْرِ إذْنٍ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَحْمِلَ لَهُ جُلُودَ مَيْتَةٍ فَوَقَعَهَا وَأَتْلَفَهَا فَلَا أَجْرَ وَلَا ضَمَانَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ. وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَحْمِلَ هَذِهِ الدَّرَاهِمَ إلَى فُلَانٍ فَأَنْفَقَهَا فِي نِصْفِ الطَّرِيقِ، ثُمَّ دَفَعَ مِثْلَهَا إلَى فُلَانٍ فَلَا أَجْرَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا بِأَدَاءِ الضَّمَانِ وَفِي الْوَاقِعَاتِ اسْتَأْجَرَهُ لِيَحْمِلَ كَذَا فِي طَرِيقِ كَذَا فَأَخَذَ فِي طَرِيقٍ آخَرَ تَسْلُكُهُ النَّاسُ فَتَلِفَ لَمْ يَضْمَنْ قَوْلُهُ وَغَرَقِ السَّفِينَةِ مِنْ مَدِّهَا أَطْلَقَ فِي قَوْلِهِ مِنْ مَدِّهَا فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَضْمَنُ سَوَاءٌ كَانَ رَبُّ الْمَتَاعِ مَعَهُ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَالَ فِي الْأَصْلِ الْمَلَّاحُ إذَا أَخَذَ الْأُجْرَةَ وَغَرِقَتْ السَّفِينَةُ فِي مَوْجٍ أَوْ رِيحٍ أَوْ مَطَرٍ أَوْ فَزَعٍ وَفِي الْخَانِيَّةِ أَوْ مِنْ شَيْءٍ وَقَعَ عَلَيْهَا أَوْ مِنْ شَيْءٍ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ دَفْعُهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَإِنْ حَصَلَ الْغَرَقُ مِنْ أَمْرٍ يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ فَكَذَلِكَ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ وَإِنْ حَصَلَ الْغَرَقُ مِنْ مَدِّهِ وَصَاحِبُ الْمَتَاعِ مَعَهُ لَمْ يَضْمَنْ وَفِي الْأَصْلِ وَإِنْ كَانَ صَاحِبُ الْمَتَاعِ فِي السَّفِينَةِ أَوْ وَكِيلُهُ وَغَرِقَتْ السَّفِينَةُ مِنْ مَدِّهِ وَمُعَالَجَتِهِ فَلَا ضَمَانَ إلَّا أَنْ يُخَالِفَ بِأَنْ يَضَعَ فِيهَا شَيْئًا أَوْ يَفْعَلَ فِيهَا فِعْلًا مُتَعَمِّدًا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 32 الْفَسَادَ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا أُجِّرَتْ الدَّابَّةُ فَسَقَطَ الْمَتَاعُ فَهَلَكَ وَصَاحِبُ الْمَتَاعِ مَعَهُ فَإِنَّ الْأَجِيرَ يَضْمَنُ اهـ. وَالْمُرَادُ بِالْمَدِّ حَبْلُ السَّفِينَةِ الَّتِي تُمَدُّ بِهِ وَفِي التَّتِمَّةِ اسْتَأْجَرَ سَفِينَةً لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا الْأَمْتِعَةَ هَذِهِ فَأَدْخَلَ الْمَلَّاحُ عَلَيْهَا أَمْتِعَةً أُخْرَى بِغَيْرِ رِضَاهُ وَغَرِقَتْ وَهِيَ كَانَتْ تُطِيقُ ذَلِكَ لَمْ يَضْمَنْ الْمَلَّاحُ. اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَضْمَنُ بِهِ بَنِي آدَمَ) مِمَّنْ غَرِقَ فِي السَّفِينَةِ أَوْ سَقَطَ مِنْ الدَّابَّةِ، وَلَوْ كَانَ بِسَوْقِهِ وَقَوْدِهِ؛ لِأَنَّ الْآدَمِيَّ لَا يَضْمَنُ بِالْعَقْدِ وَإِنَّمَا يَضْمَنُ بِالْجِنَايَةِ قِيلَ هَذَا إذَا كَانَ كَبِيرًا مِمَّنْ يَسْتَمْسِكُ بِنَفْسِهِ وَيَرْكَبُ وَحْدَهُ وَإِلَّا فَهُوَ كَالْمَتَاعِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ انْكَسَرَ دَنٌّ فِي الطَّرِيقِ ضَمِنَ الْحَمَّالُ قِيمَتَهُ فِي مَحَلِّ حَمْلِهِ وَلَا أَجْرَ أَوْ فِي مَوْضِعِ الِانْكِسَارِ وَأَجْرُهُ بِحِسَابِهِ) أَمَّا الضَّمَانُ؛ فَلِأَنَّهُ تَلِفَ بِفِعْلِهِ؛ لِأَنَّ الدَّاخِلَ تَحْتَ الْعَقْدِ عَمَلٌ غَيْرُ مُفْسِدٍ وَالْمُفْسِدُ غَيْرُ دَاخِلٍ فَيَضْمَنُ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَأَمَّا الْخِيَارُ؛ فَلِأَنَّهُ إذَا انْكَسَرَ فِي الطَّرِيقِ شَيْءٌ وَاحِدٌ تَبَيَّنَ أَنَّهُ وَقَعَ تَعَدِّيًا مِنْ الِابْتِدَاءِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَلَهُ وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ ابْتِدَاءَ الْحَمْلِ حَصَلَ بِأَمْرِهِ فَلَمْ يَكُنْ مُتَعَدِّيًا وَإِنَّمَا صَارَ تَعَدِّيًا عِنْدَ الْكَسْرِ فَيَمِيلُ إلَى أَيِّ الْجِهَتَيْنِ شَاءَ فَإِنْ مَالَ إلَى كَوْنِهِ مُتَعَدِّيًا مِنْ الِابْتِدَاءِ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ وَلَا أَجْرَ لَهُ وَإِنْ مَالَ إلَى كَوْنِهِ مَأْذُونًا فِيهِ فِي الِابْتِدَاءِ وَإِنَّمَا حَصَلَ التَّعَدِّي عِنْدَ الْكَسْرِ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ فِي مَوْضِعِ الْكَسْرِ وَأَعْطَاهُ الْأَجْرَ بِحِسَابِهِ قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ مَعْنَاهُ أَسْقَطَ قَدْرَ الْأُجْرَةِ هَذَا إذَا انْكَسَرَ بِصُنْعِهِ بِأَنْ زَلَقَ وَعَثَرَ فَإِنْ عَثَرَ بِغَيْرِ صُنْعِهِ بِأَنْ زَحَمَهُ النَّاسُ لَا يَضْمَنُ عِنْدَ الْإِمَامِ وَلَا أَجْرَ لَهُ، وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ قِيمَتَهُ فِي مَوْضِعِ مَا انْكَسَرَ وَلَا يُخَيَّرُ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ مَضْمُونَةٌ عِنْدَهُمَا عَلَى مَا بَيَّنَّا قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة هَذَا إذَا انْكَسَرَ الدَّنُّ بِجِنَايَةِ يَدِهِ أَمَّا إذَا حَصَلَ لَا بِجِنَايَةِ يَدِهِ فَإِنْ كَانَ بِأَمْرٍ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ هَلَكَ بِأَمْرٍ يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ فَكَذَلِكَ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ الضَّمَانُ وَلِلْمَالِكِ الْخِيَارُ وَقَوْلُهُ فِي الطَّرِيقِ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ قَيْدٌ احْتِرَازِيٌّ فَإِذَا انْكَسَرَ الدَّنُّ بَعْدَمَا انْتَهَى بِهِ إلَى بَيْتِهِ فَلَهُ الْأَجْرُ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ آخِرًا أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ أَوَّلًا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ ضَامِنًا. اهـ.، وَقَدْ تَقَدَّمَ. [وَلَا يَضْمَنُ الْأَجِير حَجَّامٌ أَوْ فَصَّادٌ أَوْ بَزَّاغٌ لَمْ يَتَعَدَّ الْمَوْضِعَ الْمُعْتَادَ] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَضْمَنُ حَجَّامٌ أَوْ فَصَّادٌ أَوْ بَزَّاغٌ لَمْ يَتَعَدَّ الْمَوْضِعَ الْمُعْتَادَ) ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ بِالْعَقْدِ فَصَارَ وَاجِبًا عَلَيْهِ وَالْفِعْلُ الْوَاجِبُ لَا يُجَامِعُهُ الضَّمَانُ كَمَا إذَا حَدَّ الْقَاضِي أَوْ عَزَّرَ وَمَاتَ الْمَضْرُوبُ بِذَلِكَ إلَّا إذَا كَانَ يُمْكِنُهُ التَّحَرُّزُ عَنْ ذَلِكَ كَدَقِّ الثَّوْبِ فَأَمْكَنَ تَقْيِيدُهُ بِالسَّلِيمِ بِخِلَافِ الْفَصْدِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ يَنْبَنِي عَلَى قُوَّةِ الطَّبْعِ وَضَعْفِهِ وَلَا يُعْرَفُ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ وَلَا مَا يَحْتَمِلُهُ الْجُرْحُ فَلَا يُمْكِنُ تَقْيِيدُهُ بِالسَّلِيمِ وَهُوَ غَيْرُ السَّارِي فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ إلَّا إذَا جَاوَزَ الْمُعْتَادَ فَيَضْمَنُ الزَّائِدَ هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَهْلَكْ وَإِنْ هَلَكَ يَضْمَنُ نِصْفَ دِيَةِ النَّفْسِ؛ لِأَنَّهُ هَلَكَ بِمَأْذُونٍ وَغَيْرِ مَأْذُونٍ فَيَضْمَنُ بِحِسَابِهِ حَتَّى لَوْ أَنَّ الْخَتَّانُ قَطَعَ الْحَشَفَةَ وَهُوَ عُضْوٌ كَامِلٌ يَجِبُ عَلَيْهِ الدِّيَةُ كَامِلَةً وَإِنْ مَاتَ وَجَبَ نِصْفُ الدِّيَةِ وَهِيَ مِنْ أَنْدَرِ الْمَسَائِلِ وَأَغْرَبِهَا حَيْثُ يَجِبُ الْأَكْثَرُ بِالْبُرْءِ وَبِالْهَلَاكِ الْأَقَلُّ وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ لَوْ قَطَعَ الْحَشَفَةَ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ، وَلَوْ قَطَعَ بَعْضَ الْحَشَفَةِ فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَذْكُرْ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَفِي الصُّغْرَى تَجِبُ حُكُومَةُ عَدْلٍ وَفِي الْخُلَاصَةِ الْكَحَّالُ إذَا صَبَّ الدَّوَاءَ فِي عَيْنِ رَجُلٍ فَذَهَبَ ضَوْءُهُ لَمْ يَضْمَنْ كَالْخَتَّانِ إلَّا إذَا غَلِطَ فَإِنْ قَالَ رَجُلَانِ إنَّهُ لَيْسَ بِأَهْلٍ، وَقَالَ رَجُلَانِ هُوَ أَهْلٌ لَمْ يَضْمَنْ فَإِنْ كَانَ فِي جَانِبِ الْكَحَّالِ وَاحِدٌ وَفِي جَانِبِ الْآخَرِ اثْنَانِ ضَمِنَ، وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ لِلْكَحَّالِ دَاوِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَذْهَبَ بَصَرُهُ فَذَهَبَ لَمْ يَضْمَنْ أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يُقْلِعَ سِنَّهُ فَقَلَعَهُ، ثُمَّ اخْتَلَفَا قَالَ أَمَرْتُك أَنْ تُقْلِعَ غَيْرَهُ، وَقَالَ الْحَجَّامُ أَمَرْتنِي بِقَلْعِ هَذَا الْقَوْلُ قَوْلُ الْآمِرِ. اهـ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَلَوْ بَزَغَ وَاخْتَلَفَا فَالْقَوْلُ لِلْآمِرِ وَيَضْمَنُ الْقَالِعُ أَرْشَ السِّنِّ وَفِي الْخُلَاصَةِ، وَلَوْ قَلَعَ مَا أَمَرَهُ، وَلَكِنْ سِنٌّ آخَرُ مُتَّصِلٌ بِهَذَا السِّنِّ سَقَطَ ضَمِنَهُ وَظَاهِرُ عِبَارَةِ الْمُؤَلِّفِ أَنَّ الضَّمَانَ يَنْتَفِي بِعَدَمِ الْمُجَاوَرَةِ وَذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَحِجَامَةُ الْعَبْدِ بِأَمْرِ الْمَوْلَى حَتَّى إذَا لَمْ يَكُنْ بِأَمْرِ الْمَوْلَى يَجِبُ الضَّمَانُ قَالَ فِي الْكَافِي عِبَارَةُ الْمُخْتَصَرِ نَاطِقَةٌ بِعَدَمِ التَّجَاوُزِ وَسَاكِتَةٌ عَنْ الْإِذْنِ، وَعِبَارَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ نَاطِقَةٌ بِالْإِذْنِ سَاكِتَةٌ عَنْ التَّجَاوُزِ فَصَارَ مَا نَطَقَ بِهِ هَذَا بَيَانًا لِمَا سَكَتَ عَنْهُ الْآخَرُ وَيُسْتَفَادُ بِمَجْمُوعِ الرِّوَايَتَيْنِ اشْتِرَاطُ عَدَمِ التَّجَاوُزِ وَالْإِذْنِ لِعَدَمِ وُجُوبِ الضَّمَانِ حَتَّى إذَا عُدِمَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا يَجِبُ الضَّمَانُ اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْخَاصُّ يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ بِتَسْلِيمِ نَفْسِهِ فِي الْمُدَّةِ وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ كَمَنْ اُسْتُؤْجِرَ شَهْرًا لِلْخِدْمَةِ أَوْ لِرَعْيِ الْغَنَمِ) يَعْنِي الْأَجِيرَ الْخَاصَّ يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ بِتَسْلِيمِ نَفْسِهِ فِي الْمُدَّةِ عَمِلَ أَوْ لَمْ يَعْمَلْ قَالَ الْأَكْمَلُ وَمَا يَرِدُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 33 عَلَى تَعْرِيفِ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ يَرِدُ مِثْلُهُ عَلَى تَعْرِيفِ الْخَاصِّ اهـ. وَسُمِّيَ الْأَجِيرُ خَاصًّا وَحْدَهُ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَصُّ بِالْوَاحِدِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ لِغَيْرِهِ؛ وَلِأَنَّ مَنَافِعَهُ صَارَتْ مُسْتَحَقَّةً لِلْغَيْرِ وَالْأَجْرُ مُقَابَلٌ بِهَا فَيَسْتَحِقُّهُ مَا لَمْ يَمْنَعْ مَانِعٌ مِنْ الْعَمَلِ كَالْمَرَضِ وَالْمَطَرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَمْنَعُ التَّمَكُّنَ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُؤَلِّفُ لِمَا إذَا عَمِلَ لِمُتَعَدِّدٍ وَنَحْنُ نُبَيِّنُ ذَلِكَ قَالَ فِي الْمُحِيطِ: وَلَوْ أَجَّرَ نَفْسَهُ مِنْ غَيْرِهِ وَعَمِلَ لِلْأَوَّلِ وَالثَّانِي اسْتَحَقَّ الْأَجْرَ كَامِلًا عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَا يَتَصَدَّقُ بِشَيْءٍ وَيَأْثَمُ. اهـ. قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْأَجْرُ مُقَابَلٌ بِالْمَنَافِعِ وَلِهَذَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ عَلَيْهِ وَإِنْ نُقِضَ الْعَمَلُ. قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ نُقِضَ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ بِخِلَافِ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي خَيَّاطٍ خَاطَ ثَوْبَ رَجُلٍ فَنَقَضَهُ رَجُلٌ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَهُ رَبُّ الثَّوْبِ فَلَا أَجْرَ لِلْخَيَّاطِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ الْعَمَلَ إلَى رَبِّ الثَّوْبِ وَلَا يُجْبَرُ الْخَيَّاطُ أَنْ يُعِيدَ الْعَمَلَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أُجْبِرَ لَكَانَ بِحُكْمِ الْعَقْدِ الَّذِي وَقَعَ فِي ذَلِكَ قَدْ انْتَهَى بِتَمَامِ الْعَمَلِ وَإِنْ كَانَ الْخَيَّاطُ هُوَ الَّذِي نَقَضَ فَعَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ الْعَمَلَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا نَقَضَهُ صَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ عَمَلٌ وَمِثْلُهُ الْإِسْكَافِيُّ وَالْمَلَّاحُ حَتَّى إذَا أَرَادَ الْمَلَّاحُ رَدَّ السَّفِينَةِ مُنِعَ مِنْ ذَلِكَ وَإِنَّمَا يَكُونُ أَجِيرًا خَاصًّا إذَا شُرِطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَرْعَى لِغَيْرِهِ أَوْ ذَكَرَ الْمُدَّةَ أَوَّلًا فَإِنَّهُ جَعَلَهُ خَاصًّا بِأَوَّلِ كَلَامِهِ حَيْثُ ذَكَرَ الْمُدَّةَ أَوَّلًا وَقَوْلُهُ لِرَعْيِ غَنَمِهِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِإِيقَاعِ الْعَقْدِ عَلَى الْعَمَلِ فَيَصِيرُ مُشْتَرَكًا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِبَيَانِ نَوْعِ الْعَمَلِ فَإِنَّ الْإِجَارَةَ عَلَى الْمُدَّةِ لَا تَصِحُّ مَا لَمْ يُبَيِّنْ نَوْعَ الْعَمَلِ فَلَمْ يُعْتَبَرْ حُكْمُ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ بِالِاحْتِمَالِ، وَلَوْ قَدَّمَ ذِكْرَ الْعَمَلِ وَأَخَّرَ الْمُدَّةَ بِأَنْ قَالَ ارْعَ غَنَمِي بِدِرْهَمٍ شَهْرًا كَانَ أَجِيرًا مُشْتَرَكًا؛ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ مُشْتَرَكًا بِأَوَّلِ كَلَامِهِ بِإِيقَاعِ الْعَقْدِ عَلَى الْعَمَلِ وَقَوْلُهُ شَهْرًا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِإِيقَاعِ الْعَقْدِ عَلَى الْمُدَّةِ فَيَكُونُ خَاصًّا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِتَقْدِيرِ الْعَمَلِ فِي الْمُدَّةِ فَلَا يَتَغَيَّرُ أَوَّلُ كَلَامِهِ بِالِاحْتِمَالِ مَا لَمْ يُصَرِّحْ بِخِلَافِهِ، وَفِي الْمُحِيطِ فَإِذَا كَانَ خَاصًّا فَمَاتَتْ شَاةٌ أَوْ أَكَلَهَا سَبُعٌ أَوْ غَرِقَتْ فِي نَهْرٍ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الرَّاعِي؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ وَلَا يَنْقُصُ مِنْ الْأَجْرِ بِحِسَابِهَا؛ لِأَنَّ الْمَقْعُودَ عَلَيْهِ تَسْلِيمُ نَفْسِهِ، وَقَدْ وُجِدَ وَلِهَذَا لَوْ سَلَّمَ نَفْسَهُ وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالرَّعْيِ تَجِبُ الْأُجْرَةُ وَهُوَ يُصَدَّقُ فِيمَا يَدَّعِيهِ مِنْ الْهَلَاكِ مَعَ الْيَمِينِ. وَلَوْ سَلَّمَ إلَى الرَّاعِي عَدَدًا فَأَرَادَ أَنْ يَزِيدَ عَلَيْهِ وَالرَّاعِي يُطِيقُهُ فَلَهُ ذَلِكَ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَلَيْهِ الرَّعْيُ بِقَدْرِ مَا يُطِيقُ لَا رَعْيُ أَغْنَامِ بِعَيْنِهَا حَتَّى قُلْنَا فِي الظِّئْرِ لَوْ اسْتَأْجَرَهَا لِإِرْضَاعِ صَبِيٍّ فَأَرَادَ أَنْ يُرْضِعَ صَبِيًّا آخَرَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ عَلَى الْعَمَلِ وَفِيهِ زِيَادَةُ عَمَلٍ، وَلَوْ كَانَ الرَّاعِي أَجِيرًا مُشْتَرَكًا لَكَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ الظِّئْرِ لِتَعَلُّقِ الْعَقْدِ بِالْمُسَمَّى فَلَا يَزِيدُ عَلَيْهِ وَيَلْزَمُهُ رَعْيُ الْأَوْلَادِ وَمَا بِيعَ مِنْهَا سَقَطَ مِنْ الْأَجْرِ بِحِسَابِهِ، وَلَوْ شُرِطَ عَلَيْهِ رَعْيُ الْأَوْلَادِ صَحَّ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْجَهَالَةَ غَيْرُ مُفْضِيَةٍ إلَى الْمُنَازَعَةِ رَاعٍ مُشْتَرَكٌ خَلَطَ الْأَغْنَامَ فَالْقَوْلُ فِي التَّمْيِيزِ لِلرَّاعِي مَعَ يَمِينِهِ إنْ جَهِلَ صَاحِبَهُ وَإِنْ جَهِلَ الرَّاعِي يَضْمَنُ قِيمَةَ الْكُلِّ؛ لِأَنَّ الْخَلْطَ اسْتِهْلَاكٌ شُرِطَ عَلَى الْمُشْتَرَكِ أَنْ يَأْتِيَ بِعَلَامَةِ الْمَيِّتِ إنْ لَمْ يَأْتِ فَهُوَ ضَامِنٌ وَلَيْسَ لِلرَّاعِي أَنْ يُنْزِيَ عَلَى الْغَنَمِ إلَّا بِإِذْنِ مَالِكِهَا فَإِنْ فَعَلَ فَعَطِبَ ضَمِنَ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ الرَّعْيِ فَإِنْ نَزَا الْفَحْلُ بِدُونِ فِعْلِهِ لَمْ يَضْمَنْ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ نَدَّتْ وَاحِدَةٌ فَخَافَ عَلَى الْبَاقِي إنْ تَبِعَهَا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ حِفْظَهَا بِعُذْرٍ، وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ. وَلَوْ سُرِقَ غَنَمٌ وَهُوَ نَائِمٌ لَمْ يَضْمَنْ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ، وَلَوْ ذَبَحَ الرَّاعِي شَاةً خَوْفًا عَلَيْهَا ضَمِنَ قِيمَتَهَا يَوْمَ الذَّبْحِ قَالَ مَشَايِخُنَا هَذَا إذَا كَانَ يُرْجَى حَيَاتُهَا وَإِنْ كَانَ لَا يُرْجَى لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ عَطِبَ بَعْضُ الْغَنَمِ فَقَالَ الْمَالِكُ شَرَطْت عَلَيْك أَنْ تَرْعَى فِي مَكَانِ كَذَا غَيْرِ هَذَا الْمَكَانِ، وَقَالَ الرَّاعِي شَرَطْت هَذَا الْمَكَانَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَالِكِ وَالْبَيِّنَةُ لِلرَّاعِي، وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ، وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ وَلَا يَأْخُذُ الْمُصَدَّقُ مِنْ الرَّاعِي فَإِنْ أُخِذَ مِنْهُ فَلَا ضَمَانَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ دَفْعُ السُّلْطَانِ وَالْهَلَاكُ إذَا كَانَ بِأَمْرٍ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ لَا يُضْمَنُ بِالْإِجْمَاعِ جَعَلَ الْأُجْرَةَ لَبَنَهَا وَصُوفَهَا فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ لِلْجَهَالَةِ فِي اللَّبَنِ وَالصُّوفِ، وَالرَّاعِي ضَامِنٌ لِمَا أَصَابَ مِنْ لَبَنِهَا وَصُوفِهَا اهـ. مُخْتَصَرًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَضْمَنُ مَا تَلِفَ فِي يَدِهِ أَوْ بِعَمَلِهِ) أَمَّا الْأَوَّلُ؛ فَلِأَنَّ الْعَيْنَ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهَا بِإِذْنِ مَالِكِهَا فَلَا يَضْمَنُ بِالْإِجْمَاعِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ، وَكَذَا عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ تَضْمِينَ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ كَانَ نَوْعَ اسْتِحْسَانٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ وَجْهُهُ وَالْأَجِيرُ الْخَاصُّ يَعْمَلُ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ وَلَا يَقْبَلُ الْأَعْمَالَ مِنْ غَيْرِهِ فَأَخْذًا فِيهِ بِالْقِيَاسِ، وَأَمَّا الثَّانِي؛ فَلِأَنَّ الْمَنَافِعَ صَارَتْ مَمْلُوكَةً لِلْمُسْتَأْجِرِ وَأَمَرَهُ بِالصَّرْفِ إلَى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 34 مِلْكِهِ فَصَحَّ وَصَارَ نَائِبًا عَنْهُ وَصَارَ فِعْلُهُ مَنْقُولًا إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَهُ بِنَفْسِهِ؛ وَلِأَنَّ الْبَدَلَ لَيْسَ بِمُقَابَلَةِ الْعَمَلِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ مَنْفَعَتُهُ وَهِيَ سَلِيمَةٌ وَإِنَّمَا الْخَرْقُ فِي الْعَمَلِ الَّذِي هُوَ تَسْلِيمُ الْمَنْفَعَةِ وَذَلِكَ غَيْرُ مَعْقُودٍ عَلَيْهِ فَلَمْ يَكُنْ يَضْمَنُ شَيْئًا مَا هُوَ عَلَيْهِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ السَّلَامَةُ فَلَا يَضْمَنُ مَا تَلِفَ إلَّا إذَا تَعَمَّدَ الْفَسَادَ فَيَضْمَنُ بِالتَّعَدِّي كَالْمُودَعِ وَفِي الْمُحِيطِ وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ أَمَّا فِي الضَّمَانِ تِلْمِيذُ الْقَصَّارِ وَأَجِيرُهُ سَائِرُ الصَّنَائِعِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَحَّ تَرْدِيدُ الْأَجِيرِ بِتَرْدِيدِ الْعَمَلِ فِي الثَّوْبِ نَوْعًا وَزَمَانًا فِي الْأَوَّلِ) يَعْنِي يَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَ الْأَجْرَ مُتَرَدِّدًا بَيْنَ تَسْمِيَتَيْنِ وَيَجْعَلَ الْعَمَلَ مُتَرَدِّدًا فِي الثَّوْبِ بَيْنَ نَوْعَيْ الْعَمَلِ بِأَنْ يَقُولَ إنْ خِطْت فَارِسِيًّا فَبِدِرْهَمٍ أَوْ رُومِيًّا فَبِدِرْهَمَيْنِ أَوْ صَبَغْته بِعُصْفُرٍ فَبِدِرْهَمٍ وَبِزَعْفَرَانٍ فَبِدِرْهَمَيْنِ، أَوْ يَجْعَلَ الْعَمَلَ مُتَرَدِّدًا بَيْنَ زَمَانَيْنِ بِأَنْ يَقُولَ إنْ خِطْته الْيَوْمَ فَبِدِرْهَمَيْنِ وَإِنْ خِطْته غَدًا فَبِنِصْفِ دِرْهَمٍ يَجُوزُ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ وَزَمَانًا فِي الْأَوَّلِ، وَيَجُوزُ التَّرَدُّدُ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ وَلَا يَجُوزُ بَيْنَ أَكْثَرَ كَمَا تَقَدَّمَ، وَلَوْ قَالَ الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَصَحَّ تَرْدِيدُ الْأَجْرِ بِتَرْدِيدِ الْعَمَلِ نَوْعًا وَزَمَانًا فِي الْأَوَّلِ فِيمَا دُونَ الْأَرْبَعَةِ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْ الْإِطْلَاقِ أَنَّهُ يَصِحُّ فِي أَكْثَرَ مِنْ الْأَرْبَعَةِ، وَهَذَا خِيَارُ التَّعَيُّنِ إلَّا أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الْبَيْعِ مِنْ اشْتِرَاطِ الْخِيَارِ وَفِي الْإِجَارَةِ لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ وَالْفَرْقُ أَنَّ تَحْقِيقَ الْجَهَالَةِ فِي الْبَيْعِ لَا يَرْتَفِعُ إلَّا بِإِثْبَاتِ الْخِيَارِ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ وَاسْتَشْكَلَ صَاحِبُ التَّسْهِيلِ هَذَا الْفَرْقَ حَيْثُ قَالَ: أَقُولُ: الْجَهَالَةُ الَّتِي فِي طَرَفِ الْأُجْرَةِ تَرْتَفِعُ كَمَا ذُكِرَ أَمَّا الَّتِي فِي طَرَفِ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ فَهِيَ ثَابِتَةٌ وَتُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ بِدُونِ شَرْطِ الْيَقِينِ اهـ. وَهَذَا التَّفْصِيلُ فِي الزَّمَانِ قَوْلُ الْإِمَامِ، وَقَالَا الشَّرْطَانِ جَائِزَانِ، وَقَالَ زُفَرُ الشَّرْطَانِ فَاسِدَانِ؛ لِأَنَّ الْخِيَاطَةَ شَيْءٌ وَاحِدٌ، وَقَدْ ذُكِرَ لِمُقَابَلَتِهِ بَدَلَانِ فَيَكُونُ مَجْهُولًا وَلَهُمَا أَنَّ ذِكْرَ الْيَوْمِ لِلتَّوْقِيتِ وَغَدًا لِلتَّعْلِيقِ فَلَا يَجْتَمِعُ فِي كُلِّ يَوْمٍ تَسْمِيَتَانِ وَلِلْإِمَامِ فِي الْأَوَّلِ قَالَ فَارِسِيًّا وَرُومِيًّا فَسَمَّى نَوْعَيْنِ مَعْلُومَيْنِ مِنْ الْعَمَلِ وَسَمَّى لِكُلٍّ مِنْهُمَا بَدَلًا مَعْلُومًا فَيَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَيْضًا إذَا كَانَ التَّرْدِيدُ فِي الزَّمَانِ إنْ ذَكَرَ الْيَوْمَ لِلتَّعْجِيلِ وَالْغَدِ لِلْإِضَافَةِ وَالْكَلَامِ لِحَقِيقَتِهِ حَتَّى يَقُومَ دَلِيلُ الْمَجَازِ، وَقَدْ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى إرَادَةِ الْمَجَازِ فِي ذِكْرِ الْيَوْمِ وَهُوَ التَّعْجِيلُ؛ لِأَنَّ مُرَادَهُمَا الصِّحَّةُ وَهُوَ مُتَعَيِّنٌ فِي الْمَجَازِ؛ لِأَنَّ تَعَيُّنَ الْعَمَلِ مَعَ التَّوْقِيتِ مُفْسِدٌ فَإِنَّ تَعَيُّنَ الْعَمَلِ يُوجِبُ كَوْنَهُ أَجِيرًا مُشْتَرَكًا وَتَعَيُّنَ الْوَقْتِ يُوجِبُ كَوْنَهُ خَاصًّا وَبَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ فَلَا يَجْتَمِعَانِ، فَتَعَيُّنُ الْمَجَازِ كَيْ لَا يَفْسُدَ فَحَمَلَاهُ عَلَى التَّعْجِيلِ وَفِي الْغَدِ لَمْ يَقُمْ الدَّلِيلُ عَلَى إرَادَةِ الْمَجَازِ، بَلْ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى إرَادَةِ الْحَقِيقَةِ وَهُوَ الْإِضَافَةُ يَعْنِي فِي التَّعْلِيقِ فَتَرَكَاهُ عَلَى حَقِيقَتِهِ فَإِذَا كَانَ ذِكْرُ الْيَوْمِ لِلتَّعْجِيلِ وَذِكْرُ غَدٍ لِلْإِضَافَةِ لَمْ يَجْتَمِعْ فِي الْيَوْمِ إلَّا نِسْبَةٌ وَاحِدَةٌ فَلَمْ يَفْسُدْ فَإِذَا خَاطَهُ الْيَوْمَ فَلَهُ الدَّرَاهِمُ، وَاجْتَمَعَ فِي غَدٍ تَسْمِيَتَانِ فَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى الْإِضَافَةِ. وَهَذَا يُنَاقِضُ مَا قَدَّمَهُ مِنْ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْعَمَلُ أَوَّلًا فَالزَّمَانُ لَغْوٌ أَوْ الزَّمَانُ أَوَّلًا فَالْعَمَلُ لَغْوٌ فَهُوَ فِي الْأَوَّلِ أَجِيرٌ مُشْتَرَكٌ وَفِي الثَّانِي أَجِيرٌ خَاصٌّ فَإِذَا خَاطَهُ فِي غَدٍ فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ لَا يُزَادُ عَلَى نِصْفِ دِرْهَمٍ بِخِلَافِ الْفَارِسِيَّةِ وَالرُّومِيَّةِ؛ لِأَنَّهُمَا عَقْدَانِ مُخْتَلِفَانِ لَمْ يَجْتَمِعَا فَافْتَرَقَا وَيُشْكِلُ عَلَى مَا عَلَّلَ بِهِ فِي الْيَوْمِ وَالْغَدِ مَسْأَلَةُ الرَّاعِي فَإِنَّهَا جَمْعٌ فِيهَا بَيْنَ ذِكْرِ الْوَقْتِ وَالْعَمَلِ وَتَصِحُّ الْإِجَارَةُ بِالِاتِّفَاقِ وَلَا يُحْمَلُ الْوَقْتُ عَلَى غَيْرِ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ فِي قَوْلِ أَحَدٍ، بَلْ يُعْتَبَرُ أَجِيرًا مُشْتَرَكًا إنْ وَقَعَ ذِكْرُ الْعَمَلِ أَوَّلًا وَأَجِيرًا وَحْدَهُ إنْ وَقَعَ ذِكْرُ الْوَقْتِ أَوَّلًا كَمَا ذُكِرَ فِي الذَّخِيرَةِ وَالْمُحِيطِ قَالَ صَاحِبُ الْكَافِي وَفِي الْمَسْأَلَةِ إشْكَالٌ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ حَيْثُ جَعَلَ ذِكْرَ الْيَوْمِ لِلتَّعْجِيلِ هَا هُنَا حَتَّى أَجَازَ الْعَقْدَ وَفِي مَسْأَلَةِ الْخَيَّاطِ جَعَلَهُ لِلتَّوْقِيتِ وَأَفْسَدَ الْعَقْدَ. وَالْجَوَابُ أَنَّ ذِكْرَ الْيَوْمِ حَقِيقَةً لِلتَّوْقِيتِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ حَتَّى يَقُومَ الدَّلِيلُ عَلَى الْمَجَازِ وَهُوَ نُقْصَانُ الْأَجْرِ بِسَبَبِ التَّأْخِيرِ فَعَدَلْنَا عَنْ الْحَقِيقَةِ وَلَمْ نُعَمِّمْ هُنَاكَ وَكَانَ التَّوْقِيتُ مُرَادًا فَفَسَدَ الْعَقْدُ، وَقَوْلُهُ تَرْدِيدُ الْأُجْرَةِ قَيْدٌ اتِّفَاقِيٌّ؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ تَرْدِيدِ الْأُجْرَةِ وَنَفْيِهَا لِمَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ لَوْ قَالَ إنْ خِطَّته الْيَوْمَ فَلَكَ دِرْهَمٌ وَإِنْ خِطْته غَدًا فَلَا أَجْرَ لَك، قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْإِمْلَاءِ إنْ خَاطَهُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ فَلَهُ دِرْهَمٌ وَإِنْ خَاطَهُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ لَا يُزَادُ عَلَى دِرْهَمٍ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ إسْقَاطَ الْأَجْرِ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي لَا يَنْفِي وُجُوبَهُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ، وَنَفْيُ التَّسْمِيَةِ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ لَا يَنْفِي أَصْلَ الْعَقْدِ فَكَانَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي عَقْدٌ لَا تَسْمِيَةَ فِيهِ فَيَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ اهـ. بِلَفْظِهِ، وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ هَذَا الْفَرْعَ هَذَا إذَا جَمَعَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ فَلَوْ أَفْرَدَ الْعَقْدَ عَلَى الْيَوْمِ بِأَنْ قَالَ إنْ خِطْته الْيَوْمَ فَلَكَ دِرْهَمٌ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا فَخَاطَهُ فِي الْغَدِ لَمْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 35 يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ هَذَا فِي شَيْءٍ مِنْ الْكُتُبِ وَكَانَ الْفَقِيهُ أَبُو بَكْرٍ الْبَلْخِيّ يَقُولُ عَلَى قَوْلِهِمَا يَسْتَحِقُّ أَجْرَ الْمِثْلِ إذَا خَاطَهُ فِي غَدٍ وَعَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ يَجِبُ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَا يَجِبُ ذَلِكَ وَأَنْ يَقُولَ هَذَا الْعَقْدُ هُنَا فَاسِدٌ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الْوَقْتِ وَالْعَمَلِ وَلَمْ تَقُمْ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِالْوَقْتِ التَّعْجِيلَ فَمَا وَجْهُ الْقَوْلِ بِالصِّحَّةِ وَفِي الْعَتَّابِيَّةِ إنْ خِطْته الْيَوْمَ فَلَكَ دِرْهَمُ وَإِنْ خِطْته فِي غَدٍ فَلَا شَيْءَ لَك فَسَدَ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ الْقِمَارَ، وَقِيلَ يَصِحُّ فِي الْيَوْمِ وَيَفْسُدُ فِي الْغَدِ، وَلَوْ قَالَ مَا خَاطَهُ الْيَوْمَ فَبِحِسَابِ دِرْهَمٍ وَمَا خَاطَهُ غَدًا فَبِحِسَابِ نِصْفِ دِرْهَمٍ يَفْسُدُ؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ، وَلَوْ قَالَ مَا خَاطَهُ مِنْ هَذِهِ الثِّيَابِ رُومِيًّا فَبِكَذَا وَفَارِسِيًّا فَبِكَذَا يَفْسُدُ لِلْجَهَالَةِ، وَهَذَا التَّفْصِيلُ فِي صُورَةِ الْمَتْنِ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَحَكَى الْفَقِيهُ عَنْ أَبِي الْقَاسِمِ الصَّفَّارِ يَنْبَغِي أَنْ يَفْسُدَ الْعَقْدُ فِي الْيَوْمِ وَالْغَدِ بِلَا خِلَافٍ فَإِنْ خَاطَهُ فِي الْغَدِ فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ لَا يُزَادُ عَلَى دِرْهَمٍ وَلَا يَنْقُصُ مِنْ نِصْفِ دِرْهَمٍ، وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى نِصْفِ دِرْهَمٍ وَهُوَ رِوَايَةُ الْأَصْلِ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ. وَصَحَّحَ الْقُدُورِيُّ رِوَايَةَ ابْنِ سِمَاعَةَ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْمَتْنِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِمَاذَا خَاطَ بَعْضَهُ فِي الْيَوْمِ وَبَعْضَهُ فِي غَدٍ وَنَحْنُ نُبَيِّنُ ذَلِكَ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَلَوْ خَاطَهُ نِصْفَهُ فِي الْيَوْمِ وَنِصْفَهُ فِي الْغَدِ يَجِبُ فِي الْيَوْمِ نِصْفُ دِرْهَمٍ وَفِي الْغَدِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ لَا يُزَادُ عَلَى نِصْفِ دِرْهَمٍ وَلَا يَنْقُصُ عَنْ رُبْعِ دِرْهَمٍ وَقَوْلُهُ زَمَانًا فِي الْأَوَّلِ قَيْدٌ اتِّفَاقِيٌّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ رَدَّدَ فِي الْأُجْرَةِ كَذَلِكَ وَأَطْلَقَ فِي قَوْلِهِ زَمَانًا فِي الْأَوَّلِ فَشَمِلَ مَا إذَا قَدَّمَ الْأَوَّلَ وَأَخَّرَ الْغَدَ وَقَدَّمَ الْغَدَ وَأَخَّرَ الْيَوْمَ يَصِحُّ الْعَقْدُ فِي الْغَدِ وَيَفْسُدُ فِي الْيَوْمِ قَالَ فِي الْغِيَاثِيَّةِ: وَلَوْ بَدَأَ بِالْغَدِ، ثُمَّ الْيَوْمِ فَعِنْدَ الْإِمَامِ الصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ وَفِي إجَارَةِ الْأَصْلِ لَوْ قَالَ إنْ خِطْته الْيَوْمَ فَلَكَ دِرْهَمٌ وَإِنْ لَمْ تَفْرُغْ مِنْهُ الْيَوْمَ فَلَكَ نِصْفُ دِرْهَمٍ ذَكَرَ الْخِلَافَ عَلَى نَحْوِ مَا ذُكِرَ فِي الْمَتْنِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي الدُّكَّانِ وَالْبَيْتِ وَالدَّابَّةِ مَسَافَةً وَحِمْلًا) يَعْنِي يَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَ الْأَجْرَ مُتَرَدِّدًا فِي الدُّكَّانِ بِأَنْ يَقُولَ إنْ سَكَّنْت حَدَّادًا فَبِدِرْهَمَيْنِ وَإِنْ سَكَّنْت عَطَّارًا فَبِدِرْهَمٍ أَوْ يَتَرَدَّدُ بَيْنَ مَسَافَتَيْنِ فِي الدَّابَّةِ أَوْ بَيْنَ حِمْلَيْنِ بِأَنْ يَقُولَ إنْ ذَهَبَ إلَى بَغْدَادَ بِكَذَا وَإِلَى الْكُوفَةِ بِكَذَا أَوْ إنْ حَمَلْت قُطْنًا فَبِكَذَا وَإِنْ حَمَلْت حَدِيدًا فَبِكَذَا، وَهَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ، وَعِنْدَهُمَا لَا تَجُوزُ هَذِهِ الْإِجَارَةُ لَهُمَا أَنَّ الْأُجْرَةَ وَالْمَنْفَعَةَ مَجْهُولَتَانِ؛ لِأَنَّ الْأَجْرَ فِي الْأَجِيرِ الْخَاصِّ يَجِبُ بِالتَّسْلِيمِ مِنْ غَيْرِ عَمَلٍ وَلَا يَدْرِي أَيَّ الْعَمَلَيْنِ يَقْدِرُ وَلَا أَيَّ التَّسْمِيَتَيْنِ تَجِبُ وَقْتَ التَّسْلِيمِ بِخِلَافِ خِيَاطَةِ الرُّومِيَّةِ وَالْفَارِسِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ لَا تَجِبُ فِيهِ إلَّا بِالْعَمَلِ وَبِهِ تُرْفَعُ الْجَهَالَةُ وَبِخِلَافِ التَّرْدِيدِ فِي الْيَوْمِ وَالْغَدِ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَهُمَا كَمَسْأَلَةِ الرُّومِيَّةِ أَوْ الْفَارِسِيَّةِ فَلَا يَجِبُ الْأَجْرُ إلَّا بَعْدَ الْعَمَلِ فَعِنْدَ ذَلِكَ هُوَ مَعْلُومٌ هَذَا هُوَ الْقَاعِدَةُ. فَإِنْ قُلْت فَمَا الْفَرْقُ عَلَى قَوْلِهِمَا بَيْنَ التَّرْدِيدِ فِي الْعَمَلِ وَالزَّمَانِ حَيْثُ جَوَّزَاهَا وَمَنَعَاهُ فِي الْبَيْتِ وَالدُّكَّانِ، وَالْإِمَامُ جَوَّزَ هُنَا وَمَنَعَ فِي الزَّمَانِ، قُلْت قَالَا التَّفَاوُتُ فِي السُّكْنَى فَاحِشَةٌ فَمَنَعَاهُ وَالْإِمَامُ قَالَ هُوَ رَضِيَ بِإِدْخَالِ الضَّرَرِ عَلَى نَفْسِهِ فَأَجَازَهُ وَلِلْإِمَامِ أَنَّهُ خَيَّرَهُ بَيْنَ شَيْئَيْنِ مُتَغَايِرَيْنِ وَجَعَلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَجْرًا مَعْلُومًا فَوَجَبَ أَنْ يَجُوزَ كَمَا فِي الرُّومِيَّةِ وَالْفَارِسِيَّةِ، وَالْإِجَارَةُ لِلِانْتِفَاعِ فَالظَّاهِرُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْمَنَافِعَ، وَعِنْدَ الِاسْتِيفَاءِ تُرْفَعُ الْجَهَالَةُ بِخِلَافِ التَّرْدِيدِ فِي الْيَوْمِ وَالْغَدِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَهُنَا يَجُوزُ التَّرْدِيدُ بَيْنَ شَيْئَيْنِ بِأَنْ يَقُولَ أَجَّرْتُك هَذِهِ الدَّارَ كُلَّ شَهْرٍ بِمِائَةٍ أَوْ هَذِهِ الدَّارَ بِمِائَتَيْنِ أَوْ هَذِهِ الدَّارَ بِثَلَاثِمِائَةٍ وَلَا يَجُوزُ بَيْنَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لِمَا تَقَدَّمَ وَفِي الْكُبْرَى وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ فِي مَسْأَلَةِ الدَّابَّةِ وَالدَّارِ إذَا سَلَّمَ وَلَمْ يَسْكُنْ وَلَمْ يَحْمِلْ عَلَيْهَا وَلَمْ يَرْكَبْهَا قَالَ بَعْضُهُمْ يَجِبُ أَقَلُّ الْأَجْرَيْنِ وَهُوَ الْمُقَابَلُ بِأَدْنَى الْعَمَلَيْنِ وَالزَّائِدُ مَشْكُوكٌ فِيهِ فَلَا يَجِبُ بِالشَّكِّ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ إذَا وُجِدَ التَّسْلِيمُ وَلَمْ تُوجَدْ الْمَنْفَعَةُ جُعِلَ التَّسْلِيمُ لَهُمَا إذْ لَيْسَ أَحَدُهُمَا بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ فَيَجِبُ نِصْفُ أَجْرِ كُلٍّ مِنْ الْحَدَّادِ وَالْقَصَّارِ وَنِصْفُ أَجْرِ الْحِمْلِ وَنِصْفُ أَجْرِ الرُّكُوبِ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة، وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ مَنْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً مِنْ بَغْدَادَ إلَى الْبَصْرَةِ بِخَمْسَةٍ وَإِلَى الْكُوفَةِ بِعَشَرَةٍ فَإِنْ كَانَتْ الْمَسَافَةُ إلَى الْبَصْرَةِ نِصْفَ الْمَسَافَةِ إلَى الْكُوفَةِ فَالْعَقْدُ جَائِزٌ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ لَا يَجُوزُ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَقَالَ الْإِمَامُ يَجُوزُ وَفِي نَوَادِرِ هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدٍ إذَا قَالَ لِغَيْرِهِ إنْ حَمَلْت هَذِهِ الْخَشَبَةَ إلَى مَوْضِعِ كَذَا فَبِدِرْهَمٍ وَإِنْ حَمَلْت هَذِهِ الْأُخْرَى إلَى مَوْضِعِ كَذَا فَبِدِرْهَمَيْنِ فَحَمَلَهُمَا إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَلَهُ دِرْهَمَانِ وَهُوَ يُخَالِفُ رِوَايَةَ ابْنِ سِمَاعَةَ اهـ. . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يُسَافِرُ بِعَبْدٍ اسْتَأْجَرَهُ لِلْخِدْمَةِ بِلَا شَرْطٍ) لِأَنَّ مُطْلَقَ الْعَقْدِ تَنَاوُلُ الْخِدْمَةِ فِي الْإِقَامَةِ وَهُوَ الْأَعَمُّ الْأَغْلَبُ وَعَلَيْهِ عُرْفُ النَّاسِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 36 فَانْصَرَفَ إلَيْهِ فَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَنْقُلَهُ إلَى خِدْمَةِ السَّفَرِ؛ لِأَنَّهُ أَشَقُّ؛ وَلِأَنَّ مُؤْنَةَ الرَّدِّ عَلَى الْمَوْلَى فَيَلْحَقُهُ ضَرَرٌ بِذَلِكَ فَلَا يَمْلِكُهُ إلَّا بِإِذْنِهِ بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ حَيْثُ لَا يَتَقَيَّدُ بِالْحَضَرِ؛ لِأَنَّ مُؤْنَةَ الرَّدِّ عَلَيْهِ وَلَمْ يُوجَدْ الْعُرْفُ فِي حَقِّهِ لَا يُقَالُ لَمَّا مَلَكَ الْمَنْفَعَةَ مَلَكَ أَنْ يُسَافِرَ بِهِ كَالْمَوْلَى؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْمَوْلَى إنَّمَا مَلَكَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ الرَّقَبَةَ قُيِّدَ بِقَوْلِهِ وَلَا يُسَافِرُ فَأَفَادَ أَنَّ لَهُ أَنْ يَسْتَعْمِلَ فِيمَا دُونَ السَّفَرِ فَفِي الْمُحِيطِ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا لِيَخْدُمَهُ وَلَمْ يُبَيِّنْ مَكَانَ الْخِدْمَةِ لَهُ أَنْ يَسْتَخْدِمَهُ بِالْكُوفَةِ دُونَ خَارِجِ الْكُوفَةِ، قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ يَعْنِي لَا يُسَافِرُ بِالْعَبْدِ وَلَهُ أَنْ يُخْرِجَهُ إلَى الْقُرَى وَأَفْنِيَةِ الْمِصْرِ وَيَسْتَخْدِمَهُ إلَى الْعِشَاءِ الْأَخِيرَةِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَضْرِبَهُ وَلَهُ أَنْ يُكَلِّفَهُ أَنْوَاعَ الْخِدْمَةِ وَيَخْدُمَ ضِيفَانَهُ وَامْرَأَتَهُ وَأَطْلَقَ فِي قَوْلِهِ وَلَا يُسَافِرُ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُتَهَيِّئًا لِلسَّفَرِ، وَقَدْ عُرِفَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ كَالْمَشْرُوطِ، وَلَوْ سَافَرَ بِهِ صَارَ غَاصِبًا وَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ إنْ سَلَّمَ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ وَالْأَجْرَ لَا يَجْتَمِعَانِ وَفِي الْمُحِيطِ لَا يُكَلِّفُهُ الْخَبْزَ وَالطَّبْخَ وَالْخِيَاطَةَ وَعَلْفَ الدَّوَابِّ، قَالَ تَفْسِيرُهُ أَنْ يَعْقِدَهُ خَيَّاطًا لِيَخِيطَ لِلنَّاسِ أَوْ خَبَّازًا لِيَخْبِزَ لِلنَّاسِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْخِدْمَةِ، بَلْ مِنْ التِّجَارَةِ. وَأَمَّا إذَا خَاطَ لَهُ وَخَبَزَ لَهُ فَلَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَنْوَاعِ الْخِدْمَةِ، وَلَوْ دَفَعَ عَبْدَهُ إلَى حَائِكٍ لِيُعَلِّمَهُ النَّسْجَ وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ يُحَدِّقَهُ فِي ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ التَّحْدِيقَ لَيْسَ بِعِلْمٍ مَعْلُومٍ، وَلَوْ أَجَّرَ عَبْدَهُ سَنَةً فَأُعْتِقَ الْعَبْدُ فِي خِلَالِ السَّنَةِ جَازَ عِتْقُهُ وَالْعَبْدُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَجَازَ الْعَقْدَ فِيمَا بَقِيَ وَلَهُ أَجْرُ مَا بَقِيَ مِنْ السَّنَةِ وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ أَنْ يَقْبِضَ الْأُجْرَةَ إلَّا بِوَكَالَةٍ مِنْ الْمَوْلَى فَإِنْ كَانَ الْمَوْلَى قَبَضَ الْأُجْرَةَ مُعَجَّلًا فَأُعْتِقَ الْعَبْدُ فِي خِلَالِ السَّنَةِ فَإِنْ أَجَازَ الْعَبْدُ الْعَقْدَ فِيمَا بَقِيَ سَلَّمَ ذَلِكَ لِلسَّيِّدِ، وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ هُوَ الَّذِي أَجَّرَ نَفْسَهُ بِإِذْنِ الْمَوْلَى، ثُمَّ أُعْتِقَ الْعَبْدُ فَلَهُ الْخِيَارُ كَمَا تَقَدَّمَ إلَّا أَنَّ الْعَبْدَ هُوَ الَّذِي يَقْبِضُ الْأُجْرَةَ وَفِي الْغِيَاثِيَّةِ وَإِنْ قَبَضَ الْمَوْلَى جَمِيعَ الْأُجْرَةِ قَبْلَ عِتْقِهِ فَذَلِكَ لَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ وَإِنْ كَانَ صُرِفَ إلَى غُرَمَائِهِ وَالْفَضْلُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ كَسْبُ عَبْدِهِ وَأَفَادَ قَوْلُهُ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا ذَكَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اسْتَأْجَرَ أَمَةً لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ تَفْصِيلٍ أَوْ اسْتَأْجَرَ الْمَرْأَةَ ذَكَرٌ لِتَخْدُمَهُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ تَفْصِيلٍ أَوْ اسْتَأْجَرَتْ حُرًّا لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ تَفْصِيلٍ، وَلَوْ أَجَّرَ عَبْدَهُ سَنَةً فَأَقَامَ الْعَبْدُ بَيِّنَةً أَنَّ مَوْلَاهُ أَعْتَقَهُ قَبْلَ الْإِجَارَةِ فَالْأُجْرَةُ لِلْعَبْدِ. وَلَوْ قَالَ الْعَبْدُ أَنَا حُرٌّ، وَقَدْ فُسِخَتْ الْإِجَارَةُ فَلَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً وَدَفَعَهُ الْقَاضِي إلَى مَوْلَاهُ فَأُجْبِرَ عَلَى الْعَمَلِ فَأَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهُ حُرٌّ وَأَنَّ الْمَوْلَى أَعْتَقَهُ قَبْلَ الْإِجَارَةِ فَلَا أَجْرَ لِلْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقُلْ فَسَخْت كَانَ الْأَجْرُ لِلْعَبْدِ، وَلَوْ كَانَ غَيْرَ بَالِغٍ وَادَّعَى الْعِتْقَ، وَقَدْ أَخَّرَهُ، وَقَالَ فَسَخْت، ثُمَّ عَمِلَ فَالْأَجْرُ لِلْغُلَامِ. اهـ. مُخْتَصَرًا. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة وَيُكْرَهُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ امْرَأَةً لِلْخِدْمَةِ حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً وَإِنْ كَانَ لَهُ عِيَالٌ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ إذَا كَانَ ثِقَةً وَبِهِ يُفْتَى، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ لِلْخِدْمَةِ لَا يَجُوزُ وَلَا أَجْرَ لَهَا، وَلَوْ لِغَسْلِ الثِّيَابِ وَالْخِيَاطَةِ يَجُوزُ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَتْ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا لِلْخِدْمَةِ لَا يَجُوزُ وَلَا أَجْرَ عَلَيْهَا لَوْ خَدَمَ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ أَبَاهُ لِلْخِدْمَةِ لَا يَجُوزُ وَلَا أَجْرَ لَهُ لَا فَرْقَ بَيْنِ الْكَافِرِ وَالْمُسْلِمِ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ أَبَاهُ لِرَعْيِ غَنَمِهِ يَجُوزُ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ أُمَّهُ أَوْ جَدَّتَهُ لِلْخِدْمَةِ لَا يَجُوزُ، وَلَوْ خَدَمَ فَلَهُ الْمُسَمَّى، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ عَمَّهُ وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ أَوْ أَخَاهُ وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ لَا يَجُوزُ، وَفِي فَتَاوَى الْفَضْلِيِّ لَا يَجُوزُ إجَارَةُ الْمُسْلِمِ نَفْسَهُ مِنْ كَافِرٍ فِي الْخِدْمَةِ وَفِيمَا غَيْرِ الْخِدْمَةِ يَجُوزُ، وَذَكَرَ فِي صُلْحِ الْأَصْلِ ادَّعَى عَلَى آخَرَ دَارًا فَصَالَحَهُ عَلَى خِدْمَةِ عَبْدِهِ سَنَةً كَانَ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ بِالْعَبْدِ إلَى أَهْلِهِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ لَمْ يُرِدْ بِإِخْرَاجِهِ إلَى أَهْلِهِ السَّفَرَ وَإِنَّمَا أَرَادَ الْقَرْيَةَ وَأَفْنِيَةَ الْمِصْرِ، وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ لَهُ فِي مَسْأَلَةِ الصُّلْحِ أَنْ يُسَافِرَ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْإِجَارَةِ اهـ. وَيَطْلُبُ الْفَرْقَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَأْخُذُ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ عَبْدٍ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ أَجْرًا دَفَعَهُ لِعَمَلِهِ) يَعْنِي لَوْ اسْتَأْجَرَ رَجُلٌ عَبْدًا مَحْجُورًا عَلَيْهِ مِنْ نَفْسِهِ فَعَمِلَ وَأَعْطَاهُ الْأَجْرَ لَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ، وَالْقِيَاسُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ فَيَبْقَى عَلَى مِلْكِ الْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّهُ بِالِاسْتِعْمَالِ صَارَ غَاصِبًا لَهُ وَلِهَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ قِيمَتِهِ إذَا هَلَكَ وَمَنَافِعُ الْمَغْصُوبِ لَا تُضْمَنُ عِنْدَنَا فَيَبْقَى الْمَدْفُوعُ عَلَى مِلْكِهِ فَلَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ قِيَاسًا وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا يَسْتَرِدُّ؛ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ مِنْ الْعَبْدِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ نَافِعٌ عَلَى تَقْدِيرِ السَّلَامَةِ صَارَ عَلَى تَقْدِيرِ الْهَلَاكِ وَالنَّافِعُ مَأْذُونٌ فِيهِ فَيَمْلِكُهُ الْعَبْدُ فَيَخْرُجُ الْأَجْرُ عَنْ مِلْكِهِ فَبَعْدَمَا سَلَّمَ تَمَحَّضَ نَفْعًا فِي حَقِّ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ تَحَصَّلَ لِلْمَوْلَى الْأَجْرُ، وَلَوْ لَمْ يَجُزْ ضَاعَتْ مَنَافِعُ الْعَبْدِ فَتَعَيَّنَ الْقَوْلُ بِالْجَوَازِ وَصَحَّ قَبْضُ الْعَبْدِ الْأُجْرَةَ فَلَا يَسْتَرِدُّ بِخِلَافِ مَا إذَا هَلَكَ الْعَبْدُ فِي حَالَةِ الِاسْتِعْمَالِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ قِيمَتُهُ، وَإِذَا ضَمِنَ صَارَ غَاصِبًا مِنْ وَقْتِ الِاسْتِعْمَالِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 37 فَيَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا مَنْفَعَةَ عَبْدِ نَفْسِهِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْأُجْرَةُ لِلصَّبِيِّ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ إذَا اسْتَأْجَرَ نَفْسَهُ وَسَلَّمَ فَإِنَّ الْأُجْرَةَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَمْنُوعٍ عَمَّا يَنْفَعُهُ وَفِي النِّهَايَةِ الْأَجْرُ الَّذِي يَجِبُ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ هُوَ أَجْرُ الْمِثْلِ فَإِنْ أَعْتَقَهُ الْمَوْلَى فِي نِصْفِ الْمُدَّةِ نَفَذَتْ الْإِجَارَةُ وَلَا خِيَارَ لِلْعَبْدِ وَأَجْرُ مَا مَضَى لِلْمَوْلَى وَالْأُجْرَةُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لِلْعَبْدِ وَفِي قَاضِي خان الْأَبُ وَالْجَدُّ وَوَصِيُّهُمَا إذَا أَجَّرَ عَبْدَ الصَّبِيِّ سِنِينَ، ثُمَّ بَلَغَ الْغُلَامُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ وَالصَّبِيُّ إذَا أَجَّرَ نَفْسَهُ وَسَلَّمَ، ثُمَّ بَلَغَ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ الْإِجَارَةَ. اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ الْمُكَاتَبُ إذَا أَجَّرَ عَبْدَهُ، ثُمَّ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ رُدَّ فِي الرِّقِّ فَالْإِجَارَةُ بَاقِيَةٌ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ تُنْتَقَضُ. اهـ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة وَلَوْ أَجَّرَ الرَّجُلُ عَبْدًا، ثُمَّ اُسْتُحِقَّ وَأَجَازَ الْمُسْتَحِقُّ الْإِجَارَةَ فَإِنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ جَازَ وَكَانَتْ الْأُجْرَةُ لِلْمَالِكِ وَإِنْ أَجَازَ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ لَمْ تُعْتَبَرْ الْإِجَارَةُ وَلَا أَجْرَ لِلْعَاقِدِ وَإِنْ أَجَازَ فِي بَعْضِ الْمُدَّةِ فَالْمَاضِي لَهُ وَالْبَاقِي لِلْمَالِكِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ أُجْرَةُ مَا مَضَى لِلْغَاصِبِ وَمَا بَقِيَ فَهُوَ لِلْمَالِكِ اهـ. . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَضْمَنُ غَاصِبُ الْعَبْدِ مَا أَكَلَ مِنْ أَجْرِهِ) مَعْنَاهُ إذَا غَصَبَ رَجُلٌ عَبْدًا فَأَجَّرَ الْعَبْدُ نَفْسَهُ فَأَخَذَ الْغَاصِبُ مِنْ يَدِ الْعَبْدِ الْأُجْرَةَ فَأَكَلَهَا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَقَالَا عَلَيْهِ ضَمَانُهُ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَالَ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَلَا تَأْوِيلَ لَهُ وَلِلْإِمَامِ أَنَّ الضَّمَانَ إنَّمَا يَجِبُ بِإِتْلَافِ مَالٍ مُحَرَّزٍ مُتَقَوِّمٍ، وَهَذَا لَيْسَ بِمُحَرَّزٍ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَازَ يَكُونُ بِيَدِهِ أَوْ بِيَدِ نَائِبِهِ، وَهَذَا لَيْسَ فِي يَدِهِ وَلَا يَدِ نَائِبِهِ؛ لِأَنَّ الْغَاصِبَ لَيْسَ بِنَائِبٍ عَنْهُ وَلَا الْعَبْدَ، بَلْ الْعَبْدُ وَمَا فِي يَدِهِ فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَلَمْ يَكُنْ مُحَرَّزًا فَلَا ضَمَانَ فَصَارَ نَظِيرُ الْمَالِ الْمَسْرُوقِ فِي يَدِ السَّارِقِ بَعْدَ الْقَطْعِ؛ وَلِأَنَّ الْأُجْرَةَ بَدَلُ الْمَنْفَعَةِ وَالْبَدَلُ حُكْمُهُ حُكْمُ الْمُبْدَلِ، وَلَوْ أَتْلَفَ الْغَاصِبُ الْمَنْفَعَةَ لَا يَضْمَنُ فَكَذَا بَدَلُهَا وَمَا تَرَدَّدَ بَيْنَ أَصْلَيْنِ تَوَفَّرَ فِيهِ حَظُّهُمَا فَرَجَّحْنَا جَانِبَ الْمَالِكِ عِنْدَ بَقَاءِ الْأَجْرِ فِي يَدِهِ فَقُلْنَا الْمَالِكُ أَحَقُّ بِهِ وَرَجَّحْنَا جَانِبَ الْغَاصِبِ فِي حَقِّ الضَّمَانِ وَقُلْنَا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إذَا أَكَلَ الْأُجْرَةَ بِخِلَافِ وَلَدِ الْمَغْصُوبِ حَيْثُ يَجِبُ عَلَى الْغَاصِبِ ضَمَانُهُ بِالْإِتْلَافِ تَعَدِّيًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِبَدَلِ الْمَنْفَعَةِ، بَلْ هُوَ جُزْءُ الْأُمِّ فَيَضْمَنُهُ بِالتَّعَدِّي كَالْأُمِّ وَلِهَذَا لَوْ اسْتَوْلَدَهَا الْغَاصِبُ لَا يَكُونُ الْوَلَدُ لَهُ، وَلَوْ أَجَّرَ الْعَبْدُ كَانَ الْأَجْرُ لَهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ وَجَدَهُ رَبُّهُ أَخَذَهُ) يَعْنِي لَوْ وَجَدَ رَبُّ الْعَبْدِ مَا فِي يَدِ الْعَبْدِ مِنْ الْأُجْرَةِ أَخَذَهُ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ عَيْنَ مَالِهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ بُطْلَانِ التَّقَوُّمِ بُطْلَانُ الْمِلْكِ كَمَا فِي الْمَسْرُوقِ بَعْدَ الْقَطْعِ فَإِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مُتَقَوِّمًا حَتَّى لَا يُضْمَنَ بِالْإِتْلَافِ وَيَبْقَى الْمِلْكُ فِيهِ حَتَّى يَأْخُذَهُ الْمَالِكُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَحَّ قَبْضُ الْعَبْدِ أَجْرَهُ) يَعْنِي لَوْ قَبَضَ الْعَبْدُ الْأُجْرَةَ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ جَازَ قَبْضُهُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ الْمُبَاشِرُ لِلْعَقْدِ وَحُقُوقُ الْعَقْدِ إلَيْهِ فَيَصِحُّ لِكَوْنِهِ مَأْذُونًا فِي التَّصَرُّفِ النَّافِعِ وَهَذِهِ مُكَرَّرَةٌ مَعَ قَوْلِهِ وَلَا يَأْخُذُ مُسْتَأْجِرٌ مِنْ عَبْدٍ مَحْجُورٍ إلَى آخِرِهِ؛ لِأَنَّهُ أَفَادَ صِحَّةَ الْقَبْضِ وَمَنْعَ الْأَخْذِ فَهِيَ تَكْرَارٌ بِلَا فَائِدَةٍ فَتَأَمَّلْ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ أَجَّرَ عَبْدَهُ هَذَيْنِ الشَّهْرَيْنِ شَهْرًا بِأَرْبَعَةٍ وَشَهْرًا بِخَمْسَةٍ صَحَّ وَالْأَوَّلُ بِأَرْبَعَةٍ) لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ أَوَّلًا شَهْرًا بِأَرْبَعَةٍ انْصَرَفَ إلَى مَا يَلِي الْعَقْدَ تَحَرِّيًا لِلصِّحَّةِ كَمَا لَوْ سَكَتَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْأَوْقَاتَ فِي حَقِّ الْإِجَارَةِ بِمَنْزِلَةِ الْأَوْقَاتِ فِي حَقِّ الْيَمِينِ أَنْ لَا يُكَلِّمَ فُلَانًا؛ لِأَنَّ تَنَكُّرَهَا مُفْسِدٌ فَتَعَيَّنَ عَقِبَهَا فَإِذَا انْصَرَفَ الْأَوَّلُ إلَى مَا يَلِيهِ انْصَرَفَ الثَّانِي تَحَرِّيًا لِلْأَخِيرِ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ الْأَوْقَاتِ إلَيْهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِهِ قَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ فَإِنْ قُلْت هَذَا التَّعْلِيلُ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ إذَا أَنْكَرَ الشَّهْرَ وَهُنَا عُرِفَ بِقَوْلِهِ هَذَيْنِ قُلْت رَأَيْت فِي الْمَبْسُوطِ وَغَيْرِهِ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا شَهْرَيْنِ شَهْرًا بِأَرْبَعَةٍ وَشَهْرًا بِخَمْسَةٍ فَقَالَ الْمُسْتَأْجِرُ اسْتَأْجَرْت مِنْك هَذَا الْعَبْدَ هَذَيْنِ الشَّهْرَيْنِ فَيَنْصَرِفُ قَوْلُهُ هَذَيْنِ الشَّهْرَيْنِ إلَى الشَّهْرَيْنِ الْمُنْكَرَيْنِ. اهـ. وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ قِيلَ مَبْنَى هَذَا الْكَلَامِ عَلَى أَنَّهُ ذَكَرَ مُنْكَرًا مَجْهُولًا وَالْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ لَيْسَ كَذَلِكَ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْكِتَابِ قَوْلُ الْمُسْتَأْجِرِ وَاللَّامُ فِيهِ لِلْعَهْدِ لِمَا فِي كَلَامِ الْمُؤَجِّرِ مِنْ التَّنْكِيرِ فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَلَوْ قَبْلَ إجَارَةِ عَبْدٍ إلَى آخِرِهِ فَلَوْ قَالَ ذَلِكَ لَكَانَ أَوْلَى وَكَانَ يَسْلَمُ مِنْ الِاعْتِرَاضِ فَتَأَمَّلْ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي إبَاقِ الْعَبْدِ وَمَرَضِهِ حُكِّمَ الْحَالُ) يَعْنِي لَوْ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا شَهْرًا مَثَلًا، ثُمَّ قَالَ الْمُسْتَأْجِرُ فِي آخِرِ الشَّهْرِ أَبَقَ أَوْ مَرِضَ فِي الْمُدَّةِ وَأَنْكَرَ الْمَوْلَى ذَلِكَ أَوْ أَنْكَرَ اسْتِنَادَهُ إلَى أَوَّلِ الْمُدَّةِ فَقَالَ أَصَابَهُ قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَنِي بِسَاعَةٍ يُحَكَّمُ الْحَالُ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ مَنْ شَهِدَ لَهُ الْحَالُ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ فِي الدَّعَاوَى قَوْلُ مَنْ يَشْهَدُ لَهُ الظَّاهِرُ وَوُجُودُهُ فِي الْحَالِ يَدُلُّ عَلَى وُجُودِهِ فِي الْمَاضِي فَيَصْلُحُ الظَّاهِرُ مُرَجِّحًا وَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ حُجَّةً كَمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي جَرَيَانِ مَاءِ الطَّاحُونِ، وَهَذَا إذَا كَانَ الظَّاهِرُ يَشْهَدُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 38 لِلْمُسْتَأْجِرِ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا إشْكَالَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلَّا دَفْعُ الِاسْتِحْقَاقِ، وَالظَّاهِرُ يَصْلُحُ لَهُ فَإِنْ كَانَ يَشْهَدُ لِلْمُؤَجِّرِ فَفِيهِ إشْكَالٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ بِالظَّاهِرِ وَهُوَ لَا يَصْلُحُ لِلِاسْتِحْقَاقِ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ بِالسَّبَبِ السَّابِقِ وَهُوَ الْعَقْدُ وَإِنَّمَا الظَّاهِرُ يَشْهَدُ عَلَى بَقَائِهِ وَاسْتِمْرَارِهِ إلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ فَلَمْ يَكُنْ مُسْتَحَقًّا بِمُجَرَّدِ الظَّاهِرِ. وَهَذَا لِأَنَّهُمَا لَمَّا اتَّفَقَا عَلَى وُجُودِ سَبَبِ الْوُجُوبِ فَقَدْ أَقَرَّ بِالْوُجُوبِ عَلَيْهِ، وَإِذَا أَنْكَرَهُ يَكُونُ مُتَعَرِّضًا لِنَفْيِهِ فَلَا يُقْبَلُ إلَّا بِحُجَّةٍ وَعَلَى هَذَا لَوْ أَعْتَقَ جَارِيَةً وَلَهَا وَلَدٌ فَقَالَتْ أَعْتَقْتنِي قَبْلَ وِلَادَتِي فَهُوَ حُرٌّ، وَقَالَ الْمَوْلَى أَعْتَقْتهَا بَعْدَهُ فَهُوَ رَقِيقٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ الْوَلَدُ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ يَشْهَدُ لَهُ، وَكَذَا لَوْ بَاعَ نَخْلًا فِيهِ ثَمَرَةٌ وَاخْتَلَفَا فِي الثَّمَرَةِ مَعَهَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ مَنْ فِي يَدِهِ الثَّمَرَةُ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا اتَّفَقَا عَلَى قَدْرِ الْأُجْرَةِ وَاخْتَلَفَا فِي الْوُجُوبِ فَلَوْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الْأُجْرَةِ وَاتَّفَقَا فِي الْوُجُوبِ قَالَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خان، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الْأَجْرِ فَقَالَ الصَّبَّاغُ عَمِلْته بِدِرْهَمٍ، وَقَالَ صَاحِبُ الثَّوْبِ بِدَانَقَيْنِ فَأَيُّهُمَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ وَإِنْ أَقَامَاهَا فَبَيِّنَةُ الصَّبَّاغِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا بَيِّنَةٌ يُنْظَرُ مَا زَادَ الصَّبْغُ فِي قِيمَةِ الثَّوْبِ فَإِنْ كَانَ دِرْهَمًا أَوْ أَكْثَرَ يُؤْخَذُ بِقَوْلِ الصَّبَّاغِ فَيُعْطِي دِرْهَمًا بَعْدَ يَمِينِهِ بِاَللَّهِ مَا صَبَغَهُ بِدَانَقَيْنِ وَإِنْ كَانَ مَا زَادَ الصَّبْغُ فِيهِ أَقَلَّ مِنْ دَانَقَيْنِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ رَبِّ الثَّوْبِ مَعَ يَمِينِهِ عَلَى مَا ادَّعَى الصَّبَّاغُ فَإِنْ كَانَ يَزِيدُ فِي قِيمَةِ الثَّوْبِ نِصْفَ دِرْهَمٍ يُعْطِي الصَّبَّاغُ نِصْفَ دِرْهَمٍ مَعَ يَمِينِهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَإِنْ كَانَ يُنْقِصُ الصَّبْغُ الثَّوْبَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ صَاحِبِ الثَّوْبِ اهـ. قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ: وَإِذَا اخْتَلَفَ شَاهِدَا الْأُجْرَةِ فِي مِقْدَارِهَا إنْ كَانَتْ الْحَاجَةُ إلَى الْقَضَاءِ بِالْعَقْدِ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَالشَّهَادَةُ بَاطِلَةٌ سَوَاءٌ كَانَ يَدَّعِي أَقَلَّ الْمَالَيْنِ أَوْ أَكْثَرَهُمَا فَإِنْ كَانَتْ الْحَاجَةُ إلَى الْقَضَاءِ بِالدَّيْنِ بِأَنْ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي نَفْسِ الْمَنْفَعَةِ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالرُّكُوبِ وَالْآخَرُ بِالْحَمْلِ أَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا بِزَعْفَرَانٍ، وَقَالَ الْآخَرُ بِعُصْفُرٍ لَمْ تُقْبَلْ الشَّهَادَةُ هَذَا إنْ اتَّفَقَا عَلَى الْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ فَلَوْ اخْتَلَفَا فِيهَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ بِأَنْ قَالَ الْمُؤَجِّرُ أَجَّرْتُك هَذِهِ الدَّابَّةَ، وَقَالَ الْمُسْتَأْجِرُ بَلْ هَذِهِ يَتَحَالَفَانِ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي جِنْسِ الْأُجْرَةِ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ وَكُلُّ بَيِّنَةٍ تُثْبِتُ الزِّيَادَةَ تُقْبَلُ بَيِّنَةُ كُلٍّ فِيمَا يَدَّعِيهِ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الْمَسَافَةِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا مَثَلًا فِي دِيَارِنَا إلَى الْخَانْكَا، وَقَالَ الْآخَرُ إلَى بِلْبِيسَ يَتَحَالَفَانِ وَأَيُّهُمَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ وَإِنْ أَقَامَاهَا جَمِيعًا أُخِذَ بِبَيِّنَةِ رَبِّ الدَّابَّةِ فِي إثْبَاتِ الْأُجْرَةِ وَبِبَيِّنَةِ الْمُسْتَأْجِرِ فِي إثْبَاتِ زِيَادَةِ الْمَسَافَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْقَوْلُ لِرَبِّ الثَّوْبِ فِي الْقَمِيصِ وَالْقَبَاءِ وَالْحُمْرَةِ وَالصُّفْرَةِ وَالْأَجْرِ وَعَدَمِهِ) يَعْنِي إذَا اخْتَلَفَ رَبُّ الثَّوْبِ وَالْخَيَّاطُ فِي الْمَخِيطِ بِأَنْ قَالَ رَبُّ الثَّوْبِ أَمَرْتُك أَنْ تَعْمَلَ قَبَاءً، وَقَالَ الْخَيَّاطُ قَمِيصًا أَوْ فِي لَوْنِ الصِّبْغِ بِأَنْ قَالَ رَبُّ الثَّوْبِ أَحْمَرُ، وَقَالَ الصَّبَّاغُ أَصْفَرُ أَوْ فِي الْأُجْرَةِ بِأَنْ قَالَ صَاحِبُ الثَّوْبِ عَمِلْته بِغَيْرِ أُجْرَةٍ، وَقَالَ الصَّبَّاغُ بِأُجْرَةٍ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ رَبِّ الثَّوْبِ، وَظَاهِرُ الْعِبَارَةِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ رَبِّ الثَّوْبِ مَعْرُوفًا بِلُبْسِ مَا نَفَاهُ أَوْ لَا وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ إنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِلُبْسِ مَا نَفَاهُ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْخَيَّاطِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا أَوْ جَهِلَ الْحَالَ يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ رَبِّ الثَّوْبِ أَمَّا إذَا اخْتَلَفَا فِي الْخِيَاطَةِ وَالصَّبْغِ؛ فَلِأَنَّ الْإِذْنَ يُسْتَفَادُ مِنْهُ فَهُوَ أَعْلَمُ بِكَيْفِيَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَنْكَرَ الْإِذْنَ أَصْلًا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ، فَكَذَا إذَا أَنْكَرَ وَصْفَهُ؛ لِأَنَّ الْوَصْفَ تَابِعٌ لِلْأَصْلِ لَكِنَّهُ يَحْلِفُ؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى عَلَيْهِ شَيْئًا لَوْ أَقَرَّ بِهِ لَزِمَهُ فَإِذَا أَنْكَرَهُ يَحْلِفُ فَإِذَا حَلَفَ فَالْخَيَّاطُ ضَامِنٌ وَصَاحِبُ الثَّوْبِ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ ثَوْبًا غَيْرَ مَعْمُولٍ وَلَا أَجْرَ لَهُ أَوْ قِيمَتَهُ مَعْمُولًا وَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ لَا يُجَاوِزُ بِهِ الْمُسَمَّى عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَضْمَنُ مَا زَادَ الصَّبْغُ فِيهِ لَا يُقَالُ هَذِهِ مُكَرَّرَةٌ مَعَ قَوْلِهِ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الْإِجَارَةِ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ إلَى آخِرِهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ هُنَاكَ اتَّفَقَا عَلَى نَوْعِ الْعَمَلِ وَاخْتَلَفَا فِي الْأُجْرَةِ وَهُنَا اتَّفَقَا عَلَى الْأُجْرَةِ وَاخْتَلَفَا فِي نَوْعِ الْعَمَلِ فَلَا تَكْرَارَ. وَأَمَّا إذَا اخْتَلَفَا فِي الْأُجْرَةِ؛ فَلِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ يُنْكِرُ تَقَوُّمَ عَمَلِهِ وَوُجُوبَ الْأَجْرِ، وَالصَّبَّاغُ يَدَّعِيهِ فَكَانَ الْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ، وَهَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ، وَقَالَ الثَّانِي إنْ كَانَ الصَّابِغُ حَرِيفًا لَهُ أَيْ مُعَامِلًا لَهُ بِأَنْ كَانَ يَدْفَعُ إلَيْهِ شَيْئًا لِلْعَمَلِ وَيُقَاطِعُهُ عَلَيْهِ فَلَهُ الْأَجْرُ وَإِلَّا فَلَا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ إنْ كَانَ الصَّابِغُ مَعْرُوفًا بِهَذِهِ الصَّنْعَةِ بِالْأُجْرَةِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا فَتَحَ الدُّكَّانَ لِذَلِكَ جَرَى ذَلِكَ مَجْرَى التَّنْصِيصِ عَلَيْهِ اعْتِبَارًا بِظَاهِرِ الْمَقَاصِدِ وَقَوْلُهُمَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ قَوْلُ الْإِمَامِ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فَإِنْ قُلْت هَذِهِ مُتَكَرِّرَةٌ مَعَ قَوْلِهِ وَبِخِيَاطَةِ قَبَاءٍ وَأَمَرَ بِقَمِيصٍ، فَالْجَوَابُ أَنَّ تِلْكَ بِاعْتِبَارِ الضَّمَانِ، وَهَذَا بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْقَوْلَ لِرَبِّ الثَّوْبِ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ فَلَا تَكْرَارَ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة وَلَوْ اخْتَلَفَ هُوَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 39 وَالْقَصَّارُ فِي أَجْرِ الثَّوْبِ فَقَالَ الْقَصَّارُ بِرُبْعِ دِرْهَمٍ، وَقَالَ رَبُّ الثَّوْبِ عَمِلْته بِقِيرَاطٍ فَإِنْ اخْتَلَفَا قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ تَحَالَفَا وَتَرَادَّا وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الثَّوْبِ وَلَمْ يُحَكَّمْ مِقْدَارُ مَا زَادَتْ الْقِصَارَةُ فِيهِ اهـ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ فَسْخِ الْإِجَارَةِ] (بَابُ فَسْخِ الْإِجَارَةِ) ذَكَرَ الْفَسْخَ آخِرًا؛ لِأَنَّ فَسْخَ الْعَقْدِ بَعْدَ وُجُودِهِ لَا مَحَالَةَ فَنَاسَبَ ذِكْرَهُ آخِرًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتُفْسَخُ بِالْعَيْبِ) أَيْ تُفْسَخُ الْإِجَارَةُ بِالْعَيْبِ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ تُفْسَخُ أَفَادَ أَنَّهَا لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى رِضَا الْآخَرِ وَلَا عَلَى الْقَضَاءِ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة، وَإِذَا تَحَقَّقَ الْعُذْرُ هَلْ يَنْفَسِخُ بِنَفْسِهِ أَوْ يَحْتَاجُ إلَى الْفَسْخِ إشَارَاتُ الْكُتُبِ مُتَعَارِضَةٌ فَفِي بَعْضِهَا يَنْفَسِخُ بِنَفْسِ الْعُذْرِ وَبِهِ أَخَذَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ وَفِي عَامَّتِهَا يَحْتَاجُ إلَى الْفَسْخِ وَعَلَيْهِ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَقِيلَ الْعَقْدُ يَنْفَسِخُ بِدُونِ الرِّضَا قِيلَ هُوَ الصَّحِيحُ وَبَعْضُ الْمَشَايِخِ قَالَ إنْ كَانَ الْعُذْرُ يَمْنَعُ الْمُضِيَّ يَنْفَسِخُ بِنَفْسِهِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْقَضَاءِ وَإِنْ كَانَ لَا يَمْنَعُ الْمُضِيَّ يَحْتَاجُ إلَى الْقَضَاءِ اهـ. وَفِي الزِّيَادَاتِ يُرْفَعُ الْأَمْرُ إلَى الْقَاضِي لِيَفْسَخَ الْإِجَارَةَ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ رِوَايَةُ الزِّيَادَاتِ أَصَحُّ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْفَسْخِ الرِّضَا أَوْ الْقَضَاءُ اهـ. وَأَطْلَقَ الْمُؤَلِّفُ فِي الْعَيْبِ، وَقَالَ فِي الْبَدَائِعِ هَذَا إذَا كَانَ الْعَيْبُ مِمَّا يَضُرُّ بِالِانْتِفَاعِ بِالْمُسْتَأْجِرِ فَإِنْ كَانَ لَا يَضُرُّ بِالِانْتِفَاعِ بِهِ بَقِيَ الْعَقْدُ لَازِمًا وَلَا خِيَارَ لِلْمُسْتَأْجِرِ كَالْعَبْدِ الْمُسْتَأْجَرِ ذَهَبَتْ إحْدَى عَيْنَيْهِ وَذَلِكَ لَا يَضُرُّ بِالْخِدْمَةِ، أَوْ سَقَطَ شَعْرُهُ أَوْ سَقَطَ فِي الدَّارِ الْمُسْتَأْجَرَةِ حَائِطٌ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ فِي سُكْنَاهَا إلَى آخِرِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْعَيْبُ الْحَادِثُ مِمَّا يَضُرُّ بِالِانْتِفَاعِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ يَضُرُّ بِالِانْتِفَاعِ فَالنُّقْصَانُ يَرْجِعُ إلَى الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَأَوْجَبَ لَهُ الْخِيَارَ فَلَهُ أَنْ يَفْسَخَ، ثُمَّ إنَّمَا يَلِي الْفَسْخَ إذَا كَانَ الْمُؤَجِّرُ حَاضِرًا فَإِنْ كَانَ غَائِبًا فَحَدَثَ بِالْمُسْتَأْجِرِ مَا يُوجِبُ حَقَّ الْفَسْخِ، فَلَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَفْسَخَ؛ لِأَنَّ فَسْخَ الْعَقْدِ لَا يَجُوزُ إلَّا بِحُضُورِ الْعَاقِدَيْنِ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُمَا فَلَوْ كَانَ لَا يَضُرُّ بِهَا، فَلَيْسَ لَهُ الْفَسْخُ كَالْعَبْدِ الْمُسْتَأْجَرِ إذَا ذَهَبَ إحْدَى عَيْنَيْهِ وَهِيَ لَا تَضُرُّ بِالْخِدْمَةِ أَوْ الدَّارِ إذَا سَقَطَ مِنْهَا حَائِطٌ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ فِي سُكْنَاهَا وَإِنْ كَانَ يُؤَثِّرُ فِي السُّكْنَى أَوْ الْخِدْمَةِ كَالْعَبْدِ إذَا مَرِضَ أَوْ الدَّابَّةُ إذَا دَبَرَتْ أَوْ الدَّارُ إذَا سَقَطَ مِنْهَا حَائِطٌ يُنْتَفَعُ فِي السُّكْنَى، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ دَارَيْنِ فَسَقَطَ مِنْ أَحَدِهِمَا حَائِطٌ أَوْ مَنَعَ مَانِعٌ مِنْ أَحَدِهِمَا أَوْ وُجِدَ فِي أَحَدِهِمَا عَيْبٌ يُنْقِصُ السُّكْنَى فَلَهُ أَنْ يَتْرُكَهُمَا جَمِيعًا إذَا كَانَ عَقَدَ عَلَيْهِمَا عَقْدًا وَاحِدًا اهـ. قَالَ الشَّارِحُ: لِأَنَّ الْعَقْدَ يَقْتَضِي سَلَامَةَ الْبَدَلِ فَإِذَا لَمْ يَسْلَمْ فَاتَ رِضَاهُ فَلَهُ أَنْ يَفْسَخَ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ هُنَا الْمَنَافِعُ وَهِيَ تَحْدُثُ سَاعَةً فَسَاعَةً فَمَا وُجِدَ مِنْ الْعَيْبِ يَكُونُ حَادِثًا قَبْلَ الْقَبْضِ فِي حَقِّ مَا بَقِيَ مِنْ الْمَنَافِعِ فَيُوجِبُ خِيَارَ الْفَسْخِ فَإِذَا فَعَلَ الْمُؤَجِّرُ مَا زَالَ بِهِ الْعَيْبُ فَلَا خِيَارَ لِلْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّ الْمُوجِبَ لِلرَّدِّ قَدْ زَالَ قَبْلَ الْفَسْخِ، وَالْعَقْدُ يَتَجَدَّدُ سَاعَةً فَسَاعَةً فَلَمْ يُوجَدْ فِيمَا يَأْتِي بَعْدُ فَسَقَطَ اخْتِيَارُ الْفَسْخِ، وَإِذَا اسْتَوْفَى الْمُسْتَأْجِرُ الْمَنْفَعَةَ مَعَ الْعَيْبِ يَلْزَمُهُ جَمِيعُ الْبَدَلِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَذَلِكَ إمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ قِبَلِ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ أَوْ مِنْ قِبَلِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَفِي التَّجْرِيدِ إمَّا أَنْ يَمْنَعَ الِانْتِفَاعَ أَوْ يَنْقُصَ الِانْتِفَاعُ بِالْمَنْفَعَةِ وَلَمَّا تَنَوَّعَ الْعَيْبُ إلَى هَذِهِ الْأَنْوَاعِ شَرَعَ يُبَيِّنُ الْأَنْوَاعَ. فَقَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَخَرَابِ الدَّارِ وَانْقِطَاعِ مَاءَ الضَّيْعَةِ وَالرَّحَى) يَعْنِي تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ، وَلَوْ بَيَّنَ الْمُؤَجِّرُ الدَّارَ وَأَرَادَ الْمُسْتَأْجِرُ أَنْ يَسْكُنَهُ فِي بَقِيَّةِ الْمُدَّةِ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ، وَكَذَا لَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَمْنَعَ مِنْهُ وَفِي النَّوَادِرِ بَنَى الْمُؤَجِّرُ الدَّارَ كُلَّهَا قَبْلَ الْفَسْخِ، فَلِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَفْسَخَ الْعَقْدَ إنْ شَاءَ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ، وَلَوْ انْقَطَعَ مَاءُ الرَّحَى وَالْبَيْتِ وَبَقِيَ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ لِغَيْرِ الطَّحْنِ فَعَلَيْهِ مِنْ الْأَجْرِ بِحِصَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَإِذَا اسْتَوْفَاهُ لَزِمَهُ حِصَّتُهُ وَقَوْلُهُ وَخَرَابِ الدَّارِ إلَى آخِرِهِ يُفِيدُ أَنَّ الْإِجَارَةَ تَنْفَسِخُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَفِي الذَّخِيرَةِ الْإِجَارَةُ فِي الرَّحَى لَا تَنْفَسِخُ بِانْقِطَاعِ الْمَاءِ وَفِي الْخَانِيَّةِ فَإِنْ بَنَى الدَّارَ بَعْدَ الْفَسْخِ، فَلَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَسْكُنَهَا وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة وَالسَّفِينَةُ الْمُسْتَأْجَرَةُ إذَا نَقَضَتْ وَصَارَتْ أَلْوَاحًا، ثُمَّ أُعِيدَتْ سَفِينَةً أُخْرَى لَمْ يَجُزْ تَسْلِيمُهَا لِلْمُسْتَأْجِرِ. اهـ. وَمِثْلُ انْقِطَاعِ مَاءِ الرَّحَى انْكِسَارُ الْحَجَرِ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة، وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَزْرَعَ أَرْضَهُ بِبَذْرِهِ، ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ لَا يَزْرَعَ كَانَ عُذْرًا، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا لِيَزْرَعَهَا فَغَرِقَتْ أَوْ تَرِبَتْ أَوْ سَبِخَتْ كَانَ ذَلِكَ عُذْرًا فِي فَسْخِهَا وَفِي الْأَصْلِ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا لِيَزْرَعَهَا شَيْئًا سَمَّاهُ فَزَرَعَهَا ذَلِكَ وَأَصَابَ الزَّرْعَ آفَةٌ وَذَهَبَ وَقْتُ الزِّرَاعَةِ لِذَلِكَ الزَّرْعِ فَأَرَادَ أَنْ يَزْرَعَ مَا هُوَ أَقَلُّ مِنْهُ ضَرَرًا أَوْ مِثْلُهُ فَلَهُ ذَلِكَ وَإِلَّا فُسِخَتْ وَلَزِمَهُ مَا مَضَى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 40 مِنْ الْأُجْرَةِ قُيِّدَ بِانْقِطَاعِ الرَّحَى لِيَحْتَرِزَ عَنْ النُّقْصَانِ فِي الرَّحَا فَإِنْ كَانَ النُّقْصَانُ فَاحِشًا فَلَهُ حَقُّ الْفَسْخِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ فَاحِشٍ، فَلَيْسَ لَهُ حَقُّ الْفَسْخِ قَالَ الْقُدُورِيُّ إذَا صَارَ الطَّحْنُ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ الْحِنْطَةِ أَوَّلًا فَهُوَ فَاحِشٌ. [تُفْسَخُ الْإِجَارَة بِمَوْتِ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ إنْ عَقَدَ لِنَفْسِهِ] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتُفْسَخُ بِمَوْتِ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ إنْ عَقَدَهَا لِنَفْسِهِ) قَالَ الشَّارِحُ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى حُكْمِ الْحَاكِمِ. اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ فِيهِ إشَارَةً إلَيْهِ قَالَ فِي الْمُفِيدِ وَالْمَزِيدِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا لَكِنْ يُرْفَعُ الْأَمْرُ إلَى الْقَاضِي وَيَقْضِي بِالْفَسْخِ وَلَا يَحْتَاجُ فِي ذَلِكَ إلَى دَعْوَى وَلِلْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ طَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يُرْفَعَ الْأَمْرُ إلَى الْقَاضِي بِالْفَسْخِ، الثَّانِيَةُ أَنْ يَبِيعَ الْعَيْنَ الْمُؤَجَّرَةَ وَيَحْكُمَ الْقَاضِي فِيهَا بِالصِّحَّةِ وَانْفِسَاخِ الْأُولَى وَهِيَ طَرِيقَةُ مَا وَرَاءِ النَّهْرِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تَبْطُلُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا وَلَنَا أَنَّ الْعَقْدَ يَنْعَقِدُ سَاعَةً فَسَاعَةً حَسَبَ حُدُوثِ الْمَنْفَعَةِ فَإِذَا مَاتَ الْمُؤَجِّرُ انْتَقَلَ الْمِلْكُ إلَى الْوَارِثِ وَمَنْفَعَتُهُ إلَيْهِ وَالْمَنَافِعُ الْمُسْتَحَقَّةُ بِالْعَقْدِ هِيَ الْمَمْلُوكَةُ لِلْمُؤَجِّرِ، وَقَدْ فَاتَ بِمَوْتِهِ فَتَنْفَسِخُ قَالَ فِي الْعَتَّابِيَّةِ وَنُوقِضَ بِمَا إذَا اسْتَأْجَرَ دَابَّةً إلَى مَكَان مُعَيَّنٍ فَمَاتَ صَاحِبُ الدَّابَّةِ وَسَطَ الطَّرِيقِ كَانَ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَرْكَبَهَا إلَى الْمَكَانِ الْمُسَمَّى، وَقَدْ مَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ عَقَدَهَا لِنَفْسِهِ وَأَجَبْت بِأَنَّ ذَلِكَ لِلضَّرُورَةِ وَأَنَّهُ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَالِهِ حَيْثُ لَا يَجِدُ دَابَّةً أُخْرَى فِي وَسَطِ الْمَفَازَةِ وَلَا يَكُونُ ثَمَّةَ قَاضٍ يُرْفَعُ الْأَمْرُ إلَيْهِ حَتَّى قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا إنْ وَجَدَ ثَمَّةَ دَابَّةً أُخْرَى يَحْمِلُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ يُنْتَقَضُ أَوْ وُجِدَ قَاضٍ يُنْتَقَضُ. اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ إذَا مَاتَ رَبُّ الدَّابَّةِ نَظَرَ الْقَاضِي مَا هُوَ الْأَصْلَحُ لِلْوَرَثَةِ إنْ رَأَى بَيْعَ الْجَمَلِ وَحِفْظَ الثَّمَنِ أَنْفَعَ لِلْوَرَثَةِ فَعَلَ وَإِنْ رَأَى إبْقَاءَ الْإِجَارَةِ فَإِنْ كَانَ بَقِيَّةً فَالْأَفْضَلُ الْإِبْقَاءُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ بَقِيَّةٍ فَالْأَفْضَلُ فَسْخُهَا فَإِنْ فَسَخَهَا وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ أَوْفَاهُ الْكِرَاءَ رُدَّ عَلَيْهِ بِحِسَابِ مَا بَقِيَ، وَلَوْ أَنْفَقَ الْمُسْتَأْجِرُ عَلَى الدَّابَّةِ شَيْئًا لَمْ يُحْسَبْ لَهُ إلَّا إذَا كَانَ بِإِذْنِ الْقَاضِي. اهـ. وَفِيهِ أَيْضًا، وَإِذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا وَفِي الْأَرْضِ زَرْعٌ يُتْرَكُ إلَى الْحَصَادِ وَيَكُونُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ أَوْ عَلَى وَرَثَتِهِ مَا بَقِيَ مِنْ الْأَجْرِ؛ لِأَنَّهَا كَمَا تُفْسَخُ بِالْأَعْذَارِ تَبْقَى بِالْأَعْذَارِ. اهـ. وَأَطْلَقَ فِي الْمَوْتِ فَشَمِلَ الْمَوْتَ الْحُكْمِيَّ كَالِارْتِدَادِ، وَكَذَا فِي الْمُحِيطِ وَفِي الذَّخِيرَةِ، وَإِذَا سَكَنَ بَعْدَ الِانْفِسَاخِ بِغَيْرِ عَقْدٍ فَالْأَصَحُّ إنْ كَانَتْ مُعَدَّةً لِلِاشْتِغَالِ تَلْزَمُهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّهُ غَاصِبٌ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ عَقَدَهَا لِغَيْرِهِ لَا كَالْوَكِيلِ وَالْوَصِيِّ وَالْمُتَوَلِّي فِي الْوَقْفِ) يَعْنِي لَا تُفْسَخُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا إذَا كَانَ عَقَدَهَا لِغَيْرِهِ كَمَا ذَكَرْنَا لِبَقَاءِ الْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ وَالْمُسْتَحِقُّ لَوْ مَاتَ الْمَعْقُودُ لَهُ بَطَلَتْ لِمَا ذَكَرْنَا، وَإِذَا مَاتَ أَحَدُ الْمُسْتَأْجَرِينَ أَوْ الْمُؤَجِّرَيْنِ بَطَلَتْ الْإِجَارَةُ فِي نَصِيبِهِ وَبَقِيَتْ فِي نَصِيبِ الْحَيِّ، وَقَالَ زُفَرُ بَطَلَتْ فِي نَصِيبِ الْحَيِّ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الشُّيُوعَ مَانِعٌ مِنْ صِحَّةِ الْإِجَارَةِ قُلْنَا ذَلِكَ فِي الِابْتِدَاءِ لَا فِي الْبَقَاءِ؛ لِأَنَّهُ يُتَسَامَحُ فِي الْبَقَاءِ مَا لَا يُتَسَامَحُ فِي الِابْتِدَاءِ وَأَطْلَقَ فِي الْوَكِيلِ فَشَمِلَ الْوَكِيلَ بِالْإِيجَارِ وَالْوَكِيلَ بِالِاسْتِئْجَارِ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ، وَأَمَّا الْوَكِيلُ بِالِاسْتِئْجَارِ إذَا مَاتَ تَبْطُلُ الْإِجَارَةُ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِالِاسْتِئْجَارِ تَوْكِيلُ شِرَاءِ الْمَنَافِعِ فَيَصِيرُ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ، ثُمَّ يَصِيرُ مُؤَجِّرًا مِنْ الْمُوَكِّلِ اهـ. أَقُولُ: لَعَلَّ هَذَا إذَا لَمْ يُسْلِمْ إلَى الْمُوَكِّلِ أَمَّا لَوْ سَلَّمَ لَا تَبْطُلُ فَتَدَبَّرْهُ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يَسْتَأْجِرَ دَارًا بِعَيْنِهَا سَنَةً لِلْمُوَكِّلِ فَاسْتَأْجَرَهَا الْمَأْمُورُ وَتَسَلَّمَهَا وَأَبَى أَنْ يَدْفَعَهَا لِلْآمِرِ حَتَّى مَضَتْ السَّنَةُ، قَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا أَجْرَ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى الْآمِرِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَجِبُ الْأَجْرُ عَلَى الْآمِرِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِمَا إذَا قَبَضَ النَّاظِرُ الْأُجْرَةَ مُعَجَّلَةً أَوْ غَيْرُهُ، ثُمَّ مَاتَ فَنَقُولُ إذَا كَانَ الْوَقْفُ أَهْلِيًّا وَالْغَلَّةُ لِلْقَابِضِ فَآجَرَ وَقَبَضَ الْأُجْرَةَ مُعَجَّلَةً، ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ انْتِهَاءِ الْمُدَّةِ فَفِي الْفَتَاوَى وَغَيْرِهَا لِلَّذِي انْتَقَلَ لَهُ الْحَقُّ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ أُجْرَةَ مَا آلَ إلَيْهِ بِالْمَوْتِ فَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ تَرَكَ مَالًا رَجَعَ بِذَلِكَ عَلَى مَالِهِ وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ مَالًا لَا يَرْجِعُ الْمُسْتَأْجِرُ بِشَيْءٍ وَضَاعَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ النَّاظِرُ فِي وَقْفٍ غَيْرِ أَهْلِيٍّ فَمَاتَ بَعْدَ الْقَبْضِ قَبْلَ انْتِهَاءِ الْمُدَّةِ لَا يَضَعُ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَيَرْجِعُ عَلَى جِهَةِ الْوَقْفِ وَفِي مَالِ الْمَيِّتِ الْمَتْرُوكِ. [تُفْسَخُ الْإِجَارَة بِخِيَارِ الشَّرْطِ] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتُفْسَخُ بِخِيَارِ الشَّرْطِ) يَعْنِي إذَا شَرَطَ الْمُؤَجِّرُ أَوْ الْمُسْتَأْجِرُ خِيَارَ الشَّرْطِ أَوْ شَرَطَ كُلٌّ مِنْهُمَا خِيَارَ الشَّرْطِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَلَهُ أَنْ يَفْسَخَ الْإِجَارَةَ بِهِ عِنْدَنَا، وَقَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ لَا يَصِحُّ شَرْطُ الْخِيَارِ فِي الْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ لَا يُمْكِنُهُ رَدُّ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ بِكَمَالِهِ إنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُ وَإِنْ كَانَ الْمَشْرُوطُ لَهُ الْخِيَارُ الْمُؤَجِّرَ لَا يُمْكِنُهُ التَّسْلِيمُ أَيْضًا عَلَى الْكَمَالِ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ تَحْدُثُ سَاعَةً فَسَاعَةً وَلَنَا أَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ وَلَا يَجِبُ قَبْضُهُ فِي الْمَجْلِسِ وَيَحْتَمِلُ الْفَسْخَ بِالْإِقَالَةِ فَيَجُوزُ شَرْطُ الْخِيَارِ فِيهِ كَالْبَيْعِ؛ وَلِأَنَّ الْخِيَارَ شَرْطٌ فِي الْبَيْعِ لِلتَّرَوِّي فَكَذَا فِي الْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّهَا تَقَعُ بَغْتَةً مِنْ غَيْرِ سَابِقَةٍ تَأَمَّلْ فَيُمْكِنُ أَنْ يَقَعَ غَيْرَ مُوَافِقٍ فَيَحْتَاجُ إلَى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 41 الْإِقَالَةِ فَيَجُوزُ اشْتِرَاطُ الْخِيَارِ فِيهَا بِخِلَافِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُعَاوَضَةٍ فَلَا يَصِحُّ شَرْطُ الْخِيَارِ فِيهِ وَبِخِلَافِ الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ فَلَا يَصِحُّ شَرْطُ الْخِيَارِ فِيهِمَا؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ تَمَامَ الْقَبْضِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْعَقْدِ، وَالْعَقْدُ فِيهِمَا مُوجِبٌ لِلْقَبْضِ فِي الْمَجْلِسِ وَفَوَاتُ بَعْضِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ لَا يَمْنَعُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ فَكَذَا بِخِيَارِ الشَّرْطِ لِلضَّرُورَةِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ فَسْخُ الْبَيْعِ فِي جَمِيعِ الْمَبِيعِ فَلَا ضَرُورَةَ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ يُجْبَرُ عَلَى الْقَبْضِ بَعْدَ مُضِيِّ بَعْضِ الْمُدَّةِ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْخِيَارِ لِلضَّرُورَةِ وَفِي الْمَبِيعِ لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ بَعْدَ هَلَاكِ بَعْضِهِ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْبَيْعِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ حُضُورُ الْآخَرِ فِي الْفَسْخِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الصَّحِيحُ هُنَاكَ. [تُفْسَخُ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ أَيْ الْإِجَارَة] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ) أَيْ وَتُفْسَخُ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ، وَقَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ مَا لَمْ يَرَهُ لِلْجَهَالَةِ قُلْت الْجَهَالَةُ إنَّمَا تَمْنَعُ الْجَوَازَ إذَا كَانَتْ مُفْضِيَةً لِلنِّزَاعِ وَهَذِهِ لَا تُفْضِي إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يُوَافِقْ بِرَدِّهِ فَلَا يَمْنَعُ الْجَوَازَ فَإِذَا رَآهُ ثَبَتَ لَهُ خِيَارُ الْفَسْخِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَتِمُّ إلَّا بِالرِّضَا وَلَا رِضَا بِدُونِ الْعِلْمِ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ اشْتَرَى مَا لَمْ يَرَهُ فَلَهُ الْخِيَارُ إذَا رَآهُ» ؛ وَلِأَنَّ الْإِجَارَةَ شِرَاءُ الْمَنَافِعِ فَتَنَاوَلَهَا الْحَدِيثُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتُفْسَخُ بِالْعُذْرِ وَهُوَ عَجْزُ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ عَنْ الْمُضِيِّ فِي مُوجِبِهِ إلَّا بِتَحَمُّلِ ضَرَرٍ زَائِدٍ لَمْ يَسْتَحِقَّ بِهِ كَمَنْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَقْلَعَ ضِرْسَهُ فَسَكَنَ الْوَجَعُ) يَعْنِي تُفْسَخُ الْإِجَارَةُ بِالْعُذْرِ الَّذِي هُوَ الْعَجْزُ عَنْ الْمُضِيِّ فِي مُوجِبِ الْعَقْدِ إلَّا بِتَحَمُّلِ ضَرَرٍ زَائِدٍ لَمْ يُسْتَحَقَّ بِالْعَقْدِ أَيْ بِنَفْسِ الْعَقْدِ كَمَنْ اسْتَأْجَرَ إلَخْ، وَقَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ لَا تُفْسَخُ بِالْأَعْذَارِ إلَّا بِالْعَيْبِ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ عِنْدَهُ بِمَنْزِلَةِ الْأَعْيَانِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَقَدْ فَسَّرَ الْعُذْرَ فِي التَّجْرِيدِ حَيْثُ قَالَ: وَالْعُذْرُ أَنْ يَحْدُثَ فِي الْعَيْنِ مَا يَمْنَعُ الِانْتِفَاعَ بِهِ أَوْ يَنْقُضُ الْمَنْفَعَةَ وَفَسَّرَهُ فِي الْهِدَايَةِ كَمَا فَسَّرَهُ الْمُؤَلِّفُ وَفِي الْمُحِيطِ وَكُلُّ عُذْرٍ يَمْنَعُ الْمُضِيَّ فِي مُوجِبِهِ شَرْعًا كَمَنْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَقْلَعَ ضِرْسَهُ فَسَكَنَ الْوَجَعُ تُنْقَضُ الْإِجَارَةُ مِنْ غَيْرِ نَقْضٍ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي بَقَائِهِ فَتُنْتَقَضُ ضَرُورَةً وَكُلُّ عُذْرٍ لَا يَمْنَعُ الْمُضِيَّ فِي مُوجِبِ الْعَقْدِ شَرْعًا، وَلَكِنْ لَا يُمْكِنُهُ الْمُضِيُّ إلَّا بِضَرَرٍ زَائِدٍ يَلْزَمُهُ فَإِنَّهُ لَا يُنْتَقَضُ إلَّا بِالنَّقْضِ وَهَلْ يَكُونُ قَضَاءُ الْقَاضِي وَالْوَصِيِّ شَرْطًا فِي النَّقْضِ ذَكَرَهُ فِي الزِّيَادَاتِ وَجَعَلَ قَضَاءَ الْقَاضِي شَرْطًا قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ هُوَ الْأَصَحُّ وَذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَيَنْفَرِدُ الْعَاقِدُ بِالنَّقْضِ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَإِنْ انْهَدَمَ مَنْزِلُ الْمُؤَجِّرِ وَلَيْسَ لَهُ مَنْزِلٌ آخَرُ وَأَرَادَ أَنْ يَسْكُنَ الْبَيْتَ الْمُؤَجَّرَ وَيَفْسَخَ الْإِجَارَةَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ دُكَّانًا لِيَبِيعَ فِيهِ وَيَشْتَرِيَ فَأَرَادَ أَنْ يَتْرُكَ هَذَا الْعَمَلَ وَيَعْمَلَ غَيْرَهُ فَهَذَا عُذْرٌ اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ ذَكَرَ فِي فَتَاوَى الْأَصْلِ إنْ تَهَيَّأَ لَهُ الْعَمَلُ الثَّانِي عَلَى ذَلِكَ الدُّكَّانِ لَيْسَ لَهُ النَّقْضُ وَفِيهَا لَوْ اسْتَأْجَرَ لِيَبِيعَ الطَّعَامَ، ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يَأْخُذَ فِي عَمَلٍ آخَرَ فَهَذَا لَيْسَ بِعُذْرٍ فِي الْأَصْلِ، وَقَالَ فِي الْأَصْلِ إذَا اسْتَأْجَرَ حَانُوتًا لِيَبِيعَ فِيهِ الطَّعَامَ، ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يَقْعُدَ فِي سُوقِ الصَّيَارِفِ فَهُوَ عُذْرٌ، وَفِي التَّجْرِيدِ لَوْ أَجَّرَ نَفْسَهُ فِي عَمَلٍ أَوْ صِنَاعَةٍ، ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يَتْرُكَ ذَلِكَ الْعَمَلَ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْعَمَلُ لَيْسَ مِنْ عَمَلِهِ وَهُوَ مِمَّا يُعَابُ بِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ. اهـ. وَمِنْ الْأَعْذَارِ الْمُوجِبَةِ لِلْفَسْخِ شَرْعًا لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَقْطَعَ يَدَهُ لِأَكْلَةٍ فِيهَا فَبَرِئَ مِنْهَا وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِلْحِجَامَةِ أَوْ الْفَصْدِ، ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ لَا يَفْعَلَ كَانَ عُذْرًا، وَلَوْ امْتَنَعَ الْأَجِيرُ عَنْ الْعَمَلِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يُجْبَرُ عَلَيْهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ لِيَطْبُخَ لَهُ طَعَامًا لِلْوَلِيمَةِ فَاخْتَلَعَتْ مِنْهُ) يَعْنِي يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ الْعَقْدَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْمُضِيُّ إلَّا بِتَحَمُّلِ ضَرَرٍ زَائِدٍ لَمْ يُسْتَحَقَّ بِالْعَقْدِ وَيَلْحَقُ بِهِ مَا لَوْ اسْتَأْجَرَ لِيَطْبُخَ لَهُ طَعَامًا لِقُدُومِ الْأَمِيرِ أَوْ الْحَاجِّ فَلَمْ يَقْدُمْ الْأَمِيرُ وَالْحَاجُّ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَخِيطَ لَهُ أَوْ لِيَقْطَعَ قَمِيصًا أَوْ يَبْنِيَ بَيْتًا، ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ لَا يَفْعَلَ كَانَ عُذْرًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ حَانُوتًا لِيَتَّجِرَ فِيهِ فَأَفْلَسَ أَوْ أَجَّرَهُ وَلَزِمَهُ دَيْنٌ بِعِيَانٍ أَوْ بَيَانٍ أَوْ بِإِقْرَارٍ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ) يَعْنِي لَوْ اسْتَأْجَرَ حَانُوتًا لِيَتَّجِرَ فِيهِ فَأَفْلَسَ كَانَ عُذْرًا فِي الْفَسْخِ وَلَمْ يَذْكُرْ الشَّارِحُ الَّذِي يَتَحَقَّقُ بِهِ الْإِفْلَاسُ وَسَنَذْكُرُ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ حَانُوتًا مِثَالٌ، قَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ اسْتَأْجَرَ الْخَيَّاطُ غُلَامًا لِيَخِيطَ مَعَهُ فَأَفْلَسَ الْخَيَّاطُ أَوْ مَرِضَ وَقَامَ مِنْ السُّوقِ فَهُوَ عُذْرٌ يُفْسَخُ بِهِ وَتَأْوِيلُ الْمَسْأَلَةِ إذَا كَانَ يَخِيطُ لِنَفْسِهِ أَمَّا إذَا كَانَ يَخِيطُ بِأَجْرٍ فَرَأْسُ مَالِ الْخَيَّاطِ الْخَيْطُ وَالْمَخِيطُ وَالْمِقْرَاضُ فَلَا يَتَحَقَّقُ الْإِفْلَاسُ فِيهِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْخَيَّاطِ الَّذِي يَخِيطُ لِغَيْرِهِ بِأُجْرَةٍ لَا يَتَحَقَّقُ إفْلَاسُهُ إلَّا بِأَنْ تَظْهَرَ خِيَانَتُهُ لِلنَّاسِ فَيَمْتَنِعُونَ عَنْ تَسْلِيمِ الثِّيَابِ إلَيْهِ اهـ. فَظَاهِرُهُ أَنَّ الْإِفْلَاسَ فِي التَّاجِرِ بِأَنْ يَظْهَرَ ذَلِكَ فِيهِ فَيَمْتَنِعُ النَّاسُ مِنْ مُعَامَلَتِهِ قَوْلُهُ أَوْ أَجَّرَهُ وَلَزِمَهُ دَيْنٌ بِعِيَانٍ إلَخْ يَعْنِي لَهُ أَنْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 42 يَفْسَخَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَإِنَّمَا جَمَعَ بَيْنَ هَذِهِ الْأُمُورِ لِيُبَيِّنَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ثُبُوتِ الدَّيْنِ بَيْنَ الْعِيَانِ وَالْبَيَانِ وَالْإِقْرَارِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ الدَّيْنُ فِي الْكُلِّ فَيُحْبَسُ عَلَيْهِ وَيُلَازَمُ عَلَيْهِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى، قَالَ الشَّارِحُ وَيَحْصُلُ الْفَسْخُ بِالرَّفْعِ إلَى الْقَاضِي وَالْقَضَاءِ بِهِ، وَقِيلَ بِيعَ أَوَّلًا فَيَحْصُلُ الْفَسْخُ فِي ضِمْنِ الْبَيْعِ. [اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِلسَّفَرِ فَبَدَا لَهُ مِنْهُ رَأْيٌ لَا لِلْمُكَارِي] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِلسَّفَرِ فَبَدَا لَهُ مِنْهُ رَأْيٌ لَا لِلْمُكَارِي) يَعْنِي لَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيُسَافِرَ عَلَيْهَا، ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ لَا يُسَافِرَ فَهُوَ عُذْرٌ يُفْسَخُ بِهِ، وَلَوْ بَدَا لِلْمُكَارِي لَا يُعْذَرُ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ يَلْزَمُهُ ضَرُورَةٌ وَمَشَقَّةٌ وَرُبَّمَا يَفُوتُهُ مَا قَصَدَ كَالْحَجِّ، وَطَلَبُ الْغَرِيمِ وَالْمُكَارِي لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ الضَّرَرُ؛ وَلِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَقْعُدَ وَيُرْسِلَ غَيْرَهُ، وَكَذَا لَوْ مَرِضَ لِمَا ذَكَرْنَا، وَرَوَى الْكَرْخِيُّ أَنَّهُ عُذْرٌ فِي حَقِّ الْمُكَارِي؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْرُو عَنْ ضَرَرٍ؛ وَلِأَنَّ غَيْرَهُ لَا يُشْفِقُ عَلَى دَوَابِّهِ مِثْلَهُ وَقَوْلُهُ دَابَّةً وَبَدَا لَهُ مِنْهُ مِثَالٌ قَالَ فِي الْأَصْلِ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا لِيَخْدُمَهُ فِي الْمِصْرِ وَدَارًا يَسْكُنُهَا، ثُمَّ بَدَا لَهُ السَّفَرُ فَهُوَ عُذْرٌ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ بِهِ، وَلَوْ بَدَا لِرَبِّ الْعَبْدِ أَوْ الدَّار، فَلَيْسَ بِعُذْرٍ فَلَا يُفْسَخُ فَإِنْ قَالَ الْمُؤَجِّرُ لِلْقَاضِي إنَّهُ لَا يُرِيدُ السَّفَرَ، وَقَالَ الْمُسْتَأْجِرُ أَنَا أُرِيدُ السَّفَرَ فَالْقَاضِي يَقُولُ لِلْمُسْتَأْجِرِ مَعَ مَنْ تُسَافِرُ فَإِنْ قَالَ مَعَ فُلَانٍ وَفُلَانٍ فَالْقَاضِي يَسْأَلُهُمَا هَلْ يَخْرُجُ مَعَكُمْ الْمُسْتَأْجِرُ وَهَلْ اسْتَعَدَّ لِلسَّفَرِ فَإِنْ قَالَا نَعَمْ ثَبَتَ الْعُذْرُ وَإِنْ قَالَا لَا فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُحَلِّفُ الْمُسْتَأْجِرَ بِاَللَّهِ أَنَّك عَزَمْت عَلَى السَّفَرِ وَإِلَيْهِ مَالَ الْكَرْخِيُّ وَالْقُدُورِيُّ فَلَوْ خَرَجَ مِنْ الْمِصْرِ، ثُمَّ عَادَ يُحَلَّفُ بِاَللَّهِ قَدْ خَرَجْت قَاصِدًا لِلسَّفَرِ الَّذِي ذَكَرْت كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا وَفِي الْخُلَاصَةِ فَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ السَّفَرَ، وَلَكِنْ وَجَدَ أَرْخَصَ مِنْهَا فَهَذَا لَيْسَ بِعُذْرٍ، وَلَوْ اشْتَرَى مَنْزِلًا وَأَرَادَ التَّحَوُّلَ فِيهَا فَهَذَا لَيْسَ بِعُذْرٍ، وَلَوْ اشْتَرَى إبِلًا فَهُوَ عُذْرٌ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ أَحْرَقَ حَصَائِدَ أَرْضٍ مُسْتَأْجَرَةٍ أَوْ مُسْتَعَارَةٍ فَاحْتَرَقَ شَيْءٌ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ لَمْ يَضْمَنْهُ) حَصْدُ الزَّرْعِ جَزُّهُ وَالْحَصَائِدُ جَمْعُ حَصِيدَةٍ وَحَصِيدٍ وَهُمَا الزَّرْعُ الْمَحْصُودُ وَالْمُرَادُ هُنَا مَا يَبْقَى مِنْ أَصْلِ الزَّرْعِ فِي الْأَرْضِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ حَقُّهَا أَنْ تُذْكَرَ فِي الْجِنَايَاتِ وَلِهَذَا ذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ مَسَائِلَ مَنْثُورَةً وَإِنَّمَا لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ تَسَبُّبٌ وَشَرْطُ الضَّمَانِ التَّعَدِّي وَلَمْ يُوجَدْ فَصَارَ كَمَا لَوْ حَفَرَ بِئْرًا فِي مِلْكِ نَفْسِهِ فَتَلِفَ بِهِ إنْسَانٌ بِخِلَافِ مَا إذَا رَمَى سَهْمًا فِي مِلْكِهِ فَأَصَابَ إنْسَانًا حَيْثُ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ مُبَاشِرٌ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّعَدِّي؛ لِأَنَّ الْمُبَاشَرَةَ عِلَّةٌ فَلَا يَبْطُلُ حُكْمُهَا بِعُذْرٍ وَالسَّبَبُ لَيْسَ بِعِلَّةٍ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّعَدِّي لِيَلْتَحِقَ بِالْعِلَّةِ وَإِحْرَاقُ الْحَصَائِدِ فِي مِثْلِهِ مُبَاحٌ فَلَا يُضَافُ التَّلَفُ إلَيْهِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ هَذَا إذَا كَانَتْ الرِّيَاحُ غَيْرَ مُضْطَرِبَةٍ فَلَوْ كَانَتْ مُضْطَرِبَةً يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهَا لَا تَسْتَقِرُّ فَلَا يُعْذَرُ فَيَضْمَنُ وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ كَانَتْ الرِّيحُ غَيْرَ سَاكِنَةٍ يَضْمَنُ اسْتِحْسَانًا وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى التُّمُرْتَاشِيِّ لَوْ وَضَعَ جَمْدَةً فِي الطَّرِيقِ فَأَحْرَقَتْ شَيْئًا ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِالْوَضْعِ، وَلَوْ رَفَعَتْهُ الرِّيحُ إلَى شَيْءٍ فَأَحْرَقَتْهُ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الرِّيحَ نَسَخَتْ فِعْلَهُ. وَلَوْ أَخْرَجَ الْحَدَّادُ الْحَدِيدَ مِنْ النَّارِ فِي مَكَانِهِ فَوَضَعَهُ عَلَى مَا يَطْرُقُ عَلَيْهِ وَضَرَبَهُ بِالْمِطْرَقَةِ وَخَرَجَ شِرَارُ النَّارِ إلَى طَرِيقِ الْعَامَّةِ وَأَحْرَقَ شَيْئًا ضَمِنَ، وَلَوْ لَمْ يَضْرِبْهُ، وَلَكِنْ أَخْرَجَ الرِّيحُ شَيْئًا فَأَحْرَقَ شَيْئًا لَمْ يَضْمَنْ، وَلَوْ سَقَى أَرْضَهُ سَقْيًا لَا تَحْتَمِلُهُ الْأَرْضُ فَتَعَدَّى إلَى أَرْضِ غَيْرِهِ ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُنْتَفِعًا بِمَا فَعَلَهُ، بَلْ مُتَعَدِّيًا قَالَ خواهر زاده وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ إذَا أَوْقَدْنَا نَارًا عَظِيمَةً فِي أَرْضِهِ بِحَيْثُ لَا تَحْتَمِلُهُ وَتَعَدَّى إلَى زَرْعِ غَيْرِهِ وَأَفْسَدَهُ يَضْمَنُ لَا مَحَالَةَ. اهـ. وَفِي السَّفِينَةِ فَرَّقَ أَصْحَابُنَا بَيْنَ الْمَالِ وَالنَّارِ فَقَالَ إذَا أَوْقَدَ نَارًا عَظِيمَةً فِي أَرْضِ نَفْسِهِ فَتَعَدَّى فَأَحْرَقَ شَيْئًا لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ النَّارَ مِنْ شَأْنِهَا الْخُمُودُ بِخِلَافِ مَا إذَا مَلَأَ أَرْضَهُ مَاءً بِحَيْثُ لَا تَحْتَمِلُهُ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ مِنْ شَأْنِهِ السَّيَلَانُ وَفِي فَتَاوَى أَهْلِ سَمَرْقَنْدَ أَوْقَدَ فِي التَّنُّورِ نَارًا لَا يَحْتَمِلُهُ فَأَحْرَقَ بَيْتَهُ وَتَعَدَّى إلَى بَيْتِ جَارِهِ فَأَحْرَقَهُ ضَمِنَ، وَفِي فَتَاوَى الْفَضْلِيِّ رَجُلٌ يَمُرُّ فِي مِلْكِهِ أَوْ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ بِنَارٍ فَوَقَعَتْ شَرَارَةٌ مِنْ نَارِهِ عَلَى ثَوْبِ إنْسَانٍ فَأَحْرَقَتْهُ ضَمِنَ، وَفِي النَّوَادِرِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ مَنْ مَرَّ بِالنَّارِ فِي مَوْضِعٍ لَهُ الْمُرُورُ فَهَبَّتْ الرِّيحُ فَأَوْقَعَتْ شَرَارَةً فِي مَالِ إنْسَانٍ لَا يَضْمَنُ وَإِنْ مَرَّ بِهَا فِي مَوْضِعٍ لَيْسَ لَهُ حَقُّ الْمُرُورِ يُنْظَرُ إنْ هَبَّتْ بِهَا الرِّيحُ لَا يَضْمَنُ وَإِنْ وَقَعَتْ مِنْهُ شَرَارَةٌ ضَمِنَ وَفِي التَّتِمَّةِ سَأَلْت وَالِدِي عَنْ الْقَصَّارِ يَدُقُّ الثِّيَابَ فِي حَانُوتِهِ وَانْهَدَمَ حَائِطُ جَارِهِ هَلْ يَضْمَنُ فَقَالَ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ مُبَاشِرٌ. [أَقْعَدَ خَيَّاطٌ أَوْ صَبَّاغٌ فِي حَانُوتِهِ مَنْ يَطْرَحُ عَلَيْهِ الْعَمَلَ بِالنِّصْفِ] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ أَقْعَدَ خَيَّاطٌ أَوْ صَبَّاغٌ فِي حَانُوتِهِ مَنْ يَطْرَحُ عَلَيْهِ الْعَمَلَ بِالنِّصْفِ صَحَّ) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَصِحَّ وَحَقُّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ تُذْكَرَ فِي كِتَابِ الشَّرِكَةِ، وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذِهِ شَرِكَةُ الصَّنَائِعِ وَلَيْسَتْ بِإِجَارَةٍ؛ لِأَنَّ تَفْسِيرَ شَرِكَةِ الصَّنَائِعِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 43 أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ عَلَيْهِمَا وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُتَوَلِّي الْعَمَلِ بِحَذَاقَتِهِ وَالْآخَرُ مُتَوَلِّي الْقَبُولِ لِوَجَاهَتِهِ، وَإِذَا وُجِدَ مَا لَهُ سَبِيلٌ إلَى الْجَوَازِ وَهُوَ مُتَعَارَفٌ يُوجِبُ الْقَوْلَ بِصِحَّتِهِ فَيَكُونُ الْعَمَلُ وَاجِبًا عَلَيْهِمَا وَالْأَجْرُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ قَالَ الشَّارِحُ وَقَوْلُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ هَذِهِ شَرِكَةُ الْوُجُوهِ فِيهِ نَوْعُ إشْكَالٍ فَإِنَّ شَرِكَةَ الْوُجُوهِ أَنْ يَشْتَرِكَا عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَا بِوُجُوهِهِمَا وَيَبِيعَا وَلَيْسَ فِي هَذِهِ الشَّرِكَةِ بَيْعٌ وَشِرَاءٌ، وَإِنَّمَا هِيَ شَرِكَةُ صَنَائِعَ قَالَ فِي الْغِيَاثِيَّةِ شَرِكَةُ التَّقْبِيلِ هِيَ أَنْ يَشْتَرِكَا عَلَى أَنْ يَتَقَبَّلَ الْأَعْمَالَ وَهُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ هُمَا اشْتَرَكَا فِي الْحَاصِلِ مِنْ الْأَجْرِ وَلَيْسَتْ شَرِكَةَ صَنَائِعَ، وَأَجَبْت بِأَنَّ الشَّرِكَةَ فِي الْخَارِجِ تَقْتَضِي الشَّرِكَةَ فِي التَّقْبِيلِ فَثَبَتَ فِيهِ اقْتِضَاءً إذْ لَيْسَ فِي كَلَامِهِمَا إلَّا تَخْصِيصُ أَحَدِهِمَا بِالتَّقَبُّلِ وَالْآخَرِ بِالْعَمَلِ وَتَخْصِيصُ الشَّيْءِ بِالذِّكْرِ لَا يَنْفِي الْحُكْمَ عَمَّا عَدَاهُ فَأَثْبَتْنَا الشَّرِكَةَ فِي التَّقَبُّلِ اقْتِضَاءً اهـ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة دَفَعَ الْآخَرُ بَقَرَةً بِالْعَلَفِ لِيَكُونَ الْخَارِجُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَالْحَادِثُ كُلُّهُ لِصَاحِبِ الْبَقَرَةِ وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ مِثْلِ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ وَثَمَنُ الْعَلَفِ وَمِثْلُهُ لَوْ دَفَعَ الدَّجَاجَةَ إلَى آخَرَ بِالنِّصْفِ، وَلَوْ دَفَعَ بَذْرَ الْعَلِيقِ إلَى امْرَأَةٍ بِالنِّصْفِ فَقَامَتْ عَلَيْهِ حَتَّى أَدْرَكَتْ فَالْعَلِيقُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ وَعَلَى صَاحِبِ الْبَذْرِ قِيمَةُ الْعَلَفِ وَأُجْرَةُ مِثْلِهَا وَفِي فَتَاوَى أَبِي اللَّيْثِ دَفَعَ إلَى امْرَأَةٍ دُودًا لِتَقُومَ عَلَيْهَا بِنَفَقَتِهَا، عَلَى أَنَّ الْعَلِيقَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُضَارِبِ وَكُلُّ الْعَلِيقِ لِصَاحِبِ الدُّودِ وَعَلَيْهِ أَجْرُ الْمِثْلِ وَثَمَنُ الْأَوْرَاقِ، وَلَوْ غَصَبَ مِنْ آخَرَ دُودَ الْقَزِّ وَبَيْضَ الدَّجَاجِ فَأَمْسَكَهُ حَتَّى خَرَجَ الْعَلِيقُ وَالْفَرْخُ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ إنْ خَرَجَ بِنَفْسِهِ فَهُوَ لِصَاحِبِهِ، رَجُلٌ لَهُ غَرِيمٌ فِي مِصْرٍ آخَرَ فَقَالَ لِرَجُلٍ اذْهَبْ إلَيْهِ وَطَالِبْهُ بِالدَّيْنِ، وَإِذَا قَبَضْت فَلَكَ عَشَرَةٌ فَفَعَلَ فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ اهـ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ هَذِهِ مُكَرَّرَةٌ مَعَ قَوْلِهِ فِيمَا سَبَقَ وَتُقْبَلُ إنْ اشْتَرَكَ خَيَّاطَانِ أَوْ خَيَّاطٌ وَصَبَّاغٌ قُلْنَا ذَكَرَ هُنَاكَ شَرِكَةَ الصَّنَائِعِ قَصْدًا وَهُنَا بَيَّنَ مَا إذَا وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى شَرِكَةِ الصَّنَائِعِ ضِمْنًا فَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ لَا تَكْرَارَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ اسْتَأْجَرَ جَمَلًا لِيَحْمِلَ عَلَيْهِ مَحْمَلًا وَرَاكِبَيْنِ إلَى مَكَّةَ صَحَّ وَلَهُ الْمَحْمَلُ الْمُعْتَادُ) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ لِلْجَهَالَةِ وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ، وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذِهِ الْجَهَالَةَ تَزُولُ بِالصَّرْفِ إلَى الْمُتَعَارَفِ وَلَهُ الْمُتَعَارَفُ مِنْ الْحِمْلِ وَالزَّادِ وَالْغِطَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مَعْلُومٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعُرْفِ لَا يُقَالُ هَذِهِ مُتَكَرِّرَةٌ مَعَ قَوْلِهِ وَإِنْ اسْتَأْجَرَ حِمَارًا وَلَمْ يُسَمِّ مَا يُحْمَلُ قُلْنَا هُنَاكَ لَمْ يُبَيِّنْ مَا يُحْمَلُ فَكَانَتْ الْجَهَالَةُ فَاحِشَةً وَهُنَا بَيَّنَ مَا يَحْمِلُ فَكَانَتْ يَسِيرَةً؛ لِأَنَّهُ بَيَّنَ الْحِمْلَ وَلَمْ يُبَيِّنْ قَدْرَهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَرُؤْيَتُهُ أَحَبُّ) يَعْنِي رُؤْيَةَ الْمُكَارِي الْمَحْمَلَ وَالرَّاكِبَ وَمَا يَتْبَعُهُمَا أَحَبُّ؛ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنْ الْجَهَالَةِ وَأَقْرَبُ لِلْعِلْمِ لِتَحَقُّقِ الرِّضَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِمِقْدَارٍ زَادَ فَأَكَلَ مِنْهُ رَدَّ عِوَضَهُ) يَعْنِي إذَا اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَحْمِلَ عَلَيْهِ مِقْدَارًا مِنْ الزَّادِ فَأَكَلَ مِنْهُ فِي الطَّرِيقِ رَدَّ عِوَضَهُ، وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ لَا يَرُدُّ؛ لِأَنَّ عُرْفَ الْمُسَافِرِينَ أَنَّهُمْ يَأْكُلُونَ الزَّادَ وَلَا يَرُدُّونَ وَالْمُطْلَقُ يُحْمَلُ عَلَى الْمُتَعَارَفِ بِخِلَافِ الْمَاءِ حَيْثُ يَكُونُ لَهُ الرَّدُّ؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ جَرَى بِرَدِّهِ وَلَنَا أَنَّهُ اُسْتُحِقَّ عَلَيْهِ حَمْلُ مِقْدَارٍ مَعْلُومٍ فِي جَمِيعِ الطَّرِيقِ فَلَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ فَصَارَ كَالْمَاءِ، وَالْعُرْفُ مُشْتَرَكٌ فَإِنَّ بَعْضَ الْمُسَافِرِينَ يَرُدُّونَ فَلَا يَلْزَمُنَا عُرْفُ الْبَعْضِ أَوْ يُحْمَلُ فِعْلُ مَنْ لَا يَرُدُّ عَلَى أَنَّهُمْ اسْتَغْنَوْا فَلَا يَلْزَمُ حُجَّةٌ وَيَرُدُّ بَعْضُهُمْ وَهُمْ الْمُحْتَاجُونَ إلَيْهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَصِحُّ الْإِجَارَةُ وَفَسْخُهَا) لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تَنْعَقِدُ سَاعَةً فَسَاعَةً، وَهَذَا مَعْنَى الْإِضَافَةِ وَفَسْخُهَا يُعْتَبَرُ بِهَا كَمَا إذَا أَضَافَ الْإِجَارَةَ إلَى رَمَضَانَ وَهُوَ فِي شَعْبَانَ، وَكَذَا إذَا أَضَافَ الْفَسْخَ إلَى شَوَّالٍ وَهُوَ فِي رَمَضَانَ وَفِي الْقُنْيَةِ إذَا قَالَ أَجَّرْتُك هَذِهِ الدَّارَ غَدًا يَجُوزُ، وَلَوْ قَالَ إذَا جَاءَ غَدٌ قَدْ أَجَّرْتُك هَذِهِ الدَّارَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ تَجُوزُ فِي اللَّفْظَيْنِ وَلَا خَطَرَ فِي هَذَا فِي الْإِجَارَةِ وَبِهِ يُفْتَى، وَعَنْ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَجَّرْتُك دَارِي بِكَذَا إذَا هَلَّ كَذَا يَجُوزُ فِي الْإِجَارَةِ وَلَا يَجُوزُ فِي الْبَيْعِ. [الْمُزَارَعَةُ بِالْإِضَافَةِ إلَى الْمُسْتَقْبَلِ] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمُزَارَعَةُ وَالْمُعَامَلَةُ) يَعْنِي وَتَصِحُّ الْمُزَارَعَةُ أَيْضًا بِالْإِضَافَةِ إلَى الْمُسْتَقْبَلِ كَمَا إذَا قَالَ وَهُوَ فِي شَعْبَانَ زَارَعْتُك أَرْضِي مِنْ أَوَّلِ رَمَضَانَ بِكَذَا وَتَصِحُّ أَيْضًا الْمُعَامَلَةُ وَهِيَ الْمُسَاقَاةُ بِأَنْ قَالَ سَاقَيْتُك بُسْتَانِي مِنْ أَوَّلِ رَمَضَانَ وَهُوَ فِي شَعْبَانَ بِكَذَا؛ لِأَنَّ الْمُزَارَعَةَ وَالْمُعَامَلَةَ إجَارَةٌ فَتُعْتَبَرُ بِالْإِجَارَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمُضَارَبَةُ وَالْوَكَالَةُ) لِأَنَّهُمَا مِنْ بَابِ الْإِطْلَاقِ وَكُلُّ ذَلِكَ تَجُوزُ إضَافَتُهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْكَفَالَةُ) لِأَنَّهَا الْتِزَامٌ لِلْمَالِ ابْتِدَاءً فَتَجُوزُ إضَافَتُهَا وَتَعْلِيقُهَا بِالشَّرْطِ كَالْبَذْرِ لَكِنْ فِيهَا تَمْلِيكُ الْمُطَالَبَةِ فَلَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهَا بِالشَّرْطِ الْمُطْلَقِ، بَلْ بِالشَّرْطِ الْمُتَعَارَفِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الجزء: 8 ¦ الصفحة: 44 (وَالْإِيصَاءُ وَالْوَصِيَّةُ) وَالْإِيصَاءُ إقَامَةُ الشَّخْصِ مَقَامَ نَفْسِهِ وَالْوَصِيَّةُ هِيَ التَّمْلِيكُ وَكِلَاهُمَا مُضَافٌ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَكُونَانِ إلَّا مُضَافَيْنِ إذْ الْإِيصَاءُ فِي الْحَالِ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا إذَا جُعِلَ مَجَازًا عَنْ الْوَكَالَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْقَضَاءُ وَالْإِمَارَةُ) يَجُوزُ تَعْلِيقُهُمَا بِالشَّرْطِ وَإِضَافَتُهُمَا إلَى الزَّمَانِ؛ لِأَنَّهُمَا تَوْلِيَةٌ وَتَفْوِيضٌ مَحْضٌ فَجَازَ تَعْلِيقُهُمَا بِالشَّرْطِ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَمَرَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ، ثُمَّ قَالَ إنْ قُتِلَ زَيْدٌ فَجَعْفَرٌ وَإِنْ قُتِلَ جَعْفَرٌ فَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ» . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالطَّلَاقُ وَالْعِتْقُ وَالْوَقْفُ مُضَافًا) لَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُ مُضَافًا نُصِبَ عَلَى الْحَالِ وَهُوَ قَيْدٌ لِلْمَذْكُورَاتِ كُلِّهَا وَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ وَيَصِحُّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا حَالَ كَوْنِهِ مُضَافًا إلَى الزَّمَانِ الْمُسْتَقْبَلِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا الْبَيْعُ وَإِجَازَتُهُ وَفَسْخُهُ وَالْقِسْمَةُ وَالشَّرِكَةُ وَالْهِبَةُ وَالنِّكَاحُ وَالرَّجْعَةُ وَالصُّلْحُ عَنْ مَالٍ وَإِبْرَاءُ الدَّيْنِ) يَعْنِي هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَا يَجُوزُ إضَافَتُهَا إلَى الزَّمَانِ الْمُسْتَقْبَلِ؛ لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ، وَقَدْ أَمْكَنَ تَنْجِيزُهَا لِلْحَالِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْإِضَافَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [كِتَابُ الْمُكَاتَبِ] قَالَ فِي النِّهَايَةِ أَوْرَدَ الْكِتَابَةَ بَعْدَ عَقْدِ الْإِجَارَةِ لِمُنَاسَبَةِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا عَقْدٌ يُسْتَفَادُ مِنْهُ الْمَالُ بِمُقَابَلَةِ مَا لَيْسَ بِمَالٍ عَلَى وَجْهٍ يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى ذِكْرِ الْعِوَضِ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ وَبِهَذَا وَقَعَ الِاحْتِرَازُ عَنْ الْبَيْعِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، وَهَذَا مُسْتَدْرَكٌ؛ لِأَنَّهُ يَرِدُ عَلَيْهِ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ وَقَعَ الِاحْتِرَازُ بِهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مِنْ غَيْرِ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ أَيْضًا فَمَا مَعْنَى تَخْصِيصِ تِلْكَ الثَّلَاثَةِ بِالذِّكْرِ، وَقَدَّمَ الْإِجَارَةَ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ ثَبَتَ لَهَا حُكْمُ الْمَالِ لِضَرُورَةٍ بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ، وَالْكَلَامُ فِي الْمُكَاتَبِ مِنْ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ فِي مَعْنَاهَا لُغَةً، الثَّانِي فِي مَعْنَاهَا شَرْعًا، وَالثَّالِثُ فِي رُكْنِهَا، وَالرَّابِعُ فِي شَرْطِ جَوَازِهَا، وَالْخَامِسُ فِي دَلِيلِهَا، وَالسَّادِسُ فِي حُكْمِ حُكْمِهَا، وَالسَّابِعُ فِي صِفَتِهَا، وَالثَّامِنُ فِي حَقِيقَتِهَا، وَالتَّاسِعُ فِي سَبَبِهَا، وَالْعَاشِرُ فِي حُكْمِهَا فَهِيَ لُغَةً مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْكَتْبِ وَهُوَ الضَّمُّ وَالْجَمْعُ وَسُمِّيَ الْخَطُّ كِتَابَةً لِمَا فِيهِ مِنْ ضَمِّ الْحُرُوفِ بَعْضِهَا إلَى بَعْضٍ وَهُوَ اسْمُ مَفْعُولٍ مِنْ كَاتَبَ أَوْ كَتَبَ كِتَابَةً وَمُكَاتَبَةً وَالْمَوْلَى مُكَاتِبٌ بِكَسْرِ التَّاءِ وَشَرْعًا فَهِيَ جَمْعٌ مَخْصُوصٌ وَهُوَ جَمْعُ حُرِّيَّةِ الرَّقِيقِ فِي الْمَآلِ إلَى حُرِّيَّةِ الْيَدِ فِي الْحَالِ وَرُكْنُهَا الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ وَارْتِبَاطُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ، وَشَرْطُ جَوَازِهَا قِيَامُ الرِّقِّ وَكَوْنُ الْمُسَمَّى مَعْلُومًا وَدَلِيلُهَا مِنْ الْقُرْآنِ قَوْله تَعَالَى {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33] وَاخْتُلِفَ فِي الْخَيْرِ قِيلَ هُوَ أَنْ لَا يَضُرَّ بِالْمُسْلِمِينَ، وَقِيلَ الْوَفَاءُ وَالْأَمَانَةُ، وَقِيلَ الْمَالُ وَمِنْ الْحَدِيثِ. قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ كَاتَبَ عَبْدًا عَلَى مِائَةِ أُوقِيَّةٍ فَأَدَّاهَا إلَّا عُشْرَ أُوقِيَّةٍ فَهُوَ عَبْدٌ» وَصِفَتُهَا أَنَّهُ عَقْدٌ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ مَعَ الصَّالِحِ وَالطَّالِحِ وَحُكْمُهَا انْفِكَاكُ الْحَجْرِ وَثُبُوتُ حُرِّيَّةِ الْيَدِ وَحُكْمُهَا فِي جَانِبِ الْمَوْلَى ثُبُوتُ حَقِّ الْمُطَالَبَةِ بِالْبَدَلِ عَلَى مَا وَقَعَ عَلَيْهِ وَسَبَبُهَا رَغْبَةُ الْمَوْلَى فِي بَدَلِ الْكِتَابَةِ عَاجِلًا وَفِي ثَوَابِ الْعِتْقِ آجِلًا وَرَغْبَةُ الْعَبْدِ فِي الْحُرِّيَّةِ وَأَحْكَامِهَا آجِلًا وَعَاجِلًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (هِيَ تَحْرِيرُ الْمَمْلُوكِ يَدًا فِي الْحَالِّ وَرَقَبَةً فِي الْمَآلِ) فَقَوْلُهُ تَحْرِيرُ جِنْسٌ دَخَلَ فِيهِ تَحْرِيرُ الرَّقَبَةِ وَتَحْرِيرُ الْيَدِ فَقَوْلُهُ يَدًا أَخْرَجَ تَحْرِيرَ الرَّقَبَةِ وَأَفَادَ أَنَّ لَهُ يَدًا مُعْتَبَرَةً فَلَوْ كَاتَبَ صَغِيرًا لَا يَعْقِلُ لَمْ يَجُزْ كَمَا سَيَأْتِي وَقَوْلُهُ فِي الْحَالِّ يَتَعَلَّقُ بِيَدٍ وَأَخْرَجَ بِقَوْلِهِ وَرَقَبَةً فِي الْمَآلِ الْعِتْقَ الْمُنَجَّزَ وَالْمُعَلَّقَ، وَهَذَا تَعْرِيفٌ بِالْحُكْمِ، وَلَوْ أَرَادَ التَّعْرِيفَ بِالْحَقِيقَةِ لَقَالَ هِيَ عَقْدٌ يَرِدُ عَلَى تَحْرِيرِ الْيَدِ. [أَلْفَاظُ الْكِتَابَة] وَأَمَّا أَلْفَاظُهَا فَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَالَ لِعَبْدِهِ قَدْ جَعَلْت عَلَيْك أَلْفَ دِرْهَمٍ تُؤَدِّيهِ إلَيَّ نُجُومًا أَوَّلُ النَّجْمِ كَذَا وَآخِرُهُ كَذَا فَإِنْ أَدَّيْت فَأَنْتَ حُرٌّ وَإِنْ عَجَزْت كُنْت رَقِيقًا فَقَبِلَ فَهُوَ مُكَاتَبٌ وَفِي الْيَنَابِيعِ قَالَ لِعَبْدِهِ أَدِّ إلَيَّ أَلْفَ دِرْهَمٍ كُلَّ مِائَةِ دِرْهَمٍ إلَى سَنَةٍ وَأَنْتَ حُرٌّ فَقَبِلَ فَهُوَ مُكَاتَبٌ وَإِنْ عَجَزَ عَنْ سَنَةٍ وَأَدَّى فِي الشَّهْرِ الْأَخِيرِ جَازَ فِي رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ لَيْسَ بِمُكَاتَبٍ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَهُوَ الْأَصَحُّ فَإِنْ عَجَزَ بَطَلَتْ اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (كَاتَبَ مَمْلُوكَهُ، وَلَوْ صَغِيرًا يَعْقِلُ بِمَالٍ حَالٍّ أَوْ مُؤَجَّلٍ أَوْ مُنَجَّمٍ وَقَبِلَ صَحَّ) أَمَّا جَوَازُهَا مَعَ الصَّغِيرِ؛ فَلِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ نَافِعٌ وَالصَّغِيرَ الَّذِي يَعْقِلُ مِنْ أَهْلِ التَّصَرُّفِ النَّافِعِ، وَأَمَّا جَوَازُهَا بِمَالٍ حَالٍّ أَوْ مُؤَجَّلٍ أَوْ مُنَجَّمٍ فَلِإِطْلَاقِ الدَّلِيلِ الصَّادِقِ بِالثَّلَاثِ حَالَاتٍ؛ وَلِأَنَّ الْبَدَلَ فِي الْكِتَابَةِ مَعْقُودٌ بِهِ كَالثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ وَالْقُدْرَةُ عَلَى تَسْلِيمِ الثَّمَنِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ الْعَقْدِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ لَيْسَ عِنْدَهُ شَيْءٌ جَازَ أَنْ يَشْتَرِيَ مَا شَاءَ بِمَا شَاءَ؛ وَلِأَنَّ الْكِتَابَةَ عَقْدُ إرْفَاقٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُسَامِحُهُ وَلَا يُضَيِّقُ عَلَيْهِ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ كَاتَبَ عَبْدًا صَغِيرًا لَا يَعْقِلُ لَمْ يَجُزْ فَإِنْ أَدَّى عَنْهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 45 أَجْنَبِيٌّ لَمْ يُعْتَقْ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ إيجَابٌ وَقَبُولُ وَقَبُولَ مَنْ لَا يَعْقِلُ لَا يَصِحُّ. وَلَوْ كَاتَبَ عَنْ عَبْدٍ لِرَجُلٍ رَضِيعٍ وَقَبِلَ عَنْهُ أَجْنَبِيٌّ آخَرُ وَرَضِيَ بِهِ الْمَوْلَى لَمْ يَجُزْ وَإِنْ أَدَّى الْوَلَدُ الْكِتَابَةَ عَتَقَ اسْتِحْسَانًا لَا قِيَاسًا وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْكِتَابَةَ انْعَقَدَتْ بِقَبُولٍ مِنْ عَقْدِ الْإِيجَابِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ وُجُوبُ الْمَالِ عَلَى الْعَبْدِ بِهَذِهِ الْكِتَابَةِ فِي حَقِّ الْمُطَالَبَةِ نَفْيًا لِلضَّرُورَةِ، وَلَكِنْ اُعْتُبِرَ الْمَالُ وَاجِبًا عَلَيْهِ فِي حَقِّ صِحَّةِ الْأَدَاءِ مِنْ الْمُتَبَرِّعِ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ، بَلْ لَهُ مَنْفَعَةٌ مُخْتَصَّةٌ؛ لِأَنَّهُ يُعْتَقُ بِغَيْرِ مَالٍ يَلْزَمُهُ وَذَلِكَ أَنْ نَقُولَ أَنْتُمْ قُلْتُمْ لَوْ وَكَّلَ مَجْنُونًا صَحَّ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا وَكَّلَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ صَارَ رَاضِيًا بِقَبُولِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُعْتَقَ فِيمَا إذَا قَبِلَ الصَّغِيرُ الَّذِي لَا يَعْقِلُ وَأَدَّى عَنْهُ الْأَجْنَبِيُّ وَأَطْلَقَ فِي قَوْلِهِ بِمَالٍ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْمَعْلُومِ قَدْرًا وَصِفَةً وَنَوْعًا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ مُبَادَلَةَ مَا لَيْسَ بِمَالٍ بِالْمَالِ كَالنِّكَاحِ وَالْكِتَابَةِ جَهَالَةُ الْجِنْسِ وَالْقَدْرُ لَا يَمْنَعُ صِحَّتَهُ وَجَهَالَةُ وَصْفِهِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ تَسْمِيَتِهِ بَيَانُ ذَلِكَ لَوْ كَاتَبَ عَبْدَهُ عَلَى مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ جَازَ وَلَهُ الْوَسَطُ وَعَلَى دَابَّةٍ وَثَوْبٍ لَا يَجُوزُ حَتَّى يُبَيِّنَ الْجِنْسَ؛ لِأَنَّ جَهَالَةَ الْجِنْسِ مُتَفَاحِشَةٌ فَتَمْنَعُ صِحَّةَ التَّسْمِيَةِ وَفِي الْأَوَّلِ جَهَالَةُ وَصْفٍ وَهِيَ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ التَّسْمِيَةِ، وَلَوْ كَاتَبَهُ عَلَى لُؤْلُؤَةٍ أَوْ دَارٍ وَلَمْ يُعَيِّنْ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ جَهَالَةَ الْوَصْفِ هُنَا مُتَفَاحِشَةٌ بِمَنْزِلَةِ جَهَالَةِ الْجِنْسِ، وَلَوْ كَاتَبَهُ عَلَى أَنْ يَخْدُمَهُ شَهْرًا جَازَ اسْتِحْسَانًا، وَلَوْ كَاتَبَهُ عَلَى أَنْ يَخْدُمَهُ غَيْرُهُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ يَجُوزُ لِلْمَوْلَى، وَقَدْ أَقَامَ غَيْرَهُ مَقَامَ نَفْسِهِ. وَلَوْ كَاتَبَهُ عَلَى أَلْفٍ عَلَى أَنْ يُؤَدِّيَهَا إلَى غَرِيمٍ مِنْ غُرَمَائِهِ جَازَ، وَلَوْ كَاتَبَهُ عَلَى أَلْفٍ وَخِدْمَتِهِ سَنَةً أَوْ وَصْفٍ جَازَ، وَلَوْ كَاتَبَهُ عَلَى أَلْفٍ وَخِدْمَتِهِ أَبَدًا فَهِيَ فَاسِدَةٌ وَيُعْتَقُ بِأَدَاءِ قِيمَتِهِ دُونَ خِدْمَتِهِ وَقَوْلُهُ عَبْدُهُ لَيْسَ بِقَيْدٍ قَالَ فِي الْمُحِيطِ، وَلَوْ كَاتَبَ نِصْفَ عَبْدِهِ جَازَ فَنِصْفُهُ مُكَاتَبٌ وَنِصْفُهُ مَأْذُونٌ فِي التِّجَارَةِ وَعَتَقَ بِأَدَاءِ نِصْفِهِ وَمَا وَصَلَ فِي يَدِهِ مِنْ الْكَسْبِ نِصْفُهُ لَهُ وَنِصْفُهُ لِلْمَوْلَى وَيَسْعَى فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ تَقْبَلُ التَّجَزُّؤ؛ لِأَنَّ أَحْكَامَهَا قَابِلَةٌ لِلتَّجَزُّؤِ. اهـ. وَفِي الْمَبْسُوطِ كَاتَبَ عَبْدَهُ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ مُنَجَّمَةً عَلَى أَنْ يُؤَدِّيَ مَعَ كُلِّ نَجْمٍ ثَوْبًا قَدْ سَمَّى جِنْسَهُ أَوْ عَلَى أَنْ يُؤَدِّيَ مَعَ كُلِّ نَجْمٍ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَذَلِكَ جَائِزٌ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ كَاتَبَهُ عَلَى كَذَا، وَكَذَا، وَقَالَ عَلَى أَنْ تُؤَدِّيَ مَعَ كِتَابَتِك أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَإِذَا ظَهَرَ أَنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ بَدَلُ الْكِتَابَةِ فَإِذَا عَجَزَ عَنْ شَيْءٍ مِنْ بَعْدِ أَجَلِهِ رُدَّ إلَى الرِّقِّ. اهـ. وَلَوْ كَاتَبَهُ عَلَى مَا فِي يَدِهِ مِنْ الْكَسْبِ فِي رِوَايَةِ كِتَابِ الشِّرَاءِ يَجُوزُ وَفِي رِوَايَةِ الْمُكَاتَبِ لَا يَجُوزُ، وَلَوْ كَاتَبَ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ مُعَيَّنَةٍ جَازَ وَيُعْتَقُ بِأَدَاءِ غَيْرِهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لَهُ إنْ أَدَّيْت إلَيَّ هَذِهِ الْأَلْفَ فَأَدَّى غَيْرَهَا لَا يُعْتَقُ، وَإِذَا شَرَطَ فِي الْكِتَابَةِ شَرْطًا لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ لَا يُفْسِدُهَا. اهـ. وَفِي الْمَبْسُوطِ، وَإِذَا أَدَّى إلَيْهِ الْمَالَ وَاسْتُحِقَّ مِنْ يَدِهِ فَهُوَ عَلَى الْحُرِّيَّةِ وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ السَّيِّدُ بِبَدَلِهِ. اهـ. وَلَوْ كَاتَبَ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ عَنْ نَفْسِهِ وَمَالِهِ فَهُوَ جَائِزٌ فَإِنْ كَانَ فِي يَدِهِ مَالُ السَّيِّدِ لَمْ يَدْخُلْ وَيَدْخُلُ كَسْبُهُ مِنْ رَقِيقٍ وَمَالٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ اهـ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ كَاتَبَ عَبْدَهُ الْمَأْذُونَ الْمَدْيُونَ وَدَيْنُهُ يُحِيطُ بِرَقَبَتِهِ فَلِلْغُرَمَاءِ أَنْ يَرُدُّوا الْكِتَابَةَ كَمَا لَوْ بَاعَهُ الْمَوْلَى، وَلَوْ مَاتَ الْمُكَاتَبُ عَنْ وَفَاءٍ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَهُ وَصَايَا مِنْ تَدْبِيرٍ وَغَيْرِهِ بَدَأَ مِنْ تَرِكَتِهِ بِدَيْنِ الْأَجَانِبِ، ثُمَّ بِدَيْنِ الْمَوَالِي إنْ كَانَ ثُمَّ دَيْنَ الْكِتَابَةِ وَمَا بَقِيَ فَهُوَ مِيرَاثٌ وَتَبْطُلُ وَصَايَاهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكَذَا لَوْ قَالَ جَعَلْت عَلَيْك أَلْفًا تُؤَدِّيهِ نُجُومًا أَوَّلُ النَّجْمِ كَذَا وَآخِرُهُ كَذَا فَإِذَا أَدَّيْت فَأَنْت حُرٌّ وَإِلَّا فَقِنٌّ) يَعْنِي يَصِيرُ مُكَاتَبًا بِهَدِّهِ الْمَقَالَةِ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَصِيرَ مُكَاتَبًا؛ لِأَنَّ النُّجُومَ فُصُولُ الْأَدَاءِ وَلَهُ أَنْ يُكَاتِبَ عَبْدَهُ عَلَى مَا شَاءَ مِنْ الْمَالِ فِي أَيِّ مُدَّةٍ شَاءَ وَقَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ إنْ أَدَّيْت فَأَنْتَ حُرٌّ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِأَدَاءِ الْمَالِ وَهُوَ لَا يُوجِبُ الْكِتَابَةَ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْمَعَانِي دُونَ الْأَلْفَاظِ كَمَا تَقَرَّرَ، وَقَدْ أَتَى بِمَعْنَى الْكِتَابَةِ هُنَا مُفَسَّرًا فَتَنْعَقِدُ بِهِ كَمَا إذَا أَطْلَقَ الْكِتَابَةَ، بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمُفَسَّرَ أَقْوَى وَقَوْلُهُ فَإِنْ أَدَّيْت فَأَنْتَ حُرٌّ لَا بُدَّ مِنْهُ؛ لِأَنَّ مَا قَبْلَهُ يَحْتَمِلُ الْكِتَابَةَ وَيَحْتَمِلُ الضَّرْبَةَ وَبِهِ يَتَرَجَّحُ جَانِبُ الْكِتَابَةِ وَقَوْلُهُ وَإِلَّا فَأَنْتَ قِنٌّ فَضْلَةٌ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهَا كَمَا لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْكِتَابَةِ وَفِي الْمُحِيطِ، وَلَوْ كَاتَبَ عَلَى أَلْفٍ وَعَبْدِ مِثْلِهِ فِي الْخِيَاطَةِ وَهُوَ خَيَّاطٌ جَازَ اسْتِحْسَانًا وَيُجْبَرُ الْمَوْلَى عَلَى قَبُولِ الْأَلْفِ وَعَبْدِ مِثْلِهِ فِي أَصْلِ الْخِيَاطَةِ لَا مِثْلِهِ فِي الْخِيَاطَةِ اهـ. وَلَوْ قَالَ إذَا أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا كُلَّ شَهْرٍ مِائَةً فَهُوَ مُكَاتَبَةٌ فِي رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ لَيْسَتْ بِمُكَاتَبَةٍ، بَلْ يَكُونُ إذْنًا اعْتِبَارًا بِالتَّعْلِيقِ بِالْأَدَاءِ بِدَفْعَةِ وَاحِدَةٍ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَفِي الْمَبْسُوطِ، وَلَوْ كَاتَبَ عَبْدَهُ عَلَى أَلْفٍ يَضْمَنُهَا الرَّجُلُ عَنْ سَيِّدِهِ فَالْكِتَابَةُ وَالضَّمَانُ جَائِزَانِ، وَلَوْ ضَمِنَ عَنْ سَيِّدِهِ لِغَرِيمٍ عَلَيْهِ مَالٌ عَلَى أَنْ يُؤَدِّيَ مِنْ الْكِتَابَةِ أَوْ قَبِلَ الْحَوَالَةِ فَهُوَ جَائِزٌ، وَلَوْ كَاتَبَ عَلَى أَلْفٍ إلَى نَجْمٍ، ثُمَّ صَالَحَهُ عَلَى أَنْ يَحُطَّ بَعْضَهَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 46 وَيَقْبِضَ بَعْضَهَا أَوْ صَالَحَهُ عَلَى شَيْءٍ فَهُوَ جَائِزٌ وَفِيهِ أَيْضًا، وَلَوْ خَصَّ عَلَيْهِ التَّصَرُّفَ فِي نَوْعٍ دُونَ نَوْعٍ فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ بِهِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ وَفِيهِ أَيْضًا، وَلَوْ كَاتَبَهُ عَلَى أَلْفٍ مُؤَجَّلَةٍ فَصَالَحَهُ عَلَى بَعْضِهِ وَيَحُطُّ الْبَعْضَ جَازَ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ الْمَوْلَى مُكَاتَبَهُ سَنَةً بِمَا عَلَيْهِ لِلْخِدْمَةِ صَحَّتْ الْإِجَارَةُ وَعَتَقَ الْمُكَاتَبُ لِلْحَالِّ، وَلَوْ اُسْتُحِقَّ بَدَلُ الْكِتَابَةِ مِنْ الْمَوْلَى رَجَعَ بِمِثْلِهِ عَلَيْهِ اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَيَخْرُجُ مِنْ يَدِهِ) يَعْنِي إذَا صَحَّتْ الْكِتَابَةُ يَخْرُجُ الْمُكَاتَبُ مِنْ يَدِهِ؛ لِأَنَّ مُوجِبَ الْكِتَابَةِ مَالِكِيَّةٌ فِي حَقِّ الْمُكَاتَبِ وَلِهَذَا لَا يَكُونُ لِلْمَوْلَى مَنْعُهُ مِنْ الْخُرُوجِ وَالسَّفَرِ، وَلَوْ شَرَطَ فِي الْكِتَابَةِ أَنْ لَا يَخْرُجَ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْكِتَابَةِ التَّمَكُّنُ مِنْ أَدَاءِ الْمَالِ، وَقَدْ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ إلَّا بِالْخُرُوجِ فَيُطْلَقُ لَهُ الْخُرُوجُ. قَالَ فِي الْعِنَايَةِ أَمَّا الْخُرُوجُ مِنْ الْيَدِ فَيَحْلِقُ مَعْنَى الْكِتَابَةِ لُغَةً وَهِيَ الضَّمُّ فَيَضُمُّ مَالِكِيَّةَ الْيَدِ الْحَاصِلَةِ لَهُ فِي الْحَالِّ إلَى مَالِكِيَّةِ الرَّقَبَةِ الْحَاصِلَةِ لَهُ فِي الْمَآلِ فَإِنْ قِيلَ ضَمُّ الشَّيْءِ إلَى الشَّيْءِ يَقْتَضِي وُجُودَهَا وَمَالِكِيَّةُ النَّفْسِ فِي الْحَالِّ لَيْسَتْ بِمَوْجُودَةٍ فَكَيْفَ يَتَحَقَّقُ بِالضَّمِّ أُجِيبَ بِأَنَّ مَالِكِيَّةَ النَّفْسِ قَبْلَ الْأَدَاءِ ثَابِتَةٌ مِنْ وَجْهٍ وَلِهَذَا إذَا جَنَى الْمَوْلَى عَلَيْهِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْأَرْشُ وَلَوْ وَطِئَ الْمُكَاتَبَةَ لَزِمَهُ الْعُقْرُ اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (دُونَ مِلْكِهِ) يَعْنِي لَا يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِ الْمَوْلَى لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «هُوَ قِنٌّ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ» ؛ وَلِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَيَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ فَإِذَا تَمَّ لِلْمَوْلَى الْمِلْكُ بِالْقَبْضِ تَتِمُّ الْمَالِكِيَّةُ لِلْعَبْدِ أَيْضًا وَتَمَامُ الْمِلْكِ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْقَبْضِ، وَلَوْ أَعْتَقَهُ الْمَوْلَى عَتَقَ بِعِتْقِهِ لِبَقَاءِ مِلْكِهِ وَسَقَطَ عَنْهُ الْبَدَلُ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ بِمُقَابَلَةِ الْعِتْقِ، وَقَدْ حَصَلَ لَهُ بِدُونِهِ وَفِي الْمُحِيطِ، وَلَوْ أَبْرَأَهُ الْمَوْلَى عَنْ الْبَدَلِ عَتَقَ وَفِي الْمُنْتَقَى، وَقَالَ الْبَانِيُّ لَوْ وَهَبَ الْمَوْلَى الْكِتَابَةَ لِلْمُكَاتَبِ عَتَقَ قَبِلَ أَوْ لَمْ يَقْبَلْ؛ لِأَنَّ هِبَةَ الدَّيْنِ مِمَّنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ صَحِيحَةٌ قَبِلَ أَوْ لَمْ يَقْبَلْ فَإِنْ قَالَ الْمُكَاتَبُ لَا أَقْبَلُ كَانَتْ الْمُكَاتَبَةُ دَيْنًا عَلَيْهِ وَهُوَ حُرٌّ؛ لِأَنَّ هِبَةَ الدَّيْنِ تَرْتَدُّ بِالرَّدِّ وَالْعِتْقَ لَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَغَرِمَ إنْ وَطِئَ مُكَاتَبَتَهُ أَوْ جَنَى عَلَيْهَا أَوْ عَلَى وَلَدِهَا أَوْ أَتْلَفَ مَالَهَا) ؛ لِأَنَّهَا بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ خَرَجَتْ مِنْ يَدِ الْمَوْلَى وَصَارَ الْمَوْلَى كَالْأَجْنَبِيِّ وَصَارَتْ أَحَقَّ بِنَفْسِهَا وَكَسْبِهَا لِتَتَوَصَّلَ بِهِ إلَى الْمَقْصُودِ بِالْكِتَابَةِ وَهِيَ حُصُولُ الْحُرِّيَّةِ لَهَا وَالْبَدَلِ لِلْمَوْلَى، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَأَتْلَفَ الْمَوْلَى مَا فِي يَدِهَا فَلَمْ يَحْصُلْ لَهَا الْغَرَضُ مِنْ الْكِتَابَةِ وَمَنَافِعِ الْبُضْعِ مُلْحَقَةٌ بِالْإِجْزَاءِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ عِوَضُهُ وَهُوَ الْعُقْرُ عِنْدَ إتْلَافِهِ بِالْوَطْءِ وَانْتَفَى الْحَدُّ لِلشُّبْهَةِ، وَلَوْ قَالَ فَغَرِمَ إلَى آخِرِهِ بَدَلَ الْوَاوِ لَكَانَ أَوْلَى لِإِفَادَةِ الْفَاءِ التَّفْرِيعَ وَفِي الْمُحِيطِ. وَلَوْ كَاتَبَهَا عَلَى أَلْفٍ عَلَى أَنْ يَطَأَهَا مُدَّةَ الْكِتَابَةِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ مَحْظُورٌ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ كَاتَبَهَا عَلَى أَلْفٍ وَرِطْلٍ مِنْ الْخَمْرِ فَإِنْ أَدَّتْ أَلْفًا عَتَقَتْ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِأَدَاءِ مَا يَصْلُحُ بَدَلًا وَالْوَطْءَ لَا يَصْلُحُ عِوَضًا لَا فِي حَقِّ الِانْعِقَادِ وَلَا فِي حَقِّ الِاسْتِحْقَاقِ وَعَلَيْهَا فَضْلُ قِيمَتِهَا فِي قَوْلِ الْآخَرِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ فِي الْعَقْدِ الْفَاسِدِ قِيمَةُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ لَا الْمُسَمَّى هَذَا إذَا كَانَ الْمُؤَدَّى أَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهَا فَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهَا فَإِنَّهَا لَا تَرْجِعُ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الْمَوْلَى خِلَافًا لِزُفَرَ فَإِنْ وُطِئَتْ، ثُمَّ أَدَّتْ أَلْفًا فَعَلَيْهِ عُقْرُهَا؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ الْفَاسِدَ مُلْحَقٌ بِالصَّحِيحِ فَإِنْ قِيلَ الْكِتَابَةُ الْفَاسِدَةُ غَيْرُ لَازِمَةٍ فِي جَانِبِ الْمَوْلَى، بَلْ لَهُ الْفَسْخُ فَلِمَ لَا يَجْعَلُ إقْدَامَهُ عَلَى الْوَطْءِ دَلِيلًا عَلَى الْفَسْخِ تَنْزِيهًا لَهُ عَنْ الْوَطْءِ الْحَرَامِ قُلْنَا اشْتِرَاطُ الْوَطْءِ لِنَفْسِهِ فِي الْكِتَابَةِ تَنْصِيصٌ عَلَى أَنَّهُ يَطَؤُهَا مُسْتَوْفِيًا لِمَا شَرَطَهُ عَلَيْهَا فَيَكُونُ نَصًّا عَلَى تَقْرِيرِ الْعَقْدِ لَا عَلَى فَسْخِهِ وَحَالُهُ دَلِيلٌ عَلَى الْفَسْخِ وَلَا قِوَامَ لِلدَّلَالَةِ مَعَ الصَّرِيحِ وَالنَّصِّ حَتَّى لَوْ فَسَدَتْ الْكِتَابَةُ بِسَبَبٍ آخَرَ لَا بِاشْتِرَاطِ الْوَطْءِ فِيهَا، ثُمَّ وَطِئَهَا يُجْعَلُ ذَلِكَ فَسْخًا اهـ. وَلَوْ جَنَى الْمُكَاتَبُ عَلَى إنْسَانٍ خَطَأً فَإِنَّهُ يَسْعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ لِتَعَذُّرِ الدَّفْعِ فَإِنْ أَعْتَقَهُ الْمَوْلَى مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ بِالْجِنَايَةِ فَعَلَيْهِ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ فَلَوْ عَجَزَ وَرُدَّ فِي الرِّقِّ فَحُكْمُهُ كَالرَّقِيقِ كَمَا عُلِمَ فِي مَكَانِهِ وَإِنْ جَنَى جِنَايَةً خَطَأً قَبْلَ أَنْ يُحْكَمَ عَلَيْهِ بِالْجِنَايَةِ الْأُولَى لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ وَإِنْ حُكِمَ عَلَيْهِ بِالْجِنَايَةِ الْأُولَى، ثُمَّ جَنَى ثَانِيًا فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ قِيمَةٌ أُخْرَى؛ لِأَنَّهُ لَمَّا حُكِمَ عَلَيْهِ بِالْجِنَايَةِ الْأُولَى فَقَدْ انْتَقَلَتْ الْجِنَايَةُ مِنْ رَقَبَتِهِ إلَى ذِمَّتِهِ فَصَارَتْ الثَّانِيَةُ بِمَنْزِلَةِ الْجِنَايَةِ الْمُبْتَدَأَةِ فَرْقٌ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا إذَا حَفَرَ الْمُكَاتَبُ بِئْرًا عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ فَوَقَعَ فِيهَا إنْسَانٌ فَوَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ يَوْمَ حَفْرِهِ فَإِذَا وَقَعَ فِيهِ آخَرُ لَا يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ مِنْ قِيمَةٍ وَاحِدَةٍ سَوَاءٌ حَكَمَ الْحَاكِمُ بِالْأُولَى أَوْ لَمْ يَحْكُمْ وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ هُنَا الْجِنَايَةَ وَاحِدَةٌ وَهِيَ حَفْرُ الْبِئْرِ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ، وَلَوْ سَقَطَ حَائِطُهُ الْمَائِلُ عَلَى إنْسَانٍ بَعْدَ الْإِشْهَادِ عَلَيْهِ بِنَقْضِهِ فَقُتِلَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ، وَإِذَا وُجِدَ فِي دَارِ الْمُكَاتَبِ قَتِيلٌ فَعَلَيْهِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 47 أَنْ يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ الدِّيَةِ فَيَنْقُصُ مِنْهَا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَإِنْ جَنَى جِنَايَةً عَمْدًا بِأَنْ قَتَلَ إنْسَانًا قُتِلَ بِهِ فَإِنْ جَنَى غَيْرُ الْمُكَاتَبِ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ خَطَأً فَالْأَرْشُ لَهُ وَالْأَرْشُ أَرْشُ الْعَبِيدِ أَمَّا كَوْنُ أَرْشِهِ لَهُ فَلِأَنَّ أَجْزَاءَهُ لَهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِمَنَافِعِهِ، وَأَمَّا كَوْنُ أَرْشِهِ أَرْشَ الْعَبِيدِ؛ فَلِأَنَّهُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ مُخْتَصَرًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ كَاتَبَهُ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ) شُرُوعٌ فِي الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ بَعْدَ الصَّحِيحَةِ؛ لِأَنَّ الْفَاسِدَةَ تَتْلُوا الصَّحِيحَةَ يَعْنِي لَوْ كَاتَبَ الْمُسْلِمُ عَبْدَهُ الْمُسْلِمَ أَوْ الْكَافِرَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ فَالْكِتَابَةُ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ لَيْسَ بِمَالٍ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ فَلَا يَصْلُحُ عِوَضًا فَيَفْسُدُ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ تَسْمِيَةَ مَا لَيْسَ بِمُتَقَوِّمٍ فِي حَقِّ مَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى تَسْمِيَةِ الْبَدَلِ تُوجِبُ فَسَادَ الْعَقْدِ كَالْبَيْعِ، وَلَوْ أَدَّى الْخَمْرَ لَا يُعْتَقُ، وَلَوْ أَدَّى الْقِيمَةَ عَتَقَ. اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُسْلِمَ بَاشَرَ فَلَوْ وَكَّلَ ذِمِّيًّا فِي كِتَابَةِ عَبْدِهِ الْمُسْلِمِ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ فَالْكِتَابَةُ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَافِرًا وَأَسْلَمَ تَفْسُدُ فَإِذَا فَسَدَتْ بِالْإِسْلَامِ فِي الْبَقَاءِ فَفِي الِابْتِدَاءِ أَوْلَى، وَلَوْ كَاتَبَ عَبْدَهُ الْكَافِرَ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا صَحِيحَةٌ وَيُعْتَقُ بِأَدَاءِ ذَلِكَ وَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ يَمْلِكُ أَنْ يُوَكِّلَ فِيمَا لَا يَمْلِكُهُ وَقَيَّدْنَا بِقَوْلِنَا عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَاتَبَهُ عَلَى مَيْتَةٍ أَوْ دَمٍ فَالْكِتَابَةُ بَاطِلَةٌ فَإِنْ أَدَّى لَا يُعْتَقُ إلَّا إذَا قَالَ إنْ أَدَّيْت إلَيَّ فَأَنْتَ حُرٌّ فَيُعْتَقُ لِأَجْلِ الْيَمِينِ لَا لِأَجْلِ الْكِتَابَةِ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ أَيْضًا وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ كَاتَبَ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ عَتَقَ بِأَدَاءِ الْقِيمَةِ قَبْلَ إبْطَالِ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ إذَا فَسَدَتْ لِفَسَادِ التَّسْمِيَةِ لِكَوْنِهِ لَيْسَ بِمَالٍ انْعَقَدَتْ الْكِتَابَةُ عَلَى الْقِيمَةِ فَيَتَعَلَّقُ الْعِتْقُ بِأَدَائِهَا اهـ. وَفِي الْمُنْتَقَى لَوْ كَاتَبَ عَلَى أَلْفٍ وَرِطْلٍ مِنْ الْخَمْرِ فَهِيَ فَاسِدَةٌ وَفِي الْمَبْسُوطِ لَوْ كَاتَبَهَا عَلَى أَلْفٍ عَلَى أَنَّ كُلَّ وَلَدٍ تَلِدُهُ لَك فَهِيَ فَاسِدَةٌ وَإِنْ وَلَدَتْ فِي الْفَاسِدَةِ، ثُمَّ أَدَّتْ عَتَقَ وَلَدُهَا مَعَهَا وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْجَائِزَةِ وَالْفَاسِدَةِ أَنَّ فِي الْفَاسِدَةِ لِلْمَوْلَى أَنْ يَرُدَّهُ إلَى الرِّقِّ وَيَفْسَخَ الْكِتَابَةَ بِغَيْرِ رِضَاهُ وَفِي الْجَائِزَةِ لَا يَفْسَخُ إلَّا بِرِضَا الْعَبْدِ وَلِلْعَبْدِ أَنْ يَفْسَخَ فِي الْجَائِزَةِ وَالْفَاسِدَةِ جَمِيعًا بِغَيْرِ رِضَا الْمَوْلَى وَفِي الْمَبْسُوطِ، وَلَوْ كَاتَبَهُ كِتَابَةً فَاسِدَةً، ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى فَأَدَّى الْمُكَاتَبُ إلَى وَرَثَتِهِ عَتَقَ اسْتِحْسَانًا اهـ. قَيَّدْنَا بِدَارِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ الَّذِي كَانَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لَوْ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ فَكَاتَبَ عَبْدَهُ الْمُسْلِمَ وَالْكَافِرَ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ فَالْحُكْمُ كَمَا لَوْ كَانَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَكَاتَبَ مَنْ يَعْلَمُ بِالْأَحْكَامِ، وَلَوْ تَقْدِيرًا فَلَوْ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَمْ تَبْلُغْهُ الْأَحْكَامُ فَكَاتَبَ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا صَحِيحَةٌ وَيُعْتَقُ بِأَدَاءِ ذَلِكَ وَلَا سِعَايَةَ؛ لِأَنَّهُ يُعْذَرُ بِالْجَهْلِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ عَلَى قِيمَتِهِ أَوْ عَيْنٍ لِغَيْرِهِ) يَعْنِي الْكِتَابَةَ فَاسِدَةً إذَا كَاتَبَهُ عَلَى قِيمَةِ نَفْسِهِ أَوْ عَلَى عَيْنٍ لِغَيْرِهِ أَمَّا عَلَى قِيمَةِ نَفْسِهِ فَإِنَّهَا مَجْهُولَةُ الْقَدْرِ؛ لِأَنَّهَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُقَوِّمِينَ وَجِنْسُهَا كَذَلِكَ مَجْهُولٌ فَصَارَ كَمَا لَوْ كَاتَبَ عَلَى ثَوْبٍ أَوْ دَابَّةٍ؛ لِأَنَّ الثَّوْبَ وَالدَّابَّةَ أَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ وَمَا هُوَ مَجْهُولُ الْجِنْسِ لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ حَتَّى فِي النِّكَاحِ؛ وَلِأَنَّ مُوجِبَ الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ الْقِيمَةُ بِالتَّنْصِيصِ عَلَيْهَا وَلَا يُقَالُ لَوْ كَاتَبَهُ عَلَى عَبْدِهِ يَجُوزُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ عَبْدٌ وَسَطٌ أَوْ قِيمَةٌ، وَلَوْ أَبَى أَخْذَ الْقِيمَةِ يُجْبَرُ عَلَيْهَا، وَلَوْ كَانَتْ الْكِتَابَةُ عَلَى الْقِيمَةِ فَاسِدَةً لَمَا صَحَّ ذَلِكَ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْقِيمَةُ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ ثَبَتَ قَصْدًا وَفِيمَا ذَكَرْت ثَبَتَ ضِمْنًا وَيَتَسَامَحُ فِي الضِّمْنِيِّ مَا لَمْ يَتَسَامَحْ فِي الْقَصْدِيِّ وَفِي الْمُحِيطِ وَإِنْ أَدَّى الْقِيمَةَ عَتَقَ؛ لِأَنَّهَا وَإِنْ فَسَدَتْ يَبْقَى تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِالْأَدَاءِ فَمَتَى تَصَادَقَا عَلَى أَنَّ الْمُؤَدَّى قِيمَتُهُ ثَبَتَ ذَلِكَ بِالتَّصَادُقِ وَإِنْ اخْتَلَفَا فَإِنْ اتَّفَقَ اثْنَانِ مِنْ الْمُقَوِّمِينَ عَلَى شَيْءٍ يُجْعَلُ ذَلِكَ قِيمَةً لَهُ وَإِنْ اخْتَلَفَا فَقَوَّمَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِالْأَكْثَرِ لَا يُعْتَقُ مَا لَمْ يُؤَدِّ أَقْصَى قِيمَتِهِ. وَلَوْ كَاتَبَ أَمَةً عَلَى حُكْمِهِ أَوْ حُكْمِهَا لَمْ يَجُزْ وَلَا يُعْتَقُ بِأَدَاءِ قِيمَتِهَا خِلَافًا لِزُفَرَ قَوْلُهُ أَوْ عَلَى عَيْنٍ لِغَيْرِهِ كَالثَّوْبِ وَالْعَبْدِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ غَيْرِ النَّقْدَيْنِ وَالْمُرَادُ بِهِ شَيْءٌ يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ حَتَّى لَوْ كَاتَبَ عَلَى دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ وَهِيَ لِغَيْرِهِ تَجُوزُ الْكِتَابَةُ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ، وَعَنْ الْحَسَنِ تَجُوزُ الْكِتَابَةُ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْعَيْنَ فِي الْمُعَاوَضَاتِ مَعْقُودٌ عَلَيْهَا وَالْقُدْرَةُ عَلَى تَسْلِيمِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ شَرْطٌ لِلصِّحَّةِ فِي الْعُقُودِ الَّتِي تَحْتَمِلُ الْفَسْخَ وَتَسْلِيمُ تِلْكَ الْعَيْنِ لَيْسَتْ فِي قُدْرَتِهِ فَلَا تَصِحُّ تَسْمِيَتُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْبَدَلُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ؛ لِأَنَّهُ مَعْقُودٌ عَلَيْهِ فَلَا يُشْتَرَطُ الْقُدْرَةُ عَلَيْهِ، وَلَوْ أَجَازَ صَاحِبُ الْعَيْنِ ذَلِكَ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَذَا فِي الْعَتَّابِيَّةِ، وَعَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَجَازَ أَوْ لَمْ يَجُزْ غَيْرَ أَنَّهُ عِنْدَ الْإِجَارَةِ يَجِبُ تَسْلِيمُ الْعَيْنِ، وَعِنْدَ عَدَمِ الْإِجَازَةِ يَجِبُ تَسْلِيمُ الْقِيمَةِ وَرُوِيَ الثَّانِي عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ لَوْ مَلَكَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 48 الْقِيمَةَ فَأَدَّى لَمْ يُعْتَقْ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَالَ لَهُ الْمَوْلَى إنْ أَدَّيْت فَأَنْتَ حُرٌّ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْإِمْلَاءِ أَنَّهُ يُعْتَقُ بِالدَّفْعِ قَالَ الْمَوْلَى إنْ أَدَّيْت إلَيَّ فَأَنْتَ حُرٌّ أَوْ لَمْ يَقُلْ كَمَا لَوْ كَاتَبَ عَلَى خَمْرٍ وَجْهُ مَا ذَكَرَ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّ الْعَيْنَ لَمْ يَصِرْ بَدَلًا فِي هَذَا الْعَقْدِ بِتَسْمِيَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ فَلَا يَنْعَقِدُ بِالْعَقْدِ أَصْلًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ بِمِائَةٍ لِيَرُدَّ عَلَيْهِ سَيِّدُهُ وَصِيفًا فَسَدَ) قَوْلُهُ فَسَدَ هَذَا خَبَرٌ لِقَوْلِهِ وَإِنْ كَاتَبَ يَعْنِي لَوْ كَاتَبَهُ عَلَى مِائَةٍ لِيَرُدَّ عَلَيْهِ سَيِّدُهُ وَصِيفًا فَالْكِتَابَةُ فَاسِدَةٌ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ وَمُحَمَّدٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ الْكِتَابَةُ صَحِيحَةٌ وَتُقْسَمُ الْمِائَةُ عَلَى قِيمَةِ الْمُكَاتَبِ وَالْوَصِيفِ الْوَسَطِ فَمَا أَصَابَ الْوَصِيفُ الْوَسَطُ يَسْقُطُ عَنْهُ وَيَكُونُ مُكَاتَبًا وَتُقْسَمُ الْمِائَةُ بِمَا بَقِيَ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا جَازَ إيرَادُ الْعَقْدِ عَلَيْهِ جَازَ اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْ الْعَقْدِ وَالْكِتَابَةِ وَلَهُمَا أَنَّ بَدَلَ الْكِتَابَةِ مَجْهُولُ الْقَدْرِ فَلَا يَصِحُّ كَمَا إذَا كَاتَبَهُ عَلَى قِيمَةِ الْوَصِيفِ هَذَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْمَذْكُورَ صَحِيحٌ فِيمَا إذَا صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُؤَدِّيَ إلَى فَسَادِ الْعَقْدِ وَهُنَا اسْتِثْنَاءُ الْعَبْدِ مِنْ الدَّرَاهِمِ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْوَصِيفَ لَا يُمْكِنُ اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْ الدَّنَانِيرِ إلَّا بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ وَتَسْمِيَةُ الْقِيمَةِ تُفْسِدُ الْعَقْدَ؛ وَلِأَنَّ هَذَا عَقْدٌ يَشْتَمِلُ عَلَى الْكِتَابَةِ وَالْبَيْعِ؛ لِأَنَّ مَا كَانَ مِنْ الدَّنَانِيرِ بِأَدَاءِ الْوَصِيفِ الَّذِي يَرُدُّهُ الْمَوْلَى بَيْعٌ وَمَا كَانَ بِمُقَابَلَةِ رَقَبَةِ الْمُكَاتَبِ هُوَ مُكَاتَبَةٌ فَيَبْطُلُ لِجَهَالَةِ الْمُثَمَّنِ وَالثَّمَنِ فَهُوَ صَفْقَةٌ فِي صَفْقَةٍ فَلَا يَجُوزُ لِلنَّهْيِ عَنْهَا. وَإِذَا كَاتَبَهُ عَلَى حَيَوَانٍ وَبَيَّنَ جِنْسَهُ كَالْعَبْدِ وَالْفَرَسِ وَلَمْ يُبَيِّنْ أَنَّهُ تُرْكِيٌّ أَوْ هِنْدِيٌّ وَلَا الْوَصْفَ أَنَّهُ جَيِّدٌ أَوْ رَدِيءٌ جَازَتْ الْكِتَابَةُ وَيُصْرَفُ إلَى الْوَسَطِ وَقَدَّرَ الْإِمَامُ الْوَسَطَ بِمَا قِيمَتُهُ أَرْبَعُونَ، وَقَالَا هُوَ عَلَى قَدْرِ غَلَاءِ السِّعْرِ وَرُخْصِهِ وَلَا يُنْظَرُ فِي قِيمَةِ الْوَسَطِ إلَى قِيمَةِ الْمُكَاتَبِ وَيُجْبَرُ عَلَى قَبُولِ قِيمَتِهِ وَإِنَّمَا يَصِحُّ الْعَقْدُ مَعَ الْجَهَالَةِ؛ لِأَنَّهَا يَسِيرَةٌ فَصَارَ كَمَا لَوْ كَاتَبَ وَجَعَلَ الْأَجَلَ الْحَصَادَ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ مُقْتَضَى هَذَا التَّعْلِيلِ أَنْ لَا تَصِحَّ الْكِتَابَةُ فِيمَا إذَا كَاتَبَهُ عَلَى مِائَةٍ عَلَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ عَبْدًا مُعَيَّنًا؛ لِأَنَّ قِيمَةَ الْمُعَيَّنِ مَجْهُولَةٌ جَهَالَةً فَاحِشَةً وَلِهَذَا لَوْ كَاتَبَهُ عَلَيْهَا لَمْ يَصِحَّ، وَقَدْ صَرَّحُوا فِيمَا إذَا شَرَطَ عَلَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ عَبْدًا مُعَيَّنًا أَنْ يَصِحَّ بِالِاتِّفَاقِ نَقَلَهُ فِي الْكَافِي وَالدُّرَرِ وَالْغُرَرِ وَفِي الْمَبْسُوطِ، وَلَوْ كَاتَبَهُ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ فَسَدَ فَإِنْ أَدَّاهُ قَبْلَ أَنْ يَتَرَافَعَا إلَى الْقَاضِي، وَقَدْ قَالَ لَهُ إنْ أَدَّيْت فَأَنْتَ حُرٌّ وَلَمْ يَقُلْ فَإِنَّهُ يُعْتَقُ وَتَلْزَمُهُ قِيمَةُ نَفْسِهِ، وَإِذَا جَاءَ الْمُكَاتَبُ بِالْمَالِ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ فَأَبَى الْمَوْلَى أَنْ يَقْبَلَهُ يُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ أَدَّى الْخَمْرَ عَتَقَ) ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَنْعَقِدُ وَإِنْ كَانَ فَاسِدًا فَيُعْتَقُ بِالْأَدَاءِ يَعْنِي إذَا كَانَ قَبْلَ إبْطَالِ الْقَاضِي وَفِي الْعَتَّابِيَّةِ فَإِنْ أَدَّى الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ عَتَقَ، وَقَالَ زُفَرُ لَا يُعْتَقُ إلَّا بِأَدَاءِ قِيمَةِ الْخَمْرِ وَأَطْلَقَ فِي قَوْلِهِ يُعْتَقُ فَشَمِلَ مَا إذَا قَالَ إنْ أَدَّيْت فَأَنْتَ حُرٌّ أَوْ لَمْ يَقُلْ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يُعْتَقُ إنْ قَالَ إنْ أَدَّيْت وَإِنْ لَمْ يَقُلْ لَا يُعْتَقُ وَنَظِيرُهُ مَا إذَا كَاتَبَهُ عَلَى مَيْتَةٍ أَوْ دَمٍ فَإِنَّهُ لَا يُعْتَقُ إلَّا فِي صُورَةِ التَّعْلِيقِ نَصًّا وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يُعْتَقُ بِأَدَاءِ الْخَمْرِ، وَكَذَا الْخِنْزِيرُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ أَنَّ الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ مَالٌ فِي الْجُمْلَةِ وَالْمَيْتَةَ وَالدَّمَ لَيْسَا بِمَالٍ أَصْلًا عِنْدَ أَحَدٍ فَلَمْ يَنْعَقِدْ الْعَقْدُ أَصْلًا فَاعْتُبِرَ فِيهِمَا مَعْنَى الشَّرْطِ لَا غَيْرَ ذَلِكَ بِالتَّعْلِيقِ قَالَ ابْنُ فَرْشَتَةَ هَذَا إذَا كَانَ السَّيِّدُ مُسْلِمًا؛ لِأَنَّ الْكَافِرَ إذَا كَاتَبَ عَبْدَهُ الْكَافِرَ، ثُمَّ أَسْلَمَ لَا يُعْتَقُ بِأَدَاءِ الْخَمْرِ اتِّفَاقًا اهـ. وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ فَإِذَا أَسْلَمَ أَوْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا يُعْتَقُ بِأَدَاءِ الْقِيمَةِ وَلَا يُعْتَقُ بِأَدَاءِ الْخَمْرِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ حَيْثُ قُلْنَا فِي الْمُسْلِمِ الْعَقْدُ فَاسِدٌ وَيُعْتَقُ بِأَدَاءِ الْخَمْرِ وَفِي الْكَافِرِ صَحِيحٌ فَأَقُولُ: الْمُسْلِمُ لَا يُعْتَقُ بِأَدَاءِ الْخَمْرِ إذْ الْمُسْلِمُ لَمَّا كَانَ الْخَمْرُ فِي حَقِّهِ لَيْسَ بِمَالٍ فَالظَّاهِرُ مِنْ حَالِهِ إرَادَتُهُ التَّعْلِيقَ عَلَى الْأَدَاءِ فَيُعْتَقُ بِالْأَدَاءِ وَالْكَافِرُ لَمَّا كَانَ فِي حَقِّهِ مَالًا فَالظَّاهِرُ انْتِفَاءُ التَّعْلِيقِ فِي حَقِّهِ، بَلْ إرَادَةُ الْعَرْضِ وَبِالْإِسْلَامِ انْتَفَى كَوْنُهُ عَرْضًا وَالتَّعْلِيقُ مُنْتَفٍ فَلَا يُعْتَقُ بِأَدَاءِ قِيمَةِ الْخَمْرِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَسَعَى فِي قِيمَتِهِ) يَعْنِي إذَا عَتَقَ بِأَدَاءِ الْخَمْرِ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّ رَقَبَتِهِ لِفَسَادِ الْعَقْدِ، وَقَدْ تَعَذَّرَ الرَّدُّ لِلْعِتْقِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ إذَا أَعْتَقَ الْمُشْتَرِي الْعَبْدَ أَوْ أَتْلَفَهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَمْ يُنْقِصْ عَنْ الْمُسَمَّى وَزِيدَ عَلَيْهِ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِمَسْأَلَةِ الْخَمْرِ، بَلْ مَسْأَلَةٌ مُبْتَدَأَةٌ وَمَعْنَاهَا كَاتَبَ عَبْدَهُ عَلَى أَلْفٍ وَخِدْمَتِهِ أَبَدًا أَوْ عَلَى أَلْفٍ وَهَدِيَّةٍ فَالْخِدْمَةُ أَبَدًا وَالْهَدِيَّةُ لَا تَصْلُحُ بَدَلًا فَالْعَقْدُ فَاسِدٌ فَإِذَا أَدَّى الْأَلْفَ عَتَقَ فَإِنْ كَانَ الْأَلْفُ قَدْرَ قِيمَتِهِ لَمْ يَبْقَ لِلْمَوْلَى عَلَيْهِ سَبِيلٌ وَإِنْ كَانَ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ رَجَعَ عَلَيْهِ السَّيِّدُ بِالزِّيَادَةِ وَإِنْ كَانَتْ الْأَلْفُ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ فَلَا يُعْتَقُ إلَّا بِدَفْعِهَا، وَلَوْ كَاتَبَهُ عَلَى أَلْفٍ وَرِطْلٍ مِنْ الْخَمْرِ لَا يُعْتَقُ حَتَّى يَدْفَعَ الْأَلْفَ وَالرِّطْلَ مِنْ الْخَمْرِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ مُخْتَصَرًا قَالَ الشَّارِحُ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ فَاسِدٌ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 49 فَيَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ غَيْرَ أَنَّ الْمَوْلَى لَمْ يَرْضَ أَنْ يَعْتِقَهُ بِأَقَلَّ مِمَّا سَمَّى فَلَا يَنْقُصُ مِنْهُ إنْ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ عَنْ الْمُسَمَّى وَالْعَبْدُ يَرْضَى بِالزِّيَادَةِ حَتَّى يَنَالَ شَرَفَ الْحُرِّيَّةِ فَيُزَادُ عَلَيْهِ إذَا زَادَتْ قِيمَتُهُ لِيَنَالَ الشَّرَفَ وَفِيمَا إذَا كَاتَبَهُ عَلَى قِيمَتِهِ يُعْتَقُ بِأَدَائِهَا؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْبَدَلُ فِي الْفَاسِدِ ذَكَرَهَا أَوْ لَمْ يَذْكُرْهَا فَأَمْكَنَ اعْتِبَارُ مَعْنَى الْعِتْقِ فِيهِ وَأَثَرُ الْجَهَالَةِ فِي الْفَاسِدِ لَا فِي إبْطَالِ الْعَقْدِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَاتَبَهُ عَلَى ثَوْبٍ حَيْثُ لَا يُعْتَقُ بِأَدَاءِ ثَوْبٍ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ اخْتِلَافًا فَاحِشًا، وَلَوْ أَدَّى قِيمَةَ الثَّوْبِ لَا يُعْتَقُ إلَّا إذَا عَلَّقَهُ بِأَنْ قَالَ إذَا أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا فَأَنْتَ حُرٌّ فَيُعْتَقُ بِأَدَاءِ الثَّوْبِ لِصَرِيحِ التَّعْلِيقِ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة، وَلَوْ كَاتَبَهُ عَلَى ثَوْبٍ وَلَمْ يَقُلْ هَرَوِيٌّ أَوْ غَيْرَهُ فَهِيَ فَاسِدَةٌ وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ لَوْ كَاتَبَهُ عَلَى قِيمَةِ ثَوْبٍ فَهِيَ فَاسِدَةٌ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَحَّ عَلَى حَيَوَانٍ غَيْرِ مَوْصُوفٍ) يَعْنِي يَصِحُّ عَقْدُ الْكِتَابَةِ عَلَى حَيَوَانٍ إذَا بَيَّنَ جِنْسَهُ لَا نَوْعَهُ وَصِفَتَهُ لَوْ قَالَ وَصَحَّ عَلَى حَيَوَانٍ بَيَّنَ نَوْعَهُ كَانَ أَوْلَى كَمَا لَا يَخْفَى، وَلَوْ قَالَ وَصَحَّ عَلَى عَبْدٍ كَانَ أَوْلَى، وَلَكِنْ كَانَ أَخْصَرَ وَيَنْصَرِفُ إلَى الْوَسَطِ وَيُجْبَرُ الْمَوْلَى عَلَى قَبُولِ الْقِيمَةِ كَمَا يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَصْلًا وَلَا يَخْفَى أَنَّ اللَّفْظَ وَالْوَصْفَ يَجْمَعُ أَجْنَاسًا فَالْجَهَالَةُ فَاحِشَةٌ كَالْحَيَوَانِ وَالدَّابَّةِ وَالثَّوْبِ فَلَا تَصِحُّ الْكِتَابَةُ إنْ كَانَ يَجْمَعُ أَنْوَاعًا كَالْعَبْدِ فَإِنَّهُ يَشْمَلُ الْحَبَشِيَّ وَالْهِنْدِيَّ وَالتُّرْكِيَّ وَالْأَسْوَدَ فَتَصِحُّ الْكِتَابَةُ إذَا ذَكَرَهُ فَلِذَا فَسَّرْنَا الْحَيَوَانَ بِالْعَبْدِ بِقَرِينَةٍ قَوْلُهُ صَحَّ فَظَهَرَ أَنَّ الْجِنْسَ عِنْدَنَا هُوَ الْمَقُولُ عَلَى كَثِيرِينَ اخْتَلَفَ الْمَقْصُودُ مِنْهُمْ وَالنَّوْعَ الْمَقُولُ عَلَى كَثِيرِينَ اتَّحَدَ الْمَقْصُودُ مِنْهُمْ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة الْأَصْلُ أَنَّ جَهَالَةَ الْجِنْسِ تَمْنَعُ صِحَّةَ التَّسْمِيَةِ فِي الْعُقُودِ كُلِّهَا كَانَ مُعَاوَضَةَ مَالٍ بِمَالٍ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَذَلِكَ كَالثَّوْبِ وَالدَّابَّةِ وَالْحَيَوَانِ وَفِي هَذَا لَا يُعْتَقُ إذَا دَفَعَ ثَوْبًا أَوْ دَابَّةً أَوْ حَيَوَانًا وَجَهَالَةُ الْوَصْفِ تَمْنَعُ صِحَّةَ التَّسْمِيَةِ فِي عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ وَلَا تَمْنَعُ صِحَّةَ التَّسْمِيَةِ فِي عَقْدِ غَيْرِ الْمُعَاوَضَةِ كَالنِّكَاحِ وَالْكِتَابَةِ وَذَلِكَ كَعَبْدٍ أَوْ ثَوْبٍ هَرَوِيٌّ انْتَهَى بِالْمَعْنَى، وَقَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ. فَإِنْ قُلْت إذَا كَاتَبَهُ عَلَى قِيمَةِ نَفْسِهِ أَوْ قِيمَةِ الْعَبْدِ تَفْسُدُ الْكِتَابَةُ، وَإِذَا كَاتَبَهُ عَلَى عَبْدٍ تَصِحُّ الْكِتَابَةُ فَمَا الْفَرْقُ قُلْنَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْجَهَالَةَ فِي الْقِيمَةِ جَهَالَةٌ فِي الْقَدْرِ وَالْجِنْسِ وَالْوَصْفِ فِي الْحَالِّ وَالْجَهَالَةُ فِي الْعَبْدِ جَهَالَةٌ فِي الْوَصْفِ دُونَ الْقَدْرِ وَالْجِنْسِ فَخِفْت الْجَهَالَةَ، وَلَوْ كَاتَبَهُ عَلَى وَصْفٍ أَوْ عَبْدٍ مُؤَجَّلًا جَازَ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ يَجِبُ فِي الذِّمَّةِ بَدَلًا عَمَّا لَيْسَ بِمَالٍ كَالنِّكَاحِ، وَلَوْ كَاتَبَهُ عَلَى ثَوْبٍ وَبَيَّنَ صِفَتَهُ فَأَتَى بِقِيمَتِهِ يُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْإِمَامَ قَدَّرَ الْوَسَطَ بِأَرْبَعِينَ دِينَارًا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ عَلَى قَدْرِ غَلَاءِ السِّعْرِ وَرُخْصِهِ وَلَا يُنْظَرُ فِي قِيمَةِ الْوَسَطِ إلَى قِيمَةِ الْمُكَاتَبِ، وَلَوْ قَالَ وَصَحَّ عَلَى فَرَسٍ لَكَانَ أَوْلَى وَلَمْ يَحْتَجْ لِلتَّأْوِيلِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ كَاتَبَ كَافِرٌ عَبْدَهُ الْكَافِرَ عَلَى خَمْرٍ) يَعْنِي يَصِحُّ هَذَا الْعَقْدُ لِلْآخَرِ إذَا سَمَّى قَدْرًا مِنْ الْخَمْرِ مُعَيَّنًا؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ عِنْدَهُمْ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ كَالْعَصِيرِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ فَيَصِحُّ تَسْمِيَتُهُ إذَا كَانَ مَعْلُومًا وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ عَبْدَهُ الْكَافِرَ عَنْ عَبْدِهِ الْمُسْلِمِ فَإِنَّهُ يَقَعُ فَاسِدًا وَتَجِبُ الْقِيمَةُ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِيمَا إذَا كَانَ الْمَوْلَى مُسْلِمًا أَطْلَقَ فِي الْكَلَامِ فَشَمِلَ الذِّمِّيَّ وَالْمُسْتَأْمَنَ وَالْحَرْبِيَّ وَلَا فَرْقَ فِي الذِّمِّيِّ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي دَارِنَا أَوْ فِي دَارِ الْحَرْبِ حَيْثُ دَخَلَ غَيْرَ مُهَاجِرٍ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ دَارِنَا فَتَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُنَا وَالْمُسْتَأْمَنُ مَا دَامَ فِي دَارِنَا تَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُنَا وَإِنَّمَا مَحَلُّ النَّظَرِ لَوْ كَاتِب الْحَرْبِيُّ عَبْدِهِ الْمُسْلِمِ فِي دَارِ الْحَرْبِ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ فَأَدَّى ذَلِكَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُعْتَقُ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ لَنَا أَنْ نَحْتَالَ عَلَى مَالِ الْحَرْبِيِّ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ يَرْضَاهُ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْخِنْزِيرَ هُنَا كَالْخَمْرِ فِي الْحُكْمِ فِيهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَسْلَمَ فَلَهُ قِيمَةُ الْخَمْرِ) ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ مَمْنُوعٌ عَنْ تَمْلِيكِ الْخَمْرِ وَتَمَلُّكِهِ وَفِي تَسْلِيمِ عَيْنِ الْخَمْرِ تَمْلِيكُهَا وَتَمَلُّكُهَا إذَا كَانَ الْمَوْلَى يَمْلِكُهَا قَبْلَ التَّسْلِيمِ لِكَوْنِهَا مَوْصُوفَةً فِي الذِّمَّةِ وَالْقَبْضِ يَرِدُ عَلَى مُعَيَّنٍ فَيَكُونُ غَيْرَ مَا وَرَدَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ فَيَكُونُ تَمْلِيكًا مِنْ الْعَبْدِ وَتَمَلُّكًا مِنْ الْمَوْلَى فِي الْحَالِّ عِوَضًا عَمَّا فِي الذِّمَّةِ فَلَا يَجُوزُ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ فَعَجَزَ عَنْ تَسْلِيمِ الْخَمْرِ فَوَجَبَ الْمَصِيرُ إلَى الْقِيمَةِ لِقِيَامِهَا مَقَامَ الْمُسَمَّى وَالْكِتَابَةُ بَاقِيَةٌ عَلَى حَالِهَا بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ ذِمِّيٌّ مِنْ ذِمِّيٍّ بِخَمْرٍ، ثُمَّ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ حَيْثُ يَفْسُدُ الْبَيْعُ عِنْدَ الْبَعْضِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَقَعُ عَلَى مَا يَصْلُحُ بَدَلًا فَفِي الْكِتَابَةِ تَصْلُحُ الْقِيمَةُ بَدَلًا فِيمَا إذَا كَاتَبَهُ عَلَى وَصْفٍ أَوْ نَحْوِهِ وَلِهَذَا يُجْبَرُ الْمَوْلَى عَلَى قَبُولِ الْقِيمَةِ وَالْبَيْعُ لَا يَنْعَقِدُ عَلَى الْقِيمَةِ صَحِيحًا أَصْلًا فَكَذَا لَا يَبْقَى عَلَيْهَا قَيَّدْنَا أَصْلَ الْمَسْأَلَةِ بِأَنَّ الْخَمْرَ غَيْرُ مُعَيَّنٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْخَمْرُ مُعَيَّنًا فَقَدْ مَلَكَهُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ وَالتَّسْلِيمُ نُقِلَ مِنْ يَدٍ إلَى يَدٍ وَالْمُسْلِمُ غَيْرُ مَمْنُوعٍ مِنْ وَضْعِ يَدِهِ عَلَى الْخَمْرِ. أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُسْلِمَ إذَا غَصَبَ خَمْرًا مِنْ ذِمِّيٍّ فَأَسْلَمَ الذِّمِّيُّ فَلَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ الْخَمْرَ مِنْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 50 الْغَاصِبِ وَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَإِذَا أَسْلَمَ لَا يَنْتَقِلُ إلَى الْقِيمَةِ وَلَهُ الْخَمْرُ لَا غَيْرُ قَيَّدَ الْمَسْأَلَةَ بِالْخَمْرِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْخِنْزِيرِ فَنَقُولُ لَوْ كَاتَبَهُ عَلَى خِنْزِيرٍ مُعَيَّنٍ مَلَكَهُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ فَإِذَا أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَنْتَقِلُ إلَى الْقِيمَةِ، بَلْ لَهُ الْخِنْزِيرُ الْمُعَيَّنُ وَالْمُسْلِمُ لَا يُمْنَعُ مِنْ وَضْعِ يَدِهِ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ غَصَبَ الذِّمِّيُّ خِنْزِيرًا فَأَسْلَمَ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ مِنْ يَدِ الْغَاصِبِ فَلَوْ كَانَ الْخِنْزِيرُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ فَأَسْلَمَ أَحَدُهُمَا يَنْتَقِلُ إلَى قِيمَةِ نَفْسِ الْمُكَاتَبِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ قِيمَةُ الْقِيَمِيِّ تَقُومُ مَقَامَ عَيْنِهِ، وَهَذَا مِنْ خَوَاصِّ هَذَا الْكِتَابِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَتَقَ بِقَبْضِهَا) يَعْنِي يُعْتَقُ بِقَبْضِ قِيمَةِ الْخَمْرِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ وَسَلَامَةُ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ لِأَحَدِهِمَا تُوجِبُ سَلَامَةَ الْعِوَضِ لِلْآخَرِ، وَإِذَا أَدَّى الْخَمْرَ عَتَقَ أَيْضًا لِتَضَمُّنِ الْكِتَابَةِ تَعَلُّقًا بِأَدَاءِ الْخَمْرِ كَمَا إذَا كَاتَبَ الْمُسْلِمُ عَبْدَهُ عَلَى خَمْرٍ كَمَا تَقَدَّمَ قَالَ فِي الْكَافِي هَذَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ كَالْقَاضِي ظَهِيرِ الدِّينِ الشِّيرَازِيِّ وَنَجْمُ الدِّينِ الْأَفْطَسِيُّ وَالسَّرَخْسِيُّ وَالنَّيْسَابُورِيّ وَفِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ والتمرتاشي. وَلَوْ أَدَّى الْخَمْرَ لَا يُعْتَقُ، وَلَوْ أَدَّى الْقِيمَةَ يُعْتَقُ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ انْتَقَلَتْ إلَى الْقِيمَةِ وَلَمْ يَبْقَ الْخَمْرُ بَدَلًا فِي هَذَا الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ صَحِيحًا عَلَى الْخَمْرِ ابْتِدَاءً وَبَقِيَ بَعْدَ الْإِسْلَامِ عَلَى قِيمَتِهِ صَحِيحًا عَلَى حَالِهِ فَخَرَجَ الْخَمْرُ عَنْ كَوْنِهِ بَدَلًا فِيهِ ضَرُورَةٌ وَبِأَدَاءِ غَيْرِ الْبَدَلِ لَا يُعْتَقُ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْمُسْلِمِ حَيْثُ يُعْتَقُ بِأَدَاءِ الْخَمْرِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ فِيهِ انْعَقَدَ فَاسِدًا فَيُعْتَقُ بِأَدَاءِ الْبَدَلِ الْمَشْرُوطِ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى التَّعْلِيقِ وَيَضْمَنُ لِمَوْلَاهُ قِيمَةَ نَفْسِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فَرْقٌ آخَرُ وَفَرَّقَ فِي النِّهَايَةِ بِفَرْقٍ ثَالِثٍ حَيْثُ قَالَ فَإِنْ قُلْت مَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا إذَا كَاتَبَ الْمُسْلِمُ عَبْدَهُ عَلَى الْخَمْرِ ابْتِدَاءً حَيْثُ يُعْتَقُ الْعَبْدُ بِأَدَاءِ الْخَمْرِ وَإِنْ وَقَعَ الْعَقْدُ فَاسِدًا وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ وَهُوَ مَا إذَا كَاتَبَ النَّصْرَانِيُّ عَبْدَهُ الْكَافِرَ عَلَى خَمْرٍ، ثُمَّ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا، ثُمَّ أَدَّى الْخَمْرَ لَا يُعْتَقُ مَعَ أَنَّ الْقِيَاسَ يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَقَ بِأَدَاءِ الْخَمْرِ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ فِي الِابْتِدَاءِ تَأَكَّدَ انْعِقَادُهُ عَلَى الْخَمْرِ قُلْت الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا هُوَ أَنَّ الْكِتَابَةَ فِي عَقْدِ الْمُسْلِمِ عَلَى الْخَمْرِ انْعَقَدَتْ مَعَ الْفَسَادِ فَيُعْتَقُ بِأَدَاءِ الْبَدَلِ الْمَشْرُوطِ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى التَّعْلِيقِ لِمَا ذَكَرْنَا وَيَكُونُ عَلَيْهِ قِيمَةُ نَفْسِهِ، وَأَمَّا هَاهُنَا فَالْكِتَابَةُ انْعَقَدَتْ صَحِيحَةً عَلَى تَقْدِيرِ إذَا بَدَّلَ يَصِحُّ أَدَاؤُهُ وَقَامَتْ الْقِيمَةُ مَقَامَ الْحُجَّةِ وَلَمْ يُوجَدْ هَاهُنَا مَعْنَى التَّعْلِيقِ بِأَدَاءِ الْخَمْرِ حَتَّى تُعْتَقَ بِأَدَاءِ الْخَمْرِ إلَى هَذَا أَشَارَ الْإِمَامُ التُّمُرْتَاشِيُّ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ اهـ. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [بَابُ مَا يَجُوزُ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَفْعَلَهُ وَمَا لَا يَجُوزُ] الظَّاهِرُ أَنَّ اكْتِفَاءَ الْمُصَنِّفِ فِي عِنْوَانِ هَذَا الْبَابِ بِمَا يَجُوزُ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَفْعَلَهُ لِكَوْنِهِ الْمَقْصُودَ بِالذَّاتِ وَإِلَّا فَقَدْ ذَكَرَ فِي هَذَا الْبَابِ كَثِيرًا مِمَّا لَا يَجُوزُ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَفْعَلَهُ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ لَمَّا ذَكَرَ أَحْكَامَ الْكِتَابَةِ الصَّحِيحَةِ وَالْفَاسِدَةِ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَا يَجُوزُ لِلْمُكَاتَبِ وَمَا لَا يَجُوزُ فَإِنَّ جَوَازَ التَّصَرُّفِ يَنْبَنِي عَلَى الْعَقْدِ الصَّحِيحِ اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لِلْمُكَاتَبِ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ وَالسَّفَرُ) ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ السَّيِّدِ مِنْ الْعَقْدِ الْوُصُولُ إلَى بَدَلِ الْكِتَابَةِ وَمَقْصُودَ الْعَبْدِ بِهِ الْوُصُولُ إلَى الْحُرِّيَّةِ وَذَلِكَ إنَّمَا يَحْصُلُ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، وَقَدْ لَا يَتَّفِقَانِ فِي الْحَضَرِ فَاحْتَاجَ إلَى السَّفَرِ وَيَمْلِكُ الْبَيْعَ بِالْمُحَابَاةِ؛ لِأَنَّ عَادَةَ التُّجَّارِ يَفْعَلُونَهُ إظْهَارًا لِلْمُسَامَحَةِ وَاسْتِجْلَابًا لِقُلُوبِ النَّاسِ، وَقَدْ يُحَابِي فِي صَفْقَةٍ لِيَرْبَحَ فِي أُخْرَى وَأَفَادَ إطْلَاقُهُ أَنَّهُ يَمْلِكُ أَنْ يَبِيعَ بِالنَّقْدِ وَالنَّسِيئَةِ وَالْغَبْنِ الْفَاحِشِ وَالْيَسِيرِ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَمْلِكُ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ كَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ، وَلَوْ زَادَ فِي الثَّمَنِ أَوْ حَطَّ بِسَبَبِ عَيْبٍ جَازَ، وَلَوْ حَطَّ مِنْ غَيْرِ عَيْبٍ لَا يَجُوزُ وَشِرَاءُ الْمُكَاتَبِ وَبَيْعُهُ مِنْ مَوْلَاهُ جَائِزٌ، وَإِذَا اشْتَرَى شَيْئًا مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ وَلَا رِبْحَ فِيهِ جَازَ وَلَا يَبِيعُ الْمَوْلَى مَا اشْتَرَى مِنْ مُكَاتَبِهِ مُرَابَحَةً مَا لَمْ يُبَيِّنْ لِقِيَامِ شُبْهَةِ الْمِلْكِ لَهُ فِيهِ، وَلَوْ أَوْصَى بِعَيْنٍ مِنْ مَالِهِ، ثُمَّ عَتَقَ فَأَجَازَ الْوَصِيَّةَ جَازَتْ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَفِي الْمَبْسُوطِ. وَلَوْ بَاعَ مِنْ مُكَاتَبِهِ دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ لَا تَجُوزُ؛ لِأَنَّ هَذَا صَرِيحُ الرِّبَا وَالْمُكَاتَبَ فِي كَسْبِهِ بِمَنْزِلَةِ الْحُرِّ وَالْمُكَاتَبَ فِي حَقِّ الشُّفْعَةِ فِيمَا يَسْتَحِقُّهُ أَوْ اُسْتُحِقَّ عَلَيْهِ كَالْحُرِّ. اهـ. وَلَا يُقَالُ هَذِهِ الْأَحْكَامُ عُلِمَتْ مِنْ قَوْلِهِ خَرَجَ مِنْ يَدِهِ دُونَ مِلْكِهِ فَيَكُونُ تَكْرَارًا؛ لِأَنَّا نَقُولُ عَلِمْت هُنَاكَ وَإِنْ رَهَنَ أَوْ ارْتَهَنَ أَوْ أَجَّرَ أَوْ اسْتَأْجَرَ فَهُوَ جَائِزٌ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُقْرِضَ ضِمْنًا لَا تَصْرِيحًا وَمَا عُلِمَ ضِمْنًا لَا يَكُونُ مُكَرَّرًا فَتَأَمَّلْهُ وَفِي الْمَبْسُوطِ، وَلَوْ زَنَى الْمُكَاتَبُ أَوْ سَرَقَ مِنْهُ يَجِبُ الْقَطْعُ؛ لِأَنَّهُ يُخَاطَبُ اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ شَرَطَ أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ الْمِصْرِ) إنْ هَذِهِ وَصْلِيَّةٌ، وَهَذَا الْكَلَامُ مُتَّصِلٌ بِمَا قَبْلَهُ يَعْنِي لَهُ أَنْ يُسَافِرَ وَإِنْ شَرَطَ الْمَوْلَى عَلَيْهِ أَنْ لَا يَخْرُجَ الْبَلَدَ كَمَا لَوْ خَصَّ لَهُ نَوْعًا مِنْ التَّصَرُّفِ دُونَ غَيْرِهِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 51 كَانَ ذَلِكَ بَاطِلًا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الشُّرُوطَ مُخَالِفَةٌ لِمَا اقْتَضَى عَقْدُ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَاهَا فَكُّ حَجْرِ الْيَدِ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِمْدَادِ وَالِاخْتِصَاصِ بِنَفْسِهِ وَمَنَافِعِ نَفْسِهِ وَاكْتِسَابِهِ وَأَنْ لَا يَتَحَكَّمَ عَلَيْهِ أَحَدٌ وَيُحَصِّلَ الْمَالَ بِأَيِّ وَجْهٍ شَاءَ فَكَانَتْ هَذِهِ الشُّرُوطُ بَاطِلَةً وَالسَّفَرُ مَظِنَّةَ تَحْصِيلِ الْمَالِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [المزمل: 20] . وَالْكِتَابَةُ لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ كَمَا تَقَدَّمَ إلَّا إذَا كَانَ دَاخِلًا فِي صُلْبِ الْعَقْدِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ فِي الْبَدَلِ مِثْلَ أَنْ يَشْتَرِطَ خِدْمَتَهُ أَوْ مُكَاتَبَتَهُ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ فَيَفْسُدُ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ تُشْبِهُ الْبَيْعَ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا تَحْتَمِلُ الْفَسْخَ قَبْلَ أَدَاءِ الْبَدَلِ فَيَفْسُدُ الْعَقْدُ إذَا وُجِدَ الشَّرْطُ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ وَتُشْبِهُ النِّكَاحَ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا لَا تَحْتَمِلُ الْفَسْخَ بَعْدَ الْأَدَاءِ؛ لِأَنَّهَا مُبَادَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ فِي حَقِّ الْمَوْلَى وَمُبَادَلَةَ مَالٍ بِغَيْرِ مَالٍ فِي حَقِّ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ نَفْسَهُ فَلَا يَفْسُدُ الْعَقْدُ بِالشُّرُوطِ إذْ لَمْ يَكُنْ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ كَمَا هُنَا قَالَ فِي الْعَتَّابِيَّةِ وَالتَّمَكُّنُ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ هُوَ أَنْ يَدْخُلَ فِي أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ وَاَلَّذِي لَيْسَ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ هُوَ الَّذِي لَيْسَ فِي بَدَلِ الْكِتَابَةِ وَلَا فِيمَا يُقَابِلُهُ، وَقَدْ رَدَّ عَلَيْهِ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِأَنَّ قَوْلَهُ وَلَا فِيمَا يُقَابِلُهُ مَمْنُوعٌ فَإِنَّ مُقَابَلَةَ فَكِّ الْحَجْرِ وَحُرْمَةَ الْمَنْعِ مِنْ الْخُرُوجِ تَخْصِيصٌ لِلْفَكِّ وَالْحُرِّيَّةِ فَتَأَمَّلْ أَقُولُ: لَيْسَ ذَلِكَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ كَوْنَ الْمَنْعِ مِنْ الْخُرُوجِ تَخْصِيصًا لِلْفَكِّ وَالْحُرِّيَّةِ لَا يَقْتَضِي كَوْنَهُ دَاخِلًا فِيهَا فَإِنَّ تَخْصِيصَ الشَّيْءِ قَدْ يَكُونُ بِأَمْرٍ خَارِجٍ عَنْهُ أَخَصَّ مِنْهُ كَمَا إذَا عَرَّفْنَا الْإِنْسَانَ بِالْحَيَوَانِ الضَّاحِكِ فَتَأَمَّلْ اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَزْوِيجُ أَمَتِهِ) يَعْنِي لِلْمُكَاتِبِ أَنْ يُزَوِّجَ الْأَمَةَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الِاكْتِسَابِ فَيَمْلِكُهُ ضَرُورَةً بِخِلَافِ تَزْوِيجِ الْمُكَاتَبَةِ نَفْسَهَا حَيْثُ لَا يَجُوزُ لَهَا وَإِنْ كَانَ فِيهِ اكْتِسَابٌ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْمَوْلَى بَاقٍ فِيهَا فَمَنَعَهَا مِنْ الِاسْتِبْدَادِ بِنَفْسِهَا وَفِيهِ تَعَيُّبُهَا وَرُبَّمَا يَعْجَزُ فَيَبْقَى هَذَا الْعَيْبُ فَيَكُونُ عَلَى الْمَوْلَى ضَرَرٌ وَلَيْسَ مَقْصُودَهَا بِتَزْوِيجِ نَفْسِهَا الْمَالُ وَإِنَّمَا هُوَ التَّحْصِينُ وَالْإِعْفَافُ بِخِلَافِ تَزْوِيجِ أَمَتِهَا فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ كَسْبُ الْمَالِ فَيَجُوزُ لَهَا كَمَا يَجُوزُ لِلْأَبِ وَالْوَصِيِّ بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَالْمُضَارِبِ وَالشَّرِيكِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَ إلَّا مَا يَكُونُ مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ وَالتَّزْوِيجُ لَيْسَ مِنْهَا فَلَا يَمْلِكُونَهُ وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ ظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ تَزْوِيجِ الْمُكَاتَبَةِ نَفْسَهَا حَيْثُ لَا يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ اكْتِسَابُ الْمَهْرِ وَدَفْعُ النَّفَقَةِ كَمَا فِي تَزْوِيجِ الْمُكَاتِبِ أَمَةَ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ فِي تَزْوِيجِ الْمُكَاتَبَةِ نَفْسَهَا مُرَكَّبَةٌ بِمَا ذَكَرْنَاهُ فَتَأَمَّلْ. قَيَّدَ بِالْأَمَةِ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ لَا يَمْلِكُ أَنْ يُزَوِّجَ نَفْسَهُ وَوَلَدَهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ التِّجَارَةِ وَلَا فِيهِ اكْتِسَابُ مَالٍ، بَلْ فِيهِ شَغْلُ رَقَبَتِهِ بِالْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ وَفِي الْمُحِيطِ زَوَّجَ عَبْدَهُ امْرَأَةً فَأَعْتَقَ فَأَجَازَ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ هَذَا الْعَقْدَ لَا مُجِيزَ لَهُ حَالَ وُقُوعِهِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ تُوجِبُ فَكَّ الْحَجْرِ فِي الِاكْتِسَابِ، وَهَذَا لَيْسَ مِنْهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ كَفَلَ مَالًا، ثُمَّ أَعْتَقَ نَفَذَتْ كَفَالَتُهُ، وَكَذَا لَوْ وَكَّلَ فَعَتَقَ جَازَ، وَكَذَا لَوْ أَوْصَى لِعَبْدٍ فَأَعْتَقَ فَأَجَازَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْعُقُودَ لَهَا مُجِيزٌ حَالَ وُقُوعِهَا وَإِنَّمَا يُمْنَعُ ظُهُورُهَا فِي حَقِّ غَيْرِهِ فَسَقَطَ حَقُّ الْغَيْرِ بِالْعِتْقِ فَظَهَرَ النَّفَاذُ مُطْلَقًا وَلَا تَجُوزُ هِبَةُ الْمُكَاتَبِ وَصَدَقَتُهُ وَوَصِيَّتُهُ وَكَفَالَتُهُ فِي الْحَالِ، وَلَوْ أَعْتَقَ تُرَدُّ لَهُ الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ؛ لِأَنَّهَا وَقَعَتْ فَاسِدَةً، وَلَوْ دَفَعَ مُضَارَبَةً أَوْ أَخَذَ مَالًا مُضَارَبَةً جَازَ وَيَجُوزُ لَهُ شَرِكَةُ الْعَنَانِ لَا الْمُفَاوَضَةِ وَيَجُوزُ إقْرَارُ الْمُكَاتَبِ بِالدَّيْنِ وَالْعَيْنِ وَالِاسْتِيفَاءُ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لِلتُّجَّارِ مِنْهُ، وَلَوْ أَقَرَّ الْمُكَاتَبُ عَلَى وَلَدِهِ الْمَوْلُودِ فِي الْكِتَابَةِ بِجِنَايَةٍ لَمْ يَجُزْ إقْرَارُهُ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى غَيْرِهِ فَإِنْ مَاتَ الْوَلَدُ وَتَرَكَ مَالًا كَانَ ذَلِكَ لِأَبِيهِ وَأُخِّرَ إقْرَارُهُ وَصَارَ هُوَ الْخَصْمُ فِي الْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ الْمُقَرُّ لَهُ فِي حَقِّهِ بِإِقْرَارِهِ، وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ عَلَى وَلَدِهِ بِدَيْنٍ لَمْ يَجُزْ فَإِنْ اكْتَسَبَ الْوَلَدُ مَالًا وَأَخَذَهُ الْأَب نَفَذَ إقْرَارُهُ عَلَيْهِ فِي الْمَالِ مُكَاتَبٌ أَوْ مَأْذُونٌ فِي يَدِهِ أَمَةٌ ادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهَا أُمُّ وَلَدِهِ أَوْ مُكَاتَبَتُهُ فَصَدَّقَهُ الْمُكَاتَبُ أَوْ الْمَأْذُونُ فِيهِ جَازَ وَيَدْفَعُهَا إلَيْهِ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ مَعَهَا وَلَدٌ دَفَعَهُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ الْوَدِيعَةِ لِغَيْرِهِ يَصِحُّ اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكِتَابَةُ عَبْدِهِ) يَعْنِي يَمْلِكُ الْمُكَاتَبُ أَنْ يُكَاتِبَ عَبْدَهُ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ عَقْدُ اكْتِسَابٍ لِلْمَالِ فَيَمْلِكُهَا كَمَا يَمْلِكُ الْبَيْعَ، وَقَدْ يَكُونُ الْكِتَابَةُ أَنْفَعَ مِنْ الْبَيْعِ إذْ الْبَيْعُ يُزِيلُ الْمِلْكَ بِنَفْسِهِ وَالْكِتَابَةُ لَا تُزِيلُ إلَّا بَعْدَ وُصُولِ الْبَدَلِ فَإِذَا جَازَ الْبَيْعُ فَأَوْلَى أَنْ تَجُوزَ الْكِتَابَةُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَمْلِكُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَتَضَمَّنُ مِثْلَهُ؛ وَلِأَنَّهُ يَئُولُ إلَى الْعِتْقِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْتِقَ عَلَى مَالٍ قُلْنَا إنَّمَا مَلَكَهُ عَلَى أَنَّ الْكِتَابَةَ بَيْعٌ مِنْ نَفْسِ الْعَبْدِ وَإِنَّمَا لَا يَمْلِكُ الْإِعْتَاقَ عَلَى مَالٍ وَتَعْلِيقُ الْعِتْقِ عَلَى أَدَاءِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ فِيهِ إثْبَاتَ الْحُرِّيَّةِ مَقْصُودَةٌ وَفِي الزِّيَادَاتِ رَجُلٌ مَجْهُولُ النَّسَبِ اشْتَرَى عَبْدًا فَكَاتَبَهُ فَاشْتَرَى الْمُكَاتَبُ أَمَةً فَكَاتَبَهَا، ثُمَّ أَقَرَّ الْمَوْلَى الْأَعْلَى الْمَجْهُولُ النَّسَبِ أَنَّهُ عَبْدٌ لِلْمُكَاتَبِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 52 فَهِيَ مُكَاتَبَةٌ عَلَى حَالِهَا لِلْمُكَاتَبِ الْأَعْلَى وَالْمُكَاتَبُ الْأَعْلَى مُكَاتَبٌ لِلْمُكَاتَبِ الْأَسْفَلِ؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ إقْرَارُهُ عَلَى نَفْسِهِ بِالرِّقِّ؛ لِأَنَّ حُرِّيَّتَهُ لَمْ تَثْبُتْ بِدَلِيلٍ إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ مُصَدَّقٍ فِي حَقِّ الْمُكَاتَبِ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّ الْمُكَاتَبِ فَبَقِيَ حُرًّا فِي حَقِّ الْمُكَاتَبِ مُكَاتَبًا لِلْحُرِّ لَا لِعَبْدِ مُكَاتَبِهِ، وَهَذَا كَمَجْهُولَةِ النَّسَبِ إذَا أَقَرَّتْ بِالرِّقِّ لِإِنْسَانٍ لَمْ يَبْطُلْ نِكَاحُهَا وَيُؤَدِّي الْمُكَاتَبُ الْأَعْلَى بَدَلَ الْكِتَابَةِ إلَى الْمُكَاتَبِ الْأَسْفَلِ؛ لِأَنَّ مَجْهُولَ النَّسَبِ لَمَّا أَقَرَّ بِالرِّقِّ لَهَا صَارَ هُوَ وَجَمِيعُ أَكْسَابِهِ مَمْلُوكًا لَهَا وَبَدَلُ الْكِتَابَةِ مِنْ جُمْلَةِ أَكْسَابِهِ وَمَتَى صَارَ مَجْهُولُ النَّسَبِ عَبْدًا فِي حَقِّ هَذَا الْحُكْمِ لَا يَبْرَأُ الْمُكَاتَبُ إلَّا بِالْأَدَاءِ إلَى الْمُكَاتَبَةِ وَالْمُكَاتَبَةُ تُؤَدِّي مُكَاتَبَتِهَا إلَى الْمُكَاتَبِ الْأَعْلَى. ثُمَّ الْمَسْأَلَةُ لَا تَخْلُو إمَّا أَنْ يُؤَدِّيَا مُتَعَاقِبًا أَوْ مَعًا فَإِنْ أَدَّيَا مُتَعَاقِبًا فَأَيُّهُمَا أَدَّى أَوَّلًا إلَى صَاحِبِهِ عَتَقَ وَلَا يَكُونُ وَلَاؤُهُ لِأَحَدٍ؛ لِأَنَّ مَا عَدَاهُ إمَّا عَبْدٌ أَوْ مُكَاتَبٌ وَهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ وَأَيُّهُمَا أَدَّى آخِرًا عَتَقَ وَوَلَاؤُهُ لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا صَارَ حُرًّا صَارَ أَهْلًا لِلْوَلَاءِ وَإِنْ أَدَّيَا مَعًا عَتَقَا وَلَا وَلَاءَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ؛ لِأَنَّ عِتْقَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قُرِنَ بِعِتْقِ صَاحِبِهِ فَلَا يَكُونُ أَحَدُهُمَا أَهْلًا لِلْوَلَاءِ حَالَ عِتْقِ صَاحِبِهِ وَإِنْ عَجَزَ أَحَدُهُمَا صَارَ مَمْلُوكًا لِلْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ إنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ صَارَ مَمْلُوكًا لِلْمُكَاتَبَةِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ كَسْبِ مَجْهُولِ النَّسَبِ وَإِنْ عَجَزَتْ الْمُكَاتَبَةُ فَقَدْ صَارَتْ أَمَةً لِلْمُتَكَاتَبِ وَالْمُقِرِّ عَبْدَهُمَا فَصَارَا جَمِيعًا لِلْمُكَاتَبِ وَإِنْ عَجَزَا مَعًا عَتَقَتْ الْمُكَاتَبَةُ وَصَارَ الْمَجْهُولُ مَعَ الْمُكَاتَبِ عَبْدَيْنِ لَهَا؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ أَقَرَّ بِرَقَبَتِهِ لِمَجْهُولِ النَّسَبِ وَمَجْهُولُ النَّسَبِ أَقَرَّ بِرَقَبَتِهِ وَجَمِيعِ أَكْسَابِهِ لِلْمُكَاتَبَةِ فَقَدْ صَارَ الْمُكَاتَبُ مُقِرًّا بِرَقَبَتِهِ لِلْمُكَاتَبِ وَالْمُكَاتَبَةِ لَمَّا قَبِلَتْ الْمُكَاتَبَةَ مِنْ الْمُكَاتَبِ فَقَدْ أَقَرَّتْ بِرَقَبَتِهَا لِلْمُكَاتَبِ فَقَدْ اجْتَمَعَ إقْرَارُهَا وَإِقْرَارُ الْمُكَاتَبِ سَابِقٌ عَلَى إقْرَارِ مَجْهُولِ النَّسَبِ وَآخِرُ الْإِقْرَارَيْنِ نَاسِخٌ لِأَوَّلِهِمَا؛ لِأَنَّ لِلْآخَرِ رَدَّ الْأَوَّلِ وَلَمْ يُوجَدْ الرَّدُّ لِلثَّانِي فَصَحَّ فَصَارَ الِاعْتِبَارُ لِإِقْرَارِ مَجْهُولِ النَّسَبِ؛ لِأَنَّهُ آخِرُهُمَا، وَهَذَا كَرَجُلٍ مَجْهُولِ النَّسَبِ أَقَرَّ بِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ لِعَبْدِ رَجُلٍ وَأَقَرَّ مَوْلَى الْعَبْدِ وَهُوَ مَجْهُولُ النَّسَبِ أَنَّهُ مَمْلُوكٌ لِهَذَا الْمُقِرِّ فَهُمَا جَمِيعًا مَمْلُوكَانِ لِعَبْدِ مَجْهُولِ النَّسَبِ أَقَرَّ بِالرِّقِّ لِلْمُكَاتَبَةِ وَالْمَوْلَى لِلْمُكَاتَبَةِ وَهُوَ الْمُكَاتَبُ أَقَرَّ لِلْمُكَاتَبِ بِالرِّقِّ لِمَجْهُولِ النَّسَبِ صَارَا مَمْلُوكَيْنِ لِلْمُكَاتَبَةِ اهـ. مُخْتَصَرًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْوَلَاءُ لَهُ إنْ أَدَّى بَعْدَ عِتْقِهِ) ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ وَعَتِيقُهُ الْمُكَاتَبُ الْأَوَّلُ وَهُوَ أَهْلٌ لِلْوَلَاءِ عِنْدَ عِتْقِ الثَّانِي وَكَانَ مِلْكُهُ تَامًّا فِيهِ عِنْدَ ذَلِكَ فَثَبَتَ لَهُ ضَرُورَةً وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَإِنْ أَدَّيَا مَعًا عَتَقَا وَثَبَتَ وَلَاؤُهُمَا مِنْ الْمَوْلَى وَفِي الْأَصْلِ وَإِنْ عَجَزَ الْأَوَّلُ وَرُدَّ فِي الرِّقِّ وَلَمْ يُؤَدِّ الثَّانِي مُكَاتَبَتَهُ بَعْدُ بَقِيَ الثَّانِي مُكَاتَبًا عَلَى حَالِهِ وَنَظِيرُهُ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ إذَا أَذِنَ لِعَبْدِهِ فِي التِّجَارَةِ، ثُمَّ حُجِرَ عَلَى الْأَوَّلِ بَقِيَ الثَّانِي يَصِيرُ مَمْلُوكًا لِلْمَوْلَى عَلَى الْحَقِيقَةِ فَلَوْ أَعْتَقَهُ نَفَذَ عِتْقُهُ، وَلَوْ كَانَ الْأَوَّلُ لَمْ يَعْجِزْ، وَلَكِنْ مَاتَ قَبْلَ الْأَدَاءِ وَلَمْ يُؤَدِّ الثَّانِي مُكَاتَبَتَهُ أَيْضًا فَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ تَرَكَ الْأَوَّلُ مَالًا كَثِيرًا سِوَى مَا عَلَى الْمُكَاتَبِ الثَّانِي وَبِهِ وَفَاءٌ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ وَفِي هَذَا الْوَجْهِ لَا تَنْفَسِخُ كِتَابَتُهُ فَيُؤَدِّي كِتَابَتَهُ وَيُحْكَمُ بِحُرِّيَّتِهِ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ وَمَا بَقِيَ يَكُونُ لِوَرَثَتِهِ الْأَحْرَارِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ فَلِمَوْلَاهُ وَيُؤَدِّي الثَّانِيَ مُكَاتَبَتَهُ إلَى وَارِثِ الْمُكَاتَبِ الْأَوَّلِ، وَإِذَا أَدَّى وَعَتَقَ كَانَ وَلَاؤُهُ لِابْنِ الْمُكَاتَبِ حَيْثُ يَرِثُ وَرَثَتُهُ. الْمَذْكُورُ الثَّانِي إذَا مَاتَ وَلَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً سِوَى مَا تُرِكَ عَلَى الْمُكَاتَبِ الثَّانِي وَهُوَ لَا يَخْلُو مِنْ وَجْهَيْنِ إنْ كَانَ مُكَاتَبَةُ الثَّانِي أَقَلَّ مِنْ مُكَاتَبَةِ الْأَوَّلِ فَفِي هَذَا الْوَجْهِ تَنْفَسِخُ مُكَاتَبَةُ الْأَوَّلِ وَيَكُونُ عَبْدًا وَيَبْقَى الثَّانِي مُكَاتَبًا لِلْمَوْلَى وَإِنْ كَانَ مُكَاتَبَةُ الثَّانِي مِثْلَ مُكَاتَبَةِ الْأَوَّلِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ. وَهَذَا الْوَجْهُ لَا يَخْلُو إمَّا إنْ حَلَّ مُكَاتَبَةُ الثَّانِي وَقْتَ مَوْتِ الْأَوَّلِ فَتَنْفَسِخُ كِتَابَةُ الْأَوَّلِ فَيُؤَدِّي الثَّانِي إلَى الْمَوْلَى وَيُحْكَمُ بِحُرِّيَّةِ الثَّانِي لِلْحَالِّ وَبِحُرِّيَّةِ الْأَوَّلِ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ وَمَا بَقِيَ مِنْ مُكَاتَبَةِ الثَّانِي تَكُونُ لِوَرَثَةِ الْمُكَاتَبِ الْأَوَّلِ إنْ كَانَ لَهُ وَارِثٌ حُرٌّ وَيَكُونُ وَلَاءُ الثَّانِي لِلْمُكَاتَبِ الْأَوَّلِ لَا لِمَوْلَى الْمُكَاتَبِ الْأَوَّلِ وَإِنْ حَلَّ الْمُكَاتَبُ لِلثَّانِي بَعْدَ مَوْتِ الْمُكَاتَبِ الْأَوَّلِ إنْ كَانَ لَهُ وَارِثٌ وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْ الْمَوْلَى الْفَسْخَ مِنْ الْقَاضِي حَتَّى حَلَّتْ فَالْجَوَابُ فِيهِ كَالْجَوَابِ فِيمَا إذَا مَاتَ الْأَوَّلُ، وَقَدْ حَلَّ مَا عَلَى الثَّانِي وَإِنْ طَلَبَ مِنْ الْقَاضِي الْفَسْخَ تُفْسَخُ كِتَابَةُ الْأَوَّلِ فَظَهَرَ قَوْلُ الْمُؤَلِّفِ لَوْ قَالَ أَوْ عَتَقَا مَعًا بِأَدَاءِ مُكَاتَبَتِهِمَا لَكَانَ أَوْلَى لِيُفِيدَ أَنَّ الْوَلَاءَ لَهُ فِي الْحَالَتَيْنِ وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ إذَا مَاتَ الْأَوَّلُ، وَقَدْ حَلَّ مَا عَلَى الثَّانِي، وَقَدْ تَرَكَ وَفَاءً إلَّا أَنَّهُ دَيْنٌ عَلَى النَّاسِ وَلَمْ يَخْرُجْ الدَّيْنُ حَتَّى أَدَّى الْأَسْفَلَ إلَى الْأَعْلَى يُنْظَرُ فِي الْوَلَاءِ وَالْمِيرَاثِ إلَى يَوْمِ أَدَّى الْكِتَابَةَ اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ فَإِنْ مَاتَ الْأَوَّلُ عَنْ ابْنٍ وَلَمْ يَتْرُكْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 53 إلَّا مَا عَلَى الثَّانِي وَمَاتَ الثَّانِي وَتَرَكَ وَلَدًا مَوْلُودًا فِي الْكِتَابَةِ يَسْعَى فِيمَا بَقِيَ عَلَى أَبِيهِ وَيُؤَدِّي إلَى الْمَوْلَى مِنْ مُكَاتَبَةِ الْأَوَّلِ فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ يَكُونُ لِابْنِ الْأَوَّلِ وَيُحْكَمُ بِحُرِّيَّتِهِ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ وَعَتَقَ الْوَلَدُ الْأَوَّلُ مَعَ عِتْقِ أَبِيهِ وَوَلَاءُ الثَّانِي لِابْنِ الْأَوَّلِ، وَلَوْ اشْتَرَى الْمُكَاتَبُ امْرَأَتَهُ فَكَاتَبَهَا جَازَ؛ لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ فَإِنْ وَلَدَتْ فَهُوَ مَعَهَا فِي الْكِتَابَةِ وَمَعَ الْأَبِ أَيْضًا بِخِلَافِ مَا لَوْ كَاتَبَ أُمَّهُ وَعَبْدًا هُوَ زَوْجُهَا كِتَابَةً وَاحِدَةً فَوَلَدَتْ فَالْوَلَدُ يَتْبَعُ الْأُمَّ كَالْحُرِّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَّا لِسَيِّدِهِ) يَعْنِي إذَا أَدَّى الثَّانِي قَبْلَ أَنْ يُعْتَقَ الْأَوَّلُ كَانَ الْوَلَاءُ لِسَيِّدِ الْأَوَّلِ لَا لِلْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّهُ يُقَدَّرُ جَعْلُ الْمُكَاتَبِ مُعْتَقًا لِكَوْنِهِ رَقِيقًا فَيَلْحَقُهُ فِيهِ أَقْرَبُ النَّاسِ إلَيْهِ وَهُوَ مَوْلَاهُ كَمَا لَوْ اشْتَرَى الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ شَيْئًا فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ وَيَلْحَقُهُ فِيهِ مَوْلَاهُ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ النَّاسِ إلَيْهِ، وَلَوْ أَدَّى الْأَوَّلُ بَعْدُ لَا يَتَحَوَّلُ عِتْقُ الْمُعْتَقِ إلَى غَيْرِهِ بِخِلَافِ جَرِّ الْوَلَاءِ فِي وَلَدِ الْجَارِيَةِ فَإِنَّ مَوْلَى الْجَارِيَةِ هُنَاكَ لَيْسَ بِمُعْتَقٍ مُبَاشَرَةً، بَلْ تَسَبُّبًا بِاعْتِبَارِ إعْتَاقِ الْأَصْلِ وَهِيَ الْأُمُّ وَالْأَصْلُ أَنَّ الْحُكْمَ لَا يُضَافُ إلَى السَّبَبِ إلَّا عِنْدَ تَعَذُّرِ الْإِضَافَةِ إلَى الْعِلَّةِ وَالتَّعَذُّرِ عِنْدَ عَدَمِ عِتْقِ الْأَبِ، وَإِذَا أُعْتِقَ زَالَتْ الضَّرُورَةُ فَيُحَوَّلُ الْوَلَاءُ إلَى قَوْمِ الْأَبِ، وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ وَوَلَاءُ الْعَتَاقَةِ مَتَى ثَبَتَ عَلَى أَحَدٍ لَا يُحْتَمَلُ النَّقْلُ إلَى غَيْرِهِ كَالنَّسَبِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا التَّزَوُّجَ بِلَا إذْنٍ) يَعْنِي لَا يَمْلِكُ التَّزَوُّجَ بِلَا إذْنٍ؛ لِأَنَّهُ يَعِيبُ نَفْسَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ شَغْلِ ذِمَّتِهِ بِالْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ وَلَمْ يُطْلِقْ لَهُ إلَّا عُقُودَ تَوَصُّلِهِ إلَى تَحْصِيلِ مَقْصُودِهِ وَهُوَ عَقْدٌ فِيهِ اكْتِسَابُ مَالٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَيَمْلِكُ التَّزَوُّجَ بِإِذْنِ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ لِأَجْلِهِ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ بَاقٍ فِيهِ فَجَازَ بِاتِّفَاقِهِمَا لِثُبُوتِ مِلْكِهِ فِي رَقَبَتِهِ وَفِي الْخَانِيَّةِ الْمُكَاتَبُ لَا يَمْلِكُ وَطْءَ أَمَتِهِ فَإِنْ وَطِئَهَا، ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ يُؤَاخَذُ الْمُكَاتَبُ بِعُقْرِهَا فِي الْحَالِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْهِبَةَ وَالتَّصَدُّقَ إلَّا بِالْيَسِيرِ) ؛ لِأَنَّهُ نَوْعُ تَبَرُّعٍ وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ إلَّا أَنَّ الْيَسِيرَ مِنْهُ مِنْ ضَرُورَاتِ التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِدُ بُدًّا مِنْ ضِيَافَةٍ وَإِعَارَةٍ لِيَجْتَمِعَ عَلَيْهِ الْمُهَاجِرُونَ فَيَمْلِكُهُ؛ لِأَنَّ مَنْ مَلَكَ شَيْئًا مَلَكَ مَا هُوَ مِنْ ضَرُورَاتِهِ وَتَوَابِعِهِ وَلَا يَهَبُ بِعَرَضٍ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ ابْتِدَاءً، وَكَذَا لَا تَجُوزُ وَصِيَّتُهُ وَلَمْ يُبَيِّنْ الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِقْدَارَ الْيَسِيرِ، وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ إنَّهُ يَتَصَدَّقُ وَيَهَبُ بِقَدْرِ الْفَلْسِ وَرَغِيفٍ وَفِضَّةٍ أَقَلَّ مِنْ دِرْهَمٍ وَيَأْخُذُ الضِّيَافَةَ الْيَسِيرَةَ وَيُهْدِي الطَّعَامَ الْمُهَيَّأَ لِلْأَكْلِ بِقَدْرِ دَانَقٍ، وَلَوْ وَهَبَ أَوْ أَهْدَى دِرْهَمًا فَصَاعِدًا لَا يَجُوزُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالتَّكَفُّلَ وَالْإِقْرَاضَ) ؛ لِأَنَّهُمَا تَبَرُّعٌ وَلَيْسَا مِنْ ضَرُورَةِ التِّجَارَةِ وَلَا مِنْ بَابِ الِاكْتِسَابِ فَلَا يَمْلِكُهُ وَلَا فَرْقَ فِي الْكَفَالَةِ بَيْنَ الْمَالِ وَالنَّفْسِ بِإِذْنٍ أَوْ بِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ تَبَرُّعٌ وَلَا يَجُوزُ كَفَالَةُ الْمُكَاتَبِ بِمَالٍ أَذِنَ الْمَوْلَى فِيهَا أَوْ لَا،. وَكَذَا الْحَوَالَةُ، وَكَذَا الْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ؛ لِأَنَّهَا مَتَى صَحَّتْ تَتَعَدَّى ضَرُورَةً إلَى الْمَالِ بِأَنْ يَعْجِزَ عَنْ إحْضَارِهِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ وَهُوَ تَبَرُّعٌ وَالْمُكَاتَبُ لَا يَمْلِكُ التَّبَرُّعَ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ بَعْدَ الْعِتْقِ كَالْعَبْدِ الْقِنِّ إذَا كَفَلَ فَإِنْ كَانَ صَغِيرًا لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ بَعْدَ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ وَقَعَتْ بَاطِلَةً فَإِنْ كَفَلَ بِمَالٍ بِإِذْنِ الْمَوْلَى لَمْ يَلْتَزِمْ الْمَوْلَى الْكَفَالَةَ، وَلَوْ أَدَّى الْمُكَاتَبُ فَعَتَقَ لَزِمَتْهُ الْكَفَالَةُ كَمَا تَقَدَّمَ وَإِنْ كَفَلَ عَبْدَهُ لِآخَرَ رَجَعَ السَّيِّدُ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ إنْ كَفَلَ بِأَمْرِهِ وَبِغَيْرِ أَمْرِهِ بَطَلَ الْمَالُ عَنْهَا؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى مَلَكَ مَا فِي ذِمَّةِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ لِعَجْزِ الْمُكَاتَبِ وَالْكَفِيلُ أَدَّى مَا كَفَلَ بِهِ رَجَعَ عَلَى الْأَصْلِ إنْ كَفَلَ بِأَمْرِهِ وَبِغَيْرِ أَمْرِهِ لَا يَرْجِعُ، وَلَوْ أَدَّى الْمَوْلَى رَجَعَ أَيْضًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (وَإِعْتَاقَ عَبْدِهِ) ، (وَلَوْ بِمَالٍ وَبَيْعِ نَفْسِهِ مِنْهُ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْإِعْتَاقِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا مِمَّنْ يَمْلِكُ الرَّقَبَةَ فَلَا يَنْفُذُ عِتْقُهُ، وَلَوْ عَلَى مَالٍ؛ لِأَنَّهُ فِيهِ إسْقَاطَ الْمِلْكِ عَنْ الْعَبْدِ بِمُقَابَلَةِ دَيْنٍ فِي ذِمَّةِ الْمُفْلِسِ فَلَا يَكُونُ مِنْ بَابِ الِاكْتِسَابِ فَلَا يَمْلِكُهُ وَبَيْعُ الْعَبْدِ مِنْ نَفْسِهِ إعْتَاقٌ كَمَا بَيَّنَّا فَلَا يَمْلِكُهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَزْوِيجَ عَبْدِهِ) يَعْنِي لَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَ عَبْدِهِ، وَكَذَا لَا يَمْلِكُ أَنْ يُوَكِّلَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ تَعَيُّبٌ لَهُ وَنَقَصَ فِي الْمَالِ لِكَوْنِهِ شَاغَلَا لِلرَّقَبَةِ بِالْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ بَابِ الِاكْتِسَابِ فِي شَيْءٍ بِخِلَافِ تَزْوِيجِ الْأَمَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْأَبُ وَالْوَصِيُّ فِي رَقِيقِ الصَّغِيرِ كَالْمُكَاتَبِ) ؛ لِأَنَّ الْأَبَ وَالْوَصِيَّ كَالْمُكَاتَبِ فَيَمْلِكَانِ مَا يَمْلِكُهُ الْمُكَاتَبُ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ مَنْ كَانَ تَصَرُّفُهُ عَامًّا فِي التِّجَارَةِ وَغَيْرِهَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَ الْأَمَةِ كَالْمُكَاتَبِ وَالْأَبِ وَالْجَدِّ وَالْوَصِيِّ وَالْقَاضِي وَأَمِينِهِ فَكُلُّ مَنْ كَانَ تَصَرُّفُهُ خَاصًّا بِالتِّجَارَةِ كَالْمُضَارِبِ وَالشَّرِيكِ وَالْمَأْذُونِ فَلَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَ الْأَمَةِ وَلَا الْكِتَابَةَ عِنْدَ الْإِمَامِ وَمُحَمَّدٍ، وَقَالَ الثَّانِي يَمْلِكُ تَزْوِيجَ الْأَمَةِ؛ لِأَنَّ فِيهِ مَنْفَعَةً عَلَى مَا بَيَّنَّا وَجَوَابُهُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ فَلَا يَمْلِكُهُ وَجَعَلَ فِي النِّهَايَةِ شَرِيكَ الْمُفَاوَضَةِ كَالْمُكَاتَبِ وَجَعَلَهُ فِي الْكَافِي كَالْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَلِكُلٍّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 54 وَجْهٌ قَالَ الشَّارِحُ جَعْلُهُ كَالْمَأْذُونِ أَشْبَهُ بِالْفِقْهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَمْلِكُ مُضَارِبٌ وَشَرِيكٌ شَيْئًا مِنْهُ) يَعْنِي لَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَ الْأَمَةِ وَالْكِتَابَةَ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ التِّجَارَةِ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ اشْتَرَى أَبَاهُ أَوْ ابْنَهُ تَكَاتَبَ عَلَيْهِ) لِمَا ذَكَرَ مَا هُوَ دَاخِلٌ فِي الْكِتَابَةِ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ وَأَنْهَاهُ شَرْعٌ يَذْكُرُ مَا هُوَ دَاخِلٌ بِطَرِيقِ التَّبَعِ وَالتَّبَعُ يَتْلُو الْأَصْلَ وَإِنَّمَا يُكَاتِبُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ يَمْلِكُ الْكِتَابَةِ وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ الْعِتْقَ فَيُجْعَلُ مُكَاتَبًا مَعَهُ تَخْفِيفًا لِلصِّلَةِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ الْإِعْتَاقُ صَارَ مُكَاتَبًا مِثْلَهُ لِلتَّعَذُّرِ بِخِلَافِ الْحُرِّ فَإِنَّهُ يَمْلِكُ الرَّقَبَةَ وَلَا تَعَذُّرَ فِي حَقِّهِ فَيُعْتَقُ عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِهِ بَيَانُهُ وَذِكْرُ الِابْنِ وَالْأَبِ وَقَعَ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّ هَذَا الْحُكْمَ لَا يَخْتَصُّ بِهِمَا، بَلْ جَمِيعُ مَنْ لَهُ قَرَابَةُ الْوِلَادَةِ يَدْخُلُونَ فِي كِتَابِهِ تَبَعًا لَهُ وَأَقْوَاهُمْ دُخُولًا الْمَوْلُودُ فِي الْكِتَابَةِ يَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ أَبِيهِ حَتَّى إذَا مَاتَ أَبُوهُ وَلَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا يَسْعَى عَلَى نُجُومِ أَبِيهِ وَالْوَلَدُ الْمُشْتَرِي يُؤَدِّي الْبَدَلَ حَالًّا وَالْإِيرَادُ فِي الرِّقِّ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَوْلُودَ فِي الْكِتَابَةِ تَبَعِيَّتُهُ ثَابِتَةٌ بِالْمِلْكِ وَالْبَعْضِيَّةَ الثَّابِتَةَ حَقِيقَةٌ وَقْتَ الْعَقْدِ بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي فَإِنَّ تَبَعِيَّتَهُ ثَابِتَةٌ بِالْمِلْكِ وَالْبَعْضِيَّةُ فِيهِمَا حُكْمًا فِي حَقِّ الْعَقْدِ لَا حَقِيقَةً فِي حَقِّهِ؛ لِأَنَّهُ لَا بَعْضِيَّةَ بَيْنَهُمَا حَقِيقَةً بَعْدَ الِانْفِصَالِ قَالَ الْأَكْمَلُ وَتَقْدِيمُ الْأَبِ فِي الذِّكْرِ لِلتَّعْظِيمِ، وَأَمَّا فِي التَّرْتِيبِ فَيُقَدَّمُ الِابْنُ عَلَى الْأَبِ سَوَاءٌ كَانَ مَوْلُودًا أَوْ مُشْتَرَى فِي الْكِتَابَةِ وَالْمَوْلُودُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمُشْتَرَى فَالْمَوْلُودُ يَظْهَرُ حَالُهُ فِي الْحَيَاةِ وَبَعْدَ الْمَمَاتِ كَمَا تَقَدَّمَ وَالْمُشْتَرَى فِي حَالِ الْحَيَاةِ فَقَطْ كَمَا تَقَدَّمَ وَالْأَبُ يَحْرُمُ بَيْعُهُ حَالَ حَيَاةِ وَلَدِهِ وَلَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ الْبَدَلُ بَعْدَ مَوْتِهِ حَالًّا وَلَا مُؤَجَّلًا اهـ. وَإِنَّمَا قَالَ تَكَاتَبَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَقُلْ صَارَ مُكَاتَبًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ صَارَ مُكَاتَبًا لَصَارَ أَصْلًا وَلَبَقِيَتْ الْكِتَابَةُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُكَاتَبِ الْأَصْلِيِّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ إذَا مَاتَ الْمُكَاتَبُ يُبَاعُ الْأَبُ فَإِنْ قِيلَ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُشْتَرَى فِي الْكِتَابَةِ مِنْ الْأَوْلَادِ وَبَيْنَ مَا إذَا كَاتَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ الصَّغِيرِ فَإِنَّهُ إذَا عَتَقَ الْمُشْتَرَى لَمْ يَسْقُطْ مِنْ الْبَدَلِ شَيْءٌ، وَأَمَّا إذَا عَتَقَ الصَّغِيرُ الَّذِي تَكَاتَبَ عَلَيْهِ يَسْقُطُ مِنْ الْبَدَلِ مَا يَخُصُّهُ أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُشْتَرَى تَبِعَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَا يُعْتَبَرُ بِهِ فِي أَصْلِ الْبَدَلِ لِتَقَرُّرِهِ قَبْلَ دُخُولِهِ فِي الْكِتَابَةِ بِخِلَافِ الصَّغِيرِ فَإِنَّهُ مَقْصُودٌ بِالْعَقْدِ وَالْبَدَلُ فِي مُقَابَلَتِهِ فَسَقَطَ مَا يَخُصُّهُ مِنْهُ وَفِي الْيَنَابِيعِ لَوْ مَلَكَ الْأَجْدَادَ وَالْجَدَّاتِ أَوْ أَوْلَادَ الْأَوْلَادِ تَكَاتَبَ عَلَيْهِمْ وَفِي الْخُلَاصَةِ، وَلَوْ اشْتَرَى وَاحِدًا مِنْ أَوْلَادِهِ وَإِنْ سَفَلُوا أَوْ وَاحِدًا مِنْ أَجْدَادِهِ وَإِنْ عَلَوْا تَكَاتَبَ عَلَيْهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ أَخَاهُ وَنَحْوَهُ لَا) يَعْنِي لَوْ اشْتَرَى أَخَاهُ أَوْ غَيْرَهُ مِنْ مَحَارِمِهِ لَا يُكَاتَبُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَقَالَا يُكَاتَبُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الصِّلَةِ تَشْمَلُ الْقَرَابَةَ الْمُحَرِّمَةَ لِلنِّكَاحِ وَلِهَذَا يُعْتَقُ عَلَى الْحُرِّ كُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ وَتَجِبُ نَفَقَتُهُمْ عَلَيْهِ وَلَا يَرْجِعُ فِيمَا وَهَبَ لَهُمْ وَلَا يَقْطَعُ يَدَهُ إذَا سَرَقَ مِنْهُمْ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ فَكَذَا هَذَا الْحُكْمُ وَلِلْإِمَامِ أَنَّ لِلْمُكَاتَبِ كَسْبًا وَلَيْسَ لَهُ مِلْكٌ حَقِيقَةً لِوُجُودِ مَا يُنَافِيهِ وَهُوَ الرِّقُّ وَلِهَذَا لَوْ اشْتَرَى أَمَةَ وَلَدِهِ لَا يَفْسُدُ نِكَاحُهُ وَيَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَيْهِ، وَلَوْ وَجَدَ كَنْزًا وَالْكَسْبُ يَكْفِي لِلصِّلَةِ فِي الْأَوْلَادِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْقَادِرَ عَلَى الْكَسْبِ يُخَاطَبُ بِنَفَقَةِ الْوَلَدِ وَالْوَالِدِ وَلَا يَكْفِي فِي غَيْرِهَا حَتَّى لَا يُخَاطَبَ الْأَخُ بِنَفَقَةِ أَخِيهِ إلَّا إذَا كَانَ مُوسِرًا وَالدُّخُولُ فِي الْكِتَابَةِ بِطَرِيقِ الصِّلَةِ فَتَخْتَصُّ بِقَرَابَةِ الْوِلَادِ؛ وَلِأَنَّ هَذِهِ قَرَابَةٌ تُشْبِهُ بَنِي الْأَعْمَامِ فِي حَقِّ بَعْضِ الْأَحْكَامِ كَحِلِّ الْحِلْيَةِ وَجَرَيَانِ الْقِصَاصِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَقَبُولِ الشَّهَادَةِ وَدَفْعِ الزَّكَاةِ إلَيْهِ وَتُشْبِهُ الْوِلَادَ فِي حَقِّ حُرْمَةِ الْمُنَاكَحَةِ وَوُجُوبِ النَّفَقَةِ وَحُرْمَةِ الْجَمْعِ بَيْنَ اثْنَيْنِ مِنْهُنَّ فَأَلْحَقْنَاهَا بِالْوِلَادِ فِي الْعِتْقِ وَبَنَى الْأَعْمَامِ فِي الْكِتَابَةِ تَوْفِيرًا عَلَى الشَّبَهَيْنِ حَظَّهُمَا وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَوْلَى مِنْ الْعَمَلِ عَلَى الْعَكْسِ وَفِي الذَّخِيرَةِ لَوْ اشْتَرَى الْعَمَّ وَالْعَمَّةَ فَالْقِيَاسُ أَنْ يَصِيرَا مِثْلَهُ فِي الْكِتَابَةِ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا يُكَاتَبُ عَلَيْهِمَا اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ اشْتَرَى الْعَمُّ أُمَّ وَلَدِهِ مَعَهُ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهَا) يَعْنِي لَوْ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ مَعَ وَلَدِهِ مِنْهَا لَمْ يَجُزْ لَهُ بَيْعُهَا؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ لَمَّا دَخَلَ فِي الْكِتَابَةِ امْتَنَعَ بَيْعُهُ لِمَا ذَكَرْنَا فَتَتْبَعُهُ أُمُّهُ فَامْتَنَعَ بَيْعُهَا؛ لِأَنَّهَا تَبَعٌ لَهُ وَلَا تَدْخُلُ فِي كِتَابَتِهِ حَتَّى لَا يُعْتَقَ بِعِتْقِهِ وَلَا يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهَا، وَكَذَا الْمُكَاتَبَةُ إذَا اشْتَرَتْ زَوْجَهَا غَيْرَ أَنَّ لَهَا أَنْ يَتْبَعَهُ كَيْفَمَا كَانَ؛ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ لَمْ تَثْبُتْ مِنْ جِهَتِهَا عَلَى مَا بَيَّنَّا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ مَعَهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ مَلَكَهَا بِدُونِ الْوَلَدِ جَازَ لَهُ بَيْعُهَا عِنْدَ الْإِمَامِ، وَقَالَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا؛ لِأَنَّهَا أُمُّ وَلَدِهِ كَالْحُرِّ إذَا اشْتَرَى أُمَّ وَلَدِهِ وَحْدَهَا بِدُونِهِ وَلِلْإِمَامِ أَنَّ الْقِيَاسَ أَنْ يَجُوزَ الْبَيْعُ وَإِنْ كَانَ مَعَهَا الْوَلَدُ؛ لِأَنَّ كَسْبَ الْمُكَاتَبِ مَوْقُوفٌ بَيْنَ أَنْ يُؤَدِّيَ فَيَكُونَ لِلْمُكَاتَبِ وَبَيْنَ أَنْ يَعْجَزَ فَيَكُونَ لِلْمَوْلَى فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 55 مَا لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ وَهُوَ أُمُومِيَّةُ الْوَلَدِ إلَّا أَنَّ بَيْعَهَا امْتَنَعَ تَبَعًا لِلْوَلَدِ وَمَا ثَبَتَ تَبَعًا يَثْبُتُ بِشَرَائِطِ الْمَتْبُوعِ، وَلَوْ ثَبَتَ بِدُونِ الْوَلَدِ لَثَبَتَ ابْتِدَاءً وَالْقِيَاسُ يَنْفِيهِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا فِي حَالِ الْحَيَاةِ، وَأَمَّا فِي حَالَةِ الْمَوْتِ قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ فَإِذَا مَاتَ الْمُكَاتَبُ. وَقَدْ اشْتَرَاهَا مَعَ وَلَدِهَا فَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهِمَا لَكِنْ إنْ أَدَّى مَا عَلَى الْمُكَاتَبِ عِنْدَ الْمَوْتِ عَتَقَا، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهَا وَلَدٌ فَقَالَتْ أَنَا أُؤَدِّي جَمِيعَ الْمَالِ حَالًّا لَمْ يُقْبَلْ مِنْهَا وَلِلْمَوْلَى بَيْعُهَا عِنْدَ الْإِمَامِ وَفِي نَوَادِرِ بِشْرٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ مُكَاتَبٌ اشْتَرَى امْرَأَتَهُ فَدَخَلَ بِهَا وَوَلَدَتْ وَلَدًا بَعْدَ الشِّرَاءِ فَمَاتَ الْمُكَاتَبُ عَنْ غَيْرِ وَفَاءٍ فَالْوَلَدُ يَسْعَى فِيمَا عَلَى أَبِيهِ وَفِي الْمُضْمَرَاتِ، وَإِذَا مَاتَ الْوَلَدُ فِي حَيَاةِ الْمُكَاتَبِ، ثُمَّ مَاتَ الْمُكَاتَبُ فَإِنْ أَدَّتْ بَدَلَ الْكِتَابَةِ حِينَ مَوْتِهِ عَتَقَتْ وَإِلَّا رُدَّتْ فِي الرِّقِّ وَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهَا وَفِي الْهِدَايَةِ، وَإِذَا وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ مِنْ أَمَتِهِ دَخَلَ فِي كِتَابَتِهِ فَكَانَ حُكْمُهُ كَحُكْمِهِ وَكَسْبُهُ لَهُ وَفِي الْيَنَابِيعِ اشْتَرَى جَارِيَةً فَوَطِئَهَا فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَاعْتَرَفَ بِهِ، ثُمَّ مَاتَ عَنْهُ فَإِنْ تَرَكَ مَعَهُ أَبُوهُ وَلَدًا آخَرَ اشْتَرَكَا فِي الْكِتَابَةِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إذَا مَاتَ الْمُكَاتَبُ لَيْسَ لِلْمَوْلَى بَيْعُهُمْ وَلَا سِعَايَتُهُمْ فَإِنْ أَدَّى الْوَلَدُ الْمَوْلُودُ فِي الْكِتَابَةِ الْبَدَلَ عَتَقَ وَعَتِّقُوا جَمِيعًا وَإِنْ عَجَزَ رُدَّ فِي الرِّقِّ وَرُدُّوا فِي الرِّقِّ إلَّا أَنْ يَقُولُوا نَحْنُ نُؤَدِّي الْمَالَ السَّاعَةَ فَيُقْبَلُ ذَلِكَ مِنْهُمْ قَبْلَ قَضَاءِ الْقَاضِي لِعَجْزِ الْمَوْلُودِ فِي الْكِتَابَةِ وَإِنْ أَدَّى مَالَ الْكِتَابَةِ وَلِلْمُكَاتَبِ مَالٌ كَثِيرٌ كَانَ الْمَتْرُوكُ فِي قِيَاسِ قَوْلِ الْإِمَامِ لِلْمَوْلُودِ فِي الْكِتَابَةِ وَفِي قِيَاسِ قَوْلِ زُفَرَ يَرِثُونَ الْجَمِيعَ مِنْهُ وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَلَدَتْ مُكَاتَبَةٌ وَلَدًا فَاشْتَرَتْ وَلَدًا آخَرَ، ثُمَّ مَاتَتْ يَسْعَى الْمَوْلُودُ فِي الْكِتَابَةِ عَلَى النُّجُومِ وَمَا كَسَبَهُ الْوَلَدُ الْمُشْتَرَى أَخَذَهُ أَخُوهُ فَمَا أَدَّى مِنْ كِتَابَتِهِ وَمَا بَقِيَ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَلِلْمَوْلُودِ لَهُ أَنْ يُؤَاجِرَ الْمُشْتَرَى بِأَمْرِ الْقَاضِي وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا إلَّا الْمُشْتَرَى أَدَّى الْكِتَابَةَ حَالَ مَوْتِهَا حَالًّا وَإِلَّا رُدَّتْ فِي الرِّقِّ فِي قَوْلِ الْإِمَامِ، وَقَالَا كَسْبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَهُ خَاصَّةٌ وَيَسْعَيَانِ عَلَى النُّجُومِ وَإِنْ تَرَكَ الْوَلَدَ الْمُشْتَرَى دُونَ الْمَوْلُودِ فِي الْكِتَابَةِ يَسْعَى عَلَى نُجُومِهِ عَلَى قَوْلِهِمَا وَعَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ إمَّا أَنْ يُؤَدِّيَ حَالًّا أَوْ يُرَدَّ فِي الرِّقِّ اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (وَإِنْ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ مِنْ أَمَتِهِ تَكَاتَبَ عَلَيْهِ وَكَسْبُهُ لَهُ) ؛ لِأَنَّهُ بِالدَّعْوَةِ ثَبَتَ النَّسَبُ لَهُ فَيَتْبَعُهُ فِي الْكِتَابَةِ وَكَانَ كَسْبُ الْوَلَدِ لَهُ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ مَمْلُوكِهِ فَكَانَ كَسْبُهُ لَهُ، وَكَذَا لَوْ وَلَدَتْ الْمُكَاتَبَةُ وَلَدًا دَخَلَ فِي كِتَابَتِهَا كَمَا سَنَذْكُرُهُ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْمُكَاتَبَ لَا يَمْلِكُ التَّسَرِّي فَمِنْ أَيْنَ لَهُ وَلَدٌ مِنْ الْأَمَةِ حَتَّى يَدْخُلَ فِي الْكِتَابَةِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِنَا لَا يَمْلِكُ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْءُ أَمَةٍ لَكِنْ إنْ وَطِئَ وَادَّعَى النَّسَبَ ثَبَتَ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ جَارِيَةٌ بَيْنَ حُرٍّ وَمُكَاتَبٍ وَلَدَتْ وَلَدًا فَادَّعَاهُ الْمُكَاتَبُ قَالَ الْوَلَدُ وَلَدُهُ وَالْجَارِيَةُ أُمُّ وَلَدِهِ وَيَضْمَنُ نِصْفَ عُقْرِهَا وَنِصْفَ قِيمَتِهَا وَلَا يَضْمَنُ مِنْ قِيمَةِ الْوَلَدِ شَيْئًا؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ كَالْحُرِّ وَلَا يَضْمَنُ، وَلَوْ وَلَدَتْ الْمُكَاتَبَةُ مِنْ زَوْجِهَا دَخَلَ الْوَلَدُ فِي كِتَابَتِهَا؛ لِأَنَّ الْأَوْصَافَ الْغَارَّةُ الشَّرْعِيَّةُ فِي الْأُمَّهَاتِ كَالتَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ وَالْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ تَسْرِي إلَى الْأَوْلَادِ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ تَكَاتَبَ عَلَيْهِ لِيُفِيدَ أَنَّ الْأُمَّ لَمْ تَصِرْ مُكَاتَبَةً قَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ. فَإِنْ قُلْت إذَا ثَبَتَ لِلْوَلَدِ حَقِيقَةُ الْحُرِّيَّةِ يَثْبُتُ لِلْأُمِّ حَقُّهَا وَهُنَا ثَبَتَ لِلْوَلَدِ حَقُّ الْحُرِّيَّةِ فَيَسْعَى إنْ ثَبَتَ لِلْأُمِّ حَقُّهَا لِانْحِطَاطِ رُتْبَتِهَا عَنْ الْوَلَدِ قُلْت لِلْكِتَابَةِ أَحْكَامٌ مِنْهَا عَدَمُ جَوَازِ الْبَيْعِ فَثَبَتَ لِلْأُمِّ هَذَا الْحُكْمُ دُونَ الْكِتَابَةِ لِانْحِطَاطِ رُتْبَتِهَا فَإِنْ قُلْت لِمَ لَا تَصِيرُ مُكَاتَبَةً تَبَعًا لِلْوَلَدِ قُلْت؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ مَا وَرَدَ عَلَيْهَا وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ عَدَمَ وُرُودِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا لَا يَقْتَضِي أَنْ لَا تَصِيرَ مُكَاتَبَةً تَبَعًا لِلْوَلَدِ وَإِنَّمَا يَقْتَضِي أَنْ لَا تَصِيرَ مُكَاتَبَةً أَصَالَةً أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى أَبَاهُ وَابْنَهُ تَكَاتَبَ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَرِدُ الْعَقْدُ عَلَيْهِ فَالصَّوَابُ فِي الْجَوَابِ الثَّانِي عَنْ السُّؤَالِ أَنْ يُقَالَ إنَّهَا لَا تَصِيرُ مُكَاتَبَةً تَبَعًا لِلْوَلَدِ لِانْحِطَاطِ رُتْبَتِهَا عَنْ الْوَلَدِ وَفِي الْخَانِيَّةِ الْمُكَاتَبُ لَا يَمْلِكُ وَطْءَ أَمَتِهِ فَإِنْ وَطِئَهَا، ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ الْأَمَةُ يُؤَاخَذُ الْمُكَاتَبُ بِعُقْرِهَا فِي الْحَالِ وَفِي الزِّيَادَاتِ مُكَاتَبَانِ بَيْنَهُمَا جَارِيَةٌ جَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَيَاهُ ثَبَتَ النَّسَبُ مِنْهُمَا وَيَصِيرُ الْوَلَدُ مُكَاتَبًا مَعَهُمَا فَإِذَا أَدَّى أَحَدُهُمَا مَا عَلَيْهِ عَتَقَ لِوُجُودِ شَرْطِ الْعِتْقِ فِي حَقِّهِ وَعَتَقَ الْجُزْءُ مِنْ الْوَلَدِ تَبَعًا لَهُ وَبَقِيَ نَصِيبُ الْآخَرِ مُكَاتَبًا لِلْآخَرِ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَعِنْدَهُمَا إذَا أَدَّى أَحَدُهُمَا عَتَقَ فَحِينَ عِتْقِ نَصِيبِهِ مِنْ الْوَلَدِ عَتَقَ نَصِيبُ الثَّانِي مِنْ الْوَلَدِ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْوَلَدِ وَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهِ وَصَارَتْ الْجَارِيَةُ كُلُّهَا أُمَّ وَلَدِهِ وَعَلَيْهِ قِيمَةُ نَصِيبِ الْآخَرِ سَوَاءٌ كَانَ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا لَوْ قَالَ الْمُؤَلِّفُ دَخَلَ فِي كَاتَبْته كَمَا سَيَأْتِي كَانَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ تَكَاتَبَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ هَذَا أَقْوَى دُخُولًا مِنْ الْمُشْتَرَى فِي الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَهُ وَيَسْعَى عَلَى نُجُومِهِ وَالدُّخُولَ يُفِيدُ قُوَّةً عَلَى مُكَاتَبٍ قَيَّدَهُ كَمَا سَيَأْتِي. قَالَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 56 - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ زَوَّجَ عَبْدَهُ مِنْ أَمَتِهِ وَكَاتَبَهُمَا فَوَلَدَتْ دَخَلَ فِي كِتَابَتِهَا وَكَسْبُهُ لَهَا) ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُ الْأُمَّ فِي الْأَوْصَافِ الْحُكْمِيَّةِ فَكَانَ مُكَاتَبًا تَبَعًا لَهَا فَكَانَتْ أَحَقَّ بِكَسْبِهِ مِنْ الْأَبِ؛ لِأَنَّهُ جُزْؤُهَا فَصَارَ كَنَفْسِهَا وَهِيَ نَظِيرُ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَلَوْ قُتِلَ هَذَا الْوَلَدُ تَكُونُ قِيمَتُهُ لِلْأُمِّ دُونَ الْأَبِ لِمَا ذَكَرْنَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَبِلَا الْكِتَابَةَ عَلَى أَنْفُسِهِمَا وَعَلَى وَلَدِهِمَا الصَّغِيرِ فَقُتِلَ الْوَلَدُ حَيْثُ تَكُونُ قِيمَتُهُ بَيْنَهُمَا وَلَا تَكُونُ الْأُمُّ أَحَقَّ بِهِ؛ لِأَنَّ دُخُولَهُ فِي الْكِتَابَةِ هُنَا بِالْقَبُولِ عَنْهُ وَالْقَبُولَ وُجِدَ مِنْهُمَا فَلَا يَكُونُ أَحَدُهُمَا أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْهِدَايَةِ دَخَلَ فِي كِتَابَتِهِمَا وَكَسْبُهُ لَهُمَا وَالْأَوْجُهُ دَخَلَ فِي كِتَابَتِهِمَا؛ لِأَنَّ فَائِدَةَ الدُّخُولِ هُوَ الْكَسْبُ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ فِيهِ تَأَمُّلٌ إذْ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ فَائِدَتُهُ أَنْ يُعْتَقَ بِعِتْقِهِمَا سَوَاءٌ اكْتَسَبَ أَوْ لَا قِيلَ هَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ فَائِدَةَ دُخُولِ الْوَلَدِ فِي كِتَابَةِ الْأَبِ هُوَ كَوْنُ الْكَسْبِ لَهُ لَا غَيْرُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتْبَعُ الْأَبَ فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ فَتَأَمَّلْ وَعَدَلَ عَنْ قَوْلِهِ تَكَاتَبَ عَلَيْهَا إلَى قَوْلِهِ دَخَلَ فِي كِتَابَتِهَا لِيُفِيدَ أَنَّ هَذَا أَقْوَى حَالًا مِنْ الْمُشْتَرَى فِي الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ مَاتَ الْمُكَاتِبُ مُفْلِسًا سَعَى هَذَا فِي الْكِتَابَةِ عَلَى نُجُومِهَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (مُكَاتَبٌ أَوْ مَأْذُونٌ نَكَحَ بِإِذْنِ حُرَّةٍ بِزَعْمِهَا فَوَلَدَتْ فَاسْتُحِقَّتْ فَوَلَدُهَا عَبْدٌ) يَعْنِي لَوْ تَزَوَّجَ مُكَاتَبٌ أَوْ عَبْدٌ مَأْذُونٌ لَهُ فِي التِّجَارَةِ حُرَّةً بِزَعْمِهَا بِإِذْنِ الْمَوْلَى فَوَلَدَتْ فَاسْتَحَقَّتْ فَالْوَلَدُ رَقِيقٌ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِالْقِيمَةِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَالثَّانِي، وَقَالَ الثَّالِثُ وَلَدُهَا حُرٌّ بِالْقِيمَةِ يُعْطِيهَا لِلْمُسْتَحِقِّ فِي الْحَالِّ إذَا كَانَ تَزَوَّجَ بِإِذْنِ الْمَوْلَى، وَإِذَا كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهِ يُعْطِيهَا بَعْدَ الْعِتْقِ، ثُمَّ يَرْجِعُ هُوَ بِمَا ضَمِنَ مِنْ قِيمَةِ الْوَلَدِ عَلَى الْأَمَةِ الْمُسْتَحَقَّةِ بَعْدَ الْعِتْقِ إذَا كَانَتْ هِيَ الْغَارَّةُ لَهُ، وَكَذَا إذَا غَرَّهُ عَبْدٌ مَأْذُونٌ أَوْ غَيْرُ مَأْذُونٍ لَهُ فِي التِّجَارَةِ أَوْ مُكَاتَبٌ رَجَعَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْعِتْقِ فَلَا يَنْفُذُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى وَإِنْ غَرَّهُ حُرٌّ رَجَعَ عَلَيْهِ فِي الْحَالِّ، وَكَذَا لَوْ كَانَ مُكَاتَبًا، وَكَذَا حُكْمُ الْمَهْرِ فَإِنَّ الْمُسْتَحِقَّ يُرْجِعُ بِهِ فِي الْحَالِّ إنْ كَانَ التَّزَوُّجُ بِإِذْنِ الْمَوْلَى وَإِلَّا فَبَعْدَ الْحُرِّيَّةِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى أَحَدٍ بِالْمَهْرِ كَمَا عُلِمَ فِي مَوْضِعِهِ وَحُكْمُ الْغُرُورِ يَثْبُتُ بِالتَّزَوُّجِ دُونَ الْإِخْبَارِ بِأَنَّهَا حُرَّةٌ لِمُحَمَّدٍ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا رَغْبَةً لِحُرِّيَّةِ الْأَوْلَادِ مُعْتَمِدًا عَلَى قَوْلِهَا وَصَارَ مَغْرُورًا كَالْحُرِّ وَلَهُمَا أَنَّهُ مَوْلُودٌ بَيْنَ رَقِيقَيْنِ فَيَكُونُ رَقِيقًا؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُ الْأُمَّ فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَتُرِكَ هَذَا فِي الْحُرِّ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وَالْعَبْدُ لَيْسَ فِي مَعْنَى الْحُرِّ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمَوْلَى وَهُوَ الْمُسْتَحِقُّ فِي الْحُرِّ مَجْبُورٌ بِقِيمَةٍ وَاجِبَةٍ فِي الْحَالِّ وَفِي الْعَبْدِ بِقِيمَةٍ مُتَأَخِّرَةٍ إلَى مَا بَعْدَ الْعِتْقِ فَتَعَذَّرَ الْإِلْحَاقُ لِعَدَمِ الْمُسَاوَاةِ هَكَذَا ذَكَرُوا هُنَا، وَهَذَا مُشْكِلٌ جِدًّا؛ لِأَنَّ دَيْنَ الْعَبْدِ إذَا لَزِمَهُ بِسَبَبٍ أَذِنَ فِيهِ الْمَوْلَى يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى وَيُطَالَبُ بِهِ فِي الْحَالِّ وَالْمَذْكُورُ هَاهُنَا أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا بِإِذْنِ الْمَوْلَى وَإِنَّمَا يَسْتَقِيمُ هَذَا إذَا كَانَ التَّزَوُّجُ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى؛ فَلِأَنَّهُ لَا يَظْهَرُ الدَّيْنُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى فَلَا يَلْزَمُهُ الْمَهْرُ وَلَا قِيمَةُ الْوَلَدِ فِي الْحَالِّ وَيَشْهَدُ لِهَذَا الْمَعْنَى مَا سَنَذْكُرُهُ وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُكَاتَبَ ثَبَتَ لَهُ حُرِّيَّةُ الْيَدِ وَالْمَأْذُونَ فَكَّ السَّيِّدُ حَجْرَهُ فَثَبَتَ لَهُ مَا يَثْبُتُ لِلْحُرِّ وَأَعْطَيْنَاهُمَا حُكْمَ الْأَحْرَارِ وَلَمْ يَتَضَمَّنْ مَا أَذِنَ فِيهِ الْمَوْلَى بِالنِّكَاحِ فَتَوَقُّفُ صِحَّةِ ذَلِكَ عَلَى إذْنِهِ؛ لِأَنَّ التَّوَقُّفَ لِلْحِلِّ لَا لَأَنْ يَضْمَنَ ذَلِكَ السَّيِّدُ؛ لِأَنَّهُمَا صَارَا فِيهِ كَالْحُرِّ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ إذْنَ السَّيِّدِ فِيهِ تَنَاوَلَ الْبَيْعَ، وَلَوْ كَانَ فَاسِدًا فَافْتَرَقَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ بِزَعْمِهَا؛ لِأَنَّ الْمُكَاتِبَ لَوْ كَانَ عَالِمًا بِحَالِ الْمَرْأَةِ لَا يَصِيرُ مَغْرُورًا بِالْإِجْمَاعِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ وَطِئَ أَمَةً بِشِرَاءٍ فَاسْتُحِقَّتْ أَوْ بِشِرَاءٍ فَاسِدٍ فَرُدَّتْ فَالْعُقْرُ فِي الْمُكَاتَبَةِ) كَمَا لَوْ اشْتَرَى الْمُكَاتَبُ أَمَةً شِرَاءً فَاسِدًا فَوَطِئَهَا، ثُمَّ رَدَّهَا بِحُكْمِ الْفَسَادِ عَلَى الْبَائِعِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْعُقْرُ فِي الْحَالِ، وَكَذَا الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ وَالتَّصَرُّفَ تَارَةً يَقَعُ صَحِيحًا وَتَارَةً فَاسِدًا وَالْكِتَابَةُ وَالْإِذْنُ يَنْتَظِمَانِ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ بِنَوْعَيْهِمَا فَكَانَا مَأْذُونَيْنِ فِيهِمَا كَالْوَكِيلِ بِهِمَا فَيَظْهَرُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى فَيُؤَاخَذُ بِهِ فِي الْحَالِّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ بِنِكَاحٍ أُخِذَ بِهِ مُذْ عَتَقَ) يَعْنِي لَوْ تَزَوَّجَ الْمُكَاتَبُ امْرَأَةً بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى فَوَطِئَهَا يُؤَاخَذُ بِالْعُقْرِ بَعْدَ الْعِتْقِ، وَكَذَا الْمَأْذُونُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّ التَّزَوُّجَ لَهُ لَيْسَ مِنْ الِاكْتِسَابِ وَلَا مِنْ التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ كَالْكَفَالَةِ فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى فَلَا يُؤَاخَذُ بِهِ فِي الْحَالِّ بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى أَمَةً فَوَطِئَهَا فَاسْتُحِقَّتْ حَيْثُ يُؤَاخَذُ بِالْعُقْرِ فِي الْحَالِّ وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ وَجَبَ الْعُقْرُ بِاعْتِبَارِ شُبْهَةِ النِّكَاحِ وَذَلِكَ لَيْسَ مِنْ التِّجَارَةِ فِي شَيْءٍ وَلَا مِنْ الْكَسْبِ وَلَا يَتَنَاوَلُ الْإِذْنَ وَلَا عَقْدَ الْكِتَابَةِ فَيُؤَخَّرُ مَا وَجَبَ فِيهِ إلَى مَا بَعْدَ الْعِتْقِ لِعَدَمِ وِلَايَةِ الْتِزَامِهِ بِهَذِهِ الطَّرِيقِ وَفِي الْأَصْلِ إذَا وَقَعَ الْمُكَاتَبُ عَلَى امْرَأَةٍ كَانَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 57 عَلَيْهِ الْحَدُّ. وَهَذَا ظَاهِرٌ فَإِنْ ادَّعَى شُبْهَةً فَسَقَطَ عَنْهُ الْحَدُّ فَإِذَا سَقَطَ الْحَدُّ وَجَبَ الْعُقْرُ كَمَا فِي الْحُرِّ، ثُمَّ يُؤَاخَذُ بِهَذَا الْمَهْرِ فِي الْحَالِ وَلَا يَتَأَخَّرُ إلَى مَا بَعْدَ الْعِتْقِ وَإِنْ كَانَتْ مُطَاوَعَةً لَا يُؤَاخَذُ بِالْمَهْرِ لِلْحَالِّ وَنَظِيرُ هَذَا مَا قَالُوا فِي الْمَجْنُونِ إذَا وَقَعَ عَلَى امْرَأَةٍ فَوَطِئَهَا فَإِنْ كَانَتْ مُكْرَهَةً فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْمَهْرُ وَإِنْ كَانَتْ مُطَاوَعَةً لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْمَهْرُ هَذَا إذَا ادَّعَى نِكَاحًا وَأَنْكَرَتْ فَإِنْ صَدَّقَتْهُ لَا يُؤَاخَذُ بِالْمَهْرِ فِي الْحَالِ سَوَاءٌ كَانَتْ مُكْرَهَةً أَوْ مُطَاوَعَةً. [فَصْلٌ وَلَدَتْ مُكَاتَبَةٌ مِنْ سَيِّدِهَا] (فَصْلٌ) ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسَائِلَ فِي فَصْلٍ عَلَى حِدَةٍ لِاخْتِصَاصِهَا بِأَحْكَامٍ تُخَالِفُ مَا سَبَقَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَدَتْ مُكَاتَبَةٌ مِنْ سَيِّدِهَا مَضَتْ عَلَى كِتَابَتِهَا أَوْ عَجَزَتْ وَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ) ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَمَّا ادَّعَاهُ صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ مِنْهُ فَتَلْقَاهَا جِهَتَا حُرِّيَّةٍ عَاجِلَةٍ بِبَدَلٍ وَهِيَ الْكِتَابَةُ وَآجِلَةٍ بِغَيْرِ بَدَلٍ وَهِيَ أُمُومِيَّةُ الْوَلَدِ فَتَخْتَارُ أَيَّهمَا شَاءَتْ وَلَا يُحْتَاجُ إلَى تَصْدِيقِهَا؛ لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ لَهُ رَقَبَةً بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَى وَلَدُ جَارِيَةِ الْمُكَاتَبَةِ حَيْثُ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ الْمَوْلَى إلَّا بِتَصْدِيقِ الْمُكَاتَبَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ حَقِيقَةً فِي مِلْكِ الْمُكَاتَبَةِ وَإِنَّمَا لَهُ حَقُّ الْمِلْكِ فَيَحْتَاجُ فِيهِ إلَى تَصْدِيقِهَا فَإِذَا مَضَتْ عَلَى الْكِتَابَةِ أَخَذَتْ عُقْرَهَا مِنْ سَيِّدِهَا، وَإِذَا مَاتَ الْمَوْلَى عَتَقَتْ بِالِاسْتِيلَادِ وَسَقَطَ عَنْهَا مَالُ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ حَصَلَ لَهَا بِغَيْرِ بَدَلٍ بِالِاسْتِيلَادِ، وَقَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ فَإِنْ قُلْت يَنْبَغِي أَنْ لَا يَسْقُطَ عَنْهَا؛ لِأَنَّ الِاكْتِسَابَ تُسُلِّمَ لَهَا، وَكَذَا أَوْلَادُهَا الَّتِي اشْتَرَاهَا بَعْدَ الْكِتَابَةِ، وَهَذَا آيَةُ بَقَاءِ الْكِتَابَةِ قُلْنَا الْكِتَابَةُ تُشْبِهُ الْمُعَاوَضَةَ وَبِالنَّظَرِ إلَى ذَلِكَ لَا يَسْقُطُ الْبَدَلُ وَتُشْبِهُ الشَّرْطَ وَبِالنَّظَرِ إلَيْهِ يَسْقُطُ قُلْنَا بِسَلَامَةِ الِاكْتِسَابِ عَمَلًا بِجِهَةِ الْمُعَاوَضَةِ وَقُلْنَا بِسُقُوطِ الْبَدَلِ عَمَلًا بِجِهَةِ الشَّرْطِ وَرُدَّ بِأَنَّهُ قَدْ تَقَرَّرَ مِرَارًا أَنَّ الْعَمَلَ بِالشَّبَهَيْنِ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِيمَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْجِهَتَيْنِ وَهُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ جِهَةَ كَوْنِ الْكِتَابَةِ مُعَاوَضَةً تَسْتَلْزِمُ عَدَمَ سُقُوطِ الْبَدَلِ وَجِهَةَ كَوْنِهِ شَرْطًا يَسْتَلْزِمُ السُّقُوطَ وَالسُّقُوطُ وَعَدَمُهُ مُتَنَافِيَانِ قَطْعًا لَا يُمْكِنُ اجْتِمَاعُهُمَا فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ وَتَنَافِي اللَّازِمَيْنِ يُوجِبُ تَنَافِي الْمَلْزُومَيْنِ فَلَا يُمْكِنُ اجْتِمَاعُهُمَا. وَالصَّوَابُ فِي الْجَوَابِ أَنَّهُ إنَّمَا سَلَّمَ لَهَا الْبَدَلَ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ انْفَسَخَتْ فِي حَقِّ الْبَدَلِ وَبَقِيَتْ فِي حَقِّ الِاكْتِسَابِ وَالْأَوْلَادِ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ لِلنَّظَرِ لَهُمَا وَالنَّظَرُ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ وَإِنْ مَاتَتْ وَتَرَكَتْ مَا لَا يُؤَدَّى كِتَابَتُهَا مِنْهُ وَمَا بَقِيَ لِوَلَدِهَا مِيرَاثًا؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ عِتْقُهَا فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهَا وَإِنْ لَمْ تَتْرُكْ مَالًا فَلَا سِعَايَةَ عَلَى الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ وَإِنْ وَلَدَتْ وَلَدًا آخَرَ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ مِنْ غَيْرِ دَعْوَى لِحُرْمَةِ وَطْئِهَا عَلَيْهِ وَوَلَدَ أُمِّ الْوَلَدِ إنَّمَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ غَيْرِ دَعْوَى إذَا كَانَ وَطْؤُهَا حَلَالًا، وَإِذَا عَجَزَتْ نَفْسُهَا وَوَلَدَتْ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَدًا فِي مُدَّةٍ يُمْكِنُ الْعُلُوقُ بَعْدَ التَّعْجِيزِ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ غَيْرِ دَعْوَى إلَّا إذَا نَفَاهُ صَرِيحًا، وَلَوْ لَمْ يَدَّعِ الْوَلَدَ الثَّانِي وَمَاتَتْ مِنْ غَيْرِ وَفَاءٍ سَعَى هَذَا الْوَلَدُ فِي بَدَلِ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهُ مُكَاتَبٌ تَبَعًا لَهَا، وَلَوْ مَاتَ الْمَوْلَى بَعْدَ ذَلِكَ عَتَقَ وَبَطَلَ عَنْهُ السِّعَايَةُ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ أُمِّ الْوَلَدِ وَأَطْلَقَ فِي قَوْلِهِ مُكَاتَبَةٌ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَتْ مُفْرَدَةً بِالْعَقْدِ أَوْ مُكَاتَبَةً مَعَ أُخْرَى وَمَا ذَكَرَهُ خَاصٌّ بِالْأُولَى. قَالَ فِي الْمُحِيطِ رَجُلٌ كَاتَبَ جَارِيَتَيْنِ مُكَاتَبَةً وَاحِدَةً، ثُمَّ اسْتَوْلَدَ أَحَدَهُمَا فَالْوَلَدُ حُرٌّ وَالْأُمُّ مُكَاتَبَةٌ كَمَا كَانَتْ وَلَا خِيَارَ لَهَا؛ لِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ حَصَلَ فِي مِلْكِهِ فَعَلِقَ حُرًّا وَإِنَّمَا قُلْنَا لَا خِيَارَ لَهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ رَدُّهَا إلَى الرِّقِّ بِدُونِ الْأُخْرَى، وَلَوْ وَلَدَتْ إحْدَاهُمَا بِنْتًا فَاسْتَوْلَدَ الْمَوْلَى الْبِنْتَ صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَالْوَلَدُ حُرٌّ بِغَيْرِ الْقِيمَةِ وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَعْجِزَ نَفْسَهَا وَتُبْطِلَ الْكِتَابَةَ؛ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِأُمِّهَا، وَإِذَا تَعَذَّرَ فَسْخُ الْكِتَابَةِ تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ اهـ. فَلَوْ قَالَ بِعَقْدٍ مُفْرَدٍ لَسَلِمَ وَفِي الْمَبْسُوطِ إذَا ادَّعَى الْمَوْلَى حَبَلَ الْمُكَاتَبَةِ فَضَرَبَ إنْسَانٌ بَطْنَهَا بَعْدَ ذَلِكَ بِيَوْمٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا فَإِنَّ فِي الْوَلَدِ غُرَّةً لِأَبِيهِ؛ لِأَنَّهُ عَتَقَ بِدَعْوَتِهِ فَكَانَ مِيرَاثًا لَهُ وَلَا تَرِثُ شَيْئًا، وَلَكِنَّهَا تَأْخُذُ الْعُقْرَ إنْ اخْتَارَتْ الْمُضِيَّ عَلَى الْمُكَاتَبَةِ اهـ. فَلَوْ قَالَ: وَلَوْ ادَّعَى حَبَلَهَا فَضَرَبَ آخَرُ بَطْنَهَا فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا مَضَتْ إلَى آخِرِهِ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يَعْلَمُ حُكْمَ مَا إذَا وَلَدَتْهُ فَادَّعَاهُ بِالْأَوْلَى وَفِي الْمَبْسُوطِ أَيْضًا وَلَدَتْ مُكَاتَبَةٌ مِنْ مَوْلَاهَا، ثُمَّ أَقَرَّ الْمَوْلَى أَنَّهَا أَمَةٌ لِفُلَانٍ لَمْ يُصَدَّقْ وَإِنْ صَدَّقَتْهُ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ حَقَّ أُمُومِيَّةِ الْوَلَدِ قَدْ ثَبَتَ لَهَا فَلَا يُصَدَّقَانِ فِي إبْطَالِهَا فَإِنْ قَالَ الْمُدَّعِي بِعْتهَا مِنْك بِأَلْفٍ وَلَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ، وَقَالَ الْمَوْلَى زَوَّجَتْنِي وَالْأَمَةُ مَعْرُوفَةٌ لِلْمُدَّعِي فَعَلَى الْمَوْلَى الْمَهْرُ لِمُسْتَوْفِيهِ قِصَاصًا مِنْ الثَّمَنِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ قِيمَةٌ فِي الْأُمِّ وَلَا فِي الْوَلَدِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَعْرُوفَةً أَنَّهَا لِلْمُدَّعِي ضَمِنَ الْقِيمَةَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَنْكَرَ الْبَيْعَ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ اسْتِرْدَادِهَا فَيَضْمَنُ قِيمَتَهَا بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ بِاَللَّهِ مَا اشْتَرَاهَا مِنْهُ بِمَا يَدَّعِيهِ مِنْ الثَّمَنِ اهـ. وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ مُكَاتَبَةٌ مِنْ سَيِّدِهَا لِيَحْتَرِزَ عَنْ أَمَةِ الْمُكَاتَبِ فَإِنْ صَدَّقَهُ ثَبَتَ النَّسَبُ وَيَضْمَنُ قِيمَةَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 58 الْوَلَدِ وَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْوِلَادَةِ هَذَا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ حِينِ اشْتَرَاهَا فَلَوْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ فَادَّعَاهُ الْمَوْلَى لَا تَصِحُّ دَعْوَتُهُ، وَكَذَا إذَا اشْتَرَى الْمُكَاتَبُ غُلَامًا مِنْ السُّوقِ لَا تَصِحُّ دَعْوَتُهُ إلَّا بِتَصْدِيقِ الْمُكَاتَبِ عَبْدًا كَاتَبَهُ وَكَاتَبَ الْعَبْدُ أَمَةً، ثُمَّ وَلَدَتْ الْمُكَاتَبَةُ وَلَدًا فَادَّعَاهُ مَوْلَى الْمُكَاتَبِ فَالْمَسْأَلَةُ عَلَى وُجُوهٍ إمَّا أَنْ يُصَدِّقَاهُ فِي ذَلِكَ أَوْ يُكَذِّبَاهُ أَوْ صَدَّقَهُ أَحَدُهُمَا وَكَذَّبَهُ الْآخَرُ فَإِنْ جَاءَتْ بِالْوَلَدِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ فَصَدَّقَاهُ فِي ذَلِكَ أَوْ صَدَّقَهُ الْمُكَاتَبُ ثَبَتَ النَّسَبُ مِنْهُ وَإِنْ كَذَّبَاهُ فِي ذَلِكَ أَوْ كَذَّبَتْهُ الْمُكَاتَبَةُ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ وَالْعِبْرَةُ هُنَا بِتَصْدِيقِ الْمُكَاتَبَةِ دُونَ الْمُكَاتَبِ وَالْعِبْرَةُ فِيمَا تَقَدَّمَ لِتَصْدِيقِ الْمُكَاتَبِ دُونَ الْمُكَاتَبَةِ وَيَجِبُ الْعُقْرُ لَهَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ كَاتَبَ أُمَّ وَلَدِهِ أَوْ مُدَبَّرِهِ صَحَّ) ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ ثَابِتٌ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَإِنْ كَانَتْ أُمُّ الْوَلَدِ غَيْرَ مُتَقَوِّمَةٍ عِنْدَ الْإِمَامِ وَعَقْدُ إثْبَاتِ هَذِهِ الْمُكَاتَبَةِ لَهَا بِالْبَدَلِ؛ وَلِأَنَّ مِلْكَهُ فِيهَا مُحْتَرَمٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَقَوِّمًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَكَانَ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ كَالْقِصَاصِ وَعَقَدِ الْكِتَابَةَ لِيَرُدَّ عَلَى الْمَمْلُوكِ لِحَاجَتِهِ إلَى التَّوَصُّلِ إلَى مِلْكِ السَّيِّدِ فِي الْحَالِّ وَالْحُرِّيَّةِ فِي الْمَآلِ وَأُمُّ الْوَلَدِ فِي هَذَا كَغَيْرِهَا؛ لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ يَدًا وَرَقَبَةً فَإِنَّهَا تَمْلِكُ مَا يَمْلِكُهُ الْمُكَاتَبُ فِي الْحَالِّ وَالْمَآلِ وَكَسْبُهَا لِلْوَلِيِّ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَا تَنَافِي بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهَا تَتَلَقَّاهَا جِهَتَا حُرِّيَّةٍ قَالَ صَاحِبُ الْغِيَاثِيَّةِ لَا يُقَالُ أَحَدُهُمَا يَقْتَضِي الْعِتْقَ بِبَدَلٍ وَالْآخَرُ بِلَا بَدَلٍ وَالْعِتْقُ لَا يَثْبُتُ لَهُمَا فَكَانَا مُتَنَافِيَيْنِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَا تَنَافِي بَيْنَهُمَا لِكَوْنِهِمَا جِهَتِي عِتْقٍ تَلْقَاهَا عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ وَعُورِضَ بِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ الْوَحْدَةَ الشَّخْصِيَّةَ فَغَيْرُ مُسَلَّمٍ كَيْفَ وَفِي الْعِتْقِ بِالْكِتَابَةِ تُسَلَّمُ لَهَا الْأَكْسَابُ وَإِنْ أَرَادَ النَّوْعِيَّةَ فَلَا تَنَافِي وَفِي الْمُحِيطِ وَمَنْ كَاتَبَ أُمَّ وَلَدِهِ عَلَى خِدْمَتِهَا أَوْ رَقَبَتِهَا جَازَ فَأَرَادَ بِقَوْلِهِ عَلَى خِدْمَتِهَا وَرَقَبَتِهَا أَنْ تَصِيرَ أَحَقَّ بِخِدْمَتِهَا أَوْ رَقَبَتِهَا بِأَنْ كَاتَبَهَا بِأَلْفٍ عَلَى أَنْ تَصِيرَ أَحَقَّ بِخِدْمَتِهَا أَوْ بِرَقَبَتِهَا فَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الْخِدْمَةِ بِدُونِ الْمُدَّةِ لَا يَصِحُّ، وَكَذَا الرَّقَبَةُ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ تَكُونَ بَدَلًا؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ الْوَاحِدَ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا وَمُبْدَلًا، وَلَوْ وَطِئَهَا بَعْدَمَا كَاتَبَهَا يَجِبُ الْعُقْرُ؛ لِأَنَّ الْعُقْرَ وَالْأَرْشَ بِمَنْزِلَةِ الْكَسْبِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَتَقَتْ مَجَّانًا بِمَوْتِهِ) أَيْ عَتَقَتْ بِمَوْتِ الْمَوْلَى بِغَيْرِ شَيْءٍ يَلْزَمُهَا وَسَقَطَ عَنْهَا بَدَلُ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهَا عَتَقَتْ بِالِاسْتِيلَادِ وَتُسَلَّمُ لَهَا الْأَوْلَادُ وَالْأَكْسَابُ؛ لِأَنَّهَا عَتَقَتْ وَهِيَ مُكَاتَبَةٌ وَمِلْكَهُ يَمْنَعُ مِنْ ثُبُوتِ مِلْكِ الْغَيْرِ فَصَارَ فِيهِ كَمَا إذَا أَعْتَقَهَا الْمَوْلَى فِي حَالِ حَيَاتِهِ وَلَئِنْ انْفَسَخَتْ الْكِتَابَةُ فِي حَقِّهَا بَقِيَتْ الْحُرِّيَّةُ فِي حَقِّ الْأَوْلَادِ وَالْأَكْسَابُ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ لِلنَّظَرِ وَالنَّظَرُ فِيمَا ذَكَرْنَا، وَلَوْ أَدَّتْ الْبَدَلَ قَبْلَ مَوْتِ الْمَوْلَى عَتَقَتْ بِالْكِتَابَةِ كَبَقَائِهَا إلَى وَقْتِ الْأَدَاءِ وَبِالْأَدَاءِ تَقَرَّرَ وَلَا يَبْطُلُ قَالَ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ النَّظَرُ فِي إيفَاءِ حَقِّهَا وَحَقُّهَا حَصَلَ لَا فِي إبْطَالِ حَقِّ الْغَيْرِ؛ لِأَنَّ الْكَسْبَ حَصَلَ لَهَا قَبْلَ مَوْتِ الْمَوْلَى وَكَلَامَنَا فِيهِ وَلَمْ يُعْتَقْ قَبْلَ مَوْتِ الْمَوْلَى، بَلْ حِينَئِذٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْكَسْبُ لِلْمَوْلَى لَا لَهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَسَعَى الْمُدَبَّرُ فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ أَوْ كُلِّ الْبَدَلِ بِمَوْتِهِ فَقِيرًا) يَعْنِي لَوْ مَاتَ مِنْ كِتَابَةٍ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ أَنْ يَسْعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ أَوْ جَمِيعِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ، وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ، وَقَالَ الثَّانِي يَسْعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْهُمَا، وَقَالَ الثَّالِثُ يَسْعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْ ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ وَثُلُثَيْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ فَالْخِلَافُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ فِي الْخِيَارِ وَفِي الْمِقْدَارِ. وَأَبُو يُوسُفَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ مَعَ الْمِقْدَارِ وَمَعَ مُحَمَّدٍ فِي نَفْيِ الْخِيَارِ وَالْكَلَامُ فِي الْخِيَارِ مَبْنِيٌّ عَلَى تَجَزُّؤِ الْإِعْتَاقِ وَعَدَمِهِ فَعِنْدَهُ لَمَّا كَانَ مُتَجَزِّئًا بَقِيَ مَا وَرَاءَ الثُّلُثِ عَبْدًا وَبَقِيَتْ الْكِتَابَةُ فِيهِ كَمَا كَانَتْ قَبْلَ عِتْقِ الثُّلُثِ فَتَوَجَّهَ لِعِتْقِهِ جِهَتَانِ كِتَابَةٌ مُؤَجَّلَةٌ وَسِعَايَةٌ مُعَجَّلَةٌ فَيَتَخَيَّرُ لِلتَّفَاوُتِ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ، وَعِنْدَهُمَا الْعِتْقُ لَا يَتَجَزَّأُ؛ لِأَنَّهُ عَتَقَ كُلُّهُ بِعِتْقِ ثُلُثِهِ فَبَطَلَتْ الْكِتَابَةُ فَلَمْ يَثْبُتْ الْخِيَارُ وَالدَّلِيلُ مَا مَرَّ فِي كِتَابِ الْعِتْقِ وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْإِعْتَاقَ لَمَّا لَمْ يَتَجَزَّأْ عِنْدَهُمَا لَمَّا عَتَقَ ثُلُثُهُ عَتَقَ كُلُّهُ فَانْفَسَخَتْ الْكِتَابَةُ فَوَجَبَتْ السِّعَايَةُ فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ لَا غَيْرَ وَأُجِيبَ بِأَنَّا قَدْ حَكَمْنَا بِصِحَّةِ الْكِتَابَةِ نَظَرًا لَهَا فَيَقْبِضَاهَا كَذَلِكَ فَلَرُبَّمَا يَكُونُ لَهَا أَقَلُّ فَيَحْصُلُ النَّظَرُ بِوُجُوبِهِ لَهَا، وَأَمَّا الْمِقْدَارُ فَعِنْدَهُمَا لَا يَسْقُطُ عَنْهُ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ شَيْءٌ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَسْقُطُ عَنْهُ ثُلُثُهُ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ صَادَفَتْ ثُلُثَهُ وَعَتَقَ ثُلُثُهُ بِالتَّدْبِيرِ فَيَبْطُلُ مَا بِإِزَائِهِ مِنْ الْبَدَلِ وَلَهُمَا أَنَّ الْمَالَ قُوبِلَ بِمَا تَصِحُّ مُقَابَلَتُهُ بِهِ وَبِمَا لَا تَصِحُّ فَانْصَرَفَ كُلُّهُ إلَى مَا لَا تَصِحُّ وَالتَّدْبِيرُ يُوجِبُ اسْتِحْقَاقَ ثُلُثِ رَقَبَتِهِ لَا مَحَالَةَ فَلَا يُتَصَوَّرُ اسْتِحْقَاقُهُ بِالْكِتَابَةِ. وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ دَبَّرَ مُكَاتَبَتَهُ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ هُنَاكَ مُقَابَلٌ بِكُلِّ الرَّقَبَةِ إنْ لَمْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 59 يُسْتَحَقَّ شَيْءٌ مِنْ الرَّقَبَةِ عِنْدَ الْكِتَابَةِ فَإِذَا أَعْتَقَ بَعْضَ الرَّقَبَةِ نَفَذَ ذَلِكَ بِالتَّدْبِيرِ وَسَقَطَ حِصَّتُهُ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ بِقَدْرِهِ أَمَّا هُنَا فَالْكِتَابَةُ وَقَعَتْ بَعْدَ التَّدْبِيرِ وَمَالِيَّةُ الثُّلُثِ قَدْ سَقَطَتْ فَكَانَ الْبَدَلُ بِأَدَاءِ الثُّلُثَيْنِ ضَرُورَةً وَلَيْسَ هَذَا كَمَا إذَا أَدَّى فِي حَيَاتِهِ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الثُّلُثِ قَدْ سَقَطَ بِالتَّدْبِيرِ وَفِي الْمَبْسُوطِ لَوْ كَاتَبَ عَبْدَهُ الْمَأْذُونَ الْمَدْيُونَ فَلِلْغُرَمَاءِ بَعْضُهَا؛ لِأَنَّهَا تَضَمَّنَتْ إبْطَالَ حَقِّهِمْ فَإِذَا أَخَذَ الْمَوْلَى الْكِتَابَةَ، ثُمَّ عَلِمُوا فَلَهُمْ أَخْذُهَا مِنْ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ كَسْبُ عَبْدٍ مَأْذُونٍ وَمَدْيُونٍ وَالْغُرَمَاءَ أَحَقُّ بِأَكْسَابِهِ قَبْلَ الْكِتَابَةِ فَكَذَا بَعْدَهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ ضَرَبَ عَلَى عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ الْمَدْيُونِ ضَرِيبَةَ مَالٍ صَحَّ وَمَا يَأْخُذُ الْمَوْلَى مِنْ الضَّرِيبَةِ مُسَلَّمٌ لَهُ؛ لِأَنَّ الضَّرِيبَةَ بَدَلُ الْمَنْفَعَةِ وَلِلْمَوْلَى أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْمَنْفَعَةَ بِالِاسْتِخْدَامِ فَكَذَا لَهُ الضَّرِيبَةُ بَدَلًا عَنْهُ وَإِنْ بَقِيَ مِنْ دَيْنِهِمْ شَيْءٌ ضَمِنَ لَهُ الْمَوْلَى قِيمَتَهُ وَيَسْعَى فِي بَقِيَّةِ دَيْنِهِمْ. وَلَا يَرْجِعُ الْمَوْلَى عَلَى الْعَبْدِ بِمَا أَدَّى. وَكَذَا لَوْ قَضَى الْمَوْلَى دَيْنَهُمْ جَازَتْ الْكِتَابَةُ وَلَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْعَبْدِ بِمَا أَدَّى مِنْ دَيْنِهِمْ أَمَةً مَأْذُونَةً فِي التِّجَارَةِ وَعَلَيْهَا دَيْنٌ فَوَلَدَتْ فَكَاتَبَ السَّيِّدُ الْوَلَدَ وَعَتَقَهُ فَلِلْغُرَمَاءِ رَدُّ الْكِتَابَةِ وَفِي الْعِتْقِ يَضْمَنُ الْمَوْلَى قِيمَةَ الْوَلَدِ. [دَبَّرَ مُكَاتَبَهُ] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ دَبَّرَ مُكَاتَبَهُ صَحَّ) ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ تَنْجِيزَ الْعِتْقِ فَيَمْلِكُ التَّعْلِيقَ بِشَرْطٍ، وَهَذَا التَّصَرُّفُ نَافِعٌ لَهُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَمُوتَ الْمَوْلَى قَبْلَ أَدَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ فَيَعْتِقُ مَجَّانًا أَوْ يَعْجِزُ عَنْ أَدَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ فَيَبْقَى مُدَبَّرًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ عَجَزَ بَقِيَ مُدَبَّرًا لِوُجُودِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ لَهُ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَّا سَعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ أَوْ ثُلُثَيْ الْبَدَلِ بِمَوْتِهِ مُعْسِرًا) يَعْنِي إنْ لَمْ يَعْجِزْ وَمَاتَ الْمَوْلَى مُعْسِرًا فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَسْعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ أَوْ ثُلُثَيْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَقَالَا يَسْعَى فِي الْأَقَلُّ مِنْهُمَا فَالْخِلَافُ فِي الْخِيَارِ مَبْنِيٌّ عَلَى تَجَزُّؤِ الْإِعْتَاقِ وَعَدَمِهِ، وَقَدْ مَرَّ بَيَانُهُ، وَأَمَّا الْمِقْدَارُ هُنَا فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ بَدَلَ الْكِتَابَةِ مُقَابَلٌ بِكُلِّ الرَّقَبَةِ إنْ لَمْ يُسْتَحَقَّ شَيْءٌ مِنْ الْحُرِّيَّةِ قَبْلَ ذَلِكَ فَإِذَا عَتَقَ بَعْضُ الرَّقَبَةِ مَجَّانًا بَعْدَ ذَلِكَ سَقَطَتْ حِصَّتُهُ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا تَقَدَّمَ بِالتَّدْبِيرِ؛ لِأَنَّهُ سَلَّمَ لَهُ تَدْبِيرَ الثُّلُثَيْنِ فَيَكُونُ بَدَلُ الْكِتَابَةِ مُقَابِلًا لِمَا لَمْ يُسَلَّمْ وَهُوَ الثُّلُثُ عَلَى مَا بَيَّنَّا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَعْتَقَ مُكَاتَبَهُ عَتَقَ) ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ قَائِمٌ فِيهِ وَهُوَ الشَّرْطُ لِنُفُوذِ الْعِتْقِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَسَقَطَ بَدَلُ الْكِتَابَةِ) ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ لِيَحْصُلَ الْعِتْقُ، وَقَدْ حَصَلَ بِدُونِهِ، وَكَذَا الْمَوْلَى كَانَ يَسْتَحِقُّهُ مُقَابَلًا بِالتَّحْرِيرِ، وَقَدْ فَاتَ ذَلِكَ بِالْإِعْتَاقِ مَجَّانًا وَالْكِتَابَةُ وَإِنْ كَانَتْ لَازِمَةً مِنْ جَانِبِ الْمَوْلَى لَكِنَّهَا تُفْسَخُ بِالتَّرَاضِي بِالْإِجْمَاعِ، وَقَدْ وُجِدَ مِنْ الْمَوْلَى بِالْإِقْدَامِ عَلَى الْعِتْقِ وَمِنْ الْعَبْدِ بِحُصُولِ غَرَضِهِ بِلَا عِوَضٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ كَاتَبَهُ عَلَى أَلْفٍ مُؤَجَّلَةٍ فَصَالَحَهُ عَلَى نِصْفِ حَالٍّ صَحَّ) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ؛ لِأَنَّهُ اعْتِيَاضٌ عَنْ أَجَلٍ وَهُوَ لَيْسَ بِمَالٍ وَالدَّيْنَ مَالٌ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ مِثْلُهُ بَيْنَ الْحُرَّيْنِ وَلَا فِي مُكَاتَبِ الْغَيْرِ وَإِنْ لَمْ يَجُزْ كَانَ رِبًا وَذَلِكَ فِي عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ غَيْرُ جَائِزٍ وَعَقْدُ الْمُكَاتَبَةِ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ لَا يَنْتَقِضُ بِالْمَهْرِ وَالطَّلَاقِ الْمُقَابَلِ بِالْمَالِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ بِالنَّصِّ، وَكَذَا أَنْ تَقُولَ قَوْلُهُ وَالدَّيْنُ مَالٌ مَنْقُوضٌ بِقَوْلِهِ لَوْ حَلَفَ بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَالٌ وَلَهُ دَيْنٌ عَلَى مَلِيءٍ أَوْ مُعْسِرٍ لَمْ يَحْنَثْ إلَّا أَنْ يُقَالَ ذَلِكَ فِي الْأَيْمَانِ فَتَأَمَّلْ وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْأَجَلَ فِي حَقِّ الْمُكَاتَبِ مَالٌ مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْأَدَاءِ إلَّا بِهِ فَأَعْطَى لَهُ حُكْمَ الْمَالِ وَبَدَلَ الْكِتَابَةِ مِنْ وَجْهٍ غَيْرَ مَالٍ حَتَّى لَا تَصِحَّ الْكَفَالَةُ بِهِ فَاعْتَدَلَا بِخِلَافِ الْعَقْدِ بَيْنَ الْحُرَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ مِنْ وَجْهٍ فَكَانَ رِبًا؛ وَلِأَنَّ الصُّلْحَ أَمْكَنَ جَعْلُهُ فَسْخًا لِلْكِتَابَةِ السَّابِقَةِ وَتَجْدِيدَ الْعَقْدِ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ حَالَّةٍ قَالَ بَعْضُ الْأَفَاضِلِ فِي قَوْلِهِ الْأَجَلُ فِي حَقِّ الْمُكَاتَبِ مَالٌ فِيهِ مُنَاقَشَةٌ ظَاهِرَةٌ إذْ قَدْ سَبَقَ أَنَّ الِاسْتِقْرَاضَ جَائِزٌ وَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ صَحَّتْ الْكِتَابَةُ حَالًّا وَأَقُولُ: هَذِهِ الْمُنَاقَشَةُ إنَّمَا تُظْهِرُ أَنْ لَوْ أَرَادُوا نَفْيَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْأَدَاءِ إلَّا بِهِ نَفْيَ الْقُدْرَةِ الْمُمَكِّنَةِ وَهِيَ أَدَاءُ مَا يُتَمَكَّنُ بِهِ مِنْ الْأَدَاءِ. وَأَمَّا إذَا أَرَادُوا بِذَلِكَ نَفْيَ الْقُدْرَةِ الْمُيَسِّرَةِ وَهُوَ مَا يُوجِبُ الْيُسْرَ عَلَى الْأَدَاءِ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ فَلَا يَكُونُ لِلْمُنَاقَشَةِ مَجَالٌ لِظُهُورِ أَنَّ الْيُسْرَ عَلَى الْأَدَاءِ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْأَجَلِ فَتَأَمَّلْ قَالَ فِي الْمُحِيطِ، وَلَوْ صَالَحَهُ مِنْ الْكِتَابَةِ عَلَى عَيْنٍ جَازَ؛ لِأَنَّ بَدَلَ الْكِتَابَةِ بِمَنْزِلَةِ الثَّمَنِ وَالِاسْتِبْدَالُ بِالثَّمَنِ قَبْلَ الْقَبْضِ جَائِزٌ وَلَا يُشْتَرَطُ قَبْضُهَا فِي الْمَجْلِسِ كَذَا فِي الْمُنْتَقَى عَنْ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُمَا افْتَرَقَا عَنْ عَيْنٍ بِدَيْنٍ، وَلَوْ كَاتَبَهُ عَلَى وَصْفٍ أَبْيَضَ فَصَالَحَهُ عَلَى وَصْفَيْنِ أَبْيَضَيْنِ يَدًا بِيَدٍ جَازَ؛ لِأَنَّهُ صَالَحَهُ عَلَى دَيْنٍ بِعَيْنٍ فَيَجُوزُ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ الْمَوْلَى مُكَاتَبَةً بِمَا عَلَيْهِ سَنَةً يَخْدُمُهُ صَحَّتْ الْإِجَارَةُ وَعَتَقَ الْعَبْدُ لِلْحَالِّ؛ لِأَنَّ مَوْلَاهُ مَلَكَ بَدَلِ الْكِتَابَةِ بِالتَّعْجِيلِ فَبَرِئَتْ ذِمَّتُهُ عَنْهُ فَإِنْ خَدَمَهُ الْمُكَاتَبُ شَهْرًا، ثُمَّ مَاتَ انْقَضَتْ الْإِجَارَةُ وَبَرِئَ الْمُكَاتَبُ مِنْ صِحَّةِ مَا خَدَمَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 60 وَالْبَاقِي دَيْنٌ عَلَيْهِ اهـ. [فُرُوعٌ اخْتَلَفَ الْمَوْلَى وَالْعَبْدُ فَقَالَ الْعَبْدُ كَاتَبْتنِي عَلَى أَلْفٍ وَقَالَ عَلَى أَلْفَيْنِ] (فُرُوعٌ) إذَا اخْتَلَفَ الْمَوْلَى وَالْعَبْدُ فَقَالَ الْعَبْدُ كَاتَبْتنِي عَلَى أَلْفٍ، وَقَالَ عَلَى أَلْفَيْنِ أَوْ اخْتَلَفَا فِي جِنْسِ الْمَالِ الْقَوْلُ قَوْلُ الْعَبْدِ مَعَ يَمِينِهِ وَعَلَى الْمَوْلَى الْبَيِّنَةُ، وَإِذَا جَعَلَ الْقَاضِي الْقَوْلَ قَوْلَ الْعَبْدِ مَعَ يَمِينِهِ وَأَلْزَمَهُ الْمَالَ وَأَقَامَ الْمَوْلَى الْبَيِّنَةَ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى أَلْفَيْنِ لَزِمَهُ أَلْفَانِ وَيَسْعَى فِيهِمَا وَإِنْ لَمْ يُقِمْ الْبَيِّنَةَ فَأَدَّى الْأَلْفَ وَعَتَقَ، ثُمَّ أَقَامَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَفِي الِاسْتِحْسَانِ عَتَقَ وَعَلَيْهِ أَلْفٌ أُخْرَى وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَلَوْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الزِّيَادَةَ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ إذَا أَدَّى مِقْدَارَ مَا أَقَامَ بِهِ الْبَيِّنَةَ يُعْتَقُ وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ، وَلَوْ ادَّعَى كِتَابَةً فَاسِدَةً وَالْآخَرُ جَائِزَةً فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَدَّعِي الْجَائِزَةَ وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ مَنْ يَدَّعِي الْفَاسِدَةَ وَفِي الذَّخِيرَةِ إذَا ادَّعَى الْمُكَاتَب أَنَّهَا وَقَعَتْ فَاسِدَةً بِأَنْ قَالَ كَاتَبْتنِي عَلَى أَلْفٍ وَرِطْلِ خَمْرٍ وَأَنْكَرَ الْمَوْلَى ذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْلَى وَيَلْزَمُ الْمُكَاتَبَ الْكِتَابَةُ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَقْضِيَ بِجَوَازِ الْكِتَابَةِ بِقَوْلِ الْآمِرِ؛ لِأَنَّ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يُعْجِزَ نَفْسَهُ وَيَفْسَخَ الْكِتَابَةَ أَلَا تَرَى إلَى مَا ذَكَرَ فِي الشَّهَادَةِ إذْ أَقَامَ الْمَوْلَى الْبَيِّنَةَ عَلَى الْعَبْدِ أَنَّهُ كَاتَبَهُ بِأَلْفٍ وَأَنْكَرَ الْعَبْدُ ذَلِكَ فَالْقَاضِي لَا يَقْضِي بِبَيِّنَةِ الْمَوْلَى وَجَوَابُ مَا ذَكَرَ هُنَا مَحْمُولٌ عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي تَقُولُ إنَّهُ لَيْسَ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يُعْجِزَ نَفْسَهُ مِنْ غَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي. [الْمَرِيضَ إذَا كَاتَبَ عَبْدَهُ عَلَى أَلْفَيْنِ إلَى سَنَةٍ وَقِيمَتُهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَمَاتَ الْمَوْلَى] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (مَاتَ مَرِيضٌ كَاتَبَ عَبْدَهُ عَلَى أَلْفَيْنِ إلَى سَنَةٍ وَقِيمَتُهُ أَلْفٌ وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ أَدَّى ثُلُثَيْ الْبَدَلِ حَالًّا وَالْبَاقِي إلَى أَجَلِهِ أَوْ رُدَّ رَقِيقًا) يَعْنِي الْمَرِيضَ إذَا كَاتَبَ عَبْدَهُ عَلَى أَلْفَيْنِ إلَى سَنَةٍ وَقِيمَتُهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَمَاتَ الْمَوْلَى وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ فَإِنَّهُ يُؤَدِّي ثُلُثَيْ الْأَلْفَيْنِ حَالًّا وَالْبَاقِي إلَى أَجَلِهِ أَوْ يُرَدَّ رَقِيقًا، وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ وَأَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُؤَدِّي ثُلُثَيْ الْأَلْفِ حَالًّا وَالْبَاقِي إلَى أَجَلِهِ أَوْ يُرَدُّ رَقِيقًا؛ لِأَنَّ لِلْمَوْلَى أَنْ يَتْرُكَ الزِّيَادَةَ بِأَنْ يُكَاتِبَهُ عَلَى قِيمَتِهِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ الزِّيَادَةَ وَهِيَ أَلْفُ دِرْهَمٍ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى فَصَارَ كَمَا لَوْ خَالَعَ الْمَرِيضُ امْرَأَتَهُ عَلَى أَلْفٍ إلَى سَنَةٍ جَازَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ آخَرُ فَصَارَ كُلُّهُ مُؤَجَّلًا كَمَا مَرَّ فِي بَابِ الْخُلْعِ وَلَهُمَا أَنَّ جَمِيعَ الْمُسَمَّى بَدَلُ الرَّقَبَةِ حَتَّى جَرَى عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْإِبْدَالِ مِنْ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ وَغَيْرِهَا وَحَقُّ الْوَرَثَةِ مُتَعَلِّقٌ بِالْمُبْدَلِ كُلِّهِ فَكَذَا بِالْبَدَلِ بِخِلَافِ الْخُلْعِ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ فِيهِ لَا يُقَابِلُ الْمَالَ وَإِنْ لَمْ تَتَعَلَّقْ الْوَرَثَةُ بِالْمُبْدَلِ فَكَذَا لَا تَتَعَلَّقُ بِالْبَدَلِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمُحَابَاةَ بِالْأَجَلِ فَيُعْتَبَرُ فِي جَمِيعِ الثَّمَنِ وَصِيَّةٌ مِنْ الثُّلُثِ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَهُ الْأَجَلُ فِيمَا زَادَ عَلَى الْقِيمَةِ يَصِحُّ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَيُعْتَبَرُ فِي قَدْرِ الْقِيمَةِ مِنْ الثُّلُثِ قَيَّدْنَا وَقِيمَتُهُ أَلْفٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بِالْعَكْسِ فَفِي الْعَتَّابِيَّةِ وَإِنْ كَاتَبَهُ عَلَى أَلْفٍ إلَى سَنَةٍ وَقِيمَتُهُ أَلْفَانِ وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ أَدَّى ثُلُثَ الْقِيمَةِ حَالًّا أَوْ رُدَّ رَقِيقًا فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الْمُحَابَاةَ فِي الْقَدْرِ وَهُوَ إسْقَاطُ أَلْفِ دِرْهَمٍ وَالتَّأْخِيرَ وَهُوَ تَأْجِيلُهُ الْأَلْفَ فَلَمْ يَصِحَّ تَصَرُّفُهُ فِي ثُلُثَيْ الْقِيمَةِ لَا فِي الْإِسْقَاطِ وَلَا فِي حَقِّ التَّأْخِيرِ اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ مَرِيضٌ كَاتَبَ عَبْدَهُ عَلَى قَدْرِ قِيمَتِهِ فَمَاتَ وَلَا مَالَ غَيْرُهُ يُقَالُ عَجِّلْ لِي ثُلُثَيْ الْبَدَلِ وَالثُّلُثَ مُؤَجَّلًا كَمَا هُوَ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ يُرَدُّ فِي الرِّقِّ وَفِيهِ أَيْضًا لَوْ كَاتَبَ عَبْدَهُ فِي الصِّحَّةِ، ثُمَّ أَقَرَّ فِي مَرَضِهِ بِاسْتِيفَاءِ بَدَلِهَا صُدِّقَ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْوَرَثَةِ لَمْ يَكُنْ مُتَعَلِّقًا بِالْعَقْدِ فَصَحَّ إقْرَارُهُ بِالِاسْتِيفَاءِ كَمَا لَوْ بَاعَ أَجْنَبِيًّا فِي الصِّحَّةِ، ثُمَّ أَقَرَّ بِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ فِي الْمَرَضِ، وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُحِيطٌ لَمْ يُقْبَلْ فِي شَيْءٍ وَيُعْتَقُ الْعَبْدُ بِزَعْمِهِ وَيُؤْخَذُ بِالْكِتَابَةِ، وَلَوْ قَالَ إنْ مِتُّ فَكَاتِبُوا هَذَا الْعَبْدَ تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ عِتْقَهُ فَيَمْلِكُ الْإِيصَاءَ وَمَنْ كَاتَبَ عَبْدَهُ فِي مَرَضِهِ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ فَأَجَازَهُ الْوَرَثَةُ فِي حَيَاتِهِمْ فَلَهُمْ الْإِبْقَاءُ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَلَوْ كَاتَبَ عَبْدَهُ فِي صِحَّتِهِ عَلَى أَلْفٍ وَقِيمَتُهُ خَمْسُمِائَةٍ فَأَعْتَقَهُ عِنْدَ الْمَوْتِ وَلَمْ يَقْبِضْ شَيْئًا حَتَّى مَاتَ سَعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ عِنْدَ هُمَا وَتَبْطُلْ الْكِتَابَةُ، وَقَالَ الْإِمَامُ يَسْعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ وَإِنْ شَاءَ سَعَى فِي ثُلُثَيْ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْكِتَابَةِ فَإِنْ قَبَضَ الْمَوْلَى خَمْسَمِائَةٍ، ثُمَّ أَعْتَقَهُ فِي مَرَضِهِ فَإِنْ كَانَ الْمَقْبُوضُ هَالِكًا لَمْ يُحْسَبْ لَهُ شَيْءٌ مِمَّا أَدَّى وَصَارَ مَالُ الْكِتَابَةِ مَا بَقِيَ فَيَسْعَى فِي ثُلُثَيْ كِتَابَتِهِ؛ لِأَنَّ ثُلُثَيْ كِتَابَتِهِ وَثُلُثَيْ مَا بَقِيَ مِنْ كِتَابَتِهِ سَوَاءٌ، وَعِنْدَهُمَا يَسْعَى فِي ثُلُثِ قِيمَتِهِ، وَلَوْ أَدَّى الْمُكَاتَبُ الْمِائَةَ، ثُمَّ أَعْتَقَهُ فِي مَرَضِهِ سَعَى فِي ثُلُثَيْ الْمِائَةِ بِالْإِجْمَاعِ اهـ. وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ مَنْ أَعْتَقَ مُكَاتَبَهُ وَهُوَ مَرِيضٌ يُنْظَرْ إنْ كَانَ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ عَتَقَ مَجَّانًا وَإِنْ كَانَ لَا يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ يُنْظَرُ إلَى ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ وَإِلَى ثُلُثَيْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ وَلَهُ الْخِيَارُ يَسْعَى فِي أَيِّهِمَا شَاءَ عِنْدَ الْإِمَامِ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ عَنْدَهُ أَنَّ مِلْكَهُ كَامِلٌ لَهُ وَإِنَّمَا بَاشَرَ الْعَقْدَ بِنَفْسِهِ لِيَحْتَرِزَ عَمَّا إذَا كَانَ بَيْنَ صَحِيحٍ وَمَرِيضٍ قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ مَرِضَ أَحَدُهُمَا وَكَاتَبَهُ الصَّحِيحُ بِإِذْنِهِ جَازَ وَلَيْسَ لِلْوَارِثِ إبْطَالُهُ، وَكَذَا إذَا أَذِنَ لَهُ فِي الْقَبْضِ وَقَبَضَ بَدَلَ الْكِتَابَةِ، ثُمَّ مَاتَ الْمَرِيضُ لَمْ يَكُنْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 61 لِلْوَارِثِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا وَفِي الْجَامِعِ مُكَاتَبٌ أَقَرَّ لِمَوْلَاهُ فِي صِحَّتِهِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، وَقَدْ كَانَ الْمَوْلَى كَاتَبَهُ عَلَى أَلْفٍ وَأَقَرَّ الْمُكَاتَبُ فِي صِحَّتِهِ لِأَجْنَبِيٍّ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَمَرِضَ الْمُكَاتَبُ وَفِي يَدِهِ أَلْفٌ فَقَضَاهَا الْمَوْلَى مِنْ الْمُكَاتَبِ فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرَهَا فَالْأَلْفُ تُقْسَمُ بَيْنَ الْمَوْلَى وَالْأَجْنَبِيِّ عَلَى ثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ سَهْمَانِ لِلْمَوْلَى وَسَهْمٌ لِلْأَجْنَبِيِّ. وَلَوْ أَنَّ الْمُكَاتَبَ أَدَّى الْأَلْفَ إلَى الْمَوْلَى مِنْ الدَّيْنِ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ، ثُمَّ مَاتَ فَالْأَجْنَبِيُّ أَحَقُّ بِهَذِهِ الْأَلْفِ وَبَطَلَ دَيْنُ الْمَوْلَى وَمُكَاتَبَتُهُ وَإِنْ مَاتَ عَنْ غَيْرِ وَفَاءٍ فَرُدَّ فِي الرِّقِّ وَمَاتَ عَلَى مِلْكِ الْمَوْلَى وَيَبْطُلُ دَيْنُ الْمَوْلَى وَكِتَابَتُهُ، وَلَوْ لَمْ يَقْبِضْ الْمَوْلَى الْأَلْفَ وَمَاتَ وَتَرَكَهَا فَهِيَ لِلْأَجْنَبِيِّ، وَلَوْ تَرَكَ الْمُكَاتَبُ ابْنَا وُلِدَ لَهُ فِي الْكِتَابَةِ فَالْأَجْنَبِيُّ أَحَقُّ بِهَذِهِ الْأَلْفِ أَيْضًا وَيَبِيعُ الْمَوْلَى ابْنَ الْمُكَاتَبِ بِالدَّيْنِ وَالْكِتَابَةِ، وَإِذَا أَدَّى الِابْنُ الْكِتَابَةَ وَالدَّيْنَ لَا يُنْقَضُ الْقَضَاءُ لِلْأَجْنَبِيِّ، وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا كَاتَبَ عَبْدَهُ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ فِي صِحَّتِهِ وَأَقْرَضَهُ أَجْنَبِيٌّ أَلْفَ دِرْهَمٍ، ثُمَّ مَرِضَ الْمُكَاتَبُ وَأَقْرَضَهُ الْمَوْلَى أَلْفَ دِرْهَمٍ بِمُعَايَنَةِ الشُّهُودِ فَسُرِقَتْ مِنْ الْمُكَاتَبِ وَفِي يَدِ اُلْمُكَا تُبْ أَلْفُ دِرْهَمٍ أُخْرَى فَقَضَاهَا الْمَوْلَى فَالْمَوْلَى أَحَقُّ بِهَا مِنْ الْأَجْنَبِيِّ بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَرَى الْمُكَاتَبُ فِي مَرَضِهِ عَبْدًا مِنْ الْمَوْلَى بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَلِرَجُلٍ أَجْنَبِيٍّ عَلَى الْمُكَاتَبِ أَلْفٌ فَهَلَكَ الْعَبْدُ وَفِي يَدِ الْمُكَاتَبِ أَلْفُ دِرْهَمٍ لَا غَيْرُ فَقَضَاهَا الْمَوْلَى مِنْ ثَمَنِ الْعَبْدِ فَمَاتَ الْمُكَاتَبُ مِنْ مَرَضِهِ ذَلِكَ وَلَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً فَمَا قَبَضَ الْمَوْلَى مِنْ ثَمَنِ الْعَبْدِ لَا يُسَلَّمْ لِلْمَوْلَى وَإِنْ كَانَ الْبَيْعُ وَقَبَضَ الثَّمَنَ بِمُعَايَنَةِ الشُّهُودِ فَيَسْتَرِدُّ الْأَلْفَ وَيَدْفَعُ إلَى الْأَجْنَبِيِّ وَالْفَرْقُ أَنَّ صُورَةَ الْقَرْضِ الْمُمَاثِلَةَ ظَاهِرَةٌ فَيُقَدَّمُ الْمَوْلَى وَلَمْ تَظْهَرْ فِي صُورَةِ الْبَيْعِ فَقُدِّمَ الْأَجْنَبِيُّ فَتَأَمَّلْ وَفِيهِ أَيْضًا كَاتَبَ عَبْدَهُ عَلَى أَلْفَيْنِ وَلَهُ ابْنَانِ حُرَّانِ وَهُمَا وَارِثَاهُ فَمَرِضَ الْمُكَاتَبُ وَأَقَرَّ لِأَحَدِ الِابْنَيْنِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَأَقَرَّ لِلْمَوْلَى بِدَيْنِ أَلْفِ دِرْهَمٍ فَمَاتَ وَتَرَكَ أَلْفَيْ دِرْهَمٍ فَالْمَوْلَى أَحَقُّ بِالْأَلْفَيْنِ يَسْتَوْفِي أَحَدَهُمَا مِنْ الْكِتَابَةِ وَالْأُخْرَى مِنْ الدَّيْنِ فَإِنْ تَرَكَ أَقَلَّ مِنْ الْأَلْفَيْنِ يُبْدَأُ بِدَيْنِ الِابْنِ اهـ. وَالْفَرْقُ هُوَ أَنَّهُ إذَا تَرَكَ أَلْفَيْنِ أَمْكَنَ تَصَوُّرُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ حُرًّا نَظَرًا إلَى صُورَةِ الْمُؤَدَّى وَإِنْ اُخْتُلِفَ بِوَجْهِ الدَّفْعِ فَقُدِّمَ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ عَقَدَ الْكِتَابَةَ عَلَى صُورَةِ أَلْفَيْنِ بِخِلَافِ مَا إذَا تَرَكَ الْأَقَلَّ لَمْ يُمْكِنْ ذَلِكَ فَقُدِّمَ الِابْنُ فَتَأَمَّلْ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ كَاتَبَهُ عَلَى أَلْفٍ إلَى سَنَةٍ وَقِيمَتُهُ أَلْفَانِ وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ أَدَّى ثُلُثَيْ الْقِيمَةِ حَالًّا وَإِلَّا رُدَّ رَقِيقًا) ، وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (حُرٌّ كَاتَبَ عَنْ عَبْدٍ عَلَى أَلْفٍ وَأَدَّى عَتَقَ وَإِنْ قَبِلَ الْعَبْدُ فَهُوَ مُكَاتَبٌ) اخْتَلَفَ الشَّارِحُونَ فِي صُورَتِهَا قَالَ بَعْضُهُمْ قَالَ حُرٌّ لِمَوْلَى الْعَبْدِ كَاتِبْ عَبْدَك عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنِّي إنْ أَدَّيْت لَك أَلْفًا فَهُوَ حُرٌّ فَكَاتَبَهُ الْمَوْلَى عَلَى هَذَا يُعْتَقُ بِأَدَائِهِ بِحُكْمِ الشَّرْطِ فَإِذَا قَبِلَ الْعَبْدُ صَارَ مُكَاتَبًا يَعْنِي هَذَا الْعَقْدَ لَهُ جِهَتَانِ نَافِذٌ فِي حَقِّ مَا يَنْتَفِعُ الْعَبْدُ وَهُوَ أَنْ يُعْتَقَ عِنْدَ أَدَاءِ الشَّرْطِ وَمَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ مَنْ لَهُ الْإِجَازَةُ فَإِذَا قَبِلَهُ صَارَ مُكَاتَبًا؛ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ فِي الِانْتِهَاءِ كَالْإِذْنِ فِي الِابْتِدَاءِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ صُورَتُهَا أَنْ يَقُولَ كَاتِبْ عَبْدَك عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ وَلَمْ يَقُلْ عَلَى أَنِّي إنْ أَدَّيْت لَك أَلْفَ دِرْهَمٍ فَهُوَ حُرٌّ فَإِذَا أَدَّى لَا يُعْتَقْ قِيَاسًا؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ مَوْقُوفٌ وَالْمَوْقُوفَ لَا حُكْمَ لَهُ وَلَمْ يُوجَدْ التَّعْلِيقُ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يُعْتَقُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَى الْعَبْدِ فِي عِتْقِهِ بِأَدَاءِ الْأَجْنَبِيِّ وَلَا يَرْجِعُ الدَّافِعُ عَلَى الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ لَهُ مَقْصُودُهُ وَهُوَ عِتْقُ الْعَبْدِ. وَقِيلَ يَرْجِعُ عَلَى الْمَوْلَى وَيَسْتَرِدُّ مَا أَدَّاهُ إنْ أَدَّاهُ بِضَمَانٍ؛ لِأَنَّ ضَمَانَهُ كَانَ بَاطِلًا كَمَا لَوْ ضَمِنَ فِي الصَّحِيحَةِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِمَا أَدَّى فَهَذَا أَوْلَى وَإِنْ أَدَّاهُ بِغَيْرِ ضَمَانٍ لَا يَرْجِعُ؛ لِأَنَّهُ تَبَرَّعَ بِهِ هَذَا إذَا أَدَّى عَنْهُ بَدَلَ الْكِتَابَةِ كُلَّهَا وَإِنْ أَدَّى عَنْهُ الْبَعْضَ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ سَوَاءٌ أَدَّاهُ بِضَمَانٍ أَوْ بِغَيْرِ ضَمَانٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ غَرَضُهُ وَهُوَ الْعِتْقُ فَكَانَ حُكْمُ الْأَدَاءِ مَوْقُوفًا فَيَرْجِعُ، وَلَوْ أَدَّى قَبْلَ إجَازَةِ الْعَبْدِ، ثُمَّ أَجَازَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ سَوَاءٌ أَدَّى الْبَعْضَ أَوْ الْكُلَّ إلَّا إذَا أَدَّاهُ عَنْ ضَمَانٍ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ فَاسِدٌ فَيَرْجِعُ بِحُكْمِ فَسَادِهِ فَإِنْ قِيلَ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْبَيْعِ فَإِنَّ بَيْعَ الْفُضُولِيِّ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الْمُجِيزِ فِيمَا لَهُ وَفِيمَا عَلَيْهِ وَهُنَا لَمْ يَتَوَقَّفْ فِيمَا لَهُ وَالْجَوَابُ أَنَّ مَالَهُ هَذَا إسْقَاطٌ مُحْصَنٌ وَهُوَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبُولِ وَفِي الشَّارِحِ، وَلَوْ قَالَ الْعَبْدُ لَا أَقْبَلُ فَأَدَّى عَنْهُ الْأَجْنَبِيُّ الَّذِي كَاتَبَ عَنْهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ ارْتَدَّ بِرَدِّهِ، وَلَوْ ضَمِنَ الرَّجُلُ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ لَا تَجُوزُ وَفِي الْمُحِيطِ، وَلَوْ كَانَ هَذَا الْعَبْدُ ابْنًا لِهَذَا الْقَائِلِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ ابْنٌ صَغِيرٌ عَبْدُ الرَّجُلِ وَاحِدًا فَكَاتَبَهُ عَنْ أَبِيهِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى ابْنِهِ الصَّغِيرِ إذْ كَاتَبَ عَبْدًا لِلْغَيْرِ وَإِنْ أَدَّى عَتَقَ الْعَبْدُ فِي الْفُصُولِ كُلِّهَا؛ لِأَنَّا اعْتَبَرْنَا الْكِتَابَةَ نَافِذَةً فِي حَقِّ مَالِهِ. وَفِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 62 التَّتَارْخَانِيَّة رَجُلٌ كَاتَبَ عَبْدَ الْغَيْرِ بِأَمْرِ صَاحِبِ الْعَبْدِ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ، ثُمَّ حَطَّ عَنْهُ خَمْسَمِائَةٍ فَبَلَغَ الْمَوْلَى فَأَجَازَ فَالْكِتَابَةُ بِخَمْسِمِائَةٍ، وَلَوْ كَانَ وَهَبَ لَهُ الْأَلْفَ، ثُمَّ بَلَغَ الْمَوْلَى فَأَجَازَ فَالْهِبَةُ بَاطِلَةٌ، وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا كَاتَبَ عَبْدَ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ فَأَدَّى الْعَبْدُ الْأَلْفَ إلَيْهِ، ثُمَّ بَلَغَ الْمَوْلَى فَأَجَازَ الْكِتَابَةَ جَازَتْ الْكِتَابَةُ وَلَا يَجُوزُ الدَّفْعُ وَلَا يُعْتَقُ بِذَلِكَ الدَّفْعِ فَإِنْ أَجَازَ الْمَوْلَى الْكِتَابَةَ وَالدَّفْعَ فَذَلِكَ جَائِزٌ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَيُعْتَقُ الْمُكَاتَبُ بِدَفْعِهِ وَلَا تَجُوزُ إجَازَةُ الْقَبْضِ فِي قَوْلِ الْإِمَامِ وَمَا اكْتَسَبَهُ بَعْدَ الْكِتَابَةِ قَبْلَ الْإِجَازَةِ فَذَلِكَ لِلْمُكَاتَبِ عَلَى كُلِّ حَالٍ. اهـ. وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَلَوْ كَانَ لِرَجُلٍ عَبْدٌ غَائِبٌ فَخَاطَبَ رَجُلٌ مَوْلَاهُ فَقَالَ كَاتِبْ عَبْدَك الْغَائِبَ عَلَى أَلْفٍ فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الضَّمَانَ أَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ أَمَّا إذَا لَمْ يَضْمَنْ فَالْكِتَابَةُ جَائِزَةٌ وَيَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الْعَبْدِ فَإِنْ أَجَازَهُ جَازَ وَلَزِمَهُ الْأَلْفُ وَإِنْ رَدَّهُ بَطَلَ فَلَوْ أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ أَدَّى قَبْلَ أَنْ يُجِيزَ الْعَبْدُ وَقَبْلَ أَنْ يَفْسَخَ جَازَ وَعَتَقَ الْعَبْدُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ ذَلِكَ فِي الِاسْتِحْسَانِ اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ كَاتَبَ الْحَاضِرَ وَالْغَائِبَ وَقَبِلَ الْحَاضِرُ صَحَّ) يَعْنِي إذَا كَاتَبَ عَبْدَيْنِ أَحَدُهُمَا حَاضِرٌ وَالْآخَرُ غَائِبٌ بِأَنْ قَالَ الْعَبْدُ لِمَوْلَاهُ كَاتِبْنِي بِأَلْفٍ عَنْ نَفْسِي، وَعَنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ فَكَاتَبَهُمَا فَقَبِلَ الْحَاضِرُ جَازَ وَفِي الْمُحِيطِ، وَلَوْ كَاتَبَ عَبْدًا حَاضِرًا وَآخَرَ غَائِبًا وَقَبِلَ الْحَاضِرُ جَازَ اسْتِحْسَانًا اهـ. فَظَهَرَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْبِدَايَةِ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ مِنْ السَّيِّدِ أَوْ مِنْ الْعَبْدِ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَصِيرَ الْحَاضِرُ مُكَاتَبًا وَحْدَهُ؛ لِأَنَّهُ عَقَدَ الْكِتَابَةَ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى الْغَائِبِ فَيَنْفُذُ عَلَيْهِ وَيَتَوَقَّفُ فِي حَقِّ الْغَائِبِ عَلَى إجَازَتِهِ كَمَا إذَا بَاعَ مَالَهُ وَمَالَ غَيْرِهِ أَوْ كَاتَبَ عَبْدَهُ وَعَبْدَ غَيْرِهِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمَوْلَى خَاطَبَ الْحَاضِرَ قَصْدًا وَجَعَلَ الْغَائِبَ تَبَعًا لَهُ وَالْكِتَابَةُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مَشْرُوعَةٌ كَالْأَمَةِ إذَا كُوتِبَتْ دَخَلَ فِي كِتَابَتِهَا وَلَدُهَا الْمَوْلُودُ فِي الْكِتَابَةِ أَوْ الْمُشْتَرَى فِيهَا أَوْ الْمَضْمُومُ إلَيْهَا فِي الْعَقْدِ تَبَعًا لَهَا حَتَّى يُعْتَقُوا بِأَدَائِهَا وَلَيْسَ عَلَيْهِمْ شَيْءٌ مِنْ الْبَدَلِ؛ وَلِأَنَّ هَذَا تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِأَدَاءِ الْحَاضِرِ وَالْمَوْلَى يَنْفَرِدُ بِهِ فِي حَقِّ الْغَائِبِ فَيَنْفُذُ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ وَلَا قَبُولٍ مِنْ الْغَائِبِ كَمَا لَوْ كَاتَبَ الْحَاضِرَ بِأَلْفٍ، ثُمَّ قَالَ إنْ أَدَّيْته إلَيَّ فَفُلَانٌ حُرٌّ فَإِنَّهُ يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ قَبُولِ الْحَاضِرِ. فَكَذَا هَذَا فَإِذَا أَمْكَنَ جَعْلُ الْغَائِبِ تَبَعًا اُسْتُغْنِيَ عَنْ شَرْطِ رِضَاهُ وَيَنْفَرِدُ بِهِ الْحَاضِرُ وَيُطَالَبُ الْحَاضِرُ بِكُلِّ الْبَدَلِ وَلَا عِبْرَةَ بِإِجَازَةِ الْغَائِبِ وَلَا رَدِّهِ وَلَا يُؤَاخَذُ الْغَائِبُ بِالْبَدَلِ وَلَا بِشَيْءٍ مِنْهُ، وَلَوْ اكْتَسَبَ شَيْئًا لَيْسَ لِلْمَوْلَى أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ يَدِهِ، وَلَوْ أَبْرَأَهُ الْمَوْلَى أَوْ وَهَبَ لَهُ مَالَ الْكِتَابَةِ لَا يَصِحُّ لِعَدَمِ وُجُوبِهِ عَلَيْهِ، وَلَوْ أَبْرَأَ الْحَاضِرَ أَوْ وَهَبَهُ مَالَ الْكِتَابَةِ عَتَقَا، وَلَوْ أَعْتَقَ الْغَائِبَ سَقَطَ عَنْ الْحَاضِرِ حِصَّتُهُ بِخِلَافِ الْوَلَدِ الْمَوْلُودِ فِي الْكِتَابَةِ حَيْثُ لَا يَسْقُطُ عَنْ الْأُمِّ شَيْءٌ مِنْ الْبَدَلِ بِعِتْقِهِ، وَكَذَا وَلَدُهَا الْمُشْتَرَى، وَلَوْ أَعْتَقَ الْحَاضِرَ لَمْ يَعْتِقْ الْغَائِبَ وَسَقَطَ عَنْ الْحَاضِرِ حِصَّتُهُ مِنْ الْبَدَلِ وَيُؤَدِّي الْغَائِبُ حِصَّتَهُ حَالًّا أَوْ يُرَدُّ رَقِيقًا؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ لَمْ يَثْبُتْ فِي حَقِّ الْغَائِبِ وَفِي الْمُحِيطِ وَإِنْ مَاتَ الْغَائِبُ لَمْ يُدْفَعْ عَنْ الْحَاضِرِ شَيْءٌ وَذَكَرَ عِصَامٌ لَا يَبِيعُ الْغَائِبَ مَا لَمْ يَعْجِزْ الْحَاضِرُ اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (وَأَيُّهُمَا أَدَّى عَتَقَا) أَيْ أَيُّهُمَا أَدَّى بَدَلَ الْكِتَابَةِ عَتَقَا لِوُجُودِ شَرْطِ عِتْقِهِمَا وَيُجْبَرُ الْمَوْلَى عَلَى الْقَبُولِ أَمَّا إذَا دَفَعَ الْحَاضِرُ؛ فَلِأَنَّ الْبَدَلَ عَلَيْهِ، وَأَمَّا إذَا دَفَعَ الْغَائِبُ؛ فَلِأَنَّهُ يَنَالُ بِهِ شَرَفَ الْحُرِّيَّةِ فَيُجْبَرُ الْمَوْلَى عَلَى الْقَبُولِ لِكَوْنِهِ مُضْطَرًّا كَمَا إذَا أَدَّى وَلَدُ الْمُكَاتَبَةِ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْبَدَلُ عَلَيْهِ وَكَمُعِيرِ الرَّهْنِ إذَا دَفَعَ الدَّيْنَ إلَى الْمُرْتَهِنِ يُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ لِحَاجَتِهِ إلَى اسْتِخْلَاصِ حَقِّهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَفِي الْمُحِيطِ، وَلَوْ كَاتَبَ عَبْدَيْنِ كِتَابَةً وَاحِدَةً فَارْتَدَّ أَحَدُهُمَا قِيلَ لَا يُعْتَقُ الْحَيُّ مَا لَمْ يُؤَدِّ جَمِيعَ الْكِتَابَةِ كَمَا لَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا حَتْفَ أَنْفِهِ أَوْ قُتِلَ وَإِنْ تَرَكَ الْمَقْتُولُ كَسْبًا فِي رِدَّتِهِ أَخَذَ الْمَوْلَى مِنْهُ جَمِيعَ الْبَدَلِ وَعَتَقَا؛ لِأَنَّ كَسْبَهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْوَرَثَةِ فَلَمْ يَصِرْ فَيْئًا، وَإِذَا الْتَحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ أُخِذَ الْحَاضِرُ بِجَمِيعِ الْبَدَلِ وَيَرْجِعُ عَلَى الْمُرْتَدِّ بِحِصَّتِهِ إذَا عَادَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَرْجِعُ عَلَى صَاحِبِهِ بِشَيْءٍ) يَعْنِي لَا يَرْجِعُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِمَا أَدَّى مِنْ الْبَدَلِ عَلَى الْآخَرِ أَمَّا الْحَاضِرُ؛ فَلِأَنَّهُ قَضَى دَيْنَ نَفْسِهِ، وَأَمَّا الْغَائِبُ فَلِكَوْنِهِ أَدَّى بِغَيْرِ أَمْرِهِ وَلَيْسَ بِمُضْطَرٍّ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يَطْلُبُ نَفْعًا مُبْتَدَأً بِخِلَافِ مُعِيرِ الرَّهْنِ؛ فَلِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ مِنْ جِهَتِهِ قَالَ فِي الْمُحِيطِ كَاتَبَ عَبْدَيْنِ عَلَى أَلْفٍ مُنَجَّمَةٍ كِتَابَةً وَاحِدَةً فَزَادَ أَحَدُهُمَا مِائَةَ دِرْهَمٍ وَلَمْ يَقْبَلْ الْآخَرُ الزِّيَادَةَ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ الزَّائِدَ نِصْفُ الزِّيَادَةِ وَيَكُونُ عَلَيْهِ حَالًّا وَيُعْتَقَانِ بِأَدَاءِ الْأَلْفِ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ لَمْ تَلْتَحِقْ بِأَصْلِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ الْمُنَجَّمَةَ تَعْلِيقٌ وَالتَّعْلِيقُ لَا يَحْتَمِلُ التَّغَيُّرَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 63 فَإِذَا أَدَّى أَحَدُهُمَا لَا يَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ تَبَرَّعَ، وَلَوْ زَادَ أَحَدُهُمَا مِائَةً وَضَمَّهَا فَالزِّيَادَةُ كُلُّهَا عَلَيْهِ نِصْفُهَا بِالْأَصَالَةِ وَنِصْفُهَا بِالْكَفَالَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يُؤَاخَذُ الْغَائِبُ بِشَيْءٍ) يَعْنِي لَا يُطَالِبُ الْمَوْلَى الْغَائِبَ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ لَهُ بِشَيْءٍ وَإِنَّمَا دَخَلَ فِي الْكِتَابَةِ تَبَعًا فَصَارَ نَظِيرَ وَلَدِ الْمُكَاتَبَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقَبُولُهُ لَغْوٌ) يَعْنِي قَبُولَ الْغَائِبِ وَرَدَّهُ لَغْوٌ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ قَدْ نَفَذَتْ وَتَمَّتْ مِنْ غَيْرِ قَبُولِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ بَعْدَ ذَلِكَ قَبُولُهُ وَلَا رَدُّهُ كَمَنْ كَفَلَ دَيْنًا عَنْ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَبَلَغَهُ فَإِجَازَتُهُ بَاطِلَةٌ وَلَا يَتَغَيَّرُ حُكْمُهُ حَتَّى لَوْ أَدَّى لَا يَرْجِعُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ كَاتَبَ الْأَمَةَ عَنْ نَفْسِهَا، وَعَنْ ابْنَيْنِ صَغِيرَيْنِ لَهَا صَحَّ) ، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ، وَقَدْ ذَكَرْنَا وَجْهَهُ فِي مَسْأَلَةِ الْغَائِبِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ مِثْلُهَا فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ لِمَا أَنَّ الْأُمَّ وَالْأَبَ الرَّقِيقَ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى وَلَدِهِ فَيَكُونُ دُخُولُ الْوَلَدِ فِي كِتَابَتِهِمَا بِالشَّرْطِ لَا بِالْوِلَايَةِ كَدُخُولِ الْغَائِبِ فِي كِتَابَةِ الْحَاضِرِ وَقَبُولُ الْأَوْلَادِ وَرَدُّهُمْ لَا يُعْتَبَرُ وَفِي الْمُحِيطِ كَاتَبَ عَبْدَهُ وَامْرَأَتَهُ عَلَى أَنْفُسِهِمَا وَأَوْلَادِهِمَا الصِّغَارِ، ثُمَّ إنَّ إنْسَانًا قَتَلَ الْوَلَدَ فَقِيمَتُهُ لِلْأَبَوَيْنِ، وَلَوْ غَابَ الْأَبُ فَأَرَادَ الْمَوْلَى اسْتِسْعَاءَ الْوَلَدِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْكِتَابَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ وَلَا سَبِيلَ لِلْأَبَوَيْنِ عَلَى كَسْبِ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ مُكَاتَبٌ أَصْلًا بِخِلَافِ الْمَوْلُودِ فِي الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ تَبَعًا فَكَانَ كَسْبُهُ تَبَعًا وَيَدْفَعُ حِصَّتَهُ عَنْ الْأَبَوَيْنِ إنْ أَعْتَقَهُ السَّيِّدُ وَإِنْ مَاتَ الْأَبَوَيْنِ أَدَّى حَالًّا وَإِلَّا رُدَّ فِي الرِّقِّ إنْ وَقَعَتْ الْكِتَابَةُ وَهُوَ كَبِيرٌ وَإِنْ وَقَعَتْ وَهُوَ صَغِيرٌ يَسْعَى عَلَى نُجُومِهِمَا فَيَثْبُتُ الْأَجَلُ فِي حَقِّهِ تَبَعًا لَهُمَا وَلَا كَذَلِكَ الْكَبِيرُ اهـ. وَذِكْرُ الْأُمِّ مِثَالٌ وَلَيْسَ بِقَيْدٍ قَالَ فِي الْمُحِيطِ كَاتَبَ عَبْدَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ الصَّغِيرِ جَازَ اسْتِحْسَانًا وَإِنْ رُدَّ فِي الرِّقِّ رُدَّ الْوَلَدُ فِي الرِّقِّ وَإِنْ مَاتَ الْأَبُ سَعَى الْأَوْلَادُ وَإِنْ كَانُوا صِغَارًا عَاجِزِينَ رُدُّوا فِي الرِّقِّ لِتَحَقُّقِ الْعَجْزِ عَنْ الْأَدَاءِ فَإِنْ قَالُوا نَسْعَى لَا يُلْتَفَتُ إلَى قَوْلِهِمْ، وَلَوْ لَمْ يَعْجِزُوا وَسَعَى بَعْضُهُمْ وَأَدَّى لَمْ يَرْجِعْ عَلَى إخْوَتِهِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى عَنْ أَبِيهِ لَا عَنْ إخْوَتِهِ فَإِنْ ظَهَرَ لِلْمُكَاتَبِ مَالٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مَا أَدَّى؛ لِأَنَّهُ أَدَّى مَا لَمْ يَكُنْ مُطَالَبًا بِأَدَائِهِ وَلِلْمَوْلَى أَخْذُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِأَدَاءِ جَمِيعِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ أَبِيهِ وَإِنْ أَعْتَقَ الْمَوْلَى بَعْضَهُمْ رُفِعَتْ حِصَّتُهُ عَنْ الْبَاقِينَ، وَلَوْ كَانُوا كِبَارًا فَكَاتَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَيْهِمْ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ وَأَدَّى عَتَقُوا وَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِمْ كَمَا ذَكَرْنَا فِي الصِّغَارِ اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَيٌّ أَدَّى لَمْ يَرْجِعْ) لِمَا ذَكَرْنَا فِي مَسْأَلَةِ الْغَائِبِ، وَلَوْ أَعْتَقَ الْأُمَّ بَقِيَ عَلَيْهِمْ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ بِحِصَّتِهِمْ يُؤَدُّونَهَا فِي الْحَالِّ بِخِلَافِ الْمَوْلُودِ فِي الْكِتَابَةِ وَالْمُشْتَرَى حَيْثُ يُعْتَقُ بِعِتْقِهَا وَيُطَالِبُ الْمَوْلَى الْأُمَّ بِالْبَدَلِ دُونَهُمْ، وَلَوْ أَعْتَقَهُمْ سَقَطَ عَنْهَا حِصَّتُهُمْ وَعَلَيْهَا الْبَاقِي عَلَى نُجُومِهَا وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُمْ، وَلَوْ أَبْرَأَهُمْ عَنْ الدَّيْنِ أَوْ وَهَبَهُمْ لَا يَصِحُّ وَلَهَا يَصِحُّ وَيُعْتَقُونَ مَعَهَا لِمَا ذَكَرْنَا فِي كِتَابَةِ الْحَاضِرِ مَعَ الْغَائِبِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [بَابُ كِتَابَةِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ] لَمَّا فَرَغَ مِنْ كِتَابَةِ عَبْدٍ غَيْرِ مُشْتَرَكٍ شَرَعَ فِي كِتَابَةِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الِاشْتِرَاكِ قَالَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَقَالَ أَكْثَرُ الشُّرَّاحِ ذَكَرَ كِتَابَةَ الِاثْنَيْنِ بَعْدَ كِتَابَةِ الْوَاحِدِ؛ لِأَنَّ الِاثْنَيْنِ بَعْدَ الْوَاحِدِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (عَبْدٌ لَهُمَا أَذِنَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ أَنْ يُكَاتِبَ حِصَّتَهُ بِأَلْفٍ وَيَقْبِضَ بَدَلَ الْكِتَابَةِ فَكَاتَبَ وَقَبَضَ بَعْضَهُ فَعَجَزَ فَالْمَقْبُوضُ لِلْقَابِضِ) يَعْنِي إذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَذِنَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ أَنْ يُكَاتِبَ حَظَّهُ وَتَعْبِيرُ الْمُؤَلِّفِ بِقَوْلِهِ لَهُمَا أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ حَيْثُ قَالَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمُثَنَّى يَسْتَوِي فِيهِ الْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ فَيَشْمَلُ مَا إذَا كَانَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَوْ امْرَأَتَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ، وَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ وَفَائِدَةُ الْإِذْنِ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ حَقُّ الْفَسْخِ كَمَا يَكُونُ لَهُ إذَا لَمْ يَأْذَنْ وَفِي الْأَصْلِ وَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ لَمْ يَشْتَرِطُوا لِصِحَّةِ الْفَسْخُ بِالْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا وَالْإِمَامُ الْعَلَّامَةُ نَجْمُ الدِّينِ النَّسَفِيُّ شَرَطَ لَهُ الْقَضَاءَ أَوْ الرِّضَا. اهـ. وَهَذَا هُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ، وَقَالَا هُوَ مُكَاتَبٌ لَهُمَا وَالْمَقْبُوضُ بَيْنَهُمَا وَأَصْلُهُ أَنَّ الْكِتَابَةَ تَتَجَزَّأُ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَعِنْدَهُمَا لَا تَتَجَزَّأُ كَمَا ذَكَرَ فِي الْإِعْتَاقِ وَفِي الشَّارِحِ وَفَائِدَةُ إذْنِهِ بِالْقَبْضِ أَنْ يَنْقَطِعَ حَقُّهُ فِيمَا قَبَضَهُ وَيَخْتَصَّ بِهِ الْقَابِضُ؛ لِأَنَّ إذْنَهُ بِالْقَبْضِ إذْنٌ لِعَبْدِهِ بِالْأَدَاءِ إلَيْهِ إلَّا إذَا نَهَاهُ قَبْلَ الْأَدَاءِ فَيَصِحُّ نَهْيُهُ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ لَمْ يَتِمَّ بَعْدُ اهـ. وَجْهُ قَوْلِ الْإِمَامِ أَنَّ الْمُكَاتَبَ نِصْفُ كَسْبِهِ لَهُ فَإِذَا أَذِنَ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَصْرِفَهُ بِدَيْنِهِ صَحَّ إذْنُهُ وَتَمَّ بِقَضَاءِ دَيْنِهِ بِهِ فَكَانَ الْمَقْبُوضُ لِلْقَابِضِ فَإِنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ لَا يَرْجِعُ الْآذِنُ بِذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ مَقْصُودُهُ وَهُوَ الْحُرِّيَّةُ؛ لِأَنَّ الْمُتَبَرَّعَ عَلَيْهِ هُوَ الْعَبْدُ، وَلَوْ رَجَعَ يَرْجِعُ عَلَى الْعَبْدِ وَالْمَوْلَى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 64 لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنًا بِخِلَافِ مَا إذَا تَبَرَّعَ شَخْصٌ بِقَضَاءِ الثَّمَنِ، ثُمَّ اُسْتُحِقَّ أَوْ هَلَكَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ انْفَسَخَ الْبَيْعُ أَوْ تَبَرَّعَ بِقَضَاءِ مَهْرِهِ وَحَصَلَتْ الْفُرْقَةُ مِنْ جِهَةِ الْمَرْأَةِ حَيْثُ يَرْجِعُ بِالْمَهْرِ وَالثَّمَنِ؛ لِأَنَّ ذِمَّةَ الْبَائِعِ وَالْمَرْأَةِ صَلَحَتْ لِوُجُوبِ الدَّيْنِ الْمُتَبَرَّعِ عَلَيْهَا فَأَمْكَنَ الرُّجُوعُ، وَلَوْ كَانَ الشَّرِيكُ بِالْإِذْنِ مَرِيضًا وَأَدَّى مِنْ كَسْبِهِ قَبْلَهُ صَحَّ مِنْ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّهُ تَبَرَّعَ بِعَيْنِ مَالِهِ وَفِي الْأَوَّلِ بِالْمَنَافِعِ فَالْمُتَبَرِّعُ بِالْمَنَافِعِ يُعْتَبَرُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ وَبِالْعَيْنِ مِنْ الثُّلُثِ وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْإِذْنَ بِكِتَابَةِ نَصِيبِهِ إذْنٌ بِكِتَابَةِ كُلِّهِ فَإِذَا كَاتَبَهُ صَارَ كُلُّهُ مُكَاتِبًا نَصِيبَهُ بِالْأَصَالَةِ وَنَصِيبَ شَرِيكِهِ بِالْوَكَالَةِ فَهُوَ مُكَاتَبٌ لَهُمَا وَالْمَقْبُوضُ بَيْنَهُمَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ أَذِنَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَاتَبَهُ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ صَارَ نَصِيبُهُ مُكَاتَبًا وَلِلسَّاكِتِ أَنْ يَفْسَخَ بِالْإِجْمَاعِ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ بَدَلَ الْكِتَابَةِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ نَصِيبَهُ حَيْثُ لَا تُفْسَخُ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ نَصِيبُهُ مِنْ يَدِهِ وَبِخِلَافِ الْعِتْقِ وَتَعْلِيقِ الْعِتْقِ بِالشَّرْطِ حَيْثُ لَا يُفْسَخُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ وَفِي الْعَتَّابِيَّةِ. اُعْتُرِضَ بِأَنَّ الْكِتَابَةَ إمَّا أَنْ يُعْتَبَرَ فِيهَا مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ أَوْ مَعْنَى الْإِعْتَاقِ أَوْ مَعْنَى تَعْلِيقِ الْعِتْقِ بِأَدَاءِ الْمَالِ، وَلَوْ وُجِدَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ مِنْ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ لَيْسَ لِلْآخَرِ وِلَايَةُ الْفَسْخِ فَمِنْ أَيْنَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابَةِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْكِتَابَةَ لَيْسَتْ عَيْنًا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَإِنَّمَا يَشْتَمِلُ عَلَيْهَا فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِيهَا وِلَايَةُ الْفَسْخِ لِمَعْنًى يُوجِبُهُ وَهُوَ إلْحَاقُ الضَّرَرِ، وَلَوْ أَدَّى بَدَلَ الْكِتَابَةِ عَتَقَ نَصِيبُهُ خَاصَّةً عِنْدَ الْإِمَامِ لِمَا مَرَّ وَلِلسَّاكِتِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الَّذِي كَاتَبَهُ نِصْفَ مَا قَبَضَ؛ لِأَنَّهُ كَسْبُ عَبْدٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا. ثُمَّ يَنْظُرُ إنْ كَاتَبَ كُلَّهُ بِأَلْفٍ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْمُكَاتَبِ بِشَيْءٍ مِمَّا أَخَذَهُ مِنْهُ شَرِيكُهُ؛ لِأَنَّهُ مُسَلِّمٌ لَهُ بَدَلَ نَصِيبِهِ وَإِنْ كَاتَبَ نَصِيبَهُ فَقَطْ بِأَلْفٍ رَجَعَ عَلَى الْمُكَاتَبِ بِمَا أَخَذَهُ مِنْهُ شَرِيكُهُ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ كَانَ بَدَلَ نَصِيبِهِ وَلَمْ يُسَلَّمْ لَهُ بَعْضُهُ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِهِ، وَعِنْدَهُمَا بِالْأَدَاءِ عَتَقَ كُلُّهُ وَرَجَعَ السَّاكِتُ عَلَى شَرِيكِهِ إنْ كَانَ مُوسِرًا وَإِلَّا فَعَلَى الْعَبْدِ كَمَا لَوْ أَعْتَقَهُ وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ نِصْفَ مَا بَقِيَ مِنْ الْأَكْسَابِ؛ لِأَنَّهُ كَسْبُ عَبْدٍ مُشْتَرَكٍ، وَلَوْ كَاتَبَهُ السَّاكِتُ بِمِائَةِ دِينَارٍ بَعْدَ الْأَوَّلِ صَارَ مُكَاتَبًا لَهُمَا أَمَّا عِنْدَ الْإِمَامِ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهَا تَتَجَزَّأُ، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا؛ فَلِأَنَّ السَّاكِتَ كَانَ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ فَإِذَا كَاتَبَهُ كَانَ فَسْخًا مِنْهُ فِي نَصِيبِهِ وَأَيُّهُمَا قَبَضَ شَيْئًا مِنْ بَدَلِ نَصِيبِهِ لَا يُشَارِكُهُ الْآخَرُ فِيهِ وَتَعَلَّقَ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِجَمِيعِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ الْمُسَمَّى فِي كِتَابَتِهِ فَإِنْ أَدَّى لَهُمَا مَعًا فَالْوَلَاءُ لَهُمَا عِنْدَهُمْ وَإِنْ قَدَّمَ أَحَدَهُمَا صَارَ كَمُكَاتَبِهِمَا أَعْتَقَهُ أَحَدُهُمَا عَتَقَ نَصِيبُهُ عِنْدَ الْإِمَامِ وَيَبْقَى نَصِيبُ صَاحِبِهِ مُكَاتَبًا وَلَا ضَمَانَ وَلَا سِعَايَةَ إلَّا أَنْ يَعْجِزَ الْمُكَاتَبُ فَيُخَيَّرُ السَّاكِتُ بَيْنَ تَضْمِينِ الْمُعْتِقِ وَالْإِعْتَاقِ وَاسْتِسْعَاءِ الْعَبْدِ إنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُوسِرًا وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا بَيْنَ الْإِعْتَاقِ وَالِاسْتِسْعَاءِ. وَعِنْدَ الثَّانِي يَضْمَنُ الْمُعْتِقُ إنْ كَانَ مُوسِرًا وَيُسْتَسْعَى الْعَبْدُ فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ إنْ كَانَ مُعْسِرًا، وَعِنْدَ الثَّالِثِ يَضْمَنُ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ نَصِيبِهِ وَمِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ فِي الْيَسَارِ وَيَسْعَى فِي الْإِعْسَارِ وَإِنْ كَاتَبَاهُ كِتَابَةً وَاحِدَةً لَا يُعْتَقُ بِأَدَاءِ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا إلَيْهِ وَيُعْتَقُ بِإِعْتَاقِهِ وَإِبْرَائِهِ وَهِبَةِ نَصِيبِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لَهُ قَبْلَهُ حَقٌّ فَيَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فِي التَّضْمِينِ وَالسِّعَايَةِ وَالْعِتْقِ وَالِاخْتِلَافِ فِيهَا وَبِاسْتِيفَاءِ نَصِيبِهِ لَمْ يَبْرَأْ؛ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ حَقُّهُمَا وَلِهَذَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ شَرِيكُهُ بِهِ فَلَا يُعْتَق حَتَّى يُؤَدِّيَ الْكُلَّ وَحُكْمُهُ ظَاهِرٌ وَفِي الْمُحِيطِ وَإِنْ كَاتَبَ نَصِيبَهُ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ فَلَمْ يَعْلَمْ شَرِيكُهُ حَتَّى كَاتَبَ نَصِيبَهُ بِإِذْنِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ عَلِمَ، فَلَيْسَ لَهُ الْفَسْخُ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْفَسْخِ إنَّمَا يَثْبُتُ لِلسَّاكِتِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُ وَالضَّرَرُ هُنَا يَنْدَفِعُ بِالْفَسْخِ؛ لِأَنَّهُ يَبْقَى نَصِيبُهُ مُكَاتَبًا وَمَا يَأْخُذُهُ أَحَدُهُمَا بَعْدَ هَذَا يُسَلَّمُ لَهُ لَا يُشَارِكُهُ صَاحِبُهُ فِيهِ وَنَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُكَاتَبٌ كِتَابَةً عَلَى حِدَةٍ، وَإِذَا كَاتَبَ كُلَّهُ بِإِذْنِ شَرِيكِهِ إلَى أَنْ قَالَ فَوَهَبَ لَهُ نِصْفَ بَدَلِ الْكِتَابَةِ لَمْ يُعْتَقْ نَصِيبُهُ، وَلَوْ وَهَبَ جَمِيعَ نَصِيبِهِ عَتَقَ نَصِيبُهُ وَالْفَرْقُ أَنَّ بَدَلَ الْكِتَابَةِ دَيْنٌ وَاحِدٍ فَمَتَى وَهَبَ النِّصْفَ مُطْلَقًا يَنْصَرِفُ إلَى النِّصْفِ شَائِعًا مِنْ النَّصِيبَيْنِ فَلَا تَقَعُ الْبَرَاءَةُ لِلْعَبْدِ عَنْ جَمِيعِ حِصَّتِهِ وَإِنَّمَا تَقَعُ الْبَرَاءَةُ عَنْ نِصْفِ حِصَّتِهِ وَمَتَى وَهَبَ حِصَّتَهُ وَحِصَّتُهُ لَا تَحْتَمِلُ إلَّا نَصِيبَهُ خَاصَّةً فَيَبْرَأُ الْعَبْدُ عَنْ جَمِيعِ حِصَّتِهِ فَيُعْتَقُ بِخِلَافِ سَائِرِ الدُّيُونِ إذَا وَهَبَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نِصْفَ الدَّيْنِ مُطْلَقًا يَنْصَرِفُ إلَى نَصِيبِهِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ ثَمَّةَ وَجَبَ بِإِيجَابِهِ وَبِخِلَافِ مَا لَوْ بَاعَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ جَمِيعَ الْعَبْدِ، ثُمَّ وَهَبَ النِّصْفَ حَيْثُ يَنْصَرِفُ إلَى نَصِيبِهِ خَاصَّة؛ لِأَنَّ إيجَابَ نَصِيبِ شَرِيكِهِ لَمْ يَصِحَّ فِي حَقِّهِ فَصَارَ وُجُودُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 65 الْإِيجَابِ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ وَعَدَمُهُ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ اهـ. قَيَّدَ بِقَوْلِهِ وَيَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَأْذَنْ بِالْقَبْضِ قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة كَاتَبَ نَصِيبَهُ بِإِذْنِ شَرِيكِهِ وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ بِالْقَبْضِ فَعَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ الْجَوَابُ فِيهِ كَمَا إذَا لَمْ يَأْذَنْ لَهُ أَنْ يُكَاتِبَ نَصِيبَهُ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ إلَّا فِي فَصْلَيْنِ أَحَدُهُمَا لَا يَكُونُ لِلْآذِنِ تَضْمِينُ الْمُكَاتَبِ أَنْ يَفْسَخَ الْكِتَابَةَ فِي نَصِيبِ الْمُكَاتَبِ وَالثَّانِي أَنَّهُ مَتَى أَدَّى عَتَقَ نَصِيبُ الْمُكَاتَبِ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا فَقَدْ صَارَ الْعَبْدُ مُكَاتَبًا بَيْنَهُمَا. اهـ. [أَمَةٌ بَيْنَهُمَا كَاتَبَاهَا فَوَطِئَهَا أَحَدُهُمَا فَوَلَدَتْ فَادَّعَاهُ ثُمَّ وَطِئَ الْآخَرُ فَوَلَدَتْ فَادَّعَاهُ] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَمَةٌ بَيْنَهُمَا كَاتَبَاهَا فَوَطِئَهَا أَحَدُهُمَا فَوَلَدَتْ فَادَّعَاهُ، ثُمَّ وَطِئَ الْآخَرُ فَوَلَدَتْ فَادَّعَاهُ فَعَجَزَتْ فَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ لِلْأَوَّلِ وَيَغْرَمُ لِشَرِيكِهِ نِصْفَ قِيمَتِهَا وَنِصْفَ عُقْرِهَا وَضَمِنَ شَرِيكُهُ عُقْرَهَا وَقِيمَةَ الْوَلَدِ وَهُوَ ابْنُهُ) ، وَهَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ، وَعِنْدَهُمَا هِيَ أُمُّ وَلَدٍ لِلْأَوَّلِ وَهِيَ مُكَاتَبَتُهُ كُلُّهَا وَعَلَيْهِ نِصْفُ قِيمَتِهَا لِشَرِيكِهِ عِنْدَ الثَّانِي، وَعِنْدَ الثَّالِثِ الْأَقَلُّ مِنْ نِصْفِ الْقِيمَةِ وَمِنْ نِصْفِ مَا بَقِيَ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ وَلَا يَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ الْآخَرِ مِنْ الْآخَرِ وَلَا يَكُونُ لَهُ الْوَلَدُ بِالْقِيمَةِ وَيَغْرَمُ الْعُقْرَ لَهَا، وَهَذَا الِاخْتِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى تَجَزُّؤِ الِاسْتِيلَادِ فِي الْمُكَاتَبَةِ فَعِنْدَهُ يَتَجَزَّأُ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَتَجَزَّأُ وَاسْتِيلَادُ الْقِنَّةِ لَا يَتَجَزَّأُ بِالْإِجْمَاعِ وَاسْتِيلَادُ الْمُدَبَّرَةِ يَتَجَزَّأُ بِالْإِجْمَاعِ فَإِذَا عُرِفَ هَذَا فَنَقُولُ عِنْدَهُ إذَا ادَّعَى أَحَدُهُمَا الْوَلَدَ صَحَّتْ دَعْوَتُهُ فِي نَصِيبِهِ وَهِيَ تَكْفِي لِصِحَّةِ الِاسْتِيلَادِ وَصَارَ نَصِيبُ أُمِّ وَلَدِهِ لَهُ وَلَمْ يَتَمَلَّكْ نَصِيبَ صَاحِبَهُ فَيَبْقَى نَصِيبُ الْآخَرِ مُكَاتَبًا عَلَى حَالِهِ، وَقَالَا يَتَمَلَّكُ نَصِيبَ صَاحِبِهِ وَصَارَتْ كُلُّهَا أُمَّ وَلَدٍ لَهُ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ يَجِبُ تَكْمِيلُهُ مَا أَمْكَنَ لِكَوْنِهِ قَابِلًا لِلنَّقْلِ. وَقَدْ أَمْكَنَ هُنَا كَمَا فِي الْأَمَةِ الْمُشْتَرَكَةِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ تَحْتَمِلُ الْفَسْخَ وَالِاسْتِيلَادُ لَا يَحْتَمِلُ فَرَجَّحْنَا الِاسْتِيلَادَ فَكَمَّلْنَاهُ وَفَسَخْنَا الْكِتَابَةَ فِي حَقِّ التَّمْلِيكِ وَالْكِتَابَةُ تَنْفَسِخُ فِيمَا لَا يَتَضَرَّرُ بِهِ الْمُكَاتَبُ وَتَبْقَى فِيمَا وَرَاءَهُ لِهَذَا جَازَ عِتْقُهُ فِي الْكَفَّارَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَوْلَدَ مُدَبَّرَةً مُشْتَرَكَةً فَإِنَّهُ لَا يُكْمِلُ وَيَقْتَصِرُ عَلَى نَصِيبِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ تَمْلِيكَهَا إذْ التَّدْبِيرُ يَمْنَعُ النَّقْلَ وَلِلْإِمَامِ أَنَّ الِاسْتِيلَادَ يَقْبَلُ التَّجَزُّؤ إذَا وَقَعَ فِي مَحَلٍّ لَا يَقْبَلُ النَّقْلَ كَالْمُدَبَّرَةِ بَيْنَ اثْنَيْنِ إذَا اسْتَوْلَدَهَا أَحَدُهُمَا فَإِنَّهُ يَتَجَزَّأُ وَيَقْتَضِي الِاسْتِيلَادَ عَلَى نَصِيبِهِ وَالْكِتَابَةُ عَقْدٌ لَازِمٌ كَالتَّدْبِيرِ فَإِذَا جَاءَتْ بِوَلَدٍ بَعْدَ ذَلِكَ وَادَّعَاهُ الْآخَرُ ادِّعَاءَ نَسَبٍ وَوُلِدَ بِهِ لَهُ نِصْفُهَا فَتَصِحُّ دَعْوَتُهُ وَيَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ فَإِذَا عَجَزَتْ بَعْدَ ذَلِكَ جُعِلَ كَأَنَّ الْكِتَابَةَ لَمْ تَكُنْ وَتَبَيَّنَ بِهِ أَنَّ الْأَمَةَ كُلَّهَا أُمُّ وَلَدٍ لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْمُقْتَضِي لِلتَّكْمِيلِ قَائِمٌ وَالْمَانِعَ مِنْ التَّكْمِيلِ الْكِتَابَةُ، وَقَدْ زَالَتْ فَيَعْمَلُ الْمُقْتَضِي عَمَلَهُ مِنْ وَقْتِ وُجُودِهِ فَيَضْمَنُ لِلْآخَرِ نِصْفَ قِيمَتِهَا؛ لِأَنَّهُ يَتَمَلَّكُ نَصِيبَهُ لِتَكْمِيلِ الِاسْتِيلَادِ وَنِصْفَ عُقْرِهَا وَضَمِنَ الْآخَرُ قِيمَةَ الْوَلَدِ وَالْوَلَدُ حُرٌّ بِالْقِيمَةِ لِكَوْنِهِ وَطِئَ أَمَةَ الْغَيْرِ فَلَزِمَهُ كَمَالُ الْعُقْرِ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَضْمَنَ شَرِيكُهُ قِيمَةَ الْوَلَدِ عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْوَلَدِ حُكْمُ أُمِّهِ وَلَا قِيمَةَ لِأُمِّ الْوَلَدِ عِنْدَهُ فَكَذَا لِابْنِهَا وَأُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا عَلَى قَوْلِهِمَا أَمَّا عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ ضَمَانُ قِيمَةِ الْوَلَدِ وَلَيْسَ هَذَا الْجَوَابُ بِشَيْءٍ اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُ فَكَاتَبَاهَا لَيْسَ بِقَيْدٍ احْتِرَازِيٍّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَاتَبَهَا أَحَدُهُمَا فَوَلَدَتْ فَادَّعَاهُ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ عِنْدَ هُمَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ، وَلَوْ كَاتَبَ نَصِيبَهُ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ، ثُمَّ عَلِقَتْ مِنْهُ فَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ لَهُ وَهِيَ مُكَاتَبَةٌ عَلَى حَالِهَا عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ كُلَّهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَيَتَمَلَّكُ نَصِيبَ شَرِيكِهِ بِالضَّمَانِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ لَا تَتَجَزَّأُ عِنْدَهُمَا فَيَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهَا أَوْ نِصْفَ عُقْرِهَا لِشَرِيكِهِ وَنِصْفَ عُقْرِهَا لَهَا وَاخْتُلِفَ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ قِيلَ لَا يَصِيرُ الْكُلُّ أُمَّ وَلَدٍ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ لَمْ يُفِدْ حَقَّ الْعِتْقِ فِي نَصِيبِ الْمُسْتَوْلَدِ لِلْحَالِّ فَلَا يَضْمَنُ شَيْئًا لِشَرِيكِهِ وَيَضْمَنُ جَمِيعَ الْعُقْرِ لِلْمُكَاتَبَةِ، وَقِيلَ يَصِيرُ الْكُلُّ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ فِي نَصِيبِهِ عَامِلٌ لِلْحَالِّ لِقِيَامِ مِلْكِهِ فِيهِ فَيَمْتَلِكُهُ الْمُسْتَوْلِدُ فَيَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهَا وَنِصْفَ الْعُقْرِ لِشَرِيكِهِ وَنِصْفَهُ لِلْمُكَاتَبَةِ، وَلَوْ وَطِئَهَا الَّذِي لَمْ يُكَاتِبْ فَعَلِقَتْ بِهِ فَهِيَ أُمُّ وَلَدِهِ وَالْمُكَاتَبَةُ جَائِزَةٌ وَلَا يُتَمَلَّكُ نَصِيبُ الْمُكَاتَبِ بِالِاسْتِيلَادِ عِنْدَهُ، وَقِيلَ يَنْبَغِي أَنْ تَنْفَسِخَ الْكِتَابَةُ بِنَفْسِ الِاسْتِيلَادِ، وَعِنْدَهُمَا يَتَمَلَّكُ نَصِيبَ صَاحِبِهِ مُكَاتَبَةً؛ لِأَنَّ كُلَّهَا صَارَ مُكَاتَبًا بِكِتَابَةِ الْأَوَّلِ وَصَارَتْ كُلُّهَا أُمَّ وَلَدٍ، وَلَوْ كَاتَبَهَا بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ وَاكْتَسَبَتْ مَالًا وَأَدَّتْ فَعَتَقَتْ، ثُمَّ اكْتَسَبَتْ مَالًا، ثُمَّ حَضَرَ غَيْرُ الْمُكَاتَبِ فَلَهُ نِصْفُ كَسْبِهَا قَبْلَ أَدَاءِ الْبَدَلِ وَكَسْبُهَا بَعْدَ الْأَدَاءِ لَهَا، وَعِنْدَهُمَا هِيَ حُرَّةٌ فَيَكُونُ لَهَا وَتَأْخُذُ نِصْفَ الْمُؤَدَّى مِنْ الْمُكَاتَبِ. وَلَوْ وَلَدَتْ الْمُكَاتَبَةُ بِنْتًا فَوَلَدَتْ الْبِنْتَ وَلَدًا فَادَّعَاهُ أَحَدُهُمَا صَحَّ الِاسْتِيلَادُ مِنْهُ فَإِنْ عَجَزَتْ الْمُكَاتَبَةُ صَارَتْ الْبِنْتُ أُمَّ الْوَلَدِ لِلْوَاطِئِ وَيَضْمَنُ لِشَرِيكِهِ نِصْفَ قِيمَتِهَا يَوْمَ عَلِقَتْ؛ لِأَنَّ بِعَجْزِ الْأُمِّ صَارَتْ قِنَّةً فَيَمْتَلِكُهَا الْمُسْتَوْلِدُ مِنْ وَقْتِ الْعُلُوقِ فَإِنْ لَمْ تَعْجِزْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 66 وَأَعْتَقَ الشَّرِيكُ الْآخَرُ الْبِنْتَ بَعْدَ الْعُلُوقِ صَحَّ وَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهَا وَوَلَدُهَا حُرٌّ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَعِنْدَهُمَا إنْ أَدَّتْ الْبِنْتُ عَتَقَتْ وَلَا ضَمَانَ وَلَا سِعَايَةَ وَإِنْ عَجَزَتْ الْبِنْتُ فَالْأُمُّ فَالْبِنْتُ كَأُمِّ الْوَلَدِ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ أَعْتَقَهَا أَحَدُهُمَا مُكَاتَبَةً بَيْنَهُمَا وَلَدَتْ فَأَعْتَقَ أَحَدُهُمَا الْوَلَدَ عَتَقَ نَصِيبُهُ وَإِنْ أَعْتَقَ الْأُمَّ عَتَقَ نِصْفُهُ الْآخَرُ تَبَعًا لِلْأُمِّ وَإِنْ عَجَزَتْ فَلِشَرِيكِهِ فِي الْوَلَدِ الْخِيَارَاتُ الثَّلَاثُ مُكَاتَبَةً بَيْنَهُمَا وَلَدَتْ بِنْتًا فَعَلِقَتْ مِنْهُمَا، ثُمَّ مَاتَا عَتَقَتْ الْبِنْتُ وَحْدَهَا وَالْأُمُّ مُكَاتَبَةً عَلَى حَالِهَا، وَلَوْ كَانَتْ الْأُمُّ هِيَ الَّتِي وَلَدَتْ مِنْهُمَا فَمَاتَا عَتَقَتْ وَعَتَقَ وَلَدُهَا وَإِنْ عَجَزَتْ، ثُمَّ وَلَدَتْ مِنْهُمَا فَالْوَلَدُ الْأَوَّلُ رَقِيقٌ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ انْفَسَخَتْ بِالْعَجْزِ فِي حَقِّهِمَا وَصَارَا قِنَّيْنِ، ثُمَّ صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ وَالْأَوَّلُ مُنْفَصِلٌ فَلَا يَسْرِي حَقُّ الْحُرِّيَّةِ اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَيٌّ دَفَعَ الْعُقْرَ إلَى الْمُكَاتَبَةِ صَحَّ) يَعْنِي وَأَيٌّ دَفَعَ الْعُقْرَ إلَى الْمُكَاتَبَةِ جَازَ؛ لِأَنَّهُ حَقُّهَا حَالَ قِيَامِ الْكِتَابَةِ فَإِذَا عَجَزَتْ تَرُدُّهُ إلَى الْمَوْلَى قَالَ فِي الْعِنَايَةِ يَعْنِي إذَا دَفَعَ قَبْلَ الْعَجْزِ، وَهَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ، وَعِنْدَهُمَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لِلْأَوَّلِ وَلَزِمَهُ كُلُّ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لَا يَخْلُو عَنْ الضَّمَانِ الْجَائِزِ أَوْ الْحَدِّ الزَّاجِرِ وَانْتَفَى الْحَدُّ لِلشُّبْهَةِ فَيَجِبُ الْعُقْرُ، وَلَوْ عَجَزَتْ فَرُدَّتْ فِي الرِّقِّ تُرَدُّ إلَى الْمَوْلَى لِظُهُورِ اخْتِصَاصِهِ بِهَا اهـ. وَفِي الْمَبْسُوطِ كَاتَبَ جَارِيَتَهُ، ثُمَّ مَاتَ عَنْ ابْنَيْنِ فَاسْتَوْلَدَهَا أَحَدُهُمَا فَهِيَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَتْ عَجَزَتْ نَفْسَهَا وَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ لَهُ وَيَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهَا وَنِصْفَ عُقْرِهَا لِشَرِيكِهِ وَإِنْ شَاءَتْ مَضَتْ عَلَى كِتَابَتِهَا وَأَخَذَتْ عُقْرَهَا وَسَقَطَ الْحَدُّ لِشُبْهَةِ حَقِّ الْمِلْكِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ دَبَّرَ الثَّانِي وَلَمْ يَطَأْهَا فَعَجَزَتْ بَطَلَ التَّدْبِيرُ وَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ لِلْأَوَّلِ) ، وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ أَمَّا عِنْدَهُمَا؛ فَلِأَنَّ الْمُسْتَوْلَدَ يَمْلِكُهَا قَبْلَ الْعَجْزِ، وَأَمَّا عِنْدَهُ؛ فَلِأَنَّهُ بِالْعَجْزِ ظَهَرَ أَنَّ كُلَّهَا أُمُّ وَلَدٍ لِلْأَوَّلِ وَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهَا مِلْكٌ كَمَا مَرَّ وَالْمِلْكُ شَرْطٌ لِصِحَّةِ التَّدْبِيرِ بِخِلَافِ ثُبُوتِ النَّسَبِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ كَافٍ وَلِهَذَا لَوْ اشْتَرَى أَمَةً فَدَبَّرَهَا، ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ بَطَلَ التَّدْبِيرُ، وَلَوْ اسْتَوْلَدَهَا فَاسْتُحِقَّتْ لَمْ يَبْطُلْ وَكَانَ الْوَلَدُ حُرًّا بِقِيمَتِهِ فَكَذَا هُنَا وَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ نَصِيبَ شَرِيكِهِ وَيُكْمِلُ الِاسْتِيلَادَ لِلْإِمْكَانِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَضَمِنَ لِشَرِيكِهِ نِصْفَ قِيمَتِهَا) ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ نِصْفَهَا بِالِاسْتِيلَادِ عَلَى مَا بَيَّنَّا قَبْلَ ذَلِكَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَنِصْفَ عُقْرِهَا) ؛ لِأَنَّهُ وَطِئَ جَارِيَةً مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمَا فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْعُقْرُ بِحِسَابِهِ. وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْوَلَدُ لِلْأَوَّلِ) ؛ لِأَنَّ دَعْوَاهُ قَدْ صَحَّتْ عَلَى مَا مَرَّ، وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ، وَهَذَا مُتَكَرِّرٌ مَعَ قَوْلِهِ وَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ فِي ذَاتِ الْأَمَةِ، وَهَذَا فِي الْأَوْلَادِ فَلَا تَكْرَارَ وَاعْتُرِضَ بِاخْتِلَافِ الْمَوْضُوعِ بِأَنَّ هَذَا يُوهِمُ أَنَّ الثَّانِي وَطِئَ وَادَّعَى وَالْمَوْضُوعُ خِلَافُهُ فَلَوْ قَالَ وَتَمَّ الِاسْتِيلَادُ لِلْأَوَّلِ لَسُلِّمَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ كَاتَبَاهَا فَحَرَّرَهَا أَحَدُهُمَا مُوسِرًا فَعَجَزَتْ ضَمِنَ لِشَرِيكِهِ نِصْفَ قِيمَتِهَا وَرَجَعَ بِهِ عَلَيْهَا) ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا لَا يَرْجِعُ الْمُعْتَقُ عَلَيْهَا وَيَسْتَسْعِيهَا السَّاكِتُ إنْ كَانَ الْمُعْتَقُ مُعْسِرًا وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ الْإِعْتَاقَ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُمَا وَالْكِتَابَةَ لَا تَمْنَعُ الْعِتْقَ فَعَتَقَتْ كُلُّهَا لِلْحَالِّ وَانْفَسَخَتْ الْكِتَابَةُ فَالْحُكْمُ عِنْدَهُمَا مَا تَقَدَّمَ وَمِنْ أَصْلِ الْإِمَامِ أَنَّ الْعِتْقَ عِنْدَهُ يَتَجَزَّأُ فَجَازَ إعْتَاقُ النِّصْفِ فَلَا يُؤَثِّرُ الْفَسَادُ فِي نَصِيبِ السَّاكِتِ فَلَا يَضْمَنُ الْعِتْقَ قَبْلَ الْعَجْزِ لِعَدَمِ ظُهُورِ أَثَرِ الْإِعْتَاقِ فِيهَا فَإِذَا عَجَزَتْ ظَهَرَ أَثَرُ الْعِتْقِ وَكَانَ لِلسَّاكِتِ الْخِيَارَاتُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْعِتْقِ وَهِيَ إنْ كَانَ مُوسِرًا فَلَهُ أَنْ يُعْتَقَ أَوْ يُسْتَسْعَى أَوْ الضَّمَانُ فَإِذَا ضَمِنَ كَانَ لِلْمُعْتَقِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْعَبْدِ وَإِنْ كَانَ الْمُعْتَقُ مُعْسِرًا كَانَ لَهُ خِيَارُ الْعِتْقِ أَوْ الِاسْتِسْعَاءِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي الْعِتْقِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ دَبَّرَهَا أَوْ اسْتَوْلَدَهَا فَإِذَا عَجَزَتْ ظَهَرَ أَثَرُهُمَا فَيَضْمَنُ قِيمَتَهَا مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا؛ لِأَنَّ هَذَا ضَمَانُ تَمَلُّكٍ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَتَجَزَّآنِ فَصَارَتْ كُلُّهَا أُمَّ الْوَلَدِ أَوْ مُدَبَّرَةً وَيَضْمَنُ لِشَرِيكِهِ نِصْفَ قِيمَتِهَا فِي الْحَالِّ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ تَمَلُّكٍ فَلَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ وَيَضْمَنُ الْعُقْرَ فِي الِاسْتِيلَادِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (عَبْدٌ لَهُمَا دَبَّرَهُ أَحَدُهُمَا، ثُمَّ حَرَّرَهُ الْآخَرُ مُوسِرًا لِلْمُدَبَّرِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُعْتَقَ نِصْفَ قِيمَتِهِ) ، وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ وَوَجْهُهُ أَنَّ التَّدْبِيرَ يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ فَيَقْتَصِرُ التَّدْبِيرُ عَلَى نَصِيبِ الْمُدَبَّرِ لَكِنْ يَفْسُدُ بِهِ نَصِيبُ الْآخَرِ فَيَثْبُتُ خِيَارُ التَّضْمِينِ أَوْ الْإِعْتَاقِ أَوْ الِاسْتِسْعَاءِ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ مَذْهَبِهِ فَإِذَا أَعْتَقَ لَمْ يَبْقَ لَهُ خِيَارُ التَّضْمِينِ وَالِاسْتِسْعَاءِ فَيَقْتَصِرُ عَلَى نَصِيبِهِ؛ لِأَنَّهُ يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ لَكِنْ يَفْسُدُ نَصِيبُ الْآخَرِ فَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ نَصِيبَهُ وَلَهُ خِيَارُ الْعِتْقِ وَالِاسْتِسْعَاءِ فَإِذَا ضَمَّنَهُ يُضَمِّنَهُ قِيمَةَ نَصِيبِهِ مُدَبَّرًا، وَقَدْ عُرِفَ قِيمَةُ الْمُدَبَّرِ فِي بَابِهِ، وَإِذَا ضَمَّنَهُ لَا يَتَمَلَّكُهُ بِالضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ النَّقْلُ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ كَمَا إذَا غَصَبَ مُدَبَّرًا وَأَبَقَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 67 وَضَمِنَ الْغَاصِبُ قِيمَتَهُ فَإِنَّهُ لَا يَتَمَلَّكُهُ كَذَا هَذَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ، ثُمَّ حَرَّرَهُ الْآخَرُ فَعُلِمَ أَنَّهُ قِنٌّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ قِنًّا قَالَ فِي الْمُحِيطِ مُكَاتَبٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ دَبَّرَ أَحَدُهُمَا صَارَ الْكُلُّ مُدَبَّرًا لَهُ وَهُوَ مُكَاتَبٌ لَهُ عِنْدَهُمَا وَيَتَمَلَّكُهُ بِالْقِيمَةِ لَلشَّرِيكِ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُمَا فَتَدْبِيرُهُ لَا فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ فَإِذَا تَمَلَّكَهُ يَتَمَلَّكُ بِضَمَانِ الْقِيمَةِ وَضَمَانُ الْقِيمَةِ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ وَاخْتَلَفُوا أَنَّهُ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ مُكَاتَبًا أَوْ قِنًّا قِيلَ يَغْرَمُ نِصْفَ قِيمَتِهِ قِنًّا؛ لِأَنَّهُ تَنْفَسِخُ الْكِتَابَةُ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ؛ لِأَنَّ فَسْخَ الْكِتَابَةِ لَا يَتَجَزَّأُ. وَقِيلَ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ مُكَاتَبًا؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ إنَّمَا لَا يَحْتَمِلُ التَّجَزُّؤ لِضَرُورَةِ تَضَادِّ الْأَحْكَامِ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ هُنَا فَإِنَّ الْكُلَّ قَدْ صَارَ مُدَبَّرًا مِنْ جِهَةِ الْمُدَبِّرِ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ التَّدْبِيرُ يَتَجَزَّأُ فَيَصِيرُ نِصْفُهُ مُدَبَّرًا فَقَدْ اجْتَمَعَ فِي النِّصْفِ سَبَبَا الْحُرِّيَّةِ الْكِتَابَةُ وَالتَّدْبِيرُ وَفِي النِّصْفِ سَبَبٌ وَاحِدٌ وَهُوَ الْكِتَابَةُ فَإِذَا أَدَّى عَتَقَ فَإِنْ مَاتَ الْمُدَبَّرُ عَتَقَ، وَعِنْدَهُمَا فِي الْكُلِّ اجْتَمَعَا سَبَبَا الْحُرِّيَّةِ الْكِتَابَةُ وَالتَّدْبِيرُ؛ لِأَنَّ مَنْ قَالَ تَنْفَسِخُ يَقُولُ بِالْفَسْخِ فِي حَقِّ التَّمَلُّكِ لِضَرُورَةِ صِحَّةِ التَّدْبِيرِ فَلَا يَظْهَرُ الْفَسْخُ فِي حَقِّ حُكْمٍ آخَرَ وَهُوَ الْعِتْقُ بِأَدَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ تَتَكَرَّرُ مَعَ قَوْلِهِ عَبْدٌ لِمُوسِرَيْنِ دَبَّرَ أَحَدُهُمَا وَحَرَّرَ الْآخَرُ وَمِثْلُ هَذَا لَا يَلِيقُ بِهَذَا الْمُخْتَصَرِ وَأَيْضًا مَحَلُّ هَذِهِ الْمَسَائِلِ بَابُ الْعِتْقِ فَتَدَبَّرْهُ وَفِي الْمُحِيطِ أَنْتَ تُكَاتِبُ بِأَلْفٍ يَا فُلَانُ وَيَا فُلَانُ فَالْكِتَابَةُ وَالْقَبُولُ لِلْأَوَّلِ، وَلَوْ قَالَ أَنْتَ تُكَاتِبُ يَا فُلَانُ وَفُلَانُ بِأَلْفٍ فَالْكِتَابَةُ وَالْقَبُولُ لِلثَّانِي قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ حَرَّرَهُ أَحَدُهُمَا، ثُمَّ دَبَّرَهُ الْآخَرُ لَا يَضْمَنُ الْمُعْتَقُ) ؛ لِأَنَّ الْمُدَبِّرَ كَانَ لَهُ الْخِيَارَاتُ السَّابِقَةُ فَإِذَا دَبَّرَهُ لَمْ يَبْقَ لَهُ خِيَارُ التَّضْمِينِ وَبَقِيَ خِيَارُ الْعِتْقِ وَالِاسْتِسْعَاءِ، وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ، وَعِنْدَهُمَا تَدْبِيرُ الثَّانِي بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُمَا فَيُعْتَقُ كُلُّهُ فَلَمْ يُصَادِفْ التَّدْبِيرُ الْمِلْكَ وَيَضْمَنُ قِيمَتَهُ إنْ كَانَ مُوسِرًا؛ لِأَنَّ هَذَا ضَمَانُ إعْتَاقٍ فَيَخْتَلِفُ بَيْنَ الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [بَابُ مَوْتِ الْمُكَاتَبِ وَعَجْزِهِ وَمَوْتِ الْمَوْلَى] تَأْخِيرُ بَابِ أَحْكَامِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ ظَاهِرُ التَّنَاسُبِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مُتَأَخِّرَةٌ عَنْ عَقْدِ الْكِتَابَةِ فَكَذَا بَيَانُ أَحْكَامِهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (مُكَاتَبٌ عَجَزَ عَنْ نَجْمٍ وَلَهُ مَالٌ سَيَصِلُ لَمْ يُعْجِزْهُ الْحَاكِمُ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) نَظَرًا لِلْجَانِبَيْنِ وَالثَّلَاثَةُ هِيَ الْمُدَّةُ الَّتِي ضُرِبَتْ لِإِمْهَالِ الْأَعْذَارِ كَإِمْهَالِ الْخَصْمِ لِلدَّفْعِ وَالْمَدِينِ لِلْقَضَاءِ فَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ وَالْمَدِينِ بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى كَإِمْهَالِ أَقُولُ: هَذَا بِحَسَبِ الظَّاهِرِ غَيْرُ صَحِيحٍ قَطْعًا؛ لِأَنَّا لَا نَشُكُّ أَنَّ الْمَدْيُونَ مَعْطُوفٌ عَلَى الْخَصْمِ وَالْمَعْنَى وَكَإِمْهَالِ الْمَدْيُونِ لِأَجْلِ الْقَضَاءِ وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الْإِمْهَالِ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ نَجْمٍ فَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ حَاضِرٌ أَوْ غَائِبٌ بِأَنْ قَالَ لِي مَالٌ عَلَى إنْسَانٍ أَوْ قَالَ يَجِيءُ فِي الْقَافِلَةِ يُمْهِلُهُ الْقَاضِي إلَى الثَّلَاثَةِ أَيَّامٍ إذْ انْتِظَارُ الْمُدَّةِ مَنْدُوبٌ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ يَنْتَظِرُ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً اسْتِحْسَانًا وَالْوَاجِبُ لَا يُجْبَرُ فِيهِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ النَّجْمَ هُوَ الطَّالِعُ وَسُمِّيَ بِهِ الْوَقْتُ الْمَضْرُوبُ، ثُمَّ سُمِّيَ بِهِ مَا يُؤَدِّي مِنْ الْوَظِيفَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَّا عَجَزَهُ وَفَسَخَهَا أَوْ سَيِّدُهُ بِرِضَاهُ) يَعْنِي إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ سَيَصِلُ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَسَخَ الْقَاضِي الْكِتَابَةَ أَوْ فَسَخَ الْمَوْلَى بِرِضَا الْمُكَاتَبِ، وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ وَمُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَعْجِزُهُ حَتَّى يَتَوَالَى عَلَيْهِ نَجْمَانِ لِقَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إذَا تَوَالَى عَلَى الْمُكَاتَبِ نَجْمَانِ يُرَدُّ فِي الرِّقِّ وَالْأَمْرُ فِيمَا لَا يُدْرَكُ بِالْقِيَاسِ كَالْخَبَرِ؛ وَلِأَنَّهُ عَقْدُ إرْفَاقٍ حَتَّى كَانَ التَّأْجِيلُ فِيهِ سُنَّةً وَلَهُمَا مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَسْخُهَا بِعَجْزِ الْمُكَاتَبِ عَنْ نَجْمٍ وَرَدِّهِ إلَى الرِّقِّ وَالْأَثَرُ فِيهِ كَالْمَرْفُوعِ وَمَا رَوَاهُ عَنْ عَلِيٍّ لَا يَنْفِي الْفَسْخَ إذَا عَجَزَ عَنْ نَجْمٍ، بَلْ هُوَ سُكُوتٌ عَنْهُ وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ أَوْ سَيِّدُهُ بِرِضَاهُ أَنَّ الْكِتَابَةَ لَازِمَةٌ مِنْ جَانِبِ الْمَوْلَى غَيْرُ لَازِمَةٍ مِنْ جَانِبِ الْعَبْدِ فَلَوْ أَرَادَ الْعَبْدُ أَنْ يَعْجِزَ نَفْسَهُ وَيَفْسَخَ الْكِتَابَةَ وَأَبَى الْمَوْلَى ذَلِكَ فَلِلْعَبْدِ ذَلِكَ فِي الرِّوَايَةِ الصَّحِيحَةِ وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ أَنَّهَا لَازِمَةٌ مِنْ جَانِبِ الْعَبْدِ أَيْضًا، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْسَخَهَا بِغَيْرِ رِضَا الْمَوْلَى وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فَسَخَهَا يَعْنِي الْحَاكِمُ يَحْكُمُ بِعَجْزِهِ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ عِنْدَ طَلَبِ الْمَوْلَى وَلَهُ وِلَايَةُ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ الْعَبْدُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَضَاءِ كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ مُكَاتَبٌ عَجَزَ عَنْ نَجْمٍ صَادِقٌ بِمَا إذَا كَاتَبَهُ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ غَيْرِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ هُوَ خَاصٌّ بِمَا إذَا كَاتَبَهُ وَحْدَهُ قَالَ فِي الْمُحِيطِ، وَلَوْ كَاتَبَ عَبْدَيْنِ كِتَابَةً وَاحِدَةً فَعَجَزَ أَحَدُهُمَا فَرَدَّهُ الْقَاضِي فِي الرِّقِّ وَالْقَاضِي لَا يَعْلَمُ بِمُكَاتَبَةِ الْآخَرِ مَعَهُ، ثُمَّ أَدَّى الْآخَرُ الْكِتَابَةَ عَتَقَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ رَدُّ الْأَوَّلِ فِي الرِّقِّ مَا دَامَ الْآخَرُ قَادِرًا عَلَى أَدَاءِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 68 بَدَلِ الْكِتَابَةِ وَلِهَذَا لَوْ عَلِمَ الْقَاضِي بِكِتَابَةِ الْآخَرِ لَا يُرَدُّ حَتَّى يَجْتَمِعَا، وَلَوْ كَاتَبَ الْمَوْلَيَانِ عَبْدًا لَهُمَا كِتَابَةً وَاحِدَةً فَعَجَزَ لَمْ يُرَدَّ فِي الرِّقِّ حَتَّى يَجْتَمِعَ الْمَوْلَيَانِ؛ لِأَنَّهُ إذَا غَابَ أَحَدُهُمَا كَانَ الْفَسْخُ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ مُتَعَذِّرًا. وَلَوْ مَاتَ الْمَوْلَى عَنْ وَرَثَةٍ فَلِبَعْضِهِمْ الرَّدُّ فِي الرِّقِّ بِقَضَاءٍ وَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ بِغَيْرِ قَضَاءٍ؛ لِأَنَّ بَعْضَ الْوَرَثَةِ يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ الْمَيِّتِ فِيمَا لَهُ وَفِيمَا عَلَيْهِ وَفِي الْمُحِيطِ كَاتَبَ عَبْدَيْهِ كِتَابَةً وَاحِدَةً فَارْتَدَّ أَحَدُهُمَا وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَعَجَزَ الْحَاضِرُ لَمْ يَرُدَّهُ الْقَاضِي فِي الرِّقِّ وَإِنْ رَدَّهُ لَمْ يَكُنْ رَدًّا لِلْآخَرِ حَتَّى لَوْ رَجَعَ مُسْلِمًا لَمْ يَرُدَّهُ إلَى مَوْلَاهُ فَلَوْ قَالَ فِي كِتَابَةٍ وَاحِدَةٍ لَكَانَ أَوْلَى اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَادَ أَحْكَامُ الرِّقِّ) يَعْنِي إذَا عَجَزَ عَادَ إلَى أَحْكَامِ الرِّقِّ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ قَدْ انْفَسَخَتْ وَفَكَّ الْحَجْرِ كَانَ لِأَجْلِ عَقْدِ الْكِتَابَةِ فَلَا يَبْقَى بِدُونِ الْعَقْدِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُؤَلِّفَ قَالَ وَعَادَ أَحْكَامُ وَلَمْ يَقُلْ عَادَ إلَى الرِّقِّ؛ لِأَنَّهُ فِيهِ بَاقٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَا فِي يَدِهِ لِسَيِّدِهِ) ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّهُ كَسْبُ عَبْدِهِ إذَا كَانَ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ أَوْ عَلَى الْمَوْلَى عَلَى تَقْدِيرِ الْأَدَاءِ كَانَ لَهُ وَعَلَى تَقْدِيرِ الْعَجْزِ كَانَ لِلْمَوْلَى، وَقَدْ تَحَقَّقَ الْعَجْزُ فَكَانَ لِمَوْلَاهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ مَاتَ وَلَهُ مَالٌ لَمْ تُفْسَخْ) ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَبِهِ أَخَذَ عُلَمَاؤُنَا، وَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ تَنْفَسِخُ الْكِتَابَةُ بِمَوْتِهِ وَبِهِ أَخَذَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ لَهُ أَنَّ الْعَقْدَ لَوْ بَقِيَ لَبَقِيَ لِتَحْصِيلِ الْعِتْقِ بِالْأَدَاءِ. وَقَدْ تَعَذَّرَ إثْبَاتُهُ فَبَطَلَ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَخْلُوا إمَّا أَنْ يُثْبِتَ الْعِتْقَ قَبْلَ الْمَوْتِ أَوْ بَعْدَهُ مُقْتَصِرًا أَوْ مُسْتَنِدًا لَا وَجْهَ إلَى الْأَوَّلِ لِعَدَمِ شَرْطِهِ وَهُوَ الْأَدَاءُ وَالشَّيْءُ لَا يَسْبِقُ شَرْطَهُ وَلَا إلَى الثَّانِي؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِنُزُولِ الْعِتْقِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ إثْبَاتُ قُوَّةِ الْمَيِّتِ وَهُوَ لَا يُتَصَوَّرُ فِي الْمَالِكِيَّةِ بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَعْقُودٍ عَلَيْهِ، بَلْ عَاقِدٌ وَالْعَقْدُ يَبْطُلُ بِمَوْتِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ لَا بِمَوْتِ الْعَاقِدِ؛ وَلِأَنَّ الْمَوْلَى يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُعْتِقًا بَعْدَ الْمَوْتِ كَمَا إذَا قَالَ أَنْت حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي وَلَنَا أَنَّ الْكِتَابَةَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ لَا تَنْفَسِخُ بِمَوْتِ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَهُوَ الْمَوْلَى فَلَا يَنْفَسِخُ بِمَوْتِ الْآخَرِ وَهُوَ الْعَبْدُ كَالْبَيْعِ؛ وَلِأَنَّ قَضِيَّةَ الْمُعَاوَضَةِ الْمُسَاوَاةُ فَإِذَا بَقِيَ الْعَقْدُ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى لِحَاجَتِهِ إلَى الْوَلَاءِ وَغَيْرِهِ جَازَ أَنْ يَبْقَى بَعْدَ مَوْتِ الْعَبْدِ لِحَاجَتِهِ إلَى الْحُرِّيَّةِ لِيُتَوَصَّلَ إلَى حُرِّيَّةِ أَوْلَادِهِ، وَلَوْ مَاتَ عَاجِزًا تُفْسَخُ الْكِتَابَةُ، وَلَوْ قَذَفَهُ إنْسَانٌ بَعْدَ الْأَدَاءِ يَلْزَمُهُ الْحَدُّ، وَقِيلَ الْأَدَاءُ لَا يَلْزَمُهُ الْحَدُّ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ ثَبَتَ مُسْتَنِدًا إلَى آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ فَلَا يَظْهَرُ الِاسْتِنَادُ فِي حَقِّ هَذَا الْحُكْمِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتُؤَدَّى كِتَابَتُهُ مِنْ مَالِهِ) يَعْنِي يُؤَدِّي مَنْ خَلْفَهُ فَيَكُونُ أَدَاءُ الْخَلِيفَةِ كَأَدَائِهِ بِنَفْسِهِ فَإِنْ قِيلَ الْأَدَاءُ فِعْلٌ وَالِاسْتِنَادُ يَكُونُ فِي أَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ قُلْنَا نَعَمْ لَكِنَّ فِعْلَ الثَّابِتِ مُضَافًا إلَى حِسِّيِّ الثُّبُوتِ وَهَذِهِ الْإِضَافَةُ شَرْعِيَّةٌ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ رَمَى صَيْدًا فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهُ، ثُمَّ أَصَابَهُ صَارَ مَالِكًا لَهُ حَتَّى يُورَثَ عَنْهُ وَالْمَالِكُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لَكِنْ لَمَّا صَحَّ السَّبَبُ وَالْمِلْكُ يَثْبُتُ بَعْدَ تَمَامِ السَّبَبِ وَتَمَامُهُ بِالْإِضَافَةِ إلَيْهِ وَهُوَ لَيْسَ أَهْلًا لَهُ ثَبَتَ الْمِلْكُ مِنْ حِينِ الْإِمْكَانِ وَهُوَ آخِرُ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ. فَكَذَا هُنَا وَفِي الْأَصْلِ إذَا مَاتَ الْمُكَاتَبُ عَنْ وَفَاءٍ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ لِأَجْنَبِيٍّ سِوَى بَدِلِ الْكِتَابَةِ وَلَهُ مَالٌ يُوَفَّى وَلَهُ وَصَايَا يُبْدَأُ مِنْ تَرِكَتِهِ بِدَيْنِ الْأَجْنَبِيِّ، ثُمَّ بَدَلِ الْكِتَابَةِ وَتَبْطُلُ وَصَايَاهُ وَمَا بَقِيَ يُقَسَّمُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ وَإِنْ لَمْ يَبْقَ بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ شَيْءٌ يُبْدَأُ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ وَلَا يُبْدَأُ بِالدَّيْنِ وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ مَالًا إلَّا دَيْنًا عَلَى النَّاسِ فَاسْتَسْعَى الْمَوْلُودُ فِي الْكِتَابَةِ فَعَجَزَ يُرَدُّ فِي الرِّقِّ فَإِذَا خَرَجَ الدَّيْنُ بَعْدَ ذَلِكَ فَذَلِكَ لِلْمَوْلَى اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَحَكَمَ بِعِتْقِهِ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ) بِأَنْ يُقَامَ التَّرْكُ الْمَوْجُودُ مِنْهُ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ مَقَامَ التَّخْلِيَةِ بَيْنَ الْمَالِ وَالْمَوْلَى وَهُوَ الْأَدَاءُ الْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ وَمَا بَقِيَ فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ قَالَ فِي نَوَادِرِ بِشْرٍ عَنْ الثَّانِي مَاتَ مُكَاتِبٌ عَنْ وَفَاءٍ وَلَهُ أَوْلَادٌ مِنْ أَمَتِهِ فَمَاتَ بَعْضٌ قَبْلَ الْأَدَاءِ فَأَدَّى مَا عَلَيْهِ وَبَقِيَ مَالٌ فَهُوَ مِيرَاثٌ وَلَا يَرِثُ الِابْنُ الْمَيِّتُ وَمَا تَرَكَهُ الِابْنُ الْمَيِّتُ فَهُوَ لِأُمِّهِ وَإِخْوَتِهِ، وَلَوْ كَانَ الْوَلَدُ مَعَهُ فِي عَقْدِ الْكِتَابَةِ، ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ أَبِيهِ، ثُمَّ أُدِّيَتْ الْكِتَابَةُ لَمْ يَرِثْ أَبَاهُ وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ مُكَاتَبٌ مَاتَ وَتَرَكَ ابْنًا وَلَدًا لَهُ فِي الْكِتَابَةِ وَتَرَكَ أَلْفَيْ دِرْهَمٍ دَيْنًا عَلَى النَّاسِ فَاكْتَسَبَ الِابْنُ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَأَدَّاهَا فِي كِتَابَةِ أَبِيهِ، ثُمَّ خَرَجَ دَيْنُ الْأَبِ وَلَهُ أَخٌ فَإِنَّ الْأَلْفَيْنِ مِيرَاثٌ بَيْنَهُمَا وَلَا يَرْجِعُ الِابْنُ بِمَا أَدَّى فِي الْأَلْفَيْنِ وَإِنْ لَمْ يُؤَدِّ الِابْنُ ذَلِكَ مِنْ مَالِهِ فَلَهُ أَنْ يُؤَدِّيَ ذَلِكَ مِنْ مَالِ الْأَبِ وَفِي الْمُنْتَقَى مُكَاتَبٌ مَاتَ وَلَهُ دَيْنٌ عَلَى النَّاسِ وَلَهُ مَوْلُودٌ وَلَدٌ فِي الْكِتَابَةِ يَسْعَى فِي الْكِتَابَةِ عَلَى نُجُومِهَا وَلَهُ ابْنَانِ حُرَّانِ أَيْضًا، ثُمَّ مَاتَ أَحَدُ الِابْنَيْنِ الْحُرَّيْنِ، ثُمَّ خَرَجَ مَا لِلْمُكَاتَبِ عَلَى النَّاسِ فَأَدَّيْت مِنْ ذَلِكَ بَدَلَ الْكِتَابَةِ فَالْفَاضِلُ بَيْنَ الْوَلَدِ الْحُرِّ وَالْمَوْلُودِ فِي الْكِتَابَةِ وَيَرِثُ الِابْنُ الْحُرُّ أَخَاهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 69 الَّذِي مَاتَ بَعْدَ مَوْتِ الْأَبِ وَالِابْنُ الْمَوْلُودُ فِي الْكِتَابَةِ لَا يَرِثُ مِنْ أَخِيهِ الَّذِي مَاتَ بَعْدَ مَوْتِ الْأَبِ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة مَاتَ الرَّجُلُ عَنْ مُكَاتَبِهِ وَلَهُ وَرَثَةٌ ذُكُورٌ وَإِنَاثٌ، ثُمَّ مَاتَ الْمُكَاتَبُ عَنْ وَفَاءٍ يُؤَدِّي مِنْ ذَلِكَ بَدَلَ الْكِتَابَةِ وَيَكُونُ بَيْنَ الْوَرَثَةِ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ وَمَا فَضَلَ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَيْسَ لِلْمُكَاتَبِ وَارِثٌ فَهُوَ لِلذُّكُورِ مِنْ وَرَثَةِ الْمَوْلَى دُونَ الْإِنَاثِ وَفِي الْمُحِيطِ مَاتَ الْمُكَاتَبُ عَنْ وَفَاءٍ يُبْدَأُ بِالدَّيْنِ، ثُمَّ بِبَدَلِ الْجِنَايَةِ، ثُمَّ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ، ثُمَّ بِمَهْرِ امْرَأَةٍ تَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ، ثُمَّ الْبَاقِي مِيرَاثٌ بَيْنَ أَوْلَادِهِ الَّذِينَ عَتَقُوا بِعِتْقِهِ وَاَلَّذِينَ كَانُوا أَحْرَارًا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ الدُّيُونَ مَتَى اجْتَمَعَتْ يُبْدَأُ بِالْأَقْوَى وَدَيْنُ الْمُدَايَنَةِ أَقْوَى مِنْ دَيْنِ الْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّهُ عِوَضٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَدَيْنَ الْجِنَايَةِ عِوَضٌ مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّ مُبْدَلَهُ لَيْسَ بِمَالٍ وَلِهَذَا لَا يُمْلَكُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَدَيْنُ الْجِنَايَةِ أَقْوَى مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِالْعَجْزِ وَدَيْنُ الْكِتَابَةِ أَقْوَى مِنْ دَيْنِ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ بِإِذْنِ السَّيِّدِ وَالْمَهْرُ وَجَبَ بِعَقْدٍ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ وَإِنْ مَاتَ عَنْ وَفَاءِ دَيْنِ الْمَوْلَى يُبْدَأُ بِدَيْنِ الْمَوْلَى، ثُمَّ بِالْكِتَابَةِ وَالْبَاقِي مِيرَاثٌ فَإِنْ لَمْ يُوَفِّ بِالدَّيْنِ وَالْكِتَابَةِ بَدَأَ بِالْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا بَدَأَ بِهَا يَمُوتُ حُرًّا وَالْوَلَدُ الْمَوْلُودُ فِي الْكِتَابَةِ وَالْوَلَدُ الْمُكَاتَبُ مَعَهُ كِتَابَةً وَاحِدَةً سَيَأْتِي فِي الْإِرْثِ؛ لِأَنَّهُمَا يُعْتَقَانِ مَعَهُ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ فَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ مُنْفَرِدًا بِالْكِتَابَةِ فَأَدَّى بَعْدَ مَوْتِ الْأَبِ بَعْدَ قَضَاءِ مُكَاتَبَةِ الْأَبِ أَوْ قَبْلَهُ لَمْ يَرِثْ؛ لِأَنَّهُ كَانَ عَبْدًا يَوْمَ مَاتَ الْأَبُ فَلَمْ يُعْتَقْ بِعِتْقِهِ وَإِنَّمَا عَتَقَ بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِ كَاتَبَ عَبْدًا مُشْتَرَكًا بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ فَمَاتَ الْعَبْدُ وَتَرَكَ كَسْبًا فَقَدْ مَاتَ عَاجِزًا عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ نِصْفَهُ يَصِيرُ مُكَاتَبًا فَلَا سَبِيلَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى كَسْبِهِ، وَعِنْدَهُمَا كُلُّهُ مُكَاتَبٌ وَيَكُونُ كُلُّ الْكَسْبِ مِلْكًا لَهُ فَيُؤَدِّي مِنْ كَسْبِهِ وَيَضْمَنُ الْمُكَاتَبُ نِصْفَ قِيمَتِهِ لِشَرِيكِهِ اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ تَرَكَ وَلَدًا وُلِدَ فِي كِتَابَتِهِ وَلَا وَفَاءَ سَعَى كَأَبِيهِ عَلَى نُجُومِهِ فَإِنْ أَدَّى حُكِمَ بِعِتْقِهِ وَعِتْقِ أَبِيهِ قَبْلَ مَوْتِهِ) وَظَاهِرُ إطْلَاقِ الْمَتْنِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا وُلِدَ فِي كِتَابَتِهِ مِنْ أَمَتِهِ أَوْ أَمَةِ الْغَيْرِ وَظَاهِرُ الْعِلَّةِ تَقْيِيدُهُ بِالْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ دَخَلَ فِي كِتَابَتِهِ وَكَسْبِهِ لَهُ فَيَخْلُفُهُ فِي الْأَدَاءِ وَصَارَ أَدَاؤُهُ كَأَدَاءِ أَبِيهِ فَجُعِلَ كَأَنَّهُ تَرَكَ وَفَاءً مَعَ الْوَلَدِ وَالظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِهِ يَسْعَى أَنَّ الْوَلَدَ الْمَوْلُودَ فِيهَا لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ قَادِرًا عَلَى السَّعْيِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَالَ فِي الْكَافِي لَوْ كَاتَبَ أَمَته عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَوَلَدَتْ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ وَمَاتَتْ وَبَقِيَ الْوَلَدُ يَبْقَى خِيَارُهُ وَعَقْدُ الْكِتَابَةِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَالثَّانِي وَلَهُ أَنْ يُجِيزَهَا، وَإِذَا أَجَازَ يَسْعَى الْوَلَدُ عَلَى نُجُومِ الْأُمِّ، وَإِذَا أَدَّى عَتَقَتْ الْأُمُّ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهَا وَعَتَقَ وَلَدُهَا، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَعِنْدَ الثَّالِثِ تَبْطُلُ الْكِتَابَةُ وَلَا يَصِحُّ إجَازَةُ الْمَوْلَى وَهُوَ الْقِيَاسُ وَفِي الْمُحِيطِ، وَلَوْ تَرَكَ أُمَّ وَلَدِهِ مَعَهَا وَلَدٌ لَا تُبَاعُ وَاسْتَسْعَتْ فِي الْكِتَابَةِ عَلَى نُجُومِ الْمُكَاتِبِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا وَلَدٌ بَاعَهَا عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ حُرِّيَّةَ أُمِّ الْوَلَدِ لِأَجْلِ الْوَلَدِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ وَلَدٌ تُبَاعُ، وَعِنْدَهُمَا لَا تُبَاعُ وَتُؤَدِّي بَدَلَ الْكِتَابَةِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُكَاتَبِ كَمَا لَوْ كَانَ مَعَهَا وَلَدٌ. وَلَوْ حَلَّ عَلَى أَوْلَادِهِ الْمَوْلُودِينَ فِي الْكِتَابَةِ نَجْمٌ وَلَمْ يُؤَدُّوا أَوْ بَعْضُهُمْ غَائِبٌ لَمْ يُرَدَّ الْحَاضِرُ فِي الرِّقِّ حَتَّى يَرْجِعَ الْغَائِبُ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ عَلَى الْحَاضِرِ فَسْخٌ عَلَى الْغَائِبِ، وَقَدْ تَعَذَّرَ فِي حَقِّ الْغَائِبِ فَتَعَذَّرَ فِي حَقِّ الْحَاضِرِ أَيْضًا وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ، وَإِذَا مَاتَ الْمُكَاتِبُ عَنْ وَلَدٍ مَوْلُودٍ فِي الْكِتَابَةِ وَوَلَدٍ مُشْتَرًى مَعَهَا فَعِنْدَهُمَا يَسْعَيَانِ فِي نُجُومِ الْأُمِّ فَمَا اتَّصَلَ فِي يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَعْدَ مَوْتِ الْأُمِّ فَهُوَ لَهُ خَاصَّةً، وَعِنْدَ الْإِمَامِ الْمَوْلُودِ يَسْعَى عَلَى نُجُومِ الْأُمِّ وَيُؤَدِّي بَدَلَ الْكِتَابَةِ وَهُوَ الْمُطَالَبُ وَيَسْعَى الْوَلَدُ الْمُشْتَرَى وَيَأْخُذُ مِنْ كَسْبِهِ وَيُؤَجِّرُهُ بِأَمْرِ الْقَاضِي وَمَا فَضَلَ يَكُونُ مِيرَاثًا عَنْ الْأُمِّ فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا وَفِي الْأَصْلِ الْوَلَدُ الْمَوْلُودُ فِي الْكِتَابَةِ يَسْعَى فِي دُيُونِ الْأَبِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ تَرَكَ وَلَدًا مُشْتَرًى عَجَّلَ الْبَدَلَ حَالًّا أَوْ رُدَّ رَقِيقًا) وَظَاهِرُ إطْلَاقِ الْمَتْنِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْمُشْتَرَى بَيْنَ أَنْ يَكُونَ وُلِدَ بَعْدَ الْكِتَابَةِ أَوْ قَبْلَهَا وَسَيَأْتِي الْبَيَانُ، وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ، وَعِنْدَهُمَا يَسْعَى عَلَى نُجُومِهِ كَالْمَوْلُودِ فِي الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ بِمَنْزِلَتِهِ حَتَّى جَازَ لِلْمَوْلَى إعْتَاقُهُ كَمَا يَجُوزُ إعْتَاقُ الْمُكَاتَبُ بِنَفْسِهِ بِخِلَافِ سَائِرِ أَكْسَابِ الْمُكَاتَبِ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ إعْتَاقَهُ وَلِلْإِمَامِ أَنَّ الْأَجَلَ يَثْبُتُ بِالشَّرْطِ فِي الْعَقْدِ فَيَثْبُتُ فِي حَقِّ مَنْ دَخَلَ تَحْتَ الْكِتَابَةِ وَالْمُشْتَرَى لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُضِفْ إلَيْهِ الْعَقْدَ وَلَمْ يَسْرِ حُكْمُهُ إلَيْهِ لِكَوْنِهِ مُنْفَصِلًا وَقْتَ الْكِتَابَةِ وَأُورِدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَدْ مَرَّ فِي أَوَّلِ فَصْلِ الْمُكَاتَبِ أَنَّ الْمُكَاتَبَ إذَا اشْتَرَى أَبَاهُ أَوْ ابْنَهُ دَخَلَ فِي كِتَابَتِهِ وَأَيْضًا لَوْ لَمْ يَسْرِ حُكْمُهُ إلَيْهِ لَمَا عَتَقَ عِنْدَهُ بِأَدَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ حَالًّا وَأُجِيبَ أَنَّ الْمُرَادَ بِدُخُولِ الْوَلَدِ الْمُشْتَرَى فِي كِتَابَةِ أَبِيهِ لَيْسَ لِسِرَايَةِ حُكْمِ عَقْدِ الْكِتَابَةِ الَّذِي جَرَى بَيْنَ الْمُكَاتَبِ وَمَوْلَاهُ إلَيْهِ، بَلْ يُجْعَلُ الْمُكَاتَبُ مُكَاتَبًا لِوَلَدِهِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 70 بِاشْتِرَائِهِ إيَّاهُ تَحْقِيقًا لِلصِّلَةِ وَبِأَنَّ عِتْقَ الْوَلَدِ الْمُشْتَرَى عِنْدَهُ بِأَدَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ حَالًّا لَيْسَ لِأَجْلِ السِّرَايَةِ أَيْضًا، بَلْ لِضَرُورَةِ الْمُكَاتَبِ إذْ ذَاكَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ مَاتَ عَنْ وَفَاءٍ، وَقَدْ أَفْصَحَ عَنْهُ فِي الْكَافِي حَيْثُ قَالَ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُبَاعَ بَعْدَ مَوْتِهِ لِفَوَاتِ الْمَتْبُوعِ، وَلَكِنْ إذَا عَجَّلَ وَأَعْطَى مِنْ سَاعَتِهِ صَارَ كَأَنَّهُ مَاتَ عَنْ وَفَاءٍ بِخِلَافِ الْمَوْلُودِ فِي الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ مَائِهِ بَعْدَ الْكِتَابَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ اشْتَرَى ابْنَهُ فَمَاتَ وَتَرَكَ وَفَاءً وَرِثَهُ ابْنُهُ) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَدَّى بَدَلَ الْكِتَابَةِ حُكِمَ بِعِتْقِهِ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ فَيَتْبَعُهُ وَلَدُهُ فِي ذَلِكَ فَيَكُونَانِ حُرَّيْنِ فَظَهَرَ أَنَّهُ مَاتَ حُرٌّ عَنْ وَلَدٍ حُرٍّ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكَذَا لَوْ كَانَ هُوَ وَابْنُهُ مُكَاتَبَيْنِ كِتَابَةً وَاحِدَةً) ؛ لِأَنَّهُمَا صَارَا كَشَخْصٍ وَاحِدٍ فَإِذَا حُكِمَ بِعِتْقِ أَحَدِهِمَا فِي وَقْتٍ يُعْتَقُ الْآخَرُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ ضَرُورَةَ اتِّحَادِ الْعَقْدِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فَيَصِيرُ حُرًّا مَاتَ عَنْ ابْنٍ حُرٍّ، وَلَوْ مَاتَ الْمُكَاتَبُ وَتَرَكَ ثَلَاثَةَ أَوْلَادٍ حُرٌّ وَمَوْلُودٌ فِي الْكِتَابَةِ وَمُكَاتَبٌ مَعَهُ بِعَقْدٍ وَاحِدٍ وَوَصِيًّا تَرِثُهُ أَوْلَادُهُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَبَيَّنَّا وَيَمْلِكُ الْوَصِيُّ بَيْعَ الْعُرُوضِ دُونَ الْعَقَارِ وَالدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْعُرُوضِ مِنْ بَابِ الْحِفْظِ دُونَ الْعَقَارِ وَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ، وَلَوْ مَاتَ الِابْنُ قَبْلَ أَدَاءِ الْكِتَابَةِ لَا يَرِثَانِهِ؛ لِأَنَّ إرْثَهُ لَيْسَ مِنْ حُقُوقِ كِتَابَةِ أَبِيهِ فَلَا يَظْهَرُ الِاسْتِيلَادُ فِي حَقِّهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ تَرَكَ وَلَدًا مِنْ حُرَّةٍ وَدَيْنًا فِيهِ وَفَاءً بِكِتَابَتِهِ فَجَنَى الْوَلَدُ فَقَضَى بِهِ عَلَى عَاقِلَةِ الْأُمِّ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ قَضَاءً بِعَجْزِ الْمُكَاتَبِ) ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِمُوجِبِ الْجِنَايَةِ عَلَى مَوَالِي الْأُمِّ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ وَإِنْ تَرَكَ مَالًا وَهُوَ الدَّيْنُ لَا يُحْكَمُ بِعِتْقِهِ إلَّا عِنْدَ أَدَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ فَكَانَتْ الْجِنَايَةُ عَلَيْهِمْ فَإِذَا قَضَى بِهِ الْقَاضِي عَلَيْهِمْ كَانَ الْقَضَاءُ تَقْرِيرًا لِلْكِتَابَةِ فَتَبْقَى الْكِتَابَةُ عَلَى حَالِهَا فَإِذَا أَدَّى بَعْدَ ذَلِكَ بَدَلَ الْكِتَابَةِ عَتَقَ الْمُكَاتَبُ وَظَهَرَ لِلِابْنِ وَلَاءٌ فِي جَانِبِ الْأَبِ فَيَنْجَرُّ إلَيْهِ وَلَاؤُهُ؛ وَلِأَنَّهُ فَرْعُ ظُهُورِ الْعِتْقِ وَكَانُوا مُضْطَرِّينَ فِيمَا عَقَلُوا فَلَهُمْ الرُّجُوعُ بِذَلِكَ عَلَى مَوَالِي الْأَبِ وَلَا يَرْجِعُونَ بِذَلِكَ عَلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ اخْتَصَمَ مَوَالِي الْأُمِّ وَمَوَالِي الْأَبِ فِي وَلَائِهِ فَقَضَى بِهِ لِمَوَالِي الْأُمِّ فَهُوَ قَضَاءٌ بِالْعَجْزِ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَتْ الْخُصُومَةُ فِي نَفْسِ الْوَلَاءِ بِأَنْ مَاتَ الْوَلَدُ بَعْدَ مَوْتِ الْأَبِ قَبْلَ خُرُوجِ الدَّيْنِ وَقَضَى بِمِيرَاثِهِ لِمَوْلَى الْأُمِّ بَطَلَتْ الْكِتَابَةُ؛ لِأَنَّ الْقَاضِي يَقْضِي بِكَوْنِ الْوَلَاءِ لِمَوْلَى الْأُمِّ؛ لِأَنَّ الْخُصُومَةَ وَقَعَتْ فِي الْوَلَاءِ وَمِنْ ضَرُورَةِ الْقَضَاءِ فَسْخُ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ مِنْ جَانِبِ الْأُمِّ لَا يَثْبُتُ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ إثْبَاتُهُ مِنْ جَانِبِ الْأَبِ وَإِنَّمَا يَتَعَذَّرُ بِفَسْخِ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ بَاقِيَةً يُمْكِنُ أَنْ يَثْبُتَ مِنْ جَانِبِهِ بِالْأَدَاءِ، وَلَوْ خَرَجَ الدَّيْنُ بَعْدَ ذَلِكَ يَكُونُ لِمَوْلَى الْمُكَاتَبِ مِيرَاثًا عَنْ عَبْدِهِ؛ لِأَنَّ صِيَانَةَ الْقَضَاءِ عَنْ الِانْتِقَاضِ وَاجِبٌ بِالْإِجْمَاعِ وَفَسْخَ الْكِتَابَةِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُكَاتَبِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَكَانَ فَسْخُ الْكِتَابَةِ أَوْلَى مِنْ نَقْضِ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالْفِعْلِ لَا يَنْفَسِخُ وَبِالْقَضَاءِ ظَهَرَ الْعَجْزُ مُطْلَقًا حَتَّى لَوْ ظَهَرَ مَالُ مِقْدَارِ الْبَدَلِ وَأَخَذَهُ الْمَوْلَى لَا يَكُونُ بَدَلًا عَنْ الْكِتَابَةِ بِخِلَافِ مَا قَبْلَ الْقَضَاءِ قَالَ فِي الْمُحِيطِ. وَإِذَا مَاتَ الْمُكَاتَبُ عَاجِزًا وَتَرَكَ وَلَدًا حُرًّا فَظَهَرَ لِلْمُكَاتَبِ وَدِيعَةٌ أُدِّيَتْ مِنْهَا كِتَابَتُهُ وَلَا يَتَحَوَّلُ وَلَاءُ الْوَلَدِ إلَى مَوْلَى الْأَبِ؛ لِأَنَّ الْمُودِعَ أَقَرَّ بِشَيْئَيْنِ أَقَرَّ بِأَنَّهُ مَلَكَ الْمُكَاتَبَ وَأَقَرَّ أَنَّ وَلَاءَهُ تَحَوَّلَ فَإِقْرَارُهُ عَلَى نَفْسِهِ صَحِيحٌ فَيَصْدُقُ فِيهِ وَإِقْرَارُهُ بِتَحَوُّلِ الْوَلَاءِ إلَى غَيْرِهِ لَا يَصْدُقُ فِيهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَوْلَى لَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ اسْتَوْفَى مِنْهُ بَدَلَ الْكِتَابَةِ قَبْلَ مَوْتِهِ لَا يَصْدُقُ فِي حَقِّ تَحَوُّلِ الْوَلَاءِ إلَى مَوَالِي الْأَبِ فَكَذَا هُنَا، وَأَمَّا إذَا مَاتَ لَا عَنْ وَفَاءٍ وَلَا وَلَدٍ فَاخْتَلَفُوا فِي بَقَاءِ الْكِتَابَةِ قَالَ الْإِسْكَافِيُّ تَنْفَسِخُ حَتَّى لَوْ تَطَوَّعَ لَهُ إنْسَانٌ بِأَدَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ عَنْهُ لَا تُقْبَلُ مِنْهُ، وَقَالَ أَبُو اللَّيْثِ لَا تَنْفَسِخُ مَا لَمْ يَقْضِ الْقَاضِي بِعَجْزِهِ حَتَّى لَوْ تَطَوَّعَ إنْسَانٌ عَنْهُ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِالْفَسْخِ جَازَ وَيُحْكَمُ بِعِتْقِهِ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَا أَدَّى الْمُكَاتَبُ مِنْ الصَّدَقَاتِ وَعَجَزَ طَابَ لِسَيِّدِهِ) ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ يَتَبَدَّلُ وَتَبَدُّلُ الْمِلْكِ كَتَبَدُّلِ الْعَيْنِ فَصَارَ كَعَيْنٍ أُخْرَى وَإِلَيْهِ أَشَارَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ فِي حَقِّ بَرِيرَةَ «هِيَ لَهَا صَدَقَةٌ وَلَنَا هَدِيَّةٌ» حِينَ أُهْدِيَ إلَيْهَا وَكَانَتْ مُكَاتَبَةً فَإِنْ قِيلَ إنَّ مِلْكَ الرَّقَبَةِ كَانَ لِلْمَوْلَى فَكَيْفَ يَتَحَقَّقُ تَبَدُّلُ الْمِلْكِ قُلْنَا مِلْكُ الرَّقَبَةِ مَغْلُوبًا فِي مُقَابَلَةِ مِلْكِ الْيَدِ حَتَّى لَوْ كَانَ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَمْنَعَ الْمَوْلَى مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مِلْكِهِ وَلَمْ يَكُنْ لِلْمَوْلَى أَنْ يَمْنَعَ الْمُكَاتَبَ مِنْ التَّصَرُّفِ وَبِالْعَجْزِ يَنْعَكِسُ الْحَالُ وَلَيْسَ هَذَا إلَّا تَبَدُّلُ الْمِلْكِ لِلْمَوْلَى وَلَئِنْ كَانَ فَلَا يُسَلَّمُ مِثْلُهُ بِمَنْزِلَةِ تَبَدُّلِ الْعَيْنِ فَصَارَ كَالْفَقِيرِ يَمُوتُ عَنْ صَدَقَةٍ أَخَذَهَا يَطِيبُ ذَلِكَ لِوَارِثِهِ الْغَنِيِّ لِمَا ذَكَرْنَا. وَكَذَا إذَا اسْتَغْنَى الْفَقِيرُ يَطِيبُ لَهُ مَا أَخَذَ مِنْ الزَّكَاةِ، وَكَذَا ابْنُ السَّبِيلِ إذَا وَصَلَ إلَى بَلَدِهِ وَفِي يَدِهِ مَالٌ مِنْ الصَّدَقَةِ؛ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ عَلَيْهِ ابْتِدَاءُ الْأَخْذِ لِمَا فِيهِ مِنْ الذُّلِّ فَلَا يُرَخَّصُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 71 مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ، وَلَوْ أَبَاحَ الْفَقِيرُ لِلْغَنِيِّ أَوْ الْهَاشِمِيِّ عَيْنَ مَا أَخَذَ مِنْ الزَّكَاةِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَمْ يَتَبَدَّلْ وَلَك أَنْ تَقُولَ الْمُحَرَّمُ ابْتِدَاءً الْأَخْذُ إلَى آخِرِهِ فَعَلَى هَذَا لَوْ أَبَاحَ الْفَقِيرُ لِلْغَنِيِّ أَوْ الْهَاشِمِيِّ يَنْبَغِي أَنْ يَطِيبَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُمَا ابْتِدَاءً الْفِعْلُ الْمُحَرَّمُ الْمُقْتَرِنُ بِالْإِذْلَالِ قُلْنَا إنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُمَا الْأَخْذُ مِنْ يَدِ الْمُتَصَدِّقِ وُجِدَ مِنْهُمَا الْأَخْذُ مِنْ يَدِ الْفَقِيرِ فَقَدْ تَحَقَّقَ فِي حَقِّهِمَا سَبَبُ الْخُبْثِ وَلَك أَنْ تَقُولَ لَيْسَ الْمُحَرَّمُ نَفْسَ الْأَخْذِ فَقَطْ، بَلْ نَفْسُ الْأَخْذِ الْمَقْرُونِ بِالْإِذْلَالِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ خَبِيثًا وَنَظِيرُهُ الْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا لَا يَطِيبُ بِالْإِبَاحَةِ، وَلَوْ مَلَكَهُ يَطِيبُ، وَلَوْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ قَبْلَ الْأَدَاءِ إلَى الْمَوْلَى يَطِيبُ لِلْمَوْلَى عِنْدَ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى يَمْلِكُ مَا فِي يَدِهِ مِلْكًا مُبْتَدَأً حَتَّى تَنْتَقِضَ إجَارَتُهُ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَطِيبُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا عَجَزَ لَا يَمْلِكُ الْمَوْلَى إكْسَابَهُ مِلْكًا مُبْتَدَأً وَإِنَّمَا لَهُ فِيهِ نَوْعُ مِلْكٍ فَيَتَأَكَّدُ بِالْعَجْزِ وَلَمْ يَتَجَدَّدْ لَهُ مِلْكٌ وَلِهَذَا لَا يَنْتَقِضُ إجَارَتُهُ بِالْعَجْزِ كَمَا فِي الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ إذَا حَجَرَ عَلَيْهِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَطِيبُ لَهُ بِالْإِجْمَاعِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُحَرَّمَ ابْتِدَاءً الْأَخْذُ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْ الْمَوْلَى الْأَخْذُ اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ جَنَى عَبْدٌ فَكَاتَبَهُ سَيِّدُهُ جَاهِلًا بِهَا فَعَجَزَ دَفَعَ أَوْ فَدَى) يَعْنِي الْمَوْلَى بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ دَفَعَ الْعَبْدَ وَإِنْ شَاءَ فَدَاهُ بِالْأَرْشِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَاتَبَهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِالْجِنَايَةِ لَزِمَهُ قِيمَتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ بِالْمُكَاتَبَةِ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ، وَقَدْ امْتَنَعَ الدَّفْعُ بِفِعْلِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَصِيرَ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الْأَرْشِ كَمَا إذَا أَعْتَقَهُ أَوْ دَبَّرَهُ أَوْ اسْتَوْلَدَ الْأَمَةَ أَوْ بَاعَهُ بَعْدَمَا جَنَى مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ بِهَا إلَّا أَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الدَّفْعِ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ فَلَمْ يَنْتَقِلْ حَقُّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ مِنْ الْعَبْدِ إلَى الْقِيمَةِ فَإِذَا عَجَزَ زَالَ الْمَانِعُ فَيَتَخَيَّرُ بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ عَلَى الْقَاعِدَةِ اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكَذَا إنْ جَنَى مُكَاتَبٌ وَلَمْ يَقْضِ بِهِ فَعَجَزَ) حُكْمُهُ كَالْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا عَجَزَ صَارَ قِنًّا وَجِنَايَةُ الْقِنِّ يُخَيَّرُ فِيهَا الْمَوْلَى بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ عَلَى مَا عُرِفَ وَقَبْلَ أَنْ يَعْجِزَ يَجِبُ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الْأَرْشِ؛ لِأَنَّ دَفْعَهُ مُتَعَذِّرٌ وَهُوَ أَحَقُّ بِكَسْبِهِ مِنْ الْمَوْلَى وَمُوجِبُ الْجِنَايَةِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الدَّفْعِ يَجِبُ عَلَى مَنْ يَكُونُ لَهُ الْكَسْبُ أَلَا تَرَى أَنَّ جِنَايَةَ الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ تُوجِبُ عَلَى الْمَوْلَى الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الْأَرْشِ لِمَا أَنَّهُ أَحَقُّ بِكَسْبِهِمَا، وَلَوْ جَنَى جِنَايَةً بَعْدَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ بِالْأُولَى فَهِيَ كَالْأُولَى، وَإِذَا اجْتَمَعَتْ الْجِنَايَاتُ فِي وَقْتٍ قَبْلَ الْقَضَاءِ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ. وَفِيهِ، وَإِذَا جَنَى الْعَبْدُ الْمُكَاتَبُ، ثُمَّ عَتَقَ فَهُوَ عَلَى خِيَارِهِ وَإِنْ عَجَزَ فَالْخِيَارُ لِلْمَوْلَى وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ وَامْرَأَتُهُ مُكَاتَبَيْنِ كِتَابَةً وَاحِدَةً فَوَلَدَتْ فَقَتَلَهُ الْمَوْلَى وَقِيمَتُهُ أَكْثَرُ مِنْ الْكِتَابَةِ فَهُوَ عَلَى الْمَوْلَى فِي ثَلَاثِ سِنِينَ أَوْ قُتِلَ الْمُكَاتَبُ فَالْمَالُ يَجِبُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ وَإِنْ كَانَتْ الْكِتَابَةُ قَدْ حَلَّتْ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ قَضَى بِهِ عَلَيْهِ فِي كِتَابَتِهِ فَعَجَزَ فَهُوَ دَيْنٌ يُبَاعُ فِيهِ) يَعْنِي إذَا قَضَى بِمُوجِبِ الْجِنَايَةِ عَلَى الْمُكَاتَبِ فِي حَالِ كِتَابَتِهِ وَهُوَ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الْأَرْشِ فَهُوَ دَيْنٌ عَلَيْهِ يُبَاعُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ انْتَقَلَ مِنْ الرَّقَبَةِ إلَى الْقِيمَةِ بِالْقَضَاءِ، وَهَذَا عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ، وَقَالَ زُفَرُ تَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ وَلَا يُبَاعُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَوَّلًا؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الدَّفْعِ وَقْتَ الْجِنَايَةِ مَوْجُودٌ وَهُوَ الْكِتَابَةُ فَلَا تَتَغَيَّرُ كَجِنَايَةِ الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَلَنَا أَنَّ الْأَصْلَ فِي جِنَايَةِ الْعَبْدِ الدَّفْعُ وَإِنَّمَا يُصَارُ إلَى الْقِيمَةِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الدَّفْعِ وَالْمَانِعُ هُنَا مُتَرَدِّدٌ لِاحْتِمَالِ انْفِسَاخِ الْكِتَابَةِ فَلَا يَثْبُتُ الِانْتِقَالُ عَنْ الْمُوجِبِ الْأَصْلِيِّ إلَّا بِالْقَضَاءِ وَالصُّلْحِ عَنْ الرِّضَا وَبِالْمَوْتِ عَنْ الْوَفَاءِ وَهُوَ نَظِيرُ الْمَغْصُوبِ إذَا أَبَقَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِيمَةُ إلَّا بِالْقَضَاءِ حَتَّى لَوْ رَجَعَ قَبْلَ الْقَضَاءِ يَكُونُ لِمَوْلَاهُ وَإِنْ رَجَعَ بَعْدَ الْقَضَاءِ يَكُونُ لِلْغَاصِبِ، وَكَذَا الْمَبِيعُ إذَا أَبَقَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ إلَّا بِالْقَضَاءِ، وَكَذَا إذَا قُتِلَ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ تَقُومُ مَقَامَهُ بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَقْبَلَانِ الْفَسْخَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ مَاتَ السَّيِّدُ لَمْ تَنْفَسِخْ الْكِتَابَةُ) ؛ لِأَنَّهَا حَقُّ الْعَبْدِ فَلَا تَبْطُلُ بِمَوْتِ السَّيِّدِ كَالتَّدْبِيرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَالدَّيْنِ وَكَالْأَجَلِ فِيهِ إذَا مَاتَ الطَّالِبُ؛ وَلِأَنَّ الْكِتَابَةَ لَا تَقْبَلُ الِانْتِقَالَ إلَى مِلْكِ الْوَارِثِ فَتَبْقَى عَلَى حُكْمِ مِلْكِ الْمَوْلَى قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُؤَدِّي الْمَالَ إلَى الْوَرَثَةِ عَلَى نُجُومِهِ) ؛ لِأَنَّ النُّجُومَ حَقُّهُ؛ لِأَنَّهُ أَجَلٌ وَهُوَ حَقُّ الْمَطْلُوبِ فَلَا يَبْطُلُ بِمَوْتِ الطَّالِبِ هَذَا إذَا كَاتَبَهُ وَهُوَ صَحِيحٌ، وَلَوْ كَاتَبَهُ وَهُوَ مَرِيضٌ لَا يَصِحُّ تَأْجِيلُهُ إلَّا مِنْ الثُّلُثِ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ وَالْوَارِثُ يَنُوبُ مَنَابَ الْمُورِثِ وَيَقُومُ مَقَامَهُ فَيَكُونُ قَبْضُهُ بِمَنْزِلَةِ قَبْضِ الْمُورِثِ وَيَقَعُ عَلَى مِلْكِهِ، ثُمَّ يَصِيرُ الْوَارِثُ قَابِضًا عَنْ نَفْسِهِ فَيَمْلِكُهُ بِالْإِرْثِ كَمَا فِي الدَّيْنِ وَفِي الْمُحِيطِ. وَلَوْ أَدَّى الْمُكَاتَبُ بَدَلَ الْكِتَابَةِ إلَى الْوَرَثَةِ دُونَ الْوَصِيِّ وَعَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِهِ أَوْ لَا يُحِيطُ بِهِ لَا يُعْتَقُ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْقَبْضِ لِلْمُوصِي لَا لِلْوَارِثِ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ وَإِنْ مَلَكَ مَا قَبَضَ إذَا لَمْ يَكُنْ الدَّيْنُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 72 مُسْتَغْرِقًا وَلِلْوَصِيِّ وَالْغُرَمَاءِ أَنْ يَقْبِضَ مِلْكَهُمْ بِقَدْرِ الدَّيْنِ فَلَمْ يَدْفَعْ الْحَقَّ لَهُ لِمَنْ لَهُ حَقُّ الْقَبْضِ فَلَا يَبْرَأُ عَنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ كَمَا لَوْ دَفَعَ إلَى أَجْنَبِيٍّ وَإِنْ أَدَّى إلَى الْوَصِيِّ عَتَقَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي التَّرِكَةِ دَيْنٌ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْمَيِّتِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ وَدَفَعَ إلَى الْوَرَثَةِ وَتَقَاسَمُوا جَازَ؛ لِأَنَّ لَهُمْ حَقَّ الْقَبْضِ وَإِنْ أَدَّى إلَى بَعْضِهِمْ لَمْ يُعْتَقْ مَا لَمْ يَصِلْ إلَى الْكُلِّ بِخِلَافِ الدَّفْعِ إلَى الْوَصِيِّ يُوجِبُ الْعِتْقَ وَصَلَ إلَى الْوَرَثَةِ حَقُّهُمْ أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ عَنْ الْمَيِّتِ بِالتَّفْوِيضِ، وَلَوْ أَدَّى الْمُكَاتَبُ إلَى الْغُرَمَاءِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مُحِيطٌ جَازَ وَعَتَقَ؛ لِأَنَّهُ دَفَعَ الْحَقَّ إلَى مَنْ لَهُ حَقُّ الْقَبْضِ، وَلَوْ أَوْصَى الْمَوْلَى لِإِنْسَانٍ بِمَا عَلَى الْمُكَاتَبِ فَدَفَعَ الْمُكَاتَبُ إلَيْهِ يُعْتَقُ؛ لِأَنَّهُ دَفَعَ الْحَقَّ إلَى مُسْتَحِقِّهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ حَرَّرُوهُ عَتَقَ مَجَّانًا) يَعْنِي لَوْ أَعْتَقَهُ جَمِيعُ الْوَرَثَةِ عَتَقَ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يُعْتَقُ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَمْلِكُوهُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنْ يُجْعَلَ إبْرَاءً عَنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهُ حَقُّهُمْ، وَقَدْ جَرَى فِيهِ الْإِرْثُ فَيَكُونُ الْإِعْتَاقُ مِنْهُمْ إبْرَاءً وَإِقْرَارًا بِالِاسْتِيفَاءِ فَلَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَيُعْتَقُ لِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ كَمَا إذَا أَبْرَأَهُ الْمَوْلَى عَنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَعْتِقُوهُ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ حَتَّى إذَا أَعْتَقَهُ بَعْضُهُمْ فِي مَجْلِسٍ لَمْ يُعْتَقْ، وَقِيلَ يُعْتَقُ إذَا أَعْتَقَهُ الْبَاقُونَ مَا لَمْ يَرْجِعْ الْأَوَّلُ وَهُوَ رِوَايَةُ هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ حَرَّرَهُ بَعْضٌ لَمْ يَنْفُذْ عِتْقُهُ) يَعْنِي لَوْ أَعْتَقَهُ بَعْضُ الْوَرَثَةِ لَا يُعْتَقُ مِنْهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ وَلَا عِتْقَ فِيمَا لَمْ يَمْلِكْ وَلَا يَمْلِكُ أَنْ يَجْعَلَ إبْرَاءً وَاسْتِيفَاءً؛ لِأَنَّ إبْرَاءَ الْبَعْضِ وَاسْتِيفَاءَهُ لَا يُوجِبُ عِتْقَهُ لِتَعَذُّرِ ثُبُوتِ الْعِتْقِ مِنْ جِهَتِهِ وَلَا يَبْرَأُ مِنْ الدَّيْنِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ لَمْ تُثْبِتْ الِاقْتِضَاءَ فَإِذَا بَطَلَ الْمُقْتَضِي بَطَلَ الْمُقْتَضَى، وَلَوْ قَبَضَ وَاحِدٌ نَصِيبَ الْكُلِّ بِغَيْرِ أَمْرِهِمْ لَا يُعْتَقُ إلَّا إذَا أَجَازُوا قَبْضَهُ أَوْ قَبْضَ بِأَمْرِهِمْ وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ وَهَبَ أَحَدُهُمْ لِلْمُكَاتَبِ نَصِيبَهُ فِي رَقَبَتِهِ جَازَ وَلَا يُعْتَقُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَدَّى نَصِيبَهُ لَا يُعْتَقُ فَكَذَا إذَا أَبْرَأَهُ عَنْهُ بِالْهِبَةِ فَإِنْ عَجَزَ رُدَّ رَقِيقًا فَنَصِيبُ الْوَاهِبِ فِي رَقَبَتِهِ ثَابِتٌ؛ لِأَنَّهُ عَادَ قِنًّا بِانْفِسَاخِ الْكِتَابَةِ فَصَارَ كُلُّهُ مِيرَاثًا لَهُمْ مِنْ الْمَوْلَى أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا وَهَبَهُ الْمَوْلَى بَعْضَ الْمُكَاتَبَةِ، ثُمَّ عَجَزَ صَارَ كُلُّهُ رَقِيقًا لِلْمَوْلَى فَكَذَا هُنَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ. [كِتَابُ الْوَلَاءِ] (كِتَابُ الْوَلَاءِ) أَوْرَدَ كِتَابَ الْوَلَاءِ عَقِبَ الْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ مِنْ آثَارِ الْمُكَاتَبِ لِزَوَالِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ عِنْدَ أَدَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ مِنْ آثَارِ الْعِتْقِ إلَّا أَنْ مُوجِبَاتِ تَرْتِيبِ الْكُتُبِ السَّابِقَةِ سَاقَتْ الْمُكَاتَبَ إلَى هَذَا الْمَوْضِعِ فَوَجَبَ تَأْخِيرُ كِتَابِ الْوَلَاءِ عَنْ كِتَابِ الْمُكَاتَبِ لِئَلَّا يَتَقَدَّمَ الْأَثَرُ عَلَى الْمُؤَثِّرِ وَالْكَلَامُ فِيهِ مِنْ وُجُوهٍ الْأَوَّلُ فِي اشْتِقَاقِهِ وَالثَّانِي فِي بَيَانِ دَلِيلِهِ وَالثَّالِثُ فِي سَبَبِهِ وَالرَّابِعُ فِي مَعْنَاهُ لُغَةً وَالْخَامِسُ فِي مَعْنَاهُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ وَالسَّادِسُ فِي رُكْنِهِ وَالسَّابِعُ فِي شَرْطِهِ وَالثَّامِنُ فِي حُكْمِهِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْوَلَاءِ وَهُوَ الْقُرْبُ وَهُوَ حُصُولُ الثَّانِي عَقِيبَ الْأَوَّلِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ أَوْ مِنْ الْمُوَالَاةِ يُقَالُ وَلِيَ الشَّيْءَ إذَا حَصَلَ بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ وَهُوَ مُفَاعَلَةٌ مِنْ الْوَلَايَةِ بِالْفَتْحِ وَهُوَ النُّصْرَةُ وَالْمَحَبَّةُ وَدَلِيلُهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ» وَسَبَبُهُ الْإِعْتَاقُ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى أَنْعَمَ عَلَى عَبْدِهِ بِالْإِعْتَاقِ. قَالَ الشَّارِحُ وَالْأَصَحُّ أَنَّ سَبَبَهُ الْعِتْقُ عَلَى مِلْكِهِ؛ لِأَنَّهُ يُضَافُ إلَيْهِ وَالْإِضَافَةُ دَلِيلُ الِاخْتِصَاصِ؛ وَلِأَنَّ مَنْ وَرِثَ قَرِيبَهُ عَتَقَ عَلَيْهِ وَوَلَاؤُهُ لَهُ وَلَا إعْتَاقَ مِنْ جِهَتِهِ، وَأَمَّا مَعْنَاهُ لُغَةً فَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ الْمُعَاوَنَةِ وَالنُّصْرَةِ أَوْ عِبَارَةٌ عَنْ الْمُوَاصَلَةِ وَالْمُصَادَقَةِ وَسُمِّيَ الْوَلِيُّ وَلِيًّا لِتَنَاصُرِهِ وَتَعَاوُنِهِ لِحَبِيبِهِ وَصَدِيقِهِ، وَعِنْدَ الْفُقَهَاءِ عِبَارَةٌ عَنْ التَّنَاصُرِ سَوَاءٌ كَانَ بِالْإِعْتَاقِ أَوْ بِعَقْدِ الْمُوَالَاةِ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْمَطْلُوبُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا التَّنَاصُرُ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَأُورِدَ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْمَبْسُوطِ يَدُلُّ عَلَى كَوْنِ التَّنَاصُرِ غَيْرَهُمَا لَا أَنْفُسَهُمَا إذْ لَا يَخْفَى عَلَى الْفَطِنِ أَنَّ الْمَطْلُوبَ بِالشَّيْءِ لَا يَكُونُ نَفْسَهُ، بَلْ يَكُونُ أَمْرًا مُغَايِرًا لَهُ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ وَهُوَ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ عِبَارَةٌ عَنْ تَنَاصُرٍ يُوجِبُ الْإِرْثَ وَالْعَقْلَ اهـ. وَأَمَّا رُكْنُهُ فَقَوْلُهُ أَعْتَقَهُ أَوْ مَلَكَ الْقَرِيبَ أَوْ عَقَدْت الْمُوَالَاةَ وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمُعْتَقِ أَهْلًا لِلْوَلَاءِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ أَهْلًا لِلْإِرْثِ وَهُوَ كَوْنُهُ حُرًّا مُسْلِمًا وَأَوْلَادُهُ يَكُونُوا أَهْلًا بِالْعُصُوبَةِ لَا بِالْقَرَابَةِ وَحُكْمُهُ أَنْ يَعْقِلَ الْجِنَايَةَ حَالَ حَيَاةِ مُعْتَقِهِ وَالْإِرْثُ مِنْهُ بَعْدَ مَمَاتِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ، وَلَوْ بِتَدْبِيرٍ وَكِتَابَةٍ وَاسْتِيلَادٍ وَمِلْكِ قَرِيبٍ) لِمَا رَوَيْنَا وَهُوَ بِعُمُومِهِ يَتَنَاوَلُ الْكُلَّ؛ لِأَنَّ الرَّقِيقَ هَالِكٌ حُكْمًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ فِي حَقِّهِ كَثِيرٌ مِنْ الْأَحْكَامِ الَّتِي تَخْتَصُّ بِالْأَحْيَاءِ نَحْوَ الْقَضَاءِ وَالشَّهَادَةِ وَالْمِلْكِ فِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 73 الْأَمْوَالِ وَكَثِيرٍ مِنْ الْعِبَادَاتِ فَكَانَ الْإِعْتَاقُ إحْيَاءً لَهُ لِثُبُوتِ أَحْكَامِ الْأَحْيَاءِ بِهِ كَالْإِحْيَاءِ بِالْإِيلَادِ فَيَرِثُ بِهِ كَمَا يَرِثُ الْأَبُ وَلَدَهُ وَلِهَذَا سُمِّيَ وَلَاءَ نِعْمَةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ} [الأحزاب: 37] بِالْهُدَى وَأَنْعَمْت عَلَيْهِ بِالْإِعْتَاقِ وَالْمَرْأَةُ فِي هَذَا كَالرَّجُلِ وَقَوْلُهُ الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ صَادِقٌ بِمَا إذَا أَعْتَقَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَخَلَّى سَبِيلَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ لَمْ يُخَلِّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَعْتَقَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَخَلَّاهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِ وَلَاءٌ حَتَّى إذَا خَرَجَا إلَيْنَا مُسْلِمَيْنِ لَا يَرِثُهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِ وَلَاءٌ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَرِثُهُ وَيَكُونُ عَلَيْهِ لَهُ الْوَلَاءُ فَلَوْ قَالَ مُسْلِمًا، وَلَوْ رَقِيقًا كَافِرًا فِي دَارِنَا لَكَانَ أَحْسَنَ. وَلَوْ أَدَّى الْمُكَاتَبُ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى فَعَتَقَ فَوَلَاؤُهُ لِلْمَوْلَى فَيَكُونُ لِعَصَبَتِهِ الذُّكُورِ وَقَوْلُهُ لِمَنْ أَعْتَقَ يَعْنِي، وَلَوْ حُكْمًا فَدَخَلَ الْعَبْدُ الْمُوصَى بِعِتْقِهِ وَبِشِرَائِهِ وَأَعْتَقَهُ الْوَصِيُّ بَعْدَ مَوْتِهِ فَوَلَاؤُهُ لِعَصَبَةِ الْمَوْلَى، وَكَذَا مُدَبَّرُوهُ وَأُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَيَكُونُ وَلَاؤُهُمْ لَهُ وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ إذَا أَمَرَ غَيْرَهُ بِإِعْتَاقِ عَبْدٍ فَأَعْتَقَ فِي حَالِ حَيَاتِهِ أَوْ بَعْدَ وَفَاتِهِ يَكُونُ عَنْ الْآمِرِ وَالْوَلَاءُ لَهُ، وَلَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ فَأَعْتَقَ فَالْعِتْقُ يَكُونُ عَنْ الْآمِرِ اسْتِحْسَانًا وَالْوَلَاءُ لَهُ، وَلَوْ قَالَ أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي وَلَمْ يَذْكُرْ الْبَدَلَ فَأَعْتَقَ عَتَقَ عَنْ الْمَأْمُورِ وَالْوَلَاءُ لَهُ فِي قَوْلِهِمَا وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ عَنْ الْآمِرِ وَالْوَلَاءُ لَهُ، وَلَوْ قَالَ أَعْتِقْ عَبْدَك عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ وَلَمْ يَقُلْ عَنِّي فَأَعْتَقَ فَإِنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى قَبُولِ الْعَبْدِ فَإِنْ قَبِلَ فِي الْمَجْلِسِ الَّذِي عَلِمَ بِهِ لَزِمَهُ الْمَالُ وَإِلَّا فَلَا وَالْوَلَاءُ يُورَثُ اهـ. وَشَمِلَ قَوْلُهُ لِمَنْ أَعْتَقَ الذِّمِّيَّ؛ لِأَنَّ الذِّمِّيَّ أَهْلٌ لِلْوَلَاءِ كَالْمُسْلِمِ وَفِي الْمُحِيطِ حَرْبِيٌّ أَعْتَقَ عَبْدَهُ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ أَعْتَقَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَإِنْ أَعْتَقَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَكَانَ الْعَبْدُ مُسْلِمًا فَوَلَاؤُهُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَرِقُّ وَإِنْ كَانَ كَافِرًا فَلَا وَلَاءَ لَهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ نَتِيجَةُ الْعِتْقِ وَإِعْتَاقَ الْحَرْبِيِّ عَبْدَهُ الْمُسْلِمَ يَصِحُّ بِالْإِجْمَاعِ وَعَبْدَهُ الْكَافِرَ لَا يَصِحُّ عِنْدَ الْإِمَامِ وَمُحَمَّدٍ إذَا لَمْ يُخْلِ سَبِيلَهُ وَإِنْ خَلَّى سَبِيلَهُ صَحَّ الْعِتْقُ لَكِنَّهُ لَمْ يَتِمَّ الْعِتْقُ فِي حَقِّ زَوَالِ الرِّقِّ وَإِنْ صَحَّ فِي حَقِّ إزَالَةِ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّ كَوْنَ الْحَرْبِيِّ فِي دَارِهِ سَبَبٌ لِرِقِّهِ فَإِذَا أَعْتَقَ الْحَرْبِيُّ عَبْدَهُ الْكَافِرَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ صَحَّ عِتْقُهُ وَكُلُّ مُعْتَقٍ جَرَى عَلَيْهِ الرِّقُّ بَعْدَ الْعِتْقِ انْتَقَضَ بِهِ وَلَاؤُهُ. حَرْبِيٌّ أَعْتَقَ عَبْدًا فِي دَارِ الْحَرْبِ، ثُمَّ خَرَجَا مُسْلِمَيْنِ لِلْعَبْدِ أَنْ يُوَالِيَ مَنْ شَاءَ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَمْ يَصِحَّ مُسْلِمٌ مُسْتَأْمَنٌ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ أَسْلَمَ هُنَاكَ أَعْتَقَ عَبْدًا اشْتَرَاهُ هُنَاكَ، ثُمَّ أَسْلَمَ عَبْدُهُ لَمْ يَكُنْ مَوْلَاهُ قِيَاسًا وَلَهُ أَنْ يُوَالِيَ مَنْ شَاءَ عِنْدَهُمَا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ أَجْعَلُهُ مَوْلَاهُ اسْتِحْسَانًا حَرْبِيٌّ اشْتَرَى عَبْدًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَأَعْتَقَهُ، ثُمَّ رَجَعَ فَاسْتُرِقَّ فَاشْتَرَاهُ الْعَبْدُ فَأَعْتَقَهُ فَوَلَاءُ الْأَوَّلِ لِلْآخَرِ وَوَلَاءُ الْآخَرِ لِلْأَوَّلِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَشَرْطُ السَّائِبَةِ لَغْوٌ) يَعْنِي لَوْ أَعْتَقَ الْمَوْلَى عَبْدَهُ وَشَرَطَ أَنْ لَا يَرِثَهُ كَانَ الشَّرْطُ لَغْوًا لِكَوْنِهِ مُخَالِفًا لِحُكْمِ الشَّرْعِ فَيَرِثُهُ كَمَا فِي النَّسَبِ إذَا شَرَطَ أَنْ لَا يَرِثَهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ أَعْتَقَ حَامِلًا مِنْ زَوْجِهَا الْقِنِّ لَا يَنْتَقِلُ وَلَاءُ الْحَمْلِ عَنْ مَوَالِي الْأُمِّ أَبَدًا) ؛ لِأَنَّ الْجَنِينَ عَتَقَ بِعِتْقِ أُمِّهِ وَعِتْقُ أُمِّهِ مَقْصُودٌ فَكَذَا هُوَ يُعْتَقُ مَقْصُودًا؛ لِأَنَّهُ هُوَ جُزْءُ الْأُمِّ وَالْمَوْلَى أَوْقَعَ الْإِعْتَاقَ عَلَى جَمِيعِ أَجْزَائِهَا وَأُورِدَ أَنَّ هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا ذُكِرَ فِي كِتَابِ الْإِعْتَاقِ فَإِنَّهُمْ هُنَاكَ قَالُوا وَإِنْ أَعْتَقَ حَامِلًا عَتَقَ حَمْلُهَا تَبَعًا لَهَا إذْ هُوَ مُتَّصِلٌ بِهَا فَأَوْرَدُوا أَنَّهُ يُعْتَقُ تَبِعَا لَا قَصْدًا، وَهَذَا مُنَافٍ لِمَا ذَكَرُوهُ هُنَا وَالْأَصْلُ فِي هَذَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» وَإِنَّمَا يُعْرَفُ كَوْنُ الْحَمْلِ مَوْجُودًا عِنْدَ الْعِتْقِ بِأَنْ تَلِدَهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْعِتْقِ، وَكَذَا إذَا وَلَدَتْ وَلَدَيْنِ أَحَدُهُمَا لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَالْآخَرُ لِأَكْثَرَ مِنْهُ وَبَيْنَهُمَا أَقَلُّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا أَنَّ الْأَوَّلَ كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَ الْعِتْقِ فَإِذَا تَنَاوَلَ الْإِعْتَاقُ الْأَوَّلَ تَنَاوَلَ الْآخَرَ ضَرُورَةً وَصَارَ مُعْتَقًا لَهُمَا وَالْوَلَاءُ لَا يَنْتَقِلُ مِنْ الْمُعْتَقِ وَقَوْلُهُ مِنْ زَوْجِهَا الْقِنِّ مِثَالٌ، وَكَذَا لَوْ كَانَ زَوْجُهَا مُكَاتَبًا أَوْ مُدَبَّرًا وَقَوْلُهُ مِنْ زَوْجِهَا صَادِقٌ بِحَالِ قِيَامِ النِّكَاحِ أَوْ بَعْدَهُ وَمَا بَعْدَ النِّكَاحِ لَا يَتَأَتَّى فِيهِ هَذَا التَّفْصِيلُ فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ، وَلَوْ أَعْتَقَ حَامِلًا مِنْ زَوْجِهَا الْقِنِّ حَالَ قِيَامِهِ وَجَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ وَلَدَتْ بَعْدَ عِتْقِهَا لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَوَلَاؤُهُ لِوَلِيِّ الْأُمِّ) ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ جُزْؤُهَا فَيَتْبَعُهَا فِي الصِّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَتْبَعُهَا فِي الْحُرِّيَّةِ وَغَيْرِهَا فَكَذَا الْوَلَاءُ عِنْدَ تَعَذُّرِ جَعْلِهِ تَبَعًا لِلْأَبِ لِرِقِّهِ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة وَلَدَتْ فَقَالَتْ الْمَرْأَةُ وَلَدْت بَعْدَ عِتْقِي بِخَمْسَةِ أَشْهُرٍ وَوَلَاؤُهُ لِمَوَالِي الْأُمِّ، وَقَالَ الزَّوْجُ بَعْدَ عِتْقِك بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَوَلَاؤُهُ لِمَوَالِيَّ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ أَعْتَقَ الْعَبْدَ) وَهُوَ الْأَبُ (جَرَّ وَلَاءَ ابْنَهُ لِمَوَالِيهِ) ؛ لِأَنَّ مَوَالِي الْأُمِّ لَمْ يُعْتَقْ الْوَلَدُ هَاهُنَا لِحُدُوثِهِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 74 بَعْدَ إعْتَاقِهَا وَإِنَّمَا نُسِبَ إلَيْهِ تَبَعًا لِلْإِمَامِ لِتَعَذُّرِ نِسْبَتِهِ إلَى الْأَبِ فَإِذَا أُعْتِقَ الْأَبُ أَمْكَنَ نِسْبَتُهُ إلَيْهِ فَجَعْلُهُ تَبَعًا لَهُ أَوْلَى مِنْ جَعْلِهِ تَبَعًا لِلْأُمِّ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ كَالنَّسَبِ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ» وَالنَّسَبُ إلَى الْأَبَاءِ فَكَذَا الْوَلَاءُ يَنْتَقِلُ إلَى مَوَالِي الْأَبِ إذَا زَالَ الْمَانِعُ كَوَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ قَوْمِ الْأُمِّ فَإِذَا أَكْذَبَ نَفْسَهُ يَنْتَقِلُ إلَى الْأَبِ لِزَوَالِ الْمَانِعِ وَفِي الْكَافِي قُلْتُمْ الْوَلَاءُ كَالنَّسَبِ وَالنَّسَبُ لَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ بَعْدَ ثُبُوتِهِ فَكَذَا الْوَلَاءُ لَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ بَعْدَ ثُبُوتِهِ قُلْنَا لَا يَنْفَسِخُ، وَلَكِنْ حَدَثَ وَلَاءٌ أَوْلَى مِنْهُ فَقُدِّمَ عَلَيْهِ كَمَا تَقُولُ فِي الْأَخِ إنَّهُ عَصَبَةٌ فَإِذَا حَدَثَ مَنْ هُوَ أَوْلَى مِنْهُ كَالِابْنِ لَا تَبْطُلُ عُصُوبَتُهُ، وَلَكِنْ يُقَدَّمُ عَلَيْهِ أَوْرَدَ هَلْ إذَا قُلْتُمْ لَمْ يَنْفَسِخْ، وَلَكِنْ قُدِّمَ عَلَيْهِ لَزِمَ أَنْ يَرِثَ مَوْلَى الْأُمِّ عِنْدَ انْقِطَاعِ مَوْلَى الْأَبِ بَعْدَ انْتِقَالِ الْوَلَاءِ عَنْ مَوَالِيهَا إلَى مَوَالِيهِ وَلَمْ يُرْوَ عَنْ أَحَدٍ أَنَّهُمْ يَرِثُونَ بَعْدَ انْتِقَالِ الْوَلَاءِ عَنْهُمْ هَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ مُعْتَدَّةً فَإِنْ كَانَتْ مُعْتَدَّةً فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْعِتْقِ وَلِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْفِرَاقِ لَا يَنْتَقِلُ وَلَاؤُهُ إلَى مَوَالِي الْأَبِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَ إعْتَاقِ الْأُمِّ فَصَادَقَهُ الْإِعْتَاقُ ضَرُورَةً فَلَا يَنْتَقِلُ إلَى مَوَالِي الْأَبِ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة بِخِلَافِ مَا إذَا أَعْتَقَ الْأُمَّ حَالَ قِيَامِ النِّكَاحِ، ثُمَّ جَاءَتْ بِالْوَلَدِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا وَبَاقِي الْمَسْأَلَةِ بِحَالِهَا كَانَ وَلَاءُ الْوَلَدِ لِمَوَالِي الْأُمِّ، وَكَذَا إذَا كَانَتْ عَنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ، وَقَدْ جَاءَتْ بِالْوَلَدِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ كَانَ وَلَاءُ هَذَا الْوَلَدِ لِمَوَالِي الْأُمِّ. وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ إذَا لَمْ تُقِرَّ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَإِنْ أَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، ثُمَّ جَاءَتْ بِالْوَلَدِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ بَعْدَ الْإِقْرَارِ وَلِتَمَامِ السَّنَتَيْنِ مُنْذُ طَلَّقَهَا فَإِنَّ وَلَاءَ الْوَلَدِ لِمَوَالِي الْأُمِّ وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ مُنْذُ طَلَّقَهَا فَإِنَّ وَلَاءَ الْوَلَدِ لِمَوْلَى الْأَبِ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إذَا تَزَوَّجَتْ مُعْتَقَةٌ بِعَبْدٍ فَوَلَدَتْ أَوْلَادًا فَجَنَى الْأَوْلَادُ فَعَقْلُهُمْ عَلَى مَوَالِي الْأُمِّ؛ لِأَنَّهُمْ عَاقِلَةٌ لِأُمِّهِمْ وَلَهُمْ فَإِنْ عَتَقَ الْأَبُ بَعْدَ ذَلِكَ جَرَّ وَلَاءَ الْأَوْلَادِ عَلَى نَفْسِهِ وَلَا يَرْجِعُونَ عَلَى عَاقِلَةِ الْأَبِ بِخِلَافِ وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ إذَا عَقَلَ عَنْهُ قَوْمُ الْأُمِّ، ثُمَّ أَكْذَبَ الْمُلَاعِنُ نَفْسَهُ حَيْثُ يَرْجِعُونَ عَلَى عَاقِلَةِ الْأَبِ وَالْفَرْقُ أَنَّ النَّسَبَ مِنْ وَقْتِ الْعُلُوقِ لَا مِنْ وَقْتِ الْإِكْذَابِ وَبِالْإِكْذَابِ تَبَيَّنَ أَنَّ عَقْلَهُ كَانَ عَلَى قَوْمِ الْأَبِ، وَقَدْ أُجْبِرَ قَوْمُ الْأُمِّ عَلَى الدَّفْعِ فَيَرْجِعُونَ عَلَيْهِمْ وَفِي الْمَوْلَى حِينَ عَقَلَ قَوْمُ الْأُمِّ كَانَ ثَابِتًا لَهُمْ وَإِنَّمَا ثَبَتَ لِقَوْمِ الْأَبِ مَقْصُورًا عَلَى زَمَانِ الْإِعْتَاقِ فَلَا يَرْجِعُونَ بِهِ قَالَ أَسْلَمَتْ كَافِرَةٌ عَلَى يَدِ رَجُلٍ فَأَعْتَقَتْ عَبْدًا فَارْتَدَّتْ وَلَحِقَتْ بِدَارٍ الْحَرْبِ فَسَبَى أَبُوهَا فَاشْتَرَاهُ رَجُلٌ فَأَعْتَقَهُ لَمْ يَجُرَّ وَلَاؤُهُ وَلَاءَهَا؛ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْمَيِّتِ، وَلَوْ لَمْ تَرْتَدَّ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَوَلَاءُ الْمَرْأَةِ لِمُعْتَقِ الْعَبْدِ رَجُلٌ مُسْلِمٌ أَعْتَقَ مُسْلِمًا فَرَجَعَا عَنْ الْإِسْلَامِ فَامْتَنَعُوا فَأَسْلَمَ الْعَبْدُ دُونَ الْمَوْلَى فَوَلَاءُ الْعَبْدِ لِمَوْلَاهُ عَلَى حَالِهِ وَإِنْ كَانَ لَهُ عَشَرَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَعَقْلُهُ عَلَيْهِمْ وَمِيرَاثُهُ لَهُمْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَمِيرَاثُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ وَعَقْلُهُ عَلَيْهِ، وَقِيلَ عَقْلُهُ عَلَى نَفْسِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (عَجَمِيٌّ تَزَوَّجَ مُعْتَقَةً فَوَلَدَتْ فَوَلَاءُ وَلَدِهَا لِمَوَالِيهَا وَإِنْ كَانَ لَهُ وَلَاءُ الْمُوَالَاةِ) يَعْنِي وَإِنْ كَانَ لِلْأَبِ وَلَاءُ الْمُوَالَاةِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ حُكْمُ الْأَبِ حُكْمُ أَبِيهِ فِي الْوَجْهَيْنِ وَقَوْلُهُ عَجَمِيٌّ مِثَالٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَوْلَى وَفِي الْمُحِيطِ مُعْتَقَةٌ تَزَوَّجَتْ بِرَجُلٍ فَلَا يَخْلُو مِنْ خَمْسَةِ أَوْجُهٍ إمَّا أَنْ يَكُونَ عَبْدًا أَوْ مُكَاتَبًا أَوْ مُعْتَقًا أَوْ مُولِيًا لِمُوَالَاةٍ أَوْ عَرَبِيًّا أَوْ عَجَمِيًّا فَإِنْ كَانَ عَبْدًا أَوْ مُكَاتَبًا فَوَلَاءُ وَلَدِهَا لِمَوْلَى الْأُمِّ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ إثْبَاتُ الْوَلَاءِ مِنْ الْأَبِ لِفَقْدِ الْأَهْلِيَّةِ وَأُلْحِقَ وَلَاؤُهُ بِالْأُمِّ كَنَسَبِ وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ وَإِنْ أَعْتَقَ الْأَبُ جَرَّ وَلَاءَ وَلَدِهِ إلَى مَوَالِيهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ أَهْلًا لِلْوَلَاءِ وَزَالَ الْمَانِعُ وَإِنْ كَانَ مُعْتَقًا فَوَلَاءُ الْوَلَدِ لِمَوْلَى الْأَبِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوَى الْجَانِبَانِ وَتَرَجَّحَ جَانِبُ الْأُبُوَّةِ وَإِنْ كَانَ مَوْلَى الْمُوَالَاةِ فَوَلَدَتْ مِنْهُ فَهُوَ مَوْلًى لِمَوَالِي الْأُمِّ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ الْوَلَدُ مَوْلًى لِمَوَالِي الْأَبِ لَهُمَا أَنَّ وَلَاءَ الْعِتْقِ أَقْوَى مِنْ مَوَالِي الْمُوَالَاةِ؛ لِأَنَّ وَلَاءَ الْعِتْقِ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ وَوَلَاءُ الْمُوَالَاةِ يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ فَرَجَحَ الْآكَدُ الْأَقْوَى عَلَى الْأَضْعَفِ وَإِنْ كَانَ أَعْجَمِيًّا وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْمَتْنِ قَالَ إنْ كَانَ الْعَجَمِيُّ لَهُ أَبٌ فِي الْإِسْلَامِ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَلَاءُ الْوَلَدِ لِمَوَالِي الْأَبِ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ عَلَى قَوْلِهِمَا قِيلَ وَلَاؤُهُ لِمَوَالِي الْأَبِ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا، وَقِيلَ لِمَوْلَى الْأُمِّ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَلَا يَجُرُّ الْجَدُّ الْوَلَاءَ اهـ. قَيَّدَ بِكَوْنِهَا مُعْتَقَةً؛ لِأَنَّ الْعَجَمِيَّ لَوْ تَزَوَّجَ بِعَرَبِيَّةٍ فَوَلَدَتْ لَهُ وَلَدًا فَإِنَّهُ يُنْسَبُ إلَى قَوْمِ أَبِيهِ دُونَ أُمِّهِ وَقَيَّدْنَا بِكَوْنِ الزَّوْجِ عَجَمِيًّا فَإِنَّ الْعَرَبِيَّ إذَا تَزَوَّجَ مُعْتَقَةً فَإِنَّ وَلَدَهُ مِنْهَا يُنْسَبُ إلَى قَوْمِهِ دُونَهَا وَقَيَّدَ الْقُدُورِيُّ بِمُعْتَقَةِ الْعَرَبِ وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ الصَّوَابُ؛ لِأَنَّ وَلَاءَ الْعِتْقِ قَوِيٌّ مُعْتَبَرٌ شَرْعًا فَلَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْعَرَبِ أَوْ مِنْ الْعَجَمِ، وَلَوْ كَانَا مُعْتَقَيْنِ أَوْ عَجَمِيَّيْنِ أَوْ عَرَبِيَّيْنِ فَالْوَلَدُ تَابِعًا لِلْأَبِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 75 بِالْإِجْمَاعِ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ عَلَى مَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا مَاتَ الْوَلَدُ وَتَرَكَ عَمَّتَهُ أَوْ غَيْرَهَا مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ وَمُعْتَقَ أُمِّهِ أَوْ عَصَبَةَ مُعْتَقِهَا كَانَ الْمَالُ لِمُعْتَقِ أُمِّهِ أَوْ عَصَبَتِهَا عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَكُونُ لِذَوِي الْأَرْحَامِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ أَبِيهِ وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي هَمْدَانَ تَزَوَّجَتْ بِرَجُلِ مِنْ بَنِي أَسَدٍ فَوَلَدَ مِنْهَا فَأَعْتَقَتْ عَبْدًا فَالْوَلَاءُ يَثْبُتُ مِنْهَا وَوَلَدُهَا يَكُونُ تَبَعًا لِلْأَبِ مِنْ بَنِي أَسَدٍ فَإِذَا مَاتَتْ، ثُمَّ مَاتَ الْمُعْتَقُ فَمِيرَاثُهُ لِابْنِ الْمُعْتَقَةِ وَهُوَ مِنْ بَنِي أَسَدٍ وَإِنْ جَنَى جِنَايَةً تَكُونُ عَلَى عَاقِلَتِهَا مِنْ بَنِي هَمْدَانَ فَالْمِيرَاثُ لِبَنِي أَسَدٍ وَالْعَقْلُ عَلَى بَنِي هَمْدَانَ وَيَجُوزُ مِثْلُ هَذَا أَنْ يَكُونَ الضَّمَانُ عَلَى الْغَيْرِ وَالْمِيرَاثُ لِلْغَيْرِ أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلَيْنِ مِثْلَ الْخَالِ وَابْنِ الْعَمِّ فَنَفَقَتُهُ عَلَى الْخَالِ وَمِيرَاثُهُ لِابْنِ الْعَمِّ. اهـ. وَإِذَا عُلِمَ أَنَّ الْعَجَمِيَّ الَّذِي لَهُ أَبٌ فِي الْإِسْلَامِ وَلَاؤُهُ لِمَوَالِي الْأُمِّ عُلِمَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ بِالْأَوْلَى. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (وَالْمُعْتَقُ مُقَدَّمٌ عَلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ وَمُؤَخَّرٌ عَنْ الْعَصَبَةِ النَّسَبِيَّةِ) ، وَكَذَا هُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الرَّدِّ عَلَى ذَوِي السِّهَامِ وَهُوَ آخِرُ الْعَصَبَاتِ وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَبِهِ أَخَذَ عُلَمَاءُ الْأَمْصَارِ وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَقُولُ بِأَنَّهُ مُؤَخَّرٌ عَنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} [الأنفال: 75] ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لِلْمُعْتِقِ فِي مُعْتَقِهِ وَإِنْ مَاتَ وَلَمْ يَدَعْ وَارِثًا كُنْت أَنْتَ عَصَبَتَهُ» وَلَنَا مَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ حَمْزَةَ أَنَّهُ جَعَلَ لَهَا النِّصْفَ الْبَاقِي بَعْدَ فَرْضِ بِنْتِ مُعْتَقِهَا حِينَ مَاتَ عَنْهَا فَعُلِمَ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَلَمْ يَدَعْ وَارِثًا يَعْنِي وَارِثًا هُوَ عَصَبَتُهُ وَفِي الْمُحِيطِ أَقَامَ مُسْلِمٌ بَيِّنَةً عَادِلَةً أَنَّهُ أَعْتَقَهُ وَأَنَّهُ مَاتَ مُسْلِمًا لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ فَأَقَامَ الذِّمِّيُّ شَاهِدَيْنِ مُسْلِمَيْنِ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ وَأَنَّهُ مَاتَ كَافِرًا لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ فَلِلْمُسْلِمِ نِصْفُ الْمِيرَاثِ وَنِصْفُ الْمِيرَاثِ لِأَقْرَبِ النَّاسِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ إلَى الذِّمِّيِّ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْحُجَّةِ. وَلَوْ شَهِدَا أَنَّ الْمَيِّتَ مَوْلَى فُلَانٍ عَتَاقَةً لَمْ يَجُزْ الْقَضَاءُ حَتَّى يَقُولُوا إنَّ هَذَا الْحَيَّ أَعْتَقَ هَذَا الْمَيِّتَ وَهُوَ يَمْلِكُهُ وَهُوَ وَارِثُهُ لَا يَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ مَاتَ رَجُلٌ وَأَخَذَ آخِرَ مَالِهِ وَادَّعَى أَنَّهُ وَارِثُهُ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ الْمَالُ؛ لِأَنَّ يَدَهُ ثَابِتَةٌ عَلَى الْمَالِ فَإِنْ خَاصَمَهُ إنْسَانٌ طَلَبَ مِنْهُ الْبَيِّنَةَ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي اسْتِحْقَاقَ مَا فِي يَدِهِ ادَّعَى أَنَّ أَبَاهُ أَعْتَقَهُ فَشَهِدَ ابْنَا أَخِيهِ لَمْ تُقْبَلْ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ لِلْجَدِّ ادَّعَى رَجُلَانِ وَلَاءَهُ بِالْعِتْقِ فَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ جُعِلَ الْمِيرَاثُ بَيْنَهُمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْحُجَّةِ، وَلَوْ قَضَى الْقَاضِي لِأَحَدِهِمَا بِالْوَلَاءِ وَالْإِرْثِ، ثُمَّ شَهِدَ آخَرَانِ لِآخَرَ بِمِثْلِهِ لَا تُقْبَلُ إلَّا أَنْ يَشْهَدَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْ الْأَوَّلِ قَبْلَ أَنْ يَعْتِقَهُ فَيَبْطُلُ الْقَضَاءُ لِلْأَوَّلِ أَقَامَ أَحَدُهُمَا الْبَيِّنَةَ عَلَى وَلَاءِ الْعَتَاقَةِ وَالْآخَرُ عَلَى أَنَّهُ حُرُّ الْأَصْلِ أَسْلَمَ عَلَى يَدِهِ وَوَالَاهُ وَالْغُلَامُ يَدَّعِيهِ فَهُوَ أَوْلَى ادَّعَى رَجُلٌ أَنَّ أَبَاهُ أَعْتَقَ فُلَانًا الْمَيِّتَ وَآخَرَانِ أَبَاهُ أَعْتَقَهُ وَأَقَرَّتْ بَيِّنَةُ الْمَيِّتِ بِهِ فَالْإِقْرَارُ بَاطِلٌ وَالشَّهَادَةُ جَائِزَةٌ، وَلَوْ شَهِدَ لِلْآخَرِ ابْنٌ وَبِنْتَانِ فَالْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا ادَّعَى آخَرُ أَنَّهُ أَعْتَقَ الْمَيِّتَ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ وَأَقَامَ مَنْ فِي يَدِهِ الْمَالَ الْبَيِّنَةَ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ فَالْمَالُ وَالْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى، ثُمَّ الْمُعْتَقُ فَمِيرَاثُهُ لِأَقْرَبِ عَصَبَةِ الْمَوْلَى) ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ يَجُرُّ الْإِرْثَ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لِلْعَصَبَةِ بِطَرِيقِ الْخِلَافَةِ فَيُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ حَتَّى لَوْ تَرَكَ أَبَا مَوْلَاهُ وَابْنَ مَوْلَاهُ كَانَ الْوَلَاءُ لِلِابْنِ، وَلَوْ تَرَكَ جَدٌّ مَوْلَاهُ وَأَخَا مَوْلَاهُ كَانَ الْوَلَاءُ لِلْجَدِّ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ فِي الْعَصَبَةِ وَفِي الْأَوَّلِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ فَإِنَّهُ يُعْطِي الْأَبَ السُّدُسَ وَالْبَاقِي لِلِابْنِ وَالثَّانِي خِلَافُ مَنْ يَرَى تَوْرِيثَ الْإِخْوَةِ مَعَ الْجَدِّ، وَكَذَا الْوَلَاءُ لِابْنِ الْمُعْتَقَةِ دُونَ أَخِيهَا وَعَقْلُ جِنَايَتِهَا عَلَى أَخِيهَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ قَوْمِ أَبِيهَا لِمَا رُوِيَ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَالزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ اخْتَصَمَا إلَى عُثْمَانَ فِي مُعْتَقِ صَفِيَّةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ حِينَ مَاتَ فَقَالَ عَلِيٌّ مَوْلَى عَمَّتِي فَأَنَا أَحَقُّ بِإِرْثِهِ لِأَنِّي أَعْقِلُ عَنْهَا، وَقَالَ الزُّبَيْرُ هُوَ مَوْلَى أُمِّي فَأَنَا أَرِثُهَا فَكَذَا أَرِثُ مُعْتَقَهَا فَقَضَى عُثْمَانُ بِالْإِرْثِ لِلزُّبَيْرِ وَبِالْعَقْلِ عَلَى عَلِيٍّ، وَلَوْ تَرَكَ الْمُعْتَقُ ابْنَ مَوْلَاهُ وَابْنَ ابْنِ مَوْلَاهُ كَانَ الْوَلَاءُ لِلِابْنِ دُونَ ابْنِ الِابْنِ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُمْ قَالُوا الْوَلَاءُ لِلْكَبِيرِ أَيْ لِأَكْبَرِ الْأَوْلَادِ وَالْمُرَادُ أَقْرَبُهُمْ نَسَبًا لَا أَكْبَرُهُمْ سِنًّا، وَلَوْ مَاتَ الْمُعْتَقُ وَلَمْ يَتْرُكْ إلَّا ابْنَةَ الْمُعْتَقِ فَلَا شَيْءَ لِبِنْتِ الْمُعْتِقِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْ أَصْحَابِنَا وَيُوضَعُ مَالُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَبَعْضُ الْمَشَايِخِ كَانُوا يُفْتُونَ بِالدَّفْعِ إلَيْهَا لَا بِطَرِيقِ الْإِرْثِ، بَلْ؛ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ النَّاسِ إلَى الْمَيِّتِ وَلَيْسَ فِي زَمَانِنَا بَيْتُ مَالٍ مُنْتَظِمٍ، وَلَوْ دَفَعَ إلَى السُّلْطَانِ أَوْ الْقَاضِي لَا يَصْرِفُهُ إلَى الْمُسْتَحِقِّ ظَاهِرًا. وَكَذَا مَا فَضَلَ عَنْ فَرْضِ الزَّوْجَيْنِ يُرَدُّ عَلَيْهِمَا، وَكَذَا وَلَدُ الِابْنِ وَالْبِنْتِ مِنْ الرَّضَاعِ يُصْرَفُ إلَيْهِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ أَقْرَبُ مِنْهُمَا ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسَائِلَ فِي النِّهَايَةِ وَالذِّمِّيُّونَ يَتَوَارَثُونَ كَالْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُ أَحَدُ أَسْبَابِ الْإِرْثِ وَفِي الْمُحِيطِ مَاتَ الْمُعْتِقُ عَنْ ابْنَيْنِ فَمَاتَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 76 أَحَدُهُمَا عَنْ ابْنٍ وَالْآخَرُ عَنْ ابْنَيْنِ، ثُمَّ مَاتَ الْمُعْتَقُ فَالْمِيرَاثُ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ سَوَاءٌ فِي كَوْنِهِمْ عَصَبَةَ الْمَيِّتِ، وَلَوْ أُعْتِقَتْ الْمَرْأَةُ، ثُمَّ مَاتَتْ عَنْ زَوْجٍ عَبْدٍ وَابْنٍ وَبِنْتٍ، ثُمَّ مَاتَ الْمُعْتَقُ فَمِيرَاثُهُ لِابْنِ الْمُعْتِقَةِ؛ لِأَنَّهُ عَصَبَتُهَا لَا غَيْرُ أَعْتَقَ أُمَّهُ وَمَاتَ عَنْ ابْنٍ وَالِابْنُ عَنْ أَخٍ لِأُمِّهِ، ثُمَّ مَاتَتْ الْمُعْتَقَةُ فَالْمِيرَاثُ لِلْعَصَبَةِ وَلَا شَيْءَ لِلْأَخِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَصَبَةٍ أُخْرَى وَفِيهِ أَيْضًا ارْتَدَّ وَلَحِقَ بِدَارَ الْحَرْبِ وَلَهُ مُعْتَقٌ فَمَاتَ الْمُعْتَقُ وَرِثَهُ الرِّجَالُ مِنْ وَرَثَتِهِ اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَيْسَ لِلنِّسَاءِ مِنْ الْوَلَاءِ إلَّا مَا أَعْتَقْنَ أَوْ أَعْتَقَ مَنْ أَعْتَقْنَ أَوْ كَاتَبْنَ أَوْ كَاتَبَ مَنْ كَاتَبْنَ أَوْ دَبَّرْنَ أَوْ دَبَّرَ مَنْ دَبَّرْنَ أَوْ جَرَّ وَلَاءَ مُعْتَقِهِنَّ أَوْ مُعْتَقِ مُعْتَقِهِنَّ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ لِلنِّسَاءِ مِنْ الْوَلَاءِ إلَّا مَا أَعْتَقْنَ» الْحَدِيثَ يَعْنِي الْمَرْأَةَ تُسَاوِي الرَّجُلَ فِي وَلَاءِ الْعَتَاقَةِ النَّسَبِيَّةِ بِسَبَبِ إثْبَاتِ الْقُوَّةِ الْحُكْمِيَّةِ لِلْمُعْتَقِ وَهِيَ تُسَاوِي الرَّجُلَ فِيهِ كَمَا أَنَّهَا تُسَاوِيهِ فِي مِلْكِ الْمَالِ فَيُنْسَبُ إلَيْهَا كَمَا يُنْسَبُ إلَى الرَّجُلِ وَلِهَذَا جُعِلَتْ عَصَبَةً فِيهِ كَالرَّجُلِ وَفِي الذَّخِيرَةِ، وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً اشْتَرَتْ أَبَاهَا حَتَّى عَتَقَ عَلَيْهَا، ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ عَنْ هَذِهِ الِابْنَةِ وَبِنْتِ أُخْرَى فَالثُّلُثَانِ لَهُمَا بِحُكْمِ الْفَرْضِ وَالْبَاقِي لِلْمُشْتَرِيَةِ بِحُكْمِ الْوَلَاءِ، وَلَوْ كَانَ الْأَبُ بَعْدَمَا عَتَقَ عَلَى بِنْتَيْهِ أَعْتَقَ عَبْدًا، ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ، ثُمَّ مَاتَ مُعْتَقُ الْأَبِ وَبَقِيَتْ الِابْنَةُ الْمُشْتَرَاةُ كَانَ الْمِيرَاثُ لِلْمُشْتَرَاةِ وَيَرِثُ ابْنُ الْمُعْتَقِ مِنْ وَلَدِ الْمُعْتَقِ اهـ. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [فَصْلٌ وَلَاءِ الْمُوَالَاةِ] (فَصْلٌ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ فِي وَلَاءِ الْمُوَالَاةِ أَخَّرَ وَلَاءَ الْمُوَالَاةِ عَنْ وَلَاءِ الْعَتَاقَةِ؛ لِأَنَّ وَلَاءَ الْعَتَاقَةِ أَقْوَى؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ قَابِلٍ لِلتَّحَوُّلِ وَالِانْتِقَالِ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ بِخِلَافِ وَلَاءِ الْمُوَالَاةِ فَإِنَّ لِلْمَوْلَى أَنْ يَنْتَقِلَ قَبْلَ الْعَقْدِ وَلِأَنَّهُ يُوجَدُ فِي وَلَاءِ الْعَتَاقَةِ الْإِحْيَاءُ الْحُكْمِيُّ وَلَا يُوجَدُ فِي وَلَاءِ الْمُوَالَاةِ الْإِحْيَاءُ أَصْلًا؛ وَلِأَنَّ وَلَاءَ الْعَتَاقَةِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي أَنَّهُ سَبَبٌ لِلْإِرْثِ؛ وَلِأَنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ وَالْكَلَامُ فِيهِ مِنْ وُجُوهٍ الْأَوَّلُ فِي دَلِيلِهِ وَالثَّانِي فِي رُكْنِهِ وَالثَّالِثُ فِي تَفْسِيرِهِ لُغَةً وَشَرْعًا وَالرَّابِعُ فِي شَرْطِهِ وَالْخَامِسُ فِي حُكْمِهِ أَمَّا دَلِيلُهُ فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِمَنْ سَأَلَهُ عَمَّنْ أَسْلَمَ عَلَى يَدِ رَجُلٍ فَقَالَ «هُوَ أَحَقُّ النَّاسِ بِمَحْيَاهُ وَمَمَاتِهِ» أَيْ بِمِيرَاثِهِ وَحَدِيثُ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ «أَنَّ رَجُلًا أَسْلَمَ عَلَى يَدِ رَجُلٍ وَوَالَاهُ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - هُوَ أَخُوك وَمَوْلَاك تَعْقِلُ عَنْهُ وَتَرِثُ مِنْهُ» ، وَأَمَّا رُكْنُهُ فَقَوْلُهُ أَنْتَ مَوْلَايَ عَلَى كَذَا. وَأَمَّا الْوَلَاءُ لُغَةً فَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْوَلِيِّ وَهُوَ الْقُرْبُ وَحُصُولُ الثَّانِي بَعْدَ الْأَوَّلِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ وَيُسَمَّى وَلَاءَ الْعَتَاقَةِ وَوَلَاءَ الْمُوَالَاةِ، وَأَمَّا تَفْسِيرُهُ شَرْعًا عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهَا هُوَ أَنْ يُسْلِمَ رَجُلٌ عَلَى يَدِ رَجُلٍ فَيَقُولُ لِلَّذِي أَسْلَمَ عَلَى يَدِهِ وَالَيْتُك عَلَى أَنِّي إنْ مِتُّ فَمِيرَاثِي لَك وَإِنْ جَنَيْت فَعَقْلِي عَلَيْك وَعَلَى عَاقِلَتِك وَقَبِلَ الْآخَرُ هَذَا قَالَ فِي الْعِنَايَةِ وَالنِّهَايَةِ، وَأَمَّا شَرْطُهُ فَلَهُ ثَلَاثُ شَرَائِطَ أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ مَجْهُولَ النَّسَبِ بِأَنْ لَا يُنْسَبَ إلَى شَخْصٍ، بَلْ يُنْسَبُ إلَى غَيْرِهِ، وَأَمَّا نِسْبَةُ غَيْرِهِ إلَيْهِ فَغَيْرُ مَانِعَةٍ وَالثَّانِي أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ وَلَاءُ عَتَاقَةٍ وَلَا وَلَاءُ الْمُوَالَاةِ مَعَ أَحَدٍ، وَقَدْ عَقَلَ عَنْهُ وَالثَّالِثُ أَنْ لَا يَكُونَ عَرَبِيًّا اهـ. وَفِي الْكَافِي إنَّمَا تَصِحُّ وَلَايَةُ الْمُوَالَاةِ بِشَرَائِطَ مِنْهَا أَنْ يَشْتَرِطَ الْإِرْثَ وَالْعَقْلَ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ فَإِنْ قِيلَ مِنْ شَرْطِ الْعَقْلِ عَقْلُ الْأَعْلَى أَوْ حُرِّيَّتُهُ فَإِنَّ مُوَالَاةَ الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ بَاطِلَةٌ فَكَيْفَ جَعَلَ الشَّرَائِطَ ثَلَاثَةً وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَذْكُورَ إنَّمَا هِيَ الشَّرَائِطُ الْعَامَّةُ الْمُحْتَاجُ إلَيْهَا فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الصُّوَرِ، وَأَمَّا مَا ذَكَرْت فَإِنَّهُ نَادِرٌ فَلَمْ يَذْكُرْهُ وَفِي الشَّارِحِ، وَلَوْ ذَكَرَ الْإِرْثَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَتَوَارَثَا بِخِلَافِ وَلَاءِ الْعَتَاقَةِ بِحَيْثُ لَا يَرِثُ إلَّا الْأَعْلَى وَيَدْخُلُ فِيهِ الْأَوْلَادُ الصِّغَارُ وَمَنْ يُولَدُ بَعْدَ عِتْقِ الْمُوَالَاةِ وَفِي الْبَدَائِعِ وَمِنْ شَرَائِطِ عَقْدِ الْمُوَالَاةِ فَمِنْهَا عَقْلُ الْعَاقِدَيْنِ وَحُرِّيَّةُ الْأَسْفَلِ أَيْضًا. اهـ. وَفِي الْمَبْسُوطِ، وَإِذَا عَقَدَ الْعَقْدَ الْعَبْدُ عَقْدَ الْمُوَالَاةِ بِإِذْنِ مَوْلَاهُ كَانَ عَقْدُهُ كَعَقْدِ مَوْلَاهُ فَيَكُونُ الْوَلَاءُ لِلْمَوْلَى اهـ. وَأَمَّا حُكْمُهُ شَرْعًا فَالْإِرْثُ وَالْعَقْلُ عَنْهُ وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْإِرْثَ وَالْعَقْلَ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْعَقْدِ فَكَيْفَ يَكُونُ حُكْمًا وَالشَّرْطُ مُتَقَدِّمٌ وَالْحُكْمُ مُتَأَخِّرٌ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُعْتَبَرَ لَهُ حَالَتَانِ فَبِاعْتِبَارِ التَّقْدِيمِ شَرْطًا وَبِاعْتِبَارِ التَّأْخِيرِ حُكْمًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَسْلَمَ رَجُلٌ عَلَى يَدِ رَجُلٍ وَوَالَاهُ عَلَى أَنْ يَرِثَهُ وَيَعْقِلَ عَنْهُ أَوْ عَلَى يَدِ غَيْرِهِ وَوَالَاهُ صَحَّ وَعَقْلُهُ عَلَى مَوْلَاهُ وَإِرْثُهُ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ) وَقَوْلُهُ أَسْلَمَ إلَى آخِرِهِ ظَاهِرُهُ أَنَّ حُدُوثَ الْإِسْلَامِ لَا بُدَّ مِنْهُ وَأَنَّ الْإِسْلَامَ أَيْضًا لَا بُدَّ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ مُوَالَاةُ مَجْهُولِ الْحَالِ، وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ حُدُوثَ إسْلَامِهِ صَحِيحَةً وَيَصِحُّ مُوَالَاةُ الذِّمِّيِّ لِلْمُسْلِمِ فَلَوْ قَالَ غَيْرُ عَرَبِيٍّ إلَى آخِرِهِ لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ الْمُسْلِمَ وَالذِّمِّيَّ وَمَنْ أَحْدَثَ الْإِسْلَامَ وَغَيْرَهُ فَإِنْ قُلْت قَالَ فِي الْمُحِيطِ ذِمِّيٌّ مِنْ نَصَارَى الْعَرَبِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُوَالِيَ غَيْرَ قَبِيلَتِهِ اهـ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 77 فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ غَيْرَ الْمَجْهُولِ يَصِحُّ مَعَهُ عَقْدُ الْمُوَالَاةِ قُلْنَا لَا يُقْبَلُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْمُوَالَاةِ ثَابِتٌ لَهُ مَعَ قَبِيلَتِهِ فَأَغْنَاهُ عَنْهَا مَعَ الْغَيْرِ، وَلَوْ عَقَدَ مَعَ قَبِيلَتِهِ كَانَ فِيهِ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ وَهُوَ مُحَالٌ، وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ لَا اعْتِبَارَ بِهَذَا أَصْلًا، وَقَدْ بَيَّنَ الدَّلِيلَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فِي الْمُطَوَّلَاتِ وَاعْتَرَضَ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ عَلَى وُجُوبِ اشْتِرَاطِ الْإِرْثِ وَالْعَقْلِ فِي صِحَّةِ عَقْدِ الْمُوَالَاةِ حَيْثُ قَالَ قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ إذَا أَسْلَمَ رَجُلٌ عَلَى يَدِ رَجُلٍ وَوَالَاهُ فَإِنَّهُ يَرِثُهُ وَيَعْقِلُ عَنْهُ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اشْتِرَاطَ الْإِرْثِ وَالْعَقْلِ لَيْسَ بِشَرْطٍ، بَلْ مُجَرَّدُ الْعَقْلِ كَافٍ وَأُجِيبَ بِأَنَّ عَدَمَ وُقُوعِ التَّصْرِيحِ بِذِكْرِهِمَا بِنَاءٌ عَلَى ظُهُورِهِمَا فَضَمِنَ عَقْدُ الْمُوَالَاةِ ذَلِكَ، وَلَوْ لَمْ يَذْكُرْ وَفِي الْمُحِيطِ أَسْلَمَتْ ذِمِّيَّةٌ فَوَالَتْ رَجُلًا وَلَهَا وَلَدٌ صَغِيرٌ مِنْ ذِمِّيٍّ لَمْ يَكُنْ وَلَاءُ وَلَدِهَا لِمَوْلَاهَا فِي قَوْلِهِمَا وَفِي قِيَاسِ قَوْلِ الْإِمَامِ يَكُونُ لَهُ أَسْلَمَ رَجُلٌ عَلَى أَنْ يَكُونَ وَلَاؤُهُ لِأَوَّلِ وَلَدٍ لَهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْمُوَالَاةِ لَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ بِالْأَخْطَارِ فَلَوْ قَالَ إنْ وَالَيْتُك إنْ فَعَلْت كَذَا لَمْ يَصِحَّ وَإِنْ كَانَ لِمَنْ عَقَدَ عَقْدَ الْمُوَالَاةِ وَلَدٌ كَبِيرٌ فَإِذَا أَسْلَمَ ابْنُهُ الْكَبِيرُ عَلَى يَدِ رَجُلٍ وَوَالَاهُ فَوَلَاؤُهُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ أَوْلَى بِنَفْسِهِ لِانْقِطَاعِ وَلَايَةِ الْأَبِ وَإِنْ أَسْلَمَ وَلَمْ يُوَالِ أَحَدًا فَوَلَاؤُهُ مَوْقُوفٌ بِخِلَافِ وَلَاءِ الْعَتَاقَةِ فَإِنَّ الْوَلَدَ الْكَبِيرَ يَتْبَعُ الْأَبَ فِي وَلَاءِ الْعَتَاقَةِ؛ لِأَنَّ الْكَبِيرَ يَسْتَنْصِرُ مَنْ يُوَالِي أَبِيهِ رَجُلٌ وَالَى رَجُلًا، ثُمَّ وُلِدَ لَهُ مِنْ امْرَأَتِهِ وَلَدٌ فَوَالَتْ رَجُلًا فَوَلَاءُ الْوَلَدِ لِمَوْلَى الْأَبِ، وَإِذَا وَالَى رَجُلًا وَابْنُهُ الْكَبِيرُ رَجُلًا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ لِمَوْلَاهُ وَلَا يَجُرّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فَإِنْ سُبِيَ ابْنُهُ وَأُعْتِقَ لَمْ يَجُرَّ وَلَاءَ أَبِيهِ فَإِنْ سُبِيَ أَبُوهُ وَأُعْتِقَ جَرَّ وَلَاءَ الِابْنِ؛ لِأَنَّ الِابْنَ يُنْسَبُ إلَى الْأَبِ فَكَذَا فِي الْمُوَالَاةِ فَإِنْ كَانَ لَهُ ابْنُ ابْنٍ وَالِابْنُ لَمْ يُسْبَ لَكِنْ أَسْلَمَ فَوَالَاهُ رَجُلٌ فَسَبَى الْجَدَّ فَأَعْتَقَ لَمْ يَجُرَّ الْجَدُّ وَلَاءَهُ إلَّا أَنْ يَجُرَّ وَلَاءَ ابْنِهِ فَيَنْجَرُّ حَتَّى لَوْ كَانَ الْأَسْفَلُ مُوَالِيًا حَرْبِيًّا وَالْجَدُّ مُعْتَقًا لَا يَجُرُّ إلَّا أَنْ يُسْلِمَ الْأَوْسَطُ فَيَجُرُّهُ الْجَدُّ فَيَنْجَرُّ بِجَرِّهِ أَسْلَمَ الْحَرْبِيُّ وَلَمْ يُوَالِ أَحَدًا، ثُمَّ أَعْتَقَ أَبُوهُ جَرَّ وَلَاءَهُ. وَلَوْ أَسْلَمَ أَبُوهُ وَوَالَى رَجُلًا لَمْ يَجُرَّ وَالَى ذِمِّيٌّ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا جَازَ وَهُوَ مَوْلَاهُ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلذِّمِّيِّ عَلَى الْمُسْلِمِ وَلَاءُ الْعَتَاقَةِ فَكَذَا وَلَاءُ الْمُوَالَاةِ فَإِنْ قُلْت قَالَ فِي الْمُحِيطِ ذِمِّيٌّ وَالَى مُسْلِمًا فَمَاتَ لَمْ يَرِثْهُ؛ لِأَنَّ الْإِرْثَ بِاعْتِبَارِ التَّنَاصُرِ وَالتَّنَاصُرَ فِي غَيْرِ الْقُرْبِ إنَّمَا هُوَ بِالدَّيْنِ فَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْمُوَالَاةَ لَا تَكُونُ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ قُلْنَا هِيَ تَكُونُ بَيْنَهُمَا لَكِنَّ الْإِرْثَ إنَّمَا يَكُونُ حَيْثُ لَا مَانِعَ وَحِينَئِذٍ الْمَانِعُ هُنَا وَهُوَ اخْتِلَافُ الدِّينِ وَإِنْ أَسْلَمَ عَلَى يَدِ حَرْبِيٍّ وَوَالَاهُ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْكِتَابِ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا أَعْتَقَ الْحَرْبِيُّ عَبْدَهُ الْمُسْلِمَ قِيلَ يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلْحَرْبِيِّ عَلَى الْمُسْلِمِ وَلَاءُ الْعَتَاقَةِ فَكَذَا وَلَاءُ الْمُوَالَاةِ، وَقِيلَ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ عَقَدَ الْمُوَالَاةَ مَعَ الْحَرْبِيِّ لِلتَّنَاصُرِ، وَقَدْ نُهِينَا عَنْ ذَلِكَ بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ اهـ. وَفِي الْمَبْسُوطِ رَجُلٌ اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ عَبْدًا، ثُمَّ شَهِدَ أَنَّ الْبَائِعَ كَانَ أَعْتَقَهُ فَهُوَ حُرٌّ وَوَلَاؤُهُ مَوْقُوفٌ إذَا جَحَدَ الْبَائِعُ ذَلِكَ فَإِنْ صَدَّقَهُ الْبَائِعُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهَرَ أَنَّهُ الْمَوْلَى، وَكَذَا إنْ صَدَّقَهُ الْوَرَثَةُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ أَعْتَقَ عَبْدًا فَنَقَضَ الذِّمِّيُّ الْعَهْدَ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَأُخِذَ وَاسْتُرِقَّ فَصَارَ عَبْدَ الرَّجُلِ وَأَرَادَ مُعْتَقُهُ أَنْ يُوَالِيَ رَجُلًا لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَوْلَى الْعَتَاقَةِ لَا يَمْلِكُ أَنْ يُوَالِيَ أَحَدًا فَإِنْ أَعْتَقَ مَوْلَاهُ يَوْمًا مِنْ الدَّهْرِ فَإِنَّهُ يَرِثُهُ وَإِنْ جَنَى جِنَايَةً عَقَلَ عَنْ نَفْسِهِ وَلَا يَعْقِلُ عَنْهُ مَوْلَاهُ هَكَذَا ذَكَرَ فِي عَامَّةِ الرِّوَايَاتِ وَفِي بَعْضِهَا قَالَ يَرِثُهُ وَيَعْقِلُ عَنْهُ. وَإِذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ بِالْوَلَاءِ لِآخَرَ وَصَدَّقَهُ يَصِيرُ مَوْلًى لَهُ يَعْقِلُ عَنْهُ وَيَرِثُهُ فَإِنْ كَانَ لَهُ أَوْلَادٌ كِبَارٌ فَكَذَّبُوا الْأَبَ فِيمَا أَقَرَّ وَقَالُوا أَبُونَا مَوْلًى لِفُلَانٍ آخَرَ وَصَدَّقَهُمْ فُلَانٌ فِي ذَلِكَ فَهُمْ مُصَدَّقُونَ فِي حَقِّ أَنْفُسِهِمْ وَإِنْ قَالَ أَعْتَقَنِي فُلَانٌ أَوْ فُلَانٌ وَكُلٌّ مِنْهُمَا يَدَّعِي أَنَّهُ الْمُعْتَقُ لَا يَلْزَمُ الْعَبْدَ شَيْءٌ وَإِنْ أَقَرَّ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ أَوْ لِغَيْرِهِمَا يَجُوزُ إقْرَارُهُ عَلَى قَوْلِهِمَا وَعَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ لَا يَجُوزُ إذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ أَنَّهُ مَوْلَى امْرَأَةٍ أَعْتَقَتْهُ فَقَالَتْ الْمَرْأَةُ لَمْ أَعْتِقْك لَكِنْ أَسْلَمْت عَلَى يَدَيَّ وَوَالَيْتنِي فَهُوَ مَوْلَاهَا فَإِذَا أَرَادَ التَّحَوُّلَ عَنْهَا إلَى غَيْرِهَا فَفِي قِيَاسِ قَوْلِ الْإِمَامِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَفِي قَوْلِهِمَا لَهُ ذَلِكَ أَقَرَّ أَنَّ فُلَانًا أَعْتَقَهُ وَأَنْكَرَ فُلَانٌ، وَقَالَ مَا أَعْتَقْتُك وَلَا أَعْرِفُك فَأَقَرَّ الْمُقِرُّ لِإِنْسَانٍ آخَرَ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَعِنْدَهُمَا يَصِحُّ وَفِي الْمُحِيطِ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ وَلَاءِ الْمُوَالَاةِ وَلَا وَلَاءِ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَهُوَ آخِرُ ذَوِي الْأَرْحَامِ) إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ غَيْرُ ذَوِي الْأَرْحَامِ فَإِرْثُهُ لَهُ وَفِي الْمُحِيطِ، وَلَوْ ادَّعَى رَجُلٌ وَلَاءَ الْمُوَالَاةِ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ وَادَّعَى آخَرُ مِثْلَ ذَلِكَ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ فَالْمُتَأَخِّرُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ بِخِلَافِ وَلَاءِ الْعَتَاقَةِ اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَهُ أَنْ يَتَحَوَّلَ مِنْهُ إلَى غَيْرِهِ بِمَحْضَرٍ مِنْ الْآخَرِ مَا لَمْ يَعْقِلْ عَنْهُ) ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 78 غَيْرُ لَازِمٍ كَالْوَصِيَّةِ وَالْوَكَالَةِ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَفْسَخَهُ بِعِلْمِ الْآخَرِ فَإِنْ كَانَ الْآخَرُ غَائِبًا لَا يَمْلِكُ فَسْخَهُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ لَازِمٍ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ تَمَّ لَهُمَا كَمَا فِي الشَّرِكَةِ وَالْمُضَارَبَةِ وَالْوَكَالَةِ وَلَا يَعْرَى عَنْ ضَرَرٍ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَمُوتُ الْأَسْفَلُ فَيَأْخُذُ الْأَعْلَى مِيرَاثَهُ فَيَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ أَوْ يَعْقِلُ الْأَسْفَلُ عَبِيدًا عَلَى حِسَانٍ إنْ عَقَلَ عَبِيدُهُ عَلَى الْمَوْلَى الْأَعْلَى فَيَجِبُ عَلَيْهِ وَحْدَهُ فَيَتَضَرَّرُ بِذَلِكَ فَلَا يَصِحُّ الْفَسْخُ إلَّا بِمَحْضَرٍ مِنْ الْآخَرِ بِخِلَافِ مَا إذَا عَقَدَ الْأَسْفَلُ الْمُوَالَاةَ مَعَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْ الْأَوَّلِ حَتَّى يَصِحَّ وَيَنْفَسِخَ الْعَقْدُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ فَسْخٌ حُكْمِيٌّ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعِلْمُ كَمَا فِي الْوَكَالَةِ وَالْمُضَارَبَةِ وَالشَّرِكَةِ؛ لِأَنَّ الْمُوَالَاةَ كَالنَّسَبِ إذَا ثَبَتَ مِنْ شَخْصٍ يُنَافِي كَوْنَهُ مَعَ غَيْرِهِ فَيَنْفَسِخُ ضَرُورَةً وَالْمَرْأَةُ فِي هَذَا كَالرَّجُلِ. وَقَوْلُهُ مَا لَمْ يَعْقِلْ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا عَقَلَ عَنْهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَحَوَّلَ إلَى غَيْرِهِ لِتَأَكُّدِهِ بِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِهِ لِحُصُولِ الْمَعْقُودِ بِهِ وَلِاتِّصَالِ الْعُصُوبَةِ؛ وَلِأَنَّ وِلَايَةَ التَّحَوُّلِ قَبْلَ أَنْ يَعْقِلَ عَنْهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ عَقْدُ تَبَرُّعٍ فَإِذَا عَقَلَ عَنْهُ صَارَ كَالْعِوَضِ فِي الْهِبَةِ، وَكَذَا لَا يَتَحَوَّلُ وَلَدُهُ بَعْدَمَا تَحَمَّلَ الْجِنَايَةَ عَنْ أَبِيهِ، وَكَذَا إنْ عَقَلَ عَنْ وَلَدِهِ لَمْ يَكُنْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَتَحَوَّلَ إلَى غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُمَا كَشَخْصٍ وَاحِدٍ فِي حُكْمِ الْوَلَاءِ. [لَيْسَ لِلْمُعْتَقِ أَنْ يُوَالِيَ أَحَدًا] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَيْسَ لِلْمُعْتَقِ أَنْ يُوَالِيَ أَحَدًا) ؛ لِأَنَّ وَلَاءَ الْعَتَاقَةِ لَازِمٌ لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ بَعْدَ ثُبُوتِهِ فَلَا يَنْفَسِخُ وَلَا يَنْعَقِدُ مَعَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنْقَلُ؛ لِأَنَّ الْإِرْثَ بِوَلَاءِ الْعَتَاقَةِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْإِرْثِ بِوَلَاءِ الْمُوَالَاةِ أَلَا تَرَى أَنَّ شَخْصًا لَوْ مَاتَ وَتَرَكَ مَوْلَى عَتَاقَتِهِ وَمَوْلَى مُوَالَاتِهِ كَانَ الْمَالُ لِلْمُعْتَقِ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ، وَلَوْ مَاتَ الْأَعْلَى، ثُمَّ مَاتَ الْأَسْفَلُ فَإِنَّمَا يَرِثُهُ الْمَذْكُورُ مِنْ أَوْلَادِ الْأَعْلَى دُونَ الْإِنَاثِ عَلَى نَحْوِ مَا بَيَّنَّا فِي وَلَاءِ الْعَتَاقَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ وَالَتْ امْرَأَةٌ فَوَلَدَتْ تَبِعَهَا فِيهِ) يَعْنِي وَلَدَتْ وَلَدًا لَا يُعْرَفُ لَهُ أَبٌ، وَكَذَا لَوْ أَقَرَّتْ أَنَّهَا مَوْلَاةُ فُلَانٍ وَمَعَهَا وَلَدٌ صَغِيرٌ لَا يُعْرَفُ لَهُ أَبٌ صَحَّ إقْرَارُهَا عَلَى نَفْسِهَا وَيَتْبَعُهَا وَلَدُهَا فِيهِ، وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ، وَقَالَا لَا يَتْبَعُهَا وَلَدُهَا فِيهِ فِي الصُّورَتَيْنِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ. [فُرُوعٌ عَبْدٌ لِحَرْبِيٍّ خَرَجَ مُسْتَأْمَنًا فِي تِجَارَةٍ لِمَوْلَاهُ فَأَسْلَمَ] (فُرُوعٌ) عَبْدٌ لِحَرْبِيٍّ خَرَجَ مُسْتَأْمَنًا فِي تِجَارَةٍ لِمَوْلَاهُ فَأَسْلَمَ يَبِيعُهُ الْإِمَامُ وَيُمْسِكُ ثَمَنَهُ عَلَى مَوْلَاهُ، وَكَذَا لَوْ أَسْلَمَ الْعَبْدُ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَخَرَجَ تَاجِرًا لِمَوْلَاهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْتَقْ عَلَيْهِ لَمَّا خَرَجَ بِإِذْنِ الْمَوْلَى وَإِنْ خَرَجَ مُرَاغَمًا فَهُوَ حُرٌّ وَيُوَالِي مَنْ شَاءَ إلَّا إذَا عَقَلَ عَنْهُ بَيْتُ الْمَالِ. اهـ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. [كِتَابُ الْإِكْرَاهِ] أَوْرَدَ الْإِكْرَاهَ عَقِيبَ وَلَاءِ الْمُوَالَاةِ؛ لِأَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا تَغَيُّرَ حَالِ الْمُخَاطَبِ مِنْ الْحُرْمَةِ إلَى الْحِلِّ فَإِنَّ وَلَاءَ الْمُوَالَاةِ يُغَيِّرُ حَالَ الْمُخَاطَبِ الَّذِي هُوَ الْمَوْلَى الْأَعْلَى مِنْ حُرْمَةِ تَنَاوُلِ مَالِ الْمَوْلَى الْأَسْفَلِ بَعْدَ مَوْتِهِ إلَى حِلِّهِ بِالْإِرْثِ فَكَذَلِكَ الْإِكْرَاهُ يُغَيِّرُ حَالَ الْمُخَاطَبِ الَّذِي هُوَ الْمُكْرَهُ مِنْ حُرْمَةِ الْمُبَاشَرَةِ إلَى حِلِّهَا كَذَا فِي عَامَّةِ الْمَوَاضِعِ وَالْكَلَامُ فِيهِ فِي مَوَاضِعَ الْأَوَّلُ فِي مَعْنَاهُ لُغَةً وَالثَّانِي عِنْدَ الْفُقَهَاءِ وَالثَّالِثُ فِي رُكْنِهِ وَالرَّابِعُ فِي دَلِيلِهِ وَالْخَامِسُ فِي شَرْطِهِ وَالسَّادِسُ فِي حُكْمِهِ فَهُوَ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ حَمْلِ إنْسَانٍ عَلَى شَيْءٍ يُكْرَهُ يُقَالُ أَكْرَهْت فُلَانًا إكْرَاهًا أَيْ حَمَلْته عَلَى أَمْرٍ يَكْرَهُهُ وَهُوَ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ مَا سَيَأْتِي وَرُكْنُهُ اللَّفْظُ الَّذِي يُفِيدُهُ وَدَلِيلُهُ مِنْ الْكِتَابِ قَوْله تَعَالَى {إِلا مَنْ أُكْرِهَ} [النحل: 106] الْآيَةَ وَمِنْ السُّنَّةِ مَا وَرَدَ «أَنَّ صَفْوَانَ الطَّائِيَّ كَانَ نَائِمًا مَعَ امْرَأَتِهِ وَأَخَذَتْ الْمَرْأَةُ سِكِّينًا وَجَلَسَتْ عَلَى صَدْرِهِ، وَقَالَتْ لَأَذْبَحَنَّكَ أَوْ تُطَلِّقُنِي فَنَاشَدَهَا بِاَللَّهِ فَأَبَتْ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَبَلَغَ ذَلِكَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَا إقَالَةَ فِي الطَّلَاقِ» وَشَرْطُهُ سَيَأْتِي فِي الْكِتَابِ. وَحُكْمُهُ إذَا حَصَلَ بِهِ إتْلَافٌ أَنْ يَنْتَقِلَ إلَى الْمُكْرَهِ فِيمَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ لَهُ لِلْمُكْرَهِ وَيُجْعَلَ كَأَنَّهُ فَعَلَهُ بِنَفْسِهِ كَمَا سَيَجِيءُ وَالْإِكْرَاهُ نَوْعَانِ مُلْجِئٌ وَغَيْرُ مُلْجِئٍ فَالْمُلْجِئُ هُوَ الْكَامِلُ بِمَا يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عُضْوِهِ فَإِنَّهُ يُعْدِمُ الرِّضَا وَيُوجِبُ الْإِلْجَاءَ وَيُفْسِدُ الِاخْتِيَارَ وَغَيْرُ الْمُلْجِئِ هُوَ الْقَاصِرُ وَهُوَ أَنْ يُكْرَهَ بِمَا لَا يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ وَلَا عَلَى تَلَفِ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ كَالْإِكْرَاهِ بِالضَّرْبِ الشَّدِيدِ أَوْ الْقَيْدِ أَوْ الْحَبْسِ فَإِنَّهُ يَعْدَمُ الرِّضَا وَلَا يُوجِبُ الْإِلْجَاءَ وَلَا يُفْسِدُ الِاخْتِيَارَ، وَهَذَا النَّوْعُ مِنْ الْإِكْرَاهِ لَا يُؤَثِّرُ إلَّا فِي تَصَرُّفٍ يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الرِّضَا كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالْإِقْرَارِ وَالْأَوَّلُ يُؤَثِّرُ فِي الْكُلِّ فَيُضَافُ فِعْلُهُ إلَى الْمُكْرِهِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ فَعَلَهُ وَالْمُكْرَهُ آلَةٌ لَهُ فَيَكُونُ فِعْلُهُ بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ إكْرَاهِ أَحَدٍ وَذَلِكَ مِثْلُ الْأَقْوَالِ وَالْأَكْلِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَأْكُلُ بِفَمِ غَيْرِهِ وَلَا يَتَكَلَّمُ بِلِسَانِ غَيْرِهِ فَلَا يُضَافُ إلَى غَيْرِ الْمُتَكَلِّمِ وَالْأَكْلِ إذَا كَانَ فِيهِ إتْلَافٌ فَيُضَافُ إلَيْهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ إتْلَافٌ بِصَلَاحِيَّتِهِ آلَةً لَهُ فِيهِ حَتَّى إذَا أُكْرِهَ عَلَى الْعِتْقِ يَقَعُ كَأَنَّهُ أَوْقَعَهُ بِاخْتِيَارِهِ وَيَكُونُ الْوَلَاءُ لَهُ وَيُضَافُ إلَى الْمُكْرَهِ مِنْ حَيْثُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 79 الْإِتْلَافُ فَيَرْجِعُ إلَيْهِ بِقِيمَتِهِ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يُنَافِي أَهْلِيَّةَ الْمُكْرَهِ وَلَا يُوجِبُ وَضْعَ الْخِطَابِ عَنْهُ بِحَالٍ؛ لِأَنَّ الْمُكْرَهَ مُبْتَلًى وَالِابْتِلَاءَ يُحَقِّقُ الْخِطَابَ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ أَفْعَالَهُ مُتَرَدِّدَةٌ بَيْنَ فَرْضٍ وَحَظْرٍ وَإِبَاحَةٍ وَرُخْصَةٍ وَيَأْثَمُ تَارَةً وَيُؤْجَرُ أُخْرَى فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ قَتْلُ النَّفْسِ وَقَطْعُ الطُّرُقِ وَالزِّنَا وَيُفْتَرَضُ عَلَيْهِ أَنْ يُمْنَعَ مِنْ ذَلِكَ وَيُثَابُ عَلَيْهِ إنْ امْتَنَعَ وَيُبَاحُ لَهُ بِالْإِكْرَاهِ أَكْلُ الْمَيْتَةِ وَشُرْبُ الْخَمْرِ وَيُرَخَّصُ لَهُ بِإِجْرَاءِ كَلِمَةِ الْكُفْرِ وَإِتْلَافِ مَالِ الْغَيْرِ وَإِفْسَادِ الصَّوْمِ وَالْجِنَايَةِ عَلَى الْإِحْرَامِ. وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ مُخَاطَبٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (هُوَ فِعْلٌ يَفْعَلُهُ الْإِنْسَانُ بِغَيْرِهِ فَيَزُولُ بِهِ الرِّضَا) زَادَ فِي الْمَبْسُوطِ أَوْ يَفْسُدُ بِهِ اخْتِيَارُهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَنْعَدِمَ بِهِ الْأَهْلِيَّةُ فِي حَقِّ الْمُكْرَهِ أَوْ يَسْقُطَ عَنْهُ الْخِطَابُ وَذَكَرَ فِي الْإِيضَاحِ أَنَّ الْإِكْرَاهَ فِعْلٌ يُوجَدُ مِنْ الْمُكْرِهِ يَحْدُثُ فِي الْمَحَلِّ مَعْنًى يَصِيرُ بِهِ مَدْفُوعًا إلَى الْفِعْلِ الَّذِي طُلِبَ مِنْهُ وَذَكَرَ فِي الْوَافِي أَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ تَهْدِيدِ غَيْرِهِ عَلَى مَا هَدَّدَ بِمَكْرُوهٍ عَلَى أَمْرٍ بِحَيْثُ يَنْتَفِي بِهِ الرِّضَا وَقَوْلُهُ فَيَزُولُ بِهِ الرِّضَا أَعَمُّ مَعَ كَوْنِهِ مَعَ فَسَادِ اخْتِيَارِهِ أَوْ مَعَ عَدَمِهِ وَهُوَ إشَارَةٌ إلَى نَوْعَيْ الْإِكْرَاهِ، ثُمَّ إنَّ الشَّائِعَ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ مِنْ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ هُوَ أَنَّ الْإِكْرَاهَ نَوْعَانِ وَذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ فَقَالَ الْإِكْرَاهُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ نَوْعٌ يُعْدِمُ الرِّضَا وَيُفْسِدُ الِاخْتِيَارَ وَهُوَ الْمُلْجِئُ وَنَوْعٌ يُعْدِمُ الرِّضَا وَلَا يُفْسِدُ الِاخْتِيَارَ وَهُوَ الَّذِي لَا يُلْجِئُ وَهُوَ نَوْعٌ آخَرُ لَا يُعْدِمُ الرِّضَا وَهُوَ أَنْ يُهَدَّدَ بِحَبْسِ أَبِيهِ أَوْ ابْنِهِ وَوَلَدِهِ، وَهَذَا النَّوْعُ الثَّالِثُ أَخْرَجَهُ الْمُؤَلِّفُ وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّ الْقِسْمَ الثَّالِثَ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي هَذَا الْمَعْنَى شَرْعًا لِعَدَمِ تَرَتُّبِ أَحْكَامِ الْإِكْرَاهِ عَلَيْهِ شَرْعًا وَذَكَرَ غَيْرُهُ أَنَّ الْقِسْمَ الثَّالِثَ دَاخِلٌ فِي مَعْنَى الْإِكْرَاهِ لُغَةً وَأَطْلَقَ فِي الْإِنْسَانِ فَشَمِلَ الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ وَالْمَعْتُوهَ كَذَا فِي قَاضِي خَانْ، وَقَالَ فِيهِ أَيْضًا، وَلَوْ أَكْرَهَ الصَّبِيُّ أَوْ الْمَجْنُونُ أَوْ الْمَعْتُوهُ رَجُلًا عَلَى قَتْلِ آخَرَ فَقَتَلَهُ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالْمَعْتُوهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ. [شَرْطُ الْإِكْرَاهِ] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَشَرْطُهُ قُدْرَةُ الْمُكْرِهِ عَلَى تَحْقِيقِ مَا هَدَّدَ بِهِ سُلْطَانًا كَانَ أَوْ لِصًّا أَوْ خَوْفُ الْمُكْرَهِ وُقُوعُ مَا هَدَّدَ بِهِ) يَعْنِي شَرْطُ الْإِكْرَاهِ الَّذِي هُوَ فِعْلٌ كَمَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ اسْمٌ لِفِعْلٍ يَفْعَلُهُ الْإِنْسَانُ بِغَيْرِهِ فَيَنْتَفِي بِهِ رِضَاهُ أَوْ يَفْسُدُ بِهِ اخْتِيَارُهُ مَعَ بَقَاءِ الْأَهْلِيَّةِ وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إلَّا مِنْ الْقَادِرِ عِنْدَ خَوْفِ الْمُكْرِهِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بِهِ مُلْجِئًا وَبِدُونِ ذَلِكَ لَا يَصِيرُ مُلْجِئًا وَمَا رُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا مِنْ السُّلْطَانِ فَذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا شَهِدَ فِي زَمَانِهِ مِنْ أَنَّ الْقُدْرَةَ وَالْمَنَعَةَ مُنْحَصِرَةٌ فِي السُّلْطَانِ وَفِي زَمَانِهِمَا كَانَ لِكُلِّ مُفْسِدٍ لَهُ قُوَّةٌ وَمَنَعَةٌ لِفَسَادِ الزَّمَانِ فَأَفْتَيَا عَلَى مَا شَهِدَا وَبِهِ يُفْتَى؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ اخْتِلَافٌ يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْحُجَّةِ وَفِي الْمُحِيطِ وَصِفَةُ الْمُكْرِهِ وَهُوَ أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يُوقِعُ ذَلِكَ بِهِ لَوْ لَمْ يَفْعَلْ، وَلَوْ شَكَّ أَنَّهُ لَا يَفْعَلُ مَا تَوَعَّدَ بِهِ لَمْ يَكُنْ مُكْرِهًا؛ لِأَنَّ غَلَبَةَ الظَّنِّ مُعْتَبَرَةٌ عِنْدَ فَقْدِ الْأَدِلَّةِ اهـ. لَا يُقَالُ الشَّرْطِيَّةُ تُنَافِي كَوْنَ ذَلِكَ وَصْفًا؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَا مُنَافَاةَ؛ لِأَنَّ الشَّرْطِيَّةَ بِاعْتِبَارِ الْحَاصِلِ مِنْ الْفَاعِلِ وَالْوَصْفَ بِاعْتِبَارِ الْفَاعِلِ وَفِي الْخَانِيَّةِ إذَا غَابَ الْمُكْرَهُ عَنْ بَصَرِ الْمُكْرِهِ يَزُولُ الْإِكْرَاهُ وَنَفْسُ الْأَمْرِ مِنْ السُّلْطَانِ مِنْ غَيْرِ تَهْدِيدٍ إكْرَاهٌ، وَعِنْدَهُمَا إنْ كَانَ الْمَأْمُورُ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَفْعَلْ مَا أُمِرَ بِهِ يُفْعَلُ فِيهِ كَذَا كَانَ إكْرَاهًا وَفِي الْعَتَّابِيَّةِ، وَإِذَا أَخَذَهُ وَاحِدٌ فِي الطَّرِيقِ لَا يَقْدِرُ فِيهِ عَلَى غَوْثٍ يَكُونُ إكْرَاهًا اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ إقْرَارٍ أَوْ إجَارَةٍ بِقَتْلٍ أَوْ ضَرْبٍ شَدِيدٍ أَوْ حَبْسٍ مَدِيدٍ خُيِّرَ بَيْنَ أَنْ يُمْضِيَ الْبَيْعَ أَوْ يَفْسَخَ) وَلَمَّا كَانَ الْإِكْرَاهُ تَارَةً يَقَعُ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ وَأُخْرَى فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَحَقُّ الْعَبْدِ مُقَدَّمٌ لِحَاجَةِ الْعَبْدِ إلَيْهِ قَدَّمَهُ وَلَمَّا كَانَ الْإِكْرَاهُ عَلَى نَوْعَيْنِ مُلْجِئٌ وَغَيْرُ مُلْجِئٍ وَكُلٌّ مِنْهُمَا يُفْسِدُ الرِّضَا الَّذِي هُوَ شَرْطُ الصِّحَّةِ لِهَذِهِ الْعُقُودِ فَكَذَا ذَكَرَ الْقَتْلَ وَالضَّرْبَ وَلَمَّا كَانَ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُكْرَهَ عَلَى بَيْعِ هَذَا أَوْ بَيْعٍ وَلَمْ يُعَيَّنْ جَاءَ بِالْعِبَارَةِ مُنَكَّرَةً قَيَّدَ بِضَرْبٍ شَدِيدٍ وَحَبْسٍ مَدِيدٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ أَضْرِبُك سَوْطًا أَوْ سَوْطَيْنِ أَوْ أَحْبِسُك يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ إكْرَاهًا قَالَ فِي الْمُحِيطِ إلَّا إذَا قَالَ لَهُ لَأَضْرِبَنَّكَ عَلَى رَأْسِك أَوْ عَيْنِك أَوْ مَذَاكِرِكَ فَإِنَّهُ يَكُونُ إكْرَاهًا؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا إذَا حَصَلَ فِي هَذِهِ الْأَعْضَاءِ قَدْ يُفْضِي إلَى التَّلَفِ وَفِي الْمُحِيطِ قَالَ مَشَايِخُنَا إلَّا إذَا كَانَ الرَّجُلُ صَاحِبَ مَنْصِبٍ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَتَضَرَّرُ بِضَرْبِ سَوْطٍ أَوْ حَبْسِ يَوْمٍ فَإِنَّهُ يَكُونُ إكْرَاهًا. وَقَدْ يَكُونُ فِيهِ مَا يَكُونُ فِي الْحَبْسِ مِنْ الْإِكْرَاهِ لِمَا يَجِيءُ بِهِ مِنْ الِاغْتِمَامِ الْبَيِّنِ وَمِنْ الضَّرْبِ مَا يَجِدُ بِهِ الْأَلَمَ الشَّدِيدَ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ حَدٌّ لَا يُزَادُ عَلَيْهِ وَلَا يُنْقَصُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ النَّاسِ فَمِنْهُمْ لَا يَتَضَرَّرُ إلَّا بِضَرْبٍ شَدِيدٍ وَحَبْسٍ مَدِيدٍ وَمِنْهُمْ مَنْ يَتَضَرَّرُ بِأَدْنَى شَيْءٍ كَالشُّرَفَاءِ وَالرُّؤَسَاءِ يَتَضَرَّرُونَ بِضَرْبِ سَوْطٍ أَوْ بِفَرْكِ أُذُنِهِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 80 لَا سِيَّمَا فِي مَلَأٍ مِنْ النَّاسِ أَوْ بِحَضْرَةِ السُّلْطَانِ وَفِي الْخَانِيَّةِ، وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى بَيْعِ جَارِيَةٍ وَلَمْ يُعَيِّنْ فَبَاعَ مِنْ إنْسَانٍ كَانَ فَاسِدًا وَالْإِكْرَاهُ بِحَبْسِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَوْلَادِ لَا يُعَدُّ إكْرَاهًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِإِكْرَاهٍ وَلَا يُعْدِمُ الرِّضَا بِخِلَافِ حَبْسِ نَفْسِهِ وَفِي الْمُحِيطِ، وَلَوْ أُكْرِهَ بِحَبْسِ ابْنِهِ أَوْ عَبْدِهِ عَلَى أَنْ يَبِيعَ عَبْدَهُ أَوْ يَهَبَهُ فَفَعَلَ فَهُوَ إكْرَاهٌ اسْتِحْسَانًا، وَكَذَا فِي الْإِقْرَارِ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْإِنْسَانَ يَتَضَرَّرُ بِحَبْسِ ابْنِهِ أَوْ عَبْدِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ حَبْسُ نَفْسِهِ عَلَى حَبْسِ وَلَدِهِ فَإِنْ قُلْت بِهَذَا نُفِيَ الْأَوَّلُ قُلْنَا لَا فَرْقَ بَيْنَ الْوَالِدَيْنِ وَالْوَلَدِ فِي وَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي وَجْهِ الْقِيَاسِ وَقَوْلُهُ خُيِّرَ بَيْنَ أَنْ يُمْضِيَ أَوْ يَفْسَخَ تَقْدِيرُهُ، وَإِذَا زَالَ الْإِكْرَاهُ إلَى آخِرِهِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَثْبُتُ بِهِ الْمِلْكُ عِنْدَ الْقَبْضِ لِلْفَسَادِ) يَعْنِي يَثْبُتُ بِالشِّرَاءِ الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي لِكَوْنِهِ كَسَائِرِ الْبِيَاعَاتِ الْفَاسِدَةِ وَظَاهِرُ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ فَسَادُ الْبَيْعِ مُطْلَقًا وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْبَيْعَ إنَّمَا يَكُونُ فَاسِدًا إذَا قَالَ الْمُكْرَهُ تَلَفَّظْت بِالْبَيْعِ طِبْقَ مَا أَرَادَ فَإِذَا قَالَ أَرَدْت الْإِخْبَارَ بِهِ كَاذِبًا أَوْ قَالَ أَرَدْت إنْشَاءَ الْبَيْعِ فَهُوَ بَيْعٌ صَحِيحٌ لَا خِيَارَ فِيهِ وَلَا فَسَادَ أَخْذًا مِنْ التَّفْصِيلِ فِي حَالَةِ الْعِتْقِ. وَقَالَ زُفَرُ لَا يَثْبُتُ بِهِ الْمِلْكُ؛ لِأَنَّهُ مَوْقُوفٌ وَلَنَا أَنَّ رُكْنَ الْبَيْعِ وَهُوَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ مُضَافًا إلَى مَحَلِّهِ فَيَكُونُ مَشْرُوعًا بِأَصْلِهِ غَيْرَ مَشْرُوعٍ بِوَصْفِهِ فَيُفِيدُ الْمِلْكَ بِالْقَبْضِ حَتَّى لَوْ قَبَضَهُ وَتَصَرَّفَ فِيهِ تَصَرُّفًا لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ كَالْإِعْتَاقِ وَالتَّدْبِيرِ جَازَ تَصَرُّفُهُ وَإِنَّمَا لَا تَفْسُدُ بِالْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّ الْمُفْسِدَ يَرْتَفِعُ بِهَا وَهُوَ عَدَمُ الرِّضَا فَصَارَ كَسَائِرِ الْبِيَاعَاتِ لِفَسَادِهِ وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ أُكْرِهَ عَلَى الْبَيْعِ بِأَلْفٍ فَبَاعَ بِخَمْسِمِائَةٍ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ بَاعَ بِأَكْثَرَ مِنْ الْأَلْفِ جَازَ؛ لِأَنَّ فِي الْأَوَّلِ خَالَفَ مَقْصُودَ الْمُكْرِهِ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْمُكْرِهِ لَحَاقُ الضَّرَرِ بِالْمُكْرَهِ وَالْبَيْعَ بِخَمْسِمِائَةٍ أَضَرَّ بِهِ مِنْ الْبَيْعِ بِأَلْفٍ فَكَانَ الْإِكْرَاهُ عَلَى الْبَيْعِ بِأَلْفٍ إكْرَاهًا لَهُ عَلَى الْأَقَلِّ وَفِي الثَّانِي خَالَفَ إلَى غَيْرِ رَأْيِ الْمُكْرِهِ؛ لِأَنَّهُ اكْتَسَبَ نَفْعًا لِنَفْسِهِ، وَلَوْ بَاعَ بِدَنَانِيرَ قِيمَتُهَا أَلْفٌ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ جُعِلَا كَجِنْسٍ وَاحِدٍ وَفِي التِّجَارَاتِ عَرْضًا وَمَقْصُودًا، وَلَوْ بَاعَهُ بِعَرْضٍ أَوْ بِمَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ جَازَ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ جِنْسِ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ أَوْ أُكْرِهَ عَلَى بَيْعٍ جَائِزٍ فَبَاعَ فَاسِدًا لَمْ يَجُزْ فَإِذَا هَلَكَ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُشْتَرِي أَوْ الْمُكْرِهُ وَعَلَى عَكْسِهِ يَكُونُ رِضًا بِالْبَيْعِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُكْرَهَ عَلَى الْبَيْعِ الْفَاسِدِ مَتَى بَاعَ جَائِزًا فَقَدْ أَتَى بِغَيْرِ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْجَائِزَ ضِدُّ الْفَاسِدِ وَيُفِيدُ مِنْ الْأَحْكَامِ مَا لَا يُفِيدُهُ الْفَاسِدُ وَالْمُكْرَهَ عَلَى الْبَيْعِ الْجَائِزِ مَتَى بَاعَ فَاسِدًا فَقَدْ أَتَى بِمَا هُوَ أَنْقَصُ؛ لِأَنَّ الْفَاسِدَ أَنْقَصُ مِنْ الْجَائِزِ، وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى الْبَيْعِ فَوَهَبَ جَازَ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ جِنْسِ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (وَقَبْضُ الثَّمَنِ طَوْعًا إجَازَةً كَالتَّسْلِيمِ طَائِعًا) ؛ لِأَنَّهُمَا دَلِيلُ الرِّضَا وَهُوَ الشَّرْطُ بِخِلَافِ مَا إذَا أُكْرِهَ عَلَى الْهِبَةِ دُونَ التَّسْلِيمِ وَسَلَّمَ حَيْثُ لَا يَكُونُ إجَازَةً، وَلَوْ سَلَّمَ طَائِعًا؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْمُكْرِهِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الِاسْتِحْقَاقُ لَا صُورَةُ الْعَقْدِ وَالِاسْتِحْقَاقَ فِي الْبَيْعِ يَتَعَلَّقُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ فَلَا يَكُونُ الْإِكْرَاهُ بِهِ إكْرَاهًا عَلَى التَّسْلِيمِ فَيَكُونُ التَّسْلِيمُ أَوْ الْقَبْضُ عَنْ اخْتِيَارِ دَلِيلِ الْإِجَازَةِ وَفِي الْهِبَةِ يَقَعُ الِاسْتِحْقَاقُ فَالْقَبْضُ لَا بِمُجَرَّدِ الْهِبَةِ فَيَكُونُ الْإِكْرَاهُ بِهَا إكْرَاهًا بِالتَّسَلُّمِ نَظَرًا إلَى مَقْصُودِ الْمُكْرَهِ وَيُعْتَبَرُ ذَلِكَ فِي أَصْلِ الْوَضْعِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ وُضِعَ لِإِفَادَةِ الْمِلْكِ فِي الْأَصْلِ وَإِنْ كَانَ فِي الْإِكْرَاهِ لَا يُفِيدُ لِكَوْنِهِ فَاسِدًا وَالْهِبَةُ لَا تُفِيدُ الْمِلْكَ قَبْلَ الْقَبْضِ بِأَصْلِ الْوَضْعِ وَتُفِيدُهُ بَعْدَهَا سَوَاءٌ كَانَتْ صَحِيحَةً أَوْ فَاسِدَةً فَيَنْصَرِفُ الْإِكْرَاهُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى مَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْهُ فِي أَصْلِ وَضْعِهِ وَإِنْ قَبَضَ مُكْرَهًا، فَلَيْسَ ذَلِكَ بِإِجَازَةٍ وَعَلَيْهِ رَدُّ الثَّمَنِ إذَا كَانَ قَائِمًا فِي يَدِهِ لِفَسَادِ الْعَقْدِ وَإِنْ كَانَ هَالِكًا لَا يَأْخُذُ مِنْهُ شَيْئًا؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ كَانَ أَمَانَةً فِي يَدِ الْمُكْرَهِ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِإِذْنِ الْمُشْتَرِي لَا عَلَى سَبِيلِ التَّمْلِيكِ فَلَا يَجِبُ الضَّمَانُ. وَفِي الْمُحِيطِ وَمَنْ هُوَ مُكْرَهٌ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ أَوْ مَشْرُوطٌ لَهُ شَرْطٌ فَاسِدٌ فَلَهُ أَنْ يَنْقُضَ الْعَقْدَ مِنْ غَيْرِ رِضَا صَاحِبِهِ وَمَنْ لَيْسَ بِمُكْرَهٍ وَلَا مَشْرُوطٍ لَهُ شَرْطٌ فَاسِدٌ، فَلَيْسَ لَهُ نَقْضُهُ إلَّا بِالْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا حَتَّى لَوْ أَجَازَ الْآخَرُ الْعَقْدَ فَنَقَضَ الْقَاضِي نَفَذَ وَأُلْزِمَ وَإِنْ كَانَ كِلَاهُمَا مُكْرَهًا أَوْ مَشْرُوطًا لَهُ شَرْطٌ فَاسِدٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَقْضُهُ مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ وَلَا رِضًا؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يُفِيدُ شَيْئًا، وَلَوْ بَاعَ الْمُشْتَرِي الْمُكْرَهُ مِنْ آخَرَ بَاعَهُ الثَّانِي مِنْ آخَرَ حَتَّى تَدَاوَلَتْهُ الْأَيْدِي فَلَهُ أَنْ يَفْسَخَ الْعُقُودَ كُلَّهَا وَأَيُّ عَقْدٍ جَازَ جَازَتْ الْعُقُودُ كُلُّهَا إلَّا أَنَّهُ لَمَّا أَجَازَ بَعْضَ الْعُقُودِ فَقَدْ زَالَ الْإِكْرَاهُ وَصَارَ طَائِعًا رَاضِيًا فَجَازَ الْعَقْدُ الْأَوَّلُ فَجَازَتْ الْعُقُودُ وَيَأْخُذُ هُوَ الثَّمَنَ مِنْ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ، وَلَوْ لَمْ يَجُزْ لَكِنْ ضَمِنَ فَإِنْ ضَمِنَ الْأَوَّلَ نَفَّذَ الْكُلَّ بِتَضْمِينِهِ وَإِنْ ضَمِنَ غَيْرُهُ جَازَتْ الْبِيَاعَاتِ الَّتِي بَعْدَهُ وَبَطَلَ مَا قَبْلَهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 81 وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْإِجَازَةِ وَالتَّضْمِينِ أَنَّ الْبَيْعَ كَانَ مَوْجُودًا وَالْمَانِعَ مِنْ النُّفُوذِ حَقُّهُ، وَقَدْ زَالَ بِالْإِجَازَةِ، وَأَمَّا إذَا ضَمَّنَ لَمْ يَكُنْ مُسْقِطًا حَقَّهُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَجَازَ أَحَدَ بُيُوعِ الْفُضُولِيِّ حَيْثُ لَا يَجُوزُ إلَّا الَّذِي أَجَازَهُ الْمَالِكُ وَلَا يَجُوزُ مَا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بَاعَ مِلْكَ غَيْرِهِ فَلَا يُفِيدُ الْمِلْكَ فَعِنْدَ الْإِجَازَةِ يَمْلِكُهُ مَنْ أُجِيزَ شِرَاؤُهُ وَتَبْطُلُ الْبَقِيَّةُ فَإِنْ أَعْتَقَ الْمُشْتَرِي الثَّانِي فَلِلْمُكْرَهِ أَنْ يُضَمِّنَ أَيَّ الثَّلَاثِ شَاءَ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَحْدَثَ سَبَبَ الضَّمَانِ بِإِزَالَةِ يَدِهِ عَنْ مِلْكِهِ وَالْمُشْتَرِيَانِ قَبَضَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَالَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ أَعْتَقَ الْمُشْتَرِي الْآخَرَ قَبْلَ إجَازَةِ الْبَيْعِ جَازَ الْعِتْقُ عَلَى الَّذِي أَعْتَقَهُ فَإِنْ أَجَازَ الْبَائِعُ الْبَيْعَ الْأَوَّلَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَصِحُّ إجَازَتُهُ وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ أَعْتَقَ الْمُشْتَرِي الْأَخِيرَ أَوْ كَانَ لَهُ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلَ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ غَيْرَهُ فَإِنْ ضَمَّنَ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلَ جَازَتْ الْبِيَاعَاتِ كُلُّهَا وَإِنْ ضَمَّنَ غَيْرَهَا يَجُوزُ كُلُّ بَيْعٍ بَعْدَهُ وَيَبْطُلُ كُلُّ بَيْعٍ كَانَ قَبْلَهُ اهـ. وَفِي قَاضِي خان، وَلَوْ كَانَ الْبَائِعُ مُكْرَهًا وَالْمُشْتَرِي غَيْرَ مُكْرَهٍ فَقَالَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْقَبْضِ نَقَضْت الْبَيْعَ لَا يَصِحُّ، وَلَوْ قَالَ قَبْلَ الْقَبْضِ صَحَّ نَقْضُهُ، وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي مُكْرَهًا وَالْبَائِعُ غَيْرَ مُكْرَهٍ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا النَّقْضُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَ الْقَبْضِ يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي دُونَ الْبَائِعِ. [هَلَكَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَهُوَ غَيْرُ مُكْرَهٍ وَالْبَائِعُ مُكْرَهٌ] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ هَلَكَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَهُوَ غَيْرُ مُكْرَهٍ وَالْبَائِعُ مُكْرَهٌ ضَمِنَ قِيمَتَهُ لِلْبَائِعِ) ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِحُكْمِ عَقْدٍ فَاسِدٍ فَكَانَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ وَالْمُشْتَرِي غَيْرُ مُكْرَهٍ قَالَ قَاضِي خان، وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي مُكْرَهًا دُونَ الْبَائِعِ فَهَلَكَ الْمُشْتَرِي عِنْدَهُ مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ مِنْهُ يَهْلَكُ أَمَانَةً. اهـ. وَلَوْ قَالَ ضَمِنَ بَدَلَهُ كَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يَشْمَلُ الْمِثْلِيَّ وَالْقِيَمِيَّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِلْمُكْرَهِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُكْرِهِ) ؛ لِأَنَّهُ آلَةٌ لَهُ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْإِتْلَافِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ آلَةٌ فِي حَقِّ الْمُتَكَلِّمِ لِعَدَمِ الصَّلَاحِيَّةِ؛ لِأَنَّ التَّكَلُّمَ بِلِسَانِ الْغَيْرِ لَا يُمَكَّنُ فَصَارَ كَأَنَّهُ دَفَعَ مَالَ الْبَائِعِ إلَى الْمُشْتَرِي فَيُضَمِّنُ أَيَّهمَا شَاءَ كَالْغَاصِبِ وَغَاصِبِ الْغَاصِبِ فَإِنْ ضَمِنَ الْمُكْرِهُ رَجَعَ الْمُكْرَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ مَلَكَهُ فَقَامَ مَقَامَ الْمَالِكِ الْمُكْرِهِ فَيَكُونُ مَالِكًا لَهُ مِنْ وَقْتِ وُجُودِ السَّبَبِ بِالِاسْتِنَادِ، وَلَوْ ضَمِنَ الْمُشْتَرِي ثَبَتَ مِلْكُ الْمُشْتَرِي فِيهِ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُكْرِهِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالشِّرَاءِ وَالْقَبْضِ غَيْرَ أَنَّهُ تَوَقَّفَ نُفُوذُهُ عَلَى سُقُوطِ حَقِّ الْمُكْرَهِ مِنْ الْفَسْخِ فَإِذَا ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ نَفَذَ مِلْكُهُ فِيهِ كَسَائِرِ الْبِيَاعَاتِ الْفَاسِدَةِ. [أَكْلِ لَحْمِ خِنْزِيرٍ وَمَيْتَةٍ وَدَمٍ وَشُرْبِ خَمْرٍ بِحَبْسٍ أَوْ ضَرْبٍ أَوْ قَيْدٍ مُكْرَهًا] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَلَى أَكْلِ لَحْمِ خِنْزِيرٍ وَمَيْتَةٍ وَدَمٍ وَشُرْبِ خَمْرٍ بِحَبْسٍ أَوْ ضَرْبٍ أَوْ قَيْدٍ لَمْ يَحِلَّ وَحَلَّ بِقَتْلٍ وَقَطْعٍ) يَعْنِي لَوْ أُكْرِهَ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بِمَا لَا يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عُضْوِهِ كَالضَّرْبِ لَا يَسَعُهُ أَنْ يُقْدِمَ عَلَيْهِ وَبِمَا يَخَافُ يَسَعُهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مُقَيَّدَةٌ بِحَالَةِ الِاخْتِيَارِ وَفِي حَالَةِ الضَّرُورَةِ مُبْقَاةٌ عَلَى أَصْلِ الْحِلِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: 119] فَاسْتَثْنَى حَالَةَ الِاضْطِرَارِ؛ لِأَنَّهُ فِيهَا مُبَاحٌ وَالِاضْطِرَارَ يَحْصُلُ بِالْإِكْرَاهِ الْمُلْجِئِ وَهُوَ أَنْ يَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عُضْوِهِ وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِالضَّرْبِ بِالصَّوْتِ وَلَا بِالْحَبْسِ حَتَّى لَوْ خَافَ ذَلِكَ مِنْهُ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ يُبَاحُ لَهُ ذَلِكَ أَقُولُ: فِي قَوْلِهِ يُبَاحُ لَهُ ذَلِكَ إشْكَالٌ قَوِيٌّ فَإِنَّ الْمُبَاحَ مَا اسْتَوَى طَرَفَاهُ فِعْلُهُ وَتَرْكُهُ كَمَا تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ إذَا خِيفَ عَلَى النَّفْسِ أَوْ عَلَى عُضْوٍ كَانَ طَرَفُ الْعَقْلِ رَاجِحًا، بَلْ فَرْضًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي لُبِّ الْأُصُولِ مِنْ كَوْنِ ذَلِكَ فَرْضًا فَتَأَمَّلْ فَلَوْ قَالَ بِغَيْرِ مَا يَخَافُ مِنْهُ عَلَى تَلَفِ عُضْوٍ أَوْ نَفْسِهِ لَمْ يُفْتَرَضْ وَإِلَّا اُفْتُرِضَ إلَى آخِرِهِ لَكَانَ أَوْلَى وَقَدَّرَهُ بَعْضُهُمْ بِأَدْنَى الْحَدِّ وَهُوَ أَرْبَعُونَ سَوْطًا فَإِنْ هُدِّدَ بِهِ وَسِعَهُ أَنْ يُقْدِمَ وَإِنْ هُدِّدَ بِدُونِهِ لَا يَسَعُهُ؛ لِأَنَّ مَا دُونَ ذَلِكَ مَشْرُوعٌ بِطَرِيقِ التَّعْزِيرِ. قُلْنَا لَا وَجْهَ لِلتَّعْزِيرِ بِالرَّأْيِ وَأَحْوَالُ النَّاسِ مُخْتَلِفَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَتَحَمَّلُ الضَّرْبَ الشَّدِيدَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُوتُ بِأَدْنَى مِنْهُ فَلَا طَرِيقَ سِوَى الرُّجُوعِ إلَى رَأْيِ الْمُبْتَلَى فَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ تَلَفَ النَّفْسِ أَوْ الْعُضْوِ يَحْصُلُ بِهِ وَسِعَهُ وَإِلَّا فَلَا، وَإِذَا قُلْنَا لَا يَسَعُهُ شُرْبُ الْخَمْرِ هَلْ يُحَدُّ أَمْ لَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ، وَإِذَا شَرِبَ الْخَمْرَ لَا يُحَدُّ؛ لِأَنَّ بِأَغْلَظِ الْإِكْرَاهَيْنِ تَثْبُتُ حَقِيقَةُ إبَاحَةِ الشُّرْبِ حَالَةَ الضَّرُورَةِ وَبِأَخَفِّهِمَا ثَبَتَ شُبْهَةُ الْإِبَاحَةِ وَالشُّبْهَةُ كَافِيَةٌ لِدَرْءِ الْحُدُودِ. اهـ. وَفِي الْمَبْسُوطِ الْإِكْرَاهُ عَلَى الْمَعَاصِي أَنْوَاعٌ نَوْعٌ يُرَخَّصُ لَهُ فِعْلُهُ وَيُثَابُ عَلَى تَرْكِهِ وَقِسْمٌ حَرَامٌ فِعْلُهُ مَأْثُومٌ عَلَى إتْيَانِهِ وَقِسْمٌ يُبَاحُ فِعْلُهُ وَيَأْثَمُ عَلَى تَرْكِهِ الْأَوَّلُ الْإِكْرَاهُ عَلَى إجْرَاءِ كَلِمَةِ الْكُفْرِ وَشَتْمِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ أَوْ كُلِّ مَا ثَبَتَ بِالْكِتَابِ الثَّانِي كَمَا لَوْ أُكْرِهَ بِالْقَتْلِ عَلَى أَنْ يَقْتُلَ مُسْلِمًا أَوْ يَقْطَعَ عُضْوَهُ أَوْ يَضْرِبَهُ ضَرْبًا يَخَافُ مِنْهُ التَّلَفَ أَوْ يَشْتُمَ مُسْلِمًا أَوْ يُؤْذِيَهُ أَوْ عَلَى الزِّنَا وَالثَّالِثُ لَوْ أُكْرِهَ عَلَى الْخَمْرِ وَمَا ذُكِرَ مَعَهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَثِمَ بِصَبْرِهِ) يَعْنِي إذَا أُكْرِهَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ بِقَتْلٍ وَقَطْعٍ فَلَمْ يَفْعَلْ حَتَّى قَتَلَهُ أَوْ قَطَعَ عُضْوًا مِنْهُ أَثِمَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 82 ؛ لِأَنَّ التَّنَاوُلَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مُبَاحٌ وَإِتْلَافَ النَّفْسِ أَوْ الْعُضْوِ بِالِامْتِنَاعِ عَنْ الْمُبَاحِ حَرَامٌ فَيَأْثَمُ إلَّا أَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْإِبَاحَةَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَأْثَمُ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ الْخَفَاءِ. وَقَدْ دَخَلَهُ اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ فَلَا يَأْثَمُ كَالْجَهْلِ بِالْخِطَابِ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ فِي حَقِّ مَنْ أَسْلَمَ فِيهَا، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يَأْثَمُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ رُخْصَةٌ إذْ الْحُرْمَةُ قَائِمَةٌ فَيَكُونُ أَخْذًا بِالْعَزِيمَةِ قُلْنَا حَالَةُ الِاضْطِرَارِ مُسْتَثْنَاةٌ فَلَا يَكُونُ الِامْتِنَاعُ عَزِيمَةً، بَلْ مَعْصِيَةً قَالَ فِي الْعِنَايَةِ فَإِنْ قِيلَ إضَافَةُ الْإِثْمِ إلَى تَرْكِ الْمُبَاحِ مِنْ بَابِ فَسَادِ الْوَضْعِ وَهُوَ فَاسِدٌ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُبَاحَ إنَّمَا يَجُوزُ تَرْكُهُ وَالْإِتْيَانُ بِهِ إذَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ مُحَرَّمٌ وَهَاهُنَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ مُحَرَّمٌ وَهَاهُنَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ قَتْلُ النَّفْسِ الْمُحَرَّمِ فَصَارَ التَّرْكُ حَرَامًا؛ لِأَنَّ مَا أَفْضَى إلَى الْحَرَامِ حَرَامٌ اهـ. أَقُولُ: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْإِثْمَ لَيْسَ عَلَى تَرْكِ الْمُبَاحِ، بَلْ عَلَى تَرْكِ الْفَرْضِ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ اهـ. قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَالْأَصْلُ أَنَّ مَنْ اُبْتُلِيَ بِبَلِيَّتَيْنِ يَخْتَارُ أَهْوَنَهُمَا وَأَيْسَرَهُمَا وَالْمَسَائِلُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ الْأَوَّلُ لَوْ أُكْرِهَ بِقَتْلٍ عَلَى أَنْ يَقْطَعَ يَدَ نَفْسِهِ فَهُوَ فِي سَعَةٍ مِنْ قَطْعِهَا؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ أَهْوَنُ مِنْ الْقَتْلِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْقَطْعَ يَقْتَصِرُ وَلَا يَسْرِي وَلِهَذَا يُبَاحُ الْقَطْعُ عِنْدَ الْإِكْرَاهِ إذَا خَافَ الْهَلَاكَ عَلَى نَفْسِهِ الثَّانِي لَوْ أُكْرِهَ عَلَى قَتْلِ نَفْسِهِ لَا يُبَاحُ لَهُ الثَّالِثُ لَوْ أُكْرِهَ عَلَى إلْقَاءِ نَفْسِهِ فِي النَّارِ أَوْ فِي الْمَاءِ أَوْ مِنْ سَطْحٍ إنْ كَانَ لَا يَرْجُو الْخَلَاصَ وَالنَّجَاةَ مِنْ ذَلِكَ يُبَاحُ لَهُ وَإِلَّا فَلَا وَذَكَرَ أَنَّ الْإِحْرَاقَ بِالنَّارِ أَشَدُّ مِنْ السَّيْفِ وَالرَّابِعُ عَلَى إكْرَاهِهِ بِالْقَتْلِ بِالسِّيَاطِ عَلَى قَتْلِ نَفْسِهِ بِالسَّيْفِ يُبَاحُ لَهُ الْقَتْلُ بِالسَّيْفِ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ بِالسِّيَاطِ أَشَدُّ مِنْ الْقَتْلِ بِالسَّيْفِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَلَى الْكُفْرِ وَإِتْلَافِ مَالِ الْمُسْلِمِ بِقَتْلٍ وَقَطْعٍ لَا بِغَيْرِهِمَا يُرَخَّصُ) يَعْنِي لَوْ أُكْرِهَ عَلَى كَلِمَةِ الْكُفْرِ وَإِتْلَافِ مَالِ إنْسَانٍ بِشَيْءٍ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَلَى أَعْضَائِهِ كَالْقَتْلِ وَقَطْعِ الْأَطْرَافِ يُرَخَّصُ لَهُ إجْرَاءُ كَلِمَةِ الْكُفْرِ عَلَى لِسَانِهِ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلِحَدِيثِ «عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ حِينَ اُبْتُلِيَ بِهِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ لَهُ كَيْفَ وَجَدْت قَلْبَك قَالَ مُطْمَئِنًّا بِالْإِيمَانِ قَالَ فَإِنْ عَادُوا فَعُدْ» أَيْ عُدْ إلَى الطُّمَأْنِينَةِ؛ وَلِأَنَّ بِهَذَا الْإِظْهَارِ أَنَّهُ لَا يُفَوِّتُ حَقِيقَةَ الْإِيمَانِ؛ لِأَنَّ التَّلَفُّظَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا تَدُلُّ عَلَى تَبَدُّلِ الِاعْتِقَادِ لِقِيَامِ التَّصْدِيقِ بِهِ فَرَخَّصَ لَهُ إحْيَاءً لِنَفْسِهِ وَفِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنًّا وَلَمْ يَخْطِرْ عَلَى بَالِهِ شَيْءٌ سِوَى مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ وَالثَّانِي أَنْ يَخْطِرَ بِبَالِهِ الْخَبَرُ بِالْكُفْرِ عَمَّا مَضَى بِالْكَذِبِ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ كَفَرَ قَطُّ فِيمَا مَضَى، وَقَالَ أَرَدْت الْخَبَرَ عَمَّا مَضَى كَاذِبًا وَلَمْ أُرِدْ كُفْرًا مُسْتَقْبَلًا فَهَذَا يُكَفَّرُ قَضَاءً وَلَا يُكَفَّرُ دِيَانَةً الثَّالِثُ أَنْ يَقُولَ لَمْ يَخْطِرْ بِبَالِي كُفْرٌ فِي الْمَاضِي وَأَرَدْت الْكُفْرَ مُسْتَقْبَلًا فَهَذَا يُكَفَّرُ قَضَاءً وَدِيَانَةً. اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ أَنَّهُ إذَا أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يُصَلِّيَ لِلصَّلِيبِ أَوْ سَجَدَ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يَسْجُدَ لِلصَّلِيبِ فَالْمَسْأَلَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ الْأَوَّلُ إذَا خَطَرَ بِبَالِهِ أَنْ يُصَلِّيَ لِلَّهِ تَعَالَى لَا لِلصَّلِيبِ. وَفِي هَذَا الْوَجْهِ لَا يُكَفَّرُ فِي الْقَضَاءِ وَلَا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى سَوَاءٌ كَانَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ أَوْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَقْبِلًا الثَّانِي أَنْ يَقُولَ لَمْ أُصَلِّ لِلَّهِ تَعَالَى وَصَلَّيْت لِلصَّلِيبِ وَفِي هَذَا يُكَفَّرُ فِي الْقَضَاءِ وَفِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى الثَّالِثُ أَنْ يَقُولَ لَمْ يَخْطِرْ بِبَالِي وَصَلَّيْت لِلصَّلِيبِ مُكْرَهًا فِي هَذَا لَا يُكَفَّرُ فِي الْقَضَاءِ وَلَا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَفِي الْأَصْلِ لَوْ أُكْرِهَ عَلَى شَتْمِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهِيَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ الْأَوَّلُ أَنْ يَقُولَ لَمْ يَخْطِرْ بِبَالِي شَيْءٌ وَشَتَمَ مُحَمَّدًا مُكْرَهًا وَفِي هَذَا لَا يُكَفَّرُ قَضَاءً وَلَا دِيَانَةً الثَّانِي أَنْ يَقُولَ خَطَرَ بِبَالِي رَجُلٌ مِنْ النَّصَارَى يُقَالُ لَهُ مُحَمَّدٌ فَشَتَمْته وَلَمْ أَشْتُمْ الرَّسُولَ فَهَذَا كَالْأَوَّلِ قَالَ الْكَرْخِيُّ أَطْلَقَ مُحَمَّدٌ فِي الْعِبَارَةِ وَحَيْثُ لَمْ يَقُلْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ شَتْمَ النَّصْرَانِيِّ دُونَ الْمُسْلِمِ فِي الْحُرْمَةِ الثَّالِثُ أَنْ يَقُولَ خَطَرَ بِبَالِي رَجُلٌ مِنْ النَّصَارَى فِيهِ فَتَرَكْته وَسَمَّيْت الرَّسُولَ وَفِي هَذَا يُكَفَّرُ قَضَاءً وَدِيَانَةً اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُثَابُ بِالصَّبْرِ) أَيْ يَكُونُ مَأْجُورًا إنْ صَبَرَ وَلَمْ يُظْهِرْ الْكُفْرَ حَتَّى قُتِلَ؛ لِأَنَّ خُبَيْبًا صَبَرَ حَتَّى صُلِبَ وَسَمَّاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ، وَقَالَ هُوَ رَفِيقِي فِي الْجَنَّةِ؛ وَلِأَنَّ الْحُرْمَةَ قَائِمَةٌ وَالِامْتِنَاعَ عَزِيمَةٌ فَإِذَا بَذْلَ نَفْسَهُ لِإِعْزَازِ الدِّينِ كَانَ شَهِيدًا وَلَا يُقَالُ الْكُفْرُ مُسْتَثْنًى فِي حَالَةِ الْإِكْرَاهِ فَكَيْفَ يَكُونُ حَرَامًا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الِاسْتِثْنَاءُ رَاجِعٌ إلَى الْعَذَابِ؛ لِأَنَّهُ الْمَذْكُورُ قَبْلَهُ دُونَ الْحُرْمَةِ بِخِلَافِ الْخَمْرِ وَأَخَوَاتِهِ فَإِنَّ الْمَذْكُورَ فِيهِ الْحُرْمَةُ فَيَنْتَفِي فِي تِلْكَ الْحَالَةِ وَهُنَا لَا تَنْتَفِي فَتَبْقَى عَلَى حَالِهَا، وَلَكِنْ لَوْ تَرَخَّصَ جَازَ وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ إجْرَاءَ كَلِمَةِ الْكُفْرِ أَيْضًا مُسْتَثْنًى بِقَوْلِهِ إلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ مِنْ قَوْلِهِ مَنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ بَعْدَ إيمَانِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 83 يَكُونَ مُبَاحًا كَأَكْلِ الْمَيْتَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ فِي الْآيَةِ تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا وَتَقْدِيرَهُ مَنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ مِنْ بَعْدِ إيمَانِهِ وَشَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنْ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ إلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ فَاَللَّهُ تَعَالَى مَا أَبَاحَ إجْرَاءَ كَلِمَةِ الْكُفْرِ عَلَى لِسَانِهِمْ حَالَةَ الْإِكْرَاهِ وَإِنَّمَا دَفَعَ عَنْهُمْ الْعَذَابَ وَالْغَضَبَ وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ نَفْيِ الْغَضَبِ وَهُوَ حُكْمُ الْحُرْمَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ عَدَمِ الْحُكْمِ عَدَمُ الْعِلَّةِ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ الْغَضَبُ مُنْتَفِيًا مَعَ قِيَامِ الْعِلَّةِ الْمُوجِبَةِ لِلْغَضَبِ وَهُوَ الْحُرْمَةُ فَلَمْ تَثْبُتْ إبَاحَةُ إجْرَاءِ كَلِمَةِ الْكُفْرِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَعَزَاهُ إلَى مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِلْمَالِكِ أَنْ يَضْمَنَ لِمُكْرِهٍ) ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُتْلِفُ لِمَالِهِ وَالْمُكْرَهَ آلَةٌ لَهُ فِيمَا يَصْلُحُ آلَةً. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَلَى قَتْلِ غَيْرِهِ بِقَتْلٍ لَا يُرَخَّصُ) يَعْنِي لَوْ أُكْرِهَ عَلَى قَتْلِ غَيْرِهِ بِالْقَتْلِ لَا يُرَخَّصُ لَهُ الْقَتْلُ لِإِحْيَاءِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ دَلِيلَ الرُّخْصَةِ خَوْفُ التَّلَفِ وَالْمُكْرَهُ وَالْمُكْرَهُ عَلَيْهِ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ فَسَقَطَ الْمُكْرَهُ؛ وَلِأَنَّ قَتْلَ الْمُسْلِمِ بِغَيْرِ حَقٍّ مِمَّا لَا يُسْتَبَاحُ لِضَرُورَةٍ مَا فَكَذَا بِالْإِكْرَاهِ، وَهَذَا لَا نِزَاعَ فِيهِ وَأَطْلَقَ فِي قَوْلِهِ غَيْرِهِ فَشَمِلَ الْحُرَّ وَالْعَبْدَ وَعَبْدَهُ وَعَبْدَ غَيْرِهِ وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ أُكْرِهَ بِقَتْلِهِ أَنْ يَقْتُلَ عَبْدَهُ أَوْ يَقْطَعَ يَدَهُ لَمْ يَسَعْهُ ذَلِكَ فَإِنْ قَتَلَ يَأْثَمُ وَيُقْتَلُ الْمُكْرَهُ فِي الْقَتْلِ وَيَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّ دَمَهُ حَرَامٌ بِأَصْلِ الْفِطْرَةِ، وَلَوْ أُكْرِهَ بِقَتْلٍ عَلَى أَنْ يَقْتُلَ أَبَاهُ أَوْ ابْنَهُ فَقَتَلَهُ لَمْ يَحْرِمْهُ عَنْ الْمِيرَاثِ، وَلَوْ كَانَ الْمُكْرَهُ أَبَا الْمَقْتُولِ أَوْ ابْنَهُ يُحْرَمْ عَنْ الْمِيرَاثِ؛ لِأَنَّ الْمُبَاشِرَ لِلْقَتْلِ هُوَ الْمُكْرَهُ، وَلَوْ أُكْرِهَ بِقَتْلٍ عَلَى أَنْ يَضْرِبَ رَجُلًا بِحَدِيدَةٍ فَضَرَبَهُ وَثَنَى بِغَيْرِ إكْرَاهٍ فَمَاتَ قُتِلَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّ إحْدَى الضَّرْبَتَيْنِ بِغَيْرِ إكْرَاهٍ فَصَارَتْ مَنْقُولَةً إلَيْهِ وَالْأُخْرَى مَنْقُولَةً إلَى الْمُكْرِهِ، وَلَوْ كَانَتْ إحْدَى الضَّرْبَتَيْنِ بِعَصَاةٍ غَرِمَ عَاقِلَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَ الدِّيَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ وَإِنْ كَانَ الْإِكْرَاهُ بِحَبْسٍ أَوْ قَيْدٍ فَالضَّمَانُ عَلَى الضَّارِبِ قَوَدًا كَانَ أَوْ دِيَةً؛ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ بِالْحَبْسِ لَا يُعْتَبَرُ إكْرَاهًا فِي حَقِّ هَذِهِ الْأَحْكَامِ وَفِيهِ أَيْضًا. وَلَوْ أُكْرِهَ بِقَتْلٍ عَلَى أَنْ يَأْمُرَ رَجُلًا بِقَتْلِ عَبْدِهِ فَقَتَلَهُ عَمْدًا يُقْتَلُ الْقَاتِلُ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ بِالْقَتْلِ لَمْ يَصِحَّ مَعَ الْإِكْرَاهِ؛ وَلِأَنَّهُ قَوْلٌ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ عَدَمُ الرِّضَا فَيَكُونُ التَّلَفُ مُضَافًا إلَى الْقَتْلِ دُونَ الْإِذْنِ بِخِلَافِ الْمَأْمُورِ بِالْعِتْقِ حَيْثُ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ لَا يَمْلِكُ الْإِعْتَاقَ إلَّا بِالْإِذْنِ فَصَارَ الْمُعْتَقُ مُتْلِفًا بِسَبَبِ الْإِذْنِ فَيَصِيرُ التَّلَفُ مُحَالًا إلَى الْإِذْنِ، وَلَوْ أُكْرِهَ الْمَوْلَى بِحَبْسٍ أَوْ قَتْلٍ فَقَتَلَهُ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ اسْتِحْسَانًا وَيَقْتَصُّ الْقَاتِلُ قِيَاسًا وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْإِذْنَ إذَا فَسَدَ بِالْإِكْرَاهِ لِفَوَاتِ الرِّضَا مُعْتَبَرٌ مِنْ وَجْهٍ وَفِعْلَ الْمَأْذُونِ كَفِعْلِ الْآذِنِ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً فَلَمْ يَجِبْ الْقِصَاصُ فَأَوْجَبْنَا الدِّيَةَ صَوْنًا لِدَمِهِ عَنْ الْهُدُوءِ، وَلَوْ أُكْرِهَ الْمَوْلَى بِقَتْلٍ عَلَى بَيْعِ عَبْدِهِ وَتَسْلِيمِهِ وَالْمُشْتَرِي بِالْقَتْلِ عَلَى الشِّرَاءِ وَالْقَبْضِ، ثُمَّ أُكْرِهَ الْمُشْتَرِي مِنْ عَلَى قَتْلِهِ بِقَتْلٍ فَلِلْمَوْلَى أَنْ يَقْتُلَ الْمُكْرَهَ قِيَاسًا؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِي مُكْرَهٌ عَلَى الْقَتْلِ فَصَارَ فِعْلُهُ مَنْقُولًا إلَى الْمُكْرَهِ وَيَضْمَنُ قِيمَتَهُ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ مَمْلُوكٌ لِلْمُشْتَرِي وَلِلْبَائِعِ فِيهِ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ فَكَانَ الْقِصَاصُ لِلْبَائِعِ مِنْ وَجْهٍ وَلِلْمُشْتَرِي وَجْهٌ فَكَانَ الْمُسْتَحِقُّ لِلْقِصَاصِ مَجْهُولًا فَلَا يَكُونُ لِأَحَدِهِمَا حَقُّ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ فَأَوْجَبْنَا الْقِيمَةَ عَلَى الْمُكْرَهِ فِي مَالِهِ لِلْبَائِعِ؛ لِأَنَّ لِلْبَائِعِ حَقَّ الِاسْتِرْدَادِ. وَقَدْ أَبْطَلَ الْمُشْتَرِي هَذَا الْحَقَّ عَلَيْهِ بِالْقَتْلِ بِغَيْرِ رِضَاهُ فَلَوْ أُكْرِهَ بِحَبْسٍ أَوْ قَيْدٍ عَلَى الْبَيْعِ وَالْقَبْضِ وَالْمُشْتَرِي عَلَى الشِّرَاءِ بِقَتْلٍ، ثُمَّ أُكْرِهَ الْمُشْتَرِي عَلَى قَتْلِهِ بِقَتْلٍ فَقَتَلَهُ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ لِمَوْلَاهُ ثُمَّ يُقْتَلُ الْمُكْرَهُ بِالْعَبْدِ قِصَاصًا؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِي طَائِعٌ فِي الْقَبْضِ مُكْرَهٌ فِي الشِّرَاءِ فَمَلَكَ الْمُشْتَرِي الْعَبْدَ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ فَكَانَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ وَقَتْلُهُ صَارَ مَنْقُولًا إلَى الْمُكْرَهِ فَصَارَ الْمُكْرَهُ قَاتِلًا عَبْدًا عَمْدًا فَيَجِبُ الْقِصَاصُ، وَلَوْ أُكْرِهَ الْمُشْتَرِي عَلَى الشِّرَاءِ بِحَبْسٍ وَلِلْبَائِعِ بِقَتْلٍ، ثُمَّ أُكْرِهَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْقَتْلِ بِقَتْلٍ فَقَتَلَهُ فَالْوَلِيُّ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُكْرِهَ قِيمَةَ عَبْدِهِ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ طَائِعٌ فِي الْقَبْضِ، وَقَدْ قَتَلَهُ الْمُكْرَهُ بِقَتْلِ الْمُشْتَرِي فَيَجِبُ الْقِصَاصُ اهـ. قَوْلُهُ بِالْقَتْلِ يَشْمَلُ مَا إذَا صَرَّحَ بِذَلِكَ بِأَنْ قَالَ إنْ لَمْ تَقْتُلْ قَتَلْتُك أَوْ دَلَّ الْحَالُ عَلَيْهِ بِأَنَّ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ قَتْلُهُ وَلَمْ يُصَرِّحْ لَهُ بِذَلِكَ لِمَا فِي جَامِعِ الْفَتَاوَى لَوْ قَالَ لَهُ اُقْتُلْ فُلَانًا أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ الْقَتْلُ فَقَتَلَهُ هُوَ إكْرَاه فَإِذَا قَتَلَهُ يُقْتَصُّ مِنْ الْمُكْرَهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ قَتَلَهُ أَثِمَ) ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ بَاقِيَةٌ لِمَا ذَكَرْنَا وَأَثِمَ بِمُبَاشَرَتِهِ؛ لِأَنَّ الْإِثْمَ يَكُونُ بِذِمَّتِهِ وَالْمُكْرَه لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ آلَةً لَهُ فِي حَقِّهِ، وَكَذَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى الزِّنَا لَا يُرَخَّصُ لَهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ قَتْلَ النَّفْسِ بِالضَّيَاعِ؛ لِأَنَّهُ يَجِيءُ مِنْهُ وَلَدٌ لَيْسَ لَهُ أَبٌ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ إفْسَادَ الْفِرَاشِ بِخِلَافِ جَانِبِ الْمَرْأَةِ حَيْثُ يُرَخَّصُ لَهَا بِالْإِكْرَاهِ الْمُلْجِئِ؛ لِأَنَّ نَسَبَ الْوَلَدِ لَا يَنْقَطِعُ فَلَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَى الْقَتْلِ فِي جَانِبِهَا بِخِلَافِ الرَّجُلِ وَلِهَذَا وَجَبَ الْإِكْرَاهُ الْقَاصِرُ دَرْءًا لِلْحَدِّ فِي حَقّهَا دُونَ الرَّجُلِ. [الْقِصَاص مِنْ الْمُكْرَهِ] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُقْتَصُّ مِنْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 84 الْمُكْرَهِ فَقَطْ) ، وَهَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ وَمُحَمَّدٍ، وَقَالَ زُفَرُ يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى الْمُكْرَهِ دُونَ الْمُكْرِهِ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ يَجِبُ عَلَى الْقَاتِلِ وَالْقَاتِلُ هُوَ الْمُكْرَهُ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّهُ الْمُبَاشِرُ وَلِهَذَا يَتَعَلَّقُ الْإِثْمُ بِهِ؛ وَلِأَنَّ الْقَتْلَ فِعْلٌ حِسِّيٌّ وَهُوَ لَا يَجْرِي فِيهِ الِاسْتِنَادُ لِغَيْرِ الْفَاعِلِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَيْهِمَا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَهُمَا أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْقَتْلِ بِطَبْعِهِ إيثَارًا لِحَيَاةِ نَفْسِهِ فَيَصِيرُ آلَةً لِنَفْسِهِ لِلْمُكْرِهِ فِيمَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ آلَةً لَهُ وَهُوَ الْإِتْلَافُ فَيُقْتَصُّ مِنْهُ بِخِلَافِ الْإِثْمِ؛ لِأَنَّهُ بِاعْتِبَارِ الْجِنَايَةِ عَلَى دِيَتِهِ وَهُوَ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ آلَةً لَهُ فِيهِ فَيَأْثَمُ الْمُكْرَهُ قَالَ فِي النِّهَايَةِ سَوَاءٌ كَانَ الْآمِرُ بَالِغًا عَاقِلًا أَوْ مَعْتُوهًا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ صَبِيًّا فَالْقَوَدُ عَلَيْهِ وَعَزَاهُ إلَى الْمَبْسُوطِ وَنَسَبَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ عَبْدُ الْعَزِيزِ إلَى السَّهْوِ وَنُقِلَ عَنْ أَبِي الْيُسْرِ فِي مَبْسُوطِهِ لَوْ كَانَ الْآمِرُ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا لَمْ يَجِبْ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّ الْفَاعِلَ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ وَهُوَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْعُقُوبَةِ كَذَا فِي الْأَكْمَلِ وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يَقْتُلَ رَجُلًا أَوْ يَكْفُرَ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَسِعَهُ الْكُفْرُ دُونَ الْقَتْلِ؛ لِأَنَّ الْكُفْرَ يُرَخَّصُ فِي حَالَةِ الِاضْطِرَارِ دُونَ الْقَتْلِ فَإِنَّهُ لَا يُرَخَّصُ بِحَالٍ، وَلَوْ قَتَلَ وَلَمْ يَكْفُرْ الْمُكْرَهُ دُونَ الْقَتْلِ قِيَاسًا؛ لِأَنَّهُ قَتَلَ نَفْسًا مُخْتَارًا طَائِعًا وَيَضْمَنُ الدِّيَةَ اسْتِحْسَانًا فِي مَالِهِ فِي ثَلَاثَ سِنِينَ إنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِأَنَّ الْكُفْرَ يَسَعُهُ يُقْتَلُ بِهِ، وَقِيلَ لَا يُقْتَلُ بِهِ؛ لِأَنَّ الدَّلِيلَ الْمُورِثَ لِلشُّبْهَةِ قَائِمٌ وَهُوَ حُرْمَةُ الْكُفْرِ، وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يَقْتُلَ أَوْ يَأْكُلَ الْمَيْتَةَ أَوْ يَشْرَبَ الْخَمْرَ فَقُتِلَ بِقَتْلِ الْقَاتِلِ دُونَ الْمُكْرَهِ؛ لِأَنَّ أَكْلَ الْمَيْتَةِ وَشُرْبَ الْخَمْرِ يُرَخَّصُ حَالَةَ الِاضْطِرَارِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَلَى إعْتَاقٍ وَطَلَاقٍ فَفَعَلَ وَقَعَ) يَعْنِي لَوْ أُكْرِهَ عَلَى إعْتَاقٍ وَطَلَاقٍ فَأَعْتَقَ وَطَلَّقَ وَقَعَ الْعِتْقُ وَالطَّلَاقُ؛ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يُنَافِي الْأَهْلِيَّةَ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَعَدَمُ صِحَّةِ بَعْضِ الْأَحْكَامِ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالْأَقَارِيرِ لِمَعْنًى رَاجِعٌ إلَى التَّصَرُّفِ وَهُوَ كَوْنُهُ يُشْتَرَطُ فِيهِ الرِّضَا وَمَعَ الْإِكْرَاهِ لَا يُوجَدُ الرِّضَا فَأَمَّا الْعِتْقُ وَالطَّلَاقُ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِمَا الرِّضَا فَيَقَعُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْعِتْقَ وَالطَّلَاقَ يَقَعَانِ مَعَ الْهَزْلِ لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الرِّضَا فِيهِمَا بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَأَخَوَاتِهِ وَفِي الْمَبْسُوطِ وَكُلُّ تَصَرُّفٍ يَصِحُّ مَعَ الْهَزْلِ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالنِّكَاحِ يَصِحُّ مَعَ الْإِكْرَاهِ. وَلَوْ أُكْرِهَ الرَّجُلُ عَلَى الْإِكْرَاهِ يَصِحُّ فَإِنْ كَانَ الْمُسَمَّى مِثْلَ مَهْرِ الْمِثْلِ أَوْ أَقَلَّ جَازَ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُكْرَهِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ عَوَّضَهُ مِثْلَ مَا أَخْرَجَ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ الْمُسَمَّى أَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ فَالزِّيَادَةُ بَاطِلَةٌ وَيَجِبُ مِقْدَارِ مَهْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ فَاتَ الرِّضَا فِي الزِّيَادَةِ بِالْإِكْرَاهِ وَإِنْ أَكْرَهَ الْمَرْأَةَ عَلَى النِّكَاحِ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُكْرَهِ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ عَلَيْهِ مَنْفَعَةَ الْبُضْعِ وَلَا ضَمَانَ عَلَى مُتْلِفِ الْمَنْفَعَةِ؛ وَلِأَنَّهُ عِوَضُ الْمَهْرِ فَلَا يُعَدُّ إزَالَةً وَإِتْلَافًا فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ كُفُؤًا وَالْمَهْرُ مَهْرَ الْمِثْلِ جَازَ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ فَالزَّوْجُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَتَمَّ لَهَا مَهْرَ مِثْلِهَا وَإِنْ شَاءَ فَارَقَهَا إنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ دَخَلَ بِهَا وَهِيَ مُكْرَهَةٌ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَإِنْ دَخَلَ بِهَا وَهِيَ طَائِعَةٌ فَهُوَ رِضًا مِنْهَا بِالْمُسَمَّى إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلْمَوْلَى حَقُّ تَكْمِيلِ مَهْرِ مِثْلِهَا عِنْدَ الْإِمَامِ خِلَافًا لَهُمَا وَإِنْ فَارَقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ لَا مَهْرَ لَهَا؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِهَا وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ عَلَى إعْتَاقٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أُكْرِهَ عَلَى الْعِتْقِ مِنْ إعْتَاقٍ كَمَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى شِرَاءِ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ فَاشْتَرَى يُعْتَقُ عَلَيْهِ كَمَا سَيَأْتِي فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ، وَكَذَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى شِرَاءِ مَنْ حَلَفَ بِعِتْقِهِ، وَكَذَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى شِرَاءِ أَمَةٍ وَلَدَتْ مِنْهُ بِالنِّكَاحِ فَاشْتَرَى فَعَتَقَتْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ عِتْقٌ مِنْ غَيْرِ إعْتَاقٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (وَرَجَعَ بِقِيمَتِهِ) يَعْنِي يَرْجِعُ الْمُكْرِهُ عَلَى الْمُكْرَهِ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ وَالْمُكْرَهَ آلَةٌ لَهُ فِيهِ فَيَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ عَلَيْهِ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الْإِتْلَافِ لَا يَخْتَلِفُ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ بِخِلَافِ ضَمَانِ الْإِعْتَاقِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَلَا سِعَايَةَ عَلَى الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ السِّعَايَةَ إنَّمَا تَجِبُ عَلَيْهِ لِلْخُرُوجِ لِلْحُرِّيَّةِ كَمَا فِي مُعْتَقِ الْبَعْضِ أَوْ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِهِ كَعِتْقِ الرَّاهِنِ الْمَرْهُونَ وَهُوَ مُعْسِرٌ أَوْ عِتْقِ الْمَرِيضِ عَبْدَهُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ وَلَا يَرْجِعُ الْمُكْرَهُ عَلَى الْعَبْدِ بِمَا ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانٌ وَجَبَ عَلَيْهِ بِفِعْلِهِ فَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ وَأَطْلَقَ الْمُؤَلِّفُ فِي الرُّجُوعِ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا قَالَ أَرَدْت بِقَوْلِي عِتْقًا مُسْتَقِلًّا كَمَا طَلَبَ مِنِّي أَوْ قَالَ لَمْ يَخْطِرْ بِبَالِي سِوَى الْإِتْيَانِ بِمَطْلُوبِهِ أَمَّا لَوْ قَالَ خَطَرَ بِبَالِي الْإِخْبَارُ فَأَخْبَرْته فِيمَا مَضَى كَاذِبًا وَأَرَدْت ذَلِكَ لِإِنْشَاءِ الْحُرِّيَّةِ عَتَقَ الْعَبْدُ قَضَاءً لَا دِيَانَةً وَلَا يَضْمَنُ الْمُكْرِهُ الْمُكْرَهَ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ عَدَلَ عَمَّا أُكْرِهَ عَلَيْهِ فَكَانَ طَائِعًا فِي الْإِقْرَارِ فَلَا يَصْدُقُ فِي دَعْوَاهُ الْإِخْبَارَ كَاذِبًا فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَضْمَنَ الْمُكْرَهُ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ بِعِوَضٍ وَهُوَ الْوَلَاءُ وَالْإِتْلَافَ بِعِوَضٍ كَلَا إتْلَافٍ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْوَلَاءَ سَبَبُهُ الْعِتْقُ عَلَى مِلْكِ الْمَوْلَى فَكَيْفَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 85 الْمُكْرَهُ مُعَوِّضًا، وَلَكِنْ لَا يَكُونُ عِوَضًا إلَّا إذَا كَانَ الْعِوَضُ مَالًا كَمَا إذَا أُكْرِهَ عَلَى أَكْلِ طَعَامِ الْغَيْرِ فَأَكَلَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُكْرَهِ إذْ عَوَّضَهُ مَا هُوَ فِي حَقِّ حُكْمِ الْمَالِ كَمَا فِي مَنَافِعِ الْبِضْعِ وَالْوَلَاءُ لَيْسَ بِمَالٍ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ النَّسَبِ. أَلَا تَرَى أَنَّ شَاهِدَيْ الْوَلَاءِ إذَا رَجَعَا لَا يَضْمَنَانِ وَرُدَّ هَذَا بِمَا إذَا أُكْرِهَ الْمَوْلَى عَلَى شِرَاءِ ذِي مَحْرَمٍ رَحِمٍ مِنْهُ فَعَتَقَ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْمُكْرَهَ لَا يَرْجِعُ هُنَاكَ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ عَلَى الْمُكْرِهِ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ لَهُ عِوَضٌ وَهُوَ صِلَةُ الرَّحِمِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الرَّحِمَ صِلَةٌ لَيْسَتْ بِمَالٍ كَالْوَلَاءِ أَمَّا حَقِيقَةً فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا حُكْمًا؛ فَلِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ كَمَا قَالُوا فِي مَنَافِعِ الْبِضْعِ عِنْدَ الدُّخُولِ وَفِي الْمُحِيطِ، وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يَعْتِقَ عَلَى أَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ عَلَى مِائَةٍ وَقِيمَتُهُ أَلْفٌ وَالْعَبْدُ غَيْرُ مُكْرَهٍ يَقَعُ بِتَمَامِ قِيمَتِهِ، ثُمَّ إنْ شَاءَ ضَمِنَ الْمُكْرَهُ قِيمَتَهُ، ثُمَّ يَرْجِعُ هُوَ عَلَى الْعَبْدِ بِمِائَةِ السِّعَايَةِ؛ لِأَنَّهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ قَامَ مَقَامَ الْمَوْلَى وَإِنْ شَاءَ الْمَوْلَى ضَمِنَ الْمُكْرَهُ تِسْعَمِائَةٍ، ثُمَّ يَرْجِعُ بِتِسْعِمِائَةٍ وَأَخَذَ مِنْ الْعَبْدِ مِائَةً؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ طَائِعٌ فِي الْتِزَامِ الْمَالِ وَالْمُكْرَهَ يَتْلَفُ عَلَيْهِ تِسْعُمِائَةٍ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَيَأْخُذُ مِنْهُ، وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يَعْتِقَ عَبْدَهُ عَلَى أَلْفَيْنِ إلَى سَنَةٍ وَقِيمَتُهُ أَلْفٌ فَفَعَلَ فَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُكْرِهَ قِيمَتَهُ لِلْحَالِ وَهِيَ أَلْفٌ وَيَرْجِعُ الْمُكْرَهُ عَلَى الْعَبْدِ بِأَلْفَيْنِ إلَى سَنَةٍ وَيَتَصَدَّقُ بِالْفَضْلِ وَإِنْ شَاءَ اخْتَارَ الْعِتْقَ وَكَانَ لَهُ أَلْفَانِ إلَى سَنَةٍ. وَلَوْ أُكْرِهَ الْعَبْدُ عَلَى قَبُولِ الْعِتْقِ عَلَى مَالٍ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ وَيَضْمَنُ لِلْمُكْرِهِ لِمَا بَيَّنَّا عَبْدٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ أُكْرِهَ أَحَدُهُمَا عَلَى عِتْقِهِ فَأَعْتَقَهُ جَازَ وَالْوَلَاءُ كُلُّهُ لِلْمُعْتَقِ عِنْدَهُمَا فَإِنْ كَانَ الْمُكْرِهُ مُوسِرًا ضَمِنَ قِيمَتَهُ بَيْنَهُمَا وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا ضَمِنَ نِصْفَ قِيمَتِهِ لِلْمُكْرَهِ وَيَسْعَى الْعَبْدُ لِلْآخَرِ فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّ الْمُكْرَهَ فِي حَقِّ الْمُكْرِهِ مُتْلِفٌ وَفِي حَقِّ السَّاكِتِ بِمَنْزِلَةِ الْعِتْقِ، وَعِنْدَ الْإِمَامِ يُعْتَقُ نَصِيبُ الْمُكْرَهِ لَا غَيْرُ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُكْرِهِ لِلسَّاكِتِ وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا فَإِنْ اخْتَارَ السَّاكِتُ تَضْمِينَ شَرِيكِهِ فَالْوَلَاءُ كُلُّهُ لَهُ وَإِنْ اخْتَارَ الْإِعْتَاقَ أَوْ السِّعَايَةَ فَالْوَلَاءُ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ، وَلَوْ قَتَلَ عَبْدٌ رَجُلًا خَطَأً وَأُكْرِهَ عَلَى عِتْقِهِ وَهُوَ يَعْلَمُ بِالْجِنَايَةِ ضَمِنَ الْمُكْرَهُ قِيمَتَهُ وَيَأْخُذُهَا الْمَوْلَى فَيَدْفَعُهَا إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ فِي هَذَا الْإِعْتَاقِ، وَلَوْ كَانَ الْإِكْرَاهُ بِحَبْسٍ أَوْ قَيْدٍ يَضْمَنُ الْمَوْلَى الْجِنَايَةَ دُونَ الدِّيَةِ وَلَا يَضْمَنُ الْمُكْرَهُ شَيْئًا؛ لِأَنَّ هَذَا الْإِكْرَاهَ لَا يُعَدُّ إكْرَاهًا فِي حَقِّ إتْلَافِ الْمَالِ وَيُعْتَبَرُ إكْرَاهًا فِي حَقِّ الْتِزَامِ الْمَالِ، وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يَعْتِقَ عَبْدَهُ عَنْ رَجُلٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَقِيمَتُهُ أَلْفٌ فَأَعْتَقَ وَقَبِلَ الْمُعْتَقُ عَنْهُ طَائِعًا فَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُكْرَهَ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُعْتَقُ عَنْهُ فَلَوْ ضَمِنَ الْأَوَّلُ يَرْجِعُ عَلَى الْمُعْتَقِ عَنْهُ وَالْوَلَاءُ لِلْمُعْتِقِ، وَقَالَ الْكَرْخِيُّ يَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ الْعِتْقُ عَنْ الْمُعْتَقِ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ بِمَعْنَى الْبَيْعِ وَبَيْعَ الْمُكْرَهِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْإِكْرَاهَ وَرَدَ عَلَى الْعِتْقِ لَا عَلَى الْبَيْعِ الَّذِي فِي ضِمْنِ طَلَبِ الْإِعْتَاقِ، وَلَوْ وَرَدَ عَلَى الْبَيْعِ إنَّمَا يَرِدُ ضِمْنًا وَتَبَعًا وَالْإِكْرَاهُ لَا يُؤَثِّرُ فَمَا ثَبَتَ ضِمْنًا وَتَبَعًا وَيَعْتَقِدُ فِي الضِّمْنِيِّ بِمَا لَا يَعْتَقِدُ فِي الْقَصْدِيِّ. وَلَوْ أُكْرِهَ بِحَبْسٍ تَجِبُ الْقِيمَةُ عَلَى الْمُعْتَقِ عَنْهُ دُونَ الْمُكْرَهِ، وَلَوْ أُكْرِهَ الْمُعْتِقُ بِالْقَتْلِ وَالْمُعْتَقُ عَنْهُ بِالْحَبْسِ فَالْمُعْتَقُ عَنْهُ غَيْرُ مُكْرَهٍ، وَلَوْ كَانَ الْإِكْرَاهُ عَلَى عَكْسِ هَذَا ضَمِنَ الْمُكْرَهُ قِيمَتَهُ لِلْمَوْلَى وَلَمْ يَضْمَنْ الْمُعْتَقُ عَنْهُ شَيْئًا وَالْوَلِيُّ لِلْمُعْتَقِ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ بِوَعِيدِ تَلَفٍ صَيَّرَ الْفَاعِلَ هُوَ الْمُكْرِهُ وَالْإِعْتَاقَ وَإِنْ وُجِدَ فِي مِلْكِ الْمُعْتِقِ فَقَدْ أَتْلَفَ الْمُكْرَهُ بِالْإِعْتَاقِ عَلَيْهِ حَقَّ الِاسْتِرْدَادِ بِغَيْرِ رِضَاهُ، وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يُدَبِّرَ عَبْدَهُ عَنْهُ بِأَلْفٍ فَدَبَّرَ فَالْمَوْلَى بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُكْرَهُ قِيمَتَهُ قِنًّا وَرَجَعَ الْمُكْرَهُ عَلَى قَابِلِ التَّدْبِيرِ بِقِيمَتِهِ مُدَبَّرًا وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْقَابِلَ قِيمَتَهُ مُدَبَّرًا وَرَجَعَ عَلَى الْمُكْرَهِ بِنُقْصَانِ التَّدْبِيرِ وَلَا يَرْجِعُ الْمُكْرَهُ بِهِ عَلَى الْقَابِلِ، وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى الْإِعْتَاقِ بِحَبْسٍ أَوْ قَيْدٍ لَمْ يَضْمَنْ الْمُكْرَهُ شَيْئًا وَيَضْمَنُ الْقَابِلُ قِيمَتَهُ قِنًّا؛ لِأَنَّ هَذَا الْإِكْرَاهَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي حَقِّ إتْلَافِ الْمَالِ، وَلَوْ أُكْرِهَ الْمَوْلَى بِالْقَتْلِ وَالْقَابِلُ بِالْحَبْسِ ضَمِنَ الْقَابِلُ قِيمَتَهُ قِنًّا وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُكْرَهِ بِشَيْءٍ فَإِنْ ضَمِنَ الْمُكْرَهُ وَرَجَعَ بِهِ عَلَى الْقَابِلِ، وَلَوْ وَهَبَ الْمَوْلَى مِنْ الْمُكْرَهِ قِيمَتَهُ أَوْ أَبْرَأهُ مِنْهَا كَانَ لِلْمُكْرَهِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْقَابِلِ بِقِيمَتِهِ، وَلَوْ أُكْرِهَ الْمَوْلَى بِحَبْسٍ وَالْقَابِلُ بِوَعِيدِ تَلَفٍ فَلِلْمَوْلَى أَنْ يُضَمِّنَ الْمُكْرَهَ مَا نَقَصَ بِالتَّدْبِيرِ وَيَضْمَنُ الْقَابِلُ قِيمَتَهُ مُدَبَّرًا لِمَا عُرِفَ. وَلَوْ أُكْرِهَ بِقَتْلٍ عَلَى أَنْ يَقْبَلَ مِنْ رَجُلٍ عِتْقَ عَبْدِهِ عَلَى أَلْفٍ وَقِيمَتُهُ خَمْسُمِائَةٍ وَرَبُّ الْعَبْدِ طَائِعٌ فَفَعَلَ كَانَ الْوَلَاءُ لِلْقَابِلِ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى الْمُكْرَهِ؛ لِأَنَّ قَبُولَ الْعِتْقِ عَنْهُ بِأَلْفٍ يَتَضَمَّنُ شِرَاءً وَقَبْضًا وَإِعْتَاقًا وَالْمُشْتَرِي مُكْرَهٌ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ وَالْمُكْرَهَ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا لِلْمَوْلَى، وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يَعْتِقَ نِصْفَ عَبْدِهِ فَأَعْتَقَ كُلَّهُ لَمْ يَضْمَنْ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ الْعِتْقَ يَتَجَزَّأُ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَتَجَزَّأُ فَالْإِكْرَاهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 86 عَلَى إعْتَاقِ النِّصْفِ إكْرَاهٌ عَلَى إعْتَاقِ الْكُلِّ، وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يَعْتِقَ كُلَّهُ فَأَعْتَقَ نِصْفَهُ يَضْمَنُ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ الْإِمَامِ يَسْعَى فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ وَيَضْمَنُ الْمُكْرَهُ نِصْفَ قِيمَتِهِ اهـ. مُخْتَصَرًا بِتَأَمُّلٍ هَذَا مَا تَقَدَّمَ فِي الْبَيْعِ إذَا أُكْرِهَ عَلَى بَيْعِ الْكُلِّ فَبَاعَ النِّصْفَ كَانَ مُكْرَهًا حَيْثُ عَلَّلُوا بِأَنَّ بَيْعَ النِّصْفِ أَشَدُّ ضَرَرًا مِنْ بَيْعِ الْكُلِّ وَإِعْتَاقَ الْكُلِّ أَشَدُّ ضَرَرًا مِنْ عِتْقِ النِّصْفِ وَيُطْلَبُ الْفَرْقُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَنِصْفَ الْمَهْرِ إنْ لَمْ يَطَأْ) يَعْنِي لَوْ أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ فَطَلَّقَهَا قَبْلَ الْوَطْءِ ضَمِنَ الْمُكْرَهُ نِصْفَ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّ مَا عَلَيْهِ كَانَ عَلَى شَرَفِ السُّقُوطِ بِوُقُوعِ الْفُرْقَةِ مِنْ جِهَتِهَا بِمَعْصِيَةٍ كَالِارْتِدَادِ وَتَقْبِيلِ ابْنِ الزَّوْجِ، وَقَدْ تَأَكَّدَ ذَلِكَ بِالطَّلَاقِ فَكَانَ تَقْرِيرًا بِالْمَالِ فَيُضَافُ تَقْرِيرُهُ إلَى الْمُكْرَهِ وَكَانَ مُتْلِفًا لَهُ فَيَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ أَطْلَقَ فِي الرُّجُوعِ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا قَالَ أَرَدْت بِهِ الْإِنْشَاءَ فِي الْحَالِ كَاطْلُبْ مِنِّي أَوْ قَالَ أَرَدْت الْإِتْيَانَ بِمَطْلُوبِهِ. أَمَّا إذَا قَالَ أَرَدْت الْإِخْبَارَ كَاذِبًا فَيَقَعُ قَضَاءً لَا دِيَانَةً وَلَا يَضْمَنُ الْمُكْرَهُ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ عَدَلَ عَمَّا أُكْرِهَ عَلَيْهِ فَكَانَ طَائِعًا فِي ذَلِكَ فَلَا يُصَدَّقُ قَضَاءً وَلَا يَضْمَنُ الْمُكْرَهُ؛ لِأَنَّهُ خَالَفَهُ هَذَا إذَا كَانَ الْمَهْرُ مُسَمًّى وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسَمًّى فِيهِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا لَزِمَهُ مِنْ الْمُتْعَةِ، وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى أَنَّهُ يَعْتِقُ عَبْدَهُ أَوْ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ فَفَعَلَ رَجَعَ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ وَمِنْ نِصْفِ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ كَانَ يَنْدَفِعُ بِالْأَقَلِّ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ الدُّخُولِ لَا يَجِبُ عَلَى الْمُكْرَهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُتْلِفْ عَلَيْهِ شَيْئًا، وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى التَّوْكِيلِ بِالطَّلَاقِ أَوْ الْعَتَاقِ فَأَوْقَعَ الْوَكِيلُ وَقَعَ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَصِحَّ التَّوْكِيلُ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ تَبْطُلُ بِالْهَزْلِ فَكَذَا مَعَ الْإِكْرَاهِ كَالْبَيْعِ وَأَمْثَالِهِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يَمْنَعُ انْعِقَادَ الْبَيْعِ، وَلَكِنْ يُوجِبُ فَسَادَهُ فَكَذَا التَّوْكِيلُ يَنْعَقِدُ مَعَ الْإِكْرَاهِ وَالشُّرُوطُ الْفَاسِدَةُ لَا تُؤَثِّرُ فِي الْوَكَالَةِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْإِسْقَاطَاتِ وَيَرْجِعُ الْمُوَكِّلُ عَلَى الْمُكْرَهِ بِمَا أَتْلَفَ عَلَيْهِ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ إكْرَاهٌ، وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى النَّذْرِ صَحَّ وَلَزِمَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ فَلَا يَعْمَلُ فِيهِ الْإِكْرَاهُ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُكْرَهِ بِمَا لَزِمَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا مُطَالِبَ لَهُ فِي الدُّنْيَا، وَكَذَا الْيَمِينُ وَالظِّهَارُ وَلَا يَعْمَلُ فِيهِمَا الْإِكْرَاهُ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَحْتَمِلَانِ الْفَسْخَ وَسَوَاءٌ كَانَ الْيَمِينُ عَلَى الطَّاعَةِ أَوْ عَلَى الْمَعْصِيَةِ. وَكَذَا الرَّجْعَةُ وَالْإِيلَاءُ وَالْفَيْءُ فِيهِ بِاللِّسَانِ؛ لِأَنَّ الرَّجْعَةَ اسْتِدَامَةُ النِّكَاحِ فَأُلْحِقَتْ بِالنِّكَاحِ وَالْإِيلَاءَ يَمِينٌ فَأُلْحِقَ بِالْيَمِينِ، وَلَوْ بَانَتْ بِمُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَلَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا لَزِمَهُ نِصْفُ الْمَهْرِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ عَلَى الْمُكْرِهِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ الْفَيْءِ فِي الْمُدَّةِ، وَكَذَا الْخَلْعُ؛ لِأَنَّهُ طَلَاقٌ، وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يَجْعَلَ كُلَّ مَمْلُوكٍ يَمْلِكُهُ حُرًّا فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَفَعَلَ، ثُمَّ مَلَكَ مَمْلُوكًا عَتَقَ عَلَيْهِ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُكْرَهِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ حَصَلَ بِاعْتِبَارٍ صُنِعَ مِنْ جِهَتِهِ وَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يُعَلِّقَ عِتْقَ عَبْدِهِ بِفِعْلٍ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ نَحْوَ أَنْ يَقُولَ إنْ صَلَّيْت فَعَبْدِي حُرٌّ أَوْ أَكَلْت أَوْ شَرِبْت، ثُمَّ فَعَلَ الْمُكْرَهُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ عَتَقَ الْعَبْدُ وَغَرِمَ الْمُكْرَهُ قِيمَتَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ هَذِهِ الْأَفْعَالِ وَكَانَ مُلْجِئًا، وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يَكْفُرَ فَفَعَلَ لَمْ يَرْجِعْ بِذَلِكَ عَلَى الَّذِي أَكْرَهَ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِالْخُرُوجِ عَنْ حَقٍّ لَزِمَهُ، وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى عِتْقِ عَبْدٍ عَنْ كَفَّارَةٍ فَفَعَلَ عَتَقَ وَعَلَى الْمُكْرَهِ قِيمَتُهُ؛ لِأَنَّهُ لِمَنْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ أَنْ يَعْتِقَ عَبْدًا مُعَيَّنًا عَنْ كَفَّارَةٍ مُعَيَّنَةٍ فَهُوَ بِالْإِكْرَاهِ مُتَعَدِّيًا عَلَيْهِ وَلَا يُجْزِيهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْعِتْقِ بِعِوَضٍ، وَلَوْ قَالَ أَنَا أُبْرِئُهُ عَنْ الْقِيمَةِ حَتَّى يُجْزِئَ عَنْ الْكَفَّارَةِ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ نَفَذَ غَيْرَ مُجْزِئٍ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَالْمَوْجُودَ بَعْدَ ذَلِكَ إبْرَاءٌ عَنْ الدَّيْنِ وَهُوَ لَا يَتَأَدَّى بِهِ الْكَفَّارَةُ، وَلَوْ قَالَ أَعْتَقَتْهُ حِينَ أَكْرَهَنِي وَأَنَا أُرِيدُ بِهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ، وَلَوْ أَعْتَقَهُ بِإِكْرَاهٍ أَجُزْأَهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ عَلَى الْمُكْرِهِ، وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى الزِّنَا فَزَنَى يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ فِي قَوْلِ الْإِمَامِ أَوَّلًا. وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ، ثُمَّ رَجَعَ، وَقَالَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ إذَا أَكْرَهَهُ السُّلْطَانُ وَإِنْ أَكْرَهَهُ غَيْرُهُ يَجِبُ، وَقَالَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ فِي الْوَجْهَيْنِ، وَهَذَا اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ وَفِي مَوْضِعٍ سَقَطَ الْحَدُّ وَوَجَبَ الْمَهْرُ سَوَاءٌ كَانَتْ مُكْرَهَةً عَلَى الْفِعْلِ أَوْ أَذِنَتْ لَهُ بِذَلِكَ أَمَّا الْأَوَّلُ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَرْضَ بِسُقُوطِ حَقِّهَا، وَأَمَّا الثَّانِي؛ فَلِأَنَّ إذْنَهَا لَغْوٌ لِكَوْنِهَا مَحْجُورَةً عَنْ ذَلِكَ شَرْعًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَلَى الرِّدَّةِ لَمْ تَبِنْ امْرَأَتُهُ) يَعْنِي لَوْ أُكْرِهَ عَلَى الرِّدَّةِ وَأَجْرَى كَلِمَةَ الْكُفْرِ عَلَى لِسَانِهِ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ لَمْ تَبِنْ امْرَأَتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكْفُرْ بِهِ، وَلَوْ قَالَ عِنْدَ قَوْلِهِ عَلَى الرِّدَّةِ لَمْ يُرَخَّصْ، وَلَوْ فَعَلَ لَمْ تَبِنْ بِهِ امْرَأَتُهُ لَكَانَ أَوْلَى وَأَحْرَى؛ وَلِأَنَّ الْكُفْرَ يَتَعَلَّقُ بِتَبَدُّلِ الِاعْتِقَادِ وَلَمْ يَتَبَدَّلْ اعْتِقَادُهُ حَيْثُ كَانَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنًّا بِالْإِيمَانِ حَتَّى لَوْ ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ ذَلِكَ وَأَنْكَرَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا حَتَّى يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ الْكُفْرِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 87 سَبَبٌ لِحُصُولِ الْبَيْنُونَةِ بِهَا فَيَسْتَوِي الطَّائِعُ وَالْمُكْرَهُ كَلَفْظَةِ الطَّلَاقِ وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ هَذَا اللَّفْظُ غَيْرُ مَوْضُوعٍ لِلْفُرْقَةِ وَإِنَّمَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ بِاعْتِبَارِ تَغَيُّرِ الِاعْتِقَادِ وَالْإِكْرَاهُ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ التَّغَيُّرِ فَلَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ وَلِهَذَا لَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالْكُفْرِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَسْلَمَ مُكْرَهًا حَيْثُ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُ وُجِدَ مِنْهُ أَحَدُ الرُّكْنَيْنِ وَفِي الرُّكْنِ الْآخَرِ احْتِمَالٌ فَرَجَّحْنَا جَانِبَ الْوُجُودِ احْتِيَاطًا؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى عَلَيْهِ وَنَظِيرُهُ السَّكْرَانُ فَإِنَّ إسْلَامَهُ يَصِحُّ وَلَا تَصِحُّ رِدَّتُهُ لِعَدَمِ الْقَصْدِ هَذَا لِبَيَانِ الْحُكْمِ أَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَإِذَا لَمْ يَعْتَقِدْ، فَلَيْسَ بِمُؤْمِنٍ وَعَدَمِ إبَانَةِ الزَّوْجِيَّةِ إذَا قَالَ لَمْ يَخْطِرْ بِبَالِي شَيْءٌ وَنَوَيْت مَا طُلِبَ مِنِّي وَقَلْبِي مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ، وَلَوْ قَالَ نَوَيْت الْإِخْبَارَ بَاطِلًا وَلَمْ أَنْوِ مَا أُمِرْت بِهِ بَانَتْ امْرَأَتُهُ فِي الْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا طُلِبَ مِنْهُ بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ فَلَا يُصَدَّقُ أَنَّهُ نَوَى ذَلِكَ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ، وَلَوْ قَالَ أَرَدْت مَا طُلِبَ مِنِّي، وَقَدْ خَطَرَ بِبَالِي الْخَيْرُ عَلَى الْبَاطِلِ بَانَتْ امْرَأَتُهُ دِيَانَةً وَقَضَاءً؛ لِأَنَّهُ كَفَرَ حَقِيقَةً وَالْإِكْرَاهَ عَلَى الصَّلَاةِ أَوْ سَبِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَمَانَةِ الْمَرْأَةِ وَعَدَمِهِ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ، وَلَوْ قَالَ خَطَرَ بِبَالِي أَنَّهُ لَوْ أَكْرَهُهُ الْعَدُوُّ عَلَى كَلِمَةِ الْكُفْرِ لَأَجْرَى عَلَى لِسَانِهِ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ كَفَرَ. [أُكْرِهَ عَلَى قَطْعِ يَدِ إنْسَانٍ يَقْطَعُ يَدَهُ] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَحُرْمَةُ طَرْفِ الْإِنْسَانِ كَحُرْمَةِ نَفْسِهِ) حَتَّى لَوْ أُكْرِهَ عَلَى قَطْعِ يَدِ إنْسَانٍ يَقْطَعُ يَدَهُ لَا يُرَخَّصُ لَهُ ذَلِكَ فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ يَأْثَمْ وَيَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى الْمُكْرَهِ لَوْ كَانَ حُرًّا وَيَضْمَنُ نِصْفَ الْقِيمَةِ لَوْ كَانَ رَقِيقًا، وَهَذَا لَا يُنَافِيهِ مَا نَقَلَهُ قَاضِي خان إذَا قَالَ لِرَجُلٍ اقْطَعْ يَدَ هَذَا وَإِلَّا قَتَلْتُك وَسِعَهُ أَنْ يَقْطَعَ، وَإِذَا قَطَعَ كَانَ عَلَى الْآمِرِ الْقِصَاصُ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة إذَا قَالَ إنْ لَمْ يَقْطَعْ يَدَك وَإِلَّا قَطَعْتهَا لَا يَسَعْهُ أَنْ يَقْطَعَ يَدَ نَفْسِهِ اهـ. فَظَهَرَ بِمَا نَقَلْنَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا أَغْلَظَ مِنْ الْقَطْعِ وَسِعَهُ وَإِنْ كَانَ قَطَعَ بِقَطْعٍ لَا يَسَعُهُ، وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى قَطْعِ طَرْفِ نَفْسِهِ حَلَّ لَهُ قَطْعُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا أُكْرِهَ عَلَى قَتْلِ نَفْسِهِ حَيْثُ لَا يَحِلُّ لَهُ قَتْلُهَا؛ لِأَنَّ الْأَطْرَافَ يُسْلَكُ بِهَا مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ فِي حَقِّ صَاحِبِ الطَّرْفِ حَتَّى يَحِلَّ لَهُ قَطْعُهَا إذَا أَصَابَتْهَا أَكَلَهُ، وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يُلْقِيَ نَفْسَهُ فِي النَّارِ أَوْ عَلَى الْإِلْقَاءِ مِنْ الْجَبَلِ بِالْقَتْلِ وَكَانَ الْإِلْقَاءُ بِحَيْثُ لَا يَنْجُو، وَلَكِنْ فِيهِ نَوْعُ تَخْفِيفٍ فَلَهُ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ فَعَلَ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَفْعَلْ عِنْدَ الْإِمَامِ فَلَوْ أَلْقَى نَفْسَهُ فِي النَّارِ فَاحْتَرَقَ فَعَلَى الْمُكْرِهِ الْقِصَاصُ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَصْبِرُ وَلَا يَفْعَلُ. وَلَوْ قَالَ لَهُ لَتُلْقِيَنَّ نَفْسَك مِنْ رَأْسِ الْجَبَلِ أَوْ لَأَقْتُلَنَّكَ بِالسَّيْفِ فَأَلْقَى نَفْسَهُ فَمَاتَ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الْمُكْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ بَاشَرَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّهُ قَتْلٌ بِالْمُثْقِلِ، بَلْ فِيهِ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ فَكَذَا إذَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ، وَعِنْدَ الثَّانِي تَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى الْمُكْرِهِ فِي مَالِهِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَجِبُ الْقِصَاصُ، وَلَوْ قَالَ لِآخَرَ اُقْتُلْنِي فَقَتَلَهُ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ فِي الصَّحِيحِ، وَلَوْ أُكْرِهَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى التَّزْوِيجِ بِمَهْرٍ فِيهِ غَبْنٌ فَاحِشٌ، ثُمَّ زَالَ الْإِكْرَاهُ فَرَضِيَتْ الْمَرْأَةُ وَلَمْ يَرْضَ الْوَلِيُّ فَلِلْوَلِيِّ الْفِرَاقُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَوْ يُتِمُّ مَهْرَ الْمِثْلِ، وَقَالَا لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ خَالِصُ حَقِّهَا حَتَّى تَمْلِكَ إسْقَاطَهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. [بَابُ الْحَجْرِ] أُورِدَ الْحَجْرُ عُقَيْبَ الْإِكْرَاهِ لِأَنَّ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَلْبَ وِلَايَةِ الْمُخْتَارِ عَنْ الْجَرْيِ عَلَى مُوجِبِ الِاخْتِيَارِ إلَّا أَنَّ الْإِكْرَاهَ لَمَّا كَانَ أَقْوَى تَأْثِيرًا لِأَنَّ فِيهِ سَلْبَهَا عَمَّنْ لَهُ اخْتِيَارٌ صَحِيحٌ وَوِلَايَةٌ كَامِلَةٌ بِخِلَافِ الْحَجْرِ وَالْحَجْرُ فِي اللُّغَةِ الْمَنْعُ مِنْ قَوْلِك حَجَرَ عَلَيْهِ الْقَاضِي يَحْجُرُ حَجْرًا إذَا مَنَعَهُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ وَلِهَذَا سُمِّيَ الْحَطِيمُ حَجْرًا؛ لِأَنَّهُ مَنْعٌ مِنْ الْبَيْتِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ} [الفجر: 5] أَيْ لِذِي عَقْلٍ وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ مَبِيعٍ مَخْصُوصٍ فِي حَقِّ شَخْصٍ مَخْصُوصٍ وَهُوَ الصَّغِيرُ وَالرَّقِيقُ وَالْمَجْنُونُ وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ سَبَبُ الْحَجْرِ وَأُلْحِقَ بِهَذِهِ الثَّلَاثَةِ ثَلَاثَةٌ أُخَرُ الْمُفْتِي الْمَاجِنُ وَالطَّبِيبُ الْجَاهِلِيُّ وَالْمُكَارِي الْمُفْلِسُ، وَمِنْ مَحَاسِنِ الْحَجْرِ أَنَّ فِيهِ شَفَقَةً عَلَى خَلْقِ اللَّهِ وَهِيَ أَحَدُ طَرَفَيْ الدِّيَانَةِ وَالْآخَرُ التَّعْظِيمُ لِأَمْرِ اللَّهِ وَتَحْقِيقُ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ الْوَرَى وَفَرَّقَ بَيْنَهُمْ فِي النُّهَى فَجَعَلَ بَعْضَهُمْ أُولِي النُّهَى وَالرَّأْيِ وَمِنْهُمْ أَعْلَامُ الْهُدَى وَمَصَابِيحُ الدُّجَى وَبَعْضُهُمْ مُبْتَلًى بِأَسَالِيب الرَّدَى فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْمُعَامَلَاتِ كَالْمَجْنُونِ وَالْمَعْتُوهِ وَالرَّقِيقِ وَالصَّغِيرِ وَرَكَّبَ اللَّهُ فِي الْبَشَرِ الْعَقْلَ وَالْهَوَى وَرَكَّبَ فِي الْمَلَائِكَةِ الْعَقْلَ دُونَ الْهَوَى وَرَكَّبَ فِي الْبَهَائِمِ الْهَوَى دُونَ الْعَقْلِ فَمَنْ غَلَبَ عَقْلُهُ عَلَى هَوَائِهِ كَانَ مِنْ أَفْضَلِ الْخَلْقِ وَمَنْ غَلَبَ هَوَاهُ عَلَى عَقْلِهِ كَانَ أَرْدَى مِنْ الْبَهَائِمِ وَدَلِيلُهُ مَا رُوِيَ أَنَّهُ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حَجَرَ عَلَى مُعَاذٍ وَقَسَمَ مَالَهُ لِغُرَمَائِهِ» وَلِأَنَّ تَصَرُّفَهُ لَا يَشْمَلُ تَوْفِيرَ النَّظَرِ وَالْمَصْلَحَةِ فَلِذَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (هُوَ مَنْعٌ عَنْ التَّصَرُّفِ قَوْلًا لَا فِعْلًا بِصِغَرٍ وَرِقٍّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 88 وَجُنُونٍ) يَعْنِي يُحْجَرُ عَلَيْهِ بِهَذِهِ الْأَسْبَابِ الْمَذْكُورَةِ وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ تُفِيدُ حَصْرَ الْمَنْعِ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الْأَفْرَادِ يُفِيدُهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يُحْجَرُ عَلَى الْمُفْتِي الْمَاجِنِ وَالطَّبِيبِ الْجَاهِلِ وَالْمُكَارِي الْمُفْلِسِ بِالِاتِّفَاقِ وَالسَّفِيهِ وَالْمُغَفَّلِ وَالْمَدْيُونِ عَلَى قَوْلِهِمَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ فَقَوْلُهُ فِي دَلِيلِ التَّعْرِيفِ بِصِغَرٍ إلَى آخِرِهِ تَفْسِيرٌ زَائِدٌ وَتَقْيِيدٌ فَاسِدٌ فَالتَّعْرِيفُ فِيهِ قُصُورٌ مِنْ حَيْثُ تَقْيِيدُ الْمُطْلَقِ، وَأَصْلُ التَّعْرِيفِ الْحَقِيقَةُ وَهُوَ لَا يَخْلُو أَمَّا إنْ أَرَادَ أَنْ يُعَرِّفَ الْمَنْعَ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُسْقِطَ الزِّيَادَةَ أَوْ يُرِيدَ وَمَجَانَةٍ وَجَهْلٍ وَإِفْلَاسٍ لِيَكُونَ سَبَبًا لِلْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ أَوْ يَقُولَ بِسَبَبٍ يُوجِبُهُ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الرِّقَّ لَيْسَ سَبَبًا لِلْحَجْرِ فِي الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ مُحْتَاجٌ كَامِلُ الرَّأْيِ وَالْعَقْلِ وَإِنَّمَا حُجِرَ عَلَيْهِ لِحَقِّ الْمَوْلَى قَوْلُهُ لَا فِعْلًا أَرَادَ فِعْلًا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حُكْمٌ يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ أَمَّا إذَا كَانَ الْفِعْلُ يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ فَهُوَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فِي حُكْمِ ذَلِكَ الَّذِي يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ كَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ إذَا زَنَى أَوْ قَتَلَ فَهُوَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ بِالنِّسْبَةِ لِحُكْمِ الزِّنَا وَهُوَ الْحَدُّ وَبِالنِّسْبَةِ بِحُكْمِ الْقَتْلِ وَهُوَ الْقِصَاصُ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ قَوْلُهُ قَوْلًا نَكِرَةً فِي سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ وَهِيَ تَخْتَصُّ عِنْدَنَا قَالُوا الْمُرَادُ بِالْأَقْوَالِ هُنَا مَا تَرَدَّدَ بَيْنَ النَّفْعِ وَالضَّرَرِ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَيُوجِبُ الْحَجْرَ مِنْ الْأَصْلِ بِالْإِعْدَامِ فِي حُكْمِ قَوْلٍ تَمَحَّضَ ضَرَرًا كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ دُونَ الْعَبْدِ فَإِنَّ طَلَاقَهُ يَقَعُ وَلَمْ يُوجِبْ الْحَجْرَ فِيمَا تَمَحَّضَ نَفْعًا كَقَبُولِ الْهِبَةِ وَالْهَدِيَّةِ وَالصَّدَقَةِ قَوْلُهُ لَا فِعْلًا نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ فَيَعُمُّ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، فَإِنْ قِيلَ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ وَالْعَفْوُ عَنْ الْقِصَاصِ وَالْيَمِينُ وَالنَّذْرُ كُلُّهَا مِنْ الْأَقْوَالِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي الشَّرْعِ وَالْقَصْدِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِاعْتِبَارِهَا شَرْعًا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي مَوَاضِعَ لَا سِيَّمَا فِي مَبَاحِثِ الْهَزْلِ فِي الْأُصُولِ فَكَيْفَ حَكَمْت بِأَنَّهَا عَدَمٌ مِنْ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ مَعَ أَنَّ الْقَصْدَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي اعْتِبَارِهَا إذَا صَدَرَتْ مَعَ تَمَامِ الْأَهْلِيَّةِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَنْ ذُكِرَ لَهُ قَصْدٌ وَمَا يُقْصَدُ وَمَا ذُكِرَ لَيْسَ لَهُ قَصْدٌ مُعْتَبَرٌ فَافْتَرَقَ الْحَالُ. اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (فَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُ صَبِيٍّ وَعَبْدٍ بِلَا إذْنِ وَلِيٍّ وَسَيِّدٍ) ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ عَدِيمُ الْعَقْلِ إذَا كَانَ غَيْرَ مُمَيِّزٍ وَإِنْ كَانَ مُمَيِّزًا فَعَقْلُهُ نَاقِصٌ لِعَدَمِ الِاعْتِدَالِ وَهُوَ الْبُلُوغُ فَيُحْتَمَلُ فِيهِ الضَّرَرُ فَلَا يَجُوزُ إلَّا إذَا أَذِنَ لَهُ الْمَوْلَى فَيَصِحُّ حِينَئِذٍ لِتَرْجِيحِ جَانِبِ الْمَصْلَحَةِ لِلْمَوْلَى، فَإِذَا أَذِنَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَيَتَصَرَّفُ بِأَهْلِيَّتِهِ إذَا كَانَ بَالِغًا عَاقِلًا وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا فَبِأَهْلِيَّةِ الْوَلِيِّ وَفِي السِّرَاجِيَّةِ لِلصَّغِيرِ الَّذِي لَا يَعْقِلُ الْبَيْعُ إذَا بَاعَ أَوْ اشْتَرَى فَأَجَازَ الْوَلِيُّ لَمْ يَصِحَّ وَلَوْ أَذِنَ الْقَاضِي لِلصَّبِيِّ بِالتَّصَرُّفِ صَحَّ تَصَرُّفُهُ. [تَصَرُّفُ الْمَجْنُونِ الْمَغْلُوبِ] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُ الْمَجْنُونِ الْمَغْلُوبِ بِحَالٍ) يَعْنِي لَا يَجُوزُ تَصَرُّفُهُ بِحَالٍ وَلَوْ أَجَازَهُ الْوَلِيُّ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ الْعِبَارَةِ بِالتَّمْيِيزِ وَهُوَ لَا تَمْيِيزَ لَهُ فَصَارَ كَبَيْعِ الطُّوطِيِّ وَإِنْ كَانَ يُجَنُّ تَارَةً وَيُفِيقُ أُخْرَى فَهُوَ فِي حَالِ إفَاقَتِهِ كَالْعَاقِلِ، وَالْمَعْتُوهُ كَالصَّبِيِّ الْعَاقِلِ فِي تَصَرُّفَاتِهِ وَفِي رَفْعِ التَّكْلِيفِ عَنْهُ وَهُوَ النَّاقِصُ الْعَقْلُ وَقِيلَ: هُوَ الْمَدْهُوشُ مِنْ غَيْرِ جُنُونٍ وَاخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا وَأَحْسَنُ مَا قِيلَ فِيهِ هُوَ مَنْ كَانَ قَلِيلَ الْفَهْمِ فَاسِدَ التَّدْبِيرِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَضْرِبُ وَلَا يَشْتُمُ كَمَا يَفْعَلُ الْمَجْنُونُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَمَنْ عَقَدَ مِنْهُمْ وَهُوَ يَعْقِلُهُ يُجِيزُهُ الْوَلِيُّ أَوْ يَفْسَخُهُ) يَعْنِي مَنْ عَقَدَ الْبَيْعَ، وَالشِّرَاءَ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمَحْجُورِينَ وَهُوَ يَعْقِلُهُ أَيْ وَهُوَ يَعْقِلُ أَنَّ الْبَيْعَ سَالِبٌ، وَالشِّرَاءَ جَالِبٌ وَيَعْلَمُ الْغَبْنَ الْفَاحِشَ مِنْ الْيَسِيرِ وَيَقْصِدُ بِهِ تَحْصِيلَ الرِّبْحِ، وَالزِّيَادَةِ فَالْوَلِيُّ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَجَازَهُ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ، وَإِنْ قِيلَ هَذَا فِي الْبَيْعِ يَسْتَقِيمُ وَأَمَّا فِي الشِّرَاءِ فَلَا يَسْتَقِيمُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ بَلْ يَنْفُذُ عَلَى الْمُشْتَرِي قُلْنَا إنَّمَا يَنْفُذُ عَلَى الْمُشْتَرِي إذَا وَجَدَ نَفَاذًا كَشِرَاءِ الْفُضُولِيِّ وَهُنَا لَمْ يَجِدْ نَفَاذًا لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ أَوْ لِتَضَرُّرِ الْمَوْلَى فَيَتَوَقَّفُ الْكُلُّ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ الْأَقْوَالُ مَوْجُودَةٌ حِسًّا وَمُشَاهَدَةً فَأَمَّا لَهَا شُرُوطٌ فِي اعْتِبَارِهَا شَرْعًا الْقَصْدَ دُونَ الْعَقْلِ أُجِيبَ بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا: الْأَقْوَالُ الْمَوْجُودَةُ حِسًّا لَيْسَتْ عَيْنَ مَدْلُولِهَا بَلْ دَلَالَاتٌ عَلَيْهَا وَيُمْكِنُ تَخَلُّفُ الْمَدْلُولِ عَنْ دَلِيلِهِ فَيُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ الْمَوْجُودُ بِمَنْزِلَةِ الْمَعْدُومِ بِخِلَافِ الْأَفْعَالِ، فَإِنَّ الْمَوْجُودَ مِنْهَا هُوَ عَيْنُهَا فَبَعْدَ مَا وُجِدَتْ لَا يُمْكِنُ أَنْ تُجْعَلَ غَيْرَ مَوْجُودَةٍ. الثَّانِي: الْقَوْلُ قَدْ يَقَعُ صِدْقًا وَكَذِبًا وَيَقَعُ جِدًّا وَهَزْلًا فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَصْدِ بِخِلَافِ الْفِعْلِ قَالَ: فَإِنْ قِيلَ قَوْلُهُ تَصَرُّفُ صَبِيٍّ وَعَبْدٍ إلَخْ يُفِيدُ أَنَّ عَقْدَهُمَا لَا يَنْعَقِدُ وَقَوْلُهُ وَمَنْ عَقَدَ مِنْهُمْ وَهُوَ يَعْقِلُهُ يُجِيزُهُ الْوَلِيُّ أَوْ يَفْسَخُ يُفِيدُ أَنْ يَنْعَقِدَ مَوْقُوفًا وَبَيْنَهُمَا مُنَافَاةٌ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ لَا يَصِحُّ لَا يَنْفُذُ وَهُوَ شَائِعٌ فِي عِبَارَةِ الْفُقَهَاءِ، فَإِنْ قِيلَ كَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَقُولَ وَمَنْ عَقَدَ مِنْهُمَا بِلَفْظِ التَّثْنِيَةِ دُونَ الْجَمْعِ يَعْنِي الصَّبِيَّ، وَالْعَبْدَ قُلْنَا فُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ: الْمَغْلُوبُ غَيْرُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 89 الْمَغْلُوبِ الَّذِي بِمَنْزِلَةِ الصَّبِيِّ، وَالْعَبْدِ فَلِذَا عَبَّرَ بِلَفْظِ الْجَمْعِ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ أَرَادَ الصَّبِيَّ، وَالْمَجْنُونَ الَّذِي هُوَ يُجَنُّ وَيُفِيقُ، فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الصَّبِيِّ قَالَ ابْنُ فَرْشَتَةَ الْوَلِيُّ هُوَ الْقَاضِي، وَالْوَلِيُّ الَّذِي يَلِي التِّجَارَةَ فِي مَالِ الصَّبِيِّ كَالْأَبِ، وَالْجَدِّ، وَالْوَصِيِّ وَلَا يَجُوزُ بِإِذْنِ الْعَمِّ، وَالْأُمِّ، وَالْأَخِ. اهـ. وَإِذَا رُفِعَ الْأَمْرُ إلَى الْقَاضِي لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ قَائِمًا أَوْ هَالِكًا وَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ بَيْعَ رَغْبَةٍ أَوْ غَبِينَةٍ وَإِذَا رُدَّ الْمَبِيعُ، وَالثَّمَنُ قَائِمٌ فِي يَدِهِ رَدَّهُ، وَإِنْ كَانَ الْمَحْجُورُ اسْتَهْلَكَ الثَّمَنَ يَنْظُرُ إنْ اسْتَهْلَكَهُ فِي النَّفَقَةِ وَمَا يَجُوزُ لَهُ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُعْطِي الدَّافِعَ مِثْلَهُ، وَإِنْ اسْتَهْلَكَهُ فِيمَا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ، فَإِنْ صَرَفَهُ فِي وُجُوهِ الْفَسَادِ يَضْمَنُ الْمَحْجُورُ مِثْلَهُ عِنْدَ الثَّانِي وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَضْمَنُ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْوَلِيَّ إذَا عَلِمَ بِالْبَيْعِ كَالْقَاضِي. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَتْلَفُوا شَيْئًا ضَمِنُوا) ؛ لِأَنَّهُمْ غَيْرُ مَحْجُورٍ عَلَيْهِمْ فِي الْأَفْعَالِ إذْ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ الْقَتْلُ غَيْرَ الْقَتْلِ، وَالْقَطْعُ غَيْرَ الْقَطْعِ فَاعْتُبِرَ فِي حَقِّهِ فَثَبَتَ عَلَيْهِ مُوجِبُهُ لِتَحَقُّقِ السَّبَبِ وَوُجُودِ أَهْلِيَّةِ الْوُجُوبِ وَهِيَ الذِّمَّةُ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يُولَدُ وَلَهُ ذِمَّةٌ صَالِحَةٌ لِوُجُوبِ الْحَقِّ إلَّا أَنَّهُ لَا يُطَالَبُ بِالْأَدَاءِ إلَّا عِنْدَ الْقُدْرَةِ كَالْمُعْسِرِ لَا يُطَالَبُ بِالدَّيْنِ إلَّا إذَا أَيْسَرَ وَكَالنَّائِمِ لَا يُطَالَبُ بِالْأَدَاءِ إلَّا إذَا اسْتَيْقَظَ هَكَذَا قَالَهُ الشَّارِحُ فَظَاهِرُهُ أَنَّ الْوُجُوبَ يَتَأَخَّرُ إلَى الْبُلُوغِ، وَالْعِتْقِ وَفِي الْحَدَّادِيِّ يَضْمَنُ كَمَا يَضْمَنُ الْحُرُّ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَضْمَنُ فِي الْحَالِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا قَالَ فِي الْعِنَايَةِ جَنِينٌ ابْنُ يَوْمٍ لَوْ انْقَلَبَ عَلَى قَارُورَةِ إنْسَانٍ فَكَسَرَهَا يَجِب عَلَيْهِ الضَّمَانُ فِي الْحَالِ. اهـ. فَلَوْ أَنَّ الصَّبِيَّ أَوْ الْمَجْنُونَ أَوْ الْعَبْدَ اسْتَهْلَكُوا مَالًا ضَمِنُوا الْمَالَ فِي الْحَالِ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة إذَا أَوْدَعَ صَبِيًّا أَوْ عَبْدًا مَالًا فَاسْتَهْلَكَهُ لَا يَضْمَنُ الصَّبِيُّ وَلَا الْعَبْدُ فِي الْحَالِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَضْمَنُ إلَّا أَنَّ الْعَبْدَ يُؤَاخَذُ بَعْدَ الْعِتْقِ، وَالصَّبِيَّ يُؤَاخَذُ بَعْدَ زَوَالِ الْحَجْرِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَوْدَعَهُمْ سَلَّطَهُمْ عَلَيْهِ وَفِي الْأَوَّلِ لَمْ يُسَلِّطْهُمْ فَيَضْمَنُ فِي الْحَالِ الصَّبِيُّ فِي مَالِهِ، وَالْعَبْدُ يَدْفَعُهُ الْمَوْلَى أَوْ يَفْدِيهِ. [إقْرَارُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَنْفُذُ إقْرَارُ الصَّبِيِّ، وَالْمَجْنُونِ) ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْأَقْوَالِ فِي الشَّرْعِ مَنُوطَةٌ بِالْأَهْلِيَّةِ وَهِيَ مَعْدُومَةٌ فِيهِمَا حَتَّى لَوْ تَعَلَّقَ بِإِقْرَارِهِمَا حُكْمٌ شَرْعِيٌّ كَالْحَدِّ لَا يُعْتَبَرُ أَيْضًا إلَّا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ إتْلَافٌ فَيَجِبُ الضَّمَانُ لَا يُقَالُ هَذَا عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ قَوْلًا؛ لِأَنَّا نَقُولُ بِطَرِيقِ التَّضْمِينِ، وَالتَّصْرِيحُ أَبْلَغُ مِنْهُ فَلِذَا ذَكَرَهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَنْفُذُ إقْرَارُ الْعَبْدِ فِي حَقِّهِ لَا فِي حَقِّ مَوْلَاهُ فَلَوْ أَقَرَّ بِمَالٍ لَزِمَهُ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ) ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى غَيْرِهِ وَهُوَ الْمَوْلَى لِمَا أَنَّهُ وَمَا فِي يَدِهِ مِلْكُهُ وَإِقْرَارُ الرَّجُلِ عَلَى غَيْرِهِ لَا يُقْبَلُ، فَإِذَا عَتَقَ زَالَ الْمَانِعُ فَتَبِيعُ بِهِ لِوُجُوبِ سَبَبِ الْأَهْلِيَّةِ، وَظَاهِرُ الْعِبَارَةِ نُفُوذُ الْإِقْرَارِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ سَكَتَ بَعْد ذَلِكَ أَوْ قَالَ بَاطِلًا أَوْ حَقًّا وَلِذَلِكَ قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَلَوْ أَقَرَّ بِاسْتِهْلَاكِ وَدِيعَةٍ ثُمَّ صَلَحَ فَصَارَ أَهْلًا لِلْإِقْرَارِ فَأَقَرَّ أَنَّهُ اسْتَهْلَكَهَا فِي حَالِ فَسَادِهِ لَمْ يَضْمَنْ عِنْدَ مُحَمَّدٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَقَرَّ بِقَتْلٍ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ حَيْثُ يَلْزَمُهُ فِي مَالِهِ كَمَا لَوْ شُوهِدَ ذَلِكَ مِنْهُ، وَالْفَرْقُ أَنَّ اسْتِهْلَاكَ الْوَدِيعَةِ لَمْ يَثْبُتْ بِمُعَايَنَةٍ وَبِالْبَيِّنَةِ لَمْ يُصَدَّقْ عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَكَذَا إذَا ثَبَتَ بِالْإِقْرَارِ، وَالْقَتْلِ لَوْ صَدَرَ مِنْهُ بِالْمُعَايَنَةِ وَجَبَتْ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَكَذَا إذَا ثَبَتَ بِالْإِقْرَارِ يَجِبُ فِي مَالِهِ وَلَوْ أَقَرَّ لِرَجُلٍ بِمَالٍ ثُمَّ صَلَحَ بِأَنْ صَارَ أَهْلًا وَقَالَ أَقْرَرْت بِهَا بَاطِلًا لَمْ يَلْزَمْهُ، وَإِنْ قَالَ كَانَ حَقًّا يَلْزَمُهُ، وَإِنْ قَالَ كَانَ بَاطِلًا لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ إقْرَارٌ بَعْدَ الصَّلَاحِ فَلَا يَلْزَمُهُ وَكَذَا الصَّبِيُّ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ لَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ اسْتَهْلَكَ مَالَ إنْسَانٍ بِغَيْرِ إذْنِهِ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ الْبُلُوغِ كَانَ حَقًّا أَوْ بَاطِلًا وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ بَعْدَ الصَّلَاحِ أَقْرَضَنِي فِي حَالِ فَسَادٍ وَقَالَ الْآخَرُ لَا بَلْ فِي صَلَاحِك وَاسْتَهْلَكْتهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْمَالِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْمَحْجُورُ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الْأَوَّلِ أَقَرَّ أَنَّ الِاسْتِهْلَاكَ وُجِدَ مِنْهُ وَادَّعَى الْإِذْنَ، وَالتَّسْلِيطَ وَأَنْكَرَ رَبُّ الْمَالِ ذَلِكَ لَمَّا قَالَ أَقْرَضْتُك فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ وَعَلَى رَبِّ الْمَالِ الْبَيِّنَةُ بِخِلَافِ الثَّانِيَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ أَقَرَّ بِحَدٍّ أَوْ قَوَدٍ لَزِمَهُ فِي الْحَالِ) ؛ لِأَنَّهُ يَبْقَى عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ فِي حَقِّهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ خَوَاصِّ الْإِنْسَانِيَّةِ وَهُوَ لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ آدَمِيٌّ بَلْ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ مَالٌ وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ إقْرَارُ الْمَوْلَى بِهِمَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَبْقَى عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ فِي حَقِّهِمَا، فَإِنْ قِيلَ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ، وَالْمُكَاتَبُ شَيْئًا إلَّا الطَّلَاقَ» وَشَيْئًا نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّهْيِ فَتَعُمُّ فَيَقْتَضِي أَنْ لَا يَمْلِكَ الْإِقْرَارَ بِالْحُدُودِ، وَالْقِصَاصِ قُلْنَا لَمَّا بَقِيَ عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ فِي حَقِّهِمَا يَكُونُ إقْرَارُهُ بِهِمَا إقْرَارًا بِالْحُرِّيَّةِ لَا بِالْعَبْدِيَّةِ وَلِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {بَلِ الإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ} [القيامة: 14] يَقْتَضِي أَنْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ فَيَنْفُذَ أَوْ يُقَالُ: إنَّ النَّصَّ يُحْمَلُ أَنَّهُ رُوِيَ عَلَى غَيْرِ هَذِهِ الصُّورَةِ دَفْعًا لِلتَّعَارُضِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (لَا بِسَفَهٍ) يَعْنِي لَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ بِسَبَبِ السَّفَهِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 90 يُحْجَرُ عَلَيْهِ لِلْإِمَامِ مَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ذُكِرَ لَهُ رَجُلٌ يَخْدَعُ فِي الْبَيْعِ فَقَالَ مَنْ بَايَعْت فَقُلْ لَا خِلَابَةَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةِ غَيْرِهِمَا قِيلَ لَهُ اُحْجُرْ عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ عَاقِلٌ كَامِلُ الْعَقْلِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ مُطْلَقٌ فَلَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ كَالرَّشِيدِ وَلَهُمَا قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ} [البقرة: 282] وَهَذَا نَصٌّ فِي إثْبَاتِ الْوِلَايَةِ عَلَى السَّفِيهِ وَمَا رُوِيَ أَنَّهُ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حَجَرَ عَلَى مُعَاذٍ فِي الْغِيَاثِيَّةِ» ، وَالْمُرَادُ بِالْفَسَادِ هُنَا السَّفَهُ وَهُوَ خِفَّةٌ تَعْتَرِي الْإِنْسَانَ فَتَحْمِلُهُ عَلَى الْعَمَلِ بِخِلَافِ مُوجَبِ الشَّرْعِ، وَالْعَقْلِ مَعَ قِيَامِ الْعَقْلِ وَقَدْ غَلَبَ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ عَلَى تَبْذِيرٍ وَإِتْلَافٍ عَلَى خِلَافِ مُقْتَضَى الشَّرْعِ، وَالْعَقْلِ. اهـ. وَفِي الْأَصْلِ: وَالْحَجْرُ بِسَبَبِ الْفَسَادِ، وَالسَّفَهِ فَهُوَ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا لِخِفَّةٍ فِي الْعَقْلِ وَكَانَ سَبَبُهُ الْقَلْبَ لَا يَهْتَدِي إلَى التَّصَرُّفَاتِ فَيَحْجُرُ عَلَيْهِ الْقَاضِي عَلَى قَوْلِهِمَا. وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ سَفِيهًا مُضَيِّعًا لِمَالِهِ أَمَّا فِي الشَّرِّ بِأَنْ يَجْمَعَ أَهْلَ الشَّرِّ، وَالْفَسَادِ فِي دَارِهِ وَيُطْعِمَهُمْ وَيَسْقِيَهُمْ وَيَصْرِفَ فِي النَّفَقَةِ وَيَفْتَحَ بَابَ الْجَائِزَةِ، وَالْعَطَاءِ عَلَيْهِمْ أَوْ فِي الْخَيْرَاتِ بِأَنَّ جَمِيعَ مَالِهِ فِي بِنَاءِ مَسْجِدٍ وَأَشْبَاهِهِ فَيَحْجُرُ الْقَاضِي عِنْدَ صَاحِبَيْهِ صِيَانَةً لِمَالِهِ وَاتَّفَقَا عَلَى أَنَّ الْحَجْرَ عَلَيْهِ بِالدَّيْنِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي وَاخْتَلَفُوا فِي الْحَجْرِ بِسَبَبِ الْفَسَادِ، وَالسَّفَهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي وَعِنْدَهُمَا يَثْبُتُ بِنَفْسِ السَّفَهِ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قَضَاءِ الْقَاضِي قَالَ فِي الْمُحِيطِ بِالْحَجْرِ لَيْسَ بِقَضَاءٍ بَلْ فَتْوَى لِعَدَمِ شَرَائِطِ الْقَضَاءِ وَهِيَ الدَّعْوَى، وَالْإِنْكَارُ حَتَّى لَوْ وَجَدَ الدَّعْوَى، وَالْإِنْكَارَ بِأَنْ وَهَبَ السَّفِيهُ مَالَهُ مِنْ إنْسَانٍ وَسَلَّمَ إلَيْهِ وَصَارَ فَقِيرًا تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَى مَحَارِمِهِ فَيَرْفَعُوا أَمْرَهُمْ إلَى الْقَاضِي وَأَخْبَرُوهُ بِأَنَّهُ يُفْنِي مَالَهُ سَفَهًا وَطَلَبُوا مِنْهُ الْحَجْرَ عَلَيْهِ فَالْقَاضِي يُحْضِرُ السَّفِيهَ، وَالْمَوْهُوبَ لَهُ فَادَّعَى عَلَيْهِ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ أَنَّ مَالَهُ فِي يَدِ هَذَا الرَّجُلِ فَأَمَرَهُ بِرَدِّهِ عَلَيْهِ فَقَضَى الْقَاضِي بِالرَّدِّ عَلَيْهِ يَفْسُدُ قَضَاءً. اهـ. وَفِي التَّهْذِيبِ وَإِذَا وُجِدَ شَرْطُ الدَّعْوَى وَقَضَاءُ الْقَاضِي صَارَ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ فَلَا تَنْفُذُ تَصَرُّفَاتُهُ بَعْدَ الْقَضَاءِ عِنْدَهُمَا وَالْإِمَامُ أَيْضًا اهـ. وَفِي الْمُنْتَقَى لَوْ حَجَرَ عَلَيْهِ قَاضٍ فَرَفَعَ ذَلِكَ إلَى قَاضٍ آخَرَ وَأَطْلَقَهُ جَازَ إطْلَاقُهُ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ مِنْ الْأَوَّلِ فَتْوَى لِتَقَدُّمِ شَرْطِهِ كَمَا تَقَدَّمَ قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَلَوْ قَضَى الْقَاضِي فَنَفْسُ الْقَضَاءِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَلَا بُدَّ مِنْ إمْضَاءِ قَاضٍ آخَرَ حَتَّى يَلْزَمَ؛ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ إذَا وَقَعَ فِي نَفْسِ الْقَضَاءِ لَا يَلْزَمُ وَلَا يَصِيرُ مُجْمَعًا عَلَيْهِ حَتَّى يُمْضِيَهُ قَاضٍ آخَرُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الِاخْتِلَافُ مَوْجُودًا قَبْلَ الْقَضَاءِ، فَإِنَّهُ بِالْقَضَاءِ الْأَوَّلِ وُجِدَ شَرْطُهُ فَيَكُونُ مُجْمَعًا عَلَيْهِ اهـ. قَالَ الشَّارِحُ وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ مُحَمَّدًا يَقُولُ بِأَنَّهُ يَصِيرُ مَحْجُورًا بِنَفْسِ السَّفَهِ قَبْلَ قَضَاءِ الْقَاضِي. وَفِي الْأَصْلِ الْحَجْرُ بِسَبَبِ السَّفَهِ يُقَارِنُ الْحَجْرَ بِالدَّيْنِ مِنْ ثَلَاثَةِ وُجُوهٍ الْأَوَّلُ: أَنَّ الْحَجْرَ عَلَى السَّفِيهِ لِمَعْنًى فِي ذَاتِهِ أَمَّا الْحَجْرُ بِسَبَبِ الدَّيْنِ فَلِحَقِّ الْغُرَمَاءِ الثَّانِي: الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِسَبَبِ السَّفَهِ إذَا أَعْتَقَ عَبْدًا وَوَجَبَ عَلَيْهِ السِّعَايَةُ، فَإِذَا أَدَّى لَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْمَوْلَى بَعْدَ زَوَالِ الْحَجْرِ، وَالْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ بِالْإِفْلَاسِ إذَا أَعْتَقَ عَبْدًا بِمَا فِي يَدِهِ وَجَبَتْ عَلَيْهِ السِّعَايَةُ، فَإِذَا أَدَّى يَرْجِعُ بِمَا أَدَّى عَلَى الْمَوْلَى بَعْدَ زَوَالِ الْحَجْرِ. الثَّالِثُ: الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِالدَّيْنِ يَزُولُ إقْرَارُهُ بَعْدَ زَوَالِ الْحَجْرِ وَكَذَا حَالُ قِيَامِ الْحَجْرِ فِيمَا يَحْدُثُ مِنْ الْمَالِ، وَالْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِالسَّفَهِ لَا يَجُوزُ إقْرَارُهُ لَا فِي حَالِ الْحَجْرِ وَلَا بَعْدَ زَوَالِ الْحَجْرِ لَا فِي الْمَالِ الْقَائِمِ وَلَا الْحَادِثِ وَإِذَا صَارَ السَّفِيهُ مُصْلِحًا لِمَالِهِ هَلْ يَزُولُ الْحَجْرُ مِنْ غَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَزُولُ إلَّا بِالْقَضَاءِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَزُولُ مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ. وَفِي نَوَادِرِ هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدٍ السَّفِيهُ الْمَحْجُورُ إذَا زَوَّجَ ابْنَتَهُ الصَّغِيرَةَ أَوْ أَخَاهُ الصَّغِيرَ لَمْ يَجُزْ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ بَلَغَ غَيْرَ رَشِيدٍ لَمْ يُدْفَعْ لَهُ مَالُهُ حَتَّى يَبْلُغَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً وَنَفَذَ تَصَرُّفُهُ قَبْلَهُ وَيُدْفَعُ إلَيْهِ مَالُهُ إنْ بَلَغَ الْمُدَّةَ مُعْسِرًا) وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا لَا يُرْفَعُ إلَيْهِ حَتَّى يُؤْنَسَ مِنْهُ الرُّشْدُ وَلَا يَجُوزُ تَصَرُّفُهُ فِيهِ أَبَدًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6] عَلَّقَ الدَّفْعَ بِوُجُودِ الرُّشْدِ فَلَا يَجُوزُ قَبْلَهُ وَلِلْإِمَامِ قَوْله تَعَالَى {وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 2] ، وَالْمُرَادُ مِنْهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَلِأَنَّ حَالَ الْبُلُوغِ قَدْ لَا يُفَارِقُهُ السَّفَهُ بِاعْتِبَارِ أَثَرِ الصِّبَاءِ فَقَدَّرْنَاهُ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً وَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ يَنْتَهِي لُبُّ الرَّجُلِ إذَا بَلَغَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً وَقَدْ قَالَ أَهْلُ الطَّبَائِعِ إذَا بَلَغَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً فَقَدْ بَلَغَ رُشْدَهُ؛ لِأَنَّهُ بَلَغَ سِنًّا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَصِيرَ فِيهِ جَدًّا؛ لِأَنَّ أَدْنَى مَا يَبْلُغُ فِيهِ الْغُلَامُ اثْنَا عَشْرَ سَنَةً فَيُولَدُ لَهُ وَلَدٌ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ ثُمَّ الْوَلَدُ يَبْلُغُ اثْنَيْ عَشْرَ سَنَةً فَيُولَدُ لَهُ وَلَدٌ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَقَدْ صَارَ بِذَلِكَ جَدًّا، وَالْآيَةُ الثَّانِيَةُ فِيهَا تَعْلِيقُ الشَّرْطِ، وَالتَّعْلِيقُ بِالشَّرْطِ لَا يُوجِبُ الْعَدَمَ عِنْدَ عَدَمِ الشَّرْطِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 91 عَلَى أَصْلِنَا عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ، وَالتَّفْرِيعُ لَا يَتَأَتَّى عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ وَيَتَأَتَّى عَلَى قَوْلِهِمَا. [بَيْع السَّفِيه] وَإِذَا بَاعَ لَا يَنْفُذُ بَيْعُهُ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ أَجَازَهُ الْحَاكِمُ؛ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ عَاقِلٌ وَيَنْفُذُ فِيمَا يَضُرُّهُ كَالْإِعْتَاقِ، وَالطَّلَاقِ وَلَوْ بَاعَ قَبْلَ حَجْرِ الْقَاضِي عَلَيْهِ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ السَّفِيهَ لَيْسَ بِمَحْبُوسٍ، وَإِنَّمَا يُسْتَدَلُّ عَلَيْهِ بِالْعُيُونِ فِي تَصَرُّفَاتِهِ وَذَلِكَ يُحْتَمَلُ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلسَّفِيهِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حِيلَةً عَنْهُ لِاسْتِجْلَابِ قُلُوبِ الْمُجَاهِدِينَ، فَإِذَا تَرَدَّدَ لَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ إلَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي بِخِلَافِ الْجُنُونِ، وَالصِّغَرِ، وَالْعَتَهِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ عِلَّةَ الْحَجْرِ السَّفَهُ وَقَدْ تَحَقَّقَ فِي الْحَالِ فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مُوجِبُهُ بِغَيْرِ قَضَاءٍ كَالصِّبَا، وَالْجُنُونِ، وَالْعَتَهِ بِخِلَافِ الْحَجْرِ بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ لِحَقِّ الْغَيْرِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ طَلَبِهِمْ وَلَوْ قَضَى قَاضٍ فِي بَيْعِ سَفِيهٍ بِإِبْطَالٍ أَوْ إجَازَةٍ ثُمَّ رَفَعَ ذَلِكَ إلَى قَاضٍ آخَرَ لَا يَرَى مَا يَرَاهُ الْأَوَّلُ فَيَنْبَغِي أَنْ يُجِيزَ الْقَضَاءَ الْأَوَّلَ، فَإِذَا أَبْطَلَهُ وَرَفَعَ إلَى ثَالِثٍ أُبْطِلَ قَضَاءُ الثَّانِي؛ لِأَنَّ قَضَاءَ الْأَوَّلِ قَضَاءٌ فِيمَا هُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَيَنْفُذُ قَضَاؤُهُ بِالْإِجْمَاعِ وَيَصِيرُ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ، وَالثَّانِي قَضَاءٌ بِخِلَافِ الْإِجْمَاعِ فَلَا يَنْفُذُ وَلَوْ كَانَ الْأَوَّلُ قَضَى بِالْحَجْرِ عَلَيْهِ ثُمَّ رَجَعَ وَقَضَى بِإِطْلَاقِهِ جَازَ قَضَاءُ الثَّانِي؛ لِأَنَّ قَضَاءَ الْأَوَّلِ بِالْحَجْرِ كَانَ أَقْوَى. وَإِذَا أَجَازَ الْقَاضِي بَيْعَ الْمُفْسِدِ وَلَمْ يَنْهَ الْمُشْتَرِيَ عَنْ دَفْعِ الثَّمَنِ عَلَيْهِ يَبْرَأُ الْمُشْتَرِي بِالدَّفْعِ إلَيْهِ، وَإِنْ نَهَاهُ فَدَفَعَ لَمْ يَبْرَأْ وَيَدْفَعُ الثَّمَنَ ثَانِيًا، وَإِذَا قَالَ الْمُشْتَرِي أَجَزْت بَيْعَهُ وَنَهَاهُ الْمُشْتَرِي عَنْ الدَّفْعِ إلَيْهِ فَدَفَعَ قَبْلَ الْعِلْمِ بَرِئَ وَبَعْدَ الْعِلْمِ لَا يَبْرَأُ كَالْوَكِيلِ إذَا عَزَلَهُ الْمُوَكِّلُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَجَازَ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَدْفَعَ لَهُ الثَّمَنَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ مَأْذُونًا بِالدَّفْعِ، فَإِذَا دَفَعَ لَمْ يَبْرَأْ عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ، وَإِذَا أَذِنَ لَهُ الْقَاضِي أَنْ يَبِيعَ وَيَشْتَرِيَ جَازَ بَيْعُهُ وَقَبْضُهُ بِخِلَافِ الْأَبِ إذَا أَذِنَ لَهُ لَا يَصِحُّ إذْنُهُ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ انْقَطَعَتْ وِلَايَتُهُ. وَإِذَا بَاعَ بِمَا لَا يُتَغَابَنُ فِيهِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْمُحَابَاةَ تَبَرُّعٌ وَبِمَا يُتَغَابَنُ فِيهِ يَجُوزُ فَلَوْ قَالَ الْقَاضِي لِأَهْلِ السُّوقِ أُجِيزُ مَا يَثْبُتُ مِنْهُ بِالْبَيِّنَةِ وَلَا أُجِيزُ مَا يَثْبُتُ مِنْهُ بِالْإِقْرَارِ يُعْمَلُ بِهَذَا التَّخْصِيصِ فِي حَقِّهِ وَلَوْ أَذِنَ لِلصَّبِيِّ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَصِيرُ مَأْذُونًا فِي الْأَنْوَاعِ كُلِّهَا وَلَوْ أَذِنَ لَهُ فِي الْبِرِّ تَعَدَّى إلَى سَائِرِ التِّجَارَاتِ؛ لِأَنَّ التَّخْصِيصَ إنَّمَا يَصْلُحُ إذَا كَانَ مُفِيدًا أَوْ إنَّمَا يَكُونُ مُفِيدًا إذَا كَانَ يَحْصُلُ بِهِ صِيَانَةُ الْمَالِ وَبِهَذَا التَّخْصِيصِ لَا يَحْصُلُ، وَلَوْ قَالَ لِأَهْلِ السُّوقِ أَذِنْت لَهُ وَلَا أُجِيزُ مِنْ بَيْعِهِ وَشِرَائِهِ إلَّا مَا قَامَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ وَلَا أُجِيزُ إقْرَارَهُ فَهُوَ كَمَا قَالَ فِي الصَّبِيِّ، وَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ أُجِيزُ مَا أُقِيمَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ وَلَا أُجِيزُ إقْرَارَهُمَا يَلْزَمُهُمَا بِالْإِقْرَارِ كَالْبَيِّنَةِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُفْسِدَ فِي التَّخْصِيصِ يُفِيدُ صِيَانَةَ الْمَالِ فَكَانَ التَّخْصِيصُ مُفِيدًا وَفِي الصَّبِيِّ الْمُصْلِحِ، وَالْعَبْدِ الْمُصْلِحِ التَّخْصِيصُ غَيْرُ مُفِيدٍ؛ لِأَنَّهُمَا حَافِظَانِ لِمَالِهِمَا فَلَمْ يَقْدِرْ مُحِيطٌ قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَيَثْبُتُ حُكْمُهُ فِي النَّهْيِ فِي حَقِّهِ بِخَبَرٍ وَاحِدٍ سَوَاءٌ كَانَ عَدْلًا أَوْ غَيْرَ عَدْلٍ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ الْإِمَامِ لَا يَثْبُتُ حَتَّى يُخْبِرَهُ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ اهـ. [بَلَغَ رَشِيدًا ثُمَّ صَارَ سَفِيهًا] وَإِذَا بَلَغَ رَشِيدًا ثُمَّ صَارَ سَفِيهًا فَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ، وَإِذَا أَعْتَقَ عَبْدًا عَتَقَ عِنْدَهُمَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَعْتِقُ. لَنَا أَنَّ كُلَّ كَلَامٍ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْهَزْلُ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ السَّفَهُ وَكُلَّ تَصَرُّفٍ يُؤَثِّرُ فِيهِ الْهَزْلُ يُؤَثِّرُ السَّفَهُ فِيهِ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ وَفِيهِ بَحْثٌ مِنْ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّ السَّفِيهَ إذَا حَنِثَ فِي يَمِينِهِ وَأَعْتَقَ رَقَبَةً لَا يُنْفِذُهُ الْقَاضِي وَكَذَا لَوْ نَذَرَ بِهَدْيٍ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ يَنْفُذْ فَهَذَا مِمَّا لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْهَزْلُ وَقَدْ أَثَّرَ فِيهِ الْحَجْرُ بِالسَّفَهِ. وَالثَّانِي أَنَّ الْهَازِلَ إذَا أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَتَقَ وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ سِعَايَةٌ، وَالْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِخِلَافِهِ. وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ الْقَضَاءَ بِالْحَجْرِ عَنْ التَّصَرُّفَاتِ الْمَالِيَّةِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْإِتْلَافِ يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ تَنْفِيذِ الْكَفَّارَاتِ، وَالنَّذْرِ؛ لِأَنَّ فِي تَنْفِيذِهِمَا إضَاعَةَ الْمَقْصُودِ مِنْ الْحَجْرِ اهـ. وَإِذَا نَفَذَ عِنْدَهُمَا فَعَلَى الْعَبْدِ أَنْ يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَلَوْ جَوَّزَ فِي الظِّهَارِ نَفَذَ وَيَسْعَى الْعَبْدُ فِي قِيمَتِهِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَوَّلًا وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْأَخِيرِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ لَيْسَ عَلَيْهِ سِعَايَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ سَعَى يَسْعَى لِمُعْتِقِهِ، وَالْمُعْتِقُ لَا يَلْزَمُهُ السِّعَايَةُ لِحَقِّ مُعْتَقِهِ بِحَالٍ مَا، وَإِنَّمَا تَلْزَمُهُ السِّعَايَةُ لِأَجْلِ الْغَيْرِ وَلَوْ دَبَّرَ جَازَ تَدْبِيرُهُ عِنْدَهُ إلَّا أَنَّ الْمُدَبَّرَ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ السِّعَايَةُ مَا دَامَ الْمَوْلَى حَيًّا، فَإِذَا مَاتَ الْمَوْلَى وَلَمْ يُؤْنَسْ مِنْهُ الرُّشْدُ سَعَى فِي قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا، وَإِنْ جَاءَتْ جَارِيَتُهُ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ وَكَانَتْ الْأَمَةُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ، وَالْوَلَدُ حُرٌّ؛ لِأَنَّهُ فِي إلْحَاقِهِ بِالْمُصْلِحِ فِي الِاسْتِيلَادِ تَوْفِيرًا لِلنَّظَرِ لِاحْتِيَاجِهِ إلَيْهِ وَيَلْحَقُ هَذَا الْحُكْمُ بِالْمَرِيضِ الْمَدْيُونِ وَتَعْتِقُ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ بِمَوْتِهِ وَلَا تَسْعَى وَلَا وَلَدُهَا فِي شَيْءٍ بِخِلَافِ مَا إذَا أَعْتَقَهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَدَّعِيَ الْوَلَدَ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا وَلَدٌ فَقَالَ الْمَحْجُورُ هَذِهِ أُمُّ وَلَدِي كَانَتْ بِمَنْزِلَةِ أُمِّ الْوَلَدِ لَا يَقْدِرُ عَلَى بَيْعِهَا، فَإِذَا مَاتَ الْمَوْلَى سَعَتْ فِي كُلِّ قِيمَتِهَا بِمَنْزِلَةِ الْمَرِيضِ إذَا قَالَ لِأَمَتِهِ هَذِهِ أُمُّ وَلَدِي وَلَيْسَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 92 مَعَهَا وَلَدٌ؛ لِأَنَّهَا إذَا كَانَ مَعَهَا وَلَدٌ فَثُبُوتُ نَسَبِ الْوَلَدِ بِمَنْزِلَةِ الشَّاهِدِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهَا وَلَدٌ؛ لِأَنَّهُ شَاهِدٌ مَعَهَا. وَإِنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً جَازَ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْهَزْلُ فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ السَّفَهُ، فَإِذَا سَمَّى لَهَا مَهْرًا جَازَ مِنْهُ مِقْدَارُ مَهْرِ مِثْلِهَا وَبَطَلَ الْفَضْلُ، وَإِذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَجَبَ نِصْفُ مِقْدَارِ مَهْرِ الْمِثْلِ مِنْ الْمُسَمَّى وَكَذَا لَوْ تَزَوَّجَ أَرْبَعَ نِسْوَةٍ أَوْ تَزَوَّجَ كُلَّ يَوْمٍ وَاحِدَةً وَطَلَّقَهَا. وَفِي الْأَصْلِ وَلِلْأَبِ وَوَصِيِّهِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مَالِ السَّفِيهِ بِإِذْنِ الْقَاضِي وَفِي قَاضِي خان سُئِلَ أَبُو بَكْرٍ الْبَلْخِيّ عَنْ مَحْجُورٍ وُقِفَ عَلَيْهِ ضَيْعَةٌ فَقَالَ وَقْفُهُ بَاطِلٌ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ الْقَاضِي وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ: لَا يَجُوزُ وَقْفُهُ، وَإِذَا أَذِنَ لَهُ الْقَاضِي اهـ. قَالَ فِي الْمُحِيطِ امْرَأَةٌ مُسْرِفَةٌ سَفِيهَةٌ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا عَلَى مَالٍ وَقَبِلَتْ وَقَعَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا وَلَا يَلْزَمُهَا الْمَالُ أَصْلًا؛ لِأَنَّ السَّفِيهَ مَحْجُورٌ عَنْ الْمَالِ، وَإِذَا وَقَعَ بِلَفْظِ الْخُلْعِ وَقَعَ بَائِنًا وَفِي الْمُنْتَقَى، وَإِذَا دَفَعَ الْوَصِيُّ إلَى الْوَارِثِ حِينَ أَدْرَكَ وَهُوَ فَاسِدٌ فَهُوَ جَائِزٌ وَهُوَ بَرِيءٌ عَنْ الضَّمَانِ. [يُخْرِجُ الزَّكَاةَ عَنْ مَالِ السَّفِيهِ] وَيُخْرِجُ الزَّكَاةَ عَنْ مَالِ السَّفِيهِ وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ وَعَلَى وَلَدِهِ وَعَلَى زَوْجَتِهِ وَمَنْ تَجِبُ النَّفَقَةُ مِنْ ذَوِي أَرْحَامِهِ مِنْ مَالِهِ؛ لِأَنَّ إحْيَاءَ وَلَدِهِ وَزَوْجَتِهِ مِنْ حَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ، وَالْإِنْفَاقُ عَلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ وَاجِبٌ عَلَيْهِ حَقًّا لِقَرِيبِهِ، وَالسَّفَهُ لَا يُبْطِلُ حُقُوقَ النَّاسِ وَلَا حُقُوقَ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا أَنَّ الْقَاضِيَ يَدْفَعُ إلَيْهِ قَدْرَ الزَّكَاةِ لِيُفَرِّقَهَا بِنَفْسِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ الْإِيتَاءُ وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ فِعْلٍ يَفْعَلُهُ وَهُوَ عِبَادَةٌ وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ إلَّا بِنِيَّتِهِ وَيَدْفَعُ الْقَاضِي مَعَهُ أَمِينًا كَيْ لَا يَصْرِفَهَا إلَى غَيْرِ الْمَصْرِفِ، وَيُسَلِّمُ الْقَاضِي النَّفَقَةَ إلَى أَمِينِهِ لِيَصْرِفَهَا إلَى مُسْتَحِقِّيهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ فِيهَا إلَى النِّيَّةِ فَاكْتُفِيَ فِيهَا بِفِعْلِ الْأَمِينِ وَفِي الْمُحِيطِ وَلَا يُصَدَّقُ أَنَّهُ قَرِيبُهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ إلَّا الْوَالِدُ، وَالْوَلَدُ، وَالزَّوْجُ، وَالْمَوْلَى وَكَذَا الْمَرْأَةُ فِي سِوَى الْوَلَدِ؛ لِأَنَّ نَفَقَةَ الْوَالِدَيْنِ، وَالْمَوْلُودِينَ تَجِبُ بِالنَّسَبِ وَهُوَ مُصَدَّقٌ فِيهِ وَنَفَقَةُ غَيْرِهِمْ تَجِبُ بِاعْتِبَارِ الْقَرَابَةِ، وَالْعُسْرِ، وَالْحَاجَةِ فَلَا يَثْبُتُ الْإِقْرَارُ. وَلَوْ حَلَفَ وَحَنِثَ أَوْ نَذَرَ نَذْرًا مِنْ هَدْيٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ يُكَفِّرُ عَنْ يَمِينِهِ وَغَيْرِهَا بِالصَّوْمِ، وَإِذَا أَرَادَ حُجَّةَ الْإِسْلَامِ لَا يُمْنَعُ مِنْهَا؛ لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى ابْتِدَاءً وَلَيْسَ لَهُ فِيهَا صُنْعٌ وَفِي الْفَرَائِضِ هُوَ مُلْحَقٌ بِالصُّلْحِ إذْ لَا تُهْمَةَ فِيهَا وَكَذَا الْعُمْرَةُ وَاجِبَةٌ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى. وَإِنْ اصْطَادَ فِي إحْرَامِهِ أَوْ حَلَقَ أَوْ فَعَلَ مَا يَجِبُ بِهِ الصَّوْمُ صَامَ وَلَمْ يَدْفَعْ فِيهِ مَالًا وَلَوْ رَأَى الْقَاضِي أَنْ يَأْمُرَ إذَا ابْتَلَى بِأَذًى فَحَلَقَ أَوْ لَبِسَ أَنْ يَذْبَحَ أَوْ يَتَصَدَّقَ عَنْهُ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَلَا يَفْعَلُهُ الْأَمِيرُ بِغَيْرِ إذْنِ الْقَاضِي، وَإِنْ تَطَيَّبَ فِي إحْرَامِهِ أَوْ فَعَلَ مَا لَا يَجُوزُ فِيهِ الصَّوْمُ فَهَذَا لَازِمٌ وَلَا يُؤَدِّيهِ حَتَّى يَصْلُحَ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْعَبْدِ عَلَيْهِ، وَالْعَبْدُ إذَا أَحْرَمَ بِإِذْنِ مَوْلَاهُ فَارْتَكَبَ شَيْئًا مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ، فَإِنْ كَانَ جَزَاؤُهُ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ يَصُومُ، وَإِنْ كَانَ بِالْمَالِ يَتَأَخَّرُ، وَالْكَفَّارَةُ فِي ذِمَّتِهِ لَا تُدْفَعُ إلَّا أَنْ يُصْلِحَ. وَلَوْ جَامَعَ بَعْدَ الْوُقُوفِ قَبْلَ الطَّوَافِ يَلْزَمُهُ بَدَنَةٌ وَيَتَأَخَّرُ إلَى أَنْ يُصْلِحَ وَلَوْ قَضَى حَجَّةً إلَّا طَوَافَ الزِّيَارَةِ فَرَجَعَ إلَى أَهْلِهِ وَلَمْ يَطُفْ طَوَافَ الصَّدْرِ لَا يَمْنَعُ نَفَقَةَ الرُّجُوعِ لِلطَّوَافِ، وَإِنْ طَافَ جُنُبًا ثُمَّ رَجَعَ لَمْ تُدْفَعْ إلَيْهِ نَفَقَةُ الْعَوْدِ وَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ بِطَوَافِهِ جُنُبًا وَشَاةٌ لِطَوَافِ الصَّدْرِ، فَإِذَا حَضَرَ فِي حَجَّةِ الْإِسْلَامِ بِسَبَبِ هَدْيٍ لِيَتَحَلَّلَ بِهِ كَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ؛ لِأَنَّهُ لَا صُنْعَ لَهُ فِيهِ وَلَوْ أَحْرَمَ بِحَجَّةِ تَطَوُّعٍ دُفِعَ إلَيْهِ مِنْ النَّفَقَةِ مِقْدَارُ مَا لَوْ كَانَ فِي مَنْزِلِهِ وَيُقَالُ لَهُ: إنْ شِئْت فَاخْرُجْ مَاشِيًا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي وَسَّعَ فِي النَّفَقَةِ فَقَالَ أَنَا أُكْرِيَ بِذَلِكَ الْفَضْلِ وَأُنْفِقُ عَلَى نَفْسِي فَلَا يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إسْرَافٌ، وَإِذَا مَرِضَ يُزَادُ فِي نَفَقَتِهِ لِزِيَادَةِ الْحَاجَةِ وَلَوْ حُصِرَ فِي حَجَّةِ التَّطَوُّعِ لَا يُبْعَثُ بِهَدْيٍ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ مَوْضِعَ الضَّرُورَةِ وَلَا يُمْنَعُ مِنْ الْقِرَانِ وَلَا مِنْ الْمُتْعَةِ أَرَادَ سَوْقَ هَدْيٍ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ أَخَفُّ فِي النَّفَقَةِ وَلَا يُسَلِّمُ الْقَاضِي النَّفَقَةَ إلَيْهِ بَلْ يُسَلِّمُهَا إلَى ثِقَةٍ لِيُنْفِقَهَا عَلَيْهِ فِي الطَّرِيقِ كَيْ لَا يُبَذِّرَ وَيُسْرِفَ فِي النَّفَقَةِ. [أَوْصَى السَّفِيه بِوَصَايَا فِي الْقُرَبِ وَأَبْوَابِ الْخَيْرِ] وَإِنْ أَوْصَى بِوَصَايَا فِي الْقُرَبِ وَأَبْوَابِ الْخَيْرِ جَازَ ذَلِكَ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ يَعْنِي إذَا كَانَ لَهُ وَارِثٌ اسْتِحْسَانًا، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَجُوزَ وَصِيَّتُهُ كَمَا لَا تَجُوزُ تَبَرُّعَاتُهُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْحَجْرَ عَلَيْهِ لِمَعْنَى النَّظَرِ لَهُ لِكَيْ لَا يُتْلِفَ مَالَهُ وَيَبْقَى كَلًّا عَلَى غَيْرِهِ وَذَلِكَ فِي حَيَاتِهِ لَا فِيمَا يَنْفُذُ مِنْ الثُّلُثِ بَعْدَ وَفَاتِهِ حَالَ اسْتِغْنَائِهِ عَنْهُ هَذَا إذَا كَانَ الْمُوصَى بِهِ مُوَافِقًا لِوَصَايَا أَهْلِ الْخَيْرِيَّةِ، وَالصَّلَاحِ نَحْوَ الْوَصِيَّةِ بِالْحَجِّ أَوْ لِلْمَسَاكِينِ أَوْ بِنَاءِ الْمَسَاجِدِ، وَالْأَوْقَافِ، وَالْقَنَاطِرِ، وَالْجُسُورِ وَأَمَّا إذَا أَوْصَى بِغَيْرِ الْقِرَبِ عِنْدَنَا لَا يَنْفُذُ قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ الصَّبِيِّ إلَّا فِي أَرْبَعَةٍ أَحَدُهَا أَنَّ تَصَرُّفَ الْوَصِيِّ فِي مَالِ الصَّبِيِّ جَائِزٌ وَفِي مَالِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بَاطِلٌ الثَّانِي إعْتَاقُ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ وَتَدْبِيرُهُ وَطَلَاقُهُ وَنِكَاحُهُ جَائِزٌ وَمِنْ مَالِ الصَّبِيِّ لَا تَجُوزُ قَالَ فِي الْمُحِيطِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 93 ، وَإِذَا دَبَّرَ عَبْدَهُ صَحَّ وَلَا يَسْعَى فِي نُقْصَانِ التَّدْبِيرِ مَا دَامَ حَيًّا، وَإِذَا مَاتَ يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا قَالَ مَشَايِخُنَا هَذَا إذَا كَانَ أَهْلُ الصَّلَاحِ يَعُدُّونَ هَذِهِ الْوَصِيَّةَ إسْرَافًا، فَإِنْ كَانُوا لَا يَعُدُّونَهَا إسْرَافًا بَلْ مَعْهُودًا حَالًا يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ إذَا كَانَ يُخْرِجُ مِنْ الثُّلُثِ اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (وَفِسْقٍ) يَعْنِي لَا حَجْرَ عَلَيْهِ بِسَبَبِ فِسْقٍ وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ لَا بِسَفَهٍ وَقَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ يُحْجَرُ عَلَيْهِ بِالْفِسْقِ كَالسَّفَهِ زَجْرًا لَهُ وَعُقُوبَةً لَهُ وَعِنْدَهُمَا الْحَجْرُ عَلَى السَّفِيهِ صِيَانَةٌ لِمَالِهِ، وَالْفَاسِقِ مُصْلِحٌ لِمَالِهِ فَيَدْخُلُ تَحْتَ قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6] ؛ لِأَنَّ رُشْدًا نَكِرَةٌ فَتَعُمُّ فَتَتَنَاوَلُهُ الْآيَةُ إذْ الرُّشْدُ الْمَذْكُورُ فِي الْآيَةِ الْمُرَادُ بِهِ الْإِصْلَاحُ فِي الْمَالِ لَا الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ، وَالْفِسْقُ الْأَصْلِيُّ، وَالطَّارِئُ سَوَاءٌ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَغَفْلَةٍ) يَعْنِي لَا يُحْجَرُ عَلَى الْغَافِلِ وَهُوَ لَيْسَ بِمُفْسِدٍ وَلَا يَقْصِدُهُ لَكِنْ لَا يَهْتَدِي إلَى التَّصَرُّفَاتِ الرَّابِحَةِ وَهَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَالْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ يُحْجَرُ عَلَيْهِ كَالسَّفِيهِ صِيَانَةً لِمَالِهِ وَنَظَرًا لَهُ؛ لِأَنَّ «أَهْلَ مُنْقِذٍ طَلَبُوا مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْحَجْرَ عَلَيْهِ فَأَقَرَّهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ» فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ مَشْرُوعٌ قُلْنَا الْحَدِيثُ دَلِيلٌ لِلْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يُجِبْهُمْ لِذَلِكَ، وَإِنَّمَا قَالَ «قُلْ لَا خِلَابَةَ» الْحَدِيثَ وَلَوْ كَانَ مَشْرُوعًا لَأَجَابَهُمْ إلَيْهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَدَيْنٍ، وَإِنْ طَلَبَ غُرَمَاؤُهُ) يَعْنِي لَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ بِسَبَبِ الدَّيْنِ وَلَوْ طَلَبَ غُرَمَاؤُهُ الْحَجْرَ عَلَيْهِ وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ فِي الْحَجْرِ عَلَيْهِ إهْدَارَ أَهْلِيَّتِهِ وَإِلْحَاقَهُ بِالْبَهَائِمِ وَذَلِكَ ضَرَرٌ عَظِيمٌ فَلَا يَجُوزُ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ عَلَيْهِ بِسَبَبِ الدَّيْنِ وَعَلَى قَوْلِهِمَا الْفَتْوَى كَذَا فِي قَاضِي خان مِنْ بَابِ الْحِيطَانِ وَفِي الْكَافِي، وَالْكَلَامُ فِي الْحَجْرِ بِالدَّيْنِ فِي مَوْضِعَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَرْكَبَهُ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ لِمَالِهِ أَوْ يَزِيدَ عَلَى أَمْوَالِهِ وَطَلَبَ الْغُرَمَاءُ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَحْجُرَ فَيَحْجُرَ عَلَيْهِ وَيُمْنَعَ مِنْ الْبَيْعِ، وَالتَّصَرُّفِ، وَالْإِقْرَارِ حَتَّى لَا يَضُرَّ بِالْغُرَمَاءِ وَفِي النَّوَادِرِ مَسْأَلَةُ الْحَجْرِ بِسَبَبِ الدَّيْنِ بِنَاءً عَلَى مَسْأَلَةِ الْقَضَاءِ بِالْإِفْلَاسِ عِنْدَهُمَا يَتَحَقَّقُ فِي حَالِ حَيَاتِهِ فَيُمْكِنُ الْقَاضِي الْقَضَاءَ بِالْإِفْلَاسِ وَفِي الْعِنَايَةِ، وَإِذَا قَضَى بِالْحَجْرِ بِسَبَبِ الدَّيْنِ يَخْتَصُّ بِالْمَالِ الْمَوْجُودِ فِي الْحَالِ دُونَ مَا يَحْدُثُ مِنْ الْكَسْبِ أَوْ غَيْرِهِ حَتَّى لَوْ تَصَرَّفَ فِي الْحَادِثِ نَفَذَ، وَإِذَا صَحَّ الْحَجْرُ بِسَبَبِ الدَّيْنِ صَارَ حَالُ هَذَا الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ كَحَالِ مَرِيضٍ عَلَيْهِ دُيُونُ الصِّحَّةِ وَكُلُّ تَصَرُّفٍ يُؤَدِّي إلَى إبْطَالِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ فَالْحَجْرُ يُؤَثِّرُ فِيهِ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة يُشْتَرَطُ عِلْمُ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ حَتَّى يَصِيرَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ. وَفِي النَّوَادِرِ، وَإِذَا حُبِسَ الرَّجُلُ فِي الدَّيْنِ يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يُشْهِدَ أَنَّهُ قَدْ حُجِرَ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ حَتَّى يَقْضِيَ دُيُونَهُ الَّتِي حُبِسَ فِيهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَحُبِسَ لِيَبِيعَ مَالَهُ فِي دَيْنِهِ) ؛ لِأَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ وَاجِبٌ عَلَيْهِ، وَالْمُمَاطَلَةُ ظُلْمٌ فَيَحْبِسُهُ الْحَاكِمُ دَفْعًا لِظُلْمِهِ وَإِيصَالًا لِلْحَقِّ إلَى مُسْتَحِقِّهِ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إكْرَاهًا عَلَى الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْحَبْسِ الْحَمْلُ عَلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ بِأَيِّ طَرِيقٍ كَانَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا إذَا طَلَبَ غُرَمَاءُ الْمُفْلِسِ الْحَجْرَ عَلَيْهِ حَجَرَ عَلَيْهِ الْقَاضِي وَبَاعَ مَالَهُ إنْ امْتَنَعَ مِنْ بَيْعِهِ وَقَسَمَ مَالَهُ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ وَمَنَعَهُ مِنْ تَصَرُّفٍ يَضُرُّ بِالْغُرَمَاءِ كَالْإِقْرَارِ وَبَيْعِهِ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ «مُعَاذًا رَكِبَهُ دَيْنٌ فَبَاعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَالَهُ وَقَسَمَ ثَمَنَهُ بَيْنَ غُرَمَائِهِ بِالْحِصَصِ» وَلِأَنَّ فِي الْحَجْرِ عَلَيْهِ نَظَرًا لِلْغُرَمَاءِ لِئَلَّا يَلْحَقَهُمْ الضَّرَرُ بِالْإِقْرَارِ، وَالتَّلْجِئَةِ وَهُوَ أَنْ يَبِيعَهُ مِنْ إنْسَانٍ عَظِيمِ الْقَدْرِ لَا يُمْكِنُ الِانْتِزَاعُ مِنْهُ أَوْ بِالْإِقْرَارِ لَهُ ثُمَّ يَنْتَفِعَ بِهِ مِنْ جِهَتِهِ عَلَى مَا كَانَ وَلِأَنَّ الْبَيْعَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ لِإِيفَاءِ دَيْنِهِ، فَإِذَا امْتَنَعَ نَابَ الْقَاضِي مَنَابَهُ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا لَا يُؤَجِّرُهُ لِيَقْضِيَ مِنْ أُجْرَتِهِ دَيْنَهُ أَوْ كَانَتْ امْرَأَةً لَا يُزَوِّجُهَا لِيَقْضِيَ دَيْنَهَا مِنْ مَهْرِهَا وَتُحْبَسُ لِيُقْضَى الدَّيْنُ مِنْ مَهْرِهَا أَوْ بِأَيِّ طَرِيقٍ كَانَ، وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ مَالُهُ دَرَاهِمَ وَدَيْنُهُ دَرَاهِمَ قُضِيَ بِلَا أَمْرِهِ) وَكَذَا إذَا كَانَ كِلَاهُمَا دَنَانِيرَ؛ لِأَنَّ لِلدَّائِنِ أَنْ يَأْخُذَهُ بِيَدِهِ إذَا ظَفِرَ بِجِنْسِ حَقِّهِ فَكَانَ الْقَاضِي مُعِينًا لَهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ مَالُهُ دَرَاهِمَ وَلَهُ دَنَانِيرُ أَوْ بِالْعَكْسِ بِيعَ مِنْ دَيْنِهِ) وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ وَأَمَّا عِنْدَ الْإِمَامِ فَاسْتِحْسَانٌ بِهِ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ لِلْقَاضِي بَيْعُهُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ هَذَا الطَّرِيقَ غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ فَصَارَ كَالْعُرُوضِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُمَا يَتَّحِدَانِ جِنْسًا فِي الثَّمَنِيَّةِ، وَالْمَالِيَّةِ وَلِذَا يُضَمُّ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ فِي الزَّكَاةِ يَخْتَلِفَانِ فِي الصُّوَرِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا أَمَّا حَقِيقَةً فَظَاهِرٌ وَأَمَّا حُكْمًا فَلِأَنَّهُ لَا يَجْرِي بَيْنَهُمَا رِبَا الْفَضْلِ لِاخْتِلَافِهِمَا فَبِالنَّظَرِ إلَى الِاتِّحَادِ يَثْبُتُ لِلْقَاضِي وِلَايَةُ التَّصَرُّفِ وَبِالنَّظَرِ إلَى الِاخْتِلَافِ يَسْكُتُ عَنْ الدَّائِنِ فَلَهُ الْأَخْذُ عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَمْ يَبِعْ عَرْضَهُ وَعَقَارَهُ) وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ صَادِقٌ بِحَالِ الْحَيَاةِ، وَالْمَوْتِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 94 قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ وَيَبِيعُ الْقَاضِي عَرْضَهُ وَعَقَارَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ بِالْإِجْمَاعِ وَعِنْدَهُمَا يَبِيعُ الْقَاضِي ذَلِكَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ فَعِنْدَهُمَا يَبْدَأُ الْقَاضِي بِبَيْعِ النُّقُودِ؛ لِأَنَّهَا مُفِيدَةٌ لِلتَّقْلِيبِ وَلَا يُنْتَفَعُ بِعَيْنِهَا، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ بِيعَ الْعُرُوض فِيهَا؛ لِأَنَّهَا مُفِيدَةٌ لِلتَّقْلِيبِ، وَالِاسْتِرْبَاحِ، فَإِنْ لَمْ يَفِ ثَمَنُهَا بِالدَّيْنِ بِيعَ الْعَقَارُ؛ لِأَنَّ الْعَقَارَ مُفِيدٌ لِلنَّفْيِ عَادَةً فَلَا يَبِيعُهُ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ هَذِهِ الطَّرِيقَةُ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عِنْدَهُمَا وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى عِنْدَهُمَا يَبْدَأُ الْقَاضِي بِبَيْعِ مَا يُخْشَى عَلَيْهِ التَّوَى مِنْ عُرُوضِهِ ثُمَّ مَا لَا يُخْشَى عَلَيْهِ التَّلَفُ مِنْهُ ثُمَّ يَبِيعُ الْعَقَارَ وَيَتْرُكُ عَلَيْهِ دَسْتُ ثِيَابٍ مِنْ ثِيَابِ بَدَنِهِ وَيَبِيعُ الْبَاقِيَ؛ لِأَنَّهُ بِهِ كِفَايَةٌ وَقِيلَ يَتْرُكُ دَسْتَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ إذَا غَسَلَ ثِيَابَهُ لَا بُدَّ مِنْ ثِيَابٍ يَلْبَسُهَا قَالُوا إذَا كَانَ لِلْمَدْيُونِ ثِيَابٌ يَلْبَسُهَا وَيَكْتَفِي بِدُونِهَا يَبِيعُ ثِيَابَهُ وَيَقْضِي الدَّيْنَ بِبَعْضِ ثَمَنِهَا وَيَشْتَرِي بِمَا بَقِيَ ثَوْبًا يَلْبَسُهُ؛ لِأَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ فَرْضٌ عَلَيْهِ فَكَانَ أَوْلَى مِنْ التَّجَمُّلِ وَعَلَى هَذَا إذَا كَانَ لَهُ مَسْكَنٌ وَيُمْكِنُهُ أَنْ يَجْتَزِيَ بِدُونِ ذَلِكَ يَبِيعُ ذَلِكَ الْمَسْكَنَ وَيُوفِي بِبَعْضِ ثَمَنِهِ الدَّيْنَ وَيَشْتَرِي بِالْبَاقِي مَسْكَنًا يَسْكُنُ فِيهِ وَعَنْ هَذَا قَالَ مَشَايِخُنَا يَبِيعُ مَا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْحَالِ حَتَّى يَبِيعَ اللَّبَدَ فِي الصَّيْفِ، وَالنَّطْعَ فِي الشِّتَاءِ. [أَقَرَّ الْمَدْيُون فِي حَالِ حَجْرِهِ بِمَالٍ] وَإِنْ أَقَرَّ فِي حَالِ حَجْرِهِ بِمَالِ لَزِمَهُ ذَلِكَ بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَهْلَكَ مَالًا لِغَيْرِهِ وَحَيْثُ يُزَاحِمُ صَاحِبُ الْمَالِ الْمُسْتَهْلِكُ أَرْبَابَ الدُّيُونِ؛ لِأَنَّهُ فِعْلٌ حِسِّيٌّ وَهُوَ مُشَاهَدٌ وَلِذَا لَوْ قُلْنَا لَوْ كَانَ سَبَبُ وُجُوبِ الدَّيْنِ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ ثَانِيًا عِنْدَ الْقَاضِي بِعِلْمِهِ أَوْ بِشَهَادَةِ الشُّهُودِ شَارَكَ الْغُرَمَاءَ وَلَوْ اسْتَفَادَ مَالًا آخَرَ بَعْدَ الْحَجْرِ نَفَذَ إقْرَارُهُ فِيهِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْغُرَمَاءِ تَعَلَّقَ بِالْمَالِ الْمَوْجُودِ وَقْتَ الْحَجْرِ دُونَ الْحَادِثِ وَيُنْفِقُ عَلَى الْمَحْجُورِ وَعَلَى زَوْجَتِهِ وَأَوْلَادِهِ الصِّغَارِ وَذَوِي أَرْحَامِهِ مِنْ مَالِهِ؛ لِأَنَّ حَاجَتَهُ الْأَصْلِيَّةَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى حَقِّ الْغُرَمَاءِ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة إذَا غَابَ الزَّوْجُ وَطَلَبَتْ زَوْجَتُهُ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَبِيعَ يَبِيعُ الْقَاضِي عِنْدَهُمَا. وَفِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ حَجَرَ الْقَاضِي عَلَى رَجُلٍ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ مُخْتَلِفَةٌ فَقَضَى الْمَحْجُورُ دَيْنَ الْبَعْضِ يُشَارِكُهُ الْبَاقُونَ فِي ذَلِكَ وَيُقْسَمُ عَلَيْهِمْ، فَإِنْ كَانَ الْمَحْجُورُ أَسْرَفَ فِي الطَّعَامِ، وَالْكُسْوَةِ أَمَرَهُ الْقَاضِي أَنْ يُنْفِقَ بِالْمَعْرُوفِ. وَفِي الْيَنَابِيعِ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَزَادَ فِي مَهْرِ مِثْلِهَا جَازَ فِي مَهْرِ مِثْلِهَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ. وَفِي الذَّخِيرَةِ إذَا بَاعَ الْقَاضِي مَالَ الْمَدْيُونِ أَوْ أَمِينِهِ بِالدَّيْنِ الَّذِي ثَبَتَ عَلَيْهِ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ وَضَاعَ الثَّمَنُ أَوْ اُسْتُحِقَّ الْعَيْنُ الْمُعَيَّنَةُ فَالْعُهْدَةُ عَلَى مَنْ بَاعَ لِأَجْلِهِ لَا عَلَى الْقَاضِي وَأَمِينِهِ اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِفْلَاسٍ) يَعْنِي لَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ بِسَبَبِ الْإِفْلَاسِ بَلْ يُحْبَسُ حَتَّى يَظْهَرَ لَهُ مَالٌ، فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ مَالٌ أَخْرَجَهُ مِنْ الْحَبْسِ وَقَدْ ذَكَرْنَا الْحَبْسَ وَمَا يُحْبَسُ فِيهِ مِنْ الدُّيُونِ وَكَيْفِيَّةَ الْحَبْسِ وَقَدْرَهُ وَبِدَيْنِ مَنْ يُحْبَسُ، وَالْمُلَازَمَةَ وَصِفَتَهَا فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ، وَإِذَا أَخْرَجَهُ مِنْ الْحَبْسِ لَا يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غُرَمَائِهِ بَعْدَ الْإِخْرَاجِ بَلْ يُلَازِمُونَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لِصَاحِبِ الْحَقِّ الْيَدُ، وَاللِّسَانُ» أَرَادَ بِالْيَدِ الْمُلَازَمَةَ وَبِاللِّسَانِ التَّقَاضِي وَيَأْخُذُونَ فَضْلَ كَسْبِهِ وَيُقْسَمُ بَيْنَهُمْ بِالْحِصَصِ لِاسْتِوَاءِ حُقُوقِهِمْ فِي الْقُوَّةِ وَلَوْ قُدِّمَ الْبَعْضُ عَلَى الْبَعْضِ فِي الْقَضَاءِ جَازَ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي خَالِصِ مِلْكِهِ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ لِأَحَدٍ حَقٌّ فِي مَالِهِ، وَإِنَّمَا حَقُّهُ فِي ذِمَّتِهِ فَلَهُ أَنْ يُؤْثِرَ مَنْ يَشَاءُ مِنْ غُرَمَائِهِ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إذَا فَلَّسَهُ الْحَاكِمُ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غُرَمَائِهِ إلَّا أَنْ يُقِيمُوا الْبَيِّنَةَ أَنَّ لَهُ مَالًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280] وَقَدْ ثَبَتَ عُسْرَتُهُ فَوَجَبَ انْتِظَارُهُ وَفِي الْهِدَايَةِ قَالَ مُحَمَّدٌ لِلْمُدَّعِي أَنْ يَحْبِسَهُ فِي بَيْتِهِ أَوْ يَتَّخِذَ حَبْسَهُ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لِرَبِّ الدَّيْنِ أَنْ يُلْزِمَ مَدْيُونَهُ الْمُعْسِرَ حَيْثُ أَحَبَّ، وَإِنْ كَانَ الْمَلْزُومُ لَا مَعِيشَةَ لَهُ إلَّا مِنْ يَدِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ الذَّهَابِ، وَالْمَجِيءِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَفْلَسَ مُبْتَاعُ عَيْنٍ فَبَائِعُهُ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ) يَعْنِي لَوْ اشْتَرَى مَتَاعًا فَأَفْلَسَ، وَالْمَتَاعُ فِي يَدِهِ فَاَلَّذِي بَاعَهُ الْمَتَاعَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ فِيهِ مُرَادُهُ بَعْدَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي الْمَتَاعَ بِإِذْنِ الْبَائِعِ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلِلْبَائِعِ أَنْ يَحْبِسَ الْمَتَاعَ حَتَّى يَقْبِضَ الثَّمَنَ وَكَذَا إذَا قَبَضَهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْبَائِعِ كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ وَيَحْبِسَهُ بِالثَّمَنِ وَقَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ لِلْبَائِعِ فَسْخُ الْعَقْدِ وَأَخْذُ مَتَاعِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ لِمَا أَخْرَجَهُ الْإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَدْرَكَ مَالَهُ بِعَيْنِهِ عِنْدَ رَجُلٍ أَفْلَسَ أَوْ عِنْدَ إنْسَانٍ قَدْ أَفْلَسَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ» وَلِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ قَدْ عَجَزَ عَنْ تَسْلِيمِ إحْدَى بَدَلَيْ الْعَقْدِ وَهُوَ الثَّمَنُ فَيَثْبُتُ لِلْبَائِعِ حَقُّ الْفَسْخِ كَمَا إذَا عَجَزَ عَنْ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ، وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَيَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ، وَإِنَّمَا قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280] فَاسْتُحِقَّ النَّظَرُ إلَى الْمَيْسَرَةِ بِالْآيَةِ فَلَيْسَ لَهُ الْمُطَالَبَةُ قَبْلَهَا وَلَا فَسْخَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 95 بِدُونِ الْمُطَالَبَةِ بِالثَّمَنِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ صَارَ مُؤَجَّلًا إلَى الْمَيْسَرَةِ بِتَأْجِيلِ الشَّارِعِ وَبِالْعَجْزِ عَنْ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ مِنْ الْمُتَعَاقِدِينَ لَا يَجِبُ لَهُ خِيَارُ الْفَسْخِ قَبْلَ مُضِيِّ الْأَجَلِ فَكَيْف يَثْبُتُ ذَلِكَ فِي تَأْجِيلِ الشَّارِعِ وَهُوَ أَقْوَى مِنْ تَأْجِيلِهِمَا. وَالْجَوَابُ عَنْ الْحَدِيثِ أَنَّهُ قَالَ مَنْ وُجِدَ مَالُهُ وَهَذَا مَالُ الْمُشْتَرِي لَا مَالُ الْبَائِعِ، وَإِنَّمَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ حُجَّةً أَنْ لَوْ قَالَ فَأَصَابَ رَجُلٌ عَيْنَ مَالٍ قَدْ كَانَ بَاعَهُ مِنْ الَّذِي وَجَدَهُ فِي يَدِهِ وَلَمْ يَقْبِضْ ثَمَنَهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ كُلِّ الْغُرَمَاءِ وَهُوَ نَظِيرُ مَا رُوِيَ عَنْ سَمُرَةَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَالَ مَنْ سُرِقَ مَالُهُ أَوْ ضَاعَ لَهُ مَتَاعٌ فَوَجَدَهُ فِي يَدِ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى بَائِعِهِ بِالثَّمَنِ» رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ وَقَوْلُهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَيَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ قُلْنَا يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمَا فِي الْمِلْكِ وَهُوَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ يُفِيدُ التَّسْوِيَةَ فِي الْقَبْضِ فَقَدْ بَطَلَ ذَلِكَ بِالتَّأْجِيلِ إلَى الْمَيْسَرَةِ وَلَوْ قَالَ وَلَوْ تَسَلَّمَ مَتَاعًا بِإِذْنِ بَائِعِهِ إلَى آخِرِهِ كَانَ أَوْلَى وَلِإِفَادَةِ شَرْطِ التَّسْلِيمِ، وَالْإِذْنِ فَتَأَمَّلْ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [فَصْلٌ فِي حَدِّ الْبُلُوغِ] (فَصْلٌ فِي حَدِّ الْبُلُوغِ) الْبُلُوغُ فِي اللُّغَةِ الْوُصُولُ وَفِي الِاصْطِلَاحِ انْتِهَاءُ حَدِّ الصِّغَرِ وَلَمَّا كَانَ الصِّغَرُ أَحَدَ أَسْبَابِ الْحَجْرِ وَجَبَ بَيَانُ النِّهَايَةِ بِهَذَا الْفَصْلِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (بُلُوغُ الْغُلَامِ بِالِاحْتِلَامِ، وَالْإِحْبَالِ، وَالْإِنْزَالِ وَإِلَّا فَحَتَّى يَتِمَّ لَهُ ثَمَانِيَةَ عَشْرَ سَنَةً) الْحُلْمُ بِالضَّمِّ مَا يَرَاهُ النَّائِمُ أَمَّا الِاحْتِلَامُ فَلِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ حَفِظْت مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يُتْمَ بَعْدَ احْتِلَامٍ وَلَا صُمَاتَ يَوْمٍ إلَى اللَّيْلِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالْحَبَلُ، وَالْإِحْبَالُ لَا يَكُونُ إلَّا مَعَ الْإِنْزَالِ وَأَمَّا السِّنُّ فَلِمَا رُوِيَ عَنْ «ابْنِ عُمَرَ قَالَ عُرِضْت عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ أُحُدٍ وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً فَلَمْ يُجِزْنِي وَعُرِضْت عَلَيْهِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَأَجَازَنِي» فَالظَّاهِرُ أَنَّ عَدَمَ الْإِجَازَةِ لِعَدَمِ الْبُلُوغِ، وَالْإِجَازَةُ لِلْبُلُوغِ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَنْ الْإِمَامِ فِي الْغُلَامِ تِسْعَ عَشْرَةَ سَنَةً قِيلَ الْمُرَادُ أَنْ يَطْعَنَ فِي التَّاسِعَ عَشْرَةَ فَلَا اخْتِلَافَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتِمُّ ثَمَانِيَةَ عَشْرَ سَنَةً وَإِلَّا وَيَطْعَنُ فِي التَّاسِعَ عَشْرَةَ وَقِيلَ فِيهِ اخْتِلَافُ الرِّوَايَتَيْنِ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّهُ ذُكِرَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ حَتَّى يَسْتَكْمِلَ تِسْعَ عَشْرَةَ سَنَةً وَلَمَّا كَانَ الذَّكَرُ أَشْرَفَ قُدِّمَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْجَارِيَةُ بِالْحَيْضِ، وَالِاحْتِلَامِ، وَالْحَبَلِ وَإِلَّا فَحَتَّى يَتِمَّ لَهَا سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً) أَمَّا الْحَيْضُ فَلِأَنَّهُ يَكُونُ فِي أَوَانِ الْحَبَلِ عَادَةً فَجُعِلَ ذَلِكَ عَلَامَةَ الْبُلُوغِ وَأَمَّا الْحَبَلُ فَلِأَنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى الْإِنْزَالِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ يُخْلَقُ مِنْ مَاءِ الرَّجُلِ، وَالْمَرْأَةِ غَيْرَ أَنَّ النِّسَاءَ نَشْؤُهُنَّ وَإِدْرَاكُهُنَّ أَسْرَعُ فَزِدْنَا سَنَةً فِي حَقِّ الْغُلَامِ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الْفُصُولِ الْأَرْبَعِ الَّتِي مِنْهَا مَا يُوَافِقُ الْمِزَاجَ لَا مَحَالَةَ فَيَقْوَى فِيهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُفْتَى بِالْبُلُوغِ فِيهِمَا بَخَمْسَةَ عَشْرَ سَنَةً) عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَهَذَا ظَاهِرٌ لَا يَحْتَاجُ إلَى الشَّرْحِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَدْنَى الْمُدَّةِ فِي حَقِّهِ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَنَةً وَفِي حَقِّهَا تِسْعُ سِنِينَ) يَعْنِي لَوْ ادَّعَيَا الْبُلُوغَ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ تُقْبَلُ مِنْهُمَا وَلَا تُقْبَلُ فِيمَا دُونَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ تَكْذِيبُهُ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ ثُمَّ قِيلَ إنَّمَا يُعْتَبَرُ قَوْلُهُ بِالْبُلُوغِ إذَا بَلَغَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً فَأَكْثَرَ وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ أَدْنَى الْمُدَّةِ وَهَذِهِ الْمُدَّةُ مَذْكُورَةٌ فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا وَلَا يُعْرَفُ إلَّا سَمَاعًا أَوْ بِالتَّتَبُّعِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ رَاهَقَا وَقَالَا قَدْ بَلَغْنَا صُدِّقَا وَأَحْكَامُهُمَا أَحْكَامُ الْبَالِغِينَ) يُقَالُ رَهِقَ مِنْ كَذَا أَيْ دَنَا مِنْهُ وَصَبِيٌّ مُرَاهِقٌ دَنَا مِنْ الْبُلُوغِ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ إلَّا مِنْ جِهَتِهِمَا فَيُقْبَلُ فِيهِ قَوْلُهُمَا كَمَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْمَرْأَةِ فِي الْحَيْضِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [كِتَابُ الْمَأْذُونِ] (كِتَابُ الْمَأْذُونِ) تَأْخِيرُ كِتَابِ الْمَأْذُونِ عُقَيْبَ كِتَابِ الْحَجْرِ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ يَقْتَضِي سَبْقَ الْحَجْرِ وَلَمَّا تَرَتَّبَ وُجُودًا تَرَتَّبَ أَيْضًا ذِكْرًا لِلتَّنَاسُبِ، وَالْكَلَامُ هُنَا مِنْ وُجُوهٍ الْأَوَّلُ فِي مَعْنَاهُ لُغَةً الثَّانِي فِي دَلِيلِ الْمَشْرُوعِيَّةِ الثَّالِثُ فِي سَبَبِهِ الرَّابِعُ فِي رُكْنِهِ الْخَامِسُ فِي شَرْطِهِ السَّادِسُ فِي تَفْسِيرِهِ السَّابِعُ فِي حُكْمِهِ أَمَّا مَعْنَاهُ لُغَةً قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ فِي مَبْسُوطِهِ الْإِذْنُ هُوَ الْإِطْلَاقُ لُغَةً؛ لِأَنَّهُ ضِدُّ الْحَجْرِ وَهُوَ الْمَنْعُ فَكَانَ إطْلَاقًا عَنْ شَيْءٍ إلَى شَيْءٍ كَانَ. اهـ. وَفِي النِّهَايَةِ أَمَّا اللُّغَةُ فَالْإِذْنُ فِي الشَّيْءِ رَفْعُ الْمَانِعِ لِمَنْ هُوَ مَحْجُورٌ عَنْهُ وَإِعْلَامٌ بِإِطْلَاقِهِ فِيمَا حَجَرَ عَلَيْهِ مِنْ أَذِنَ لَهُ فِي الشَّيْءِ إذْنًا وَأَبْعَدَ الْإِمَامُ الزَّيْلَعِيُّ حَيْثُ قَالَ: وَالْإِذْنُ فِي اللُّغَةِ الْإِعْلَامُ وَمِنْهُ الْأَذَانُ وَهُوَ الْإِعْلَامُ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ مِنْ أَذِنَ فِي كَذَا إذَا أَبَاحَهُ وَأَذَانُ مَنْ أَذِنَ بِكَذَا إذَا أَعْلَمَ وَبَيْنَهُمَا فَرْقٌ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 96 وَأَمَّا دَلِيلُ الْمَشْرُوعِيَّةِ فَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} [النحل: 14] وَإِذْنُ الصَّبِيِّ، وَالْعَبْدِ فِي التِّجَارَةِ ابْتِغَاءٌ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَمَّا سَبَبُ الْمَشْرُوعِيَّةِ فَهُوَ الْحَاجَةُ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ لَا يَتَفَرَّغُ لِذَلِكَ بِنَفْسِهِ لِكَثْرَةِ اشْتِغَالِهِ فَيَحْتَاجُ أَنْ يَسْتَعِينَ بِالْعَبْدِ، وَالصَّغِيرِ وَأَمَّا رُكْنُهُ فَقَوْلُ الْمَوْلَى لِعَبْدِهِ أَذِنْت لَك فِي هَذَا وَأَمَّا شَرَائِطُهُ فَفِي الْمُحِيطِ شَرَائِطُ جَوَازِهِ فَوِلَايَةُ الْإِذْنِ عَلَى الْمَأْذُونِ حَجْرًا وَإِطْلَاقًا مَنْعًا وَإِسْقَاطًا وَكَوْنُ الْمَأْذُونِ عَاقِلًا مُمَيِّزًا عَالِمًا عَارِفًا بِمَا يُؤْذَنُ لَهُ وَأَنْ يَعْلَمَ الْعَبْدُ بِالْإِذْنِ وَفِي السِّغْنَاقِيِّ دَخَلَ فِي قَوْلِنَا مَنْ لَهُ وِلَايَةُ الْإِذْنِ فِي التِّجَارَةِ الْمُكَاتَبُ، وَالْمَأْذُونُ، وَالْمُضَارِبُ، وَالشَّرِيكُ مُفَاوَضَةً، وَالْأَبُ، وَالْجَدُّ، وَالْقَاضِي، وَالْوَلِيُّ اهـ. وَأَمَّا حُكْمُهُ قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ فَمِلْكُ الْمَأْذُونِ كُلُّ مَا كَانَ مِنْ قُبَيْلِ التِّجَارَةِ وَتَوَابِعِهَا وَعَدَمُ مِلْكِهِ مَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ وَعَزَاهُ إلَى التُّحْفَةِ وَأَبْعَدَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَالْإِمَامُ الزَّيْلَعِيُّ حَيْثُ قَالَا وَأَمَّا حُكْمُهُ فَهُوَ تَفْسِيرُهُ الشَّرْعِيُّ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الشَّيْءِ مَا يَثْبُتُ بِهِ وَلَا يَذْهَبُ عَلَى ذِي مُسْكَةٍ أَنَّ مَا يَثْبُتُ بِالشَّيْءِ وَيَصِيرُ أَثَرًا مُرَتَّبًا عَلَيْهِ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ تَفْسِيرًا لِذَلِكَ الشَّيْءِ مَحْمُولًا عَلَيْهِ بِالْمُوَاطَأَةِ وَأَمَّا تَفْسِيرُهُ شَرْعًا فَهُوَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (هُوَ فَكُّ الْحَجْرِ وَإِسْقَاطُ الْحَقِّ) ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ أَهْلًا لِلتَّصَرُّفِ بَعْدَ الرِّقِّ؛ لِأَنَّ رُكْنَ التَّصَرُّفِ كَلَامٌ مُعْتَبَرٌ شَرْعًا مِنْ مُمَيِّزٍ وَمَحَلُّ التَّصَرُّفِ ذِمَّةٌ صَالِحَةٌ لِالْتِزَامِ الْحُقُوقِ وَهُمَا لَا يَقُومَانِ بِالرِّقِّ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ كَرَامَاتِ الْبَشَرِ إلَّا أَنَّهُ حَجْرٌ عَلَيْهِ عَنْ التَّصَرُّفِ لِحَقِّ الْمَوْلَى لِئَلَّا يَبْطُلَ حَقُّهُ بِتَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِرَقَبَتِهِ لِضَعْفِ ذِمَّةِ الرَّقِيقِ، فَإِذَا أَذِنَ لَهُ الْمَوْلَى فَقَدْ أَسْقَطَ حَقَّهُ فَكَانَ مُتَصَرِّفًا بِأَهْلِيَّتِهِ الْأَصْلِيَّةِ وَلِهَذَا لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمَوْلَى بِمَا لَحِقَهُ مِنْ الْعُهْدَةِ أُطْلِقَ فِي فَكِّ الْحَجْرِ فَشَمِلَ الْكُلَّ، وَالْبَعْضَ. وَقَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: وَإِذَا أَذِنَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ لِعَبْدِهِ فِي التِّجَارَةِ جَازَ فِي نَصِيبِهِ خَاصَّةً وَلَيْسَ لِلشَّرِيكِ الْآخَرِ أَنْ يُبْطِلَ الْإِذْنَ وَمَا لَحِقَهُ مِنْ دَيْنِ التِّجَارَةِ فَهُوَ عَلَى نَصِيبِهِ خَاصَّةً وَلَوْ لَحِقَهُ دَيْنُ التِّجَارَةِ وَفِي يَدِهِ مَالُ التِّجَارَةِ قَضَى مِنْ ذَلِكَ دَيْنَهُ، وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ مِنْ كَسْبِ الْعَبْدِ وَلَوْ وَهَبَ لَهُ أَوْ اكْتَسَبَ قَبْلَ الْإِذْنِ أَوْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ أَوْ بَعْدَ الْإِذْنِ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الْكَسْبِ الَّذِي فِي يَدِهِ فَقَالَ الْآذِنُ وَالْعَبْدُ: إنَّهُ اسْتَفَادَهُ بِالتِّجَارَةِ وَقَالَ السَّاكِتُ إنَّهُ اسْتَفَادَهُ بِالْهِبَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْآذِنِ، وَالْعَبْدِ وَيَصْرِفُهُ فِي دَيْنِهِ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ هُوَ الْكَاسِبُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِحَالِ كَسْبِهِ وَلَوْ اسْتَهْلَكَ مَالًا كَانَ عَلَيْهِمَا إذَا ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِالْمُعَايَنَةِ وَيَتَعَلَّقُ بِجَمِيعِ رَقَبَتِهِ وَلَوْ أَقَرَّ بِاسْتِهْلَاكِ مَا كَانَ عَلَى الْآذِنِ خَاصَّةً وَلَوْ أَذِنَ رَجُلٌ بِنِصْفِ عَبْدِهِ كَانَ مَأْذُونًا فِي كُلِّهِ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ لَا يَتَجَزَّأُ وَلَوْ أَذِنَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ ثُمَّ اشْتَرَى نَصِيبَ الْآخَرِ فَتَصَرَّفَ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ فَالدَّيْنُ كُلُّهُ فِي النِّصْفِ الْأَوَّلِ وَلَوْ عَلِمَ بِتَصَرُّفِهِ فَفِي جَمِيعِ الرَّقَبَةِ وَلَوْ أَذِنَ لِعَبْدٍ لَا يَمْلِكُهُ ثُمَّ مَلَكَهُ، فَإِنَّهُ لَا يَصِيرُ مَأْذُونًا وَلَوْ أَخْبَرَ شَرِيكُهُ أَهْلَ السُّوقِ أَنَّهُ لَا يَرْضَى بِإِذْنِ شَرِيكِهِ ثُمَّ رَأَى الْعَبْدَ يَتَصَرَّفُ لَمْ يَصِرْ مَأْذُونًا اسْتِحْسَانًا قَالَ أَحَدُهُمَا لِشَرِيكِهِ ائْذَنْ لِنَصِيبِك فَأَذِنَ لَهُ فَهُوَ مَأْذُونٌ كُلُّهُ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ مِمَّا لَا يَتَجَزَّأُ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ لِصَاحِبِهِ ائْذَنْ لِجَمِيعِ الْعَبْدِ قَالَ فِي الْكِفَايَةِ إسْقَاطُ الْحَقِّ وَهُوَ حَقُّ الْمَوْلَى فِي مَالِيَّةِ الْكَسْبِ، وَالرَّقَبَةِ، فَإِنَّهُ مُمْتَنِعٌ تَعَلُّقُ حَقِّ الْغَيْرِ بِهِمَا صَوْنًا لِحَقِّ الْمَوْلَى وَبِالْإِذْنِ أُسْقِطَ حَقُّهُ. قَالَ صَاحِبُ الْإِصْلَاحِ، وَالْإِيضَاحِ الْمُرَادُ بِالْحَقِّ هَاهُنَا حَقُّ الْمَنْعِ فَلَا يُنَافِي كَوْنَهُ حَقَّ الْمَوْلَى بَلْ يَقْتَضِيهِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمَنْعِ التَّعَلُّقُ بِالْعَبْدِ وَهُوَ حَقُّ الْمَوْلَى لَا حَقُّ غَيْرِهِ، فَإِنَّ مَعْنَى حَقِّ الْمَنْعِ هُوَ مَنْعُ التَّصَرُّفِ عَلَى أَنْ تَكُونَ الْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةً وَمَعْنَى حَقِّ الْمَوْلَى هُوَ حَقٌّ لِلْمَوْلَى عَلَى أَنْ تَكُونَ الْإِضَافَةُ بِمَعْنَى اللَّامِ وَبَيَانُ الْحَقِّ الَّذِي هُوَ مَنْعُ الْعَبْدِ عَنْ التَّصَرُّفِ إنَّمَا يَكُونُ لِلْمَوْلَى لَا لِغَيْرِهِ فَكَانَ حَقًّا لَهُ قَطْعًا وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمَوْلَى لَا يَسْقُطُ بِالْإِذْنِ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِهِ أَصْلًا مَمْنُوعٌ، وَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِهِ فِي الْجُمْلَةِ كَمَا إذَا لَمْ يُحَطَّ الدَّيْنُ بِمَا فِي يَدِهِ وَرَقَبَتِهِ فَمُسَلَّمٌ ذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ لَا يُجْدِي نَفْعًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْإِسْقَاطِ إسْقَاطًا بِالْكُلِّيَّةِ بَلْ الْمُرَادُ إسْقَاطُهُ فِي الْجُمْلَةِ وَأَمَّا اخْتِصَاصُ حَقِّ الْمَوْلَى بِإِذْنِ الْعَبْدِ فَلَا يَضُرُّ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالذَّاتِ فِي كِتَابِ الْمَأْذُونِ بَيَانُ إذْنِ الْعَبْدِ وَأَمَّا بَيَانُ إذْنِ الصَّبِيِّ فَعَلَى سَبِيلِ التَّبَعِيَّةِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَدَارُ مَا ذُكِرَ فِي تَفْسِيرِ الْمَأْذُونِ فِي الشَّرْعِ عَلَى مَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِالذَّاتِ فِي كِتَابِ الْمَأْذُونِ وَهُوَ إذْنُ الْعَبْدِ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إنْ أُرِيدَ إسْقَاطُ الْحَقِّ بِجُمْلَتِهِ وَفَكُّ الْحَجْرِ بِرَقَبَتِهِ فَهُوَ مَمْنُوعٌ وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ تَصِحُّ هِبَتُهُ وَإِقْرَاضُهُ وَنَحْوُهُمَا مِنْ التَّبَرُّعَاتِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَطْعًا. وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ إسْقَاطٌ وَفَكٌّ فِي الْجُمْلَةِ فَهُوَ مُسَلَّمٌ لَكِنْ لَا يَثْبُتُ بِهِ الْمُدَّعَى إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ إسْقَاطٌ وَفَكٌّ فِي جَمِيعِ التَّصَرُّفَاتِ حَتَّى يَكُونَ مَأْذُونًا فِي جَمِيعِهَا قِيلَ الْمُرَادُ إسْقَاطٌ وَفَكٌّ فِي بَعْضٍ مُعَيَّنٍ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 97 مِنْ التَّصَرُّفَاتِ فَلَا يُرَدُّ النَّقْضُ بِالتَّبَرُّعَاتِ فَلَوْ قَالَ فَكُّ الْحَجْرِ وَمَنْعُ إسْقَاطٍ فِي نَوْعٍ لَكَانَ أَوْلَى فَتَأَمَّلْ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَلَا يَتَوَقَّفُ وَلَا يُتَخَصَّصُ) يَعْنِي لَا يَتَوَقَّفُ بِزَمَانٍ وَلَا مَكَان وَلَا يَتَخَصَّصُ بِنَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ التِّجَارَةِ عِنْدَنَا لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ تَفْسِيرِهِ وَقَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ وَزُفَرُ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ تَوْكِيلٍ، وَإِنَابَةٍ فَيَنْفُذُ عِنْدَهُمَا وَيَتَخَصَّصُ وَعِنْدَنَا يَتَصَرَّفُ بِأَهْلِيَّةِ نَفْسِهِ وَحَقُّ الْمَوْلَى قَدْ أَسْقَطَهُ، وَالسَّاقِطُ لَا يَعُودُ كَمَا إذَا رَضِيَ الْمُسْتَأْجِرُ أَنْ يُؤَجِّرَ عَبْدَهُ مِنْ شَخْصٍ بِعَيْنِهِ دُونَ غَيْرِهِ، وَالْإِسْقَاطُ لَا يَقْبَلُ التَّقْيِيدَ دُونَ غَيْرِهِ كَالطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقِ وَلَوْ أَسْلَمَ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ إلَى الْمُشْتَرِي قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ عَلَى أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ نَوْعًا مِنْ التَّصَرُّفِ دُونَ غَيْرِهِ، فَإِنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ تَقْيِيدُهُ؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ لِحَقِّهِ فَلَا يُقْبَلُ التَّقْيِيدُ بِخِلَافِ إذْنِ الْقَاضِي، فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ ذَكَرَهُ قَاضِي خان فِي فَتَاوَاهُ كَذَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَفِي الْمُحِيطِ يَجُوزُ الْإِذْنُ لِلصَّبِيِّ الْعَاقِلِ فِي التِّجَارَةِ مِنْ الْأَبِ، وَالْقَاضِي وَلَا يَجُوزُ تَخْصِيصُهُ بِنَوْعٍ دُونَ نَوْعٍ كَالْعَبْدِ لَا يُقَالُ لَوْ كَانَ إسْقَاطًا لِمَا مَلَكَهُ بِهِبَةٍ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَيْسَ بِإِسْقَاطٍ فِي حَقِّ مَا لَمْ يُوجَدْ فَيَكُونُ النَّهْيُ امْتِنَاعًا فِيمَا لَمْ يُوجَدْ لَا يُقَالُ هُوَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِحُكْمِ التَّصَرُّفِ وَهُوَ الْمِلْكُ فَكَيْفَ يَكُونُ أَهْلًا لِنَفْسِ التَّصَرُّفِ، وَالسَّبَبُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ لِذَاتِهِ بَلْ لِحِكْمَةٍ، فَإِذَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ حُكْمُهُ لَا يَكُونُ مَشْرُوعًا كَطَلَاقِ الصَّبِيِّ؛ لِأَنَّا نَقُولُ حُكْمُهُ مِلْكُ الْيَدِ وَهُوَ أَهْلٌ لِذَلِكَ كَالْمُكَاتَبِ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ. وَصَحَّحَ الْمُصَنِّفُ كَوْنَهُ إسْقَاطًا عِنْدَنَا بِقَوْلِهِ وَلِهَذَا لَا يُقْبَلُ التَّأْقِيتُ ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ قِيلَ قَوْلُهُ فَكُّ الْحَجْرِ وَإِسْقَاطُ الْحَقِّ مَذْكُورٌ فِي حَيِّزِ التَّعْرِيفِ فَكَيْفَ جَازَ الِاسْتِدْلَال عَلَيْهِ وَأُجِيبَ بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ حُكْمَهُ الشَّرْعِيَّ هُوَ تَعْرِيفُهُ فَكَانَ الِاسْتِدْلَال عَلَيْهِ لَيْسَ بِاسْتِدْلَالٍ، وَإِنَّمَا هُوَ الصَّحِيحُ لِلنَّقْلِ بِمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عِنْدَنَا تُعْرَفُ بِذَلِكَ كَمَا أَشَرْنَا إلَيْهِ. الثَّانِي: أَنَّ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ حُكْمًا لَا مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ تَعْرِيفًا قَالَ فِي الْمُحِيطِ فَيَبِيعُ مِنْ الْمَوْلَى وَيَشْتَرِي مِنْهُ وَيُطَالِبُهُ بِإِيفَاءِ الثَّمَنِ عَلَى وَجْهٍ لَوْ امْتَنَعَ يُحْبَسُ وَلَوْ قَالَ أَذِنْت لَك فِي الْخِيَاطَةِ أَوْ الصِّبَاغَةِ أَوْ فِي عَمَلٍ آخَرَ فَهُوَ مَأْذُونٌ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ مَا لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ وَلَوْ قَالَ اتَّجِرْ فِي الْبَرِّ وَلَا تَتَّجِرْ فِي الْبَحْرِ لَا يَصِحُّ نَهْيُهُ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إنْ أُرِيدَ بِقَوْلِهِ فَلَا تَخْصِيصَ بِنَوْعٍ دُونَ نَوْعٍ أَنَّهُ لَا يُتَخَصَّصُ بِذَلِكَ أَطْلَقَهُ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِنَوْعٍ فَهُوَ يُسَلَّمُ لَكِنْ لَا يُجْدِي طَائِلًا؛ لِأَنَّ مَا نَحْنُ فِيهِ صُورَةَ التَّقَيُّدِ، وَإِنْ أُرِيدَ أَنَّهُ لَا يَتَخَصَّصُ بِنَوْعٍ دُونَ نَوْعٍ، وَإِنْ قَيَّدَهُ بِذَلِكَ فَهُوَ مَمْنُوعٌ كَيْفَ وَهَذَا يَتَوَقَّفُ تَمَامُهُ عَلَى أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ هُوَ أَنْ يَكُونَ الْإِذْنُ فِي نَوْعٍ مِنْ التِّجَارَةِ إذْنًا فِي جَمِيعِهَا فَيُؤَدِّي إلَى الْمُصَادَرَةِ عَلَى الْمَطْلُوبِ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ وَنُوقِضَ بِالْإِذْنِ فِي النِّكَاحِ رِعَايَةُ الْحَجْرِ وَإِسْقَاطُ الْحَقِّ. وَإِذَا أُذِنَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ فُلَانَةَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ غَيْرَهَا وَأُجِيبَ أَنَّ النِّكَاحَ تَصَرُّفٌ مَمْلُوكٌ لِلْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا بِوَلِيٍّ، وَالرِّقُّ أَخْرَجَ الْعَبْدَ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ فَلَأَنْ يُجِيزَهُ الْمَوْلَى عَلَى النِّكَاحِ مُخَصَّصٌ بِخِلَافِ الْبَيْعِ، وَالْإِذْنُ عَلَى نَوْعَيْنِ عَامٍّ وَخَاصٍّ فَالْعَامُّ أَنْ يَقُولَ لِعَبْدِهِ أَذِنْت لَك فِي التِّجَارَةِ أَوْ قَالَ اتَّجِرْ وَلَوْ قَالَ أَدِّ إلَيَّ أَلْفًا وَأَنْتَ حُرٌّ يَصِيرُ مَأْذُونًا فِي التِّجَارَةِ وَكَذَا لَوْ قَالَ اكْتَسِبْ وَأَدِّ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ أَدِّ أَلْفًا وَأَنْتَ حُرٌّ بِمَنْزِلَةِ مَا إذَا قَالَ إنْ أَدَّيْت أَلْفًا فَأَنْتَ حُرٌّ؛ لِأَنَّ جَوَابَ الْأَمْرِ بِالْوَاوِ كَالْفَاءِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ أَدِّ أَلْفًا أَنْتَ حُرٌّ وَلَوْ أَذِنَ لِعَبْدِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ الْعَبْدُ بِالْإِذْنِ وَلَا أَحَدٌ مِنْ النَّاسِ فَتَصَرَّفَ ثُمَّ عَلِمَ لَمْ يَجُزْ لِعَدَمِ عِلْمِهِ وَلَوْ قَالَ لِقَوْمٍ بَايِعُوهُ فَبَايَعُوهُ وَلَمْ يَعْلَمْ الْعَبْدُ بِذَلِكَ فَهُوَ مَأْذُونٌ وَذُكِرَ فِي الزِّيَادَاتِ لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ بِعْ عَبْدَك هَذَا مِنْ ابْنِي الصَّغِيرِ فَبَاعَهُ مِنْهُ وَقَبِلَ الِابْنُ إنْ عَلِمَ بِأَمْرِ الْأَبِ جَازَ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ لَمْ يَجُزْ قَبْلَ الْإِذْنِ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ أَنَّ إذْنَ الصَّبِيِّ تَوْكِيلٌ وَلَيْسَ بِإِذْنٍ فِي التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ فُوِّضَ إلَيْهِ عَقْدٌ وَاحِدٌ وَبِتَفْوِيضِ عَقْدٍ وَاحِدٍ لَا يَثْبُتُ الْإِذْنُ وَفِي مَسْأَلَةِ الْمَأْذُونِ إذْنٌ لَا تَوْكِيلٌ؛ لِأَنَّهُ فَوَّضَ إلَيْهِ عُقُودًا مُتَكَرِّرَةً فَيَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ الْإِذْنُ ضِمْنًا لِلْأَمْرِ بِالْمُبَايَعَةِ فِي عُقُودٍ مُتَكَرِّرَةٍ بِدُونِ عِلْمِهِ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ مَقْصُودًا بِخِلَافِ الْعَقْدِ الْوَاحِدِ. وَلَوْ لَمْ يُبَايِعْهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ وَبَايَعَهُ مَنْ لَمْ يَأْمُرْهُ الْمَوْلَى لَمْ يَصِرْ مَأْذُونًا؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ إنَّمَا يَثْبُتُ فِي ضِمْنِ أَمْرِهِ بِالْمُبَايَعَةِ وَلَوْ دَفَعَ لَهُ حِمَارًا لِيُكْرِيَهُ وَيَبِيعَ عَلَيْهِ صَارَ مَأْذُونًا، وَالْإِذْنُ يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِلَا شَرْطٍ وَإِضَافَتُهُ إلَى الزَّمَانِ كَالطَّلَاقِ، وَالْحَجْرِ، وَالْعَزْلِ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُمَا وَلَا إضَافَتُهُمَا كَالنِّكَاحِ وَأَمَّا الْإِذْنُ الْخَاصُّ فَلَا يَكُونُ بِهِ مَأْذُونًا كَمَا لَوْ أَمَرَهُ بِشِرَاءِ ثَوْبٍ لِلْكُسْوَةِ أَوْ لَحْمٍ لِلْأَكْلِ؛ لِأَنَّ هَذَا اسْتِخْدَامٌ فَلَا بُدَّ مِنْ فَاصِلٍ بَيْنَ الِاسْتِخْدَامِ، وَالتِّجَارَةِ وَهُوَ أَنَّ الْأَمْرَ يُعْقَدُ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةِ اسْتِخْدَامٍ، وَالْأَمْرُ بِعُقُودٍ مُتَعَدِّدَةٍ يُعَدُّ تِجَارَةً؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لِلرِّبْحِ وَلَمَّا بَيَّنَ الْمُؤَلِّفُ الْإِذْنَ الصَّرِيحَ شَرَعَ فِي الْإِذْنِ دَلَالَةً اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَثْبُتُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 98 بِالسُّكُوتِ بِأَنْ رَأَى عَبْدَهُ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي) يَثْبُتُ الْإِذْنُ لِلْعَبْدِ بِسُكُوتِ الْمَوْلَى عِنْدَمَا يَرَاهُ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي وَلَمْ يَتَقَدَّمْ قَرِينَةٌ بِنَفْيِهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ ذَلِكَ أَنْ يَبِيعَ عَيْنًا مَمْلُوكًا لِلْمَوْلَى أَوْ لِغَيْرِهِ بِإِذْنِهِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ بَيْعًا صَحِيحًا وَفَاسِدًا كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا وَقَالَ قَاضِي خان فِي فَتَاوِيهِ إنْ رَآهُ يَبِيعُ عَيْنًا مِنْ أَعْيَانِ الْمَالِكِ فَسَكَتَ لَمْ يَكُنْ إذْنًا وَكَذَا الْمُرْتَهِنُ إذَا رَأَى الرَّاهِنَ يَبِيعُ فَسَكَتَ لَا يَبْطُلُ الرَّهْنُ وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ رِضًا وَيَبْطُلُ الرَّهْنُ كَذَا نَقَلَهُ الْإِمَامُ الزَّيْلَعِيُّ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ فَهِمَ الْمُخَالَفَةَ بَيْنَ كَلَامِ الْهِدَايَةِ وَقَاضِي خان وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَقَوْلُ قَاضِي خان لَا يَصِيرُ إذْنًا أَيْ فِي حَقِّ ذَلِكَ التَّصَرُّفِ الَّذِي صَادَفَهُ السُّكُوتُ وَيَصِيرُ إذْنًا فِيمَا بَعْدَهُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ ذِكْرُ الْمُرْتَهِنِ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَالْإِذْنُ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ كَمَا إذَا رَأَى عَبْدَهُ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي يَصِيرُ مَأْذُونًا فِي التِّجَارَةِ عِنْدَنَا إلَّا فِي الْبَيْعِ الَّذِي صَادَفَهُ السُّكُوتُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ رَأَى الْمَوْلَى عَبْدَهُ الْمُسْلِمَ يَشْتَرِي الْخَمْرَ أَوْ الْخِنْزِيرَ فَسَكَتَ يَصِيرُ مَأْذُونًا فِي التِّجَارَةِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ هَذَا الشِّرَاءُ فَكَذَا هُنَا فَكَيْفَ يَجُوزُ حَمْلُ كَلَامِ قَاضِي خان عَلَى خِلَافِ مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ وَفِي الْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ إذَا نَظَرَ الرَّجُلُ إلَى عَبْدِهِ وَهُوَ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي وَلَمْ يَنْهَهُ عَنْ ذَلِكَ يَصِيرُ الْعَبْدُ مَأْذُونًا فِي التِّجَارَةِ عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ، وَإِذَا رَأَى عَبْدَهُ يَبِيعُ عَيْنًا مِنْ أَعْيَانِ مَالِهِ يَصِيرُ مَأْذُونًا فِي التِّجَارَةِ وَلَكِنْ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مَالَ الْمَوْلَى وَفِي قَاضِي خان إذْنُ الصَّغِيرِ فِي التِّجَارَةِ وَأَبُوهُ يَأْبَى صَحَّ إذْنُ الْقَاضِي إذَا رَأَى عَبْدَهُ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي فَسَكَتَ لَمْ يَكُنْ إذْنًا. اهـ. فَهِمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَصْرِ أَنَّ سُكُوتَ الْقَاضِي إذَا رَأَى عَبْدَهُ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي لَا يَكُونُ إذْنًا بِخِلَافِ سُكُوتِ الْمَوْلَى كَمَا فَهِمَ الْإِمَامُ الزَّيْلَعِيُّ كَمَا تَقَدَّمَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْمُرَادُ لَا يَكُونُ إذْنًا فِي الَّذِي سَكَتَ عِنْدَهُ وَيَكُونُ إذْنًا فِي الَّذِي بَعْدَهُ كَمَا تَقَدَّمَ وَلَوْ أَمَرَهُ الْمَوْلَى أَنْ يَبِيعَ مَتَاعَ غَيْرِهِ يَصِيرُ مَأْذُونًا. [رَأَى عَبْدَهُ يَشْتَرِي شَيْئًا وَيَبِيعُ فِي حَانُوتِهِ فَسَكَتَ] وَلَوْ رَأَى عَبْدَهُ يَشْتَرِي شَيْئًا وَيَبِيعُ فِي حَانُوتِهِ فَسَكَتَ حَتَّى بَاعَ مَتَاعًا كَثِيرًا مِنْ ذَلِكَ كَانَ إذْنًا وَلَا يَنْفُذُ عَلَى الْمَوْلَى بَيْعُ الْعَبْدِ ذَلِكَ الْمَتَاعَ وَلَوْ رَأَى الْمَوْلَى عَبْدَهُ يَشْتَرِي شَيْئًا بِدَرَاهِمِ الْمَوْلَى أَوْ دَنَانِيرِهِ فَلَمْ يَنْهَهُ يَصِيرُ إذْنًا، فَإِنْ كَانَ هَذَا لِثَمَنٍ مِنْ مَالِ الْمَوْلَى كَانَ لِلْمَوْلَى أَنْ يَرُدَّهُ وَلَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ بِالِاسْتِرْدَادِ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَجْنَبِيًّا دَفَعَ إلَى عَبْدِهِ مَالًا لِيَبِيعَهُ فَبَاعَهُ، وَالْمَوْلَى يَرَاهُ وَلَمْ يَنْهَهُ كَانَ إذْنًا وَيَجُوزُ ذَلِكَ الْبَيْعُ عَلَى صَاحِبِ الْمَتَاعِ وَاخْتَلَفُوا فِي عُهْدَةِ الْبَيْعِ قِيلَ يَرْجِعُ إلَى الْآمِرِ وَقِيلَ إلَى الْعَبْدِ وَفِي الْمُحِيطِ، وَإِنْ لَمْ يَرَهُ الْمَوْلَى جَازَ الْبَيْعُ، وَالْعُهْدَةُ عَلَى صَاحِبِ الْمَتَاعِ؛ لِأَنَّ عُهْدَةَ الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ مَتَى تَوَكَّلَ عَنْ غَيْرِهِ يَكُونُ عَلَى الْمُوَكِّلِ وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فَرَآهُ يَتَصَرَّفُ فَلَمْ يَنْهَهُ، فَإِنْ لَحِقَهُ دَيْنٌ فَهُوَ نَقْضٌ لِلْبَيْعِ وَإِلَّا فَلَا، وَإِنْ تَمَّ الْبَيْعُ فَهُوَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْإِذْنَ لَا يُنَافِي خِيَارَ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ مَعَ خِيَارِ الْبَائِعِ يَجْتَمِعَانِ وَيَفْتَرِقَانِ فَمَنْ بَاعَ عَبْدًا مَأْذُونًا عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ بَقِيَ الْعَبْدُ مَأْذُونًا فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ فَلَمْ يَكُنْ إذْنُ الْبَائِعِ مُنَافِيًا خِيَارَهُ فَبَقِيَ خِيَارُهُ وَأَمَّا الْإِذْنُ مَعَ خِيَارِ الْمُشْتَرِي لَا يَجْتَمِعَانِ، فَإِنَّ مَنْ اشْتَرَى مَأْذُونًا عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ بَطَلَ الْإِذْنُ، وَإِنْ أَذِنَ الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ سَقَطَ خِيَارُهُ، وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ اكْتَسَبَ شَيْئًا فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي، فَإِنْ اكْتَسَبَ بَعْدَ الْقَبْضِ طَابَ وَقَبْلَ الْقَبْضِ يَتَصَدَّقُ بِهِ قِيلَ هَذَا قَوْلُهُمَا وَعِنْدَ الْإِمَامِ الْكَسْبُ لِلْبَائِعِ اهـ. وَقَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ وَزُفَرُ لَا يَثْبُتُ الْإِذْنُ بِسُكُوتِ الْمَوْلَى فِيمَا ذَكَرْنَا؛ لِأَنَّ السُّكُوتَ يَحْتَمِلُ الرِّضَا، وَالرَّدَّ فَلَا يَثْبُتُ بِالشَّكِّ كَمَا لَوْ رَأَى أَجْنَبِيًّا يَبِيعُ مَالَهُ فَسَكَتَ وَلَمْ يَنْهَهُ أَوْ رَأَى الْقَاضِي الصَّبِيَّ، وَالْمَعْتُوهَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمَا وَلِيٌّ أَوْ عَبْدَهُمَا وَكَذَا إذَا رَأَى الْعَبْدَ يَتَزَوَّجُ أَوْ الْأَمَةَ تَتَزَوَّجُ وَكَذَا لَوْ تَلِفَ مَالُ غَيْرِهِ وَهُوَ يَنْظُرُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إذْنًا قُلْنَا هَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى عَادَاتِ النَّاسِ وَقَدْ جَرَتْ الْعَادَةُ أَنَّ مَنْ لَا يَرْضَى بِتَصَرُّفِ عَبْدِهِ يَنْهَاهُ وَيُؤَيِّدُهُ، فَإِذَا سَكَتَ دَلَّ عَلَى رِضَاهُ بِهِ وَصَارَ إذْنًا لَهُ لِأَجْلِ دَفْعِ الضَّرَرِ فَصَارَ كَسُكُوتِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عِنْدَ أَمْرٍ يُعَايِنُهُ وَكَسُكُوتِ الْبِكْرِ، وَالشَّفِيعِ، وَالْمَوْلَى الْعَدِيمِ عِنْدَمَا يَرَى مَالَهُ يُقْسَمُ بَيْنَ الْغَانِمِينَ بِخِلَافِ مَا إذَا أُكْرِهَ؛ لِأَنَّا لَوْ جَعَلْنَاهُ إجَازَةً حَصَلَ ضَرَرٌ عَظِيمٌ وَبِخِلَافِ الْقَاضِي فَإِنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي مَالِهِمَا فَلَا يَكُونُ سُكُوتُهُ إذْنًا فَلَا بُدَّ مِنْ التَّصْرِيحِ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ، فَإِنْ قِيلَ عَيْنُ هَذَا التَّصَرُّفِ الَّذِي يَرَاهُ يَبِيعُ فِيهِ غَيْرُ صَحِيحٍ فَكَيْفَ يَصِحُّ غَيْرُهُ أُجِيبَ بِأَنَّ الضَّرَرَ فِي التَّصَرُّفِ الَّذِي يَرَاهُ يَبِيعُهُ مُحَقَّقٌ بِإِزَالَةِ مِلْكِهِ عَنْ بَائِعِهِ فِي الْحَالِ فَلَا يَثْبُتُ وَفِي غَيْرِهِ لَيْسَ مُحَقَّقًا؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ قَدْ يَلْحَقُهُ وَقَدْ لَا يَلْحَقُهُ فَصَحَّ فِيهِ النَّهْيُ قَيَّدْنَا بِقَوْلِنَا وَلَمْ يَتَقَدَّمْ قَرِينَةٌ تَنْفِيهِ. قَالَ فِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 99 الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ لِأَهْلِ السُّوقِ إذَا رَأَيْتُمْ عَبْدِي هَذَا يَتَّجِرُ، فَإِنِّي لَا آذَنُ لَهُ ثُمَّ رَآهُ يَتَّجِرُ فَسَكَتَ لَا يَصِيرُ مَأْذُونًا لَهُ؛ لِأَنَّهُ مَتَى أَعْلَمَهُمْ بِالنَّهْيِ لَمْ يَصِرْ مَأْذُونًا لَهُ بِالسُّكُوتِ. اهـ. وَلَوْ عَبَّرَ بِأَنْ قَالَ بَعْدَ السُّكُوتِ لَكَانَ أَوْلَى. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ أَذِنَ لَهُ عَامًّا لَا بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي) وَعَبَّرَ بِالْفَاءِ دُونَ الْوَاوِ؛ لِأَنَّهَا تُفِيدُ التَّفْسِيرَ وَلَوْ قَالَ: فَإِنْ أَذِنَ بِعُقُودٍ لَا يَعْقِدُ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ الْإِذْنَ الْعَامَّ، وَالْخَاصَّ، وَالْفَارِقُ بَيْنَهُمَا وَلِأَنَّهُ عُلِمَ مِنْ الْأَوَّلِ ضِمْنًا؛ لِأَنَّهُ إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ أَذِنْت لَك فِي التِّجَارَةِ يَكُونُ عَامًّا؛ لِأَنَّ التِّجَارَةَ اسْمُ جِنْسٍ مَحَلًّا بِالْأَلِفِ، وَاللَّامِ فَكَانَ عَامًّا فَيَتَنَاوَلُ جَمِيعَ الْأَعْيَانِ كَمَا لَوْ أُعْطِيَ الْعَبْدُ ثَوْبًا وَأَمَرَهُ مَوْلَاهُ بِبَيْعِهِ كَانَ إذْنًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى الِاسْتِخْدَامِ، فَإِذَا صَارَ مَأْذُونًا لَهُ فِي جَمِيعِ التِّجَارَاتِ كَانَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ وَيَشْتَرِيَ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ غَبْنٌ فَاحِشٌ عِنْدَ الْإِمَامِ وَقَالَا لَا يَجُوزُ بِمَا لَا يُتَغَابَنُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ مِنْ الْأَبِ، وَالْوَصِيِّ، وَالْقَاضِي وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ التِّجَارَةِ الِاسْتِرْبَاحُ وَهَذِهِ خَاسِرَةٌ لِلْإِمَامِ أَنَّ هَذِهِ تِجَارَةٌ لَا تَبَرُّعٌ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ فِي ضِمْنِ عَقْدِ التِّجَارَةِ، وَالْوَاقِعُ فِي ضِمْنِ شَيْءٍ لَهُ حُكْمُ ذَلِكَ الشَّيْءِ بِخِلَافِ الْأَبِ، وَالْوَصِيِّ، وَالْقَاضِي؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُمْ مُقَيَّدٌ بِالنَّظَرِ وَلِأَنَّ الْبَيْعَ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ مِنْ صُنْعِ التِّجَارَةِ لِاسْتِجْلَابِ قُلُوبِ النَّاسِ لِيَرْبَحُوا فِي صَفْقَةٍ أُخْرَى وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ بَيْعُ الصَّبِيِّ، وَالْمَعْتُوهِ الْمَأْذُونِ لَهُمَا وَلَوْ مَرِضَ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ وَحَابَا فِيهِ يُعْتَبَرُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَمِنْ جَمِيعِ مَا بَقِيَ بَعْدَ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الِاقْتِصَارَ فِي الْحُرِّ عَلَى الثُّلُثِ لِأَجْلِ الْوَرَثَةِ وَلَا وَارِثَ لِلْعَبْدِ وَلَا يُقَالُ الْمَوْلَى بِمَنْزِلَةِ الْوَارِثِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ رَضِيَ بِسُقُوطِ الْإِذْنِ فَصَارَ كَالْوَارِثِ إذَا سَقَطَ حَقُّهُ بِخِلَافِ غُرَمَائِهِ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَرْضَوْا بِسُقُوطِ حَقِّهِمْ فَلَا يَنْفُذُ مُحَابَاتُهُ فِي حَقِّهِمْ، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مُحِيطًا بِمَا فِي يَدِهِ يُقَالُ لِلْمُشْتَرِي أَدِّ جَمِيعَ الْمُحَابَاةِ وَإِلَّا فَرُدَّ الْبَيْعَ كَمَا فِي الْحُرِّ هَذَا إذَا كَانَ الْمَوْلَى صَحِيحًا، وَإِنْ كَانَ مَرِيضًا لَا تَصِحُّ مُحَابَاةُ الْعَبْدِ إلَّا مِنْ ثُلُثِ مَالِ الْمَوْلَى كَتَصَرُّفَاتِ الْمَوْلَى بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى بِاسْتِدَامَةِ الْإِذْنِ بَعْدَمَا رَضِيَ أَقَامَهُ مَقَامَ نَفْسِهِ فَصَارَ تَصَرُّفُهُ كَتَصَرُّفِ الْمَوْلَى، وَالْفَاحِشُ مِنْ الْمُحَابَاةِ وَغَيْرُ الْفَاحِشِ فِيهِ سَوَاءٌ فَلَا يَنْفُذُ الْكُلُّ إلَّا مِنْ الثُّلُثِ. قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَلَوْ اشْتَرَى الْمَأْذُونُ عَبْدًا شِرَاءً فَاسِدًا فَأَغَلَّ عَبْدَهُ كَانَتْ الْغَلَّةُ لَهُ وَلَا يَتَصَدَّقُ بِهَا وَلَوْ رَدَّهُ عَلَى بَائِعِهَا رَدَّهُ مَعَ الْغَلَّةِ وَيَتَصَدَّقُ الْبَائِعُ بِهَا وَقِيلَ عِنْدَ الْإِمَامِ لَا يَرُدُّ الْغَلَّةَ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ يَكُونُ عِنْدَهُ الْكَسْبُ لِمَنْ كَانَ لَهُ الْمِلْكُ فِي الْأَصْلِ وَعِنْدَهُمَا الْكَسْبُ مَتَى حَدَثَ قَبْلَ تَقَرُّرِ الْمِلْكِ يَدُورُ النَّمَاءُ بِدَوَرَانِ الْأَصْلِ بِخِلَافِ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّهُ حِينَ حَدَثَ الْكَسْبُ فِي يَدِ الْبَائِعِ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقُّ الْمِلْكِ وَهُوَ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ حَتَّى يُسْدِيَ الْحَقَّ إلَى الْكَسْبِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْبَائِعِ، وَالْمَأْذُونِ، وَإِنْ اسْتَفَادَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْكَسْبَ بِمِلْكٍ خَبِيثٍ أَنَّ الْعَبْدَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ فَلَا يَتَصَدَّقُ، وَالْبَائِعَ مِنْ أَهْلِهَا فَيَتَصَدَّقُ اشْتَرَى مِنْ الْعَبْدِ بَيْعًا فَاسِدًا ثُمَّ بَاعَهُ مِنْ مُضَارِبِ الْعَبْدِ جَازَ وَلَمْ يَكُنْ فَسْخًا لِلْبَيْعِ الْأَوَّلِ كَمَا لَوْ بَاعَ مِنْ أَجْنَبِيٍّ فَلَا يَثْبُتُ النَّقْصُ بِالشَّكِّ. وَلَوْ بَاعَ جَارِيَةً بِعَبْدٍ وَدَفَعَ الْجَارِيَةَ وَلَمْ يَقْبِضْ الْعَبْدَ حَتَّى حَدَثَ بِهَا عَيْبٌ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ تَعَيَّبَ قَبْلَ هَلَاكِ الْعَبْدِ أَوْ بَعْدِهِ وَكُلُّ وَجْهٍ لَا يَخْلُو مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ إمَّا أَنْ تَعَيَّبَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَوْ بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي أَوْ بِفِعْلِ أَجْنَبِيٍّ أَمَّا إذَا حَدَثَ بِهَا عَيْبٌ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ بِأَنْ ذَهَبَتْ عَيْنُهَا ثُمَّ هَلَكَ الْعَبْدُ فَالْمَأْذُونُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَبَضَ جَارِيَتَهُ وَلَا يَتْبَعُ بِنُقْصَانِهَا، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ جَارِيَتِهِ يَوْمَ قَبْضِهَا؛ لِأَنَّ الْجَارِيَةَ حِينَ قُبِضَتْ كَانَتْ مَضْمُونَةً بِالْعَبْدِ لَا بِالْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ النُّقْصَانَ حَدَثَ فِي مِلْكٍ صَحِيحٍ لِلْمُشْتَرِي، وَالْمِلْكُ مَتَى كَانَ صَحِيحًا كَانَ مَضْمُونًا عَلَى الْقَابِضِ ضَمَانَ عَقْدٍ وَهُوَ الثَّمَنُ، وَالْأَوْصَافُ لَا تُفْرَدُ بِالْعَقْدِ فَلَا تُفْرَدُ بِضَمَانِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَى مُشْتَرِي الْجَارِيَةِ رَدُّ الْجَارِيَةِ كَمَا قَبَضَ سَلِيمَةً عَنْ الْعَيْبِ وَكَانَ عَلَيْهِ رَدُّ قِيمَتِهَا يَوْمَ قَبْضِهَا؛ لِأَنَّهَا دَخَلَتْ فِي ضَمَانِهِ يَوْمَ الْقَبْضِ وَلَوْ هَلَكَ الْعَبْدُ ثُمَّ ذَهَبَتْ عَيْنُهَا، فَإِنْ أَخَذَهَا ضَمَّنَهُ نِصْفَ قِيمَتِهَا؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَمَّا هَلَكَ صَارَتْ الْجَارِيَةُ مَضْمُونَةً عَلَى مُشْتَرِيهَا بِالْقِيمَةِ وَلِأَنَّ النُّقْصَانَ إنَّمَا حَدَثَ بَعْدَ فَسَادِ الْمِلْكِ فِيهَا؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ قَدْ فَسَدَ فِي الْجَارِيَةِ بِهَلَاكِ الْعَبْدِ، وَالْمِلْكُ الْفَاسِدُ مَضْمُونٌ عَلَى الْقَابِضِ بِالْقَبْضِ لَا بِالْعَقْدِ، وَالْأَوْصَافُ تُفْرَدُ بِالْقَبْضِ فَيُفْرَدُ بِضَمَانِ الْقَبْضِ كَمَا فِي الرَّهْنِ، وَالْغَصْبِ. وَأَمَّا إذَا تَعَيَّبَ بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي بِأَنْ قَطَعَ يَدَهَا أَوْ فَقَأَ عَيْنَهَا فَهُوَ كَمَا لَوْ تَعَيَّبَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فِي التَّضْمِينِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ جَنَى عَلَى مِلْكِهِ وَجِنَايَةُ الْمَالِكِ عَلَى مَمْلُوكِهِ هَدَرٌ فَلَمْ يَخْلُفُ بَدَلًا فَصَارَ كَأَنَّهُ مَاتَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ، وَإِنْ تَعَيَّبَتْ بِفِعْلِ أَجْنَبِيٍّ بِأَنْ قَطَعَ يَدَهَا أَوْ وَطِئَهَا بِشُبْهَةٍ فَأَخَذَ أَرْشَهَا وَعُقْرَهَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 100 أَوْ وَلَدَتْ مِنْ غَيْرِ سَيِّدِهَا، فَإِنْ كَانَ قَبْلَ هَلَاكِ الْعَبْدِ لَمْ يَكُنْ لِلْعَبْدِ إلَّا قِيمَتُهَا يَوْمَ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا هَلَكَ الْعَبْدُ فَسَدَ الْبَيْعُ فِي الْجَارِيَةِ فَوَجَبَ عَلَى مُشْتَرِي الْجَارِيَةِ رَدُّهَا لِلْفَسَادِ وَقَدْ عَجَزَ عَنْ رَدِّهَا حُكْمًا؛ لِأَنَّهُ حَدَثَ بَعْدَ الْقَبْضِ زِيَادَةٌ مُنْفَصِلَةٌ مِنْ الْجَارِيَةِ فِي مِلْكٍ صَحِيحٍ وَمِثْلُ هَذِهِ الزِّيَادَةِ تَمْنَعُ انْفِسَاخَ الْمِلْكِ فِي الْأَصْلِ، فَإِذَا تَعَذَّرَ فَسْخُ الْبَيْعِ فِي الْجَارِيَةِ صَارَ الْمُشْتَرِي عَاجِزًا عَنْ رَدِّهِ قِيمَتَهَا، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ هَلَاكِ الْعَبْدِ أَخَذَ الْجَارِيَةَ وَعُقْرَهَا وَوَلَدَهَا وَأَرْشَهَا إنْ شَاءَ مِنْ الْمُشْتَرِي، وَإِنْ شَاءَ مِنْ الْجَانِي؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ الْمُنْفَصِلَةَ لَا تَمْنَعُ انْفِسَاخَ الْبَيْعِ فِي مِلْكٍ فَاسِدٍ كَمَا لَوْ وَقَعَ الْبَيْعُ فِي الْجَارِيَةِ فَاسِدًا فِي الِابْتِدَاءِ ثُمَّ حَدَثَ مِنْهَا زِيَادَةٌ مُنْفَصِلَةٌ كَانَ لِلْبَائِعِ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ فِي الْأَصْلِ فَسَرَى ذَلِكَ الْحَقُّ إلَى الزَّوَائِدِ ثُمَّ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُشْتَرِيَ؛ لِأَنَّ النُّقْصَانَ لَوْ حَدَثَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ كَانَ لَهُ تَضْمِينُهُ، فَإِذَا حَدَثَ بِفِعْلِهِ أَوْلَى، فَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْجَانِيَ؛ لِأَنَّ الْجَانِيَ صَارَ جَانِيًا عَلَى مِلْكِهِ لِإِعَادَةِ الْجَارِيَةِ إلَى قَدِيمِ مِلْكِهِ بِالْفَسْخِ. وَلَوْ حَدَثَ بِهَا عَيْبَانِ أَحَدُهُمَا قَبْلَ هَلَاكِ الْعَبْدِ، وَالثَّانِي بَعْدَ هَلَاكِهِ فَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ الْعَيْبَيْنِ لَوْ حَدَثَا قَبْلَ هَلَاكِ الْعَبْدِ يَتَخَيَّرُ الْمَأْذُونُ حَتَّى لَوْ اخْتَارَ أَخْذَ الْجَارِيَةِ لَا يَكُونُ لَهُ ضَمَانُ النُّقْصَانِ وَلَوْ حَدَثَا بَعْدَ هَلَاكِ الْعَبْدِ مَتَى أَخَذَ الْجَارِيَةَ فَلَهُ تَضْمِينُ نُقْصَانِ الْعَيْبَيْنِ جَمِيعًا، فَإِذَا حَدَثَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ هَلَاكِهِ، وَالْآخَرُ بَعْدَ هَلَاكِهِ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُكْمُ نَفْسِهِ هَذَا كُلُّهُ إذَا تَعَيَّبَتْ الْجَارِيَةُ فِي يَدِ مُشْتَرِيهَا وَأَمَّا إذَا حَدَثَ فِيهَا زِيَادَةٌ فَلَا يَخْلُو إمَّا إنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مُنْفَصِلَةً كَالْوَلَدِ، وَالْأَرْشِ أَوْ كَانَتْ مُتَّصِلَةً كَالسِّمَنِ، وَالْجَمَالِ، فَإِنْ كَانَتْ مُنْفَصِلَةً، فَإِنْ وَلَدَتْ قَبْلَ هَلَاكِ الْعَبْدِ ثُمَّ مَاتَ الْعَبْدُ يُنْظَرُ إنْ كَانَ الْوَلَدُ قَائِمًا لَيْسَ لِلْمَأْذُونِ أَخْذُ الْجَارِيَةِ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ الْمُنْفَصِلَةَ الْحَادِثَةَ بَعْدَ الْقَبْضِ فِي مِلْكٍ صَحِيحٍ تَمْنَعُ انْفِسَاخَ الْعَقْدِ فِي الْأَصْلِ، وَإِنْ هَلَكَ الْوَلَدُ، وَالْأَرْشُ كَانَ لِلْعَبْدِ أَنْ يَأْخُذَ الْجَارِيَةَ وَلَا يَتْبَعُهُ بِنُقْصَانِ الْوِلَادَةِ، وَالْجِنَايَةِ إنْ شَاءَ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهَا؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ انْفِسَاخِ الْعَقْدِ قَدْ ارْتَفَعَ وَهُوَ الزِّيَادَةُ فَصَارَتْ كَأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ، وَالنُّقْصَانُ قَائِمٌ؛ لِأَنَّ الْوِلَادَةَ فِي بَنَاتِ آدَمَ سَبَبُ النُّقْصَانِ وَأَنَّهُ عَيْبٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ فَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ قِيمَةَ الْجَارِيَةِ وَلَوْ كَانَ مَكَانَ الْجَارِيَةِ شَاةٌ فَنَتَجَتْ فِي يَدِهِ قَبْلَ هَلَاكِ الْعَبْدِ لَمْ يَكُنْ لِلْعَبْدِ خِيَارٌ وَيَأْخُذُ الشَّاةَ؛ لِأَنَّهُ لَا نُقْصَانَ؛ لِأَنَّ الْوِلَادَةَ فِي الْبَهَائِمِ لَيْسَتْ بِعَيْبٍ. وَإِنْ هَلَكَتْ الزِّيَادَةُ بِفِعْلِ أَجْنَبِيٍّ فَهُوَ كَمَا كَانَ الْوَلَدُ قَائِمًا؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ مَاتَ وَأَخْلَفَ بَدَلًا، وَالْفَائِتُ إلَى خَلْفٍ كَالْقَائِمِ حُكْمًا، وَإِنْ هَلَكَتْ بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي بِأَنْ أُعْتِقَ الْمُشْتَرِي أَوْ وَلَدُ الْجَارِيَةِ ثُمَّ هَلَكَ الْعَبْدُ لَمْ يَكُنْ لِلْمَأْذُونِ عَلَى الْجَارِيَةِ سَبِيلٌ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ يُسَلَّمُ لِلْمُشْتَرِي مِنْ وَجْهٍ، فَإِنَّهُ مَوْلًى لَهُ يَرِثُ مِنْهُ إذَا مَاتَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عَصَبَةٌ أَقْرَبُ مِنْهُ فَيُؤَدِّي إلَى الرِّبَا فَلَا يَجُوزُ فَسْخُ الْعَيْبِ فِي الْجَارِيَةِ، فَإِنْ مَاتَ الْوَلَدُ الْمُعْتَقُ وَتَرَكَ وَلَدًا كَانَ لِلْعَبْدِ أَنْ يَأْخُذَ الْجَارِيَةَ إنْ شَاءَ وَلَا يَتْبَعُهُ بِنُقْصَانِهَا وَكَذَلِكَ إنْ تَرَكَ وَلَدًا لَا يُجِيزُ وَلَاءَهُ الْمُشْتَرِيَ بِأَنْ كَانَ الْمُعْتَقُ تَزَوَّجَ بِأَمَةٍ لِرَجُلٍ وَحَدَثَ مِنْهَا وَلَدٌ ثُمَّ أَعْتَقَ مَوْلَى الْأَمَةِ الْوَلَدَ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ فَسْخِ الْعَقْدِ فِي الْجَارِيَةِ هُوَ الْوَلَدُ وَقَدْ زَالَ هَذَا الْمَانِعُ بِلَا خَلْفٍ وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ مِنْ خَصَائِصِ مَسَائِلِ هَذَا فَيَجِبُ حِفْظُهَا وَكَذَلِكَ إذَا قَتَلَ الْوَلَدَ الْمُشْتَرِي فَلَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ الْفَسْخِ، وَالتَّضْمِينِ وَهَذَا لَا يُشْكِلُ عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي قَالَ بِأَنَّ الْوِلَادَةَ عَيْبٌ لَازِمٌ فِي بَنَاتِ آدَمَ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ بِمَنْزِلَةِ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّ الْمَقْتُولَ مَيِّتٌ بِأَجَلِهِ وَلَوْ مَاتَ الْوَلَدُ فِي يَدِ مُشْتَرِي الْجَارِيَةِ يَتَخَيَّرُ الْمَأْذُونُ فَكَذَا هَذَا، وَإِنَّمَا يُشْكِلُ عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي قَالَ بِأَنَّ الْوِلَادَةَ لَيْسَتْ بِعَيْبٍ إذَا لَمْ تُوجِبْ نُقْصَانًا؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ مَاتَ وَلَمْ يَخْلُفْ بَدَلًا؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ جَنَى عَلَى مِلْكِهِ الصَّحِيحِ وَجِنَايَةُ الْمَالِكِ عَلَى مِلْكِهِ هَدَرٌ فَصَارَ كَمَا لَوْ مَاتَ الْوَلَدُ حَتْفَ أَنْفِهِ. وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ الْوَلَدَ مَاتَ وَأَخْلَفَ بَدَلًا مِنْ دَمِهِ؛ لِأَنَّ جِنَايَةَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْوَلَدِ إنَّمَا تَكُونُ مُلَاقِيًا مِلْكَهُ مَا دَامَ مِلْكُهُ فِي الْجَارِيَةِ مُتَقَرِّرًا، فَأَمَّا إذَا انْفَسَخَ مِلْكُهُ فِي الْجَارِيَةِ بِأَنْ أَخَذَ الْجَارِيَةَ وَلَمْ يُضَمِّنْهُ النُّقْصَانَ كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَلَى الْوَلَدِ مُلَاقِيًا مِلْكَ الْمَأْذُونِ مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ تَبَعٌ لِلْجَارِيَةِ؛ لِأَنَّهُ مُتَوَلِّدٌ وَمُتَفَرِّعٌ عَنْهَا وَلِهَذَا مُلِكَ بِسَبَبِ مِلْكِ الْجَارِيَةِ وَانْفِسَاخُ الْمِلْكِ فِي الْأَصْلِ يُوجِبُ انْفِسَاخَ الْمِلْكِ فِي التَّبَعِ فَصَارَ جَانِيًا عَلَى مِلْكِ الْمَأْذُونِ عَلَى هَذَا الِاعْتِبَارِ فَيَضْمَنُ قِيمَةَ الْوَلَدِ مِنْ وَجْهٍ فَصَحَّ أَنَّ الْوَلَدَ مَاتَ وَأَخْلَفَ بَدَلًا مِنْ وَجْهٍ فَيَتَخَيَّرُ، وَإِنْ شَاءَ أَبْرَأَهُ عَنْ قِيمَةِ الْوَلَدِ وَيَأْخُذُ الْجَارِيَةَ، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَبَرَّهُ وَضَمِنَهُ قِيمَةَ الْجَارِيَةِ وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الزِّيَادَةُ مُتَّصِلَةً بِأَنْ ازْدَادَتْ الْجَارِيَةُ حُسْنًا وَجَمَالًا أَوْ ذَهَبَ الْبَيَاضُ الَّذِي فِي عَيْنِهَا قَبْلَ هَلَاكِ الْعَبْدِ أَوْ بَعْدَهُ أَخَذَهَا بِزِيَادَتِهَا وَقِيلَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 101 رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لَا يَجُوزُ اسْتِرْدَادُهَا قَبْلَ هَلَاكِ الْغُلَامِ لِمَا عُرِفَ مِنْ اخْتِلَافِهِمْ فِي الصَّدَاقِ زَادَ فِي يَدِهِ بَعْدَ الْقَبْضِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ لَا يَكُونُ لِلزَّوْجِ رَدُّ نِصْفِ الصَّدَاقِ إلَّا بِرِضَا الْمَرْأَةِ عِنْدَهُمَا وَقِيلَ هَذَا قَوْلُهُمْ جَمِيعًا فَهُمَا فَرَّقَا بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَمَسْأَلَةِ الصَّدَاقِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الصَّدَاقِ حَقَّ الْمَرْأَةِ فِي الزِّيَادَةِ وَلَوْ بَطَلَ، فَإِنَّمَا يَبْطُلُ قَصْدًا بِإِيقَاعِ الزَّوْجِ بِالطَّلَاقِ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ إبْطَالَ حَقِّهَا قَصْدًا فَأَمَّا حَقُّ مُشْتَرِي الْجَارِيَةِ فِي الزِّيَادَةِ لَوْ بَطَلَ، فَإِنَّمَا يَبْطُلُ حُكْمًا لَا بِقَصْدِ الْمَأْذُونِ؛ لِأَنَّ بُطْلَانَ حَقِّهِ فِي الزِّيَادَةِ مُضَافٌ إلَى مَوْتِ الْغُلَامِ وَمَوْتُ الْغُلَامِ مَا كَانَ بِصُنْعِ الْمَأْذُونِ وَقَدْ ثَبَتَ حُكْمًا لِلشَّيْءِ وَضَرُورَةِ ثُبُوتِهِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَثْبُتُ قَصْدًا. وَالْأَصَحُّ أَنَّ هَذَا عَلَى الْخِلَافِ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ بَعْدَ هَذَا أَنَّ الْعَبْدَ لَوْ لَمْ يَمُتْ لَكِنْ حَدَثَ بِهِ عَيْبٌ فَرُدَّ الْعَيْبُ كَانَ لِلْمَأْذُونِ أَنْ يَسْتَرِدَّ الْجَارِيَةَ، وَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ الْمُنْفَصِلَةُ حَدَثَتْ قَبْلَ الرَّدِّ فَحَقُّ الرَّدِّ وَحَقُّ مُشْتَرِي الْجَارِيَةِ فِي الزِّيَادَةِ هَذَا لَوْ بَطَلَ إنَّمَا يَبْطُلُ قَصْدًا؛ لِأَنَّهُ يَبْطُلُ بِرَدِّ الْعَبْدِ وَرَدُّ الْعَبْدِ كَانَ بِقَصْدِهِ وَبَيَّنَ أَنَّ الرَّدَّ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ، وَالرَّدَّ بِالْعَيْبِ قَبْلَ الْقَبْضِ بِمَنْزِلَةِ الْمَوْتِ مِنْ حَيْثُ مَنْعِ فَسْخِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَنْفَسِخُ بِهَذَا الرَّدِّ كَمَا يَنْفَسِخُ بِمَوْتِ الْعَبْدِ قَبْلَ الْقَبْضِ. وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ بَاعَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الَّذِي اشْتَرَاهُ وَوَلَدَتْ الْجَارِيَةُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ أَوْ قَطَعَ يَدَهَا، فَإِنْ رَدَّ الْعَبْدَ بِخِيَارِهِ أَخَذَ الْجَارِيَةَ وَأَرْشَهَا وَعُقْرَهَا وَوَلَدَهَا؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْخِيَارِ فِي الْعَبْدِ اشْتِرَاطُ الْخِيَارِ فِي الْجَارِيَةِ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ إنَّمَا يُشْتَرَطُ لِلْفَسْخِ وَلَا يُمْكِنُهُ فَسْخُ الْعَقْدِ فِي أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ دُونَ الْآخَرِ فَيَكُونُ اشْتِرَاطُ الْخِيَارِ فِي أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ اشْتِرَاطًا لِلْخِيَارِ فِي الْآخَرِ وَلِهَذَا لَوْ أَعْتَقَ مُشْتَرِي الْجَارِيَةِ بَعْدَ الْقَبْضِ لَا يَنْفُذُ عِتْقُهَا؛ لِأَنَّ لِلْبَائِعِ خِيَارَ شَرْطٍ فِي الْجَارِيَةِ، وَالْمُشْتَرِي مَتَى قَبَضَ الْمُشْتَرَى وَلِلْبَائِعِ فِيهِ خِيَارُ شَرْطٍ يَكُونُ الْمُشْتَرَى مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ وَلَوْ لَمْ يَقْبِضْ الْجَارِيَةَ حَتَّى أَعْتَقَهَا قَبْلَ هَلَاكِ الْعَبْدِ جَازَ عِتْقُهُ، فَإِنْ أَعْتَقَهَا بَعْدَ هَلَاكِ الْعَبْدِ لَمْ يَجُزْ عِتْقُهُ؛ لِأَنَّ قَبْلَ هَلَاكِ الْعَبْدِ عَتَقَ مِلْكَ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ فِي الْجَارِيَةِ وَبَعْدَ هَلَاكِ الْعَبْدِ فَسَدَ الْبَيْعُ فِي الْجَارِيَةِ، وَالْبَيْعُ الْفَاسِدُ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ. وَلَوْ قَبَضَ الْجَارِيَةَ وَوَجَدَ الْمَأْذُونُ بِالْعَبْدِ الْمَبِيعِ عَيْبًا قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ فَرَدَّهُ بِقَضَاءٍ أَوْ رِضًا أَوْ خِيَارِ رُؤْيَةٍ أَوْ شَرْطٍ ثُمَّ أَعْتَقَ الْجَارِيَةَ لَمْ يَجُزْ عِتْقُهُ وَكَذَا لَوْ تَقَايَلَا انْفَسَخَ الْعَيْبُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَزَالَتْ الْجَارِيَةُ عَنْ مِلْكِهِ فَصَارَ مُعْتِقًا مَا لَمْ يَمْلِكْ فَإِذًا بِهَلَاكِ الْعَبْدِ لَا يَنْفَسِخُ، وَإِنَّمَا يَفْسُدُ فَمَتَى كَانَتْ الْجَارِيَةُ فِي يَدِهِ صَارَ مُعْتِقًا مَا يَمْلِكُهُ فَنَفَذَ وَقِيلَ الْقَبْضُ لَا يَمْلِكُهُ فَلَا يَنْفُذُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [اشْتَرَى الْمَأْذُونُ جَارِيَةً بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَقَبَضَهَا وَوَهَبَ الْبَائِعُ ثَمَنَهَا مِنْ الْعَبْدِ] قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ: وَإِذَا اشْتَرَى الْمَأْذُونُ جَارِيَةً بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَقَبَضَهَا وَوَهَبَ الْبَائِعَ ثَمَنَهَا مِنْ الْعَبْدِ وَقَبِلَ الْعَبْدُ ذَلِكَ فَهِيَ جَائِزَةٌ وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ قَبْلَ أَيْ لَمْ يُرِدْ وَكَذَا لَوْ وَهَبَ مِنْ الْمَوْلَى، فَإِنْ بَاعَ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ عَبْدًا بِجَارِيَةٍ وَقَبَضَ بَائِعُ الْجَارِيَةِ ثُمَّ وَهَبَ الْعَبْدَ مِنْ الْمَأْذُونِ ثُمَّ وَجَدَ الْمَأْذُونُ بِالْجَارِيَةِ عَيْبًا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا بِالْعَيْبِ عِنْدَ عُلَمَائِنَا اسْتِحْسَانًا فَلَوْ وَهَبَ الْمَأْذُونُ الْعَبْدَ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ الْمَأْذُونُ الْجَارِيَةَ وَقَبِلَ الْبَائِعُ فَهُوَ جَائِزٌ وَكَانَ إقَالَةً لِلْبَيْعِ هَكَذَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو بَكْرٍ الْبَلْخِيّ هَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ وَمُحَمَّدٍ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لَا يَكُونُ إقَالَةً، فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ الْمُشْتَرِي الْهِبَةَ فَهِبَةُ الْعَبْدِ بَاطِلَةٌ وَلَوْ كَانَ مُشْتَرِي الْجَارِيَةِ هُوَ الَّذِي وَهَبَ الْجَارِيَةَ مِنْ الْمَأْذُونِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهَا وَقَبِلَهَا الْمَأْذُونُ فَالْهِبَةُ جَائِزَةٌ وَكَذَا إذَا وَهَبَ الْجَارِيَةَ مِنْ مَوْلَى الْمَأْذُونِ قَبْلَ الْقَبْضِ أَمَّا إذَا وَهَبَ الْجَارِيَةَ مِنْ مَوْلَى الْمَأْذُونِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَأَمَرَهُ بِالْقَبْضِ فَقَبَضَ هَلْ تَصِحُّ الْهِبَةِ هَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ أَوْ لَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ فَالْهِبَةُ جَائِزَةٌ وَيَكُونُ إقَالَةً لِلْبَيْعِ أَمَّا إذَا كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ، فَإِنَّهُ لَا تَجُوزُ الْهِبَةُ وَلَا يَكُونُ إقَالَةً حَتَّى كَانَ لِلْعَبْدِ أَنْ يَأْخُذَ الْغُلَامَ مِنْ الْمُشْتَرِي. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُوَكَّلُ بِهِمَا) أَيْ يَجُوزُ أَنْ يُوَكَّلَ بِالْبَيْعِ، وَالشِّرَاءِ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ تَوَابِعِ الْإِجَارَةِ فَلَعَلَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ مُبَاشَرَةِ الْكُلِّ فَيَحْتَاجُ إلَى الْمُعَيَّنِ وَأُطْلِقَ فِي قَوْلِهِ يُوَكَّلُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَا كَانَ الدَّيْنُ مُسْتَغْرِقًا أَوْ لَا وُكِّلَ الْمَوْلَى أَوْ غَرِيمُ الْعَبْدِ مَعَ أَنَّ الظَّاهِرَ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَا يَصِحُّ تَوْكِيلُ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى أَصِيلٌ فِي التَّصَرُّفِ وَلَا يَنْفُذُ تَوْكِيلُ غَرِيمِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَقْبِضُ لِنَفْسِهِ فَيَتَضَرَّرُ الْبَقِيَّةُ فَلَوْ قَالَ وَيُوَكَّلُ غَيْرُ غَرِيمٍ وَمَوْلًى حَيْثُ لَا دَيْنَ لَكَانَ أَوْلَى قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ مَسَائِلُ تَوْكِيلِ الْمَأْذُونِ عَلَى وُجُوهٍ: أَحَدُهَا فِي تَوْكِيلِ الْمَأْذُونِ الثَّانِي فِي تَوْكِيلِ غَرِيمِ مَوْلَاهُ بِالْخُصُومَةِ، وَالثَّالِثُ فِي تَوْكِيلِ الْغَرِيمِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 102 عَبْدَ الْمَوْلَى الْمَأْذُونَ فِي قَبْضِ مَا عَلَى الْمَوْلَى مِنْ الدَّيْنِ الْأَوَّلِ وَلِلْعَبْدِ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ بِالْبَيْعِ، وَالشِّرَاءِ بِنَقْدٍ أَوْ نَسِيئَةٍ؛ لِأَنَّهُ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ، وَإِنْ وَكَّلَ عَبْدًا مَأْذُونًا حُرًّا بِبَيْعِ مَتَاعِهِ فَبَاعَهُ مِنْ رَجُلٍ لَهُ عَلَى الْمَأْمُورِ دَيْنٌ صَارَ قِصَاصًا عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُمَا الْوَكِيلُ يَمْلِكُ إبْرَاءَ الْمُشْتَرِي عَنْ الثَّمَنِ وَعِنْدَهُ لَا، وَالْوَكِيلُ مَعَ الْمُوَكِّلِ إذَا بَاعَاهُ مَعًا فَبَيْعُ الْمُوَكِّلِ أَوْلَى. الثَّانِي: إذَا كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ فَوَكَّلَ الْغَرِيمُ مَوْلَاهُ بِقَبْضِهِ لَمْ يَجُزْ وَلَمْ يَبْرَأْ الْعَبْدُ مِنْ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى فِي قَبْضِ الدَّيْنِ مِنْ عَبْدِهِ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ، وَالْأَصْلُ أَنَّ الْعَامِلَ لِنَفْسِهِ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ نَائِبًا عَنْ غَيْرِهِ وَذُكِرَ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ أَنَّهُ يَصِحُّ قَبْضُهُ، فَإِنْ عَايَنَ الشُّهُودُ قَبْضَهُ رَدَّهُ إنْ كَانَ قَائِمًا، وَإِنْ هَلَكَ لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّ قَبْضَهُ بِإِذْنِ الْمَدْيُونِ، وَالْغَرِيمِ. الرَّابِعُ فِي تَوْكِيلِ الشَّرِيكِ الْعَبْدَ، وَالْأَجْنَبِيِّ الْمَوْلَى فِي دَيْنِهِمَا فَالْأَوَّلُ لِلْعَبْدِ التَّاجِرِ وَلِرَجُلٍ آخَرَ عَلَى رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَوَكَّلَ الشَّرِيكُ الْعَبْدَ بِقَبْضِهِ لَمْ تَجُزْ الْوَكَالَةُ وَمَا قَبَضَهُ يَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَلَوْ هَلَكَ الْمَقْبُوضُ فِي يَدِهِ هَلَكَ مِنْ مَالِهِمَا الثَّانِي مِنْ الثَّالِثِ إذَا كَانَ لِلْمَأْذُونِ وَلِشَرِيكِهِ عَلَى رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَجَحَدَهَا فَوَكَّلَا الْمَوْلَى بِالْخُصُومَةِ مَعَ غَرِيمِهَا جَازَ كَمَا لَوْ وَكَّلَ الْمَأْذُونُ مَوْلَاهُ بِالْخُصُومَةِ، وَإِنْ أَقَرَّ الْمَوْلَى فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي بِإِيفَاءِ الْخَصْمِ لَهُمَا جَازَ إقْرَارُهُ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ إقْرَارَ الْوَكِيلِ عَلَى الْمُوَكِّلِ بِالْخُصُومَةِ عَلَى مُوَكِّلِهِ جَائِزٌ هَلْ يَرْجِعُ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ عَلَى صَاحِبِهِ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ كَذَّبَا الْوَكِيلَ فِي إقْرَارِهِ أَوْ صَدَّقَاهُ أَوْ كَذَّبَهُ أَحَدُهُمَا وَصَدَّقَهُ الْآخَرُ، فَإِنْ صَدَّقَاهُ فِي إقْرَارِهِ فَلَا يَرْجِعُ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِشَيْءٍ وَكَذَا إنْ كَذَّبَاهُ، وَإِنْ صَدَّقَهُ أَحَدُهُمَا وَادَّعَى عَلَى الْعَبْدِ دَيْنًا رَجَعَ الشَّرِيكُ فِي رَقَبَتِهِ بِنِصْفِ حِصَّتِهِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى دَيْنٍ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْعَبْدِ وَلَا عَلَى مَوْلَاهُ حَتَّى يَقْضِيَ دَيْنَهُ، فَإِنْ فَضَلَ يَصِحُّ فِيمَا يَفْضُلُ عَنْ دَيْنِ الْغَرِيمِ، وَإِنْ صَدَّقَهُ الشَّرِيكُ وَكَذَّبَهُ الْعَبْدُ لَمْ يَرْجِعْ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِشَيْءٍ سَوَاءٌ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ أَوْ لَا وَلَوْ وَكَّلَ الشَّرِيكُ الْعَبْدَ بِالْخُصُومَةِ فَأَقَرَّ أَنَّ الشَّرِيكَ قَدْ اسْتَوْفَى حَقَّهُ بَرِئَ الْغَرِيمُ مِنْ نِصْفِ الدَّيْنِ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْعَبْدِ وَيَقْبِضُ الْعَبْدُ نِصْفَ الدَّيْنِ وَيَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ شَرِيكِهِ. وَلَوْ ادَّعَى شَرِيكُ الْعَبْدِ أَنَّ الْعَبْدَ قَبَضَ حَقَّهُ فَوَكَّلَ الْعَبْدُ مَوْلَاهُ بِخُصُومَتِهِ أَوْ بَعْضَ غُرَمَائِهِ فَأَقَرَّ الْوَكِيلُ بِاسْتِيفَاءِ الْعَبْدِ فَلِلشَّرِيكِ أَنْ يَأْخُذَ الْعَبْدَ بِرُبْعِ الدَّيْنِ وَيَرْجِعَ عَلَى الْمَدْيُونِ بِرُبْعِهِ وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ الْعَبْدُ بِذَلِكَ وَإِذَا وَكَّلَ مَأْذُونًا يَشْتَرِي لَهُ بِالنَّسِيئَةِ لَمْ تَجُزْ الْوَكَالَةُ وَلَوْ لَمْ يَذْكُرْ النَّسِيئَةَ جَازَ اسْتِحْسَانًا، فَإِذَا دَخَلَ الْأَجَلُ يَكُونُ لِلْبَائِعِ أَنْ يَأْخُذَ الثَّمَنَ مِنْ الْعَبْدِ ثُمَّ يَرْجِعَ الْعَبْدُ بِمَا أَدَّى عَلَى الْمُوَكِّلِ وَلَوْ كَانَ الْوَكِيلُ صَبِيًّا أَوْ مَحْجُورًا أَوْ مَعْتُوهًا ثُمَّ أَدْرَكَ أَوْ أَفَاقَ لَمْ تَعُدْ الْعُهْدَةُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُمَا وَقْتُ الْعَقْدِ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْعُهْدَةِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ إذَا جُنَّ فَأَفَاقَ أَوْ أَسْلَمَ الْمُرْتَدُّ تَعُودُ الْعُهْدَةُ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا وَقْتُ الْعُهْدَةِ مِنْ أَهْلِهَا. الْخَامِسُ: لَوْ كَانَ عَلَى الْمَوْلَى دَيْنٌ لِرَجُلٍ فَوَكَّلَ عَبْدَهُ بِقَبْضِ ذَلِكَ جَازَ، فَإِنْ أَقَرَّ بِقَبْضِ ذَلِكَ، وَالْهَلَاكِ فِي يَدِهِ صُدِّقَ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ فِيمَا يَقْبِضُ عَامِلٌ لِغَيْرِهِ لَا لِنَفْسِهِ لِرَجُلٍ عَلَى عَبْدَيْنِ مَأْذُونَيْنِ فِي التِّجَارَةِ دَيْنٌ فَوَكَّلَ أَحَدَهُمَا بِقَبْضِهِ جَازَتْ الْوَكَالَةُ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ يَصْلُحُ وَكِيلًا لِلْأَجْنَبِيِّ بِقَبْضِ الدَّيْنِ مِنْ مَوْلَاهُ وَلَوْ أَقَرَّ بِقَبْضِهِ صُدِّقَ فِيهِ مَعَ يَمِينِهِ، وَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ لَزِمَهُ ذَلِكَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ فَوَكَّلَ الْغَرِيمُ ابْنَ الْعَبْدِ أَوْ أَبَاهُ أَوْ عَبْدَ أَبِيهِ أَوْ مُكَاتَبَهُ فَأَقَرَّ الْوَكِيلُ بِقَبْضِ ذَلِكَ صُدِّقَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَكَّلَ عَبْدَهُ بِذَلِكَ جَازَ فَلَوْ وَكَّلَ ابْنَهُ بِذَلِكَ لَكَانَ أَوْلَى. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَرْهَنُ وَيَسْتَرْهِنُ) ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ تَوَابِعِ التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّهُمَا إيفَاءٌ وَاسْتِيفَاءٌ وَيَتَقَرَّرُ ذَلِكَ بِالْهَلَاكِ قَالَ فِي الْأَصْلِ إذَا كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ فَرَهَنَ بِهِ رَهْنًا وَوَضَعَاهُ عَلَى مَوْلَاهُ وَهَلَكَ فِي يَدِهِ لَمْ يَبْطُلْ دَيْنُ الْغَرِيمِ وَهَلَكَ الرَّهْنُ مِنْ مَالِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَصْلُحُ وَكِيلًا بِقَبْضِ الدَّيْنِ مِنْ عَبْدِهِ فَكَذَا لَا يَصْلُحُ عَبْدُهُ، وَلَوْ لَحِقَ الْمَأْذُونَ دَيْنٌ فَأَرَادَ أَنْ يَرْهَنَ عَبْدًا مِنْ بَعْضِ الْغُرَمَاءِ فَلِلْبَاقِينَ الْمَنْعُ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ إيفَاءٌ حُكْمًا. اهـ. وَأَطْلَقَ قَوْلَهُ: يَرْهَنُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَا كَانَ مُسْتَغْرِقًا أَوْ لَا رَهْنَ عِنْدَ الْمَوْلَى أَوْ عِنْدَ بَعْضِ الْغُرَمَاءِ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَا يَصِحُّ أَنْ يَرْهَنَ مِنْ الْمَوْلَى، وَكَذَا لَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَصْلُحْ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُرْتَهِنًا فَلَوْ رَهَنَ مِنْ بَعْضِ الْغُرَمَاءِ يَتَوَقَّفُ كَمَا ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَسْتَأْجِرُ وَيُضَارِبُ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ فَيَجُوزُ لَهُ الْمُضَارَبَةُ أَخْذًا وَدَفْعًا وَكَذَا الْإِجَارَةُ بِأَنْ يُؤَجِّرَ غِلْمَانَهُ وَيَسْتَأْجِرَ أَحْرَارًا وَلَهُ أَنْ يَدْفَعَ الْأَرْضَ مُزَارَعَةً وَيَأْخُذَهَا وَمُسَاقَاةً؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مِنْ عَمَلِ التُّجَّارِ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الزَّارِعُ تَاجِرُ رَبِّهِ» وَلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ طَعَامًا وَيَزْرَعَهُ فِيهَا وَيَسْتَأْجِرَ الْبُيُوتَ، وَالْحَوَانِيتَ وَيُؤَجِّرَهَا لِمَا فِيهِ مِنْ تَحْصِيلِ الْمَالِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 103 وَيُشَارِكُ شَرِكَةَ عِنَانٍ وَلَا يُشَارِكُ شَرِكَةَ مُفَاوَضَةٍ؛ لِأَنَّهَا تَنْعَقِدُ عَلَى الْوَكَالَةِ، وَالْكَفَالَةِ، وَالْكَفَالَةُ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْإِذْنِ فَلَوْ فَعَلَا ذَلِكَ كَانَتْ عِنَانًا؛ لِأَنَّ الْمُفَاوَضَةَ عِنَانٌ وَزِيَادَةٌ فَصَحَّتْ بِقَدْرِ مَا يَتَمَلَّكُهُ الْمَأْذُونُ وَهُوَ الْوَكَالَةُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُؤَجِّرُ نَفْسَهُ) يَعْنِي الْمَأْذُونُ يُؤَجِّرُ نَفْسَهُ وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ وَقَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ لَمْ يَتَنَاوَلْ التَّصَرُّفَ فِي نَفْسِهِ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ أَنْ يَبِيعَ نَفْسَهُ وَلَا أَنْ يَرْهَنَهَا قُلْنَا الْإِذْنُ يَتَضَمَّنُ اكْتِسَابَ الْمَنَافِعِ، وَالْإِجَارَةُ مِنْهُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ أَوْ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّهُ يُبْطِلُ الْإِذْنَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُقِرُّ بِدَيْنٍ وَغَصْبٍ الْوَدِيعَةٍ) ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ مِنْ تَوَابِعِ التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ لَمْ يُعَامِلْهُ أَحَدٌ فَلَا بُدَّ مِنْ قَبُولِ إقْرَارِهِ فِيمَا هُوَ مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ، وَالْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ مِنْهُ وَكَذَا بِالْغَصْبِ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الْغَصْبِ ضَمَانُ مُعَاوَضَةٍ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْمَغْصُوبَ بِالضَّمَانِ فَكَانَ مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ وَمِنْ بَابِ الْمُعَاوَضَةِ وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ بِهِ أَحَدُ الْمُتَعَاوِضَيْنِ كَانَ شَرِيكُهُ مُطَالَبًا بِهِ وَلَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً شِرَاءً فَاسِدًا فَأَقَرَّ أَنَّهُ وَطِئَهَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْعُقْرُ لِلْحَالِ؛ لِأَنَّ لُزُومَهُ بِاعْتِبَارِ الشِّرَاءِ إذْ لَوْلَاهُ لَوَجَبَ الْحَدُّ دُونَ الْعُقْرِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ وَطِئَهَا بِالنِّكَاحِ حَيْثُ لَا يَظْهَرُ وُجُوبُ الْعُقْرِ فِي الْحَالِ فِي حَقِّ الْمَوْلَى وَيُؤْخَذُ بِهِ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِدُ بُدًّا مِنْهُ فَكَانَ مِنْ تَوَابِعِهَا وَلَوَازِمِهَا وَأُطْلِقَ فِي قَوْلِهِ أَقَرَّ وَمَا بَعْدَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا أَقَرَّ لِلْمَوْلَى أَوْ لِغَيْرِهِ وَمَا إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَا وَمَا إذَا كَانَ فِي صِحَّتِهِ أَوْ مَرَضِهِ أَوْ الْأَوَّلُ وَهُوَ مَا إذَا أَقَرَّ لِلْمَوْلَى قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ إذَا أَقَرَّ الْمَأْذُونُ بِعَيْنٍ فِي يَدِهِ لِمَوْلَاهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ جَازَ وَكَذَا لِعَبْدِ مَوْلَاهُ وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ لَمْ يُلَاقِ حَقَّ أَحَدٍ وَقَدْ يُفِيدُ الْمَوْلَى فَائِدَةً إذَا لَحِقَ لِلْعَبْدِ دَيْنٌ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ الْغُرَمَاءِ وَلَوْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ لِمَوْلَاهُ لَا يَجُوزُ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَمِثْلُهُ لَوْ أَقَرَّ لِعَبْدِ مَوْلَاهُ الْمَحْجُورِ وَلَوْ أَقَرَّ لِعَبْدِ مَوْلَاهُ الْمَأْذُونِ بِدَيْنٍ إنْ كَانَ عَلَى الْمُقَرِّ لَهُ دَيْنٌ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ لِلْمَوْلَى وَلَوْ أَقَرَّ بِأَلْفَيْنِ لِمُكَاتَبِ مَوْلَاهُ وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ يَصِحُّ كَمَا لَوْ أَقَرَّ لِلْمَوْلَى وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَا يَصِحُّ وَلَوْ أَقَرَّ بِالدَّيْنِ لِمُكَاتَبِ مَوْلَاهُ صَحَّ كَانَ عَلَى الْمُقَرِّ لَهُ دَيْنٌ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ يَصِحُّ أَنْ يَثْبُتَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى مَوْلَاهُ فَعَلَى عَبْدِ مَوْلَاهُ أَوْلَى وَلَوْ أَقَرَّ لِابْنِ مَوْلَاهُ أَوْ لِأَبِيهِ بِوَدِيعَةٍ أَوْ دَيْنٍ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ صُدِّقَ وَلَوْ أَقَرَّ لِابْنِ نَفْسِهِ أَوْ لِأَبِيهِ أَوْ لِمُكَاتَبِ أَبِيهِ لَمْ يَصِحَّ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوَّلًا عِنْدَ الْإِمَامِ وَقَالَا يَصِحُّ وَبَيَانُ الدَّلِيلِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ مَذْكُورٌ فِيهِ وَأَمَّا إذَا أَقَرَّ لِغَيْرِ الْمَوْلَى فَهُوَ صَحِيحٌ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَا. قَالَ فِي الْمُحِيطِ: وَلَوْ صَدَّقَهُ مَوْلَاهُ فِي الِاقْتِصَاصِ بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ بَدَأَ بِدَيْنِ الْغُرَمَاءِ، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ أَخَذَهُ سَيِّدُ الْأَمَةِ مِنْ عُقْرِهَا؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الْعُقْرِ بِمَنْزِلَةِ ضَمَانِ الْجِنَايَةِ وَفِي ضَمَانِ الْجِنَايَةِ لَا يُصَدَّقُ الْعَبْدُ فِي حَقِّ الْغُرَمَاءِ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِقَطْعِ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ وَلَوْ أَقَرَّ بِحُرِّيَّةِ الْجَارِيَةِ الَّتِي فِي يَدِهِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إنْشَاءَ حُرِّيَّةٍ طَارِئَةٍ لِلْحَالِ فَلَا يَمْلِكُ الْإِقْرَارَ بِهَا وَمَتَى أَقَرَّ بِحُرِّيَّةٍ أَصْلِيَّةٍ يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ الْأَصْلِيَّةَ غَيْرُ ثَابِتَةٍ بِإِقْرَارِهِ بَلْ مُضَافَةٌ إلَى الذَّاتِ وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا مِنْ رَجُلٍ وَقَبَضَهُ ثُمَّ أَقَرَّ أَنَّ الْبَائِعَ أَعْتَقَهُ أَوْ دَبَّرَهُ أَوْ اسْتَوْلَدَهَا وَلَوْ أَمَةً لَمْ يُصَدَّقْ وَيَبِعْهَا؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِحُرِّيَّةٍ طَارِئَةٍ، فَإِنْ صَدَّقَهُ الْبَائِعُ انْتَقَضَ الْبَيْعُ وَيُرَدُّ عَلَيْهِ الثَّمَنُ؛ لِأَنَّ التَّصْدِيقَ مِنْ الْبَائِعِ إقْرَارٌ مِنْهُ بِإِنْشَاءِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَهُوَ يَمْلِكُ إنْشَاءَ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ فَيَمْلِكُ الْإِقْرَارَ بِهَا وَيُصَدَّقُ الْعَبْدُ فِي نَقْضِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ نَقْضَ الْبَيْعِ وَلَوْ قَالَ بَاعَهَا مِنْ فُلَانٍ قَبْلَ أَنْ يَبِيعَهَا مِنِّي صُدِّقَ وَلَا يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَأْبَى الْيَمِينَ أَوْ يُقِيمَ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ أَوْ يُصَدِّقَهُ وَذُكِرَ فِي الزِّيَادَاتِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ دَعْوَاهُ وَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ وَلَا يُسْتَحْلَفُ الْبَائِعُ إذَا أَنْكَرَ؛ لِأَنَّهُ يَتَنَاقَضُ وَلَوْ أَقَرَّ بِأَلْفَيْنِ لِأَجْنَبِيٍّ جَازَ إذَا أَقَرَّ مُطْلَقًا وَيُحْمَلُ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ. [بَاعَ الْمَأْذُونُ عَبْدَهُ فَقَالَ الْمُشْتَرِي إنَّهُ حُرٌّ وَصَدَّقَهُ الْمَأْذُونُ] وَلَوْ بَاعَ الْمَأْذُونُ عَبْدَهُ فَقَالَ الْمُشْتَرِي إنَّهُ حُرٌّ وَصَدَّقَهُ الْمَأْذُونُ لَا يُصَدَّقُ وَنَفَذَ عِتْقُهُ عَلَى الْمُشْتَرِي إذَا أَقَرَّ الْمَأْذُونُ الْمَدْيُونُ أَوْ غَيْرُ الْمَدْيُونِ بِدَيْنٍ كَانَ عَلَيْهِ وَهُوَ مَحْجُورٌ مِنْ غَصْبٍ أَوْ وَدِيعَةٍ اسْتَهْلَكَهَا أَوْ مُضَارَبَةٍ أَوْ عَارِيَّةٍ خَالَفَ فِيهَا، فَإِنْ كَذَّبَهُ رَبُّ الْمَالِ وَقَالَ هَذَا كُلُّهُ فِي حَالِ إذْنِك لَمْ يُصَدَّقْ الْعَبْدُ فِي شَيْءٍ مِنْهُ وَلَزِمَهُ كُلُّهُ، وَإِنْ صَدَّقَهُ رَبُّ الْمَالِ لَزِمَهُ الْغَصْبُ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ الْغَصْبَ يُوجِبُ الضَّمَانَ لِلْحَالِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْإِقْرَارَ إلَى حَالَةٍ تَمْنَعُهُ وَلَوْ أَذِنَ لَهُ ثُمَّ حَجَرَ ثُمَّ أَذِنَ، فَإِنْ كَانَ عَبْدًا أَوْ صَبِيًّا حُرًّا فَقَالَ اسْتَهْلَكَهُ كُلَّهُ فِي حَالِ إذْنِي الْأَوَّلِ لَزِمَهُ كُلُّهُ صَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ أَوْ كَذَّبَهُ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ فِي الْإِذْنِ مُعْتَبَرَةٌ بِالْإِذْنِ الْأَوَّلِ وَلَوْ حَجَرَ عَلَى عَبْدِهِ وَلَا مَالَ فِي يَدِهِ ثُمَّ أَقَرَّ بَعْدَ ذَلِكَ كُلِّهِ أَنَّهُ فَعَلَهُ فِي حَالِ إذْنِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا بَعْدَ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّهُ مَحْجُورٌ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ، وَإِنْ أَذِنَ لَهُ مَرَّةً أُخْرَى سُئِلَ عَمَّا أَقَرَّ بِهِ، فَإِنْ قَالَ كَانَ حَقًّا لَزِمَهُ، وَإِنْ قَالَ كَانَ بَاطِلًا تَأَخَّرَ حَتَّى يُعْتَقَ وَمِثْلُهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 104 الصَّبِيُّ، وَالْمَعْتُوهُ وَأَمَّا إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ فِي صِحَّتِهِ أَوْ مَرَضِهِ فَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي ضِمْنِ التَّقْرِيرِ. وَأَمَّا إذَا أَقَرَّ الْمَأْذُونُ فِي مَرَضِ مَوْلَاهُ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ وَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يُقِرَّ الْعَبْدُ، وَالثَّانِي فِي إقْرَارِهِمَا فَالْأَوَّلُ إذَا أَقَرَّ الْعَبْدُ فِي مَرَضِ الْمَوْلَى وَعَلَى الْمَوْلَى دَيْنٌ إنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنُ الصِّحَّةِ مُحِيطًا بِجَمِيعِ مَالِهِ وَرَقَبَةِ الْعَبْدِ لَا يَصِحُّ إقْرَارُ الْعَبْدِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى الْمَوْلَى دَيْنُ الْمَرَضِ صَحَّ إقْرَارُهُ ثُمَّ الْمَسَائِلُ عَلَى أَقْسَامٍ أَمَّا الْأَوَّلُ إذَا كَانَ عَلَى الْمَوْلَى دَيْنُ الصِّحَّةِ وَلَا دَيْنَ عَلَى الْعَبْدِ أَوْ عَلَى الْعَبْدِ وَلَا دَيْنَ عَلَى الْمَوْلَى أَوْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَيْنٌ الْأَوَّلُ لَوْ أَقَرَّ الْمَأْذُونُ فِي مَرَضِ مَوْلَاهُ بِدَيْنٍ وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ وَعَلَى الْمَوْلَى دَيْنُ الصِّحَّةِ جُعِلَ كَأَنَّ الْمَوْلَى أَقَرَّ فِي مَرَضِهِ وَيُبْدَأُ بِدَيْنِ الصِّحَّةِ كَإِقْرَارِ الْمَوْلَى عَلَى نَفْسِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمَوْلَى دَيْنٌ فِي صِحَّتِهِ فَتَدَايَنَ فِي مَرَضِهِ تَخَلُّصًا؛ لِأَنَّ إقْرَارَ الْعَبْدِ بِالدَّيْنِ صَحِيحٌ فِي حَقِّ غُرَمَائِهِ، وَإِنْ تَضَمَّنَ إبْطَالَ حَقِّهِ. الثَّانِي: لَوْ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ وَلَا دَيْنَ عَلَى الْمَوْلَى فِي صِحَّتِهِ فَإِقْرَارُ الْعَبْدِ بِذَلِكَ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ الْمَأْذُونَ إنَّمَا يَصِيرُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ فِي مَرَضِ سَيِّدِهِ إذَا كَانَ عَلَى السَّيِّدِ دَيْنٌ فِي الصِّحَّةِ يُحِيطُ بِمَالِهِ وَرَقَبَةِ الْعَبْدِ وَمَا فِي يَدِهِ فَيَصِيرُ الْعَبْدُ مَحْجُورًا حِينَئِذٍ. الثَّالِثُ: إذَا كَانَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَيْنٌ لِلصِّحَّةِ فَأَقَرَّ الْعَبْدُ بِدَيْنٍ فِي مَرَضِ مَوْلَاهُ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ رَقَبَةُ الْعَبْدِ وَمَا فِي يَدِهِ لَا يَفْضُلُ عَنْ دَيْنِهِ أَوْ يَفْضُلُ عَنْ دَيْنِهِ وَلَا يَفْضُلُ عَنْ دَيْنِ الْمَوْلَى أَوْ يَفْضُلُ عَنْهُمَا، فَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ عَنْ دَيْنِهِ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ؛ لِأَنَّ شُغْلَ مَا فِي يَدِهِ وَرَقَبَتِهِ يَمْنَعُ صِحَّةَ إقْرَارِهِ، فَإِنْ فَضَلَ عَنْ دَيْنِهِ وَعَلَى الْمَوْلَى دَيْنُ الصِّحَّةِ يَكُونُ الْفَاضِلُ لِغُرَمَاءِ صِحَّةِ الْمَوْلَى وَأَمَّا إذَا فَضَلَ عَنْ دَيْنِهِمَا، فَإِنَّهُ يَصِحُّ إقْرَارُهُ فِي ذَلِكَ الْفَاضِلِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَى أَحَدِهِمَا دَيْنٌ فَأَقَرَّ الْمَوْلَى فِي مَرَضِهِ بِأَلْفٍ عَلَى نَفْسِهِ ثُمَّ أَقَرَّ الْعَبْدُ بِأَلْفٍ تَحَاصَّا فِي ثَمَنِ الْعَبْدِ وَلَوْ أَقَرَّ الْعَبْدُ أَوَّلًا ثُمَّ الْمَوْلَى بُدِئَ بِدَيْنِ الْعَبْدِ وَفِي الْمُحِيطِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ إذَا أَبَقَ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ أَوْ حُجِرَ عَلَيْهِ أَوْ بَاعَهُ سَيِّدُهُ حَلَّ الدَّيْنُ الَّذِي عَلَيْهِ مُؤَجَّلًا، وَإِنْ أَعْتَقَهُ لَمْ يَحِلَّ عَلَيْهِ الدَّيْنُ وَكَانَ إلَى أَجَلِهِ؛ لِأَنَّ بِالْعِتْقِ لَمْ تَنْقَطِعْ وِلَايَةُ التِّجَارَةِ بَلْ اسْتَفَادَهَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَتَزَوَّجُ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ وَلِأَنَّهُ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الْمَوْلَى لِوُجُوبِ الْمَهْرِ، وَالنَّفَقَةِ فِي رَقَبَتِهِ وَفِي الْمُحِيطِ حَجْرُ الْمَأْذُونِ وَلَوْ اشْتَرَى الْمَأْذُونُ أَمَةً فَتَسَرَّى بِهَا وَوَلَدَتْ لَهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ وَلَا يُخْرِجُ الْأَمَةَ وَوَلَدَهَا مِنْ التِّجَارَةِ وَكَذَا لَوْ تَزَوَّجَ أَمَةً بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ بِإِذْنِ الْمَوْلَى لَمْ تَخْرُجْ الْأَمَةُ وَوَلَدُهَا مِنْ التِّجَارَةِ، فَإِنْ كَانَ النِّكَاحُ بِبَيِّنَةٍ خَرَجَتْ مِنْ التِّجَارَةِ قَالَ الْحَاكِمُ أَبُو الْفَضْلِ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْجَوَابُ فِي أَمَةٍ بِأُجْرَةٍ اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يُزَوِّجُ مَمْلُوكَهُ) أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَا زَوَّجَهَا مِنْ الْمَوْلَى وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ وَقَالَ الثَّانِي يُزَوِّجُ الْأَمَةَ دُونَ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَحْصِيلَ النَّفَقَةِ، وَالْمَهْرِ فَأَشْبَهَ إجَارَتَهَا وَلِهَذَا جَازَ لِلْمُكَاتَبِ وَوَصِيِّ الْأَبِ، وَالْأَبِ وَلَهُمَا أَنَّ الْإِذْنَ يَتَنَاوَلُ التِّجَارَةَ، وَالتَّزْوِيجُ لَيْسَ مِنْهَا وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَ الْعَبْدِ بِالِاتِّفَاقِ، وَالْأَبُ، وَالْوَصِيُّ تَصَرُّفُهُمَا بِالنَّظَرِ إلَى الصَّغِيرِ وَفِي تَزْوِيجِ الْأَمَةِ النَّظَرُ الْمَذْكُورُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الصَّبِيُّ، وَالْمَعْتُوهُ الْمَأْذُونُ لَهُمَا، وَالْمُضَارِبُ، وَالشَّرِيكُ عِنَانًا وَمُفَاوَضَةً وَمَا فِي الْهِدَايَةِ مِنْ أَنَّ الْأَبَ، وَالْوَصِيَّ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ سَبْقُ قَلَمٍ مِنْ الْكَاتِبِ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ بِنَفْسِهَا فِي كِتَابِ الْمُكَاتَبِ مِثْلَ مَا ذَكَرْنَا وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِمَا خِلَافًا بَلْ جَعَلَهُمَا كَالْمُكَاتَبِ وَكَذَا فِي عَامَّةِ كُتُبِ أَصْحَابِنَا كَالْمَبْسُوطِ مُخْتَصَرِ الْكَافِي، وَالتَّتِمَّةِ قَيَّدْنَا بِقَوْلِنَا زَوَّجَهَا مِنْ الْمَوْلَى وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ لِمَا قَالَ فِي الْمُنْتَقَى اشْتَرَى الْمَأْذُونُ جَارِيَةً وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ فَزَوَّجَهَا مِنْ الْمَوْلَى جَازَ وَقَدْ خَرَجَتْ الْجَارِيَةُ مِنْ التِّجَارَةِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا وَلَا تُبَاعُ لِلْغُرَمَاءِ لَوْ لَحِقَهُ دَيْنٌ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى يَمْلِكُ أَكْسَابَ عَبْدِهِ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَمْ يَجُزْ النِّكَاحُ وَلَهُ أَنْ يَبِيعَهَا وَيَبِيعَ وَلَدَهَا؛ لِأَنَّهُمَا مِلْكٌ لِلْعَبْدِ، وَإِنْ قَضَى دَيْنَهُ بَعْدَ التَّزْوِيجِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ تَزْوِيجِهِ وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يُكَاتِبُ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ إذْ هِيَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ، وَالْبَدَلُ فِي الْحَالِ مُقَابَلٌ بِفَكِّ الْحَجْرِ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ وَلِأَنَّ الْكِتَابَةَ أَقْوَى مِنْ الْحَجْرِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ تُوجِبُ حُرْمَةَ الْيَدِ فِي الْحَالِ وَحُرِّيَّةَ الرَّقِيقِ فِي الْمَآلِ، وَالْإِذْنُ لَا يُوجِبُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَالشَّيْءُ لَا يَتَضَمَّنُ مَا هُوَ فَوْقَهُ إلَّا إذَا أَجَازَهُ الْمَوْلَى وَلَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ؛ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ لَحِقَهُ، فَإِنْ أَجَازَهُ الْمَوْلَى جَازَ وَذُكِرَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّهُ إذَا كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ قَلِيلٌ أَوْ كَثِيرٌ فَكِتَابَتُهُ بَاطِلَةٌ، وَإِنْ أَجَازَهُمَا؛ لِأَنَّ قِيَامَ الدَّيْنِ يَمْنَعُهُ مِنْ ذَلِكَ قَلَّ أَوْ كَثُرَ وَهَذَا مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ إذَا لَمْ يَكُنْ مُسْتَغْرِقًا لِمَا فِي يَدِهِ وَرَقَبَتِهِ لَا يَمْنَعُ الدُّخُولَ فِي مِلْكِ الْمَوْلَى، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا كَانَ الدَّيْنُ مُسْتَغْرِقًا فَعِنْدَ الْإِمَامِ يَمْنَعُ مِنْ دُخُولِهِ فِي مِلْكِ الْمَوْلَى وَعِنْدَهُمَا لَا يَمْنَعُ، وَإِذَا أَدَّى الْمُكَاتَبُ الْبَدَلَ إلَى الْمَوْلَى قَبْلَ الْإِجَازَةِ ثُمَّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 105 أَجَازَ الْمَوْلَى لَا يُعْتَقُ وَيُسَلَّمُ الْمَقْبُوضُ لِلْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ كَسْبُ عَبْدِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يُعْتِقُ) أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ عَلَى مَالٍ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ فَوْقَ الْكِتَابَةِ فَكَانَ أَوْلَى بِالِامْتِنَاعِ، وَإِنْ أَجَازَ الْمَوْلَى وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ مَالٌ دَيْنًا جَازَ وَكَأَنَّهُ قَبِلَ الْعِوَضَ إلَيْهِ إنْ كَانَ الْعِتْقُ عَلَى مَالٍ، فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ لَمْ يَنْفُذْ عِنْدَ الْإِمَامِ وَيَنْفُذْ عِنْدَهُمَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يَمْلِكُ مَا فِي يَدِهِ أَمْ لَا وَقَدَّمْنَا لَوْ أَقَرَّ بِحُرِّيَّةٍ طَارِئَةٍ أَوْ أَصْلِيَّةٍ فَرَاجِعْهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يُقْرِضُ) ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ ابْتِدَاءً وَهُوَ لَا يَمْلِكُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إذَا كَانَ دِرْهَمًا فَصَاعِدًا فَأَمَّا مَا دُونَهُ فَيَجُوزُ أَنْ يُقْرَضَ كَمَا فِي الْهِبَة قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَهَبُ) أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ بِعِوَضٍ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً أُطْلِقَ فِي مَنْعِ الْهِبَةِ فَشَمِلَ مَا قِيمَتُهُ دِرْهَمٌ وَمَا دُونَهُ وَفِي الْمُحِيطِ وَلَا يَهَبُ هَذَا إذَا بَلَغَتْ قِيمَتُهُ دِرْهَمًا فَصَاعِدًا وَيَجُوزُ هِبَةُ مَا دُونَ الدِّرْهَمِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ صَنِيعِ التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لِلتُّجَّارِ مِنْهُ لِيُعْرَفَ وَيَمِيلَ قَلْبُ النَّاسِ إلَيْهِ اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُهْدِي طَعَامًا يَسِيرًا وَيُضِيفُ مَنْ يُطْعِمُهُ) ؛ لِأَنَّ التُّجَّارَ يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ لِاسْتِجْلَابِ قُلُوبِ الْمُهَاجِرِينَ وَعَنْ الثَّانِي الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ إذَا دَفَعَ إلَيْهِ الْمَوْلَى قُوتَ يَوْمِهِ فَدَعَا بَعْضَ رُفَقَائِهِ عَلَيْهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا دَفَعَ قُوتَ شَهْرٍ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا أَكَلُوهُ يَضُرُّ بِحَالِ الْمَوْلَى وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَدِّرَ الضِّيَافَةَ بِتَقْدِيرٍ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ وَاخْتِلَافِ الْمَالِ وَلَا بَأْسَ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَتَصَدَّقَ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا بِالرَّغِيفِ بِدُونِ إذْنِ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ عَادَةً قَالَ مُحَمَّدٌ وَيَتَصَدَّقُ الْمَأْذُونُ بِالرَّغِيفِ وَنَحْوِهِ وَاسْتَحْسَنُوا ذَلِكَ فِي الطَّعَامِ وَفِيمَا إذَا أَعَارَ رَجُلًا دَابَّةً لِيَرْكَبَهَا أَوْ ثَوْبًا يَلْبَسُهُ لَا بَأْسَ بِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْكِتَابِ الضِّيَافَةَ الْيَسِيرَةَ وَقَدَّرَهَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ الْبَلْخِيّ فَقَالَ إنْ كَانَ مَالُ التِّجَارَةِ عَشَرَةَ آلَافٍ فَالضِّيَافَةُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ، وَإِنْ كَانَ مَالُ التِّجَارَةِ عَشَرَةً فَالضِّيَافَةُ بِدَانِقٍ كَذَا فِي الْمُحِيطِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَحُطُّ مِنْ الثَّمَنِ بِعَيْبٍ) أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ قَدَّرَ الْعَيْبَ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ قَدَّرَهُ فَلَوْ قَالَ بِقَدْرِهِ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ وَقَيَّدْنَا بِكَوْنِ الْحَطِّ أَنْظَرَ لَهُ مِنْ قَبُولِ الْعَيْبِ بِخِلَافِ الْحَطِّ مِنْ غَيْرِ عَيْبٍ أَوْ الْحَطِّ أَكْثَرَ مِنْ الْعَادَةِ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ مَحْضٌ بَعْدَ تَمَامِ الْعَقْدِ وَهُوَ لَيْسَ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ فَلَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ بِخِلَافِ الْمُحَابَاةِ ابْتِدَاءً؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَحْتَاجُ إلَيْهِ التَّاجِرُ وَلَهُ أَنْ يُؤَجِّلَ فِي دَيْنٍ وَجَبَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ عَادَةِ التُّجَّارِ وَفِي الْمُحِيطِ فَأَمَّا إذَا كَانَ الْمَحْطُوطُ أَكْثَرَ مِمَّا يَخُصُّ الْعَيْبَ مِنْ الثَّمَنِ بِحَيْثُ لَا يُتَغَابَنُ فِي مِثْلِهِ هَلْ يَجُوزُ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْكِتَابِ وَاخْتَلَفُوا فِيهِ فَقِيلَ يَجُوزُ عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْحَطَّ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ، وَالشِّرَاءِ وَهُوَ لَا يَمْلِكُهُ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ يَمْلِكُهُ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الْحَطَّ لَيْسَ بِتِجَارَةٍ اهـ. أُطْلِقَ فِي قَوْلِهِ فَشَمِلَ قَبْلَ الْحَجْرِ وَبَعْدَهُ وَأُطْلِقَ الْعَيْبُ فَشَمِلَ مَا إذَا أَقَرَّ بِهِ أَوْ ثَبَتَ قَالَ فِي الْمُنْتَقَى بَاعَ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ عَبْدًا فِي تِجَارَتِهِ ثُمَّ حَجَرَ عَلَيْهِ مَوْلَاهُ ثُمَّ وَجَدَ الْمُشْتَرِي بِالْعَبْدِ عَيْبًا فَالْخَصْمُ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ هُوَ الْعَبْدُ، وَإِنْ أَقَرَّ الْعَبْدُ بِالْعَيْبِ لَمْ يَلْزَمْهُ، وَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ فَقُضِيَ عَلَيْهِ جَازَ اهـ. فَإِذَا كَانَ خَصْمًا مَلَكَ الْحَطَّ. وَفِي الْمُحِيطِ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ إذَا بَاعَ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ عَيْنًا وَاطَّلَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى عَيْبٍ يَحْدُثُ مِثْلُهُ وَخَاصَمَ الْمَأْذُونَ فِي ذَلِكَ فَقَبِلَهُ مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ بِلَا يَمِينٍ وَلَا بَيِّنَةٍ فَقَبُولُهُ جَائِزٌ وَلَوْ أَنَّ عَبْدًا مَأْذُونًا بَاعَ مِنْ رَجُلٍ جَارِيَةً فَقَبَضَهَا الْمُشْتَرِي فَوَجَدَ بِهَا عَيْبًا فَرَدَّ الْقَاضِي الْجَارِيَةَ عَلَى الْعَبْدِ وَأَخَذَ مِنْهُ الثَّمَنَ ثُمَّ إنَّ الْعَبْدَ بَعْدُ وَجَدَ بِالْجَارِيَةِ عَيْبًا حَدَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْعَبْدُ وَقْتَ الرَّدِّ وَلَا عَلِمَ الْقَاضِي بِذَلِكَ فَالْمَأْذُونُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ نَقَضَ الْبَيْعَ وَرَدَّ الْجَارِيَةَ عَلَى الْمُشْتَرِي وَأَخَذَ مِنْهُ الثَّمَنَ إلَّا مِقْدَارَ الْعَيْبِ الَّذِي كَانَ عِنْدَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَجَازَ الْبَيْعَ وَأَمْسَكَ الْجَارِيَةَ وَلَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْمُشْتَرِي بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ. اهـ. وَلَوْ قَالَ وَيُحَطُّ مِنْ الْعِوَضِ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يَشْمَلُ مَا إذَا بَاعَ سِلْعَةً بِسِلْعَةٍ كَأَنْ يَحُطَّ مِنْهُ إذَا كَانَ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا وَمِنْ الْقِيمَةِ إذَا كَانَ قِيَمِيًّا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَدَيْنُهُ مُتَعَلِّقٌ بِرَقَبَتِهِ) وَهَذَا عِنْدَنَا وَقَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ وَزُفَرُ يَتَعَلَّقُ بِالْكَسْبِ لَا بِالرَّقَبَةِ فَلَا تُبَاعُ رَقَبَتُهُ وَيُبَاعُ كَسْبُهُ بِالْإِجْمَاعِ وَلَنَا أَنَّ هَذَا دَيْنٌ ظَهَرَ وُجُوبُهُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى فَيَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ كَدَيْنِ الِاسْتِهْلَاكِ، وَالْمَهْرِ وَنَفَقَةِ الزَّوْجَاتِ وَفِي تَعْلِيقِهِ بِرَقَبَتِهِ دَفْعُ الضَّرَرِ عَنْ النَّاسِ وَحَامِلٌ لَهُمْ عَلَى الْمُعَامَلَةِ وَبِهِ يَحْصُلُ مَقْصُودُ الْمَوْلَى وَتَعَلُّقُهُ بِكَسْبِهِ لَا يُنَافِي تَعَلُّقَهُ بِرَقَبَتِهِ فَيَتَعَلَّقُ بِهِمَا جَمِيعًا وَيُبْدَأُ بِبَيْعِ كَسْبِهِ؛ لِأَنَّهُ أَهْوَنُ عَلَى الْمَوْلَى مَعَ بَقَاءِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ كَسْبٌ تَعَلَّقَ الدَّيْنُ بِرَقَبَتِهِ اهـ فَلَوْ قَالَ الْمُؤَلِّفُ وَدُيُونُهُ مُتَعَلِّقَةٌ بِكَسْبِهِ وَرَقَبَتِهِ لَكَانَ أَوْلَى وَأَكْثَرَ فَائِدَةً الجزء: 8 ¦ الصفحة: 106 ؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ تَأَخُّرَ تَعَلُّقِهِ بِالرَّقَبَةِ عَنْ الْكَسْبِ إنْ كَانَ وَيُفِيدُ تَعْلِيقَيْنِ قَالَ فِي الْمُحِيطِ، وَإِذَا أَخَذَ الْمَوْلَى شَيْئًا مِنْ كَسْبِ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ ثُمَّ لَحِقَهُ دَيْنٌ سَلَّمَ لِمَوْلَاهُ مَا أَخَذَهُ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يَوْمَ أَخَذَ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا يُسَلِّمُ لِلْمَوْلَى مَا أَخَذَهُ وَيَظْهَرُ ذَلِكَ فِيمَا إذَا لَحِقَهُ دَيْنٌ آخَرُ يَرُدُّ الْمَوْلَى جَمِيعَ مَا كَانَ أَخَذَهُ؛ لِأَنَّا لَوْ جَعَلْنَا بَعْضَهُ مَشْغُولًا بِقَدْرِ الدُّيُونِ وَجَبَ عَلَى الْمَوْلَى رَدُّ قَدْرِ الْمَشْغُولِ عَلَى الْغَرِيمِ الْأَوَّلِ، فَإِذَا أَخَذَهُ كَانَ لِلْغَرِيمِ الثَّانِي أَنْ يُشَارِكَهُ فِيهِ إنْ كَانَ دَيْنُهُمَا سَوَاءً وَكَانَ لِلْغَرِيمِ الْأَوَّلِ أَنْ يَرْجِعَ بِمَا أَخَذَهُ مِنْهُ عَلَى السَّيِّدِ، وَإِذَا أَخَذَ مِنْهُ ثَانِيًا كَانَ لِلْغَرِيمِ الْآخَرِ أَنْ يُشَارِكَهُ ثُمَّ وَثُمَّ إلَى أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ جَمِيعَ مَا أَخَذَ مِنْ كَسْبِهِ وَلَوْ أَخَذَ الْمَوْلَى مِنْ الْمَأْذُونِ ضَرِيبَةَ مِثْلِهِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ سُلِّمَتْ لِلْمَوْلَى اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ لِلْمَوْلَى أَنْ يَسْتَخْدِمَ الْمَأْذُونَ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِهِ، فَإِذَا شَرَطَ عَلَيْهِ غَلَّةَ الْمِثْلِ فَقَدْ تَرَكَ عَلَيْهِ الْخِدْمَةَ عِوَضًا عَنْهَا فَكَانَ مَا أَخَذَهُ عِوَضًا بِخِلَافِ مَا إذَا زَادَ عَلَى غَلَّةِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ. عَلَيْهِ دَيْنٌ خَمْسُمِائَةٍ وَفِي يَدِهِ عَبْدٌ قِيمَتُهُ أَلْفٌ فَأَخَذَ مَوْلَاهُ ثُمَّ لَحِقَهُ دَيْنٌ أَلْفٌ ثُمَّ أَرَادَ إبْرَاءَ الْأَوَّلِ الْعَبْدَ عَنْ دَيْنِهِ لَمْ يُسَلَّمْ لِلْمَوْلَى مَا أَخَذَهُ أَوْ لَوْ أَبْرَأَهُ قَبْلَ لُحُوقِ الدَّيْنِ سُلِّمَ لِلْمَوْلَى مَا أَخَذَهُ كُلُّهُ وَكَانَ كَسْبُهُ فَارِغًا عَنْ الدَّيْنِ فَمَلَكَ الْمَوْلَى كَسْبَهُ وَخَرَجَ الْمَأْخُوذُ عَنْ كَوْنِهِ كَسْبَ الْعَبْدِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَبْرَأَهُ قَبْلَ لُحُوقِ الدَّيْنِ فَقَدْ أَبْرَأهُ بَعْدَمَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغُرَمَاءِ فَصَارَ مَشْغُولًا وَلَوْ لَمْ يُبْرِئْهُ الْأَوَّلُ وَلَكِنْ قَالَ لَمْ يَكُنْ لِي عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ بَعْدَمَا لَحِقَهُ الدَّيْنُ الثَّانِي يُسَلَّمُ لِلْمَوْلَى مَا أَخَذَهُ كُلُّهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ لَمْ يَكُنْ لِي عَلَيْهِ دَيْنٌ وَأَقَرَّ بِذَلِكَ كَاذِبًا فَقَدْ كَذَبَ الْعَبْدُ فِي إقْرَارِهِ فَبَطَلَ إقْرَارُهُ مِنْ الْأَصْلِ فَظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَصَحَّ أَخْذُ الْمَوْلَى وَبِالْإِبْرَاءِ لَمْ يَظْهَرْ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ؛ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ إسْقَاطٌ بَعْدَ الْوُجُوبِ لَمْ يَصِحَّ أَخْذُهُ وَلَوْ كَانَ الْمَوْلَى صَدَّقَ عَبْدَهُ حِينَ أَقَرَّ لِلْأَوَّلِ بِالدَّيْنِ ثُمَّ لَحِقَهُ دَيْنُ الثَّانِي ثُمَّ قَالَ الْأَوَّلُ لَمْ يَكُنْ لِي لَهُ عَلَيْهِ شَيْءٌ لَمْ يُسَلِّمْ لِلْمَوْلَى مَا قَبَضَ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَمَّا صَدَّقَ عَبْدَهُ فِي الدَّيْنِ فَقَدْ أَقَرَّ أَنَّ مَا أَخَذَهُ كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْأَوَّلِ، وَالثَّانِي فَقَدْ أَقَرَّ لِرَجُلَيْنِ بِخِلَافِ مَا إذَا صَدَّقَ الْمَوْلَى الْغَرِيمَ فِي قَوْلِهِ لَا دَيْنَ وَكَذَّبَهُ الْعَبْدُ لَا يَصِحُّ إقْرَارُ الْعَبْدِ فِي حَقِّ مَا فِي يَدِ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ بِمَا لَيْسَ فِي يَدِهِ وَقَوْلُهُ وَدُيُونُهُ مُتَعَلِّقَةٌ صَادِقٌ بِدَيْنٍ لِلْمَوْلَى أَوْ لِابْنِهِ أَوْ لِأَبِيهِ أَوْ لِابْنِ الْعَبْدِ الْحُرِّ أَوْ لِأَبِيهِ أَوْ لِأَجْنَبِيٍّ وَقَدْ قَدَّمْنَا بَيَانَهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (يُبَاعُ فِيهِ إنْ لَمْ يَفْدِهِ السَّيِّدُ) يَعْنِي إذَا تَعَلَّقَ الدَّيْنُ بِرَقَبَتِهِ حَيْثُ لَا كَسْبَ لَهُ يُبَاعُ فِيهِ رَقَبَتُهُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ الْغُرَمَاءِ وَلَا يُعَجِّلُ الْقَاضِي بَيْعَهُ بَلْ يَتَلَوَّمُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَالٌ يَقْدُمُ أَوْ دَيْنٌ يَقْبِضُهُ، فَإِذَا مَضَتْ مُدَّةُ التَّلَوُّمِ وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ وَجْهٌ بَاعَهُ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ نُصِبَ نَاظِرًا لِلْمُسْلِمِينَ وَلَمْ يُقَدِّرْ مُدَّةَ التَّلَوُّمِ قِيلَ هُوَ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي وَقِيلَ يُقَدَّرُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَا يَبِيعُهُ الْقَاضِي إلَّا بِحَضْرَةِ مَوْلَاهُ أَوْ نَائِبِهِ، فَإِذَا خَرَجَ الْعَبْدُ إلَى مِصْرٍ وَتَصَرَّفَ وَلَحِقَهُ دُيُونٌ وَفِي يَدِهِ أَمْوَالٌ وَقَالَ أَنَا مَحْجُورٌ عَلَيَّ وَكَذَّبَ الْغُرَمَاءُ بَاعَ الْقَاضِي كَسْبَهُ اسْتِحْسَانًا وَلَا يَبِيعُ رَقَبَتَهُ حَتَّى يَحْضُرَ الْمَوْلَى كَذَا فِي الْمُحِيطِ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ، فَإِنْ قِيلَ فَمَا وَجْهُ الْبَيْعِ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ وَهُوَ لَا يَرَى الْحَجْرَ عَلَى الْحُرِّ الْعَاقِلِ بِسَبَبِ الدَّيْنِ وَيَبِيعُ الْقَاضِي الْعَبْدَ بِغَيْرِ رِضَا مَوْلَاهُ حُجِرَ عَلَيْهِ أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِحَجْرٍ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ مَحْجُورًا وَأُعِيدَ بَيْعُهُ إذْ لَا يَجُوزُ لِلْمَوْلَى أَنْ يَبِيعَ الْعَبْدَ الْمَأْذُونَ بِغَيْرِ رِضَا الْغُرَمَاءِ وَحَجْرُ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ مُتَصَوَّرٌ وَقَوْلُهُ " إنْ لِمَنْ يَفْدِهِ سَيِّدُهُ " إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْبَيْعَ إنَّمَا يَجُوزُ إذَا كَانَ الْمَوْلَى حَاضِرًا فَأَمَّا إذَا كَانَ غَائِبًا، فَإِنَّهُ لَا يَبِيعُ الْعَبْدَ حَتَّى يَحْضُرَ الْمَوْلَى، فَإِنَّ الْخَصْمَ فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ هُوَ الْمَوْلَى فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ إلَّا بِحَضْرَةِ الْمَوْلَى أَوْ نَائِبِهِ بِخِلَافِ الْكَسْبِ، فَإِنَّهُ يُبَاعُ بِالدَّيْنِ، وَإِنْ كَانَ الْمَوْلَى غَائِبًا، فَإِنَّ الْخَصْمَ فِيهِ هُوَ الْعَبْدُ فَالشَّرْطُ حُضُورُ الْعَبْدِ اهـ. قَالَ الشَّارِحُ، وَالْمُرَادُ بِالدَّيْنِ مَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى وَأَمَّا مَا لَا يَظْهَرُ فِي حَقِّهِ فَلَا يُبَاعُ فِيهِ وَيُطَالِبُهُ الْمَوْلَى بِهِ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ وَفِي الْمُحِيطِ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ بِأَمْرِ بَعْضِ الْغُرَمَاءِ إلَّا بِرِضَا الْبَاقِينَ أَوْ يَكُونُ الْقَاضِي هُوَ الَّذِي بَاعَهُ وَيُعْزَلُ نَصِيبُ الْغَائِبِ عَنْهُمْ؛ لِأَنَّ لِلْمَوْلَى فِي الْعَبْدِ حَقَّ مِلْكٍ وَلِلْغُرَمَاءِ حَقَّ الِاسْتِسْعَاءِ فَيُبَاعُ لِيَصِلَ إلَيْهِمْ كَمَالُ حَقِّهِمْ وَهَذَا الْحَقُّ مُفَوَّتٌ عَلَيْهِمْ بِبَيْعِ الْمَوْلَى فَشَرْطُ إذْنِهِمْ فِيهِ اهـ. وَفِيهِ أَيْضًا، وَإِذَا وَلَدَتْ الْمَأْذُونَةُ الْمَدْيُونَةُ بَعْدَ لُحُوقِهَا دَيْنٌ لَزِمَ الدَّيْنُ الْوَلَدَ، وَالْأُمَّ وَيُبَاعَانِ فِيهِ؛ لِأَنَّ دَيْنَ الْأُمِّ حَقٌّ ثَبَتَ فِي رَقَبَتِهَا فَيَسْرِي إلَى الْوَلَدِ، وَإِنْ لَحِقَهَا بَعْدَ الْوِلَادَةِ لَا يُبَاعُ الْوَلَدُ وَهُوَ لِلْمَوْلَى؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ إنَّمَا تَعَلَّقَ بِرَقَبَتِهَا حَالَ انْفِصَالِهِ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِالْوَلَدِ وَأَمَّا الْهِبَةُ، وَالْكَسْبُ فَيُبَاعَانِ فِي الدَّيْنِ، وَإِنْ اسْتَفَادَهُمَا قَبْلَ الدَّيْنِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْكَسْبَ يَتْبَعُ الْمُكَاتَبَ حَقِيقَةً وَحُكْمًا بِكُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّهُ حَدَثَ بِكَسْبِهِ وَفِعْلِهِ، وَالْوَلَدُ يَتْبَعُ الِاتِّصَالَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 107 وَيَصِيرُ أَصْلًا حَالَ الِانْفِصَالِ وَلَوْ كَانَ عَلَيْهَا أَلْفٌ قَبْلَ الْوِلَادَةِ وَأَلْفٌ بَعْدَ الْوِلَادَةِ فَالْوَلَدُ لِلْأَوَّلِ خَاصَّةً وَلَا يُدْفَعُ الْوَلَدُ بِجِنَايَةِ الْأُمِّ، وَإِنْ وَلَدَتْ بَعْدَ الْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّ مُوجِبَ الْجِنَايَةِ لَا تَجِبُ فِي رَقَبَةِ الْجَانِي بَلْ يُخَيَّرُ الْمَوْلَى بَيْنَ الدَّفْعِ، وَالْفِدَاءِ، وَالْوَلَدُ لَيْسَ بِجَانٍ فَلَمْ يَجِبْ دَفْعُهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقُسِمَ ثَمَنُهُ بِالْحِصَصِ) أَيْ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ؛ لِأَنَّ دُيُونَهُمْ مُتَعَلِّقَةٌ بِرَقَبَتِهِ فَيَتَحَاصَصُونَ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ وَفَاءً مِنْ الْبَدَلِ كَمَا فِي التَّرِكَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِالثَّمَنِ وَفَاءٌ يَضْرِبُ كُلُّ غَرِيمٍ فِي الثَّمَنِ بِقَدْرِ حَقِّهِ كَالتَّرِكَةِ إذَا ضَاقَتْ، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ مِنْ دُيُونِهِ طُولِبَ بِهِ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ وَلَا يُبَاعُ ثَانِيًا كَيْ لَا يَمْتَنِعَ النَّاسُ عَنْ شِرَاءِ الْمَأْذُونِ وَدَفْعِهَا لِلضَّرُورَةِ عَنْ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُؤْذِنْ فِي التِّجَارَةِ فَلَمْ يَكُنْ رَاضِيًا بِبَيْعِهِ وَلَا يَلْزَمُ مَا لَوْ اشْتَرَاهُ الْإِذْنُ، فَإِنَّهُ لَا يُبَاعُ ثَانِيًا، وَإِنْ كَانَ رَاضِيًا لِلْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ قَدْ تَبَدَّلَ، وَتَبَدُّلُ الْمِلْكِ لَا يُبَدِّلُ الْعَيْنَ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ الْأَصْلِ أَنَّ دَيْنَ الْعَبْدِ أَقْوَى مِنْ دَيْنِ الْمَوْلَى وَلِهَذَا يُقَدَّمُ دَيْنُ الْعَبْدِ عَلَى دَيْنِ الْمَوْلَى فِي الْإِيفَاءِ مِنْ رَقَبَةِ الْعَبْدِ وَهُنَا مَسَائِلُ أَحَدُهَا فِي دَيْنِ الْوَارِثِ عَلَى عَبْدِ الْمَيِّتِ مَعَ دَيْنِ الْمَيِّتِ، وَالثَّانِي فِي دَيْنِ الْمَيِّتِ وَدَيْنِ الْعَبْدِ الْمُوصَى لَهُ، وَالثَّالِثُ فِي هِبَةِ الْمَرِيضِ عَبْدَهُ لِرَجُلٍ وَلِلْمَوْهُوبِ لَهُ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ الْأَوَّلُ إذَا هَلَكَ الرَّجُلُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ أَلْفِ دِرْهَمٍ وَتَرَكَ ابْنَيْنِ وَعَبْدًا قِيمَتُهُ أَلْفٌ لَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ وَلِأَحَدِ الِابْنَيْنِ عَلَى الْعَبْدِ خَمْسُمِائَةٍ يُبَاعُ الْعَبْدُ وَيَسْتَوْفِي الِابْنُ دَيْنَهُ ثُمَّ يَسْتَوْفِي الْأَجْنَبِيُّ خَمْسَمِائَةٍ ثَانِيَةً؛ لِأَنَّ دَيْنَ الْوَارِثِ دَيْنُ الْعَبْدِ وَدَيْنَ الْأَجْنَبِيِّ دَيْنٌ عَلَى الْمَوْلَى وَدَيْنَ الْعَبْدِ مُتَقَدِّمٌ عَلَى دَيْنِ الْمَوْلَى، وَإِنْ كَانَ دَيْنُ الْمَيِّتِ خَمْسَمِائَةٍ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا يَسْقُطُ نِصْفُ دَيْنِ الِابْنِ وَيُسْتَوْفَى نِصْفُهُ أَوَّلًا ثُمَّ يَسْتَوْفِي الْأَجْنَبِيُّ دَيْنَهُ خَمْسَمِائَةٍ بَقِيَ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ ثُلُثَاهَا لِلِابْنِ الْمَدِينِ وَثُلُثُهَا لِلِابْنِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ غَيْرُ مُحِيطٍ وَصَارَ الْعَبْدُ مِيرَاثًا بَيْنَ الِابْنَيْنِ وَسَقَطَ نِصْفُ دَيْنِ الِابْنِ الَّذِي فِي نَصِيبِهِ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنًا. الثَّانِي هَلَكَ عَنْ دَيْنٍ خَمْسِمِائَةٍ وَابْنَيْنِ وَعَبْدٍ قِيمَتُهُ أَلْفٌ وَأَوْصَى لِرَجُلٍ لَهُ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ خَمْسُمِائَةٍ بِثُلُثِ مَالِهِ بَطَلَ ثُلُثُ الدَّيْنِ الْمُوصَى لَهُ وَيَسْتَوْفِي ثُلُثَيْهِ، وَالْأَجْنَبِيُّ خَمْسَمِائَةٍ دَيْنَهُ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ غَيْرُ مُحِيطٍ بِالتَّرِكَةِ وَيَمْلِكُ الْمُوصَى لَهُ ثُلُثَ دَيْنِهِ وَبَقِيَ ثُلُثُ دَيْنِهِ فِي نَصِيبِ الْوَرَثَةِ فَيُوفُوا ذَلِكَ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ وَهِيَ أَلْفٌ ثُمَّ يَأْخُذُ الْغَرِيمُ كَمَالَ حَقِّهِ خَمْسَمِائَةٍ، وَالْبَاقِي بَيْنَ الْأَجْنَبِيِّ، وَالْمُوصَى لَهُ نِصْفَانِ وَلَوْ كَانَ دَيْنُ الْمَيِّتِ أَلْفًا يَسْتَوْفِي الْمُوصَى لَهُ تَمَامَ دَيْنِهِ أَوَّلًا ثُمَّ غَرِيمُ الْمَيِّتِ خَمْسَمِائَةٍ. الثَّالِثُ لَوْ كَانَ لَهُ عَبْدٌ وَهَبَهُ فِي مَرَضِهِ مِمَّنْ لَهُ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ أَلْفِ دِرْهَمٍ وَلَا دَيْنَ لَهُ غَيْرُهُ، فَإِنْ أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ سُلِّمَ الْعَبْدُ كُلُّهُ لَهُ وَسَقَطَ دَيْنُهُ، وَإِنْ أَبَتْ رَدَّتْ ثُلُثَيْ الْعَبْدِ بِغَيْرِ دَيْنِهِ وَسُلِّمَ لَهُ ثُلُثُهُ. [شَرِيكَانِ أَذِنَا لِعَبْدِهِمَا فِي التِّجَارَةِ] وَفِي الْمَبْسُوطِ شَرِيكَانِ أَذِنَا لِعَبْدِهِمَا فِي التِّجَارَةِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَا شَرِيكَيْنِ شَرِكَةَ مِلْكٍ أَوْ مُفَاوَضَةٍ أَوْ عِنَانٍ، فَإِنْ كَانَا شَرِيكَيْ مِلْكٍ أَذِنَا لِعَبْدِهِمَا فِي التِّجَارَةِ فَأَدَانَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ دِرْهَمٍ وَأَدَانَهُ الْأَجْنَبِيُّ مِائَةً فَاشْتَرَى عَبْدًا فَبِيعَ الْعَبْدُ بِمِائَةٍ أَوْ مَاتَ الْعَبْدُ عَنْ مِائَةٍ كَانَ نِصْفُهَا لِلْأَجْنَبِيِّ، وَالنِّصْفُ بَيْنَهُمَا فَالْإِمَامُ قَالَ تُعْتَبَرُ الْقِسْمَةُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ عَلَى طَرِيقِ الْعَوْلِ وَفِيهَا الْقِسْمَةُ عِنْدَهُمَا عَلَى طَرِيقِ الْمُنَازَعَةِ وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْوَصَايَا. وَلَوْ كَانَا شَرِيكَيْنِ مُفَاوَضَةً أَوْ عِنَانًا وَبَيْنَهُمَا عَبْدٌ لَيْسَ مِنْ شَرِكَتِهِمَا فَأَدَانَهُ أَحَدُهُمَا مِائَةً مِنْ شَرِكَتِهِمَا وَأَجْنَبِيٌّ مِائَةً فَبِيعَ الْعَبْدُ بِمِائَةٍ فَثُلُثَاهَا لِلْأَجْنَبِيِّ وَثُلُثُهَا بَيْنَهُمَا عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ دَيْنَ الْأَجْنَبِيِّ وَجَبَ كُلُّهُ وَدَيْنَ الْمَوْلَى ثَبَتَ نِصْفُهُ وَعِنْدَهُمَا قِيلَ يُقْسَمُ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ وَقِيلَ يَجِبُ أَنْ يُقْسَمَ عَلَى ثَمَانِيَةِ أَسْهُمٍ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا لِلْأَجْنَبِيِّ وَرُبْعُهَا بَيْنَ الْمَوْلَيَيْنِ وَيُطْلَبُ بَيَانُ التَّعْلِيلِ فِي الْمَبْسُوطِ، فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ مِنْ شَرِكَتِهِمَا، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَالْمِائَةُ كُلُّهَا لِلْأَجْنَبِيِّ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ لِلشَّرِكَةِ، وَالْعَبْدَ لِلشَّرِكَةِ بَيْنَهُمَا عَبْدٌ مَأْذُونٌ فَأَدَانَهُ أَحَدُهُمَا مِائَةً وَأَجْنَبِيٌّ مِائَةً وَغَابَ الَّذِي لَمْ يُدِنْ وَحَضَرَ الْأَجْنَبِيُّ، فَإِنَّ نَصِيبَ الَّذِي أَدَانَ فِي دَيْنِهِ وَيُؤَاخَذُ كُلُّهُ لِلْأَجْنَبِيِّ وَلَا يُبَاعُ نَصِيبُ الْغَائِبِ. قَالَ فِي الْمُحِيطِ، وَإِذَا شَهِدَ لِمُسْلِمٍ مُسْلِمَانِ عَلَى عَبْدٍ كَافِرٍ تَاجِرٍ بِأَلْفٍ وَمَوْلَاهُ مُسْلِمٌ وَلِمُسْلِمٍ كَافِرَانِ بِأَلْفٍ بِيعَ الْعَبْدُ وَبُدِئَ بِدَيْنِ الَّذِي شَهِدَ لَهُ الْمُسْلِمَانِ، فَإِنْ بَقِيَ شَيْءٌ كَانَ لِلْآخَرِ، وَإِنَّمَا بُدِئَ بِدَيْنِ الْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّهُ حُجَّةٌ فِي حَقِّ الْمَوْلَى، وَالْعَبْدِ وَحُجَّةُ الثَّانِي قَاصِرَةٌ؛ لِأَنَّهَا حُجَّةٌ فِي حَقِّ الْعَبْدِ دُونَ الْمَوْلَى وَلَوْ كَانَ الْأَوَّلُ كَافِرًا، فَإِنَّهُمَا يَتَحَاصَّانِ وَلَوْ صُدِّقَ أَنَّ الْعَبْدَ الَّذِي شَهِدَ لَهُ الْكَافِرُ اشْتَرَكَا جَمِيعًا وَلَوْ شَهِدَ لِمُسْلِمٍ كَافِرَانِ وَلِكَافِرٍ مُسْلِمَانِ تَحَاصَّا؛ لِأَنَّ بَيِّنَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا اسْتَوَتْ فِي كَوْنِهَا حُجَّةً فِي حَقِّ الْعَبْدِ وَلَوْ كَانَ أَرْبَابُ الدَّيْنِ ثَلَاثَةً مُسْلِمَانِ وَكَافِرٌ فَشَهِدَ لِلْكَافِرِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 108 مُسْلِمَانِ وَلِأَحَدِ الْمُسْلِمَيْنِ كَافِرَانِ وَلِلْآخَرِ مُسْلِمَانِ بُدِئَ بِدَيْنِ الْمُسْلِمِ الَّذِي شَهِدَ لَهُ الْمُسْلِمَانِ وَمَا بَقِيَ يَسْتَوِيَانِ فِيهِ لِاسْتِوَاءِ حُجَّتِهِمَا. عَبْدٌ كَافِرٌ مَأْذُونٌ لَهُ مَوْلَاهُ مُسْلِمٌ فَأَقَامَ عَلَيْهِ مُسْلِمٌ أَوْ كَافِرٌ كَافِرَيْنِ بِدَيْنٍ أَلْفٍ كَانَتْ لَهُ فَيَسْتَرِدُّ مِنْ الْمَقْضِيِّ لَهُ وَيَدْفَعُ إلَى الْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّهُمَا لَوْ اقْتَرَنَا أَوْ أَقَامَا مَعًا قُدِّمَتْ حُجَّةُ الْمُسْلِمِ الَّذِي شَهِدَ لَهُ مُسْلِمَانِ عَلَيْهِمَا فَكَذَا إذَا تَأَخَّرَتْ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي كَافِرًا شَارَكَ الْمَقْضِيُّ لَهُ الْأَوَّلَ وَلَوْ شَهِدَ لِمُسْلِمٍ حَرْبِيَّانِ بِدَيْنٍ أَلْفٍ عَلَى عَبْدٍ تَاجِرٍ حَرْبِيٍّ دَخَلَ دَارَنَا بِأَمَانٍ وَشَهِدَ لِمُسْلِمٍ ذِمِّيَّانِ بِدَيْنٍ أَلْفٍ وَشَهِدَ مُسْلِمَانِ بِدَيْنٍ أَلْفٍ فَبِيعَ الْعَبْدُ بِأَلْفٍ يَكُونُ الْحَرْبِيُّ، وَالذِّمِّيُّ نِصْفَيْنِ وَيَأْخُذُ الْمُسْلِمُ نِصْفَ مَا أَخَذَ الْحَرْبِيُّ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ الْحَرْبِيَّةَ لَيْسَتْ بِحُجَّةٍ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ، وَالذِّمِّيِّ أَصْلًا فَصَارَ كَأَنَّ الْمُسْلِمَ لَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً فِي حَقِّهِمَا وَبَيِّنَةُ الذِّمِّيِّ حُجَّةٌ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ؛ لِأَنَّ الذِّمِّيَّ مِنَّا دَارًا فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيمِ الذِّمِّيِّ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ لِزِيَادَةِ حُجَّتِهِ ثُمَّ الْمُسْلِمُ مَعَ الذِّمِّيِّ اسْتَوَيَا فِي الْحُجَّةِ؛ لِأَنَّ بَيِّنَةَ الْحَرْبِيِّ حُجَّةٌ فِي حَقِّ الْحَرْبِيِّ، وَالْبَيِّنَةُ الْمُسَلَّمَةُ حُجَّةٌ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ وَلَوْ شَهِدَ لِذِمِّيٍّ حَرْبِيَّانِ وَشَهِدَ لِمُسْلِمٍ ذِمِّيَّانِ وَشَهِدَ لِحَرْبِيٍّ مُسْلِمَانِ كَانَ الثَّمَنُ لِلْحَرْبِيِّ، وَالْمُسْلِمِ ثُمَّ يُشَارِكُ الذِّمِّيُّ الْحَرْبِيَّ فِيمَا خَصَّهُ؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ الْمُسْلِمِ لِلذِّمِّيِّ حُجَّةٌ فِي حَقِّ الْحَرْبِيِّ وَشَهَادَةَ الْحَرْبِيِّ لِلْمُسْلِمِ حُجَّةٌ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ فَقَدْ اسْتَوَيَا فِي الْحُجَّةِ فَيُقْضَى بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَلَا يَدْخُلُ فِي نَصِيبِ الْمُسْلِمِ وَلَوْ شَهِدَ الْمُسْلِمَانِ لِلذِّمِّيِّ، وَالذِّمِّيَّانِ لِلْحَرْبِيِّ، وَالْحَرْبِيَّانِ لِلْمُسْلِمِ كَانَ بَيْنَ الذِّمِّيِّ، وَالْحَرْبِيِّ نِصْفَانِ ثُمَّ يَأْخُذُ الْمُسْلِمُ نِصْفَ مَا أَخَذَهُ الْحَرْبِيُّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَا بَقِيَ طُولِبَ بِهِ بَعْدَ عِتْقِهِ) يَعْنِي مَا بَقِيَ مِنْ الدَّيْنِ بَعْدَ قِسْمَةِ الثَّمَنِ يُطَالَبُ بِهِ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ؛ لِأَنَّ الْغُرَمَاءَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءُوا اسْتَسْعَوْا الْعَبْدَ، وَإِنْ شَاءُوا بَاعُوهُ لَمْ يَبْقَ لَهُمْ تَعَلُّقٌ بِهِ؛ لِأَنَّ مَنْ هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ شَيْئَيْنِ أَوْ أَشْيَاءَ فَاخْتَارَ أَحَدَهُمَا بَطَلَ خِيَارُهُ فِي غَيْرِهِ وَلَمَّا كَانَ الْإِذْنُ تَارَةً يَكُونُ شَائِعًا فَلَا يُحْجَرُ إلَّا بِالْحَجْرِ الشَّائِعِ وَتَارَةً يَكُونُ غَيْرَ شَائِعٍ فَيَنْجَبِرُ بِالْحَجْرِ غَيْرِ الشَّائِعِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُحْجَرُ بِحَجْرٍ، وَإِنْ عَلِمَ بِهِ أَكْثَرُ أَهْلِ سُوقِهِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الْحَجْرُ صَحِيحٌ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ سُوقِهِ وَلَنَا أَنَّ حَجْرَهُ لَوْ صَحَّ بِدُونِ عِلْمِهِمْ لَتَضَرَّرُوا بِهِ؛ لِأَنَّهُ اكْتَسَبَ شَيْئًا فَالْمَوْلَى يَأْخُذُهُ فَيَتَأَخَّرُ حَقُّهُمْ إلَى مَا بَعْدَ الْعِتْقِ وَهُوَ مَوْهُومٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُعْتَقُ وَقَدْ لَا يُعْتَقُ وَقُيِّدَ بِالْأَكْثَرِ وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ؛ لِأَنَّ إعْلَامَ الْكُلِّ مُتَعَذِّرٌ أَوْ مُتَعَسِّرٌ وَلَوْ حُجِرَ عَلَيْهِ بِحَضْرَةِ الْأَقَلِّ لَمْ يَصِرْ مَحْجُورًا عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ بَاعَهُ مَنْ عَلِمَ مِنْهُ وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ جَازَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا صَارَ مَأْذُونًا لَهُ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ صَارَ مَأْذُونًا لَهُ فِي حَقِّ مَنْ عَلِمَ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ لَا يَتَجَزَّأُ وَيُشْتَرَطُ عِلْمُ الْعَبْدِ أَيْضًا وَبَقِيَ مَأْذُونًا لَهُ حَتَّى يَعْلَمَ بِالْحَجْرِ وَفِي الْمُحِيطِ أَصْلُهُ أَنَّ الْحَجْرَ الْخَاصَّ لَا يَرِدُ عَلَى الْإِذْنِ الْعَامِّ وَيَرِدُ عَلَى الْإِذْنِ الْخَاصِّ بِأَنْ أَذِنَ لَهُ بِمَحْضَرِ رَجُلٍ أَوْ رَجُلَيْنِ وَثَلَاثَةٍ فَحَجَرَ بِمَحْضَرِ هَؤُلَاءِ يَصِحُّ وَلَوْ رَآهُ الْمَوْلَى يَبِيعُ وَيَشْتَرِي بَعْدَمَا حُجِرَ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ الْعَبْدُ فَلَمْ يَنْهَهُ ثُمَّ عَلِمَ الْعَبْدُ بِالْحَجْرِ يَبْقَى مَأْذُونًا اسْتِحْسَانًا وَوَجْهُهُ أَنَّ سُكُوتَ الْمَوْلَى أَجَازَهُ حَالَ رُؤْيَةِ عَبْدِهِ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي بِرَفْعِ الْحَجْرِ الثَّابِتِ فَلَأَنْ يُرْفَعَ الْمَوْقُوفُ أَوْلَى وَلَوْ أَرْسَلَ إلَيْهِ صَبِيًّا يُخْبِرُهُ بِحَجْرِهِ أَوْ كَتَبَ إلَيْهِ صَارَ مَحْجُورًا؛ لِأَنَّ الرِّسَالَةَ، وَالْكِتَابَةَ مِنْ الْغَائِبِ بِمَنْزِلَةِ الْمُشَافَهَةِ مِنْ الْحَاضِرِ سَوَاءٌ كَانَ الرَّسُولُ عَدْلًا أَوْ فَاسِقًا حُرًّا أَوْ عَبْدًا، وَإِنْ أَخْبَرَهُ بِالْحَجْرِ رَجُلٌ أَوْ صَبِيٌّ مِنْ غَيْرِ رِسَالَةٍ لَمْ يَكُنْ حَجْرٌ حَتَّى يُخْبِرَهُ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ عَدْلٌ يَعْرِفُهُ الْعَبْدُ عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا يَصِيرُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ كَانَ الْمُخْبِرُ حُرًّا أَوْ عَبْدًا عَدْلًا أَوْ فَاسِقًا أَوْ صَبِيًّا وَفِي الْخَانِيَّةِ فَرَّقَ الْإِمَامُ بَيْنَ الْإِذْنِ، وَالْحَجْرِ فَعِنْدَهُ لَا يَثْبُتُ الْحَجْرُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ إلَّا إذَا كَانَ عَدْلًا أَوْ اثْنَانِ وَيَثْبُتُ الْإِذْنُ بِقَوْلِ الْفُضُولِيِّ الْوَاحِدِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَذَكَرَ الشَّيْخُ خُوَاهَرْ زَادَهْ عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي بَكْرٍ الْبَلْخِيّ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا، وَإِنَّمَا يَصِيرُ مَأْذُونًا إذَا كَانَ الْخَبَرُ صَادِقًا عِنْدَ الْعَبْدِ وَكَذَا الْحَجْرُ، وَالْفَتْوَى عَلَى هَذَا الْقَوْلِ اهـ. هَذَا إذَا حَضَرَ الْمَوْلَى وَصَدَّقَهُ فَلَوْ حَضَرَا لِمَوْلًى وَكَذَّبَهُ لَا يَصِيرُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ. وَإِذَا أَذِنَ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لِعَبْدِهِ فِي التِّجَارَةِ ثُمَّ حَجَرَ الْمَوْلَى عَلَى الْأَوَّلِ إنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يَحْجُرُ عَلَى الثَّانِي وَمِثْلُهُ لَوْ مَاتَ الْأَوَّلُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْأَوَّلِ دَيْنٌ لَمْ يَحْجُرْ عَلَى الثَّانِي فِي الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّهُ مَتَى كَانَ عَلَى الْأَوَّلِ دَيْنٌ لَا يَمْلِكُ الْمَوْلَى إذْنَ الْعَبْدِ الثَّانِي، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَالْمَوْلَى يَمْلِكُ أَنْ يَأْذَنَ لِلثَّانِي فَصَارَ الْمَوْلَى آذِنًا لِلثَّانِي حُكْمًا، وَالْمَوْلَى لَوْ أَذِنَ لِلثَّانِي حَقِيقَةً ثُمَّ حَجَرَ عَلَى الْأَوَّلِ لَمْ يَحْجُرْ عَلَى الثَّانِي فَكَذَا حُكْمًا وَلَمْ يَجُزْ حَجْرُ الْمَوْلَى عَلَى مَأْذُونِ مُكَاتَبِهِ وَيَنْحَجِرُ بِمَوْتِ الْمُكَاتَبِ وَعَجْزِهِ وَلَوْ مَاتَ الْمُكَاتَبُ عَنْ وَلَدٍ فَأَذِنَ الْوَلَدُ لِلْعَبْدِ فِي التِّجَارَةِ فَإِذْنُهُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ التَّرِكَةَ مَا دَامَتْ مَشْغُولَةً لَا يَمْلِكُهَا الْوَارِثُ فَلَوْ أَدَّى بَدَلَ الْكِتَابَةِ مِنْ كَسْبِ الْمَأْذُونِ صَحَّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 109 الْإِذْنُ، وَإِنْ كَانَ الْإِذْنُ قَبْلَ مُضِيِّ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ مِلْكٌ مِنْ وَقْتِ الْمَوْتِ مَتَى قُضِيَ الدَّيْنُ وَأُطْلِقَ فِي قَوْلِهِ يَنْحَجِرُ بِحَجْرِهِ فَشَمِلَ الْمُنَجَّزَ، وَالْمُعَلَّقَ وَهُوَ صَحِيحٌ فِي الْمُنَجَّزِ غَيْرُ صَحِيحٍ فِي الْمُعَلَّقِ. قَالَ فِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ الْقَاضِي لِرَجُلٍ قَدْ حَجَرْت عَلَيْك إذَا سَفِهْت لَمْ يَكُنْ حَجْرًا، وَإِذَا قَالَ لِسَفِيهٍ قَدْ أَطْلَقْتُك إذَا صَلَحْت جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ، وَالْإِطْلَاقَ إسْقَاطٌ لِلْحَجْرِ وَتَعْلِيقُ الْإِسْقَاطِ بِالشَّرْطِ جَائِزٌ كَالطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقِ وَأَمَّا الْحَجَرُ عَزْلٌ وَتَعْلِيقُ الْعَزْلِ بِالشَّرْطِ لَا يَصِحُّ وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ جَازَ الْحَجْرُ كَمَا جَازَ الْإِذْنُ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ مَنْعٌ وَتَعْلِيقٌ بِالْخَطَرِ جَائِزٌ اهـ. [حَجَرَ عَلَى الْمَأْذُونِ وَلَهُ دُيُونٌ عَلَى النَّاسِ] وَفِي الْمُحِيطِ فِي بَابِ إقْرَارِ الْمَأْذُونِ بَعْدَ الْحَجْرِ، وَإِذَا حَجَرَ عَلَى الْمَأْذُونِ وَلَهُ دُيُونٌ عَلَى النَّاسِ كَانَ الْخَصْمُ فِيهَا الْعَبْدَ حَتَّى لَوْ قَبَضَهَا الْعَبْدُ بَرِئَ الْغَرِيمُ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ لَا يَعْمَلُ فِيمَا ثَبَتَ لِلْعَبْدِ قَبْلَ الْحَجْرِ وَلِأَنَّ قَبْضَ الثَّمَنِ مِنْ حُقُوقِ الْعَقْدِ وَلَوْ مَاتَ الْعَبْدُ أَوْ بَاعَهُ فَالْخَصْمُ فِيهَا هُوَ الْمَوْلَى، وَإِنْ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى أَقْرَبُ النَّاسِ إلَيْهِ، فَإِذَا عَجَزَ الْعَبْدُ عَنْ قَبْضِ حَقِّهِ، وَالْخُصُومَةِ فِيهِ يَقُومُ الْمَوْلَى مَقَامَهُ كَالْوَارِثِ يَقُومُ مَقَامَ الْمُوَرِّثِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَقْبِضُ الدَّيْنَ إذَا كَانَ لَهُ دَيْنٌ عَلَيْهِ. وَإِذَا أَقَرَّ الْعَبْدُ بَعْدَ الْحَجْرِ عِنْدَ الْقَاضِي بِعَيْبٍ لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ فِي مَتَاعٍ بَاعَهُ حَالَ إذْنِهِ يُرَدُّ عَلَيْهِ لَا بِإِقْرَارٍ لَكِنَّ الْقَاضِيَ بِوُجُودِ عَقْدِ الْبَيْعِ أَوْ أَقَامَ الْمُشْتَرِي الْبَيِّنَةَ، وَإِنْ كَانَ عَيْبًا يَحْدُثُ مِثْلُهُ لَمْ يُصَدَّقْ الْعَبْدُ عَلَى الْغُرَمَاءِ، وَالْخَصْمُ فِيهِ هُوَ الْمَوْلَى يُحَالُ فِيهِ عَلَى عِلْمِهِ، وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ بِحَجْرِهِ يَشْمَلُ السَّيِّدَ، وَالْأَبَ، وَالْوَصِيَّ، وَالْقَاضِيَ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ سَوَاءٌ فِي الْعَزْلِ الْقَصْدِيِّ وَلَوْ زَادَ ضَمِيرُ فِيهِ لِيَرْجِعَ لِلْإِذْنِ وَلُحُوقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ الْعَامِّ وَلِيُفِيدَ الْفَرْقَ بَيْنَ الْعَامِّ فِي الْحَجْرِ، وَالْخَاصِّ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (وَبِمَوْتِ سَيِّدِهِ وَجُنُونِهِ وَلُحُوقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا) يَعْنِي يَصِيرُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ عَلِمَ الْعَبْدُ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ غَيْرُ لَازِمٍ وَبِمَا ذُكِرَ بَطَلَتْ أَهْلِيَّةُ الْآذِنِ فَيَنْعَزِلُ وَيَنْحَجِرُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ حَجْرٌ حُكْمِيٌّ وَلِهَذَا يُعْتَقُ بِمَا ذُكِرَ مُدَبَّرُوهُ وَأُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ وَيُقْسَمُ مَالُهُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ فَصَارَ مَحْجُورًا فِي ضِمْنِ بُطْلَانِ الْأَهْلِيَّةِ فَلَا يُشْتَرَطُ عِلْمُهُ وَلَا عِلْمُ أَهْلِ السُّوقِ أَيْضًا قُيِّدَ بِلُحُوقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ قَوْلُ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا يَنْحَجِرُ بِنَفْسِ الِارْتِدَادِ لَحِقَ أَوْ لَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ: وَإِنْ ارْتَدَّ فَتَصَرَّفَ ثُمَّ أَسْلَمَ جَازَ تَصَرُّفُهُ، فَإِنْ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ بَطَلَ عِنْدَ الْإِمَامِ وَقَالَا لَا يَبْطُلُ وَلَوْ كَاتَبَ أَمَةً جَازَ بِالْإِجْمَاعِ وَأَفَادَ بِتَوَسُّطِ الْجُنُونِ بَيْنَ الْمَوْتِ الْحَقِيقِيِّ، وَالْحُكْمِيِّ أَنَّهُ الْجُنُونُ الْمُطْبِقُ قَالَ فِي الْمُحِيطِ: فَإِنْ كَانَ يُجَنُّ وَيُفِيقُ فَهُوَ عَلَى إذْنِهِ؛ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ لَا تَزُولُ بِغَيْرِ الْمُطْبِقِ الَّذِي يَسْتَوْعِبُ السَّنَةَ وَمَوْتُ الْأَبِ، وَالْوَصِيِّ حَجْرٌ عَلَى الصَّبِيِّ الْمَأْذُونِ وَعَلَى عَبْدِهِ وَمَوْتُ الْقَاضِي وَعَزْلُهُ لَا يُوجِبُ عَزْلَ الْمَأْذُونِ مِنْ جِهَتِهِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ إذْنَ الْقَاضِي قَضَاءٌ مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّهُ بِاعْتِبَارِ وِلَايَتِهِ الْقَضَاءَ لَا بِاعْتِبَارِ وِلَايَةِ الْمِلْكِ، وَالنِّيَابَةِ فَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ قَاضٍ لَا يَبْطُلُ بِمَوْتِهِ وَعَزْلِهِ وَأَمَّا إذْنُ الْأَبِ فَمِنْ حَيْثُ النِّيَابَةُ فَيَبْطُلُ بِهِمَا وَإِذْنُ الْقَاضِي الصَّبِيَّ جَائِزٌ، وَإِنْ أَبَى أَبُوهُ أَوْ وَصِيُّهُ وَحَجْرُهُمَا عَلَيْهِ لَا يَصِحُّ لَا فِي حَيَاةِ الْقَاضِي وَلَا فِي مَوْتِهِ، وَإِنْ حَجَرَ عَلَيْهِ بَعْدَ عَزْلِهِ لَا يَصِحُّ حَجْرُهُ، وَإِنَّمَا الْحَجْرُ لِلْقَاضِي. الثَّانِي فَلَوْ أَذِنَ الْأَبُ لِعَبْدِ ابْنِهِ الصَّغِيرِ ثُمَّ مَلَكَهُ الْأَبُ فَهُوَ حَجْرٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ صَحَّ بِاعْتِبَارِ مِلْكِ الِابْنِ فَيَزُولُ بِزَوَالِهِ، وَإِذَا أَدْرَكَ الصَّغِيرُ فَمَا دُونَ أَبِيهِ عَلَى إذْنِهِ وَلَوْ مَاتَ الْأَبُ بَعْدَمَا أَدْرَكَ الِابْنُ فَالْعَبْدُ عَلَى إذْنِهِ وَلَوْ بَاعَ الْمَوْلَى الْعَبْدَ صَارَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَهْلُ سُوقِهِ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ، فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَبَاعَهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْغُرَمَاءِ لَا يَصِيرُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ وَهَذَا الْحَجْرُ ثَبَتَ ضِمْنًا لِلْبَيْعِ وَكَذَا لَوْ زَالَ عَنْ مِلْكِهِ بِالْهِبَةِ أَوْ غَيْرِهَا، فَإِنْ عَادَ إلَى قَدِيمِ مِلْكِهِ بِالرَّدِّ بِالْعَيْبِ أَوْ بِالرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ لَا يَعُودُ الْإِذْنُ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ إذَا بَاعَ الْمُوَكَّلَ فِيهِ ثُمَّ عَادَ إلَى مِلْكِهِ تَعُودُ الْوَكَالَةُ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْإِذْنِ فَكُّ الْحَجْرِ، وَالْحَجْرُ يَسْقُطُ، وَالسَّاقِطُ لَا يَعُودُ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْوَكَالَةِ بَيْعُ الْعَيْنِ فَجَازَ أَنْ تَعُودَ الْوَكَالَةُ كَمَا عَادَ إلَيْهِ. وَلَوْ بَاعَهُ مَوْلَاهُ بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ فَمَا لَمْ يَقْبِضْهُ الْمُشْتَرِي لَا يَصِيرُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ، وَإِنْ بَاعَهُ بِمَيْتَةٍ أَوْ دَمٍ فَهُوَ عَلَى إذْنِهِ، وَإِنْ قَبَضَهُ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ بِهِمَا لَمْ يَنْعَقِدْ بِخِلَافِ الْخَمْرِ، وَالْخِنْزِيرِ وَلَوْ قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي فِي الْبَيْعِ بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ بِمَحْضَرِ الْبَائِعِ بِغَيْرِ إذْنِهِ صَارَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ وَلَوْ تَصَرَّفَا ثُمَّ قَبَضَهُ بِغَيْرِ إذْنٍ لَمْ يَصِرْ مَحْجُورًا عَلَيْهِ ثُمَّ إيجَابُ الْبَيْعِ إذْنٌ بِالْقَبْضِ فِي الْمَجْلِسِ دَلَالَةً وَبَعْدَهُ لَا يَكُونُ إذْنًا وَلَوْ أَمَرَهُ بِقَبْضِهِ فَقَبَضَهُ بَعْدَمَا تَفَرَّقَا صَارَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ، وَإِنْ بَاعَهُ بَيْعًا صَحِيحًا عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ بِالْخِيَارِ لَا يَصِيرُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ مَا لَمْ يَتِمَّ الْبَيْعُ وَهَلْ يَصِيرُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ مِنْ وَقْتِ الْبَيْعِ أَوْ مِنْ وَقْتِ الْإِجَازَةِ قَالَ مَشَايِخُ بَلْخٍ يَصِيرُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ مِنْ وَقْتِ الْإِجَازَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي صَارَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ مِنْ وَقْتِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ خِيَارَ الْمُشْتَرِي لَا يَمْنَعُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 110 خُرُوجَ الْمِلْكِ عَنْ الْبَائِعِ وَلَوْ أُسْقِطَ لَفْظُ سَيِّدِهِ وَذُكِرَ مَكَانُهُ وَمَوْتُ غَيْرِ الْقَاضِي أَوْ أَرَادَ فِيهِ كِتَابَ الشُّبْهَةِ لَكَانَ أَوْلَى وَأَسْلَمَ؛ لِأَنَّهُ يَشْمَلُ السَّيِّدَ، وَالْأَبَ، وَالْوَصِيَّ وَأُخْرِجَ مَوْتُ الْقَاضِي وَلَوْ قَالَ الْمُؤَلِّفُ وَجُنُونُ أَحَدِهِمَا وَلُحُوقُهُ بِدَارِ الْحَرْبِ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ جُنُونَ الْعَبْدِ وَلُحُوقَهُ بِدَارِ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ فَائِدَةً. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْإِبَاقِ) يَعْنِي بِالْإِبَاقِ أَيْضًا يَصِيرُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ حُكْمًا عَلِمَ أَهْلُ السُّوقِ أَوْ لَا وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَصِيرُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِالْإِبَاقِ؛ لِأَنَّ الْإِبَاقَ لَا يُنَافِي ابْتِدَاءَ الْإِذْنِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا أَذِنَ لِعَبْدِهِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ الْآبِقِ صَحَّ وَجَازَ لَهُ أَنْ يَتَّجِرَ إذَا بَلَغَهُ فَلَأَنْ لَا يَمْنَعَ الْإِبَاقَ أَوْلَى وَصَارَ كَمَا إذَا غَصَبَ وَلَنَا أَنَّ الْمَوْلَى لَمْ يَرْضَ بِتَصَرُّفِ عَبْدِهِ الْمُتَمَرِّدِ عَنْ طَاعَتِهِ عَادَةً فَصَارَا مَحْجُورًا عَلَيْهِ دَلَالَةً، وَالْحَجْرُ يَثْبُتُ دَلَالَةً كَالْإِذْنِ، وَالْإِبَاقُ يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الْإِذْنِ عِنْدَنَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْمَعْرُوفُ بِخُوَاهَرْ زَادَهْ وَلَنَا أَنْ نَمْنَعَ وَلَئِنْ سَلَّمْنَا فَالدَّلَالَةُ سَاقِطَةٌ لِغَيْرِهِ مَعَ التَّصْرِيحِ بِخِلَافِهَا وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلدَّلَالَةِ اعْتِبَارٌ عِنْدَ وُجُودِ التَّصْرِيحِ بِخِلَافِهِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِيرَ الْآبِقُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ فِي الْبَاقِي أَيْضًا لِوُجُودِ التَّصْرِيحِ مِنْ الْمَوْلَى بِالْإِذْنِ فِي الِابْتِدَاءِ فَكَانَ دَلَالَةُ الْحَجْرِ فِي الْبَقَاءِ مُخَالِفَةً لِدَلَالَةِ التَّصْرِيحِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تُعْتَبَرَ. وَالْجَوَابُ بِأَنَّ وُجُودَ التَّصْرِيحِ بِالْإِذْنِ فِي الِابْتِدَاءِ لَا يَقْتَضِي وُجُودَهُ إلَى حَالِ الْإِبَاقِ، وَإِنَّمَا يُعْرَفُ فِي الْبَقَاءِ بِاعْتِبَارِ اسْتِصْحَابِ الْحَالِ وَهِيَ حُجَّةٌ ضَعِيفَةٌ وَلِهَذَا تَكُونُ دَافِعَةً لَا مُثْبِتَةً فَيَجُوزُ أَنْ تَتَرَجَّحَ الدَّلَالَةُ عَلَيْهَا وَأَمَّا الْغَصْبُ، فَإِنْ كَانَ الْمَوْلَى يَتَمَكَّنُ مِنْ أَخْذِهِ بِأَنْ كَانَ الْغَاصِبُ مُقِرًّا بِالْغَصْبِ أَوْ كَانَ لِلْمَالِكِ بَيِّنَةٌ يُمْكِنُهُ أَنْ يَنْزِعَهُ بِهَا فَيَجُوزُ أَنْ يَأْذَنَ ابْتِدَاءً فَكَذَا بَقَاءً وَلَوْ عَادَ مِنْ الْإِبَاقِ فَالصَّحِيحُ أَنَّ الْإِذْنَ لَا يَعُودُ قَالَ فِي الْمُحِيطِ: فَإِنْ قَالَ الْمُشْتَرِي لَمْ يَأْبَقْ وَلَكِنْ بَعَثَهُ الْمَوْلَى فِي حَاجَةٍ وَجَحَدَ الْمَوْلَى فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي، وَالْبَيِّنَةُ لَهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ مُتَمَسِّكٌ بِمَا هُوَ ثَابِتٌ فِي الْأَصْلِ بِاتِّفَاقِهِمَا، وَالْمَوْلَى ادَّعَى أَمْرًا عَارِضًا فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُتَمَسِّكِ بِالْأَصْلِ وَأَمَّا الْبَيِّنَةُ فَلِأَنَّهَا أَكْثَرُ إثْبَاتًا؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ جَوَازَ الْبَيْعِ وَبَيِّنَةُ الْمَوْلَى تَنْفِي جَوَازَهُ، وَالْبَيِّنَةُ عَلَى الْمَنْفِيِّ لَا تُقْبَلُ. وَلَوْ غَصَبَ رَجُلٌ عَبْدًا مَحْجُورًا وَلَا إذْنَ لِلْمَوْلَى وَحَلَفَ الْغَاصِبُ فَتَصَرَّفَ الْعَبْدُ وَمَوْلَاهُ سَاكِتٌ ثُمَّ قَامَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ فَاسْتَرَدَّهُ لَمْ يَجُزْ تَصَرُّفُ الْعَبْدِ وَلَا يَصِيرُ مَأْذُونًا لَهُ؛ لِأَنَّ سُكُوتَ الْمَوْلَى إذْنٌ حُكْمِيٌّ وَلَوْ أَذِنَ لَهُ صَرِيحًا، وَالْغَاصِبُ جَاحِدٌ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ لَا يَصِحُّ الْإِذْنُ فَالْحُكْمِيُّ أَوْلَى. وَإِنْ أُسِرَ الْعَبْدُ وَأُحْرِزَ بِدَارِ الْحَرْبِ صَارَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى إذْنِهِ وَفِي الْخَانِيَّةِ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ إذَا غَصَبَهُ غَاصِبٌ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْكِتَابِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ مَحْجُورًا اهـ. [الْأَمَةُ الْمَأْذُونُ لَهَا تَصِيرُ مَحْجُورَةً بِاسْتِيلَادِ الْمَوْلَى] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالِاسْتِيلَادِ) يَعْنِي الْأَمَةُ الْمَأْذُونُ لَهَا تَصِيرُ مَحْجُورَةً بِاسْتِيلَادِ الْمَوْلَى لَهَا وَقَالَ زُفَرُ لَا تَصِيرُ مَحْجُورًا عَلَيْهَا بِهِ وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَوْ أَذِنَ لِأُمِّ وَلَدِهِ ابْتِدَاءً يَجُوزُ فَالنَّفْيُ أَوْلَى وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِيهِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِتَحْصِينِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ وَأَنَّهُ لَا يَرْضَى بِخُرُوجِهَا وَاخْتِلَاطِهَا بِالرِّجَالِ فِي الْمُعَامَلَةِ، وَالتِّجَارَةِ وَدَلِيلُ الْحَجْرِ كَصَرِيحِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَذِنَ لِأُمِّ وَلَدِهِ صَرِيحًا كَمَا تَقَدَّمَ وَنَظِيرُهُ إذَا قَدَّمَ لِآخَرَ طَعَامًا لِيَأْكُلَهُ حَلَّ لَهُ التَّنَاوُلُ، فَإِذَا نَهَاهُ صَرِيحًا حَرُمَ عَلَيْهِ التَّنَاوُلُ لِقُوَّةِ الصَّرِيحِ. قَالَ فِي الْمُنْتَقَى رَجُلٌ وَطِئَ جَارِيَةَ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ، فَإِنَّهُ يَأْخُذُهَا وَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا؛ لِأَنَّ لِلْمَوْلَى فِيهَا حَقَّ الْمِلْكِ وَذَلِكَ يَكْفِي لِصِحَّةِ الِاسْتِيلَادِ كَالْأَبِ إذَا وَطِئَ جَارِيَةَ ابْنِهِ وَادَّعَاهُ، فَإِنْ اسْتَحَقَّهَا مُسْتَحِقٌّ أَخَذَهَا وَعَقَرَهَا وَقِيمَةَ الْوَلَدِ وَلَا يَرْجِعُ الْمَوْلَى بِالضَّرَرِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِشِرَاءٍ وَلَكِنْ يَرْجِعُ بِقِيمَتِهَا عَلَى عَبْدِهِ وَلَوْ وَطِئَ جَارِيَةَ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ، فَإِنْ اُسْتُحِقَّتْ رَجَعَ الْعَبْدُ عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ وَبِقِيمَةِ الْوَلَدِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا بِالتَّدْبِيرِ) يَعْنِي الْمَأْذُونُ لَهَا لَا تَصِيرُ مَحْجُورًا عَلَيْهَا بِالتَّدْبِيرِ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ لَمْ تَجْرِ بِتَحْصِينِ الْمُدَبَّرَةِ وَلَمْ يُوجَدْ دَلِيلُ الْحَجْرِ فَبَقِيَتْ عَلَى مَا كَانَتْ إذْ لَا تَنَافِي بَيْنَ حُكْمَيْ التَّدْبِيرِ، وَالْإِذْنِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ التَّدْبِيرِ انْعِقَادُ حَقِّ الْحُرِّيَّةِ فِي الْحَالِ وَحَقِيقَةِ الْحُرِّيَّةِ فِي الْمَآلِ، وَحُكْمَ الْإِذْنِ فَكُّ الْحَجْرِ وَحَقُّ الْحُرِّيَّةِ لَا يَمْنَعُ فَكَّ الْحَجْرِ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلْحُسَامِيِّ جَارِيَةٌ أَذِنَ لَهَا مَوْلَاهَا فِي التِّجَارَةِ فَاسْتَدَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهَا فَدَبَّرَهَا الْمَوْلَى فَهِيَ مَأْذُونَةٌ، وَالْمَوْلَى ضَامِنٌ لِقِيمَتِهَا لِلْغُرَمَاءِ وَلَوْ وَطِئَهَا فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ حَجَرَ عَلَيْهَا وَيَضْمَنُ قِيمَتَهَا لِلْغُرَمَاءِ. اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَضْمَنُ بِهِمَا قِيمَتَهُمَا لِلْغُرَمَاءِ) يَعْنِي ضَمِنَ الْمَوْلَى بِالتَّدْبِيرِ، وَالِاسْتِيلَادِ قِيمَتُهُمَا؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ بِالتَّدْبِيرِ، وَالِاسْتِيلَادِ تَعَلُّقَ حَقِّ الْغُرَمَاءِ؛ لِأَنَّهُ بِفِعْلِهِ امْتَنَعَ بَيْعُهَا وَبِالْبَيْعِ يُقْضَى حَقُّهُمْ قَالَ فِي الْمُحِيطِ، فَإِذَا ضَمِنَ الْمَوْلَى الْقِيمَةَ لَا سَبِيلَ لَهُمْ عَلَى الْعَبْدِ حَتَّى يُعْتَقَ، وَإِنْ شَاءُوا لَمْ يُضَمِّنُوا الْمَوْلَى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 111 الْقِيمَةَ وَاسْتَسْعَوْا الْعَبْدَ فِي جَمِيعِ دَيْنِهِمْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لِثَلَاثَةٍ لِكُلٍّ أَلْفٌ اخْتَارَ اثْنَانِ ضَمَانَ الْمَوْلَى فَضَمِنَاهُ ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ وَاخْتَارَ الثَّالِثُ اسْتِسْعَاءَ الْعَبْدِ فِي جَمِيعِ دَيْنِهِ جَازَ وَلَا يُشَارِكُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فِيمَا قَبَضَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْغَرِيمُ وَاحِدًا، فَإِذَا اخْتَارَ أَحَدُهُمَا بَطَلَ حَقُّهُ فِي الْآخَرِ كَمَا تَقَدَّمَ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ وَضَمِنَ أَنْ يَضْمَنَ الْقِيمَةَ مُطْلَقًا مَعَ أَنَّ الضَّمَانَ يَتَوَقَّفُ عَلَى اخْتِيَارِ الْغُرَمَاءِ فَلَوْ زَادَ إنْ شَاءُوا لَكَانَ أَوْلَى. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ فِي يَدِهِ بَعْدَ حَجْرِهِ صَحَّ) وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ سَوَاءٌ أَقَرَّ أَنَّهُ أَمَانَةٌ عِنْدَهُ أَمْ غَصْبٌ أَوْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ فَيَقْضِيهِ مِنْهُ وَقَالَا لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّ الْمُصَحِّحَ لِإِقْرَارِهِ الْإِذْنُ وَقَدْ زَالَ بِالْحَجْرِ وَيَدُهُ عَنْ أَكْسَابِهِ قَدْ بَطَلَتْ بِالْحَجْرِ؛ لِأَنَّ يَدَ الْمَحْجُورِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَخَذَهُ الْمَوْلَى مِنْ يَدِهِ بَعْدَ الْحَجْرِ قَبْلَ إقْرَارِهِ أَوْ ثَبَتَ حَجْرُهُ بِالْبَيْعِ وَكَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ لِمَا فِي يَدِهِ بَعْدَ الْحَجْرِ فَأَقَرَّ بَعْدَهُ أَوْ كَانَ الَّذِي فِي يَدِهِ مِنْ الْمَالِ حَصَلَ بَعْدَ الْحَجْرِ بِالِاحْتِطَابِ وَنَحْوِهِ وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ فِي رَقَبَتِهِ بَعْدَ الْحَجْرِ حَتَّى لَا تُبَاعَ رَقَبَتُهُ بِالدَّيْنِ بِالْإِجْمَاعِ وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا عَدَمُ أَخْذِ الْمَوْلَى مَا أَوْدَعَهُ عَبْدُهُ الْغَائِبُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَنَعَ الْمَوْلَى مِنْ أَخْذِهِ هُنَاكَ فِيمَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ كَسْبُ الْعَبْدِ فَلَوْ عَلِمَ أَنَّهُ كَسْبُ عَبْدِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمُصَحِّحَ لِلْإِقْرَارِ بَعْدَ الْحَجْرِ هُوَ الْيَدُ وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ قَبْلَ الْحَجْرِ فِيمَا أَخَذَهُ الْمَوْلَى، وَالْيَدُ بَاقِيَةٌ حَقِيقَةً وَشَرْطُ بُطْلَانِهَا بِالْحَجْرِ فَرَاغُ مَا فِي يَدِهِ مِنْ الْأَكْسَابِ عَنْ حَاجَتِهِ وَإِقْرَارُهُ دَلِيلٌ عَلَى حَاجَتِهِ بِخِلَافِ مَا انْتَزَعَهُ الْمَوْلَى مِنْ يَدِهِ قَبْلَ الْإِقْرَارِ وَبِخِلَافِ إقْرَارِهِ بَعْدَمَا بَاعَهُ الْمَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ بِالدُّخُولِ فِي مِلْكِهِ صَارَ كَعَيْنٍ أُخْرَى وَلَمَّا عُرِفَ أَنَّ تَبَدُّلَ الْمِلْكِ كَتَبَدُّلِ الْعَيْنِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ؛ لِأَنَّ حَقَّ أَصْحَابِ الدَّيْنِ تَعَلَّقَ بِمَا فِي يَدِهِ فَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ فِي إبْطَالِ حَقِّهِمْ فَيُقَدَّمُونَ كَالْمَرِيضِ إذَا أَقَرَّ وَبِخِلَافِ رَقَبَتِهِ، فَإِنَّهَا لَيْسَتْ فِي يَدِهِ. وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ أَقَرَّ بَعْدَمَا حُجِرَ عَلَيْهِ وَكَانَتْ فِي يَدِهِ أَلْفٌ أَخَذَهُ مَوْلَاهُ فَأَقَرَّ أَنَّهَا وَدِيعَةٌ لِفُلَانٍ ثُمَّ عَتَقَ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ مَحْجُورٌ أَقَرَّ بِعَيْنٍ وَلَيْسَ فِي يَدِهِ مِنْ كَسْبِ الْإِذْنِ شَيْءٌ فَلَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّهَا كَانَتْ غَصْبًا فِي يَدِهِ لَزِمَهُ إذَا أُعْتِقَ وَلَوْ لَمْ يَأْخُذْ مِنْهُ الْوَدِيعَةَ وَلَكِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَقَضَاهُ لَزِمَهُ إذَا عَتَقَ وَلَوْ حُجِرَ عَلَيْهِ وَفِي يَدِهِ أَلْفٌ فَأَقَرَّ بِهَا لِرَجُلَيْنِ لِأَحَدِهِمَا دَيْنٌ أَلْفٌ وَلِلْآخَرِ أَلْفٌ وَدِيعَةٌ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُقِرَّ بِهِمَا مُنْفَصِلًا أَوْ مُتَّصِلًا وَكُلُّ وَجْهٍ إمَّا أَنْ يُقِرَّ بِالدَّيْنِ أَوَّلًا ثُمَّ الْوَدِيعَةِ أَوْ الْوَدِيعَةِ ثُمَّ بِالدَّيْنِ، فَإِنْ أَقَرَّ بِهِمَا مُنْفَصِلًا بِأَنْ قَالَ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَسَكَتَ ثُمَّ قَالَ هَذِهِ الْأَلْفُ وَدِيعَةٌ لِفُلَانٍ فَعِنْدَ الْإِمَامِ الْأَلْفُ كُلُّهَا لِلْمُقَرِّ لَهُ بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَرَّ بِالدَّيْنِ أَوَّلًا تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ صَاحِبِ الدَّيْنِ وَصَارَتْ الْأَلْفُ مَشْغُولَةً بِهَا فَإِقْرَارُهُ الْوَدِيعَةِ بَعْدَ ذَلِكَ يَتَضَمَّنُ إبْطَالَ إقْرَارِهِ بِالدَّيْنِ فَلَا يُقْبَلُ وَعِنْدَهُمَا يَكُونُ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ أَقَرَّ الْوَدِيعَةِ أَوَّلًا ثُمَّ بِالدَّيْنِ فَالْأَلْفُ كُلُّهَا لِلْمُقَرِّ لَهُ الْوَدِيعَةِ وَأَمَّا إذَا أَقَرَّ بِهَا مُتَّصِلًا بِأَنْ قَالَ بَادِئًا بِالدَّيْنِ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفٌ دَيْنٌ وَهَذِهِ الْأَلْفُ وَدِيعَةٌ لِفُلَانٍ تَكُونُ الْأَلْفُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَلَوْ بَدَأَ الْوَدِيعَةِ ثُمَّ بِالدَّيْنِ فَالْأَلْفُ كُلُّهَا لِصَاحِبِ الْوَدِيعَةِ عِنْدَ الْإِمَامِ بَيَانُ ذَلِكَ إذَا أَقَرَّ بِالدَّيْنِ أَوَّلًا ثُمَّ الْوَدِيعَةِ فَالْبَيَانُ وُجِدَ، وَالْمَحَلُّ فِي مِلْكِهِ صَحَّ الْبَيَانُ مِنْهُ فَيَتَنَصَّفُ الْأَلْفُ بَيْنَهُمَا وَهَذَا بَيَانٌ بِعَيْنٍ لَا تَقْدِيرٍ فَيَصِحُّ مَوْصُولًا لَا مَفْصُولًا، وَإِذَا أَقَرَّ الْوَدِيعَةِ أَوَّلًا ثُمَّ بِالدَّيْنِ فَالْبَيَانُ وُجِدَ، وَالْأَلْفُ لَيْسَتْ فِي مِلْكِهِ وَلَا يَتَعَلَّقُ حَقُّ الْمُقَرِّ لَهُ بِالدَّيْنِ بِتِلْكَ الْأَلْفِ وَلَوْ ادَّعَيَا عَلَيْهِ فَقَالَ صَدَقْتُمَا كَانَتْ الْأَلْفُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا الْإِقْرَارُ بَاطِلٌ وَيُؤْخَذُ الْعَبْدُ بِالدَّيْنِ بَعْدَ الْعِتْقِ. وَلَوْ وَهَبَ رَجُلٌ لِعَبْدٍ مَحْجُورٍ أَلْفًا فَلَمْ يَأْخُذْهَا الْمَوْلَى حَتَّى اسْتَهْلَكَ لِرَجُلٍ آخَرَ أَلْفًا ثُمَّ اسْتَهْلَكَ لِرَجُلٍ آخَرَ أَلْفًا كَانَتْ الْأَلْفُ لِلْمَوْلَى، وَالدَّيْنَانِ فِي رَقَبَتِهِ وَلَوْ اسْتَهْلَكَ أَلْفًا ثُمَّ وَهَبَ لَهُ الْأَلْفَ ثُمَّ لَحِقَهُ دَيْنٌ آخَرُ تُصْرَفُ الْهِبَةُ إلَى الدَّيْنِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الَّذِي اسْتَهْلَكَهُ دُونَ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ الثَّانِيَ لَزِمَهُ وَلَيْسَ لَهُ كَسْبٌ وَلَمْ يُعَيِّنْ الْمُؤَلِّفُ الْمُقَرَّ لَهُ فَشَمِلَ الْمَوْلَى. وَفِي الْأَصْلِ، وَإِذَا أَقَرَّ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لِمَوْلَاهُ إنْ أَقَرَّ بِالدَّيْنِ لَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ سَوَاءٌ كَانَ يُمْكِنُهُ دَيْنٌ أَوْ لَا، وَإِنْ أَقَرَّ لَهُ بِعَيْنٍ فِي يَدِهِ إنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ صَحَّ إقْرَارُهُ. وَفِي الذَّخِيرَةِ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ إذَا الْتَقَطَ لَقِيطًا وَلَا يُعْرَفُ ذَلِكَ إلَّا بِقَوْلِهِ فَقَالَ الْمَوْلَى كَذَبْت بَلْ هُوَ عِنْدِي فَالْقَوْلُ لِلْمَأْذُونِ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى نَفْسِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِعَيْنٍ فِي يَدِهِ لِغَيْرِ الْمَوْلَى صَحَّ إقْرَارُهُ، وَإِنْ كَذَّبَهُ الْمَوْلَى فِي قَوْلِهِ. قَوْلُهُ: وَإِنْ أَقَرَّ إلَخْ صَادِقٌ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ أَوَّلًا وَصَادَقَ بِمَا فِي يَدِهِ كَسَبَهُ قَبْلَ الْحَجْرِ أَوْ بَعْدَهُ وَصَادَقَ بِمَا إذَا ثَبَتَ الْحَجْرُ بِالْبَيْعِ أَوْ بِغَيْرِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَلَوْ قَالَ: وَإِنْ أَقَرَّ غَيْرُ مُسْتَغْرِقٍ بَعْدَ حَجْرِهِ بِمَا فِي يَدِهِ قَبْلَهُ مَعَ بَقَائِهِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 112 لِلْآذِنِ حَقًّا فَيَخْرُجُ الْمُسْتَغْرِقُ، فَإِنَّ إقْرَارَهُ لَا يَصِحُّ وَبِقَوْلِنَا قَبْلَهُ يَخْرُجُ مَا حَصَلَ بَعْدَهُ وَبِقَوْلِنَا مَعَ بَقَائِهِ يَخْرُجُ مَا إذَا حُجِرَ عَلَيْهِ بِالْبَيْعِ وَأَفَادَ أَنَّ الْإِقْرَارَ الْمَذْكُورَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ فِيهِ لِقَوْلِهِ بِمَا فِي يَدِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَمْلِكُ سَيِّدُهُ مَا فِي يَدِهِ لَوْ أَحَاطَ دَيْنُهُ بِمَا فِي يَدِهِ وَرَقَبَتِهِ) وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ وَقَالَا يَمْلِكُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الرَّقَبَةِ سَبَبٌ لِمِلْكِ كَسْبِ الْيَدِ وَاسْتِغْرَاقُهَا بِالدَّيْنِ لَا يُوجِبُ خُرُوجَ الْمَأْذُونِ عَنْ مِلْكِهِ وَلِهَذَا مَلَكَ وَطْءَ الْمَأْذُونَةِ فَكَذَا كَسْبُهُ الَّذِي فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّهُ يَتْبَعُ أَصْلَهُ فَيَكُونُ مِثْلَهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مِلْكَ الْمَوْلَى إنَّمَا يَثْبُتُ فِي مِلْكِ الْعَبْدِ التَّاجِرِ عِنْدَ فَرَاغِهِ عَنْ حَاجَتِهِ، وَالْمُحِيطِ خِلَافُهُ عِنْدَ مَشْغُولٍ بِحَاجَتِهِ فَلَا يَمْلِكُ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ الدَّيْنُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُحِيطَ بِمَالِهِ وَرَقَبَتِهِ أَوْ لَا يُحِيطُ أَوْ أَحَاطَ بِمَالِهِ دُونَ رَقَبَتِهِ أَوْ بِرَقَبَتِهِ دُونَ مَالِهِ وَأُطْلِقَ فِي دَيْنِ الْعَبْدِ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلًا وَفِي الْعَتَّابِيَّةِ وَلَوْ بَاعَ الْمَوْلَى الْمَأْذُونَ أَوْ كَسْبَهُ، وَالدَّيْنُ مُؤَجَّلٌ جَازَ وَيَضْمَنُ إذَا حَلَّ الْأَجَلُ. [عَبْدٌ عَلَيْهِ دَيْنٌ إلَى أَجَلٍ فَبَاعَهُ مَوْلَاهُ] وَفِي الْمُحِيطِ عَبْدٌ عَلَيْهِ دَيْنٌ إلَى أَجَلٍ فَبَاعَهُ مَوْلَاهُ جَازَ وَنَفَذَ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ مَا بِهِ حَقُّ الْغَرِيمِ وَلَا مَنْفَعَةَ، فَإِذَا حَلَّ الْأَجَلُ ضَمِنَ الْمَوْلَى قِيمَتَهُ وَفِيهِ أَيْضًا وَلَا يَجُوزُ هِبَةُ مَالِ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ الْمَدْيُونِ، وَإِنْ أَجَازَهُ الْغُرَمَاءُ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ الدَّيْنُ بِمَالِيَّتِهِ وَلَوْ وَهَبَ عَبْدَهُ الْمَأْذُونَ الْمَدْيُونَ ذُكِرَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَفِي بَعْضِهَا يَجُوزُ قِيلَ مَا ذُكِرَ أَنَّهُ يَجُوزُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَقْضِ الْمَوْلَى دَيْنَهُ أَوْ لَمْ تَبَرَّهُ الْغُرَمَاءُ وَفِيهِ أَيْضًا وَهَبَ عَبْدَهُ الْمَأْذُونَ الْمَدْيُونَ مِنْ رَجُلٍ وَعَلَيْهِ أَلْفٌ حَالَّةٌ وَأَلْفٌ مُؤَجَّلَةٌ فَلِصَاحِبِ الْحَالِّ أَنْ يَنْقُضَ الْبَيْعَ فِي الْكُلِّ وَلَوْ عَيَّبَ الْمَوْهُوبُ لَهُ الْعَبْدَ ضَمِنَ الْمَوْلَى لِرَبِّ الدَّيْنِ نِصْفَ قِيمَتِهِ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ وَلِصَاحِبِ الْحَالِّ النَّقْضُ وَمَا قَبْلَهُ أَنَّ الدَّيْنَ إذَا كَانَ مُؤَجَّلًا مَلَكَ الْمَوْلَى وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ مُسْتَغْرِقًا وَلَوْ قُيِّدَ بِهِ لَكَانَ أَوْلَى. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبَطَلَ تَحْرِيرُهُ عَبْدًا مِنْ كَسْبِهِ) وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ وَلَمَّا كَانَ الْعِتْقُ أَقْوَى نَفَاذًا مِنْ غَيْرِهِ صَرَّحَ بِهِ لِيُفِيدَ أَنَّ تَصَرُّفَ الْمَوْلَى فِي غَيْرِهِ بَاطِلٌ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى وَعِنْدَهُمَا يَنْفُذُ عِتْقُهُ وَهُوَ نَظِيرُ الْمُكَاتَبِ، فَإِنَّ الْمَوْلَى يَمْلِكُ رَقَبَتَهُ حَتَّى يُعْتَقَ بِإِعْتَاقِهِ وَلَا يَمْلِكُ مَا فِي يَدِهِ مِنْ أَكْسَابِهِ حَتَّى لَا يَنْفُذَ إعْتَاقُهُ فِيهِ، فَإِذَا نَفَذَ عِتْقُهُ فِي رَقَبَةِ الْمَأْذُونِ لَهُ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا فِيهِ وَفِي كَسْبِهِ يَضْمَنُ لِلْغُرَمَاءِ قِيمَتَهُ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ بِالْإِعْتَاقِ مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّهُمْ وَكَذَا لَوْ أَتْلَفَ الْمَوْلَى مَا فِي يَدِهِ مِنْ الْعَبِيدِ بِالْقَتْلِ يَضْمَنُ لِمَا ذَكَرْنَا لَكِنْ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ لِلْحَالِّ عِنْدهُمَا؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ لِتَعَلُّقِ كَسْبِ الْعَبْدِ كَذَلِكَ وَعِنْدَهُمَا يَنْفُذُ وَيَضْمَنُ حَقَّ الْغَيْرِ بِهِ وَعِنْدَهُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ حَيَاتِهِ لِعَدَمِ مِلْكِهِ وَلَوْ اشْتَرَى ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْمَوْلَى لَمْ يُعْتَقْ عِنْدَهُ لِعَدَمِ الْمِلْكِ وَعِنْدَهُمَا يُعْتَقُ. وَلَوْ اسْتَوْلَدَ جَارِيَةَ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ لَهُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ وَصَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَيَضْمَنُ قِيمَتَهَا وَلَا يَضْمَنُ عُقْرَهَا وَلَا قِيمَةَ وَلَدِهَا وَهَذَا بِاتِّفَاقٍ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُمَا مِلْكَهُ ثَابِتٌ حَقِيقَةً وَعِنْدَهُ صَادَفَ حَقَّ الْمِلْكِ وَلِهَذَا يَجُوزُ لِلْمَوْلَى أَنْ يَتَزَوَّجَهَا وَلَوْ أَعْتَقَهَا الْمَوْلَى وَعَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ ثُمَّ وَطِئَهَا فَوَلَدَتْ عَتَقَتْ بِالِاسْتِيلَادِ وَعَلَيْهِ الْعُقْرُ لَهَا وَيَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ تَوَقَّفَ عِنْدَهُ عَلَى أَنْ يَنْفُذَ عِنْدَ تَمَلُّكِ الْجَارِيَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَضَى دَيْنَ الْغُرَمَاءِ أَوْ أَبْرَأ الْغُرَمَاءُ الْعَبْدَ مِنْ دُيُونِهِمْ حَتَّى مَلَكَ الْجَارِيَةَ نَفَذَ عِتْقُهُ فَكَذَا إذَا مَلَكَ الْجَارِيَةَ بِالِاسْتِيلَادِ. وَلَوْ تَزَوَّجَ جَارِيَةَ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ الْمَدْيُونِ لَا يَجُوزُ ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ وَذِكْرُ الْمَوْلَى مِثَالٌ، فَإِنَّ الْعَبْدَ الْمَأْذُونَ الْمَدْيُونَ إذَا بَاعَهُ الْمَوْلَى مِنْ غَيْرِ إذْنِ الْغُرَمَاءِ وَأَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي قَبْلَ قَبْضِهِ يَنْفُذُ عِتْقُهُ إنْ أَجَازَ الْغُرَمَاءُ الْبَيْعَ أَوْ قَضَى الْمَوْلَى دَيْنَ الْغُرَمَاءِ، وَإِنْ أَبْرَأ الْغُرَمَاءُ الْعَبْدَ عَنْ الدَّيْنِ يَنْفُذُ عِتْقُ الْمُشْتَرِي، فَإِنْ أَبَى الْغُرَمَاءُ أَنْ يُجِيزُوا الْبَيْعَ، وَالْمَوْلَى لَمْ يَقْبِضْ دَيْنَهُ، فَإِنَّهُ يَبْطُلُ عِتْقُهُ وَيُبَاعُ الْعَبْدُ لِلْغُرَمَاءِ بِدَيْنِهِمْ هَكَذَا ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ مُطْلَقًا وَهَذَا الْجَوَابُ الَّذِي قَالُوا لَا يُشْكِلُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَمَّا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا يَقِفُ عِتْقُ الْمُشْتَرِي عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ مَا ذُكِرَ قَوْلُهُمْ جَمِيعًا وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ يُحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ هَذَا إذَا أَعْتَقَ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبْضِ وَأَمَّا إذَا قَبَضَ الْعَبْدَ ثُمَّ أَعْتَقَهُ، فَإِنَّهُ يَنْفُذُ عِتْقُهُ، وَإِذَا تَقَدَّمَ عِتْقُ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْقَبْضِ فَالْغُرَمَاءُ بَعْدَ هَذَا بِالْخِيَارِ إنْ شَاءُوا أَجَازُوا الْبَيْعَ وَأَخَذُوا الثَّمَنَ، وَإِنْ شَاءُوا ضَمَّنُوهُ الْقِيمَةَ هَذَا إذَا أَجَازُوا بَيْعَ الْمَوْلَى، وَإِنْ ضَمَّنُوا قِيمَتَهُ لِلْمَوْلَى فَبَيْعُ الْمَوْلَى يَنْفُذُ وَيُسَلَّمُ الثَّمَنُ لِلْمَوْلَى وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي بَاعَ الْعَبْدَ بَعْدَمَا قَبَضَهُ أَوْ وَهَبَهُ وَقَبَضَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ ثُمَّ حَضَرَ الْغُرَمَاءُ وَأَجَازُوا بَيْعَ الْمَوْلَى يَنْفُذُ بَيْعُ الْمُشْتَرِي وَهِبَتُهُ مِنْ غَيْرِهِ وَلَوْ قَالَ الْمُؤَلِّفُ فَيَتَوَقَّفُ تَحْرِيرُهُ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ غَايَتَهُ تَصَرُّفٌ فُضُولِيٌّ وَقَدْ أَفَادَ فِي الْمُحِيطِ فِي مَسْأَلَةِ الْأَمَةِ الْمُسْتَوْلَدَةِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 113 أَنَّهُ مَوْقُوفٌ فَالْعِتْقُ كَذَلِكَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ لَمْ يُحِطْ صَحَّ) يَعْنِي، وَإِنْ لَمْ يُحِطْ الدَّيْنُ بِرَقَبَتِهِ وَبِمَا فِي يَدِهِ جَازَ عِتْقُهُ وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ وَكَذَا عِنْدَهُ فِي قَوْلِهِ الْآخَرِ وَفِي قَوْلِهِ الْأَوَّلِ لَا يَمْلِكُ فَلَا يَصِحُّ إعْتَاقُهُ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ يَتَعَلَّقُ بِكَسْبِهِ وَفِي حَقِّ التَّعَلُّقِ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَلِيلِ، وَالْكَثِيرِ كَمَا فِي الرَّهْنِ وَوَجْهُ قَوْلِ الْآخَرِ أَنَّ الشَّرْطَ هُوَ الْفَرَاغُ وَبَعْضُهُ فَارِغٌ وَبَعْضُهُ مَشْغُولٌ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَمْنَعَ الْمِلْكَ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ عَدَمِ الْمِلْكِ لَمْ يُوجَدْ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُمْنَعَ بِقَدْرِهِ؛ لِأَنَّ الْبَعْضَ لَيْسَ بِأَوْلَى مِنْ الْبَعْضِ الْآخَرِ كَذَا نَقَلَهُ الشَّارِح وَفِي الْهِدَايَةِ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحِيطًا بِمَالِهِ جَازَ عِتْقُهُ وَلَمْ يَذْكُرْ رَقَبَتَهُ وَهَذَا هُوَ الْقِسْمُ الثَّالِثُ مِنْ الْأَقْسَامِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُحِيطًا بِمَالِهِ وَرَقَبَتِهِ جَازَ عِتْقُ الْمَوْلَى عَبْدًا مِنْ كَسْبِهِ قَالَ فِي بُيُوعِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَنْ يَعْقُوبَ فِي رَجُلٍ أَذِنَ لِعَبْدِهِ فِي التِّجَارَةِ فَاشْتَرَى عَبْدًا يُسَاوِي أَلْفًا وَعَلَى الْأَوَّلِ أَلْفٌ دَيْنٌ فَأَعْتَقَ الْمَوْلَى الْعَبْدَ الْمُشْتَرَى فَعِتْقُهُ جَائِزٌ، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ أَلْفَيْ دِرْهَمٍ مِثْلَ قِيمَتِهِ لَمْ يَجُزْ عِتْقُهُ اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ إنْفَاذَ الْعِتْقِ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ فِيمَا لَوْ أَحَاطَ بِكَسْبِهِ إشْكَالٌ؛ لِأَنَّ حَاصِلَ مَذْهَبِهِ أَنَّهُ مَلَكَ الْمَوْلَى بِطَرِيقِ الْخِلَافَةِ عِنْدَ الْفَرَاغِ وَهَذَا لَيْسَ بِفَارِغٍ فَظَهَرَ أَنَّ ذِكْرَ الرَّقَبَةِ لَا فَائِدَةَ فِيهِ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالصِّحَّةِ النَّفَاذُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ مِنْ السَّيِّدِ إلَّا بِمِثْلِ الْقِيمَةِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ فِي الْبَيْعِ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ فَيَجُوزُ وَبِأَقَلَّ مِنْهُ فِيهِ تُهْمَةٌ فَلَا يَجُوزُ سَوَاءٌ كَانَ النُّقْصَانُ كَثِيرًا أَوْ قَلِيلًا، وَالْمُرَادُ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ عَدَمُ النَّفَاذِ لِأَجْلِ الْغُرَمَاءِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْغُرَمَاءِ تَعَلَّقَ بِالْمَالِيَّةِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُبْطِلَ حَقَّهُمْ وَقُيِّدَ بِالسَّيِّدِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ حَابَا لِأَجْنَبِيٍّ عِنْدَ الْإِمَامِ جَازَ؛ لِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ فِيهِ وَبِخِلَافِ مَا لَوْ بَاعَ الْمَرِيضُ عَيْنًا مِنْ وَارِثِهِ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الْمَرِيضَ مَمْنُوعٌ مِنْ إيثَارِ بَعْضِ الْوَرَثَةِ بِهَا وَفِي حَقِّ غَيْرِهِمْ مَمْنُوعٌ عَنْ إبْطَالِ الْمَالِيَّةِ حَتَّى كَانَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ جَمِيعَ مَالِهِ بِمِثْلٍ مِنْ الْقِيمَةِ وَبِأَقَلَّ مِنْهُ إلَى ثُلُثَيْ الْقِيمَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا إنْ بَاعَ مِنْ الْمَوْلَى جَازَ فَاحِشًا كَانَ الْغَبْنُ أَوْ يَسِيرًا وَلَكِنْ يُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يُزِيلَ الْغَبْنَ أَوْ يَنْقُضَ الْبَيْعَ؛ لِأَنَّ فِي الْمُحَابَاةِ إبْطَالَ حَقِّ الْغُرَمَاءِ فِي الْمَالِيَّةِ فَيَتَضَرَّرُونَ بِهِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ بِالْغَبْنِ الْيَسِيرِ حَيْثُ يَجُوزُ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ بِالْكَثِيرِ مِنْ الْمُحَابَاةِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ أَصْلًا عِنْدَهُمَا وَمِنْ الْمَوْلَى يَجُوزُ وَيُؤْمَرُ بِإِزَالَةِ الْمُحَابَاةِ وَلَا يَجُوزُ مِنْ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ عَلَى أَصْلِهِمَا إلَّا بِإِذْنِ الْمَوْلَى وَلَا إذْنَ. وَفِي الْكَافِي، وَإِنْ بَاعَهُ مِنْ الْمَوْلَى بِنُقْصَانٍ لَمْ يَجُزْ فَاحِشًا كَانَ أَوْ يَسِيرًا وَلَكِنْ يُخَيَّرُ الْمَوْلَى بَيْنَ أَنْ يُزِيلَ الْغَبْنَ أَوْ يَنْقُضَ الْبَيْعَ وَهَذَا قَوْلُ بَعْضِ مَشَايِخِنَا وَقِيلَ إنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ قَوْلَ الْإِمَامِ فِي هَذِهِ كَقَوْلِهِمَا وَفِي الْمُحِيطِ قَوْلُ الْكُلِّ وَقِيلَ قَوْلُهُمَا وَلَوْ اسْتَهْلَكَ الْمَوْلَى الْمَبِيعَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَزِمَهُ تَمَامُ الْقِيمَةِ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة بِرَقْمٍ وَمِمَّا يَتَّصِلُ بِهَذَا الْفَصْلِ إذَا بَاعَ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ بَعْضَ مَا فِي يَدِهِ مِنْ تِجَارَةٍ أَوْ اشْتَرَى شَيْئًا بِبَعْضِ الْمَالِ مِنْ تِجَارَةٍ وَحَابَا فِي ذَلِكَ وَكَانَ ذَلِكَ فِي مَرَضِ الْمَوْلَى ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى مِنْ مَرَضِهِ ذَلِكَ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الْبَيْعُ جَائِزٌ سَوَاءٌ حَابَا فِي الْبَيْعِ بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ أَوْ لَا مَا لَمْ تَتَجَاوَزْ الْمُحَابَاةُ ثُلُثَ مَالِ الْمَوْلَى، فَإِذَا جَاوَزَ ثُلُثَ مَالِ الْمَوْلَى، فَإِنَّهُ يُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي، وَإِنْ شَاءَ نَقَضَ الْبَيْعَ وَلَمْ يُرِدْ مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ الْمَوْلَى صَحِيحًا وَحَابَا الْعَبْدُ بِمَا يُتَغَابَنُ فِي مِثْلِهِ أَوْ لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَيْفَمَا كَانَ جَاوَزَتْ الْمُحَابَاةُ ثُلُثَ الْمَالِ أَمْ لَمْ تُجَاوِزْ وَهَذَا بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ إذَا بَاعَ أَوْ اشْتَرَى وَحَابَا فِي مَرَضِ مَوْتِ الْمَوْلَى، فَإِنَّهُ يَجُوزُ إذَا لَمْ يُجَاوِزْ ثُلُثَ مَالِهِ فَكَذَا الْعَبْدُ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا كُلُّهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى إنْ بَاعَ وَاشْتَرَى بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَيُسَلَّمُ الْمُشْتَرَى وَلَوْ بَاعَ وَاشْتَرَى وَحَابَا بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ عِنْدَهُمَا حَتَّى إذَا قَالَ الْمُشْتَرِي أَنَا أُودِي قَدْرَ الْمُحَابَاةِ وَلَا يُنْقَضُ الْبَيْعُ لَا يَكُونُ لَهُ ذَلِكَ عَلَى قَوْلِهِمَا هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ فَأَمَّا إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِرَقَبَةٍ أَوْ بِمَا فِي يَدِهِ أَوْ لَا يُحِيطُ فَبَاعَ وَاشْتَرَى وَحَابَا مُحَابَاةً يَسِيرَةً أَوْ فَاحِشَةً فَالْجَوَابُ فِيهِ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا كَالْجَوَابِ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو بَكْرٍ الْبَلْخِيّ لَا يُوجَدُ عَنْ أَصْحَابِنَا رِوَايَةٌ فِي كُتُبِهِمْ أَنَّ الْمُحَابَاةَ الْيَسِيرَةَ فِي الْمَرِيضِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ تُعْتَبَرُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ إلَّا فِي هَذَا الْكِتَابِ خَاصَّةً فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ خَصَائِصِ هَذَا الْكِتَابِ. وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ عَلَى الْمَوْلَى وَلَا دَيْنَ عَلَى الْعَبْدِ فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُحِيطًا بِجَمِيعِ مَالِ الْمَوْلَى أَوْ لَا يَكُونُ مُحِيطًا بِجَمِيعِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 114 مَالِهِ، فَإِنْ كَانَ مُحِيطًا بِجَمِيعِ مَالِهِ فَبَاعَ الْعَبْدَ وَاشْتَرَى وَحَابَا مُحَابَاةً فَأَحَسَّهُ، وَالْمَسْأَلَةُ عَلَى الْخِلَافِ يُخَيَّرُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي، وَإِنْ كَانَ عَلَى الْمَوْلَى دَيْنٌ لَا يُحِيطُ بِجَمِيعِ مَالِهِ فَالْبَيْعُ مِنْ الْمَأْذُونِ جَائِزٌ بِالْمُحَابَاةِ الْيَسِيرَةِ، وَالْفَاحِشَةِ وَيُسَلَّمُ ذَلِكَ الْمُشْتَرِي إنْ لَمْ تُجَاوِزْ الْمُحَابَاةُ ثُلُثَ مَالِهِ بَعْدَ الدَّيْنِ، وَإِنْ جَاوَزَ ثُلُثَ مَالِهِ بَعْدَ الدَّيْنِ يُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي وَيُجْعَلُ بَيْعُ الْعَبْدِ كَبَيْعِ الْمَوْلَى وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا إنْ كَانَتْ الْمُحَابَاةُ يَسِيرَةً يَجُوزُ الْبَيْعُ، وَالشِّرَاءُ وَيُسَلَّمُ الْمُشْتَرِي الْمُحَابَاةَ إنْ لَمْ يُجَاوِزْ ثُلُثَ مَالِهِ بَعْدَ الدَّيْنِ، وَإِنْ لَمْ تُجَاوِزْ لَمْ يُسَلَّمْ وَيُخَيَّرُ، وَإِنْ كَانَتْ الْمُحَابَاةُ فَاحِشَةً لَا يُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي عِنْدَهُمَا وَلَوْ كَانَ عَلَى الْمَوْلَى دَيْنٌ يُحِيطُ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ وَبِمَا فِي يَدِهِ وَعَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ كَثِيرٌ يُحِيطُ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ وَبِمَا فِي يَدِهِ فَالْمُحَابَاةُ لَا تُسَلَّمُ الْمُشْتَرِي يَسِيرَةً كَانَتْ أَوْ فَاحِشَةً هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا إذَا حَابَا الْمَأْذُونُ، فَأَمَّا إذَا حَابَا بَعْضُ وَرَثَةِ الْمَوْلَى، فَإِنْ بَاعَ مِنْ بَعْضِ وَرَثَةِ الْمَوْلَى وَحَابَا وَقَدْ مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ ذَلِكَ كَانَ الْبَيْعُ بَاطِلًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَا يُخَيَّرُ الْوَارِثُ وَعِنْدَهُمَا الْبَيْعُ جَائِزٌ وَيُخَيَّرُ الْوَارِثُ فَيُقَالُ إنْ شِئْت نَقَضْت الْبَيْعَ، وَإِنْ شِئْت بَلَّغْت الثَّمَنَ تَمَامَ قِيمَتِهِ وَلَا يُسَلَّمُ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الْمُحَابَاةِ وَفِي السِّغْنَاقِيِّ: وَإِنْ كَانَ عَلَى الْمَوْلَى دَيْنٌ يُحِيطُ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ وَبِمَا فِي يَدِهِ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ فَحَابَا فِي مَرَضِ الْمَوْلَى لَمْ تَجُزْ مُحَابَاةُ الْعَبْدِ بِشَيْءٍ وَقِيلَ لِلْمُشْتَرِي إنْ شِئْت اُنْقُضْ الْبَيْعَ، وَإِنْ شِئْت ادْفَعْ الْمُحَابَاةَ كُلَّهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمَوْلَى دَيْنٌ جَازَ. وَفِي الْمُحِيطِ الصَّبِيُّ الْمَأْذُونُ بَاعَ مِنْ أَبِيهِ بِمَا يُتَغَابَنُ فِيهِ جَازَ وَلَوْ بَاعَ الْأَبُ مَالَهُ مِنْ ابْنِهِ بِمَا يُتَغَابَنُ فِيهِ جَازَ فَأَمَّا بِمَا لَا يُتَغَابَنُ فِيهِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَفِيهِ أَيْضًا، وَإِذَا وَكَّلَ الْعَبْدَ بِبَيْعِ عَبْدِهِ فَبَاعَهُ مِنْ مَوْلَاهُ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ ثُمَّ حَجَرَ عَلَى عَبْدِهِ فَأَقَرَّ الْوَكِيلُ بِالْقَبْضِ لَمْ يُصَدَّقْ وَلَوْ بَاعَهُ لِلْغُرَمَاءِ وَأَقَرَّ صُدِّقَ، وَالْفَرْقُ أَنَّ إقْرَارَ الْعَبْدِ بِقَبْضِ الثَّمَنِ مِنْ مَوْلَاهُ لَا يَصِحُّ لِلتُّهْمَةِ وَمِنْ الْغُرَمَاءِ يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ فِيهِ. اهـ. وَقَوْلُهُ مِنْ سَيِّدِهِ يُصَدَّقُ بِمَا إذَا بَاعَ لِوَكِيلِ سَيِّدِهِ أَوْ لِابْنِ سَيِّدِهِ الَّذِي يَشْتَرِي لِلسَّيِّدِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ يَشْتَرِي الصَّغِيرَ لِنَفْسِهِ وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ وَهَذَا التَّنْبِيهُ مِنْ خَصَائِصِ ذَلِكَ الْكِتَابِ وَأُطْلِقَ فِي قَوْلِهِ مِنْ سَيِّدِهِ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ أَصِيلًا أَوْ وَكِيلًا، وَالظَّاهِرُ فِيمَا إذَا كَانَ وَكِيلًا الْجَوَازُ بِغَيْرِ قَيْدٍ. قَالَ فِي الْمُنْتَقَى وَلَوْ اشْتَرَى الْمَوْلَى مِنْ عَبْدِهِ شَيْئًا لِغَيْرِهِ بِوَكَالَةٍ جَازَ الشِّرَاءُ وَلَمْ يَجُزْ قَبْضُهُ، وَإِنْ صَدَّقَهُ الْآمِرُ فِي الْقَبْضِ فَقَبَضَهُ الْمَوْلَى فَمَاتَ فِي يَدِهِ ضَمِنَ الثَّمَنَ لِلْعَبْدِ وَبَطَلَ الْبَيْعُ عَلَى الْآمِرِ وَكَذَا شِرَاءُ رَبِّ الْمَالِ مِنْ الْمُضَارِبِ عَبْدًا لِغَيْرِهِ بِوَكَالَةٍ، وَقِيمَةُ الْعَبْدِ أَلْفٌ، وَرَأْسُ الْمَالِ أَلْفٌ يَجُوزُ الْبَيْعُ وَلَمْ يَجُزْ قَبْضُهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ بَاعَ سَيِّدُهُ مِنْهُ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ أَوْ أَقَلَّ صَحَّ) ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى أَجْنَبِيٌّ عَنْ كَسْبِ عَبْدِهِ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ كَمَا هُنَا وَهَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقِيلَ هَذَا بَيْعٌ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ تَجْوِيزُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لِلْمَبِيعِ مِنْ ثَمَنٍ، وَالْمَوْلَى لَا يَسْتَوْجِبُ دَيْنًا عَلَى عَبْدِهِ فَصَارَ بَيْعًا بِلَا ثَمَنٍ فَلَا يَجُوزُ وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ أَمْكَنَ تَجْوِيزُهُ بَيْعًا مِنْ غَيْرِ ثَمَنٍ يَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ لِلْحَالِ بَلْ يَتَأَخَّرُ إلَى وَقْتِ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ كَمَا قُلْنَا لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ انْعَقَدَ الْبَيْعُ وَيَتَأَخَّرُ وُجُوبُ الثَّمَنِ إلَى سُقُوطِ الْخِيَارِ وَكَذَا إذَا قَبَضَ الثَّمَنَ ثُمَّ سَلَّمَ الْمَبِيعَ يَجِبُ الثَّمَنُ فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ بَعْدَ الْمَبِيعِ ثُمَّ سَقَطَ عَنْهُ قُيِّدَ بِقَوْلِهِ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ أَوْ أَقَلَّ. قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَلَوْ بَاعَ مِنْ عَبْدِهِ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ فَالْمَوْلَى بِالْخِيَارِ إمَّا أَنْ يَأْخُذَ مِقْدَارَ قِيمَتِهِ أَوْ يَنْقُضَ الْبَيْعَ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِزَوَالِ مِلْكِهِ عَنْ الْبَيْعِ بِالْمُسَمَّى، وَإِذَا لَمْ يُسَلِّمْ لَهُ الْمُسَمَّى كَانَ لَهُ نَقْضُ الْبَيْعِ قَالَ الشَّارِحُ وَقَوْلُهُ يُؤْمَرُ بِإِزَالَةِ الْمُحَابَاةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْبَيْعَ يَقَعُ جَائِزًا وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى مَا بَيَّنَّا. [أَقْرَضَ الْمَوْلَى عَبْدَهُ الْمَأْذُونَ الْمَدْيُونَ أَلْفًا] وَفِي الْمُحِيطِ وَلَوْ أَقْرَضَ الْمَوْلَى عَبْدَهُ الْمَأْذُونَ الْمَدْيُونَ أَلْفًا فَالْمَوْلَى أَحَقُّ بِهَا وَكَذَلِكَ إنْ أَوْدَعَهُ وَدِيعَةً فَاشْتَرَى الْعَبْدُ بِهَا مَتَاعًا فَالْمَوْلَى أَحَقُّ بِالْمَتَاعِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ مَالِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ مِنْ سَيِّدِهِ مِثَالٌ فَلَوْ بَاعَ وَكِيلُ سَيِّدِهِ مِنْهُ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَبْطُلُ الثَّمَنُ لَوْ سُلِّمَ قَبْلَ قَبْضِهِ) أَيْ لَوْ سَلَّمَ الْمَوْلَى الْمَبِيعَ قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ بَطَلَ الثَّمَنُ فَلَا يُطَالِبُ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ بِتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ سَقَطَ حَقُّهُ فِي الْحَبْسِ وَلَا يَجِبُ لَهُ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنٌ فَخَرَجَ مُحَابَاةً وَفِي الْإِبَانَةِ وَلِهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ زِيَادَةٌ ذَكَرَهَا فِي الْمُنْتَقَى فَقَالَ عَبْدٌ مَأْذُونٌ عَلَيْهِ دَيْنٌ بَاعَ الْمَوْلَى مِنْهُ ثَوْبًا فِي يَدِ الْمَوْلَى كَانَ الثَّمَنُ دَيْنًا لِلْمَوْلَى عَلَى الْعَبْدِ فِي الثَّوْبِ يُبَاعُ الثَّوْبُ فَيَسْتَوْفِي الْمَوْلَى دَيْنَهُ مِنْ ثَمَنِهِ، وَالْفَضْلُ لِلْغُرَمَاءِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ نُقْصَانٌ بَطَلَ ذَلِكَ الْقَدْرُ اهـ. بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الثَّمَنُ عَرْضًا حَيْثُ يَكُونُ الْمَوْلَى أَحَقَّ بِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ؛ لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ بِالْعُقْرِ فَمِلْكُهُ بِهِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا تَعَلَّقَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 115 بِعَيْنِهِ فَكَانَ أَحَقَّ بِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ إذْ هُوَ لَيْسَ بِدَيْنٍ يَجِبُ فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَيْنُ مِلْكِهِ فِي يَدِ عَبْدِهِ وَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ كَمَا لَوْ غَصَبَ الْعَبْدَ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ أَوْ وَدَعَ مَالَهُ عِنْدَ عَبْدِهِ أَوْ قَبَضَ الْمَبِيعَ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى وَبِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ الْعَبْدُ مِنْ سَيِّدِهِ فَسَلَّمَ إلَيْهِ الْمَبِيعَ قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ حَيْثُ لَا يَسْقُطُ الثَّمَنُ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ لِلْعَبْدِ الْمَأْذُونِ الْمَدْيُونِ دَيْنٌ عَلَى مَوْلَاهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ اسْتَهْلَكَ الْمَوْلَى شَيْئًا مِنْ اكْتِسَابِ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ ضَمِنَ لِلْعَبْدِ هَذَا جَوَابُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ لِلْمَوْلَى أَنْ يَسْتَرِدَّ الْمَبِيعَ إنْ كَانَ قَائِمًا فِي يَدِ الْعَبْدِ وَيَحْبِسَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ إلَّا أَنَّ الْمَوْلَى لَمْ يُسْقِطْ حَقَّهُ مِنْ الْعَيْنِ إلَّا بِشَرْطِ أَنْ يُسَلَّمَ لَهُ الثَّمَنُ وَلَمْ يُسَلَّمْ فَبَقِيَ حَقُّهُ فِي الْعَيْنِ عَلَى حَالِهِ فَيَتَمَكَّنْ مِنْ اسْتِرْدَادِهِ مَا بَقِيَ الْعَيْنُ قَائِمًا فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْعَيْنُ الْمَمْلُوكَةُ لِلْمَوْلَى فِي يَدِ عَبْدِهِ فَكَذَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَهُ مِلْكُ الْيَدِ فِيهِ وَأَمَّا بَعْدَ الِاسْتِهْلَاكِ فَقَدْ صَارَ دَيْنًا فَلَا يُمْكِنُ إيجَابُهُ مِنْ عَبْدِهِ اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَهُ حَبْسُ الْمَبِيعِ بِالثَّمَنِ) أَيْ لِلْمَوْلَى حَبْسُ الْمَبِيعِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ مِنْ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَا يُزِيلُ مِلْكَ الْيَدِ مَا لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ الثَّمَنُ فَيَبْقَى مِلْكُ الْيَدِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ وَلِهَذَا كَانَ أَخَصَّ بِهِ مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ وَلِأَنَّ لِلدَّيْنِ تَعَلُّقًا بِالْعَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يُقَابِلُهُ وَيَسْلَمُ بِسَلَامَتِهَا فَكَانَ لَهُ شُبْهَةٌ بِالْعَيْنِ الْمُقَابِلِ لَهُ فَيَكُونُ لِلْمَوْلَى حَقٌّ فِيهِ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِالْعَيْنِ وَلِهَذَا يَسْتَوْجِبُ بَدَلَ الْكِتَابَةِ عَلَى الْمُكَاتَبِ لِمَا أَنَّهُ مُقَابِلٌ بِرَقَبَتِهِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ لَهُ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنٌ بِخِلَافِ مَا إذَا سَلَّمَ الْمَوْلَى الْمَبِيعَ أَوَّلًا حَيْثُ يَسْقُطُ دَيْنُهُ لِذَهَابِ تَعَلُّقِ حَقِّهِ بِالْعَيْنِ فَيَصِيرُ الثَّمَنُ دَيْنًا مُطْلَقًا فَيَسْقُطُ اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَحَّ إعْتَاقُهُ) أَيْ جَازَ إعْتَاقُ الْمَوْلَى عَبْدَهُ الْمَأْذُونَ الْمَدْيُونَ الْمُسْتَغْرَقَ بِالدَّيْنِ وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ لِقِيَامِ مِلْكِهِ فِيهِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي أَكْسَابِهِ بَعْدِ الِاسْتِغْرَاقِ بِالدَّيْنِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَفِي الْمُحِيطِ وَلَوْ دَبَّرَ الْمَأْذُونُ الْمَدْيُونَ صَحَّ، فَإِنْ شَاءَ الْغُرَمَاءُ ضَمَّنُوا الْمَوْلَى قِيمَتَهُ وَلَا سَبِيلَ لَهُمْ عَلَى الْعَبْدِ حَتَّى يُعْتَقَ، فَإِذَا عَتَقَ فَلَهُمْ أَنْ يَبِيعُوهُ بِمَا بَقِيَ مِنْ دَيْنِهِمْ رَهْنَ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ الْمَدْيُونِ أَوْ أَجَّرَهُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ إلَى أَجَلٍ جَازَ، وَإِذَا حَلَّ الْأَجَلُ ضَمَّنُوا الْمَوْلَى قِيمَتَهُ فِي الرَّهْنِ دُونَ الْإِجَارَةِ، فَإِنْ بَقِيَتْ مِنْهَا مُدَّةٌ فَلَهُمْ أَنْ يَفْسَخُوا الْإِجَارَةَ؛ لِأَنَّهَا تُفْسَخُ بِالْأَعْذَارِ بِخِلَافِ الرَّهْنِ وَلَوْ بَاعَهُ الْمَوْلَى ثُمَّ اشْتَرَاهُ أَوْ اسْتَقَالَهُ ثُمَّ حَلَّ الْأَجَلُ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ عَلَى الْعَبْدِ سَبِيلٌ وَضَمِنُوا الْمَوْلَى قِيمَتَهُ إلَّا أَنْ يَرُدَّهُ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ بِقَضَاءِ الْقَاضِي أَوْ بِخِيَارٍ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ قَدْ بَطَلَ عَنْ رَقَبَتِهِ بِالْبَيْعِ وَبَرِئَ الْعَبْدُ عَنْ الدَّيْنِ، وَالْبَيْعُ بِالتَّرَاضِي بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقٍّ ثَالِثٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَضَمِنَ قِيمَتَهُ لِغُرَمَائِهِ) يَعْنِي الْمَوْلَى يَضْمَنُ قِيمَةَ الْمُعْتَقِ لِغُرَمَائِهِ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّهُمْ بَيْعًا وَاسْتِيفَاءً مِنْ ثَمَنِهِ وَلَا وَجْهَ لِرَدِّ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ فَأَوْجَبَ الضَّمَانَ دَفْعًا لِضَرَرِ الْغُرَمَاءِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمَأْذُونُ لَهُ مُدَبَّرًا أَوْ أُمَّ وَلَدٍ حَيْثُ لَا يَجِبُ الضَّمَانُ بِإِعْتَاقِهِمَا؛ لِأَنَّ حَقَّ الْغُرَمَاءِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِرَقَبَتِهِمَا اسْتِيفَاءً بِالْبَيْعِ فَلَمْ يَكُنْ الْمَوْلَى مُتْلِفًا حَقَّهُمْ فَلَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا فَلَوْ قَالَ وَلَوْ قِنًّا لَكَانَ أَوْلَى، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ أَقَلَّ مِنْ الْقِيمَةِ ضَمِنَ قَدْرَ الدَّيْنِ لَا غَيْرَ، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ أَكْثَرَ مِنْ الْقِيمَةِ ضَمِنَ قِيمَتَهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِمْ بِمَالِيَّتِهِ كَمَا إذَا أَعْتَقَ الرَّاهِنُ الْمَرْهُونَ بِخِلَافِ ضَمَانِ الْجِنَايَةِ عَلَى الْعَبْدِ بِحَيْثُ لَا يَبْلُغُ بِهِ دِيَةَ الْحُرِّ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ هُنَاكَ بَدَلُ الْآدَمِيِّ مِنْ وَجْهٍ فَلَا يَبْلُغُ بِهِ دِيَةَ الْحُرِّ وَكَذَا لَا يُخْتَلَفُ بَيْنَ مَا إذَا عَلِمَ الْمَوْلَى بِالدَّيْنِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِمَنْزِلَةِ إتْلَافِ مَالِ الْغَيْرِ لِمَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّهُمْ وَبِخِلَافِ إعْتَاقِ الْعَبْدِ الْجَانِي حَيْثُ يَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى جَمِيعُ الْأَرْشِ إنْ كَانَ إعْتَاقُهُ بَعْدَ عَمَلِهِ بِالْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّهُ الْوَاجِبُ فِيهَا عَلَى الْمَوْلَى وَهُوَ يُخَيَّرُ بَيْنَ الدَّفْعِ، وَالْفِدَاءِ فَيَكُونُ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ بِالْإِعْتَاقِ عَالِمًا أَوْ لَا كَذَلِكَ هُنَا؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَيْسَ لَهُ شَيْءٌ، وَإِنَّمَا يَضْمَنُ بِاعْتِبَارِ تَفْوِيتِ حَقِّهِمْ كَإِتْلَافِ مَالِ الْغَيْرِ وَذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ الْعِلْمِ وَعَدَمِهِ وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الْجَانِي مُدَبَّرًا أَوْ أُمَّ وَلَدٍ يَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى قِيمَتُهُ لِعَجْزِهِ عَنْ دَفْعِهِ بِفِعْلِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَصِيرَ مُخْتَارًا وَهُنَا لَا يَجِبُ لِمَا بَيَّنَّا. اهـ. وَقَوْلُهُ وَضَمِنَ شَمِلَ مَا إذَا أُعْتِقَ بِإِذْنِ الْغُرَمَاءِ فَلِلْغُرَمَاءِ أَنْ يَضْمَنُوا مَوْلَاهُ الْقِيمَةَ وَلَيْسَ هَذَا كَعِتْقِ الرَّاهِنِ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ وَهُوَ مُعْتَبَرٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ خَرَجَ مِنْ الرَّاهِنِ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ، وَالْمَأْذُونُ الْمَدْيُونُ لَا يَبْرَأُ مِنْ الدَّيْنِ بِإِذْنِ الْغُرَمَاءِ. اهـ. وَلَوْ قَالَ لِغُرَمَائِهِ تَضْمِينُهُ قِيمَتَهُ لَكَانَ أَوْلَى لِيُفِيدَ أَنَّ الضَّمَانَ بِاخْتِيَارِ الْغُرَمَاءِ اتِّبَاعُ الْمَوْلَى. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَطُولِبَ لِغُرَمَائِهِ بَعْدَ عِتْقِهِ) يَعْنِي لِغُرَمَائِهِ أَنْ يُطَالِبُوهُ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ إنْ بَقِيَ مِنْ دَيْنِهِمْ شَيْءٌ وَلَمْ تُوفِ بِهِ الْقِيمَةُ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ مُسْتَقِرٌّ فِي ذِمَّتِهِ لِوُجُودِ سَبَبِهِ وَعَدَمِ مَا يُسْقِطُهُ، وَالْمَوْلَى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 116 لَا يَلْزَمُهُ إلَّا قَدْرُ مَا أَتْلَفَ وَهُوَ الْقِيمَةُ، وَالْبَاقِي عَلَيْهِ فَيَرْجِعُونَ بِهِ عَلَيْهِ، وَإِذَا اخْتَارُوا اتِّبَاعَ أَحَدِهِمَا لَا يَبْرَأُ الْآخَرُ كَالْكَفِيلِ، وَالْأَصِيلِ بِخِلَافِ الْغَاصِبِ مَعَ غَاصِبِ الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ الضَّمَانَ وَاجِبٌ عَلَى أَحَدِهِمَا، وَإِذَا اخْتَارَ تَضْمِينَ أَحَدِهِمَا بَرِئَ الْآخَرُ ضَرُورَةً وَهُنَا وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَيْنٌ عَلَى حِدَةٍ وَفِي الْمُحِيطِ هَذَا إذَا اخْتَارُوا الِاتِّبَاعَ وَلَمْ يُبْرِئُوهُ مِنْ الضَّمَانِ، فَإِذَا اخْتَارُوا اتِّبَاعَ الْمَوْلَى وَأَبْرَؤُهُ مِنْ الضَّمَانِ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ عَلَيْهِ سَبِيلٌ قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَمَا قَبَضَهُ أَحَدُهُمْ مِنْ الْعَبْدِ بَعْدَ الْعِتْقِ لَا يُشَارِكُهُ فِيهِ الْبَاقُونَ وَمَا قَبَضَهُ أَحَدُهُمْ مِنْ الْقِيمَةِ الَّتِي عَلَى الْمَوْلَى يُشَارِكُهُ فِيهِ الْبَاقُونَ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ وَجَبَتْ لَهُمْ عَلَى الْمَوْلَى بِسَبَبٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الْعِتْقُ، وَالدَّيْنُ مَتَى وَجَبَ بِسَبَبٍ وَاحِدٍ لِجَمَاعَةٍ كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمْ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ بَاعَهُ سَيِّدُهُ وَغَيَّبَهُ الْمُشْتَرِي ضَمِنَ الْغُرَمَاءُ الْبَائِعَ قِيمَتَهُ) قُيِّدَ بِالتَّغْيِيبِ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَكْتَفِ بِمُجَرَّدِ الْبَيْعِ، وَالشِّرَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَضْمَنُ بِهِمَا بَلْ لَا بُدَّ مِنْ التَّغْيِيبِ وَفِيهَا أَيْضًا مَعْنَاهُ بَاعَهُ بِثَمَنٍ لَا يُوفِي دُيُونَهُمْ بِدُونِ إذْنِ الْغُرَمَاءِ، وَالدَّيْنُ حَالٌّ اهـ. فَلَوْ كَانَ الثَّمَنُ يُوفِي بِدُيُونِهِمْ فَلَا ضَمَانَ وَكَذَا لَوْ كَانَ بِإِذْنِهِمْ وَكَذَا لَوْ كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا فَبَاعَهُ الْمَوْلَى بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ بِأَقَلَّ مِنْهُمَا جَازَ بَيْعُهُ وَلَيْسَ لَهُمْ حَقُّ الْمُطَالَبَةِ حَتَّى يَحِلَّ دَيْنُهُمْ، فَإِذَا حَلَّ ضَمَّنُوا الْمَوْلَى قِيمَتَهُ وَأَفَادَ الْمُؤَلِّفُ أَنَّ الْبَيْعَ مَوْقُوفٌ فِيهِ كَالْبَيْعِ بِخِيَارٍ. قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَلَوْ وَهَبَ عَبْدَهُ الْمَأْذُونَ الْمَدْيُونَ ذَكَرَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ يَجُوزُ وَفِي بَعْضِهَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قِيلَ مَا ذُكِرَ أَنَّهُ يَجُوزُ مَحْمُولٌ عَلَى قَضَاءِ دَيْنِهِ أَوْ إبْرَاءِ الْغُرَمَاءِ وَمَا قِيلَ: إنَّهُ لَا يَجُوزُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا قَبْلَ قَضَاءِ دَيْنِهِ. وَفِي الْمُحِيطِ عَبْدٌ عَلَيْهِ دَيْنٌ إلَى أَجَلٍ فَبَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ مَوْلَاهُ جَازَ وَتَعَذَّرَ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِلْغَرِيمِ فِي النَّقْضِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ مَلَكَ الْمَوْلَى وَلَمْ يَتَعَلَّقْ حَقُّ الْغَرِيمِ بِهِ لَا يَدًا وَلَا مَنْفَعَةً وَلَا لَهُ حَقُّ اسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ مِنْ رَقَبَتِهِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ الْمُؤَجَّلَ غَيْرُ مُطَالَبٍ بِإِيفَائِهِ، وَإِذَا حَلَّ الدَّيْنُ ضَمِنَ الْمَوْلَى قِيمَتَهُ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْمَوْلَى وُجِدَ بَعْدَ وُجُودِ سَبَبِ ثُبُوتِ حَقِّهِ فِي الْمُطَالَبَةِ بِالْبَيْعِ أَوْ الِاسْتِسْعَاءِ وَفِي الدَّيْنِ، وَإِذَا كَانَ الدَّيْنُ وَاجِبًا قَبْلَ الْبَيْعِ لَكِنْ تَأَخَّرَتْ الْمُطَالَبَةُ بِالْأَجَلِ وَلَوْلَا بَيْعُ الْمَوْلَى لَثَبَتَ حَقُّهُمْ فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ وَبِسَبَبِ بَيْعِهِ السَّابِقِ عَجَزُوا عَنْ اسْتِيفَاءِ حَقِّهِمْ مِنْ رَقَبَةِ الْعَبْدِ فَصَارَ الْبَيْعُ السَّابِقُ مَانِعَ الْعَبْدِ عَنْهُمْ لِلْحَالِ فَيَضْمَنُ قِيمَتَهُ لَهُمْ كَالْعَبْدِ إذَا لَحِقَتْهُ دُيُونٌ ثُمَّ دَبَّرَهُ الْمَوْلَى فَالْمَوْلَى يَضْمَنُ قِيمَتَهُ لِلْغُرَمَاءِ هَذَا، وَإِنْ رَجَعَ الْمَوْلَى فِي هِبَتِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ عَلَى الْعَبْدِ سَبِيلٌ؛ لِأَنَّ هِبَةَ الْمَوْلَى لَمَّا نَفَذَتْ وَلَمْ يَكُنْ لِلْغُرَمَاءِ حَقُّ النَّقْضِ كَانَ بِمَنْزِلَةِ مَا نَفَذَ بِإِذْنِهِمْ وَانْتَقَلَ حَقُّهُمْ مِنْ الْعَبْدِ إلَى الْقِيمَةِ. وَإِنْ أَذِنَ لَهُ مَرَّةً بَعْدَمَا رَجَعَ فِي الْهِبَةِ فَلَزِمَهُ دَيْنٌ يُبَاعُ وَيُقْسَمُ ثَمَنُهُ بَيْنَ الْآخَرِينَ دُونَ الْأَوَّلِينَ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ بَدَلُ الرَّقَبَةِ، وَالرَّقَبَةُ بِالْإِذْنِ الثَّانِي صَارَتْ مَشْغُولَةً بِدَيْنٍ آخَرَ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهَا فَرَغَتْ عَنْ شُغْلِ الْأَوَّلِينَ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى ضَمِنَ الْقِيمَةَ لِلْأَوَّلِينَ فَقَدْ بَرِئَ الْعَبْدُ عَنْ حَقِّهِمْ مَا دَامَ رَقِيقًا؛ لِأَنَّهُ وَصَلَ إلَيْهِمْ بَدَلُ الرَّقَبَةِ فَكَانَتْ الرَّقَبَةُ مَشْغُولَةً بِدَيْنِ الْآخَرِ خَاصَّةً وَكَانَ ثَمَنُهَا لَهُمْ خَاصَّةً، وَالْقِيمَةُ لِلْأَوَّلِينَ خَاصَّةً، فَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُ الْعَبْدِ بِيعَ وَبُدِئَ بِدَيْنِ الْآخَرِينَ، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ كَانَ لِلْأَوَّلِينَ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ قَامَ مَقَامَ الرَّقَبَةِ وَقَدْ اجْتَمَعَ فِيهِ دَيْنُ الْعَبْدِ وَهُوَ دَيْنُ الْآخَرِينَ وَدَيْنُ الْمَوْلَى وَهُوَ الْقِيمَةُ لِلْأَوَّلِينَ فَيُقَدَّمُ فِيهِ دَيْنُ الْعَبْدِ فِي الْقَضَاءِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى الْمَوْلَى دَيْنٌ سِوَى ذَلِكَ ضَرَبَ فِيهِ غُرَمَاءُ الْمَوْلَى بِدَيْنِهِمْ وَلِلْأَوَّلِينَ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ دَيْنُ الْمَوْلَى وَقَدْ اجْتَمَعَ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الثَّمَنِ وَضَاقَ عَنْ إيفَاءِ الْكُلِّ يُضْرَبُ كُلُّ وَاحِدٍ بِحَقِّهِ وَلَوْ وَهَبَ الْعَبْدَ وَعَلَيْهِ أَلْفٌ حَالَّةٌ وَأَلْفٌ مُؤَجَّلَةٌ فَلِصَاحِبِ الدَّيْنِ الْحَالِّ أَنْ يَنْقُضَهُ فِي الْكُلِّ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ، وَإِنْ كَانَ فِي نِصْفِ الرَّقَبَةِ وَلَكِنَّ لَهُ حَقَّ النَّقْضِ فِي الْكُلِّ نَفْيًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ مَتَى نُقِضَ فِي النِّصْفِ شَائِعًا يُبَاعُ بِدَيْنِهِ نِصْفُ الْعَبْدِ وَثَمَنُ نِصْفِ الْعَبْدِ مَتَى بِيعَ بِانْفِرَادِهِ أُنْقِصَ مِنْ ثَمَنِ نِصْفِهِ مَتَى بِيعَ جُمْلَةً؛ لِأَنَّ الْأَشْقَاصَ لَا تُشْتَرَى بِمِثْلِ مَا تُشْتَرَى الْأَشْخَاصُ وَلَوْ عَيَّبَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ ضَمِنَ الْمَوْلَى لِصَاحِبِ الْحَالَّةِ نِصْفَ قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي نِصْفِ الْعَبْدِ وَبِالتَّغْيِيبِ عَجَزَ عَنْ الْوُصُولِ إلَى حَقِّهِ. فَإِنْ لَمْ يَحِلَّ دَيْنُ الْآخَرِ حَتَّى رَجَعَ فِي هِبَتِهِ بَاعَ لَهُ نِصْفَهُ؛ لِأَنَّ بِرُجُوعِ الْمَوْلَى فِي الْهِبَةِ عَادَ إلَى قَدِيمِ مِلْكِهِ وَلَوْ أَعْوَرَ قَبْلَ أَنْ يَضْمَنَ الْمَوْلَى رُبْعَ حِصَّتِهِ لِصَاحِبِ الْأَجَلِ يُبَاعُ نِصْفُهُ فِي دَيْنِهِ؛ لِأَنَّ نِصْفَهُ تَلِفَ عِنْدَ الْمَوْهُوبِ لَهُ، فَإِنَّ الْعَيْنَ مِنْ الْآدَمِيِّ نِصْفُهُ وَلَوْ تَلِفَ كُلُّ الْعَبْدِ يَضْمَنُ لَهُ نِصْفَ الْقِيمَةِ، فَإِذَا تَلِفَ عِنْدَهُ نِصْفُهُ بِالِاعْوِرَارِ يَضْمَنُ لَهُ رُبْعَ الْقِيمَةِ وَيُبَاعُ نِصْفُهُ فِي دَيْنِهِ؛ لِأَنَّهُ لَهُ النِّصْفُ، وَإِنْ اعْوَرَّ بَعْدَمَا رَجَعَ فِي هِبَتِهِ لَمْ يَضْمَنْ الْمَوْلَى شَيْئًا لِصَاحِبِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 117 الْأَجَلِ وَيُبَاعُ نِصْفُهُ مُعْوَرًّا؛ لِأَنَّ بِالرُّجُوعِ عَادَ الْعَبْدُ إلَى قَدِيمِ مِلْكِهِ فَقَدْ ارْتَفَعَ السَّبَبُ الْمُوجِبُ لِلضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ عَادَ حَقُّ الْغَرِيمِ فِي الْبَيْعِ، وَالِاسْتِسْعَاءِ كَمَا كَانَ وَلِهَذَا لَوْ هَلَكَ الْكُلُّ فِي يَدِ الْوَاهِبِ بَعْدَ الرُّجُوعِ لَمْ يَضْمَنْ فَكَذَا إذَا هَلَكَ بَعْضُهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (وَإِنْ رُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ رَجَعَ بِقِيمَتِهِ وَحَقِّ الْغُرَمَاءِ فِي الْعَبْدِ) ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الضَّمَانِ قَدْ زَالَ وَهُوَ الْبَيْعُ، وَالتَّسْلِيمُ فَصَارَ كَالْغَاصِبِ إذَا بَاعَ وَسَلَّمَ وَضَمِنَ الْقِيمَةَ ثُمَّ رُدَّ عَلَيْهِ بِالْعَيْبِ كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ الْمَغْصُوبَ عَلَى الْمَالِكِ وَيَرْجِعَ عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ الَّتِي دَفَعَهَا إلَيْهِ هَذَا إذَا رَدَّهُ عَلَيْهِ قَبْلَ الْقَبْضِ مُطْلَقًا أَوْ بَعْدَهُ بِقَضَاءٍ؛ لِأَنَّهُ فَسْخٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَكَذَا إذَا رَدَّهُ عَلَيْهِ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ أَوْ الشَّرْطِ، وَإِنْ رَدَّهُ بِعَيْبِ بَعْضِ الْقَبْضِ بِغَيْرِ قَضَاءٍ فَلَا سَبِيلَ لِلْغُرَمَاءِ عَلَى الْعَبْدِ وَلَا لِلْمَوْلَى عَلَى الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ بِالتَّرَاضِي إقَالَةٌ وَهُوَ بَيْعٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا، وَإِنْ فَضَلَ مِنْ دَيْنِهِمْ شَيْءٌ رَجَعُوا بِهِ عَلَى الْعَبْدِ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ وَفِي الْمُحِيطِ إذَا بَاعَ الْقَاضِي وَهَلَكَ الثَّمَنُ فِي يَدِهِ ثُمَّ وَجَدَ الْمُشْتَرِي بِهِ عَيْبًا فَرَدَّهُ فَبَاعَهُ مَرَّةً أُخْرَى وَقَضَى الْمُشْتَرِي ثَمَنَهُ وَكَذَا لَوْ بَاعَهُ مَوْلَاهُ بِأَمْرِهِ إلَّا أَنَّ الْأَمِينَ لَا يَضْمَنُ النُّقْصَانَ، وَالْمَوْلَى يَضْمَنُ النُّقْصَانَ ثُمَّ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْغُرَمَاءِ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى عَلَيْهِ عُهْدَةٌ وَلَوْ بَاعَهُ مَوْلَاهُ وَضَمِنَ قِيمَتَهُ لِلْغُرَمَاءِ ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَلَمْ يَرُدَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ حَدَثَ بِهِ عَيْبٌ آخَرُ رَجَعَ عَلَى الْبَائِعِ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ الْأَوَّلِ مِنْ الثَّمَنِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى الْبَائِعِ شَيْءٌ مِنْ تِلْكَ الْقِيمَةِ وَلَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ عَلَى الْغُرَمَاءِ وَهَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا يَرْجِعُ عَلَى الْغُرَمَاءِ بِحِصَّةِ الْعَيْبِ وَهَذِهِ فُرُوعُ الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الصُّلْحِ وَهِيَ أَنَّ مَنْ اشْتَرَى عَبْدًا فَبَاعَهُ مِنْ غَيْرِهِ ثُمَّ إنَّ الْمُشْتَرِيَ الثَّانِيَ وَجَدَ فِيهِ عَيْبًا فَمَاتَ فِي يَدِهِ رَجَعَ عَلَى بَائِعِهِ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ وَلَا يَرْجِعُ بَائِعُهُ عَلَى بَائِعِهِ بِذَلِكَ عِنْدَ الْإِمَامِ خِلَافًا لَهُمَا وَقِيلَ هَذَا قَوْلُهُمْ جَمِيعًا وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ وَمَسْأَلَةِ الصُّلْحِ أَنَّهُمْ هُنَا الْغُرَمَاءُ يَقُولُونَ لِلْمُشْتَرِي: إنَّك الْتَزَمْت هَذِهِ الْغَرَامَةَ بِطِيبٍ مِنْ نَفْسِك، فَإِنَّك كُنْت مُمَكَّنًا مِنْ رَدِّ الْعَبْدِ عَلَيْنَا فَلَا يَلْزَمُك هَذَا النُّقْصَانُ فَلَمَّا لَمْ تَفْعَلْ فَقَدْ الْتَزَمْت هَذِهِ الْغَرَامَةَ. وَلَوْ ادَّعَى الْمُشْتَرِي عَيْبًا يَحْدُثُ مِثْلُهُ فَصَالَحَهُ مِنْ دَعْوَاهُ مَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى شَيْءٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى بَائِعِهِ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِالْتِزَامِهِ هَذِهِ الْغَرَامَةَ اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ مُشْتَرِيهِ) وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتَعَدٍّ فِي حَقِّ غُرَمَاءِ الْبَائِعِ لِمَا ذَكَرْنَا، وَالْمُشْتَرِي بِالشِّرَاءِ، وَالْقَبْضِ، وَالتَّعْيِيبِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ أَجَازُوا الْبَيْعَ وَأَخَذُوا الثَّمَنَ) أَيْ الْغُرَمَاءُ إنْ شَاءُوا أَجَازُوا الْبَيْعَ وَأَخَذُوا ثَمَنَ الْعَبْدِ وَلَا يَضْمَنُوا آخِذَ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ، وَالْإِجَازَةُ اللَّاحِقَةُ كَالْإِذْنِ السَّابِقِ كَمَا إذَا بَاعَ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ ثُمَّ أَجَازَ الْمُرْتَهِنُ الْبَيْعَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَفَلَ عَنْ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ ثُمَّ أَجَازَ؛ لِأَنَّهَا وَقَعَتْ غَيْرَ مُوجِبَةٍ لِلرُّجُوعِ فَلَا تَنْقَلِبُ مُوجِبَةً لَهُ وَلَا كَذَلِكَ مَا نَحْنُ فِيهِ فَحَاصِلُهُ أَنَّ الْغُرَمَاءَ يُخَيَّرُونَ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ إجَازَةِ الْبَيْعِ وَتَضْمِينِ أَيِّهِمَا شَاءُوا ثُمَّ إنْ ضَمَّنُوا الْمُشْتَرِيَ رَجَعَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ أَخْذَ الْقِيمَةِ مِنْهُ كَأَخْذِ الْعَيْنِ، وَإِنْ ضَمَّنُوا الْبَائِعَ سَلَّمُوا الْمَبِيعَ لِلْمُشْتَرِي وَلَزِمَ الْبَيْعُ لِزَوَالِ الْمَانِعِ وَأَيُّهُمَا اخْتَارَ تَضْمِينَهُ بَرِئَ الْآخَرُ حَتَّى لَا يَرْجِعُوا عَلَيْهِ، وَإِنْ تُوِيَتْ الْقِيمَةُ عِنْدَ الَّذِي اخْتَارَهُ؛ لِأَنَّ الْمُخَيَّرَ بَيْنَ شَيْئَيْنِ إذَا اخْتَارَ أَحَدَهُمَا تَعَيَّنَ حَقُّهُ فِيهِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَخْتَارَ الْآخَرَ وَلَوْ ظَهَرَ الْعَبْدُ بَعْدَمَا اخْتَارُوا تَضْمِينَ أَحَدِهِمَا لَيْسَ لَهُمْ عَلَيْهِ سَبِيلٌ إنْ كَانَ الْقَاضِي قَضَى لَهُمْ بِالْقِيمَةِ بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِالْيَمِينِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ تَحَوَّلَ إلَى الْقِيمَةِ بِالْقَضَاءِ، وَإِنْ قَضَى لَهُمْ بِالْقِيمَةِ، وَإِنْ شَاءُوا رَدُّوهُمَا وَأَخَذُوا الْعَبْدَ فَيَبِيعُ لَهُمْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِمْ كَمَالُ حَقِّهِمْ بِزَعْمِهِمْ وَهُوَ نَظِيرُ الْمَغْصُوبِ فِي ذَلِكَ كَذَا ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ وَعَزَاهُ إلَى الْمَبْسُوطِ قَالَ الشَّارِحُ الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ فِي الْمَغْصُوبِ مَشْرُوطٌ بِأَنْ تَظْهَرَ الْعَيْنُ وَقِيمَتُهَا أَكْثَرَ مِمَّا ضَمِنَ وَلَمْ يَشْتَرِطْ هُنَا ذَلِكَ، وَإِنَّمَا شَرَطَ أَنْ تَدَّعِيَ الْغُرَمَاءُ أَكْثَرَ مِمَّا ضَمِنَ وَأَنَّ كَمَالَ حَقِّهِمْ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِمْ بِزَعْمِهِمْ وَبَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ كَثِيرٌ؛ لِأَنَّ الدَّعْوَى قَدْ تَكُونُ غَيْرَ مُطَابِقَةٍ فَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ قِيمَتُهُ مِثْلَ مَا ضَمِنَ أَوْ أَقَلَّ فَلَا يَثْبُتُ لَهُمْ الْخِيَارُ إذَا ظَهَرَ وَقِيمَتُهُ أَكْثَرُ مِمَّا ضَمِنَ فَلَا يَكُونُ الْمَذْكُورُ هُنَا مُلَخَّصًا. اهـ. وَيُجَابُ عَنْهُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ السِّعَايَةُ بِهَا يَحْصُلُ لَهُمْ كَمَالُ مَالِهِ لَمْ يَظْهَرْ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَشَرَطُوا دَعْوَاهُمْ وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِحُكْمِ الثَّمَنِ إذَا ضَاعَ. وَفِي الْعِنَايَةِ وَلَوْ هَلَكَ الثَّمَنُ فِي يَدِ الْمَوْلَى وَقَدْ أَجَازُوا الْغُرَمَاءُ الْبَيْعَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَلَوْ أَجَازَ بَعْضُ الْغُرَمَاءِ الْبَيْعَ وَضَمِنَ الْبَعْضُ جَازَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (: وَإِنْ بَاعَهُ سَيِّدُهُ وَأَعْلَمَ بِالدَّيْنِ فَلِلْغُرَمَاءِ رَدُّ الْبَيْعِ) ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ تَعَلَّقَ بِهِ وَهُوَ حَقُّ الِاسْتِسْعَاءِ، وَالِاسْتِيفَاءِ مِنْ رَقَبَتِهِ وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا فَائِدَةٌ فَالْأَوَّلُ تَامٌّ مُؤَخَّرٌ، وَالثَّانِي نَاقِصٌ مُعَجَّلٌ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 118 وَبِالْبَيْعِ تَفُوتُ هَذِهِ الْخِيرَةُ وَكَانَ لَهُمْ رَدُّهُ وَفَائِدَةُ الْإِعْلَامِ بِالدَّيْنِ سُقُوطُ خِيَارِ الْمُشْتَرِي فِي الرَّدِّ بِعَيْبِ الدَّيْنِ حَتَّى يَلْزَمَ الْبَيْعُ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدِينَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَازِمًا فِي حَقِّ الْغُرَمَاءِ هَذَا إذَا كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا وَكَانَ الْبَيْعُ مِنْ غَيْرِ طَلَبِ الْغُرَمَاءِ، وَالثَّمَنُ لَا يُوفِي بِدُيُونِهِمْ، وَإِنْ كَانَ دَيْنُهُمْ مُؤَجَّلًا فَالْبَيْعُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ بَاعَ مِلْكَهُ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى تَسْلِيمِهِ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقٌّ لِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْغُرَمَاءِ يَتَأَخَّرُ بِخِلَافِ الْحَالِّ وَفِي النِّهَايَةِ زَادَ أَوْ رَضِيَ الْغُرَمَاءُ بِالْبَيْعِ فَلَا يَكُونُ لَهُمْ الرَّدُّ وَهَذَا بِخِلَافِ الرَّهْنِ بِالدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ مَلَكَ الرَّقَبَةَ فَلَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ وَلَا يَدَ لِلْغُرَمَاءِ فِي الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ وَلَا فِي كَسْبِهِ. وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْنَا مِنْ تَأْجِيلِ الثَّمَنِ وَطَلَبِ الْغُرَمَاءِ وَفَاءَ الثَّمَنِ بِالدَّيْنِ فَالْبَيْعُ مَوْقُوفٌ حَتَّى يَجُوزَ بِإِجَازَةِ الْغُرَمَاءِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ بَاطِلٌ وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ مَعْنَاهُ أَنَّهُ سَيَبْطُلُ؛ لِأَنَّ لِلْغَيْرِ حَقَّ إبْطَالِهِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ مَعْنَاهُ أَنَّهُ فَاسِدٌ بِدَلِيلِ مَا قَالَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ إذَا أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْقَبْضِ أَوْ دَبَّرَهُ صَحَّ ذَلِكَ وَيَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ وَفِي الْعِنَايَةِ، فَإِنْ قِيلَ إذَا بَاعَ الْمَوْلَى عَبْدَهُ الْجَانِيَ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْجِنَايَةِ كَانَ مُخْتَارًا الْفِدَاءَ فَمَا بَالُهُ هَاهُنَا لَا يَكُونُ مُخْتَارًا لِقَضَاءِ الدَّيْنِ مِنْ مَالِهِ الْجَوَابُ بِأَنَّ مُوجِبَ الْجِنَايَةِ الدَّفْعُ عَلَى الْمَوْلَى، فَإِذَا تَعَذَّرَ عَلَيْهِ بِالْبَيْعِ طُولِبَ بِهِ لِبَقَاءِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ وَأَمَّا الدَّيْنُ فَهُوَ وَاجِبٌ فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ بِحَيْثُ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ بِالْبَيْعِ، وَالْإِعْتَاقِ حَتَّى يُؤْخَذَ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ فَلَمَّا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ الْبَيْعُ مِنْ الْمَوْلَى بِمَنْزِلَةِ أَنْ يُقَالَ أَنَا أَقْضِي دَيْنَهُ وَذَلِكَ عِدَّةٌ بِالتَّبَرُّعِ فَلَا يَلْزَمُهُ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَنَا أَقْضِي دَيْنَهُ وَيُحْتَمَلُ الْكَفَالَةُ فَلَا يَتَعَيَّنُ عِدَّةٌ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْعِدَّةَ أَدْنَى الِاحْتِمَالَيْنِ فَيَثْبُتُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا دَلِيلَ عَلَى غَيْرِهِ، وَإِذَا جَنَى الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ طُولِبَ الْمَوْلَى بِالدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ؛ لِأَنَّ الْخَصْمَ فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ هُوَ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهَا كَسْبُ الْمَوْلَى لَا كَسْبُ الْمَأْذُونِ وَلِهَذَا لَوْ ادَّعَى إنْسَانٌ فِي رَقَبَتِهِ حَقًّا يَنْتَصِبُ الْمَوْلَى خَصْمًا لِلْمُدَّعِي لَا لِلْمَأْذُونِ. [لَا تُبَاعُ رَقَبَةُ الْمَأْذُونِ الْمَدْيُونِ إلَّا بِحَضْرَةِ الْمَوْلَى] وَكَذَا لَا تُبَاعُ رَقَبَةُ الْمَأْذُونِ الْمَدْيُونِ إلَّا بِحَضْرَةِ الْمَوْلَى لَعَلَّهُ يَخْتَارُ الْفِدَاءَ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ لِلْعَبْدِ لَا يُعَجِّزُ الْمَالِكَ عَنْ الدَّفْعِ؛ لِأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ وَكُلُّ تَصَرُّفٍ أَصَابَهُ الْمَالِكُ فِي الْعَبْدِ فَلَا يُعَجِّزُهُ عَنْ الدَّفْعِ لَا يَصِيرُ بِهِ مُخْتَارًا لِمَا بُيِّنَ فِي كِتَابِ الْجِنَايَاتِ، وَإِنْ دَفَعَهُ بِالْجِنَايَةِ فَلَحِقَهُ دَيْنٌ بِيعَ فِي الدَّيْنِ وَيَرْجِعُ أَصْحَابُ الْجِنَايَةِ بِقِيمَتِهِ عَلَى مَوْلَاهُ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ ثَبَتَ فِي عَبْدٍ فَارِغٍ عَنْ الدَّيْنِ، وَإِنَّمَا صَارَ مَشْغُولًا مِنْ جِهَةِ الْمَوْلَى بَعْدَ ثُبُوتِ حَقِّهِمْ فَصَارَ الْمَوْلَى ضَامِنًا بِخِلَافِ مَا لَوْ جَنَى الْعَبْدُ بَعْدَ لُحُوقِ الدَّيْنِ وَدَفَعَهُ الْمَوْلَى إلَى أَصْحَابِ الْجِنَايَةِ ثُمَّ تَبِعَ الْعَبْدَ بَعْدَ الدَّفْعِ بِدَيْنِ الْغُرَمَاءِ لَا يَرْجِعُ أَصْحَابُ الْجِنَايَةِ عَلَى الْمَوْلَى بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ وَصَلَ إلَيْهِمْ قَدْرُ حَقِّهِمْ، فَإِنَّ حَقَّهُمْ فِي عَبْدٍ مَشْغُولٍ بِالدَّيْنِ يُبَاعُ فِيهِ وَقَدْ وَصَلَ إلَيْهِمْ كَذَلِكَ وَكَذَلِكَ لَوْ أَذِنَ لَهُ وَلَمْ يَلْحَقْهُ دَيْنٌ حَتَّى قَتَلَ رَجُلًا خَطَأً ثُمَّ لَحِقَهُ دَيْنٌ أَلْفِ دِرْهَمٍ فَدُفِعَ بِالْجِنَايَةِ وَبِيعَ فِي الدَّيْنَيْنِ رَجَعَ صَاحِبُ الْجِنَايَةِ وَجَبَرَهُ عَلَى مَوْلَاهُ بِنِصْفِ قِيمَةِ حِصَّتِهِ مِنْ الدَّيْنِ الْبَاقِي؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ الدَّيْنَانِ قَبْلَ الْجِنَايَةِ لَا يَرْجِعُ أَصْحَابُ الْجِنَايَةِ عَلَى الْمَوْلَى بِشَيْءٍ وَلَوْ وَجَبَ الدَّيْنَانِ بَيْنَ الْجِنَايَةِ يَرْجِعُ أَصْحَابُ الْجِنَايَةِ عَلَى الْمَوْلَى بِجَمِيعِ قِيمَةِ الْعَبْدِ، وَإِذَا وَجَبَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْجِنَايَةِ، وَالْآخَرُ بَعْدَهَا كَانَ لِكُلِّ دَيْنٍ حُكْمُ نَفْسِهِ أَقَرَّ عَلَى عَبْدِهِ بِجِنَايَةٍ ثُمَّ بِجِنَايَةٍ دَفَعَ إلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ ثُمَّ يَرْجِعُ صَاحِبُ الْجِنَايَةِ الْأُولَى عَلَى الْمَوْلَى بِنِصْفِ قِيمَتِهِ إذَا تَكَاذَبَا الْأَوْلِيَاءُ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ إقْرَارٌ بِتَمَلُّكِ الْعَبْدِ مِنْ أَوْلِيَاءِ الْجِنَايَةِ وَصِحَّةُ تَمْلِيكِ الْعَبْدِ مِنْ أَوْلِيَاءِ الْجِنَايَةِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ بِالْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ وَبِالْإِقْرَارِ بِالْجِنَايَةِ لَا يَصِيرُ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ وَلَا ضَامِنًا قِيمَةَ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْجِزُ عَنْ الدَّفْعِ وَيُمْكِنُهُ دَفْعُ جَمِيعِ الْعَبْدِ إلَى أَصْحَابِ الْجِنَايَةِ الْأُولَى عَلَى عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ دَيْنٌ مَعْرُوفٌ أَوْ أَقَرَّ بِهِ الْمَوْلَى ثُمَّ أَقَرَّ عَلَيْهِ بِجِنَايَةٍ لَمْ يُصَدَّقْ إلَّا أَنْ يَقْضِيَ دَيْنَهُ وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ جِنَايَةٌ مَعْرُوفَةٌ وَأَقَرَّ الْمَوْلَى عَلَى عَبْدِهِ بِالْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ صَحَّ إقْرَارُهُ، وَالْفَرْقُ أَنَّ دَيْنَ الْعَبْدِ يَمْنَعُ الْمَوْلَى مِنْ تَمْلِيكِ الْعَبْدِ مِنْ غَيْرِهِ إلَّا بِرِضَا الْغُرَمَاءِ أَلَا تَرَى لَوْ بَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ كَانَ لَهُمْ أَنْ يَنْقُضُوا فَكَذَا يُمْنَعُ صِحَّةُ الْإِقْرَارِ بِمَا يُوجِبُ تَمْلِيكَهُ مِنْ غَيْرِهِ فَأَمَّا جِنَايَةُ الْعَبْدِ لَا تَمْنَعُ الْمَوْلَى مِنْ تَمْلِيكِ الْعَبْدِ مِنْ غَيْرِهِ أَلَا تَرَى لَوْ بَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ مِنْ غَيْرِهِ صَحَّ وَلَمْ يَكُنْ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ نَقْضُهُ وَفِقْهُهُ أَنَّ دَيْنَ الْعَبْدِ وَاجِبٌ فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ لَا فِي ذِمَّةِ الْمَوْلَى وَتَعَلَّقَ بِمَالِيَّتِهِ، وَالْمَالِيَّةُ فِي الْعَبْدِ، وَالْحَقُّ الثَّابِتُ فِي الْعَيْنِ عَجَزَ الْمَالِكُ مِنْ تَمْلِيكِهِ مِنْ غَيْرِهِ لَا يَتَضَمَّنُ إبْطَالَ حَقِّ الْغَيْرِ كَحَقِّ الْمُرْتَهِنِ فِي الرَّهْنِ فَأَمَّا مُوجِبُ جِنَايَةِ الْعَبْدِ تَجِبُ فِي ذِمَّةِ الْمَوْلَى وَهُوَ الدَّفْعُ أَوْ الْفِدَاءُ إلَّا أَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِالْعَبْدِ وَهُوَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 119 دَفَعَهُ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِمَالِيَّتِهِ، وَإِذَا كَانَ مُوجِبُ الْجِنَايَةِ يَتَعَلَّقُ بِذِمَّةِ الْمَوْلَى فَلَا يَحْجِزُهُ عَنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مَحَلٍّ خَالِصٍ لَهُ لَا حَقَّ لِلْغَيْرِ فِيهِ إلَّا أَنَّهُ إذَا اسْتَهْلَكَهُ ضَمِنَ قِيمَتَهُ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ مَحَلُّ إقَامَةِ حَقِّهِمْ وَهُوَ الدَّفْعُ فَصَارَ كَنِصَابِ الزَّكَاةِ وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ وَلَا يُحْجَرُ الْمَالِكُ عَنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ، وَإِذَا اسْتَهْلَكَهُ ضَمِنَ فَكَذَا هَذَا. وَلَوْ قَتَلَ رَجُلًا عَمْدًا وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَصَالَحَ الْمَوْلَى عَلَى أَنْ جَعَلَ الْعَبْدَ لِأَصْحَابِ الْجِنَايَةِ بِحَقِّهِمْ لَمْ يَجُزْ وَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَقْتُلُوهُ وَقَدْ سَقَطَ الْقِصَاصُ وَيُبَاعُ فِي الدَّيْنِ، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ كَانَ لِصَاحِبِ الْجِنَايَةِ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَى أَحَدٍ أَبَدًا؛ لِأَنَّ تَمَلُّكَ الْمَوْلَى الْعَبْدَ مِنْ وَلِيِّ الْقِصَاصِ بِالصُّلْحِ لَوْ صَحَّ يُؤَدِّي إلَى إبْطَالِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ وَفِي الْمُحِيطِ مَحْجُورٌ اشْتَرَى ثَوْبًا وَلَمْ يَعْلَمْ مَوْلَاهُ بِذَلِكَ حَتَّى لَوْ بَاعَ الْعَبْدَ ثُمَّ أَجَازَ شِرَاءَهُ لَمْ يَجُزْ الشِّرَاءُ أَبَدًا وَلَوْ بَاعَ ثَوْبًا مِنْ رَجُلٍ ثُمَّ إنَّ الْمَوْلَى بَاعَ الْعَبْدَ وَأَجَازَ الْبَيْعَ جَازَ؛ لِأَنَّ بِبَيْعِ الْعَبْدِ لَمْ يُفْسَخْ الْبَيْعُ الْمَوْقُوفُ فَالْإِجَازَةُ صَادَفَتْ عَبْدًا مَوْقُوفًا فَصَحَّتْ عَبْدٌ مَحْجُورٌ أَدَانَ رَجُلًا فَنَهَى مَوْلَاهُ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ أَنْ يَدْفَعَ إلَى الْعَبْدِ فَقَضَى الْغَرِيمُ عَيْنَ مَا أَخَذَهُ بَرِئَ عِنْدَ الْإِمَامِ فِي الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّ الْإِدَانَةَ مِنْ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ مَوْقُوفَةٌ وَحُقُوقُ الْعَقْدِ تَرْجِعُ إلَى الْعَاقِدِ فِي الثَّابِتِ، وَالْمَوْقُوفِ جَمِيعًا كَمَا فِي الْفُضُولِيِّ إذَا أَدَانَ مَالَهُ غَيْرُهُ فَقَضَاهُ الْمَدْيُونُ بَرِئَ فَكَذَا هَذَا وَفِي الْمُحِيطِ عَبْدٌ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ دَيْنٌ اكْتَسَبَ دَرَاهِمَ بِغَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ وَاشْتَرَى بِهَا ثَوْبًا، وَالسَّيِّدُ يَنْظُرُ إلَيْهِ فَسَكَتَ صَارَ الْعَبْدُ مَأْذُونًا فِي التِّجَارَةِ وَلِلْمَوْلَى أَنْ يَرْجِعَ بِالدَّرَاهِمِ عَلَى الْبَائِعِ وَيَرْجِعَ الْبَائِعُ بِالدَّرَاهِمِ دَيْنًا عَلَى الْعَبْدِ. مَحْجُورٌ اشْتَرَى دَارًا وَبَاعَهَا ثُمَّ بَلَغَ الْمَوْلَى فَأَجَازَ الْبَيْعَ، وَالشِّرَاءَ قَالَ يَجُوزُ الشِّرَاءُ وَلَا يَجُوزُ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَجَازَ الشِّرَاءَ فَقَدْ ظَهَرَ مِلْكُ الْمَوْلَى بَاتًّا عَلَى مَوْقُوفٍ فَأَبْطَلَهُ وَفِي الْمُحِيطِ أَسَرُوا الْعَبْدَ الْمَأْذُونَ وَأَحْرَزُوهُ ثُمَّ ظَهَرَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِمْ أَخَذَهُ مَوْلَاهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَبَعْدهَا بِقِيمَتِهِ، فَإِنْ كَانَ جَنَى جِنَايَةً وَكَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَزِمَاهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ غَابَ الْبَائِعُ فَالْمُشْتَرِي لَيْسَ بِخَصْمٍ لَهُمْ) يَعْنِي لَوْ بَاعَ الْمَوْلَى عَبْدَهُ الْمَأْذُونَ الْمَدْيُونَ وَقَبَضَ الثَّمَنَ وَتَسَلَّمَهُ الْمُشْتَرِي ثُمَّ غَابَ الْبَائِعُ لَا يَكُونُ الْمُشْتَرِي خَصْمًا لِلْغُرَمَاءِ إذَا أَنْكَرَ الْمُشْتَرِي الدَّيْنَ وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَكُونُ الْمُشْتَرِي خَصْمًا وَيُقْضَى لَهُمْ بِدَيْنِهِمْ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا اشْتَرَى دَارًا وَوَهَبَهَا وَسَلَّمَهَا إلَيْهِ ثُمَّ غَابَ الْمُشْتَرِي، وَالْوَاهِبُ ثُمَّ حَضَرَ الشَّفِيعُ فَالْمَوْهُوبُ لَهُ لَا يَكُونُ خَصْمًا عِنْدَهُمَا خِلَافًا لَهُ هُوَ يَقُولُ إنَّ ذَا الْيَدِ يَدَّعِي الْمِلْكَ لِنَفْسِهِ فِي الْعَيْنِ فَيَكُونُ خَصْمًا فِيهَا كَمَا لَوْ ادَّعَى مِلْكَ الْعَبْدِ وَلَهُمَا أَنَّ الدَّعْوَى تَقْتَضِي فَسْخَ الْعَقْدِ وَهُوَ قَائِمٌ بِالْبَائِعِ، وَالْمُشْتَرِي فَيَكُونُ الْفَسْخُ قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ، وَالْحَاضِرُ لَيْسَ بِخَصْمٍ عَنْهُ بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَى الْمِلْكَ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْيَدِ يَظْهَرُ فِي الِانْتِهَاءِ أَنَّهُ كَانَ غَاصِبًا مِنْهُمْ، وَالْغَاصِبُ يَكُونُ خَصْمًا وَبِخِلَافِ دَعْوَى الرَّهْنِ؛ لِأَنَّ فِيهِ فَائِدَةً؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ لَا يُبَاعُ وَلَوْ صُدِّقَ الْمُشْتَرِي فِي الدَّيْنِ كَانَ لِلْغُرَمَاءِ أَنْ يَرُدُّوا الْمَبِيعَ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ فَيُفْسَخُ بَيْعُهُ إذَا لَمْ يُوفِ الثَّمَنُ بِدُيُونِهِمْ وَلَوْ كَانَ الْبَائِعُ حَاضِرًا، وَالْمُشْتَرِي غَائِبًا فَلَا خُصُومَةَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْبَائِعِ بِالْإِجْمَاعِ حَتَّى يَحْضُرَ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ، وَالْيَدَ لِلْمُشْتَرِي وَلَا يُمْكِنُ وَهُوَ غَائِبٌ إبْطَالُهُمَا لَكِنْ لَهُمْ أَنْ يُضَمِّنُوا الْبَائِعَ قِيمَتَهُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُلْزَمًا بِحَقِّهِمْ بِالْبَيْعِ، وَالتَّسْلِيمِ، فَإِذَا ضَمَّنُوهُ الْقِيمَةَ جَازَ الْبَيْعُ وَكَانَ الثَّمَنُ لِلْبَائِعِ، وَإِنْ اخْتَارُوا إجَازَةَ الْبَيْعِ أَخَذُوا الثَّمَنَ وَلَوْ قَالَ إذَا غَابَ أَحَدُهُمَا فَالْحَاضِرُ لَيْسَ بِخَصْمٍ إذَا أَنْكَرَ لَكَانَ أَوْلَى. اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ قَدِمَ مِصْرًا وَقَالَ أَنَا عَبْدُ زَيْدٍ فَاشْتَرَى وَبَاعَ لَزِمَهُ كُلُّ شَيْءٍ مِنْ التِّجَارَةِ) يَعْنِي يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الْإِذْنِ فِي حَقِّ كَسْبِهِ حَتَّى تُقْضَى بِهَا دُيُونُهُ، وَالْمَسْأَلَةُ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يُخْبِرَ أَنَّ الْمَوْلَى أَذِنَ لَهُ فَيُصَدَّقُ اسْتِحْسَانًا عَدْلًا كَانَ أَوْ غَيْرَ عَدْلٍ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يُصَدَّقَ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ النَّاسَ يُعَامِلُونَهُ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَإِجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ حُجَّةٌ يُخَصُّ بِهَا الْأَثَرُ وَيُتْرَكُ بِهَا الْقِيَاسُ وَلِأَنَّ فِي ذَلِكَ ضَرُورَةً وَبَلْوًى، فَإِنَّ الْإِذْنَ لَا بُدَّ مِنْهُ لِصِحَّةِ تَصَرُّفِهِ وَإِقَامَةِ الْحُجَّةِ عِنْدَ كُلِّ عَقْدٍ غَيْرِ مُمْكِنٍ وَمَا ضَاقَ عَلَى النَّاسِ أَمْرُهُ اتَّسَعَ بِحُكْمِهِ وَمَا عَمَّتْ بَلِيَّتُهُ اتَّسَعَتْ قَضِيَّتُهُ، وَالثَّانِي أَنْ يَبِيعَ وَيَشْتَرِيَ وَلَا يُخْبِرَ بِشَيْءٍ فَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَثْبُتُ إذْنُهُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ مَأْذُونٌ؛ لِأَنَّ عَقْلَهُ وَدِينَهُ يَمْنَعُهُ عَنْ ارْتِكَابِ الْمُحَرَّمِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ هُوَ الْأَصْلُ فَيَعْمَلُ بِهِ فَصَحَّ تَصَرُّفَاتُهُ، وَإِنْ لَمْ يُوفِ الْكَسْبُ بِالدَّيْنِ لَا تُبَاعُ رَقَبَتُهُ؛ لِأَنَّهَا مِلْكُ الْمَوْلَى فَلَا يُصَدَّقُ فِيهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُوبِ الدَّيْنِ عَلَيْهِ أَنْ تُبَاعَ فِيهِ كَمَا لَوْ كَانَ الْمَدْيُونُ مُدَبَّرًا أَوْ أُمَّ وَلَدٍ بِخِلَافِ الْكَسْبِ، فَإِنَّ الْمَوْلَى لَا يَمْلِكُهُ وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ جَاءَ بِأَمَةٍ فَقَالَ هَذِهِ أَمَتِي فَبَايَعُوهَا فَوَلَدَتْ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ ضَمِنَ لَهُمْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 120 قِيمَتَهَا وَقِيمَةَ أَوْلَادِهَا وَلَا يَضْمَنُ مَا وَهَبَ لَهَا وَمَا اكْتَسَبَ وَيَضْمَنُ الْقِيمَةَ فِي كُلِّ يَوْمِ الِاسْتِحْقَاقِ لَا يَوْمِ الْغُرُورِ وَلَوْ قَالَ لِأَهْلِ السُّوقِ بَايِعُوهُ ثُمَّ نَهَى وَاحِدًا أَوْ اثْنَيْنِ عَنْ مُبَايَعَتِهِ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ لَمْ يَضْمَنْ لِمَنْ نَهَاهُ؛ لِأَنَّ التَّخْصِيصَ فِي الْحَجْرِ عَنْ الْمُبَايَعَةِ صَحِيحٌ [دَخَلَ رَجُلٌ بِعَبْدِهِ مِنْ السُّوقِ وَقَالَ هَذَا عَبْدِي وَقَدْ أَذِنْت لَهُ فِي التِّجَارَةِ] وَلَوْ دَخَلَ رَجُلٌ بِعَبْدِهِ مِنْ السُّوقِ وَقَالَ هَذَا عَبْدِي وَقَدْ أَذِنْت لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَقَدْ لَحِقَهُ دَيْنٌ ثُمَّ وُجِدَ حُرًّا لَمْ يَكُنْ غَارًّا وَلَوْ قَالَ بَايِعُوهُ ضَمِنَ لَهُمْ الْأَقَلَّ مِنْ الْقِيمَةِ وَمِنْ الدَّيْنِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْمُبَايَعَةِ لَا يَنْفَكُّ عَنْ وُجُوبِ الدَّيْنِ، وَالْإِذْنَ يَنْفَكُّ وَلَوْ قَالَ هَذَا عَبْدِي فَبَايِعُوهُ وَقَدْ أَذِنْت لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَلَوْ لَمْ يَقُلْ أَذِنْت فَهُوَ غَارٌّ وَلَوْ قَالَ هَذَا مُدَبَّرِي قَدْ أَذِنْت لَهُ فِي التِّجَارَةِ فَلَحِقَهُ دَيْنٌ فَاسْتَحَقَّهُ رَجُلٌ لَمْ يَضْمَنْ الَّذِي غَرَّهُمْ شَيْئًا وَلَوْ قَالَ بَايِعُوهُ فِي الْبِرِّ ضَمِنَ إذَا بَايَعُوهُ فِي كُلِّ نَوْعٍ وَلَوْ قَالَ أَذِنْت لَهُ فِي التِّجَارَةِ لِأَقْوَامٍ بِأَعْيَانِهِمْ فَبَايَعُوهُ وَغَيْرُهُمْ فَوُجِدَ حُرًّا أَوْ مُسْتَحَقًّا لِلْغَيْرِ ضَمِنَ لِمَنْ أَمَرَهُ خَاصَّةً، فَإِنْ قُلْت قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْعَبْدَ يُبَاعُ فِي الدَّيْنِ إذَا أَذِنَ لَهُ وَلَوْ لَمْ يَقُلْ بَايِعُوهُ وَهُنَا لَا يَضْمَنُ إلَّا إذَا قَالَ أَذِنْت وَبَايَعُوهُ قُلْنَا هَذَا ضَمَانُ غُرُورٍ فَلِهَذَا ضَمِنَ لِمَنْ أَمَرَهُ خَاصَّةً قَدْرَ حِصَّتِهِمْ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَتَفَاوَتُونَ فِي الْمُعَامَلَاتِ وَلَوْ قَالَ بَايِعُوهُ وَلَمْ يَقُلْ إنَّهُ عَبْدِي لَمْ يَكُنْ غَارًّا وَلَمْ يَضْمَنْ لِأَحَدٍ شَيْئًا وَلَوْ كَانَ الَّذِي قَالَ هَذَا عَبْدِي صَبِيًّا أَوْ مُكَاتَبًا أَوْ مُدَبَّرًا لَا تَجُوزُ كَفَالَتُهُ لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا اهـ. وَفِيهِ لَوْ قَالَ هَذَا ابْنِي وَقَدْ أَذِنْت لَهُ فِي التِّجَارَةِ فَبَايِعُوهُ وَقَدْ كَانَ ابْنَ غَيْرِهِ فَهُوَ غَارٌّ؛ لِأَنَّهُ أَطْمَعَهُمْ أَنَّ دُيُونَهُمْ تَجِبُ فِي ذِمَّةِ الصَّبِيِّ وَتُسْتَوْفَى مِنْ مَالِهِ بِسَبَبِ إذْنِهِ وَقَدْ ظَهَرَ الْأَمْرُ بِخِلَافِهِ اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ حَضَرَ وَأَقَرَّ بِالْإِذْنِ بِيعَ وَإِلَّا فَلَا) يَعْنِي إذَا حَضَرَ الْمَوْلَى وَأَقَرَّ بِإِذْنِهِ بِيعَ فِي الدَّيْنِ لِظُهُورِ الدَّيْنِ فِي حَقِّهِ بِإِقْرَارِهِ، وَإِنْ قَالَ هُوَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ لِتَمَسُّكِهِ بِالظَّاهِرِ إلَّا إذَا أَثْبَتَ الْغُرَمَاءُ الْإِذْنَ مِنْهُ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ عِيَانًا إذْ هِيَ مُثْبَتَةٌ كَاسْمِهَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَذِنَ لِلصَّبِيِّ أَوْ الْمَعْتُوهِ الَّذِي يَعْقِلُ الْبَيْعَ، وَالشِّرَاءَ وَلِيُّهُ فَهُوَ فِي الشِّرَاءِ كَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ) فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْأَحْكَامِ فَلَا يَتَقَيَّدُ بِنَوْعٍ مِنْ التِّجَارَاتِ دُونَ نَوْعٍ وَيَكُونُ مَأْذُونًا بِالسُّكُوتِ حِينَ يَرَاهُ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي وَصَحَّ إقْرَارُهُ بِمَا فِي يَدِهِ مِنْ كَسْبِهِ وَيَجُوزُ بَيْعُهُ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ عِنْدَ الْإِمَامِ خِلَافًا لَهُمَا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ، وَالْمُرَادُ بِكَوْنِهِ يَعْقِلُ الْبَيْعَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الْبَيْعَ سَالِبٌ لِلْمِلْكِ، وَالشِّرَاءَ جَالِبٌ وَأَنْ يَقْصِدَ بِهِ الرِّبْحَ وَيَعْرِفَ الْغَبْنَ الْيَسِيرَ مِنْ الْفَاحِشِ وَقَالَ لَا تَنْفُذُ تَصَرُّفَاتُهُ وَبَيَانُ الدَّلِيلِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ مَذْكُورٌ فِي الْمُطَوَّلَاتِ، فَإِنْ قُلْت كَيْفَ يَسْتَقِيمُ تَعْمِيمُ قَوْلِهِ إنَّ مَا ثَبَتَ فِي الْعَبْدِ مِنْ الْأَحْكَامِ يَثْبُتُ فِي الصَّبِيِّ الْمَأْذُونِ مَعَ التَّخَلُّفِ فِي بَعْضِهَا وَهُوَ أَنَّ الْمَوْلَى مَحْجُورٌ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِ الصَّبِيِّ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُحِيطٌ بِمَالِهِ، وَالرِّوَايَةُ فِي الْمَبْسُوطِ قُلْت الْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَنَّ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ مِنْ التَّعْمِيمِ فِي تَصَرُّفَاتِ الْعَبْدِ فِي مَالِهِ وَتَصَرُّفَاتِ الصَّبِيِّ فِي مَالِهِ لَا فِي تَصَرُّفِ الْمَوْلَى وَعَدَمِهِ فَلَا يَرِدُ نَقْضًا. وَالثَّانِي وَهُوَ الْفَرْقُ الْمَذْكُورُ فِي الْمَبْسُوطِ إنَّمَا مَلَكَ الْأَبُ، وَالْوَصِيُّ التَّصَرُّفَ فِي مَالِ الصَّبِيِّ سَوَاءٌ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ دَيْنَ الْحُرِّيَّةِ فِي ذِمَّتِهِ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِمَالِهِ بِخِلَافِ الْعَبْدِ، فَإِنَّ دَيْنَهُ يَتَعَلَّقُ بِمَالِهِ، وَالْمُرَادُ بِالْوَلِيِّ وَلِيٌّ لَهُ التَّصَرُّفُ فِي الْمَالِ وَهُوَ أَبُوهُ أَوْ وَصِيُّ الْأَبِ ثُمَّ جَدُّهُ ثُمَّ الْقَاضِي أَوْ وَصِيُّ الْقَاضِي وَأَمَّا مَا عَدَا الْأُصُولَ مِنْ الْعَصَبَةِ كَالْعَمِّ، وَالْأَخِ أَوْ غَيْرِهِمَا وَوَصِيِّهِمْ وَصَاحِبِ الشُّرْطَةِ لَا يَصِحُّ إذْنُهُمْ لَهُ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَتَصَرَّفُوا فِي مَالِهِ تِجَارَةً فَكَذَا لَا يَمْلِكُونَ الْإِذْنَ لَهُ فِيهَا، وَالْأَوَّلُونَ يَمْلِكُونَ التَّصَرُّفَ فِي مَالِهِ فَكَذَا يَمْلِكُونَ الْإِذْنَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَكَذَا لِلصَّبِيِّ، وَالْمَعْتُوهِ أَنْ يَأْذَنَ لِعَبْدِهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ فِي التِّجَارَةِ تِجَارَةٌ مَعْنًى. وَلَيْسَ لِابْنِ الْمَعْتُوهِ أَنْ يَأْذَنَ لِأَبِيهِ الْمَعْتُوه وَلَا أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مَالِهِ وَكَذَا إذَا كَانَ الِابْنُ مَجْنُونًا؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ لِلْقَرِيبِ لَا تَثْبُتُ إلَّا إذَا كَانَ الْمُتَصَرِّفُ كَامِلَ الرَّأْيِ وَوَصِيُّهُمَا قَائِمٌ مَقَامَهُمَا فَيَكُونُ مُعْتَبَرًا بِهِمَا فَيَمْلِكُ الْإِذْنَ لِلصَّغِيرِ، وَالْمَعْتُوهِ الَّذِي بَلَغَ مَعْتُوهًا، وَإِذَا بَلَغَ رَشِيدًا ثُمَّ عَتِهَ كَانَ الْفَقِيهُ أَبُو بَكْرٍ الْبَلْخِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ لَا يَصِحُّ الْإِذْنُ لَهُ قِيَاسًا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيَصِحُّ اسْتِحْسَانًا وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَلَيْسَ لِلصَّبِيِّ، وَالْمَعْتُوهِ الْمَأْذُونِ وَلَهُمَا أَنْ يَتَزَوَّجَا وَلَا يُزَوِّجَا مَمَالِيكَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُمَا الْمَوْلَى بِالتَّزْوِيجِ أَوْ بِتَزْوِيجِ الْأَمَةِ؛ لِأَنَّ الْوَلِيَّ يَمْلِكُ ذَلِكَ فَيَمْلِكُ تَفْوِيضَهُ إلَيْهِمَا بِخِلَافِ الْمَوْلَى، فَإِنَّهُ يَمْلِكُ تَزْوِيجَ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ لَهُ فَيَمْلِكُ الْعَبْدُ أَيْضًا إذَا فُوِّضَ إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَمْلِكُ عِنْدَ إطْلَاقِ الْإِذْنِ فَحَاصِلُهُ أَنَّ الصَّبِيَّ، وَالْمَعْتُوهَ الْمَأْذُونَ لَهُمَا كَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 121 الْأَحْكَامِ إلَّا أَنَّ الْوَلِيَّ لَا يُمْنَعُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِمَا، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِمَا دَيْنٌ وَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ عَلَيْهِمَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمَا دَيْنٌ بِخِلَافِ الْمَوْلَى، وَالْفَرْقُ أَنَّ إقْرَارَ الْمَوْلَى عَلَيْهِمَا شَهَادَةٌ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى غَيْرِهِ فَلَا يُقْبَلُ وَدَيْنُهُمَا غَيْرُ مُتَعَلِّقٍ بِمَا لَهُمَا، وَإِنَّمَا هُوَ فِي الذِّمَّةِ؛ لِأَنَّهُمَا حُرَّانِ فَكَانَ لِلْمَوْلَى عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِمَا بَعْدَ الدَّيْنِ كَمَا كَانَ قَبْلَهُ، فَإِنْ قِيلَ إذَا لَمْ يَمْلِكْ الْمَوْلَى الْإِقْرَارَ عَلَيْهِمَا فَكَيْفَ يَمْلِكَانِهِ وَوِلَايَتُهُمَا مُسْتَفَادَةٌ مِنْهُ قُلْنَا لَمَّا انْفَكَّ عَنْهُمَا صَارَ كَمَا إذَا انْفَكَّ بِالْبُلُوغِ فَيُقْبَلُ إقْرَارُهُمَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا بِخِلَافِ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى غَيْرِهِ فَلَا يُقْبَلُ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلِأَنَّهُمَا لَوْ لَمْ يُقْبَلْ إقْرَارُهُمَا تَمْتَنِعُ النَّاسُ عَنْ مُعَامَلَتِهِمَا فَلَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ بِالْإِذْنِ فَأَلْجَأَتْ الضَّرُورَةُ إلَى قَبُولِهِ فِيمَا هُوَ مِنْ التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّ التِّجَارَةَ فِيهَا حَتَّى لَوْ أَقَرَّ بِعَيْنٍ مَوْرُوثَةٍ فِي مِلْكِهِمَا لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُمَا فِيمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى الْقَبُولِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ التِّجَارَاتِ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يُقْبَلُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ انْفِكَاكَ حَجْرِهِ بِالْإِذْنِ كَانْفِكَاكِهِ بِالْبُلُوغِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [فَصْلٌ غَيْرُ الْأَبِ وَالْجَدِّ لَا يَتَوَلَّى طَرَفَيْ عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ الْمَالِيَّةِ] (فَصْلٌ) وَغَيْرُ الْأَبِ، وَالْجَدِّ لَا يَتَوَلَّى طَرَفَيْ عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ الْمَالِيَّةِ؛ لِأَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ تَرْجِعُ إلَى الْعَاقِدِ فَيَصِيرُ الْوَاحِدُ طَالِبًا مُطَالَبًا وَمُسْتَلَمًا وَمُتَسَلِّمًا وَهَكَذَا الْحَالُ وَكَذَا الْأَبُ، وَالْجَدُّ قِيَاسًا وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيَجُوزُ اسْتِحْسَانًا وَهُوَ أَنَّهُ لِكَمَالِ شَفَقَتِهِ قَامَ مَقَامَ شَخْصَيْنِ وَعِبَارَتُهُ مَقَامَ عِبَارَتَيْنِ وَرَأْيُهُ مَقَامَ رَأْيَيْنِ فَجُعِلَ كَأَنَّهُ بَاعَهُ مِنْهُ وَهُوَ بَالِغٌ وَهُوَ يَتَحَمَّلُ لِحَقِّ الْأُبُوَّةِ لِحُقُوقِ الْعَقْدِ نِيَابَةً عَنْهُ حَتَّى إذَا بَلَغَ الصَّغِيرُ كَانَتْ الْعُهْدَةُ عَلَى الصَّغِيرِ وَفِيمَا إذَا بَاعَ مَالَهُ لِأَجْنَبِيٍّ فَبَلَغَ الصَّغِيرُ كَانَتْ الْعُهْدَةُ عَلَى الْأَبِ بِطَرِيقِ التَّحَمُّلِ لَا بِحُكْمِ الْعَقْدِ لَا يُؤَدِّي إلَى الِاسْتِحَالَةِ. وَلَوْ اشْتَرَى مَالَ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ أَوْ بَاعَ مَالَهُ مِنْهُ بِغَبْنٍ يَسِيرٍ صَحَّ وَيَكْفِيهِ أَنْ يَقُولَ بِعْته مِنْهُ أَوْ اشْتَرَيْته لَهُ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ قَائِمٌ مَقَامَ كَلَامَيْنِ وَلِأَنَّ نَفْسَ الْقَبُولِ لَا يُعْتَبَرُ، وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ الرِّضَا وَلِهَذَا يَنْعَقِدُ بِالتَّعَاطِي مِنْ غَيْرِ إيجَابٍ وَقَبُولٍ وَقَدْ وُجِدَتْ دَلَالَةُ الرِّضَا. وَلَوْ وَكَّلَ رَجُلًا بِأَنْ يَبِيعَ عَبْدَهُ مِنْ ابْنِهِ الصَّغِيرِ أَوْ يَشْتَرِيَ عَبْدَهُ الصَّغِيرَ لَهُ فَفَعَلَ لَا يَصِحُّ الْعَقْدُ لِكَمَالِ هَذِهِ الشَّفَقَةِ فَلَا يُمْكِنُ إلْحَاقُهُ بِالْأَبِ فَبَقِيَ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ إلَّا إذَا كَانَ حَاضِرًا وَقِيلَ إنَّهُ يَجُوزُ وَتَكُونُ الْعُهْدَةُ مِنْ جَانِبِ الِابْنِ عَلَى أَبِيهِ أَوْ مِنْ جَانِبِ الْأَبِ عَلَى الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْأَبِ لِنَفْسِهِ، فَإِنَّهُ مُبَاحٌ وَلِلصَّغِيرِ فَرْضٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ النَّظَرِ فَيُجْعَلُ الْأَبُ مُتَصَرِّفًا لِلصَّغِيرِ تَحْقِيقًا لِلنَّظَرِ. وَلَوْ وَكَّلَ رَجُلًا بِبَيْعِ مَالِ وَلَدِهِ فَبَاعَ مِنْ مُوَكِّلِهِ أَوْ بَاعَ الْوَالِدُ مَالَ أَحَدِ وَلَدَيْهِ بِمَالِ الْآخَرِ أَوْ أَذِنَ لَهُمَا فِيهِ أَوْ لِعَبْدَيْهِمَا أَوْ جَعَلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَكِيلًا وَوَصِيًّا صَحَّ وَلَوْ أَذِنَ لَهُمَا أَوْ لِعَبْدَيْهِمَا أَوْ وَصِيِّهِمَا فَتَبَايَعَا لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُمَا اسْتَفَادَا وِلَايَةَ التَّصَرُّفِ عَنْهُ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ بِنَفْسِهِ فَكَذَا الصِّبْيَانُ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَذِنَ الْأَبُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ فَعَلَ بِنَفْسِهِ صَحَّ، فَإِذَا فَعَلَ بِإِذْنِهِ وَصَحَّ بَيْعُ الْوَصِيِّ مَالَهُ مِنْ الصَّبِيِّ وَشِرَاؤُهُ مِنْهُ بِشَرْطِ نَفْعٍ ظَاهِرٍ وَهُوَ أَنْ يَبِيعَ مَا يُسَاوِي دِرْهَمَيْنِ بِدِرْهَمٍ وَقِيلَ مَا يُسَاوِي أَلْفًا بِثَمَانِمِائَةٍ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ لِمَا مَرَّ مِنْ الِاسْتِحَالَةِ وَلَهُ أَنَّ الْوَصِيَّ مُخْتَارٌ الْأَبَ وَلَكِنَّهُ قَاصِرُ الشَّفَقَةِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ النَّظَرُ يَلْحَقُ بِالْأَبِ وَيُرْوَى رُجُوعُ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ، وَإِنْ بَاعَ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ أَوْ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ بِحَيْثُ يُتَغَابَنُ فِي مِثْلِهِ جَازَ. وَفِي الْخَانِيَّةِ الْعَبْدُ، وَالْوَصِيُّ إذَا بَاعَ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ يَجُوزُ بَيْعُهُ فِي قَوْلِ الْإِمَامِ وَفِي جَامِعِ الْفَتَاوَى الْأَبُ إذَا أَذِنَ لِابْنَيْهِ فِي التِّجَارَةِ ثُمَّ أَمَرَ رَجُلَانِ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ أَحَدِهِمَا شَيْئًا لِلْآخَرِ لَا يَصِحُّ إذَا كَانَ هُوَ الْمُعَبِّرَ عَنْهُمَا، وَإِنْ عَبَّرَ عَنْ أَحَدِهِمَا، وَالْآخَرُ عَنْ نَفْسِهِ جَازَ وَفِي الْخَانِيَّةِ وَلَيْسَ لِلصَّبِيِّ أَنْ يُزَوِّجَ أَمَته فِي قَوْلِ الْإِمَامِ، وَالثَّالِثُ لَا يُزَوِّجُ أَمَتَهُ مِنْ عَبْدِهِ عِنْدَ الْكُلِّ وَفِي الذَّخِيرَةِ، وَإِذَا حَجَرَ عَلَيْهِ الْقَاضِي أَوْ الْأَبُ أَوْ الْوَصِيُّ صَارَ مَحْجُورًا وَكَذَا إذَا مَاتَ الْأَبُ أَوْ الْوَصِيُّ مَحْجُورًا عَلَيْهِ، وَإِذَا أَذِنَ لِعَبْدِهِ ابْنُهُ ثُمَّ مَاتَ الِابْنُ وَرِثَهُ الْأَبُ صَارَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ. [بَاعَ صَبِيٌّ مَحْجُورٌ عَبْدَهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ] وَفِي الْمُحِيطِ، وَإِذَا بَاعَ صَبِيٌّ مَحْجُورٌ عَبْدَهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَضَمِنَ رَجُلٌ لِلْمُشْتَرِي الدَّرَكَ ثُمَّ دَفَعَ الثَّمَنَ فَاسْتُحِقَّ الْعَبْدُ رَجَعَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ عَلَى الْكَفِيلِ وَلَوْ دَفَعَ الثَّمَنَ ثُمَّ ضَمِنَ لَمْ يَرْجِعْ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ صَحِيحَةٌ وَبَعْدَهُ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ بَعْدَ قَبْضِ الصَّبِيِّ أَمَانَةٌ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِإِذْنِ الْمَالِكِ قَالَ ادْفَعْ الثَّمَنَ لِلصَّبِيِّ لِيَكُونَ أَمَانَةً عِنْدَهُ عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ لَك فَيَصِيرُ مُسْتَقْرِضًا لِلْمَالِ مِنْ الْمُشْتَرِي ثُمَّ أَمَرَ بِدَفْعِهِ إلَى الصَّبِيِّ فَيَنُوبُ قَبْضُ الصَّبِيِّ عَنْ قَبْضِ الضَّامِنِ أَوَّلًا ثُمَّ يَصِيرُ قَابِضًا لِنَفْسِهِ. اهـ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [كِتَابُ الْغَصْبِ] الجزء: 8 ¦ الصفحة: 122 أَوْرَدَ الْغَصْبَ بَعْدَ الْإِذْنِ فِي التِّجَارَةِ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْغَصْبَ مِنْ أَنْوَاعِ التِّجَارَةِ مَآلًا حَتَّى صَحَّ إقْرَارُ الْمَأْذُونِ بِهِ وَلَمْ يَصِحَّ بِدَيْنِ الْمَهْرِ مِنْ أَنْوَاعِ التِّجَارَةِ دُونَ الثَّانِي إذْ الْمَغْصُوبُ مَا دَامَ قَائِمًا بِعَيْنِهِ لَا يَكُونُ الْغَاصِبُ مَالِكًا لِرَقَبَتِهِ فَصَارَ كَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مَالِكٍ لِرَقَبَتِهِ وَمَا فِي يَدِهِ مِنْ مَالِ التِّجَارَةِ لِأَنَّهُ قَدَّمَ الْإِذْنَ فِي التِّجَارَةِ لِأَنَّهُ مَشْرُوعٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَالْغَصْبُ لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَنَظَرَ فِي هَذِهِ الْمُنَاسَبَةِ بِأَنَّ الْغَصْبَ عِبَارَةٌ عَنْ إزَالَةِ الْيَدِ وَالْإِزَالَةُ لَيْسَتْ مِنْ أَنْوَاعِ التِّجَارَةِ وَاَلَّذِي أَرَى أَنَّ وَجْهَ الْمُنَاسَبَةِ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ حَيْثُ قَالَ الْمَأْذُونُ يَتَصَرَّفُ فِي الشَّيْءِ بِالْإِذْنِ الشَّرْعِيِّ وَالْغَاصِبُ يَتَصَرَّفُ لَا بِالْإِذْنِ الشَّرْعِيِّ فَبَيْنَهُمَا مُنَاسَبَةُ الْمُقَابَلَةِ بِالْكَلَامِ فِي الْغَصْبِ مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ فِي مَعْنَاهُ لُغَةً. وَالثَّانِي فِي رُكْنِهِ. وَالثَّالِثُ فِي شَرْطِهِ. وَالرَّابِعُ فِي صِفَتِهِ، وَالْخَامِسُ فِي حُكْمِهِ وَالسَّادِسُ فِي أَنْوَاعِهِ وَالسَّابِعُ فِي دَلِيلِهِ وَالثَّامِنُ فِي مَعْنَاهُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ فَهُوَ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ أَخْذِ الشَّيْءِ عَلَى وَجْهِ الْغَلَبَةِ وَالْقَهْرِ سَوَاءٌ كَانَ مُتَقَوِّمًا أَوْ غَيْرَهُ يُقَالُ غُصِبَتْ زَوْجَةُ فُلَانٍ وَوَلَدُهُ وَيُطْلَقُ عَلَى حَمْلِ الْإِنْسَانِ عَلَى فِعْلِ مَا لَا بِرِضَاهُ يُقَالُ غَصَبَنِي فُلَانٌ عَلَى فِعْلِ كَذَا وَرُكْنُهُ إزَالَةُ الْيَدِ الْمُحِقَّةِ وَإِثْبَاتُ الْيَدِ الْمُبْطِلَةِ شَرْطُهُ كَوْنُ الْغَاصِبِ قَابِلًا لِلنَّقْلِ وَلِلتَّحْوِيلِ وَصِفَتُهُ أَنَّهُ حَرَامٌ مُحَرَّمٌ عَلَى الْغَاصِبِ ذَلِكَ وَحُكْمُهُ وُجُوبُ رَدِّ الْمَغْصُوبِ إنْ كَانَ قَائِمًا وَمِثْلِهِ إنْ كَانَ هَالِكًا أَوْ قِيمَتِهِ وَأَنْوَاعُهُ وَهُوَ عَلَى نَوْعٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ الْمَأْثَمُ وَهُوَ مَا وَقَعَ عَنْ عِلْمٍ أَنَّهُ مَالُ الْغَيْرِ وَنَوْعٌ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْمَأْثَمُ وَهُوَ مَا وَقَعَ عَنْ جَهْلٍ كَمَنْ أَتْلَفَ مَالَ غَيْرِهِ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ لَهُ وَدَلِيلُهُ قَوْله تَعَالَى {وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا} [الكهف: 79] وَمَعْنَاهُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ مَا سَيَذْكُرُهُ الْمُؤَلِّفُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (هُوَ إزَالَةُ الْيَدِ الْمُحِقَّةِ بِإِثْبَاتِ الْيَدِ الْمُبْطِلَةِ فِي مَالٍ مُتَقَوِّمٍ مُحْتَرَمٍ قَابِلٍ لِلنَّقْلِ) فَقَوْلُهُ هُوَ إزَالَةُ الْيَدِ الْمُحِقَّةِ أَخْرَجَ زَوَائِدَ الْمَغْصُوبِ فَإِنَّهَا غَيْرُ مَضْمُونَةٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا إزَالَةٌ وَكَذَا لَوْ غَصَبَ دَابَّةً فَتَبِعَتْهَا أُخْرَى أَوْ وَلَدُهَا لَا يَضْمَنُ لِعَدَمِ الْإِزَالَةِ، وَقَوْلُهُ: فِي مَالٍ شَمِلَ الْمَالَ الْمُتَقَوِّمَ وَغَيْرَ الْمُتَقَوِّمِ وَبِقَوْلِهِ مُحْتَرَمٍ أَخْرَجَ الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ إذَا كَانَ لِمُسْلِمٍ، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ غَاصِبًا وَبِقَوْلِهِ مُحْتَرَمٍ أَخْرَجَ مَالَ الْحَرْبِيِّ، فَإِنَّهُ غَيْرُ مُحْتَرَمٍ وَقَوْلُهُ قَابِلٍ لِلنَّقْلِ أَخْرَجَ الْعَقَارَ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا التَّعْرِيفَ غَيْرُ جَامِعٍ وَلَا مَانِعٍ أَمَّا كَوْنُهُ غَيْرَ جَامِعٍ، فَإِنَّهُ لَا يَشْمَلُ مَا إذَا قَتَلَ إنْسَانٌ إنْسَانًا فِي مُعَارَكَةٍ وَتَرَكَ مَالَهُ وَلَمْ يَأْخُذْهُ، فَإِنَّهُ يَكُونُ غَاصِبًا إذْ لَمْ تَزَلْ يَدُ الْمَالِكِ وَلَمْ تَثْبُتْ يَدُهُ لِأَنَّهُ لَا يَشْمَلُ مَا إذَا غَصَبَهَا مِنْ يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ أَوْ الْمُسْتَعِيرِ أَوْ الْمُرْتَهِنِ أَوْ الْمُودِعِ أَوْ غَصَبَ مَالَ الْوَقْفِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ تَزَلْ الْيَدُ الْمُحِقَّةُ وَأَفْتَى الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ، فَإِنَّ الْغَاصِبَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَمْ تَزَلْ يَدُهُ يَدَ الْمَالِكِ هُنَا بِنَاءً عَلَى عَدَمِ كَوْنِهِ فِي يَدِهِ وَقْتَ الْغَصْبِ وَإِزَالَةُ الْيَدِ فَرْعُ تَحَقُّقِهَا فَيُزَادُ فِي التَّعْرِيفِ وَبَعْضُهُ وَلِذَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ الْغَصْبُ شَرْعًا أَخْذُ مَالٍ مُتَقَوِّمٍ مُحْتَرَمٍ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ عَلَى وَجْهٍ يُزِيلُ يَدَ الْمَالِكِ إنْ كَانَ فِي يَدِهِ أَوْ تَقْصِيرَ يَدِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ. وَأَمَّا كَوْنُهُ غَيْرَ مَانِعٍ، فَإِنَّهُ يَصْدُقُ عَلَى السَّرِقَةِ فَيُزَادُ فِي التَّعْرِيفِ عَلَى سَبِيلِ الْمُجَاهَرَةِ وَلِذَا قَالَ فِي الْبَدَائِعِ عَلَى سَبِيلِ الْمُجَاهَرَةِ أَخْرَجَ السَّرِقَةَ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ قَالَ صَاحِبُ الْإِصْلَاحِ وَالْإِيضَاحِ بِغَيْرِ إذْنٍ قَالَ فِي شَرْحِهِ وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ بِإِذْنِ مَالِكِهِ؛ لِأَنَّ كَوْنَ الْمَأْخُوذِ مِلْكَهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِوُجُوبِ الضَّمَانِ، فَإِنَّ الْمَوْقُوفَ مَضْمُونٌ بِالْإِتْلَافِ وَلَيْسَ بِمَمْلُوكٍ أَصْلًا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالِاسْتِخْدَامُ وَالْحَمْلُ عَلَى الدَّابَّةِ غَصْبٌ) ؛ لِأَنَّهُ بِاسْتِخْدَامِ عَبْدِ الْغَيْرِ أَوْ الْحَمْلِ عَلَى دَابَّةِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ أَثْبَتَ فِيهِ الْيَدَ الْمُتَصَرِّفَةَ وَمِنْ ضَرُورَةِ إثْبَاتِ الْيَدِ إزَالَةُ يَدِ الْمَالِكِ عَنْهُ فَيَتَحَقَّقُ الْغَصْبُ فَيَضْمَنُ أَطْلَقَ فِي الِاسْتِخْدَامِ فَشَمِلَ مَا إذَا اسْتَخْدَمَهُ فِي حَاجَةِ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ وَإِنَّمَا يَكُونُ غَاصِبًا فِي الْأَوَّلِ وَقَالَ فِي فَتَاوَى أَهْلِ سَمَرْقَنْدَ هَذَا إذَا اسْتَعْمَلَهُ فِي أَمْرٍ مِنْ أُمُورِ نَفْسِهِ أَمَّا إذَا اسْتَعْمَلَهُ لَا فِي أَمْرِ نَفْسِهِ لَا يَصِيرُ غَاصِبًا. اهـ. وَاسْتِعْمَالُ عَبْدِ الْغَيْرِ غَصْبٌ عَلِمَ أَنَّهُ لِلْغَيْرِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ فَلَوْ جَاءَ وَقَالَ أَنَا حُرٌّ فَاسْتَعْمَلَهُ كَانَ غَاصِبًا لَهُ وَفِي فَتَاوَى أَهْلِ سَمَرْقَنْدَ إذَا قَالَ لِعَبْدِ الْغَيْرِ: ارْقَ هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَأْتِ بِالْمِشْمِشِ لِتَأْكُلَ أَنْت فَوَقَعَ مِنْ الشَّجَرَةِ فَمَاتَ لَمْ يَضْمَنْ الْآمِرُ، وَفِي السِّرَاجِيَّةِ وَقِيلَ يَضْمَنُ وَلَوْ قَالَ لِآكُلَ أَنَا وَبَاقِي الْمَسْأَلَةِ بِحَالِهَا يَضْمَنُ وَفِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ أَرْسَلَ غُلَامًا صَغِيرًا فِي حَاجَةٍ بِغَيْرِ إذْنِ أَهْلِهِ فَرَأَى الْغُلَامُ غِلْمَانًا يَلْعَبُونَ فَانْتَهَى إلَيْهِمْ وَارْتَقَى شَجَرَةً فَوَقَعَ وَمَاتَ ضَمِنَ الَّذِي أَرْسَلَهُ؛ لِأَنَّهُ غَاصِبٌ لَهُ بِالِاسْتِعْمَالِ وَفِي الْيَنَابِيعِ لَوْ اسْتَخْدَمَ عَبْدَ غَيْرِهِ أَوْ قَادَ دَابَّتَهُ أَوْ سَاقَهَا أَوْ رَكِبَهَا أَوْ حَمَلَ عَلَيْهَا شَيْئًا بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ ضَمِنَ سَوَاءٌ عَطِبَتْ فِي تِلْكَ الْخِدْمَةِ أَوْ غَيْرِهَا وَلَوْ أَبَقَ الْعَبْدُ فِي حَالِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 123 الِاسْتِخْدَامِ ضَمِنَهُ وَفِي أَجْنَاسِ النَّاطِفِيِّ إذَا اسْتَعْمَلَ الْعَبْدَ الْمُشْتَرَكَ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ لَا يَصِيرُ غَاصِبًا وَرَوَى هِشَامٌ أَنَّهُ يَصِيرُ غَاصِبًا نَصِيبَ صَاحِبِهِ وَفِي الدَّابَّةِ يَصِيرُ غَاصِبًا نَصِيبَ صَاحِبِهِ بِالْحَمْلِ وَالرُّكُوبِ وَفِي الرِّوَايَتَيْنِ فَظَاهِرُ عِبَارَةِ الْمَتْنِ أَنَّهُ يَصِيرُ غَاصِبًا بِنَفْسِ الْحَمْلِ حَوَّلَهَا عَنْ مَكَانِهَا أَوْ لَا قَالَ فِي فَتَاوَى أَبِي اللَّيْثِ رَكِبَ دَابَّةً بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهَا ثُمَّ نَزَلَ عَنْهَا وَتَرَكَهَا فِي مَكَانِهَا ذَكَرَ فِي آخَرِ كِتَابِ اللُّقَطَةِ أَنَّهُ يَضْمَنُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ حَتَّى يُحَوِّلَهَا وَفِي الْغِيَاثِيَّةِ هُوَ الْمُخْتَارُ وَفِي الْمُنْتَقَى لَا ضَمَانَ عَلَى رَجُلٍ تَعَدَّى عَلَى ظَهْرِ دَابَّةٍ وَلَمْ يُحَوِّلْهَا عَنْ مَوْضِعِهَا وَجَاءَ رَجُلٌ آخَرُ وَعَقَرَهَا فَالضَّمَانُ عَلَى الَّذِي عَقَرَهَا وَفِي أَجْنَاسِ النَّاطِفِيِّ رَجُلٌ يُكَسِّرُ الْحَطَبَ فَجَاءَ غُلَامٌ وَقَالَ: اعْطِنِي الْقَدُّومَ حَتَّى أَكْسِرَ أَنَا مَكَانُك فَأَبَى صَاحِبُ الْحَطَبِ فَأَخَذَ الْغُلَامُ الْقَدُّومَ فَكَسَرَ فَضَرَبَ فَوَقَعَ بَعْضُ الْمَكْسُورِ عَلَى عَيْنِ الْغُلَامِ لَا يَكُونُ عَلَى صَاحِبِ الْحَطَبِ شَيْءٌ. وَلَوْ وَجَّهَ جَارِيَةً إلَى النَّخَّاسِ لِيَبِيعَهَا فَبَعَثَتْهَا امْرَأَةُ النَّخَّاسِ فِي حَاجَتِهَا فَهَرَبَتْ فَالضَّمَانُ عَلَى الْمَرْأَةِ وَفِي فَتَاوَى أَبِي اللَّيْثِ جَارِيَةٌ جَاءَتْ إلَى النَّخَّاسِ وَطَلَبَتْ الْبَيْعَ ذَهَبَتْ وَلَا يَدْرِي أَيْنَ ذَهَبَتْ وَقَالَ النَّخَّاسُ رَدَدْتهَا عَلَى مَوْلَاهَا فَالْقَوْلُ لَهُ وَالْمَعْنَى أَنَّ النَّخَّاسَ لَمْ يَأْخُذْ الْجَارِيَةَ وَمَعْنَى الرَّدِّ أَمْرُهَا بِالذَّهَابِ إلَى مَنْزِلِ السَّيِّدِ فَلَوْ أَخَذَهَا النَّخَّاسُ أَوْ ذَهَبَ بِهَا إلَى مَنْزِلِ مَوْلَاهَا فَلَا يَصْدُقُ قَوْلُهُ رَدَدْتهَا فَلَوْ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَبِالِاسْتِخْدَامِ لَهُ وَالْحَمْلِ وَالتَّحْوِيلِ لَكَانَ أَوْلَى لِمَا عَلِمْت قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا الْجُلُوسُ عَلَى الْبِسَاطِ) ؛ لِأَنَّ الْجُلُوسَ عَلَى بِسَاطِ الْغَيْرِ لَيْسَ بِتَصَرُّفٍ فِيهِ وَلِهَذَا لَا يُرَجَّحُ بِهِ الْمُتَعَلِّقُ بِهِ عِنْدَ التَّنَازُعِ مَا لَمْ يَصِرْ فِي يَدِهِ وَالْبَسْطُ فِعْلُ الْمَالِكِ فَبَقِيَ أَثَرُ يَدِ الْمَالِكِ فِيهِ مَا بَقِيَ فِعْلُهُ لِعَدَمِ مَا يُزِيلُهُ مِنْ النَّقْلِ وَالتَّحْوِيلِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَيَجِبُ رَدُّ عَيْنِهِ فِي مَكَانِ غَصْبِهِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تَرُدَّ» أَيْ عَلَى صَاحِبِ الْيَدِ وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَأْخُذَ مَالَ أَخِيهِ لَاعِبًا وَلَا جَادًّا وَإِنْ أَخَذَهُ فَلْيَرُدَّهُ عَلَيْهِ» وَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَا يُرِيدُ أَنْ يَأْخُذَهُ سَرِقَةً وَلَكِنْ يُرِيدُ إدْخَالَ الْغَيْظِ عَلَيْهِ وَ؛ لِأَنَّهُ بِالْأَخْذِ فَوَّتَ عَلَيْهِ الْيَدَ وَهِيَ مَقْصُودَةٌ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ يَتَوَصَّلُ بِهَا إلَى تَحْصِيلِ ثَمَرَاتِ الْمِلْكِ مِنْ الِانْتِفَاعِ وَالتَّصَرُّفِ وَلِهَذَا شُرِعَتْ الْكِتَابَةُ وَالْإِذْنُ مَعَ أَنَّهَا لَا تُفِيدُ سِوَى الْيَدِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ نَسْخُ فِعْلِهِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ وَأَتَمُّ وُجُوهِهِ رَدُّ عَيْنِهِ فِي مَكَانِ غَصْبِهِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمَاكِنِ وَرَدُّ الْعَيْنِ هُوَ الْمُوجِبُ الْأَصْلِيُّ؛ لِأَنَّهُ أَعْدَلُ وَرَدُّ الْقِيمَةِ أَوْ الْمِثْلِ مُخَلِّصٌ فَيُصَارُ إلَيْهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ رَدِّ الْعَيْنِ وَلِهَذَا لَوْ أَتَى بِالْمِثْلِ أَوْ الْقِيمَةِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْعَيْنِ لَا يَعْتَدُّ بِهِ وَلَوْ رَدَّ الْعَيْنَ مِنْ غَيْرِ عِلْمِ الْمَالِكِ بَرِئَ مِنْهَا وَلَوْ لَمْ يَكُنْ هُوَ الْمُوجِبُ الْأَصْلِيُّ لَمَا بَرِئَ إلَّا إذَا عَلِمَ وَقَبَضَهُ كَمَا فِي قَبْضِ الْمِثْلِ أَوْ الْقِيمَةِ وَقَبِلَ الْمُوجِبَ الْأَصْلِيَّ وَهُوَ الْمِثْلُ أَوْ الْقِيمَةُ وَرَدُّ الْعَيْنِ مُخَلِّصٌ وَلِهَذَا لَوْ أَبْرَأَهُ عَنْ الضَّمَانِ حِينَ قِيَامِ الْعَيْنِ يَصِحُّ حَتَّى لَا يَجِبَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ بِالْهَلَاكِ. وَالْإِبْرَاءُ عَنْ الْعَيْنِ لَا يَصِحُّ وَلَوْ كَانَ لِلْغَاصِبِ نِصَابٌ يَنْتَقِصُ بِهِ كَمَا يَنْتَقِصُ بِالدَّيْنِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ الْمِثْلُ أَوْ الْقِيمَةُ وَوُجُوبُ رَدِّهِ فِي مَكَانِ غَصْبِهِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ بِزِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ كَمَا سَيَأْتِي وَكَذَلِكَ يَجِبُ أَدَاءُ الْقِيمَةِ فِي مَكَانِ غَصْبِهِ فَفِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ غَصَبَ عَبْدًا حَسَنَ الصَّوْتِ فَتَغَيَّرَ صَوْتُهُ عِنْدَ الْغَاصِبِ كَانَ لَهُ النُّقْصَانُ وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ مُغَنِّيًا فَنَسِيَ ذَلِكَ عِنْدَ الْغَاصِبِ لَا يَضْمَنُ الْغَاصِبُ وَفِي الْمُنْتَقَى غَصَبَ مِنْ آخَرَ دَوَابَّ بِالْكُوفَةِ فَالْمَغْصُوبُ مِنْهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهَا وَإِنْ شَاءَ قِيمَتَهَا بِالْكُوفَةِ قَالَ وَكَذَا الْخَادِمُ وَكَذَا مَا لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ إلَّا الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ، فَإِنَّهُ يَأْخُذُهَا حَيْثُ وَجَدَهَا وَإِنْ اخْتَلَفَ السِّعْرُ؛ لِأَنَّهُ أَثْمَانٌ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْقِيمَةَ وَإِنْ كَانَ الْمَغْصُوبُ مِثْلِيًّا وَقَدْ هَلَكَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ، فَإِنْ كَانَ السِّعْرُ فِي الْمَكَانِ الَّذِي الْتَقَيَا فِيهِ مِثْلَ السِّعْرِ فِي مَكَانِ الْغَصْبِ أَوْ أَكْثَرَ بَرِئَ بِرَدِّ الْمِثْلِ، وَإِنْ كَانَ فِي الْمَكَانِ الَّذِي الْتَقَيَا فِيهِ أَقَلَّ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ قِيمَةَ الْعَيْنِ حَيْثُ غَصَبَهُ، وَإِنْ شَاءَ انْتَظَرَ وَفِي الْخَانِيَّةِ، فَإِنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ فِي الْمَكَانَيْنِ سَوَاءٌ كَانَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ أَنْ يُطَالِبَهُ بِالثَّمَنِ وَفِيهَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَجُلٌ غَصَبَ حِنْطَةً بِمَكَّةَ وَحَمَلَهَا إلَى بَغْدَادَ قَالَ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا بِمَكَّةَ وَلَوْ غَصَبَ غُلَامًا بِمَكَّةَ فَجَاءَ بِهِ إلَى بَغْدَادَ، فَإِنْ كَانَ صَاحِبُهُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ مَكَّةَ أَخَذَ غُلَامَهُ وَفِي الْيَنَابِيعِ قَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ سَمِعْت أَبَا يُوسُفَ فِي رَجُلٍ غَصَبَ عَبْدًا فَذَهَبَ بِهِ إلَى قَرْيَةٍ فَلَقِيَهُ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ فَخَاصَمَهُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ عَبْدَهُ بِعَيْنِهِ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ قِيمَتَهُ يَوْمَ غَصْبِهِ اهـ. فَلَوْ زَادَ الْمُؤَلِّفُ وَمَكَانَ غَصْبِهِ حَيْثُ لَا يَتَغَيَّرُ وَلَا يَقِلُّ لَكَانَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 124 أَوْلَى قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ مِثْلُهُ إنْ هَلَكَ وَهُوَ مِثْلِيٌّ) يَعْنِي يَجِبُ عَلَيْهِ مِثْلُ الْمَغْصُوبِ إنْ هَلَكَ عِنْدَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] وَلِأَنَّ حَقَّ الْمَالِكِ ثَابِتٌ فِي الصُّورَةِ وَالْمَعْنَى وَقَدْ أَمْكَنَ اعْتِبَارُهُمَا بِإِيجَابِ الْمِثْلِ فَكَانَ أَعْدَلَ وَأَتَمَّ فَكَانَ إيجَابُهُ أَوْلَى مِنْ الْقِيمَةِ وَأَطْلَقَ فِي الْمِثْلِ فَشَمِلَ النَّاطِفَ الْمَبْذُورَ وَالدُّهْنَ الْمُرَبَّى وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة بِرُقُوم وَمَشَايِخُنَا اسْتَثْنَوْا مِنْ الْمَوْزُونَاتِ النَّاطِفَ الْمَبْذُورَ وَالدُّهْنَ الْمُرَبَّى فَقَالُوا الْوَاجِبُ الْقِيمَةُ فِيهِمَا وَفِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ وَمَنْ أَتْلَفَ عَلَى آخَرَ جُبْنَهُ فَعَلَيْهِ قِيمَةُ الْجُبْنِ مَعَ أَنَّهُ مِثْلِيٌّ مَوْزُونٌ وَالْمُرَادُ بِالْمِثْلِيِّ الْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ الَّذِي لَيْسَ فِي تَبْعِيضِهِ ضَرَرٌ وَالْعَدَدُ الْمُتَقَارِبُ وَالْبَيْضُ وَالْفُلُوسُ الرَّائِجَةُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْعَدَدِيِّ الَّذِي لَا يَتَفَاوَتُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَإِنْ انْصَرَمَ الْمِثْلِيُّ فَقِيمَتُهُ يَوْمَ الْخُصُومَةِ) يَعْنِي إذَا انْقَطَعَ الْمِثْلِيُّ عَنْ أَيْدِي النَّاسِ يَجِبُ عَلَى الْغَاصِبِ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْخُصُومَةِ وَهَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ وَقَالَ الثَّانِي يَوْمَ الْغَصْبِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَوْمَ الِانْقِطَاعِ؛ لِأَنَّ الْمِثْلَ هُوَ الْوَاجِبُ وَالْقِيمَةُ إنَّمَا يُصَارُ إلَيْهَا لِلْعَجْزِ عَنْهُ وَالْعَجْزُ فِي يَوْمِ الِانْقِطَاعِ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ وَلِلثَّانِي أَنَّ الْمِثْلَ لَمَّا انْقَطَعَ اُلْتُحِقَ بِالْقِيَمِيِّ وَفِيهِ يُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ يَوْمَ الْغَصْبِ وَلِلْإِمَامِ أَنَّ الْمِثْلَ هُوَ الْوَاجِبُ بِالْغَصْبِ وَهُوَ بَاقٍ فِي ذِمَّتِهِ مَا لَمْ يَقْضِ الْقَاضِي بِالْقِيمَةِ وَلِهَذَا لَوْ صَبَرَ إلَى أَنْ يَعُودَ الْمِثْلُ كَانَ لَهُ ذَلِكَ وَحَدُّ الِانْقِطَاعِ أَنْ لَا يُوجَدَ فِي السُّوقِ الَّذِي يُبَاعُ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ يُوجَدُ فِي الْبُيُوتِ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ: فَإِنْ قُلْت وَلِمَ قَدَّمَ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ فِي التَّعْلِيلِ وَلَمْ يُوَسِّطْهُ كَمَا هُوَ حَقُّهُ قُلْت لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُخْتَارُ؛ لِأَنَّهُ أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَا لَا مِثْلَ لَهُ فَقِيمَتُهُ يَوْمَ غَصْبِهِ) وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ الْمَذْرُوعُ وَالْحَيَوَانُ وَالْمَعْدُودَاتُ الْمُتَفَاوِتَةُ وَالْوَزْنِيُّ الَّذِي يَضُرُّهُ التَّبْعِيضُ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ اعْتِبَارُ الْمِثْلِ صُورَةً وَمَعْنًى وَهُوَ الْكَامِلُ فَوَجَبَ اعْتِبَارُ الْمِثْلِ مَعْنًى وَهُوَ الْقِيمَةُ؛ لِأَنَّهَا تَقُومُ مَقَامَهُ وَيَحْصُلُ بِهَا مِثْلُهُ وَاسْمُهَا يُنْبِئُ عَنْهُ وَقَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ يَضْمَنُ مِثْلَهُ صُورَةً لِمَا رُوِيَ عَنْ «أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ كُنْت فِي حُجْرَةِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ الْحِجَابُ فَأَتَى بِقَصْعَةٍ مِنْ ثَرِيدٍ بَعْضُ أَزْوَاجِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَضَرَبَتْ عَائِشَةُ الْقَصْعَةَ بِيَدِهَا فَكَسَرَتْهَا وَجَاءَتْ بِقَصْعَةٍ مِثْلِ تِلْكَ الْقَصْعَةِ فِي يَدِهَا فَاسْتَحْسَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ مِنْهَا» الْحَدِيثَ. وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي «عَبْدٍ بَيْنَ رَجُلَيْنِ يَعْتِقُ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ، فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا ضَمِنَ نَصِيبَ الْآخَرِ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا سَعَى الْعَبْدُ فِي قِيمَةِ نَصِيبِ شَرِيكِهِ» وَهَذَا نَصٌّ صَرِيحٌ فِي اعْتِبَارِ الْقِيمَةِ فِيمَا لَا مِثْلَ لَهُ وَالْآيَةُ شَاهِدَةٌ لَنَا؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمِثْلُ الْمُتَعَارَفُ بَيْنَ النَّاسِ وَفِعْلُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - كَانَ عَلَى طَرِيقِ الْمُرُوءَةِ وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ لَا عَلَى طَرِيقِ الْوَاجِبِ إذْ كَانَتْ الْقَصْعَتَانِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ مَعْنَاهُ الشَّيْءُ الَّذِي لَا يُضْمَنُ بِمِثْلِهِ مِنْ جِنْسِهِ؛ لِأَنَّ الَّذِي لَا مِثْلَ لَهُ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى اهـ. فَعَلَى هَذَا كَانَ عَلَى الْمُؤَلِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنْ يُغَيِّرَ الْعِبَارَةَ فَيَقُولَ وَمَا لَا مِثْلَ لَهُ مِنْ جِنْسِهِ وَأَطْلَقَ فِي قَوْلِهِ يَوْمَ غَصْبِهِ فَشَمِلَ مَا إذَا زَادَتْ قِيمَتُهُ بَعْدَهُ أَوْ نَقَصَتْ أَوْ اسْتَمَرَّتْ عَلَى حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَوْ غَصَبَ مِنْ رَجُلٍ عَبْدًا أَوْ جَارِيَةً ثَمَنُهَا أَلْفُ دِرْهَمٍ فَازْدَادَتْ قِيمَتُهُ أَوْ نَقَصَتْ ثُمَّ هَلَكَ ضَمِنَ قِيمَتُهُ يَوْمَ غَصْبِهِ بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ لَمْ يَهْلِكْ وَرَدَّهُ عَلَى صَاحِبِهِ، فَإِنْ كَانَ النُّقْصَانُ فِي الْقَدْرِ ضَمِنَ قِيمَةُ النُّقْصَانِ، وَإِنْ كَانَ النُّقْصَانُ فِي السِّعْرِ لَا يَضْمَنُ وَشَمِلَ مَا إذَا هَلَكَ أَوْ اسْتَهْلَكَهُ بَعْدَ زِيَادَةِ الْقِيمَةِ أَوْ نُقْصَانِهَا أَوْ اسْتِمْرَارِهَا عَلَى حَالَةٍ وَاحِدَةٍ. وَأَمَّا إذَا هَلَكَ أَوْ اسْتَهْلَكَهُ فِي يَدِ الْغَاصِبِ أَوْ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَوْ هَلَكَ بَعْدَ الزِّيَادَةِ نَحْوُ أَنْ يَبِيعَهُ وَيُسَلِّمَهُ إلَى الْمُشْتَرِي فَهَلَكَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَالْمَغْصُوبُ مِنْهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْغَاصِبَ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْغَصْبِ وَجَازَ الْبَيْعُ وَالثَّمَنُ لِلْغَاصِبِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُشْتَرِيَ قِيمَتَهُ وَقْتَ الْقَبْضِ وَبَطَلَ الْبَيْعُ وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْغَاصِبِ بِالثَّمَنِ وَلَوْ زَادَتْ قِيمَةُ الْعَبْدِ فَقَتَلَهُ الْغَاصِبُ ضَمَّنَ عَاقِلَتَهُ قِيمَةَ الْعَبْدِ يَوْمَ الْغَصْبِ زَائِدَةً فِي ثَلَاثِ سِنِينَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْغَاصِبَ قِيمَتَهُ وَقْتَ التَّسْلِيمِ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ وَفِي قَوْلِهِمَا لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْغَاصِبَ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْغَصْبِ حَالًّا، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْعَاقِلَةَ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْقَتْلِ زَائِدَةً فِي ثَلَاثِ سِنِينَ وَلَوْ كَانَ الْمَغْصُوبُ حَيَوَانًا سِوَى بَنِي آدَمَ فَقَتَلَهُ الْغَاصِبُ بَعْدَ الزِّيَادَةِ عِنْدَ الْإِمَامِ لَا يَضْمَنُ إلَّا قِيمَتَهُ يَوْمَ الْغَصْبِ وَعِنْدَهُمَا الْمَغْصُوبُ مِنْهُ بِالْخِيَارِ وَفِي الْفَتَاوَى الْعَتَّابِيَّةِ وَلَوْ زَادَ الْعَبْدُ ثُمَّ قَتَلَ نَفْسَهُ لَمْ يَضْمَنْ الْغَاصِبُ الزِّيَادَةَ. اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ ادَّعَى هَلَاكَهُ حَبَسَهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 125 الْحَاكِمُ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهُ لَوْ بَقِيَ لَأَظْهَرَهُ ثُمَّ قَضَى عَلَيْهِ بِبَدَلِهِ) ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمَالِكِ ثَابِتٌ فِي الْعَيْنِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيهِ حَتَّى يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ صَادِقٌ فِيمَا يَقُولُ كَمَا إذَا ادَّعَى الْمَدْيُونُ الْإِفْلَاسَ وَلَيْسَ لِحَبْسِهِ حَدٌّ مُقَدَّرٌ بَلْ مَوْكُولٌ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي كَحَبْسِ الْغَرِيمِ الدَّيْنَ وَلَوْ ادَّعَى الْغَاصِبُ الْهَلَاكَ عِنْدَ صَاحِبِهِ بَعْدَ الرَّدِّ وَعَكَسَ الْمَالِكُ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَبَيِّنَةُ الْغَاصِبِ أَوْلَى عِنْدَ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الرَّدَّ وَهُوَ عَارِضٌ وَالْبَيِّنَةُ لِمَنْ يَدَّعِي الْعَوَارِضَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بَيِّنَةُ الْمَالِكِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ وُجُوبَ الضَّمَانِ وَالْآخَرُ مُنْكِرٌ وَالْبَيِّنَةُ لِلْإِثْبَاتِ وَأَطْلَقَ فِي قَوْلِهِ حَبَسَهُ وَمَحَلُّهُ مَا إذَا لَمْ يَرْضَ الْمَالِكُ بِالْقَضَاءِ بِالْقِيمَةِ، فَإِنْ قُلْت قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ إنَّ الْغَاصِبَ إذَا عَيَّبَ الْمَغْصُوبَ فَالْقَاضِي يَقْضِي بِالْقِيمَةِ مِنْ غَيْرِ تَلَوُّمٍ فَمَا وَجْهُ قَوْلِهِ قِيلَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ وَقِيلَ الْمَذْكُورُ فِي الذَّخِيرَةِ جَوَابُ الْجَوَابِ وَالْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ جَوَابُ الْأَصْلِ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْغَصْبُ فِيمَا يُنْقَلُ وَيُحَوَّلُ) ؛ لِأَنَّهُ إزَالَةُ يَدِ الْمَالِكِ بِإِثْبَاتِ يَدٍ وَذَلِكَ يُتَصَوَّرُ فِي الْمَنْقُولِ قِيلَ وَالنَّقْلُ وَالتَّحْوِيلُ وَاحِدٌ وَقِيلَ التَّحْوِيلُ النَّقْلُ مِنْ مَكَان وَالْإِثْبَاتُ فِي مَكَان آخَرَ وَالنَّقْلُ يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ بِدُونِ الْإِثْبَاتِ فِي مَكَان آخَرَ وَالْمَقْصُودُ بَيَانُ تَحَقُّقِ الْغَصْبِ فِيمَا يُنْقَلُ وَيُحَوَّلُ دُونَ غَيْرِهِ لَا بَيَانُ مُجَرَّدِ تَحَقُّقِهِ فِي الْمَنْقُولِ فَالْقَصْرُ مُعْتَبَرٌ فِي التَّرْكِيبِ الْمَذْكُورِ وَأَدَاةُ الْقَصْرِ فِي هَذَا التَّرْكِيبِ وَتَعْرِيفُ الْمُسْنَدِ إلَيْهِ فَاللَّامُ الْجِنْسِ يُفِيدُ قَصْرَ الْمُسْنَدِ إلَيْهِ عَلَى الْمُسْنَدِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي عِلْمِ الْأَدَبِ وَيَتْلُوهُ نَحْوُ التَّوَكُّلُ عَلَى اللَّهِ وَالْكَرَمُ فِي الْعَرَبِ وَالْإِمَامُ مِنْ قُرَيْشٍ [غَصَبَ عَقَارًا وَهَلَكَ فِي يَدِهِ] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ غَصَبَ عَقَارًا وَهَلَكَ فِي يَدِهِ لَمْ يَضْمَنْهُ) وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ يَضْمَنُهُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَوَّلًا وَفِي الْعَيْنِيِّ وَيُفْتَى بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي عَقَارِ الْوَقْفِ وَلِأَنَّ الْغَصْبَ يَتَحَقَّقُ بِوَصْفَيْنِ بِإِثْبَاتِ الْيَدِ الْعَادِيَةِ وَإِزَالَةِ الْيَدِ الْمُحِقَّةِ وَذَلِكَ يُمْكِنُ فِي الْعَقَارِ؛ لِأَنَّ إثْبَاتَ الْيَدَيْنِ الْمُتَدَافَعَتَيْنِ عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ لَا يُمْكِنُ لِتَعَذُّرِ اجْتِمَاعِهِمَا، فَإِذَا ثَبَتَ الْيَدُ الْعَادِيَةُ لِلْغَاصِبِ انْتَفَتْ الْيَدُ الْمُحِقَّةُ لِلْمَالِكِ ضَرُورَةً وَلِهَذَا يَضْمَنُ الْعَقَارَ الْمُودَعَ بِالْجُحُودِ وَالْإِقْرَارِ بِهِ لِغَيْرِ الْمَالِكِ وَبِالرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ بَعْدَ الْقَضَاءِ وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ غَصَبَ شِبْرًا مِنْ أَرْضٍ طَوَّقَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ» وَلَنَا أَنَّ الْغَاصِبَ تَصَرَّفَ فِي الْمَغْصُوبِ بِإِثْبَاتِ يَدِهِ وَإِزَالَةِ يَدِ الْمَالِكِ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا بِالنَّقْلِ وَالْعَقَارُ لَا يُمْكِنُ نَقْلُهُ وَأَقْصَى مَا يَكُونُ فِيهِ إخْرَاجُ الْمَالِكِ مِنْهُ وَذَلِكَ تَصَرُّفٌ فِي الْمَالِكِ لَا فِي الْعَقَارِ فَلَا يُوجِبُ الضَّمَانَ وَمَسَائِلُ الْوَدِيعَةِ عَلَى الْخِلَافِ عَلَى الْأَصَحِّ فَلَا يَلْزَمُهُ. وَلَئِنْ سَلِمَ فَالضَّمَانُ فِيمَا ذَكَرَ بِتَرْكِ الْحِفْظِ الْمُلْتَزَمِ وَإِطْلَاقُ لَفْظِ الْغَصْبِ عَلَيْهِ لَا يَدُلُّ عَلَى تَحَقُّقِ غَصْبٍ مُوجِبٍ لِلضَّمَانِ كَإِطْلَاقِ لَفْظِ الْبَيْعِ عَلَى بَيْعِ الْحُرِّ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَنْ بَاعَ حُرًّا الْحَدِيثَ لَا يَدُلُّ عَلَى تَحْقِيقِ بَيْعِ الْحُرِّ وَهَذَا لِمَا عُرِفَ أَنَّ فِي لِسَانِ الشَّرْعِ حَقِيقَةً وَمَجَازًا وَفِي هَذَا سُؤَالِ تَقْدِيرُهُ كَيْفَ جَمَعَ بَيْنَ لَفْظِ غَصَبَ وَعَدَمِ الضَّمَانِ مَعَ أَنَّ الْغَصْبَ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ بَاعَ الْعَقَارَ بَعْدَ الْغَصْبِ وَأَقَرَّ بِذَلِكَ وَكَذَّبَهُ الْمُشْتَرِي لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ ظَاهِرٌ وَلَا يَضْمَنُ الْبَائِعُ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُتْلِفْهُ، وَإِنَّمَا إتْلَافُهُ مُضَافٌ إلَى عَجْزِ الْمَالِكِ عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَفِي الْكَافِي وَلَوْ غَصَبَ عَقَارًا وَهَلَكَ فِي يَدِهِ بِأَنْ غَلَبَ السَّيْلُ عَلَيْهِ فَهَلَكَ تَحْتَ الْمَاءِ أَوْ غَصَبَ دَارًا فَهُدِمَتْ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَوْ سَيْلٍ فَذَهَبَ الْبِنَاءُ لَمْ يَضْمَنْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ وَزُفَرُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَوَّلًا يَضْمَنُ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَالصَّحِيحُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَفِي الْيَنَابِيعِ، فَإِنْ حَدَثَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ بِفِعْلِ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ فَضَمَانُهُ عَلَى الْمُتْلِفِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ ضَمَانِ الْغَاصِبِ وَالْمُتْلِفِ، فَإِنْ ضَمَّنَ الْغَاصِبَ يَرْجِعُ عَلَى الْمُتْلِفِ، وَإِنْ حَدَثَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ بِفِعْلِ الْغَاصِبِ وَسُكْنَاهُ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ وَفِي الْكَافِي وَعَلَى هَذَا أَيْ عَلَى غَصْبِ الْعَقَارِ لَا يَنْعَقِدُ مُوجِبًا لِلضَّمَانِ إذَا بَاعَ دَارَ الرَّجُلِ وَأَدْخَلَهَا الْمُشْتَرِي فِي بِنَائِهِ لَمْ يَضْمَنْ الْبَائِعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ آخِرًا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَضْمَنُ قِيمَتَهَا وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ إذَا بَاعَهَا وَاعْتَرَفَ بِالْغَصْبِ وَكَذَّبَهُ الْمُشْتَرِي كَذَا ذَكَرَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَا نَقَصَ بِسُكْنَاهُ وَزِرَاعَتِهِ ضَمِنَ النُّقْصَانَ كَمَا فِي النَّقْلِيِّ) وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ قَالَ الْقُدُورِيُّ كَمَا إذَا انْهَدَمَتْ أَوْ ضَعُفَ الْبِنَاءُ كَمَا لَوْ عَمِلَ فِيهَا حَدَّادٌ فَانْهَدَمَتْ أَوْ ضَعُفَ الْبِنَاءُ وَالْفَرْقُ لَهُمَا أَنَّهُ أَتْلَفَهُ بِفِعْلِهِ كَمَا لَوْ نَقَلَ تُرَابَهُ وَالْعَقَارُ يُضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ وَلَا يُشْتَرَطُ لِضَمَانِ الْإِتْلَافِ أَنْ يَكُونَ فِي يَدِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْحُرَّ يَضْمَنُ بِهِ بِخِلَافِ ضَمَانِ الْغَصْبِ حَيْثُ لَا يَضْمَنُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 126 إلَّا بِالْحُصُولِ فِي الْيَدِ فَعَلَى هَذَا لَوْ رَكِبَ دَابَّةَ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ أَوْ لَمْ يُسَيِّرْهَا حَتَّى نَزَلَ ثُمَّ هَلَكَتْ لَمْ يَضْمَنْ لِعَدَمِ النَّقْلِ، وَإِنْ تَلِفَتْ بِرُكُوبِهِ يَضْمَنُ لِوُجُودِ الْإِتْلَافِ بِفِعْلِهِ وَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ قَعَدَ عَلَى بِسَاطِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَفِي فَتَاوَى أَبِي اللَّيْثِ غَصَبَ أَرْضًا وَزَرَعَهَا وَنَبَتَ فَلِصَاحِبِهَا أَنْ يَأْخُذَ الْأَرْضَ وَيَأْمُرَ الْغَاصِبَ بِقَلْعِ الزَّرْعِ تَفْرِيغًا لِمِلْكِهِ، فَإِنْ أَبَى أَنْ يَفْعَلَ فَلِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ أَنْ يَفْعَلَ وَفِي الذَّخِيرَةِ، وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ الْمَالِكُ حَتَّى أَدْرَكَ الزَّرْعَ فَالزَّرْعُ لِلْغَاصِبِ وَلِلْمَالِكِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْغَاصِبِ بِنُقْصَانِ الْأَرْضِ بِسَبَبِ الزِّرَاعَةِ، وَإِنْ حَضَرَ الْمَالِكُ وَالزَّرْعُ لَمْ يَنْبُتْ، فَإِنْ شَاءَ صَاحِبُ الْأَرْضِ يَتْرُكُهَا حَتَّى يَنْبُتَ الزَّرْعُ ثُمَّ يَأْمُرَهُ بِقَلْعِ الزَّرْعِ، وَإِنْ شَاءَ أَعْطَاهُ قِيمَةَ بَذْرِهِ لَكِنْ مَبْذُورًا فِي أَرْضِ غَيْرِهِ وَهُوَ أَنْ تُقَوَّمَ الْأَرْضُ مَبْذُورَةً وَغَيْرَ مَبْذُورَةٍ فَيَضْمَنُ فَضْلَ مَا بَيْنَهُمَا وَالْبَذْرُ لَهُ وَفِي الْعُيُونِ غَصَبَ مِنْ آخَرَ أَرْضًا وَزَرَعَهَا ثُمَّ اخْتَصَمَا وَهِيَ بَذْرٌ لَمْ تَنْبُتْ بَعْدُ فَصَاحِبُ الْأَرْضِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ تَرَكَهَا حَتَّى تَنْبُتَ ثُمَّ يَقُولَ لَهُ: اقْلَعْ ذَرْعَك، وَإِنْ شَاءَ أَعْطَاهُ مَا زَادَ الْبَذْرُ فِيهِ. وَطَرِيقُ مَعْرِفَةِ ذَلِكَ أَنْ تُقَوَّمَ مَبْذُورَةً وَغَيْرَ مَبْذُورَةٍ فِيهِ فَيَضْمَنُ فَضْلَ مَا بَيْنَهُمَا وَفِي الْحَاوِي وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُقَوِّمُ الْأَرْضَ غَيْرَ مَبْذُورٍ فِيهَا وَتُقَوَّمُ وَهِيَ مَبْذُورٌ فِيهَا بَذْرٌ مُسْتَحَقُّ الْقَلْعِ فَيَضْمَنُ فَضْلَ مَا بَيْنَهُمَا وَهُوَ قِيمَةُ بَذْرِ مَبْذُورٍ فِي أَرْضِ الْغَيْرِ فَيَضْمَنُ الْفَضْلَ وَفِي الْفَتَاوَى غَصَبَ حِنْطَةً فَزَرَعَهَا تَصَدَّقَ بِالْفَضْلِ إلَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَفِي الْمُنْتَقَى لِلْمُعَلَّى وَفِي نَوَادِرِهِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَرْضٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ زَرَعَهَا أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ فَتَرَاضَيَا عَلَى أَنْ يُعْطِيَ غَيْرُ الزَّارِعِ نِصْفَ الْبَذْرِ وَيَكُونَ الزَّرْعُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ قَالَ إنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُمَا بَعْدَمَا نَبَتَ الزَّرْعُ فَهُوَ جَائِزٌ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ أَنْ يَنْبُتَ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ الزَّرْعُ قَدْ نَبَتَ وَأَرَادَ الَّذِي لَمْ يَزْرَعْ أَنْ يَقْلَعَ الزَّرْعَ، فَإِنَّ الْأَرْضَ تُقْسَمُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَمَا أَصَابَ الَّذِي لَمْ يَزْرَعْ مِنْ الزَّرْعِ فَلَهُ وَيَضْمَنُ لَهُ الزَّارِعُ مَا دَخَلَ أَرْضَهُ مِنْ نُقْصَانِ الزِّرَاعَةِ وَقَوْلُهُ بِسُكْنَاهُ أَوْ زِرَاعَتِهِ لَيْسَ بِقَيْدٍ فَلَوْ غَصَبَ عَقَارًا أَوْ حَبَسَ عَنْ صَاحِبِهِ حَتَّى نَزَّتْ أَرْضُهُ أَوْ أَرْضًا حَتَّى غَلَبَ عَلَيْهَا مَا يَمْنَعُ مِنْ الزِّرَاعَةِ يَضْمَنُ النُّقْصَانَ لِظُهُورِ الْعَيْبِ عِنْدَهُ كَمَا لَوْ غَصَبَ عَبْدًا وَسَرَقَ مَا فِي يَدِهِ وَهِيَ حَادِثَةُ الْفَتْوَى وَأَجَابَ الْفَقِيرُ عَنْهَا بِمَا ذَكَرَ أَخْذًا مِنْ مَسْأَلَةِ الْعَبْدِ وَفِي الْإِسْبِيجَابِيِّ رَجُلٌ غَصَبَ أَرْضًا فَأَجَادَهَا وَأَخَذَ غَلَّتَهَا أَوْ زَرَعَ الْأَرْضَ كُرًّا فَخَرَجَ مِنْهُ ثَلَاثَةُ أَكْرَارٍ. قَالَ يَأْخُذُ رَأْسَ مَالِهِ الْكُرَّ وَيَتَصَدَّقُ بِالْفَضْلِ وَيَضْمَنُ الْغَلَّةَ وَيَضْمَنُ النُّقْصَانَ وَهَذَا فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا وَفِي الْكَافِي وَيَأْخُذُ الْغَاصِبُ رَأْسَ مَالِهِ أَيْ الْبَذْرَ وَمَا أَنْفَقَ وَمَا غَرِمَ مِنْ النُّقْصَانِ وَيَتَصَدَّقُ بِالْفَضْلِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَعِنْدَ الثَّانِي لَا يَتَصَدَّقُ غَصَبَ تَالَّةً مِنْ أَرْضِ إنْسَانٍ وَزَرَعَهَا فِي نَاحِيَةٍ أُخْرَى مِنْ تِلْكَ الْأَرْضِ فَكَبُرَتْ التَّالَّةُ وَصَارَتْ شَجَرَةً فَالشَّجَرَةُ لِلْغَارِسِ وَعَلَيْهِ قِيمَةُ التَّالَّةِ لِصَاحِبِهَا يَوْمَ غَصْبِهَا وَيُؤْمَرُ الْغَارِسُ بِقَلْعِ الشَّجَرَةِ وَكَذَلِكَ لَوْ غَرَسَ رَجُلٌ تَالَّةَ نَفْسِهِ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ فَلِصَاحِبِ الْأَرْضِ أَنْ يَأْخُذَهُ بِقَلْعِهَا، وَإِنْ كَانَ الْقَلْعُ يَضُرُّ الْأَرْضَ أَعْطَاهُ صَاحِبُ الْأَرْضِ قِيمَةَ شَجَرَتِهِ مَقْلُوعَةً كَذَا قِيلَ وَفِي التَّتِمَّةِ يَوْمَ يَخْتَصِمَانِ وَعَلَى قِيَاسِ مَسْأَلَةِ الزَّرْعِ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ أَعْطَاهُ صَاحِبُ الْأَرْضِ قِيمَةَ شَجَرَةٍ مُسْتَحَقَّةِ الْقَلْعِ وَفِي التَّتِمَّةِ سُئِلَ عَمَّنْ غَرَسَ أَرْضَ الْغَيْرِ غَرْسًا فَكَبُرَ هَلْ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ أَنْ يَقُولَ: أَدْفَعُ لَك قِيمَتَهُ وَلَا تَقْلَعُهُ فَقَالَ لَا إنَّمَا لِلْغَارِسِ أَنْ يَقْلَعَهُ وَيَضْمَنَ النُّقْصَانَ إنْ ظَهَرَ فِي الْأَرْضِ نُقْصَانٌ، وَإِنَّمَا لِصَاحِبِ الْأَرْضِ الْأَمْرُ بِالْقَلْعِ فَحَسْبُ وَسُئِلَ عَنْهَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ فَقَالَ لِلْغَارِسِ قِيمَةُ الْأَغْصَانِ حِينَ غَرْسِهَا إذَا كَانَ فِي قَلْعِهَا ضَرَرٌ بِالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ هَلْ يَضْمَنُ الْقِيمَةَ وَقْتَ الْغَرْسِ أَوْ وَقْتَ الْقَلْعِ. وَسُئِلَ الْخُجَنْدِيُّ عَمَّنْ غَرَسَ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ فَنَبَتَ هَلْ لِلْغَارِسِ أَنْ يَقْلَعَهَا فَقَالَ لَهُ أَنْ يَقْلَعَهَا إنْ لَمْ تُنْقِصْ الْأَرْضَ وَفِي الْفَتَاوَى رَجُلٌ زَرَعَ أَرْضَ نَفْسِهِ فَجَاءَ رَجُلٌ وَأَلْقَى بَذْرَهُ فِي تِلْكَ الْأَرْضِ وَقَلَّبَ الْأَرْضَ قَبْلَ أَنْ تُنْبِتَ بَذْرَ صَاحِبِ الْأَرْضِ أَوْ لَمْ يُقَلِّبْ وَسَقَى الْأَرْضَ حَتَّى نَبَتَ الْبَذْرُ فَالنَّابِتُ يَكُونُ لِلثَّانِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيَكُونُ عَلَى الثَّانِي قِيمَةُ بَذْرِهِ وَلَكِنْ مَبْذُورًا فِي أَرْضِ نَفْسِهِ فَتُقَوَّمُ الْأَرْضُ وَلَا بَذْرَ فِيهَا وَتُقَوَّمُ وَبِهَا بَذْرُهُ فَيَرْجِعُ بِفَضْلِ مَا بَيْنَهُمَا، فَإِنْ جَاءَ الزَّارِعُ الْأَوَّلُ وَهُوَ صَاحِبُ الْأَرْضِ وَأَلْقَى فِيهَا بَذْرَ نَفْسِهِ مَرَّةً أُخْرَى وَقَلَّبَ الْأَرْضَ قَبْلَ أَنْ يَنْبُتَ الْبَذْرَانِ أَوْ لَمْ يُقَلِّبْ وَسَقَى الْأَرْضَ فَنَبَتَتْ الْبُذُورُ كُلُّهَا فَجَمِيعُ مَا نَبَتَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ وَعَلَيْهِ لِلْغَاصِبِ مِثْلُ بَذْرِهِ وَلَكِنْ مَبْذُورًا فِي أَرْضِ غَيْرِهِ وَهَكَذَا ذُكِرَ وَلَمْ يُسْمَعْ الْجَوَابُ وَالْجَوَابُ الْمُشْبِعُ أَنَّ الْغَاصِبَ يَضْمَنُ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ قِيمَةَ بَذْرِهِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 127 مَبْذُورًا فِي أَرْضِ نَفْسِهِ وَيَضْمَنُ صَاحِبُ الْأَرْضِ لِلْغَاصِبِ قِيمَةَ الْبَذْرَيْنِ لَكِنْ مَبْذُورًا فِي أَرْضِ الْغَيْرِ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ الزَّرْعُ نَابِتًا بِهَا، فَأَمَّا إذَا نَبَتَ زَرْعُ الْمَالِكِ فَجَاءَ رَجُلٌ وَأَلْقَى بَذْرَهُ وَسَقَى، فَإِنْ لَمْ يُقَلِّبْ حَتَّى نَبَتَ الثَّانِي، فَإِنْ كَانَ الزَّرْعُ النَّابِتُ إذَا قُلِّبَ يَنْبُتُ مَرَّةً أُخْرَى فَالْجَوَابُ كَمَا قُلْنَا، وَإِنْ كَانَ لَا يَنْبُتُ مَرَّةً أُخْرَى فَمَا نَبَتَ فَهُوَ لِلْغَاصِبِ وَيَضْمَنُ الْغَاصِبُ لِلْمَالِكِ قِيمَةَ زَرْعِهِ نَابِتًا وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ سُئِلَ نُصَيْرٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَمَّنْ زَرَعَ أَرْضَ نَفْسِهِ بُرًّا فَجَاءَ رَجُلٌ وَزَرَعَهَا شَعِيرًا قَالَ عَلَى صَاحِبِ الشَّعِيرِ قِيمَةُ بَذْرِهِ مَبْذُورًا رَوَى ذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هَذَا إذَا رَضِيَ صَاحِبُ الْبَذْرِ. وَأَمَّا إذَا لَمْ يَرْضَ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ تَرَكَ حَتَّى يَنْبُتَ، فَإِذَا نَبَتَ يَأْخُذُهُ بِالْقَلْعِ، وَإِنْ شَاءَ أَبْرَأهُ عَنْ الضَّمَانِ، فَإِذَا اُسْتُحْصِدَ الزَّرْعُ وَحَصَدَاهُ فَهُوَ بَيْنَهُمَا عَلَى مِقْدَارِ نَصِيبِهِمَا وَسُئِلَ أَبُو جَعْفَرٍ عَمَّنْ دَفَعَ كَرْمًا مُعَامَلَةً فَأَثْمَرَ الْكَرْمُ أَوْ كَانَ الدَّافِعُ وَأَهْلُ دَارِهِ يُدْخِلُونَ الْكَرْمَ وَيَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَحْمِلُونَ وَالْعَامِلُ لَا يُدْخِلُ إلَّا قَلِيلًا هَلْ عَلَى الدَّافِعِ ضَمَانٌ قَالَ: إنْ أَكَلُوا وَحَمَلُوا بِغَيْرِ إذْنِ الدَّافِعِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَالضَّمَانُ عَلَى الَّذِينَ أَكَلُوا وَحَمَلُوا، وَإِنْ كَانُوا أَكَلُوا بِإِذْنِهِ، فَإِنْ كَانُوا مِمَّنْ تَجِبُ نَفَقَتُهُمْ عَلَيْهِ فَهُوَ ضَامِنٌ نَصِيبَ الْعَامِلِ فَصَارَ كَأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَكَلَهُ، وَإِنْ كَانُوا أَخَذُوا بِإِذْنِهِ وَهُوَ مِمَّنْ لَا تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ دَلَّ عَلَى اسْتِهْلَاكِ مَالِ الْغَيْرِ وَسُئِلَ الشَّيْخُ عَطَاءُ بْنُ حَمْزَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَمَّنْ زَرَعَ أَرْضَ إنْسَانٍ بِبَذْرِ نَفْسِهِ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِ الْأَرْضِ هَلْ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ أَنْ يُطَالِبَ بِحِصَّةِ الْأَرْضِ قَالَ نَعَمْ إنْ جَرَى الْعُرْفُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُمْ يَزْرَعُونَ الْأَرْضَ بِثُلُثِ الْخَارِجِ أَوْ رُبُعِهِ أَوْ نِصْفِهِ أَوْ شَيْءٍ مُقَدَّرٍ شَائِعٍ يَجِبُ ذَلِكَ الْقَدْرُ الَّذِي جَرَى بِهِ الْعُرْفُ قِيلَ لَهُ هَلْ فِيهِ رِوَايَةٌ قَالَ نَعَمْ رَجُلٌ غَصَبَ أَرْضًا وَبَنَى فِيهَا حَائِطًا فَجَاءَ صَاحِبُ الْأَرْضِ وَأَخَذَ الْأَرْضَ وَأَرَادَ الْغَاصِبُ أَنْ يَأْخُذَ الْحَائِطَ، فَإِنْ كَانَ الْغَاصِبُ يَبْنِي الْحَائِطَ مِنْ تُرَابِ هَذِهِ الْأَرْضِ لَيْسَ لَهُ النَّقْضُ وَيَكُونُ الْحَائِطُ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ، فَإِنْ بَنَى الْحَائِطَ لَا مِنْ تُرَابِ هَذِهِ الْأَرْضِ فَلَهُ النَّقْضُ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُؤَلِّفُ لِمَا إذَا نَقَصَ فِي يَدِهِ بِغَيْرِ صُنْعِهِ. قَالَ الْقُدُورِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي كِتَابِهِ غَصَبَ مِنْ آخَرَ عَبْدًا أَوْ جَارِيَةً فَأَبَقَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ وَلَمْ يَكُنْ أَبَقَ قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ زَنَتْ أَوْ سَرَقَتْ وَلَمْ تَكُنْ فَعَلَتْ ذَلِكَ قَبْلُ فَعَلَى الْغَاصِبِ مَا انْتَقَصَتْ بِسَبَبِ السَّرِقَةِ وَالْإِبَاقِ وَعَيْبِ الزِّنَا وَكَذَلِكَ مَا حَدَثَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ مِمَّا تَنْقُصُ بِهِ الْقِيمَةُ مِنْ عَوَرٍ أَوْ شَلَلٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ يَكُونُ مَضْمُونًا فَيُقَوَّمُ الْعَبْدُ صَحِيحًا وَيُقَوَّمُ وَبِهِ الْعَيْبُ فَيَأْخُذُهُ وَيَرْجِعُ بِفَضْلِ مَا بَيْنَهُمَا، وَإِنْ أَصَابَهُ حُمًّى فِي يَدِ الْغَاصِبِ أَوْ أَصَابَهُ بَيَاضٌ فِي عَيْنِهِ ثُمَّ رُدَّ عَلَى الْمَوْلَى وَرُدَّ مَعَهُ الْأَرْشُ ثُمَّ ذَهَبَتْ الْحُمَّى وَزَالَ الْبَيَاضُ فَلِلْغَاصِبِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمَوْلَى بِالْأَرْشِ وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَإِذَا وَلَدَتْ الْجَارِيَةُ الْمَغْصُوبَةُ وَلَدًا فَالْوَلَدُ عِنْدَنَا غَيْرُ مَضْمُونٍ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ مَضْمُونٌ وَلَوْ اسْتَهْلَكَهُ الْغَاصِبُ ضَمِنَ قِيمَتَهُ بِالْإِجْمَاعِ وَيَتَخَيَّرُ بِنُقْصَانِ الْوِلَادَةِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ زُفَرَ لَا يَتَخَيَّرُ وَإِذَا حَبِلَتْ عِنْدَ الْغَاصِبِ مِنْ الزِّنَا فَأَرَادَ رَدَّهَا عَلَى الْمَوْلَى كَذَلِكَ، فَإِنَّهُ يَرُدُّهَا مَعَ النُّقْصَانِ فَيَنْظُرُ إلَى أَرْشِ عَيْبِ الزِّنَا وَإِلَى مَا نَقَصَهَا الْحَبَلُ فَيَضْمَنُ الْأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَيَدْخُلُ الْأَقَلُّ فِي الْأَكْثَرِ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ أَخَذَ بِهِ أَبُو يُوسُفَ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَضْمَنَ الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ، فَإِنْ وَلَدَتْ فِي يَدِ الْمَالِكِ وَسَلِمَتْ مِنْ الْوِلَادَةِ فَالْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَنْظُرُ إلَى أَرْشِ الْحَبَلِ وَإِلَى أَرْشِ عَيْبِ الزِّنَا، فَإِنْ كَانَ عَيْبُ الزِّنَا أَكْثَرَ لَا يَرُدُّ شَيْئًا، وَإِنْ كَانَ عَيْبُ الْحَبَلِ أَكْثَرَ رُدَّ الْفَضْلُ مِنْ أَرْشِ عَيْبِ الزِّنَا وَفِي الْيَنَابِيعِ، فَإِنْ حَبِلَتْ مِنْ الزِّنَا فَوَلَدَتْ زَالَ عَيْبُ الْحَبَلِ بِالْوِلَادَةِ وَبَقِيَ عَيْبُ الزِّنَا، فَإِنْ كَانَ عَيْبُ الزِّنَا أَكْثَرَ مِنْ عَيْبِ الْحَبَلِ، وَقَدْ غَرِمَ الْغَاصِبُ عَيْبَ الْحَبَلِ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُتِمَّ أَرْشَ عَيْبِ الزِّنَا. ، وَإِنْ كَانَ عَيْبُ الْحَبَلِ أَكْثَرَ فَمِقْدَارُ عَيْبِ الزِّنَا يُسْتَحَقُّ وَمَا زَادَ عَلَيْهِ زَالَ، وَإِنْ مَاتَتْ مِنْ الْوِلَادَةِ وَبَقِيَ وَلَدُهَا فَفِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يَضْمَنُ الْغَاصِبُ جَمِيعَ قِيمَتِهَا وَعَلَى قَوْلِهِمَا يَضْمَنُ نُقْصَانَ الْحَبَلِ خَاصَّةً وَهَكَذَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ وَفِي الْخَانِيَّةِ الْجَارِيَةُ تُقَوَّمُ غَيْرَ حَامِلٍ وَلَا زَانِيَةٍ وَتُقَوَّمُ وَهِيَ حَامِلٌ زَانِيَةٌ فَيَرْجِعُ بِفَضْلِ مَا بَيْنَهُمَا وَفِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ مَاتَتْ فِي نِفَاسِهَا وَمَاتَ الْوَلَدُ أَيْضًا كَانَ عَلَى الْغَاصِبِ قِيمَتُهَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا نُقْصَانُ الْحَبَلِ وَفِي الْيَنَابِيعِ وَكَذَا قُطِعَتْ يَدُهَا فِي سَرِقَةٍ عِنْدَ الْغَاصِبِ أَوْ ضُرِبَتْ فِيمَا زَنَتْ عِنْدَهُ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَضْمَنُ مَا نَقَصَهَا الزِّنَا وَالضَّرْبُ فَيَدْخُلُ الْأَقَلُّ فِي الْأَكْثَرِ وَفِي السَّرِقَةِ يَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهَا وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ السَّرِقَةَ وَالزِّنَا وَلَا يَضْمَنُ مَا نَقَصَهَا الْقَطْعُ وَالضَّرْبُ وَلَوْ مَاتَتْ فِي الْوِلَادَةِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 128 وَبَقِيَ وَلَدُهَا ضَمِنَ جَمِيعَ قِيمَتِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَوْمَ الْغَصْبِ وَلَا جَبْرَ لِلنُّقْصَانِ بِالْوَلَدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَضْمَنُ إلَّا مَا نَقَصَهَا الْحَبَلُ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَلَوْ مَاتَ الْوَلَدُ رَدَّهَا وَرَدَّ مَعَهَا مَا نَقَصَتْهَا الْوِلَادَةُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِمَوْتِ الْوَلَدِ وَلَكِنْ نَقَصَتْ قِيمَةُ الْجَارِيَةِ وَقِيمَةُ الْوَلَدِ تَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ جَابِرَةً لِذَلِكَ النُّقْصَانِ لَمْ يَضْمَنْ الْغَاصِبُ شَيْئًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ اسْتَغَلَّهُ تَصَدَّقَ بِالْغَلَّةِ كَمَا لَوْ تَصَرَّفَ فِي الْمَغْصُوبِ الْوَدِيعَةِ وَرَبِحَ) أَيْ اسْتَغَلَّ الْمَغْصُوبَ بِأَنْ كَانَ عَبْدًا مَثَلًا فَأَجَّرَهُ فَنَقَصَهُ الِاسْتِعْمَالُ وَضَمِنَ النُّقْصَانَ تَصَدَّقَ الْغَاصِبُ بِالْغَلَّةِ كَمَا يَتَصَدَّقُ بِالرِّبْحِ فِيمَا إذَا تَصَرَّفَ فِي الْمَغْصُوبِ أَوْ الْوَدِيعَةِ بِأَنْ بَاعَهُ وَرَبِحَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ لَا تَقُومُ إلَّا بِالْعَقْدِ وَالْعَاقِدُ هُوَ الْغَاصِبُ فَتَكُونُ الْأُجْرَةُ لَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا غَصَبَ جَارِيَةً وَغَصَبَهَا وَوَطِئَهَا الزَّوْجُ فَالْعُقْرُ لِلْمَالِكِ دُونَ الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّ الْعُقْرَ يَجِبُ بِاسْتِيفَاءِ مَنْفَعَةِ الْبُضْعِ عِنْدَ قِيَامِ الشُّبْهَةِ لَا بِالْعَقْدِ أَمَّا الْأَوَّلُ وَهُوَ الِاسْتِعْمَالُ فَالْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُهُمَا وَهُوَ التَّصَدُّقُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَتَصَدَّقُ بِهِ وَقَدْ ذَكَرْنَا الْوَجْهَ فِي الْجَانِبَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَا زَادَ عَلَى مَا ضَمِنَ عِنْدَهُمَا لَا بِالْغَلَّةِ كُلِّهَا كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى ثُمَّ إنَّمَا يَضْمَنُ الْغَاصِبُ النُّقْصَانَ إذَا كَانَ النُّقْصَانُ فِي الْعَيْنِ وَكَانَ غَيْرَ زُيُوفٍ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ جَمِيعُ أَجْزَائِهِ فِي ضَمَانِهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَةُ مَا تَعَذَّرَ رَدُّهُ مِنْ أَجْزَائِهِ كُلًّا أَوْ بَعْضًا بِخِلَافِ الْمَبِيعِ حَيْثُ لَا يُوجِبُ النُّقْصَانَ الْحَادِثَ فِيهِ قَبْلَ الْقَبْضِ إلَّا بِالْخِيَارِ وَلَا يُوجِبُ حَطَّ شَيْءٍ مِنْ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الْأَوْصَافَ لَا تُضْمَنُ بِالْعَقْدِ وَتُضْمَنُ بِالْفِعْلِ، وَإِنْ كَانَ لِتُرَاجِعْ السِّعْرِ لَا يُضْمَنُ بَعْدَ أَنْ رَدَّهُ فِي مَكَانِ الْغَصْبِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لِقِلَّةِ الرَّغَبَاتِ فِيهِ لَا لِنُقْصَانٍ فِي الْعَيْنِ بِفَوَاتِ جُزْءٍ. وَإِنْ كَانَ رِبَوِيًّا لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ النُّقْصَانَ مَعَ اسْتِرْدَادِ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا إذْ الْجَوْدَةُ لَا قِيمَةَ لَهَا فِي الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ وَلَكِنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَهُ وَلَا شَيْءَ لَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَتْرُكَهُ عَلَى الْغَاصِبِ وَيُضَمِّنُهُ مِثْلَهُ مِنْ الرِّبَوِيَّاتِ أَوْ قِيمَتِهِ وَلَك أَنْ تَقُولَ عَدَمُ إمْكَانِ ذَلِكَ مُسَلَّمٌ فِيمَا إذَا كَانَ نُقْصَانُ الرِّبَوِيَّاتِ فِي الْأَوْصَافِ كَمَا إذَا غَصَبَ حِنْطَةً فَعَفِنَتْ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ لِلْوَصْفِ عِنْدَنَا، وَأَمَّا إذَا كَانَ نُقْصَانُهَا فِي الْأَجْزَاءِ كَمَا إذَا غَصَبَ كَيْلِيًّا أَوْ وَزْنِيًّا فَتَلِفَ بَعْضُ أَجْزَائِهِ فَنَقَصَ فَرَدَّهُ كَيْلًا أَوْ وَزْنًا فَيَكُونُ لِصَاحِبِ الْمَالِ تَضْمِينُ النُّقْصَانِ مَعَ اسْتِرْدَادِ الْبَاقِي وَلَا يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا كَمَا لَا يَخْفَى وَفِي الْعِنَايَةِ فَسَّرَ الرِّبَوِيَّاتِ بِمَا إذَا غَصَبَ حِنْطَةً فَعَفِنَتْ عِنْدَهُ أَوْ إنَاءَ فِضَّةٍ فَانْهَشَمَ فِي يَدِهِ أَقُولُ: فِي كَوْنِ إنَاءِ الْفِضَّةِ مِنْ الرِّبَوِيَّاتِ عِنْدَنَا فِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ، فَإِنَّهُمْ صَرَّحُوا فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ وَمِنْهُمْ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بِأَنَّ الْوَزْنِيَّ الَّذِي فِي تَبْعِيضِهِ ضَرَرٌ كَالْمَصُوغِ مِنْ الْقُمْقُمِ وَالْعَلْثِ لَيْسَ هُوَ بِمِثْلِيٍّ بَلْ هُوَ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ وَلَا شَكَّ أَنَّ إنَاءَ الْفِضَّةِ مِنْهُ فَكَيْفَ مَثَّلَ بِهِ وَلِاسْتِغْلَالِ الْعَبْدِ الْمُسْتَعَارِ بِالْإِيجَارِ كَاسْتِغْلَالِ الْمَغْصُوبِ حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ ضَمَانُ النُّقْصَانِ وَيَتَصَدَّقُ بِالْغَلَّةِ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَالْوَجْهُ قَدْ بَيِّنَاهُ وَلَوْ هَلَكَ فِي يَدِهِ بَعْدَمَا اسْتَعْمَلَهُ فَضَمَّنَهُ الْمَالِكُ كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَعِينَ بِالْغَلَّةِ فِي أَدَاءِ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّ الْخُبْثَ لِأَجْلِ الْمَالِكِ. فَإِذَا أَخَذَهُ الْمَالِكُ لَا يَظْهَرُ الْخُبْثُ فِي حَقِّهِ وَلِهَذَا لَوْ أَسْلَمَ الْغَلَّةَ إلَيْهِ مَعَ الْعَبْدِ يُبَاحُ لَهُ التَّنَاوُلُ فَيَزُولُ الْخُبْثُ بِالتَّسْلِيمِ وَتَبْرَأُ ذِمَّتُهُ عَنْ الْقِيمَةِ بِقَدْرِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَهُ الْغَاصِبُ بَعْدَمَا اسْتَغَلَّهُ وَهَلَكَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَضَمَّنَهُ الْمَالِكُ قِيمَتَهُ ثُمَّ رَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْغَاصِبِ بِالثَّمَنِ حَيْثُ لَا يَكُونُ لِلْغَاصِبِ أَنْ يَسْتَعِينَ بِالْغَلَّةِ فِي أَدَاءِ الثَّمَنِ إلَى الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْخُبْثَ كَانَ لِحَقِّ الْمَالِكِ وَالْمُشْتَرِي لَيْسَ بِمَالِكٍ فَلَا يَزُولُ الْخُبْثُ بِالْأَدَاءِ إلَيْهِ فَلَا يُؤَدِّيهِ إلَيْهِ إلَّا إذَا كَانَ لَا يَجِدُ غَيْرَهُ فَيُرَجَّحُ هُوَ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْفُقَرَاءِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مِلْكُهُ وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ كَمَا أَنَّ لِلْمُلْتَقِطِ أَنْ يَصْرِفَ الْغَلَّةَ عَلَى نَفْسِهِ إذَا كَانَ مُحْتَاجًا ثُمَّ إذَا أَصَابَ مَا لَا يَتَصَدَّقُ بِمِثْلِهِ إنْ كَانَ غَنِيًّا وَتَعَذَّرَ الِاسْتِغْلَالُ، وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا فَلَا شَيْءَ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ تَرْجِيحِهِ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْفُقَرَاءِ وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ مَا إذَا تَصَرَّفَ فِي الْمَغْصُوبِ أَوْ الْوَدِيعَةِ وَرَبِحَ فَهُوَ عَلَى وُجُوهٍ إمَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعَيُّنِ كَالْعَرْضِ أَوْ لَا يَتَعَيَّنُ كَالنَّقْدَيْنِ، فَإِنْ كَانَ مِمَّا يَتَعَيَّنُ لَا يَحِلُّ لَهُ التَّنَاوُلُ مِنْهُ قَبْلَ ضَمَانِ الْقِيمَةِ وَبَعْدَهُ يَحِلُّ إلَّا فِيمَا زَادَ عَلَى قَدْرِ الْقِيمَةِ وَهُوَ الرِّبْحُ الْمَذْكُورُ هُنَا، فَإِنَّهُ لَا يَطِيبُ لَهُ وَيَتَصَدَّقُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَتَعَلَّقُ فِيمَا لَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ حَتَّى تَنْفَسِخَ بِالْهَلَاكِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَتَمَكُّنُ الْخُبْثِ فِيهِ. وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَتَعَيَّنُ فَقَدْ قَالَ الْكَرْخِيُّ إنَّهُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ أَمَّا إنْ أَشَارَ وَنَقَدَ مِنْهُ أَوْ أَشَارَ إلَيْهِ وَنَقَدَ مِنْ غَيْرِهِ أَوْ أَشَارَ إلَى غَيْرِهِ وَنَقَدَ مِنْهُ أَوْ أَطْلَقَ إطْلَاقًا وَنَقَدَ مِنْهُ وَفِي كُلِّ ذَلِكَ يَطِيبُ لَهُ إلَّا فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَهُوَ مَا إذَا أَشَارَ إلَيْهِ وَنَقَدَ مِنْهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 129 لِأَنَّ الْإِشَارَةَ إلَيْهِ لَا تُفِيدُ التَّعْيِينَ فَيَسْتَوِي وُجُودُهَا وَعَدَمُهَا إلَّا إذَا تَأَكَّدَتْ بِالنَّقْدِ مِنْهُمَا وَقَالَ مَشَايِخُنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَطِيبُ لَهُ بِكُلِّ حَالٍ وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَإِطْلَاقُ الْجَوَابِ فِي الْجَامِعَيْنِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَوَجَّهَهُ أَنَّهُ بِالنَّقْدِ مِنْهُ اسْتَفَادَ سَلَامَةَ الْمُشْتَرِي وَبِالْإِشَارَةِ اسْتَفَادَ جَوَازَ الْعَقْدِ لِتَعَلُّقِ الْعَقْدِ فِي حَقِّ الْوَصْفِ وَالْقَدْرِ فَيَثْبُتُ فِيهِ شُبْهَةُ الْحُرْمَةِ لِمَالِكِهِ بِسَبَبٍ خَبِيثٍ وَاخْتَارَ بَعْضُهُمْ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ فِي زَمَانِنَا لِكَثْرَةِ الْحَرَامِ وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى قَوْلِهِمَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَتَصَدَّقُ بِشَيْءٍ مِنْهُ وَالْوَجْهُ مَا بَيَّنَّا وَهَذَا الِاخْتِلَافُ مِنْهُمْ فِيمَا إذَا صَارَ بِالتَّقَلُّبِ مِنْ جِنْسِ مَا ضَمِنَ بِأَنْ غَصَبَ دَرَاهِمَ مَثَلًا وَصَارَ فِي يَدِهِ مِنْ ثَمَنِ الْمَغْصُوبِ دَرَاهِمُ كَانَ فِي يَدِهِ مِنْ بَدَلِهِ بِخِلَافِ جِنْسِ مَا ضَمِنَ بِأَنْ غَصَبَ دَرَاهِمَ وَفِي يَدِهِ مِنْ بَدَلِهِ طَعَامٌ أَوْ عُرُوضٌ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ إنَّمَا يَتَعَيَّنُ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ وَمَا لَمْ يَصِرْ بِالتَّقَلُّبِ مِنْ جِنْسِ مَا ضَمِنَ لَا يَظْهَرُ الرِّبْحُ وَلَوْ اشْتَرَى بِثَمَنِ الْمَبِيعِ بَيْعًا فَاسِدًا شَيْئًا وَأَشَارَ إلَيْهِ وَنَقَدَ مِنْهُ يَطِيبُ الرِّبْحُ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ صَارَ مِلْكًا بِالْقَبْضِ بِتَرَاضِيهِمَا وَلِأَنَّهُ مَتَى نَقَضَ الْبَيْعَ وَاسْتَرَدَّ الثَّمَنَ يُرَدُّ مِثْلُ الثَّمَنِ لَا عَيْنُهُ وَلَكِنْ هَذَا لَا يُوجِبُ بَيْنَهُمْ الْخُبْثَ فِي التَّصَرُّفِ لِلْحَالِ. وَلَوْ اشْتَرَى بِالدَّرَاهِمِ الْمَغْصُوبَةِ طَعَامًا حَلَّ التَّنَاوُلُ وَلَوْ اشْتَرَى بِالدَّرَاهِمِ الْمَغْصُوبَةِ دَنَانِيرَ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي الدَّنَانِيرِ؛ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ لَوْ اسْتَحَقَّتْ بَعْدَمَا افْتَرَقَا انْتَقَضَ الْبَيْعُ فِي الدَّنَانِيرِ فَوَجَبَ عَلَيْهَا رَدُّهَا فَأَمَّا الْبَيْعُ فِي الطَّعَامِ لَا يُنْقَضُ بِاسْتِحْقَاقِ الدَّرَاهِمِ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّ مِثْلِهَا لَا عَيْنِهَا وَلَوْ اشْتَرَى بِالثَّوْبِ الْمَغْصُوبِ جَارِيَةً يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يَطَأَهَا حَتَّى يَدْفَعَ قِيمَةَ الثَّوْبِ إلَى صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّ بِالِاسْتِحْقَاقِ تَبَيَّنَ أَنَّ الْبَيْعَ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَتَعَلَّقُ بِعَيْنِ الثَّوْبِ وَلَوْ اشْتَرَى بِالدَّرَاهِمِ الْمَغْصُوبَةِ جَارِيَةً حَلَّ لَهُ وَطْؤُهَا إلَّا الْبَيْعَ لَا يَتَعَيَّنُ بِتِلْكَ الدَّرَاهِمِ وَلَوْ تَزَوَّجَ بِالثَّوْبِ الْمَغْصُوبِ جَارِيَةً امْرَأَةً حَلَّ لَهُ وَطْؤُهَا؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَنْتَقِضُ بِاسْتِحْقَاقِ الْمَهْرِ وَلَوْ أَخَذَ الْمَالِكُ الْقِيمَةَ بِقَوْلِ الْغَاصِبِ فِي الْجَارِيَةِ الْمَغْصُوبَةِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ وَطْؤُهَا وَاسْتِخْدَامُهَا وَلَا بَيْعُهَا إلَّا إذَا أَعْطَاهُ قِيمَتَهَا بِتَمَامِهَا؛ لِأَنَّهَا مِنْ غَيْرِ رِضَا الْمَالِكِ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ الْفَسْخَ إنْ ظَهَرَتْ مُسْتَحَقَّةً وَلَوْ أَعْتَقَ الْغَاصِبُ الْعَبْدَ بَعْدَ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ النَّاقِصَةِ جَازَ عِنْدَهُ وَعَلَيْهِ تَمَامُ الْقِيمَةِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ مُخْتَصَرًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَلَكَ بِلَا حِلِّ انْتِفَاعٍ قَبْلَ أَدَاءِ الضَّمَانِ بِطَحْنٍ وَطَبْخٍ وَشَيٍّ وَزَرْعٍ وَاتِّخَاذِ سَيْفٍ أَوْ إنَاءٍ لِغَيْرِ الْحَجَرَيْنِ) ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَمْلِكْهُ بِذَلِكَ لَحِقَهُ ضَرَرٌ وَكَانَ ظَالِمًا وَالظَّالِمُ لَا يُظْلَمُ بَلْ يُنْصَفُ ثُمَّ الضَّابِطُ فِيهِ أَنَّهُ مَتَى تَغَيَّرَتْ الْعَيْنُ الْمَغْصُوبَةُ بِفِعْلٍ حَتَّى زَالَ اسْمُهَا وَعَظُمَ مَنَافِعُهَا وَاخْتَلَطَتْ بِمِلْكِ الْغَاصِبِ حَتَّى لَا يُمْكِنَ تَمَيُّزُهَا أَصْلًا زَالَ مِلْكُ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ وَمَلَكَهَا الْغَاصِبُ وَضَمِنَهَا وَلَا يَحِلُّ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهَا حَتَّى يُؤَدِّيَ بَدَلَهَا قَالَ فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا وَقَوْلُهُ بِطَحْنٍ إلَى آخِره يَعْنِي بِفِعْلِ الْغَاصِبِ احْتِرَازًا عَمَّا إذَا تَغَيَّرَ بِغَيْرِ فِعْلِهِ مِثْلَ إنْ صَارَ الْعِنَبُ زَبِيبًا بِنَفْسِهِ أَوْ خَلًّا أَوْ الرُّطَبُ تَمْرًا، فَإِنَّ الْغَاصِبَ لَا يَمْلِكُهُ وَالْمَالِكُ فِيهِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ وَضَمَّنَهُ مِثْلَهُ وَقَوْلُهُ زَالَ اسْمُهَا يُحْتَرَزُ عَمَّا إذَا لَمْ يَزَلْ اسْمُهَا كَمَا لَوْ ذَبَحَ الشَّاةَ، فَإِنَّهُ يُقَالُ شَاةً حَيَّةً شَاةً مَذْبُوحَةً وَقَوْلُهُ وَعِظَمُ مَنَافِعِهَا تَأْكِيدًا يَتَنَاوَلُ الْحِنْطَةَ إذَا طَحَنَهَا، فَإِنَّهُ يَزُولُ بِالطَّحْنِ عِظَمُ مَنَافِعِهَا كَجَعْلِهَا هَرِيسَةً وَكِشْكًا وَنَشَاءً وَغَيْرَ ذَلِكَ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ. وَقَوْلُهُ وَعِظَمُ مَنَافِعِهَا تَأْكِيدٌ لِقَوْلِهِ زَالَ اسْمُهَا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تَأْسِيسٌ لَا تَأْكِيدٌ؛ لِأَنَّهُ احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا غَصَبَ شَاةً وَذَبَحَهَا، فَإِنَّهُ لَا يَزُولُ بِالذَّبْحِ مِلْكُ مَالِكِهَا كَمَا سَيَأْتِي مُصَرَّحًا بِهِ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الطَّحْنِ وَمَا بَعْدَهُ يَحْصُلُ بِهِ مَا ذَكَرْنَا فِي الضَّابِطِ فَيَمْلِكُهَا الْغَاصِبُ إلَّا الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ، فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ بِاتِّخَاذِهِمَا أَوَانِي أَوْ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ عِنْدَ الْإِمَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّهَا بِهَذَا الْفِعْلِ لَا يَزُولُ التَّمْيِيزُ وَقَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ لَا يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَالِكِ بِمَا ذَكَرَ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ غَيْرَ أَنَّهُ إذَا اخْتَارَ أَخْذَ الْعَيْنِ لَا يَضْمَنُ النُّقْصَانَ فِي الرِّبَوِيَّاتِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ نِعْمَةٌ فَلَا يَحْصُلُ بِالْحَرَامِ وَهُوَ الْغَصْبُ وَصَارَ كَمَا وَقَعَتْ الْحِنْطَةُ فِي الطَّاحُونَةِ وَانْطَحَنَتْ بِفِعْلِ الْمَاءِ أَوْ الْهَوَاءِ مِنْ غَيْرِ صُنْعِ أَحَدٍ وَلَنَا أَنَّهُ لَمَّا اسْتَهْلَكَ الْعَيْنَ مِنْ وَجْهٍ بِالِاسْتِحَالَةِ حَتَّى صَارَ لَهُ اسْمٌ آخَرُ، وَقَدْ أَحْدَثَ فِيهِ الصَّنْعَةَ وَهِيَ حَقُّ الْغَاصِبِ وَهِيَ قَائِمَةٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَتَرَجَّحَتْ لِذَلِكَ وَالْمَحْظُورُ لِغَيْرِهِ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا لِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ أَلَا تَرَى أَنَّ الصَّلَاةَ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ لَا تَجُوزُ وَتَكُونُ سَبَبًا لِحُصُولِ الثَّوَابِ الْجَزِيلِ فَمَا ظَنُّك بِالْمِلْكِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهَا قَبْلَ الْأَدَاءِ كَيْ لَا يَنْفَتِحَ بَابُ الْغَصْبِ وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِي الشَّاةِ الْمَذْبُوحَةِ بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهَا أَطْعِمُوهَا الْأَسَارَى» وَلَوْ لَمْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 130 يَمْلِكْهُ لَمَا قَالَ ذَلِكَ وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَزُفَرَ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. وَلِهَذَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فِيهَا كَالتَّمْلِيكِ لِلْغَيْرِ وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ مَا ذَكَرْنَاهُ وَنَفَاذُ تَصَرُّفِهِ لِوُجُودِ الْمِلْكِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ شِرَاءً فَاسِدًا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فِيهِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ، فَإِذَا دَفَعَ الْمِثْلَ أَوْ الْقِيمَةَ إلَيْهِ وَأَخَذَهُ الْحَاكِمُ أَوْ تَرَاضَيَا عَلَى مِقْدَارٍ حَلَّ الِانْتِفَاعُ بِهِ لِوُجُودِ الرِّضَا مِنْ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْحَاكِمَ لَا يَحْكُمُ إلَّا بِطَلَبِهِ فَحَصَلَتْ الْمُبَادَلَةُ بِالتَّرَاضِي وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي الْحِنْطَةِ الْمَزْرُوعَةِ وَالنَّوَاةِ الْمَزْرُوعَةِ يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهَا قَبْلَ أَدَاءِ الضَّمَانِ لِوُجُودِ الِاسْتِهْلَاكِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ وَاتِّخَاذِ سَيْفٍ لِيُفِيدَ أَنَّهُ بَعْدَهُ صَارَ يُبَاعُ عَدَدًا لَا وَزْنًا وَهُوَ إنَّمَا يَمْلِكُهُ بِمَا ذَكَرَ مِنْ الِاتِّخَاذِ إذَا كَانَ يُبَاعُ عَدَدًا وَفِي الْمُحِيطِ وَلَوْ غَصَبَ حَدِيدًا وَصَفَرًا فَجَعَلَهُ إنَاءً فَكَانَ يُبَاعُ وَزْنًا لَا يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَالِكِ كَمَا فِي الْفِضَّةِ، وَإِنْ كَانَ يُبَاعُ عَدَدًا انْقَطَعَ حَقُّ الْمَالِكِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَخْرَجَهُ عَنْ كَوْنِهِ مَوْزُونًا يَكُونُ مُسْتَهْلِكًا لَهُ مِنْ وَجْهٍ قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْكَرْخِيُّ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الصَّفْقَةِ أَنْ يُبَاعَ عَدَدًا أَوْ وَزْنًا. وَلَوْ غَصَبَ فُلُوسًا وَضَاعَ مِنْهَا إنَاءً ضَمِنَ الْفُلُوسَ؛ لِأَنَّهُ أَخْرَجَهَا عَنْ كَوْنِهَا ثَمَنًا فَيَصِيرُ مُسْتَهْلِكًا مِنْ وَجْهٍ وَقَوْلُهُ لِغَيْرِ الْحَجَرَيْنِ يَعْنِي أَنَّ الْحَجَرَيْنِ لَوْ اتَّخَذَ مَصَاغًا أَوْ حُلِيًّا أَوْ إنَاءً أَوْ ضَرَبَهُ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ فَلِلْمَالِكِ أَنْ يَأْخُذَهُ وَلَا يُعْطِيَهُ شَيْئًا عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا هُوَ لِلْغَاصِبِ وَيَضْمَنُ مِثْلَهُ لِلْمَالِكِ؛ لِأَنَّهُ أَحْدَثَ فِيهِ صَنْعَةً مُتَقَوِّمَةً فَصَارَ كَمَا لَوْ غَصَبَ حَدِيدًا أَوْ صَفَرًا فَضَرَبَهُ وَلِلْإِمَامِ أَنَّ الْعَيْنَ بَاقِيَةٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَلَمْ تُهْلَكْ مِنْ وَجْهٍ مَا أَلَا تَرَى أَنَّ الِاسْمَ لَمْ يَتَغَيَّرْ وَمَعْنَاهُ الثَّمَنِيَّةُ وَهُوَ بَاقٍ أَيْضًا وَكَذَا كَوْنُهُ مَوْزُونًا بَاقٍ أَيْضًا حَتَّى يَجْرِيَ فِيهِ الرِّبَا وَأَطْلَقَ فِي الْحَجَرَيْنِ فَشَمِلَ مَا إذَا صَارَ بَعْدَ الِاتِّخَاذِ أَصْلًا أَوْ تَبَعًا قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَلَوْ غَصَبَ فِضَّةً أَوْ دَرَاهِمَ فَجَعَلَهَا عُرْوَةً أَوْ قِلَادَةً لَا أَوَانِي انْقَطَعَ حَقُّ الْمَالِكِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ تَبَعًا لِلْأَوَانِي وَالتَّبَعِيَّةُ اسْتِهْلَاكٌ مِنْ وَجْهٍ. اهـ. وَفِي فَتَاوَى سَمَرْقَنْدَ غَصَبَ مِنْ آخَرَ طَعَامًا فَمَضَغَهُ حَتَّى صَارَ بِالْمَضْغِ مُسْتَهْلِكًا فَلَمَّا ابْتَلَعَهُ كَانَ حَلَالًا فِي قَوْلِ الْإِمَامِ وَقَالَا لَا يَكُونُ حَلَالًا إلَّا إذَا أَدَّى الْبَدَلَ وَأَنْكَرَ الشَّيْخُ نَجْمُ الدِّينِ النَّسَفِيُّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ عَنْ الْإِمَامِ وَقَالَ الصَّحِيحُ أَنَّ قَوْلَ الْإِمَامِ كَقَوْلِهِمَا وَفِي الْخَانِيَّةِ وَقَوْلُهُمَا احْتِيَاطٌ اهـ. وَفِي الْمُنْتَقَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ لَوْ غَصَبَ أَرْضًا وَبَنَى فِيهَا حَوَانِيتَ وَمَسْجِدًا أَوْ حَمَّامًا فَلَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ فِي ذَلِكَ الْمَسْجِدِ، أَمَّا الْحَمَّامُ فَلَا يُدْخَلُ وَلَا تُسْتَأْجَرُ الْحَوَانِيتُ وَقَالَ هِشَامٌ أَنَا أَكْرَهُ الصَّلَاةَ فِيهِ حَتَّى يَطِيبَ أَرْبَابُهُ وَأَكْرَهُ شِرَاءَ الْمَتَاعِ مِنْ أَرْضِ غَصْبٍ أَوْ حَوَانِيتَ غَصْبٍ. اهـ. وَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ إلَى أَنَّ التَّغْيِيرَ بَعْدَمَا وَضَعَ الْيَدَ فِي الْمِثْلِيِّ فَلَوْ كَانَ قَبْلَهُ تَجِبُ الْقِيمَةُ قَالَ الْقُدُورِيُّ صَبَّ مَاءً فِي الطَّعَامِ فَأَفْسَدَهُ وَزَادَ فِي كَيْلِهِ فَلِصَاحِبِ الطَّعَامِ أَنْ يُضَمِّنَهُ قِيمَتَهُ قَبْلَ أَنْ يَصُبَّ فِيهِ الْمَاءَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ مِثْلَهُ وَكَذَا لَوْ صَبَّ مَاءً فِي دُهْنٍ أَوْ زَيْتٍ لَا يَجُوزُ أَنْ يَغْرَمَ مِثْلَ كَيْلِهِ قَبْلَ صَبِّ الْمَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ غَصْبٌ مُتَقَدِّمٌ حَتَّى لَوْ غَصَبَ ثُمَّ صَبَّ الْمَاءَ فَعَلَيْهِ مِثْلُهُ. اهـ. وَفِي الذَّخِيرَةِ، وَإِنْ بَاعَ رَجُلٌ شَيْئًا ثُمَّ إنْ بَاعَ فَعَلَ بَعْضَ مَا وَصَفْنَا فَكُلُّ شَيْءٍ كَانَ الْغَاصِبُ فِيهِ مُسْتَهْلِكًا لِلْعَيْنِ وَلَمْ يَكُنْ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ أَنْ يَأْخُذَهُ فَكَذَا لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَأْخُذَهُ وَكُلُّ شَيْءٍ لَمْ يَكُنْ الْغَاصِبُ فِيهِ مُسْتَهْلِكًا وَكَانَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ أَنْ يَأْخُذَهُ فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَأْخُذَهُ. اهـ. وَفِي الْفَتَاوَى لَوْ غَصَبَ حِنْطَةً فَاتَّخَذَهَا كِشْكًا فَلِصَاحِبِهَا أَخْذُهَا وَرَدُّ مَا زَادَ فِيهَا مِنْ اللَّبَنِ وَاسْتَشْكَلَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْعَصْرِ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ زَالَ اسْمُهَا وَعَظُمَ مَنَافِعُهَا وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ إذَا سَقَى الْحِنْطَةَ اللَّبَنَ مِنْ غَيْرِ طَحْنٍ أَمَّا إذَا طَحَنَهَا فَقَدْ مَلَكَهَا وَيَرُدُّ مِثْلَهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِنَاءٍ عَلَى سَاجَةٍ) يَعْنِي إذَا بَنَى عَلَى السَّاجَةِ زَالَ مِلْكُ مَالِكِهَا عَنْهَا وَأَطْلَقَ فِي الْعِبَارَةِ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَتْ قِيمَةُ السَّاجَةِ أَكْثَرَ أَوْ قِيمَةُ الْبِنَاءِ وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ هَذَا فِيمَا إذَا كَانَ قِيمَةُ الْبِنَاءِ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ السَّاجَةِ، أَمَّا إذَا كَانَ قِيمَةُ السَّاجَةِ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الْبِنَاءِ فَلَا يَمْلِكُهَا وَلَهُ أَخْذُهَا وَالظَّاهِرُ مِنْ التَّقْيِيدِ بِالْبِنَاءِ عَلَى السَّاجَةِ أَنَّهُ لَوْ بَنَى عَلَى الْأَرْضِ الَّتِي لَا يُتَصَوَّرُ غَصْبُهَا لَا يَمْلِكُهَا وَفِي الْمُضْمَرَاتِ وَلَوْ غَصَبَ أَرْضًا وَبَنَى فِيهَا وَقِيمَةُ الْبِنَاءِ أَكْثَرُ مِنْ قِيمَةِ الْأَرْضِ لَا سَبِيلَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ عَلَى الْأَرْضِ وَيَضْمَنُ الْغَاصِبُ قِيمَةَ أَرْضِهِ وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي الْقَاسِمِ الدَّبَّاسِيِّ وَفِي الْحَاوِي غَصَبَ مِنْ آخِرَ دَارًا أَوْ أَرْضًا وَبَنَى فِيهَا بِنَاءً أَوْ زَرَعَ فَقَلَعَ صَاحِبُهَا الزَّرْعَ وَهَدَمَ الْبِنَاءَ لَا يَضْمَنُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكْسِرَ خَشَبَ الْغَاصِبِ وَلَا آجَرَّهُ وَفِي الْأَصْلِ غَصَبَ أَرْضًا وَبَنَى فِيهَا فَجَاءَ صَاحِبُ الْأَرْضِ وَأَخَذَ الْأَرْضَ فَأَرَادَ الْغَاصِبُ أَنْ يَأْخُذَ الْحَائِطَ، فَإِنْ كَانَ الْغَاصِبُ بَنَى الْحَائِطَ مِنْ تُرَابِ هَذِهِ الْأَرْضِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 131 لَيْسَ لَهُ النَّقْضُ وَالْحَائِطُ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ، وَإِنْ بَنَى الْحَائِطَ لَا مِنْ تُرَابِ هَذِهِ الْأَرْضِ فَلَهُ النَّقْضُ وَفِي فَتَاوَى سَمَرْقَنْدَ رَجُلٌ بَنَى حَائِطًا فِي كَرْمِ رَجُلٍ مِنْ تُرَابِ كَرْمِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلتُّرَابِ قِيمَةٌ فَهِيَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ، وَإِنْ كَانَ لِلتُّرَابِ قِيمَةٌ فَالْحَائِطُ لِلْبَانِي وَعَلَيْهِ قِيمَةُ الْبِنَاءِ. اهـ. وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْأَصْلِ مَا إذَا أَرَادَ الْغَاصِبُ أَنْ يَنْقُضَ الْبِنَاءَ وَيَرُدَّ السَّاجَةَ هَلْ يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ وَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ كَانَ الْقَاضِي قَضَى عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ لَا يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ نَقَضَ لَمْ يَسْتَطِعْ رَدَّ الْبِنَاءِ، وَإِنْ كَانَ الْقَاضِي لَمْ يَقْضِ عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَمْلِكُ النَّقْضَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَحِلُّ لَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَضْيِيعِ الْمَالِ مِنْ غَيْرِ فَائِدَةٍ وَفِي فَتَاوَى النَّسَفِيِّ سُئِلَ عَمَّنْ غَصَبَ سَاجَةً فَأَدْخَلَهَا فِي بِنَائِهِ أَوْ تَالَّةً فَغَرَسَهَا فِي أَرْضِهٍ أَوْ غُصْنًا فَوَصَلَهُ بِشَجَرَةٍ فَوَهَبَهَا الْغَاصِبُ مِنْ الْمَغْصُوبِ يَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ بِهَذِهِ الْهِبَةِ قَالَ نَعَمْ قِيلَ وَلَوْ قَالَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ لِلْغَاصِبِ وَهَبْت لَك السَّاجَةَ أَوْ التَّالَّةَ أَوْ الْغُصْنَ قَالَ نَعَمْ قِيلَ كَيْفَ وَقَدْ وَهَبَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ لِلْغَاصِبِ مَا لَا يَمْلِكُهُ الْوَاهِبُ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ قَدْ انْقَطَعَ وَوَجَبَ الضَّمَانُ عَلَى الْغَاصِبِ قَالَ بَلَى وَهَذَا فِي الْمَعْنَى إبْرَاءٌ لَهُ عَنْ الضَّمَانِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ بِسَبَبِ هَذِهِ الْعَيْنِ وَفِي الْخَانِيَّةِ كَسَرَ غُصْنًا لِرَجُلٍ ضَمِنَ النُّقْصَانَ وَلَوْ كَانَ الْكَسْرُ فَاحِشًا بِأَنْ صَارَ حَطَبًا أَوْ وَتَدًا وَفِي الْأَصْلِ غَصَبَ مِنْ آخَرَ دَارًا وَنَقَشَهَا بِعَشَرَةِ آلَافٍ ثُمَّ جَاءَ رَبُّ الدَّارِ قِيلَ لَهُ إنْ شِئْت فَخُذْ الدَّارَ وَأَعْطِ الْغَاصِبَ مَا زَادَ فِيهَا. وَفِي الذَّخِيرَةِ مُشْتَرِي الدَّارِ مِنْ الْغَاصِبِ إذَا هَدَمَهَا وَأَدْخَلَهَا فِي بِنَائِهِ ثُمَّ حَضَرَ الْمَالِكُ، فَإِنْ كَانَ الْبِنَاءُ قَلِيلًا يَتَيَسَّرُ رَفْعُهُ يَرْفَعُهُ وَيَرُدُّهُ عَلَى الْمَالِكِ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا يَتَعَذَّرُ رَفْعُهُ، وَإِنْ شَاءَ لَا يَرْفَعُهُ بَلْ يَتْرُكُهُ وَيَضْمَنُ الْمُشْتَرِي قِيمَةَ الْبِنَاءِ الْأَوَّلِ وَفِي الْقُدُورِيِّ وَلَوْ غَصَبَ مِنْ آخَرَ دَارًا وَجَصَّصَهَا ثُمَّ رَدَّهَا قِيلَ لِصَاحِبِهَا أَعْطِ مَا زَادَ التَّجْصِيصُ فِيهَا إلَّا أَنْ يَرْضَى صَاحِبُ الدَّارِ أَنْ يَأْخُذَ الْغَاصِبُ مَا جَصَّصَهُ قَالَ هِشَامٌ قُلْت لِمُحَمَّدٍ فِي رَجُلٍ وَثَبَ عَلَى بَابٍ مَقْلُوعٍ وَنَقَشَهُ بِالْأَصَابِعِ قَالَ سَبِيلُهُ سَبِيلُ الدَّارِ قُلْت: وَإِنْ كَانَ نَقَشَهُ بِالنَّقْرِ وَلَيْسَ بِالْأَصَابِعِ قَالَ فَهَذَا مَالٌ مُسْتَهْلَكٌ بِالْبَابِ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ وَالْبَابُ لَهُ وَكَذَا لَوْ نَقَشَ إنَاءَ فِضَّةٍ بِالنَّقْرِ وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّهُ مَوْضُوعُ مَسْأَلَةِ السَّاجَةِ إذَا بَنَى الْغَاصِبُ حَوْلَ السَّاجَةِ أَمَّا لَوْ بَنَى عَلَى نَفْسِ السَّاجَةِ لَا يَبْطُلُ مِلْكُ الْمَالِكِ بَلْ يُنْقَضُ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيُّ؛ لِأَنَّهُ إذَا بَنَى حَوْلَهَا لَمْ يَكُنْ مُتَعَدِّيًا وَإِذَا بَنَى عَلَيْهَا كَانَ مُتَعَدِّيًا وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْجَوَابَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ عَلَى حَدٍّ وَاحِدٍ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ [ذَبَحَ الْمَغْصُوبُ شَاةً أَوْ خَرَقَ ثَوْبًا فَاحِشًا] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَلَوْ ذَبَحَ شَاةً أَوْ خَرَقَ ثَوْبًا فَاحِشًا ضَمِنَ الْقِيمَةَ وَسَلَّمَ الْمَغْصُوبَ أَوْ ضَمِنَ النُّقْصَانَ) وَكَذَا لَوْ ذَبَحَ وَقَطَعَ الْيَدَ أَوْ الرِّجْلَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ إتْلَافٌ مِنْ وَجْهٍ بِاعْتِبَارِ فَوَاتِ بَعْضِ الْأَغْرَاضِ مِنْ الْحَمْلِ وَالدَّارِ وَالنَّسْلِ وَفَوَاتِ بَعْضِ الْمَنْفَعَةِ فِي الثَّوْبِ فَيُخَيَّرُ بَيْنَ تَضْمِينِ جَمِيعِ قِيمَتِهِ وَتَرْكِهِ لَهُ وَبَيْنَ تَضْمِينِ نُقْصَانِهِ وَأَخْذِهِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ النُّقْصَانَ إذَا أَخَذَ اللَّحْمَ؛ لِأَنَّ الذَّبْحَ وَالسَّلْخَ زِيَادَةٌ فِيهَا لِانْقِطَاعِ احْتِمَالِ الْمَوْتِ حَتْفَ أَنْفِهَا وَأَمْكَنَ الِانْتِفَاعُ بِلَحْمِهَا يَتَعَيَّنُ وَالْأَوَّلُ هُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّهُ نُقْصَانٌ بِاعْتِبَارِ فَوَاتِ بَعْضِ الْأَغْرَاضِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلَوْ كَانَتْ الدَّابَّةُ غَيْرَ مَأْكُولَةِ اللَّحْمِ يَضْمَنُ قَاطِعُ الطَّرَفِ جَمِيعَ قِيمَتِهَا؛ لِأَنَّهُ اسْتِهْلَاكٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِخِلَافِ قَطْعِ الطَّرَفِ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْقَطْعِ صَالِحٌ لِجَمِيعِ مَا كَانَ صَالِحًا قَبْلَهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ وَلَا كَذَلِكَ الدَّابَّةُ، فَإِنَّهَا لَا تَصْلُحُ لِلْحَمْلِ وَلَا لِلرُّكُوبِ بَعْدَ الْقَطْعِ قَيَّدَ التَّخْيِيرَ بِذَبْحِ الشَّاةِ وَمَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ احْتِرَازًا عَمَّا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ، وَلَوْ ذَبَحَ حِمَارَ غَيْرِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ النُّقْصَانَ فِي قَوْلِ الْإِمَامِ وَلَكِنْ يُضَمِّنُهُ جَمِيعَ الْقِيمَةِ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لَهُ أَنْ يَمْسِكَ الْحِمَارَ وَيُضَمِّنَهُ النُّقْصَانَ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ كُلَّ الْقِيمَةِ وَلَا يَمْسِكُ الْحِمَارَ، وَإِنْ قَتَلَهُ قَتْلًا فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ وَالِاعْتِمَادُ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ وَلَوْ قَطَعَ يَدَ حِمَارٍ أَوْ بَغْلٍ أَوْ قَطَعَ رِجْلَهُ أَوْ فَقَأَ عَيْنَهُ قَالَ الْإِمَامِ إنْ شَاءَ سَلَّمَ الْجَسَدَ وَضَمَّنَهُ جَمِيعَ الْقِيمَةِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْسِكَ الْجَسَدَ وَيُضَمِّنَهُ النُّقْصَانَ وَفِي الْمُنْتَقَى هِشَامٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ رَجُلٌ قَطَعَ يَدَ حِمَارٍ أَوْ بَغْلٍ أَوْ رِجْلَهُ وَكَانَ لِمَا بَقِيَ مِنْهُ قِيمَةٌ فَلَهُ أَنْ يُمْسِكَهُ وَيَأْخُذَ النُّقْصَانَ وَفِي النَّوَازِلِ إذَا قَطَعَ أُذُنَ الدَّابَّةِ أَوْ بَعْضَهُ يَضْمَنُ النُّقْصَانَ وَلَوْ قَطَعَ أُذُنَيْهَا يَضْمَنُ النُّقْصَانَ وَعَنْ شَيْخِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذَا قَطَعَ ذَنَبَ حِمَارِ الْقَاضِي يَضْمَنُ جَمِيعَ قِيمَتِهِ، وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِهِ يَضْمَنُ النُّقْصَانَ. اهـ. أَقُولُ: وَيُلْحَقُ بِحِمَارِ الْقَاضِي حِمَارُ الْمُفْتِي وَالْعَالِمِ وَالْأَمِيرِ وَفِي التَّجْرِيدِ وَالصَّحِيحُ فِي الْحَدِّ الْفَاصِلِ بَيْنَ الْخَرْقِ الْفَاحِشِ وَالْيَسِيرِ أَنَّ الْخَرْقَ الْفَاحِشَ مَا يَفُوتُ بِهِ بَعْضُ الْعَيْنِ وَبَعْضُ الْمَنْفَعَةِ وَالْيَسِيرَ مِمَّا لَا يَفُوتُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الْمَنْفَعَةِ، وَإِنَّمَا تَفُوتُ الْجَوْدَةُ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ الْقَطْعُ أَنْوَاعٌ ثَلَاثَةٌ فَاحِشٌ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 132 غَيْرُ مُسْتَأْصِلٍ وَهُوَ مَا بَيَّنَّا وَقَطْعٌ يَسِيرٌ وَهُوَ أَنْ يَقْطَعَ طَرَفًا مِنْ أَطْرَافِ الثَّوْبِ وَلَا يَثْبُتُ فِيهِ الْخِيَارُ لِلْمَالِكِ وَلَكِنْ يُضَمِّنُهُ النُّقْصَانَ وَقَطْعٌ فَاحِشٌ مُسْتَأْصِلٌ لِلثَّوْبِ وَهُوَ أَنْ يَقْطَعَ الثَّوْبَ قَطْعًا يَصْلُحُ لِمَا يُرَادُ مِنْهُ وَلَا يَرْغَبُ فِي شِرَائِهِ فَعَنْ الْإِمَامِ الْمَالِكُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ تَرَكَ الْمَقْطُوعَ وَضَمَّنَهُ الْقِيمَةَ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْمَقْطُوعَ لَهُ وَعِنْدَهُمَا لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْقِيمَةَ وَيُضَمِّنَهُ النُّقْصَانَ اهـ. فَظَهَرَ أَنَّ مَا أَطْلَقَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي الْخَرْقِ الْفَاحِشِ إنَّمَا يَتَأَتَّى عَلَى قَوْلِهِمَا لَا عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ وَفِي الْمُنْتَقَى بِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ غَصَبَ شَاةً فَحَلَبَهَا ضَمِنَ قِيمَةَ اللَّبَنِ. اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي الْخَرْقِ الْيَسِيرِ ضَمِنَ نُقْصَانَهُ) يَعْنِي مَعَ أَخْذِ عَيْنِهِ وَلَيْسَ لَهُ غَيْرُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ قَائِمَةٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَإِنَّمَا دَخَلَهُ عَيْبٌ فَنَقَصَ بِذَلِكَ وَكَانَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ النُّقْصَانَ وَقَدْ بَيَّنَّا الْفَرْقَ بَيْنَ الْفَاحِشِ وَالْيَسِيرِ وَقَالَ الشَّارِحُ وَاخْتَلَفُوا فِي الْخَرْقِ الْيَسِيرِ وَالْفَاحِشِ قِيلَ مَا يُوجِبُ نُقْصَانَ رُبُعِ الْقِيمَةِ فَاحِشٌ وَمَا دُونَهُ يَسِيرٌ وَقِيلَ مَا يَنْقُصُ بِهِ نِصْفُ الْقِيمَةِ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْفَاحِشَ مَا يَفُوتُ بِهِ بَعْضُ الْعَيْنِ وَجِنْسُ الْمَنْفَعَةِ وَيَبْقَى بَعْضُ الْعَيْنِ وَبَعْضُ الْمَنْفَعَةِ وَالْيَسِيرُ مَا لَا يَفُوتُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الْمَنْفَعَةِ، وَإِنَّمَا يَدْخُلُ فِيهِ نُقْصَانٌ فِي الْمَنْفَعَةِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِهْلَاكَ الْمُطْلَقَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ عِبَارَةٌ عَنْ إتْلَافِ جَمِيعِ الْمَنْفَعَةِ وَالِاسْتِهْلَاكُ مِنْ وَجْهٍ عِبَارَةٌ عَنْ تَفْوِيتِ بَعْضِ الْمَنْفَعَةِ وَالنُّقْصَانُ عِبَارَةٌ عَنْ تَفْوِيتِ الْمَنَافِعِ مَعَ بَقَائِهَا وَهُوَ تَفْوِيتُ الْجَوْدَةِ لَا غَيْرُ وَلَا عِبْرَةَ بِقِيَامِ أَكْثَرِ الْمَنَافِعِ؛ لِأَنَّ الرُّجْحَانَ إنَّمَا يُطْلَبُ إذَا تَعَذَّرَ الْعَمَلُ بِأَحَدِهِمَا وَمَتَى أَمْكَنَ الْعَمَلُ بِهِمَا لَا يَضُرُّ التَّرْجِيحُ وَلَا يَشْتَغِلُ بِهِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ الْحُكْمُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي الْخَرْقِ فِي الثَّوْبِ إذَا كَانَ فَاحِشًا هُوَ الْحُكْمُ فِي كُلِّ عَيْنٍ مِنْ الْأَعْيَانِ إلَّا فِي الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ، فَإِنَّ التَّعَيُّبَ فِيهَا سَوَاءٌ كَانَ فَاحِشًا أَوْ يَسِيرًا فَالْمَالِكُ فِيهِمَا يُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يُمْسِكَ الْعَيْنَ وَلَا يَرْجِعَ عَلَى الْغَاصِبِ بِشَيْءٍ وَبَيْنَ أَنْ يُسْلِمَ الْعَيْنَ وَيُضَمِّنَهُ مِثْلَهُ أَوْ قِيمَتَهُ؛ لِأَنَّ تَضْمِينَ النُّقْصَانِ مُتَعَذِّرٌ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا هَذَا إذَا قَطَعَ الثَّوْبَ وَلَمْ يُجَدِّدْ فِيهِ صَنْعَةً، وَأَمَّا إذَا جَدَّدَ فِيهِ صَنْعَةً فَيَأْتِي فِي الْمَتْنِ وَفِي الْأَصْلِ غَصَبَ ثَوْبًا فَعَفَنَ عِنْدَهُ أَوْ اصْفَرَّ أَخَذَهُ الْمَالِكُ وَمَا نَقَصَ مِنْهُ إذَا كَانَ النُّقْصَانُ يَسِيرًا وَلَوْ فَاحِشًا خُيِّرَ بَيْنَ الْأَخْذِ وَالتَّرْكِ. اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (وَلَوْ غَرَسَ أَوْ بَنَى فِي أَرْضِ الْغَيْرِ قُلِعَا وَرُدَّتْ) أَيْ قُلِعَ الْبِنَاءُ وَالْغَرْسُ وَرُدَّتْ الْأَرْضُ إلَى صَاحِبِهَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» أَيْ لَيْسَ لِذِي عِرْقٍ ظَالِمٍ وَصْفُ الْعِرْقِ بِصِفَةِ صَاحِبِهِ وَهُوَ الظُّلْمُ وَهُوَ مِنْ الْمَجَازِ كَمَا يُقَالُ صَائِمٌ نَهَارَهُ وَقَائِمٌ لَيْلَهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [الدخان: 4] وَلِأَنَّ الْأَرْضَ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِهِ إذَا لَمْ تَكُنْ مُسْتَهْلَكَةً وَلَا مَغْصُوبَةً حَقِيقَةً وَلَمْ يُوجَدْ فِيهَا شَيْءٌ يُوجِبُ الْمِلْكَ لِلْغَاصِبِ فَيُؤْمَرُ بِتَفْرِيغِهَا وَرَدِّهَا إلَى مَالِكِهَا كَمَا إذَا أَشْعَلَ طَرَفَ غَيْرِهِ بِالطَّعَامِ هَذَا إذَا كَانَتْ قِيمَةُ السَّاحَةِ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الْبِنَاءِ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْبِنَاءِ أَكْثَرَ فَلِلْغَاصِبِ أَنْ يَضْمَنَ لَهُ قِيمَةَ السَّاحَةِ وَيَأْخُذَهَا ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ وَعَلَى هَذَا لَوْ بَلَعَتْ دَجَاجَةٌ لُؤْلُؤَةً يُنْظَرُ أَيُّهُمَا أَكْثَرُ قِيمَةً فَلِصَاحِبِهِ أَنْ يَأْخُذَ وَيُضَمِّنَهُ قِيمَةَ الْأُخْرَى وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ لَوْ أَدْخَلَ فَصِيلَ غَيْرِهِ فِي دَارِهِ وَكَبُرَ فِيهَا وَلَمْ يُمْكِنْ إخْرَاجُهُ إلَّا بِهَدْمِ الْحَائِطِ وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ لَوْ أَدْخَلَ الْبَقَرَ رَأْسَهُ فِي قِدْرٍ مِنْ النُّحَاسِ فَتَعَذَّرَ إخْرَاجُهُ وَقَدْ اسْتَوْعَبْنَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِفُرُوعِهَا فِي مَسْأَلَةِ نُقْصَانِ الْأَرْضِ فَلَا نُعِيدُهُ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة لَوْ غَصَبَ حِنْطَةً فَزَرَعَهَا تَصَدَّقَ بِالْفَضْلِ. اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ نَقَصَتْ الْأَرْضُ بِالْقَلْعِ ضَمِنَ لَهُ الْبِنَاءَ وَالْغَرْسَ مَقْلُوعًا وَيَكُونَانِ لَهُ) أَيْ إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ تَنْقُصُ بِالْقَلْعِ كَانَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ أَنْ يَضْمَنَ لِلْغَاصِبِ قِيمَةَ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ مَقْلُوعًا وَيَكُونُ لَهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ دَفْعَ الضَّرَرِ عَنْهُمَا فَتَعَيَّنَ فِيهِ النَّظَرُ لَهُمَا، وَإِنَّمَا يَضْمَنُ قِيمَتَهَا مَقْلُوعًا؛ لِأَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لِلْقَلْعِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَدِيمَ فِيهَا فَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مَقْلُوعًا وَكَيْفِيَّةُ مَعْرِفَتِهَا أَنَّهُ يُقَوِّمُ الْأَرْضَ وَبِهَا بِنَاءٌ أَوْ شَجَرٌ وَيَسْتَحِقُّ قَلْعَهُ أَيْ أُمِرَ بِقَلْعِهِ وَتُقَوَّمُ وَحْدَهَا لَيْسَ فِيهَا بِنَاءٌ وَلَا غَرْسٌ فَيَضْمَنُ فَضْلَ مَا بَيْنَهُمَا كَذَا لَوْ قَالُوا وَهَذَا لَيْسَ بِضَمَانٍ لَقِيمَتِهِ مَقْلُوعًا بَلْ هُوَ ضَمَانٌ لِقِيمَتِهِ قَائِمًا مُسْتَحِقَّ الْقَلْعِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ ضَمَانًا لِقِيمَتِهِ مَقْلُوعًا أَنْ لَوْ قَدَّرَ الْبِنَاءَ أَوْ الْغَرْسَ مَقْلُوعًا مَوْضُوعًا فِي الْأَرْضِ بِأَنْ يُقَدِّرَ الْغَرْسَ حَطَبًا وَالْبِنَاءَ آجِرًا أَوْ الْبِنَاءَ حِجَارَةً مُكَوَّمَةً عَلَى الْأَرْضِ فَيُقَوَّمُ وَحْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُضَمَّ إلَى الْأَرْضِ فَيَضْمَنُ لَهُ قِيمَةَ الْحَطَبِ وَالْحِجَارَةِ الْمُكَوَّمَةِ دُونَ الْمَبْنِيَّةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَإِنْ صَبَغَ أَوْ لَتَّ السَّوِيقَ بِسَمْنٍ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ ثَوْبٍ أَبْيَضَ وَمِثْلَ السَّوِيقِ أَوْ أَخَذَهُمَا وَغَرِمَ مَا زَادَ الصَّبْغُ وَالسَّمْنُ) يَعْنِي إذَا غَصَبَ ثَوْبًا وَصَبَغَهُ أَوْ سَوِيقًا فَلَتَّهُ بِسَمْنٍ فَالْمَالِكُ بِالْخِيَارِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 133 إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ ثَوْبٍ أَبْيَضَ وَمِثْلَ السَّوِيقِ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْمَصْبُوغَ وَالْمَلْتُوتَ وَغَرِمَ مَا زَادَ الصَّبْغُ وَالسَّمْنُ وَقَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ يُؤْمَرُ الْغَاصِبُ بِقَلْعِ الصَّبْغِ بِالْغَسْلِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ وَيُسَلِّمُهُ لِصَاحِبِهِ، وَإِنْ انْتَقَصَ قِيمَةُ الثَّوْبِ بِذَلِكَ فَعَلَيْهِ ضَمَانُ النُّقْصَانِ بِخِلَافِ السَّمْنِ لَتَعَذُّرِ التَّمْيِيزِ وَلَنَا أَنَّ الصِّبْغَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ كَالثَّوْبِ وَبِجِنَايَتِهِ لَا يَسْقُطُ تَقَوُّمُ مَالِهِ فَيَجِبُ ضَمَانُهُ حَقَّهُمَا مَا أَمْكَنَ فَكَانَ صَاحِبُ الثَّوْبِ أَوْلَى بِالتَّخْيِيرِ؛ لِأَنَّهُ صَاحِبُ الْأَصْلِ وَالْآخَرُ صَاحِبُ وَصْفٍ وَهُوَ قَائِمٌ بِالْأَصْلِ وَكَذَا السَّوِيقُ أَصْلٌ وَالسَّمْنُ تَبَعٌ بِخِلَافِ الْبِنَاءِ؛ لِأَنَّ التَّمَيُّزَ مُمْكِنٌ بِالنَّقْضِ وَلَهُ وُجُودٌ بَعْدَ النَّقْضِ فَأَمْكَنَ إيصَالُ حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَيْهِ وَالصَّبْغُ يَتَلَاشَى بِالْغَسْلِ فَلَا يُمْكِنُ إيصَالُهُ إلَى صَاحِبِهِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا انْصَبَغَ مِنْ غَيْرِ فِعْلِ أَحَدٍ كَإِلْقَاءِ الرِّيحِ حَيْثُ لَا يَثْبُتُ فِيهِ لِرَبِّ الثَّوْبِ الْخِيَارُ بَلْ يُؤْمَرُ صَاحِبُ الثَّوْبِ بِتَمَلُّكِ الصِّبْغِ بِقِيمَتِهِ وَظَاهِرُ الْعِبَارَةِ انْحِصَارُ الْحُكْمِ فِيمَا ذَكَرَ وَقَالَ أَبُو عِصْمَةَ فِي مَسْأَلَةِ الْغَصْبِ إنْ شَاءَ رَبُّ الثَّوْبِ بَاعَهُ فَيَضْرِبُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِقِيمَةِ مَالِهِ. وَهَذَا وَجْهٌ حَسَنٌ فِي وُصُولِ حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى صَاحِبِهِ وَتَتَأَتَّى بِغَرَامَةٍ يَضْمَنُ فِيهَا مِثْلَ هَذَا فِيمَا إذَا كَانَ انْصَبَغَ بِنَفْسِهِ أَيْضًا وَالْجَوَابُ فِي اللَّتِّ كَالْجَوَابِ فِي الصِّبْغِ أَنَّهُ يَضْمَنُ مِثْلَ السَّوِيقِ وَفِي الصِّبْغِ قِيمَتَهُ؛ لِأَنَّ السَّوِيقَ وَالسَّمْنَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ بِخِلَافِ الصِّبْغِ وَالثَّوْبِ قَالَ فِي الْكَافِي قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ يَضْمَنُ قِيمَةَ سَوِيقِهِ؛ لِأَنَّهُ يَتَفَاوَتُ الْقَلْيُ فَلَمْ يَكُنْ مِثْلِيًّا كَالْخُبْزِ وَمَا رُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ إذَا صَبَغَ الثَّوْبَ أَسْوَدَ فَهُوَ نُقْصَانٌ وَعِنْدَهُمَا أَنَّهُ زِيَادَةٌ كَالْحُمْرَةِ وَالصُّفْرَةِ رَاجِعٌ إلَى اخْتِلَافِ عَصْرٍ وَزَمَانٍ، فَإِنَّ بَنِي أُمَيَّةَ فِي زَمَانِهِ كَانُوا يُمْنَعُونَ عَنْ لُبْسِ السَّوَادِ وَفِي زَمَانِهِمَا بَنُو الْعَبَّاسِ كَانُوا يَلْبَسُونَ السَّوَادَ وَلَا خِلَافَ فِي الْحَقِيقَةِ وَلِهَذَا لَمْ يَتَعَرَّضْ فِي الْمُخْتَصَرِ لِلَوْنِ الصِّبْغِ؛ لِأَنَّ مِنْ الثِّيَابِ مَا يُزَادُ بِالسَّوَادِ وَمِنْهَا مَا يَنْقُصُ وَالْمُعْتَبَرُ هُوَ الزِّيَادَةُ وَالنُّقْصَانُ حَقِيقَةً فَلَوْ صَبَغَهُ فَنَقَصَهُ الصِّبْغُ بِأَنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ ثَلَاثِينَ دِرْهَمًا فَرَجَعَتْ بِالصِّبْغِ إلَى عِشْرِينَ فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُنْظَرُ إلَى ثَوْبٍ يَزِيدُ فِيهِ ذَلِكَ الصِّبْغُ، فَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ خَمْسَةً يَأْخُذُ رَبُّ الثَّوْبِ ثَوْبَهُ وَخَمْسَةً؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الثَّوْبِ وَجَبَ لَهُ عَلَى الْغَاصِبِ ضَمَانُ نُقْصَانِ قِيمَةِ ثَوْبِهِ عَشَرَةً وَوَجَبَ عَلَيْهِ لِلْغَاصِبِ قِيمَةُ صِبْغِهِ خَمْسَةً فَالْخَمْسَةُ بِالْخَمْسَةِ قِصَاصًا وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا بَقِيَ مِنْ النُّقْصَانِ وَهُوَ خَمْسَةٌ رَوَاهُ هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ. قَالَ الشَّارِحُ وَهُوَ مُشْكِلٌ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمَغْصُوبَ مِنْهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ الْمَغْصُوبُ كُلُّهُ، وَإِنَّمَا وَصَلَ إلَيْهِ بَعْضُهُ وَكَانَ مِنْ حَقِّهِ أَنْ يُطَالِبَ إلَى تَمَامِ حَقِّهِ فَكَيْفَ يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ الطَّلَبُ وَهُوَ لَمْ يَنْتَفِعْ بِالصَّبْغِ شَيْئًا وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ بِهِ إلَّا تَلَفُ مَالِهِ وَكَيْفَ يَسْقُطُ عَنْ الْغَاصِبِ بَعْضُ قِيمَةِ الْمَغْصُوبِ بِالْإِتْلَافِ وَالْإِتْلَافُ مُقَرِّرٌ لِوُجُوبِ جَمِيعِ الْقِيمَةِ فَكَيْفَ صَارَ مُسْقِطًا لَهُ هُنَا وَلَك أَنْ تَقُولَ لَا إشْكَالَ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ نَاظِرٌ إلَى حَقِّ كُلٍّ مِنْهُمَا فَلَوْ أَلْزَمْنَاهُ أَنْ يَدْفَعَ الْعَشَرَةَ ضَاعَ مَالُ الْغَاصِبِ وَهُوَ الصَّبْغُ مَجَّانًا وَذَلِكَ ظُلْمٌ وَالظَّالِمُ لَا يُظْلَمُ فَأَوْجَبْنَاهَا عَلَى رَبِّ الثَّوْبِ فَوَصَلَ إلَى الْمَغْصُوبِ مِنْهُ كَمَا ذَكَرَ كُلَّ حَقِّهِ مَا عَلَيْهِ وَمَا بَقِيَ لَهُ كَوْنُ الْإِتْلَافِ مُقَرِّرًا لَا يُنَافِي كَوْنَهُ مُسْقِطًا؛ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ بِالنَّظَرِ إلَى النُّقْصَانِ وَالْإِسْقَاطَ بِالنَّظَرِ إلَى عَيْنِ الصِّبْغِ فَتَأَمَّلْ قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَلَوْ غَصَبَ صَاحِبُ الثَّوْبِ عُصْفُرًا وَصَبَغَ بِهِ ثَوْبَهُ فَعَلَيْهِ مِثْلُهُ؛ لِأَنَّهُ مِثْلِيٌّ وَلَوْ غَصَبَ مِنْ رَجُلٍ ثَوْبًا وَمِنْ آخَرَ عُصْفُرًا ضَمِنَ مِثْلَ عُصْفُرِهِ وَخُيِّرَ رَبُّ الثَّوْبِ كَمَا ذَكَرْنَا وَلَوْ غَصَبَ ثَوْبًا وَعُصْفُرًا مِنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ وَصَبَغَهُ بِهِ كَانَ لِرَبِّهِمَا أَنْ يَأْخُذَهُ مَصْبُوغًا وَبَرِئَ الْغَاصِبُ مِنْ الضَّمَانِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ ثَوْبِهِ وَمِثْلَ عُصْفُرِهِ وَلَوْ كَانَ الْعُصْفُرُ لِرَجُلٍ وَالثَّوْبُ لِآخَرَ فَرْضِيًّا أَنْ يَأْخُذَ الثَّوْبَ مَصْبُوغًا كَمَا لَوْ كَانَ لِوَاحِدٍ لَيْسَ لَهُمَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا اخْتَلَفَ الْمَالِكُ كَانَ خَلْطُ الْمَالَيْنِ اسْتِهْلَاكًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَإِذَا اتَّخَذَ الْمَالِكُ يَكُونُ الْخَلْطُ اسْتِهْلَاكًا مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ وَلَوْ صَبَغَ الرَّاهِنُ الثَّوْبَ بِعُصْفُرٍ خَرَجَ عَنْ الرَّهْنِ وَضَمِنَ قِيمَتَهُ وَلَوْ كَانَ الثَّوْبُ وَالْعُصْفُرُ رَهْنًا كَانَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُضَمِّنَهُ قِيمَةَ الثَّوْبِ وَمِثْلَ عُصْفُرِهِ، وَإِنْ شَاءَ رَضِيَ بِأَنْ يَكُونَ الثَّوْبُ الْمَصْبُوغُ رَهْنًا فِي يَدِهِ فِي الْمُنْتَقَى. قَالَ هِشَامٌ سَأَلْت مُحَمَّدًا عَنْ رَجُلٍ غَصَبَ مِنْ رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَخَلَطَ بِهَا دَرَاهِمَ مِنْ مَالِهِ قَالَ مَذْهَبُ أَبِي يُوسُفَ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّ دَرَاهِمَ الْمُخَالِطِ إذَا كَانَتْ أَكْثَرَ فَهُوَ مُسْتَهْلِكٌ وَضَمِنَ الدَّرَاهِمَ الْمَغْصُوبَ، وَإِنْ كَانَتْ دَرَاهِمُ الْخَالِطِ أَقَلَّ فَالْمَغْصُوبُ مِنْهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ دَرَاهِمَهُ، وَإِنْ شَاءَ شَارَكَهُ بِالْمَخْلُوطِ بِقَدْرِ دَرَاهِمِهِ قُلْت: فَإِنْ كَانَا سَوَاءً فَمَا مَذْهَبُ أَبِي يُوسُفَ قَالَ لَا أَدْرِي، أَمَّا قَوْلُهُمَا فَالْمَغْصُوبُ مِنْهُ بِالْخِيَارِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 134 عَلَى كُلِّ حَالٍ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْغَاصِبَ دَرَاهِمَهُ، وَإِنْ شَاءَ كَانَ شَرِيكًا فِيهِمَا وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ: وَإِنْ صَبَغَ أَنَّ ذَلِكَ حَصَلَ بِصُنْعِهِ فَلَوْ حَصَلَ بِغَيْرِ صُنْعِهِ لَا يَكُونُ الْحُكْمُ كَذَلِكَ وَلِهَذَا رَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ فَقَالَ إذَا كَانَ مَعَ رَجُلٍ سَوِيقٌ وَمَعَ رَجُلٍ آخَرَ سَمْنٌ أَوْ زَيْتٌ فَاصْطَدَمَا فَانْصَبَّ زَيْتُ هَذَا أَوْ سَمْنُهُ فِي سَوِيقِ هَذَا، فَإِنْ صَبَّ السَّوِيقَ يَضْمَنُ لِصَاحِبِ السَّمْنِ أَوْ الزَّيْتِ مِثْلَ سَمْنِهِ أَوْ زَيْتِهِ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ السَّوِيقِ اسْتَهْلَكَ سَمْنَ هَذَا وَلَمْ يَسْتَهْلِكْ صَاحِبُ السَّمْنِ سَوِيقَ هَذَا أَوْ سَمْنَهُ فِي سَوِيقِ هَذَا، فَإِنَّ صَاحِبَ السَّوِيقِ يَضْمَنُ لِصَاحِبِ السَّمْنِ وَلِأَنَّ هَذَا زِيَادَةٌ فِي السَّوِيقِ، وَإِنْ كَانَ مَعَ أَحَدِهِمَا سَوِيقٌ وَمَعَ الْآخَرُ نَوْرَةٌ فَاصْطَدَمَا فَانْصَبَّ سَوِيقُ هَذَا فِي نَوْرَةِ هَذَا، فَإِنْ شَاءَ صَاحِبُ السَّوِيقِ أَخَذَ سَوِيقَهُ نَاقِصًا وَأَعْطَى الْآخَرَ مِثْلَ النُّورَةِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ صَاحِبَ النُّورَةِ مِثْلَ كَيْلِ سَوِيقِهِ وَسَلِمَ سَوِيقُهُ إلَيْهِ أَوْ ضَمِنَ صَاحِبُ السَّوِيقِ لِصَاحِبِ النُّورَةِ مِثْلَ كَيْلِ نَوْرَتِهِ وَفِي الذَّخِيرَةِ وَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ غَيْرُهُمَا وَذَهَبَ فَلَيْسَ لِصَاحِبِ النُّورَةِ عَلَى صَاحِبِ السَّوِيقِ شَيْءٌ وَالسَّوِيقُ لِصَاحِبِ السَّوِيقِ وَفِي الْخَانِيَّةِ. وَلَوْ اخْتَلَطَ نَوْرَةُ رَجُلٍ بِدَقِيقِ آخَرَ بِغَيْرِ صُنْعِ أَحَدٍ يُبَاعُ الْمُخْتَلَطُ وَيُضْرَبُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِقِيمَةِ نَصِيبِهِ مُخْتَلَطًا؛ لِأَنَّ هَذَا نُقْصَانٌ حَصَلَ لَا بِفِعْلِ أَحَدٍ فَلَيْسَ أَحَدُهُمَا بِإِيجَابِ النُّقْصَانِ عَلَيْهِ بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ وَفِي جَامِعِ الْجَوَامِعِ صَبَّ رَدِيئًا عَلَى جَيِّدٍ ضَمِنَ مِثْلَ الْجَيِّدِ، وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا، وَإِنْ كَانَ شَرِيكًا بِقَدْرِ مَا صُبَّ مِنْ الْجِنْسِ فِيهِ وَفِي التَّجْرِيدِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِيمَنْ صَبَّ طَعَامًا عَلَى طَعَامٍ إنْ كَانَ طَعَامُهُ أَكْثَرَ كَانَ ضَامِنًا، وَإِنْ كَانَ طَعَامُهُ أَقَلَّ لَمْ يَكُنْ ضَامِنًا وَلَمْ يَصِرْ مُسْتَهْلِكًا وَفِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ جَاءَ إلَى خَلِّ إنْسَانٍ وَصَبَّ فِيهَا خَمْرًا وَهُمَا نِصْفَانِ قَالَ لِصَاحِبِ الْخَمْرِ أَنْ يَأْخُذَ نِصْفَ الْخَلِّ وَعَنْ أَبِي الْقَاسِمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - رَجُلٌ غَصَبَ خَمْرًا وَجَعَلَهَا فِي حُبِّهِ وَصَبَّ فِيهَا خَلًّا مِنْ عِنْدِهِ فَصَارَ الْخَمْرُ خَلًّا قَالَ يَكُونُ الْخَمْرُ لِلْغَاصِبِ قِيَاسًا وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قِيلَ الْخَلُّ يَكُونُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ حَقِّهِمَا؛ لِأَنَّهُ صَارَ كَأَنَّهُمَا خَلَطَا خَلَّهُمَا قَالَ وَبِهِ نَأْخُذُ كَذَا فِي الْأَصْلِ وَفِي الْمُنْتَقَى عَنْ مُحَمَّدٍ رَجُلٌ مَعَهُ دَرَاهِمُ يَنْظُرُ إلَيْهَا فَوَقَعَ بَعْضُهَا فِي دَرَاهِمِ رَجُلٍ فَاخْتَلَطَ كَانَ ضَامِنًا لَهَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ [فَصْلٌ غَيَّبَ الْمَغْصُوبَ وَضَمِنَ قِيمَتَهُ] (فَصْلٌ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ كَيْفِيَّةِ مَا يُوجِبُ الْمِلْكَ لِلْغَاصِبِ بِالضَّمَانِ شَرَعَ فِي ذِكْرِ مَسَائِلَ تَتَّصِلُ بِمَسَائِلِ الْغَصْبِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (غَيَّبَ الْمَغْصُوبَ وَضَمِنَ قِيمَتَهُ مَلَكَهُ) وَقَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَمْلِكُهُ؛ لِأَنَّ الْغَصْبَ مَحْظُورٌ فَلَا يَكُونُ سَبَبًا لِلْمَلِكِ كَمَا فِي الْمُدَبَّرِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ مَرْغُوبٌ فِيهِ فَلَا يَنَالُ بِالْمُحَرَّمِ؛ لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ؟ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] وَالْغَصْبُ لَيْسَ فِيهِ تَرَاضٍ وَلَنَا أَنَّ الْمَالِكَ مَلَكَ بَدَلَ الْمَغْصُوبِ رَقَبَةً وَيَدًا فَوَجَبَ أَنْ يَزُولَ مِلْكُهُ عَنْ الْمُبْدَلِ إنْ كَانَ يَقْبَلُهُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ الْغَاصِبِ وَتَحْقِيقًا لِلْعَدْلِ حَتَّى لَا يَجْتَمِعَ الْبَدَلُ وَالْمُبْدَلُ فِي مِلْكِ رَجُلٍ وَاحِدٍ وَلِأَنَّ الْفَائِتَ بِفِعْلِ الْغَاصِبِ هُوَ الْيَدُ دُونَ الْمِلْكِ إذْ مِلْكُهُ قَائِمٌ فِي الْعَيْنِ فَلَا يَكُونُ بَدَلًا عَنْ الْعَيْنِ وَلِهَذَا قُلْنَا لَوْ كَسَرَ قَلْبَ غَيْرِهِ وَقَضَى الْقَاضِي عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ وَأَخْذِ الْقَلْبِ ثُمَّ افْتَرَقَا قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَبْطُلُ الْقَضَاءُ وَلَوْ كَانَ بَدَلًا عَنْ الْعَيْنِ لَبَطَلَ كَوْنُهُ صَرْفًا وَلَا تَقُولُ لَوْ كَانَ بَدَلًا عَمَّا فَاتَ مِنْ الْيَدِ مَعَ بَقَاءِ الْعَيْنِ فِي مِلْكِهِ لَكَانَ إجْحَافًا بِالْغَاصِبِ بِإِزَالَةِ مِلْكِهِ وَإِثْبَاتِ الْمِلْكِ فِيهِ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ بِمُقَابَلَةِ عَيْنٍ فِي مِلْكِهِ مَعَ إمْكَانِ تَحْقِيقِ الْعَدْلِ بَيْنَهُمَا وَهَذَا خَلْفٌ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ ضَرُورَةِ الْقَضَاءِ بِقِيمَةِ الْعَيْنِ وَزَوَالِ مِلْكِهِ عَنْهَا وَالْجَوَابُ عَنْ الْآيَةِ أَنَّ الرِّضَا قَدْ وُجِدَ مِنْهُ لَمَّا طَلَبَ الْقِيمَةَ وَلَا يُقَالُ لَوْ غَصَبَ مُدَبَّرًا وَغَيَّبَهُ لَا يَمْلِكُهُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْمُدَبَّرُ لَا يَقْبَلُ النَّقْلَ مِنْ مِلْكٍ إلَى آخَرَ. وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُؤَلِّفُ لِمَا إذَا غَابَ الْمَغْصُوبُ بِغَيْرِ صُنْعٍ مِنْ الْغَاصِبِ بِأَنْ كَانَ عَبْدًا فَأَبَقَ عِنْدَهُ، فَإِنَّهُ إذَا ضَمِنَ قِيمَتَهُ مَلَكَهُ كَمَا ذَكَرَ فَلَوْ قَالَ غَابَ مَكَانَ غَيَّبَ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ إذَا مَلَكَهُ فِيمَا إذَا غَابَ بِغَيْرِ صُنْعِهِ عَلِمَ الْحُكْمَ فِيمَا إذَا كَانَ بِصُنْعِهِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِمَا إذَا غَابَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ وَتَرَكَ الْعَيْنَ رَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ لِلْقَاضِي أَنْ يَأْخُذَ الْمَالَ مِنْ الْغَاصِبِ وَالسَّارِقِ إذَا كَانَ الْمَالِكُ غَائِبًا وَيَحْفَظُ عَلَيْهِ، فَإِنْ ضَاعَ ثُمَّ خَاصَمَ صَاحِبُ الْمَالِ فَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْغَاصِبَ وَلَا يَبْرَأُ بِأَخْذِ الْقَاضِي. اهـ. وَفِي الْخَانِيَّةِ غَابَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ فَطَلَبَ الْغَاصِبُ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَأْذَنَ لَهُ بِالْإِنْفَاقِ لِيَرْجِعَ بِذَلِكَ عَلَى الْمَالِكِ لَا يُجِيبُهُ الْقَاضِي إلَى ذَلِكَ وَالنَّفَقَةُ تَكُونُ عَلَى الْغَاصِبِ وَلَوْ قَضَى الْقَاضِي بِالْإِنْفَاقِ عَلَى الْمَغْصُوبِ مِنْهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 135 مِنْهُ شَيْءٌ، وَإِنْ رَأَى الْقَاضِي أَنْ يَبِيعَ الْعَبْدَ أَوْ الدَّابَّةَ وَيُمْسِكَ الثَّمَنَ فَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ صَحَّ. اهـ. غَصَبَ جَارِيَةً قِيمَتُهَا أَلْفٌ فَغَصَبَهَا مِنْهُ آخَرُ فَأَبَقَتْ الْجَارِيَةُ يَضْمَنُ الْغَاصِبُ الثَّانِي لِلْغَاصِبِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ لِلْأَوَّلِ أَخْذَهَا لَوْ كَانَتْ قَائِمَةً لِيَتَمَكَّنَ مِنْ رَدِّهَا إلَى الْمَالِكِ فَيَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ، فَإِنْ أَخَذَ الْقِيمَةَ فَلَا سَبِيلَ لِلْمَالِكِ عَلَى الْغَاصِبِ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ عُهْدَةِ الضَّمَانِ بِرَدِّ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ رَدَّ الْقِيمَةِ حَالَ عَجْزِهِ عَنْ رَدِّ الْعَيْنِ كَرَدِّ الْعَيْنِ، فَإِنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ قَائِمَةً عِنْدَهُ فَلِلْمَالِكِ أَخْذُهَا؛ لِأَنَّهَا نَزَلَتْ مَنْزِلَةَ الْعَيْنِ. فَإِنْ كَانَتْ هَالِكَةً يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ لِوَلِيِّ الْجَارِيَةِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ اسْتَرَدَّ الْجَارِيَةَ وَهَلَكَتْ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَةِ الضَّمَانِ مَا لَمْ يَرُدَّهَا إلَى الْمَالِكِ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا أَلْفًا عِنْدَ الْأَوَّلِ فَقَبَضَهَا الثَّانِي وَقِيمَتُهَا أَلْفَانِ فَأَبَقَتْ مِنْ يَدِ الثَّانِي وَأَخَذَ الْأَوَّلُ مِنْ الثَّانِي أَلْفَيْ دِرْهَمٍ وَهَلَكَتْ مِنْ يَدِ الْأَوَّلِ لَمْ يَكُنْ لِلْمَالِكِ أَنْ يُضَمِّنَ الْأَوَّلَ أَلْفَيْ دِرْهَمٍ، وَإِنَّمَا يُضَمِّنُهُ قِيمَتَهَا يَوْمَ الْغَصْبِ أَلْفَ دِرْهَمٍ؛ لِأَنَّ الْأَلْفَ الثَّانِيَةَ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّهَا حَدَثَتْ بَعْدَ الْغَصْبِ الْأَوَّلِ وَالزِّيَادَةُ الْحَادِثَةُ فِي يَدِ الْغَاصِبِ أَمَانَةٌ كَالزِّيَادَةِ فِي عَيْنِ الْمَغْصُوبِ، فَإِنْ ظَهَرَتْ الْجَارِيَةُ وَالْقِيمَةُ فِي الْأَوَّلِ فَالْمَوْلَى بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ الْجَارِيَةَ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْقِيمَةَ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْأَوَّلَ قِيمَتَهَا يَوْمَ غَصَبَهَا مِنْهُ أَرَادَ بِالتَّضْمِينِ أَنْ يَأْخُذَ الْقِيمَةَ مِنْ الْأَوَّلِ بِرِضَاهُ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْمَبِيعِ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْجَارِيَةَ لَمَّا عَادَتْ مِنْ الْإِبَاقِ فَقَدْ قَدَرَ الْأَوَّلُ عَلَى رَدِّ الْمَغْصُوبِ وَالْغَاصِبُ مَا دَامَ قَادِرًا عَلَى رَدِّ الْمَغْصُوبِ لَيْسَ لِلْمَالِكِ أَنْ يُضَمِّنَهُ قِيمَتَهُ إلَّا بِرِضَاهُ وَالْغَاصِبُ الْأَوَّلُ لَمَّا ضَمَّنَ الثَّانِيَ الْقِيمَةَ فَقَدْ مَلَكَ الْجَارِيَةَ مِنْهُ حُكْمًا فَصَارَ كَمَا لَوْ غَصَبَ الْجَارِيَةَ مِنْ الثَّانِي بِغَيْرِ أَمْرِ الْمَوْلَى فَيَتَوَقَّفُ الْبَيْعُ عَلَى إجَازَتِهِ إنْ شَاءَ رَدَّهُ وَأَخَذَ الْجَارِيَةَ، وَإِنْ شَاءَ أَجَازَهُ وَأَخَذَ بَدَلَهَا، فَإِذَا أَخَذَ الْمَوْلَى الْجَارِيَةَ رَجَعَ الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ بِالْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ لَمْ يَسْلَمْ لَهُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ [وَالْقَوْلُ فِي الْقِيمَةِ لِلْغَاصِبِ مَعَ يَمِينِهِ وَالْبَيِّنَةُ لِلْمَالِكِ] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْقَوْلُ فِي الْقِيمَةِ لِلْغَاصِبِ مَعَ يَمِينِهِ وَالْبَيِّنَةُ لِلْمَالِكِ) ؛ لِأَنَّ الْغَاصِبَ مُنْكِرٌ وَالْمَالِكَ مُدَّعٍ وَلَوْ أَقَامَ الْغَاصِبُ الْبَيِّنَةَ لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهَا تَنْفِي الزِّيَادَةَ وَالْبَيِّنَةُ عَلَى النَّفْيِ لَا تُقْبَلُ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ ثُمَّ قَالَ وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا يَنْبَغِي أَنْ تُقْبَلَ بَيِّنَةُ الْغَاصِبِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُودِعَ إذَا ادَّعَى رَدَّ الْوَدِيعَةِ يُقْبَلُ وَكَانَ أَبُو عَلِيٍّ النَّسَفِيُّ يَقُولُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عُدَّتْ مُشْكِلَةً وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الْوَدِيعَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الْمُودِعَ لَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا الْيَمِينُ وَبِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ أَسْقَطَهَا فَارْتَفَعَتْ الْخُصُومَةُ، أَمَّا الْغَاصِبُ فَعَلَيْهِ الْيَمِينُ وَالْقِيمَةُ وَبِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ لَمْ يَسْقُطْ إلَّا الْيَمِينُ فَلَا يَكُونُ فِي مَعْنَى الْمُودِعِ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ ظَهَرَ وَقِيمَتُهُ أَكْثَرُ وَقَدْ ضَمِنَهُ بِقَوْلِ الْمَالِكِ أَوْ بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِنُكُولِ الْغَاصِبِ فَهُوَ لِلْغَاصِبِ وَلَا خِيَارَ لِلْمَالِكِ) ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِهِ وَتَمَّ مِلْكُهُ بِرِضَاهُ حَيْثُ سَلَّمَ لَهُ مَا ادَّعَاهُ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ كَثِيرٌ لِقَدْرِ الزِّيَادَةِ وَفِي الْمُجْتَبَى لَوْ ظَهَرَ وَقَدْ زَادَتْ قِيمَتُهُ دَانَقًا فَلِلْمَالِكِ مَا ذَكَرَ مِنْ الْأَحْكَامِ وَقَوْلُهُ وَقِيمَتُهُ أَكْثَرُ قَيْدٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَا فِي الَّتِي بَعْدَهَا كَمَا سَيَأْتِي قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَإِنْ ضَمِنَهُ بِيَمِينِ الْغَاصِبِ) فَالْمَالِكُ يُمْضِي الضَّمَانَ أَوْ يَأْخُذُ الْمَغْصُوبَ وَيَرُدُّ الْعِوَضَ لِعَدَمِ تَمَامِ رِضَاهُ بِهَذَا الْقَدْرِ مِنْ الضَّمَانِ، وَإِنَّمَا أَخَذَ دُونَ الْقِيمَةِ لِعَدَمِ الْحُجَّةِ لَا لِلرِّضَا بِهِ وَلَوْ ظَهَرَ الْمَغْصُوبُ وَقِيمَتُهُ مِثْلُ مَا ضَمِنَهُ بِهِ أَوْ أَقَلُّ مِنْ هَذِهِ الصُّورَةِ وَهِيَ مَا إذَا ضَمِنَهُ بِقَوْلِ الْغَاصِبِ مَعَ يَمِينِهِ قَالَ الْكَرْخِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا خِيَارَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ تَوَفَّرَ عَلَيْهِ مَالِيَّةُ مِلْكِهِ بِكَمَالِهِ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْخِيَارِ لِفَوَاتِ الرِّضَا وَقَدْ فَاتَ هُنَا حَيْثُ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ مَا يَدَّعِيهِ وَلَهُ أَنْ يَبِيعَ مَالَهُ إلَّا بِثَمَنٍ يَخْتَارُهُ وَيَرْضَى بِهِ وَكَانَ لَهُ الْخِيَارُ ثُمَّ إذَا اخْتَارَ الْمَالِكُ أَخْذَ الْعَيْنِ فَلِلْغَاصِبِ أَنْ يَحْبِسَ الْعَيْنَ حَتَّى يَأْخُذَ الْقِيمَةَ الَّتِي دَفَعَهَا إلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا مُقَابَلَةٌ بِالْعَيْنِ بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُقَابَلٍ بِهِ بَلْ بِمَا فَاتَ مِنْ الْبَدَلِ عَلَى مَا بَيَّنَّا قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي عَيْنِ الْمَغْصُوبِ أَوْ فِي صِفَتِهِ أَوْ فِي قِيمَتِهِ وَقْتَ الْغَصْبِ فَالْقَوْلُ لِلْغَاصِبِ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ يَدَّعِي عَلَيْهِ زِيَادَةَ مِقْدَارٍ أَوْ زِيَادَةَ ضَمَانٍ وَهُوَ مُنْكِرٌ فَيَكُونُ الْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ وَلَوْ غَصَبَ مِنْ رَجُلٍ ثَوْبًا فَضَمِنَ عَنْهُ رَجُلٌ قِيمَتَهُ وَاخْتَلَفُوا فِي الْقِيمَةِ فَقَالَ الْكَفِيلُ عَشَرَةٌ وَقَالَ الْغَاصِبُ عِشْرُونَ وَقَالَ الْمَالِكُ ثَلَاثُونَ فَالْقَوْلُ لِلْكَفِيلِ وَلَا يُصَدَّقُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَكْفُولَ لَهُ يَدَّعِي عَلَى الْكَفِيلِ زِيَادَةً وَهُوَ يُنْكِرُ وَالْغَاصِبُ يَدَّعِي زِيَادَةَ عَشَرَةٍ وَإِقْرَارُ الْمُقِرِّ يَصِحُّ فِي حَقِّهِ وَلَا يَصِحُّ فِي حَقِّ غَيْرِهِ فَيَلْزَمُهُ عَشَرَةٌ أُخْرَى دُونَ الْكَفِيلِ وَلَوْ قَالَ الْغَاصِبُ رَدَدْت الْمَغْصُوبَ عَلَيْهِ وَقَالَ الْمَالِكُ لَا بَلْ هَلَكَ عِنْدَك فَالْقَوْلُ لِلْمَالِكِ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِسَبَبِ الْوُجُوبِ ثُمَّ ادَّعَى مَا يُبَرِّئُهُ فَلَا يُصَدَّقُ إلَّا بِحُجَّةٍ كَمَا لَوْ قَالَ أَخَذْتُ مَالَكَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 136 بِإِذْنِك أَوْ أَكَلْت مَالَك بِإِذْنِك وَأَنْكَرَ صَاحِبُ الْمَالِ الْإِذْنَ وَلَوْ أَقَامَ الْغَاصِبُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ رَدَّ الدَّابَّةَ الْمَغْصُوبَةَ وَأَقَامَ الْمَالِكُ الْبَيِّنَةَ بِأَنَّ الدَّابَّةَ تَعَيَّبَتْ مِنْ رُكُوبِهِ أَوْ أَتْلَفَهَا الْغَاصِبُ ضَمِنَ الْغَاصِبُ؛ لِأَنَّهُ لَا تَنَاقُضَ وَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ الْبَيِّنَتَيْنِ لِجَوَازِ رَدِّهَا إلَيْهِ ثُمَّ رَكِبَهَا بَعْدَ الرَّدِّ وَتَعَيَّبَتْ مِنْ رُكُوبِهِ وَيَكُونُ هَذَا غَصْبًا مُسْتَأْنَفًا فَيُعْمَلُ بِالْبَيِّنَتَيْنِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ تَوْفِيقًا وَتَلْفِيقًا بَيْنَهُمَا وَلَوْ أَقَامَ الْغَاصِبُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ رَدَّهَا وَنَفَقَتْ عِنْدَهُ وَأَقَامَ الْمَالِكُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا أُنْفِقَتْ عِنْدَ الْغَاصِبِ وَلَمْ يَشْهَدُوا أَنَّهَا نَفَقَتْ مِنْ رُكُوبِهِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّا مَتَى جَعَلْنَا أَنَّ الْغَاصِبَ رَدَّهَا ثُمَّ نَفَقَتْ بَعْدَ الرَّدِّ فَلَا يَثْبُتُ مِنْهُ غَصْبًا مُسْتَأْنَفًا وَلَوْ أَقَامَ الْمَالِكُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ مَاتَ الْمَغْصُوبُ عِنْدَ الْغَاصِبِ وَأَقَامَ الْغَاصِبُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ مَاتَ عِنْدَ الْمَالِكِ فَبَيِّنَةُ الْغَاصِبِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ بَيِّنَةَ الْمَالِكِ قَامَتْ عَلَى الْمَوْتِ لَا عَلَى الْغَصْبِ؛ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ بِإِقْرَارِ الْغَاصِبِ وَالضَّمَانُ يَجِبُ بِالْغَصْبِ لَا بِالْمَوْتِ فَلَا يُفِيدُ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْمَوْتِ وَبَيِّنَةُ الْغَاصِبِ مُثْبِتَةٌ لِلرَّدِّ؛ لِأَنَّهَا مُثْبِتَةٌ لِلْمَوْتِ فِي يَدِ الْمَالِكِ وَيَتَعَلَّقُ بِهِ الرَّدُّ وَكَانَتْ أَوْلَى وَلَوْ أَشْهَدَ الْغَاصِبُ بِأَنَّهُ مَاتَ فِي يَدِ مَوْلَاهُ قَبْلَ الْغَصْبِ لَمْ تُقْبَلْ هَذِهِ الشَّهَادَةُ؛ لِأَنَّ مَوْتَهُ فِي يَدِ مَوْلَاهُ قَبْلَ الْغَصْبِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حُكْمٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ الرَّدَّ، وَإِنَّمَا يُفِيدُ نَفْيَ الْغَصْبِ وَبَيِّنَةُ الْمَوْلَى تُثْبِتُ الْغَصْبَ وَالضَّمَانَ فَكَانَتْ أَوْلَى وَفِي النَّوَادِرِ وَلَوْ أَقَامَ الْمَالِكُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ كَانَ يَوْمَ النَّحْرِ بِمَكَّةَ فَالضَّمَانُ وَاجِبٌ عَلَى الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّهُ كَوْنُهُ بِمَكَّةَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ فَسَقَطَتْ بَيِّنَتُهُ وَبَيِّنَةُ الْمَالِكِ تُثْبِتُ الْغَصْبَ وَالضَّمَانَ رَجُلٌ فِي يَدِهِ جُبَّةٌ ادَّعَى آخَرُ أَنَّهُ غَصَبَهَا مِنْهُ فَأَقَرَّ لَهُ بِالظِّهَارَةِ وَبِالْبِطَانَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِغَصْبِ أَحَدِهِمَا وَأَنْكَرَ غَصْبَ أَحَدِهِمَا وَيَضْمَنُ قِيمَةَ الظِّهَارَةِ؛ لِأَنَّهُ أَحْدَثَ فِي الظِّهَارَةِ صِفَةً مُتَقَوِّمَةً وَهُوَ التَّضْرِيبُ عَلَى الْبِطَانَةِ وَقَدْ اسْتَهْلَكَهَا مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّ الظِّهَارَةَ صَارَتْ تَابِعَةً لِمِلْكِ الْغَاصِبِ وَهُوَ الْحَشْوُ وَالْبِطَانَةُ؛ لِأَنَّهُ مَا أَكْثَرَ مِنْ الظِّهَارَةِ فَيَصِيرُ الْأَقَلُّ تَابِعًا لِلْأَكْثَرِ صِيَانَةً لِحَقِّ الْغَاصِبِ كَمَا فِي السَّاحَةِ يُدْخِلُهَا فِي بِنَائِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ بَاعَ الْمَغْصُوبَ فَضَمَّنَهُ الْمَالِكُ نَفَذَ بَيْعُهُ، وَإِنْ حَرَّرَهُ ثُمَّ ضَمَّنَهُ لَا) أَيْ لَوْ بَاعَ الْغَاصِبُ الْمَغْصُوبَ أَوْ أَعْتَقَهُ ثُمَّ ضَمَّنَهُ الْمَالِكُ قِيمَتَهُ نَفَذَ بَيْعُهُ وَلَا يَنْفُذُ عِتْقُهُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ مِلْكَ الْغَاصِبِ نَاقِصٌ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ مُسْتَنِدًا أَوْ ضَرُورَةً وَكُلُّ ذَلِكَ ثَابِتٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ وَلِهَذَا لَا يَظْهَرُ الْمِلْكُ فِي حَقِّ الْأَوْلَادِ وَيَظْهَرُ فِي حَقِّ الْأَكْسَابِ؛ لِأَنَّ لِلْوَلَدِ أَصْلًا مِنْ وَجْهٍ قَبْلَ الِانْفِصَالِ وَبَعْدَهُ أَصْلٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَالْكَسْبُ تَبَعٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِكَوْنِهِ بَدَلَ الْمَنْفَعَةِ وَهُوَ نَفْعٌ مَحْضٌ وَالْمِلْكُ النَّاقِصُ يَكْفِي لِنُفُوذِ الْبَيْعِ دُونَ الْعِتْقِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْبَيْعَ يَنْفُذُ مِنْ الْمُكَاتَبِ بَلْ مِنْ الْمَأْذُونِ دُونَ عِتْقِهِمَا وَلَا يُشْبِهُ هَذَا عِتْقَ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ حَيْثُ يَنْفُذُ بِإِجَازَةِ الْمَالِكِ الْبَيْعَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَكَذَا بِضَمَانِ الْغَاصِبِ الْقِيمَةَ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ تَرَتَّبَ عَلَى سَبَبِ مِلْكٍ قَامَ بِنَفْسِهِ مَوْضُوعٍ لَهُ فَيَنْفُذُ الْعِتْقُ بِنُفُوذِ السَّبَبِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ أَقَامَ أَنَّ الْإِشْهَادَ يُشْتَرَطُ فِي النِّكَاحِ الْمَوْقُوفِ عِنْدَ الْعَقْدِ لَا عِنْدَ الْإِجَازَةِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ قَامَ لَاشْتُرِطَ عِنْدَ الْإِجَازَةِ وَلِهَذَا لَوْ تَصَارَفَ الْغَاصِبَانِ وَتَقَابَضَا وَافْتَرَقَا وَأَجَازَ الْمَالِكَانِ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ جَازَ الصَّرْفُ وَكَذَا الْبَيْعُ يُمْلَكُ عِنْدَ الْإِجَازَةِ بِزَوَائِدِهِ الْمُتَّصِلَةِ وَالْمُنْفَصِلَةِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ تَامًّا بِنَفْسِهِ لَمَا كَانَ كَذَلِكَ وَلَا يُشْتَرَطُ قِيَامُ الثَّمَنِ وَقْتَ الْإِجَازَةِ أَوْ لَوْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِقِيَامِ الْمَبِيعِ بِأَنْ كَانَ قَدْ أَبَقَ الْعَبْدُ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي ذَكَرَهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ قَيَّدَ بِإِعْتَاقِ الْغَاصِبِ ثُمَّ يَضْمَنُهُ احْتِرَازًا عَنْ إعْتَاقِ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ ثُمَّ تَضْمِينُ الْغَاصِبِ، فَإِنَّهُ فِي رِوَايَةٍ يَصِحُّ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَصِحُّ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَزَوَائِدُ الْمَغْصُوبِ أَمَانَةٌ فَتُضْمَنُ بِالتَّعَدِّي) أَيْ بِالْمَنْعِ بَعْدَ طَلَبِ الْمَالِكِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ هِيَ مَضْمُونَةٌ عَلَى الْغَاصِبِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الزِّيَادَةُ مُتَّصِلَةً أَوْ مُنْفَصِلَةً أَوْ كَانَتْ بِالْعُسْرِ وَلَنَا أَنَّ الْغَصْبَ إزَالَةُ يَدِ الْمَالِكِ عَنْهُ وَإِثْبَاتُ يَدِ الْغَاصِبِ وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ فِي الزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ فِي يَدِ الْمَالِكِ فَلَا تُضْمَنُ إلَّا بِالتَّعَدِّي أَوْ بِالْمَنْعِ عِنْدَ طَلَبِهِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُتَعَدِّيًا بِهِ، وَإِنَّمَا ضَمِنَ وَلَدَ الظَّبْيَةِ الَّتِي أَخْرَجَهَا مِنْ الْحَرَمِ فَوَلَدَتْ لِوُجُودِ الْمَنْعِ مِنْ الرَّدِّ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ وَجَبَ عَلَيْهِ إلَى الْحَرَمِ لِحَقِّ الشَّرْعِ حَتَّى لَوْ رَدَّهَا وَهَلَكَتْ قَبْلَ تَمَكُّنِهِ مِنْ الرَّدِّ لَا يَضْمَنُ لِعَدَمِ الْمَنْعِ عَلَى هَذَا أَكْثَرُ مَشَايِخِنَا وَلَوْ قُلْنَا بِوُجُوبِ الضَّمَانِ مُطْلَقًا تَمَكَّنَ مِنْ الرَّدِّ أَوْ لَمْ يَتَمَكَّنْ فَهُوَ ضَمَانُ إتْلَافٍ؛ لِأَنَّ الصَّيْدَ كَانَ فِي الْحَرَمِ أَمِينًا يَبْعُدُهُ عَنْ أَيْدِي النَّاسِ وَقَدْ فَوَّتَ الْأَمْنَ بِإِثْبَاتِ الْيَدِ عَلَيْهِ فَتَحَقَّقَتْ الْجِنَايَةُ عَلَيْهِ لِذَلِكَ وَلِهَذَا لَوْ أَخْرَجَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 137 جَمَاعَةٌ مُحْرِمُونَ صَيْدًا وَاحِدًا مِنْ الْحَرَمِ يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ جَزَاءٌ كَامِلٌ وَلَوْ كَانَ ضَمَانَ الْغَصْبِ لَوَجَبَ عَلَيْهِمْ قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ وَفِي الْعِنَايَةِ وَاعْتُرِضَ عَلَى الدَّلِيلِ بِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنْ يَضْمَنَ الْوَلَدُ إذَا غَصَبَ الْجَارِيَةَ كَامِلًا؛ لِأَنَّ الْيَدَ كَانَتْ ثَابِتَةً عَلَيْهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا إذَا غَصَبَهَا غَيْرُ حَامِلٍ فَحَبِلَتْ فِي يَدِهِ فَوَلَدَتْ وَالرِّوَايَةُ فِي الْأَسْرَارِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْحَبَلَ قَبْلَ الِانْفِصَالِ لَيْسَ بِمَالٍ بَلْ يُعَدُّ عَيْبًا فِي الْأَمَةِ فَلَمْ يَصْدُقْ عَلَيْهِ إثْبَاتُ الْيَدِ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ سَلَّمْنَا ذَلِكَ لَكِنْ لِإِزَالَةٍ ظَاهِرًا وَفِي الْكَافِي وَلَوْ بَاعَ الْغَاصِبُ الْأَصْلَ وَالزَّوَائِدَ وَسَلَّمَ وَالزِّيَادَةُ مُتَّصِلَةٌ، فَإِنْ كَانَ قَائِمًا أَخَذَهُ صَاحِبُهُ، وَإِنْ كَانَ هَالِكًا فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْغَاصِبَ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْغَصْبِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُشْتَرِيَ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْقَبْضِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْبَائِعَ وَفِي الْعِنَايَةِ لَوْ كَفَلَ إنْسَانٌ عَنْ الْغَاصِبِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ وَأَدَّى الضَّمَانَ فَالْعَبْدُ لَهُ وَفِي الْيَنَابِيعِ وَلَوْ أَبَقَ الْعَبْدُ مِنْ الْغَاصِبِ فَالْجُعْلُ عَلَى الْمَوْلَى عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَلَا يَرْجِعُ بِهِ الْغَاصِبُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَرْجِعُ عَلَى الْغَاصِبِ. اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَا نَقَصَتْ الْجَارِيَةُ بِالْوِلَادَةِ مَضْمُونٌ وَيُجْبَرُ بِوَلَدِهَا) يَعْنِي إذَا وَلَدَتْ الْجَارِيَةُ الْمَغْصُوبَةُ فَنَقَصَتْ بِالْوِلَادَةِ فَهُوَ مَضْمُونٌ عَلَى الْغَاصِبِ وَيُجْبَرُ بِوَلَدِهَا إذَا كَانَ فِي قِيمَتِهِ وَفَاءٌ بِالنُّقْصَانِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يَسْقُطُ بِقَدْرِهِ وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ لَا يُجْبَرُ النُّقْصَانُ بِالْوَلَدِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ مِلْكُهُ فَكَيْفَ يَجْبُرُ مِلْكَهُ فَصَارَ كَوَلَدِ الظَّبْيَةِ الْمُخْرَجَةِ مِنْ الْحَرَمِ وَكَمَا لَوْ هَلَكَ الْوَلَدُ قَبْلَ الرَّدِّ أَوْ هَلَكَتْ الْأُمُّ بِالْوِلَادَةِ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ الْأَسْبَابِ وَلَنَا أَنَّ سَبَبَ النُّقْصَانِ وَالزِّيَادَةِ وَاحِدٌ وَهُوَ الْوِلَادَةُ؛ لِأَنَّهَا أَوْجَبَتْ فَوَاتَ جُزْءٍ مِنْ مَالِيَّةِ الْأُمِّ وَجَدَّدَتْ مَالِيَّةَ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ إنَّمَا صَارَ مَالًا بِالِانْفِصَالِ وَقَبْلَهُ لَا يَعْتَدُّ بِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ بَيْعًا وَهِبَةً وَنَحْوَهُ، فَإِذَا صَارَ مَالًا بِهِ انْعَدَمَ ظُهُورُ النُّقْصَانِ بِهِ فَانْتَفَى الضَّمَانُ فَصَارَ كَمَا إذَا شَهِدَ الشُّهُودُ بِالْبَيْعِ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ أَوْ أَكْثَرَ ثُمَّ رَجَعُوا عَنْ الشَّهَادَةِ لَا يَضْمَنُونَ لِأَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا بِالشَّهَادَةِ قَدْرَ مَا أَتْلَفُوا بِهَا فَلَا يُعَدُّ إتْلَافًا لِاتِّحَادِ السَّبَبِ كَذَا هَذَا وَكَمَا إذَا قُطِعَتْ يَدُهُ عِنْدَ الْغَاصِبِ فَرَدَّهُ مَعَ أَرْشِ الْيَدِ، فَإِنَّهُ يَجْبُرُ نُقْصَانَهُ بِالْأَرْشِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ اتِّحَادِ السَّبَبِ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ الْوَاحِدَ لَمَّا أَثَّرَ فِي الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ كَانَتْ الزِّيَادَةُ خَلْفًا عَنْ النُّقْصَانِ وَلِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْغَاصِبِ أَنْ يَرُدَّ مَا غَصَبَ أَوْ مَالِيَّتَهُ كَمَا لَوْ غَصَبَ مِنْ غَيْرِ نُقْصَانٍ، فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ بَرِئَ مِنْ الضَّمَانِ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ غَصَبَ جَارِيَةً سَمِينَةً فَمَرِضَتْ عِنْدَهُ وَهَزَلَتْ ثُمَّ تَعَافَتْ وَسَمِنَتْ ثُمَّ عَادَتْ مِثْلَ مَا كَانَتْ فَرَدَّهَا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ مُطْلَقُ الْفَوَاتِ يُوجِبُ الضَّمَانَ لَضَمِنَ وَكَذَا إذَا سَقَطَ سِنٌّ مِنْهَا أَوْ قَلَعَهُ الْغَاصِبُ فَنَبَتَتْ مَكَانَهُ أُخْرَى فَرَدَّهَا سَقَطَ ضَمَانُهَا، وَقَوْلُهُمَا كَيْفَ يُجْبَرُ مِلْكُهُ بِمِلْكِهِ قُلْنَا لَيْسَ هَذَا جَبْرًا فِي الْحَقِيقَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ اعْتِبَارُ الْمِلْكِ مُنْفَصِلًا بَعْضُهُ عَنْ بَعْضٍ بَعْدَ أَنْ كَانَ مُتَّحِدًا كَمَا إذَا غَصَبَ نَقْرَةَ فِضَّةٍ فَقَطَعَهَا، فَإِنَّهُ يَرُدُّهَا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ غَيْرُهَا إذَا لَمْ يَنْقُصْ بِالْقَطْعِ وَوَلَدُ الظَّبْيَةِ مَمْنُوعٌ، فَإِنَّ نُقْصَانَهَا يُجْبَرُ بِوَلَدِهَا عِنْدَنَا فَلَا يُرَدُّ عَلَيْنَا وَكَذَا إذَا مَاتَتْ الْأُمُّ مَمْنُوعَةً فِي رِوَايَةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّ الْأُمَّ إذَا مَاتَتْ وَفِي الْوَلَدِ وَفَاءٌ بِقِيمَتِهَا بَرِئَ الْغَاصِبُ بِرَدِّهِ عَلَيْهَا وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ أَنَّهُ يُجْبَرُ بِالْوَلَدِ قَدْرُ نُقْصَانِ الْوِلَادَةِ وَيَضْمَنُ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ قِيمَةِ الْأُمِّ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا يَوْمَ الْغَصْبِ وَتَخْرِيجُهُ أَنَّ الْوِلَادَةَ لَيْسَتْ سَبَبًا لِمَوْتِ الْأُمِّ إذْ لَا يُفْضِي إلَيْهِ غَالِبًا فَيَكُونُ مَوْتُهَا بِغَيْرِ الْوِلَادَةِ مِنْ الْعَوَارِضِ وَهِيَ تُرَادِفُ الْأُمَّ وَضِيقَ الْمَخْرَجِ فَلَمْ يَتَّحِدْ سَبَبُ النُّقْصَانِ وَالزِّيَادَةِ وَكَلَامُنَا فِيمَا إذَا اتَّحَدَ. أَمَّا إذَا مَاتَ الْوَلَدُ قَبْلَ الرَّدِّ فَلِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ لِلْمَالِكِ مَالِيَّةُ الْمَغْصُوبِ وَلَا بُدَّ مِنْهُ لِبَرَاءَةِ الْغَاصِبِ وَالْخِصَاءُ لَيْسَ بِزِيَادَةٍ؛ لِأَنَّهُ غَرَضٌ لِبَعْضِ الْفَسَقَةِ وَلِذَا لَوْ غَصَبَ الْخَصِيَّ وَهَلَكَ عِنْدَهُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ خَصِيًّا، وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ غَيْرَ خَصِيٍّ وَكَذَا لَوْ رَدَّهُ الْغَاصِبُ بَعْدَمَا خَصَاهُ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمَالِكِ بِمَا زَادَهُ بِالْخِصَاءِ وَلَوْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مُعْتَبَرَةٌ لَرَجَعَ عَلَيْهِ بِالزِّيَادَةِ كَمَا يَرْجِعُ بِمَا زَادَ الصَّبْغُ الْمَصْبُوغَ كَذَا ذَكَرُوهُ وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ مَا نَقَصَ بِالْخِصَاءِ مَعَ رَدِّهِ، وَإِنْ زَادَتْ قِيمَتُهُ بِهِ وَهُوَ مُشْكِلٌ، فَإِنَّ الْغَاصِبَ إذَا خَصَاهُ وَازْدَادَتْ بِهِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ مَا فَاتَ بِالْخِصَاءِ مَعَ رَدِّ الْمَخْصِيِّ بَلْ يُخَيَّرُ الْمَالِكُ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ يَوْمَ غَصْبِهِ وَتَرَكَ الْمَخْصِيَّ لِلْغَاصِبِ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَهُ وَلَا شَيْءَ لَهُ غَيْرُهُ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى التَّتِمَّةِ وَقَاضِي خان وَكَانَ الْأَقْرَبُ هُنَا أَنْ يَمْنَعَ فَلَا يَلْزَمُنَا وَلَا اتِّحَادَ فِي السَّبَبِ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ الْمَسَائِلِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ النُّقْصَانِ الْقَطْعُ وَالْجُزْءُ وَسَبَبَ الزِّيَادَةِ النُّمُوُّ وَسَبَبَ النُّقْصَانِ التَّعْلِيمُ وَسَبَبَ الزِّيَادَةِ الْفَطِنَةُ مِنْ الْعَبْدِ وَفَهْمُهُ أَطْلَقَ فِي قَوْلِهِ وَمَا نَقَصَتْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 138 الْجَارِيَةُ بِالْوِلَادَةِ فَشَمِلَ مَا إذَا حَبِلَتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ مِنْ وَجْهٍ حَلَالٍ أَوْ حَرَامٍ وَمَوْضُوعُ الْمَسْأَلَةِ فِي الثَّانِي فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُقَيِّدَ بِهِ أَمَّا الثَّانِي فَقَالَ فِي الْمُحِيطِ. وَلَوْ جُعِلَتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ مِنْ زَوْجٍ كَانَ لَهَا عِنْدَ الْمَالِكِ أَوْ أَحْبَلَهَا الْمَوْلَى لَا يَضْمَنُ الْغَاصِبُ؛ لِأَنَّ النُّقْصَانَ بِسَبَبٍ مِنْ جِهَةِ الْمَوْلَى وَهُوَ إحْبَالُهُ أَوْ تَسْلِيطُ الزَّوْجِ عَلَيْهَا فَصَارَ كَمَا لَوْ قَتَلَهَا فِي يَدِ الْغَاصِبِ وَلَوْ غَصَبَ جَارِيَةً حَامِلًا أَوْ مَحْمُومَةً أَوْ مَجْرُوحَةً فَمَاتَتْ فِي يَدِهِ مِنْ ذَلِكَ يَضْمَنُ قِيمَتَهَا وَبِهَا ذَلِكَ الْعَيْبُ وَلَوْ حُمَّتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ أَوْ ابْيَضَّتْ عَيْنَاهَا فَرَدَّهَا فَضَمَانُ النُّقْصَانِ عَلَى الْغَاصِبِ، فَإِنْ زَالَ فِي يَدِ الْمَالِكِ مَا كَانَ بِهَا مِنْ حُمَّى أَوْ بَيَاضِ الْعَيْنِ يَرُدُّ الْمَالِكُ عَلَى الْغَاصِبِ النُّقْصَانَ فَصَارَ كَمَا لَوْ حَلَقَ شَعْرَ إنْسَانٍ وَأَخَذَ بَدَلَهُ ثُمَّ نَبَتَ وَلَوْ غَصَبَ جَارِيَةً فَوَلَدَتْ عِنْدَ الْغَاصِبِ ثُمَّ غَصَبَهَا وَوَلَدَهَا مِنْ الْغَاصِبِ رَجُلٌ آخَرُ فَضَمَّنَ الْمَالِكُ الْغَاصِبَ الْأَوَّلَ قِيمَةَ الْأُمِّ فَلِلْغَاصِبِ أَنْ يُضَمِّنَ الثَّانِيَ قِيمَةَ الْأُمِّ وَالْوَلَدِ وَيَتَصَدَّقَ بِقِيمَةِ الْوَلَدِ وَلَوْ وَلَدَتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَجَحَدَهَا وَوَلَدَهَا يَضْمَنُ قِيمَتَهَا يَوْمَ غَصْبِهَا وَوَلَدِهَا يَوْمَ الْجُحُودِ وَفِي الْمُنْتَقَى وَلَوْ حُمَّتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ ثُمَّ رَدَّهَا عَلَى الْمَوْلَى فَمَاتَتْ مِنْ ذَلِكَ ضَمَّنَهُ الْمَوْلَى قِيمَةَ النُّقْصَانِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ زَنَى بِمَغْصُوبَةٍ فَرُدَّتْ فَمَاتَتْ بِالْوِلَادَةِ ضَمِنَ قِيمَتَهَا وَلَا يَضْمَنُ الْحُرَّةَ) وَهَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا لَا يَضْمَنُ الْأَمَةَ وَيَضْمَنُ نُقْصَانَ الْحَبَلِ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ قَدْ صَحَّ مَعَ الْحَبَلِ وَالْحَبَلُ عَيْبٌ فَيَجِبُ عَلَيْهِ نُقْصَانُ الْعَيْبِ وَهَلَاكُهَا بَعْدَ ذَلِكَ بِسَبَبٍ حَادِثٍ عِنْدَ الْمَالِكِ فَلَا يَبْطُلُ بِهِ الرَّدُّ كَمَا إذَا حُمَّتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَرَدَّهَا وَمَاتَتْ فِي تِلْكَ الْحُمَّى أَوْ زَنَتْ عِنْدَ الْغَاصِبِ فَرَدَّهَا وَجُلِدَتْ بَعْدَ الرَّدِّ عِنْدَ الْمَالِكِ وَمَاتَتْ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ إلَّا نُقْصَانُ الْبَيْعِ وَكَذَا إذَا سَلَّمَ الْبَائِعُ الْجَارِيَةَ لِلْمُشْتَرِي حُبْلَى وَلَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي بِالْحَبَلِ وَمَاتَتْ مِنْ الْوِلَادَةِ لَمْ يَرْجِعْ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِشَيْءٍ مِنْ الثَّمَنِ اتِّفَاقًا وَلِلْإِمَامِ أَنْ يَرُدَّهَا كَمَا أَخَذَهَا؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهَا وَلَيْسَ فِيهَا عَيْبُ التَّلَفِ وَرَدَّهَا وَفِيهَا ذَلِكَ فَلَمْ يَصِحَّ الرَّدُّ فَصَارَ كَمَا جَنَتْ جِنَايَةً فِي يَدِ الْغَاصِبِ فُعِلَتْ بِهَا بَعْدَ الرَّدِّ وَدُفِعَتْ بِهَا بَعْدَ الرَّدِّ، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِقِيمَتِهَا عَلَى الْغَاصِبِ بِخِلَافِ الْحُرَّةِ، فَإِنَّهَا لَا تُضْمَنُ بِالْغَصْبِ وَفِي فَصْلِ الشِّرَاءِ الْوَاجِبُ التَّسْلِيمُ وَبِمَوْتِهَا بِالْوِلَادَةِ لَا يَنْعَدِمُ التَّسْلِيمُ وَفِي الْغَصْبِ السَّلَامَةُ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الرَّدِّ فَمَا لَمْ يَرُدَّ مِثْلَ مَا أَخَذَ لَا يُعْتَدُّ بِهِ فَافْتَرَقَا عَلَى أَنَّهُ مَمْنُوعٌ وَفِي فَصْلِ الْحُمَّى الْمَوْتُ يَحْصُلُ بِزَوَالِ الْقُوَى وَأَنَّهُ يَزُولُ بِتَرَادُفِ الْآلَامِ فَلَمْ يَكُنْ الْمَوْتُ حَاصِلًا بِسَبَبٍ وُجِدَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ قَدْرِ مَا كَانَ عِنْدَهُ دُونَ الزِّيَادَةِ أَقُولُ: يَرُدُّ عَلَيْهِمْ فِي الظَّاهِرِ أَنَّهُمْ جَعَلُوا الْوِلَادَةَ هَاهُنَا سَبَبًا لِلْهَلَاكِ وَقَدْ صَرَّحَ فِيمَا مَرَّ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ سَبَبًا لِلْمَوْتِ فَكَانَ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ تَدَافُعٌ وَفِي الْمُحِيطِ وَلَوْ سَرَقَتْ عِنْدَ الْغَاصِبِ أَوْ سَرَقَ الْعَبْدُ فَرَدَّ فَقُطِعَ عِنْدَ الْمَالِكِ فَعِنْدَ الْإِمَامِ يَضْمَنُ الْغَاصِبُ نِصْفَ الْقِيمَةِ وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ نُقْصَانَ السَّرِقَةِ. اهـ. [مَنَافِعَ الْغَصْبِ] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنَافِعَ الْغَصْبِ) هَذَا مَعْطُوفٌ عَلَى الْحُرَّةِ فِي قَوْلِهِ وَلَا يَضْمَنُ الْغَاصِبُ مَنَافِعَ الْغَصْبِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَضْمَنُ مَنَافِعَ الْغَصْبِ؛ لِأَنَّهَا مَالٌ مُتَقَوِّمٌ مَضْمُونٌ بِالْعَقْدِ كَالْأَعْيَانِ وَلَنَا أَنَّهَا حَصَلَتْ عَلَى مِلْكِ الْغَاصِبِ فَحُدُوثُهَا فِي يَدِهِ إذْ هِيَ لَمْ تَكُنْ حَادِثَةً فِي يَدِ الْمَالِكِ؛ لِأَنَّهَا أَعْرَاضٌ لَا تَبْقَى فَيَمْلِكُهَا دَفْعًا لِلْحَاجَةِ وَالْإِنْسَانُ لَا يَضْمَنُ مِلْكَ نَفْسِهِ قَالَ ابْنُ قَاضِي زَادَهْ وَهُنَا سُؤَالٌ لَمْ أَرَ كَثِيرًا مِنْ الشَّارِحِينَ تَعَرَّضَ لَهُ وَهُوَ أَنْ يُقَالَ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ مُقْتَضَى هَذَا الدَّلِيلِ أَنْ لَا تَجِبَ الْأُجْرَةُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ فِيمَا إذَا حَدَثَ الْمَنَافِعُ فِي يَدِهِ كَمَا فِي اسْتِئْجَارِ الدُّورِ وَالْأَرَاضِيِ وَالدَّوَابِّ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ كَمَا لَا يَضْمَنُ مِلْكَهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْأُجْرَةُ بِمُقَابَلَةِ مِلْكِهِ مَعَ أَنَّهُ تَجِبُ عَلَيْهِ الْأُجْرَةُ بِالْإِجْمَاعِ وَأَجَابَ عَنْهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّ الْأُجْرَةَ عِنْدَنَا لَا تَجِبُ بِمُقَابَلَةِ الْمَنَافِعِ بَلْ بِالتَّمَكُّنِ مِنْهَا مِنْ جِهَةِ الْمَالِكِ وَهَذَا السُّؤَالُ سَاقِطٌ مِنْ أَصْلِهِ؛ لِأَنَّ الْغَاصِبَ يَزْعُمُ حُدُوثَ الْمَنَافِعِ عَلَى مِلْكِ نَفْسِهِ وَالْمُسْتَأْجِرُ يَعْتَقِدُ حُدُوثَهَا عَلَى مِلْكِ الْمُؤَجِّرِ فَافْتَرَقَا وَقَوْلُهُ بِالْإِتْلَافِ مُتَعَلِّقٌ أَيْضًا بِالْمَنَافِعِ يَعْنِي وَكَذَا مَنَافِعُ الْغَصْبِ لَا تُضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَرِدَ عَلَيْهَا الْإِتْلَافُ قَبْلَ وُجُودِهَا أَوْ حَالَ وُجُودِهَا أَوْ بَعْدَ وُجُودِهَا وَكُلُّ ذَلِكَ مُحَالٌ أَمَّا قَبْلَ وُجُودِهَا فَلِأَنَّ إتْلَافَ الْمَعْدُومِ لَا يُمْكِنُ، أَمَّا حَالَ وُجُودِهَا فَلِأَنَّ الْإِتْلَافَ إذَا طَرَأَ عَلَى الْمَوْجُودِ رَفَعَهُ، فَإِذَا قَارَبَهُ مَنَعَهُ، أَمَّا بَعْدَ وُجُودِهَا فَلِأَنَّهَا تَنْعَدِمُ كَمَا وُجِدْت فَلَا يُتَصَوَّرُ إتْلَافُ الْمَعْدُومِ وَلِأَنَّا لَوْ ضَمَّنَّاهُ الْمَنَافِعَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ تَكُونَ مَضْمُونَةً بِمِثْلِهَا مِنْ الْمَنَافِعِ؛ لِأَنَّهُ لَا قَائِلَ بِذَلِكَ وَلَا بِالدَّرَاهِمِ لِعَدَمِ الْمُمَاثَلَةِ وَالْمُمَاثَلَةُ شَرْطٌ فِي ضَمَانِ الْعُدْوَانِ لِلْآيَةِ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ وَاعْتُرِضَ بِمَا إذَا أَتْلَفَ مَا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ، فَإِنَّهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 139 يَضْمَنُهُ بِالدَّرَاهِمِ وَهِيَ لَا تُمَاثِلُهُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُمَاثَلَةَ لَيْسَتْ بِمُعْتَبَرَةٍ لَا يُقَالُ مَنَافِعُ الْغَصْبِ مَضْمُونَةٌ عِنْدَكُمْ فِي الْوَقْفِ وَمَالُ الْيَتِيمِ وَمَا كَانَ مُعَدًّا لِلِاسْتِغْلَالِ وَهَذَا التَّعْلِيلُ جَارٍ فِيهِ قُلْنَا الْعِلَلُ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ وَالْقَوْلُ بِضَمَانِ الْمَنَافِعِ فِيمَا ذَكَرَ وَجْهَ الِاسْتِحْسَانِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَخَمْرَ الْمُسْلِمِ وَخِنْزِيرَهُ بِالْإِتْلَافِ) أَيْ لَا يَضْمَنُهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِمُتَقَوِّمَيْنِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ، وَإِنَّمَا يَصِيرُ مُتَقَوِّمًا بِاعْتِبَارِ دِينِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ بِأَنَّهُ مُتَقَوِّمٌ أَوْ يَتَعَيَّنُ بِنَفْسِهِ إلَى التَّقَوُّمِ وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ لَا يَضْمَنُ سَوَاءٌ أَتْلَفَهُ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَضْمَنُ لَوْ كَانَا لِذِمِّيٍّ) يَعْنِي يَضْمَنُ إذَا أَتْلَفَ خَمْرَ الذِّمِّيِّ أَوْ خِنْزِيرَهُ وَقَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ لَا يَضْمَنُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «فَإِذَا قَبِلُوا عَقْدَ الْجِزْيَةِ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ لَهُمْ مَا لِلْمُسْلِمِينَ وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَيْهِمْ» وَلِأَنَّ حَقَّهُمْ لَا يَزِيدُ عَلَى حَقِّ الْمُسْلِمِ وَلَنَا أَنَّ أَمْرَنَا أَنْ نَتْرُكَهُمْ وَمَا يَدِينُونَ وَلِقَوْلِ عُمَرَ لَمَّا سَأَلَ عُمَّالَهُ مَاذَا يَصْنَعُ بِمَا يَمُرُّ بِهِ أَهْلُ الذِّمَّةِ مِنْ الْخُمُورِ فَقَالُوا نَعْشِرُهَا قَالَ لَا تَفْعَلُوا وَوَلُّوهُمْ بَيْعَهَا وَخُذُوا الْعُشْرَ مِنْ أَثْمَانِهَا فَلَوْلَا أَنَّهَا مُتَقَوِّمَةٌ وَبَيْعُهَا جَائِزٌ لَهُمْ لَمَا أَمَرَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِ إنْكَارٍ فَكَانَ إجْمَاعًا. وَأَوْرَدَ عَلَى هَذَا الدَّلِيلِ فِي الْعِنَايَةِ فَقَالَ لِمَ لَا نَتْرُكُهُمْ وَمَا يَدِينُونَ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ كَإِحْدَاثِ بَيْعَةٍ وَكَنِيسَةٍ وَكَرُكُوبِ الْخَيْلِ وَحَمْلِ السِّلَاحِ، فَإِنَّهُمْ يُمْنَعُونَ مِنْهَا وَلِأَنَّ الْأَمْرَ بِاجْتِنَابِ الرِّجْسِ يَتَنَاوَلُ الْمُسْلِمَ فَبَقِيَ فِي حَقِّ الْكَافِرِ عَلَى مَا كَانَ بِخِلَافِ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ؛ لِأَنَّ أَحَدًا لَا يَعْتَقِدُ تَقَوُّمَهُمَا وَبِخِلَافِ الرِّبَا، فَإِنَّهُ مُسْتَثْنًى مِنْ عُقُودِهِمْ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إلَّا مَنْ أَرْبَى فَلَيْسَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ عَهْدٌ» وَبِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمُرْتَدِّ يَكُونُ لِلذِّمِّيِّ، فَإِنَّا نَقْتُلُهُ؛ لِأَنَّا مَا ضَمِنَّا لَهُمْ تَرْكَ التَّعَرُّضِ لِمَا فِيهِ مِنْ الِاسْتِحْقَاقِ بِالدِّينِ وَبِخِلَافِ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا، فَإِذَا كَانَ الذَّابِحُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ السَّيْفِ وَالْمُحَاجَّةِ ثَابِتَةٌ فَيُمْكِنُ إلْزَامَهُ فَلَا يَجِبُ عَلَى مُتْلِفِهِ الضَّمَانُ، أَمَّا إذَا أَتْلَفَ الْمُسْلِمُ خَمْرَ الذِّمِّيِّ تَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ، وَإِنْ كَانَ مِثْلِيًّا؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ مَمْنُوعٌ مِنْ تَمَلُّكِهِ وَتَمْلِيكِهِ بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ إذَا اسْتَهْلَكَ خَمْرَ الذِّمِّيِّ حَيْثُ يَجِبُ عَلَيْهِ مِثْلُهُ لِقُدْرَتِهِ عَلَيْهِ وَلَوْ أَسْلَمَ الطَّالِبُ بَعْدَمَا قَضَى عَلَيْهِ بِمِثْلِهَا فَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَى الْمَطْلُوبِ؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ فِي حَقِّهِ لَيْسَ بِمُتَقَوِّمٍ فَكَانَ بِإِسْلَامِهِ مُبَرَّأً عَمَّا كَانَ فِي ذِمَّتِهِ مِنْ الْخَمْرِ وَكَذَا لَوْ أَسْلَمَا؛ لِأَنَّ فِي إسْلَامِهِمَا إسْلَامُ الطَّالِبِ وَلَوْ أَسْلَمَ الْمَطْلُوبُ ثُمَّ أَسْلَمَ الطَّالِبُ بَعْدَهُ قَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَةُ الْخَمْرِ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ الطَّارِئَ بَعْدَ تَقَرُّرِ السَّبَبِ كَالْإِسْلَامِ الْمُقَارِنِ لِلسَّبَبِ وَهُوَ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ قِيمَةِ الْخَمْرِ عَلَى الْمُسْلِمِ. وَلِأَبِي يُوسُفَ إنْ قَبَضَ الْخَمْرَ الْمُسْتَحَقَّ فِي الذِّمَّةِ فَقَدْ تَعَذَّرَ اسْتِيفَاؤُهُ بِسَبَبِ الْإِسْلَامِ وَلَا يُمْكِنُ إيجَابُ قِيمَتِهَا أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْهَا وَصَارَ كَمَا لَوْ كَسَرَ قَلْبًا لِغَيْرِهِ ثُمَّ تَلِفَ الْمَكْسُورُ فِي يَدِ صَاحِبِهِ لَيْسَ لِصَاحِبِهِ أَنْ يُضَمِّنَ الْكَاسِرَ شَيْئًا؛ لِأَنَّ شَرْطَ تَضْمِينِ قِيمَتِهِ تَمْلِيكُ الْمَكْسُورِ وَذَلِكَ قَدْ فَاتَ وَدَلِيلُهُ مَذْكُورٌ فِي الْمُطَوَّلَاتِ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة وَلَوْ أَتْلَفَ مَوْقُوذَةَ الْمَجُوسِيِّ مُسْلِمٌ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَضْمَنُهَا وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الشَّارِحُ لِمَا يَلْزَمُهُ فِي إتْلَافِ خِنْزِيرِ الذِّمِّيِّ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ كَمَا لَوْ كَانَ شَاةً كَمَا فِي مَوْقُوذَةِ الْمَجُوسِيِّ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ الْخِنْزِيرُ فِي حَقِّهِمْ كَالشَّاةِ فِي حَقِّنَا وَالتَّفْصِيلُ الْمُتَقَدِّمُ فِي الْإِسْلَامِ فِي خَمْرِ الذِّمِّيِّ يَجْرِي كَذَلِكَ فِي خِنْزِيرِهِ وَقَدْ قَالَ الْفَقِيرُ هَذَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَجِدَ نَقْلًا ثُمَّ ظَفِرْت بِالنَّقْلِ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة، وَإِنْ كَانَ الْخَمْرُ وَالْخِنْزِيرُ لِذِمِّيٍّ يَجِبُ عَلَى مُتْلِفِهِمَا سَوَاءٌ كَانَ الْمُتْلِفُ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا غَيْرَ أَنَّ الْمُتْلِفَ إنْ كَانَ ذِمِّيًّا، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ مِثْلُ الْخَمْرِ، وَإِنْ كَانَ الْمُتْلِفُ مُسْلِمًا يَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَةُ الْخَمْرِ وَفِي الْخِنْزِيرِ يَجِبُ عَلَيْهِمَا الْقِيمَةُ؛ لِأَنَّ الْخِنْزِيرَ لَا مِثْلَ لَهُ مِنْ جِنْسِهِ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة أَوْ كَسَرَ بَيْضَةً أَوْ جَوْزَةً فَوَجَدَ دَاخِلَهَا فَاسِدًا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَكَذَا لَوْ كَسَرَ دَرَاهِمَ إنْسَانٍ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهَا سَتُّوقَةٌ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَإِذَا أَفْسَدَتَا لِيفَ حُصْرِ إنْسَانٍ. فَإِنْ أَمْكَنَ إعَادَتُهُ كَمَا كَانَ أَمَرْنَاهُ بِهَا فَصَارَ كَمَا لَوْ غَصَبَ سُلَّمَ إنْسَانٍ وَفَرَّقَ سِيَاهَهَا، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ الْإِعَادَةُ كَمَا كَانَ سَلَّمَ الْمَنْقُوضَ سِيَاهًا وَضَمِنَ قِيمَةَ الْحُصْرِ صَحِيحًا وَفِي آنِ الْعُيُونِ غَصَبَ مِنْ آخَرَ عَبْدًا قِيمَتُهُ خَمْسُمِائَةٍ فَخَصَاهُ فَصَارَ يُسَاوِي أَلْفًا نَصَّ مُحَمَّدٌ أَنَّ صَاحِبَ الْغُلَامِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ يَوْمَ خِصَائِهِ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْغُلَامَ وَلَا شَيْءَ لَهُ وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا يُقَوَّمُ الْغُلَامُ بِكَمْ يُشْتَرَى لِلْعَمَلِ قَبْلَ الْخِصَاءِ وَيُقَوَّمُ بَعْدَ الْخِصَاءِ فَيَرْجِعُ بِفَضْلِ مَا بَيْنَهُمَا قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ حُسَامُ الدِّينِ وَهَذَا خِلَافُ مَا حَفِظْنَاهُ مِنْ مَشَايِخِنَا وَالْمَحْفُوظُ الْمُتَقَدِّمُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ غَصَبَ خَمْرًا مِنْ مُسْلِمٍ فَخَلَّلَهُ أَوْ جِلْدَ مَيْتَةٍ وَدُبِغَ فَلِلْمَالِكِ أَخْذُهُمَا وَرَدُّ مَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ) يَعْنِي يَأْخُذُ الْخَلَّ بِغَيْرِ شَيْءٍ وَالْجِلْدُ الْمَدْبُوغُ يَأْخُذُهُ وَيَرُدُّ عَلَيْهِ مَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ وَالْمُرَادُ بِالْأَوَّلِ إذَا خَلَّلَهَا بِالنَّقْلِ مِنْ الشَّمْسِ إلَى الظِّلِّ وَمِنْ الظِّلِّ إلَى الشَّمْسِ وَبِالثَّانِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 140 إذَا دَبَغَهُ بِمَا لَهُ قِيمَةٌ كَالْعَفْصِ وَالْقَرَظِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَالْفَرْقُ أَنَّ التَّخْلِيلَ مُطَهِّرٌ لَهَا بِمَنْزِلَةِ غَسْلِ الثَّوْبِ النَّجِسِ فَيَبْقَى عَلَى مِلْكِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْمَالِيَّةَ لَا تَثْبُتُ بِفِعْلِهِ وَبِالدِّبَاغِ اتَّصَلَ بِالْجِلْدِ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ كَالصَّبْغِ فِي الثَّوْبِ فَلِهَذَا يَأْخُذُ الْخَلَّ بِغَيْرِ شَيْءٍ وَيَأْخُذُ الْجِلْدَ وَيُعْطِي مَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ وَطَرِيقُ مَعْرِفَتِهِ أَنْ يَنْظُرَ إلَى قِيمَةِ الْجِلْدِ غَيْرَ مَدْبُوغٍ وَإِلَى قِيمَتِهِ مَدْبُوغًا فَيَضْمَنُ مَا فَضَلَ بَيْنَهُمَا وَلِلْغَاصِبِ أَنْ يَحْبِسَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ كَحَبْسِ الْمَبِيعِ بِالثَّمَنِ وَالرَّهْنِ بِالدَّيْنِ وَالْعَبْدِ الْآبِقِ بِالْجُعْلِ وَأَطْلَقَ فِي التَّخْلِيلِ فَشَمِلَ مَا إذَا خَلَّلَهَا بِمَا لَهُ قِيمَةٌ أَوْ لَا لَكِنْ قَالَ الْقُدُورِيُّ أَمَّا لَوْ أَلْقَى فِيهَا مِلْحًا أَوْ خَلَّلَ بِمَا لَهُ قِيمَةٌ فَعِنْدَ الْإِمَامِ يَصِيرُ الْخَلُّ مِلْكًا لِلْغَاصِبِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَعَلَى قَوْلِهِمَا إنْ أَلْقَى فِيهِ الْمِلْحَ فَلِلْمَالِكِ أَخْذُهُ وَدَفْعُ مَا زَادَ فِيهِ قَالُوا وَمَعْنَاهُ أَنْ يُعْطِيَهُ مِثْلَ وَزْنِ الْمِلْحِ مِنْ الْخَلِّ هَكَذَا ذَكَرُوا وَكَأَنَّهُمْ اعْتَبَرُوا الْمِلْحَ مَائِعًا، وَإِنْ أَلْقَى فِيهِ الْخَلَّ فَهُوَ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ اسْتَهْلَكَهُ ضَمِنَ الْخَلَّ، وَإِنْ غَصَبَ عَصِيرًا فَصَارَ عِنْدَهُ خَلًّا فَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ مِثْلَهُ إنْ كَانَ فِي حِينِهِ وَقِيمَتَهُ إنْ كَانَ فِي غَيْرِ حِينِهِ وَلَوْ أَرَادَ رَبُّ الْعَصِيرِ أَنْ يَأْخُذَ الْقِيمَةَ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. وَعَنْ الثَّانِي لَوْ غَصَبَ عَصِيرًا فَصَارَ عِنْدَهُ خَمْرًا أَوْ لَبَنًا حَلِيبًا فَصَارَ عِنْدَهُ مَخِيطًا أَوْ عِنَبًا فَصَارَ زَبِيبًا فَالْمَغْصُوبُ مِنْهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ ذَلِكَ وَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ مِثْلَهُ وَسَلَّمَ إلَيْهِ وَأَطْلَقَ فِي الدِّبَاغِ فَشَمِلَ مَا إذَا دَبَغَهُ بِمَا لَهُ قِيمَةٌ أَوْ لَا لَكِنْ قَالَ فِي الْأَصْلِ: وَإِنْ غَصَبَ جِلْدَ مَيْتَةٍ وَدَبَغَهُ، فَإِنْ دَبَغَهُ بِمَا لَا قِيمَةَ لَهُ، فَإِنَّهُ يَأْخُذُهُ مَجَّانًا وَفِي الْكَافِي، فَإِنْ دَبَغَهُ بِمَا لَهُ قِيمَةٌ لَهُ أَخْذُهُ وَإِعْطَاءُ مَا زَادَ الدِّبَاغُ وَأَطْلَقَ فِي الْجِلْدِ فَشَمِلَ مَا إذَا أَخَذَهُ مِنْ مَنْزِلِ صَاحِبِهِ أَوْ أَخَذَهُ مِنْ الطَّرِيقِ بَعْدَمَا أَلْقَاهُ صَاحِبُهُ فِيهِ لَكِنْ قَالَ الْقُدُورِيُّ هَذَا إذَا أَخَذَهُ مِنْ مَنْزِلِهِ أَمَّا إذَا أَلْقَى صَاحِبُهُ الْمَيْتَةَ فِي الطَّرِيقِ وَأَخَذَهَا رَجُلٌ وَدَبَغَهَا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْجِلْدَ وَفِي الذَّخِيرَةِ عَنْ الثَّانِي لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْجِلْدَ، وَإِنْ أَلْقَاهُ صَاحِبُهُ فِي الطَّرِيقِ وَلَوْ كَانَ الْمَدْبُوغُ جِلْدًا مُذَكًّى كَانَ لَهُ ذَلِكَ قَالَ مَشَايِخُنَا لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ جِلْدِ الْمَيْتَةِ وَجِلْدِ الْمُذَكَّى شَيْءٌ ذَهَبَ إلَيْهِ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فَالْجَوَابُ فِي الْمَيْتَةِ وَالْمُذَكَّاةِ وَاحِدٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَتْلَفَهُمَا ضَمِنَ الْخَلَّ فَقَطْ) يَعْنِي لَوْ أَتْلَفَ الْغَاصِبُ الْخَلَّ وَالْجِلْدَ الْمَدْبُوغَ فِي يَدِهِ قَبْلَ أَنْ يَرُدَّهُمَا إلَى صَاحِبِهِمَا ضَمِنَ الْخَلَّ وَلَا يَضْمَنُ الْجِلْدَ الْمَدْبُوغَ وَهَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ وَقَالَا يَضْمَنُ قِيمَةَ الْجِلْدِ مَدْبُوغًا أَيْضًا وَيُعْطِي مَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ بَاقٍ فِيهِ وَلِهَذَا يَأْخُذُهُ وَهُوَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ فَيَضْمَنُهُ لَهُ مَدْبُوغًا بِالِاسْتِهْلَاكِ وَلِلْإِمَامِ أَنَّ مَالِيَّتَهُ وَتَقْوِيمَهُ حَاصِلٌ بِفِعْلِ الْغَاصِبِ وَفِعْلُهُ مُتَقَوِّمٌ لِاسْتِعْمَالِهِ مَالًا مُتَقَوِّمًا فِيهِ وَلِذَا كَانَ لَهُ حَبْسُهُ وَالْجِلْدُ تَبَعٌ لِلْمِلْكِ وَمِلْكُهُ بَاقٍ فِيهِ ثُمَّ قِيلَ يَضْمَنُ قِيمَةَ جِلْدٍ مَدْبُوغٍ وَيُعْطِي مَا زَادَ الدِّبَاغُ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَغَيْرُهُ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَوْلُهُمَا يُعْطِي مَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا قُوِّمَ الْجِلْدُ بِالدَّرَاهِمِ وَالدِّبَاغُ بِالدَّنَانِيرِ أَمَّا إذَا قَوَّمَهُمَا بِالدَّرَاهِمِ أَوْ بِالدَّنَانِيرِ فَيُطْرَحُ عَنْهُ ذَلِكَ الْقَدْرُ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ الْبَاقِي وَهُوَ قِيمَةُ جِلْدِ مُذَكًّى غَيْرِ مَدْبُوغٍ وَفِي الْكَافِي، وَإِنْ اسْتَهْلَكَهُ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ طَاهِرًا غَيْرَ مَدْبُوغٍ وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ مَدْبُوغًا وَلَوْ جَعَلَ الْجِلْدَ فَرْوًا أَوْ جِرَابًا أَوْ زِقًّا لَمْ يَكُنْ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ عَلَيْهِ سَبِيلٌ، وَإِنْ خَلَّلَهَا بِصَبِّ الْخَلِّ فِيهَا قِيلَ يَكُونُ لِلْغَاصِبِ بِغَيْرِ شَيْءٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ سَوَاءٌ صَارَتْ خَلًّا مِنْ سَاعَتِهَا بِمُرُورِ الزَّمَانِ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ خَلْطَ الْخَلِّ اسْتِهْلَاكٌ وَاسْتِهْلَاكُ الْخَمْرِ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ وَعِنْدَهُمَا إنْ صَارَتْ خَلًّا مِنْ سَاعَتِهَا فَكَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنَّهُ اسْتِهْلَاكٌ، وَإِنْ صَارَتْ بِمُرُورِ الزَّمَانِ كَانَ الْخَلُّ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ حُقُوقِهِمَا كَيْلًا وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة. وَإِذَا غَصَبَ تُرَابًا أَوْ لَبِنَةً أَوْ جَعَلَهُ آنِيَةً، فَإِنْ كَانَ لَهُ قِيمَةٌ فَهُوَ مِثْلُ الْحِنْطَةِ إذَا طَحَنَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قِيمَةٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ الضَّمَانِ وَفِي الْقُدُورِيِّ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ يَكُونُ أُسْوَةً لِلْغُرَمَاءِ فِي الثَّمَنِ وَلَا يَكُونُ أَخَصَّ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَفِي الذَّخِيرَةِ اتَّخَذَ كُوزًا مِنْ طِينِ غَيْرِهِ كَانَ الْكُوزُ لَهُ، فَإِنْ قَالَ رَبُّ الطِّينِ أَنَا أَمَرْته بِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ رَجُلٌ هَشَمَ طَشْتًا لِغَيْرِهِ وَهُوَ مِمَّا يُبَاعُ وَزْنًا فَرَبُّهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَمْسَكَ الطَّشْتَ وَلَا شَيْءَ لَهُ، وَإِنْ شَاءَ دَفَعَهُ وَأَخَذَ قِيمَتَهُ وَكَذَا كُلُّ مَصْنُوعٍ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ أَتْلَفَهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا لَوْ هَلَكَا لَا يَضْمَنُ بِالْإِجْمَاعِ وَالْمُجْمَعُ عَلَيْهِ لَا يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ؛ لِأَنَّ دَلِيلَهُ الْإِجْمَاعُ وَلَمْ يَظْهَرْ لِهَذَا الِاخْتِلَافِ فِي التَّقْوِيمِ فَائِدَةٌ عِنْدِي، فَإِنَّ قِيمَةَ جِلْدٍ مَدْبُوغٍ بَعْدَ أَنْ يُطْرَحَ عَنْهُ قَدْرُ مَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ قِيمَةُ جِلْدٍ ذَكِيٍّ غَيْرِ مَدْبُوغٍ بِعَيْنِهَا وَقَوْلُهُمْ لَمْ يَنْظُرْ إلَى قِيمَتِهِ ذَكِيًّا غَيْرَ مَذْبُوحٍ بِعَيْنِهَا وَإِلَى قِيمَتِهِ مَذْبُوحًا فَيَضْمَنُ فَضْلَ مَا بَيْنَهُمَا صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ فَمَا فَائِدَةُ الِاخْتِلَافِ وَالْمَآلُ وَاحِدٌ وَلِهَذَا لَوْ دَبَغَهُ بِمَا لَا قِيمَةَ لَهُ يَضْمَنُهُ بِالِاسْتِهْلَاكِ وَفِي السِّغْنَاقِيِّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 141 وَمَنْ أَتْلَفَ الشَّاةَ الْمَذْبُوحَةَ الْمَتْرُوكَةَ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا لَا يَضْمَنُ. اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ كَسَرَ مِعْزَفًا أَوْ أَرَاقَ سُكَّرًا أَوْ مُنَصَّفًا ضَمِنَ) هَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ وَقَالَا لَا يَضْمَنُهَا؛ لِأَنَّهَا مُعَدَّةٌ لِلْمَعْصِيَةِ فَيَسْقُطُ تَقَوُّمُهَا كَالْخَمْرِ وَلِأَنَّهُ فَعَلَهُ بِإِذْنِ الشَّارِعِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «بُعِثْت لِكَسْرِ الْمَزَامِيرِ وَقَتْلِ الْخَنَازِيرِ» وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُنْكِرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ» وَالْكَسْرُ هُوَ الْإِنْكَارُ بِالْيَدِ وَلِهَذَا لَوْ فَعَلَهُ بِإِذْنِ وَلِيِّ الْأَمْرِ وَهُوَ الْإِمَامُ لَا يَضْمَنُ فَبِإِذْنِ الشَّارِعِ أَوْلَى وَلِلْإِمَامِ أَنَّهُ كَسَرَ مَا لَا يَنْتَفِعُ بِهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ سِوَى اللَّهْوِ فَلَا تَبْطُلُ قِيمَتُهُ لِأَجْلِ اللَّهْوِ كَاسْتِهْلَاكِ الْأَمَةِ الْمُغَنِّيَةِ؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ مُضَافٌ إلَى فِعْلِ الْفَاعِلِ مُخْتَارٌ وَالْأَمْرُ بِالْيَدِ فِيمَا ذَكَرَ هُوَ فِي حَقِّ الْإِمَامِ وَأَعْوَانِهِ لِقُدْرَتِهِمْ عَلَيْهِ وَلَيْسَ لِغَيْرِهِمْ إلَّا بِاللِّسَانِ عَلَى أَنَّهُ يَحْصُلُ بِدُونِ الْإِتْلَافِ كَالْأَخْذِ ثُمَّ يَضْمَنُ قِيمَتَهَا صَالِحَةً لِغَيْرِ اللَّهْوِ كَمَا فِي الْأَمَةِ الْمُغَنِّيَةِ وَالْكَبْشِ النَّطُوحِ وَالْحَمَامِ الطَّيَّارَةِ وَالدِّيكِ الْمُقَاتِلِ وَالْعَبْدِ الْخَصِيِّ وَيَضْمَنُ قِيمَةَ السُّكْرِ وَالْمُنَصَّفِ لَا الْمِثْلَ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ مَمْنُوعٌ مِنْ تَمَلُّكِ عَيْنِهِ. وَإِنْ جَازَ فِعْلُهُ بِخِلَافِ الصَّلِيبِ حَيْثُ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ صَلِيبًا؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ وَقَدْ أُمِرْنَا بِتَرْكِهِمْ وَمَا يَدِينُونَ قِيلَ الْخِلَافُ فِي الدُّفِّ وَالطَّبْلِ اللَّذَانِ يُضْرَبَانِ لِلَّهْوِ أَمَّا الدُّفُّ وَالطَّبْلُ اللَّذَانِ يُضْرَبَانِ فِي الْعُرْسِ وَالْغَزْوِ فَيَضْمَنُ اتِّفَاقًا وَلَوْ شَقَّ زِقًّا فِيهِ خَمْرٌ يَضْمَنُ عِنْدَهُمَا لِإِمْكَانِ الْإِرَاقَةِ بِدُونِهِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا تَتَيَسَّرُ الْإِرَاقَةُ إلَّا بِهِ وَفِي الْعُيُونِ يَضْمَنُ قِيمَةَ الزِّقِّ وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ الدِّنَانَ إلَّا إذَا كَسَرَ بِإِذْنِ الْإِمَامِ وَالْفَتْوَى فِي زَمَانِنَا عَلَى قَوْلِهِمَا لِكَثْرَةِ الْفَسَادِ وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ عَنْ الصَّدْرِ الشَّهِيدِ يُهْدَمُ الْبَيْتُ عَلَى مَنْ اعْتَادَ الْفُسُوقَ وَأَنْوَاعَ الْفَسَادِ وَقَالُوا لَا بَأْسَ بِالْهُجُومِ عَلَى بَيْتِ الْمُفْسِدِينَ وَقِيلَ يُرَاقُ الْعَصِيرُ أَيْضًا قَبْلَ أَنْ يَتَنَبَّذَ وَيُقْذَفَ بِالزُّبْدِ عَلَى مَنْ اعْتَادَ الْفِسْقَ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ مَرَّ عَلَى نَائِحَةٍ فِي مَنْزِلِهَا فَضَرَبَهَا بِالدِّرَّةِ حَتَّى سَقَطَ خِمَارُهَا قَالُوا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ سَقَطَ خِمَارُهَا فَقَالَ لَا حُرْمَةَ لَهَا وَتَكَلَّمُوا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ لَا حُرْمَةَ لَهَا قِيلَ مَعْنَاهُ لَمَّا اشْتَغَلَتْ بِالْمُحَرَّمِ فَقَدْ أَسْقَطَتْ حُرْمَةَ نَفْسِهَا وَرُوِيَ أَنَّ الْفَقِيهَ أَبَا اللَّيْثِ الْبَلْخِيّ خَرَجَ عَلَى بَعْضِ نَهْرٍ فَكَانَ النِّسَاءُ عَلَى شَاطِئِهِ كَاشِفَاتِ الرُّءُوسِ وَالْأَذْرُعِ فَقِيلَ كَيْفَ تَفْعَلُ فَقَالَ لَا حُرْمَةَ لَهُنَّ إنَّمَا الشَّكُّ فِي إيمَانِهِنَّ ثُمَّ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ فَرْضٌ إنْ كَانَ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يُقْبَلُ مِنْهُ وَلَا يَسَعُهُ تَرْكُهُ لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ يُهَانُ وَيُضْرَبُ وَلَا يَصْبِرُ عَلَى ذَلِكَ أَوْ تَقَعُ الْفِتَنُ فَتَرْكُهُ أَفْضَلُ. وَلَوْ عَلِمَ أَنَّهُ يَصْبِرُ عَلَى ذَلِكَ وَلَا يَصِلُ إلَى غَيْرِهِ ضَرَرٌ فَلَا بَأْسَ وَلَوْ عَلِمَ أَنَّهُمْ يَقْبَلُونَ ذَلِكَ مِنْهُ وَلَا يُخَافُ مِنْهُمْ ضَرَرٌ فَهُوَ بِالْخِيَارِ وَالْأَمْرُ أَفْضَلُ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة يَضْمَنُ قِيمَتَهُ خَشَبًا مَنْحُوتًا وَفِي الْمُنْتَقَى يَضْمَنُ قِيمَتَهُ أَلْوَاحًا أَحْرَقَ بَابًا مَنْحُوتًا عَلَيْهِ تَمَاثِيلُ مَنْقُوشَةٌ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ غَيْرَ مَنْقُوشٍ بِتَمَاثِيلَ، فَإِنْ كَانَ صَاحِبُهُ قَطَعَ رُءُوسَ التَّمَاثِيلِ ضَمِنَ قِيمَتَهُ مَنْقُوشًا بِمَنْزِلَةِ مَنْقُوشِ شَجَرٍ أَحْرَقَ بِسَاطًا فِيهِ تَمَاثِيلُ رِجَالٍ ضَمِنَ قِيمَتَهُ مُصَوَّرًا هَدَمَ بَيْتًا مُصَوَّرًا بِأَسْبَاعٍ وَتَمَاثِيلِ الرِّجَالِ وَالطَّيْرِ ضَمِنَ قِيمَةَ الْبَيْتِ وَالْأَسْبَاعِ غَيْرِ مُصَوَّرٍ، فَإِنْ قُلْت لِمَاذَا ضَمِنَ فِي الْبَابِ غَيْرِ مَنْقُوشٍ وَفِي الْبِسَاطِ مُصَوَّرًا قُلْت: لِأَنَّ التَّصْوِيرَ فِي الْبِسَاطِ بِالصُّوفِ وَهُوَ مَالٌ فِي ذَاتِهِ بِخِلَافِ الْخَشَبِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَحَّ بَيْعُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ) وَهَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ وَقَالَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ وَجَوَازُ الْبَيْعِ وَوُجُوبُ الضَّمَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى الْمَالِيَّةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ غَصَبَ أُمَّ وَلَدٍ أَوْ مُدَبَّرَةً فَمَاتَا ضَمِنَ قِيمَةَ الْمُدَبَّرَةِ لَا أُمِّ الْوَلَدِ) وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ وَقَالَا يَضْمَنُ أُمَّ الْوَلَدِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا مُتَقَوِّمَةٌ عِنْدَهُمَا كَالْمُدَبَّرَةِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ وَالدَّلِيلُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فِي كِتَابِ الْعِتْقِ لَا يُقَالُ قَدْ عُلِمَ مِمَّا ذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي كِتَابِ الْعِتْقِ أَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ لَا قِيمَةَ لَهَا عِنْدَ الْإِمَامِ حَيْثُ قَالَ وَمَا لِأُمِّ وَلَدٍ تَقَوُّمٌ فَذِكْرُ أُمِّ الْوَلَدِ هُنَا لَا فَائِدَةَ لَهُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ بَلْ فِيهِ فَائِدَةٌ؛ لِأَنَّهُ ثَمَّةَ بَيَّنَ الْحُكْمَ فِيمَا إذَا أَعْتَقَهَا الشَّرِيكُ فَرُبَّمَا يَتَوَهَّمُ شَخْصٌ أَنَّ الْحُكْمَ فِي الْغَصْبِ يُخَالِفُ مَا تَقَدَّمَ فَبَيِّنَ الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا يُخَالِفُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ [كِتَابُ الشُّفْعَةِ] (كِتَابُ الشُّفْعَةِ) وَجْهُ مُنَاسَبَةِ الشُّفْعَةِ بِالْغَصْبِ تَمَلُّكُ الْإِنْسَانِ مَالَ غَيْرِهِ بِلَا رِضَاهُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا وَالْحَقُّ تَقْدِيمُهَا عَلَيْهِ لِكَوْنِهَا مَشْرُوعَةً دُونَهُ وَلَكِنْ تَوَفُّرُ الْحَاجَةِ إلَى مَعْرِفَتِهِ لِكَثْرَةِ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهِ أَوْجَبَتْ تَقْدِيمَهُ وَالْكَلَامُ فِيهَا مِنْ وُجُوهٍ الْأَوَّلِ فِي مَعْنَاهَا لُغَةً الجزء: 8 ¦ الصفحة: 142 وَالثَّانِي شَرْعًا وَالثَّالِثِ فِي بَيَانِ دَلِيلِهَا وَالرَّابِعِ فِي بَيَانِ سَبَبِهَا وَالْخَامِسِ فِي رُكْنِهَا وَالسَّادِسِ فِي شَرْطِهَا وَالسَّابِعِ فِي حُكْمِهَا وَصِفَتِهَا فَهِيَ لُغَةً مَأْخُوذَةٌ مِنْ الشَّفْعِ الَّذِي هُوَ ضِدُّ الْوِتْرِ وَشَرْعًا مَا يَذْكُرُهُ الْمُؤَلِّفُ وَدَلِيلُهَا مَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَضَى بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ شِرْكَةٍ لَمْ تُقْسَمْ رَبْعَةٍ أَوْ حَائِطٍ» وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْجَارُ أَحَقُّ بِشُفْعَةِ جَارِهِ» وَسَبَبُهَا دَفْعُ الضَّرَرِ الَّذِي يَنْشَأُ مِنْ سُوءِ الْمُجَاوَرَةِ عَلَى الدَّوَامِ مِنْ حَيْثُ إيقَادُ النَّارِ وَإِعْلَاءُ الْجِدَارِ وَإِثَارَةُ الْغُبَارِ وَرُكْنُهَا هُوَ الْأَخْذُ مِنْ الْمُشْتَرِي أَوْ مِنْ الْبَائِعِ وَشَرْطُهَا كَوْنُ الْمَحَلِّ عَقَارًا عُلُوًّا كَانَ أَوْ سُفْلًا مَمْلُوكًا بِبَدَلٍ هُوَ مَالٌ، أَمَّا حُكْمُهَا فَهُوَ جَوَازُ طَلَبِ الشُّفْعَةِ عِنْدَ تَحَقُّقِ سَبَبِهَا وَصِفَتِهَا أَنَّ الْأَخْذَ بِهَا بِمَنْزِلَةِ شِرَاءِ مُبْتَدَأٍ حَتَّى يَثْبُتُ مَا يَثْبُتُ بِالشِّرَاءِ نَحْوُ الرَّدِّ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَهِيَ تَمَلُّكُ الْبُقْعَةِ جَبْرًا عَلَى الْمُشْتَرِي بِمَا قَامَ عَلَيْهِ) هَذَا فِي الشَّرْعِ وَزَادَ بَعْضُهُمْ شِرْكَةً أَوْ جِوَارًا فَقَوْلُهُ تَمْلِيكُ جِنْسٌ شَمِلَ تَمْلِيكَ الْعَيْنِ وَالْمَنَافِعِ وَقَوْلُهُ الْبُقْعَةِ فَصْلٌ أَخْرَجَ بِهِ تَمْلِيكَ الْمَنَافِعِ وَقَوْلُهُ جَبْرًا أَخْرَجَ بِهِ الْبَيْعَ، فَإِنَّهُ يَكُونُ بِالرِّضَا وَقَوْلُهُ بِمَا قَامَ عَلَيْهِ يَعْنِي حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا كَمَا سَيَأْتِي فِي الْخَمْرِ وَغَيْرِهِ وَالْمُرَادُ تَمْلِيكُ الْبُقْعَةِ أَوْ بَعْضِهَا لِيَشْمَلَ مَا إذَا اشْتَرَاهَا أَحَدُ شُفَعَائِهَا فَفِي التَّتَارْخَانِيَّة اشْتَرَى الْجَارُ دَارًا وَلَهَا جَارٌ آخَرُ مِنْ جَانِبٍ آخَرَ وَطَلَبَ الشُّفْعَةَ تُقْسَمُ الدَّارُ بَيْنَ الْمُشْتَرِي وَالْجَارِ نِصْفَيْنِ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة، وَإِنَّمَا تَجِبُ فِي الْأَرَاضِيِ الَّتِي يَمْلِكُ رِقَابَهَا حَتَّى لَا تَجِبَ فِي الْأَرَاضِيِ الَّتِي حَازَهَا الْإِمَامُ لِبَيْتِ الْمَالِ وَتُدْفَعُ لِلنَّاسِ مُزَارَعَةً فَصَارَ لَهُمْ فِيهَا بِنَاءٌ وَأَشْجَارٌ، فَإِنَّ بَيْعَ هَذِهِ الْأَرَاضِيِ بَاطِلٌ، وَإِنَّمَا تَجِبُ بِحَقِّ الْمِلْكِ فِي الْأَرَاضِيِ حَتَّى لَوْ بِيعَتْ دَارٌ بِجَنْبِهَا دَارُ الْوَقْفِ فَلَا شُفْعَةَ لِلْوَقْفِ وَلَا يَأْخُذُهَا الْمُتَوَلِّي قَالَ ابْنُ الْقَاضِي زَادَهْ إذَا كَانَ حَقِيقَةُ الشُّفْعَةِ التَّمْلِيكَ لَزِمَ أَنْ لَا يَكُونَ لِقَوْلِهِ الشُّفْعَةُ تَثْبُتُ بِعَقْدِ الْبَيْعِ وَتَسْتَقِرُّ بِالْإِشْهَادِ صِحَّةٌ إذْ الثُّبُوتُ لَا يُتَصَوَّرُ بِدُونِ التَّحَقُّقِ وَحِينَ عَقَدَ الْبَيْعَ وَالْإِشْهَادَ لَمْ يُوجَدْ الْأَخْذُ بِالتَّرَاضِي وَلَا بِقَضَاءِ الْقَاضِي وَلَمْ يُوجَدْ التَّمْلِيكُ أَيْضًا فَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ تَكُونَ الشُّفْعَةُ نَفْسَ ذَلِكَ التَّمْلِيكِ كَيْفَ يُتَصَوَّرُ ثُبُوتُهَا بِعَقْدِ الْبَيْعِ وَاسْتِقْرَارُهَا بِالْإِشْهَادِ، وَأَيْضًا قَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ حُكْمَ الشُّفْعَةِ جَوَازُ الطَّلَبِ وَثُبُوتُ الْمِلْكِ بِالْقَضَاءِ أَوْ بِالتَّرَاضِي فَلَوْ كَانَ نَفْسُ التَّمْلِيكِ لَمَا صَلُحَ شَيْءٌ مِنْ جَوَازِ طَلَبِ الشُّفْعَةِ وَثُبُوتِ الْمِلْكِ بِالْقَضَاءِ أَوْ بِالتَّرَاضِي؛ لَأَنْ يَكُونَ حُكْمًا لِلشُّفْعَةِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ طَلَبِ الشُّفْعَةِ إنَّمَا هُوَ الْوُصُولُ إلَى مِلْكِ الْمَنْفَعَةِ الْمَشْفُوعَةِ وَعِنْدَ حُصُولِ تَمَلُّكِهَا الَّذِي هُوَ الشُّفْعَةُ عَلَى الْفَرْضِ الْمَذْكُورِ لَا يَبْقَى جَوَازُ طَلَبِ الشُّفْعَةِ ضَرُورَةَ بُطْلَانِ طَلَبِ الْحَاصِلِ وَحُكْمُ الشَّيْءِ يُقَارِنُهُ أَوْ يَعْقُبُهُ فَالْأَظْهَرُ عِنْدِي فِي تَعْرِيفِ الشُّفْعَةِ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ حَيْثُ قَالَ ثُمَّ الشُّفْعَةُ عِبَارَةٌ عَنْ حَقِّ التَّمَلُّكِ فِي الْعَقَارِ لِدَفْعِ ضَرَرِ الْجِوَارِ اهـ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوُجُوبِ وَالِاسْتِقْرَارِ اسْتِقْرَارُ حَقِّ الْأَخْذِ لَا نَفْسُهُ وَقَوْلُهُمْ حُكْمُ الشُّفْعَةِ جَوَازُ الطَّلَبِ يَعْنِي حُكْمَ حَقِّ الْأَخْذِ فَلَا إيرَادَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَجِبُ لِلْخَلِيطِ فِي نَفْسِ الْمَبِيعِ) يَعْنِي تَثْبُتُ لَلشَّرِيك فِي نَفْسِ الْمَبِيعِ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَضَى بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ شِرْكَةٍ لَمْ تُقْسَمْ رَبْعَةٍ» وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْحَدِيثَ، وَإِنْ دَلَّ عَلَى بَعْضِ الْمُدَّعَى وَهُوَ ثُبُوتُ حَقِّ الشُّفْعَةِ لَلشَّرِيك الْآخَرِ إلَّا أَنَّهُ يَبْقَى بَعْضُهُ الْآخَرُ وَهُوَ ثُبُوتُهَا لِغَيْرِ الشَّرِيكِ أَيْضًا كَالْجَارِ الْمُلَاصِقِ؛ لِأَنَّ اللَّامَ فِي الشُّفْعَةِ الْمَذْكُورَةِ لِلْجِنْسِ لِعَدَمِ الْعَهْدِ. وَتَعْرِيفُ الْمُسْنَدِ إلَيْهِ فَاللَّامُ الْجِنْسِ يُفِيدُ قَصْرَ الْمُسْنَدِ إلَيْهِ عَلَى الْمُسْنَدِ فَاقْتَضَى انْتِفَاءَ حَقِّ الشُّفْعَةِ مِنْ غَيْرِ الشَّرِيكِ كَالْجَارِ وَالْجَوَابُ أَنَّ ثُبُوتَ حَقِّ الشُّفْعَةِ لِلْجَارِ أَفَادَهُ حَدِيثٌ آخَرُ فَظَهَرَ أَنَّ الْقَصْرَ غَيْرُ حَقِيقِيٍّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَجِبُ لِلْخَلِيطِ فِي نَفْسِ الْمَبِيعِ ثُمَّ فِي حَقِّ الْمَبِيعِ كَالشُّرْبِ وَالطَّرِيقِ إنْ كَانَ خَاصَمَ ثُمَّ لِلْجَارِ الْمُلَاصِقِ) يَعْنِي يَثْبُتُ بَعْدَ الْأَوَّلِ لَلشَّرِيكِ فِي حَقِّ الْمَبِيعِ كَالشُّرْبِ وَالطَّرِيقِ أَمَّا الطَّرِيقُ فَقَدْ تَقَدَّمَ دَلِيلُهُ. أَمَّا الْجَارُ فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْجَارُ أَحَقُّ بِشُفْعَةِ جَارِهِ» ، وَإِنَّمَا وَجَبَتْ مُرَتَّبَةً عَلَى التَّرْتِيبِ الَّذِي ذَكَرَهُ هُنَا؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ لِدَفْعِ الضَّرَرِ الدَّائِمِ الَّذِي يَلْحَقُهُ وَكُلُّ مَا كَانَ أَكْثَرُ اتِّصَالًا كَانَ أَخَصَّ ضَرَرًا أَوْ أَشَدُّ فَكَانَ أَحَقَّ بِهَا لِقُوَّةِ الْمُوجِبِ لَهَا فَلَيْسَ لِلْأَضْعَفِ أَنْ يَأْخُذَهُ مَعَ وُجُودِ الْأَقْوَى لَا إذَا تَرَكَ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ إنْ شَهِدَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تَجِبُ لِلْجَارِ وَقَوْلُهُ إنْ كَانَ خَاصًّا يَعْنِي الشُّرْبَ وَالطَّرِيقَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ خَاصًّا لَا يَسْتَحِقُّ بِهِ الشُّفْعَةَ وَالطَّرِيقُ الْخَاصُّ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ نَافِذٍ، وَإِنْ كَانَ نَافِذًا فَلَيْسَ بِخَاصٍّ، وَإِنْ كَانَ سِكَّةً غَيْرَ نَافِذٍ يَتَشَعَّبُ مِنْهَا سِكَّةٌ غَيْرُ نَافِذَةٍ فَبِيعَتْ دَارٌ فِي السُّفْلَى فَلِأَهْلِهَا الشُّفْعَةُ لَا غَيْرُ، وَإِنْ بِيعَتْ فِي الْعُلْيَا كَانَ لَهُمْ وَلِلْعُلْيَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّ فِي الْعُلْيَا حَقًّا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 143 لِأَهْلِ السِّكَّتَيْنِ حَتَّى كَانَ لَهُمْ كُلُّهُمْ أَنْ يَمُرُّوا فِيهَا وَلَيْسَ فِي السُّفْلَى حَقٌّ لِأَهْلِ الْعُلْيَا حَتَّى لَا يَكُونَ لَهُمْ أَنْ يَمُرُّوا فِيهَا وَلَا لَهُمْ فَتْحُ بَابٍ وَالشُّرْبُ الْخَاصُّ عِنْدَ الْإِمَامِ وَمُحَمَّدٍ أَنْ يَكُونَ نَهْرًا صَغِيرًا لَا تَمُرُّ فِيهِ السُّفُنُ، فَإِنْ كَانَتْ تَمُرُّ فِيهِ السُّفُنُ فَلَيْسَ بِخَاصٍّ، فَإِذَا بِيعَتْ أَرْضٌ مِنْ الْأَرَاضِيِ الَّتِي تُسْقَى مِنْهُ لَا يَسْتَحِقُّ أَهْلُ النَّهْرِ الشُّفْعَةَ وَالْجَارُ أَحَقُّ مِنْهُمْ بِخِلَافِ النَّهْرِ الصَّغِيرِ وَقِيلَ إنْ كَانَ أَهْلُهُ يُحْصَوْنَ فَهُوَ صَغِيرٌ، وَإِنْ كَانُوا لَا يُحْصَوْنَ فَهُوَ كَبِيرٌ وَعَلَيْهِ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ لَكِنْ اخْتَلَفُوا فِي حَدِّ مَا يُحْصَى وَمَا لَا يُحْصَى فَقُدِّرَ مَا يُحْصَى بِخَمْسِمِائَةٍ وَقِيلَ هُوَ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْمُجْتَهِدِينَ فِي كُلِّ عَصْرٍ، فَإِنْ رَأَوْهُ كَثِيرًا كَانَ كَثِيرًا، وَإِنْ رَأَوْهُ قَلِيلًا كَانَ قَلِيلًا هُوَ أَشْبَهُ الْأَقَاوِيلِ بِالْفِقْهِ وَالْجَارُ الْمُلَاصِقُ وَهُوَ الَّذِي ظَهْرُ بَيْتِهِ إلَى ظَهْرِ بَيْتِ هَذَا وَبَابُهُ فِي سِكَّةٍ أُخْرَى وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ صُورَتُهُ دَارٌ فِيهَا مَنَازِلُ وَبَابُ الدَّارِ إلَى سِكَّةٍ وَغَيْرِ نَافِذَةٍ وَأَبْوَابُ هَذِهِ الْمَنَازِلِ إلَى هَذِهِ الدَّارِ وَكُلُّ مَنْزِلٍ لِرَجُلٍ عَلَى حِدَةٍ إلَّا مَنْزِلًا مِنْهَا لِرَجُلَيْنِ وَلِهَذَا الْمَنْزِلِ الْمُشْتَرَكِ جَارٌ مُلَاصِقٌ عَلَى ظَهْرِهِ فَبَاعَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نَصِيبَهُ فَالشُّفْعَةُ أَوَّلًا لِلَّذِي لَمْ يَبِعْ. فَإِنْ سَلَّمَ أَوْ لَمْ يَطْلُبْ فَالشُّفْعَةُ لِأَرْبَابِ الْمَنَازِلِ وَلَوْ لَمْ يَطْلُبُوا وَسَلَّمَهَا فَالشُّفْعَةُ لِأَهْلِ السِّكَّةِ وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ الْمُلَاصِقُ وَغَيْرُهُ وَالْجَارُ الَّذِي لَهُ الشُّفْعَةُ عِنْدَنَا الْمُلَازِقُ الَّذِي دَارُهُ لَزِيقُ الدَّارِ الَّذِي وَقَعَ فِيهَا الشِّرَاءُ وَالْجَارُ الَّذِي هُوَ مُؤَخَّرٌ عَنْ الشَّرِيكِ هُوَ أَنْ لَا يَكُونَ شَرِيكُهُ فِي الْأَرْضِ لَا فِي الطَّرِيقِ وَالْمَسِيلُ وَفِي الْمُحِيطِ سِكَّةٌ غَيْرُ نَافِذَةٍ فِيهَا عِطْفٌ، فَإِنْ كَانَ مُرَبَّعًا فَأَهْلٌ الْعِطْفِ أَوْلَى بِمَا بِيعَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْمُرَبَّعَ كَالْمُنْفَصِلِ وَلِهَذَا لَهُمْ أَنْ يَنْصِبُوا الدَّرْبَ فِي أَعْلَاهُ، وَإِنْ كَانَ الْعِطْفُ مُدَوَّرًا فَالْكُلُّ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ الْمُدَوَّرَ كَالْمُتَّصِلِ وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ هِشَامٍ قَالَ أَبُو يُوسُفَ الْمُدَوَّرُ وَالْمُرَبَّعُ وَالْمُسْتَطِيلُ سَوَاءٌ دَرْبٌ غَيْرُ نَافِذٍ فِي أَسْفَلِهِ مَسْجِدٌ ظَهْرُهُ إلَى الطَّرِيقِ الْأَعْظَمِ خَطَّهُ الْإِمَامُ فَبَاعَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الدَّرْبِ دَارِهِ فَلَا شُفْعَةَ لِأَهْلِ الدَّرْبِ إلَّا مَنْ جَاوَرَهَا، وَإِنْ كَانَ حَوْلَ الْمَسْجِدِ بُيُوتٌ تَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّرِيقِ فَالشُّفْعَةُ لِكُلِّ أَهْلِ الدَّرْبِ إلَّا مَنْ جَاوَرَهَا؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ لَمَّا خَطَّ الْمَسْجِدَ لِلطَّرِيقِ كَانَ لَهُ أَنْ يَفْتَحَ إلَى الطَّرِيقِ وَيَدْخُلُ النَّاسُ مِنْهُ إلَى الصَّلَاةِ وَإِمْكَانُ الْفَتْحِ الْآنَ كَالْفَتْحِ السَّابِقِ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة وَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ بَعْضُهُ يُلَازِقُهُ وَبَعْضُهُ لَا يُلَازِقُهُ فَالشُّفْعَةُ فِيمَا يُلَازِقُهُ أَرْضًا كَانَ أَوْ بُسْتَانًا أَوْ غَيْرَهُ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُؤَلِّفُ لِمَا إذَا كَانَ شَرِيكًا فِي الطَّرِيقِ وَالْآخَرُ فِي الْمَسِيلِ مَنْ يُقَدَّمُ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة وَصَاحِبُ الطَّرِيقِ أَوْلَى بِالشُّفْعَةِ مِنْ صَاحِبِ الْمَسِيلِ إذَا لَمْ يَكُنْ الْمَالُ مَسِيلَ الْمَاءِ مِلْكًا لَهُ. اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالشَّرِيكُ فِي خَشَبَةٍ وَوَاضِعُ الْجُذُوعِ عَلَى الْحَائِطِ جَارٌ) لَا يَكُونُ شَرِيكًا؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ الْمُعْتَبَرَةَ هِيَ الشَّرِكَةُ فِي الْعَقَارِ لَا فِي الْمَنْقُولِ وَالْخَشَبَةُ مَنْقُولَةٌ وَوَاضِعُ الْجُذُوعِ عَلَى الْحَائِطِ لَا يَصِيرُ شَرِيكًا بَلْ جَارٌ مُلَاصِقٌ لِوُجُودِ اتِّصَالِ بُقْعَةِ أَحَدِهِمَا بِبُقْعَةِ الْآخَرِ فَيَسْتَحِقُّ الشُّفْعَةَ عَلَى أَنَّهُ جَارٌ مُلَاصِقٌ وَلَا يُرَجَّحُ بِذَلِكَ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْجِيرَانِ وَكَذَا إذَا كَانَ بَعْضُ الْجِيرَانِ شَرِيكًا فِي الْجِدَارِ لَا يُقَدَّمُ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْجِيرَانِ؛ لِأَنَّ الشِّرْكَةَ فِي الْبِنَاءِ الْمُجَرَّدِ بِدُونِ الْأَرْضِ لَا يَسْتَحِقُّ بِهِ الشُّفْعَةَ وَلَوْ كَانَ الْبِنَاءُ وَالْأَرْضُ الَّذِي عَلَيْهَا الْبِنَاءُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا كَانَ هَذَا أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ شَرِيكٌ فِي بَعْضِ الْمَبِيعِ وَيَتَأَتَّى ذَلِكَ فِيمَا بَيَّنَّا أَوَّلًا عَلَى وَجْهِ الشِّرْكَةِ ثُمَّ تُقْسَمُ الْأَرْضُ غَيْرُ مَوْضِعِ الْبِنَاءِ فَيَبْقَى الْبِنَاءُ وَمَوْضِعُهُ مُشْتَرَكًا فَهُوَ شَرِيكٌ فَيُقَدَّمُ عَلَى الْجَارِ هَذِهِ رِوَايَةٌ وَفِي رِوَايَةٍ هُوَ وَالْجَارُ سَوَاءٌ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الْجِدَارِ؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الْجِدَارِ بِالْجِوَارِ وَهُوَ فِيهِ سَوَاءٌ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ الْحُسَامِيِّ وَلَوْ كَانَ خَلِيطًا مِنْ وَجْهٍ كَانَ مُقَدَّمًا عَلَى الْجَارِ وَفِي أَدَبِ الْقَاضِي لِلْخَصَّافِ الْجَارُ الَّذِي هُوَ مُؤَخَّرٌ عَنْ الشَّرِيكِ فِي الطَّرِيقِ هُوَ مَنْ لَا يَكُونُ شَرِيكًا فِي الْأَرْضِ فَلَوْ كَانَ شَرِيكًا فِي مَنْزِلٍ فِي الدَّارِ أَوْ بَيْتٍ مِنْهَا فَبِيعَتْ الدَّارُ كَانَ هُوَ أَحَقَّ فِي الْمَنْزِلِ لِمَا ذَكَرْنَا وَاسْتَوَيَا فِي الْبُقْعَةِ فِي رِوَايَةٍ؛ لِأَنَّهُمْ كُلَّهُمْ جِيرَانٌ فِي حَقِّ الْبُقْعَةِ وَلَوْ كَانَ دَارٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ لِأَحَدِهِمَا فِيهَا مَنْزِلٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ غَيْرَ شَرِيكِهِ فِي الدَّارِ فَبَاعَهَا كَانَ الشَّرِيكُ فِي الدَّارِ أَوْلَى بِشُفْعَةِ الدَّارِ؛ لِأَنَّهُ شَرِيكٌ فِيهَا وَالشَّرِيكُ فِي الْبِئْرِ أَوْلَى بِالْبِئْرِ؛ لِأَنَّهُ شَرِيكٌ فِيهَا وَالْآخَرُ جَارٌ. وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ سُفْلٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَعَلَيْهِ عُلُوٌّ لِأَحَدِهِمَا مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْآخَرِ فَبَاعَ هُوَ السُّفْلَ وَالْعُلْوَ كَانَ لِشَرِيكِهِ فِي الْعُلُوِّ وَالسُّفْلُ لِشَرِيكِهِ فِي السُّفْلِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَرِيكُهُ فِي نَفْسِ الْمَبِيعِ وَجَارٌ فِي حَقِّ الْآخَرِ كَذَا فِي الشَّارِحِ وَغَيْرِهِ قَالَ ابْنُ قَاضِي زَادَهْ فِي هَذَا التَّمْثِيلِ قُصُورٌ؛ لِأَنَّ الْمَنْزِلَ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ دُونَ الدَّارِ وَفَوْقَ الْبَيْتِ وَأَقَلُّهُ بَيْتَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُغْرِبِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي بَيَانِ الْحُقُوقِ فَتَمْثِيلُ الشَّرِيكِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 144 فِي الْمَنْزِلِ بِشِرْكَةٍ فِي بَيْتٍ يُخَالِفُ مَا تَقَدَّمَ وَلَا ضَرُورَةَ تَدْعُو إلَيْهِ. اهـ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ تَقَدَّمَ أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْمَنْزِلِ وَالْبَيْتِ اصْطِلَاحُ طَائِفَةٍ وَعِنْدَ طَائِفَةٍ أُخْرَى لَا فَرْقَ فَهَذَا عَلَى عَدَمِ الْفَرْقِ فَلَا قُصُورَ وَفِي الْمُحِيطِ دَارٌ بِيعَتْ وَلَهَا بَابَانِ وَفِي زُقَاقَيْنِ يَنْظُرُ إنْ كَانَتْ فِي الْأَصْلِ دَارَيْنِ بَابُ كُلِّ مِنْهُمَا فِي زُقَاقٍ اشْتَرَاهُمَا رَجُلٌ وَاحِدٌ فِي رَفْعِ الْحَائِطِ مِنْ بَيْنِهِمَا وَصَارَتْ دَارًا وَاحِدَةً وَلَهَا بَابٌ فَالشُّفْعَةُ لِأَهْلِ الزُّقَاقَيْنِ فِي الدَّارِ جَمِيعًا عَلَى السَّوَاءِ فَكَانَ الْعِبْرَةُ لِلْأَصْلِ دُونَ الْعَارِضِ وَنَظِيرُ هَذَيْنِ الزُّقَاقَيْنِ إذَا كَانَ أَسْفَلُهُ زُقَاقَ إلَى جَانِبٍ آخَرَ فَرُفِعَ الْحَائِطُ مِنْ بَيْنِهِمَا فَصَارَ الْكُلُّ سِكَّةً وَاحِدَةً كَانَ لِأَهْلِ كُلِّ زُقَاقٍ الشُّفْعَةُ فِي الَّذِي يَلِيهِمْ خَاصَّةً وَلَا شُفْعَةَ فِي الْجَانِبِ الْآخَرِ قَوْمٌ اقْتَسَمُوا دَارًا وَرَفَعُوا طَرِيقًا بَيْنَهُمْ فَجَعَلُوهَا نَافِذَةً ثُمَّ بَنَوْا دُورًا وَجَعَلُوا أَبْوَابَ الدُّورِ مُشَارَعَةً إلَى سِكَّةٍ فَبَاعَ بَعْضُهُمْ دَارِهِ فَالشُّفْعَةُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوَاءِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ السِّكَّةَ، وَإِنْ كَانَتْ نَافِذَةً فَكَأَنَّهَا غَيْرُ نَافِذَةٍ وَإِذَا بِيعَ السُّفْلُ فَلِصَاحِبِ الْعُلُوِّ الشُّفْعَةُ، فَإِنْ لَمْ يَأْخُذْ حَتَّى انْهَدَمَ أَوْ كَانَ مَهْدُومًا حِينَ الْبَيْعِ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ عِنْدَ الثَّانِي وَقَالَ الثَّالِثُ لَهُ الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ تَسْتَحِقُّ بِسَبَبِ إقْرَارِ الْبِنَاءِ وَهُوَ حَقُّ التَّعَلِّي وَهُوَ قَائِمٌ وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الشُّفْعَةَ إنَّمَا تَجِبُ بِمَا هُوَ مَمْلُوكٌ لَهُ وَهُوَ الْبِنَاءُ وَالْهَوَاءُ وَحَقُّ التَّعَلِّي لَيْسَا بِمَمْلُوكَيْنِ [الشُّفْعَةُ بِالْبَيْعِ] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ بِالْبَيْعِ) يَعْنِي تَجِبُ الشُّفْعَةُ بِالْبَيْعِ وَتُقْسَمُ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ إذَا كَانُوا كَثِيرِينَ وَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ بِالْبَيْعِ تَتَعَلَّقُ بِتَجِبُ فِي قَوْلِهِ تَجِبُ لِلْخَلِيطِ مَعْنَاهُ تَجِبُ الشُّفْعَةُ بِعَقْدِ الْبَيْعِ أَيْ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ لَهُ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ هُوَ الِاتِّصَالُ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ مَجِيءَ الْبَاءِ بِمَعْنَى بَعْدَ لَمْ يُذْكَرْ فِي مَشَاهِيرِ كُتُبِ الْعَرَبِيَّةِ فَالْأَظْهَرُ أَنْ تَكُونَ الْبَاءُ لِلْمُصَاحَبَةِ وَالْمُقَارَنَةِ، فَإِنَّهُ كَثِيرٌ مَذْكُورٌ فِي كُتُبِ الْعَرَبِيَّةِ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ لَوْ كَانَ السَّبَبُ هُوَ الِاتِّصَالُ لَجَازَ تَسْلِيمُهَا قَبْلَ الْبَيْعِ لِوُجُودِهِ بَعْدَ السَّبَبِ كَالْإِبْرَاءِ بَعْدَ وُجُودِ الدَّيْنِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْبَيْعَ شَرْطٌ وَلَا وُجُودَ لِلْمَشْرُوطِ بَعْدَهُ وَرُدَّ بِأَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ لِوُجُودِ الشَّرْطِ بَعْدَ تَحَقُّقِ السَّبَبِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ عَلَى مِقْدَارِ الْأَنْصِبَاءِ؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ مِنْ مَرَافِقِ الْمِلْكِ أَلَا تَرَى أَنَّهَا لِتَكْمِيلِ الْمَنْفَعَةِ فَأَشْبَهَتْ الْعِلَّةَ وَالرِّبْحَ وَالْوَلَدَ وَالثَّمَرَةَ، وَلَنَا أَنَّهُمْ اسْتَوَوْا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ وَهُوَ عِلَّةُ اسْتِحْقَاقِ الْكُلِّ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَلِهَذَا لَوْ انْفَرَدَ وَاحِدٌ أَخَذَ الْكُلَّ وَالِاسْتِوَاءُ فِي الْعِلَّةِ يُوجِبُ الِاسْتِوَاءَ فِي الْحُكْمِ وَلَا تَرْجِيحَ بِكَثْرَةِ الْعِلَلِ بَلْ بِقُوَّتِهَا وَمَا اسْتَشْهَدَ بِهِ مِنْ الْوَلَدِ وَغَيْرِهِ مُتَوَلِّدٌ مِنْ الْمِلْكِ فَيُسْتَحَقُّ بِقَدْرِ الْمِلْكِ بِخِلَافِهِ هُنَا وَلَوْ أَسْقَطَ أَحَدُهُمْ حَقَّهُ قَبْلَ الْقَضَاءِ، فَإِنَّ لِمَنْ بَقِيَ أَنْ يَأْخُذَ الْكُلَّ؛ لِأَنَّ التَّشْقِيصَ لِلْمُزَاحَمَةِ وَقَدْ زَالَ بِخِلَافِ مَا إذَا أَسْقَطَ حَقَّهُ بَعْدَ الْقَضَاءِ حَيْثُ لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَ الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ بِالْقَضَاءِ قَطَعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ نَصِيبِ الْآخَرِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ غَائِبًا يَقْضِي بِالشُّفْعَةِ بَيْنَ الْحَاضِرِينَ؛ لِأَنَّ الْغَائِبَ يَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَطْلُبَ فَلَا يُؤَخَّرُ بِالشَّكِّ وَكَذَا لَوْ كَانَ الشَّرِيكُ غَائِبًا فَطَلَبَ الْحَاضِرُ يَقْضِي بِالشُّفْعَةِ لِمَا ذَكَرْنَا ثُمَّ إذَا حَضَرَ الْغَائِبُ فَطَلَبَ قَضَى لَهُ لِتَحَقُّقِ طَلَبِهِ غَيْرَ أَنَّ الْغَائِبَ إذَا كَانَ يُقَاسِمُ الْحَاضِرَ لَا يَقْضِي لَهُ بِالْكُلِّ إذَا أَسْقَطَ الْحَاضِرُ حَقَّهُ لِتَحَقُّقِ انْقِطَاعِ حَقِّهِ عَنْ الْبَاقِي بِالْقَضَاءِ وَهُوَ نَظِيرُ مَا إذَا قَضَى لَلشَّرِيكِ ثُمَّ تَرَكَ لَيْسَ لِلْجَارِ أَنْ يَأْخُذَهُ؛ لِأَنَّهُ بِالْقَضَاءِ لَلشَّرِيكِ انْقَطَعَ حَقُّهُ وَلَوْ أَرَادَ أَخْذَ الْبَعْضِ وَتَرْكَ الْبَعْضِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِرِضَا الْمُشْتَرِي وَلَوْ جَعَلَ بَعْضُ الشُّفَعَاءِ نَصِيبَهُ لِبَعْضٍ لَا يَصِحُّ وَيَسْقُطُ حَقُّهُ لِإِعْرَاضِهِ وَيُقْسَمُ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ وَلَوْ كَانَ أَحَدُ الشُّفَعَاءِ حَاضِرًا وَالْآخَرُ غَائِبًا وَطَلَبَ الْحَاضِرُ الشُّفْعَةَ فِي النِّصْفِ عَلَى حِسَابِ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ فِي النِّصْفِ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْكُلَّ وَالْقِسْمَةُ لِلْمُزَاحَمَةِ وَلَوْ كَانَا حَاضِرَيْنِ وَطَلَبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا النِّصْفَ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُمَا وَلَوْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا النِّصْفَ وَالْآخَرُ الْكُلَّ بَطَلَ حَقُّ مَنْ طَلَبَ النِّصْفَ وَلِلْآخَرِ أَنْ يَأْخُذَ الْكُلَّ قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَلَوْ كَانَتْ دَارٌ بَيْنَ ثَلَاثَةٍ لِأَحَدِهِمْ النِّصْفُ وَلِلْآخَرِ الثُّلُثُ وَلِلْآخَرِ السُّدُسُ فَبَاعَ صَاحِبُ النِّصْفِ نَصِيبَهُ، فَإِنَّهُ يُقْسَمُ مَا بَاعَ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ نِصْفَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي عِلَّةِ الِاسْتِحْقَاقِ وَهُوَ الِاتِّصَالُ وَالضَّرَرُ وَلِهَذَا لَوْ كَانَتْ الدَّارُ بَيْنَ اثْنَيْنِ لِأَحَدِهِمَا الْأَكْثَرُ وَلِلْآخَرِ الْأَقَلُّ، فَإِذَا بَاعَ صَاحِبُ الْكَثِيرِ أَخَذَ صَاحِبُ الْقَلِيلِ كُلَّهُ وَلَوْ كَانَ بِاعْتِبَارِ الْمِلْكِ لَأَخَذَ بِقَدْرِ مِلْكِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (وَتَسْتَقِرُّ بِالْإِشْهَادِ) ؛ لِأَنَّهَا حَقٌّ ضَعِيفٌ يَبْطُلُ بِالْإِعْرَاضِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِشْهَادِ بَعْدَ طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ لِلِاسْتِقْرَارِ وَلِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِ طَلَبِهِ عِنْدَ الْقَاضِي وَلَا يُمْكِنُهُ ذَلِكَ إلَّا بِالْإِشْهَادِ نَظَرًا إلَى إثْبَاتِهِ وَهُوَ أَنَّ الِاحْتِيَاجَ إلَى إثْبَاتِهِ إذَا أَنْكَرَ الْمُشْتَرِي طَلَبَهُ، وَأَمَّا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 145 إذَا لَمْ يُنْكِرْ فَلَا يَحْتَاجُ فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ لَا تَبْطُلَ بِتَرْكِ الْإِشْهَادِ إذَا لَمْ يُنْكِرْ مَعَ أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ كَلَامِهِمْ بُطْلَانُهَا بِتَرْكِ ذَلِكَ مُطْلَقًا قُلْت: وَقْتُ الْإِشْهَادِ مُتَقَدِّمٌ عَلَى وَقْتِ الْخُصُومَةِ فَفِي إنْكَارِ وَقْتِ الْإِشْهَادِ إنْكَارُ الْخَصْمِ طَلَبَهُ وَعَدَمُ إنْكَارِهِ غَيْرُ مَعْلُومٍ، فَإِذَا تَرَكَ الْإِشْهَادَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لَمْ تُعْلَمْ رَغْبَتُهُ فِيهِ بَلْ يَحْتَمِلُ إعْرَاضُهُ فَلِذَا تَبْطُلُ الشُّفْعَةُ بِتَرْكِ الْإِشْهَادِ مُطْلَقًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتُمْلَكُ بِالْأَخْذِ بِالتَّرَاضِي أَوْ قَضَاءِ الْقَاضِي) قَوْلُهُ أَوْ قَضَاءِ الْقَاضِي مَعْطُوفٌ عَلَى الْأَخْذِ لَا عَلَى التَّرَاضِي؛ لِأَنَّهُ بِالْقَضَاءِ ثَبَتَ الْمِلْكُ فِيهَا قَبْلَ الْأَخْذِ يَعْنِي يَمْلِكُ الدَّارَ بِأَحَدِ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ إمَّا بِالْأَخْذِ إذَا سَلَّمَهَا الْمُشْتَرِي بِرِضَاهُ أَوْ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ مِنْ غَيْرِ أَخْذٍ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْمُشْتَرِي قَدْ تَمَّ بِالشِّرَاءِ فَلَا يَخْرُجُ عَنْهُ الشَّفِيعُ إلَّا بِرِضَاهُ أَوْ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ؛ لِأَنَّ لِلْحَاكِمِ وِلَايَةٌ عَامَّةٌ إلَّا أَنَّ أَخْذَ الشُّفْعَةِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي أَحْوَطُ حَتَّى كَانَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يُمْنَعُ عَنْ الْأَخْذِ إذَا سَلَّمَ الْمُشْتَرِي لَهُ بِغَيْرِ قَضَاءٍ؛ لِأَنَّ فِي الْقَضَاءِ زِيَادَةَ فَائِدَةٍ وَهِيَ صَيْرُورَةُ الْحَادِثَةِ مَعْلُومَةً لِلْقَاضِي وَتَبَيُّنُ مِلْكِهِ لَهُ، فَإِذَا كَانَتْ تُمْلَكُ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ لَا يَثْبُتُ لَهُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِ الْمِلْكِ قَبْلَهُ حَتَّى لَا تُورَثَ عَنْهُ إذَا مَاتَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَسْتَحِقُّهَا بِالشُّفْعَةِ لِعَدَمِ مِلْكِهِ فِيهَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ [بَابُ طَلَبِ الشُّفْعَةِ] (بَابُ طَلَبِ الشُّفْعَةِ) لَمَّا لَمْ تَثْبُتْ الشُّفْعَةُ بِدُونِ الطَّلَبِ شَرَعَ فِي بَيَانِهِ وَكَيْفِيَّتِهِ وَتَقْسِيمِهِ زَادَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْخُصُومَةِ فِيهَا وَوَجَّهَهُ لَمَّا كَانَ لِلْخُصُومَةِ فِي الشُّفْعَةِ شَأْنٌ مَخْصُوصٌ وَتَفَاصِيلُ زَائِدَةٍ عَلَى سَائِرِ الْخُصُومَاتِ شَرَعَ فِي بَيَانِهَا أَيْضًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ عَلِمَ الشَّفِيعُ بِالْبَيْعِ أَشْهَدَ فِي مَجْلِسِهِ عَلَى الطَّلَبِ) وَهُوَ طَلَبُ الْمُوَاثَبَةِ وَسُمِّيَ بِهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الشُّفْعَةُ لِمَنْ وَاثَبَهَا» وَلَا بُدَّ مِنْهُ لِمَا بَيَّنَّا وَالشَّرْطُ أَنْ يَطْلُبَ إذَا عَلِمَ الْفَوْرَ مِنْ غَيْرِ تَأْخِيرٍ وَلَا سُكُوتٍ؛ لِأَنَّ سُكُوتَهُ بَعْدَ عِلْمِهِ يَدُلُّ عَلَى رِضَاهُ بِالْمُشْتَرِي فَتَبْطُلُ شُفْعَتُهُ إذَا كَانَ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْمُشْتَرِي وَالثَّمَنِ؛ لِأَنَّ السُّكُوتَ إنَّمَا يَكُونُ دَلِيلُ الرِّضَا بِالْعِلْمِ بِهَا، فَإِذَا أُخْبِرَ بِحَضْرَةِ شُهُودٍ يُشْهِدُهُمْ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِحَضْرَتِهِ أَحَدٌ يَطْلُبُ مِنْ غَيْرِ إشْهَادٍ وَالْإِشْهَادُ لِمُخَالَفَةِ الْجُحُودِ وَالطَّلَبُ لَا بُدَّ مِنْهُ كَيْ لَا يَسْقُطَ حَقُّهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَلِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْحَلِفِ إذَا حَلَفَ وَلِئَلَّا يَكُونَ مُعْرِضًا عَنْهَا وَرَاضِيًا، وَكَوْنُ الطَّلَبِ مُتَّصِلًا يَعْنِي عَلَى الْفَوْرِ هَذَا عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ لَهُ التَّأَمُّلَ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ كَالْمُخَيَّرِ؛ لِأَنَّهُ تَمَلُّكٌ وَلَا بُدَّ مِنْ التَّأَمُّلِ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْكَرْخِيِّ وَبَعْضِ الْمَشَايِخِ وَفِي التَّجْرِيدِ هُوَ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ وَفِي الْفَتَاوَى الْعَتَّابِيَّةِ وَلَوْ سَكَتَ مُكْرَهًا لَا يَبْطُلُ وَكَيْفِيَّةُ الطَّلَبِ عَلَى الصَّحِيحِ أَنْ يَكُونَ بِلَفْظِ الْمَاضِي أَوْ الْمُسْتَقْبَلِ إذَا كَانَ لَفْظُهُ يُفْهَمُ مِنْهُ طَلَبُ الشُّفْعَةِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ شَفَّعْتَهُ لِي كَانَ ذَلِكَ طَلَبًا وَمِنْ النَّاسِ مَنْ لَوْ قَالَ طَلَبْت وَأَخَذْت بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ وَقَعَ كَذِبًا فِي الِابْتِدَاءِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ؛ لِأَنَّهُ أَنْشَأَ عُرْفًا وَلَوْ قَالَ بَعْدَمَا بَلَغَهُ الْخَبَرُ الْحَمْدُ لِلَّهِ أَوْ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ أَوْ سُبْحَانَ اللَّهِ لَا تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ عَلَى مَا اخْتَارَهُ الْكَرْخِيُّ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ حَمْدٌ عَلَى الْخَلَاصِ وَالثَّانِيَ تَعَجُّبٌ وَالثَّالِثَ لِافْتِتَاحِ الْكَلَامِ وَلَا يَدُلُّ شَيْءٌ مِنْهَا عَلَى الْأَعْرَاضِ وَكَذَا إذَا قَالَ مَنْ ابْتَاعَهَا أَوْ بِكَمْ بِيعَتْ؛ لِأَنَّهُ يَرْغَبُ فِيهَا بِثَمَنٍ دُونَ ثَمَنٍ وَكَذَا لَوْ قَالَ خَلَّصَ اللَّهُ وَلَا يَجِبُ الطَّلَبُ حَتَّى يُخْبِرَهُ رَجُلَانِ غَيْرُ عَدْلَيْنِ أَوْ وَاحِدٌ عَدْلٌ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ؛ لِأَنَّهُ فِيهِ الْتِزَامٌ مِنْ وَجْهٍ فَيُشْتَرَطُ لَهُ أَحَدُ شَطْرِي الشَّهَادَةِ هَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ عَلَيْهِ الطَّلَبُ إذَا أَخْبَرَهُ وَاحِدٌ حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا إذَا كَانَ الْخَبَرُ حَقًّا وَلَوْ أَخْبَرَهُ الْمُشْتَرِي بِنَفْسِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ الطَّلَبُ بِالْإِجْمَاعِ كَيْفَمَا كَانَ؛ لِأَنَّهُ خَصْمٌ وَالْعَدَدُ وَالْعَدَالَةُ لَا تُعْتَبَرُ فِي الْخَصْمِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ عَلَى الْبَائِعِ لَوْ فِي يَدِهِ أَوْ عَلَى الْمُشْتَرِي أَوْ عِنْدَ الْعَقَارِ) وَهَذَا طَلَبُ التَّقْرِيرِ وَفِيهِ طَلَبٌ ثَالِثٌ وَهُوَ طَلَبُ الْأَخْذِ وَلَا بُدَّ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ وَلَا بُدَّ مِنْ الْإِشْهَادِ فِي هَذَا؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِإِثْبَاتِهِ عِنْدَ الْقَاضِي كَمَا تَقَرَّرَ وَلَا يُمْكِنُهُ الْإِشْهَادُ عَلَى طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ ظَاهِرًا حَتَّى لَوْ أَمْكَنَهُ ذَلِكَ وَأَشْهَدَ عِنْدَ طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ بِأَنْ بَلَغَهُ بِحَضْرَةِ الشُّهُودِ وَالْمُشْتَرِي وَالْبَائِعُ حَاضِرٌ وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ الْعَقَارِ يَكْفِيهِ وَيَقُومُ ذَلِكَ مَقَامَ الطَّلَبَيْنِ ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَفِي الْعِنَايَةِ وَلَوْ بَاعَ إلَى أَجَلٍ فَاسِدٍ فَعَجَّلَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ جَازَ الْبَيْعُ وَثَبَتَتْ الشُّفْعَةُ وَكَذَا إذَا بَاعَ الْأَرْضَ وَفِيهَا زَرْعٌ وَفِي الْخِيَارِ الْمُؤَبَّدِ وَالْأَجَلِ إلَى الْقِطَافِ جَازَ أَخْذُهُ بِالشُّفْعَةِ، فَإِنْ لَمْ يَطْلُبْ بَطَلَتْ وَإِذَا اشْتَرَى رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ دَارًا مِنْ رَجُلٍ فِي عَسْكَرِ أَهْلِ الْعَدْلِ، فَإِنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَبْعَثَ وَكِيلًا وَلَا يَدْخُلَ بِنَفْسِهِ هُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ وَلَا يَضُرُّهُ تَرَكَ طَلَبَ الْإِشْهَادِ، وَإِنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 146 فَلَمْ يَطْلُبْ طَلَبَ الْمُوَاثَبَةِ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ وَكَيْفِيَّةُ هَذَا الطَّلَبِ أَنْ يَنْهَضَ مِنْ الْمَكَانِ الَّذِي سَمِعَ فِيهِ وَيُشْهِدَ عَلَى الْبَائِعِ إنْ كَانَ الْمَبِيعُ فِي يَدِهِ أَوْ عَلَى الْمُشْتَرِي أَوْ عِنْدَ الْعَقَارِ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ اسْتَقَرَّتْ شُفْعَتُهُ، وَإِنَّمَا صَحَّ الْإِشْهَادُ عِنْدَ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ وَالْبَائِعَ خَصْمٌ فِيهِ بِالْمِلْكِ وَبِالْيَدِ، أَمَّا عِنْدَ الْعَقَارِ فَلِتَعَلُّقِ الْحَقِّ بِهِ وَلَا يَكُونُ الْبَائِعُ خَصْمًا بَعْدَ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ إلَى الْمُشْتَرِي لِعَدَمِ الْمِلْكِ وَالْيَدِ فَلَا يَصِحُّ الْإِشْهَادُ عَلَيْهِ بَعْدَهُ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ وَالنَّاطِفِيُّ. وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ يَصِحُّ اسْتِحْسَانًا وَمُدَّةُ هَذَا الطَّلَبِ مُقَدَّرَةٌ بِالتَّمَكُّنِ مِنْ الْإِشْهَادِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى أَحَدِ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ حَتَّى لَوْ تَمَكَّنَ وَلَمْ يَطْلُبْ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ، وَإِنْ قَصَدَ الْأَبْعَدَ بَعْدَ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ وَتَرَكَ الْأَقْرَبَ، فَإِنْ كَانُوا جَمِيعًا فِي مِصْرِهِ جَازَا اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ نَوَاحِيَ الْمِصْرِ جُعِلَتْ كَنَاحِيَةٍ وَاحِدَةٍ حُكْمًا كَأَنَّهُمْ فِي مَكَان وَاحِدٍ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ فِيهِ وَالْبَعْضُ فِي مِصْرٍ آخَرَ أَوْ فِي الرُّسْتَاقِ وَقَصَدَ الْأَبْعَدَ وَتَرَكَ الَّذِي فِي مِصْرِهِ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا لِتَبَايُنِ الْمَكَانَيْنِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا، وَإِنْ كَانَ الشَّفِيعُ غَائِبًا يَطْلُبُ طَلَبَ الْمُوَاثَبَةِ حِينَ يَعْلَمُ ثُمَّ يُعْذَرُ فِي طَلَبِ التَّقْدِيرِ بِقَدْرِ الْمَسَافَةِ إلَى أَحَدِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ وَصُورَةُ هَذَا الطَّلَبِ أَنْ يَقُولَ إنَّ فُلَانًا اشْتَرَى هَذِهِ الدَّارَ وَأَنَا شَفِيعُهَا وَقَدْ كُنْت طَلَبْت الشُّفْعَةَ وَأَطْلُبُهَا الْآنَ فَاشْهَدُوا عَلَى ذَلِكَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ تَسْمِيَةُ الْمَبِيعِ وَتَحْدِيدُهُ؛ لِأَنَّ طَلَبَهُ غَيْرُ مَعْلُومٍ لَا يَصِحُّ. فَإِذَا لَمْ يُبَيِّنْ الْمَطْلُوبَ لَمْ تَكُنْ الْمُطَالَبَةُ لَهَا اخْتِصَاصٌ بِالْبَيْعِ فَلَمْ يَكُنْ لَهَا حُكْمٌ حَتَّى يَتَبَيَّنَ الْمَطْلُوبُ، أَمَّا الثَّالِثُ وَهُوَ طَلَبُ الْأَخْذِ وَالتَّمَلُّكِ فَلَا بُدَّ مِنْهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُحْكَمُ لَهُ بِهِ بِدُونِ طَلَبِهِ وَنُبَيِّنُ كَيْفِيَّةَ هَذَا الطَّلَبِ مِنْ قَرِيبٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَفِي الْهِدَايَةِ وَيُشْتَرَطُ الطَّلَبُ عِنْدَ سُقُوطِ الْخِيَارِ فِي الصَّحِيحِ فَلَوْ تَرَكَ الطَّلَبَ قَبْلَهُ لَمْ تَبْطُلْ شُفْعَتُهُ وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ عَجَزَ عَنْ طَلَبِ الْإِشْهَادِ بِأَنْ كَانَ الْبَائِعُ أَوْ الْمُشْتَرِي فِي الْبُغَاةِ أَوْ دَارِ الْحَرْبِ، فَإِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يُوَكِّلَ بِالطَّلَبِ أَوْ يَكْتُبَ كِتَابًا بِهِ وَلَمْ يَفْعَلْ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنُهُ التَّوْكِيلُ وَالْكِتَابَةُ لَا تَبْطُلُ وَفِي فَتَاوَى أَبِي اللَّيْثِ إنْ كَانَتْ شُفْعَتُهُ عِنْدَ الْقَاضِي فَطَلَبَ إلَى السُّلْطَانِ الَّذِي يُولِي الْقَضَاءَ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ، وَإِنْ كَانَتْ شُفْعَتُهُ عِنْدَ الباشاه وَالسُّلْطَانِ وَامْتَنَعَ الْقَاضِي مِنْ إحْضَارِهِ فَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ وَفِي النَّوَادِرِ إذَا أَرَادَ أَنْ يَفْتَتِحَ الصَّلَاةَ بِجَمَاعَةٍ فَلَمْ يَذْهَبْ لِلطَّلَبِ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ وَفِي الْأَصْلِ الشَّفِيعُ إذَا عَلِمَ بِالْبَيْعِ نِصْفَ اللَّيْلِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْخُرُوجِ لِلْإِشْهَادِ، فَإِنْ أَشْهَدَ حِينَ أَصْبَحَ صَحَّ، وَإِنْ تَرَكَ الْإِشْهَادَ حِينَ أَصْبَحَ بَطَلَتْ، الْيَهُودِيُّ إذَا عَلِمَ يَوْمَ السَّبْتِ وَتَرَكَ الطَّلَبَ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ وَفِي فَتَاوَى أَهْلِ سَمَرْقَنْدَ الشَّفِيعُ بِالْجِوَارِ إذَا خَافَ أَنْ يَطْلُبَ الشُّفْعَةَ وَالْقَاضِي لَا يَرَاهَا فَتَرَكَ الطَّلَبَ لَا تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ إذَا اتَّفَقَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي أَنَّ الشَّفِيعَ عَلِمَ بِالشِّرَاءِ مِنْهُ أَيَّامًا ثُمَّ اخْتَلَفَا بَعْدَ ذَلِكَ فِي الطَّلَبِ فَقَالَ الشَّفِيعُ طَلَبْت مُنْذُ عَلِمْت وَقَالَ الْمُشْتَرِي مَا طَلَبْت الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي عَلِمْت قَبْلَ ذَلِكَ وَلَمْ تَطْلُبْ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الشَّفِيعِ وَفِي نَوَادِرِ أَبِي يُوسُفَ إذَا قَالَ الشَّفِيعُ طَلَبْت الشُّفْعَةَ حِينَ عَلِمْت فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ عَلِمْت أَمْسِ وَطَلَبْت أَوْ كَانَ الْبَيْعُ أَمْسِ وَطَلَبْتهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لَمْ يُصَدَّقْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ. وَهَكَذَا ذَكَرَ الْخَصَّافُ فِي أَدَبِ الْقَاضِي حُكِيَ عَنْ الشَّيْخِ عَبْدِ الْوَاحِدِ الشَّيْبَانِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ إذَا قَالَ الشَّفِيعُ عَلِمْت بِالشِّرَاءِ وَطَلَبْت طَلَبَ الْمُوَاثَبَةِ لَا يُقْبَلُ بِلَا بَيِّنَةٍ مِنْهُ لَكِنْ إذَا قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ عَلِمْت مُنْذُ كَذَا وَطَلَبْت لَا يُصَدَّقُ عَلَى الطَّلَبِ وَلَوْ قَالَ مَا عَلِمْت إلَّا السَّاعَةَ يَكُونُ كَاذِبًا فَالْحِيلَةُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ لِإِنْسَانٍ أَخْبِرْنِي بِالشِّرَاءِ ثُمَّ يَقُولُ الْآنَ أُخْبِرْت فَيَكُونُ صَادِقًا. وَإِنْ أُخْبِرَ قَبْلَ ذَلِكَ كَمَا فِي الصَّغِيرَةِ إذَا بَلَغَتْ فِي نِصْفِ اللَّيْلِ وَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا وَأَرَادَتْ أَنْ تُشْهِدَ عَلَى ذَلِكَ تَقُولُ حِضْت الْآنَ وَلَا تَقُولُ حِضْت نِصْفَ اللَّيْلِ وَاخْتَرْت نَفْسِي، فَإِنَّهَا لَا تُصَدَّقُ فِي اخْتِيَارِهَا نَفْسِهَا لَكِنْ تَقُولُ عَلَى نَحْوِ مَا سَبَقَ وَتَكُونُ صَادِقَةً فِي قَوْلِهَا الْآنَ حِضْت وَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ فِي نَوَادِرِهِ إنْ كَانَ الشَّفِيعُ قَدْ طَلَبَ الشُّفْعَةَ مِنْ الْمُشْتَرِي فِي الْوَقْتِ الْمُتَقَدِّمِ وَيَخْشَى أَنَّهُ إذَا أَقَرَّ بِذَلِكَ يَحْتَاجُ إلَى الْبَيِّنَةِ فَقَالَ أُخْبِرْت وَأَنَا أَطْلُبُ الشُّفْعَةَ يَسَعُهُ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ وَيَحْلِفَ عَلَى ذَلِكَ وَيَسْتَثْنِيَ فِي يَمِينِهِ، وَإِنْ قَالَ الشَّفِيعُ كُنْت طَلَبْت الشُّفْعَةَ حِينَ عَلِمْت بِالْبَيْعِ وَأَنْكَرَ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ وَطَلَبَ الشَّفِيعُ يَمِينَ الْمُشْتَرِي ذَكَرَ فِي الْهَارُونِيِّ وَأَدَبِ الْقَاضِي لِلْخَصَّافِ أَنَّهُ يَحْلِفُ الْمُشْتَرِي عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ أَنَّهُ مَا طَلَبَ شُفْعَتَهُ وَأَنَّهُ مَا طَلَبَ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ خِلَافًا وَذَكَرَ الْفَقِيهُ أَنَّهُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أُحَلِّفُهُ عَلَى الْبَتِّ بِاَللَّهِ تَعَالَى مَا طَلَبْت شُفْعَتَهُ حِينَ بَلَغَك الشِّرَاءُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 147 فَإِنْ قَالَ الْمُشْتَرِي لِلْقَاضِي حَلِّفْهُ بِاَللَّهِ لَقَدْ طَلَبَ هَذِهِ الشُّفْعَةَ طَلَبًا صَحِيحًا سَاعَةَ عَلِمَ بِالشِّرَاءِ مِنْ غَيْرِ تَأْخِيرٍ حَلَّفَهُ الْقَاضِي عَلَى ذَلِكَ، وَإِنْ أَقَامَ الْمُشْتَرِي بَيِّنَةً أَنَّ الشَّفِيعَ عَلِمَ بِالْبَيْعِ مُنْذُ زَمَانٍ وَلَمْ يَطْلُبْ الشُّفْعَةَ وَأَقَامَ الشَّفِيعُ بَيِّنَةً أَنَّهُ طَلَبَ الشُّفْعَةَ حِينَ عَلِمَ بِالْمَبِيعِ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الشَّفِيعِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ الْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمُشْتَرِي وَفِي فَتَاوَى أَبِي اللَّيْثِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْمُشْتَرِي إذَا أَنْكَرَ طَلَبَ الشُّفْعَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ فَبَعْدَ ذَلِكَ يَنْظُرُ عِنْدَ سَمَاعِ الْبَيْعِ يَحْلِفُ عَلَى الْعِلْمِ بِاَللَّهِ مَا تَعْلَمُ أَنَّ الشَّفِيعَ حِينَ سَمِعَ الْبَيْعَ طَلَبَ الشُّفْعَةَ، وَإِنْ أَنْكَرَ طَلَبَهُ عِنْدَ اللِّقَاءِ يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ فِي سَمَاعِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ لَا تَسْقُطُ بِالتَّأْخِيرِ) يَعْنِي لَا تَسْقُطُ الشُّفْعَةُ بِتَأْخِيرِ هَذَا الطَّلَبِ وَهُوَ طَلَبُ الْأَخْذِ بَعْدَمَا اسْتَقَرَّتْ شُفْعَتُهُ بِالْإِشْهَادِ وَهَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ وَأَبِي يُوسُفَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَفِي الْعَيْنِيِّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ وَعَنْ الثَّانِي إذَا تَرَكَ الْمُخَاصَمَةَ فِي مَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ الْقَاضِي مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ إنْ أَخَّرَ إلَى شَهْرٍ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ لِتَغَيُّرِ أَحْوَالِ النَّاسِ فِي قَصْدِ الْإِضْرَارِ بِالْغَيْرِ وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا أَخَّرَ بِغَيْرِ عُذْرٍ وَلَوْ كَانَ بِعُذْرٍ مِنْ مَرَضٍ أَوْ حَبْسٍ وَلَمْ يُمْكِنْهُ التَّوْكِيلُ أَوْ قَاضٍ لَا يَرَى الشُّفْعَةَ بِالْجِوَارِ فِي بَلْدَتِهِ لَا تَسْقُطُ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ لِكَوْنِهِ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْخُصُومَةِ فِي مِصْرِهِ وَجْهُ قَوْلِ الْإِمَامِ أَنَّ حَقَّهُ قَدْ تَقَرَّرَ فَلَا يَسْقُطُ بِالتَّأْخِيرِ بَعْدَ ذَلِكَ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الضَّرَرِ يُمْكِنُ دَفْعُهُ بِأَنْ يَرْفَعَ الْمُشْتَرِي الْأَمْرَ إلَى الْحَاكِمِ فَيُؤْمَرُ الشَّفِيعُ بِالْأَخْذِ أَوْ التَّرْكِ عَلَى أَنَّهُ مُشْكِلٌ فِيمَا إذَا كَانَ الشَّفِيعُ غَائِبًا حَيْثُ لَا يَسْقُطُ بِالتَّأْخِيرِ وَلَوْ كَانَ ضَرُورَةً تُرَاعَى لَسَقَطَتْ إذْ لَا فَرْقَ فِي الضَّرَرِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا وَفِي الْكَافِي لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْبَلْدَةِ قَاضٍ لَا تَبْطُلُ بِالتَّأْخِيرِ بِالْإِجْمَاعِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ طَلَبَ عِنْدَ الْقَاضِي سَأَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَإِنْ أَقَرَّ بِمِلْكِ مَا يَشْفَعُ بِهِ أَوْ نَكَلَ أَوْ بَرْهَنَ الشَّفِيعُ سَأَلَهُ عَنْ الشِّرَاءِ، فَإِنْ أَقَرَّ أَوْ نَكَلَ أَوْ بَرْهَنَ الشَّفِيعُ قَضَى بِهَا) يَعْنِي إذَا تَقَدَّمَ الشَّفِيعُ وَادَّعَى الشِّرَاءَ وَطَلَبَ الشُّفْعَةَ عِنْدَ الْقَاضِي سَأَلَ الْقَاضِي الْمُشْتَرِيَ عَنْ الدَّارِ الَّتِي يَشْفَعُ بِهَا الشَّفِيعُ هَلْ هِيَ مِلْكُ الشَّفِيعِ أَمْ لَا، وَإِنْ أَقَرَّ بِأَنَّهَا مِلْكُهُ أَوْ أَنْكَرَ أَوْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ أَوْ أَقَامَ الشَّفِيعُ بَيِّنَةً أَنَّهَا مِلْكُهُ سَأَلَ الْقَاضِي الْمُدَّعِيَ عَنْ الشِّرَاءِ فَيَقُولُ لَهُ هَلْ اشْتَرَيْت أَوْ لَا، فَإِنْ أَقَرَّ بِأَنَّهُ اشْتَرَى أَوْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ أَوْ أَقَامَ الشَّفِيعُ بَيِّنَةً فَقَضَى بِالشُّفْعَةِ لِثُبُوتِهِ عِنْدَهُ وَهَذَا هُوَ طَلَبُ الْأَخْذِ الْمَوْعُودِ بِهِ فَذَكَرَ هُنَا سُؤَالَ الْقَاضِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ مِلْكِ الشَّفِيعِ أَوَّلًا عَقِيبَ طَلَبِ الشُّفْعَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْقَاضِي يَسْأَلُ أَوَّلًا الْمُدَّعِيَ قَبْلَ أَنْ يُقْبِلَ عَلَى الْمُدَّعِي عَلَيْهِ عَنْ مَوْضِعِ الدَّارِ مِنْ مِصْرٍ وَمَحَلَّتِهَا وَحُدُودِهَا؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى فِيهَا حَقًّا فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا؛ لِأَنَّ دَعْوَى الْمَجْهُولِ لَا تَصِحُّ، فَإِنْ بَيَّنَ ذَلِكَ سَأَلَهُ هَلْ قَبَضَ الْمُشْتَرِي الدَّارَ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَقْبِضْهَا لَمْ تَصِحَّ دَعْوَاهُ عَلَى الْمُشْتَرِي حَتَّى يَحْضُرَ الْبَائِعُ، فَإِذَا بَيَّنَ ذَلِكَ سَأَلَهُ عَنْ سَبَبِ شُفْعَتِهِ وَعَنْ حُدُودِ مَا يَشْفَعُ بِهِ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَلَعَلَّهُ ادَّعَاهُ بِسَبَبٍ غَيْرِ صَحِيحٍ أَوْ يَكُونُ مَحْجُوبًا بِغَيْرِهِ، فَإِنْ بَيَّنَ سَبَبًا صَالِحًا وَلَمْ يَكُنْ مَحْجُوبًا بِغَيْرِهِ سَأَلَهُ مَتَى عَلِمَ وَكَيْفَ صَنَعَ حِينَ عَلِمَ؛ لِأَنَّهَا تَبْطُلُ بِطُولِ الزَّمَانِ وَبِالْإِعْرَاضِ وَبِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ فَلَا بُدَّ مِنْ كَشْفِ ذَلِكَ وَسَأَلَهُ عَنْ طَلَبِ التَّقْرِيرِ كَيْفَ كَانَ وَعَمَّنْ أَشْهَدَ وَهَلْ كَانَ الَّذِي اسْتَشْهَدَ عِنْدَهُ أَقْرَبَ مِنْ غَيْرِهِ أَوْ لَا، فَإِذَا بَيَّنَ ذَلِكَ كُلَّهُ وَلَمْ يُخِلَّ بِشَيْءٍ مِنْ شُرُوطِهِ تَمَّتْ دَعْوَاهُ وَأَقْبَلَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَسَأَلَ كَمَا ذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ، فَإِذَا عَجَزَ الشَّفِيعُ عَنْ الْبَيِّنَةِ وَطَلَبَ يَمِينَ الْمُشْتَرِي اسْتَحْلَفَهُ الْقَاضِي بِاَللَّهِ مَا تَعْلَمُ أَنَّهُ مَالِكٌ لِلَّذِي ذَكَرَهُ مِمَّا يَشْفَعُ بِهِ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ الدَّارَ فِي يَدِ غَيْرِهِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي عَلَيْهِ اسْتِحْقَاقَ الشُّفْعَةِ بِهَذَا السَّبَبِ وَبَعْدَ ذَلِكَ سَأَلَ الْقَاضِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَيَقُولُ هَلْ اشْتَرَيْت أَمْ لَا، فَإِنْ أَنْكَرَ الشِّرَاءَ قَالَ لِلشَّفِيعِ أَقِمْ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ لَا تَجِبُ إلَّا بِالشِّرَاءِ فَلَا بُدَّ مِنْ إثْبَاتِهِ بِالْحُجَّةِ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَطَلَبَ يَمِينَ الْمُشْتَرِي اسْتَحْلَفَهُ بِاَللَّهِ مَا اشْتَرَى أَوْ بِاَللَّهِ مَا يَسْتَحِقُّ فِي هَذِهِ الدَّارِ شُفْعَةً مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ فَهَذَا تَحْلِيفٌ عَلَى الْحَاصِلِ وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ وَمُحَمَّدٍ وَالْأَوَّلُ عَلَى السَّبَبِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ، وَإِنَّمَا يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ؛ لِأَنَّهُ تَحْلِيفٌ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ، فَإِنْ نَكَلَ أَوْ أَقَرَّ أَوْ أَقَامَ الشَّفِيعُ بَيِّنَةً قَضَى بِهِ لِظُهُورِ الْحَقِّ بِالْحُجَّةِ وَفِي الْجَوْهَرَةِ قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هَذِهِ الدَّارُ فِي يَدِهِ وَلَكِنَّهَا لَيْسَتْ مِلْكَهُ قَالَ الْأَوَّلُ وَالثَّالِثُ لَا يَقْضِي لَهُمْ حَتَّى يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا مِلْكُهُ وَعَنْ الثَّانِي إذَا أَقَرَّ بِالْيَدِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الشَّفِيعِ أَنَّهَا مِلْكُهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَلْزَمُ الشَّفِيعَ إحْضَارُ الثَّمَنِ وَقْتَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 148 الدَّعْوَى) بَلْ يَجُوزُ لَهُ الْمُنَازَعَةُ، وَإِنْ لَمْ يُحْضِرْ الثَّمَنَ إلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي، فَإِنْ قَضَى لَهُ بِالشُّفْعَةِ يَأْمُرُهُ بِإِحْضَارِ الثَّمَنِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يَقْضِي لَهُ بِالشُّفْعَةِ حَتَّى يُحْضِرَ الثَّمَنَ احْتِرَازًا طَلَبُ الشَّفِيعُ الشُّفْعَةَ وَرَافَعَهُ إلَى الْقَاضِي وَالْقَاضِي يُؤَجِّلُهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لِنَقْدِ الثَّمَنِ، فَإِنْ جَاءَ بِهِ إلَى هَذِهِ الْمُدَّةِ وَإِلَّا أَبْطَلَ شُفْعَتَهُ وَفِي فَتَاوَى أَبِي اللَّيْثِ الشَّفِيعُ إذَا طَلَبَ الشُّفْعَةَ فَقَالَ الْمُشْتَرِي هَاتِ الدَّرَاهِمَ وَخُذْ شُفْعَتَك، فَإِنْ أَمْكَنَهُ إحْضَارُ الدَّرَاهِمِ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَإِلَّا بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ وَفِي الْحَاوِي أَنَّهَا تَبْطُلُ وَفِي جَامِعِ الْفَتَاوَى الْفَتْوَى الْيَوْمُ عَلَى قَوْلِ الْحَاوِي. اهـ. ثُمَّ إذَا قَضَى الْقَاضِي بِالشُّفْعَةِ قَبْلَ إحْضَارِ الثَّمَنِ فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَحْبِسَ الْعَقَارَ عَنْهُ حَتَّى يَدْفَعَ الثَّمَنَ إلَيْهِ وَيَنْفُذُ الْقَضَاءُ عِنْدَ الْقَاضِي مُحَمَّدٍ وَلَوْ أَخَّرَ دَفْعَ الثَّمَنِ بَعْدَمَا قَالَ لَهُ ادْفَعْ لَا تَبْطُلُ بِالْإِجْمَاعِ لِتَأَكُّدِهِ بِالْقَضَاءِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَخَّرَ قَبْلَ الْقَضَاءِ بَعْدَ الْإِشْهَادِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ حَيْثُ يَبْطُلُ لِعَدَمِ تَأَكُّدِهِ وَفِي الْجَوْهَرَةِ، فَإِنْ طَلَبَ تَأْجِيلًا فِي الثَّمَنِ يُؤَجِّلُهُ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، فَإِنْ سَلَّمَ وَإِلَّا حَبَسَهُ الْقَاضِي حَتَّى يَدْفَعَ الثَّمَنَ وَلَا يَنْقُضُ الْقَضَاءُ بِالشُّفْعَةِ وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ اخْتَصَمَا إلَى الْقَاضِي يُؤَجِّلُ الشَّفِيعَ قَدْرَ مَا يَرَى لِإِحْضَارِ الثَّمَنِ، فَإِنْ أَحْضَرَ فِي الْمُدَّةِ قَضَى لَهُ وَإِلَّا بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَفِي ابْنِ فِرِشْتَا بَاعَ الْمُشْتَرِي الدَّارَ أَوْ وَهَبَهَا مِنْ غَيْرِهِ ثُمَّ غَابَ الْأَوَّلُ فَادَّعَى الشَّفِيعُ عَلَى الْحَاضِرِ الَّذِي هُوَ الْمُشْتَرِي الثَّانِي أَوْ الْمَوْهُوبُ لَهُ فَأَنْكَرَ الْحَاضِرُ فَأَرَادَ الشَّفِيعُ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ هُوَ خَصْمُهُ فَتُقَامُ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ وَقَالَا لَا يَكُونُ خَصْمًا وَلَا تُقَامُ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ لَهُمَا أَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ قَصْدًا لَا يَجُوزُ وَفِي جَعْلِهِ خَصْمًا إبْطَالُ حَقِّ الْغَائِبِ قَصْدًا فَلَا يَجُوزُ بِخِلَافِ مَا إذَا صَدَّقَهُ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ حُجَّةٌ قَاصِرَةٌ فَلَا تَعْدُو عَنْ نَفْسِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَخَاصَمَ الْبَائِعَ وَلَوْ فِي يَدِهِ) يَعْنِي لِلشَّفِيعِ أَنْ يُخَاصِمَ الْبَائِعَ إذَا كَانَ الْمَبِيعُ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ لَهُ يَدًا مُحِقَّةً أَصَالَةً فَكَانَ خَصْمًا كَالْمَالِكِ بِخِلَافِ الْمُودِعِ وَالْمُسْتَعِيرِ وَنَحْوِهِمَا؛ لِأَنَّ يَدَهُمْ لَيْسَتْ أَصَالَةً فَلَا يَكُونُ خَصْمًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا تُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ حَتَّى يَحْضُرَ الْمُشْتَرِي فَيَفْسَخُ الْبَيْعُ بِمَشْهَدِهِ وَالْعُهْدَةُ عَلَى الْبَائِعِ) ؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ مَقْصُودُهُ أَنْ يَسْتَحِقَّ الْمِلْكَ وَالْيَدَ فَيَقْضِي الْقَاضِي بِهِمَا لَهُ فَلَا يُشْتَرَطُ حُضُورُ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي لِلْقَضَاءِ عَلَيْهِمَا بِهِمَا؛ لِأَنَّ لِأَحَدِهِمَا يَدًا وَلِلْآخَرِ مِلْكًا فَلَا بُدَّ مِنْ اجْتِمَاعِهِمَا؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ لَا يَجُوزُ وَلِأَنَّ أَخْذَهُ مِنْ يَدِ الْبَائِعِ يُوجِبُ فَوَاتَ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَفَوَاتُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ يُوجِبُ الْفَسْخَ لِكَوْنِهِ قَبْلَ تَمَامِهِ كَمَا إذَا هَلَكَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَلَا يَجُوزُ الْفَسْخُ عَلَيْهِمَا إلَّا بِحَضْرَتِهِمَا بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْقَبْضِ حَيْثُ لَا يُشْتَرَطُ حُضُورُ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ قَدْ انْتَهَى بِالتَّسْلِيمِ وَصَارَ الْبَائِعُ أَجْنَبِيًّا عَنْهُمَا. ثُمَّ وَجْهُ هَذَا الْفَسْخِ الْمَذْكُورِ هُنَا أَنْ يُجْعَلَ فَسْخًا فِي حَقِّ الْإِضَافَةِ إلَى الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ قَدْ فَاتَ بِالْأَخْذِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَهُوَ يُوجِبُ الْفَسْخَ فَقُلْنَا بِأَنَّهُ انْفَسَخَ بِالْإِضَافَةِ إلَى الْمُشْتَرِي وَبَقِيَ أَصْلُ الْعَقْدِ مُضَافًا إلَى الشَّفِيعِ قَائِمًا مَقَامَ الْمُشْتَرِي كَأَنَّ الْبَائِعَ بَاعَهُ لَهُ وَخَاطَبَهُ بِالْإِيجَابِ فَجَعَلَ الْعَقْدَ مُتَحَوِّلًا إلَى الشَّفِيعِ فَلَمْ يَنْفَسِخْ أَصْلُهُ، وَإِنَّمَا انْفَسَخَ إضَافَتُهُ إلَى الْمُشْتَرِي وَنَظِيرُهُ فِي الْمَحْسُوسَاتِ مَنْ رَمَى سَهْمًا إلَى شَخْصٍ فَتَقَدَّمَ غَيْرُهُ فَأَصَابَهُ فَالرَّمْيُ بِنَفْسِهِ لَمْ يُنْقَضُ، وَإِنَّمَا انْتَقَضَ التَّوَجُّهُ إلَى الْأَوَّلِ بِتَخَلُّلِ الثَّانِي وَهَذَا اخْتِيَارُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ تَنْتَقِلُ الدَّارُ مِنْ الْمُشْتَرِي إلَى الشَّفِيعِ بِعَقْدٍ جَدِيدٍ وَلَوْ كَانَ بِطَرِيقِ التَّحْوِيلِ لَمْ يَكُنْ لِلشَّفِيعِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي رَآهَا وَلَمَّا كَانَ لَهُ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي أَبْرَأ الْبَائِعَ مِنْ ذَلِكَ الْعَيْبِ، وَالْجَوَابُ أَنَّ الْعَقْدَ يَقْتَضِي سَلَامَةَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ لِلشَّفِيعِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْ الشَّفِيعِ مَا يُبْطِلُ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ وَالْعَيْبِ فَلَهُ ذَلِكَ وَالْمُرَادُ بِالْعُهْدَةِ ضَمَانُ الثَّمَنِ عِنْدَ الِاسْتِحْقَاقِ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الثَّانِي إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي نَقَدَ الثَّمَنَ وَلَمْ يَقْبِضْ الدَّارَ حَتَّى قَضَى الْقَاضِي لِلشَّفِيعِ بِالشُّفْعَةِ فَيَنْقُدُ الشَّفِيعُ الثَّمَنَ لِلْمُشْتَرِي فَالْعُهْدَةُ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ وَدَفَعَ الشَّفِيعُ الثَّمَنَ إلَى الْبَائِعِ فَالْعُهْدَةُ عَلَى الْبَائِعِ وَإِذَا رَدَّ الشَّفِيعُ الدَّارَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بِعَيْبٍ فَرَدَّهُ عَلَى الْبَائِعِ أَوْ عَلَى الْمُشْتَرِي بِقَضَاءٍ فَأَرَادَ الْمُشْتَرِي أَنْ يَأْخُذَ بِشِرَائِهِ صَحَّ لَهُ وَإِذَا أَرَادَ الْبَائِعُ أَنْ يَرُدَّهَا عَلَى الْمُشْتَرِي بِحُكْمِ ذَلِكَ الشِّرَاءِ فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهَا، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهَا وَحَكَى فِي كِتَابِ الشَّفِيعِ شِرَاءَ الْمُشْتَرِي أَوَّلًا ثُمَّ رَتَّبَ عَلَيْهِ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ خَصْمٌ مَا لَمْ يُسْلِمْ إلَى الْمُوَكِّلِ) ؛ لِأَنَّ الْخُصُومَةَ فِيهِ مِنْ حُقُوقِ الْعَقْدِ وَهِيَ إلَى الْعَاقِدِ أَصِيلًا كَانَ أَوْ وَكِيلًا وَلِهَذَا لَوْ كَانَ الْبَائِعُ وَكِيلًا كَانَ لِلشَّفِيعِ أَنْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 149 يُخَاصِمَهُ وَيَأْخُذَهَا مِنْهُ بِحُضُورِ الْمُشْتَرِي كَمَا إذَا كَانَ الْبَائِعُ هُوَ الْمَالِكُ إلَّا أَنَّهُ إذَا سَلَّمَهَا إلَى الْمُوَكِّلِ لَا يَدَ لِلْوَكِيلِ وَلَا مِلْكَ لَهُ وَلَا يَكُونُ خَصْمًا بَعْدَهُ فَصَارَ كَالْبَائِعِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ خَصْمًا مَا لَمْ يُسَلِّمْهُ إلَى الْمُشْتَرِي، فَإِذَا سَلَّمَهَا إلَيْهِ لَمْ يَبْقَ لَهُ يَدٌ وَلَا مِلْكٌ فَيَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ خَصْمًا غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لِلْقَضَاءِ حُضُورُ الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ نَائِبٌ عَنْهُ وَالْأَبُ وَالْوَصِيُّ كَالْوَكِيلِ وَظَاهِرُ الْعِبَارَةِ أَنَّهُ خَصْمٌ مَا لَمْ يُسْلِمْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْوَكَالَةِ أَوْ لَا أَشْهَدَ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا لِفُلَانٍ أَوْ لَا وَفِي جَامِعِ الْفَتَاوَى عَنْ الثَّانِي فِيمَنْ اشْتَرَى دَارًا فَقَالَ عِنْدَ عَقْدِ الْبَيْعِ اشْتَرَيْتهَا لِفُلَانٍ وَأُشْهِدُ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ جَاءَ الشَّفِيعُ يَطْلُبُهَا فَهُوَ خَصْمٌ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ فُلَانًا وَكَّلَهُ فَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ خَصْمًا وَفِي الْأَصْلِ إذَا قَالَ الْمُشْتَرِي قَبْلَ أَنْ يُخَاصِمَ فِي الشُّفْعَةِ اشْتَرَيْت هَذِهِ لِفُلَانٍ وَسَلَّمَهَا إلَيْهِ ثُمَّ حَضَرَ الشَّفِيعُ فَلَا خُصُومَةَ بَيْنَهُمَا وَلَوْ أَقَرَّ بِذَلِكَ بَعْدَمَا خَاصَمَهُ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ وَلَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ لَمْ تُقْبَلْ وَفِي الْمُنْتَقَى مِثْلُ مَا فِي جَامِعِ الْفَتَاوَى وَفِي السِّرَاجِيَّةِ وَكِيلٌ بَاعَ دَارًا وَقَبَضَهَا الْمُشْتَرِي فَوَكَّلَ الشَّفِيعُ الْبَائِعَ فِي أَخْذِهَا فِي الشُّفْعَةِ لَمْ يَصِحَّ وَفِي الْكَافِي إذَا كَانَ الْبَائِعُ وَكِيلَ الْغَائِبِ فَلِلشَّفِيعِ أَخْذُهَا مِنْهُ إذَا كَانَتْ فِي يَدِهِ وَلَوْ سَلَّمَهَا إلَى الْمُوَكِّلِ لَا يَطْلُبُ وَلَا يَأْخُذُهَا مِنْهُ وَفِي فَتَاوَى سَمَرْقَنْدَ إذَا وَكَّلَ رَجُلًا بِبَيْعِ دَارِهِ فَبَاعَهَا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ثُمَّ حَطَّ الْمُشْتَرِي مِائَةَ دِرْهَمٍ وَضَمِنَ ذَلِكَ الْأَمْرَ فَلَيْسَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ إلَّا بِأَلْفٍ. اهـ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة لَوْ اشْتَرَى لِغَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَهُوَ خَصْمٌ مَا لَمْ يُسْلِمْ الْعَيْنَ لِمَنْ اشْتَرَاهَا لَهُ فَلَوْ قَالَ الْمُؤَلِّفُ وَالْمُشْتَرِي لِغَيْرِهِ خَصْمٌ مَا لَمْ يُسْلِمْ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يَشْمَلُ الْفُضُولِيَّ وَالْأَبَ وَالْوَصِيَّ وَيُفِيدُ أَنَّ الْوَكَالَةَ لَيْسَتْ بِقَيْدٍ [لِلشَّفِيعِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَالْعَيْبِ] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِلشَّفِيعِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَالْعَيْبِ، وَإِنْ شَرَطَ الْمُشْتَرِي الْبَرَاءَةَ مِنْهُ) ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ شِرَاءٌ مِنْ الْمُشْتَرِي إنْ كَانَ الْأَخْذُ بَعْدَ الْقَبْضِ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ فَهُوَ مِنْ الْبَائِعِ لِيُحَوِّلَ الصَّفْقَةَ إلَيْهِ فَيَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارَانِ كَمَا إذَا اشْتَرَى مِنْهُمَا وَلَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ بِرُؤْيَةِ الْمُشْتَرِي وَلَا تُشْتَرَطُ الْبَرَاءَةُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَيْسَ بِنَائِبٍ عَنْ الشَّفِيعِ فَلَا يَعْمَلُ شَرْطُهُ وَرُؤْيَتُهُ فِي حَقِّهِ. اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ اخْتَلَفَ الشَّفِيعُ وَالْمُشْتَرِي فِي الثَّمَنِ فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي) ؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ يَدَّعِي عَلَيْهِ اسْتِحْقَاقَ الْأَخْذِ عِنْدَ نَقْدِ الْأَقَلِّ وَالْمُشْتَرِيَ يُنْكِرُ ذَلِكَ وَالْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ وَلَا يَتَحَالَفَانِ؛ لِأَنَّ التَّحَالُفَ عُرِفَ بِالنَّصِّ فِيمَا إذَا وُجِدَ الْإِنْكَارُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَالدَّعْوَى مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَالْمُشْتَرِي لَا يَدَّعِي عَلَى الشَّفِيعِ شَيْئًا فَلَا يَكُونُ الشَّفِيعُ مُنْكِرًا فَلَا يَكُونُ فِي مَعْنَى مَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ فَامْتَنَعَ الْقِيَاسُ. اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلِ: قَوْلِهِ: لِأَنَّ التَّحَالُفَ عُرِفَ بِالنَّصِّ فِيمَا إذَا وُجِدَ الْإِنْكَارُ فِيهِ وَلَا دَعْوَى إلَّا مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ كَمَا إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ بَعْدَ الْقَبْضِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى. الثَّانِي قَوْلِهِ فَامْتَنَعَ الْقِيَاسُ لَا يَخْفَى أَنَّ امْتِنَاعَ الْقِيَاسِ هَاهُنَا لَا يُتِمُّ الْمَطْلُوبَ فَحَقُّ الْعِبَارَةِ أَنْ يَقُولَ فَلَا يَلْحَقُ بِهِ لِيَعُمَّ الْقِيَاسَ وَالدَّلَالَةَ وَأَطْلَقَ الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَشَمِلَ مَا إذَا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ قَبْلَ قَبْضِ الدَّرَاهِمِ وَنَقْدِ الثَّمَنِ أَوْ بَعْدَهُمَا قَبْلَ التَّسْلِيمِ إلَى الشَّفِيعِ أَوْ بَعْدَهُ لَكِنْ فِي التَّتَارْخَانِيَّة اشْتَرَى دَارًا وَقَبَضَهَا وَنَقَدَ الثَّمَنَ ثُمَّ اخْتَلَفَ الشَّفِيعُ وَالْمُشْتَرِي فِي الثَّمَنِ فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي. اهـ. وَلَوْ قَالَ فِي بَدَلِ الدَّارِ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يَشْمَلُ الثَّمَنَ وَالْعُرُوضَ؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا إذَا كَانَ ثَمَنُ الدَّارِ دَرَاهِمَ أَوْ عُرُوضًا كَمَا أَشَارَ إلَى ذَلِكَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ حَيْثُ قَالَ اخْتَلَفَ الشَّفِيعُ وَالْمُشْتَرِي فِي قِيمَةِ الْعُرُوضِ الَّذِي هُوَ بَدَلُ الدَّارِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي، وَإِنْ أَقَامَا جَمِيعًا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمُشْتَرِي أَيْضًا وَفِي الْمُنْتَقَى رَجُلٌ اشْتَرَى دَارًا وَقَبَضَهَا فَجَاءَ الشَّفِيعُ يُطَالِبُ الشُّفْعَةَ فَقَالَ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْت بِأَلْفَيْنِ وَقَالَ الشَّفِيعُ بِأَلْفٍ وَلَا بَيِّنَةَ فَحَلَفَ الْمُشْتَرِي وَأَخَذَهَا الشَّفِيعُ بِأَلْفَيْنِ ثُمَّ قَدِمَ شَفِيعٌ آخَرُ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّهُ اشْتَرَاهَا بِأَلْفٍ فَيَأْخُذُ نِصْفَ الدَّارِ بِخَمْسِمِائَةٍ وَيَرْجِعُ الشَّفِيعُ الْأَوَّلُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِخَمْسِمِائَةٍ نَصِيبِ حِصَّةِ النِّصْفِ الَّذِي أَخَذَهُ الثَّانِي وَيُقَالُ لِلشَّفِيعِ الْأَوَّلِ إنْ شِئْت فَأَعِدْ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُشْتَرِي مِنْ قِبَلِ النِّصْفِ الَّذِي فِي يَدِك وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَك وَلَوْ كَانَ لَهُمَا شَفِيعَانِ فَقَالَ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْتهَا بِأَلْفٍ وَصَدَّقَهُ الشَّفِيعُ فِي ذَلِكَ بِأَلْفٍ ثُمَّ جَاءَ الشَّفِيعُ الثَّانِي وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا بِخَمْسِمِائَةٍ فَالشَّفِيعُ الثَّانِي يَأْخُذُ مِنْ الشَّفِيعِ الْأَوَّلِ نِصْفَهَا مِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ وَيَرْجِعُ الشَّفِيعُ الْأَوَّلُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِخَمْسِمِائَةٍ وَفِي الْعَتَّابِيَّةِ اشْتَرَى دَارًا فَجَاءَ الشَّفِيعُ وَأَخَذَهَا مِنْ الْمُشْتَرِي بِقَوْلِهِ: إنَّهَا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ثُمَّ وَجَدَ بَيِّنَةً أَنَّهُ اشْتَرَاهَا بِخَمْسِمِائَةٍ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ وَلَوْ صَدَّقَ الْمُشْتَرِي أَوْ لَا فَبَيِّنَتُهُ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ لَا تُقْبَلُ إذَا وَقَعَ بَعْدَ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ إلَى الشَّفِيعِ. قَالَ فِي الْحَاوِي سُئِلَ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 150 تَنَازَعَ فِي الثَّمَنِ الْمُشْتَرِي وَالشَّفِيعُ بَعْدَمَا سَلَّمَ الْمُشْتَرِي إلَى الشَّفِيعِ قَالَ لَا يَأْخُذُهَا إلَّا بِرِضَا الْمُشْتَرِي وَأَنْ يَثْبُتَ مَا قَالَهُ الشَّفِيعُ ثُمَّ يَأْخُذَ بِذَلِكَ وَفِي قَاضِي خان اشْتَرَى دَارًا بِالْكُوفَةِ بِكُرِّ حِنْطَةٍ تَغَيَّرَ عَيْنُهُ فَخَاصَمَ الشَّفِيعُ إلَى الْقَاضِي بِمَرْوَانَ وَقَضَى لَهُ بِالشُّفْعَةِ ذَكَرَ فِي النَّوَادِرِ أَنَّهُ إنْ كَانَ قِيمَةُ الْكُوفِيِّ فِي الْمَوْضِعَيْنِ سَوَاءٌ أَعْطَاهُ الشَّفِيعُ الْكُرَّ حَيْثُ قَضَى لَهُ الْقَاضِي، وَإِنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ مُتَفَاضِلَةً، فَإِنْ كَانَ الْكُرُّ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يُرِيدُ الشَّفِيعُ أَنْ يُعْطِيَهُ الْقِيمَةَ فِي ذَلِكَ إلَى الشَّفِيعِ يُعْطِيهِ حَيْثُ شَاءَ، وَإِنْ كَانَ أَرْخَصَ وَرَضِيَ الْمُشْتَرِي بِذَلِكَ أَعْطَاهُ الشَّفِيعُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَكُونُ قِيمَتُهُ مِثْلَ قِيمَتِهِ فِي مَوْضِعِ الشِّرَاءِ. اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ بَرْهَنَا فَلِلشَّفِيعِ) يَعْنِي وَلَوْ قَامَا فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الشَّفِيعِ وَهَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالشَّافِعِيُّ الْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الزِّيَادَةَ وَالْبَيِّنَةُ الْمُثْبِتَةُ لِلزِّيَادَةِ أَوْلَى كَمَا إذَا اخْتَلَفَ الْمُشْتَرِي وَالْبَائِعُ وَالْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ مَعَ الْمُوَكِّلِ فِي مِقْدَارِ الثَّمَنِ أَوْ الْمُشْتَرِي مِنْ الْعَدُوِّ مِنْ الْمَالِكِ الْقَدِيمِ فِي ثَمَنِ الْعَبْدِ الْمَأْسُورِ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ مُثْبِتِ الزِّيَادَةَ، فَإِنْ قُلْت الْبَيِّنَةُ إنَّمَا تُسْمَعُ مِنْ الْمُدَّعِي وَالْمُشْتَرِي لَا يَدَّعِي عَلَى الشَّفِيعِ شَيْئًا وَلِهَذَا لَا يَتَحَالَفَانِ بِالِاتِّفَاقِ فَلَزِمَ أَنْ لَا تَصِحَّ بَيِّنَتُهُ فَضْلًا عَنْ أَنْ تُرَجَّحَ عَلَى بَيِّنَةِ الشَّفِيعِ كَمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ قُلْت الْجَوَابُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ، وَإِنْ كَانَ مُدَّعًى عَلَيْهِ فِي الْحَقِيقَةِ إلَّا أَنَّهُ مُدَّعٍ صُورَةً حَيْثُ يَدَّعِي زِيَادَةَ الثَّمَنِ وَمَنْ كَانَ مُدَّعِيًا صُورَةً تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ إذَا أَقَامَهَا كَمَا فِي الْمُودِعِ إذَا ادَّعَى رَدَّ الْوَدِيعَةِ وَأَقَامَ عَلَيْهِ بَيِّنَةً عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَحَلِّهِ، أَمَّا الْحَلِفُ فَلَا يَجِبُ إلَّا عَلَى مُدَّعًى عَلَيْهِ حَقِيقَةً وَلَا يَجِبُ عَلَى مَنْ كَانَ مُدَّعًى عَلَيْهِ صُورَةً. أَلَا تَرَى الْمُودَعَ إذَا ادَّعَى رَدَّ الْوَدِيعَةِ عَلَى الْمُودِعِ وَعَجَزَ عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ الْحَلِفُ عَلَى الْمُودَعِ لِكَوْنِهِ مُنْكِرًا لِلضَّمَانِ حَقِيقَةً وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُودِعِ مَعَ كَوْنِهِ فِي صُورَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِرَدِّ الْوَدِيعَةِ وَلَهُمَا أَنَّ بَيِّنَةَ الشَّفِيعِ أَكْثَرُ إثْبَاتًا؛ لِأَنَّهَا مُلْزِمَةٌ لِلْمُشْتَرِي وَبَيِّنَةُ الْمُشْتَرِي لَيْسَتْ بِمُلْزِمَةٍ لِلشَّفِيعِ لِتَخَيُّرِهِ بَيْنَ الْأَخْذِ وَالتَّرْكِ وَلِأَنَّهُ لَا تَنَافِي فِي الْبَيِّنَتَيْنِ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ أَنْ يَعْمَلَ بِهِمَا بِأَنْ ثَبَتَ الْعَقْدَانِ فَيَأْخُذُ الْمُشْتَرِي بِأَيِّهِمَا شَاءَ فَلَا يُصَارُ إلَى التَّرْجِيحِ إلَّا عِنْدَ تَعَذُّرِ الْعَمَلِ بِهِمَا وَهُوَ نَظِيرُ مَا إذَا اخْتَلَفَ الْمَوْلَى وَالْعَبْدُ فَقَالَ الْمَوْلَى قُلْت لَك إذَا أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفَيْنِ فَأَنْت حُرٌّ وَقَالَ الْعَبْدُ قُلْت لِي إذَا أَدَّيْت أَلْفًا فَأَنْت حُرٌّ فَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْعَبْدِ إمَّا؛ لِأَنَّهُ تَلْزَمُهُ أَوْ؛ لِأَنَّهُ لَا تَنَافِي وَيَثْبُتُ التَّعْلِيقَانِ وَيُعْتَقُ الْعَبْدُ بِإِعْطَاءِ أَيِّ الْمَالَيْنِ شَاءَ بِخِلَافِ الْمَسَائِلِ الْمُسَلَّمِ بِهَا، فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْبَيِّنَةِ تَلْزَمُهُ حَتَّى يُخَيَّرَ كُلٌّ مِنْهُمَا وَلَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَأْخُذَ بِأَيِّهِمَا شَاءَ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ الثَّانِيَ يَكُونُ فَسْخًا لِلْأَوَّلِ فِي حَقِّهِمَا فَلَمَّا تَعَذَّرَ الْجَمْعُ صُرِفَا إلَى التَّرْجِيحِ بِالزِّيَادَةِ وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَا يَتَعَذَّرُ الْجَمْعُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ الْأَوَّلُ بِالْعَقْدِ الثَّانِي فِي حَقِّ الشَّفِيعِ فَيَأْخُذُ بِأَيِّ الْعَقْدَيْنِ شَاءَ وَلِهَذَا لَوْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ غَيْرِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِالْبَيْعِ الثَّانِي، وَإِنْ شَاءَ بِالْأَوَّلِ، أَمَّا الْوَكِيلُ مَعَ الْمُوَكِّلِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْبَيِّنَةَ بَيِّنَةُ الْمُوَكِّلِ فَلَا يَرِدُ وَالْفَرْقُ عَلَى الظَّاهِرِ أَنَّ الْوَكِيلَ مَعَ الْمُوَكِّلِ كَالْبَائِعِ مَعَ الْمُشْتَرِي. وَلِهَذَا يَجْرِي التَّحَالُفُ بَيْنَهُمَا، أَمَّا الْمَالِكُ الْقَدِيمُ مَعَ الْمُشْتَرِي فَقَدْ ذَكَرَ فِي السِّيَرِ أَنَّ الْبَيِّنَةَ بَيِّنَةُ الْمَالِكِ الْقَدِيمِ وَلَا يَرِدُ وَلَئِنْ سَلَّمْنَا فَفِيهَا الْعَمَلُ بِالْبَيِّنَتَيْنِ غَيْرُ مُمْكِنٍ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ الْأَوَّلَ يَنْفَسِخُ بِالثَّانِي فَوُجِدَ التَّعَارُضُ فَصِرْنَا إلَى التَّرْجِيحِ بِالزِّيَادَةِ، فَإِنْ قُلْت مَا وَجْهُ ظُهُورِ الْفَسْخِ فِي الْمِلْكِ الْقَدِيمِ وَعَدَمِ ظُهُورِهِ فِي حَقِّ الْفَسْخِ وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا قُلْت حَقُّ الشَّفِيعِ تَعَلَّقَ بِالدَّارِ مِنْ وَقْتِ وُجُودِ الْبَيْعِ الْأَوَّلِ، أَمَّا حَقُّ الْمَالِكِ الْقَدِيمِ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِالْعَبْدِ الْمَأْسُورِ إلَّا بَعْدَ الْإِخْرَاجِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ وَالْإِخْرَاجُ إلَيْهَا لَمْ يَكُنْ إلَّا بِالْبَيْعِ الثَّانِي فَافْتَرَقَا وَهَذَا يَجِبُ حِفْظُهُ هُنَا وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُؤَلِّفُ وَالشَّارِحُ الِاخْتِلَافَ بَيْنَهُمَا فِي نَفْسِ الْمَبِيعِ أَوْ الْبَيْعِ فَفِي الْمُحِيطِ قَالَ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْت الْبِنَاءَ ثُمَّ الْعَرْصَةَ فَلَا شُفْعَةَ لَك فِي الْبِنَاءِ وَقَالَ الشَّفِيعُ اشْتَرَيْتهمَا جَمِيعًا فَالْقَوْلُ لِلشَّفِيعِ مَعَ يَمِينِهِ عَلَى الْعِلْمِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَدَّعِي عَلَيْهِ سُقُوطَ الشُّفْعَةِ بَعْدَمَا أَقَرَّ بِثُبُوتِ حَقِّهِ بِالشِّرَاءِ وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمُشْتَرِي عِنْدَ الثَّانِي وَعِنْدَ الثَّالِثِ الْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الشَّفِيعِ كَمَا مَرَّ وَلَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي بَاعَ لِي الْأَرْضَ ثُمَّ وَهَبَ لِي الْبِنَاءَ وَقَالَ الشَّفِيعُ بَلْ اشْتَرَيْتهمَا جَمِيعًا فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي وَيَأْخُذُ الْمَبِيعَ بِلَا بِنَاءٍ إنْ بَنَاهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقِرَّ بِشِرَاءِ الْبِنَاءِ أَصْلًا وَلَوْ قَالَ وَهَبَ هَذَا الْبَيْتَ بِطَرِيقِهِ ثُمَّ بَاعَ مِنِّي بَقِيَّةَ الدَّارِ وَصَدَّقَهُ الْبَائِعُ. وَقَالَ الشَّفِيعُ بَلْ اشْتَرَيْت الدَّارَ كُلَّهَا فَالْبَيِّنَةُ بِطَرِيقِهِ لِلْمُشْتَرِي وَيَأْخُذُ الشَّفِيعُ بَقِيَّةَ الدَّارِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ بِالشِّرَاءِ فِي ذَلِكَ الْبَيْتِ أَصْلًا اشْتَرَى دَارًا وَقَبَضَهَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 151 فَقَالَ الْمُشْتَرِي أَحْدَثْت فِيهَا هَذَا الْبِنَاءَ وَكَذَّبَهُ الشَّفِيعُ فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَمْ يَعْتَرِفْ بِشِرَاءِ الْبِنَاءِ وَالْبُقْعَةِ لِلشَّفِيعِ وَكَذَا الْحَرْثُ وَالزَّرْعُ، فَإِنْ قَالَ الْمُشْتَرِي أَحْدَثْت فِيهَا النَّخْلَ أَمْسِ لَمْ يُصَدَّقْ وَكَذَا فِيمَا لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ مِنْ الْبِنَاءِ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ كَذِبُهُ بِيَقِينٍ وَلَوْ اشْتَرَى دَارَيْنِ وَلَهُمَا شَفِيعٌ مُلَازِقٌ فَقَالَ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْت دَارًا بَعْدَ دَارٍ فَأَنَا شَرِيكٌ فِي الثَّانِيَةِ وَقَالَ الشَّفِيعُ بَلْ اشْتَرَيْتهمَا دُفْعَةً وَاحِدَةً فَلِي فِيهِمَا الشُّفْعَةُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الشَّفِيعِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ أَقَرَّ بِالشِّرَاءِ ثُمَّ ادَّعَى مَا يُسْقِطُ الشُّفْعَةَ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْت الْجَمِيعَ وَقَالَ الشَّفِيعُ بَلْ اشْتَرَيْت نِصْفًا فَنِصْفًا فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي وَيَأْخُذُ الشَّفِيعُ الْكُلَّ أَوْ يَدَعُ وَفِي النَّوَادِرِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ تَصَادَقَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي أَنَّ الْبَيْعَ كَانَ فَاسِدًا وَقَالَ الشَّفِيعُ كَانَ جَائِزًا فَالْقَوْلُ لِلشَّفِيعِ كَمَا لَوْ اخْتَلَفَ الْمُتَعَاقِدَانِ فِي الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ الْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الصِّحَّةَ وَهَذَا إذَا ادَّعَيَا الْفَسَادَ بِأَجَلٍ مَجْهُولٍ أَوْ شَرْطٍ فَاسِدٍ أَمَّا إنْ ادَّعَيَا الْفَسَادَ بِأَنَّ الثَّمَنَ خَمْرٌ أَوْ خِنْزِيرٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الْفَسَادَ وَعَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ وَمُحَمَّدٍ لَا تَجِبُ الشُّفْعَةُ. اهـ. وَفِي الْمُنْتَقَى لَوْ اشْتَرَاهَا بِأَلْفِ دِرْهَمِ السَّلَمِ مِنْ الْخَمْرِ فَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ وَفِي فَتَاوَى الْفَضْلِيِّ رَجُلَانِ تَبَايَعَا دَارًا فَطَلَبَ الشَّفِيعُ الشُّفْعَةَ بِحَضْرَتِهِمَا فَقَالَ الْبَائِعُ كَانَ الْبَيْعُ بَيْنَنَا مُوَاضَعَةً وَصَدَّقَهُ الْمُشْتَرِي عَلَى ذَلِكَ لَا يَصْدُقَانِ عَلَى الشَّفِيعِ إلَّا إذَا كَانَ الْحَالُ يَدُلُّ عَلَيْهِ بِأَنْ كَانَ الْمَنْزِلُ كَبِيرًا وَبِيعَ بِثَمَنٍ لَا يُبَاعُ بِهِ مِثْلُهُ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُمَا وَلَا شُفْعَةَ لِلشَّفِيعِ. اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ ادَّعَى الْمُشْتَرِي ثَمَنًا وَادَّعَى الْبَائِعُ أَقَلَّ مِنْهُ وَلَمْ يَقْبِضْ الثَّمَنَ أَخَذَهَا الشَّفِيعُ بِمَا قَالَ الْبَائِعُ) ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ كَانَ كَمَا قَالَ الْبَائِعُ فَالشَّفِيعُ يَأْخُذُهَا بِهِ، وَإِنْ كَانَ كَمَا قَالَ الْمُشْتَرِي يَكُونُ حَطًّا عَنْ الْمُشْتَرِي بِدَعْوَاهُ الْأَقَلَّ وَحَطُّ الْبَعْضِ يَظْهَرُ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ كَمَا بَيَّنَّا وَلِأَنَّ تَمَلُّكَ الْمُشْتَرِي بِإِيجَابِ الْبَائِعِ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي مِقْدَارِ الثَّمَنِ مَا دَامَتْ مُطَالَبَتُهُ بَاقِيَةً فَيَأْخُذُهَا الشَّفِيعُ وَلَوْ كَانَ مَا ادَّعَاهُ الْبَائِعُ أَكْثَرَ مِمَّا ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي تَحَالَفَا وَأَيُّهُمَا نَكَلَ ظَهَرَ أَنَّ الثَّمَنَ مَا يَقُولُهُ الْآخَرُ فَيَأْخُذُهَا الشَّفِيعُ بِذَلِكَ، وَإِنْ فَسَخَ الْقَاضِي الْعَقْدَ بَيْنَهُمَا يَأْخُذُ الشَّفِيعُ بِمَا يَقُولُهُ الْبَائِعُ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ لَا يُوجِبُ بُطْلَانَ حَقِّ الشَّفِيعِ. أَلَا تَرَى أَنَّ الدَّارَ إذَا رُدَّتْ عَلَى الْبَائِعِ بِعَيْبٍ لَا يَبْطُلُ حَقُّهُ، وَإِنْ كَانَ الرَّدُّ بِقَضَاءٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ كَانَ قَبَضَ الثَّمَنَ أَخَذَهَا بِمَا قَالَ الْمُشْتَرِي) يَعْنِي لَوْ كَانَ الْبَائِعُ قَبَضَ الثَّمَنَ أَخَذَهَا الشَّفِيعُ بِمَا قَالَ الْمُشْتَرِي إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِيَمِينِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ بِالِاسْتِيفَاءِ خَرَجَ مِنْ الْبَيْنِ وَالْتَحَقَ بِالْأَجَانِبِ لِانْتِهَاءِ حُكْمِ الْعَقْدِ بِهِ فَبَقِيَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ الشَّفِيعِ وَالْمُشْتَرِي وَالْقَوْلُ فِيهِ لِلْمُشْتَرِي وَلَوْ كَانَ قَبْضُ الثَّمَنِ غَيْرَ ظَاهِرٍ فَقَالَ الْبَائِعُ بِعْت الدَّارَ بِأَلْفٍ وَقَبَضْت الثَّمَنَ يَأْخُذُهَا الشَّفِيعُ بِأَلْفٍ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا بَدَأَ بِالْإِقْرَارِ بِالْبَيْعِ تَعَلَّقَتْ الشُّفْعَةُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ بِمِقْدَارِ الثَّمَنِ صَحِيحٌ قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ وَبَعْدَهُ لَا يَصِحُّ وَالثَّمَنُ غَيْرُ مَقْبُوضٍ ظَاهِرًا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْقَبْضِ فَيَبْقَى حَتَّى يُوجَدَ مَا يُبْطِلُهُ وَبِقَوْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ قَبَضْت الثَّمَنَ وَيُرِيدُ إبْطَالَ حَقِّ الشَّفِيعِ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَبَضَ الثَّمَنَ يَخْرُجُ مِنْ الْبَيْنِ فَيَكُونُ أَجْنَبِيًّا فَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِمِقْدَارِ الثَّمَنِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ قَبَضْت فِي حَقِّ الشَّفِيعِ؛ لِأَنَّهُ يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنْ يَجْعَلَ نَفْسَهُ أَجْنَبِيًّا حَتَّى لَا يُقْبَلَ قَوْلُهُ بِمِقْدَارِهِ فَيُرَدُّ عَلَيْهِ فَيَأْخُذُهَا الشَّفِيعُ بِأَلْفٍ وَلَوْ بَدَأَ بِقَبْضِ الثَّمَنِ قَبْلَ بَيَانِ الْقَدْرِ بِأَنْ قَالَ بِعْت الدَّارَ وَقَبَضْت الثَّمَنَ وَهُوَ أَلْفُ دِرْهَمٍ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى قَوْلِهِ فِي مِقْدَارِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا بَدَأَ بِقَبْضِهِ أَوَّلًا خَرَجَ مِنْ الْبَيْنِ فَصَارَ أَجْنَبِيًّا. قَالَ فِي النِّهَايَةِ نَظِيرُهُ مَا إذَا قَالَ الْمُوصِي اشْتَرَيْت مَالَ الْمَيِّتِ عَلَى غَرِيمِهِ فُلَانٍ وَهُوَ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَقَالَ الْغَرِيمُ بَلْ كَانَ عَلَيَّ أَلْفَا دِرْهَمٍ وَقَدْ أَوْفَيْتُك جَمِيعَ ذَلِكَ فَالْوَصِيُّ يَضْمَنُ الْأَلْفَ وَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَى الْغَرِيمِ وَلَوْ قَالَ اسْتَوْفَيْت مِنْهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَهُوَ جَمِيعُ مَالِ الْمَيِّتِ عَلَيْهِ فَقَالَ الْمَيِّتُ بَلْ كَانَ عَلَيَّ أَلْفَا دِرْهَمٍ وَقَدْ أَوْفَيْتُك الْكُلَّ فَلِلْوَصِيِّ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ أُخْرَى؛ لِأَنَّهُ لَمَّا بَيَّنَ قَوْلَهُ فِي قَبْضِ الْجَمِيعِ صَارَ أَجْنَبِيًّا فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ بَيَّنَ قَبْضَ الْقَدْرِ بَعْدَ ذَلِكَ وَمَا لَمْ يُبَيِّنْ أَنَّهُ قَبَضَ الْجَمِيعَ لَا يَكُونُ أَجْنَبِيًّا فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي بَيَانِ الْقَدْرِ وَفِي الْمُحِيطِ وَلَوْ هَدَمَ رَجُلٌ بِنَاءَ الدَّارِ فَاخْتَلَفَا الشَّفِيعُ وَالْمُشْتَرِي فِي قِيمَةِ الْبِنَاءِ فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ وَلَوْ أَقَامَا بَيِّنَةً فَالْبَيِّنَةُ لِلْمُشْتَرِي عَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ بَيِّنَةُ الشَّفِيعِ أَوْلَى وَلَوْ اُسْتُحِقَّ بَعْضُ الدَّارِ أَوْ عُرِفَ فَقَالَ الْمُشْتَرِي بَنَى نِصْفَهَا وَقَالَ الشَّفِيعُ ثُلُثَهَا فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَحَطُّ الْبَعْضِ يَظْهَرُ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ لَا حَطُّ الْكُلِّ وَالزِّيَادَةِ) حَتَّى يَأْخُذَهُ بِمَا بَقِيَ فَلَا يَظْهَرُ حَطُّ الْكُلِّ فِي حَقِّهِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 152 وَلَا الزِّيَادَةُ عَلَى الثَّمَنِ بَعْدَ عَقْدِ الْبَيْعِ حَتَّى لَا تَلْزَمُهُ الزِّيَادَةُ وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ فَيَأْخُذُهُ بِجَمِيعِ الْمُسَمَّى عِنْدَ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْحَطَّ لَمَّا اُلْتُحِقَ بِأَصْلِ الْعَقْدِ صَارَ الْبَاقِي هُوَ الثَّمَنُ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْحَطُّ قَبْلَ أَخْذِهِ بِالشُّفْعَةِ أَوْ بَعْدَهُ لِوُجُودِ الِالْتِحَاقِ فِي الصُّورَتَيْنِ فَيَرْجِعُ الشَّفِيعُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالزِّيَادَةِ إنْ كَانَ أَوْفَاهُ الثَّمَنَ وَلَوْ حَطَّ بَعْضَ الثَّمَنِ بَعْدَ تَسْلِيمِهِ الشُّفْعَةَ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالْبَاقِي؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ الثَّمَنَ أَقَلُّ فَلَا يَصِحُّ تَسْلِيمُهُ بِخِلَافِ حَطِّ الْكُلِّ حَيْثُ لَا يَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ الْتَحَقَ بِهِ كَانَ هِبَةً أَوْ بَيْعًا بِلَا ثَمَنٍ وَهُوَ فَاسِدٌ فَلَا شُفْعَةَ فِيهِمَا. وَكَذَلِكَ الزِّيَادَةُ تُلْتَحَقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ، وَإِنَّمَا لَا تَظْهَرُ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ أَخْذَهَا بِالْمُسَمَّى قَبْلَ الزِّيَادَةِ فَلَا يَمْلِكُ إبْطَالَهُ بِالزِّيَادَةِ فَلَا يَتَغَيَّرُ الْعَقْدُ كَمَا لَا يَتَغَيَّرُ بِتَجْدِيدِ الْعَقْدِ لِمَا يَلْحَقُهُ بِذَلِكَ مِنْ الضَّرَرِ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ حَطُّ بَعْضِ الثَّمَنِ وَالزِّيَادَةُ يُسْتَوْفَيَانِ فِي بَابِ الْمُرَابَحَةِ دُونَ الشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّ الْمُرَابَحَةَ لَيْسَ فِي الْتِزَامِ الزِّيَادَةِ إبْطَالُ حَقٍّ مُسْتَحَقٍّ بِخِلَافِ الشُّفْعَةِ، فَإِنَّ فِي الزِّيَادَةِ إبْطَالَ حَقٍّ ثَبَتَ لِلشَّفِيعِ بِأَقَلِّهِمَا فَظَاهِرُ عِبَارَةِ الْمُؤَلِّفِ أَنَّ الْحَطَّ يَصِحُّ لِمَنْ بَاشَرَ الْعَقْدَ وَلَوْ وَكِيلًا فِي حَالَةِ الصِّحَّةِ أَوْ الْمَرَضِ كَانَ الشَّفِيعُ وَارِثًا أَوْ لَا وَفِي الْمُحِيطِ خِلَافُهُ قَالَ وَلَوْ وَكَّلَ رَجُلًا بِبَيْعِ دَارِهِ فَبَاعَهَا بِأَلْفٍ ثُمَّ حَطَّ عَنْ الْمُشْتَرِي مِائَةَ دِرْهَمٍ وَضَمِنَ ذَلِكَ لِلْآمِرِ لَيْسَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَهَا إلَّا بِالْأَلْفِ؛ لِأَنَّ حَطَّ الْوَكِيلِ لَا يُلْتَحَقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ وَفِيهِ أَيْضًا لَوْ طَلَبَ الشَّفِيعُ الشُّفْعَةَ فَسَلَّمَهَا الْمُشْتَرِي إلَيْهِ ثُمَّ نَقَدَ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ الثَّمَنَ فَوَهَبَ لَهُ الْبَائِعُ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ مِنْ الثَّمَنِ وَقَدْ قَبَضَ الْمُشْتَرِي مِنْ الشَّفِيعِ جَمِيعَ الثَّمَنِ فَعَلِمَ الشَّفِيعُ بِالْهِبَةِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ شَيْئًا؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ لَيْسَتْ بِحَطٍّ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ صَارَ عَيْنًا بِالتَّسْلِيمِ وَلَوْ وَهَبَ الْبَائِعُ خَمْسَ دَرَاهِمَ قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ كَانَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَسْتَرِدَّهَا مِنْهُ؛ لِأَنَّهَا هِبَةُ الدَّيْنِ وَالثَّمَنُ دَيْنٌ فِي ذِمَّتِهِ. وَلَوْ بَاعَ دَارًا بِثَلَاثَةِ آلَافٍ وَتَقَابَضَا فَأَخَذَهَا وَرَثَةُ الْبَائِعِ بِالشُّفْعَةِ فَحَطَّ الْبَائِعُ عَنْ الْمُشْتَرِي فِي مَرَضِهِ أَلْفًا فَالْحَطُّ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ نَزَلَ مَنْزِلَ الشَّفِيعِ؛ لِأَنَّ الْحَطَّ يَظْهَرُ فِي حَقِّهِ فَكَأَنَّهُ وَارِثُهُ وَلَوْ حَطَّ قَبْلَ الْأَخْذِ تَوَقَّفَ عَلَى أَخْذِ الْمُشْتَرِي، فَإِنْ أَخَذَ بَطَلَ، وَإِنْ تَرَكَ صَحَّ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْوَارِثُ شَفِيعًا وَلَكِنْ أَخَذَهَا مِنْ الْمُشْتَرِي تَوْلِيَةً أَوْ مُرَابَحَةً ثُمَّ حَطَّ عَنْ الْمُشْتَرِي فِي مَرَضِ مَوْتِهِ صَحَّ الْحَطُّ وَيَحُطُّ الْمُشْتَرِي عَنْ الْوَارِثِ مَا حُطَّ عَنْهُ وَحِصَّتُهُ مِنْ الرِّبْحِ فِي الْمُرَابَحَةِ؛ لِأَنَّ الْحَطَّ وَقَعَ فِي بَيْعِ الْأَجْنَبِيِّ لَا حَقَّ لِلْوَارِثِ فِيهِ بَاعَ دَارًا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ لِلْمَقَرِ حِنْطَةٍ فَأَخَذَهَا الشَّفِيعُ بِهِمَا ثُمَّ حَطَّ الْبَائِعُ النَّقْدَ فَوَجَدَ الْبَائِعُ بِالْكَرِّ عَيْبًا رَدَّهُ وَأَخَذَ مِثْلَهُ وَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يُعْطِيَهُ الْكَرَّ الَّذِي قَبَضَهُ الشَّفِيعُ، وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي وَلَّاهَا رَجُلًا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَبِمِثْلِ ذَلِكَ الْكَرِّ فَحَطَّ الْبَائِعُ وَحَطَّ هُوَ عَنْ الثَّانِي ثُمَّ وَجَدَ الْبَائِعُ الْأَوَّلُ بِالْكَرِّ عَيْبًا فَرَدَّهُ رَجَعَ بِقِيمَةِ الدَّارِ عَلَى الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْبَيْعَ، وَإِنْ انْفَسَخَ يُرَدُّ الْكَرُّ فِي الْمَوْضِعَيْنِ إلَّا أَنَّهُ تَعَذَّرَ فِي الْأَوَّلِ إيجَابُ قِيمَةِ الدَّارِ بِأَخْذِ الشَّفِيعِ فَأَوْجَبْنَا الْكَرَّ وَفِي التَّوْلِيَةِ لَمْ يَتَعَذَّرْ فَأَوْجَبْنَا قِيمَةَ الدَّارِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ اشْتَرَى دَارًا بِعَرَضٍ أَوْ عَقَارٍ أَخَذَهَا الشَّفِيعُ بِقِيمَتِهِ وَبِمِثْلِهِ وَلَوْ مِثْلِيًّا) ؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ يَتَمَلَّكُهَا بِمِثْلِ مَا يَمْلِكُهَا الْمُشْتَرِي بِهِ ثُمَّ الْمِثْلُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مِثْلًا لَهُ صُورَةً وَمَعْنًى كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْعَدَدِيِّ الْمُتَقَارِبِ أَوْ مَعْنًى لَا صُورَةً وَهُوَ مَا عَدَا ذَلِكَ فَيُعْتَبَرُ ذَلِكَ الْمِثْلُ كَمَا فِي ضَمَانِ الْعُدْوَانِ فَيَأْخُذُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ لَهَا وَلِهَذَا لَوْ اشْتَرَى عَقَارًا بِعَقَارٍ يَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِقِيمَةِ الْآخَرِ وَقَدَّمْنَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي قِيمَةِ الْعُرُوضِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِحَالٍّ لَوْ مُؤَجَّلًا أَوْ يَصْبِرُ حَتَّى يَمْضِيَ الْأَجَلُ فَيَأْخُذَهَا) يَعْنِي يَأْخُذُهَا الشَّفِيعُ مِنْ الْمُشْتَرِي بِثَمَنٍ حَالٍّ إذَا كَانَ الثَّمَنُ مُؤَجَّلًا أَوْ يَصْبِرُ حَتَّى يَمْضِيَ الْأَجَلُ فَيَأْخُذُهَا عِنْدَ ذَلِكَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا فِي الْحَالِّ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ بِمِثْلِ مَا أَخَذَ الْمُشْتَرِي بِصِفَتِهِ وَالْأَجَلُ صِفَةُ الدَّيْنِ وَلَنَا أَنَّ الْأَجَلَ يَثْبُتُ بِالشَّرْطِ وَلَيْسَ مِنْ لَوَازِمِ الْعَقْدِ فَاشْتِرَاطُهُ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي لَا يَكُونُ اشْتِرَاطًا فِي حَقِّ الشَّفِيعِ لِتَفَاوُتِ النَّاسِ فِيهِ وَلِأَنَّ الْأَجَلَ حَقُّ الْمَطْلُوبِ وَالدَّيْنُ حَقُّ الطَّالِبِ وَلِهَذَا لَوْ بَاعَ مَا اشْتَرَاهُ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ مُرَابَحَةً أَوْ تَوْلِيَةً لَا يَثْبُتُ الْأَجَلُ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ وَلَوْ كَانَ صِفَةً لَهُ لَثَبَتَ ثُمَّ إنْ أَخَذَهَا مِنْ الْبَائِعِ بِثَمَنٍ حَالٍّ سَقَطَ الثَّمَنُ عَنْ الْمُشْتَرِي لِتَحَوُّلِ الصَّفْقَةِ إلَى الشَّفِيعِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَرَجَعَ الْبَائِعُ عَلَى الشَّفِيعِ، وَإِنْ أَخَذَهَا مِنْ الْمُشْتَرِي رَجَعَ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ، وَإِنْ اخْتَارَ الِانْتِظَارَ كَانَ لَهُ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ أَوْ يَصْبِرُ عَنْ الْأَخْذِ أَمَّا الطَّلَبُ فَلَا بُدَّ مِنْهُ فِي الْحَالِّ حَتَّى لَوْ سَكَتَ وَلَمْ يَطْلُبْ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَبِهِ كَانَ يَقُولُ أَبُو يُوسُفَ أَوَّلًا ثُمَّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 153 رَجَعَ عَنْهُ وَقَالَ لَا تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ بِالتَّأْخِيرِ إلَى حُلُولِ الْأَجَلِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِمِثْلِ الْخَمْرِ وَقِيمَةِ الْخِنْزِيرِ إنْ كَانَ الشَّفِيعُ ذِمِّيًّا وَبِقِيمَتِهَا لَوْ مُسْلِمًا) يَعْنِي إذَا اشْتَرَى ذِمِّيٌّ مِنْ ذِمِّيٍّ عَقَارًا بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ، فَإِنْ كَانَ شَفِيعُهَا ذِمِّيًّا أَخَذَهَا بِمِثْلِ الْخَمْرِ وَقِيمَةُ الْخِنْزِيرِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْبَيْعَ بِهَذَا الثَّمَنِ صَحِيحٌ فِيمَا بَيْنَهُمْ، فَإِذَا صَحَّ رُتِّبَ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْبَيْعِ وَمِنْ جُمْلَةِ الْأَحْكَامِ وُجُوبُ الشُّفْعَةِ فَيَسْتَحِقُّهُ ذِمِّيًّا كَانَ أَوْ مُسْلِمًا غَيْرَ أَنَّ الذِّمِّيَّ لَا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ تَسْلِيمُ الْخَمْرِ فَيَأْخُذُهَا بِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ وَالْمُسْلِمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ لِكَوْنِهِ مَمْنُوعًا مِنْ تَمْلِيكِهِ وَتَمَلُّكِهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ كَمَا ذَكَرْنَا فِي ضَمَانِ الْعُدْوَانِ وَالْخِنْزِيرُ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ فَيَجِبُ عَلَيْهِمَا قِيمَتُهُ وَلَا يُقَالُ قِيمَةُ الْخِنْزِيرِ تَقُومُ مَقَامَ عَيْنِهِ؛ لِأَنَّهُ قِيَمِيٌّ فَوَجَبَ أَنْ يَحْرُمَ عَلَى الْمُسْلِمِ تَمْلِيكُهُ بِخِلَافِ قِيمَةِ الْخَمْرِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ إذَا كَانَتْ الْقِيمَةُ بَدَلًا عَنْ الْخِنْزِيرِ، أَمَّا إذَا كَانَتْ بَدَلًا عَنْ غَيْرِهِ فَلَا يَحْرُمُ وَهَاهُنَا بَدَلٌ عَنْ الدَّارِ لَا عَنْ الْخِنْزِيرِ، وَإِنَّمَا الْخِنْزِيرُ مُقَدَّرٌ بِقِيمَةِ بَدَلِ الدَّارِ فَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ تَمْلِيكُهَا، فَإِنْ أَسْلَمَ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ، فَإِنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُهَا بِقِيمَةِ الْخِنْزِيرِ. وَلَوْ كَانَ شَفِيعُهَا مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا أَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا النِّصْفَ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ قِيمَةِ الْخِنْزِيرِ اعْتِبَارًا لِلْبَعْضِ بِالْكُلِّ وَلَوْ أَسْلَمَ الذِّمِّيُّ صَارَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْمُسْلِمِ مِنْ الِابْتِدَاءِ فَيَأْخُذُهَا بِقِيمَةِ الْخِنْزِيرِ كَمَا إذَا كَانَ الثَّمَنُ مِثْلِيًّا فَانْقَطَعَ قَبْلَ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ، فَإِنَّهُ يَأْخُذُهَا بِقِيمَتِهِ لِلتَّعَذُّرِ كَذَا هَذَا وَالْمُسْتَأْمَنُ كَالذِّمِّيِّ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ لِالْتِزَامِهِ أَحْكَامَنَا مُدَّةَ مَقَامِهِ فِي دَارِنَا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرَى دَارًا أَوْ بَيْعَةً أَوْ كَنِيسَةً، فَإِنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُهَا بِالشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الذِّمِّيِّ فِيهَا ثَابِتٌ إذَا كَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّ مِلْكَهُ لَا يَزُولُ بِجَعْلِهِ بَيْعَةً أَوْ كَنِيسَةً، وَإِنْ كَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ يَزُولُ فَكَذَلِكَ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ بِالْإِقْدَامِ عَلَى الْبَيْعِ صَارَ مُعْتَقِدًا الْجَوَازَ الذِّمِّيُّ إذَا دَانَ بِدِينِنَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ عَلَى مُقْتَضَى دِينِنَا، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِمْ لَا يَجُوزُ وَلِهَذَا لَوْ تَرَافَعَا إلَيْنَا نَحْكُمُ بِدِينِنَا وَالْمُرْتَدُّ لَا شُفْعَةَ لَهُ وَبِطَرِيقِ مَعْرِفَةِ قِيمَةِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ تَقَدَّمَ مِرَارًا وَلَوْ أَسْلَمَ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَالْخَمْرُ غَيْرُ مَقْبُوضٍ انْتَقَضَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَمْنَعُ قَبْضَهَا وَلَكِنْ لَا تَبْطُلُ الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ فَلَا يَبْطُلُ بِانْتِقَاضِهِ كَمَا إذَا اشْتَرَى دَارًا بِعَبْدٍ فَهَلَكَ الْعَبْدُ قَبْلَ الْقَبْضِ، فَإِنَّ الْبَيْعَ يَنْتَقِضُ بِهَلَاكِهِ وَلَكِنْ لَا تَبْطُلُ الشُّفْعَةُ فَيَأْخُذُهَا الشَّفِيعُ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ قَيَّدَ بِكَوْنِ الثَّمَنِ خَمْرًا أَوْ خِنْزِيرًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا فَلَا شُفْعَةَ لَهُ لِمَا فِي الْأَصْلِ اشْتَرَى نَصْرَانِيٌّ مِنْ نَصْرَانِيٍّ دَارًا بِمَيْتَةٍ أَوْ دَمٍ فَلَا شُفْعَةَ لِلشَّفِيعِ. اهـ. وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُؤَلِّفُ لِمَا إذَا صَارَ خَلًّا ثُمَّ أَسْلَمَ الْبَائِعُ أَوْ الْمُشْتَرِي ثُمَّ اسْتَحَقَّ نِصْفَ الدَّارِ وَحَضَرَ الشَّفِيعُ فَيَأْخُذُ النِّصْفَ بِنِصْفِ الْخَمْرِ وَلَا يَأْخُذُ بِنِصْفِ الْخَلِّ ثُمَّ يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِنِصْفِ الْخَلِّ إنْ كَانَ قَائِمًا، وَإِنْ كَانَ هَالِكًا رَجَعَ عَلَيْهِ بِنِصْفِ قِيمَةِ الْخَلِّ وَفِي الْمَبْسُوطِ بَاعَ الْمُرْتَدُّ دَارًا فَمَاتَ أَوْ قُتِلَ عَلَى الرِّدَّةِ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ بَطَلَ الْبَيْعُ وَلَا شُفْعَةَ لِلشَّفِيعِ وَفِي السِّغْنَاقِيِّ وَلَوْ أَسْلَمَ الْبَائِعُ قَبْلَ اللُّحُوقِ بِدَارِ الْحَرْبِ جَازَ الْبَيْعُ وَلِلشَّفِيعِ الشُّفْعَةُ وَلَوْ كَانَ الشَّفِيعُ مُرْتَدًّا فَمَاتَ أَوْ قُتِلَ عَلَى الرِّدَّةِ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَلَا شُفْعَةَ لِوَارِثِهِ وَلَوْ كَانَ الْمُرْتَدُّ لَمْ يَلْحَقْ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ بِيعَتْ الدَّارُ كَانَ لِوَارِثِهِ الشُّفْعَةُ، وَإِنْ اشْتَرَى الْمُسْتَأْمَنُ دَارًا وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَالشَّفِيعُ عَلَى شُفْعَتِهِ حَتَّى يَلْقَاهُ، وَإِنْ كَانَ الشَّفِيعُ هُوَ الْحَرْبِيُّ وَدَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ، وَإِنْ كَانَ الشَّفِيعُ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا فَدَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ إنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْبَيْعِ فَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ، وَإِنْ عَلِمَ وَدَخَلَ وَلَمْ يَطْلُبْ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ، وَإِنْ اشْتَرَى الْمُسْلِمُ دَارًا فِي دَارِ الْحَرْبِ وَشَفِيعُهَا مُسْلِمٌ ثُمَّ أَسْلَمَ أَهْلُ الدَّارِ فَلَا شُفْعَةَ لِلشَّفِيعِ وَهَاهُنَا أَصْلٌ تَنْبَنِي عَلَيْهِ هَذِهِ الْمَسَائِلُ يَجِبُ الْعِلْمُ بِهِ وَهُوَ أَنَّ كُلَّ حُكْمٍ لَا يَفْتَقِرُ إلَى قَضَاءِ الْقَاضِي فَدَارُ الْإِسْلَامِ وَدَارُ الْحَرْبِ فِي ذَلِكَ الْحُكْمِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ وَكُلُّ حُكْمٍ مُفْتَقِرٍ إلَى قَضَاءِ الْقَاضِي لَا يَثْبُتُ ذَلِكَ فِي حَقِّ مَنْ كَانَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِي دَارِ الْحَرْبِ بِمُبَاشَرَةِ ذَلِكَ الْحُكْمِ فِي دَارِ الْحَرْبِ نَظِيرُ الْأَوَّلِ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ وَصِحَّةُ الِاسْتِيلَاءِ وَنُفُوذُ الْعِتْقِ وَوُجُوبُ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ، فَإِنَّ هَذِهِ الْأَحْكَامَ كُلَّهَا مِنْ أَحْكَامِ الْمُسْلِمِينَ وَتَجْرِي عَلَى مَنْ كَانَ فِي دَارِ الْحَرْبِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَنَظِيرُ الثَّانِي الزِّنَا، فَإِنَّ الْمُسْلِمَ إذَا زَنَى فِي دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ دَخَلَ دَارَ الْإِسْلَامِ لَا يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقِيمَةُ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ لَوْ بَنَى الْمُشْتَرِي أَوْ غَرَسَ أَوْ كُلِّفَ قَلْعُهُمَا) يَعْنِي إذَا بَنَى الْمُشْتَرِي أَوْ غَرَسَ فِي الْأَرْضِ الْمَشْفُوعَةِ ثُمَّ قُضِيَ لِلشَّفِيعِ بِالشُّفْعَةِ فَالشَّفِيعُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهَا بِالثَّمَنِ وَقِيمَةِ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ مَقْلُوعًا، وَإِنْ شَاءَ كَلَّفَ الْمُشْتَرِيَ قَلْعَهُ فَيَأْخُذُ الْأَرْضَ فَارِغَةً وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 154 أَنَّهُ لَا يُكَلِّفُ بِالْقَلْعِ وَلَكِنَّهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهَا بِالثَّمَنِ وَقِيمَةِ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ وَبِهِ قَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُتَعَدِّيًا فِي الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ لِثُبُوتِ مِلْكِهِ فِيهِ بِالشِّرَاءِ فَلَا يُعَامَلُ بِأَحْكَامِ الْعُدْوَانِ فَصَارَ كَالْمَوْهُوبِ لَهُ وَالْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا عِنْدَ الْإِمَامِ وَكَمَا إذَا زَرَعَهَا الْمُشْتَرِي، فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَا يُكَلَّفُ بِالْقَلْعِ لِتَصَرُّفِهِ فِي مِلْكِهِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ ضَرَرَ الشَّفِيعِ بِإِلْزَامِ قِيمَةِ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ أَهْوَنُ مِنْ ضَرَرِ الْمُشْتَرِي بِالْقَلْعِ؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ يَحْصُلُ لَهُ بِمُقَابَلَةِ الثَّمَنِ عِوَضَانِ وَهُوَ الْبِنَاءُ وَالْغَرْسُ فَلَا يُعَدُّ ضَرَرًا وَلَمْ يَحْصُلْ لِلْمُشْتَرِي بِمُقَابَلَةِ الْقَلْعِ شَيْءٌ فَكَانَ الْأَوَّلُ أَهْوَنَ فَكَانَ أَوْلَى بِالتَّحَمُّلِ وَوَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ بَنَى فِي مَحَلٍّ تَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ مُتَأَكِّدٌ لِغَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ تَسْلِيطٍ مِنْهُ فَيَنْتَقِضُ كَالرَّاهِنِ إذَا بَنَى فِي الْمَرْهُونِ وَلِهَذَا تَنْتَقِضُ جَمِيعُ تَصَرُّفَاتِ الْمُشْتَرِي حَتَّى الْوَقْفُ وَالْمَسْجِدُ وَالْمَقْبَرَةُ بِخِلَافِ الْمَوْهُوبِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا؛ لِأَنَّهُ فِعْلٌ بِتَسْلِيطٍ مِنْ الْمَالِكِ وَلِهَذَا لَا يَنْتَقِضُ تَصَرُّفُهُمَا وَفِي الزَّرْعِ الْقِيَاسُ أَنْ يَقْلَعَ إلَّا أَنَّنَا اسْتَحْسَنَّا وَلِذَا قُلْنَا لَا يَقْلَعُ؛ لِأَنَّ لَهُ نِهَايَةً وَلَيْسَ عَلَى الشَّفِيعِ كَبِيرُ ضَرَرٍ بِالتَّأْخِيرِ؛ لِأَنَّهُ يُتْرَكُ بِأُجْرَتِهِ، فَإِنْ قُلْت الِاسْتِرْدَادُ عِنْدَهُمَا بَعْدَ الْبِنَاءِ، فَإِنَّ جَوَازَ الِاسْتِرْدَادِ يُنَافِي أَنَّهُ لَا يُكَلَّفُ الْقَلْعَ بَلْ يَقْتَضِي الْقَلْعَ كَمَا فِي الشَّفِيعِ قُلْت يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ وَالْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا احْتِجَاجٌ مِنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ بِمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا أَفْصَحَ بِهِ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ وَهَذَا بَعِيدٌ وَالْأَوْجَهُ أَنْ يُقَالَ لِأَبِي يُوسُفَ فِي الْبِنَاءِ بَعْدَ الشِّرَاءِ الْفَاسِدِ الْقَوْلُ الْمَذْكُورُ وَالثَّانِي كَمَا قَالَ الْإِمَامُ ذَكَرَهُ فِي الْإِيضَاحِ قَيَّدَ بِمَا ذُكِرَ احْتِرَازًا عَنْ الزَّخْرَفَةِ وَفِي قَاضِي خان وَلَوْ اشْتَرَى الرَّجُلُ دَارًا وَزَخْرَفَهَا بِالنُّقُوشِ شَيْءٌ كَثِيرٌ كَانَ لِلشَّفِيعِ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ أَخَذَهَا وَأَعْطَاهُ مَا زَادَ فِيهَا، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ. اهـ. قَالَ فِي الْمُحِيطِ؛ لِأَنَّ نَقْصَ صِفَتِهِ لَا يُمْكِنُ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا بَنَى عَلَى الدَّارِ الْمَشْفُوعَةِ كَانَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَنْقُضَ الْبِنَاءَ وَيَأْخُذَ الدَّارَ وَيُعْطِيَهُ مَا زَادَ فِيهَا وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْبِنَاءَ إذَا قُلِعَ لَهُ قِيمَةٌ فِي الْجُمْلَةِ بِخِلَافِ الزَّخْرَفَةِ قَوْلُهُ أَوْ بَنَى أَوْ غَرَسَ مِثَالٌ وَلَيْسَ بِقَيْدٍ لِمَا فِي الْمُحِيطِ وَلَوْ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ زَرَعَهَا رَطْبَةً أَوْ كَرْمًا يُؤْمَرُ بِقَلْعِهِ كَالْبِنَاءِ [الشَّفِيعَ إذَا أَخَذَ الْأَرْضَ بِالشُّفْعَةِ فَبَنَى أَوْ غَرَسَ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ قَلَعَهُمَا الشَّفِيعُ فَاسْتُحِقَّتْ رَجَعَ بِالثَّمَنِ فَقَطْ) يَعْنِي أَنَّ الشَّفِيعَ إذَا أَخَذَ الْأَرْضَ بِالشُّفْعَةِ فَبَنَى أَوْ غَرَسَ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ فَكَلَّفَ الْمُسْتَحِقُّ الشَّفِيعَ بِالْقَلْعِ فَقَلَعَ الْبِنَاءَ وَالْغَرْسَ رَجَعَ الشَّفِيعُ عَلَى الْمُشْتَرِي إنْ أَخَذَهَا مِنْهُ أَوْ عَلَى الْبَائِعِ إنْ أَخَذَهَا مِنْهُ بِالثَّمَنِ وَلَا يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِذَلِكَ كَالْمُشْتَرِي وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُشْتَرِي أَنَّ الْمُشْتَرِيَ مَغْرُورٌ وَمِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ وَمُسَلَّطٌ عَلَيْهِ مِنْ جِهَتِهِ وَلَا غُرُورَ وَلَا تَسْلِيطَ لِلشَّفِيعِ مِنْ جِهَةِ الْمُشْتَرِي وَلَا الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ أَخَذَهَا مِنْهُ جَبْرًا وَنَظِيرُهُ الْجَارِيَةُ الْمَأْسُورَةُ إذَا اسْتَرَدَّهَا الْمَالِكُ الْقَدِيمُ مِنْ مَالِكِهَا الْجَدِيدِ بِقِيمَتِهَا أَوْ بِالثَّمَنِ فَاسْتَوْلَدَهَا ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ مِنْ يَدِهِ وَضَمِنَ قِيمَةَ الْوَلَدِ رَجَعَ عَلَيْهِ بِمَا دَفَعَ لَهُ مِنْ الْقِيمَةِ أَوْ الثَّمَنِ وَلَا يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَغُرَّهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ مُشْتَرِيًا حَيْثُ يَرْجِعُ بِهِمَا عَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ مَغْرُورٌ مِنْ جِهَتِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِكُلِّ الثَّمَنِ إنْ خَرِبَتْ الدَّارُ وَجَفَّ الشَّجَرُ) يَعْنِي لَوْ اشْتَرَى أَرْضًا فِيهَا بِنَاءٌ أَوْ غَرْسٌ فَانْهَدَمَ الْبِنَاءُ مِنْ غَيْرِ صُنْعِ أَحَدٍ يَأْخُذُهَا الشَّفِيعُ بِكُلِّ الثَّمَنِ وَلَا يَسْقُطُ مِنْ الثَّمَنِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُمَا تَابِعَانِ لِلْأَرْضِ يَدْخُلَانِ فِي بَيْعِهَا مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ فَلَا يُقَابِلُهَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ وَلِهَذَا يَبِيعُهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مُرَابَحَةً مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ بِخِلَافِ مَا إذَا تَلِفَ بَعْضُ الْأَرْضِ بِغَرَقٍ حَيْثُ يَسْقُطُ مِنْ الثَّمَنِ بِحِصَّتِهِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ بَعْضُ الْأَصْلِ هَذَا إذَا انْهَدَمَ الْبِنَاءُ وَلَمْ يَبْقَ لَهُ نَقْضٌ وَلَا مِنْ الشَّجَرِ شَيْءٌ مِنْ حَطَبٍ أَوْ خَشَبٍ، أَمَّا إذَا بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَأَخَذَهُ الْمُشْتَرِي فَلَا بُدَّ مِنْ سُقُوطِ بَعْضِ الثَّمَنِ بِحِصَّتِهِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالٍ قَائِمٍ بَقِيَ يُحْبَسُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَيَكُونُ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ فَيُقْسَمُ الثَّمَنُ عَلَى قِيمَةِ الدَّارِ يَوْمَ الْعَقْدِ وَعَلَى قِيمَةِ النَّقْضِ يَوْمَ الْأَخْذِ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ وَجَفَّ الشَّجَرُ لِيَخْرُجَ الثَّمَرُ إذَا هَلَكَ مِنْ غَيْرِ صُنْعٍ قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَلَوْ هَلَكَ الثَّمَرُ مِنْ غَيْرِ صُنْعِ أَحَدٍ وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُ شَيْءٌ سَقَطَ حِصَّتُهُ مِنْ الثَّمَنِ بِخِلَافِ الْبِنَاءِ وَسَيَأْتِي مَا يُخَالِفُهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِحِصَّةِ الْعَرْصَةِ إنْ نَقَضَ الْمُشْتَرِي الْبِنَاءَ) يَعْنِي أَخَذَ الشَّفِيعُ الْعَرْصَةَ بِحِصَّتِهَا مِنْ الثَّمَنِ إنْ نَقَضَ الْمُشْتَرِي الْبِنَاءَ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَقْصُودًا بِالْإِتْلَافِ وَيُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ فَيُقْسَمُ الثَّمَنُ عَلَى قِيمَةِ الْأَرْضِ وَالْبِنَاءِ يَوْمَ الْعَقْدِ وَنَقْضُ الْأَجْنَبِيِّ الْبِنَاءَ كَنَقْضِ الْمُشْتَرِي وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة لَوْ لَمْ يَهْدِمْ الْمُشْتَرِي الْبِنَاءَ وَلَكِنْ بَاعَهُ مِنْ غَيْرِ إرْضَاءٍ ثُمَّ حَضَرَ الشَّفِيعُ فَلَهُ أَنْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 155 يَنْقُضَ الْبَيْعَ وَيَأْخُذَ الْكُلَّ وَكَذَا النَّبَاتُ وَالنَّخْلُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالنَّقْضُ لَهُ) يَعْنِي النَّقْضَ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ إنَّمَا كَانَ يَأْخُذُهُ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ لِلْعَرْصَةِ وَقَدْ زَالَتْ بِالِانْفِصَالِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِثَمَرِهَا إنْ ابْتَاعَ أَرْضًا وَنَخْلًا وَثَمَرًا أَوْ أَثْمَرَ فِي يَدِهِ) يَعْنِي يَأْخُذُهَا الشَّفِيعُ مَعَ ثَمَرِهَا إنْ كَانَ الْمُشْتَرِي اشْتَرَى الْأَرْضَ مَعَ الثَّمَرِ بِأَنْ شَرَطَهُ فِي الْبَيْعِ أَوْ أَثْمَرَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّ الثَّمَرَ لَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ إلَّا بِالشَّرْطِ بِخِلَافِ النَّخْلِ. وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ أَخْذُ الثَّمَرِ لِعَدَمِ التَّبَعِيَّةِ كَالْمَتَاعِ الْمَوْضُوعِ فِيهَا وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الِاتِّصَالَ خِلْقَةً صَارَ تَبَعًا مِنْ وَجْهٍ وَلَا يَتَوَلَّدُ مِنْ الْبَيْعِ فَيَسْرِي إلَيْهِ الْحَقُّ الثَّابِتُ فِي الْأَصْلِ كَالْمَبِيعَةِ إذَا وَلَدَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ، فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يَمْلِكُ الْوَلَدَ تَبَعًا لِلْأُمِّ كَذَا هُنَا وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ اشْتَرَى قَرْيَةً فِيهَا أَشْجَارٌ وَنَخْلٌ فَقَطَعَ الْمُشْتَرِي بَعْضَ الْأَشْجَارِ وَهَدَمَ بَعْضَ الْبِنَاءِ فَحَضَرَ الشَّفِيعُ يَأْخُذُ الْأَرْضَ وَمَا لَمْ يُقْطَعْ مِنْ الْأَشْجَارِ وَمَا لَمْ يُهْدَمْ مِنْ الْبِنَاءِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ وَيُقْسَمُ الثَّمَنُ عَلَى قِيمَةِ الْبِنَاءِ وَالْأَرْضِ فَمَا أَصَابَ الْبِنَاءَ سَقَطَ وَمَا أَصَابَ الْعَرْصَةَ يَأْخُذُهَا بِهِ وَيَنْقُصُ بِنَاءُ الْمُشْتَرِي الَّذِي أَحْدَثَهُ وَهَذَا الْقَوْلُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ جَذَّهُ الْمُشْتَرِي سَقَطَ حِصَّتُهُ مِنْ الثَّمَنِ) يَعْنِي فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ وَهُوَ مَا اشْتَرَاهَا بِثَمَرِهَا بِالشَّرْطِ فَكَانَ لَهُ فَيَسْقُطُ مِنْ الثَّمَنِ بِحِصَّتِهِ، وَإِنْ هَلَكَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا دَخَلَ فِي الْبَيْعِ صَارَ أَصْلًا فَسَقَطَ حِصَّتُهُ مِنْ الثَّمَنِ بِفَوَاتِهِ، أَمَّا فِي الْأَصْلِ الثَّانِي فَيَأْخُذُ الْأَرْضَ وَالنَّخْلَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا عِنْدَ الْعَقْدِ فَلَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ وَكَانَ أَبُو يُوسُفَ يَقُولُ أَوَّلًا أَنَّهُ يَحُطُّ مِنْ الثَّمَنِ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ حَالَ الْمُشْتَرِي مَعَ الشَّفِيعِ كَحَالِ الْبَائِعِ مَعَ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبْضِ. وَلَوْ أَكَلَ الْبَائِعُ الثَّمَرَ الْحَادِثَ بَعْدَ الْقَبْضِ سَقَطَ حِصَّتُهُ مِنْ الثَّمَنِ فَكَذَا هُنَا ثُمَّ رَجَعَ إلَى مَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُ بِمَا قَامَ عَلَى الْمُشْتَرِي وَهُوَ قَائِمٌ عَلَيْهِ الْمَبِيعُ بِدُونِ الثَّمَنِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ مَوْجُودَةً عِنْدَ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي الْبَيْعِ قَصْدًا وَبِخِلَافِ الْحَادِثِ عِنْدَ الْبَائِعِ قَبْلَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ حَدَثَ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَيَكُونُ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ بِالِاسْتِهْلَاكِ وَلَيْسَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ الثَّمَنَ بَعْدَ الْجُذَاذِ فِي الْفَصْلَيْنِ لِزَوَالِ التَّبَعِيَّةِ بِالِانْفِصَالِ قَبْلَ الْأَخْذِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ [بَابُ مَا يَجِبُ فِيهِ الشُّفْعَةُ وَمَا لَا يَجِبُ] ذَكَرَ تَفْصِيلَ مَا تَجِبُ فِيهِ الشُّفْعَةُ وَمَا لَا تَجِبُ بَعْدَ ذِكْرِ نَفْسِ الْوُجُوبِ مُجْمَلًا؛ لِأَنَّ التَّفْصِيلَ بَعْدَ الْإِجْمَالِ أَوْقَعُ فِي النَّفْسِ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إنَّمَا تَجِبُ الشُّفْعَةُ فِي عَقَارٍ مُلِكَ بِعِوَضٍ هُوَ مَالٌ) قَوْلُهُ فِي عَقَارٍ يَتَنَاوَلُ مَا يُقْسَمُ وَمَا لَا يُقْسَمُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تَجِبُ فِيمَا لَا يُقْسَمُ كَالْبِئْرِ وَالرَّحَا وَالْحَمَّامِ وَالنَّهْرِ وَالطَّرِيقِ وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلٍ عِنْدَهُ وَهُوَ أَنَّ الشُّفْعَةَ تَجِبُ لِدَفْعِ ضَرَرِ أُجْرَةِ الْقَسَّامِ عِنْدَهُ وَعِنْدَنَا لِدَفْعِ ضَرَرِ سُوءِ الْعِشْرَةِ وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ بِعِوَضٍ عَمَّا إذَا مُلِكَ بِالْهِبَةِ، فَإِنَّ الشُّفْعَةَ لَا تَجِبُ فِيهَا وَبِقَوْلِهِ هُوَ مَالٌ عَمَّا إذَا مُلِكَ بِعِوَضٍ غَيْرِ مَالٍ كَالْمَهْرِ وَالْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمٍ عَمْدٍ وَالْعِتْقِ، فَإِنَّ الشُّفْعَةَ لَا تَجِبُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ عَلَى مَا بَيَّنَهُ قَرِيبًا وَالْعَقَارُ لُغَةً الضَّيْعَةُ وَقِيلَ مَا لَهُ أَصْلٌ مِنْ دَارٍ وَضَيْعَةٍ نَقَلَهُ الْإِمَامُ الْمُطَرِّزِيُّ وَنَقَلَ الشُّرَّاحُ هُنَا الْعَقَارُ كُلُّ مَا لَهُ أَصْلٌ مِنْ دَارٍ وَضَيْعَةٍ. اهـ. . فَهُوَ مُطَابِقٌ لِلتَّفْسِيرِ الثَّانِي وَنَقَلَ الْجَوْهَرِيُّ فِي فَصْلِ الْعَيْنِ مِنْ بَابِ الرَّاءِ الْعَقَارُ بِالْفَتْحِ الْأَرْضُ وَالضَّيَاعُ وَالنَّخْلُ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ مَا لَهُ دَارٌ وَلَا عَقَارٌ وَالْجَمْعُ ضِيَاعٌ وَفِي فَصْلِ الضَّادِ مِنْ بَابِ الْعَيْنِ الضَّيْعَةُ الْعَقَارُ. اهـ. وَفِي كَلَامِهِ اخْتِلَالٌ؛ لِأَنَّهُ فَسَّرَ الْعَقَارَ أَوَّلًا بِمَا يَشْمَلُ الْأَقْسَامَ الثَّلَاثَةَ الْأَرْضَ وَالضِّيَاعَ وَالنَّخْلَ ثُمَّ فَسَّرَ الضَّيْعَةَ بِالْعَقَارِ فَلَزِمَ تَفْسِيرُ الْأَخَصِّ بِالْأَعَمِّ كَمَا تَرَى وَفِي الْمُحِيطِ وَيَدْخُلُ فِي الْحَمَّامِ مَا كَانَ مُرَكَّبًا فِي بُنْيَانِهِ دُونَ الْمُنْفَصِلِ كَالْقَصْعَةِ وَيَدْخُلُ فِي الرَّحَا الْحَجَرُ الْأَسْفَلُ دُونَ الْأَعْلَى؛ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ فِي الْأَرْضِ وَلَوْ اشْتَرَى أَجَمَةً فِيهَا قَصَبٌ وَسَمَكٌ يُوجَدُ بِلَا صَيْدٍ اسْتَحَقَّ الْأَجَمَةَ وَالْقَصَبَ بِالشُّفْعَةِ دُونَ السَّمَكِ؛ لِأَنَّهُ مَنْقُولٌ وَالْقَصَبُ يُشَعِّبُ الْأَرْضَ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة، وَإِنَّمَا تَجِبُ فِي الْأَرَاضِيِ الَّتِي تُمْلَكُ رِقَابُهَا حَتَّى تَجِبَ فِي الْأَرَاضِيِ الَّتِي حَازَهَا الْإِمَامُ لِلْمُسْلِمِينَ يَدْفَعُهَا بِزِرَاعَةٍ، وَإِنَّمَا تَجِبُ لِحَقِّ الْمِلْكِ فِي الْأَرَاضِيِ حَتَّى لَوْ بِيعَتْ دَارٌ بِجَنْبِهَا دَارُ الْوَقْفِ فَلَا شُفْعَةَ لِلْوَاقِفِ وَلَا لِلْمُتَوَلِّي لِعَدَمِ الْمِلْكِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ وَفِي السِّرَاجِيَّةِ رَجُلٌ لَهُ دَارٌ فِي أَرْضِ الْوَقْفِ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ وَلَوْ بَاعَ هُوَ عِمَارَتَهُ فَلَا شُفْعَةَ لِجَارِهِ وَفِي التَّجْرِيدِ وَلَوْ جَعَلَ دَارِهِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 156 مَسْجِدًا وَأَفْرَزَهُ وَجَعَلَ بَابَهُ إلَى الطَّرِيقِ فَبِيعَتْ دَارٌ إلَى جَنْبِ الْمَسْجِدِ لَمْ يَكُنْ لِلْوَاقِفِ وَلَا لِلْمُتَوَلِّي شُفْعَةً لِعَدَمِ الْمِلْكِ وَفِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ فِي الْعَقَارَاتِ كَالْأَوْقَافِ وَالْحَانُوتِ الْمُسَبَّلِ فَلَا شُفْعَةَ فِي ذَلِكَ عِنْدَ مَنْ يَرَى جَوَازَ الْوَقْفِ وَفِي الْمَبْسُوطِ لَوْ اشْتَرَى أَرْضًا فِيهَا شَجَرٌ صِغَارٌ فَأَثْمَرَتْ أَوْ فِيهَا زَرْعٌ فَأَدْرَكَ فَلِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ ذَلِكَ بِجَمِيعِ الثَّمَرِ لِاتِّصَالِهِ بِالْأَرْضِ. اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا فِي عَرَضٍ وَفُلْكٍ) يَعْنِي لَا تَجِبُ الشُّفْعَةُ فِي عَرَضٍ وَفُلْكٍ وَقَالَ مَالِكٌ لَا تَجِبُ فِي السَّفِينَةِ؛ لِأَنَّهَا تُسْكَنُ كَالْعَقَارِ وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ «لَا شُفْعَةَ إلَّا فِي رَبْعٍ أَوْ حَائِطٍ» وَلِأَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ ثَبَتَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَلَا يَجُوزُ إلْحَاقُ الْمَنْقُولِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى الْعَقَارِ وَهَذَا الِاسْتِدْلَال فِيهِ شَيْءٌ، فَإِنَّ ظَاهِرَهُ حَصْرُ ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ فِي الرِّبْعِ وَالْحَائِطِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى انْتِفَاءِ حَقِّ الشُّفْعَةِ فِي غَيْرِهِمَا وَمِنْ غَيْرِهِمَا الْعُرُوض وَالسُّفُنُ فَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ مُقْتَضَى الْحَصْرِ أَنْ لَا تَثْبُتَ الشُّفْعَةُ فِي عَقَارٍ غَيْرِ رَبْعٍ وَحَائِطٍ كَضَيْعَةٍ خَالِيَةٍ مَثَلًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَطْعًا فَكَيْفَ يَتَمَسَّكُ بِهِ قُلْت يُمْكِنُ حَمْلُ الْقَصْرِ عَلَى الْقَصْرِ الْإِضَافِيِّ دُونَ الْحَقِيقِيِّ فَالْقَصْرُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمَا لَا بِالنِّسْبَةِ إلَى جَمِيعِ مَا عَدَاهُمَا فَتَأَمَّلْ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ الرِّبْعُ الدَّارُ وَالْحَائِطُ الْبُسْتَانُ وَأَصْلُهُ مَا أَحَاطَ بِهِ. اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِنَاءٍ وَنَخْلٍ بِيعَا بِلَا عَرْصَةٍ) ؛ لِأَنَّهُمَا مَنْقُولَانِ فَلَا تَجِبُ فِيهِمَا إذَا بِيعَا بِلَا أَرْضٍ، وَإِنْ بِيعَا مَعَهَا تَجِبُ فِيهَا الشُّفْعَةُ تَبَعًا لَهَا بِخِلَافِ الْعُلُوِّ حَيْثُ يَسْتَحِقُّ بِالشُّفْعَةِ وَتَسْتَحِقُّ بِهِ الشُّفْعَةُ عَلَى أَنَّهُ مُجَاوِرُهُ وَذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ طَرِيقُهُ غَيْرَ طَرِيقِ السُّفْلِ، وَإِنْ كَانَ طَرِيقُهُمَا وَاحِدًا يَسْتَحِقُّ بِالطَّرِيقِ الشُّفْعَةَ عَلَى أَنَّهُ خَلِيطٌ فِي الْحُقُوقِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَدَارٍ جُعِلَتْ مَهْرًا أَوْ أُجْرَةً أَوْ بَدَلَ خُلْعٍ أَوْ بَدَلَ صُلْحٍ عَنْ دَمٍ أَوْ عِوَضَ عِتْقٍ أَوْ وُهِبَتْ بِلَا عِوَضٍ مَشْرُوطٍ) ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ لَمْ يَشْرَعْ التَّمَلُّكَ بِالشُّفْعَةِ إلَّا بِمَا يَمْلِكُ بِهِ الْمُشْتَرِي صُورَةً وَمَعْنًى أَوْ مَعْنًى بِلَا صُورَةٍ وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ إذَا تَمَلَّكَ الْعَقَارَ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِأَمْوَالٍ وَلَا مِثْلَ لَهَا حَتَّى يَأْخُذَهَا الشَّفِيعُ بِمِثْلِهَا فَلَمْ يُمْكِنْ مُرَاعَاةُ شَرْطِ الشَّرْعِ فِيهِ وَهُوَ التَّمَلُّكُ بِمَا يَمْلِكُ بِهِ الْمُشْتَرِي فَلَمْ يَكُنْ مَشْرُوعًا وَقَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ تَجِبُ فِيهِمَا الشُّفْعَةُ فَيَأْخُذُهَا بِقِيمَتِهَا عِنْدَ تَعَذُّرِ الْأَخْذِ بِمِثْلِهَا بِخِلَافِ الْهِبَةِ بِلَا عِوَضٍ لِتَعَذُّرِ الْأَخْذِ بِلَا عِوَضٍ إذْ هُوَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ وَلَنَا مَا تَقَدَّمَ وَلِأَنَّ الشَّفِيعَ يَتَمَلَّكُ بِمَا يَمْلِكُ بِهِ الْمُشْتَرِي مِنْ السَّبَبِ لَا بِسَبَبٍ آخَرَ وَهَاهُنَا لَوْ أَخَذَهُ كَانَ يَأْخُذُ بِسَبَبٍ آخَرَ وَلَوْ تَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ مَهْرٍ ثُمَّ فَرَضَ لَهَا عَقَارًا مَهْرًا لَمْ يَكُنْ فِيهَا الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ بِمَهْرِ الْمِثْلِ وَهُوَ مُقَابَلٌ بِالْبِضْعِ بِخِلَافِ مَا لَوْ بَاعَهَا الْعَقَارَ بِمَهْرِ الْمِثْلِ أَوْ بِالْمُسَمَّى عِنْدَ الْعَقَارِ أَوْ بَعْدَهُ حَيْثُ تَجِبُ فِيهِ الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّهُ مُبَادَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ؛ لِأَنَّ مَا أَعْطَاهُ مِنْ الْعَقَارِ بَدَلٌ عَمَّا فِي ذِمَّتِهِ مِنْ الْمَهْرِ وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى دَارٍ عَلَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَلَا شُفْعَةَ فِي جَمِيعِ الدَّارِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَقَالَا تَجِبُ الشُّفْعَةُ فِي حِصَّةِ الْأَلْفِ؛ لِأَنَّهُ مُبَادَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ فِي حَقِّهِ وَلِهَذَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ النِّكَاحِ وَلَا يَفْسُدُ بِشَرْطِ النِّكَاحِ وَهُوَ يَقُولُ مَعْنَى الْبَيْعِ فِيهِ تَابِعٌ فَلَا شُفْعَةَ فِي الْأَصْلِ فَكَذَا فِي الْبَيْعِ. أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُضَارِبَ إذَا كَانَ رَأْسُ مَالِهِ أَلْفًا فَاتَّجَرَ وَرَبِحَ أَلْفًا ثُمَّ اشْتَرَى بِالْأَلْفَيْنِ دَارًا فِي جِوَارِ رَبِّ الْمَالِ ثُمَّ بَاعَهَا بِأَلْفَيْنِ فَإِنَّ رَبَّ الْمَالِ لَا يَسْتَحِقُّ الشُّفْعَةَ فِي حِصَّةِ الْمُضَارِبِ تَبَعًا لِرَأْسِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ وَكِيلٌ فِي حَقِّهِ وَلَيْسَ فِي بَيْعِ الْوَكِيلِ شُفْعَةٌ وَكَذَا فِي حَقِّ الْمُضَارِبِ وَهُوَ الْبَيْعُ كَذَا فِي الْعَتَّابِيَّةِ قَوْلُهُ جُعِلَتْ الدَّارُ مَهْرًا مِثَالٌ قَالَ فِي الْعَتَّابِيَّةِ وَلَوْ قَالَ صَالَحْتُك عَلَى أَنْ تَجْعَلَ هَذِهِ الدَّارَ مَهْرًا لَك وَأَعْطَيْتُك هَذِهِ الدَّارَ مَهْرًا فَلَا شُفْعَةَ لِلشَّفِيعِ فِيهَا وَقَوْلُهُ جُعِلَتْ مَهْرًا مُحْتَرَزٌ عَنْ الْبَيْعِ وَلَوْ بَاعَهَا دَارًا بِمَهْرِ مِثْلِهَا أَوْ صَالَحَهَا عَلَى دَارٍ أَوْ صَالَحَهَا مِنْ دَعْوَى حَقٍّ عَلَى دَارٍ فَفِيهِمَا الشُّفْعَةُ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُصَالِحِ فِي قِيمَةِ ذَلِكَ أَوْ فِي قَدْرِهِ وَفِي السِّرَاجِيَّةِ صَالَحَ فِي دَارٍ ادَّعَاهُ عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ وَهُوَ جَاحِدٌ لَا شُفْعَةَ فِيهَا فَإِنْ أَقَامَ الشَّفِيعُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا الَّتِي ادَّعَاهَا فَلَهُ الشُّفْعَةُ وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ رَجُلٌ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَلَمْ يُسَمِّ مَهْرًا ثُمَّ دَفَعَ لَهَا دَارًا مَهْرًا فَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ قَالَ الزَّوْجُ جَعَلْتهَا مَهْرَك فَلَا شُفْعَةَ فِيهَا، وَإِنْ قَالَ جَعَلْتهَا بِمَهْرِك أَلْفًا فَفِيهَا الشُّفْعَةُ وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ خَالَعَ امْرَأَتَهُ عَلَى ذَلِكَ عَلَى أَنْ تَرُدَّ عَلَيْهِ أَلْفًا فَهُوَ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ عَلَى دَارٍ عَلَى أَنْ تَرُدَّ عَلَيْهِ أَلْفًا كَمَا تَقَدَّمَ وَفِيهِ أَيْضًا أَسْلَمَ دَارًا لِرَجُلٍ فِي مِائَةِ قَفِيزٍ حِنْطَةً وَاسْتَلَمَ الدَّارَ فَلِلشَّفِيعِ أَخْذُهَا بِالشُّفْعَةِ وَلَوْ افْتَرَقَا قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ الدَّارَ بَطَلَ السَّلَمُ وَلَا شُفْعَةَ. اهـ. وَفِي الْعَتَّابِيَّةِ لَا شُفْعَةَ فِي دَارٍ هِيَ بَدَلٌ عَنْ سُكْنَى دَارٍ وَخِدْمَةِ عَبْدٍ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ عَنْ دَمٍ عَمْدٍ احْتِرَازًا عَنْ الْخَطَأِ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 157 وَلَوْ كَانَ عَنْ جِنَايَةِ خَطَأٍ تَجِبُ الشُّفْعَةُ وَلَوْ صَالَحَ بِهَا عَنْ جِنَايَتَيْنِ أَحَدُهُمَا عَمْدًا وَالْأُخْرَى خَطَأً فَلَا شُفْعَةَ فِيهَا عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا تَجِبُ فِيهَا الشُّفْعَةُ فِيمَا يَخُصُّ جِنَايَةَ الْخَطَأِ وَلَوْ صَالَحَ عَنْ كَفَالَةِ رَجُلٍ بِنَفْسِهِ عَلَى دَارٍ فَلَا شُفْعَةَ فِيهَا؛ لِأَنَّ هَذَا صُلْحٌ بَاطِلٌ. اهـ. قَيَّدَ بِقَوْلِهِ بِلَا عِوَضٍ مَشْرُوطٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ شَرَطَ فِي الْعَقْدِ تَجِبُ الشُّفْعَةُ فَفِي الْخَانِيَّةِ وَهَبَ دَارًا مِنْ إنْسَانٍ بِشَرْطِ أَنْ يُعَوِّضَهُ كَذَا فَلَا شُفْعَةَ لِلشَّفِيعِ مَا لَمْ يَتَقَابَضَا وَبَعْدَ التَّقَابُضِ تَجِبُ الشُّفْعَةُ بِمِثْلِ الْعِوَضِ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا وَإِلَّا فَبِقِيمَتِهِ إنْ كَانَ قِيَمِيًّا وَفِي السِّغْنَاقِيِّ وَهَبَ لَهُ عَقَارًا مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ مَشْرُوطٍ فِي الْعَقْدِ ثُمَّ عَوَّضَهُ عَنْ الدَّارِ دَارًا فَلَا شُفْعَةَ فِي الْهِبَةِ وَلَا فِي الْعِوَضِ وَفِي الْأَصْلِ لَوْ وَهَبَ شِقْصًا مُسَمًّى فِي دَارٍ غَيْرِ مَحْجُورٍ وَلَا مَقْسُومٍ عَلَى أَنْ يُعَوِّضَهُ كَذَا فَهُوَ بَاطِلٌ وَلَا شُفْعَةَ لِلشَّفِيعِ وَالْجَوَابُ فِي الصَّدَقَةِ بِأَلْفَاظِهَا وَالْعَطِيَّةُ نَظِيرُ الْجَوَابِ فِي الْهِبَةِ، أَمَّا الْوَصِيَّةُ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ إذَا قَبِلَ الْوَصِيُّ لَهُ ثُمَّ مَاتَ، فَإِنَّهُ تَجِبُ فِيهِ الشُّفْعَةُ قَالَ فِي الْكِتَابِ إذَا قَالَ أَوْصَيْت بِدَارِي لِفُلَانٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَقَالَ الْمُوصَى لَهُ قَبِلْت ثَبَتَ لِلشَّفِيعِ الشُّفْعَةُ، وَإِنْ قَالَ أَوْصَيْت أَنْ يُوهَبَ لَهُ عَلَى عِوَضِ أَلْفِ دِرْهَمٍ فَهُوَ مِثْلُ الْهِبَةِ بِالشَّرْطِ، وَإِنْ ادَّعَى حَقًّا عَلَى إنْسَانٍ وَصَالَحَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى الدَّارِ فَلِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ الدَّارَ بِالشُّفْعَةِ كَانَ الصُّلْحُ عَنْ إقْرَارٍ أَوْ إنْكَارٍ وَفِي الْفَتَاوَى الْعَتَّابِيَّةِ وَالْقَوْلُ لِلْمُدَّعِي فِي مِقْدَارِ الدَّيْنِ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ وَكَذَا لَوْ صَالَحَهُ عَنْ عَيْبٍ عَلَى دَارٍ بَعْدَ الْقَبْضِ فَالْقَوْلُ لِلْمُصَالِحِ فِي نُقْصَانِ الْعَيْبِ وَلَوْ ادَّعَى دَارًا فِي يَدِ رَجُلٍ وَصَالَحَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ الْمُدَّعِي دَرَاهِمَ وَتَرَكَ الدَّارَ يَنْظُرُ إنْ كَانَ الصُّلْحُ عَنْ إنْكَارٍ فَلَا شُفْعَةَ لِلشَّفِيعِ. اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ بِيعَتْ بِخِيَارِ الْبَائِعِ) ؛ لِأَنَّ خِيَارَ الْبَائِعِ يَمْنَعُ خُرُوجَ الْمَبِيعِ عَنْ مِلْكِهِ وَبَقَاءُ مِلْكِهِ يَمْنَعُ وُجُوبَ الشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ وُجُوبِهَا الْخُرُوجُ عَنْ مِلْكِهِ، فَإِذَا سَقَطَ الْخِيَارُ أَوْ سَقَطَ الْخِيَارُ عِنْدَ سُقُوطِ الْخِيَارِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ إنَّمَا صَارَ سَبَبًا لِإِفَادَةِ الْحُكْمِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَوُجُوبُ الشُّفْعَةِ تَنْبَنِي عَلَى انْقِطَاعِ حَقِّ الْمِلْكِ بِالْبَيْعِ وَهُوَ يَنْقَطِعُ حِينَئِذٍ، وَإِنْ اشْتَرَى بِشَرْطِ الْخِيَارِ وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ تَمَلَّكَهَا، أَمَّا عِنْدَهُ فَلِخُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْبَائِعَ إذَا أَقَرَّ بِالْبَيْعِ وَأَنْكَرَ الْمُشْتَرِي تَجِبُ الشُّفْعَةُ، فَإِذَا أَخَذَهَا الشَّفِيعُ فِي الثَّالِثِ لَزِمَ الْبَيْعُ لِعَجْزِ الْمُشْتَرِي عَنْ الرَّدِّ وَلَا خِيَارَ لِلشَّفِيعِ؛ لِأَنَّ خِيَارَ الشَّرْطِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالشَّرْطِ وَهُوَ كَانَ لِلْمُشْتَرِي دُونَ الشَّفِيعِ وَإِذَا بِيعَتْ دَارٌ بِجَنْبِهَا وَالْخِيَارُ لِأَحَدِهِمَا كَانَ لَهُ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَمْ يُخْرِجْ الْمَبِيعَ عَنْ مِلْكِهِ إذَا كَانَ الْخِيَارُ لَهُ وَيَلْزَمُ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ نَقْضٌ مِنْهُ لِلْبَيْعِ وَكَذَلِكَ الْمُشْتَرِي عِنْدَ هُمَا إنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بِالْأَخْذِ مُخْتَارًا لِلْبَيْعِ فَيَصِيرُ إجَازَةً وَتَمَلَّكَ بِهِ الْمَبِيعَ وَ؛ لِأَنَّهُ صَارَ أَحَقَّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ وَذَلِكَ يَكْفِي لِاسْتِحْقَاقِ الشُّفْعَةِ كَالْمَأْذُونِ لَهُ وَالْمُكَاتَبُ إذَا بِيعَتْ دَارٌ بِجَنْبِ دَارِهِمَا. وَكَذَا إذَا اشْتَرَى دَارًا وَلَمْ يَرَهَا فَبِيعَتْ دَارٌ بِجَنْبِهَا كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّ مِلْكَهَا فِيهَا ثَابِتٌ وَإِذَا أَخَذَ الْمَشْفُوعَةَ لَمْ يَسْقُطْ خِيَارُهُ؛ لِأَنَّ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ لَا يَبْطُلُ بِصَرِيحِ الْإِبْطَالِ فَبِدَلَالَتِهِ أَوْلَى، فَإِذَا حَضَرَ شَفِيعُ الْأُولَى وَهِيَ الَّتِي اشْتَرَاهَا الْمُشْتَرِي كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّهُ أَوْلَى بِهَا مِنْ الْمُشْتَرِي وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الثَّانِيَةَ وَهِيَ الَّتِي أَخَذَهَا الْمُشْتَرِي بِالشُّفْعَةِ إذَا لَمْ تَكُنْ مُتَّصِلَةً بِمِلْكِهِ لِانْعِدَامِ سَبَبِ الشُّفْعَةِ فِي حَقِّهِ، وَاتِّصَالُهُ لَا يُفِيدُ لِعَدَمِ مِلْكِهِ فِيهَا وَقْتَ بَيْعِ الْأُخْرَى، وَإِنْ كَانَتْ مُتَّصِلَةً بِمِلْكِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يُشَارِكَهُ فِيهَا بِالشُّفْعَةِ، فَإِذَا جَاءَ الشَّفِيعُ الْأَوَّلُ بَعْدَمَا أَخَذَ الْمُشْتَرِي الثَّانِي بِالشُّفْعَةِ كَانَ لِهَذَا الَّذِي جَاءَ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الثَّانِيَةَ بِالشُّفْعَةِ وَفِي التَّجْرِيدِ وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي شَرَطَ الْخِيَارَ لِغَيْرِهِ فَأَجَازَ وَهُوَ شَفِيعُهَا فَلَهُ الشُّفْعَةُ وَلَوْ بَاعَ عَقَارًا وَشَرَطَ الْخِيَارَ لِغَيْرِهِ فَأَمْضَى ذَلِكَ الْغَيْرُ الْبَيْعَ وَهُوَ شَفِيعُهَا فَلَا شُفْعَةَ لَهُ وَفِي الْفَتَاوَى وَلَوْ بَاعَهُ بِخِيَارِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ثُمَّ زَادَهُ ثَلَاثَةً أُخْرَى يَأْخُذُهَا الشَّفِيعُ إذَا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ الْأُولَى. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ بِيعَتْ فَاسِدًا مَا لَمْ يَسْقُطْ حَقُّ الْفَسْخِ بِشَيْءٍ يُسْقِطُهُ كَالْبِنَاءِ) ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ بَعْدَ الْقَبْضِ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ لِلْمُشْتَرِي فَلَا يَثْبُتُ لِلشَّفِيعِ فِيهِ حَقٌّ مَعَ بَقَاءِ مِلْكِهِ وَبَعْدَ الْقَبْضِ، وَإِنْ كَانَ يُفِيدُهُ لَكِنَّ حَقَّ الْبَائِعِ بَاقٍ فِيهَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ وَاجِبُ الدَّفْعِ لِدَفْعِ الْفَسَادِ وَلِهَذَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُشْتَرِي التَّصَرُّفُ فِيهِ وَفِي إثْبَاتِ الْحَقِّ لَهُ تَقْرِيرٌ فَلَا يَجُوزُ وَإِذَا سَقَطَ حَقُّ الْفَسْخِ زَالَ الْمَانِعُ مِنْ وُجُوبِ الشُّفْعَةِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 158 فَتَجِبُ وَقَوْلُهُ بِالْبِنَاءِ مِثَالٌ؛ لِأَنَّهُ يَنْقَطِعُ حَقُّ الْبَائِعِ بِإِخْرَاجِ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ عَنْ مِلْكِهِ بِالْبَيْعِ أَوْ غَيْرِهِ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، فَإِذَا أَخْرَجَهُ عَنْ مِلْكِهِ بِالْبَيْعِ كَانَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَهَا بِأَيِّ الْبَيْعَيْنِ، فَإِنْ أَخَذَهَا بِالْبَيْعِ الْأَوَّلِ أَخَذَهَا بِالْقِيمَةِ، وَإِنْ أَخَذَهَا بِالْبَيْعِ الثَّانِي أَخَذَهَا بِالثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ الثَّانِيَ صَحِيحٌ وَإِذَا أَخْرَجَهَا عَنْ مِلْكِهِ بِالْهِبَةِ أَوْ جَعَلَهَا مَهْرًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ نُقِضَ تَصَرُّفُهُ وَأُخِذَ بِقِيمَتِهِ لِمَا ذَكَرْنَا وَإِذَا بِيعَتْ دَارٌ بِجَنْبِهَا قَبْلَ الْقَبْضِ فَلِلْبَائِعِ الشُّفْعَةُ فِي الْمَبِيعِ لِبَقَاءِ مِلْكِهِ فِيهَا، وَإِنْ سَلَّمَهَا بَعْدَ الْحُكْمِ لَهُ لَا تَبْطُلُ، فَإِذَا بِيعَتْ بَعْدَ الْقَبْضِ فَاسْتَرَدَّهَا الْبَائِعُ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ لَهُ بِالشُّفْعَةِ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ لِخُرُوجِهَا عَنْ مِلْكِهِ قَبْلَ الْأَخْذِ فَصَارَ كَمَا إذَا بَاعَهَا قَبْلَهُ. وَإِذَا اسْتَرَدَّهَا بَعْدَ الْحُكْمِ لَهُ بَقِيَتْ عَلَى مِلْكِهِ لِمَا ذَكَرْنَا وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ بِيعَتْ فَاسِدًا لِيُفِيدَ أَنَّ الْفَاسِدَ قَارَنَ الْعَقْدَ وَاسْتَمَرَّ بَعْدَهُ قَيَّدْنَاهُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ إذَا كَانَ بَعْدَ انْعِقَادِهِ صَحِيحًا فَحَقُّ الشُّفْعَةِ عَلَى حَالِهِ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَاعْتَرَضَ عَلَى هَذَا بِأَنَّهُ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ لَا يَثْبُتَ الْمُفْسِدُ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ كَيْ لَا يَلْزَمَ تَقْرِيرُ الْفَسَادِ وَإِذَا ثَبَتَ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي كَمَا قُلْنَا فِي خِيَارِ الشَّرْطِ لَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ، وَإِنْ ثَبَتَ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي وَأُجِيبَ إنَّ فَسَادَ الْبَيْعِ إنَّمَا يَثْبُتُ لِمَعْنًى رَاجِعٍ إلَى الْعِوَضِ فَلَوْ أَسْقَطْنَا الْعِوَضَ بَقِيَ بَيْعٌ بِلَا عِوَضٍ وَهُوَ فَاسِدٌ أَيْضًا وَالْخِيَارُ ثَبَتَ لِمَعْنًى خَارِجٍ عَنْ الْعِوَضَيْنِ فَلَوْ أَسْقَطْنَا الْخِيَارَ بَقِيَ بَيْعٌ بِلَا خِيَارٍ وَهُوَ مَشْرُوعٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ قُسِمَتْ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ) يَعْنِي لَوْ قُسِمَتْ الدَّارُ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ لَا تَجِبُ الشُّفْعَةُ لِجَارِهِمْ بِالْقِسْمَةِ بَيْنَهُمْ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ فِيهَا مَعْنَى الْإِفْرَازِ وَلِهَذَا يَجْرِي فِيهَا الْخِيَارُ وَالشُّفْعَةُ لَمْ تُشْرَعْ إلَّا فِي الْمُبَادَلَةِ الْمُطْلَقَةِ وَهِيَ الْمُبَادَلَةُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ وَلِأَنَّهَا لَوْ وَجَبَتْ لِلْقَاسِمِ لِكَوْنِهِ جَارًا بَعْدَ اسْتِحْقَاقِ الشُّفْعَةِ وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ الْإِفْرَازُ وَهُوَ مُتَأَخِّرٌ وَهُوَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُتَقَدِّمًا عَلَى زَوَالِ الْمِلْكِ الْقَائِمِ كَمَا تَقَدَّمَ وَكَوْنُهُ جَارًا مُتَأَخِّرٌ وَقَوْلُ صَاحِبِ غَايَةِ الْبَيَانِ وَ؛ لِأَنَّهَا لَوْ وَجَبَتْ لِلْقَاسِمِ؛ لِأَنَّهُ شَرِيكٌ وَالشَّرِيكُ أَوْلَى مِنْ الْجَارِ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ لَا بَعْدَهَا وَالْكَلَامُ فِيمَا بَعْدَهَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ سَلِمَتْ شُفْعَتُهُ ثُمَّ رُدَّتْ بِخِيَارِ رُؤْيَةٍ أَوْ شَرْطٍ أَوْ عَيْبٍ بِقَضَاءٍ) يَعْنِي إذَا أَسْلَمَ الشَّفِيعُ الشُّفْعَةَ ثُمَّ رُدَّتْ إلَى الْبَائِعِ بِخِيَارِ رُؤْيَةٍ أَوْ شَرْطٍ كَيْفَمَا كَانَ أَوْ بِيعَتْ بِقَضَاءِ الْقَاضِي لَا تَجِبُ الشُّفْعَةُ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ فَسْخٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ عَقْدًا جَدِيدًا فَعَادَ إلَيْهِ قَدِيمُ مِلْكِهِ وَالشُّفْعَةُ تَجِبُ فِي الْإِنْشَاءِ لَا فِي اسْتِمْرَارِ الْبَقَاءِ وَعَلَى مَا كَانَ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْفَسْخُ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَلَا شُفْعَةَ فِي قِسْمَةٍ وَلَا خِيَارِ رُؤْيَةٍ بِالْجَرِّ مَعْنَاهُ لَا شُفْعَةَ فِي الرَّدِّ بِخِيَارِ رُؤْيَةٍ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ لَا يَثْبُتُ فِي الْقِسْمَةِ؛ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ أَنَّ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ يَثْبُتُ فِي الْقِسْمَةِ وَخِيَارَ الشَّرْطِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ ثُبُوتَهَا لِخَلَلٍ فِي الرِّضَا بِالْعَقْدِ الَّذِي لَا يَنْعَقِدُ لَازِمًا إلَّا بِالرِّضَا وَالْقِسْمَةُ مِنْهُ لِمَا فِيهَا مِنْ مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ وَالْمُبَادَلَةُ أَغْلِبُ فِي غَيْرِ الْكَيْلِيِّ وَالْوَزْنِيِّ فَيَجُوزُ فِيهِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ وَلَا يَجُوزُ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ فِيهِمَا هُوَ الْغَالِبُ وَقَالَ فِي الْكَافِي. وَصَحَّحَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ أَنَّ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ لَا يَثْبُتُ فِي الْقِسْمَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ بِقَضَاءٍ أَوْ رِضَاءٍ قَالَهُ الشَّيْخُ وَقُلْنَا لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْفَسْخُ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَلَا عِبْرَةَ بِقَوْلِ مَنْ قَالَ الْمُرَادُ بَعْدَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ هَذَا مُرَادًا كَانَ مُنَاقِضًا لِقَوْلِهِمْ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَحَلِّ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ. اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَجِبُ لَوْ رُدَّتْ بِلَا قَضَاءٍ أَوْ تَقَايَلَا) يَعْنِي تَجِبُ الشُّفْعَةُ إنْ رَدَّهَا الْمُشْتَرِي بِعَيْبٍ بِغَيْرِ قَضَاءٍ أَوْ تَقَايَلَا الْبَيْعَ وَقَالَ زُفَرُ لَا تَجِبُ؛ لِأَنَّ شُفْعَتَهُ بَطَلَتْ بِالتَّسْلِيمِ وَالرَّدُّ بِالْعَيْبِ بِغَيْرِ قَضَاءٍ إقَالَةٌ وَالْإِقَالَةُ فَسْخٌ لِقَصْدِهِمَا ذَلِكَ وَالْعِبْرَةُ بِقَصْدِ الْعَاقِدَيْنِ قُلْنَا الْإِقَالَةُ سَبَبٌ لِلْمِلْكِ بِتَرَاضِيهِمَا كَالْبَيْعِ غَيْرَ أَنَّهُمَا قَصَدَا الْفَسْخَ فَيَصِحُّ فِيمَا لَا يَتَضَمَّنُ حَقَّ الْغَيْرِ؛ لِأَنَّ لَهُمَا وِلَايَةً عَلَى أَنْفُسِهِمَا فَيَكُونُ فَسْخًا فِي حَقِّهِمَا وَلَا وِلَايَةَ لَهُمَا عَلَى غَيْرِهِمَا فَيَكُونُ بَيْعًا جَدِيدًا فِي حَقِّ الشَّفِيعِ فَيَتَجَدَّدُ لَهُ بِهِ حَقُّ الشُّفْعَةِ قَالَ الشَّارِحُ قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَمُرَادُهُ بِالرَّدِّ بِالْعَيْبِ الرَّدُّ بَعْدَ الْقَبْضِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهَذَا إنَّمَا يَسْتَقِيمُ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْعَقَارِ عِنْدَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ كَمَا فِي الْمَنْقُولِ، أَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَا يُفِيدُ الْقَيْدُ الْمَذْكُورُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (بَابُ مَا تَبْطُلُ بِهِ الشُّفْعَةُ) لَمَّا كَانَ بُطْلَانُ الشَّيْءِ يَقْتَضِي سَابِقَةَ وُجُودِهِ ذَكَرَ مَا تَبْطُلُ بِهِ الشُّفْعَةُ بَعْدَ ذِكْرِ مَا تَثْبُتُ بِهِ الشُّفْعَةُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَبْطُلُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 159 بِتَرْكِ الْمُوَاثَبَةِ أَوْ التَّقْرِيرِ) حِينَ عَلِمَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ بِأَنْ لَمْ يَمْنَعْهُ أَحَدٌ وَلَمْ يَكُنْ فِي الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهَا تَبْطُلُ بِالْإِعْرَاضِ وَتَرْكُ الطَّلَبَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا مَعَ الْقُدْرَةِ إعْرَاضٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَالْأَصْلُ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّ تَسْلِيمَ الشُّفْعَةِ قَبْلَ الْبَيْعِ لَا يَصِحُّ وَأَنَّ مَنْ ثَبَتَ لَهُ الْحَقُّ إذَا أَسْقَطَهُ بَعْدَ ثُبُوتِهِ لَهُ سَقَطَ عَلِمَ بِثُبُوتِهِ لَهُ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ وَتَعْبِيرُ الْمُؤَلِّفِ بِتَرْكِ الطَّلَبِ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ بِتَرْكِ الْإِشْهَادِ؛ لِأَنَّهُ يَرِدُ عَلَى صَاحِبِ الْهِدَايَةِ أَنَّ الْإِشْهَادَ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَتَرْكُ مَا لَيْسَ شَرْطًا فِي الشَّيْءِ لَا يُبْطِلُهُ وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ سَلَّمَ الشُّفْعَةَ لِلْوَكِيلِ صَحَّ وَسَقَطَ وَيَصِحُّ تَعْلِيقُ الْإِسْقَاطِ بِشَرْطٍ وَلَوْ قَالَ سَلَّمْت لَك إنْ اشْتَرَيْت لِنَفْسِك لَمْ تَبْطُلْ إذَا كَانَ اشْتَرَاهَا لِغَيْرِهِ وَلَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيٍّ سَلَّمْت شُفْعَةَ هَذَا سَقَطَتْ شُفْعَتُهُ؛ لِأَنَّهُ سَلَّمَ مُطْلَقًا فَصَرَفْنَاهُ إلَى الْمُشْتَرِي حَمْلًا لِكَلَامِ الْعَاقِلِ عَلَى الصِّحَّةِ وَلَوْ قَالَ سَلَّمْت لَك لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْأَجْنَبِيَّ بِمَعْزِلٍ عَنْ هَذَا الْعَقْدِ وَلَوْ قَالَ لَهُ أَجْنَبِيٌّ سَلِّمْ لِلْمُشْتَرِي فَقَالَ سَلَّمْت لَك صَحَّ اسْتِحْسَانًا كَأَنَّهُ قَالَ سَلَّمْت الشُّفْعَةَ لِلْمُشْتَرِي لِشَفَاعَتِك قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِالصُّلْحِ عَنْ شُفْعَتِهِ عَلَى عِوَضٍ وَعَلَيْهِ رَدُّهُ) يَعْنِي تَبْطُلُ الشُّفْعَةُ إذَا صَالَحَ الْمُشْتَرِي الشَّفِيعَ عَلَى عِوَضٍ وَعَلَى الشَّفِيعِ رَدُّ الْعِوَضِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الشَّفِيعِ لَيْسَ بِمُقَرَّرٍ فِي الْمَحَلِّ، وَإِنَّمَا هُوَ مُجَرَّدُ التَّمَلُّكِ فَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ وَلَا يَتَعَلَّقُ إسْقَاطُهُ بِالْجَائِزِ مِنْ الشَّرْطِ وَفِيمَا إذَا قَالَ الشَّفِيعُ أَسْقَطْت شُفْعَتِي فِيمَا اشْتَرَيْت عَلَى أَنْ تُسْقِطَ حِصَّتَك فِيمَا اشْتَرَيْت أَوْ عَلَى أَنْ لَا تَطْلُبَ الثَّمَنَ مِنِّي لِكَوْنِهِ مُلَائِمًا حَتَّى لَوْ تَرَاضَيَا سَقَطَ حَقُّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَمَعَ هَذَا لَا يَتَعَلَّقُ إسْقَاطُ الشُّفْعَةِ بِهَذَا الشَّرْطِ بَلْ يَسْقُطُ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ أَسْقَطْت تَحَقَّقَ الشَّرْطُ أَوْ لَمْ يَتَحَقَّقْ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَتَعَلَّقَ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ وَهُوَ شَرْطُ الِاعْتِيَاضِ عَنْ حَقٍّ لَيْسَ بِمَالٍ بَلْ هُوَ رِشْوَةٌ مَحْضَةٌ فَيَصِحُّ الْإِسْقَاطُ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ وَكَذَا إذَا بَاعَ شُفْعَتَهُ بِمَالٍ بِمَا بَيَّنَّا وَنَظِيرُ مَا نَحْنُ فِيهِ إذَا قَالَ لِلْمُخَيَّرَةِ اخْتَارِي بِأَلْفٍ أَوْ قَالَ أَلْفَيْنِ لِامْرَأَتِهِ اخْتَارِي تَرْكَ الْفَسْخِ بِأَلْفٍ فَاخْتَارَتْ سَقَطَ الْخِيَارُ وَلَا يَثْبُتُ الْمَالُ وَالْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ فِي هَذَا بِمَنْزِلَةِ الشُّفْعَةِ فِي رِوَايَةٍ وَفِي أُخْرَى لَا تَبْطُلُ الْكَفَالَةُ وَلَا يَجِبُ الْمَالُ قَالَ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ إذَا لَمْ يَجِبْ الْعِوَضُ يَجِبُ أَنْ لَا تَبْطُلَ شُفْعَتُهُ كَمَا فِي الْكَفَالَةِ وَالْفَرْقُ أَنَّ حَقَّ الشَّفِيعِ قَدْ سَقَطَ بِعِوَضٍ مَعْنًى، فَإِنَّ الثَّمَنَ سَلِمَ لَهُ وَالْمَكْفُولُ لَهُ لَمْ يَرْضَ بِسُقُوطِ حَقِّهِ عَنْ الْكَفِيلِ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ بِعِوَضٍ مَعْنًى، فَإِنَّ الثَّمَنَ سَلِمَ لَهُ عِوَضًا أَصْلًا فَلَا يَسْقُطُ حَقُّهُ فِي الْكَفَالَةِ. اهـ. قَالَ الشَّارِحُ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْكَفَالَةَ وَالشُّفْعَةَ يَسْقُطَانِ وَلَا يَجِبُ الْمَالُ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ صَالَحَ عَنْ شُفْعَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ صَالَحَ عَلَى أَخْذِ نَصِيبِ الدَّارِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ يَجُوزُ وَلَوْ صَحَّ عَنْ أَخْذِ بَيْتٍ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ وَلَا تَسْقُطُ شُفْعَتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْإِعْرَاضُ غَيْرَ أَنَّ الثَّمَنَ مَجْهُولٌ وَمِثْلُهُ مِنْ الْجَهَالَةِ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْبَيْعِ ابْتِدَاءً وَالْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ بَيْعٌ وَفِي الْمَبْسُوطِ سَاوَمَ الشَّفِيعُ الْمُشْتَرِيَ أَوْ سَأَلَهُ أَنْ يُوَلِّيَهُ إيَّاهَا بِذَلِكَ الثَّمَنِ فَقَالَ نَعَمْ فَهُوَ تَسْلِيمٌ مِنْهُ. اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ وَهَذِهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَحَدِهَا مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ الثَّانِي أَنْ يُصَالِحَ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ نِصْفَ الدَّارِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ أَوْ ثُلُثَ الدَّارِ بِثُلُثِ الثَّمَنِ فَالصُّلْحُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ أَخْذٌ بِعِوَضٍ مَعْلُومٍ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ أَنْ يَأْخُذَ بَعْضَهَا غَيْرَ مَعْلُومٍ أَوْ شَيْئًا مَعْلُومًا يَبْطُلُ الصُّلْحُ وَلَا تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ؛ لِأَنَّ هَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ وَفِي الْجَامِعِ صَالَحَ أَنْ يُسْلِمَ الشُّفْعَةَ عَلَى مَالٍ بَطَلَتْ الشُّفْعَةُ بِلَا مَالٍ، فَإِنْ قَالَ الْمُصَالِحُ عَلَى أَنْ تَكُونَ الشُّفْعَةُ لِي لَمْ تَبْطُلْ الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسْقِطْ حَقَّهُ بَلْ أَقَامَ الْأَجْنَبِيَّ مَقَامَ نَفْسِهِ فِي طَلَبِ الشُّفْعَةِ وَفِي ابْنِ فِرِشْتَا وَلَوْ اسْتَأْجَرَ الشَّفِيعُ الدَّارَ أَوْ أَخَذَهَا مِنْهُ مُزَارِعَةً أَوْ مُعَامَلَةً مَعَ عِلْمِهِ بِالشِّرَاءِ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ. اهـ. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ [مَا يُبْطِل الشُّفْعَة] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِمَوْتِ الشَّفِيعِ لَا الْمُشْتَرِي) يَعْنِي بِمَوْتِ الشَّفِيعِ قَبْلَ الْأَخْذِ بَعْدَ الطَّلَبِ أَوْ قَبْلَهُ تَبْطُلُ الشُّفْعَةُ وَلَا تُورَثُ عَنْهُ وَلَا تَبْطُلُ بِمَوْتِ الْمُشْتَرِي وَقَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ لَا تَبْطُلُ بِمَوْتِ الشَّفِيعِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ مُعْتَبَرٌ كَالْقِصَاصِ وَحَقُّ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَلَنَا أَنَّهُ مُجَرَّدُ حَقٍّ وَهُوَ حَقُّ التَّمْلِيكِ وَأَنَّهُ مُجَرَّدُ رَأْيٍ وَهُوَ الصَّفْقَةُ فَلَا يُورَثُ عَنْهُ بِخِلَافِ الْقِصَاصِ؛ لِأَنَّ مَنْ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ صَارَ كَالْمَمْلُوكِ لِمَنْ لَهُ الْقِصَاصُ وَلِهَذَا جَازَ لَهُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ وَمِلْكُ الْعَيْنِ يَبْقَى بَعْدَ الْمَوْتِ فَأَمْكَنَ إرْثُهُ بِخِلَافِ الشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ رَأْيٍ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ الِاعْتِرَاضُ عَنْهَا وَلِأَنَّ مِلْكَ الشَّفِيعِ فِيمَا يَأْخُذُ بِهِ الشُّفْعَةَ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ بَاقِيًا مِنْ وَقْتِ الْبَيْعِ إلَى وَقْتِ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ وَلَمْ يُوجَدْ فِي حَقِّ الْمَيِّتِ وَقْتَ الْأَخْذِ وَلَا فِي حَقِّ الْوَارِثِ وَقْتَ الْبَيْعِ فَبَطَلَتْ؛ لِأَنَّهَا لَا تُسْتَحَقُّ بِالْمِلْكِ الْحَادِثِ بَعْدَ الْبَيْعِ وَلَا بِالزَّائِلِ بَعْدَ الْأَخْذِ، وَإِنَّمَا لَا تَبْطُلُ بِمَوْتِ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ بَاقٍ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 160 وَلَمْ يَتَغَيَّرْ بِسَبَبِ حَقِّهِ، وَإِنَّمَا حَصَلَ الِانْتِقَالُ إلَى الْوَرَثَةِ فَصَارَ كَمَا إذَا انْتَقَلَ إلَى غَيْرِهِ فَيَأْخُذُهَا قَيَّدْنَا بِقَوْلِنَا قَبْلَ الْأَخْذِ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ إذَا مَاتَ بَعْدَ قَضَاءِ الْقَاضِي لَهُ بِالشُّفْعَةِ أَوْ سَلَّمَ الْمُشْتَرِي الدَّارَ لَهُ فَهِيَ لِوَرَثَتِهِ يَأْخُذُونَهَا وَلَا تُبَاعُ الدَّارُ فِي دَيْنِ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ حَقَّ الشَّفِيعِ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الْمُشْتَرِي، فَإِنْ بَاعَهَا الْقَاضِي أَوْ وَصِيُّهُ فِي دَيْنِ الْمَيِّتِ فَلِلشَّفِيعِ أَنْ يَنْقُضَهُ كَمَا لَوْ بَاعَهَا الْمُشْتَرِي فِي حَيَاتِهِ لَا يُقَالُ بَيْعُ الْقَاضِي حُكْمٌ مِنْهُ فَكَيْفَ يَنْقُضُ؛ لِأَنَّهُ قَضَاءٌ مِنْهُ مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ. اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبَيْعِ مَا يَشْفَعُ بِهِ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِالشُّفْعَةِ) يَعْنِي تَبْطُلُ الشُّفْعَةُ بِبَيْعِ الدَّارِ الَّتِي يَشْفَعُ بِهَا قَبْلَ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ اسْتِحْقَاقِهِ قَدْ زَالَ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِالشُّفْعَةِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا وَقْتَ بَيْعِ الدَّارِ بِشِرَاءِ الْمَشْفُوعَةِ أَوْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا وَكَذَا إبْرَاءُ الْغَرِيمِ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ إسْقَاطٌ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَرْتَدُّ بِرَدِّ الْمُشْتَرِي وَلَوْ بَاعَ الَّتِي يَشْفَعُ بِهَا بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَا تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ وَلَوْ اشْتَرَاهَا الشَّفِيعُ مِنْ الْمُشْتَرِي بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ؛ لِأَنَّهُ بِالْإِقْدَامِ عَلَى الشِّرَاءِ أَعْرَضَ عَنْ الشُّفْعَةِ وَلِمَنْ هُوَ بَعْدَهُ مِنْ الشُّفَعَاءِ أَوْ مِثْلَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا مِنْهُ بِالشُّفْعَةِ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ، وَإِنْ شَاءَ بِالثَّانِي بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَاهَا ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ أَنْ يَثْبُتَ لَهُ فِيهَا حَقُّ الْأَخْذِ؛ لِأَنَّ شِرَاءَهَا هُنَاكَ لَمْ يَتَضَمَّنْ إعْرَاضًا. اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا شُفْعَةَ لِمَنْ بَاعَ أَوْ بِيعَ لَهُ) يَعْنِي بِيعَ لَهُ بِالْوَكَالَةِ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ مَنْ بَاعَ أَوْ بِيعَ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ وَمَنْ اشْتَرَى أَوْ اُشْتُرِيَ لَهُ كَانَ لَهُ الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ فِي الْأَوَّلِ يَلْزَمُ مِنْهُ نَقْضُ مَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ وَهُوَ بِالْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ تَمْلِيكٌ وَالْأَخْذَ تَمَلُّكٌ وَبَيْنَهُمَا مُنَافَاةٌ وَفِي الثَّانِي لَا يَلْزَمُ الثَّانِيَ ذَلِكَ بَلْ فِيهِ تَقْرِيرُهُ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ مِثْلُ الشِّرَاءِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ صَدَرَ مِنْ الْأَصِيلِ أَوْ الْوَكِيلِ حَتَّى لَا تَكُونَ لَهُ الشُّفْعَةُ فِي الْأَوَّلِ وَلَا لِمُوَكِّلِهِ وَفِي الثَّانِي لَهُمَا ذَلِكَ فَلَوْ بَاعَ الْمُضَارِبُ أَوْ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ الْعَقَارَ لَيْسَ لِلْمَوْلَى وَلَا لِرَبِّ الْمَالِ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ وَلَوْ اشْتَرَيَاهَا كَانَ لِرَبِّ الْمَالِ الشُّفْعَةُ لِمَا ذَكَرْنَا وَكَذَا لِلْمَوْلَى إنْ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَلَا فَائِدَةَ بِالْأَخْذِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ وَالْمُخَيَّرُ لِلْعَقْدِ الَّذِي بَاشَرَهُ الْفُضُولِيُّ كَالْمُوَكِّلِ لِمَا عُرِفَ وَفَائِدَةُ قَوْلِهِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ إنْ شَارَكَ غَيْرَهُ مِنْ الشُّفَعَاءِ إنْ لَمْ يَتَقَدَّمُوا عَلَيْهِ وَإِنْ تَقَدَّمَ هُوَ عَلَى مَنْ هُوَ بَعْدَهُ مِنْ الشُّفَعَاءِ فَهِيَ لَا تَسْلَمُ لَهُ عِنْدَ تَرْكِ غَيْرِهِ مِنْ الشُّفَعَاءِ وَالْبَائِعُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَطْلُبَ الْمَبِيعَ بِالشُّفْعَةِ فِي دَارٍ أُخْرَى غَيْرِهَا بِلِزْقِهَا لِأَنَّهُ لَمَّا بَاعَهَا رَغِبَ عَنْهَا وَالْأَخْذُ رَغْبَةٌ فِيهَا فَتَنَافَيَا بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي وَفِي التَّجْرِيدِ وَمَنْ بَاعَ دَرَاهِمَ وَهُوَ شَفِيعُهَا فَلَهُ الشُّفْعَةُ اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ وَمَنْ اشْتَرَى دَارًا وَلَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُ وَلَا شُفْعَةَ لِمَنْ بَاعَ مُتَكَرِّرًا مَعَ قَوْلِهِ وَبَيْعِ مَا يَشْفَعُ كَمَا تَقَدَّمَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ شَرَطَ الْبَائِعُ الْخِيَارَ لِثَالِثٍ فَأَجَازَ فَهُوَ كَالْبَائِعِ) ، فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي هُوَ الَّذِي فَعَلَ ذَلِكَ فَأَجَازَ فَهُوَ كَالْمُشْتَرِي وَقَدْ بَيَّنَّاهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ ضَمِنَ الدَّرْكَ عَنْ الْبَائِعِ) يَعْنِي إذَا ضَمِنَ الشَّفِيعُ الدَّرْكَ عَنْ الْبَائِعِ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ؛ لِأَنَّ تَمَامَ الْمَبِيعِ إنَّمَا كَانَ مِنْ جِهَتِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْقُضَ مَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ [ابْتَاعَ أَوْ اُبْتِيعَ لَهُ فَلَهُ الشُّفْعَةُ] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمِنْ ابْتَاعَ أَوْ اُبْتِيعَ لَهُ فَلَهُ الشُّفْعَةُ) وَقَدْ بَيَّنَّا وَجْهَهُ فِيمَا تَقَدَّمَ وَفِي فَتَاوَى الْفَضْلِيِّ الْوَكِيلُ بِشِرَاءِ الدَّارِ إذَا قَبَضَ الدَّارَ وَهِيَ فِي يَدِهِ يَطْلُبُ الشَّفِيعُ مِنْهُ وَيَأْخُذُهَا مِنْهُ، فَإِنْ كَانَ سَلَّمَ الدَّارَ إلَى الْمُوَكِّلِ يَطْلُبُ مِنْ الْمُوَكِّلِ وَيَأْخُذُ مِنْهُ وَلَا يَطْلُبُ مِنْ الشَّفِيعِ وَفِي جَامِعِ الْفَتَاوَى اشْتَرَى الْوَكِيلُ فَحَضَرَ الشَّفِيعُ يَأْخُذُهَا مِنْ الْوَكِيلِ وَلَا يَلْتَفِتُ إلَى حَضْرَةِ الْمُوَكِّلِ وَلَوْ كَانَ وَكِيلًا بِالْبَيْعِ فَبَاعَ فَحَضَرَ الشَّفِيعُ يَأْخُذُهَا مِنْ الشَّفِيعِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَالْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ لَا يَمْلِكُ الْأَخْذَ. اهـ. وَفِي الْجَامِعِ دَارٌ لَهَا شَفِيعَانِ قَالَ الْمُشْتَرِي لِأَحَدِهِمَا اشْتَرَيْت الدَّارَ لَك فَصَدَّقَهُ لَا يَبْطُلُ حَقُّهُ، وَإِنْ أَقَرَّ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا ثُبُوتَ الشُّفْعَةِ لَهُ بِالشِّرَاءِ سَوَاءٌ اشْتَرَى الْمُشْتَرِي الدَّارَ لِنَفْسِهِ أَوْ اشْتَرَاهَا لِلْمُقَرِّ لَهُ بِأَمْرِهِ؛ لِأَنَّ مَنْ اشْتَرَى أَوْ اُشْتُرِيَ لَهُ كَانَ لَهُ الشُّفْعَةُ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ مَا يُبْطِلُهَا؛ لِأَنَّ تَمَلُّكَهُ الدَّارَ بِالشِّرَاءِ طَلَبٌ مِنْهُ لِلشُّفْعَةِ وَزِيَادَةٌ وَلِأَنَّ مَنْ يَطْلُبُ الشُّفْعَةَ يَتَمَلَّكُ الدَّارَ بِالشُّفْعَةِ فِي الطَّلَبِ الثَّانِي، فَإِذَا مَلَكَهَا لِلْحَالِ قَامَ ذَلِكَ مِنْهُ مَقَامَ الطَّلَبِ وَالزِّيَادَةِ وَلَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي هَذِهِ الدَّارُ كُلُّهَا كَانَتْ لَك وَلَمْ تَكُنْ لِي وَلَا لِلْبَائِعِ أَوْ قَالَ كُنْت اشْتَرَيْتهَا قَبْلُ أَوْ قَالَ الْبَائِعُ وَهَبَهَا لَك فَصَدَّقَهُ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ وَلَوْ لَمْ يُصَدِّقْهُ عَلَى ذَلِكَ لِلشَّفِيعِ الْأَخْذُ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا كُلَّهَا بِالشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ قَدْ صَحَّ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ لِلشَّفِيعَيْنِ بَعْدَمَا ثَبَتَ لَهُمَا مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ فَبَطَلَ حَقُّ الْمُصَدِّقِ لِتَصْدِيقِهِ وَلَمْ يَبْطُلْ حَقُّ الْمُكَذِّبِ؛ لِأَنَّهُمَا يَصْدُقَانِ عَلَيْهِ وَفِي النَّوَادِرِ وَلَوْ أَقَرَّ الشَّفِيعُ قَبْلَ الْقَضَاءِ لَهُ بِالشُّفْعَةِ أَنَّ هَذِهِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 161 الدَّارَ لِفُلَانٍ الْغَائِبِ وَأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ بِالْبَيْعِ وَقَالَ الْمُشْتَرِي بَلْ هُوَ لِلْبَائِعٍ لَمْ تَبْطُلْ شُفْعَتُهُ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ الْبَائِعُ وَكَّلَنِي صَاحِبُهَا بِالْبَيْعِ وَقَالَ الشَّفِيعُ لَمْ يَأْمُرْهُ صَاحِبُهَا بِالْبَيْعِ فَلَهُ الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الشَّفِيعِ لَا يَصْدُقُ فِي حَقِّ الْمُتَبَايِعَيْنِ فَكَانَ الْمَبِيعُ مَحْكُومًا بِصِحَّتِهِ فِي حَقِّهِمَا فَجَازَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يُطَالِبَ بِحُقُوقِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ ادَّعَى هَذِهِ الدَّارَ رَجُلٌ فَشَهِدَ لَهُ هَذَا الشَّفِيعُ فَلَمْ يَعْدِلْ ثُمَّ بَاعَهَا ذُو الْيَدِ فَلِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ ذَكَرَهُ ابْنُ سِمَاعَةَ وَلَوْ قَالَ الشَّفِيعُ هَذِهِ الدَّارُ لِي، فَإِنْ أَقَمْت الْبَيِّنَةَ وَإِلَّا أَخَذْتهَا بِالشُّفْعَةِ فَلَا شُفْعَةَ؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى مِلْكَهَا وَالشُّفْعَةُ لِلتَّمَلُّكِ وَيَمْتَنِعُ أَنْ يَمْلِكَ مَا هُوَ عَلَى مِلْكِهِ وَالشُّفْعَةُ حَقُّهُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَمَلَّكَ بِالْعِوَضِ مَا هُوَ عَلَى مِلْكِهِ ذَكَرَهُ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَفِي الْمَسَائِلِ الْمُتَقَدِّمَةِ اعْتَرَفَ بِكَوْنِ الشَّيْءِ عَلَى مِلْكِ غَيْرِهِ فَجَازَ أَنْ يَتَمَلَّكَهُ بِعِوَضٍ هَذَا إذَا عَلِمَ أَنَّهُ وَكِيلٌ بِالشِّرَاءِ فَقَدْ قَدَّمْنَا حُكْمَهُ، أَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ إلَّا بِقَوْلِهِ وَأَنْكَرَ الشَّفِيعُ الْوَكَالَةَ فَهُوَ خَصْمٌ وَلَا فَائِدَةَ فِي هَذِهِ الْخُصُومَةِ؛ لِأَنَّا لَوْ عِلْمنَا بِالْوَكَالَةِ كَانَ خَصْمًا؛ لِأَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ تَتَعَلَّقُ بِهِ فَكَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ مَعْلُومَةً وَلَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي قَبْلَ أَنْ يُخَاصِمَهُ الشَّفِيعُ اشْتَرَيْت لِفُلَانٍ وَسَلَّمَ ثُمَّ حَضَرَ الشَّفِيعُ فَلَا خُصُومَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ قَبْلَ الْخُصُومَةِ لِفُلَانٍ صَحِيحٌ كَمَا لَوْ كَانَتْ الْوَكَالَةُ مَعْلُومَةً وَلَوْ أَقَرَّ بِذَلِكَ بَعْدَمَا خَاصَمَهُ الشَّفِيعُ لَمْ تَسْقُطْ الْخُصُومَةُ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ خَصْمًا لِلشَّفِيعِ وَهُوَ بِهَذَا الْإِقْرَارِ يُرِيدُ إسْقَاطَ حَقِّهِ فَلَا يَمْلِكُهُ وَلَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهُ قَالَ قَبْلَ شِرَائِهِ أَنَّهُ وَكِيلُ فُلَانٍ لَمْ تُقْبَلْ بَيِّنَتُهُ؛ لِأَنَّهُ يَدْفَعُ بِهَذِهِ الْبَيِّنَةِ الْخُصُومَةَ عَنْ نَفْسِهِ. وَرَوَى عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ لِدَفْعِ الْخُصُومَةِ حَتَّى يَحْضُرَ الْمُقَرُّ لَهُ وَالْوَكِيلُ بِطَلَبِ الشُّفْعَةِ خَصْمٌ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ يَتَضَمَّنُ لِلشِّرَاءِ وَالْخُصُومَةُ وَالْوَكِيلُ بِهِمَا جَائِزٌ إلَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ إلَّا بِرِضَا الْخَصْمِ وَعِنْدَهُمَا جَائِزٌ بِغَيْرِ رِضَا الْخَصْمِ وَلَوْ طَلَبَ وَكِيلُ الشَّفِيعِ فَقَالَ الْمُشْتَرِي قَدْ سَلَّمَ الشَّفِيعُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ لَوْ أَرَادَ يَمِينَهُ أَنَّهُ لَمْ يُفَرِّطْ فِي طَلَبِ الشُّفْعَةِ وَلَكِنْ يُؤْمَرُ بِتَسْلِيمِ الدَّارِ إلَى الْوَكِيلِ ثُمَّ يَتْبَعُ الْمُوَكِّلَ وَيَسْتَحْلِفُهُ وَصَارَ كَالْوَكِيلِ بِقَبْضِ الدَّيْنِ إذَا ادَّعَى الْمَدْيُونُ الْإِبْرَاءَ مِنْ الْمُوَكِّلِ، فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ بِدَفْعِ الدَّيْنِ لِلْوَكِيلِ ثُمَّ يَتْبَعُ الْمُوَكِّلَ وَيَسْتَحْلِفُهُ عَلَى ذَلِكَ وَلَوْ سَلَّمَ الْوَكِيلُ الشُّفْعَةَ أَوْ أَقَرَّ بِالتَّسْلِيمِ عِنْدَ الْقَاضِي جَازَ تَسْلِيمُهُ؛ لِأَنَّ مَنْ مَلَكَ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ مَلَكَ التَّسْلِيمَ كَمَا فِي الْأَبِ وَالْوَصِيِّ وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ غَيْرِ الْقَاضِي عِنْدَهُمَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَجُوزُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوَكِيلَ إذَا أَقَرَّ عَلَى مُوَكِّلِهِ بِالتَّسْلِيمِ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْحُكْمِ يُقْبَلُ لِمَا يَأْتِي فِي الْوَكَالَةِ لِلدَّارِ شَفِيعَانِ فَوَكَّلَا رَجُلًا فَقَالَ سَلِمَتْ شُفْعَةُ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُبَيِّنْ أَيُّهُمَا هُوَ وَقَالَ أَطْلُبُ الْآخَرَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُبَيِّنَ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَقْضِيَ بِالشُّفْعَةِ لِأَحَدِهِمَا وَبِالتَّسْلِيمِ عَلَى الْآخَرِ وَلَا يُمْكِنُهُ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ الْبَيَانِ وَكَّلَ الشَّفِيعُ الْمُشْتَرِيَ فَأَخَذَهُمَا لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ شِرَاءٌ. وَالْوَاحِدُ لَا يَصِحُّ وَكِيلًا بِالشِّرَاءِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَكَذَلِكَ لَوْ وَكَّلَ الْبَائِعَ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ أَخْذًا مِنْ نَفْسِهِ فَيُؤَدِّي إلَى التَّضَادِّ فِي الْحُقُوقِ إنْ كَانَ الْمَبِيعُ فِي يَدِهِ وَبَعْدَ التَّسْلِيمِ يَصِيرُ سَاعِيًا فِي نَقْضِ مَا قَدْ تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ؛ لِأَنَّهُ بِأَخْذِهِ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُشْتَرِي وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ السَّعْيُ فِي نَقْضِ مَا تَمَّ بِهِ وَكَّلَهُ بِأَنْ يَأْخُذَ الشُّفْعَةَ بِكَذَا أَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي اشْتَرَى بِأَكْثَرَ لَا يَأْخُذُ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِالشُّفْعَةِ وَكِيلٌ بِالشِّرَاءِ وَالْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ لَا يَمْلِكُ الشِّرَاءَ بِأَكْثَرَ مِمَّا بَيَّنَ لَهُ الْمُوَكِّلُ مِنْ الثَّمَنِ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ اشْتَرِهَا مِنْ فُلَانٍ فَاشْتَرَاهَا مِنْ غَيْرِهِ لَا يَنْفُذُ؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ فَخَاصَمَهُ فِي أُخْرَى لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا إذَا عَمَّمَ فِي التَّوْكِيلِ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِشِرَاءِ دَارٍ بِعَيْنِهَا لَا يَمْلِكُ شِرَاءَ دَارٍ أُخْرَى وَلَوْ طَلَبَ الْمُشْتَرِي مِنْ الْوَكِيلِ بِطَلَبِ الشُّفْعَةِ أَنْ يَكُفَّ عَنْهُ مُدَّةً عَلَى أَنَّهُ عَلَى خُصُومَتِهِ وَشُفْعَتِهِ جَازَ؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ لَوْ أَخَّرَ وَأَمْهَلَ الْمُشْتَرِيَ بَعْدَ الْإِشْهَادِ بِدُونِ طَلَبِهِ جَازَ فَكَذَلِكَ بِطَلَبِ وَكِيلِهِ وَلَا تَبْطُلُ الشُّفْعَةُ بِمَوْتِ الْوَكِيلِ وَتَبْطُلُ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ وَلِحَاقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا؛ لِأَنَّ الْحَقَّ ثَابِتٌ لِلْمُوَكِّلِ لَا لِلْوَكِيلِ وَفِي الْمُنْتَقَى وَلَوْ وَكَّلَ رَجُلًا بِطَلَبِ كُلِّ حَقٍّ لَهُ وَبِالْخُصُومَةِ وَالْقَبْضِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَطْلُبَ شُفْعَتَهُ؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ شِرَاءٌ وَالْوَكِيلُ بِالْخُصُومَةِ لَا يَمْلِكُ الشِّرَاءَ وَلَهُ أَنْ يَقْبِضَ شُفْعَةً قَدْ قُضِيَ بِهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ قِيلَ لِلشَّفِيعِ إنَّهَا بِيعَتْ بِأَلْفٍ فَسَلَّمَ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهَا بِيعَتْ بِأَقَلَّ أَوْ بِبُرٍّ أَوْ شَعِيرٍ قِيمَتُهُ أَلْفٌ أَوْ أَكْثَرُ فَلَهُ الشُّفْعَةُ) ؛ لِأَنَّ تَسْلِيمَهُ كَانَ لِاسْتِكْثَارِ الثَّمَنِ أَوْ لِتَعَذُّرِ الْجِنْسِ ظَاهِرًا، فَإِذَا تَبَيَّنَ لَهُ خِلَافُ ذَلِكَ كَانَ لَهُ الْأَخْذُ لِلتَّيْسِيرِ وَعَدَمِ الرِّضَا عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ الثَّمَنَ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّ الرَّغْبَةَ فِي الْأَخْذِ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الثَّمَنِ قَدْرًا وَجِنْسًا، فَإِذَا سَلِمَ عَلَى بَعْضِ الْوُجُوهِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ التَّسْلِيمُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا وَكَذَا كُلُّ مَوْزُونٍ أَوْ مَكِيلٍ أَوْ عَدَدِيٍّ مُتَفَاوِتٍ بِخِلَافِ مَا إذَا عَلِمَ أَنَّهَا بِيعَتْ بِعُرُوضٍ قِيمَتُهَا أَلْفٌ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 162 أَوْ أَكْثَرُ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ الْقِيمَةُ وَهِيَ دَرَاهِمُ أَوْ دَنَانِيرُ فَلَا يَظْهَرُ فِيهِ التَّيْسِيرُ فَلَا يَكُونُ لَهُ الْأَخْذُ وَكَذَا لَوْ أَخْبَرَ أَنَّ الثَّمَنَ عُرُوضٌ كَالثِّيَابِ وَالْعَبِيدِ فَظَهَرَ أَنَّهُ مَكِيلٌ أَوْ مَوْزُونٌ أَوْ أَخْبَرَ أَنَّ الثَّمَنَ مَكِيلٌ أَوْ مَوْزُونٌ فَظَهَرَ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ مِنْ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ فَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ لِمَا ذَكَرْنَا، وَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ جِنْسٌ آخَرُ مِنْ الْعُرُوضِ قِيمَتُهُ مِثْلُ قِيمَةِ الَّذِي بَلَغَهُ أَوْ ظَهَرَ أَنَّهُ ذَهَبٌ أَوْ فِضَّةٌ قَدْرُهُ مِثْلُ قِيمَةِ ذَلِكَ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ الْوَاجِبَ الْقِيمَةُ فَلَا يَظْهَرُ التَّفَاوُتُ قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ تَقْيِيدُهُ بِقَوْلِهِ قِيمَتُهُ أَلْفٌ أَوْ أَكْثَرُ غَيْرُ مُفِيدٍ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ أَلْفٍ فَتَسَلُّمُهُ بَاطِلٌ لِإِطْلَاقِ الْمَبْسُوطِ وَالْإِيضَاحِ حَيْثُ قَالَا ثُمَّ ظَهَرَ لَهُ مَكِيلٌ أَوْ مَوْزُونٌ فَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ مُفِيدٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا عَلِمَ أَنَّ الشُّفْعَةَ لَا تَبْطُلُ إذْ ظَهَرَ أَنَّهُ أَكْثَرُ عَلِمَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ إذْ ظَهَرَ أَنَّهُ أَقَلُّ وَفِي الْمُحِيطِ وَلَوْ بَلَغَهُ أَنَّ الثَّمَنَ عَبْدٌ فَظَهَرَ أَنَّهُ جَارِيَةٌ يَنْظُرُ إنْ كَانَ قِيمَةُ الْجَارِيَةِ كَقِيمَةِ الْعَبْدِ أَوْ أَكْثَرَ بَطَلَتْ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ لَا تَبْطُلُ فَهُوَ كَمَا لَوْ أَخْبَرَ بِالثَّمَنِ أَلْفٌ وَظَهَرَ أَقَلُّ وَلَوْ أَخْبَرَ أَنَّ الثَّمَنَ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَسَلَّمَ، فَإِذَا هُوَ مِائَةُ دِينَارٍ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْأَصْلِ أَيْضًا وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ يَنْظُرُ إنْ كَانَ قِيمَةُ الدَّنَانِيرِ أَلْفَ دِرْهَمٍ أَوْ أَكْثَرَ صَحَّ التَّسْلِيمُ وَهُوَ قَوْلُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ كَذَا فِي التَّجْرِيدِ وَرُوِيَ عَنْ زُفَرَ لَهُ فِي الْوَجْهَيْنِ الشُّفْعَةُ وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ وَلَوْ أَخْبَرَ أَنَّهُ بَاعَ نِصْفَهَا فَسَلَّمَ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ بَاعَ كُلَّهَا فَلَهُ الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّ مَنْ رَغِبَ عَنْ الْبَعْضِ لِعَيْبِ الشِّرْكَةِ لَا يَكُونُ رَاغِبًا عَنْ الْكُلِّ وَلَيْسَ فِيهِ عَيْبٌ وَلَوْ أَخْبَرَ أَنَّهُ بَاعَ الْكُلَّ فَسَلَّمَ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ بَاعَ نِصْفَهَا بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ؛ لِأَنَّ مَنْ رَغِبَ عَنْهَا وَلَيْسَ بِهَا عَيْبُ الشِّرْكَةِ كَانَ رَاغِبًا عَنْهَا وَبِهَا عَيْبُ الشِّرْكَةِ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى قَالُوا وَتَأْوِيلُهَا أَنْ يَكُونَ ثَمَنُ النِّصْفِ ثَمَنَ الْكُلِّ فَلَوْ أَخْبَرَ أَنَّهُ بَاعَ الْكُلَّ بِأَلْفٍ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ بَاعَ النِّصْفَ بِخَمْسِمِائَةٍ، فَإِنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَلَى شُفْعَتِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا رَغِبَ فِي الْأَوَّلِ لِعَجْزِهِ عَنْ الْأَلْفِ فَلَا يَكُونُ رَاغِبًا عَنْ الْخَمْسِمِائَةِ. وَلَوْ أَخْبَرَ أَنَّهَا بِيعَتْ بِأَلْفٍ فَسَلَّمَ الشَّفِيعُ الشُّفْعَةَ ثُمَّ حَطَّ الْبَائِعُ عَنْ الْمُشْتَرِي شَيْئًا مِنْ الثَّمَنِ وَقَبِلَ الْحَطَّ فَلَهُ الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّهُ يَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَخْبَرَ أَنَّهَا بِيعَتْ بِأَلْفٍ فَظَهَرَ أَنَّهَا بِيعَتْ بِأَقَلَّ مِنْهُ وَلَوْ زَادَ الْبَائِعُ مُشْتَرِيَ الدَّارِ عَلَيْهَا عَبْدًا أَوْ أَمَةً بَعْدَمَا سَلَّمَ الشَّفِيعُ الشُّفْعَةَ كَانَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ الدَّارَ بِحِصَّتِهَا مِنْ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ حِصَّةَ الدَّارِ مِنْ الثَّمَنِ أَقَلُّ وَلَوْ قَضَى الْقَاضِي لَهُ بِالشُّفْعَةِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِالثَّمَنِ ثُمَّ عَلِمَ فَلَهُ الْخِيَارُ؛ لِأَنَّ رِضَاهُ بِالْأَخْذِ إنَّمَا يَتِمُّ إذَا عَلِمَ بِالثَّمَنِ. اهـ. وَفِي التَّجْرِيدِ وَغَيْرِهِ أَخْبَرَ أَنَّ الثَّمَنَ عَبْدٌ أَوْ جَارِيَةٌ فَظَهَرَ أَنَّهُ مَكِيلٌ أَوْ مَوْزُونٌ فَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ. اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ بَانَ أَنَّهَا بِيعَتْ بِدَنَانِيرَ قِيمَتُهَا أَلْفٌ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَقَدْ بَيَّنَّا الْمَسْأَلَةَ بِفُرُوعِهَا فِيمَا تَقَدَّمَ وَفِي الْمُحِيطِ سَلَّمَ الشَّفِيعُ الشُّفْعَةَ فَقَالَ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ كَانَ تَلْجِئَةً لَا يَتَجَدَّدُ شُفْعَتُهُ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَمَا سَلَّمَ لَمْ يَبْقَ لَهُ حَقٌّ فَصَحَّ إقْرَارُهُمَا بِأَنَّ الْبَيْعَ تَلْجِئَةٌ فَكَانَ فَاسِدًا وَلَوْ ثَبَتَ مُعَايَنَةً أَنَّ الْبَيْعَ تَلْجِئَةٌ لَا يَتَجَدَّدُ لِلشَّفِيعِ حَقُّ الشُّفْعَةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ قَبْلَ التَّسَلُّمِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الشَّفِيعِ ثَبَتَ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ فَإِقْرَارُهُمَا يَتَضَمَّنُ إبْطَالَ حَقِّهِ فَلَا يُقْبَلُ تَسَلُّمُ الشَّفِيعِ فِي هِبَةٍ بِعِوَضٍ فَظَهَرَ أَنَّهُ بَيْعٌ لَمْ تَعُدْ الشُّفْعَةُ وَلَوْ سَلَّمَ فِي هِبَةٍ بِغَيْرِ شَرْطِ الْعِوَضِ ثُمَّ تَصَادَقَا أَنَّهُ كَانَ بِشَرْطِ الْعِوَضِ فَلَهُ الشُّفْعَةُ وَفِي النَّوَادِرِ وَلَوْ سَلَّمَ الشُّفْعَةَ ثُمَّ جَعَلَ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ خِيَارَ يَوْمٍ جَازَ، فَإِنْ نَقَضَ الْبَائِعُ الْبَيْعَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لَا يَتَجَدَّدُ لِلشَّفِيعِ حَقُّ الشُّفْعَةِ رَوَاهُ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ لَهُ الشُّفْعَةَ اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ قِيلَ لَهُ إنَّ الْمُشْتَرِيَ فُلَانٌ فَسَلَّمَ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ غَيْرُهُ فَلَهُ الشُّفْعَةُ) لِتَفَاوُتِ النَّاسِ فِي الْأَخْلَاقِ فَمِنْهُمْ مَنْ يُرْغَبُ فِي مُعَاشَرَتِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يُجْتَنَبُ مَخَافَةَ شَرِّهِ فَالتَّسْلِيمُ فِي حَقِّ الْبَعْضِ لَا يَكُونُ تَسْلِيمًا فِي حَقِّ غَيْرِهِ وَلَوْ عَلِمَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ هُوَ مَعَ غَيْرِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ لَمْ يُوجَدْ فِي حَقِّهِ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَلَوْ قَالَ الشَّفِيعُ سَلَّمْت الشُّفْعَةَ فِي هَذِهِ الدَّارِ إنْ كُنْت اشْتَرَيْتهَا لِنَفْسِك وَقَدْ اشْتَرَاهَا لِغَيْرِهِ فَهَذَا لَيْسَ بِتَسْلِيمٍ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ عَلَّقَ التَّسْلِيمَ بِشَرْطٍ وَصَحَّ هَذَا التَّعْلِيقُ؛ لِأَنَّ تَسْلِيمَ الشُّفْعَةِ إسْقَاطُ الْحَقِّ كَالطَّلَاقِ فَصَحَّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ وَلَا يُتْرَكُ إلَّا بَعْدَ وُجُودِهِ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بَعْدَمَا نَقَلَ كَلَامَ مُحَمَّدٍ هَذَا وَهَذَا كَمَا تَرَى يُنَاقِضُ قَوْلَهُ وَلَا يَتَعَلَّقُ إسْقَاطُهُ بِالشَّرْطِ الْجَائِزِ فَبِالْفَاسِدِ أَوْلَى. اهـ. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ شَرْطٍ وَشَرْطٍ فَمَا سَبَقَ كَانَ مِنْ الشُّرُوطِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ عَنْ الشُّفْعَةِ وَالرِّضَا بِالْجِوَارِ مُطْلَقًا وَمَا ذَكَرَ هُنَا مِنْ الشُّرُوطِ الَّتِي لَا تَدُلُّ عَلَى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 163 الْإِعْرَاضِ وَلَا عَلَى الرِّضَا فَتَأَمَّلْ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ بَاعَهَا إلَّا ذِرَاعًا فِي جَانِبِ الشَّفِيعِ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ) يَعْنِي إذَا بَاعَ الدَّارَ إلَّا مِقْدَارَ ذِرَاعٍ فِي طُولِ الْحَدِّ الَّذِي يَلِي الشَّفِيعَ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ بِالْجِوَارِ وَلَمْ يُوجَدْ الِاتِّصَالُ بِالْمَبِيعِ وَكَذَا لَوْ وَهَبَ هَذَا الْقَدْرَ لِلْمُشْتَرِي لِعَدَمِ الِاتِّصَالِ وَهُوَ حِيلَةٌ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة الْحِيلَةُ فِي هَذَا الْبَابِ نَوْعَانِ نَوْعٌ لِإِسْقَاطِهِ بَعْدَ الْوُجُوبِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَقُولَ لِلشَّفِيعِ أَنَا أَبِيعُهَا مِنْك فَقَالَ الشَّفِيعُ نَعَمْ فَتَبْطُلُ شُفْعَتُهُ وَهُوَ مَكْرُوهٌ بِالْإِجْمَاعِ كَذَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ إذَا لَمْ يَقْصِدْ الْمُشْتَرِي الْإِضْرَارَ بِالشَّفِيعِ وَفِي الْيَنَابِيعِ قِيلَ الِاخْتِلَافُ قَبْلَ الْمَبِيعِ أَمَّا بَعْدَهُ فَمَكْرُوهٌ بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَفِي الْعَتَّابِيَّةِ وَنَوْعٌ مِنْهُ يَمْنَعُ وُجُوبَهُ وَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ قَالُوا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ مَكْرُوهٌ وَفِي الذَّخِيرَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ فِي الشُّفْعَةِ لَا تُكْرَهُ الْحِيلَةُ لِمَنْعِ وُجُوبِهَا بِلَا خِلَافٍ وَفِي الْخُلَاصَةِ الْحِيلَةُ لِإِبْطَالِ الشُّفْعَةِ إنْ كَانَ قَبْلَ الْوُجُوبِ لَا بَأْسَ بِهِ سَوَاءٌ كَانَ الشَّفِيعُ عَدْلًا أَوْ فَاسِقًا فَهُوَ الْمُخْتَارُ وَفِي فَتَاوَى الْفَضْلِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ سَعِيدٍ فَقَالَ الْحِيلَةُ بَعْدَ الْمَبِيعِ مَكْرُوهَةٌ وَفِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا وَقَبْلَ الْبَيْعِ إنْ كَانَ الْجَارُ فَاسِقًا يَتَأَذَّى بِهِ فَلَا يُكْرَهُ وَقِيلَ يُكْرَهُ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ ابْتَاعَ مِنْهُمَا سَهْمًا بِثَمَنٍ ثُمَّ ابْتَاعَ بِقِيمَتِهَا فَالشُّفْعَةُ لِلْجَارِ فِي السَّهْمِ الْأَوَّلِ فَقَطْ) ؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ جَارٌ فِي السَّهْمِ الْأَوَّلِ وَالْمُشْتَرِيَ شَرِيكٌ فِي السَّهْمِ الثَّانِي وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْجَارِ وَلَوْ أَرَادَ الْحِيلَةَ يَشْتَرِي السَّهْمَ الْأَوَّلَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ إلَّا دِرْهَمًا وَالسَّهْمَ الثَّانِي بِدِرْهَمٍ فَلَا يَرْغَبُ الْجَارُ فِي أَخْذِهِ لِكَثْرَةِ الثَّمَنِ وَكَذَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى مَا يَأْتِي مِثْلَ هَذِهِ الْحِيلَةِ بِأَنْ يَبِيعَ مَا يَلِي الْجَارَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ إلَّا دِرْهَمًا ثُمَّ يَشْتَرِيَ الْبَاقِيَ بِدِرْهَمٍ، فَإِنْ أَخَذَهُ بِالشُّفْعَةِ أَخَذَ قَدْرَ الذِّرَاعِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْبَاقِيَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِجَارٍ فَأَيُّهُمَا خَافَ أَنْ لَا يُوَفِّيَ صَاحِبَهُ شَرَطَ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ، وَإِنْ خَافَا شَرَطَ كُلٌّ مِنْهُمَا الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ ثُمَّ يُخَيَّرَانِ مَعًا، وَإِنْ خَافَ كُلٌّ مِنْهُمَا إذَا أَجَازَ لَا يُجِيزُ صَاحِبُهُ وَكَّلَ مِنْهُمَا وَكِيلًا وَيَشْتَرِطُ عَلَيْهِ أَنْ يُجِيزَ بِشَرْطِ أَنْ يُجِيزَ صَاحِبُهُ وَفِي الْفَتَاوَى وَمِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِطَبَقَةٍ مُعَيَّنَةٍ عَلَى الْمُشْتَرِي مِنْ الدَّارِ بِطَرِيقِهَا وَيُسَلِّمَهَا إلَيْهِ ثُمَّ يَبِيعَ الْبَاقِيَ مِنْهُ فَلَا يَكُونُ لِلْجَارِ شُفْعَةٌ وَفِي الْخَانِيَّةِ أَوْ الْمُشْتَرِي يَتَصَدَّقُ بِمِثْلِ الثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ وَهِيَ وَالْهِبَةُ سَوَاءٌ إلَّا أَنَّ فِي الْهِبَةِ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ يَمْلِكُ الرُّجُوعَ وَفِي الصَّدَقَةِ لَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ وَمِنْهَا أَنْ يَهَبَ جُزْءًا شَائِعًا ثُمَّ يَتَرَافَعَا إلَى حَاكِمٍ يَرُدُّ هِبَةَ الْمَشَاعِ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ فَيَحْكُمُ بِجَوَازِ الْهِبَةِ ثُمَّ يَبِيعُ بَقِيَّةَ الدَّارِ مِنْهُ فَيَكُونُ الْمَوْهُوبُ لَهُ مُقَدَّمًا عَلَى الْجَارِ وَمِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ أَنْ يَهَبَ قَدْرَ ذِرَاعٍ مِنْ الْجَانِبِ الَّذِي هُوَ مُتَّصِلٌ بِمِلْكِ الْجَارِ اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ ابْتَاعَهَا بِثَمَنٍ ثُمَّ دَفَعَ ثَوْبًا عَنْهُ فَالشُّفْعَةُ بِالثَّمَنِ لَا بِالثَّوْبِ) ؛ لِأَنَّ الثَّوْبَ عِوَضٌ عَمَّا فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي فَيَكُونُ الْبَائِعُ مُشْتَرِيًا لِلثَّوْبِ بِعَقْدٍ آخَرَ غَيْرِ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ وَهَذِهِ الْحِيلَةُ تَمْنَعُ الْجَارَ وَالشَّرِيكَ؛ لِأَنَّهُ يَبْتَاعُ الْعَقْدَ بِأَضْعَافِ قِيمَتِهِ وَيُعْطِيهِ بِهَا ثَوْبًا قَدْرَ قِيمَةِ الْعَقَارِ غَيْرَ أَنَّهُ يَخَافُ أَنْ يَتَضَرَّرَ الْبَائِعُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اُسْتُحِقَّتْ الدَّارُ تَبْقَى الدَّرَاهِمُ كُلُّهَا فِي ذِمَّةِ الْبَائِعِ لِوُجُوبِهِ عَلَيْهِ بِالْبَيْعِ وَبَرَاءَتُهُ حَصَلَتْ بِطَرِيقِ الْمُقَاصَّةِ بِثَمَنِ الْعَقَارِ، فَإِذَا اسْتَحَقَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ ثَمَنُ الْعَقَارِ فَبَطَلَتْ الْمُقَاصَّةُ فَيَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ الثَّمَنُ كُلُّهُ وَالْحِيلَةُ فِيهِ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ بَدَلَ الدَّرَاهِمِ الثَّمَنَ الدَّنَانِيرَ بِقَدْرِ قِيمَةِ الْعَقَارِ فَيَكُونُ صَرْفًا بِمَا فِي ذِمَّتِهِ مِنْ الدَّرَاهِمِ ثُمَّ إذَا اسْتَحَقَّ الْعَقَارَ تَبَيَّنَ أَنْ لَا دَيْنَ عَلَى الْمُشْتَرِي فَيَبْطُلُ الصَّرْفُ لِلِافْتِرَاقِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَيَجِبُ رَدُّ الدَّنَانِيرِ لَا غَيْرُ وَالْحِيلَةُ الْأُولَى تَخْتَصُّ بِالْجِوَارِ وَهَذِهِ لَا وَحِيلَةٌ أُخْرَى تَعُمُّ الْجَارَ وَالشَّرِيكَ أَنْ يَشْتَرِيَهُ بِأَضْعَافِ قِيمَتِهِ مِنْ الدَّرَاهِمِ ثُمَّ يُوفِيَهُ مِنْ الدَّرَاهِمِ قَدْرَ قِيمَةِ الْعَقَارِ لَا قَدْرَ قِيمَةِ الدَّنَانِيرِ مَثَلًا ثُمَّ يُعْطِيهِ الدَّنَانِيرَ بِالْبَاقِي فَيَصِيرُ صَرْفًا فِيهِ، فَإِذَا اسْتَحَقَّ الْمَشْفُوعَ يَرُدُّ مَا قَبَضَ كُلَّهُ فَغَيْرُ الدَّنَانِيرِ عَلَى أَنَّهُ بَدَلٌ عَنْ الْعَقَارِ الْمُسْتَحَقِّ وَالدِّينَارُ لِبُطْلَانِ الصَّرْفِ، وَإِنْ كَانَ الشَّفِيعُ خَلِيطًا فِي نَفْسِ الْمَبِيعِ فَأَرَادَ أَنْ يَبِيعَهَا مِنْ أَحَدِهِمْ وَتَسْقُطَ الشُّفْعَةُ مِنْ الْبَاقِينَ فَالْحِيلَةُ فِيهِ أَنْ يَجْعَلَ الثَّمَنَ مَجْهُولًا وَالصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ بِمَنْزِلَةِ الْبَالِغِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ مِثْلُ الْقِيمَةِ أَوْ بِنُقْصَانٍ يَتَغَابَنُ فِيهِ وَهَذِهِ حِيلَةٌ عَامَّةٌ وَذَكَرَ الْخَصَّافُ حِيلَةً لَمْ يَذْكُرْهَا مُحَمَّدٌ وَهُوَ أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّ الدَّارَ لِابْنٍ صَغِيرٍ لَهُ فِي يَدِ هَذَا الرَّجُلِ ثُمَّ إنَّ الْمُدَّعِيَ يَدَّعِي لَهُ مِائَةَ دِينَارٍ وَلَا يَقُولُ إنَّهَا مِنْ مَالِ ابْنِهِ الصَّغِيرِ عَلَى أَنَّهُ يُسْلِمُ الَّذِي فِي الدَّارِ فَيَجُوزُ وَلَا شُفْعَةَ فِيهَا؛ لِأَنَّ الْأَبَ لَمْ يَأْخُذْ الدَّارَ بِطَرِيقِ الْمُعَاوَضَةِ وَمِنْ جُمْلَةِ الْحِيَلِ أَنْ يُقِرَّ الْبَائِعُ بِجُزْءٍ مَعْلُومٍ مِنْ الدَّارِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 164 لِلْمُشْتَرِي ثُمَّ يَبِيعَ الْبَاقِيَ مِنْهُ وَمِنْ الْحِيَلِ أَنْ يُوَكِّلَ الْمُشْتَرِي وَكِيلًا بِالشِّرَاءِ فَيَشْتَرِي الْوَكِيلُ وَيَغِيبُ وَلَا يَكُونُ الْمُوَكِّلُ خَصْمًا لِلشَّفِيعِ فَهَذَا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يَكُونُ خَصْمًا لَهُ اهـ. [الْحِيلَةُ لِإِسْقَاطِ الشُّفْعَةِ وَالزَّكَاةِ] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا تُكْرَهُ الْحِيلَةُ لِإِسْقَاطِ الشُّفْعَةِ وَالزَّكَاةِ) هَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُكْرَهُ؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ وَجَبَتْ لِدَفْعِ الضَّرَرِ وَهُوَ وَاجِبٌ وَإِلْحَاقُ الضَّرَرِ بِهِ حَرَامٌ فَكَانَتْ مَكْرُوهَةً ضَرُورَةً وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَحْتَاجُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ وَالْحِيلَةُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ مَشْرُوعٌ، وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ يَتَضَرَّرُ بِذَلِكَ وَقَدْ قَدَّمْنَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِفُرُوعِهَا قَالَ فِي النِّهَايَةِ قِيلَ هَذَا الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمْ قَبْلَ الْوُجُوبِ، أَمَّا بَعْدَهُ فَمَكْرُوهٌ بِالْإِجْمَاعِ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إمَّا أَنْ يُرَادَ بِالْإِجْمَاعِ وَالِاخْتِلَافِ إجْمَاعُ الْمُجْتَهِدِينَ وَاخْتِلَافُهُمْ فِي نَفْسِ الْمَسْأَلَةِ أَوْ يُرَادَ إجْمَاعُ الْمَشَايِخِ وَاخْتِلَافُهُمْ فِي الرِّوَايَةِ أَيُّمَا كَانَ لَا يَخْلُو عَنْ اضْطِرَابٍ؛ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ بَيْنَ الْمُجْتَهِدِينَ مُقَرَّرٌ وَبَيْنَ الْمَشَايِخِ أَيْضًا مُقَرَّرٌ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَخْذُ حَظِّ الْبَعْضِ بِتَعَدُّدِ الْمُشْتَرِي لَا بِتَعَدُّدِ الْبَائِعِ) يَعْنِي أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا تَعَدَّدَ بِأَنْ اشْتَرَى جَمَاعَةٌ عَقَارًا وَالْبَائِعُ وَاحِدٌ يَتَعَدَّدُ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ بِتَعَدُّدِهِمْ حَتَّى كَانَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَ بَعْضِهِمْ وَيَتْرُكَ الْبَاقِيَ، وَإِنْ تَعَدَّدَ الْبَائِعُ بِأَنْ بَاعَ جَمَاعَةٌ عَقَارًا مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمْ وَالْمُشْتَرِي وَاحِدٌ لَا يَتَعَدَّدُ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ بِتَعَدُّدِهِمْ حَتَّى لَا يَكُونَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَ بَعْضِهِمْ دُونَ بَعْضٍ وَالْفَرْقُ أَنَّ الشَّفِيعَ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي لَوْ أَخَذَ نَصِيبَ بَعْضِهِمْ تَتَفَرَّقُ الصَّفْقَةُ عَلَى الْمُشْتَرِي فَيَتَضَرَّرُ بِعَيْبِ الشِّرْكَةِ وَهِيَ شُرِعَتْ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الشَّفِيعِ فَلَا تُشْرَعُ عَلَى وَجْهٍ يَتَضَرَّرُ الْمُشْتَرِي ضَرَرًا زَائِدًا عَلَى الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ وَفِي الْأَوَّلِ لَا تَتَفَرَّقُ الصَّفْقَةُ عَلَى أَحَدٍ وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ فِي الصَّحِيحِ إلَّا أَنَّ الشَّفِيعَ إذَا اخْتَارَ أَخْذَ الْجَمِيعِ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَ أَحَدِهِمْ إذَا نَقَدَ حِصَّتَهُ مِنْ الثَّمَنِ حَتَّى يَنْقُدَ الْجَمِيعُ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى تَفْرِيقِ الْيَدِ عَلَى الْبَائِعِ بِمَنْزِلَةِ الْمُشْتَرِينَ أَنْفُسِهِمْ؛ لِأَنَّهُ كَوَاحِدٍ مِنْهُمْ وَكَمَا إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي وَاحِدًا فَنَقَدَ الْبَعْضُ مِنْ الثَّمَنِ وَسَوَاءٌ سَمَّى لِكُلٍّ ثَمَنًا أَوْ سَمَّى الْكُلَّ جُمْلَةً؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي هَذَا لِاتِّحَادِ الصَّفْقَةِ لَا لِاتِّحَادِ الثَّمَنِ وَاخْتِلَافِهِ وَالْعِبْرَةُ فِي التَّعَدُّدِ وَالِاتِّحَادِ لِلْعَاقِدِ دُونَ الْمَالِكِ حَتَّى لَوْ وَكَّلَ وَاحِدٌ جَمَاعَةً بِالشِّرَاءِ فَاشْتَرَوْا لَهُ عَقَارًا وَاحِدًا بِصَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ يَتَعَدَّدُ وَأَخْذُهُ يَتَعَدَّدُ وَكَانَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَ أَحَدِهِمْ. وَلَوْ وَكَّلَ جَمَاعَةٌ وَاحِدًا لَيْسَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَ بَعْضِهِمْ؛ لِأَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ تَتَعَلَّقُ بِالْعَاقِدِ وَهُوَ أَصْلٌ فِيهِ فَيَتَحَدَّدُ بِاتِّحَادِهِ وَيَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِهِ قَيَّدْنَا بِقَوْلِنَا لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْأَخْذُ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ فِي الصَّحِيحِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ فَصَّلَ فَقَالَ إنْ أَخَذَ قَبْلَ الْقَبْضِ نَصِيبَ أَحَدِهِمْ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَبَعْدَهُ كَانَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ الْقَبْضِ يَتَضَرَّرُ الْبَائِعُ بِأَخْذِ الْبَعْضِ مِنْهُ بِتَفْرِيقِ الْيَدِ عَلَيْهِ وَبَعْدَهُ لَا يَتَضَرَّرُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لَهُ يَدٌ وَجَوَابُهُ لَهُ أَنْ يُحْبَسَ الْجَمِيعُ إلَى أَنْ يَسْتَوْفِيَ جَمِيعَ الثَّمَنِ فَلَا يُؤَدِّي إلَى تَفْرِيقِ الْيَدِ عَلَيْهِ وَإِذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ دَارَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً وَشَفِيعُهَا وَاحِدٌ فَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ أَحَدَهُمَا دُونَ الْآخَرِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَفِي فَتَاوَى الْعَتَّابِيَّةِ وَلَوْ كَانَا مُتَلَاصِقَيْنِ وَشَفِيعُ أَحَدِهِمَا خَاصَّةً وَلَوْ كَانَا أَرْضَيْنِ أَوْ قَرْيَةً أَوْ أَرْضَهَا أَوْ قَرْيَتَيْنِ وَأَرْضَهُمَا وَهُوَ شَفِيعُ ذَلِكَ كُلِّهِ، فَإِنَّمَا لَهُ أَنْ يَأْخُذَ جَمِيعَ ذَلِكَ كُلِّهِ، فَإِنَّمَا لَهُ أَنْ يَأْخُذَ جَمِيعَ ذَلِكَ أَوْ يَدَعَهُ سَوَاءٌ كَانَا مُتَلَاصِقَيْنِ أَوْ فِي مِصْرَيْنِ أَوْ قَرْيَتَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ صَفْقَةً. وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِهِ أَنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الدَّارَ الَّذِي هُوَ شَفِيعُهَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَلَوْ اشْتَرَى الدَّارَ بِمَتَاعٍ فِيهَا صَفْقَةً وَاحِدَةً فَالشَّفِيعُ يَأْخُذُ الدَّارَ مَعَ الْمَتَاعِ أَوْ يَدَعُ الْكُلَّ وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي شَرْحِهِ كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ أَوَّلًا هَذَا ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ يَأْخُذُ وَاحِدًا مِنْهُمَا ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ يَأْخُذُ الَّذِي هُوَ شَفِيعُهَا خَاصَّةً وَفِي الْفَتَاوَى الْعَتَّابِيَّةِ وَلَوْ اشْتَرَى دَارَيْنِ وَرَفَعَ الْحَائِطَ مِنْ الدَّارِ الْأُخْرَى وَجَعَلَهَا دَارًا وَاحِدَةً أَخَذَ الشَّفِيعُ كُلَّهَا، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْبَابُ بِحَالِهِ؛ لِأَنَّهُ دَارٌ لَهَا بَابَانِ وَلَوْ فَتَحَ بَابَ الْبَيْتِ الَّتِي اشْتَرَاهَا إلَى دَارِهِ وَسَدّ الْبَابَ الْأَوَّلَ وَصَارَ مَعْرُوفًا بِهَذَا الْبَيْتِ مَعَهَا أَخَذَهَا بِالشُّفْعَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ اشْتَرَى نِصْفَ دَارٍ غَيْرَ مَقْسُومٍ أَخَذَ الشَّفِيعُ حَظَّ الْمُشْتَرِي بِقِيمَتِهِ) يَعْنِي لَوْ اشْتَرَى نِصْفَ دَارٍ غَيْرَ مَقْسُومٍ فَقَاسَمَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ يَأْخُذُ الشَّفِيعُ نَصِيبَ الْمُشْتَرِي الَّذِي حَصَلَ لَهُ بِقِيمَتِهِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْقُضَ الْقِسْمَةَ سَوَاءٌ كَانَتْ بِقَضَاءٍ أَوْ تَرَاضٍ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ مِنْ تَمَامِ الْقَبْضِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَكْمِيلِ الِانْتِفَاعِ وَالشَّفِيعُ لَا يَنْقُضُ الْقَبْضَ لِيَجْعَلَ الْعُهْدَةَ عَلَى الْبَائِعِ وَلِهَذَا لَوْ بَاعَ أَوْ أَجَّرَ يَطِيبُ لَهُ الثَّمَنُ وَالْأُجْرَةُ وَلَيْسَ لِلشَّفِيعِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 165 فِيهِ مِلْكٌ، وَإِنَّمَا لَهُ حَقُّ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ نُفُوذَ تَصَرُّفَاتِهِ غَيْرَ أَنَّهُ يَنْقُضُ تَصَرُّفًا يُبْطِلُ حَقَّهُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ وَلَا ضَرَرَ فِي الْقِسْمَةِ فَيَبْقَى عَلَى الْأَصْلِ فِي حَقِّ الْبَيْعِ الْأَوَّلِ وَفِي حَقِّ مَا لَهُ حُكْمُهُ وَهُوَ الْقَبْضُ بِجِهَتِهِ فَظَاهِرُ عِبَارَةِ الشَّارِحِ أَنَّهُ يَأْخُذُ سَوَاءٌ وَقَعَ فِي جَانِبِ الدَّارِ الْمَشْفُوعِ بِهَا أَوْ لَا وَفِي التَّجْرِيدِ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّ الشَّفِيعَ إنَّمَا يَأْخُذُ النَّصِيبَ الَّذِي أَصَابَ الْمُشْتَرِي إذَا وَقَعَ فِي جَانِبِ الدَّارِ الْمَشْفُوعِ بِهَا وَفِي وَاقِعَاتِ النَّاطِفِيِّ أَنَّ الْقِسْمَةَ إذَا كَانَتْ بِحُكْمٍ فَفِي نَقْضِ الْقِسْمَةِ رِوَايَتَانِ. قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي وَاقِعَاتِهِ وَالْمُخْتَارُ لَا نَقْضَ بِخِلَافِ مَا إذَا أَخَذَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نَصِيبَهُ مِنْ الدَّارِ الْمُشْتَرَكَةِ وَقَاسَمَ الْمُشْتَرِي الشَّرِيكَ الَّذِي لَمْ يَبِعْ حَيْثُ يَكُونُ لِلشَّفِيعِ نَقْضُهُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَقَعْ مِنْ الَّذِي قَاسَمَ فَلَمْ تَكُنْ الْقِسْمَةُ مِنْ تَمَامِ الْقَبْضِ الَّذِي هُوَ حُكْمُ الْبَيْعِ الْأَوَّلِ بَلْ هُوَ تَصَرُّفٌ بِحُكْمِ الْمِلْكِ فَيَنْقُضُهُ الشَّفِيعُ كَمَا يَنْقُضُ بَيْعَهُ وَهِبَتَهُ وَفِي التَّجْرِيدِ رَجُلَانِ اشْتَرَيَا دَارًا وَهُمَا شَفِيعَانِ وَلَهُمَا شَفِيعٌ ثَالِثٌ اقْتَسَمَاهَا ثُمَّ جَاءَ الثَّالِثُ فَلَهُ أَنْ يَنْقُضَ الْقِسْمَةَ سَوَاءٌ اقْتَسَمَاهَا بِقَضَاءٍ أَوْ بِغَيْرِ قَضَاءٍ. اهـ. أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلشَّفِيعِ نَقْضُ الْقِسْمَةِ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ فَيَأْخُذُ نَصِيبَ الْمُشْتَرِي فِي أَيِّ جَانِبٍ كَانَ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّهُ بِالشِّرَاءِ وَالْمُشْتَرِي لَا يَقْدِرُ عَلَى إبْطَالِهِ فَيَأْخُذُهُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَإِطْلَاقُ الْكِتَابِ يَدُلُّ عَلَيْهِ وَقَدَّمْنَا قَوْلَ الْإِمَامِ وَإِطْلَاقُ الْمَاتِنِ صَادِقٌ عَلَى مَا إذَا قَاسَمَ الْبَائِعَ أَوْ غَيْرَهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَلَوْ زَادَ أَوْ قَاسَمَ الْبَائِعَ لَسَلِمَ مِنْ الِاعْتِرَاضِ اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِلْعَبْدِ الْمَأْذُونِ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ مِنْ سَيِّدِهِ كَعَكْسِهِ) يَعْنِي إذَا بَاعَ رَجُلٌ دَارًا وَلِلْبَائِعِ عَبْدٌ مَأْذُونٌ لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِرَقَبَتِهِ وَمَالِهِ فَلِلْعَبْدِ أَنْ يَأْخُذَ الدَّارَ بِالشُّفْعَةِ وَكَذَا عَكْسُهُ وَهُوَ مَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ هُوَ الْبَائِعَ فَلِمَوْلَاهُ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ بِمَنْزِلَةِ الشِّرَاءِ وَشِرَاءُ أَحَدِهِمَا مِنْ صَاحِبِهِ جَائِزٌ إذَا كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ مِلْكَ الْيَدِ لِلْعَبْدِ لِكَوْنِ الْمَوْلَى لَا يَمْلِكُ مَا فِي يَدِ عَبْدِهِ الْمَدْيُونِ أَوْ لِكَوْنِ الْعَبْدِ أَحَقَّ بِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَالْعَبْدُ بَائِعٌ؛ لِأَنَّ بَيْعَهُ لِمَوْلَاهُ وَلَا شُفْعَةَ لِمَنْ يَبِيعُ لَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى؛ لِأَنَّهُ اُبْتِيعَ لَهُ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ مَنْ ابْتَاعَ أَوْ اُبْتِيعَ لَهُ لَا تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ وَلَوْ قَيَّدَ بِالْمَدْيُونِ لَكَانَ أَوْلَى. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَحَّ تَسْلِيمُهُمْ الشُّفْعَةَ مِنْ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ وَالْوَكِيلِ) يَعْنِي أَنَّ الْحَمْلَ وَالصَّغِيرَ فِي اسْتِحْقَاقِ الشُّفْعَةِ كَالْكَبِيرِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي سَبَبِهِ فَيَقُومُ بِالطَّلَبِ وَالْأَخْذِ وَالتَّسَلُّمِ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُمَا وَهُوَ الْأَبُ ثُمَّ وَصِيُّهُ ثُمَّ أَبٌ الْأَبِ ثُمَّ وَصِيُّهُ ثُمَّ الْوَصِيُّ الَّذِي نَصَّبَهُ الْقَاضِي، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ فَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ حَتَّى يُدْرِكَ وَهَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ هُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ إذَا بَلَغَ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ بُطْلَانُ الشُّفْعَةِ بِسُكُوتِ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ عِنْدَ الْعِلْمِ بِالشِّرَاءِ لِلْإِمَامِ وَمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ أَنَّ هَذَا إبْطَالٌ لِحَقِّ الصَّبِيِّ فَلَا يَصِحُّ كَالْعَفْوِ عَنْ الْقَوَدِ وَإِعْتَاقِ عَبْدِهِ وَإِبْرَاءٍ عَنْ يَمِينِهِ وَلِأَنَّ تَصْرِفَهُمَا نَظَرِيٌّ وَالنَّظَرُ فِي الْأَخْذِ يَتَعَيَّنُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ شُرِعَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ فَكَانَ فِي إبْطَالِهِ إلْحَاقُ الضَّرَرِ بِهِ فَلَا يَمْلِكُ وَلَهُمَا أَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ فِي مَعْنَى التِّجَارَةِ بَلْ هُوَ عَيْنُهَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ وَتَرْكُ الْأَخْذِ بِهَا تَرْكُ التِّجَارَةِ فَيَمْلِكُهُ كَمَا يَمْلِكُ تَرْكَ التِّجَارَةِ أَنَّهُ لَوْ أَخَذَهُ بِالشُّفْعَةِ ثُمَّ بَاعَهُ مِنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ بِعَيْنِهِ جَازَ. فَكَذَا إذَا سَلَّمَهُ إلَيْهِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ ثُمَّ بَاعَهُ مِنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ بِعَيْنِهِ جَازَ كَانَتْ الْعُهْدَةُ عَلَى الصَّبِيِّ وَفِي الْأَوَّلِ عَلَى الْبَائِعِ أَوْ الْمُشْتَرِي وَ؛ لِأَنَّ هَذَا تَصَرُّفٌ دَائِرٌ بَيْنَ النَّفْعِ وَالضَّرَرِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ التَّرْكُ أَنْفَعَ بِإِيفَاءِ الثَّمَنِ عَلَى مِلْكِ الصَّبِيِّ بِخِلَافِ الْعَفْوِ عَنْ الْقَوَدِ وَمَا ذُكِرَ مَعَهُ؛ لِأَنَّهُ مَحْضٌ غَيْرُ مُتَرَدِّدٍ وَلِأَنَّهُ إبْطَالٌ بِغَيْرِ عِوَضٍ هَذَا إذَا بِيعَتْ بِمِثْلِ قِيمَتِهَا، وَإِنْ بِيعَتْ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهَا بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ قِيلَ جَازَ التَّسْلِيمُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ النَّظَرَ مُتَعَيِّنٌ فِيهِ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ التَّسْلِيمُ بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْأَخْذَ فَلَا يَمْلِكُ التَّسْلِيمَ كَالْأَجْنَبِيِّ، وَإِنْ بِيعَتْ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهَا بِمُحَابَاةٍ كَثِيرَةٍ فَعِنْدَ الْإِمَامِ لَا يَصِحُّ تَسْلِيمُ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ وَلَا رِوَايَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَلَمَّا لَمْ يَصِحَّ التَّسْلِيمُ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ لَا يَصِحُّ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ بِالْأَوْلَى وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي هُوَ الْأَبَ لِنَفْسِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِالشُّفْعَةِ مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ ظَاهِرٌ عَلَى الصَّغِيرِ وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى لِابْنِهِ الصَّغِيرِ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِالشُّفْعَةِ مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ ظَاهِرٌ وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ غَبْنٌ فَاحِشٌ فَكَذَا فِي الْأَخْذِ وَالْوَصِيُّ كَالْأَبِ فِي هَذَا إلَّا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي حَقِّهِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ نَفْعٌ بِالصَّغِيرِ ظَاهِرٌ حَتَّى إذَا كَانَ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ لَا يَجُوزُ. وَكَذَا إذَا بَاعَ مِنْ نَفْسِهِ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ لَا يَجُوزُ حَتَّى يَكُونَ أَكْثَرَ وَفِي الْأَبِ يَجُوزُ إذَا كَانَ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ فِيهِمَا ثُمَّ كَيْفِيَّةُ طَلَبِهِ أَنْ يَقُولَ اشْتَرَيْت وَأَخَذْت بِالشُّفْعَةِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 166 مُتَّصِلًا وَلَوْ بَاعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَالَ الصَّغِيرِ أَوْ مَالَ نَفْسِهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِالشُّفْعَةِ لَا لِنَفْسِهِ وَلَا لِلصَّغِيرِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ مَنْ بَاعَ أَوْ بِيعَ لَهُ إلَخْ، وَإِنْ كَانَ فِي الشِّرَاءِ غَبْنٌ فَاحِشٌ كَانَ لِلصَّغِيرِ أَنْ يَطْلُبَ الشُّفْعَةَ إذَا بَلَغَ وَفِي الْأَصْلِ الْحَمْلُ، فَإِنْ وَضَعَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ وَقَعَ الشِّرَاءُ، فَإِنَّهُ لَا شُفْعَةَ لَهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ أَبُوهُ مَاتَ قَبْلَ الْبَيْعِ وَرِثَ الْحَمْلَ عَنْهُ حِينَئِذٍ يَسْتَحِقُّ الشُّفْعَةَ، وَإِنْ جَاءَتْ بِالْوَلَدِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا وَفِي السِّغْنَاقِيِّ وَإِذَا كَانَتْ الشُّفْعَةُ لِكَبِيرٍ وَصَغِيرٍ وَحَمْلٍ وَقَدْ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْ الْمَيِّتِ شَرَكَهُمْ فِي الشُّفْعَةِ، وَإِنْ جَاءَتْ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ. اهـ. وَفِي التَّتِمَّةِ وَإِذَا بِيعَتْ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهَا فَتَسْلِيمُ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ لَا يَصِحُّ وَالصَّغِيرُ عَلَى شُفْعَتِهِ إذَا بَلَغَ وَفِي الْأَصْلِ إذَا اشْتَرَى الْأَبُ لِنَفْسِهِ دَارًا وَابْنُهُ الصَّغِيرُ شَفِيعُهَا فَلَمْ يَطْلُبْ الشَّفِيعُ لِلصَّغِيرِ حَتَّى بَلَغَ قِيَاسُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَا شُفْعَةَ لِلصَّغِيرِ أَمَّا الْوَصِيُّ فَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ فِي شِرَاءِ الْأَبِ دَارًا وَابْنُهُ الصَّغِيرُ شَفِيعُهَا عَلَى التَّفْصِيلِ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ فَلَوْ وَقَعَ بِأَكْثَرَ مِنْ الْقِيمَةِ بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ لَا يَكُونُ لِلصَّغِيرِ شُفْعَةً إذَا بَلَغَ، وَإِنْ وَقَعَ شِرَاءُ الْأَبِ بِأَكْثَرَ مِنْ الْقِيمَةِ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ كَانَ لِلصَّغِيرِ الشُّفْعَةُ إذَا بَلَغَ. اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْوَكِيلِ) بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى الْأَبِ يَعْنِي الْوَكِيلَ بِالشِّرَاءِ تَسْلِيمُ الشُّفْعَةِ مِنْهُ صَحِيحٌ وَالْمُرَادُ بِالْوَكِيلِ هَاهُنَا الْوَكِيلُ بِطَلَبِ الشُّفْعَةِ أَمَّا الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ فَتَسْلِيمُهُ الشُّفْعَةَ صَحِيحٌ بِالْإِجْمَاعِ وَكَذَا سُكُوتُهُ إعْرَاضٌ بِالْإِجْمَاعِ وَالْوَكِيلُ بِطَلَبِ الشُّفْعَةِ إنَّمَا يَصِحُّ تَسْلِيمُهُ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَصِحُّ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ لَا يَصِحُّ تَسْلِيمُهُ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِضِدِّ مَا أُمِرَ بِهِ فَصَارَ كَمَا وَكَّلَهُ بِاسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ فَأَبْرَأهُ مِنْهُ وَلَهُمَا أَنَّ الْوَكِيلَ بِالشِّرَاءِ لَهُ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِهَا شِرَاءٌ وَالْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ فَلَهُ أَنْ يَتْرُكَ الشُّفْعَةَ غَيْرَ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ يَقُولُ هُوَ وَكِيلٌ مُطْلَقٌ فَيَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ مُطْلَقًا وَالْإِمَامُ يَقُولُ الْوَكِيلُ بِطَلَبِ الشُّفْعَةِ وَكِيلٌ بِالْخُصُومَةِ وَلَا تُعْتَبَرُ الْخُصُومَةُ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَاضِي فَلَا يَكُونُ وَكِيلًا فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْحَاكِمِ وَلَوْ أَقَرَّ الْوَكِيلُ بِطَلَبِ الشُّفْعَةِ عَلَى مُوَكِّلِهِ بِأَنْ سَلَّمَ الشُّفْعَةَ جَازَ إقْرَارُهُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَمُحَمَّدٍ إذَا كَانَ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِهِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ الْخُصُومَةِ. اهـ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَجُوزُ مُطْلَقًا وَقَالَ زُفَرُ لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا وَقَدْ قَدَّمْنَا بَعْضَ هَذِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [كِتَابُ الْقِسْمَةِ] مُنَاسَبَةُ الْقِسْمَةِ بِالشُّفْعَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مِنْ نَتَائِجِ النَّصِيبِ الشَّائِعِ لِمَا أَنَّ أَقْوَى أَسْبَابِ الشُّفْعَةِ الشَّرِكَةُ فَأَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ إذَا أَرَادَ الِافْتِرَاقَ مَعَ بَقَاءِ مِلْكِهِ طَلَبَ الْقِسْمَةَ وَمَعَ عَدَمِ الْبَقَاءِ بَاعَ فَوَجَبَ عِنْدَهُ الشُّفْعَةُ وَقَدَّمَ الشُّفْعَةَ لِأَنَّ بَقَاءَ مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ أَصْلٌ وَهُنَا يُحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ شَرْعِيَّةِ الْقِسْمَةِ وَتَفْسِيرِهَا وَرُكْنِهَا وَشَرْطِهَا وَحُكْمِهَا وَسَبَبِهَا وَدَلِيلِهَا. أَمَّا دَلِيلُ الْمَشْرُوعِيَّةِ فَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ} [القمر: 28] وقَوْله تَعَالَى {هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ} [الشعراء: 155] وَمِنْ السُّنَّةِ مَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَتَحَ خَيْبَرَ وَقَسَمَهَا بَيْنَ الْغَانِمِينَ» وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ، وَأَمَّا تَفْسِيرُهَا لُغَةً فَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ الِاقْتِسَامِ كَالْقُدْرَةِ لِلِاقْتِدَارِ وَالْأُسْوَةِ لِلِاتِّسَاءِ، وَأَمَّا شَرْعًا فَسَيَذْكُرُهَا الْمُؤَلِّفُ. وَأَمَّا رُكْنُهَا فَالْفِعْلُ الَّذِي يَقَعُ بِهِ الْإِقْرَارُ، وَأَمَّا شَرْطُهَا فَمَتَاعٌ لَا تَتَبَدَّلُ مَنْفَعَتُهُ بِالْقِسْمَةِ وَلَا يَفُوتُ، وَأَمَّا حُكْمُهَا فَتَعَيُّنُ نَصِيبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ نَصِيبِ الْآخَرِ مِلْكًا وَانْتِفَاعًا، وَسَبَبُهَا طَلَبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ الِانْتِفَاعَ بِنَصِيبِهِ عَلَى الْخُصُوصِ، وَأَمَّا مَحَاسِنُهَا أَنَّ أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ يَحْصُلُ لَهُ مِنْ صَاحِبِهِ سُوءُ الْخُلُقِ وَضِيقُ الْفِطَنِ وَقُوَّةُ الرَّأْسِ وَلَيْسَ لَهُ مَخْرَجٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ إلَّا الرُّكُونَ إلَى الِاقْتِسَامِ، وَأَمَّا صِفَتُهَا فَهِيَ وَاجِبَةٌ عَلَى الْحَاكِمِ عِنْدَ طَلَبِ بَعْضِ الشُّرَكَاءِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (هِيَ جَمْعُ نَصِيبٍ شَائِعٍ فِي مُعَيَّنٍ) هَذَا مَعْنَاهُ شَرْعًا لِأَنَّ مَا مِنْ جُزْءٍ مُعَيَّنٍ إلَّا وَهُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى النَّصِيبَيْنِ فَكَانَ مَا يَقْبِضُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَتَشْتَمِلُ عَلَى الْإِفْرَازِ وَالْمُبَادَلَةِ وَهُوَ الظَّاهِرُ فِي الْمِثْلِيِّ فَيَأْخُذُ حَظَّهُ حَالَ غَيْبَةِ صَاحِبِهِ وَهِيَ فِي غَيْرِهِ فَلَا يَأْخُذُ) يَعْنِي: الْقِسْمَةُ تَشْتَمِلُ عَلَى تَمْيِيزِ الْحُقُوقِ وَالْمُبَادَلَةِ، وَالتَّمْيِيزُ هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ حَتَّى كَانَ لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَهُ حَالَ غَيْبَةِ صَاحِبِهِ، وَالْمُبَادَلَةُ هِيَ الظَّاهِرَةُ فِي غَيْرِ الْمِثْلِيِّ كَالثِّيَابِ وَالْعَقَارِ وَالْحَيَوَانِ حَتَّى لَا يَأْخُذَ نَصِيبَهُ حَالَ غَيْبَةِ صَاحِبِهِ، وَإِنْ كَانَ مَعْنَى الْإِفْرَازِ ظَاهِرًا فِي الْمِثْلِيِّ لِأَنَّ مَا يَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِثْلُ حَقِّهِ صُورَةً وَمَعْنًى فَأَمْكَنَ أَنْ يُجْعَلَ عَيْنَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 167 حَقِّهِ فِي الْقَرْضِ وَالصَّرْفِ وَالسَّلَمِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُبَادَلَةً لَمَا صَحَّ فِي الْقَرْضِ قَبْضٌ لِلِافْتِرَاقِ قَبْلَ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ وَلَا فِي الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ لِحُرْمَةِ الِاسْتِبْدَالِ فِيهِمَا قَالَ فِي النِّهَايَةِ: فَإِنْ قُلْتَ: لَيْسَ أَنَّ مُحَمَّدًا ذَكَرَ كِتَابَ الْقِسْمَةِ إذَا كَانَ وَصِيُّ الذِّمِّيِّ مُسْلِمًا، وَفِي التَّرِكَةِ خُمُورٌ أَنَّهُ يُكْرَهُ قِسْمَتُهُمَا وَلَوْ كَانَ الرُّجْحَانُ فِي هَذِهِ الْقِسْمَةِ لِلْإِفْرَازِ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ فَإِنَّ الذِّمِّيَّ إذَا وَكَّلَ مُسْلِمًا أَنْ يَقْبِضَ خَمْرًا لَهُ جَازَ قَبْضُهَا مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ.، قُلْتُ: ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ إذَا كَانَ فِي التَّرِكَةِ خُمُورٌ لَا يُكْرَهُ لِلْوَصِيِّ الْمُسْلِمِ قِسْمَتُهَا لِأَنَّ هَذَا إفْرَازٌ مَحْضٌ لَيْسَ فِيهِ شُبْهَةُ الْمُبَادَلَةِ، وَإِنَّمَا تُكْرَهُ الْقِسْمَةُ إذَا كَانَ مَعَ الْخَمْرِ الْخَنَازِيرُ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ حِينَئِذٍ تَكُونُ مُبَادَلَةً، وَغَيْرُهُ مِنْ الْمَشَايِخِ قَالُوا: لَا بَلْ يُكْرَهُ قِسْمَةُ الْخُمُورِ وَحْدَهَا لِأَنَّ الْعَمَلَ بِالشَّبَهَيْنِ فِي قِسْمَةِ الْخُمُورِ وَحْدَهَا يُمْكِنُ بِإِثْبَاتِ الْكَرَاهَةِ، وَمَعْنَى الْكَرَاهَةِ هُنَا هُوَ مَا بَيْنَ الْحَلَالِ الْمُطْلَقِ وَالْحَرَامِ الْمَحْضِ، وَإِنَّمَا كَانَ مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ فِي غَيْرِ الْمِثْلِيِّ أَظْهَرَ لِلتَّفَاوُتِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ كَأَنَّهُ أَخَذَ عَيْنَ حَقِّهِ لِعَدَمِ الْمُعَادَلَةِ بَيْنَهُمَا بِيَقِينٍ وَلَوْ اشْتَرَى دَارًا فَاقْتَسَمَاهَا لَا يَبِيعُ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ مُرَابَحَةً بَعْدَ الْقِسْمَةِ وَلَك أَنْ تَقُولَ: إنَّ الْقِسْمَةَ لَا تُعَرَّى عَنْ مَعْنَى الْإِفْرَازِ وَالْمُبَادَلَةِ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ، سَوَاءٌ كَانَتْ فِي ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ أَوْ فِي غَيْرِهِ لِأَنَّهَا بِالنَّظَرِ إلَى الْبَعْضِ إفْرَازٌ وَبِالنَّظَرِ إلَى الْبَعْضِ الْآخَرِ مُبَادَلَةٌ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ الْبَعْضَ الَّذِي يَأْخُذُهُ كُلٌّ مِنْهُمَا عِوَضٌ مِمَّا فِي يَدِ صَاحِبِهِ وَلَيْسَ بِمِثْلٍ لَهُ بِيَقِينٍ فَلَمْ يَتَحَقَّقْ مَعْنَى الْإِفْرَازِ فِيهِ بِالنَّظَرِ إلَى ذَلِكَ الْبَعْضِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ لَا يَتَحَقَّقَ الْإِفْرَازُ فِيهِ بِالنَّظَرِ إلَى الْبَعْضِ الْآخَرِ وَهُوَ كَوْنُهُ بَعْضَ حَقِّهِ فِي الْجُمْلَةِ فَثَبَتَتْ الْمُسَاوَاةُ بَيْنَ الْمُبَادَلَةِ وَالْإِفْرَازِ غَيْرَ أَنَّ الظُّهُورَ لِلْمُبَادَلَةِ. [طَلَبَ بَعْضُ الشُّرَكَاءِ الْقِسْمَةَ] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَيُجْبَرُ فِي مُتَّحِدِ الْجِنْسِ عِنْدَ طَلَبِ أَحَدِ الشُّرَكَاءِ لَا فِي غَيْرِهِ) يَعْنِي إذَا طَلَبَ بَعْضُ الشُّرَكَاءِ الْقِسْمَةَ يُجْبَرُ الْآبِي عَلَى الْقِسْمَةِ فِي مُتَّحِدِ الْجِنْسِ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ، أَوْ لَا، وَلَا يُجْبَرُ فِي غَيْرِ مُتَّحِدِ الْجِنْسِ كَالْغَنَمِ مَعَ الْإِبِلِ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ الْمَعْنَى، وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى: الْقِسْمَةُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ؛ قِسْمَةٌ لَا يُجْبَرُ الْآبِي عَلَيْهَا كَقِسْمَةِ الْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ، وَقِسْمَةٌ يُجْبَرُ عَلَيْهَا الْآبِي كَقِسْمَةِ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ، وَقِسْمَةٌ يُجْبَرُ الْآبِي فِي غَيْرِ الْمِثْلِيَّاتِ كَالثِّيَابِ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ. وَالْخِيَارَاتُ ثَلَاثَةٌ: خِيَارُ شَرْطٍ، وَخِيَارُ رُؤْيَةٍ، وَخِيَارُ عَيْبٍ فَفِي قِسْمَةِ الْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ تَثْبُتُ الْخِيَارَاتُ الثَّلَاثُ، وَفِي قِسْمَةِ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ كَالْمَكِيلِ يَثْبُتُ خِيَارُ الْعَيْبِ دُونَ خِيَارِ الشَّرْطِ وَالرُّؤْيَةِ، فَخِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَالْعَيْبِ يَثْبُتَانِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ بِخِلَافِ خِيَارِ الشَّرْطِ، وَفِي قِسْمَةِ الثِّيَابِ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ يَثْبُتُ خِيَارُ الْعَيْبِ وَهَلْ يَثْبُتُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ عَلَى رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ؟ يَثْبُتُ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَيَثْبُتُ فِيهِ خِيَارُ الْعَيْبِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ. اهـ. وَفِي الذَّخِيرَةِ: الْقَاضِي لَا يَقْسِمُ الْأَجْنَاسَ الْمُخْتَلِفَةَ قِسْمَةَ جَمْعٍ إذَا أَبَى بَعْضُ الشُّرَكَاءِ بِأَنْ كَانَ بَيْنَهُمْ إبِلٌ وَغَنَمٌ وَطَلَبَ أَحَدُهُمْ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَجْمَعَ نَصِيبَهُ فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ فَالْقَاضِي لَا يَقْسِمُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، وَفِي الْجِنْسِ الْمُتَّحِدِ يَقْسِمُ قِسْمَةَ جَمْعٍ عِنْدَ طَلَبِ الْبَعْضِ بِأَنْ كَانَ بَيْنَهُمْ غَنَمٌ كَثِيرَةٌ، أَوْ إبِلٌ كَثِيرَةٌ وَطَلَبَ أَحَدُهُمْ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَجْمَعَ نَصِيبَهُ فِي طَائِفَةٍ مِنْهَا فَعَلَ الْقَاضِي ذَلِكَ. اهـ. وَفِي النِّهَايَةِ اعْتَرَضَ عَلَى قَوْلِهِ " يُجْبَرُ " بِأَنَّ الْمُبَادَلَةَ مُعْتَبَرَةٌ فِيهَا فَكَيْفَ يُجْبَرُ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ يُجْبَرُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ غَيْرِهِ كَالْغَرِيمِ يُحْبَسُ حَتَّى يُبَاعَ مَالُهُ لِبَعْضِ الدَّيْنِ وَلِهَذَا لَا يَثْبُتُ حُكْمُ الْغُرُورِ فِيهَا حَتَّى لَوْ أَخَذَ أَحَدُهُمَا الدَّارَ وَبَنَى فِي نَصِيبِهِ فَاسْتَحَقَّ الدَّارَ الَّتِي بَنَى فِيهَا لَا يَرْجِعُ عَلَى صَاحِبِهِ بِقِيمَةِ بِنَائِهِ إذَا نُقِضَ اهـ. وَظَاهِرُ الْعِبَارَةِ صَادِقٌ بِطَلَبِ صَاحِبِ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَسَيَأْتِي تَقْيِيدُهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَنُدِبَ نَصْبُ قَاسِمٍ - رِزْقُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ - لِيَقْسِمَ بِلَا أَجْرٍ) . يَعْنِي يُسْتَحَبُّ نَصْبُ قَاسِمٍ وَرِزْقُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ مِنْ جِنْسِ الْقَضَاءِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَتِمُّ بِهِ قَطْعُ الْمُنَازَعَةِ فَأَشْبَهَ رِزْقَ الْقَاضِي وَلِأَنَّ مَنْفَعَتَهُ تَعُودُ إلَى الْعَامَّةِ كَمَنْفَعَةِ الْقَضَاءِ وَالْمُقَاتِلِ وَالْمُفْتِي فَتَكُونُ كِفَايَتُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّهُ أُعِدَّ لِمَصَالِحِهِمْ كَمَنْفَعَةِ هَؤُلَاءِ، وَفِي الْعَتَّابِيَّةِ وَغَيْرِهَا: وَيَنْصِبُ الْقَاضِي قَاسِمًا، وَيَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَقْسِمَ بِنَفْسِهِ وَيَأْخُذَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الْمُتَقَاسِمِينَ أُجْرَةً وَهَذَا لِأَنَّ الْقِسْمَةَ لَيْسَتْ بِقَضَاءٍ عَلَى الْحَقِيقَةِ حَتَّى لَا يُفْتَرَضَ عَلَى الْقَاضِي مُبَاشَرَتُهَا وَإِنَّمَا الَّذِي يُفْتَرَضُ عَلَيْهِ جَبْرُ الْآبِي عَلَى الْقِسْمَةِ إلَّا أَنَّ لَهَا شَبَهًا بِالْقَضَاءِ لِأَنَّهَا تُسْتَفَادُ مِنْهُ اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَإِلَّا نَصَبَ قَاسِمًا يَقْسِمُ بِأُجْرَةٍ بِعَدَدِ الرُّءُوسِ) يَعْنِي إنْ لَمْ يَنْصِبْ قَاسِمًا رِزْقُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ نَصَبَهُ وَجَعَلَ رِزْقَهُ عَلَى الْمُتَقَاسِمِينَ لِأَنَّ النَّفْعَ لَهُمْ عَلَى الْخُصُوصِ وَلَيْسَ بِقَضَاءٍ حَقِيقَةً حَتَّى جَازَ لِلْقَاضِي أَنْ يَأْخُذَ الْأُجْرَةَ عَلَى الْقِسْمَةِ وَإِنْ كَانَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 168 لَا يَجُوزُ لَهُ عَلَى الْقَضَاءِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُفْتَرَضُ عَلَيْهِ أَنْ يَقْسِمَ عَلَيْهِمْ بِالْمُبَاشَرَةِ، وَمُبَاشَرَةُ الْقَضَاءِ فَرْضٌ عَلَيْهِ وَيُقَدِّرُ لَهُ الْقَاضِي أُجْرَةَ مِثْلِهِ كَيْ لَا يَطْمَعَ فِي أَمْوَالِهِمْ وَيَتَحَكَّمَ بِالزِّيَادَةِ، وَالْأَفْضَلُ أَنَّ رِزْقَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّهُ أَرْفَقُ وَأَبْعَدُ مِنْ التُّهْمَةِ وَقَوْلُهُ: بِعَدَدِ الرُّءُوسِ يَعْنِي يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْأُجْرَةُ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ وَلَا يَتَفَاوَتُ بِتَفَاوُتِ الْأَنْصِبَاءِ وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ كَمَا سَيَجِيءُ بَيَانُهُ عَنْ قَرِيبٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا أَمِينًا عَالِمًا بِالْقِسْمَةِ) لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ عَمَلِ الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الِاعْتِمَادِ عَلَى قَوْلِهِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى الْقِسْمَةِ وَذَلِكَ بِمَا ذَكَرْنَا قَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ: ذَكَرَ الْأَمَانَةَ بَعْدَ الْعَدَالَةِ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ لَوَازِمِهِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ ظَاهِرِ الْأَمَانَةِ وَرُدَّ بِهَذَا مَا بِهِ يَلْزَمُ مِنْ ظُهُورِ الْعَدَالَةِ ظُهُورُ الْأَمَانَةِ وَرُدَّ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْمَذْكُورَ الْعَدَالَةُ لَا ظُهُورُهَا فَاسْتِلْزَامُ ظُهُورِهَا ظُهُورَ الْأَمَانَةِ لَا يَقْتَضِي اسْتِدْرَاكَ ذِكْرِ الْأَمَانَةِ فَإِنْ قُلْت: لَا يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِالْعَدَالَةِ ظُهُورُهَا كَمَا أُرِيدَ الْأَمَانَةُ حَتَّى يُسْتَغْنَى بِذِكْرِ الْعَدَالَةِ عَنْ ذِكْرِ الْأَمَانَةِ بِالْكُلِّيَّةِ قُلْت: ظُهُورُ الْعَدَالَةِ مِنْ لَفْظِ الْعَدَالَةِ غَيْرُ ظَاهِرٍ لَا يُفْهَمُ مِنْ لَفْظِهَا وَحْدَهُ بِدُونِ الْقَرِينَةِ، وَإِرَادَةُ ظُهُورِ الْأَمَانَةِ مِنْ لَفْظِ الْأَمَانَةِ الْوَاقِعَةِ فِي الْكِتَابِ ابْتِدَاءً ظَاهِرُ الْعَدَالَةِ لَا غِنَى عَنْ ذِكْرِ الْأَمَانَةِ. قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَتَعَيَّنُ قَاسِمٌ وَاحِدٌ) لِأَنَّهُ لَوْ تَعَيَّنَ لَتَحَكَّمَ بِالزِّيَادَةِ عَلَى أُجْرَةِ مِثْلِهِ وَلِهَذَا الْمَعْنَى لَا يُجْبِرُهُمْ الْحَاكِمُ عَلَى أَنْ يَسْتَأْجِرُوهُ وَلِأَنَّ الْقِسْمَةَ فِيهَا مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ وَهِيَ تُشْبِهُ الْقَضَاءَ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلَا جَبْرَ فِيهِمَا وَلَوْ اصْطَلَحُوا فَاقْتَسَمُوا جَازَ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ فِيهَا مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ إلَّا إذَا كَانَ فِيهِمْ صَغِيرٌ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُمْ عَلَيْهِ لَا يَنْفُذُ وَلَا وِلَايَةَ لَهُمْ عَلَيْهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَلَا يَشْتَرِكُ الْقُسَّامُ) يَعْنِي يَمْنَعُهُمْ الْقَاضِي مِنْ الِاشْتِرَاكِ كَيْ لَا يَتَضَرَّرَ النَّاسُ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ تَصِيرُ بِذَلِكَ غَالِيَةً لِأَنَّهُمْ إذَا اشْتَرَكُوا يَتَوَاكَلُونَ وَعِنْدَ عَدَمِ الِاشْتِرَاكِ يَتَبَادَرُونَ إلَيْهَا خَشْيَةَ الْفَوَاتِ فَيَرْخُصُ الْأَجْرُ بِسَبَبِ ذَلِكَ وَالْأُجْرَةُ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ وَقَالَا: عَلَى قَدْرِ الْأَنْصِبَاءِ لِأَنَّهَا مُؤْنَةُ الْمِلْكِ فَتَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهِ كَأُجْرَةِ الْكَيَّالِ وَالْوَزَّانِ وَحَافِرِ الْبِئْرِ وَحَمْلِ الطَّعَامِ وَغَسْلِ الثَّوْبِ الْمُشْتَرَكِ وَكَبِنَاءِ الدَّارِ وَالْجِدَارِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْقِسْمَةِ أَنْ يَتَوَصَّلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى الِانْتِفَاعِ بِنَصِيبِهِ، وَمَنْفَعَةُ صَاحِبِ الْكَثِيرِ أَكْثَرُ فَكَانَتْ مُؤْنَةُ الْقِسْمَةِ عَلَيْهِ أَكْثَرَ وَلِلْإِمَامِ أَنَّ الْأُجْرَةَ بِمُقَابَلَةِ التَّمْيِيزِ، وَإِنَّهُ لَا يَتَفَاوَتُ وَرُبَّمَا يَصْعُبُ الْحِسَابُ بِالنَّظَرِ إلَى الْقَلِيلِ وَقَدْ يَنْعَكِسُ الْأَمْرُ بِاعْتِبَارِ الْمَكْسُورِ فَيَتَعَذَّرُ اعْتِبَارُهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ تَمْيِيزُ الْقَلِيلِ مِنْ الْكَثِيرِ إلَّا بِمَا يَفْعَلُهُ فِيهِمَا فَيَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ بِأَصْلِ التَّمْيِيزِ لِأَنَّ عَمَلَ الْإِفْرَازِ وَاقِعٌ لَهُمْ جُمْلَةً بِخِلَافِ مَا ذَكَرَاهُ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ مُقَابَلَةٌ بِالْعَمَلِ وَهُوَ يَتَفَاوَتُ فَتَتَفَاوَتُ الْأُجْرَةُ بِتَفَاوُتِهِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْأُجْرَةَ عَلَى الطَّالِبِ لِلْقِسْمَةِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُنْتَفِعُ بِالْقِسْمَةِ دُونَ الْآخَرِ اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَلَا يُقْسَمُ الْعَقَارُ بَيْنَ الْوَرَثَةِ بِإِقْرَارِهِمْ حَتَّى يُبَرْهِنُوا عَلَى الْمَوْتِ وَعَدَدِ الْوَرَثَةِ) وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ وَقَالَا: يُقْسَمُ بِاعْتِرَافِهِمْ لِأَنَّ الْيَدَ دَلِيلُ الْمِلْكِ، وَالْإِقْرَارَ دَلِيلُ الصِّدْقِ فَصَارَ كَالْمَنْقُولِ وَالْعَقَارِ الْمُشْتَرَى وَهَذَا لِأَنَّهُ لَا مُنْكِرَ لَهُمْ وَلَا بَيِّنَةَ إلَّا عَلَى الْمُنْكِرِ فَلَا تُفِيدُ الْبَيِّنَةُ بِلَا إنْكَارٍ لَكِنَّهُ يَذْكُرُ فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ أَنَّهُ قَسَمَهُ بِاعْتِرَافِهِمْ لِيَقْتَصِرَ عَلَيْهِ وَلَا يَتَعَدَّاهُ حَتَّى لَا تَعْتِقَ أُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ وَمُدَبَّرُهُ لِعَدَمِ ثُبُوتِ مَوْتِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْقِسْمَةُ بِالْبَيِّنَةِ وَلِلْإِمَامِ أَنَّهَا قَضَاءٌ عَلَى الْمَيِّتِ لِأَنَّ التَّرِكَةَ مُبْقَاةٌ عَلَى مِلْكِهِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ يَنْفُذُ فِيهَا وَصَايَاهُ بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْقِسْمَةِ، وَإِذَا كَانَ قَضَاءً عَلَى الْمَيِّتِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْبَيِّنَةِ وَقَدْ يُمْكِنُ بِأَنْ يُجْعَلَ أَحَدُهُمْ خَصْمًا عَنْ الْمَيِّتِ، وَغَيْرُهُ عَنْ أَنْفُسِهِمْ، وَأُورِدَ بِأَنَّهُ لَا أَوْلَوِيَّةَ لِأَحَدِهِمْ أَنْ يَكُونَ مُدَّعِيًا وَالْآخَرِ أَنْ يَكُونَ مُدَّعًى عَلَيْهِ فَكِلَاهُمَا مَجْهُولٌ وَلَا قَضَاءَ مَعَ الْجَهَالَةِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ لِلْقَاضِي وِلَايَةَ التَّعَيُّنِ تَحْصِيلًا لِمَقْصُودِهِ فَتَرْتَفِعُ الْجَهَالَةُ بِتَعَيُّنِهِ وَلِأَنَّ الْوَارِثَ نَائِبٌ عَنْهُ، وَإِقْرَارُ الْخَصْمِ لَا يَمْنَعُ مِنْ قَبُولِ الْبَيِّنَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى إنْسَانٌ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنًا فَأَقَرَّ بِهِ الْوَارِثُ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ تُقْبَلُ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الدَّيْنَ عَلَى الْوَرَثَةِ كُلِّهِمْ وَيُزَاحِمُ الْغُرَمَاءَ وَلَا كَذَلِكَ إذَا كَانَ ثُبُوتُهُ بِإِقْرَارِ الْوَارِثِ فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ إلَّا فِي حِصَّتِهِ خَاصَّةً وَكَذَلِكَ الْجَوَابُ وَلَوْ قَالَ مَكَانَ الْوَارِثِ: وَصِيٌّ بِخِلَافِ الْمَنْقُولِ لِأَنَّ فِي قِسْمَتِهِ نَظَرًا لِأَنَّهُ يُخْشَى عَلَيْهِ التَّلَفُ وَبِخِلَافِ الْعَقَارِ الْمُشْتَرَى لِأَنَّ الْبَيْعَ زَالَ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَلَمْ تَكُنْ الْقِسْمَةُ قَضَاءً عَنْ الْغَيْرِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَيُقْسَمُ فِي الْمَنْقُولِ وَالْعَقَارِ الْمُشْتَرَى وَدَعْوَى الْمِلْكِ) يَعْنِي يُقْسَمُ فِي الْمَوْرُوثِ الْمَنْقُولِ وَالْعَقَارِ الْمُشْتَرَى وَفِيمَا إذَا ادَّعَوْا الْمِلْكَ وَلَمْ يَذْكُرُوا كَيْفِيَّةَ انْتِقَالِهِ إلَيْهِمْ قُسِمَ بِقَوْلِهِمْ مِنْ غَيْرِ إقَامَةِ بَيِّنَةٍ أَمَّا فِي الْمَنْقُولِ وَالْعَقَارِ الْمُشْتَرَى فَلِمَا بَيَّنَّا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 169 مِنْ الْمَعْنَى وَالْعُرْفِ، وَأَمَّا إذَا ادَّعَوْا الْمِلْكَ وَلَمْ يَذْكُرُوا كَيْفِيَّةَ الِانْتِقَالِ إلَيْهِمْ فَلِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْقِسْمَةِ قَضَاءٌ عَلَى الْغَيْرِ فَإِنَّهُمْ لَمْ يُقِرُّوا بِالْمِلْكِ لِغَيْرِهِمْ وَيَكُونُ مُقْتَصِرًا عَلَيْهِمْ فَيَجُوزُ، ثُمَّ قِيلَ هَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ وَقِيلَ قَوْلُ الْكُلِّ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَلَفْظُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ يُفِيدُ أَنَّهُ لَا يُقْسَمُ حَتَّى يُقِيمُوا الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمِلْكِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمِلْكُ فِي يَدِ غَيْرِهِ اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَلَوْ بَرْهَنَا أَنَّ الْعَقَارَ فِي أَيْدِيهِمَا لَمْ يُقْسَمْ حَتَّى يُبَرْهِنَا أَنَّهُ لَهُمَا) يَعْنِي لَوْ أَقَامَ رَجُلَانِ بَيِّنَةً أَنَّ الْعَقَارَ فِي أَيْدِيهِمَا لَمْ يُقْسَمْ حَتَّى يُبَرْهِنَا، وَطَلَبَا مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَقْسِمَهُ بَيْنَهُمَا لَا يَقْسِمُهُ بَيْنَهُمَا حَتَّى يُقِيمَا الْبَيِّنَةَ بِأَنَّ الْعَقَارَ مِلْكُهُمَا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ هُوَ لِغَيْرِهِمَا وَهَذِهِ عِبَارَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَمَا تَقَدَّمَ رِوَايَةُ الْقُدُورِيِّ وَكِلَاهُمَا فِي دَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ، وَمِثْلُ هَذَا لَا يَلِيقُ بِهَذَا الْمُخْتَصَرِ. قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (وَلَوْ بَرْهَنَا عَلَى الْمَوْتِ وَعَدَدِ الْوَرَثَةِ وَالدَّارُ فِي أَيْدِيهِمْ وَمَعَهُمْ وَارِثٌ غَائِبٌ، أَوْ وَصِيٌّ قُسِمَ وَنُصِبَ وَكِيلٌ، أَوْ وَصِيٌّ يَقْبِضُ نَصِيبَهُ) يَعْنِي يَقْبِضُ الْوَكِيلُ نَصِيبَ الْغَائِبِ وَالْوَصِيُّ نَصِيبَ الصَّغِيرِ لِأَنَّ فِي نَصْبِهِ نَظَرًا لِلصَّغِيرِ وَالْغَائِبِ إنْ حَضَرَ وَلَا بُدَّ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عِنْدَ الْإِمَامِ لِمَا بَيَّنَّا لِأَنَّ فِي هَذِهِ الْقِسْمَةِ قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ وَالصَّغِيرِ وَعِنْدَهُمَا يُقْسَمُ بِقَوْلِهِ لِمَا ذَكَرْنَا وَيُشْهِدُ أَنَّهُ قَسَمَهَا بِاعْتِرَافِ الْحَاضِرِينَ فَإِنَّ الصَّغِيرَ وَالْغَائِبَ عَلَى حُجَّتِهِ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: قَوْلُهُمْ فِي أَيْدِيهِمْ وَقَعَ سَهْوًا مِنْ الْكَاتِبِ وَالصَّحِيحُ: فِي أَيْدِيهِمَا لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي أَيْدِيهِمْ لَكَانَ فِي الْغَائِبِ وَالصَّغِيرِ وَسَيَأْتِي أَنَّهُ لَا يُقْسَمُ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ أَطْلَقَ الْجَمْعَ وَأَرَادَ بِهِ الْمُثَنَّى وَفِي الْخَانِيَّةِ هَذَا إذَا كَانَ الْعَقَارُ كُلُّهُ فِي يَدِ الْحَاضِرِينَ فَإِنْ كَانَتْ الدَّارُ كُلُّهَا، أَوْ شَيْءٌ مِنْهُمَا فِي يَدِ الْغَائِبِ أَوْ الصَّغِيرِ وَطَلَبَ هَؤُلَاءِ مِنْ الْقَاضِي الْقِسْمَةَ فَإِنَّهُ لَا يَقْسِمُ حَتَّى يَحْضُرَا، أَوْ يُقِيمَا الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمَوْتِ، وَفِي الْجَامِعِ أَنَّهُ لَا يَقْسِمُهُ وَلَوْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ مَا لَمْ يَحْضُرَا. اهـ. وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ قُسِمَ أَنَّ الْقَاضِيَ فَعَلَ ذَلِكَ قَالَ فِي الْمُحِيطِ فَلَوْ قَسَمَا بِغَيْرِ قَضَاءٍ لَمْ تَجُزْ الْقِسْمَةُ إلَّا أَنْ يَحْضُرَا فَيُجِيزَا، أَوْ يَبْلُغَ فَيُجِيزَ فَإِنْ مَاتَ الْغَائِبُ، أَوْ الصَّغِيرُ فَأَجَازَ وَرَثَتُهُ جَازَ عِنْدَ الْإِمَامِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ مَاتَ مَنْ لَهُ الْإِجَازَةُ فَبَطَلَتْ وَلِلْإِمَامِ أَنَّا لَوْ أَبْطَلْنَا الْقِسْمَةَ بِالْمَوْتِ احْتَجْنَا إلَى إعَادَةِ مِثْلِهَا فَإِجَازَتُهَا أَوْلَى اهـ. وَفِيهِ أَيْضًا وَلَوْ قَسَمُوا بِأَمْرِ صَاحِبِ الشُّرْطَةِ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ لَمْ تُفَوَّضْ إلَيْهِ لِأَنَّهُ فُوِّضَ إلَيْهِ أَمْرُ الْجِنَايَاتِ اهـ. قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ كَانُوا مُشْتَرِينَ وَغَابَ أَحَدُهُمْ، أَوْ كَانَ الْعَقَارُ فِي يَدِ الْوَارِثِ الْغَائِبِ، أَوْ حَضَرَ وَارِثٌ وَاحِدٌ لَمْ يُقْسَمْ) يَعْنِي لَا يُقْسَمُ الْمَالُ الْمُشْتَرَكُ مَعَ غَيْبَةِ بَعْضِهِمْ أَمَّا فِي الشِّرَاءِ فَلِأَنَّ الْمِلْكَ الثَّابِتَ مِلْكٌ جَدِيدٌ بِسَبَبِ مُبَاشَرَةٍ وَلِهَذَا لَا يُرَدُّ بِالْعَيْبِ عَلَى بَائِعِهِ فَلَا يَصْلُحُ الْحَاضِرُ أَنْ يَكُونَ خَصْمًا عَلَى الْغَائِبِ بِخِلَافِ الْإِرْثِ لِأَنَّ الْمِلْكَ الثَّابِتَ فِيهِ مِلْكٌ خِلَافُهُ حَتَّى يُرَدَّ بِالْعَيْبِ فِيمَا اشْتَرَاهُ الْمُوَرِّثُ وَيَصِيرَ مَغْرُورًا بِشِرَاءِ الْمُوَرِّثِ فَانْتَصَبَ أَحَدُهُمَا خَصْمًا عَنْ الْمَيِّتِ فِيمَا فِي يَدِهِ وَالْآخَرُ عَنْ نَفْسِهِ فَصَارَتْ الْقِسْمَةُ قَضَاءً بِحَضْرَةِ الْمُتَخَاصِمِينَ فَيَصِحُّ الْقَضَاءُ بِقِيَامِ الْبَيِّنَةِ عَلَى خَصْمِهِ، وَفِي الشِّرَاءِ قَامَتْ عَلَى خَصْمٍ غَائِبٍ فَلَا يُقْبَلُ وَأَمَّا إذَا كَانَ الْعَقَارُ فِي يَدِ الْوَارِثِ الْغَائِبِ فَلِأَنَّ الْقِسْمَةَ قَضَاءٌ عَلَى الْغَائِبِ بِإِخْرَاجِ الشَّيْءِ مِنْ يَدِهِ مِنْ غَيْرِ خَصْمٍ عَنْهُ فَلَا يَجُوزُ وَكَذَا إذَا كَانَ بَعْضُهُ فِي يَدِهِ وَالْبَاقِي فِي يَدِ الْحَاضِرِ وَكَذَا إذَا كَانَ فِي يَدِ مُودَعِهِ، أَوْ مُسْتَعِيرِهِ، أَوْ فِي يَدِ الصَّغِيرِ لِأَنَّ الْمُودَعَ وَالصَّغِيرَ لَيْسَا بِخَصْمٍ وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَعَدَمِهَا فِي الصَّحِيحِ اهـ. فَإِنْ قُلْت: التَّعْلِيلُ فِي قَوْلِهِمْ إذَا كَانَ شَيْءٌ مِنْهُ فِي يَدِ الصَّغِيرِ أَوْ الْغَائِبِ يَكُونُ قَضَاءً بِإِخْرَاجِهِ مِنْ يَدِهِ لَك أَنْ تَقُولَ هَذَا يَسْتَقِيمُ إذَا كَانَ كُلُّهُ، أَوْ كَانَ الْبَعْضُ الَّذِي فِي يَدِ الصَّغِيرِ، أَوْ الْغَائِبِ زَائِدًا عَلَى قَدْرِ حِصَّتِهِ مَا إذَا كَانَ قَدْرَ حِصَّتِهِ مِنْ الدَّارِ أَوْ أَقَلَّ فَلَا يَظْهَرُ أَنَّ فِيهِ قَضَاءً عَلَى الصَّغِيرِ وَالْغَائِبِ بِإِخْرَاجِ شَيْءٍ مِمَّا كَانَ فِي يَدِهِ بَلْ يَلْزَمُ إبْقَاءُ مَا كَانَ فِي يَدِهِ فِي صُورَةِ التَّسَاوِي وَزِيَادَةُ شَيْءٍ عَلَيْهِ فِيمَا كَانَ فِي يَدِ الْحَاضِرِينَ فِي صُورَةِ النُّقْصَانِ. اهـ. وَأَمَّا إذَا حَضَرَ وَارِثٌ وَاحِدٌ فَلِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُخَاصِمًا وَمُخَاصَمًا فَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُقَاسِمًا وَمُقَاسَمًا فَلَا بُدَّ مِنْ حُضُورِ شَخْصَيْنِ عَلَى مَا بَيَّنَّا هَذَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْقَاضِيَ يَنْصِبُ عَنْ الْغَائِبِ خَصْمًا وَتُقَامُ الْبَيِّنَةُ وَلَوْ حَضَرَ صَغِيرٌ وَكَبِيرٌ نَصَبَ وَصِيًّا عَنْ الصَّغِيرِ وَقَسَمَ إذَا أُقِيمَتْ الْبَيِّنَةُ وَكَذَا إذَا حَضَرَ وَارِثٌ وَمُوصًى لَهُ بِالثُّلُثِ فِي الدَّارِ وَطَلَبَ الْقِسْمَةَ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ عَلَى الْإِرْثِ وَالْوَصِيَّةِ يَقْسِمُ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ شَرِيكٌ فِي الدَّارِ فَصَارَ كَوَاحِدٍ مِنْ الْوَرَثَةِ فَانْتَصَبَ عَنْ نَفْسِهِ وَالْوَارِثُ عَنْ الْمَيِّتِ وَبَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ فَصَارَ كَمَا إذَا حَضَرَ وَارِثَانِ وَلَوْ حَضَرَ الْمُوصَى لَهُ وَحْدَهُ لَا يَقْسِمُ ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ، وَفِي النِّهَايَةِ إنَّمَا يَنْصِبُ الْقَاضِي وَصِيًّا عَنْ الصَّغِيرِ إذَا كَانَ حَاضِرًا بِخِلَافِ الْغَائِبِ، وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ كَانَتْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 170 مُشْتَرَكَةً بِالشِّرَاءِ فَجَرَى فِيهَا الْمِيرَاثُ بِأَنْ مَاتَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ لَا يَقْسِمُ إذَا حَضَرَ الْبَعْضُ لِأَنَّ الْوَارِثَ لَمْ يَقُمْ مَقَامَ الْمُوَرِّثِ فِي الشَّرِكَةِ الْأُولَى بِالشِّرَاءِ فَيُنْظَرُ فِي هَذَا إلَى الشَّرِكَةِ الْأُولَى فَإِنْ كَانَتْ بِالْمِيرَاثِ يَقُومُ الثَّانِي مَقَامَ الْأَوَّلِ وَإِنْ كَانَتْ بِالشِّرَاءِ لَا يَقُومُ. ضَيْعَةٌ بَيْنَ خَمْسَةٍ؛ وَاحِدٌ صَغِيرٌ وَاثْنَانِ غَائِبَانِ وَاثْنَانِ حَاضِرَانِ فَاشْتَرَى رَجُلٌ نَصِيبَ أَحَدِ الْحَاضِرَيْنِ وَطَالَبَ شَرِيكَهُ الْحَاضِرَ بِالْقِسْمَةِ عِنْدَ الْقَاضِي وَأَخْبَرَاهُ عَنْ الْقَضِيَّةِ فَالْقَاضِي يَأْمُرُ شَرِيكَهُ بِالْقِسْمَةِ وَجَعَلَ وَكِيلًا عَنْ الْغَائِبَيْنِ وَالصَّغِيرِ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ قَائِمٌ مَقَامَ الْبَائِعِ وَكَانَ لِلْبَائِعِ أَنْ يُطَالِبَ شَرِيكَهُ فَكَذَا مَنْ قَامَ مَقَامَهُ. أَرْضٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَطَلَبَ أَحَدُهُمَا الْقِسْمَةَ وَقَدَّمَهُ إلَى الْقَاضِي فَأَتَى شَرِيكُهُ وَقَالَ: بِعْت نَصِيبِي وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْبَائِعِ لَا تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ لِدَفْعِ الْقِسْمَةِ عَنْهُ لِأَنَّهُ يُرِيدُ إبْطَالَ حَقِّ الْقِسْمَةِ بِإِثْبَاتِ فِعْلِ نَفْسِهِ بِالْبَيْعِ فَلَا يَقْدِرُ عَلَى الْإِثْبَاتِ وَلَوْ كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ لِغَائِبٍ غَيْرُ مُسْتَغْرِقٍ حَبَسَ الْقَاضِي قَدْرَ الدَّيْنِ وَقَسَمَ الْبَاقِيَ لِأَنَّ التَّرِكَةَ مِلْكٌ لِلْوَرَثَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ الدَّيْنُ مُسْتَغْرِقًا إلَّا أَنَّهُ لَا يَقْسِمُ قَدْرَ الدَّيْنِ حَتَّى لَا يَحْتَاجَ إلَى نَقْضِ قَضَائِهِ، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مُسْتَغْرِقًا لَا يَقْسِمُ لِأَنَّهُمْ لَا مِلْكَ لَهُمْ فِي التَّرِكَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ. اهـ. وَفِي التَّجْرِيدِ وَلَوْ بَنَى رَجُلَانِ فِي أَرْضٍ لِرَجُلٍ بِإِذْنِهِ ثُمَّ أَرَادَا قِسْمَةَ الْبِنَاءِ وَمُؤَاجَرَةَ الْأَرْضِ لِغَائِبٍ فَلَهُمَا ذَلِكَ فَإِنْ أَبَى أَحَدُهُمَا لَمْ يُجْبَرْ عَلَى الْقِسْمَةِ، وَفِي النَّوَازِلِ سُئِلَ أَبُو بَكْرٍ عَنْ قَرْيَةٍ مَشَاعٍ بَيْنَ أَهْلِهَا، رُبُعُهَا وَقْفٌ وَرُبُعُهَا مَقْبَرَةٌ وَنِصْفُهَا مِلْكٌ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوهُ مَقْبَرَةً قَالَ: إنْ قُسِمَتْ الْقَرْيَةُ كُلُّهَا عَلَى مِقْدَارِ كُلِّ نَصِيبٍ جَازَتْ وَإِنْ أَرَادُوا أَنْ يَقْتَسِمُوا مَوْضِعًا مِنْهَا لَا يَجُوزُ. وَعَنْ الْحَسَنِ: رَجُلٌ اشْتَرَى مِنْ آخَرَ نِصْفَ دَارٍ، ثُمَّ قَاسَمَهُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهَا جَازَتْ الْقِسْمَةُ فَإِنْ اُسْتُحِقَّ النِّصْفُ الَّذِي فِي يَدِ الْمُشْتَرِي بَطَلَ الْبَيْعُ فِيهِ وَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ نِصْفَ مَا فِي يَدِ الْبَائِعِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ، وَإِنْ اُسْتُحِقَّ نِصْفُ الْبَائِعِ بَطَلَ الْبَيْعُ فِيهِ وَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ النِّصْفَ مِنْ النِّصْفِ الَّذِي صَارَ لَهُ بِالْحِصَّةِ مِنْ الثَّمَنِ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ وَلَوْ لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا حَتَّى بَاعَ الْمُشْتَرِي النِّصْفَ الَّذِي صَارَ لَهُ، ثُمَّ اسْتَحَقَّ النِّصْفَ الَّذِي صَارَ لِلْمُشْتَرِي يَبْطُلُ الْبَيْعُ فِيهِ وَكَانَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَأْخُذَ نِصْفَ مَا بَاعَ الْبَائِعُ، وَيَبْطُلُ الْبَيْعُ فِي نِصْفِهِ وَكَذَا إنْ بَاعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَصِيبَهُ ثُمَّ اسْتَحَقَّ أَحَدَ النَّصِيبَيْنِ فَالْجَوَابُ فِيهِ كَالْجَوَابِ فِيمَا بَاعَ أَحَدُهُمَا وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَزُفَرَ رَحِمُهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَبِهِ أَخَذَ الْحَسَنُ قَالَ: وَفِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ: أَيُّ النِّصْفَيْنِ اُسْتُحِقَّ جَازَ الْبَيْعُ فِي الْآخَرِ وَلَهُ أَنْ يَبِيعَ مِنْ الَّذِي اشْتَرَاهَا مِنْهُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَمِنْ الْأَجْنَبِيِّ، وَفِي الْمُنْتَقَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا اشْتَرَى رَجُلٌ مِنْ أَحَدِ الْوَرَثَةِ بَعْضَ نَصِيبِهِ، ثُمَّ حَضَرَا - يَعْنِي الْوَارِثَ وَالْمُشْتَرِيَ - وَطَلَبَا الْقِسْمَةَ فَالْقَاضِي لَا يَقْسِمُ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَحْضُرَ وَارِثٌ آخَرُ غَيْرُ الْبَائِعِ وَلَوْ اشْتَرَى مِنْهُ نَصِيبَهُ، ثُمَّ وَرِثَ الْبَائِعُ شَيْئًا بَعْدَ ذَلِكَ، أَوْ اشْتَرَى لَمْ يَكُنْ خَصْمًا لِلْمُشْتَرِي فِي نَصِيبِهِ الْأَوَّلِ فِي الدَّارِ حَتَّى يَحْضُرَ وَارِثٌ آخَرُ غَيْرُهُ وَلَوْ حَضَرَ الْمُشْتَرِي مِنْ الْوَارِثِ وَوَارِثٌ آخَرُ وَغَابَ الْوَارِثُ وَالْبَائِعُ وَأَقَامَ الْمُشْتَرِي الْبَيِّنَةَ عَلَى شِرَائِهِ وَقَبْضِهِ وَعَلَى الدَّارِ وَعَدَدِ الْوَرَثَةِ فَإِنَّ هَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا إنْ كَانَتْ الدَّارُ فِي أَيْدِي الْوَرَثَةِ وَلَمْ يَقْبِضْ الْمُشْتَرِي لَمْ تُقْبَلْ بَيِّنَةُ الْمُشْتَرِي عَلَى الشِّرَاءِ مِنْ الْغَائِبِ، وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي قَبَضَ وَسَكَنَ الدَّارَ مَعَهُمْ ثُمَّ طَلَبَ الْقِسْمَةَ هُوَ وَوَارِثٌ آخَرُ غَيْرُ الْبَائِعِ فَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فَالْقَاضِي يَقْسِمُ الدَّارَ وَكَذَلِكَ إنْ طَلَبَتْ الْوَرَثَةُ الْقِسْمَةَ دُونَ الْمُشْتَرِي فَالْقَاضِي يَقْسِمُ الدَّارَ بَيْنَهُمْ بِطَلَبِهِمْ وَجَعَلَ نَصِيبَ الْغَائِبِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَلَا يَقْضِي بِالشِّرَاءِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمُشْتَرِي قَبَضَ الدَّارَ عُزِلَ نَصِيبُ الْوَارِثِ الْغَائِبِ وَلَا يُدْفَعُ إلَى الْمُشْتَرِي، وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي هُوَ الَّذِي طَلَبَ الْقِسْمَةَ وَأَبَى الْوَرَثَةُ لَمْ أَقْسِمْ لِأَنِّي لَا أَعْلَمُ مَا لِكُلٍّ وَلَا أَقْبَلُ بَيِّنَةً عَلَى الشِّرَاءِ وَالْبَائِعُ غَائِبٌ. وَفِيهِ أَيْضًا عَنْ أَبِي يُوسُفَ: دَارٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ بَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ وَهُوَ مَشَاعٌ مِنْ رَجُلٍ، ثُمَّ إنَّ الْمُشْتَرِيَ أَمَرَ الْبَائِعَ أَنْ يُقَاسِمَ صَاحِبَ الدَّارِ وَيَقْبِضَ نَصِيبَهُ فَقَاسَمَهُ لَمْ تَجُزْ الْقِسْمَةُ، وَإِذَا كَانَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ دَارٌ وَنِصْفُ دَارٍ اقْتَسَمَا عَلَى أَنْ يَأْخُذَ أَحَدُهُمَا الدَّارَ وَيَأْخُذَ الْآخَرُ نِصْفَ الدَّارِ جَازَ، وَإِنْ كَانَ الدَّارُ أَقَلَّ قِيمَةٍ مِنْ نِصْفِ الدَّارِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَقَسَمَ الْقَاضِي بِطَلَبِ أَحَدِهِمْ لَوْ انْتَفَعَ كُلٌّ بِنَصِيبِهِ) لِأَنَّ فِيهِ تَكْمِيلَ الْمَنْفَعَةِ إذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَنْتَفِعُ بِنَصِيبِهِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ وَكَانَتْ الْقِسْمَةُ حَقًّا لَهُمْ فَوَجَبَ عَلَى الْقَاضِي إجَابَتُهُمْ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: يَعْنِي يَقْسِمُ جَبْرًا وَمُرَادُهُ إذَا كَانَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْإِقْرَارِ لِتَفَاوُتِ الْمَقَاصِدِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَإِنْ تَضَرَّرَ الْكُلُّ لَمْ يَقْسِمْ إلَّا بِرِضَاهُمْ) وَذَلِكَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 171 كَمَا لَوْ طَلَبُوا قِسْمَةَ الْبِئْرِ وَالرَّحَى وَالْحَائِطِ وَالْحَمَّامِ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ لِتَكْمِيلِ الْمَنْفَعَةِ، وَفِي قِسْمَةِ هَذَا تَفْوِيتٌ فَيَعُودُ عَلَى مَوْضِعِهِ بِالنَّقْصِ وَلِأَنَّ الطَّالِبَ لِلْقِسْمَةِ مُتَعَنِّتٌ وَيُرِيدُ إدْخَالَ الضَّرَرِ عَلَى غَيْرِهِ فَلَا يُجِيبُهُ الْحَاكِمُ إلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ اشْتِغَالٌ بِمَا لَا يُفِيدُ بَلْ بِمَا يَضُرُّ وَيَجُوزُ بِالتَّرَاضِي لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ وَهُمْ أَعْرَفُ بِحَاجَتِهِمْ لَكِنَّ الْقَاضِيَ لَا يُبَاشِرُ ذَلِكَ، وَإِنْ طَلَبُوهُ مِنْهُ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَشْتَغِلُ بِمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ فِيهِ إضْرَارٌ وَإِضَاعَةُ مَالٍ لِأَنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ وَلَا يَمْنَعُ مِنْهُ اهـ. كَلَامُ الشَّارِحِ لَكِنَّ ظَاهِرَ الْمَتْنِ أَنَّ الْقَاضِيَ يَقْسِمُ عِنْدَ رِضَاهُمْ وَفِي الْيَنَابِيعِ وَالذَّخِيرَةِ ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْسِمُ، وَبَعْضُ الْمَشَايِخِ قَالَ: يَقْسِمُ فَظَهَرَ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَيْنِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَإِنْ انْتَفَعَ الْبَعْضُ وَتَضَرَّرَ الْبَعْضُ لِقِلَّةِ حَظِّهِ قَسَمَ بِطَلَبِ ذِي الْكَثِيرِ فَقَطْ) يَعْنِي بِطَلَبِ صَاحِبِ الْكَثِيرِ كَذَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْخَصَّافِ وَوَجْهُهُ أَنَّ صَاحِبَ الْكَثِيرِ يَطْلُبُ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَخُصَّهُ بِالِانْتِفَاعِ بِمِلْكِهِ وَيَمْنَعَ غَيْرَهُ عَنْ الِانْتِفَاعِ بِمِلْكِهِ وَهَذَا مِنْهُ طَلَبُ الْحَقِّ وَالْإِنْصَافِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَمْنَعَ غَيْرَهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِمِلْكِهِ فَوَجَبَ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يُجِيبَهُ إلَى ذَلِكَ وَلَا يَعْتَبِرَ ضَرَرَ الْآخَرِ لِأَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِمِلْكِ غَيْرِهِ فَلَا يُمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ وَلَوْ طَلَبَ صَاحِبُ الْقَلِيلِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ بِحَقِّهِ مَعَ أَنَّهُ مُتَعَنِّتٌ فِي طَلَبِ الْقِسْمَةِ فَلَا يَشْتَغِلُ الْقَاضِي بِمَا لَا يُفِيدُ وَذَكَرَ الْجَصَّاصُ أَنَّهُ إنْ طَلَبَ صَاحِبُ الْقَلِيلِ قَسَمَ، وَإِنْ طَلَبَ صَاحِبُ الْكَثِيرِ لَا يَقْسِمُ وَذَكَرَ الْحَاكِمُ أَيُّهُمْ طَلَبَ الْقِسْمَةَ يَقْسِمُ الْقَاضِي وَالْأَصَحُّ مَا ذَكَرَ الْخَصَّافُ لِأَنَّ الْقَاضِيَ يَجِبُ عَلَيْهِ إيصَالُ الْحَقِّ إلَى مُسْتَحِقِّهِ وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُجِيبَهُمْ إلَى إضْرَارِ أَنْفُسِهِمْ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُؤَلِّفُ لِمَا إذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَا يَنْتَفِعُ؛ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: بَيْتٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَرَادَ أَحَدُهُمَا الْقِسْمَةَ وَامْتَنَعَ الْآخَرُ وَهُوَ صَغِيرٌ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، لَا يُجِيبُهُمَا الْقَاضِي إلَى ذَلِكَ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَقْسِمُ إلَّا إذَا طَلَبَ صَاحِبُ الْكَثِيرِ خَاصَّةً وَمِنْهُمْ مَنْ صَحَّحَ مَا ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَيَقْسِمُ الْعُرُوضَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ) لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْمُبَادَلَةِ فِي الْمَنْفَعَةِ الْمَالِيَّةِ مُمْكِنٌ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ لِاتِّحَادِ الْمَقْصُودِ فِيهِ فَيَقَعُ تَمْيِيزًا فَيَمْلِكُ الْقَاضِي الْإِجْبَارَ عَلَيْهِمَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَلَا يَقْسِمُ الْجِنْسَيْنِ وَالْجَوَاهِرَ) أَمَّا الْجِنْسَانِ فَلِعَدَمِ الِاخْتِلَاطِ بَيْنَهُمَا فَلَا تَقَعُ الْقِسْمَةُ تَمْيِيزًا بَلْ تَقَعُ مُعَاوَضَةً فَيُعْمَلُ التَّرَاضِي دُونَ جَبْرِ الْقَاضِي وَلِهَذَا قَيَّدَ بِالتَّرَاضِي، وَأَمَّا الْجَوَاهِرُ فَلِأَنَّ جَهَالَتَهَا مُتَفَاحِشَةٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ غَيْرُ الْمُعَيَّنِ مِنْهَا عِوَضًا عَمَّا لَيْسَ بِمَالٍ كَالنِّكَاحِ وَالْخُلْعِ وَقِيلَ: لَا يَقْسِمُ الْكِبَارَ مِنْهَا لِفُحْشِ التَّفَاوُتِ وَيَقْسِمُ الصِّغَارَ لِقِلَّةِ التَّفَاوُتِ وَقِيلَ: إنْ اخْتَلَفَ جِنْسُهُمَا لَا يَقْسِمُ، وَإِنْ اتَّحَدَ يَقْسِمُ كَسَائِرِ الْأَجْنَاسِ، وَفِي الْعَتَّابِيَّةِ: وَالْقُمْقُمُ وَالطَّشْتُ الْمُتَّخَذَةُ مِنْ صُفْرٍ مُلْحَقَةً مُخْتَلِفَةُ الْجِنْسِ فَلَا يَقْسِمُهَا جَبْرًا وَكَذَلِكَ الْأَثْوَابُ الْمُتَّخَذَةُ مِنْ الْقُطْنِ وَالْكَتَّانِ إذَا اخْتَلَفَ بِالصَّنْعَةِ كَالْقَبَاءِ وَالْجُبَّةِ وَالْقَمِيصِ كَذَلِكَ، وَفِي مُخْتَصَرِ خُوَاهَرْ زَادَهْ: وَلَا يُقْسَمُ السَّرْجُ وَلَا الْفَرَسُ وَلَا الْمُصْحَفُ، وَفِي التَّجْرِيدِ لَوْ أَوْصَى لَهُمَا بِصُوفٍ عَلَى ظَهْرِ غَنَمٍ، أَوْ لَبَنٍ فِي ضَرْعٍ، أَوْ بِمَا فِي بُطُونِ الْغَنَمِ لَا يُقْسَمُ قَبْلَ الْجَزِّ وَالْحَلْبِ وَالْوِلَادَةِ وَفِي الْخَانِيَّةِ إذَا كَانَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ ثَوْبٌ مَخِيطٌ لَا يَقْسِمُ الْقَاضِي بَيْنَهُمْ وَلَوْ غَيْرَ مَخِيطٍ فَاقْتَسَمَاهَا طُولًا، أَوْ عَرْضًا جَازَتْ الْقِسْمَةُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَالرَّقِيقَ وَالْحَمَّامَ وَالْبِئْرَ وَالرَّحَى إلَّا بِرِضَاهُمْ) أَمَّا الرَّقِيقُ فَالْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ لِاتِّحَادِ الْجِنْسِ، وَالتَّفَاوُتُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ لَا يَمْنَعُ الْقِسْمَةَ كَمَا فِي الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ وَلِهَذَا يُقْسَمُ الرَّقِيقُ فِي الْغَنِيمَةِ بَيْنَ الْغَانِمِينَ وَلِلْإِمَامِ: أَنَّ التَّفَاوُتَ بَيْنَهُمَا فَاحِشٌ لِتَفَاوُتِ الْمَعَانِي الْبَاطِلَةِ كَالدُّهْنِ وَالْكِيَاسَةِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِهِمَا لَا يَخْتَلِفُ إلَّا شَيْئًا يَسِيرًا وَذَلِكَ مُغْتَفَرٌ فِي الْقِسْمَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى مِنْ بَنِي آدَمَ جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ وَمِنْ الْحَيَوَانَاتِ جِنْسٌ وَاحِدٌ فَلَا يَجُوزُ الْقِيَاسُ وَقِسْمَةُ الْغَنَائِمِ تَجْرِي فِي الْأَجْنَاسِ فَلَا تَلْزَمُ وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا كَانَ الرَّقِيقُ وَحْدَهُمْ وَلَيْسَ مَعَهُمْ شَيْءٌ آخَرُ مِنْ الْعُرُوضِ، وَهُمْ ذُكُورٌ فَقَطْ، أَوْ إنَاثٌ فَقَطْ، وَأَمَّا إذَا كَانُوا مُخْتَلَطِينَ بَيْنَ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ لَا يُقْسَمُ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ الذُّكُورَ وَالْإِنَاثَ مِنْ بَنِي آدَمَ جِنْسَانِ لِاخْتِلَافِ الْمَقَاصِدِ، وَإِنْ كَانَ مَعَ الرَّقِيقِ شَيْءٌ آخَرُ مِمَّا يُقْسَمُ جَازَتْ الْقِسْمَةُ فِي الرَّقِيقِ تَبَعًا لِغَيْرِهِمْ بِالْإِجْمَاعِ وَيُجْبِرُهُمْ الْقَاضِي بِطَلَبِ الْبَعْضِ وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَدْخُلُ تَبَعًا، وَإِنْ لَمْ يَجُزْ دُخُولُهُ قَصْدًا، وَأَمَّا الْحَمَّامُ وَالْبِئْرُ وَالرَّحَى فَلِمَا ذُكِرَ مِنْ إلْحَاقِ الضَّرَرِ بِالْكُلِّ وَلَوْ اقْتَسَمَا الْحَمَّامَ، أَوْ الْبِئْرَ بِأَنْفُسِهِمْ جَازَ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ نَوْعُ مَنْفَعَةٍ بِأَنْ يَتَّخِذَ نَصِيبَهُ مِنْ الْحَمَّامِ بَيْتًا، وَإِنْ طَلَبَا جَمِيعًا الْقِسْمَةَ مِنْ الْقَاضِي هَلْ يَقْسِمُ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ: فِي رِوَايَةٍ لَا يَقْسِمُ لِأَنَّهَا تَضَمَّنَتْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 172 تَفْوِيتَ مَنْفَعَةٍ وَلَيْسَ لِلْقَاضِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَكُونُ سَفَهًا يُمَكِّنُهُ، وَفِي رِوَايَةٍ يَقْسِمُ لِأَنَّهُمْ رَضُوا بِذَلِكَ وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي الْكِتَابِ لِأَنَّهُ فِيهِ نَوْعُ مَنْفَعَةٍ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة، وَإِذَا كَانَتْ قَنَاةٌ، أَوْ بِئْرٌ أَوْ نَهْرٌ وَلَيْسَ مَعَهُ أَرْضٌ فَأَرَادَ بَعْضُ الشُّرَكَاءِ الْقِسْمَةَ فَإِنَّهَا لَا تُقْسَمُ، وَإِذَا كَانَتْ أَرْضٌ لَهَا شِرْبٌ قَسَمَ الْأَرْضَ وَتَرَكَ الشِّرْبَ، وَالْقَنَاةُ وَالْبِئْرُ كَالشَّرِكَةِ، وَفِي الْخُلَاصَةِ وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا شِرْبُهُ فَإِنْ كَانَ يَقْدِرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَجْعَلَ أَرْضَهُ شِرْبًا مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ قَسَمَ ذَلِكَ كُلَّهُ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَفِي الْأَصْلِ لَوْ كَانَتْ أَنْهَارًا وَآبَارًا لِأَرْضٍ مُخْتَلِفَةٍ قَسَمَ الْآبَارَ وَالْعُيُونَ وَالْأَرَاضِيَ. اهـ. وَفِي النَّوَادِرِ وَلَوْ قَسَمَ الْبِئْرَ بِالْجِبَالِ جَازَ لِأَنَّ التَّفَاوُتَ فِيهَا قَلِيلٌ. اهـ. . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (دُورٌ مُشْتَرَكَةٌ، أَوْ دَارٌ وَضِيعَةٌ، أَوْ دَارٌ وَحَانُوتٌ قُسِمَ كُلٌّ عَلَى حِدَةٍ) أَمَّا الدُّورُ الْمُشْتَرَكَةُ فَالْمَذْكُورُ هَهُنَا قَوْلُ الْإِمَامِ وَقَالَا: تُقْسَمُ الدُّورُ بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ إذَا كَانَتْ فِي مِصْرٍ وَاحِدٍ وَكَانَتْ الْقِسْمَةُ أَصْلَحَ لَهُمْ لِأَنَّهُمْ جِنْسٌ وَاحِدٌ نَظَرًا إلَى اتِّحَادِ الِاسْمِ وَالصُّورَةِ وَأَصْلُ السُّكْنَى جِنْسَانِ نَظَرًا إلَى اخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ وَتَفَاوُتِ السُّكْنَى، وَإِذَا قُسِمَ كُلُّ دَارٍ عَلَى حِدَةٍ رُبَّمَا يَتَضَرَّرُ لِقِلَّةِ نَصِيبِهِ وَلِلْإِمَامِ أَنَّ الدُّورَ أَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ لِاخْتِلَافِ الْمَقْصُودِ بِاعْتِبَارِ الْمَحَالِّ وَالْجِيرَانِ وَالْقُرْبِ مِنْ الْمَسْجِدِ فَكَانَ اخْتِلَافًا فَاحِشًا فَلَا يُمْكِنُ التَّعْدِيلُ فِي الْقِسْمَةِ فَلَا يَجُوزُ جَمْعُ نَصِيبِ كُلِّ وَاحِدٍ فِي دَارٍ إلَّا بِالتَّرَاضِي، وَالْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ يُقْسَمُ كُلُّ جِنْسٍ مِنْهُ بِانْفِرَادِهِ وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْأَجْنَاسِ كَمَا ذَكَرْنَا بِخِلَافِ الدُّورِ، وَالْمَنَازِلُ الْمُتَلَازِمَةِ كَالْبُيُوتِ وَالسَّاحَةُ كَالدُّورِ لِأَنَّهُ بَيْنَ الْبَيْتِ وَالدَّارِ فَأَخَذَ حَظَّهُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَالدُّورُ فِي مِصْرَيْنِ لَا تُقْسَمُ بِالْإِجْمَاعِ، وَأَمَّا الدُّورُ وَالضَّيْعَةُ وَالدَّارُ وَالْحَانُوتُ فَلِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ، وَفِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ مَا يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَيُصَوِّرُ الْقَاسِمُ مَا يَقْسِمُهُ) أَيْ يَكْتُبُ عَلَى قِرْطَاسٍ لِيُمْكِنَهُ حِفْظُهُ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: يَكْتُبُ: إنَّ نَصِيبَ فُلَانٍ كَذَا وَفُلَانٍ كَذَا إنْ أَرَادُوا رَفْعَ تِلْكَ الْكَاغِضَةِ إلَى الْقَاضِي لِيَتَوَلَّى الْإِقْرَاعَ بَيْنَهُمْ بِنَفْسِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَيُعَدِّلُهُ) أَيْ يُسَوِّيهِ عَلَى سِهَامِ الْقِسْمَةِ وَيُرْوَى وَيَعْزِلُهُ حَتَّى يَقْطَعَهُ بِالْقِسْمَةِ عَنْ غَيْرِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَذْرَعُهُ وَيُقَوِّمُ الْبِنَاءَ) لِأَنَّ قَدْرَ السَّاحَةِ يُعْرَفُ بِالذَّرْعِ وَالْمَالِيَّةَ بِالتَّقْوِيمِ وَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَتِهَا لِيُمْكِنَهُ التَّسْوِيَةُ فِي الْمَالِيَّةِ وَلَا بُدَّ مِنْ ذَرْعِ الْأَرْضِ وَتَقْوِيمِ الْبِنَاءِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَيُفْرِزُ كُلَّ نَصِيبٍ بِطَرِيقِهِ وَشِرْبِهِ) لِأَنَّ الْقِسْمَةَ تَكْمِيلُ الْمَنْفَعَةِ وَبِهِ يَكْمُلُ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُفْرِزْ يَبْقَى نَصِيبُ بَعْضِهِمْ مُتَعَلِّقًا بِنَصِيبِ الْآخَرِ فَلَمْ يَحْصُلُ الِانْفِصَالُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَهَذَا بَيَانُ الْأَفْضَلِ فَإِذَا لَمْ يُفْرِزْهُ، أَوْ لَمْ يُمْكِنْ جَازَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُلَقِّبُ الْأَنْصِبَاءَ بِالْأَوَّلِ وَالثَّانِي وَالثَّالِثِ وَيَكْتُبُ أَسْمَاءَهُمْ وَيُقْرِعُ فَمَنْ خَرَجَ اسْمُهُ أَوَّلًا فَلَهُ السَّهْمُ الْأَوَّلُ وَمَنْ خَرَجَ ثَانِيًا فَلَهُ السَّهْمُ الثَّانِي) وَالْقُرْعَةُ لِتَطْيِيبِ قُلُوبِهِمْ فَلَوْ قَسَمَ الْإِمَامُ بِلَا قُرْعَةٍ جَازَ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْقَضَاءِ فَيَمْلِكُ الْإِلْزَامَ فِيهِ وَكَيْفِيَّتُهُ أَنْ يَنْظُرَ إلَى أَقَلِّ الْأَنْصِبَاءِ فَيُقَدِّرَ بِهِ آخِرَ السِّهَامِ حَتَّى إذَا كَانَ الْعَقَارُ بَيْنَ ثَلَاثَةٍ لِأَحَدِهِمْ النِّصْفُ وَلِلْآخَرِ الثُّلُثُ وَلِلْآخَرِ السُّدُسُ جَعَلَهَا أَسْدَاسًا لِأَنَّهُ أَقَلُّ الْأَنْصِبَاءِ فَيَكْتُبَ أَسْمَاءَ الشُّرَكَاءِ فِي بِطَاقَاتٍ وَيَجْعَلَهَا شِبْهَ الْبُنْدُقَةِ، ثُمَّ يُخْرِجَهَا حَتَّى إذَا انْشَقَّتْ وَهِيَ مِثْلُ الْبُنْدُقَةِ يَدْلُكُهَا، ثُمَّ يَجْعَلُهَا فِي كُمِّهِ، أَوْ وَعْيٍ فَيُخْرِجُهَا وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ فَمَنْ خَرَجَ اسْمُهُ أَوَّلًا فَلَهُ السَّهْمُ الْأَوَّلُ وَمَنْ خَرَجَ ثَانِيًا فَلَهُ السَّهْمُ الثَّانِي وَمَنْ خَرَجَ ثَالِثًا فَلَهُ السَّهْمُ الثَّالِثُ إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى الْأَخِيرِ فَإِنْ خَرَجَ أَوَّلًا فِي الْمِثَالِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ اسْمُ صَاحِبِ النِّصْفِ فَإِنَّ لَهُ ثَلَاثَةَ أَسْدَاسٍ مِنْ الْجَانِبِ الْمُلَقَّبِ بِالْأَوَّلِ، وَإِنْ خَرَجَ ثَانِيًا كَانَ لَهُ كَذَلِكَ مِنْ الْجَانِبِ الَّذِي يَلِي الْأَوَّلَ، وَإِنْ خَرَجَ ثَالِثًا كَانَ لَهُ كَذَلِكَ مِنْ الْجَانِبِ الَّذِي يَلِي الثَّانِيَ وَعَلَى هَذَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَا يُقَالُ تَعْلِيقُ الِاسْتِحْقَاقِ بِالْقُرْعَةِ قِمَارٌ وَهُوَ حَرَامٌ وَلِهَذَا لَمْ يُجِزْ عُلَمَاؤُنَا اسْتِعْمَالَهَا فِي دَعْوَى النَّسَبِ وَدَعْوَى الْمِلْكِ وَتَعَيُّنِ الْعِتْقِ وَالْمُطَلَّقَةِ لِأَنَّا نَقُولُ: لَا يَحْصُلُ الِاسْتِحْقَاقُ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ كَانَ ثَابِتًا قَبْلَهُ وَكَانَ لِلْقَاضِي وِلَايَةُ إلْزَامِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَإِنَّمَا الْقِمَارُ عَلَى زَعْمِهِمْ اسْمٌ لِمَا يَسْتَحِقُّونَ بِهِ مَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ قَبْلُ لَا مِثْلُ هَذِهِ بَلْ هَذِهِ مَشْرُوعَةٌ كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْ يُونُسَ وَزَكَرِيَّا - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ} [آل عمران: 44] الْآيَةَ وقَوْله تَعَالَى {فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ} [الصافات: 141] الْآيَةَ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: بَيْنَ أَوَّلِ كَلَامِهِمْ وَآخِرِهِ تَدَافُعٌ لِأَنَّهُمْ صَرَّحُوا أَوَّلًا بِأَنَّ مَشْرُوعِيَّةَ اسْتِعْمَالِ الْقُرْعَةِ هُنَا جَوَابُ اسْتِحْسَانٍ وَالْقِيَاسُ يَأْبَى ذَلِكَ وَقَالُوا آخِرًا: إنَّ هَذَا لَيْسَ بِقِمَارٍ وَبَيَّنُوا الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 173 الْقِمَارِ وَذَكَرُوا لَهُ نَظَائِرَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَقَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَأْبَاهُ الْقِيَاسُ أَصْلًا بَلْ هُوَ يَقْتَضِيهِ الْقِيَاسُ أَيْضًا فَتَدَافَعَا. اهـ. . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَلَا تَدْخُلُ فِي الْقِسْمَةِ الدَّرَاهِمُ إلَّا بِرِضَاهُمْ) يَعْنِي: جَمَاعَةٌ فِي أَيْدِيهِمْ عَقَارٌ فَطَلَبُوا الْقِسْمَةَ، وَفِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ فَضْلٌ عَنْ الْآخَرِ فَأَرَادَ أَحَدُهُمْ أَنْ يَدْفَعَ عِوَضَهُ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالْآخَرُ لَمْ يَرْضَ بِذَلِكَ لَمْ تَدْخُلْ الدَّرَاهِمُ فِي الْقِسْمَةِ لِأَنَّهُ لَا شَرِيكَ لَهُ فِيهَا وَيَفُوتُ بِهِ التَّعْدِيلُ فِي الْقِسْمَةِ لِأَنَّ بَعْضَهُمْ يَصِلُ إلَى عَيْنِ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ فِي الْحَالِ وَدَرَاهِمُ الْآخَرِ فِي الذِّمَّةِ فَيُخْشَى عَلَيْهَا التَّوَى، وَإِذَا كَانَ أَرْضٌ وَبِنَاءٌ فَعَنْ الثَّانِي أَنَّهُ يُقْسَمُ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ التَّعْدِيلِ فِيهِ إلَّا بِالتَّقْوِيمِ لِأَنَّ تَعْدِيلَ الْبِنَاءِ لَا يُمْكِنُ إلَّا بِالْمِسَاحَةِ وَالْمِسَاحَةُ هِيَ الْأَصْلُ فِي الْمَمْسُوحَاتِ ثُمَّ يَرُدُّ مَنْ وَقَعَ الْبِنَاءُ فِي نَصِيبِهِ قِيمَةَ الْبِنَاءِ، أَوْ مَنْ كَانَ أَجْوَدَ دَرَاهِمَ عَلَى الْآخَرِ فَتَدْخُلُ الدَّرَاهِمُ فِي الْقِسْمَةِ ضَرُورَةً كَالْأَخِ لَا وِلَايَةَ لَهُ فِي الْمَالِ، ثُمَّ يَمْلِكُ تَسْمِيَةَ الصَّدَاقِ ضَرُورَةَ صِحَّةِ التَّزْوِيجِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَرُدُّ عَلَى شَرِيكِهِ بِمُقَابَلَةِ الْبِنَاءِ مَا يُسَاوِيهِ مِنْ الْعَرْصَةِ، وَإِذَا بَقِيَ فَضْلٌ وَلَمْ يُمْكِنْ تَحْقِيقُ التَّسْوِيَةِ فِيهِ بِأَنْ لَمْ تَفِ الْعَرْصَةُ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ فَحِينَئِذٍ تُرَدُّ الدَّرَاهِمُ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ فِي هَذَا الْقَدْرِ فَلَا يُتْرَكُ الْأَصْلُ وَهُوَ الْقِسْمَةُ بِالْمِسَاحَةِ إلَّا بِالضَّرُورَةِ وَهَذَا يُوَافِقُ رِوَايَةَ الْأَصْلِ، وَفِي الْمُحِيطِ وَلَوْ رَفَعَ الْقِسْمَةَ عَلَى أَنْ يَزِيدَ أَحَدُهُمَا شَيْئًا مَعْلُومًا فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ الْمَشْرُوطُ دَرَاهِمَ، أَوْ دَنَانِيرَ، أَوْ مَكِيلًا، أَوْ مَوْزُونًا، أَوْ عُرُوضًا أَوْ حَيَوَانًا فَإِنْ كَانَ الْمَشْرُوطُ دَرَاهِمَ مَعْلُومَةً جَازَ بِأَنْ كَانَتْ مَشْرُوطَةً لِتَعْدِيلِ الْأَنْصِبَاءِ فَيَجُوزُ بِالتَّرَاضِي، وَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مَشْرُوطَةً لِتَقَعَ الْقِسْمَةُ عَلَى الْمُفَاضَلَةِ فَيَكُونُ بَيْعًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَهُوَ جَائِزٌ بِتَرَاضِيهِمَا، وَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مَكِيلًا، أَوْ مَوْزُونًا وَلَمْ يُسَمِّ مَكَانَ الْإِيفَاءِ لَمْ تَجُزْ عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا تَجُوزُ وَيُسَلِّمُهَا عِنْدَ الدَّارِ كَمَا فِي السَّلَمِ، وَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ عَرَضًا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهَا كَالثَّوْبِ جَازَ مُؤَجَّلًا وَلَا يَجُوزُ حَالًّا وَإِنْ كَانَ عُرُوضًا لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ حَيَوَانًا بِعَيْنِهِ جَازَ وَبِغَيْرِ عَيْنِهِ لَا يَجُوزُ. ثَلَاثَةٌ بَيْنَهُمْ دُورٌ صُغْرَى وَكُبْرَى فَأَخَذَ أَحَدُهُمْ الْكُبْرَى عَلَى أَنْ يَرُدَّ عَلَى الْآخَرَيْنِ دَرَاهِمَ مُسَمَّاةً جَازَ وَكَذَلِكَ لَوْ أَخَذَ الْكُبْرَى بِنَصِيبَيْنِ وَالصُّغْرَى بِنَصِيبٍ جَازَ وَلَوْ اقْتَسَمُوا الْبَابَ عَلَى أَنَّ مَنْ أَصَابَهُ هَذَا رَدَّ دِرْهَمًا وَمَنْ أَصَابَهُ هَذَا رَدَّ دِرْهَمَيْنِ جَازَ وَلَوْ اقْتَسَمُوا الْأَرَاضِيَ عَلَى أَنَّ مَنْ أَصَابَهُ شَجَرًا وَنَبَتَ فِي أَرْضِهِ فَعَلَيْهِ بِقِيمَتِهِ دَرَاهِمُ جَازَ وَلَوْ اقْتَسَمَا عَلَى أَنَّ لِأَحَدِهِمَا الصَّامِتَ وَلِلْآخَرِ الْعُرُوضَ وَالنُّحَاسَ وَالدَّيْنَ عَلَى أَنَّهُ إنْ بَقِيَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ يَرُدُّ عَلَيْهِ نِصْفَهُ فَالْقِسْمَةُ فَاسِدَةٌ اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَإِنْ قُسِمَ وَلِأَحَدِهِمْ مَسِيلٌ، أَوْ طَرِيقٌ فِي مِلْكِ الْآخَرِ لَمْ يُشْتَرَطْ فِي الْقِسْمَةِ صَرْفٌ عَنْهُ إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا فُسِخَتْ الْقِسْمَةُ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْقِسْمَةِ تَكْمِيلُ الْمَنْفَعَةِ بِاخْتِصَاصِ كُلٍّ بِنَصِيبِهِ وَقَطْعُ أَسْبَابِ تَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ فَإِذَا أَمْكَنَ حَصَلَ الْمَقْصُودُ، وَإِلَّا لَمْ يَحْصُلْ فَتَعَيَّنَ الْفَسْخُ وَالِاسْتِئْنَافُ لِنَفْيِ الِاخْتِلَاطِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ حَيْثُ لَا يُفْسَخُ وَلَا يُفْسَدُ فِيمَا إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ الْمُشْتَرِي مِنْ الِاسْتِطْرَاقِ وَمِنْ مَسِيلِ الطَّرِيقِ الْمَاءُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِلْكُ الرَّقَبَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الِانْتِفَاعُ فِي الْحَالِ وَلَا كَذَلِكَ الْقِسْمَةُ وَلَوْ ذَكَرَ الْحُقُوقَ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَهُوَ مَا إذَا أَمْكَنَ صَرْفُهُ عَنْ الْآخَرِ بِأَنْ قَالَ هَذَا لَك بِحُقُوقِهِ كَانَ الْجَوَابُ فِيهِ مِثْلَ مَا إذَا لَمْ يَقُلْ بِحُقُوقِهِ فَيُصْرَفُ عَنْهُ إنْ أَمْكَنَ كَمَا تَقَدَّمَ إلَّا إذَا قَالَ خُذْ هَذَا بِطَرِيقِهِ وَشِرْبِهِ وَمَسِيلِهِ فَحِينَئِذٍ لَا يُصْرَفُ عَنْهُ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ لَهُ بِأَبْلَغِ وُجُوهِ الْإِثْبَاتِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ إذَا ذَكَرَ فِيهِ الْحُقُوقَ حَيْثُ يَدْخُلُ فِيهِ مَا كَانَ مِنْ الطَّرِيقِ وَالْمَسِيلِ فَيَدْخُلُ عِنْدَ التَّنْصِيصِ وَاخْتَلَفُوا فِي إدْخَالِ الطَّرِيقِ فِي الْقِسْمَةِ بِأَنْ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يُقْسَمُ الطَّرِيقُ بَلْ يَبْقَى مُشْتَرَكًا مِثْلَ مَا كَانَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ يَنْظُرُ فِيهِ الْحَاكِمُ فَإِنْ كَانَ يَسْتَقِيمُ أَنْ يَفْتَحَ كُلٌّ فِي نَصِيبِهِ قَسَمَ الْحَاكِمُ مِنْ غَيْرِ طَرِيقٍ يُرْفَعُ لِجَمَاعَتِهِمْ تَكْمِيلًا لِلْمَنْفَعَةِ وَتَحْقِيقًا لِلْإِقْرَارِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَإِنْ كَانَ لَا يَسْتَقِيمُ ذَلِكَ رَفَعَ طَرِيقًا بَيْنَ جَمَاعَتِهِمْ لِتَحَقُّقِ تَكْمِيلِ الْمَنْفَعَةِ فِيمَا وَرَاءَ الطَّرِيقِ وَلَوْ اخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِ عَرْضِهِ يُجْعَلُ عَلَى قَدْرِ عَرْضِ الْبَابِ بِطُولِهِ أَيْ ارْتِفَاعِهِ حَتَّى يُخْرِجَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ جَنَاحًا فِي نَصِيبِهِ إنْ كَانَ فَوْقَ الْبَابِ لَا فِيمَا دُونَهُ لِأَنَّ بَابَ الدَّارِ طَرِيقٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَالْمُخْتَلَفُ فِيهِ يُرَدُّ إلَى الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ، وَفِي هَذَا الْقَدْرِ كِفَايَةٌ فِي الدُّخُولِ وَلَوْ شَرَطُوا أَنْ يَكُونَ الطَّرِيقُ فِي الدَّارِ عَلَى التَّفَاوُتِ جَازَ، وَإِنَّ سِهَامَهُمْ فِي الدَّارِ مُتَسَاوِيَةٌ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ عَلَى التَّفَاوُتِ بِالتَّرَاضِي فِي غَيْرِ الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ جَائِزَةٌ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ أَرْضًا يَرْفَعُ قَدْرَ مَا يَمُرُّ بِهِ ثَوْرٌ لِوُقُوعِ الْكِفَايَةِ بِهِ فِي الْمُرُورِ وَلَمْ يَذْكُرْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 174 حُكْمَهُ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ طَرِيقٌ، وَفِي الْمُحِيطِ وَلَوْ اقْتَسَمُوا دَارًا فَإِذَا لَا طَرِيقَ لِأَحَدِهِمْ وَقَدَرَ عَلَى أَنْ يَفْتَحَ فِي نَصِيبِهِ طَرِيقًا يَمُرُّ فِيهِ الرَّجُلُ دُونَ الْحَمُولَةِ جَازَتْ الْقِسْمَةُ لِأَنَّهَا لَمْ تَتَضَمَّنْ تَفْوِيتَ مَنْفَعَةٍ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ يُنْظَرْ إنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ لَا طَرِيقَ لَهُ فَالْقِسْمَةُ فَاسِدَةٌ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا طَرِيقَ لَهُ جَازَتْ الْقِسْمَةُ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِهَذِهِ الْقِسْمَةِ. دَارٌ فِي سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ اقْتَسَمُوهَا عَلَى أَنْ يَفْتَحَ كُلُّ وَاحِدٍ بَابًا إلَى السِّكَّةِ جَازَ وَلَا يُمْنَعُونَ مِنْهُ لِأَنَّهُمْ تَصَرَّفُوا فِي خَالِصِ حَقِّهِمْ وَهُوَ الْجِدَارُ وَلَا ضَرَرَ عَلَى غَيْرِهِمْ فِي ذَلِكَ. مَقْصُورَةٌ بَيْنَ قَوْمٍ طَرِيقُهَا فِي دَارِ الْآخَرِ فَاقْتَسَمُوهَا فَلَيْسَ لِكُلِّ وَاحِدٍ أَنْ يَفْتَحَ بَابًا مِنْ الْمَقْصُورَةِ إلَى الدَّارِ، وَإِنَّمَا لَهُمْ طَرِيقٌ عَلَى مِقْدَارِ الْبَابِ وَلَا يَكُونُ لَهُمْ حَقُّ الْمُرُورِ فِيمَا سِوَى الطَّرِيقِ، وَإِنْ كَانَ بِجَنْبِ الْمَقْصُورَةِ دَارٌ لَهُمْ وَقَعَتْ فِي قِسْمَةِ رَجُلٍ فَأَرَادَ أَحَدُهُمْ أَنْ يَجْعَلَ الطَّرِيقَ إلَى دَارِهِ فِي هَذِهِ الْمَقْصُورَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ. طَرِيقٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ جَمَاعَةٍ لَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَفْتَحَ بَابًا لِدَارٍ أُخْرَى لَا حَقَّ لَهَا فِي هَذِهِ الطَّرِيقِ وَلَوْ اقْتَسَمُوا قَرْيَةً فَأَصَابَ أَحَدَهُمْ قَرَاحٌ وَالْآخَرَ كَرْمٌ وَالْآخَرَ بُيُوتٌ جَازَ بِتَرَاضِيهِمْ، وَإِذَا اقْتَسَمَا كَرْمًا وَفِيهِ عِنَبٌ وَثَمَرٌ يُنْظَرُ إنْ قَالَا عَلَى أَنَّ النِّصْفَ لِفُلَانٍ بِكُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ وَمَا فِيهِ مِنْ الْأَعْشَابِ وَالثِّمَارِ فَهِيَ مَقْسُومَةٌ، وَإِلَّا فَهِيَ عَلَى الشَّرِكَةِ بَيْنَهُمَا. دَارٌ وَفِيهَا طَرِيقٌ لِآخَرَ لَا يَمْنَعُهَا عَنْ قِسْمَتِهَا وَيَتْرُكُ طَرِيقَهُ عَلَى عَرْضِ الْبَابِ الْعُظْمَى فَإِنْ بَاعُوا الدَّارَ وَالطَّرِيقَ بِرِضَاهُمْ ضَرَبَ صَاحِبُ الدَّارِ عَلَى مِثْلَيْ ثَمَنِ الطَّرِيقِ وَصَاحِبُ الْمَمَرِّ بِثُلُثِ الثَّمَنِ لِأَنَّ الطَّرِيقَ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا إذَا لَمْ يَعْلَمْ قَدْرَ الْأَنْصِبَاءِ فَيَكُونُ الثَّمَنُ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا وَكَذَا إذَا كَانَ رَقَبَةُ الطَّرِيقِ لِاثْنَيْنِ وَلِلْآخَرِ حَقُّ الْمُرُورِ وَمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ وَتَعَدَّدَتْ وَرَثَتُهُ اعْتَبَرَ حَقَّهُ كَحَقِّ وَاحِدٍ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ أَنَّ الدَّارَ مِيرَاثٌ بَيْنَهُمْ فَالطَّرِيقُ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ وَقِسْمَةُ الطَّرِيقِ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ وَلَوْ كَانَ فِيهَا طَرِيقٌ مِنْ نَاحِيَةٍ وَطَرِيقٌ لِآخَرِ مِنْ نَاحِيَةٍ أُخْرَى يُعْزَلُ لَهُمَا طَرِيقٌ وَاحِدَةٌ وَالطَّرِيقُ الْوَاحِدُ يَكْفِي لِلْمُرُورِ، وَلَوْ اقْتَسَمُوا دَارًا وَفِيهَا كَنِيفُ شَارِعٍ إلَى الطَّرِيقِ أَوْ ظُلَّةٌ لَمْ يُحْسَبْ فِي ذَرْعِ الدَّارِ لِأَنَّ الظُّلَّةَ وَالْكَنِيفَ لَيْسَ لَهُمَا حَقُّ الْقَرَارِ عَلَى طَرِيقِ الْعَامَّةِ بَلْ مُسْتَحَقُّ النَّقْضِ وَمُسْتَحَقُّ النَّقْضِ كَالْمَنْقُوضِ وَلَكِنَّهُمَا يُقَوَّمَانِ عَلَى مَنْ وَقَعَ فِي حَيِّزِهِ وَلَا يُحْسَبَانِ فِي ذُرْعَانِ الدَّارِ بَعْدَ قِسْمَةِ الْوَالِي وَتَرَكَ طَرِيقًا لِلْعَامَّةِ فَرَأَى الْوَالِي بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَعْطِيَ الطَّرِيقَ لِوَاحِدٍ فَيَنْتَفِعَ بِهَا وَلَا يَضُرَّ بِأَهْلِ الطَّرِيقِ جَازَ إنْ كَانَتْ الْمَدِينَةُ لَهُ، وَإِنْ كَانَتْ لِلْمُسْلِمِينَ لَمْ يَجُزْ اهـ. [كَيْفَ يُقَسَّم سُفْلٌ لَهُ عُلُوٌّ وَسُفْلٌ مُجَرَّدٌ وَعُلُوٌّ مُجَرَّدٌ] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (سُفْلٌ لَهُ عُلُوٌّ وَسُفْلٌ مُجَرَّدٌ وَعُلُوٌّ مُجَرَّدٌ قُوِّمَ كُلٌّ عَلَى حِدَةٍ وَقُسِمَ بِالْقِيمَةِ) وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَقَالَ الْإِمَامُ: وَالثَّانِي يُقْسَمُ بِالذَّرْعِ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ بِالذَّرْعِ هِيَ الْأَصْلُ فِي الْمَذْرُوعِ وَالْكَلَامُ فِيهِ وَالْعِبْرَةُ لِلتَّسْوِيَةِ فِي أَصْلِ السُّكْنَى كَمَا فِي الْمَرَافِقِ، قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَصُورَتُهَا عُلُوٌّ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَسُفْلُهُ لِآخَرَ وَسُفْلٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا وَعُلُوٌّ لِآخَرَ وَبَيْتٌ كَامِلٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا وَالْكُلُّ فِي دَارٍ وَاحِدٍ، أَوْ فِي دَارَيْنِ قَيَّدْنَا بِهَذَا لِئَلَّا يُقَالَ: قِسْمَةُ الْعُلُوِّ مَعَ السُّفْلِ قِسْمَةٌ وَاحِدَةٌ إذَا كَانَتْ الْبُيُوتُ مُتَفَرِّقَةً لَا يَصِحُّ عِنْدَ الْإِمَامِ لِمُحَمَّدٍ أَنَّ السُّفْلَ يَصْلُحُ لِمَا لَا يَصْلُحُ لَهُ الْعُلُوُّ كَالْبِئْرِ وَالْإِصْطَبْلِ وَالسِّرْدَابِ وَغَيْرِهِ فَصَارَ كَالْجِنْسَيْنِ فَلَا يُمْكِنُهُ التَّعْدِيلُ إلَّا بِالْقِسْمَةِ وَكَيْفِيَّةُ الْقِسْمَةِ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ ذِرَاعُ سُفْلٍ بِذِرَاعَيْنِ مِنْ الْعُلُوِّ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: ذِرَاعٌ بِذِرَاعٍ قِيلَ: أَجَابَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى عَادَةِ أَهْلِ عَصْرِهِ وَقِيلَ هُوَ اخْتِلَافُ حُجَّةٍ بَيْنَهُمْ؛ قَالَ الْإِمَامُ: لِصَاحِبِ السُّفْلِ مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَلِصَاحِبِ الْعُلُوِّ مَنْفَعَةٌ وَاحِدَةٌ وَهِيَ مَنْفَعَةُ السُّكْنَى وَأَبُو يُوسُفَ قَالَ: هُمَا سَوَاءٌ فِي الِانْتِفَاعِ. وَتَفْسِيرُ الْمَسْأَلَةِ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ أَنْ يُجْعَلَ بِمُقَابَلَةِ مِائَةِ ذِرَاعٍ مِنْ الْعُلُوِّ الْمُجَرَّدِ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثُ ذِرَاعٍ مِنْ الْبَيْتِ الْكَامِلِ، فَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ مِنْ الْعُلُوِّ الْكَامِلِ فِي مُقَابَلَةِ مِثْلِهِ مِنْ الْعُلُوِّ الْمُجَرَّدِ، وَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ مِنْ السُّفْلِ الْكَامِلِ فِي مُقَابَلَةِ سِتٍّ وَسِتِّينَ وَثُلُثَيْنِ مِنْ الْعُلُوِّ الْمُجَرَّدِ فَذَلِكَ تَمَامُ مِائَةٍ وَيُجْعَلُ بِمُقَابَلَةِ مِائَةِ ذِرَاعٍ مِنْ السُّفْلِ الْمُجَرَّدِ سِتَّةٌ وَسِتُّونَ وَثُلُثَا ذِرَاعٍ مِنْ الْبَيْتِ الْكَامِلِ لِأَنَّ عُلُوَّهُ مِثْلُ نِصْفِ سُفْلِهِ فَسِتَّةٌ وَسِتُّونَ وَثُلُثَانِ مِنْ سُفْلِ الْكَامِلِ بِمُقَابَلَةِ مِثْلِهِ مِنْ السُّفْلِ الْمُجَرَّدِ، وَسِتَّةٌ وَسِتُّونَ وَثُلُثَانِ مِنْ الْعُلُوِّ الْكَامِلِ فِي مُقَابَلَةِ ثَلَاثَةٍ وَثَلَاثِينَ وَثُلُثِ ذِرَاعٍ مِنْ السُّفْلِ الْمُجَرَّدِ فَذَلِكَ تَمَامُ مِائَةٍ، وَتَفْسِيرُ قَوْلِ الْإِمَامِ أَبِي يُوسُفَ أَنْ يُجْعَلَ بِمُقَابَلَةِ شَيْءٍ مِنْ السُّفْلِ الْمُجَرَّدِ، أَوْ مِنْ الْعُلُوِّ الْمُجَرَّدِ قَدْرُ نِصْفِهِ مِنْ الْبَيْتِ الْكَامِلِ وَيُقَابَلَ نِصْفُ الْعُلُوِّ بِنِصْفِ السُّفْلِ لِاسْتِوَاءِ الْعُلُوِّ وَالسُّفْلِ عِنْدَهُ وَيُجْعَلَ بِمُقَابَلَةِ شَيْءٍ مِنْ السُّفْلِ الْمُجَرَّدِ قَدْرُهُ مِنْ الْعُلُوِّ الْمُجَرَّدِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يُقْسَمُ عَلَى قِيمَةِ السُّفْلِ وَالْعُلُوِّ فَإِنْ كَانَ قِيمَتُهَا عَلَى السَّوَاءِ يُحْسَبُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 175 ذِرَاعٌ بِذِرَاعٍ، وَإِنْ كَانَ قِسْمَةُ أَحَدِهِمَا أَعْلَى مِنْ الْآخَرِ يُحْسَبُ الَّذِي قِيمَتُهُ أَعْلَى عَلَى النِّصْفِ ذِرَاعًا بِذِرَاعَيْنِ مِنْ الْآخَرِ حَتَّى يَسْتَوِيَا فِي الْقِيمَةِ، وَفِي الذَّخِيرَةِ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يُقْسَمُ الْعُلُوُّ مِنْ السُّفْلِ قِسْمَةً وَاحِدَةً عِنْدَ الْإِمَامِ وَمِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّ الْبُيُوتَ الْمُتَفَرِّقَةَ لَا تُقْسَمُ قِسْمَةً وَاحِدَةً إنْ لَمْ تَكُنْ فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ قُلْنَا مَوْضُوعُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُمَا كَانَا فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ وَالْبُنْيَانِ فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ. وَإِنَّمَا يُقْسَمُ عِنْدَ الْإِمَامِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَإِنْ كَانَ فِي دَارَيْنِ - بِطَرِيقِ التَّرَاضِي فَلِهَذَا قَيَّدَ فِي النِّهَايَةِ بِمَا سَبَقَ وَعُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ قُوِّمَ كُلٌّ عَلَى حِدَةٍ أَنَّ الْبِنَاءَ لَا يُقْسَمُ بِالذِّرَاعِ قَالَ، وَإِنْ قَسَمَا دَارًا فَإِنَّهُ يَقْسِمُ الْعَرْصَةَ بِالذِّرَاعِ وَيَقْسِمُ الْبِنَاءَ بِالْقِيمَةِ ثُمَّ هَذَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ فَتَارَةً يَقْسِمَا الْأَرْضَ نِصْفَيْنِ وَيَشْتَرِطَا أَنَّ مَنْ وَقَعَ الْبِنَاءُ فِي نَصِيبِهِ يَعْطِي لِصَاحِبِهِ نِصْفَ قِيمَةِ الْبِنَاءِ، وَقِيمَةُ الْبِنَاءِ مَعْلُومَةٌ، أَوْ اقْتَسَمُوا ذَلِكَ وَقِيمَةُ الْبِنَاءِ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ بِأَنْ اقْتَسَمُوا الْأَرْضَ وَلَمْ يَقْتَسِمُوا الْبِنَاءَ فَإِنْ اقْتَسَمُوا الْأَرْضَ وَشَرَطَا فِي الْبِنَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ فَيَكُونُ بَيْعًا مَشْرُوطًا فِي الْقِسْمَةِ وَهَذَا الْبَيْعُ مِنْ ضَرُورَاتِ الْقِسْمَةِ فَيَكُونُ لَهُ حُكْمُ الْقِسْمَةِ فَيَجُوزُ، وَإِنْ لَمْ تُعْرَفْ قِسْمَةُ الْبِنَاءِ وَاقْتَسَمُوا كَذَلِكَ جَازَ اسْتِحْسَانًا وَيَفْسُدُ قِيَاسًا لِجَهَالَةِ ثَمَنِ الْبِنَاءِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْقِسْمَةَ لَاقَتْ الْعَرْصَةَ وَلَا جَهَالَةَ فِيهَا وَمَنْ وَقَعَ فِي نَصِيبِهِ يَتَمَلَّكُ عَلَى صَاحِبِ نِصْفِ الْبِنَاءِ الْقِيمَةَ فِيهَا ضَرُورَةً، وَإِنْ اقْتَسَمَا الْأَرْضَ وَلَمْ يَقْتَسِمَا الْبِنَاءَ جَازَتْ الْقِسْمَةُ، ثُمَّ يَتَمَلَّكُ مَنْ وَقَعَ الْبِنَاءُ فِي نَصِيبِهِ نِصْفَ الْبِنَاءِ فَالْقِيمَةُ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لِإِبْقَاءِ الْبِنَاءِ مُشْتَرَكًا لِأَنَّ صَاحِبَ الْأَرْضِ يَتَضَرَّرُ بِهِ وَلَا وَجْهَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ إلَّا بِتَمَلُّكِ الْأَرْضِ وَتُمْلَكُ بِالْبِنَاءِ بِالْقِيمَةِ لِأَنَّهُ أَقَلُّ ضَرَرًا مِنْ تَمَلُّكِ الْأَرْضِ بِالْقِيمَةِ مِنْ غَيْرِ رِضَا صَاحِبِهَا كَالْغَاصِبِ إذَا صَبَغَ الثَّوْبَ يَتَمَلَّكُ صَاحِبُ الثَّوْبِ الصِّبْغَ دُونَ صَاحِبِ الصِّبْغِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ هَذَا إذَا اقْتَسَمَا الْأَرْضَ فَلَوْ وَقَعَ الْقَسْمُ فِي الْأَرْضِ لِوَاحِدٍ وَالْبِنَاءُ لِآخَرَ، قَالَ: دَارٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَاقْتَسَمَا عَلَى أَنْ يَأْخُذَ أَحَدُهُمَا الْأَرْضَ وَالْآخَرُ الْبِنَاءَ وَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ الْأَرْضِ فَهَذَا عَلَى سِتَّةِ أَوْجُهٍ: إذَا شَرَطَا فِي الْقِسْمَةِ عَلَى أَنَّ مَنْ لَهُ الْبِنَاءُ يَكُونُ مُشْتَرِيًا نَصِيبَ صَاحِبِهِ مِنْ الْبِنَاءِ بِمَا تَرَكَهُ عَلَى صَاحِبِهِ مِنْ الْأَرْضِ فَإِنْ سَكَتَا عَنْ الْقَلْعِ، أَوْ شَرَطَا ذَلِكَ جَازَتْ الْقِسْمَةُ وَإِنْ شَرَطَا التَّرْكَ فَالْقِسْمَةُ فَاسِدَةٌ كَذَا فِي الْكَافِي، وَفِي الذَّخِيرَةِ يَجِبُ بِأَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الْمِلْكَ لَا يَقَعُ لِوَاحِدٍ مِنْ الشُّرَكَاءِ بِنَفْسِ الْقِسْمَةِ بَلْ يَتَوَقَّفُ ذَلِكَ عَلَى أَحَدِ مَعَانٍ: إمَّا الْقَبْضُ أَوْ قَضَاءُ الْقَاضِي، أَوْ الْفُرْقَةُ. اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ: أَرْضٌ وَدَارٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَأَحَدُهُمَا أَخَذَ الدَّارَ وَالْآخَرُ الْأَرْضَ عَلَى أَنْ يَرُدَّ صَاحِبُ الْأَرْضِ عَلَيْهِ عَبْدًا قِيمَتُهُ أَلْفٌ وَقِيمَةُ الدَّارِ أَلْفٌ وَقِيمَةُ الْأَرْضِ أَلْفَانِ فَبَاعَ صَاحِبُ الدَّارِ دَارِهِ فَاسْتُحِقَّ عُلُوُّ بَيْتٍ وَالْبَيْتُ وَالْعُلُوُّ عُشْرُ الدَّارِ: يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِنِصْفِ عُشْرِ الدَّارِ وَمَسَكَ الْبَاقِيَ فَإِنَّ صَاحِبَ الدَّارِ يَرْجِعُ بِسِتَّةَ عَشَرَ دِرْهَمًا وَثُلُثَيْ دِرْهَمٍ مِنْ قِيمَةِ الْأَرْضِ عَلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَرْجِعُ بِذَلِكَ فِي رَقَبَتِهَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -:. (وَيَقْبَلُ شَهَادَةَ الْقَاسِمَيْنِ إنْ اخْتَلَفُوا) يَعْنِي إذَا أَنْكَرَ بَعْضُ الشُّرَكَاءِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ اسْتِيفَاءَ نَصِيبِهِ فَشَهِدَ الْقَاسِمَانِ أَنَّهُ اسْتَوْفَى نَصِيبَهُ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا سَوَاءٌ كَانَا مِنْ جِهَةِ الْقَاضِي، أَوْ غَيْرِهِ وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ وَالثَّانِي، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا تُقْبَلُ، وَهُوَ قَوْلُ الثَّانِي أَوَّلًا وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَذَكَرَ الْخَصَّافُ قَوْلَ مُحَمَّدٍ مَعَ قَوْلِهِمَا لِمُحَمَّدٍ إنَّهُمَا شَهِدَا عَلَى فِعْلِ أَنْفُسِهِمَا فَلَا تُقْبَلُ كَمَنْ عَلَّقَ عِتْقَ عَبْدِهِ عَلَى فِعْلِ فُلَانٍ فَشَهِدَ ذَلِكَ الْغَيْرُ عَلَى فِعْلِهِ وَلَهُمَا أَنَّهُمَا شَهِدَا عَلَى الِاسْتِيفَاءِ وَالْقَبْضُ هُوَ فِعْلُ غَيْرِهِمَا لِأَنَّ فِعْلَهُمَا التَّمْيِيزُ لَا غَيْرُ وَلَا حَاجَةَ إلَى الشَّهَادَةِ عَلَى التَّمْيِيزِ وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: إنْ اقْتَسَمَا الْأُجْرَةَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا بِالْإِجْمَاعِ، وَإِلَيْهِ مَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ لِأَنَّهُمَا يَدَّعِيَانِ إيفَاءَ عَمَلٍ اُسْتُؤْجِرَا عَلَيْهِ فَكَانَتْ شَهَادَةً صُورَةً وَدَعْوَى مَعْنًى فَلَا تُقْبَلُ قُلْنَا هُنَا لَمْ يَجُرَّا بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ إلَى أَنْفُسِهِمَا نَفْعًا لِأَنَّ الْأَخْصَامَ يُوَافِقَاهُمَا عَلَى إيفَاءِ الْعَمَلِ وَهُوَ التَّمْيِيزُ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الِاسْتِيفَاءِ فَانْتَهَتْ التُّهْمَةُ وَلَوْ شَهِدَ قَاسِمٌ وَاحِدٌ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِأَنَّ شَهَادَةَ الْفَرْدِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ وَلَوْ أَمَرَ الْقَاضِي أَمِينَهُ بِدَفْعِ الْمَالِ فَيُقْبَلُ قَوْلُ الْأَمِينِ فِي دَفْعِ الضَّمَانِ عَنْ نَفْسِهِ وَلَا يُقْبَلُ فِي إلْزَامِ الْآخَرِ إذَا كَانَ مُنْكِرًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَلَوْ ادَّعَى أَحَدُهُمْ أَنَّ مِنْ نَصِيبِهِ شَيْئًا فِي يَدِ صَاحِبِهِ وَقَدْ أَقَرَّ بِالِاسْتِيفَاءِ لَا يُصَدَّقُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ) لِأَنَّ الْقِسْمَةَ مِنْ الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ، وَالْمُدَّعِي لِلْغَلَطِ يَدَّعِي حَقَّ الْفَسْخِ لِنَفْسِهِ بَعْدَ تَمَامِهَا فَلَا يُقْبَلُ إلَّا بِحُجَّةٍ، وَإِنْ لَمْ يَقُمْ بِبَيِّنَةٍ اُسْتُحْلِفَ الشُّرَكَاءُ لِأَنَّهُمْ لَوْ أَقَرُّوا بِذَلِكَ فَإِذَا أَنْكَرُوا حُلِّفُوا عَلَيْهِ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَوْ صَحَّ هَذَا الدَّلِيلُ لَوَجَبَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 176 تَحْلِيفُ الْمُقَرِّ لَهُ إذَا ادَّعَى الْمُقِرُّ أَنَّهُ كَذَبَ فِي إقْرَارِهِ مَعَ أَنَّهُ لَا يُحَلَّفُ عِنْدَ الْإِمَامِ وَمُحَمَّدٍ، الْجَوَابُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ هَذَا إذَا أَقَرَّ الْمُقَرُّ لَهُ أَنَّ الْمُقِرَّ كَذَبَ فِي إقْرَارِهِ فَلَوْ لَمْ يُقِرَّ الْمُقَرُّ لَهُ أَنَّهُ كَذَبَ فِي إقْرَارِهِ لَزِمَهُ ذَلِكَ وَلَا يَظْهَرُ فِيهِ أَنَّهُ لَوْ أَنْكَرَ اُسْتُحْلِفَ كَمَا لَوْ قَالُوا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَا أَنَّهُ إذَا أَنْكَرَ كَانَ مُصَدَّقًا فِي إقْرَارِهِ فَافْتَرَقَا وَمَنْ حَلَفَ مِنْهُمْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ سَبِيلٌ وَمَنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ جُمِعَ نَصِيبُهُ مَعَ نَصِيبِ الْآخَرِ الْمُدَّعِي فَيُقْسَمُ عَلَى قَدْرِ حُقُوقِهِمَا فِيهِ قَالُوا: وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَقْبَلَ دَعْوَاهُ أَصْلًا لِأَنَّهُ مُتَنَاقِضٌ وَإِلَيْهِ أَشَارَ مِنْ بَعْدُ حَيْثُ شَرَطَ التَّحَالُفَ إنْ لَمْ يَشْهَدْ عَلَى نَفْسِهِ بِالِاسْتِيفَاءِ، وَيُشِيرُ بِذَلِكَ إلَى أَنَّهُ لَوْ شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ بِذَلِكَ لَا يَتَحَالَفَانِ لِأَنَّ دَعْوَاهُ لَمْ تَصِحَّ لِلتَّنَاقُضِ فَإِذَا مُنِعَ التَّحَالُفُ لِعَدَمِ صِحَّةِ الدَّعْوَى لِلتَّنَاقُضِ فَكَذَا هُنَا قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ مَا نَقَلَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَيَنْبَغِي إلَى آخِرِهِ، وَفِي الْمَبْسُوطِ وَقَاضِي خان مَا يُؤَيِّدُ هَذَا. اهـ. قَالَ: وَأَمَّا مَا لَا يُوجِبُ التَّحَالُفَ وَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَعَ يَمِينِهِ وَهُوَ مَا إذَا أَقَرَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالِاسْتِيفَاءِ، ثُمَّ ادَّعَى أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ أَنَّهُ غَصَبَ شَيْئًا مِنْ نَصِيبِهِ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا قَالَ: وَهَكَذَا الْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ وَالْمَذْرُوعَاتُ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ مَتَى ثَبَتَ الْغَلَطُ بِالْبَيِّنَةِ لَا تُعَادُ الْقِسْمَةُ بَلْ يُقْسَمُ الْبَاقِي عَلَى قَدْرِ حَقِّهِمْ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِي قِسْمَةِ الْبَاقِي فَأَمَّا فِي الْأَشْيَاءِ الْمُتَفَاوِتَةِ تُعَادُ لِلْقِسْمَةِ وَلَا يُقْسَمُ الْبَاقِي، وَفِي التَّجْرِيدِ وَالْأَصْلِ، وَأَمَّا دَعْوَى الْغَلَطِ فِي مِقْدَارِ الْوَاجِبِ بِالْقِسْمَةِ وَهُوَ نَوْعَانِ نَوْعٌ يُوجِبُ التَّحَالُفَ وَنَوْعٌ لَا يُوجِبُ التَّحَالُفَ فَاَلَّذِي يُوجِبُ التَّحَالُفَ أَنْ يَدَّعِيَ أَحَدُهُمَا غَلَطًا فِي الْقِسْمَةِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَكُونُ مُدَّعِيًا لِلْغَصْبِ بِدَعْوَى الْغَلَطِ كَمِائَةِ شَاةٍ بَيْنَ رَجُلَيْنِ اقْتَسَمَاهَا ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: صَابَكَ خَمْسٌ وَخَمْسُونَ غَلَطًا وَأَنَا خَمْسٌ وَأَرْبَعُونَ، وَلَمْ تَقُمْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَسْبِقْ مِنْهُمَا إقْرَارٌ بِالِاسْتِيفَاءِ أَمَّا إذَا سَبَقَ مِنْهُمَا إقْرَارٌ بِالِاسْتِيفَاءِ لَمْ تُسْمَعْ إلَّا مِنْ حَيْثُ دَعْوَى الْغَصْبِ وَهِيَ الَّتِي لَا تُوجِبُ التَّحَالُفَ. اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَإِنْ قَالَ: اسْتَوْفَيْت وَأَخَذْت بَعْضَهُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْخَصْمِ مَعَ الْيَمِينِ) لِأَنَّهُ يَدَّعِي عَلَيْهِ الْغَصْبَ وَهُوَ يُنْكِرُ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ وَلَوْ اقْتَسَمَا مِائَةَ شَاةٍ وَقَبَضَا ثُمَّ ادَّعَى أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ إنَّك أَخَذْتَ خَمْسَةً مِنْ نَصِيبِي غَلَطًا وَأَنْكَرَ الْآخَرُ وَقَالَ اقْتَسَمْنَا عَلَى أَنْ يَكُونَ لِي خَمْسَةٌ وَخَمْسُونَ وَلَك خَمْسَةٌ وَأَرْبَعُونَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ: مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ قَدْ تَمَّتْ، ثُمَّ ادَّعَى أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ أَنَّهُ أَخَذَ خَمْسَةً غَلَطًا وَأَنْكَرَ الْآخَرُ فَإِنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ عُمِلَ بِهَا وَإِلَّا اُسْتُحْلِفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ فَفِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى هُوَ مُدَّعِي الْأَخْذِ - بِطَرِيقِ الْغَصْبِ -، وَفِي هَذِهِ الْأَخْذِ بِطَرِيقِ الْغَلَطِ فَافْتَرَقَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَإِنْ لَمْ يُقِرَّ بِالِاسْتِيفَاءِ وَادَّعَى أَنَّ ذَا حَظُّهُ وَلَمْ يُسَلَّمْ إلَيْهِ وَكَذَّبَهُ شَرِيكُهُ تَحَالَفَا وَفُسِخَتْ الْقِسْمَةُ) لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِيمَا يَحْصُلُ لَهُ بِالْقِسْمَةِ فَصَارَ نَظِيرَ الِاخْتِلَافِ فِي الْبَيْعِ وَالثَّمَنِ اهـ. وَيَخْفَى أَنَّهُ يُبْدَأُ بِيَمِينِ أَيِّهِمَا شَاءَ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: التَّحَالُفُ فِي الْبَيْعِ فِيمَا إذَا كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ عَلَى وِفَاقِ الْقِيَاسِ كَمَا عُلِمَ فِي مَحَلِّهِ وَأَمَّا بَعْدَ الْقَبْضِ فَمُخَالِفٌ لِلْقِيَاسِ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَا يَدَّعِي عَلَى الْآخَرِ شَيْئًا حَتَّى يُنْكِرَهُ الْآخَرُ فَيُحَلَّفَ عَلَيْهِ، وَالْآخَرَ يَدَّعِي، وَلَكِنَّا عَرَفْنَاهُ فِي الْبَيْعِ بِالنَّصِّ وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ بِالتَّحَالُفِ مُخَالِفٌ لِلْقِيَاسِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَيْسَ مُدَّعِيًا وَهُوَ وَارِدٌ فِي الْبَيْعِ بَعْدَ الْقَبْضِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ مَا وَرَدَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَغَيْرُهُ عَلَيْهِ لَا يُقَاسُ وَلَا يُمْكِنُ إلْحَاقُهُ بِطَرِيقِ دَلَالَةِ النَّصِّ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ لَيْسَتْ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ مِنْ وَجْهٍ، إذْ فِيهَا مَعْنَى الْإِقْرَارِ وَالْمُبَادَلَةِ مَعًا فَلْيُتَأَمَّلْ فِي الْجَوَابِ قَالَ فَإِنْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا الْقِسْمَةَ بَعْدَ التَّحَالُفِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا بِالْقُرْعَةِ وَقَدْ يَقَعُ نَصِيبُ أَحَدِهِمَا فِي جَانِبِ الْآخَرِ فَيَتَضَرَّرُ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: وَلَوْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا بَيِّنَةً عُمِلَ بِهَا، وَلَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً عُمِلَ بِالْبَيِّنَةِ الَّتِي هِيَ أَكْثَرُ إثْبَاتًا كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَقَيَّدَ أَيْضًا: قَسَمَ الْقَسَّامُ الدَّارَ فَأَعْطَى أَحَدَهُمْ أَكْثَرَ مِنْ حَقِّهِ غَلَطًا وَبَنَى فِيهَا فَإِنَّهُمْ يَسْتَقْبِلُونَ الْقِسْمَةَ فَإِنْ وَقَعَ الْبِنَاءُ فِي قَسْمِ غَيْرِهِ دَفَعَ نَقْصَهُ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْقَاسِمِ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ وَيَرْجِعُونَ عَلَيْهِ بِالْأَجْرِ الَّذِي أَخَذَهُ، وَإِذَا قَسَمَا دُورًا وَأَخَذَ أَحَدُهُمَا دَارًا وَالْآخَرُ أُخْرَى، ثُمَّ ادَّعَى أَحَدُهُمَا غَلَطًا وَجَاءَ بِالْبَيِّنَةِ فَإِنَّهُ يَنْقُضُ الْقِسْمَةَ اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَلَوْ ظَهَرَ غَبْنٌ فَاحِشٌ فِي الْقِسْمَةِ تُفْسَخُ) وَهَذَا إذَا كَانَتْ بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَظَاهِرٌ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ مُقَيَّدٌ بِالْعَدْلِ وَالنَّظَرِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ بِالتَّرَاضِي فَقَدْ قِيلَ لَا يُلْتَفَتُ إلَى قَوْلِ مُدَّعِيهِ لِأَنَّ دَعْوَى الْغَبْنِ لَا تُعْتَبَرُ فِي الْبَيْعِ فَكَذَا فِي الْقِسْمَةِ لِوُجُودِ التَّرَاضِي وَفِيهِ يُفْسَخُ هُوَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 177 الصَّحِيحُ ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي، وَفِي الْعِنَايَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَإِذَا اقْتَسَمَا دَارًا وَأَصَابَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَانِبٌ، وَادَّعَى أَحَدُهُمَا بَيْتًا فِي يَدِ الْآخَرِ أَنَّهُ مِمَّا أَصَابَهُ بِالْقِسْمَةِ وَأَنْكَرَ الْآخَرُ فَعَلَيْهِ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ، وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَبَيِّنَةُ الْمُدَّعِي مُقَدَّمَةٌ لِأَنَّهُ الْخَارِجُ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْإِشْهَادِ تَحَالَفَا وَتُفْسَخُ وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الْحُدُودِ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ يُقْضَى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْجُزْءِ الَّذِي فِي يَدِ صَاحِبِهِ لِأَنَّهُ خَارِجٌ فِيهِ وَبَيِّنَةُ الْخَارِجِ مُقَدَّمَةٌ، وَإِنْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا بَيِّنَةً يُقْضَى بِهَا، وَإِنْ لَمْ يَقُمْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ تَحَالَفَا وَتَرَادَّا كَمَا فِي الْبَيْعِ قَالَ: دَعْوَى الْغَلَطِ فِي الْقِسْمَةِ نَوْعَانِ مَا يَصِحُّ وَمَا لَا يَصِحُّ، وَمَا يَصِحُّ نَوْعَانِ: مَا يُوجِبُ التَّحَالُفَ وَمَا لَا يُوجِبُ التَّحَالُفَ أَمَّا مَا لَا يَصِحُّ وَهُوَ أَنْ يَدَّعِيَ أَحَدُهُمْ الْغَلَطَ فِي التَّقْوِيمِ بِغَبْنٍ يَسِيرٍ وَهُوَ مَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ وَلَا تُعَادُ الْقِسْمَةُ بِهِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ وَاَلَّذِي يَصِحُّ فِيهِ الدَّعْوَى هُوَ أَنْ يَدَّعِيَ الْغَلَطَ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ وَهُوَ مَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ كَذَا فِي الْمُحِيطِ اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَلَوْ اُسْتُحِقَّ بَعْضُ شَائِعٍ مِنْ حَظِّهِ رَجَعَ بِقِسْطِهِ فِي حَظِّ شَرِيكِهِ وَلَا تُفْسَخُ الْقِسْمَةُ) وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ، وَظَاهِرُ عِبَارَةِ الْمُؤَلِّفِ أَنَّ هَذَا مُحَتَّمٌ لَكِنْ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ إنْ شَاءَ رَجَعَ بِذَلِكَ إلَى نَصِيبِ صَاحِبِهِ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّ مَا بَقِيَ وَاقْتَسَمَا ثَانِيًا عِنْدَ الْإِمَامِ وَقَوْلُهُ: بِقِسْطِهِ يَعْنِي لَوْ كَانَ قِيمَةُ نَصِيبِهِ سِتَّمِائَةٍ وَقِيمَةُ الْآخَرِ مِثْلَهُ فَاسْتُحِقَّ نِصْفُ مَا فِي يَدِهِ رَجَعَ بِنِصْفِ النِّصْفِ وَهُوَ الرُّبُعُ وَهُوَ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ وَقَالَ الثَّانِي: تُفْسَخُ كَذَا ذَكَرَ الِاخْتِلَافَ فِي الْجُزْءِ الشَّائِعِ فِي الْإِسْرَارِ وَغَيْرِهِ قَيَّدَ بِالشَّائِعِ يَحْتَرِزُ عَنْ الْمُعَيَّنِ وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ إذَا اُسْتُحِقَّ بَعْضُ نَصِيبِ بَعْضِ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ فَالصَّحِيحُ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي الشَّائِعِ، وَفِي اسْتِحْقَاقِ الْبَعْضِ الْمُعَيَّنِ لَا تَنْفَسِخُ بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ اُسْتُحِقَّ بَعْضُ شَائِعٍ فِي الْكُلِّ تُفْسَخُ بِالْإِجْمَاعِ فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ وَمُحَمَّدٌ مَعَ الْإِمَامِ فِيمَا حَكَاهُ أَبُو حَفْصٍ وَمَعَ الثَّانِي فِيمَا حَكَاهُ أَبُو سُلَيْمَانَ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِلثَّانِي أَنْ يَأْخُذَ، بِالِاسْتِحْقَاقِ ظَهَرَ شَرِيكٌ آخَرُ وَالْقِسْمَةُ بِدُونِهِ لَا تَصِحُّ فَصَارَ كَمَا لَوْ اُسْتُحِقَّ بَعْضُ الشَّائِعِ فِي الْكُلِّ بِخِلَافِ الْمُعَيَّنِ لِأَنَّ مَا وَرَاءَ الْمُسْتَحَقِّ بَقِيَ مُقَرَّرًا عَلَى حَالِهِ لَيْسَ لِلْغَيْرِ فِيهِ حَقٌّ وَلَهُمَا أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْقِسْمَةِ التَّمَيُّزُ وَالْإِفْرَازُ وَلَا يَنْعَدِمُ بِاسْتِحْقَاقِ جُزْءٍ مِنْ شَائِعٍ مِنْ نَصِيبِ الْوَاحِدِ وَلِهَذَا جَازَتْ الْقِسْمَةُ فِي الِابْتِدَاءِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ بِأَنْ كَانَ الْبَعْضُ الْمُتَقَدِّمُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ ثَلَاثَةِ نَفَرٍ، وَالْبَعْضُ الْمُؤَخَّرُ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَاقْتَسَمَ الِاثْنَانِ عَلَى أَنَّ لِأَحَدِهِمَا مَا لَهُمَا مِنْ الْمُقَدَّمِ وَلِلْآخَرِ الْمُؤَخَّرُ، أَوْ اقْتَسَمَا عَلَى أَنَّ لِأَحَدِهِمَا مَا لَهُمَا مِنْ الْمُقَدَّمِ وَبَعْضِ الْمُؤَخَّرِ مُفْرَزًا يَجُوزُ فَكَذَا هَذَا بِخِلَافِ اسْتِحْقَاقِ الشَّائِعِ فِي الْكُلِّ لِأَنَّ مَعْنَى الْإِفْرَازِ وَالتَّمَيُّزِ لَمْ يَتَحَقَّقْ مَعَ بَقَاءِ نَصِيبِ الْبَعْضِ وَلَوْ اُسْتُحِقَّ نَصِيبُ أَحَدِهِمْ كُلُّهُ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الشُّرَكَاءِ وَلَوْ بَاعَ بَعْضُهُمْ بِفَضْلِ نَصِيبِهِ شَائِعًا، ثُمَّ اُسْتُحِقَّ بَعْضُ مَا بَقِيَ شَائِعًا كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الشُّرَكَاءِ بِحِسَابِهِ وَسَقَطَ خِيَارُ الْفَسْخِ بِبَيْعِ الْبَعْضِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَرْجِعُ عَلَى مَا فِي أَيْدِيهِمْ بِحِسَابِهِ وَيَضْمَنُ حِصَّتَهُمْ مِمَّا بَاعَ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ تَنْقَلِبُ فَاسِدَةً عِنْدَهُ وَالْمَقْبُوضُ بِالْفَاسِدِ مَمْلُوكٌ وَيَنْفُذُ بَيْعُهُ وَهُوَ مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ فَيَضْمَنُ لَهُمْ. وَلَوْ قَسَمَ الْوَرَثَةُ التَّرِكَةَ، ثُمَّ ظَهَرَ فِيهَا دَيْنٌ مُحِيطٌ قِيلَ لِلْوَرَثَةِ: اقْضُوا دَيْنَ الْمَيِّتِ فَإِنْ قَضَوْهُ صَحَّتْ الْقِسْمَةُ، وَإِلَّا فُسِخَتْ لِأَنَّ الدَّيْنَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْإِرْثِ فَيَمْتَنِعُ وُقُوعُ الْمِلْكِ لَهُمْ إلَّا إذَا قَضَوْا الدَّيْنَ، أَوْ أَبْرَأَهُمْ الْغُرَمَاءُ فَيَصِحُّ لِزَوَالِ الْمَانِعِ وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ مُسْتَغْرِقًا فَكَذَا الْجَوَابُ إلَّا إذَا بَقِيَ مِنْ التَّرِكَةِ مَا يَفِي بِالدَّيْنِ فَحِينَئِذٍ لَا تَنْفَسِخُ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ وَلَوْ ادَّعَى أَحَدُ الْمُتَقَاسِمِينَ لِلتَّرِكَةِ دَيْنًا فِي التَّرِكَةِ صَحَّ دَعْوَاهُ وَلَا تَنَاقُضَ لِأَنَّ الدَّيْنَ يَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ وَالْقِسْمَةُ تُصَادِفُ الصُّورَةَ وَلَوْ ادَّعَى عَيْبًا بِأَيِّ سَبَبٍ كَأَنْ لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ لِأَنَّ الْإِقْدَامَ عَلَى الشَّرِكَةِ اعْتِرَافٌ بِأَنَّ الْمَقْسُومَ مُشْتَرَكٌ قَالَ وَلَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا مِائَةُ شَاةٍ أَخَذَ أَحَدُهُمَا أَرْبَعِينَ قِيمَتُهَا خَمْسُمِائَةٍ وَالْآخَرُ سِتِّينَ قِيمَتُهَا خَمْسُمِائَةٍ فَاسْتُحِقَّتْ شَاةٌ مِنْ الْأَرْبَعِينَ قِيمَتُهَا عَشَرَةٌ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ فِي السِّتِّينَ وَلَا خِيَارَ لَهُ فِي نَقْضِ الْإِمَامِ عِنْدَ الْقِسْمَةِ بِخِلَافِ الْأَرْضِ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا أَرْبَعُونَ قَفِيزًا: ثَلَاثُونَ رَدِيئَةٌ أَخَذَهَا، وَعَشَرَةٌ جَيِّدَةٌ أَخَذَهَا الْآخَرُ لَمْ يَجُزْ فَإِنْ أَخَذَ الْعَشَرَةَ الْجَيِّدَةَ وَثَوْبًا جَازَ لِأَنَّ الزَّائِدَ فِي مُقَابَلَةِ الثَّوْبِ فَإِنْ اُسْتُحِقَّ مِنْ الثَّلَاثِينَ عَشَرَةٌ رَجَعَ عَلَيْهِ بِنِصْفِ الثَّوْبِ، وَفِي الزِّيَادَاتِ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِثُلُثِ الثَّوْبِ وَقَفِيزٍ وَثُلُثَيْ قَفِيزٍ قِيلَ هَذَا قِيَاسٌ وَالْأَوَّلُ اسْتِحْسَانٌ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَفِي الْمُنْتَقَى وَيَسْتَوِي فِي هَذَا الْحُكْمِ مَا إذَا وَقَعَتْ الْقِسْمَةُ بِالْقَضَاءِ، أَوْ بِالرِّضَا اهـ. وَفِي السِّرَاجِيَّةِ دَارٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ اقْتَسَمَاهَا نِصْفَيْنِ وَبَنَى كُلُّ وَاحِدٍ فِي نَصِيبِهِ، ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ لَمْ يَرْجِعْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ، وَفِي الْمُحِيطِ دَارٌ وَأَرْضٌ فِيهَا الْقِسْمَةُ فَإِذَا بَنَى أَحَدُهُمَا، أَوْ غَرَسَ، ثُمَّ اُسْتُحِقَّ أَحَدُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 178 النَّصِيبَيْنِ لَمْ يَرْجِعْ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ عَلَى الْآخَرِ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ مَغْرُورًا مِنْ جِهَتِهِ هَذَا إذَا كَانَتْ الْقِسْمَةُ لَوْ امْتَنَعَ أَحَدُهُمَا يُجْبَرُ فَلَوْ كَانَتْ الْقِسْمَةُ لَوْ امْتَنَعَ أَحَدُهُمَا لَمْ يُجْبَرْ كَقِسْمَةِ الْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ عِنْدَ الِاسْتِحْقَاقِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَغْرُورٌ مِنْ جِهَةِ صَاحِبِهِ لِأَنَّهُ ضَمِنَ لَهُ سَلَامَةَ نَصِيبِهِ، وَفِي التَّجْرِيدِ وَكُلُّ قِسْمَةٍ وَقَعَتْ بِاخْتِيَارِ الْقَاضِي، أَوْ بِاخْتِيَارِهِمَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ يُخَيِّرُهُمَا الْقَاضِي عَلَيْهِ إذَا بَنَى أَحَدُهُمَا بِنَاءً، أَوْ غَرَسَ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ أَحَدُ النَّصِيبَيْنِ لَمْ يَرْجِعْ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ عَلَى الْآخَرِ اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَلَوْ تَهَايَآ فِي سُكْنَى دَارٍ، أَوْ دَارَيْنِ أَوْ خِدْمَةِ عَبْدٍ، أَوْ عَبْدَيْنِ، أَوْ غَلَّةِ دَارٍ، أَوْ دَارَيْنِ صَحَّ) يُحْتَاجُ إلَى تَفْسِيرِهَا - لُغَةً وَشَرْعًا - وَشَرْطِهَا وَصِفَتِهَا وَدَلِيلِهَا وَحُكْمِهَا أَمَّا دَلِيلُهَا فَقَوْلُهُ: تَعَالَى {هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ} [الشعراء: 155] وَمِنْ السُّنَّةِ فَمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَسَمَ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ كُلَّ بَعِيرٍ بَيْنَ ثَلَاثَةِ نَفَرٍ وَكَانُوا يَتَنَاوَبُونَ فِي الرُّكُوبِ» وَاجْتَمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى جَوَازِهَا وَلِأَنَّ التَّهَايُؤَ قِسْمَةُ الْمَنَافِعِ فَيُصَارُ إلَيْهَا لِتَكْمِيلِ الْمَنْفَعَةِ لَتَعَذُّرِ الِاجْتِمَاعِ عَلَى عَيْنٍ وَاحِدَةٍ فَكَانَ التَّهَايُؤُ هُنَا جَمْعًا لِلْمَنَافِعِ فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ، وَتَفْسِيرُهَا لُغَةً فَهِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ التَّهَيُّؤِ وَهُوَ أَنْ يُهَيِّئَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ مَا شَرَطَ لَهُ، وَفِي الشَّارِحِ هِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْهَيْئَةِ وَهِيَ الْحَالَةِ الظَّاهِرَةِ لِلتَّهَيُّؤِ لِلشَّيْءِ، وَإِبْدَالُ الْهَمْزَةِ أَلِفًا فِيهَا وَالتَّهَايُؤُ تَفَاعُلٌ مِنْهَا وَهُوَ أَنْ يَتَوَافَقُوا عَلَى أَمْرٍ فَيَتَرَاضَوْا بِهِ وَحَقِيقَتُهُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ يَرْضَى بِهَيْئَةٍ وَاحِدَةٍ وَيَخْتَارُهَا. وَأَمَّا تَفْسِيرُهَا شَرْعًا فَهِيَ مُبَادَلَةٌ مَعْنًى وَلَيْسَتْ بِإِقْرَارٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِأَنَّهَا لَا تَجْرِي فِي الْمِثْلِيَّاتِ كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ، وَأَمَّا شَرْطُهَا أَنْ تَكُونَ الْعَيْنُ يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهَا مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهَا، وَصِفَتُهَا أَنَّهَا وَاجِبَةٌ إذَا طَلَبَهَا بَعْضُ الشُّرَكَاءِ وَلَمْ يَطْلُبْ الشَّرِيكُ الْآخَرُ قِسْمَةَ الْأَصْلِ وَقَدْ يَكُونُ بِالزَّمَانِ وَقَدْ يَكُونُ بِالْمَكَانِ، وَتَكَلَّمَ الْعُلَمَاءُ فَقَالُوا: إنْ جَرَتْ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ وَالْمَنْفَعَةُ مُتَسَاوِيَةٌ أَوْ تَفَاوَتَا تَفَاوُتًا يَسِيرًا فَهِيَ إقْرَارٌ، وَإِنْ جَرَتْ فِي الْجِنْسِ الْمُخْتَلِفِ كَالدَّارِ وَالْعَبِيدِ يُعْتَبَرْ مُبَادَلَةً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ حَتَّى لَا يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُمْ، وَفِي الْكَافِي وَلَا يَبْطُلُ التَّهَايُؤُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا وَلَا بِمَوْتِهِمَا. اهـ. وَلَوْ طَلَبَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ الْقِسْمَةَ وَالْآخَرُ الْمُهَايَأَةَ يَقْسِمُ الْقَاضِي لِأَنَّهُ أَبْلَغُ وَلَوْ وَقَعَ التَّهَايُؤُ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ، ثُمَّ طَلَبَ أَحَدُهُمَا الْقِسْمَةَ يَقْسِمُ وَيَبْطُلُ التَّهَايُؤُ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ أَمَّا إذَا تَهَايَآ فِي سُكْنَى دَارٍ وَاحِدَةٍ عَلَى أَنْ يَسْكُنَ أَحَدُهُمَا بَعْضَهَا وَالْآخَرُ الْبَعْضَ، أَوْ أَحَدُهُمَا الْعُلُوَّ وَالْآخَرُ السُّفْلَ جَازَتْ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ جَائِزَةٌ فَكَذَا التَّهَايُؤُ وَهُوَ إقْرَارٌ لَا مُبَادَلَةٌ لِأَنَّهَا لَا تُجَوِّزُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ الرِّبَا. وَقِيلَ هُوَ إقْرَارٌ مِنْ وَجْهٍ، عَارِيَّةٌ مِنْ وَجْهٍ وَلَا يَخْفَى أَنَّ كِلَا الْقَوْلَيْنِ مُشْكِلٌ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَتْرُكُ مَا لَهُ مِنْ الْمَنْفَعَةِ فِيمَا أَخَذَهُ صَاحِبُهُ بِعِوَضٍ وَهُوَ الِانْتِفَاعُ بِنَصِيبِ صَاحِبِهِ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ إقْرَارًا فِي الْكُلِّ، أَوْ عَارِيَّةً فِي الْبَعْضِ وَالْعَارِيَّةُ غَيْرُ لَازِمَةٍ وَالْمُهَايَأَةُ لَازِمَةٌ فَإِنْ قِيلَ: جَمْعُ الْمَنَافِعِ الشَّائِعَةِ فِي السِّنِّ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ مُحَالٌ لِعَدَمِ جَوَازِ انْتِقَالِ الْعَرَضِ مِنْ مَحَلٍّ إلَى مَحَلٍّ آخَرَ فَكَيْفَ يُمْكِنُ لِلْقَاضِي جَمْعُهَا فَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ لَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَجْمَعَهَا حَقِيقَةً حَتَّى يَتَوَجَّهَ مَا ذُكِرَ بَلْ الْمُرَادُ أَنَّ الْقَاضِيَ يَعْتَبِرُهُمَا جَمِيعًا ضَرُورَةً اهـ. وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ إقْرَارٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فِي التَّهَايُؤِ فِي الْمَكَانِ وَلِهَذَا لَا يُشْتَرَطُ التَّأْقِيتِ، وَفِي الْمُهَايَأَةِ فِي الزَّمَانِ إقْرَارٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَلَوْ أَشْغَلَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ جَازَ شَرَطَ فِي الْمُهَايَأَةِ، أَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ لِأَنَّهُ يَجُوزُ الْمُهَايَأَةُ فِي الِاشْتِغَالِ حَالَ الِانْفِرَادِ فَيَجُوزُ تَبَعًا لِلْمُهَايَأَةِ فِي السُّكْنَى كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَلَوْ تَهَايَآ فِي دَارَيْنِ جَازَ وَيُجْبَرُ الْآبِي عَنْهَا وَيُعْتَبَرُ إفْرَازًا كَالْأَعْيَانِ الْمُتَفَاوِتَةِ فَلَوْ وَضَعَ أَحَدُهُمَا فِي دَارِهِ شَيْئًا، أَوْ رَبَطَ فِيهَا دَابَّةً فَعَثَرَ بِهِ إنْسَانٌ وَمَاتَ لَا يَضْمَنُ وَلَوْ بَنَى، أَوْ حَفَرَ بِئْرًا ضَمِنَ لِأَنَّ الْأَوَّلَ مِنْ مَرَافِقِ السُّكْنَى حَتَّى يَمْلِكَهُ الْمُسْتَعِيرُ فَلَا يَكُونُ مُتَعَدِّيًا فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ فَلَا يَضْمَنُ، وَفِي الْبِنَاءِ وَالْحَفْرِ يَكُونُ مُتَعَدِّيًا فِي مِقْدَارِ نَصِيبِ شَرِيكِهِ فَيَضْمَنُ وَلَا يَضْمَنُ مِقْدَارَ نَصِيبِهِ وَلَوْ تَهَايَآ فِي دَارَيْنِ عَلَى أَنْ يَسْكُنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَارًا، أَوْ يُؤَجِّرَهَا، وَإِنْ زَادَتْ غَلَّةُ أَحَدِهِمَا لَا يُشَارِكُ الْآخَرُ فِي الْفَضْلِ وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الدَّارَيْنِ أَمْكَنَ تَصْحِيحُ قِسْمَةِ الْمَنْفَعَةِ حَقِيقَةً وَلَوْ تَهَايَآ فِي الزَّمَانِ فِي الْخِدْمَةِ عَبْدًا جَازَ لِأَنَّهَا مُتَعَيَّنَةٌ فِيهِ لِتَعَذُّرِ التَّهَايُؤِ فِي الْمَكَانِ، وَالْبَيْتُ الصَّغِيرُ كَالْعَبْدِ وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي التَّهَايُؤِ مِنْ حَيْثُ الزَّمَانُ وَالْمَكَانُ فِي مَحَلٍّ يَحْتَمِلهُمَا يَأْمُرهُمْ الْقَاضِي بِالِاتِّفَاقِ فَإِنْ اخْتَارُوا مِنْ حَيْثُ الزَّمَانُ يُقْرَعُ فِي الْبِدَايَةِ تَطْيِيبًا لِمُعَمِّرِهِ وَنَفْيًا لِلتُّهْمَةِ عَنْ نَفْسِهِ وَلَوْ تَهَايَآ فِي عَبْدَيْنِ عَلَى الْخِدْمَةِ جَازَ. أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ لِأَنَّ قِسْمَةَ الرَّقِيقِ جَائِزَةٌ عِنْدَهُمَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 179 فَكَذَا الْمَنْفَعَةُ، وَأَمَّا عِنْدَ الْإِمَامِ فَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهَا لَا تَجُوزُ إلَّا بِالتَّرَاضِي لِأَنَّ قِسْمَةَ الرَّقِيقِ لَا يَجْرِي فِيهَا الْجَبْرُ عِنْدَهُ فَكَذَا الْمُهَايَأَةُ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْقَاضِيَ يُهَايِئُ بَيْنَهُمَا جَبْرًا بِطَلَبِ أَحَدِهِمَا لِأَنَّ الْمَنَافِعَ مِنْ حَيْثُ الْخِدْمَةُ قَلَّمَا تَتَفَاوَتُ بِخِلَافِ أَعْيَانِ الرَّقِيقِ لِأَنَّهَا تَتَفَاوَتُ تَفَاوُتًا فَاحِشًا عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلَوْ تَهَايَآ عَلَى أَنَّ نَفَقَةَ كُلِّ عَبْدٍ عَلَى مَنْ يَخْدِمُهُ جَازَ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِالتَّسَامُحِ فِيهَا بِخِلَافِ كِسْوَةِ الْمَمَالِيكِ لِأَنَّهَا لَا تَسَامُحَ فِيهَا عَادَةً وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ " خِدْمَةِ عَبْدٍ " لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّهَايُؤُ فِي غَلَّةِ عَبْدٍ وَاحِدٍ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ " خِدْمَةِ عَبْدَيْنِ " لِأَنَّهُمَا لَوْ تَهَايَآ فِي غَلَّتِهِمَا لَمْ يَجُزْ عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ إذَا اسْتَوَتْ الْغَلَّتَانِ، لَهُمَا أَنَّ تَفَاوُتَ الْعَبْدَيْنِ فِي الْغَلَّةِ يَسِيرٌ فَيَجُوزُ عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْوَاحِدِ فَإِنَّهَا فَاحِشَةٌ فَإِنَّ الْعَبْدَ الْمُسْتَأْجَرَ فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ يُسْتَأْجَرُ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي بِمِثْلِ مَا اُسْتُؤْجِرَ فِي الْأَوَّلِ بَلْ بِزِيَادَةٍ، وَفِي السِّرَاجِيَّةِ تَحِلُّ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ اقْتَسَمَا عَلَى أَنْ يَأْخُذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا طَائِفَةً وَيُثْمِرَهَا جَازَ. اهـ. وَفِي الْمُنْتَقَى جَارِيَتَانِ بَيْنَ رَجُلَيْنِ تَهَايَآ عَلَى أَنْ تُرْضِعَ هَذِهِ ابْنَ هَذِهِ سَنَتَيْنِ وَتُرْضِعَ هَذِهِ ابْنَ هَذِهِ سَنَتَيْنِ جَازَ قَالُوا وَلَا يُشْبِهُ هَذَا لَبَنَ الْبَقَرِ وَالْإِبِلِ وَعَلَّلَ فَقَالَ أَلْبَانُ الْإِنْسَانِ لَا قِيمَةَ لَهَا وَلَا تُقْسَمُ وَأَلْبَانُ الْبَهَائِمِ تُقْسَمُ وَلَهَا قِيمَةٌ. وَفِي الْخَانِيَّةِ رَجُلَانِ تَوَاضَعَا فِي بَقَرَةٍ عَلَى أَنْ تَكُونَ عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا يَحْلِبُ لَبَنَهَا كَانَ بَاطِلًا وَلَا يَحِلُّ فَضْلُ اللَّبَنِ لِأَحَدِهِمَا وَإِنْ جَعَلَهُ صَاحِبُهُ فِي حِلٍّ لِأَنَّ هَذَا هِبَةُ الْمُشَاعِ فِيمَا يُقْسَمُ إلَّا أَنْ يَكُونَ صَاحِبُ الْفَضْلِ اسْتَهْلَكَ الْفَضْلَ فَإِذَا جَعَلَهُ صَاحِبُهُ فِي حِلٍّ كَانَ إبْرَاءً عَنْ الضَّمَانِ فَيَجُوزُ أَمَّا حَالَ قِيَامِ الْفَضْلِ يَكُونُ هِبَةً، أَوْ إبْرَاءً عَنْ الْعَيْنِ وَهُوَ بَاطِلٌ، وَفِي الْكَافِي غَنَمٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَاتَّفَقَا عَلَى أَنْ يَأْخُذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا طَائِفَةً يَرْعَاهَا وَيَنْتَفِعُ بِأَلْبَانِهَا لَمْ يَجُزْ وَالْحِيلَةُ أَنْ يَبِيعَ حِصَّتَهُ مِنْ الْآخَرِ، ثُمَّ يَشْتَرِيَ كُلَّهَا بَعْدَ مُضِيِّ نَوْبَتِهِ أَوْ يَنْتَفِعَ بِاللَّبَنِ بِالْوَزْنِ الْمَعْلُومِ. اهـ. وَفِي الْكَافِي وَلَوْ تَهَايَآ فِي مَمْلُوكَيْنِ اسْتِخْدَامًا فَمَاتَ أَحَدُهُمَا، أَوْ أَبَقَ انْتَقَضَتْ الْمُهَايَأَةُ بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَخْدَمَهُ شَهْرًا إلَّا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لَوْ أَبَقَ فِيهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنَّهُ يَنْتَقِضُ وَلَوْ أَبَقَ أَحَدُ الْخَادِمَيْنِ فِي خِدْمَةِ مَنْ شُرِطَ لَهُ الْخَادِمُ، أَوْ انْهَدَمَ الْحَائِطُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. اهـ. وَلَوْ وَلَدَتْ مِنْهُ صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ وَانْقَضَتْ الْمُهَايَأَةُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَلَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا عَبْدٌ وَأَمَةٌ فَتَهَايَآ فِيهِمَا صَحَّ ذَلِكَ كَذَا فِي الْأَصْلِ وَالتَّهَايُؤُ فِي الرُّكُوبِ فِي دَابَّةٍ وَاحِدَةٍ لَا يَجُوزُ عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ وَظَاهِرُ عِبَارَةِ الْمُؤَلِّفِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ التَّهَايُؤِ اتِّحَادُ الْمَنْفَعَةِ، وَفِي الْمُحِيطِ مَا يُخَالِفُهُ قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَلَوْ تَهَايَآ فِي دَارٍ وَمَمْلُوكٍ عَلَى أَنْ يَسْكُنَ هَذَا الدَّارَ سَنَةً وَالْآخَرُ يَخْدِمُهُ الْعَبْدُ سَنَةً جَازَ اسْتِحْسَانًا اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَفِي غَلَّةِ عَبْدٍ وَعَبْدَيْنِ، أَوْ بَغْلٍ وَبَغْلَيْنِ أَوْ رُكُوبِ بَغْلٍ، أَوْ بَغْلَيْنِ، أَوْ ثَمَرِ شَجَرَةٍ، أَوْ لَبَنِ شَاةٍ لَا) يَعْنِي لَا يَجُوزُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ التَّهَايُؤُ أَمَّا فِي عَبْدٍ وَاحِدٍ، أَوْ بَغْلٍ وَاحِدٍ فَيَجُوزُ فَلِأَنَّ النَّصِيبَيْنِ يَتَعَاقَبَانِ فِي الِاسْتِيفَاءِ فَالظَّاهِرُ التَّغَيُّرُ فِي الْحَيَوَانِ فَتَفُوتُ الْمُعَادَلَةُ بِخِلَافِ التَّهَايُؤِ فِي اسْتِغْلَالِ دَارٍ وَاحِدَةٍ حَيْثُ يَجُوزُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَقَدْ مَرَّ بَيَانُهُ وَلَوْ زَادَتْ غَلَّةُ الدَّارِ فِي نَوْبَةِ أَحَدِهِمَا يَشْتَرِكَانِ فِي الزِّيَادَةِ تَحْقِيقًا لِلْمُسَاوَاةِ بِخِلَافِ التَّهَايُؤِ فِي الْمَنَافِعِ فَتُعْتَبَرُ الْمُعَادَلَةُ فِيهَا إلَّا فِي الْغَلَّةِ وَبِخِلَافِ مَا لَوْ تَهَايَآ فِي الِاسْتِغْلَالِ فِي الدَّارَيْنِ وَفَضَلَتْ غَلَّةُ أَحَدِهِمَا حَيْثُ لَا يَشْتَرِكَانِ لِأَنَّ مَعْنَى الْإِقْرَارِ رَاجِحٌ فِي الدَّارَيْنِ فَلَا تُعْتَبَرُ الْغَلَّةُ، وَأَمَّا لَوْ تَهَايَآ فِي اسْتِغْلَالِ عَبْدَيْنِ، أَوْ بَغْلَيْنِ فَالْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ لِإِمْكَانِ الْمُعَادَلَةِ فِيهَا وَلِلْإِمَامِ أَنَّ التَّهَايُؤَ فِي الْخِدْمَةِ جُوِّزَ لِلضَّرُورَةِ لِعَدَمِ إمْكَانِ قِسْمَتِهَا وَلَا ضَرُورَةَ فِي الْغَلَّةِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ قِسْمَتُهَا لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالٍ وَلِأَنَّهُ يَتَغَيَّرُ بِالِاسْتِغْلَالِ بِخِلَافِ الدَّارَيْنِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ التَّغَيُّرِ فِي الْعَقَارِ، وَجُمْلَةُ مَسَائِلِ التَّهَايُؤِ اثْنَا عَشَرَ مَسْأَلَةً: فَفِي اسْتِخْدَامِ عَبْدٍ جَائِزٌ بِالِاتِّفَاقِ وَكَذَا فِي اسْتِخْدَامِ الْعَبْدَيْنِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَفِي اسْتِغْلَالِ عَبْدٍ وَاحِدٍ لَا يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ وَكَذَا فِي غَلَّتِهَا وَكَذَا فِي سُكْنَى دَارَيْنِ، وَفِي غَلَّتِهِمَا خِلَافٌ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ وَفِي رُكُوبِ بَغْلٍ، أَوْ بَغْلَيْنِ عَلَى الْخِلَافِ وَلَا يَجُوزُ فِي اسْتِغْلَالِ عَبْدٍ وَاحِدٍ بِالِاتِّفَاقِ، وَفِي بَغْلَيْنِ عَلَى الْخِلَافِ، وَأَمَّا التَّهَايُؤُ فِي ثَمَرِ شَجَرَةٍ، أَوْ لَبَنِ غَنَمٍ فَإِنَّهَا أَعْيَانٌ بَاقِيَةٌ تُرَدُّ عَلَيْهِمَا الْقِسْمَةُ عِنْدَ حُصُولِهَا فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّهَايُؤِ لِأَنَّ التَّهَايُؤَ فِي الْمَنَافِعِ ضَرُورَةٌ بِخِلَافِ لَبَنِ بَنِي آدَمَ حَيْثُ يَجُوزُ التَّهَايُؤُ فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَتَقَدَّمَ بَيَانُ الْحِيلَةِ فِي ذَلِكَ قَالَ: وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْكِتَابِ الْمُهَايَأَةَ عَلَى لُبْسِ الثَّوْبَيْنِ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: لَا يَجُوزُ عِنْدَ الْإِمَامِ خِلَافًا لَهُمَا لِأَنَّ النَّاسَ يَتَفَاوَتُونَ فِي اللُّبْسِ تَفَاوُتًا فَاحِشًا كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَلَوْ كَانَ عَبْدَانِ بَيْنَ رَجُلَيْنِ غَابَ أَحَدُهُمَا فَجَاءَ أَجْنَبِيٌّ وَقَاسَمَ الشَّرِيكَ وَأَخَذَ عَبْدًا لِلْغَائِبِ فَقَدِمَ الْغَائِبِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 180 وَأَجَازَ فَمَاتَ الْعَبْدُ فِي يَدِ الْأَجْنَبِيِّ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الْإِجَازَةِ بَطَلَتْ الْقِسْمَةُ وَلِلْغَائِبِ نِصْفُ الْعَبْدِ الْبَاقِي، وَإِنْ شَاءَ ضَمِنَ حِصَّتَهُ فِي الْمَيِّتِ لِشَرِيكِهِ، أَوْ لِلْأَجْنَبِيِّ الْقَبْضَ كَذَا فِي الْأَصْلِ. [فُرُوعٌ لِأَحَدِهِمَا شَجَرَةٌ أَغْصَانُهَا مُطِلَّةٌ عَلَى قِسْمَةِ الْآخَرِ] (فُرُوعٌ) قَالَ فِي نَوَادِرِ ابْنِ رُسْتُمَ: إذَا كَانَ لِأَحَدِهِمَا شَجَرَةٌ أَغْصَانُهَا مُطِلَّةٌ عَلَى قِسْمَةِ الْآخَرِ فَلَهُ أَنْ يُطَالِبَهُ بِقَطْعِ أَغْصَانِهِ رَوَاهُ عَنْ مُحَمَّدٍ وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَفِي الذَّخِيرَةِ وَبِهِ يُفْتَى وَإِذَا أَرَادَ أَحَدُهُمَا أَنْ يَرْفَعَ بِنَاءَهُ وَيَسُدَّ الرِّيحَ وَالشَّمْسَ عَلَى الْآخَرِ قَالَ نَصْرُ بْنُ يَحْيَى وَأَبُو الْقَاسِمِ الصَّفَّارُ: لِصَاحِبِهِ أَنْ يَمْنَعَ مِنْ ذَلِكَ وَقَالَ فِي الْفَتَاوَى لَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَجْعَلَ دَارِهِ طَاحُونًا، أَوْ مِدَقًّا لِلْقَصَّارِينَ لَمْ يَجُزْ لَهُ ذَلِكَ وَلَوْ تَنُّورًا صَغِيرًا جَازَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. [كِتَابُ الْمُزَارَعَةِ] لَمَّا كَانَ الْخَارِجُ مِنْ الْأَرْضِ فِي عَقْدِ الْمُزَارَعَةِ مِنْ أَنْوَاعِ مَا يَقَعُ فِيهِ الْقِسْمَةُ ذَكَرَ الْمُزَارَعَةَ عَقِبَ الْقِسْمَةِ فَهِيَ لُغَةً مُفَاعَلَةٌ مِنْ الزِّرَاعَةِ وَشَرِيعَةً مَا ذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ وَسَبَبُهَا سَبَبُ الْمُعَامَلَاتِ وَرُكْنُهَا الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ وَشَرَائِطُ جَوَازِهَا كَوْنُ الْأَرْضِ صَالِحَةً لِلزِّرَاعَةِ وَكَوْنُ رَبِّ الْأَرْضِ وَالْمُزَارِعِ مِنْ أَهْلِ الْعَقْدِ، وَبَيَانُ الْمُدَّةِ فَلَوْ ذَكَرَ مُدَّةً لَا يَخْرُجُ الزَّرْعُ فِيهَا لَمْ تَجُزْ الْمُزَارَعَةُ، وَصِفَتُهَا أَنَّهَا فَاسِدَةٌ عِنْدَ الْإِمَامِ جَائِزَةٌ عِنْدَهُمَا وَدَلِيلُهَا مَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «دَفَعَ الْأَرْضَ لِأَهْلِ خَيْبَرَ مُزَارَعَةً» . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (هِيَ عَقْدٌ عَلَى الزَّرْعِ بِبَعْضِ الْخَارِجِ) فَقَوْلُهُ عَقْدٌ جِنْسٌ، وَقَوْلُهُ: عَلَى الزَّرْعِ يَشْمَلُ الْمَزْرُوعَ حَقِيقَةً وَهُوَ الْمُلْقَى فِي الْأَرْضِ قَبْلَ الْإِدْرَاكِ قَالَهُ خواهر زاده، أَوْ بِاعْتِبَارِ مَا يُؤَوَّلُ إلَيْهِ بِأَنْ كَانَتْ فَارِغَةً وَقَوْلُهُ: بِبَعْضِ الْخَارِجِ فَصْلٌ أَخْرَجَ سَائِرَ الْعُقُودِ، وَالْمُسَاقَاةَ لِأَنَّهَا عَقْدٌ عَلَى بَعْضِ الثَّمَرَةِ وَأَطْلَقَ فِي الْعَقْدِ فَشَمِلَ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ، أَوْ الشَّرِيكِ قَالَ فِي فَتَاوَى الْفَضْلِيِّ أَرْضٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ دَفَعَهَا أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ مُزَارَعَةً عَلَى أَنَّ الْخَارِجَ ثُلُثُهُ لِلدَّافِعِ وَثُلُثَانِ لِلْعَامِلِ جَازَ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَتَصِحُّ بِشَرْطِ صَلَاحِيَّةِ الْأَرْضِ لِلزِّرَاعَةِ وَأَهْلِيَّةِ الْعَاقِدَيْنِ وَبَيَانِ الْمُدَّةِ وَرَبِّ الْبَذْرِ وَجِنْسِهِ وَحَظِّ الْآخَرِ وَالتَّخْلِيَةِ بَيْنَ الْأَرْضِ وَالْعَامِلِ وَالشَّرِكَةِ فِي الْخَارِجِ) وَهَذَا قَوْلُ الثَّانِي وَالثَّالِثِ وَقَالَ الْإِمَامُ: لَا تَجُوزُ الْمُزَارَعَةُ، لَهُمَا مَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «دَفَعَ الْأَرْضَ مُزَارَعَةً لِأَهْلِ خَيْبَرَ عَلَى نِصْفِ مَا خَرَجَ مِنْهَا مِنْ ثَمَرٍ، أَوْ زَرْعٍ» وَلِأَنَّهَا عَقْدُ شَرِكَةٍ بِمَالٍ مِنْ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ وَعَمَلٍ مِنْ الْآخَرِ فَتَجُوزُ اعْتِبَارًا بِالْمُضَارَبَةِ وَالْجَامِعُ دَفْعُ الْحَاجَةِ فَإِنَّ صَاحِبَ الْمَالِ قَدْ لَا يَهْتَدِي إلَى الْعَمَلِ وَالْمُهْتَدِيَ إلَيْهِ قَدْ لَا يَجِدُ الْمَالَ فَمَسَّتْ الْحَاجَةُ إلَى انْعِقَادِ هَذَا الْعَقْدِ وَلِلْإِمَامِ مَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نَهَى عَنْ الْمُخَابَرَةِ» وَهِيَ الْمُزَارَعَةُ بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ وَاَلَّذِي وَرَدَ فِي خَيْبَرَ هُوَ خَرَاجُ مُقَاسَمَةٍ لَا يُقَالُ هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ مِنْ أَنَّ أَرْضَ الْعَرَبِ كُلَّهَا عُشْرِيَّةٍ لِأَنَّا نَقُولُ أَرْضُ خَيْبَرَ لَيْسَتْ مِنْ أَرْضِ الْعَرَبِ لِأَنَّهَا لَا يُقَرُّ فِيهَا عَلَى الْكُفْرِ فَإِنْ قُلْت: هُمْ يَهُودٌ قُلْنَا خَيْبَرُ لَيْسَتْ دَاخِلًا فِي حُدُودِ أَرْضِ الْعَرَبِ، وَإِذَا فَسَدَتْ الْمُزَارَعَةُ عِنْدَهُ يَجِبُ عَلَى صَاحِبِ الْبَذْرِ أُجْرَةُ مِثْلِ الْأَرْضِ، أَوْ الْعَمَلِ، وَالْغَلَّةُ لَهُ لِأَنَّهَا نَمَاءُ مِلْكِهِ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ وَهَذَا مَنْقُوضٌ بِمَنْ غَصَبَ بَذْرَ آخَرَ وَزَرَعَهُ فِي أَرْضٍ فَإِنَّ الزَّرْعَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ نَمَاءَ مِلْكِ صَاحِبِ الْبُذُورِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْغَاصِبَ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ بِاخْتِيَارِهِ وَتَحْصِيلِهِ فَكَانَ إضَافَةُ الْحَادِثِ إلَى عَمَلِهِ أَوْلَى وَالْمُزَارِعَ عَامِلٌ بِأَمْرِ غَيْرِهِ فَجُعِلَ الْأَمْرُ مُضَافًا إلَى الْآمِرِ. اهـ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ السُّؤَالُ غَيْرُ وَارِدٍ وَالْجَوَابُ غَيْرُ صَحِيحٍ أَمَّا أَوَّلًا فَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ الْغَاصِبَ مَلَكَ الْبَذْرَ بِالْمُزَارَعَةِ فَالْبَذْرُ نَمَاءُ مِلْكِ الْغَاصِبِ فَلَا يَرِدُ. وَالْجَوَابُ لَمْ يُصَادِفْ مَحَلًّا وَقَالُوا الْفَتْوَى الْيَوْمَ عَلَى قَوْلِهِمَا لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهَا وَلِلتَّعَامُلِ، وَالْقِيَاسُ يُتْرَكُ بِمِثْلِ هَذَا وَالنَّصُّ وَرَدَ نَصٌّ بِخِلَافِهِ فَيُعْمَلُ بِهِ لِأَنَّهُ هُوَ الظَّاهِرُ عِنْدَهُمَا ثُمَّ شَرَطَ فِي الْمُخْتَصَرِ لِجَوَازِهَا عِنْدَهُمَا أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ صَالِحَةً لِلزِّرَاعَةِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ لَا يَحْصُلُ بِدُونِهِ وَأَنْ يَكُونَ رَبُّ الْأَرْضِ وَالْمُزَارِعُ مِنْ أَهْلِ الْعَقْدِ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَصِحُّ إلَّا مِنْ الْأَهْلِ وَأَنْ يُبَيِّنَ الْمُدَّةَ لِأَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى مَنَافِعِ الْأَرْضِ، أَوْ الْعَامِلِ وَهِيَ تُعْرَفُ وَيُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ الْمُدَّةُ قَدْرَ مَا يَتَمَكَّنُ فِيهَا مِنْ الزِّرَاعَةِ، أَوْ أَكْثَرَ وَأَنْ لَا تَكُونَ قَدْرَ مَنْ لَا يَعِيشُ إلَيْهِ مِثْلُهُمَا، أَوْ أَحَدُهُمَا غَالِبًا، وَعِنْدَ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ لَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ الْمُدَّةِ وَيَقَعُ عَلَى سَنَةٍ وَاحِدَةٍ، وَفِي الْخَانِيَّةِ قَالَ الْمَشَايِخُ: يُشْتَرَطُ بَيَانُ الْوَقْتِ وَتَكُونُ الزِّرَاعَةُ عَلَى أَوَّلِ سَنَةٍ وَالْفَتْوَى عَلَى بَيَانِ الْمُدَّةِ وَإِنْ بَقِيَ بَعْدَ تَمَامِ السَّنَةِ مَا يُمْكِنُ فِيهِ الزِّرَاعَةُ لَا تَبْقَى الزِّرَاعَةُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 181 وَفِي الْعَتَّابِيَّةِ. وَلَوْ ذَكَرَ مُدَّةَ أَنْ يَخْرُجَ فَإِنْ خَرَجَ ظَهَرَ أَنَّهُ صَحِيحٌ، وَإِلَّا فَلَا وَأَنْ يُبَيِّنَ مَنْ عَلَيْهِ الْبَذْرُ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ - وَهُوَ مَنَافِعُ الْعَامِلِ، أَوْ مَنَافِعُ الْأَرْضِ - لَا يُعْرَفُ إلَّا بِبَيَانِ مَنْ عَلَيْهِ الْبَذْرُ وَأَنْ يُبَيِّنَ جِنْسَ الْبَذْرِ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ مِنْهُ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ جِنْسِ الْأُجْرَةِ، وَفِي الذَّخِيرَةِ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ بَيَانُ مَا يُزْرَعُ فِي الْأَرْضِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فَوَّضَ الرَّأْيَ إلَى الْمُزَارِعِ، أَوْ لَمْ يُفَوِّضْ بَعْدَ أَنْ يَنُصَّ عَلَى الْمُزَارَعَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ يَصِيرُ مَعْلُومًا بِإِعْلَامِ الْأَرْضِ وَمِثْلُهُ فِي الْخَانِيَّةِ، وَإِنْ بَيَّنَ نَصِيبَ مَنْ لَا بَذْرَ مِنْ جِهَتِهِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْأَجْرِ لِأَنَّهُ أُجْرَةُ عَمَلِهِ وَأَرْضِهِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا وَأَنْ يُخَلِّيَ بَيْنَ الْأَرْضِ وَالْعَامِلِ لِأَنَّهُ بِذَلِكَ يَتَمَكَّنُ مِنْ الْعَمَلِ وَعَمَلُ رَبِّ الْأَرْضِ مَعَ الْعَامِلِ لَا يَصِحُّ وَأَنْ يَكُونَ الْخَارِجُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ هُوَ الْمَقْصُودُ بِهَا فَتَنْعَقِدُ إجَارَةً فِي الِابْتِدَاءِ وَتَقَعُ شَرِكَةً فِي الِانْتِهَاءِ وَلِهَذَا لَوْ شَرَطَ لِأَحَدِهِمَا قَفِيزًا مُسَمَّاةً فَسَدَتْ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ فِي الْبَعْضِ الْمُسَمَّى، أَوْ فِي الْكُلِّ أَوْ لَمْ تُخْرِجْ الْأَرْضُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَكَذَا إذَا شَرَطَ أَنْ يَدْفَعَ قَدْرَ بَذْرِهِ لِمَا ذَكَرْنَا بِخِلَافِ مَا إذَا شَرَطَ أَنْ يَرْفَعَ عُشْرَ الْخَارِجِ أَوْ ثُلُثَهُ، وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ وَهُوَ يَحْصُلُ أَنْ يَكُونَ حِيلَةً لِلْوُصُولِ إلَى رَفْعِ الْبَذْرِ وَقَيَّدْنَا بِقَوْلِنَا بِبَعْضِ الْخَارِجِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْخَارِجُ كُلُّهُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فَلَيْسَتْ بِمُزَارَعَةٍ قَالَ رَبُّ الْأَرْضِ لِلْمُزَارِعِ ازْرَعْ أَرْضِي بِبَذْرِك عَلَى أَنَّ الْخَارِجَ كُلَّهُ لِي فَهَذَا الشَّرْطُ جَائِزٌ وَيَصِيرُ الْعَامِلُ مُقْتَرِضًا لِلْبَذْرِ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ وَيَكُونُ الْعَامِلُ مُعِينًا لَهُ، وَفِي الْعَتَّابِيَّةِ ازْرَعْ لِي فِي أَرْضِك بِبَذْرِك جَازَ وَلَوْ لَمْ يَقُلْ لِي وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا لَمْ يَجُزْ وَقَالَ عِيسَى بْنُ أَبَانَ: يَجِبُ أَنْ يَكُونَ كَالْأَوَّلِ وَلَوْ قَالَ فِي الْمَسْأَلَةِ: عَلَى أَنَّ الْخَارِجَ نِصْفَيْنِ جَازَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَأَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ وَالْبَذْرُ لِوَاحِدٍ وَالْعَمَلُ وَالْبَقَرُ لِآخَرَ، أَوْ تَكُونَ الْأَرْضُ لِوَاحِدٍ وَالْبَاقِي لِآخَرَ أَوْ يَكُونَ الْعَمَلُ لِوَاحِدٍ وَالْبَاقِي لِآخَرَ) وَهَذِهِ الْجُمَلُ مِنْ جُمْلَةِ الشُّرُوطِ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّ مَنْ جَوَّزَهَا إنَّمَا جَوَّزَهَا عَلَى أَنَّهَا إجَارَةٌ فَفِي الصُّورَةِ الْأُولَى يَكُونُ صَاحِبُ الْبُذُورِ وَالْأَرْضِ مُسْتَأْجِرًا لِلْعَامِلِ وَالْبَقَرِ تَبَعًا لَهُ لِاتِّحَادِ الْمَنْفَعَةِ لِأَنَّ الْبَقَرَ آلَةٌ لَهُ فَصَارَ كَمَنْ اسْتَأْجَرَ خَيَّاطًا لِيَخِيطَ لَهُ قَمِيصًا بِإِبْرَةٍ مِنْ عِنْدِهِ، أَوْ صَبَّاغًا لِيَصْبُغَ لَهُ بِصِبْغٍ مِنْ عِنْدِهِ، وَالْآخَرُ يُقَابَلُ عَمَلُهُ دُونَ الْآلَةِ فَيَجُوزُ وَالْأَصْلُ فِيهَا أَنَّ صَاحِبَ الْبَذْرِ هُوَ الْمُسْتَأْجِرُ فَتُخَرَّجُ الْمَسَائِلُ عَلَى هَذَا كَمَا رَأَيْت، وَفِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ يَكُونُ صَاحِبُ الْبَذْرِ مُسْتَأْجِرًا لِلْعَامِلِ وَحْدَهُ بِلَا بَقَرٍ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ مِنْ الْخَارِجِ فَيَجُوزُ كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَ خَيَّاطًا لِيَخِيطَ لَهُ قَمِيصًا بِأُجْرَةٍ بِإِبْرَةٍ مِنْ عِنْدِ صَاحِبِ الثَّوْبِ، أَوْ طُنًّا، أَوْ بِالنَّظِيرِ تَمْرٌ لَهُ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ قَالَ فِي الْعَتَّابِيَّةِ الْأَصْلُ أَنَّ الْمُزَارَعَةَ تَنْعَقِدُ إجَارَةً وَتَتِمُّ شَرِكَةً عَلَى مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ وَالْعَامِلِ أَمَّا فِي الْأَرْضِ فَأَثَرُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَتَعَامُلُ النَّاسِ، وَأَمَّا فِي الْعَامِلِ «فَفِعْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ أَهْلِ خَيْبَرَ» وَتَعَامُلُ النَّاسِ. اهـ. وَفِي الْفَتَاوَى دَفْعُ الزَّرْعِ الْمُدْرِكِ مُزَارَعَةً بِالنِّصْفِ لِلْحِفْظِ لَا يَجُوزُ، وَفِي غَيْرِ الْمُدْرِكِ يَجُوزُ كَذَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (فَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ وَالْبَقَرُ لِوَاحِدٍ وَالْعَمَلُ وَالْبَذْرُ لِآخَرَ، إنْ كَانَ الْبَذْرُ لِأَحَدِهِمَا وَالْبَاقِي لِآخَرَ، أَوْ كَانَ الْبَذْرُ وَالْبَقَرُ لِوَاحِدٍ وَالْبَاقِي لِآخَرَ) سَيَأْتِي الْخَبَرُ لَمَّا بَيَّنَ شُرُوطَ الْجَوَازِ فِي الْمُزَارَعَةِ شَرَعَ يُبَيِّنُ الشُّرُوطَ الْمُفْسِدَةَ لَهَا أَمَّا الْأَوَّلُ وَهُوَ مَا إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ وَالْبَقَرُ لِوَاحِدٍ وَالْعَمَلُ وَالْبَذْرُ لِآخَرَ فَلِأَنَّ صَاحِبَ الْبَذْرِ اسْتَأْجَرَ الْأَرْضَ وَاشْتَرَطَ الْبَقَرَ عَلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ فَفَسَدَتْ لِأَنَّ الْبَقَرَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ تَبَعًا لِلْأَرْضِ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْبَقَرِ الشَّقُّ، وَمَنْفَعَةَ الْأَرْضِ الْإِنْبَاتُ وَبَيْنَهُمَا اخْتِلَافٌ وَشَرْطُ التَّبَعِيَّةِ الِاتِّحَادُ، وَرَوَى فِي الْأَمَالِي عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا جَائِزَةٌ، وَفِي الْخَانِيَّةِ: وَالْفَتْوَى عَلَى الْأَوَّلِ، وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ مَا إذَا كَانَ الْبَذْرُ لِوَاحِدٍ وَالْبَاقِي لِآخَرَ وَهُوَ الْعَمَلُ وَالْبَقَرُ وَالْأَرْضُ فَلِأَنَّ الْعَامِلَ أَجِيرٌ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ تَبَعًا لَهُ لِاخْتِلَافِ مَنْفَعَتِهِمَا، وَوُجِّهَ مَا تَقَدَّمَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ جَائِزٌ، وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ كَانُوا أَرْبَعَةً الْبَقَرُ مِنْ وَاحِدٍ وَالْبَذْرُ مِنْ وَاحِدٍ وَالْأَرْضُ مِنْ وَاحِدٍ وَالْعَمَلُ مِنْ وَاحِدٍ فَهِيَ فَاسِدَةٌ، وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَوْ دَفَعَ الْبَذْرَ لِمُزَارِعِهِ لِيَزْرَعَهُ الْمُزَارِعُ فِي أَرْضِهِ عَلَى أَنَّ الْخَارِجَ بَيْنَهُمَا لَا يَجُوزُ وَالْحِيلَةُ أَنْ يَأْخُذَ أَرْضَهُ، ثُمَّ يَسْتَعِينَ صَاحِبُ الْبَذْرِ بِصَاحِبِ الْأَرْضِ فِي الْعَمَلِ فَيَجُوزَ، وَفِي النَّوَازِلِ: رَجُلٌ لَهُ أَرْضٌ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ بَذْرًا مِنْ الْأَرْضِ حَتَّى يَزْرَعَهُ فِي أَرْضِهِ وَيَكُونَ الزَّرْعُ بَيْنَهُمَا فَالْحِيلَةُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَشْتَرِيَ نِصْفَ الْبَذْرِ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ، ثُمَّ يَقُولَ لَهُ ازْرَعْهَا بِالْبَذْرِ وَهَذِهِ الْحِيلَةُ تَجْرِي فِي كُلِّ صُورَةٍ وَقَعَتْ فَاسِدَةً. اهـ. وَأَمَّا الثَّالِثُ وَهُوَ مَا إذَا كَانَ الْبَذْرُ وَالْبَقَرُ لِوَاحِدٍ وَالْبَاقِي لِآخَرَ وَهُوَ الْعَمَلُ وَالْأَرْضُ فَلِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَرْضَ لَا يُمْكِنُ جَعْلُهَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 182 تَبَعًا لِعَمَلِهِ لِاخْتِلَافِ الْمَنَافِعِ فَفَسَدَتْ الْمُزَارَعَةُ قَالَ الشَّارِحُ: وَهُنَا وَجْهٌ آخَرُ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْبَقَرُ مِنْ وَاحِدٍ وَالْبَاقِي مِنْ آخَرَ قَالُوا هَذَا فَاسِدٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْعَامِلِ وَحْدَهُ، أَوْ عَلَى الْأَرْضِ وَحْدَهَا. وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ الْقِيَاسَ أَنْ لَا تَجُوزَ الْمُزَارَعَةُ وَإِنَّمَا تَرَكْنَاهُ بِالْأَثَرِ، وَفِي هَذَا لَمْ يَرِدْ أَثَرٌ اهـ. قَالَ: وَلَوْ دَفَعَ أَرْضًا عَلَى أَنْ يَزْرَعَ بِبَذْرِ الزَّارِعِ وَبَقَرِهِ وَيَعْمَلَ مَعَهُ ثَالِثٌ وَالْخَارِجُ أَثْلَاثٌ فَالْعَقْدُ فَاسِدٌ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ أَجْنَبِيٍّ جَائِزٌ بَيْنَهُمَا وَلِرَبِّ الْأَرْضِ مِنْ الْعَامِل بِبَعْضِ الْخَارِجِ فَلَوْ كَانَ الْمُزَارِعُ الْأَوَّلُ مَالِكًا لِمَنْفَعَةِ الْأَرْضِ بِالِاسْتِئْجَارِ فَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَتْ الْأَرْضُ مَمْلُوكَةً وَدَفَعَهَا إلَى الْعَامِلِ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ مَعَهُ لَا يَجُوزُ لِفَوَاتِ التَّخْلِيَةِ بَيْنَ الْأَرْضِ وَالْمُزَارِعِ، وَفَسَادُهَا فِي حَقِّ الثَّانِي لَا يُوجِبُ فَسَادَ الْمُزَارَعَةِ فِي حَقِّ الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْمُزَارَعَةَ الثَّانِيَةَ غَيْرُ مَشْرُوطَةٍ فِي الْأَوَّلِ، وَالْعَطْفُ لَا يَقْتَضِي الِاشْتِرَاطَ فَإِنْ كَانَتْ الثَّانِيَةُ مَشْرُوطَةً فِي الْأَوَّلِ بِأَنْ قَالَ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ الثَّانِي مَعَهُ بِالثُّلُثِ هَلْ تَجُورُ الْمُزَارَعَةُ فِي حَقِّ الْأَوَّلِ قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ: تَفْسُدُ لِأَنَّ الثَّانِيَةَ صَارَتْ مَشْرُوطَةً لِرَبِّ الْأَرْضِ فَإِنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ لَهُ فِي عَمَلِ الثَّانِي مَعَ الْأَوَّلِ وَلَوْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ - وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا - صَحَّتْ فِي حَقِّ الْكُلِّ لِأَنَّهُ اسْتَأْجَرَ الْعَامِلَيْنِ بِبَعْضِ الْخَارِجِ وَذَلِكَ جَائِزٌ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَلَوْ دَفَعَ أَرْضَهُ إلَى رَجُلٍ لِيَزْرَعَهَا عَلَى أَنَّ الْخَارِجَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَالْمَسْأَلَةُ عَلَى وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الْعَامِلِ، الثَّانِي أَنْ يَكُونَ مِنْ قِبَلِ صَاحِبِ الْأَرْضِ وَعَلَى كُلِّ وَجْهٍ يَكُونُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ إمَّا أَنْ يَسْكُتَا عَلَى شَرْطِ الْبَقَرِ، أَوْ شُرِطَ الْبَقَرُ عَلَى الْعَامِلِ، أَوْ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ فَإِنْ سَكَتَا فَالْبَقَرُ عَلَى الْعَامِلِ كَانَ الْبَذْرُ مِنْهُ، أَوْ مِنْ صَاحِبِ الْأَرْضِ لِأَنَّ الْبَقَرَ آلَةٌ لِلْعَمَلِ وَإِنْ شَرَطَا الْبَقَرَ عَلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ فَإِنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِهِ يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ قِبَلِ الْآخَرِ فَسَدَتْ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَفِي الْعَتَّابِيَّةِ وَلَوْ قَالَ رَبُّ الْأَرْضِ: ازْرَعْ لِي أَرْضِي بِبَذْرِك عَلَى أَنْ يَكُونَ الْخَارِجُ كُلُّهُ لَك فَهَذَا فَاسِدٌ وَالْخَارِجُ لِرَبِّ الْأَرْضِ وَلِلزَّارِعِ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ مِثْلُ بَذْرِهِ وَأَجْرُ مِثْلِ عَمَلِهِ، وَلَوْ قَالَ رَبُّ الْأَرْضِ: ازْرَعْ أَرْضِي بِبَذْرِك عَلَى أَنْ يَكُونَ الْخَارِجُ كُلُّهُ لَك فَهَذَا جَائِزٌ وَيَكُونُ الْخَارِجُ لِصَاحِبِ الْبُذُورِ وَيَكُونُ صَاحِبُ الْأَرْضِ مُعِيرًا لَهُ أَرْضَهُ وَفِيهَا أَيْضًا لَوْ دَفَعَ الْبَذْرَ إلَى رَجُلٍ وَقَالَ ازْرَعْ عَلَى أَنَّ الْخَارِجَ لَك، أَوْ لِي أَوْ نِصْفَيْنِ فَهُوَ فَاسِدٌ اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (أَوْ اشْتَرَطَا لِأَحَدِهِمَا قُفْزَانًا مُسَمَّاةً أَوْ مَا عَلَى الْمَاذِيَانَاتِ وَالسَّوَاقِي، أَوْ أَنْ يَرْفَعَ رَبُّ الْبَذْرِ بَذْرَهُ، أَوْ يَرْفَعَ مِنْ الْخَارِجِ الْخَرَاجَ، وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا فَسَدَتْ) يَعْنِي لَوْ شَرَطَا لِأَحَدِهِمَا قُفْزَانًا مَعْلُومَةً تَفْسُدُ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ فِي الْمُسَمَّى كَمَا تَقَدَّمَ، أَوْ مُطْلَقًا لِاحْتِمَالِ مَا يَخْرُجُ إلَّا هُوَ وَالْمُرَادُ بِأَحَدِهِمَا هُوَ، أَوْ مَنْ يَعُودُ نَفْعُهُ إلَيْهِ بِالشَّرْطِ هَذَا إذَا شَرَطَا لِأَحَدِهِمَا فَلَوْ شَرَطَا لِغَيْرِهِمَا قَالُوا وَلَوْ شَرَطَا بَعْضَ الْخَارِجِ لِعَبْدِ أَحَدِهِمَا فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مَشْرُوطًا لِمَنْ يَمْلِكُ رَبُّ الْأَرْضِ، وَلِلْعَامِلِ كَسْبُهُ كَالْغَائِبِ وَالْقَرِيبِ، وَكُلُّ قِسْمٍ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ رَبِّ الْأَرْضِ، أَوْ مِنْ قِبَلِ الْمُزَارِعِ أَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: لَوْ دَفَعَ أَرْضًا، أَوْ بَذْرًا عَلَى أَنَّ ثُلُثَ الْخَارِجِ لِرَبِّ الْأَرْضِ وَثُلُثَهُ لِعَبْدِهِ وَثُلُثَهُ لِلْعَامِلِ جَازَ وَشَرَطَا عَمَلَ الْعَبْدِ، أَوْ لَمْ يَشْتَرِطَا لِأَنَّ مَا شَرَطَا لِلْعَبْدِ شُرِطَ لِسَيِّدِهِ، وَإِنْ شُرِطَ عَمَلُ الْعَبْدِ فَالْمَشْرُوطُ لِلْعَبْدِ حَتَّى يَقْضِيَ مِنْهُ دُيُونَهُ وَالْمَوْلَى مَمْنُوعٌ مِنْ أَخْذِهِ فَكَانَ الْعَبْدُ كَالْأَجْنَبِيِّ فَإِنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ الْمُزَارِعِ فَإِنْ شَرَطَا ثُلُثَ الْخَارِجِ لِعَبْدِ رَبِّ الْأَرْضِ فَالْمُزَارَعَةُ جَائِزَةٌ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ وَلَمْ يُشْتَرَطْ عَمَلُ الْعَبْدِ وَالْمَشْرُوطُ لِلْعَبْدِ مَشْرُوطٌ لِمَوْلَاهُ. وَإِنْ شَرَطَا عَمَلَ الْعَبْدِ لِمَوْلَاهُ، وَإِنْ شَرَطَا عَمَلَ الْعَبْدِ وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ فَالْمُزَارَعَةُ فَاسِدَةٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ وَلَمْ يُشْتَرَطْ عَمَلُ الْعَبْدِ فَالْمُزَارَعَةُ جَائِزَةٌ، وَإِنْ شَرَطَا عَمَلَ الْعَبْدِ مَعَ ذَلِكَ فَالْمُزَارَعَةُ فَاسِدَةٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَأَمَّا إذَا شَرَطَا الثُّلُثَ لِمُكَاتَبِ أَحَدِهِمَا، أَوْ قَرِيبِهِ، أَوْ لِأَجْنَبِيٍّ فَإِنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ رَبِّ الْأَرْضِ إنْ شُرِطَ عَمَلُهُ جَازَ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ هَذَا إذَا شَرَطَا قُفْزَانًا فَإِذَا شَرَطَا كُلَّهُ قَالَ فَلَوْ شُرِطَ الْخَارِجُ كُلُّهُ لِأَحَدِهِمَا فَإِنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ رَبِّ الْأَرْضِ جَازَ، وَالْخَارِجُ كُلُّهُ لِلْمَشْرُوطِ لَهُ فَيَكُونُ الْعَامِلُ مُتَبَرِّعًا بِعَمَلِهِ، وَإِنْ شَرَطَاهُ لِتَعَامُلٍ جَازَ وَيَكُونُ رَبُّ الْأَرْضِ أَعَارَهُ أَرْضَهُ وَاسْتَقْرَضَ بَذْرَهُ فَإِنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ الْمُزَارِعِ وَشَرَطَا جَمِيعَ الْخَارِجِ لِأَحَدِهِمَا فَهُوَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ أَنْ يَقُولَ ازْرَعْ أَرْضِي بِبَذْرِك فَيَكُونَ الْخَارِجُ كُلُّهُ لِي فَهُوَ فَاسِدٌ وَالْخَارِجُ كُلُّهُ لِرَبِّ الْبَذْرِ وَعَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِ الْأَرْضِ الثَّانِي أَنْ يَقُولَ كُلُّهُ لَك وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا جَازَ وَصَارَ مُعِيرًا أَرْضَهُ مِنْهُ الثَّالِثُ أَنْ يَقُولَ ازْرَعْ أَرْضِي بِبَذْرِك الجزء: 8 ¦ الصفحة: 183 عَلَى أَنَّ الْخَارِجَ بَيْنَنَا نِصْفَانِ وَالْبَذْرَ قَرْضٌ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ، وَالرَّابِعُ أَنْ يَقُولَ ازْرَعْ أَرْضِي بِبَذْرِك عَلَى أَنْ يَكُونَ كُلُّهُ لَك فَهِيَ فَاسِدَةٌ وَالْخَارِجُ كُلُّهُ لِرَبِّ الْأَرْضِ وَصَارَ مُسْتَقْرِضًا لِلْبَذْرِ. وَكَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَأَمَّا إذَا شَرَطَا لِأَحَدِهِمَا مَا عَلَى الْمَاذِيَانَاتِ وَهِيَ مَجْرَى الْمَاءِ وَالسَّوَاقِي، أَوْ يَدْفَعُ رَبُّ الْبَذْرِ بَذْرَهُ، أَوْ يَدْفَعُ الْخَرَاجَ فَلِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ فِي الْبَعْضِ، أَوْ الْكُلِّ، وَشَرْطُ صِحَّتِهَا أَنْ يَكُونَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا وَالْمُرَادُ بِالْخَرَاجِ الْخَرَاجُ الْمُوَظَّفُ نِصْفًا، أَوْ ثُلُثًا، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ أَمَّا الْجُزْءُ الشَّائِعُ فَلَا يَفْسُدُ اشْتِرَاطُهُ لِأَنَّهُ لَا يُؤَدِّي إلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ وَهِيَ حِيلَةٌ لِدَفْعِ قَدْرِ بَذْرِهِ لَوْ شَرَطَا لِأَحَدِهِمَا التِّبْنَ وَلِلْآخَرِ الْحَبَّ فَسَدَتْ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُصِيبَ الزَّرْعَ آفَةٌ فَلَا يَخْرُجَ إلَّا التِّبْنُ فَلَوْ شَرَطَا الْحَبَّ نِصْفَيْنِ وَلَمْ يَتَعَرَّضَا لِلتِّبْنِ صَحَّتْ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَقْصُودُ، وَالتِّبْنَ نِصْفَانِ وَلَوْ شَرَطَا الْحَبَّ نِصْفَيْنِ وَالتِّبْنَ لِرَبِّ الْأَرْضِ صَحَّتْ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يُخَالِفُهُ الْعَقْدُ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ وَلَوْ شَرَطَا التِّبْنَ لِلْعَامِلِ فَسَدَ فَلِأَنَّهُ شَرْطٌ مُخَالِفٌ لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ فَرُبَّمَا يُؤَدِّي إلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ بِأَنْ يُصِيبَ الزَّرْعَ آفَةٌ فَلَا يَنْعَقِدَ الْحَبُّ وَلَا يَخْرُجَ إلَّا التِّبْنُ قَالَ: وَالْعُشْرُ عَلَيْهِمَا عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ الْإِمَامِ عَلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ فَإِنْ لَمْ يَأْخُذْ الْإِمَامُ الْعُشْرَ فَهُوَ صَاحِبُ الْأَرْضِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا لَهُمَا وَلَوْ قَالَ صَاحِبُ الْأَرْضِ لِلْعَامِلِ: لَا أَدْرِي مَا يَأْخُذُ الْإِمَامُ الْعُشْرَ، أَوْ النِّصْفَ لِأَنَّ النِّصْفَ لِي بَعْدَمَا يَأْخُذُ جَازَتْ عِنْدَهُمَا كَذَا فِي الْمُحِيطِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (فَإِنْ صَحَّتْ فَالْخَارِجُ عَلَى الشَّرْطِ) لِصِحَّةِ الِالْتِزَامِ قَالَ فِي الْمُحِيطِ: وَأَمَّا الزِّيَادَةُ وَالْحَطُّ فِي الْمُزَارَعَةِ وَالْمُعَامَلَةِ فَالْأَصْلُ إنْ كَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ بِحَالٍ يَجُوزُ ابْتِدَاءُ الْمُزَارَعَةِ وَالْمُعَامَلَةِ جَازَتْ الزِّيَادَةُ فِيهِمَا، وَإِذَا أَدَّى أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فِي الْخَارِجِ فَإِنْ كَانَ حَالُ الزِّيَادَةِ قَبْلَ الِاسْتِحْصَادِ وَعِظَمِ التَّنَاهِي تَجُوزُ الزِّيَادَةُ لِأَنَّهُ يَجُوزُ ابْتِدَاءُ الْعَقْدِ مَا دَامَ قَابِلًا لِلزِّيَادَةِ، وَإِلَّا فَلَا وَالْحَطُّ جَائِزٌ فِي الْحَالَيْنِ حَالِ قَبُولِ الزِّيَادَةِ وَبَعْدَهَا لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ وَلَوْ بَاعَ الْأَرْضَ الْمَدْفُوعَةَ مُزَارَعَةً، أَوْ مُعَامَلَةً فَالْبَيْعُ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ الْمُزَارِعِ وَالْعَامِلِ فَإِنْ يُجِزْ تَبْقَ إلَى انْتِهَاءِ الْمُزَارَعَةِ وَالْمُعَامَلَةِ، وَيُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي إنْ شَاءَ انْتَظَرَ، أَوْ فَسَخَ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُؤَلِّفُ لِمَا إذَا وَقَعَ فِي الْعَقْدِ، أَوْ عَلَّقَ وَنَحْنُ نُبَيِّنُ ذَلِكَ قَالَ: وَفِيهِ أَيْضًا: دَفَعَ الْأَرْضَ وَالْبَذْرَ سَنَةً عَلَى أَنْ يَزْرَعَهَا بِغَيْرِ كِرَابٍ فَلِلْعَامِلِ رُبُعُ الْخَارِجِ، وَإِنْ كَرَبَهَا فَثُلُثُهُ، وَإِنْ كَرَبَ وَبَنَى فَنِصْفُهُ جَازَ مَا شَرَطَاهُ وَكَذَا لَوْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ جِهَةِ الْمُزَارِعِ. الْقِسْمُ الثَّانِي: دَفَعَ الْأَرْضَ عَلَى أَنْ يَزْرَعَهَا حِنْطَةً فَالْخَارِجُ كَذَا، وَإِنْ زَرَعَهَا شَعِيرًا فَكَذَا، وَإِنْ زَرَعَهَا سِمْسِمًا فَكَذَا فَهَذَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ أَمَّا إنْ قَالَ ازْرَعْهَا، أَوْ زَرَعَتْ فِيهَا، أَوْ زَرَعْت مِنْهَا، أَوْ زَرَعْت بَعْضًا مِنْهَا فَالْمُزَارَعَةُ فِي الْأَوَّلَيْنِ جَائِزَةٌ لِأَنَّهُ خَيَّرَهُ بَيْنَ الْعُقُودِ الثَّلَاثَةِ فَإِنْ زَرَعَ شَيْئًا مِنْ الْأَصْنَافِ الثَّلَاثَةِ فَالْخَارِجُ عَلَى مَا شَرَطَاهُ وَلَوْ قَالَ مَا زَرَعْت مِنْهَا، أَوْ بَعْضًا مِنْهَا فَالْمُزَارَعَةُ فَاسِدَةٌ لِأَنَّهُ إنْ زَرَعَ الْبَعْضَ حِنْطَةً وَالْبَعْضَ شَعِيرًا، أَوْ سِمْسِمًا فَذَلِكَ الْبَعْضُ مَجْهُولٌ وَلَوْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الْعَامِلِ وَشَرَطَا إنْ زَرَعَهَا حِنْطَةً فَبَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، وَإِنْ زَرَعَهَا شَعِيرًا فَذَلِكَ لِلْعَامِلِ جَازَ اسْتِحْسَانًا وَهُوَ فِي الْأَوَّلِ مُزَارَعَةٌ، وَفِي الثَّانِي إعَارَةُ الْأَرْضِ، ثُمَّ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ التَّخْيِيرَ بَيْنَ ثَلَاثَةٍ وَلَمْ يَذْكُرْ هَلْ يَجُوزُ التَّخْيِيرُ فِي أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ رَوَى هِشَامٌ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ. الْقِسْمُ الثَّالِثُ: دَفَعَ الْأَرْضَ عَلَى إنْ زَرَعَهَا بِبَذْرِهِ فِي أَوَّلِ جُمَادَى الْأُولَى فَالْخَارِجُ نِصْفَانِ، وَإِنْ أَخَّرَ فَالثُّلُثُ لِلْمُزَارِعِ فَالشَّرْطَانِ جَائِزَانِ عِنْدَهُمَا، وَبَيَانُ الدَّلِيلِ يُطْلَبُ فِيهِ اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ شَيْءٌ فَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ) لِأَنَّهَا إمَّا إجَارَةٌ، أَوْ شَرِكَةٌ فَإِنْ كَانَتْ إجَارَةً فَالْوَاجِبُ فِي الْعَقْدِ الصَّحِيحِ مِنْهَا الْمُسَمَّى وَهُوَ مَعْدُومٌ فَلَا يَسْتَحِقُّ غَيْرَهُ، وَإِنْ كَانَتْ شَرِكَةً فَالشَّرِكَةُ فِي الْخَارِجِ دُونَ غَيْرِهِ فَلَا يَسْتَحِقُّ غَيْرَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا فَسَدَتْ الْمُزَارَعَةُ وَلَمْ تُخْرِجْ الْأَرْضُ حَيْثُ يَسْتَحِقُّ أَجْرَ الْمِثْلِ فِي الْمُدَّةِ، وَعَدَمُ الْخُرُوجِ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَهُ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ وَاسْتُشْكِلَ بِمَنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا بِعَيْنٍ فَفَعَلَ الْأَجِيرُ وَهَلَكَتْ الْعَيْنُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَإِنَّهُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ فَلْيَكُنْ هَذَا مِثْلَهُ لِأَنَّ الْمُزَارَعَةَ قَدْ صَحَّتْ وَالْأَجْرَ مُسَمًّى وَهَلَكَ الْأَجْرُ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْأَجْرَ هَهُنَا هَلَكَ بَعْدَ التَّسْلِيمِ لِأَنَّ الْمُزَارِعَ قَبَضَ الْبَذْرَ الَّذِي يَتَفَرَّعُ مِنْهُ الْخَارِجُ وَقَبْضُ الْأَصْلِ قَبْضٌ لِفُرُوعِهِ وَالْآخَرُ الْمُعَيَّنُ إلَى الْأَجْرِ لَا يَجِبُ لِلْآخَرِ شَيْءٌ فَكَذَا هُنَا وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: هَذَا الْجَوَابُ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ فِي صُورَةِ اسْتِئْجَارِ الْأَرْضِ فَإِنَّ رَبَّ الْأَرْضِ لَا يَقْبِضُ الْبَذْرَ الَّذِي يَتَفَرَّعُ مِنْهُ الْخَارِجُ حَتَّى يَكُونَ قَبْضُهُ قَبْضًا لِفَرْعِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَمَنْ أَبَى عَنْ الْمُضِيِّ أُجْبِرَ إلَّا رَبَّ الْبَذْرِ) لِأَنَّهَا انْعَقَدَتْ إجَارَةً وَالْإِجَارَةُ عَقْدٌ لَازِمٌ، غَيْرَ أَنَّهَا تَنْفَسِخُ بِالْعُذْرِ فَإِنْ امْتَنَعَ صَاحِبُ الْبَذْرِ عَنْ الْمُضِيِّ فِيهَا كَانَ مَعْذُورًا لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْمُضِيُّ إلَّا بِإِتْلَافِ مَالِهِ وَهُوَ إلْقَاءُ الْبَذْرِ عَلَى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 184 الْأَرْضِ وَلَا يَدْرِي هَلْ يَخْرُجُ، أَوْ لَا فَصَارَ نَظِيرَ مَا لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِهَدْمِ دَارِهِ، ثُمَّ امْتَنَعَ، وَإِنْ امْتَنَعَ الْعَامِلُ أُجْبِرَ عَلَى الْعَمَلِ، وَإِنْ امْتَنَعَ رَبُّ الْبَذْرِ - وَالْأَرْضُ مِنْ قِبَلِهِ - بَعْدَمَا كَرَبَ الْأَرْضَ فَلَا شَيْءَ لَهُ فِي عَمَلِ الْكِرَابِ فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّ عَمَلَهُ إنَّمَا يُتَقَوَّمُ بِالْعَقْدِ وَقَدْ فَوَّتَهُ بِجُزْءٍ مِنْ الْخَارِجِ فَلَا خَارِجَ وَيَلْزَمُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى أَجْرُ مِثْلِهِ لَهُ كَيْ لَا يَكُونَ مَغْرُورًا مِنْ جِهَتِهِ لِأَنَّهُ يَتَضَرَّرُ بِهِ وَهُوَ مَدْفُوعٌ فَيُكْتَفَى بِإِرْضَائِهِ بِأَنْ يُوَفِّيَهُ أَجْرَ مِثْلِهِ. [تَبْطُلُ الْمُزَارَعَةِ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَتَبْطُلُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا) لِأَنَّهَا إجَارَةٌ وَهِيَ تَبْطُلُ بِمَوْتِ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ إذَا عَقَدَهَا لِنَفْسِهِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الْإِجَارَةِ وَهَذَا الْإِطْلَاقُ جَوَابُ الْقِيَاسِ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ إذَا مَاتَ وَقَدْ نَبَتَ الزَّرْعُ يَبْقَى عَقْدُ الْإِجَارَةِ حَتَّى يَحْصُدَ الزَّرْعَ، ثُمَّ يَبْطُلُ فِي الْبَاقِي لِأَنَّ فِي إبْقَائِهِ هَذِهِ الْمُدَّةَ مُرَاعَاةَ الْحَقَّيْنِ فَيَعْمَلُ الْعَامِلُ، أَوْ وَارِثُهُ عَلَى حَالِهِ فَإِذَا حَصَدَ يَقْسِمُ عَلَى مَا شَرَطَاهُ وَلَا ضَرُورَةَ فِي الْبَاقِي وَلَوْ مَاتَ رَبُّ الْأَرْضِ قَبْلَ الزَّرْعِ بَعْدَمَا كَرَبَ الْأَرْضَ وَحَفَرَ الْأَنْهَارَ انْتَقَضَتْ الْمُزَارَعَةُ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي ذَلِكَ إتْلَافُ مَالٍ عَلَى الزَّارِعِ وَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ بِمُقَابَلَةِ الْعَمَلِ لِأَنَّهُ يُقَوَّمُ بِالْخَارِجِ وَلَا خَارِجَ، وَلَا يَجِبُ شَيْءٌ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى حَيْثُ يُقْضَى بِإِرْضَائِهِ لِأَنَّهُ مَغْرُورٌ مِنْ جِهَتِهِ بِاخْتِيَارِهِ، وَإِذَا كَانَ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ دَيْنٌ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى قَضَائِهِ إلَّا بِبَيْعِ الْأَرْضِ فُسِخَتْ الْمُزَارَعَةُ قَبْلَ الزَّرْعِ وَبِيعَتْ بِالدَّيْنِ وَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ عَلَيْهِ فِي الْكَرْبِ وَحَفْرِ الْأَنْهَارِ وَلَوْ نَبَتَ الزَّرْعُ وَلَمْ يَحْصُدْ لَمْ يَبِعْ الْأَرْضَ بِالدَّيْنِ حَتَّى يَسْتَحْصِدَ الزَّرْعُ لِأَنَّ فِي الْبَيْعِ إبْطَالَ حَقِّ الْمُزَارِعِ وَالتَّأْخِيرُ أَهْوَنُ مِنْ الْإِبْطَالِ وَيُخْرِجُهُ الْقَاضِي مِنْ الْحَبْسِ إنْ كَانَ حَبَسَهُ بِهِ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَمْنَعْ بَيْعَ الْأَرْضِ لَمْ يَكُنْ مُمَاطِلًا وَالْحَبْسُ جَزَاءُ الْمُمَاطَلَةِ وَفِي الذَّخِيرَةِ لَوْ مَاتَ رَبُّ الْأَرْضِ بَعْدَ الزَّرْعِ قَبْلَ النَّبَاتِ هَلْ تَبْقَى الْمُزَارَعَةُ قَالَ بَعْضُهُمْ: تَبْقَى وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا تَبْقَى فَتُفْسَخُ وَفِيهَا أَيْضًا وَهَلْ يَحْتَاجُ فِي فَسْخِ الْمُزَارَعَةِ إلَى قَضَاءِ الْقَاضِي قِيلَ، وَفِي رِوَايَةِ الزِّيَادَاتِ يَحْتَاجُ إلَى الْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا، وَفِي رِوَايَةِ كِتَابِ الْمُزَارَعَةِ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا. اهـ. وَلَوْ مَاتَ الْمُزَارِعُ وَالزَّرْعُ بَقْلٌ فَلِوَرَثَتِهِ الْقِيَامُ عَلَيْهِ حَتَّى يُدْرِكَ صِيَانَةً لِحَقِّهِمْ فَإِنْ أَبَوْا عَلَى ذَلِكَ لَمْ يُجْبَرُوا لِأَنَّهُمْ لَمْ يَلْتَزِمُوا بِالْعَقْدِ ذَلِكَ وَرَبُّ الْأَرْضِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَعْطَى قِيمَةَ نَصِيبِهِمْ، وَإِنْ شَاءَ قَلَعَ، وَإِنْ شَاءَ أَنْفَقَ عَلَيْهِ حَتَّى يَسْتَحْصِدَ، وَيَرْجِعُ بِحِصَّةِ الزَّارِعِ فِي النَّفَقَةِ فِيهِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (فَإِنْ مَضَتْ الْمُدَّةُ وَالزَّرْعُ لَمْ يُدْرِكْ فَعَلَى الزَّارِعِ أَجْرُ مِثْلِ أَرْضِهِ حَتَّى يُدْرِكَ) يَعْنِي يَجِبُ عَلَى الْعَامِلِ أَجْرُ مِثْلِ أَرْضِ الْآخَرِ حَتَّى يَسْتَحْصِدَ وَظَاهِرُ الْعِبَارَةِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ جَمِيعُ الْأُجْرَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَلَوْ قَالَ فِي نَصِيبِهِ لَكَانَ أَوْلَى وَأَسْلَمَ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ قَدْ انْتَهَى بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ، وَفِي الْقَلْعِ ضَرَرٌ فَبَقَّيْنَاهُ بِأَجْرِ الْمِثْلِ إلَى أَنْ يَسْتَحْصِدَ فَيَجِبَ عَلَى غَيْرِ صَاحِبِ الْأَرْضِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الْأُجْرَةِ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى مَنْفَعَةَ الْأَرْضِ بِقَدْرِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ مَاتَ قَبْلَ إدْرَاكِ الزَّرْعِ حَيْثُ يُتْرَكُ إلَى الْحَصَادِ وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُزَارِعِ شَيْءٌ لِأَنَّا أَبْقَيْنَا عَقْدَ الْإِجَارَةِ هُنَا اسْتِحْسَانًا فَأَمْكَنَ اسْتِمْرَارُ الْعَامِلِ عَلَى مَا كَانَ مِنْ الْعَمَلِ أَمَّا هُنَا لَا يُمْكِنُ إلَّا بِانْقِضَاءِ الْمُدَّةِ فَيَتَعَيَّنُ إيجَابُ أَجْرِ الْمِثْلِ بِالْإِيفَاءِ وَكَأَنَّ الْعَمَلَ وَنَفَقَةَ الزَّرْعِ وَمَوْتَهُ بِالْحِفْظِ وَكَرْيَ الْأَنْهَارِ عَلَيْهِمَا، بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ قَبْلَ الْإِدْرَاكِ حَيْثُ لَا يَكُونُ الْكُلُّ عَلَى الْعَامِلِ وَلَوْ أَنْفَقَ أَحَدُهُمَا عَلَى الزَّرْعِ بِغَيْرِ أَمْر الْقَاضِي وَبِغَيْرِ أَمْر صَاحِبِهِ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ وَهُوَ غَيْرُ مُضْطَرٍّ إلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يُنْفِقَ بِأَمْرِ الْقَاضِي فَصَارَ نَظِيرَ تَرْمِيمِ الدَّارِ الْمُشْتَرَكِ، وَلَوْ أَرَادَ رَبُّ الْأَرْضِ أَنْ يَأْخُذَ الزَّرْعَ بَقْلًا لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِالْآخَرِ وَلَوْ أَرَادَ الزَّارِعُ أَنْ يَأْخُذَهُ بَقْلًا قِيلَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ اقْلَعْ الزَّرْعَ إنْ شِئْت فَيَكُونَ بَيْنَكُمَا، أَوْ أَعْطِهِ قِيمَةَ نَصِيبِهِ، أَوْ أَنْفِقْ أَنْتَ عَلَى الزَّرْعِ وَارْجِعْ عَلَيْهِ بِمَا أَنْفَقْت عَلَيْهِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ قَالَ وَلَا يَضْمَنُ الْمُزَارِعُ أَجْرَ مِثْلِ الْأَرْضِ لِأَنَّهُ لَمَّا رَضِيَ بِإِبْطَالِ حَقِّهِ لَمْ تَبْقَ الْإِجَارَةُ بَيْنَهُمَا وَلَوْ غَابَ الْمَزَارِعُ بَعْدَمَا زَرَعَ فَأَنْفَقَ رَبُّ الْأَرْضِ إلَى الْإِدْرَاكِ بِأَمْرِ الْقَاضِي رَجَعَ وَلَا سَبِيلَ لِلزَّارِعِ عَلَى الزَّرْعِ حَتَّى يُعْطِيَهُ النَّفَقَةَ كُلَّهَا لِأَنَّ الزَّارِعَ لَوْ كَانَ حَاضِرًا كَانَ الْكُلُّ عَلَيْهِ فَكَذَا لَوْ غَابَ وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي النَّفَقَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّارِعِ مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ، وَإِذَا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ قَبْلَ الْإِدْرَاكِ فَمَنْ أَنْفَقَ مِنْهُمَا بِغَيْرِ إذْنِ الْقَاضِي فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ، وَإِنْ أَنْفَقَ بِأَمْرِ الْقَاضِي رَجَعَ بِنِصْفِ مَا أَنْفَقَ. زَرَعَ الْمُزَارِعُ وَنَبَتَ فَاسْتُحِقَّتْ الْأَرْضُ لِلْمُسْتَحِقِّ الْقَلْعُ لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّهُمَا غَاصِبَانِ ثُمَّ الزَّارِعُ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الدَّافِعَ نِصْفَ قِيمَةِ الزَّرْعِ نَابِتًا وَإِنْ شَاءَ قَلَعَ مَعَهُ، وَإِنْ اُسْتُحِقَّتْ مَكْرُوبَةً قَبْلَ الزَّرْعِ لَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ هَذَا إذَا كَانَ الْبَذْرُ مِنْ جِهَةِ الْعَامِلِ فَإِنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ جِهَةِ رَبِّ الْأَرْضِ لَمْ يَذْكُرْهُ مُحَمَّدٌ وَقَالُوا: يُنْظَرُ إنْ كَانَ الِاسْتِحْقَاقُ قَبْلَ الزِّرَاعَةِ فَلَا شَيْءَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 185 لِلْعَامِلِ، وَإِنْ اُسْتُحِقَّتْ بَعْدَ الزِّرَاعَةِ إنْ شَاءَ قَلَعَ مَعَهُ وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَى الدَّافِعِ قِيلَ: بِأُجْرَةٍ مِثْلِ عَمَلِهِ كَمَا لَوْ دَفَعَ نَحْلًا مُعَامَلَةً، ثُمَّ اُسْتُحِقَّ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِأَجْرِ مِثْلِ عَمَلِهِ وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيُّ: يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِقِيمَةِ نَصِيبِهِ مِنْ الزَّرْعِ فَلَوْ أَجَازَ الْمُسْتَحِقُّ الْمُزَارَعَةَ هَلْ يَصِحُّ قَالُوا: إنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ جِهَةِ رَبِّ الْأَرْضِ لَا تَصِحُّ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَرِدْ عَلَى مِلْكِ الْمُسْتَحِقِّ، وَإِنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ جِهَةِ الْعَامِلِ تَصِحُّ إجَارَتُهُ قَبْلَ الزِّرَاعَةِ، وَبَعْدَهَا فَلَا تَصِحُّ كَذَا فِي الْمُحِيطِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَنَفَقَةُ الزَّرْعِ عَلَيْهِمَا بِقَدْرِ حُقُوقِهِمَا كَأُجْرَةِ الْحَصَادِ وَالرِّفَاعِ وَالدِّيَاسِ وَالتَّذْرِيَةِ) تَجِبُ عَلَيْهِمَا نَفَقَةُ الزَّرْعِ عَلَى قَدْرِ مِلْكِهِمَا بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْمُزَارَعَةِ كَمَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا أُجْرَةُ الْحَصَادِ وَالرِّفَاعِ وَالدِّيَاسَةِ وَالتَّذْرِيَةِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ بِانْقِضَاءِ مُدَّةِ الْمُزَارَعَةِ أَمَّا نَفَقَةُ الزَّرْعِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ فَلِمَا بَيَّنَّا وَأَمَّا وُجُوبُ الْحَصَادِ وَمَا ذُكِرَ فَلِأَنَّ عَقْدَ الْمُزَارَعَةِ يُوجِبُ عَلَى الْعَامِلِ عَمَلًا يَحْتَاجُ إلَيْهِ إلَى انْتِهَاءِ الزَّرْعِ لِيَزْدَادَ الزَّرْعُ بِذَلِكَ فَيَبْقَى ذَلِكَ بِاشْتِرَاكٍ بَيْنَهُمَا فَيَجِبُ عَلَيْهِمَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (فَإِنْ شَرَطَاهُ عَلَى الْعَامِلِ فَسَدَتْ) يَعْنِي شَرَطَا الْعَمَلَ الَّذِي يَكُونُ بَعْدَ انْتِهَاءِ الزَّرْعِ كَالْحَصَادِ وَمَا ذَكَرْنَاهُ عَلَى الْعَامِلِ، أَوْ النَّفَقَةِ فَسَدَتْ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ، وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَقْتَضِي عَمَلَ الْمُزَارِعِ وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ لَيْسَتْ مِنْ أَفْعَالِ الْمُزَارَعَةِ فَكَانَتْ أَجْنَبِيَّةً فَيَكُونُ شَرْطُهَا مُفْسِدًا كَشَرْطِ الْحَمْلِ وَالطَّحْنِ عَلَى الْعَامِلِ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: أَنَّهَا تَصِحُّ مَعَ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ عَلَى الْعَامِلِ، وَمَشَايِخُ بَلْخٍ كَانُوا يُفْتُونَ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ وَيَزِيدُونَ عَلَى هَذَا وَيَقُولُونَ: وَيَجُوزُ شَرْطُ التَّنْقِيَةِ وَالْحَمْلِ إلَى مَنْزِلِهِ عَلَى الْعَامِلِ لِأَنَّ الْمُزَارَعَةَ عَلَى هَذِهِ الشُّرُوطِ مُتَعَامَلَةٌ بَيْنَ النَّاسِ وَيَجُوزُ تَرْكُ الْقِيَاسِ بِالتَّعَامُلِ، أَوْ اخْتَارَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ رِوَايَةَ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ: هُوَ الْأَصَحُّ فِي دِيَارِنَا وَلَوْ شُرِطَ الْجَذَاذُ عَلَى الْعَامِلِ وَالْحَصَادُ عَلَى غَيْرِ الْعَامِلِ لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ لِعَدَمِ التَّعَامُلِ لَوْ أَرَادَ فَصْلَ الْفَصِيلِ أَوْ جَدَّ التَّمْرِ بُسْرًا، أَوْ الْتِقَاطَهُ الرُّطَبَ كَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ عَلَيْهِمَا وَفِي الْأَصْلِ، وَإِذَا أَدْرَكَ الْبَاذِنْجَانُ، أَوْ الْبِطِّيخُ فَالْتِقَاطُ ذَلِكَ عَلَيْهِمَا وَالْحَمْلُ وَالْبَيْعُ عَلَيْهِمَا وَكَذَا الْحَصَادُ عَلَيْهِمَا. اهـ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة وَكُلُّ عَمَلٍ يَزِيدُ فِي الزَّرْعِ وَلَا بُدَّ لِلْمُزَارِعِ مِنْهُ يَجِبُ عَلَى الْمُزَارِعِ شُرِطَ عَلَيْهِ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يُشْرَطْ عَلَيْهِ ذَلِكَ كَالسَّفَرِ وَغَيْرِهِ. اهـ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [كِتَابُ الْمُسَاقَاةِ] (كِتَابُ الْمُسَاقَاةِ) قَالَ: فِي غَايَةِ الْبَيَانِ كَانَ مِنْ حَقِّ الْوَضْعِ أَنْ يُقَدَّمَ كِتَابُ الْمُسَاقَاةِ عَلَى كِتَابِ الْمُزَارَعَةِ لِأَنَّ الْمُسَاقَاةَ جَائِزَةٌ بِلَا خِلَافٍ وَلِهَذَا قَدَّمَ الطَّحَاوِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ كِتَابَ الْمُسَاقَاةِ عَلَى كِتَابِ الْمُزَارَعَةِ إلَّا أَنَّ الْمُزَارَعَةَ لَمَّا كَانَتْ كَثِيرَةَ الْوُقُوعِ فِي عَامَّةِ الْبِلَادِ كَانَتْ الْحَاجَةُ إلَيْهَا أَكْثَرَ مِنْ الْمُسَاقَاةِ فَقُدِّمَتْ عَلَى الْمُسَاقَاةِ اهـ. وَلَك أَنْ تَقُولَ: وَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ أَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا دَفْعًا إلَّا أَنَّ فِي الْمُزَارَعَةِ دَفْعَ الْأَرْضِ وَهِيَ الْأَصْلُ وَفِي الْمُسَاقَاةِ الْمَقْصُودُ دَفْعُ الْأَشْجَارِ وَهِيَ فَرْعٌ فَقُدِّمَ الْأَصْلُ وَهُوَ دَفْعُ الْأَرْضِ وَهِيَ فِي اللُّغَةِ مُفَاعَلَةٌ مِنْ السَّقْيِ وَسَبَبُ جَوَازِهَا حَاجَةُ النَّاسِ إلَيْهَا، وَرُكْنُهَا الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ وَالِارْتِبَاطُ، وَدَلِيلُهَا مَا تَقَدَّمَ فِي الْمُزَارَعَةِ، وَشَرْطُهَا كَوْنُ الْعَاقِدِ وَالسَّاقِي مِنْ أَهْلِ الْعَقْدِ، وَشَرْطُ صِحَّتِهَا كَوْنُ الثَّمَرَةِ تَزِيدُ بِالْعَمَلِ، وَصِفَتُهَا أَنَّهَا جَائِزَةٌ وَحُكْمُهَا وُجُوبُ الشَّرِكَةِ فِي الْخَارِجِ وَعِنْدَ الْفُقَهَاءِ مَا سَنَذْكُرُهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (هِيَ مُعَاقَدَةُ دَفْعِ الْأَشْجَارِ إلَى مَنْ يَعْمَلُ فِيهَا عَلَى أَنَّ الثَّمَرَةَ بَيْنَهُمَا) فَقَوْلُهُ " مُعَاقَدَةُ " جِنْسٌ وَقَوْلُهُ " دَفْعِ الْأَشْجَارِ " أَخْرَجَ الْبَيْعَ لِأَنَّهُ عَقْدُ تَمْلِيكِ الْعَيْنِ لَا دَفْعِهَا، وَقَوْلُهُ " إلَى مَنْ يَعْمَلُ فِيهَا " أَخْرَجَ الْإِجَارَةَ لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ فِيهَا دَفْعٌ لِلِانْتِفَاعِ لَا لِيَعْمَلَ فِيهَا، وَقَوْلُهُ " عَلَى أَنَّ الثَّمَرَةَ بَيْنَهُمَا " أَخْرَجَ الْمُزَارَعَةَ وَأَطْلَقَ مَنْ يَعْمَلُ فَشَمِلَ الشَّرِيكَ وَغَيْرَهُ وَلَوْ زَادَ الْأَجْنَبِيَّ لِيَعْمَلَ فِيهَا إلَخْ لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّهُ لَوْ دَفَعَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ وَهُمَا مَالِكَانِ لَا يَصِحُّ قَالَ فِي فَتَاوَى الْفَضْلِيِّ إذَا كَانَ النَّخْلُ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَدَفَعَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ مُعَامَلَةً عَلَى أَنْ يَقُومَ عَلَيْهِ وَيَسْقِيَهُ وَمَا خَرَجَ فَهُوَ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا ثُلُثُهُ لِلدَّافِعِ وَثُلُثَاهُ لِلْعَامِلِ فَهَذِهِ الْمُعَامَلَةُ فَاسِدَةٌ وَلَوْ كَانَ مَكَانَهَا مُزَارَعَةٌ بِأَنْ كَانَتْ أَرْضٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَدَفَعَهَا أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ مُزَارَعَةً عَلَى أَنَّ الْخَارِجَ ثُلُثُهُ لِلدَّافِعِ وَثُلُثَاهُ لِلْعَامِلِ جَازَ عَلَى أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَهِيَ كَالْمُزَارَعَةِ) يَعْنِي لَا يَجُوزُ عِنْدَ الْإِمَامِ وَيَجُوزُ عِنْدَهُمَا، وَشَرْطُهَا عِنْدَهُمَا شُرُوطُ الْمُزَارَعَةِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا إلَّا فِي أَرْبَعَةِ أَشْيَاءِ أَحَدُهَا إذَا امْتَنَعَ أَحَدُهُمَا يُجْبَرُ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي الْمُضِيِّ بِخِلَافِ الْمُزَارَعَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ الثَّانِي إذَا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ تُتْرَكُ بِلَا أُجْرَةٍ عَلَى مَا تَبَيَّنَ بِخِلَافِ الْمُزَارَعَةِ الثَّالِثُ إذَا اُسْتُحِقَّ النَّخْلُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 186 يَرْجِعُ الْعَامِلُ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ وَالزَّارِعُ بِقِيمَةِ الزَّرْعِ وَالرَّابِعُ فِي بَيَانِ الْمُدَّةِ فَإِذَا لَمْ يُبَيِّنْ الْمُدَّةَ فِيهَا فَيَجُوزُ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّ التَّيَقُّنَ وَقْتَ إدْرَاكِ الثَّمَرَةِ مَعْلُومٌ وَقَلَّ مَا يَتَفَاوَتُ فِيهِ فَيَدْخُلُ مَا هُوَ الْمُتَيَقَّنُ بِهِ، وَإِدْرَاكُ الْبَذْرِ فِي أُصُولِ الرُّطَبَةِ فِي هَذَا بِمَنْزِلَةِ إدْرَاكِ الثِّمَارِ لِأَنَّ لَهَا نِهَايَةً مَعْلُومَةً فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا بَيَانُ الْمُدَّةِ بِخِلَافِ الزَّرْعِ لِأَنَّ ابْتِدَاءَهُ يَخْتَلِفُ، وَالِانْتِهَاءَ يَنْبَنِي عَلَيْهِ فَتَدْخُلُهُ الْجَهَالَةُ الْفَاحِشَةُ وَبِخِلَافِ مَا إذَا دَفَعَ إلَيْهِ غَرْسًا قَدْ نَبَتَ وَلَمْ يُثْمِرْ بَعْدُ مُعَامَلَةً حَيْثُ لَا يَجُوزُ إلَّا بِبَيَانِ الْمُدَّةِ لِأَنَّهُ يَتَفَاوَتُ بِقُوَّةِ الْأَرْضِ وَضَعْفِهَا تَفَاوُتًا فَاحِشًا فَلَا يُمْكِنُ صَرْفُهُ إلَى أَوَّلِ ثَمَرٍ يَخْرُجُ مِنْهُ وَبِخِلَافِ مَا إذَا دَفَعَ نَخْلًا، أَوْ أُصُولَ رُطَبَةٍ عَلَى أَنْ يُقِيمَ عَلَيْهَا حَتَّى يَذْهَبَ أُصُولُهَا وَنَبْتُهَا لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ مَتَى يَنْقَطِعُ النَّخْلُ. أَوْ الرُّطَبُ لِأَنَّ الرُّطَبَ ثَمَرٌ مَا دَامَتْ أُصُولُهَا فَتَكُونُ مَجْهُولَةً فَتَفْسُدُ الْمُسَاقَاةُ وَكَذَا إذَا أَطْلَقَ فِي الرُّطَبَةِ وَلَمْ يُرِدْ فِي قَوْلِهِ حَتَّى يَذْهَبَ بِخِلَافِ مَا إذَا أَطْلَقَ فِي النَّخْلِ حَيْثُ يَجُوزُ وَيَنْصَرِفُ إلَى أَوَّلِ ثَمَرَةٍ تَخْرُجُ مِنْهُ وَالْفَرْقُ أَنَّ ثَمَرَ النَّخْلِ لِإِدْرَاكِهِ وَقْتٌ مَعْلُومٌ فَيَنْصَرِفُ إلَيْهِ وَلَا يُعْرَفُ فِي الرُّطَبَةِ أَوَّلُ جُزْءٍ مِنْهُ حَتَّى لَوْ عُرِفَ جَازَ لِعَدَمِ الْجَهَالَةِ وَلَوْ أَطْلَقَ فِي النَّخْلِ وَلَمْ يُثْمِرْ فِي تِلْكَ السَّنَةِ انْقَطَعَتْ الْمُعَامَلَةُ فِيهَا لِانْتِهَاءِ مُدَّتِهَا فَإِنْ سَمَّى فِيهَا مُدَّةً يَعْلَمُ أَنَّ الثَّمَرَةَ لَا تَخْرُجُ فِي الْمُدَّةِ فَسَدَتْ الْمُسَاقَاةُ لِفَوَاتِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ الشَّرِكَةُ فِي الثِّمَارِ، وَإِنْ ذَكَرَا مُدَّةً يُحْتَمَلُ الطُّلُوعُ فِيهَا جَازَتْ لِعَدَمِ التَّيَقُّنِ بِفَوَاتِ الْمَقْصُودِ، ثُمَّ إنْ خَرَجَ فِي الْوَقْتِ الْمُسَمَّى فَهُوَ عَلَى الشَّرِكَةِ لِصِحَّةِ الْعَقْدِ، وَإِنْ تَأَخَّرَ فَلِلْعَامِلِ أَجْرُ مِثْلِهِ لِفَسَادِ الْعَقْدِ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ الْخَطَأُ فِي الْمُدَّةِ فَصَارَ كَمَا لَوْ عَلِمَ ذَلِكَ ابْتِدَاءً بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَخْرُجْ أَصْلًا لِأَنَّ الذَّهَابَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فَلَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ الْعَقْدَ كَانَ فَاسِدًا فَبَقِيَ الْعَقْدُ صَحِيحًا وَلَا شَيْءَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ وَفِي الْخُلَاصَةِ، وَإِنْ ذَكَرَا مُدَّةً قَدْ يَخْرُجُ وَقَدْ لَا يَخْرُجُ فَهِيَ مَوْقُوفَةٌ إنْ أَخْرَجَتْ فِي الْمُدَّةِ صَحَّتْ، وَإِنْ لَمْ تُخْرِجْ فَسَدَتْ وَهَذَا إذَا خَرَجَتْ فِي الْمُدَّةِ الْمَضْرُوبَةِ مَا يُرْغَبُ فِي مِثْلِهِ فَإِنْ أَخْرَجَتْ فِي شَيْءٍ لَا يُرْغَبُ فِي مِثْلِهِ فَهِيَ فَاسِدَةٌ. اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ رُطَبَةً ثَابِتَةً فِي الْأَرْضِ وَقَدْ انْتَهَى جَوَازُهَا لَكِنْ بَذْرُهَا لَمْ يَخْرُجْ لِيُقَوَّمَ لِيَخْرُجَ الْبَذْرُ عَلَى أَنَّ الْبَذْرَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَلَمْ يُسَمِّيَا وَقْتًا جَازَ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْأُجْرَةَ بَعْضَ مَا يَخْرُجُ مِنْ عَمَلِهِ وَلَوْ شَرَطَا أَنَّ الرُّطَبَةَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ لَمْ تَجُزْ لِأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ بِبَعْضِ مَا أُوجِدَ قَبْلَ عَمَلِهِ مَقْصُودًا، وَفِي جَامِعِ الْفَتَاوَى وَلَوْ دَفَعَ أَرْضًا مُعَامَلَةً خَمْسَمِائَةِ سَنَةٍ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ شَرَطَ مِائَةَ سَنَةٍ وَهُوَ ابْنُ عِشْرِينَ سَنَةً جَازَ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ سَنَةً لَمْ يَجُزْ اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَتَصِحُّ فِي الْكَرْمِ وَالشَّجَرِ وَالرُّطَبِ وَأُصُولِ الْبَاذِنْجَانِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: فِي الْجَدِيدِ لَا تَجُوزُ إلَّا فِي الْكَرْمِ وَالنَّخْلِ وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَلَ أَهْلَ خَيْبَرَ عَلَى مَا يَخْرُجُ مِنْ ثَمَرٍ» وَهَذَا مُطْلَقٌ فَلَا يَجُوزُ قَصْرُهُ عَلَى بَعْضِ الْأَشْجَارِ دُونَ بَعْضٍ لِأَنَّهُ تَقْيِيدٌ فَلَا يَجُوزُ بِالرَّأْيِ وَفِي فَتَاوَى أَبِي اللَّيْثِ دَفَعَ كَرْمًا مُعَامَلَةً وَفِيهِ أَشْجَارٌ لَا تَحْتَاجُ إلَى عَمَلٍ سِوَى الْحِفْظِ فَإِنْ كَانَ بِحَالٍ لَوْ لَمْ تُحْفَظْ يَذْهَبُ ثَمَرُهَا قَبْلَ الْإِدْرَاكِ لَا تَجُوزُ الْمُعَامَلَةُ فِي تِلْكَ الْأَشْجَارِ وَلَا نَصِيبَ لِلْعَامِلِ فِيهَا، وَفِي التَّجْرِيدِ: رَجُلٌ دَفَعَ نَخْلًا إلَى رَجُلَيْنِ مُعَامَلَةً عَلَى أَنَّ لِأَحَدِهِمْ السُّدُسَ وَلِلْآخَرِ النِّصْفَ وَلِرَبِّ الْأَرْضِ الثُّلُثَ فَهِيَ جَائِزَةٌ وَلَوْ شَرَطُوا لِصَاحِبِ النَّخْلِ الثُّلُثَ وَلِلْآخَرِ الثُّلُثَيْنِ وَلِلثَّالِثِ أَجْرَ مِائَةٍ عَلَى الْعَامِلِ فَهَذَا فَاسِدٌ وَالْخَارِجُ كُلُّهُ لِرَبِّ النَّخْلِ وَيَرْجِعُ الْعَامِلُ الَّذِي شُرِطَ لَهُ الثُّلُثَانِ عَلَى رَبِّ النَّخْلِ وَلِرَبِّ النَّخْلِ الثُّلُثَانِ وَلِلثَّالِثِ الثُّلُثُ فَهِيَ جَائِزَةٌ، وَفِي جَامِعِ الْفَتَاوَى لَوْ دَفَعَ إلَى رَجُلَيْنِ جَازَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا دَفَعَ أَرْضَهُ مُعَامَلَةً عَلَى أَنْ يَغْرِسَ الْعَامِلُ فِيهَا أَغْرَاسًا وَالْغِرَاسُ يَكُونُ بَيْنَهُمَا فَهَذَا يَجُوزُ فَإِذَا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ فَلِرَبِّ الْأَرْضِ أَنْ يُطَالِبَهُ بِقَلْعِ الْأَشْجَارِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَمَلَّكَهَا بِغَيْرِ رِضَا الْمُسْتَأْجِرِ إذَا لَمْ يَضُرَّ الْقَلْعُ بِالْأَرْضِ فَإِنْ كَانَ يَضُرُّهَا ضَرَرًا فَاحِشًا فَلَهُ أَنْ يَتَمَلَّكَهَا بِغَيْرِ رِضَاهُ وَفِي الْفَتَاوَى الْعَتَّابِيَّةِ: إذَا دَفَعَ أَرْضَهُ لِلْغِرَاسِ عَلَى أَنَّ الْغِرَاسَ بَيْنَهُمَا فَإِنْ كَانَ الْغِرَاسُ مِنْ جَانِبِ صَاحِبِ الْأَرْضِ فَغَرْسُ الْغِرَاسِ كُلِّهِ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ، وَإِنْ كَانَ لِلْعَامِلِ وَقَالَ لَهُ اغْرِسْهَا فَالْغِرَاسُ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ وَلِلْعَامِلِ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا. اهـ. وَفِي فَتَاوَى أَبِي اللَّيْثِ لَوْ غَرَسَ حَافَّتَيْ نَهْرٍ فَقَالَ رَجُلٌ: غَرَسْت لِي لِأَنَّك كُنْت خَادِمِي، وَفِي عِيَالِي وَقَالَ الْغَارِسُ لِنَفْسِي فَإِنْ عُرِفَ أَنَّ الْغَارِسَ كَانَ وَقْتَ الْغِرَاسِ فِي عِيَالِهِ يَعْمَلُ لَهُ مِثْلَ هَذَا الْعَمَلِ فَالشَّجَرُ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ ذَلِكَ فَلِلْغَارِسِ ذَلِكَ اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (فَإِنْ دَفَعَ نَخْلًا فِيهِ ثَمَرٌ مُسَاقَاةً وَالثَّمَرُ يَزِيدُ بِالْعَمَلِ صَحَّتْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 187 وَإِنْ انْتَهَتْ لَا كَالْمُزَارَعَةِ) لِأَنَّ الْعَامِلَ لَا يَسْتَحِقُّ إلَّا بِالْعَمَلِ وَلَا أَثَرَ لِلْعَمَلِ بَعْدَ التَّنَاهِي فَلَوْ جَازَ بَعْدَ الْإِدْرَاكِ لَا يَسْتَحِقُّ إلَّا بِلَا عَمَلٍ وَلَمْ يَرِدْ بِهِ الشَّرْعُ وَلَا يَجُوزُ إلْحَاقُهُ بِمَا قَبْلَ التَّنَاهِي لِأَنَّ جَوَازَهُ قَبْلَ التَّنَاهِي لِلْحَاجَةِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ وَلَا حَاجَةَ إلَى مِثْلِهِ فَبَقِيَ عَلَى الْأَصْلِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (فَإِذَا فَسَدَتْ فَلِلْعَامِلِ أَجْرُ مِثْلِهِ) لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الْإِجَارَةِ كَالْمُزَارَعَةِ إذَا فَسَدَتْ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ. [تَبْطُلُ الْمُسَاقَاةُ بِالْمَوْتِ] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَتَبْطُلُ بِالْمَوْتِ) لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الْإِجَارَةِ كَالْمُزَارَعَةِ فَإِنْ مَاتَ رَبُّ الْأَرْضِ، وَالْخَارِجُ بُسْرٌ فَلِلْعَامِلِ أَنْ يَقُومَ عَلَيْهِ كَمَا كَانَ يَقُومُ عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ إلَى أَنْ تُدْرِكَ الثَّمَرَةُ وَلَيْسَ لِوَرَثَتِهِ أَنْ يَمْنَعُوهُ مِنْ ذَلِكَ اسْتِحْسَانًا كَمَا فِي الْمُزَارَعَةِ لِأَنَّ فِي مَنْعِهِ إلْحَاقَ الضَّرَرِ بِهِ فَيَبْقَى الْعَقْدُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ وَلَا ضَرَرَ عَلَى الْوَرَثَةِ وَلَوْ الْتَزَمَ الْعَامِلُ الضَّرَرَ يُخَيَّرُ وَرَثَةُ الْآخَرِ بَيْنَ أَنْ يَقْسِمُوا الْبُسْرَ عَلَى الشَّرْطِ وَبَيْنَ أَنْ يُعْطُوهُ قِيمَةَ نَصِيبِهِ مِنْ الْبُسْرِ وَبَيْنَ أَنْ يُنْفِقُوا عَلَى الْبُسْرِ حَتَّى يُدْرِكَ فَيَرْجِعُونَ عَلَى الْعَامِلِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَرِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إلْحَاقُ الضَّرَرِ بِهِ كَمَا فِي الْمُزَارَعَةِ هَكَذَا ذَكَرَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَغَيْرُهُ، وَفِي رُجُوعِهِ فِي حِصَّتِهِ إشْكَالٌ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَرْجِعُوا عَلَيْهِ بِجَمِيعِهِ لِأَنَّ الْعَامِلَ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ بِالْعَمَلِ وَكَانَ الْعَمَلُ كُلُّهُ عَلَيْهِ وَلِهَذَا إذَا اخْتَارَ الْمُضِيَّ، أَوْ لَمْ يَمُتْ صَاحِبُهُ كَانَ الْعَمَلُ كُلُّهُ عَلَيْهِ فَلَوْ رَجَعُوا عَلَيْهِ بِحِصَّتِهِ فَقَطْ يُؤَدِّي إلَى أَنَّ الْعَمَلَ يَجِبُ عَلَيْهِمَا حَتَّى يَسْتَحِقَّ الْمُؤْنَةَ بِحِصَّتِهِ فَقَطْ وَهَذَا خُلْفٌ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى اسْتِحْقَاقِ الْعَامِلِ بِلَا عَمَلٍ فِي عَمَلِ بَعْضِ الْمُدَّةِ وَهَذَا الْإِشْكَالُ وَارِدٌ فِي الْمُزَارَعَةِ أَيْضًا كَذَا فِي الشَّارِحِ وَأَجَابَ بَعْضُ الْأَفَاضِلِ بِأَنَّ الْمَعْنَى يَرْجِعُونَ فِي حِصَّةِ الْعَامِلِ بِجَمِيعِ مَا أَنْفَقُوا إلَّا بِحِصَّتِهِ كَمَا فَهِمَهُ فَيُرَدُّ عَلَى هَذَا الْمُجِيبِ بِأَنَّ الْمَنْقُولَ فِي الْكَافِي لِلْعَلَّامَةِ النَّسَفِيِّ. وَفِي الْحَاكِمِ الشَّهِيدِ مَا نَصُّ عِبَارَتِهِ: وَيَرْجِعُونَ بِنِصْفِ نَفَقَتِهِمْ فِي حِصَّةِ الْعَامِلِ كَمَا فِي الْمُزَارَعَةِ اهـ. فَحَمْلُهُ غَيْرُ صَحِيحٍ نَقَلَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة فِي فَصْلِ الْمَوْتِ فِي الْمُزَارَعَةِ: إذَا أَنْفَقَ وَرَثَةُ رَبِّ الْأَرْضِ بِأَمْرِ الْقَاضِي يَرْجِعُونَ عَلَى الْمُزَارِعِ بِجَمِيعِ النَّفَقَةِ مُقَدَّرًا بِالْحِصَّةِ، وَإِذَا أَنْفَقَ رَبُّ الْأَرْضِ بِإِذْنِ الْقَاضِي يَرْجِعُ بِنِصْفِ النَّفَقَةِ. اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُعَامَلَةَ وَالْمُزَارَعَةَ مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ فَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ ظَهَرَ مَنْقُولًا وَلَوْ مَاتَ الْعَامِلُ فَلِوَرَثَتِهِ أَنْ يُقِيمُوا عَلَيْهِ وَلَيْسَ لِرَبِّ الْأَرْضِ أَنْ يَمْنَعَهُمْ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ فِيهِ النَّظَرَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَإِذَا أَرَادُوا أَنْ يَضْرِبُوهُ بُسْرًا كَانَ صَاحِبُ الْأَرْضِ بَيْنَ الْخِيَارَاتِ الثَّلَاثِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا، وَإِنْ مَاتَا جَمِيعًا فَالْخِيَارُ لِوَرَثَةِ الْعَامِلِ لِقِيَامِهِمْ مَقَامَهُ وَهَذَا خِيَارٌ فِي حَقٍّ مَالِيٍّ وَهُوَ تَرْكُ الثِّمَارِ عَلَى الْأَشْجَارِ إلَى وَقْتِ الْإِدْرَاكِ فَيُورَثُ بِخِلَافِ خِيَارِ الشَّرْطِ فَإِنْ أَبَوْا وَرَثَةُ الْعَامِلِ أَنْ يُقِيمُوا عَلَيْهِ كَانَ الْخِيَارُ فِي ذَلِكَ لِوَرَثَةِ رَبِّ الْأَرْضِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَإِذَا انْقَضَتْ مُدَّةُ الْعَامِلِ وَكَانَ الْخَارِجُ بُسْرًا أَخْضَرَ فَهُوَ كَالْمُزَارَعَةِ إذَا انْقَضَتْ مُدَّتُهَا لِلْعَامِلِ أَنْ يُقِيمَ عَلَيْهَا إلَى أَنْ تَنْتَهِيَ الثِّمَارُ كَمَا أَنَّ ذَلِكَ لِلْمُزَارِعِ لَكِنْ هُنَا لَا يَجِبُ عَلَى الْعَامِلِ أُجْرَةُ حِصَّتِهِ إلَّا أَنْ يُدْرِكَ لِأَنَّ الشَّجَرَ لَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُهُ بِخِلَافِ الْمُزَارَعَةِ حَيْثُ يَجِبُ عَلَى الْمُزَارِعِ أَجْرُ مِثْلِ الْأَرْضِ إلَى أَنْ يُدْرِكَ الزَّرْعُ لِأَنَّ الْأَرْضَ يَجُوزُ اسْتِئْجَارُهَا وَكَذَا الْعَمَلُ كُلُّهُ عَلَى الْعَامِلِ هُنَا وَفِي الْمُزَارَعَةِ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُ لَمَّا وَجَبَ أَجْرُ مِثْلِ الْأَرْضِ بَعْدَ انْتِهَاءِ الْمُدَّةِ فِي الْمُزَارَعَةِ لَا يَسْتَحِقُّ الْعَمَلَ عَلَيْهِ كَمَا كَانَ يَسْتَحِقُّ قَبْلَ انْتِهَائِهَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَتُفْسَخُ بِالْعُذْرِ كَالْمُزَارَعَةِ) بِأَنْ يَكُونَ الْعَامِلُ سَارِقًا، أَوْ مَرِيضًا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْعَمَلِ لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الْإِجَارَةِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهَا تُفْسَخُ بِالْأَعْذَارِ، وَكَوْنُهُ سَارِقًا عُذْرٌ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ يَسْرِقُ الثَّمَرَ وَالسَّعَفَ وَيَلْحَقُ الْآخَرَ الضَّرَرُ وَلَوْ أَرَادَ الْعَامِلُ تَرْكَ الْعَمَلِ فِي الصَّحِيحِ وَقِيلَ: يُمَكَّنُ، وَقِيلَ لَا يُمَكَّنُ بِالِاتِّفَاقِ قَالَ: أَصْلُهُ أَنَّ الْمُزَارَعَةَ لَازِمَةٌ مِنْ جِهَةِ مَنْ لَا بَذْرَ مِنْهُ غَيْرُ لَازِمَةٍ مِنْ جِهَةِ رَبِّ الْبَذْرِ، ثُمَّ مَسَائِلُهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ فِي الْمَوْتِ، وَقِسْمٌ فِي فَسْخِ الْعَقْدِ مِنْ قِبَلِهِ بِالدَّيْنِ، وَقِسْمٌ فِي انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ، وَإِذَا أَرَادَ رَبُّ الْأَرْضِ أَنْ يَفْسَخَ الْعَقْدَ وَلَيْسَ مِنْ قِبَلِهِ الْبَذْرُ قَبْلَ الْعَمَلِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَا وَفَاءَ إلَّا مِنْهُ فَإِنْ بَاعَهَا بِالدَّيْنِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ مِنْ نَفَقَةِ الْعَامِلِ شَيْءٌ فِي حَفْرِ الْأَنْهَارِ، وَإِصْلَاحِهَا لِأَنَّ الْمَنَافِعَ لَا تُتَقَوَّمُ إلَّا بِالْعَقْدِ، أَوْ شِبْهِهِ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ وَمَتَى كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِهِ بِأَنْ يَكُونَ مُسْتَأْجِرًا لِلْأَرْضِ فَإِنْ نَبَتَ الزَّرْعُ لَا يُبَاعُ حَتَّى يَسْتَحْصِدَ لَكِنَّ الْقَاضِيَ يُخْرِجُهُ مِنْ الْحَبْسِ وَلَا يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْغُرَمَاءِ لِأَنَّ فِي الْبَيْعِ إبْطَالَ حَقِّ الْعَامِلِ. وَفِي تَرْكِ الْبَيْعِ تَأْخِيرَ حَقِّ رَبِّ الدَّيْنِ، وَالتَّأْخِيرُ أَهْوَنُ مِنْ الْإِبْطَالِ فَلَوْ زَرَعَ وَلَمْ يَنْبُتْ فَقَدْ اخْتَلَفُوا فِيهِ قِيلَ: لِصَاحِبِ الْأَرْضِ بَيْعُهَا بِالدَّيْنِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلزَّرْعِ فِي الْأَرْضِ حَقٌّ قَائِمٌ لِأَنَّ إلْقَاءَ الْبَذْرِ اسْتِهْلَاكٌ وَقِيلَ لَيْسَ لَهُ الْبَيْعُ لِأَنَّ إلْقَاءَ الْبَذْرِ مِنْ الِاسْتِنْمَاءِ وَلَيْسَ بِاسْتِهْلَاكٍ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 188 وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي وَهُوَ مَا لَوْ دَفَعَهَا إلَيْهِ ثَلَاثَ سِنِينَ، ثُمَّ مَاتَ رَبُّ الْأَرْضِ فِي الْأُولَى قَبْلَ الْحَصَادِ يَبْقَى الزَّرْعُ حَتَّى يَسْتَحْصِدَ اسْتِحْسَانًا فَإِذَا حُصِدَ يَنْفَسِخُ فِي السَّنَتَيْنِ الْبَاقِيَتَيْنِ وَلَوْ مَاتَ قَبْلَ الزَّرْعِ بَطَلَتْ الْمُزَارَعَةُ، وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ الزِّرَاعَةِ قَبْلَ النَّبَاتِ اخْتَلَفُوا فِيهِ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا فِي الدَّيْنِ وَلَوْ مَاتَ الْمُزَارِعُ وَالزَّرْعُ بَقْلٌ فَقَدْ قَدَّمْنَا بَيَانَهُ وَهَذِهِ فُرُوعٌ ذَكَرْنَاهَا تَتْمِيمًا لِلْفَائِدَةِ وَلَوْ دَفَعَ أَرْضًا بَيْضَاءَ عَلَى أَنْ يَغْرِسَ فِيهَا نَخْلًا وَشَجَرًا عَلَى أَنَّ مَا خَرَجَ مِنْ شَجَرٍ، أَوْ نَخْلٍ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَعَلَى أَنَّ الْأَرْضَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَهَذَا فَاسِدٌ فَإِنْ فَعَلَ فَمَا خَرَجَ مِنْ الْأَرْضِ فَجَمِيعُهُ لِرَبِّ الْأَرْضِ وَلِلْغَارِسِ أَجْرُ مِثْلِ عَمَلِهِ دَفَعَ أَرْضًا عَلَى أَنْ يَغْرِسَهَا الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ لِنَفْسِهِ مَا بَدَا لَهُ وَيَزْرَعَهَا مِنْ عِنْدِهِ مَا بَدَا لَهُ عَلَى أَنَّ الْخَارِجَ نِصْفَانِ بَيْنَهُمَا وَلِلْعَامِلِ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ مِائَةَ دِرْهَمٍ فَهُوَ فَاسِدٌ، وَالْخَارِجُ لِلْغَارِسِ وَلِرَبِّ الْأَرْضِ أَجْرُ أَرْضِهِ وَلَوْ كَانَ الْبَذْرُ وَالْغِرَاسُ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ عَلَى أَنْ يَغْرِسَ وَيَبْذُرَهَا بِهِمَا وَالْخَارِجُ نِصْفَانِ بَيْنَهُمَا وَلِرَبِّ الْأَرْضِ عَلَى الْعَامِلِ مِائَةَ دِرْهَمٍ فَهُوَ فَاسِدٌ، وَالْخَارِجُ لِرَبِّ الْأَرْضِ وَلِلْعَامِلِ أَجْرُ مِثْلِهِ وَتَوْجِيهُهُ يُطْلَبُ مِنْ الْمُحِيطِ. وَاشْتِرَاطُ الْعَمَلِ فِي الْمُعَامَلَةِ وَالْمُزَارَعَةِ عَلَى أَقْسَامٍ أَحَدُهَا أَنْ يَشْتَرِطَا الْبَعْضَ عَلَى الْعَامِلِ وَسَكَتَا عَنْ الْبَاقِي أَوْ شَرَطَا بَعْضَهُ عَلَى الدَّافِعِ وَسَكَتَا عَنْ الْبَاقِي، أَوْ شَرَطَا بَعْضَهُ عَلَى الدَّافِعِ وَبَعْضَهُ عَلَى الْعَامِلِ، وَكُلُّ قِسْمٍ عَلَى قِسْمَيْنِ: الْأَوَّلُ لَوْ شَرَطَا الْبَعْضَ عَلَى الْعَامِلِ وَسَكَتَا عَنْ الْبَاقِي فَإِنْ كَانَ الْمَسْكُوتُ عَنْهُ لَا يَخْرُجُ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ إلَّا بِهِ، أَوْ يَخْرُجُ شَيْءٌ لَا يُرْغَبُ فِي مِثْلِهِ فَالْمُعَامَلَةُ فَاسِدَةٌ وَالثَّانِي لَوْ شَرَطَ عَلَى نَفْسِهِ السَّقْيَ وَالْحِفْظَ لَا غَيْرُ فَالْمُزَارَعَةُ فَاسِدَةٌ إلَّا إذَا عَلِمَ أَنَّ السَّقْيَ لَا يَزِيدُ فِيهِ، الثَّالِثُ: لَوْ شَرَطَ السَّقْيَ عَلَى رَبِّ النَّخْلِ وَالْحِفْظَ وَالتَّلْقِيحَ عَلَى الْعَامِلِ لَمْ يَجُزْ وَالْمُزَارَعَةُ كَالْمُعَامَلَةِ فِي هَذِهِ الْأَحْكَامِ إذَا كَانَ الْبَذْرُ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ وَتَوْجِيهُهُ يُطْلَبُ مِنْ الْمُحِيطِ، وَأَمَّا الْمُزَارَعَةُ إذَا شَرَطَ فِيهَا الْمُعَامَلَةَ فَالْمُعَامَلَةُ مَتَى شُرِطَتْ فِي الْمُزَارَعَةِ بِأَنْ دَفَعَ أَرْضًا فِيهَا نَخْلٌ عَلَى أَنْ يَزْرَعَهَا مِنْ بَذْرِهِ بِالنِّصْفِ وَعَلَى أَنْ يَعْمَلَ فِي النَّخْلِ وَيَسْقِيَهُ وَيُلْحِقَهُ بِالنِّصْفِ فَإِنَّهُ يُنْظَرُ إنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الْعَامِلِ فَسَدَتْ لِأَنَّهُمَا عَقْدَانِ اُشْتُرِطَ أَحَدُهُمَا فِي الْآخَرِ، وَإِنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ رَبِّ الْأَرْضِ جَازَ عَقْدٌ وَاحِدٌ لِأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ لِيَعْمَلَ فِي أَرْضِهِ وَنَخْلِهِ وَتَوْجِيهُهُ يُطْلَبُ مِنْ الْمُحِيطِ. وَأَمَّا لَوْ دَفَعَ الْمُزَارِعُ، أَوْ الْعَامِلُ الْأَرْضَ، أَوْ النَّخْلَ لِغَيْرِهِ مُزَارَعَةً أَوْ مُعَامَلَةً فَهِيَ عَلَى وَجْهَيْنِ: إمَّا أَنْ يَكُونَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ رَبِّ الْأَرْضِ، وَفِي هَذَا لَا يَمْلِكُ أَنْ يَدْفَعَ الْأَرْضَ مُزَارَعَةً أَوْ مُعَامَلَةً إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ رَبُّ الْبَذْرِ فِي ذَلِكَ، أَوْ يَقُولَ لَهُ: اعْمَلْ بِرَأْيِك وَلَكِنْ لَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ أَجِيرًا مِنْ مَالِهِ لِإِقَامَةِ عَمَلِ الْمُزَارَعَةِ، وَإِنْ قَالَ رَبُّ الْبَذْرِ: اعْمَلْ لِلَّهِ تَعَالَى بِرَأْيِك جَازَ لَهُ أَنْ يَدْفَعَهَا لِغَيْرِهِ مُزَارَعَةً، وَإِذَا لَمْ يَأْذَنْ لَهُ وَلَمْ يَقُلْ اعْمَلْ بِرَأْيِك فَدَفَعَهَا لِغَيْرِهِ مُزَارَعَةً فَصَارَ مُخَالِفًا غَاصِبًا وَبَطَلَتْ الْمُزَارَعَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّ الْأَرْضِ وَلِرَبِّ الْأَرْضِ أَنْ يُضَمِّنَ أَيَّهُمَا شَاءَ أُجْرَةَ الْأَرْضِ فَإِذَا ضَمَّنَ الْأَوَّلَ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى صَاحِبِهِ، وَإِنْ ضَمَّنَ الثَّانِيَ رَجَعَ عَلَى الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ مَغْرُورٌ مِنْ جِهَتِهِ كَذَا فِي الْفَتَاوَى الْكُبْرَى، وَأَمَّا لَوْ أَذِنَ لَهُ رَبُّ الْأَرْضِ، أَوْ قَالَ لَهُ: اعْمَلْ بِرَأْيِك فَدَفَعَهَا جَازَ، وَإِنْ كَانَ رَبُّ الْأَرْضِ شَرَطَ لِلْمُزَارِعِ النِّصْفَ فَدَفَعَهَا لِلثَّانِي بِالنِّصْفِ فَمَا خَرَجَ مِنْهَا فَنِصْفُهُ لِرَبِّ الْأَرْضِ وَنِصْفُهُ لِلْمُزَارِعِ الثَّانِي وَإِنْ شَرَطَ الْمُزَارِعُ الْأَوَّلُ لِلثَّانِي الرُّبُعَ وَلِلْأَوَّلِ الرُّبُعَ، وَحُكْمُهُمَا حُكْمُ الْمُضَارَبَةِ، وَفِي فَتَاوَى الْخُلَاصَةِ، وَإِنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الْعَامِلِ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ إلَى آخَرَ مُزَارَعَةٍ، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ رَبُّ الْأَرْضِ أَصْلًا وَلَوْ دَفَعَ صَارَ الزَّارِعُ الْأَوَّلُ مُؤَجِّرًا مَا إذَا اسْتَأْجَرَهُ إجَارَةً فَاسِدَةً صَارَ الْأَوَّلُ مُسْتَأْجِرًا لِلْمُزَارِعِ الثَّانِي بِبَعْضِ الْخَارِجِ وَيَعْمَلُ فِي الْأَرْضِ اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ إذَا عَمِلَ صَاحِبُ الْأَرْضِ مَعَ الْعَامِلِ بِأَمْرِهِ، أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَهُوَ عَلَى قِسْمَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ رَبِّ الْأَرْضِ، أَوْ مِنْ قِبَلِ الْعَامِلِ فَلَوْ كَانَ مِنْ قِبَلِ رَبِّ الْأَرْضِ بِأَنْ دَفَعَ أَرْضَهُ وَبَذْرَهُ مُزَارَعَةً بِالنِّصْفِ فَزَرَعَ الْعَامِلُ وَسَقَى فَلَمَّا نَبَتَ قَامَ عَلَيْهِ رَبُّ الْأَرْضِ حَتَّى اسْتَحْصَدَ بِغَيْرِ أَمْرِ الْعَامِلِ فَالْخَارِجُ عَلَى الشَّرْطِ وَرَبُّ الْأَرْضِ مُتَطَوِّعٌ بِعَمَلِهِ كَمَا لَوْ قَامَ عَلَيْهِ أَجْنَبِيٌّ وَلَوْ بَذَرَ الْمُزَارِعُ وَلَمْ يَنْبُتْ وَلَمْ يَسْقِهِ فَسَقَاهُ رَبُّ الْأَرْضِ وَقَامَ عَلَيْهِ حَتَّى اسْتَحْصَدَ فَالْخَارِجُ لِرَبِّ الْأَرْضِ قِيَاسًا، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ عَلَى الشُّرُوطِ وَرَبُّ الْأَرْضِ مُتَطَوِّعٌ كَمَا لَوْ قَامَ عَلَيْهِ أَجْنَبِيٌّ وَلَوْ لَمْ يَزْرَعْ الْعَامِلُ حَتَّى زَرَعَهُ رَبُّ الْأَرْضِ وَسَقَاهُ ثُمَّ قَامَ عَلَيْهِ الْمُزَارِعُ حَتَّى اسْتَحْصَدَ فَالْخَارِجُ لِرَبِّ الْأَرْضِ وَالْمُزَارِعُ مُتَطَوِّعٌ، وَإِنْ بَذَرَهُ رَبُّ الْأَرْضِ بِغَيْرِ إذْنِ الزَّارِعِ وَلَمْ يَسْقِهِ وَلَمْ يَنْبُتْ فَسَقَاهُ الْمُزَارِعُ وَقَامَ عَلَيْهِ حَتَّى اسْتَحْصَدَ فَالْخَارِجُ عَلَى الشَّرْطِ. الْقِسْمُ الثَّانِي: لَوْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الْمُزَارِعِ فَبَذَرَ وَلَمْ يَسْقِهِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 189 وَلَمْ يَنْبُتْ فَقَامَ عَلَيْهِ رَبُّ الْأَرْضِ حَتَّى اسْتَحْصَدَ فَالْخَارِجُ بَيْنَهُمَا وَكَذَا لَوْ بَذَرَهُ رَبُّ الْأَرْضِ وَلَمْ يَنْبُتْ وَلَمْ يَسْقِهِ حَتَّى قَامَ عَلَيْهِ الْمُزَارِعُ فَالْخَارِجُ عَلَى الشَّرْطِ وَلَوْ كَانَ رَبُّ الْأَرْضِ سَقَاهُ حَتَّى نَبَتَ، ثُمَّ قَامَ عَلَيْهِ الْمَزَارِعُ وَسَقَّاهُ فَهُوَ لِرَبِّ الْأَرْضِ، وَيَضْمَنُ الْبَذْرَ لِرَبِّهِ وَالْمُزَارِعُ مُتَطَوِّعٌ فِي سَقْيِهِ وَمَا عَلِمْته مِنْ الْجَوَابِ فِي الْمُزَارَعَةِ فَهُوَ الْجَوَابُ فِي الْمُعَامَلَةِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَأَمَّا لَوْ اخْتَلَفَا فِي الْمُزَارَعَةِ أَوْ الْمُعَامَلَةِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَخْتَلِفَا فِي الْعَقْدِ، أَوْ الشَّرْطِ أَوْ فِي جَوَازِ الْعَقْدِ وَفَسَادِهِ فَلَوْ اتَّفَقَا عَلَى جَوَازٍ وَاخْتَلَفَا فِي الْمَشْرُوطِ - وَالْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ رَبِّ الْأَرْضِ - إنْ كَانَ قَبْلَ الْمُزَارَعَةِ وَأَقَامَا بَيِّنَةً فَبَيِّنَةُ الزَّارِعِ أَوْلَى لِأَنَّهَا أَكْثَرُ إثْبَاتًا وَإِنْ لَمْ تَقُمْ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ تَحَالَفَا وَتَرَادَّا، وَإِنْ اخْتَلَفَا بَعْدَ الزِّرَاعَةِ وَالنَّبَاتِ فَالْقَوْلُ لِرَبِّ الْأَرْضِ مَعَ يَمِينِهِ وَالْبَيِّنَةُ لِلْآخَرِ، وَإِنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الْعَامِلِ فَالْقَوْلُ لَهُ وَالْبَيِّنَةُ لِلْآخَرِ بَعْدَ عَقْدِ الْمُزَارَعَةِ وَقَبْلَهَا يَتَحَالَفَانِ، وَبُدِئَ بِيَمِينِ رَبِّ الْأَرْضِ، وَأَمَّا لَوْ اخْتَلَفَا فِي الْجَوَازِ وَالْفَسَادِ فَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: أَمَّا إنْ اخْتَلَفَا قَبْلَ الزِّرَاعَةِ فَالْقَوْلُ لِمُدَّعِي الْفَسَادِ، وَإِنْ اخْتَلَفَا بَعْدَ الزِّرَاعَةِ فَالْقَوْلُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ هَذَا إذَا كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الْعَامِلِ فَإِنْ كَانَ مِنْ قِبَلِ رَبِّ الْأَرْضِ فَاخْتَلَفَا فَالْقَوْلُ لِلْعَامِلِ وَالْبَيِّنَةُ لِرَبِّ الْأَرْضِ سَوَاءٌ اخْتَلَفَا قَبْلَ الزَّرْعِ، أَوْ بَعْدَهُ، وَأَمَّا لَوْ اخْتَلَفَتْ وَرَثَتُهُمَا بَعْدَ مَوْتِهِمَا فَإِمَّا أَنْ يَخْتَلِفَا فِي مِقْدَارِ الْأَنْصِبَاءِ وَالْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الْعَامِلِ فَالْقَوْلُ لِوَرَثَةِ صَاحِبِ الْأَرْضِ وَالْبَيِّنَةُ لِلْآخَرِ، وَإِنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ فَالْقَوْلُ لِوَرَثَةِ صَاحِبِ الْبَذْرِ وَالْبَيِّنَةُ لِلْآخَرِ، وَإِنْ أَقَامَا مَعًا بَيِّنَةً فَبَيِّنَةُ صَاحِبِ الْبَذْرِ أَوْلَى، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي صَاحِبِ الْبَذْرِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ وَرَثَةِ الْمُزَارِعِ وَالْبَيِّنَةُ لِلْآخَرِ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْبَذْرِ، وَفِي شَرْطٍ وَأَقَامَا بَيِّنَةً فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ رَبِّ الْأَرْضِ، وَلَوْ مَاتَ الْمُزَارِعُ بَعْدَ الِاسْتِحْصَادِ وَلَمْ يُدْرَ مَا فُعِلَ بِحِصَّةِ الْمُزَارِعِ فَضَمَانُ حِصَّةِ الْمُزَارِعِ فِي مَالِهِ لِأَنَّهُ مَاتَ مُجْهِلًا لِلْوَدِيعَةِ وَلَوْ مَاتَ الْعَامِلُ بَعْدَمَا انْتَهَتْ الثَّمَرَةُ فَلَمْ يُوجَدْ فِي النَّخْلِ شَيْءٌ إنْ عُلِمَ خُرُوجُ الثَّمَرَةِ ضَمِنَ حِصَّةَ الْآخَرِ، وَإِلَّا فَلَا كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَتَفَاصِيلُهُ تُطْلَبُ مِنْهُ اهـ. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ، وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ. [كِتَابُ الذَّبَائِحِ] قَالَ جُمْهُورُ الشُّرَّاحِ: الْمُنَاسَبَةُ بَيْنَ الْمُزَارَعَةِ وَالذَّبَائِحِ كَوْنُهَا إتْلَافًا فِي الْحَالِ لِلِانْتِفَاعِ فِي الْمَآلِ فَإِنَّ الْمُزَارَعَةَ إتْلَافُ الْحَبِّ فِي الْأَرْضِ لِلِانْتِفَاعِ بِمَا يَنْبُتُ مِنْهَا، وَالذَّبْحُ إتْلَافُ الْحَيَوَانِ بِإِزْهَاقِ رُوحِهِ لِلِانْتِفَاعِ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ قِيلَ هَذَا إنَّمَا يَقْتَضِي تَعْقِيبَ الْمُزَارَعَةِ بِالذَّبَائِحِ دُونَ تَعْقِيبِ الْمُسَاقَاةِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُسَاقَاةَ كَالْمُزَارَعَةِ فِي غَالِبِ الْأَحْكَامِ فَكَانَتْ الْمُنَاسَبَةُ الْمَذْكُورَةُ بَيْنَ الْمُزَارَعَةِ وَالذَّبَائِحِ لِدُخُولِ الْمُسَاقَاةِ فِي الْمُزَارَعَةِ ضِمْنًا فَاكْتُفِيَ بِذَلِكَ، وَيُحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ تَفْسِيرِ الذَّكَاةِ لُغَةً وَشَرْعًا وَرُكْنِهَا وَشَرْطِ جَوَازِهَا وَحُكْمِهَا. أَمَّا تَفْسِيرُهَا لُغَةً فَهِيَ إمَّا مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْحِدَّةِ يُقَالُ سِرَاجٌ ذَكِيٌّ إذَا كَانَ يَرَاهُ فِي غَايَةِ الْحِدَّةِ وَيُقَالُ فُلَانٌ ذَكِيٌّ إذَا كَانَ سَرِيعَ الْفَهْمِ وَالْإِدْرَاكِ لِحِدَّةِ خَاطِرِهِ وَفَهْمِهِ وَيُقَالُ مِسْكٌ ذَكِيٌّ إذَا كَانَ طَيِّبَ الرَّائِحَةِ يَقُومُ مِنْهُ الرِّيحُ، وَإِمَّا مُشْتَقَّةٌ مِنْ الطَّهَارَةِ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «دِبَاغُ الْأَدِيمِ ذَكَاةٌ» أَيْ طَهَارَتُهُ وَقَالَ «ذَكَاةُ الْأَرْضِ يُبْسُهَا» أَيْ طَهَارَتُهَا، وَكِلَا الْمَعْنَيَيْنِ مَوْجُودٌ فِي الذَّكَاةِ فَإِنَّ فِيهَا حِدَّةً مِنْ حَيْثُ إنَّهَا مُسْرِعَةٌ إلَى الْمَوْتِ وَتُطَهِّرُ الْحَيَوَانَ عَنْ الدِّمَاءِ الْمَسْفُوحَةِ وَالرُّطُوبَاتِ السَّائِلَةِ النَّجِسَةِ ، وَأَمَّا رُكْنُهَا فَهُوَ الْقَطْعُ، وَالْجَرْحُ، وَأَمَّا شَرْطُهَا فَأَرْبَعَةٌ: آلَةٌ قَاطِعَةٌ جَارِحَةٌ، وَالثَّانِي كَوْنُ الذَّبْحِ مِمَّنْ لَهُ مِلَّةٌ حَقِيقَةً كَالْمُسْلِمِ، أَوْ ادِّعَاءً كَالْكَافِرِ، وَالثَّالِثُ كَوْنُ الْمَحَلِّ مِنْ الْمُحَلَّلَاتِ إمَّا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَمَأْكُولِ اللَّحْمِ أَوْ مِنْ وَجْهٍ كَغَيْرِهِ وَهُوَ مَا يُبَاحُ الِانْتِفَاعُ بِجِلْدِهِ وَشَعْرِهِ، وَالرَّابِعُ التَّسْمِيَةُ عِنْدَنَا لِمَا سَيَأْتِي، وَأَمَّا حُكْمُهَا فَطَهَارَةُ الْمَذْبُوحِ وَحِلُّ أَكْلِهِ إنْ كَانَ مِنْ الْمَأْكُولَاتِ وَطَهَارَةُ عَيْنِهِ لِلِانْتِفَاعِ إذَا كَانَ لَا يُؤْكَلُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَأَمَّا شَرْعًا فَهُوَ قَوْلُهُ: وَالذَّبْحُ إلَى آخِرِهِ، وَتَرْجَمَ بِالذَّبَائِحِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالذَّبَائِحِ الذَّبْحَ الَّذِي هُوَ الذَّكَاةُ وَالْمُؤَلِّفُ أَبْقَاهُ عَلَى ظَاهِرِهِ فَلِذَا قَالَ: (هِيَ جَمْعُ ذَبِيحَةٍ وَهِيَ اسْمٌ لِمَا يُذْبَحُ) يَعْنِي: الذَّبَائِحُ جَمْعُ ذَبِيحَةٍ وَالذَّبِيحَةُ اسْمٌ لِلشَّيْءِ الْمَذْبُوحِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُنَاسِبَ أَنْ يُتَرْجِمَ بِالذَّبْحِ لِأَنَّهُ فِعْلٌ وَالْمُكَلَّفُ إنَّمَا يَبْحَثُ عَنْ الْأَفْعَالِ أَوَّلًا بِالذَّاتِ لَا عَنْ الْأَعْيَانِ إلَّا بِطَرِيقِ التَّبَعِ وَقَوْلُهُ: جَمْعُ ذَبِيحَةٍ الْأَوْلَى تَرْكُهُ لِأَنَّ الْفَقِيهَ لَا يَبْحَثُ عَنْ الْإِفْرَادِ وَالْجَمْعِ وَإِنَّمَا يَبْحَثُ عَنْ الْأَحْكَامِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَالذَّبْحُ قَطْعُ الْأَوْدَاجِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَفْرِ الْأَوْدَاجَ بِمَا شِئْتَ» وَالْمُرَادُ الْحُلْقُومُ وَالْمَرِيءُ وَالْوَدَجَانِ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ عَنْهُ بِالْأَوْدَاجِ تَغْلِيبًا وَبِهِ يَحِلُّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 190 الْمَذْبُوحُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] وَلِأَنَّ الْمُحَرَّمَ هُوَ الدَّمُ الْمَسْفُوحُ وَبِالذَّبْحِ يَقَعُ التَّمْيِيزُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّحْمِ فَيَطْهُرُ بِهِ إنْ كَانَ غَيْرَ مَأْكُولٍ وَيُقَالُ: ذَكَاءُ السِّنِّ بِالْمَدِّ لِنِهَايَةِ الشَّبَابِ، وَذَكَاةُ النَّارِ بِالْقَصْرِ لِتَمَامِ اشْتِعَالِهَا، وَهِيَ اخْتِيَارِيَّةٌ وَاضْطِرَارِيَّةٌ فَالْأَوَّلُ الْجَرْحُ مَا بَيْنَ اللَّبَّةِ وَاللَّحْيَيْنِ وَالثَّانِي الْجَرْحُ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ مِنْ الْبَدَنِ وَهَذَا كَالْبَدَلِ عَنْ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ لَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْأَوَّلِ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَوَّلَ أَبْلَغُ فِي إخْرَاجِ الدَّمِ مِنْ الثَّانِي فَلَا يُتْرَكُ إلَّا بِالْعَجْزِ عَنْهُ وَيُكْتَفَى بِالثَّانِي لِلضَّرُورَةِ لِأَنَّ التَّكْلِيفَ بِحَسَبِ الْوُسْعِ وَذَهَبَ الْعِرَاقِيُّونَ مِنْ مَشَايِخِنَا إلَى أَنَّ الذَّبْحَ مَحْظُورٌ عَقْلًا لِمَا فِيهِ مِنْ إيلَامِ الْحَيَوَانِ وَلَكِنَّ الشَّرْعَ أَحَلَّهُ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي الْمَبْسُوطِ: وَهَذَا عِنْدِي بَاطِلٌ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَتَنَاوَلُ اللَّحْمَ قَبْلَ الْبِعْثَةِ وَلَا يُظَنُّ بِهِ أَنَّهُ كَانَ يَأْكُلُ ذَبَائِحَ الْمُشْرِكِينَ لِذَبْحِهِمْ بِأَسْمَاءِ آلِهَتِهِمْ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ كَانَ يَصْطَادُ وَيَذْبَحُ بِنَفْسِهِ وَمَا كَانَ يَفْعَلُ مَا هُوَ الْمَحْظُورُ عَقْلًا كَالْكَذِبِ وَالظُّلْمِ وَالسَّفَهِ. [ذَبِيحَةُ مُسْلِمٍ وَكِتَابِيٍّ] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَحَلَّ ذَبِيحَةُ مُسْلِمٍ وَكِتَابِيٍّ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] وَالْمُرَادُ بِهِ ذَبَائِحُهُمْ لِأَنَّ مُطْلَقَ الطَّعَامِ غَيْرِ الْمُذَكَّى يَحِلُّ مِنْ أَيِّ كَافِرٍ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا فَرْقَ فِي الْكِتَابِيِّ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ ذِمِّيًّا، أَوْ حَرْبِيًّا، وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يُذْكَرَ فِيهِ غَيْرُ اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى لَوْ ذَكَرَ الْكِتَابِيُّ الْمَسِيحَ، أَوْ عُزَيْرًا لَا يَحِلُّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ} [البقرة: 173] وَهُوَ كَالْمُسْلِمِ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَوْ أَهَلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ لَا يَحِلُّ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ الْكِتَابِيُّ إذَا أَتَى بِالذَّبِيحَةِ مَذْبُوحَةً أَكَلْنَا فَلَوْ ذَبَحَ بِالْحُضُورِ فَلَا بُدَّ مِنْ الشَّرْطِ وَهُوَ أَنْ لَا يَذْكُرَ غَيْرَ اسْمِ اللَّهِ وَلَا فَرْقَ فِي الذَّابِحِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ صَبِيًّا، أَوْ مَجْنُونًا قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْمُرَادُ بِالْمَجْنُونِ الْمَعْتُوهُ لِأَنَّ الْمَجْنُونَ لَا قَصْدَ لَهُ وَلَا بُدَّ مِنْ التَّسْمِيَةِ وَهِيَ الْقَصْدُ وَهُوَ أَنْ يَعْقِلَهَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَصَبِيٍّ وَامْرَأَةٍ وَأَخْرَسَ وَأَقْلَفَ) يَعْنِي تَحِلُّ ذَبِيحَةُ هَؤُلَاءِ وَالْمُرَادُ بِالصَّبِيِّ الَّذِي يَعْقِلُ التَّسْمِيَةَ وَيَضْبِطُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَا يَحِلُّ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ عَلَى الذَّبِيحَةِ شَرْطٌ بِالنَّصِّ وَذَلِكَ بِالْعَقْدِ وَصِحَّةُ الْعَقْدِ بِالْمَعْرِفَةِ وَالضَّبْطُ هُوَ أَنْ يَعْلَمَ شَرَائِطَ الذَّبْحِ مِنْ فَرْيِ الْأَوْدَاجِ وَالتَّسْمِيَةِ وَالْمَعْتُوهُ كَالصَّبِيِّ إذَا كَانَ ضَابِطًا وَالْقُلْفَةُ وَلَا الْفِرَاسَةُ لَا تَحِلُّ بِذَلِكَ فَيَحِلُّ وَالْأَخْرَسُ عَاجِزٌ عَنْ الذِّكْرِ فَيَكُونُ مَعْذُورًا وَتَقُومُ الْمِلَّةُ مَقَامَهُ كَالنَّاسِي بَلْ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَلْزَمُ. [ذَبِيحَة الْمَجُوسِيِّ وَالْوَثَنِيِّ وَالْمُرْتَدِّ وَالْمُحْرِمِ وَتَارِكِ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (لَا مَجُوسِيٍّ وَوَثَنِيٍّ وَمُرْتَدٍّ وَمُحْرِمٍ وَتَارِكِ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا) يَعْنِي لَا تَحِلُّ ذَبِيحَةُ هَؤُلَاءِ أَمَّا الْمَجُوسِيُّ فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ غَيْرَ نَاكِحِي نِسَائِهِمْ وَلَا آكِلِي ذَبَائِحِهِمْ» وَلِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ دِينٌ سَمَاوِيٌّ فَانْعَدَمَ التَّوْحِيدُ اعْتِقَادًا وَدَعْوَى، وَالْوَثَنِيُّ كَالْمَجُوسِيِّ فِيمَا ذَكَرْنَا لِأَنَّهُ مُشْرِكٌ مِثْلُهُ، وَأَمَّا الْمُرْتَدُّ فَلِأَنَّهُ لَا يُقَرُّ عَلَى مَا انْتَقَلَ إلَيْهِ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ نِكَاحُهُ بِخِلَافِ الْيَهُودِيِّ إذَا تَنَصَّرَ وَبِالْعَكْسِ أَوْ تَنَصَّرَ الْمَجُوسِيُّ، أَوْ تَهَوَّدَ لِأَنَّهُ يُقَرُّ عَلَى مَا انْتَقَلَ إلَيْهِ عِنْدَنَا فَتُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ وَلَوْ تَمَجَّسَ الْيَهُودِيُّ لَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ وَلَا فَرْقَ فِي الْمُرْتَدِّ بَيْنَ أَنْ يَرْتَدَّ إلَى دِينِ الْيَهُودِيَّةِ أَوْ النَّصْرَانِيَّةِ، أَوْ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَالْمُتَوَلِّدُ بَيْنَ الْكِتَابِيِّ وَالْمَجُوسِيِّ يُعْتَبَرُ كِتَابِيًّا، وَأَمَّا الْمُحْرِمُ فَالْمُرَادُ بِهِ فِي حَقِّ الصَّيْدِ لِأَنَّ ذَبِيحَتَهُ فِي حَقِّ الصَّيْدِ لَا تُؤْكَلُ لِأَنَّ فِعْلَهُ فِيهِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ وَكَذَا الْحَلَالُ فِي حَقِّ صَيْدِ الْحَرَمِ وَكَذَا الْكِتَابِيُّ لَوْ ذَبَحَ صَيْدًا فِي الْحَرَمِ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ، وَأَمَّا تَارِكُ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَك الْمُعَلَّمَ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ فَكُلْ» الْحَدِيثَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تُؤْكَلُ قَيَّدْنَا بِقَوْلِنَا عَمْدًا لِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَ التَّسْمِيَةَ نَاسِيًا يَحِلُّ أَكْلُهَا وَهُوَ مَذْهَبُ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالْمَشَايِخُ: إنَّ مَتْرُوكَ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا لَا يَسُوغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ حَتَّى لَوْ قَضَى الْقَاضِي بِجَوَازِ بَيْعِهِ لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ لِكَوْنِهِ مُخَالِفًا لِلْإِجْمَاعِ، وَلَوْ ذَبَحَ شَاتَيْنِ فَسَمَّى عَلَى الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ تَحِلُّ الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ وَلَوْ رَمَى سَهْمًا إلَى صُيُودٍ فَأَثْخَنَ الْكُلَّ يَكْفِيهِ تَسْمِيَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ حَصَلَ بِهَا ذَكَاةُ صُيُودٍ كَثِيرَةٍ، فَأَمَّا ذَبْحُ الشَّاةِ الثَّانِيَةِ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ تَسْمِيَةٍ ثَانِيَةٍ حَتَّى لَوْ أَضْجَعَ شَاتَيْنِ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى وَذَبَحَهُمَا بِحَدِيدَةٍ يَحِلَّانِ بِتَسْمِيَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَوْ أَضْجَعَ شَاةً لِيَذْبَحَهَا، ثُمَّ أَلْقَى تِلْكَ السِّكِّينَ وَأَخَذَ سِكِّينًا أُخْرَى فَذَبَحَ بِهَا لَا بَأْسَ بِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَخَذَ سَهْمًا فَوَضَعَ ذَلِكَ وَرَفَعَ آخَرَ وَلَمْ يُسَمِّ لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ فِي الذَّكَاةِ الِاخْتِيَارِيَّةِ مَشْرُوعَةٌ عَلَى الذَّبْحِ لَا عَلَى آلَتِهِ وَالذَّبِيحَةُ لَمْ تَتَغَيَّرْ، وَفِي الذَّكَاةِ الِاضْطِرَارِيَّةِ التَّسْمِيَةُ عَلَى الْآلَةِ لَا عَلَى الذَّبِيحَةِ وَالْآلَةُ قَدْ تَغَيَّرَتْ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَلَوْ أَضْجَعَ شَاةً وَسَمَّى فَأَرْسَلَهَا وَأَخَذَ غَيْرَهَا وَذَبَحَهَا بِتِلْكَ التَّسْمِيَةِ لَمْ تَجُزْ وَلَوْ رَمَى إلَى صَيْدٍ فَأَصَابَ آخَرَ يَحِلُّ لِمَا بَيَّنَّا. سَمَّى وَاشْتَغَلَ بِآخَرَ إنْ كَانَ قَلِيلًا كَمَا لَوْ كَلَّمَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 191 إنْسَانًا، أَوْ شَرِبَ مَاءً يَحِلُّ، وَإِنْ كَانَ طَوِيلًا فَلَا لِأَنَّ إيقَاعَ الذَّبْحِ مُتَّصِلٌ بِالتَّسْمِيَةِ بِحَيْثُ لَا يَتَخَلَّلُ بَيْنَهُمَا شَيْءٌ وَلَا يُمْكِنُ إلَّا بِجَرْحٍ فَأُقِيمَ الْمَجْلِسُ مَقَامَ الِاتِّصَالِ وَالْعَمَلُ الْقَلِيلُ لَا يَقْطَعُ الْمَجْلِسَ فَيَكُونُ مَذْبُوحًا عَلَى التَّسْمِيَةِ وَالْكَثِيرُ يَقْطَعُ فَيَفْصِلُ بَيْنَهُمَا فَيَكُونُ مَذْبُوحًا بِغَيْرِ تَسْمِيَةٍ. وَلَوْ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ جَازَ، نَوَى، أَوْ لَمْ يَنْوِ؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي التَّسْمِيَةِ وَظَاهِرُ حَالِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ التَّسْمِيَةَ عَلَى الذَّبِيحَةِ فَيَقَعُ عَنْهَا مَا لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الصَّرْفُ عَنْهَا حَتَّى لَوْ أَرَادَ بِهِ التَّسْمِيَةَ عَلَى غَيْرِهِ كَمَنْ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ وَأَرَادَ بِهِ إجَابَةَ الْأَذَانِ لَا افْتِتَاحَ الصَّلَاةِ وَلَمْ يَصِرْ شَارِعًا فِيهَا وَلَوْ سَبَّحَ، أَوْ حَمِدَ اللَّهَ، أَوْ كَبَّرَ يُرِيدُ بِهِ التَّسْمِيَةَ عَلَى الذَّبِيحَةِ تَحِلُّ، وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ كِنَايَةٌ عَنْ التَّسْمِيَةِ وَالْكِنَايَةُ إنَّمَا تَقُومُ مَقَامَ الصَّرِيحِ بِالنِّيَّةِ وَلَوْ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ بِغَيْرِ هَاءِ اللَّهِ إنْ أَرَادَ بِهِ التَّسْمِيَةَ يَحِلُّ، وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ قَدْ تَحْذِفُ حَرْفًا تَرْخِيمًا كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَفِي التَّتِمَّةِ رَجُلٌ ذَبَحَ لِلضَّيْفِ شَاةً فَذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا فَقَالَ: يَحِلُّ أَكْلُهُ وَلَوْ ذَبَحَ لِأَجْلِ قُدُومِ الْأَمِيرِ أَوْ قُدُومِ وَاحِدٍ مِنْ الْعُظَمَاءِ وَذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ يَحْرُمُ أَكْلُهُ لِأَنَّهُ ذَبَحَهَا لِأَجْلِهِ تَعْظِيمًا لَهُ، وَفِي جَامِعِ الْفَتَاوَى ذَبَحَ شَاةً مَجُوسِيٌّ لِأَجْلٍ بَيْتِ نَارِهِمْ، أَوْ ذَبَحَ كَافِرٌ لِآلِهَتِهِمْ لَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُمْ وَلَا فَرْقَ فِي الذَّابِحِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى حُرًّا، أَوْ عَبْدًا صَبِيًّا، أَوْ بَالِغًا نَاطِقًا أَمْ أَخْرَسَ أَوْ أَقْلَفَ. اهـ. . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَحَلَّ لَوْ نَاسِيًا) يَعْنِي حَلَّ الْمُذَكَّى لَوْ تَرَكَ التَّسْمِيَةَ نَاسِيًا وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا تَحِلُّ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الدَّلِيلِ لِأَنَّهُ لَا فَصْلَ فِيهِ قُلْنَا: إنَّ النِّسْيَانَ مَرْفُوعُ الْحُكْمِ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ» ، وَفِي اعْتِبَارِهِ حَرَجٌ وَالْحَرَجُ مَرْفُوعٌ بِالنَّصِّ وَالنَّصُّ غَيْرُ مُجْرًى عَلَى إطْلَاقِهِ لِأَنَّهُ لَوْ أُرِيدَ بِهِ مُطْلَقًا لَمَا جَرَتْ الْمُحَاجَجَةُ بَيْنَ السَّلَفِ وَارْتَفَعَ الْخِلَافُ بَيْنَهُمْ، وَإِقَامَةُ الْمِلَّةِ مَقَامَ التَّسْمِيَةِ فِي حَقِّ النَّاسِي لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ لَا يَدُلُّ عَلَى إقَامَتِهَا فِي حَقِّ الْعَامِدِ لِعَدَمِ عُذْرِهِ وَلَا يُقَالُ: الْآيَةُ مُجْمَلَةٌ لِأَنَّهُ لَا يُدْرَى هَلْ أُرِيدَ بِهِ حَالَةُ الذَّبْحِ، أَوْ حَالَةُ الطَّبْخِ، أَوْ حَالَةُ الْأَكْلِ لِأَنَّا نَقُولُ أَجْمَعَ السَّلَفُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا حَالَةُ الذَّبْحِ فَتَكُونُ مُفَسَّرَةً فَتَمَّ الِاحْتِجَاجُ بِهَا، ثُمَّ التَّسْمِيَةُ فِي ذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ عِنْدَ الذَّبْحِ قَاصِدًا التَّسْمِيَةَ عَلَى الذَّبِيحَةِ، وَفِي الْيَنَابِيعِ وَلَوْ سَمَّى بِالْفَارِسِيَّةِ جَازَ. وَفِي الْأَصْلِ وَلَوْ ذَبَحَ الشَّاةَ وَسَمَّى فَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ، أَوْ أَرَادَ التَّسْمِيَةَ عَلَى الذَّبِيحَةِ، وَفِي هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ يَجُوزُ، وَإِنْ أَرَادَ غَيْرَ التَّسْمِيَةِ عَلَى الذَّبِيحَةِ لَا يَجُوزُ، وَفِي الْحَاوِي سُئِلَ أَبُو الْقَاسِمِ عَمَّنْ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْهَاءَ قَالَ: لَا يَجُوزُ، وَقَالَ الْفَقِيهُ: إنْ لَمْ يَقْصِدْ تَرْكَ الْهَاءِ يَجُوزُ اهـ. [مَا يَقُولهُ عِنْد الذَّبْح] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَكُرِهَ أَنْ يَذْكُرَ مَعَ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى غَيْرَهُ وَأَنْ يَقُولَ عِنْدَ الذَّبْحِ: اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ فُلَانٍ، وَإِنْ قَالَ قَبْلَ التَّسْمِيَةِ وَالْإِضْجَاعِ جَازَ) وَهَذَا النَّوْعُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَذْكُرَهُ مَوْصُولًا مِنْ غَيْرِ عَطْفٍ فَيُكْرَهَ وَلَا تَحْرُمَ الذَّبِيحَةُ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: بِسْمِ اللَّهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ بِالرَّفْعِ لِأَنَّ اسْمَ الرَّسُولِ غَيْرُ مَذْكُورٍ عَلَى سَبِيلِ الْعَطْفِ فَيَكُونُ مُبْتَدَأً لَكِنْ يُكْرَهُ لِوُجُودِ الْوَصْلِ صُورَةً، وَإِنْ قَالَ بِالْخَفْضِ لَا يَحِلُّ ذَكَرَهُ فِي النَّوَادِرِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ هَذَا إذَا كَانَ يَعْرِفُ النَّحْوَ وَالْأَوْجَهُ أَنْ لَا يُعْتَبَرَ الْإِعْرَابُ بَلْ يَحْرُمُ مُطْلَقًا وَمِنْ هَذَا النَّوْعِ أَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ فُلَانٍ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ لَمْ تُوجَدْ وَلَمْ يَكُنْ الذَّبْحُ وَاقِعًا عَلَيْهِ وَلَكِنْ يُكْرَهُ لِمَا ذَكَرْنَا، وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ مَوْصُولًا عَلَى سَبِيلِ الْعَطْفِ وَالشَّرِكَةِ نَحْوُ أَنْ يَقُولَ بِاسْمِ اللَّهِ وَاسْمِ فُلَانٍ أَوْ بِاسْمِ اللَّهِ وَمُحَمَّدٍ بِالْجَرِّ تَحْرُمُ الذَّبِيحَةُ؛ لِأَنَّهُ أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ} [البقرة: 173] وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَوْطِنَانِ لَا أُذْكَرُ فِيهِمَا عِنْدَ الْعُطَاسِ وَالذَّبْحِ» ، وَلَوْ رَفَعَ الْمَعْطُوفَ عَلَى اسْمِ اللَّهِ يَحِلُّ لِأَنَّهُ مُبْتَدَأٌ وَاخْتَلَفُوا فِي النَّصْبِ قِيلَ يُكْرَهُ فِيهَا بِالِاتِّفَاقِ لِوُجُودِ الْوَصْلِ صُورَةً. الثَّالِثُ أَنْ يَقُولَ مَفْصُولًا عَنْهُ صُورَةً وَمَعْنًى بِأَنْ يَقُولَ قَبْلَ أَنْ يُضْجِعَ الشَّاةَ، أَوْ قَبْلَ التَّسْمِيَةِ، أَوْ بَعْدَ الذَّبْحِ اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ هَذَا مِنِّي، أَوْ مِنْ فُلَانٍ وَهَذَا لَا يُكْرَهُ لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ قَالَ بَعْدَ الذَّبْحِ اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ هَذَا مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِمَّنْ شَهِدَ لَكَ بِالْوَحْدَانِيَّةِ وَلِي بِالْبَلَاغِ» وَكَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَقُولُ إذَا أَرَادَ الذَّبْحَ «اللَّهُمَّ هَذَا مِنْك وَلَك إنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي» إلَخْ وَالشَّرْطُ هُوَ الذِّكْرُ الْخَالِصُ حَتَّى لَوْ قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَاكْتَفَى لَا يَحِلُّ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ وَسُؤَالٌ وَلَوْ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ، أَوْ سُبْحَانَ اللَّهِ وَأَرَادَ بِهِ التَّسْمِيَةَ حَلَّ وَلَوْ عَطَسَ عِنْدَ الذَّبْحِ وَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ لَا يَحِلُّ فِي الْأَصَحِّ لِأَنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ الْحَمْدَ عَلَى النِّعْمَةِ دُونَ التَّسْمِيَةِ وَذَكَرَ الْحَلْوَانِيُّ أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ أَنْ يَقُولَ بِاسْمِ اللَّهِ اللَّهُ أَكْبَرُ ثَلَاثًا، وَفِي النَّوَازِلِ إذَا قَالَ بِسْمِ اللَّهِ وَمُحَمَّدٍ بِالْخَفْضِ قَالَ بَعْضُهُمْ عَلَى قِيَاسِ مَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي بَابِ الصَّلَاةِ تَحْرُمُ الذَّبِيحَةُ وَكَذَا لَوْ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا وَمُحَمَّدٍ بِالْوَاوِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 192 لَوْ قَالَ بِغَيْرِ وَاوٍ حَلَّتْ الذَّبِيحَةُ وَلَكِنْ يُكْرَهُ، وَفِي خِزَانَةِ الْفِقْهِ رَجُلَانِ ذَبَحَا صَيْدًا وَسَمَّى أَحَدُهُمَا وَتَرَكَ الْآخَرُ التَّسْمِيَةَ لَمْ يَحْرُمْ أَكْلُهُ، وَفِي الذَّخِيرَةِ وَالْيَنَابِيعِ وَلَوْ ذَبَحَ شَاةً فَسَمَّى، ثُمَّ ذَبَحَ أُخْرَى فَظَنَّ أَنَّ التَّسْمِيَةَ الْأُولَى تَجْزِيهِ عَنْهَا لَمْ تُؤْكَلْ، وَفِي الْحَاوِي جَمَعَ الْعَصَافِيرَ فَذَبَحَ وَاحِدَةً وَسَمَّى وَذَبَحَ أُخْرَى عَلَى إثْرِهِ بِتِلْكَ التَّسْمِيَةِ لَا تُؤْكَلُ وَلَوْ أَمَرَّ السِّكِّينَ عَلَيْهِمْ بِتَسْمِيَةٍ وَاحِدَةٍ جَازَ، وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: وَذَبِيحَةُ أَهْلِ الْكِتَابِ إنَّمَا تُؤْكَلُ إذَا أَتَى بِهَا مَذْبُوحَةً وَإِنْ ذَبَحَ بَيْنَ يَدَيْكَ فَإِنْ سَمَّى اللَّهَ تَعَالَى لَا بَأْسَ بِأَكْلِهَا وَكَذَا إذَا لَمْ يُسْمَعْ مِنْهُ شَيْءٌ، وَإِنْ سَمَّى بِسْمِ الْمَسِيحِ وَسَمِعَهُ مِنْهُ فَلَا يُؤْكَلْ، وَفِي جَامِعِ الْجَوَامِعِ: مَنْ اشْتَرَى لَحْمًا وَعَلِمَ أَنَّهُ ذَبِيحَةُ مَجُوسِيٍّ وَأَرَادَ الرَّدَّ فَقَالَ الْبَائِعُ: الذَّابِحُ مُسْلِمٌ لَا يُرَدُّ وَيَحِلُّ أَكْلُهُ مَعَ الْكَرَاهِيَةِ وَفِيهِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ: ذِئْبٌ أَخَذَ حُلْقُومَ شَاةٍ وَأَوْدَاجَهَا فَذَبَحَهَا فَأَكَلَهَا إذَا كَانَتْ تَضْطَرِبُ إذَا سَمَّى تَحِلُّ وَلَوْ انْفَلَتَتْ الشَّاةُ، أَوْ الْبَقَرُ مِنْ يَدِهِ وَقَامَتْ مِنْ مَضْجَعِهَا ثُمَّ أَعَادَهَا إلَى مَضْجَعِهَا اكْتَفَى بِتِلْكَ التَّسْمِيَةِ، وَإِنْ ذَبَحَ الذَّابِحُ وَسَمَّى صَاحِبُ الْأُضْحِيَّةِ، أَوْ غَيْرُهُ لَمْ يَجُزْ اهـ. [كَيْفِيَّة الذَّبْح] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَالذَّبْحُ بَيْنَ الْحَلْقَةِ وَاللَّبَّةِ) بِفَتْحِ اللَّامِ وَتَشْدِيدِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَا بَأْسَ بِالذَّبْحِ فِي الْحَلْقِ كُلِّهِ وَأَعْلَاهُ وَأَسْفَلِهِ وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «الذَّكَاةُ فِي الْحَلْقِ» وَلِأَنَّهُ مَجْمَعُ مَجْرَى النَّفَسِ وَمَجْرَى الطَّعَامِ وَمَجْرَى الْعُرُوقِ فَيَحْصُلُ بِقَطْعِهِ الْمَقْصُودُ عَلَى أَبْلَغِ الْوُجُوهِ وَهُوَ إنْهَارُ الدَّمِ وَالتَّقْيِيدُ بِالْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ ذَبَحَ أَعْلَى مِنْ الْحُلْقُومِ، أَوْ أَسْفَلَ مِنْهُ يَحْرُمُ لِأَنَّهُ أَهَلَّ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الذَّكَاةِ ذَكَرَهُ فِي الْوَاقِعَاتِ، وَفِي فَتَاوَى السَّمَرْقَنْدِيِّ وَنَقَلَ فِي النِّهَايَةِ عَنْ الْإِمَامِ الرُّسْتُغْفَنِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - سُئِلَ عَمَّنْ ذَبَحَ شَاةً فَبَقِيَتْ عُقْدَةُ الْحُلْقُومِ مِمَّا يَلِي الصَّدْرَ وَكَانَ يَجِبُ أَنْ يَبْقَى غَيْرُ مَا يَلِي الرَّأْسَ أَيُؤْكَلُ أَمْ لَا؟ قَالَ: هَذَا قَوْلُ الْعَوَامّ مِنْ النَّاسِ وَلَيْسَ هَذَا بِمُعْتَبَرٍ وَيَجُوزُ أَكْلُهَا سَوَاءٌ كَانَتْ الْعُقْدَةُ مِمَّا يَلِي الصَّدْرَ، أَوْ مِمَّا يَلِي الرَّأْسَ قَالَ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ عِنْدَنَا قَطْعُ الْأَوْدَاجِ وَقَدْ وُجِدَ وَذَكَرَ أَنَّ شَيْخَهُ كَانَ يُفْتِي بِهِ وَهَذَا مُشْكِلٌ فَإِنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِيهِ قَطْعُ الْحُلْقُومِ وَلَا الْمَرِيءِ وَأَصْحَابُنَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَإِنْ شَرَطُوا قَطْعَ الْأَكْثَرِ فَلَا بُدَّ مِنْ قَطْعِ أَحَدِهِمَا عِنْدَ الْكُلِّ، وَإِذَا بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ عُقْدَةٍ مِمَّا يَلِي الرَّأْسَ لَمْ يَحْصُلْ قَطْعُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَلَا يُؤْكَلُ بِالْإِجْمَاعِ، وَفِي الْوَاقِعَاتِ لَوْ قَطَعَ الْأَعْلَى، أَوْ الْأَسْفَلَ ثُمَّ عَلِمَ بِهَا فَقَطَعَ مَرَّةً أُخْرَى الْحُلْقُومَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَمُوتَ يُنْظَرُ فَإِنْ قُطِعَ بِتَمَامِهِ لَا يَحِلُّ لِأَنَّ مَوْتَهُ بِالْأَوَّلِ أَسْرَعُ مِنْهُ بِالْقَطْعِ الثَّانِي، وَإِلَّا حَلَّ وَذَكَرَ فِي فَتَاوَى أَهْلِ سَمَرْقَنْدَ: قَصَّابٌ ذَبَحَ شَاةً فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ فَقَطَعَ أَعْلَى مِنْ الْحُلْقُومِ، أَوْ أَسْفَلَ مِنْهُ يَحْرُمُ أَكْلُهَا اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَالْمَذْبَحُ الْمَرِيءُ وَالْحُلْقُومُ وَالْوَدَجَانِ) لِمَا رُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ «أَفْرِ الْأَوْدَاجَ بِمَا شِئْت» وَهِيَ عُرُوقُ الْحَلْقِ فِي الْمَذْبَحِ وَالْمَرِيءُ مَجْرَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالْحُلْقُومُ مَجْرَى النَّفَسِ وَالْمُرَادُ بِالْأَوْدَاجِ كُلُّهَا وَأُطْلِقَ عَلَيْهِ تَغْلِيبًا، وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ يَحْصُلُ بِقَطْعِهِنَّ وَهُوَ إزْهَاقُ الرُّوحِ، وَإِخْرَاجُ الدَّمِ لِأَنَّهُ بِقَطْعِ الْمَرِيءِ وَالْحُلْقُومِ يَحْصُلُ الْإِزْهَاقُ وَبِقَطْعِ الْوَدَجَيْنِ يَحْصُلُ إنْهَارُ الدَّمِ وَلَوْ قَطَعَ الْأَوْدَاجَ وَهِيَ الْعُرُوقُ مِنْ غَيْرِ قَطْعِ الْمَرِيءِ وَالْحُلْقُومِ لَا يَمُوتُ فَضْلًا عَنْ التَّوَجُّهِ فَلَا بُدَّ مِنْ قَطْعِهِمَا لِيَحْصُلَ التَّوَجُّهُ وَلَا بُدَّ مِنْ قَطْعِ الْوَدَجَيْنِ، أَوْ أَحَدِهِمَا لِيَحْصُلَ إنْهَارُ الدَّمِ، وَفِي الْمُحِيطِ وَالْمَرِيءُ وَهُوَ مَجْرَى النَّفَسِ وَالْوَدَجَانِ مَجْرَى الدَّمِ وَالْحُلْقُومُ مَجْرَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَلَوْ خَرَّ عُنُقُ شَاةٍ بِسَيْفٍ مِنْ قِبَلِ الْأَوْدَاجِ وَسَمَّى يَحِلُّ لِأَنَّهُ أَتَى بِالذَّكَاةِ وَزِيَادَةٍ وَقَدْ أَسَاءَ لِأَنَّهُ جَاوَزَ النَّخَاعَ اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَقَطْعُ الثَّلَاثِ كَافٍ) وَالِاكْتِفَاءُ بِالثَّلَاثِ مُطْلَقًا هُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَوَّلًا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ قَطْعُ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ وَأَحَدِ الْوَدَجَيْنِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَا بُدَّ مِنْ قَطْعِ الْأَكْثَرِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ يُكْتَفَى بِقَطْعِ الْأَكْثَرِ مِنْ هَذِهِ الْعُرُوقِ الْأَرْبَعَةِ فَأَمَّا الْحُلْقُومُ وَالْمَرِيءُ فَمُخَالِفَانِ لِلْأَوْدَاجِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُخَالِفٌ لِلْآخَرِ فَلَا بُدَّ مِنْ قَطْعِهِمْ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ: الْأَكْثَرُ يَقُومُ مَقَامَ الْكُلِّ، وَفِي التَّتِمَّةِ سُئِلَ أَبُو عَلِيٍّ عَنْ انْتِزَاعِ السَّبُعِ رَأْسَ الشَّاةِ وَفِيهَا حَيَاةٌ هَلْ تَحِلُّ بِالذَّكَاةِ، وَإِنْ كَانَتْ تَتَحَرَّكُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَلَوْ بِظُفُرٍ وَقَرْنٍ وَعَظْمٍ وَسِنٍّ مَنْزُوعٍ وَلِيطَةٍ وَمَرْوَةِ وَمَا أَنْهَرَ الدَّمَ إلَّا سِنًّا وَظُفُرًا قَائِمَيْنِ) يَعْنِي يَكْفِي فِي الْحِلِّ بِمَا ذُكِرَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كُلُّ مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَأَفْرَى الْأَوْدَاجَ» وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَفْرِ الْأَوْدَاجَ بِمَا شِئْتَ» وَمَا رُوِيَ مِنْ الْمَنْعِ فِي الظُّفُرِ وَالسِّنِّ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ الْمَشْرُوعِ فَإِنَّ الْحَبَشَةَ كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ إظْهَارًا لِلْجَلَدِ وَالْمَشْرُوعُ آلَةٌ جَارِحَةٌ فَيَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ وَهُوَ إنْهَارُ الدَّمِ، وَاللِّيطَةُ الْقَصَبُ الْفَارِسِيُّ، وَالْمَرْوَةُ الْحَجَرُ الَّذِي لَهُ حَدٌّ وَالدَّلِيلُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 193 عَلَى جَوَازِ الذَّبْحِ بِهِمَا مَا رُوِيَ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ «قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ نَجِدُ الصَّيْدَ وَلَيْسَ مَعَنَا سِكِّينٌ إلَّا الْمَرْوَةَ وَشِقَّةَ الْعَصَا فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: أَفْرِ الْأَوْدَاجَ بِمَا شِئْتَ وَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالظُّفُرُ وَالسِّنُّ الْمَنْزُوعُ آلَةٌ جَارِحَةٌ بِخِلَافِ غَيْرِ الْمَنْزُوعِ لِأَنَّ الذَّبْحَ بِهِ يَكُونُ بِالثِّقْلِ لَا بِالْآلَةِ اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَنُدِبَ حَدُّ شَفْرَتِهِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ وَيُكْرَهُ أَنْ يُضْجِعَهَا، ثُمَّ يُحِدَّ الشَّفْرَةَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لِمَنْ أَضْجَعَ الشَّاةَ وَهُوَ يُحِدُّ شَفْرَتَهُ لَقَدْ أَرَدْتَ أَنْ تُمِيتَهَا مَوْتَتَيْنِ هَلَّا حَدَدْتَهَا قَبْلَ أَنْ تُضْجِعَهَا» الْحَدِيثَ، وَالْآلَةُ عَلَى ضَرْبَيْنِ؛ قَاطِعَةٍ وَغَيْرِ قَاطِعَةٍ، وَالْقَاطِعَةُ عَلَى ضَرْبَيْنِ؛ حَادَّةٍ وَكَلِيلَةٍ، فَالْحَادَّةُ اخْتِيَارِيَّةٌ وَضَرُورِيَّةٌ فَالْحَادَّةُ يَجُوزُ الذَّبْحُ بِهَا مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ وَالْكَلِيلَةُ يَجُوزُ الذَّبْحُ بِهَا وَيُكْرَهُ لِمَا مَرَّ مِنْ الْإِبْطَاءِ فِي الْإِرَاقَةِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ. [مَا يَكْرَه فِي الذَّبْح] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَكُرِهَ النَّخْعُ وَقَطْعُ الرَّأْسِ وَالذَّبْحُ مِنْ الْقَفَاءِ) النَّخْعُ هُوَ أَنْ يَصِلَ النَّخَاعَ وَهُوَ خَيْطٌ أَبْيَضُ فِي جَوْفِ عَظْمِ الرَّقَبَةِ وَهُوَ بِالْفَتْحِ، وَالضَّمُّ لُغَةٌ فِيهِ، قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَمَنْ قَالَ هُوَ عِرْقٌ أَبْيَضُ فَقَدْ سَهَا وَاعْتَرَضَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ أَنَّ مَنْ سَمَّى بِمَا ذُكِرَ لَمْ يَغْلَطْ لِأَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ ذَكَرُوهُ بِلَفْظِ الْخَيْطِ، وَإِنَّمَا كُرِهَ «لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ أَنْ نَنْخَعَ الشَّاةَ إذَا ذُبِحَتْ» وَتَفْسِيرُهُ مَا ذَكَرْنَا وَقِيلَ أَنْ يَمُدَّ رَأْسَهَا حَتَّى يَظْهَرَ مَذْبَحُهَا وَقِيلَ أَنْ يَكْسِرَ رَقَبَتَهَا قَبْلَ أَنْ تَسْكُنَ مِنْ الِاضْطِرَابِ وَكُلُّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ وَفِي قَطْعِ الرَّأْسِ زِيَادَةُ تَعْذِيبٍ فَيُكْرَهُ وَيُكْرَهُ أَنْ يَجُرَّ مَا يُرِيدُ ذَبْحَهُ وَأَنْ يَسْلُخَ قَبْلَ أَنْ يَبْرُدَ، وَيُؤْكَلُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ لِمَعْنًى زَائِدٍ وَهُوَ زِيَادَةُ الْأَلَمِ فَلَا يُوجِبُ الْحُرْمَةَ وَيُكْرَهُ أَنْ يَذْبَحَهَا مُوَجَّهَةً لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ لِمُخَالَفَةِ السُّنَّةِ فِي تَوْجِيهِهَا لِلْقِبْلَةِ وَتُؤْكَلُ، وَفِي الذَّبْحِ مِنْ الْقَفَا زِيَادَةُ أَلَمٍ فَيُكْرَهُ وَيَحِلُّ لِمَا ذَكَرْنَا إذَا بَقِيَتْ حَيَّةً حَتَّى يَقْطَعَ الْعُرُوقَ لِتَحَقُّقِ الْمَوْتِ بِالذَّكَاةِ، وَإِنْ مَاتَتْ قَبْلَ قَطْعِ الْعُرُوقِ لَا تُؤْكَلُ لِوُجُودِ الْمَوْتِ بِمَا لَيْسَ بِذَكَاةٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَذَبْحُ صَيْدٍ اسْتَأْنَسَ وَجَرْحِ نَعَمٍ تَوَحَّشَ أَوْ تَرَدَّى فِي بِئْرٍ) الْوَاوُ عَاطِفَةٌ عَلَى قَوْلِهِ " وَحَلَّ ذَبِيحَةُ مُسْلِمٍ "، وَذَبْحِ صَيْدٍ يَعْنِي وَحَلَّ أَكْلُ صَيْدٍ اسْتَأْنَسَ بِالذَّبْحِ وَهُوَ الذَّكَاةُ الِاخْتِيَارِيَّةُ لِقُدْرَتِهِ عَلَيْهَا وَحَلَّ أَكْلُ نَعَمٍ تَوَحَّشَ، أَوْ تَرَدَّى بِالْجَرْحِ لِعَجْزِهِ عَنْ الذَّكَاةِ الِاخْتِيَارِيَّةِ هَذَا إذَا عُلِمَ أَنَّهُ مَاتَ مِنْ الْجَرْحِ، وَإِنْ عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَمُتْ مِنْ الْجَرْحِ لَمْ يُؤْكَلْ فَإِنْ أَشْكَلَ ذَلِكَ أُكِلَ لِأَنَّ الظَّاهِرَ الْمَوْتُ بِهِ وَكَذَا الدَّجَاجَةُ إذَا تَعَلَّقَتْ عَلَى شَجَرَةٍ وَخَافَ مَوْتَهَا صَارَتْ ذَكَاتُهَا بِالْجَرْحِ، وَفِي الْكِتَابِ أَطْلَقَ فِيمَا تَوَحَّشَ مِنْ النَّعَمِ وَكَذَا فِيمَا تَرَدَّى فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ فِي الْمِصْرِ وَالصَّحْرَاءِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ الشَّاةَ إذَا نَدَّتْ فِي الْمِصْرِ لَا تَحِلُّ بِالْعَقْرِ، وَإِنْ نَدَّتْ فِي الصَّحْرَاءِ تَحِلُّ بِالْعَقْرِ لِتَحَقُّقِ الْعَجْزِ عَنْ الذَّكَاةِ الِاخْتِيَارِيَّةِ، وَفِي الْبَقَرِ وَالْإِبِلِ يَتَحَقَّقُ الْعَجْزُ سَوَاءٌ نَدَّتْ فِي الْمِصْرِ، أَوْ فِي الصَّحْرَاءِ فَتَحِلُّ بِالْعَقْرِ، وَالصَّائِلُ كَالنَّادِّ إذَا كَانَ لَا يُقْدَرُ عَلَى أَخْذِهِ حَتَّى لَوْ قَتَلَهُ الْمَصُولُ عَلَيْهِ وَهُوَ يُرِيدُ ذَكَاتَهُ وَسَمَّى حَلَّ أَكْلُهُ خِلَافًا لِمَالِكٍ وَلَنَا مَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ فِي سَفَرٍ فَنَدَّ بَعِيرٌ مِنْ الْإِبِلِ وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ حَبْلٌ فَرَمَاهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ لِهَذِهِ الْبَهَائِمِ أَوَابِدَ كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ فَمَا فَعَلَ مِنْهَا فَافْعَلُوا بِهِ هَكَذَا» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَلِأَنَّهُ قَدْ تَحَقَّقَ الْعَجْزُ عَنْ الذَّكَاةِ الِاخْتِيَارِيَّةِ فَصَارَ إلَى الْبَدَلِ، وَفِي النَّوَازِلِ لَوْ أَنَّ بَقَرَةً تَعَسَّرَ عَلَيْهَا الْوِلَادَةُ فَأَدْخَلَ صَاحِبُهَا يَدَهُ وَذَبَحَ الْوَلَدَ حَلَّ أَكْلُهُ وَإِنْ جَرَحَهَا فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الذَّبْحِ إذَا كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى ذَبْحِهِ يَحِلُّ، وَإِنْ كَانَ يَقْدِرُ لَا يَحِلُّ. اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ فَإِنْ أَصَابَ قَرْنَهُ، أَوْ ظُفُرَهُ، أَوْ حَافِرَهُ فَإِنْ أَدْمَاهُ وَوَصَلَ لِلَّحْمِ حَلَّ أَكْلُهُ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّ الذَّكَاةَ تُصْرَفُ فِي مَحَلِّ الْحَيَاةِ، وَإِنْ أَبَانَ عَنْهُ غَيْرَ الرَّأْسِ فَمَاتَ يُؤْكَلُ كُلُّهُ إلَّا مَا أَبَانَ مِنْ الْحَيِّ فَهُوَ مَيِّتٌ وَلَا يَظْهَرُ فِيهِ حُكْمُ الذَّكَاةِ وَلَا كَذَلِكَ إذَا بَانَ الرَّأْسُ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ حَيَاةُ الْجَسَدِ مَعَ إبَانَةِ الرَّأْسِ، وَإِنْ تَعَلَّقَ مِنْهُ جِلْدَةٌ فَإِنْ كَانَ يَلْتَئِمُ وَيَتَبَدَّلُ لَوْ تَرَكَهُ حَلَّ أَكْلُهُ، وَإِلَّا فَهُوَ مُبَانٌ وَلَوْ قَطَعَ الصَّيْدَ نِصْفَيْنِ طُولًا وَعَرْضًا حَلَّ وَلَوْ أَبَانَ طَائِفَةٌ مِنْ النَّاسِ الْبَدَنَ إنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ النِّصْفِ لَا يَحِلُّ الْمُبَانُ، وَإِنْ كَانَ النِّصْفَ يَحِلُّ كِلَاهُمَا اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَسُنَّ نَحْرُ الْإِبِلِ وَذَبْحُ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَكُرِهَ عَكْسُهُ وَحَلَّ) وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا الْفِعْلُ مَسْنُونًا لِأَنَّهُ هُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة: 67] وَقَالَ تَعَالَى {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2] قَالُوا: الْمُرَادُ نَحْرُ الْجَزُورِ، وَفِي الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ الذَّبْحُ أَيْسَرُ، وَفِي الْإِبِلِ النَّحْرُ أَيْسَرُ، وَإِنَّمَا كُرِهَ الْعَكْسُ لِتَرْكِ السُّنَّةِ، وَالنَّحْرُ قَطْعُ الْعُرُوقِ فِي أَسْفَلِ الْعُنُقِ عِنْدَ الصَّدْرِ وَالذَّبْحُ قَطْعُ الْعُرُوقِ مِنْ أَعْلَى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 194 الْعُنُقِ تَحْتَ اللَّحْيَيْنِ، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالسُّنَّةُ فِي النَّحْرِ أَنْ يَنْحَرَ قَائِمًا، وَفِي الشَّاةِ وَالْبَقَرِ أَنْ تُذْبَحَ مُضْطَجِعَةً اهـ. وَفِيهِ أَيْضًا وَلَا بَأْسَ بِالذَّبْحِ فِي الْحَلْقِ كُلِّهِ أَسْفَلِهِ وَأَوْسَطِهِ وَأَعْلَاهُ لِأَنَّ مَا بَيْنَ اللَّبَّةِ وَاللَّحْيَيْنِ هُوَ الْحَلْقُ وَلِأَنَّ كُلَّهُ مُجْتَمَعُ الْعُرُوقِ فَصَارَ حُكْمُ الْكُلِّ وَاحِدًا فَإِنْ قُلْت هَذَا يُنَافِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّقْيِيدِ قُلْنَا: لَا لِأَنَّ النَّحْرَ فِي أَسْفَلِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَلَمْ يُذَكَّ جَنِينٌ بِذَكَاةِ أُمِّهِ) يَعْنِي لَا يَصِيرُ الْجَنِينُ مُذَكًّى بِذَكَاةِ أُمِّهِ حَتَّى لَا يَحِلَّ أَكْلُهُ بِذَكَاتِهَا وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ وَزُفَرَ وَالْحَسَنِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَجَمَاعَةٌ أُخْرَى إذَا تَمَّ خَلْقُهُ حَلَّ أَكْلُهُ بِذَكَاتِهَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ» وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَمَّا قِيلَ لَهُ: إنَّا نَنْحَرُ النَّاقَةَ وَنَذْبَحُ الشَّاةَ، وَفِي بَطْنِهَا الْجَنِينُ أَنُلْقِيهِ أَمْ نَأْكُلُهُ قَالَ: كُلْهُ إنْ شِئْتَ فَإِنَّ ذَكَاتَهُ ذَكَاةُ أُمِّهِ» وَلِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ أُمِّهِ حَقِيقَةً لِكَوْنِهِ مُتَّصِلًا بِهَا حُكْمًا حَتَّى يَدْخُلَ فِي الْأَحْكَامِ الْوَارِدَةِ عَلَى الْأُمِّ مِنْ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالْعِتْقِ وَلِلْإِمَامِ قَوْله تَعَالَى إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ الْمَيْتَةَ وَهُوَ اسْمٌ لِحَيَوَانٍ مَاتَ مِنْ غَيْرِ ذَكَاةٍ وَالْجَنِينُ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ فَيَحْرُمُ بِالْكِتَابِ وَيُكْرَهُ ذَبْحُ الشَّاةِ إذَا تَقَارَبَ وِلَادَتُهَا لِأَنَّهُ يُضَيِّعُ مَا فِي بَطْنِهَا. الدَّجَاجَةُ إذَا تَعَلَّقَتْ فَرَمَاهَا وَأَصَابَهَا يُنْظَرُ إنْ كَانَ لَا يَهْتَدِي إلَى مَنْزِلِهِ حَلَّ أَكْلُهُ لِأَنَّهُ عَجَزَ عَنْ الذَّكَاةِ الِاخْتِيَارِيَّةِ، وَإِنْ كَانَ يَهْتَدِي ذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ إنْ أَصَابَ الْمَذْبَحَ حَلَّ، وَإِنْ أَصَابَ غَيْرَهُ فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَحِلُّ وَعَنْ غَيْرِهِ يَحِلُّ. اهـ. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [فَصْلٌ فِيمَا يَحِلُّ وَلَا يَحِلُّ مِنْ الذَّبَائِحِ] (فَصْلٌ فِيمَا يَحِلُّ وَلَا يَحِلُّ) لَمَّا ذَكَرَ أَحْكَامَ الذَّبَائِحِ شَرَعَ فِي تَفْصِيلِ الْمَأْكُولِ مِنْهَا وَغَيْرِ الْمَأْكُولِ، إذْ الْمَقْصُودُ الْأَصْلِيُّ مِنْ شَرْعِ الذَّبَائِحِ التَّوَصُّلُ إلَى الْأَكْلِ وَقَدَّمَ الذَّبْحَ لِأَنَّهُ وَسِيلَةُ الشَّيْءِ فَتُقَدَّمُ عَلَيْهِ فِي الذِّكْرِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَلَا يُؤْكَلُ ذُو نَابٍ وَلَا مِخْلَبٍ مِنْ سَبُعٍ وَطَيْرٍ) يَعْنِي لَا يَحِلُّ أَكْلُ ذِي نَابٍ مِنْ سِبَاعِ الْبَهَائِمِ وَذِي مِخْلَبٍ مِنْ سِبَاعِ الطَّيْرِ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ أَكْلِ ذِي نَابٍ وَمِخْلَبٍ مِنْ سَبُعٍ وَطَيْرٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْجَمَاعَةُ وَالسِّبَاعُ جَمْعُ سَبُعٍ وَهُوَ كُلُّ مُخْتَطِفٍ مُنْتَهِبٍ جَارِحٍ قَاتِلٍ عَادَةً وَالْمُرَادُ بِذِي الْمِخْلَبِ مَا لَهُ مِخْلَبٌ هُوَ سِلَاحٌ وَهُوَ مَفْعَلُ مِنْ الْخَلْبِ وَهُوَ مَزْقُ الْجِلْدِ وَيُعْلَمُ بِذَلِكَ أَنَّ الْمُرَادَ بِذِي مِخْلَبٍ هُوَ سِبَاعُ الطَّيْرِ لِأَنَّ كُلَّ مَا لَهُ مِخْلَبٌ وَهُوَ الظُّفُرُ كَمَا أُرِيدَ بِهِ فِي ذِي نَابٍ مِنْ سِبَاعِ الْبَهَائِمِ لَا كُلُّ مَا لَهُ نَابٌ وَلِأَنَّ طَبِيعَةَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مَذْمُومَةٌ شَرْعًا فَيُخْشَى أَنْ يَتَوَلَّدَ مِنْ لَحْمِهَا شَيْءٌ مِنْ طِبَاعِهَا فَيَحْرُمُ إكْرَامًا لِبَنِي آدَمَ وَهُوَ نَظِيرُ مَا رُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ «لَا تُرْضِعُ لَكُمْ الْحَمْقَاءُ فَإِنَّ اللَّبَنَ يُغَذِّي وَيَدْخُلُ» فِي الْحَدِيثِ الضَّبُعُ وَالثَّعْلَبُ لِأَنَّ لَهُمَا نَابًا وَمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَبَاحَ أَكْلَهَا مَحْمُولٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَيَدْخُلُ فِيهِ الْفِيلُ أَيْضًا لِأَنَّهُ ذُو نَابٍ وَالْيَرْبُوعُ وَابْن عِرْسٍ مِنْ سِبَاعِ الْهَوَامِّ وَالرَّخَمَةُ وَالْبُغَاثُ لِأَنَّهُمَا يَأْكُلَانِ الْجِيَفَ وَالرَّخَمُ جَمْعُ رَخَمَةٍ وَهُوَ طَائِرٌ أَبْقَعُ يُشْبِهُ النَّسْرَ فِي الْخِلْقَةِ يُقَالُ لَهُ الْأَنُوفُ وَالْبُغَاثُ مَائِلٌ إلَى الْغُبْرَةِ دُونَ الرَّخَمِ بَطِيءُ الطَّيَرَانِ كَذَا فِي الصِّحَاحِ قَالَ: وَالسِّبَاعُ الْأَسَدُ وَالذِّئْبُ وَالنَّمِرُ وَالْفَهْدُ وَالثَّعْلَبُ وَالضَّبُعُ وَالْكَلْبُ وَالْفِيلُ وَالْقِرْدُ وَالْيَرْبُوعُ وَابْنُ عِرْسٍ وَالنُّسُورُ الْأَهْلِيُّ وَالْبَرِّيُّ وَمِنْ الطَّيْرِ الصَّقْرُ وَالْبَازُ وَالْعُقَابُ وَالنَّسْرُ وَالشَّاهِينُ اهـ. [أَكْلُ غُرَابُ الزَّرْعِ] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَحَلَّ غُرَابُ الزَّرْعِ) لِأَنَّهُ يَأْكُلُ الْحَبَّ وَلَيْسَ مِنْ سِبَاعِ الطَّيْرِ وَلَا مِنْ الْخَبَائِثِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (لَا الْأَبْقَعُ - الَّذِي يَأْكُلُ الْجِيَفَ - وَالضَّبُعُ وَالضَّبُّ وَالزُّنْبُورُ وَالسُّلَحْفَاةُ وَالْحَشَرَاتُ وَالْحُمُرُ الْأَهْلِيَّةُ وَالْبَغْلُ) يَعْنِي: هَذِهِ الْأَشْيَاءُ لَا تُؤْكَلُ أَمَّا الْغُرَابُ الْأَبْقَعُ فَلِأَنَّهُ يَأْكُلُ الْجِيَفَ فَصَارَ كَسِبَاعِ الطَّيْرِ وَالْغُرَابُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: نَوْعٌ يَأْكُلُ الْجِيَفَ فَحَسْبُ فَإِنَّهُ لَا يُؤْكَلُ، وَنَوْعٌ يَأْكُلُ الْحَبَّ فَحَسْبُ فَإِنَّهُ يُؤْكَلُ، وَنَوْعٌ يَخْلِطُ بَيْنَهُمَا وَهُوَ أَيْضًا يُؤْكَلُ عِنْدَ الْإِمَامِ وَهُوَ الْعَقْعَقُ لِأَنَّهُ يَأْكُلُ الدَّجَاجَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُكْرَهُ أَكْلُهُ لِأَنَّهُ غَالِبُ أَكْلِهِ الْجِيَفُ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ قَالَ فِي النِّهَايَةِ: ذُكِرَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ أَنَّ الْخُفَّاشَ يُؤْكَلُ وَذُكِرَ فِي بَعْضِهَا أَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ لِأَنَّ لَهُ نَابًا، وَأَمَّا الضَّبُعُ فَلِمَا رَوَيْنَا وَبَيَّنَّا وَلِأَنَّهُ يَأْكُلُ الْجِيَفَ فَيَكُونُ لَحْمُهُ خَبِيثًا، وَأَمَّا الضَّبُّ وَالزُّنْبُورُ وَالسُّلَحْفَاةُ وَالْحَشَرَاتُ فَلِأَنَّهَا مِنْ الْخَبَائِثِ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157] وَمَا رُوِيَ مِنْ الْإِبَاحَةِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا قَبْلَ التَّحْرِيمِ، ثُمَّ حَرَّمَ الْخَبَائِثَ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُحَرَّمًا فِي الِابْتِدَاءِ إلَّا ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ عَلَى مَا قَالَهُ اللَّهُ تَعَالَى {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} [الأنعام: 145] إلَى آخِرِ الْآيَةِ ثُمَّ حَرَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ أَشْيَاءَ، وَأَمَّا الْحُمُرُ الْأَهْلِيَّةُ فَلِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: «حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لُحُومَ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ» ، وَأَمَّا الْبَغْلُ فَلِأَنَّهُ مِنْ نَسْلِ الْحِمَارِ فَكَانَ كَأَصْلِهِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ أُمُّهُ فَرَسًا فَعَلَى الْخِلَافِ الْمَعْرُوفِ فِي الْخَيْلِ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 195 هُوَ الْأُمُّ. [أَكُلّ الْأَرْنَب] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَحَلَّ الْأَرْنَبُ) «لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَأْكُلُوهُ حِينَ أُهْدِيَ إلَيْهِ مَشْوِيًّا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ السِّبَاعِ وَلَا يَأْكُلُ الْجِيَفَ فَأَشْبَهَ الظَّبْيَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَذَبْحُ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ يُطَهِّرُ لَحْمَهُ وَجِلْدَهُ إلَّا الْآدَمِيَّ وَالْخِنْزِيرَ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الذَّكَاةُ لَا تُؤَثِّرُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لِأَنَّ أَثَرَ الذَّكَاةِ فِي إبَاحَةِ اللَّحْمِ أَصْلٌ، وَفِي طَهَارَتِهِ وَطَهَارَةِ الْجِلْدِ تَبَعٌ وَلَا تَبَعَ دُونَ الْأَصْلِ فَصَارَ نَظِيرَ ذَبْحِ الْمَجُوسِ وَلَنَا أَنَّ الذَّكَاةَ مُؤَثِّرَةٌ فِي إزَالَةِ الرُّطُوبَاتِ النَّجِسَةِ فَإِذَا زَالَتْ طَهُرَتْ كَمَا فِي الدِّبَاغِ وَهَذَا الْحُكْمُ مَقْصُودٌ فِي الْجِلْدِ كَالتَّنَاوُلِ فِي اللَّحْمِ، وَفِعْلُ الْمَجُوسِيِّ غَيْرُ مُعْتَدٍ بِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ الدِّبَاغِ وَكَمَا يَطْهُرُ لَحْمُهُ يَطْهُرُ شَحْمُهُ أَيْضًا حَتَّى لَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ لَا يُفْسِدُهُ وَهَلْ يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ لِغَيْرِ الْأَكْلِ قِيلَ لَا يَجُوزُ اعْتِبَارًا بِالْأَكْلِ وَقِيلَ يَجُوزُ كَالزَّيْتِ إذَا خَالَطَهُ شَحْمُ الْمَيْتَةِ وَالزَّيْتُ غَالِبٌ فَإِنَّهُ يُنْتَفَعُ بِهِ فِي غَيْرِ الْأَكْلِ، وَالْخِنْزِيرُ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الدِّبَاغُ لِنَجَاسَتِهِ، وَالْآدَمِيُّ لِكَرَامَتِهِ، وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَطْهُرُ بِالذَّكَاةِ لَحْمُ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَالْجِلْدُ يَطْهُرُ هُوَ الصَّحِيحُ وَقَدْ مَرَّ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَلَا يُؤْكَلُ مَائِيُّ السَّمَكِ غَيْرَ طَافٍ) وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: يُؤْكَلُ جَمِيعُ حَيَوَانِ الْمَاءِ وَاسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ الْخِنْزِيرَ وَالسِّبَاعَ وَالْكَلْبَ وَالْآدَمِيَّ وَعَنْ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَبَاحَ ذَلِكَ كُلَّهُ وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْخِلَافُ فِي الْأَكْلِ وَالْبَيْعِ وَاحِدٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ بَيْعُهُ بِالْإِجْمَاعِ لِطَهَارَتِهِ، لَهُمْ قَوْله تَعَالَى {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} [المائدة: 96] مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ وَلِأَنَّهُ لَا دَمَ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لِأَنَّ الدَّمَوِيَّ لَا يَسْكُنُ الْمَاءَ وَالْمُحَرَّمُ هُوَ الدَّمُ فَأَشْبَهَ السَّمَكَ وَرَوَى جَابِرٌ «أَنَّهُمْ أَصَابَهُمْ جُوعٌ شَدِيدٌ فِي الْغَزْوِ فَأَلْقَى الْبَحْرُ حُوتًا مَيِّتًا يُقَالُ لَهُ الْعَنْبَرُ فَأَكَلْنَا مِنْهُ نِصْفَ شَهْرٍ قَالَ: فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ وَذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ كُلُوا رِزْقًا أَخْرَجَهُ اللَّهُ لَكُمْ أَطْعِمُونَا إنْ كَانَ مَعَكُمْ» الْحَدِيثَ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157] وَهَذَا مِنْهَا قَالَ فِي النِّهَايَةِ إنَّ كَرَاهَةَ الْخَبَائِثِ تَحْرِيمِيَّةٌ وَمَا سِوَى السَّمَكِ خَبِيثٌ وَنَهَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ دَوَاءٍ اُتُّخِذَ فِيهِ الضُّفْدَعُ وَنَهَى عَنْ بَيْعِ السَّرَطَانِ، وَالْمَيْتَةُ الْمَذْكُورَةُ فِيمَا تُلِيَ مَحْمُولَةٌ عَلَى حَالَةِ الِاضْطِرَارِ وَهُوَ مُبَاحٌ فِيمَا لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَالْمَيْتَةُ وَالْمُذَكَّاةُ فِيهِمَا سَوَاءٌ وَقَوْلُهُ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أُحِلَّ لَنَا مَيْتَتَانِ؛ السَّمَكُ وَالْجَرَادُ، وَدَمَانِ؛ الْكَبِدُ وَالطِّحَالُ» لَا دَلِيلَ لَهُمْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَيْتَةِ مَا أَلْقَاهُ الْبَحْرُ حَتَّى يَكُونَ مَوْتُهُ مُضَافًا إلَى الْبَحْرِ وَلَا يَتَنَاوَلُ مَا مَاتَ فِيهِ بِمَرَضٍ، أَوْ نَحْوِهِ، وَأَمَّا الطَّافِي فَيُكْرَهُ أَكْلُهُ لِقَوْلِ جَابِرٍ إنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «مَا نَضَبَ عَنْهُ الْمَاءُ فَكُلُوا وَمَا طَفَا فَلَا تَأْكُلُوهُ» وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى مَالِكٍ فِي إبَاحَةِ الطَّافِي فَالْأَصْلُ فِي هَذَا مَا عُرِفَ سَبَبُ مَوْتِهِ كَلَفْظِ الْبَحْرِ، أَوْ يَحْبِسُهُ فِي مَكَان كَالْحَظِيرَةِ الصَّغِيرَةِ بِحَيْثُ يُمْكِنُ أَخْذُهُ مِنْ غَيْرِ حِيلَةٍ، أَوْ ابْتِلَاعِ سَمَكَةٍ، أَوْ بِقَتْلِ طَيْرِ الْمَاءِ إيَّاهَا، أَوْ إجْمَادِ الْمَاءِ عَلَيْهَا حَلَّ أَكْلُهَا لِأَنَّ سَبَبَ مَوْتِهَا مَعْلُومٌ وَلَوْ مَاتَتْ مِنْ شِدَّةِ حَرِّ الْمَاءِ، أَوْ بَرْدِهِ أَوْ انْحَسَرَ الْمَاءُ عَنْ بَعْضِهِ وَمَاتَ رَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ إنْ كَانَ رَأْسُهُ عَلَى الْمَاءِ لَا يُؤْكَلْ، وَإِنْ كَانَ ذَنْبُهُ فِي الْمَاءِ وَرَأْسُهُ انْحَسَرَ عَنْهُ الْمَاءُ أُكِلَ لِأَنَّ خُرُوجَ رَأْسِهِ مِنْ الْمَاءِ سَبَبٌ لِمَوْتِهِ فَكَانَ مَعْلُومًا بِخِلَافِ خُرُوجِ ذَنْبِهِ فَحَاصِلُهُ أَنَّ الشَّرْطَ فِيهِ أَنْ يُعْلَمَ سَبَبُ مَوْتِهِ حَتَّى لَوْ أَبَانَ عُضْوًا يَضُرُّهُ فَإِنَّهُ يُؤْكَلُ وَيُؤْكَلُ الْعُضْوُ أَيْضًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَحَلَّ بِلَا ذَكَاةٍ كَالْجَرَادِ) يَعْنِي يَحِلُّ السَّمَكُ بِلَا ذَكَاةٍ كَالْجَرَادِ لِمَا رَوَيْنَا. [ذَبَحَ شَاةً فَتَحَرَّكَتْ أَوْ خَرَجَ الدَّمُ] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَلَوْ ذَبَحَ شَاةً فَتَحَرَّكَتْ، أَوْ خَرَجَ الدَّمُ حَلَّتْ، وَإِلَّا لَمْ يُدْرَ حَيَاتُهُ) لِأَنَّ الْحَيَاةَ، أَوْ خُرُوجَ الدَّمِ لَا يَكُونَانِ إلَّا مِنْ الْحَيِّ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَا يَتَحَرَّكُ وَلَا يَخْرُجُ مِنْهُ الدَّمُ فَيَكُونُ وُجُودُهُمَا أَوْ وُجُودُ أَحَدِهِمَا دَلِيلَ الْحَيَاةِ فَيَحِلُّ، وَعَدَمُهُمَا عَلَامَةَ الْمَوْتِ فَلَا يَحِلُّ وَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ إنْ خَرَجَ الدَّمُ وَلَمْ تَتَحَرَّكْ لَا تَحِلُّ؛ لِأَنَّ الدَّمَ لَا يَجْمُدُ عِنْدَ الْمَوْتِ فَيَجُوزُ بِخُرُوجِ الدَّمِ وَهَذَا سَيَأْتِي فِي الْمُنْخَنِقَةِ وَالْمُتَرَدِّيَةِ وَالنَّطِيحَةِ وَاَلَّتِي بَقَرَ الذِّئْبُ بَطْنَهَا لِأَنَّ ذَكَاةَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ تُحَلِّلُ وَإِنْ كَانَتْ حَيَاتُهُ خَفِيَّةً فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهَا تَحِلُّ إذَا كَانَتْ بِحَالٍ تَعِيشُ يَوْمًا لَوْلَا الذَّكَاةُ، وَعَنْ الثَّانِي إنْ كَانَ لَا يَعِيشُ مِثْلُهَا لَا تَحِلُّ وَعَنْ مُحَمَّدٍ إنْ كَانَتْ بِحَالٍ يَعِيشُ فَوْقَ مَا يَعِيشُ الْمَذْبُوحُ حَلَّ، وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ ذَبَحَ شَاةً مَرِيضَةً وَلَمْ يَتَحَرَّكْ مِنْهَا إلَّا فُرَّهُهَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ: إنْ فَتَحْتَ فَاهَا لَا تُؤْكَلْ، وَإِنْ ضَمَّتْهُ تُؤْكَلُ، وَإِنْ فَتَحَتْ عَيْنَهَا لَا تُؤْكَلُ، وَإِنْ ضَمَّتْ عَيْنَهَا أُكِلَتْ، وَإِنْ مَدَّتْ رِجْلَهَا لَا تُؤْكَلُ، وَإِنْ ضَمَّتْهَا تُؤْكَلُ، وَإِنْ قَامَ شَعْرُهَا تُؤْكَلُ، وَإِنْ نَامَ لَا تُؤْكَلُ وَهَذَا صَحِيحٌ لِأَنَّ الْحَيَوَانَ يَسْتَرْخِي بِالْمَوْتِ فَفَتْحُ الْفَمِ وَالْعَيْنِ وَمَدُّ الرِّجْلِ وَنَوْمُ الشَّعْرِ عَلَامَةُ الْمَوْتِ لِأَنَّهَا اسْتِرْخَاءٌ، وَضَمُّ الْفَمِ وَتَغْمِيضُ الْعَيْنِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 196 وَقَبْضُ الرِّجْلِ وَقِيَامُ الشَّعْرِ لَيْسَ بِاسْتِرْخَاءٍ بَلْ حَرَكَاتٌ تَخْتَصُّ بِالْحَيِّ فَتَدُلُّ عَلَى الْحَيَاةِ، وَفِي السِّرَاجِيَّةِ إذَا شَقَّ الذِّئْبُ بَطْنَ الشَّاةِ وَلَمْ يَبْقَ فِيهَا مِنْ الْحَيَاةِ إلَّا بِقَدْرِ مَا يَبْقَى فِي الْمَذْبُوحِ بَعْدَ الذَّبْحِ فَذُبِحَتْ حَلَّتْ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ. وَلَوْ ذُبِحَتْ شَاةٌ عَلَى سَطْحٍ فَوَقَعَتْ فَمَاتَتْ تَحِلُّ لِأَنَّهَا صَارَتْ مُذَكَّاةً بِقَطْعِ مَحَلِّ الذَّكَاةِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَفِيهِ أَيْضًا إذَا شَقَّ الذِّئْبُ بَطْنَ الشَّاةِ إنْ كَانَ فِيهَا حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ حَلَّتْ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِلَّا لَا سَوَاءٌ عَاشَ، أَوْ لَمْ يَعِشْ عِنْدَ الْإِمَامِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَإِنْ عُلِمَ حَيَاتُهُ، وَإِنْ لَمْ تَتَحَرَّكْ وَلَمْ يَخْرُجْ الدَّمُ) يَعْنِي إذَا عُلِمَ حَيَاةُ الشَّاةِ وَقْتَ الذَّبْحِ حَلَّتْ بِالذَّكَاةِ تَحَرَّكَتْ أَوْ لَا خَرَجَ مِنْهَا دَمٌ، أَوْ لَا كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. [كِتَابُ الْأُضْحِيَّةِ] أَوْرَدَهُ عَقِبَ الذَّبَائِحِ لِأَنَّهَا ذَبِيحَةٌ خَاصَّةٌ وَالذَّبَائِحَ عَامٌّ، وَالْخَاصُّ بَعْدَ الْعَامِّ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُمْ إنْ أَرَادُوا أَنَّ الْخَاصَّ بَعْدَ الْعَامِّ فِي الْوُجُودِ فَهُوَ مَمْنُوعٌ لِأَنَّهُ تَقَرَّرَ أَنْ لَا وُجُودَ لِلْعَامِّ إلَّا فِي ضِمْنِ الْخَاصِّ، وَإِنْ أَرَادُوا فِي التَّعَقُّلِ فَهُوَ إنَّمَا يَكُونُ إذَا كَانَ الْعَامُّ ذَاتِيًّا لِلْخَاصِّ وَكَانَ الْخَاصُّ مَعْقُولًا كَمَا عُرِفَ وَكَوْنُ الْأَمْرِ كَذَلِكَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ مَمْنُوعٌ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: تَمَيُّزُ الذَّاتِيِّ مِنْ الْعَرَضِيِّ إنَّمَا يَتَعَسَّرُ فِي الْحَقَائِقِ النَّفْسَانِيَّةِ، وَأَمَّا فِي الْأُمُورِ الْوَضْعِيَّةِ وَالِاعْتِبَارِيَّة كَمَا نَحْنُ فِيهِ فَكُلُّ مَنْ اُعْتُبِرَ دَاخِلًا فِي مَفْهُومِ شَيْءٍ يَكُونُ ذَاتِيًّا لَهُ وَيَكُونُ تَصَوُّرُ ذَلِكَ الشَّيْءِ تَصَوُّرًا لَهُ بِالْكُلِّيَّةِ وَلَا شَكَّ أَنَّ مَعْنَى الذَّبْحِ دَاخِلٌ فِي مَعْنَى الْأُضْحِيَّةِ فَتَوَقَّفَ تَعَقُّلُهَا عَلَى تَعَقُّلِ مَعْنَى الذَّبْحِ فَيَتِمُّ التَّعْرِيفُ عَلَى اخْتِيَارِ الشِّقِّ الثَّانِي وَهُوَ فِي اللُّغَةِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ شَاةٌ نَحَرَهَا تُذْبَحُ فِي يَوْمِ الْأُضْحِيَّةِ وَلَا يُخَالِفُهُ مَا فِي الْقَامُوسِ وَالصِّحَاحِ مِنْ أَنَّهَا شَاةٌ مِنْ غَيْرِ لَفْظِ نَحَرَهَا لِأَنَّ لَفْظَ النَّحْرِ مُرَادٌ بِدَلِيلِ الْأُضْحِيَّةِ وَتُجْمَعُ عَلَى أَضَاحِيَّ بِالتَّشْدِيدِ، وَيُقَالُ ضَحِيَّةٌ وَضَحَايَا كَهَدِيَّةٍ وَهَدَايَا وَيُقَالُ أَضْحَاةٌ وَتُجْمَعُ عَلَى أَضْحًى وَعِنْدَ الْفُقَهَاءِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ اسْمٌ لِحَيَوَانٍ مَخْصُوصٍ وَهِيَ الشَّاةُ فَصَاعِدًا مِنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ الْأَرْبَعَةِ وَالْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ تُذْبَحُ بِنِيَّةِ الْقُرْبَةِ فِي يَوْمٍ مَخْصُوصٍ. اهـ. وَلَهَا شَرَائِطُ وُجُوبٍ وَشَرَائِطُ أَدَاءٍ وَصِفَةٍ فَالْأَوَّلُ كَوْنُهُ مُقِيمًا مُوسِرًا مِنْ أَهْلِ الْأَمْصَارِ وَالْقُرَى وَالْبَوَادِي وَالْإِسْلَامُ شَرْطٌ، وَأَمَّا الْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ فَلَيْسَا بِشَرْطٍ حَتَّى لَوْ كَانَ لِلصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ مَالٌ فَإِنَّهُ يُضَحِّي عَنْهُ أَبُوهُ وَأَمَّا شَرَائِطُ أَدَائِهَا فَمِنْهَا الْوَقْتُ فِي حَقِّ الْمِصْرِيِّ بَعْدَ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَالْمُعْتَبَرُ مَكَانُ الْأُضْحِيَّةِ لَا مَكَانُ الْمُضَحِّي وَسَبَبُهَا طُلُوعُ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ وَرُكْنُهَا ذَبْحُ مَا يَجُوزُ ذَبْحُهُ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِي صِفَتِهَا. وَاعْلَمْ أَنَّ الْقُرْبَةَ الْمَالِيَّةَ نَوْعَانِ نَوْعٌ بِطَرِيقِ التَّمْلِيكِ كَالصَّدَقَاتِ وَنَوْعٌ بِطَرِيقِ الْإِتْلَافِ كَالْإِعْتَاقِ وَالْأُضْحِيَّةِ، وَفِي الْأُضْحِيَّةِ اجْتَمَعَ الْمَعْنَيَانِ فَإِنَّهُ يَتَقَرَّبُ بِإِرَاقَةِ الدَّمِ وَهُوَ إتْلَافٌ، ثُمَّ بِالتَّصَدُّقِ بِاللَّحْمِ فَيَكُونُ تَمْلِيكًا اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (تَجِبُ عَلَى حُرٍّ مُسْلِمٍ مُوسِرٍ مُقِيمٍ عَنْ نَفْسِهِ لَا عَنْ طِفْلِهِ شَاةٌ، أَوْ سُبُعُ بَدَنَةٍ فَجْرَ يَوْمِ النَّحْرِ إلَى آخِرِ أَيَّامِهِ) يَعْنِي صِفَتُهَا أَنَّهَا وَاجِبَةٌ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا سُنَّةٌ وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّهَا سُنَّةٌ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ لَهُمْ قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا رَأَيْتُمْ هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَجَمَاعَةٌ أُخْرَى وَالتَّعْلِيقُ بِالْإِرَادَةِ يُنَافِي الْوُجُوبَ وَلِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ وَاجِبَةً عَلَى الْمُقِيمِ لَوَجَبَتْ عَلَى الْمُسَافِرِ كَالزَّكَاةِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ لِأَنَّهُمَا لَا يَخْتَلِفَانِ بِالْعِبَادَةِ الْمَالِيَّةِ وَدَلِيلُ الْوُجُوبِ قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ وَجَدَ سَعَةً وَلَمْ يُضَحِّ فَلَا يَقْرَبَنَّ مُصَلَّانَا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَمِثْلُ هَذَا الْوَعِيدِ لَا يَلْحَقُ بِتَرْكِ غَيْرِ الْوَاجِبِ وَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَ بِإِعَادَتِهَا مِنْ قَوْلِهِ «مَنْ ضَحَّى قَبْلَ الصَّلَاةِ فَلْيُعِدْ الْأُضْحِيَّةَ» ، وَإِنَّمَا لَا تَجِبُ عَلَى الْمُسَافِرِ لِأَنَّ أَدَاءَهَا مُخْتَصٌّ بِأَسْبَابٍ تَشُقُّ عَلَى الْمُسَافِرِ وَتَفُوتُ بِمُضِيِّ الْوَقْتِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِدَفْعِ الْحَرَجِ عَنْهُ كَالْجُمُعَةِ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ لِأَنَّهُمَا لَا يَفُوتَانِ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ فَلَا يَخْرُجُ، وَأَمَّا الْعَتِيرَةُ فَذَبِيحَةٌ تُذْبَحُ فِي رَجَبٍ يَتَقَرَّبُ بِهَا أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ نُسِخَ فِي الْإِسْلَامِ. كَذَا فِي الْأَصْلِ، وَفِي الْمُحِيطِ وَلَوْ اشْتَرَى الْفَقِيرُ شَاةً فَضَحَّى بِهَا، ثُمَّ أَيْسَرَ فِي آخِرِ أَيَّامِ النَّحْرِ قِيلَ عَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَهَا وَقِيلَ لَا وَلَوْ افْتَقَرَ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ سَقَطَتْ عَنْهُ وَكَذَا لَوْ مَاتَ وَلَوْ بَعْدَهَا لَمْ تَسْقُطْ كَذَا فِي الْمُحِيطِ قَيَّدَ بِالْحُرِّ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ مَالِيَّةٌ فَلَا تَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ لِأَنَّهُ لَا يُمَلَّكُ وَلَوْ مَلَكَ. وَبِالْإِسْلَامِ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ وَالْكَافِرُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لَهَا، وَبِالْيَسَارِ لِأَنَّهَا لَا تَجِبُ إلَّا عَلَى الْقَادِرِ وَهُوَ الْغَنِيُّ دُونَ الْفَقِيرِ وَمِقْدَارُهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 197 مِقْدَارُ مَا تَجِبُ فِيهِ صَدَقَةُ الْفِطْرِ وَقَدْ مَرَّ بَيَانُهُ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ أَخْذًا مِنْ النِّهَايَةِ وَهِيَ وَاجِبَةٌ بِالْقُدْرَةِ الْمُمْكِنَةِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْمُوسِرَ إذَا اشْتَرَى شَاةً لِلْأُضْحِيَّةِ فِي أَوَّلِ يَوْمِ النَّحْرِ وَلَمْ يُضَحِّ حَتَّى مَضَتْ أَيَّامُ النَّحْرِ ثُمَّ افْتَقَرَ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِعَيْنِهَا، أَوْ بِقِيمَتِهَا وَلَا تَسْقُطُ عَنْهُ الْأُضْحِيَّةُ فَلَوْ كَانَتْ بِالْقُدْرَةِ الْمُيَسِّرَةِ لَكَانَ دَوَامُهَا شَرْطًا كَمَا فِي الزَّكَاةِ وَالْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ حَيْثُ يَسْقُطُ بِهَلَاكِ النِّصَابِ وَالْخَارِجِ، وَاصْطِلَامُ الزَّرْعِ آفَةٌ لَا يُقَالُ أَدْنَى مَا يَتَمَكَّنُ بِهِ الْمَرْءُ مِنْ إقَامَتِهَا تَمَلُّكُ قِيمَةِ مَا يَصْلُحُ لِلْأُضْحِيَّةِ وَلَمْ تَجِبُ إلَّا بِمِلْكِ النِّصَابِ فَدَلَّ أَنَّ وُجُوبَهَا بِالْقُدْرَةِ الْمُيَسِّرَةِ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ النِّصَابِ لَا يُنَافِي وُجُوبَهَا بِالْمُمْكِنَةِ كَمَا فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ وَهَذَا لِأَنَّهَا وَظِيفَةٌ مَالِيَّةٌ نَظَرًا إلَى شَرْطِهَا وَهُوَ الْحُرِّيَّةُ فَيُشْتَرَطُ فِيهَا الْغِنَى كَمَا فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ لَا يُقَالُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَوَجَبَ التَّمْلِيكُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْقُرْبَةَ الْمَالِيَّةَ قَدْ تَحْصُلُ بِالْإِتْلَافِ كَالْإِعْتَاقِ وَالْمُضَحِّي إذَا تَصَدَّقَ بِاللَّحْمِ فَقَدْ حَصَلَ النَّوْعَانِ أَعْنِي التَّمْلِيكَ وَالْإِتْلَافَ بِإِرَاقَةِ الدَّمِ، وَإِنْ لَمْ يَتَصَدَّقْ حَصَلَ الْأَخِيرُ. إلَى هُنَا لَفْظُ الْعِنَايَةِ، وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ زَكَّى نِصَابَهُ، ثُمَّ مَرَّ عَلَيْهِ أَيَّامُ النَّحْرِ وَنِصَابُهُ نَاقِصٌ عَلَيْهِ الْأُضْحِيَّةُ وَلَا يُعَدُّ فَقِيرًا بِأَدَاءِ الزَّكَاةِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ لِأَنَّ قَدْرَ الْمُؤَدَّى يُعَدُّ قَائِمًا شَرْعًا وَلَوْ انْتَقَصَ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ بِغَيْرِ الزَّكَاةِ سَقَطَتْ عَنْهُ الْأُضْحِيَّةُ لِأَنَّ الْمُؤَدَّى لَا يُعَدُّ قَائِمًا حُكْمًا فَيُعَدُّ فَقِيرًا وَقَوْلُهُ: عَنْ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ أَصْلٌ فِي الْوُجُوبِ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ: لَا عَنْ طِفْلِهِ يَعْنِي لَا يَجِبُ عَلَيْهِ عَنْ أَوْلَادِهِ الصِّغَارِ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ مَحْضَةٌ بِخِلَافِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ وَالْأَوَّلُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَإِنْ كَانَ لِلصَّغِيرِ مَالٌ يُضَحِّي عَنْهُ أَبُوهُ مِنْ مَالِهِ، أَوْ وَصِيُّهُ مِنْ مَالِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ مَالِ الْأَبِ لِأَنَّ الْإِرَاقَةَ إتْلَافٌ، وَالْأَبَ لَا يَمْلِكُهُ فِي مَالِ الصَّغِيرِ كَالْإِعْتَاقِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُضَحِّي مِنْ مَالِهِ وَيَأْكُلُ مِنْهُ مَا أَمْكَنَ وَيَبْتَاعُ بِمَا بَقِيَ مَا يَنْتَفِعُ بِعَيْنِهِ كَذَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَفِي الْكَافِي الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجِبُ ذَلِكَ وَلَيْسَ لِلْأَبِ أَنْ يَفْعَلَهُ مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ. وَقَوْلُهُ " شَاةٌ، أَوْ سُبُعُ بَدَنَةٍ " بَيَانٌ لِلْقَدْرِ الْوَاجِبِ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ إلَّا الْبَدَنَةُ كُلُّهَا إلَّا عَنْ وَاحِدٍ لِأَنَّ الْإِرَاقَةَ قُرْبَةٌ لَا تَتَجَزَّأُ إلَّا أَنَّا تَرَكْنَاهُ بِالْأَثَرِ وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ «نَحَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ وَالْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ» وَلَا نَصَّ فِي الشَّاةِ فَبَقِيَ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ وَتَجُوزُ عَنْ سِتَّةٍ، أَوْ خَمْسَةٍ، أَوْ أَرْبَعَةٍ، أَوْ ثَلَاثَةٍ ذَكَرَهُ فِي الْأَصْلِ لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ عَنْ سَبْعَةٍ فَمَا دُونَهَا أَوْلَى، وَلَا يَجُوزُ عَنْ ثَمَانِيَةٍ لِعَدَمِ النَّقْلِ فِيهِ وَكَذَا إذَا كَانَ نَصِيبُ أَحَدِهِمْ أَقَلَّ مِنْ سُبُعِ بَدَنَةٍ لَا يَجُوزُ عَنْ الْكُلِّ لِأَنَّهُ بَعْضُهُ إذَا خَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ قُرْبَةً خَرَجَ كُلُّهُ وَيَجُوزُ عَنْ اثْنَيْنِ نِصْفًا فِي الْأَصَحِّ، وَإِذَا جَازَ عَنْ الشَّرِكَةِ يُقْسَمُ اللَّحْمُ بِالْوَزْنِ لِأَنَّهُ مَوْزُونٌ، وَإِذَا قَسَمُوا جُزَافًا لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا كَانَ مَعَهُ شَيْءٌ آخَرُ مِنْ الْأَكَارِعِ وَالْجِلْدِ كَالْبَيْعِ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ فِيهَا مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ وَلَوْ اشْتَرَى بَقَرَةً يُرِيدُ أَنْ يُضَحِّيَ، ثُمَّ اشْتَرَكَ فِيهَا مَعَهُ سِتَّةٌ أَجْزَأَهُ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ لَا يُجْزِئُ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ لِأَنَّهُ أَعَدَّهَا قُرْبَةً فَيَمْتَنِعُ بَيْعُهَا، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ قَدْ يَجِدُ بَقَرَةً سَمِينَةً وَقَدْ لَا يَظْفَرُ بِالشُّرَكَاءِ وَقْتَ الشِّرَاءِ فَيَشْتَرِيهَا، ثُمَّ يَطْلُبُ الشُّرَكَاءَ وَلَوْ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ لَحَرَّجُوا وَهُوَ مَدْفُوعٌ شَرْعًا وَالْأَحْسَنُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ قَبْلَ الشِّرَاءِ وَعَنْ الْإِمَامِ مِثْلُ قَوْلِ زُفَرَ قَالَ الْقُدُورِيُّ الْوَاجِبُ عَلَى مَرَاتِبَ بَعْضُهَا آكَدُ مِنْ بَعْضٍ، وَوُجُوبُ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ آكَدُ مِنْ وُجُوبِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ وَصَدَقَةُ الْفِطْرِ وُجُوبُهَا آكَدُ مِنْ وُجُوبِ الْأُضْحِيَّةِ،. وَفِي الْخَانِيَّةِ: الْمُوسِرُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مَنْ لَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ، أَوْ عِشْرُونَ دِينَارًا أَوْ مَا بَلَغَ ذَلِكَ سِوَى سَكَنِهِ وَمَتَاعِهِ وَمَرْكَبِهِ وَخَادِمِهِ الَّذِي فِي حَاجَتِهِ، وَفِي الْأَصْلِ وَلَوْ جَاءَ يَوْمُ الْأُضْحِيَّةِ وَلَا مَالَ ثُمَّ اسْتَفَادَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ فَعَلَيْهِ الْأُضْحِيَّةُ وَلَوْ كَانَ لَهُ عَقَارٌ مِلْكٌ قِيمَةُ الْعَقَارِ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَالزَّعْفَرَانِيُّ وَالْفَقِيهُ عَلَى الرَّازِيّ اعْتَبَرَا الْقِيمَةَ وَأَوْجَبَا الْأُضْحِيَّةَ وَلَوْ كَانَ لَهُ أَرْضٌ يَدْخُلُ عَلَيْهِ مِنْهَا قُوتُ السَّنَةِ فَعَلَيْهِ الْأُضْحِيَّةُ حَيْثُ كَانَ الْقُوتُ يَكْفِيهِ وَيَكْفِي عِيَالَهُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَكْفِيهِ فَهُوَ مُعْسِرٌ، وَإِنْ كَانَ الْعَقَارُ وَقْفًا يُنْظَرُ إنْ وَجَبَ لَهُ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ قَدْرُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَعَلَيْهِ الْأُضْحِيَّةُ، وَإِلَّا فَلَا رَوَاهُ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ الْإِمَامِ وَعَنْهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ إلَّا إذَا زَادَ عَلَى مِائَتَيْنِ وَالْمَرْأَةُ تُعْتَبَرُ مُوسِرَةً بِالْمَهْرِ إذْ الزَّوْجُ مَلِيًّا عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ الْإِمَامِ لَا تُعْتَبَرُ مَلِيَّةً بِذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ خَبَّازٌ عِنْدَهُ حِنْطَةٌ قِيمَتُهَا مِائَتَا دِرْهَمٍ فَعَلَيْهِ الْأُضْحِيَّةُ، وَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ مُصْحَفٌ قِيمَتُهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ وَهُوَ مِمَّنْ يُحْسِنُ الْقِرَاءَةَ فِيهِ فَلَا أُضْحِيَّةَ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ يَقْرَأُ فِيهِ، أَوْ لَا يَقْرَأُ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ لَا يُحْسِنُ أَنْ لَا يَقْرَأَ فِيهِ فَعَلَيْهِ الْأُضْحِيَّةُ، وَفِي الْكَافِي عَنْ الْحَسَنِ عَنْ الْإِمَامِ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُضَحِّيَ عَنْ وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ الَّذِي لَا أَبَ لَهُ وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ. وَذَكَرَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 198 الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي شَرْحِ الْأَضَاحِيِّ عَنْ الزَّعْفَرَانِيِّ فِيمَا إذَا ضَحَّى الْأَبُ عَنْ الصَّغِيرِ مِنْ مَالِهِ فَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَيْهِ وَعَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ أَبِي يُوسُفَ لَا يَضْمَنُ وَمِثْلُهُ الْوَصِيُّ، وَفِي الْيَنَابِيعِ وَالْمَعْتُوهُ وَالْمَجْنُونُ بِمَنْزِلَةِ الصَّبِيِّ وَاَلَّذِي يُجَنُّ وَيُفِيقُ كَالصَّحِيحِ وَلَوْ كَانَ الْمَجْنُونُ مُوسِرًا يُضَحِّي عَنْهُ وَلِيُّهُ مِنْ مَالِهِ فِي الرِّوَايَاتِ الْمَشْهُورَةِ وَرُوِيَ أَنَّ الْأُضْحِيَّةَ قَبْلَ أَنْ يُضَحَّى بِهَا لَا تَجِبُ فِي مَالِ الْمَجْنُونِ، وَفِي الْمُنْتَقَى اشْتَرَى شَاةً لِيُضَحِّيَ بِهَا فَمَاتَ فِي أَيَّامِ الْأُضْحِيَّةِ قَبْلَ أَنْ يُضَحِّيَ بِهَا فَلَهُ أَنْ يَبِيعَهَا وَمَنْ كَانَ غَائِبًا عَنْ مَالِهِ فِي أَيَّامِ الْأُضْحِيَّةِ فَهُوَ فَقِيرٌ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْأُضْحِيَّةَ تَصِيرُ وَاجِبَةً بِالنَّذْرِ فَلَوْ قَالَ كَلَامًا نَفْسِيًّا: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ يُضَحِّيَ بِهَذِهِ الشَّاةِ وَلَمْ يَذْكُرْ بِلِسَانِهِ شَيْئًا فَاشْتَرَى شَاةً بِنِيَّةِ الْأُضْحِيَّةِ إنْ كَانَ الْمُشْتَرِي غَنِيًّا لَا تَصِيرُ وَاجِبَةً بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ فَلَهُ أَنْ يَبِيعَهَا وَيَشْتَرِيَ غَيْرَهَا، وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ تَصِيرُ وَاجِبَةً بِنَفْسِ الشِّرَاءِ وَرَوَى الزَّعْفَرَانِيُّ عَنْ أَصْحَابِنَا لَا تَصِيرُ وَاجِبَةً وَأَشَارَ إلَيْهِ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي شَرْحِهِ، وَإِلَيْهِ مَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ فِي شَرْحِهِ وَقَالَ: إنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَلَوْ صَرَّحَ بِلِسَانِهِ - وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا - تَصِيرُ وَاجِبَةً بِشِرَاءِ نِيَّةِ الْأُضْحِيَّةِ إنْ كَانَ الْمُشْتَرِي فَقِيرًا، وَفِي الْخَانِيَّةِ اشْتَرَى شَاةً لِلْأُضْحِيَّةِ، ثُمَّ بَاعَهَا وَاشْتَرَى أُخْرَى فِي أَيَّامِ النَّحْرِ فَهَذَا عَلَى وُجُوهٍ ثَلَاثَةٍ: الْأَوَّلُ: اشْتَرَى شَاةً يَنْوِي بِهَا الْأُضْحِيَّةَ لَا تَصِيرُ مَا لَمْ يُوجِبْهَا بِلِسَانِهِ وَبِهِ أَخَذَ أَبُو يُوسُفَ وَبَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَفِي الْكُبْرَى قَالَ: إنْ فَعَلْتُ كَذَا فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُضَحِّيَ لَا يَكُونُ يَمِينًا. رَجُلٌ اشْتَرَى أُضْحِيَّةً وَأَوْجَبَهَا فَضَلَّتْ، ثُمَّ اشْتَرَى أُخْرَى فَأَوْجَبَهَا، ثُمَّ وَجَدَ الْأُولَى إنْ كَانَ أَوْجَبَ الثَّانِيَةَ بِلِسَانِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُضَحِّيَ بِهِمَا، وَإِنْ أَوْجَبَهَا بَدَلًا عَنْ الْأُولَى فَعَلَيْهِ أَنْ يَذْبَحَ أَيَّهُمَا شَاءَ وَلَمْ يُفْصَلْ بَيْنَ الْفَقِيرِ وَالْغَنِيِّ، وَفِي فَتَاوَى أَهْلِ سَمَرْقَنْدَ: الْفَقِيرُ إذَا أَوْجَبَ شَاةً عَلَى نَفْسِهِ هَلْ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا قَالَ بَدِيعُ الدِّينِ: نَعَمْ وَقَالَ الْقَاضِي بُرْهَانُ الدِّينِ: لَا يَحِلُّ، وَفِي فَتَاوَى أَهْلِ سَمَرْقَنْدَ: الْفَقِيرُ إذَا اشْتَرَى شَاةً لِلْأُضْحِيَّةِ فَسُرِقَتْ فَاشْتَرَى مَكَانَهَا، ثُمَّ وَجَدَ الْأُولَى فَعَلَيْهِ أَنْ يُضَحِّيَ بِهِمَا، وَلَوْ ضَلَّتْ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَشْتَرِيَ أُخْرَى مَكَانَهَا، وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا فَعَلَيْهِ أَنْ يَشْتَرِيَ أُخْرَى مَكَانَهَا، وَفِي الْوَاقِعَاتِ لَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ فَاشْتَرَى بِعِشْرِينَ دِرْهَمًا أُضْحِيَّةً يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ وَهَلَكَتْ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ وَجَاءَ يَوْمَ الْخَمِيسِ الْأَضْحَى لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُضَحِّيَ لِفَقْرِهِ يَوْمَ الْأَضْحَى، وَفِي الْفَتَاوَى الْعَتَّابِيَّةِ إذَا انْتَقَصَ نِصَابُهُ يَوْمَ الْأَضْحَى سَقَطَ عَنْهُ الزَّكَاةُ وَعَنْ ابْنِ سَلَّامٍ: وَكَّلَ رَجُلَيْنِ أَنْ يَشْتَرِيَ كُلٌّ مِنْهُمَا أُضْحِيَّةً فَاشْتَرَيَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُضَحِّيَ بِهِمَا وَفِي الْمُحِيطِ وَلَوْ اشْتَرَى شَاتَيْنِ لِلْأُضْحِيَّةِ فَضَاعَتْ إحْدَاهُمَا فَضَحَّى بِالثَّانِيَةِ، ثُمَّ وَجَدَهَا فِي أَيَّامِ النَّحْرِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَيَّنْ أَحَدُهُمَا وَأَيَّهُمَا ضَحَّى بِهَا فَهِيَ الْمُعَيَّنَةُ. وَلَوْ ضَحَّى الْفَقِيرُ، ثُمَّ أَيْسَرَ أَعَادَ، وَفِي رِوَايَةٍ، وَإِذَا اشْتَرَى شَاةً لِلْأُضْحِيَّةِ، ثُمَّ بَاعَهَا جَازَ الْبَيْعُ، وَفِي الْأَصْلِ رَجُلٌ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ عَشْرَ أَضَاحٍ قَالُوا: لَا يَلْزَمُهُ إلَّا شَاتَانِ قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي وَاقِعَاتِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَجِبُ الْكُلُّ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجِبُ الْكُلُّ، وَفِي الْحَاوِي: وَلَوْ اشْتَرَى شَاةً وَلَمْ يُرِدْ أَنْ يُضَحِّيَ بِهَا بَلْ لِلتِّجَارَةِ، ثُمَّ نَوَى أَنْ يُضَحِّيَ بِهَا وَمَضَى أَيَّامُ النَّحْرِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ لَوْ ضَحَّى بِشَاتَيْنِ لَا تَكُونُ الْأُضْحِيَّةُ إلَّا وَاحِدَةً وَفِي الْمُحِيطِ: الْأَصَحُّ أَنْ تَكُونَ الْأُضْحِيَّةُ بِهِمَا وَعَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا بَأْسَ بِالْأُضْحِيَّةِ بِالشَّاةِ أَوْ بِالشَّاتَيْنِ قَالَ الْفَقِيهُ وَبِهِ نَأْخُذُ، وَفِي الْأَصْلِ النَّاذِرُ لَا يَأْكُلُ مِمَّا نَذَرَهُ وَلَوْ أَكَلَ فَعَلَيْهِ قِيمَةُ مَا أَكَلَ، وَفِي أَضَاحِيِّ الزَّعْفَرَانِيِّ إنْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُضَحِّيَ بِشَاةٍ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا فَعَلَيْهِ أَنْ يُضَحِّيَ بِشَاتَيْنِ إلَّا أَنْ يُعَيِّنَ بِالْإِيجَابِ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ فَقِيرًا فَعَلَيْهِ شَاةٌ، وَفِي السِّرَاجِيَّةِ إذَا قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُضَحِّيَ بِشَاةٍ فَضَحَّى بِبَدَنَةٍ، أَوْ بِبَقَرَةٍ جَازَ. اهـ. وَفِي الشَّارِحِ إذَا نَذَرَ وَأَرَادَ بِهَا الْوَاجِبَ عَلَيْهِ لَا يَلْزَمُهُ غَيْرُهَا، وَإِنْ أَرَادَ الْوَاجِبَ بِسَبَبِ الْغِنَى يَلْزَمُهُ غَيْرُهَا اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -:. (وَلَا يَذْبَحُ مِصْرِيٌّ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَذَبَحَ غَيْرُهُ) يَعْنِي لَا يَجُوزُ لِأَهْلِ الْمِصْرِ أَنْ يَذْبَحُوا الْأُضْحِيَّةَ قَبْلَ أَنْ يُصَلُّوا صَلَاةَ الْعِيدِ وَيَجُوزُ لِأَهْلِ الْقُرَى وَالْبَادِيَةِ أَنْ يَذْبَحُوا بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ الْإِمَامُ صَلَاةَ الْعِيدِ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ صَلَاةِ الْإِمَامِ فَلْيُعِدْ ذَبِيحَتَهُ وَمَنْ ذَبَحَ بَعْدَ صَلَاةِ الْإِمَامِ فَقَدْ تَمَّ نُسُكُهُ وَأَصَابَ سُنَّةَ الْمُسْلِمِينَ» قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ هَذَا يُشِيرُ إلَى مَا ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ حَيْثُ قَالَ: لَا يَجْزِيهِ لِعَدَمِ الشَّرْطِ لَا لِعَدَمِ الْوَقْتِ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أَوَّلُ نُسُكِنَا فِي هَذَا الْيَوْمِ الصَّلَاةُ، ثُمَّ الْأُضْحِيَّةُ» وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي حَقِّ مَنْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ فَبَقِيَ غَيْرُهُ عَلَى الْأَصْلِ فَيَذْبَحُ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَهُوَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 199 حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ فِي نَفْيِهِمَا الْجَوَازَ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِيدِ قَبْلَ نَحْرِ الْإِمَامِ وَالْمُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ مَكَانُ الْأُضْحِيَّةِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ فِي السَّوَادِ، وَالْمُضَحِّي فِي الْمِصْرِ يَجُوزُ كَمَا انْشَقَّ الْفَجْرُ، وَفِي الْعَكْسِ لَا يَجُوزُ إلَّا بَعْدَ الصَّلَاةِ وَحِيلَةُ الْمِصْرِيِّ إذَا أَرَادَ التَّعْجِيلَ أَنْ يَبْعَثَ بِهَا إلَى خَارِجِ الْمِصْرِ فِي مَوْضِعٍ لِلْمُسَافِرِ أَنْ يَقْصُرَ فَيُضَحِّيَ فِيهِ كَمَا طَلَعَ الْفَجْرُ لِأَنَّ وَقْتَهَا مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَإِنَّمَا أُخِّرَتْ فِي حَقِّ الْمِصْرِ لِمَا ذَكَرْنَا وَلِأَنَّهَا تُشْبِهُ الزَّكَاةَ فَيُعْتَبَرُ فِي الْأَدَاءِ مَكَانُ الْمَحَلِّ وَهُوَ الْمَالُ لَا مَكَانُ الْفَاعِلِ بِخِلَافِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ حَيْثُ يُعْتَبَرُ فِيهَا مَكَانُ الْفَاعِلِ لِأَنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ وَالْمَالُ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لَهَا وَلَوْ ضَحَّى بَعْدَمَا صَلَّى أَهْلُ الْمَسْجِدِ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ أَهْلُ الْجَبَّانَةِ أَجْزَأَهُ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّهَا صَلَاةٌ مُعْتَبَرَةٌ وَلَوْ ذَبَحَ بَعْدَمَا قَعَدَ الْإِمَامُ قَدْرَ التَّشَهُّدِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ لَمْ يَجُزْ خِلَافًا لِلْحَسَنِ، وَفِي الْمُرَادِ: لَوْ ضَحَّى بَعْدَ أَنْ تَشَهَّدَ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ الْإِمَامُ جَازَتْ الْأُضْحِيَّةُ، وَفِي الْعَتَّابِيَّةِ: وَهُوَ الْأَصَحُّ مِنْ غَيْرِ إسَاءَةٍ، وَفِي غَيْرِهِ: وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَلَوْ ضَحَّى قَبْلَ أَنْ يَتَشَهَّدَ الْإِمَامُ لَمْ يَجُزْ عِنْدَنَا وَفِي رِوَايَةٍ جَازَ، وَقَدْ أَسَاءَ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، وَفِي الْأَجْنَاسِ لَوْ صَلَّى الْإِمَامُ صَلَاةَ الْعِيدِ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ لَمْ يَعْلَمُوا حَتَّى عَادَ وَذَبَحَ النَّاسُ جَازَ عَنْ أُضْحِيَّتِهِمْ وَلَوْ عَلِمُوا قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقُوا تُعَادُ الْأُضْحِيَّةُ وَقِيلَ: لَا تُعَادُ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُخْتَارُ وَالْمَأْخُوذُ بِهِ. وَمَتَى عَلِمَ الْإِمَامُ ذَلِكَ وَنَادَى بِالصَّلَاةِ لِيُعِيدَهَا فَمَنْ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ ذَلِكَ الْإِمَامُ أَجْزَأَهُ وَمَنْ ذَبَحَ بَعْدَ الْعِلْمِ قَبْلَ الزَّوَالِ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ ذَبَحَ بَعْدَ الزَّوَالِ جَازَ وَلَوْ لَمْ يُصَلِّ الْإِمَامُ صَلَاةَ الْعِيدِ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ أَخَّرُوا الْأُضْحِيَّةَ إلَى الزَّوَالِ، ثُمَّ ذَبَحُوا وَلَا تَجْزِيهِمْ التَّضْحِيَةُ إذَا لَمْ يُصَلِّ الْإِمَامُ إلَّا بَعْدَ الزَّوَالِ، وَكَذَا فِي الْيَوْمِ الثَّانِي: الْحُكْمُ كَالْأَوَّلِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ. وَذَكَرَ فِيهِ أَيْضًا أَنَّ التَّضْحِيَةَ فِي الْغَدِ تَجُوزُ قَبْلَ الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ فَاتَ وَقْتُ الصَّلَاةِ بِزَوَالِ الشَّمْسِ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ، وَالصَّلَاةُ فِي الْغَدِ تَقَعُ قَضَاءً لَا أَدَاءً فَلَا يَظْهَرُ هَذَا فِي حَقِّ الْأُضْحِيَّةِ وَقَالَ: هَكَذَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ وَلَوْ صَلَّى، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ صَلَّى بِغَيْرِ طَهَارَةٍ تُعَادُ الصَّلَاةُ دُونَ الْأُضْحِيَّةِ وَلَوْ وَقَعَ أَنَّهُ فِي بَلَدِ فِتْنَةٍ وَلَمْ يَبْقَ فِيهَا وَالِي لِيُصَلِّيَ بِهِمْ الْعِيدَ فَضَحَّوْا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَجْزَأَهُمْ وَلَوْ شَهِدُوا عِنْدَ الْإِمَامِ أَنَّهُ يَوْمُ الْعِيدِ فَضَحَّى بَعْدَ الصَّلَاةِ، ثُمَّ انْكَشَفَ أَنَّهُ يَوْمُ عَرَفَةَ أَجْزَأَهُمْ الصَّلَاةُ وَالتَّضْحِيَةُ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْ مِثْلِ هَذَا وَوَقْتُهَا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ أَوَّلُهَا أَفْضَلُهَا، وَيَجُوزُ الذَّبْحُ فِي لَيَالِيهَا إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ لِاحْتِمَالِ الْغَلَطِ فِي الظُّلْمَةِ وَأَيَّامُ النَّحْرِ ثَلَاثَةٌ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ ثَلَاثَةٌ وَالْكُلُّ تَمْضِي بِمُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ أَوَّلُهَا نَحْرٌ لَا غَيْرُ وَآخِرُهَا تَشْرِيقٌ لَا غَيْرُ وَالْمُتَوَسِّطَانِ نَحْرٌ وَتَشْرِيقٌ وَالتَّضْحِيَةُ فِيهَا أَفْضَلُ مِنْ التَّصَدُّقِ بِثَمَنِهَا لِأَنَّهَا تَقَعُ وَاجِبَةً إنْ كَانَ غَنِيًّا وَسُنَّةً إنْ كَانَ فَقِيرًا وَالتَّصَدُّقُ بِالثَّمَنِ تَطَوُّعٌ مَحْضٌ فَكَانَتْ هِيَ أَفْضَلَ لِأَنَّهَا تَفُوتُ بِفَوَاتِ أَيَّامِهَا وَلَوْ لَمْ يُضَحِّ حَتَّى مَضَتْ أَيَّامُهَا وَكَانَ غَنِيًّا وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالْقِيمَةِ سَوَاءٌ اشْتَرَاهَا، أَوْ لَمْ يَشْتَرِهَا، وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا فَإِنْ كَانَ اشْتَرَاهَا وَجَبَ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ بِهَا وَلَوْ ذَبَحَ بَعْدَ الزَّوَالِ يَوْمَ عَرَفَةَ وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ يَوْمُ عَرَفَةَ، ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ يَوْمُ النَّحْرِ يَجْزِيهِ، وَفِي سَائِرِ الْأَوْقَاتِ جُعِلَ اللَّيْلُ السَّابِقَ عَلَى النَّهَارِ إلَّا فِي يَوْمِ عَرَفَةَ فَهِيَ مُتَأَخِّرَةٌ عَنْهَا، وَلَيْلَةُ النَّحْرِ الْأَوَّلِ هِيَ لَيْلَةُ النَّحْرِ الثَّانِي وَلَيْلَةُ النَّحْرِ الثَّانِي هِيَ لَيْلَةُ النَّحْرِ الثَّالِثِ وَلَيْلَةُ النَّحْرِ الثَّالِثِ هِيَ لَيْلَةُ الْفَجْرِ الثَّالِثَ عَشَرَ حَتَّى يَجُوزَ الذَّبْحُ فِيهَا قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ. وَفِي النَّوَازِلِ: الْإِمَامُ إذَا صَلَّى الْعِيدَ يَوْمَ عَرَفَةَ وَضَحَّى النَّاسُ فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ: إمَّا أَنْ شَهِدَ عِنْدَهُ الشُّهُودُ، أَوْ لَا بِأَنَّهُ يَوْمُ النَّحْرِ فَفِي الْأَوَّلِ تَجُوزُ الصَّلَاةُ وَالْأُضْحِيَّةُ، وَفِي الثَّانِي لَا تَجُوزُ وَلَوْ شَكُّوا فِي يَوْمِ النَّحْرِ فَصَلَّى بِهِمْ الْإِمَامُ وَضَحَّوْا ثُمَّ عَلِمُوا فِي الْغَدِ أَنَّهُ يَوْمُ عَرَفَةَ فَإِنَّ عَلَيْهِ إعَادَةَ الصَّلَاةِ وَالْأُضْحِيَّةِ جَمِيعًا، وَفِي الْعَتَّابِيَّةِ: شَهِدُوا بَعْدَ الزَّوَالِ أَنَّهُ يَوْمُ النَّحْرِ ضَحَّوْا، وَإِنْ شَهِدُوا قَبْلَ الزَّوَالِ لَمْ يَجُزْ إلَّا إذَا زَالَتْ، وَفِي التَّجْرِيدِ لَوْ صَلَّى وَلَمْ يَخْطُبْ جَازَ الذَّبْحُ، وَفِي الْكُبْرَى: مِصْرِيٌّ وَكَّلَ وَكِيلًا بِأَنَّهُ يَذْبَحُ شَاةً لَهُ وَخَرَجَ إلَى السَّوَادِ فَأَخْرَجَ الْوَكِيلُ الْأُضْحِيَّةَ إلَى مَوْضِعٍ لَا يُعَدُّ مِنْ الْمِصْرِ وَذَبَحَهَا هُنَاكَ فَإِنْ كَانَ الْمُوَكِّلُ فِي السَّوَادِ جَازَتْ الْأُضْحِيَّةُ، وَإِنْ كَانَ عَادَ إلَى الْمِصْرِ وَعَلِمَ الْوَكِيلُ بِقُدُومِهِ لَمْ تَجُزْ الْأُضْحِيَّةُ عَنْ الْمُوَكِّلِ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِعَوْدِ الْمُوَكِّلِ إلَى الْمِصْرِ فَكَذَا عَنْ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ وَهُوَ الْمُخْتَارُ. اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ: وَلَوْ ذَبَحَ بَعْدَمَا صَلَّى أَهْلُ الْجَبَّانَةِ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ يَجُوزُ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا. اهـ. . [الْأُضْحِيَّة بِالْجَمَّاءِ] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَيُضَحِّي بِالْجَمَّاءِ) الَّتِي لَا قَرْنَ لَهَا يَعْنِي خِلْقَةً لِأَنَّ الْقَرْنَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مَقْصُودٌ وَكَذَا مَكْسُورَةُ الْقَرْنِ بَلْ أَوْلَى قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَالْخَصِيِّ) وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هُوَ أَوْلَى لِأَنَّ لَحْمَهُ أَطْيَبُ وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ مَوْجُوءَيْنِ» الْأَمْلَحُ الَّذِي فِيهِ مُلْحَةٌ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 200 وَهُوَ الْبَيَاضُ الَّذِي فِيهِ شُعَيْرَاتٌ سُودٌ وَهُوَ مِنْ لَوْنِ الْمِلْحِ، وَالْمَوْجُوءُ الْمَخْصِيُّ مِنْ الْوَجْءِ وَهُوَ أَنْ يَضْرِبَ عُرُوقَ الْخُصْيَةِ بِشَيْءٍ، وَفِي الْمُحِيطِ: تَجُوزُ الْجَرْبَاءُ، وَفِي الْحَاوِي: تَجُوزُ الْجَرْبَاءُ إذَا كَانَتْ سَمِينَةً اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَالتَّوْلَاءِ) وَهِيَ الْمَجْنُونَةُ لِأَنَّهُ لَا يُخِلُّ بِالْمَقْصُودِ إذَا كَانَتْ تَعْتَلِفُ فَإِنْ كَانَتْ سَمِينَةً وَلَمْ يَتْلَفْ جِلْدُهَا جَازَ لِأَنَّهُ لَا يُخِلُّ بِالْمَقْصُودِ قَالَ: وَلَا يَجُوزُ بِالْهَتْمَاءِ الَّتِي لَا أَسْنَانَ لَهَا، وَإِنْ كَانَتْ لَا تَعْتَلِفُ، وَإِنْ كَانَتْ تَعْتَلِفُ جَازَ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَلَا الْجَلَّالَةِ الَّتِي تَأْكُلُ الْعَذِرَةَ وَلَا تَأْكُلُ غَيْرَهَا وَلَا مَقْطُوعَةِ الضَّرْعِ وَلَا الَّتِي لَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تُرْضِعَ وَلَدَهَا الَّتِي يَبِسَ ضَرْعُهَا وَلَا مَقْطُوعَةِ الْأَنْفِ وَالذَّنَبِ وَالطَّرَفِ. كَذَا فِي الْمُحِيطِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (لَا بِالْعَمْيَاءِ وَالْعَوْرَاءِ وَالْعَجْفَاءِ وَالْعَرْجَاءِ) أَيْ الَّتِي لَا تَمْشِي إلَى الْمَنْسَكِ أَيْ إلَى الْمَذْبَحِ لِمَا رُوِيَ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «أَرْبَعٌ لَا تَجُوزُ فِي الْأَضَاحِيِّ؛ الْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا وَالْعَجْفَاءُ الْبَيِّنُ ضِلْعُهَا وَالْكَسِيرَةُ الَّتِي لَا تُنْقِي» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَجَمَاعَةٌ أُخَرُ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَفِي الْحَاوِي قَالَ مَشَايِخُنَا: الْعَرْجَاءُ الَّتِي تَمْشِي بِثَلَاثَةِ قَوَائِمَ وَتُجَافِي الرَّابِعَ عَنْ الْأَرْضِ لَا تَجُوزُ الْأُضْحِيَّةُ بِهَا، وَإِنْ كَانَتْ تَضَعُ الرَّابِعَ عَلَى الْأَرْضِ وَتَسْتَعِينُ بِهِ إلَّا أَنَّهَا تَتَمَايَلُ مَعَ ذَلِكَ وَتَضَعُهُ وَضْعًا خَفِيفًا يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَتْ تَرْفَعُهُ رَفْعًا، أَوْ تَحْمِلُ الْمُنْكَسِرَ لَا تَجُوزُ، وَفِي الْخَانِيَّةِ: وَكَذَا الْحَوْلَاءُ الَّتِي فِي عَيْنِهَا حَوَلٌ لَا تَجُوزُ الْمُنْفَسِخَةُ الْعَيْنِ وَهِيَ الَّتِي غَارَتْ عَيْنُهَا اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَمَقْطُوعَةِ أَكْثَرِ الْآذَانِ، أَوْ الذَّنَبِ، أَوْ الْعَيْنِ، أَوْ الْأَلْيَةِ) لِقَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نَسْتَشْرِفَ الْعَيْنَ وَالْأُذُنَ وَأَنْ لَا نُضَحِّيَ بِمُقَابَلَةٍ وَلَا مُدَابَرَةٍ وَلَا شَرْقَاءَ وَلَا خَرْقَاءَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ الْمُقَابَلَةُ قُطِعَ مِنْ مُقَدَّمِ ذَنَبِهَا وَالْمُدَابَرَةُ قُطِعَ مِنْ مُؤَخَّرِ أُذُنِهَا، وَالشَّرْقَاءُ أَنْ يَكُونَ الْخَرْقُ فِي أُذُنِهَا طَوِيلًا وَالْخَرْقَاءُ أَنْ يَكُونَ عَرْضًا، وَإِنْ بَقِيَ أَكْثَرُ الْأُذُنِ جَازَ وَكَذَا أَكْثَرُ الذَّنَبِ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ بَقَاءً وَذَهَابًا وَهَذَا لِأَنَّ الْعَيْبَ الْيَسِيرَ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ فَجُعِلَ عَفْوًا. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الثُّلُثَ إذَا ذَهَبَ وَبَقِيَ الثُّلُثَانِ يَجُوزُ، وَإِنْ ذَهَبَ أَكْثَرُ مِنْ الثُّلُثِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الثُّلُثَ تَنْفُذُ فِيهِ الْوَصِيَّةُ مِنْ غَيْرِ إجَازَةِ الْوَرَثَةِ فَاعْتُبِرَ قَلِيلًا وَفِيمَا زَادَ لَا يَنْفُذُ إلَّا بِرِضَاهُمْ فَاعْتُبِرَ كَثِيرًا وَيُرْوَى عَنْهُ الرُّبُعُ؛ لِأَنَّهُ يَحْكِي حِكَايَةَ الْكُلِّ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إذَا بَقِيَ أَكْثَرُ مِنْ النِّصْفِ أَجْزَأَهُ اعْتِبَارًا لِلْحَقِيقَةِ وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي اللَّيْثِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: أَخْبَرْتُ بِقَوْلِي أَبَا حَنِيفَةَ فَقَالَ: قَوْلِي هُوَ قَوْلُك قِيلَ: هُوَ رُجُوعٌ إلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَقِيلَ مَعْنَاهُ: قَوْلِي قَرِيبٌ مِنْ قَوْلِك، وَفِي كَوْنِ النِّصْفِ مَانِعًا رِوَايَتَانِ عَنْهُمَا وَتَأْوِيلُ مَا رَوَيْنَا إذَا كَانَ بَعْضُ الْآذَانِ مَقْطُوعًا عَلَى اخْتِلَافٍ الرِّوَايَتَانِ لِأَنَّ مُجَرَّدَ الرَّدِّ الشَّقُّ مِنْ غَيْرِ ذَهَابِ شَيْءٍ مِنْ الْأُذُنِ لَا يَمْنَعُ، ثُمَّ فِي مَعْرِفَةِ مِقْدَارِ الذَّاهِبِ وَالْبَاقِي يَتَيَسَّرُ فِي غَيْرِ الْعَيْنِ وَفِي الْعَيْنِ قَالَ: تُسَدُّ عَيْنُهَا الْمَعِيبَةُ بَعْدَ إنْ جَاءَتْ، ثُمَّ يُقَرَّبُ إلَيْهَا الْعَلَفُ قَلِيلًا قَلِيلًا فَإِذَا رَأَتْهُ فِي مَوْضِعٍ عُلِّمَ ذَلِكَ الْمَوْضِعُ، ثُمَّ تُسَدُّ عَيْنُهَا الصَّحِيحَةُ وَيُقَرَّبُ الْعَلَفُ إلَيْهَا شَيْئًا فَشَيْئًا حَتَّى إذَا رَأَتْهُ مِنْ مَكَان عُلِّمَ عَلَيْهِ، ثُمَّ يُنْظَرُ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ التَّفَاوُتِ فَإِنْ كَانَ نِصْفًا، أَوْ ثُلُثًا، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ فَالذَّاهِبُ هُوَ ذَلِكَ الْقَدْرُ، وَفِي الشَّرْحِ. وَلَوْ أَوْجَبَ الْفَقِيرُ عَلَى نَفْسِهِ أُضْحِيَّةً بِغَيْرِ عَيْنِهَا فَاشْتَرَى أُضْحِيَّةً صَحِيحَةً ثُمَّ تَعَيَّبَتْ عِنْدَهُ فَضَحَّى بِهَا لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْوَاجِبُ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ أُضْحِيَّةٌ كَامِلَةٌ بِالنِّيَّةِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ كَالْمُوسِرِ وَلَوْ كَانَتْ مُعَيَّنَةً وَقْتَ الشِّرَاءِ جَازَ ذَبْحُهَا لِمَا ذَكَرْنَا وَلَوْ أَضْجَعَهَا لِيَذْبَحَهَا فِي يَوْمِ النَّحْرِ فَاضْطَرَبَتْ فَانْكَسَرَتْ رِجْلُهَا فَذَبَحَهَا أَجْزَأَتْهُ اسْتِحْسَانًا وَلَوْ بَقِيَتْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَانْقَلَبَتْ، ثُمَّ أَخَذَهَا مِنْ فَوَرِهَا وَكَذَا بَعْدَ فَوَرِهَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، وَفِي الْخَانِيَّةِ عَشَرَةٌ مِنْ الرِّجَالِ اشْتَرَوْا مِنْ رَجُلٍ عَشَرَةَ شِيَاهٍ جُمْلَةً وَاحِدَةً فَصَارَتْ الْعَشَرَةُ شَرِكَةً بَيْنَهُمْ فَأَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ شَاةً وَضَحَّى بِهَا عَنْ نَفْسِهِ جَازَ فَإِذَا ظَهَرَ مِنْهَا شَاةٌ عَوْرَاءُ وَأَنْكَرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الشُّرَكَاءِ أَنْ تَكُونَ الْعَوْرَاءُ لَهُ لَا تَجُوزُ أُضْحِيَّتُهُمْ اهـ. [الْأُضْحِيَّةُ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَالْأُضْحِيَّةُ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ) لِأَنَّ جَوَازَ التَّضْحِيَةِ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ عُرِفَتْ شَرْعًا بِالنَّصِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَيُقْتَصَرُ عَلَى مَا وَرَدَ وَتَجُوزُ بِالْجَامُوسِ لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ الْبَقَرِ بِخِلَافِ بَقَرِ الْوَحْشِ حَيْثُ لَا تَجُوزُ الْأُضْحِيَّةُ بِهِ لِأَنَّ جَوَازَهَا عُرِفَ بِالشَّرْعِ، وَفِي الْبَقَرِ الْأَهْلِيِّ دُونَ الْوَحْشِيِّ وَالْقِيَاسُ مُمْتَنِعٌ، وَفِي الْمُتَوَلَّدِ مِنْهَا تُعْتَبَرُ الْأُمُّ وَكَذَا فِي حَقِّ الْمَحَلِّ تُعْتَبَرُ الْأُمُّ اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَجَازَ الثَّنِيُّ مِنْ الْكُلِّ وَالْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَذْبَحُوا إلَّا مُسِنَّةً إلَّا أَنْ يَعْسُرَ عَلَيْكُمْ فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنْ الضَّأْنِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَجَمَاعَةٌ أُخَرُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 201 وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نِعْمَتْ الْأُضْحِيَّةُ الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يَجُوزُ الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ أُضْحِيَّةً» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَقَالُوا: هَذَا إذَا كَانَ الْجَذَعُ عَظِيمًا بِحَيْثُ لَوْ خُلِطَ بِالثَّنِيَّاتِ لَيَشْتَبِهُ عَلَى النَّاظِرِينَ، وَالْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ مَا تَمَّتْ لَهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ وَذَكَرَ الزَّعْفَرَانِيُّ أَنَّهُ ابْنُ سَبْعَةِ أَشْهُرٍ وَالثَّنِيُّ مِنْ الضَّأْنِ وَالْمَعْزِ ابْنُ سَنَةٍ وَمِنْ الْبَقَرِ ابْنُ سَنَتَيْنِ وَمِنْ الْإِبِلِ ابْنُ خَمْسِ سِنِينَ، وَفِي الْمُغْرِبِ الْجَذَعُ مِنْ الْبَهَائِمِ قِيلَ الثَّنِيُّ إلَّا أَنَّهُ مِنْ الْإِبِلِ قَبْلَ السَّنَةِ الْخَامِسَةِ وَمِنْ الْبَقَرِ وَالشَّاةِ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ وَمِنْ الْخَيْلِ فِي الرَّابِعَةِ وَعَنْ الزُّهْرِيِّ الْجَذَعُ مِنْ الْمَعْزِ لِسَنَةٍ وَمِنْ الضَّأْنِ لِثَمَانِيَةِ أَشْهُرٍ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ: وَلَوْ أَنَّ رَجُلَيْنِ ضَحَّيَا بِعَشْرٍ مِنْ الْغَنَمِ بَيْنَهُمَا لَمْ تَجُزْ وَلَوْ اشْتَرَكَ سَبْعَةُ نَفَرٍ فِي خَمْسِ بَقَرَاتٍ جَازَ، وَإِنْ اشْتَرَكَ ثَمَانِيَةُ نَفَرٍ فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ لَمْ يَجُزْ وَكَذَا عَشَرَةٌ وَأَكْثَرُ اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَإِنْ مَاتَ أَحَدُ السَّبْعَةِ، وَقَالَ الْوَرَثَةُ: اذْبَحُوا عَنْهُ وَعَنْكُمْ صَحَّ، وَإِنْ كَانَ شَرِيكُ السِّتَّةِ نَصْرَانِيًّا) وَمُرِيدُ اللَّحْمِ لَمْ تَجُزْ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الْبَقَرَ تَجُوزُ عَنْ سَبْعَةٍ بِشَرْطِ قَصْدِ الْكُلِّ الْقُرْبَةَ، وَاخْتِلَافِ الْجِهَاتِ فِيمَا لَا يَضُرُّ كَالْقِرَانِ وَالْمُتْعَةِ وَالْأُضْحِيَّةِ لِإِيجَادِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ الْقُرْبَةُ وَقَدْ وُجِدَ هَذَا الشَّرْطُ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْأُضْحِيَّةَ مِنْ الْغَيْرِ عُرِفَتْ قُرْبَةً لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضَحَّى عَنْ أُمَّتِهِ وَلَمْ تُوجَدْ الْقُرْبَةُ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي لِأَنَّ النَّصْرَانِيَّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا وَلَوْ اشْتَرَكَ اثْنَانِ فِي بَقَرَةٍ، أَوْ بَعِيرٍ لَا يَجُوزُ فِي الْأُضْحِيَّةِ لِأَنَّهُ يَكُونُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ وَنِصْفٌ، وَالنِّصْفُ لَا يَجُوزُ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَجُوزُ لِأَنَّ النِّصْفَ يَصِيرُ قُرْبَةً بِطَرِيقِ التَّبَعِ لِغَيْرِهِ. شَاتَانِ بَيْنَ رَجُلَيْنِ ذَبَحَاهُمَا عَنْ نُسُكِهِمَا أَجْزَأَهُمَا بِخِلَافِ الْعَبْدَيْنِ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَعْتَقَاهُمَا عَنْ كَفَارَتَيْهِمَا لَا يَجُوزُ لِأَنَّ فِي الشَّاتَيْنِ أَمْكَنَ جَمْعُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي شَاةٍ وَلَا كَذَلِكَ الرَّقِيقُ اشْتَرَكَ ثَلَاثَةٌ فِي بَقَرَةٍ: لِوَاحِدٍ ثَلَاثَةُ أَسْبَاعِهَا، وَمَاتَ وَتَرَكَ ابْنًا وَبِنْتًا صِغَارًا، أَوْ تَرَكَ سِتَّمِائَةِ دِرْهَمٍ مَعَ حِصَّةِ الْبَقَرَةِ فَضَحَّى الْوَصِيُّ عَنْهُمْ بِحِصَّةِ الْمَيِّتِ مِنْ الْبَقَرَةِ لَا يَجُوزُ عَنْهُ لِأَنَّ نَصِيبَ الْبِنْتِ لَحْمٌ لِأَنَّهَا فَقِيرَةٌ أَصَابَهَا مِنْ مِيرَاثِ الْأَبِ أَقَلُّ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَلَوْ اشْتَرَكَ خَمْسَةٌ فِي بَقَرَةٍ فَأَشْرَكَ أَرْبَعَةٌ مِنْهُمْ رَجُلًا فِي الْبَقَرَةِ تَجُوزُ الْأُضْحِيَّةُ عَنْهُمْ لِأَنَّ الشُّرَكَاءَ أَرْبَعَةٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ خَمْسَةٌ فَتَصِيرُ الْأَرْبَعَةُ عِشْرِينَ وَقَدْ جَعَلُوا مِنْ أَنْصِبَائِهِمْ أَرْبَعَةً، وَالْأَرْبَعَةُ مِنْ عِشْرِينَ أَكْثَرُ مِنْ السُّبُعِ وَلَوْ كَانُوا سِتَّةً فَأَشْرَكَ خَمْسَةٌ وَاحِدًا وَأَبَى الْوَاحِدُ لَمْ تَجُزْ أُضْحِيَّتُهُمْ لِأَنَّ نَصِيبَهُ أَقَلُّ مِنْ السُّبُعِ لِأَنَّ أَصْلَ حِسَابِهِ سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ كُلُّ وَاحِدٍ سِتَّةٌ فَيَكُونُ لِلْخَمْسَةِ ثَلَاثُونَ وَقَدْ جَعَلُوهَا سِتَّةً لِكُلِّ وَاحِدٍ خَمْسَةٌ، وَخَمْسَةٌ مِنْ سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ أَقَلُّ مِنْ السُّبُعِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَكَذَا قَصْدُ اللَّحْمِ مِنْ الْمُسْلِمِ يُنَافِيهَا، وَإِذَا لَمْ يَقَعْ الْبَعْضُ قُرْبَةً خَرَجَ الْكُلُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ قُرْبَةً لِأَنَّ الْإِرَاقَةَ لَا تَتَجَزَّأُ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَجُوزَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ تَبَرَّعَ بِالْإِتْلَافِ فَلَا تَجُوزُ عَنْ غَيْرِهِ كَالْإِعْتَاقِ عَنْ الْمَيِّتِ قُلْنَا الْقُرْبَةُ تَقَعُ عَنْ الْمَيِّتِ كَالتَّصَدُّقِ لِمَا رَوَيْنَا بِخِلَافِ الْإِعْتَاقِ لِأَنَّ فِيهِ إلْزَامَ الْوَلَاءِ لِلْمَيِّتِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُ الشُّرَكَاءِ صَغِيرًا، أَوْ أُمَّ وَلَدٍ بِأَنْ ضَحَّى عَنْ الصَّغِيرِ أَبُوهُ، أَوْ عَنْ أُمِّ وَلَدِهِ مَوْلَاهَا وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِمَا جَازَ لِأَنَّ كُلَّهَا وَقَعَتْ قُرْبَةً وَلَوْ ذَبَحُوهَا بِغَيْرِ إذْنِ الْوَرَثَةِ فِيمَا إذَا مَاتَ أَحَدُهُمْ لَا تَجْزِيهِمْ لِأَنَّ بَعْضَهَا لَمْ يَقَعْ قُرْبَةً بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ لِوُجُودِ الْإِذْنِ مِنْ الْوَرَثَةِ وَفِي فَتَاوَى أَبِي اللَّيْثِ إذَا ضَحَّى بِشَاةٍ عَنْ غَيْرِهِ بِأَمْرِهِ، أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَا يَجُوزُ وَلَوْ ضَحَّى بِبَدَنَةٍ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ أَوْلَادِهِ فَإِنْ كَانُوا صِغَارًا أَجْزَأَهُ وَأَجْزَأَهُمْ وَإِنْ كَانُوا كِبَارًا فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِأَمْرِهِمْ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ أَمْرِهِمْ لَمْ يَجُزْ عَلَى قَوْلِهِمْ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجُوزُ اسْتِحْسَانًا، وَفِي الْكُبْرَى لَوْ ضَحَّى عَنْ الْمَيِّتِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَا يَجُوزُ وَهُوَ الْمُخْتَارُ، وَفِي رِوَايَةٍ يَجُوزُ. وَاخْتَلَفُوا هَلْ الْأُضْحِيَّةُ عَنْ الْمَيِّتِ أَفْضَلُ، أَوْ التَّصَدُّقُ أَفْضَلُ؟ ذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّ التَّصَدُّقَ أَفْضَلُ وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّ الْأُضْحِيَّةَ أَفْضَلُ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ رَجُلٌ اشْتَرَى أُضْحِيَّةً شِرَاءً فَاسِدًا فَذَبَحَهَا عَنْ أُضْحِيَّتِهِ جَازَ وَالْبَائِعُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهَا حَيَّةً، وَإِنْ شَاءَ اسْتَرَدَّهَا وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُضَحِّي وَيَتَصَدَّقُ بِقِيمَتِهَا مَذْبُوحَةً، وَفِي الْخَانِيَّةِ اشْتَرَى سَبْعٌ بَقَرَةً فَنَوَى بَعْضُهُمْ الْأُضْحِيَّةَ عَنْ نَفْسِهِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ وَنَوَى بَقِيَّتُهُمْ عَنْ السَّنَةِ الْمَاضِيَةِ، قَالُوا: تَجُوزُ الْأُضْحِيَّةُ عَنْ هَذَا الْوَاحِدِ وَنِيَّةُ أَصْحَابِهِ عَنْ السَّنَةِ الْمَاضِيَةِ بَاطِلَةٌ وَصَارُوا مُتَطَوِّعِينَ قَيَّدْنَا بِالسَّبْعَةِ لِأَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا ثَمَانِيَةً لَمْ تَجُزْ عَنْ الْوَاحِدِ مِنْهُمْ كَمَا تَقَدَّمَ، وَفِي أَضَاحِيِّ الزَّعْفَرَانِيِّ اشْتَرَى ثَلَاثَةٌ بَقَرَةً عَلَى أَنْ يَدْفَعَ أَحَدُهُمْ ثَلَاثَةَ دَنَانِيرَ وَالْآخَرُ أَرْبَعَةً وَالْآخَرُ دِينَارًا عَلَى أَنْ تَكُونَ الْبَقَرَةُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ رَأْسِ مَالِهِمْ فَضَحَّوْا بِهَا لَمْ تَجُزْ وَلَوْ كَانَتْ الْبَقَرَةُ، أَوْ الْبَدَنَةُ بَيْنَ اثْنَيْنِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 202 فَضَحَّيَا بِهَا اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ قَالَ بَعْضُهُمْ: يَجُوزُ وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَالصَّدْرُ الشَّهِيدُ اهـ. [الْأَكْلُ مِنْ لَحْمِ الْأُضْحِيَّةِ] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَيَأْكُلُ مِنْ لَحْمِ الْأُضْحِيَّةِ وَيُؤْكِلُ وَيَدَّخِرُ) لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نَهَى عَنْ أَكْلِ لَحْمِ الضَّحَايَا بَعْدَ ثَلَاثَةٍ، ثُمَّ قَالَ: كُلُوا وَتَزَوَّدُوا وَادَّخِرُوا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَالنُّصُوصُ فِيهِ كَثِيرَةٌ وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ وَلِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ وَهُوَ غَنِيٌّ فَأَوْلَى أَنْ يَجُوزَ لَهُ إطْعَامُ غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَنُدِبَ أَنْ لَا يَنْقُصَ الصَّدَقَةَ مِنْ الثُّلُثِ) لِأَنَّ الْجِهَاتِ ثَلَاثَةٌ: الْإِطْعَامُ وَالْأَكْلُ وَالِادِّخَارُ لِمَا رَوَيْنَا وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} [الحج: 36] أَيْ السَّائِلَ وَالْمُتَعَرِّضَ لِلسُّؤَالِ، فَانْقَسَمَ عَلَيْهِ أَثْلَاثًا وَهَذَا فِي الْأُضْحِيَّةِ الْوَاجِبَةِ وَالسُّنَّةِ سَوَاءٌ، وَلَك أَنْ تَقُولَ الْأَمْرُ لِمُطْلَقِ الْوُجُوبِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ وَالظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِهِ " وَأَطْعِمُوا " وُجُوبُ الْإِطْعَامِ وَالْمُدَّعَى اسْتِحْبَابُهُ فَلْيُتَأَمَّلْ فِي الْجَوَابِ، وَإِذَا لَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً، وَإِنَّمَا وَجَبَتْ بِالنَّذْرِ فَلَيْسَ لِصَاحِبِهَا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا شَيْئًا وَلَا أَنْ يُطْعِمَ غَيْرَهُ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ، سَوَاءٌ كَانَ النَّاذِرُ غَنِيًّا، أَوْ فَقِيرًا لِأَنَّ سَبِيلَهَا التَّصَدُّقُ وَلَيْسَ لِلْمُتَصَدِّقِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ صَدَقَتِهِ وَلَا أَنْ يُطْعِمَ الْأَغْنِيَاءَ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ اشْتَرَى شَاةً لِلْأُضْحِيَّةِ وَهُوَ فَقِيرٌ فَضَحَّى بِهَا، ثُمَّ أَيْسَرَ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ، قَالَ بَعْضُهُمْ: عَلَيْهِ غَيْرُهَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهَا وَبِهِ تَأْخُذُ، وَفِي الْعَتَّابِيَّةِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَلَوْ أَوْصَى بِأَنْ يُضَحَّى عَنْهُ وَلَمْ يُسَمِّ يَنْصَرِفُ إلَى الشَّاةِ. أَوْصَى بِأَنْ يُشْتَرَى بِمَالِهِ أُضْحِيَّةٌ وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ فَالْوَصِيَّةُ جَائِزَةٌ فِي الثُّلُثِ وَيُشْتَرَى بِهِ شَاةٌ يُضَحَّى بِهَا وَلَوْ أَوْصَى بِأَنْ يُشْتَرَى بَقَرَةٌ بِعِشْرِينَ دِرْهَمًا وَيُضَحَّى وَلَمْ يَبْلُغْ ثُلُثُ مَالِهِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُشْتَرَى بِقَدْرِ مَا بَلَغَ وَكَذَا لَوْ لَمْ يُعَيِّنْ قَدْرًا يُشْتَرَى بِقَدْرِ الثُّلُثِ اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَيَتَصَدَّقُ بِجِلْدِهَا، أَوْ يَعْمَلُ مِنْهُ نَحْوَ غِرْبَالٍ، أَوْ جِرَابٍ) لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهَا وَكَانَ لَهُ التَّصَدُّقُ وَالِانْتِفَاعُ بِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَهَا وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ مَا يَنْتَفِعُ بِعَيْنِهِ مَعَ بَقَائِهِ اسْتِحْسَانًا وَذَلِكَ مِثْلُ مَا ذَكَرْنَا لِأَنَّ لِلْبَدَلِ حُكْمَ الْمُبْدَلِ وَلَا يَشْتَرِي بِهِ مَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ إلَّا بَعْدَ الِاسْتِهْلَاكِ، نَحْوُ اللَّحْمِ وَالطَّعَامِ وَلَا يَبِيعُهُ بِالدَّرَاهِمِ لِيُنْفِقَ الدَّرَاهِمَ عَلَى نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ لَا يَتَصَدَّقُ عَلَى قَصْدِ التَّمَوُّلِ، وَاللَّحْمُ بِمَنْزِلَةِ الْجِلْدِ فِي الصَّحِيحِ فَلَا يَبِيعُهُ بِمَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ إلَّا بَعْدَ الِاسْتِهْلَاكِ وَلَوْ بَاعَهَا بِالدَّرَاهِمِ لِيَتَصَدَّقَ بِهَا جَازَ لِأَنَّهُ قُرْبَةٌ كَالتَّصَدُّقِ بِالْجِلْدِ وَاللَّحْمِ وَقَوْلُهُ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ بَاعَ جِلْدَ أُضْحِيَّتِهِ فَلَا أُضْحِيَّةَ لَهُ» يُفِيدُ كَرَاهِيَةَ الْبَيْعِ، وَأَمَّا الْبَيْعُ فَجَائِزٌ لِوُجُودِ الْمِلْكِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ. [أُجْرَةَ الْجَزَّارِ هَلْ تَأْخَذ مِنْ الْأُضْحِيَّة] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَلَا يُعْطِي أُجْرَةَ الْجَزَّارِ مِنْهَا شَيْئًا) وَالنَّهْيُ عَنْهُ نَهْيٌ عَنْ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ لِأَنَّهُ يَأْخُذُهُ بِمُقَابَلَةِ عَمَلِهِ فَصَارَ مُعَاوَضَةً كَالْبَيْعِ وَيُكْرَهُ أَنْ يَجُزَّ صُوفَهَا قَبْلَ الذَّبْحِ فَيَنْتَفِعَ بِهِ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ إقَامَةَ الْقُرْبَةِ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الذَّبْحِ لِأَنَّ الْقُرْبَةَ قَدْ أُقِيمَتْ بِهَا وَالِانْتِفَاعُ بَعْدَهَا مُطْلَقٌ لَهُ وَيُكْرَهُ بَيْعُ لَبَنِهَا كَمَا فِي الصُّوفِ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ أَجَازَ الِانْتِفَاعَ بِهِ يَعْنِي بِلَبَنِهَا وَصُوفِهَا لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي حَقِّهِ فِي الذِّمَّةِ فَلَا يَتَعَيَّنُ وَيُكْرَهُ رُكُوبُ الدَّابَّةِ وَاسْتِعْمَالُهَا وَلَوْ اكْتَسَبَ مَالًا مِنْ لَبَنِهَا يَتَصَدَّقُ بِمِثْلِ ذَلِكَ وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي النَّوَادِرِ وَلَا يَشْتَرِي بِالْجِلْدِ الْخَلَّ وَالزَّيْتَ فَلَوْ مَاتَتْ أُضْحِيَّتُهُ فَحَلَبَ لَبَنَهَا وَجَزَّ صُوفَهَا وَسَلَخَ جِلْدَهَا فَلَهُ ذَلِكَ وَلَا يَتَصَدَّقُ بِشَيْءٍ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَفِي التَّتِمَّةِ سُئِلَ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ عَنْ رَجُلٍ دَفَعَ لَحْمَ الْأُضْحِيَّةِ عَنْ زَكَاةِ مَالِهِ هَلْ تَسْقُطُ عَنْهُ الْأُضْحِيَّةُ قَالَ نَعَمْ وَسُئِلَ الْوَبَرِيُّ عَنْ هَذَا فَقَالَ يَقَعُ الْمَوْقِعَ وَلَكِنَّهُ يَأْثَمُ وَسُئِلَ عَلِيٌّ أَيْضًا لَوْ كَانَ لِرَجُلٍ دَيْنٌ عَلَى مُقِرٍّ هَلْ تَحِلُّ لَهُ الزَّكَاةُ؟ فَقِيلَ لَهُ: هَلْ عَلَيْهِ أُضْحِيَّةٌ؟ قَالَ: لَا؛ لِأَنَّ مَالَهُ مُسْتَقْرَضٌ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ وَسُئِلَ أَيْضًا عَنْ رَجُلٍ لَهُ دُيُونٌ مُؤَجَّلَةٌ، أَوْ غَيْرُ مُؤَجَّلَةٍ عَلَى رَجُلٍ وَهُوَ مُقِرٌّ حَتَّى جَاءَ يَوْمُ النَّحْرِ وَلَيْسَ فِي يَدِهِ شَيْءٌ وَعَلَيْهِ شِرَاءُ الْأُضْحِيَّةِ هَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَقْرِضَ وَيَشْتَرِيَ أُضْحِيَّةً؟ فَقَالَ: لَا قِيلَ لَهُ: هَلْ يَجِبُ عَلَى رَبِّ الدَّيْنِ أَنْ يَسْأَلَ الْمَدْيُونَ إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَوْ سَأَلَهُ أَعْطَاهُ ثَمَنَ الْأُضْحِيَّةِ، وَإِنْ كَانَ مُؤَجَّلًا؟ قَالَ: نَعَمْ، وَفِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ أَرْبَعَةُ نَفَرٍ اشْتَرَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ شَاةً وَلَبَنُهَا وَسَمْنُهَا وَاحِدٌ فَحَبَسُوهَا فِي بَيْتٍ فَلَمَّا أَصْبَحُوا وَجَدُوا وَاحِدَةً مِنْهَا مَيِّتَةً وَلَا يُدْرَى لِمَنْ هِيَ، فَإِنَّهَا تُبَاعُ هَذِهِ الْأَغْنَامُ جُمْلَةً وَيُشْتَرَى بِقِيمَتِهَا أَرْبَعُ شِيَاهٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ شَاةٌ، ثُمَّ يُؤْكِلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ صَاحِبَهُ بِذَبْحِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا وَيُحَلِّلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ صَاحِبَهُ لِتَجُوزَ عَنْ الْأُضْحِيَّةِ اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَنُدِبَ أَنْ يَذْبَحَ بِيَدِهِ إنْ عَلِمَ ذَلِكَ) لِأَنَّ الْأَوْلَى فِي الْقُرَبِ أَنْ يَتَوَلَّاهَا الْإِنْسَانُ بِنَفْسِهِ، وَإِنْ أَمَرَ بِهِ غَيْرَهُ فَلَا يَضُرُّ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «سَاقَ مِائَةَ بَدَنَةٍ فَنَحَرَ بِيَدِهِ نَيِّفًا وَسِتِّينَ، ثُمَّ أَعْطَى الْحَرْبَةَ عَلِيًّا فَنَحَرَ الْبَاقِيَ» ، وَإِنْ كَانَ لَا يُحْسِنُ ذَلِكَ فَالْأَحْسَنُ أَنْ يَسْتَعِينَ بِغَيْرِهِ كَيْ لَا يَجْعَلَهَا مَيْتَةً وَلَكِنْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 203 يَنْبَغِي أَنْ يَشْهَدَهَا بِنَفْسِهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِفَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «قَوْمِي فَاشْهَدِي أُضْحِيَّتَكِ فَإِنَّهُ يُغْفَرُ لَك بِأَوَّلِ قَطْرَةٍ مِنْ دَمِهَا كُلُّ ذَنْبٍ» ، وَفِي فَتَاوَى الْفَضْلِيِّ: شَاةٌ نَدَّتْ وَتَوَحَّشَتْ فَرَمَاهَا صَاحِبُهَا وَنَوَى الْأُضْحِيَّةَ فَأَصَابَهَا أَجْزَأَهُ عَنْ الْأُضْحِيَّةِ، وَفِي الذَّخِيرَةِ وَكَّلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ كَبْشًا أَقْرَنَ أَعَيْنَ لِلْأُضْحِيَّةِ فَاشْتَرَى كَبْشًا لَيْسَ بِأَقْرَنَ وَلَا أَعَيْنَ لَمْ يَلْزَمْ الْآمِرَ اهـ. [ذَبْحُ الْكِتَابِيِّ فِي الْأُضْحِيَّةِ] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَكُرِهَ ذَبْحُ الْكِتَابِيِّ) لِأَنَّهُ قُرْبَةٌ وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا وَلَوْ أَمَرَهُ فَذَبَحَ جَازَ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الذَّكَاةِ، وَالْقُرْبَةُ أُقِيمَتْ بِإِنَابَتِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَمَرَ الْمَجُوسِيَّ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الذَّكَاةِ فَكَانَ فَسَادًا لَا تَقَرُّبًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: (وَلَوْ غَلِطَا وَذَبَحَ كُلٌّ أُضْحِيَّةَ صَاحِبِهِ صَحَّ وَلَا يَضْمَنَانِ) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الْأُضْحِيَّةُ وَيَضْمَنُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِالذَّبْحِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَيَضْمَنُ كَمَا إذَا ذَبَحَ شَاةً اشْتَرَاهَا الْقَصَّابُ، وَالتَّضْحِيَةُ قُرْبَةٌ فَلَا تَتَأَدَّى بِنِيَّةِ غَيْرِهِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهَا تَعَيَّنَتْ لِلذَّبْحِ لِتَعَيُّنِهَا بِالْأُضْحِيَّةِ حَتَّى وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُضَحِّيَ بِهَا بِعَيْنِهَا فِي أَيَّامِ النَّحْرِ وَيُكْرَهُ أَنْ يُبَدِّلَ بِهَا غَيْرَهَا فَصَارَ الْمَالِكُ مُسْتَعِينًا بِمَنْ يَكُونُ أَهْلًا لِلذَّبْحِ فَصَارَ مَأْذُونًا لَهُ دَلَالَةً لِأَنَّهَا تَفُوتُ بِمُضِيِّ هَذِهِ الْأَيَّامِ وَيُخَافُ أَنْ يَعْجِزَ عَنْ إقَامَتِهَا لِعَارِضٍ يَعْتَرِيهِ فَصَارَ كَمَا إذَا ذَبَحَ شَاةً وَشَدَّ الْقَصَّابُ رِجْلَيْهَا وَكَيْفَ لَا يَأْذَنُ لَهُ وَفِيهِ مُسَارَعَةٌ إلَى الْخَيْرِ وَتَحْقِيقِ مَا عَيَّنَهُ وَلَا يُبَالَى بِفَوَاتِ مُبَاشَرَتِهِ وَشُهُودِهِ لِحُصُولِ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ مَا بَيَّنَّاهُ فَيَصِيرُ إذْنًا دَلَالَةً وَهُوَ كَالصَّوْمِ وَمِنْ هَذَا الْجِنْسِ مَسَائِلُ اسْتِحْسَانِيَّةٌ لِأَصْحَابِنَا ذَكَرْنَاهَا فِي الْإِحْرَامِ عَنْ الْغَيْرِ، ثُمَّ إذَا جَازَ ذَلِكَ عَنْهُمَا يَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أُضْحِيَّتَهُ إنْ كَانَتْ بَاقِيَةً وَلَا يُضَمِّنُهُ لِأَنَّهُ وَكِيلُهُ فَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَكَلَ مَا ذَبَحَهُ تَحَلَّلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ فَيُجْزِئُهُ لِأَنَّهُ لَوْ أَطْعَمَهُ الْكُلَّ فِي الِابْتِدَاءِ يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا فَكَذَا لَهُ أَنْ يُحَلِّلَ فِي الِانْتِهَاءِ، وَإِنْ تَشَاحَّا كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُضَمِّنَ صَاحِبَهُ قِيمَةَ لَحْمِهِ، ثُمَّ يَتَصَدَّقَ بِتِلْكَ الْقِيمَةِ لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنْ اللَّحْمِ فَصَارَ كَمَا لَوْ بَاعَ أُضْحِيَّةَ غَيْرِهِ كَانَ الْحُكْمُ مَا ذَكَرْنَاهُ. وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ فَقَالَ: ذَبَحَ أُضْحِيَّةَ غَيْرِهِ بِلَا أَمْرِهِ جَازَ اسْتِحْسَانًا وَلَا يَضْمَنُ لِأَنَّهُ فِي الْعُرْفِ لَا يَتَوَلَّى صَاحِبُ الْأُضْحِيَّةِ ذَبْحَهَا بِنَفْسِهِ بَلْ يُفَوِّضُ إلَى غَيْرِهِ فَصَارَ مَأْذُونًا دَلَالَةً كَالْقَصَّابِ إذَا شَدَّ رِجْلَ شَاةٍ لِلذَّبْحِ فَذَبَحَهَا إنْسَانٌ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَا يَضْمَنُ وَلَوْ بَاعَ أُضْحِيَّةً وَاشْتَرَى بِثَمَنِهَا غَيْرَهَا فَإِنْ كَانَ الثَّانِي أَنْقَصَ مِنْ الْأَوَّلِ تَصَدَّقْ بِالْفَضْلِ وَلَوْ غَصَبَ شَاةً وَضَحَّى بِهَا جَازَ عَنْ أُضْحِيَّتِهِ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا بِالْغَصْبِ السَّابِقِ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَتْ وَدِيعَةً لِأَنَّهُ يَضْمَنُهَا بِالذَّبْحِ فَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ الْمِلْكُ إلَّا بَعْدَهُ وَلَوْ ذَبَحَ أُضْحِيَّةَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ عَنْ نَفْسِهِ فَإِنْ ضَمَّنَهُ الْمَالِكُ قِيمَتَهَا تَجُوزُ عَنْ الذَّابِحِ دُونَ الْمَالِكِ لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّ الْإِرَاقَةَ حَصَلَتْ عَلَى مِلْكِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي الْمَغْصُوبَةِ، وَإِنْ أَخَذَهَا مَذْبُوحَةً أَجْزَأَتْ الْمَالِكَ عَنْ التَّضْحِيَةِ لِأَنَّهُ قَدْ نَوَاهَا فَلَا يَضُرُّهُ ذَبْحُهَا غَيْرَهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَفِي فَتَاوَى أَهْوَارَ: رَجُلَانِ رَبَطَا أُضْحِيَّتَهُمَا فِي مَرْبِطٍ، ثُمَّ غَلِطَا فَتَنَازَعَا فِي وَاحِدَةٍ كُلٌّ مِنْهُمَا مُدَّعِيهَا وَلَا يَدَّعِي الْأُخْرَى يُقْضَى بِاَلَّذِي تَنَازَعَا فِيهَا بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَلَا تَجُوزُ الْأُضْحِيَّةُ عَنْهُمَا بِهِمَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ تَجُوزُ عَنْهُمَا جَمِيعًا وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَاَلَّذِي لَمْ يَتَنَازَعَا فِيهَا لِبَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّهَا مَالٌ ضَائِعٌ وَلَوْ كَانَتْ إبِلًا وَبَقَرًا جَازَتْ الْأُضْحِيَّةُ عَنْهُمَا جَمِيعًا، وَإِذَا رَبَطُوا ثَلَاثَةَ أَضَاحِيَّ فِي رِبَاطٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ وَجَدُوا بِوَاحِدٍ عَيْبًا يَمْنَعُ جَوَازَ الْأُضْحِيَّةِ وَأَنْكَرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ الْمَعِيبَةُ وَتَنَازَعُوا فِي الْأُخْرَيَيْنِ فَالْمَعِيبَةُ لِبَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّهَا مَالٌ ضَائِعٌ وَيُقْضَى بَيْنَهُمْ بِالْأُخْرَيَيْنِ أَثْلَاثًا. اهـ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [كِتَابُ الْكَرَاهِيَةِ] أَوْرَدَ كِتَابَ الْكَرَاهِيَةِ بَعْدَ الْأُضْحِيَّةِ لِأَنَّ عَامَّةَ مَسَائِلِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَمْ يَخْلُ مِنْ أَصْلٍ، أَوْ فَرْعٍ يَرِدُ فِيهِ الْكَرَاهَةُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْأُضْحِيَّةَ فِي لَيَالِي أَيَّامِ النَّحْرِ مَكْرُوهَةٌ وَكَذَا فِي التَّصَرُّفِ فِي الْأُضْحِيَّةِ بِجَزِّ صُوفِهَا وَحَلْبِ لَبَنِهَا وَكَذَا ذَبْحُ الْكِتَابِيِّ وَغَيْرُ ذَلِكَ كَمَا أَنَّ الْأَمْرَ فِي كِتَابِ الْكَرَاهِيَةِ لِذَلِكَ وَتَرْجَمَ الْمُؤَلِّفُ بِالْكَرَاهِيَةِ لِأَنَّ بَيَانَ الْمَكْرُوهِ أَهَمُّ مِنْ غَيْرِهِ لِوُجُوبِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ وَتَرْجَمَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ بِالِاسْتِحْسَانِ لِمَا فِيهِ مِمَّا اسْتَحْسَنَهُ الشَّارِعُ وَقَبَّحَهُ وَتَرْجَمَ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ بِالْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ لِمَا فِيهِ مِمَّا مَنَعَ عَنْهُ الشَّارِعُ وَأَبَاحَهُ، وَالْكَرَاهِيَةُ مَصْدَرُ كَرِهَ الشَّيْءَ كُرْهًا وَكَرَاهَةً وَكَرَاهِيَةً قَالَ فِي الْمِيزَانِ هِيَ ضِدُّ الْمَحَبَّةِ وَالرِّضَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 216] إلَخْ فَالْمَكْرُوهُ خِلَافُ الْمَنْدُوبِ وَالْمَحْبُوبِ لُغَةً وَلَيْسَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 204 بِضِدِّ الْإِرَادَةِ كَمَا تَوَهَّمَهُ الشَّارِحُ وَجَعَلَ الْكَرَاهَةَ ضِدَّ الْإِرَادَةِ بَلْ هُوَ كَمَا تَقَدَّمَ لَك عَنْ الْمِيزَانِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يُرِيدُ الْكُفْرَ وَالْمَعَاصِيَ وَلَا يُحِبُّهُمَا كَمَا قُرِّرَ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ وَهِيَ فِي الشَّرِيعَةِ مَا سَيَذْكُرُهُ الْمُؤَلِّفُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (الْمَكْرُوهُ إلَى الْحَرَامِ أَقْرَبُ) وَنَصَّ مُحَمَّدٌ أَنَّ كُلَّ مَكْرُوهٍ حَرَامٌ، وَإِنَّمَا لَمْ يُطْلِقْ عَلَيْهِ لَفْظَ الْحَرَامِ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِدْ فِيهِ نَصًّا قَطْعِيًّا فَكَانَ نِسْبَةُ الْمَكْرُوهِ إلَى الْحَرَامِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ كَنِسْبَةِ الْوَاجِبِ إلَى الْفَرْضِ وَعَنْ الْإِمَامِ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إلَى الْحَرَامِ أَقْرَبُ وَهَذَا الْحَدُّ لِلْمَكْرُوهِ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ، وَأَمَّا الْمَكْرُوهُ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ فَإِلَى الْحَلَالِ أَقْرَبُ هَذَا خُلَاصَةُ مَا ذَكَرُوهُ فِي الْكُتُبِ الْمُعْتَبَرَةِ وَلِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ كَلِمَاتٌ هُنَا طَوِيلَةُ الذَّيْلِ لَا حَاصِلَ لَهَا تَرَكْنَاهَا عَمْدًا. [تَعْرِيف الْإِيمَانُ] وَذَكَرَ فِي الْفَتَاوَى السِّرَاجِيَّةِ فِي هَذَا الْكِتَابِ بَابًا فِي مَسَائِلِ الِاعْتِقَادِيَّاتِ وَقَدَّمَهُ وَهُوَ أَوْلَى بِالذِّكْرِ وَالتَّقْدِيمِ قَالَ الْإِيمَانُ هُوَ الْإِقْرَارُ بِاللِّسَانِ وَالِاعْتِقَادُ بِالْجَنَانِ وَذَلِكَ أَنْ يُقِرُّوا بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ الْأَزَلِيَّةِ وَبِجَمِيعِ مَا جَاءَ مِنْ عِنْدِهِ مِنْ كُتُبٍ وَيَعْتَقِدَ بِقَلْبِهِ ذَلِكَ وَالْإِقْرَارُ بِاللِّسَانِ شَرْطٌ فِي حَقِّ الْقَادِرِ عَلَى النُّطْقِ عَلَى ظَاهِرِ الْجَوَابِ وَقِيلَ الْإِيمَانُ هُوَ الِاعْتِقَادُ بِالْقَلْبِ، وَالْإِيمَانُ بِالتَّفَاصِيلِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ بَلْ إذَا آمَنَ بِالْجُمْلَةِ كَفَى وَالْإِيمَانُ لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ لِأَنَّ الْإِيمَانَ عِنْدَنَا لَيْسَ مِنْ الْأَعْمَالِ، إيمَانُ الْيَائِسِ غَيْرُ مَقْبُولٍ، وَتَوْبَةُ الْيَائِسِ مَقْبُولَةٌ، الْإِيمَانُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ عِنْدَ أَئِمَّةِ بُخَارَى وَعِنْدَ أَئِمَّةِ سَمَرْقَنْدَ مَخْلُوقٌ وَقِيلَ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي الْحَقِيقَةِ لِأَنَّ أَئِمَّةَ بُخَارَى قَالُوا الْإِيمَانُ هِدَايَةُ الرَّبِّ لِعَبْدِهِ إلَى مَعْرِفَتِهِ وَذَلِكَ غَيْرُ مَخْلُوقٍ وَأَئِمَّةُ سَمَرْقَنْدَ قَالُوا: الْإِيمَانُ فِعْلُ الْعَبْدِ، وَإِنَّهُ مَخْلُوقٌ وَعَنْ هَذَا تَعْرِفُ جَوَابَ مَنْ سَأَلَ أَنَّ الْإِيمَانَ عَطَائِيٌّ، أَوْ كَسْبِيٌّ، إيمَانُ الْمُقَلِّدِ صَحِيحٌ وَهُوَ الَّذِي اعْتَقَدَ جَمِيعَ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ بِلَا دَلِيلٍ، وَفِي جَامِعِ الْجَوَامِعِ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ مَنْ تَعَلَّمَ فِي الصِّغَرِ آمَنْتُ بِاَللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَتَعَلَّمَ أَنَّهُ إيمَانٌ لَكِنْ لَا يُحْسِنُ تَعْبِيرَهُ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ وَقَالَ أَبُو اللَّيْثِ إنْ سَأَلَ فَارِسِيًّا فَقَالَ هَذَا عَرَفْتُ؛ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ قَالَ: وَإِنْ كَانَ لَا يُحْسِنُ أَنْ يُعَبِّرَ، وَإِلَّا يُعْرَضُ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ، وَفِي النَّوَازِلِ قَالَ الْفَقِيهُ: إذَا كَانَ الرَّجُلُ لَا يُحْسِنُ الْعِبَارَةَ وَهُوَ بِحَالٍ لَوْ سُئِلَ بِالْفَارِسِيَّةِ يَعْرِفُ أَنَّ اللَّهَ وَاحِدٌ وَأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ رُسُلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ وَيَقُولُ كُنْت عَرَفْت أَنَّ الْأَمْرَ هَكَذَا كَانَ هَذَا مُؤْمِنًا، وَإِنْ كَانَ لَا يُحْسِنُ أَنْ يُعَبِّرَ عَنْهُ، وَإِذَا سُئِلَ عَنْ هَذَا قَالَ: لَا أَعْلَمُ بِذَلِكَ؛ فَلَا دِينَ لَهُ وَيُعْرَضُ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ فَإِنْ أَسْلَمَ وَكَانَتْ لَهُ امْرَأَةٌ يُجَدِّدُ نِكَاحَهَا، وَفِي السِّرَاجِيَّةِ الْمُؤْمِنُ لَا يَخْرُجُ عَنْ الْإِيمَانِ بِارْتِكَابِ الْكَبِيرَةِ، وَإِذَا مَاتَ بِغَيْرِ تَوْبَةٍ فَهُوَ فِي مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى إنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ، وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ بِقَدْرِ جِنَايَتِهِ، أَوْ أَقَلَّ، ثُمَّ يُدْخِلُهُ الْجَنَّةَ. الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى غَيْرُ مَخْلُوقٍ وَلَا مُحْدَثٍ وَالْمَكْتُوبُ فِي الْمَصَاحِفِ دَالٌّ عَلَى كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَنَّهُ مَخْلُوقٌ. رُؤْيَةُ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْآخِرَةِ حَقٌّ يَرَاهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ فِي الْآخِرَةِ بِلَا كَيْفِيَّةٍ وَلَا تَشْبِيهٍ وَلَا مُحَازَاةٍ. أَمَّا رُؤْيَةُ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْمَنَامِ: أَكْثَرُهُمْ قَالُوا: لَا تَجُوزُ وَالسُّكُوتُ فِي هَذَا الْبَابِ أَحْوَطُ. الْقَدَرُ خَيْرُهُ وَشَرُّهُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى بِمَشِيئَتِهِ، وَإِرَادَتِهِ الْقَدِيمَةِ إلَّا أَنَّ الْمَعَاصِيَ لَيْسَتْ بِرِضَا اللَّهِ تَعَالَى، وَفِي الْحَاوِي وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ الْفَقِيهِ أَنَّهُ قَالَ هَذِهِ عَشْرُ مَسَائِلَ الَّتِي وَجَدْتُ عَلَيْهَا مَشَايِخَ السَّلَفِ مِنْ أَهْلِ الْهِدَايَةِ وَالْجَمَاعَةِ، مَنْ آمَنَ بِهَا كَانَ مِنْهُمْ وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِهَا فَهُوَ صَاحِبُ هَوًى وَبِدْعَةٍ، ثُمَّ عَدَّ هَذِهِ الْعَشَرَةَ وَقَالَ: قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْقَاضِي: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ أَفْعَالَ الْعِبَادِ، وَأَفْعَالُهُمْ بِقَضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَشِيئَتِهِ وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَالِقٌ لَمْ يَزَلْ وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَهُ عِلْمٌ مَوْصُوفٌ فِي الْأَزَلِ وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَيَحْكُمُ مَا يُرِيدُ إذَا كَانَ أَصْلَحَ لِلْعِبَادِ، أَوْ لَمْ يَكُنْ، لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ، وَإِنَّ شَفَاعَةَ مُحَمَّدٍ حَقٌّ لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِهِ وَإِنَّ عَذَابَ الْقَبْرِ حَقٌّ وَإِنَّهُ يُرْجَى مِنْ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يُعْطِيَ الْعِبَادَ مَا يَسْأَلُونَهُ مِنْ دُعَائِهِمْ. [صِفَاتُ اللَّهِ تَعَالَى هَلْ قَدِيمَةٌ كُلُّهَا] وَفِي السِّرَاجِيَّةِ: صِفَاتُ اللَّهِ تَعَالَى قَدِيمَةٌ كُلُّهَا مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ بَيْنَ صِفَاتِ الذَّاتِ وَصِفَاتِ الْفِعْلِ وَإِنَّهَا قَائِمَةٌ بِذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى لَا هُوَ وَلَا غَيْرُهُ كَالْوَاحِدِ مِنْ الْعَشَرَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى لَيْسَ بِجِسْمٍ وَلَا جَوْهَرٍ وَلَا عَرَضٍ وَلَا حَالٍّ بِمَكَانٍ، ثُمَّ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَوْصُوفٌ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ وَيُوصَفُ بِأَنَّ لَهُ يَدًا وَعَيْنًا وَلَكِنْ لَا كَالْأَيْدِي وَلَا كَالْأَعْيُنِ وَلَا يَشْتَغِلُ بِالْكَيْفِيَّةِ وَهَلْ يَجُوزُ وَصْفُ اللَّهِ تَعَالَى بِهَذَيْنِ الصِّفَتَيْنِ بِالْفَارِسِيَّةِ قَالَ السَّيِّدُ الْإِمَامُ أَبُو شُجَاعٍ: بِالْيَدِ يَجُوزُ وَبِالْعَيْنِ لَا، وَفِي الْحَاوِي قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: الْجُمْلَةُ الصَّحِيحَةُ أَنْ يَقُولَ الْعَبْدُ عِنْدَ الْإِمْكَانِ مَعَ التَّسْمِيَةِ آمَنْتُ بِجَمِيعِ مَا جَاءَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَعْنَى مَا أَرَادَ بِهِ رَسُولُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 205 اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْجَنَّةُ وَالنَّارُ لَا يَفْنَيَانِ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ. وَفِي الْحَاوِي سُئِلَ أَبُو حَنِيفَةَ عَمَّنْ قِيلَ لَهُ أَمُؤْمِنٌ أَنْتَ عِنْدَ اللَّهِ، فَقَالَ: عِنْدِي أَنِّي عِنْدَ اللَّهِ مُؤْمِنٌ وَذَكَرَ بَعْضُ الْمُنَاظِرِينَ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ أَنَّ الَّذِي يَجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ إمَّا أَنْ يُقْبِلَ عَلَى تَحْصِيلِ هَذَا الْفَنِّ حَتَّى يَبْلُغَ مِنْهُ فِي غَايَةٍ فَيَصِيرَ إلَى حَدِّ مَنْ يَصْلُحُ لِلْمُنَاظَرَةِ وَالْمُحَاجَّةِ، أَوْ يَلْزَمَ الَّذِي قَدْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْمِلَّةِ وَيَجْتَنِبَ الْمَعْصِيَةَ وَالْحَمِيَّةَ لِغَيْرِ الدِّينِ وَيُؤَدِّيَ فَرَائِضَ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْجُمَلُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَاحِدٌ لَا شَرِيكَ لَهُ وَلَا مَثِيلَ لَهُ وَلَا شَبِيهَ لَهُ وَأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ قَبْلَ الْمَكَانِ وَالزَّمَانِ وَقَبْلَ الْعَرْشِ وَالْهَوَاءِ وَقَبْلَ مَا خَلَقَ مِنْ ذَلِكَ مَوْجُودًا، أَوْ أَنَّهُ الْقَدِيمُ وَمَا سِوَاهُ مُحْدَثٌ وَأَنَّهُ الْعَادِلُ فِي قَضَائِهِ الصَّادِقُ فِي إخْبَارِهِ وَلَا يُحِبُّ الْفَسَادَ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَأَنَّهُ لَا يُكَلِّفهُمْ مَا لَا يُطِيقُونَ وَأَنَّهُ حَكِيمٌ وَحَسَنٌ فِي جَمِيعِ أَفْعَالِهِ فِي كُلِّ مَا خَلَقَ وَقَضَى وَقَدَّرَ وَأَنَّهُ يُرِيدُ بِهِمْ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِهِمْ الْعُسْرَ وَأَنَّهُ إنَّمَا بَعَثَ إلَيْهِمْ الْمُرْسَلِينَ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِمْ الْكُتُبَ لِيَذَّكَّرَ مَا وَقَعَ فِي سَابِقِ عِلْمِهِ أَنَّهُ يَذَّكَّرُ وَيَخْشَى وَيُلْزِمَ الْحُجَّةَ عَلَى مَنْ عَلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ وَيَأْبَى وَأَنَّ الْخِيرَةَ فِيمَا قَضَاهُ اللَّهُ وَقَدَّرَهُ وَأَنَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَأَنَّ الرِّضَا بِقَضَائِهِ وَاجِبٌ وَالتَّسْلِيمَ لِأَمْرِهِ لَازِمٌ، وَأَنَّ مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ وَأَنَّ مَا قَضَى فَهُوَ مَاضٍ فِي خَلْقِهِ وَمَا قَدَّرَ فَهُوَ لَازِمٌ لَهُمْ وَأَنَّ تَأْوِيلَ ذَلِكَ هُوَ تَأْوِيلُ الْمُسْلِمِينَ وَأَنَّهُ لَا مَرَدَّ لَهُ وَأَنَّ أَمْرَهُ نَافِذٌ فِي خَلْقِهِ، دَأْبُهُمْ الْحَاجَةُ إلَيْهِ فِي أَدَاءِ مَا كَلَّفَهُمْ بِهِ وَهُوَ غَنِيٌّ عَنْهُ لَا يَضُرُّهُ بَذْلُهُ وَلَا يَنْفَعُهُ مَنْعُهُ وَأَنَّهُ مَا خَلَقَ الْخَلْقَ مِنْ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إلَّا لِيَعْبُدُوهُ وَأَنَّهُ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَأَنَّ إضْلَالَهُ لَيْسَ كَإِضْلَالِ الَّذِي عَلِمَ بِهِ الشَّيْطَانُ وَحِزْبُهُ وَأَنَّهُ يُضِلُّ الظَّالِمِينَ وَلَا يُضِلُّ الْفَاسِقِينَ. وَفِي السِّرَاجِيَّةِ نَبِيُّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكْرَمُ الْخَلْقِ وَأَفْضَلُهُمْ، وَمِعْرَاجُهُ إلَى الْعَرْشِ إلَى مَا أَكْرَمُهُ اللَّهُ تَعَالَى وَرُؤْيَةُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ حَقٌّ، وَرِسَالَةُ الرُّسُلِ لَا تَبْطُلُ بِمَوْتِهِمْ وَرُسُلُ بَنِي آدَمَ أَفْضَلُ مِنْ جُمْلَةِ الْمَلَائِكَةِ، وَعَوَامُّ بَنِي آدَمَ مِنْ الْأَتْقِيَاءِ أَفْضَلُ مِنْ عَوَامِّ الْمَلَائِكَةِ، وَخَوَاصُّ الْمَلَائِكَةِ أَفْضَلُ مِنْ عَوَامِّ بَنِي آدَمَ، كَرَامَةُ الْأَوْلِيَاءِ حَقٌّ، وَالْوَلِيُّ لَا يَكُونُ أَفْضَلَ مِنْ النَّبِيِّ وَشَفَاعَةُ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ لِبَعْضِ الْعُصَاةِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ حَقٌّ، وَأَفْضَلُ الْخَلِيقَةِ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي قُحَافَةَ التَّمِيمِيُّ، ثُمَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ الْعَدَوِيِّ ثُمَّ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ الْأُمَوِيُّ، ثُمَّ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ الْهَاشِمِيُّ - رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ -، الشَّرْطُ أَنْ يَكُونَ الْخَلِيفَةُ قُرَشِيًّا وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ هَاشِمِيًّا. الْعَدَالَةُ لَيْسَتْ شَرْطًا لِصِحَّةِ الْإِمَامَةِ وَالْإِمَارَةِ وَالْقَضَاءِ إنَّمَا هِيَ شَرْطُ الْأَوْلَوِيَّةِ. الْعِلْمُ أَفْضَلُ مِنْ الْعَقْلِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ أَهْلُ الْجَنَّةِ آمِنُونَ عَنْ الْعَزْلِ غَيْرُ آمِنِينَ عَنْ خَوْفِ الْجِدَالِ. أَطْفَالُ الْمُشْرِكِينَ قِيلَ هُمْ فِي الْجَنَّةِ وَقِيلَ هُمْ فِي النَّارِ. وَأَبُو حَنِيفَةَ تَوَقَّفَ فِيهِمْ وَقَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الرَّضِيُّ: إنَّ وَلَدَ الْكَافِرِ كَافِرٌ. الْكَلَامُ فِي الرُّوحِ قَالَ بَعْضُهُمْ: يَجُوزُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَجُوزُ، ثُمَّ قِيلَ هِيَ الْحَيَاةُ وَقِيلَ هِيَ عَرَضٌ وَقِيلَ: إنَّهُ جِسْمٌ لَطِيفٌ وَهِيَ رِيحٌ مَخْصُوصٌ، سُؤَالُ مُنْكِرٍ وَنَكِيرٍ حَقٌّ وَسُؤَالُهُمَا الْأَنْبِيَاءَ قِيلَ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ عَلَى مَا إذَا تَرَكْتُمْ أُمَّتَكُمْ، وَفِي بُسْتَانِ الْفَقِيهِ بَابُ مَا جَاءَ فِي ذِكْرِ الْحَفَظَةِ قَالَ الْفَقِيهُ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي أَمْر الْحَفَظَةِ الْكِرَامِ الْكَاتِبِينَ قَالَ بَعْضُهُمْ: يَكْتُبُونَ جَمِيعَ أَقْوَالِ بَنِي آدَمَ وَأَفْعَالِهِمْ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَكْتُبُونَ إلَّا مَا فِيهِ أَجْرٌ أَوْ إثْمٌ، ثُمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ يَكْتُبُونَ الْجَمِيعَ فَإِذَا صَعِدُوا السَّمَاءَ حَذَفُوا مَا لَا أَجْرَ فِيهِ وَلَا إثْمَ وَقَالَ هُوَ مَعْنَى قَوْله تَعَالَى {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} [الرعد: 39] قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ هُمَا مَلَكَانِ أَحَدُهُمَا عَنْ يَمِينِهِ وَالْآخَرُ عَنْ شِمَالِهِ فَاَلَّذِي عَنْ يَمِينِهِ يَكْتُبُ بِغَيْرِ شَهَادَةِ صَاحِبِهِ وَاَلَّذِي عَنْ يَسَارِهِ لَا يَكْتُبُ إلَّا بِشَهَادَةٍ مِنْهُ إنْ قَعَدَ قَعَدَ الْحَفَظَةُ وَاحِدٌ عَنْ يَمِينِهِ وَالْآخَرُ عَنْ يَسَارِهِ، وَإِنْ مَشَى فَأَحَدُهُمَا أَمَامَهُ وَالْآخَرُ خَلْفَهُ، وَإِنْ نَامَ فَأَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِهِ وَالْآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيْهِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَرْبَعَةٌ اثْنَانِ بِالنَّهَارِ وَاثْنَانِ بِاللَّيْلِ وَالْخَامِسُ لَا يُفَارِقُهُ لَيْلًا وَلَا نَهَارًا وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْكَفَرَةِ قَالَ بَعْضُهُمْ عَلَيْهِمْ حَفَظَةٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَكُونُ عَلَيْهِمْ حَفَظَةٌ لِأَنَّ أَمْرَهُمْ فُرُطٌ وَعَلَيْهِمْ وَاحِدٌ، قَالَ الْفَقِيهُ: لَا يُؤْخَذُ بِهَذَا الْقَوْلِ، وَالْآيَةُ نَزَلَتْ بِذِكْرِ الْحَفَظَةِ فِي شَأْنِ الْكُفَّارِ. [تَتِمَّةٌ هَلْ عَلَى الصَّبِيِّ حَفَظَةٌ يَكْتُبُونَ لَهُ] (تَتِمَّةٌ) سَأَلَ بَعْضُهُمْ هَلْ عَلَى الصَّبِيِّ حَفَظَةٌ يَكْتُبُونَ لَهُ فَقَالَ رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ قِيلَ لَهُ: هَلْ يَكُونُ مَعْذُورًا بِتَرْكِ النَّظَرِ قِيلَ: اسْتِكْمَالُ الْمُدَّةِ الَّتِي يَتَعَلَّقُ بِهَا أَحْكَامُ الشَّرْعِ فَقَالَ: إنْ كَمُلَ شَرَائِطُ تَكْلِيفِهِ قَبْلَ الْبُلُوغِ وَخَطَرَ بِبَالِهِ الْخَوْفُ مِنْ تَرْكِ النَّظَرِ لَا يُعْذَرُ، وَفِي السِّرَاجِيَّةِ عَذَابُ الْقَبْرِ لِلْكَافِرِينَ، أَوْ لِبَعْضِ الْعُصَاةِ حَقٌّ يُؤْمِنُ بِهِ وَلَا يَشْتَغِلُ بِكَيْفِيَّتِهِ وَمِمَّا يَتَّصِلُ بِهِ، فَصْلٌ يَشْتَمِلُ عَلَى السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ الْمُضْمَرَاتِ وَرُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الجزء: 8 ¦ الصفحة: 206 أَنَّهُ قَالَ الْمُؤْمِنُ إذَا أَوْجَبَ السُّنَّةَ وَالْجَمَاعَةَ اسْتَجَابَ اللَّهُ دُعَاءَهُ وَقَضَى حَوَائِجَهُ وَغَفَرَ لَهُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا وَكَتَبَ لَهُ بَرَاءَةً مِنْ النَّارِ وَبَرَاءَةً مِنْ النِّفَاقِ، وَفِي خَبَرِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مَنْ كَانَ عَلَى السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ اسْتَجَابَ اللَّهُ دُعَاءَهُ وَكَتَبَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا عَشَرَةَ حَسَنَاتٍ وَرَفَعَ لَهُ عَشْرَ دَرَجَاتٍ، فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَتَى يَعْلَمُ الرَّجُلُ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ؟ فَقَالَ: إذَا وَجَدَ فِي نَفْسِهِ عَشَرَةَ أَشْيَاءَ فَهُوَ عَلَى السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ: أَنْ يُصَلِّيَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ بِالْجَمَاعَةِ، وَلَا يَذْكُرَ أَحَدًا مِنْ الصَّحَابَةِ بِسُوءٍ وَيَنْقُصَهُ، وَلَا يَخْرُجَ عَلَى السُّلْطَانِ بِالسَّيْفِ، وَلَا يَشُكَّ فِي إيمَانِهِ، وَيُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا يُجَادِلَ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا يُكَفِّرَ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ التَّوْحِيدِ بِذَنْبٍ، وَلَا يَدَعَ الصَّلَاةَ عَلَى مَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ، وَيَرَى الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ جَائِزًا فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ، وَيُصَلِّيَ خَلْفَ كُلِّ إمَامٍ بَرٍّ أَوْ فَاجِرٍ» . وَفِي الْحَاوِي مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ مَنْ فِيهِ عَشَرَةُ أَشْيَاءَ: الْأَوَّلُ أَنْ لَا يَقُولَ شَيْئًا فِي اللَّهِ تَعَالَى لَا يَلِيقُ بِصِفَاتِهِ. وَالثَّانِي: يُقِرُّ بِأَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى وَلَيْسَ بِمَخْلُوقٍ. الثَّالِثُ: يَرَى الْجُمُعَةَ وَالْعِيدَيْنِ خَلْفَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ. وَالرَّابِعُ: يَرَى الْقَدَرَ خَيْرَهُ وَشَرَّهُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى. وَالْخَامِسُ: يَرَى الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ جَائِزًا. وَالسَّادِسُ: لَا يَخْرُجُ عَلَى الْأَمِيرِ بِالسَّيْفِ. وَالسَّابِعُ: يُفَضِّلُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيًّا عَلَى سَائِرِ الصَّحَابَةِ. وَالثَّامِنُ: لَا يُكَفِّرُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ بِذَنْبٍ. وَالتَّاسِعُ: يُصَلِّي عَلَى مَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ. وَالْعَاشِرُ: يَرَى الْجَمَاعَةَ رَحْمَةً وَالْفُرْقَةَ عَذَابًا. قَالَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ: فِي هَذَا الْفَصْلِ شُرُوطٌ وَزِيَادَاتٌ لِأَصْحَابِنَا يَجِبُ أَنْ تُرَاعَى وَسُئِلَ أَبُو النَّصْرِ الدَّبُوسِيُّ عَنْ مَعْنَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ» قَالَ أَيْ يُولَدُ عَلَى دَلَالَةِ الْخِلْقَةِ عَلَى مَعْنَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَهُ عَلَى خِلْقَةٍ لَوْ نَظَرَ إلَيْهَا وَتَفَكَّرَ فِيهَا عَلَى حَسَبِ مَا يَجِبُ لَدَلَّتْهُ عَلَى رُبُوبِيَّتِهِ وَوَحْدَانِيِّتِهِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ: يُهَوِّدَانِهِ أَيْ يَنْقُلَانِهِ إلَى حُكْمِ الْيَهُودِيَّةِ وَأَحْوَالِهَا بِالتَّلْقِينِ لِكَوْنِهِ فِي أَيْدِيهِمْ لِذَلِكَ ظَهَرَ الْعَمَلُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ خَلَفًا عَنْ سَلَفٍ أَنَّ الْوَلَدَ يَكُونُ تَابِعًا لِلْوَالِدَيْنِ مِنْ غَيْرِ مِنْ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ كُفْرٌ، أَوْ إسْلَامٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَسُئِلَ أَبُو النَّصْرِ الدَّبُوسِيُّ فَقِيلَ: مَا مَعْنَى الْأَخْبَارِ الَّتِي رُوِيَتْ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرُوِيَ فِي بَعْضِهَا «صَلُّوا خَلْفَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ» ، وَفِي بَعْضِهَا «الْقَدَرِيَّةُ مَجُوسُ هَذِهِ الْأُمَّةِ إنْ مَرِضُوا فَلَا تَعُودُوهُمْ، وَإِنْ مَاتُوا فَلَا تُشَيِّعُوا جَنَائِزَهُمْ» . وَفِي بَعْضِهَا «إنَّ أُمَّتِي سَتَفْتَرِقُ عَلَى كَذَا وَكَذَا كُلُّهُمْ فِي النَّارِ إلَّا وَاحِدَةً» فَقَالَ الْمَشَايِخُ: إنَّ مِنْ شَرَائِطِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ أَنْ لَا يُكَفِّرَ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ وَسُئِلَ بَعْضُهُمْ عَنْ الْفَاجِرِ وَالْبَرِّ فَقَالَ: الْفَاجِرُ هُوَ الْفَاسِقُ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، وَالْبَرُّ هُوَ الْعَدْلُ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ وَقَدْ جَاءَ مُفَسَّرًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَا يَخْرُجُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ بِذَنْبٍ، وَذَكَرَ افْتِرَاقَ الْأَدْيَانِ، فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ فَالصَّلَاةُ خَلْفَهُ جَائِزَةٌ، وَإِنْ كَانَ يَعْمَلُ الْكَبَائِرَ وَأَهْلُ الْأَهْوَاءِ عَلَى ضَرْبَيْنِ مِنْهُمْ مَنْ يَخْرُجُ عَنْ الْإِسْلَامِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَخْرُجُ فَمَنْ خَرَجَ عَنْ الْإِسْلَامِ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ خَلْفَهُ وَقَدْ سَبَقَ الْكَلَامُ فِيهِ مُسْتَوْفًى فِي تَتِمَّةِ كَلِمَاتِ الْكُفْرِ فِي آخِرِ كَلِمَاتِ الْكُفْرِ فِي آخِرِ كِتَابِ السِّيَرِ، وَفِي بَابِ الْجَمَاعَةِ وَمَنْ لَا يَخْرُجُ مِنْهُ فَالصَّلَاةُ خَلْفَهُ جَائِزَةٌ وَمَنْ خَرَجَ مِنْ الْإِسْلَامِ فَهُوَ فِي النَّارِ خَالِدٌ وَمَنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ فَهُوَ فِي جُمْلَةِ أَهْلِ الْمَشِيئَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48] ، وَأَمَّا مَا جَاءَ فِي حَقِّ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ أَنَّهُمْ لَا يُعَادُونَ وَلَا تُشَيَّعُ جَنَائِزُهُمْ فَهَذَا تَغْلِيظٌ وَتَشْدِيدٌ كَانَ فِي الزَّمَانِ الْأَوَّلِ حَيْثُ كَانَ الْمُسْلِمُونَ أُمَّةً وَاحِدَةً فِي عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ وَلَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ وَظَهَرَتْ الْأَهْوَاءُ وَغَلَبَتْ الْأَحْزَابُ أَهْلَ الْأَهْوَاءِ وَلَمْ يَكُنْ إمْضَاءُ الْأَمْرِ عَلَى السَّبِيلِ الْأَوَّلِ وَقَدْ كَانُوا يُجَالِسُونَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَيُزَاحِمُونَ وَكَذَا الْعُلَمَاءُ وَالْفُقَهَاءُ مِنْ بَعْدِهِ إلَى يَوْمِنَا هَذَا وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا جَاءَ أَنَّ شَهَادَةَ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ جَائِزَةٌ وَسُئِلَ أَبُو بَكْرٍ الْقَاضِي عَنْ الرَّجُلِ هَلْ يَعْلَمُ أَنَّهُ عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ؟ فَقَالَ: إذَا رَجَعَ عِلْمُهُ إلَى كِتَابِ اللَّهِ، وَإِلَى مَا قَالَهُ السَّلَفُ الصَّالِحُ فَهُوَ عَلَى مَذْهَبِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ. [فَصْلٌ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ] (فَصْلٌ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ) قَدَّمَ فَصْلَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ عَلَى غَيْرِهِ لِأَنَّ الِاحْتِيَاجَ إلَى بَيَانِ مَسَائِلِهِ أَهَمُّ مِنْ غَيْرِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (كُرِهَ لَبَنُ الْأَتَانِ) لِأَنَّ اللَّبَنَ يَتَوَلَّدُ مِنْ اللَّحْمِ فَصَارَ مِثْلَهُ وَكَذَا لَبَنُ الْخَيْلِ يُكْرَهُ عِنْدَ الْإِمَامِ كَلَحْمِهِ عِنْدَهُ: وَاخْتُلِفَ فِي كَرَاهَةِ لَحْمِ الْخَيْلِ عِنْدَهُمَا كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خان: وَلَا تُؤْكَلُ الْجَلَّالَةُ وَلَا يُشْرَبُ لَبَنُهَا لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نَهَى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 207 عَنْ أَكْلِهَا وَشُرْبِ لَبَنِهَا» وَالْجَلَّالَةُ هِيَ الَّتِي تَعْتَادُ أَكْلَ الْجِيَفِ وَلَا تَخْلِطُ فَيَكُونُ لَحْمُهَا مُنْتِنًا وَلَوْ حُبِسَتْ حَتَّى يَزُولَ النَّتْنُ حَلَّتْ وَلَمْ يُقَدِّرْ لِذَلِكَ الْمُدَّةَ فِي الْأَصْلِ وَقَدَّرَ فِي النَّوَادِرِ بِشَهْرٍ وَقِيلَ بِأَرْبَعِينَ يَوْمًا فِي الْإِبِلِ وَبِعِشْرِينَ يَوْمًا فِي الْبَقَرِ وَبِعَشَرَةِ أَيَّامٍ فِي الشَّاةِ وَثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الدَّجَاجَةِ وَاَلَّتِي تَخْلِطُ بِأَنْ تَتَنَاوَلَ النَّجَاسَةَ وَالْجِيَفَ وَتَتَنَاوَلَ غَيْرَهَا عَلَى وَجْهٍ لَا يَظْهَرُ أَثَرُ ذَلِكَ فِي لَحْمِهَا فَلَا بَأْسَ بِحِلِّهَا وَلِهَذَا يَحِلُّ أَكْلُ جَذَعٍ تَغَذَّى بِلَبَنِ الْخِنْزِيرِ لِأَنَّ لَحْمَهُ لَا يَتَغَيَّرُ وَمَا تَغَذَّى بِهِ يَصِيرُ مُسْتَهْلَكًا لَا يَبْقَى لَهُ أَثَرٌ وَلِهَذَا قَالُوا: لَا بَأْسَ بِأَكْلِ الدَّجَاجِ لِأَنَّهَا تَخْلِطُ وَلَا يَتَغَيَّرُ لَحْمُهُ وَمَا رُوِيَ أَنَّ الدَّجَاجَ يُحْبَسُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، ثُمَّ يُذْبَحُ فَذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ لَا عَلَى أَنَّهُ شَرْطٌ وَفِي الْمُحِيطِ وَلَا بَأْسَ بِأَكْلِ شَعِيرٍ يُوجَدُ فِي بَعْرِ الْإِبِلِ وَالشَّاةِ فَيُغْسَلُ وَيُؤْكَلُ، وَإِنْ فِي أَحْشَاءِ الْبَقَرِ وَرَوْثِ الْفَرَسِ لَا يُؤْكَلُ لِأَنَّ الْبَعْرَ صَلْبٌ فَلَا تَتَدَاخَلُ النَّجَاسَةُ فِي أَجْزَاءِ الشَّعِيرِ وَالْحِنْطَةِ وَلَا بَأْسَ بِأَكْلِ دُودِ الزَّيْتُونِ قَبْلَ أَنْ تُنْفَخَ فِيهِ الرُّوحُ لِأَنَّ إثْمَ الْمَيِّتِ إنَّمَا يُطْلَقُ عَلَى مَنْ لَهُ رُوحٌ وَيُكْرَهُ دَفْعُ الْجَهْدِ مِنْ السِّقَايَةِ وَحَمْلُهُ إلَى الْمَنْزِلِ لِأَنَّهُ وُضِعَ لِلشُّرْبِ لَا لِلْحَمْلِ وَالْحَطَبُ الَّذِي يُوجَدُ فِي الْمَاءِ إنْ كَانَ لَا قِيمَةَ لَهُ فَهُوَ حَلَالٌ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِي أَخْذِهِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ قِيمَةٌ فَلَا وَلَا بَأْسَ بِمَضْغِ الْعِلْكِ لِلنِّسَاءِ لِأَنَّ سِنَّهُنَّ أَضْعَفُ مِنْ سِنِّ الرِّجَالِ فَأُقِيمَ الْعِلْكُ لَهُنَّ مَقَامَ السِّوَاكِ وَلَا بَأْسَ لِلنِّسَاءِ بِخِضَابِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ مَا لَمْ يَكُنْ خِضَابٌ فِيهِ تَمَاثِيلُ وَيُكْرَهُ لِلرِّجَالِ وَالصِّبْيَانِ لِأَنَّ ذَلِكَ تَزَيُّنٌ وَهُوَ مُبَاحٌ لِلنِّسَاءِ دُونَ الرِّجَالِ وَلَا بَأْسَ بِخِضَابِ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ بِالْحِنَّاءِ وَالْوَشْمَةِ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ لِأَنَّ ذَلِكَ سَبَبٌ لِزِيَادَةِ الرَّغْبَةِ وَالْمَحَبَّةِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ. وَيَجُوزُ رَفْعُ الثِّمَارِ مِنْ نَهْرٍ جَارٍ وَأَكْلُهَا، وَإِنْ كَثُرَ لِأَنَّهُ مِمَّا يُفْسِدُ الْمَاءَ إذَا تُرِكَ فَيَكُونُ مَأْذُونًا بِالرَّفْعِ دَلَالَةً. رَجُلٌ نَثَرَ السُّكَّرَ فَوَقَعَ فِي حِجْرِ رَجُلٍ فَأَخَذَهُ رَجُلٌ آخَرُ مِنْهُ إنْ كَانَ فَتَحَ حِجْرَهُ لِيَقَعَ فِيهِ السُّكَّرُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ أَحْرَزَهُ، وَإِلَّا فَيَجُوزُ لِأَنَّهُ مَا أَحْرَزَهُ، وَنَظِيرُهُ رَجُلٌ وَضَعَ طَشْتًا عَلَى سَطْحٍ فَاجْتَمَعَ فِيهِ مَاءُ الْمَطَرِ فَجَاءَ رَجُلٌ وَرَفَعَهُ إنْ كَانَ وَضَعَهُ صَاحِبُهُ لِذَلِكَ فَهُوَ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَضَعْهُ لِذَلِكَ فَهُوَ لِلرَّافِعِ لِأَنَّهُ لَمْ يُحْرِزْهُ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ: وَإِنْ أَكَلَ أَكْثَرَ مِنْ حَاجَتِهِ لِيَتَقَيَّأَ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: رَأَيْت أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَأْكُلُ أَلْوَانًا مِنْ الطَّعَامِ وَيُكْثِرُ، ثُمَّ يَتَقَيَّأُ وَيَنْفَعُ ذَلِكَ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا رُوِيَ عَنْ بَعْضِ الْأَطِبَّاءِ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: هَلْ يَجِدُ الطَّبِيبُ فِي كِتَابِ اللَّهِ دَلِيلَ تَطَبُّبٍ؟ قَالَ: نَعَمْ قَدْ جَمَعَ اللَّهُ الطِّبَّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا} [الأعراف: 31] يَعْنِي الْإِسْرَافَ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ هُوَ الَّذِي مِنْهُ الْأَمْرَاضُ وَقِيلَ كَانَ الرَّجُلُ قَلِيلَ الْأَكْلِ كَانَ أَصَحَّ جِسْمًا وَأَجْوَدَ حِفْظًا وَأَذْكَى فَهْمًا وَأَقَلَّ نَوْمًا وَأَخَفَّ نَفْسًا، ذَكَرَ مُحَمَّدٌ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا مِنْ إفْسَادِ الطَّعَامِ قَالَ: وَمِنْ الْإِفْسَادِ الْإِسْرَافُ فِي الطَّعَامِ وَهُوَ أَنْوَاعٌ فَمِنْ ذَلِكَ أَنْ يَأْكُلَ فَوْقَ الشِّبَعِ فَهُوَ حَرَامٌ، وَفِي الْيَنَابِيعِ، وَإِذَا أَكَلَ الرَّجُلُ فَوْقَ الشِّبَعِ فَهُوَ حَرَامٌ فِي كُلِّ مَأْكُولٍ وَمِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مَنْ اسْتَثْنَى حَالَةَ مَا إذَا كَانَ لَهُ غَرَضٌ صَحِيحٌ فِي الْأَكْلِ فَوْقَ الشِّبَعِ فَحِينَئِذٍ لَا بَأْسَ بِهِ فَإِنْ أَتَاهُ ضَيْفٌ بَعْدَمَا أَكَلَ قَدْرَ حَاجَتِهِ فَلْيَأْكُلْ لِأَجْلِهِ حَتَّى لَا يَخْجَلَ، أَوْ يُرِيدُ صَوْمَ الْغَدِ فَلْيَتَنَاوَلْ فَوْقَ الشِّبَعِ. وَمِنْ الْإِسْرَافِ فِي الطَّعَامِ الْإِسْرَافُ فِي الْمُبَاحَاتِ وَالْأَلْوَانِ فَذَلِكَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ إلَّا عِنْدَ الْحَاجَةِ بِأَنْ يَمَلَّ مِنْ نَاحِيَةٍ وَاحِدَةٍ فَلْيَسْتَكْثِرْ مِنْ الْمُبَاحَاتِ لِيَسْتَوْفِيَ مِنْ أَيِّ لَوْنٍ شَاءَ فَيَحْصُلَ لَهُ مِقْدَارُ مَا يَتَقَوَّى بِهِ عَلَى الطَّاعَةِ وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ مِنْ قَصْدِهِ أَنْ يَدْعُوَ الْأَضْيَافَ قَوْمًا بَعْدَ قَوْمٍ إلَى أَنْ يَأْتُوا إلَى آخِرِ الطَّعَامِ فَلَا بَأْسَ بِالِاسْتِكْثَارِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، وَمِنْ الْإِسْرَافِ أَنْ يَأْكُلَ وَسَطَ الْخُبْزِ وَيَدَعَ حَوَاشِيَهُ وَيَأْكُلَ مَا انْتَفَخَ مِنْ الْخُبْزِ كَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ الْجُهَّالِ وَيَزْعُمُونَ أَنَّ ذَلِكَ أَلَذُّ وَلَكِنْ هَذَا إذَا كَانَ لَا يَأْكُلُ غَيْرُهُ مَا تَرَكَ مِنْ حَوَاشِيهِ فَأَمَّا إذَا كَانَ غَيْرُهُ يَتَنَاوَلُ ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ كَمَا لَا بَأْسَ أَنْ يَتَنَاوَلَ رَغِيفًا دُونَ رَغِيفٍ، وَمِنْ الْإِسْرَافِ التَّمَسُّحُ بِالْخُبْزِ، وَفِي الذَّخِيرَةِ: وَمِنْ الْإِسْرَافِ مَسْحِ السِّكِّينِ وَالْأُصْبُعِ بِالْخُبْزِ عِنْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْأَكْلِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْكُلَ مَا يَتَمَسَّحُ فِيهِ فَأَمَّا إذَا أَكَلَ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَفِي التَّتِمَّةِ سُئِلَ عَمَّنْ مَسَحَ الْيَدَ عَلَى ثِيَابِهِ فَقَالَ: لَا يَجُوزُ وَسُئِلَ عَنْ مَسْحِ الْيَد بِدِسْتَارِ وَرَقٍ فَقَالَ: لَا يَجُوزُ، وَفِي الْكَافِي وَلَا بَأْسَ بِخِرْقَةِ الْوُضُوءِ وَالْمُخَاطِ، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَتُكْرَهُ الْخِرْقَةُ الَّتِي تُحْمَلُ وَيُمْسَحُ بِهَا الْعَرَقُ إلَّا إذَا كَانَ شَيْئًا لَا قِيمَةَ لَهُ، وَكَذَا الْخِرْقَةُ الَّتِي يَمْخُطُ بِهَا وَكَذَا الَّتِي يَمْسَحُ بِهَا الْوُضُوءَ، وَإِنَّمَا يُكْرَهُ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ لِلتَّكَبُّرِ أَمَّا مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ لِلْحَاجَةِ فَلَا يُكْرَهُ، وَمِنْ الْإِسْرَافِ إذَا سَقَطَ مِنْ يَدِهِ لُقْمَةٌ أَنْ يَتْرُكَهَا بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَبْدَأَ بِتِلْكَ اللُّقْمَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَنْتَظِرَ الْإِدَامَ إذَا حَضَرَ الْخُبْزُ وَيَأْخُذَ فِي الْأَكْلِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ الْإِدَامُ. [غَسْلُ الْيَدَيْنِ قَبْلَ الطَّعَامِ] وَيُسْتَحَبُّ غَسْلُ الْيَدَيْنِ قَبْلَ الطَّعَامِ فَإِنَّ فِيهِ بَرَكَةً، وَفِي الْبُرْهَانِيَّةِ: وَالسُّنَّةُ أَنْ يَغْسِلَ الْأَيْدِيَ قَبْلَ الطَّعَامِ وَبَعْدَهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 208 وَفِي وَاقِعَاتِ النَّاطِفِيِّ: الْأَدَبُ فِي غَسْلِ الْأَيْدِي قَبْلَ الطَّعَامِ أَنْ يَبْدَأَ بِالشُّبَّانِ، ثُمَّ بِالشُّيُوخِ، وَإِذَا غَسَلَ لَا يَمْسَحُ بِالْمِنْدِيلِ لَكِنْ يَتْرُكُ لِيَجِفَّ لِيَكُونَ أَثَرُ الْغَسْلِ بَاقِيًا وَقْتَ الْأَكْلِ، وَالْأَدَبُ فِي الْغَسْلِ بَعْدَ الطَّعَامِ أَنْ يَبْدَأَ بِالشُّيُوخِ وَيَمْسَحَ بِالْمِنْدِيلِ لِيَكُونَ أَثَرُ الطَّعَامِ زَائِلًا بِالْكُلِّيَّةِ وَفِي التَّتِمَّةِ سُئِلَ وَالِدِي عَنْ غَسْلِ الْفَمِ لِلْأَكْلِ؛ هَلْ هُوَ سُنَّةٌ كَغَسْلِ الْيَدِ؟ فَقَالَ لَا، وَإِذَا غَسَلَ يَدَهُ لِلْأَكْلِ بِنُخَالَةٍ، أَوْ غَسَلَ رَأْسَهُ بِذَلِكَ وَأَحْرَقَهَا إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ الدَّقِيقِ وَهِيَ نُخَالَةٌ تُعْلَفُ بِهَا الدَّوَابُّ فَلَا بَأْسَ، وَفِي الذَّخِيرَةِ، وَفِي نَوَادِرِ هِشَامٍ سَأَلْتُ مُحَمَّدًا عَنْ غَسْلِ الْيَدَيْنِ بِالدَّقِيقِ بَعْدَ الطَّعَامِ هَلْ هُوَ مِثْلُ الْغَسْلِ بِالْأُشْنَانِ فَأَخْبَرَنِي أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَأَبَا يُوسُفَ لَمْ يَرَيَا بَأْسًا لِتَوَارُثِ النَّاسِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ وَفِي الْخَانِيَّةِ وَيُكْرَهُ لِلْجُنُبِ رَجُلًا كَانَ، أَوْ امْرَأَةً أَنْ يَأْكُلَ طَعَامًا، أَوْ شَرَابًا قَبْلَ غَسْلِ الْيَدَيْنِ وَالْفَمِ وَلَا يُكْرَهُ ذَلِكَ لِلْحَائِضِ وَيُسْتَحَبُّ تَطْهِيرُ الْفَمِ مِنْ جَمِيعِ الْمَوَاضِعِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَصُبَّ مِنْ الْآنِيَةِ عَلَى يَدِهِ بِنَفْسِهِ وَلَا يَسْتَعِينَ بِغَيْرِهِ فِي وُضُوءٍ حَكَى ذَلِكَ عَنْ مَشَايِخِنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَنَّهُ قَالَ: هَذَا كَالْوُضُوءِ وَلَا يَسْتَعِينُ بِغَيْرِهِ فِي وُضُوءٍ وَلَا يَأْكُلُ طَعَامًا حَارًّا بِهِ وَرَدَ الْأَثَرُ وَلَا يَشُمُّ الطَّعَامَ فَإِنَّ ذَلِكَ عَمَلُ الْبَهَائِمِ، وَلَا يَنْفُخُ فِي الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَمِنْ السُّنَّةِ أَنْ لَا يَأْكُلَ الطَّعَامَ مِنْ وَسَطِهِ، وَيَأْكُلُ مِنْ ابْتِدَاءِ الْأَكْلِ وَمِنْ السُّنَّةِ لَحْسُ الْقَصْعَةِ وَأَنْ يَلْعَقَ أَصَابِعَهُ قَبْلَ أَنْ يَمْسَحَهَا بِالْمِنْدِيلِ، وَتَرْكُهُ مِنْ أَثَرِ الْعَجَمِ وَالْجَبَابِرَةِ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَمِنْ السُّنَّةِ لَعْقُ الْقَصْعَةِ. وَفِي الْبُرْهَانِيَّةِ رَجُلٌ أَكَلَ الْخُبْزَ مَعَ أَهْلِهِ وَاجْتَمَعَ كُسَيْرَاتُ الْخُبْزِ وَلَا يَشْتَهِي أَكْلَهَا فَلَهُ أَنْ يُطْعِمَهُ الدَّجَاجَةَ وَالشَّاةَ وَالْهِرَّةَ وَهُوَ الْأَفْضَلُ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُلْقِيَهُ فِي النَّهْرِ وَالطَّرِيقِ إلَّا إذَا وَضَعَ لِأَجْلِ النَّمْلِ لِيَأْكُلَ النَّمْلُ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ هَكَذَا فَعَلَ بَعْضُ السَّلَفِ وَمِنْ السُّنَّةِ أَنْ يَأْكُلَ مَا سَقَطَ مِنْ الْمَائِدَةِ وَمِنْ السُّنَّةِ أَنْ يَبْدَأَ بِالْمِلْحِ وَيَخْتِمَ بِالْمِلْحِ، وَفِي السِّرَاجِيَّةِ: الْأَكْلُ عَلَى الطَّرِيقِ مَكْرُوهٌ وَأَكْلُ الْمَيْتَةِ حَالَةَ الْمَخْمَصَةِ قَدْرَ مَا يَدْفَعُ بِهِ الْهَلَاكَ عَنْ نَفْسِهِ لَا بَأْسَ بِهِ وَلَا بَأْسَ بِطَعَامِ الْمَجُوسِيِّ إلَّا الذَّبِيحَةَ. رَجُلٌ قَالَ: مَنْ تَنَاوَلَ مِنْ مَالِي فَهُوَ مُبَاحٌ فَتَنَاوَلَ رَجُلٌ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْلَمَ إبَاحَتَهُ جَازَ. [الْأَكْلُ مِنْ طَعَامِ الظَّلَمَةِ] وَلَا يَنْبَغِي لِلنَّاسِ أَنْ يَأْكُلُوا مِنْ طَعَامِ الظَّلَمَةِ وَلِيَقْبُحَ الْأَمْرُ عَلَيْهِمْ وَزَجْرِهِمْ عَمَّا يَرْتَكِبُونَهُ، وَإِنْ كَانَ يَحِلُّ طَعَامُهُمْ. أَكْلُ دُودِ الْقَزِّ قَبْلَ أَنْ يُنْفَخَ فِيهِ الرُّوحُ لَا بَأْسَ بِهِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ: الْجَدْيُ إذَا رُبِّيَ بِلَبَنِ الْأَتَانِ؛ قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: يُكْرَهُ أَكْلُهُ وَأَخْبَرَنِي رَجُلٌ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ: إذَا رُبِّيَ الْجَدْيُ بِلَبَنِ الْخِنْزِيرِ لَا بَأْسَ بِهِ فَقَالَ مَعْنَاهُ إذَا اعْتَلَفَ أَيَّامًا فَهُوَ بَعْدَ ذَلِكَ كَالْجَلَّالَةِ وَبَوْلُ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لَا يَجُوزُ التَّدَاوِي بِهِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَجُوزُ التَّدَاوِي وَغَيْرُهُ. وَذَكَرَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: إذَا مَرَّ الرَّجُلُ بِالثِّمَارِ فِي أَيَّامِ الصَّيْفِ وَأَرَادَ أَنْ يَتَنَاوَلَ مِنْهَا الثِّمَارَ السَّاقِطَةَ تَحْتَ الْأَشْجَارِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي الْمِصْرِ لَا يَسَعُهُ التَّنَاوُلُ إلَّا إذَا عَلِمَ أَنَّ صَاحِبَهَا قَدْ أَبَاحَ إمَّا نَصًّا، أَوْ دَلَالَةً أَوْ عَادَةً، وَإِذَا كَانَ فِي الْقَيْظِ فَإِنْ كَانَ الثِّمَارُ الَّتِي تَبْقَى مِثْلَ الْجَوْزِ وَغَيْرِهِ لَا يَسَعُهُ الْأَخْذُ إلَّا إذَا عَلِمَ الْإِذْنَ، وَفِي الْغِيَاثِيَّةِ هُوَ الْمُخْتَارُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الثِّمَارِ الَّتِي لَا تَبْقَى اخْتَلَفُوا فِيهِ قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ: وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالتَّنَاوُلِ مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ النَّهْيُ إمَّا صَرِيحًا أَوْ عَادَةً، وَفِي الْعَتَّابِيَّةِ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يَأْكُلُ مِنْهُمَا مَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ صَاحِبَهَا رَضِيَ بِذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي الْوَسْوَاسِ الَّتِي يُقَالُ لَهَا بِالْفَارِسِيَّةِ هراسية فَإِنْ كَانَ مِنْ الثِّمَارِ الَّتِي لَا تَبْقَى فَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالْأَكْلِ مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ النَّهْيُ، وَفِي جَامِعِ الْجَوَامِعِ: وَلَا يَحِلُّ حَمْلُ شَيْءٍ مِنْهُ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الثِّمَارُ عَلَى الْأَشْجَارِ فَالْأَفْضَلُ أَنْ لَا يُؤْخَذَ فِي مَوْضِعٍ مَا إلَّا أَنْ يَأْذَنَ، أَوْ يَكُونَ مَوْضِعٌ كَثِيرُ الثِّمَارِ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَشُقُّ عَلَيْهِ أَكْلُ ذَلِكَ فَيَسَعُهُ الْأَكْلُ وَلَا يَسَعُهُ الْحَمْلُ، وَأَمَّا أَوْرَاقُ الْأَشْجَارِ إذَا سَقَطَ عَلَى الطَّرِيقِ فِي أَيَّامِ الْعَلِيقِ وَأَخَذَ إنْسَانٌ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بِغَيْرِ، إذْنِ صَاحِبِ الشَّجَرِ فَإِنْ كَانَ هَذَا وَرَقَ شَجَرٍ يُنْتَفَعُ بِوَرَقِهِ نَحْوُ التُّوتِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ، وَإِنْ أَخَذَ يَضْمَنُ، وَإِذَا كَانَ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ، وَإِنْ أَخَذَ لَا يَضْمَنُ، وَفِي الْفَتَاوَى الْخُلَاصِيَّةِ وَلَوْ مَرَّ بِسُوقِ الْعَامِدِينَ فَوَجَدَ فِيهِ سُكَّرًا لَا يَسَعُهُ أَنْ يَتَنَاوَلَ مِنْهُ وَلَوْ أَنَّ قَوْمًا اشْتَرَوْا فَلَاةً مِنْ أَرُزٍّ فَقَالُوا: مَنْ أَطْهَرَ الْفَلَاةَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ فَيَأْكُلَهُ فَأَطْهَرَ وَاحِدٌ وَاشْتَرَى مَا أَوْجَبُوهُ عَلَيْهِ يُكْرَهُ لِلْكُلِّ لِأَنَّ فِيهِ تَعْلِيقًا بِالشَّرْطِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ: شَجَرَةٌ فِي مَقْبَرَةٍ قَالُوا: إنْ كَانَتْ نَابِتَةً فِي الْأَرْضِ قَبْلَ أَنْ يَجْعَلَهَا مَقْبَرَةً فَمَالِكُ الْأَرْضِ أَحَقُّ بِهَا يَصْنَعُ بِهَا مَا شَاءَ، وَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ مَوَاتًا وَلَا مَالِكَ لَهَا فَجَعَلَهَا أَهْلُ تِلْكَ الْمَحَلَّةِ، أَوْ الْقَرْيَةِ مَقْبَرَةً فَإِنَّ الشَّجَرَةَ وَمَوْضِعَهَا مِنْ الْأَرْضِ عَلَى مَا كَانَ حُكْمُهَا فِي الْقَدِيمِ وَإِنْ نَبَتَتْ الشَّجَرَةُ بَعْدَمَا جُعِلَتْ مَقْبَرَةً فَإِنْ كَانَ الْغَارِسُ مَعْلُومًا كَانَتْ لَهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 209 وَيَنْبَغِي أَنْ يَتَصَدَّقَ بِثَمَنِ ثَمَرِهَا، وَإِنْ كَانَتْ الشَّجَرَةُ نَبَتَتْ بِنَفْسِهَا فَحُكْمُهَا يَكُونُ لِلْقَاضِي إنْ رَأَى قَلْعَهَا، أَوْ إبْقَاءَهَا عَلَى الْمَقْبَرَةِ فَعَلَ. رَفْعُ الْكُمِّثْرَى مِنْ نَهْرٍ جَارٍ وَرَفْعُ التُّفَّاحِ وَأَكْلُهَا جَائِزٌ، وَإِنْ كَثُرَ، وَفِي الْجَوْزِ الَّذِي يَلْعَبُ بِهِ الصِّبْيَانُ يَوْمَ الْعِيدِ لَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ الْأَكْلُ عَلَى وَجْهِ الْقِمَارِ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ، وَفِي الْخُلَاصَةِ: وَالْأَكْلُ مَكْشُوفَ الرَّأْسِ وَالْأَكْلُ يَوْمَ الْأَضْحَى قَبْلَ الصَّلَاةِ فِيهِ رِوَايَتَانِ، وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ وَأَكْلُ الطِّينِ مَكْرُوهٌ، وَفِي فَتَاوَى أَبِي اللَّيْثِ ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ إذَا كَانَ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ أَكْلِ الطِّينِ بِأَنْ كَانَ يُورِثُ عِلَّةً لَا يُبَاحُ لَهُ أَكْلُ الطِّينِ وَكَذَا أَكْلُ شَيْءٍ أَكْلُهُ يُورِثُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ يَتَنَاوَلُ مِنْهُ قَلِيلًا وَيَفْعَلُ أَحْيَانًا لَا بَأْسَ بِهِ وَأَكْلُ الطِّينِ الْبَحَّارِيَّ لَا بَأْسَ بِهِ مَا لَمْ يُسْرِفْ، وَكَرَاهَةُ أَكْلِهِ لَا لِحُرْمَتِهِ بَلْ لِأَنَّهُ يَهِيجُ الدَّمَ وَالْمَرْأَةُ إذَا اعْتَادَتْ أَكْلَ الطِّينِ تُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ إذَا كَانَ يُوجِبُ النُّقْصَانَ فِي جَمَالِهَا وَلَا بَأْسَ بِأَكْلِ الْفَالُوذَجِ وَالْأَطْعِمَةِ النَّفِيسَةِ وَعَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ «أَكَلَ الرُّطَبَ مَعَ الْبِطِّيخِ» وَأَكَلَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْبِطِّيخَ مَعَ السُّكَّرِ، وَفِي التَّتِمَّةِ وَضْعُ الْمِلْحِ عَلَى الْقِرْطَاسِ وَوَضْعُهُ عَلَى الْخُبْزِ يَجُوزُ، وَتَعْلِيقُ الْخُبْزِ بِالْخِوَانِ مَكْرُوهٌ وَيُكْرَهُ وَضْعُ الْخُبْزِ تَحْتَ الْقَصْعَةِ وَكَانَ الشَّيْخُ ظَهِيرُ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيُّ لَا يُفْتِي بِالْكَرَاهَةِ فِي وَضْعِ الْمَمْلَحَةِ عَلَى الْخُبْزِ وَلَا مَسْحِ السِّكِّينِ بِالْخُبْزِ وَالْأُصْبُعِ وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ أَفْتَى بِالْكَرَاهَةِ. وَفِي التَّتِمَّةِ سُئِلَ أَبُو يُوسُفَ بْنُ مُحَمَّدٍ وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ مَرِيضٍ قَالَ لَهُ طَبِيبٌ: لَا بُدَّ لَكَ مِنْ أَكْلِ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ حَتَّى يَدْفَعَ عَنْك الْعِلَّةَ قَالَا: لَا يَحِلُّ لَهُ أَكْلُهُ وَقِيلَ: هُوَ يُفَرِّقُ الْأَمْرَ بَيْنَهُمَا إذَا أَمَرَهُ بِأَكْلِهِ، أَوْ جَعْلِهِ فِي دَارِهِ فَقَالَا لَا قِيلَ وَلَوْ كَانَ الْحَلَالُ أَكْثَرَ قَالَا: وَقِيَاسُ الْإِفْتَاءِ فِي شُرْبِ الْخَمْرِ لِلتَّدَاوِي أَنَّهُ يَجُوزُ فِي لَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَسُئِلَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ أَكْلِ الْحَيَّةِ وَالْقُنْفُذِ، أَوْ أَكْلِ الدَّوَاءِ الَّذِي فِيهِ الْحَيَّةُ إذَا أَشَارَ الطَّبِيبُ الْحَاذِقُ بِأَنَّهُ يَدْفَعُ الْعِلَّةَ هَلْ يَحِلُّ أَكْلُهُ قَالَ: لَا وَسُئِلَ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ عَنْ خَبْزِ الْخُبْزِ عَلَى نَوْعَيْنِ نَوْعٍ لِلْجَوَارِي وَنَوْعٍ لِنَفْسِهِ وَيَأْكُلُ مَا يَجْعَلُ لِنَفْسِهِ هَلْ يَأْثَمُ قَالَ: يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ وَسُئِلَ عَنْ سُؤْرِ الْهِرَّةِ إذَا عُجِنَ فِيهِ الدَّقِيقُ وَخُبِزَ هَلْ يُكْرَهُ أَكْلُهُ قَالَ: لَا، سُئِلَ عَنْ الْخُبْزِ إذَا عُجِنَ بِالْحَلِيبِ قَالَ لَا يُكْرَهُ وَلَا بَأْسَ بِهِ وَعَنْ قَطْعِ اللَّحْمِ بِالسِّكِّينِ قَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ وَسُئِلَ عَنْ عَرَقِ الْآدَمِيِّ وَنُخَامَتِهِ وَدَمْعِهِ إذَا وَقَعَ فِي الْمَرَقَةِ أَوْ فِي الْمَاءِ هَلْ يَأْكُلُ الْمَرَقَةَ وَيَشْرَبُ الْمَاءَ قَالَ: نَعَمْ مَا لَمْ يَغْلِبْ وَيَصِيرُ مُسْتَقْذَرًا طَبْعًا، وَسُئِلَ عَنْ سِنِّ الْآدَمِيِّ إذَا طُحِنَ فِي الْحِنْطَةِ فَالْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يُؤْكَلَ وَهَلْ تُدْفَنُ الْحِنْطَةُ، أَوْ تَأْكُلُهَا الْبَهَائِمُ قَالَ: لَا تَأْكُلُهَا الْبَهَائِمُ وَسُئِلَ عَنْ الْفَأْرَةِ تَأْكُلُ الْحِنْطَةَ هَلْ يَجُوزُ أَكْلُهَا قَالَ: نَعَمْ لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ. وَسُئِلَ أَبُو الْفَضْلِ عَنْ إشْعَالِ التَّنُّورِ بِأَحْشَاءِ الْبَقَرِ هَلْ يَجُوزُ إذَا خُبِزَ بِهَا الْخُبْزُ قَالَ: يَجُوزُ أَكْلُ ذَلِكَ الْخُبْزِ وَسُئِلَ أَبُو حَامِدٍ عَنْ شَعْلِ التَّنُّورِ بِأَرْوَاثِ الْحُمُرِ هَلْ يُخْبَزُ بِهَا قَالَ: يُكْرَهُ وَلَوْ رَشَّ عَلَيْهِ مَاءً بَطَلَتْ الْكَرَاهَةُ وَعَلَيْهِ عُرْفُ أَهْلِ الْعِرَاقِ، وَرَمَادُهُ طَاهِرٌ. [الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ مُتَّكِئًا أَوْ وَاضِعًا شِمَالَهُ عَلَى يَمِينِهِ أَوْ مُسْتَنِدًا] وَفِي الْعَتَّابِيَّةِ يُكْرَهُ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ مُتَّكِئًا أَوْ وَاضِعًا شِمَالَهُ عَلَى يَمِينِهِ، أَوْ مُسْتَنِدًا وَلَا يَسْقِي أَبَاهُ الْكَافِرَ خَمْرًا وَلَا يُنَاوِلُهُ الْقَدَحَ وَيَأْخُذُهُ مِنْهُ وَلَا يَذْهَبُ بِهِ إلَى الْبِيعَةِ، وَيَرُدُّهُ مِنْهَا وَيُوقِدُ تَحْتَ قِدْرِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَيْتَةٌ، وَفِي النَّوَازِلِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ: الْبِطْنَةُ بِطْنَتَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَتَعَمَّدَ الرَّجُلُ السِّمَنَ وَعِظَمَ الْبَطْنِ فَإِنَّ هَذَا مَكْرُوهٌ فَأَمَّا مَنْ رَزَقَهُ اللَّهُ بَطْنًا عَظِيمًا وَكَانَ ذَلِكَ خَلْقًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَعَمَّدَ السِّمَنَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ قَالَ الْفَقِيهُ: التَّأْوِيلُ فِي الْخَبَرِ الَّذِي وَرَدَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ الْحَبْرَ السَّمِينَ» مَعْنَاهُ إذَا تَعَمَّدَ السِّمَنَ أَمَّا إذَا خَلَقَهُ اللَّهُ سَمِينًا فَهُوَ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي الْخَبَرِ. اهـ. وَفِي السِّرَاجِيَّةِ وَيُكْرَهُ أَنْ يَلْبَسَ الرَّجُلُ ثَوْبًا فِيهِ كِتَابَةٌ بِذَهَبٍ وَفِضَّةٍ رُوِيَ أَنَّهُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ الْإِمَامِ لَا يُكْرَهُ فَلَا بَأْسَ بِلُبْسِهِ اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَالْأَكْلُ وَالشُّرْبُ وَالِادِّهَانُ وَالتَّطَيُّبُ فِي إنَاءِ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ) لِمَا رَوَى حُذَيْفَةُ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «لَا تَلْبَسُوا الْحَرِيرَ وَلَا الدِّيبَاجَ وَلَا تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلَا تَأْكُلُوا فِي صِحَافِهَا، وَإِنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَكُمْ فِي الْآخِرَةِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَرُوِيَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّ الَّذِي يَشْرَبُ فِي إنَاءِ الْفِضَّةِ إنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ» فَإِذَا ثَبَتَ فِي الشُّرْبِ فَالْأَكْلُ كَذَلِكَ وَالتَّطَيُّبُ لِاسْتِوَائِهِمْ فِي الِاسْتِعْمَالِ فَيَكُونُ الْوَارِدُ فِيهَا يَكُونُ وَارِدًا فِيمَا هُوَ فِي مَعْنَاهَا دَلَالَةً وَلِأَنَّهَا تَنَعُّمٌ بِتَنَعُّمِ الْمُتَرَفِّهِينَ وَالْمُسْرِفِينَ وَتَشَبُّهٌ بِهِمْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا} [الأحقاف: 20] وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ» وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ كُرِهَ كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 210 وَيَسْتَوِي فِيهِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا وَكَذَا الْأَكْلُ بِمِلْعَقَةٍ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالِاكْتِحَالُ بِمِيلِهَا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الِاسْتِعْمَالَاتِ وَمَعْنَى يُجَرْجِرُ يُرَدِّدُ مِنْ جَرْجَرَ الْفَحْلُ إذَا رَدَّدَ صَوْتَهُ فِي حَنْجَرَتِهِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ: قِيلَ صُورَةُ الْإِدْهَانِ الْمُحَرَّمِ هُوَ أَنْ يَأْخُذَ آنِيَةَ الذَّهَبِ، أَوْ الْفِضَّةِ وَيَصُبَّ الدُّهْنَ عَلَى الرَّأْسِ أَمَّا إذَا أَدْخَلَ يَدَهُ وَأَخَذَ الدُّهْنَ، ثُمَّ يَصُبُّ عَلَى الرَّأْسِ لَا يُكْرَهُ وَعَزَاهُ إلَى الذَّخِيرَةِ وَظَاهِرُ عِبَارَةِ النِّهَايَةِ حَيْثُ عَبَّرَ بِقِيلَ أَنَّهُ ضَعِيفٌ قَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: قَالُوا: وَهَذَا إذَا كَانَ يَصُبُّ مِنْ الْآنِيَةِ عَلَى رَأْسِهِ أَمْ بَدَنِهِ أَمَّا إذَا أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ وَأَخْرَجَ مِنْهَا الدُّهْنَ، ثُمَّ اسْتَعْمَلَ فَلَا يُكْرَهُ اهـ. وَهُوَ يُفِيدُ صِحَّتَهُ قَالَ فِي الْعَتَّابِيَّةِ: وَأَرَى أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُكْحُلَةِ وَالْمِيلِ وَلَا بُدَّ أَنْ يَنْفَصِلَ عَنْهَا حِينَ الِاكْتِحَالِ وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ ذَكَرَ فِي الْمُحَرَّمَاتِ: وَاعْتَرَضَ صَاحِبُ التَّسْهِيلِ عَلَى مَا قِيلَ فِي صُورَةِ الْإِدْهَانِ وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ إذَا أَخَذَ الطَّعَامَ مِنْ آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ بِمِلْعَقَةٍ، ثُمَّ أَكَلَ مِنْهَا وَكَذَا إذَا أَخَذَ بِيَدِهِ ثُمَّ أَكَلَ مِنْهَا وَأَجَابَ عَنْهُ صَاحِبُ الدُّرَرِ وَالْغُرَرِ بِمَا يَصْلُحُ جَوَابًا عَمَّا أَوْرَدَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ قَالَ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِ الِاعْتِرَاضِ أَقُولُ: مَنْشَؤُهُ الْغَفْلَةُ عَنْ مَعْنَى عِبَارَةِ الْمَشَايِخِ وَعَدَمُ الْوُقُوفِ عَلَى مُرَادِهِمْ؛ أَمَّا الْأَوَّلُ: فَلِأَنَّ " مِنْ " فِي قَوْلِهِمْ مِنْ إنَاءِ ذَهَبٍ ابْتِدَائِيَّةٌ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ مُرَادَهُمْ أَنَّ الْأَدَوَاتِ الْمَصْنُوعَةَ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ إنَّمَا يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهَا فِيمَا صُنِعَتْ لَهُ بِحَسَبِ مُتَعَارَفِ النَّاسِ؛ فَإِنَّ الْأَوَانِيَ الْكَبِيرَةَ الْمَصْنُوعَةَ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِأَجْلِ أَكْلِ الطَّعَامِ إنَّمَا يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهَا إذَا أَكَلَ مِنْهَا بِالْيَدِ، أَوْ الْمِلْعَقَةِ، وَأَمَّا إذَا أَخَذَ مِنْهَا وَوَضَعَ عَلَى مَوْضِعٍ مُبَاحٍ فَأَكَلَ مِنْهُ لَمْ يَحْرُمْ لِانْتِفَاءِ ابْتِدَاءِ الِاسْتِعْمَالِ مِنْهَا وَكَذَا الْأَوَانِي الصَّغِيرَةُ الْمَصْنُوعَةُ لِأَجْلِ الْإِدْهَانِ وَنَحْوِهِ إنَّمَا يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهَا إذَا أُخِذَتْ وَصُبَّ مِنْهَا الدُّهْنُ عَلَى الرَّأْسِ لِأَنَّهَا صُنِعَتْ لِأَجْلِ الْإِدْهَانِ مِنْهَا بِذَلِكَ الْوَجْهِ، وَأَمَّا إذَا أَدْخَلَ يَدَهُ وَأَخَذَ الدُّهْنَ وَصَبَّهُ عَلَى الرَّأْسِ وَمِنْ الْيَدِ فَلَا يُكْرَهُ لِانْتِفَاءِ ابْتِدَاءِ الِاسْتِعْمَالِ مِنْهَا فَظَهَرَ أَنَّ مُرَادَهُمْ أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءُ الِاسْتِعْمَالِ الْمُتَعَارَفِ مِنْ ذَلِكَ عَلَى الْعُرْفِ الْمُحَرَّمِ اهـ. وَأُورِدَ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْمَوْجُودَ فِي عِبَارَةِ الْمُتَقَدِّمِينَ كَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالْمُحِيطِ وَالذَّخِيرَةِ، وَإِنَّمَا وَقَفَ كُلُّهُ فِي عِبَارَةِ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَالثَّالِثُ أَنَّ الْعُرْفَ الْمُتَعَارَفَ فِيهِ التَّنَاوُلُ بِالْيَدِ وَالْمَعْرِفَةُ فِيمَا ذَكَرَهُ لَا تَصْلُحُ فَارِقًا، وَفِي الْفَتَاوَى الْغِيَاثِيَّةِ: وَيُكْرَهُ أَنْ يُدْهِنَ رَأْسَهُ بِدُهْنٍ مِنْ إنَاءِ فِضَّةٍ وَكَذَا إذَا صَبَّ الدُّهْنَ عَلَى رَأْسِهِ، ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ، أَوْ لِحْيَتَهُ، وَفِي الْغَالِيَةِ لَا بَأْسَ وَلَا يَصُبُّ الْغَالِيَةَ عَلَى الرَّأْسِ مِنْ الدُّهْنِ، وَفِي الْمُنْتَقَى: يُكْرَهُ أَنْ يَسْتَجْمِرَ بِمِجْمَرِ ذَهَبٍ، أَوْ فِضَّةٍ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ الْإِمَامِ وَأَبِي يُوسُفَ، وَفِي السِّرَاجِيَّةِ: وَيُكْرَهُ أَنْ يَكْتُبَ بِقَلَمِ ذَهَبٍ، أَوْ فِضَّةٍ، أَوْ دَوَاةٍ كَذَلِكَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (لَا مِنْ رَصَاصٍ وَزُجَاجٍ وَبِلَّوْرٍ وَعَقِيقٍ) يَعْنِي لَا تُكْرَهُ الْأَوَانِي مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَقَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ: تُكْرَهُ لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ قُلْنَا لَا نُسَلِّمُ بِذَلِكَ وَلِأَنَّ عَادَتَهُمْ لَمْ تَجْرِ بِالتَّفَاخُرِ بِغَيْرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَلَمْ تَكُنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ فِي مَعْنَاهُمَا فَامْتَنَعَ الْإِلْحَاقُ بِهِمَا وَيَجُوزُ اسْتِعْمَالُ الْأَوَانِي مِنْ الصُّفْرِ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ «أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْرَجْنَا لَهُ مَاءً فِي تَوْرٍ مِنْ صُفْرٍ فَتَوَضَّأَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُمَا وَيُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى إبَاحَةِ غَيْرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ بَلْ عَيْنُهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَحَلَّ الشُّرْبُ فِي إنَاءٍ مُفَضَّضٍ وَالرُّكُوبُ عَلَى سَرْجٍ مُفَضَّضٍ وَالْجُلُوسُ عَلَى كُرْسِيٍّ مُفَضَّضٍ وَيَتَّقِي مَوْضِعَ الْفِضَّةِ) يَعْنِي يَتَّقِي مَوْضِعَهَا بِالْفَمِ وَقِيلَ بِالْفَمِ وَالْيَدِ فِي الْأَخْذِ وَالشُّرْبِ، وَفِي السَّرْجِ وَالْكُرْسِيِّ مَوْضِعَ الْجُلُوسِ وَكَذَا الْإِنَاءُ الْمُضَبَّبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَكَذَا الْكُرْسِيُّ الْمُضَبَّبُ بِهِمَا وَكَذَلِكَ إذَا جَعَلَ ذَلِكَ فِي نَصْلِ السَّيْفِ وَالسِّكِّينِ، أَوْ فِي قَبْضَتِهِمَا وَلَمْ يَضَعْ يَدَهُ فِي مَوْضِعِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَكَذَا إذَا جَعَلَ ذَلِكَ فِي الْمَسْجِدِ، أَوْ حَلْقَةٍ لِلْمَرْأَةِ، أَوْ جَعَلَ الْمُصْحَفَ مُذَهَّبًا، أَوْ مُفَضَّضًا وَكَذَا اللِّجَامُ وَالرِّكَابُ الْمُفَضَّضُ وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَ الْإِمَامِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُكْرَهُ ذَلِكَ كُلُّهُ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ رُوِيَ مَعَ الْإِمَامِ وَرُوِيَ مَعَ الثَّانِي وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا كَانَ يَخْلُصُ، وَأَمَّا الْمُمَوَّهُ الَّذِي لَا يَخْلُصُ فَلَا بَأْسَ بِهِ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ مُسْتَهْلَكٌ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ قَالَ الشَّارِحُ لِلثَّانِي مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مَنْ شَرِبَ مِنْ إنَاءِ ذَهَبٍ، أَوْ فِضَّةٍ، أَوْ إنَاءٍ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَرَدَّ عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ حَيْثُ قَالُوا لَوْ ثَبَتَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ كَانَ حُجَّةً قَاطِعَةً عَلَى الْإِمَامِ لَكِنْ لَمْ نَجِدْهُ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ إلَّا خَالِيًا عَنْ هَذِهِ الزِّيَادَةِ اهـ. أَقُولُ: عَدَمُ وِجْدَانِ تِلْكَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 211 الزِّيَادَةِ فِيمَا ذَكَرَ لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ وُجُودِهَا فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لَمْ يَرَ مَحَلَّهَا مَعَ أَنَّ هَذَا الْقَائِلَ مِنْ فُرْسَانِ مَيْدَانِ عِلْمِ الْحَدِيثِ فَلْيَتَأَمَّلْ وَلِلْإِمَامِ مَا رُوِيَ مِنْ الْأَخْبَارِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ بِشَيْءٍ وَلِمَا رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ قَدَحَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ فِيهِ ضَبَّةُ فِضَّةٍ» وَلِأَنَّ الِاسْتِعْمَالَ هُوَ الْقَصْدُ لِلْجُزْءِ الَّذِي يُلَاقِي الْعُضْوَ وَمَا سِوَاهُ تَبَعٌ لَهُ فِي الِاسْتِعْمَالِ فَلَا يُكْرَهُ فَصَارَ كَالْجُبَّةِ الْمَكْفُوفَةِ بِالْحَرِيرِ وَالْعَلَمِ فِي الثَّوْبِ وَمِسْمَارِ الذَّهَبِ فِي فَصِّ الْخَاتَمِ وَكَالْعِمَامَةِ الْمُعَلَّمَةِ بِالذَّهَبِ وَرُوِيَ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَقَعَتْ فِي مَجْلِسِ أَبِي جَعْفَرٍ الدَّوَانِقِيِّ وَالْإِمَامُ حَاضِرٌ وَأَئِمَّةُ عَصْرِهِ حَاضِرُونَ فَقَالَتْ الْأَئِمَّةُ: يُكْرَهُ وَالْإِمَامُ سَاكِتٌ فَقِيلَ لَهُ مَا تَقُولُ قَالَ إنْ وَضَعَ فَمَهُ فِي مَوْضِعِ الْفِضَّةِ يُكْرَهُ، وَإِلَّا فَلَا قِيلَ لَهُ: مِنْ أَيْنَ لَك؟ قَالَ: أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ فِي أُصْبُعِهِ خَاتَمُ فِضَّةٍ فَشَرِبَ مِنْ كَفِّهِ يُكْرَهُ ذَلِكَ فَوَقَفَ الْكُلُّ وَتَعَجَّبَ ابْنُ جَعْفَرٍ مِنْ جَوَابِهِ، وَفِي نَوَادِرِ هِشَامٍ فِي قَارُورَةِ ذَهَبٍ، أَوْ فِضَّةٍ يَصُبُّ مِنْهَا الدُّهْنَ عَلَى رَأْسِهِ وَالْأُشْنَانَ أَكْرَهُهُ وَلَا أَكْرَهُ الْغَالِيَةَ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ فِي الْغَالِيَةِ يُدْخِلُ الْإِنْسَانُ يَدَهُ فَإِذَا أَخْرَجَهُ إلَى الْكَفِّ لَمْ يَكُنْ اسْتِعْمَالًا فَأَمَّا الدُّهْنُ فَإِنَّهُ يُسْتَعْمَلُ وَلَا يَشُدُّ الْأَسْنَانَ بِالذَّهَبِ وَلَوْ جُدِعَ أَنْفُهُ لَا يَتَّخِذُ أَنْفًا مِنْ ذَهَبٍ وَيَتَّخِذُهُ مِنْ الْفِضَّةِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَ الثَّالِثِ يَتَّخِذُ مِنْ الذَّهَبِ لِمَا رُوِيَ «عَنْ عَرْفَجَةَ أَنَّهُ أُصِيبَ أَنْفُهُ فَاتَّخَذَ أَنْفًا مِنْ الْفِضَّةِ فَأَنْتَنَ فَأَمَرَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِأَنْ يَتَّخِذَ أَنْفًا مِنْ الذَّهَبِ» وَلِأَنَّ الْفِضَّةَ وَالذَّهَبَ مُسْتَوِيَانِ فِي الْحُرْمَةِ إذَا سَقَطَتْ ثَنِيَّتُهُ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ يُعِيدَهَا وَيَشُدَّهَا بِذَهَبٍ، أَوْ فِضَّةٍ وَلَكِنْ يَأْخُذُ سِنَّ شَاةٍ مُذَكَّاةٍ فَيَجْعَلُهَا مَكَانَهَا عِنْدَ الْإِمَامِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَشُدُّهَا بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فِي مَكَانِهَا كَذَا فِي الْمُحِيطِ مَعَ بَيَانِ الدَّلِيلِ اهـ. وَفِي الْعَتَّابِيَّةِ وَسَلَاسِلُ الْخَيْلِ مِنْ الْفِضَّةِ فِيهَا الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَيُقْبَلُ قَوْلُ الْكَافِرِ فِي الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ) قَالَ الشَّارِحُ وَهَذَا سَهْوٌ لِأَنَّ الْحِلَّ وَالْحُرْمَةَ مِنْ الدِّيَانَاتِ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْكَافِرِ فِي الدِّيَانَاتِ، وَإِنَّمَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ: فِي الْمُعَامَلَاتِ خَاصَّةً لِلضَّرُورَةِ لِأَنَّ خَبَرَهُ صَحِيحٌ لِصُدُورِهِ عَنْ عَقْلٍ وَدِينٍ يُعْتَقَدُ فِيهِ حُرْمَةُ الْكَذِبِ وَالْحَاجَةُ مَاسَّةٌ إلَى قَبُولِ قَوْلِهِ لِكَثْرَةِ وُقُوعِ الْمُعَامَلَاتِ اهـ. أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ أَصْلَ عِبَارَةِ الْمُؤَلِّفِ فِي الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ الضِّمْنِيِّ فَأَسْقَطَ بَعْضُ الْكَتَبَةِ لَفْظَ " الضِّمْنِيِّ " فَشَاعَ ذَلِكَ وَاشْتَهَرَ حَتَّى إذَا كَانَ خَادِمَ كَافِرٍ، أَوْ أَجِيرٌ مَجُوسِيٍّ فَأَرْسَلَهُ لِيَشْتَرِيَ لَهُ لَحْمًا فَقَالَ اشْتَرَيْتُ مِنْ يَهُودِيٍّ، أَوْ نَصْرَانِيٍّ، أَوْ مُسْلِمٍ وَسِعَهُ أَكْلُهُ، وَإِنْ قَالَ اشْتَرَيْتُ مِنْ مَجُوسِيٍّ لَا يَسَعُهُ فِعْلُهُ لِأَنَّهُ لَمَّا قَبِلَ قَوْلَهُ فِي حَقِّ الشِّرَاءِ مِنْهُ لَزِمَ قَبُولُهُ فِي حَقِّ الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ ضَرُورَةً لِمَا ذَكَرْنَا، وَإِنْ كَانَ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيهِ قَصْدًا بِأَنْ قَالَ: هَذَا حَلَالٌ، أَوْ هَذَا حَرَامٌ أَلَا تَرَى أَنَّ بَيْعَ الشِّرْبِ وَحْدَهُ لَا يَجُوزُ وَتَبَعًا لِلْأَرْضِ يَجُوزُ وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَصِحُّ ضِمْنًا، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ قَصْدًا كَذَا صَرَّحُوا بِهِ قَاطِبَةً وَلَوْ قَالَ اشْتَرَيْتُهُ مِنْ غَيْرِ الْمُسْلِمِ وَالْكِتَابِيِّ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ: فِي ذَلِكَ وَيَتَضَمَّنُ حُرْمَةَ مَا اشْتَرَاهُ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ أَيْضًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَالْمَمْلُوكِ وَالصَّبِيِّ فِي الْهَدِيَّةِ وَالْإِذْنِ) وَالْأَصْلُ أَنَّ الْمُعَامَلَاتِ يُقْبَلُ فِيهَا خَبَرُ كُلِّ مُمَيِّزٍ حُرًّا كَانَ، أَوْ عَبْدًا مُسْلِمًا كَانَ، أَوْ كَافِرًا صَغِيرًا كَانَ، أَوْ كَبِيرًا لِعُمُومِ الضَّرُورَةِ الدَّاعِيَةِ إلَى ذَلِكَ، وَإِلَى سُقُوطِ اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ قَلَّمَا يَجِدُ الْمُسْتَجْمِعَ لِشَرَائِطِ الْعَدَالَةِ وَلَا دَلِيلَ مَعَ السَّامِعِ يُعْمَلُ بِهِ سِوَى الْخَبَرِ فَلَوْ لَمْ يُقْبَلْ خَبَرُهُ لَامْتَنَعَ بَابُ الْمُعَامَلَاتِ وَوَقَعُوا فِي حَرَجٍ عَظِيمٍ وَبَابُهُ مَفْتُوحٌ وَلِأَنَّ الْمُعَامَلَاتِ لَيْسَ فِيهَا إلْزَامٌ وَاشْتِرَاطُ الْعَدَالَةِ لِلْإِلْزَامِ فَلَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِهَا فِيهَا فَاشْتُرِطَ فِيهَا التَّمْيِيزُ لَا غَيْرُ فَإِذَا قُبِلَ فِيهَا قَوْلُ الْمُمَيِّزِ وَكَانَ فِي ضِمْنِ قَبُولِهِ فِيهَا قَبُولُهُ فِي الدِّيَانَاتِ يُقْبَلُ قَوْلُهُ: فِي الدِّيَانَاتِ ضِمْنًا لِمَا ذَكَرْنَا حَتَّى إذَا قَالَ الْمُمَيِّزُ أَهْدَى إلَيْك فُلَانٌ هَذِهِ الْجَارِيَةَ، أَوْ بَعَثَنِي مَوْلَايَ بِهَا إلَيْك وَسِعَهُ الْأَخْذُ وَالِاسْتِعْمَالُ حَتَّى جَازَ لَهُ الْوَطْءُ بِذَلِكَ لِأَنَّ الدِّيَانَاتِ دَخَلَتْ تَبَعًا لِلْمُعَامَلَاتِ كَمَا تَقَدَّمَ بِخِلَافِ الدِّيَانَاتِ الْمَقْصُودَةِ لِأَنَّهُ لَا يَكْثُرُ وُقُوعُهَا كَالْمُعَامَلَاتِ وَلَا حَرَجَ فِي اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ وَلَا حَاجَةَ إلَى قَبُولِ قَوْلِ الْفَاسِقِ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ وَكَذَا الْكَافِرُ وَالصَّغِيرُ لِأَنَّهُمَا مُتَّهَمَانِ فِيهَا وَأَطْلَقَ فِي الْهَدِيَّةِ وَالْإِذْنِ فَشَمِلَ مَا إذَا أَخْبَرَ بِإِهْدَاءِ الْمَوْلَى نَفْسَهُ، أَوْ غَيْرَهُ بِأَنْ يَقُولَ: أَهْدَانِي إلَيْك سَيِّدِي وَشَمِلَ أَيْضًا مَا إذَا أَخْبَرَ الْمَمْلُوكُ بِإِهْدَاءِ الْجَوَارِي وَالْمَتَاعِ وَغَيْرِهِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا، وَفِي الْمُحِيطِ وَالْمَعْتُوهُ كَالصَّبِيِّ اهـ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَفِي الْإِذْنِ بِأَنْ جَعَلَ الْمَوْلَى عَبْدَهُ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ. قَالَ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا قَدْ عَلِمَ أَنَّ جَارِيَةً لِرَجُلٍ يَدَّعِيهَا رَجُلٌ فَرَآهَا فِي يَدِ رَجُلٍ آخَرَ يَبِيعُهَا فَقَالَ الَّذِي فِي يَدِهِ الْجَارِيَةُ: قَدْ كَانَتْ كَمَا قُلْتَ إلَّا أَنَّهَا لِي وَصَدَّقَهُ فِي ذَلِكَ وَكَانَ مُسْلِمًا ثِقَةً فَلَا بَأْسَ بِأَنْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 212 يَشْتَرِيَهَا مِنْهُ، وَفِي الْخَانِيَّةِ وَلَا تُقْبَلُ هَدِيَّةٌ وَلَا صَدَقَةٌ حَتَّى يَتَحَرَّى فَإِنْ وَقَعَ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ صَادِقٌ يُقْبَلُ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَقَعْ تَحَرِّيهِ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بَقِيَ مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ، وَإِنْ كَانَ وَقَعَ تَحَرِّيهِ عَلَى أَنَّهُ كَاذِبٌ لَا يَقْبَلُ مِنْهُ قَالَ فِي التَّلْوِيحِ: قِيلَ: ذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ أَنَّ خَبَرَ الْمُمَيِّزِ الْغَيْرِ الْعَدْلِ يُقْبَلُ فِي الْوَكَالَةِ وَالْهَدَايَا مِنْ غَيْرِ تَحَرٍّ، وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ التَّحَرِّي، وَهُوَ الْمَذْكُورُ مِنْ كَلَامِ السَّرَخْسِيِّ وَمُحَمَّدٍ فَقِيلَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَذْكُورُ فِي كِتَابِ الِاسْتِحْسَانِ تَفْسِيرَ الْهَدِيَّةِ فَيُشْتَرَطُ وَيَجُوزُ أَنْ يُشْتَرَطَ اسْتِحْسَانًا وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَالْفَاسِقُ فِي الْمُعَامَلَاتِ لَا فِي الدِّيَانَاتِ) يَعْنِي يُقْبَلُ قَوْلُ الْفَاسِقِ فِيمَا ذُكِرَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ا} [الحجرات: 6] وَالتَّبَيُّنُ التَّثَبُّتُ وَهُوَ طَلَبُ الْبَيَانِ وَذَلِكَ بِالتَّحَرِّي وَطَلَبِ الصِّدْقِ فِي خَبَرِهِ لِأَنَّ الْفَاسِقَ قَدْ يَكُونُ ذَا مُرُوءَةٍ فَيَسْتَنْكِفُ عَنْ الْكَذِبِ وَقَدْ يَكُونُ ذَا خِسَّةٍ لَا يُبَالِي عَنْ الْكَذِبِ فَوَجَبَ طَلَبُ التَّحَرِّي فَإِنْ وَقَعَ تَحَرِّيهِ عَلَى أَنَّهُ صَادِقٌ يَقْبَلُ قَوْلَهُ: وَإِلَّا فَلَا وَالْأَحْوَطُ وَالْأَوْثَقُ أَنْ يُرِيقَهُ وَيَتَيَمَّمَ، وَفِي الْمُحِيطِ وَلَوْ أَخْبَرَ بِذَلِكَ فَاسِقٌ، أَوْ مَنْ لَا تُعْرَفُ عَدَالَتُهُ فَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ صِدْقُهُ قَدْ يَسْمَعْ قَوْلَهُ: وَإِلَّا فَلَا اهـ. وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الذِّمِّيِّ، وَفِي الْخَانِيَّةِ أَيْ لِأَنَّ الْكَافِرَ يَعْتَقِدُ أَنَّ الْمُسْلِمَ عَلَى دِينٍ بَاطِلٍ فَيَقْصِدُ الْإِضْرَارَ بِهِ لِلْعَدَاوَةِ فَيُرَجَّحُ الْكَذِبُ فِي خَبَرِهِ فَلَا يَجِبُ التَّحَرِّي بَلْ يُسْتَحَبُّ لِأَنَّ احْتِمَالَ الصِّدْقِ قَائِمٌ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَخْبَرَهُ فَاسِقٌ فَإِنَّ التَّحَرِّيَ يَجِبُ لِاسْتِوَاءِ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ فِيهِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ قَالَ الشَّارِحُ وَلَا يُقْبَلُ فِي الدِّيَانَاتِ قَوْلُ الْمَسْتُورِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُقْبَلُ وَيُقْبَلُ فِي الدِّيَانَاتِ قَوْلُ الْعَبْدِ وَالْإِمَاءِ إذَا كَانُوا عُدُولًا لِتَرَجُّحِ جَانِبِ الصِّدْقِ فِي خَبَرِهِمْ، وَالْوَكَالَةُ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ وَالْإِذْنُ فِي التِّجَارَةِ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ وَكُلُّ شَيْءٍ لَيْسَ فِيهِ إلْزَامٌ وَلَا مَا يَدُلُّ عَلَى النِّزَاعِ فَهُوَ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ؛ فَإِنْ كَانَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَا يُقْبَلُ فِيهِ خَبَرُ الْوَاحِدِ، وَمِنْ الدِّيَانَاتِ الْحِلُّ وَالْحُرْمَةُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ زَوَالُ مِلْكٍ قَالَ السِّغْنَاقِيُّ: لَا يُقْبَلُ خَبَرُ الْعَدْلِ فِي الدِّيَانَاتِ إذَا كَانَ فِيهِ زَوَالُ مِلْكٍ حَتَّى لَوْ أَخْبَرَ رَجُلٌ عَدْلٌ، أَوْ امْرَأَةٌ الزَّوْجَيْنِ بِأَنَّهُمَا ارْتَضَعَا عَلَى فُلَانَةَ لَا يُقْبَلُ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الشَّهَادَةِ اهـ. فَإِنْ قُلْت: لِمَاذَا اُشْتُرِطَ فِي قَبُولِ خَبَرِ الْعَدْلِ عَدَمُ زَوَالِ الْمِلْكِ وَلَمْ يُشْتَرَطْ ذَلِكَ فِي قَبُولِ خَبَرِ الصَّبِيِّ وَالْمَمْلُوكِ حَتَّى لَوْ قَالَ الصَّبِيُّ أَوْ الْعَبْدُ: سَيِّدِي أَهْدَى إلَيْك هَذِهِ الْجَارِيَةَ قُبِلَ قَوْلُهُ وَفِيهِ زَوَالُ الْمِلْكِ مَعَ أَنَّ الْعَبْدَ أَدْنَى حَالًا مِنْ الْحُرِّ الْعَدْلِ قُلْنَا لِأَنَّ مِلْكَهُ لِلرَّقَبَةِ أَدْنَى حَالًا مِنْ مِلْكِ النِّكَاحِ بِدَلِيلِ اشْتِرَاطِ الشَّهَادَةِ فِي مِلْكِ النِّكَاحِ دُونَ مِلْكِ الرَّقَبَةِ فَلِهَذَا اُشْتُرِطَ فِي خَبَرِ الْحُرِّ مَا ذُكِرَ دُونَ خَبَرِ الصَّبِيِّ فَتَأَمَّلْ اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْخَبَرَ أَنْوَاعٌ أَحَدُهَا خَبَرُ الرَّسُولِ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ عُقُوبَةٌ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَالَةُ لَا غَيْرُ، وَالثَّانِي خَبَرُهُ فِيمَا فِيهِ عُقُوبَةٌ فَهُوَ كَالْأَوَّلِ عِنْدَ الثَّانِي وَهُوَ اخْتِيَارُ الْجَصَّاصِ خِلَافًا لِأَبِي الْحَسَنِ الْكَرْخِيِّ حَيْثُ يَشْتَرِطُ فِيهِ الثَّوَابَ عِنْدَهُ، وَشَهْرُ رَمَضَانَ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَالثَّالِثُ حُقُوقُ الْعِبَادِ فِيمَا فِيهِ إلْزَامٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ إحْدَى شَرْطَيْ الشَّهَادَةِ إمَّا الْعَدَدُ، أَوْ الْعَدَالَةُ خِلَافًا لَهُمَا حَيْثُ يُقْبَلُ فِيهَا خَبَرُ كُلِّ مُمَيِّزٍ. وَالرَّابِعُ الْعَلَامَاتُ وَقَدْ بَيَّنَّا حُكْمَهَا. اهـ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة وَشُرِطَ أَنْ يَكُونَ الْمُخْبِرُ عَدْلًا مُسْلِمًا وَالْحَاكِمُ الشَّهِيدُ ذَكَرَ فِي الْمُخْتَصَرِ الْعَدَالَةَ وَلَمْ يَذْكُرْ الْإِسْلَامَ وَتَبَيَّنَ بِمَا ذُكِرَ الْحَالُ، وَأَنَّ ذِكْرَ الْإِسْلَامِ اتِّفَاقِيٌّ وَلَيْسَ بِشَرْطٍ اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَلَوْ أَخْبَرَ مُسْلِمٌ ثِقَةٌ حُرًّا، أَوْ عَبْدًا ذَكَرًا، أَوْ أُنْثَى أَنَّهَا ذَبِيحَةُ مَجُوسِيٍّ وَقَالَ الْبَاقُونَ: بَلْ حَلَالٌ وَهُمْ عُدُولٌ أُخِذَ بِقَوْلِهِمْ) وَكَذَا لَوْ أَخْبَرَهُ عَدْلَانِ الصِّدْقُ يَتَرَجَّحُ بِزِيَادَةِ الْعَدَدِ فِي الْمُخْبِرِ بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ فَإِنْ كَانُوا مُتَّهَمِينَ أُخِذَ بِقَوْلِ الْوَاحِدِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إبْطَالُ خَبَرِ الْعَدْلِ بِخَبَرِهِمْ، وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ وَاحِدٌ عَدْلٌ يَتَحَرَّى كَمَا لَوْ أَخْبَرَهُ عَدْلَانِ أَحَدُهُمَا بِالْحِلِّ وَالْآخَرُ بِالْحُرْمَةِ يَجِبُ تَرْجِيحُ أَحَدِهِمَا بِالتَّحَرِّي، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَأْيٌ وَاسْتَوَيَا عِنْدَهُ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَأْكُلَ بِخِلَافِ مَا إذَا رَوَى أَحَدُهُمَا خَبَرًا بِحُرْمَةٍ وَرَوَى أَحَدُهُمَا بِحِلٍّ تُرَجَّحُ الْحُرْمَةُ عَلَى الْحِلِّ بِجَعْلِ الْحُرْمَةِ نَاسِخًا وَلَوْ أَخْبَرَهُ اثْنَانِ بِالْحِلِّ وَوَاحِدٌ بِالْحُرْمَةِ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ وَلَوْ أَخْبَرَهُ حُرَّانِ بِحُرْمَةٍ وَعَبْدَانِ بِحِلٍّ يَتَرَجَّحُ خَبَرُ الْحُرَّيْنِ بِالْحُرْمَةِ وَلَوْ أَخْبَرَهُ حُرَّانِ عَدْلَانِ بِحِلٍّ وَأَرْبَعَةُ عَبِيدٍ بِحُرْمَةٍ أَوْ رَجُلٌ بِحِلٍّ وَامْرَأَتَانِ بِحُرْمَةٍ تُرَجَّحُ بِالذُّكُورِيَّةِ وَالْحُرِّيَّةِ وَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَأَخْبَرَهُ مُسْلِمٌ ثِقَةٌ أَنَّهَا حُرَّةُ الْأَصْلِ أَوْ أُخْتُهُ مِنْ الرَّضَاعِ فَلَهُ أَنْ يَطَأَهَا، وَإِنْ تَنَزَّهَ فَهُوَ حَسَنٌ لِأَنَّ شَهَادَةَ الْوَاحِدِ لَا تُبْطِلُ الْمِلْكَ وَلَا تُوجِبُ حُرْمَةَ الرَّضَاعِ وَلَوْ مَلَكَ طَعَامًا، أَوْ جَارِيَةً بِسَبَبٍ فَشَهِدَ مُسْلِمٌ ثِقَةٌ أَنَّ الْمُمَلِّكَ غَصَبَهُ مِنْ فُلَانٍ تَنَزَّهَ عَنْ أَكْلِهَا وَوَطْئِهَا وَلَوْ أَخْبَرَهُ عَدْلٌ أَنَّهَا ذَبِيحَةُ مَجُوسِيٍّ وَأَخْبَرَهُ الْقَصَّابُ بِأَنَّهَا ذَبِيحَةُ مُسْلِمٍ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 213 وَالْقَصَّابُ عَدْلٌ تَنَزَّهَ عَنْ ذَلِكَ وَلَوْ فَعَلَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَوْ عَرَفَ جَارِيَةً لِزَيْدٍ وَرَآهَا فِي يَدِ غَيْرِهِ لَمْ يَسَعْهُ أَنْ يَشْتَرِيَهَا مَا لَمْ يَعْرِفْ أَنَّهَا مِلْكُ الَّذِي فِي يَدِهِ، أَوْ مَأْذُونٌ فِي بَيْعِهَا. رَجُلٌ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَغَابَ عَنْهَا وَأَخْبَرَهُ ثِقَةٌ حُرًّا، أَوْ عَبْدًا، أَوْ مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ أَنَّهَا ارْتَدَّتْ عَنْ الْإِسْلَامِ وَسِعَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَرْبَعَةً سِوَاهَا إذَا كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ صَادِقٌ، وَإِنْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ كَاذِبٌ لَا يَتَزَوَّجُ إلَّا ثَلَاثًا. امْرَأَةٌ غَابَ عَنْهَا زَوْجُهَا فَأَخْبَرَهَا مُسْلِمٌ ثِقَةٌ بِأَنَّهُ مَاتَ أَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَكَانَ غَيْرُهُ ثِقَةً، أَوْ أَتَاهَا كِتَابٌ بِالطَّلَاقِ وَلَا تَدْرِي أَهُوَ كِتَابُهُ، أَوْ لَا؟ إلَّا أَنَّ أَكْبَرَ رَأْيِهَا أَنَّهُ حَقٌّ فَلَا بَأْسَ أَنْ تَعْتَدَّ وَتَتَزَوَّجَ وَلَوْ أَخْبَرَهَا رَجُلٌ أَنَّ أَصْلَ النِّكَاحِ كَانَ فَاسِدًا أَنْ تَتَزَوَّجَ بِقَوْلِهِ، وَإِنْ كَانَ ثِقَةً وَلَوْ شَهِدَا لِلْمَرْأَةِ أَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا، أَوْ مَاتَ وَهِيَ تَجْحَدُ ثُمَّ مَاتَا، أَوْ غَابَا قَبْلَ الشَّهَادَةِ عِنْدَ الْقَاضِي لَمْ يَسَعْ الْمَرْأَةَ أَنْ تُقِيمَ مَعَهُ وَلَا أَنْ تُمَكِّنَهُ مِنْ نَفْسِهَا وَلَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بِغَيْرِهِ وَكَذَا إذَا سَمِعَتْ الطَّلَاقَ مِنْهُ وَهُوَ يَجْحَدُ فَحَلَّفَهُ الْقَاضِي وَرَدَّهَا إلَيْهِ لَمْ يَسَعْهَا الْمُقَامُ وَلَا أَنْ تَعْتَدَّ وَتَتَزَوَّجَ بِغَيْرِهِ وَلَوْ شَهِدَ عِنْدَ الْأَمَةِ عَدْلَانِ أَنَّ مَوْلَاهَا أَعْتَقَهَا وَهُوَ يَجْحَدُ تَمْنَعُهُ مِنْ الْقُرْبَانِ وَغَيْرِهِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ مُخْتَصَرًا. [دُعِيَ إلَى وَلِيمَةٍ وَثَمَّةَ لَعِبٌ وَغِنَاءٌ] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَمَنْ دُعِيَ إلَى وَلِيمَةٍ وَثَمَّةَ لَعِبٌ وَغِنَاءٌ يَقْعُدُ وَيَأْكُلُ) يَعْنِي إذَا حَدَثَ اللَّعِبُ وَالْغِنَاءُ بَعْدَ حُضُورِهِ يَقْعُدُ وَيَأْكُلُ وَلَا يَتْرُكُ وَلَا يَخْرُجُ وَلَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُ وَثَمَّةَ إلَى آخِرِهِ جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ عَنْ نَائِبِ فَاعِلِ " دُعِيَ " فَيُفِيدُ وُجُودَ ذَلِكَ حَالَ الدَّعْوَةِ، فَلَوْ قَالَ: فَحَضَرَ لَعِبٌ لَكَانَ أَوْلَى فَتَأَمَّلْ وَعَلَّلُوا ذَلِكَ بِأَنَّ إجَابَةَ الدَّعْوَةِ سُنَّةٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ لَمْ يُجِبْ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ» فَلَا يَتْرُكُهَا لِمَا اقْتَرَنَ بِهَا مِنْ الْبِدْعَةِ كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ لِأَجْلِ النَّائِحَةِ فَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْمَنْعِ مَنَعَ مِنْ غَيْرِهِ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ أَخْذًا مِنْ النِّهَايَةِ قِيلَ عَلَيْهِ إنَّهُ قِيَاسُ السُّنَّةِ عَلَى الْفَرْضِ وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَحَمُّلِ الْمَحْذُورِ لِأَجْلِ الْفَرْضِ تَحَمُّلُهُ لِأَجْلِ السُّنَّةِ أُجِيبَ بِأَنَّهَا سُنَّةٌ فِي قُوَّةِ الْوَاجِبِ لِوُرُودِ الْوَعِيدِ عَلَى تَرْكِهَا لِقَوْلِهِ «فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ» الْحَدِيثَ فَأُورِدَ عَلَى هَذَا بِأَنَّهُمْ أَرَادُوا بِقَوْلِهِمْ فِي قُوَّةِ الْوَاجِبِ مِثْلَ الْوَاجِبِ فِي الْأَحْكَامِ فَهُوَ مُشْكِلٌ لِوُجُوبِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا فِي الْأَحْكَامِ بِأَنَّ تَارِكَ الْوَاجِبِ يَسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةَ بِالنَّارِ وَتَارِكَ السُّنَّةِ لَا يَسْتَحِقُّهَا بَلْ حِرْمَانَ الشَّفَاعَةِ وَإِنْ أَرَادَا بِأَنَّهَا فِي قُوَّةِ الْوَاجِبِ مُجَرَّدَ بَيَانِ تَأْكِيدِ السُّنَّةِ فَلَا يُجْدِي نَفْعًا وَأُجِيبَ بِأَنَّ إجَابَةَ الدَّعْوَةِ، وَإِنْ كَانَتْ سُنَّةً عِنْدَنَا ابْتِدَاءً إلَّا أَنَّهَا تَنْقَلِبُ إلَى الْوَاجِبِ بَقَاءً بَعْدَ الْحُضُورِ حَيْثُ يَلْزَمُهُ حَقُّ الدَّعْوَةِ بِالْتِزَامِهِ فَصَارَ نَظِيرَ الصَّلَاةِ النَّافِلَةِ تَنْتَقِلُ إلَى الْوَاجِبِ بَلْ إلَى الْفَرْضِ بِالْتِزَامِهِ بِالْمَشْرُوعِ أَشَارَ إلَيْهِ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فَيَكُونُ قَوْلُهُ: كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ قِيَاسَ وَاجِبٍ عَلَى وَاجِبٍ، وَبَيَانُ تَقْرِيبِ الدَّلِيلِ بِبَيَانِ الدَّعْوَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ: إذَا دُعِيَ إلَى وَلِيمَةٍ، أَوْ طَعَامٍ وَلَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ شَيْءٌ مِنْ الْبِدَعِ أَصْلًا، وَالثَّانِي: إذَا دُعِيَ إلَى ذَلِكَ وَلَمْ يُذْكَرْ حِينَ الدَّعْوَةِ أَنَّ ثَمَّةَ شَيْئًا مِنْ الْبِدَعِ أَصْلًا وَلَمْ يَعْلَمْهُ الْمَدْعُوُّ قَبْلَ الْحُضُورِ وَلَكِنْ هَجَمَ عَلَيْهِ وَالثَّالِثُ: إذَا دُعِيَ إلَى ذَلِكَ وَذُكِرَ أَنَّ ثَمَّةَ شَيْئًا مِنْ الْبِدَعِ فَعَلِمَهُ الْمَدْعُوُّ قَبْلَ الْحُضُورِ فَفِي الْوَجْهَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ كَانَتْ الدَّعْوَةُ عَلَى وَجْهِ السُّنَّةِ فَلَا تَكُونُ الْإِجَابَةُ لَازِمَةً لِلْمَدْعُوِّ. اهـ. وَهَذَا كُلُّهُ بَعْدَ الْحُضُورِ وَلَوْ عَلِمَ قَبْلَ الْحُضُورِ لَا يَقْبَلُهُ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ يَشْمَلُ مَا بَعْدَ الْحُضُورِ وَمَا قَبْلَهُ لِأَنَّهُ قَدْ تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ الْمُعَرَّفَ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ إذَا لَمْ تَكُنْ لِلْعَهْدِ الْخَارِجِيِّ فَهُوَ لِلِاسْتِغْرَاقِ فَيَعُمُّ كُلَّ دَعْوَةٍ وَقَدْ يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ، وَإِنْ كَانَ عَامًّا مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ فَهُوَ مَخْصُوصٌ بِالنُّصُوصِ الدَّالَّةِ عَلَى وُجُوبِ الِاجْتِنَابِ عَنْ اقْتِرَابِ تِلْكَ الْبِدَعِ اهـ. فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى مَنْعِهِمْ خَرَجَ وَلَمْ يَقْعُدْ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ شَيْنَ الدِّينِ وَفَتْحَ بَابِ الْمَعْصِيَةِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَمَا حُكِيَ أَنَّ الْإِمَامَ وَقَعَ لَهُ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ قُدْوَةً، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى الْمَائِدَةِ فَلَا يَقْعُدُ. وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ لَعِبٌ وَغِنَاءٌ قَبْلَ أَنْ يَحْضُرَ فَلَا يَحْضُرُ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْإِجَابَةُ إلَّا إذَا كَانَ هُنَاكَ مُنْكَرٌ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ «صَنَعْت لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَعَامًا فَدَعْوَتُهُ لَهُ فَحَضَرَ فَرَأَى فِي الْبَيْتِ تَصَاوِيرَ فَرَجَعَ» وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ مَطْعَمَيْنِ عَنْ الْجُلُوسِ عَلَى مَائِدَةٍ يُشْرَبُ عَلَيْهَا الْخَمْرُ وَأَنْ يَأْكُلَ وَهُوَ مُنْسَطِحٌ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَدَلَّتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَنَّ الْمَلَاهِيَ كُلَّهَا حَرَامٌ حَتَّى التَّغَنِّي بِضَرْبِ الْقَصَبِ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ» أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَفِي لَفْظٍ آخَرَ «لَيَشْرَبَنَّ أُنَاسٌ مِنْ أُمَّتِي الْخَمْرَ يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا يُعْزَفُ عَلَى رُءُوسِهِمْ بِالْمَعَازِفِ وَالْمُغَنِّيَاتِ يَخْسِفُ اللَّهُ بِهِمْ الْأَرْضَ وَيَجْعَلُ مِنْهُمْ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ» ، وَاخْتَلَفُوا فِي التَّغَنِّي الْمُجَرَّدِ قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهُ حَرَامٌ مُطْلَقًا وَالِاسْتِمَاعُ إلَيْهِ مَعْصِيَةٌ لِإِطْلَاقِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 214 الْحَدِيثِ وَهُوَ اخْتِيَارُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ لِيَسْتَفِيدَ بِهِ فَهْمَ الْمَعَانِي وَالْفَصَاحَةَ وَمِنْهُمْ مَنْ جَوَّزَ التَّغَنِّيَ لِدَفْعِ الْوَحْشَةِ إذَا كَانَ وَحْدَهُ وَلَا يَكُونُ عَلَى سَبِيلِ اللَّهْوِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ لِأَنَّهُ رَوَى ذَلِكَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ وَلَوْ كَانَ فِي الشِّعْرِ حِكَمٌ، أَوْ قِصَّةٌ لَا يُكْرَهُ وَكَذَا لَوْ كَانَ فِيهِ ذِكْرُ امْرَأَةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ وَكَذَا لَوْ كَانَتْ مُعَيَّنَةً وَهِيَ مَيِّتَةٌ وَلَوْ كَانَتْ حَيَّةً يُكْرَهُ كَذَا فِي الشَّارِحِ. وَفِي الْمُحِيطِ: وَيُكْرَهُ اللَّعِبُ بِالشِّطْرَنْجِ وَالنَّرْدِ وَالْأَرْبَعَةَ عَشَرَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كُلُّ لَعِبٍ حَرَامٌ إلَّا مُلَاعَبَةَ الرَّجُلِ زَوْجَتَهُ وَقَوْسَهُ وَفَرَسَهُ» لِأَنَّهُ يَصُدُّ عَنْ الْجَمْعِ وَالْجَمَاعَاتِ وَسَبَبٌ لِلْوُقُوعِ فِي فَوَاحِشِ الْكَلَامِ وَغَيْرِهِ وَاسْتِمَاعُ صَوْتِ الْمَلَاهِي حَرَامٌ كَالضَّرْبِ بِالْقَصَبِ وَغَيْرِهِ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «: اسْتِمَاعُ الْمَلَاهِي مَعْصِيَةٌ وَالْجُلُوسُ عَلَيْهَا فِسْقٌ وَالتَّلَذُّذُ بِهَا كُفْرٌ» وَهَذَا خَرَجَ عَلَى وَجْهِ التَّشْدِيدِ لَا أَنَّهُ يَكْفُرُ وَعَنْ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ لَا بَأْسَ بِأَنْ يَكُونَ فِي الْعُرْسِ دُفٌّ يُضْرَبُ بِهِ لِيَشْتَهِرَ وَيُعْلَنَ النِّكَاحُ وَسُئِلَ أَبُو يُوسُفَ أَيُكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَضْرِبَ فِي غَيْرِ فِسْقٍ لِلصَّبِيِّ قَالَ: لَا أَكْرَهُ، وَلَا تَرْكَبُ امْرَأَةٌ مُسْلِمَةٌ عَلَى السَّرْجِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَعَنَ اللَّهُ السُّرُوجَ عَلَى الْفُرُوجِ» هَذَا إذَا رَكِبَتْ مُتَلَهِّيَةً أَوْ مُتَزَيِّنَةً لِتَعْرِضَ نَفْسَهَا عَلَى الرِّجَالِ فَإِنْ رَكِبَتْ لِحَاجَةٍ كَالْجِهَادِ وَالْحَجِّ فَلَا بَأْسَ بِهِ. رَجُلٌ أَظْهَرَ الْفِسْقَ فِي دَارِهِ فَلِلْإِمَامِ أَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَمْتَنِعْ فَالْإِمَامُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَرَبَهُ أَسْوَاطًا، وَإِنْ شَاءَ أَخْرَجَهُ مِنْ دَارِهِ لِأَنَّ الْكُلَّ يَصْلُحُ لِلتَّعْزِيرِ، قَالَ أَبُو يُوسُفَ: فِي دَارِهِ يَسْمَعُ مَزَامِيرَ وَمَعَازِفَ أَدْخُلُ عَلَيْهِمْ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ لَا أَمْنَعُ النَّاسَ عَنْ إقَامَةِ هَذَا الْفَرْضِ، وَلَوْ رَأَى مُنْكَرًا وَهُوَ مِمَّنْ يَرْتَكِبُ هَذَا الْمُنْكَرَ لَهُ أَنْ يَنْهَى عَنْهُ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ تَرْكُ الْمُنْكَرِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ فَإِذَا تَرَكَ أَحَدَهُمَا لَا يَتْرُكُ الْآخَرَ. اهـ. وَفِي الذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهَا: لَا بَأْسَ بِضَرْبِ الدُّفِّ فِي الْعُرْسِ وَالْوَلِيمَةِ وَالْأَعْيَادِ وَكَذَا لَا بَأْسَ بِالْغِنَاءِ فِي الْعُرْسِ وَالْوَلِيمَةِ وَالْأَعْيَادِ حَيْثُ لَا فِسْقَ، وَفِي الْخُلَاصَةِ وَعَنْ عُمَرَ أَنَّهُ أَحْرَقَ بَيْتَ الْخَمَّارِ وَعَنْ الْإِمَامِ الزَّاهِدِ الصَّفَّارِ أَنَّهُ أَمَرَ بِتَخْرِيبِ دَارِ الْفِسْقِ بِسَبَبِ الْفِسْقِ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ: لَا بَأْسَ بِالْمُزَاحِ بَعْدَ أَنْ لَا يَتَكَلَّمَ بِكَلَامٍ فِيهِ مَأْثَمٌ وَيَقْصِدَ بِهِ إضْحَاكَ جُلَسَائِهِ، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلْعَتَّابِيِّ وَكُلُّ لَعِبٍ غَيْرِ الشَّطْرَنْجِ فَهُوَ حَرَامٌ. [رَأَى رَجُلًا سَرَقَ مَالَ إنْسَانٍ] وَفِي الْحَاوِي سُئِلَ عَمَّنْ رَأَى رَجُلًا سَرَقَ مَالَ إنْسَانٍ قَالَ: إنْ كَانَ لَا يَخَافُ الظُّلْمَ مِنْهُ يُخْبِرُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ يَخَافُ تَرَكَ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ بِالْيَدِ عَلَى الْآمِرِ، أَوْ بِاللِّسَانِ عَلَى الْعُلَمَاءِ وَبِالْقَلْبِ عَلَى عَوَامِّ النَّاسِ وَهُوَ اخْتِيَارُ الزَّنْدَوِيسِيِّ، وَفِي الْخَانِيَّةِ: رَجُلٌ دَعَاهُ الْأَمِيرُ فَسَأَلَهُ عَنْ أَشْيَاءَ إنْ تَكَلَّمَ بِمَا يُوَافِقُ الْحَقَّ لَا يُرْضِيهِ فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِمَا يُخَالِفُ الْحَقَّ وَهَذَا إذَا كَانَ لَا يَخَافُ الْقَتْلَ عَلَى نَفْسِهِ وَلَا إتْلَافَ عُضْوِهِ وَلَا يَخَافُ عَلَى مَالِهِ، وَإِذَا خَافَ مِنْهُ فَإِنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ اهـ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَصْلٌ فِي اللُّبْسِ] (فَصْلٌ فِي اللُّبْسِ) لَمَّا ذَكَرَ مُقَدِّمَاتِ مَسَائِلِ الْكَرَاهِيَةِ ذَكَرَ مَا يَتَوَارَدُ عَلَى الْإِنْسَانِ مِمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فَقَدَّمَ فَصْلَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ؛ لِأَنَّ احْتِيَاجَ الْإِنْسَانِ إلَى الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ أَشَدُّ مِنْ احْتِيَاجِهِ إلَى النَّظَرِ لِتَحَقُّقِ الْأَوَّلِ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ دُونَ الثَّانِي اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (حَرُمَ لِلرَّجُلِ لَا لِلْمَرْأَةِ لُبْسُ الْحَرِيرِ إلَّا قَدْرَ أَرْبَعِ أَصَابِعَ) يَعْنِي يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ لَا عَلَى الْمَرْأَةِ لُبْسُ الْحَرِيرِ وَاللَّامُ تَأْتِي بِمَعْنَى " عَلَى " قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [الإسراء: 7] أَيْ فَعَلَيْهَا وَإِنَّمَا حَرُمَ لُبْسُ الْحَرِيرِ عَلَى الرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ لِمَا رَوَى أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أُحِلَّ الذَّهَبُ وَالْحَرِيرُ لِلْإِنَاثِ مِنْ أُمَّتِي وَحُرِّمَ عَلَى ذُكُورِهَا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَلِمَا رُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «مَنْ لَبِسَ الْحَرِيرَ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الْآخِرَةِ» إلَّا أَنَّ الْيَسِيرَ مَعْفُوٌّ عَنْهُ وَهُوَ مِقْدَارُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ لِمَا رَوَى أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ «نُهِيَ عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ إلَّا مَوْضِعَ أُصْبُعَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ أَوْ أَرْبَعٍ» الْحَدِيثَ. [تَوَسُّدُهُ وَافْتِرَاشُهُ أَيْ الْحَرِير] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (وَحَلَّ تَوَسُّدُهُ وَافْتِرَاشُهُ) يَعْنِي لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ وَقَالَ مَالِكٌ: يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ كَذَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ مَعَ مُحَمَّدٍ وَذَكَرَهُ أَبُو اللَّيْثِ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ لِمُحَمَّدٍ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حُذَيْفَةَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نَهَى عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ وَأَنْ يُجْلَسَ عَلَيْهِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَقَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ لَأَنْ أَتَّكِئَ عَلَى جَمْرِ الْغَضَا أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَتَّكِئَ عَلَى مَرَافِقِ الْحَرِيرِ وَلِلْإِمَامِ مَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «جَلَسَ عَلَى مُرَقَّعَةٍ مِنْ حَرِيرٍ» وَلِأَنَّ الْقَلِيلَ مِنْ الْمَلْبُوسِ يُبَاحُ فَكَذَا الْقَلِيلُ هُنَا وَلِأَنَّ النَّوْمَ وَالِافْتِرَاشَ وَالتَّوَسُّدَ إهَانَةٌ وَلِأَنَّ الْمُحَرَّمَ اللُّبْسُ وَالِافْتِرَاشُ وَالنَّوْمُ عِلَّةُ الْجُلُوسِ، وَجَعْلُهُ سِتَارَةً وَتَعْلِيقُهُ وَجَعْلُهُ بَيْتًا لَيْسَ عُرْفًا فَلَا يَحْرُمُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 215 وَلَا يُكْرَهُ تِكَّةُ الْحَرِيرِ وَتِكَّةُ الدِّيبَاجِ، وَلَوْ جَعَلَ الْحَرِيرَ بَيْتًا أَوْ عَلَّقَهُ قَالَ الْإِمَامُ لَا يُكْرَهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يُكْرَهُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ قَالَ الشُّرَّاحُ يَعْنِي الرَّجُلَ وَالْمَرْأَةَ جَمِيعًا فِي هَذَا الْحُكْمِ يَعْنِي فِي عَدَمِ كَرَاهَةِ تَوَسُّدِهِ إلَى آخِرِهِ أَوْ كَرَاهَتِهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ اهـ. وَلَك أَنْ تَقُولَ: تَعْمِيمُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْكَرَاهَةِ لِلنِّسَاءِ مُشْكِلٌ فَإِنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «حَلَالٌ لِإِنَاثِهِمْ» يَعُمُّ التَّوَسُّدَ وَالِافْتِرَاشَ وَالْجُلُوسَ وَالسِّتَارَةَ وَجَعْلَهُ بَيْتًا فَكَيْفَ يَتْرُكَانِ الْعَمَلَ بِعُمُومِ هَذَا الْحَدِيثِ فَلْيُتَأَمَّلْ وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْحِلَّ لِلنِّسَاءِ لِأَجْلِ التَّزَيُّنِ لِلرِّجَالِ وَتَرْغِيبِ الرَّجُلِ فِيهَا وَفِي وَطْئِهَا وَتَحْسِينِهَا فِي مَنْظَرِهِ فَالْعِلَّةُ النَّقْلِيَّةُ مَنْظُورٌ فِيهَا إلَى هَذِهِ الْعَقْلِيَّةِ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ تَحْرِيمُهُ عَلَى الرَّجُلِ وَالْحِلُّ لِلنِّسَاءِ وَالْعِلَّةُ الْعَقْلِيَّةُ لَمْ تُوجَدْ فِي التَّوَسُّدِ وَغَيْرِهِ فَلِهَذَا قَالَا: يُكْرَهُ ذَلِكَ لِلنِّسَاءِ فَتَأَمَّلْ وَفِي النِّصَابِ: وَيُكْرَهُ اتِّخَاذُ الْخَلْخَالِ فِي رِجْلِ الصَّغِيرِ اهـ. [لُبْسُ مَا سَدَاه حَرِيرٌ وَلُحْمَتُهُ قُطْنٌ أَوْ خَزٌّ] قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلُبْسُ مَا سَدَاه حَرِيرٌ وَلُحْمَتُهُ قُطْنٌ أَوْ خَزٌّ) يَعْنِي حَلَّ لِلرِّجَالِ لُبْسُ هَذَا لِأَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كَانُوا يَلْبَسُونَ الْخَزَّ وَهُوَ اسْمٌ لِلْمُسَدَّى بِالْحَرِيرِ وَلِأَنَّ الثَّوْبَ لَا يَصِيرُ ثَوْبًا إلَّا بِالنَّسْجِ، وَالنَّسْجُ بِاللُّحْمَةِ فَكَانَتْ هِيَ الْمُعْتَبَرَةَ أَوْ تَقُولُ لَا يَكُونُ ثَوْبًا إلَّا بِهِمَا فَتَكُونُ الْعِلَّةُ ذَاتَ وَجْهَيْنِ فَيُعْتَبَرُ الَّتِي تَظْهَرُ فِي الْمَنْظَرِ وَهِيَ اللُّحْمَةُ فَتَكُونُ الْعِبْرَةُ لِمَا يَظْهَرُ دُونَ مَا يَخْفَى وَالدِّيبَاجُ لُغَةً وَعُرْفًا مَا كَانَ كُلُّهُ حَرِيرًا قَالَ فِي الْمُغْرِبِ: الدِّيبَاجُ الَّذِي سَدَاه وَلُحْمَتُهُ إبْرَيْسَمٌ قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا: وُجُوهُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةٌ الْأَوَّلُ مَا يَكُونُ كُلُّهُ حَرِيرًا وَهُوَ الدِّيبَاجُ لَا يَجُوزُ لُبْسُهُ فِي غَيْرِ الْحَرْبِ بِالِاتِّفَاقِ وَأَمَّا فِي الْحَرْبِ فَعِنْدَ الْإِمَامِ لَا يَجُوزُ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ وَالثَّانِي مَا يَكُونُ سَدَاه حَرِيرًا وَلُحْمَتُهُ غَيْرَهُ وَلَا بَأْسَ بِهِ بِالْحَرْبِ وَغَيْرِهِ، وَالثَّالِثُ عَكْسُ الثَّانِي وَهُوَ مُبَاحٌ فِي الْحَرْبِ دُونَ غَيْرِهِ كَمَا سَيَأْتِي وَالْخَزُّ وَبَرُ دَابَّةٍ تَخْرُجُ مِنْ الْبَحْرِ يُؤْخَذُ وَيُنْسَخُ. قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَكْسُهُ حَلَّ فِي الْحَرْبِ فَقَطْ) يَعْنِي وَلَوْ عُكِسَ الْمَذْكُورُ وَهُوَ أَنْ تَكُونَ لُحْمَتُهُ حَرِيرًا وَسَدَاهُ غَيْرَهُ وَهُوَ لَا يَجُوزُ إلَّا فِي الْحَرْبِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْعِبْرَةَ بِاللُّحْمَةِ وَلَا يَجُوزُ لُبْسُ الْحَرِيرِ الْخَالِصِ فِي الْحَرْبِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «رَخَّصَ فِي لُبْسِ الْحَرِيرِ الْخَالِصِ فِي الْحَرْبِ وَرَخَّصَ فِي لُبْسِ الْخَزِّ وَالدِّيبَاجِ فِي الْحَرْبِ» فَلِأَنَّ فِيهِ ضَرُورَةً؛ لِأَنَّ الْخَالِصَ مِنْهُ أَرْفَعُ لِعِدَّةِ السِّلَاحِ وَأَهْيَبُ فِي عَيْنِ الْعَدُوِّ لِيُرِيعَهُ وَلِلْإِمَامِ إطْلَاقُ النُّصُوصِ الْوَارِدَةِ فِي النَّهْيِ عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ وَالضَّرُورَةُ انْدَفَعَتْ بِالْمَخْلُوطِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْخَالِصِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: أَكْرَهُ ثَوْبَ الْقَزِّ يَكُونُ بَيْنَ الظِّهَارَةِ وَالْبِطَانَةِ، وَلَا أَرَى مَحْشُوَّ الْقَزِّ؛ لِأَنَّ الْحَشْوَ غَيْرُ مَلْبُوسٍ فَلَا يَكُونُ ثَوْبًا قَالَ هَذَا الْجَوَازُ فِي الْحَرْبِ إذَا كَانَ الثَّوْبُ صَفِيقًا يَجِيءُ مِنْهُ بَأْسٌ إلَى ارْتِهَابِ الْعَدُوِّ فِي الْحَرْبِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ رَقِيقًا لَا يَجِيءُ مِنْهُ الِارْتِهَابُ لِلْعَدُوِّ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ جُعِلَ ظِهَارَةً أَوْ بِطَانَةً فَهُوَ مَكْرُوهٌ؛ لِأَنَّ كِلَيْهِمَا مَقْصُودٌ وَتَقَدَّمَ لَوْ جُعِلَ مَحْشُوًّا كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَإِنَّمَا يُكْرَهُ اللُّبْسُ إذَا لَمْ تَقَعْ الْحَاجَةُ فِي لُبْسٍ فَلَوْ كَانَ بِهِ جَرَبٌ أَوْ حَكَّةٌ كَثِيرًا وَلَا يَجِدُ غَيْرَهُ لَا يُكْرَهُ لُبْسُهُ وَفِي السِّرَاجِيَّةِ وَيُكْرَهُ أَنْ يَلْبَسَ الذُّكُورَةُ قَلَنْسُوَةَ الْحَرِيرِ وَيُكْرَهُ لُبْسُ الثَّوْبِ الْمُعَصْفَرِ. وَفِي الْمُنْتَقَى عَنْ الْإِمَامِ يُكْرَهُ لِلرِّجَالِ أَنْ يَلْبَسُوا الثَّوْبَ الْمَصْبُوغَ بِالْعُصْفُرِ أَوْ الْوَرْسِ أَوْ الزَّعْفَرَانِ وَفِي الذَّخِيرَةِ عَنْ مُحَمَّدٍ النَّهْيُ عَنْ لُبْسِ الْمُعَصْفَرِ قِيلَ الْمُرَادُ بِهِ أَنْ يَلْبَسَ الْمُعَصْفَرَ لِيُحَبِّبَ نَفْسَهُ لِلنِّسَاءِ وَوَرَدَ وَإِيَّاكُمْ وَالْأَحْمَرَ فَإِنَّهُ زِيُّ الشَّيْطَانِ وَلَا يُكْرَهُ اللِّبْدُ الْأَحْمَرُ لِلسَّرْجِ وَفِي الذَّخِيرَةِ: وَسُئِلَ عَنْ الزِّينَةِ وَالتَّجَمُّلِ فِي الزِّينَةِ فَقَالَ وَرَدَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَنَّهُ خَرَجَ وَعَلَيْهِ رِدَاءٌ قِيمَتُهَا أَرْبَعَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ فَقَالَ إذَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَى الْعَبْدِ بِنِعْمَةٍ يَجِبُ أَنْ يُظْهِرَ أَثَرَهَا عَلَيْهِ» قَالَ الْإِمَامُ بِالْجَوَازِ وَفِي الْخُلَاصَةِ لَا بَأْسَ بِلُبْسِ الثِّيَابِ الْجَمِيلَةِ إذَا كَانَ لَا يُنْكَرُ عَلَيْهِ فِيهِ وَلَا بَأْسَ بِجَمْعِ الْمَالِ مِنْ الْحَلَالِ إذَا كَانَ لَا يُضِيعُ الْفَرَائِضَ وَلَا يَمْنَعُ حُقُوقَ اللَّهِ تَعَالَى وَفِي التَّتِمَّةِ إرْخَاءُ السِّتْرِ فِي الْبُيُوتِ مَكْرُوهٌ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَبْسُطَ فِي بَيْتِهِ مَا شَاءَ مِنْ الثِّيَابِ الْمُتَّخَذَةِ مِنْ الصُّوفِ وَالْقُطْنِ وَالْكَتَّانِ الْمَصْبُوغَةِ وَغَيْرِ الْمَصْبُوغَةِ وَالْمُنَقَّشَةِ وَغَيْرِ الْمُنَقَّشَةِ وَلَهُ أَنْ يَسْتُرَ الْجِدَارَ بِاللِّبْدِ وَغَيْرِهِ وَيَجُوزُ أَنْ يَبْسُطَ مَا فِيهِ صُورَةٌ وَفِي الْفَتَاوَى الْعَتَّابِيَّةِ وَيُكْرَهُ أَنْ يَتَّخِذَ لِلْجَوَارِي ثِيَابًا كَالرَّجُلِ وَيَتَّخِذَ لَهُنَّ ثِيَابًا كَثِيَابِ النِّسَاءِ وَيُكْرَهُ لِلرِّجَالِ السَّرَاوِيلُ الَّتِي تَقَعُ عَلَى ظَهْرِ الْقَدَمِ وَفِي الْمُلْتَقَطِ وَلَا بَأْسَ بِجُلُودِ النَّمِرِ وَسَائِرِ السِّبَاعِ وَفِي الْإِبَانَةِ يَجُوزُ لُبْسُ النَّعْلِ الْمُسَمَّرِ بِالْمَسَامِيرِ الْحَدِيدِ وَفِي الذَّخِيرَةِ الثَّوْبُ الْمُتَنَجِّسُ بِنَجَاسَةٍ تَمْنَعُ جَوَازَ الصَّلَاةِ هَلْ يَجُوزُ لِلُبْسِهِ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجُوزَ لُبْسُهُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ بِلَا ضَرُورَةٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَتَحَلَّى الرَّجُلُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ إلَّا بِالْخَاتَمِ وَالْمِنْطَقَةِ، وَحِلْيَةُ السَّيْفِ مِنْ الْفِضَّةِ) لِمَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 216 رَوَيْنَا، غَيْرَ أَنَّ الْخَاتَمَ وَمَا ذَكَرَ مُسْتَثْنًى تَحْقِيقًا لِمَعْنَى النَّمُوذَجِ وَالْفِضَّةِ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ «وَكَانَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَاتَمٌ مِنْ فِضَّةٍ وَكَانَ فِي يَدِهِ إلَى أَنْ تُوُفِّيَ ثُمَّ فِي يَدِ أَبِي بَكْرٍ إلَى أَنْ تُوُفِّيَ ثُمَّ فِي يَدِ عُمَرَ إلَى أَنْ تُوُفِّيَ ثُمَّ فِي يَدِ عُثْمَانَ إلَى أَنْ وَقَعَ فِي الْبِئْرِ فَأَنْفَقَ مَالًا عَظِيمًا فِي طَلَبِهِ فَلَمْ يَجِدْهُ» وَوَقَعَ الْخِلَافُ بَيْنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّشْوِيشُ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ إلَى أَنْ اُسْتُشْهِدَ، وَالسُّنَّةُ فِي حَقِّ الرَّجُلِ أَنْ يَجْعَلَ فَصَّ الْخَاتَمِ فِي بَاطِنِ كَفِّهِ وَفِي حَقِّ الْمَرْأَةِ أَنْ تَجْعَلَهُ فِي ظَاهِرِ كَفِّهَا؛ لِأَنَّهَا تُزَيَّنُ بِهِ دُونَ الرَّجُلِ وَلَا بَأْسَ بِالتَّخَتُّمِ بِالْفِضَّةِ إذَا كَانَ لَهُ حَاجَةٌ إلَيْهِ كَالْقَاضِي وَالسُّلْطَانِ وَلِغَيْرِ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «رَأَى فِي يَدِ رَجُلٍ خَاتَمًا أَصْفَرَ فَقَالَ: مَا لِي أَجِدُ مِنْك رَائِحَةَ الْأَصْنَامِ وَرَأَى فِي يَدِ آخَرَ خَاتَمَ حَدِيدٍ فَقَالَ: مَا لِي أَرَى عَلَيْك حِلْيَةَ أَهْلِ النَّارِ» وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَجُلًا جَلَسَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَيْهِ خَاتَمُ ذَهَبٍ فَأَعْرَضَ عَنْهُ» وَالتَّخَتُّمُ بِالذَّهَبِ حَرَامٌ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ أَطْلَقَ التَّخَتُّمَ بِحَجَرٍ يُقَالُ لَهُ يَشْبُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحَجَرٍ، إذْ لَيْسَ لَهُ ثِقْلُ الْحَجَرِ وَالْحَلْقَةُ هِيَ مُعْتَبَرَةٌ؛ لِأَنَّ قِوَامَ الْخَاتَمِ بِهَا وَلَا يُعْتَبَرُ بِالْفَصِّ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ مِنْ الْحَجَرِ وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَتَخَتَّمَ إذَا كَانَ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ وَلَا بَأْسَ بِمِسْمَارِ الذَّهَبِ يُجْعَلُ فِي حَجَرِ الْفَصِّ يَعْنِي فِي ثُقْبِهِ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ كَالْعَلَمِ فَلَا يُعَدُّ لَابِسًا وَلَا يَزِيدُ وَزْنُهُ عَلَى مِثْقَالٍ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اتَّخِذْهُ مِنْ وَرِقٍ وَلَا تَزِدْهُ عَلَى مِثْقَالٍ» وَرَدَ النَّصُّ بِجَوَازِ التَّخَتُّمِ بِالْعَقِيقِ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «تَخَتَّمُوا بِالْعَقِيقِ» فَإِنَّهُ مُبَارَكٌ الْحَدِيثَ وَفِي الْحَاوِي: وَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَّخِذَ الرَّجُلُ خَاتَمَ فِضَّةٍ فَإِنْ جَعَلَ فَصَّهُ مِنْ عَقِيقٍ أَوْ يَاقُوتٍ أَوْ فَيْرُوزَجَ أَوْ زُمُرُّدٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَإِنْ نُقِشَ عَلَيْهِ اسْمُهُ أَوْ اسْمُ أَبِيهِ أَوْ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُنْقَشَ عَلَيْهِ تَمَاثِيلُ مِنْ طَيْرٍ أَوْ هَوَامِّ الْأَرْضِ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَشْرَبَ مِنْ كَفِّهِ وَفِي خِنْصَرِهِ خَاتَمُ ذَهَبٍ وَلَا بَأْسَ بِمِسْمَارِ الذَّهَبِ يُجْعَلُ فِي الْفِضَّةِ وَفِي الْيَنَابِيعِ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَتَخَتَّمُ بِالْيَمِينِ، وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ بِالشِّمَالِ» وَفِي الْفَتَاوَى وَيَنْبَغِي أَنْ يَلْبَسَ الْخَاتَمَ فِي خِنْصَرِهِ الْيُسْرَى دُونَ سَائِرِ أَصَابِعِهِ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُخَضِّبَ يَدَ الصَّغِيرِ أَوْ رِجْلَهُ. [الْأَفْضَلُ لِغَيْرِ السُّلْطَانِ وَالْقَاضِي تَرْكُ التَّخَتُّمِ] قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْأَفْضَلُ لِغَيْرِ السُّلْطَانِ وَالْقَاضِي تَرْكُ التَّخَتُّمِ وَحَرُمَ التَّخَتُّمُ بِالْحَجَرِ وَالْحَدِيدِ وَالصُّفْرِ وَالذَّهَبِ وَحَلَّ مِسْمَارُ الذَّهَبِ يُجْعَلُ فِي حَجَرِ الْفَصِّ) وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَشَدُّ السِّنِّ بِالْفِضَّةِ) يَعْنِي يَحِلُّ شَدُّ السِّنِّ الْمُتَحَرِّكِ بِالْفِضَّةِ وَلَا يَحِلُّ بِالذَّهَبِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَحِلُّ بِالذَّهَبِ أَيْضًا وَقَدَّمْنَا بَيَانَ ذَلِكَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكُرِهَ إلْبَاسُ ذَهَبٍ وَحَرِيرٍ صَبِيًّا) لِأَنَّ التَّحْرِيمَ لَمَّا ثَبَتَ فِي حَقِّ الذُّكُورِ وَحَرُمَ اللُّبْسُ حَرُمَ الْإِلْبَاسُ كَالْخَمْرِ لَمَّا حَرُمَ شُرْبُهَا حَرُمَ سَقْيُهَا لِلصَّبِيِّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (كَالْخِرْقَةِ لِوُضُوءٍ أَوْ مُخَاطٍ وَالرَّتْمِ) يَعْنِي لَا تُكْرَهُ الْخِرْقَةُ لِوُضُوءٍ وَلَا الرَّتْمُ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ يُكْرَهُ حَمْلُ الْخِرْقَةِ الَّتِي يَمْسَحُ بِهَا الْعَرَقَ؛ لِأَنَّهَا بِدْعَةٌ وَلَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَفْعَلُ ذَلِكَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَا مِنْ التَّابِعِينَ وَإِنَّمَا كَانُوا يَتَمَسَّحُونَ أَرْدِيَتَهُمْ وَفِيهَا نَوْعُ تَجَبُّرٍ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ الرَّتْمُ؛ لِأَنَّ عَامَّةَ الْمُسْلِمِينَ قَدْ اسْتَعْمَلُوا فِي عَامَّةِ الْبُلْدَانِ مَنَادِيلَ لِلْوُضُوءِ وَالْخِرَقَ لِمَسْحِ الْعَرَقِ وَالْمُخَاطِ وَلِحَمْلِ شَيْءٍ يُحْتَاجُ إلَيْهِ وَمَا رَآهُ الْمُؤْمِنُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ حَتَّى لَوْ حَمَلَهَا لِغَيْرِ حَاجَةٍ يُكْرَهُ وَالرَّتْمُ هُوَ الرَّتِيمَةُ وَهِيَ الْخَيْطُ لِلتَّذَكُّرِ لِيُعْقَدَ فِي الْأَصَابِعِ وَكَذَا الرَّتْمَةُ فَقِيلَ: الرَّتَمُ ضَرْبٌ مِنْ الشَّجَرِ وَقَالَ مَعْنَاهُ كَانَ الرَّجُلُ إذَا خَرَجَ إلَى سَفَرٍ عَمَدَ إلَى هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَعَقَدَ بَعْضَ أَغْصَانِهَا بِبَعْضٍ فَإِذَا رَجَعَ، وَأَصَابَهُ بِتِلْكَ الْحَالَةِ قَالَ: لَمْ تَخُنْ امْرَأَتِي وَإِنْ أَصَابَهُ قَدْ انْحَلَّ قَالَ: خَانَتْنِي ثُمَّ الرَّتِيمَةُ قَدْ تُشَبَّهُ بِالتَّمِيمَةِ عَلَى بَعْضِ النَّاسِ وَهُوَ خَيْطٌ كَانَ يُرْبَطُ فِي الْعُنُقِ أَوْ فِي الْيَدِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لِدَفْعِ الْمَضَرَّةِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ وَذَكَرَ فِي حُدُودِ الْإِيمَانِ أَنَّهُ كُفْرٌ وَالرَّتِيمَةُ مُبَاحٌ؛ لِأَنَّهَا تُرْبَطُ لِلتَّذْكِيرِ عِنْدَ النِّسْيَانِ وَقَدْ وَرَدَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَ بَعْضَ أَصْحَابِهِ بِهَا وَتَعَلَّقَ غَرَضٌ صَحِيحٌ فَلَا يُكْرَهُ بِخِلَافِ التَّمِيمَةِ فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ فِيهَا إنَّ الرُّقَى وَالتَّمَائِمَ وَالتُّوَلَةَ شِرْكٌ عَلَى مَا يَجِيءُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. [فَصْلٌ فِي النَّظَرِ وَاللَّمْسِ] وَلَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى مَسَائِلِ اللُّبْسِ وَقَدَّمَهُ لِشِدَّةِ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ ذَكَرَ بَعْدَهُ مَسَائِلَ النَّظَرِ لِأَنَّهَا أَكْثَرُ وُقُوعًا مِنْ مَسَائِلِ الِاسْتِبْرَاءِ فَلِذَا قَدَّمَهَا. وَمَسَائِلُ النَّظَرِ أَقْسَامٌ أَرْبَعَةٌ: نَظَرُ الرَّجُلِ إلَى الْمَرْأَةِ، وَنَظَرُ الْمَرْأَةِ إلَى الرَّجُلِ، وَنَظَرُ الرَّجُلِ إلَى الرَّجُلِ، وَنَظَرُ الْمَرْأَةِ إلَى الْمَرْأَةِ. وَالْقِسْمُ الْأَوَّلِ مِنْهَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: نَظَرِ الرَّجُلِ إلَى الْأَجْنَبِيَّةِ، وَنَظَرِهِ إلَى زَوْجَتِهِ، وَأَمَتِهِ، وَنَظَرِهِ إلَى ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ، وَنَظَرِهِ إلَى أَمَةِ الْغَيْرِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِ النَّظَرِ مَا رُوِيَ أَنَّ «أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 217 دَخَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَيْهَا ثِيَابٌ رِقَاقٌ فَأَعْرَضَ عَنْهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ يَا أَسْمَاءُ إنَّ الْمَرْأَةَ إذَا بَلَغَتْ الْمَحِيضَ لَمْ يَصْلُحْ أَنْ يُرَى مِنْهَا إلَّا هَذَا وَهَذَا، وَأَشَارَ إلَى وَجْهِهِ وَكَفَّيْهِ» . قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا يَنْظُرُ إلَى غَيْرِ وَجْهِ الْحُرَّةِ وَكَفَّيْهَا) قَالَ الشَّارِحُ وَهَذَا الْكَلَامُ فِيهِ خَلَلٌ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى أَنَّهُ لَا يَنْظُرُ إلَى شَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ إلَّا إلَى وَجْهِ الْحُرَّةِ وَكَفَّيْهَا فَيَكُونُ تَحْرِيضًا إلَى النَّظَرِ إلَى هَذَيْنِ الْعُضْوَيْنِ وَإِلَى تَرْكِ النَّظَرِ إلَى كُلِّ شَيْءٍ سِوَاهُمَا اهـ. وَلَا يَخْفَى عَلَى مُتَأَمِّلٍ عَدَمُ هَذَا الْخَلَلِ لِأَنَّ حَرْفَ " إلَى " بَدَلٌ عَنْ " مِنْ " الِابْتِدَائِيَّةِ الَّتِي إلَى غَايَتِهَا فَهُوَ فِي قُوَّةِ الْمَنْطُوقِ فَالتَّقْدِيرُ لَا يَجُوزُ لَهُ النَّظَرُ مِنْ الْمَرْأَةِ إلَى غَيْرِ الْوَجْهِ وَكَفَّيْهَا فَقَدْ أَفَادَ مَنْعَ النَّظَرِ مِنْهَا غَيْرَ الْوَجْهِ وَكَفَّيْهَا لَا التَّحْرِيضَ فَتَدَبَّرْهُ وَاسْتَدَلَّ الشَّارِحُ عَلَى جَوَازِ النَّظَرِ إلَى مَا ذُكِرَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31] قَالَ عَلِيٌّ وَابْنُ عَبَّاسٍ مَا ظَهَرَ مِنْهَا الْكُحْلُ وَالْخَاتَمُ لَا الْوَجْهُ كُلُّهُ وَالْكَفُّ فَلَا يُفِيدُ الْمُدَّعَى فَتَأَمَّلْ وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ «الْمَرْأَةَ عَوْرَةٌ مَسْتُورَةٌ» لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ مَسْتُورَةٌ إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ الشَّرْعُ وَهُمَا عُضْوَانِ» وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ الْخُرُوجِ لِلْمُعَامَلَةِ مَعَ الْأَجَانِبِ فَلَا بُدَّ لَهَا مِنْ إبْدَاءِ الْوَجْهِ لِتُعْرَفَ فَتُطَالَبَ بِالثَّمَنِ وَيُرَدَّ عَلَيْهَا بِالْعَيْبِ وَلَا بُدَّ مِنْ إبْدَاءِ الْكَفِّ لِلْأَخْذِ وَالْعَطَاءِ وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْقَدَمَ لَا يَجُوزُ النَّظَرُ إلَيْهِ وَعَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ يَجُوزُ وَلَا ضَرُورَةَ فِي إبْدَاءِ الْقَدَمِ فَهُوَ عَوْرَةٌ فِي حَقِّ النَّظَرِ وَلَيْسَ بِعَوْرَةٍ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَعَنْ الثَّانِي يَجُوزُ النَّظَرُ إلَى ذِرَاعَيْهَا أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ يَبْدُو مِنْهَا عَادَةً وَمَا عَدَا هَذِهِ الْأَعْضَاءَ لَا يَجُوزُ النَّظَرُ إلَيْهَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ نَظَرَ إلَى مَحَاسِنِ امْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ عَنْ شَهْوَةٍ صُبَّ فِي عَيْنَيْهِ الْآنُكُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» الْحَدِيثَ وَهُوَ الرَّصَاصُ الْمُذَابُ، وَقَالُوا: وَلَا بَأْسَ بِالتَّأَمُّلِ فِي جَسَدِهَا وَعَلَيْهَا ثِيَابٌ مَا لَمْ يَكُنْ ثَوْبَ بَيَانِ حَجْمِهَا فَلَا يَنْظُرُ إلَيْهِ حِينَئِذٍ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ تَأَمَّلَ خَلْفَ امْرَأَةٍ مِنْ وَرَاءِ ثِيَابِهَا حَتَّى تَبَيَّنَ لَهُ حَجْمُ عِظَامِهَا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ» وَإِذَا كَانَ الثَّوْبُ لَا يَصِفُ عِظَامَهَا فَالنَّظَرُ إلَى الثَّوْبِ دُونَ عِظَامِهَا فَصَارَ كَمَا لَوْ نَظَرَ إلَى خَيْمَةٍ فِيهَا فَلَا بَأْسَ بِهِ قَيَّدْنَا بِالنَّظَرِ لِأَنَّهُ يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَمَسَّ الْوَجْهَ وَالْكَفَّ مِنْ الْأَجْنَبِيَّةِ كَذَا فِي قَاضِي خان وَشَمِلَ كَلَامُهُ الْحُرَّ الْمُسْلِمَ الْبَالِغَ وَالرَّقِيقَ الْبَالِغَ وَالصَّبِيَّ الْمُرَاهِقَ وَالْكَافِرَ كَذَا فِي الْغِيَاثِيَّةِ وَفِيهَا وَلَا بَأْسَ بِالنَّظَرِ إلَى شَعْرِ الْكَافِرَةِ اهـ. [لَا يَنْظُرُ مَنْ اشْتَهَى إلَى وَجْهِهَا إلَّا الْحَاكِمَ] قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَنْظُرُ مَنْ اشْتَهَى إلَى وَجْهِهَا إلَّا الْحَاكِمَ وَالشَّاهِدَ وَيَنْظُرُ الطَّبِيبُ إلَى مَوْضِعِ مَرَضِهَا) وَالْأَصْلُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَنْظُرَ إلَى وَجْهِ الْأَجْنَبِيَّةِ بِشَهْوَةٍ لِمَا رَوَيْنَا إلَّا لِلضَّرُورَةِ إذَا تَيَقَّنَ بِالشَّهْوَةِ أَوْ شَكَّ فِيهَا وَفِي نَظَرِ مَنْ ذَكَرْنَا مَعَ الشَّهْوَةِ ضَرُورَةٌ فَيَجُوزُ وَكَذَا نَظَرُ الْحَاقِنِ وَالْحَاقِنَةِ فَيَجُوزُ وَكَذَا نَظَرُ الْخَاتِنِ إذَا أَرَادَ أَنْ يُدَاوِيَ مَعَ الْخِتَانِ وَكَذَا يَجُوزُ النَّظَرُ لِلْهُزَالِ الْفَاحِشِ لِأَنَّهُ أَمَارَةُ الْبَرَصِ وَيَجِبُ عَلَى الْقَاضِي وَالشَّاهِدِ أَنْ يَقْصِدَ أَدَاءَ الشَّهَادَةِ وَالْحُكْمَ لَا قَضَاءَ الشَّهْوَةِ تَحَرُّزًا عَنْ الْقُبْحِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ هَذَا وَقْتَ الْأَدَاءِ وَأَمَّا وَقْتَ التَّحَمُّلِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهَا مَعَ الشَّهْوَةِ؛ لِأَنَّهُ يُوجَدُ غَيْرُهُ مِمَّا لَا يَشْتَهِي فَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ قَالَ فِي الْغِيَاثِيَّةِ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيمَا إذَا دُعِيَ إلَى التَّحَمُّلِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ إذَا نَظَرَ إلَيْهَا يَشْتَهِي فَمِنْهُمْ مَنْ جَوَّزَ ذَلِكَ بِشَرْطِ أَنْ يَقْصِدَ تَحَمُّلَ الشَّهَادَةِ لَا قَضَاءَ الشَّهْوَةِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ قَالَ بَعْضُ شُرَّاحِ الْهِدَايَةِ وَقَدْ تَنَوَّرَ هَذَا إبَاحَةَ النَّظَرِ إلَى الْعَوْرَةِ الْغَلِيظَةِ عِنْدَ الزِّنَا لِإِقَامَةِ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ وَلَا يُقَالُ: الشَّاهِدُ مُخَيَّرٌ هُنَا بَيْنَ حَسَنَتَيْنِ إقَامَةِ الْحَدِّ وَالتَّحَرُّزِ عَنْ التَّمَلُّكِ وَهُوَ أَفْضَلُ فَإِذَا كَانَ أَفْضَلَ فَكَيْفَ جَازَ النَّظَرُ لِإِقَامَةِ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: الضَّرُورَةُ وَالْحَاجَةُ مُحَقَّقَةٌ فِي النَّظَرِ إلَى الْعَوْرَةِ الْغَلِيظَةِ عِنْدَ التَّحَمُّلِ بِالنِّسْبَةِ لِإِرَادَةِ إقَامَةِ الْحَدِّ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الضَّرُورَةُ وَالْحَاجَةُ مُحَقَّقَةً بِالنَّظَرِ إلَى السِّتْرِ فَالْإِبَاحَةُ بِالنَّظَرِ إلَى الْأَوَّلِ فَإِنْ قُلْت: لِمَاذَا جَازَ لِشَاهِدِ الزِّنَا النَّظَرُ عِنْدَ التَّحَمُّلِ وَلَوْ اشْتَهَى وَلَمْ يَجُزْ لِغَيْرِهِ وَقْتَ التَّحَمُّلِ قُلْنَا إنَّمَا جَازَ لَهُ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ إقَامَةُ الشَّهَادَةِ فَلِهَذِهِ الضَّرُورَةِ جَازَ قَالُوا: لِأَنَّهُ يُوجَدُ غَيْرُهُ مِمَّنْ لَا يَشْتَهِي فَإِنْ قِيلَ يُمْكِنُ هُنَا أَيْضًا أَنْ يُوجَدَ غَيْرُهُ مِمَّنْ لَا يَشْتَهِي قُلْنَا لَوْ طُلِبَ غَيْرُهُ مِمَّنْ لَا يَشْتَهِي لَفُرِغَ مِنْ فِعْلِ الزِّنَا فَلِهَذَا جَازَ هُنَا وَلَوْ اشْتَهَى فَتَدَبَّرْهُ. وَالطَّبِيبُ إنَّمَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ إذَا لَمْ يُوجَدْ امْرَأَةٌ طَبِيبَةٌ فَلَوْ وُجِدَتْ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْظُرَ لِأَنَّ نَظَرَ الْجِنْسِ إلَى الْجِنْسِ أَخَفُّ وَيَنْبَغِي لِلطَّبِيبِ أَنْ يُعَلِّمَ امْرَأَةً إنْ أَمْكَنَ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ سَتَرَ كُلَّ عُضْوٍ مِنْهَا سِوَى مَوْضِعِ الْوَجَعِ ثُمَّ يَنْظُرُ وَيَغُضُّ بِبَصَرِهِ عَنْ غَيْرِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ إنْ اسْتَطَاعَ لِأَنَّ مَا ثَبَتَ لِلضَّرُورَةِ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً فَلَا بَأْسَ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهَا وَإِنْ خَافَ أَنْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 218 يَشْتَهِيَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اُنْظُرْ إلَيْهَا لِأَنَّهُ أَحْرَى أَنْ يَدُومَ بَيْنَكُمَا» وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَمَسَّ وَجْهَهَا وَلَا كَفَّهَا وَإِنْ أَمِنَ الشَّهْوَةَ لِوُجُودِ الْمُحَرَّمِ وَلِانْعِدَامِ الضَّرُورَةِ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَنْ مَسَّ كَفَّ امْرَأَةٍ لَيْسَ لَهُ فِيهَا سَبِيلٌ وُضِعَ عَلَى كَفِّهِ جَمْرٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة: أَصَابَ امْرَأَةً قُرْحَةٌ فِي مَوْضِعٍ لَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ النَّظَرُ إلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ امْرَأَةٌ تُدَاوِيهَا وَلَمْ يَقْدِرْ أَنْ يُعَلِّمَ امْرَأَةً تُدَاوِيهَا يَسْتُرُ مِنْهَا كُلَّ شَيْءٍ إلَّا مَوْضِعَ الْقُرْحَةِ وَيَغُضُّ بَصَرَهُ مَا أَمْكَنَ وَيُدَاوِيهَا وَفِي الْمُحِيطِ أَيْضًا وَيَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ إذَا كَانَتْ تُوَلِّدُ أُخْرَى أَنْ تَنْظُرَ إلَى فَرْجِهَا وَأَنْ تَمَسَّ فَرْجَهَا اهـ. وَقَيَّدُوا جَوَازَ النَّظَرِ دُونَ الْمَسِّ عِنْدَ إرَادَةِ الزَّوْجِ إذَا كَانَتْ شَابَّةً تُشْتَهَى وَأَمَّا إذَا كَانَتْ عَجُوزًا لَا تُشْتَهَى فَلَا بَأْسَ بِمُصَافَحَتِهَا وَمَسِّ بَدَنِهَا لِانْعِدَامِ خَوْفِ الْفِتْنَةِ وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَانَ يُصَافِحُ الْعَجَائِزَ فَإِذَا كَانَ شَيْخًا يَأْمَنُ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَيْهَا يَحِلُّ لَهُ الْمُصَافَحَةُ وَإِنْ كَانَ لَا يَأْمَنُ عَلَيْهَا وَلَا عَلَى نَفْسِهِ لَا تَحِلُّ لَهُ مُصَافَحَتُهَا لِمَا فِيهِ مِنْ التَّعْرِيضِ لِلْفِتْنَةِ، فَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِجَوَازِ الْمَسِّ أَنْ يَكُونَا كَبِيرَيْنِ مَأْمُونَيْنِ فِي رِوَايَةٍ وَفِي أُخْرَى يَكْفِي أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مَأْمُونًا كَبِيرًا؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا إذَا كَانَ لَا يُشْتَهَى لَا يَكُونُ اللَّمْسُ سَبَبًا لِلْوُقُوعِ فِي الْفِتْنَةِ كَالصَّغِيرِ، وَوَجْهُ الْأُولَى أَنَّ الشَّابَّ إذَا كَانَ لَا يَشْتَهِي بِمَسِّ الْعَجُوزِ فَالْعَجُوزُ تَشْتَهِي الشَّابَّ لِأَنَّهَا عَلِمَتْ بِمَلَاذِّ الْجِمَاعِ فَيُؤَدِّي إلَى الِانْتِهَاءِ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ وَهُوَ حَرَامٌ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا صَغِيرًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤَدِّي إلَى الِانْتِهَاءِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ لِأَنَّ الْكَبِيرَ لَا يَشْتَهِي بِمَسِّ الصَّغِيرِ وَلِهَذَا إذَا مَاتَ صَغِيرٌ أَوْ صَغِيرَةٌ تُغَسِّلُهُ الْمَرْأَةُ وَالرَّجُلُ مَا لَمْ تَبْلُغْ حَدَّ الشَّهْوَةِ وَكَذَا يَجُوزُ النَّظَرُ إلَى الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ، وَالْمَسُّ إذَا كَانَ لَا يُشْتَهَى. [يَنْظُرُ الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ إلَّا الْعَوْرَةَ] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَيَنْظُرُ الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ إلَّا الْعَوْرَةَ) وَهِيَ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ، وَالسُّرَّةُ لَيْسَتْ مِنْ الْعَوْرَةِ وَالرُّكْبَةُ مِنْهَا وَإِنَّمَا لَمْ يُنَبِّهْ الْمُؤَلِّفُ هُنَا لِمَا قَدَّمَ فِي كِتَابِ الْوُضُوءِ وَقَدْ بَيَّنَّا الدَّلِيلَ هُنَاكَ، وَحُكْمُ الْعَوْرَةِ فِي الرُّكْبَةِ أَخَفُّ مِنْهُ فِي الْفَخْذِ وَفِي الْفَخْذِ أَخَفُّ مِنْهُ فِي السُّرَّةِ حَتَّى يُنْكَرَ عَلَيْهِ فِي كَشْفِ الرُّكْبَةِ بِرِفْقٍ وَفِي الْفَخْذِ بِعُنْفٍ وَفِي السُّرَّةِ بِضَرْبٍ وَفِي التَّتِمَّةِ وَالْإِبَانَةِ: كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَرَى بَأْسًا بِنَظَرِ الْحَمَّامِيِّ إلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ وَفِي الْكَافِي وَعَظْمُ السَّاقِ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ وَفِي الذَّخِيرَةِ وَمَا جَازَ النَّظَرُ إلَيْهِ جَازَ مَسُّهُ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ: لَا بَأْسَ أَنْ يَتَوَلَّى صَاحِبُ الْحَمَّامِ عَوْرَةَ إنْسَانٍ بِيَدِهِ عِنْدَ التَّنَوُّرِ إذَا كَانَ يَغُضُّ بَصَرَهُ قَالَ الْفَقِيهُ: وَهَذِهِ فِي حَالِ الضَّرُورَةِ لَا فِي غَيْرِهَا وَيَنْبَغِي لِكُلِّ إنْسَانٍ أَنْ يَتَوَلَّى عَوْرَتَهُ بِنَفْسِهِ عِنْدَ التَّنَوُّرِ وَفِي التَّتِمَّةِ: الْبَيْتُ الصَّغِيرُ فِي الْحَمَّامِ يَدْخُلُهُ الرَّجُلُ يَحْلِقُ عَانَتَهُ هَلْ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ عُرْيَانًا حَتَّى يَعْصِرَ إزَارَهُ فَقَالَ: فِي الْمُدَّةِ الْيَسِيرَةِ يَجُوزُ وَقَالَ أَبُو الْفَضْلِ: لَا بَأْسَ بِهِ وَقَالَ غَيْرُهُ: يَأْثَمُ بِهِ وَقَالُوا: كَشْفُ الْعَوْرَةِ فِي بَيْتٍ بِغَيْرِ حَاجَةٍ فَقَالُوا يُكْرَهُ اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (وَالْمَرْأَةُ لِلْمَرْأَةِ وَالرَّجُلُ لِلرَّجُلِ) وَهَذَا هُوَ الْقِسْمُ الرَّابِعُ مِنْ التَّقْسِيمَاتِ وَمَعْنَاهُ الْمَرْأَةُ لِلْمَرْأَةِ وَالرَّجُلُ لِلرَّجُلِ يَعْنِي: نَظَرُ الْمَرْأَةِ إلَى الْمَرْأَةِ كَنَظَرِ الرَّجُلِ إلَى الرَّجُلِ حَتَّى يَجُوزَ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَنْظُرَ مِنْهَا إلَى مَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهِ مِنْ الرَّجُلِ إذَا أَمِنَتْ الشَّهْوَةَ وَالْفِتَنَ؛ لِأَنَّ مَا لَيْسَ بِعَوْرَةٍ لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ فَكَانَ لَهَا أَنْ تَنْظُرَ مِنْهُ مَا لَيْسَ بِعَوْرَةٍ وَإِنْ كَانَ فِي قَلْبِهَا شَهْوَةٌ أَوْ أَكْبَرُ رَأْيِهَا أَنَّهَا تَشْتَهِي أَوْ شَكَّتْ فِي ذَلِكَ يُسْتَحَبُّ لَهَا أَنْ تَغُضَّ بَصَرَهَا وَلَوْ كَانَ الرَّجُلُ هُوَ النَّاظِرَ إلَى مَا يَجُوزُ لَهُ مِنْهَا كَالْوَجْهِ وَالْكَفِّ لَا يَنْظُرُ إلَيْهِ حَتْمًا مَعَ الْخَوْفِ؛ لِأَنَّهُ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الشَّهْوَةَ عَلَيْهِنَّ أَغْلَبُ وَهِيَ كَالْمُتَحَقَّقِ حُكْمًا فَإِذَا اشْتَهَى الرَّجُلُ كَانَتْ الشَّهْوَةُ مَوْجُودَةً مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَإِذَا اشْتَهَتْ لَمْ تُوجَدْ إلَّا مِنْهَا فَكَانَتْ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ وَالْمَوْجُودُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ أَقْوَى فِي الْإِفْضَاءِ إلَى الْوُقُوعِ وَإِنَّمَا جَازَ مَا ذَكَرْنَا لِلْمُجَانَسَةِ وَانْعِدَامِ الشَّهْوَةِ غَالِبًا كَمَا فِي نَظَرِ الرَّجُلِ إلَى الرَّجُلِ وَكَذَا الضَّرُورَةُ قَدْ تَحَقَّقَتْ فِيمَا بَيْنَهُنَّ وَعَنْ الْإِمَامِ أَنْ تَنْظُرَ الْمَرْأَةُ إلَى الْمَرْأَةِ كَنَظَرِ الرَّجُلِ إلَى مَحَارِمِهِ فَلَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَنْظُرَ إلَى الظَّهْرِ وَالْبَطْنِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ بِخِلَافِ نَظَرِهَا إلَى الرَّجُلِ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ يَحْتَاجُ إلَى زِيَادَةِ الِانْكِشَافِ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى يَجُوزُ وَهُوَ الْأَصَحُّ مَا جَازَ لِلرَّجُلِ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهِ مِنْ الرَّجُلِ جَازَ مَسُّهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ وَلَا يُخَافُ مِنْهُ الْفِتْنَةُ قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُنَّ لَا يُمْنَعْنَ دُخُولَ الْحَمَّامِ لِأَنَّ الْعُرْفَ ظَاهِرٌ بِهِ فِي جَمِيعِ الْبُلْدَانِ وَبِنَاءُ الْحَمَّامَاتِ لِلنِّسَاءِ وَحَاجَةُ النِّسَاءِ إلَى الْحَمَّامِ فَوْقَ حَاجَةِ الرِّجَالِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ دُخُولِهِ الزِّينَةُ وَالْمَرْأَةُ إلَى هَذَا أَحْوَطُ مِنْ الرِّجَالِ وَيُمْكِنُ لِلرَّجُلِ دُخُولُ الْأَنْهَارِ وَالْحِيَاضِ وَالْمَرْأَةُ لَا تَتَمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ غَالِبًا. اهـ. وَحُكِيَ أَنَّ الْإِمَامَ دَخَلَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 219 الْحَمَّامَ فَرَأَى رَجُلًا مَكْشُوفَ الْعَوْرَةِ يُقَالُ لَهُ بطرطا وَكَانَ رَجُلًا مُتَكَلِّمًا فَغَضَّ أَبُو حَنِيفَةَ بَصَرَهُ فَقَالَ لَهُ الْعَاصِي: مُذْ كَمْ أَعْمَى اللَّهُ بَصَرَك قَالَ مُذْ هَتَكَ اللَّهُ سِتْرَكَ. اهـ. وَفِي الْكَافِي وَعَظْمُ السَّاقِ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ اهـ. [يَنْظُرُ الرَّجُلُ إلَى فَرْجِ أَمَتِهِ وَزَوْجَتِهِ] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَنْظُرُ الرَّجُلُ إلَى فَرْجِ أَمَتِهِ وَزَوْجَتِهِ) يَعْنِي عَنْ شَهْوَةٍ وَغَيْرِ شَهْوَةٍ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «غُضَّ بَصَرَكَ إلَّا عَنْ زَوْجَتِكَ، وَأَمَتِكَ» وَمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ «قَالَتْ كُنْت أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي إنَاءٍ وَاحِدٍ» وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْمَسُّ وَالْغِشْيَانُ فَالنَّظَرُ أَوْلَى إلَّا أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ لَا يَنْظُرَ كُلٌّ مِنْهُمَا إلَى عَوْرَةِ صَاحِبِهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ زَوْجَتَهُ فَلْيَسْتَتِرْ مَا اسْتَطَاعَ وَلَا يَتَجَرَّدَانِ تَجَرُّدَ الْبَعِيرِ» ؛ لِأَنَّ النَّظَرَ إلَى الْعَوْرَةِ يُورِثُ النِّسْيَانَ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ الْأَوْلَى النَّظَرُ إلَى عَوْرَةِ زَوْجَتِهِ عِنْدَ الْجِمَاعِ لِيَكُونَ أَبْلَغَ فِي تَحْصِيلِ مَعْنَى اللَّذَّةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ سَأَلْت الْإِمَامَ عَنْ الرَّجُلِ يَمَسُّ فَرْجَ أَمَتِهِ أَوْ هِيَ تَمَسُّ فَرْجَهُ لِيُحَرِّكَ آلَتَهُ أَلَيْسَ بِذَلِكَ بَأْسٌ قَالَ أَرْجُو أَنْ يَعْظُمَ الْأَجْرُ وَالْمُرَادُ بِالْأَمَةِ الَّتِي يَحِلُّ وَطْؤُهَا، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ لَا تَحِلُّ كَأَمَتِهِ الْمَجُوسِيَّةِ أَوْ الْمُشْرِكَةِ أَوْ أُخْتِهِ رَضَاعًا أَوْ أُمِّ امْرَأَتِهِ أَوْ بِنْتِهَا فَلَا يَحِلُّ لَهُ النَّظَرُ إلَى فَرْجِهَا وَفِي الْيَنَابِيعِ وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْتِيَ زَوْجَتَهُ فِي الدُّبُرِ إلَّا عِنْدَ أَصْحَابِ الظَّاهِرِ وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَوَجْهِ مَحْرَمِهِ وَرَأْسِهَا فَصَدْرِهَا وَسَاقُهَا وَعَضُدِهَا لَا إلَى ظَهْرِهَا وَبَطْنِهَا وَفَخْذِهَا) يَعْنِي يَجُوزُ النَّظَرُ إلَى وَجْهِ مَحْرَمِهِ إلَى آخِرِهِ وَلَا يَجُوزُ إلَى ظَهْرِهَا إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ} [النور: 31] الْآيَةَ وَلَمْ يُرِدْ بِهِ نَفْسَ الزِّينَةِ؛ لِأَنَّ النَّظَرَ إلَى عَيْنِ الزِّينَةِ مُبَاحٌ مُطْلَقًا وَلَكِنَّ الْمُرَادَ مَوْضِعُ الزِّينَةِ فَالرَّأْسُ مَوْضِعُ التَّاجِ، وَالشُّعُورُ وَالْوَجْهُ مَوْضِعُ الْكُحْلِ، وَالْعُنُقُ وَالصَّدْرُ مَوْضِعُ الْقِلَادَةِ وَالْأُذُنُ مَوْضِعُ الْقُرْطِ وَالْعَضُدُ مَوْضِعُ الدُّمْلَجِ وَالسَّاعِدُ مَوْضِعُ السِّوَارِ وَالْكَفُّ مَوْضِعُ الْخَاتَمِ وَالْخِضَابِ وَالسَّاقُ مَوْضِعُ الْخَلْخَالِ وَالْقَدَمُ مَوْضِعُ الْخِضَابِ بِخِلَافِ الظَّهْرِ وَالْبَطْنِ وَالْفَخْذِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَوَاضِعِ الزِّينَةِ وَلِأَنَّ الْبَعْضَ يَدْخُلُ عَلَى الْبَعْضِ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ وَلَا احْتِشَامٍ، وَالْمَرْأَةُ تَكُونُ فِي بَيْتِهَا فِي ثِيَابِ بِذْلَةٍ وَلَا تَكُونُ مَسْتُورَةً عَادَةً فَلَوْ أُمِرَتْ بِالسَّتْرِ مِنْ مَحَارِمِهَا لَحُرِجَتْ حَرَجًا عَظِيمًا وَالشَّهْوَةُ فِيهِنَّ مُنْعَدِمَةٌ مِنْ الْمَحَارِمِ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ، وَالْمَحْرَمُ مَنْ لَا يَحِلُّ نِكَاحُهَا عَلَى التَّأْبِيدِ بِنَسَبٍ وَلَا سَبَبَ كَالرَّضَاعِ وَالْمُصَاهَرَةِ وَإِنْ كَانَ بِالزِّنَا وَقِيلَ إنْ كَانَتْ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ ثَابِتَةً بِالزِّنَا لَا يَجُوزُ لَهُ النَّظَرُ إلَى مَا ذُكِرَ كَالْأَجْنَبِيِّ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ فِي حَقِّهِ بِطَرِيقِ الْعُقُوبَةِ لَا بِطَرِيقِ النِّعْمَةِ فَلَا يَظْهَرُ فِيمَا ذَكَرْنَا وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ اعْتِبَارًا لِلْحَقِيقَةِ وَلَك أَنْ تَقُولَ الْأَنْسَبُ أَنْ لَا يَذْكُرَ الْفَخْذَ هُنَا؛ لِأَنَّهُ عُلِمَ عَدَمُ جَوَازِ نَظَرِ الْمَحْرَمِ إلَى هَذَا مِنْ عَدَمِ جَوَازِ نَظَرِ الرَّجُلِ إلَى الرَّجُلِ فِيهِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّ نَظَرَ الْجِنْسِ إلَى خِلَافِ الْجِنْسِ فِيهِ أَغْلَظُ فَإِنْ قُلْت الْمَقْصُودُ مِنْ ذِكْرِ الْفَخْذِ بَيَانُ الْوَاقِعِ وَالتَّصْرِيحُ بِمَا عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ الْتِزَامًا. قُلْت: إنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْمُرَادَ فَالْأَنْسَبُ أَنْ يَذْكُرَ الرُّكْبَةَ بَدَلَ الْفَخْذِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْعَوْرَةِ فِي الرُّكْبَةِ أَخَفُّ مِنْهُ فِي الْفَخْذِ وَفِي الْفَخْذِ أَخَفُّ مِنْهُ فِي السَّوْأَةِ فَبِذِكْرِ الْفَخْذِ لَا يُعْلَمُ حُكْمُ الرُّكْبَةِ بِكَوْنِهَا أَخَفَّ وَأَمَّا بِذِكْرِ الرُّكْبَةِ فَيُعْلَمُ حُكْمُ الْفَخْذِ وَالسَّوْأَةِ بِالْأَوْلَى لِأَنَّهُمَا أَقْوَى مِنْهَا فِي حُرْمَةِ النَّظَرِ وَاسْتَدَلَّ الشَّارِحُ وَصَاحِبُ النِّهَايَةِ وَالْمُجْتَبَى عَلَى الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ لِمُلَابَسَةِ الْآيَةِ التَّقْدِيرَ وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْآيَةَ إنَّمَا تَدُلُّ عَلَى الْحِلِّ لَا الْحُرْمَةِ وَالْأَوْلَى كَمَا فِي الْبَدَائِعِ الِاسْتِدْلَال بِقَوْلِهِ تَعَالَى {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور: 30] إلَّا أَنَّهُ رَخَّصَ لِلْمَحَارِمِ النَّظَرَ إلَى مَوْضِعِ الزِّينَةِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} [النور: 31] الْآيَةَ وَاعْتَرَضَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ عَلَى الدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ وَهُوَ قَوْلُنَا يَدْخُلُ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ لِمَا ذَكَرَ فِي الْبَدَائِعِ أَنَّ الْمَحَارِمَ لَا يَدْخُلُ عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ رُبَّمَا كَانَتْ مَكْشُوفَةَ الْعَوْرَةِ فَيَقَعُ بَصَرُهُ عَلَيْهَا فَيُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ وَهَذَا غَفْلَةٌ مِنْهُ لِأَنَّ الْمُرَادَ أَنْ لَا يَجِبَ عَلَيْهِ الِاسْتِئْذَانُ لَا النَّدْبُ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: لَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَدْخُلَ بَيْتَ غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ مَحَارِمِهِ فَلَا يَدْخُلُ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ إلَّا أَنَّ الْأَمْرَ فِي الِاسْتِئْذَانِ عَلَى الْمَحَارِمِ أَيْسَرُ، وَأَسْهَلُ فَتَلَخَّصَ مِنْ عِبَارَتِهِ أَنَّ الدُّخُولَ فِي بَيْتِ الْأَجْنَبِيِّ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ حَرَامٌ وَفِي بَيْتِ مَحَارِمِهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ مَكْرُوهٌ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ، ثُمَّ قَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ: فَإِنْ قُلْت: إذَا جَازَ الدُّخُولُ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يُقْطَعَ إذَا سَرَقَ مِنْ بَيْتِ أُمِّهِ مِنْ الرَّضَاعِ لِجَوَازِ مَا ذَكَرْنَا لِنُقْصَانِ الْحِرْزِ فِي حَقِّهِ، قُلْت: لَا يُقْطَعُ عِنْدَ الْبَعْضِ، وَأَمَّا جَوَازُ الدُّخُولِ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانِ مَمْنُوعٌ ذَكَرَهُ خواهر زاده أَنَّ الْمَحَارِمَ مِنْ حَيْثُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 220 الرَّضَاعُ لَا يَكُونُ لَهُمْ الدُّخُولُ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ وَلِهَذَا يُقْطَعُونَ بِسَرِقَةِ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ. اهـ. كَلَامُهُ وَلَك أَنْ تَقُولَ: لَيْسَ هَذَا الْجَوَابُ بِتَامٍّ أَمَّا كَوْنُهُ لَا يُقْطَعُ عِنْدَ الْبَعْضِ فَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَعَلَى قَوْلِهِمَا يُقْطَعُ وَهُوَ الْمُخْتَارُ بِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ السَّارِقُ فِي بَابِ السَّرِقَةِ لِأَنَّ الْحِرْزَ فِي حَقِّهِمْ كَامِلٌ اهـ. قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَمَسُّ مَا يَحِلُّ لَهُ النَّظَرُ إلَيْهِ) يَعْنِي يَجُوزُ أَنْ يَمَسَّ مَا حَلَّ لَهُ النَّظَرُ إلَيْهِ مِنْ مَحَارِمِهِ وَمِنْ الرَّجُلِ لَا مِنْ الْأَجْنَبِيَّةِ لِتَحَقُّقِ الْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ مِنْ الْمُسَافَرَةِ وَالْمُخَالَطَةِ وَكَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يُقَبِّلُ رَأْسَ فَاطِمَةَ وَيَقُولُ أَجِدُ مِنْهَا رِيحَ الْجَنَّةِ وَقَالَ مَنْ قَبَّلَ رَأْسَ أُمِّهِ فَكَأَنَّمَا قَبَّلَ عَتَبَةَ الْجَنَّةِ وَلَا بَأْسَ بِالْخَلْوَةِ مَعَهَا» لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ لَيْسَ مِنْهَا سَبِيلٌ فَإِنَّ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ» وَالْمُرَادُ إذَا لَمْ تَكُنْ مَحْرَمًا؛ لِأَنَّ الْمَحْرَمَ بِسَبِيلٍ مِنْهَا إلَّا إذَا خَافَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَلَيْهَا الشَّهْوَةَ فَحِينَئِذٍ لَا يَمَسُّهَا وَلَا يَنْظُرُ إلَيْهَا وَلَا يَخْلُو بِهَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْعَيْنَانِ يَزْنِيَانِ وَزِنَاهُمَا النَّظَرُ وَالْيَدَانِ يَزْنِيَانِ وَزِنَاهُمَا الْبَطْشُ وَالرِّجْلَانِ يَزْنِيَانِ وَزِنَاهُمَا الْمَشْيُ وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ أَوْ يُكَذِّبُهُ» فَكَانَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا زِنًا وَالزِّنَا مُحَرَّمٌ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِهِ وَحُرْمَةُ الزِّنَا بِالْمَحَارِمِ أَشَدُّ، وَأَغْلَظُ فَيُجْتَنَبُ الْكُلُّ وَلَا بَأْسَ بِالْمُسَافَرَةِ بِهِنَّ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ إلَّا بِزَوْجٍ أَوْ مَحْرَمٍ» وَإِنْ احْتَاجَتْ إلَى الْإِرْكَابِ وَالْإِنْزَالِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَمَسَّهَا مِنْ وَرَاءِ ثِيَابِهَا وَيَأْخُذَ ظَهْرَهَا وَبَطْنَهَا مِنْ وَرَاءٍ إذَا أَمِنَا الشَّهْوَةَ وَإِنْ خَافَ عَلَيْهَا أَوْ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ ظَنَّا أَوْ شَكَّا فَلْيَجْتَنِبْ ذَلِكَ بِجُهْدِهِ فَإِنْ أَمْكَنَهَا الرُّكُوبُ بِنَفْسِهَا تَمْتَنِعُ مِنْ ذَلِكَ أَصْلًا وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهَا تَتَلَفَّفُ بِالثِّيَابِ كَيْ لَا تَصِلَ حَرَارَةُ عُضْوِهَا إلَى عُضْوِهِ وَإِنْ لَمْ تَجِدْ الثِّيَابَ فَلْيَدْفَعْ عَنْ نَفْسِهِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَدْخُلَ عَلَى الزَّوْجَيْنِ مَحَارِمُهَا وَهُمَا فِي الْفِرَاشِ مِنْ غَيْرِ وَطْءٍ بِاسْتِئْذَانٍ وَكَذَا الْخَادِمُ حِينَ يَخْلُو الرَّجُلُ بِأَهْلِهِ وَكَذَا الْأَمَةُ وَيُكْرَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا بِيَدِهِ وَيُدْخِلَهَا وَيُعْلِمَ النَّاسَ أَنَّهُ يُرِيدُهَا اهـ. [فُرُوعٌ تَقْبِيلُ غَيْرِهِ وَمُعَانَقَتُهُ] (فُرُوعٌ) قَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: وَيُكْرَهُ تَقْبِيلُ غَيْرِهِ وَمُعَانَقَتُهُ وَلَا بَأْسَ بِالْمُصَافَحَةِ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «سُئِلَ أَيُقَبِّلُ بَعْضُنَا بَعْضًا قَالَ: لَا، قَالُوا: وَيُعَانِقُ بَعْضُنَا بَعْضًا، قَالَ: لَا قَالُوا: أَيُصَافِحُ بَعْضُنَا بَعْضًا قَالَ: نَعَمْ» قَالَ مَشَايِخُنَا: إنْ كَانَ يَأْمَنُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ الشَّهْوَةِ وَقَصَدَ الْبِرَّ وَالْإِكْرَامَ وَتَعْظِيمَ الْمُسْلِمِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ الْمُصَافَحَةُ سُنَّةٌ قَدِيمَةٌ مُتَوَارَثَةٌ وَفِي النَّوَادِرِ وَتَقْبِيلُ يَدِ الْعَالِمِ وَالسُّلْطَانِ الْعَادِلِ لَا بَأْسَ بِهِ لِمَا رُوِيَ عَنْ سُفْيَانَ أَنَّهُ قَالَ: تَقْبِيلُ يَدِ الْعَالِمِ وَالسُّلْطَانِ الْعَادِلِ سُنَّةٌ وَفِي جَامِعِ الْجَوَامِعِ وَلَا بَأْسَ أَنْ تَمَسَّ الْأَمَةُ الرَّجُلَ وَتَغْمِزَهُ وَتَدْهُنَهُ مَا لَمْ يَشْتَهِ إلَّا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة وَلَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ فِي شَيْءٍ مِنْ الْكُتُبِ الْخَلْوَةَ وَالْمُسَافَرَةَ بِإِمَاءِ الْغَيْرِ وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِيهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا يَحِلُّ وَإِلَيْهِ مَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَحِلُّ وَبِهِ قَالَ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَاَلَّذِينَ قَالُوا بِالْحِلِّ اخْتَلَفُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ بَعْضُهُمْ قَالَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُعَالِجَهَا فِي النُّزُولِ وَالرُّكُوبِ وَبَعْضُهُمْ قَالَ لَهُ ذَلِكَ إنْ أَمِنَ عَلَى نَفْسِهِ الشَّهْوَةَ عَلَيْهَا وَفِي الْغِيَاثِيَّةِ: وَالْغُلَامُ الَّذِي بَلَغَ الشَّهْوَةَ كَالْبَالِغِ وَالْكَافِرُ كَالْمُسْلِمِ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ إذَا كَانَتْ شَابَّةً فَإِنْ كَانَتْ عَجُوزًا قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة فَإِنْ كَانَتْ عَجُوزًا لَا تُشْتَهَى فَلَا بَأْسَ بِمُصَافَحَتِهَا وَمَسِّ يَدِهَا وَأَنْ تَغْمِزَ رِجْلَهُ وَكَذَا إذَا كَانَ شَيْخًا يَأْمَنُ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَيْهَا وَفِي الْغِيَاثِيَّةِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُعَانِقَهَا مِنْ وَرَاءِ الثِّيَابِ إلَّا أَنْ تَكُونَ ثِيَابُهَا رَقِيقَةً تَصِلُ حَرَارَةُ بَدَنِهَا إلَيْهِ وَفِيمَا إذَا كَانَ الْمَاسُّ هُوَ الْمَرْأَةَ قَالَ: إنْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا يُجَامَعُ مِثْلُهَا وَلَا يُجَامَعُ مِثْلُهُ فَلَا بَأْسَ بِالْمُصَافَحَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ عِنْدَ الْفَتْوَى فَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً لَا تُشْتَهَى أَوْ لَا يُشْتَهَى مِثْلُهَا فَلَا بَأْسَ بِالنَّظَرِ إلَيْهَا وَمَسِّهَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَمَةُ غَيْرِهِ كَمَحْرَمِهِ) ؛ لِأَنَّهَا تَحْتَاجُ إلَى الْخُرُوجِ لِحَوَائِجِ مَوْلَاهَا فِي ثِيَابِ بِذْلَةٍ وَحَالُهَا مَعَ جَمِيعِ الرِّجَالِ كَحَالِ الْمَرْأَةِ مَعَ مَحَارِمِهَا وَكَانَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذَا رَأَى أَمَةً مُقَنَّعَةً عَلَاهَا بِالدِّرَّةِ وَقَالَ: أَلْقِي عَنْك الْخِمَارَ أَتَتَشَبَّهِينَ بِالْحَرَائِرِ يَا دَفَارُ وَاعْتُرِضَ كَيْفَ عَزَّرَهَا عَلَى السِّتْرِ الَّذِي هُوَ جَائِزٌ وَالتَّعْزِيرُ إنَّمَا يَكُونُ عَلَى ارْتِكَابِ الْمَحْظُورَاتِ وَالْمُحَرَّمَاتِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْفُسَّاقَ إذَا تَعَرَّضُوا لِلْحَرَائِرِ كَانَ ذَلِكَ أَشَدَّ فَسَادًا، وَالتَّعَرُّضُ لِلْإِمَاءِ دُونَ ذَلِكَ فِي الْفَسَادِ فَفَعَلَ ذَلِكَ لِئَلَّا يَجِبَ الْأَوَّلُ فَيَكُونَ فِيهِ تَقْلِيلُ الْفَسَادِ قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَيَحِلُّ لِلْأَمَةِ النَّظَرُ إلَى الرَّجُلِ الْأَجْنَبِيِّ إلَى كُلِّ شَيْءٍ مِنْهُ وَمَسُّهُ وَغَمْزُهُ مَا خَلَا تَحْتَ السُّرَّةِ إلَى الرُّكْبَةِ. اهـ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَنْظُرَ إلَى بَطْنِهَا وَظَهْرِهَا كَالْمَحَارِمِ خِلَافًا لِمُحَمَّدِ بْنِ مُقَاتِلٍ فَإِنَّهُ يَقُولُ بِالْجَوَازِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (وَلَهُ مَسُّ ذَلِكَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 221 إذَا أَرَادَ الشِّرَاءَ وَإِنْ اشْتَهَى) يَعْنِي جَازَ لَهُ أَنْ يَمَسَّ كُلَّ مَوْضِعٍ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهِ كَالصَّدْرِ وَالسَّاقِ وَالذِّرَاعِ وَالرَّأْسِ وَيُقَلِّبَ شَعْرَهَا إذَا أَرَادَ الشِّرَاءَ وَإِنْ خَافَ عَلَى الشِّرَاءِ فَيُبَاحُ لَهُ النَّظَرُ وَالْمَسُّ لِلضَّرُورَةِ وَهُوَ إرَادَةُ الشِّرَاءِ وَفِي الشَّارِحِ أَمَةُ الرَّجُلِ تُكَبِّسُ رِجْلَ زَوْجِهَا وَيَخْلُو بِهَا وَلَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ أَحَدٌ، وَأُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرَةُ وَالْمُكَاتَبَةُ كَالْأَمَةِ لِقِيَامِ الرِّقِّ فِيهِنَّ وَوُجُودِ الْحَاجَةِ، وَالْمُسْتَسْعَاةُ كَالْمُكَاتَبَةِ عِنْدَ الْإِمَامِ. [لَا تُعْرَضُ الْأَمَةُ إذَا بَلَغَتْ فِي إزَارٍ وَاحِدٍ لِلْبَيْعِ] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا تُعْرَضُ الْأَمَةُ إذَا بَلَغَتْ فِي إزَارٍ وَاحِدٍ) يَعْنِي إذَا أَرَادَ أَنْ يَعْرِضَ أَمَتَهُ لِلْبَيْعِ فَلَا يَعْرِضُهَا فِي إزَارٍ وَاحِدٍ إذَا كَانَتْ بَالِغَةً وَالْمُرَادُ بِالْإِزَارِ مَا يَسْتُرُ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ إلَى الرُّكْبَةِ؛ لِأَنَّ ظَهْرَهَا وَبَطْنَهَا عَوْرَةٌ وَلَا يَجُوزُ كَشْفُهَا وَاَلَّتِي بَلَغَتْ حَدَّ الشَّهْوَةِ فَهِيَ كَالْبَالِغَةِ لَا تُعْرَضُ فِي إزَارٍ وَاحِدٍ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ مُحَمَّدٍ لِوُجُودِ الِاشْتِهَاءِ. قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْخَصِيُّ وَالْمَجْبُوبُ وَالْمُخَنَّثُ كَالْفَحْلِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور: 30] وَهُمْ ذُكُورٌ فَيَدْخُلُونَ تَحْتَ الْخِطَابِ الْعَامِّ وَقَالَتْ عَائِشَةُ: الْخَصِيُّ مُثْلَةٌ وَلَا يُبِيحُ مَا كَانَ حَرَامًا قَبْلَهُ وَلِأَنَّ الْخَصِيَّ ذَكَرٌ يَشْتَهِي وَيُجَامِعُ وَهُوَ أَشَدُّ جِمَاعًا؛ لِأَنَّ آلَتَهُ لَا تَفْتُرُ فَصَارَ كَالْفَحْلِ، وَالْمَجْبُوبُ ذَكَرٌ يَشْتَهِي وَيَسْحَقُ وَيُنْزِلُ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ يَسْحَقُ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَيُسْحِقُ بِضَمِّهَا قَالَ الْعَيْنِيُّ: أَيْ يُنْزِلُ الْمَاءَ وَحُكْمُهُ كَأَحْكَامِ الرِّجَالِ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَقَطْعُ تِلْكَ الْآلَةِ كَقَطْعِ عُضْوٍ مِنْهُ فَلَا يُبِيحُ شَيْئًا كَانَ حَرَامًا وَإِنْ كَانَ الْمَجْبُوبُ قَدْ جَفَّ مَاؤُهُ فَقَدْ رَخَّصَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا الِاخْتِلَاطَ مَعَ النِّسَاءِ لِوُقُوعِ الْأَمْنِ مِنْ الْفِتْنَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ} [النور: 31] فَقِيلَ هُوَ الْمَجْبُوبُ الَّذِي قَدْ جَفَّ مَاؤُهُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ لِعُمُومِ النُّصُوصِ وَكَذَا الْمُخَنَّثُ وَهُوَ الَّذِي يَأْتِي الرَّدِيءَ مِنْ الْأَفْعَالِ لَا يَحِلُّ لَهُ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ كَغَيْرِهِ مِنْ الْفُسَّاقِ فَيُبْعَدُ عَنْ النِّسَاءِ وَإِنْ كَانَ مُخَنَّثًا بِأَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ مُتَكَسِّرًا فِي أَعْضَائِهِ وَلَيِّنًا فِي لِسَانِهِ وَهُوَ لَا يَشْتَهِي النِّسَاءَ فَقَدْ رَخَّصَ لَهُ بَعْضُ مَشَايِخِنَا الِاخْتِلَاطَ بِالنِّسَاءِ وَفِي الْإِبَانَةِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ وَقَالُوا الْأَبْلَهُ الَّذِي لَا يَدْرِي مَا يَصْنَعُ بِالنِّسَاءِ وَإِنَّمَا هَمُّهُ بَطْنُهُ يُرَخَّصُ لَهُ الْخَلْوَةُ بِالنِّسَاءِ وَالْأَصَحُّ لَهُ الْمَنْعُ وَلَا بَأْسَ بِدُخُولِ الْخَصِيِّ عَلَى النِّسَاءِ مَا لَمْ يَبْلُغْ حَدَّ الْحُلُمِ وَهُوَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَبْدُهَا كَالْأَجْنَبِيِّ مِنْ الرِّجَالِ) حَتَّى لَا يَجُوزَ لَهَا أَنْ تُبْدِيَ زِينَتَهَا لَهُ إلَّا مَا يَجُوزُ أَنْ تُبْدِيَهُ لِلْأَجْنَبِيِّ وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَنْظُرَ مِنْ سَيِّدَتِهِ إلَّا مَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهِ مِنْ الْأَجْنَبِيَّةِ قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: نَظَرُهُ إلَيْهَا كَنَظَرِ الرَّجُلِ إلَى مَحَارِمِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3] وَلَنَا أَنَّهُ مَحَلٌّ غَيْرُ مَحْرَمٍ وَلَا زَوْجٍ وَالشَّهْوَةُ مُتَحَقِّقَةٌ وَالْحَاجَةُ قَاصِرَةٌ؛ لِأَنَّهُ يَعْمَلُ خَارِجَ الْبَيْتِ وَالْآيَةُ وَارِدَةٌ فِي الْإِمَاءِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنُ: لَا يَغُرَّنَّكُمْ سُورَةُ النُّورِ فَإِنَّهَا وَارِدَةٌ فِي الْإِنَاثِ لَا فِي الذُّكُورِ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تُسَافِرَ مَعَهُ؛ لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ عَنْهَا وَفِي الْمُحِيطِ وَالْعَبْدُ فِي النَّظَرِ إلَى سَيِّدَتِهِ الَّتِي لَا قَرَابَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا بِمَنْزِلَةِ الرَّجُلِ الْأَجْنَبِيِّ سَوَاءٌ كَانَ الْعَبْدُ خَصِيًّا أَوْ مَجْبُوبًا أَوْ فَحْلًا وَفِي قَاضِي خان وَلِلْعَبْدِ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى سَيِّدَتِهِ بِغَيْرِ إذْنِهَا بِالْإِجْمَاعِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَعْزِلُ عَنْ أَمَتِهِ بِلَا، إذْنِهَا وَعَنْ زَوْجَتِهِ بِإِذْنِهَا) يَعْنِي لَوْ وَطِئَ أَمَتَهُ فَلَهُ إذَا أَرَادَ الْإِنْزَالَ أَنْ يُنْزِلَ خَارِجَ فَرْجِهَا بِغَيْرِ، إذْنِهَا أَمَّا الزَّوْجَةُ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِإِذْنِهَا؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نَهَى عَنْ الْعَزْلِ عَنْ الْحُرَّةِ إلَّا بِإِذْنِهَا» وَلِأَنَّ الْحُرَّةَ لَهَا حَقٌّ فِي الْوَطْءِ حَتَّى كَانَ لَهَا الْمُطَالَبَةُ بِهِ قَضَاءً لِشَهْوَتِهَا وَتَحْصِيلًا لِلْوَلَدِ وَلِهَذَا تُخَيَّرُ فِي الْجَبِّ وَالْعُنَّةِ وَلَا حَقَّ لِلْأَمَةِ فِي الْوَطْءِ وَالْعَزْلِ لِمَا ذَكَرْنَا وَلَوْ كَانَتْ تَحْتَهُ أَمَةُ غَيْرِهِ فَقَدْ ذَكَرْنَا حُكْمَهُ فِي النِّكَاحِ لَا يُقَالُ هَذِهِ مُكَرَّرَةٌ مَعَ قَوْلِهِ فِي النِّكَاحِ وَالْإِذْنُ فِي الْعَزْلِ لِسَيِّدِ الْأَمَةِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ ذَاكَ فِي الْأَمَةِ الْمُتَزَوِّجَةِ وَهَذَا فِي الْأَمَةِ الْمَوْطُوءَةِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ لَا يُقَالُ حَقُّ الْمَرْأَةِ فِي أَصْلِ قَضَاءِ الشَّهْوَةِ لَا فِي وَصْفِ الْكَمَالِ وَهُوَ الْإِنْزَالُ أَلَا تَرَى أَنَّ مِنْ الرِّجَالِ مَنْ يُجَامِعُ وَلَا مَاءَ لَهُ يُنْزِلُهُ فِي فَرْجِهَا وَلَا يَكُونُ لَهَا حَقُّ الْخُصُومَةِ مَعَهُ فِيمَا ذُكِرَ لِعَدَمِ الصُّنْعِ مِنْ الرَّجُلِ أَمَّا هَهُنَا إذَا كَانَ لَهُ مَاءٌ فَلَهُ الصُّنْعُ فِي الْعَزْلِ فَلَهَا أَنْ تُطَالِبَهُ بِذَلِكَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [فَصْلٌ فِي الِاسْتِبْرَاءِ وَغَيْرِهِ] قَالَ الشَّارِحُ: أَخَّرَ الِاسْتِبْرَاءَ لِأَنَّهُ احْتِرَازٌ عَنْ مِلْكٍ مُقَيَّدٍ وَالْمُقَيَّدُ بَعْدَ الْمُطْلَقِ وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ فَإِنْ قُلْتَ: أَيْنَ الِاحْتِرَازُ عَنْ الْوَطْءِ الْمُطْلَقِ فِيمَا سَبَقَ قُلْتُ: فُهِمَ ذَلِكَ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ أَوْ الْإِشَارَةِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ اللَّمْسَ فَالنَّهْيُ عَنْ الْمُسَمَّى نَهْيٌ عَنْهُ فَلِذَا عَنَوْا بِهِ الْوَطْءَ فَتَأَمَّلْ اهـ. أَقُولُ: لَا السُّؤَالُ شَيْءٌ وَلَا الْجَوَابُ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُمْ مَا قَالُوا: لِأَنَّ الِاحْتِرَازَ مِنْ الْوَطْءِ الْمُطْلَقِ فِيمَا سَبَقَ بَلْ مُرَادُهُمْ أَنَّ الْوَطْءَ الْمُقَيَّدَ نَفْسَهُ بَعْدَ الْوَطْءِ الْمُطْلَقِ نَفْسِهِ فَأَخَّرَ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْوَطْءِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 222 الْمُقَيَّدِ وَهُوَ الِاسْتِبْرَاءُ عَمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْوَطْءِ الْمُطْلَقِ وَانْتِفَاءُ الْمُقَيَّدِ لَا يَسْتَلْزِمُ انْتِفَاءَ الْمُطْلَقِ كَمَا لَا يَخْفَى فَإِنَّهُ يُتَصَوَّرَ أَنْ يَكُونَ الِاحْتِرَازُ عَنْ الْوَطْءِ الْمُقَيَّدِ بَعْدَ الِاحْتِرَازِ عَنْ الْوَطْءِ الْمُطْلَقِ، وَأَمَّا تَحَقُّقُ الْمُقَيَّدِ فَيَسْتَلْزِمُ تَحَقُّقَ الْمُطْلَقِ فِي ضِمْنِهِ فَيَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: الْوَطْءُ الْمُقَيَّدُ بَعْدَ الْوَطْءِ الْمُطْلَقِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَكَّبَ بَعْدَ الْمُفْرَدِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ بِنَاءَهُ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّ الِاحْتِرَازَ عَنْ الْمُقَيَّدِ بَعْدَ الِاحْتِرَازِ عَنْ الْمُطْلَقِ وَقَدْ عَرَفْت مَا فِيهِ، وَأَيْضًا لَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ " فَلِهَذَا عَنَوْا بِهِ الْوَطْءَ " لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ الْمَسِّ إذَا كَانَ نَهْيًا عَنْ الْوَطْءِ وَكَانَ الْعُنْوَانُ بِالْمَسِّ عُنْوَانًا بِالْوَطْءِ أَيْضًا فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَعْنُوا الْفَصْلَ السَّابِقَ بِالْوَطْءِ اسْتِقْلَالًا كَمَا لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ النَّهْيُ عَنْ الْوَطْءِ اسْتِقْلَالًا ثُمَّ أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُمْ بِالْوَطْءِ الْمُطْلَقِ الْمَذْكُورِ فِيمَا تَقَدَّمَ فِي مَسْأَلَةِ الْعَزْلِ الْمَذْكُورَ قُبَيْلَ فَصْلِ الِاسْتِبْرَاءِ فَإِنَّ الْعَزْلَ أَنْ يَطَأَ الرَّجُلُ فَإِذَا قَرُبَ الْإِنْزَالُ فَيُنْزِلُ خَارِجَ الْفَرْجِ، وَإِنَّ مُرَادَهُمْ بِالْوَطْءِ الْمُقَيَّدِ هَهُنَا مَا قُيِّدَ بِزَمَانِ الْوَطْءِ فَإِنَّ الِاسْتِبْرَاءَ مُقَيَّدٌ بِالزَّمَانِ كَمَا سَتَعْرِفُهُ وَفِي الْعَزْلِ مُطْلَقٌ عَنْهُ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالْوَطْءِ الْمَذْكُورِ فِي عُنْوَانِ الْفَصْلِ السَّابِقِ أَيْضًا مَا فِي ضِمْنِ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ كَمَا نَبَّهْت عَلَيْهِ فِي صَدْرِ ذَلِكَ الْفَصْلِ [فُرُوعٌ تَتَعَلَّقُ بِالنِّسَاءِ] (فُرُوعٌ) تَتَعَلَّقُ بِالنِّسَاءِ: رَجُلٌ لَهُ امْرَأَةٌ لَا تُصَلِّي يُطَلِّقُهَا حَتَّى لَا يَصْحَبَ امْرَأَةً لَا تُصَلِّي فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَا يُعْطِي مَهْرَهَا فَالْأَوْلَى أَنْ لَا يُطَلِّقَهَا قَالَ الْإِمَامُ أَبُو جَعْفَرٍ الْكَبِيرُ صَاحِبُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ: لَأَنْ أَلْقَى اللَّهَ - وَمَهْرُهَا فِي عُنُقِي - أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَطَأَ امْرَأَةً لَا تُصَلِّي. غَمْزُ الْأَعْضَاءِ فِي الْحَمَّامِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ مَكْرُوهٌ وَفِي الذَّخِيرَةِ وَفِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ أَنَّهُ يُبَاحُ ذَلِكَ فِيمَا فَوْقَ السُّرَّةِ وَدُونَ الرُّكْبَةِ وَيُبَاحُ فِيمَا بَيْنَهُمَا، وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا قَالُوا: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ بِشَرْطَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا أَنْ لَا يَغْسِلَ الْخَادِمُ لِحْيَتَهُ لِأَنَّ فِيهِ إهَانَةَ صَاحِبِ اللِّحْيَةِ وَلَا يَغْمِزُ رِجْلَهُ لِأَنَّ فِيهِ إهَانَةً بِالْخَادِمِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ: سَمِعْتُ الشَّيْخَ الْإِمَامَ أَبَا بَكْرٍ يَقُولُ لَا بَأْسَ بِأَنْ يَغْمِزَ الرَّجُلُ إلَى السَّارِقِ وَيُكْرَهُ أَنْ يَغْمِزَ الْفَخْذَ وَيَمَسَّهُ مِنْ وَرَاءِ الثَّوْبِ وَكَانَ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ يَقُولُ لَا بَأْسَ بِأَنْ يَغْمِزَ الرَّجُلُ رِجْلَ وَالِدَيْهِ، وَلَا يَغْمِزُ فَخْذَ وَالِدَيْهِ وَفِي السِّرَاجِيَّةِ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يَغْمِزَ الْأَجْنَبِيَّةَ الرَّجُلُ فَوْقَ الثِّيَابِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ خَوْفُ الْفِتْنَةِ وَفِي التَّتِمَّةِ وَسُئِلَ الْخُجَنْدِيُّ عَمَّنْ لَهُ أُمٌّ هَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَغْمِزَ بَطْنَهَا وَظَهْرَهَا مِنْ وَرَاءَ الثِّيَابِ قَالَ إنْ أَمْسَكَهُ يَعْتَقِدُ حُرْمَتَهُ كَالْخَمْرِ يُمْسِكُهُ الْمُسْلِمُ لِلْمُسْلِمِ لَا يُكْرَهُ، وَإِنْ أَمْسَكَ يَعْتَقِدُ الْإِبَاحَةَ كَمَا لَوْ أَمْسَكَ لِلْكَافِرِ يُكْرَهُ. سُئِلَ أَنَسُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ قَوْمٍ أَرَادُوا الْخُرُوجَ عَلَى سُلْطَانِهِمْ لِجَوْرِهِ هَلْ يَحِلُّ لَهُمْ ذَلِكَ فَأَجَابَ وَقَالَ: إنْ كَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا - وَكَلِمَتُهُمْ وَاحِدَةٌ - يَسَعُهُمْ ذَلِكَ وَإِنْ كَانُوا أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ لَا يَسَعُهُمْ ذَلِكَ وَسُئِلَ الْفَقِيهُ أَبُو بَكْرٍ عَنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ أَهُوَ أَفْضَلُ لِلْفَقِيهِ أَمْ دِرَاسَةُ الْفِقْهِ قَالَ: حُكِيَ عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي مُطِيعٍ أَنَّهُ قَالَ النَّظَرُ فِي كُتُبِ أَصْحَابِنَا مِنْ غَيْرِ سَمَاعٍ أَفْضَلُ مِنْ قِيَامِ لَيْلَةٍ وَفِي النَّوَازِلِ عَنْ أَبِي عَاصِمٍ أَنَّهُ قَالَ طَلَبُ الْأَحَادِيثِ حِرْفَةُ الْمَفَالِيسِ يَعْنِي بِهِ إذَا طَلَبَ الْحَدِيثَ وَلَمْ يَطْلُبْ فِقْهًا وَفِي النَّسَفِيَّةِ اجْتَمَعَ قَوْمٌ يَوْمًا مِنْ الْأَتْرَاكِ وَالْأُمَرَاءِ وَغَيْرِهِمْ فِي مَوْضِعِ الْفَسَادِ فَنَهَاهُمْ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَنْ الْمُنْكَرِ فَلَمْ يَنْزَجِرُوا فَاسْتَدْعَى الْمُحْتَسِبَ وَقَوْمًا مِنْ بَابِ السَّيِّدِ الْإِمَامِ الْأَجَلِّ لِيَعْرِفُوهُمْ وَلِيُرِيقُوا خُمُورَهُمْ فَذَهَبُوا مَعَ جَمَاعَةٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ فَظَفِرُوا بِبَعْضِ الْخُمُورِ فَأَرَاقُوهَا وَجَعَلُوا الْمِلْحَ فِي بَعْضِ الدِّنَانِ لِلتَّخَلُّلِ فَأُخْبِرَ الشَّيْخُ بِذَلِكَ فَقَالَ لَا تَدَعُوا وَاكْسِرُوا الدِّنَانَ كُلَّهَا، وَأَرِيقُوا مَا بَقِيَ وَإِنْ جَعَلُوا الْمِلْحَ فِيهَا قَالَ: وَقَدْ ذَكَرَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ مَنْ أَرَاقَ خُمُورَ الْمُسْلِمِينَ وَكَسَرَ دِنَانَهُمْ وَشَقَّ زِقَاقَهُمْ إذَا ظَهَرَ فِيمَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ بِطَرِيقِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَسُئِلَ عَنْ قَوْمٍ مِنْ الْيَهُودِ اشْتَرَوْا دَارًا وَبُسْتَانًا مِنْ دُورِ الْمُسْلِمِينَ فِي مِصْرَ وَاتَّخَذُوهَا مَقْبَرَةً هَلْ يُمْنَعُونَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ لَا لِأَنَّهُمْ مَلَكُوهَا فَيَفْعَلُونَ مَا شَاءُوا كَالْمُسْلِمِينَ. وَقَدْ صَحَّتْ الرِّوَايَةُ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّ صَاحِبَ الدَّارِ لَوْ رَفَعَ بِنَاءً فَمَنَعَ جَارَهُ الشَّمْسَ أَوْ الرِّيحَ أَوْ نَقَبَ جِدَارَهُ أَوْ فَتَحَ أَبْوَابًا لَمْ يُمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ لَحِقَ جَارَهُ نَوْعُ ضَرَرٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَصَرَّفْ إلَّا فِي مِلْكِ نَفْسِهِ وَسُئِلَ عَنْ دَارَيْنِ لِرَجُلَيْنِ؛ سَطْحُ أَحَدِهِمَا أَعْلَى مِنْ الْآخَرِ وَمَسِيلُ مَاءِ الْعُلْيَا عَلَى الْأُخْرَى فَأَرَادَ صَاحِبُ سَطْحِ السُّفْلَى أَنْ يَرْفَعَ سَطْحَهُ أَوْ يَبْنِيَ عَلَى سَطْحِهِ عُلُوًّا هَلْ يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ قَالَ نَعَمْ وَفِي التَّتِمَّةِ سَأَلْت أَبَا حَامِدٍ عَنْ رَجُلٍ لَهُ ضَيْعَةٌ أَرْضُهَا مُرْتَفِعَةٌ هَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسُدَّ النَّهْرَ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ بِغَيْرِ رِضَا الْأَسَافِلِ حَتَّى يَسْقِيَهَا قَالَ نَعَمْ. وَسُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يَبْنِي عَلَى حَائِطِ نَفْسِهِ بِنَاءً أَزْيَدَ مِمَّا كَانَ هَلْ لِجَارِهِ أَنْ يَمْنَعَهُ قَالَ لَا وَإِنْ بَلَغَ عَنَانَ السَّمَاءِ وَسُئِلَ أَبُو الْفَضْلِ عَمَّنْ يَأْخُذُ خَرَاجَ الْقَرْيَةِ عَنْ حَفْرِ النَّهْرِ الْعَظِيمِ فَيَحْفِرُونَهُ بِأَمْسِحَتِهِمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَصْرِفَ شَيْئًا مِنْ الْخَرَاجِ إلَى الْحَفْرِ وَهُنَاكَ مِنْ الْأَقْوِيَاءِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 223 مَنْ لَا يَحْفِرُ وَلَا يَبْعَثُ أَحَدًا هَلْ لَهُ أَنْ يَسْقِيَ مِنْهَا أَمْ لَا؟ قَالَ: يُمْنَعُ مِنْ الْمَاءِ. الِاسْتِبْرَاءُ لُغَةً طَلَبُ الْبَرَاءَةِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ فِي الْفُرُوجِ أَوْ فِي غَيْرِهَا وَفِي الشَّرْعِ طَلَبُ بَرَاءَةِ رَحِمِ الْمَرْأَةِ الْمَمْلُوكَةِ. وَصِفَتُهُ أَنَّهُ وَاجِبٌ وَسَبَبُ وُجُوبِهِ مِلْكُ الْأَمَةِ، وَدَلِيلُهُ قَوْلُهُ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي سَبَايَا أَوْطَاسٍ «أَلَا لَا تُوطَأُ الْحَبَالَى حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَلَا الْحَيَالَى حَتَّى يَسْتَبْرِئْنَ بِحَيْضَةٍ» وَهُوَ يُفِيدُ وُجُوبَ الِاسْتِبْرَاءِ وَأَمَّا حُكْمُهُ فَهُوَ التَّعَرُّفُ عَنْ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ صِيَانَةً لِلْمِيَاهِ الْمُحْتَرَمَةِ اهـ. قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - (مَنْ مَلَكَ أَمَةً حَرُمَ عَلَيْهِ وَطْؤُهَا وَلَمْسُهَا وَالنَّظَرُ إلَى فَرْجِهَا بِشَهْوَةٍ حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي سَبَايَا أَوْطَاسٍ «أَلَا لَا تُوطَأُ الْحَبَالَى حَتَّى يَضَعْنَ وَلَا الْحَيَالَى حَتَّى يَسْتَبْرِئْنَ بِحَيْضَةٍ» وَهَذَا يُفِيدُ وُجُوبَ الِاسْتِبْرَاءِ بِسَبَبِ إحْدَاثِ الْمِلْكِ وَالْيَدِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَوْجُودُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْحِكْمَةَ فِيهِ التَّعَرُّفُ عَنْ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ صِيَانَةً لِلْمِيَاهِ الْمُحْتَرَمَةِ - عَنْ اخْتِلَاطِ الْأَنْسَابِ وَالِاشْتِبَاهِ -، وَالْوَلَدِ عَنْ الْهَلَاكِ؛ لِأَنَّ مَنْ لَا نَسَبَ لَهُ هَالِكٌ لِعَدَمِ مَنْ يُرَبِّيهِ وَمَنْ يُنْفِقُ عَلَيْهِ قَالَ صَاحِبُ الْإِيضَاحِ وَالْإِصْلَاحِ: يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّهُمْ يُنْكِرُونَ انْعِلَاقَ الْوَلَدِ الْوَاحِدِ مِنْ مَاءَيْنِ لِعَدَمِ إمْكَانِ الِاخْتِلَاطِ بَيْنَهُمَا فَكَيْفَ يَقُولُ: حُكْمُهُ الِاسْتِبْرَاءُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَنْفِيَّ الِاخْتِلَاطُ حَقِيقَةً وَاَلَّذِي بَنَوْا عَلَيْهِ هُنَا الِاخْتِلَاطُ حُكْمًا وَهُوَ أَنْ يَبِينَ الْوَلَدُ: مَنْ أَيِّ مَاءٍ هُوَ قَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ: وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِالْمَاءِ الْمُحْتَرَمِ وَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ فِي غَيْرِ الْمَاءِ الْمُحْتَرَمِ كَذَلِكَ كَالْحَامِلِ مِنْ الزِّنَا حَمْلًا لِحَالِ الْمُسْلِمِ عَلَى الصَّلَاحِ وَتَعْبِيرُ الْمُؤَلِّفِ بِمِلْكٍ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ بِالشِّرَاءِ لِعُمُومِ الْمِلْكِ، وَالشِّرَاءُ مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ كَمَا سَيَأْتِي وَأَقُولُ: فِي إطْلَاقِ قَوْلِهِ " مَلَكَ " نَظَرٌ؛ لِأَنَّ مَنْ مَلَكَ جَارِيَةً وَهُوَ زَوْجُهَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءُ أَوْ كَانَتْ تَحْتَ غَيْرِهِ بِنِكَاحٍ وَلَكِنْ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا بَعْدَ أَنْ اسْتَبْرَأَهَا وَقَبَضَهَا لَمْ يَلْزَمْهُ الِاسْتِبْرَاءُ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الصُّوَرِ فَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يُخْرِجَ هَذِهِ الصُّورَةَ وَلَمَّا كَانَ السَّبَبُ إحْدَاثَ مِلْكِ الرَّقَبَةِ الْمُؤَكَّدِ بِالْيَدِ نَفَذَ الْحُكْمُ إلَى سَائِرِ أَسْبَابِ الْمِلْكِ مِنْ الشِّرَاءِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْمِيرَاثِ وَالْخُلْعِ وَالْكِتَابَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ حَتَّى يَجِبَ عَلَى الْمُشْتَرِي مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ وَمِنْ الْمَرْأَةِ وَالْمَمْلُوكَةِ، وَمَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا. وَكَذَا إنْ كَانَتْ الْمُشْتَرَاةُ بِكْرًا لَمْ تُوطَأْ لِتَحَقُّقِ السَّبَبِ الْمَذْكُورِ وَإِدَارَةِ الْحُكْمِ عَلَى الْأَسْبَابِ دُونَ الْحُكْمِ لِعَدَمِ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهَا لِحَقَائِقِهَا وَلَا يَعْتَدُّ بِالْحَيْضَةِ الَّتِي اشْتَرَاهَا فِي أَثْنَائِهَا وَلَا بِالْحَيْضَةِ الَّتِي حَاضَتْهَا بَعْدَ الشِّرَاءِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَلَا بِالْوِلَادَةِ الَّتِي وَلَدَتْهَا بَعْدَ الْأَسْبَابِ قَبْلَ الْقَبْضِ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَكَذَا لَا يَعْتَدُّ بِالْحَيْضَةِ الَّتِي حَاضَتْهَا قَبْلَ الْإِجَازَةِ فِي بَيْعِ الْفُضُولِيِّ وَإِنْ كَانَتْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَلَا يَعْتَدُّ بِالْحَيْضَةِ الَّتِي بَعْدَ الْقَبْضِ فِي الشِّرَاءِ الْفَاسِدِ قَبْلَ أَنْ يَشْتَرِيَهَا صَحِيحًا وَتَجِبُ إذَا اشْتَرَى نَصِيبَ شَرِيكِهِ مِنْ جَارِيَةٍ مُشْتَرَكَةٍ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ السَّبَبَ قَدْ تَمَّ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَالْحُكْمُ يُضَافُ إلَى تَمَامِ الْعِلَّةِ وَيَعْتَدُّ بِالْحَيْضَةِ الَّتِي حَاضَتْهَا وَهِيَ مَجُوسِيَّةٌ أَوْ مُكَاتَبَةٌ بِأَنْ كَاتَبَهَا بَعْدَ الشِّرَاءِ ثُمَّ أَسْلَمَتْ الْمَجُوسِيَّةُ أَوْ عَجَزَتْ الْمُكَاتَبَةُ لِوُجُودِهَا بَعْدَ السَّبَبِ وَهَذَا اسْتِحْدَاثُ الْمِلْكِ وَالْيَدِ، وَلَا يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ إذَا رَجَعَتْ الْآبِقَةُ أَوْ رُدَّتْ الْمَغْصُوبَةُ أَوْ الْمُسْتَأْجَرَةُ أَوْ فُكَّتْ الْمَرْهُونَةُ لِانْعِدَامِ السَّبَبِ وَهُوَ اسْتِحْدَاثُ الْمِلْكِ وَالْيَدِ وَفِي الْأَكْمَلِ هُنَا إذَا أَبَقَتْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ رَجَعَتْ، فَإِنْ أَبَقَتْ فِي دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ عَادَتْ إلَى مَوْلَاهَا بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ فَكَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ لِأَنَّهُمْ يَمْلِكُونَهَا وَلَوْ أَقَالَ الْبَائِعُ الْمُشْتَرِيَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ الِاسْتِبْرَاءُ. وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ أَوَّلًا بِالْوُجُوبِ ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ: لَا يَجِبُ وَهُوَ قَوْلُهُمَا؛ لِأَنَّ الْإِقَالَةَ فَسْخٌ فِي الْأَصْلِ فَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَلَوْ اشْتَرَى مِنْ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ لَهُ بَعْدَمَا حَاضَتْ عِنْدَ الْعَبْدِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ اعْتَدَّ بِتِلْكَ الْحَيْضَةِ؛ لِأَنَّهَا دَخَلَتْ فِي مِلْكِ الْمَوْلَى مِنْ وَقْتِ الشِّرَاءِ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ فَكَذَلِكَ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ الْإِمَامِ لَا يَعْتَدُّ بِتِلْكَ الْحَيْضَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَوْلَى لَا يَمْلِكُهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ وَلَوْ بَاعَ جَارِيَةً عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ وَقَبَضَهَا ثُمَّ أَبْطَلَ الْبَيْعَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ لَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِبْرَاءُ إنْ كَانَ الْمُشْتَرِي لَمْ يَطَأْ وَإِنْ كَانَ قَدْ وَطِئَ فَعَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءُ وَلَوْ زَوَّجَهَا بَعْدَ الشِّرَاءِ فَطَلَّقَهَا الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ لَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِبْرَاءُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَلَوْ زَوَّجَهَا قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ بَعْدَ الْقَبْضِ فَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يَجِبُ وَإِذَا حَرُمَ الْوَطْءُ قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ حَرُمَ الدَّوَاعِي أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا تُفْضِي إلَى الْوَطْءِ أَوْ يُحْتَمَلُ وُقُوعُهُ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَاسْتُشْكِلَ حَيْثُ تَعَدَّى الْحُكْمُ مِنْ الْأَصْلِ - وَهِيَ الْمَسَّةُ - إلَى الْفَرْعِ وَهُوَ غَيْرُهَا حَتَّى حَرُمَتْ الدَّوَاعِي فِي الْمَسَّةِ دُونَهَا وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ اقْتِضَاءِ الدَّلِيلِ الْمُفِيدِ لِذَلِكَ وَهُوَ الرَّغْبَةُ فِي الْمُشْتَرَاةِ دُونَ غَيْرِهَا وَالِاسْتِبْرَاءُ فِي الْحَامِلِ بِوَضْعِ الْحَمْلِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ وَفِي الِاسْتِبْرَاءِ فِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 224 ذَوَاتِ الْأَشْهُرِ بِالشَّهْرِ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ فِي حَقِّهِنَّ مَقَامَ الْحَيْضِ فَإِنْ حَاضَتْ فِي أَثْنَاءِ الشَّهْرِ بَطَلَ الِاسْتِبْرَاءُ بِالشَّهْرِ وَتَسْتَبْرِئُ بِالْحَيْضَةِ لِأَنَّهَا صَارَتْ قَادِرَةً عَلَى الْأَصْلِ فَإِذَا ارْتَفَعَ حَيْضُهَا يَتْرُكُهَا حَتَّى إذَا تَبَيَّنَ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِحَامِلٍ وَاقَعَهَا وَلَيْسَ فِيهِ تَقْدِيرٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَقِيلَ: يَتَبَيَّنُ بِشَهْرَيْنِ أَوْ بِثَلَاثٍ وَعَنْ مُحَمَّدٍ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشَرَةِ أَيَّامٍ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: وَعَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ الْآنَ وَفِي الْأَكْمَلِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَتْرُكُهَا شَهْرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً وَعَنْ مُحَمَّدٍ يَتْرُكُهَا شَهْرَيْنِ وَخَمْسَةَ أَيَّامٍ وَلَا بَأْسَ بِالِاحْتِيَالِ فِي إسْقَاطِ الِاسْتِبْرَاءِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي كِتَابِ الشُّفْعَةِ وَالْمَأْخُوذُ بِهِ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ فِيمَا إذَا عَلِمَ أَنَّ الْبَائِعَ لَمْ يَقْرَبْهَا فِي طُهْرِهَا ذَلِكَ وَيُؤْخَذُ بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ فِيمَا إذَا قَرِبَهَا، وَالْحِيلَةُ إذَا لَمْ تَكُنْ تَحْتَ الْمُشْتَرِي حُرَّةٌ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا قَبْلَ الشِّرَاءِ ثُمَّ يَشْتَرِيَهَا وَيَقْبِضَهَا هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ قَالَ الشَّارِحُ وَهَذَا لَا يُفِيدُ إذَا كَانَ الْقَبْضُ بَعْدَ الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّهُ بِالشِّرَاءِ يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ فَيَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ بِالْقَبْضِ بِحُكْمِ الشِّرَاءِ وَإِنَّمَا يُفِيدُ لَوْ كَانَ الْقَبْضُ قَبْلَ الشِّرَاءِ لِكَيْ لَا يُوجَدَ الْقَبْضُ بِحُكْمِ الشِّرَاءِ بَعْدَ فَسَادِ النِّكَاحِ وَقَالَ ظَهِيرُ الدِّينِ: وَعِنْدِي يُشْتَرَطُ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا قَبْلَ الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ يَفْسُدُ عِنْدَ الشِّرَاءِ سَابِقًا عَلَى الشِّرَاءِ ضَرُورَةَ أَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ لَا يُجَامِعُ مِلْكَ الْيَمِينِ فَلَمْ تَكُنْ عِنْدَ الشِّرَاءِ مَنْكُوحَةً وَلَا مُعْتَدَّةً بِخِلَافِ مَا إذَا دَخَلَ بِهَا بَعْدَ الشِّرَاءِ لِأَنَّهَا تَبْقَى مُعْتَدَّةً مِنْهُ بَعْدَ فَسَادِ النِّكَاحِ فَلَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِبْرَاءُ ذَكَرَهُ قَاضِي خان فِي فَتَاوِيهِ. وَلَوْ كَانَ تَحْتَهُ حُرَّةٌ فَالْحِيلَةُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا الْبَائِعُ قَبْلَ الشِّرَاءِ أَوْ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبْضِ مِمَّنْ يَثِقُ بِهِ أَوْ يُزَوِّجَهَا بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ أَمْرُهَا بِيَدِهِ ثُمَّ يَشْتَرِيَهَا وَيَقْبِضَهَا ثُمَّ يُطَلِّقَهَا الزَّوْجُ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ وُجُودِ السَّبَبِ - وَهُوَ اسْتِحْدَاثُ الْمِلْكِ الْمُؤَكَّدِ بِالْقَبْضِ - لَمْ يَكُنْ فَرْجُهَا حَلَالًا لَهُ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءُ وَإِنْ دَخَلَ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِأَوَانِ السَّبَبِ قَالَ فِي الْأَكْمَلِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ هَذَا إذَا طَلَّقَهَا الزَّوْجُ بَعْدَ الْقَبْضِ لِأَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الْقَبْضِ كَانَ عَلَى الْمُشْتَرِي الِاسْتِبْرَاءُ إذَا قَبَضَهَا فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ اهـ. [لَهُ أَمَتَانِ أُخْتَانِ قَبَّلَهُمَا بِشَهْوَةِ] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (لَهُ أَمَتَانِ أُخْتَانِ قَبَّلَهُمَا بِشَهْوَةٍ حَرُمَ وَطْءُ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَدَوَاعِيهِ حَتَّى يَحْرُمَ فَرْجُ الْأُخْرَى بِمِلْكٍ أَوْ نِكَاحٍ أَوْ عِتْقٍ) قَالَ الشَّارِحُ: وَلَوْ قَالَ " حَرُمَتَا " حَتَّى يَحْرُمَ فَرْجُ أَحَدِهِمَا كَانَ أَحْسَنَ لِأَنَّهُمَا يَحْرُمَانِ عَلَيْهِ لَا أَحَدُهُمَا فَحَسْبُ اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ أَحَدَ الدَّائِرِ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ أَوْ أَشْيَاءَ يُفِيدُ حُرْمَتَهُمَا لَا حُرْمَةَ أَحَدِهِمَا فَحَسْبُ كَمَا تَوَهَّمَ الشَّارِحُ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَهَذِهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ إمَّا أَنْ يُقَبِّلَهُمَا أَوْ لَا يُقَبِّلَهُمَا أَوْ يُقَبِّلَ أَحَدَهُمَا فَإِنْ لَمْ يُقَبِّلْهُمَا أَصْلًا كَانَ لَهُ أَنْ يُقَبِّلَ أَوْ يَطَأَ أَيَّهُمَا شَاءَ، سَوَاءٌ اشْتَرَاهُمَا مَعًا أَوْ مُتَعَاقِبًا وَإِنْ قَبَّلَ أَحَدَهُمَا كَانَ لَهُ أَنْ يُقَبِّلَ الْمُقَبَّلَةَ، وَأَنْ يَطَأَهَا دُونَ الْأُخْرَى وَإِنْ قَبَّلَهُمَا بِشَهْوَةٍ فَهِيَ مَسْأَلَةُ الْمَتْنِ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ بِشَهْوَةٍ؛ لِأَنَّهَا إذَا لَمْ تَكُنْ بِشَهْوَةٍ لَا تَكُونُ مُعْتَبَرَةً أَصْلًا وَإِنَّمَا حَرُمَتَا؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا نِكَاحًا وَوَطْئًا لَا يَجُوزُ لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} [النساء: 23] وَالْمُرَادُ بِهِ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَلَا يُعَارِضُهُ قَوْله تَعَالَى {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3] ؛ لِأَنَّ التَّرْجِيحَ لِلْمُحَرَّمِ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: أَحَلَّتْهُمَا آيَةٌ وَحَرَّمَتْهُمَا آيَةٌ وَالْمُحَرَّمُ مُقَدَّمٌ وَكَذَا يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي الدَّوَاعِي؛ لِأَنَّ الدَّوَاعِيَ لِلْوَطْءِ بِمَنْزِلَةِ الْوَطْءِ؛ لِأَنَّ النَّصَّ مُطْلَقٌ فَيَتَنَاوَلُهُمَا وَمَسُّهُمَا بِشَهْوَةٍ أَوْ النَّظَرُ إلَى فَرْجِهَا كَتَقْبِيلِهَا حَتَّى يَحْرُمَا عَلَيْهِ إلَّا إذَا حَرُمَ فَرْجُ أَحَدِهِمَا لِمَا ذَكَرْنَا لِزَوَالِ الْجَمْعِ لِتَحْرِيمِ فَرْجِ أَحَدِهِمَا عَلَيْهِ، وَتَمْلِيكُ الْبَعْضِ كَتَمْلِيكِ الْكُلِّ وَإِعْتَاقُ الْبَعْضِ كَإِعْتَاقِ الْكُلِّ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ وَكَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ وَإِنْ كَانَ يَتَجَزَّأُ لَكِنَّهُ يَحْرُمُ الْوَطْءُ، وَكِتَابَةُ أَحَدِهِمَا كَإِعْتَاقِهِمَا؛ لِأَنَّ فَرْجَهَا يَحْرُمُ بِالْكِتَابَةِ، وَرَهْنُ أَحَدِهِمَا وَإِجَارَتُهَا وَتَدْبِيرُهَا لَا تُحِلُّ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّ فَرْجَهَا لَا تَحْرُمُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ قَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ فَإِنْ قُلْت: الْأَصْلُ فِي الدَّلَائِلِ الْجَمْعُ فَأَمْكَنَ هُنَا بِأَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُ {وَأَنْ تَجْمَعُوا} [النساء: 23] عَلَى النِّكَاحِ، أَوْ {مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3] عَلَى مِلْكِ الْيَمِينِ قُلْت الْمَعْنَى الَّذِي يُحَرِّمُ الْجَمْعَ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ نِكَاحًا وُجِدَ هَهُنَا وَهُوَ قَطِيعَةُ الرَّحِمِ فَيَثْبُتُ الْحُكْمُ وَقَوْلُهُ " بِمِلْكٍ " أَرَادَ بِهِ التَّمْلِيكَ بِأَنْ يَمْلِكَ رَقَبَتَهَا مِنْ إنْسَانٍ بِأَيِّ سَبَبٍ مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالصُّلْحِ وَالْخُلْعِ وَالْمَهْرِ وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ " أَوْ نِكَاحٍ " النِّكَاحَ الصَّحِيحَ فَإِذَا زَوَّجَ أَحَدَهُمَا نِكَاحًا فَاسِدًا لَا تَحِلُّ لَهُ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّ فَرْجَهَا لَمْ يَصِرْ حَرَامًا عَلَيْهِ بِهَذَا الْعَقْدِ إلَّا إذَا دَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ فَلَمْ يُصَرِّحَا مَعًا بِوَطْءِ الْأُخْرَى وَلَا بِوَطْءِ الْمَوْطُوءَةِ، وَكُلُّ امْرَأَتَيْنِ لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا نِكَاحًا بِمَنْزِلَةِ الْأَجْنَبِيِّ. [تَقْبِيلُ الرَّجُلِ وَمُعَانَقَتُهُ فِي إزَارٍ وَاحِدٍ] قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكُرِهَ تَقْبِيلُ الرَّجُلِ وَمُعَانَقَتُهُ فِي إزَارٍ وَاحِدٍ) وَلَوْ كَانَ عَلَى قَمِيصٍ جَازَ كَالْمُصَافَحَةِ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ يُكْرَهُ تَقْبِيلُ الرَّجُلِ فَمَ الرَّجُلِ أَوْ يَدَهُ أَوْ يُعَانِقُهُ وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 225 وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا بَأْسَ بِالتَّقْبِيلِ وَالْمُعَانَقَةِ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَبَّلَ جَعْفَرًا حِينَ قَدِمَ مِنْ الْحَبَشَةِ» وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: أَوَّلُ مَنْ عَانَقَ إبْرَاهِيمُ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ كَانَ بِمَكَّةَ فَقَدِمَ ذُو الْقَرْنَيْنِ إلَيْهَا فَقِيلَ لَهُ: بِهَذِهِ الْبَلْدَةِ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ فَنَزَلَ ذُو الْقَرْنَيْنِ وَمَشَى إلَى إبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ إبْرَاهِيمُ وَاعْتَنَقَهُ فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ عَانَقَ وَلَهُمَا مَا رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ «قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَيَنْحَنِي بَعْضُنَا لِبَعْضٍ قَالَ: لَا، قُلْنَا: أَيُعَانِقُ بَعْضُنَا بَعْضًا قَالَ: لَا، قُلْنَا: أَيُصَافِحُ بَعْضُنَا بَعْضًا قَالَ: نَعَمْ» وَرُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نَهَى عَنْ الْمُكَامَعَةِ وَهِيَ التَّقْبِيلُ» وَمَا رُوِيَ بِخِلَافِهِ مَنْسُوخٌ بِهِ وَقَالَ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمَا غَيْرُ الْإِزَارِ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِمَا قَمِيصٌ أَوْ جُبَّةٌ فَلَا بَأْسَ بِهِ بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ الشَّيْخُ فِي الْمُخْتَصَرِ وَالشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيُّ وَفَّقَ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ فَقَالَ: الْمَكْرُوهُ مِنْ الْمُعَانَقَةِ مَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الشَّهْوَةِ، وَمَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الْمَبَرَّةِ وَالْكَرَامَةِ فَجَائِزٌ وَرَخَّصَ السَّرَخْسِيُّ وَبَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي تَقْبِيلِ يَدِ الْعَالِمِ الْمُتَوَرِّعِ وَالزَّاهِدِ عَلَى وَجْهِ التَّبَرُّكِ وَقَدْ تَقَدَّمَ وَمَا يَفْعَلُهُ الْجُهَّالُ مِنْ تَقْبِيلِ يَدِ نَفْسِهِ إذَا لَقِيَ غَيْرَهُ فَمَكْرُوهٌ، وَمَا يَفْعَلُهُ مِنْ السُّجُودِ بَيْنَ يَدَيْ السُّلْطَانِ فَحَرَامٌ وَالْفَاعِلُ وَالرَّاضِي بِهِ آثِمَانِ لِأَنَّهُ أَشْبَهُ بِعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ وَذَكَرَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ أَنَّهُ لَا يُكَفَّرُ بِهَذَا السُّجُودِ؛ لِأَنَّهُ يُرِيدُ بِهِ التَّحِيَّةَ وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ: لِغَيْرِ اللَّهِ عَلَى وَجْهِ التَّعْظِيمِ كُفْرٌ وَذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ: التَّقْبِيلُ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ: قُبْلَةِ الرَّحْمَةِ كَقُبْلَةِ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ، وَقُبْلَةِ التَّحِيَّةِ كَتَقْبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ، وَقُبْلَةِ الشَّفَقَةِ كَقُبْلَةِ الْوَلَدِ لِوَالِدَيْهِ، وَقُبْلَةِ الْمَوَدَّةِ كَقُبْلَةِ الرَّجُلِ أَخَاهُ عَلَى الْجَبْهَةِ، وَقُبْلَةِ الشَّهْوَةِ كَقُبْلَةِ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ، وَأَمَتَهُ وَزَادَ بَعْضُهُمْ قُبْلَةَ الدِّيَانَةِ كَقُبْلَةِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ، وَأَمَّا الْقِيَامُ لِلْغَيْرِ فَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «خَرَجَ مُتَّكِئًا عَلَى عَصًا فَقُمْنَا لَهُ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا تَقُومُوا كَمَا تَقُومُ الْأَعَاجِمُ يُعَظِّمُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا» وَعَنْ الشَّيْخِ أَبِي قَاسِمٍ كَانَ إذَا دَخَلَ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ يَقُومُ لَهُ وَلَا يَقُومُ لِلْفُقَرَاءِ وَطَلَبَةِ الْعِلْمِ فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: إنَّ الْأَغْنِيَاءَ يَتَوَقَّعُونَ مِنِّي التَّعْظِيمَ فَلَوْ تَرَكْتُ تَعْظِيمَهُمْ يَتَضَرَّرُونَ وَالْفُقَرَاءُ وَطَلَبَةُ الْعِلْمِ لَا يَطْمَعُونَ مِنِّي فِي ذَلِكَ وَإِنَّمَا يَطْمَعُونَ فِي رَدِّ السَّلَامِ وَالْكَلَامِ فِي الْعِلْمِ. وَلَا بَأْسَ بِالْمُصَافَحَةِ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «مَنْ صَافَحَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ وَحَرَّكَ يَدَهُ فِي يَدِهِ تَنَاثَرَتْ ذُنُوبُهُ» وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «مَا مِنْ مُسْلِمَيْنِ الْتَقَيَا فَتَصَافَحَا إلَّا غُفِرَ لَهُمَا قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا» وَلَا بَأْسَ بِمُصَافَحَةِ الْعَجُوزِ الَّتِي لَا تُشْتَهَى وَلَا يَمَسُّ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ وَهُمَا شَابَّانِ، سَوَاءٌ كَانَتْ الصَّغِيرَةُ مَاسَّةً أَوْ الْبَالِغُ مَاسًّا اهـ. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [فَصْلٌ فِي الْبَيْعِ] قَدَّمَ فَصْلَ الْبَيْعِ عَنْ فَصْلِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَاللَّمْسِ وَالْوَطْءِ لِأَنَّ أَثَرَ تِلْكَ الْأَفْعَالِ مُتَّصِلٌ بِبَدَنِ الْإِنْسَانِ وَمَا كَانَ أَكْثَرَ اتِّصَالٍ كَانَ أَحَقَّ بِالتَّقْدِيمِ قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - (كُرِهَ بَيْعُ الْعَذِرَةِ لَا السِّرْقِينِ) لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ يَتَمَوَّلُونَ السِّرْقِينَ وَانْتَفَعُوا بِهِ فِي سَائِرِ الْبِلَادِ وَالْأَمْصَارِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَإِنَّهُمْ يُلْقُونَهُ فِي الْأَرَاضِي لِاسْتِكْثَارِ الرِّيعِ بِخِلَافِ الْعَذِرَةِ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ لَمْ تَجْرِ بِالِانْتِفَاعِ بِهَا إلَّا مَخْلُوطَةً بِرَمَادٍ أَوْ تُرَابٍ غَالِبٍ عَلَيْهَا فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ بَيْعُهَا وَالصَّحِيحُ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّ الِانْتِفَاعَ بِالْعَذِرَةِ الْخَالِصَةِ جَائِزٌ بِغَلَبَةٍ يَجُوزُ بَيْعُ الْخَالِصَةِ وَفِي الْمُحِيطِ: رَجُلٌ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي عَلَى الطَّرِيقِ فَأَرَادَ إنْسَانٌ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي قُعُودِهِ ضَرَرٌ بِالنَّاسِ وَسِعَهُ أَنْ يَقْعُدَ فِي الطَّرِيقِ وَيَشْتَرِيَ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِأَنَّهُ يَكُونُ مُعِينًا لَهُ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ. صَبِيٌّ جَاءَ إلَى سُوقٍ بِخُبْزٍ أَوْ بِلُبْسٍ أَوْ بِعَدَسٍ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَبِيعَ مِنْهُ الْبَصَلَ وَالثُّومَ وَغَيْرَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ عَادَةً وَيُكْرَهُ أَنْ يَبِيعَ مِنْهُ الْجَوْزَ وَالْفُسْتُقَ حَتَّى نَسْأَلَهُ: هَلْ أَذِنَ لَهُ بِذَلِكَ أَبُوهُ أَمْ لَا؟ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِي ذَلِكَ عَادَةً وَفِيهِ، وَأَمَّا الْمُغَنِّي وَالنَّائِحَةُ وَالْقَوَّالُ إذَا أَخَذَ الْمَالَ هَلْ يُبَاحُ لَهُ إنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ يُبَاحُ لِأَنَّهُ أَعْطَاهُ الْمَالَ عَنْ طَوْعٍ مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ عَقْدٍ لَا يُبَاحُ لَهُ لِأَنَّهُ أَجْرٌ عَلَى الْمَعْصِيَةِ. اهـ. وَفِي السِّرَاجِيَّةِ يُكْرَهُ بَيْعُ الْغُلَامِ الْأَمْرَدِ مِمَّنْ عُرِفَ بِاللِّوَاطَةِ. رَجُلٌ اشْتَرَى عَبْدًا مَجُوسِيًّا فَأَبَى أَنْ يُسْلِمَ وَقَالَ إنْ بِعْتَنِي مِنْ مُسْلِمٍ قَتَلْتُ نَفْسِي جَازَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مِنْ الْمَجُوسِيِّ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَبِيعَ الزُّنَّارَ مِنْ النَّصَارَى وَالْقَلَنْسُوَةَ مِنْ الْيَهُودِ، وَفِي جَامِعِ الْجَوَامِعِ عَنْ الثَّانِي بَاعَ ثَوْرًا مِنْ الْمَجُوسِيِّ لِيَنْحَرُوهُ فِي عِيدِهِمْ يَقْتُلُوهُ بِالْعَصَا لَا بَأْسَ بِهِ وَفِي التَّتِمَّةِ سُئِلَ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ: أَهْلُ بَلَدِهِ زَادُوا فِي مَوَازِينِهِمْ فِيمَا يُوزَنُ بِزِيَادَةٍ فَوْقَ الزِّيَادَةِ فِي سَائِرِ الْبُلْدَانِ وَبَعْضُهُمْ يُوَافِقُ وَبَعْضُهُمْ لَا يُوَافِقُ أَتَحِلُّ لَهُمْ تِلْكَ الزِّيَادَةُ فَقَالَ: لَا، قَالُوا: وَلَوْ اتَّفَقَ الْكُلُّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 226 عَلَى ذَلِكَ قَالَ لَا، وَفِي السِّرَاجِيَّةِ رَجُلٌ اشْتَرَى لَحْمًا أَوْ سَمَكًا أَوْ شَيْئًا مِنْ الثِّمَارِ فَذَهَبَ الْمُشْتَرِي لِيَأْتِيَ بِالثَّمَنِ وَأَبْطَأَ فَخَشِيَ الْبَائِعُ أَنْ يَفْسُدَ فَإِنَّهُ يَبِيعُهُ مِنْ غَيْرِهِ وَيَحِلُّ شِرَاءُ ذَلِكَ مِنْهُ وَإِذَا مَرِضَ الرَّجُلُ فَاشْتَرَى لَهُ ابْنُهُ أَوْ وَلَدُهُ جَازَ اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَهُ شِرَاءُ أَمَةِ زَيْدٍ، قَالَ بَكْرٌ: وَكَّلَنِي زَيْدٌ بِبَيْعِهَا) يَعْنِي أَنَّ جَارِيَةً لِإِنْسَانٍ فَرَآهَا فِي يَدِ آخَرَ يَبِيعُهَا فَقَالَ لَهُ: وَكَّلَنِي مَوْلَاهَا بِالْبَيْعِ حَلَّ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهَا مِنْهُ وَيَطَأَ؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَهُ بِخَبَرٍ صَحِيحٍ لَا مُنَازِعَ لَهُ فِيهِ وَقَوْلُ الْوَاحِدِ فِي الْمُعَامَلَاتِ مَقْبُولٌ كَمَا تَقَدَّمَ وَكَذَا إذَا قَالَ اشْتَرَيْتُهَا مِنْهُ أَوْ وَهَبَنِي أَوْ تَصَدَّقَ عَلَيَّ فَلَهُ الشِّرَاءُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهَا لَهُ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ؛ لِأَنَّ خَبَرَهُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ عَلَيْهِ إذَا كَانَ ثِقَةً فَإِنْ كَانَ الْمُخْبِرُ غَيْرَ ثِقَةٍ فِيمَا إذَا ادَّعَى الْمِلْكَ أَوْ غَيْرَهُ فَإِنْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ صَادِقٌ وَسِعَهُ الشِّرَاءُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَإِنْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ كَاذِبٌ لَا يَتَعَرَّضُ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ أَكْبَرَ رَأْيِهِ يَقُومُ مَقَامَ الْيَقِينِ وَإِنْ لَمْ يُخْبِرْهُ صَاحِبُ الْيَدِ عَنْ الْوَكَالَةِ وَانْتِقَالِ الْمِلْكِ إلَيْهِ فَإِنْ كَانَ يَعْرِفُ أَنَّهَا لِغَيْرِهِ لَا يَشْتَرِي حَتَّى يَعْرِفَ أَنَّ الْمِلْكَ انْتَقَلَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ يَدَ الْأَوَّلِ دَلِيلُ الْمِلْكِ فَإِنْ كَانَ لَا يَعْرِفُ أَنَّهَا لِغَيْرِهِ وَسِعَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهَا، وَإِنْ كَانَ ذُو الْيَدِ فَاسِقًا إلَّا أَنَّ مِثْلَهُ لَا يَمْلِكُ مِثْلَهَا كَدُرَّةٍ فِي يَدِ كَنَّاسٍ فَحِينَئِذٍ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَتَنَزَّهَ عَنْهَا وَلَوْ اشْتَرَاهَا مَعَ ذَلِكَ صَحَّ لِاعْتِمَادِهِ عَلَى الشَّرْعِيِّ وَهُوَ الْيَدُ. وَإِنْ كَانَ الَّذِي أَتَاهُ بِهَا عَبْدًا فَإِنَّهُ لَا يَقْبَلُهَا وَلَا يَشْتَرِيهَا حَتَّى يَسْأَلَ؛ لِأَنَّ الْمَمْلُوكَ لَا مِلْكَ لَهُ فَيُعْلَمُ أَنَّ الْمِلْكَ فِيهَا لِغَيْرِهِ فَلَوْ قَالَ لَهُ: أَذِنَنِي مَوْلَايَ فِي بَيْعِهَا وَهُوَ ثِقَةٌ قَبِلَ قَوْلَهُ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فَإِنْ قَبِلَ قَوْلَهُ وَهُوَ ثِقَةٌ يُنَاقِضُ قَوْلَهُ يُقْبَلُ عَلَى أَيِّ صِفَةٍ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ " ثِقَةٌ " أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يُعْتَمَدُ عَلَى كَلَامِهِ وَإِنْ كَانَ فَاسِقًا لِجَوَازِ أَنْ لَا يَكْذِبَ لِمُرُوءَتِهِ وَلِوَجَاهَتِهِ بَقِيَ أَنْ يُقَالَ مِمَّا ذُكِرَ هُنَا إنَّ عَدَالَةَ الْمُخْبِرِ فِي الْمُعَامَلَاتِ غَيْرُ لَازِمَةٍ وَلَا بُدَّ فِي قَبُولِ قَوْلِهِ إذَا كَانَ غَيْرَ عَدْلٍ أَنْ يَكُونَ أَكْبَرُ رَأْيِ السَّامِعِ أَنَّهُ صَادِقٌ وَقَدْ مَرَّ فِي أَوَّلِ هَذَا الْكِتَابِ أَنْ يُقْبَلَ فِي الْمُعَامَلَاتِ خَبَرُ الْفَاسِقِ مُطْلَقًا وَلَا يُقْبَلُ فِي الدِّيَانَاتِ قَوْلُ الْفَاسِقِ وَلَا الْمَسْتُورِ إلَّا إذَا كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِ السَّامِعِ أَنَّهُ صَادِقٌ، فَمَا ذُكِرَ هُنَا مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّ الَّذِي اُعْتُبِرَ فِي الدِّيَانَاتِ دُونَ الْمُعَامَلَاتِ اُعْتُبِرَ هُنَا فِي الْمُعَامَلَاتِ أَيْضًا. وَالْجَوَابُ أَنَّ خَبَرَ الْفَاسِقِ إنَّمَا يُقْبَلُ فِي الدِّيَانَاتِ إذَا حَصَلَ بَعْدَ التَّحَرِّي وَفِي الْمُعَامَلَاتِ ذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ: خَبَرُ الْعَدْلِ يُقْبَلُ فِيهَا مِنْ غَيْرِ تَحَرٍّ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ يُشْتَرَطُ فِيهَا التَّحَرِّي وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي كِتَابِ الِاسْتِحْسَانِ فَيُشْتَرَطُ التَّحَرِّي فِي الْمُعَامَلَاتِ اسْتِحْسَانًا وَلَا يُشْتَرَطُ التَّحَرِّي فِيهَا رُخْصَةً فَمَا ذُكِرَ فِي أَوَّلِهِ لِبَيَانِ الرُّخْصَةِ وَهُوَ عَدَمُ التَّحَرِّي وَمَا ذُكِرَ هُنَا بَيَانُ الِاسْتِحْسَانِ كَمَا فِي التَّلْوِيحِ. قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: فَلَوْ لَمْ يَقُلْ صَاحِبُ الْيَدِ وَكَّلَنِي وَلَكِنْ قَالَ قَدْ كَانَ ظَلَمَنِي وَغَصَبَنِي الْجَارِيَةَ فَأَخَذْتُهَا مِنْهُ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهَا مِنْهُ وَإِنْ كَانَ عَدْلًا وَفِي الْخِزَانَةِ وَإِنْ قَالَ كَانَ غَصَبَهَا مِنِّي فُلَانٌ فَارْتَجَعْتهَا مِنْهُ بِلَا رِضَاءٍ وَلَا قَضَاءٍ لَا يُصَدَّقُ وَكَذَا إذَا قَالَ قَضَى الْقَاضِي لِي بِالْجَارِيَةِ فَأَخَذَهَا مِنْهُ وَدَفَعَهَا لِي فَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَهَا مِنْهُ إنْ كَانَ عَدْلًا وَإِنْ قَالَ قَضَى بِهَا الْقَاضِي فَجَحَدَنِي قَضَاءَهُ فَأَخَذْتهَا فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهَا مِنْهُ وَلَوْ كَانَ عَدْلًا وَفِي الْخَانِيَّةِ قَالَ اشْتَرَيْت هَذِهِ الْجَارِيَةَ مِنْ فُلَانٍ وَنَقَدْته الثَّمَنَ ثُمَّ جَحَدَ الْبَائِعُ الْبَيْعَ فَأَخَذْتهَا مِنْهُ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَقْبَلَ قَوْلَهُ: وَفِي فَتَاوَى الْعَتَّابِيَّةِ وَلَوْ لَمْ يَذْكُرْ الْجُحُودَ عَلَى الشِّرَاءِ مِنْهُ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَقْبَلَ قَوْلَهُ إذَا كَانَ عَدْلًا وَإِنْ كَانَ الْمُخْبِرُ عَلَى الْجُحُودِ فَاسِقًا يَعْتَبِرُ فِيهِ أَكْبَرَ رَأْيِهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَفِي الْفَتَاوَى الْغِيَاثِيَّةِ وَلَوْ وَرِثَهُ أَوْ أُبِيحَ لَهُ فَأَخْبَرَهُ عَدْلٌ بِأَنَّهُ غَصَبَهُ وَكَذَّبَهُ ذُو الْيَدِ فَهُوَ مُتَّهَمٌ فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهَا قَالَ مُحَمَّدٌ: هَذَا إذَا لَمْ يَجِئْ التَّشَاجُرُ وَالتَّجَاحُدُ مِنْ الَّذِي كَانَ يَمْلِكُ فَإِنْ جَاءَتْ الْمُشَاجَرَةُ وَالْإِنْكَارُ مِنْ الْمَالِكِ لَا يَقْبَلُ خَبَرَ الْمُخْبِرِ سَوَاءٌ كَانَ فَاسِقًا أَوْ عَدْلًا وَلَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ عَدْلَانِ عِنْدَ الْبَيْعِ أَنَّ مَوْلَاهَا قَدْ أَمَرَ الْبَائِعَ بِبَيْعِهَا فَاشْتَرَاهَا بِقَوْلِهِمَا وَنَقَدَ الثَّمَنَ وَقَبَضَهَا وَحَضَرَ مَوْلَاهَا فَأَنْكَرَ الْوَكَالَةَ كَانَ الْمُشْتَرِي فِي سَعَةٍ مِنْ إمْسَاكِهَا وَفِي الْخَانِيَّةِ وَكَانَ لَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا حَتَّى يُخَاصِمَهُ الْمَوْلَى إلَى الْقَاضِي بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ الْمُخْبِرُ وَاحِدًا قَالَ: إلَّا أَنْ يَكُونَ خَاصَمَ عِنْدَ الْقَاضِي وَقَضَى الْقَاضِي بِالْمِلْكِ فَإِنْ اُسْتُحْلِفَ الْمَالِكُ عَلَى الْوَكَالَةِ فَإِنَّهُ لَا يَسَعُهُ إمْسَاكُهَا مَا لَمْ يُجَدِّدْ الشَّاهِدَانِ الشَّهَادَةَ عَلَى الْوَكَالَةِ بَيْنَ يَدَيْ الْقَاضِي حَتَّى يَقْضِيَ الْقَاضِي بِالْوَكَالَةِ وَفِي الْخِزَانَةِ خَمْسَةُ أَشْيَاءَ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْوَاحِدِ فِيهَا: إذَا اشْتَرَى شَيْئًا فَأَخْبَرَهُ رَجُلٌ أَنَّهُ لِغَيْرِ الْبَائِعِ وَبَاعَهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَا يُصَدِّقُهُ وَجَازَ تَصَرُّفُهُ فِيهِ. وَإِذَا تَزَوَّجَ فَأَخْبَرَهُ رَجُلٌ أَنَّهَا أُخْتُهُ مِنْ الرَّضَاعِ، وَيَتَنَزَّهُ عَنْهَا. وَإِذَا اشْتَرَى طَعَامًا شِرَاءً فَأَخْبَرَهُ ثِقَةٌ أَنَّهُ حَرَامٌ أَوْ غَصَبَهُ الْبَائِعُ لَا يُصَدَّقُ فِي الْغَصْبِ وَيُصَدَّقُ فِي الْحَرَامِ. رَأَى رَجُلًا قَتَلَ وَلَدًا لَهُ بِالسَّيْفِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 227 وَجَحَدَ قَتْلَهُ لَا يُصَدَّقُ وَوَسِعَ مَنْ عَايَنَ ذَلِكَ أَنْ يُعِينَهُ عَلَى قَتْلِهِ قَالَ مُحَمَّدٌ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا حَتَّى غَابَ عَنْهَا فَأَخْبَرَهُ مُخْبِرٌ أَنَّهَا قَدْ ارْتَدَّتْ عَنْ الْإِسْلَامِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ كَانَ الْمُخْبِرُ بِذَلِكَ عَدْلًا وَفِي الْفَتَاوَى الْغِيَاثِيَّةِ وَهُوَ حُرٌّ أَوْ مَمْلُوكٌ أَوْ مَحْدُودٌ فِي قَذْفٍ وَسِعَهُ أَنْ يُصَدِّقَهُ، وَأَنْ يَتَزَوَّجَ بِأُخْتِهَا أَوْ أَرْبَعٍ سِوَاهَا وَإِنْ كَانَ فَاسِقًا تَحَرَّى فِي ذَلِكَ وَفِي الْخَانِيَّةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمُخْبِرُ ثِقَةً وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ فَإِنْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ صَادِقٌ فَكَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ كَاذِبٌ لَمْ يَتَزَوَّجْ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ هَكَذَا ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ فِي كِتَابِ الِاسْتِحْسَانِ، وَتِلْكَ الْمَسْأَلَةُ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ أَنَّهُ لَا يَسَعُهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأُخْتِهَا وَأَرْبَعٍ سِوَاهَا مَا لَمْ يَشْهَدْ عِنْدَهُ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ كِتَابِ الِاسْتِحْسَانِ اخْتِلَافَ الرِّوَايَتَيْنِ فِي رِوَايَةٍ وَلَمْ يَذْكُرْ رِدَّةَ الْمَرْأَةِ وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ اخْتِلَافَ الرِّوَايَتَيْنِ؛ رِدَّةُ الرَّجُلِ لَا تَثْبُتُ عِنْدَ الْمَرْأَةِ إلَّا بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَوْ شَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ عَلَى رِوَايَةِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ، رِدَّةُ الْمَرْأَةِ تَثْبُتُ عِنْدَ الزَّوْجِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ. قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحُلْوَانِيُّ: وَالصَّحِيحُ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَيْنِ عَلَى رِوَايَةِ السِّيَرِ لَا يَثْبُتُ رِدَّةُ الْمَرْأَةِ عِنْدَ الزَّوْجِ وَلَا رِدَّةُ الزَّوْجِ عِنْدَ الْمَرْأَةِ إلَّا بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَفِي الذَّخِيرَةِ ثُمَّ فَرَّقَ عَلَى رِوَايَةِ كِتَابِ الِاسْتِحْسَانِ بَيْنَمَا إذَا أَخْبَرَ عَنْ رِدَّتِهِمَا قَبْلَ النِّكَاحِ فَقَالَ إذَا قَالَ لِلزَّوْجِ: تَزَوَّجْتَهَا وَهِيَ مُرْتَدَّةٌ لَا يَسَعُهُ أَنْ يَأْخُذَ بِقَوْلِهِ وَإِنْ كَانَ عَدْلًا وَإِذَا أَخْبَرَ عَنْ رِدَّتِهَا بَعْدَ النِّكَاحِ وَسِعَهُ أَنْ يُصَدِّقَهُ فِيمَا قَالَ وَيَتَزَوَّجَ بِأُخْتِهَا، وَأَرْبَعٍ سِوَاهَا وَكَذَلِكَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا تَزَوَّجَ جَارِيَةً رَضِيعَةً ثُمَّ غَابَ عَنْهَا فَأَتَاهُ رَجُلٌ وَأَخْبَرَهُ أَنَّهَا أُمُّهُ أَوْ بِنْتُهُ أَوْ أُخْتُهُ أَوْ رَضِيعَةُ امْرَأَتِهِ الصَّغِيرَةِ فَإِنْ كَانَ الْمُخْبِرُ عَدْلًا وَسِعَهُ أَنْ يُصَدِّقَهُ وَيَتَزَوَّجَ بِأُخْتِهَا وَأَرْبَعٍ سِوَاهَا وَإِنْ كَانَ فَاسِقًا يَتَحَرَّى فِي ذَلِكَ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: لِأَنَّ الْقَاطِعَ طَارِئٌ وَالْإِقْدَامَ الْأَوَّلَ لَا يَدُلُّ عَلَى إقْدَامِهِ فَلَمْ يَثْبُتُ الْمُنَازِعُ. اُعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ إنْ قَبِلَ خَبَرَ الْوَاحِدِ فِي إفْسَادِ النِّكَاحِ بَعْدَ الصِّحَّةِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَوَجْهٌ آخَرُ فِيهِ يُوجِبُ عَدَمَ الْقَبُولِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ إذَا كَانَ ثَابِتًا بِدَلِيلٍ مُوجِبٍ، وَدَلِيلُ مِلْكِ الزَّوْجِ فِيهَا فِي الْحَالِ لَيْسَ بِدَلِيلٍ مُوجِبٍ بَلْ بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ، وَخَبَرُ الْوَاحِدِ أَقْوَى مِنْ اسْتِصْحَابِ الْحَالِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ إذَا تَضَمَّنَ إبْطَالَ الْمِلْكِ الثَّابِتِ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: رِوَايَةُ السِّيَرِ تَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الرَّضَاعِ وَبَيْنَ الرِّدَّةِ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ هَكَذَا وَلَكِنَّهُ قَالَ: كُنْتَ تَزَوَّجْتَهَا يَوْمَ تَزَوَّجْتَهَا وَهِيَ أُخْتُكَ مِنْ الرَّضَاعَةِ فَإِنَّهُ لَا يَسَعُهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْتَهَا وَلَا أَرْبَعًا سِوَاهَا إنْ كَانَ الْمُخْبِرُ عَدْلًا وَإِذَا غَابَ الرَّجُلُ عَنْ امْرَأَتِهِ فَأَتَاهَا مُسْلِمٌ عَدْلٌ، وَأَخْبَرَهَا أَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا أَوْ مَاتَ عَنْهَا فَلَهَا أَنْ تَعْتَدَّ وَتَتَزَوَّجَ بِزَوْجٍ آخَرَ وَإِنْ كَانَ الْمُخْبِرُ فَاسِقًا يُتَحَرَّى وَفِي الْفَتَاوَى الْغِيَاثِيَّةِ وَكَذَلِكَ إذَا جَاءَهَا كِتَابٌ بِطَلَاقٍ أَوْ مَوْتٍ وَغَلَبَ فِي ظَنِّهَا ذَلِكَ وَفِي فَتَاوَى أَبِي اللَّيْثِ إذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ عِنْدَ الْمَرْأَةِ بِالطَّلَاقِ فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ غَائِبًا وَسِعَهَا أَنْ تَعْتَدَّ وَتَتَزَوَّجَ بِزَوْجٍ آخَرَ وَإِنْ كَانَ حَاضِرًا لَيْسَ لَهَا أَنْ تُمَكِّنَ نَفْسَهَا مِنْ زَوْجِهَا وَكَذَلِكَ إنْ سَمِعَتْهُ طَلَّقَهَا وَجَحَدَ الزَّوْجُ ذَلِكَ وَحَلَفَ فَرَدَّهَا الْقَاضِي عَلَيْهِ لَمْ يَسَعْهَا الْمُقَامُ مَعَهُ وَيَنْبَغِي لَهَا أَنْ تَفْتَدِيَ بِمَالِهَا وَتَهْرُبَ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ تَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ قَتَلَتْهُ وَإِذَا هَرَبَتْ مِنْهُ لَمْ يَسَعْهَا أَنْ تَعْتَدَّ وَتَتَزَوَّجَ بِزَوْجٍ آخَرَ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ: لَيْسَ لَهَا أَنْ تَعْتَدَّ وَتَتَزَوَّجَ بِزَوْجٍ آخَرَ، جَوَابُ الْقَاضِي أَمَّا فِيمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَلَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بَعْدَمَا اعْتَدَّتْ اهـ. ثُمَّ إذَا أَخْبَرَهَا عَدْلٌ مُسْلِمٌ أَنَّهُ مَاتَ زَوْجُهَا كَذَا إنَّمَا تَعْتَمِدُ خَبَرَهُ إذَا قَالَ عَايَنْتُهُ مَيِّتًا وَقَالَ: شَهِدْتُ جِنَازَتَهُ أَمَّا إذَا قَالَ " أَخْبَرَنِي مُخْبِرٌ " لَا يُعْتَمَدُ عَلَى خَبَرِهِ، وَإِنْ أَخْبَرَ وَاحِدٌ بِمَوْتِهِ وَرَجُلَانِ آخَرَانِ أَخْبَرَا بِحَيَاتِهِ فَإِنْ كَانَ الَّذِي أَخْبَرَهَا بِمَوْتِهِ قَالَ عَايَنْتُهُ مَيِّتًا وَشَاهَدْتُ جِنَازَتَهُ يَحِلُّ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ وَإِنْ كَانَ اللَّذَانِ أَخْبَرَا بِحَيَاتِهِ ذَكَرَا أَنَّهُمَا رَأَيَاهُ حَيًّا فَقَوْلُهُمَا أَوْلَى وَفِي السِّرَاجِيَّةِ إنْ كَانَ عَدْلًا وَفِيهِ لَوْ شَهِدَ اثْنَانِ بِمَوْتِهِ وَقَتْلِهِ وَشَهِدَ آخَرَانِ أَنَّهُ حَيٌّ فَشَهَادَةُ الْمَوْتِ أَوْلَى وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ لِرَجُلٍ: إنَّ زَوْجِي طَلَّقَنِي ثَلَاثًا وَانْقَضَتْ عِدَّتِي فَإِنْ كَانَتْ عَدْلَةٌ وَسِعَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا وَإِنْ كَانَتْ فَاسِقَةً تَحَرَّى وَعَمِلَ بِمَا وَقَعَتْ تَحَرِّيَّتُهُ عَلَيْهِ وَلَوْ أَخْبَرَهَا أَنَّ أَصْلَ نِكَاحِهَا فَاسِدٌ، وَأَنَّ زَوْجَهَا أَخُوهَا مِنْ الرَّضَاعَةِ أَوْ كَانَ مُرْتَدًّا فَإِنَّهُ لَا يَسَعُهَا أَنْ تَقْبَلَ وَتَتَزَوَّجَ بِزَوْجٍ آخَرَ وَإِنْ كَانَ الْمُخْبِرُ عَدْلًا قَالَ مُحَمَّدٌ: إنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ فِي يَدِهِ جَارِيَةٌ يَدَّعِي إنَّهَا رَقِيقَتُهُ وَهِيَ تُقِرُّ بِالْمِلْكِ فَوَجَدَهَا فِي يَدِ رَجُلٍ وَقَدْ عَلِمَ بِحَالِهَا فَأَرَادَ شِرَاءَهَا فَسَأَلَهُ عَنْهَا فَقَالَ: الْجَارِيَةُ جَارِيَتِي وَقَدْ كَانَ الَّذِي يَدَّعِي الْجَارِيَةَ كَانَتْ فِي يَدِهِ كَاذِبًا فِيمَا ادَّعَى مِنْ مِلْكِهَا لَا يَنْبَغِي لِهَذَا الرَّجُلِ أَنْ يَشْتَرِيَهَا مِنْهُ وَإِنْ كَانَ عَدْلًا وَلَوْ قَالَ كُنْت اشْتَرَيْتهَا مِنْهُ وَسِعَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهَا مِنْهُ وَكَذَلِكَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 228 جَارِيَةٌ فِي يَدِ رَجُلٍ يَدَّعِي أَنَّهَا جَارِيَتُهُ وَهِيَ صَغِيرَةٌ لَا تُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهَا بِجُحُودٍ وَلَا إقْرَارٍ فَكَبِرَتْ فَلَقَاهَا رَجُلٌ وَقَدْ عَلِمَ بِذَلِكَ فِي بَلَدٍ آخَرَ فَأَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فَقَالَتْ لَهُ أَنَا حُرَّةُ الْأَصْلِ وَلَمْ أَكُنْ أَمَةً لِلَّذِي كُنْتُ فِي يَدِهِ فَلِهَذَا لَا يَسَعُهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا وَلَوْ قَالَتْ: كُنْت أَمَةً لِلَّذِي كُنْت فِي يَدِهِ فَأَعْتَقَنِي وَسِعَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا إنْ كَانَتْ خَالِيَةً وَفِي الْخَانِيَّةِ إنْ كَانَتْ ثِقَةً أَوْ وَقَعَ فِي قَلْبِهِ أَنَّهَا صَادِقَةٌ لَا بَأْسَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا وَلَوْ أَنَّ حُرَّةً تَزَوَّجَتْ رَجُلًا ثُمَّ أَتَتْ غَيْرَهُ وَقَالَتْ: إنَّ نِكَاحِي الْأَوَّلَ كَانَ فَاسِدًا أَوْ الزَّوْجَ عَلَى غَيْرِ الْإِسْلَامِ لَا يَنْبَغِي لِهَذَا الرَّجُلِ أَنْ يُصَدِّقَهَا وَلَا أَنْ يَتَزَوَّجَهَا وَلَوْ قَالَتْ: إنَّ زَوْجِي طَلَّقَنِي بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ قَالَتْ ارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَامِ فَبَنَتْ مِنْهُ وَسِعَهُ أَنْ يُصَدِّقَهَا، وَأَنْ يَتَزَوَّجَهَا إذَا كَانَتْ عَدْلَةٌ اهـ. قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكُرِهَ لِرَبِّ الدَّيْنِ أَخْذُ ثَمَنِ خَمْرٍ بَاعَهَا مُسْلِمٌ لَا كَافِرٌ) يَعْنِي إذَا كَانَ لِشَخْصٍ مُسْلِمٍ دَيْنٌ عَلَى مُسْلِمٍ فَبَاعَ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ خَمْرًا، وَأَخَذَ ثَمَنَهَا وَقَضَى الدَّيْنَ لَا يَحِلُّ لِلْمَدِينِ أَنْ يَأْخُذَ ذَلِكَ بِدَيْنِهِ وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ كَافِرًا جَازَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْبَيْعَ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ بَاطِلٌ فَلَمْ يَمْلِكْ الْبَائِعُ الثَّمَنَ وَهُوَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مَالَ الْغَيْرِ بِغَيْرِ رِضَاهُ، وَالْبَيْعَ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي صَحِيحٌ فَمَلَكَ الْبَائِعُ الثَّمَنَ؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ فِي حَقِّ الْكَافِرِ فَجَازَ لَهُ الْأَخْذُ بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ وَفِي النِّهَايَةِ عَنْ مُحَمَّدٍ: هَذَا إذَا كَانَ الْقَضَاءُ وَالِاقْتِضَاءُ بِالرِّضَا فَإِنْ كَانَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَقَضَى عَلَيْهِ بِهَذَا الثَّمَنِ وَلَمْ يَعْلَمْ الْقَاضِي بِكَوْنِهِ ثَمَنَ خَمْرٍ يَطِيبُ لَهُ ذَلِكَ بِقَضَائِهِ وَاسْتَشْكَلَ الْإِمَامُ الزَّيْلَعِيُّ حَيْثُ قَالَ: إنَّهُ مَالُ الْغَيْرِ فَكَيْفَ يَطِيبُ لَهُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي وَمُحَمَّدٌ لَا يَرَى نُفُوذَ قَضَاءِ الْقَاضِي بَاطِنًا وَإِنَّمَا يَنْفُذُ عِنْدَهُ ظَاهِرًا، وَلَوْ مَاتَ مُسْلِمٌ وَتَرَكَ ثَمَنَ خَمْرٍ بَاعَهَا لَا يَحِلُّ لِوَرَثَتِهِ أَنْ يَأْخُذُوا ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ كَالْمَغْصُوبِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا كَسْبُ الْمُغَنِّيَةِ كَالْمَغْصُوبِ لَمْ يَحِلَّ لِأَحَدٍ أَخْذُهُ قَالُوا وَعَلَى هَذَا لَوْ مَاتَ رَجُلٌ وَكَسْبُهُ مِنْ ثَمَنِ الْبَاذَقِ وَالظُّلْمِ أَوْ أَخْذِ الرِّشْوَةِ تَعُودُ الْوَرَثَةُ وَلَا يَأْخُذُونَ مِنْهُ شَيْئًا وَهُوَ الْأَوْلَى لَهُمْ وَيَرُدُّونَهُ عَلَى أَرْبَابِهِ إنْ عَرَفُوهُمْ، وَإِلَّا يَتَصَدَّقُوا بِهِ؛ لِأَنَّ سَبِيلَ الْكَسْبِ الْخَبِيثِ التَّصَدُّقُ إذَا تَعَذَّرَ الرَّدُّ وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ الْمُعْتَبَرَ اعْتِقَادُ الْبَائِعِ سَوَاءٌ بَاعَهُ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ كَافِرٍ فَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ مُسْلِمًا لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ الثَّمَنَ اشْتَرَاهُ مِنْهُ مُسْلِمٌ أَوْ كَافِرٌ وَإِنْ كَانَ كَافِرًا مَلَكَ الثَّمَنَ سَوَاءٌ اشْتَرَاهُ مِنْهُ مُسْلِمٌ أَوْ كَافِرٌ اهـ. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا ظَاهِرٌ إذَا بَاعَ الْخَمْرَ الْمُسْلِمُ لِلْمُسْلِمِ أَوْ الْكَافِرُ لِلْكَافِرِ، وَأَمَّا إذَا بَاعَ الْمُسْلِمُ لِلْكَافِرِ أَوْ الْكَافِرُ لِلْمُسْلِمِ فَلِمَ لَمْ يُقْبَلْ اعْتِقَادُ الْكَافِرِ فَنَقُولَ بِالْجَوَازِ أَوْ بِاعْتِقَادِ الْمُسْلِمِ فَنَقُولَ بِعَدَمِ الْجَوَازِ. قُلْنَا الْأَصَحُّ تَرْجِيحُ الْمُحَرَّمِ. [احْتِكَارُ قُوتِ الْآدَمِيِّينَ وَالْبَهَائِمِ فِي بَلَدٍ لَمْ يَضُرَّ بِأَهْلِهَا] قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (وَاحْتِكَارُ قُوتِ الْآدَمِيِّينَ وَالْبَهَائِمِ فِي بَلَدٍ لَمْ يَضُرَّ بِأَهْلِهَا) يَعْنِي يُكْرَهُ الِاحْتِكَارُ فِي بَلَدٍ يَضُرُّ بِأَهْلِهَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْجَالِبُ مَرْزُوقٌ وَالْمُحْتَكِرُ مَلْعُونٌ» وَلِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْعَامَّةِ وَفِي الِامْتِنَاعِ عَنْ الْبَيْعِ إبْطَالُ حَقِّهِمْ وَتَضْيِيقُ الْأَمْرِ عَلَيْهِمْ فَيُكْرَهُ هَذَا إذَا كَانَتْ الْبَلْدَةُ صَغِيرَةً يَضُرُّ ذَلِكَ بِأَهْلِهَا أَمَّا إذَا كَانَتْ كَبِيرَةً فَلَا يُكْرَهُ؛ لِأَنَّهُ حَابِسٌ مِلْكَهُ، وَتَخْصِيصُ الِاحْتِكَارِ بِالْأَقْوَاتِ قَوْلُ الْإِمَامِ وَالثَّالِثِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: كُلُّ مَا يَضُرُّ الْعَامَّةَ فَهُوَ احْتِكَارٌ، بِالْأَقْوَاتِ كَانَ أَوْ ثِيَابًا أَوْ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ اعْتِبَارًا لِحَقِيقَةِ الضَّرَرِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُؤَثِّرُ فِي الْكَرَاهَةِ، وَهُمَا اعْتَبَرَا الْحَبْسَ الْمُتَعَارَفَ وَهُوَ الْحَاصِلُ فِي الْأَقْوَاتِ فِي الْمُدَّةِ فَإِذَا قَصُرَتْ لَا يَكُونُ احْتِكَارًا لِعَدَمِ الضَّرَرِ، إذَا طَالَتْ يَكُونُ مَكْرُوهًا ثُمَّ قِيلَ هُوَ مُقَدَّرٌ بِأَرْبَعِينَ لَيْلَةً لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ احْتَكَرَ طَعَامًا أَرْبَعِينَ لَيْلَةً فَهُوَ بَرِيءٌ مِنْ اللَّهِ وَاَللَّهُ بَرِيءٌ مِنْهُ» وَقِيلَ بِالشَّهْرِ لِأَنَّ مَا دُونَهُ قَلِيلٌ عَاجِلٌ وَهُوَ وَمَا فَوْقَهُ كَثِيرٌ آجِلٌ وَيَقَعُ التَّفَاوُتُ فِي الْمَأْثَمِ بَيْنَ أَنْ يَتَرَبَّصَ الْعُسْرَةَ وَبَيْنَ أَنْ يَتَرَبَّصَ الْقَحْطَ - وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ - وَقِيلَ: الْمُدَّةُ الْمَذْكُورَةُ لِلْمُعَاقَبَةِ فِي الدُّنْيَا، وَأَمَّا الْإِثْمُ فَيَحْصُلُ وَإِنْ قَلَّتْ الْمُدَّةُ فَحَاصِلُهُ أَنَّ التِّجَارَةَ فِي الطَّعَامِ غَيْرُ مَحْمُودَةٍ. وَفِي الْمُحِيطِ الِاحْتِكَارُ عَلَى وُجُوهٍ: أَحَدُهَا حَرَامٌ وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِيَ فِي الْمِصْرِ طَعَامًا وَيَمْتَنِعَ عَنْ بَيْعِهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ وَلَوْ اشْتَرَى طَعَامًا فِي غَيْرِ الْمِصْرِ وَنَقَلَهُ إلَى الْمِصْرِ وَحَبَسَهُ قَالَ الْإِمَامُ لَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْعَامَّةِ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِمَا جَمَعَ مِنْ الْمِصْرِ أَوْ جَلَبَ مِنْ فِنَائِهِ، وَقَالَ الثَّانِي: يُكْرَهُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: كُلُّ بُقْعَةٍ يَمْتَدُّ مِنْهَا إلَى الْمِصْرِ فِي الْعَادَةِ فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ فِنَاءِ الْمِصْرِ يَحْرُمُ الِاحْتِكَارُ مِنْهُ وَهَذَا فِي غَايَةِ الِاحْتِيَاطِ اهـ. قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا غَلَّةِ ضَيْعَتِهِ وَمَا جَلَبَهُ مِنْ بَلَدٍ آخَرَ) يَعْنِي لَا يُكْرَهُ احْتِكَارُ غَلَّةِ أَرْضِهِ وَمَا جَلَبَهُ مِنْ بَلَدٍ آخَرَ لِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّهِ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ الْعَامَّةِ فَلَا يَكُونُ احْتِكَارًا أَلَا تَرَى أَنَّ لَهُ أَنْ لَا يَزْرَعَ وَلَا يَجْلِبَ فَكَذَا لَهُ أَنْ لَا يَبِيعَ وَهَذَا فِي الْمَجْلُوبِ قَوْلُ الْإِمَامِ خَاصَّةً فَإِنَّ حَقَّ الْعَامَّةِ لَا يَتَعَلَّقُ بِمَا جَلَبَ فَصَارَ كَغَلَّةِ ضَيْعَتِهِ وَالْجَامِعُ تَعَلَّقَ حَقُّ الْعَامَّةِ بِهِ وَقَدَّمْنَا قَوْلَ مُحَمَّدٍ وَقَوْلَ أَبِي يُوسُفَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 229 عَنْ الْمُحِيطِ اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَلَا يُسَعِّرُ السُّلْطَانُ إلَّا أَنْ يَتَعَدَّى أَرْبَابُ الطَّعَامِ عَنْ الْقِيمَةِ تَعَدِّيًا فَاحِشًا) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تُسَعِّرُوا فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُسَعِّرُ الْقَابِضُ الْبَاسِطُ الرَّازِقُ» وَلِأَنَّ الثَّمَنَ حَقُّ الْبَائِعِ وَكَانَ إلَيْهِ تَقْدِيرُهُ فَلَا يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِحَقِّهِ إلَّا إذَا كَانَ أَرْبَابُ الطَّعَامِ يَحْتَكِرُونَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَيَتَعَدَّوْنَ فِي الْقِيمَةِ تَعَدِّيًا فَاحِشًا وَعَجَزَ السُّلْطَانُ عَنْ مَنْعِهِ إلَّا بِالتَّسْعِيرِ بِمُشَاوَرَةِ أَهْلِ الرَّأْيِ وَالنَّظَرِ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ عَلَى رَجُلٍ فَتَعَدَّى وَبَاعَ بِثَمَنٍ فَوْقَهُ أَجَازَهُ الْقَاضِي وَهَذَا لَا يُشْكِلُ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرَى الْحَجْرَ عَلَى الْحُرِّ وَكَذَا عِنْدَهُمَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَجْرُ عَلَى قَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ، وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي وَلِلسُّلْطَانِ أَنْ لَا يُعَجِّلَ بِعُقُوبَةِ مَنْ بَاعَ فَوْقَ مَا سَعَّرَ بَلْ يَعِظَهُ وَيَزْجُرَهُ وَإِنْ رُفِعَ إلَيْهِ ثَانِيًا فَعَلَ بِهِ كَذَلِكَ وَهَدَّدَهُ وَإِنْ رُفِعَ إلَيْهِ ثَالِثًا حَبَسَهُ وَعَزَّرَهُ حَتَّى يَمْتَنِعَ عَنْهُ وَيَمْتَنِعَ الضَّرَرُ عَنْ النَّاسِ وَفِي الْعَتَّابِيِّ: وَلَوْ بَاعَ شَيْئًا بِثَمَنٍ زَائِدٍ عَلَى مَا قَدَّرَهُ الْإِمَامُ فَلَيْسَ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَنْقُضَهُ، وَالْغَبْنُ الْفَاحِشُ هُوَ أَنْ يَبِيعَهُ بِضِعْفِ قِيمَتِهِ وَإِذَا امْتَنَعَ أَرْبَابُ الطَّعَامِ عَنْ بَيْعِهِ لَا يَبِيعُهُ الْقَاضِي أَوْ السُّلْطَانُ عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا يَبِيعُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يَرَى الْحَجْرَ عَلَى الْحُرِّ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ وَهُمَا يَرَيَانِهِ. امْتَنَعَ الْمُحْتَكِرُ مِنْ بَيْعِ الطَّعَامِ لِلْإِمَامِ أَنْ يَبِيعَهُ عَلَيْهِ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا عَلَى مَسْأَلَةِ الْحَجْرِ وَقِيلَ يَبِيعُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ ضَرَرٌ عَامٌّ وَضَرَرٌ خَاصٌّ فَيُقَدَّمُ دَفْعُ الضَّرَرِ الْعَامِّ كَمَا بَيَّنَّا فِي كِتَابِ الْحَجْرِ قَالَ فِي الْمُحِيطِ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا إذَا امْتَنَعَ الْمُحْتَكِرُ عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ يَبِيعُهُ الْإِمَامُ عَلَيْهِ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا. اهـ. وَمَنْ بَاعَ مِنْهُمْ بِمَا قَدَّرَهُ الْإِمَامُ صَحَّ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكْرَهٍ عَلَى الْبَيْعِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَفِي الْمُحِيطِ إنْ كَانَ الْبَائِعُ يَخَافُ إذَا زَادَ فِي الثَّمَنِ عَلَى مَا قَدَّرَهُ أَوْ نَقَصَ فِي الْبَيْعِ يَضُرُّ بِهِ الْإِمَامُ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ لَا يَحِلُّ لِلْمُشْتَرِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمُكْرَهِ، وَالْحِيلَةُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ تَبِيعُنِي بِمَا تُحِبُّ وَلَوْ اصْطَلَحَ أَهْلُ بَلْدَةٍ عَلَى سِعْرِ الْخُبْزِ وَاللَّحْمِ وَشَاعَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ فَاشْتَرَى مِنْهُمْ رَجُلٌ خُبْزًا بِدِرْهَمٍ أَوْ لَحْمًا بِدِرْهَمٍ، وَأَعْطَاهُ الْبَائِعُ نَاقِصًا وَالْمُشْتَرِي لَا يَعْرِفُ ذَلِكَ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِالنُّقْصَانِ إذَا عَرَفَهُ؛ لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ كَالْمَشْرُوطِ وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ تِلْكَ الْبَلَدِ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِالنُّقْصَانِ فِي الْخُبْزِ دُونَ اللَّحْمِ؛ لِأَنَّ سِعْرَ الْخُبْزِ يَظْهَرُ عَادَةً فِي الْبُلْدَانِ وَسِعْرَ اللَّحْمِ لَا يَظْهَرُ إلَّا نَادِرًا فَيَكُونُ شَارِطًا فِي الْخُبْزِ مِقْدَارًا مُعَيَّنًا دُونَ اللَّحْمِ وَلَوْ خَافَ الْإِمَامُ عَلَى أَهْلِ مِصْرٍ الْهَلَاكَ أَخَذَ الطَّعَامَ مِنْ الْمُحْتَكِرِينَ وَفَرَّقَهُ فَإِذَا وَجَدُوهُ رَدُّوا مِثْلَهُ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ الْحَجْرِ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ دَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُمْ كَمَا فِي حَالِ الْمَخْمَصَةِ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ. [بَيْعُ الْعَصِيرِ مِنْ خَمَّارٍ] قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَجَازَ بَيْعُ الْعَصِيرِ مِنْ خَمَّارٍ) لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ لَا تَقُومُ بِعَيْنِهِ بَلْ بَعْدَ تَغَيُّرِهِ بِخِلَافِ بَيْعِ السِّلَاحِ مِنْ أَهْلِ الْفِتْنَةِ؛ لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ تَقُومُ بِعَيْنِهِ فَيَكُونُ إعَانَةً لَهُمْ وَتَسَبُّبًا وَقَدْ نُهِينَا عَنْ التَّعَاوُنِ عَلَى الْعُدْوَانِ وَالْمَعْصِيَةِ وَلِأَنَّ الْعَصِيرَ يَصْلُحُ لِلْأَشْيَاءِ كُلِّهَا جَائِزَةً شَرْعًا فَيَكُونُ الْفَسَادُ إلَى اخْتِيَارِهِ، وَبَيْعُ الْمُكَعَّبِ الْمُفَضَّضِ لِلرِّجَالِ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ يَشْتَرِيهِ لِيَلْبَسَهُ يُكْرَهُ؛ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ لَهُ عَلَى لُبْسِ الْحَرَامِ وَلَوْ أَنَّ إسْكَافِيًّا أَمَرَهُ إنْسَانٌ أَنْ يَتَّخِذَ لَهُ خُفًّا عَلَى زِيِّ الْمَجُوسِ أَوْ الْفَسَقَةِ، أَوْ خَيَّاطًا أَمَرَهُ إنْسَانٌ أَنْ يَخِيطَ لَهُ قَمِيصًا عَلَى زِيِّ الْفُسَّاقِ يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ كَذَا فِي الْمُحِيطِ. قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِجَارَةُ بَيْتٍ لِيُتَّخَذَ بَيْتَ نَارٍ أَوْ بِيعَةً أَوْ كَنِيسَةً أَوْ يُبَاعَ فِيهِ خَمْرٌ بِالسَّوَادِ) يَعْنِي جَازَ إجَارَةُ الْبَيْتِ لِكَافِرٍ لِيُتَّخَذُ مَعْبَدًا أَوْ بَيْتَ نَارٍ لِلْمَجُوسِ أَوْ يُبَاعَ فِيهِ خَمْرٌ فِي السَّوَادِ وَهَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ وَقَالَا: يُكْرَهُ كُلُّ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] وَلَهُ أَنَّ الْإِجَارَةَ عَلَى مَنْفَعَةِ الْبَيْتِ وَلِهَذَا تَجِبُ الْأُجْرَةُ بِمُجَرَّدِ التَّسْلِيمِ وَلَا مَعْصِيَةَ فِيهِ وَإِنَّمَا الْمَعْصِيَةُ بِفِعْلِ الْمُسْتَأْجِرِ وَهُوَ مُخْتَارٌ فِيهِ فَقَطَعَ نِسْبَةَ ذَلِكَ إلَى الْمُؤَجِّرِ وَصَارَ كَبَيْعِ الْجَارِيَةِ لِمَنْ لَا يَسْتَبْرِئُهَا أَوْ يَأْتِيهَا فِي دُبُرِهَا أَوْ بَيْعِ الْغُلَامِ مِمَّنْ يَلُوطُ بِهِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ أَجَّرَهُ لِلسُّكْنَى جَازَ وَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ عِبَادَتِهِ وَإِنَّمَا قَيَّدَهُ بِالسَّوَادِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُمَكَّنُونَ مِنْ ذَلِكَ فِي الْأَمْصَارِ وَلَا يُمَكَّنُونَ مِنْ إظْهَارِ بَيْعِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ فِي الْأَمْصَارِ لِظُهُورِ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ فَلَا يُعَارَضُ بِظُهُورِ شَعَائِرِ الْكُفْرِ قَالُوا فِي هَذَا سَوَادُ الْكُوفَةِ؛ لِأَنَّ غَالِبَ أَهْلِهَا أَهْلُ ذِمَّةٍ، وَأَمَّا فِي غَيْرِهَا فِيهَا شَعَائِرُ الْإِسْلَامِ ظَاهِرَةٌ فَلَا يُمَكَّنُونَ فِيهَا فِي الْأَصَحِّ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة مُسْلِمٌ لَهُ امْرَأَةٌ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ شُرْبِ الْخَمْرِ وَلَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ إدْخَالِ الْخَمْرِ بَيْتَهُ وَلَا يُجْبِرُهَا عَلَى الْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ وَفِي كِتَابِ الْخَرَاجِ لِأَبِي يُوسُفَ الْمُسْلِمُ يَأْمُرُ جَارِيَتَهُ الْكِتَابِيَّةَ بِالْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ وَيُجْبِرُهَا عَلَى ذَلِكَ قَالُوا: يَجِبُ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ الْكِتَابِيَّةُ عَلَى هَذَا الْقِيَاسِ أَيْضًا قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي النَّصْرَانِيَّةِ تَحْتَ الْمُسْلِمِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 230 لَا تَنْصِبُ فِي بَيْتِهِ صَلِيبًا وَتُصَلِّي فِي بَيْتِهِ حَيْثُ شَاءَتْ وَمَنْ سَأَلَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ الْمُسْلِمَ طَرِيقَ الْبِيعَةِ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَدُلَّهُ عَلَيْهَا اهـ. [حَمْلُ خَمْرِ الذِّمِّيِّ بِأَجْرٍ] قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (وَحَمْلُ خَمْرِ الذِّمِّيِّ بِأَجْرٍ) يَعْنِي جَازَ ذَلِكَ وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ وَقَالَا يُكْرَهُ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَعَنَ فِي الْخَمْرِ عَشَرَةً وَعَدَّ مِنْهَا حَامِلَهَا» وَلَهُ أَنَّ الْإِجَارَةَ عَلَى الْحَمْلِ وَهُوَ لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ وَإِنَّمَا الْمَعْصِيَةُ بِفِعْلِ فَاعِلٍ مُخْتَارٍ فَصَارَ كَمَنْ اسْتَأْجَرَهُ لِعَصْرِ خَمْرِ الْعِنَبِ وَقَطْفِهِ، وَالْحَدِيثُ يُحْمَلُ عَلَى الْحَمْلِ الْمَقْرُونِ بِقَصْدِ الْمَعْصِيَةِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا أَجَّرَ دَابَّةً لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا الْخَمْرَ أَوْ نَفْسَهُ لِيَرْعَى لَهُ الْخَنَازِيرَ فَإِنَّهُ يَطِيبُ لَهُ الْأَجْرُ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يُكْرَهُ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَلَوْ أَجَّرَ الْمُسْلِمُ نَفْسَهُ لِذِمِّيٍّ لِيَعْمَلَ فِي الْكَنِيسَةِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَفِي الذَّخِيرَةِ إذَا دَخَلَ يَهُودِيٌّ الْحَمَّامَ هَلْ يُبَاحُ لِلْخَادِمِ الْمُسْلِمِ أَنْ يَخْدُمَهُ قَالَ: إنْ خَدَمَهُ طَمَعًا فِي فُلُوسِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَإِنْ خَدَمَهُ تَعْظِيمًا لَهُ يُنْظَرُ إنْ فَعَلَ ذَلِكَ لِيُمِيلَ قَلْبَهُ إلَى الْإِسْلَامِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَإِنْ فَعَلَهُ تَعْظِيمًا لَهُ كُرِهَ ذَلِكَ وَعَلَى هَذَا إذَا دَخَلَ ذِمِّيٌّ عَلَى مُسْلِمٍ فَقَامَ لَهُ طَمَعًا فِي إسْلَامِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَإِنْ قَامَ لَهُ تَعْظِيمًا لَهُ كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ. [بَيْعُ بِنَاءِ بُيُوتِ مَكَّةَ أَوْ أَرَاضِيهَا] قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبَيْعُ بِنَاءِ بُيُوتِ مَكَّةَ أَوْ أَرَاضِيِهَا) يَعْنِي يَجُوزُ ذَلِكَ أَمَّا الْبِنَاءُ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ مِلْكٌ لِبِنَائِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ بَنَى فِي الْمُسْتَأْجَرِ أَوْ الْوَقْفِ جَازَ الْبِنَاءُ وَكَانَ لَهُ مِلْكًا لَهُ، وَأَمَّا بَيْعُ أَرَاضِيهَا فَالْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ أَرَاضِيَهَا مَمْلُوكَةٌ لِأَهْلِهَا لِظُهُورِ التَّصَرُّفِ وَالِاخْتِصَاصِ وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «هَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ رِبَاعٍ» الْحَدِيثُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَرَاضِيَهَا تُمْلَكُ وَتَقْبَلُ الِانْتِقَالَ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ وَقَدْ تَعَارَفَ النَّاسُ ذَلِكَ مِنْ أَوَّلِ الْإِسْلَامِ إلَى الْآنَ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ وَهُوَ مِنْ أَقْوَى الْحُجَجِ، وَقَالَ الْإِمَامُ: لَا يَجُوزُ بَيْعُ أَرَاضِيهَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مَكَّةَ وَحَرَّمَ بَيْعَ أَرَاضِيهَا وَإِجَارَتَهَا» وَلِأَنَّهُ وَقْفُ الْخَلِيلِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَلِأَنَّ الْأَرَاضِيَ بِمَكَّةَ كَانَتْ تُدْعَى فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْخَلِيفَتَيْنِ مِنْ بَعْدِهِ بِالسَّوَائِبِ مَنْ احْتَاجَ إلَيْهَا سَكَنَهَا وَمَنْ اسْتَغْنَى عَنْهَا تَرَكَهَا قَالَ الشَّارِحُ وَمَنْ وَضَعَ عِنْدَ بَقَّالٍ دِرْهَمًا يَأْخُذُ مِنْهُ مَا شَاءَ كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إذَا مَلَّكَهُ الدِّرْهَمَ فَقَدْ أَقْرَضَهُ إيَّاهُ وَقَدْ شَرَطَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ مِنْ الْقَبُولِ وَغَيْرِهَا مَا شَاءَ وَلَهُ فِي ذَلِكَ نَفْعُ بَقَاءِ الدِّرْهَمِ وَكِفَايَتُهُ لِلْحَاجَاتِ وَلَوْ كَانَ فِي يَدِهِ لَخَرَجَ مِنْ سَاعَتِهِ وَلَمْ يَبْقَ فَصَارَ فِي مَعْنَى قَرْضٍ جَرَّ نَفْعًا وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُودِعَهُ عِنْدَهُ ثُمَّ يَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا فَشَيْئًا وَإِنْ ضَاعَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْوَدِيعَةَ أَمَانَةٌ اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَتَعْشِيرُ الْمُصْحَفِ وَنَقْطُهُ) يَعْنِي يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ وَالْآيَةَ تَوْقِيفِيَّةٌ لَيْسَ لِلرَّأْيِ فِيهَا مَدْخَلٌ فَالتَّعْشِيرُ حِفْظُ الْآيَاتِ، وَالنَّقْطُ الْإِعْرَابُ فَكَانَا حَسَنَيْنِ وَلِأَنَّ الْعَجَمِيَّ الَّذِي لَا يَحْفَظُ الْقُرْآنَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْقِرَاءَةِ إلَّا بِالنَّقْطِ فَكَانَ حَسَنًا وَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مِنْ قَوْلِهِ جَرِّدُوا الْقُرْآنَ فَذَلِكَ فِي زَمَانِهِمْ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَنْقُلُونَهُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا أُنْزِلَ وَعَلَى هَذَا لَا بَأْسَ بِكِتَابَةِ أَسَامِي السُّوَرِ وَعَدِّ الْآيِ وَإِنْ كَانَ مُحَزَّبًا فَهُوَ حَسَنٌ وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَفِي الْعَتَّابِيَّةِ: وَيُكْرَهُ التَّعَاشِيرُ وَهُوَ كِتَابَةٌ لِعَلَامَةِ عُشْرِ مُنْتَهَى عَشْرِ آيَاتٍ اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَحْلِيَتُهُ) يَعْنِي وَيَجُوزُ تَحْلِيَةُ الْمُصْحَفِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْظِيمِهِ كَمَا فِي نَقْشِ الْمَسْجِدِ وَزِينَتِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِهِ. قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَدُخُولُ ذِمِّيٍّ مَسْجِدًا) يَعْنِي جَازَ إدْخَالُ الذِّمِّيِّ جَمِيعَ الْمَسَاجِدِ عِنْدَنَا وَقَالَ مَالِكٌ: يُكْرَهُ فِي كُلِّ الْمَسَاجِدِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُكْرَهُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ} [التوبة: 28] وَلِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يَخْلُو عَنْ النَّجَاسَةِ وَالْجَنَابَةِ فَوَجَبَ تَنْزِيهُ الْمَسْجِدِ عَنْهُ وَلَنَا أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَنْزَلَ وَفْدَ ثَقِيفٍ فِي الْمَسْجِدِ وَضَرَبَ لَهُمْ خَيْمَةً فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ الصَّحَابَةُ الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَيْسَ عَلَى الْأَرْضِ مِنْ نَجَاسَتِهِمْ شَيْءٌ وَإِنَّمَا نَجَاسَتُهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ» وَالنَّجَاسَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْآيَةِ الْخَبَثُ فِي اعْتِقَادِهِمْ؛ لِأَنَّ كُلَّ خَبِيثٍ رِجْسٌ وَهُوَ النَّجَسُ وَالْمُرَادُ بِالْمَنْعِ فِي الْآيَةِ مَنْعُهُمْ عَنْ الطَّوَافِ وَلَمَّا أَعَلَا اللَّهُ كَلِمَةَ الْإِسْلَامِ مَنَعَهُمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الدُّخُولِ لِلطَّوَافِ، وَالتَّعْمِيمُ الْمَذْكُورُ هَهُنَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ أَنَّهُمْ يُمْنَعُونَ مِنْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَإِنْ قُلْت الدَّلِيلُ لَيْسَ بِنَصٍّ فِي الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ دُخُولُ الذِّمِّيِّ، وَالدَّلِيلُ يُفِيدُ جَوَازَ دُخُولِ الذِّمِّيِّ بِالْأَوْلَى فَأَفَادَ الْمَطْلُوبَ وَزِيَادَةً بِالنَّصِّ وَظَهَرَ أَنَّ قَوْلَ الْمُؤَلِّفِ " ذِمِّيٍّ " مِثَالٌ وَلَيْسَ بِقَيْدٍ وَلِهَذَا عَبَّرَ مُحَمَّدٌ فِي كُتُبِهِ بِلَفْظِ الْكَافِرِ لِيُفِيدَ الْعُمُومَ وَفِي الذَّخِيرَةِ إذَا قَالَ الْكَافِرُ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ أَوْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ: عَلِّمْنِي الْقُرْآنَ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُعَلِّمَهُ وَيُفَقِّهَهُ فِي الدِّينِ قَالَ الْقَاضِي عَلِيٌّ السُّغْدِيُّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 231 إلَّا أَنَّهُ لَا يَمَسُّ الْمُصْحَفَ فَإِنْ اغْتَسَلَ ثُمَّ مَسَّهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَعُلِمَ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْمُسْلِمَ الطَّاهِرَ مِنْ الْجَنَابَةِ إذَا اعْتَادَ الْمُرُورَ فِي الْمَسْجِدِ لِيَنْظُرَ مَا فِيهِ مِنْ الْعِبَادَةِ أَوْ قُرْآنٍ أَوْ ذِكْرٍ أَوْ لِيُذَكِّرَهُ بِالصَّلَاةِ لَا يَأْثَمُ وَلَا يَفْسُقُ وَقَوْلُهُمْ " مُعْتَادُ الْمُرُورِ يَأْثَمُ وَيَفْسُقُ " مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا اعْتَادَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ اسْتِحْلَالِ الدُّخُولِ، أَوْ جَعَلَهُ طَرِيقًا مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ وَصْفُهُ بِالْإِثْمِ وَالْفِسْقِ اهـ. قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: يُكْرَهُ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ فِي أَوَانِي الْمُشْرِكِينَ قَبْلَ الْغُسْلِ وَمَعَ هَذَا لَوْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ فِيهَا جَازَ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِنَجَاسَةِ الْأَوَانِي وَإِذَا عَلِمَ حَرُمَ ذَلِكَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْغُسْلِ، وَالصَّلَاةُ فِي ثِيَابِهِمْ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ وَلَا بَأْسَ بِطَعَامِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونُوا مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ أَوْ مِنْ نَصَارَى الْعَرَبِ وَلَا بَأْسَ بِطَعَامِ الْمَجُوسِ كُلِّهَا إلَّا الذَّبِيحَةَ وَفِي التَّتِمَّةِ يُكْرَهُ لِلْمُسْلِمِ دُخُولُ الْبِيعَةِ وَالْكَنِيسَةِ؛ لِأَنَّهَا مَجْمَعُ الشَّيَاطِينِ. اهـ. . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (وَعِيَادَتُهُ) يَعْنِي تَجُوزُ عِيَادَةُ الذِّمِّيِّ الْمَرِيضِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ «يَهُودِيًّا مَرِضَ بِجِوَارِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ قُومُوا بِنَا نَعُودُ جَارَنَا الْيَهُودِيَّ فَقَامُوا وَدَخَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ، وَقَالَ لَهُ: قُلْ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَنَظَرَ الْمَرِيضُ إلَى أَبِيهِ فَقَالَ أَجِبْهُ فَنَطَقَ بِالشَّهَادَةِ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَ بِي نَسَمَةً مِنْ النَّارِ» الْحَدِيثَ وَلِأَنَّ الْعِيَادَةَ نَوْعٌ مِنْ الْبِرِّ وَهِيَ مِنْ مَحَاسِنِ الْإِسْلَامِ فَلَا بَأْسَ بِهَا وَيَرُدُّ السَّلَامَ عَلَى الذِّمِّيِّ وَلَا يَزِدْهُ عَلَى قَوْلِهِ وَعَلَيْكَ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَزِدْهُ عَلَى ذَلِكَ وَلَا يَبْدَؤُهُ بِالسَّلَامِ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَعْظِيمًا لَهُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إلَيْهِ حَاجَةٌ فَلَا بَأْسَ بِبُدَاءَتِهِ، وَلَا يَدْعُو لَهُ بِالْمَغْفِرَةِ وَيَدْعُو لَهُ بِالْهُدَى وَلَوْ دَعَا لَهُ بِطُولِ الْعُمْرِ قِيلَ: يَجُوزُ؛ لِأَنَّ فِيهِ نَفْعًا لِلْمُسْلِمِينَ بِالْجِزْيَةِ وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ وَعَلَى هَذَا الدُّعَاءُ بِالْعَافِيَةِ، وَهَذَا إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَوْ كَانَ مَجُوسِيًّا لَا يَعُودُهُ؛ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ عَنْ الْإِسْلَامِ وَقِيلَ: يَعُودُهُ لِأَنَّ فِيهِ إظْهَارَ مَحَاسِنِ الْإِسْلَامِ وَتَرْغِيبَهُ فِيهِ وَاخْتَلَفُوا فِي عِيَادَةِ الْفَاسِقِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ وَالْعِيَادَةُ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ وَإِذَا مَاتَ الْكَافِرُ قِيلَ لِوَالِدِهِ أَوْ لِقَرِيبِهِ فِي تَعْزِيَتِهِ " أَخْلَفَ اللَّهُ عَلَيْكَ خَيْرًا مِنْهُ، وَأَصْلَحَكَ وَرَزَقَكَ وَلَدًا مُسْلِمًا "؛ لِأَنَّ الْجِزْيَةَ تُطَهِّرُ، وَيَقُولُ فِي تَعْزِيَةِ الْمُسْلِمِ: أَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَكَ، وَأَحْسَنَ عَزَاءَكَ وَرَحِمَ مَيِّتَكَ، وَأَكْثَرَ عَدَدَكَ وَفِي النَّوَازِلِ: وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَصِلَ الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ الْمُشْرِكَ قَرِيبًا كَانَ أَوْ بَعِيدًا مُحَارِبًا كَانَ أَوْ ذِمِّيًّا، وَأَرَادَ بِالْمُحَارِبِ الْمُسْتَأْمَنَ فَأَمَّا إذَا كَانَ غَيْرَ مُسْتَأْمَنٍ فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَصِلَهُ بِشَيْءٍ وَفِي الذَّخِيرَةِ إذَا كَانَ حَرْبِيًّا فِي دَارِ الْحَرْبِ وَكَانَ الْحَالُ حَالَ صُلْحٍ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَصِلَهُ وَاخْتَلَفُوا هَلْ يُكْرَهُ لَنَا أَنْ نَقْبَلَ هَدِيَّةَ الْمُشْرِكِ أَوْ لَا نَقْبَلَ، ذُكِرَ فِيهِ قَوْلَانِ وَفِي فَتَاوَى أَهْلِ سَمَرْقَنْدَ: مُسْلِمٌ دَعَاهُ نَصْرَانِيٌّ إلَى دَارِهِ ضَيْفًا حَلَّ لَهُ أَنْ يَذْهَبَ مَعَهُ وَفِي النَّوَازِلِ الْمَجُوسِيُّ أَوْ النَّصْرَانِيُّ إذَا دَعَا رَجُلًا إلَى طَعَامٍ تُكْرَهُ الْإِجَابَةُ وَإِنْ قَالَ اشْتَرَيْت اللَّحْمَ مِنْ السُّوقِ فَإِنْ كَانَ الدَّاعِي يَهُودِيًّا فَلَا بَأْسَ. [خَصِيُّ الْبَهَائِمِ] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَخَصِيُّ الْبَهَائِمِ) يَعْنِي يَجُوزُ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ مَوْجُوءَيْنِ» وَالْمَوْجُوءُ هُوَ الْخَصِيُّ وَلِأَنَّ لَحْمَهُ يَطِيبُ بِهِ، وَيَتْرُكُ النِّكَاحَ فَكَانَ حَسَنًا وَلَك أَنْ تَقُولَ الدَّلِيلُ لَا يُفِيدُ جَوَازَ الْفِعْلِ وَإِنَّمَا يُفِيدُ جَوَازَ التَّضْحِيَةِ بِهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ جَوَازِ التَّضْحِيَةِ جَوَازُ الْفِعْلِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْبَهَائِمَ كَانَتْ تَكْثُرُ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتُكْوَى بِالنَّارِ لِأَجْلِ الْمَنْفَعَةِ لِلْمَالِكِ فَكَذَا يَجُوزُ هَذَا الْفِعْلُ لِتَعُودَ الْمَنْفَعَةُ لِلْمَالِكِ وَفِي الصِّحَاحِ جَمْعُ خَصِيٍّ هُوَ خِصًا بِكَسْرِ الْخَاءِ وَالرَّجُلُ خَصِيٌّ وَخَصِيَّةٌ اهـ. قَالَ الْعَيْنِيُّ وَالْخُصْيَانُ بِضَمِّ الْخَاءِ جَمْعُ خَصِيٍّ وَفِي الْمُحِيطِ أَنَّ الْأَصْلَ إيصَالُ الْأَلَمِ إلَى الْحَيَوَانِ لِمَصْلَحَةٍ تَعُودُ إلَى الْحَيَوَانِ يَجُوزُ وَلَا بَأْسَ بِكَيِّ الْبَهَائِمِ لِلْعَلَامَةِ وَيُكْرَهُ كَسْبُ الْخَصِيِّ مِنْ بَنِي آدَمَ، وَقَتْلُ النَّمْلَةِ قِيلَ لَا بَأْسَ بِهِ مُطْلَقًا وَقِيلَ إنْ بَدَأَتْ بِالْأَذَى فَلَا بَأْسَ بِهِ وَإِنْ لَمْ تَبْتَدِئْ يُكْرَهُ وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَيُكْرَهُ إلْقَاؤُهَا فِي الْمَاءِ وَقَتْلُ الْقَمْلَةِ يَجُوزُ بِكُلِّ حَالٍ. قَرْيَةٌ فِيهَا كِلَابٌ كَثِيرَةٌ وَلِأَهْلِ الْقَرْيَةِ مِنْهَا ضَرَرٌ يُؤْمَرُ أَرْبَابُ الْكِلَابِ بِأَنْ يَقْتُلُوا كِلَابَهُمْ؛ لِأَنَّ دَفْعَ الضَّرَرِ وَاجِبٌ وَإِنْ أَبَوْا أَلْزَمَهُمْ الْقَاضِي وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَّخِذَ فِي بَيْتِهِ كَلْبًا إلَّا كَلْبَ الْحِرَاسَةِ. الْهِرَّةُ إذَا كَانَتْ مُؤْذِيَةً يَذْبَحُهَا بِالسِّكِّينِ وَيُكْرَهُ ضَرْبُهَا وَفَرْكُ أُذُنِهَا. اهـ. وَأَطْلَقَ الْمُؤَلِّفُ فِي الْبَهَائِمِ فَشَمِلَ الْخَيْلَ وَفِي الْخَانِيَّةِ وَيُكْرَهُ خَصِيُّ الْفَرَسِ وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي شَرْحِهِ أَنَّ خَصِيَّ الْفَرَسِ حَرَامٌ اهـ. وَفِي الْخَانِيَّةِ لَا بَأْسَ بِثَقْبِ أُذُنِ الطِّفْلِ اهـ. وَفِي النَّوَازِلِ يُقَلِّمُ الظُّفُرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ قَلَّمَ أَظَافِيرَهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَعَاذَهُ اللَّهُ مِنْ الْبَلَاءِ إلَى الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى» وَزِيَادَةَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَوْ قَلَّمَ أَظَافِيرَهُ أَوْ جَزَّ شَعْرَهُ يَجِبُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 232 أَنْ يَدْفِنَ وَإِنْ رَمَاهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَإِنْ رَمَاهُ فِي الْكَنِيفِ أَوْ الْمُغْتَسَلِ فَهُوَ مَكْرُوهٌ وَفِي الْفَتَاوَى الْعَتَّابِيَّةِ يُدْفَنُ أَرْبَعَةٌ الظُّفُرُ وَالشَّعْرُ وَخِرْقَةُ الْحَيْضِ وَالدَّمِ وَيَنْبَغِي لِلرَّجُلِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ شَارِبِهِ حَتَّى يُوَازِيَ الطَّرَفَ الْعُلْيَا مِنْ الشَّفَةِ وَيَصِيرَ مِثْلَ الْحَاجِبِ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَإِنْ كَانَ فِي دَارِ الْحَرْبِ يُنْدَبُ تَطْوِيلُ الْأَظْفَارِ وَيُنْدَبُ تَطْوِيلُ الشَّعْرِ لِيَكُونَ أَهْيَبَ فِي عَيْنِ الْعَدُوِّ وَفِي التَّتِمَّةِ حَلْقُ شَعْرِ صَدْرِهِ وَظَهْرِهِ فِيهِ تَرْكُ الْأَدَبِ وَفِي الْمُلْتَقَطِ يَقْبِضُ عَلَى لِحْيَتِهِ فَإِنْ زَادَ عَلَى قَبْضَةٍ جَزَّهُ وَلَا بَأْسَ إذَا طَالَتْ لِحْيَتُهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ أَطْرَافِهَا وَفِي الْمُضْمَرَاتِ: وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَأْخُذَ الْحَاجِبَيْنِ وَشَعْرَ وَجْهِهِ مَا لَمْ يُشْبِهْ الْمُخَنَّثَ وَفِي الذَّخِيرَةِ وَلَا بَأْسَ لِلرَّجُلِ أَنْ يَحْلِقَ وَسَطَ رَأْسِهِ وَيُرْسِلَ شَعْرَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَفْتِلَهُ فَإِنْ فَتَلَهُ فَهُوَ مَكْرُوهٌ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ بَعْضَ الْكَفَرَةِ وَإِذَا حَلَقَتْ الْمَرْأَةُ شَعْرَ رَأْسِهَا فَإِنْ كَانَ لِوَجَعٍ أَصَابَهَا فَلَا بَأْسَ بِهِ وَإِنْ حَلَقَتْ تُشْبِهُ الرِّجَالَ فَهُوَ مَكْرُوهٌ وَإِذَا وَصَلَتْ شَعْرَهَا بِشَعْرِ غَيْرِهَا فَهُوَ مَكْرُوهٌ وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ الصَّلَاةِ مِنْهَا فِي هَذِهِ، وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يَجُوزُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْعَبْدِ شَعْرٌ فِي لِحْيَتِهِ فَلَا بَأْسَ لِلتُّجَّارِ أَنْ يُشْعِرُوا عَلَى جَبْهَتِهِ؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ زِيَادَةً فِي الْقِيمَةِ وَفِي جَامِعِ الْجَوَامِعِ حَلْقُ الْعَانَةِ بِيَدِهِ وَإِنْ حَلَقَ الْحَجَّامُ جَازَ إذَا غَضَّ بَصَرَهُ وَيَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُلْقِيَ الْأَذَى عَنْ وَجْهِهَا اهـ. وَفِي النَّوَادِرِ: امْرَأَةٌ حَامِلٌ اعْتَرَضَ الْوَلَدُ فِي بَطْنِهَا وَلَا يُمْكِنُ إلَّا بِقَطْعِهِ أَرْبَاعًا وَلَوْ لَمْ يُفْعَلْ ذَلِكَ يُخَافُ عَلَى أُمِّهِ مِنْ الْمَوْتِ فَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ مَيِّتًا فِي الْبَطْنِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَإِنْ كَانَ حَيًّا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ إحْيَاءَ نَفْسٍ بِقَتْلِ نَفْسٍ أُخْرَى لَمْ يَرِدْ فِي الشَّرْعِ. امْرَأَةٌ حَامِلٌ مَاتَتْ فَاضْطَرَبَ الْوَلَدُ فِي بَطْنِهَا فَإِنْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ حَيٌّ يَشُقُّ بَطْنَهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَسَبُّبٌ فِي إحْيَاءِ نَفْسٍ مُحْتَرَمَةٍ بِتَرْكِ تَعْظِيمِ الْمَيِّتِ فَالْإِحْيَاءُ أَوْلَى وَيَشُقُّ بَطْنَهَا مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ وَلَوْ لَمْ يَشُقَّ بَطْنَهَا حَتَّى دُفِنَتْ وَرُئِيَتْ فِي الْمَنَامِ أَنَّهَا قَالَتْ: وَلَدَتْ لَا يُنْبَشُ الْقَبْرُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهَا وَلَدَتْ وَلَدًا مَيِّتًا. امْرَأَةٌ عَالَجَتْ فِي إسْقَاطِ وَلَدِهَا لَا تَأْثَمُ مَا لَمْ يَسْتَبِنْ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِهِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ رَجُلٌ ابْتَلَعَ دُرَّةً أَوْ دَنَانِيرَ لِآخَرَ فَمَاتَ الْمُبْتَلِعُ وَلَمْ يَتْرُكْ مَالًا فَعَلَيْهِ الْقِيمَةُ وَلَا يَشُقُّ بَطْنَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إبْطَالُ حُرْمَةِ الْمَيِّتِ لِأَجْلِ الْأَمْوَالِ وَلَا كَذَلِكَ الْمَسْأَلَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ وَنَقَلَ الْجُرْجَانِيُّ شَقَّ بَطْنَهُ لِلْحَالِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْآدَمِيِّ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى إنْ كَانَ حُرْمَةُ الْمَيِّتِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى وَإِنْ كَانَ حَقَّ الْمَيِّتِ فَحَقُّ الْآدَمِيِّ الْحَيِّ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الْمَيِّتِ لِاحْتِيَاجِ الْحَيِّ إلَى حَقِّهِ. نَعَامَةٌ ابْتَلَعَتْ لُؤْلُؤَةً لِلْغَيْرِ أَوْ دَخَلَ قَرْنُ شَاةٍ فِي قِدْرِ الْبَاقِلَّانِيِّ وَتَعَذَّرَ إخْرَاجُهُ يُنْظَرُ إلَى أَيِّهِمَا أَكْثَرَ قِيمَةً فَيُقَدَّمُ عَلَى غَيْرِهِ وَلِذَا لَوْ دَخَلَتْ دَابَّةٌ فِي دَارٍ وَلَا يُمْكِنُ إخْرَاجُهَا إلَّا بِهَدْمِ الدَّارِ يُنْظَرُ إلَى أَيِّهِمَا أَكْثَرُ قِيمَةً فَيُقَدَّمُ عَلَى غَيْرِهِ فَيُهْدَمُ الْآخَرُ أَوْ تُذْبَحُ وَلَا بَأْسَ بِإِلْقَاءِ النَّيْلَقِ فِي الشَّمْسِ لِتَمُوتَ الدِّيدَانُ الَّتِي فِيهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ مَنْفَعَةَ النَّاسِ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ لَا بَأْسَ بِالتَّدَاوِي بِالْعَظْمِ إذَا كَانَ عَظْمَ شَاةٍ أَوْ بَقَرٍ أَوْ بَعِيرٍ أَوْ فَرَسٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الدَّوَابِّ إلَّا عَظْمَ الْخِنْزِيرِ وَالْآدَمِيِّ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّدَاوِي بِهِمَا وَلَا فَرْقَ فِيمَا يَجُوزُ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ ذَكِيًّا أَوْ مَيِّتًا رَطْبًا أَوْ يَابِسًا. وَفِي الذَّخِيرَةِ رَجُلٌ سَقَطَ سِنُّهُ فَأَخَذَ سِنَّ الْكَلْبِ فَوَضَعَهُ فِي مَوْضِعِ سِنِّهِ فَثَبَتَتْ لَا يَجُوزُ وَلَا يُقْطَعُ وَلَوْ أَعَادَ سِنَّهُ ثَانِيًا وَثَبَتَ قَالَ: يُنْظَرُ إنْ كَانَ يُمْكِنُ قَلْعُ سِنِّ الْكَلْبِ بِغَيْرِ ضَرَرٍ يُقْلَعُ وَإِنْ كَانَ لَا يُمْكِنُ إلَّا بِضَرَرٍ لَا يُقْلَعُ وَفِي التَّتِمَّةِ يَتَّخِذُ الدَّوَاءَ مِنْ الضُّفْدَعِ وَلَوْ أَكَلْت الْمَرْأَةُ شَيْئًا لِسِمَنِ نَفْسِهَا لِزَوْجِهَا لَا بَأْسَ بِهِ وَفِي النَّوَازِلِ مَرِضَ الرَّجُلُ فَقَالَ لَهُ الطَّبِيبُ: أَخْرِجْ الدَّمَ فَلَمْ يُخْرِجْهُ حَتَّى مَاتَ لَا يَكُونُ مَأْجُورًا وَلَوْ تَرَكَ الدَّوَاءَ حَتَّى مَاتَ لَا يَأْثَمُ وَفِي الْخُلَاصَةِ صَامَ وَهُوَ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى الصِّيَامِ حَتَّى مَاتَ أَثِمَ وَفِي الْخَانِيَّةِ جَامَعَ وَلَمْ يَأْكُلْ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْأَكْلِ كَانَ آثِمًا فُرِضَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْكُلَ مِقْدَارَ قُوتِهِ. التَّدَاوِي بِالْخَمْرِ إذَا أَخْبَرَهُ طَبِيبٌ حَاذِقٌ أَنَّ الشِّفَاءَ فِيهِ جَازَ فَصَارَ حَلَالًا وَخَرَجَ عَنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ شِفَاءَ أُمَّتِي فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ» لِأَنَّهُ صَارَ كَالْمُضْطَرِّ وَفِي النَّوَازِلِ رَجُلٌ أَدْخَلَ الْمَرَارَةَ فِي أَصَابِعِهِ لِلتَّدَاوِي قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُكْرَهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَجُوزُ وَالْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ اخْتَارَ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ، وَفِي الْخَانِيَّةِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ شُرْبُ بَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ لِلتَّدَاوِي وَفِي النَّوَازِلِ الْعَجِينُ إذَا وُضِعَ عَلَى الْجُرْحِ لِلتَّدَاوِي وَعُرِفَ أَنَّ التَّدَاوِيَ بِهِ لَا بَأْسَ بِهِ وَفِي السِّرَاجِيَّةِ وَتَعْلِيقُ الْحِجَابِ لَا بَأْسَ بِهِ وَيَنْزِعُهُ عِنْدَ الْخَلَاءِ وَالْقُرْبَانِ وَأَفْتَى بَعْضُهُمْ بِأَنَّ هَذَا فِعْلُ الْعَوَامّ وَالْجُهَّالِ. الِاكْتِحَالُ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ لَا بَأْسَ بِهِ، ضَرْبُ الدِّفَافِ عَلَى الْأَبْوَابِ أَيَّامَ النَّيْرُوزِ لَا يَحِلُّ بَلْ هُوَ مَكْرُوهٌ وَفِي الْغِيَاثِيَّةِ الْحِجَامَةُ بَعْدَ نِصْفِ الشَّهْرِ حَسَنٌ نَافِعٌ جِدًّا وَيُكْرَهُ قَبْلَ نِصْفِ الشَّهْرِ وَفِي فَتَاوَى أَهْلِ سَمَرْقَنْدَ إذَا عَزَلَ الرَّجُلُ عَنْ امْرَأَتِهِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 233 بِغَيْرِ رِضَاهَا فِي هَذَا الزَّمَنِ لِخَوْفِ سُوءِ الْوَلَدِ لَا بَأْسَ بِهِ. [إنْزَاءُ الْحَمِيرِ عَلَى الْخَيْلِ] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْزَاءُ الْحَمِيرِ عَلَى الْخَيْلِ) لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «رَكِبَ الْبَغْلَ وَاقْتَنَاهُ» وَلَوْ حَرُمَ لَمَا فَعَلَ وَلِأَنَّ فِيهِ فَتْحَ بَابِهِ وَمَا وَرَدَ فِيهِ مِنْ النَّهْيِ كَانَ لِأَجْلِ تَكْثِيرِ الْخَيْلِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الدَّلِيلَ لَا يُفِيدُ الْمُدَّعَى لِأَنَّ غَايَتَهُ أَنْ يُفِيدَ جَوَازَ الرُّكُوبِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ جَوَازُ الْإِنْزَاءِ وَالْجَوَابُ لَمَّا كَانَ هَذَا الْفِعْلُ فِي زَمَنِهِ ظَاهِرًا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ بَلَغَهُ وَلَمْ يَنْهَ عَنْهُ دَلَّ عَلَى الْجَوَازِ. قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقَبُولُ هَدِيَّةِ الْعَبْدِ التَّاجِرِ وَإِجَابَةُ دَعْوَتِهِ وَاسْتِعَارَةُ دَابَّتِهِ وكُرِهَ كِسْوَتُهُ الثَّوْبَ وَهَدِيَّتُهُ النَّقْدَيْنِ) يَعْنِي يَجُوزُ قَبُولُ هَدِيَّتِهِ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَ وَيُكْرَهُ كِسْوَتُهُ الثَّوْبَ وَهَدِيَّتُهُ النَّقْدَيْنِ وَهَذَا هُوَ الِاسْتِحْسَانُ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ الْكُلُّ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ وَالْعَبْدُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ لَكِنْ جُوِّزَ مَا ذُكِرَ لِتَعَامُلِ النَّاسِ بِهِ «وَقَبُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَدِيَّةَ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ قَبْلَ عِتْقِهِ» «وَقَبِلَ هَدِيَّةَ بَرِيرَةَ وَقَالَ هُوَ لَهَا صَدَقَةٌ وَلَنَا هَدِيَّةٌ» لَا يُقَالُ هَذَا الْحُكْمُ قَدْ عُلِمَ مِمَّا ذُكِرَ فِي كِتَابِ الْمَأْذُونِ لِأَنَّا نَقُولُ: هُوَ كَذَلِكَ لَكِنْ ذُكِرَ هُنَا بِطَرِيقِ الِاسْتِطْرَادِ لِأَنَّ هَذَا مَحَلُّ بَيَانِ مَا يَجُوزُ وَمَا يُكْرَهُ، وَيُكْرَهُ لِلْمُقْرِضِ أَنْ يَقْبَلَ هَدِيَّةَ مَنْ أَقْرَضَهُ إذَا كَانَتْ مَشْرُوطَةً فِي الْقَرْضِ أَوْ يَعْلَمُ إنَّمَا أَهْدَاهَا لِأَجْلِ الْقَرْضِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَشْرُوطًا وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ لِأَجْلِ الدَّيْنِ لَمْ يُكْرَهْ، وَأَمَّا هَدَايَا الْأُمَرَاءِ فِي زَمَانِنَا قَالَ الشَّيْخُ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ: تُرَدُّ عَلَى أَرْبَابِهَا وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ حَامِدٍ تُوضَعُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ أَنَّ الْمَذْهَبَ وَضْعُهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ لَكِنْ تَرَكْت ذَلِكَ خَوْفًا أَنْ يَصْرِفَهَا الْأُمَرَاءُ إلَى شَهَوَاتٍ وَلَهَوَاتٍ وَكَانَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ الْحَكِيمُ يَقْبَلُ هَدِيَّةَ السُّلْطَانِ وَيَأْخُذُهَا فَقِيلَ لَهُ أَيَحِلُّ أَنْ نَقْبَلَ هَدِيَّتَهُ قَالَ: إنْ خَلَطْتهَا بِدَرَاهِمَ أُخَرَ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ الْمَغْصُوبِ مِنْ غَيْرِ خَلْطٍ لَمْ يَجُزْ وَفِي النَّوَازِلِ إذَا نَاوَلَ لُقْمَةً مِنْ الطَّعَامِ لِغَيْرِهِ يُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ تَعَامُلُ النَّاسِ فَإِنْ عَلِمَ أَنَّ رَبَّ الطَّعَامِ يَرْضَى بِذَلِكَ حَلَّ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَرْضَى بِذَلِكَ حَرُمَ وَفِي الْخُلَاصَةِ لَوْ نَاوَلَ الْخَادِمَ الَّذِي عَلَى رَأْسِ الْمَائِدَةِ جَازَ، وَأَمَّا رَفْعُ الطَّعَامِ مِنْ بَيْتِهِ لِمَكَانٍ آخَرَ فَلَا يَحِلُّ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ صَاحِبُ الطَّعَامِ فِي ذَلِكَ وَيُسْتَحَبُّ لِلضَّيْفِ أَنْ يَجْلِسَ حَيْثُ يَجْلِسُ وَيَرْضَى بِمَا قُدِّمَ لَهُ، وَأَنْ لَا يَقُومَ إلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِ الْبَيْتِ، وَأَنْ يَدْعُوَ لَهُ إذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ، وَلَا يُكْثِرُ صَاحِبِ الْمَنْزِلِ السُّكُوتَ عَنْ الْأَضْيَافِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَخْدُمَ الضَّيْفَ بِنَفْسِهِ لِمَا رُوِيَ عَنْ قِصَّةِ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَفِي الْخَانِيَّةِ لِأَبِ الصَّغِيرِ أَنْ يُهْدِيَ لِمُعَلِّمِهِ شَيْئًا فِي الْأَعْيَادِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْكُلَ مَا سَقَطَ مِنْ الْمَائِدَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَاسْتِخْدَامُ الْخَصِيِّ) أَيْ يُكْرَهُ اسْتِخْدَامُهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَحْرِيضَ النَّاسِ عَلَى الْخَصِيِّ وَهُوَ مُثْلَةٌ وَحَرَامٌ وَقَدْ نَهَى عَنْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدَّمْنَا شَيْئًا مِنْ أَحْكَامِهِ فِي الْكَلَامِ عَلَى خَصِيِّ الْبَهَائِمِ. [وَالدُّعَاءُ بِمَعْقِدِ الْعِزِّ مِنْ عَرْشِك] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالدُّعَاءُ بِمَعْقِدِ الْعِزِّ مِنْ عَرْشِك) وَفِيهَا عِبَارَتَانِ بِمَعْقِدِ وَبِمَقْعَدِ فَالْأُولَى مِنْ الْعَقْدِ وَالثَّانِيَةُ مِنْ الْعُقُودِ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا فَإِنَّهُ يُوهِمُ أَنَّ عِزَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِالْعَرْشِ وَالْعَرْشُ حَادِثٌ وَمَا تَعَلَّقَ بِهِ يَكُونُ حَادِثًا ضَرُورَةً وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَالٍ عَنْ صِفَاتِ الْحُدُوثِ بَلْ عِزُّهُ قَدِيمٌ، وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ حُدُوثَ تَعَلُّقِ صِفَتِهِ تَعَالَى بِشَيْءٍ حَادِثٍ لَا يُوجِبُ حُدُوثَ تِلْكَ الصِّفَةِ لِعَدَمِ تَوَقُّفِهَا عَلَى ذَلِكَ التَّعَلُّقِ فَإِنَّ صِفَةَ الْعِزِّ ثَابِتَةٌ لَهَا أَزَلًا وَأَبَدًا، وَعَدَمُ تَعَلُّقِهِ بِالْعَرْشِ الْحَادِثِ قَبْلَ خَلْعِهِ لَا يَسْتَلْزِمُ انْتِفَاءَ عِزِّهِ وَلَا نُقْصَانًا فِيهِ كَمَا أَنَّ تَعَلُّقَ كَمَالِ قُدْرَتِهِ فِي هَذَا الْعَالَمِ الْعَجِيبِ الصُّنْعِ قَبْلَ خَلْقِهِ لَا يُوجِبُ عَدَمَ قُدْرَتِهِ أَوْ نَقْصًا فِيهِ وَبِالْجُمْلَةِ التَّعَلُّقَاتُ الْحَادِثَةُ بِظَاهِرِ الصِّفَاتِ لَا مُبَادِيَ لَهَا وَلَك أَنْ تُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ مَشَايِخَنَا إنَّمَا هَرَبُوا عَنْهُ لَيْسَ إلَّا لِإِيهَامِ مُطْلَقِ تَعَلُّقِ عِزِّهِ بِالْمُحْدَثِ، إذْ قَدْ تَقَرَّرَ فِي أُصُولِ الدِّينِ أَنَّ ظُهُورَ الْمُحْدَثَاتِ كُلِّهَا وَبُرُوزَهَا مِنْ الْعَدَمِ إلَى دَائِرَةِ الْوُجُودِ بِحَسَبِ تَعَلُّقِ إرَادَةِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ بِذَلِكَ وَالْحُدُوثُ إنَّمَا هُوَ فِي التَّعَلُّقَاتِ دُونَ أَصْلِ الصِّفَاتِ وَإِنَّمَا مُرَادُهُمْ بِمَا هَرَبُوا عَنْهُ إيهَامُ تَعَلُّقِ عِزِّ اللَّهِ تَعَالَى بِالْمُحْدَثِ تَعَلُّقًا خَاصًّا وَهُوَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمُحْدَثُ مُبْتَدَأً أَوْ مُنْشَأً لِعِزَّةِ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا يُوهِمُ كَلِمَةُ " مِنْ " فِي عَرْشِهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ التَّعَلُّقَ بِالْمُحْدَثِ عَلَى الْوَجْهِ الْخَاصِّ الْمَذْكُورِ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ فِي عِزَّةِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا فِي صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى أَصْلًا قَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا بَأْسَ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ فِي دُعَائِهِ وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ؛ لِأَنَّهُ وَرَدَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كَانَ يَقُولُ أَسْأَلُك بِمَقْعَدِ الْعِزِّ مِنْ عَرْشِك» وَالِاحْتِيَاطُ الِامْتِنَاعُ عَنْ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ خَبَرَ وَاحِدٍ مُخَالِفٍ لِلْقَطْعِيِّ. رَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ فِي مَجْلِسِ الْفِسْقِ، وَأَرَادَ بِذَلِكَ أَنْ يَشْتَغِلَ بِالتَّسْبِيحِ عَمَّا هُمْ فِيهِ فَهُوَ أَحْسَنُ، وَأَفْضَلُ. وَفِي الْخُلَاصَةِ وَيُثَابُ كَمَنْ سَبَّحَ اللَّهَ تَعَالَى فِي السُّوقِ، وَأَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 234 النَّاسَ يَشْتَغِلُونَ بِأَمْرِ الدُّنْيَا وَهُوَ يَشْتَغِلُ بِالتَّسْبِيحِ وَلَوْ فَتَحَ التَّاجِرُ السِّلْعَةَ فَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَرَادَ بِذَلِكَ إعْلَامَ الْمُشْتَرِي جَوْدَةَ ثَوْبِهِ فَذَلِكَ مَكْرُوهٌ بِخِلَافِ الْعَالِمِ إذَا قَالَ فِي عِلْمِهِ صَلُّوا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ قَالَ قَارِئُ الْقَوْمِ كَبِّرُوا حَيْثُ يُثَابُ وَفِي الْخُلَاصَةِ الْفَقِيهُ هَلْ يُصَلِّي صَلَاةَ التَّسْبِيحِ؟ قَالَ: ذَلِكَ طَاعَةُ الْعَامَّةِ، قِيلَ لَهُ: فُلَانٌ الْفَقِيهُ يُصَلِّيهَا قَالَ هُوَ عِنْدِي مِنْ الْعَامَّةِ وَفِي الْغِيَاثِيَّةِ وَرَدَتْ الْأَخْبَارُ بِتَفْضِيلِ بَعْضِ السُّوَرِ وَالْآيَاتِ عَلَى بَعْضٍ كَآيَةِ الْكُرْسِيِّ وَنَحْوِهَا وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى الْأَفْضَلِ قَالَ بَعْضٌ: إنَّ ثَوَابَ قِرَاءَتِهَا أَفْضَلُ وَقِيلَ بِأَنَّهَا لِلْقَلْبِ أَيْقَظُ وَهَذَا أَقْرَبُ إلَى الصَّوَابِ وَالْأَفْضَلُ أَنْ لَا يُفَضَّلَ بَعْضُ الْقُرْآنِ عَلَى بَعْضٍ، كَرِهَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ التَّصَدُّقَ عَلَى الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فِي الْأَسْوَاقِ زَجْرًا لَهُ، وَالتَّسْبِيحُ وَالتَّهْلِيلُ مِنْ الَّذِي يَسْأَلُ فِي الْأَسْوَاقِ نَظِيرُ الْقُرْآنِ وَيُكْرَهُ التَّصَدُّقُ عَلَى الَّذِي يَسْأَلُ النَّاسَ فِي الْمَسَاجِدِ زَجْرًا لَهُ وَيُكْرَهُ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ فِي الْمَخْرَجِ وَالْمُغْتَسَلِ وَالْحَمَّامِ وَمَوْضِعِ النَّجَاسَاتِ وَفِي الْمَسْلَخِ وَالْمَذْبَحِ إلَّا حَرْفًا. وَفِي النَّوَازِلِ: قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ عِنْدَ الْمَقَابِرِ إذَا أَخْفَاهَا لَا يُكْرَهُ وَإِنْ جَهَرَ بِهَا يُكْرَهُ وَالشَّيْخُ مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ قَالَ لَا بَأْسَ أَنْ يَقْرَأَ سُورَةَ الْمُلْكِ عَلَى الْمَقَابِرِ سَوَاءٌ أَخْفَاهَا أَوْ جَهَرَ بِهَا أَمَّا غَيْرُهَا فَلَا يَقْرَؤُهَا لِوُرُودِ الْآثَارِ بِسُورَةِ الْمُلْكِ وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ يُسْتَحَبُّ زِيَارَةُ الْقَبْرِ وَقِرَاءَةُ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ سَبْعَ مَرَّاتٍ فَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ غَيْرَ مَغْفُورٍ لَهُ غُفِرَ لَهُ وَإِنْ كَانَ مَغْفُورًا لَهُ غُفِرَ لِهَذَا الْقَارِئِ وَوُهِبَتْ ذُنُوبُهُ لِلْمَيِّتِ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة: رَجُلٌ مَاتَ فَأَجْلَسَ وَارِثُهُ رَجُلًا عَلَى قَبْرِهِ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ قَالَ بَعْضُهُمْ يُكْرَهُ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ يَنْتَفِعُ الْمَيِّتُ وَفِي الْخَانِيَّةِ أَنَّ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ عِنْدَ الْقُبُورِ إنْ نَوَى أَنْ يُؤَانِسَهُمْ بِصَوْتِهِ يَقْرَأُ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ فَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَسْمَعُ الْقُرْآنَ حَيْثُ كَانَ قَوْمٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ فِي الْمَصَاحِفِ، أَوْ رَجُلٌ دَخَلَ عَلَيْهِ وَاحِدٌ فَقَامَ لَهُ فَإِنْ كَانَ عَالِمًا أَوْ أَبَاهُ أَوْ أُسْتَاذَهُ الَّذِي عَلَّمَهُ الْقُرْآنَ جَازَ أَنْ يَقُومَ لَهُ وَغَيْرُ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَفِي فَتَاوَى أَهْوَازِ لَا بَأْسَ بِأَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ إذَا وَضَعَ جَنْبَهُ عَلَى الْأَرْضِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَضُمَّ رِجْلَيْهِ عِنْدَ الْقِرَاءَةِ، وَأَنْ يُخْرِجَ رَأْسَهُ إذَا غَطَّى رَأْسَهُ بِاللِّحَافِ وَإِذَا قَرَأَ آيَةً أَوْ سُورَةً فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتَعِيذَ بِاَللَّهِ، وَأَنْ يُتْبِعَ ذَلِكَ بِالْبَسْمَلَةِ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ. وَفِي فَتَاوَى أَهْلِ سَمَرْقَنْدَ إذَا كَانَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَسَمِعَ الْمُؤَذِّنَ أَنَّهُ يَرُدُّ عَلَيْهِ بِقَلْبِهِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَمْضِي إلَى قِرَاءَتِهِ وَلَا يَلْتَفِتُ إلَيْهِ وَفِي التَّتِمَّةِ سَأَلَ الْخُجَنْدِيُّ عَنْ إمَامٍ يَقْرَأُ مَعَ جَمَاعَةٍ كُلَّ غَدَاةٍ بَعْدَ فَرَاغِ صَلَاتِهِ جَاهِرًا آيَةَ الْكُرْسِيِّ وَشَهِدَ اللَّهُ وَآخِرَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ هَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ قَالَ: يَجُوزُ وَالْأَفْضَلُ الْإِخْفَاءُ قَالَ السِّغْنَاقِيُّ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ الدُّعَاءُ أَرْبَعَةٌ دُعَاءُ رَغْبَةٍ، وَدُعَاءُ رَهْبَةٍ، وَدُعَاءُ تَضَرُّعٍ، وَدُعَاءُ خُفْيَةٍ فَفِي دُعَاءِ الرَّغْبَةِ يَجْعَلُ بُطُونَ كَفَّيْهِ إلَى السَّمَاءِ وَفِي دُعَاءِ الرَّهْبَةِ يَجْعَلُ ظُهُورَهَا إلَى وَجْهِهِ كَالْمُسْتَغِيثِ مِنْ الشَّيْءِ وَفِي دُعَاءِ التَّضَرُّعِ يَعْقِدُ الْخِنْصَرَ وَالْبِنْصِرَ وَيَحْلِقُ الْإِبْهَامَ وَالْوُسْطَى وَيُشِيرُ بِالسَّبَّابَةِ وَفِي دُعَاءِ الْخُفْيَةِ يَفْعَلُ مَا يَفْعَلُ الْمَرْءُ فِي نَفْسِهِ وَفِي التَّتِمَّةِ لَا يَقُولُ الرَّجُلُ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ، وَأَتُوبُ إلَيْهِ وَلَكِنْ يَقُولُ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَسْأَلُهُ التَّوْبَةَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ لَا بَأْسَ بِهِ وَفِي الْفَتَاوَى الْغِيَاثِيَّةِ وَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ «اتَّقُوا دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ وَإِنْ كَانَ كَافِرًا» وَالْمُرَادُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ كَافِرُ النِّعْمَةِ لَا كَافِرُ الدِّيَانَةِ قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَفِيهَا قَالَ أَبُو نَصْرٍ الدَّبُوسِيُّ: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ وَيَقْرَأَ الْقُرْآنَ وَخَافَ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِ الرِّيَاءُ لَا يَتْرُكُ الصَّلَاةَ وَالْقِرَاءَةَ لِأَجْلِ ذَلِكَ وَكَذَا فِي جَمِيعِ الْفَرَائِضِ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة وَإِذَا سَالَ الدَّمُ مِنْ الْأَنْفِ فَكَتَبَ الْفَاتِحَةَ بِالدَّمِ عَلَى الْفَمِ وَالْوَجْهِ جَازَ لِلِاسْتِشْفَاءِ وَالْمُعَالَجَةِ وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ ذَلِكَ بِالْبَوْلِ لَمْ يُنْقَلْ ذَلِكَ عَنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَقِيلَ لَا بَأْسَ بِهِ إذَا عَلِمَ بِهِ الشِّفَاءَ. قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِحَقِّ فُلَانٍ) يَعْنِي لَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ بِحَقِّ فُلَانٍ عَلَيْك وَكَذَا بِحَقِّ أَنْبِيَائِك، وَأَوْلِيَائِك وَرُسُلِك وَالْبَيْتِ وَالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِلْمَخْلُوقِ عَلَى الْخَالِقِ وَإِنَّمَا يَخُصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ غَيْرِ وُجُوبٍ عَلَيْهِ وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ لِغَيْرِهِ: بِحَقِّ اللَّهِ أَوْ بِاَللَّهِ افْعَلْ كَذَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِذَلِكَ شَرْعًا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْتِيَ بِذَلِكَ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة وَجَاءَ فِي الْآثَارِ مَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ. [وَاللَّعِبُ بِالشِّطْرَنْجِ وَالنَّرْد] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَاللَّعِبُ بِالشِّطْرَنْجِ وَالنَّرْدِ وَكُلُّ لَهْوٍ) يَعْنِي لَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كُلُّ لَعِبِ ابْنِ آدَمَ حَرَامٌ إلَّا ثَلَاثًا مُلَاعَبَةَ الرَّجُلِ أَهْلَهُ وَتَأْدِيبَهُ لِفَرَسِهِ وَمُنَاضَلَتَهُ لِقَوْسِهِ» وَأَبَاحَ الشَّافِعِيُّ الشِّطْرَنْجَ مِنْ غَيْرِ قِمَارٍ وَلَا إخْلَالٍ بِالْوَاجِبَاتِ؛ لِأَنَّهُ يُذَكِّي الْأَفْهَامَ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَا، وَالْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي ذَلِكَ هِيَ كَثِيرَةٌ شَهِيرَةٌ فَتَرَكْنَا ذِكْرَهَا لِشُهْرَتِهَا وَفِي الْمُحِيطِ وَيُكْرَهُ اللَّعِبُ بِالشِّطْرَنْجِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 235 وَالنَّرْدِ وَالْأَرْبَعَةَ عَشَرَ؛ لِأَنَّهَا لَعِبُ الْيَهُودِ وَيُكْرَهُ اسْتِمَاعُ صَوْتِ اللَّهْوِ وَالضَّرْبِ بِهِ وَالْوَاجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يَجْتَهِدَ مَا أَمْكَنَ حَتَّى لَا يَسْمَعَ وَلَا بَأْسَ بِضَرْبِ الدُّفِّ فِي الْعُرْسِ وَسُئِلَ أَبُو يُوسُفَ عَنْ الدُّفِّ فِي غَيْرِ الْعُرْسِ بِأَنْ تَضْرِبَ الْمَرْأَةُ فِي غَيْرِ فِسْقٍ لِلصَّبِيِّ قَالَ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَفِي الذَّخِيرَةِ لَا بَأْسَ بِالْغِنَاءِ فِي الْأَعْيَادِ وَفِي السِّرَاجِيَّةِ وَقِرَاءَةُ الْأَشْعَارِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ذِكْرُ الْفِسْقِ وَالْغُلَامِ لَا يُكْرَهُ. وَفِي الْكَافِي مُسْتَأْجِرُ الدَّارِ إذَا ظَهَرَ مِنْهُ الْفِسْقُ بِأَنْ يَجْمَعَ النَّاسَ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ يُمْنَعُ فَإِذَا لَمْ يَمْتَنِعْ يُخْرَجُ وَلَمْ يَرَ الْإِمَامُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِالسَّلَامِ عَلَيْهِ بَأْسًا لِيَشْغَلَهُ عَمَّا هُوَ فِيهِ وَكَرِهَ أَبُو يُوسُفَ السَّلَامَ تَحْقِيرًا لَهُ اهـ. رَجُلٌ يَدْعُوهُ الْأَمِيرُ فَيَسْأَلُهُ عَنْ أَشْيَاءَ فَيَتَكَلَّمُ بِمَا يُوَافِقُ الْحَقَّ يَنَالُهُ مِنْهُ الْمَكْرُوهُ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَكَلَّمَ إلَّا بِالْحَقِّ إلَّا أَنْ يَخَافَ الْقَتْلَ أَوْ إتْلَافَ عُضْوٍ، وَأَنْ يَأْخُذَ مَالَهُ وَلَوْ مَرَّ عَلَى قَوْمٍ وَفِيهِمْ أَهْلُ الذِّمَّةِ أَوْ كَافِرٌ قَالَ بَعْضُهُمْ: يَقُولُ: السَّلَامُ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْهُدَى وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَيَنْوِي الْمُسْلِمِينَ فِي قَلْبِهِ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة إذَا اسْتَقْبَلَ الْمُسْلِمُ أَخَاهُ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ يَخْرُجُ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ وَفِي النَّوَازِلِ إذَا أَتَى بَيْتَ غَيْرِهِ لَا يَدْخُلُ حَتَّى يُؤْذَنَ لَهُ فَإِنْ أُذِنَ لَهُ يَدْخُلُ وَيُسَلِّمُ عَلَيْهِ وَرَدُّ السَّلَامِ وَاجِبٌ وَاخْتَلَفُوا فِي أَيِّهِمَا أَفْضَلُ الْبَادِئُ أَوْ الرَّادُّ الرَّادُّ أَكْثَرُ أَجْرًا وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْوَاوِ بِأَنْ يَقُولَ: وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ وَفِي فَتَاوَى أَهْوَازِ السَّلَامُ سُنَّةٌ عَلَى الرَّاكِبِ لِلرَّاجِلِ فِي طَرِيقٍ عَامٍّ أَوْ مَفَازَةٍ فَإِذَا الْتَقَيَا فَأَفْضَلُهُمَا الْأَسْبَقُ بِالسَّلَامِ فَإِذَا الْتَقَى الرَّجُلُ بِالْمَرْأَةِ يَبْدَأُ الرَّجُلُ بِالسَّلَامِ وَإِنْ بَدَأَتْ فَيَرُدُّ عَلَيْهَا السَّلَامَ إنْ كَانَتْ عَجُوزًا فَبِلِسَانِهِ وَإِنْ كَانَتْ شَابَّةً فَبِالْإِشَارَةِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ: إذَا دَخَلَ الْفَقِيهُ عَلَى غَيْرِهِ وَلَمْ يُسَلِّمْ أَثِمُوا وَفِي الْغِيَاثِيَّةِ يُكْرَهُ السَّلَامُ بِالسَّبَّابَةِ وَالسُّنَّةُ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيْهِمْ بِلَفْظِ الْجَمْعِ وَلَوْ كَانَ الْمُسَلَّمُ عَلَيْهِ وَاحِدًا وَاخْتَلَفُوا فِي السَّلَامِ عَلَى الصِّبْيَانِ قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يُسَلِّمُ - وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُسَلِّمُ وَهُوَ الْأَفْضَلُ وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَإِذَا رَدَّ وَاحِدٌ مِنْ الْقَوْمِ السَّلَامَ سَقَطَ عَنْ الْبَاقِينَ وَفِي الصَّيْرَفِيَّةِ دَخَلَ عَلَى زَوْجَتِهِ لَا يُسَلِّمُ عَلَيْهَا بَلْ هِيَ تُسَلِّمُ عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْبَيْتِ أَحَدٌ فَيَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ وَلَوْ مَرَّ عَلَى الْمَقَابِرِ يَقُولُ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَنْتُمْ لَنَا سَلَفٌ وَنَحْنُ لَكُمْ تَبَعٌ اهـ. وَفِي الْخَانِيَّةِ وَيُكْرَهُ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَى مَنْ هُوَ فِي الْخَلَاءِ وَلَا يَرُدُّ عَلَيْهِ السَّلَامَ وَكَذَا الْآكِلُ وَالْقَارِئُ وَالْمُشْتَغِلُ بِالْعِلْمِ وَكَذَا فِي الْحَمَّامِ إنْ كَانَ مَكْشُوفَ الْعَوْرَةِ وَقَالَ الْبَقَّالِيُّ: إذَا قَالَ لِآخَرَ: أَقْرِئْ فُلَانًا عَنِّي السَّلَامَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَفْعَلَ. تَشْمِيتُ الْعَاطِسِ إذَا كَانَ خَارِجَ الصَّلَاةِ السُّنَّةُ فِي حَقِّ الْعَاطِسِ أَنْ يَقُولَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ أَوْ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَلِمَنْ حَضَرَ أَنْ يَقُولَ: يَرْحَمُك اللَّهُ فَيَرُدُّ عَلَيْهِ الْعَاطِسُ فَيَقُولُ يَغْفِرُ اللَّهُ لَك أَوْ يَهْدِيكَ وَإِذَا عَطَسَتْ الْمَرْأَةُ فَلَا بَأْسَ بِتَشْمِيتِهَا إلَّا أَنْ تَكُونَ شَابَّةً وَإِذَا عَطَسَ الرَّجُلُ فَشَمَّتَتْهُ الْمَرْأَةُ فَإِنْ كَانَتْ عَجُوزًا يَرُدُّ عَلَيْهَا وَإِنْ كَانَتْ شَابَّةً يَرُدُّ فِي قَلْبِهِ وَالْجَوَابُ فِي هَذَا كَالْجَوَابِ فِي السَّلَامِ. قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَجَعْلُ الرَّايَةِ فِي عُنُقِ الْعَبْدِ) أَيْ لَا يَجُوزُ لَك قَالَ الشَّارِحُ وَصُورَتُهُ أَنْ يَجْعَلَ فِي عُنُقِهِ طَوْقًا مُسَمَّرًا بِمِسْمَارٍ عَظِيمٍ يَمْنَعُهُ أَنْ يُحَوِّلَ رَأْسَهُ وَهُوَ مُعْتَادٌ بَيْنَ الظَّلَمَةِ وَهُوَ حَرَامٌ؛ لِأَنَّ عُقُوبَةَ الْكَافِرِ تَحْرُمُ كَالْإِحْرَاقِ بِالنَّارِ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «كُلُّ مُحْدَثٍ بِدْعَةٌ وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ وَكُلُّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ» اهـ. قَالَ فِي الْعُيُونِ رَجُلٌ اغْتَابَ أَهْلَ قَرْيَةٍ لَمْ تَكُنْ غِيبَةً حَتَّى يُسَمِّيَ قَوْمًا بِأَعْيَانِهِمْ وَفِي فَتَاوَى أَهْلِ سَمَرْقَنْدَ ذِكْرُ مَسَاوِئِ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ عَلَى وَجْهِ الِاهْتِمَامِ بِهِ لَيْسَ بِغِيبَةٍ وَعَلَى وَجْهِ النَّقْصِ يَكُونُ غِيبَةً وَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ يُصَلِّي وَيُؤْذِي النَّاسَ بِيَدِهِ وَلِسَانِهِ لَا غِيبَةَ فِي ذِكْرِ مَا فِيهِ وَإِذَا أَعْلَمَ السُّلْطَانَ لِيَزْجُرَهُ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا حَسَدَ إلَّا فِي اثْنَتَيْنِ رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ تَعَالَى مَالًا فَهُوَ يُنْفِقُهُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ عِلْمًا فَهُوَ يُعَلِّمُ النَّاسَ وَيَقْضِي بِهِ» قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ إبَاحَةُ الْحَسَدِ فِي هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ لِأَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ الْمُحَرَّمِ فَيَكُونُ مُبَاحًا وَقَالَ غَيْرُهُ: الْحَسَدُ حَرَامٌ فِي هَذَيْنِ كَمَا هُوَ حَرَامٌ فِي غَيْرِهِمَا وَإِنَّمَا مَعْنَى الْحَدِيثِ لَوْ كَانَ الْحَسَدُ جَائِزًا لَجَازَ فِي هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ وَمَعْنَى الْحَسَدِ الْمَذْمُومِ أَنْ يَرَى عَلَى غَيْرِهِ نِعْمَةً فَيَتَمَنَّى زَوَالَ تِلْكَ النِّعْمَةِ عَنْ ذَلِكَ الْغَيْرِ وَتَمَنَّى ذَلِكَ لِنَفْسِهِ أَمَّا لَوْ تَمَنَّى لِنَفْسِهِ مِثْلَهَا لَا يَكُونُ حَسَدًا بَلْ يُسَمَّى غِبْطَةً اهـ. وَفِي النِّهَايَةِ الرَّايَةُ عَلَامَةُ أَنَّهُ آبِقٌ وَلَا بَأْسَ بِهِ فِي زَمَانِنَا لِغَلَبَةِ الْإِبَاقِ خُصُوصًا فِي الْهُنُودِ وَكَانَ فِي زَمَانِهِمْ مَكْرُوهًا لِقِلَّةِ الْإِبَاقِ. اهـ. وَفِي السِّرَاجِيَّةِ وَيُكْرَهُ أَنْ يَغِلَّ يَدَيْهِ وَلَوْ كَانَ الرَّجُلُ يَقُومُ وَيُوَزِّعُ الْمَظَالِمَ مِنْ الْإِمَامِ بِالْعَدْلِ وَالْإِنْصَافِ كَانَ مَأْجُورًا وَإِنْ خَافَ الرَّجُلُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 236 عَلَى نَفْسِهِ لَا بَأْسَ بِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَحَلُّ قَيْدِهِ) يَعْنِي جَازَ قَيْدُ الْعَبْدِ احْتِرَازًا مِنْ الْإِبَاقِ وَالتَّمَرُّدِ وَهُوَ سُنَّةُ الْمُسْلِمِينَ فِي الْفُسَّاقِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْحُقْنَةُ) يَعْنِي تَجُوزُ لِلتَّدَاوِي وَجَازَ أَنْ يُظْهِرَ إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ لِلضَّرُورَةِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ وَإِذَا أَصَبْت دَوَاءً لِدَاءٍ بَرِئَ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَأَحْمَدُ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ إلَّا الْهَرَمَ فَإِنَّهُ لَا دَوَاءَ لَهُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ كَرِهَ التَّدَاوِيَ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «يَدْخُلُ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَهُمْ الَّذِينَ لَا يَسْتَرْقُونَ وَلَا يَتَطَيَّرُونَ وَلَا يَكْتَوُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَلَنَا مَا قَدَّمْنَا مِنْ الْأَحَادِيثِ وَلَا جُنَاحَ عَلَى مَنْ يَتَدَاوَى إذَا كَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّ الشَّافِيَ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى وَمَا وَرَدَ مِنْ النَّهْيِ عَنْ الدَّوَاءِ إذَا كَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّ الشِّفَاءَ مِنْ الدَّوَاءِ وَهُوَ مَحَلُّ الْكَرَاهَةِ قَالَ الشَّارِحُ وَنَحْنُ نَقُولُ لَا يَجُوزُ لِمِثْلِ هَذَا التَّدَاوِي وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَإِنَّمَا يَجُوزُ التَّدَاوِي بِالْأَشْيَاءِ الطَّاهِرَةِ وَلَا يَجُوزُ بِالنَّجَسِ كَالْخَمْرِ وَغَيْرِهِ كَمَا قَدَّمْنَا وَالتَّدَاوِي لَا يَمْنَعُ التَّوَكُّلَ وَلَا بَأْسَ بِالرُّقَى؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَفْعَلُهُ وَمَا رُوِيَ مِنْ النَّهْيِ كَانَ مَحْمُولًا عَلَى رُقَى الْجَاهِلِيَّةِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَرْقُونَ بِأَلْفَاظِ كُفْرٍ وَمَا رَوَاهُ ابْنُ مَسْعُودٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ الرُّقَى وَالتَّمَائِمُ وَالتَّوَلَةُ شِرْكٌ مَحْمُولٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا قَالَ الْأَصْمَعِيُّ التَّوَلَةُ ضَرْبٌ مِنْ السِّحْرِ يُحَبِّبُ الْمَرْأَةَ إلَى زَوْجِهَا وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا مَرِضَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهِ نَفَثَ عَلَيْهِ بِالْمُعَوِّذَتَيْنِ فَلَمَّا مَرِضَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَرَضَ الَّذِي مَاتَ فِيهِ جَعَلْت أَنْفُثُ عَلَيْهِ، وَأَمَسُّ جَسَدَهُ بِيَدِهِ؛ لِأَنَّهُ أَبْرَكُ مِنْ يَدِي» . [رِزْقُ الْقَاضِي مِنْ بَيْتِ الْمَالِ] قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَرِزْقُ الْقَاضِي) يَعْنِي وَحَلَّ رِزْقُ الْقَاضِي مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّ بَيْتَ الْمَالِ أُعِدَّ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَرِزْقُ الْقَاضِي مِنْهُمْ؛ لِأَنَّهُ حَبَسَ نَفْسَهُ لِنَفْعِ الْمُسْلِمِينَ «وَفَرَضَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَلِيٍّ لَمَّا بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ» وَكَذَا الْخُلَفَاءُ مِنْ بَعْدِهِ هَذَا إذَا كَانَ بَيْتُ الْمَالِ جُمِعَ مِنْ حِلٍّ فَإِنْ جُمِعَ مِنْ حَرَامٍ وَبَاطِلٍ لَمْ يَحِلَّ؛ لِأَنَّهُ مَالُ الْغَيْرِ يَجِبُ رَدُّهُ عَلَى أَرْبَابِهِ ثُمَّ إذَا كَانَ الْقَاضِي مُحْتَاجًا فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ لِيَتَوَصَّلَ إلَى إقَامَةِ حُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اشْتَغَلَ بِالْكَسْبِ لَمَا تَفَرَّغَ لِذَلِكَ وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ أَيْضًا وَهُوَ الْأَصَحُّ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْعِلَّةِ وَنَظَرًا لِمَنْ يَأْتِي بَعْدَهُ مِنْ الْمُحْتَاجِينَ وَلِأَنَّ رِزْقُ الْقَاضِي إذَا قُطِعَ فِي زَمَانٍ يَقْطَعُ الْوِلَادَةَ بَعْدَ ذَلِكَ لِمَنْ يَتَوَلَّى بَعْدَهُ هَذَا إذَا أَعْطَوْهُ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ فَلَوْ أَعْطَاهُ بِالشَّرْطِ كَانَ مُعَاقَدَةً وَإِجَارَةً لَا يَحِلُّ أَخْذُهُ لِأَنَّ الْقَضَاءَ طَاعَةٌ فَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأَجْرِ عَلَيْهِ كَسَائِرِ الطَّاعَاتِ اهـ. وَلَك أَنْ تَقُولَ: يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ كَمَا قَالُوا الْفَتْوَى عَلَى جَوَازِ أَخْذِ أُجْرَةٍ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَغَيْرِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْإِجَارَةِ وَلَا يُقَالُ هَذَا مُكَرَّرٌ مَعَ قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ: وَكِفَايَةُ الْقُضَاةِ فِي بَابِ الْجِزْيَةِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ مَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ دَفْعُهُ وَهَذَا بِاعْتِبَارِ مَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي تَنَاوُلُهُ فَلَا تَكْرَارَ قَالَ الشَّارِحُ: وَتَسْمِيَتُهُ رِزْقًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَأْخُذُ مِنْهُ مِقْدَارَ كِفَايَتِهِ وَعَيْلَتِهِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ أَزْيَدَ مِنْ ذَلِكَ وَقَدْ جَرَى الرَّسْمُ بِالْإِعْطَاءِ فِي أَوَّلِ السَّنَةِ؛ لِأَنَّ الْخَرَاجَ كَانَ يُؤْخَذُ فِي أَوَّلِ السَّنَةِ وَهُوَ يُعْطَى مِنْهُ وَفِي زَمَانِنَا يُؤْخَذُ الْخَرَاجُ فِي آخِرِ السَّنَةِ وَالْمَأْخُوذُ عَنْ السَّنَةِ الْمَاضِيَةِ فِي الصَّحِيحِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَلَوْ أَخَذَ الرِّزْقَ فِي أَوَّلِ السَّنَةِ ثُمَّ عُزِلَ قَبْلَ مُضِيِّ السَّنَةِ، رَدَّ مَا بَقِيَ مِنْ السَّنَةِ وَقِيلَ هُوَ عَلَى الْخِلَافِ فِي الزَّوْجَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا. اهـ. . [سَفَرُ الْأَمَةِ وَأُمُّ الْوَلَدِ بِلَا مَحْرَمٍ] قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَسَفَرُ الْأَمَةِ وَأُمُّ الْوَلَدِ بِلَا مَحْرَمٍ) يَعْنِي يَجُوزُ لَهُمَا السَّفَرُ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ لِأَنَّ الْأَمَةَ بِمَنْزِلَةِ الْمَحْرَمِ لِسَائِرِ الرِّجَالِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى النَّظَرِ وَالْمَسِّ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَأُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبَةُ وَالْمُدَبَّرَةُ كَالْأَمَةِ لِقِيَامِ الرِّقِّ فِيهِنَّ وَكَذَا مُعْتَقَةُ الْبَعْضِ عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهَا كَالْمُكَاتَبَةِ عِنْدَهُ وَفِي الْكَافِي قَالُوا هَذَا فِي زَمَانِهِمْ لِغَلَبَةِ أَهْلِ الصَّلَاحِ أَمَّا فِي زَمَانِنَا فَلَا يَجُوزُ لِغَلَبَةِ أَهْلِ الْفَسَادِ وَمِثْلُهُ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى شَيْخِ الْإِسْلَامِ. اهـ قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَشِرَاءُ مَا لَا بُدَّ لِلصَّغِيرِ مِنْهُ وَبَيْعُهُ لِلْعَمِّ وَالْأُمِّ وَالْمُلْتَقِطِ لَوْ فِي حِجْرِهِمْ) يَعْنِي يَجُوزُ لِهَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ أَنْ يَشْتَرُوا لِلصَّغِيرِ وَيَبِيعُوا مَا لَا بُدَّ مِنْهُ وَذَلِكَ مِثْلُ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ ذَلِكَ لَتَضَرَّرَ الصَّغِيرُ وَهُوَ مَمْنُوعٌ، وَأَصْلُهُ أَنَّ التَّصَرُّفَاتِ عَلَى الصَّغِيرِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ نَفْعٌ مَحْضٌ فَيَمْلِكُهُ كُلُّ وَاحِدٍ هُوَ فِي عِيَالِهِ وَلِيًّا كَانَ أَوْ أَجْنَبِيًّا كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَيَمْلِكُهُ الصَّبِيُّ بِنَفْسِهِ إذَا كَانَ مُمَيِّزًا وَنَوْعٌ هُوَ ضَرَرٌ مَحْضٌ كَالْعَتَاقِ وَالطَّلَاقِ فَلَا يَمْلِكُهُ عَلَيْهِ أَحَدٌ وَنَوْعٌ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ النَّفْعِ وَالضَّرَرِ مِثْلُ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ لِلِاسْتِرْبَاحِ فَلَا يَمْلِكُهُ إلَّا الْأَبُ وَالْجَدُّ وَوَصِيُّهُمَا سَوَاءٌ كَانَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 237 الصَّغِيرُ فِي أَيْدِيهِمْ أَوْ لَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّهُمْ يَتَصَرَّفُونَ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْوِلَايَةِ هَكَذَا فِي الْكَافِي، وَاسْتِئْجَارُ الظِّئْرِ مِنْ النَّوْعِ الْأَوَّلِ وَفِيهِ نَوْعٌ رَابِعٌ وَهُوَ الْإِنْكَاحُ فَيَجُوزُ لِكُلِّ عَصَبَةٍ، وَلِذَوِي الْأَرْحَامِ عِنْدَ عَدَمِ الْعَصَبَاتِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَإِنَّمَا يَجُوزُ لِلْمُلْتَقِطِ أَنْ يَقْبِضَ الْهِبَةَ لِلصَّغِيرِ إذَا كَانَ لَا أَبَ لَهُ قَالَ فِي النِّهَايَةِ قَوْلُهُ: لَا أَبَ لَهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ لَازِمٍ فِي حَقِّ هَذَا الْحُكْمِ لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي كِتَابِ الْهِبَةِ فِي صَغِيرَةٍ لَهَا زَوْجٌ هِيَ عِنْدَهُ يَعُولُهَا وَلَهَا أَبٌ فَوَهَبَ لَهَا جَازَ لِزَوْجِهَا أَنْ يَقْبِضَ الْهِبَةَ لِقِيَامِ وِلَايَتِهِ عَلَيْهَا بِالْعَوْلِ فَثَبَتَ أَنَّ الْأَبَ لَيْسَ بِلَازِمٍ كَذَا ذَكَرَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَإِنَّمَا هُوَ قَيْدٌ اتِّفَاقِيٌّ وَلَك أَنْ تَقُولَ: إنَّ قَوْلَ الْكُلِّ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، إذْ الثَّابِتُ فِي كِتَابِ الْهِبَةِ إنَّمَا هُوَ لَيْسَ بِلَازِمٍ فِي جَوَازِ قَبْضِ زَوْجِ الصَّغِيرَةِ الْهِبَةَ لَهَا إذَا كَانَتْ عِنْدَهُ يَعُولُهَا لِتَفْوِيضِ الْأَبِ ذَلِكَ لَهُ لَا أَنَّ عَدَمَ الْأَبِ لَيْسَ بِلَازِمٍ مُطْلَقًا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ، وَهُوَ جَوَازُ قَبْضِ الْمُلْتَقِطِ الْهِبَةَ وَالصَّدَقَةَ لِتَحَقُّقِ الْفَرْقِ بَيْنَ زَوْجِ الصَّغِيرَةِ الَّذِي فَوَّضَ لَهُ الْأَبُ أَمْرَهَا وَبَيْنَ غَيْرِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ الْأَبِ وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: الْمُرَادُ بِقَوْلِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ لَا أَبَ لَهُ يَعْنِي أَبًا مَعْرُوفًا وَإِنْ كَانَ لَهُ أَبٌ فِي قَيْدِ الْحَيَاةِ فَالْحَقُّ عِنْدِي أَنَّ قَوْلَهُ لَا أَبَ لَهُ قَيْدٌ احْتِرَازِيٌّ عَنْ اللَّقِيطِ إذَا كَانَ لَهُ أَبٌ حَاضِرٌ لَا يَجُوزُ لِلْمُلْتَقِطِ أَنْ يَقْبِضَ الْهِبَةَ لِلصَّغِيرِ اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتُؤَجِّرُهُ أُمُّهُ فَقَطْ) مَعْنَاهُ أَنَّ الصَّغِيرَ لَا يُؤَجِّرُهُ أَحَدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ إلَّا الْأُمَّ فَإِنَّهَا تُؤَجِّرُهُ إذَا كَانَ فِي حِجْرِهَا وَلَا يَمْلِكُهُ هَؤُلَاءِ وَهِيَ رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَفِي رِوَايَةِ الْقُدُورِيِّ يَجُوزُ أَنْ يُؤَجِّرَهُ الْمُلْتَقِطُ وَيُسَلِّمَهُ فِي صِنَاعَةٍ فَجَعَلَهُ مِنْ النَّوْعِ الْأَوَّلِ وَهَذَا أَقْرَبُ فَلَوْ أَجَّرَ الصَّبِيُّ نَفْسَهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ مَشُوبٌ بِالضَّرَرِ إلَّا إذَا فَرَغَ مِنْ الْعَمَلِ؛ لِأَنَّهُ نَفْعٌ مَحْضٌ بَعْدَ الْفَرَاغِ فَيَجِبُ الْمُسَمَّى وَهُوَ نَظِيرُ الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ إذَا أَجَّرَ نَفْسَهُ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ فَإِنْ كَانَ الصَّغِيرُ فِي يَدِ الْعَمِّ فَأَجَّرَتْهُ أُمُّهُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْحِفْظِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَجُوزُ اهـ. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [كِتَابُ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ] مُنَاسَبَةُ هَذَا الْكِتَابِ بِكِتَابِ الْكَرَاهِيَةِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ حَيْثُ إنَّ هَذَا الْكِتَابَ مُشْتَمِلٌ عَلَى مَا يُكْرَهُ وَمَا لَا يُكْرَهُ وَيَكْفِي فِيهَا أَدْنَى الْمُنَاسَبَةِ وَالْكَلَامُ هُنَا فِي وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ فِي مَعْنَاهُ لُغَةً، وَالثَّانِي فِي مَعْنَاهُ شَرْعًا، وَالثَّالِثُ فِي شَرْطِهِ، وَالرَّابِعُ فِي سَبَبِهِ، وَالْخَامِسُ فِي دَلِيلِهِ، وَالسَّادِسُ فِي حُكْمِهِ أَمَّا دَلِيلُهُ فَقَوْلُهُ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَهِيَ لَهُ» ، وَأَمَّا مَعْنَاهُ لُغَةً قَالَ فِي الصِّحَاحِ وَالْمَوَاتُ بِالْفَتْحِ مَا لَا رُوحَ فِيهِ وَالْمَوَاتُ أَيْضًا الْأَرْضُ الَّتِي لَا مَالِكَ لَهَا مِنْ الْآدَمِيِّينَ وَفِي الْقَامُوسِ الْمَوَاتُ كَغُرَابٍ وَسَحَابٍ مَا لَا رُوحَ فِيهِ وَالْأَرْضُ لَا مَالِكَ لَهَا مِنْ الْآدَمِيِّينَ. اهـ. وَشَرْعًا مَا سَيَأْتِي فِي عِبَارَةِ الْمُؤَلِّفِ. وَسَبَبُ الْمَشْرُوعِيَّةِ تَعَلُّقُ الْبِنَاءِ الْمُقَرَّرِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ، وَشَرْطُهُ سَيَأْتِي فِي حُكْمِ تَمَلُّكِ الْمُحْيِي مَا أَحْيَاهُ قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَهِيَ أَرْضٌ تَعَذَّرَ زِرَاعَتُهَا لِانْقِطَاعِ الْمَاءِ عَنْهَا أَوْ لِغَلَبَتِهِ عَلَيْهَا غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ بَعِيدَةٌ مِنْ الْعَامِرِ) فَقَوْلُهُ " هِيَ أَرْضٌ " بِمَنْزِلَةِ الْجِنْسِ يَشْمَلُ مَا تَعَذَّرَ وَغَيْرَهُ، وَقَوْلُهُ " تَعَذَّرَ " أَخْرَجَ غَيْرَهُ فَلَا يَكُونُ مَوَاتًا وَقَوْلُهُ " لِانْقِطَاعِ الْمَاءِ عَنْهَا أَوْ لِغَلَبَتِهِ عَلَيْهَا " بَيَانٌ لِسَبَبِ التَّعَذُّرِ وَقَوْلُهُ " غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ " أَخْرَجَ مَا كَانَ كَذَلِكَ وَهُوَ مَمْلُوكٌ فَلَا يَكُونُ مَوَاتًا وَقَوْلُهُ " بَعِيدَةٌ عَنْ الْعَامِرِ " أَخْرَجَ الْقَرِيبَةَ فَلَا تَكُونُ مَوَاتًا قَالَ الشَّارِحُ وَهَذَا تَفْسِيرٌ لِمَوَاتِ الْأَرْضِ وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ مَوَاتًا إذَا كَانَتْ بِهَذِهِ الصِّفَةِ لِبُطْلَانِ الِانْتِفَاعِ بِهَا تَشْبِيهًا بِالْمَيِّتِ قَالَ الشَّارِحُ: وَأَمَّا تَفْسِيرُ الْحَيَاةِ فَظَاهِرٌ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ وَالْإِحْيَاءُ شَرْعًا أَنْ يَكْرِبَ الْأَرْضَ وَيَسْقِيَهَا فَإِنْ كَرَبَهَا وَلَمْ يَسْقِهَا أَوْ سَقَاهَا وَلَمْ يَكْرِبْهَا فَلَيْسَ بِإِحْيَاءٍ وَفِي الْكَافِي لَوْ فَعَلَ أَحَدَهُمَا يَكُونُ إحْيَاءً وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ الْإِحْيَاءُ الْبِنَاءُ وَالْغِرَاسُ أَوْ الْكَرْبُ أَوْ السَّقْيُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ: الْكَرْبُ الْإِحْيَاءُ وَفِي الْغِيَاثِيَّةِ عَنْ مُحَمَّدٍ الْكَرْبُ لَيْسَ بِإِحْيَاءٍ إلَّا أَنْ يَبْذُرَهَا وَعَنْ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْإِحْيَاءُ أَنْ يَجْعَلَهَا صَالِحَةً لِلزِّرَاعَةِ وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ بَنَى فِي بَعْضِ أَرْضِ الْمَوَاتِ أَوْ زَرَعَ فِيهَا كَانَ ذَلِكَ إحْيَاءً لِذَلِكَ الْبَعْضِ دُونَ غَيْرِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَا عَمَّرَ أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ إذَا كَانَ الْمَوَاتُ فِي وَسَطِ الْإِحْيَاءِ يَكُونُ إحْيَاءً لِلْكُلِّ اهـ. وَالْإِحْيَاءُ لُغَةً الْإِنْبَاتُ سَوَاءٌ كَانَ بِفِعْلِ فَاعِلٍ مِنْ شِرَاءٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ لَا يُقَالُ لِمَاذَا عَرَّفَ الْمُؤَلِّفُ الْمَوَاتَ دُونَ الْإِحْيَاءِ، وَالْمُنَاسِبُ أَنْ يُعَرِّفَهُمَا مَعًا؛ لِأَنَّا نَقُولُ: أَرَادَ بَيَانَ الْأَكْمَلِ وَإِنَّمَا تَرَكَ تَعْرِيفَ الْإِحْيَاءِ قَالَ الشَّارِحُ: لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ وَقَوْلُهُ " غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ " يَعْنِي فِي دَارِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ عَلَى الْإِطْلَاقِ يَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلِ وَكَمَالُهُ بِأَنْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 238 لَا يَكُونَ مَمْلُوكًا لِأَحَدٍ لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ مَمْلُوكَةً لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ كَانَ مِلْكُهُ بَاقِيًا لِعَدَمِ مَا يُزِيلُهُ فَلَا يَكُونُ مَوَاتًا فَإِذَا عُرِفَ الْمَالِكُ فَهِيَ لَهُ وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ كَانَتْ لُقَطَةً يَتَصَرَّفُ فِيهَا الْإِمَامُ كَمَا يَتَصَرَّفُ فِي اللُّقَطَةِ وَلَوْ ظَهَرَ لَهَا مَالِكٌ بَعْدَ ذَلِكَ أَخَذَهَا وَضَمِنَ مِنْ زَرْعِهَا إنْ نَقَصَتْ بِالزِّرَاعَةِ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَقَوْلُ الْقُدُورِيِّ فَمَا كَانَ مِنْهَا عَادِيًّا مُرَادُهُ بِالْعَادِيِّ مَا قَدُمَ خَرَابُهُ كَأَنَّهُ مَنْسُوبٌ إلَى عَادٍ لِخَرَابِ عَهْدِهِمْ وَجُعِلَ الْمَمْلُوكُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ إذَا لَمْ يُعْرَفْ لَهُ مَالِكٌ مِنْ الْمَوَاتِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ كَالْمَوَاتِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ لَهُ مَالِكٌ بِعَيْنِهِ وَلَيْسَ هُوَ مَوَاتًا حَقِيقَةً عَلَى مَا بَيَّنَّا وَقَوْلُهُ " بَعِيدَةٌ عَنْ الْعَامِرِ " هُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ. وَالْبَعِيدَةُ أَنْ تَكُونَ بِحَيْثُ لَوْ وَقَفَ إنْسَانٌ فِي أَقْصَى الْعَامِرِ وَصَاحَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ لَمْ يُسْمَعْ مِنْهُ فَهُوَ مَوَاتٌ وَإِنْ كَانَ يُسْمَعُ فَلَيْسَ بِمَوَاتٍ؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْعَامِرِ يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ لِرَعْيِ مَوَاشِيهِمْ وَطَرْحِ حَصَائِدِهِمْ فَلَمْ يَكُنْ انْتِفَاعُهُمْ بِهِ مُنْقَطِعًا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُعْتَبَرُ حَقِيقَةُ الِانْتِفَاعِ حَتَّى لَا يَجُوزَ إحْيَاءُ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ أَهْلُ الْقَرْيَةِ وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا وَيَجُوزُ إحْيَاءُ مَا لَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ وَإِنْ كَانَ قَرِيبًا وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ اعْتَمَدَ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة إذَا عَرَفَ أَنَّهَا كَانَتْ مَمْلُوكَةً فِي الْأَوَّلِ وَلَمْ يَعْرِفْ مَالِكَهَا الْآنَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو عَلِيٍّ السُّغْدِيُّ عَنْ أُسْتَاذِهِ الْحَكَمِ: إنَّهُ يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَدْفَعَهَا إلَى رَجُلٍ وَيَأْذَنَ لَهُ فِي الْإِحْيَاءِ فَتَصِيرَ لِمَنْ أَحْيَاهَا وَفِي نَوَادِرِ هِشَامٍ إذَا كَانَ بِهَا آثَارُ عِمَارَةٍ مِنْ بِنَاءٍ وَبِئْرٍ وَلَا يَعْرِفُ مَالِكَهَا الْآنَ لَا يَسَعُ لِأَحَدِ أَنْ يُحْيِيَهَا أَوْ يَتَمَلَّكَهَا أَوْ يَأْخُذَ مِنْهَا تُرَابًا وَفِي رِسَالَةِ أَبِي يُوسُفَ لِهَارُونَ الرَّشِيدِ هِيَ لِمَنْ أَحْيَاهَا وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يُخْرِجَهَا مِنْ يَدِهِ وَعَلَيْهِ فِيهَا الْخَرَاجُ، وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي الْكُفُورِ الْخَرِبَةِ وَالْأَمَاكِنِ الْخَرِبَةِ إذَا رَفَعَ الرَّجُلُ مِنْهَا التُّرَابَ، وَأَلْقَاهُ فِي أَرْضِهِ قَالَ إذَا كَانَ الْقُصُورُ وَالْخَرَابُ تُعْرَفُ أَنَّهُ مِنْ بِنَاءٍ قَبْلَ الْإِسْلَامِ فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْمَوَاتِ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَإِنْ خَرِبَتْ بَعْدَ الْإِسْلَامِ وَكَانَ لَهَا أَرْبَابٌ لَكِنْ لَا يُعْرَفُونَ لَا يَسَعُ لِأَحَدٍ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا شَيْئًا؛ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ دُورِهِمْ اهـ. قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ أَحْيَاهَا بِإِذْنِ الْإِمَامِ مَلَكَهَا) وَهَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ وَقَالَا: يَمْلِكُ مَنْ أَحْيَا وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ، إذْنُ الْإِمَامِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا لَيْسَتْ لِأَحَدٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَلِأَنَّهُ مُبَاحٌ سَبَقَتْ إلَيْهِ يَدُهُ كَالِاحْتِطَابِ وَالِاصْطِيَادِ وَلِلْإِمَامِ قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ لِلْمَرْءِ إلَّا مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُ إمَامِهِ» فَإِنْ قُلْت إنْ اُعْتُبِرَ عُمُومُ هَذَا الْحَدِيثِ يَلْزَمُ أَنْ لَا يَمْلِكَ أَحَدٌ شَيْئًا مِنْ الْأَمْلَاكِ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ مَعَ أَنَّ الظَّاهِرَ خِلَافُهُ كَالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ قُلْت عُمُومُهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ بَلْ هُوَ مُخْتَصٌّ بِمَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ وَمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ فَإِنْ قُلْت كَوْنُ مَا نَحْنُ فِيهِ يَحْتَاجُ إلَى إذْنِ الْإِمَامِ هُوَ أَوَّلُ الْمَسْأَلَةِ فَيَلْزَمُ الْمُصَادَرَةُ وَلِأَنَّ هَذِهِ الْأَرَاضِيَ كَانَتْ فِي أَيْدِي الْكُفَّارِ فَصَارَتْ فِي أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ فَكَانَتْ فَيْئًا وَلَا يَخْتَصُّ أَحَدٌ بِالْفَيْءِ بِدُونِ إذْنِ الْإِمَامِ كَالْغَنَائِمِ بِخِلَافِ الْمُسْتَشْهَدِ بِهِ فَلَمْ يَكُنْ فَيْئًا وَإِذَا أَحْيَاهَا فَهِيَ لَهُ خَرَاجِيَّةٌ أَوْ عُشْرِيَّةٍ فَهِيَ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي السِّيَرِ وَبَيَّنَّا الْخِلَافَ فِيهِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ مَلَكَهَا خَرَاجِيَّةً أَوْ عُشْرِيَّةً قَالَ وَالْوَاجِبُ فِيهَا الْعُشْرُ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ وَظِيفَةِ الْمُسْلِمِ بِالْخَرَاجِ إلَّا إذَا اسْتَقَاهَا بِمَاءِ الْخَرَاجِيِّ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ فِيهَا الْخَرَاجُ عَلَى اخْتِلَافِ الْمَاءِ وَلَوْ تَرَكَهَا بَعْدَ الْإِحْيَاءِ وَزَرَعَهَا غَيْرُهُ قِيلَ الثَّانِي أَحَقُّ بِهَا؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ مَلَكَ اسْتِغْلَالَهَا دُونَ رَقَبَتِهَا وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْأَوَّلَ أَحَقُّ بِهَا؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ رَقَبَتَهَا بِالْإِحْيَاءِ فَلَا تَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ بِالتَّرْكِ وَلَوْ أَحْيَا أَرْضًا مَوَاتًا ثُمَّ أَحَاطَ الْإِحْيَاءُ بِجَوَانِبِهَا الْأَرْبَعَةِ أَرْبَعَةً نَفَذَ عَلَى التَّعَاقُبِ تَعَيَّنَ طَرِيقُ الْأَوَّلِ فِي الْأَرْضِ الرَّابِعَةِ فِي الْمَرْوِيِّ عَنْ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَحْيَا الْجَوَانِبَ الثَّلَاثَةَ تَعَيَّنَ الْجَانِبُ الرَّابِعُ لِلِاسْتِطْرَاقِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ فَإِنْ جَاءَ أَرْبَعَةٌ مَعًا وَلَمْ يَتَقَدَّمْ أَحَدُهُمْ، وَأَحْيَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ جَانِبًا مِنْهَا، وَأَحَاطُوا بِالْأَرْبَعَةِ جَوَانِبَ مَعًا فَلَهُ أَنْ يَسْتَطْرِقَ مِنْ أَيِّ أَرْضٍ شَاءَ إذَا كَانُوا أَحْيَوْا جَوَانِبَهَا الْأَرْبَعَةَ مَعًا هَكَذَا قَالَ وَالِدِي. اهـ. . وَيَمْلِكُ الذِّمِّيُّ بِالْإِحْيَاءِ كَالْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَخْتَلِفَانِ فِي سَبَبِ الْمِلْكِ قَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ فَإِنْ قُلْت مَا رَوَاهُ عَامٌّ خُصَّ مِنْهُ الْحَطَبُ وَالْحَشِيشُ وَمَا رَوَيَاهُ لَمْ يُخَصَّ فَيَكُونُ الْعَمَلُ بِهِ أَوْلَى قُلْت مَا ذُكِرَ لِبَيَانِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِافْتِيَاتُ عَلَى رَأْيِ الْإِمَامِ وَالْحَشِيشُ وَالْحَطَبُ لَا يُحْتَاجُ فِيهِمَا إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ فَلَمْ يَتَنَاوَلْهُمَا عُمُومُ الْحَدِيثِ فَلَمْ يَصِرْ مَخْصُوصًا وَالْأَرْضُ مِمَّا يُحْتَاجُ فِيهَا إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ مِنْ الْغَنَائِمِ بِإِيجَافِ الْخَيْلِ وَإِرْضَاعِ الْكِلَابِ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ فَكَانَ مَا قُلْنَا أَوْلَى وَفِي الْخَانِيَّةِ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ ذَكَرَ النَّاطِفِيُّ: الْقَاضِي فِي وِلَايَتِهِ بِمَنْزِلَةِ الْإِمَامِ فِي ذَلِكَ اهـ. قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ حَجَّرَ لَا) يَعْنِي وَإِنْ حَجَّرَ الْأَرْضَ لَا يَمْلِكُهَا بِهِ وَاخْتُلِفَ فِي كَوْنِ التَّحْجِيرِ يُفِيدُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 239 التَّمْلِيكَ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يُفِيدُ مِلْكًا مُؤَقَّتًا إلَى ثَلَاثِ سِنِينَ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا يُفِيدُ مِلْكًا وَهُوَ مُخْتَارُ الْمُصَنِّفِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا جَاءَ إنْسَانٌ آخَرُ قَبْلَ مُضِيِّ ثَلَاثِ سِنِينَ وَأَحْيَاهَا فَإِنَّهُ يَمْلِكُهَا عَلَى الثَّانِي وَلَا يَمْلِكُهُ عَلَى الْأَوَّلِ وَجْهُ الْأَوَّلِ قَوْلُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَيْسَ لِلْمُحْتَجِرِ حَقٌّ بَعْدَ ثَلَاثِ سِنِينَ نَفَى الْحَقَّ بَعْدَ ثَلَاثِ سِنِينَ فَيَكُونُ لَهُ الْحَقُّ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ وَجْهُ الثَّانِي أَنَّ الْإِحْيَاءَ جَعْلُهَا صَالِحَةً لِلزِّرَاعَةِ، وَالتَّحَجُّرَ لِلْإِعْلَامِ، مُشْتَقٌّ مِنْ الْحَجْرِ وَهُوَ الْمَنْعُ بِوَضْعِ حَجَرٍ أَوْ بِحَصَادِ مَا فِيهَا مِنْ الْحَشِيشِ وَالشَّوْكِ أَوْ بِإِحْرَاقِ مَا فِيهَا مِنْ الشَّوْكِ وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ فَبَقِيَتْ مُبَاحَةً عَلَى حَالِهَا لَكِنَّهُ هُوَ أَوْلَى بِهَا وَلَا تُؤْخَذُ إلَّا بَعْدَ مُضِيِّ ثَلَاثِ سِنِينَ فَإِذَا لَمْ يُعَمِّرْهَا أَخَذَهَا مِنْهُ وَدَفَعَهَا إلَى غَيْرِهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا كَانَ دَفَعَهَا إلَيْهِ لِيُعَمِّرَهَا فَتَحْصُلَ الْمَنْفَعَةُ لِلْمُسْلِمِينَ بِالْعُشْرِ أَوْ الْخَرَاجِ فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ الْمَقْصُودُ فَلَا فَائِدَةَ فِي تَرْكِهَا فِي يَدِهِ نَظِيرَ الِاسْتِبَاحَةِ وَهُوَ بِنَاءُ السَّبِيلِ وَحَفْرُ الْمَعْدِنِ فِي هَذَا الْحُكْمِ فَإِنْ قُلْت إذَا كَانَ الدَّفْعُ لِأَجْلِ الْعُشْرِ أَوْ الْخَرَاجِ فَيَقْتَضِي هَذَا الدَّلِيلُ أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْخُذَهَا وَيَدْفَعَهَا إلَى غَيْرِهِ بَعْدَ الْإِحْيَاءِ أَيْضًا إذَا كَانَ لَمْ يَزْرَعْهَا تَحْصِيلًا لِمَنْفَعَةِ الْمُسْلِمِينَ بِالْعُشْرِ أَوْ الْخَرَاجِ قُلْنَا قَدْ مَلَكَهَا بِالْإِحْيَاءِ دُونَ التَّحَجُّرِ وَالْإِمَامُ لَا يَمْلِكُ أَنْ يَدْفَعَ مَمْلُوكَ أَحَدٍ إلَى غَيْرِهِ لِانْتِفَاعِ الْمُسْلِمِينَ، وَيَقْدِرُ أَنْ يَدْفَعَ غَيْرَ الْمَمْلُوكِ إلَيْهِ لِذَلِكَ فَافْتَرَقَا وَفِي الْمُحِيطِ إذَا حَفَرَ فِيهَا بِئْرًا أَوْ سَاقَ إلَيْهَا مَاءً فَقَدْ أَحْيَاهَا زَرَعَ أَوْ لَمْ يَزْرَعْ وَلَوْ حَفَرَ فِيهَا أَنْهَارًا لَمْ يَكُنْ إحْيَاءً إلَّا أَنْ يَجْرِيَ فِيهَا وَلَوْ حَفَرَ فِيهَا وَلَمْ يَبْلُغْ الْمَاءَ لَمْ يَكُنْ إحْيَاءً وَيَكُونُ تَحْجِيرًا. اهـ. . قَنَاةٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَحْيَا أَحَدُهُمَا أَرْضًا مَيِّتَةً لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْقِيَهَا مِنْ الْقَنَاةِ أَوْ يَجْعَلَ شِرْبَهُ مِنْهَا لِأَنَّ هَذِهِ الْأَرْضَ لَيْسَ فِيهَا حَقٌّ فِي هَذَا الشِّرْبِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ فَإِذَا حَفَرَ رَجُلَانِ بِنَفَقَتِهِمَا بِئْرًا فِي أَرْضٍ مَوَاتٍ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْبِئْرُ لِأَحَدِهِمَا وَالْحَرِيمُ لِلْآخَرِ لَمْ يَجُزْ لِلِاصْطِلَاحِ عَلَى غَيْرِ مُوجَبِ الشَّرْعِ فَإِنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ الْحَرِيمَ تَبَعًا لِلْبِئْرِ لِيَتَمَكَّنَ صَاحِبُ الْبِئْرِ مِنْ الِانْتِفَاعِ وَكَانَ الْحَرِيمُ لِمَالِكِ الْبِئْرِ فَإِنْ كَانَ الْبِئْرُ لِوَاحِدٍ فَالْحَرِيمُ لَهُ وَإِنْ كَانَ الْبِئْرُ بَيْنَهُمَا فَالْحَرِيمُ بَيْنَهُمَا وَلَوْ شَرَطَا عَلَى أَنْ يَكُونَ الْبِئْرُ لِوَاحِدٍ وَالْحَرِيمُ لَهُ وَإِنْ كَانَ الْبِئْرُ بَيْنَهُمَا عَلَى أَنْ يُنْفِقَ أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ وَلَا يَرْجِعَ بِهِ فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ وَيَرْجِعُ بِالزَّائِدِ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ تَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ فِي الْأَصْلِ وَالنَّفَقَةِ وَفِي الْغِيَاثِيَّةِ لَوْ أَقْطَعَ الْإِمَامُ رَجُلًا أَرْضًا فَتَرَكَهَا ثَلَاثَ سِنِينَ لَا يُعَمِّرُ فِيهَا بَطَلَ الِانْتِفَاعُ اهـ. [إحْيَاءُ مَا قَرُبَ مِنْ الْعَامِرِ الْأَرْض الْمَوَات] قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَجُوزُ إحْيَاءُ مَا قَرُبَ مِنْ الْعَامِرِ) لِتَحَقُّقِ حَاجَتِهِمْ إلَيْهِ تَحْقِيقًا عِنْدَ مُحَمَّدٍ أَوْ تَقْدِيرًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فَصَارَ كَالنَّهْرِ وَالطَّرِيقِ وَلِهَذَا قَالُوا لَا يَمْلِكُ الْإِمَامُ أَنْ يُقْطِعَ مَا لَا غِنَى لِلْمُسْلِمِينَ عَنْهُ كَالْمِلْحِ وَالْآبَارِ يَسْتَسْقِي مِنْهَا النَّاسُ اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ حَفَرَ بِئْرًا فِي مَوَاتٍ فَلَهُ حَرِيمُهَا أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ حَفَرَ بِئْرًا فَلَهُ مَا حَوْلَهَا أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا عَطَنًا لِمَاشِيَتِهِ» وَلِأَنَّ حَافِرَ الْبِئْرِ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِالْبِئْرِ إلَّا بِمَا حَوْلَهَا وَلَوْ غَرَسَ شَجَرًا فِي أَرْضِ الْمَوَاتِ هَلْ يُسْتَحَقُّ لَهَا حَرِيمٌ لَمْ يَذْكُرْهُ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ وَقَالَ مَشَايِخُنَا لَهَا حَرِيمٌ بِقَدْرِ خَمْسَةِ أَذْرُعٍ حَتَّى لَمْ يَكُنْ لِغَيْرِهِ أَنْ يَغْرِسَ فِيهَا شَجَرَةً وَلِلْأَوَّلِ مَنْعُهُ وَقَدَّرَ الشَّارِعُ حَرِيمَ الْبِئْرِ بِأَرْبَعِينَ ذِرَاعًا ثُمَّ قِيلَ الْأَرْبَعُونَ مِنْ الْجَوَانِبِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ عَشَرَةُ أَذْرُعٍ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ اللَّفْظِ بِجَمِيعِ الْجَوَانِبِ الْأَرْبَعَةِ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْمُرَادَ أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ دَفْعُ الضَّرَرِ عَنْهُ كَيْ لَا يَحْفِرَ آخَرُ بِئْرًا بِجَنْبِهَا فَيَتَحَوَّلَ مَاءُ الْأُولَى إلَى الثَّانِيَةِ وَلَا يَنْدَفِعُ هَذَا الضَّرَرُ بِعَشَرَةِ أَذْرُعٍ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ فَيَتَقَدَّرُ بِأَرْبَعِينَ كَيْ لَا يَتَعَطَّلَ عَلَيْهِ الْمَصَالِحُ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الْبِئْرُ لِلْعَطَنِ أَوْ لِلنَّاضِحِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا إنْ كَانَ لِلْعَطَنِ فَأَرْبَعُونَ ذِرَاعًا وَإِنْ كَانَ لِلنَّاضِحِ فَحَرِيمُهَا سِتُّونَ ذِرَاعًا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «حَرِيمُ الْعَيْنِ خَمْسُمِائَةِ ذِرَاعٍ وَحَرِيمُ بِئْرِ الْعَطَنِ أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا وَحَرِيمُ بِئْرِ النَّاضِحِ سِتُّونَ ذِرَاعًا» وَلِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْحَرِيمِ بِاعْتِبَارِ الْحَاجَةِ، وَحَاجَةُ بِئْرِ النَّاضِحِ أَكْثَرُ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى مَوْضِعٍ يَسِيرُ فِيهِ النَّاضِحُ وَهُوَ الْبَعِيرُ وَقَدْ يَطُولُ الرَّشَا وَفِي بِئْرِ الْعَطَنِ يَسْتَقِي بِيَدِهِ وَلَا بُدَّ مِنْ التَّفَاوُتِ بَيْنَهُمَا وَلَهُ مَا رَوَيْنَا مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ وَمِنْ أَصْلِهِ الْعَامِّ الْمُتَّفَقِ عَلَى قَبُولِهِ وَالْعَمَلِ بِهِ يُرَجَّحُ عَلَى الْخَالِصِ الْمُخْتَلَفِ فِي قَبُولِهِ وَالْعَمَلِ بِهِ وَبِهَذَا رُجِّحَ قَوْلُهُ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَا أَخْرَجَتْهُ الْأَرْضُ فَفِيهِ الْعُشْرُ عَلَى قَوْلِهِ وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ لَا يُقَالُ الْمُرَادُ بِذِكْرِ الْعَطَنِ سَاقِيَةٌ عَطَنًا لِلْمُنَاسَبَةِ لِأَنَّا نَقُولُ: ذِكْرُ الْعَطَنِ فِيهِ لِلتَّغْلِيبِ لَا لِلتَّقْيِيدِ وَلِأَنَّهُ يَسْتَسْقِي مِنْ بِئْرِ الْعَطَنِ بِالنَّاضِحِ بِالْيَدِ فَاسْتَوَتْ الْحَاجَةُ فِيهِمَا وَلِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُدِيرَ الْبَعِيرَ حَوْلَ الْبَعِيرِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 240 الزِّيَادَةِ وَالتَّقْدِيرُ بِالْأَرْبَعِينَ قَوْلُ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا بِقَدْرِ سِتِّينَ ذِرَاعًا وَبِهِ يُفْتَى وَفِي الْيَنَابِيعِ وَمَنْ احْتَاجَ إلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ يُزَادُ عَلَيْهِ اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَحَرِيمُ الْعَيْنِ خَمْسُمِائَةِ ذِرَاعٍ) لِمَا رَوَيْنَا وَلِأَنَّ الْعَيْنَ تُسْتَخْرَجُ لِلزِّرَاعَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ وَطَنٍ يَسْتَقِرُّ فِيهِ الْمَاءُ وَمِنْ مَوْضِعٍ يَجْرِي فِيهِ إلَى الزِّرَاعَةِ وَقَدَّرَ الشَّارِعُ بِخَمْسِمِائَةٍ وَلَا مَدْخَلَ لِلرَّأْيِ فِي الْمَقَادِيرِ ثُمَّ قِيلَ الْخَمْسُمِائَةِ مِنْ الْجَوَانِبِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ ذِرَاعًا وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْخَمْسَمِائَةِ ذِرَاعٍ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ وَالذِّرَاعُ هُوَ الْمُكَسَّرِ وَهُوَ سِتُّ قَبَضَاتٍ وَكَانَ ذِرَاعُ الْمِلْكِ سَبْعُ قَبَضَاتٍ فَكُسِرَ مِنْهُ قَبْضَةٌ وَفِي الْكَافِي قِيلَ إنَّ التَّقْدِيرَ فِي الْبِئْرِ وَالْعَيْنِ بِمَا ذَكَرْنَا لِصَلَابَتِهِمَا وَفِي أَرَاضِينَا يُزَادُ عَلَى ذَلِكَ لِرَخَاوَةِ الْأَرْضِ كَيْ لَا يَتَحَوَّلَ الْمَاءُ إلَى الثَّانِيَةِ فَتُعَطِّلَ الْأُولَى قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ حَفَرَ فِي حَرِيمِهَا يُمْنَعُ مِنْهُ) لِأَنَّهُ صَارَ مِلْكًا لِصَاحِبِ الْبِئْرِ ضَرُورَةً لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الِانْتِفَاعِ فَكَانَ الْحَافِرُ مُتَعَدِّيًا بِالْحَفْرِ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ فَإِذَا حَفَرَ كَانَ لِلْأَوَّلِ أَنْ يَمْنَعَهُ لِمَا ذَكَرْنَا وَالْحَفْرُ لَيْسَ بِقَيْدٍ قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ بَنَى الثَّانِي فِي حَرِيمِ الْأَوَّلِ كَانَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ وَلَوْ أَرَادَ الْأَوَّلُ أَنْ يَأْخُذَ الثَّانِيَ بِحَفْرِهِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مِلْكَهُ بِالْحَفْرِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِيمَا يُؤَاخَذُ بِهِ قِيلَ بِكَسْبِهِ؛ لِأَنَّهُ إزَالَةٌ بِتَعَدِّيهِ كَمَا لَوْ وَضَعَ شَيْئًا فِي مِلْكِ غَيْرِهِ وَقِيلَ يُضَمِّنُهُ النُّقْصَانَ وَيَكْنُسُ الْأَوَّلُ مَا حَفَرَهُ بِنَفْسِهِ كَمَا إذَا هَدَمَ جِدَارَ غَيْرِهِ كَانَ لِصَاحِبِهِ أَنْ يُؤَاخِذَهُ بِقِيمَتِهِ لَا بِبِنَاءِ الْجِدَارِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَفِي الْعِنَايَةِ طَرِيقُ مَعْرِفَةِ النُّقْصَانِ أَنْ يُقَوَّمَ الْأَوَّلُ قَبْلَ حَفْرِ الثَّانِي وَبَعْدَهُ فَيُضَمَّنُ نُقْصَانَ مَا بَيْنَهُمَا وَمَا عَطِبَ فِي الْبِئْرِ الْأَوَّلِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فِي حَفْرِهِ أَمَّا إذَا كَانَ بِإِذْنِ الْإِمَامِ فَظَاهِرٌ وَكَذَا إذَا كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهِ عِنْدَهُمَا، وَأَمَّا عِنْدَهُ فَيُجْعَلُ الْحَفْرُ تَحْجِيرًا وَلَهُ ذَلِكَ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ الْمِلْكُ إلَّا بِإِذْنِهِ وَمَا عَطِبَ فِي الثَّانِيَةِ فَهُوَ مَضْمُونٌ عَلَى الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي حَفْرِهِ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ وَلَوْ حَفَرَ الثَّانِي بِئْرًا فِي مُنْتَهَى حَرِيمِ الْأَوَّلِ بِإِذْنِ الْإِمَامِ فَذَهَبَ مَاءُ الْبِئْرِ الْأُولَى وَتَحَوَّلَ إلَى الثَّانِيَةِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فِي ذَلِكَ وَالْمَاءُ الَّذِي تَحْتَ الْأَرْضِ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لِأَحَدٍ فَلَا يَكُونُ لَهُ الْمُحَاصَّةُ بِسَبَبِهِ كَمَنْ بَنَى حَانُوتًا فِي جَنْبِ حَانُوتِ غَيْرِهِ فَكَسَدَ الْأَوَّلُ بِسَبَبِهِ وَلِلثَّانِي فِي الْحَرِيمِ مِنْ الْجَوَانِبِ الثَّلَاثَةِ دُونَ الْأَوَّلِ بِسَبْقِ مِلْكِ الْأَوَّلِ فِيهِ. قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِلْقَنَاةِ حَرِيمٌ بِقَدْرِ مَا يُصْلِحُهُ) وَالْقَنَاةُ مَجْرَى الْمَاءِ تَحْتَ الْأَرْضِ وَلَمْ يُقَدَّرْ حَرِيمُهُ بِشَيْءٍ يُمْكِنُ ضَبْطُهُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْبِئْرِ فِي اسْتِحْقَاقِ الْحَرِيمِ وَقِيلَ هَذَا قَوْلُهُمَا وَعِنْدَ الْإِمَامِ لَا حَرِيمَ لَهُ مَا لَمْ يَظْهَرْ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهُ نَهْرٌ فِي الْحَقِيقَةِ فَتُعْتَبَرُ بِالنَّهْرِ قَالُوا عِنْدَ ظُهُورِ الْمَاءِ بِمَنْزِلَةِ عَيْنٍ فَوَّارَةٍ فَيُقَدَّرُ حَرِيمُهَا بِخَمْسِمِائَةِ ذِرَاعٍ اهـ. [مَا عَدَلَ عَنْهُ الْفُرَاتُ وَلَمْ يُحْتَمَلُ عَوْدُهُ إلَيْهِ فَهُوَ مَوَاتٌ] قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَا عَدَلَ عَنْهُ الْفُرَاتُ وَلَمْ يُحْتَمَلُ عَوْدُهُ إلَيْهِ فَهُوَ مَوَاتٌ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مِلْكِ أَحَدٍ وَجَازَ إحْيَاؤُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ حَرِيمًا لِعَامِرٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ اُحْتُمِلَ عَوْدُهُ إلَيْهِ لَا) يَعْنِي لَا يَكُونُ مَوَاتًا لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْعَامَّةِ فِيهِ عَلَى تَقْدِيرِ رُجُوعِ الْمَاءِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ حَقُّهُمْ لِحَاجَتِهِمْ إلَيْهِ اهـ. قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا حَرِيمَ لِلنَّهْرِ) وَهَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ وَقَالَا لَهُ حَرِيمٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْحَرِيمِ لِلْحَاجَةِ وَصَاحِبُ النَّهْرِ يَحْتَاجُ إلَيْهِ كَصَاحِبِ الْبِئْرِ وَالْعَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الشَّيْءِ عَلَى حَافَّتَيْ النَّهْرِ لِيَجْرِيَ الْمَاءُ إذَا حُبِسَ بِشَيْءٍ وَقَعَ فِيهِ، إذْ لَا يُمْكِنُهُ الْمَشْيُ فِي وَسَطِ الْمَاءِ وَكَذَا يَحْتَاجُ إلَى مَوْضِعٍ يُلْقِي عَلَيْهِ الطِّينَ عِنْدَ الْكَرْبِ وَفِي الْكُبْرَى وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَهَذَا إذَا حُفِرَ النَّهْرُ فِي أَرْضِ الْمَوَاتِ وَفِي الْكَافِي وَمَنْ كَانَ لَهُ نَهْرٌ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ فَلَيْسَ لَهُ حَرِيمٌ عِنْدَ الْإِمَامِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ وَقَالَا لَهُ مَمْشَاةُ النَّهْرِ وَيَمْشِي عَلَيْهَا وَيُلْقِي عَلَيْهَا طِينَهُ وَفِي السِّرَاجِيَّةِ قَالَ حُسَامُ الدِّينِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْحَرِيمَ وَفِي الْفَتَاوَى نَهْرَانِ بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي حَرِيمِهِمَا فَمَا كَانَ مَشْغُولًا بِتُرَابِ أَحَدِ النَّهْرَيْنِ فَهُوَ فِي أَيْدِي أَهْلِ ذَلِكَ النَّهْرِ وَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ الْقَدْرِ لَهُمْ فَلَا يُصَدَّقُ الْآخَرُونَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَمَا كَانَ بَيْنَ النَّهْرَيْنِ وَلَمْ يَكُنْ مَشْغُولًا بِتُرَابِ أَحَدِهِمَا فَهُوَ بَيْنَ أَهْلِ الْقَرْيَتَيْنِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ أَحَدُهُمَا الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ لَهُ خَاصَّةً قَالَ الشَّارِحُ دَلِيلُ الْإِمَامِ أَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْحَرِيمِ فِي الْبِئْرِ وَالْعَيْنِ ثَبَتَ نَصًّا بِخِلَافِ الْقِيَاسِ فَلَا يَلْحَقُ بِهِمَا مَا لَيْسَ فِي مَعْنَاهُمَا أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ بَنَى قَصْرًا فِي الصَّحْرَاءِ لَا يَسْتَحِقُّ حَرِيمًا وَإِنْ كَانَ يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِإِلْقَاءِ الْكُنَاسَةِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِالْقَصْرِ دُونَ الْحَرِيمِ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ نَهْرٌ لِرَجُلٍ إلَى جَنْبِهِ مُسَنَّاةٌ، وَأَرْضٌ لِآخَرَ وَالْمُسَنَّاةُ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا غَرْسٌ وَلَا طِينٌ مُلْقًى فَادَّعَى صَاحِبُ الْأَرْضِ الْمُسَنَّاةَ وَادَّعَاهُ صَاحِبُ النَّهْرِ أَيْضًا فَهِيَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَقَالَا هِيَ لِصَاحِبِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 241 النَّهْرِ جَرَى الْمُلْقَى عَلَيْهِ طِينُهُ وَغَيْرُ ذَلِكَ فَيَنْكَشِفُ بِهَذَا اللَّفْظِ مَوْضِعُ الْخِلَافِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْحَرِيمُ مُوَازِيًا لِلْأَرْضِ لَا فَصْلَ بَيْنَهُمَا، وَأَنْ لَا يَكُونَ الْحَرِيمُ مَشْغُولًا بِحَقِّ أَحَدِهِمَا مُعَيَّنًا مَعْلُومًا وَإِنْ كَانَ فِيهِ أَشْجَارٌ وَلَا يَدْرِي مَنْ غَرَسَهَا فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ أَيْضًا وَكَذَا قَبْلَ إلْقَاءِ الطِّينِ عَلَى الْخِلَافِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لِصَاحِبِ النَّهْرِ مَا لَمْ يَفْحُشْ ثُمَّ إذَا كَانَ الْحَرِيمُ لِأَحَدِهِمَا أَيَّهُمَا كَانَ لَا يَمْنَعُ الْآخَرَ مِنْ الِانْتِفَاعِ عَلَى وَجْهٍ لَا يُبْطِلُ حَقَّ مَالِكِهِ كَالْمُرُورِ فِيهِ وَإِلْقَاءِ الطِّينِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ وَلَا يَغْرِسُ فِيهِ إلَّا الْمَالِكُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُبْطِلُ حَقَّهُ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ أُخِذَ بِقَوْلِهِ فِي الْغَرْسِ وَبِقَوْلِهِمَا فِي إلْقَاءِ الطِّينِ ثُمَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ حَرِيمُهُ قَدْرُ نِصْفِ بَطْنِ النَّهْرِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْحَاوِي وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ مِقْدَارُ بَطْنِ النَّهْرِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْكَرْخِيِّ وَذَكَرَ فِي كَشْفِ الْغَوَامِضِ أَنَّ الْخِلَافَ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ فِي نَهْرٍ كَبِيرٍ لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْكَرْيِ فِي كُلِّ حِينٍ أَمَّا الْأَنْهَارُ الصِّغَارُ يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى كَرْيِهَا فِي كُلِّ وَقْتٍ فَلَهَا حَرِيمٌ بِالِاتِّفَاقِ اهـ. [مَسَائِلُ الشِّرْبِ] (مَسَائِلُ الشِّرْبِ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ ذَكَرَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ مَسَائِلِ الشِّرْبِ؛ لِأَنَّ إحْيَاءَ الْمَوَاتِ يَحْتَاجُ إلَيْهِ وَقَدَّمَ فَصْلَ الْمِيَاهِ عَلَى غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الْمَاءُ لَا يُقَالُ إذَا كَانَ الشِّرْبُ مِمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ إحْيَاءُ الْمَوَاتِ كَانَ اللَّائِقُ تَقْدِيمَ مَسَائِلِ الشِّرْبِ عَلَى مَسَائِلِ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ قُلْنَا لِأَصَالَتِهِ وَكَثْرَةِ فُرُوعِهِ يَسْتَحِقُّ التَّقْدِيمَ عَلَى الشِّرْبِ قَالَ فِي الْمُحِيطِ: يُحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ مَشْرُوعِيَّةِ حَقِّ الشِّرْبِ وَتَفْسِيرِهِ لُغَةً وَشَرْعًا وَرُكْنِهِ وَشَرْطِهِ وَحُكْمِهِ: أَمَّا مَشْرُوعِيَّتُهُ فَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا بَلَغَ الْوَادِي الْكَعْبَيْنِ لَمْ يَكُنْ لِأَهْلِ الْأَعْلَى أَنْ يَحْبِسُوهُ عَنْ أَهْلِ الْأَسْفَلِ» ، وَأَمَّا تَفْسِيرُهُ لُغَةً فَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ النَّصِيبِ مِنْ الْمَاءِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ} [القمر: 28] أَرَادَ بِالشِّرْبِ النَّصِيبَ مِنْ الْمَاءِ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {لَهَا شِرْبٌ} [الشعراء: 155] أَيْ نَصِيبٌ وَفِي الشَّرْعِ النَّصِيبُ مِنْ الْمَاءِ لِلْأَرَاضِيِ لَا لِغَيْرِهَا. وَأَمَّا رُكْنُهُ فَهُوَ الْمَاءُ؛ لِأَنَّ الشِّرْبَ يَقُومُ بِهِ. وَأَمَّا شَرْطُ حِلِّهِ أَنْ يَكُونَ ذَا حَظٍّ مِنْ الشِّرْبِ وَأَمَّا حُكْمُهُ فَالْإِرْوَاءُ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الشَّيْءِ مَا يُفْعَلُ لِأَجْلِهِ وَإِنَّمَا شِرْبُ الْأَرْضِ لِتُرْوَى اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (هُوَ نَصِيبُ الْمَاءِ) قَالَ الشَّارِحُ: أَيْ الشِّرْبُ بِالْكَسْرِ هُوَ النَّصِيبُ وَالْمَاءُ وَالصَّوَابُ هُوَ النَّصِيبُ مِنْ الْمَاءِ وَلَك أَنْ تَقُولَ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ الْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ وَهُوَ لَا يَلِيقُ ذِكْرُهُ فِي الْمُتُونِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (الْأَنْهَارُ الْعِظَامُ كَدِجْلَةَ والْفُرَاتِ غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ وَلِكُلٍّ أَنْ يَسْتَقِيَ أَرْضَهُ وَيَتَوَضَّأَ بِهِ وَيَشْرَبَ وَيَنْصِبَ الرَّحَا عَلَيْهِ وَيُكْرِيَ نَهْرًا مِنْهَا إلَى أَرْضِهِ إنْ لَمْ يَضُرَّ بِالْعَامَّةِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «النَّاسُ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ فِي الْمَاءِ وَالنَّارِ وَالْكَلَأِ» وَلِأَنَّ هَذِهِ الْأَنْهَارَ لَيْسَ لِأَحَدٍ فِيهَا يَدٌ عَلَى الْخُصُوصِ؛ لِأَنَّ قَهْرَ الْمَاءِ يَمْنَعَ قَهْرَ غَيْرِهِ فَلَا يَكُونُ مُحْرَزًا فِي الْمِلْكِ بِالْإِحْرَازِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَمْلُوكًا كَانَ مُشْتَرَكًا وَالْمُرَادُ بِالْمَاءِ فِي الْحَدِيثِ مَا لَيْسَ بِمُحْرَزٍ فَإِنَّ الْمُحْرَزَ قَدْ مَلَكَهُ فَخَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ مُبَاحًا كَالصَّيْدِ إذَا أَحْرَزَهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ وَشُرِطَ لِجَوَازِ الِانْتِفَاعِ أَنْ لَا يَضُرَّ بِالْعَامَّةِ فَإِنْ كَانَ يَضُرُّ بِالْعَامَّةِ لَيْسَ لَهُ الْكَرْيُ وَنَصْبُ الرَّحَا؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِالْمُبَاحِ لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا كَانَ لَا يَضُرُّ بِالْعَامَّةِ كَالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالْهَوَاءِ، وَالْمُرَادُ بِالْكَلَأِ الْحَشِيشُ الَّذِي يَنْبُتُ بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُنْبِتَهُ أَحَدٌ وَمِنْ غَيْرِ أَنْ يَزْرَعَهُ وَيَسْقِيَهُ فَيَمْلِكُهُ مَنْ قَطَعَهُ، وَأَحْرَزَهُ وَإِنْ كَانَ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ وَالْمُرَادُ بِالنَّارِ الِاسْتِضَاءَةُ بِنُورِهَا وَالِاصْطِلَاءُ بِهَا وَإِلَّا يُقَادُ مِنْ لَهَبِهَا فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُمْنَعَ مِنْ ذَلِكَ إذَا كَانَ فِي الصَّحْرَاءِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ جَمْرَةً؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ وَيَتَضَرَّرُ بِذَلِكَ فَكَانَ لَهُ مَنْعُهُ كَسَائِرِ أَمْلَاكِهِ اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي الْأَنْهَارِ الْمَمْلُوكَةِ وَالْآبَارِ وَالْحِيَاضِ لِكُلٍّ شِرْبُهُ وَسَقْيُ دَوَابِّهِ لَا أَرْضِهِ، وَإِنْ خِيفَ تَخْرِيبُ النَّهْرِ لِكَثْرَةِ الْبُقُورِ يُمْنَعُ) وَإِنَّمَا كَانَ لَهُ حَقُّ الشِّرْبِ وَسَقْيِ الدَّوَابِّ لِمَا رَوَيْنَا وَلِأَنَّ الْأَنْهَارَ وَالْآبَارَ وَالْحِيَاضَ لَمْ تُوضَعْ لِلْإِحْرَازِ وَالْمُبَاحُ لَا يُمْلَكُ إلَّا بِالْإِحْرَازِ وَلَكِنَّ الْمُسَافِرَ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَأْخُذَ مَا يُوصِلُهُ إلَى مَقْصِدِهِ فَيَحْتَاجُ أَنْ يَأْخُذَ مِمَّا يَمُرُّ عَلَيْهِ مِمَّا ذُكِرَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِنَفْسِهِ وَدَوَابِّهِ وَصَاحِبِهِ فَلَوْ مُنِعَ مِنْ ذَلِكَ لَحِقَهُ ضَرَرٌ عَظِيمٌ وَهُوَ مَدْفُوعٌ شَرْعًا بِخِلَافِ سَقْيِ الْأَرَاضِي حَيْثُ يُمْنَعُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ لِأَنَّ فِي إبَاحَةِ ذَلِكَ إبْطَالَ حَقِّ صَاحِبِ الْأَنْهَارِ إذْ لَا نِهَايَةَ لِذَلِكَ فَتَذْهَبُ مَنْفَعَةُ صَاحِبِ الْأَنْهَارِ فَيَلْحَقُهُ بِذَلِكَ ضَرَرٌ بِخِلَافِ سَقْيِ الدَّوَابِّ؛ لِأَنَّ مِثْلَهُ لَا يَلْحَقُهُ بِهِ ضَرَرٌ حَتَّى لَوْ تَحَقَّقَ فِيهِ الضَّرَرُ يُمْنَعُ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ، وَإِنْ خِيفَ تَخْرِيبُ النَّهْرِ لِكَثْرَةِ الْبُقُورِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لِصَاحِبِهِ عَلَى الْخُصُوصِ وَإِنَّمَا أَثْبَتْنَا مَا ذَكَرْنَا لِغَيْرِهِ لِلضَّرُورَةِ فَلَا مَعْنَى لِإِبْقَائِهِ عَلَى وَجْهٍ يَضُرُّ بِصَاحِبِهِ قَالَ فِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 242 الْهِدَايَةِ وَلَهُمْ الشِّرْبُ وَإِنْ شَرِبُوا الْمَاءَ كُلَّهُ. اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ وَلَوْ أَرَادَ صَاحِبُ الْأَرْضِ أَنْ يَغْرِفَ بِالْجَرَّةِ فَلِصَاحِبِ الْمِلْكِ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ الدُّخُولِ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ يُقَالُ لِصَاحِبِ الْمِلْكِ: إمَّا أَنْ تُعْطِيَهُ الْمَاءَ وَإِمَّا أَنْ تُمَكِّنَهُ مِنْ الدُّخُولِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكْسِرَهَا فِي النَّهْرِ قَالُوا هَذَا إذَا كَانَ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ فَأَمَّا إذَا حَفَرَ فِي أَرْضٍ مَوَاتٍ لَمْ يَكُنْ لِصَاحِبِ النَّهْرِ مَنْعُهُ مِنْ الدُّخُولِ إذَا كَانَ لَا يَكْسِرُ مُسَنَّاةِ النَّهْرِ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ كَانَتْ مُشْتَرِكَةً بَيْنَ النَّاسِ كَافَّةً فَأَمَّا إذَا أَحْيَاهَا إنْسَانٌ لَمْ تَنْقَطِعْ الشَّرِكَةُ فِي الدُّخُولِ لِأَهْلِ الشُّفْعَةِ وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ رَقَبَةُ الشَّيْءِ لِإِنْسَانٍ وَلِلْآخَرِ فِيهِ حَقُّ الدُّخُولِ اهـ. وَفِيهِ أَيْضًا رَجُلٌ لَهُ مَاءٌ يَجْرِي إلَى مَزْرَعَتِهِ فَيَجِيءُ رَجُلٌ وَيَسْقِي دَوَابَّهُ حَتَّى يَنْفُذَ الْمَاءُ كُلُّهُ هَلْ لِصَاحِبِ النَّهْرِ أَنْ يَمْنَعَهُ قَالَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ اهـ. قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمُحْرَزُ فِي الْكُوزِ وَالْجُبِّ لَا يَنْتَفِعُ فِيهِ إلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِهِ) ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْإِحْرَازِ فَكَانَ أَحَقَّ بِهِ كَالصَّيْدِ إذَا أَخَذَهُ لَكِنَّهُ فِيهِ شُبْهَةُ الشَّرِكَةِ لِظَاهِرِ مَا رَوَيْنَا فَيَعْمَلُ فِيمَا يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ وَلَوْ سَرَقَ الْمَاءَ فِي مَوْضِعٍ يَعِزُّ فِيهِ الْمَاءُ وَهُوَ يُسَاوِي نِصَابًا لَا يُقْطَعُ وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ عَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يُقْطَعَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا؛ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى قَوْلَهُ {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29] يُورِثُ الشُّبْهَةَ بِهَذَا الطَّرِيقِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْعَمَلَ بِالْحَدِيثِ يُوَافِقُ قَوْله تَعَالَى {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29] وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْعَمَلِ بِهِ إبْطَالُ الْكِتَابِ بِخِلَافِ قَوْله تَعَالَى {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29] فَإِنَّ الْعَمَلَ بِهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ يُبْطِلُ الْعَمَلَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} [النور: 2] {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} [المائدة: 38] وَغَيْرِ ذَلِكَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ غَيْرُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْخُصُوصِيَّاتُ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْ مِنْ الْعَمَلِ بِالْحَدِيثِ إبْطَالُ الْكِتَابِ لَكِنْ يَلْزَمُ بِهِ إبْطَالُ دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ آخَرَ فَإِنَّكُمْ حَكَمْتُمْ بِأَنَّ الْمَاءَ الْمُحْرَزَ فِي الْأَوَانِي يَصِيرُ مَمْلُوكًا بِالْإِحْرَازِ وَيَنْقَطِعُ حَقُّ الْغَيْرِ عَنْهُ وَهُوَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ لَا مَحَالَةَ. فَلَوْ عَمِلْنَا بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ عَلَى الْإِطْلَاقِ لَزِمَ إبْطَالُ ذَلِكَ الدَّلِيلِ الشَّرْعِيِّ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ غَيْرُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ بِخُصُوصِ الدَّلِيلِ الشَّرْعِيِّ الدَّالِّ عَلَى أَنَّ الْمَاءَ الْمُحْرَزَ فِي الْأَوَانِي مِلْكٌ مَخْصُوصٌ لِمُحْرِزِهِ وَلَوْ كَانَتْ الْبِئْرُ أَوْ الْحَوْضُ أَوْ النَّهْرُ فِي مِلْكِ رَجُلٍ فَلَهُ أَنْ يَمْنَعَ مَنْ يُرِيدَ الشُّفْعَةَ مِنْ الدُّخُولِ وَقَدْ قَدَّمْنَا عَنْ الْمُحِيطِ بِتَفَاصِيلِهِ: وَحُكْمُ الْكَلَأِ حُكْمُ الْمَاءِ عَلَى التَّفَاصِيلِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَلَوْ مَنَعَ رَبُّ النَّهْرِ مَنْ يُرِيدُ الْمَاءَ وَهُوَ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَلَى دَابَّتِهِ الْعَطَشَ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُقَاتِلَهُ بِالسِّلَاحِ لِأَثَرِ عُمَرَ وَلِأَنَّهُ قَصَدَ إتْلَافَهُ وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ مُحْرَزًا فِي الْأَوَانِي فَلَيْسَ لِلَّذِي يَخَافُ الْعَطَشَ أَنْ يُقَاتِلَ بِالسِّلَاحِ وَلَهُ أَنْ يُقَاتِلَهُ بِغَيْرِ السِّلَاحِ إذَا كَانَ فِيهِ فَضْلٌ عَنْ صَاحِبِهِ فَصَارَ نَظِيرَ الطَّعَامِ حَالَةَ الْمَخْمَصَةِ وَفِي الْكَافِي قِيلَ فِي الْبِئْرِ وَنَحْوِهِ: وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَاتِلَهُ بِغَيْرِ السِّلَاحِ؛ لِأَنَّهُ ارْتَكَبَ مَعْصِيَةً فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ التَّعْزِيرِ هَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّ لَهُ أَنْ يُقَاتِلَهُ بِالسِّلَاحِ حَيْثُ جَعَلَ الْأَوْلَى أَنْ لَا يُقَاتِلَهُ بِهِ، وَأَهْلُ الشُّفْعَةِ بِأَنْ كَانُوا يَشْرَبُونَ الْمَاءَ كُلَّهُ بِأَنْ كَانَ نَهْرًا صَغِيرًا وَفِيمَا يَرِدُ عَلَيْهِ مِنْ الْمَوَاشِي كَثْرَةٌ يَنْقَطِعُ الْمَاءُ اخْتَلَفُوا فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ: لَيْسَ لِرَبِّهِ أَنْ يَمْنَعَ، وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى أَنَّ لَهُ أَنْ يَمْنَعَ؛ لِأَنَّهُ يَلْحَقُهُ الضَّرَرُ بِذَلِكَ فَصَارَ كَسَقْيِ الْأَرْضِ وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ الْمَاءَ لِلْوُضُوءِ وَغَسْلِ الثِّيَابِ فِي الْأَصَحِّ وَقِيلَ يَنْقُلُهُمَا فِي النَّهْرِ وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَسْقِيَ شَجَرًا أَوْ خَضِرًا فِي دَارِهِ فَحَمَلَ الْمَاءَ إلَيْهِ بِالْجَرَّةِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ وَقَالَ بَعْضُ أَئِمَّةِ بُخَارَى: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِ النَّهْرِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّ النَّاسَ يَتَوَسَّعُونَ فِي ذَلِكَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْقِيَ نَخْلَهُ وَشَجَرَهُ، وَأَرْضُهُ مِنْ نَهْرِ غَيْرِهِ إلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِهِ وَلَهُ أَنْ يَمْنَعَ مِنْ ذَلِكَ. فَالْحَاصِلُ: الْمِيَاهُ ثَلَاثَةٌ؛ الْأَنْهَارُ الْعِظَامُ الَّتِي لَا تَدْخُلُ فِي مِلْكِ أَحَدٍ وَالْأَنْهَارُ الَّتِي هِيَ مَمْلُوكَةٌ وَمَا صَارَ فِي الْأَوَانِي وَقَدْ ذَكَرْنَا حُكْمَ كُلِّ وَاحِدٍ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ تَعَالَى. قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكَرْيُ نَهْرٍ غَيْرِ مَمْلُوكٍ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ) لِأَنَّ ذَلِكَ لِمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ وَبَيْتُ الْمَالِ مُعَدٌّ لَهَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَيُصْرَفُ ذَلِكَ مِنْ الْجِزْيَةِ وَالْخَرَاجِ دُونَ الْعُشْرِ وَالصَّدَقَاتِ لِأَنَّ الثَّانِيَ لِلْفُقَرَاءِ وَالْأَوَّلَ لِلنَّوَائِبِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَيْءٌ يُجْبَرُ النَّاسُ عَلَى كَرْيِهِ) يَعْنِي إذَا لَمْ يَكُنْ فِي بَيْتِ الْمَالِ شَيْءٌ أَجْبَرَ الْإِمَامُ النَّاسَ عَلَى كَرْيِهِ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ نُصِبَ نَاظِرًا وَفِي تَرْكِهِ ضَرَرٌ عَظِيمٌ عَلَى النَّاسِ وَقَلَّمَا يَتَّفِقُ الْعَوَامُّ عَلَى الْمَصَالِحِ بِاخْتِيَارِهِمْ فَيُجْبِرُهُمْ عَلَيْهِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ أَجْبَرَ فِي مِثْلِ هَذَا فَكَلَّمُوهُ فَقَالَ: لَوْ تُرِكْتُمْ لَبِعْتُمْ أَوْلَادَكُمْ إلَّا أَنَّهُ يُخْرِجُ لِلْكَرْيِ مَنْ كَانَ يُطِيقُ الْكَرْيَ مِنْهُمْ وَيَجْعَلُ مُؤْنَتَهُ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ الَّذِينَ لَا يُطِيقُونَ الْكَرْيَ بِأَنْفُسِهِمْ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُحَصِّصَ النَّهْرَ خَوْفَ الِانْتِشَافِ وَفِيهِ ضَرَرٌ عَظِيمٌ يُجْبِرُهُمْ عَلَى ذَلِكَ اهـ. قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكَرْيُ مَا هُوَ مَمْلُوكٌ عَلَى أَهْلِهِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 243 وَيُجْبَرُ الْآبِي عَلَى كَرْيِهِ) لِأَنَّهُ مَنْفَعَةٌ لَهُمْ عَلَى الْخُصُوصِ فَتَكُونُ مُؤْنَتُهُ عَلَيْهِمْ وَلِأَنَّ الْغُرْمَ بِالْغُنْمِ وَمَنْ أَبَى مِنْهُمْ يُجْبَرُ وَقِيلَ إنْ كَانَ خَاصًّا لَا يُجْبَرُ وَالْفَاصِلُ بَيْنَ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ أَنَّ مَا يُسْتَحَقُّ بِهِ الشُّفْعَةُ خَاصٌّ وَمَا لَا يُسْتَحَقُّ بِهِ الشُّفْعَةُ عَامٌّ وَبَيَانُ الْفَرْقِ أَنَّهُ إذَا كَانَ عَامًّا فِيهِ دَفْعُ ضَرَرٍ عَامٍّ فَيُجْبَرُ الْآبِي بِخِلَافِ الْخَاصِّ وَفِي الضَّرَرِ الْخَاصِّ يُمْكِنُ الدَّفْعُ بِأَنْ يَرْفَعَ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي فَيُنْفِقَ وَيَرْجِعَ عَلَى الْمُمْتَنِعِ بِحِصَّتِهِ وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ وَصَارَ كَزَرْعٍ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ امْتَنَعَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْإِنْفَاقِ فَلِصَاحِبِهِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ بِأَمْرِ الْقَاضِي وَيَرْجِعَ عَلَيْهِ بِمَا أَنْفَقَ فَكَذَا هَذَا كَذَا فِي الْمُحِيطِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ عَامًّا لَا يُمْكِنُ الرُّجُوعُ لِكِبَرِهِمْ فَيُجْبَرُ الْمُمْتَنِعُ وَلَا يُقَالُ: فِي كِرَاءِ النَّهْرِ الْخَاصِّ إحْيَاءٌ لَهُ حُقُوقُ أَهْلِ الشُّفْعَةِ فَيَكُونُ فِي تَرْكِهِ ضَرَرٌ عَامٌّ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَا جَبْرَ لِأَجْلِ أَهْلِ الشُّفْعَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ أَهْلَ النَّهْرِ لَوْ امْتَنَعُوا عَنْ كَرْيِهِ لَا يُجْبِرُهُمْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهُمْ امْتَنَعُوا عَنْ عِمَارَةِ أَرَاضِيهِمْ وَلَوْ كَانَ حَقُّ أَهْلِ الشُّفْعَةِ مُعْتَبَرًا لَأُجْبِرَ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة: مَعْنَاهُ أَنْ يَنْقُلُوا نَصِيبَ الْآبِي مِنْ الشِّرْبِ مِقْدَارَ مَا يَبْلُغُ قِيمَةَ مَا أَنْفَقَ. قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمُؤْنَةُ كَرْيِ النَّهْرِ الْمُشْتَرَكِ عَلَيْهِمْ مِنْ أَعْلَاهُ فَإِذَا جَاوَزَ أَرْضَ رَجُلٍ بَرِئَ) وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ وَقَالَا: الْمُؤْنَةُ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا مِنْ أَوَّلِ النَّهْرِ إلَى آخِرِهِ بِالْحِصَصِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَنْتَفِعُ بِالْأَسْفَلِ كَمَا يَنْتَفِعُ بِالْأَعْلَى؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى مَسِيلِ الْفَاضِلِ مِنْ الْمَاءِ فَإِنَّهُ إذَا سُدَّ عَلَيْهِ فَاضَ الْمَاءُ إلَى أَرْضِهِ فَيُفْسِدُ زَرْعَهُ وَلِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَنْتَفِعُ بِالنَّهْرِ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى أَسْفَلِهِ وَفِي الْخَانِيَّةِ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ وَاخْتَلَفَ أَئِمَّتُنَا فِي الطَّرِيقِ الْخَاصِّ إذَا احْتَاجَ الْإِصْلَاحَ قِيلَ: هُوَ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ عِنْدَ الْإِمَامِ عَلَيْهِ الْمُؤْنَةُ إلَى أَنْ يُجَاوِزَ أَرْضَهُ وَعِنْدَهُمَا مِنْ أَوَّلِهِ إلَى آخِرِهِ قَالَ الْهِنْدُوَانِيُّ: وَرَأَيْت فِي بَعْضِ الْكُتُبِ إذَا انْتَهَى إلَى دَارِ رَجُلٍ يَدْفَعُ عَنْهُ مُؤْنَةَ الْإِصْلَاحِ بِالْإِجْمَاعِ فَيَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الطَّرِيقِ وَالنَّهْرِ وَالْفَرْقُ أَنَّ صَاحِبَ الدَّارِ لَا يَحْتَاجُ إلَى النَّظَرِ فِيمَا جَاوَزَ دَارِهِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ بِخِلَافِ صَاحِبِ الْأَرْضِ وَلِلْإِمَامِ أَنَّ مُؤْنَةَ الْكَرْبِ عَلَى مَنْ يَنْتَفِعُ بِهِ وَيَسْقِي مِنْهُ أَرْضَهُ فَإِذَا جَاوَزَ أَرْضَهُ بَرِئَ فَلَا يَلْزَمُ شَيْءٌ فِي مُؤْنَةِ مَا بَقِيَ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ لَهُ الْحَقُّ يَسِيلُ الْمَاءُ عَلَى سَطْحِ جَارِهِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مِنْ عِمَارَتِهِ بِاعْتِبَارِ مَسِيلِ الْمَاءِ فِيهِ وَلِأَنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ دَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُ بِسَدِّ فُوَّهَةِ النَّهْرِ مِنْ أَعْلَاهُ إذَا اسْتَغْنَى عَنْهُ وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْكَرْبَ إذَا انْتَهَى إلَى فُوَّهَةِ أَرْضِهِ مِنْ النَّهْرِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْمُؤْنَةِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُمْكِنُهُ مُؤْنَةُ الْكَرْبِ إلَى أَنْ يُجَاوِزَ حَدَّ أَرْضِهِ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ شِرْبَهُ مِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ شَاءَ مِنْ أَرْضِهِ مِنْ أَعْلَاهَا أَوْ أَسْفَلِهَا. [لَا كِرَاءَ عَلَى أَهْلِ الشُّفْعَةِ] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَلَا كِرَاءَ عَلَى أَهْلِ الشُّفْعَةِ) لِأَنَّهُمْ لَا يُحَصُّونَ قَوْلُهُ: لَا يُحَصُّونَ لِأَنَّ أَهْلَ الدُّنْيَا كُلَّهُمْ لَهُمْ حَقُّ الشُّفْعَةِ وَمُؤْنَةُ الْكَرْيِ لَا تَجِبُ عَلَى قَوْمٍ لَا يُحَصُّونَ وَلِأَنَّ الْمُرَادَ مَنْ حَفْرِ الْأَنْهَارِ وَنَحْوِهَا سَقْيُ الْأَرَاضِي، وَأَهْلُ الشُّفْعَةِ أَتْبَاعٌ وَالْمُؤْنَةُ تَجِبُ عَلَى الْأُصُولِ دُونَ الْأَتْبَاعِ وَلِهَذَا لَا يَسْتَحِقُّونَ بِهِ الشُّفْعَةَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَصِحُّ دَعْوَى الشِّرْبِ بِغَيْرِ أَرْضٍ) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَصِحَّ؛ لِأَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ الدَّعْوَى إعْلَامُ الْمُدَّعَى بِهِ فِي الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ، وَالشِّرْبُ مَجْهُولٌ جَهَالَةً لَا تَقْبَلَ الْإِعْلَامَ وَلِأَنَّهُ يَطْلُبُ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ لَهُ بِالْمُدَّعَى بِهِ إذَا ثَبَتَ دَعْوَاهُ بِالْبَيِّنَةِ وَالشِّرْبُ لَا يَحْتَمِلُ التَّمْلِيكَ بِدُونِ الْأَرْضِ فَلَا يَسْتَمِعُ الْقَاضِي فِيهِ الدَّعْوَى وَالْخُصُومَةَ كَالْخَمْرِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الشِّرْبَ مَرْغُوبٌ فِيهِ وَيُمْكِنُ أَنْ يَمْلِكَهُ بِغَيْرِ الْأَرْضِ بِالْإِرْثِ وَالْوَصِيَّةِ وَقَدْ تُبَاعُ الْأَرْضُ وَيَبْقَى الشِّرْبُ وَحْدَهُ فَإِذَا اسْتَوْلَى عَلَيْهِ رَجُلٌ ظُلْمًا كَانَ لَهُ أَنْ يَرْفَعَ يَدَهُ عَنْهُ بِإِثْبَاتِ حَقِّهِ بِالْبَيِّنَةِ رَجُلٌ لَهُ أَرْضٌ وَلِلْآخَرِ نَهْرٌ يَجْرِي فِيهَا فَأَرَادَ رَبُّ الْأَرْضِ أَنْ يَمْنَعَ النَّهْرَ أَنْ يَجْرِيَ فِي أَرْضِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ وَيُتْرَكُ عَلَى حَالِهِ؛ لِأَنَّ مَوْضِعَ النَّهْرِ فِي يَدِ رَبِّ النَّهْرِ وَعِنْدَ الِاخْتِلَافِ الْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي أَنَّهُ مِلْكُهُ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ وَلَمْ يَكُنْ جَارِيًا فِيهَا فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ أَنَّ هَذَا النَّهْرَ لَهُ، وَأَنَّ مَجْرَاهُ فِي هَذِهِ الْأَرْضِ يَسُوقُهُ إلَى أَرْضٍ لَهُ لِيَسْقِيَهَا فَيَقْضِي لَهُ لِإِثْبَاتِهِ بِالْحُجَّةِ مِلْكَ الرَّقَبَةِ إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى فِيهِ أَوْ حَقَّ الْآخَرِ فِي إثْبَاتِ الْمَجْرَى مِنْ غَيْرِ دَعْوَى الْمِلْكِ، وَعَلَى هَذَا نَصِيبُ الْمَاءِ فِي كُلِّ نَهْرٍ أَوْ مَجْرًى عَلَى سَطْحٍ أَوْ الْمِيزَابِ أَوْ الْمَشْيِ فِي دَارِ غَيْرِهِ فَالْحُكْمُ فِيهِ كَالشِّرْبِ كَمَا قَدَّمْنَا اهـ. [نَهْرٌ بَيْنَ قَوْمٍ اخْتَصَمُوا فِي الشِّرْبِ] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (نَهْرٌ بَيْنَ قَوْمٍ اخْتَصَمُوا فِي الشِّرْبِ فَهُوَ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ أَرَاضِيهِمْ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالشِّرْبِ سَقْيُ الْأَرْضِ وَالْحَاجَةُ إلَى ذَلِكَ تَخْتَلِفُ بِقِلَّةِ الْأَرَاضِي وَكَثْرَتِهَا وَالظَّاهِرُ أَنَّ حَقَّ كُلِّ وَاحِدٍ مِقْدَارُ أَرْضِهِ بِخِلَافِ الطَّرِيقِ إذَا اخْتَلَفَ فِيهِ الشُّرَكَاءُ حَيْثُ يَسْتَوُونَ فِي مِلْكِ رَقَبَةِ الطَّرِيقِ وَلَا يُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ سَعَةُ الدَّارِ وَضِيقُهَا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 244 الِاسْتِطْرَاقُ وَذَاكَ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الدَّارِ لَا يُقَالُ اسْتَوَيَا فِي إثْبَاتِ الْيَدِ عَلَى النَّهْرِ فَوَجَبَ أَنْ يَسْتَوِيَا فِي الِاسْتِحْقَاقِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: الْمَاءُ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُ الْيَدِ عَلَيْهِ حَقِيقَةً وَلَا يُمْكِنُ إحْرَازُهُ وَإِنَّمَا ذَلِكَ بِالِانْتِفَاعِ بِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الِانْتِفَاعَ مُتَفَاوِتٌ بِتَفَاوُتِ الْأَرْضِ فَتَتَفَاوَتُ الْأَجْزَاءُ فِي ضِمْنِ الِانْتِفَاعِ فَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِحَسَبِ ذَلِكَ وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمْ أَنْ يَسْكُرَ النَّهْرَ عَلَى الْأَسْفَلِ وَلَكِنْ يَشْرَبُ حِصَّتَهُ؛ لِأَنَّ فِي السَّكْرِ إحْدَاثَ شَيْءٍ لَمْ يَكُنْ فِي وَسَطِ النَّهْرِ وَرَقَبَةُ النَّهْرِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمْ فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدِهِمْ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ بِغَيْرِ إذْنِ الشُّرَكَاءِ فَإِنْ تَرَاضَوْا عَلَى أَنَّ الْأَعْلَى يَسْكُرُ النَّهْرَ حَتَّى يَشْرَبَ بِحِصَّتِهِ وَاصْطَلَحُوا أَنْ يَسْكُرَ كُلُّ وَاحِدٍ فِي نَوْبَتِهِ جَازَ لِأَنَّ الْمَانِعَ حَقُّهُمْ وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ بِتَرَاضِيهِمْ وَلَكِنْ إنْ أَمْكَنَهُمْ أَنْ يَسْكُرَ بِلَوْحٍ أَوْ بَابٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْكُرَ ذَلِكَ بِالطِّينِ وَالتُّرَابِ؛ لِأَنَّ بِهِ ضَرَرًا بِالشُّرَكَاءِ وَلَوْ كَانَ الْمَاءُ فِي النَّهْرِ بِحَيْثُ لَا يَجْرِي إلَى أَرْضِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إلَّا بِالسَّكْرِ فَإِنَّهُ يُبْدَأُ بِالْأَعْلَى حَتَّى يَرْوِيَ ثُمَّ بِاَلَّذِي بَعْدَهُ كَذَلِكَ وَلَيْسَ لِأَهْلِ الْأَعْلَى أَنْ يَمْنَعُوهُ مِنْ أَهْلِ الْأَسْفَلِ اهـ. قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمْ أَنْ يَشُقَّ نَهْرًا أَوْ يَنْصِبَ عَلَيْهِ رَحًى أَوْ دَالِيَةً أَوْ جِسْرًا أَوْ يُوَسِّعَ فَمَ النَّهْرِ أَوْ يَقْسِمَ بِالْأَيَّامِ وَقَدْ وَقَعَتْ الْقِسْمَةُ بِالْكُوَى أَوْ يَسُوقَ نَصِيبَهُ إلَى أَرْضٍ لَهُ أُخْرَى لَيْسَ لَهَا فِيهِ شِرْبٌ بِلَا رِضَاهُمْ) ؛ لِأَنَّ فِي شَقِّ النَّهْرِ وَنَصْبِ الرَّحَا كَسْرَ صِفَةِ النَّهْرِ الْمُشْتَرَكِ، وَشَغْلُ الْمُشْتَرَكِ بِالْبِنَاءِ بِغَيْرِ إذْنِ الشُّرَكَاءِ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الرَّحَا لَا تَضُرُّ بِالنَّهْرِ وَلَا بِالْمَاءِ وَيَكُونَ مَوْضِعُهَا فِي أَرْضِ صَاحِبِهَا فَيَجُوزَ؛ لِأَنَّ مَا يُحْدِثُهُ مِنْ الْبِنَاءِ فِي خَالِصِ مِلْكِهِ وَبِسَبَبِ الرَّحَا لَا يَنْقُصُ الْمَاءُ وَالْمَانِعُ مِنْ فِعْلِ ذَلِكَ الْإِضْرَارُ بِالشُّرَكَاءِ وَلَمْ يُوجَدْ وَبِالْقَنْطَرَةِ وَالْجِسْرِ إشْغَالُ الْمَوْضِعِ الْمُشْتَرَكِ بِغَيْرِ إذْنِ الشُّرَكَاءِ فَلَا يَجُوزُ. وَالدَّالِيَةُ جِذْعٌ طَوِيلٌ يُرَكَّبُ تَرْكِيبَ مَدَاقِّ الْأَرُزِّ فِي رَأْسِهِ مِغْرَفَةٌ كَبِيرَةٌ لِيَسْقِيَ بِهَا وَقِيلَ هُوَ الدُّولَابُ وَالسَّانِيَةُ لِلْبَعِيرِ يُسْقَى عَلَيْهَا مِنْ الْبِئْرِ وَالْجِسْرُ اسْمٌ لِمَا يُوضَعُ وَيُرْفَعُ مِمَّا يَكُونُ بَيْنَ الْأَلْوَاحِ وَغَيْرِهِ وَالْقَنْطَرَةُ مَا يُتَّخَذُ مِنْ الْآجُرِّ وَالْحَجَرِ وَالْكُوَّةُ ثَقْبُ الْبَيْتِ وَالْجَمْعُ كُوًى وَإِذَا كَانَ نَهْرٌ خَاصٌّ لِرَجُلٍ يَأْخُذُ مِنْ نَهْرٍ بَيْنَ الْقَوْمِ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُقَنْطِرَ عَلَيْهِ أَوْ يَسُدَّهُ مِنْ جَانِبَيْهِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِي خَالِصِ مِلْكِهِ بِرَفْعِ بِنَائِهِ وَإِنْ كَانَ يَزِيدُ فِي أَخْذِ الْمَاءِ كَانَ لِلشُّرَكَاءِ مَنْعُهُ وَإِنَّمَا لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يُوَسِّعَ فَمَ النَّهْرِ؛ لِأَنَّ فِيهِ كَسْرَ صِفَتِهِ وَيَزِيدُ عَلَى مِقْدَارِ حَقِّهِ فِي أَخْذِ الْمَاءِ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا لَمْ تَكُنْ الْقِسْمَةُ بِالْكَرْيِ وَكَذَا إنْ كَانَتْ بِالْكَرْيِ؛ لِأَنَّهُ إذَا وَسَّعَ فَمَ النَّهْرِ يَخِسُّ الْمَاءُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَيَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ أَكْثَرُ مِمَّا كَانَ لَهُ أَوَّلًا وَكَذَا إذَا أَرَادَ أَنْ يُؤَخِّرَ فَمَ النَّهْرِ فَيَجْعَلَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَذْرُعٍ مِنْ فَمِ النَّهْرِ؛ لِأَنَّهُ يَحْبِسُ الْمَاءَ فِيهِ فَيَزْدَادُ دُخُولُ الْمَاءِ فِيهِ وَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِإِذْنِ الشُّرَكَاءِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَرَادَ أَنْ يُسَفِّلَ كُوَاهُ أَوْ يَرْفَعَهُ مِنْ حَيْثُ الْعُمْقُ فِي مَكَانِهِ حَيْثُ يَكُونُ لَهُ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ قِسْمَةَ الْمَاءِ فِي الْأَصْلِ وَقَعَ بِاعْتِبَارِ سَعَةِ الْكُوَى وَضِيقِهَا مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ السُّفْلِ، وَالرَّفْعُ فِي الْعُمْقِ هُوَ الْعَادَةُ فَلَا يُؤَدِّي إلَى تَغَيُّرِ مَوْضِعِ الْقِسْمَةِ فَلَا يُمْنَعُ وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَقْسِمَ بِالْأَيَّامِ بَعْدَمَا وَقَعَتْ الْقِسْمَةُ بِالْكُوَى؛ لِأَنَّ الْقَدِيمَ يُتْرَكُ عَلَى حَالِهِ لِظُهُورِ أَنَّ الْحَقَّ فِيهِ وَلَوْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كُوًى مُسَمَّاةٌ فِي نَهْرٍ خَاصٍّ لَمْ يَكُنْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَزِيدَ كَوَّةً وَإِنْ كَانَ لَا يَضُرُّ بِأَهْلِهِ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ خَاصَّةٌ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْكُوَى فِي النَّهْرِ الْأَعْظَمِ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَشُقَّ نَهْرًا مِنْهُ ابْتِدَاءً فَالْكُوَى بِطَرِيقِ الْأَوْلَى. وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَسُوقَ شِرْبَهُ إلَى أَرْضٍ أُخْرَى لَيْسَ لَهَا فِيهِ شِرْبٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ يُخْشَى أَنْ يَدَّعِيَ حَقَّ الشِّرْبِ لَهَا مِنْ هَذَا النَّهْرِ مَعَ الْأُولَى إذَا تَقَادَمَ الْعَهْدُ وَيُسْتَدَلُّ عَلَى ذَلِكَ بِالْحَفْرِ وَإِجْرَاءِ الْمَاءِ فِيهِ إلَيْهَا وَكَذَا لَوْ أَرَادَ أَنْ يَسُوقَ شِرْبَهُ إلَى أَرْضِ الْأُولَى حَتَّى يَنْتَهِيَ إلَى الْأُخْرَى؛ لِأَنَّهُ يَسُوقُ زِيَادَةً عَلَى حَقِّهِ، إذْ الْأَرْضُ الْأُولَى تَشْرَبُ الْمَاءَ قَبْلَ أَنْ يَسْقِيَ الْأُخْرَى وَهُوَ نَظِيرُ طَرِيقٍ مُشْتَرَكٍ أَرَادَ أَحَدُهُمْ أَنْ يَفْتَحَ فِيهِ بَابًا إلَى دَارٍ أُخْرَى - سَاكِنُهَا غَيْرُ سَاكِنِ هَذِهِ الدَّارِ - فَفَتَحَهَا فِي هَذَا الطَّرِيقِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ سَاكِنُ الدَّارَيْنِ وَاحِدًا حَيْثُ لَا يُمْنَعُ؛ لِأَنَّ الْمَارَّةَ لَا تَزْدَادُ وَلَهُ حَقُّ الْمُرُورِ وَيَتَصَرَّفُ فِي خَالِصِ مِلْكِهِ وَهُوَ الْجِدَارُ بِالرَّفْعِ وَلَوْ أَرَادَ الْأَعْلَى مِنْ الشَّرِيكَيْنِ فِي النَّهْرِ الْخَاصِّ وَفِيهِ كَوَّةٌ بَيْنَهُمَا أَنْ يَسُدَّ بَعْضَهَا دَفْعًا لِفَيْضِ الْمَاءِ عَنْ أَرْضِهِ لِكَيْ لَا يَنِزَّ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِالْأُخْرَى وَكَذَا إذَا أَرَادَ أَنْ يَقْسِمَ النَّهْرَ مُنَاصَفَةً؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ فِي الْكَوَّةِ تَقَدَّمَتْ إلَّا أَنْ يَتَرَاضَيَا؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا وَبَعْدَ الرِّضَا لِصَاحِبِ السُّفْلِ أَنْ يَنْقُضَ ذَلِكَ وَكَذَا لِوَرَثَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ لِأَنَّهُ إعَارَةٌ لِلشِّرْبِ لَا مُبَادَلَةٌ؛ لِأَنَّ مُبَادَلَةَ الشِّرْبِ بِالشِّرْبِ بَاطِلَةٌ وَكَذَا إجَارَةُ الشِّرْبِ لَا تَجُوزُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 245 فَتَعَيَّنَتْ الْإِعَارَةُ فَيَرْجِعُ فِيهَا وَكَذَا وَرَثَتُهُ فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءُوا؛ لِأَنَّ الْإِعَارَةَ غَيْرُ لَازِمَةٍ اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُوَرَّثُ الشِّرْبُ وَيُوصَى بِالِانْتِفَاعِ بِعَيْنِهِ وَلَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ) لِأَنَّ الْوَرَثَةَ خَلْفُ الْمَيِّتِ يَقُومُونَ مَقَامَهُ وَجَازَ أَنْ يَقُومُوا مَقَامَهُ فِيمَا لَا يَجُوزُ تَمْلِيكُهُ كَالْمُعَاوَضَاتِ وَالتَّبَرُّعَاتِ كَالدَّيْنِ وَالْقِصَاصِ وَالْخَمْرِ وَكَذَا الشِّرْبُ، وَالْوَصِيَّةُ أُخْتُ الْمِيرَاثِ فَكَانَتْ مِثْلَهُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْوَصِيَّةِ بِذَلِكَ حَيْثُ لَا تَجُورُ لِلْغُرُورِ وَالْجَهَالَةِ وَلِعَدَمِ الْمِلْكِ فِيهِ لِلْحَالِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ حَتَّى لَوْ أَتْلَفَ شِرْبَ إنْسَانٍ بِأَنْ سَقَى أَرْضَهُ مِنْ شِرْبِ غَيْرِهِ لَا يَضْمَنُ عَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ وَكَذَا لَا يَصْلُحُ مُسَمًّى فِي النِّكَاحِ وَلَا فِي الْخُلْعِ وَلَا فِي الصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ وَهَذِهِ الْعُقُودُ صَحِيحَةٌ وَلَا تَبْطُلُ بِهَذَا الشَّرْطِ فِيهَا وَيَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَعَلَى الْمَرْأَةِ رَدُّ مَا أَخَذَتْ مِنْ الْمَهْرِ وَعَلَى الْقَاتِلِ الدِّيَةُ وَكَذَا لَا يَصْلُحُ بَدَلًا فِي دَعْوَى حَقٍّ وَلِلْمُدَّعِي أَنْ يَرْجِعَ فِي دَعْوَاهُ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ أَنَّ الشِّرْبَ يَجُوزُ بَيْعُهُ تَبَعًا لِلْأَرْضِ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ وَمُفْرَدًا فِي رِوَايَةٍ وَهُوَ اخْتِيَارُ مَشَايِخِ بَلْخٍ؛ لِأَنَّهُ حَظٌّ فِي الْمَاءِ وَلِهَذَا يُضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ وَلَهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ قَالَ صَاحِبُ الْخُلَاصَةِ رَجُلٌ لَهُ نَوْبَةُ مَاءِ فِي يَوْمٍ مُعَيَّنٍ فِي الْأُسْبُوعِ فَجَاءَ رَجُلٌ فَسَقَى أَرْضَهُ فِي نَوْبَتِهِ ذَكَرَ الْإِمَامُ عَلِيٌّ الْبَزْدَوِيُّ أَنَّ غَاصِبَ الْمَاءِ يَكُونُ ضَامِنًا وَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ ضَامِنًا وَفِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى رَجُلٌ أَتْلَفَ شِرْبَ رَجُلٍ بِأَنْ سَقَى أَرْضَهُ بِشِرْبِ غَيْرِهِ. قَالَ الْإِمَامُ عَلِيٌّ الْبَزْدَوِيُّ: يَضْمَنُ، وَقَالَ الْإِمَامُ خواهر زاده لَا يَضْمَنُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى فَتَوَهَّمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ تَنَاقَضَ حَيْثُ قَالَ هُنَا لَا يَضْمَنُ إنْ سَقَى مِنْ شِرْبِ غَيْرِهِ وَقَالَ هُنَاكَ وَلِهَذَا يَضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ مَا ذَكَرَ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ عَلَى رِوَايَةِ مَشَايِخِ بَلْخٍ وَمَا ذَكَرَ هَهُنَا عَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ قَالَ الشَّارِحُ وَلَوْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ لَا يُبَاعُ الشِّرْبُ بِدُونِ الْأَرْضِ عَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلشِّرْبِ أَرْضٌ قِيلَ يُجْمَعُ الْمَاءُ فِي نَوْبَةٍ فِي حَوْضٍ فَيُبَاعُ إلَى أَنْ يُقْضَى الدَّيْنُ مِنْ ذَلِكَ وَقِيلَ: يَنْظُرُ الْإِمَامُ إلَى أَرْضٍ لَا شِرْبَ لَهَا فَيَضُمُّ هَذَا الشِّرْبَ إلَيْهَا فَيَبِيعُهَا بِرِضَا صَاحِبِهَا ثُمَّ يَنْظُرُ إلَى قِيمَةِ الْأَرْضِ بِدُونِ الشِّرْبِ وَإِلَى قِيمَتِهَا مَعَهُ فَيَصْرِفُ تَفَاوُتَ مَا بَيْنِهِمَا مِنْ الثَّمَنِ إلَى قَضَاءِ دَيْنِ الْمَيِّتِ وَالسَّبِيلُ فِي مَعْرِفَةِ قِيمَةِ الشِّرْبِ إذَا أَرَادَ قِسْمَةَ الثَّمَنِ عَلَى قِيمَتِهِمَا أَنْ يُقَوِّمَ الشِّرْبَ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ لَوْ كَانَ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَهُوَ نَظِيرُ مَا قَالَ بَعْضُهُمْ فِي الْعُقْرِ الْوَاجِبِ بِشُبْهَةٍ: يُنْظَرُ إلَى هَذِهِ الْمَرْأَةِ بِكَمْ كَانَتْ تُسْتَأْجَرُ لِلزِّنَا فَذَلِكَ الْقَدْرُ هُوَ عَقْدُهَا فِي الْوَطْءِ بِالشُّبْهَةِ. وَإِنْ لَمْ يَجِدْ اشْتَرَى عَلَى تَرِكَةِ الْمَيِّتِ أَرْضًا بِغَيْرِ شِرْبٍ ثُمَّ يَضُمُّ إلَى هَذَا الشِّرْبِ فَيَبِيعُهَا فَيُؤَدِّي مِنْ الثَّمَنِ قِيمَةَ الْأَرْضِ الْمُشْتَرَاةِ، وَالْفَاضِلُ لِلْغُرَمَاءِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ مَلَأ أَرْضَهُ مَاءً فَنَزَتْ أَرْضُ جَارِهِ أَوْ غَرِقَتْ لَمْ يَضْمَنْ) لِأَنَّهُ مُتَسَبِّبٌ وَلَيْسَ بِمُتَعَدٍّ فَلَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ شَرْطَ وُجُوبِ الضَّمَانِ فِي السَّبَبِ أَنْ يَكُونَ مُتَعَدِّيًا أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ حَفَرَ بِئْرًا فِي أَرْضٍ لَا يَضْمَنُ مَا عَطِبَ فِيهِ وَإِنْ حَفَرَ فِي الطَّرِيقِ يَضْمَنُ وَإِنَّمَا قُلْنَا: إنَّهُ لَيْسَ بِمُتَعَدٍّ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَمْلَأَ أَرْضَهُ وَيَسْقِيَهُ قَالُوا هَذَا إذَا سَقَى أَرْضَهُ سَقْيًا مُعْتَادًا بِأَنْ سَقَاهَا قَدْرَ مَا تَحْتَمِلُهُ عَادَةً أَمَّا إذَا سَقَاهَا سَقْيًا لَا تَحْتَمِلُهُ أَرْضُهُ فَيَضْمَنُ وَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ أَوْقَدَ نَارًا فِي دَارِهِ فَاحْتَرَقَ دَارُ جَارِهِ فَإِنْ كَانَ أَوْقَدَهَا مِثْلَ الْعَادَةِ لَمْ يَضْمَنْ وَإِنْ كَانَ بِخِلَافِ الْعَادَةِ يَضْمَنُ وَكَانَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ الزَّاهِدُ يَقُولُ: إنَّمَا لَمْ يَضْمَنْ بِالسَّقْيِ الْمُعْتَادِ إذَا كَانَ مُحِقًّا فِيهِ بِأَنْ سَقَى أَرْضَهُ فِي نَوْبَتِهِ مِقْدَارَ حَقِّهِ وَأَمَّا إذَا سَقَاهَا فِي غَيْرِ نَوْبَتِهِ أَوْ فِي نَوْبَتِهِ زِيَادَةً عَلَى حَقِّهِ فَيَضْمَنُ لِوُجُودِ التَّعَدِّي فِي السَّبَبِ اهـ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [كِتَابُ الْأَشْرِبَةِ] (كِتَابُ الْأَشْرِبَةِ) ذَكَرَ الْأَشْرِبَةَ بَعْدَ الشِّرْبِ؛ لِأَنَّهُمَا شُعْبَتَا عُرْفٍ وَاحِدٍ لَفْظًا وَمَعْنًى فَاللَّفْظِيُّ هُوَ الشِّرْبُ مَصْدَرُ شَرِبَ، وَالْعُرْفُ الْمَعْنَوِيُّ هُوَ مَعْنَى لَفْظِ الشِّرْبِ الَّذِي هُوَ مَصْدَرُ شَرِبَ فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُشْتَقٌّ مِنْ ذَلِكَ الْمَصْدَرِ وَلَا بُدَّ فِي الِاشْتِقَاقِ مِنْ التَّنَاسُبِ بَيْنَ الْمُشْتَقِّ وَالْمُشْتَقِّ مِنْهُ فِي اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَمِنْ مَحَاسِنِ ذِكْرِ الْأَشْرِبَةِ بَيَانُ حُرْمَتِهَا، إذْ الشُّبْهَةُ فِي حُسْنِ تَحْرِيمِ مَا يُزِيلُ الْعَقْلَ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ مَعْرِفَةُ شُكْرِ الْمُنْعِمِ فَإِنْ قِيلَ: لِمَاذَا حَلَّ لِلْأُمَمِ السَّابِقَةِ مَعَ احْتِيَاجِهِمْ إلَى الْعَقْلِ أُجِيبَ بِأَنَّ السُّكْرَ حَرَامٌ فِي جَمِيعِ الْأَدْيَانِ وَحَرُمَ شُرْبُ الْقَلِيلِ مِنْ الْخَمْرِ عَلَيْنَا كَرَامَةً مِنْ اللَّهِ عَلَيْنَا لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى الْمَحْظُورِ بِأَنْ يَدْعُوَ الْقَلِيلُ إلَى الْكَثِيرِ، وَنَحْنُ مَشْهُودٌ لَنَا بِالْخَيْرِيَّةِ فَإِنْ قِيلَ هَلَّا حَرُمَتْ عَلَيْنَا النَّبِيذُ وَالدَّاعِي الْمَذْكُورُ مَوْجُودٌ أُجِيبَ بِأَنَّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 246 الشَّهَادَةَ بِالْخَيْرِيَّةِ لَمْ تَكُنْ، إذْ ذَاكَ وَإِنَّمَا يَتَدَرَّجُ الضَّارِي لِئَلَّا يَتَعَدَّاهُ مِنْ الْإِسْلَامِ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ بِأَنْ يَنْفِرَ مِنْ الْإِسْلَامِ. اهـ. وَأُضِيفَ هَذَا الْكِتَابُ إلَى الْأَشْرِبَةِ وَالْحَالُ أَنَّ الْأَشْرِبَةَ جَمْعُ شَرَابٍ وَهُوَ اسْمٌ فِي اللُّغَةِ لِكُلِّ مَا يُشْرَبُ مِنْ الْمَائِعَاتِ حَرَامًا كَانَ أَوْ حَلَالًا وَفِي اسْتِعْمَالِ أَهْلِ الشَّرْعِ اسْمٌ لِمَا هُوَ حَرَامٌ مِنْهُ وَكَانَ مُسْكِرًا لِمَا فِي هَذَا الْكِتَابِ مِنْ بَيَانِ حُكْمِ الْأَشْرِبَةِ كَمَا سَمَّى كِتَابَ الْحُدُودِ لِمَا فِيهِ مِنْ بَيَانِ حُكْمِ الْحُدُودِ وَفِي التَّلْوِيحِ وَفِي أَوَائِلِ الْقِسْمِ الثَّانِي أَنَّ إضَافَةَ الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ إلَى الْأَعْيَانِ حَقِيقَةٌ لَا مَجَازٌ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ يُحْتَاجُ إلَى تَفْسِيرِ الْأَشْرِبَةِ لُغَةً وَشَرْعًا - وَقَدْ تَقَدَّمَ -، وَإِلَى بَيَانِ الْأَعْيَانِ الَّتِي تُتَّخَذُ مِنْهَا الْأَشْرِبَةُ، وَأَسْمَائِهَا وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (الشَّرَابُ مَا يُسْكِرُ) هَذَا فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ» وَهَذَا مَعْنَاهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمُحَرَّمُ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ: الْخَمْرُ وَهِيَ النِّيءُ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ إذَا غَلَى وَاشْتَدَّ وَقَذَفَ بِالزَّبَدِ وَحَرُمَ قَلِيلُهَا وَكَثِيرُهَا) وَقَالَ بَعْضُهُمْ كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْخَمْرُ مِنْ هَاتَيْنِ النَّخْلَةِ وَالْعِنَبَةِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُد وَلِأَنَّهَا سُمِّيَتْ خَمْرًا لِمُخَامَرَةِ الْعَقْلِ وَكُلُّ مُسْكِرٍ يُخَامِرُ الْعَقْلَ وَلَنَا إجْمَاعُ أَهْلِ اللُّغَةِ عَلَى حَقِيقَتِهِ فِي النِّيءِ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ وَتَسْمِيَةِ غَيْرِهَا بِالْخَمْرِ مَجَازًا وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ كَذَا فِي الشَّارِحِ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ نُقِلَ فِي الْقَامُوسِ: الْخَمْرُ مَا يُسْكِرُ مِنْ عَصِيرِ الْعِنَبِ أَوْ عَامٌّ قَالَ: وَالْعُمُومُ أَصَحُّ وَأَيْضًا الْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى بَيَانِ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بُعِثَ لِبَيَانِ الْأَحْكَامِ لَا لِبَيَانِ الْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ وَالتَّعْرِيفُ الْمَذْكُورُ لِلْخَمْرِ هُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا إذَا اشْتَدَّ صَارَ خَمْرًا وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقَذْفُ بِالزَّبَدِ؛ لِأَنَّ اللَّذَّةَ تَحْصُلُ بِهِ وَهُوَ الْمُؤَثِّرُ فِي إيقَاعِ الْعَدَاوَةِ وَالصَّدِّ عَنْ الصَّلَاةِ وَلَهُ أَنَّ الْغَلَيَانَ بِدَايَةُ الشِّدَّةِ، وَكَمَالُهُ بِقَذْفِ الزَّبَدِ. وَالْكَلَامُ فِيهِ فِي مَوَاضِعَ: أَحَدُهَا فِي بَيَانِ مَاهِيَّتِهِ، وَالثَّانِي وَقْتُ ثُبُوتِ هَذَا الِاسْمِ - وَقَدْ تَقَدَّمَا -، وَالثَّالِثُ أَنَّ عَيْنَهُ حَرَامٌ غَيْرُ مَعْلُولٍ بِالسُّكْرِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْأَشْرِبَةِ فَإِنَّهُ مَعْلُولٌ بِالسُّكْرِ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ غَيْرُ الْمُسْكِرِ مِنْهَا لَيْسَ بِحَرَامٍ كَغَيْرِهِ مِنْ الْأَشْرِبَةِ فَإِنَّهُ مَعْلُولٌ بِالسُّكْرِ؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِهِ، وَهَذَا كُفْرٌ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَالْإِجْمَاعَ، وَالرَّابِعُ أَنَّهَا نَجِسَةُ الْعَيْنِ نَجَاسَةً غَلِيظَةً كَالْبَوْلِ وَالْغَائِطِ، وَالْخَامِسُ أَنَّ مُسْتَحِلَّهَا يُكَفَّرُ لِإِنْكَارِهِ الدَّلِيلَ الْقَطْعِيَّ، وَالسَّادِسُ سُقُوطُ تَقْوِيمِهَا فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ حَتَّى لَا يَضْمَنَ مُتْلِفُهَا، السَّابِعُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ الَّذِي حَرَّمَ شُرْبَهَا حَرَّمَ بَيْعَهَا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَالثَّامِنُ أَنَّهُ يُحَدُّ شَارِبُهَا وَإِنْ لَمْ يَسْكَرْ، وَالتَّاسِعُ أَنَّ الطَّبْخَ لَا يُؤَثِّرُ فِيهَا لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ مِنْ ثُبُوتِ الْحُرْمَةِ لَا لِرَفْعِهَا بَعْدَ ثُبُوتِهَا، وَالْعَاشِرُ جَوَازُ تَحْلِيلِهَا عَلَى مَا يَجِيءُ مِنْ قَرِيبٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَفِي الْكَافِي وَلَا يَحِلُّ أَنْ يَسْقِيَهُ ذِمِّيًّا أَوْ صَبِيًّا أَوْ دَابَّةً وَفِي الْخَانِيَّةِ وَيُكْرَهُ الِاكْتِحَالُ بِالْخَمْرِ وَأَنْ يَجْعَلَهُ فِي السَّعُوطِ وَفِي الْأَصْلِ لَوْ عُجِنَ الدَّقِيقُ بِالْخَمْرِ كُرِهَ أَكْلُهُ وَالْحِنْطَةُ إذَا وَقَعَتْ فِي الْخَمْرِ يُكْرَهُ أَكْلُهَا قَبْلَ الْغَسْلِ وَلَوْ انْتَفَخَتْ الْحِنْطَةُ فِي الْخَمْرِ قَالَ مُحَمَّدٌ: لَا تَطْهُرُ قَبْلَ الْغَسْلِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ تُغْسَلُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَتُجَفَّفُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ فَتَطْهُرُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا طُبِخَ اللَّحْمُ فِي الْخَمْرِ فَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ وَفِي الْخُلَاصَةِ لَوْ طُبِخَ الْخَمْرُ بِالْمَاءِ، وَالْمَاءُ أَقَلُّ أَوْ سَوَاءٌ يُحَدُّ شَارِبُهُ وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ أَكْثَرَ لَا يُحَدُّ إلَّا ذَا سَكِرَ وَفِي الْكَافِي وَاخْتَلَفُوا فِي سُقُوطِ مَالِيَّتِهَا وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا مَالٌ اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالطِّلَاءُ وَهُوَ الْعَصِيرُ إنْ طُبِخَ حَتَّى ذَهَبَ أَقَلُّ مِنْ ثُلُثَيْهِ) وَهَذَا النَّوْعُ الثَّانِي قَالَ فِي الْمُحِيطِ: الطِّلَاءُ اسْمٌ لِلْمُثَلَّثِ وَهُوَ مَا طُبِخَ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثَاهُ وَبَقِيَ ثُلُثُهُ وَصَارَ مُسْكِرًا وَهُوَ الصَّوَابُ وَإِنَّمَا سُمِّيَ طِلَاءً لِقَوْلِ عُمَرَ مَا أَشْبَهَ هَذَا بِطِلَاءِ الْبَعِيرِ وَهُوَ النَّفْطُ الَّذِي يُطْلَى بِهِ الْبَعِيرُ إذَا كَانَ أَجْرَبَ، وَنَجَاسَتُهُ قِيلَ مُغَلَّظَةٌ وَقِيلَ مُخَفَّفَةٌ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَإِنْ طُبِخَ حَتَّى ذَهَبَ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِهِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْبَاذَقِ وَالْمُنَصَّفِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَيَجُوزُ بَيْعُ الْبَاذَقِ وَالْمُنَصَّفِ وَالْمُسْكِرِ وَنَقِيعِ الزَّبِيبِ وَيَضْمَنُ مُتْلِفُهُمْ فِي قَوْلِ الْإِمَامِ خِلَافًا لَهُمَا وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا اهـ. وَفِي الْيَنَابِيعِ الطِّلَاءُ مَا يُطْبَخُ مِنْ عَصِيرِ الْعِنَبِ فِي نَارٍ أَوْ شَمْسٍ حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثَاهُ وَبَقِيَ ثُلُثُهُ وَهُوَ عَصِيرٌ مَحْضٌ فَإِنْ كَانَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الْمَاءِ حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثَاهُ بَقِيَ الْمَجْمُوعُ مِنْ الْمَاءِ وَالْعَصِيرِ. اهـ. وَفِي الْهِدَايَةِ وَيُسَمَّى الطِّلَاءُ الْبَاذَقَ أَيْضًا سَوَاءٌ كَانَ الذَّاهِبُ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا، وَالْمُنَصَّفُ مَا ذَهَبَ نِصْفُهُ وَبَقِيَ نِصْفُهُ وَكُلُّ ذَلِكَ حَرَامٌ اهـ. وَعِنْدَنَا إذَا غَلَى وَاشْتَدَّ بِالزَّبَدِ وَإِذَا اشْتَدَّ وَلَمْ يَقْذِفْ بِالزَّبَدِ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ بَيْنَ الْإِمَامِ وَصَاحِبَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ. قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالسَّكَرُ وَهُوَ النِّيءُ مِنْ مَاءِ الرُّطَبِ) وَهَذَا هُوَ النَّوْعُ الثَّالِثُ مِنْ الْأَشْرِبَةِ الْمُحَرَّمَةِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 247 مُشْتَقٌّ مِنْ سَكِرَتْ الرِّيحُ إذَا سَكَنَتْ وَإِنَّمَا يَحْرُمُ إذَا قَذَفَتْ بِالزَّبَدِ وَقَبْلَهُ حَلَالٌ وَقَالَ شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ هُوَ حَلَالٌ وَإِذَا قَذَفَ بِالزَّبَدِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا} [النحل: 67] امْتَنَّ عَلَيْنَا بِهِ وَالِامْتِنَانُ لَا يَكُونُ بِالْمُحَرَّمِ وَلَنَا مَا رَوَيْنَا، وَالْآيَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ حِينَ كَانَتْ الْأَشْرِبَةُ مُبَاحَةً وَقِيلَ أُرِيدَ بِهَا التَّوْبِيخُ وَمَعْنَاهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَتَدْعُونَهُ رِزْقًا حَسَنًا وَالثَّانِي الْفَضِيخُ وَهُوَ النِّيءُ مِنْ الْبُسْرِ الْمُذَنَّبِ إذَا غَلَى وَاشْتَدَّ وَقَذَفَ بِالزَّبَدِ فَإِنَّهُ اسْمٌ مُشْتَقٌّ مِنْ الْفَضْخِ وَهُوَ الْكَسْرُ يُقَالُ انْفَضَخَ سَنَامُ الْبَعِيرِ أَيْ انْكَسَرَ مِنْ الْحِمْلِ فَلَمَّا كَانَ الْبُسْرُ يَنْكَسِرُ لِاسْتِخْرَاجِ الْمَاءِ مِنْهُ سُمِّيَ الْمَاءُ الْمُسْتَخْرَجُ بَعْدَ الْفَضْخِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ. [الْأَشْرِبَةِ الْمُحَرَّمَةِ مِنْ مَاء الزَّبِيب] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَنَقِيعُ الزَّبِيبِ وَهُوَ النِّيءُ مِنْ مَاءِ الزَّبِيبِ) وَهُوَ الرَّابِعُ مِنْ الْأَشْرِبَةِ الْمُحَرَّمَةِ إذَا اشْتَدَّ لِمَا قَدَّمْنَا ثُمَّ حُرْمَةُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ دُونَ حُرْمَةِ الْخَمْرِ حَتَّى لَا يُكَفَّرَ مُسْتَحِلُّهَا، وَلَا يَجِبُ الْحَدُّ بِشُرْبِهَا، وَنَجَاسَتُهَا خَفِيفَةٌ وَيَضْمَنُ مُتْلِفُهَا عِنْدَ الْإِمَامِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي الْغَصْبِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ بَيْعُهَا إذَا كَانَ الذَّاهِبُ بِالطَّبْخِ أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ مِنْ هَذِهِ الْأَشْرِبَةِ نَقِيعُ التَّمْرِ وَهُوَ السَّكَرُ وَقَدْ اسْتَدْلَلْنَا عَلَى حُرْمَتِهِ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ الْإِجْمَاعَ دَلِيلٌ قَطْعِيٌّ فَيُكَفَّرُ مُسْتَحِلُّهَا فَكَيْفَ قُلْتُمْ لَا يُكَفَّرُ مُسْتَحِلُّهَا وَيُجَابُ بِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ نَقْلُ الْإِجْمَاعِ بِطَرِيقِ الْآحَادِ فَلَا يُفِيدُ الْقَطْعَ، وَالْمَنْقُولُ فِي حُرْمَةِ السَّكَرِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ وَفِي الْمُحِيطِ وَنَقِيعُ الزَّبِيبِ نَوْعَانِ وَهُوَ أَنْ يُنْقَعَ الزَّبِيبُ فِي الْمَاءِ حَتَّى خَرَجَتْ حَلَاوَتُهُ إلَى الْمَاءِ ثُمَّ اشْتَدَّ وَغَلَى وَقَذَفَ بِالزَّبَدِ وَالثَّانِي وَهُوَ النِّيءُ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ إذَا طُبِخَ أَدْنَى طَبْخَةٍ وَغَلَى وَاشْتَدَّ وَفِي الْخَانِيَّةِ نَقِيعُ الزَّبِيبِ مَا دَامَ حُلْوًا يَحِلُّ شُرْبُهُ وَإِنْ غَلَى وَاشْتَدَّ وَقَذَفَ بِالزَّبَدِ يَحْرُمُ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَفِي السِّرَاجِيَّةِ وَإِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ يَشْرَبُ النَّبِيذَ أَوْ يَشْرَبُ السَّكَرَ فَأَوَّلُ قَدَحٍ مِنْهُ حَرَامٌ وَالنُّفُوذُ حَرَامٌ وَالْمَشْيُ إلَيْهِ حَرَامٌ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَالْكُلُّ حَرَامٌ إذَا غَلَى وَاشْتَدَّ وَحُرْمَتُهَا دُونَ حُرْمَةِ الْخَمْرِ فَلَا يُكَفَّرُ مُسْتَحِلُّهَا بِخِلَافِ الْخَمْرِ) وَقَدْ بَيَّنَّا أَحْكَامَهَا فِيمَا تَقَدَّمَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْحَلَالُ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ نَبِيذُ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ إذَا طُبِخَ أَدْنَى طَبْخَةٍ وَإِنْ اشْتَدَّ إذَا شُرِبَ مَا لَا يُسْكِرُ بِلَا لَهْوٍ وَطَرِبٍ) يَعْنِي " هَذَيَانٍ " وَهَذَا الْمَعْنَى مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ أَنْ يُخْلَطَ بَيْنَهُمَا فِي الِانْتِبَاذِ، الْحَدِيثَ إلَى أَنْ قَالَ مَنْ شَرِبَهُ مِنْكُمْ فَلْيَشْرَبْهُ زَبِيبًا أَوْ تَمْرًا فَرْدًا أَوْ بُسْرًا فَرْدًا» وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى الْمَطْبُوخِ مِنْهُ لِأَنَّ غَيْرَ الْمَطْبُوخِ مِنْهُ حَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ، قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَالْخَلِيطَانِ) وَهُوَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ فِي الْمَاءِ وَيَشْرَبَ ذَلِكَ وَهُوَ حُلْوٌ يَعْنِي حَلَالًا لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ «كُنَّا نَنْتَبِذُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْقَبْضَةَ مِنْ التَّمْرِ وَالْقَبْضَةَ مِنْ الزَّبِيبِ ثُمَّ نَصُبُّ عَلَيْهِ الْمَاءَ فَنَنْبِذُهُ غُدْوَةً فَيَشْرَبُهُ عَشِيَّةً وَعَشِيَّةً فَيَشْرَبُهُ غُدْوَةً» . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَيُنْبَذُ الْعَسَلُ وَالتِّينُ وَالْبُرُّ وَالشَّعِيرُ) يَعْنِي هُوَ حَلَالٌ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْخَمْرُ مِنْ هَاتَيْنِ الشَّجَرَتَيْنِ يَعْنِي الْعِنَبَ وَالنَّخْلَ» وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الطَّبْخُ؛ لِأَنَّ قَلِيلَهُ لَا يُفْضِي إلَى كَثِيرِهِ كَيْفَمَا كَانَ. [الْمُثَلَّثُ مِنْ أَنْوَاع الْخَمْر] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَالْمُثَلَّثُ) وَهَذَا هُوَ الرَّابِعُ وَهُوَ مَا طُبِخَ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثَاهُ وَبَقِيَ ثُلُثُهُ، وَالْقَوْلُ بِالْحِلِّ فِي هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ قَوْلُ الْإِمَامِ وَالثَّانِي، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: «كُلُّ مَا يُسْكِرُ كَثِيرُهُ قَلِيلُهُ حَرَامٌ» لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ فَعَلَى قَوْلِهِمْ لَا يُحَدُّ شَارِبُهُ وَإِذَا سَكِرَ مِنْهُ وَطَلَّقَ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ بِمَنْزِلَةِ النَّائِمِ وَذَاهِبِ الْعَقْلِ بِالْبَنْجِ وَلَبَنِ الرِّمَاكِ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لِكَثْرَةِ الْفَسَادِ فَيُحَدُّ الشَّارِبُ إذَا سَكِرَ مِنْ هَذِهِ الْأَنْبِذَةِ الْمَذْكُورَةِ وَالْمُتَّخَذُ مِنْ لَبَنِ الرِّمَاكِ لَا يَحِلُّ شُرْبُهُ وَفِي الْهِدَايَةِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ يُحَدُّ عَلَى قَوْلِهِمَا إذَا سَكِرَ فِي هَذِهِ الْأَنْبِذَةِ الْمَذْكُورَةِ اعْتِبَارًا لِلْخَمْرِ وَفِي الْمُجْتَبَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ إذَا شَرِبَ مِنْ هَذِهِ الْأَشْرِبَةِ وَلَمْ يَسْكَرْ يُعَزَّرُ تَعْزِيرًا شَدِيدًا. اهـ. الْمُثَلَّثُ إذَا صُبَّ عَلَيْهِ الْمَاءُ وَطُبِخَ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُثَلَّثِ؛ لِأَنَّ صَبَّ الْمَاءِ فِيهِ لَا يَزِيدُهُ إلَّا ضَعْفًا بِخِلَافِ مَا إذَا صُبَّ الْمَاءُ عَلَى الْعَصِيرِ ثُمَّ طُبِخَ حَتَّى يَذْهَبَ ثُلُثَا الْكُلِّ لِأَنَّ الْمَاءَ يَذْهَبُ أَوَّلًا لِلَطَافَتِهِ أَوْ يَذْهَبُ مِنْهُمَا وَلَا يُدْرَى أَيُّهُمَا ذَهَبَ أَكْثَرَ فَيُحْتَمَلُ الذَّاهِبُ مِنْ الْعَصِيرِ أَقَلُّ مِنْ ثُلُثِهِ وَلَوْ طُبِخَ الْعِنَبُ قَبْلَ الْعَصِيرِ اُكْتُفِيَ بِأَدْنَى طَبْخَةٍ فِي رِوَايَةٍ عَنْ الْإِمَامِ وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَحِلُّ مَا لَمْ يَذْهَبْ ثُلُثَاهُ بِالطَّبْخِ لِأَنَّ الْعَصِيرَ مَوْجُودٌ فِيهِ مِنْ غَيْرِ تَعْمِيرٍ فَصَارَ كَمَا لَوْ طُبِخَ فِيهِ بَعْدَ الْعَصِيرِ وَلَوْ جُمِعَ بَيْنَ الْعِنَبِ وَالتَّمْرِ أَوْ بَيْنَ الْعِنَبِ وَالزَّبِيبِ فَطُبِخَ لَا يَحِلُّ حَتَّى يَذْهَبَ ثُلُثَاهُ؛ لِأَنَّ التَّمْرَ وَالزَّبِيبَ وَإِنْ كَانَ يُكْتَفَى فِيهِ بِأَدْنَى طَبْخَةٍ فَعَصِيرُ الْعِنَبِ لَا بُدَّ أَنْ يَذْهَبَ ثُلُثَاهُ فَيُعْتَبَرُ جَانِبُ الْعِنَبِ احْتِيَاطًا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 248 لِلْحُرْمَةِ وَكَذَا إذَا جُمِعَ بَيْنَ عَصِيرِ الْعِنَبِ وَنَقِيعِ التَّمْرِ لِمَا قُلْنَا وَلَوْ طَبَخَ نَقِيعَ التَّمْرِ أَوْ نَقِيعَ الزَّبِيبِ أَدْنَى طَبْخَةٍ ثُمَّ نَقَعَ فِيهِ تَمْرًا أَوْ زَبِيبًا إنْ كَانَ مَا نُقِعَ فِيهِ شَيْئًا مَا يَسِيرًا لَا يُتَّخَذُ النَّبِيذُ مِنْ مِثْلِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَإِنْ كَانَ يُتَّخَذُ النَّبِيذُ مِنْ مِثْلِهِ لَا يَحِلُّ كَمَا إذَا صُبَّ فِي الْمَطْبُوخِ قَدَحٌ مِنْ نَقِيعٍ وَالْمَعْنَى تَغْلِيبُ جِهَةِ الْحُرْمَةِ وَلَا حَدَّ فِي شُرْبِهِ؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ لِلِاحْتِيَاطِ وَالِاحْتِيَاطُ فِي الْحَدِّ فِي دَرْئِهِ. وَلَوْ طُبِخَ الْخَمْرُ أَوْ غَيْرُهُ بَعْدَ الِاشْتِدَادِ حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثَاهُ لَمْ يَحِلَّ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ قَدْ تَقَرَّرَتْ فَلَا تَرْتَفِعُ بِالطَّبْخِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ الْفَضِيخُ الشَّرَابُ الْمُتَّخَذُ مِنْ التَّمْرِ فَإِذَا أَفْضَخَ التَّمْرُ وَقَذَفَ ثُمَّ يُنْقَعُ فِي الْمَاءِ حَتَّى تَخْرُجَ حَلَاوَتُهُ ثُمَّ يُتْرَكُ حَتَّى يَشْتَدَّ فَإِذَا اشْتَدَّ حَرُمَ وَفِي التَّهْذِيبِ عَنْ الثَّانِي وَالثَّالِثِ: الْبُسْرُ الْمُذَنَّبُ إذَا طُبِخَ أَدْنَى طَبْخَةٍ فَإِذَا حُلِّيَ يَحِلُّ شُرْبُهُ بِلَا خِلَافٍ فَإِذَا اشْتَدَّ فَحُكْمُهُ كَالْمُثَلَّثِ وَفِي الْجَامِعِ: السَّكْرَانُ الَّذِي يُحَدُّ هُوَ الَّذِي لَا يَعْقِلُ مُطْلَقًا قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا وَلَا يَعْرِفُ الرَّجُلَ مِنْ الْمَرْأَةَ وَلَا الْأَرْضَ مِنْ السَّمَاءِ عِنْدَ الْإِمَامِ: وَفِي شُرْبِهِ الْأَصْلُ إذَا ذَهَبَ عَقْلُهُ وَكَانَ كَلَامُهُ مُخَبَّطًا يُعْتَبَرُ الْغَالِبُ وَإِنْ كَانَ النِّصْفُ مُسْتَقِيمًا وَالنِّصْفُ غَيْرَ مُسْتَقِيمٍ لَا يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَفِي الْقُدُورِيِّ إذَا غَلَبَ عَلَيْهِ الْمَاءُ حَتَّى زَالَ طَعْمُهَا وَرِيحُهَا فَلَا حَدَّ فِي شُرْبِهَا وَفِيهِ أَيْضًا عَنْ الثَّانِي إذَا بَلَّ فِي الْخَمْرِ خُبْزًا فَأَكَلَ الْخُبْزَ إذَا كَانَ الطَّعْمُ يُوجَدُ حُدَّ وَإِنْ كَانَ لَا يُرَى أَثَرُهَا فِي الْخُبْزِ لَا وَإِذَا شَرِبَ الْخَمْرَ لِضَرُورَةٍ مَخَافَةَ الْعَطَشِ فَشَرِبَ مِقْدَارَ مَا يَرْوِيهِ فَسَكِرَ فَلَا حَدَّ وَإِنْ ادَّعَى الْإِكْرَاهَ لَمْ يُصَدَّقْ؛ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِالْبَيِّنَةِ اهـ. تَصَرُّفَاتُ السَّكْرَانِ كُلُّهَا نَافِذَةٌ إلَّا الرِّدَّةَ وَالْإِقْرَارَ بِالْحُدُودِ الْخَالِصَةِ اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَحَلَّ الِانْتِبَاذُ فِي الدُّبَّاءِ وَالْحَنْتَمِ وَالْمُزَفَّتِ وَالنَّقِيرِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كُنْت نَهَيْتُكُمْ عَنْ الْأَشْرِبَةِ فِي ظُرُوفٍ أَلَا فَاشْرَبُوا فِي كُلِّ وِعَاءٍ غَيْرَ أَنَّكُمْ لَا تَشْرَبُوا مُسْكِرًا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمَا وَلِأَنَّ الظَّرْفَ لَا يُحِلُّ حَرَامًا وَلَا يُحَرِّمُ حَلَالًا، وَالدُّبَّاءُ هُوَ الْقَرْعُ وَالنَّقِيرُ هُوَ أَصْلُ النَّخْلَةِ يُنْقَرُ نَقْرًا وَيُنْسَجُ نَسْجًا وَالْمُزَفَّتُ وَهُوَ النَّقِيرُ وَالْحَنْتَمُ الْجِرَارُ الْخُضْرُ وَقِيلَ الْحَنْتَمُ الْجِرَارُ الْحُمْرُ ثُمَّ إنْ انْتَبَذَ فِي هَذِهِ الْأَوْعِيَةِ قَبْلَ اسْتِعْمَالِهَا فِي الْخَمْرِ فَلَا إشْكَالَ فِي حِلِّهِ وَطَهَارَتِهِ وَإِنْ اسْتَعْمَلَ فِيهَا الْخَمْرَ ثُمَّ انْتَبَذَ فِيهَا يُنْظَرُ إنْ كَانَ الْوِعَاءُ عَتِيقًا يَطْهُرُ بِغَسْلِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَإِنْ كَانَ جَدِيدًا لَا يَطْهُرُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُغْسَلُ ثَلَاثًا وَيُجَفَّفُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ بَعْدَ مَرَّةٍ أُخْرَى حَتَّى إذَا خَرَجَ الْمَاءُ صَافِيًا غَيْرَ مُتَغَيِّرٍ لَوْنًا أَوْ طَعْمًا أَوْ رِيحًا حُكِمَ بِطَهَارَتِهِ اهـ. [خَلُّ الْخَمْرِ] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَخَلُّ الْخَمْرِ سَوَاءٌ خُلِّلَتْ أَوْ تَخَلَّلَتْ) يَعْنِي خَلُّ الْخَمْرِ فَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَتَخَلَّلَ بِنَفْسِهِ أَوْ تَخَلَّلَ بِإِلْقَاءِ شَيْءٍ فِيهِ كَالْمِلْحِ أَوْ الْخَلِّ أَوْ النَّقْلِ مِنْ الظِّلِّ إلَى الشَّمْسِ أَوْ بِإِيقَادِ النَّارِ بِالْقُرْبِ مِنْهَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ إذَا تَخَلَّلَتْ بِإِلْقَاءِ شَيْءٍ فِيهَا كَالْمِلْحِ وَلَنَا قَوْلُهُ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نَعَمْ إلَّا دَمَ الْخَلِّ مُطْلَقًا» فَيَتَنَاوَلُ جَمِيعَ صُوَرِهَا وَلِأَنَّ بِالتَّخْلِيلِ إزَالَةَ الْوَصْفِ الْمُفْسِدِ وَثَبَاتَ صِفَةِ الصَّلَاحِ كَالذَّبَائِحِ فَالتَّخْلِيلُ أَوْلَى لِمَا فِيهِ مِنْ إحْرَازِ مَالٍ يَصِيرُ حَلَالًا ثُمَّ فِعْلُ ذَلِكَ غَيَّرَ حُكْمَهُ مِنْ الْحُرْمَةِ إلَى الْحِلِّ وَمِنْ النَّجَاسَةِ إلَى الطَّهَارَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ ظَرْفَهَا كَانَ طَاهِرًا تَنَجَّسَ بِهَا فَإِذَا طَهُرَ بِالتَّخْلِيلِ طَهُرَ جَمِيعُ أَجْزَائِهِ، وَأَجْزَاءِ إنَائِهِ هُوَ الصَّحِيحُ وَقِيلَ لَا يَطْهُرُ؛ لِأَنَّهُ تَنَجَّسَ بِإِهَانَةِ الْخَمْرِ وَلَمْ يُوجَدْ مَا يُوجِبُ طَهَارَتَهُ فَيَبْقَى عَلَى مَا كَانَ وَلَوْ غُسِلَ بِالْخَلِّ فَتَخَلَّلَ مِنْ سَاعَتِهِ طَهُرَ لِلِاسْتِحَالَةِ وَكَذَا إذَا صُبَّ مِنْهُ الْخَمْرُ ثُمَّ مُلِئَ خَلًّا يَطْهُرُ فِي الْحَالِ وَفِي الْمُحِيطِ وَلَوْ كَانَ الْخَلُّ فِيهِ حُمُوضَةٌ غَالِبَةٌ وَطَعْمُ الْمَرَارَةِ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ مَا لَمْ تَزُلْ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَعِنْدَهُمَا يَحِلُّ وَاعْتُبِرَ الْغَالِبُ مِنْهَا وَلَوْ صُبَّ فِي الْمَرَقَةِ خَمْرٌ فَطُبِخَ لَمْ يَحِلَّ؛ لِأَنَّهُ تَنَجَّسَ قَبْلَ الطَّبْخِ فَلَا يَحِلُّ بِالطَّبْخِ وَلَا يُحَدُّ شَارِبُهُ لِأَنَّهُ شَرِبَ الْمَرَقَ النَّجِسَ وَلَوْ عُجِنَ الدَّقِيقُ بِالْخَمْرِ صَارَ نَجِسًا. [شُرْبُ دُرْدِيِّ الْخَمْرِ] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكُرِهَ شُرْبُ دُرْدِيِّ الْخَمْرِ وَالِامْتِشَاطُ بِهِ) لِأَنَّ فِيهِ أَجْزَاءَ الْخَمْرِ فَكَانَ حَرَامًا نَجِسًا وَالِانْتِفَاعُ بِمِثْلِهِ حَرَامٌ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُدَاوِيَ بِهِ جُرْحًا وَلَا أَنْ يَسْقِيَ ذِمِّيًّا وَلَا صَبِيًّا، وَالْوَبَالُ عَلَى مَنْ سَقَاهُ وَكَذَا لَا يُسْقِيهِ الدَّوَابَّ وَقِيلَ لَا يَحْمِلُ الْخَمْرَ إلَى مَنْ يُفْسِدُهَا وَيُصَيِّرُهَا خَلًّا وَيَحْمِلُ مَا يُفْسِدُهَا إلَى الْخَمْرِ كَمَا لَا يَحْمِلُ الْمَيْتَةَ إلَى الْكَلْبِ وَكَذَا الدُّرْدِيُّ فِي الْخَلِّ فَلَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ خَلًّا لَكِنَّهُ يُبَاحُ حَمْلُ الْخَمْرِ إلَيْهِ لَا عَكْسُهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يُحَدُّ شَارِبُهُ إلَّا إذَا سَكِرَ) يَعْنِي لَا يُحَدُّ شَارِبُ دُرْدِيِّ الْخَمْرِ إلَّا إذَا سَكِرَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُحَدُّ شَارِبُهُ سَكِرَ أَوْ لَمْ يَسْكَرْ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ يَجِبُ فِي الْخَمْرِ بِشُرْبِ قَطْرَةٍ وَفِي الدُّرْدِيِّ قَطَرَاتٌ، قُلْنَا وُجُوبُ الْحَدِّ لِلزَّجْرِ فِيمَا تَرْغَبُ النَّفْسُ فِيهِ وَتَمِيلُ إلَيْهِ وَالنَّفْسُ لَا تَرْغَبُ فِي شُرْبِ الدُّرْدِيِّ وَلَا تَمِيلُ إلَيْهِ فَكَانَ نَاقِصًا فَأَشْبَهَ غَيْرَ الْخَمْرِ مِنْ الْأَشْرِبَةِ فَلَا يُحَدُّ مَا لَمْ يَسْكَرْ وَدُرْدِيُّ الْخَمْرِ هُوَ التُّفْلُ وَيُكْرَهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 249 الِاحْتِقَانُ بِالْخَمْرِ وَإِقْطَارُهُ فِي الْإِحْلِيلِ؛ لِأَنَّهُ انْتِفَاعٌ بِالنَّجِسِ الْمُحَرَّمِ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيمَا إذَا أَخْبَرَ بِهِ طَبِيبٌ حَاذِقٌ وَفِي الْمُحِيطِ وَلَوْ سَقَى شَاةً خَمْرًا لَا يُكْرَهُ لَحْمُهَا وَلَبَنُهَا؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ وَإِنْ كَانَتْ بَاقِيَةً فِي مَعِدَتِهَا فَلَمْ يَخْتَلِطْ بِلَحْمِهَا وَإِنْ اسْتَحَالَتْ الْخَمْرُ لَحْمًا فَيَجُوزُ كَمَا لَوْ اسْتَحَالَتْ خَلًّا إلَّا إذَا سَقَاهَا كَثِيرًا بِحَيْثُ يُؤَثِّرُ فِي رَائِحَتِهَا الْخَمْرُ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ لَحْمُهَا. (فَصْلٌ) فِي طَبْخِ الْعَصِيرِ الْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ مَا ذَهَبَ بِغَلَيَانِهِ بِالنَّارِ وَقَذْفِهِ بِالزَّبَدِ لَا يُعْتَدُّ بِهِ حَتَّى يَذْهَبَ ثُلُثَاهُ فَيَحِلَّ الثُّلُثُ الْبَاقِي بَعْدَهُ وَلَوْ صُبَّ فِيهِ الْمَاءُ قَبْلَ الطَّبْخِ ثُمَّ طُبِخَ بِمَاءٍ يُنْظَرُ إنْ كَانَ الْمَاءُ أَسْرَعَ ذَهَابًا لِلَطَافَتِهِ وَلِرِقَّتِهِ يُعْتَبَرُ ذَهَابُ ثُلُثَيْهِ بَعْدَ الْمَاءِ الَّذِي صُبَّ فِيهِ كُلِّهِ وَبَعْدَ ذَهَابِ الزَّبَدِ فَيَحِلُّ الثُّلُثُ الْبَاقِي مِنْ الْعَصِيرِ وَإِنْ كَانَا يَذْهَبَانِ مَعًا فَيُطْبَخُ حَتَّى يَذْهَبَ ثُلُثَا الْجَمِيعِ بَعْدَ ذَهَابِ الزَّبَدِ فَيَحِلَّ ثُلُثُ الْبَاقِي لِذَهَابِ الثُّلُثَيْنِ وَبَقَاءِ الثُّلُثِ مَاءً وَعَصِيرًا وَلَوْ طَبَخَ الْعَصِيرَ فَذَهَبَ أَقَلُّ مِنْ الثُّلُثِ ثُمَّ أَهْرَقَ الثُّلُثَيْنِ وَبَقِيَ الثُّلُثُ مَاءً وَعَصِيرًا وَلَوْ طَبَخَ الْعَصِيرَ فَذَهَبَ أَقَلُّ مِنْ الثُّلُثِ ثُمَّ أَهْرَقَ بَعْضَهُ لَا يَحِلُّ الْبَاقِي حَتَّى يَذْهَبَ ثُلُثَاهُ بِالطَّبْخِ وَطَرِيقُ مَعْرِفَتِهِ أَنْ يُؤْخَذَ ثُلُثُ الْجَمِيعِ فَيُضْرَبَ بِهِ فِي الْبَاقِي ثُمَّ يُقْسَمَ الْخَارِجُ عَلَى مَا بَقِيَ بَعْدَ ذَهَابِ مَا نَقَصَ مِنْهُ بِالطَّبْخِ قَبْلَ أَنْ يَنْصَبَّ مِنْهُ شَيْءٌ فَمَا أَصَابَ الْوَاحِدَ بِالْقِسْمَةِ فَذَاكَ الْقَدْرُ هُوَ الْحَلَالُ وَيُطْبَخَ الْبَاقِي إلَى أَنْ يَبْقَى قَدْرُهُ فَيَحِلَّ. مِثَالُهُ اثْنَا عَشَرَ رِطْلًا مِنْ الْعَصِيرِ طُبِخَ حَتَّى ذَهَبَ أَرْبَعَةُ أَرْطَالٍ ثُمَّ أَهْرَقَ رَطْلَيْنِ يُؤْخَذُ ثُلُثُ الْعَصِيرِ كُلُّهُ وَهُوَ أَرْبَعَةٌ فَيُضْرَبُ فِيمَا بَقِيَ بَعْدَ الِانْصِبَابِ وَهُوَ سِتَّةٌ فَيَصِيرُ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ فَيَقْسِمُهُ عَلَى مَا بَقِيَ بَعْدَ ذَهَابِ مَا ذَهَبَ مِنْهُ بِالطَّبْخِ قَبْلَ أَنْ يُهْرَقَ مِنْهُ وَذَلِكَ ثَمَانِيَةٌ فَيُصِيبُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثَلَاثَةٌ فَيَكُونُ ذَلِكَ الْقَدْرُ هُوَ الْحَلَالَ فَيُطْبَخُ الْبَاقِي إلَى أَنْ يَبْقَى قَدْرُهُ فَيَحِلَّ وَإِنْ شِئْت قَسَمْت مَا ذَهَبَ بِالطَّبْخِ عَلَى الْمُنْصَبِّ وَعَلَى مَا بَقِيَ بَعْدَ الِانْصِبَابِ فَمَا أَصَابَ الْمُنْصَبَّ يُجْعَلُ مَعَ الْمُنْصَبِّ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَكَانَ جَمِيعُ الْعَصِيرِ هُوَ الْبَاقِيَ وَمَا أَصَابَهُ مِنْ الذَّاهِبِ بِالطَّبْخِ فَقَدْ ذَهَبَ مِنْهُ ذَلِكَ الْقَدْرُ فَيُطْبَخُ حَتَّى يَذْهَبَ إلَى تَمَامِ الثُّلُثَيْنِ وَإِنْ شِئْتَ قُلْتَ: إنَّ الْبَاقِيَ بَعْدَ الطَّبْخِ قَبْلَ الِانْصِبَابِ بَعْضُهُ حَلَالٌ وَهُوَ قَدْرُ ثُلُثِ الْمَجْمُوعِ فَإِذَا أُهْرِيقَ بَعْضُهُ أُهْرِيقَ مِنْ الْحَلَالِ بِحِسَابِهِ فَيُطْبَخُ الْبَاقِي حَتَّى يَبْقَى قَدْرُ مَا فِيهِ مِنْ الْحَلَالِ وَفِي الْمُحِيطِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ طَبَخَ ثُمَّ أَلْقَى فِيهِ تَمْرًا فَغَلَى قَالَ مَا أُلْقِيَ فِيهِ لَوْ نَبَذَهُ عَلَى حِدَةٍ كَانَ مِنْهُ نَبِيذًا فَلَا خَيْرَ فِيهِ؛ لِأَنَّ هَذَا مَطْبُوخٌ وَيُعْتَبَرُ، وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا لَا يُنْتَبَذُ مِنْهُ لَا يُعْتَدُّ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُحَدُّ فِيهِ الشَّارِبُ لِانْفِرَادِهِ وَلَوْ صُبَّ قَدَحٌ فِي خَابِيَةِ مَطْبُوخٍ أَفْسَدَهُ وَعَنْ الْإِمَامِ إذَا وُضِعَ فِي الشَّمْسِ حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثَاهُ وَبَقِيَ ثُلُثُهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ طَبْخِهِ بِالنَّارِ وَكَذَا إذَا مَلَأَ الْخَابِيَةَ بِالْخَرْدَلِ وَخَلَطَ فِيهَا الْعَصِيرَ وَمَضَى عَلَى ذَلِكَ مُدَّةٌ وَلَمْ يَشْتَدَّ وَلَمْ يُسْكِرْ فَلَا بَأْسَ بِهِ فِي قَوْلِ أَصْحَابِنَا وَلَوْ طَبَخَ عَصِيرًا حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثُهُ وَتَرَكَهُ حَتَّى بَرَدَ ثُمَّ أَعَادَ الطَّبْخَ حَتَّى ذَهَبَ نِصْفُ مَا بَقِيَ فَإِذَا أَعَادَ الطَّبْخَ قَبْلَ أَنْ يَغْلِيَ وَتَغَيَّرَ عَنْ حَالَةِ الْعَصِيرِ فَلَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّ الطَّبْخَ وُجِدَ قَبْلَ ثُبُوتِ الْحُرْمَةِ بِالْغَلَيَانِ وَالشِّدَّةِ وَإِنْ عَادَ بَعْدَ أَنْ غَلَى وَتَغَيَّرَ فَلَا خَيْرَ فِيهِ؛ لِأَنَّ طَبْخَهُ وُجِدَ بَعْدَ ثُبُوتِ الْحُرْمَةِ فَلَا يُنْتَفَعُ بِهِ اهـ. [كِتَابُ الصَّيْدِ] قَالَ فِي الْعِنَايَةِ مُنَاسَبَةُ كِتَابِ الصَّيْدِ بِكِتَابِ الْأَشْرِبَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَشْرِبَةِ وَالصَّيْدِ يُوَرِّثُ السُّرُورَ إلَّا أَنَّهُ قَدَّمَ الْأَشْرِبَةَ لِحُرْمَتِهَا اعْتِبَارًا بِالِاحْتِرَازِ عَنْهَا اهـ. قَالَ فِي الْمُحِيطِ: يُحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ إبَاحَةِ الصَّيْدِ وَتَفْسِيرِهِ لُغَةً وَشَرْعًا وَرُكْنِهِ وَشَرْطِ إبَاحَتِهِ وَدَلِيلِهَا وَحُكْمِ مَشْرُوعِيَّتِهِ. أَمَّا دَلِيلُ الْإِبَاحَةِ مِنْ الْكِتَابِ قَوْله تَعَالَى {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} [المائدة: 96] {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: 2] ، وَأَمَّا تَفْسِيرُهُ لُغَةً فَالصَّيْدُ هُوَ الِاصْطِيَادُ وَيُطْلَقُ عَلَى مَا يُصَادُ مَجَازًا إطْلَاقًا لِاسْمِ الْمَصْدَرِ عَلَى الْمَفْعُولِ وَهُوَ الْمُتَوَحِّشُ الْمُمْتَنِعُ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ عَنْ الْآدَمِيِّ مَأْكُولًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَأْكُولٍ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ عِنْدِ الْفُقَهَاءِ الْإِرْسَالُ بِشُرُوطِهِ لِأَخْذِ مَا هُوَ مُبَاحٌ مِنْ الْحَيَوَانِ الْمُتَوَحِّشِ الْمُمْتَنِعِ عَنْ الْآدَمِيِّ بِأَصْلِ خِلْقَتِهِ وَأَمَّا رُكْنُهُ فَهُوَ عَلَى الْأَخْذِ بِشُرُوطِهِ وَأَمَّا شَرْطُهُ الْمُتَعَلِّقُ بِالصَّيْدِ فَكَوْنُ الصَّيْدِ غَيْرَ آمِنٍ بِالْإِحْرَامِ وَالْحَرَمِ، وَغَيْرَ مَمْلُوكٍ، وَأَمَّا حُكْمُهُ فَصَيْرُورَةُ الْمَأْخُوذِ مِلْكًا لِلْآخِذِ قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - (هُوَ الِاصْطِيَادُ) قَالَ الشَّارِحُ أَيْ الصَّيْدُ هُوَ الِاصْطِيَادُ فِي اللُّغَةِ اهـ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لَا يُنَاسِبُ أَنْ يُذْكَرَ فِي الْمَتْنِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَهَا. [الصَّيْد بِالْكَلْبِ الْمُعَلَّمِ وَالْفَهْدِ وَالْبَازِي وَسَائِرِ الْجَوَارِحِ الْمُعَلَّمَةِ] قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَحِلُّ بِالْكَلْبِ الْمُعَلَّمِ وَالْفَهْدِ وَالْبَازِي وَسَائِرِ الْجَوَارِحِ الْمُعَلَّمَةِ) يَعْنِي يَحِلُّ الِاصْطِيَادُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَبِغَيْرِهَا مِنْ الْجَوَارِحِ كَالشَّاهِينِ وَالْبَاشِقِ وَالْعُقَابِ وَالصَّقْرِ، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: وَكُلُّ شَيْءٍ عَلَّمْتَهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 250 مِنْ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ وَذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ فَلَا بَأْسَ بِصَيْدِهِ وَلَا خَيْرَ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ إلَّا أَنْ تُدْرِكَ ذَكَاتَهُ فَتُذَكِّيَهُ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ وَإِنَّمَا أَوْرَدَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ؛ لِأَنَّ رِوَايَةَ الْقُدُورِيِّ تَدُلُّ عَلَى الْإِثْبَاتِ وَالنَّفْيِ جَمِيعًا. اهـ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُمْ قَدْ صَرَّحُوا فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا بِأَنَّ تَخْصِيصَ الشَّيْءِ بِالذِّكْرِ فِي الرِّوَايَةِ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ بِالِاتِّفَاقِ، فَرِوَايَةُ الْقُدُورِيِّ تَدُلُّ عَلَى إثْبَاتِ الصَّيْدِ بِمَا ذَكَرْنَا وَنَفْيِ جَوَازِهِ بِمَا سِوَاهُ فَلَمْ يَتِمَّ مَا ذَكَرَهُ، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ} [المائدة: 4] وَالْجَوَارِحُ الْكَوَاسِبُ وَالْجَرْحُ الْكَسْبُ، وَقِيلَ هِيَ أَنْ تَكُونَ جَارِحَةً بِنَابِهَا وَمِخْلَبِهَا حَقِيقَةً وَمَعْنًى مُكَلِّبِينَ مُعَلَّمِينَ الِاصْطِيَادَ وَلِأَنَّهُ اجْتَمَعَ فِي الْحَيَوَانِ الصَّائِدِ مَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ آلَةً لِلذَّبْحِ وَهُوَ كَوْنُهُ جَارِحًا قَاطِعًا بِطَبْعِهِ غَيْرَ عَاقِلٍ كَالسِّكِّينِ وَمَا يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ آلَةً لِلذَّبْحِ وَهُوَ كَوْنُهُ مُخْتَارًا فِي فِعْلِهِ كَالْآدَمِيِّ، وَالشَّرْعُ جَعَلَ التَّعْلِيمَ فِيهِ بِتَرْكِ الْأَكْلِ فَيَجْرِي عَلَى مُوجَبِ اخْتِيَارِ صَاحِبِهِ فَيَعْمَلُ لَهُ لَا لِنَفْسِهِ فَيَصِيرُ آلَةً مَحْضَةً لِصَاحِبِهِ كَالسِّكِّينِ وَاسْمُ الْكَلْبِ يَقَعُ عَلَى كُلِّ سَبُعٍ حَتَّى الْأَسَدِ، وَاسْتَثْنَى الثَّانِي مِنْ الْجَوَازِ اصْطِيَادَ السَّبُعِ وَالدُّبِّ لِأَنَّهُمَا لَا يَعْمَلَانِ لِغَيْرِهِمَا؛ الْأَسَدُ لِعُلُوِّ هِمَّتِهِ وَالدُّبُّ لِخَسَاسَتِهِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ الذِّئْبَ بَدَلَ الدُّبِّ وَلِأَنَّ التَّعَلُّمَ يُعْرَفُ بِتَرْكِ الْأَكْلِ وَهُمَا لَا يَأْكُلَانِ الصَّيْدَ فِي الْحَالِ فَلَا يُمْكِنُ الِاسْتِدْلَال بِتَرْكِ الْأَكْلِ عَلَى التَّعْلِيمِ حَتَّى لَوْ تُصُوِّرَ التَّعْلِيمُ مِنْهُمَا وَعُرِفَ ذَلِكَ جَازَ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ وَأَلْحَقَ بَعْضُهُمْ الْحِدَأَةَ بِهِمَا لِخَسَاسَتِهَا، وَالْخِنْزِيرُ مُسْتَثْنًى مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ نَجِسُ الْعَيْنِ وَفِي الْمُحِيطِ قَالُوا لَا يَجُوزُ الِاصْطِيَادُ بِالْأَسَدِ وَالذِّئْبِ؛ لِأَنَّ الْأَسَدَ لَا يَعْمَلُ لِغَيْرِهِ وَإِنَّمَا يَعْمَلُ لِنَفْسِهِ، وَالذِّئْبَ مِثْلُهُ أَيْضًا. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: [شُرُوط حَلَّ الصَّيْد] وَإِنَّمَا يَحِلُّ الصَّيْدُ بِخَمْسَةَ عَشَرَ شَرْطًا: خَمْسَةٌ فِي الصَّائِدِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الذَّكَاةِ، وَأَنْ يُوجَدَ مِنْهُ الْإِرْسَالُ وَلَا يُشَارِكَهُ فِي الْإِرْسَالِ مَنْ لَا يَحِلُّ صَيْدُهُ، وَأَنْ لَا يَتْرُكَ التَّسْمِيَةَ عَمْدًا وَلَا يَشْتَغِلَ بَيْنَ الْإِرْسَالِ وَالْأَخْذِ بِعَمَلٍ. وَخَمْسَةٌ فِي الْكَلْبِ مِنْهَا أَنْ يَكُونَ مُعَلَّمًا، وَأَنْ يَذْهَبَ عَلَى سُنَنِ الْإِرْسَالِ، وَأَنْ لَا يُشَارِكَهُ فِي الْأَخْذِ مَنْ لَا يَحِلُّ صَيْدُهُ، وَأَنْ يَقْتُلَهُ جَرْحًا، وَأَنْ لَا يَأْكُلَ مِنْهُ. وَخَمْسَةٌ فِي الصَّيْدِ مِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ مُتَقَوِّيًا بِأَنْيَابِهِ أَوْ بِمِخْلَبِهِ، وَأَنْ لَا يَكُونَ مِنْ الْحَشَرَاتِ، وَأَنْ لَا يَكُونَ مِنْ بَنَاتِ الْمَاءِ سِوَى السَّمَكِ، وَأَنْ يَمْنَعَ نَفْسَهُ بِجَنَاحِهِ أَوْ مِخْلَبِهِ، وَأَنْ يَمُوتَ بِهَذَا قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَى ذَبْحِهِ اهـ. وَذَكَرَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ نَقْلًا عَنْ الْخُلَاصَةِ: وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ قَوْلَهُ " وَأَنْ يَمُوتَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَى ذَبْحِهِ " مُسْتَدْرَكٌ بَعْدَ قَوْلِهِ، وَأَنْ يَقْتُلَهُ جَرْحًا وَأُجِيبَ بِأَنْ لَا اسْتِدْرَاكَ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ الَّذِي أُرِيدَ بِقَوْلِهِ " وَأَنْ يَقْتُلَهُ جَرْحًا " لَيْسَ مُجَرَّدَ قَتْلِهِ بَلْ قَتْلُهُ جَرْحًا وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ الِاحْتِرَازُ عَنْ قَتْلِهِ خَنْقًا، وَالشَّرْطُ الَّذِي أُرِيدَ بِقَوْلِهِ " وَأَنْ يَمُوتَ بِهَذَا قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَى ذَبْحِهِ " لِجَوَازِ أَنْ يَقْتُلَهُ الْكَلْبُ جَرْحًا بَعْدَ أَنْ يَصِلَ الْمُرْسِلُ إلَى ذَبْحِهِ فَحِينَئِذٍ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ الشَّرْطِ الْآخَرِ أَيْضًا عَلَى الِاسْتِقْلَالِ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: فِيمَا نَقَلَهُ صَاحِبُ الْخُلَاصَةِ تَسَامُحٌ؛ لِأَنَّ هَذَا شَرْطُ الِاصْطِيَادِ لِلْأَكْلِ بِالْكَلْبِ لَا غَيْرِهِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ انْتَقَى بَعْضَهُ لَمْ يَحْرُمْ كَمَا لَوْ اشْتَغَلَ بِعَمَلٍ غَيْرِهِ لَكِنْ أَدْرَكَهُ حَيًّا فَذَبَحَهُ وَكَذَا لَوْ لَمْ يَمُتْ بِهَذَا لَكِنْ ذَبَحَهُ فَإِنَّهُ صَيْدٌ وَهُوَ حَلَالٌ اهـ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ هَذِهِ الشُّرُوطَ فِي الصَّيْدِ الْمَحْضِ وَهُوَ الَّذِي لَمْ يُدْرِكْهُ حَيًّا أَمَّا الَّذِي أَدْرَكَهُ فَذَكَّاهُ بِالذَّكَاةِ الِاخْتِيَارِيَّةِ فَلَيْسَ صَيْدًا مَحْضًا بَلْ يُلْحَقُ بِهِ. اهـ. وَالْمُرَادُ بِقَوْلِ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ شَرْطُ الِاصْطِيَادِ أَيْ حَالُ الِاصْطِيَادِ، وَفِي التَّعْبِيرِ بِمَا يَدُلُّ عَلَى ظُهُورِ الْمُرَادِ لَا يُبَالَى بِمِثْلِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا بُدَّ مِنْ التَّعْلِيمِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ} [المائدة: 4] وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لِأَبِي ثَعْلَبَةَ مَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ الْمُعَلَّمِ فَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلْ وَمَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ غَيْرِ الْمُعَلَّمِ فَأَدْرَكْتَ ذَكَاتَهُ فَكُلْ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ، وَأَحْمَدُ وَلِذَا لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمُرْسِلُ أَهْلًا لِلذَّكَاةِ بِأَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا أَوْ كِتَابِيًّا وَيَعْقِلَ التَّسْمِيَةَ وَيَضْبِطَ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا فِي الذَّبَائِحِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَذَا بِتَرْكِ الْأَكْلِ ثَلَاثًا فِي الْكَلْبِ وَبِالرُّجُوعِ إذَا دَعَوْتَهُ فِي الْبَازِي) أَيْ التَّعْلِيمُ فِي الْكَلْبِ يَكُونُ بِتَرْكِ الْأَكْلِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَفِي الْبَازِي فِي الرُّجُوعِ إذَا دُعِيَ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - وَلِأَنَّ بَدَنَ الْكَلْبِ يَحْتَمِلُ الضَّرْبَ فَيُمْكِنُ ضَرْبُهُ حَتَّى يَتْرُكَ الْأَكْلَ، وَبَدَنَ الْبَازِي لَا يَحْتَمِلُ الضَّرْبَ فَلَا يُمْكِنُ تَحْقِيقُ هَذَا الشَّرْطِ فِيهِ فَاكْتُفِيَ بِغَيْرِهِ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى التَّعْلِيمِ وَلِأَنَّ آيَةَ التَّعْلِيمِ تَرْكُ مَا هُوَ مَأْلُوفُهُ عَادَةً، وَعَادَةُ الْبَازِي التَّوَحُّشُ وَالِاسْتِنْفَادُ، وَعَادَةُ الْكَلْبِ الِانْتِهَابُ وَالِاسْتِلَابُ لِائْتِلَافِهِ بِالنَّاسِ فَإِذَا تَرَكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَأْلُوفَهُ دَلَّ عَلَى تَعْلِيمِهِ وَانْتِهَاءِ عِلْمِهِ وَهَذَا الْفَرْقُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 251 لَا يَتَأَتَّى إلَّا فِي الْكَلْبِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْأُلُوفُ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ ذَوَاتِ الْأَنْيَابِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِأَلُوفَةٍ، وَالْفَرْقُ الْأَوَّلُ يَتَأَتَّى فِي الْكُلِّ لِأَنَّ بَدَنَ كُلِّ ذِي نَابٍ يَحْتَمِلُ الضَّرْبَ فَأَمْكَنَ تَعْلِيمُهُ بِالضَّرْبِ إلَى أَنْ يَتْرُكَ الْأَكْلَ قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَهَذَا الْفَرْقُ لَا يَتَأَتَّى فِي الْفَهْدِ وَالنَّمِرِ فَإِنَّهُ مُتَوَحِّشٌ كَالْبَازِ ثُمَّ الْحُكْمُ فِيهِ وَفِي الْكَلْبِ سَوَاءٌ فَالْمُعْتَمَدُ هُوَ الْأَوَّلُ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْكَلْبَ فِي اللُّغَةِ يَقَعُ عَلَى كُلِّ سَبُعٍ وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِمَّا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ الْكَلْبَ الْمَعْهُودَ بَلْ الْكَلْبُ بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ فَلِهَذَا اسْتَوَوْا فِيمَا يَقَعُ بِهِ التَّعْلِيمُ وَإِنَّمَا شَرَطَ تَرْكَ الْأَكْلِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَهُوَ قَوْلُهُمَا وَرِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -؛ لِأَنَّ عِلْمَهُ يُعْرَفُ بِتَكْرَارِ التَّجَارِبِ وَالِامْتِحَانِ هُوَ مُدَّةٌ ضُرِبَتْ لِذَلِكَ كَمَا فِي قِصَّةِ السَّيِّدِ مُوسَى وَكَمَا فِي شَرْطِ الْخِيَارِ وَكَذَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا اسْتَأْذَنَ أَحَدُكُمْ ثَلَاثًا فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فَلْيَرْجِعْ» وَعَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ التَّعْلِيمُ مَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ قَدْ تَعَلَّمَ وَلَا يُقَدَّرُ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْمَقَادِيرَ تُعْرَفُ بِالنَّصِّ لَا بِالِاجْتِهَادِ وَلَا نَصَّ هُنَا فَيُفَوَّضُ إلَى رَأْيِ الْمُبْتَلَى كَمَا هُوَ عَادَتُهُ ثُمَّ إذَا تَرَكَ الْأَكْلَ ثَلَاثًا لَا يَحِلُّ الْأَوَّلُ وَلَا الثَّانِي عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ بِالثَّلَاثِ وَكَذَا الثَّالِثُ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ مُعَلَّمًا إلَّا بَعْدَ تَمَامِ الثَّلَاثِ وَقَبْلَهُ غَيْرُ مُعَلَّمٍ. [التَّسْمِيَةِ عِنْدَ الْإِرْسَالِ وَمِنْ الْجَرْحِ فِي الصَّيْد] قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا بُدَّ مِنْ التَّسْمِيَةِ عِنْدَ الْإِرْسَالِ وَمِنْ الْجَرْحِ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ مِنْ أَعْضَائِهِ) أَمَّا التَّسْمِيَةُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَإِذَا ذَكَرْتَ اللَّهَ تَعَالَى عَلَيْهِ وَجَرَحَ فَكُلْ» . وَأَطْلَقَ فِي قَوْلِهِ " وَلَا بُدَّ مِنْ التَّسْمِيَةِ " فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الْمَرْمِيُّ إلَيْهِ يَحْتَاجُ إلَى التَّسْمِيَةِ أَوْ لَا كَالسَّمَكِ، وَقَدْ شُرِطَ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي حَتَّى لَوْ رَمَى إلَى السَّمَكِ وَتَرَكَ التَّسْمِيَةَ عَمْدًا فَأَصَابَ يَحِلُّ أَكْلُهُ فَلَوْ قَالَ " فِي صَيْدِ الْبَرِّ " لَكَانَ أَوْلَى وَسَيَأْتِي عَنْ قَاضِي خان وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمُسَمِّي يَعْقِلُ التَّسْمِيَةَ فَلَا يُؤْكَلُ صَيْدُ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ إذَا كَانَا لَا يَعْقِلَانِ التَّسْمِيَةَ أَمَّا إذَا كَانَا يَعْقِلَانِهَا أَكَلَ، وَيُؤْكَلُ صَيْدُ الْأَخْرَسِ وَالْكِتَابِيِّ لِأَنَّ الْمِلَّةَ تَكْفِي عَنْ التَّلَفُّظِ عِنْدَ الْعَجْزِ وَلَوْ سَمَّى النَّصْرَانِيُّ بِاسْمِ الْمَسِيحِ لَمْ يُؤْكَلْ، وَالصَّابِئَةُ إنْ أَقَرُّوا بِكِتَابِيٍّ وَنَبِيٍّ يُؤْكَلُ صَيْدُهُمْ وَإِلَّا فَلَا وَظَاهِرُ عِبَارَةِ الْمُؤَلِّفِ الِاكْتِفَاءُ بِالْجَرْحِ سَالِمًا أَوْ لَا لَكِنْ قَالَ فِي الْمُحِيطِ إنْ جَرَحَهُ وَلَمْ يُدْمِهِ اخْتَلَفُوا فِيهِ قِيلَ لَا يَحِلُّ وَقِيلَ يَحِلُّ وَقِيلَ إنْ كَانَتْ الْجِرَاحَةُ صَغِيرَةً لَا يَحِلُّ إذَا لَمْ يَرْمِ وَإِنْ كَانَتْ كَبِيرَةً يَحِلُّ وَأَمَّا الْجَرْحُ فَالْمَذْكُورُ هُنَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ رَوَاهُ الْحَسَنُ عَنْهُمَا وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [المائدة: 4] مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ بِالْجَرْحِ فَمَنْ شَرَطَهُ فَقَدْ زَادَ عَلَى النَّصِّ وَهُوَ نَسْخُ مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَكَذَا مَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ عَدِيٍّ وَثَعْلَبَةَ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مُطْلَقٌ فَيَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ وَالْإِلْزَامُ نَسَخَهُ بِالرَّأْيِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ، وَجْهُ الظَّاهِرِ قَوْله تَعَالَى {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ} [المائدة: 4] وَهُوَ يُشِيرُ إلَى مَا قُلْنَا وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ إخْرَاجُ الدَّمِ الْمَسْفُوحِ وَهُوَ يَخْرُجُ بِالْجَرْحِ عَادَةً وَلَا يَخْتَلِفُ عَنْهُ إلَّا نَادِرًا فَأُقِيمَ الْجَرْحُ مَقَامَهُ كَمَا فِي الذَّكَاةِ الِاخْتِيَارِيَّةِ وَالرَّمْيِ بِالسَّهْمِ، وَلِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَجْرَحْهُ صَارَ مَوْقُوذَةً وَهِيَ مُحَرَّمَةٌ بِالنَّصِّ وَمَا تُلِيَ مُطْلَقٌ، وَكَذَا مَا رُوِيَ فَحَمَلْنَاهُ عَلَى الْمُقَيَّدِ لِاتِّحَادِ الْوَاقِعَةِ وَإِنَّمَا لَمْ يُحْمَلْ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِيمَا إذَا اخْتَلَفَتْ الْحَوَادِثُ أَوْ كَانَ التَّقْيِيدُ وَالْإِطْلَاقُ مِنْ جِهَةِ السَّبَبِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ مِنْ جِهَةِ الْحُكْمِ وَالْحَادِثَةُ وَاحِدَةٌ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ، وَلَوْ سَمَّى حَالَةَ الْإِرْسَالِ فَقَتَلَ الْكُلَّ حَلَّتْ وَلَوْ قَتَلَ الْكُلَّ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ حَلَّ بِخِلَافِ مَا إذَا ذَبَحَ شَاتَيْنِ بِتَسْمِيَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْحِلَّ فِي بَابِ الصَّيْدِ يَحْصُلُ بِالْإِرْسَالِ فَتُشْتَرَطُ التَّسْمِيَةُ وَقْتَ الْإِرْسَالِ وَالْإِرْسَالُ وُجِدَ وَقْتَ تَسْمِيَةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا لَوْ رَمَى سَهْمًا إلَى صَيْدٍ فَنَفَذَ، وَأَصَابَ صَيْدًا آخَرَ بِخِلَافِ مَا لَوْ ذَبَحَ شَاةً أُخْرَى؛ لِأَنَّ الثَّانِيَةَ صَارَتْ مَذْبُوحَةً بِفِعْلٍ غَيْرِ الْأَوَّلِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَسْمِيَةٍ أُخْرَى وَلَوْ أَضْجَعَ شَاتَيْنِ وَذَبَحَهُمَا بِتَسْمِيَةٍ وَاحِدَةٍ حَلَّا. قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ الْبَازِي أُكِلَ وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ الْكَلْبُ أَوْ الْفَهْدُ لَا) وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ: يُؤْكَلُ وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ الْكَلْبُ كَالْبَازِي لِمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ ثَعْلَبَةَ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ لِي كِلَابًا مُكَلَّبَةً فَأَفْتِنِي فِي صَيْدِهَا فَقَالَ إنْ كَانَتْ لَك كِلَابٌ مُكَلَّبَةٌ فَكُلْ مَا أَمْسَكَتْ عَلَيْكَ الْحَدِيثَ إلَى أَنْ قَالَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ» وَفِعْلُ الْكَلْبِ إنَّمَا صَارَ ذَكَاةً لِعِلْمِهِ وَبِالْأَكْلِ لَا يَعُودُ جَاهِلًا فَصَارَ كَالْبَازِي وَلَنَا مَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ عَدِيٍّ وقَوْله تَعَالَى {وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] وَقَوْلُهُ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا أَرْسَلْتَ كِلَابَكَ الْمُعَلَّمَةَ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى فَكُلْ مَا أَمْسَكْنَ عَلَيْك إلَّا أَنْ يَأْكُلَ الْكَلْبُ فَلَا تَأْكُلْ فَإِنِّي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 252 أَخَافُ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ الْمُعَلَّمَ فَأَكَلَ مِنْ الصَّيْدِ فَلَا تَأْكُلْ فَإِنَّمَا أَمْسَكَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَإِذَا أَرْسَلْتَهُ فَقَتَلَ وَلَمْ يَأْكُلْ فَكُلْ فَإِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى صَاحِبِهِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمَرْوِيُّهُمَا غَرِيبٌ فَلَا يُعَارِضُ الصَّحِيحَ الْمَشْهُورَ وَلَئِنْ صَحَّ فَالْمُحَرَّمُ أَوْلَى عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْبَازِي وَالْكَلْبِ قَدْ بَيَّنَّاهُ. وَلَوْ صَادَ الْكَلْبُ صُيُودًا وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهَا شَيْئًا ثُمَّ أَكَلَ مِنْ صَيْدٍ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يُؤْكَلُ مِنْ الَّذِي أَكَلَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ أَكْلَهُ عَلَامَةُ جَهْلِهِ وَلَا مِمَّا يَصِيدُهُ بَعْدَهُ حَتَّى يَصِيرَ مُعَلَّمًا عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي بَيَّنَّاهُ فِي الِابْتِدَاءِ وَأَمَّا الصُّيُودُ الَّتِي أَخَذَهَا مِنْ قَبْلُ فَمَا أَكَلَ مِنْهُ لَا تَظْهَرُ الْحُرْمَةُ فِيهِ لِعَدَمِ الْمَحَلِّيَّةِ وَمَا لَيْسَ بِمُحْرَزٍ بِأَنْ كَانَ فِي الْمَفَازَةِ بَعْدَ تَثَبُّتِ الْحُرْمَةِ بِالِاتِّفَاقِ وَمَا هُوَ مُحْرَزٌ فِي الْبَيْتِ يَحْرُمُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَهُمَا لَا يَحْرُمُ؛ لِأَنَّ الْأَكْلَ لَا يَدُلُّ عَلَى جَهْلِهِ لِأَنَّ الْحِرْفَةَ قَدْ تُنْسَى وَقَدْ يَشْتَدُّ عَلَيْهِ الْجُوعُ فَيَأْكُلُ مَعَ عِلْمِهِ وَلِأَنَّ مَا أَحْرَزَهُ قَدْ أُمْضِيَ الْحُكْمُ فِيهِ بِالِاجْتِهَادِ فَلَا يَنْتَقِضُ بِاجْتِهَادٍ مِثْلِهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ قَدْ حَصَلَ بِالْأَوَّلِ بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُحْرَزِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ لَمْ يَحْصُلْ فِيهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِبَقَاءِ الصَّيْدِيَّةِ فِيهِ مِنْ وَجْهٍ لِعَدَمِ الِاحْتِرَازِ فَيَحْرُمُ احْتِيَاطًا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ أَكْلَهُ آيَةُ جَهْلِهِ مِنْ الِابْتِدَاءِ؛ لِأَنَّ الْحِرْفَةَ لَا يُنْسَى أَصْلُهَا فَبِالْأَكْلِ تَبَيَّنَ أَنَّ تَرْكَهُ الْأَكْلَ كَانَ بِسَبَبِ الشِّبَعِ لَا لِلتَّعَلُّمِ وَقَدْ تَبَدَّلَ الِاجْتِهَادُ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ يَحْصُلُ بِالْأَكْلِ فَصَارَ كَتَبَدُّلِ اجْتِهَادِ الْقَاضِي قَبْلَ الْقَضَاءِ وَلِأَنَّ عِلْمَهُ لَا يَثْبُتُ إلَّا ظَاهِرًا فَبَقِيَ جَهْلُهُ مَوْهُومًا وَالْمَوْهُومُ فِي بَابِ الصَّيْدِ يُلْحَقُ بِالْمُتَحَقَّقِ احْتِيَاطًا مَا أَمْكَنَ وَالْإِمْكَانُ فِي حَقِّ الْقَائِمِ جَمِيعًا دُونَ الْفَائِتِ. وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ: إنَّمَا تَحْرُمُ تِلْكَ الصُّيُودُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إذَا كَانَ الْعَهْدُ قَرِيبًا أَمَّا إذَا تَطَاوَلَ الْعَهْدُ بِأَنْ أَتَى عَلَيْهِ شَهْرٌ، وَأَكْثَرُ وَصَاحِبُهُ قَدْ قَدَّرَ تِلْكَ الصُّيُودَ لَا تَحْرُمُ تِلْكَ الصُّيُودُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ فِي الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ يَتَحَقَّقُ النِّسْيَانُ فَلَا يُعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُعَلَّمًا فِي الْمَاضِي مِنْ الزَّمَانِ وَفِي الْمُدَّةِ الْقَصِيرَةِ لَا يَتَحَقَّقُ النِّسْيَانُ فَيَظْهَرُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُعَلَّمًا حِينَ اصْطِيَادِ تِلْكَ الصُّيُودِ فَتَحْرُمُ تِلْكَ الصُّيُودُ وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ الصَّحِيحُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْفَصْلَيْنِ، وَلَوْ أَنَّ صَقْرًا فَرَّ مِنْ صَاحِبِهِ فَمَكَثَ حِينًا ثُمَّ رَجَعَ إلَى صَاحِبِهِ فَأَرْسَلَهُ فَصَادَ لَا يُؤْكَلُ صَيْدُهُ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ مَا صَارَ بِهِ مُعَلَّمًا فَيُحْكَمُ بِجَهْلِهِ كَالْكَلْبِ إذَا أَكَلَ مِنْ الصَّيْدِ فَيَبْقَى حُكْمُهُ كَحُكْمِ الْكَلْبِ فِيمَا ذَكَرْنَا وَلَوْ شَرِبَ الْكَلْبُ مِنْ دَمِ الصَّيْدِ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْ لَحْمِهِ شَيْئًا أُكِلَ؛ لِأَنَّهُ مُمْسِكٌ عَلَيْهِ وَهَذَا مِنْ غَايَةِ عِلْمِهِ حَيْثُ شَرِبَ مَا لَا يَصْلُحُ لِصَاحِبِهِ، وَأَمْسَكَ عَلَيْهِ مَا يَصْلُحُ لَهُ وَلَوْ أَخَذَ الصَّائِدُ الصَّيْدَ مِنْ الْكَلْبِ وَقَطَعَ لَهُ مِنْهُ قِطْعَةً وَأَلْقَاهَا إلَيْهِ فَأَكَلَهَا يُؤْكَلُ مَا بَقِيَ؛ لِأَنَّهُ أَمْسَكَ عَلَى صَاحِبِهِ وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ، وَأَكْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ مِمَّا أَلْقَى إلَيْهِ صَاحِبُهُ لَا يَضُرُّهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْكُلْ مِنْ الصَّيْدِ وَهُوَ عَادَةُ الصَّيَّادِينَ فَصَارَ كَمَا إذَا أَلْقَى إلَيْهِ طَعَامًا آخَرَ وَكَذَا إذَا خَطَفَ الْكَلْبُ مِنْهُ وَأَكَلَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْكُلْ مِنْ الصَّيْدِ، إذْ لَمْ يَبْقَ صَيْدًا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَالشَّرْطُ تَرْكُ الْأَكْلِ مِنْ الصَّيْدِ. وَقَدْ وُجِدَ فَصَارَ كَمَا إذَا افْتَرَسَ شَاةً بِخِلَافِ مَا إذَا فَعَلَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُحْرِزَهُ الْمَالِكُ لِبَقَاءِ جِهَةِ الصَّيْدِيَّةِ وَسَيَأْتِي الْفَرْقُ فِيهِ وَلَوْ نَهَشَ الصَّيْدَ فَقَطَعَ مِنْهُ بَضْعَةً فَأَكَلَهَا ثُمَّ أَدْرَكَ الصَّيْدَ فَقَتَلَهُ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ لَمْ يُؤْكَلْ؛ لِأَنَّهُ صَيْدُ كَلْبٍ جَاهِلٍ حَيْثُ أَكَلَ مِنْ الصَّيْدِ وَلَوْ أَلْقَى مَا نَهَشَهُ وَاتَّبَعَ الصَّيْدَ فَقَتَلَهُ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ حَتَّى أَخَذَهُ صَاحِبُهُ ثُمَّ ذَهَبَ إلَى تِلْكَ الْبَضْعَةِ فَأَكَلَهَا يُؤْكَلُ الصَّيْدُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَكَلَ مِنْ نَفْسِ الصَّيْدِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَضُرُّهُ فَإِذَا أَكَلَ مَا بَانَ مِنْهُ وَهُوَ لَا يَحِلُّ لِصَاحِبِهِ أَوْلَى بِخِلَافِ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ أَكَلَ فِي حَالَةِ الِاصْطِيَادِ فَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّهُ جَاهِلٌ مُمْسِكٌ عَلَى نَفْسِهِ وَلِأَنَّ نَهْشَ الْبَضْعَةِ قَدْ يَكُونُ لِيَأْكُلَهَا وَقَدْ يَكُونُ حَالَةَ الِاصْطِيَادِ لِيُضْعِفَهُ بِالْقَطْعِ مِنْهُ لِيَتَمَكَّنَ مِنْهُ فَإِنْ أَكَلَهَا قَبْلَ الْأَخْذِ يَدُلُّ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَبَعْدَهُ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي وَفِي الْهِدَايَةِ لَوْ أَخَذَ الْمُرْسِلُ الصَّيْدَ وَوَثَبَ الْكَلْبُ عَلَى الصَّيْدِ فَأَخَذَ مِنْ الصَّيْدِ، وَأَكَلَ يُؤْكَلُ الصَّيْدُ؛ لِأَنَّهُ مَا أَكَلَ مِنْ الصَّيْدِ وَالشَّرْطُ تَرْكُ الْأَكْلِ مِنْ الصَّيْدِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَطُولِبَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبَيْنَ مَا إذَا أَكَلَ مِنْهُ بَعْدَ مَا قَتَلَهُ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ؛ لِأَنَّ الصَّيْدَ كَمَا خَرَجَ مِنْ الصَّيْدِيَّةِ بِإِذْنِ صَاحِبِهِ جَازَ أَنْ يَخْرُجَ عَنْ الصَّيْدِيَّةِ بِقَتْلِهِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَتَعَرَّضْ بِالْأَكْلِ حَتَّى أَخَذَهُ صَاحِبُهُ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ مُمْسِكٌ عَلَى صَاحِبِهِ، وَانْتِهَاشُهُ مِنْهُ لَا يَدُلُّ عَلَى جَهْلِهِ وَأَمَّا إذَا أَكَلَ بَعْدَ قَتْلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَهُ صَاحِبُهُ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ مُمْسِكٌ عَلَى نَفْسِهِ فَدَلَّ عَلَى جَهْلِهِ فَلِهَذَا حَرُمَ وَاعْتُرِضَ أَيْضًا بِأَنَّ عِبَارَةَ الْمُؤَلِّفِ شَامِلَةٌ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 253 لِلصُّورَتَيْنِ فِيمَا إذَا وُجِدَ افْتِرَاقُهُ فِي الْحُكْمِ وَأُجِيبَ بِمَا تَقَدَّمَ وَفِي الْمُحِيطِ وَإِنْ قَتَلَهُ فَأَخَذَهُ صَاحِبُهُ ثُمَّ وَثَبَ عَلَيْهِ فَأَنْهَشَ مِنْهُ قِطْعَةً أَوْ رَمَى صَاحِبُهُ بِهَا إلَيْهِ يُؤْكَلُ الصَّيْدُ وَلَوْ أَكَلَ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَهُ صَاحِبُهُ يُكْرَهُ أَكْلُهُ اهـ. ثُمَّ الْإِرْسَالُ عَلَى أَقْسَامٍ: الْأَوَّلُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْإِرْسَالُ عَلَى صَيْدٍ وَلَوْ أَرْسَلَ عَلَى مَا لَيْسَ بِصَيْدٍ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالْأَهْلِ فَأَصَابَ صَيْدًا لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ؛ لِأَنَّ الْإِرْسَالَ عَلَى مَا لَيْسَ بِصَيْدٍ لَا يَكُونُ ذَكَاةً شَرْعًا وَلَوْ سَمِعَ حِسًّا وَظَنَّهُ صَيْدًا فَأَرْسَلَ كَلْبَهُ فَأَصَابَ صَيْدًا ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمَسْمُوعَ حِسُّ آدَمِيٍّ أَوْ مَا لَيْسَ بِصَيْدٍ لَمْ يُؤْكَلْ وَكَذَا لَوْ سَمِعَ حِسًّا وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ حِسُّ صَيْدٍ أَوْ غَيْرِهِ وَلَوْ ظَنَّهُ حِسَّ صَيْدٍ غَيْرِ مَأْكُولٍ أَوْ مَأْكُولٍ فَأَصَابَ صَيْدًا آخَرَ يَحِلُّ أَكْلُهُ فَلَوْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ عَلَى صَيْدٍ بِعَيْنِهِ وَهُوَ غَيْرُ مَأْكُولٍ فَأَصَابَ غَيْرَهُ يَحِلُّ أَكْلُهُ لِأَنَّ تَعْيِينَ الصَّيْدِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي الْإِرْسَالِ وَلَوْ سَمِعَ حِسًّا فَظَنَّ أَنَّهُ حِسُّ آدَمِيٍّ فَأَرْسَلَ كَلْبَهُ فَإِذَا هُوَ صَيْدٌ يَحِلُّ أَكْلُهُ لِأَنَّ تَعْيِينَ الصَّيْدِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ وَفِي الْمُنْتَقَى وَلَوْ رَمَى ظَبْيًا أَوْ طَيْرًا فَأَصَابَ غَيْرَهُ وَذَهَبَ الْمَرْمِيُّ إلَيْهِ وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ مُتَوَحِّشٌ أَوْ مُسْتَأْنِسٌ أُكِلَ الصَّيْدُ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الصَّيْدِ التَّوَحُّشُ فَتَمَسَّكُوا بِالْأَصْلِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَوْ ظَنَّ حِينَ رَآهُ أَنَّهُ صَيْدٌ ثُمَّ تَحَوَّلَ رَأْيُهُ أَنَّهُ لَيْسَ بِصَيْدٍ يَحِلُّ الصَّيْدُ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ عِنْدَنَا صَيْدٌ بِحُكْمِ الْأَصْلِ حَتَّى يُعْلَمَ أَنَّهُ غَيْرُ صَيْدٍ وَلَوْ رَمَى إلَى بَعِيرٍ نَادٍّ أَوْ غَيْرِ نَادٍّ لَمْ يُؤْكَلْ حَتَّى يُعْلَمَ أَنَّهُ نَادٍّ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْبَعِيرِ الْأُلْفَةُ وَالِاسْتِئْنَاسُ وَلَوْ رَمَى إلَى ظَبْيٍ مَرْبُوطٍ وَظَنَّ أَنَّهُ صَيْدٌ فَأَصَابَ ظَبْيًا آخَرَ لَمْ يُؤْكَلْ وَكَذَا لَوْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ عَلَى صَيْدٍ مُوثَقٍ فِي يَدِهِ فَصَادَفَ غَيْرَهُ لَمْ يُؤْكَلْ وَلَوْ أَرْسَلَ فَهْدًا عَلَى فِيلٍ، وَأَصَابَ ظَبْيًا لَمْ يُؤْكَلْ وَلَوْ رَمَى سَمَكًا أَوْ جَرَادًا فَأَصَابَ صَيْدًا فَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي رِوَايَةٍ لَا يُؤْكَلُ؛ لِأَنَّ السَّمَكَ وَالْجَرَادَ لَا تَقَعُ عَلَيْهِ الذَّكَاةُ وَفِي رِوَايَةٍ يُؤْكَلُ لِأَنَّ الْمَرْمِيَّ إلَيْهِ صَيْدٌ. وَالْقِسْمُ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ فَوْرُ الْإِرْسَالِ بَاقِيًا كَمَا سَيَأْتِي وَمِنْ شَرَائِطِ الْإِرْسَالِ أَنْ لَا يُوجَدَ بَعْدَ الْإِرْسَالِ بَوْلٌ وَلَا أَكْلٌ فَإِنْ وُجِدَ وَطَالَ قَطَعَ الْإِرْسَالَ حَتَّى لَوْ قَتَلَهُ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَفِي الرَّوْضَةِ وَلَوْ حَبَسَ الْكَلْبَ عَلَى صَدْرِ الصَّيْدِ طَوِيلًا ثُمَّ أَمَرَ بِهِ آخَرَ فَأَخَذَهُ وَقَتَلَهُ لَمْ يُؤْكَلْ؛ لِأَنَّهُ انْقَطَعَ فَوْرُ الْإِرْسَالِ، وَفِي الْغِيَاثِيَّةِ وَلَوْ أَرْسَلَ كَلْبَيْنِ فَأَخَذَهُ أَحَدُهُمَا وَقَتَلَهُ الْآخَرُ يَحِلُّ أَكْلُهُ. وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ أَنْ يَلْحَقَهُ الْمُرْسِلُ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ قَبْلَ انْقِطَاعِ الْكَلْبِ كَمَا سَيَأْتِي قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَدْرَكَهُ حَيًّا ذَكَّاهُ) «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعَدِيٍّ إذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ فَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ فَإِنْ أَمْسَكَ عَلَيْكَ، وَأَدْرَكْتَهُ حَيًّا فَاذْبَحْهُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَلِأَنَّهُ قَدَرَ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْبَدَلِ، إذْ الْمَقْصُودُ هُوَ الْحِلُّ، وَالْبَازُ وَالسَّهْمُ فِي هَذَا كَالْكَلْبِ وَفِي الْمُحِيطِ فَإِذَا أَدْرَكَهُ حَيًّا لَمْ يَحِلَّ إلَّا بِالذَّبْحِ قَدَرَ عَلَى الذَّكَاةِ أَوْ لَمْ يَقْدِرْ لِفَقْدِ الْآلَةِ وَضِيقِ الْوَقْتِ بِأَنْ كَانَ فِي آخِرِ الرَّمَقِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى التَّمَكُّنِ كَمَا ذَكَرْنَا يَحِلُّ وَهُوَ اخْتِيَارٌ لِبَعْضِ الْمَشَايِخِ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْأَصْلِ وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ لَوْ أَدْرَكَهُ وَلَمْ يَأْخُذْهُ فَإِنْ كَانَ فِي وَقْتٍ أَمْكَنَهُ ذَبْحُهُ لَمْ يُؤْكَلْ وَإِنْ كَانَ لَا يُمْكِنُهُ ذَبْحُهُ بَعْدَ أَخْذِهِ أُكِلَ؛ لِأَنَّ الْيَدَ لَمْ تَثْبُتْ عَلَى الذَّبْحِ، وَالتَّمَكُّنَ مِنْ الذَّبْحِ لَمْ يُوجَدْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ. قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ لَمْ يُذَكِّهِ حَتَّى مَاتَ أَوْ خَنَقَهُ الْكَلْبُ وَلَمْ يَجْرَحْهُ أَوْ شَارَكَهُ كَلْبٌ غَيْرُ مُعَلَّمٍ أَوْ كَلْبٌ مَجُوسِيٌّ أَوْ كَلْبٌ لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ عَمْدًا حَرُمَ) أَمَّا إذَا لَمْ يُذَكِّهِ فَلِأَنَّهُ لَمَّا أَدْرَكَهُ حَيًّا صَارَ ذَكَاتُهُ ذَكَاةَ الِاخْتِيَارِ لِمَا رَوَيْنَا وَبَيَّنَّا مِنْ الْمَعْنَى فَبِتَرْكِهِ يَصِيرُ مَيْتَةً وَهَذَا إذَا تَمَكَّنَ مِنْ ذَبْحِهِ أَمَّا إذَا وَقَعَ فِي يَدِهِ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ ذَبْحِهِ وَفِيهِ مِنْ الْحَيَاةِ قَدْرُ مَا يَكُونُ فِي الْمَذْبُوحِ بِأَنْ يَقُدَّ بَطْنَهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَلَمْ يَبْقَ إلَّا مُضْطَرِبًا اضْطِرَابَ الْمَذْبُوحِ فَحَلَالٌ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَدْرَ مِنْ الْحَيَاةِ لَا يُعْتَبَرُ فَكَانَ مَيِّتًا حُكْمًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ وَهُوَ بِهَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَحْرُمُ كَمَا إذَا وَقَعَ بَعْدَ مَوْتِهِ؛ لِأَنَّ مَوْتَهُ لَا يُضَافُ إلَيْهِ، وَالْمَيِّتُ لَيْسَ مَحَلًّا لِلذَّكَاةِ، وَذَكَرَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ أَنَّ هَذَا بِالْإِجْمَاعِ وَقِيلَ هَذَا قَوْلُهُمَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَحِلُّ إلَّا إذَا ذَكَّاهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحَيَاةَ الْخَفِيَّةَ مُعْتَبَرَةٌ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ حَتَّى حَلَّتْ الْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَنَحْوُهَا بِالذَّكَاةِ إذَا كَانَ فِيهَا حَيَاةٌ وَإِنْ كَانَتْ خَفِيَّةً عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا لَا تَحِلُّ إلَّا إذَا كَانَتْ حَيَاتُهَا بَيِّنَةً وَذَلِكَ بِأَنْ تَبْقَى فَوْقَ مَا يَبْقَى الْمَذْبُوحُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنْ تَكُونَ بِحَالٍ يَعِيشُ مِثْلُهَا فَيَكُونُ مَوْتُهَا مُضَافًا إلَى الذَّكَاةِ، وَالسَّهْمُ مِثْلُهُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ مِنْ الْحَيَاةِ فَوْقَ مَا يَكُونُ فِي الْمَذْبُوحِ فَكَذَلِكَ فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْأَصْلِ فَصَارَ كَالْمُتَيَمِّمِ إذَا رَأَى الْمَاءَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 254 وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ وَلَا يُؤْكَلُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ حُكْمًا لِثُبُوتِ يَدِهِ عَلَيْهِ وَهُوَ قَائِمٌ مَقَامَ التَّمَكُّنِ مِنْ الذَّبْحِ، إذْ لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ الذَّبْحِ بِعَيْنِهِ حَقِيقَةً لِأَنَّ النَّاسَ يَخْتَلِفُونَ فِيهِ عَلَى حَسَبِ تَفَاوُتِهِمْ فِي الْكِيَاسَةِ وَالْهِدَايَةِ فِي أَمْرِ الذَّبْحِ وَلَا يُمْكِنُ ضَبْطُهُ فَأُدِيرَ الْحُكْمُ عَلَى ثُبُوتِ الْيَدِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُشَاهَدُ الْمُعَايَنُ فَلَا يَحِلُّ الْأَكْلُ إلَّا بِالذَّكَاةِ سَوَاءٌ كَانَتْ حَيَاتُهُ خَفِيَّةً أَوْ بَيِّنَةً لِجَرْحِ الْمُعَلَّمِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ السِّبَاعِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] اسْتَثْنَاهُ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ فَيَتَنَاوَلُ كُلَّ حَيٍّ مُطْلَقًا وَكَذَا «قَوْلُهُ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعَدِيٍّ فَإِذَا أَمْسَكَ عَلَيْكَ فَأَدْرَكْتَهُ حَيًّا فَاذْبَحْهُ» مُطْلَقٌ فَيَتَنَاوَلُ كُلَّ حَيٍّ مُطْلَقًا وَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ، وَأَحْمَدُ، وَفَصَّلَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - تَفْصِيلًا آخَرَ غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا فَقَالَ: إنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الذَّبْحِ لِفَقْدِ الْآلَةِ لَمْ يُؤْكَلْ لِأَنَّ التَّقْصِيرَ مِنْ جِهَتِهِ وَإِنْ كَانَ لِضِيقِ الْوَقْتِ أُكِلَ لِعَدَمِ التَّقْصِيرِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا تَلَوْنَا وَمَا رَوَيْنَا وَأَمَّا إذَا خَنَقَهُ الْكَلْبُ. وَلَمْ يَجْرَحْهُ فَلِمَا بَيَّنَّا عِنْدَ قَوْلِهِ لَا بُدَّ مِنْ التَّعْلِيمِ وَالتَّسْمِيَةِ وَالْجَرْحِ وَذَكَرْنَا اخْتِلَافَ الرِّوَايَةِ، وَالْكَسْرُ كَالْخَنْقِ حَتَّى لَا يُعْتَدَّ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفْضِي إلَى خُرُوجِ الدَّمِ وَأَمَّا إذَا شَارَكَهُ كَلْبٌ غَيْرُ مُعَلَّمٍ أَوْ كَلْبٌ مَجُوسِيٌّ أَوْ كَلْبٌ لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ عَمْدًا فَلِمَا رَوَيْنَا عَنْ «عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أُرْسِلُ كَلْبِي فَأُسَمِّي قَالَ إذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ وَسَمَّيْتَ فَأَخَذَ فَقَتَلَ فَكُلْ فَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ فَلَا تَأْكُلْ فَإِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ قُلْت: إنِّي أُرْسِلُ كَلْبِي فَأَجِدُ مَعَهُ كَلْبًا آخَرَ غَيْرَهُ لَا أَدْرِي أَيُّهُمَا أَخَذَ فَقَالَ لَا تَأْكُلْ فَإِنَّمَا سَمَّيْتَ عَلَى كَلْبِك فَإِنْ وَجَدْتَ مَعَ كَلْبِك كَلْبًا غَيْرَهُ وَقَدْ قَتَلَ فَلَا تَأْكُلْ؛ لِأَنَّكَ لَا تَدْرِي أَيُّهُمَا قَتَلَهُ» رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ، وَأَحْمَدُ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى وَهَذَا صَحِيحٌ فَيَكُونُ حُجَّةً عَلَى مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ الْقَدِيمِ لِأَنَّهُ لَا يَحْرُمُ بِأَكْلِ الْكَلْبِ الصَّيْدُ وَعَلَى الشَّافِعِيِّ فِي مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا أَيْضًا وَلِأَنَّهُ اجْتَمَعَ فِيهِ الْمُبِيحُ وَالْمُحَرِّمُ فَيَغْلِبُ فِيهِ جِهَةُ الْحُرْمَةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَا اجْتَمَعَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ إلَّا وَقَدْ غَلَبَ الْحَرَامُ الْحَلَالَ» وَإِنَّ الْحَرَامَ وَاجِبُ التَّرْكِ، وَالْحَلَالَ جَائِزُ التَّرْكِ فَكَانَ الِاحْتِيَاطُ فِي التَّرْكِ وَلَوْ رَدَّهُ عَلَيْهِ الْكَلْبُ وَلَمْ يَجْرَحْهُ مَعَهُ وَمَاتَ بِجَرْحِهِ الْأَوَّلِ يُكْرَهُ أَكْلُهُ لِوُجُودِ الْمُعَاوَنَةِ فِي الْأَخْذِ وَفَقْدِهَا فِي الْجَرْحِ ثُمَّ قِيلَ الْكَرَاهَةُ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمَّا انْفَرَدَ بِالْجَرْحِ وَالْأَخْذِ غُلِّبَ جَانِبُ الْحِلِّ فَصَارَ حَلَالًا، وَأَوْجَبَ إعَانَةُ غَيْرِ الْمُعَلَّمِ الْكَرَاهَةَ دُونَ الْحُرْمَةِ وَقِيلَ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْحَلْوَانِيِّ لِوُجُودِ الْمُشَارَكَةِ مِنْ وَجْهٍ بِخِلَافِ مَا إذَا رَدَّهُ عَلَيْهِ الْمَجُوسِيُّ نَفْسُهُ حَيْثُ لَا يَحْرُمُ وَلَا يُكْرَهُ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْمَجُوسِيِّ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ فِعْلِ الْكَلْبِ فَلَمْ تَتَحَقَّقْ الْمُشَارَكَةُ مِنْ وَجْهٍ وَلَوْ لَمْ يَرُدَّ الْكَلْبُ الثَّانِي عَلَيْهِ لَكِنَّ اشْتَدَّ عَلَى الْأَوَّلِ فَاشْتَدَّ الْأَوَّلُ عَلَى الصَّيْدِ بِسَبَبِهِ فَأَخَذَهُ فَقَتَلَهُ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الثَّانِي أَثَّرَ فِي الْكَلْبِ الْأَوَّلِ حَتَّى ازْدَادَ طَلَبًا وَلَمْ يُؤَثِّرْ فِي الصَّيْدِ فَكَانَ تَبَعًا لِفِعْلِهِ؛ لِأَنَّهُ بَنَاهُ عَلَيْهِ فَلَا يُضَافُ الْحُكْمُ إلَى التَّبَعِ بِخِلَافِ مَا إذَا رَدَّهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ تَبَعًا فَيُضَافُ إلَيْهِمَا وَلَوْ رَدَّهُ سَبُعٌ أَوْ ذُو مِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ مِمَّا يَجُوزُ أَنْ يُعَلَّمَ فَيُصَادَ بِهِ فَهُوَ كَمَا لَوْ رَدَّهُ عَلَيْهِ الْكَلْبُ فِيمَا ذَكَرْنَا لِوُجُودِ الْمُجَانَسَةِ فِي الْفِعْلِ بِخِلَافِ مَا إذَا رَدَّهُ عَلَيْهِ مَا لَا يَجُوزُ الِاصْطِيَادُ بِهِ كَالْجَمَلِ وَالْبَقَرِ. وَالْبَازِي فِي ذَلِكَ كَالْكَلْبِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ وَفِي الْفَتَاوَى الْعَتَّابِيَّةِ حَلَالٌ رَمَى صَيْدًا فَأَصَابَهُ فِي الْحِلِّ وَمَاتَ فِي الْحَرَمِ أَوْ رَمَاهُ فِي الْحَرَمِ، وَأَصَابَهُ فِي الْحِلِّ وَمَاتَ فِي الْحِلِّ لَا يَحِلُّ وَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ وَكَذَا إذَا أَرْسَلَ كَلْبَهُ فِي الْحَرَمِ وَقَتَلَهُ خَارِجَ الْحَرَمِ لَا يَحِلُّ وَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ، وَفِي الذَّخِيرَةِ: يَجِبُ أَنْ يَعْلَمَ مَنْ رَمَى سَهْمًا إلَى صَيْدٍ أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي حَقِّ الْمِلْكِ لِوَقْتِ الْإِصَابَةِ وَفِي حَقِّ الْأَكْلِ لِوَقْتِ الرَّمْيِ هَذَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ وَلِهَذَا قُلْنَا: الْمُسْلِمُ إذَا رَمَى سَهْمًا إلَى صَيْدٍ ثُمَّ ارْتَدَّ - وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى - ثُمَّ أَصَابَهُ السَّهْمُ حَلَّ تَنَاوُلُهُ وَالْمُرْتَدُّ إذَا رَمَى إلَى صَيْدٍ ثُمَّ أَسْلَمَ ثُمَّ أَصَابَهُ لَا يَحِلُّ تَنَاوُلُهُ. [أَرْسَلَ مُسْلِمٌ كَلْبَهُ فَزَجَرَهُ مَجُوسِيٌّ فَانْزَجَرَ] قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَرْسَلَ مُسْلِمٌ كَلْبَهُ فَزَجَرَهُ مَجُوسِيٌّ فَانْزَجَرَ حَلَّ وَلَوْ أَرْسَلَهُ مَجُوسِيٌّ فَزَجَرَهُ مُسْلِمٌ فَانْزَجَرَ حَرُمَ) وَالْمُرَادُ بِالزَّجْرِ الْإِغْرَاءُ بِالصِّيَاحِ عَلَيْهِ، وَبِالِانْزِجَارِ يَحْصُلُ زِيَادَةُ الطَّلَبِ لِلصَّيْدِ كَذَا فِي الْهِدَايَة وَأَطْلَقَ فِي قَوْلِهِ: فَزَجَرَهُ مَجُوسِيٌّ إلَى آخِرِهِ فَشَمَلَ مَا إذَا زَجَرَهُ فِي حَالِ طَلَبِهِ أَوْ بَعْدَ وُقُوفِهِ فَانْزَجَرَ وَالْمُرَادُ الْأَوَّلُ وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي شَرْحِ كِتَابِ الصَّيْدِ فِيمَا إذَا أَرْسَلَ مُسْلِمٌ كَلْبَهُ فَزَجَرَهُ مَجُوسِيٌّ إنَّمَا يَحِلُّ إذَا زَجَرَهُ الْمَجُوسِيُّ فِي ذَهَابِهِ أَمَّا إذَا وَقَفَ الْكَلْبُ عَنْ سُنَنِ الْإِرْسَالِ ثُمَّ زَجَرَهُ مَجُوسِيٌّ بَعْدَ ذَلِكَ فَانْزَجَرَ لَا يُؤْكَلُ وَالْفَرْقُ أَنَّ إرْسَالَ الْمُسْلِمِ قَدْ صَحَّ، وَصَيْحَةُ الْمَجُوسِيِّ لَا تُفْسِدُهُ؛ لِأَنَّهُ تَقْوِيَةٌ لِلْإِرْسَالِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 255 وَتَحْرِيضٌ لِلْكَلْبِ وَلَيْسَ بِابْتِدَاءِ إرْسَالٍ مِنْهُ فَلَا يَنْقَطِعُ الْإِرْسَالُ بِالزَّجْرِ فَبَقِيَ صَحِيحًا فَأَمَّا الْإِرْسَالُ مِنْ الْمَجُوسِيِّ فَإِنَّهُ وَقَعَ فَاسِدًا فَلَا يَنْقَلِبُ صَحِيحًا بِالزَّجْرِ وَكَذَا إذَا أَرْسَلَ وَتَرَكَ التَّسْمِيَةَ عَمْدًا فَزَجَرَهُ مُسْلِمٌ وَسَمَّى لَمْ يَحِلَّ وَلَوْ وُجِدَتْ التَّسْمِيَةُ مِنْ الْمُرْسِلِ فَزَجَرَهُ مَنْ لَمْ يُسَمِّ حَلَّ وَكَذَا الْمُسْلِمُ إذَا ذَبَحَ فَأَمَرَّ الْمَجُوسِيُّ السِّكِّينَ بَعْدَ الذَّبْحِ لَمْ يَحْرُمْ وَلَوْ ذَبَحَ الْمَجُوسِيُّ، وَأَمَرَّ الْمُسْلِمُ بَعْدَهُ لَمْ يَحِلَّ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ أَصْلَ الْفِعْلِ مَتَى وَقَعَ صَحِيحًا لَا يَنْقَلِبُ فَاسِدًا وَمَتَى وَقَعَ فَاسِدًا لَا يَنْقَلِبُ صَحِيحًا، وَكَذَا مُحْرِمٌ دَلَّ حَلَالًا عَلَى الصَّيْدِ فَقَتَلَهُ يَحِلُّ لَهُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الزِّيَادَاتِ؛ لِأَنَّ ذَبْحَهُ حَصَلَ بِفِعْلِ الْحَلَالِ لَا بِدَلَالَةِ الْمُحْرِمِ وَنَصَّ فِي الْمُنْتَقَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِحَدِيثِ قَتَادَةَ حِينَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «هَلْ أَعَنْتُمْ هَلْ أَشَرْتُمْ فَقَالُوا: لَا، فَقَالَ: إذَنْ فَكُلُوا» عَلَّقَ الْإِبَاحَةَ بِعَدَمِ الْإِعَانَةِ وَفِي الدَّلَالَةِ نَوْعُ إعَانَةٍ وَلَوْ أَرْسَلَ مُسْلِمٌ كَلْبَهُ فَرَدَّ عَلَيْهِ الصَّيْدَ كَلْبٌ غَيْرُ مُعَلَّمٍ أَوْ مُعَلَّمٌ لَمْ يُرْسِلْهُ أَحَدٌ وَلَمْ يَزْجُرْهُ بَعْدَ انْبِعَاثِهِ وَأَخَذَهُ الْأَوَّلُ وَقَتَلَهُ لَمْ يُؤْكَلْ وَقَدَّمْنَا مَا فِيهِ مِنْ الْخِلَافِ وَلَوْ لَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ وَلَكِنَّ اشْتَدَّ عَلَيْهِ بِأَنْ كَانَ يَتْبَعُ أَثَرَ الْمُرْسَلِ حَتَّى قَتَلَهُ الْأَوَّلُ حَلَّ أَكْلُهُ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الثَّانِي أَثَّرَ فِي الْكَلْبِ الْمُرْسَلِ لَا فِي الصَّيْدِ فَصَارَ فِعْلُهُ تَبَعًا لِفِعْلِ الْمُرْسَلِ فَانْضَافَ الْأَخْذُ إلَى الْمُرْسَلِ لَا إلَى الْمُحَرِّضِ وَالْمُشِدِّ بِخِلَافِ مَا لَوْ رَدَّهُ عَلَيْهِ لِأَنَّ فِعْلَهُ أَثَّرَ فِي الصَّيْدِ لَا فِي الْكَلْبِ فَصَارَ الْأَخْذُ مُضَافًا إلَيْهِمَا. مَجُوسِيٌّ أَرْسَلَ ثُمَّ أَسْلَمَ فَاصْطَادَ كَلْبُهُ لَمْ يُؤْكَلْ وَكَذَلِكَ لَوْ زَجَرَهُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ فَانْزَجَرَ لِزَجْرِهِ وَلَوْ كَانَ مُسْلِمًا حَالَةَ الْإِرْسَالِ فَصَارَ مُرْتَدًّا حَالَةَ الْأَخْذِ يَحِلُّ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ وَقْتُ الْإِرْسَالِ وَالرَّمْيِ لَا حَالَةُ الْأَخْذِ لِأَنَّ الْإِرْسَالَ وَالرَّمْيَ فِعْلُ الذَّكَاةِ بِمَنْزِلَةِ الذَّبْحِ فَيُعْتَبَرُ إسْلَامُهُ وَتَمَجُّسُهُ وَرِدَّتُهُ عِنْدَ الذَّبْحِ لَا عِنْدَ زُهُوقِ الرُّوحِ فَكَذَا هُنَا يُعْتَبَرُ إسْلَامُهُ وَكُفْرُهُ وَقْتَ الْإِرْسَالِ وَالرَّمْيِ لَا بَعْدَهُ وَفِي النَّوَادِرِ وَلَوْ ضَرَبَ الْكَلْبُ الصَّيْدَ فَرَقَّدَهُ ثُمَّ ضَرَبَهُ ثَانِيَةً فَقَتَلَهُ أُكِلَ وَكَذَا لَوْ أَرْسَلَ كَلْبَيْنِ فَضَرَبَهُ أَحَدُهُمَا فَرَقَّدَهُ ثُمَّ ضَرَبَهُ الْآخَرُ فَقَتَلَهُ أُكِلَ وَكَذَا لَوْ أَرْسَلَ رَجُلَانِ كُلُّ وَاحِدٍ كَلْبَهُ فَرَقَّدَهُ أَحَدُهُمَا وَقَتَلَهُ الْآخَرُ فَإِنَّهُ يُؤْكَلُ وَالصَّيْدُ لِصَاحِبِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ جَرْحَ الْكَلْبِ بَعْدَ الْجَرْحِ فَصَارَ كَأَنَّ الْقَتْلَ حَصَلَ بِفِعْلٍ وَاحِدٍ إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ لَمَّا أَخْرَجَهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ صَيْدًا صَارَ مِلْكًا لِصَاحِبِهِ فَلَا يُزِيلُ مِلْكَهُ الثَّانِي، وَفِي الْأَصْلِ وَمِنْ شَرَائِطِ الْإِرْسَالِ أَنْ لَا يَكُونَ الْمُرْسِلُ مُحْرِمًا، وَأَنْ لَا يَمُوتَ فِي الْحَرَمِ حَتَّى لَا يَجُوزَ أَكْلُ صَيْدِ الْحَرَمِ وَلَا مَا اصْطَادَهُ الْحَلَالُ فِي الْحَرَمِ، وَذَكَرَ زَجْرَ الْمَجُوسِيِّ لِيُفِيدَ زَجْرَ الْمُحْرِمِ لِأَنَّهُ أَوْلَى قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ الْحَلَالُ إذَا أَرْسَلَ كَلْبَهُ عَلَى الصَّيْدِ فَزَجَرَهُ الْمُحْرِمُ فَانْزَجَرَ حَلَّ أَكْلُهُ، وَفِي السِّرَاجِيَّةِ: أَنَّ عَلَى الْمُحْرِمِ الْجَزَاءَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ لَمْ يُرْسِلْهُ أَحَدٌ فَزَجَرَهُ مُسْلِمٌ فَانْزَجَرَ حَلَّ) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَحِلَّ؛ لِأَنَّ الْإِرْسَالَ جُعِلَ ذَكَاةً عِنْدَ الِاضْطِرَارِ لِلضَّرُورَةِ فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ الْإِرْسَالُ انْعَدَمَ الذَّكَاةُ حَقِيقَةً وَحُكْمًا وَلَا يَحِلُّ وَالزَّجْرُ بِنَاءٌ عَلَيْهِ وَلَا يُعْتَبَرُ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الزَّجْرَ عِنْدَ عَدَمِ الْإِرْسَالِ يُجْعَلُ إرْسَالًا؛ لِأَنَّ انْزِجَارَهُ عَقِيبَ زَجْرِهِ دَلِيلُ طَاعَتِهِ فَيَجِبُ اعْتِبَارُهُ فَيَحِلُّ، إذْ لَيْسَ فِي اعْتِبَارِهِ إبْطَالُ السَّبَبِ بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ وَلَا يُقَالُ الزَّجْرُ دُونَ الِانْفِلَاتِ لِأَنَّهُ بِنَاءٌ عَلَيْهِ فَلَا يَرْتَفِعُ الِانْفِلَاتُ فَصَارَ مِثْلَ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ وَالْجَامِعُ أَنَّ الزَّاجِرَ فِيهِمَا بِنَاءٌ عَلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الزَّجْرُ إنْ كَانَ دُونَ الِانْفِلَاتِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَهُوَ فَوْقَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ فِعْلُ الْمُكَلَّفِ وَاسْتَوَيَا فَنُسِخَ الِانْفِلَاتُ؛ لِأَنَّ آخِرَ الْمِثْلَيْنِ يَصْلُحُ نَاسِخًا لِلْأَوَّلِ كَمَا فِي نَسْخِ الْأَحْكَامِ بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الزَّجْرَ لَا يُنَافِي الْإِرْسَالَ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِعْلُ الْمُكَلَّفِ. ، وَالزَّجْرُ بِنَاءٌ عَلَى الْإِرْسَالِ فَكَانَ دُونَهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَا يَرْتَفِعُ بِهِ، وَالْبَازِي كَالْكَلْبِ فِيمَا ذَكَرْنَا وَلَوْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ الْمُعَلَّمَ عَلَى صَيْدٍ مُعَيَّنٍ فَأَخَذَ غَيْرَهُ وَهُوَ عَلَى سُنَنِهِ حَلَّ، وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَعَالَى: لَا يَحِلُّ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِغَيْرِ إرْسَالٍ، إذْ الْإِرْسَالُ يَخْتَصُّ بِالْمُشَارِ وَالتَّسْمِيَةُ وَقَعَتْ عَلَيْهِ فَلَا تَتَحَوَّلُ إلَى غَيْرِهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَضْجَعَ شَاةً وَسَمَّى عَلَيْهَا وَخَلَّاهَا فَذَبَحَ غَيْرَهَا بِتِلْكَ التَّسْمِيَةِ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: يَتَعَيَّنُ الصَّيْدُ بِالتَّعْيِينِ، مِثْلَ قَوْلِ مَالِكٍ حَتَّى لَا يَحِلَّ غَيْرُهُ بِذَلِكَ الْإِرْسَالِ وَلَوْ أَرْسَلَ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ يَحِلُّ مَا أَصَابَهُ خِلَافًا لِمَالِكٍ وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ التَّعْيِينَ شَرْطٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَعِنْدَهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَلَكِنْ إذَا عُيِّنَ يَتَعَيَّنُ وَعِنْدَنَا التَّعْيِينُ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَلَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ الْمُكَلَّفُ أَنْ لَا يُكَلَّفَ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَاَلَّذِي فِي وُسْعِهِ إيجَادُ الْإِرْسَالِ دُونَ التَّعْيِينِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُعَلِّمَ الْبَازِيَ وَالْكَلْبَ عَلَى وَجْهٍ لَا يَأْخُذُ إلَّا مَا عَيَّنَهُ لَهُ وَلِأَنَّ التَّعْيِينَ غَيْرُ مُفِيدٍ فِي حَقِّهِ وَلَا فِي الْكَلْبِ فَإِنَّ الصُّيُودَ كُلَّهَا فِيمَا يَرْجِعُ إلَى مَقْصُودِهِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 256 سَوَاءٌ وَكَذَا فِي حَقِّ الْكَلْبِ؛ لِأَنَّ قَصْدَهُ أَخْذُ كُلِّ صَيْدٍ تَمَكَّنَ مِنْ صَيْدِهِ بِخِلَافِ مَا اسْتَشْهَدَ بِهِ مَالِكٌ؛ لِأَنَّ التَّعْيِينَ فِي الشَّاةِ مُمْكِنٌ وَكَذَا غَرَضُهُ مُتَعَلِّقٌ بِمُعَيَّنٍ فَتَتَعَلَّقُ التَّسْمِيَةُ هُنَا بِالضَّجْعِ بِالذَّبْحِ وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ بِالْآلَةِ. وَمَنْ أَرْسَلَ فَهْدًا فَكَمَنَ حَتَّى يَتَمَكَّنَ مِنْ الصَّيْدِ ثُمَّ أَخَذَ الصَّيْدَ فَقَتَلَهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عَادَةٌ لَهُ يَحْتَالُ لِأَخْذِهِ لِاسْتِرَاحَتِهِ فَلَا يَنْقَطِعُ بِهِ فَوْرُ الْإِرْسَالِ وَكَيْفَ يَنْقَطِعُ وَقَصْدُ صَاحِبِهِ يَتَحَقَّقُ بِذَلِكَ وَعُدَّ ذَلِكَ مِنْهُ فِي الْخِصَالِ الْحَمِيدَةِ قَالَ الْحَلْوَانِيُّ لِلْفَهْدِ خِصَالٌ حَمِيدَةٌ فَيَنْبَغِي لِكُلِّ عَاقِلٍ أَنْ يَأْخُذَ ذَلِكَ مِنْهُ، مِنْهَا أَنْ يَكْمُنَ لِلصَّيْدِ حَتَّى يَتَمَكَّنَ مِنْهُ وَهَكَذَا يَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ لَا يُجَاهِرَ عَدُوَّهُ بِالْخِلَافِ وَلَكِنْ يَطْلُبُ الْفُرْصَةَ حَتَّى يَتَمَكَّنَ مِنْهُ فَيَحْصُلَ مَقْصُودُهُ مِنْ غَيْرِ إتْعَابِ نَفْسِهِ وَمِنْهَا أَنَّهُ لَا يَعْدُو خَلْفَ صَاحِبِهِ حَتَّى يُرِيَهُ خَلْفَهُ وَهُوَ يَقُولُ هُوَ الْمُحْتَاجُ إلَيَّ فَلَا أُذَلُّ وَهَكَذَا يَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ لَا يُذِلَّ نَفْسَهُ فِيمَا يَفْعَلُ لِغَيْرِهِ وَمِنْهَا أَنَّهُ لَا يَتَعَلَّمُ بِالضَّرْبِ وَلَكِنْ يُضْرَبُ الْكَلْبُ بَيْنَ يَدَيْهِ إذَا أَكَلَ مِنْ الصَّيْدِ فَيَتَعَلَّمُ بِذَلِكَ وَهَكَذَا يَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ يَتَّعِظَ بِغَيْرِهِ كَمَا قِيلَ السَّعِيدُ مَنْ اتَّعَظَ بِغَيْرِهِ وَمِنْهَا أَنْ لَا يَتَنَاوَلَ الْخَبِيثَ مِنْ اللَّحْمِ وَإِنَّمَا يَطْلُبُ مِنْ صَاحِبِهِ اللَّحْمَ الطَّيِّبَ وَهَكَذَا يَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ لَا يَتَنَاوَلَ إلَّا الطَّيِّبَ وَمِنْهَا أَنْ يَثِبَ أَثْلَاثًا أَوْ خَمْسًا فَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ أَخْذِهِ تَرَكَهُ وَيَقُولُ: لَا أَقْتُلُ نَفْسِي فِيمَا أَعْمَلُ لِغَيْرِي وَهَكَذَا يَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ وَكَذَا الْكَلْبُ إذَا اعْتَادَ الِاخْتِفَاءَ لَا يَنْقَطِعُ فَوْرُ الْإِرْسَالِ لِمَا بَيَّنَّا فِي الْفَهْدِ وَيَنْقَطِعُ الْإِرْسَالُ بِمُكْثِهِ طَوِيلًا إذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ حِيلَةً مِنْهُ لِلْأَخْذِ وَإِنَّمَا هُوَ اسْتِرَاحَةٌ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ وَلَوْ أَرْسَلَ بَازَهُ الْمُعَلَّمَ عَلَى صَيْدٍ فَوَقَعَ عَلَى شَيْءٍ ثُمَّ اتَّبَعَ الصَّيْدَ فَأَخَذَهُ وَقَتَلَهُ يُؤْكَلُ إذَا لَمْ يَمْكُثْ زَمَانًا طَوِيلًا لِلِاسْتِرَاحَةِ وَإِنَّمَا مَكَثَ سَاعَةً طَوِيلَةً لِلتَّمَكُّنِ وَلَوْ أَنَّ بَازِيًا مُعَلَّمًا أَخَذَ صَيْدًا فَقَتَلَهُ وَلَا يَدْرِي أَرْسَلَهُ إنْسَانٌ أَوْ لَا لَا يُؤْكَلُ لِوُقُوعِ الشَّكِّ فِي الْإِرْسَالِ وَلَا تَثْبُتُ الْإِبَاحَةُ بِدُونِهِ وَلَكِنْ إنْ كَانَ مُرْسَلًا فَهُوَ مَالُ الْغَيْرِ فَلَا يَجُوزُ تَنَاوُلُهُ إلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَإِنْ رَمَى وَسَمَّى وَجَرَحَ أَكَلَ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ حُكْمِ الْآلَةِ الْحَيَوَانِيَّةِ شَرَعَ فِي بَيَانِ حُكْمِ الْآلَةِ الْجَمَادِيَّةِ فَتَقْدِيمُ الْأَوَّلِ ظَاهِرٌ يَعْنِي إذَا رَمَى بِآلَةٍ جَارِحَةٍ وَسَمَّى إلَى صَيْدٍ فَأَصَابَهُ وَجَرَحَهُ يُؤْكَلُ إذَا جَرَحَ «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ إذَا رَمَيْتَ سَهْمَكَ فَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ فَإِنْ وَجَدْتَهُ قَدْ قَتَلَ فَكُلْ إلَّا أَنْ تَجِدَهُ قَدْ وَقَعَ فِي مَاءٍ فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي الْمَاءُ قَتَلَهُ أَوْ سَهْمُكَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ، وَأَحْمَدُ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى، وَشُرِطَ لِمَا رُوِيَ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا رَمَيْتَ فَسَمَّيْتَ فَجَرَحْتَ فَكُلْ وَإِنْ لَمْ تَخْرِقْ فَلَا تَأْكُلْ مِنْ الْمِعْرَاضِ إلَّا مَا ذَكَّيْتَ وَلَا تَأْكُلْ مِنْ الْبُنْدُقَةِ إلَّا مَا ذَكَّيْتَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يُصِيبَ الْمَرْمِيَّ بِنَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الصَّيْدِ كَمَا فِي إرْسَالِ الْكَلْبِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَفِي إطْلَاقِ قَوْلِهِ فِي الْمُخْتَصَرِ فَإِنْ رَمَى وَسَمَّى وَجَرَحَ أُكِلَ إشَارَةٌ إلَيْهِ حَيْثُ لَمْ يُعَيِّنْ الْمَرْمِيَّ وَلَا الْمُصَابَ حَتَّى يَدْخُلَ تَحْتَهُ مَا إذَا سَمِعَ حِسًّا وَظَنَّهُ صَيْدًا فَرَمَاهُ فَأَصَابَ صَيْدًا غَيْرَ مَا سَمِعَ حِسَّهُ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ حِسُّ صَيْدٍ يَحِلُّ أَكْلُهُ سَوَاءٌ كَانَ الصَّيْدُ الْمَسْمُوعُ حِسُّهُ مَأْكُولًا أَوْ غَيْرَهُ بَعْدَ أَنْ كَانَ الْمُصَابُ مَأْكُولًا لِأَنَّهُ وَقَعَ اصْطِيَادًا مَعَ قَصْدِهِ ذَلِكَ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ خَصَّ مِنْ ذَلِكَ الْخِنْزِيرَ لِغِلَظِ حُرْمَتِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا تَثْبُتُ الْإِبَاحَةُ فِي شَيْءٍ مِنْهُ بِخِلَافِ السِّبَاعِ؛ لِأَنَّهُ يُورَثُ فِي جِلْدِهِ وَزُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - خَصَّ مِنْهَا مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ؛ لِأَنَّ الِاصْطِيَادَ لَا يُفِيدُ الْإِبَاحَةَ فِيهِ وَوَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ اسْمَ الِاصْطِيَادِ لَا يَخْتَصُّ بِالْمَأْكُولِ فَيَكُونُ دَاخِلًا تَحْتَ قَوْله تَعَالَى {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: 2] فَكَانَ اصْطِيَادُهُ مُبَاحًا، وَإِبَاحَةُ التَّنَاوُلِ تَرْجِعُ إلَى الْمَحَلِّ فَتَثْبُتُ بِقَدْرِ مَا يَقْبَلُهَا لَحْمًا أَوْ جِلْدًا وَقَدْ لَا تَثْبُتُ بِالْكُلِّيَّةِ إذَا لَمْ يَقْبَلُهَا الْمَحَلُّ وَإِذَا وَقَعَ اصْطِيَادًا صَارَ كَأَنَّهُ رَمَى إلَى صَيْدٍ فَأَصَابَ غَيْرَهُ وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ حِسُّ جَرَادٍ أَوْ سَمَكٍ ذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمُغْنِي أَنَّ الْمُصَابَ لَا يُؤْكَلُ لِأَنَّ الذَّكَاةَ لَا تَقَعُ عَلَيْهِمَا فَلَا يَكُونُ الْفِعْلُ ذَكَاةً، وَأُورِدَ عَلَى صَاحِبِ الْهِدَايَةِ أَنَّهُ حِسُّ صَيْدٍ يُحْتَاجُ فِي حِلِّ أَكْلِهِ إلَى الذَّبْحِ أَوْ الْجَرْحِ وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي آخِرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: وَلَوْ رَمَى إلَى سَمَكٍ أَوْ جَرَادٍ وَأَصَابَ صَيْدًا يَحِلُّ فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ صَيْدٌ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ؛ لِأَنَّهُ لَا ذَكَاةَ فِيهِمَا فَكَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يُخَرِّجَ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ عَلَى رِوَايَةِ الْحِلِّ فَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ مَا أَوْرَدَهُ وَلَا يُحْتَاجُ إلَى زِيَادَةِ ذَلِكَ الْقَيْدِ الَّذِي ذَكَرَهُ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خان لَوْ رَمَى إلَى جَرَادٍ أَوْ سَمَكٍ وَتَرَكَ التَّسْمِيَةَ فَأَصَابَ طَائِرًا أَوْ صَيْدًا آخَرَ فَقَتَلَهُ حَلَّ أَكْلُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُؤْكَلُ وَهَذَا أَوْضَحُ مِنْ الْكُلِّ فَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 257 أَصْلًا وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمَسْمُوعَ حِسُّهُ آدَمِيٌّ أَوْ حَيَوَانٌ أَهْلِيٌّ أَوْ ظَبْيٌ مُسْتَأْنِسٌ أَوْ مُوثَقٌ لَا يَحِلُّ الْمُصَابُ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ لَمْ يَقَعْ اصْطِيَادًا وَلَا يَقُومُ مَقَامَ الذَّكَاةِ وَلَوْ رَمَى إلَى الطَّائِرِ فَأَصَابَ غَيْرَهُ مِنْ الصُّيُودِ أَوْ فَرَّ الطَّائِرُ وَلَا يَدْرِي أَهُوَ وَحْشِيٌّ أَمْ لَا حَلَّ الْمُصَابُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ فِيهِ التَّوَحُّشُ بِخِلَافِ مَا لَوْ رَمَى إلَى بَعِيرٍ فَأَصَابَ صَيْدًا وَلَا يَدْرِي أَهُوَ نَادٍّ أَمْ لَا حَيْثُ لَا يَحِلُّ الْمُصَابُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ الِاسْتِئْنَاسُ فَيُحْكَمُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِظَاهِرِ حَالِهِ وَلَوْ أَصَابَ الْمَسْمُوعَ حِسُّهُ وَقَدْ ظَنَّهُ آدَمِيًّا فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ صَيْدٌ حَلَّ؛ لِأَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِظَنِّهِ مَعَ تَعَيُّنِهِ صَيْدًا ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَقَالَ فِي الْمُنْتَقَى: إذَا سَمِعَ حِسًّا بِاللَّيْلِ فَظَنَّ أَنَّهُ إنْسَانٌ أَوْ دَابَّةٌ أَوْ حَيَّةٌ فَرَمَاهُ فَإِذَا ذَاكَ الَّذِي سُمِعَ حِسُّهُ صَيْدٌ فَأَصَابَ سَهْمُهُ ذَلِكَ الصَّيْدَ الَّذِي سَمِعَ حِسَّهُ أَوْ أَصَابَ صَيْدًا آخَرَ فَقَتَلَهُ لَا يُؤْكَلُ؛ لِأَنَّهُ رَمَاهُ وَهُوَ لَا يَدْرِي الصَّيْدَ ثُمَّ قَالَ: وَلَا يَحِلُّ الصَّيْدُ إلَّا بِوَجْهَيْنِ أَنْ يَرْمِيَهُ وَهُوَ يُرِيدُ الصَّيْدَ، وَأَنْ يَكُونَ الَّذِي أَرَادَهُ وَسَمِعَ حِسَّهُ وَرَمَى إلَيْهِ صَيْدًا سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يُؤْكَلُ أَوْ لَا وَهَذَا يُنَاقَضُ بِمَا ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَهَذَا أَوْجَهُ؛ لِأَنَّ الرَّمْيَ إلَى الْآدَمِيِّ وَنَحْوِهِ لَيْسَ بِاصْطِيَادٍ فَلَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُهُ وَلَوْ أَصَابَ صَيْدًا. وَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ يُنَاقِضُ مَا ذَكَرَهُ هُوَ بِنَفْسِهِ أَيْضًا مِنْ قَوْلِهِ وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ حِسُّ آدَمِيٍّ لَا يَحِلُّ الْمُصَابُ وَعَلَى اقْتِضَاءِ مَا ذَكَرَهُ هُنَاكَ أَنَّهُ يَحِلُّ؛ لِأَنَّ الْمُصَابَ صَيْدٌ كَمَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ فِيهَا صَيْدٌ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي النِّهَايَةِ بِفَرْقٍ غَيْرِ مُخْلَصٍ فَلَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِهِ وَقَالَ فِيهِ لَوْ رَمَى إلَى آدَمِيٍّ أَوْ بَقَرٍ وَنَحْوِهِ وَسَمَّى فَأَصَابَ صَيْدًا مَأْكُولًا لَا رِوَايَةَ لِهَذَا فِي الْأَصْلِ وَلِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِيهِ قَوْلَانِ فِي قَوْلٍ يَحِلُّ وَفِي قَوْلٍ لَا يَحِلُّ فَيُحْمَلُ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ عَلَى رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ فِيهِ فَيَسْتَقِيمُ وَلَا حَاجَةَ إلَى الْفَرْقِ وَلَوْ لَمْ يَتَبَيَّنْ صَاحِبُ الْحِسِّ مَا هُوَ لَا يَحِلُّ تَنَاوُلُ مَا أَصَابَهُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمَسْمُوعُ حِسُّهُ غَيْرَ صَيْدٍ فَلَا يَحِلُّ الْمُصَابُ بِالشَّكِّ، وَالْبَازِي وَالْفَهْدُ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا كَالْكَلْبِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَدْرَكَهُ حَيًّا ذَكَّاهُ وَإِنْ لَمْ يُذَكِّهِ حَرُمَ) لِمَا رَوَيْنَا وَبَيَّنَّا فِي الْكَلْبِ مِنْ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ذَكَاةٌ اضْطِرَارًا فَيَكُونُ الْوَارِدُ فِي أَحَدِهِمَا وَارِدًا فِي الْآخَرِ دَلَالَةً لِاسْتِوَائِهِمَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَإِنْ وَقَعَ سَهْمٌ بِصَيْدٍ فَتَحَامَلَ وَغَابَ وَهُوَ فِي طَلَبِهِ حَلَّ وَإِنْ قَعَدَ عَنْ طَلَبِهِ ثُمَّ أَصَابَهُ مَيِّتًا لَا) يَعْنِي يَحْرُمُ أَكْلُهُ «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِأَبِي ثَعْلَبَةَ إذَا رَمَيْتَ سَهْمَكَ فَغَابَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَأَدْرَكْتَهُ فَكُلْهُ مَا لَمْ يُنْتِنْ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَوَرَدَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَرِهَ أَكْلَ الصَّيْدِ إذَا غَابَ عَنْ الرَّامِي وَقَالَ لَعَلَّ هَوَامَّ الْأَرْضِ قَتَلَتْهُ» فَيُحْمَلُ هَذَا عَلَى مَا إذَا قَعَدَ عَنْ طَلَبِهِ وَالْأَوَّلُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَقْعُدْ وَلِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَمُوتَ بِسَبَبٍ آخَرَ فَيُعْتَبَرَ فِيمَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْمَوْهُومَ فِي الْمُحَرَّمَاتِ كَالْمُتَحَقَّقِ وَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ فِيمَا لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ لِلضَّرُورَةِ؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ فِيهِ يُؤَدِّي إلَى سَدِّ بَابِ الِاصْطِيَادِ وَهَذَا لِأَنَّ الِاصْطِيَادَ يَكُونُ فِي الصَّحْرَاءِ بَيْنَ الْأَشْجَارِ عَادَةً وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَقْتُلَهُ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ غَيْرِ انْتِقَالٍ وَتَوَارٍ عَنْ عَيْنِهِ غَالِبًا فَيُعْذَرُ مَا لَمْ يَقْعُدْ عَنْ طَلَبِهِ لِلضَّرُورَةِ لِعَدَمِ إمْكَانِ التَّحَرُّزِ عَنْهُ وَلَا يُعْذَرُ فِيمَا إذَا قَعَدَ عَنْ طَلَبِهِ؛ لِأَنَّ الِاحْتِرَازَ عَنْ مِثْلِهِ مُمْكِنٌ فَلَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ فَيَحْرُمُ وَهُوَ الْقِيَاسُ فِي الْكُلِّ إلَّا أَنَّا تَرَكْنَاهُ لِلضَّرُورَةِ فِيمَا لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ وَبَقِيَ عَلَى الْأَصْلِ فِيمَا يُمْكِنُ، وَجَعَلَ قَاضِي خان فِي فَتَاوِيهِ مِنْ شُرُوطِ حِلِّ الصَّيْدِ أَنْ لَا يَتَوَارَى عَنْ بَصَرِهِ. وَقَالَ: لِأَنَّ الْغَالِبَ إذَا غَابَ الصَّيْدُ عَنْ بَصَرِهِ رُبَّمَا يَكُونُ مَوْتُ الصَّيْدِ بِسَبَبٍ آخَرَ فَلَا يَحِلُّ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - كُلْ مَا أَصْمَيْتَ وَدَعْ مَا أَنْمَيْتَ، وَالْإِصْمَاءُ مَا رَأَيْتَهُ وَالْإِنْمَاءُ مَا تَوَارَى عَنْكَ وَهَذَا نَصٌّ عَلَى أَنَّ الصَّيْدَ يَحْرُمُ بِالتَّوَارِي وَإِنْ لَمْ يَقْعُدْ عَنْ طَلَبِهِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ أَيْضًا بِقَوْلِهِ وَاَلَّذِي رَوَيْنَاهُ حُجَّةٌ عَلَى مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي قَوْلِهِ إنَّ مَا تَوَارَى عَنْهُ إذَا لَمْ يَبِتْ لَيْلَةً لَا يَحِلُّ عِنْدَنَا وَإِنْ لَمْ يَقْعُدْ عَنْ طَلَبِهِ فَيَكُونُ مُنَاقِضًا لِقَوْلِهِ فِي أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ وَإِذَا وَقَعَ السَّهْمُ بِالصَّيْدِ فَتَحَامَلَ حَتَّى غَابَ عَنْهُ وَلَمْ يَزَلْ فِي طَلَبِهِ حَتَّى أَصَابَهُ مَيِّتًا أُكِلَ وَإِنْ قَعَدَ عَنْ طَلَبِهِ ثُمَّ أَصَابَهُ مَيِّتًا لَمْ يُؤْكَلْ؛ فَبَنَى الْأَمْرَ عَلَى الطَّلَبِ وَعَدَمِهِ لَا عَلَى التَّوَارِي وَعَدَمِهِ وَعَلَى هَذَا التَّرْكِيبِ فُقَهَاءُ أَصْحَابِنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ حُمِلَ مَا ذَكَرَهُ عَلَى مَا إذَا قَعَدَ عَنْ طَلَبِهِ كَانَ يَسْتَقِيمُ وَلَمْ يَتَنَاقَضْ وَلَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَمَا رَوَيْنَا مِنْ الْحَدِيثِ يُبِيحُ مَا غَابَ عَنْهُ وَبَاتَ لَيَالِيَ فَيَكُونُ حُجَّةً عَلَى مَنْ مَنَعَ ذَلِكَ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ وَجَعَلَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ مِنْ شُرُوطِ حِلِّ الصَّيْدِ أَنْ لَا يَتَوَارَى عَنْ بَصَرِهِ فَقَالَ؛ لِأَنَّهُ إذَا غَابَ عَنْ بَصَرِهِ رُبَّمَا يَكُونُ مَوْتُ الصَّيْدِ بِسَبَبٍ آخَرَ فَلَا يَحِلُّ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - الجزء: 8 ¦ الصفحة: 258 كُلْ مَا أَصْمَيْتَ وَدَعْ مَا أَنْمَيْتَ، وَالْإِصْمَاءُ مَا رَأَيْتَهُ وَالْإِنْمَاءُ مَا تَوَارَى عَنْك وَهَذَا نَصٌّ عَلَى أَنَّ الصَّيْدَ يَحْرُمُ بِالتَّوَارِي وَإِنْ لَمْ يَقْعُدْ عَنْ طَلَبِهِ اهـ. أَقُولُ: لَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا زَعَمَهُ الزَّيْلَعِيُّ فَإِنَّ الْإِمَامَ قَاضِي خان لَمْ يَجْعَلْ فِي فَتَاوَاهُ مِنْ شَرْطِ حِلِّ الصَّيْدِ عَدَمَ التَّوَارِي عَنْ بَصَرِهِ وَعَدَمَ الْقُعُودِ عَنْ طَلَبِهِ حَيْثُ قَالَ: وَالسَّابِعُ - يَعْنِي الشَّرْطَ السَّابِعَ - أَنْ لَا يَتَوَارَى عَنْ بَصَرِهِ وَلَا يَقْعُدَ عَنْ طَلَبِهِ، فَيَكُونَ فِي طَلَبِهِ وَلَا يَشْتَغِلَ بِعَمَلٍ آخَرَ حَتَّى يَجِدَهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا غَابَ عَنْ بَصَرِهِ رُبَّمَا يَكُونُ مَوْتُ الصَّيْدِ بِسَبَبٍ آخَرَ فَلَا يَحِلُّ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - كُلْ مَا أَصْمَيْتَ وَدَعْ مَا أَنْمَيْتَ، وَالْإِصْمَاءُ مَا رَأَيْتَ وَالْإِنْمَاءُ مَا تَوَارَى عَنْك اهـ. وَلَا شَكَّ أَنَّ قَوْلَهُ " وَالسَّابِعُ أَنْ لَا يَتَوَارَى عَنْ بَصَرِهِ وَلَا يَقْعُدَ عَنْ طَلَبِهِ نَصٌّ عَلَى أَنَّ الصَّيْدَ لَا يَحْرُمُ بِمُجَرَّدِ التَّوَارِي عَنْ بَصَرِهِ وَالْقُعُودِ عَنْ طَلَبِهِ مَعًا، وَأَمَّا قَوْلُهُ لِأَنَّهُ إذَا غَابَ عَنْ بَصَرِهِ وَقَعَدَ عَنْ طَلَبِهِ بِقَرِينَةِ سِيَاقِ كَلَامِهِ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَقْعُدْ عَنْ طَلَبِهِ فَيُعْذَرُ فِيهِ لِلضَّرُورَةِ لِعَدَمِ إمْكَانِ التَّحَرُّزِ عَنْ تَوَارِي الصَّيْدِ عَنْ بَصَرِ الرَّامِي فَكَانَ فِي اعْتِبَارِ عَدَمِ التَّوَارِي مُطْلَقًا حَرَجٌ عَظِيمٌ وَهُوَ مَدْفُوعٌ بِالنَّصِّ وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ إلَّا أَنَّا أَسْقَطْنَا اعْتِبَارَهُ مَا دَامَ فِي طَلَبِهِ ضَرُورَةَ أَنْ لَا يُعَرَّى الِاصْطِيَادُ عَنْهُ وَلَا ضَرُورَةَ فِيمَا إذَا قَعَدَ عَنْ طَلَبِهِ لِإِمْكَانِ التَّحَرُّزِ عَنْ قَرَارٍ يَكُونُ بِسَبَبِ عَمَلِهِ. وَذَكَرَ فِي الشَّرْحِ وَالْكَافِي «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ بِالرَّوْحَاءِ عَلَى حِمَارٍ وَحْشِيٍّ عَقِيرٍ فَتَبَادَرَ أَصْحَابُهُ إلَيْهِ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَعُوهُ فَسَيَأْتِي صَاحِبُهُ فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ هَذِهِ رَمْيَتِي، وَأَنَا فِي طَلَبِهَا وَقَدْ جَعَلْتُهَا لَكَ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَسَّمَهَا بَيْنَ الرِّفَاقِ» وَإِنْ وَجَدَ بِهِ جِرَاحَةً سِوَى جِرَاحَةِ سَهْمِهِ لَا يَحِلُّ «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعَدِيٍّ إذَا رَمَيْتَ بِسَهْمِكَ فَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ فَإِنْ غَابَ عَنْكَ يَوْمًا لَمْ تَجِدْ فِيهِ إلَّا أَثَرَ سَهْمِكَ فَكُلْ إنْ شِئْتَ وَإِنْ وَجَدْتَهُ غَرِيقًا فِي الْمَاءِ فَلَا تَأْكُلْ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ. وَفِي رِوَايَةٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ إذَا وَجَدْتَ سَهْمَكَ وَلَمْ تَجِدْ فِيهِ أَثَرَ غَيْرِهِ وَعَلِمْتَ أَنَّ سَهْمَكَ قَتَلَهُ فَكُلْهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ. وَفِي رِوَايَةٍ «أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرْمِي فِي الصَّيْدِ فَأَجِدُ فِيهِ سَهْمِي مِنْ الْغَدِ قَالَ إذَا عَلِمْتَ أَنَّ سَهْمَكَ قَتَلَهُ وَلَمْ تَرَ فِيهِ أَثَرَ سَبُعٍ فَكُلْ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَلِأَنَّهُ مُحْتَمَلٌ تَحَقَّقَتْ فِيهِ الْأَمَارَةُ فَيَجُوزُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بِلَا أَمَارَةٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَحُكْمُ إرْسَالِ الْكَلْبِ وَالْبَازِي فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ كَالرَّمْيِ. [رَمَى صَيْدًا فَوَقَعَ فِي مَاءٍ أَوْ عَلَى سَطْحٍ] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَلَوْ رَمَى صَيْدًا فَوَقَعَ فِي مَاءِ أَوْ عَلَى سَطْحٍ أَوْ جَبَلٍ ثُمَّ تَرَدَّى مِنْهُ إلَى الْأَرْضِ حَرُمَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَلِمَا رَوَيْنَا وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعَدِيٍّ إذَا رَمَيْتَ سَهْمَكَ فَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ فَإِنْ وَجَدْتَهُ قَتَلَ فَكُلْ إلَّا أَنْ تَجِدَهُ قَدْ وَقَعَ فِي مَاءٍ فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي الْمَاءُ قَتَلَهُ أَوْ سَهْمُك رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ، وَأَحْمَدُ. وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعَدِيٍّ إذَا رَمَيْتَ سَهْمَكَ فَكُلْ وَإِذَا وَقَعَ فِي الْمَاءِ فَلَا تَأْكُلْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَأَحْمَدُ وَلِأَنَّهُ احْتَمَلَ مَوْتَهُ بِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مُهْلِكَةٌ وَيُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهَا فَتَحْرُمُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ فَهَذَا هُوَ الْحُكْمُ فِي الْمُحْتَمَلِ فِي هَذَا الْبَابِ وَهَذَا فِيمَا إذَا كَانَ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ يَحْرُمُ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ مَوْتَهُ يُضَافُ إلَى غَيْرِ الرَّمْيِ وَإِنْ كَانَتْ حَيَاتُهُ دُونَ ذَلِكَ فَهُوَ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ الَّذِي مَرَّ ذِكْرُهُ فِي إرْسَالِ الْكَلْبِ وَلَوْ رَمَى إلَى الصَّيْدِ فَأَمَالَ الرِّيحُ السَّهْمَ يَمِينًا أَوْ يَسَارًا أَوْ عَدَلَ عَنْ سُنَنِهِ وَأَصَابَ صَيْدًا لَمْ يُؤْكَلْ لِأَنَّ حُكْمَ الرَّمْيِ قَدْ انْقَطَعَ بِالْعُدُولِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ حُكْمَ الرَّمْيِ لَا يُقْطَعُ بِالتَّغْيِيرِ عَنْ سُنَنِهِ، وَلَوْ أَصَابَ السَّهْمُ حَائِطًا أَوْ صَخْرَةً فَرَجَعَ لِلصَّيْدِ وَقَتَلَهُ لَمْ يُؤْكَلْ وَلَوْ حَدَّدَ عُودًا وَطَوَّلَهُ كَالسَّهْمِ وَرَمَى بِهِ فَأَصَابَ بِحَدِّهِ وَخَرَقَ يُؤْكَلُ وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ رَمَى إلَى صَيْدٍ سَهْمًا فَأَصَابَ سَهْمًا مَوْضُوعًا فَرَفَعَهُ فَأَصَابَ صَيْدًا فَقَتَلَهُ بِخَرْقٍ وَجَرْحٍ يُؤْكَلُ لِأَنَّ الْمَرْفُوعَ إنَّمَا ارْتَفَعَ بِقُوَّةِ السَّهْمِ الْأَوَّلِ فَيَكُونُ نُفُوذُهُ بِوَاسِطَةِ الْأَوَّلِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَصَابَ آدَمِيًّا وَقَتَلَهُ يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى الرَّامِي وَلَوْ رَمَى بِمِعْرَاضٍ أَوْ حَجَرٍ أَوْ بُنْدُقَةٍ، وَأَصَابَ سَهْمًا وَرَفَعَهُ، وَأَصَابَ السَّهْمُ الصَّيْدَ فَقَتَلَهُ يَحِلُّ وَلَوْ رَمَى سَهْمًا فَعَدَلَ بِهِ الرِّيحُ عَنْ سُنَنِهِ يَمِينًا أَوْ يَسَارًا أَوْ أَصَابَ حَائِطًا فَعَدَلَ عَنْ سُنَنِهِ ثُمَّ اسْتَقَامَ وَمَرَّ عَلَى سُنَنِهِ فَأَصَابَ الصَّيْدَ وَجَرَحَهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَلَا عِبْرَةَ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ بَعْدَ الِاسْتِقَامَةِ عَلَى سُنَنِهِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَفِي الذَّخِيرَةِ وَلَوْ أَنَّ الرِّيحَ أَمَالَتْهُ يَمِينًا أَوْ يَسَارًا أَوْ أَمَامًا فَرَدَّتْهُ عَنْ سُنَنِهِ لَا إلَى وَرَائِهِ لَمْ يَكُنْ بِأَكْلِهِ بَأْسٌ وَإِذَا رَمَى مُسْلِمٌ صَيْدًا بِسَهْمٍ وَسَمَّى ثُمَّ رَمَى مَجُوسِيٌّ فَأَصَابَ سَهْمُهُ سَهْمَ الْمُسْلِمِ فَانْحَرَفَ يَمْنَةً وَيَسْرَةً إلَّا أَنَّهُ فِي سُنَنِهِ ذَلِكَ، وَأَصَابَ الصَّيْدَ وَقَتَلَهُ فَالصَّيْدُ لِلْمُسْلِمِ وَلَكِنْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَأْكُلَهُ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 259 وَلَوْ رَمَى حَلَالٌ سَهْمًا إلَى صَيْدٍ ثُمَّ رَمَى مُحْرِمٌ فَأَصَابَ سَهْمُ الْمُحْرِمِ سَهْمَ الْحَلَالِ وَزَادَ فِي قُوَّتِهِ حَتَّى أَصَابَ الصَّيْدَ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَإِرْسَالُ الْبَازِي كَإِرْسَالِ الْكَلْبِ وَلَوْ رَمَى رَجُلٌ صَيْدًا بِسَهْمٍ وَسَمَّى ثُمَّ إنَّ رَجُلًا آخَرَ رَمَى ذَلِكَ الصَّيْدَ بِسَهْمٍ فَسَمَّى فَأَصَابَ سَهْمُ الثَّانِي الْأَوَّلَ، وَأَمْضَاهُ حَتَّى أَصَابَ الصَّيْدَ وَجَرَحَهُ وَقَتَلَهُ فَالْمَسْأَلَةُ عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ كَانَ السَّهْمُ الْأَوَّلُ بِحَالٍ يُعْلَمُ أَنَّهُ يَبْلُغُ الصَّيْدَ بِدُونِ السَّهْمِ الثَّانِي إلَّا أَنَّ الثَّانِيَ زَادَ فِي قُوَّتِهِ فَالصَّيْدُ لِلْأَوَّلِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَا إذَا كَانَ لَا يُدْرَى بِأَنَّ الْأَوَّلَ هَلْ يَبْلُغُ الصَّيْدَ لَوْلَا الثَّانِي قَالَ مَشَايِخُنَا: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الصَّيْدُ لِلْأَوَّلِ وَيَحِلُّ تَنَاوُلُ هَذَا الصَّيْدِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَلَوْ كَانَ الرَّامِي الثَّانِي مَجُوسِيًّا فَأَصَابَ سَهْمُهُ سَهْمَ الْمُسْلِمِ فَإِنْ عُلِمَ أَنَّ سَهْمَ الْمُسْلِمِ لَا يُصِيبُ الصَّيْدَ لَوْلَا سَهْمُ الْمَجُوسِيِّ فَالصَّيْدُ لِلْمَجُوسِيِّ وَلَا يَحِلُّ تَنَاوُلُهُ وَلَوْ عُلِمَ أَنَّ سَهْمَ الْمُسْلِمِ يُصِيبُ الصَّيْدَ إلَّا أَنَّ سَهْمَ الْمَجُوسِيِّ زَادَ فِي قُوَّتِهِ فَالصَّيْدُ لِلْمُسْلِمِ وَيَحِلُّ تَنَاوُلُهُ قِيَاسًا وَلَا يَحِلُّ اسْتِحْسَانًا. [قَوْمًا مِنْ الْمَجُوسِ رَمَوْا سِهَامَهُمْ فَأَقْبَلَ الصَّيْدُ نَحْوَ مُسْلِمٍ] وَلَوْ أَنَّ قَوْمًا مِنْ الْمَجُوسِ رَمَوْا سِهَامَهُمْ فَأَقْبَلَ الصَّيْدُ نَحْوَ مُسْلِمٍ فَارًّا مِنْ سِهَامِهِمْ فَرَمَاهُ الْمُسْلِمُ وَسَمَّى فَأَصَابَهُ سَهْمُ الْمُسْلِمِ وَقَتَلَهُ فَالْمَسْأَلَةُ عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ كَانَ سَهْمُ الْمَجُوسِيِّ وَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ حَتَّى رَمَاهُ الْمُسْلِمُ لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ إلَّا أَنْ يُدْرِكَهُ الْمُسْلِمُ وَيُذَكِّيَهُ فَحِينَئِذٍ يَحِلُّ؛ لِأَنَّهُمْ أَعَانُوهُ عَلَى الرَّمْيِ دُونَ حَقِيقَةِ الذَّكَاةِ وَلَمْ يُعْتَبَرُ بِالرَّمْيِ مَعَ وُجُودِ حَقِيقَةِ الذَّكَاةِ وَإِنْ وَقَعَتْ سِهَامُ الْمَجُوسِيِّ عَلَى الْأَرْضِ ثُمَّ رَمَاهُ الْمُسْلِمُ بَعْدَ ذَلِكَ وَبَاقِي الْمَسْأَلَةِ بِحَالِهَا حَلَّ أَكْلُهُ وَكَذَلِكَ الْمَجُوسِيُّ إنْ أَرْسَلُوا كِلَابَهُمْ إلَى صَيْدٍ فَأَقْبَلَ الصَّيْدُ هَارِبًا فَرَمَاهُ الْمُسْلِمُ فَقَتَلَهُ أَوْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ إلَيْهِ فَأَصَابَهُ الْكَلْبُ فَقَتَلَهُ إنْ كَانَ رَمْيُ الْمُسْلِمِ أَوْ إرْسَالُهُ الْكَلْبَ بَعْدَ رُجُوعِ كِلَابِ الْمَجُوسِيِّ يَحِلُّ وَإِنْ كَانَ حَالَ اتِّبَاعِ كِلَابِهِمْ لَا يَحِلُّ وَكَذَا لَوْ أَرْسَلَ الْمَجُوسِيُّ صَقْرًا لَهُ أَوْ بَازِيًا لَهُ فَهَوَى الصَّيْدُ إلَى الْأَرْضِ هَارِبًا فَرَمَاهُ الْمُسْلِمُ فَقَتَلَهُ فَإِنْ كَانَ رَمْيُ الْمُسْلِمِ وَإِرْسَالُهُ حَالَ اتِّبَاعِ صَقْرِ الْمَجُوسِيِّ وَبَازِيهِ لَا يَحِلُّ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الرُّجُوعِ حَلَّ وَكَذَا لَوْ اتَّبَعَ الصَّيْدَ كَلْبٌ غَيْرُ مُعَلَّمٍ فَأَقْبَلَ الصَّيْدُ فَارًّا مِنْهُ فَرَمَاهُ الْمُسْلِمُ بِسَهْمِ فَهُوَ عَلَى التَّفْصِيلِ الَّذِي قُلْنَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَإِنْ وَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ ابْتِدَاءً حَلَّ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ لِئَلَّا يَنْسَدَّ بَابُهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا بِخِلَافِ مَا إذَا أَمْكَنَ التَّحَرُّزُ عَنْهُ لِأَنَّ اعْتِبَارَهُ لَا يُؤَدِّي إلَى سَدِّ بَابِهِ وَإِلَى اعْتِبَارِهِ لَا يُؤَدِّي إلَى الْجَرْحِ فَأَمْكَنَ تَرْجِيحُ الْمُحَرَّمِ عِنْدَ التَّعَارُضِ عَلَى مَا هُوَ الْأَصْلُ فِي الشَّرْعِ وَلَوْ وَقَعَ عَلَى جَبَلٍ أَوْ سَطْحٍ أَوْ آجُرَّةٍ مَوْضُوعَةٍ فَاسْتَقَرَّ وَلَمْ يَتَرَدَّ حَلَّ؛ لِأَنَّ وُقُوعَهُ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ كَوُقُوعِهِ عَلَى الْأَرْضِ ابْتِدَاءً وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَعَ عَلَى شَجَرٍ أَوْ حَائِطٍ أَوْ آجُرَّةٍ ثُمَّ وَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ أَوْ رَمَاهُ وَهُوَ عَلَى جَبَلٍ فَتَرَدَّى مِنْهُ إلَى الْأَرْضِ أَوْ رَمَاهُ فَوَقَعَ عَلَى رُمْحٍ مَنْصُوبٍ أَوْ قَصَبَةٍ قَائِمَةٍ أَوْ عَلَى حَرْفِ آجُرَّةٍ حَيْثُ يَحْرُمُ لِاحْتِمَالِ أَنَّ أَحَدَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ قَتَلَهُ بِحَدِّهِ أَوْ بِتَرْدِيَتِهِ وَهُوَ مُمْكِنٌ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ، وَقَالَ فِي الْمُنْتَقَى: لَوْ رَمَى صَيْدًا فَوَقَعَ عَلَى صَخْرَةٍ فَانْفَلَقَ رَأْسُهُ أَوْ انْشَقَّ بَطْنُهُ لَمْ يُؤْكَلْ لِاحْتِمَالِ مَوْتِهِ بِسَبَبٍ آخَرَ قَالَ الْحَاكِمُ أَبُو الْفَضْلِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: وَهَذَا خِلَافُ إطْلَاقِ الْجَوَابِ الْمَذْكُورِ فِي الْأَصْلِ فِيمَا عَدَا هَذَا الْمُفَسَّرَ؛ لِأَنَّ حُصُولَ الْمَوْتِ بِانْفِلَاقِ الرَّأْسِ وَانْشِقَاقِ الْبَطْنِ ظَاهِرٌ وَبِالرَّمْيِ مَوْهُومٌ فَيَتَرَدَّدُ فَالظَّاهِرُ أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ مِنْ الْمَوْهُومِ فَيَحْرُمُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَنْشَقَّ وَلَمْ يَنْفَلِقْ لِأَنَّ مَوْتَهُ بِالرَّمْيِ هُوَ الظَّاهِرُ فَلَا يَحْرُمُ وَلَا يُحْمَلُ إطْلَاقُ الْجَوَابِ فِي الْأَصْلِ عَلَيْهِ، وَحَمَلَ السَّرَخْسِيُّ مَا ذُكِرَ فِي الْمُنْتَقَى عَلَى مَا إذَا أَصَابَهُ حَدُّ الصَّخْرَةِ فَانْشَقَّ كَذَلِكَ، وَحَمَلَ الْمَذْكُورَ فِي الْأَصْلِ عَلَى أَنَّهُ إذَا لَمْ يُصِبْهُ مِنْ الصَّخْرَةِ إلَّا مَا يُصِيبُهُ مِنْ الْأَرْضِ أَوْ وَقَعَ عَلَيْهِ فَحُمِلَ كَذَلِكَ، فَكِلَا التَّأْوِيلَيْنِ صَحِيحٌ وَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَحْمِلُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْأَصْلِ عَلَى مَا إذَا مَاتَ بِالرَّمْيِ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمُنْتَقَى عَلَى مَا إذَا مَاتَ بِغَيْرِهِ، وَفِي لَفْظِ الْمُنْتَقَى إشَارَةٌ إلَيْهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَالَ لِاحْتِمَالِ الْمَوْتِ بِسَبَبٍ آخَرَ أَيْ غَيْرِ الرَّمْيِ وَهَذَا يَرْجِعُ إلَى اخْتِلَافِ اللَّفْظِ دُونَ الْمَعْنَى وَلَا يُبَالَى بِهِ، وَإِنْ كَانَ الطَّيْرُ الْمَرْمِيُّ مَائِيًّا فَإِنْ لَمْ تَنْغَمِسْ الْجِرَاحَةُ فِي الْمَاءِ أُكِلَ وَإِنْ انْغَمَسَتْ لَا تُؤْكَلُ لِاحْتِمَالِ الْمَوْتِ بِهِ دُونَ الرَّمْيِ؛ لِأَنَّهُ يُشْرِبُ الْجُرْحَ الْمَاءَ فَيُسَبِّبُ زِيَادَةَ الْأَلَمِ فَصَارَ كَمَا إذَا أَصَابَهُ السَّهْمُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَمَا قَتَلَهُ الْمِعْرَاضُ بِعَرْضِهِ أَوْ الْبُنْدُقَةُ حَرُمَ) لِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ إبْرَاهِيمَ وَلِمَا رُوِيَ «أَنَّ عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ قَالَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنِّي أَرْمِي الصَّيْدَ بِالْمِعْرَاضِ فَأُصِيبُ فَقَالَ: إذَا رَمَيْتَ بِالْمِعْرَاضِ فَخَزَقْتَ فَكُلْهُ وَإِنْ أَصَابَهُ بِعَرْضِهِ فَلَا تَأْكُلْهُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ، وَأَحْمَدُ. وَلِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ الْخَذْفِ وَقَالَ: إنَّهَا لَا تَصِيدُ وَلَكِنَّهَا تَكْسِرُ الْعَظْمَ وَتَفْقَأُ الْعَيْنَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 260 ، وَأَحْمَدُ. وَلِأَنَّ الْجَرْحَ لَا بُدَّ مِنْهُ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ وَالْبُنْدُقَةُ لَا تَجْرَحُ وَكَذَا عَرْضُ الْمِعْرَاضِ، وَالْمِعْرَاضُ سَهْمٌ لَا رِيشَ وَلَا نَصْلَ لَهُ وَإِنَّمَا هُوَ حَدِيدُ الرَّأْسِ سُمِّيَ الْحَدِيدُ مِعْرَاضًا لِأَنَّهُ يَذْهَبُ مُعْتَرِضًا وَتَارَةً يُصِيبُ بِعَرْضِهِ وَتَارَةً يُصِيبُ بِحَدِّهِ وَإِنْ رَمَاهُ بِالسِّكِّينِ أَوْ السَّيْفِ فَإِنْ أَصَابَهُ بِحَدِّهِ أُكِلَ وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ رَمَاهُ بِحَجَرٍ فَإِنْ كَانَ ثَقِيلًا لَا يُؤْكَلُ وَإِنْ جَرَحَ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ قَتَلَهُ بِثِقْلِهِ، وَإِنْ كَانَ الْحَجَرُ خَفِيفًا وَلَهُ حَدٌّ وَجَرَحَ لِتَيَقُّنِ الْمَوْتِ بِالْحَجَرِ حِينَئِذٍ وَلَوْ جَعَلَ الْحَجَرَ طَوِيلًا كَالسَّهْمِ وَهُوَ خَفِيفٌ وَبِهِ حَدُّهُ وَرَمَى بِهِ صَيْدًا فَإِنْ جَرَحَ حَلَّ لِقَتْلِهِ بِجَرْحِهِ وَلَوْ رَمَاهُ بِمَرْوَةِ حَدِيدَةٍ فَلَمْ يَبْضَعُ بَضْعًا لَا يَحِلُّ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَهُ دَقًّا وَكَذَا إذَا رَمَاهُ بِهَا فَقَطَعَ أَوْدَاجَهُ، وَأَبَانَ رَأْسَهُ؛ لِأَنَّ الْعُرُوقَ قَدْ تَنْقَطِعُ بِالثِّقْلِ فَيَقَعُ الشَّكُّ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ مَاتَ قَبْلَ قَطْعِ الْأَوْدَاجِ وَلَوْ رَمَاهُ بِعُودٍ مِثْلِ الْعَصَا وَنَحْوِهِ لَا يَحِلُّ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَهُ ثِقْلًا لَا جَرْحًا إلَّا إذَا كَانَ لَهُ حَدٌّ بَضَعَ بَضْعًا فَيَكُونُ كَالسَّيْفِ وَالرُّمْحِ وَالْأَصْلُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ الْمَوْتَ إذَا حَصَلَ بِالْجَرْحِ يَتَعَيَّنُ حِلٌّ وَإِنْ حَصَلَ بِالثِّقْلِ أَوْ شُكَّ فِيهِ فَلَا يَحِلُّ حَتْمًا أَوْ احْتِيَاطًا وَإِنْ جَرَحَهُ فَمَاتَ فَإِنْ كَانَ الْجَرْحُ مُدْمِيًا حَلَّ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُدْمٍ اخْتَلَفُوا فِيهِ قِيلَ لَا يَحِلُّ لِانْعِدَامِ مَعْنَى الذَّكَاةِ وَهُوَ إخْرَاجُ الدَّمِ النَّجِسِ وَشَرَطَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إخْرَاجَ الدَّمِ بِقَوْلِهِ «أَنْهِرْ الدَّمَ بِمَا شِئْتَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُمَا وَقِيلَ يَحِلُّ لِإِتْيَانِهِ مَا فِي وُسْعِهِ وَهُوَ الْجَرْحُ، وَإِخْرَاجُ الدَّمِ لَيْسَ مِنْ وُسْعِهِ فَلَا يَكُونُ مُكَلَّفًا بِهِ؛ لِأَنَّ الدَّمَ قَدْ يَنْحَبِسُ بِقَتْلِهِ أَوْ لِضِيقِ الْمَنْفَذِ بَيْنَ الْعُرُوقِ وَقَدْ قَدَّمْنَا: وَإِنْ ذَبَحَ الشَّاةَ وَلَمْ يُخْرِجْ مِنْهَا الدَّمَ قِيلَ يَحِلُّ أَكْلُهَا وَقِيلَ لَا يَحِلُّ فَالْأَوَّلُ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ الْإِسْكَافِ وَالثَّانِي قَوْلُ إسْمَاعِيلَ الصَّفَّارِ وَوَجْهُ الْقَوْلَيْنِ دَخَلَ فِيمَا ذَكَرْنَا وَإِنْ أَصَابَ السَّهْمُ ظِلْفَ الصَّيْدِ أَوْ قَرْنَهُ فَإِنْ أَدْمَاهُ حَلَّ وَإِلَّا فَلَا وَهَذَا يُؤَيِّدُ قَوْلَ مَنْ يَشْتَرِطَ خُرُوجَ الدَّمِ. [رَمَى صَيْدًا فَقَطَعَ عُضْوًا مِنْهُ] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَإِنْ رَمَى صَيْدًا فَقَطَعَ عُضْوًا مِنْهُ أُكِلَ الصَّيْدُ لَا الْعُضْوُ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أُكِلَ إنْ مَاتَ الصَّيْدُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ مُبَانٌ بِذَكَاةِ الِاضْطِرَارِ فَيَحِلُّ كَالْمُبَانِ بِذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَمُتْ؛ لِأَنَّهُ مَا أُبِينَ بِالذَّكَاةِ وَلَنَا قَوْلُهُ: «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَا قُطِعَ مِنْ بَهِيمَةٍ وَهِيَ حَيَّةٌ فَمَا قُطِعَ مِنْهَا فَهُوَ مَيْتَةٌ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ ذَكَرَ الْحَيَّ مُطْلَقًا فَيَنْصَرِفُ إلَى الْحَيِّ حَقِيقَةً وَحُكْمًا وَالْعُضْوُ الْمُبَانُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ؛ لِأَنَّ الْمُبَانَ مِنْهُ حَيٌّ حَقِيقَةً لِقِيَامِ الْحَيَاةِ فِيهِ وَكَذَا حُكْمًا؛ لِأَنَّهُ يُتَوَهَّمُ سَلَامَتُهُ بَعْدَ هَذِهِ الْجِرَاحَةِ وَلِهَذَا اُعْتُبِرَ هَذَا الْقَدْرُ مِنْ الْحَيَاةِ حَتَّى لَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ وَفِيهِ هَذَا الْقَدْرُ مِنْ الْحَيَاةِ يَحْرُمُ بِخِلَافِ مَا إذَا أُبِينَ بِذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ؛ لِأَنَّ الْمُبَانَ مِنْهُ مَيِّتٌ حُكْمًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ وَقَعَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فِي الْمَاءِ أَوْ تَرَدَّى مِنْ الْجَبَلِ لَا يَحْرُمُ؛ لِأَنَّ مَوْتَهُ قَدْ حَصَلَ بِالْإِبَانَةِ حُكْمًا فَلَا يُضَافُ إلَى غَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ حَصَلَ بِذَلِكَ حَقِيقَةً أَقُولُ: الْمُقَدِّمَةُ الْقَائِلَةُ إنَّ الْمُطْلَقَ يَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلِ شَائِعَةٌ فِي أَلْسِنَةِ الْفُقَهَاءِ وَكُتُبِ أَصْحَابِنَا لَكِنَّهَا مُخَالِفَةٌ فِي الظَّاهِرِ لِمَا تَقَرَّرَ فِي أُصُولِ أَئِمَّتِنَا مِنْ أَنَّ الْمُطْلَقَ يَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ كَمَا أَنَّ الْمُقَيَّدَ يَجْرِي عَلَى تَقْيِيدِهِ فَتَأَمَّلْ فِي التَّوْفِيقِ وَفِي الْأَصْلِ: رَجُلٌ أَرْسَلَ كَلْبَهُ عَلَى صَيْدٍ فَأَخْطَأَ ثُمَّ عَرَضَ لَهُ صَيْدٌ آخَرُ فَقَتَلَهُ يُؤْكَلُ وَإِنْ فَاتَهُ الصَّيْدُ فَرَجَعَ وَعَرَضَ لَهُ صَيْدٌ آخَرُ فِي رُجُوعِهِ فَقَتَلَهُ لَا يُؤْكَلُ، وَقَوْلُهُ " أُبِينَ بِالذَّكَاةِ " قُلْنَا: حَالَ وُقُوعِهِ لَمْ تَقَعْ ذَكَاةٌ لِقِيَامِ الْحَيَاةِ فِي الثَّانِي حَقِيقَةً وَحُكْمًا عَلَى مَا بَيَّنَّا وَإِنَّمَا تَقَعُ ذَكَاةٌ عِنْدَ مَوْتِهِ وَفِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لَا يَظْهَرُ فِي الْمُبَانِ لِعَدَمِ الْحَيَاةِ فِيهِ لِزَوَالِهِ بِالِانْفِصَالِ فَصَارَ الْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْمُبَانَ مِنْ الْحَيِّ حَقِيقَةً وَحُكْمًا لَا يَجُوزُ، وَالْمُبَانَ مِنْ الْحَيِّ صُورَةً لَا حُكْمًا بِدَلِيلِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ مِنْ أَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ وُقُوعُهُ فِي النَّهْرِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَحِلُّ أَكْلُهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَإِنْ كَانَ يُكْرَهُ لِمَا فِيهَا مِنْ زِيَادَةِ الْإِيلَامِ بِقَطْعِ لَحْمِهِ وَلَا كَذَلِكَ الْمُبَانُ مِنْهُ بِالِاصْطِيَادِ؛ لِأَنَّهُ حَيٌّ حَقِيقَةً وَحُكْمًا حَتَّى لَا يَثْبُتَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَحْكَامِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ قَطَعَهُ أَثْلَاثًا وَالْأَكْثَرُ مِمَّا يَلِي الْعُجَرَ أُكِلَ كُلُّهُ) لِأَنَّ الْمُبَانَ مِنْهُ حَيٌّ صُورَةً لَا حُكْمًا، إذْ لَا يُتَوَهَّمُ سَلَامَتُهُ وَبَقَاؤُهُ حَيًّا بَعْدَ هَذِهِ الْجِرَاحَةِ فَوَقَعَ ذَكَاةٌ فِي الْحَالِ فَحَلَّ أَكْلُهُ كَمَا إذَا أُبِينَ رَأْسُهُ فِي الذَّكَاةِ الِاخْتِيَارِيَّةِ وَكَذَا إذَا قُدَّ نِصْفَيْنِ لِمَا ذَكَرْنَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَطَعَ يَدًا أَوْ رِجْلًا أَوْ فَخْذًا أَوْ ثُلُثَهُ مِمَّا يَلِي الْقَوَائِمَ أَوْ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ الرَّأْسِ حَيْثُ يَحْرُمُ الْمُبَانُ وَيَحِلُّ الْمُبَانُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ يُتَوَهَّمُ بَقَاءُ الْحَيَاةِ فِي الْبَاقِي وَإِنْ ضَرَبَ عُنُقَ شَاةٍ فَأَبَانَ رَأْسَهَا تَحِلُّ لِقَطْعِ الْأَوْدَاجِ وَيُكْرَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ الْأَلَمِ بِإِبْلَاغِهِ النِّخَاعَ وَإِنْ ضَرَبَهَا مِنْ قِبَلِ الْقَفَا إنْ مَاتَتْ قَبْلَ قَطْعِ الْأَوْدَاجِ لَا تَحِلُّ وَإِنْ لَمْ تَمُتْ حَتَّى قَطَعَ الْأَوْدَاجَ حَلَّتْ وَلَوْ ضَرَبَ صَيْدًا فَقَطَعَ يَدَهُ أَوْ رِجْلَهُ وَلَمْ يَنْفَصِلْ حَتَّى مَاتَ إنْ كَانَ يُتَوَهَّمُ الْتِئَامُهُ وَانْدِمَالُهُ حَلَّ أَكْلُهُ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ أَجْزَائِهِ وَإِنْ كَانَ لَا يُتَوَهَّمُ بِأَنْ يَبْقَى مُعَلَّقًا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 261 بِجِلْدِهِ حَلَّ مَا سِوَاهُ دُونَهُ لِوُجُودِ الْإِبَانَةِ مَعْنًى وَالْعِبْرَةُ لِلْمَعَانِي. [صَيْدُ الْمَجُوسِيِّ وَالْوَثَنِيِّ وَالْمُرْتَدِّ] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَحَرُمَ صَيْدُ الْمَجُوسِيِّ وَالْوَثَنِيِّ وَالْمُرْتَدِّ) لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الذَّكَاةِ حَالَةَ الِاخْتِيَارِ فَكَذَا حَالَةَ الِاضْطِرَارِ وَكَذَا الْمُحْرِمُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ ذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ فِي حَقِّ الصَّيْدِ فَلَا يَكُونُ مِنْ أَهْلِ ذَكَاةِ الِاضْطِرَارِ فِيهِ وَيُؤْكَلُ صَيْدُ الْكِتَابِيِّ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الذَّكَاةِ اخْتِيَارًا فَكَذَا اضْطِرَارًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَإِنْ رَمَى صَيْدًا فَلَمْ يُثْخِنْهُ فَرَمَاهُ الثَّانِي فَقَتَلَهُ فَهُوَ لِلثَّانِي وَحَلَّ) لِأَنَّهُ هُوَ الْآخِذُ لَهُ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الصَّيْدُ لِمَنْ أَخَذَهُ» وَإِنَّمَا حَلَّ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَخْرُجْ بِالْأَوَّلِ مِنْ حَيِّزِ الِامْتِنَاعِ كَانَ ذَكَاتُهُ ذَكَاةَ الِاضْطِرَارِ وَهُوَ الْجَرْحُ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ وَقَدْ وُجِدَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَإِنْ أَثْخَنَهُ فَلِلْأَوَّلِ وَحَرُمَ) لِأَنَّهُ لَمَّا أَثْخَنَهُ الْأَوَّلُ قَدْ خَرَجَ مِنْ حَيِّزِ الِامْتِنَاعِ صَارَ قَادِرًا عَلَى ذَكَاتِهِ الِاخْتِيَارِيَّةِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ ذَكَاتُهُ لِمَا رَوَيْنَا وَلَمْ يُذَكِّهِ وَصَارَ الثَّانِي قَاتِلًا لَهُ فَيَحْرُمُ وَهُوَ لَوْ تَرَكَ ذَكَاتَهُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ يَحْرُمُ فَبِالْقَتْلِ أَوْلَى أَنْ يَحْرُمَ بِخِلَافِ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَهَذَا إذَا كَانَ بِحَالٍ يَسْلَمُ مِنْ الْأَوَّلِ لِأَنَّ مَوْتَهُ يُضَافُ إلَى الثَّانِي أَمَّا إذَا كَانَ الرَّمْيُ الْأَوَّلُ بِحَالٍ لَا يَسْلَمُ مِنْهُ الصَّيْدُ بِأَنْ لَا يَبْقَى فِيهِ مِنْ الْحَيَاةِ إلَّا بِقَدْرِ مَا يَبْقَى مِنْ الْمَذْبُوحِ كَمَا إذَا أَبَانَ رَأْسَهُ يَحِلُّ؛ لِأَنَّ مَوْتَهُ لَا يُضَافُ إلَى الرَّمْيِ الثَّانِي فَلَا اعْتِبَارَ لِوُجُودِهِ لِكَوْنِهِ مَيِّتًا حُكْمًا وَلِهَذَا لَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَحْرُمُ كَوُقُوعِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَلَوْ كَانَ الرَّمْيُ الْأَوَّلُ بِحَالٍ لَا يَعِيشُ بِهِ الصَّيْدُ لَكِنَّ حَيَاتَهُ فَوْقَ حَيَاةِ الْمَذْبُوحِ بِأَنْ كَانَ يَبْقَى يَوْمًا أَوْ دُونَهُ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَحْرُمُ بِالرَّمْيَةِ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَدْرَ مِنْ الْحَيَاةِ لَا يُعْتَبَرُ عِنْدَهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَحْرُمُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَدْرَ مِنْ الْحَيَاةِ يُعْتَبَرُ عِنْدَهُ فَصَارَ حُكْمُهُ كَحُكْمِ مَا إذَا كَانَ الْأَوَّلُ يَسْلَمُ مِنْهُ فَلَا يَحِلُّ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَضَمِنَ الثَّانِي لِلْأَوَّلِ قِيمَتَهُ غَيْرَ مَا نَقَصَتْهُ جِرَاحَتُهُ) أَيْ ضَمِنَ جَمِيعَ قِيمَةِ الصَّيْدِ غَيْرَ مَا نَقَصَتْهُ جِرَاحَتُهُ الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ صَيْدًا مَمْلُوكًا لِلْغَيْرِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْإِثْخَانِ فَيَلْزَمُ قِيمَةُ مَا أَتْلَفَهُ وَقِيمَتُهُ وَقْتَ إتْلَافِهِ كَانَ نَاقِصًا بِجِرَاحَةِ الْأَوَّلِ فَيَلْزَمُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ قِيمَةَ الْمُتْلَفِ تُعْتَبَرُ وَقْتَ الْإِتْلَافِ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَتْلَفَ عَبْدًا مَرِيضًا أَوْ شَاةً مَجْرُوحَةً فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ مُتَقَوِّمًا بِالْمَرَضِ أَوْ الْجَرْحِ وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَغَيْرُهُ: تَأْوِيلُهُ إذَا عَلِمَ أَنَّ الْقَتْلَ حَصَلَ بِالثَّانِي فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ بِحَالٍ يَسْلَمُ مِنْهُ وَالثَّانِي بِحَالٍ لَا يَسْلَمُ مِنْهُ لِيَكُونَ الْقَتْلُ كُلُّهُ مُضَافًا إلَى الثَّانِي وَقَدْ قَتَلَ حَيَوَانًا مَمْلُوكًا لِلْأَوَّلِ مَنْقُوصًا بِالْجِرَاحَةِ فَلَا يَضْمَنُهُ كَامِلًا وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ الْمَوْتَ حَصَلَ مِنْ الْجِرَاحَتَيْنِ أَوْ لَا يَدْرِي قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ قَالَ فِي الزِّيَادَاتِ: يَضْمَنُ الثَّانِي مَا نَقَصَتْهُ جِرَاحَتُهُ ثُمَّ يَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهِ مَجْرُوحًا بِجِرَاحَتَيْنِ ثُمَّ يَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهِ لَحْمًا أَمَّا الْأَوَّلُ وَهُوَ مَا نَقَصَتْهُ جِرَاحَتُهُ فَلِأَنَّهُ جَرَحَ حَيَوَانًا مَمْلُوكًا لِلْغَيْرِ وَقَدْ نَقَصَتْهُ فَيَضْمَنُهُ أَوَّلًا. وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ ضَمَانُ نِصْفِ قِيمَتِهِ حَيًّا فَلِأَنَّ الْمَوْتَ حَصَلَ بِالْجِرَاحَتَيْنِ فَيَكُونُ هُوَ مُتْلِفًا نِصْفَهُ وَهُوَ مَمْلُوكٌ لِغَيْرِهِ فَيَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهِ مَجْرُوحًا بِالْجِرَاحَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْأُولَى مَا كَانَتْ بِصُنْعِهِ - يَعْنِي: الْجِرَاحَةُ الْأُولَى مَا كَانَتْ بِصُنْعِ الثَّانِي - فَلَا يَضْمَنُهَا، وَالثَّانِيَةَ ضَمِنَهَا مَرَّةً فَلَا يَضْمَنُهَا ثَانِيَةً أَيْ الْجِرَاحَةَ الثَّانِيَةَ وَمُرَادُهُ مَا نَقَصَ بِجِرَاحَتِهِ ضَمِنَهَا مَرَّةً وَهُوَ مَا ضَمِنَهُ مِنْ النُّقْصَانِ بِجِرَاحَتِهِ أَوَّلًا، وَأَمَّا الثَّالِثُ وَهُوَ ضَمَانُ نِصْفِ اللَّحْمِ فَلِأَنَّ بِالرَّمْيَةِ الْأُولَى صَارَ بِحَالٍ يَحِلُّ بِذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ لَوْلَا رَمْيُ الثَّانِي فَهَذَا بِالرَّمْيِ الثَّانِي أَفْسَدَ عَلَيْهِ نِصْفَ اللَّحْمِ فَيَضْمَنُهُ وَلَا يَضْمَنُ نِصْفَ الْقِيمَةِ لِآخَرَ؛ لِأَنَّهُ ضَمِنَهُ مِنْ حَيْثُ ضَمِنَ نِصْفَ قِيمَتِهِ حَيًّا فَدَخَلَ ضَمَانُ اللَّحْمِ وَهَذَا يُوهِمُ أَنَّ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَرْقًا أَعْنِي بَيْنَ مَا إذَا حَصَلَ الْقَتْلُ بِالثَّانِي وَحْدَهُ أَوْ بِهِمَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ يَضْمَنُ الثَّانِي جَمِيعَ قِيمَتِهِ غَيْرَ مَا نَقَصَتْهُ جِرَاحَةُ الْأَوَّلِ إلَّا أَنَّهُ بَيَّنَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى جَمِيعَ الْحَاصِلِ وَفِي الثَّانِيَةِ بَيَّنَ طَرِيقِ الضَّمَانِ نَقَلَ ذَلِكَ عَنْ قَاضِي خَانْ أَيْ عَدَمَ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ بَيَانُهُ أَنَّ الرَّامِيَ الْأَوَّلَ إذَا رَمَى صَيْدًا يُسَاوِي عَشَرَةً فَنَقَصَهُ دِرْهَمَيْنِ ثُمَّ رَمَاهُ الثَّانِي فَنَقَصَهُ دِرْهَمَيْنِ ثُمَّ مَاتَ فَعَلَى الطَّرِيقَةِ الْأُولَى يَضْمَنُ الثَّانِي ثَمَانِيَةً وَيَسْقُطُ عَنْهُ مِنْ قِيمَتِهِ دِرْهَمَانِ لِأَنَّ ذَلِكَ تَلِفَ بِجَرْحِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ " غَيْرَ مَا نَقَصَتْهُ جِرَاحَتُهُ ". وَعَلَى الطَّرِيقَةِ الثَّانِيَةِ يَضْمَنُ دِرْهَمَيْنِ أَوَّلًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ مِنْ النُّقْصَانِ حَصَلَ بِفِعْلِهِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فِي الزِّيَادَاتِ يَضْمَنُ الثَّانِي مَا نَقَصَتْهُ جِرَاحَتُهُ بَقِيَ مِنْ قِيمَتِهِ سِتَّةٌ فَيَضْمَنُ نِصْفَهَا وَهُوَ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ ثُمَّ يَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهِ مَجْرُوحًا بِجِرَاحَتَيْنِ يَعْنِي بِهِ نِصْفَ قِيمَتِهِ حَيًّا ثُمَّ إذَا مَاتَ يَضْمَنُ النِّصْفَ الْآخَرَ بَعْدَ الْمَوْتِ وَإِنْ كَانَ تَفْوِيتُ اللَّحْمِ فِيهِ مَوْجُودًا بِقَتْلِهِ؛ لِأَنَّهُ ضَمِنَ ذَلِكَ النِّصْفَ حَيًّا فَلَوْ ضَمِنَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ كَانَ يَتَكَرَّرُ الضَّمَانُ بِأَنْ يَضْمَنَ قِيمَتَهُ حَيًّا ثُمَّ يَضْمَنَ قِيمَتَهُ لَحْمًا بَعْدَ الْمَوْتِ وَهَذَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 262 لَا يَجُوزُ وَهَذَا إذَا كَانَتْ حَيَاتُهُ خَفِيَّةً بِقَدْرِ الْمَذْبُوحِ فَلَا يَضْمَنُ الثَّانِي وَيُؤْكَلُ؛ لِأَنَّ مَوْتَهُ لَا يُضَافُ إلَى الثَّانِي وَلِهَذَا لَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَحْرُمُ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَعَنْهُ وَقَعَ الِاحْتِرَازُ بِقَوْلِهِ فَإِنْ عَلِمَ أَنَّ الْمَوْتَ حَصَلَ مِنْ الْجِرَاحَتَيْنِ أَوْ لَا يَدْرِي وَلَوْ رَمَيَاهُ مَعًا فَأَصَابَهُ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْآخَرِ فَأَثْخَنَهُ ثُمَّ أَصَابَهُ الْآخَرُ أَوْ رَمَاهُ أَحَدُهُمَا أَوَّلًا ثُمَّ رَمَاهُ الثَّانِي قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهُ الْأَوَّلُ أَوْ بَعْدَمَا أَصَابَهُ قَبْلَ أَنْ يُثْخِنَهُ فَأَصَابَهُ الْأَوَّلُ فَأَثْخَنَهُ أَوْ أَثْخَنَهُ ثُمَّ أَصَابَهُ الثَّانِي فَقَتَلَهُ فَهُوَ لِلْأَوَّلِ وَيُؤْكَلُ وَقَالَ زُفَرُ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ لِأَنَّهُ حَالَ إصَابَةِ الثَّانِي غَيْرُ مُمْتَنِعٍ فَلَا يَحِلُّ بِذَكَاةِ الِاضْطِرَارِ فَصَارَ كَمَا إذَا رَمَاهُ الثَّانِي بَعْدَمَا أَثْخَنَهُ الْأَوَّلُ قُلْنَا: عِنْدَ رَمْيِ الثَّانِي هُوَ صَيْدٌ مُمْتَنِعٌ فَوَقَعَ رَمْيُهُ ذَكَاةً وَلِهَذَا تُشْتَرَطُ التَّسْمِيَةُ عِنْدَ الرَّمْيِ فَكَذَا الِامْتِنَاعُ يُعْتَبَرُ عِنْدَهُ إلَّا أَنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ لِلْأَوَّلِ لِأَنَّ سَهْمَهُ أَخْرَجَهُ عَنْ حَيِّزِ الِامْتِنَاعِ فَمَلَكَهُ بِهِ قَبْلَ أَنْ يُقْتَلَ بِسَهْمِ الثَّانِي. فَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي حَقِّ الْحِلِّ وَالضَّمَانِ وَقْتُ الرَّمْيِ؛ لِأَنَّ الرَّمْيَ إلَى صَيْدٍ مُبَاحٍ فَلَا يَنْعَقِدُ سَبَبًا لِوُجُوبِ الضَّمَانِ فَلَا يَنْقَلِبُ مُوجِبًا بَعْدَ ذَلِكَ وَهُوَ ذَكَاةٌ فَيَحِلُّ الْمُصَابُ لِأَنَّ الْحِلَّ يَحْصُلُ بِفِعْلِهِ، وَفِعْلُهُ هُوَ الرَّمْيُ وَالْإِرْسَالُ فَيُعْتَبَرُ وَقْتُهُ وَفِي حَقِّ الْمِلْكِ يُعْتَبَرُ وَقْتُ الْإِثْخَانِ؛ لِأَنَّ بِهِ يَثْبُتُ الْمِلْكُ وَزُفَرُ يَعْتَبِرُ وَقْتَ الْإِثْخَانِ فِيهِمَا وَلَوْ رَمَيَاهُ مَعًا، وَأَصَابَاهُ مَعًا فَمَاتَ مِنْهُمَا فَهُوَ بَيْنَهُمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي السَّبَبِ وَالْبَازِي وَالْكَلْبُ فِي هَذَا كَالسَّهْمِ حَتَّى يَمْلِكَهُ بِإِثْخَانِهِ وَلَا يُعْتَبَرُ إمْسَاكُهُ بِدُونِ الْإِثْخَانِ حَتَّى لَوْ أَرْسَلَ بَازِيَهُ فَأَمْسَكَ الصَّيْدَ بِمِخْلَبِهِ وَلَمْ يُثْخِنْهُ، وَأَرْسَلَ الْآخَرُ بَازِيَهُ فَقَتَلَ ذَلِكَ الصَّيْدَ فَإِنَّ الصَّيْدَ لِلثَّانِي وَحَلَّ؛ لِأَنَّ يَدَ الْبَازِي الْأَوَّلِ لَيْسَتْ يَدًا حَافِظَةً لِتُقَامَ مَقَامَ يَدِ الْمَالِكِ أَمَّا الْقَتْلُ فَهُوَ إتْلَافٌ وَالْبَازِي مِنْ أَهْلِ الْإِتْلَافِ فَيُنْقَلُ إلَى صَاحِبِهِ وَلَوْ رَمَى سَهْمًا فَأَصَابَ الصَّيْدَ فَأَثْخَنَهُ ثُمَّ رَمَاهُ ثَانِيًا فَقَتَلَهُ حَرُمَ لِمَا بَيَّنَّا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَحَلَّ اصْطِيَادُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَمَا لَا يُؤْكَلُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: 2] مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ بِالْمَأْكُولِ، إذْ الصَّيْدُ لَا يَخْتَصُّ بِالْمَأْكُولِ قَالَ الشَّاعِرُ صَيْدُ الْمُلُوكِ أَرَانِبٌ وَثَعَالِبُ ... وَإِذَا رَكِبْتَ فَصَيْدُكَ الْأَبْطَالُ وَلِأَنَّ الِاصْطِيَادَ سَبَبُ الِانْتِفَاعِ بِجِلْدِهِ أَوْ رِيشِهِ أَوْ شَعْرِهِ أَوْ لِاسْتِدْفَاعِ شَرِّهِ، وَكُلُّ ذَلِكَ مَشْرُوعٌ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. [كِتَابُ الرَّهْنِ] وَجْهُ مُنَاسَبَةِ كِتَابِ الرَّهْنِ لِكِتَابِ الصَّيْدِ مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الرَّهْنِ وَالصَّيْدِ سَبَبٌ لِتَحْصِيلِ الْمَالِ وَالْكَلَامُ فِي الرَّهْنِ يَقَعُ فِي مَوَاضِعَ: الْأَوَّلُ فِي مَعْنَاهُ لُغَةً. وَالثَّانِي فِي دَلِيلِهِ. وَالثَّالِثُ فِي رُكْنِهِ. وَالرَّابِعُ فِي شَرْطِ لُزُومِهِ. وَالْخَامِسُ فِي شَرْطِ جَوَازِهِ. وَالسَّادِسُ فِي حُكْمِهِ. وَالسَّابِعُ فِي سَبَبِهِ. وَالثَّامِنُ فِي صِفَتِهِ. وَالتَّاسِعُ فِي مَعْنَاهُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ. وَالْعَاشِرُ فِي مَحَاسِنِهِ. أَمَّا مَعْنَاهُ لُغَةً فَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ الْحَبْسِ بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر: 38] أَيْ مَحْبُوسَةٌ بِمَا كَسَبَتْ مِنْ الْمَعَاصِي يُقَالُ رَهَنْت الشَّيْءَ وَارْتَهَنْته وَالْجَمْعُ رُهُنٌ وَرُهُونٌ وَرِهَانٌ وَالرَّهْنُ الْمَرْهُونُ تَسْمِيَةً بِالْمَصْدَرِ، وَأَمَّا دَلِيلُهُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] أَمْرٌ بِأَخْذِ الرَّهْنِ وَقَبْضِهِ حَالَ الْمُدَايَنَةِ. وَأَمَّا رُكْنُهُ فَهُوَ الْإِيجَابُ وَهُوَ قَوْلُ الرَّاهِنِ رَهَنْت عِنْدَك هَذَا الشَّيْءَ بِمَا لَك عَلَيَّ مِنْ الدَّيْنِ أَوْ خُذْهُ وَالْقَبُولُ شَرْطٌ لَهُ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ عَقْدُ تَبَرُّعٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَوْجِبْ الرَّهْنَ بِذَاتِهِ شَيْئًا وَالتَّبَرُّعُ يَتِمُّ بِالْإِيجَابِ مِنْ غَيْرِ قَبُولٍ حَتَّى لَوْ حَلَفَ لَا يَرْهَنُ فَرَهَنَ، وَلَمْ يَقْبَلْ الْآخَرُ يَحْنَثُ. وَأَمَّا الرَّابِعُ وَهُوَ شَرْطُ اللُّزُومِ وَهُوَ الْقَبْضُ. وَأَمَّا الْخَامِسُ وَهُوَ شَرْطُ الْجَوَازِ فَكَوْنُهُ مَقْسُومًا مُفْرَزًا فَارِغًا عَنْ الشُّغْلِ بِحَقِّ الْغَيْرِ، وَأَنْ يَكُونَ الرَّهْنُ بِحَيْثُ الِاسْتِيفَاءُ مِنْهُ كَالدَّيْنِ حَتَّى لَا يَصِحَّ الرَّهْنُ بِمَا لَيْسَ بِمَالٍ كَالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ وَالْعِتْقِ. وَأَمَّا حُكْمُهُ فَمَلَك الْمُرْتَهِنُ الْمَرْهُونَ فِي حَقِّ الْحَبْسِ حَتَّى يَكُونَ أَحَقَّ بِإِمْسَاكِهِ إلَى وَقْتِ إيفَاءِ الدَّيْنِ فِي حَالِ الْحَيَاةِ. وَأَمَّا إذَا مَاتَ الرَّاهِنُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ فَيَسْتَوْفِي مِنْهُ دَيْنَهُ وَمَا فَضُلَ فَهُوَ لِلْغُرَمَاءِ. وَأَمَّا سَبَبُهُ فَهُوَ الْحَاجَةُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ لَا يَجِدُ مَنْ لَا يُقْرِضُهُ مَجَّانًا مِنْ غَيْرِ رَهْنٍ أَوْ يَصْبِرُ عَلَيْهِ بِغَيْرِ رَهْنٍ. وَأَمَّا صِفَتُهُ قَالَ عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ بِأَنَّ الرَّهْنَ مَضْمُونٌ عَلَى الْمُرْتَهِنِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ. وَأَمَّا التَّاسِعُ وَهُوَ تَفْسِيرُهُ شَرْعًا فَسَيَتَكَلَّمُ عَلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ. وَأَمَّا الْعَاشِرُ وَهُوَ مَحَاسِنُهُ فَهُوَ فَكُّ عُسْرَةِ الطَّلَبِ عَنْ الرَّاهِنِ وَوُثُوقُ قَلْبِ الْمُرْتَهِنِ بِمَا يُحَصِّلُ مَالَهُ، وَلَوْ ارْتَهَنَ عَلَى أَنَّهُ ضَاعَ بِغَيْرِ شَيْءٍ وَأَجَازَ الرَّاهِنُ جَازَ الرَّهْنُ وَبَطَلَ الشَّرْطُ؛ لِأَنَّهُ تَغْيِيرٌ لِعَقْدٍ مَوْضُوعٍ بِحُكْمٍ مَشْرُوعٍ وَتَبْدِيلُ الْمَشْرُوعِ لَا يَجُوزُ، وَالْمَقْبُوضُ بِحُكْمِ الرَّهْنِ الْفَاسِدِ مَضْمُونٌ، وَذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 263 لَوْ رَهَنَ نِصْفَ دَارٍ وَسَلَّمَ الدَّارَ إلَى الْمُرْتَهِنِ وَهَلَكَتْ لَمْ يَذْهَبْ مِنْ الدَّيْنِ شَيْءٌ، وَهَكَذَا ذَكَرَ فِي نَوَادِرِ هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ فِي الرَّهْنِ الْفَاسِدِ لَا يَذْهَبُ بِهَلَاكِهِ الدَّيْنُ، وَفِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ لَوْ اشْتَرَى مُسْلِمٌ خَمْرًا وَرَهَنَ بِثَمَنِهِ رَهْنًا فَضَاعَ الرَّهْنُ عِنْدَهُ لَا يُضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ رَهْنٌ بَاطِلٌ فِي الْأَوَّلِ يَنْعَقِدُ فَاسِدًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَسَيَأْتِي لَهُ مَزِيدُ بَيَانٍ عِنْدَ قَوْلِهِ مَضْمُونٌ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ، وَفِي الْكُبْرَى لَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ يَضْمَنَ الْفَضْلَ عَنْ الدَّيْنِ فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (هُوَ حَبْسُ شَيْءٍ بِحَقٍّ يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْهُ كَالدَّيْنِ) ، وَهَذَا حَدُّهُ فِي الشَّرْعِ، كَذَا قَالَ الشَّارِحُ، وَقَالَ قَوْلُهُ كَالدَّيْنِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الرَّهْنَ لَا يَجُوزُ إلَّا بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ حَقٌّ أَمْكَنَ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ الدَّيْنِ لِعَدَمِ تَعْيِينِهِ. وَأَمَّا الْعَيْنُ فَلَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهَا مِنْ الرَّهْنِ وَلَا يَجُوزُ الرَّهْنُ بِهَا إلَّا إذَا كَانَتْ مَضْمُونَةً بِنَفْسِهَا كَالْمَغْصُوبِ وَالْمَهْرِ وَبَدَلِ الْخُلْعِ وَبَدَلِ الصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ؛ لِأَنَّ الْمُوجِبَ الْأَصْلِيَّ فِيهَا الْمِثْلُ أَوْ الْقِيمَةُ وَرَدُّ الْعَيْنِ لَا مَخْلَصَ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَلِهَذَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهِ وَالْإِبْرَاءُ عَنْ قِيمَتِهِ وَيَمْتَنِعُ وُجُوبُ الذَّكَاةِ عَمَّنْ هُوَ فِي يَدِهِ وَمَالُهُ بِقَدْرِ الْقِيمَةِ، وَلَوْ كَانَ الْوَاجِبُ هُوَ الْعَيْنُ لَمَا ثَبَتَتْ هَذِهِ الْأَحْكَامُ، وَعِنْدَ الْبَعْضِ، وَإِنْ كَانَ الْمُوجِبُ الْأَصْلِيُّ رَدَّ الْعَيْنِ وَرَدَّ الْقِيمَةِ مَخْلَصٌ فَلَا يَجِبُ الضَّمَانُ إلَّا بَعْدَ الْهَلَاكِ بِالْقَبْضِ السَّابِقِ وَلِهَذَا تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ بِالْقَبْضِ فَيَكُونُ رَهْنًا لِوُجُودِ سَبَبِ وُجُوبِهِ فَيَصِحُّ كَمَا هُوَ فِي الْكَفَالَةِ بِخِلَافِ الْأَعْيَانِ الْأَمَانَةِ اهـ. فَإِنْ قِيلَ هَذَا التَّعْرِيفُ لِلرَّهْنِ التَّامِّ أَوْ اللَّازِمِ وَإِلَّا فَفِي انْعِقَادِ الرَّهْنِ لَا يَلْزَمُ الْحَبْسُ بَلْ ذَلِكَ بِالْقَبْضِ أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ يَتَحَقَّقُ بِانْعِقَادِ مَعْنَى الرَّهْنِ مَعْنَى جَعْلِ الشَّيْءِ مَحْبُوسًا بِحَقٍّ إلَّا أَنَّ الشَّارِعَ جَعَلَ لِلْعَاقِدِ الرُّجُوعَ عَنْهُ مَا لَمْ يَقْبِضْ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ فَقَبْلَ الْقَبْضِ يُوجَدُ مَعْنَى الْحَبْسِ وَلَكِنْ لَا يَلْزَمُ ذَلِكَ إلَّا بِالْقَبْضِ وَالْمَأْخُوذُ فِي التَّعْرِيف الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ لِلْمُرْتَهِنِ إنَّمَا هُوَ نَفْسُ الْحَبْسِ لَا لُزُومُهُ فَيَصْدُقُ هَذَا التَّعْرِيفُ عَلَى الرَّهْنِ قَبْلَ تَمَامِهِ وَلُزُومِهِ أَيْضًا، وَلَوْ قَالَ هُوَ عَقْدٌ يَرِدُ عَلَى مَعْنَى حَبْسِ الْعَيْنِ بِحَقٍّ يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْهُ لَكَانَ أَوْلَى، وَقَوْلُنَا عَلَى مَعْنَى حَبْسٍ إلَى آخِرِهِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يُوجِبُ حَقِيقَةَ الْحَبْسِ؛ لِأَنَّهَا بِالْقَبْضِ بَلْ يُوجِبُ نَفْسَ الْحَبْسِ، وَقَوْلُ الْإِمَامِ الزَّيْلَعِيِّ أَنَّ قَوْلَهُ كَالدَّيْنِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الرَّهْنَ لَا يَجُوزُ إلَّا بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْحَقُّ الْمُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ الرَّهْنِ لِعَدَمِ تَعْيِينِهِ قُلْنَا الْمُتَبَادِرُ إلَيْهِ مِنْ الْكَافِي أَنَّهُ يَجُوزُ الرَّهْنُ بِغَيْرِ الدَّيْنِ أَيْضًا كَمَا ذَكَرْت أَمْثَالَهُ، وَقَوْلُهُ شَيْءٌ صَادِقٌ عَلَى مَا لَوْ عُيِّنَ ذَلِكَ أَوَّلًا وَعَلَى مَا إذَا كَانَ عَلَى كُلِّ الدَّيْنِ أَوْ بَعْضِهِ وَعَلَى مَا إذَا قَبَضَ الدَّيْنَ أَوَّلًا قَالَ قَاضِي خَانْ رَجُلٌ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ ثَوْبَيْنِ، وَقَالَ خُذْ أَيَّهُمَا شِئْت بِالْمِائَةِ الَّتِي عَلَيَّ فَأَخَذَهُمَا وَنَحَلَتْ فِي يَدِهِ قَالَ الثَّالِثُ لَا يَذْهَبُ مِنْ الدَّيْنِ شَيْءٌ وَجَعَلَهُ بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ عَلَيْهِ عِشْرُونَ دِرْهَمًا يَدْفَعُ الْمَدْيُونُ إلَى الطَّالِبِ مِائَةً، وَقَالَ خُذْ مِنْهَا عِشْرِينَ بِدَيْنِك فَضَاعَتْ الْمِائَةُ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا عِشْرِينَ ضَاعَتْ مِنْ مَالِ الْمَدْيُونِ وَالدَّيْنُ عَلَى حَالِهِ، وَلَوْ قَالَ خُذْ أَحَدَهُمَا رَهْنًا بِدَيْنِك فَأَخَذَهُمَا وَنَحَلَتْ فِي يَدِهِ وَقِيمَتُهُمَا سَوَاءٌ قَالَ الثَّالِثُ يَذْهَبُ نِصْفُ قِيمَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالدَّيْنِ إنْ كَانَ مِثْلَ الدَّيْنِ رَجُلٌ عَلَيْهِ مِائَةٌ فَأَعْطَى الدَّائِنَ ثَوْبًا، وَقَالَ خُذْ هَذَا بِبَعْضِ حَقِّك فَقَبَضَهُ وَهَلَكَ يَهْلِكُ بِقِيمَتِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ لَمَّا شَاءَ الْمُرْتَهِنُ أَخَذَ الرَّهْنَ، وَلَمْ يَدْفَعْ شَيْئًا فَضَاعَ فِي يَدِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ عَلَيْهِ قِيمَةُ الرَّهْنِ أَقْرَضَ آخَرَ خَمْسِينَ دِرْهَمًا، فَقَالَ الْمُقْرِضُ لَا يَكْفِيَك هَذَا الْقَدْرُ وَلَكِنْ أَبْعَثُ لَك مَا يَكْفِيَك فَبَعَثَ فَدَفَعَ إلَيْهِ فَضَاعَ فِي يَدِهِ فَعَلَى الْمُرْتَهِنِ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَةِ الرَّهْنِ وَمِنْ الْخَمْسِينَ وَاشْتِرَاطُ خِيَارِ الشَّرْطِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الرَّهْنِ غَيْرُ جَائِزٍ فِي الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ فَسْخَهُ مِنْ غَيْرِ خِيَارِ الشَّرْطِ فَلَا فَائِدَةَ فِي اشْتِرَاطِهِ وَلِلرَّاهِنِ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الْخِيَارِ فِيهِ وَهُوَ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ فَيَصِحُّ إثْبَاتُ الْخِيَارِ لَهُ فِيهِ كَذَا فِي الْأَصْلِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَزِمَ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ وَيَتِمُّ بِقَبْضِهِ مَحُوزًا مُفَرَّغًا مُمَيَّزًا) ، وَهَذَا سَهْوٌ، فَإِنَّ الرَّهْنَ لَا يَلْزَمُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ وَلَكِنَّهُ يَنْعَقِدُ بِهِمَا وَيَتِمُّ بِالْقَبْضِ فَيَلْزَمُ بِهِ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ رُكْنُ الرَّهْنِ الْإِيجَابُ وَهُوَ قَوْلُ الرَّاهِنِ رَهَنْت وَالْقَبُولُ وَهُوَ قَوْلُ الْمُرْتَهِنُ قَبِلْت، ثُمَّ عَلَّلَ بِأَنَّهُ عَقْدٌ وَالْعَقْدُ يَنْعَقِدُ بِهِمَا وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ بِأَنَّ صَاحِبَ الْمُحِيطِ صَرَّحَ بِأَنَّهُ عَقْدُ تَبَرُّعٍ يَتِمُّ بِالْإِيجَابِ فَقَطْ وَهُوَ قَوْلُ غَالِبِ الْمَشَايِخِ، وَقَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَلْزَمُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ. وَقَوْلُهُ مَحُوزًا مُفْرَغًا مُمَيَّزًا اُحْتُرِزَ بِالْأَوَّلِ عَنْ الْمُشَاعِ، وَبِالثَّانِي عَنْ الْمَشْغُولِ، وَبِالثَّالِثِ عَنْ الْمُتَّصِلِ إذَا قَبَضَهُ كَذَلِكَ، ثُمَّ هَذَا بَيَانُ الرَّهْنِ بِالْقَوْلِ وَسَنُبَيِّنُ مَا يَصِيرُ رَهْنًا بِالْفِعْلِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالتَّخْلِيَةُ فِيهِ، وَفِي الْبَيْعِ قَبْضٌ) قَالَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 264 الشَّارِحُ وَالصَّوَابُ أَنَّ التَّخْلِيَةَ تَسْلِيمٌ؛ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ رَفْعِ الْمَوَانِعِ عَنْ الْقَبْضِ وَهُوَ الْمُسَلِّمُ دُونَ الْمُتَسَلِّمِ وَالْقَبْضُ فِعْلُ الْمُتَسَلِّمِ؛ لِأَنَّهُ اكْتَفَى بِالتَّخْلِيَةِ؛ لِأَنَّهُ غَايَةُ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَالْقَبْضُ فِعْلٌ لِغَيْرِهِ فَلَا يُكَلَّفُ بِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ فِي الْمَنْقُولِ لَا بُدَّ مِنْ النَّقْلِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَالْقِيَاسُ عَلَى الْغَصْبِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الرَّهْنِ مَشْرُوعٌ فَيُشْبِهُ الْبَيْعَ فَاكْتُفِيَ بِالتَّخْلِيَةِ وَالْغَصْبُ لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ فَلَا حَاجَةَ إلَى ثُبُوتٍ بِدُونِ قَبْضٍ حَقِيقَةً وَهُوَ النَّقْلُ وَوَضْعُ الْيَدِ وَلَا يَرِدُ النَّقْضُ بِالصَّرْفِ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْقَبْضِ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّهُ وَرَدَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ الرَّهْنِ مَا لَمْ يَقْبِضْهُ الْمُرْتَهِنُ) لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ وَلَا لُزُومَ عَلَى الْمُتَبَرِّعِ مَا لَمْ يُسَلِّمْ بِالْكِتَابَةِ وَفِيهِ خِلَافُ مَالِكٍ وَاخْتَلَفُوا فِي الْقَبْضِ. قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْمَعْرُوفُ بِخُوَاهَرْ زَادَهْ: الرَّهْنُ قَبْلَ الْقَبْضِ جَائِزٌ غَيْرُ لَازِمٍ وَإِنَّمَا يَصِيرُ لَازِمًا فِي حَقِّ الرَّهْنِ بِالْقَبْضِ اهـ. وَإِنَّمَا يَصِيرُ لَازِمًا فِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِالدَّفْعِ وَقَبَضَ الرَّاهِنُ الدَّرَاهِمَ فَلَوْ قَالَ وَلَهُمَا أَنْ يَرْجِعَا مَا لَمْ يَتَقَابَضَا لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ وَلَا يُقَالُ قَوْلُهُ وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ الْمُفِيدُ أَنَّ عَقْدَ الرَّهْنِ تَبَرُّعٌ فِي حَقِّ الرَّاهِنِ يُنَافِيهِ مَا نُقِلَ فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ رَهَنَ عِنْدَهُ دَابَّتَيْنِ عَلَى مِائَةٍ فَدَفَعَ لَهُ دَابَّةً وَقَبَضَ مِنْهُ خَمْسِينَ وَطَلَبَ الْمُرْتَهِنُ الدَّابَّةَ الْأُخْرَى وَامْتَنَعَ مِنْ قَرْضِ الْخَمْسِينَ الْبَاقِيَةِ يُجْبَرُ الرَّاهِنُ عَلَى قَرْضِ الْخَمْسِينَ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ لَازِمٌ مِنْ جَانِبِ الرَّاهِنِ فَمَا شُرِطَ عَلَيْهِ يُجْبَرُ عَلَى دَفْعِهِ غَيْرُ لَازِمٍ فَلَا يُجْبَرُ عَلَى دَفْعِهِ اهـ. لِأَنَّا نَقُولُ هُوَ تَبَرُّعٌ فِي حَقِّ الرَّاهِنِ قَبْلَ دَفْعِ شَيْءٍ مِنْ الرَّهْنِ فَلَا مُنَافَاةَ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِلرَّاهِنِ بِالْفِعْلِ وَسَنَذْكُرُ ذَلِكَ تَتْمِيمًا لِلْفَائِدَةِ. قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ مَنْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى رَجُلٍ فَتَقَاضَاهُ فَلَمْ يَقْضِهِ فَرَفَعَ الْعِمَامَةَ عَنْ رَأْسِ الْمَدْيُونِ رَهْنًا بِدَيْنِهِ وَأَعْطَاهُ مِنْدِيلًا صَغِيرًا يَكْفِيهِ عَلَى رَأْسِهِ، وَقَالَ أَحْضِرْ دَيْنِي لِأَرُدَّهَا عَلَيْك فَذَهَبَ الرَّجُلُ وَجَاءَ بِدَيْنِهِ بَعْدَ أَيَّامٍ، وَقَدْ هَلَكَتْ الْعِمَامَةُ قَالَ هَلَكَتْ بِالدَّيْنِ، وَفِي السِّرَاجِيَّةِ إذَا أَخَذَ عِمَامَةَ الْمَدْيُونِ بِغَيْرِ رِضَاهُ لِتَكُونَ رَهْنًا لَمْ تَكُنْ رَهْنًا بَلْ غَصْبًا، رَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَجُلٌ اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ جَارِيَةً بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَأَبَى الْبَائِعِ أَنْ يَدْفَعَهَا إلَيْهِ حَتَّى يَقْبِضَ الثَّمَنَ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي لَا أَدْفَعُ لَك الثَّمَنَ حَتَّى أَقْبِضَهَا فَاتَّفَقَا عَلَى وَضْعِ الثَّمَنِ عَلَى يَدِ عَدْلٍ حَتَّى يَقْبِضَ الثَّمَنَ يَدْفَعُهَا إلَيْهِ فَوَضَعَ رَهْنًا بِالثَّمَنِ فَهَلَكَ هَلَكَ مِنْ مَالِ الْبَائِعِ، وَفِي الْفَتَاوَى الْكُبْرَى رَهَنَ عَبْدًا بِكُرِّ حِنْطَةٍ فَمَاتَ الْعَبْدُ فَظَهَرَ أَنَّ الْكُرَّ لَيْسَ عَلَى الرَّاهِنِ فَعَلَى الْمُرْتَهِنِ قَبْضُ كُرٍّ دُونَ الْعَبْدِ وَفِي التَّتِمَّةِ رَجُلٌ عَلَيْهِ ثَمَنُ عَيْنٍ اشْتَرَاهَا دَنَانِيرَ فَدَفَعَ لِلْبَائِعٍ صُرَّةً فِيهَا دَنَانِيرَ، فَقَالَ خُذْ هَذِهِ الصُّرَّةَ حَتَّى أَنْفَذَ لَك الثَّمَنَ، ثُمَّ هَلَكَتْ تَهْلِكُ مِنْ مَالِ الْبَائِعِ قَالَ قُلْت تَهْلِكُ هَلَاكَ الرَّهْنِ أَمْ هَلَاكَ الثَّمَنِ؟ قَالَ هَلَاكُ الثَّمَنِ، فَإِنْ ظَهَرَ أَنَّ دَيْنَهُ أَجْوَدُ لَا يَرْجِعُ بِالْجُودَةِ فِي قَوْلِ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ حَيْثُ كَانَا فِي الْوَزْنِ سَوَاءً، قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَهُوَ مَضْمُونٌ بِأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ فَلَوْ هَلَكَ وَقِيمَتُهُ مِثْلُ الدَّيْنِ صَارَ مُسْتَوْفِيًا دَيْنَهُ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ دَيْنِهِ فَالْفَضْلُ أَمَانَةٌ وَبِقَدْرِ الدَّيْنِ صَارَ مُسْتَوْفِيًا دَيْنَهُ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ صَارَ مُسْتَوْفِيًا بِقَدْرِ دَيْنِهِ وَيَرْجِعُ الْمُرْتَهِنُ بِالْفَضْلِ) ، وَقَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الرَّهْنُ كُلُّهُ أَمَانَةٌ فَلَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ بِهَلَاكِهِ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلْمُرْتَهِنِ الَّذِي هَلَكَ عِنْدَهُ الْفَرَسُ ذَهَبَ حَقُّهُ وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا هَلَكَ الرَّهْنُ هَلَكَ الدَّيْنُ» أَوْ مَا مَعْنَاهُ وَأَجْمَعَ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ عَلَى ذَلِكَ وَبَيَانُ الدَّلِيلَيْنِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فِي الْمُطَوَّلَاتِ، وَفِي الْكَافِي بَيَانُهُ إذَا رَهَنَ ثَوْبًا قِيمَتُهُ عَشَرَةً بِعَشَرَةٍ فَهَلَكَ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ يَسْقُطُ دَيْنُهُ، وَإِنْ كَانَ قِيمَةُ الثَّوْبِ خَمْسَةً يَرْجِعُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الرَّاهِنِ بِخَمْسَةٍ أُخْرَى، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ خَمْسَةَ عَشَرَ فَالْفَضْلُ أَمَانَةٌ عِنْدنَا، وَفِي الْيَنَابِيعِ الرَّهْنُ مَضْمُونٌ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ وَفَائِدَةُ هَذَا تَظْهَرُ فِي مَسَائِلَ مِنْهَا إذَا رَهَنَ عَبْدًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَقِيمَتُهُ أَلْفَانِ فَأَبَقَ فَرَدَّهُ رَجُلٌ مِنْ مَسِيرَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، فَإِنَّ الْجُعْلَ عَلَى الرَّاهِنِ وَعَلَى الْمُرْتَهِنِ نِصْفَانِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ نِصْفُهُ مَضْمُونٌ بِالدَّيْنِ وَنِصْفُهُ أَمَانَةٌ فَيَكُونُ الْجُعْلُ بَيْنَهُمَا بِالْحِصَصِ وَمِنْهَا مُدَاوَاةُ الْأَمْرَاضِ وَالْجُرُوحِ؛ لِأَنَّهُ يَنْقَسِمُ ذَلِكَ عَلَى الْمَضْمُونِ وَعَلَى الْأَمَانَةِ بِالْحِصَصِ وَمَا أَصَابَ الْمَضْمُونَ فَعَلَى الْمُرْتَهِنِ وَمَا أَصَابَ الْأَمَانَةَ فَعَلَى الرَّاهِنِ، وَلَوْ قَالَ وَهُوَ مَضْمُونٌ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَةِ الْمَضْمُونِ وَمِنْ الدَّيْنِ لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ مَا إذَا كَانَ قِيمَةُ الْمَرْهُونِ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ فِي الْأَصْلِ وَالْبَاطِلُ مِنْ الرَّهْنِ مَا لَا يَكُونُ مُنْعَقِدًا أَصْلًا كَالْبَاطِلِ مِنْ الْبَيْعِ وَالْفَاسِدُ مَا يَكُونُ مُنْعَقِدًا لَكِنْ بِوَصْفِ الْفَسَادِ وَالْمُقَابِلِ بِهِ يَكُونُ مَالًا مَضْمُونًا، وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَمْ يَكُنْ الرَّهْنُ مَالًا، وَلَمْ يَكُنْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 265 الْمُقَابِلُ بِهِ مَضْمُونًا لَا يَنْعَقِدُ الرَّهْنُ أَصْلًا وَهُوَ الْبَاطِلُ وَتَعْتَبِرُ قِيمَةُ الرَّهْنِ يَوْمَ الْقَبْضِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُؤَلِّفُ أَحْكَامَ غَلَبَةِ الْمَاءِ عَلَى الْأَرْضِ الْمَرْهُونَةِ. قَالَ فِي الْمُحِيطِ أَرْضٌ مَرْهُونَةٌ غَلَبَ عَلَيْهَا الْمَاءُ فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْعَبْدِ إذَا أَبَقَ لِأَنَّهَا رُبَّمَا يَنْزِلُ عَنْهَا الْمَاءُ فَتَكُونُ الْأَرْضُ مُنْتَفَعًا بِهَا فَلَا يَسْقُطُ الدَّيْنُ لِاحْتِمَالِ الْعُودِ كَالْآبِقِ، وَلَوْ رَهَنَ عَبْدًا حَلَالَ الدَّمِ أَوْ سَرَقَ عِنْدَ الرَّاهِنِ فَقُطِعَ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ فَذَاكَ مِنْ ضَمَانِ الرَّاهِنِ، وَلَمْ يَذْهَبْ مِنْ الدَّيْنِ شَيْءٌ وَبَقِيَ مُرْتَهَنًا بِجَمِيعِ الدَّيْنِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا السَّرِقَةُ عَيْبٌ وَيُقَوَّمُ سَارِقًا وَحَلَالَ الدَّمِ وَغَيْرَ سَارِقٍ وَغَيْرَ حَلَالِ الدَّمِ فَيَسْقُطُ مِنْ الدَّيْنِ بِمِقْدَارِ قِيمَتِهِ حَلَالَ الدَّمِ وَالْقَطْعِ وَيَكُونُ رَهْنًا بِحِصَّةِ قِيمَتِهِ كَذَلِكَ، وَلَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ حَدُّ الْقَذْفِ أَوْ الزِّنَا عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ أَوْ دَخَلَهُ عَيْبٌ فَيَسْقُطُ مِنْ الدَّيْنِ بِقَدْرِهِ. رَهَنَ ثَوْبًا يُسَاوِي خَمْسَةَ دَرَاهِمَ وَمِثَالَ ذَهَبٍ يُسَاوِي عَشَرَةً بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ فَهَلَكَ الذَّهَبُ وَلَبِسَ الثَّوْبَ حَتَّى انْخَرَقَ ضَمِنَ قِيمَةَ الثَّوْبِ يُحْسَبُ مَا لَهُ مِنْ ذَلِكَ دِرْهَمٌ وَثُلُثَانِ؛ لِأَنَّهُ ذَهَبَ بِإِذْهَابِ الذَّهَبِ ثُلُثَا الدَّيْنِ وَذَلِكَ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ وَثُلُثُ دِرْهَمٍ؛ لِأَنَّ بِإِزَاءِ الذَّهَبِ ثُلُثَيْ الدَّيْنِ وَبِإِزَاءِ الثَّوْبِ ثُلُثَهُ، فَإِذَا ذَهَبَ الذَّهَبُ وَاسْتُهْلِكَ الثَّوْبُ يَذْهَبُ بِإِذْهَابِ الثَّوْبِ ثُلُثُ الدَّيْنِ وَيَضْمَنُ مِثْقَالَ الذَّهَبِ فَيَكُونُ رَهْنًا عِنْدَهُ بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ وَثُلُثٍ، وَذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - حُكْمَ هَلَاكِ الْعَيْنِ الْمَرْهُونَةِ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ وَلَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ نُقْصَانِهَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ إذَا نَقَصَتْ الْعَيْنُ الْمَرْهُونَةُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ إنْ كَانَ النُّقْصَانُ فِي عَيْنِهَا سَقَطَ مِنْ الدَّيْنِ بِقَدْرِهِ اهـ. وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِمَا إذَا كَانَ بِالدَّيْنِ رَهْنًا مِنْ جِهَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ قَالَ قَاضِي خان رَجُلٌ عَلَيْهِ دَيْنٌ لِآخَرَ وَبِهِ كَفِيلٌ فَأَخَذَ الطَّالِبُ مِنْ الْكَفِيلِ رَهْنًا وَمِنْ الْأَصِيلِ رَهْنًا وَأَحَدُهُمَا بَعْدَ الْآخَرِ وَبِكُلِّ وَاحِدٍ وَفَاءً بِالدَّيْنِ فَهَلَكَ أَحَدُ الرَّهْنَيْنِ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ قَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَيُّهُمَا هَلَكَ يَهْلِكُ بِكُلِّ الدَّيْنِ، وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إذَا هَلَكَ الرَّهْنُ الثَّانِي، فَإِنْ كَانَ الرَّاهِنُ عَلِمَ بِالرَّهْنِ الْأَوَّلِ، فَإِنَّ الثَّانِيَ يَهْلِكُ بِنِصْفِ الدَّيْنِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ يَهْلِكُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ، وَذَكَرَ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ أَنَّ الثَّانِيَ يَهْلِكُ بِنِصْفِ الدَّيْنِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْعِلْمَ وَالْجَهْلَ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُطَالَبُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ فَيُجْعَلُ الرَّهْنُ الثَّانِي زِيَادَةً فِي الرَّهْنِ الْأَوَّلِ، فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُمَا سَوَاءً قُسِمَ الدَّيْنُ عَلَيْهِمَا فَالثَّانِي إذَا هَلَكَ يَهْلِكُ بِنِصْفِ الدَّيْنِ وَقَدْ قَالُوا لَوْ شَرَطَ أَنَّهُ إذَا ضَاعَ يَكُونُ مَجَّانًا فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ وَيَهْلِكُ بِالدَّيْنِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِمَا إذَا هَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ بَعْدَ أَنْ أَبْرَأهُ الرَّاهِنُ أَوْ وَهَبَهُ الدَّيْنَ أَوْ أَحَالَهُ بِهِ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ لَوْ أَبْرَأهُ عَنْ الدَّيْنِ أَوْ أَخَالَهُ بِهِ أَوْ وَهَبَهُ لَهُ وَالْعَبْدُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ فَهَلَكَ فِي يَدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمْنَعَهُ عَنْهُ لَا يُضْمَنُ اسْتِحْسَانًا وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَبْرَأهُ الرَّاهِنُ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الدَّيْنِ، ثُمَّ هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ وَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّ مَا قَبَضَ، وَلَوْ تَصَادَقَا عَلَى أَنْ لَا دَيْنَ يَبْقَى مَضْمُونًا، وَلَوْ أَحَالَ الْمُرْتَهِنُ الرَّاهِنَ بِالرَّهْنِ عَلَى إنْسَانٍ عِنْدَهُ الرَّهْنُ، ثُمَّ مَاتَ الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ قَبْلَ أَنْ يَرُدَّهُ فِيهِ وَتَبْطُلَ الْحَوَالَةُ، وَفِي الْمَبْسُوطِ مَسَائِلُهُ عَلَى فُصُولٍ: أَحَدُهَا فِي هَلَاكِ الرَّهْنِ قَبْلَ الْإِبْرَاءِ. وَالثَّانِي فِي هَلَاكِهِ بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ. وَالثَّالِثُ فِي هَلَاكِهِ بَعْدَ فَسْخِ الرَّهْنِ وَإِقَالَتِهِ. وَالرَّابِعُ فِي هَلَاكِهِ بَعْدَ اسْتِعْمَالِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَهَبَ الْمُرْتَهِنُ الدَّيْنَ مِنْ الرَّاهِنِ أَوْ أَبْرَأهُ عَنْهُ فَهَلَكَ الرَّهْنُ عِنْدَهُ مِنْ غَيْرِ مَنْعٍ يَضْمَنُ الْمُرْتَهِنُ) قِيَاسًا وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَلَا يَضْمَنُ اسْتِحْسَانًا، وَلَوْ مَنَعَهُ حَتَّى هَلَكَ ضَمِنَ قِيمَتَهُ اتِّفَاقًا، وَوَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّ الرَّهْنَ صَارَ مَضْمُونًا عَلَى الْمُرْتَهِنِ بِالْقَبْضِ وَالْيَدِ؛ لِأَنَّ بِهِ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا لِلدَّيْنِ وَيَدُهُ عَلَى الرَّهْنِ يَدُ اسْتِيفَاءٍ لِلدَّيْنِ وَيَتَقَرَّرُ ذَلِكَ بِالْهَلَاكِ وَصَارَ كَأَنَّهُ اسْتَوْفَى، ثُمَّ أَبْرَأهُ فَيَبْقَى مَضْمُونًا عَلَيْهِ لِبَقَاءِ الْيَدِ وَالْقَبْضِ فَكَذَا هَذَا وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الضَّمَانَ قَدْ ارْتَفَعَ قَبْلَ تَقَرُّرِ حُكْمِهِ وَوُجُوبِهِ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الرَّهْنِ إنَّمَا يَجِبُ إمَّا بِحَقِيقَةِ الرَّهْنِ أَوْ بِجِهَتِهِ. وَقَدْ ارْتَفَعَ الْعَقْدُ وَالْجِهَةُ بِسُقُوطِ الدَّيْنِ فَانْتَفَى الضَّمَانُ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ قِيَامَ الدَّيْنِ وَدَوَامَهُ بِشَرْطِ بَقَاءِ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ شُرِعَ تَوْثِيقًا وَتَوْكِيدًا لِلدَّيْنِ وَبَعْدَ سُقُوطِهِ لَا يُتَصَوَّرُ تَوْثِيقُهُ وَتَوْكِيدُهُ فَلَا فَائِدَةَ فِي بَقَاءِ الرَّهْنِ فَلَا يَبْقَى فَانْحَلَّ الضَّمَانُ لِارْتِفَاعِ مَنَاطِهِ فَبَقِيَتْ الْعَيْنُ أَمَانَةً فِي يَدِهِ بِخِلَافِ الِاسْتِيفَاءِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ يَتَقَرَّرُ بِالدَّيْنِ وَلَا يَسْقُطُ أَصْلًا وَلِهَذَا صَحَّتْ الْهِبَةُ وَالْإِبْرَاءُ بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ حَتَّى يَلْزَمَهُ رَدُّ مَا اسْتَوْفَاهُ وَلَا تَصِحُّ الْهِبَةُ وَالْإِبْرَاءُ بَعْدَ هِبَةِ الدَّيْنِ وَإِبْرَائِهِ، وَلَوْ أَخَذَتْ الْمَرْأَةُ رَهْنًا بِصَدَاقِهَا، ثُمَّ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَلْ، ثُمَّ هَلَكَ الرَّهْنُ هَلَكَ بِنِصْفِ الصَّدَاقِ؛ لِأَنَّ الصَّدَاقَ قَدْ سَقَطَ فَصَارَ كَالْبَرَاءَةِ عَنْ الدَّيْنِ، وَلَوْ قَبَضَ الْمُرْتَهِنُ حَقَّهُ، ثُمَّ هَلَكَ عِنْدَهُ وَلَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ قَبْضِهِ وَقِيمَتِهِ مِثْلَ الدَّيْنِ رَدَّ مَا قَبَضَ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَمْ يَسْقُطْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 266 لِاسْتِيفَاءِ مِنْ وَجْهٍ فِي حَقِّ بَعْضِ الْأَحْكَامِ، وَإِنْ سَقَطَ فِي حَقِّ الْمُطَالَبَةِ لِمَا بَيَّنَّا فَصَارَ مُسْتَوْفِيًا مَا قَبَضَ بَعْدَهُ اسْتَوْفَاهُ مَرَّةً حُكْمًا بِالْهَلَاكِ فَيَلْزَمُهُ رَدُّ مَا قَبَضَ آخِرًا. وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ طَعَامًا قَرْضًا فَاشْتَرَاهُ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ بِدَرَاهِمَ وَدَفَعَهَا إلَى الْمُرْتَهِنِ، ثُمَّ هَلَكَ الرَّهْنُ فَعَلَى الْمُرْتَهِنِ رَدُّ مِثْلِ ذَلِكَ الطَّعَامِ وَتَبَيَّنَ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْمُرْتَهِنَ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا وَقْتَ الْهَلَاكِ دُونَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ صَارَ مُسْتَوْفِيًا مِنْ وَقْتِ الْقَبْضِ لَمَا جَازَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي ذِمَّةِ الرَّاهِنِ شَيْءٌ قَضَى أَجْنَبِيٌّ دَيْنَ الْمُرْتَهِنِ تَطَوُّعًا، ثُمَّ هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ رُدَّ بِرَدِّ الْمَالِ عَلَى الْمُتَطَوِّعِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى الدَّيْنَ مِنْ الرَّاهِنِ بِالْهَلَاكِ بَعْدَ مَا اسْتَوْفَاهُ مِنْ الْمُتَطَوِّعِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ كَمَا إذَا اسْتَوْفَاهُ مِنْ الْغَرِيمِ، ثُمَّ هَلَكَ الرَّهْنُ تَصَادَقَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ أَنْ لَا دَيْنَ بَعْدَ أَنْ اتَّفَقَا أَنَّهُ أَلْفٌ وَهَلَكَ الرَّهْنُ فَعَلَى الْمُرْتَهِنِ أَنْ يَرُدَّ الْأَلْفَ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ حِينَ هَلَكَ كَانَ مَضْمُونًا بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَتَصَادَقَا أَنْ لَا دَيْنَ قَبْلَ الْهَلَاكِ فَصَارَ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا لِلدَّيْنِ حُكْمًا بِالْهَلَاكِ فَصَارَ كَمَا لَوْ اسْتَوْفَاهُ حَقِيقَةً، وَلَوْ تَصَادَقَا أَنْ لَا دَيْنَ قَبْلَ الْهَلَاكِ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قِيلَ يُمْلَكُ أَمَانَةً؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ حَصَلَ بِدَيْنٍ مَضْمُونٍ يُتَوَهَّمُ وُجُوبُهُ فَصَارَ الرَّهْنُ مَضْمُونًا بِدَيْنٍ مَظْنُونٍ، فَإِذَا زَالَ التَّوَهُّمُ بِالتَّصَادُقِ عَلَى أَنْ لَا دَيْنَ يَزُولُ الضَّمَانُ كَمَا لَوْ زَالَ بِالْإِبْرَاءِ وَالْهِبَةِ. وَقِيلَ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ تَوَهَّمَ وُجُوبَ الدَّيْنِ لَمْ يَزَلْ تَصَادُقُهُمَا عَلَى أَنْ لَا دَيْنَ؛ لِأَنَّ تَصَادُقَهُمَا عَلَى عَدَمِ الدَّيْنِ لَا يَمْنَعُهُمَا عَنْ التَّصَادُقِ عَلَى الْوُجُوبِ بَعْدَ ذَلِكَ لِجَوَازِ أَنْ يَتَذَكَّرَا بَعْدَ مَا تَصَادَقَا أَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ، وَإِنْ بَقِيَ تَوَهُّمُ الْوُجُوبِ بَقِيَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَا بِهِ يُثْبِتُ الضَّمَانَ وَهُوَ تَوَهُّمُ الِاقْتِرَاضِ مِنْهُ فِي الثَّانِي بِامْتِنَاعِهِ الِاقْتِرَاضَ لَمْ يَزَلْ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ أَقْرَضَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَيَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَخَذَ عَبْدًا عَلَى أَنْ يُقْرِضَهُ أَلْفًا، ثُمَّ هَلَكَ الْعَبْدُ، فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ أَلْفٍ ضَمِنَ قِيمَتَهُ؛ لِأَنَّهُ بِجِهَةٍ الرَّهْنِ مَقْبُوضٌ فَصَارَ كَالْمَقْبُوضِ بِحَقِيقَةٍ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ عَلَى جِهَةِ الشَّيْءِ كَالْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ، وَلَوْ أَسْلَمَ فِي طَعَامٍ وَأَخَذَ بِهِ رَهْنًا، ثُمَّ تَفَاسَخَا الْعَقْدَ كَانَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَ الرَّهْنَ حَتَّى يَقْبِضَ بِرَأْسِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ رَأْسَ الْمَالِ يَدُلُّ عَلَى الْمُسْلَمِ فِيهِ فَظَهَرَ أَنَّ الرَّهْنَ فِي حَقِّ الْبَدَلِ، فَإِنْ هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِهِ هَلَكَ بِالطَّعَامِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مَضْمُونًا بِالطَّعَامِ وَبِالْفَسْخِ لَمْ يَسْقُطْ الطَّعَامُ أَصْلًا مَا لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ رَأْسُ الْمَالِ فَبَقِيَ مَضْمُونًا بِهِ كَمَا كَانَ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَبْرَأَهُ عَنْ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ سَقَطَ الضَّمَانُ أَصْلًا لِسُقُوطِ الدَّيْنِ أَصْلًا، وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا، ثُمَّ تَقَابَضَا، ثُمَّ تَفَاسَخَا كَانَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَحْبِسَ الْمَبِيعَ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ الْفَسْخِ نَزَلَ مَنْزِلَةَ الْبَائِعِ. وَكَذَلِكَ لَوْ أَسْلَمَ الْمَبِيعَ وَأَخَذَ بِالثَّمَنِ رَهْنًا، ثُمَّ تَقَايَلَا كَانَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَ الرَّهْنَ حَتَّى يَقْبِضَ الْمَبِيعَ، فَإِنْ هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِهِ هَلَكَ بِالثَّمَنِ عَلَى مَا بَيَّنَّا أَسْلَمَ خَمْسَمِائَةٍ فِي طَعَامٍ فَرَهَنَ بِهِ عَبْدًا يُسَاوِي الطَّعَامَ وَقَبَضَهُ، ثُمَّ صَالِحَ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَقْبِضَ الرَّاهِنُ الْعَبْدَ وَرَأْسُ الْمَالِ دَيْنٌ عَلَيْهِ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يُجْعَلُ رَهْنًا بِدَيْنِهِ وَيَكُونُ مَضْمُونًا، وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّ رَأْسَ الْمَالِ غَيْرُ الْمُسْلَمِ فِيهِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِبَدَلٍ عَنْ الطَّعَامِ؛ لِأَنَّ الطَّعَامَ وَجَبَ بِالْعَقْدِ وَرَأْسُ الْمَالِ وَجَبَ بِالْإِقَالَةِ وَهُمَا ضِدَّانِ فَمَا وَجَبَ بِأَحَدِهِمَا لَا يُعْتَبَرُ بَدَلًا عَنْ الْآخَرِ فَالرَّهْنُ بِالطَّعَامِ لَا يَكُونُ رَهْنًا، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ رَأْسُ الْمَالِ بَدَلٌ عَنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ قَائِمٌ مَقَامَهُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ بَدَلًا لَهُ فِي الْعَقْدِ وَبِالْإِقَالَةِ وَالصُّلْحِ لِمَا سَقَطَ حَقُّهُ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ عَادَ حَقُّهُ إلَى بَدَلِهِ؛ لِأَنَّهُ، وَإِنْ كَانَ دَيْنًا حَادِثًا لَكِنْ لَمَّا قَامَ مَقَامَ الْمُسْلِمِ إثْبَاتًا وَإِسْقَاطًا فَالرَّهْنُ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ يَكُونُ رَهْنًا بِمَا قَامَ مَقَامَهُ كَالرَّهْنِ بِالْمَغْصُوبِ رَهْنٌ بِقِيمَتِهِ؛ لِأَنَّهَا قَائِمَةٌ مَقَامَهُ، فَإِذَا اسْتَوْفَى فِي رَأْسِ الْمَالِ، ثُمَّ هَلَكَ عِنْدَهُ الْعَبْدُ مِنْ غَيْرِ صُنْعٍ يُعْطِيهِ الْمُرْتَهِنُ مِثْلَ الطَّعَامِ الَّذِي كَانَ لَهُ عَلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَيَأْخُذُ مِنْهُ رَأْسَ الْمَالِ أَقْرَضَ رَجُلًا كُرَّ حِنْطَةٍ وَارْتَهَنَ مِنْهُ ثَوْبًا قِيمَتَهُ أَوْ صَالَحَهُ مَنْ عَلَيْهِ الْحِنْطَةُ عَلَى كُرِّ شَعِيرٍ بِعَيْنِهِ وَيَصِيرُ الثَّوْبُ رَهْنًا بِالشَّعِيرِ، فَإِذَا هَلَكَ يَهْلِكُ مَضْمُونًا بِالْحِنْطَةِ؛ لِأَنَّهُ بَرِئَ عَنْ الْحِنْطَةِ فَصَارَ كَمَا لَوْ بَرِئَ بِالْإِيفَاءِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ رَهْنًا وَلَا يَكُونُ مَضْمُونًا كَزَوَائِدِ الرَّهْنِ يَكُونُ مَحْبُوسًا وَلَا يَكُونُ مَضْمُونًا وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ اسْتِيفَاءٌ حُكْمِيٍّ وَالِاسْتِيفَاءُ الْحُكْمِيُّ لَا يَرْبُو عَلَى الِاسْتِيفَاءِ الْحَقِيقِيِّ. وَلَوْ اسْتَوْفَى الْمُسْلَمَ فِيهِ حَقِيقَةً، ثُمَّ تَقَايَلَا السَّلَمَ صَحَّتْ الْإِقَالَةُ وَيَرُدُّ عَلَيْهِ طَعَامًا مِثْلَهُ وَيَأْخُذُ رَأْسَ مَالِهِ فَكَذَا إذَا اصْطَلَحَا بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ الْحُكْمِيِّ وَفِي مَسْأَلَةِ الْقَرْضِ لَوْ صَالَحَهُ عَلَى الشَّعِيرِ بَعْدَ مَا اسْتَوْفَى الْحِنْطَةَ حَقِيقَةً لَمْ يَجُزْ الصُّلْحُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ صَالَحَهُ عَلَى دَيْنٍ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ ذَلِكَ الدَّيْنُ لَا يَصِحُّ أَصْلًا فَكَذَا إذَا اصْطَلَحَا بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ الْحُكْمِيِّ، وَلَوْ وَهَبَ لَهُ رَأْسَ الْمَالِ بَعْدَ الصُّلْحِ، ثُمَّ هَلَكَ الْعَبْدُ عَلَيْهِ طَعَامُ مِثْلِهِ؛ لِأَنَّ الْإِقَالَةَ لَمْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 267 تَبْطُلْ بِهِبَةِ رَأْسِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْإِقَالَةَ فِي السَّلَمِ لَا تَقْبَلُ الْبُطْلَانَ فَفِي الرَّهْنِ مَضْمُونًا فِي السَّلَمِ فِيهِ، وَذَكَرَ مَسْأَلَتَهُ فِي الصَّرْفِ الثَّانِيَةِ اشْتَرَى أَلْفَ دِرْهَمٍ بِمِائَةِ دِينَارٍ وَقَبَضَ الْأَلْفَ فَقَبَضَ بِالْمِائَةِ الدِّينَارَ رَهْنًا يُسَاوِيهَا، ثُمَّ تَفَرَّقَا فَسَدَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ الِافْتِرَاقَ قَبْلَ قَبْضِ الدَّنَانِيرِ فَصَارَتْ الدَّرَاهِمُ مَقْبُوضَةً فِي يَدِ مُشْتَرِيهَا بِحُكْمِ صَرْفٍ فَاسِدٍ، وَلَيْسَ لَهُ أَخْذُ الرَّهْنِ حَتَّى يَرُدَّ الْأَلْفَ، فَإِنْ هَلَكَ الرَّهْنُ عِنْدَهُ رَجَعَ صَاحِبُهُ عَلَيْهِ بِمِائَةِ دِينَارٍ وَالْمُرْتَهِنُ بِالْأَلْفِ؛ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ بَدَلٌ عَنْ الدَّنَانِيرِ وَالرَّهْنُ بِالشَّيْءِ يَكُونُ رَهْنًا بِهِ وَبِبَدَلِهِ فَيَكُونُ مَحْبُوسًا بِالدَّنَانِيرِ مَضْمُونًا بِالدَّرَاهِمِ. فَإِذَا هَلَكَ الرَّهْنُ صَارَ مُسْتَوْفِيًا لِلدَّنَانِيرِ بِحُكْمِ صَرْفٍ فَاسِدٍ فَكَانَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ رَدُّ الدَّنَانِيرِ وَعَلَى الرَّاهِنِ رَدُّ الدَّرَاهِمِ، فَإِنْ لَمْ يَفْتَرِقَا حَتَّى ضَاعَ الرَّهْنُ فَهُوَ بِالْمِائَةِ الدِّينَارِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَوْفِيًا لِلدَّنَانِيرِ فِي الْمَجْلِسِ حُكْمًا بِهَلَاكِ الرَّهْنِ فَيَصِيرُ كَمَا لَوْ اسْتَوْفَى حَقِيقَةً فَكَانَ الصَّرْفُ جَائِزًا، وَلَوْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ فَأَنْكَرَهُ فَصَالَحَهُ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ فَأَعْطَاهُ بِهِ رَهْنًا وَهَلَكَ الرَّهْنُ، ثُمَّ اتَّفَقَا عَلَى أَنْ لَا دَيْنَ يُجْبِرُهُ عَلَى قَضَاءِ خَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ لِلْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَخَذَ الرَّهْنَ بِدَيْنٍ ثَابِتٍ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ بِدَلِيلِ أَنَّ الْقَاضِيَ بَعْدَ الصُّلْحِ قَبِلَ التَّصَادُقَ أَنْ لَا دَيْنَ يُجْبِرُهُ عَلَى قَضَاءِ خَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَالرَّهْنُ بِدَيْنٍ ثَابِتٍ ظَاهِرًا مَضْمُونٌ عَلَى الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ الْمَقْبُوضَ بِجِهَةِ الْقَرْضِ مَضْمُونٌ مَعَ أَنَّ الدَّيْنَ غَيْرُ ثَابِتٍ فَالرَّهْنُ بِدَيْنٍ ثَابِتٍ ظَاهِرًا أَوْ لَا يَكُونُ مَضْمُونًا؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ يُمْلَكُ فِي حَقِّ مِلْكِ الْيَدِ وَالْحَبْسِ بِإِزَاءِ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ وَالرَّاهِنُ لَمْ يَرْضَ بِقَلِيلِهِ مَجَّانًا بَلْ رَهَنَ بِشَرْطِ الْعِوَضِ وَهُوَ سُقُوطُ الدَّيْنِ بِإِزَائِهِ، وَلَوْ كَانَتْ الدَّعْوَى فِي وَدِيعَةٍ، فَقَالَ الْمُودِعُ رَدَدْتهَا، ثُمَّ اصْطَلَحَا عَلَى خَمْسِمِائَةٍ وَأَخَذَ بِهَا رَهْنًا فَهَلَكَ ثُمَّ تَصَادَقَا أَنَّهُ رَدَّهَا فَالرَّهْنُ غَيْرُ مَضْمُونٍ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَهِيَ كَالْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا، وَلَوْ ادَّعَى صَاحِبُ الْوَدِيعَةِ اسْتِهْلَاكًا، وَلَمْ يَدْعُ الْمُودِعُ شَيْئًا حَتَّى صَالَحَهُ، ثُمَّ رَهَنَهُ فَهَلَكَ الرَّهْنُ ثُمَّ اتَّفَقَا عَلَى الْهَلَاكِ هَلَكَ الرَّهْنُ مَضْمُونًا بِلَا خِلَافٍ، وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - رُجُوعَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ هَذَا الْقَوْلِ إلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ هَذَا الصُّلْحَ لَا يَجُوزُ فِي قَوْلِهِ أَوَّلًا، وَفِي قَوْلِهِ الْآخَرِ يَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَجْهُ قَوْلِهِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْبَرَاءَةَ عَنْ الضَّمَانِ تَثْبُتُ بِقَوْلِ الْمُودِعِ كَانَ الصُّلْحُ بَاطِلًا، وَوَجْهُ قَوْلِهِ الْآخَرِ مَذْكُورٌ فِيهِ. وَقَوْلُهُ مَضْمُونٌ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ قِيلَ ذِكْرُ مَضْمُونٍ لِلتَّأْكِيدِ، وَقِيلَ احْتِرَازٌ عَنْ دَيْنٍ يَجِبُ كَالرَّهْنِ بِالدَّرَكِ وَهُوَ ضَمَانُ الدَّرَكِ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِ الْمَبِيعِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُؤَلِّفُ لِمَسْأَلَةِ الْقُلْبِ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ رَهَنَ قُلْبَ فِضَّةٍ عَلَى أَنْ يَقْرِضَهُ دِرْهَمًا فَهَلَكَ قَبْلَ أَنْ يَقْرِضَهُ يُعْطِيهِ دِرْهَمًا؛ لِأَنَّهُ مَقْبُوضٌ عَلَى وَجِهَةِ الرَّهْنِ وَالْمَقْبُوضُ بِجِهَةِ الرَّهْنِ كَالْمَقْبُوضِ عَلَى حَقِيقَةِ الرَّهْنِ كَالْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ قَالَ عَلَى أَنْ أَقْرِضَهُ شَيْئًا وَلَمْ يُسَمِّ شَيْئًا فَهَلَكَ يُعْطِيهِ مَا شَاءَ؛ لِأَنَّهُ بِالْهَلَاكِ صَارَ مُسْتَوْفِيًا شَيْئًا فَصَارَ كَأَنَّهُ عِنْدَ الْهَلَاكِ قَالَ وَجَبَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ شَيْءٌ، وَلَوْ قَالَ أَمْسِكْهُ رَهْنًا بِنَفَقَةٍ تُعْطِيهَا إيَّاهُ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا مَالًا مَجْهُولًا بِالْهَلَاكِ، وَلَوْ قَالَ أَمْسِكْهُ رَهْنًا بِدَرَاهِمَ يَلْزَمُهُ ثَلَاثَةٌ؛ لِأَنَّ أَقَلَّ الْجَمْعِ ثَلَاثَةٌ كَمَا لَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ دَرَاهِمُ، وَفِي الْمُنْتَقَى، وَلَوْ رَهَنَهُ رَهْنًا عَلَى أَنْ يَقْرِضَهُ، وَلَمْ يُسَمِّ الْقَرْضَ قَالَ يُعْطِيهِ الْمُرْتَهِنُ مَا شَاءَ، فَإِنْ قَالَ أُعْطِيَك فَلَمَّا قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا أَسْتَحْسِنُ أَقَلَّ مِنْ دِرْهَمٍ؛ لِأَنَّهُ مَقْبُوضٌ عَلَى سَوْمِ الرَّهْنِ وَلَا تَسْمِيَةَ فِي الْقَرْضِ فَلَا يُمْكِنُ اعْتِبَارَ قِيمَتِهِ إذْ لَا تَقْدِيرَ فِي الْقَرْضِ فَيُعْطِيهِ مَا شَاءَ؛ لِأَنَّ الْإِبْهَامَ جَاءَ مِنْ قِبَلِهِ وَلَا يُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ دِرْهَمٍ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ لَمْ تَجْرِ فِي اقْتِرَاضِ أَقَلَّ مِنْ دِرْهَمٍ. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي عُيُونِ مَسَائِلَ لِأَبِي اللَّيْثِ أَيْضًا، وَذَكَرَ الْمُعَلَّى عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لَوْ قَالَ رَجُلٌ أَقْرِضْنِي وَخُذْ هَذَا الرَّهْنَ، وَلَمْ يُسَمِّ الْقَرْضَ فَأَخَذَ الرَّهْنَ فَضَاعَ وَلَمْ يَقْرِضْهُ قَالَ عَلَيْهِ قِيمَةُ الرَّهْنِ، وَلَوْ رَهَنَ ثَوْبًا، فَقَالَ أَمْسِكْهُ بِعِشْرِينَ دِرْهَمًا فَهَلَكَ الثَّوْبُ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ قَبْلَ أَنْ يُعْطِيَهُ شَيْئًا فَعَلَيْهِ قِيمَةُ الثَّوْبِ إلَّا إنْ تَجَاوَزَ قِيمَتُهُ عِشْرِينَ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ مَضْمُونٌ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ رَهْنُ دَابَّتَيْنِ عَلَى أَنْ يُقْرِضَهُ مِائَةً وَقِيمَةُ أَحَدِهِمَا خَمْسُونَ وَالْأُخْرَى ثَلَاثُونَ فَقَبَضَ وَقَبَضَ الَّتِي قِيمَتُهَا خَمْسُونَ فَهَلَكَتْ يَرُدُّ خَمْسِينَ؛ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ لَا بِالْمُسَمَّى كَالْمَقْبُوضِ بِجِهَةِ الْبَيْعِ، فَإِنْ بَدَا لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْأُخْرَى وَيَقْرِضَهُ لَهُ ذَلِكَ وَلَا يُجْبَرُ عَلَى الْقَرْضِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ لَازِمٌ فِي جَانِبِ الرَّاهِنِ فَمَا شُرِطَ عَلَى الرَّاهِنِ فِي الرَّهْنِ يَكُونُ لَازِمًا، وَفِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ غَيْرُ لَازِمٍ فَمَا شَرَطَهُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ لَا يَكُونُ لَازِمًا وَالْقَرْضُ مَشْرُوطٌ عَلَى الْمُرْتَهِنِ فَيَكُونُ لَازِمًا فِي حَقِّهِ، وَلَوْ هَلَكَتْ إحْدَاهُمَا عِنْدَ الرَّاهِنِ وَاخْتَلَفَا فِي قِيمَةِ الَّتِي هَلَكَتْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 268 عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ فَالْقَوْلُ لِلْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ يَدَّعِي عَلَى الْمُرْتَهِنِ زِيَادَةَ ضَمَانٍ وَهُوَ يُنْكِرُ، فَإِنْ بَقِيَتْ إحْدَاهُمَا يَنْظُرُ إلَى قِيمَةِ الْبَاقِي فَتَظْهَرُ قِيمَةُ الْهَالِكِ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَى اخْتِلَافِهِمَا؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ مَعْرِفَةُ مَا وَقَعَ التَّنَازُعُ فِيهِ لَا مِنْ جِهَتِهِمَا ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى رَجُلٌ رَهَنَ رَجُلًا ثَوْبًا، فَقَالَ لَهُ إنْ لَمْ أُعْطِك كَذَا وَكَذَا فَهُوَ بَيْعٌ لَك بِمَا لَك عَلَيَّ قَالَ لَا يَجُوزُ. وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يُعَلَّقُ الرَّهْنَ» هُوَ هَذَا، وَلَوْ رَهَنَ الْغَاصِبُ بِالْمَغْصُوبِ رَهْنًا وَالْمَغْصُوبُ قَائِمٌ فِي يَدِهِ وَهُوَ مُقِرٌّ بِهِ ثُمَّ رَدَّهُ عَلَى الْمَغْصُوبِ مِنْهُ وَهَلَكَ الرَّهْنُ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ فَالْمَغْصُوبُ مِنْهُ ضَامِنٌ مِنْ قِيمَةِ الْمَغْصُوبِ وَقِيمَةِ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ عَلَى جِهَةِ الضَّمَانِ، وَلَيْسَ يَكُونُ الْمَغْصُوبُ دَيْنًا يَدْفَعُ بِهِ رَهْنًا وَلَكِنَّهُ لَمَّا رَهَنَهُ صَارَ رَهْنًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَحِيحًا، وَلَوْ اخْتَلَفَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ فِي قِيمَةِ الرَّهْنِ بَعْدَ هَلَاكِهِ فَالْقَوْلُ لِلْمُرْتَهِنِ وَالْبَيِّنَةُ لِلرَّاهِنِ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ يَدَّعِي عَلَيْهِ زِيَادَةً وَهُوَ يُنْكِرُ فَكَانَتْ بَيِّنَتُهُ أَكْثَرَ إثْبَاتًا ادَّعَى عَبْدًا فِي يَدِ غَيْرِهِ أَنَّهُ عَبْدُهُ رَهَنَهُ مِنْ فُلَانٍ وَقَبَضَهُ فُلَانٌ وَذُو الْيَدِ يَقُولُ هُوَ عَبْدٌ لِي يُقْضَى لِلْمُدَّعِي؛ لِأَنَّ ذَا الْيَدِ انْتَصَبَ خَصْمًا لِلْمُدَّعِي؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى الْمِلْكَ لِنَفْسِهِ وَيُوضَعُ عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ حَتَّى يَحْضُرَ الْغَائِبُ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَقَرَّ بِالْمِلْكِ لِلْغَائِبِ فَقَدْ أَقَرَّ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حَقُّ الْإِمْسَاكِ؛ لِأَنَّهُ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ مُمْسِكًا لِمِلْكِ الْغَيْرِ بِحُكْمِ النِّيَابَةِ، وَلَوْ ادَّعَى الْمُرْتَهِنُ هَذَا وَالرَّهْنُ غَائِبٌ يُدْفَعُ إلَيْهِ إذَا قَالَ غَصَبَهُ ذُو الْيَدِ وَأَخَذْتهَا مِنِّي بِعَارِيَّةٍ أَوْ إجَارَةٍ؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى فِعْلًا عَلَى ذِي الْيَدِ وَأَنْكَرَ ذُو الْيَدِ فَيُنْصَبُ خَصْمًا لَهُ. فَلَوْ لَمْ يَدَّعِ عَلَى ذِي الْيَدِ الْأَخْذَ مِنْ يَدِهِ لَا يُدْفَعُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُثْبِتْ الْأَخْذَ مِنْ يَدِهِ كَمَا لَوْ ادَّعَى عَيْنًا فِي يَدِ إنْسَانٍ أَنَّهَا مِلْكُهُ اغْتَصَبَهَا مِنْهُ وَأَقَامَ ذُو الْيَدِ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّهَا وَدِيعَةٌ عِنْدَهُ لِفُلَانٍ تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْمُدَّعِي؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى فِعْلًا عَلَيْهِ فَانْتَصَبَ خَصْمًا لَهُ، فَإِنْ لَمْ يَدَّعِ الْأَخْذَ مِنْ يَدِهِ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ وَلَا يَنْتَصِبُ خَصْمًا فَكَذَا هَذَا أَقَرَّ الْمُرْتَهِنُ أَنَّ فِي يَدِهِ رَهْنًا قِيمَتُهُ أَلْفٌ، ثُمَّ جَاءَ بِمَا يُسَاوِي مِائَةً، فَقَالَ لَمْ أَرْهَنْك هَذَا فَالْقَوْلُ لَهُ إذَا تَرَاجَعَ سِعْرُ مَا يُسَاوِي أَلْفًا إلَى مِائَةٍ فَالْقَوْلُ لِلْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّهُ إذَا عَرَفَ تَغْيِيرَ السِّعْرِ الظَّاهِرِ شَاهَدَ لِلْمُرْتَهِنِ، وَلَوْ قَالَ رَهَنْتُك وَهُوَ مُسْلِمٌ، وَقَالَ الْمُرْتَهِنُ وَهُوَ كَافِرٌ فَالْقَوْلُ لِلْمُرْتَهِنِ وَالْبَيِّنَةُ لِلرَّاهِنِ، وَكَذَلِكَ الْقِصَاصُ وَالسَّرِقَةُ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ يَدَّعِي عَلَيْهِ الْإِيفَاءَ أَوْ زِيَادَةَ الْإِيفَاءِ وَهُوَ يُنْكِرُ فَيَكُونُ الْقَوْلُ لَهُ قَالَ الْمُرْتَهِنُ أَخَذْت الْمَالَ وَرَدَدْت الرَّهْنَ وَأَنْكَرَ الرَّاهِنُ الرَّدَّ فَالْبَيِّنَةُ لِلرَّاهِنِ؛ لِأَنَّ بَيِّنَةَ الرَّهْنِ تُثْبِتُ الضَّمَانَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الرَّهْنِ وَالِاسْتِيفَاءِ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا بِالْقَبْضِ السَّابِقِ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الرَّهْنِ قَبْلَ الْهَلَاكِ كَانَ اسْتِيفَاءً فِي حَقِّ الْحَبْسِ لَا فِي حَقِّ مِلْكِ الْغَيْرِ وَبِالْهَلَاكِ يَصِيرُ قَبْضُ الِاسْتِيفَاءِ فِي حَقِّ مِلْكِ الْغَيْرِ فَلَمْ يَكُنْ ضَمَانُ الِاسْتِيفَاءِ ثَابِتًا قَبْلَ الْهَلَاكِ فَكَانَتْ بَيِّنَتُهُ مُثْبِتَةُ الضَّمَانِ وَبَيِّنَةُ الرَّاهِنِ نَافِيَةً فَكَانَتْ الْمُثْبِتَةُ أَوْلَى بِخِلَافِ مَا لَوْ أَقَامَ الْغَاصِبُ الْبَيِّنَةَ عَلَى رَدِّ الْمَغْصُوبِ وَأَقَامَ الْمَالِكُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْهَلَاكِ. فَبَيِّنَةُ الْغَاصِبِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الرَّدِّ كَانَ وَاجِبًا بِالْغَصْبِ السَّابِقِ؛ لِأَنَّهُ أَوْجَبَ رَدَّ الْعَيْنِ حَالَ قِيَامِهَا وَرَدَّ الْقِيمَةِ حَالَ هَلَاكِهَا فَبَيِّنَةُ الْغَاصِبِ مُثْبِتَةٌ الْبَرَاءَةَ عَنْ الضَّمَانِ وَبَيِّنَةُ الْمَالِكِ نَافِيَةٌ لِلْبَرَاءَةِ فَكَانَتْ الْمُثْبِتَةُ أَوْلَى دَفَعَ إلَى آخَرَ قُلْبًا لِيَرْهَنَهُ لَهُ عِنْدَ رَجُلٍ بِعَشَرَةٍ وَوَزْنُ الْقُلُبِ عِشْرُونَ فَأَمْسَكَهُ فَأَعْطَاهُ عَشَرَةً مِنْ عِنْدِهِ، وَقَالَ رَهَنْته وَلَمْ يَقُلْ رَهَنْته عِنْدَ آخَرَ فَهَلَكَ الْقُلْبُ، فَإِنْ تَصَادَقَا يَرْجِعُ بِالْعَشَرَةِ وَكَانَ أَمِينًا فِي الْقُلْبِ، وَإِنْ تَجَاحَدَا، فَقَالَ أَقْرَرْت بِأَنَّك رَهَنْته قُلْت فَلَا شَيْءَ لَهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ أَمْسَكَهُ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ أَقَرَّ أَوَّلًا أَنَّهُ رَهَنَهُ، فَإِذَا قَالَ لَمْ أَرْهَنْ فَكَأَنَّهُ قَالَ كَذَبْت فِيمَا أَقْرَرْت بِهِ فَأَنْكَرَ الْمُقَرِّ لَهُ فَيَكُونُ الْقَوْلُ لِلْمَقَرِّ لَهُ كَمَا فِي سَائِرِ الْأَقَارِيرِ فَلَا يَرْجِعُ بِالْعَشَرَةِ؛ لِأَنَّهُ يُثْبِتُ الرَّهْنَ، وَقَدْ هَلَكَ فَصَارَ الْأَمْرُ مُوفِيًا الْعَشَرَةِ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ وَإِنَّمَا يُسْتَحْلَفُ؛ لِأَنَّ الْمُقِرَّ ادَّعَى مَا يَحْتَمِلُهُ إقْرَارُهُ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ لَمْ يَرْهَنْ غَيْرَهُ وَرَهْنُهُ مِنْ نَفْسِهِ فَلَمْ يَصِرْ مُنَاقِضًا إلَّا أَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ، فَإِذَا طُلِبَ يَمِينُ الْمُقَرِّ لَهُ يَسْتَحْلِفُ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِالْبَيْعِ ثُمَّ قَالَ كَانَ تَلْجِئَةً أَوْ كَانَ فِيهِ خِيَارُ شَرْطٍ. فَإِنْ قَالَ الْأَمْرُ لِلْوَكِيلِ أَقْرَرْت أَنَّك رَهَنْته، ثُمَّ أَقْرَرْت أَنَّك لَمْ تَرْهَنْهُ فَنَاقَضَتْ فَأَنْتَ ضَامِنٌ فَلَهُ أَنْ يُضَمِّنْهُ قِيمَةَ الْقُلْبِ مِنْ الذَّهَبِ وَيَضْمَنُ لَهُ الْعَشَرَةَ طَعَنَ عِيسَى، وَقَالَ الْأَوْجَهُ ضَمَانِ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُمَا لَوْ تَصَادَقَا أَنَّهُ لَمْ يَرْهَنْهُ لَا يَضْمَنُ فَكَذَلِكَ إذَا تَصَادَقَا أَنَّهُ رَهَنَهُ، فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ بِالْإِرْهَانِ وَلَا يَتْرُكُهُ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ يَضْمَنُ بِجُحُودِ الْأَمَانَةِ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ جُحُودُهُ بِالْإِقْرَارَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ رَهَنْته فَقَدْ أَقَرَّ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ لَا يَتِمُّ إلَّا بِالتَّسْلِيمِ فَلَمَّا قَالَ لَمْ أَرْهَنْهُ صَارَ قَائِلًا أَنَّهُ كَانَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 269 عِنْدِي وَفِي يَدِي، وَهَذَا هُوَ مَعْنَى الْجُحُودِ وَمَنْ جَحَدَ أَمَانَةً فِي يَده ضَمِنَهَا وَصَارَ كَالْمُودِعِ إذَا قَالَ لَيْسَ عِنْدِي، ثُمَّ قَالَ كَانَ عِنْدِي ضَمِنَ فَكَذَا هَذَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَهُ أَنْ يُطَالِبَ الرَّاهِنَ بِدَيْنِهِ وَيَحْبِسُهُ بِهِ) أَيْ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُطَالِبَ الرَّاهِنَ بِدَيْنِهِ وَبِحَبْسِهِ بِهِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الرَّهْنِ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ بَاقٍ، وَالرَّهْنُ لِزِيَادَةِ الصِّيَانَةِ فَلَا تَمْتَنِعُ الْمُطَالَبَةُ، وَكَذَا لَا يَمْتَنِعُ الْحَبْسُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ جَزَاءُ الظُّلْمِ وَهُوَ الْمُمَاطَلَةُ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي الْقَضَاءِ مُفَصَّلًا، وَقَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَلِلْمُرْتَهِنِ مُطَالَبَةُ الرَّاهِنِ بِدَيْنِهِ إذَا كَانَ مَالًا وَلَا يَمْنَعُهُ الِارْتِهَانُ بِهِ مِنْ ذَلِكَ وَلَا كَوْنُ الرَّهْنِ فِي يَدِهِ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ مُؤَجَّلًا وَحَلَّ، فَإِنَّهُ لَا يُمْنَعُ حَبْسُهُ كَذَا فِي الْعَيْنِيِّ عَلَى الْهِدَايَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُؤْمَرُ الْمُرْتَهِنُ بِإِحْضَارِ رَهْنِهِ وَالرَّاهِنُ بِأَدَاءِ دَيْنِهِ أَوَّلًا) أَيْ إذَا طَلَبَ الْمُرْتَهِنُ دَيْنَهُ يُؤْمَرُ بِإِحْضَارِ الرَّهْنِ أَوَّلًا لِيَعْلَمَ أَنَّهُ بَاقٍ وَلِأَنَّهُ قَبَضَ الرَّهْنَ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقْبِضَ مَالَهُ مَعَ قِيَامِ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى تَكْرَارِ الِاسْتِيفَاءِ عَلَى اعْتِبَارِ الْهَلَاكِ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ وَهُوَ يُحْتَمَلُ. وَلَوْ قَالَ بِإِحْضَارِ رَهْنِهِ لَوْ فِي يَدِهِ لَكَانَ أَوْلَى لِيَخْرُجَ مَا إذَا كَانَ فِي يَدِ عَدْلٍ، فَإِنَّهُ لَا يُؤْمَرُ بِإِحْضَارِهِ كَمَا سَنُبَيِّنُ وَإِذَا أَحْضَرَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ أُمِرَ الرَّاهِنُ بِتَسْلِيمِ الدَّيْنِ أَوَّلًا وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَالرَّاهِنُ بِأَدَاءِ دَيْنِهِ أَوَّلًا لِيَتَعَيَّنَ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ فِي الدَّيْنِ كَمَا تَعَيَّنَ حَقُّ الرَّاهِنِ فِي حَقِّ الرَّهْنِ تَحْقِيقًا لِلتَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا كَمَا فِي تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ يَحْضُرُ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ، ثُمَّ يُسَلِّمُ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ الْأَوَّلَ لِمَا ذَكَرْنَا، وَإِنْ طَالَبَهُ بِالدَّيْنِ فِي غَيْرِ الْبَلَدِ الَّذِي وَقَعَ الْعَقْدُ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ الرَّهْنُ لَا حِمْلَ لَهُ وَلَا مُؤْنَةَ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ؛ لِأَنَّ الْأَمَاكِنَ كُلَّهَا فِي حَقِّهِ كَبُقْعَةٍ وَاحِدَةٍ فِي حَقِّ التَّسْلِيمِ وَلِهَذَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ بَيَانُ مَكَانِ الْإِيفَاءِ فِيهِ فِي بَابِ السَّلَمِ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ حِمْلٌ وَمُؤْنَةٌ فَيَسْتَوْفِي دَيْنَهُ وَلَا يُكَلَّفُ إحْضَارَ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ التَّسْلِيمُ بِالتَّخْلِيَةِ دُونَ النَّقْلِ؛ لِأَنَّهُ يَتَضَرَّرُ بِهِ زِيَادَةَ ضَرَرٍ لَمْ تَلْزَمْهُ فِي الْعَقْدِ، وَلَوْ بَاعَ الرَّهْنَ لَا يُكَلِّفُ الْمُشْتَرِي إحْضَارَ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ بَيْعَهُ بِأَمْرِ الرَّاهِنِ الصَّحِيحِ وَصَارَ الرَّهْنُ دَيْنًا فَصَارَ كَأَنَّهُ رَهَنَهُ الرَّاهِنُ وَهُوَ دَيْنٌ، وَلَوْ قَبَضَ الثَّمَنَ يُكَلَّفُ إحْضَارُهُ لِقِيَامِ الْبَدَلِ مَقَامَ الْمُبْدَلِ وَاَلَّذِي يَقْبِضُ الثَّمَنَ هُوَ الْبَائِعُ مُرْتَهِنًا كَانَ أَوْ عَدْلًا؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْعَاقِدُ وَحُقُوقُ الْعَقْدِ تَرْجِعُ إلَيْهِ وَلَا يُكَلَّفُ إحْضَارَ الرَّهْنِ بِاسْتِيفَاءِ كُلِّ الدَّيْنِ يُكَلَّفُ بِاسْتِيفَاءِ نَجْمٍ قَدْ حَلَّ إذَا ادَّعَى الرَّاهِنُ هَلَاكَهُ لِاحْتِمَالِ الْهَلَاكِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَدَّعِ الرَّاهِنُ هَلَاكَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي إحْضَارِهِ مَعَ إقْرَارِهِ. وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَتَلَ رَجُلٌ خَطَأً الْعَبْدَ الرَّهْنَ حَتَّى قَضَى بِالْقِيمَةِ عَلَى عَاقِلَتِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ حَيْثُ لَا يُجْبَرُ الرَّاهِنُ وَفِيمَا تَقَدَّمَ صَارَ دَيْنًا بِفِعْلِهِ وَلَا بُدَّ مِنْ إحْضَارِ جَمِيعِ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَ الْعَيْنِ لِكَوْنِهَا بَدَلًا عَنْهَا، وَلَوْ وَضَعَ الرَّهْن عَلَى يَدِ عَدْلٍ وَأَذِنَ بِالْإِيدَاعِ فَفَعَلَ، ثُمَّ جَاءَ الْمُرْتَهِنُ فَطَلَبَ دَيْنَهُ لَا يُكَلَّفُ إحْضَارُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤْتَمَنْ عَلَيْهِ حَيْثُ وَضَعَ عَلَى يَدِهِ غَيْرَهُ فَلَمْ يَكُنْ تَسْلِيمُهُ فِي قُدْرَتِهِ، وَكَذَا لَوْ وَضَعَهُ الْعَدْلُ فِي يَدِ مَنْ فِي عِيَالِهِ وَغَابَ وَطَلَبَ الْمُرْتَهِنُ دَيْنَهُ وَاَلَّذِي فِي يَدِهِ الرَّهْنُ يُقِرُّ الْوَدِيعَةِ مِنْ الْعَدْلِ وَيَقُولُ لَا أَدْرِي لِمَنْ هُوَ يُجْبَرُ الرَّاهِنُ عَلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ إحْضَارَ الرَّهْنِ لَيْسَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّهُ يَقْبِضُ، وَكَذَا إذَا غَابَ الْعَدْلُ وَلَا يَدْرِي أَيْنَ هُوَ لِمَا قُلْنَا بِخِلَافِ مَا إذَا جَحَدَ الَّذِي أَوْدَعَهُ الْعَدْلُ الرَّهْنَ بِأَنْ قَالَ هُوَ مَالِي حَيْثُ لَا يَرْجِعُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الرَّاهِنِ بِشَيْءٍ حَتَّى يُثْبِتَ أَنَّهُ رَهْنٌ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا جَحَدَ فَقَدْ تَوَى الْمَالُ وَالتَّوَى عَلَى الْمُرْتَهِنِ فَتَحَقَّقَ الِاسْتِيفَاءُ فَلَا يَمْلِكُ الْمُطَالَبَةَ بِهِ، وَفِي الْفَتَاوَى الْغِيَاثِيَّةِ، وَلَوْ رَهَنَ الذِّمِّيُّ خَمْرًا عِنْدَ مُسْلِمٍ كَانَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِالدَّيْنِ. اهـ. وَفِي الْيَنَابِيعِ لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ بِعَيْنِهَا وَأَخَذَ بِهَا رَهْنًا لَمْ يَصِحَّ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَهُ (فَإِنْ كَانَ الرَّهْنُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ لَا يُمْكِنُهُ مِنْ الْبَيْعِ حَتَّى يَقْبِضَ الدَّيْنَ) أَيْ لَوْ أَرَادَ الرَّاهِنُ أَنْ يَبِيعَ الرَّهْنَ لِكَيْ يَقْضِيَ بِثَمَنِهِ الدَّيْنَ لَا يُجْبَرُ الْمُرْتَهِنُ أَنْ يُمَكِّنَهُ مِنْ الْبَيْعِ حَتَّى يَقْبِضَ الدَّيْنَ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الرَّهْنِ الْحَبْسُ الدَّائِمُ إلَى أَنْ يَقْضِيَ الدَّيْنَ لَا الْقَضَاءُ مِنْ ثَمَنِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ، فَلَوْ قَضَاهُ الْبَعْضَ فَلَهُ أَنْ يَحْبِسَ كُلَّ الرَّهْنِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْبَقِيَّةَ كَمَا فِي حَبْسِ الْمَبِيعِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِذَا قَضَى سَلَّمَ الرَّهْنَ) أَيْ إذَا قَضَى الرَّاهِنُ جَمِيعَ الدَّيْنِ سَلَّمَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ إلَيْهِ لِزَوَالِ الْمَانِعِ مِنْ التَّسْلِيمِ لِوُصُولِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ إلَيْهِ فَلَوْ هَلَكَ الرَّهْنُ بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ قَبْلَ تَسْلِيمِهِ إلَى الرَّاهِنِ اسْتَرَدَّ الرَّاهِنُ مَا قَضَاهُ مِنْ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ بِالْهَلَاكِ أَنَّهُ صَارَ مُسْتَوْفِيًا مِنْ وَقْتِ الْقَبْضِ السَّابِقِ فَكَانَ الثَّانِي اسْتِيفَاءً بَعْدَ اسْتِيفَاءٍ فَيَجِبُ رَدُّهُ، وَهَذَا لِأَنَّهُ بِإِيفَاءِ الدَّيْنِ لَا يَنْفَسِخُ الرَّهْنُ حَتَّى يَرُدَّهُ إلَى صَاحِبِهِ فَيَكُونَ مَضْمُونًا عَلَى حَالِهِ بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ مَا لَمْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 270 يُسَلِّمْهُ إلَى الرَّاهِنِ أَوْ يُبْرِئْهُ الْمُرْتَهِنُ عَنْ الدَّيْنِ، وَكَذَا لَوْ فَسَخَا الرَّهْنَ لَا يَنْفَسِخُ مَا دَامَ فِي يَدِهِ حَتَّى كَانَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَمْنَعَهُ بَعْدَ الْفَسْخِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ دَيْنَهُ، وَلَوْ هَلَكَ بَعْدَ الْفَسْخِ يَكُونُ كَمَا لَوْ هَلَكَ قَبْلَهُ فَيَكُونُ هَالِكًا بِدَيْنِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا هَلَكَ بَعْدَ الْإِبْرَاءِ حَيْثُ لَا يَضْمَنُ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ رَهْنًا؛ لِأَنَّ بَقَاءَهُ رَهْنًا بِأَمْرَيْنِ بِالْقَبْضِ وَالدَّيْنِ، فَإِذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا لَمْ يَبْقَ رَهْنًا، وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ مُفَصَّلًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَنْتَفِعُ الْمُرْتَهِنُ بِالرَّهْنِ اسْتِخْدَامًا وَسُكْنَى وَلُبْسًا وَإِجَارَةً وَإِعَارَةً) ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ يَقْتَضِي الْحَبْسَ إلَى أَنْ يَسْتَوْفِيَ دَيْنَهُ دُونَ الِانْتِفَاعِ فَلَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ إلَّا بِتَسْلِيطٍ مِنْهُ، وَإِنْ فَعَلَ كَانَ مُتَعَدِّيًا وَلَا يَبْطُلُ الرَّهْنُ بِالتَّعَدِّي قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ، وَلَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِالْمَرْهُونِ إلَّا بِإِذْنِ الرَّاهِنِ. فَإِذَا أَذِنَ لَهُ جَازَ أَنْ يَفْعَلَ مَا أَذِنَ لَهُ فِيهِ، وَلَوْ فَعَلَ مِنْ غَيْرِ إذْنٍ صَارَ ضَامِنًا بِحُكْمِ الرَّهْنِ بِحُكْمٍ وَقَابِضًا الْغَصْبَ، وَإِنْ تَرَكَ الِاسْتِعْمَالَ عَادَ لِكَوْنِهِ رَهْنًا، وَلَوْ اسْتَعْمَلَ الرَّهْنَ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ، فَإِنْ هَلَكَ حَالَةَ الِانْتِفَاعِ لَمْ يَسْقُطْ مِنْ الدَّيْنِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ بِالْإِذْنِ صَارَ مَقْبُوضًا بِحُكْمِ الْعَارِيَّةِ، وَإِنْ خَالَفَ وَهَلَكَ فِي حَالِ الِاسْتِعْمَالِ يَضْمَنُ ضَمَانَ الْغَصْبِ، وَفِي الْمُنْتَقَى لَوْ أَوْدَعَ الْمُرْتَهِنُ الْمَرْهُونَ بِإِذْنِهِ وَهَلَكَ فِي يَدِ الْمُودِعِ لَمْ يَسْقُطْ الدَّيْنُ كَمَا لَوْ أَعَارَهُ مِنْ غَيْرِهِ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ فَقَدْ خَرَجَ مِنْ ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ وَلَهُ أَنْ يَسْتُرَهُ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ عَقْدٌ قَائِمٌ وَلَكِنْ حُكْمُهُ وَهُوَ الضَّمَانُ مُرْتَفِعٌ فِي زَمَانِ الْإِيدَاعِ لِمَا بَيَّنَّا، وَلَوْ أَجَرَهُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ سَنَةً بِغَيْرِ إذْنِ الرَّاهِنِ وَانْقَضَتْ السَّنَةُ، ثُمَّ أَجَازَ الرَّاهِنُ الْإِجَارَةَ لَمْ تَصِحَّ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ لَاقَتْ عَقْدًا مُنْتَفِيًا مَفْسُوخًا وَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَأْخُذَهَا حَتَّى يَصِيرَ رَهْنًا كَمَا كَانَ، وَإِنْ أَجَازَ بَعْدَ مُضِيِّ سِتَّةِ أَشْهُرٍ جَازَ وَنِصْفُ الْأُجْرَةِ لِلْمُرْتَهِنِ يَتَصَدَّقُ بِهِ وَنِصْفُهَا لِلرَّاهِنِ، وَلَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُعِيدَهَا فِي الرَّهْنِ كَمَا بَيَّنَّا، وَذَكَرَ أَبُو اللَّيْثِ فِي الْعُيُونِ، وَلَوْ أَعَارَ الْمُرْتَهِنُ مِنْ الرَّاهِنِ، ثُمَّ مَاتَ الرَّاهِنُ، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ إلَى الْمُرْتَهِنِ وَلَا يَكُونُ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ لَمْ يَنْفَسِخْ بِالْإِعَارَةِ فَيَكُونُ الرَّهْنُ فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ لِكَوْنِهِ فِي يَدِ الْمُعِيرِ فَكَانَ مَقْبُوضًا لَهُ وَبِالْمَوْتِ انْفَسَخَتْ الْإِعَارَةُ فَعَادَتْ يَدُ الْمُرْتَهِنِ كَمَا كَانَتْ. وَلَوْ ارْتَهَنَ جَارِيَةً، ثُمَّ أَعَارَهَا الرَّاهِنَ فَوَلَدَتْ عِنْدَ الرَّاهِنِ، ثُمَّ مَاتَتْ فَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُعِيدَ الْوَلَدَ بِحِصَّتِهِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ لَمْ يَنْتَقِضْ بِإِعَارَةِ الرَّهْنِ مِنْ الرَّاهِنِ فَيَسْرِي إلَى الْوَلَدِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، وَفِي الْمُنْتَقَى إذَا كَانَ الرَّهْنُ ثَوْبًا فَأَذِنَ لَهُ الرَّاهِنُ فِي لُبْسِهِ يَوْمًا، ثُمَّ جَاءَ بِهِ مُتَخَرِّقًا، فَقَالَ الْمُرْتَهِنُ تَخَرَّقَ مِنْ لُبْسِهِ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ، فَقَالَ الرَّاهِنُ لَمْ يَتَخَرَّقْ مِنْ لُبْسِك، وَلَمْ تَلْبَسْهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ ادَّعَى الْبَرَاءَةَ عَنْ الضَّمَانِ لِاسْتِعْمَالِ الثَّوْبِ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ وَهُوَ يُنْكِرُ فَيَكُونُ الْقَوْلُ لَهُ، فَإِذَا أَقَرَّ الرَّاهِنُ أَنَّهُ لَبِسَهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَتَخَرَّقَ قَبْلَ لُبْسِهِ أَوْ بَعْدَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ أَنَّهُ تَخَرَّقَ مِنْ لُبْسِهِ وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لِلْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ وَهُوَ اللُّبْسُ سَبَبُ التَّخَرُّقِ ظَاهِرًا وَغَيْرُ مَوْهُومٍ فِيهِ فِي حَالِ التَّخَرُّقِ فِي السَّبَبِ الظَّاهِرِ دُونَ الْمَوْهُومِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُؤَلِّفُ لِلسِّعْرِ بِالْعَيْنِ الْمَرْهُونَةِ وَلَا لِمَا إذَا أُعِيرَ الرَّهْنُ لِلْمُرْتَهِنِ قَالَ فِي الْغِيَاثِيَّةِ وَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُسَافِرَ بِالرَّهْنِ إذَا كَانَ لَهُ حِمْلٌ وَمُؤْنَةٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ كَالْوَدِيعَةِ رَهْنُ الْمُرْتَهِنِ وَارْتِهَانِهِ مَوْقُوفٌ، وَلَوْ رَهَنَ عَبْدًا مَرِيضًا فَقُتِلَ فَالدَّيْنُ عَلَى حَالِهِ خِلَافًا لَهُمَا، وَكَذَا إذَا قُتِلَ قِصَاصًا بِعَمْدٍ أَوْ بِسَرِقَةٍ وَيُصَدَّقُ الْمُرْتَهِنُ أَنَّهُ كَانَ هَكَذَا، وَلَوْ احْتَرَقَ النَّخْلُ ذَهَبَ بِحِصَّتِهِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ رُهِنَ عَبْدٌ أَوْ غَابَ ثُمَّ إنَّ الْمُرْتَهِنَ وَجَدَ الْعَبْدَ حُرًّا، فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ أَقَرَّ بِالرِّقِّ عِنْدَ الرَّهْنِ لَمْ يَرْجِعْ الْمُرْتَهِنُ بِدَيْنِهِ عَلَيْهِ أَخَذَتْ الْمَرْأَةُ بِصَدَاقِهَا الْمُسَمَّى رَهْنًا يُسَاوِي صَدَاقَهَا ثُمَّ وَهَبَتْ صَدَاقَهَا مِنْ الزَّوْجِ أَوْ أَبْرَأَتْهُ كَانَ عَلَيْهَا رَدُّ الرَّهْنِ إلَى الزَّوْجِ، فَإِنْ هَلَكَ الرَّهْنُ عِنْدَهَا يَهْلِكُ بِغَيْرِ شَيْءٍ، وَلَوْ اخْتَلَعَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ زَوْجِهَا بَعْدَ مَا وَهَبَتْ مَهْرَهَا كَانَ عَلَيْهَا رَدُّ الرَّهْنِ وَلَا يَبْطُلُ الرَّهْنُ بِمَوْتِ الرَّاهِنِ وَلَا بِمَوْتِ الْمُرْتَهِنِ وَلَا بِمَوْتِهَا وَبَقِيَ الرَّهْنُ رَهْنًا عِنْدَ الْوَرَثَةِ وَسَيَأْتِي لَهُ مَزِيدُ بَيَانٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُحْفَظُ بِنَفْسِهِ وَزَوْجَتِهِ وَوَلَدِهِ وَخَادِمِهِ الَّذِي فِي عِيَالِهِ) مَعْنَاهُ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ أَيْضًا فِي عِيَالِهِ؛ لِأَنَّ عَيْنَهُ أَمَانَةٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَصَارَ كَالْوَدِيعَةِ وَأَجِيرُهُ الْخَاصُّ كَوَلَدِهِ الَّذِي فِي عِيَالِهِ وَهُوَ الَّذِي اسْتَأْجَرَهُ مُشَاهَرَةً أَوْ مُسَانَهَةً وَالْمُعْتَبَرُ فِيهِ الْمُسَاكَنَةُ وَلَا عِبْرَةَ بِالنَّفَقَةِ حَتَّى إنَّ الْمَرْأَةَ لَوْ دَفَعَتْهُ إلَى زَوْجِهَا لَا تَضْمَنُ قَالَ فِي الْمُنْتَقَى الْأَصْلُ أَنَّ الْمُرْتَهِنَ أَوْ الْمُسْتَأْجِرَ مَتَى أَمْسَكَ الْعَيْنَ لِلْحِفْظِ لَا يَضْمَنُ وَمَتَى أَمْسَكَهَا لِلِاسْتِعْمَالِ يَضْمَنُ فَالْحَدُّ الْفَاصِلُ بَيْنَهُمَا هُوَ أَنَّهُ مَتَى أَمْسَكَ الشَّيْءَ فِي مَوْضِعٍ لَا يُمْسَكُ فِيهِ إلَّا لِلِاسْتِعْمَالِ وَالِانْتِفَاعِ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَهُوَ اسْتِعْمَالٌ وَإِذَا أَمْسَكَهُ فِي مَوْضِعٍ لَا يُمْسِكُهُ فِيهِ لِلِاسْتِعْمَالِ فَهُوَ حِفْظٌ فَعَلَى هَذَا قَالُوا إذَا تَسَوَّرَتْ بِالْخَلْخَالِ أَوْ تَخَلْخَلَتْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 271 بِالسِّوَارِ أَوْ تَعَمَّمَ بِالْقَمِيصِ أَوْ وَضَعَ الْعِمَامَةَ عَلَى الْعَاتِقِ فَهَذَا كُلُّهُ حِفْظٌ، وَلَيْسَ بِاسْتِعْمَالٍ؛ لِأَنَّ الِاسْتِعْمَالَ لِلْإِمْسَاكِ فِي مَوْضِعٍ لَا يُمْسَكُ لِلِاسْتِعْمَالِ فَكَانَ الْإِمْسَاكُ لِلْحِفْظِ وَإِذَا تَسَوَّرَ بِالسِّوَارِ وَمَا أَشْبَهَ ضَمِنَ؛ لِأَنَّ الْإِمْسَاكَ وُجِدَ فِي مَوْضِعٍ لِلِاسْتِعْمَالِ فَكَانَ اسْتِعْمَالًا وَحِفْظًا. وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الرَّهْنُ إذَا كَانَ خَاتَمًا فَتَخَتَّمَ بِهِ فِي الْخِنْصَرِ الْيُمْنَى يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَتَخَتَّمُ فِي يَمِينِهِ لِلزِّينَةِ، وَإِنْ تَخَتَّمَ فَوْقَ خَاتَمٍ فِي ذَلِكَ الْإِصْبَعِ لَا يَضْمَنُ قِيلَ لِمُحَمَّدٍ إنَّ النَّاسَ يَسْتَعْمِلُونَ خَاتَمَيْنِ فِي خِنْصَرٍ وَاحِدٍ قَالَ إنَّمَا يَسْتَعْمِلُونَهُ لِلْخَتْمِ لَا لِلزِّينَةِ، قَالَ مَشَايِخُنَا: وَهَذَا فِي بِلَادِهِمْ، وَأَمَّا فِي بِلَادِنَا فَقَدْ يَسْتَعْمِلُونَ الثَّانِيَ لِلزِّينَةِ قَالَ مَشَايِخُنَا فَيَجِبُ أَنْ يَضْمَنَ، وَإِنْ تَخَتَّمَ فِي أُصْبُعٍ غَيْرِ الْخِنْصَرِ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَعْمِلُ كَذَلِكَ قَطُّ اسْتِعْمَالَ الزِّينَةِ، قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: إذَا تَخَتَّمَ وَجَعَلَ الْفَصَّ مِمَّا يَلِي فِي الْكَفِّ لَمْ يَضْمَنْ وَكَانَ حِفْظًا لَا اسْتِعْمَالًا الْوَكِيلُ يَقْبِضُ الدَّيْنَ إذَا أَخَذَ الرَّهْنَ مِمَّنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ فَضَاعَ عِنْدَهُ أَوْ الْوَصِيُّ إذَا أَخَذَ رَهْنًا مِنْ غَرِيمٍ لِلْمَيِّتِ بِدَيْنٍ عَلَيْهِ وَالْوَرَثَةُ كِبَارٌ فَضَاعَ عِنْدَهُ قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلِ الْإِقْرَاضَ وَالْأَدَاءَ وَإِنَّمَا قَبَضَهُ عَلَى أَنْ يَكُونَ أَمِينًا فِيهِ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَضَمِنَ بِحِفْظِهِ بِغَيْرِهِ وَبِإِيدَاعِهِ وَتَعَدِّيهِ قِيمَتَهُ) لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ عَيْنَهُ وَدِيعَةٌ الْوَدِيعَةُ تُضْمَنُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ لِكَوْنِهِ مُتَعَدِّيًا بِهَا فَيَضْمَنُ مِنْ جَمِيعِ قِيمَتِهِ كَالْمَغْصُوبِ وَهَلْ يَضْمَنُ لِلْمُودِعِ الثَّانِي فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي بَيَّنَّاهُ فِي مُودَعِ الْمُودِعِ فِي كِتَابِ الْوَدِيعَةِ، ثُمَّ إنْ قَضَى الْقَاضِي بِالْقِيمَةِ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ يَلْتَقِيَانِ قِصَاصًا بِمُجَرَّدِ الْقَضَاءِ إذَا كَانَ الدَّيْنُ حَالًا فَلَا يُطَالِبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ إلَّا بِالْفَضْلِ، وَإِنْ كَانَ مُؤَجَّلًا يَضْمَنُ الْمُرْتَهِنُ قِيمَتَهُ وَيَكُونُ رَهْنًا عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ الرَّهْنِ فَيَكُونُ لَهُ حُكْمُ أَصْلِهِ، فَإِذَا حَلَّ الْأَجَلُ أَخَذَهُ بِدَيْنِهِ، وَإِنْ قَضَى بِالْقِيمَةِ مِنْ خِلَافِ جِنْسِ الدَّيْنِ كَانَ رَهْنًا عِنْدَهُ إلَى أَنْ يَقْضِيَهُ دَيْنَهُ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ الرَّهْنِ فَأَخَذَ حُكْمَهُ، وَلَوْ رَهَنَ خَاتَمًا عِنْدَ امْرَأَةٍ فَجَعَلَتْ خَاتَمًا فَوْقَ خَاتَمٍ تَضْمَنُ؛ لِأَنَّ النِّسَاءَ يَلْبَسْنَ كَذَلِكَ فَيَكُونُ مِنْ بَابِ الِاسْتِعْمَالِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ، وَكَذَا الطَّيْلَسَانُ إنْ لَبِسَهُ لُبْسًا مُعْتَادًا ضَمِنَ، وَلَوْ وَضَعَهُ عَلَى عُنُقِهِ لَمْ يَضْمَنْ، وَفِي الْوَاقِعَاتِ رَجُلٌ رَهَنَ عِنْدَ رَجُلٍ خَاتَمًا، وَقَالَ لِلْمُرْتَهِنِ تَخَتَّمَ بِهِ إنْ أَمَرَهُ أَنْ يَتَخَتَّمَ بِهِ فِي الْخِنْصَرِ فَهَلَكَ فِي حَالِ التَّخَتُّمِ يَهْلِكُ بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ أُمِرَ بِالْحِفْظِ لَا بِالِاسْتِعْمَالِ، وَفِي الذَّخِيرَةِ هُوَ الصَّحِيحُ، وَلَوْ رَهَنَهُ سَيْفَيْنِ فَتَقَلَّدَهُمَا ضَمِنَ قَالَ فَخْرُ الدِّينِ وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ يَضْمَنُ وَفِي الثَّلَاثَةِ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بَيْنَ الشُّجْعَانِ بِتَقْلِيدِ السَّيْفَيْنِ فِي الْحَرْبِ دُونَ الثَّلَاثَةِ، وَفِي الْمُحِيطِ، وَلَوْ بَاعَ الْمُرْتَهِنُ زَوَائِدَ الرَّهْنِ بِغَيْرِ إذْنِ الرَّاهِنِ أَوْ الْقَاضِي لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ وَيَضْمَنُ قِيمَتَهُ، وَإِنْ خَافَ تَلَفَهُ فَجَذَّ الثِّمَارَ وَحَلَبَ اللَّبَنَ جَازَ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ الْحِفْظِ، فَإِنْ خَافَ تَلَفَهُ عِنْدَهُ فَأَمْسَكَهُ يُرْفَعُ الْأَمْرُ إلَى الْقَاضِي حَتَّى يَبِيعَهُ أَوْ يَأْذَنَ لَهُ فِي الْبَيْعِ إنْ كَانَ الْمَالِكُ غَائِبًا، وَإِنْ كَانَ حَاضِرًا يَرْجِعْ إلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ الْمُرْتَهِنُ بَعِيدًا مِنْ الْقَاضِي وَالْمَالِكِ وَخَافَ التَّلَفَ فَبَاعَهُ بِنَفْسِهِ لَمْ يَضْمَنْ هَكَذَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ فِي الْبَيْع دَلَالَةً، وَلَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ وَلَا لِلرَّاهِنِ أَنْ يَزْرَعَ الْأَرْضَ وَلَا أَنْ يُؤَجِّرَهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِالرَّهْنِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأُجْرَةُ بَيْتِ الْحِفْظِ وَحَافِظِهِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَأُجْرَةُ رَاعِيهِ وَنَفَقَتُهُ وَالْخَرَاجُ عَلَى الرَّاهِنِ) وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنْ مَا يُحْتَاجَ إلَيْهِ لِمَصْلَحَةِ الرَّهْنِ لِنَفْسِهِ وَتَبْقِيَتِهِ فَهُوَ عَلَى الرَّاهِنِ سَوَاءٌ كَانَ فِي فَصْلٍ أَوْ لَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِهِ، وَكَذَا مَنَافِعُهُ مَمْلُوكَةٌ لَهُ فَيَكُونُ أَصْلًا وَتَبْقِيَتُهُ عَلَيْهِ لِمَا أَنَّهُ مُؤْنَةُ مِلْكِهِ كَمَا فِي الْوَدِيعَةِ وَذَلِكَ مِثْلُ النَّفَقَةِ مِنْ مَأْكَلِهِ وَمُشْرَبِهِ وَأُجْرَةُ الرَّاعِي مِثْلُهُ؛ لِأَنَّهُ عَلَفَ الْبَهَائِمَ. وَمِنْ هَذَا الْجِنْسِ كِسْوَةُ الرَّقِيقِ وَأُجْرَةُ ظِئْرِ وَلَدِ الرَّهْنِ وَكَرْيُ النَّهْرِ وَكَسْرُ النَّهْرِ وَسَقْيُ الْبَسَاتِينَ وَتَلْقِيحُ نَخِيلِهِ وَجِذَاذِهَا وَالْقِيَامُ بِمَصَالِحِهِ، وَفِي النَّوَازِلِ أَبَى الرَّاهِنُ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى الرَّهْنِ فَالْقَاضِي يَأْمُرُ الْمُرْتَهِنَ بِالنَّفَقَةِ، فَإِذَا قَبَضَ الدَّيْنَ فَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَحْبِسَهُ عَلَى النَّفَقَةِ، فَإِنْ هَلَكَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَالنَّفَقَةُ عَلَى الرَّاهِنِ وَكُلُّ مَا كَانَ لِحِفْظِهِ أَوْ لِرَدِّهِ إلَى يَدِ الْمُرْتَهِنِ أَوْ لِرَدِّ جُزْءٍ مِنْهُ كَمُدَاوَاةِ الْجُرْحِ فَهُوَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ، مِثْلُ أُجْرَةِ الْحَافِظِ؛ لِأَنَّ الْإِمْسَاكَ حَقٌّ لَهُ وَالْحِفْظَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فَتَكُونُ مُؤْنَتُهُ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ أُجْرَةُ الْبَيْتِ الَّتِي يَحْفَظُ فِيهِ الرَّهْنُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ أُجْرَةَ الْمَأْوَى عَلَى الرَّاهِنِ بِمَنْزِلَةِ النَّفَقَةِ وَمِنْ هَذَا الْقِسْمِ جُعِلَ الْآبِقُ إذَا كَانَ كُلُّهُ مَضْمُونًا؛ لِأَنَّ يَدَ الِاسْتِيفَاءِ كَانَتْ ثَابِتَةً عَلَى الْمَحِلِّ وَيَحْتَاجُ إلَى إعَادَةِ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ لِيَرُدَّهُ عَلَى الْمَالِكِ فَكَانَتْ مِنْ مُؤْنَةِ الرَّدِّ فَتَكُونُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُ أَمَانَةً فَيُقَدَّرُ الْمَضْمُونُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَحِصَّةُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 272 الْأَمَانَةِ عَلَى الرَّاهِنِ وَلِأَنَّ الرَّدَّ لِإِعَادَةِ الْيَدِ وَيَدُهُ فِي الزِّيَادَةِ يَدُ الْمَالِكِ إذْ هُوَ كَالْمُودِعِ فِيهَا فَتَكُونُ عَلَى الْمَالِكِ بِخِلَافِ أُجْرَةِ الْبَيْتِ الَّذِي يُحْفَظُ فِيهِ الرَّهْنُ، فَإِنَّ كُلَّهَا تَجِبُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ كَيْفَمَا كَانَ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهَا لِأَجْلِ الْحَبْسِ وَحَقُّ الْحَبْسِ ثَابِتٌ لَهُ فِي الْكُلِّ. وَأَمَّا الْجُعْلُ فَلِأَجْلِ الضَّمَانِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهِ وَالْمُدَاوَاةُ وَالْفِدَاءُ مِنْ الْجِنَايَةِ يَنْقَسِمُ عَلَى الْمَضْمُونِ وَالْأَمَانَةُ وَالْخَرَاجُ عَلَى الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّهُ مُؤْنَةُ الْمِلْكِ وَالْعُشْرُ فِيمَا يَخْرُجُ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الْمُرْتَهِنِ لِتَعَلُّقِهِ بِالْعَيْنِ وَلَا يَبْطُلُ الرَّهْنُ بِهِ فِي الْبَاقِي؛ لِأَنَّ وُجُوبَهُ لَا يُنَافِي مِلْكَهُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ الْخَارِجَ كُلَّهُ فِي غَيْرِ الرَّهْنِ قَبْلَ أَدَاءِ الْعُشْرِ يَجُوزُ فَكَذَا لَهُ أَنْ يُخْرِجَ بَدَلَ الْعُشْرِ مِنْ مَالٍ آخَرَ، وَإِنْ كَانَ مِلْكُهُ ثَابِتًا فِيهِ بَقِيَ رَهْنًا عَلَى حَالِهِ بِخِلَافِ اسْتِحْقَاقِ جُزْءٍ شَائِعٍ مِنْ الرَّهْنِ حَيْثُ يَبْطُلُ الرَّهْنُ فِي الْبَاقِي؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ بِالِاسْتِحْقَاقِ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ قَدْرَ الْمُسْتَحَقِّ فَكَانَ الرَّهْنُ شَائِعًا فِي الِابْتِدَاءِ وَتَبَيَّنَ أَنَّ الرَّهْنَ كَانَ بَاطِلًا وَلَا كَذَلِكَ وُجُوبُ الْعُشْرِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهُ لَا يُنَافِي مِلْكَ الرَّاهِنِ لَا فِيهِ وَلَا فِي غَيْرِهِ، ثُمَّ إذَا خَرَجَ مِنْهُ الْعُشْرُ خَرَجَ ذَلِكَ الْجُزْءُ عَنْ مِلْكِهِ فِي الْوَقْتِ فَلَمْ يُوجَبْ شُيُوعًا فِي الْبَاقِي لَا طَارِئًا وَلَا مُقَارِنًا وَمَا أَدَّاهُ أَحَدُهُمَا مِمَّا يَجِبُ عَلَى الْآخَرِ بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ كَمَا إذَا قَضَى دَيْنَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ، وَإِنْ كَانَ بِأَمْرِ الْقَاضِي وَجَعَلَهُ دَيْنًا عَلَى الْآخَرِ رَجَعَ عَلَيْهِ وَبِمُجَرَّدِ أَمْرِ الْقَاضِي مِنْ غَيْرِ تَصْرِيحٍ يَجْعَلُهُ دَيْنًا عَلَيْهِ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ إذَا كَانَ صَاحِبُهُ حَاضِرًا، وَإِنْ كَانَ بِأَمْرِ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَرْفَعَ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي فَيَأْمُرُ صَاحِبَهُ بِذَلِكَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَرْجِعُ فِي الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ فَرْعُ مَسْأَلَةِ الْحَجَرِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَلِي عَلَى الْحَاضِرِ وَلَا يُنَفِّذُ أَمْرَهُ عَلَيْهِ، وَفِي الْمُحِيطِ وَالْعُشْرُ وَالْخَرَاجُ عَلَى الرَّاهِنِ. اهـ. وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُؤَلِّفُ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةَ فِي الرَّهْنِ وَدَعْوَى الرَّجُلَيْنِ الرَّهْنَ أَوْ أَحَدِهِمَا قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ مَسَائِلُهُ عَلَى فُصُولٍ: فَصْلٌ فِي اخْتِلَافِهِمَا فِي الرَّهْنِ، وَفَصْلٌ فِي اخْتِلَافِ الشَّاهِدَيْنِ فِي النُّطْقِ، وَفَصْلٌ فِي شَهَادَةِ الرَّاهِنَيْنِ وَالْمُرْتَهِنِينَ بِالْمَرْهُونِ لِغَيْرِهِ، وَفَصْلٌ فِي إقَامَةِ الْوَاحِدِ الْبَيِّنَةَ عَلَى رَجُلَيْنِ فِي الرَّهْنِ قَالَ الرَّاهِنُ رَهَنْتُك هَذِهِ الْعَيْنَ وَقَبَضْتَهَا مِنِّي وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ وَالْعَيْنُ قَائِمَةٌ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ وَهُوَ يُنْكِرُ أَوْ قَالَ بَلْ رَهَنْتنِي عَيْنًا أُخْرَى فَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْمُرْتَهِنِ وَالْقَوْلُ لَهُ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّ بَيِّنَةَ الْمُرْتَهِنِ تُثْبِتُ الْحَقَّ نَفْسَهُ وَبَيِّنَةَ الرَّاهِنِ تُثْبِتُ الْحَقَّ لِغَيْرِهِ وَهُوَ مِلْكُ الْيَدِ وَالْحَبْسِ وَبَيِّنَةُ مَنْ يُثْبِتُ الْحَقَّ لِنَفْسِهِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي قَبُولِ بَيِّنَةِ الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ رَدَّ ذَلِكَ، فَإِنَّ الرَّهْنَ غَيْرُ لَازِمٍ وَإِذَا كَانَتْ الْعَيْنُ هَالِكَةً فَالْبَيِّنَةُ لِلرَّاهِنِ إذَا كَانَ مَا يَدَّعِيهِ الرَّاهِنُ أَكْثَرَ؛ لِأَنَّ بَيِّنَتَهُ تُثْبِتُ زِيَادَةً أَقَامَ الرَّاهِنُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ رَهَنَهُ عَبْدًا بِأَلْفٍ يُسَاوِي أَلْفَيْنِ وَقَبَضَهُ وَأَنْكَرَ الْمُرْتَهِنُ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ كُلَّهَا النِّصْفُ يَسْقُطُ بِدَيْنِهِ وَيُؤْخَذُ بِالنِّصْفِ؛ لِأَنَّهُ جَحَدَهُ فَصَارَ ضَامِنًا بِالْجُحُودِ كَالْمُودَعِ جَحَدَ الْوَدِيعَةَ يَصِيرُ ضَامِنًا لِلْوَدِيعَةِ، وَكَذَلِكَ إنْ سَكَتَ الْمُرْتَهِنُ وَلَمْ يُقِرَّ، وَلَمْ يَجْحَدْ؛ لِأَنَّ السُّكُوتَ جُحُودٌ حُكْمًا. أَلَا تَرَى لَوْ أَخَّرَ شَيْئًا فَسَكَتَ يُسْمَعُ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ جَحَدَ، وَلَوْ قَالَ الْمُرْتَهِنُ تُسَاوِي خَمْسَمِائَةٍ لَا يُسْمَعُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ مَا قَامَتْ عَلَيْهِ، وَلَوْ قَالَ الْمُرْتَهِنُ رَهَنْتَنِي هَذَيْنِ الثَّوْبَيْنِ، وَقَالَ الرَّاهِنُ أَحَدُهُمَا بِعَيْنِهِ فَالْقَوْلُ لِلرَّاهِنِ وَالْبَيِّنَةُ لِلْمُرْتَهِنِ يَدَّعِي عَلَيْهِ زِيَادَةَ رَهْنٍ وَهُوَ يُنْكِرُ الرَّهْنَ رَهَنَ عَبْدًا وَالدَّيْنُ أَلْفٌ فَذَهَبَ عَيْنُ الْعَبْدِ وَهُوَ يُسَاوِي أَلْفًا، فَقَالَ الرَّاهِنُ كَانَتْ هَذِهِ قِيمَتَهُ يَوْمَ رَهَنْتُك فَقَدْ ذَهَبَ نِصْفُ حَقِّك، وَقَالَ الْمُرْتَهِنُ بَلْ كَانَتْ خَمْسَمِائَةٍ يَوْمَئِذٍ وَازْدَادَتْ مِنْ بَعْدُ فَالْقَوْلُ لِلرَّاهِنِ وَالْبَيِّنَةُ لَهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ لِلْحَالِ أَلْفٌ فَيَكُونُ الْحَالُ شَاهِدًا لِلْمَاضِي كَمَنْ اسْتَأْجَرَ طَاحُونَةً وَاخْتَلَفَا فِي جَرَيَانِ الْمَاءِ وَانْقِطَاعِهِ يُحَكَّمُ الْحَالُ فَكَذَا الرَّاهِنُ بَيِّنَتُهُ تُثْبِتُ أَكْثَرَ الْقِيمَتَيْنِ وَبَيِّنَةُ الْمُرْتَهِنِ تَنْفِي فَكَانَتْ الْمُثَبِّتَةُ أَوْلَى وَإِذَا أَنْكَرَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ فَشَهِدَتْ إحْدَاهُمَا أَنَّهُ رَهَنَهُ بِأَلْفٍ وَالْأُخْرَى بِأَلْفَيْنِ لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ اخْتِلَافَ الشَّاهِدَيْنِ فِي الْمَشْهُودِ بِهِ يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ عِنْدَهُ وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ الدَّيْنُ لَمْ يَثْبُتْ الرَّهْنُ؛ لِأَنَّ صِحَّتَهُ مَنُوطَةٌ بِالدَّيْنِ وَعِنْدَهُمَا هُوَ رَهْنٌ بِالْأَقَلِّ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ دَيْنُ أَلْفٍ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ عِنْدَ هُمَا إذَا كَانَ الْمُدَّعِي يَدَّعِي أَكْثَرَ الْمَالَيْنِ ادَّعَى الرَّاهِنُ الرَّهْنَ بِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ وَهِيَ قِيمَتُهُ وَشَهِدَ أَحَدُهُمَا بِذَلِكَ وَالْآخَرُ بِمِائَةٍ. وَقَالَ الْمُرْتَهِنُ عَلَيْهِ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ، وَهَذَا رَهْنٌ بِمِائَةٍ مِنْهَا فَالْقَوْلُ لِلْمُرْتَهِنِ وَالْبَيِّنَةُ لِلرَّاهِنِ؛ لِأَنَّهُ يُثْبِتُ الدَّيْنَ وَهُوَ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ لِتَصَادُقِهِمَا عَلَيْهِ لَا بِالْبَيِّنَةِ وَتَصَادَقَا أَنَّ الْعَيْنَ رُهِنَ بِمِائَةٍ فَصَارَ رَهْنًا بِمِائَةٍ بِتَصَادُقِهِمَا عَلَى ذَلِكَ إلَّا أَنَّ بَيِّنَةَ الرَّاهِنِ أَكْثَرُ إثْبَاتًا؛ لِأَنَّهُ يُثْبِتُ زِيَادَةَ إيفَاءٍ عَلَى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 273 الْمُرْتَهِنِ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ اسْتَوْدَعَهُ وَهُوَ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ ارْتَهَنَهُ تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ جَاءَ لَازِمًا وَفِيهِ ضَمَانٌ وَلَا لُزُومَ وَلَا ضَمَانَ فِي الْوَدِيعَةِ فَكَانَتْ بَيِّنَةُ الرَّاهِنِ أَكْثَرَ إثْبَاتًا وَلِأَنَّهُ أَمْكَنَ الْعَمَلُ بِالْبَيِّنَتَيْنِ بِأَنْ يَجْعَلَ كَأَنَّهُ أَوْدَعَهُ، ثُمَّ رَهَنَهُ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ يُرَدُّ عَلَى الْإِيدَاعِ. وَأَمَّا الْإِيدَاعُ لَا يُرَدُّ عَلَى الرَّهْنِ إلَّا بِرِضَا الْمُرْتَهِنِ، الرَّاهِنُ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الرَّهْنِ وَالْآخَرُ عَلَى الْبَيْعِ جُعِلَ بَيْعًا؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَازِمٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَالرَّهْنُ غَيْرُ لَازِمٍ مِنْ جَانِبِ الْمُرْتَهِنِ وَالْبَيْعُ يُوجِبُ الْمِلْكَ لِلْحَالِ وَالرَّهْنُ لَا فَكَانَتْ بَيِّنَةُ الْبَيْعِ أَكْثَرَ إثْبَاتًا وَلِأَنَّهُ أَمْكَنَ الْعَمَلُ بِالْبَيِّنَتَيْنِ بِأَنْ تُجْعَلَ كَأَنَّهُ رَهَنَ أَوَّلًا، ثُمَّ بَاعَ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يُرَدُّ عَلَى الرَّهْنِ وَالرَّهْنُ لَا يُرَدُّ عَلَى الْبَيْعِ. وَكَذَلِكَ لَوْ ادَّعَى الْمُرْتَهِنُ الْهِبَةَ وَالْقَبْضَ يُؤْخَذُ بِبَيِّنَةِ الْهِبَةِ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ تُوجِبُ الْمَالَ لِلْحَالِ كَالْبَيْعِ ادَّعَى الشِّرَاءَ وَالْقَبْضَ وَالْآخَرُ ادَّعَى الرَّهْنَ وَالْقَبْضَ يُحْكَمُ بِالشِّرَاءِ إذَا كَانَ فِي يَدِ الرَّاهِنِ، فَإِنْ عَلِمَ بِتَقَدُّمِ الرَّهْنِ جُعِلَ رَهْنًا؛ لِأَنَّ لِلْمُرْتَهِنِ قَبْضًا مُعَايَنًا وَلَا يُنْقَضُ بِالشَّكِّ كَمَا لَوْ ادَّعَيَا الشِّرَاءَ مِنْ وَاحِدٍ وَلِأَحَدِهِمَا قَبْضٌ مُعَايَنٌ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَصَاحِبُ الْقَبْضِ أَوْلَى، وَلَوْ شَهِدَ الرَّاهِنَانِ بِأَنَّ الْمَرْهُونَ مِلْكُ آخَرَ لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُمَا بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ يَجُرَّانِ؛ لِأَنْفُسِهِمَا نَفْعًا وَمَغْنَمًا؛ لِأَنَّهُمَا يُرِيدَانِ إبْطَالَ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ عَنْ الرَّهْنِ عَلَيْهِمَا، وَفِي إبْطَالِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ عَنْ الرَّهْنِ نَفْعٌ لَهُمَا فِي الْجُمْلَةِ فَتَمَكَّنَتْ الشُّبْهَةُ فِي شَهَادَتِهِمَا فَلَا تُقْبَلُ وَلِأَنَّ هَذِهِ الشَّهَادَةَ فِي مَعْنَى الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّهُمَا يَشْهَدَانِ عَلَى أَنْفُسِهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا يَسْعَيَانِ فِي نَقْضِ عَقْدٍ قَدِيمٍ وَشَهَادَةُ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ إقْرَارٌ فَهَذَا إقْرَارٌ يَتَضَمَّنُ إبْطَالَ حَقِّ الْمُرْتَهَن فَلَا يَصِحُّ فِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ كَمَا لَوْ أَقَرَّ صَرِيحًا، وَلَوْ شَهِدَ الْمُرْتَهِنَانِ تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَجُرَّانِ إلَى أَنْفُسِهِمَا مَغْنَمًا وَلَا يَدْفَعَانِ مَغْرَمًا بَلْ يَضُرَّانِ بِأَنْفُسِهِمَا مَتَى كَانَ الرَّهْنُ قَائِمًا، وَإِنْ كَانَ هَالِكًا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا يَمْنَعَانِ عَنْ أَنْفُسِهِمَا مَغْرَمًا؛ لِأَنَّ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ سَقَطَ الدَّيْنُ وَبَرِئَ الرَّاهِنُ عَنْ الدَّيْنِ ظَاهِرًا وَمَتَى قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا لَمْ يَصِحَّ الرَّهْنُ فَلَا يَسْقُطُ حَقُّهُمَا بَاعَ رَجُلَانِ مَتَاعًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ مِنْ رَجُلٍ عَلَى أَنْ يَرْهَنَهُمَا عَبْدًا بِعَيْنِهِ ثُمَّ شَهِدَ أَنَّ الْعَبْدَ لِرَجُلٍ، وَقَالَا نَرْضَى أَنْ يَكُونَ دَيْنًا بِالرَّهْنِ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا يَشْهَدَانِ عَلَى أَنْفُسِهِمَا بِإِبْطَالِ حَقِّهِمَا فِي الْحَبْسِ وَلَا يَجُرَّانِ إلَى أَنْفُسِهِمَا مَغْنَمًا وَلَا يَدْفَعَانِ مَغْرَمًا وَلَا يَسْعَيَانِ فِي نَقْضِ عَقْدٍ. وَلَوْ طَلَبَا لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُمَا يَشْهَدَانِ؛ لِأَنْفُسِهِمَا بِرَهْنٍ وَيَسْعَيَانِ فِي نَقْضِ عَقْدٍ تَمَّ بَيْنَهُمَا، وَلَيْسَ لَهُمَا النَّقْضُ ادَّعَيَا عَلَى رَجُلٍ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ لَهُ الرَّهْنُ فَهِيَ عَلَى قِسْمَيْنِ أَمَّا إذَا كَانَ الرَّهْنُ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا أَوْ فِي أَيْدِيهِمَا أَوْ فِي يَدِ الرَّاهِنِ وَالدَّعْوَى مِنْهُمَا حَالَ حَيَاةِ الرَّاهِنِ أَوْ بَعْدَ وَفَاتِهِ، وَقَدْ أَرَّخَا ذَلِكَ كُلَّهُ أَوْ لَمْ يُؤَرِّخَا، فَإِنْ كَانَ الرَّهْنُ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا، وَلَمْ يُؤَرِّخَا فَهُوَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَرَجَّحَتْ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ بِالْيَدِ؛ لِأَنَّ يَدَهُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ سَبَقَ ارْتِهَانُهُ وَلِأَنَّ يَدَهُ صَحِيحَةٌ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ فَلَا يَجُوزُ نَقْضُهَا إلَّا أَنْ يَعْلَمَ بُطْلَانَهَا كَمَا لَوْ ادَّعَيَا الشِّرَاءَ مِنْ وَاحِدٍ وَالْمَبِيعُ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا، فَإِنْ أَرَّخَا يُقْضَى لِأَسْبَقِهِمَا تَارِيخًا؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ الَّتِي آخِرُهُمَا تَارِيخًا غَيْرُ مَقْبُولَةٍ؛ لِأَنَّهَا قَامَتْ عَلَى رَهْنٍ فَاسِدٍ وَكَانَ الَّذِي هُوَ أَسْبَقُ انْفَرَدَ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ، وَإِنْ لَمْ يُؤَرِّخَا لَا يُقْضَى لَهُمَا قِيَاسًا وَبِهِ نَأْخُذُ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لِكُلِّ وَاحِدٍ نِصْفُهُ بِنِصْفِ حَقِّهِ؛ لِأَنَّ رَهْنَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَبَذَ بَيِّنَتَهُمَا مَعًا فَصَحَّ الرَّهْنُ فَصَارَ الْعَبْدُ مَحْبُوسًا بِحَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْكَمَالِ هَذَا كُلُّهُ فِي حَالِ حَيَاةِ الرَّاهِنِ فَأَمَّا بَعْدَ وَفَاتِهِ لَوْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ الْبَيِّنَةَ عَلَى ارْتِهَانِهِ مِنْهُ يُقْضَى لِكُلِّ وَاحِدٍ بِنِصْفِهِ رَهْنًا بِنِصْفِ حَقِّهِ يُبَاعُ فِيهِ عِنْدَهُمَا وَمَا بَقِيَ لِلْغُرَمَاءِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يُقْضَى لَهُمَا بِشَيْءٍ وَهُوَ قَوْلُ الْغُرَمَاءِ بِالْحِصَصِ قِيَاسًا؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالرَّهْنِ مِنْهُمَا قَضَاءٌ بِرَهْنٍ مُشَاعٌ وَأَنَّهُ بَاطِلٌ كَمَا فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ لَهُمَا أَنَّ الْقَصْدَ مَطْلُوبٌ بِحُكْمِهِ لَا بِعَيْنِهِ؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ لِيَكُونَ وَسِيلَةً وَذَرِيعَةً إلَى حُكْمِهِ وَحِكْمَةُ الرَّهْنِ بَعْدَ الْمَوْتِ فِي حَقِّ هَذَا الْحُكْمِ بِخِلَافِ حَالِ الْحَيَاةِ؛ لِأَنَّ ثَمَّةَ الْمَقْصُودَ مِنْ الرَّهْنِ هُوَ مِلْكُ الْيَدِ وَالْحَبْسُ وَلَا يَمْلِكُ اثْنَانِ الْيَدَ وَالْحَبْسَ فِي الْمُشَاعِ دَائِمًا فَلَا يُمْكِنُ الْقَضَاءُ بِالرَّهْنِ. وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي لَوْ اُدُّعِيَا الرَّهْنَ مِنْ اثْنَيْنِ فَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ الْبَيِّنَةَ عَلَى الِارْتِهَانِ مِنْ آخَرَ وَالرَّهْنُ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ الرَّاهِنَانِ غَائِبَيْنِ أَوْ كَانَا حَاضِرَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا حَاضِرٌ وَالْآخَرُ غَائِبٌ، فَإِنْ كَانَا غَائِبَيْنِ فَذُو الْيَدِ أَوْلَى، وَإِنْ كَانَ الْخَارِجُ أَسْبَقَ تَارِيخًا؛ لِأَنَّ بَيِّنَةَ الْخَارِجِ لَا تُسْمَعُ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَقُمْ عَلَى خَصْمٍ؛ لِأَنَّ ذَا الْيَدِ أَثْبَتَتْ بَيِّنَتُهُ كَوْنَهَا رَهْنًا فِي حَقِّ مَا فِي يَدِهِ وَالْمُرْتَهِنُ لَا يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَلَى الْمَالِكِ كَالْمُودِعِ فَكَانَ الشَّيْءُ رَهْنًا فِي يَدِ ذِي الْيَدِ كَمَا يَدَّعِيهِ، فَإِنْ كَانَ الرَّاهِنَانِ حَاضِرَيْنِ فَالْخَارِجُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ كُلَّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 274 وَاحِدٍ مِنْ الرَّاهِنَيْنِ يَنْتَصِبُ خَصْمًا لِصَاحِبِهِ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي أَنَّهُ مِلْكُهُ وَرَهَنَهُ مِنْ الْمُدَّعِي وَيَجْعَلُ إقَامَتَهُ الْبَيِّنَةَ مِنْ الْمُرْتَهِنَيْنِ وَهُمَا يَحْتَاجَانِ إلَى إثْبَاتِ مِلْكِ الرَّاهِنَيْنِ لِيَصِحَّ رَهْنُهُمَا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَقَامَ الرَّاهِنَانِ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ وَالشَّيْءُ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا كَانَ الْخَارِجُ أَوْلَى فَكَذَا هَذَا. وَإِنْ كَانَ رَاهِنُ الْخَارِجِ حَاضِرًا وَرَاهِنُ ذِي الْيَدِ غَائِبًا فَذُو الْيَدِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ لَا يَنْتَصِبُ خَصْمًا لِمَنْ يَدَّعِي مِلْكًا فِي الرَّهْنِ كَالْمُودِعِ فَبَيِّنَةُ الْخَارِجِ قَامَتْ لَا عَلَى خَصْمٍ، وَإِنْ كَانَ رَاهِنُ ذِي الْيَدِ حَاضِرًا وَرَاهِنُ الْخَارِجِ غَائِبًا فَكَذَلِكَ طَعَنَ عِيسَى - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَقَالَ حَضْرَةُ رَاهِنِ ذِي الْيَدِ تَكْفِي لِلْقَضَاءِ لِلْخَارِجِ؛ لِأَنَّ رَاهِنَ ذِي الْيَدِ انْتَصَبَ خَصْمًا لِلْخَارِجِ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الْمِلْكَ لِنَفْسِهِ وَالرَّهْنُ مِنْ ذِي الْيَدِ وَالْخَارِجِ مُرْتَهَنٌ وَالْمُرْتَهَنُ بِمَنْزِلَةِ الْمُودِعِ وَالْمُودِعُ يَنْتَصِبُ خَصْمًا فِيمَا يَسْتَحِقُّ لِصَاحِبِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْحِفْظِ كَمَا لَوْ ادَّعَى إنْسَانٌ عَلَى الْمُودِعِ أَنَّ مَا فِي يَدِهِ مِنْ الْوَدِيعَةِ لِفُلَانٍ آخَرَ غَائِبٍ أَوْدَعَهُ إيَّاهُ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ تُقْبَلُ فَكَذَا هَذَا وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ الْمُرْتَهِنَ كَمَا يُثْبِتُ الْمِلْكَ لِرَاهِنِهِ يَدَّعِي دَيْنًا وَهُوَ غَائِبٌ، وَلَيْسَ عَنْهُ خَصْمٌ حَاضِرٌ فَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ عَلَى إثْبَاتِ الدَّيْنِ فَلَا تُقْبَلُ عَلَى إثْبَاتِ الرَّهْنِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ لَا يَصِحُّ بِدُونِ الدَّيْنِ بِخِلَافِ الْمُودِعِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدَّعِ عَلَى مُودِعِهِ شَيْئًا بَلْ يَدَّعِي الْمِلْكَ لَهُ فَيَنْتَصِبُ خَصْمًا فِي إثْبَاتِ الْمِلْكِ، وَلَوْ ادَّعَى وَاحِدٌ عَلَى رَجُلَيْنِ الرَّهْنَ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَحَدِهِمَا أَنَّهُ رَهَنَهُ الْمَتَاعَ وَيَجْحَدَانِ الرَّهْنَ يَسْتَحْلِفُ مِنْ لَمْ يُقِمْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ، وَإِنْ حَلَفَ حَلَفَ رَدَّ الرَّهْنَ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ الرَّهْنُ فِي حَقِّهِ فَلَا يُقْضَى بِهِ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ قَبْضًا بِالرَّهْنِ فِي نِصْفٍ مُشَاعٍ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ، فَإِنْ نَكَلَ ثَبَتَ عَلَيْهِمَا عَلَى النَّاكِلِ بِالنُّكُولِ وَعَلَى الْآخَرِ بِالْبَيِّنَةِ. وَإِنْ كَانَ الْمُرْتَهِنُ اثْنَيْنِ وَالرَّاهِنُ وَاحِدًا فَأَقَامَ أَحَدُهُمَا الْبَيِّنَةَ أَنِّي ارْتَهَنْت وَصَاحِبِي بِمِائَةٍ وَأَنْكَرَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ الْآخَرُ الرَّهْنَ يُرَدُّ عَلَى الرَّاهِنِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُقْضَى بِهِ رَهْنًا وَيُجْعَلُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ الَّذِي أَقَامَ الْبَيِّنَةَ وَعَلَى يَدِ عَدْلٍ، فَإِنْ قَضَى الرَّاهِنُ الْمُرْتَهِنَ الْمُقِيمَ الْبَيِّنَةَ فَلَهُ أَخْذُ الرَّهْنِ، فَإِنْ هَلَكَ الرَّهْنُ ذَهَبَ نَصِيبُهُ لَا نَصِيبُ الْجَاحِدِ وَلَا رِوَايَةَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيهِ لِمُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْمُدَّعِي إثْبَاتُ الرَّهْنِ عَلَى الرَّاهِنِ إلَّا بَعْدَ إثْبَاتِهِ عَلَى صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ مِنْ اثْنَيْنِ لَا يَصِحُّ إلَّا بِقَبُولِهِمَا جَمِيعًا فَكَانَ الرَّهْنُ مِنْ صَاحِبِهِ سَبَبًا لِثُبُوتِ الرَّهْنِ فِي حَقِّهِ وَمَنْ أَنْكَرَ سَبَبَ ثُبُوتِ حَقِّ إنْسَانٍ يَنْتَصِبُ خَصْمًا لَهُ فَقَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى خَصْمِهِ كَمَا لَوْ ادَّعَى عَيْنًا فِي يَدِ إنْسَانٍ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ عَلَى ذَلِكَ وَمَتَى ثَبَتَ الرَّهْنُ مِنْهُمَا يُوضَعُ فِي نَوْبَةِ الْجَاحِدِ عَلَى يَدِ عَدْلٍ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ فِي حَقِّ الْجَاحِدِ غَيْرُ ثَابِتٍ فِي حَقِّ الْمُدَّعِي وَالرَّاهِن مَا رَضِيَ بِحِفْظِ الْمُدَّعِي وَحْدَهُ وَلِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ مَا يَدَّعِيهِ عَلَى صَاحِبِهِ لَيْسَ سَبَبًا لِثُبُوتِ حَقِّهِ بَلْ هُوَ شَرْطٌ لِثُبُوتِ حَقِّهِ لَا قَوْلِ صَاحِبِهِ فَلَا يُمْكِنُهُ إثْبَاتُ قَوْلِ صَاحِبِهِ وَهُوَ جَاحِدٌ كَمَا لَوْ اُدُّعِيَا هُنَا مِنْ اثْنَيْنِ وَهُوَ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا وَرَاهِنُ ذِي الْيَدِ حَاضِرٌ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ عَلَى إثْبَاتِ الرَّهْنِ عَلَى الْغَائِبِ كَمَا بَيَّنَّا فَكَذَا هَذَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمُرَجِّعُ وَالْمَآبُ. [بَابٌ مَا يَجُوزُ ارْتِهَانُهُ وَالِارْتِهَانُ بِهِ وَمَا لَا يَجُوزُ] لَمَّا ذَكَرَ مُقَدَّمَاتِ مَسَائِلِ الرَّهْنِ ذَكَرَ فِي هَذَا الْبَابِ تَفْصِيلَ مَا يَجُوزُ ارْتِهَانُهُ وَالِارْتِهَانُ بِهِ وَمَا لَا يَجُوزُ إذْ التَّفْصِيلُ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الْإِجْمَالِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَجُوزُ رَهْنُ الْمُشَاعِ) يَعْنِي لَا يَصِحُّ رَهْنُ الْمُشَاعِ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ وَمَا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ رَهْنُ الْمُشَاعِ قَابِلُ الْقِسْمَةِ وَغَيْرُهُ فَاسِدٌ يَتَعَلَّقُ بِهِ الضَّمَانُ إذَا قُبِضَ، وَقِيلَ بَاطِلٌ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الضَّمَانُ، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْبَاطِلَ مِنْهُ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ الرَّهْنُ مَالًا، وَلَمْ يَكُنْ الْمُقَابِلُ بِهِ مَضْمُونًا وَمَا نَحْنُ فِيهِ لَيْسَ كَذَلِكَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْقَبْضَ شَرْطُ تَمَامِ الْعَقْدِ لَا شَرْطُ جَوَازِهِ، وَقَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَجُوزُ؛ لِأَنَّ مُوجِبَهُ عِنْدَهُ بَيْعُهُ وَالْمُشَاعُ لَا يَمْتَنِعُ بَيْعُهُ وَلَنَا أَنَّ مُوجِبَهُ ثُبُوتُ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ وَاسْتِحْقَاقُ الْحَبْسِ الدَّائِمِ وَلَا يُتَصَوَّرُ الْحَبْسُ الدَّائِمُ فِي الْمُشَاعِ؛ لِأَنَّهُ يَبْطُلُ بِالْمُهَايَأَةِ قَبَضَهُ كَأَنَّهُ رَهَنَهُ يَوْمًا وَيَوْمًا لَا وَلِهَذَا يَسْتَوِي فِيهِ مَا يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ وَمَا لَا يَقْبَلُهَا بِخِلَافِ الْهِبَةِ حَيْثُ تَجُوزُ فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ؛ لِأَنَّ مُوجِبَهَا الْمِلْكُ وَلَا يَمْتَنِعُ بِالشُّيُوعِ وَلَا يَجُوزُ مِنْ شَرِيكِهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْيَدِ فِي الْمُشَاعِ لَا يُتَصَوَّرُ وَلِأَنَّهُ لَوْ جَازَ لَأَمْسَكَهُ يَوْمًا بِحُكْمِ الرَّهْنِ وَيَوْمًا بِحُكْمِ الْمِلْكِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 275 رَهَنَهُ يَوْمًا وَيَوْمًا لَا بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ حَيْثُ تَجُوزُ فِي الْمُشَاعِ مِنْ الشَّرِيكِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهَا التَّمَكُّنُ مِنْ الِانْتِفَاعِ لَا الْحَبْسُ وَالشَّرِيكُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ ذَلِكَ وَالشُّيُوعُ الطَّارِئُ يَمْنَعُ بَقَاءَ الرَّهْنِ فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يَمْنَعُ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْبَقَاءِ أَسْهَلُ مِنْ الِابْتِدَاءِ فَأَشْبَهَ الْهِبَةَ. وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ الِامْتِنَاعَ لِعَدَمِ الْمَحَلِّيَّةِ، وَفِي مِثْلِهِ يَسْتَوِي الِابْتِدَاءُ وَالْبَقَاءُ كَالْحُرِّيَّةِ فِي بَابِ النِّكَاحِ بِخِلَافِ الْهِبَةِ؛ لِأَنَّ الْمُشَاعَ لَا يُمْكِنُ حُكْمُهَا وَهُوَ الْمِلْكُ وَالْمَنْعُ فِي الِابْتِدَاءِ لِنَفْيِ الْغَرَامَةِ عَلَى مَا عَرَفَ وَلَا حَاجَةَ إلَى اعْتِبَارِهِ فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ وَلِهَذَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ فِي بَعْضِ الْمَوْهُوبِ وَلَا يَصِحُّ الْفَسْخُ فِي بَعْضِ الْمَرْهُونِ قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَلَا يَجُوزُ مَا هُوَ مَشْغُولٌ بِحَقِّ الْغَيْرِ، وَلَوْ رَهَنَ عَبْدًا نِصْفَهُ بِسِتِّمِائَةٍ وَنِصْفَهُ بِخَمْسِمِائَةٍ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا سُمِّيَ النِّصْفُ بَدَلًا عَلَى حِدَتِهِ صَارَ صَفْقَتَيْنِ كَأَنَّهُ رَهَنَ كُلَّ نِصْفٍ بِصَفْقَةٍ فِي الِابْتِدَاءِ فَوَقَعَ شَائِعًا فَلَا يَجُوزُ، وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْمَانِعَ هُوَ الْإِشَاعَةُ فِي الْعَقْدِ لِظَاهِرِ قَوْلِهِ فَيَصِيرُ تَفْرِيعًا إلَى آخِرِهِ مَعَ أَنَّ الْمَانِعَ الْإِشَاعَةُ عِنْدَ الْقَبْضِ فَلَوْ قَالَ وَلَا يَجُوزُ رَهْنُ الْمُشَاعِ عَقْدًا وَقَبْضًا لَكَانَ أَوْلَى، وَلَوْ رَهَنَ قُلْبًا وَزْنُهُ عِشْرُونَ دِرْهَمًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَكَسَرَهُ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ نِصْفَ الْقُلْبَ وَيَصِيرُ شَرِكَةً بَيْنَهُمَا بِصُورَةِ الشُّيُوعِ الطَّارِئِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا الثَّمَرَةُ عَلَى النَّخْلِ دُونَهَا وَلَا زَرْعٌ فِي الْأَرْضِ دُونَهَا وَلَا نَخْلٌ فِي الْأَرْضِ دُونَهَا) ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ شَرْطٌ فِي الرَّهْنِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلَا يُمْكِنُ قَبْضُ الْمُتَّصِلِ وَحْدَهُ فَصَارَ فِي مَعْنَى الْمُشَاعِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ رَهْنَ الْأَرْضِ دُونَ الشَّجَرِ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الشَّجَرَ اسْمٌ لِلنَّبَاتِ فَيَكُونُ اسْتِثْنَاءُ الْأَشْجَارِ بِمَوَاضِعِهَا بِخِلَافِ مَا إذَا رَهَنَ الدَّارَ دُونَ الْبِنَاءِ؛ لِأَنَّ الْبِنَاءَ اسْمٌ لِلْمَبْنِيِّ فَتَكُونُ الْأَرْضُ جَمِيعًا رَهْنًا وَهِيَ مَشْغُولَةٌ بِمِلْكِ الرَّاهِنِ، وَلَوْ رَهَنَ النَّخْلَ بِمَوَاضِعِهَا جَازَ؛ لِأَنَّهُ رَهَنَ الْأَرْضَ بِمَا فِيهَا مِنْ النَّخْلِ وَذَلِكَ جَائِزٌ وَمُجَاوَرَةُ مَا لَيْسَ بِرَهْنٍ لَا يَمْنَعُ الصِّحَّةَ وَيَدْخُلُ فِي رَهْنِ الْأَرْضِ النَّخْلُ وَالتَّمْرُ عَلَى النَّخْلِ وَالزَّرْعُ وَالرَّطْبَةُ وَالْبِنَاءُ وَالْغَرْسُ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِاتِّصَالِهِ فَيَدْخُلُ تَبَعًا تَصْحِيحًا لِلْعَقْدِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ حَيْثُ لَا تَدْخُلُ هَذِهِ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ سِوَى النَّخْلِ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْأَرْضِ بِدُونِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ جَائِزٌ فَلَا حَاجَةَ إلَى إدْخَالِهَا فِي الْبَيْعِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ وَبِخِلَافٍ الْمَتَاعِ الْمَوْضُوعِ بِهَا حَيْثُ لَا يَدْخُلُ فِي الرَّهْنِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَابِعٍ لَهَا وَلِهَذَا لَوْ بَاعَهَا بِكُلِّ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ هُوَ فِيهَا أَوْ مِنْهَا لَا يَدْخُلُ الْمَتَاعُ، وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ تَدْخُلُ. وَكَذَا تَدْخُلُ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ فِي رَهْنِ الدَّارِ وَالْقَرْيَةِ لِمَا ذَكَرْنَا، وَلَوْ اُسْتُحِقَّ بَعْضُهُ إنْ كَانَ الْبَاقِي يَجُوزُ ابْتِدَاءُ الرَّهْنِ عَلَيْهِ وَأَخْذُهُ جَازَ وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ الْمُسْتَحَقُّ مَوْضِعًا مُعَيَّنًا؛ لِأَنَّ رَهْنَهُ ابْتِدَاءً يَجُوزُ فَكَذَا بَقَاءً، وَإِنْ كَانَ الْبَاقِي لَا يَجُوزُ ابْتِدَاءُ الرَّهْنِ عَلَيْهِ بِأَنْ اسْتَحَقَّ جُزْءًا شَائِعًا أَوْ مَا هُوَ فِي مَعْنَى الشَّائِعِ كَالتَّمْرِ وَنَحْوِهِ بَطَلَ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ بِالِاسْتِحْقَاقِ أَنَّ الرَّهْنَ وَقَعَ بَاطِلًا وَيَمْنَعُ التَّسْلِيمَ كَوْنُ الرَّاهِنِ أَوْ مَتَاعِهِ فِي الدَّارِ الْمَرْهُونَةِ حَتَّى إذَا رَهَنَ دَارًا وَهُوَ فِيهَا، وَقَالَ سَلَّمْتهَا إلَيْك لَا يَتِمُّ الرَّهْنُ حَتَّى يَقُولَ بَعْدَ مَا خَرَجَ مِنْ الدَّارِ سَلَّمْتهَا إلَيْك؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ الْأَوَّلَ وَهُوَ فِيهَا وَقَعَ بَاطِلًا لِشُغْلِهَا بِهِ وَلَا بُدَّ مِنْ تَجْدِيدِ التَّسْلِيمِ بَعْدَ الْخُرُوجِ مِنْهَا كَمَا إذَا سَلَّمَهَا وَمَتَاعُهُ فِيهَا وَيُمْنَعُ تَسْلِيمُ الدَّابَّةِ الْمَرْهُونَةِ الْحِمْلِ الَّذِي عَلَيْهَا فَلَا يَتِمُّ حَتَّى يُلْقَى الْحِمْلُ بِخِلَافِ مَا إذَا رَهَنَ الْحِمْلَ دُونَهَا حَتَّى يَكُونَ رَهْنًا إذَا دَفَعَ الدَّابَّةَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الدَّارَ مَشْغُولَةٌ فَصَارَ كَمَا إذَا رَهَنَ مَتَاعًا فِي دَارٍ أَوْ فِي وِعَاءٍ دُونَ الدَّارِ، وَالْوِعَاءُ بِخِلَافِ مَا إذَا رَهَنَ سَرْجًا عَلَى دَابَّةٍ أَوْ لِجَامًا فِي رَأْسِهَا وَدَفَعَ الدَّابَّةَ فِي السَّرْجِ وَاللِّجَامِ حَيْثُ لَا يَكُونُ رَهْنًا حَتَّى يَنْزِعَهُ مِنْهَا ثُمَّ يُسَلِّمَهُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَوَابِعِ الدَّابَّةِ بِمَنْزِلَةِ الثَّمَرَةِ لِلنَّخْلِ حَتَّى قَالُوا يَدْخُلُ فِي رَهْنِ الدَّابَّةِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ، وَفِي التَّتِمَّةِ سَأَلَ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ عَنْ رَجُلٍ عَمَّرَ عِمَارَةً عَلَى أَرْضِ السُّلْطَانِ كَحَانُوتٍ أَوْ غَيْرِهِ وَرَهَنَهُ وَسَلَّمَ لِلْمُرْتَهِنِ أَخَذَ الْأُجْرَةَ قَالَ لَا يَصِحُّ وَلَا يَطِيبُ لِلْمُرْتَهِنِ. قَالَ: وَفِي الْمُحِيطِ: وَلَوْ رَهَنَ النَّخْلَ وَالشَّجَرَ وَالْكَرْمَ بِمَوَاضِعِهَا مِنْ الْأَرْضِ جَازَ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ قَبْضُهَا بِمَا فِيهَا بِالتَّخْلِيَةِ قُيِّدَ بِقَوْلِهِ دُونَهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقُلْ دُونَهَا لَصَحَّ الرَّهْنُ فِي الْكُلِّ، وَلَوْ قَالَ رَهَنْتُك هَذِهِ الْأَرْضَ أَوْ هَذِهِ الدَّارَ يَدْخُلُ فِي الرَّهْنِ كُلُّ مَا كَانَ مُتَّصِلًا بِالْمَرْهُونِ مِنْ الْبِنَاءِ وَالشَّجَرِ وَالثَّمَرِ وَالزَّرْعِ وَالرَّطْبَةِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ لَا يَجُوزُ بِدُونِ مَا يَصِلُ بِهِ فَكَانَ إطْلَاقُ الْعَقْدِ يَنْصَرِفُ إلَى مَا فِيهِ تَصْحِيحُهُ فَيَدْخُلُ فِي الرَّهْنِ تَبَعًا تَحَرِّيًا لِلْجَوَازِ، وَلَوْ رَهَنَ الدَّارَ بِمَا فِيهَا صَحَّ إذَا خَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدَّارِ بِمَا فِيهَا وَيَصِيرُ الْكُلُّ رَهْنًا. وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - سُئِلَ عَنْ رَهْنِ عَشَرَةٍ مِنْ الْكُرْدِ وَقَبَضَهَا الْمُرْتَهِنُ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ وَاحِدَةً مُسْبِلَةً وَأُخْرَى مُشَاعَةَ بَيْنَ الرَّاهِنِ وَغَيْرِهِ كَيْفَ يَبْقَى الرَّهْنُ فِي الْبَوَاقِي مِنْ الْكُرْدِ الْفَارِغَةِ، فَقَالَ فِي الْبَوَاقِي الرَّهْنُ صَحِيحٌ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 276 وَاَللَّهُ أَعْلَمُ حَتَّى لَوْ بَاعَ هَذِهِ الْكُرْدَةَ الْفَارِغَةَ لَا يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ إجَازَةِ الْمُرْتَهِنِ حَتَّى يَقْضِيَ بِالدَّيْنِ وَسُئِلَ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ وَالْخُجَنْدِيُّ عَنْ الرَّجُلِ اسْتَأْجَرَ دَارًا إجَارَةً صَحِيحَةً وَسَلَّمَهَا فَارِغَةً، ثُمَّ إنَّ الْمُؤَجِّرَ رَهْنَهَا مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ بِقَدْرٍ مَعْلُومٍ هَلْ يَصِحُّ هَذَا الرَّهْنُ وَهَلْ تَبْقَى الْإِجَارَةُ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ تَصِيرُ رَهْنًا مَعَ وُجُودِ الْقَبْضِ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ صَحَّ الرَّهْنُ وَانْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ وَعَنْ أَبِي حَامِدٍ رَجُلٌ دَفَعَ لِرَجُلٍ رَهْنًا عَلَى ثَمَانِمِائَةٍ فَدَفَعَ لَهُ ثَلَاثَمِائَةٍ بَعْدَ أَنْ قَبَضَ الرَّهْنَ وَامْتَنَعَ مِنْ دَفْعِ الْبَاقِي. قَالَ يَكُونُ رَهْنًا بِهَذَا الْقَدْرِ وَسُئِلَ أَبُو يُوسُفَ عَنْ الدَّارِ الْمَرْهُونَةِ إذَا غُصِبَتْ مِنْ إنْسَانٍ وَأَتْلَفَ مِنْهَا جُزْءًا أَوْ كُلَّهَا يَضْمَنُ ذَلِكَ الْمُرْتَهِنُ قَالَ يَضْمَنُ، وَكَذَا ذَكَرَ ذَلِكَ الْحَلْوَانِيُّ فِي شَرْحِهِ وَسُئِلَ الْخُجَنْدِيُّ عَنْ رَجُلٍ رَهَنَ عِنْدَ آخَرَ وَكَفَلَتْ زَوْجَتُهُ لِرَبِّ الدَّيْنِ بِإِذْنِ الزَّوْجِ فَطَالَبَ رَبُّ الدَّيْنِ الْكَفِيلَ بِإِيفَاءِ الدَّيْنِ فَحَبَسَهُ الْقَاضِي وَعَجَزَ عَنْ أَدَائِهِ هَلْ لِلْقَاضِي أَنْ يَبِيعَ الرَّهْنَ قَالَ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ وَعَلَى قَوْلِهِمَا نَعَمْ وَسُئِلَ أَبُو الْفَضْلِ عَنْ رَجُلٍ رَهَنَ عِنْدَ آخَرَ دَارًا إلَى سَنَةٍ بِدَيْنٍ عَلَى الرَّاهِنِ وَقَبَضَ الدَّارَ هَلْ يَكُونُ التَّأْجِيلُ مُفْسِدًا لِلرَّهْنِ قَالَ إنْ كَانَ الْأَجَلُ فِي الرَّهْنِ فَسَدَ، وَإِنْ كَانَ فِي الدَّيْنِ لَا يَفْسُدُ، وَهَكَذَا فِي الْإِيضَاحِ سُئِلَ عَنْ الْمُرْتَهِنِ إذَا مَاتَ وَوَرَثَتُهُ يَعْرِفُونَ الرَّهْنَ وَلَا يَعْرِفُونَ الرَّاهِنَ وَيَطْلُبُونَ الْخُرُوجَ عَنْ الْعُهْدَةِ هَلْ يَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ اللُّقَطَةِ قَالَ يُحْفَظُ حَتَّى يَظْهَرَ الْمَالِكُ، وَفِي التَّجْرِيدِ لَوْ رَهَنَ عَبْدَيْنِ أَوْ ثَوْبَيْنِ، وَلَمْ يُسَمِّ لِكُلِّ وَاحِدٍ شَيْئًا مِنْ الدَّيْنِ يَقْسِمُ الدَّيْنَ عَلَى قِيمَةِ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ فَمَا أَصَابَ كُلُّ وَاحِدٍ وَهُوَ مَضْمُونٌ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِمَّا سُمِّيَ أَوْ رَهَنَ شَاتَيْنِ بِثَلَاثِينَ أَحَدِهِمَا بِعَشَرَةٍ وَالْأُخْرَى بِعِشْرِينَ، وَلَمْ يُبَيِّنْ أَيَّهُمَا لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ بِسَبَبِ هَذِهِ الْجَهَالَةِ تَقَعُ بَيْنَهُمَا مُنَازَعَةٌ عِنْدَ الْهَلَاكِ، فَإِنَّهُ إذَا هَلَكَتْ إحْدَاهُمَا لَا يَدْرِي مَا يُسْقِطُ مِنْ الدَّيْنِ بِأَدَاءِ عَشَرَةٍ أَوْ عِشْرِينَ فَيَتَنَازَعَانِ فِي ذَهَابِ الدَّيْنِ بِهَلَاكِهَا فَلَوْ بَيَّنَ فَهَلَكَ أَحَدُهُمَا سَقَطَ مِنْ الدَّيْنِ بِقَدْرِهَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا بَيَّنَ حِصَّةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الدَّيْنِ انْقَطَعَتْ الْمُنَازَعَةُ، وَفِي الْمُنْتَقَى. وَلَوْ قَالَ رَهَنْتُك النَّخْلَ بِأُصُولِهِ جَازَ إذَا سَمَّى بِأُصُولِهِ، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ بِأُصُولِهِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ إلَّا بِأُصُولِهِ فَلَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ بِدُونِهِ، وَذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ رَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي رَجُلٍ عِنْدَ رَجُلٍ جَارِيَةٌ لَهَا زَوْجٌ فَالرَّهْنُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يُوجِبُ نَقْصًا فِي الرِّقِّ وَالْمَالِيَّةِ، وَلَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ مَنْعُ الزَّوْجِ مِنْ غَشَيَانِهَا؛ لِأَنَّهُ رَهَنَهَا وَهِيَ مَشْغُولَةٌ بِحَقِّ الزَّوْجِ وَحَقُّ الْمُرْتَهِنِ لَا يَتَعَلَّقُ بِمَنَافِعِ الْبُضْعِ فَحَقُّ الزَّوْجِ فِيهَا لَا يُفْسِدُ الرَّهْنَ، فَإِنْ وَطِئَهَا الزَّوْجُ فَمَاتَتْ مِنْ ذَلِكَ سَقَطَ الدَّيْنُ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ مِنْ الزَّوْجِ لَيْسَ بِجِنَايَةٍ فَأَشْبَهَ الْمَوْتَ مِنْ الْمَرَضِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَلَوْ رَهَنَ جَارِيَةً لَا زَوْجَ لَهَا فَزَوَّجَهَا الرَّاهِنُ بِرِضَى الْمُرْتَهِنِ فَهَذَا مِثْلُ الْأَوَّلِ، وَلَوْ زَوَّجَهَا بِغَيْرِ رِضَا الْمُرْتَهِنِ جَازَ النِّكَاحُ لِقِيَامِ مِلْكِهِ فِيهَا وَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ غَشَيَانِهَا؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَمْ يُعْقَدْ بِرِضَاهُ وَثُبُوتُ حَقِّهِ فِي الْحَبْسِ سَابِقٌ عَلَى تَعَلُّقِ حَقِّ الزَّوْجِ فَإِنْ غَشِيَهَا فَالْمَهْرُ رَهْنٌ مَعَهَا، وَإِنْ لَمْ يَغْشَهَا لَمْ يَكُنْ الْمَهْرُ رَهْنًا مَعَهَا؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ الْوَطْءِ، فَإِنْ مَاتَتْ مِنْ غَشَيَانِهَا، فَإِنْ شَاءَ الْمُرْتَهِنُ ضَمَّنَ الرَّاهِنَ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الزَّوْجَ، فَإِنْ ضَمِنَ الزَّوْجُ يَرْجِعُ عَلَى الْمَوْلَى إنْ كَتَمَ الرَّهْنَ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَوْقَعَهُ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَتَمَهُ عَنْهُ لَا يَرْجِعُ. ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رَجُلٌ أَعْتَقَ مَا فِي بَطْنِ جَارِيَتِهِ، ثُمَّ رَهَنَهَا الْمَوْلَى فَالرَّهْنُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ لِمَوْلَاهُ، وَإِنْ وَلَدَتْ فَنَقَصَتْهَا الْوِلَادَةُ لَمْ يَذْهَبْ مِنْ الدَّيْنِ شَيْءٌ بِنُقْصَانِ الْوِلَادَةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا رَهَنَهَا وَهِيَ حَامِلٌ وَالْحَمْلُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ الْوِلَادَةِ وَالْوِلَادَةُ لَا تَنْفَكُّ عَنْ النُّقْصَانِ عَادَةً فَهَذَا النُّقْصَانُ حَصَلَ بِسَبَبٍ فِي يَدِ الرَّاهِنِ فَلَا يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَى الْمُرْتَهِنِ، وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ دِينَارٌ فَدَفَعَ إلَيْهِ دِينَارَيْنِ، فَقَالَ خُذْ أَحَدَهُمَا قَضَاءً يَكُونُ لَك فَضَاعَا قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ فَدَيْنُهُ عَلَى حَالِهِ وَهُوَ مُؤْتَمَنٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ الِاقْتِضَاءُ وَالِاسْتِيفَاءُ إلَّا بَعْدَ الْقَبْضِ وَقَبْضُ الْمَجْهُولِ لَا يُتَصَوَّرُ، وَلَوْ قَالَ آخُذُهُمَا قَضَاءً لَك كَانَ قَبْضًا لَهُ بِدَيْنِهِ وَلَا يُشْبِهُ هَذَا الرَّهْنَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا بِالْأَمَانَاتِ وَبِالدَّرَكِ وَبِالْمَبِيعِ) أَيْ لَا يَجُوزُ الرَّهْنُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ أَمَّا بِالْأَمَانَاتِ كَالْوَدِيعَةِ وَالْعَارِيَّةِ وَالْمُضَارَبَةِ وَمَالِ الشَّرِكَةِ فَلِأَنَّ الرَّهْنَ مَضْمُونٌ بِمَا رَهَنَ بِهِ لِكَوْنِهِ اسْتِيفَاءً فَلَا بُدَّ مِنْ ضَمَانِ الْمَرْهُونِ لِيَقَعَ الرَّهْنُ مَضْمُونًا وَيَتَحَقَّقُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ الرَّهْنِ وَالْأَمَانَاتُ لَيْسَتْ بِمَضْمُونَةٍ وَلَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهَا مِنْ عَيْنِهَا حَالَ بَقَائِهَا وَعَدَمِ وُجُوبِ الضَّمَانِ بَعْدَ هَلَاكِهَا فَصَارَ كَالْعَبْدِ الْجَانِي وَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَالشُّفْعَةِ غَيْرَ مَضْمُونَةٍ عَلَى الْمُشْتَرِي بِخِلَافِ الْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ كَالْمَغْصُوبِ وَبَدَلِ الْخَلْعِ وَالْمَهْرِ وَبَدَلِ الصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ حَيْثُ يَصِحُّ الرَّهْنُ بِهَا؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ فِيهَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 277 يَتَقَدَّرُ إذْ الْوَاجِبُ فِيهَا الْقِيمَةُ وَالْعَيْنُ مَخْلَصٌ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَلِلْقِيمَةِ فِيهَا شُبْهَةُ الْوُجُوبِ عَلَى مَا قَالَهُ الْبَعْضُ فَيَكُونُ رَهْنًا بِمَا تَعَذَّرَ وُجُوبُهُ وَسَبَبُهُ. وَأَمَّا الدَّرَكُ فَلِأَنَّ الرَّهْنَ اسْتِيفَاءٌ وَلَا اسْتِيفَاءَ قَبْلَ الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الدَّرَكِ ضَمَانُ الثَّمَنِ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِ الْمَبِيعِ فَمَا لَا يُسْتَحَقُّ لَا يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ رَدُّ الثَّمَنِ، وَكَذَا بَعْدَ الِاسْتِحْقَاقِ حَتَّى يُحْكَمَ بِرَدِّ الثَّمَنِ وَيُفْسَخَ الْبَيْعُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُجِيزَ الْمُسْتَحِقُّ الْبَيْعَ بِخِلَافِ الْكَفَالَةِ بِهِ حَيْثُ تَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ يَجُوزُ تَعْلِيقُهَا بِشَرْطٍ مُلَائِمٍ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ؛ لِأَنَّهَا الْتِزَامُ الْمُطَالَبَةِ وَالْتِزَامُ الْأَفْعَالِ مُعَلَّقًا أَوْ مُضَافًا إلَى الْمَالِ جَائِزٌ كَمَا فِي الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ، وَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ مَعْنَى التَّمْلِيكِ وَلَا كَذَلِكَ الرَّهْنُ، فَإِنَّهُ اسْتِيفَاءٌ فَيَكُونُ تَمْلِيكًا وَالتَّمْلِيكَاتُ بِأَسْرِهَا لَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهَا وَلَا إضَافَتُهَا فَافْتَرَقَا. وَلَوْ قُبِضَ الرَّهْنُ بِالدَّرَكِ قَبْلَ الْوُجُوبِ بِالِاسْتِحْقَاقِ فَهَلَكَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي يَهْلِكُ أَمَانَةً؛ لِأَنَّهُ لَا عَقْدَ حِينَئِذٍ فَوَقَعَ بَاطِلًا بِخِلَافِ الرَّهْنِ بِالدَّيْنِ الْمَوْعُودِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ رَهَنْتُك هَذَا بِأَلْفٍ لِتُقْرِضَنِي وَهَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ حَيْثُ يَهْلِكُ مَا سَمَّى مِنْ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْمَوْعُودَ جُعِلَ كَالْمَوْجُودِ بِاعْتِبَارِ الْحَاجَةِ بَلْ جَعَلَ مَوْجُودًا اقْتِضَاءً؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ اسْتِيفَاءٌ وَالِاسْتِيفَاءُ لَا يَسْبِقُ الْوُجُوبَ بَلْ يَتْلُوهُ وَلَا بُدَّ مِنْ سَبْقِ الْوُجُودِ لِيَكُونَ الِاسْتِيفَاءُ مُتَسَبِّبًا عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ مَقْبُوضٌ بِجِهَةِ الرَّهْنِ الَّذِي يَصِحُّ عَلَى اعْتِبَارِ وُجُودِهِ فَيُعْطَى لَهُ حُكْمُهُ كَالْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ فَيَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِالْأَقَلِّ مِمَّا سَمَّى وَمِنْ قِيمَةِ الرَّهْنِ إذَا سَمَّى قَدْرَ الْمَوْعُودِ، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ قَدْرَهُ بِأَنْ رَهَنَهُ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ شَيْئًا فَهَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِهِ يُعْطِي الْمُرْتَهِنُ الرَّاهِنَ مَا شَاءَ؛ لِأَنَّهُ بِالْهَلَاكِ صَارَ مُسْتَوْفِيًا شَيْئًا فَيَكُونُ بَيَانُهُ إلَيْهِ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِذَلِكَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَوْ قَالَ أَقْرِضْنِي وَخُذْ هَذَا رَهْنًا، وَلَمْ يُسَمِّ شَيْئًا وَهَلَكَ يَضْمَنُ قِيمَةَ الرَّهْنِ بِخِلَافِ الْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ حَيْثُ يَجِبُ عَلَى الْقَابِضِ جَمِيعُ قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ بِنَفْسِهِ كَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَالْمَغْصُوبِ فَلَا يَتَقَدَّرُ بِغَيْرِهِ وَلَا كَذَلِكَ الرَّهْنُ، فَإِنَّهُ مَضْمُونٌ بِغَيْرِهِ وَهُوَ الدَّيْنُ فَيَكُونُ مُقَدَّرًا بِهِ. وَرَوَى الْمُعَلَّى عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ تَجِبُ قِيمَةُ الرَّهْنِ فِي الدَّيْنِ الْمَوْعُودِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ كَالْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ. وَأَمَّا بِالْمَبِيعِ فَلِأَنَّهُ مَضْمُونٌ بِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ بِالثَّمَنِ حَتَّى إذَا هَلَكَ ذَهَبَ بِالثَّمَنِ فَلَا يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ شَيْءٌ وَالرَّهْنُ لَا يَجُوزُ إلَّا بِالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ بِنَفْسِهَا وَلَا يَجُوزُ بِالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ بِغَيْرِهَا كَالرَّهْنِ، وَإِنْ كَانَ هَلَكَ الرَّهْنُ بِالْمَبِيعِ ذَهَبَ بِغَيْرِ شَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ اعْتِبَارُ الْبَاطِلِ فَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي شَيْءٌ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنَّمَا يَصِحُّ بِدَيْنٍ، وَلَوْ مَوْعُودًا) وَلَا يَصِحُّ بِغَيْرِهِ، وَقَدْ بَيَّنَّا الْمَعْنَى فِيهِ وَهُوَ أَنَّ الرَّهْنَ اسْتِيفَاءٌ وَالِاسْتِيفَاءُ يَتَحَقَّقُ فِي الْوَاجِبِ وَهُوَ الدَّيْنُ، ثُمَّ وُجُوبُ الدَّيْنِ ظَاهِرًا يَكْفِي لِصِحَّةِ الرَّهْنِ وَلَا يُشْتَرَطُ وُجُوبُهُ حَقِيقَةً لِمَا ذَكَرْنَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، فَإِذَا هَلَكَ الرَّهْنُ بِالْمَوْعُودِ هَلَكَ بِمَا يُسَمَّى مِنْ الْمَالِ قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ فِيهِ تَسَامُحٌ؛ لِأَنَّهُ يَهْلِكُ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِمَّا سُمِّيَ لَهُ مِنْ الْقَرْضِ، أَلَا تَرَى إلَى مَا قَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَلَوْ أَخَذَ الرَّهْنَ بِشَرْطِ أَنْ يُقْرِضَهُ كَذَا فَهَلَكَ فِي يَدِهِ قَبْلَ أَنْ يُقْرِضَهُ هَلَكَ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِمَّا سُمِّيَ لَهُ الْقَرْضُ اهـ. قَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ حَيْثُ قَالَ هَلَكَ بِمَا يُسَمِّي مِنْ الْمَالِ بِمُقَابَلَتِهِ هَذَا إذَا سَاوَى الرَّهْنُ الدَّيْنَ قِيمَةً وَإِنَّمَا أُطْلِقَ جَرْيًا عَلَى الْعَادَةِ إذْ الظَّاهِرُ أَنْ يُسَاوِيَ الرَّهْنُ الدَّيْنَ اهـ. وَاقْتَفَى أَثَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ أَقُولُ: فِيهِ قُصُورٌ بَيِّنٌ، فَإِنَّ مَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ كَمَا يَتَمَشَّى فِيمَا إذَا سَاوَى قِيمَةُ الرَّهْنِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ الدَّيْنِ فَلَا حَاجَةَ لِتَخْصِيصِهِ بِصُورَةِ الْمُسَاوَاةِ فَالْحَقُّ أَنْ يُقَالَ فِي الْبَيَانِ هَذَا إذَا سَاوَى قِيمَةَ الرَّهْنِ مَا سُمِّيَ لَهُ مِنْ الْقَرْضِ أَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ. وَأَمَّا إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَيَهْلِكُ بِقِيمَةِ الرَّهْنِ إذَا فَسَدَ تَقَرَّرَ فِيمَا مَرَّ أَنَّ الرَّهْنَ مَضْمُونٌ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ وَلَكِنْ الْمُصَنِّفُ ذَكَرَ هُنَا قَوْلَهُ حَيْثُ يَهْلِكُ بِمَا سَمَّى لَهُ مِنْ الدَّيْنِ فِي صُورَةِ الْإِطْلَاقِ جَرْيًا عَلَى مَا هُوَ الظَّاهِرُ الْغَالِبُ مِنْ كَوْنِ قِيمَةِ الرَّهْنِ مُسَاوِيَةً لِلدَّيْنِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي الْفَتَاوَى رَجُلٌ دَخَلَ الْمَدِينَةَ وَنَزَلَ خَانًا، فَقَالَ صَاحِبُ الْخَانِ لَا يَنْزِلُ هُنَا أَحَدٌ مَا لَمْ يُعْطِ شَيْئًا فَدَفَعَ إلَيْهِ ثِيَابَهُ فَهَلَكَتْ عِنْدَهُ إنْ رَهَنَهَا مِنْ قَبْلِ الْأُجْرَةِ فَالرَّهْنُ بِمَا فِيهِ، وَإِنْ أَخَذَهَا مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ ظَنَّهُ سَارِقًا فَخَشِيَ مِنْهُ يَضْمَنُ صَاحِبُ الْخَانِ، كَذَا قَالَ عِصَامُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَعِنْدِي أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُكْرَهًا بِالدَّفْعِ إلَيْهِ، وَلَوْ رَهَنَ ثَوْبًا، فَقَالَ أَمْسِكْهُ بِعِشْرِينَ دِرْهَمًا فَهَلَكَ الثَّوْبُ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ قَبْلَ أَنْ يُعْطِيَهُ شَيْئًا فَعَلَيْهِ قِيمَةُ الثَّوْبِ إلَّا أَنْ يُجَاوِزَ قِيمَتُهُ عِشْرِينَ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ مَضْمُونٌ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الرَّهْنِ رَهْنُ دَابَّتَيْنِ عَلَى أَنْ يُقْرِضَهُ مِائَةً، وَقِيمَةُ إحْدَاهُمَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 278 خَمْسُونَ وَالْأُخْرَى ثَلَاثُونَ فَقَبَضَ مَا قِيمَتَهَا خَمْسُونَ فَهَلَكَتْ يَرُدُّ خَمْسِينَ؛ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ لَا بِالْمُسَمَّى كَالْمَقْبُوضِ بِجِهَةِ الْبَيْعِ. فَإِنْ بَدَا لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْأُخْرَى لَهُ ذَلِكَ وَلَا يُجْبَرُ عَلَى الْقَرْضِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ لَازِمٌ فِي جَانِبِ الرَّاهِنِ فَمَا شَرَطَ عَلَى الرَّاهِنِ فِي الرَّهْنِ يَكُونُ لَازِمًا، وَفِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ فِيهِ لَا يَكُونُ لَازِمًا وَالْقَرْضُ مَشْرُوطٌ عَلَى الْمُرْتَهِنِ فَلَا يَكُونُ لَازِمًا فِي حَقِّهِ، وَلَوْ نَفَقَتْ الْأُخْرَى عِنْدَ الرَّهْنِ وَاخْتُلِفَ فِي قِيمَةِ الَّتِي هَلَكَتْ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ فَالْقَوْلُ لِلْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ يَدَّعِي عَلَى الْمُرْتَهِنِ زِيَادَةَ ضَمَانٍ وَهُوَ يُنْكِرُ، وَإِنْ نَفَقَتْ إحْدَاهُمَا يُنْظَرُ إلَى قِيمَةِ الْبَاقِي فَتَظْهَرُ قِيمَةُ الْهَالِكِ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَى اخْتِلَافِهِمَا؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ مَعْرِفَةُ مَا وَقَعَ التَّنَازُعُ فِيهِ لَا مِنْ جِهَتِهِمَا ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى رَجُلٌ رَهَنَ رَجُلًا ثَوْبًا، فَقَالَ لَهُ إنْ لَمْ أُعْطِك إلَى كَذَا، وَكَذَا فَهُوَ بَيْعٌ لَك بِمَا لَك عَلَيَّ قَالَ لَا يَجُوزُ. وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يُعَلَّقُ الرَّهْنُ» هُوَ هَذَا، وَلَوْ رَهَنَ الْغَاصِبُ بِالْمَغْصُوبِ رَهْنًا وَالْمَغْصُوبُ مِنْهُ ضَمِنَ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ الْمَغْصُوبِ وَقِيمَةِ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ عَلَى جِهَةِ الضَّمَانِ، وَلَيْسَ يَكُونُ الْمَغْصُوبُ دَيْنًا يَدْفَعُ بِهِ رَهْنًا وَلَكِنَّهُ لَمَّا رَهَنَهُ صَارَ رَهْنًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَحِيحًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ وَثَمَنِ الصَّرْفِ وَالْمُسْلَمِ فِيهِ) أَيْ يَجُوزُ الرَّهْنُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ، وَقَالَ زُفَرُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ الِاسْتِيفَاءُ وَذَلِكَ بِالِاسْتِبْدَالِ وَالِاسْتِبْدَالُ حَرَامٌ فِي بَدَلِ الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ وَلَنَا أَنَّهُ اسْتِيثَاقٌ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي بَيَّنَّا وَهُوَ الْمَقْصُودُ بِالرَّهْنِ وَإِنَّمَا يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا بِالْمَالِيَّةِ لَا بِالْعَيْنِ وَلِهَذَا تَكُونُ عَيْنُهُ أَمَانَةً فِي يَدِهِ حَتَّى تَجِبَ نَفَقَتُهُ حَيًّا وَكَفَنُهُ مَيِّتًا عَلَى الرَّاهِنِ، وَلَوْ كَانَ مُسْتَوْفِيًا بِهِ لَوَجَبَ عَلَى الرَّاهِنِ وَهُمَا مِنْ حَيْثُ الْمَالِيَّةُ جِنْسٌ وَاحِدٌ فَيَجُوزُ اسْتِيفَاءٌ لَا مُبَادَلَةٌ. قَالَ فِي الْمُحِيطِ، وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا، ثُمَّ تَقَابَضَا، ثُمَّ تَفَاسَخَا كَانَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَحْبِسَ الْمَبِيعَ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ نَزَلَ مَنْزِلَةَ الْبَيْعِ. وَكَذَلِكَ لَوْ سَلَّمَ الْمَبِيعَ وَأَخَذَ بِالرَّهْنِ رَهْنًا، ثُمَّ تَقَايَلَا كَانَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَ الرَّهْنَ حَتَّى يَقْبِضَ الْمَبِيعَ، فَإِنْ هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِهِ هَلَكَ بِالثَّمَنِ عَلَى مَا بَيَّنَّا أَسْلَمَ خَمْسَمِائَةٍ فِي طَعَامٍ فَرَهَنَ مِنْهُ عَبْدًا يُسَاوِي الطَّعَامَ وَقَبَضَهُ، ثُمَّ صَالَحَ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ فَالْقِيَاسُ لَا يَقْبِضُ الرَّاهِنُ الْعَبْدَ وَرَأْسُ الْمَالِ دَيْنٌ عَلَيْهِ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يُجْعَلُ رَهْنًا بِدَيْنِهِ وَلَا يَكُونُ مَضْمُونًا وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّ رَأْسَ الْمَالِ غَيْرُ الْمُسْلَمِ فِيهِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِبَدَلٍ عَنْ الطَّعَامِ؛ لِأَنَّ الطَّعَامَ وَجَبَ بِالْعَقْدِ وَرَأْسُ الْمَالِ وَجَبَ بِالْإِقَالَةِ وَهُمَا ضِدَّانِ فَمَا وَجَبَ بِأَحَدِهِمَا لَا يُعْتَبَرُ بَدَلًا عَنْ الْآخَرِ فَالرَّهْنُ بِالطَّعَامِ لَا يَكُونُ رَهْنًا بِهِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ رَأْسَ الْمَالِ بَدَلٌ عَنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ قَائِمٌ مَقَامَهُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ بَدَلًا لَهُ فِي الْعَقْدِ وَبِالْإِقَالَةِ وَالصُّلْحِ لَمَّا أُسْقِطَ حَقُّهُ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ عَادَ حَقُّهُ إلَى بَدَلِهِ؛ لِأَنَّهُ، وَإِنْ كَانَ دَيْنًا حَادِثًا لَكِنْ لَمَّا قَامَ مَقَامَ الْمُسْلَمِ فِيهِ عَادَ حَقُّهُ إلَى بَدَلِهِ؛ لِأَنَّهُ، وَإِنْ كَانَ إثْبَاتًا وَإِسْقَاطًا فَالرَّهْنُ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ يَكُونُ رَهْنًا بِمَا قَامَ مَقَامَهُ الرَّهْنُ بِالْمَغْصُوبِ رَهْنٌ بِقِيمَتِهِ؛ لِأَنَّهَا قَائِمَةٌ مَقَامَهُ فَمَنْ اسْتَوْفَى رَأْسَ الْمَالِ، ثُمَّ هَلَكَ عِنْدَهُ الْعَبْدُ مِنْ غَيْرِ صَنِيعٍ يُعْطِيهِ الْمُرْتَهِنُ مِثْلَ الطَّعَامِ الَّذِي كَانَ لَهُ عَلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَيَأْخُذُ مِنْهُ رَأْسَ مَالِهِ أَقْرَضَ رَجُلًا كُرَّ حِنْطَةٍ وَارْتَهَنَ مِنْهُ ثَوْبًا قِيمَةَ الْكُرِّ وَصَالَحَهُ مَنْ عَلَيْهِ الْحِنْطَةُ عَلَى كُرِّ شَعِيرٍ بِعَيْنِهِ يَصِيرُ الثَّوْبُ رَهْنًا بِالشَّعِيرِ، فَإِذَا هَلَكَ يَهْلِكُ مَضْمُونًا بِالْحِنْطَةِ؛ لِأَنَّهُ بَرِئَ عَنْ الْحِنْطَةِ فَصَارَ كَمَا لَوْ بَرِئَ بِالْإِيفَاءِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الرَّهْنُ رَهْنًا وَلَا يَكُونُ مَضْمُونًا كَزَوَائِدِ الرَّهْنِ يَكُونُ مَحْبُوسًا وَلَا يَكُونُ مَضْمُونًا وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ اسْتِيفَاءٌ حُكْمِيٌّ وَالِاسْتِيفَاءُ الْحُكْمِيُّ لَا يَرْبُو عَلَى الِاسْتِيفَاءِ الْحَقِيقِيِّ، وَلَوْ اسْتَوْفَى الْمُسْلَمَ فِيهِ حَقِيقَةً ثُمَّ تَقَايَلَا السَّلَمَ صَحَّتْ الْإِقَالَةُ وَيَرُدُّ عَلَيْهِ طَعَامًا وَيَأْخُذُ رَأْسَ مَالِهِ فَكَذَا إذَا اصْطَلَحَا بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ الْحُكْمِيِّ، وَذَكَرَ مَسْأَلَةً فِي الصَّرْفِ إنْسَانٌ اشْتَرَى أَلْفَ دِرْهَمٍ بِمِائَةٍ دِينَارٍ وَقَبَضَ الْأَلْفَ فَأَعْطَاهُ بِالْمِائَةِ الدِّينَارَ رَهْنًا يُسَاوِيهَا ثُمَّ تَفَرَّقَا فَسَدَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ الِافْتِرَاقَ قَبْلَ قَبْضِ الدَّنَانِيرِ فَصَارَتْ الدَّرَاهِمُ مَقْبُوضَةً فِي يَدِ مُشْتَرِيهَا بِحُكْمِ صَرْفٍ فَاسِدٍ، وَلَيْسَ لَهُ أَخْذُ الرَّهْنِ حَتَّى يَرُدَّ الْأَلْفَ، فَإِنْ هَلَكَ الرَّهْنُ عِنْدَهُ رَجَعَ صَاحِبُهُ عَلَيْهِ بِمِائَةِ دِينَارٍ وَالْمُرْتَهِنُ بِالْأَلْفِ؛ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ بَدَلٌ عَنْ الدَّنَانِيرِ وَالرَّهْنُ بِالشَّيْءِ يَكُونُ رَهْنًا بِهِ وَبِبَدَلِهِ فَيَكُونُ مَحْبُوسًا بِالدَّنَانِيرِ مَضْمُونًا بِالدَّرَاهِمِ، فَإِذَا هَلَكَ الرَّهْنُ صَارَ مُسْتَوْفِيًا لِلدَّنَانِيرِ فِي صَرْفٍ فَاسِدٍ فَكَانَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ رَدُّ الدَّنَانِيرِ عَلَى الرَّاهِنِ الدَّرَاهِمِ، فَإِنْ لَمْ يَفْتَرِقَا حَتَّى ضَاعَ الرَّهْنُ فَهُوَ بِالْمِائَةِ الدَّنَانِيرِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَوْفِيًا لِلدَّنَانِيرِ فِي الْمَجْلِسِ حُكْمًا بِهَلَاكِ الرَّهْنِ فَيَصِيرُ كَمَا لَوْ اسْتَوْفَى حَقِيقَةً فَكَانَ الصَّرْفُ جَائِزًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ هَلَكَ صَارَ مُسْتَوْفِيًا) لِوُجُودِ الْقَبْضِ وَاتِّحَادِ الْجِنْسِ مِنْ حَيْثُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 279 الْمَالِيَّةُ وَهُوَ الْمَضْمُونُ فِيهِ هَذَا إذَا هَلَكَ الرَّهْنُ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ، وَإِنْ افْتَرَقَا قَبْلَ الْهَلَاكِ بَطَلَ الصَّرْفُ وَالسَّلَمُ لِفَوَاتِ الْقَبْضِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا هَذَا إذَا كَانَ رَهْنًا بِبَدَلِ الصَّرْفِ أَوْ بِرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ، وَإِنْ كَانَ رَهْنًا بِالْمُسْلَمِ فِيهِ لَا يَبْطُلُ بِالِافْتِرَاقِ؛ لِأَنَّ قَبْضَهُ لَا يَجِبُ فِي الْمَجْلِسِ. ثُمَّ إنْ هَلَكَ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا لِدَيْنِهِ حُكْمًا فَتَمَّ السَّلَمُ كَمَا إذَا كَانَ رَهْنًا بِرَأْسِ الْمَالِ أَوْ بَدَلِ الصَّرْفِ وَهَلَكَ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا لِدَيْنِهِ فَتَمَّ الصَّرْفُ وَالسَّلَمُ، وَلَوْ تَفَاسَخَا السَّلَمَ وَبِالْمُسْلَمِ فِيهِ رَهْنٌ يَكُونُ ذَلِكَ رَهْنًا بِرَأْسِ الْمَالِ اسْتِحْسَانًا حَتَّى يَحْبِسَهُ بِهِ وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ لَا يَحْبِسُهُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ آخَرُ وَجَبَ بِسَبَبٍ آخَرَ وَهُوَ الْقَبْضُ وَالْمُسْلَمُ فِيهِ وَجَبَ بِالْعَقْدِ فَلَا يَكُونُ الرَّهْنُ بِأَحَدِهِمَا رَهْنًا بِالْآخَرِ كَمَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنَانِ دَرَاهِمُ وَدَنَانِيرُ وَبِأَحَدِهِمَا رَهْنٌ فَقَضَاهُ الَّذِي بِهِ الرَّهْنُ أَوْ أَبْرَأهُ مِنْهُ لَيْسَ لَهُ حَبْسُهُ بِالدَّيْنِ الْآخَرِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ ارْتَهَنَ بِحَقِّهِ الْوَاجِبِ بِسَبَبِ الْعَقْدِ الَّذِي جَرَى بَيْنَهُمَا وَهُوَ الْمُسْلَمُ فِيهِ عِنْدَ عَدَمِ الْفَسْخُ وَرَأْسُ الْمَالِ عِنْدَ الْفَسْخِ فَيَكُونُ مَحْبُوسًا بِهِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلَهُ فَقَامَ مَقَامَهُ إذْ الرَّهْنُ بِالشَّيْءِ يَكُونُ رَهْنًا بِبَدَلِهِ كَمَا إذَا ارْتَهَنَ بِالْمَغْصُوبِ فَهَلَكَ الْمَغْصُوبُ صَارَ رَهْنًا بِقِيمَتِهِ، وَلَوْ هَلَكَ الرَّهْنُ بَعْدَ التَّفَاسُخِ يَهْلِكُ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ رَهَنَهُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ مَحْبُوسًا بِغَيْرِهِ كَمَنْ بَاعَ عَبْدًا وَسَلَّمَ الْمَبِيعَ وَأَخَذَ بِالثَّمَنِ رَهْنًا، ثُمَّ تَقَابَلَا الْبَيْعَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ لِأَخْذِ الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ الثَّمَنِ، وَلَوْ هَلَكَ الْمَرْهُونُ يَهْلِكُ بِالثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ مَرْهُونٌ بِهِ، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا شِرَاءً فَاسِدًا وَأَدَّى قِيمَتَهُ كَانَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَحْبِسَ الْمَبِيعَ عِنْدَ الْفَسْخِ لِيَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ، ثُمَّ إذَا هَلَكَ الْمَبِيعُ يَهْلِكُ بِقِيمَتِهِ فَكَذَا هَذَا، ثُمَّ إذَا هَلَكَ الرَّهْنُ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ فِي مَسْأَلَتِنَا يَجِبُ عَلَى رَبِّ السَّلَمِ أَنْ يَدْفَعَ مِثْلَ الْمُسْلَمِ فِيهِ إلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَيَأْخُذُ رَأْسَ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ مَضْمُونٌ، وَقَدْ بَقِيَ حُكْمُ الرَّهْنِ إلَى أَنْ يَهْلِكَ فَصَارَ رَبُّ السَّلَمِ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ مُسْتَوْفِيًا لَلْمُسْلَمِ فِيهِ، وَلَوْ اسْتَوْفَاهُ حَقِيقَةً، ثُمَّ تَقَايَلَا وَاسْتَوْفَاهُ بَعْدَ الْإِقَالَةِ لَزِمَهُ رَدُّ الْمُسْتَوْفِي وَاسْتِرْدَادُ رَأْسِ الْمَالِ فَكَذَا هُنَا، وَهَذَا لِأَنَّ الْإِقَالَةَ فِي بَابِ السَّلَمِ لَا تَحْتَمِلُ الْفَسْخَ بَعْدَ ثُبُوتِهَا فَبِهَلَاكِ الرَّهْنِ لَا تَبْطُلُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِلْأَبِ أَنْ يَرْهَنَ بِدَيْنٍ عَلَيْهِ عَبْدًا لِطِفْلِهِ) أَيْ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ إيدَاعَهُ، وَهَذَا نَظَرٌ مِنْهُ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ؛ لِأَنَّ قِيَامَ الْمُرْتَهِنِ بِحِفْظِهِ مَا بَلَغَ مَخَافَةَ الْغَرَامَةِ، وَلَوْ هَلَكَ يَهْلِكُ مَضْمُونًا الْوَدِيعَةُ أَمَانَةٌ وَالْوَصِيُّ فِي هَذَا كَالْأَبِ لِمَا بَيَّنَّا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَزُفَرَ أَنَّهُمَا لَا يَمْلِكَانِ ذَلِكَ وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ إيفَاءٌ حُكْمًا فَلَا يَمْلِكَانِهِ كَالْإِيفَاءِ حَقِيقَةً، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ وَهُوَ الظَّاهِرُ أَنَّ فِي حَقِيقَةِ الْإِيفَاءِ إزَالَةَ مِلْكِ الصَّغِيرِ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ مُقَابَلَةً بِدَيْنٍ، وَفِي الرَّهْنِ نُصِّبَ حَافِظًا لِمَالِ الصَّغِيرِ فِي الْحَالِ مَعَ بَقَاءِ مِلْكِهِ فِيهِ فَافْتَرَقَا وَإِذَا جَازَ الرَّهْنُ يَصِيرُ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا دَيْنَهُ عِنْدَ هَلَاكِهِ حُكْمًا وَيَصِيرُ الْأَبُ وَالْوَصِيُّ مُوفِيًا لِدَيْنِهِ وَيَضْمَنَانِ ذَلِكَ الْقَدْرَ لِلصَّغِيرِ، وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى التُّمُرْتَاشِيِّ وَهُوَ إلَى الْكَاكِيِّ أَنَّ قِيمَةَ الرَّهْنِ إذَا كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ يَضْمَنُ الْأَبُ بِقَدْرِ الدَّيْنِ وَالْوَصِيُّ بِقَدْرِ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ لِلْأَبِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِمَالِ الصَّبِيِّ وَلَا كَذَلِكَ الْوَصِيُّ، ثُمَّ قَالَ وَذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ وَالْمُغْنِي التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمَا فِي الْحُكْمِ، وَقَالَ لَا يَضْمَنَانِ الْفَضْلَ؛ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ وَهُوَ وَدِيعَةٌ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ وَلَهُمَا وِلَايَةُ الْإِيدَاعِ، وَكَذَا لَوْ سَلَّطَا الْمُرْتَهِنَ عَلَى الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ عَلَى بَيْعِهِ وَهُمَا يَمْلِكَانِهِ، ثُمَّ إذَا أَخَذَ الْمُرْتَهِن الثَّمَنَ بِدَيْنِهِ وَجَبَ عَلَيْهِمَا مِثْلُهُ؛ لِأَنَّهُمَا أَوْفَيَا دَيْنَهُمَا بِمَالِهِ. وَأَصْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْبَيْعُ، فَإِنَّ الْأَبَ وَالْوَصِيَّ إذَا بَاعَ مَالَ الصَّغِيرِ مِنْ غَرِيمِ نَفْسِهِ تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ وَيَضْمَنُهُ لِلصَّبِيِّ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ فَيَأْخُذُ الْبَائِعُ الثَّمَنَ مِنْ الْمُشْتَرِي لِلصَّغِيرِ وَيَأْخُذُ الْمُشْتَرِي دَيْنَهُ مِنْ الْبَائِعِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ إذَا بَاعَهُ مِنْ غَرِيمِ نَفْسِهِ تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ بِنَفْسِ الْبَيْعِ عِنْدَهُمَا وَيَضْمَنُ الْوَكِيلُ الْمَالَ لِلْمُوَكِّلِ وَعِنْدَهُ لَا يَقَعُ وَإِذَا كَانَ مِنْ أَصْلِهِ لَا يَمْلِكُ قَضَاءَ دَيْنِ نَفْسِهِ بِمَالِ الصَّبِيِّ بِطَرِيقِ الْبَيْعِ فَكَذَا لَا يَمْلِكُ بِطَرِيقِ الرَّهْنِ وَعِنْدَهُمَا لَمَّا مَلَكَ بِطَرِيقِ الْبَيْعِ فَكَذَا لَا يَمْلِكُ بِطَرِيقِ الرَّهْنِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ نَظِيرُ الْبَيْعِ مِنْ حَيْثُ وُجُودُ الْمُبَادَلَةِ لِوُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ كَوُجُوبِ الثَّمَنِ عَلَى الْمُشْتَرِي وَإِذَا كَانَ لِلْأَبِ أَوْ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ أَوْ لِعَبْدِهِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ دَيْنٌ عَلَى ابْنٍ لَهُ صَغِيرٍ فَرَهَنَ الْأَبُ مَتَاعَ ابْنِهِ الصَّغِيرِ مِنْ ابْنِهِ الصَّغِيرِ أَوْ مِنْ عَبْدِهِ التَّاجِرِ جَازَ؛ لِأَنَّ الْأَبَ لِوُجُودِ شَفَقَتِهِ نَزَلَ مَنْزِلَةَ شَخْصَيْنِ وَأُقِيمَتْ عِبَارَتُهُ مَقَامَ عِبَارَتَيْنِ كَمَا فِي بَيْعِهِ مَالَ الصَّغِيرِ مِنْ نَفْسِهِ، وَلَوْ فَعَلَ الْوَصِيُّ ذَلِكَ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ مَحْضٌ، وَالْأَصْلُ أَنَّ الْوَاحِدَ لَا يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ فِي الرَّهْنِ وَلَا الْبَيْعِ لَكِنَّا تَرَكْنَا ذَلِكَ فِي الْأَبِ لِمَا ذَكَرْنَا، وَلَيْسَ الْوَصِيُّ كَالْأَبِ، فَإِنَّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 280 شَفَقَتَهُ قَاصِرَةٌ فَلَا يَعْدِلُ عَنْ الْحَقِيقَةِ وَالرَّهْنُ مِنْ ابْنِهِ الصَّغِيرِ وَمِنْ عَبْدِهِ التَّاجِرِ بِمَنْزِلَةِ الرَّهْنِ مِنْ نَفْسِهِ فَلَا يَجُوزُ بِخِلَافِ ابْنِهِ الْكَبِيرِ وَأَبِيهِ وَعَبْدِهِ الَّذِي عَلَيْهِ دَيْنٌ حَيْثُ يَجُوزُ رَهْنُهُ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ عَنْهُمْ إذْ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِمْ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِيهِمْ وَلَا تُهْمَةَ فِي الرَّهْنِ؛ لِأَنَّ لَهُ حُكْمًا وَاحِدًا وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ وَذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُ عَنْ الْأَجْنَبِيِّ وَالْقَرِيبِ. وَلَوْ رَهَنَ الْوَصِيُّ مَالَ الْيَتِيمِ عِنْدَ الْأَجْنَبِيِّ بِنِجَارَةٍ بِأَسْرِهَا أَوْ رَهَنَ الْيَتِيمُ بِدَيْنٍ لَزِمَهُ بِالتِّجَارَةِ صَحَّ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ لَهُ التِّجَارَةُ تَمْيِيزًا لِمَالِهِ فَلَا يَجِدُ بُدًّا مِنْ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّهُ إيفَاءٌ وَاسْتِيفَاءٌ، وَلَوْ رَهَنَ الْأَبُ مَتَاعَ الصَّغِيرِ فَبَلَغَ الِابْنُ وَمَاتَ الْأَبُ فَلَيْسَ لِلِابْنِ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ حَتَّى يَقْضِيَ الدَّيْنَ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْأَبِ عَلَيْهِ نَافِذٌ لَازِمٌ لَهُ بِمَنْزِلَةِ تَصَرُّفِهِ بِنَفْسِهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ، وَلَوْ كَانَ عَلَى الْأَبِ دَيْنٌ لِرَجُلٍ فَرَهَنَ بِهِ مَالَ الصَّغِيرِ فَقَضَاهُ الِابْنُ بَعْدَ الْبُلُوغِ رَجَعَ بِهِ فِي مَالِ الْأَبِ؛ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ إلَيْهِ لِحَاجَةِ الِانْتِفَاعِ بِمَالِهِ فَأَشْبَهَ مُعِيرَ الرَّهْنِ، وَكَذَلِكَ إذَا هَلَكَ قَبْلَ أَنْ يَفْتَكَّهُ؛ لِأَنَّ الْأَبَ يَصِيرُ قَاضِيًا دَيْنَهُ بِهِ، وَلَوْ رَهَنَ الْأَبُ مَالَ الصَّغِيرِ بِدَيْنٍ عَلَى نَفْسِهِ وَبِدِينِ الصَّغِيرِ جَازَ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى أَمْرَيْنِ جَائِزَيْنِ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا جَازَ أَنْ يَثْبُتَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْمُرَكَّبِ جَازَ أَنْ يَثْبُتَ لِلْكُلِّ دُونَ الْعَكْسِ هَكَذَا قَالَ فِي الْعِنَايَةِ أَقُولُ: فِي هَذِهِ الْكُلِّيَّةِ مَنْعٌ ظَاهِرٌ، أَلَا تَرَى أَنَّ إنْسَانًا أَوْ فَرَسًا يُطِيقُ أَنْ يَحْمِلَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْبَيْتِ الْمُرَكَّبِ مِنْ الْأَحْجَارِ وَالْأَشْجَارِ مَثَلًا وَلَا يُطِيقُ تَحَمُّلَ الْكُلِّ قَطْعًا وَأَنَّ رَجُلًا شُجَاعًا يُطِيقُ مُقَاتَلَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ آحَادِ الْعَسْكَرِ عَلَى الِانْفِرَادِ وَلَا يُطِيقُ مُقَاتَلَةَ مَجْمُوعِ الْعَسْكَرِ مَعًا، وَهَذَا فِي الْأُمُورِ الْخَارِجِيَّةِ. وَأَمَّا فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ فَكَمَا أَنْ يَجُوزَ لِلرَّجُلِ أَنْ يُجَامِعَ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْأُخْتَيْنِ مُنْفَرِدَةً عَنْ الْأُخْرَى بِمِلْكِ نِكَاحٍ أَوْ مِلْكِ يَمِينٍ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُجَامِعَهُمَا مَعًا، ثُمَّ حُكْمُهُ فِي حِصَّةِ دَيْنِ الْأَبِ كَحُكْمِهِ فِيمَا لَوْ كَانَ كُلُّهُ رَهْنًا بِدَيْنِ الْأَبِ، وَكَذَلِكَ الْوَصِيُّ وَالْجَدُّ أَبُ الْأَبِ، وَلَوْ رَهَنَ الْوَصِيُّ مَتَاعًا لِلْيَتِيمِ فِي دَيْنٍ اسْتَدَانَهُ عَلَيْهِ وَقَبَضَهُ الْمُرْتَهِنُ، ثُمَّ اسْتَعَارَهُ الْوَصِيُّ لِحَاجَةِ الْيَتِيمِ فَضَاعَ فِي يَدِ الْوَصِيِّ هَلَكَ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْوَصِيِّ كَفِعْلِهِ بِنَفْسِهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ؛ لِأَنَّهُ اُسْتُعِيرَ لِحَاجَةِ الصَّغِيرِ فَلَا يَكُونُ مُتَعَدِّيًا بِذَلِكَ، وَلَوْ هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِ الْوَصِيِّ لَا يَسْقُطُ مِنْ الدَّيْنِ شَيْءٌ لِخُرُوجِهِ عَنْ ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ بِالِاسْتِرْدَادِ وَالْوَصِيُّ هُوَ الَّذِي يُطَالِبُ لَهُ عَلَى مَا كَانَ، وَلَوْ اسْتَعَارَهُ لِحَاجَةِ نَفْسِهِ ضَمِنَهُ لِلصَّغِيرِ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِيهِ لِعَدَمِ وِلَايَةِ الِاسْتِعْمَالِ فِي حَاجَةِ نَفْسِهِ، وَلَوْ غَصَبَهُ الْوَصِيُّ بَعْدَ مَا رَهَنَهُ فَاسْتَعْمَلَهُ فِي حَاجَةِ نَفْسِهِ حَتَّى هَلَكَ عِنْدَهُ ضَمِنَ قِيمَتَهُ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِالْغَصْبِ وَالِاسْتِعْمَالِ فِي حَاجَةِ نَفْسِهِ فَيَقْضِي بِضَمَانِ الدَّيْنِ، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ مِنْ الْقَدْرِ الْمَضْمُونِ كَانَ لِلْيَتِيمِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ مِلْكِهِ، وَإِنْ لَمْ يَفِ بِالدَّيْنِ يُقْضَى مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يَضْمَنُ الْوَصِيُّ بِقَدْرِ مَا تَعَدَّى فِيهِ، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا فَالْقِيمَةُ رَهْنٌ، فَإِذَا حَلَّ كَانَ مَا ذَكَرْنَا، وَلَوْ أَنَّهُ غَصَبَهُ وَاسْتَعْمَلَهُ لِحَاجَةِ الصَّغِيرِ ضَمِنَهُ لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ لَا لِحَقِّ الصَّغِيرِ؛ لِأَنَّ اسْتِعْمَالَهُ فِي حَاجَةِ الصَّغِيرِ لَيْسَ يَتَعَدَّدُ فِي حَقِّهِ. وَكَذَا الْأَخْذُ؛ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةَ أَخْذِ مَالِ الْيَتِيمِ وَلِهَذَا إذَا أَقَرَّ الْأَبُ أَوْ الْوَصِيُّ بِغَصْبِ مَالِ الصَّغِيرِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ غَصْبُهُ لِمَالِ الْيَتِيمِ لِمَا أَنَّ لَهُ وِلَايَةَ الْأَخْذِ، فَإِذَا هَلَكَ فِي يَدِهِ يَضْمَنُ لِلْمُرْتَهِنِ فَيَأْخُذُهُ بِدَيْنِهِ إنْ كَانَ قَدْ حَلَّ وَيَرْجِعُ الْوَصِيُّ عَلَى الصَّغِيرِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُتَعَدٍّ فِي حَقِّهِ بَلْ هُوَ عَامِلٌ لَهُ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَحِلَّ يَكُونُ رَهْنًا عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ، ثُمَّ إذَا حَلَّ الدَّيْنُ يَأْخُذُهُ بِهِ وَيَرْجِعُ الْوَصِيُّ عَلَى الصَّبِيِّ لِمَا ذَكَرْنَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ رَهَنَ الْوَارِثُ الْكَبِيرُ شَيْئًا مِنْ التَّرِكَةِ، وَلَيْسَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ جَازَ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ فَيَجُوزُ رَهْنُهُ، وَإِنْ رَدَّ عَلَيْهِ سِلْعَةً بَاعَهَا الْمَيِّتُ بِعَيْبٍ فَهَلَكَتْ فِي أَيْدِيهِمْ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُ الْمَرْهُونِ فَالرَّهْنُ جَائِزٌ وَصِيًّا كَانَ أَوْ وَارِثًا وَيَرْجِعُ بِهِ الْوَصِيُّ عَلَى الْيَتِيمِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ إنَّمَا وَجَبَ عَلَى الْمَيِّتِ بَعْدَ الرَّدِّ، وَلَمْ يَكُنْ وَاجِبًا عِنْدَ الرَّهْنِ فَصَحَّ الرَّهْنُ فَلَا يَبْطُلُ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ لِلُحُوقِ الدَّيْنِ فِي التَّرِكَةِ بِسَبَبِ الرَّدِّ لَكِنْ الرَّاهِنُ ضَامِنٌ لِقِيمَةِ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ قَضَاءُ الدَّيْنِ مِنْ ذَلِكَ الْمَالِ وَلَكِنَّهُ عَجَزَ عَنْ الْقَضَاءِ بِسَبَبِ رَهْنِهِ بِدَيْنِهِ فَصَارَ كَالْمُتْلِفِ لَهُ فَلَزِمَهُ قِيمَتُهُ كَرَهْنِ حَقِّ صَاحِبِ الدَّيْنِ وَهُوَ مَحَلُّ قَضَائِهِ إلَّا أَنَّهُ إنْ كَانَ وَصِيًّا يَرْجِعُ عَلَى الصَّغِيرِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ عَامِلًا لَهُ، وَقَدْ لَحِقَهُ ضَمَانٌ بِسَبَبِ عَمَلِهِ. وَكَذَلِكَ لَوْ زَوَّجَ الْمَيِّتُ أَمَتَهُ وَأَخَذَ مَهْرَهَا فَأَعْتَقَهَا الْوَارِثُ بَعْدَ مَوْتِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا وَصَارَ الْمَهْرُ دَيْنًا فِي مَالِ الْمَيِّتِ جَازَ الرَّهْنُ؛ لِأَنَّ هَذَا الدَّيْنَ الَّذِي ثَبَتَ عَلَى الْمَيِّتِ بَعْدَ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِبُطْلَانِ النِّكَاحِ بَعْدَ الرَّهْنِ عِنْدَ الِاخْتِيَارِ وَالِابْنُ ضَامِنٌ لَهُ؛ لِأَنَّهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 281 بِالْإِعْتَاقِ أَتْلَفَ حَقَّ الْغَرِيمِ وَهُوَ الزَّوْجُ، وَلَوْ اُسْتُحِقَّ عَبْدٌ ابْتَاعَهُ الْمَيِّتُ فَرَجَعَ الْمُشْتَرِي فِي مِيرَاثِ الْمَيِّتِ بِالدَّيْنِ لَمْ يَجُزْ الرَّهْنُ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّ الرَّهْنَ وَقَعَ وَعَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّ مَا قَبَضَ الْمَيِّتُ مِنْ الثَّمَنِ كَانَ دَيْنًا عَلَيْهِ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ لَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي مِثْلُ ذَلِكَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَحَّ رَهْنُ الْحَجَرَيْنِ وَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ) الْمُرَادُ بِالْحَجَرَيْنِ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ وَإِنَّمَا جَازَ رَهْنُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لِإِمْكَانِ الِاسْتِيفَاءِ مِنْهَا فَكَانَتْ مَحِلًّا لِلرَّهْنِ، وَفِي الْمَبْسُوطِ إذَا كَانَ الرَّهْنُ مِثْلَ الدَّيْنِ كَيْلًا أَوْ وَزْنًا أَوْ أَكْثَرَ وَقِيمَتُهُ مِثْلُ قِيمَتِهِ أَوْ أَكْثَرُ ذَهَبَ بِمَا فِيهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَوْفِيًا لِمِثْلِ حَقِّهِ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ قِيمَةً مِنْهُ لَمْ يَذْهَبْ بِالدَّيْنِ وَيَضْمَنُ الْمُرْتَهِنُ مِثْلَهُ وَيَأْخُذُ مِنْهُ دَيْنَهُ، وَكَذَلِكَ إذَا فَسَدَ، وَلَوْ رَهَنَهُ كُرَّ حِنْطَةٍ يُسَاوِي مِائَةً بِكُرِّ دَقِيقٍ يُسَاوِي مِائَةً فَضَاعَ الدَّقِيقُ دَفَعَ الْمُرْتَهِنُ مِثْلَهُ، وَلَمْ يَذْهَبْ بِالْحِنْطَةِ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ كَيْلًا مِنْهَا، وَكَذَلِكَ إذَا فَسَدَ أَوْ رَهَنَهُ كُرًّا جَيِّدًا بِكُرَّيْنِ رَدِيئَيْنِ وَالرَّهْنُ يُسَاوِي كُرًّا وَنِصْفًا مِنْهَا فَهَلَكَ قَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَذْهَبُ بِكُرٍّ رَدِيءٍ؛ لِأَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِالْجُودَةِ فِي أَمْوَالِ الرِّبَا فَصَارَ الْكُرُّ الْجَيِّدُ رَهْنًا بِكُرَّيْنِ رَدِيئَيْنِ نِصْفُهُ بِهَذَا وَنِصْفُهُ بِذَاكَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ مِثْلَيْ كُرِّهِ وَأَعْطَاهُ الدَّيْنَ، وَإِنْ شَاءَ صَيَّرَ الْكُرَّ بِأَحَدِ الْكُرَّيْنِ وَأَعْطَاهُ الْبَاقِيَ؛ لِأَنَّ الْجُودَةَ فِي أَمْوَالِ الرِّبَا لَهَا قِيمَةٌ فِي غَيْرِ عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ وَالرَّهْنُ عَقْدُ اسْتِيفَاءٍ لَا مُعَاوَضَةٌ حَقِيقَةً فَصَارَ كَمَنْ لَهُ الْجِيَادُ إذَا اسْتَوْفَى الرَّدِيءَ وَمَنْ لَهُ الرَّدِيءُ إذَا اسْتَوْفَى الْجِيَادَ وَهَلَكَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ الْمَقْبُوضَ وَيَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ مِنْهُ فَهَذَا عَلَى ذَلِكَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رَجُلٌ رَهَنَ رَجُلًا كُرًّا مِنْ طَعَامٍ قِيمَتُهُ ثَلَاثُمِائَةِ دِرْهَمٍ بِكُرَّيْنِ قِيمَتهمَا مِائَتَانِ فَأَصَابَ الْكُرَّ الرَّهْنَ كَانَ مِنْهُ مِائَةٌ مَضْمُونَةٌ مَا نَقَصَهُ مِائَةً وَكَيْلُهُ وَافٍ عَلَى حَالِهِ فَعَلَى الْمُرْتَهِنِ كُرٌّ يُسَاوِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَخَمْسِينَ دِرْهَمًا؛ لِأَنَّ الْكُرَّ الرَّهْنَ كَانَ مِنْهُ مِائَةٌ مَضْمُونَةٌ بِأَحَدِ كُرَّيْ الدَّيْنِ وَكَانَتْ إحْدَى هَاتَيْنِ الْمِائَتَيْنِ مَضْمُونَةً بِأَحَدِ كُرَّيْ الدَّيْنِ وَالْمِائَةُ الْأُخْرَى لَيْسَتْ بِمَضْمُونَةِ فَكَانَ فِي الرَّهْنِ فَضْلُ مِائَتَيْنِ فِي الْجُودَةِ وَقِيمَتُهَا ثَلَاثُمِائَةٍ فَمِائَةٌ مِنْهَا مَضْمُونَةٌ وَالْمِائَةُ الْأُخْرَى أَمَانَةٌ فَلَمَّا أَصَابَهُ بِالنَّقْصِ مِنْ جُودَتِهِ مِائَةٌ جَعَلْنَا نِصْفَهَا مِنْ الْأَمَانَةِ وَنِصْفَهَا مِنْ الضَّمَانِ فَسَقَطَ عَنْهُ حِصَّةُ الْأَمَانَةِ وَهِيَ خَمْسُونَ دِرْهَمًا وَغَرِمَ حِصَّةَ الضَّمَانِ وَهِيَ كُرٌّ يُسَاوِي مِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ، وَلَوْ هَلَكَ نِصْفُهُ، ثُمَّ أَصَابَ النِّصْفَ الثَّانِيَ مَاءٌ فَصَارَ مِائَةً وَنَقَصَهُ الْمَاءُ خَمْسِينَ دِرْهَمًا يَغْرَمُ الْمُرْتَهِنُ كُرًّا قِيمَتُهُ مِائَتَيْنِ وَخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ؛ لِأَنَّ النِّصْفَ الْهَالِكَ كَانَتْ قِيمَتُهُ بِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ أَثْلَاثًا ثُلُثُهُ أَمَانَةٌ وَثُلُثَاهُ مَضْمُونٌ فَبَطَلَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ حِصَّةُ الْأَمَانَةِ وَوَجَبَ عَلَيْهِ نِصْفُ كُرٍّ يُسَاوِي مِائَةً فَكَانَ الْمَضْمُونُ نِصْفَهُ. وَأَمَّا النِّصْفُ الثَّانِي لَمَّا نَقَصَهُ الْمَاءُ خَمْسِينَ مِنْ الْجُودَةِ كَانَتْ هَذِهِ الْخَمْسُونَ نِصْفُهَا أَمَانَةٌ وَنِصْفُهَا مَضْمُونَةٌ فَبَطَلَتْ عَنْهُ حِصَّةُ الْأَمَانَةِ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ وَلَزِمَهُ نِصْفُ كُرٍّ يُسَاوِي مِائَةً وَخَمْسَةً وَعِشْرِينَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ رَهَنْت بِجِنْسِهَا وَهَلَكَتْ هَلَكَتْ بِمِثْلِهَا مِنْ الدَّيْنِ وَلَا عِبْرَةَ لِلْجُودَةِ) ؛ لِأَنَّهَا لَا قِيمَةَ لَهَا عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِالْجِنْسِ فِي الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ، وَهَذَا عَلَى إطْلَاقِهِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا عِنْدَهُ إذَا هَلَكَ بِاعْتِبَارِ الْوَزْنِ قُلْت قِيمَتُهُ أَوْ كَثُرَتْ لِمَا ذَكَرْنَا وَعِنْدَهُمَا إنْ لَمْ يَكُنْ فِي اعْتِبَارِ الْوَزْنِ إضْرَارٌ بِأَحَدِهِمَا بِأَنْ كَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ مِثْلَ وَزْنِهِ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ إلْحَاقُ ضَرَرٍ بِأَحَدِهِمَا بِأَنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهِ أَوْ أَقَلَّ ضَمِنَ الْمُرْتَهِنُ قِيمَتَهُ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ لِيُنْتَقَضَ قَبْضُ الرَّهْنِ، ثُمَّ يُجْعَلُ الضَّمَانُ رَهْنًا مَكَانَهُ وَيَمْلِكُ الْمُرْتَهِنُ الْهَالِكَ بِالضَّمَانِ؛ لِأَنَّا لَوْ اعْتَبَرْنَا الْوَزْنَ وَحْدَهُ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ صِفَتِهِ مِنْ جُودَةٍ أَوْ رَدَاءَةٍ وَأَسْقَطْنَا الْقِيمَةَ فِيهِ أَضْرَرْنَا بِأَحَدِهِمَا، وَلَوْ اعْتَبَرْنَا الْقِيمَةَ وَجَعَلْنَاهُ مُسْتَوْفِيًا بِاعْتِبَارِهِمَا أَدَّى إلَى الرِّبَا فَتَعَيَّنَ مَا ذَكَرْنَا وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ إنَّ الْجُودَةَ سَاقِطَةٌ عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِالْجِنْسِ فِي الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ وَاسْتِيفَاءِ الرَّدِيءِ بِالْجَيِّدِ أَوْ بِالْعَكْسِ جَائِزٌ عِنْدَ التَّرَاضِي بِهِ هُنَا وَلِهَذَا يُحْتَاجُ إلَى نَقْضِهِ وَلَا يُمْكِنُ نَقْضُهُ بِإِيجَابِ الضَّمَانِ عَلَيْهِ لِعَدَمِ الْمُطَالَبَةِ وَلِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَضْمَنُ مِلْكَ نَفْسِهِ فَتَعَذَّرَ التَّضْمِينُ لِتَعَذُّرِ النَّقْضِ، وَقِيلَ هَذِهِ فُرُوعٌ مَا إذَا اسْتَوْفَى زُيُوفًا مَكَانَ الْجِيَادِ، ثُمَّ عَلِمَ مَكَانَ الزِّيَافَةِ وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ، وَقِيلَ لَا يَصِحُّ الْبِنَاءُ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا فِيهَا مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ، وَفِي هَذِهِ مَعَ أَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ قَاضِي خان إنَّ الْبِنَاءَ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ عِيسَى بْنَ أَبَانَ قَالَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ أَوَّلًا كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَآخِرًا كَقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَلَئِنْ كَانَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فَالْفَرْقُ لَهُ أَنَّ الزُّيُوفَ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ قَبَضَهُ اسْتِيفَاءً لِحَقِّهِ، وَقَدْ تَمَّ بِهَلَاكِهِ وَالرَّهْنُ قَبَضَهُ لِيَسْتَوْفِيَ مِنْ غَيْرِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ نَقْضِ الْقَبْضِ، وَقَدْ أَمْكَنَ التَّضْمِينُ قَالَ فِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 282 الْمَبْسُوطِ الْأَصْلُ فِيهِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الصِّبَاغَةَ وَالْجُودَةَ مُعْتَبَرَةٌ بِنَفْسِهَا غَيْرُ تَابِعَةٍ لِلْوَزْنِ فِي حَقِّ الضَّمَانِ بَلْ يَعْتَبِرُ حُكْمُهَا حُكْمَ الْوَزْنِ وَلَا يُجْعَلُ تَبَعًا لِلْوَزْنِ إذَا لَمْ يُؤَدِّ إلَى الرِّبَا؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ بِنَصِيبِهِ مُعْتَبَرٌ حَقًّا لِلْعِبَادِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى الْمَرِيضُ بِقُلْبٍ وَزْنُهُ عَشَرَةٌ وَقِيمَتُهُ بِصِيَاغَتِهِ خَمْسَةَ عَشَرَ وَثُلُثُ مَالِهِ عَشَرَةٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ إلَّا هَذَا الْقُلْبُ وَخَمْسَةَ عَشَرَ دِينَارًا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِوَزْنِ الْقُلْبِ كَمَا لَوْ كَانَ وَزْنُ الْقُلْبِ خَمْسَةَ عَشَرَ فَقَدْ أُلْحِقَ الصِّيَاغَةُ وَالْجُودَةُ بِالْوَزْنِ فِي الْوَصِيَّةِ، وَكَذَلِكَ فِي الرَّهْنِ فَمَتَى حَصَلَ النُّقْصَانُ يَكُونُ النُّقْصَانُ شَائِعًا فِي الْأَمَانَةِ وَالْمَضْمُونِ فَمَا كَانَ فِي الْأَمَانَةِ ذَهَبَ مَجَّانًا وَمَا كَانَ فِي الْمَضْمُونِ ضَمِنَ الْقِيمَةَ وَيَمْلِكُ الرَّهْنَ بِقَدْرِهِ. وَالْأَصْلُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الصِّيَاغَةَ تَابِعَةٌ لِلْوَزْنِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ بِنَفْسِهَا فِي حَقِّ الْمُدَايَنَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ وَهِيَ مُعْتَبَرَةٌ فِي الْمُتْلَفَاتِ وَالْمَضْمُونَاتِ ثُمَّ نَنْظُرُ إنْ كَانَ فِي الْوَزْنِ وَقِيمَتِهِ وَفَاءٌ بِالدَّيْنِ وَزِيَادَةٌ يُصْرَفُ الدَّيْنُ إلَى الْوَزْنِ وَالْأَمَانَةُ إلَى الصِّيَاغَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْوَزْنِ وَفَاءٌ بِالدَّيْنِ، وَفِي قِيمَتِهِ وَفَاءٌ بِالصِّيَاغَةِ وَجَوْدَتُهُ تُضَمُّ إلَى الْوَزْنِ مِنْ قِيمَةِ الصِّيَاغَةِ لَانَ الصِّيَاغَةَ تَابِعَةٌ لِلْوَزْنِ وَهِيَ بِانْفِرَادِهَا لَا تَصْلُحُ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ فَكَانَ صَرْفُ الدَّيْنِ إلَى الْوَزْنِ أَوْلَى مِنْ صَرْفِهِ إلَى الضَّمَانِ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْوَزْنِ وَفَاءٌ بِالدَّيْنِ وَكَانَ صَرْفُ الدَّيْنِ إلَى الْوَزْنِ، فَإِنَّهُ يَتِمُّ قَدْرُ الدَّيْنِ مِنْ الصِّيَاغَةِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ الْبَيْعُ أَصْلًا عِنْدَ الضَّرُورَةِ، وَالْأَصْلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْوَزْنِ دُونَ الصِّيَاغَةِ وَالْجُودَةِ؛ لِأَنَّ الْوَزْنَ أَصْلٌ وَالصِّيَاغَةَ تَبَعٌ لَهُ؛ لِأَنَّهَا صِفَةٌ قَائِمَةٌ بِالْعَيْنِ وَالصِّفَةُ تَابِعَةٌ لِلْأَصْلِ فَتُعْتَبَرُ تَبَعًا لِلْوَزْنِ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ أَنْ تُجْعَلَ تَبَعًا لِلْوَزْنِ لَمْ تُعْتَبَرْ تَبَعًا وَأُلْحِقَ بِالْوَزْنِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّا لَوْ جَعَلْنَا الصِّيَاغَةَ تَبَعًا لِلْوَزْنِ يَصِيرُ مُوصِيًا بِأَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ فَلِهَذِهِ الضَّرُورَةِ لَا تَعْتَبِرُ تَابِعَةً لِلْوَزْنِ، وَفِي حَالَةِ الْهَلَاكِ الْوَزْنُ مَضْمُونٌ بِالدَّيْنِ لَا بِالْقِيمَةِ فَكَذَلِكَ الصِّيَاغَةُ تَكُونُ مَضْمُونَةً بِالدَّيْنِ، وَفِي حَالَةِ الْإِنْكَارِ الْوَزْنُ مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ تَبَعًا لِلْأَصْلِ لِئَلَّا يَصِيرَ التَّبَعُ مُخَالِفًا لِلْأَصْلِ. ثُمَّ الْمَسَائِلُ عَلَى ثَلَاثَةِ فُصُولٍ: فِيمَا إذَا كَانَ الْوَزْنُ وَالدَّيْنُ سَوَاءً. وَفَصْلٌ فِيمَا إذَا كَانَ الْوَزْنُ أَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ. وَفَصْلٌ فِيمَا إذَا كَانَ الْوَزْنُ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ. وَكُلُّ فَصْلٍ يَنْقَسِمُ إلَى قِسْمَيْنِ: إلَى حَالَةِ هَلَاكٍ وَإِلَى حَالَةِ انْكِسَارٍ، وَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ، إمَّا أَنْ تَكُونَ الْقِيمَةُ مِثْلَ الْوَزْنِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ وَكُلُّ قِسْمٍ مِنْ الْآخَرِ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ إمَّا أَنْ تَكُونَ الْقِيمَةُ مِثْلَ الْوَزْنِ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ كَمَا نُبَيِّنُ فَصَارَ الْكُلُّ ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ وَجْهًا: الْفَصْلُ الْأَوَّلُ رَهَنَ قُلْبَ فِضَّةٍ وَزْنُهُ عَشَرَةٌ وَقِيمَتُهُ عَشَرَةٌ بِعَشَرَةٍ فَهَلَكَ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ هَلَكَ بِالدَّيْنِ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّهُ مِثْلُهُ وَزْنًا وَجَوْدَةً فَتَمَّ الِاسْتِيفَاءُ بِالْهَلَاكِ، وَإِنْ انْكَسَرَ، فَإِنْ شَاءَ الرَّاهِنُ أَخَذَ الْمَكْسُورَ وَقَضَى جَمِيعَ الدَّيْنِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمِنَ جَمِيعَ قِيمَتِهِ مِنْ الذَّهَبِ فَكَانَتْ رَهْنًا مَكَانَهُ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنْ شَاءَ الرَّاهِنُ تَمَلَّكَ الرَّهْنَ بِالدَّيْنِ، وَإِنْ شَاءَ أَدَّى الدَّيْنَ وَأَخَذَ الرَّهْنَ لِمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنْ قَبَضَ الرَّهْنَ لَمْ يَنْعَقِدْ مُوجِبًا لَقِيمَةِ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّهُ صَدَرَ عَنْ إذْنِ الْمَالِكِ لَا عَنْ تَعَدٍّ فَلَا يَصْلُحُ مَنَاطًا لِضَمَانِ الْقِيمَةِ، وَالْعَقْدُ مُوجِبُ الضَّمَانِ لِلرَّهْنِ؛ لِأَنَّهُ بِهِ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا لِلدَّيْنِ عِنْدَ الْهَلَاكِ فَلَزِمَهُ ضَمَانُ الرَّهْنِ فَمَتَى تَعَذَّرَ إيجَابُ الْقِيمَةِ لَزِمَهُ ضَمَانُ الدَّيْنِ فَجَعَلَتْهُ بِالدَّيْنِ إلَّا إذَا كَانَ يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا أَوْ إلَى الْإِضْرَارِ بِأَحَدِهِمَا، وَقَدْ أَنْعَمَ هُنَا بِهَلَاكِهَا فَجَعَلَتْهُ بِالدَّيْنِ وَلَهُمَا أَنَّهُ لَا وَجْهَ إلَى أَنْ يَمْلِكَ الْمُرْتَهِنُ بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَنْعَقِدُ لِتَمَلُّكِ الرَّهْنِ، فَإِنَّ الرَّهْنَ عِنْدَ الْهَلَاكِ لَا يَصِيرُ مِلْكًا لِلْمُرْتَهِنِ بَلْ يَهْلِكُ عَلَى مِلْكِ الرَّاهِنِ، وَلَكِنَّ الْمُرْتَهِنَ بِالْقَبْضِ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا لِمَالِيَّةِ الْعَيْنِ عِنْدَ الْهَلَاكِ فَكَانَ ضَمَانُ الرَّاهِنِ ضَمَانَ الِاسْتِيفَاءِ وَلَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ مُسْتَوْفِيًا بِاعْتِبَارِ الْفَائِتِ بِالِانْكِسَارِ؛ لِأَنَّ الْفَائِتَ هُوَ الْجُودَةُ دُونَ الْقَدْرِ وَالِاسْتِيفَاءُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ مِنْ الْقَدْرِ دُونَ الْجُودَةِ وَلَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ مُسْتَوْفِيًا بِاعْتِبَارِ الْقَائِمِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ جَعْلُ الْمَكْسُورِ مِلْكًا لِلرَّاهِنِ. وَضَمَانُ الرَّهْنِ لَا يُوجِبُ الْمِلْكَ فِي الْعَيْنِ فَدَعَتْ الضَّرُورَةُ إلَى أَنْ يَجْعَلَ مَضْمُونًا بِالْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ تَمَلُّكَ الْأَعْيَانِ بِقِيمَتِهَا مَشْرُوعٌ، وَهَذَا تَفَقُّهٌ وَهُوَ أَنَّ الرَّاهِنَ إنَّمَا رَضِيَ بِقَبْضِهِ بِشَرْطِ ضَمَانِ الرَّهْنِ، فَإِذَا تَعَذَّرَ إثْبَاتُهُ لِعَدَمِ رِضَاهُ بِقَبْضِهِ فَصَارَ كَالْقُلْبِ الْمَغْصُوبِ إذَا انْكَسَرَ يَكُونُ مَضْمُونًا بِالْقِيمَةِ فَكَذَا هَذَا فَأَمَّا إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ الْوَزْنِ إنْ هَلَكَ يَهْلِكُ بِالدَّيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَعِنْدَهُمَا يَغْرَمُ قِيمَتَهُ مِنْ الذَّهَبِ وَيَرْجِعُ بِدَيْنِهِ فَهُمَا اعْتَبَرَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 283 الْقِيمَةَ وَالْجُودَةَ لَا الْوَزْنَ؛ لِأَنَّ فِي اعْتِبَارِ الْوَزْنِ وَإِسْقَاطِ الْجُودَةِ إضْرَارًا بِالرَّهْنِ وَلَا يَجُوزُ الْإِضْرَارُ لِصَاحِبِ الْمَالِ بِإِبْطَالِ حَقِّهِ عَنْ الْجُودَةِ، وَفِي جَعْلِهِ مُسْتَوْفِيًا لِدَيْنِهِ بِقَدْرِ قِيمَةِ الْقُلْبِ مَعْنَى الرِّبَا وَهُوَ اسْتِيفَاءُ عَشَرَةٍ بِثَمَانِيَةٍ، فَإِذَا تَعَذَّرَ جَعْلُهُ مُسْتَوْفِيًا ضَمِنَ قِيمَتَهُ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - اعْتَبَرَ الْوَزْنَ وَالْمَوْزُونَ فِي جَمِيعِ الدُّيُونِ فَصَارَ مُسْتَوْفِيًا لِدَيْنِهِ بِالْهَلَاكِ وَلَا يُؤَدِّي إلَى إضْرَارٍ بِالْمُرْتَهِنِ بِغَيْرِ رِضَاهُ؛ لِأَنَّهُ قَبِلَ الرَّهْنَ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّ مِنْ حُكْمِ الرَّهْنِ أَنَّهُ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا لِلدَّيْنِ بِهَلَاكِهِ وَصَارَ رَاضِيًا بِاسْتِيفَاءِ جَمِيعِ الدَّيْنِ بِالْهَلَاكِ مَتَى تَسَاوَيَا فِي الْوَزْنِ، وَإِنْ كَانَ الْقُلْبُ أَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ دَيْنِهِ؛ لِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ فِي أَمْوَالِ الرِّبَا مُعْتَبَرَةٌ مِنْ حَيْثُ الْقَدْرُ وَالْوَزْنُ لَا مِنْ حَيْثُ الْقِيمَةُ وَالْجُودَةُ، وَإِنْ انْكَسَرَ ضَمِنَ قِيمَتَهُ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ. وَأَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ فُلَانًا فَلِأَنَّا لَوْ جَعَلْنَاهُ بِالدَّيْنِ يُؤَدِّي إلَى الْإِضْرَارِ. وَأَمَّا إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ الْوَزْنِ وَهَلَكَ يَهْلِكُ بِالدَّيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ أَيْضًا؛ لِأَنَّ فِي الْوَزْنِ وَالْقِيمَةِ وَفَاءٌ بِالدَّيْنِ فَصَارَ بِالْهَلَاكِ مُسْتَوْفِيًا لِدَيْنِهِ وَفِي الزِّيَادَةِ أَمِينًا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - خَمْسَةُ أَسْدَاسٍ مَضْمُونَةٌ وَسُدُسُهُ أَمَانَةٌ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ الصِّيَاغَةَ مُعْتَبَرَةً وَمُتَقَوِّمَةً إذَا لَمْ يُؤَدِّ إلَى الرِّبَا فَصَارَ كَأَنَّ الرَّهْنَ اثْنَا عَشَرَ وَزْنًا فَسَاغَ الضَّمَانُ وَالْأَمَانَةُ فِيهِمَا فَيَصِيرُ بِقَدْرِ الدَّيْنِ مَضْمُونًا. وَأَمَّا إذَا انْكَسَرَ إنْ انْتَقَضَ بِالِانْكِسَارِ قِيمَةُ الْقُلْبِ مِنْ الْعَشَرَةِ بِأَنْ صَارَتْ تِسْعَةً أَوْ ثَمَانِيَةً ضَمِنَ قِيمَتَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِالْوَزْنِ عِنْدَهُ، وَلَيْسَ فِي الْوَزْنِ وَفَاءٌ بِالدَّيْنِ فَلَا يُمْكِنُ إيجَابُ ضَمَانِ الرَّهْنِ فَأَوْجَبْنَا الْقِيمَةَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - ضَمِنَ خَمْسَةَ أَسْدَاسِهِ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ الصِّيَاغَةَ مُعْتَبَرَةٌ فَتَكُونُ قِيمَةُ الرَّهْنِ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ وَذَلِكَ اثْنَا عَشَرَ فَيَكُونُ بِقَدْرِ الدَّيْنِ مَضْمُونًا وَالزِّيَادَةُ أَمَانَةٌ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنْ شَاءَ جَعَلَهُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ، وَإِنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِجَمِيعِهِ؛ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ بِالدَّيْنِ حَالَةَ الْهَلَاكِ فَيَكُونُ مَضْمُونًا بِالدَّيْنِ حَالَةَ الِانْكِسَارِ كَمَا بَيَّنَّا، وَإِنْ لَمْ تُنْقَضْ قِيمَةُ الْقُلْبِ مِنْ الْعَشَرَةِ بِأَنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ بَعْدَ الِانْكِسَارِ عَشَرَةً فَالْمُرْتَهِنُ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَضْمَنُ خَمْسَةَ أَسْدَاسِ الْقُلْبِ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَضْمَنُ قَدْرَ وَزْنِهِ؛ لِأَنَّ الْوَزْنَ فِي الْقِيمَةِ وَفَاءٌ بِالدَّيْنِ فَلَمْ يَصِرْ مُسْتَوْفِيًا شَيْئًا مِنْ الْمَضْمُونِ فَيَكُون مَضْمُونًا بِالدَّيْنِ حَالَةَ الِانْكِسَارِ وَالْوَزْنُ مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ فَتَصِيرُ الصِّيَاغَةُ كَذَلِكَ مَضْمُونَةً بِالْقِيمَةِ تَبَعًا لِلْوَزْنِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ كِلَاهُمَا مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ أَصْلًا فَيَكُونُ بَعْضُ الرَّهْنِ مَضْمُونًا وَالْبَعْضُ أَمَانَةً فَيَشِيعُ الضَّمَانُ فِيهَا الْفَصْلُ الثَّانِي لَوْ كَانَ وَزْنُ الْقُلْبِ ثَمَانِيَةً وَالدَّيْنُ عَشَرَةً فَهُوَ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ: إمَّا أَنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ مِثْلَ وَزْنِهِ أَوْ أَقَلَّ مِنْ وَزْنِهِ سَبْعَةً أَوْ أَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهِ وَأَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ تِسْعَةً، أَوْ مِثْلَ الدَّيْنِ عَشَرَةً أَوْ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ اثْنَيْ عَشْرَةَ، وَكُلٌّ وَجْهٍ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ هَلَكَ أَوْ انْكَسَرَ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْفُصُولِ كُلِّهَا الْهَلَاكُ بِثَمَانِيَةٍ وَيَرْجِعُ عَلَى الرَّاهِنِ بِدِرْهَمَيْنِ وَالِانْكِسَارُ بِالْقِيمَةِ وَفَاءٌ، وَفِي الِانْكِسَارِ تَعَذُّرُ إيجَابِ ضَمَانِ الرَّهْنِ لِمَا بَيَّنَّا وَأَوْجَبْنَا ضَمَانَ الْقِيمَةِ، فَأَمَّا عِنْدَهُمَا إنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ مِثْلَ وَزْنِهِ يَهْلِكُ بِمَا فِيهِ وَيَرْجِعُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الرَّاهِنِ بِدِرْهَمَيْنِ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ انْكَسَرَ ضَمِنَ قِيمَتَهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَهُ خِيَارُ التَّمْلِيكِ بِالدَّيْنِ وَالِافْتِكَاكُ لِمَا بَيَّنَّا، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ تِسْعَةً فَعِنْدَهُمَا يَغْرَمُ قِيمَتَهُ مِنْ الذَّهَبِ وَيَرْجِعُ بِدَيْنِهِ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ مُعْتَبَرَةٌ عِنْدَهُمَا مَعَ الْوَزْنِ فَالْوَزْنُ إنْ كَانَ يَفِي بِثَمَانِيَةٍ وَالْقِيمَةُ لَا تَفِي بِثَمَانِيَةٍ فَيُخَيَّرُ الْمُرْتَهِنُ إنْ شَاءَ رَضِيَ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ بِمَا فِيهِ ثَمَانِيَةٌ، وَإِنْ شَاءَ غَرِمَ قِيمَتَهُ تِسْعَةً وَرَجَعَ عَلَيْهِ بِدَيْنِهِ، وَإِنْ انْكَسَرَ ضَمِنَ قِيمَتَهُ اتِّفَاقًا أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ. وَأَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَرْكُ الْقُلْبِ بِثَمَانِيَةٍ مِنْ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ إذَا تَرَكَ بِثَمَانِيَةٍ يَتَضَرَّرُ بِهِ الْمُرْتَهِنُ؛ لِأَنَّ قِيمَةَ الرَّهْنِ لَا تَفِي بِثَمَانِيَةٍ، وَإِنْ تُرِكَ بِسَبْعَةٍ مِنْ جِنْسِهِ يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا ثَمَانِيَةً بِسَبْعَةٍ، وَإِنْ تَعَذَّرَ تَرَكَهُ عِنْدَهُ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهِ وَأَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ بِأَنْ كَانَتْ تِسْعَةً وَهَلَكَ يَهْلِكُ بِوَزْنِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَعِنْدَهُمَا يَغْرَمُ قِيمَتَهُ وَيَرْجِعُ بِدَيْنِهِ لِمَا بَيَّنَّا، وَإِنْ انْكَسَرَ ضَمِنَ قِيمَتَهُ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهِ وَوَزْنُهُ مِثْلُ الدَّيْنِ بِأَنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ عَشَرَةً، فَإِنْ هَلَكَ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ احْتِرَازًا عَنْ الرِّبَا وَالضَّرَرِ، وَإِنْ انْكَسَرَ فَالرَّاهِنُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ مِثْلَ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِلتَّعَذُّرِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 284 وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ وَزْنِ اثْنَيْ عَشَرَ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنْ هَلَكَ يَغْرَمُ خَمْسَةَ أَسْدَاسِهِ وَيَرْجِعُ بِدَيْنِهِ؛ لِأَنَّ الصِّيَاغَةَ عِنْدَهُ بِمَنْزِلَةِ الْوَزْنِ، وَلَوْ كَانَ الْوَزْنُ اثْنَيْ عَشَرَ يَضْمَنُ خَمْسَةَ أَسْدَاسِهِ وَهُوَ عَشَرَةٌ فَكَذَا هَذَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنْ هَلَكَ ضَمِنَ قَدْرَ الدَّيْنِ بِخَمْسَةِ أَسْدَاسِ الْقُلْبِ؛ لِأَنَّ قَدْرَ الدِّرْهَمَيْنِ مِنْ قِيمَةِ الصِّيَاغَةِ أَمَّا عِنْدَهُ فَلِأَنَّهُ يَزِيدُ عَلَى الْوَزْنِ وَالدَّيْنِ جَمِيعًا وَلَا ضَمَانَ لِلْمَالِكِ فِي الْأَمَانَةِ، وَإِنْ انْكَسَرَ انْتَقَصَ بِالِانْكِسَارِ مِقْدَارُ الزِّيَادَةِ عَلَى الْعَشَرَةِ فَلَا ضَمَانَ، وَإِنْ نَقَصَ أَكْثَرُ مِنْ فَضْلِ الْجُودَةِ عَلَى الدَّيْنِ وَذَلِكَ أَكْثَرُ مِنْ دِرْهَمَيْنِ فَالرَّاهِنُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ وَأَخَذَ الْمَكْسُورَ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ عَلَيْهِ بِقِيمَتِهِ مَضْمُونًا مِنْ الذَّهَبِ غَيْرَ دِرْهَمَيْنِ؛ لِأَنَّ قِيمَةَ الصِّيَاغَةِ أَرْبَعَةٌ وَوَزْنُ الرَّهْنِ لَا يَفِي بِالدَّيْنِ فَيَضْمَنُ مِنْ قِيمَةِ الصِّيَاغَةِ مَا يَتِمُّ بِهِ الدَّيْنُ وَذَلِكَ دِرْهَمَانِ فَصَارَ قَدْرُ دِرْهَمَيْنِ مِنْ الصِّيَاغَةِ مَضْمُونًا مَعَ الْوَزْنِ وَقَدْرُ دِرْهَمَيْنِ أَمَانَةً فَيُتْرَكُ الْقُلْبُ عَلَيْهِ بِقِيمَتِهِ غَيْرَ دِرْهَمَيْنِ وَلَا يُتْرَكُ بِالدَّيْنِ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا ثَمَانِيَةً بِعَشَرَةٍ، وَإِنْ جَعَلَ مُسْتَوْفِيًا ثَمَانِيَةً تَضَرَّرَ بِهِ الرَّاهِنُ فَأَوْجَبْنَا عَلَيْهِ الْقِيمَةَ مِنْ الذَّهَبِ تَحَرُّزًا عَنْ الرِّبَا وَنَفْيًا لِلضَّرَرِ عَنْ الرَّهْنِ. الْفَصْلُ الثَّالِثُ، وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ عَشَرَةً وَالْقُلْبُ خَمْسَةَ عَشَرَ فَهَذَا عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ: إمَّا أَنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ مِثْلَ وَزْنِهِ، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهِ، أَوْ أَقَلَّ مِنْ وَزْنِهِ، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ أَحَدَ عَشَرَ، أَوَمِثْلَ الدَّيْنِ عَشَرَةً، أَوْ أَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ ثَمَانِيَةً، وَكُلُّ وَجْهٍ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ هَلَكَ أَوْ انْكَسَرَ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْفُصُولِ كُلِّهَا إنْ هَلَكَ يَهْلِكُ بِمَا فِيهِ، وَإِنْ انْكَسَرَ فَاخْتَارَ الرَّاهِنُ التَّرْكَ يُتْرَكُ عَلَيْهِ بِخَمْسَةِ أَسْدَاسِ قِيمَتِهِ مِنْ الذَّهَبِ، وَعِنْدَهُمَا إنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ مِثْلَ الْوَزْنِ إنْ هَلَكَ ذَهَبَ ثُلُثَاهُ بِالدَّيْنِ وَالِانْكِسَارِ بِالْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ الْمَضْمُونَ بِالرَّهْنِ قَدْرُ ثُلُثَيْهِ وَثُلُثُهُ أَمَانَةٌ وَبِالِانْكِسَارِ يَضْمَنُ قِيمَةَ الْمَضْمُونِ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ كَانَ الْهَلَاكُ وَالِانْكِسَارُ بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ جَعْلُهُ بِالدَّيْنِ وَتَمْلِيكُهُ مَتَى كَانَ وَزْنَ ثُلُثَيْهِ وَقِيمَتُهُ مِثْلُ الدَّيْنِ رَهْنًا بِالصِّيَاغَةِ لَمْ تَزْدَدْ قِيمَتُهُ عَلَى الْوَزْنِ فَلَا عِبْرَةَ لِلصِّيَاغَةِ وَالْعِبْرَةُ لِلْوَزْنِ بَعْضُهُ مَضْمُونٌ أَمَانَةً، فَإِذَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ بِالِانْكِسَارِ وَقَعَ التَّغَيُّرُ فِي بَعْضِ الْمَضْمُونِ فَيُتَخَيَّرُ، وَإِنْ كَانَ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهِ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْقِيمَةُ عِشْرِينَ، فَإِنْ هَلَكَ هَلَكَ ثُلُثَاهُ بِالدَّيْنِ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ بِثُلُثَيْهِ وَفَاءً بِالدَّيْنِ وَزْنًا وَقِيمَتَهُ وَيَهْلِكُ ثُلُثُهُ أَمَانَةً، وَإِنْ انْكَسَرَ ضَمِنَ ثُلُثَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ لِأَنَّ الْمَضْمُونَ مِنْ الْقُلْبِ عَشَرَةٌ وَالصِّيَاغَةُ تَبَعٌ لِلْوَزْنِ عِنْدَهُ فَتَصِيرُ الصِّيَاغَةُ أَيْضًا مَضْمُونَةً تَبَعًا لِلْوَزْنِ وَيَبْقَى الثُّلُثُ أَمَانَةً عِنْدَهُ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَضْمَنُ نِصْفَهُ؛ لِأَنَّ الصِّيَاغَةَ عِنْدَهُ بِمَنْزِلَةِ الْوَزْنِ وَقِيمَتُهَا خَمْسَةٌ وَوَزْنُ الْقُلْبِ خَمْسَةَ عَشَرَ فَصَارَ كَأَنَّ وَزْنَ الْقُلْبِ عِشْرِينَ فَيُتْرَكُ نِصْفُ الْقُلْبِ عَلَيْهِ بِنِصْفِ قِيمَتِهِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يُنْظَرُ إنْ كَانَ نَقَصَ خَمْسَةً أَوْ أَقَلَّ لَمْ تُعْتَبَرْ وَيُجْبَرُ الرَّاهِنُ عَلَى الِانْفِكَاكِ، وَإِنْ نَقَصَ أَكْثَرُ مِنْ خَمْسَةٍ لِلرَّاهِنِ أَنْ يُسَلِّمَ لِلْمُرْتَهِنِ الرَّهْنَ بِدَيْنِهِ وَالْبَاقِي لَهُ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ الْقِيمَةَ زَادَتْ عَلَى الْوَزْنِ فَهِيَ قِيمَةُ الصِّيَاغَةِ وَهِيَ أَمَانَةٌ؛ لِأَنَّ الْأَمَانَةَ تُصْرَفُ إلَى الصِّيَاغَةِ مَتَى ازْدَادَتْ قِيمَتُهُ عَلَى وَزْنِهِ وَالْفَائِتُ قَدْرُ الْأَمَانَةِ وَبَقِيَ الدَّيْنُ بِحَالِهِ فَيُجْبَرُ الرَّاهِنُ عَلَى الْفِكَاكِ وَمَتَى انْقَضَتْ قِيمَتُهُ عَلَى الْوَزْنِ فَقَدْ تَغَيَّرَ مَا هُوَ الْمَضْمُونُ فَيَتَخَيَّرُ الرَّاهِنُ، فَإِنْ اخْتَارَ التَّرْكَ يَتْرُكُ ثُلُثَهُ بِالدَّيْنِ وَيَسْتَرِدُّ الثُّلُثَ؛ لِأَنَّهُ مَهْمَا تَمَلَّكَهُ بِالدَّيْنِ لَا يَمْلِكُ بِالْقِيمَةِ عِنْدَهُ، وَإِنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ أَقَلَّ مِنْ وَزْنِهِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ بِأَنْ يَكُونَ اثْنَيْ عَشَرَ إنْ هَلَكَ يَهْلِكُ ثُلُثَاهُ بِالدَّيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ لِأَنَّ بِالْوَزْنِ وَفَاءً بِالدَّيْنِ وَزِيَادَةً، وَالزِّيَادَةُ أَمَانَةٌ وَعِنْدَهُمَا يَغْرَمُ عَنْ الْقُلْبِ خَمْسَةَ أَسْدَاسِهِ وَالْأَظْهَرُ أَنْ يَضْمَنَ مِنْهُ قَدْرَ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ قَدْرَ الدَّيْنِ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ وَذَلِكَ ثُلُثَا الْقُلْبِ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُمَا الْعِبْرَةَ لِلْوَزْنِ وَالْقِيمَةَ جَمِيعًا وَبِالْوَزْنِ وَالْقِيمَةِ وَفَاءٌ بِالدَّيْنِ وَزِيَادَةٌ وَالْمَضْمُونُ مِنْ الدَّيْنِ عَشَرَةٌ وَالزِّيَادَةُ أَمَانَةٌ. وَإِنْ انْكَسَرَ ضَمِنَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا يُسَاوِي عَشَرَةً مِنْهُ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ الْعِبْرَةَ لِلْوَزْنِ لَا لِلْقِيمَةِ وَقَدْرُ الْمَضْمُونِ مِنْ الْوَزْنِ عَشَرَةٌ وَعِنْدَهُمَا إنْ اخْتَارَ التَّرْكَ يَتْرُكُ عَلَيْهِ عَشَرَةَ أَجْزَاءٍ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ الْقُلْبِ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ لَا بِاعْتِبَارِ الْوَزْنِ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُمَا الْقِيمَةَ مُعْتَبَرَةٌ مَعَ الْوَزْنِ، وَإِنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ مِثْلَ الدَّيْنِ إنْ هَلَكَ يَهْلِكُ بِمَا فِيهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ بِتَخْيِيرٍ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُمَا الْقِيمَةَ مُعْتَبَرَةٌ مَعَ الْوَزْنِ وَلَا وَفَاءَ بِالْقِيمَةِ بِقَدْرِ الْمَضْمُونِ مِنْ الرَّهْنِ وَهِيَ عَشْرَةٌ؛ لِأَنَّ قِيمَةَ الْعَشَرَةِ مِنْ الرَّهْنِ أَقَلُّ مِنْ عَشَرَةِ الدَّيْنِ فَيَتَخَيَّرُ إنْ شَاءَ جَعَلَهُ هَالِكًا بِمَا فِيهِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ عَشْرَةً مِنْ الذَّهَبِ فَيَكُونُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 285 رَهْنًا عِنْدَهُ وَيَكُونُ دَيْنُهُ عَلَى حَالِهِ نَفْيًا لِلضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ، وَإِنْ انْكَسَرَ ضَمِنَ مِقْدَارَ ثُلُثَيْ الْقِيمَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِمَا عُرِفَ وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ قِيمَتَهُ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ مُعْتَبَرَةٌ مَعَ الْوَزْنِ عِنْدَهُمَا وَقِيمَتُهُ عَشَرَةٌ فَيَتْرُكُ جَمِيعَ الْقُلْبِ عَلَيْهِ بِعَشَرَةٍ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ بِأَنْ كَانَتْ ثَمَانِيَةً إنْ هَلَكَ يَهْلِكُ بِثُلُثَيْ الدَّيْنِ وَالْبَاقِي يَهْلِكُ أَمَانَةً عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ الْعِبْرَةَ لِلْوَزْنِ لَا لِلْقِيمَةِ وَفِي الْوَزْنِ وَفَاءٌ بِالدَّيْنِ وَزِيَادَةٌ وَعِنْدَهُمَا يَغْرَمُ قِيمَتَهُ وَيَرْجِعُ بِدَيْنِهِ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُمَا الْقِيمَةَ مُعْتَبَرَةٌ مَعَ الْوَزْنِ وَفِي الزِّيَادَةِ إنْ كَانَ وَفَاءٌ بِالدَّيْنِ فَلَا وَفَاءَ بِالْقِيمَةِ وَلَهُ أَنْ يَضْمَنَ قِيمَةَ الْقُلْبِ ثَمَانِيَةً فَتَكُونَ رَهْنًا عِنْدَهُ، وَإِنْ انْكَسَرَ ضَمِنَ ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ عِنْدَهُ لِمَا عُرِفَ وَعِنْدَهُمَا الْكُلَّ لِمَا عُرِفَ رَهَنَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ بِيضًا لَهَا صَرْفٌ وَفَضْلٌ بِعَشَرَةٍ سُودٍ تَهْلِكُ بِالسُّودِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا خَمْسَةَ عَشَرَ سُودًا فَقَدْ ضَمِنَ ثُلُثَيْهِ وَثُلُثُهُ أَمَانَةٌ كَمَا إذَا ارْتَهَنَ قُلْبًا وَزْنُهُ مِثْلُ الدَّيْنِ وَقِيمَتُهُ أَكْثَرُ مِنْهُ. [فَصْلٌ ارْتَهَنَ قُلْبَ فِضَّةٍ وَزْنُهُ خَمْسُونَ بِكُرٍّ سَلَمٍ أَوْ قَرْضٍ وَقِيمَتُهُ مِنْ الدَّيْنِ سَوَاءٌ] (فَصْلٌ) ارْتَهَنَ قُلْبَ فِضَّةٍ وَزْنُهُ خَمْسُونَ بِكُرٍّ سَلَمٍ أَوْ قَرْضٍ وَقِيمَتُهُ مِنْ الدَّيْنِ سَوَاءٌ، فَإِنْ هَلَكَ ذَهَبَ بِمَا فِيهِ؛ لِأَنَّهُ بِقِيمَتِهِ وَفَاءٌ بِالدَّيْنِ، وَإِنْ انْكَسَرَ فَعَلَى مَا وَصَفْنَا مِنْ رَهْنِ قُلْبٍ وَزْنُهُ عَشْرَةٌ بِدِينَارٍ وَقِيمَتُهُ سَوَاءٌ فَانْكَسَرَ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ مِنْ خِلَافِ جِنْسِ الدَّيْنِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَثَمَّةَ يَغْرَمُ الْمُرْتَهِنُ قِيمَتَهُ مِنْ الذَّهَبِ فَيَكُونُ رَهْنًا بِالدَّيْنِ وَالْقُلْبُ لَهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يُتْرَكُ عَلَيْهِ بِالدَّيْنِ فَكَذَا هَذَا خَاتَمٌ مِنْ فِضَّةٍ وَزْنُهُ دِرْهَمٌ وَفِيهِ فَصٌّ يُسَاوِي تِسْعَةً فَرَهَنَهُ بِعَشَرَةٍ فَهَلَكَ الْخَاتَمُ فَهُوَ بِمَا فِيهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ لِأَنَّ تِسْعَةً مِنْ الدَّيْنِ بِإِزَاءِ الْفَصِّ وَدِرْهَمًا بِإِزَاءِ الْحَلْقَةِ فَتَسْقُطُ تِسْعَةٌ بِهَلَاكِ الْفَصِّ وَسَقَطَ دِرْهَمٌ بِهَلَاكِ الْحَلْقَةِ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ الْعِبْرَةَ لِلْوَزْنِ لَا لِلْقِيمَةِ وَهُمَا فِي الْوَزْنِ سَوَاءٌ، وَكَذَلِكَ عِنْدَهُمَا إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الْحَلْقَةِ دِرْهَمًا أَوْ أَكْثَرَ؛ لِأَنَّ الْحَلْقَةَ وَالدَّيْنَ بِمُقَابَلَتِهِ فِي الْوَزْنِ وَالْقِيمَةِ سَوَاءٌ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْحَلْقَةِ أَقَلَّ مِنْ دِرْهَمٍ، فَإِنَّهُ يَسْقُطُ مِنْ الدَّيْنِ تِسْعَةٌ بِهَلَاكِ الْفَصِّ وَلِلْمُرْتَهِنِ خِيَارٌ فِي الْحَلْقَةِ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ عِنْدَهُمَا لِلْوَزْنِ وَالْقِيمَةِ جَمِيعًا وَهَاهُنَا إذَا كَانَ بِالْوَزْنِ وَفَاءٌ فَلَا وَفَاءَ لِلْقِيمَةِ. وَلَوْ هَلَكَ بِمَا فِيهِ مِنْ غَيْرِ خِيَارٍ لِتَضَرُّرِ الْمُرْتَهِنِ بِذَلِكَ كَمَا إذَا رَهَنَ قُلْبًا وَزْنُهُ عَشَرَةٌ بِعَشْرَةٍ وَقِيمَتُهُ ثَمَانِيَةٌ، وَقَدْ هَلَكَ يُخَيَّرُ الْمُرْتَهِنُ عِنْدَهُمَا فَكَذَا هَذَا رَهَنَهُ قُلْبَ فِضَّةٍ بِعَشَرَةٍ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَجِئْ بِالْعَشَرَةِ إلَى شَهْرٍ فَهُوَ بَيْعٌ فَالرَّهْنُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الْبَيْعَ بِالْخَطَرِ، وَتَعْلِيقُ التَّمْلِيكِ بِالْخَطَرِ لَا يَجُوزُ وَلَمْ يُعَلَّقُ الرَّهْنُ بِالْخَطَرِ إلَّا أَنَّهُ شَرَطَ شَرْطًا فَاسِدًا وَالرَّهْنُ لَا يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ ارْتَهَنَ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فُلُوسًا تُسَاوِيهَا فَهَلَكَتْ فَهِيَ بِمَا فِيهَا، وَإِنْ انْكَسَرَتْ ذَهَبَ مِنْ الدَّيْنِ بِحِسَابِهِ؛ لِأَنَّ الْفُلُوسَ لَمْ تَكُنْ مِنْ مَالِ الرِّبَا؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ مَوْزُونَةً بَلْ هِيَ عَدَدِيَّةٌ وَالْجُودَةُ مُتَقَوِّمَةٌ مُعْتَبَرَةٌ فِي غَيْرِ أَمْوَالِ الرِّبَا، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ غَصَبَ مِنْ آخَرَ فُلُوسًا فَانْكَسَرَتْ عِنْدَهُ فَلِلْمَالِكِ أَنْ يُضَمِّنَهُ النُّقْصَانَ وَلَا يُخَيِّرُ الرَّاهِنَ؛ لِأَنَّهُ سَقَطَ بَعْضُ الدَّيْنِ بِسَبَبِ فَوْتِ الْجُودَةِ فَلَا مَعْنَى لِلتَّخْيِيرِ بِخِلَافِ الْقُلْبِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْقُطْ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ بِالِانْكِسَارِ إذَا بَقِيَ الْوَزْنُ عَلَى حَالِهِ فَوَجَبَ تَخْيِيرُ الرَّاهِنِ نَفْيًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ، وَإِنْ كَسَدَتْ فَالدَّيْنُ بِحَالِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَفُتْ شَيْءٌ مِنْ الْعَيْنِ بِالْكَسَادِ لَا الْجُودَةِ وَلَا الْعَيْنِ إنَّمَا تَغَيُّرُ السِّعْرِ وَتَغَيُّرُ السُّعْرِ لَا عِبْرَةَ بِهِ ارْتَهَنَ طَسْتًا بِدَرَاهِمَ وَفِيهِ وَفَاءٌ وَفَضْلٌ فَهَلَكَ فَهُوَ بِمَا فِيهِ، وَإِنْ انْكَسَرَ فَمَا كَانَ مِنْهُ لَا يُوزَنُ نَقْصٌ بِحِسَابِهِ؛ لِأَنَّ لِلْجُودَةِ قِيمَةَ فِي غَيْرِ أَمْوَالِ الرِّبَا وَمَا كَانَ يُوزَنُ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ مَكْسُورًا وَأَعْطَاهُ الدَّرَاهِمَ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ مَصُوغًا مِنْ الذَّهَبِ وَكَانَ ذَلِكَ لِلْمُرْتَهِنِ وَيَأْخُذُ الرَّاهِنُ الْقِيمَةَ وَأَعْطَاهُ دَيْنَهُ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُتْرَكُ بِالدَّيْنِ كَمَا فِي الْقُلْبِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا عَلَى أَنْ يَرْهَنَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ شَيْئًا بِعَيْنِهِ فَامْتَنَعَ لَمْ يُجْبَرْ وَلِلْبَائِعِ فَسْخُ الْبَيْعِ إلَّا أَنْ يَدْفَعَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ حَالًّا أَوْ قِيمَةَ الرَّهْنِ رَهْنًا) ، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ هَذَا الْبَيْعُ بِهَذَا الشَّرْطِ وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ إذَا بَاعَهُ شَيْئًا عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ كَفِيلًا حَاضِرًا فِي الْمَجْلِسِ فَقَبِلَ الْكَفِيلَ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لِأَحَدِهِمَا وَمِثْلُهُ مَفْسَدَةٌ لِلْبَيْعِ وَلِأَنَّهُ صَفْقَةٌ فِي صَفْقَتَيْنِ وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ شَرْطٌ مُلَائِمٌ لِلْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ لِلِاسْتِيثَاقِ، وَكَذَا الْكَفَالَةُ وَالِاسْتِيثَاقُ يُلَائِمُ الْعَقْدَ، فَإِذَا كَانَ الْكَفِيلُ حَاضِرًا فِي الْمَجْلِسِ وَقَبِلَ اُعْتُبِرَ فِيهِ الْمَعْنَى وَهُوَ الْمُلَايَمَةُ فَصَحَّ الْعَقْدُ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ الرَّهْنُ وَلَا الْكَفِيلُ مُعَيَّنًا أَوْ كَانَ الْكَفِيلُ غَائِبًا حَتَّى افْتَرَقَا لَمْ يَبْقَ مَعْنَى الْكَفَالَةِ وَالرَّهْنُ لِلْجَهَالَةِ فَكَانَ الِاعْتِبَارُ لَعَيْنِهِ فَيَفْسُدُ، وَلَوْ كَانَ الْكَفِيلُ غَائِبًا فَحَضَرَ فِي الْمَجْلِسِ وَقَبِلَ صَحَّ، وَكَذَا لَوْ لَمْ يَكُنْ الرَّهْنُ مُعَيَّنًا فَاتَّفَقَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 286 عَلَى تَعْيِينِ الرَّهْنِ فِي الْمَجْلِسِ أَوْ نَقَدَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ حَالًّا جَازَ الْبَيْعُ وَبَعْدَ الْمَجْلِسِ لَا يَجُوزُ قَوْلُهُ فَامْتَنَعَ لَمْ يُجْبَرْ أَيْ امْتَنَعَ الْمُشْتَرِي عَنْ تَسْلِيمِ الرَّهْنِ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى تَسْلِيمِهِ، وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يُجْبَرُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ بِالشَّرْطِ حَقًّا مِنْ حُقُوقِهِ كَالْوَكَالَةِ الْمَشْرُوطَةِ فِي عَقْدِ الرَّهْنِ قُلْت عَقْدُ الرَّهْنِ تَبَرُّعٌ وَلَا جَبْرَ عَلَى الْمُتَبَرِّعِ كَالْوَاهِبِ غَيْرَ أَنَّ لِلْبَائِعِ الْخِيَارَ إنْ شَاءَ رَضِيَ بِتَرْكِ الرَّهْنِ، وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ الْبَيْعَ؛ لِأَنَّهُ وَصْفٌ مَرْغُوبٌ فِيهِ فَوَاتُهُ يُوجِبُ الْخِيَارَ كَسَلَامَةِ الْمَبِيعِ عَنْ الْعَيْبِ فِي الْبَيْعِ إلَّا أَنْ يَدْفَعَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ حَالًّا لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ أَوْ يَدْفَعَ قِيمَةَ الرَّهْنِ رَهْنًا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الرَّهْنِ الْمَشْرُوطِ يَحْصُلُ بِقِيمَتِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ قَالَ لِلْبَائِعٍ أَمْسِكْ هَذَا الثَّوْبَ حَتَّى أُعْطِيَك الثَّمَنَ فَهُوَ رَهْنٌ) ، وَقَالَ زُفَرُ لَا يَكُونُ رَهْنًا وَمِثْلُهُ أَبُو يُوسُفَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَمْسِكْ يَحْتَمِلُ الرَّهْنَ وَيَحْتَمِلُ الْإِيدَاعَ. وَالثَّانِي أَقَلُّهُمَا فَيَقْضِي بِثُبُوتِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ أَمْسِكْهُ بِدَيْنِك أَوْ بِمَا لَك عَلَيَّ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَابَلَهُ بِالدَّيْنِ فَقَدْ عَيَّنَ الرَّهْنَ وَلَنَا أَنَّهُ أَتَى بِمَا يُنَبِّئُ عَنْ مَعْنَى الرَّهْنِ وَهُوَ الْحَبْسُ إلَى إيفَاءِ الثَّمَنِ وَالْعِبْرَةُ فِي الْعُقُودِ لِلْمَعَانِي حَتَّى كَانَتْ الْكَفَالَةُ بِشَرْطِ بَرَاءَةِ الْأَصِيلِ حَوَالَةً وَالْحَوَالَةُ بِشَرْطِ عَدَمِ بَرَاءَةِ الْمُحِيلِ كَفَالَةً، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ مَلَّكْتُك هَذَا بِكَذَا يَكُونُ بَيْعًا لِلتَّصْرِيحِ بِمُوجِبِ الْبَيْعِ كَأَنَّهُ قَالَ لَهُ بِعْتُك بِكَذَا وَأَطْلَقَ فِي قَوْلِهِ هَذَا فَشَمِلَ الثَّوْبَ الْمَبِيعَ وَغَيْرَهُ إذْ لَا فَرْقَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الثَّوْبُ هُوَ الْمُشْتَرَى أَوْ لَمْ يَكُنْ بَعْدُ إنْ كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ بَعْدَ الْقَبْضِ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ رَهْنًا بِثَمَنِهِ حَتَّى يَثْبُتَ فِيهِ حُكْمُ الرَّهْنِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ مَحْبُوسٌ بِالثَّمَنِ وَضَمَانُهُ بِخِلَافِ ضَمَانِ الرَّهْنِ فَلَا يَكُونُ مَضْمُونًا بِضَمَانَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ لِاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِهِمَا حَتَّى لَوْ قَالَ لَهُ أَمْسِكْ الْمَبِيعَ حَتَّى أُعْطِيَك الثَّمَنَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَهَلَكَ انْفَسَخَ الْبَيْعُ. وَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ شَيْئًا يُفْسَدُ بِالْمُكْثِ كَاللَّحْمِ وَالْجَمْدِ فَأَبْطَأَ الْمُشْتَرِي وَخَافَ الْبَائِعُ عَلَيْهِ التَّلَفَ جَازَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَبِيعَهُ وَوَسِعَ الْمُشْتَرِيَ أَنْ يَشْتَرِيَهُ وَيَتَصَدَّقُ الْبَائِعُ بِالزَّائِدِ إنْ بَاعَهُ بِأَزْيَدَ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ فِيهِ شُبْهَةً وَفِي الْمُنْتَقَى رَجُلٌ لَهُ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ فَأَعْطَاهُ ثَوْبًا، فَقَالَ أَمْسِكْ هَذَا حَتَّى أُعْطِيَكَ مَا لَكَ عَلَيَّ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ رَهْنٌ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِمَعْنَى الرَّهْنِ وَهُوَ الْإِمْسَاكُ وَالْحَبْسُ لِأَجْلِ إيفَاءِ الدَّيْنِ وَإِعْطَائِهِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَكُونُ وَدِيعَةً لَا رَهْنًا؛ لِأَنَّ الْإِمْسَاكَ مُحْتَمَلٌ قَدْ يَكُونُ لِلرَّهْنِ، وَقَدْ يَكُونُ لِلْوَدِيعَةِ فَيُحْمَلُ عَلَى الْوَدِيعَةِ؛ لِأَنَّهَا أَقَلُّ وَهِيَ مُتَيَقَّنَةٌ وَالرَّهْنُ مَشْكُوكٌ فِيهِ، فَإِنْ قَالَ أَمْسِكْ هَذَا بِمَا لَك أَوْ قَالَ أَمْسِكْ هَذَا رَهْنًا حَتَّى أُعْطِيَك مَا لَك فَهُوَ رَهْنٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَلَوْ قَالَ أَمْسِكْ هَذَا الْأَلْفَ بِحَقِّكَ وَاشْهَدْ لِي بِالْقَبْضِ فَهَذَا اقْتِضَاءٌ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ وَالْقَبْضَ بِالدَّيْنِ لَا يَكُونُ إلَّا لِجِهَةِ الِاقْتِضَاءِ وَالِاسْتِيفَاءِ، وَلَوْ قَالَ أَمْسِكْهَا حَتَّى آتِيَك بِحَقِّك فَهَذَا رَهْنٌ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِالْإِمْسَاكِ لِلْإِيفَاءِ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بِجِهَةِ الرَّهْنِ، وَلَوْ قَضَاهُ الرَّاهِنَ مِائَةً، ثُمَّ قَالَ خُذْهَا رَهْنًا بِمَا كَانَ فِيهَا مِنْ زَيْفٍ أَوْ سَتُّوقٍ فَهُوَ رَهْنٌ بِالسَّتُّوقِ لَا بِالزُّيُوفِ؛ لِأَنَّ الزُّيُوفَ يَقَعُ بِهَا الِاسْتِيفَاءُ وَبِالسَّتُّوقِ لَا رَجُلٌ رَهَنَ رَجُلًا مَتَاعًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، فَقَالَ الْمُرْتَهِنُ لِلرَّاهِنِ هَاتِ لِي، فَقَالَ ارْهَنْهُ بِمَالِك فَرَهَنَهُ بِتِسْعِمِائَةٍ انْفَسَخَ الرَّهْنُ الْأَوَّلُ وَانْعَقَدَ الثَّانِي فَكَذَا هَذَا كَمَا لَوْ كَانَ ابْتَاعَهُ بِأَلْفٍ بِسَبْعِمِائَةٍ انْفَسَخَ الْأَوَّلُ وَانْعَقَدَ الثَّانِي. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ رَهَنَ عَبْدَيْنِ بِأَلْفٍ لَا يَأْخُذُ أَحَدَهُمَا بِقَضَاءِ حِصَّتِهِ كَالْمَبِيعِ) قَيَّدَ بِقَوْلِهِ بِأَلْفٍ فَأَفَادَ أَنَّهُ لَمْ يَفْصِلْ حِصَّةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَإِنْ سَمَّى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَيْئًا مِنْ الدَّيْنِ الَّذِي رَهَنَهُ بِهِ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ مُتَّحِدٌ فَلَا يَتَفَرَّقُ بِالتَّسْمِيَةِ كَالْبَيْعِ، وَفِي الزِّيَادَاتِ لَهُ أَنْ يَقْبِضَ أَحَدَهُمَا إذَا أَدَّى مَا سَمَّى لَهُ؛ لِأَنَّ التَّفَرُّقَ يَثْبُتُ فِي الرَّهْنِ بِتَسْمِيَةِ حِصَّةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ قَبُولَ الْعَقْدِ فِي أَحَدِهِمَا لَا يَكُونُ شَرْطًا لِصِحَّةِ الْعَقْدِ فِي الْآخَرِ حَتَّى إذَا قَبِلَ فِي أَحَدِهِمَا صَحَّ فِيهِ خِلَافُ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ فِيهِ يَتَعَدَّدُ بِتَفْصِيلِ الثَّمَنِ وَلِهَذَا لَوْ قَبِلَ الْبَيْعَ فِي أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ بَطَلَ الْبَيْعُ فِي الْكُلِّ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ يَتَضَرَّرُ بِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ لِمَا أَنَّ الْعَادَةَ قَدْ جَرَتْ بِضَمِّ الرَّدِيءِ إلَى الْجَيِّدِ فِي الْبَيْعِ فَيَلْحَقُهُ الضَّرَرُ بِالتَّفْرِيقِ وَلَا كَذَلِكَ الرَّهْنُ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ لَا يَتَضَرَّرُ بِالتَّفْرِيقِ وَلِهَذَا لَا يَبْطُلُ بِهِ، وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ هِيَ الْأَصَحُّ وَقَيَّدَ بِالْأَلْفِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ رَهَنَ عَبْدَيْنِ أَحَدَهُمَا بِكَذَا وَالْآخَرَ بِكَذَا، وَلَمْ يُبَيِّنْ لَمْ يَجُزْ هَكَذَا فِي الْفَتَاوَى الْغِيَاثِيَّةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ رَهَنَ عَيْنًا عِنْدَ رَجُلَيْنِ صَحَّ) سَوَاءٌ كَانَا شَرِيكَيْنِ فِي الدَّيْنِ أَوْ لَمْ يَكُونَا شَرِيكَيْنِ فِيهِ وَيَكُونُ جَمِيعُ الْعَيْنِ رَهْنًا عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ أُضِيفَ إلَى كُلِّ الْعَيْنِ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَا يَكُونُ شَائِعًا بِاعْتِبَارِ تَعَدُّدِ الْمُسْتَحَقِّ؛ لِأَنَّ مُوجِبَهُ جَعْلُهُ مَحْبُوسًا بِدَيْنِ كُلٍّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 287 وَاحِدٍ مِنْهُمَا، إذْ لَا تَضَايُقَ فِي اسْتِحْقَاقِ الْحَبْسِ وَلِهَذَا لَوْ رَهَنَ لَا يَنْقَسِمُ عَلَى أَجْزَاءِ الدَّيْنِ بَلْ يَكُونُ كُلُّهُ مَحْبُوسًا بِكُلِّ الدَّيْنِ وَبِكُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهِ فَلَا شُيُوعَ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ أَخْذًا مِنْ النِّهَايَةِ قِيلَ هُوَ مَنْقُوضٌ بِمَا إذَا بَاعَ مِنْ رَجُلَيْنِ أَوْ وَهَبَ مِنْ رَجُلَيْنِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ، فَإِنَّ الْعَقْدَ فِيهِمَا أُضِيفَ إلَى جَمِيعِ الدَّيْنِ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ وَفِيهِ الشُّيُوعُ حَتَّى كَانَ الْمَبِيعُ وَالْمَرْهُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ كَمَا لَوْ نَصَّ عَلَى الْمُنَاصَفَةِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ إضَافَةَ الْعَقْدِ إلَى اثْنَيْنِ تُوجِبُ الشُّيُوعَ فِيمَا يَكُونُ الْعَقْدُ مُفِيدًا لِلْمِلْكِ كَالْهِبَةِ وَالْبَيْعِ، فَإِنَّ الْعَيْنَ الْوَاحِدَةَ لَا يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ مَمْلُوكَةً لِشَخْصَيْنِ عَلَى الْكَمَالِ فَتُجْعَلُ شَائِعَةً فَتَنْقَسِمُ عَلَيْهِمَا لِلْجَوَازِ وَالرَّهْنُ غَيْرُ مُفِيدٍ لِلْمِلْكِ وَإِنَّمَا يُفِيدُ الِاحْتِبَاسَ وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْعَيْنُ الْوَاحِدَةُ مُحْتَبِسَةً لِحَقَّيْنِ عَلَى الْكَمَالِ فَيَمْتَنِعُ الشُّيُوعُ فِيهِ تَحَرِّيًا لِلْجَوَازِ لِكَوْنِ الْقَبْضِ لَا بُدَّ مِنْهُ فِي الرَّهْنِ وَالشُّيُوعُ يَمْنَعُ عَنْهُ إلَى هُنَا كَلَامُهُ أَقُولُ: بِخِلَافِ الْهِبَةِ مِنْ رَجُلَيْنِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ تَنْقَسِمُ عَلَيْهِمَا لِاسْتِحَالَةِ ثُبُوتِ الْمِلْكِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي الْكُلِّ فَيَثْبُتُ الشُّيُوعُ ضَرُورَةً، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي كِتَابِ الْهِبَةِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي نَوْبَتِهِ كَالْعَدْلِ فِي حَقِّ الْآخَرِ، وَهَذَا إذَا كَانَ مِمَّا لَا يَتَجَزَّأُ ظَاهِرٌ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَتَجَزَّأُ وَجَبَ أَنْ يَحْبِسَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا النِّصْفَ، فَإِنْ دَفَعَ أَحَدُهُمَا كُلَّهُ إلَى الْآخَرِ وَجَبَ أَنْ يَضْمَنَ الدَّافِعُ عِنْدَ الْإِمَامِ خِلَافًا لَهُمَا. وَفِي الْمَبْسُوطِ مَسَائِلُهُ عَلَى فُصُولٍ: الْأَوَّلُ فِي رَهْنِ رَجُلَيْنِ مِنْ وَاحِدٍ. وَالثَّانِي فِي ارْتِهَانِ الرَّجُلَيْنِ مِنْ وَاحِدٍ. وَالثَّالِثُ فِي التَّفَاسُخِ. فَصْلٌ فِي رَهْنِ رَجُلَيْنِ بِدَيْنٍ عَلَيْهِمَا رَجُلًا رَهْنًا وَأَخَذَهُ جَازَ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الْمُرْتَهِنِ يَتَحَقَّقُ فِي الْكُلِّ مِنْ غَيْرِ شُيُوعٍ وَتَفَرُّقِ أَمْلَاكِهِمَا لَا يُوجِبُ شُيُوعَهَا فِي الرَّهْنِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِلْكُ الْغَيْرِ مَرْهُونًا بِدَيْنِ الْغَيْرِ كَمَا لَوْ اسْتَعَارَ شَيْئًا فَرَهَنَهُ؛ لِأَنَّهُمَا لَمَّا رَهْنَا جُمْلَةً فَقَدْ رَضِيَا بِكَوْنِ كُلِّهِ رَهْنًا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِدَيْنِهِ؛ لِأَنَّهُمَا قَصَدَا صِحَّةَ الرَّهْنِ وَلَنْ يَصِحَّ إلَّا بِأَنْ يُجْعَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رَاهِنًا كُلَّهُ بِدَيْنِهِ تَصْحِيحًا لِلرَّهْنِ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَالُ لِتَصْحِيحِ الْعَقْدِ مَا أَمْكَنَ، وَهَذَا مُمْكِنٌ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ رَهَنَ عَبْدًا آخَرَ بِإِذْنِهِ بِأَلْفٍ صَارَ رَاهِنًا كُلَّهُ بِكُلِّ دِرْهَمٍ مَثَلًا حَتَّى لَوْ قَضَى كُلَّ الدَّيْنِ إلَّا دِرْهَمًا بَقِيَ كُلُّ الْعَبْدِ رَهْنًا بِذَلِكَ الدِّرْهَمِ فَكَذَا هَذَا وَيُعْتَبَرُ اتِّحَادُ صَفْقَةِ الرَّهْنِ وَاخْتِلَافُهُمَا وَلَا يُعْتَبَرُ اخْتِلَافُ الدَّيْنَيْنِ وَاتِّفَاقُهُمَا حَتَّى لَوْ رَهَنَ بِدَيْنِهِ عَيْنًا فِي صَفْقَتَيْنِ لَمْ يَجُزْ لِاخْتِلَافِ صَفْقَةِ الرَّهْنِ فَيُمْكِنُ الشُّيُوعُ فِي كُلِّ صَفْقَةٍ، وَلَوْ مَاتَ أَحَدُ الرَّاهِنَيْنِ فَوَرِثَهُ الْآخَرُ فَالرَّهْنُ عَلَى حَالِهِ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ يَقُومُ مَقَامَ الْمَوْرُوثِ فِي حُقُوقِهِ وَأَمْلَاكِهِ. وَالرَّهْنُ لَا يَبْطُلُ بِمَوْتِ الرَّاهِنِ وَلَا بِمَوْتِ الْمُرْتَهِنِ فَيَبْقَى الرَّهْنُ عَلَى حَالِهِ وَمَنْ رَهَنَ مَالَيْنِ بِدَيْنٍ وَاحِدٍ وَقِيمَةُ الْمَالَيْنِ سَوَاءٌ صَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رَهْنًا بِنِصْفِ الدَّيْنِ فَلَوْ ارْتَهَنَ رَجُلَانِ مِنْ رَجُلٍ رَهْنًا وَالدَّيْنَانِ مُخْتَلِفَانِ أَوْ الْمَالَانِ كَانَا مُخْتَلِفَيْنِ جَازَ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَدْرُ دَيْنِهِ فِيمَا بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ أُضِيفَ إلَى كُلِّ الْعَبْدِ وَلَا شُيُوعَ فِيهِ كَأَنَّهُ رَهَنَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا، وَلَمْ يَرْهَنْ الْبَعْضَ مِنْ هَذَا وَالْبَعْضَ مِنْ هَذَا وَمُوجِبُهُ صَيْرُورَتُهُ مَحْبُوسًا بِالدَّيْنِ، وَهَذَا مِمَّا يُقَابِلُ الْوَصْفَ بِالتَّجَزِّي فَصَارَ مَحْبُوسًا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِكَمَالِهِ فَيُمْسِكُ هَذَا يَوْمًا وَالْآخَرَ يَوْمًا وَصَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي الْيَوْمِ الَّذِي يُمْسَكُ كَالْعِدْلِ فِي حَقِّ الْآخَرِ، فَإِذَا هَلَكَ صَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُسْتَوْفِيًا بِقَدْرِ حِصَّتِهِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ مِمَّا يَقْبَلُ الْوَصْفَ بِالتَّجَزِّي، وَلَوْ قَضَى الرَّاهِنُ دَيْنَ أَحَدِهِمَا لَيْسَ لَهُ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْ الرَّهْنِ وَلِلْآخَرِ أَنْ يُمْسِكَهُ كُلَّهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ دَيْنَهُ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ صَارَتْ مَحْبُوسَةً لِكُلِّ وَاحِدٍ بِكَمَالِهِ وَالْعَيْنُ الْوَاحِدَةُ تَجُوزُ أَنْ تَصِيرَ كُلُّهَا مَحْبُوسَةً بِحَقِّ هَذَا، وَعَلَى هَذَا لَوْ اشْتَرَى رَجُلَانِ شَيْئًا وَاحِدًا وَأَدَّى أَحَدُهُمَا حِصَّتَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَقْضِيَهُ شَيْئًا وَلِلْبَائِعِ أَنْ يَحْبِسَهُ كُلَّهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ مَا عَلَى الْآخَرِ، فَإِنْ هَلَكَ عِنْدَهُ بَعْدَ مَا قَضَى دَيْنَهُ يَسْتَرِدُّ مَا أَعْطَاهُ لِمَا ذَكَرْنَا. وَلَوْ تَفَاسَخَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ فَمَا لَمْ يَقْبِضْهُ الرَّاهِنُ فَهُوَ رَهْنٌ يُمْسِكُهُ الْمُرْتَهِنُ؛ لِأَنَّ نَقْضَ الرَّهْنِ لَا يَصِحُّ إلَّا بِنَقْضِ الْقَبْضِ كَالرَّهْنِ لَا يَصِحُّ إلَّا بِالْقَبْضِ؛ لِأَنَّ نَقْضَ الشَّيْءِ ضِدُّ الْعَقْدِ حُكْمًا، وَلَوْ بَدَا لِلرَّاهِنِ أَنْ يَتْرُكَهُ فَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَرُدَّهُ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ غَيْرُ لَازِمٍ فِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ. رَهَنَ اثْنَانِ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَسْتَرِدَّهُ بِدُونِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا مَتَى انْفَرَدَ بِالرَّدِّ أَبْطَلَ حَقَّ الْأُخَرِ، فَإِنَّ حَقَّ الْآخَرِ بَقِيَ فِي النِّصْفِ شَائِعًا وَالرَّهْنُ فِي نِصْفِ شَائِعٍ بَاطِلٌ وَإِنَّمَا جُعِلَ الرَّهْنُ مِنْهُمَا رَهْنًا مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْكَمَالِ ضَرُورَةَ تَصْحِيحِ الْعَقْدِ تَحَرِّيًا لِلْجَوَازِ وَالضَّرُورَةِ فِي تَصْحِيحِ الْعَقْدِ لَا فِي تَصْحِيحِ الْفَسْخِ فَيُعْتَبَرُ الْفَسْخُ مُتَجَزِّئًا فَمَتَى انْفَرَدَ أَحَدُهُمَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 288 بِالْفَسْخِ يَبْقَى فِي حَقِّ الْآخَرِ الرَّهْنُ فِي جُزْءٍ شَائِعٍ وَكَانَ فِي نَقْضِهِ نَقْضُ الرَّهْنِ فِي الْكُلِّ فَلَا يَمْلِكُهُ، وَلَوْ نَقَضَ أَحَدُ شَرِيكَيْ الْمُفَاوَضَةِ جَازَ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَ أَحَدِهِمَا كَتَصَرُّفِهِمَا حَتَّى يَكُونَ رَهْنُ أَحَدِهِمَا كَرَهْنِهِمَا فَكَذَا نَقْضُ أَحَدِهِمَا كَنَقْضِهِمَا، لَا يَمْلِكُهُ أَحَدُ شَرِيكَيْ الْعِنَانِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ تَصَرُّفُ أَحَدِهِمَا كَتَصَرُّفِهِمَا حَتَّى لَا يُجْعَلَ رَهْنُ أَحَدِهِمَا كَرَهْنِهِمَا، فَإِنْ نَقَضَهُ وَقَبَضَهُ وَهَلَكَ عِنْدَهُ، وَلَمْ يُبَاشِرْ الْعَقْدَ بِإِذْنِ شَرِيكِهِ كَانَ الْمُرْتَهِنُ ضَامِنًا حِصَّةَ مَنْ لَمْ يَنْقُضْ وَيَرْجِعُ بِدَيْنِهِ عَلَيْهِمَا وَبِنِصْفِ الْقِيمَةِ الَّتِي ضَمِنَ عَلَى الَّذِي قَبَضَ مِنْهُ الرَّهْنَ طَعَنَ عِيسَى، فَقَالَ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ بِمَا ضَمِنَ عَلَى الْقَابِضِ إلَّا إذَا ادَّعَى الْوَكَالَةَ مِنْ صَاحِبِهِ وَدَفَعَ إلَيْهِ الْمُرْتَهِنُ مِنْ غَيْرِ تَصْدِيقٍ قِيلَ فِي الْجَوَابِ عَنْهُ بِأَنَّ عَقْدَ الشَّرِكَةِ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ يَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ دَعْوَى الْوَكَالَةِ. فَإِنَّ قِيَامَ الشَّرِكَةِ بَيْنَهُمَا خَلَلٌ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَقُّ النَّقْضِ عَلَى صَاحِبِهِ فَصَارَ الْمُرْتَهِنُ مَغْرُورًا مِنْ جِهَتِهِ اعْتِمَادًا مِنْهُ عَلَى أَنَّ لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ النَّقْضَ لِقِيَامِ الشَّرِكَةِ بَيْنَهُمَا فَيَرْجِعُ بِذَلِكَ، وَقِيلَ تَأْوِيلُهُ إذَا قَالَ وَكَّلَنِي صَاحِبِي بِقَبْضِ نَصِيبِهِ وَكَذَّبَهُ الْمُرْتَهِنُ أَوْ لَمْ يَكْذِبْهُ، وَلَمْ يُصَدِّقْهُ كَذَا فِي الْمُسْتَوْدَعِ، وَذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي الْعُيُونِ رَجُلَانِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَلْفُ دِرْهَمٍ عَلَى رَجُلٍ فَارْتَهَنَا مِنْهُ أَرْضًا بِدَيْنِهِمَا وَقَبَضَاهَا، ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا إنَّ الْمَالَ الَّذِي لَنَا عَلَى فُلَانٍ بَاطِلٌ وَالْأَرْضَ فِي أَيْدِينَا تَلْجِئَةً، قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَأَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَطَلَ الرَّهْنُ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَيْنِ، وَإِنْ اخْتَلَفَا وَلَكِنَّ الرَّهْنَ بِهِمَا وَاحِدٌ، فَإِذَا اعْتَرَفَ أَحَدُهُمَا بِبُطْلَانِ الدَّيْنِ وَالرَّهْنِ بَطَلَ الرَّهْنُ أَصْلًا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَبْطُلُ الرَّهْنُ وَيَبْرَأُ مِنْ حِصَّتِهِ مِنْ الدَّيْنِ وَالرَّهْنُ بِحَالِهِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَيْنِ مُخْتَلِفَانِ وَالرَّهْنُ إنَّمَا يَصِحُّ بِهِمَا حَقًّا لَهُمَا فَإِقْرَارُهُ يَصِحُّ مُبْطِلًا لِحَقِّ نَفْسِهِ دُونَ شَرِيكِهِ فَبَطَلَ حَقُّ الْمُقِرِّ فِي الدَّيْنِ وَالرَّهْنِ وَبَقِيَ حَقُّ الْآخَرِ فِيهِمَا عَلَى حَالِهِ الْجَامِعُ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلَيْنِ دَيْنٌ عَلَى أَحَدِهِمَا أَلْفُ دِرْهَمٍ وَعَلَى الْآخَرِ مِائَةُ دِينَارٍ قِيمَتُهَا أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ فَرَهَنَ عَبْدًا يُسَاوِي أَلْفَيْنِ وَهَلَكَ الْعَبْدُ صَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُوفِيًا أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِ دَيْنِهِ وَيَرْجِعُ مَنْ عَلَيْهِ الدَّرَاهِمُ عَلَى الْآخَرِ بِأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ الْآخَرُ بِأَرْبَعِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَلَا تَصِحُّ الْمُقَاصَّةُ إلَّا بِرِضَاهُمَا؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ أَقَلُّ مِنْ الدَّيْنِ وَالدَّيْنُ أَلْفَانِ وَخَمْسُمِائَةٍ وَالرَّهْنُ أَلْفَانِ، فَإِذَا هَلَكَ ذَهَبَ مِنْ الدَّيْنِ قَدْرُ قِيمَتِهِ وَذَلِكَ أَلْفَانِ وَبَقِيَ خَمْسُمِائَةٍ وَأَلْفَانِ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ الدَّيْنِ فَصَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْهَلَاكِ قَابِضًا أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِ دَيْنِهِ وَذَلِكَ ثَمَانِمِائَةٍ نِصْفُهُ مِنْ نَصِيبِهِ مِنْ الْعَبْدِ وَنِصْفُهُ مِنْ نَصِيبِ صَاحِبِهِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الرَّاهِنَيْنِ صَارَ رَاهِنًا جَمِيعَ الْعَبْدِ بِدَيْنِهِ فَصَارَ مَنْ عَلَيْهِ الدَّرَاهِمُ قَاضِيًا ثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ نِصْفُهَا مِنْ مَالِ صَاحِبِهِ وَذَلِكَ أَرْبَعُمِائَةٍ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَنْ قَضَى دَيْنَ غَيْرِهِ بِأَمْرِهِ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِمَا قُضِيَ عَلَيْهِ وَالْمُقَاصَّةُ لَا تَصِحُّ مِنْ الْجِنْسَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ إلَّا أَنْ يَتَقَاصَّا وَيَخْرُجُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ، وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ ثَلَاثَةَ آلَافٍ عَلَى أَحَدِهِمْ أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ وَعَلَى الْآخَرِ أَلْفٌ وَعَلَى الثَّالِثِ خَمْسُمِائَةٍ فَرَهَنُوا بِذَلِكَ عَبْدًا بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا وَقِيمَتُهُ أَلْفَانِ فَهَلَكَ فِي يَدِهِ صَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَاضِيًا ثُلُثَيْ دَيْنِهِ وَبَقِيَ عَلَيْهِ ثُلُثُهُ إلَّا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَارَ قَاضِيًا ثُلُثَيْ دَيْنِهِ ثُلُثُ ذَلِكَ مِنْ نَصِيبِهِ وَثُلُثُهُ مِنْ نَصِيبِ صَاحِبِهِ فَيَرْجِعَانِ عَلَى الْقَاضِي بِمَا قَضَى دَيْنَهُ مِنْ نَصِيبِهِمَا عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمَضْمُونُ عَلَى حِصَّةِ دَيْنِهِ) ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا بِالْهَلَاكِ، وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ فَيَنْقَسِمُ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ مِمَّا يَقْبَلُ التَّجَزِّي، قَالَ فِي الْعِنَايَةِ أَخْذًا مِنْ النِّهَايَةِ اعْتَرَضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ الَّذِي اسْتَوْفَى حَقَّهُ انْتَهَى مَقْصُودُهُ مِنْ الرَّهْنِ وَهُوَ كَوْنُهُ وَسِيلَةً إلَى الِاسْتِيفَاءِ الْحَقِيقِيِّ بِالِاسْتِيفَاءِ الْحُكْمِيِّ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الرَّهْنُ فِي يَدِ الْآخَرِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ مِنْ غَيْرِ نِيَابَةٍ عَنْ صَاحِبِهِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَسْتَرِدَّ الرَّاهِنُ مَا قَضَاهُ إلَى الْأَوَّلِ مِنْ الدَّيْنِ عِنْدَ الْهَلَاكِ لَكِنَّهُ يَسْتَرِدُّهُ وَأُجِيبَ بِأَنَّ ارْتِهَانَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَاقٍ مَا لَمْ يَصِلْ الرَّهْنُ إلَى الرَّاهِنِ كَمَا ذَكَرْنَا فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُسْتَوْفِيًا دَيْنَهُ مِنْ نِصْفِ مَالِيَّةِ الرَّهْنِ، فَإِنَّ فِيهِ وَفَاءً بِدَيْنِهِمَا فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْقَابِضَ اسْتَوْفَى حَقَّهُ مَرَّتَيْنِ فَعَلَيْهِ رَدُّ مَا قَبَضَهُ ثَانِيًا اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ قَضَى دَيْنَ أَحَدِهِمَا فَالْكُلُّ رَهْنٌ عِنْدَ الْآخَرِ) وَكَانَ كُلُّهُ مَحْبُوسًا بِكُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الدَّيْنِ فَلَا يَكُونُ لَهُ اسْتِرْدَادُ شَيْءٍ مِنْهُ مَا دَامَ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ بَاقِيًا كَمَا إذَا كَانَ الْمُرْتَهِنُ وَاحِدًا وَكَالْبَائِعِ إذَا أَدَّى حِصَّةَ بَعْضِ الْمَبِيعِ، فَإِذَا رَهَنَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 289 رَجُلَانِ بِدَيْنٍ عَلَيْهِمَا رَجُلًا رَهْنًا وَاحِدًا فَهُوَ جَائِزٌ وَالرَّهْنُ بِكُلِّ الدَّيْنِ وَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُمْسِكَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ جَمِيعَ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الرَّهْنِ يَحْصُلُ فِي الْكُلِّ مِنْ غَيْرِ شُيُوعٍ فَصَارَ نَظِيرَ الْبَائِعِ وَهُمَا نَظِيرُ الْمُشْتَرِيَيْنِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبَطَلَ بَيِّنَةُ كُلٍّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ رَهَنَهُ عَبْدَهُ وَقَبَضَهُ) مَعْنَاهُ أَنَّ رَجُلًا فِي يَدِهِ عَبْدٌ وَأَقَامَ رَجُلَانِ بَيِّنَةً أَنَّهُ رَهَنَهُ الْعَبْدَ الَّذِي فِي يَدِهِ فَهُوَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَثْبَتَتْ بَيِّنَتُهُ أَنَّهُ رَهَنَهُ كُلَّ الْعَبْدِ وَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ الْوَاحِدَ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ كُلُّهُ رَهْنًا لِهَذَا وَكُلُّهُ رَهْنًا لِذَاكَ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ فَيَمْتَنِعُ الْقَضَاءُ بِهِ لِأَحَدِهِمَا لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ وَلَا وَجْهَ إلَى الْقَضَاءِ بِالنِّصْفِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الشُّيُوعِ فَتَعَذَّرَ الْعَمَلُ بِالْبَيِّنَتَيْنِ فَتَهَاتَرَتَا وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَدَّرَ كَأَنَّهُمَا ارْتَهَنَاهُ مَعًا اسْتِحْسَانًا لِجَهَالَةِ التَّارِيخِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى الْعَمَلِ بِخِلَافِ مَا اقْتَضَاهُ الْحُجَّةُ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أَثْبَتَ بِبَيِّنَتِهِ حِسًّا يَكُونُ وَسِيلَةً إلَى تَمَلُّكِ شَطْرٍ بِالِاسْتِيفَاءِ فَلَا يَكُونُ عَمَلًا عَلَى وَفْقِ الْحُجَّةِ فَكَانَ الْعَمَلُ بِالْقِيَاسِ أَوْلَى لِقُوَّةِ أَثَرِهِ الْمُسْتَتِرِ وَهُوَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَثْبَتَ الْحَقَّ بِبَيِّنَتِهِ عَلَى حِدَةٍ، وَلَمْ يَرْضَ بِمُزَاحَمَةِ الْآخَرِ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ وَهُوَ أَحَدُ الْوُجُوهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَجُمْلَتُهَا أَنَّ الْعَبْدَ إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي أَيْدِيهِمَا أَوَّلًا أَوْ فِي يَدِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَإِنْ كَانَ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا فَهُوَ أَوْلَى بِهِ؛ لِأَنَّ تَمَكُّنَهُ مِنْ الْقَبْضِ دَلِيلُ سَبْقٍ عِنْدَهُ كَمَا فِي الشِّرَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْآخَرُ بَيِّنَةً أَنَّهُ الْأَوَّلُ، فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي السَّبَقِ وَهُوَ يَفُوقُ الدَّلَالَةَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ أَوَّلًا وَكَلَامُهُ فِيهِ وَاضِحٌ، وَإِنْ كَانَ فِي أَيْدِيهِمَا، فَإِنْ عَلِمَ الْأَوَّلُ مِنْهُمَا فَهُوَ أَوْلَى، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَهُوَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ عَلَى مَا ذَكَرَ مِنْ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ وَبِهِ أَيْ الْقِيَاسِ نَأْخُذُ، وَوَجْهُهُ مَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ اهـ. أَقُولُ: بِخِلَافِ مَا إذَا ارْتَهَنَا جُمْلَةُ الْعَقْدِ فِيهِ مِنْ جَانِبِ الرَّاهِنِ وَاحِدٌ وَهُنَا أَثْبَتَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَقْدًا آخَرَ وَالرَّهْنُ بِعَقْدَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ لَا يَجُوزُ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِ الرَّاهِنِ عَلَى مَا تَبَيَّنَّ مِنْ الْفَرْقِ، فَإِذَا وَقَعَ بَاطِلًا، فَإِذَا هَلَكَ يَهْلِكُ أَمَانَةً؛ لِأَنَّ الْبَاطِلَ لَا حُكْمَ لَهُ هَذَا إذَا لَمْ يُؤَرِّخَا، فَإِذَا أَرَّخَا كَانَ صَاحِبُ التَّارِيخِ الْأَقْدَمِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتَهُ فِي وَقْتٍ لَا يُنَازِعُهُ فِيهِ أَحَدٌ كَذَا إذَا كَانَ الرَّهْنُ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا كَانَ صَاحِبُ الْيَدِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ تَمَكُّنَهُ مِنْ الْقَبْضِ دَلِيلٌ عَلَى سَبْقِهِ كَدَعْوَى نِكَاحِ امْرَأَةٍ أَوْ شِرَاءِ عَيْنٍ مِنْ وَاحِدٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ لَهَا مَزِيدُ بَيَانٍ مَعَ جَوَابِهِمَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ مَاتَ رَاهِنُهُ وَالْعَبْدُ فِي أَيْدِيهِمَا وَبَرْهَنَ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى مَا وَصَفْنَا كَانَ فِي يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُهُ رَهْنًا بِحَقِّهِ) ، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ فِي الْقِيَاسِ هَذَا بَاطِلٌ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الرَّهْنِ الْحَبْسُ لِلِاسْتِيفَاءِ وَهُوَ الْحُكْمُ الْأَصْلِيُّ لِعَقْدِ الرَّهْنِ فَيَكُونُ الْحُكْمُ بِهِ حُكْمًا بِعَقْدِ الرَّهْنِ إذْ لَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ بِدُونِ عِلَّتِهِ وَأَنَّهُ بَاطِلٌ بِالشُّيُوعِ كَمَا فِي حَالِ الْحَيَاةِ وَالْحَبْسُ فِي الشَّائِعِ لَا يَقْبَلُهُ وَبَعْدَ الْمَوْتِ الِاسْتِيفَاءُ بِالْبَيْعِ مِنْ ثَمَنِهِ وَالشَّائِعُ يَقْبَلُهُ فَصَارَ كَمَا لَوْ ادَّعَى رَجُلَانِ نِكَاحَ امْرَأَةٍ وَادَّعَتْ أُخْتَانِ أَوْ خَمْسُ نِسْوَةٍ النِّكَاحَ عَلَى رَجُلٍ، فَإِنَّ الْبَيِّنَتَيْنِ يَتَهَاتَرَتَانِ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ وَقَبِلْنَاهَا بَعْدَ الْمَمَاتِ؛ لِأَنَّا حَكَمْنَا فِي حَالَةِ الْمَوْتِ بِثُبُوتِ مَالِك الْمَالِ وَهُوَ يَقْبَلُ الشَّرِكَةَ وَالِانْقِسَامَ. وَقَوْلُهُ وَالْعَبْدُ فِي أَيْدِيهِمَا وَقَعَ اتِّفَاقًا حَتَّى لَوْ لَمْ يَكُنْ الْعَبْدُ فِي أَيْدِيهِمَا وَأَثْبَتَ كُلُّ وَاحِدٍ فِيهِ الرَّهْنَ وَالْقَبْضَ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْ الْيَدَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فَلَوْ تَرَكَهُ هُنَا لَكَانَ أَوْلَى، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [بَابٌ الرَّهْنُ يُوضَعُ عَلَى يَدِ عَدْلٍ] لَمَّا فَرَغَ مِنْ الْأَحْكَامِ الرَّاجِعَةِ إلَى نَفْسِ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ ذَكَرَ فِي هَذَا الْبَابِ الْأَحْكَامَ الرَّاجِعَةَ إلَى مَا بَيْنَهُمَا وَهُوَ الْعَدْلُ لِمَا أَنَّ حُكْمَ النَّائِبِ أَبَدًا يَقْفُو حُكْمَ الْأَصِيلِ، ثُمَّ إنَّ الْمُرَادَ بِالْعَدْلِ هُنَا مَنْ رَضِيَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ بِوَضْعِ الرَّهْنِ فِي يَدِهِ وَزَادَ عَلَيْهِ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ قَيْدًا آخَرَ حَيْثُ قَالَا وَرَضِيَا بِبَيْعِهِ الرَّهْنَ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ أَقُولُ: لَعَلَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ مِنْهُمَا بِنَاءً عَلَى مَا هُوَ الْجَارِي بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا هُوَ الْغَالِبُ وَإِلَّا فَرِضَاهُمَا بِبَيْعِهِ الرَّهْنَ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ لَيْسَ بِأَمْرٍ لَازِمٍ فِي مَعْنَى الْعَدْلِ وَعَنْ هَذَا قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي لَيْسَ لِلْعَدْلِ بَيْعُ الرَّهْنِ مَا لَمْ يُسَلَّطْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَأْثُورٌ بِالْحِفْظِ فَقَطْ اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَضَعَا الرَّهْنَ عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ صَحَّ) ، وَلَمْ يُبَيِّنْ الْمُؤَلِّفُ الْعَدْلَ الَّذِي يَصِحُّ وَضْعُ الرَّهْنِ عَلَى يَدِهِ وَاَلَّذِي لَا يَصِحُّ قَالَ فِي الْغِيَاثِيَّةِ لَوْ شَرَطَ الْمَأْذُونُ أَنْ يَكُونَ رَهْنُهُ عِنْدَهُ مَوْلَاهُ لَمْ يَجُزْ مَدْيُونًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَدْيُونٍ، وَلَوْ شَرَطَ الْمَوْلَى أَنْ يَكُونَ رَهْنُهُ عِنْدَ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ أَوْ الْمُكَاتَبِ جَازَ، وَلَوْ شَرَطَ أَحَدُ شَرِيكَيْ الْمُفَاوَضَةِ أَوْ الْعِنَانِ أَوْ الْمُضَارِبِ أَوْ رَبِّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 290 الْمَالِ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ الشَّرِيكِ الْآخَرِ أَوْ عِنْدَ الْمُضَارِبِ أَوْ رَبِّ الْمَالِ لَمْ يَجُزْ، وَلَوْ اشْتَرَى لِابْنِهِ الصَّغِيرِ وَشَرَطَ فِي الرَّهْنِ بِالثَّمَنِ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ الْأَبِ لَمْ يَجُزْ، وَلَوْ أَعْطَاهُ الْكَفِيلُ رَهْنًا وَشَرَطَ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ الْأَصِيلِ أَوْ الْعَكْسِ جَازَ. وَلَوْ كَانَ الرَّهْنُ فِي يَدِ عَدْلٍ غَائِبٍ أَوْدَعَهُ عِنْدَ مَنْ فِي عِيَالِهِ، فَإِنَّهُ يُطَالَبُ بِالدَّيْنِ إلَّا أَنْ يُنْكِرَ الْإِيدَاعَ أَوْ يَدَّعِيَ لِنَفْسِهِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَدْرِي أَيْنَ هُوَ حَلَفَ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الْعِلْمِ بِالْهَلَاكِ وَيَأْخُذُ دَيْنَهُ، وَلَوْ كَانَ الرَّهْنُ فِي يَدِ عَدْلَيْنِ سَيَأْتِي بَيَانُهُ، وَلَمْ يُعَرِّفْ الْمُؤَلِّفُ الْعَدْلَ قَالُوا فِي تَعْرِيفِهِ هُوَ الَّذِي يَقْدِرُ عَلَى الْبَيْعِ وَالْإِيفَاءِ وَالِاسْتِيفَاءِ مُسْلِمًا كَانَ أَوْ ذِمِّيًّا أَوْ حَرْبِيًّا مُسْتَأْمَنًا مَا دَامَ فِي دَارِنَا فَلَوْ كَانَ الْعَدْلُ غَيْرَ عَاقِلٍ فَمَوْضِعُ الرَّهْنِ عَلَى يَدَيْهِ لَمْ يَكُنْ رَهْنًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ مِنْهُ الْبَيْعُ وَالْإِيفَاءُ وَالِاسْتِيفَاءُ فَلَغَا الْعَقْدُ عَنْ الْفَائِدَةِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَسَيَأْتِي لَوْ كَانَ الْعَدْلُ عَبْدًا مَحْجُورًا أَوْ صَبِيًّا، وَقَالَ زُفَرُ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى لَا يَصِحُّ الْوَضْعُ عِنْدَ الْعَدْلِ؛ لِأَنَّهُ يَدُ الْعَدْلِ يَدُ الْمَالِكِ وَلِهَذَا يُرْجَعُ إلَيْهِ إذَا اسْتَحَقَّ الرَّهْنَ بَعْدَ الْهَلَاكِ وَبَعْدَ مَا ضَمِنَ الْعَدْلُ قِيمَتَهُ بِمَا ضَمِنَ الْمُسْتَحِقُّ فَانْعَدَمَ الْقَبْضُ وَلَنَا أَنَّ يَدَهُ يَدُ الْمَالِكِ فِي الْحِفْظِ لِكَوْنِ الْعَيْنِ أَمَانَةً، وَفِي حَقِّ الْمَالِيَّةِ يَدُ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّ يَدَهُ يَدُ ضَمَانٍ وَالْمَضْمُونُ هُوَ الْمَالِيَّةُ فَنَزَلَ مَنْزِلَةَ شَخْصَيْنِ لِتَحَقُّقِ مَا قَصَدَاهُ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أَمَرَهُ فَصَارَتْ يَدُهُ كَيَدِهِمَا وَلِهَذَا لَا يَكُونُ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ عَلَى الْخُصُوصِ، وَلَوْ كَانَتْ يَدُهُ يَدَ أَحَدِهِمَا عَلَى الْخُصُوصِ كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ مِنْهُ وَيَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَ الْيَدَ الْوَاحِدَةَ فِي حُكْمِ يَدَيْنِ، أَلَا تَرَى أَنَّ السَّاعِيَ جُعِلَتْ يَدُهُ كَيَدِ الْفَقِيرِ وَكَيْدِ صَاحِبِ الْمَالِ حَتَّى إذَا هَلَكَتْ الزَّكَاةُ فِي يَدِهِ أَجْزَأَتْهُ. وَلَوْ قَدَّمَ الزَّكَاةَ قَبْلَ الْحَوْلِ فَانْتَقَضَ الْمَالُ وَتَمَّ الْحَوْلُ عَلَى التَّنَاقُضِ يَتِمُّ النِّصَابُ بِمَا فِي يَدِ السَّاعِي كَأَنَّهُ فِي يَدِ الْمَالِكِ فَتَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ وَلَا يَمْلِكُ اسْتِرْدَادَهُ، وَلَوْ لَمْ يُجْعَلْ كَأَنَّهُ فِي يَدِ الْمَالِكِ لَمْ يَتِمَّ النِّصَابُ، وَلَوْ لَمْ يَجْعَلْ يَدَهُ كَيَدِ الْفَقِيرِ لَمَلَكَ اسْتِرْدَادَهُ، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ الْعَدْلُ عَلَى الْمَالِكِ بِمَا ضَمِنَ لِلْمُسْتَحِقِّ؛ لِأَنَّ هَذَا الضَّمَانَ ضَمَانُ الْغَصْبِ وَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ بِالنَّقْلِ وَالتَّحْوِيلِ وَوُجِدَ ذَلِكَ مِنْ الرَّاهِنِ، وَلَمْ يُوجَدْ مِنْ الْمُرْتَهِنِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا اتَّفَقَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي عَلَى وَضْعِ الْمَبِيعِ فِي يَدِ عَدْلٍ حَيْثُ تَكُونُ يَدُهُ يَدَ الْبَائِعِ فَحَسْبُ؛ لِأَنَّ فِي جَعْلِهِ نَائِبًا عَنْ الْمُشْتَرِي يَعْتَبِرُ مُوجِبًا لِلْعَقْدِ، فَإِنَّ مُوجِبَ عَقْدِ الْمَبِيعِ أَنْ تَكُونَ يَدُ الْبَائِعِ عَلَى الْمَبِيعِ يَدُ نَفْسِهِ فِي حَقِّ الْعَيْنِ وَالْمَالِيَّةِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنَائِبٍ عَنْ الْمُشْتَرِي بِوَجْهٍ مَا وَإِذَا كَانَ فِي جَعْلِهِ نَائِبًا عَنْهُمَا يُعْتَبَرُ حُكْمُ الْبَيْعِ اُعْتُبِرَ نَائِبًا عَنْ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الْيَدَ كَانَتْ لَهُ فِي الْأَصْلِ وَلَا كَذَلِكَ الرَّهْنُ؛ لِأَنَّ عَيْنَهُ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ بَلْ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ وَأَيْضًا وَالْمَالِيَّةُ فِيهِ هِيَ الْمَضْمُونَةُ وَهِيَ فِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ فَأَمْكَنَ أَنْ يَقُومَ شَخْصٌ وَاحِدٌ مَقَامَهُمَا لِاخْتِلَافِ حَقِّهِمَا فِيهِ وَعَدَمِ تَعْيِينِ مُوجِبِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَأْخُذُ أَحَدُهُمَا مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْعَدْلِ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّهُمَا؛ لِأَنَّ حَقَّ الرَّاهِنِ تَعَلَّقَ بِالْحِفْظِ بِيَدِهِ وَأَمَانَتِهِ وَحَقُّ الْمُرْتَهِنِ فِي الِاسْتِيفَاءِ فَلَا يَمْلِكُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إبْطَالَ حَقِّ الْآخَرِ. وَلَوْ شَرَطَا أَنْ يَقْبِضَهُ الْمُرْتَهِنُ، ثُمَّ جَعَلَاهُ عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ جَازَ؛ لِأَنَّ مَا جَازَ لِلْعَدْلِ أَنْ يَقُومَ مَقَامَ الْمُرْتَهِنِ فِي الِابْتِدَاءِ فَكَذَلِكَ فِي الْبَقَاءِ، وَلَوْ دَفَعَ الْعَدْلُ الرَّهْنَ إلَى الرَّاهِنِ أَوْ الْمُرْتَهِنِ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ مَتَى دَفَعَ إلَى الْمُرْتَهِنِ فَقَدْ دَفَعَ الْأَمَانَةَ بِغَيْرِ إذْنِهِ كَمَا لَوْ دَفَعَ إلَى أَجْنَبِيٍّ وَمَتَى دَفَعَ إلَى الرَّاهِنِ فَقَدْ أَبْطَلَ مِلْكَ الْيَدِ وَالْحَبْسَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ، فَإِنَّهُ يَثْبُتُ لَهُ مِلْكُ الْيَدِ وَالْحَبْسُ بِقَبْضِ الْعَدْلِ، وَإِبْطَالُ مِلْكِ السَّيِّدِ كَإِبْطَالِ مِلْكِ الْعَيْنِ فِي إيجَابِ الضَّمَانِ، فَإِنَّ مَنْ أَتْلَفَ الرَّهْنَ يَضْمَنُ لِلْمُرْتَهِنِ كَمَا يَضْمَنُ لِلرَّاهِنِ، وَإِنْ قَبَضَا الْقِيمَةَ مِنْ الْعَدْلِ وَجَعَلَاهَا رَهْنًا فِي يَد الْعَدْلِ، ثُمَّ قَضَى الرَّاهِنُ دَيْنَ الْمُرْتَهِنِ فَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ الْقِيمَةَ مِنْ الْعَدْلِ يَنْظُرُ إنْ كَانَ الْعَدْلُ ضَمِنَ بِدَفْعِ الرَّهْنِ إلَى الرَّاهِنِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ وَصَلَ إلَيْهِ حَقُّهُ فَتَبْقَى الْقِيمَةُ لِلْعَدْلِ، وَإِنْ كَانَ ضَمِنَ بِدَفْعِ الرَّهْنِ إلَى الْمُرْتَهِنِ وَالرَّاهِنِ أَخَذَ الْقِيمَةَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الرَّهْنُ قَائِمًا بِعَيْنِهِ فِي يَدِهِ بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ فَلِلرَّاهِنِ أَخْذُهُ، وَكَذَلِكَ أَخْذُ بَدَلِهِ ثُمَّ الْعَدْلُ هَلْ يَرْجِعُ بِالْقِيمَةِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ يَنْظُرُ إنْ كَانَ دَفَعَ الرَّهْنَ إلَيْهِ عَلَى وَجْهِ الْعَارِيَّةِ الْوَدِيعَةِ لَا يَرْجِعُ بِقِيمَةِ مَا دَفَعَ إلَيْهِ إنْ كَانَ هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّ الْعَدْلَ لَمَّا مَلَكَ الْقِيمَةَ فَقَدْ مَلَكَ الرَّهْنَ بِالضَّمَانِ فَصَارَ مُعِيرًا وَمُودِعًا مِلْكَهُ، فَإِنْ دَفَعَ إلَيْهِ رَهْنًا بِأَنْ قَالَ خُذْ هَذَا رَهْنُك خُذْهُ فَاحْبِسْهُ يَرْجِعُ الْعَدْلُ عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ لَوْ هَلَكَ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ، وَقَدْ دُفِعَ إلَى الْمُرْتَهِنِ بِجِهَةٍ مَضْمُونَةٍ وَهِيَ الرَّهْنُ فَصَارَ كَمَا لَوْ دَفَعَهُ إلَيْهِ عَلَى سَوْمِ الْقَرْضِ وَالْبَيْعِ، وَهَذِهِ التَّعْرِيفَاتُ ذَكَرَهَا الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيُّ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 291 - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَلَوْ كَانَ الْعَدْلُ رَجُلَيْنِ وَالرَّهْنُ مَالًا يُقْسَمُ فَوَضَعَاهُ عِنْدَ أَحَدِهِمَا جَازَ، وَلَمْ يَضْمَنَا؛ لِأَنَّ اجْتِمَاعَهُمَا عَلَى حِفْظِ جَمِيعِ الرَّهْنِ فِي الْأَوْقَاتِ كُلِّهَا وَهُوَ لَا يُقْسَمُ مُتَعَذِّرٌ فَلَمْ يَبْقَ إمْكَانُ الْحِفْظِ إلَّا بِالتَّهَايُؤِ وَمُطْلَقُ الْأَمْرِ بِالْحِفْظِ يَتَصَرَّفُ إلَى حِفْظٍ يُمْكِنُ بِدَلَالَةِ إحَالَةِ الْأَمْرِ وَذَلِكَ بِالتَّهَايُؤِ، وَالثَّابِتُ دَلَالَةً كَالثَّابِتِ نَصًّا فَجَعَلَ الدَّفْعَ إلَى أَحَدِهِمَا بِإِذْنِ الْمَالِكِ فَلَمْ يَضْمَنَا، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُقْسَمُ يَضْمَنُ الْقَابِضُ بِالْإِجْمَاعِ وَيَضْمَنُ الدَّافِعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - خِلَافًا لَهُمَا عَلَى مَا عُرِفَ فِي الْوَدِيعَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَهْلِكُ فِي ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ) ؛ لِأَنَّ يَدَهُ فِي حَقِّ الْمَالِيَّةِ يَدُ الْمُرْتَهِنِ وَالْمَالِيَّةُ هِيَ الْمَضْمُونَةُ، وَلَوْ دَفَعَ الْعَدْلُ الرَّهْنَ إلَى أَحَدِهِمَا ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ مُودِعٌ الرَّاهِنَ فِي حَقِّ الْعَيْنِ وَمُودِعٌ الْمُرْتَهِنَ فِي حَقِّ الْمَالِيَّةِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْآخَرِ وَالْمُودِعُ يَضْمَنُ بِالدَّفْعِ إلَى الْأَجْنَبِيِّ وَإِذَا ضَمِنَ الْعَدْلُ قِيمَةَ الرَّهْنِ بِالتَّعَدِّي فِيهِ إمَّا بِإِتْلَافِهِ أَوْ بِدَفْعِهِ إلَى أَحَدِهِمَا وَأَتْلَفَهُ الْمُودَعُ إلَيْهِ لَا يَقْدِرُ الْعَدْلُ أَنْ يَجْعَلَ الْقِيمَةَ رَهْنًا فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ فَلَوْ جَعَلَهَا رَهْنًا فِي يَدِهِ يَصِيرُ قَاضِيًا وَمُقْتَضِيًا وَبَيْنَهُمَا تَنَافٍ وَلَكِنْ يَأْخُذَانِهَا مِنْهُ وَيَجْعَلَانِهَا رَهْنًا عِنْدَهُ أَوَعِنْدَ غَيْرِهِ فَيَجُوزُ، فَإِنْ تَعَذَّرَ اجْتِمَاعُهُمَا يَرْفَعُ أَحَدُهُمَا الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي لِيَفْعَلَ ذَلِكَ، فَإِنْ جَعَلَ الْقِيمَةَ رَهْنًا بِرَأْيِهِمَا أَوْ بِرَأْيِ الْقَاضِي عِنْدَ الْعَدْلِ الْأَوَّلِ أَوْ عِنْدَ غَيْرِهِ، ثُمَّ قَضَى الرَّاهِنُ الدَّيْنَ فَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ وَكَّلَ الرَّاهِنُ الْمُرْتَهِنَ أَوْ الْعَدْلَ أَوْ غَيْرَهُمَا بِبَيْعِهِ عِنْدَ حَوْلِ الدَّيْنِ صَحَّ) ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ مَالِكٌ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ مَنْ شَاءَ مِنْ الْأَهْلِ بِبَيْعِ مَالِهِ مُطْلَقًا وَمُنَجَّزًا؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ يَجُوزُ تَعْلِيقُهَا بِالشَّرْطِ لِكَوْنِهَا مِنْ الْإِسْقَاطَاتِ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ التَّصَرُّفِ حَقُّ الْمَالِكِ وَبِالتَّسْلِيطِ عَلَى بَيْعِهِ أَسْقَطَ حَقَّهُ وَالْإِسْقَاطَاتُ يَجُوزُ تَعْلِيقُهَا بِالشُّرُوطِ، وَلَوْ أَمَرَ بِبَيْعِهِ صَغِيرًا لَا يَعْقِلُ فَبَاعَهُ بَعْدَ مَا بَلَغَ لَا يَصِحُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَقَالَا لَا يَصِحُّ لِقُدْرَتِهِ عَلَيْهِ عِنْدَ الِامْتِثَالِ هُوَ يَقُولُ إنَّ أَمْرَهُ يَقَعُ بَاطِلًا لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ وَقْتَ الْأَمْرِ فَلَا يَنْقَلِبُ جَائِزًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ شَرَطْت فِي عَقْدِ الرَّهْنِ لَمْ يَنْعَزِلْ بِعَزْلِهِ وَبِمَوْتِ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ) ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ لَمَّا شُرِطَتْ فِي عَقْدِ الرَّهْنِ صَارَتْ وَصْفًا مِنْ أَوْصَافِهِ وَحَقًّا مِنْ حُقُوقِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا الزِّيَادَةُ الْوَثِيقَةُ فَلَزِمَ بِلُزُومِ أَصْلِهِ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ، وَفِي الْعَزْلِ إبْطَالُ حَقِّهِ وَصَارَ كَالْوَكَالَةِ بِالْخُصُومَةِ بِطَلَبِ الْمُدَّعِي، وَلَوْ وَكَّلَهُ بِالْبَيْعِ مُطْلَقًا حَتَّى مَلَكَ الْبَيْعَ بِالنَّقْدِ وَالنَّسِيئَةِ، ثُمَّ نَهَاهُ عَنْ الْبَيْعِ بِالنَّسِيئَةِ لَمْ يَعْمَلْ نَهْيُهُ؛ لِأَنَّهُ لَازِمٌ بِأَصْلِهِ فَكَذَا بِوَصْفِهِ، وَكَذَا لَا يَنْعَزِلُ بِالْعَزْلِ الْحُكْمِيِّ لِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ وَارْتِدَادِهِ وَلُحُوقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ لَا يَبْطُلُ بِمَوْتِهِ، وَلَوْ بَطَلَ إنَّمَا يَبْطُلُ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ وَحَقُّ الْمُرْتَهِنِ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ كَمَا يَقْدَمُ عَلَى حَقِّ الرَّاهِنِ بِخِلَافِ الْوَكَالَةِ الْمُفْرِدَةِ حَيْثُ تَبْطُلُ بِالْمَوْتِ وَيَنْعَزِلُ بِعَزْلِ الْوَكِيلِ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ، وَهَذِهِ الْوَكَالَةُ بِخِلَافِ الْمُفْرَدَةِ مِنْ وُجُوهٍ مِنْهَا مَا ذَكَرْنَا وَمِنْهَا أَنَّ الْوَكِيلَ هُنَا امْتَنَعَ عَنْ الْبَيْعِ يُجْبَرُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْوَكَالَةِ الْمُفْرَدَةِ وَمِنْهَا أَنَّ هَذَا يَبِيعُ الْوَلَدَ وَالْأَرْشَ بِخِلَافِ الْمُفْرَدَةِ وَمِنْهَا أَنَّهُ إذَا بَاعَ بِخِلَافِ جِنْسِ الدَّيْنِ كَانَ لَهُ أَنْ يَصْرِفَهُ إلَى جِنْسِ الدَّيْنِ الْمُفْرَدَةِ وَمِنْهَا أَنَّ الرَّهْنَ إذَا كَانَ عَبْدًا وَقَتَلَهُ عَبْدٌ خَطًّا فَدُفِعَ الْقَاتِلُ بِالْجِنَايَةِ كَانَ لِهَذَا الْوَكِيلِ أَنْ يَبِيعَهُ بِخِلَافِ الْمُفْرَدَةِ وَإِنَّمَا يَنْعَزِلُ بِعَزْلِ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوَكِّلْهُ فَكَانَ أَجْنَبِيًّا عَنْهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْوَكَالَةِ. وَهَذَا إذَا عَزَلَهُ الْمُوَكِّلُ لَا يَنْعَزِلُ فَبِعَزْلِ غَيْرِهِ أَوْلَى أَنْ لَا يَنْعَزِلَ وَقَيَّدَ الْمُؤَلِّفُ بِقَوْلِهِ شُرِطَتْ فِي عَقْدِ الرَّهْنِ فَلَوْ كَانَتْ بَعْدَ عَقْدِ الرَّهْنِ ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَعْزِلَهُ وَيَنْعَزِلُ بِمَوْتِهِ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِالْبَيْعِ وَقَعَ مُنْفَرِدًا عَنْ الرَّهْنِ وَإِنَّمَا جَعَلْنَاهَا مِنْ تَوَابِعِ الرَّهْنِ لِكَوْنِهَا مَشْرُوطَةً فِيهِ، فَإِذَا لَمْ تُشْتَرَطْ فِي الرَّهْنِ اُعْتُبِرَتْ وَكَالَةً مُبْتَدَأَةً، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ وَهُوَ اخْتِيَارُ بَعْضِ مَشَايِخِنَا؛ لِأَنَّ الْمَشْرُوطَ بَعْدَ الرَّهْنِ الْتَحَقَ بِالْعَقْدِ؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْبَيْعِ حَتَّى يُوَفِّيَ دَيْنَهُ مِنْ ثَمَنِهِ زِيَادَةُ إيفَاءٍ وَتَأْكِيدُ شَرْطٍ فِي الرَّهْنِ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُت فِي الرَّهْنِ إيفَاءٌ حُكْمِيٌّ وَبِاشْتِرَاطِ الْبَيْعِ فِيهِ ثَبَتَ أَيْضًا حَقِيقِيٌّ وَكَانَ اشْتِرَاطُ زِيَادَةٍ أَيْضًا وَالزِّيَادَةُ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ تَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ وَصَارَ كَالْمَشْرُوطِ فِيهِ ابْتِدَاءً وَكَالزِّيَادَةِ فِي الثَّمَنِ. وَلَوْ مَاتَ الْعَدْلُ بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ حَتَّى لَوْ أَوْصَى بِبَيْعِهِ لَمْ يَجُزْ وَالرَّهْنُ عَلَى حَالِهِ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ رَضِيَ بِبَيْعِهِ، وَلَمْ يَرْضَ بِبَيْعِ غَيْرِهِ، وَقَدْ وَقَعَ الْعَجْزُ عَنْ الْبَيْعِ بِنَفْسِهِ وَنَائِبِهِ فَبَطَلَتْ الْوَكَالَةُ ضَرُورَةً وَالرَّهْنُ لَا يَبْطُلُ؛ لِأَنَّ الْعَدْلَ نَائِبٌ عَنْ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ فِي الْإِمْسَاكِ وَالْحِفْظِ وَالرَّهْنُ لَا يَبْطُلُ بِمَوْتِهِمَا فَبِمَوْتِ نَائِبِهِمَا أَوْلَى، وَلَوْ اجْتَمَعَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ عَلَى وَضْعِهِ عَلَى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 292 يَدَيْ عَدْلٍ آخَرَ، وَقَدْ مَاتَ الْأَوَّلُ أَوْ عَلَى يَدَيْ الْمُرْتَهِنِ جَازَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا، فَإِنْ اخْتَلَفَا وَضَعَهُ الْقَاضِي عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ، وَإِنْ شَاءَ عَلَى يَدَيْ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ حَقٌّ فِي الْإِمْسَاكِ وَالْحِفْظِ فَيَنْصِبُ الْقَاضِي عَدْلًا آخَرَ يُمْسِكُهُ وَيَحْفَظُهُ نَائِبًا عَنْهُمَا؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ نُصِّبَ لِإِيفَاءِ حُقُوقِ النَّاسِ وَإِذَا عَلِمَ الْقَاضِي أَنَّ الْمُرْتَهِنَ يَتَّهِمَ الْعَدْلَ فِي الْعَدَالَةِ لَمْ يَضَعْهُ عَلَى يَدَيْهِ، وَإِنْ كَرِهَ الرَّاهِنُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ لَهُ وِلَايَةُ الْوَضْعِ عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ آخَرَ مَعَ إبَاءِ الرَّاهِنِ فَكَذَا لَهُ وِلَايَةُ الْوَضْعِ عَلَى يَدَيْ الْمُرْتَهِنِ فَأَمَّا إذَا أَرَادَ أَنْ يَضَعَهُ عَلَى يَدَيْ الرَّاهِنِ ذَكَرَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الرَّهْنِ الِاسْتِيفَاءُ وَذَلِكَ بِأَنْ يَضْجَرَ الرَّاهِنُ بِإِمْسَاكِ الرَّهْنِ عَنْهُ فَيُسَارِعُ فِي قَضَاءِ دَيْنِهِ. وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ مَتَى كَانَ الرَّهْنُ فِي يَدِهِ فَيَكُونُ الْوَضْعُ فِي يَدِهِ اشْتِغَالًا بِمَا لَا يُفِيدُ، وَذَكَرَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الضَّجَرَ لَمْ يَثْبُتْ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ، وَإِنْ كَانَتْ فِي يَدِهِ لَكِنْ بَقِيَ مَمْنُوعًا عَنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ فَالْحَجْرُ عَنْ الِانْتِفَاعِ مِمَّا يَضْجَرُهُ وَبِإِزَاءِ مَا فَاتَ مِنْ الضَّجَرِ حَصَلَ لِلْمُرْتَهِنِ مَنْفَعَةٌ أُخْرَى وَهُوَ أَنَّهُ مَتَى هَلَكَ فِي يَدِ الرَّاهِنِ لَا يَسْقُطُ مِنْ دَيْنِهِ كَمَا لَوْ أَعَارَهُ مِنْهُ وَهَلَكَ فِي يَدِهِ وَلِذَا لَوْ جَعَلَاهُ عَلَى يَدِ عَدْلٍ أَوْ سَلَّطَا رَجُلًا آخَرَ عَلَى بَيْعِهِ وَسَلَّمَ الثَّمَنَ إلَى الْمُرْتَهِنِ أَوْ سَلَّطَ الْمُرْتَهِنَ عَلَى بَيْعِهِ جَازَ، وَلَيْسَ لَهُ فَسْخُهُ وَعَزْلُهُ لِمَا بَيَّنَّا، وَلَوْ عَزَلَا الْعَدْلَ سَلَّطَا غَيْرَهُ أَوْ لَمْ يُسَلِّطَا جَازَ؛ لِأَنَّهُمَا لَوْ اتَّفَقَا عَلَى فَسْخِ الرَّهْنِ جَازَ فَكَذَا عَلَى مَا شُرِطَ فِيهِ وَمِنْ التَّسْلِيطِ عَلَى الْبَيْعِ الْمُرْتَهِنِ لَوْ قَبَضَهُ وَجَعَلَ الرَّاهِنَ مُسَلَّطًا عَلَى بَيْعِهِ جَازَ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ أَوْجَبَ حُكْمَهُ وَهُوَ الْحَبْسُ دَائِمًا حِينَ قَبَضَهُ الْمُرْتَهِنُ، فَإِذَا فَاتَ الْقَبْضُ وَالْحَبْسُ بَعْدَ ذَلِكَ فَيُتَصَوَّرُ عَوْدُهُ فِي كُلِّ زَمَانٍ؛ لِأَنَّ لِلْمُرْتَهِنِ حَقَّ اسْتِرْدَادِهِ وَلَا يَبْطُلُ عَقْدُ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّ فَوَاتَ حُكْمِ الْعَقْدِ عَلَى وَجْهٍ يُتَوَهَّمُ وَيُرْجَى عَوْدُهُ لَا يُوجِبُ بُطْلَانَ الْعَقْدِ كَمَا لَوْ أَعَارَ مِنْ الرَّاهِنِ. وَهَذَا إذَا شَرَطَا بَعْدَ الرَّهْنِ فَأَمَّا إذَا شَرَطَا فِي الرَّهْنِ أَنْ يَكُونَ الْعَدْلُ هُوَ الرَّاهِنُ لَا يَصِحُّ الرَّهْنُ، وَإِنْ قَبَضَهُ الْمُرْتَهِنُ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ فِي الرَّهْنِ أَنْ يَكُونَ الرَّهْنُ عِنْدَهُ سَاعَةً فَلَا يَجُوزُ كَمَا لَوْ قَالَ يَوْمًا وَيَوْمًا لَا أَرْتَهِنُ دَارًا وَسَلَّطَ الرَّاهِنُ رَجُلًا عَلَى بَيْعِهَا وَإِيفَاءِ الثَّمَنِ وَلَمْ يَقْبِضْهَا الْمُرْتَهِنُ لَمْ يَكُنْ رَهْنًا لِعَدَمِ قَبْضِهِ بِنَفْسِهِ وَلَا بِنَائِبِهِ وَبَيْعُ الْعَدْلِ إيَّاهَا جَائِزٌ بِالْوَكَالَةِ وَالثَّمَنُ يُدْفَعُ إلَى الرَّاهِنِ، فَإِنْ دَفَعَهُ إلَى الْمُرْتَهِنِ لَمْ يَضْمَنْ وَيَنْعَزِلُ الْعَدْلُ بِمَوْتِ الرَّاهِنِ وَالرَّهْنُ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ لَمْ يَصِحَّ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ بِالثَّمَنِ إلَّا أَنَّهُ أَمَرَهُ بِالْبَيْعِ وَبِقَضَاءِ الدَّيْنِ مِنْ الثَّمَنِ وَالْمَأْمُورُ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ إنْ شَاءَ دَفَعَ إلَى الْآمِرِ، وَإِنْ شَاءَ دَفَعَ إلَى الْغَرِيمِ وَيَكُونُ هَذَا وَكِيلًا مَحْضًا حَتَّى لَا يُجْبَرَ الْعَبْدُ عَلَى الْبَيْعِ وَيَنْعَزِلَ بِمَوْتِ الْآمِرِ؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ الْبَيْعَ فِي رَهْنٍ غَيْرِ لَازِمٍ فَلَا يَكُونُ الْبَيْعُ لَازِمًا، وَلَوْ قَتَلَ الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ عَبْدَ الْعَدْلِ الْمُسَلَّطِ عَلَى بَيْعِهِ أَوْ فَقَأَ عَيْنَهُ عَبْدٌ دُفِعَ مَكَانَهُ فَهُوَ مُسَلَّطٌ عَلَى بَيْعِهِ بِمَنْزِلَةِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ الْمَدْفُوعَ صَارَ رَهْنًا؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ كَانَ ثَابِتًا فِي الْأَوَّلِ وَالْبَدَلُ قَائِمٌ مَقَامَ الْأَوَّلِ فَثَبَتَتْ وِلَايَتُهُ فِي الثَّانِي حَسَبَ ثُبُوتِ وِلَايَتِهِ فِي الْأَوَّلِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ الْمُفْرَدِ؛ لِأَنَّهُ مَا ثَبَتَ لَهُ حَقُّ بَيْعِ الْأَصْلِ حَتَّى يَسْرِيَ إلَى بَدَلِهِ، وَلَوْ كَانَ الْعَدْلُ عَبْدًا مَحْجُورًا أَوْ غَيْرَ مَحْجُورٍ أَوْ صَبِيًّا عَاقِلًا مَأْذُونًا وَغَيْرَ مَأْذُونٍ جَازَ وَلَا تَلْزَمُهُمَا الْعُهْدَةُ إلَّا بِإِذْنِ الْمَوْلَى وَالْوَلِيِّ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يُؤْخَذَانِ بِضَمَانِ الْأَقْوَالِ إلَّا بِإِذْنِ الْمَوْلَى وَالْوَلِيِّ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَبْطُلُ بِمَوْتِ الْوَكِيلِ حَتَّى لَا يَقُومَ وَارِثُهُ وَلَا وَصِيُّهُ مَقَامَهُ) ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ لَا يَجْرِي فِيهَا الْإِرْثُ وَلِأَنَّ الْمُوَكِّلَ رَضِيَ بِرَأْيِهِ لَا بِرَأْيِ غَيْرِهِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إنْ وَصَّى الْوَكِيلُ يَمْلِكُ بَيْعَهُ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ لَازِمَةٌ فَيَمْلِكُ الْوَصِيُّ كَالْمُضَارِبِ إذَا مَاتَ وَالْمَالِيَّةُ عُرُوضٌ يَمْلِكُ وَصِيُّ الْمُضَارِبِ بَيْعَهَا لِمَا أَنَّهُ لَازِمٌ بَعْدَ مَا صَارَ عُرُوضًا قُلْنَا الْوَكَالَةُ حَقٌّ عَلَى الْوَكِيلِ فَلَا تُورَثُ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْإِرْثَ يَجْرِي فِي حَقٍّ لَهُ لَا فِي حَقٍّ عَلَيْهِ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِبُطْلَانِهَا بِخِلَافِ الْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّهَا حَقُّ الْمُضَارِبِ فَيُورَثُ عَنْهُ فَتَقُومُ الْوَرَثَةُ مَقَامَهُ فِيهِ وَلِأَنَّ الْمُضَارِبَ لَهُ وِلَايَةُ التَّوْكِيلِ فِي حَيَاتِهِ فَجَازَ أَنْ يَقُومَ وَصِيُّهُ مَقَامَهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ كَالْأَبِ فِي مَالِ الصَّغِيرِ وَالْوَكِيلُ لَيْسَ لَهُ حَقُّ التَّوْكِيلِ فِي حَيَاتِهِ فَلَا يَقُومُ غَيْرُهُ مَقَامَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِبَيْعِهِ لَمْ يَصِحَّ إلَّا إذَا كَانَ مَشْرُوطًا لَهُ فِي الْوَكَالَةِ فَيَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَازِمٌ بِوَضْعِهِ، وَفِي الذَّخِيرَةِ لَوْ مَاتَ الْعَدْلُ بَطَلَ التَّسْلِيطُ، وَفِي السِّرَاجِيَّةِ الْعَدْلُ الْمُسَلَّطُ عَلَى الْبَيْعِ إذَا بَاعَ الْبَعْضَ بَطَلَ الرَّهْنُ فِي الْبَاقِي وَإِذَا بَاعَ الْعَدْلُ الرَّهْنَ وَوَقَعَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ وَالْعَدْلِ فِي مِقْدَارِ الثَّمَنِ، فَقَالَ الْعَدْلُ بِعْت بِمِائَةٍ فَأَعْطَيْتهَا الْمُرْتَهِنَ، وَقَالَ الْمُرْتَهِنُ بَاعَهُ بِخَمْسِينَ فَالْقَوْلُ لِلْمُرْتَهِنِ مَعَ يَمِينِهِ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ. وَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الرَّاهِنِ وَإِذَا كَانَ الْعَدْلُ مُسَلَّطًا عَلَى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 293 الْبَيْعِ إذَا حَلَّ الْأَجَلُ، فَقَالَ الْمُرْتَهِنُ كَانَ الْأَجَلُ إلَى شَهْرِ رَمَضَانَ، وَقَدْ دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ، وَقَالَ الرَّاهِنُ إلَى شَوَّالٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ فِي وَقْتِ حُلُولِ الْأَجَلِ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ وَإِذَا بَاعَ الْعَدْلُ بِالنَّسِيئَةِ جَازَ الْبَيْعُ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ كَذَا فِي الْأَصْلِ، وَفِي غَيْرِهِ إذَا بَاعَ بِنَسِيئَةٍ غَيْرِ مَعْهُودَةٍ بِأَنْ بَاعَ إلَى عَشْرِ سِنِينَ يَنْبَغِي أَنْ لَا تَجُوزَ عِنْدَهُمَا، وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو عَلِيٍّ النَّسَفِيُّ إنْ تَقَدَّمَ مِنْ الرَّاهِنِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْبَيْعِ بِالنَّقْدِ بِأَنْ قَالَ الْمُرْتَهِنُ يُطَالِبُنِي بِدَيْنِهِ وَيُؤْذِينِي فَبِعْهُ حَتَّى أُوفِيَهُ فَبَاعَهُ بِالنَّسِيئَةِ لَا يَجُوزُ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ قَالَ بِعْهُ، فَإِنِّي مُحْتَاجٌ إلَى النَّفَقَةِ، وَفِي الذَّخِيرَةِ لَوْ كَانَ الْمُرْتَهِنُ هُوَ الْعَدْلُ، فَقَالَ لَهُ الرَّاهِنُ بِعْهُ وَاسْتَوْفِ دَيْنَك مِنْ ثَمَنِهِ فَبَاعَهُ بِالنَّسِيئَةِ فَيَجُوزُ كَيْفَمَا كَانَ، وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ: لَوْ لَحِقَ الْعَدْلَ جُنُونٌ يَقَعُ الْإِيَاسُ مِنْ إفَاقَتِهِ فَيَنْعَزِلُ، وَإِنْ كَانَ يُرْجَى إفَاقَتُهُ لَا يَنْعَزِلُ حَتَّى إذَا عَادَ عَقْلُهُ إلَيْهِ لَهُ أَنْ يَبِيعَ، وَإِنْ بَاعَ فِي حَالِ جُنُونِهِ لَا يَصِحُّ وَالْعَدْلُ فِي حَقِّ الْعَيْنِ كَالْمُودَعِ فَمَا جَازَ لِلْمُودَعِ جَازَ لِلْعَدْلِ وَلَا يَمْلِكُ أَنْ يُسَافِرَ بِالرَّهْنِ إذَا كَانَتْ الطَّرِيقُ مُخِيفَةً وَإِذَا كَانَ الطَّرِيقُ آمِنًا وَقَيَّدَ بِالْمِصْرِ لَا يَمْلِكُ السَّفَرَ، وَفِي الْغِيَاثِيَّةِ إذَا مَاتَ الْمُرْتَهِنُ يَبِيعُ الْعَدْلُ الْعَيْنَ الْمَرْهُونَةَ بِحَضْرَةِ الْوَرَثَةِ، وَلَوْ بَاعَ الْعَدْلُ، ثُمَّ رُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ رَجَعَ بِهِ عَلَى الرَّاهِنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الرَّدُّ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ بِعَيْبٍ جَازَ أَنْ يَحْدُثَ فِي الْمُدَّةِ، وَلَوْ صَدَّقَهُ الرَّاهِنُ بِالْعَيْبِ فِي يَدِهِ يَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ. وَلَوْ اخْتَارَ الْعَدْلُ أَحَدَهُمَا فَأَفْلَسَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْآخَرِ، وَلَوْ قَالَ الْمُرْتَهِنُ كَانَ قِيمَتُهُ يَوْمَ الرَّهْنِ كَذَا، ثُمَّ ادَّعَى النُّقْصَانَ لَمْ يُصَدَّقْ وَلَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ إلَّا إذَا كَانَ تَرَاجُعُ السِّعْرِ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ مَعْرُوفًا، وَلَوْ قَالَ الْعَدْلُ بِعْت وَقَبَضْت الثَّمَنَ وَهَلَكَ عِنْدِي أَوْ دَفَعْته لَك صُدِّقَ عَلَيْهِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ رَهَنَ شَيْئًا بِدَيْنٍ مُؤَجَّلٍ وَسَلَّطَ الْعَدْلَ عَلَى بَيْعِهِ إذَا حَلَّ الْأَجَلُ فَلَمْ يَقْبِضْ الْعَدْلُ الرَّهْنَ حَتَّى حَلَّ الدَّيْنُ فَالرَّهْنُ بَاطِلٌ وَالْوَكَالَةُ بِالْبَيْعِ بَاقِيَةٌ، وَلَوْ رَهَنَ شَيْئًا بِدَيْنٍ مُؤَجَّلٍ وَسَلَّطَ الْعَدْلَ عَلَى الْبَيْعِ مُطْلَقًا، وَلَمْ يَقُلْ عِنْدَ حُلُولِ أَجَلِ الدَّيْنِ فَلِلْعَدْلِ أَنْ يَبِيعَهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَفِي الْمُنْتَقَى وَالذَّخِيرَةِ بِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَهَنَ مِنْ آخَرَ عَبْدًا وَوَضَعَاهُ عَلَى يَدِ عَدْلٍ وَغَابَ الرَّاهِنُ، فَقَالَ الْمُرْتَهِنُ آمُرُك بِبَيْعِهِ، وَقَالَ الْعَدْلُ لَمْ يَأْمُرْنِي بِبَيْعِهِ قَالَ لَا أَقْبَلُ بَيِّنَةَ الْمُرْتَهِنِ عَلَيْهِ، وَفِي الْإِمْلَائِيَّاتِ الْعَدْلُ أَوْصَى إلَى رَجُلٍ بِبَيْعِ الرَّهْنِ لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يَكُونَ الرَّاهِنُ قَالَ لَهُ فِي أَصْلِ الْوَكَالَةِ وَكَّلْتُك بِبَيْعِ الرَّهْنِ وَأَجَزْت لَك مَا صَنَعْته فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ لِوَصِيِّهِ بَيْعُهُ وَلَا يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ أَنْ يُوصِيَ إلَى ثَالِثٍ، رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ وَصِيَّ الْعَدْلِ يَقُومُ مَقَامَ الْعَدْلِ فِي الْبَيْعِ، وَرَوَى ابْنُ مَالِكٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ وَصِيَّ الْعَدْلِ يَقُومُ مَقَامَ الْعَدْلِ فِي الْبَيْعِ بِمَنْزِلَةِ الْمُضَارِبِ يَمُوتُ وَالْمَالُ عُرُوضُ، فَإِنَّ وَصِيَّهُ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي الْبَيْعِ. قَالَ الْحَاكِمُ أَبُو الْفَضْلِ: هَذَا الْجَوَابُ خِلَافُ جَوَابِ الْأَصْلِ شَرْحُ الطَّحَاوِيِّ، فَإِنْ سَلَّطَ الْعَدْلَ عَلَى الْبَيْعِ وَأَدَاءِ الثَّمَنِ مِنْهُ جَازَ بَيْعُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَا عَزَّ وَهَانَ وَبِأَيِّ ثَمَنٍ كَانَ مِنْ قَبِيلِ الْمُطْلَقِ بِالْبَيْعِ، فَإِنْ بَاعَهُ بِجِنْسِ الدَّيْنِ، فَإِنَّهُ يَقْضِي دَيْنَهُ مِنْ الثَّمَنِ، وَإِنْ بَاعَهُ بِخِلَافِ جِنْسِ الدَّيْنِ، فَإِنَّهُ يَبِيعُ الثَّمَنَ بِجِنْسِ الدَّيْنِ وَيَقْضِي دَيْنَ الْمُرْتَهِنِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى يَبِيعُهُ بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ أَوْ أَقَلَّ بِقَدْرِ مَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ، فَإِنْ بَاعَهُ بِجِنْسِ الدَّيْنِ قَضَى بِهِ الدَّيْنَ، وَإِنْ بَاعَهُ بِخِلَافِ جِنْسِهِ صَرَفَهُ بِجِنْسِ الدَّيْنِ وَقَضَى الدَّيْنَ، وَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ إذَا كَانَ الْمُرْتَهِنُ مُسَلَّطًا عَلَى الْبَيْعِ فَأَقَامَ بَيِّنَتَهُ أَنَّهُ بَاعَ بِسَبْعِينَ وَأَقَامَ الرَّاهِنُ بَيِّنَتَهُ أَنَّهُ مَاتَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ أُخِذَ بِبَيِّنَةِ الْمُرْتَهِنِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُؤْخَذُ بِبَيِّنَةِ الرَّاهِنِ وَلَمَّا ظَهَرَ أَنَّ الْعَدْلَ وَكِيلٌ عَبَّرَ عَنْهُ بِلَفْظِ الْوَكِيلِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ حَلَّ الْأَجَلُ وَغَابَ الرَّاهِنُ أُجْبِرَ الْوَكِيلُ عَلَى بَيْعِهِ كَالْوَكِيلِ بِالْخُصُومَةِ مِنْ جِهَةِ الْمَطْلُوبِ إذَا غَابَ مُوَكِّلُهُ أُجْبِرَ عَلَيْهَا) ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ بِالشَّرْطِ فِي عَقْدِ الرَّهْنِ صَارَتْ وَصْفًا مِنْ أَوْصَافِ الرَّهْنِ فَلَزِمَتْ كَلُزُومِهِ وَلِأَنَّ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ تَعَلَّقَ بِالْبَيْعِ وَفِي الِانْتِفَاعِ إبْطَالُ حَقِّهِ فَيُجْبَرُ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْوَكِيلِ بِالْخُصُومَةِ إذَا غَابَ مُوَكِّلُهُ وَالْجَامِعُ بَيْنَهَا أَنَّ فِي الِانْتِفَاعِ فِيهِمَا إبْطَالَ حَقِّهِمَا بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ؛ لِأَنَّ لِلْمُوَكِّلِ أَنْ يَبِيعَ بِنَفْسِهِ وَلَا يَبْطُلُ حَقُّهُ، أَمَّا الْمُدَّعِي فَلَا يَقْدِرُ عَلَى الدَّعْوَى عَلَى الْغَائِبِ وَالْمُرْتَهِنُ لَا يَمْلِكُ الْبَيْعَ بِنَفْسِهِ. وَقَوْلُهُ وَغَابَ الرَّاهِنُ يَظْهَرُ أَنَّهُ قَيَّدَ فِي جَبْرِ الْعَدْلِ عَلَى الْبَيْعِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَالَ فِي الْمُحِيطِ. وَلَوْ أَبَى الْعَدْلُ الْبَيْعَ، وَقَدْ سَلَّطَ عَلَيْهِ يُجْبِرُهُ الْقَاضِي عَلَى بَيْعِهِ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ صَارَتْ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ حَتَّى لَوْ أَرَادَ الْعَدْلُ اسْتِرْدَادَ الرَّهْنِ لِلرَّاهِنِ حَتَّى يَبْطُلَ الْإِيفَاءُ مُنِعَ مِنْ ذَلِكَ وَالْعَدْلُ يُفَارِقُ الْوَكِيلَ الْمُفْرَدِ بِالْبَيْعِ فِي أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ قَدَّمْنَا ثَلَاثَةً مِنْهَا. وَالرَّابِعُ الْعَدْلُ يَمْلِكُ الْمُصَارِفَةَ بِالثَّمَنِ إذَا بَاعَ الْعَيْنَ بِخِلَافِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 294 جِنْسِ الدَّيْنِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ الْمُفْرَدِ؛ لِأَنَّ الْعَدْلَ مَأْمُورٌ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ فَيَمْلِكُ الْمُصَارَفَةَ بِالثَّمَنِ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ حَتَّى يَمْلِكَ إيفَاءَ الدَّيْنِ كَمَا لَوْ قَالَ لِآخَرَ اقْضِ دَيْنِي مِنْ دَارِي كَانَ مَأْمُورًا بِبَيْعِ الدَّارِ وَبِإِيفَاءِ الدَّيْنِ مِنْ ثَمَنِهَا وَكَّلَ الْعَدْلُ بِبَيْعِ الرَّهْنِ وَكِيلًا فَبَاعَ جَازَ إنْ كَانَ حَاضِرًا، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يُجِيزَهُ بَعْدَ الْبَيْعِ كَمَا فِي الْوَكِيلِ الْمُفْرَدِ عَلَى مَا مَرَّ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَدَّرَ الْعَدْلُ لِلْوَكِيلِ ثَمَنًا جَازَ مُطْلَقًا، وَقِيلَ هُوَ عَلَى التَّفْصِيلِ الَّذِي ذَكَرْنَا، وَقِيلَ فِيهِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةِ الْوَكَالَةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَبِيعَ بِحَضْرَتِهِ أَوْ بِإِجَازَتِهِ، وَفِي رِوَايَةِ الْكِتَابِ يَجُوزُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ هَذَا بَيْعٌ حَضَرَهُ رَأْيُ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الرَّأْيَ إنَّمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ الْأَوَّلِ لِتَقْدِيرِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ ثَمَنَ الشَّيْءِ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِرَأْيٍ، فَإِذَا قَدَّرَ الْأَوَّلُ الثَّمَنَ، وَقَدْ بَاعَ الثَّانِي بِذَلِكَ الْمِقْدَارِ فَقَدْ حَضَرَ رَأْيُ الْأَوَّلِ، وَإِنْ لَمْ يَنْعَقِدْ بِعِبَارَتِهِ وَالشَّرْطُ أَنْ يَكُونَ بِرَأْيِهِ وَنُطْقِهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ بَاعَ بِحَضْرَتِهِ. وَجْهُ رِوَايَةِ الْوَكَالَةِ أَنَّ هَذَا بَيْعٌ لَمْ يَحْضُرْهُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ رَأْيَ الْأَوَّلِ بِالثَّمَنِ الَّذِي قُدِّرَ تَعَلَّقَ بِعَدَمِ الْعِلْمِ بِرَغْبَةِ الْمُشْتَرِي فِي الزِّيَادَةِ فِي ثَمَنِ الْمَبِيعِ وَبِعَدَمِ زِيَادَةِ رَوَاجِ السِّلْعَةِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ مَتَى عَلِمَ مِنْ الْمُشْتَرَى الرَّغْبَةَ فِي الْمَبِيعِ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الثَّمَنِ الْمَذْكُورِ لَا يُجْبِرُهُ فِي ذَلِكَ فَيَكُونُ فِي ذَلِكَ احْتِمَالٌ فَلَا يَثْبُتُ رَأْيِ الْأَوَّلِ بِالشَّكِّ وَالِاحْتِمَالِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَجَازَ، فَإِنَّ الثَّانِيَ لَا يَصِيرُ مُؤْتَمَنًا حَالَ غَيْبَةِ الْأَوَّلِ ضَرُورَةَ صِحَّةِ الْإِجَازَةِ، فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْحُكْمِ بِصِحَّةِ الْإِجَازَةِ إذَا حَصَلَتْ الْإِجَازَةُ مِمَّنْ يَمْلِكُ الْإِنْشَاءَ وَائْتِمَانُ الْأَجْنَبِيِّ يَثْبُتُ حَالَةَ الضَّرُورَةِ كَالْمُودَعِ إذَا دَفَعَ الْوَدِيعَةَ إلَى الْأَجْنَبِيِّ حَالَةَ الْخَوْفِ وَالْفَرْقِ جَازَ، وَفِي غَيْرِ هَؤُلَاءِ لَوْ صَارَ الثَّانِي مُؤْتَمَنًا، فَإِنَّمَا يَصِيرُ مُؤْتَمَنًا ضَرُورَةَ صِحَّةِ التَّوْكِيلِ وَلَا ضَرُورَةَ إلَى الْحُكْمِ بِصِحَّةِ التَّوْكِيلِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ إنْشَاءَ عَقْدٍ وَلَا إجَارَةَ، وَائْتِمَانُ الْأَجْنَبِيِّ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَلَا يَجُوزُ فَكَانَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ أَصَحَّ بَاعَهُ فَأَجَازَهُ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ وَأَبَى الْعَدْلُ جَازَ، وَلَوْ أَجَازَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا لَا يُعَدُّ وَهْمًا؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لِلرَّاهِنِ وَالْحَقَّ لِلْمُرْتَهِنِ فَيُشْتَرَطُ اجْتِمَاعُهُمَا عَلَى الْإِجَازَةِ، فَإِذَا أَجَازَ جَازَ وَكَانَ ذَلِكَ إخْرَاجًا لِلْعَدْلِ عَنْ الْوَكَالَةِ وَتَوْكِيلًا لِلْآخَرِ بِالْبَيْعِ وَلَهُمَا ذَلِكَ كَمَا لَوْ كَانَ لِلرَّاهِنِ أَرْضُ خَرَاجٍ أَوْ عُشْرٍ وَأَخَذَ الْخَرَاجَ وَالْعُشْرَ مِنْ الرَّاهِنِ لَا يَرْجِعُ فِي ثَمَنِهِ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ صَارَ قَاضِيًا حَقًّا وَاجِبًا عَلَيْهِ فَلَا يَرْجِعُ بِهِ فِي حَالٍ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ غَيْرِهِ. وَإِنْ أَخَذَ ذَلِكَ مِنْ الثَّمَرَةِ أَوْ الْغَلَّةِ لَا يَبْطُلُ شَيْئًا مِنْ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّ هَلَاكَ الزِّيَادَةِ مِنْ الْعَيْنِ لَا يُسْقِطُ شَيْئًا مِنْ الثَّمَنِ وَيَكُونُ ذَلِكَ مَحْسُوبًا عَلَى الرَّاهِنِ وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا مِنْ الْعَيْنِ، فَإِنَّ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ أَنْ يُعْطِيَ الْخَرَاجَ مِنْ مَالٍ آخَرَ فَلَمْ يَصِرْ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ مُسْتَحَقًّا إلَّا إذَا أَخَذَهُ السُّلْطَانُ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَإِنَّهُ يَسْقُطُ مِنْ الدَّيْنِ بِقَدْرِهِ؛ لِأَنَّهُ غُصِبَ مِنْهُ فَصَارَ كَمَا لَوْ هَلَكَ بَعْضُ الرَّهْنِ فِي يَدِهِ، وَلَوْ كَانَ الرَّاهِنُ مُفْلِسًا وَالرَّهْنُ فِي يَدِ الْعَدْلِ فَاسْتَحَقَّ الْعَبْدُ فَدَفَعَ الْعَدْلُ الْبَدَلَ وَأَبْقَاهُ فِي يَدِهِ يَبِيعُهُ وَيَسْتَوْفِي ثَمَنَهُ وَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمَا تَعَلَّقَ بِالْعَبْدِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ فِيمَا تَحَوَّلَ مِنْ الْعَبْدِ إلَى ثَمَنِهِ بِالْبَيْعِ وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْعَبْدِ ثَانِيًا بَعْدَ الرَّدِّ وَحَقُّ الْعَدْلِ تَعَلَّقَ بِالْعَبْدِ فِي هَذَا الْوَقْتِ فَقَدْ اسْتَوْفَيَا الْحَقَّيْنِ فِي وَقْتِ تَعَلُّقِ الْحَقِّ تَرَجَّحَ دَيْنُ الْعَدْلِ لِتَعَلُّقِهِ بِالْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ بِسَبَبِ هَذَا الْعَبْدِ وَدَيْنُ الْمُرْتَهِنِ لَمْ يَجِبْ بِسَبَبِ هَذَا الْعَبْدِ فَصَارَ الْعَدْلُ أَوْلَى كَدَيْنِ الْعَبْدِ مَعَ دَيْنِ الْمَوْلَى فَيَكُونُ دَيْنُ الْعَبْدِ أَحَقَّ وَصَارَ كَمَا لَوْ دَفَعَ الْعَدْلُ الثَّمَنَ إلَى الْمُرْتَهِنِ، ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ بِالْعَيْبِ فَيَسْتَرِدُّ الثَّمَنَ مِنْهُ فَكَذَا هَذَا بَاعَ الْعَدْلُ بَيْعًا فَاسِدًا لَا يَضْمَنُ كَالْوَكِيلِ الْمُفْرَدِ وَمَعْنَى الْإِجْبَارِ أَنْ يَحْبِسَهُ الْقَاضِي أَيَّامًا لِيَبِيعَ، فَإِنْ لَجَّ بَعْدَ الْحَبْسِ أَيَّامًا فَالْقَاضِي يَبِيعُهُ عَلَيْهِ، وَهَذَا عَلَى أَصْلِهِمَا ظَاهِرٌ. وَأَمَّا عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَكَذَلِكَ عِنْدَ الْبَعْضِ؛ لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ جِهَةٌ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ وَلِأَنَّ بَيْعَ الرَّهْنِ صَارَ مُسْتَحَقًّا لِلْمُرْتَهِنِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْمَوَاضِعِ، وَقِيلَ لَا يَبِيعُ الْقَاضِي عِنْدَهُ كَمَا لَا يَبِيعُ الْمَدْيُونُ عِنْدَهُ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ، ثُمَّ إذَا أُجْبِرَ عَلَى الْبَيْعِ وَبَاعَ لَا يَفْسُدُ هَذَا الْبَيْعُ بِهَذَا الْإِجْبَارِ؛ لِأَنَّ الْإِجْبَارَ وَقَعَ عَلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ بِأَيِّ طَرِيقٍ شَاءَ حَتَّى لَوْ قَضَاهُ بِغَيْرِهِ صَحَّ وَإِنَّمَا الْبَيْعُ طَرِيقٌ مِنْ طُرُقِهِ وَلِأَنَّهُ إجْبَارٌ لِحَقٍّ وَبِمِثْلِهِ لَا يَكُونُ مُكْرَهًا فَلَا يَفْسُدُ إجْبَارُهُ بِهِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ التَّوْكِيلُ مَشْرُوطًا فِي عَقْدِ الرَّهْنِ وَإِنَّمَا شَرْطَاهُ بَعْدَهُ قِيلَ لَا يُجْبَرُ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ لَمْ يَصِرْ وَصْفًا مِنْ أَوْصَافِ الرَّهْنِ فَكَانَتْ مُفْرَدَةً كَسَائِرِ الْوَكَالَاتِ، وَقِيلَ يُجْبَرُ كَيْ يُؤَدِّيَ حَقَّهُ، وَهَذَا أَصَحُّ حَتَّى رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْجَوَابَ فِي الْفَصْلَيْنِ وَاحِدٌ فِي أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى الْقَوْلِ قَضَاءً، وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالْأَصْلُ الْإِجْبَارُ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ مِنْ أَنْ تَكُونَ الْوَكَالَةُ مَشْرُوطَةً فِيهِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فَلَوْ بَاعَ الْعَدْلُ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ رَهْنًا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 295 وَالثَّمَنُ قَائِمٌ مَقَامَهُ فَيَكُونُ رَهْنًا مَكَانَهُ وَأَنْ يَقْبِضَهُ بَعْدُ لِقِيَامِهِ مَقَامَ مَا كَانَ مَقْبُوضًا بِجِهَةِ الرَّهْنِ، فَإِذَا تَوَى كَانَ مِنْ مَالِ الْمُرْتَهِنِ لِبَقَاءِ عَقْدِ الرَّهْنِ فِي الثَّمَنِ لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْمَبِيعِ الْمَرْهُونِ، وَكَذَلِكَ إذَا قُتِلَ الْعَبْدُ الرَّهْنُ وَغَرِمَ الْقَاتِلُ قِيمَتَهُ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ يَسْتَحِقُّهُ مِنْ حَيْثُ الْمَالِيَّةُ، وَإِنْ كَانَ بَدَلَ الدَّمِ فَأَخَذَ حُكْمَ ضَمَانِ الْمَالِ فِي حَقِّ الْمُسْتَحِقِّ فَبَقِيَ عَقْدُ الرَّهْنِ فِيهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَتَلَهُ عَبْدُهُ فَدَفَعَ بِهِ لِكَوْنِهِ قَائِمًا مَقَامَ الْأَوَّلِ لَحْمًا وَدَمًا فَيَكُونُ رَهْنًا مَكَانَهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ بَاعَهُ الْعَدْلُ وَأَوْفَى مُرْتَهِنَهُ ثَمَنَهُ فَاسْتَحَقَّ الرَّهْنَ وَضَمِنَ فَالْعَدْلُ يَضْمَنُ الرَّاهِنَ قِيمَتَهُ أَوْ الْمُرْتَهِنَ ثَمَنَهُ) وَكَشَفَ هَذَا أَنَّ الْمَرْهُونَ الْمَبِيعَ إذَا اُسْتُحِقَّ إمَّا أَنْ يَكُونَ قَائِمًا أَوْ هَالِكًا فَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي الْمُسْتَحِقُّ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الرَّاهِنَ؛ لِأَنَّهُ غَاصِبٌ فِي حَقِّهِ بِالْأَخْذِ أَوْ التَّسْلِيمِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْعَدْلَ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ مِثْلُهُ بِالْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ فَصَارَ غَاصِبًا بِذَلِكَ، فَإِذَا ضَمِنَ الرَّهْنَ نَفَذَ الْبَيْعُ وَصَحَّ الِاقْتِضَاءُ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ قَدْ تَمَلَّكَهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْغَصْبِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِبَيْعِ مِلْكِ نَفْسِهِ، وَإِنْ ضَمَّنَ الْمُسْتَحِقُّ الْعَدْلَ نَفَذَ الْبَيْعُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْعَدْلَ مَلَكَهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ، ثُمَّ هُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَى الرَّاهِنِ بِالْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ مِنْ جِهَتِهِ عَامِلٌ لَهُ فِيهِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا لَحِقَهُ مِنْ الْعُهْدَةِ بِالْغَرَرِ مِنْ جِهَتِهِ وَنَفَذَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ لَمَّا كَانَ مَدَارُ الضَّمَانِ عَلَيْهِ وَضَمَّنَهُ مِلْكَهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِبَيْعِ مِلْكِهِ فَصَحَّ اقْتِضَاءُ الْمُرْتَهِنِ فَلَا يَرْجِعُ عَلَى الرَّاهِنِ بِدَيْنِهِ. وَإِنْ شَاءَ الْعَدْلُ رَجَعَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ بِالثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ الثَّمَنَ أَخَذَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ؛ لِأَنَّ الْعَدْلَ مَلَكَ الْعَبْدَ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ وَاسْتَقَرَّ مِلْكُهُ فِيهِ، وَلَمْ يَنْتَقِلْ إلَى الرَّاهِنِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ لَا يَرْجِعَ عَلَى الرَّاهِنِ بِمَا ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ الْمُبَاشِرُ فَصَارَ الثَّمَنُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ مِلْكِهِ وَإِنَّمَا أَدَّاهُ إلَى الْمُرْتَهِنِ عَلَى حِسَابِ أَنَّ الْمَبِيعَ مِلْكُ الرَّاهِنِ، فَإِذَا تَبَيَّنَّ أَنَّهُ مِلْكُهُ لَمْ يَكُنْ رَاضِيًا بِهِ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ عَلَيْهِ، وَفِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَهُوَ مَا إذَا كَانَ قَائِمًا فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَلِلْمُسْتَحِقِّ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ يَدِهِ؛ لِأَنَّهُ وَجَدَ عَيْنَ مِلْكِهِ، ثُمَّ إنْ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْعَدْلِ بِالثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ الْعَاقِدُ فَتَتَعَلَّقُ بِهِ حُقُوقُ الْعَقْدِ، وَهَذَا مِنْ حُقُوقِهِ حَيْثُ وَجَبَ الْبَيْعُ وَإِنَّمَا دَفَعَهُ الْمُشْتَرِي إلَيْهِ لِيُسَلِّمَ لَهُ الْمَبِيعَ وَلَمْ يُسَلَّمْ إذَا ضَمِنَ الْعَدْلُ الثَّمَنَ لِلْمُشْتَرِي كَانَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَى الرَّاهِنِ بِالْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَدْخَلَهُ فِي هَذِهِ الْعُهْدَةِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ تَخْلِيصُهُ وَإِذَا رَجَعَ عَلَيْهِ صَحَّ الرَّهْنُ وَسُلِّمَ لَهُ الْمَقْبُوضُ وَبَرِئَ الرَّاهِنُ مِنْ الدَّيْنِ، وَإِنْ شَاءَ الْعَدْلُ رَجَعَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ انْتَقَضَ بِالِاسْتِحْقَاقِ فَبَطَلَ الثَّمَنُ، وَقَدْ قَبَضَهُ ثَمَنًا فَيَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّهُ وَنَقْضُ قَبْضِ الْمُرْتَهِنِ ضَرُورَةً، فَإِذَا دَفَعَهُ إلَى الْعَدْلِ عَادَ حَقُّهُ فِي الدَّيْنِ عَلَى الرَّاهِنِ كَمَا كَانَ فَيَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ، وَلَوْ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ سَلَّمَ الثَّمَنَ بِنَفْسِهِ إلَى الْمُرْتَهِنِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْعَدْلِ بِهِ؛ لِأَنَّ الْعَدْلَ فِي الْبَيْعِ عَامِلٌ لِلرَّاهِنِ وَإِنَّمَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ إذَا قَبَضَ، وَلَمْ يَقْبِضْ مِنْهُ شَيْئًا فَبَقِيَ ضَمَانُ الثَّمَنِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَالدَّيْنُ عَلَى الرَّاهِنِ عَلَى حَالِهِ. وَلَوْ كَانَ التَّوْكِيلُ بَعْدَ عَقْدِ الرَّهْنِ غَيْرَ مَشْرُوطٍ فِي الْعَقْدِ فَمَا لَحِقَ الْعَدْلَ مِنْ الْعُهْدَةِ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الرَّاهِنِ قَبَضَ الْمُرْتَهِنُ الثَّمَنَ أَوْ لَمْ يَقْبِضْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَذَا التَّوْكِيلِ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ فَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْوَكَالَةِ الْمُفْرَدَةِ عَنْ الرَّاهِنِ إذَا بَاعَ الْوَكِيلُ وَدَفَعَ الثَّمَنَ إلَى مَنْ أَمَرَهُ الْمُوَكِّلُ، ثُمَّ لَحِقَهُ عُهْدَةٌ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْقَابِضِ بِخِلَافِ الْوَكَالَةِ الْمَشْرُوطَةِ فِي الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهَا فِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ فَيَكُونُ الْبَيْعُ لَحِقَهُ كَذَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ، وَهَذَا يُؤَيِّدُ قَوْلَ مَنْ لَا يَرَى جَبْرَ هَذَا الْوَكِيلِ عَلَى الْبَيْعِ، وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ رِضَا الْمُرْتَهِنِ بِالرَّهْنِ بِدُونِ التَّوْكِيلِ قَدْ تَمَّ فَصَارَ التَّوْكِيلُ مُسْتَأْنَفًا فِي ضِمْنِ عَقْدِ الرَّهْنِ فَكَانَ مُنْفَصِلًا عَنْهُ ضَرُورَةً عَلَى أَنَّ فَخْرَ الْإِسْلَامِ وَشَيْخَ الْإِسْلَامِ قَالَا: قَوْلُ مَنْ يَرَى جَبْرَ هَذَا الْوَكِيلِ أَصَحُّ لِإِطْلَاقِ مُحَمَّدٍ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالْأَصْلُ مَا بَيَّنَّاهُ فَتَكُونُ الْوَكَالَةُ غَيْرُ الْمَشْرُوطَةِ فِي الْعَقْدِ كَالْمَشْرُوطَةِ فِيهِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ هُنَاكَ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِرَهْنِ الْمُكَاتَبِ وَالْمَأْذُونِ وَالْمُضَارِبِ وَأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ فَفِي الْمَبْسُوطِ الْمُكَاتَبُ كَالْحُرِّ فِي الرَّهْنِ وَالِارْتِهَانِ وَرَهْنُ الْعَبْدِ التَّاجِرِ وَارْتِهَانِهِ جَائِزٌ وَرَهْنُ الْمُضَارِبِ عَلَى أَقْسَامٍ: إمَّا أَنْ يَكُونَ رَبُّ الْمَالِ أَمَرَهُ بِالِاسْتِدَانَةِ، وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالرَّهْنِ أَوْ بِالْعَكْسِ أَوْ أَمَرَهُ بِهِمَا. فَإِنْ أَمَرَهُ بِالِاسْتِدَانَةِ فَالرَّهْنُ جَائِزٌ وَتَفْسِيرُ الِاسْتِدَانَةِ أَنْ يَشْتَرِيَ بِالنَّسِيئَةِ عَلَى الْمُضَارَبَةِ، وَلَمْ يَبْقَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ شَيْءٌ، فَإِنْ صَارَ مَالُ الْمُضَارَبَةِ كُلُّهُ عُرُوضًا، فَإِذَا بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ لَا يَكُونُ مُسْتَدِينًا عَلَى الْمُضَارَبَةِ وَيَجُوزُ عَلَى وَجْهِ الشَّرِكَةِ لَا عَلَى وَجْهِ الْمُضَارَبَةِ وَلَا يَسْتَدِينُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَقْبِضَ رَأْسَ الْمَالِ وَإِذَا رَهَنَ بِهِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 296 شَيْئًا مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ بِأَمْرِ رَبِّ الْمَالِ جَازَ، وَإِنْ لَمْ يَأْمُرْهُ رَبُّ الْمَالِ بِالِاسْتِدَانَةِ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ أَمَرَهُ بِالِاسْتِدَانَةِ، وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالرَّهْنِ فَالِاسْتِدَانَةُ جَائِزَةٌ وَالرَّهْنُ فَاسِدٌ فِي نَصِيبِ الْمُضَارِبِ؛ لِأَنَّهُ رَهَنَ مَالَ الْمُضَارَبَةِ عَنْ مَالِ نَفْسِهِ وَإِذَا فَسَدَ فِي نَصِيبِهِ فَسَدَ فِي الْكُلِّ، وَإِنْ أَمَرَهُ بِالرَّهْنِ، وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالِاسْتِدَانَةِ فَالِاسْتِدَانَةُ تَلْزَمُ الْمُضَارِبَ خَاصَّةً وَالرَّهْنُ يَكُونُ جَائِزًا وَرَهْنُ أَحَدِ شَرِيكَيْ الْمُفَاوَضَةِ بِدَيْنِ جِنَايَةٍ جَائِزٌ وَهُوَ ضَامِنٌ، وَلَيْسَ لِشَرِيكِهِ أَنْ يَنْقُضَ، وَأَحَدُ شَرِيكَيْ الْعِنَانِ إذَا رَهَنَ مَتَاعًا مِنْ الشَّرِكَةِ فَهُوَ عَلَى قِسْمَيْنِ: إمَّا أَنْ رَهَنَ أَوْ ارْتَهَنَ وَكُلُّ قِسْمٍ لَا يَخْلُو مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: إمَّا أَنْ رَهَنَ بِدَيْنٍ عَلَيْهَا، فَإِنْ اشْتَرَكَا عَلَى أَنْ يَعْمَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِرَأْيِ نَفْسِهِ فَرَهْنُ أَحَدِهِمَا وَارْتِهَانُهُ جَائِزٌ عَلَى صَاحِبِهِ فِي الْأُمُورِ كُلِّهَا، وَإِنْ اشْتَرَكَا عَلَى أَنْ يَعْمَلَا مَعًا وَأَنْ يَبِيعَا مَعًا أَوْ مُتَفَرِّقًا إنْ وَلِيَ الْإِدَانَةَ بِنَفْسِهِ يَجُوزُ رَهْنُهُ عَلَى صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَقْضِيَ هَذَا الدَّيْنَ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُطَالَبُ بِهَذَا الدَّيْنِ وَإِذَا أَدَانَ صَاحِبَهُ أَوْ أَدَانَهُمَا جَمِيعًا فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّهُ رَهَنَ نَصِيبَ صَاحِبِهِ بِدَيْنِ صَاحِبِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَإِذَا لَمْ يَجُزْ فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ لَا يَجُوزُ فِي نَصِيبِهِ؛ لِأَنَّ نَصِيبَهُ مُشَاعٌ وَيَضْمَنُ نَصِيبَ صَاحِبَهُ إنْ هَلَكَ. وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الشَّرِيكُ رَاهِنًا وَإِذَا رَهَنَ أَحَدُهُمَا بِدَيْنٍ لَهُمَا، وَلَمْ يَشْتَرِكَا فِي الشَّرِكَةِ أَنْ يَعْمَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِرَأْيِهِ إنْ وَلِيَ هُوَ الِاسْتِدَانَةَ بِنَفْسِهِ يَجُوزُ ارْتِهَانُهُ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ اسْتِيفَاءَ هَذَا الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ بِعَقْدِهِ فَيَمْلِكُ الِارْتِهَانَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ اسْتِيفَاءٌ حُكْمًا، وَإِنْ وَلِيَ الْإِدَانَةَ صَاحِبَهُ أَوْ وَلِيَا الْإِدَانَةَ بِأَنْفُسِهِمَا لَا يَجُوزُ فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ اسْتِيفَاءَ صَاحِبِهِ فَلَا يَمْلِكُ الِارْتِهَانَ لِنَفْسِهِ، وَإِنْ لَمْ يَجُزْ فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ لَا يَجُوزُ فِي نَصِيبِهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ مُشَاعٌ، وَإِنْ هَلَكَ الْمُرْتَهِنُ ذَهَبَ حِصَّتُهُ مِنْ الدَّيْنِ وَيَرْجِعُ شَرِيكُهُ بِحِصَّتِهِ عَلَى الْمَطْلُوبِ، وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ بِهَا عَلَى صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ الْفَاسِدَ فِي حَقِّ إفَادَةِ الْأَحْكَامِ مُلْحَقٌ بِالصَّحِيحِ فَصَارَ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا الدَّيْنَ فَصَارَ مُسْتَوْفِيًا نَصِيبَ صَاحِبِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ بِالْهَلَاكِ فَصَارَ كَمَا لَوْ اسْتَوْفَى حَقَّهُ وَالدَّيْنُ وَاجِبٌ بِإِدَانَةِ صَاحِبِهِ فَلِصَاحِبِهِ أَخْذُ نِصْفِ الدَّيْنِ مِنْهُ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ مِنْ الْمَطْلُوبِ فَكَذَا هَذَا، فَإِذَا أَخَذَ مِنْ الْمَطْلُوبِ يَرْجِعُ الْمَطْلُوبُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ بِنِصْفِ قِيمَةِ الرَّهْنِ طَعَنَ عِيسَى، وَقَالَ وَجَبَ أَنْ لَا يَرْجِعَ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ أَجْنَبِيٌّ فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ وَلِهَذَا لَا يَبْرَأُ الْمَطْلُوبُ مِنْ حِصَّةِ صَاحِبِهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ دَفَعَ الْغَرِيمُ رَهْنًا إلَى أَجْنَبِيٍّ آخَرَ لِيُجِيزَ صَاحِبَ الدَّيْنِ، وَلَمْ يُجِزْ، وَقَدْ هَلَكَ فِي يَدِهِ لَمْ يَضْمَنْ فَكَذَا هَذَا. وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ الْمُرْتَهِنَ صَارَ مُسْتَوْفِيًا نَصِيبَ نَفْسِهِ وَصَحَّ اسْتِيفَاؤُهُ وَاسْتَوْفَى نَصِيبَ صَاحِبِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَصَارَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّا لَوْ جَعَلْنَاهُ أَمَانَةً فِي يَدِهِ كَانَ لِصَاحِبِهِ أَنْ يُشَارِكَهُ فِيمَا اسْتَوْفَاهُ لِنَفْسِهِ وَإِذَا شَارَكَهُ فِيهِ وَأُخِذَ مِنْهُ كَانَ لِلْقَابِضِ أَنْ يَرْجِعَ فِيمَا كَانَ أَمَانَةً فِي يَدِهِ ابْتِدَاءً، فَإِذَا أَخَذَ ذَلِكَ كَانَ لِشَرِيكِهِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ نِصْفَ ذَلِكَ بِنِصْفِ مَا بَقِيَ ثُمَّ وَثُمَّ إلَى أَنْ لَا يَبْقَى شَيْءٌ فِي يَدِهِ أَمَانَةً فَمَتَى جَعَلْنَا نَصِيبَ شَرِيكِهِ أَمَانَةً فِي يَدِهِ ابْتِدَاءً احْتَجْنَا إلَى أَنْ نَجْعَلَهُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ انْتِهَاءً فَجَعَلْنَاهُ مَضْمُونًا فِي الِابْتِدَاءِ قَصْرًا لِلْمَسَافَةِ وَلَا كَذَلِكَ الْأَجْنَبِيُّ أَخَذَهَا رَهْنًا بِدَيْنِ لَهُمَا، فَقَالَ شَرِيكُهُ لَمْ نَأْخُذْهُ رَهْنًا، وَقَالَ الْآخَرُ أَخَذْت وَهَلَكَ، فَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُتَوَلِّيَ لِلْبَيْعِ فَالْقَوْلُ لَهُ، وَإِنْ كَانَ وَلِيُّهُ الْآخَرَ لَمْ يُصَدَّقْ إلَّا إنْ أَذِنَ كُلُّ وَاحِدٍ لِصَاحِبِهِ أَنْ يَعْمَلَ بِرَأْيِهِ فِي الرَّهْنِ؛ لِأَنَّ الِارْتِهَانَ بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِيفَاءِ فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ فَلَا يَمْلِكُ الِارْتِهَانَ بِهِ إلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِهِ. كَفَلَ عَنْ رَجُلٍ بِدَيْنٍ وَارْتَهَنَ مِنْ الْمَكْفُولِ عَنْهُ وَقَبَضَ جَازَ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ لِلْكَفِيلِ دَيْنٌ وَالرَّهْنُ يَجُوزُ بِدَيْنٍ مُؤَجَّلٍ افْتَرَقَ الشَّرِيكَانِ، ثُمَّ هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا، وَقَالَ أَخَذْته بِدَيْنِي وَدَيْنِك قَبْلَ الِافْتِرَاقِ. وَقَالَ الْآخَرُ أَخَذْته بَعْدَ الِافْتِرَاقِ، فَإِنْ كَانَ هُوَ أَذِنَ وَأَخَذَهُ فِي الشَّرِكَةِ أَوْ بَعْدَهَا جَازَ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُ حَكَى أَمْرًا يَمْلِكُ اسْتِيفَاءَهُ لِلْحَالِ، فَإِنَّهُ لَوْ ارْتَهَنَ لِلْحَالِ جَازَ وَيُصَدَّقُ فِيمَا حَكَى، وَإِنْ كَانَ الْآخَرُ أَدَانَهُ أَوْ أَدَانَا جَمِيعًا فَعَلَى الْبَيِّنَةِ أَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ الشَّرِكَةِ؛ لِأَنَّهُ حَكَى أَمْرًا لَا يَمْلِكُ اسْتِيفَاءَهُ لِلْحَالِ، فَإِنَّهُ لَوْ ارْتَهَنَ بِهِ لِلْحَالِ لَا يَجُوزُ فَلَا يُصَدَّقُ فِيمَا حَكَى إلَّا بِبَيِّنَةٍ كَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ بَعْدَ الْعَزْلِ إذَا قَالَ كُنْت بِعْت وَكَذَّبَهُ الْمُوَكِّلُ فُضُولِيٌّ أَخَذَ بِدَيْنِ الْآخَرِ رَهْنًا لَا يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَى الْآخِذِ؛ لِأَنَّهُ دَفَعَ إلَيْهِ الْمَطْلُوبَ لِيَكُونَ عَدْلًا فِي الرَّهْنِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُخْبِرْهُ أَنَّ صَاحِبَ الدَّيْنِ وَكَّلَهُ بِذَلِكَ الْأَجْنَبِيِّ أَخَذَ الرَّهْنَ لِغَيْرِهِ لَا لِنَفْسِهِ فَلَا يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ قَالَ الْأَجْنَبِيُّ الْفُضُولِيُّ وَكَّلَنِي بِأَخْذِ الرَّهْنِ وَكَذَّبَهُ الرَّاهِنُ فِيمَا ادَّعَى يَضْمَنُ قِيمَتَهُ لِلرَّاهِنِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَذَّبَهُ لَمْ تَثْبُتْ الْوَكَالَةُ فِي زَعْمِهِمَا فَصَارَ الْقَابِضُ مُطَالَبًا بِرَدِّهِ؛ لِأَنَّ مَا دَفَعَهُ إلَيْهِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 297 لِلْأَمَانَةِ كَالْوَكِيلِ بِقَبْضِ الْوَدِيعَةِ إذَا كَذَّبَهُ الْمُودِعُ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ فَكَذَا هَذَا لَوْ صَدَّقَهُ الرَّاهِنُ فِي الْوَكَالَةِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْوَكِيلِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ تَثْبُتُ فِي زَعْمِ الْكُلِّ وَقَبْضُ الْوَكِيلِ كَقَبْضِهِ فَيَكُونُ الْمَطَالِبُ إذْ ذَاكَ هُوَ الْمُوَكِّلُ فَقَدْ أَبْرَأَهُ بِذَلِكَ عَنْ الضَّمَانِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ مَاتَ الرَّهْنُ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ فَاسْتُحِقَّ وَضَمِنَ الرَّاهِنُ قِيمَتَهُ مَاتَ بِالدَّيْنِ، وَإِنْ ضَمِنَ الْمُرْتَهِنُ رَجَعَ عَلَى الرَّاهِنِ بِالْقِيمَةِ وَبِدَيْنِهِ) وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْعَبْدَ الْمَرْهُونَ إذَا هَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ ثُمَّ اسْتَحَقَّهُ رَجُلٌ كَانَ الْمُسْتَحِقُّ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الرَّاهِنَ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُرْتَهِنَ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتَعَدٍّ فِي حَقِّهِ الرَّاهِنُ بِالْأَخْذِ وَالتَّسْلِيمِ وَالْمُرْتَهِنُ بِالْقَبْضِ وَالتَّسْلِيمِ، فَإِنْ ضَمَّنَ الرَّاهِنَ صَارَ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا لِدَيْنِهِ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ مَلَكَهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ مُسْنَدًا إلَى مَا قَبْلِ التَّسْلِيمِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ رَهَنَ مِلْكَ نَفْسِهِ، ثُمَّ صَارَ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا بِهَلَاكِهِ، وَإِنْ ضَمَّنَ الْمُرْتَهِنَ يَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَ مِنْ الْقِيمَةِ وَبِدَيْنِهِ عَلَى الرَّاهِنِ أَمَّا بِالْقِيمَةِ فَلِأَنَّهُ مَغْرُورٌ مِنْ جِهَةِ الرَّاهِنِ. وَأَمَّا بِالدَّيْنِ فَلِأَنَّهُ انْتَقَضَ قَضَاؤُهُ فَيَعُودُ حَقُّهُ كَمَا كَانَ، فَإِنْ قِيلَ لِمَا كَانَ قَرَارُ الضَّمَانِ عَلَى الرَّاهِنِ بِرُجُوعِ الْمُرْتَهِنِ عَلَيْهِ وَالْمِلْكُ فِي الْمَضْمُونِ ثَبَتَ لِمَنْ عَلَيْهِ قَرَارُ الضَّمَانِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ رَهَنَ مِلْكَ نَفْسِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا ضَمِنَ الْمُسْتَحِقُّ ابْتِدَاءً قُلْنَا هَذَا طَعْنُ أَبِي حَازِمٍ الْقَاضِي وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ الْمُرْتَهِنَ يَرْجِعُ عَلَى الرَّاهِنِ بِسَبَبِ الْغُرُورِ، وَالْغُرُورُ بِالتَّسْلِيمِ لِلْمُرْتَهِنِ وَيَمْلِكُ الرَّاهِنُ الْعَيْنَ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَعَقْدُ الرَّهْنِ كَانَ سَابِقًا عَلَيْهِ فَلَمْ يُبَيِّنْ أَنَّهُ رَهَنَ مِلْكَ نَفْسِهِ بَلْ رَهَنَ مِلْكًا لِغَيْرِهِ فَلَا يَكُونُ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا بِمُلْكِ الْعَيْنِ وَلِأَنَّ الرَّاهِنَ يَمْلِكُ الْعَيْنَ بِالتَّلَقِّي مِنْ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ يَمْلِكُ أَوَّلًا بِأَدَاءِ الضَّمَانِ، ثُمَّ يَنْتَقِلُ إلَى الرَّاهِنِ كَمَا فِي الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ كَانَ الْمُشْتَرِي اشْتَرَاهُ مِنْ الْمُسْتَحِقِّ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ غَاصِبٌ فِي حَقِّ الْمُسْتَحِقِّ، فَإِذَا ضَمِنَ يَمْلِكُ الْمَضْمُونَ ضَرُورَةً لِكَيْ لَا يَجْتَمِعَ الْبَدَلَانِ فِي مِلْكِ وَاحِدٍ، ثُمَّ الرَّاهِنُ يَتَلَقَّاهُ فَيَكُونُ مِلْكُهُ بَعْدَهُ وَعَقْدُ الرَّهْنِ سَابِقٌ عَلَيْهِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ رَهَنَ مِلْكَ غَيْرِهِ فَلَا يَكُونُ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا بِالْهَلَاكِ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَهُوَ مَا إذَا ضَمِنَ الْمُسْتَحِقُّ الرَّاهِنَ ابْتِدَاءً؛ لِأَنَّهُ يَضْمَنُهُ مِنْهُ بِاعْتِبَارِ الْقَبْضِ السَّابِقِ عَلَى الرَّهْنِ فَيَسْتَنِدُ الْمِلْكُ إلَيْهِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ رَهَنَ مِلْكَ نَفْسِهِ فَيَكُونُ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ التَّصَرُّفِ فِي الرَّهْنِ وَالْجِنَايَةُ عَلَيْهِ وَجِنَايَتُهُ عَلَى غَيْرِهِ] لَمَّا كَانَ التَّصَرُّفُ فِي الرَّهْنِ وَالْجِنَايَةُ عَلَيْهِ وَجِنَايَتُهُ عَلَى غَيْرِهِ مُتَأَخِّرًا طَبْعًا عَنْ كَوْنِهِ رَهْنًا أَخَّرَهُ وَضْعًا لِيُوَافِقَ الْوَضْعُ الطَّبْعَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَتَوَقَّفُ بَيْعُ الرَّهْنِ عَلَى إجَازَةِ مُرْتَهِنِهِ أَوْ قَضَاءِ دَيْنِهِ) اخْتَلَفَتْ عِبَارَةُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَالَ فِي مَوْضِعٍ بَيْعُ الْمَرْهُونِ فَاسِدٌ وَفِي مَوْضِعٍ جَائِزٌ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ جَائِزٌ مَوْقُوفٌ. وَقَوْلُهُ فَاسِدٌ مَحْمُولٌ عَلَى إذَا لَمْ يُجِزْ الْمُرْتَهِنُ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُفْسِدُهُ إذَا خُوصِمَ إلَيْهِ وَطَلَبَ الْمُشْتَرِي تَسْلِيمَهُ. وَقَوْلُهُ جَائِزٌ بِمَعْنَى نَافِذٌ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا أَجَازَ وَسَلَّمَهُ، وَفِي الْجَامِعِ بَاعَ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ قِيلَ مَعْنَاهُ سَيَبْطُلُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَنْفُذُ سَوَاءٌ عَلِمَ الْمُرْتَهِنُ بِالْبَيْعِ أَوْ لَا وَإِنَّمَا يَتَوَقَّفُ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ، وَفِي بَقَائِهِ إبْطَالُ حَقِّهِ فَلَا يَنْفُذُ إلَّا بِإِجَازَتِهِ أَوْ بِقَضَاءِ الرَّاهِنِ الدِّينَ لِزَوَالِ الْمَعْنَى وَهُوَ تَعَلُّقُ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ أَرَادَ بِالْبَيْعِ مَا هُوَ مِثْلُهُ مِمَّا تَعَلَّقَ بِنَفَاذِهِ إبْطَالُ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ فِي الْحَبْسِ بِخِلَافِ مَا لَوْ زَوَّجَهَا الرَّاهِنُ، فَإِنَّهُ يَنْفُذُ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَحْبِسَهَا عَنْ الزَّوْجِ كَمَا أَنَّ لِلْمَوْلَى ذَلِكَ. وَقَوْلُهُمْ فِي التَّعْلِيلِ إنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ إلَى آخِرِهِ أَقُولُ: فِي تَمَامِ هَذَا التَّعْلِيلِ مِنْ الْقَدْرِ نَظَرٌ، فَإِنَّهُ يُنْتَقَضُ بِمَا إذَا أَعْتَقَ الرَّاهِنُ عَبْدَ الرَّهْنِ يَنْفُذُ عِتْقُهُ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْكِتَابِ مَعَ جَرَيَانِ هَذَا التَّعْلِيلِ هُنَاكَ أَيْضًا فَالْوَجْهُ فِي التَّعْلِيلِ هَاهُنَا أَنْ يُقَالَ لِانْعِدَامِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِهِ وَهُوَ الْمُرْتَهِنُ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُصَنِّفَ إنَّمَا فَصَلَ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَمَسْأَلَةِ الْإِعْتَاقِ بِانْعِدَامِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ حَيْثُ قَالَ فِي آخِرِ تَعْلِيلِ مَسْأَلَةِ الْإِعْتَاقِ مِنْ قَبْلِ أَصْحَابِنَا وَامْتِنَاعُ النَّفَاذِ فِي الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ لِانْعِدَامِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ فَتَدَبَّرْ قَوْلَهُ وَامْتِنَاعُ النَّفَاذِ بِالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ لِانْعِدَامِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ؛ لِأَنَّ يَدَ الْمُرْتَهِنِ مَانِعَةٌ عَنْ التَّسْلِيمِ وَالْبَيْعُ كَمَا يَفْتَقِرُ إلَى الْمِلْكِ يَفْتَقِرُ إلَى الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ، فَإِذَا انْعَقَدَ الْبَيْعُ بِإِجَازَةِ الْمُرْتَهِنِ انْتَقَلَ حَقُّهُ إلَى الثَّمَنِ فَيَكُونُ مَحْبُوسًا بِالدَّيْنِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الْمُرْتَهِنَ إنْ شَرَطَ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ رَهْنًا عِنْدَ الْإِجَازَةِ كَانَ رَهْنًا وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّهُ بِالْإِجَازَةِ نَفَذَ الْبَيْعُ وَمَلَكَ الرَّاهِنُ الثَّمَنَ وَأَنَّ مَا لَهُ أَخَذَهُ فَمَلَكَهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 298 بِسَبَبٍ جَدِيدٍ فَلَا يَصِيرُ رَهْنًا إلَّا بِالشَّرْطِ كَمَا إذَا أَجَرَهُ الرَّاهِنُ فَأَجَازَ الْمُرْتَهِنُ الْإِجَارَةَ لَا تَصِيرُ الْأُجْرَةُ رَهْنًا إلَّا بِالشَّرْطِ وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ أَنَّ الثَّمَنَ قَائِمٌ مَقَامَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّهُ وَهُوَ بَدَلُ مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّهُ وَمَحِلٌّ لِحَقِّهِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ تَعَلَّقَ بِمَالِهِ وَلِلْبَدَلِ حُكْمُ الْمُبْدَلِ فَوَجَبَ انْتِقَالُ حَقِّهِ إلَيْهِ كَالْعَبْدِ الْمَدْيُونِ إذَا بِيعَ بِرِضَا الْغُرَمَاءِ يَنْتَقِلُ حَقُّهُمْ إلَى الْبَدَلِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ لِمَا ذَكَرْنَا وَلَا يَسْقُطُ حَقُّهُمْ بِالْكُلِّيَّةِ لِعَدَمِ رِضَاهُمْ بِذَلِكَ ظَاهِرٌ أَوْ الرِّضَا بِالْبَيْعِ لَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا لِسُقُوطِ الْحَقِّ رَأْسًا فَيَبْقَى الْحَقُّ عَلَى غَيْرِهِ بِخِلَافِ مَا ذَكَرَ؛ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ لَيْسَتْ بِبَدَلِ حَقِّهِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ الْعَيْنَ الْمُسْتَأْجَرَةَ فَأَجَازَ الْمُسْتَأْجِرُ الْبَيْعَ حَيْثُ لَا يُنْقَلُ حَقُّهُ إلَى الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِبَدَلِ الْعَيْنِ وَحَقُّهُ فِي الْعَيْنِ فَافْتَرَقَا. وَإِنْ لَمْ يُجِزْ الْمُرْتَهِنُ الْبَيْعَ وَفَسَخَهُ انْفَسَخَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ حَتَّى إذَا افْتَكَّهُ الرَّاهِنُ لَا سَبِيلَ لِلْمُشْتَرِي عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ الثَّابِتَ لِلْمُرْتَهِنِ بِمَنْزِلَةِ الْمِلْكِ فَصَارَ كَالْمَالِكِ فَلَهُ أَنْ يُجِيزَ وَلَهُ أَنْ يَفْسَخَ، وَفِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ لَا يَنْفَسِخُ بِفَسْخِهِ، وَفِي الْمُخْتَصَرِ إشَارَةٌ إلَيْهِ حَيْثُ قَالَ تَوَقَّفَ عَلَى إجَازَةِ الْمُرْتَهِنِ أَوْ قَضَاءِ دَيْنِهِ جَعَلَ الْإِجَازَةَ إلَيْهِ دُونَ الْفَسْخِ وَجَعَلَهُ مُتَوَقِّفًا عَلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ فَسْخَهُ لَا يَنْفُذُ، وَوَجْهُ الِامْتِنَاعِ لِحَقِّهِ كَيْ لَا يَتَضَرَّرَ وَالتَّوَقُّفُ لَا يَضُرُّهُ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الْحَبْسِ لَا يَبْطُلُ بِمُجَرَّدِ الِانْعِقَادِ مِنْ غَيْرِ نُفُوذٍ فَبَقِيَ مُتَوَقِّفًا عَلَى الْمُشْتَرِي، ثُمَّ إنَّ الْمُشْتَرِيَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ صَبَرَ حَتَّى يَفْتَكَّ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ إذْ الْعَجْزُ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ، وَإِنْ شَاءَ رَفَعَ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي وَلِلْقَاضِي أَنْ يَفْسَخَ الْعَقْدَ لِفَوَاتِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْفَسْخِ لَهُ لَا إلَى الْمُشْتَرِي وَالْبَائِعُ وَهُوَ الرَّاهِنُ وَصَارَ كَالْعَبْدِ الْمَبِيعِ إذَا أَبَقَ قَبْلَ الْقَبْضِ، فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ صَبَرَ حَتَّى يَرْجِعَ. وَإِنْ شَاءَ رَفَعَ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي وَالْإِجَارَةُ مِثْلُ الرَّهْنِ حَتَّى لَا يَنْفُذَ بَيْعُ الْمُؤَجِّرِ، وَلَوْ بَاعَهُ الرَّاهِنُ مِنْ رَجُلٍ ثُمَّ بَاعَهُ مِنْ آخَرَ قَبْلَ أَنْ يُجِيزَ الْمُرْتَهِنُ فَالثَّانِي مَوْقُوفٌ أَيْضًا عَلَى إجَازَتِهِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يَنْفُذْ وَالْمَوْقُوفُ لَا يَمْنَعُ تَوَقُّفَ الثَّانِي فَأَيَّهُمَا أَجَازَ لَزِمَ ذَلِكَ وَبَطَلَ الْآخَرُ، وَلَوْ بَاعَهُ الرَّاهِنُ، ثُمَّ أَجَّرَهُ أَوْ رَهَنَهُ أَوْ وَهَبَهُ مِنْ غَيْرِهِ فَأَجَازَ الْمُرْتَهِنُ الْإِجَارَةَ أَوْ الرَّهْنَ أَوْ الْهِبَةَ جَازَ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ دُونَ هَذِهِ الْعُقُودِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُرْتَهِنَ لَهُ مَنْفَعَةٌ فِي الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ يَتَحَوَّلُ إلَى الثَّمَنِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَقَدْ يَكُونُ أَحَدُ الْعَقْدَيْنِ أَنْفَعَ مِنْ الْآخَرِ فَيُعْتَبَرُ تَعْيِينُهُ لِتَعَلُّقِ الْفَائِدَةِ بِهِ أَمَّا هَذِهِ الْعُقُودُ فَلَا مَنْفَعَةَ لَهُ فِيهَا؛ لِأَنَّ حَقَّهُ لَا يُنْقَلُ إلَى الْآخَرِ لِمَا بَيَّنَّا وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ الرَّهْنِ وَالْهِبَةِ فَكَانَ إجَازَتُهُ إسْقَاطًا لِحَقِّهِ فَزَالَا لِمَانِعٍ فَنَفَذَ الْبَيْعُ كَمَا لَوْ بَاعَ الْمُؤَجِّرُ الْعَيْنَ الْمُسْتَأْجَرَةَ مِنْ اثْنَيْنِ فَأَجَازَ الْمُسْتَأْجِرُ الْبَيْعَ الثَّانِيَ نَفَذَ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ لَا نَفْعَ لَهُ فِي الْبَيْعِ إذْ لَا يُنْقَلُ حَقُّهُ إلَى الْبَدَلِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَكَانَ إجَازَتُهُ إسْقَاطًا لِحَقِّهِ فَنَفَذَ الْأَوَّلُ لِزَوَالِ الْمَانِعِ هَذَا إذَا تَعَلَّقَ بِالْعَيْنِ الْمُرْتَهَنَةِ حَقٌّ لِلْغَيْرِ بِحَقٍّ بَاشَرَهُ الرَّاهِنُ وَأَمَّا لَوْ تَعَلَّقَ بِإِقْرَارِهِ قَالَ فِي الْمُحِيطِ هَذَا عَلَى قِسْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا فِي إقْرَارِ الرَّاهِنِ بِالْمَرْهُونِ لِلْغَيْرِ. وَالثَّانِي فِي إقْرَارِ الْمُرْتَهِنِ أَنَّهُ لِغَيْرِ الرَّاهِنِ، أَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ رَهَنَ عَبْدًا بِأَلْفٍ، ثُمَّ قَالَ هُوَ لِفُلَانٍ لَمْ يُصَدَّقْ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ يَتَضَمَّنُ إبْطَالَ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ وَأَنَّهُ يَحْتَمِلُ النَّقْضَ وَالْإِبْطَالَ فَلَمْ يَصِحَّ فِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ، ثُمَّ الْمُقَرُّ لَهُ إنْ شَاءَ أَدَّى الْمَالَ وَقَبَضَ الرَّهْنَ؛ لِأَنَّ عَدَمَ صِحَّةِ الْإِقْرَارِ لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ، فَإِذَا زَالَ حَقُّهُ صَحَّ الْإِقْرَارُ كَمَا فِي الْبَيْعِ فَكَمَا أَنَّ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَقْضِيَ الدَّيْنَ وَيَأْخُذَ الْمَبِيعَ فَكَذَا هَذَا وَيَرْجِعُ بِمَا قَضَى عَلَى الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّهُ قَضَى دَيْنَهُ وَهُوَ مُضْطَرٌّ فِيهِ لِإِحْيَاءِ حَقِّهِ، فَإِنَّهُ لَا يَصِلُ إلَى مِلْكِهِ إلَّا بِقَضَاءِ الدَّيْنِ وَكَانَ كَالْمُعِيرِ لِلرَّهْنِ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ فَكَذَا هَذَا، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الرَّاهِنَ قِيمَةَ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ زَعَمَ أَنَّهُ مِلْكُهُ رَهَنَهُ بِمَالِهِ وَسَلَّمَهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ، وَقَدْ عَجَزَ عَنْ رَدِّهِ إلَيْهِ لِلْحَالِ لِحَقٍّ الْمُرْتَهِنِ فَيَضْمَنُ قِيمَتَهُ وَلِلْمُقِرِّ أَنْ يَسْتَخْلِفَ الْمُرْتَهِنَ عَلَى عِلْمِهِ؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى عَلَيْهِ مَعْنًى لَوْ أَقَرَّ بِهِ لَزِمَهُ، فَإِنْ أَنْكَرَ اُسْتُحْلِفَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يُؤَدِّ الْمَالَ وَأَعْتَقَ الْعَبْدَ جَازَ عِتْقُهُ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ وَالْمُرْتَهِنَ تَصَادَقَا عَلَى عِتْقِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ زَعَمَ أَنَّهُ مِلْكُ الْمُقَرِّ لَهُ وَإِعْتَاقُ الْمَالِكِ نَافِذٌ، وَالْمُرْتَهِنُ زَعَمَ أَنَّهُ كَانَ مِلْكَ الرَّاهِنِ لَا الْمُقَرِّ لَهُ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا أَقَرَّ لَهُ فَقَدْ سَلَّطَهُ عَلَى إعْتَاقِهِ بِإِقْرَارِهِ كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ بِالْإِعْتَاقِ، ثُمَّ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: إمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُقَرُّ لَهُ وَالرَّاهِنُ مُوسِرَيْنِ أَوْ مُعْسِرَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا مُوسِرٌ وَالْآخَرُ مُعْسِرٌ وَالدَّيْنُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ حَالٌّ أَوْ مُؤَجَّلٌ. فَإِنْ كَانَا مُوسِرَيْنِ وَالدَّيْنُ حَالٌّ فَالْمُرْتَهِنُ فِيهِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ الدَّيْنَ مِنْ الرَّاهِنِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُعْتَقَ الْقِيمَةَ وَيَكُونُ رَهْنًا وَكَانَ يَجِبُ أَنْ لَا يَكُونَ لِلْمُرْتَهِنِ تَضْمِينُ الْمُعْتِقِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى؛ لِأَنَّ مِنْ زَعْمِ الْمُرْتَهِنِ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَالِكٍ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 299 وَإِنَّمَا جَازَ عِتْقُهُ بِتَسْلِيطِ الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَرَّ لَهُ بِالْمِلْكِ فَقَدْ سَلَّطَهُ عَلَى الْإِعْتَاقِ فَصَارَ كَمَا لَوْ سَلَّطَهُ عَلَى الْإِعْتَاقِ بِالْوَكَالَةِ، فَإِنَّ الرَّاهِنَ لَوْ وَكَّلَ وَكِيلًا بِإِعْتَاقِ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبْضِ وَنَقْدِ الثَّمَنِ فَأَعْتَقَهُ الْوَكِيلُ لَا يَضْمَنُ الْوَكِيلُ عِنْدَ هُمَا فَيَضْمَنُ أَنْ يَكُونَ هَذَا عَلَى ذَلِكَ الْخِلَافِ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ الْمُعْتِقُ يَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَ عَلَى الرَّاهِنِ لِلْحَالِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْعَبْدُ قَائِمًا كَانَ لَهُ تَضْمِينُ الرَّاهِنِ لِمَا أَحْدَثَ فِي مَالِهِ مِنْ الِارْتِهَانِ وَتَسْلِيمِ مَالِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَصَارَ غَاصِبًا فِي حَقِّهِ وَصَارَ مَا أَخَذَهُ الْمُرْتَهِنُ مِنْ الْمُعْتِقِ مِلْكًا لِلرَّاهِنِ لَمَا ضَمِنَ ذَلِكَ لِلْمُعْتِقِ بِخِلَافِ الْمُعِيرِ إذَا أَعْتَقَ الْعَبْدَ وَهُوَ مُعْسِرٌ وَالدَّيْنُ مُؤَجَّلٌ فَضَمِنَهُ الْمُرْتَهِنُ لَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ حَتَّى يَحِلَّ الدَّيْنُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَرْجِعُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ قَضَى دَيْنَهُ وَهُوَ مُضْطَرٌّ فِيهِ، وَقَدْ قَضَى دَيْنَهُ الْمُؤَجَّلَ فَلَا يَرْجِعُ بِالْمُعَجَّلِ. وَإِذَا كَانَا مُعْسِرَيْنِ وَالدَّيْنُ حَالٌّ يَسْعَى الْعَبْدُ لِلْمُرْتَهِنِ وَيَرْجِعُ عَلَى الرَّاهِنِ دُونَ الْمُعْتِقِ؛ لِأَنَّ فِي زَعْمِ الْعَبْدِ أَنَّهُ لَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْمُعْتِقِ؛ لِأَنَّ فِي زَعْمِهِ أَنَّ الْمُعْتِقَ لَمْ يَصِرْ مُتْلِفًا حَقَّ الْمُرْتَهِنِ بِالْإِعْتَاقِ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ رَهَنَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا، وَإِنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُوسِرًا وَالرَّاهِنُ مُعْسِرًا وَالدَّيْنُ حَالٌّ أَوْ مُؤَجَّلٌ فَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَسْتَسْعِيَ الْعَبْدَ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ حَصَلَ بِتَسْلِيطِ الرَّاهِنِ فَكَانَ الرَّاهِنُ أَعْتَقَهُ بِنَفْسِهِ وَهُوَ مُعْسِرٌ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُعْتِقَ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ عَنْهُ بِالْإِعْتَاقِ وَيَرْجِعُ الْمُعْتِقُ عَلَى الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّهُ قَضَى دَيْنَهُ وَهُوَ مُضْطَرٌّ فِيهِ وَالْعَبْدُ يَرْجِعُ عَلَى الرَّاهِنِ دُونَ الْمُعْتِقِ. وَإِنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُعْسِرًا وَالرَّاهِنُ مُوسِرًا وَالدَّيْنُ حَالٌّ فَالرَّاهِنُ يَأْخُذُ بِقَضَاءِ دَيْنِهِ، فَإِذَا قَضَى الدَّيْنَ خَرَجَ الْمُرْتَهِنُ مِنْ الْوَسَطِ فَهَذَا رَجُلٌ أَعْتَقَ عَبْدًا كُلَّهُ لَهُ فَارِغًا عَارِيًّا عَنْ حَقِّ الْغَيْرِ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْعَبْدِ، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا فَالْمُرْتَهِنُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الرَّاهِنَ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُسَلَّطُ عَلَى الْعِتْقِ فَكَأَنَّهُ وَكَّلَ الْمُقَرَّ لَهُ بِإِعْتَاقِهِ، وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى الْعَبْدَ وَالْعَبْدُ يَرْجِعُ عَلَى الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّهُ أَوْفَى الدَّيْنَ لَا عَلَى الْمُعْتِقِ لِمَا بَيَّنَّا. وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي فَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ: إمَّا أَنْ أَقَرَّ الْمُرْتَهِنُ بِرَقَبَةِ الرَّهْنِ لِرَجُلٍ أَوْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ فِي رَقَبَتِهِ وَكُلُّ وَجْهٍ لَا يَخْلُو مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: إمَّا أَنْ يَفْتَكَّهُ الرَّاهِنُ أَوْ يَهْلِكَ الرَّهْنُ أَوْ يُبَاعَ الرَّهْنُ بِالدَّيْنِ، فَإِنْ أَقَرَّ بِرَقَبَتِهِ لِرَجُلٍ، وَقَالَ الرَّهْنُ لِفُلَانٍ اغْتَصَبَهُ الرَّاهِنُ. فَإِنْ افْتَكَّهُ الرَّاهِنُ فَلَا سَبِيلَ لِلْمُقِرِّ عَلَى الْعَبْدِ وَلَا عَلَى مَا أَخَذَهُ الْمُرْتَهِنُ؛ لِأَنَّ إقْرَارَ الْمُرْتَهِنِ لَا يَصِحُّ فِي حَقِّ الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى الْغَيْرِ وَمَا أَخَذَهُ لَيْسَ بَدَلًا عَنْ الرَّهْنِ بَلْ هُوَ دَيْنُهُ اسْتَوْفَاهُ، وَإِنْ كَانَ هَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ ضَمِنَ جَمِيعَ قِيمَتِهِ لِلْمُقَرِّ لَهُ وَبَطَلَ دَيْنُهُ؛ لِأَنَّهُ لِمَا أَنَّ الرَّاهِنَ اغْتَصَبَهُ مِنْ فُلَانٍ وَرَهَنَهُ مِنْهُ فَقَدْ زَعَمَ أَنَّهُ مُودِعُ الْغَاصِبِ أَوْ غَاصِبِ الْغَاصِبِ وَأَيَّامًا كَانَ فَهُوَ غَاصِبٌ بِخِلَافِ مَا لَوْ افْتَكَّهُ؛ لِأَنَّهُ رَدَّهُ إلَى يَدِ مَنْ أَخَذَهُ مِنْهُ فَيَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ وَيَبْطُلُ دَيْنُهُ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ فِي حَقِّ الرَّاهِنِ لَمْ يَصِحَّ فَصَحَّ الرَّهْنُ فِي حَقِّهِ وَأَمَّا إذَا بِيعَ الْعَبْدُ إمَّا الرَّاهِنُ أَوْ الْعَدْلُ وَأَخَذَ الْمُرْتَهِنُ الثَّمَنَ، فَإِنْ أَجَازَ الْمُقَرُّ لَهُ الْبَيْعَ أَخَذَهُ مِنْ الْمُرْتَهِنِ، وَإِنْ لَمْ يُجِزْ فَلَا؛ لِأَنَّ مِنْ زَعْمِ الْمُرْتَهِنِ أَنَّ الْعَبْدَ لِلْمُقَرِّ لَهُ، وَقَدْ بِيعَ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَيَكُونُ مَوْقُوفًا عَلَى إجَازَتِهِ، فَإِنْ أَجَازَ يَكُونُ ثَمَنُ عَبْدِهِ، وَإِنْ لَمْ يُجِزْ فَلَيْسَ بِثَمَنِ عَبْدِهِ وَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ عَلَيْهِ لِرَجُلٍ إنْ افْتَكَّهُ الرَّاهِنُ وَأَخَذَ مِنْهُ الْعَبْدَ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّهُ رَدَّ الْعَبْدَ إلَى مَنْ أَخَذَ مِنْهُ، فَإِنْ هَلَكَ فِي يَدِهِ يَرْجِعُ الْمُقَرُّ لَهُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ بِدَيْنِهِ لَا غَيْرُ وَلَمْ يَفْصِلْ فِي الْكِتَابِ بَيْنَ مَا إذَا وَجَبَ دَيْنُ الْمُقَرِّ لَهُ قَبْلَ الرَّهْنِ أَوْ بَعْدَهُ، وَقِيلَ هَذَا إذَا وَجَبَ دَيْنُهُ قَبْلَ الرَّهْنِ. وَإِنْ وَجَبَ بَعْدَهُ فَلَا شَيْءَ لِلْمُقَرِّ لَهُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّ بِالْهَلَاكِ اسْتَوْفَى دَيْنَهُ مِنْ مَالِيَّةِ الْعَبْدِ، فَإِذَا كَانَ الدَّيْنُ وَاجِبًا قَبْلَ رَهْنِهِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ اسْتَوْفَى دَيْنَهُ وَمَالِيَّةُ الْعَبْدِ دَيْنٌ عَلَى الْعَبْدِ وَجَبَ اسْتِيفَاؤُهُ وَدَيْنُ الْعَبْدِ مُقَدَّمٌ عَلَى دَيْنِ الْمَوْلَى، فَأَمَّا إذَا وَجَبَ الدَّيْنُ بَعْدَ رَهْنِهِ فَحِينَئِذٍ صَارَ مُسْتَوْفِيًا دَيْنَهُ مِنْ مَالِيَّتِهِ لَيْسَ فِي مَالِيَّةِ الْعَبْدِ دَيْنٌ وَجَبَ اسْتِيفَاؤُهُ فَصَحَّ اسْتِيفَاؤُهُ فَصَحَّ الِاسْتِيفَاءُ. وَأَمَّا إذَا بِيعَ الْعَبْدُ فِي الدَّيْنِ فَلِلْمُقَرِّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الثَّمَنَ مِنْ الْمُرْتَهِنِ أَجَازَ الْبَيْعَ أَوْ لَمْ يُجِزْ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ هَاهُنَا جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ مِلْكٌ لِلْمُقَرِّ لَهُ فِي الْعَبْدِ، وَإِذَا جَازَ الْبَيْعُ يَقُومُ الثَّمَنُ مَقَامَهُ وَمِنْ زَعْمِ الْمُرْتَهِنِ أَنَّ الْمُقَرَّ لَهُ أَحَقُّ بِثَمَنِ الْعَبْدِ مِنْهُ؛ لِأَنَّ دَيْنَهُ دَيْنُ الْعَبْدِ وَدَيْنَ الْمَوْلَى وَدَيْنَ الْعَبْدِ مُقَدَّمٌ عَلَى دَيْنِ الْمَوْلَى فَيَدْفَعُهُ إلَيْهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَنَفَذَ عِتْقُهُ) أَيْ نَفَذَ عِتْقُ الرَّاهِنِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَفِي قَوْلٍ آخَرَ لَا يَنْفُذُ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا؛ لِأَنَّ فِي تَنْفِيذِهِ إبْطَالَ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ وَلَنَا أَنَّ الْعِتْقَ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ مُضَافًا إلَى مَحِلِّهِ وَهُوَ مِلْكُهُ وَوَجَبَ الْقَوْلُ بِنَفَاذِهِ وَلَا يَلْغُو تَصَرُّفُهُ لِعَدَمِ إذْنِ الْمُرْتَهِنِ كَمَا إذَا أَعْتَقَ الْمَبِيعَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 300 الْآبِقَ أَوْ الْمَغْصُوبَ، وَإِذَا زَالَ مِلْكُ الرَّاهِنِ عَنْ رَقَبَتِهِ بِإِعْتَاقِهِ يَزُولُ مِلْكُ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّهُ بِنَاءٌ عَلَيْهِ كَإِعْتَاقِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ مِلْكَ الرَّقَبَةِ أَقْوَى مِنْ مِلْكِ الْيَدِ، فَإِذَا لَمْ يَمْنَعْ الْأَعْلَى فَالْأَدْنَى أَوْلَى أَنْ لَا يَمْنَعَهُ وَلَا يَلْزَمُنَا إعْتَاقُ الْوَارِثِ الْعَبْدَ الْمُوصَى بِرَقَبَتِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ آخَرُ حَيْثُ إنَّهُ لَا يَنْفُذُ مَعَ أَنَّهُ أَعْتَقَ مِلْكَهُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ يَعْتِقُ عِنْدَ الثَّانِي. وَالثَّالِثِ فِي الْحَالِ. وَعِنْدَ الْإِمَامِ يُؤَخَّرُ إلَى أَدَاءِ السِّعَايَةِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي إعْتَاقِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ، وَلَمْ يَكُنْ إعْتَاقُهُ لَغْوًا وَهُوَ هَاهُنَا جَعَلَهُ لَغْوًا وَلَا يُقَالُ الْمَرْهُونُ كَالْخَارِجِ عَنْ مِلْكِ الرَّاهِنِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْمَوْلَى إذَا أَتْلَفَهُ يَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُهُ فَكَذَا لَا يَنْفُذُ عِتْقُهُ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ وُجُوبُ الضَّمَانِ عَلَيْهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ إذَا أَتْلَفَ الْمَالِيَّةَ الْمَشْغُولَةَ بِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ كَالْمَوْلَى يُتْلِفُ عَبْدَهُ الْمَأْذُونَ لَهُ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ لِلْغُرَمَاءِ مَعَ بَقَاءِ مِلْكِهِ فِيهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَلِهَذَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فِيهِ، وَلَوْ قَالَ الْمُؤَلِّفُ وَنَفَذَ تَدْبِيرُهُ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ إذَا عُلِمَ نَفَاذُ التَّدْبِيرِ مِنْ الرَّاهِنِ وَالتَّدْبِيرُ أَدْنَى حَالًا مِنْ الِاسْتِيلَادِ عُلِمَ نَفَاذُ الِاسْتِيلَادِ وَالْإِعْتَاقِ مِنْ بَابِ أَوْلَى قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ إعْتَاقُ الرَّاهِنِ وَتَدْبِيرُهُ وَاسْتِيلَادُهُ يَنْفُذُ وَيَضْمَنُ الْقِيمَةَ وَيَكُونُ رَهْنًا مَكَانَهُ إنْ كَانَ مُوسِرًا، ثُمَّ إنْ كَانَ الْمَالُ حَالًّا اقْتَضَاهُ مِنْ الْقِيمَةِ. وَإِنْ كَانَ الرَّاهِنُ مُعْسِرًا فَلِلرَّاهِنِ اسْتِسْعَاءُ الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ فِي جَمِيعِ الدَّيْنِ وَالْمُعْتَقُ فِي قِيمَتِهِ، ثُمَّ يَرْجِعُ الْمُعْتَقُ بِمَا أَدَّى عَلَى الْمَوْلَى. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَطُولِبَ بِدَيْنِهِ لَوْ حَالًّا) يَعْنِي إذَا كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا طَالَبَ الْمُرْتَهِنُ الرَّاهِنَ بَعْدَ الْعِتْقِ بِالدَّيْنِ إذَا كَانَ مُوسِرًا؛ لِأَنَّهُ إذَا طُولِبَ بِالرَّهْنِ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِدَيْنِهِ إذَا كَانَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ فَيَكُونُ إيفَاءً وَاسْتِيفَاءً فَلَا فَائِدَةَ فِيهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ مُؤَجَّلًا أُخِذَ قِيمَةُ الْعَبْدِ وَجُعِلَتْ رَهْنًا مَكَانَهُ) يَعْنِي لَوْ كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُعْتِقِ قِيمَةُ الْعَبْدِ وَتُجْعَلُ رَهْنًا مَكَانَ الْعَبْدِ إذَا كَانَ مُوسِرًا؛ لِأَنَّ سَبَبَ الضَّمَانِ قَدْ تَحَقَّقَ، وَفِي التَّضْمِينِ فَائِدَةٌ وَهِيَ حُصُولُ الِاسْتِيثَاقِ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي بَيَّنَّاهُ وَيَحْبِسُهَا إلَى حُلُولِ الْأَجَلِ، فَإِذَا حَلَّ اقْتَضَاهُ بِحَقِّهِ إذَا كَانَ بِجِنْسِهِ؛ لِأَنَّ لِلْغَرِيمِ أَنْ يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ مِنْ مَالِ غَرِيمِهِ إذَا ظَفِرَ بِجِنْسِ حَقِّهِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ رَدَّهُ لِانْتِهَاءِ حُكْمِ الرَّهْنِ بِالِاسْتِيفَاءِ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ حَقِّهِ رَجَعَ بِالزِّيَادَةِ لِعَدَمِ مَا يُسْقِطُهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ مُعْسِرًا سَعَى الْعَبْدُ فِي الْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ) ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ كَانَ مُتَعَلِّقًا بِهِ، فَإِذَا تَعَذَّرَ الرُّجُوعُ عَلَى الْمُعْتِقِ لِعُسْرَتِهِ رَجَعَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُنْتَفِعُ بِهَذَا الْعِتْقِ كَمَا فِي عِتْقِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ الْعَبْدَ الْمُشْتَرَكَ وَلِأَنَّ الضَّمَانَ بِالْخَرَاجِ وَالْغُرْمُ بِالْغُنْمِ وَظَاهِرُ عِبَارَةِ الْمُؤَلِّفِ أَنَّهُ يَسْعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْ الشَّيْئَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ وَالْمَنْقُولُ فِي غَيْرِهِ أَنَّهُ يَسْعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ قَالَ فِي الْجَامِعِ أَصْلُهُ أَنَّ الرَّاهِنَ إذَا أَعْتَقَ الْمَرْهُونَ وَهُوَ مُعْسِرٌ يُنْظَرُ إلَى ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: إلَى قِيمَتِهِ يَوْمِ الْعِتْقِ وَإِلَى مَا كَانَ مَضْمُونًا بِالدَّيْنِ وَإِلَى مَا كَانَ مَحْبُوسًا بِهِ، فَإِنَّهُ يَسْعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ أَمَّا الْقِيمَةُ فَلِأَنَّهُ أَحْبَسَ بِالْعِتْقِ مِنْ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ هَذَا الْقَدْرَ فَلَا تَلْزَمُهُ السِّعَايَةُ إلَّا فِي هَذَا الْقَدْرِ كَالْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ إذَا أَعْتَقَهُ أَحَدُهُمَا وَهُوَ مُعْسِرٌ وَأَمَّا الْمَضْمُونُ بِالدَّيْنِ إذَا كَانَ أَقَلَّ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ مَضْمُونٌ بِقَدْرِ الدَّيْنِ بِالْعِتْقِ وَمَا يَحْدُثُ بِالزِّيَادَةِ الْمُتَّصِلَةِ بَعْدَ الْقَبْضِ لَمْ تَصِرْ مَضْمُونَةً، وَهَذَا؛ لِأَنَّ السِّعَايَةَ فِي حَقِّ الزِّيَادَةِ، فَإِنْ كَانَتْ مَحْبُوسَةً بِالدَّيْنِ فَلَا يُمْكِنُ إيجَابُ السِّعَايَةِ عَلَى الْعَبْدِ فِي حَقِّ الزِّيَادَةِ، وَإِنْ كَانَ الْمَحْبُوسُ أَقَلَّ مِنْ الْمَضْمُونِ وَمِنْ قِيمَتِهِ يَسْعَى بِقَدْرِهِ بِأَنْ رَهَنَ عَبْدًا بِأَلْفٍ قِيمَتُهُ أَلْفٌ فَأَدَّى الرَّاهِنُ تِسْعَمِائَةٍ مِنْ الرَّهْنِ، ثُمَّ أَعْتَقَهُ وَهُوَ مُعْسِرٌ يَسْعَى الْعَبْدُ فِي مِائَةٍ، فَإِنْ كَانَ مَضْمُونًا بِأَلْفٍ حَتَّى لَوْ هَلَكَ يَهْلِكُ بِأَلْفٍ؛ لِأَنَّهُ مَحْبُوسٌ بِمِائَةٍ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَفْتَكَّ بِقَدْرِ مِائَةٍ فَكَانَ الْعَبْدُ مَضْمُونًا بِمِائَةٍ مِنْ حَيْثُ اعْتِبَارُ حَالَةِ الْإِعْتَاقِ رَهَنَ عَبْدًا يُسَاوِي أَلْفًا بِأَلْفٍ فَصَارَ يُسَاوِي خَمْسَمِائَةٍ بِتَرَاجُعِ السِّعْرِ، ثُمَّ أَعْتَقَهُ الرَّاهِنُ وَهُوَ مُعْسِرٌ يَسْعَى الْعَبْدُ فِي خَمْسِمِائَةٍ لَا غَيْرُ، وَلَوْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُوسِرًا ضَمِنَ الْأَلْفَ كُلَّهَا؛ لِأَنَّ السِّعَايَةَ هُنَا أَقَلُّ مِنْ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّ السِّعَايَةَ خَمْسُمِائَةٍ وَالْعَبْدُ مَضْمُونٌ بِالدَّيْنِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ هَلَكَ يَهْلِكُ بِأَلْفٍ، فَإِذَا اُنْتُقِصَ سِعْرُهُ وَهُوَ مَحْبُوسٌ بِأَلْفٍ، فَإِنَّ الرَّاهِنَ مَا لَمْ يُؤَدِّ الْأَلْفَ لَمْ يَفْتَكَّ الرَّهْنَ، ثُمَّ يَقْضِي بِالسِّعَايَةِ الدَّيْنَ، وَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ وَكَانَ الدَّيْنُ حَالًّا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ صَرَفَهُ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا جُعِلَتْ السِّعَايَةُ رَهْنًا، فَإِذَا حَلَّ الْأَجَلُ قُضِيَ بِهِ الدَّيْنُ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا، وَفِي الْأَصْلِ إنْ كَانَ مَكَانَ الْإِعْتَاقِ تَدْبِيرٌ فَالْجَوَابُ فِيهِ كَالْجَوَابِ فِي الْإِعْتَاقِ إلَّا فِي فَصْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ فِي فَصْلِ الْإِعْتَاقِ إنْ كَانَ الرَّاهِنُ مُوسِرًا فَالْعَبْدُ يَسْعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ، وَفِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 301 التَّدْبِيرِ يَسْعَى فِي جَمِيعِ الدَّيْنِ بَالِغًا مَا بَلَغَ الثَّانِي أَنَّ فِي التَّدْبِيرِ لَا يَرْجِعُ الْمُدَبَّرُ بِمَا سَعَى وَأَدَّى عَلَى الْمَوْلَى، وَفِي الْيَنَابِيعِ، وَلَوْ دَبَّرَهُ إنْ كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا سَعَى فِي الدَّيْنِ بَالِغًا مَا بَلَغَ، وَإِنْ كَانَ مُؤَجَّلًا سَعَى فِي قِيمَتِهِ فَتَكُونُ رَهْنًا مَكَانَهُ. وَفِي الْمُحِيطِ رَهَنَ جَارِيَةً تُسَاوِي أَلْفًا بِأَلْفَيْنِ فَصَارَتْ إلَى أَلْفَيْنِ بِزِيَادَةِ السِّعْرِ وَوَلَدَتْ وَلَدًا يُسَاوِي أَلْفًا يَفْتَكُّهَا بِأَلْفَيْنِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ لَمْ تَزِدْ لَا يَفْتَكُّهَا إلَّا بِأَلْفَيْنِ، فَإِنْ زَادَتْ أَوْلَى، وَإِذَا هَلَكَتْ هَلَكَتْ بِأَلْفَيْنِ؛ لِأَنَّ قِيمَتَهَا يَوْمَ الْعَقْدِ أَلْفٌ وَالزِّيَادَةُ الْمُتَّصِلَةُ لَمْ يَرِدْ عَلَيْهَا عَقْدٌ وَلَا قَبْضٌ مَقْصُودٌ فَكَانَ وُجُودُهَا وَعَدَمُهَا بِمَنْزِلَةٍ، وَإِنْ أَعْتَقَهَا الْمَوْلَى وَهُوَ مُعْسِرٌ سَعَتْ فِي الْأَلْفِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَعْتَقَهَا سَعَيَا فِي الْأَلْفِ وَرَجَعَا بِذَلِكَ عَلَى الْمَوْلَى وَرَجَعَ الْمُرْتَهِنُ بِبَقِيَّةِ دَيْنِهِ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ لَمَّا أَعْتَقَهُمَا صَارَ بِإِعْتَاقِ الْوَلَدِ قَابِضًا لِلْوَلَدِ حُكْمًا كَالْمُشْتَرِي إذَا أَعْتَقَ الْمَبِيعَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَيُقْسَمُ الدَّيْنُ عَلَيْهِمَا فَيَسْعَيَانِ فِي الْأَلْفِ؛ لِأَنَّهَا أَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِمَا يَوْمَ الْعِتْقِ وَرَجَعَا بِذَلِكَ عَلَى الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُمَا أَدَّيَا دَيْنَهُ مِنْ خَالِصِ مِلْكِهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا يَسْعَيَانِ وَهُمَا حُرَّانِ. وَمَنْ أَدَّى دَيْنَ الْغَيْرِ مِنْ خَالِصِ مِلْكِهِ وَهُوَ مُجْبَرٌ عَلَيْهِ فَعَلَيْهِ الرُّجُوعُ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ إذَا لَمْ يُسَلِّمْ لَهُ الْعِوَضَ، وَلَمْ يُسَلِّمْ لِلْعَبْدِ مَا كَانَ لِلْمُرْتَهِنِ مِنْ حَقِّ الْحَبْسِ فِي الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ النَّقْلَ، وَإِذَا رَهَنَ أَمَةً قِيمَتُهَا أَلْفٌ بِأَلْفٍ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ يُسَاوِي أَلْفًا فَادَّعَاهُ الرَّاهِنُ وَهُوَ مُوسِرٌ ضَمِنَ الْمَالَ لِإِتْلَافِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِالدَّعْوَى، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا سَعَتْ الْأَمَةُ فِي نِصْفِ الْمَالِ وَالْوَلَدُ فِي نِصْفِهِ؛ لِأَنَّ فِي حَالَةِ الْإِعْسَارِ لَا يَجِبُ إلَّا السِّعَايَةُ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَارَ أَصْلًا الْأُمُّ بِالِاسْتِيلَادِ وَالْوَلَدُ بِالْإِعْتَاقِ؛ لِأَنَّهُ بِالْإِعْتَاقِ صَارَ مُشْتَرِيًا الْوَلَدَ فَيَصِيرُ الْوَلَدُ أَصْلًا فِي الرَّهْنِ كَالْأُمِّ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ لَمَّا حَدَثَ سَرَى إلَيْهِ مَا كَانَ فِي الْأُمِّ مِنْ حَقِّ الْحَبْسِ فَصَارَ مَرْهُونًا كَالْأُمِّ، فَإِنْ لَمْ يُؤَدِّ الْوَلَدُ حَتَّى مَاتَتْ الْأُمُّ قَبْلَ أَنْ يَفْرَغَ مِنْ السِّعَايَةِ يَسْعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَنِصْفِ الدَّيْنِ وَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ شَيْءٌ بِمَوْتِ الْأُمِّ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ حَدَثَ قَبْلَ وُجُودِ السِّعَايَةِ عَلَى الْأُمِّ فَلَا يَكُونُ تَبَعًا لَهَا فِي السِّعَايَةِ،. وَلَوْ زَوَّجَ الرَّاهِنُ الْأَمَةَ الْمَرْهُونَةَ جَازَ وَلَا يَقْرَبُهَا الزَّوْجُ إلَّا إذَا زَوَّجَهَا قَبْلَ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَتَضَمَّنُ إبْطَالَ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ لَمْ يَسْتَحِقَّ مَنَافِعَهَا وَلَا ضَرَرَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ فِي نَفَاذِ النِّكَاحِ فَنَفَذَ وَغَشَيَانُ الزَّوْجِ يَتَضَمَّنُ إبْطَالَ حَقِّهِ فِي الْحَبْسِ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ حَبْسَهَا فَصَارَ كَالْمَالِكِ فِي حَقِّ الْحَبْسِ فَلَهُ مَنْعُهُ عَنْ الْوَطْءِ وَحَبْسُهَا عَنْهُ بِخِلَافِ مَا قَبْلَ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ مَلَكَ غَشَيَانَهَا قَبْلَ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ مَنَافِعَ بُضْعِهَا مُطْلَقًا فَلَا يَتَمَكَّنُ الْمُرْتَهِنُ مِنْ إبْطَالِ حَقِّهِ فِي الْقُرْبَانِ، فَإِنْ وَطِئَهَا فَوَلَدَتْ وَمَاتَتْ ضَمِنَ الرَّاهِنُ قِيمَتَهَا؛ لِأَنَّهُ سَلَّطَ الزَّوْجَ عَلَى إتْلَافِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّهُ بِالنِّكَاحِ سَلَّطَهُ عَلَى الْوَطْءِ فَيُجْعَلُ وَطْءُ الزَّوْجِ كَوَطْءِ الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ بِتَسْلِيطِهِ، وَلَوْ وَطِئَهَا الرَّاهِنُ صَارَ مُسْتَرِدًّا لِلرَّهْنِ وَلِهَذَا لَوْ زَوَّجَ الْأَمَةَ الْمَبِيعَةَ قَبْلَ الْقَبْضِ صَارَ الْمُشْتَرِي قَابِضًا لَهَا فَصَارَ كَأَنَّ التَّلَفَ حَصَلَ فِي يَدِ الرَّاهِنِ فَيَضْمَنُ. وَلَوْ زَوَّجَهَا، ثُمَّ رَهَنَ فَوَطِئَهَا الزَّوْجُ، ثُمَّ مَاتَتْ كَانَتْ مِنْ مَالِ الْمُرْتَهِنِ اسْتِحْسَانًا لَا قِيَاسًا؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ حَصَلَ بِتَسْلِيطِ الرَّاهِنِ فَيَصِيرُ وَطْؤُهُ كَوَطْءِ الْمَوْلَى وَلِهَذَا يَهْلِكُ عَلَى الرَّاهِنِ إذَا زَوَّجَهَا بَعْدَ الرَّهْنِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الرَّاهِنَ لَمْ يُسَلِّطْهُ عَلَى إتْلَافِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّهُ حِينَ زَوَّجَهَا لَمْ يَكُنْ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ ثَابِتًا فِيهَا بَلْ سَلَّطَهُ عَلَى إتْلَافِ حَقِّ نَفْسِهِ فَلَا يُجْعَلُ وَطْؤُهُ كَوَطْءِ الرَّاهِنِ وَلِأَنَّ الرَّاهِنَ سَلَّطَهُ عَلَى الْوَطْءِ قَبْلَ الرَّهْنِ وَبِالْوَطْءِ قَبْلَ الرَّهْنِ لَا يَصِيرُ مُتْلِفًا حَقَّهُ؛ لِأَنَّ بِهِ لَا يَصِيرُ مُسْتَرِدًّا لِلرَّهْنِ. وَإِذَا رَهَنَ أَمَةً بِأَلْفٍ وَقِيمَتهَا خَمْسُمِائَةٍ فَكَاتَبَهَا الْمَوْلَى فَلِلْمُرْتَهِنِ فَسْخُهَا؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ تَتَضَمَّنُ إبْطَالَ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ لَمْ يَصْلُحْ رَهْنًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَدَّى بَدَلَ الْكِتَابَةِ عَتَقَ وَيَبْطُلُ الرَّهْنُ، وَكَذَلِكَ لَوْ نَفَذَتْ الْكِتَابَةُ يَبْطُلُ الرَّهْنُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْبَيْعُ وَالْكِتَابَةُ مِمَّا تَحْتَمِلُ الْفَسْخَ فَتَنْفَسِخُ فَلَوْ لَمْ يُكَاتِبْهَا وَلَكِنْ دَبَّرَهَا فَسَعَتْ فِي قِيمَتِهَا، ثُمَّ مَاتَتْ عَنْ بِنْتٍ تُسَاوِي خَمْسَمِائَةٍ فَعَلَى وَلَدِهَا أَنْ يَسْعَى فِي خَمْسِمِائَةٍ؛ لِأَنَّهُ يَسْرِي مَا فِيهَا مِنْ الدَّيْنِ إلَى الَّتِي وَلَدَتْهَا أَمَتِي وَلَدَتْ فَيَصِيرُ مُدَبَّرًا تَبَعًا لِلْأَصْلِ. فَإِنْ سَعَتْ الْبِنْتُ فِي مِائَةٍ، ثُمَّ وَلَدَتْ بِنْتًا، ثُمَّ مَاتَتْ الْبِنْتُ الْأُولَى وَقِيمَةُ الْأُولَى وَالسُّفْلَى سَوَاءٌ تَسْعَى السُّفْلَى فِي الْبَاقِي كُلِّهِ؛ لِأَنَّهُ يَسْرِي مَا فِيهَا إلَى وَلَدِهَا كَمَا يَجْرِي مِنْ الْجَدَّةِ إلَى الْوُسْطَى. رَهَنَ أَمَتَيْنِ قِيمَةُ كُلِّ وَاحِدَةٍ أَلْفٌ فَدَبَّرَهَا الْمَوْلَى، ثُمَّ مَاتَتْ إحْدَاهُمَا سَعَتْ الْبَاقِيَةُ فِي نِصْفِ الدَّيْنِ وَيَضْمَنُ الْمَوْلَى نِصْفَهُ؛ لِأَنَّهَا مَاتَتْ بَعْدَمَا خَرَجَتْ مِنْ الرَّهْنِ بِالتَّدْبِيرِ وَلَا يَتَحَوَّلُ شَيْءٌ مِنْ دَيْنِ الْمَيِّتَةِ إلَى الْبَاقِيَةِ؛ لِأَنَّ الْبَاقِيَةَ لَمْ تَكُنْ مُتَوَلِّدَةً مِنْ الْمَيِّتَةِ وَالْمَيِّتَةُ فِي السِّعَايَةِ كَانَتْ مُحْتَمَلَةً عَلَى الْمَوْلَى، فَإِذَا مَاتَتْ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ السِّعَايَةِ فَقَدْ تَعَذَّرَ اسْتِيفَاءُ حَقِّهِ مِنْ جِهَةِ الْمُحْتَمَلِ وَهُوَ الْكَفِيلُ فَيُطَالَبُ مِنْ الْأَصِيلِ، فَإِنْ وَلَدَتْ هَذِهِ الْبَاقِيَةُ، ثُمَّ مَاتَتْ يَسْعَى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 302 الْوَلَدُ فِيمَا عَلَى أُمِّهِ وَسَوَاءٌ كَانَتْ قِيمَةُ الْأُمِّ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ؛ لِأَنَّهَا وَلَدَتْ بِمِثْلِ حَالِهَا مُدَبَّرَةً فَيَسْرِي مَا فِيهَا إلَى وَلَدِهَا، وَلَوْ كَانَتْ قَبْلَ التَّدْبِيرِ ثُمَّ دَبَّرَهُمَا جَمِيعًا سَعَتْ فِي مِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ إنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا مِثْلَ قِيمَةِ الْأُمِّ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ قَبْلَ التَّدْبِيرِ صَارَ رَهْنًا فَانْقَسَمَ مَا فِي الْأُمِّ الدَّيْنُ عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ عَلَى سَبِيلِ التَّوْفِيقِ إنْ وَرَدَ عَلَى الْوَلَدِ قَبْضُ الرَّهْنِ بَقِيَ كَذَلِكَ مُنْقَسِمًا. وَإِنْ لَمْ يَرِدْ عَلَيْهِ قَبْضٌ بَطَلَ الِانْقِسَامُ وَظَهَرَ أَنَّ الدَّيْنَ كُلَّهُ كَانَ بِإِزَاءِ الْأُمِّ وَهُنَا وَرَدَ عَلَى الرَّاهِنِ قَبْضٌ عَلَى الْوَلَدِ لِمَا ذَكَرْنَا؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ مِنْ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبْضِ يَصِيرُ بِهِ قَابِضًا. رَهَنَ أَمَةً بِأَلْفٍ وَقِيمَتُهَا أَلْفٌ فَوَلَدَتْ وَلَدًا يُسَاوِي أَلْفًا فَمَاتَتْ الْأُمُّ، ثُمَّ دَبَّرَ الْبِنْتَ عَلَيْهَا السِّعَايَةُ فِي خَمْسِمِائَةٍ؛ لِأَنَّهُ وَرَدَ عَلَى الْمَيِّتِ قَبْضُ الرَّاهِنِ، فَإِنَّهُ بِالتَّدْبِيرِ صَارَ قَابِضًا لِلْوَلَدِ فَظَهَرَ أَنَّ الدَّيْنَ كَانَ مُنْقَسِمًا عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ، فَإِنْ وَلَدَتْ الْبِنْتُ بِنْتًا وَمَاتَتْ الْبِنْتُ الْأُولَى سَعَتْ السُّفْلَى فِي خَمْسِمِائَةٍ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا مِائَةً؛ لِأَنَّ السُّفْلَى وَلَدُ الْمُسْتَسْعَاةِ فَسَرَى مَا فِي أُمِّهَا إلَيْهَا، وَلَدَتْ الْأَمَةُ الْمَرْهُونَةُ بِنْتًا، ثُمَّ وَلَدَتْ الْبِنْتُ بِنْتًا وَقِيمَةُ كُلِّ وَاحِدَةٍ أَلْفٌ ثُمَّ دَبَّرَهُنَّ جَمِيعًا، ثُمَّ مَاتَتْ الْأُمُّ وَالْبِنْتُ الْأُولَى فَعَلَى السُّفْلَى السِّعَايَةُ فِي نِصْفِ الدَّيْنِ وَعَنْ عِيسَى بْنِ أَبَانَ قَالَ يَنْبَغِي أَنْ تَسْعَى فِي ثُلُثَيْ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ قَابِضًا لِلْوُسْطَى بِالتَّدْبِيرِ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ قَبْضٌ وَصَارَ بِإِزَاءِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ ثُلُثُ الدَّيْنِ كَمَا لَوْ رَهَنَهُنَّ جَمِيعًا، ثُمَّ دَبَّرَهُنَّ وَهُوَ مُعْسِرٌ، وَقَدْ مَاتَتْ بِنْتَانِ قَبْلَ السِّعَايَةِ تَسْعَى الْبَاقِيَةُ فِي ثُلُثَيْ الدَّيْنِ فَكَذَا هَذَا وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ التَّدْبِيرَ لَيْسَ بِقَبْضٍ حَقِيقَةً وَلَكِنْ اُعْتُبِرَ قَبْضًا حُكْمًا بِحُكْمِ الْإِتْلَافِ كَالْإِعْتَاقِ وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ قَبْضًا حُكْمًا مَتَى لَمْ يَكُنْ فِي اعْتِبَارِهِ قَبْضًا ضَرَرٌ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَهُنَا فِي اعْتِبَارِهِ قَبْضًا ضَرَرٌ بِالْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى إبْطَالِ حَقِّهِ بِالسِّعَايَةِ؛ لِأَنَّهُ مَتَى لَمْ يُعْتَبَرْ قَبْضًا كَانَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَسْتَسْعِي السُّفْلَى فِي نِصْفِ الدَّيْنِ وَمَتَى اُعْتُبِرَ قَبْضًا يَسْتَسْعِيهَا فِي جُزْءٍ وَاحِدٍ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ جَزْءًا مِنْ الدَّيْنِ فَلَا يُعْتَبَرُ قَابِضًا دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ فَصَارَ كَأَنَّ الْوُسْطَى مَاتَتْ قَبْلَ التَّدْبِيرِ فَيَصِيرُ بِإِزَاءِ السُّفْلَى نِصْفُ الدَّيْنِ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ؛ لِأَنَّا لَوْ اعْتَبَرْنَا التَّدْبِيرَ قَبْضًا يَنْتَفِعُ بِهِ الْمُرْتَهِنُ وَلَا يَتَضَرَّرُ بِهِ؛ لِأَنَّ السُّفْلَى تَسْعَى فِي جَمِيعِ مَا وَجَبَ عَلَى الْوُسْطَى وَمَتَى لَمْ يُعْتَبَرْ قَبْضًا تَسْعَى فِي جُزْءٍ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ جَزْءًا مِنْ الدَّيْنِ، وَكَذَلِكَ لَوْ دَبَّرَ السُّفْلَى بَعْدَمَا مَاتَتْ الْأُمُّ وَالْجَدَّةُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُحْتَسَبُ بِالْوُسْطَى إذَا مَاتَتْ قَبْلَ التَّدْبِيرِ فَكَأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ وَلَدَتْ الْجَدَّةُ إلَّا وَلَدًا وَاحِدًا، ثُمَّ دَبَّرَ الْوَلَدَ وَلَدَتْ أَمَةُ الرَّهْنِ وَلَدًا يُسَاوِي أَلْفًا، ثُمَّ دَبَّرَهَا فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سِعَايَةٌ فِي خَمْسِمِائَةٍ لِمَا عُرِفَ، وَإِنْ مَاتَتْ الْبِنْتُ سَعَتْ الْأُمُّ فِي الْأَلْفِ كُلِّهَا طَعَنَ عِيسَى، وَقَالَ بِالتَّدْبِيرِ يُقَرَّرُ الضَّمَانُ فِيهِ وَلَا يَعُودُ إلَى الْأُمِّ. وَالْجَوَابُ أَنَّ التَّدْبِيرَ مَتَى اُعْتُبِرَ قَبْضًا لَا يَتَضَرَّرُ بِهِ الْمُرْتَهِنُ بَلْ يَنْتَفِعُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مَتَى اُعْتُبِرَ قَبْضًا تَهْلِكُ الْأُمُّ بِخَمْسِمِائَةٍ وَيَسْعَى فِي خَمْسِمِائَةٍ وَمَتَى لَمْ يُعْتَبَرْ قَبْضًا تَهْلِكُ الْأُمُّ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ فَيُعْتَبَرُ قَبْضًا فَيَكُونُ مَقْبُوضًا بِالتَّدْبِيرِ فَصَارَ كَأَنَّهُ رَهَنَهُمَا، ثُمَّ دَبَّرَهُمَا. رَهَنَ أَمَةً تُسَاوِي أَلْفًا بِأَلْفٍ إلَى أَجَلٍ فَوَلَدَتْ وَلَدًا يُسَاوِي أَلْفًا فَدَبَّرَ الْمَوْلَى الْوَلَدَ وَهُوَ مُوسِرٌ ضَمِنَ قِيمَتَهُ وَيَكُونُ رَهْنًا مَعَ الْأُمِّ، فَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا يَسْعَى الْوَلَدُ فِي خَمْسِمِائَةٍ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى جَانٍ فِي التَّدْبِيرِ أَتْلَفَ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ وَحَقُّ الْمُرْتَهِنِ فِي الْحَبْسِ كَانَ ثَابِتًا فِي الْكُلِّ فَضَمِنَ قِيمَتَهُ، وَأَمَّا الْمُدَبَّرُ غَيْرُ جَانٍ فَيَسْعَى بِقَدْرِ حَقِّ الْمُرْتَهَنِ فِي الْوَلَدِ وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ لَا بِقَدْرِ قِيمَتِهِ لِتَظْهَرَ مَزِيَّةُ غَيْرِ الْجَانِي عَلَى الْجَانِي، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ السِّعَايَةِ كَانَتْ الْأُمُّ رَهْنًا بِالْأَلْفِ، وَإِنْ هَلَكَتْ الْأُمُّ تَهْلِكُ بِنِصْفِ الدَّيْنِ وَعِنْدَ عِيسَى تَسْعَى فِي خَمْسِمِائَةٍ، وَالصَّحِيحُ جَوَابُ الْكِتَابِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ صَارَ مَحْبُوسًا فِي الرَّهْنِ؛ لِأَنَّهُ بِالتَّدْبِيرِ صَارَ مَقْبُوضًا؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِي صَيْرُورَتِهِ مَقْبُوضًا مَحْبُوسًا بِالرَّهْنِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ بَلْ فِيهِ مَنْفَعَةٌ، فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِهَلَاكِ أَحَدِهِمَا إلَّا نِصْفُ الدَّيْنِ فَصَارَ كَأَنَّهُ رَهَنَهُمَا، ثُمَّ أَخَذَهُمَا وَهُوَ مُعْسِرٌ، ثُمَّ مَاتَتْ إحْدَاهُمَا صَارَتْ الْبَاقِيَةُ رَهْنًا بِالْأَلْفِ، وَلَوْ مَاتَتْ الْبَاقِيَةُ تَمُوتُ بِخَمْسِمِائَةٍ فَكَذَا هَذَا، وَفِي الْفَتَاوَى الْغِيَاثِيَّةِ، وَلَوْ اسْتَوْلَدَهَا لَوْ دَبَّرَهَا لَا يُحْبَسُ بِالدَّيْنِ وَيَضْمَنُ إنْ كَانَ مُوسِرًا وَبِيعَتْ فِي الدَّيْنِ كَانَ مُعْسِرًا وَلَا يُسْتَسْعَى الْوَلَدَانِ كَانَتْ الدَّعْوَى قَبْلَ الِانْفِصَالِ، فَإِنْ قَالَ هُوَ قَضَاءٌ مِنْ دَيْنِك جَازَ، وَإِنْ كَانَتْ قَبْلَ الْحُلُولِ سَعَى فِي قِيمَتِهِ، وَلَوْ رَهَنَا عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ أَحَدُ الرَّاهِنَيْنِ وَهُوَ مُوسِرٌ ضَمِنَ نِصْفَ قِيمَتِهِ لِشَرِيكِهِ وَنِصْفُهُ لِلْمُرْتَهِنِ وَيُؤَدِّي الشَّرِيكُ ذَلِكَ إلَى الْمُرْتَهِنِ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا سَعَى الْعَبْدُ فِي الدَّيْنِ وَرَجَعَ بِنِصْفِهِ عَلَى الْمُعْتِقِ، وَكَذَا الْمُعْسِرُ الرَّاهِنُ إذَا أَعْتَقَهُ ضَمِنَ قِيمَتَهُ وَرَجَعَ عَلَى الرَّاهِنِ أَوْ عَلَى الْمُعْتِقِ، ثُمَّ رَجَعَ هُوَ عَلَى الرَّاهِنِ، وَلَوْ اُنْتُقِصَ سِعْرُهُ فَأَعْتَقَهُ الرَّاهِنُ ضَمِنَ قِيمَتَهُ يَوْمَ أَعْتَقَ، وَلَوْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 303 كَانَ زَادَتْ قِيمَتُهُ ضَمِنَ قِيمَتَهُ يَوْمَ الرَّهْنِ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فَالسِّعَايَةُ كَذَلِكَ، وَكَذَا لَوْ وَلَدَتْ الْأَمَةُ فَأَعْتَقَهَا الرَّاهِنُ سَعَى فِي قِيمَةِ الْأُمِّ يَوْمَ الرَّهْنِ، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ أَكْثَرَ فِي التَّدْبِيرِ سَعَى فِي الدَّيْنِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى سَيِّدِهِ) يَعْنِي إذَا سَعَى الْعَبْدُ وَأَدَّى يَرْجِعُ الْعَبْدُ بِالسِّعَايَةِ عَلَى سَيِّدِهِ إذَا أَيْسَرَ؛ لِأَنَّهُ قَضَى دَيْنَهُ وَهُوَ مُضْطَرٌّ فِيهِ، وَلَمْ يَكُنْ مُتَبَرِّعًا فَصَارَ كَمُعِيرِ الرَّهْنِ بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمُسْتَسْعَى إذَا كَانَ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ وَأَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ وَالْمُعْتَقُ مُعْسِرٌ وَسَعَى فِي نَصِيبِ الْآخَرِ وَأَدَّى بِحَيْثُ لَا يَرْجِعُ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي ضَمَانًا وَاجِبًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَسْعَى فِي تَكْمِيلِ الْعِتْقِ عِنْدَهُمَا وَلِتَحْصِيلِ الْعِتْقِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَهُنَا يَسْعَى فِي ضَمَانٍ عَلَى عُسْرَةٍ بَعْدَ تَمَامِ إعْتَاقِهِ فَافْتَرَقَا فَالْإِمَامُ أَوْجَبَ السِّعَايَةَ فِي الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ فِي حَالَتَيْ الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ، وَفِي الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ فِي حَالَةِ الْإِعْسَارِ فَقَطْ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ لِلْمُرْتَهِنِ حَقُّ الْمِلْكِ وَالثَّابِتَ لَلشَّرِيك حَقِيقَةُ الْمِلْكِ وَحَقُّ الْمِلْكِ أَدْنَى مِنْ حَقِيقَتِهِ فَوَجَبَتْ السِّعَايَةُ فِيهِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ حَالَةُ الضَّرُورَةِ، وَفِي الْأَعْلَى فِي الْحَالَتَيْنِ إظْهَارًا لِلتَّفَاوُتِ بَيْنَهُمَا بِخِلَافِ الْمَبِيعِ إذَا أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبْضِ حَيْثُ لَا يَسْعَى لِلْبَائِعِ فِي الرِّوَايَةِ الظَّاهِرَةِ وَفِي الْمَرْهُونِ يَسْعَى؛ لِأَنَّ حَقَّ الْبَائِعِ فِي الْحَبْسِ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُهُ فِي الْأُجْرَةِ وَلَا يَسْتَوْفِي مِنْ عَيْنِهِ، وَهَذَا يُبْطِلُ حَقَّهُ فِي الْحَبْسِ بِالْإِعَارَةِ مِنْ الْمُشْتَرِي وَالْمُرْتَهِنِ وَيَنْقَلِبُ حَقُّهُ مِلْكَهُ وَلَا يَبْطُلُ حَقُّهُ بِالْإِعَارَةِ، وَلَوْ أَقَرَّ الْمَوْلَى بِرَهْنِ عَبْدِهِ بِأَنْ قَالَ رَهَنْتُ عَبْدِي هَذَا مِنْ فُلَانٍ فَكَذَّبَهُ الْعَبْدُ، ثُمَّ أَعْتَقَهُ تَجِبُ السِّعَايَةُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ، ثُمَّ إنْ كَانَ الرَّاهِنُ مُوسِرًا ضَمِنَ قِيمَتَهُ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمُتَقَدِّمِ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا سَعَى كَمَا تَقَدَّمَ، وَلَوْ أَعْتَقَ الرَّاهِنُ الْعَبْدَ الَّذِي دَبَّرَهُ أَوْ الْأَمَةَ الَّتِي اسْتَوْلَدَهَا لَمْ يَسْعَيَا إلَّا بِقَدْرِ الْقِيمَةِ سَوَاءٌ أَعْتَقَ الرَّاهِنُ الْعَبْدَ الَّذِي دَبَّرَهُ أَوْ الْأَمَةَ الَّتِي اسْتَوْلَدَهَا لَمْ يَسْعَيَا إلَّا بِقَدْرِ الْقِيمَةِ سَوَاءٌ أَعْتَقَهُ بَعْدَ الْقَضَاءِ عَلَيْهِمَا أَوْ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ كَسْبَهُمَا بَعْدَ الْعِتْقِ مِلْكُهُمَا وَمَا أَدَّيَا قَبْلَ الْعِتْقِ لَا يَرْجِعَانِ بِهِ عَلَى الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ مَالُ الْمَوْلَى وَمَا أَدَّيَاهُ بَعْدَ الْعِتْقِ يَرْجِعَانِ بِهِ، وَلَوْ أَقَرَّ الْمَوْلَى عَلَى عَبْدِهِ بِدَيْنِ الِاسْتِهْلَاكِ وَهُوَ يُنْكِرُهُ سَعَى فِي قِيمَتِهِ مُذْ عَتَقَ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى مَالِيَّتِهِ فَيَصِحُّ بِقَدْرِ الْمَالِيَّةِ، وَلَوْ قَتَلَهُ عَبْدٌ قِيمَتُهُ مِائَةٌ، ثُمَّ دَفَعَ بِهِ، ثُمَّ أَعْتَقَهُ سَعَى فِي الْمِائَةِ لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْأَوَّلِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِتْلَافُ الرَّهْنِ كَإِعْتَاقِهِ) يَعْنِي إنَّهُ إذَا أَتْلَفَهُ وَهُوَ مُوسِرٌ وَالدَّيْنُ حَالٌّ أَدَّى الْقِيمَةَ فِي الْحَالِ، وَإِنْ كَانَ مُؤَجَّلًا أَدَّى الْقِيمَةَ وَجُعِلَتْ رَهْنًا مَكَانَهُ حَتَّى يَحِلَّ الدَّيْنُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَتْلَفَهُ أَجْنَبِيٌّ فَالْمُرْتَهِنُ يُضَمِّنُهُ قِيمَتَهُ وَتَكُونُ رَهْنًا عِنْدَهُ) يَعْنِي أَنَّ الْمُرْتَهِنَ هُوَ الْخَصْمُ فِي تَضْمِينِهِ قِيمَتَهُ فَتَكُونُ رَهْنًا عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ أَحَقُّ بِعَيْنِ الرَّهْنِ حَالَ قِيَامِهِ فَكَذَا فِي اسْتِرْدَادِ مَا قَامَ مَقَامَهُ، وَالْوَاجِبُ فِي هَذَا الْمُسْتَهْلَكُ قِيمَتُهُ يَوْمَ هَلَكَ بِاسْتِهْلَاكِهِ بِخِلَافِ ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ حَتَّى لَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ الِاسْتِهْلَاكِ خَمْسَمِائَةٍ وَيَوْمَ الِارْتِهَانِ أَلْفًا غَرِمَ خَمْسَمِائَةٍ وَكَانَتْ رَهْنًا وَسَقَطَ مِنْ الدَّيْنِ خَمْسُمِائَةٍ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ الرَّهْنُ يَوْمَ قَبْضِهِ، وَلَوْ اسْتَهْلَكَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ وَالدَّيْنُ مُؤَجَّلٌ ضَمِنَ قِيمَتَهُ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَالَ الْغَيْرِ وَكَانَتْ رَهْنًا فِي يَدِهِ حَتَّى يَحِلَّ الْأَجَلُ، وَلَوْ حَلَّ الدَّيْنُ وَالْمَضْمُونُ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ اسْتَوْفَى الْمُرْتَهِنُ دَيْنَهُ مِنْهُ وَيَرُدُّ الْفَضْلَ عَلَى الرَّاهِنِ إذَا كَانَ هُنَاكَ فَضْلٌ، وَإِنْ كَانَ دَيْنُهُ أَكْثَرَ، وَقَدْ كَانَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ الرَّهْنِ قَدْرَ الدَّيْنِ، وَقَدْ رَجَعَتْ قِيمَتُهُ إلَى خَمْسِمِائَةٍ، وَقَدْ كَانَتْ يَوْمَ الْقَبْضِ أَلْفًا ضَمِنَ بِالِاسْتِهْلَاكِ خَمْسَمِائَةٍ وَسَقَطَ مِنْ الدَّيْنِ خَمْسُمِائَةٍ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ قَالَ الشَّارِحُ وَهُوَ مُشْكِلٌ، فَإِنَّ النُّقْصَانَ بِتَرَاجُعِ السِّعْرِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا عَلَيْهِ وَلَا مُعْتَبَرًا فَكَيْفَ يَسْقُطُ مِنْ الدَّيْنِ خَمْسُمِائَةٍ وَمِثْلُ هَذَا الِاسْتِشْكَالِ نَقَلَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ وَأَجَابَ بِأَنَّ الْعَيْنَ قَدْ تَغَيَّرَتْ بِالِاسْتِهْلَاكِ فَصَارَتْ لَا تَحْتَمِلُ الْعَوْدَ إلَى الْقِيمَةِ الْأُولَى بِتَرَاجُعِ السِّعْرِ، وَلَوْ كَانَتْ بَاقِيَةً تَرْجِعُ عَلَى مَا كَانَتْ بَاقِيَةً عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ تَتَغَيَّرْ الْعَيْنُ وَهِيَ بَاقِيَةٌ عَلَى حَالِهَا، وَقَدْ تَرَاجَعَ السِّعْرُ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ الَّتِي قَبَضَهَا بِحَالِهَا فَلَا يَرْجِعُ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ بِتَرَاجُعِ السِّعْرِ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ فَأَفَادَ أَنَّ مَا فِي الْخُلَاصَةِ مِنْ قَوْلِهِ وَأَمَّا حُكْمُ النُّقْصَانِ يُنْظَرُ إنْ كَانَ مِنْ حَيْثُ الْعَيْنُ يُوجِبُ سُقُوطَ الدَّيْنِ بِقَدْرِ النُّقْصَانِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ حَيْثُ السِّعْرُ لَا يُوجِبُ سُقُوطَ شَيْءٍ مِنْ الدَّيْنِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ الْعَيْنُ بَاقِيَةً، وَهَذَا مِنْ خَصَائِصِ هَذَا الْكِتَابِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَخَرَجَ مِنْ ضَمَانِهِ بِإِعَارَتِهِ مِنْ رَاهِنِهِ) يَعْنِي إذَا أَعَارَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ مِنْ الرَّاهِنِ يَخْرُجُ مِنْ ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ كَانَ بِاعْتِبَارِ قَبْضِهِ، وَقَدْ اُنْتُقِضَ بِالرَّدِّ إلَى صَاحِبِهِ فَيَرْتَفِعُ بِالضَّمَانِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 304 هَلَكَ فِي يَدِ الرَّاهِنِ هَلَكَ مَجَّانًا) لِارْتِفَاعِ الْقَبْضِ الْمُوجِبِ لِلضَّمَانِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، وَفِي الْفَتَاوَى الْغِيَاثِيَّةِ لَوْ قَضَى الرَّاهِنُ دَيْنَ الْمُرْتَهِنِ، ثُمَّ هَلَكَ الرَّهْنُ فِي الْعَارِيَّةِ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ رَدَّ مَا قَبَضَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (بِرُجُوعِهِ عَادَ ضَمَانُهُ) يَعْنِي بِرُجُوعِ الرَّهْنِ إلَى يَدِ الْمُرْتَهِنِ عَادَ الضَّمَانُ حَتَّى يَذْهَبَ الدَّيْنُ بِهَلَاكِهِ لِعَوْدِ الْقَبْضِ الْمُوجِبِ لِلضَّمَانِ وَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ إلَى يَدِهِ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الرَّهْنِ بَاقٍ إلَّا فِي حَقِّ الضَّمَانِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ، وَلَوْ مَاتَ الرَّاهِنُ قَبْلَ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ كَانَ الْمُرْتَهِنُ أَحَقَّ بِهِ مِنْ سَائِرِ غُرَمَائِهِ؛ لِأَنَّ يَدَ الْعَارِيَّةِ لَيْسَتْ بِلَازِمَةٍ وَالضَّمَانُ لَيْسَ مِنْ لَوَازِمِ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَنْفَكُّ عَنْهُ، أَلَا تَرَى أَنَّ وَلَدَ الرَّهْنِ رَهْنٌ، وَلَيْسَ بِمَضْمُونٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَوْ أَعَارَهُ أَحَدُهُمَا أَجْنَبِيًّا بِإِذْنِ الْآخَرِ سَقَطَ الضَّمَانُ) لِمَا بَيَّنَّا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِكُلٍّ أَنْ يَرُدَّهُ رَهْنًا) يَعْنِي لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ حَقٌّ فِي الرَّهْنِ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ رَهْنًا مَكَانَهُ لِبَقَاءِ عَقْدِ الرَّهْنِ عَلَى مَا بَيَّنَّا بِخِلَافِ مَا إذَا أَجَّرَهُ أَحَدُهُمَا أَوْ بَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ مِنْ الْمُرْتَهِنِ أَوْ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ قَبْلَ أَنْ يَرْهَنَهُ ثَانِيًا حَيْثُ لَا يَعُودُ رَهْنًا إلَّا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ، وَلَوْ مَاتَ الرَّاهِنُ كَانَ الْمُرْتَهِنُ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ تُبْطِلُ الرَّهْنَ بِخِلَافِ الْعَارِيَّةِ وَالْإِيدَاعِ؛ لِأَنَّهُمَا غَيْرُ لَازِمَيْنِ، وَلَوْ أَذِنَ الرَّاهِنُ الْمُرْتَهِنَ بِالِاسْتِعْمَالِ أَوْ الْإِعَارَةِ لِلْعَمَلِ فَهَلَكَ الرَّهْنُ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ فِي الْعَمَلِ هَلَكَ بِالدَّيْنِ لِبَقَاءِ عَقْدِ الرَّهْنِ، وَكَذَا إنْ هَلَكَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ لِارْتِفَاعِ يَدِ الْأَمَانَةِ، وَلَوْ هَلَكَ فِي حَالَةِ الْعَمَلِ هَلَكَ أَمَانَةً، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي وَقْتِ الْهَلَاكِ فَادَّعَى الْمُرْتَهِنُ أَنَّهُ هَلَكَ فِي حَالَةِ الْعَمَلِ وَادَّعَى الرَّاهِنُ أَنَّهُ هَلَكَ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّهُ مُدَّعٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَوْ اسْتَعَارَ ثَوْبًا لِيَرْهَنَهُ صَحَّ) ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِإِثْبَاتِ مِلْكِ الْيَدِ فَيُعْتَبَرُ التَّبَرُّعُ بِإِثْبَاتِ مِلْكِ الْعَيْنِ وَالْيَدِ وَيَجُوزُ أَنْ يَنْفَصِلَ مِلْكُ الْيَدِ عَنْ مِلْكِ الْعَيْنِ ثُبُوتًا لِلْمُرْتَهِنِ كَمَا يَنْفَصِلُ لِحَقِّ الْبِيَعِ زَوَالًا؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يُزِيلُ الْمِلْكَ دُونَ الْيَدِ فَيَكُونُ رَهْنًا بِمَا رَهَنَهُ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا حَيْثُ أَطْلَقَ لَهُ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ مَسَائِلُهُ عَلَى فُصُولٍ: أَحَدُهَا فِي كَيْفِيَّةِ الْإِعَارَةِ. وَالثَّانِي فِي اخْتِلَافِهِمَا فِي الْهَلَاكِ وَالنُّقْصَانِ. وَالثَّالِثُ فِي ضَمَانِهِ بِهِمَا. [فَصْلٌ أَعَارَ ثَوْبًا لِيَرْهَنَهُ] فَصْلٌ فَإِذَا أَعَارَ ثَوْبًا لِيَرْهَنَهُ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ لَمْ يُسَمِّ لَهُ شَيْئًا أَوْ سَمَّى لَهُ مَالًا أَوْ عَيَّنَ لَهُ مَتَاعًا أَوْ شَخْصًا، فَإِنْ أَعَارَ ثَوْبًا لِيَرْهَنَهُ وَعَيَّنَ لَهُ مَكَانًا أَوْ شَخْصًا، وَلَمْ يُسَمِّ مَا يَرْهَنُهُ بِهِ فَلَهُ أَنْ يَرْهَنَ بِأَيِّ قَدْرٍ وَبِأَيِّ نَوْعٍ شَاءَ؛ لِأَنَّهُ طَلَبَ مِنْهُ قَضَاءَ دَيْنِهِ مِنْ هَذَا الْمَالِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ إيفَاءٌ وَاسْتِيفَاءٌ حُكْمًا، وَلَوْ طَلَبَ مِنْهُ قَضَاءَ دَيْنِهِ مِنْ مَالِهِ جَازَ فَكَذَا هَذَا وَالِاسْتِعَارَةُ وُجِدَتْ مُطْلَقَةً فَقَدْ رَضِيَ الْمُعِيرُ بِأَنْ يَرْهَنَ بِمَا شَاءَ كَمَا لَوْ اسْتَعَارَ مِنْ رَجُلٍ دَابَّةً وَلَمْ يُسَمِّ مَا يَعْمَلُ بِهَا فَلَهُ أَنْ يَرْكَبَ وَيُرْكِبَ غَيْرَهُ وَيَحْمِلَ عَلَيْهَا فَكَذَا هَذَا، وَإِذَا سَمَّى مَالًا مَقْدُورًا فَرَهَنَ بِأَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ، فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا سَوَاءً أَوْ أَكْثَرَ فَرَهَنَهُ بِأَقَلَّ مِمَّا سُمِّيَ فَيَتَضَرَّرُ بِهِ الْمُعِيرُ، فَإِنَّ بَعْضَهُ يَكُونُ أَمَانَةً عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ وَهُوَ لَمْ يَرْضَ بِذَلِكَ بَلْ طَلَبَ أَنْ يَجْعَلَ كُلَّهُ مَضْمُونًا، وَأَمَّا إذَا رَهَنَهُ بِأَكْثَرَ فَلِأَنَّهُ قَدْ يَحْتَاجُ الْمُعِيرُ إلَى الْفِكَاكِ لِيَصِيرَ إلَى مِلْكِهِ وَرُبَّمَا يَتَعَسَّرُ عَلَيْهِ الْفِكَاكُ مَتَى زَادَتْ عَلَى الْمُسَمَّى؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَجِدُ الزِّيَادَةَ عَلَى الْمُسَمَّى فَيَتَضَرَّرُ بِهِ وَهُوَ قَدْ رَضِيَ بِضَمَانٍ قَلِيلٍ، وَلَمْ يَرْضَ بِقَضَاءِ دَيْنٍ كَثِيرٍ فَصَارَ مُخَالِفًا، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الثَّوْبِ أَقَلَّ مِنْ الْمُسَمَّى بِأَنْ أَعَارَ ثَوْبًا لِيَرْهَنَهُ بِعَشْرَةٍ وَقِيمَتُهُ تِسْعَةٌ، فَإِنْ رَهَنَ بِقَدْرِ قِيمَتِهِ تِسْعَةً لَا يَضْمَنُ وَأَمَّا إذَا رَهَنَهُ بِجِنْسٍ آخَرَ ضَمِنَ فِي الْفُصُولِ كُلِّهَا؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ مِنْ تَسْمِيَةِ الدَّرَاهِمِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِالدَّرَاهِمِ مَتَى هَلَكَ الثَّوْبُ وَمَتَى رَهَنَ بِالطَّعَامِ لَا يُمْكِنُهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِالدَّرَاهِمِ وَلِأَنَّهُ رُبَّمَا يَحْتَاجُ إلَى انْفِكَاكِ وَرُبَّمَا يَتَيَسَّرُ لَهُ الْفِكَاكُ بِالدَّرَاهِمِ وَيَتَعَسَّرُ عَلَيْهِ الْفِكَاكُ بِالطَّعَامِ فَيُلْحِقُهُ زِيَادَةَ ضَرَرٍ وَأَمَّا إذَا أَعَارَهُ لِيَرْهَنَهُ مِنْ إنْسَانٍ بِعَيْنِهِ فَرَهَنَهُ مِنْ غَيْرِهِ ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَقْضِيَ دَيْنَهُ لِاسْتِخْلَاصِ مِلْكِهِ وَالنَّاسُ يَتَفَاوَتُونَ فِي الْقَضَاءِ وَالِاقْتِضَاءِ فَكَذَلِكَ فِي الْحِفْظِ وَالْأَمَانَةِ فَالرِّضَا بِحِفْظِ زَيْدٍ لَا يَكُونُ رِضًا بِحِفْظِ عَمْرٍو فَالْخِلَافُ يُخْلِفُهُ زِيَادَةُ ضَرَرٍ، وَلَوْ أَعَارَهُ لِيَرْهَنَهُ بِالْكُوفَةِ فَرَهَنَهُ بِالْبَصْرَةِ ضَمِنَ؛ لِأَنَّ الْبُلْدَانَ وَالْأَمْكِنَةَ مُتَفَاوِتَةٌ فِي الْحِفْظِ وَالصِّيَانَةِ وَلِأَنَّهُ يَخَافُ خَطَرَ الطَّرِيقِ مَتَى نُقِلَ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَتَيَسَّرُ لَهُ الْفِكَاكُ فِي الْمَكَانِ الْمَشْرُوطِ وَيَتَعَسَّرُ عَلَيْهِ الْفِكَاكُ فِي غَيْرِهِ. وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي الْهَلَاكِ أَوْ النُّقْصَانِ قَبْلَ الِاسْتِرْدَادِ مِنْ الْمُرْتَهِنِ أَوْ بَعْدَهُ فَالْقَوْلُ لِلْمُسْتَعِيرِ وَالْبَيِّنَةُ لِلْمُعِيرِ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي قَضَاءَ دَيْنِهِ مِنْ مَالِهِ وَالْمُسْتَعِيرُ يُنْكِرُ، فَإِنْ ادَّعَى الرَّاهِنُ أَنَّ الْمُسْتَعِيرَ اسْتَرَدَّ الرَّهْنَ قَبْلَ الِافْتِكَاكِ وَصَدَّقَهُ الْمُرْتَهِنُ يُصَدَّقُ الرَّاهِنُ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ وَالْمُرْتَهِنَ تَصَادَقَا عَلَى فَسْخِ الرَّهْنِ وَالرَّهْنُ عَقْدٌ جَرَى بَيْنَهُمَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 305 فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلُهُمَا أَنَّهُمَا فَسَخَا ذَلِكَ كَمَا فِي الْمُتَبَايِعَيْنِ وَلِأَنَّ الْمُعِيرَ ادَّعَى أَنَّهُ قَضَى دَيْنَهُ مِنْ مَالِهِ وَأَنْكَرَ الرَّاهِنُ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَيَرْجِعُ الْمُعِيرُ عَلَى الرَّاهِنِ بِقَدْرِ مَا يَذْهَبُ عَنْهُ بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ قَاضِيًا دَيْنَهُ مِنْ مَالِهِ بِهَذَا الْقَدْرِ بِأَمْرِهِ، فَإِذَا هَلَكَ عِنْدَ الْمُسْتَعِيرِ قَبْلَ الرَّهْنِ أَوْ بَعْدَ الْفِكَاكِ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَعِيرَ إنَّمَا يَضْمَنُ الْعَارِيَّةَ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ إمَّا بِالْخِلَافِ أَوْ بِأَنْ يَقْضِيَ دَيْنَهُ مِنْهُ، وَلَمْ يُوجَدْ أَحَدُهُمَا وَإِمَّا لَا يَضْمَنُ بِالْقَبْضِ وَالدَّفْعِ إلَى الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ بِإِذْنِ الْمَالِكِ قَضَى الرَّاهِنُ دَيْنَهُ وَبَعَثَ وَكِيلًا يَقْبِضُ الْعَبْدَ فَهَلَكَ فِي يَدِ الْوَكِيلِ ضَمِنَ الْمُسْتَعِيرُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ عِيَالِهِ كَالْمُودَعِ، وَهَذِهِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُسْتَعِيرَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُودِعَ مَنْ لَيْسَ فِي عِيَالِهِ. وَإِنْ كَانَ لَهُ أَنْ يُعِيرَ مَنْ لَيْسَ فِي عِيَالِهِ، وَفِي الْحَالَيْنِ دَفَعَ الْأَمَانَةَ إلَى مِنْ لَيْسَ فِي عِيَالِهِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الدَّفْعَ إلَى الْأَجْنَبِيِّ فِي الْعَارِيَّةِ إنَّمَا حَصَلَ بِإِذْنِ الْمَالِكِ؛ لِأَنَّ الْمُعِيرَ مَلَكَ الْمَنْفَعَةَ بِالْإِعَارَةِ مَنْ مَلَكَ الْمَنْفَعَةَ بِغَيْرِ بَدَلٍ لَمْ يَمْلِكْ الْمَنْفَعَةَ الْوَدِيعَةِ لِيَحْصُلَ لَهُ الْإِذْنُ تَبَعًا لِتَمَلُّكِ الْمَنْفَعَةِ رَهَنَ الْمُسْتَعَارَ بِأَلْفٍ وَقِيمَتُهُ أَلْفٌ، وَلَمْ يَقْبِضْ الْمَالَ فَهَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ فَعَلَى الرَّاهِنِ أَلْفٌ لِلْمُعِيرِ وَعَلَى الْمُرْتَهِنِ أَلْفٌ لِلرَّاهِنِ؛ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ عَلَى سَوْمِ الرَّهْنِ مَضْمُونٌ عَلَى الْقَابِضِ كَالْمَقْبُوضِ بِحَقِيقَةِ الرَّهْنِ فَضَمِنَ الْمُرْتَهِنُ مِثْلَ الْمُسَمَّى وَهُوَ أَلْفٌ لِلرَّاهِنِ وَمَا أُخِذَ مِنْ الْمُرْتَهِنِ بَدَلُ الْعَبْدِ فَيَكُونُ لِمَالِكِ الْعَبْدِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ بَدَلُ مِلْكِهِ لَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ قَضَى دَيْنَهُ مِنْ مَالِهِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لِلْمُرْتَهِنِ اسْتَعَارَ مِنْ رَجُلَيْنِ مَتَاعًا لِلرَّهْنِ، ثُمَّ قَضَى نِصْفَ الْمَالِ، وَقَالَ هَذَا عَنْ نَصِيبِ فُلَانٍ يَكُونُ عَنْهُمَا؛ لِأَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الرَّهْنِ مَحْبُوسٌ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ إذْ لَوْ جَعَلْنَا كُلَّ جُزْءٍ مَحْبُوسًا بِبَعْضِ الدَّيْنِ يُمْكِنُ الشُّيُوعُ فِي الرَّهْنِ وَأَنَّهُ يُوجِبُ بُطْلَانَ الرَّهْنِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ الْبَعْضُ مَحْبُوسًا بِبَعْضِ الدَّيْنِ فَلِهَذَا لَوْ قَضَى كَانَ مَا قَضَى عَنْ جَمِيعِ الْعَبْدِ. رَهَنَ الْمُسْتَعَارَ بِأَلْفٍ وَقِيمَتُهُ أَلْفٌ فَقَضَى الدَّيْنَ وَهَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ فَالْمُرْتَهِنُ ضَامِنٌ فِي الْأَلْفِ يَرُدُّهَا عَلَى مَوْلَى الْعَبْدِ وَلَا ضَمَانَ لِلْمُعِيرِ عَلَى الرَّاهِنِ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ رَدَّهَا عَلَى الرَّاهِنِ وَرَدَّهَا الرَّاهِنُ عَلَى الْمُعِيرِ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الْمُعِيرَ صَارَ قَاضِيًا دَيْنَهُ بِهَلَاكِ الرَّاهِنِ مِنْ وَقْتِ الِارْتِهَانِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَوْفِيًا لِلدَّيْنِ فِي حَقِّ مِلْكِ الْيَدِ وَالْحَبْسُ مِنْ وَقْتِ الْقَبْضِ فَظَهَرَ أَنَّهُ اسْتَوْفَى مِنْهُ الْأَلْفَ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ دَيْنٌ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ حَقُّ الِاسْتِيفَاءِ فَوَجَبَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ رَدُّهَا عَلَى الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَاهَا مِنْهُ، ثُمَّ يَرُدُّهَا عَلَى مَوْلَى الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ قَضَى دَيْنَهُ مِنْ مَالِهِ بِأَمْرِهِ قَبَضَ دَابَّةً عَارِيَّةً لِيَرْهَنَهَا فَرَكِبَهَا ثُمَّ رَهَنَهَا، ثُمَّ قَضَى الْمَالَ، وَلَمْ يَقْبِضْ الرَّهْنَ حَتَّى هَلَكَتْ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ لَا ضَمَانَ عَلَى الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَعِيرَ لِلرَّهْنِ مُودِعٌ خَالَفَ بِالرُّكُوبِ، وَقَدْ عَادَ إلَى الْوِفَاقِ فَيَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ. وَفِي الْجَامِعِ أَصْلُهُ أَنَّ الْقَاضِيَ نُصِبَ لِإِيفَاءِ الْحُقُوقِ الْمُحْتَرَمَةِ إلَى أَرْبَابِهَا لَا لِإِبْطَالِهَا وَإِهْدَارِهَا مَاتَ الْمُعِيرُ وَالْمُسْتَعِيرُ لَمْ يَكُنْ لِلْوَرَثَةِ الِاسْتِرْدَادُ؛ لِأَنَّ فِيهِ إزَالَةَ يَدِهِ وَإِبْطَالَ حَقِّهِ، وَلَوْ كَانَ عَلَى الْمُعِيرِ دَيْنٌ وَلَا مَالَ لَهُ سِوَاهُ وَفِيهِ فَضْلٌ عَنْ دَيْنِ الْمُسْتَعِيرِ لَمْ يَبِعْ حَتَّى يَجْتَمِعَ الْغُرَمَاءُ وَالْوَرَثَةُ؛ لِأَنَّ أَبَاهُمْ يَكُونُ مُفِيدًا؛ لِأَنَّهُ مَتَى لَمْ يَبِعْ الرَّهْنَ رُبَّمَا يَقْضِي الْمُسْتَعِيرُ دَيْنَ نَفْسِهِ أَوْ يُبْرِئُهُ الْمُرْتَهِنُ عَنْ دَيْنِهِ فَيُسَلِّمُ الرَّهْنَ لَهُمْ فَيَبِيعُونَ وَيَقْضُونَ حَقَّ غَرِيمِ الْمُعِيرِ وَيَبْقَى الْفَضْلُ لَهُمْ، وَلَوْ بِيعَ بِغَيْرِ رِضَاهُمْ رُبَّمَا لَا يَصِلُ إلَيْهِمْ شَيْءٌ أَوْ يَصِلُ إلَيْهِمْ أَقَلُّ مِمَّا يَصِلُ إلَيْهِ إذَا بَاعُوا بَعْدَ قَضَاءِ الْمُسْتَعِيرِ دَيْنَهُ فَكَانَ أَبَاهُمْ مُفِيدًا فَيَكُونُ مُعْتَبَرًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ وَفَاءٌ بِالدَّيْنِ لَمْ يَبِعْ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْمُرْتَهِنُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ عَيَّنَّ قَدْرًا أَوْ جِنْسًا أَوْ بَلَدًا فَخَالَفَ ضَمَّنَ الْمُعِيرُ الْمُسْتَعِيرَ أَوْ الْمُرْتَهِنَ) أَيْ لَوْ عَيَّنَ الْمُعِيرِ قَدْرَ مَا يَرْهَنُهُ بِهِ أَوْ جِنْسِهِ أَوْ الْبَلَدِ الَّذِي يَرْهَنُهُ فِيهِ فَخَالَفَ كَانَ الْمُعِيرُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُسْتَعِيرَ قِيمَتَهُ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُرْتَهِنَ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتَعَدٍّ فِي حَقِّهِ فَصَارَ الرَّاهِنُ كَالْغَاصِبِ وَالْمُرْتَهِنُ كَغَاصِبِ الْغَاصِبِ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ مُفِيدٌ وَهُوَ نَفْيُ الزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّ غَرَضَهُ الِاحْتِبَاسُ بِمَا تَيَسَّرَ أَدَاؤُهُ وَبَقِيَ النُّقْصَانُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ غَرَضَهُ أَنْ يَصِيرَ مُسْتَوْفِيًا لِلْأَكْثَرِ بِمُقَابَلَتِهِ عِنْدَ الْهَلَاكِ لِيَرْجِعَ عَلَيْهِ بِالْكَثِيرِ وَالنُّقْصَانُ يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ فَيَكُونُ مُتَعَدِّيًا فَيَضْمَنُ إلَّا إذَا عَيَّنَ لَهُ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ فَرَهَنَهُ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ أَوْ أَكْثَرَ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ خِلَافٌ إلَى خَيْرٍ؛ لِأَنَّ غَرَضَهُ مِنْ الرُّجُوعِ عَلَيْهِ بِأَكْثَرَ حَاصِلٌ بِذَلِكَ مَعَ تَيْسِيرِ أَدَائِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْجِعْ إلَّا بِقَدْرِ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ لَمْ يَقَعْ إلَّا بِهِ فَتَعْيِيبُهُ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ غَيْرُ مُفِيدٍ فِي حَقِّهِ بَلْ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَيْهِ لِتَعَسُّرِ أَدَائِهِ. وَكَذَلِكَ التَّقْيِيدُ بِالْجِنْسِ وَالشَّخْصِ وَالْبَلَدِ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مُفِيدٌ لِتَيْسِيرِ بَعْضِ الْأَجْنَاسِ فِي التَّحْصِيلِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 306 دُونَ الْبَعْضِ وَتَفَاوُتِ الْأَشْخَاصِ وَالْبُلْدَانِ فِي الْحِفْظِ وَالْإِعَانَةِ فَيَضْمَنُ بِالْمُخَالَفَةِ فَلَوْ قَالَ ضَمِنَ حَيْثُ كَانَ التَّقْيِيدُ مُفِيدًا لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ، فَإِذَا ضَمَّنَ الْمُسْتَعِيرَ، ثُمَّ عَقَدَ الرَّهْنَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ رَهَنَ مِلْكَ نَفْسِهِ، وَإِنْ ضَمَّنَ الْمُرْتَهِنَ رَجَعَ الْمُرْتَهِنُ بِمَا ضَمِنَ وَبِالدَّيْنِ عَلَى الرَّاهِنِ عَلَى مَا بَيِّنَاهُ فِي الِاسْتِحْقَاقِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ لَهُ مَزِيدُ بَيَانٍ فَرَاجِعْهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ وَافَقَ وَهَلَكَ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ صَارَ مُسْتَوْفِيًا وَوَجَبَ مِثْلُهُ لِلْمُعِيرِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ) ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الرَّهْنِ اسْتِيفَاءٌ وَبِالْهَلَاكِ يَتِمُّ الِاسْتِيفَاءُ فَيَسْقُطُ الدَّيْنُ عَنْ الرَّاهِنِ وَيَضْمَنُ لِلْمُعِيرِ قِيمَتَهُ؛ لِأَنَّهُ قَضَى بِذَلِكَ الْقَدْرَ دَيْنَهُ إنْ كَانَ كُلُّهُ مَضْمُونًا وَإِلَّا يَضْمَنُ قَدْرَ الْمَضْمُونِ وَالْبَاقِي أَمَانَةٌ، وَهَذَا ظَاهِرٌ، وَكَذَا لَوْ نَقَصَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ بِعَيْبٍ أَصَابَهُ يَذْهَبُ مِنْ الدَّيْنِ بِحِسَابِهِ وَيَرْجِعُ الْمُعِيرُ بِذَلِكَ عَلَى الرَّاهِنِ لِمَا ذَكَرْنَا. وَقَوْلُ الْمُؤَلِّفِ وَوَجَبَ مِثْلُهُ لَيْسَ بِظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ الثَّوْبَ مِنْ الْقِيَمِيِّ لَا مِنْ الْمِثْلِيِّ. وَقَوْلُ مُنْلَا مِسْكِينٍ أَيْ وَجَبَ مِثْلُ الدَّيْنِ لِلْمُعِيرِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ كَلَامٌ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ لِلْمُعِيرِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ هُنَا قِيمَةُ الثَّوْبِ. وَلَوْ قَالَ وَجَبَ بَدَلُهُ لَكَانَ أَوْلَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ افْتَكَّهُ الْمُعِيرُ لَا يَمْتَنِعُ الْمُرْتَهِنُ إنْ قَضَى دَيْنَهُ) ؛ لِأَنَّ الْمُعِيرَ غَيْرُ مُتَبَرِّعٍ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ لَا فِيهِ مِنْ تَخْلِيصِ مِلْكِهِ وَلِهَذَا يَرْجِعُ عَلَى الرَّاهِنِ بِمَا أَدَّى الدَّيْنَ. وَقَوْلُهُ لَا يَمْتَنِعُ مَحِلُّهُ إذَا رَهَنَهُ وَحْدَهُ فَلَوْ رَهَنَ مَا اسْتَعَارَهُ مَعَ شَيْءٍ آخَرَ لَمْ يَأْخُذْهُ الْمُعِيرُ إلَّا أَنْ يَقْضِيَ جَمِيعَ الدَّيْنِ، فَإِذَا قَضَى يَأْخُذُ مِلْكَهُ لَا غَيْرُ قَيَّدْنَا بِكَوْنِ الْمُعِيرِ قَضَى الدَّيْنَ؛ لِأَنَّ الْأَجْنَبِيَّ إذَا قَضَى الدَّيْنَ فَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَمْنَعَهُ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ، وَلَيْسَ بِسَاعٍ فِي خَلَاصِ مِلْكِهِ، وَفِي النِّهَايَةِ إذَا افْتَكَّهُ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ بِأَنْ كَانَ الدَّيْنُ الْمَرْهُونُ بِهِ أَكْثَرَ لَا يَرْجِعُ بِالزِّيَادَةِ عَلَى قِيمَتِهِ وَهُوَ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ الْمُعِيرَ مُضْطَرٌّ إلَى دَفْعِ الزِّيَادَةِ لِخَلَاصِ حَقِّهِ فَكَيْفَ يُمْنَعُ مِنْ الرُّجُوعِ مَعَ وُجُودِ التَّضَرُّر وَأَجَابَ فِي النِّهَايَة قَالَ قُلْنَا الضَّمَانُ إنَّمَا وَجَبَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ بِاعْتِبَارِ إيفَاءِ الدَّيْنِ مِنْ مِلْكِهِ فَكَانَ الرُّجُوعُ بِقَدْرِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْإِيفَاءُ فَعَلَى الشَّارِحِ أَنْ يَعْزِيَ لَهُ الْجَوَابَ وَالسُّؤَالُ، وَتَقَدَّمَ بَيَانُ مَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي وَقْتِ الْهَلَاكِ أَوْ اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ مَا أَمَرَهُ بِهِ فَرَاجِعْهُ، وَلَوْ كَانَتْ الْعَارِيَّةُ عَبْدًا فَعَتَقَهُ الْمُعِيرُ نَفَذَ إعْتَاقُهُ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ رَقَبَتَهُ وَالْمُرْتَهِنُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَجَعَ بِالدَّيْنِ عَلَى الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَوْفِي حَقَّهُ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُعِيرَ الْقِيمَةَ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ قَدْ تَعَلَّقَ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ، وَقَدْ أَتْلَفَهُ بِالْإِعْتَاقِ، وَلَوْ اسْتَعَارَ عَبْدًا أَوْ دَابَّةً لِيَرْهَنَهُ فَاسْتَعْمَلَهُ قَبْلَ أَنْ يَرْهَنَهُ ثُمَّ رَهَنَهُ جَازَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا رَهَنَهُ أَزَالَ التَّعَدِّيَ. وَقَدْ بَرِئَتْ ذِمَّتُهُ عَنْ ضَمَانِ الْغَصْبِ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ خَالَفَ، ثُمَّ عَادَ إلَى الْوِفَاقِ فَصَارَ حُكْمُهُ حُكْمَ الرَّهْنِ وَقَدْ هَلَكَ عِنْدَ الرَّاهِنِ بَعْدَ الِاسْتِرْدَادِ وَلَا يَضْمَنُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ أَمِينٌ وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْوَدِيعَةِ عِنْدَهُ لَا حُكْمُ الْعَارِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا حُكْمُ الْعَارِيَّةِ بِانْفِكَاكٍ فَصَارَتْ يَدُهُ يَدَ الْمَالِكِ لِكَوْنِهِ عَامِلًا لِلْمَالِكِ لِتَحْصِيلِ مَقْصُودِهِ وَهُوَ الرُّجُوعُ عِنْدَ الْهَلَاكِ بِخِلَافِ الْمُسْتَعِيرِ؛ لِأَنَّ يَدَهُ يَدُ نَفْسِهِ، وَإِذَا تَعَدَّى لَا يَبْرَأُ مِنْ الضَّمَانِ حَتَّى يُوصِلَهُ إلَى يَدِ الْمَالِكِ عَلَى هَذَا عَامَّةُ الْمَشَايِخِ وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَاخْتَارَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْكَرْخِيُّ وَاخْتَارَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ يَبْرَأُ، وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ إنَّهُ يَبْرَأ الْمُسْتَعِيرُ إذَا زَالَ التَّعَدِّي كَالْوَدِيعَةِ وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ وَهُوَ بِمَسْأَلَةِ الْمُسْتَعِيرِ مُفْلِسًا وَأَرَادَ الْمُعِيرُ الْبَيْعَ وَأَبَى الرَّاهِنُ مِنْ بَيْعِهِ بِيعَ بِغَيْرِ رِضَاهُ؛ لِأَنَّ لَهُ فِي الْحَبْسِ مَنْفَعَةً فَلَعَلَّ الْمُعِيرَ قَدْ يَحْتَاجُ إلَى الرَّهْنِ فَيُخَلِّصُهُ بِالْإِيفَاءِ أَوْ تَزْدَادُ قِيمَتُهُ بِتَغَيُّرِ السِّعْرِ فَيَسْتَوْفِي مِنْهُ حَقَّهُ. وَقَوْلُهُ، وَلَوْ افْتَكَّهُ الْمُعِيرُ لَا يَمْتَنِعُ إلَى آخِرِهِ صَادِقٌ بِمَا إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ قَدْرَ الدَّيْنِ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ، وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَلَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ مِثْلَ الدَّيْنِ فَأَرَادَ الْمُعِيرُ أَنْ يَفْتَكَّهُ جَبْرًا عَنْ الرَّاهِنِ لَمْ يَكُنْ لِلْمُرْتَهِنِ إذَا قَضَى دَيْنَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ جَبْرًا عَنْ الرَّاهِنِ فِي أَثْنَاءِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ تَعَلُّقَاتِ هَذَا الْكِتَابِ وَكَانَ لَفْظُ مُحَمَّدٍ بَدَلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ حِينَ أَعْسَرَ الرَّاهِنُ كَمَا ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ. وَقَدْ نَبَّهَ عَلَيْهِ تَاجُ الشَّرِيعَةِ وَصَاحِبُ الْكِفَايَةِ وَعَنْ هَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ لَعَلَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ جَبْرًا عَنْ الرَّاهِنِ تَصْحِيفٌ عَنْ قَوْلِ مُحَمَّدٍ حِينَ أَعْسَرَ الرَّاهِنُ وَقَعَ مِنْ الْكَاتِبِ وَالْقَارِئِ، وَقَالَ صَاحِبُ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ مَعْنَى قَوْلِهِ جَبْرًا عَنْ الرَّاهِنِ بِغَيْرِ رِضَاهُ وَيُوَافِقُ تَقْرِيرَ صَاحِبِ الْكَافِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ حَيْثُ قَالَ: وَلَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ مِثْلَ الدَّيْنِ فَأَرَادَ الْمُعِيرُ أَنْ يَفْتَكَّهُ جَبْرًا بِغَيْرِ رِضَا الرَّاهِنِ لَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَمْتَنِعَ إذَا قَضَى دَيْنَهُ قَالَ صَاحِبُ الْكِفَايَةِ مَعْنَى قَوْلِهِ فَأَرَادَ الْمُعِيرُ أَنْ يَفْتَكَّهُ جَبْرًا عَنْ الرَّاهِنِ أَرَادَ إنْ يَفْتَكَّهُ نِيَابَةً عَنْ الرَّاهِنِ جَبْرًا عَنْ الْمُرْتَهِنِ، وَقَالَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 307 صَاحِبُ الْعِنَايَةِ قَوْلُهُ افْتَكَّهُ جَبْرًا عَنْ الرَّاهِنِ قِيلَ مَعْنَاهُ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ، وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ، وَقِيلَ نِيَابَةً وَلَعَلَّهُ مِنْ الْجُبْرَانِ يَعْنِي جُبْرَانًا لِمَا فَاتَ عَنْ الرَّهْنِ مِنْ الْقَضَاءِ بِنَفْسِهِ اهـ. أَقُولُ: فِيهِ كَلَامٌ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ مَا اخْتَارَهُ مِنْ الْمَعْنَى لَا يَتَمَشَّى فِيمَا إذَا أَرَادَ أَنْ يَفْتَكَّهُ قَبْلَ حُلُولِ أَجَلِ دَيْنِ الرَّاهِنِ إذَا لَمْ يَفُتْ عَنْ الرَّاهِنِ بِإِزَاءِ ذَاكَ الْقَضَاءِ بِنَفْسِهِ لِعَدَمِ مَجِيءِ أَوَانِهِ حَتَّى يَكُونَ افْتِكَاكُ الْمُعِيرِ الرَّهْنَ هُنَاكَ بِقَضَاءِ دَيْنِ الرَّاهِنِ جُبْرَانًا لِمَا فَاتَ عَنْهُ مِنْ الْقَضَاءِ بِنَفْسِهِ مَعَ أَنَّ تِلْكَ الصُّورَةَ أَيْضًا دَاخِلَةٌ فِي جَوَابِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَمَا لَا يَخْفَى، وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُ لَمْ يُسْمَعْ فِي الْعَرَبِيَّةِ جَبْرٌ عَنْهُ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الْجَبْرِ بِمَعْنَى الْقَهْرِ أَوْ مِنْ الْجَبْرِ بِمَعْنَى الْجُبْرَانِ، وَمَحِلُّ الْإِغْلَاقِ فِي تَرْكِيبِ الْمُصَنِّفِ إنَّمَا هُوَ كَلِمَةُ عَنْ الدَّاخِلَةُ عَلَى الرَّهْنِ لَا لِكَوْنِ الْجَبْرِ بِمَعْنَى الْقَهْرِ إذْ هُوَ مُتَحَقِّقٌ فِي مَسْأَلَتِنَا بِالنَّظَرِ إلَى الْمُرْتَهِنِ وَعَلَى الْمَعْنَى الَّذِي اخْتَارَهُ لَا يَظْهَرُ لِكَلِمَةِ عَنْ مُتَعَلَّقٌ إلَّا أَنْ يُصَارَ إلَى تَقْدِيرٍ لِمَا فَاتَ جُمْلَةً وَجَعْلِهِ كَلِمَةَ عَنْ مُتَعَلِّقَةً بِلَفْظِ فَاتَ الْمُنْدَرِجُ فِي ذَلِكَ وَلَا يَخْفَى بُعْدُهُ جِدًّا فَكَيْفَ يَرْتَكِبُ مَعَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْهُ بِتَقْدِيرِ مُتَعَلَّقِ كَلِمَةِ عَنْ نِيَابَةً وَحْدَهُ كَمَا فَعَلَهُ صَاحِبُ الْكِفَايَةِ. وَظَهَرَ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ أَنَّ قَوْلَ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ مِثْلُ الدَّيْنِ قَيْدٌ اتِّفَاقِيٌّ لَا احْتِرَازِيٌّ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَجِنَايَةُ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ عَلَى الرَّهْنِ مَضْمُونَةٌ) ؛ لِأَنَّ حَقَّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُحْتَرَمٌ فَيَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ مَا أَتْلَفَ عَلَى صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ مَالِكٌ، وَقَدْ تَعَدَّى عَلَيْهِ الْمُرْتَهِنُ فَيَضْمَنُهُ وَالْمُرْتَهِنُ حَقُّهُ لَازِمٌ مُحْتَرَمٌ وَتَعَلَّقَ مِثْلُهُ بِالْمَالِ فَيُجْعَلُ الْمَالِكُ كَالْأَجْنَبِيِّ فِي حَقِّ الضَّمَانِ كَالْعَبْدِ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ إذَا أَتْلَفَهُ الْوَرَثَةُ ضَمِنُوا قِيمَتَهُ لِيَشْتَرِيَ بِهِ عَبْدًا يَقُومُ مَقَامَ الْأَوَّلِ وَلِهَذَا يُمْنَعُ الْمَرِيضُ مِنْ التَّبَرُّعِ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ، ثُمَّ الْمُرْتَهِنُ يَأْخُذُ الضَّمَانَ بِدَيْنِهِ إنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ دَيْنِهِ وَكَانَ الدَّيْنُ حَالًّا، وَإِنْ كَانَ مُؤَجَّلًا يَحْبِسُهُ بِالدَّيْنِ، فَإِذَا حَلَّ بِدَيْنِهِ إنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ وَإِلَّا حَبَسَهُ بِدَيْنِهِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ دَيْنَهُ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُؤَلِّفُ لِمَا إذَا جَنَى الرَّهْنُ عَلَى الْحُرِّ الْأَجْنَبِيِّ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ الْعَبْدُ الرَّهْنُ قَتَلَ رَجُلًا خَطَأً فَهَذَا لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ مِثْلَ الدَّيْنِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ، فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ مِثْلَ الدَّيْنِ فَالرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ يُخَاطَبَانِ بِالدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ؛ لِأَنَّ لِأَحَدِهِمَا حَقِيقَةَ مِلْكٍ وَلِلْآخِرِ حَقٌّ يُضَاهِي حَقِيقَةَ الْمِلْكِ فَانْتَصَبَا خَصْمًا فَاشْتُرِطَ اجْتِمَاعُهُمَا فِي خِطَابِ الدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ، فَإِنْ دَفَعَاهُ بَطَلَ الدَّيْنُ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ زَالَ عَنْ مِلْكِ الرَّاهِنِ بِسَبَبٍ كَانَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ، وَفِي ضَمَانِهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ فَيَتَقَرَّرُ الِاسْتِيفَاءُ. فَإِنْ اخْتَارَ أَحَدُهُمَا الدَّفْعَ وَأَبَى الْآخَرُ لَا يَدْفَعُ؛ لِأَنَّهُ إنْ اخْتَارَ الرَّاهِنُ الدَّفْعَ فَقَدْ رَامَ إزَالَةَ مِلْكِ الرَّاهِنِ بِغَيْرِ رِضَاهُ فَيُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ اخْتَارَ الْفِدَاءَ فَالْفِدَاءُ كُلُّهُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّ الْفِدَاءَ لِدَفْعِ الْهَلَاكِ عَنْ الْعَبْدِ وَأَحْيَا بِهِ حَقَّهُ لِتَطْهِيرِهِ عَنْ الْجِنَايَةِ كَاتِّخَاذِ الدَّوَاءِ لِدَفْعِ الْهَلَاكِ وَثَمَنُ الدَّوَاءِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْهَلَاكَ عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ الْفِدَاءُ وَصَارَ كَالْعَبْدِ الْمَغْصُوبِ إذَا جَنَى فَالْجِنَايَةُ عَلَى الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّ الْهَلَاكَ عَلَيْهِ فَكَذَا هَذَا وَلَا يَرْجِعُ بِالْفِدَاءِ عَلَى الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّهُ قَضَى حَقًّا وَاجِبًا عَلَيْهِ، وَإِنْ فَدَاهُ الرَّاهِنُ كَانَ قَضَاءً بِالدَّيْنِ إنْ بَلَغَ الْفِدَاءُ كُلَّ الدَّيْنِ وَلَا يَبْقَى رَهْنًا، وَإِنْ بَلَغَ بَعْضُهُ فَبِقَدْرِهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَبَرِّعٍ فِي الْفِدَاءِ؛ لِأَنَّ فِيهِ اسْتِصْلَاحَ مِلْكِهِ وَاسْتِخْلَاصَ حَقِّهِ، فَإِنَّ الْعَبْدَ مَشْغُولٌ بِالْجِنَايَةِ وَالْعَبْدُ يَظْهَرُ عَنْ الْجِنَايَةِ وَيَحْيَى مِلْكُهُ وَالْمَالِكُ لَا يُوصَفُ بِالتَّبَرُّعِ فِي إصْلَاحِ مِلْكِهِ وَإِحْيَائِهِ فَقَدْ قَضَى وَاجِبًا عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَهُوَ مُضْطَرٌّ فِيهِ فَكَانَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ كَمَنْ أَعَارَهُ عِنْدَ رَهْنِهِ بِدَيْنِهِ، ثُمَّ قَضَى الْمُعِيرُ دَيْنَ الْمُسْتَعِيرِ يَرْجِعُ بِمَا قَضَى عَلَى الْمُسْتَعِيرِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى تَخْلِيصِ مِلْكِهِ فَيُطَهِّرُهُ عَنْ شَغْلِ الرَّهْنِ فَكَذَا هَذَا، فَإِنْ هَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ بَعْدَمَا فَدَاهُ الرَّاهِنُ يَرُدُّ عَلَى الرَّاهِنِ الْفِدَاءَ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ بَرِيءٌ عَنْ الدَّيْنِ بِالْإِيفَاءِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُوَفِّيًا دَيْنَهُ بِالْفِدَاءِ، قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا إنَّهُ يَرُدُّ الْأَلْفَ الْمُسْتَوْفَاةَ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ وَمَا وُجِدَ بَعْدَ الْأَلْفِ لَمْ يَسْتَنِدْ إلَى وَقْتِ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّ لِلْفِدَاءِ حُكْمَ الْجِنَايَةِ وَالْجِنَايَةُ فِعْلٌ حَقِيقِيٌّ لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ وَالْإِسْنَادُ لَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ التَّصَرُّفَاتِ الَّتِي لَا تَحْتَمِلُ النَّقْضَ فَاحْتَمَلَ فَاقْتَصَرَ الِاسْتِيفَاءُ بِالْهَلَاكِ عَلَى الْحَالِ، وَإِنْ كَانَ الِاسْتِيفَاءُ بِالْهَلَاكِ آخِرَهُمَا فَيَرُدُّ مَا اسْتَوْفَاهُ آخِرًا وَصَارَ كَمَا. لَوْ رَهَنَ بِالْمَهْرِ أَوْ بِبَدَلِ الْخُلْعِ، ثُمَّ اسْتَوْفَى الْمُرْتَهِنُ دَيْنَهُ، ثُمَّ هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِهِ يَرُدُّ مَا قَبَضَ؛ لِأَنَّ قَضَاءَ الْمَهْرِ يَحْتَمِلُ النَّقْضَ، وَإِنْ كَانَ سَبَبُ وُجُوبِ الدَّيْنِ لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ وَهُوَ النِّكَاحُ وَالْخُلْعُ فَكَذَا هَذَا كُلُّهُ إذَا اخْتَارَ الْفِدَاءَ أَوْ الدَّفْعَ، فَإِنْ اخْتَارَ أَحَدُهُمَا الْفِدَاءَ وَالْآخَرُ الدَّفْعَ فَالْفِدَاءُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الَّذِي اخْتَارَ الدَّفْعَ مُتَعَنِّتٌ فِيهِ أَمَّا الرَّاهِنُ فَلِأَنَّ فِي الدَّفْعِ إبْطَالَ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ فِي الْحَبْسِ وَلَا يَزُولُ مِلْكُهُ عَنْ الْعَبْدِ وَيَزُولُ مِلْكُهُ عَنْ الْفِدَاءِ إلَى خَلَفٍ، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 308 فَكَانَ الْفِدَاءُ لَهُ أَنْفَعَ مِنْ الدَّفْعِ وَالْمُرْتَهِنُ بِالدَّفْعِ قَصَدَ إلْحَاقَ الضَّرَرِ بِالرَّاهِنِ مِنْ غَيْرِ نَفْعٍ يَحْصُلُ لَهُ؛ لِأَنَّ دَيْنَهُ يَسْقُطُ فِي الْحَالَيْنِ، وَفِي الدَّفْعِ إزَالَةُ مِلْكِ الرَّاهِنِ، وَفِي الْفِدَاءِ إبْقَاؤُهُ عَلَى مِلْكِهِ فَكَانَ مُتَعَنِّتًا وَلَا عِبْرَةَ لِاخْتِيَارِ الْمُتَعَنِّتِ، هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ مِثْلَ الدَّيْنِ أَوْ أَقَلَّ، فَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ بِأَنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْعَبْدِ أَلْفَيْنِ وَالدَّيْنُ أَلْفٌ، فَإِنْ اخْتَارَ الْفِدَاءَ فَالْفِدَاءُ عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ؛ لِأَنَّ نِصْفَهُ مَضْمُونٌ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَنِصْفُهُ أَمَانَةٌ عِنْدَهُ فَيُقَدَّرُ الضَّمَانُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَتُقَدَّرُ الْأَمَانَةُ عَلَى الرَّاهِنِ اعْتِبَارًا لِلْبَعْضِ بِالْكُلِّ، فَإِنْ فَدَاهُ الرَّاهِنُ فَهُوَ مُتَبَرِّعٌ إنْ كَانَ الرَّاهِنُ حَاضِرًا، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا يَرْجِعُ عَلَى الرَّاهِنِ بِنِصْفِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَعِنْدَهُمَا لَا يَرْجِعُ فِي الْحَالَيْنِ؛ لِأَنَّهُ قَضَى دَيْنًا عَنْ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ وَهُوَ غَيْرُ مُضْطَرٍّ فِيهِ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ يُجْبَرُ عَلَى فِدَاءِ النِّصْفِ مَتَى أَجَازَ الْمُرْتَهِنُ الْفِدَاءَ وَلَا يَصْلُحُ مِلْكُهُ وَلَا يَحْيَى حَقُّهُ؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ فِي الْعَبْدِ وَلَا حَقَّ لَهُ فِي نِصْفِ الْأَمَانَةِ وَلَا كَذَلِكَ الرَّاهِنُ وَلَهُ أَنَّ لِلْمُرْتَهِنِ فِي نِصْفِ الْأَمَانَةِ حَقَّ الْحَبْسِ وَالْإِمْسَاكِ إنْ لَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا عَلَيْهِ وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَى إحْيَاءِ حَقِّهِ وَإِصْلَاحِهِ، وَفِي الْفِدَاءِ إحْيَاءُ حَقِّهِ مِنْ وَجْهٍ، فَإِنَّهُ يَصِلُ إلَى حَقِّهِ بِإِمْسَاكِهِ فَيَكُونُ مُحْتَاجًا إلَى الْفِدَاءِ فَلَا يُوصَفُ بِالتَّبَرُّعِ فَيَحْتَاجُ إلَى الْفِدَاءِ، وَلَوْ فَدَاهُ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ غَائِبٌ لَمْ يَكُنْ مُتَطَوِّعًا اتِّفَاقًا وَخَرَجَ عَنْ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّهُ يُصْلِحُ مِلْكَ نَفْسِهِ وَيُحْيِي حَقَّهُ. وَالْمَالِكُ فِي إصْلَاحِ مِلْكِهِ لَا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْمُرْتَهِنُ أَنْ يُؤَدِّيَ نِصْفَ الْفِدَاءِ، وَلَوْ دَفَعَهُ الرَّاهِنُ فَلِلْمُرْتَهِنِ إنْ حَضَرَ أَنْ يُبْطِلَ دَفْعَهُ وَيَفْدِيَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِالدَّفْعِ لِمَا بَيَّنَّا. وَإِذَا رَهَنَ عَبْدًا قِيمَتُهُ أَلْفٌ بِأَلْفٍ فَفَقَأَ عَيْنَيْ عَبْدٍ قِيمَتُهُ أَلْفٌ فَدَفَعَ بِهِ وَأَخَذَ الْأَعْمَى فَهُوَ رَهْنٌ بِأَلْفٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَدْفَعُ الْعَبْدَ بِجِنَايَتِهِ وَالْعَبْدُ الْمَدْفُوعُ يُقَوَّم صَحِيحًا وَأَعْمَى فَيَبْطُلُ مِنْ الرَّهْنِ بِقَدْرِهِ، وَإِنْ كَانَ ثُلُثَانِ فَيَبْطُلُ ثُلُثَا الدَّيْنِ وَيَصِيرُ الْأَعْمَى رَهْنًا بِمَا بَقِيَ مِنْ الدَّيْنِ، وَإِنْ شَاءَ الرَّاهِنُ سَلَّمَهُ لِلْمُرْتَهِنِ بِمَا بَقِيَ مِنْ الدَّيْنِ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِمَا بَقِيَ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْجُثَّةَ الْعَمْيَاءَ تَقُومُ مَقَامَ الصَّحِيحَةِ لَحْمًا وَدَمًا، وَكَذَلِكَ تَقُومُ مَقَامَ الْقِيمَةِ لُزُومًا وَحَتْمًا حَتَّى لَا يَكُونَ لِصَاحِبِ الْجُثَّةِ الْعَمْيَاءِ أَنْ يُمْسِكَ الْجُثَّةَ وَيَضْمَنَ النُّقْصَانَ فَيَصِيرَ كَأَنَّ التَّامَّةَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ إلَّا أَنَّهُ اُنْتُقِصَتْ قِيمَتُهُ بِتَرَاجُعِ السِّعْرِ فَيَبْقَى بِجَمِيعِ الدَّيْنِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قِيمَةُ الْجُثَّةِ الْعَمْيَاءِ لَا تَقُومُ مَقَامَ الْجُثَّةِ وَالْعَيْنَيْنِ جَمِيعًا وَلَا تَكُونُ بَدَلًا عَنْهُمَا حَتَّى إنَّ لَهُ أَنْ يُمْسِكَ الْجُثَّةَ وَيَرْجِعَ بِقِيمَةِ النُّقْصَانِ فَكَذَلِكَ الْعَبْدُ الْجَانِي يَكُونُ بَعْضُهُ بِإِزَاءِ الْجُثَّةِ وَبَعْضُهُ بِإِزَاءِ الْعَيْنَيْنِ فَمَا كَانَ بِإِزَاءِ الْعَيْنَيْنِ فَاتَ لَا إلَى بَدَلٍ وَمَا كَانَ بِإِزَاءِ الْجُثَّةِ فَاتَ إلَى بَدَلِهِ فَسَقَطَ مَا كَانَ بِإِزَاءِ الْعَيْنَيْنِ وَيَبْقَى مَا كَانَ بِإِزَاءِ الْجُثَّةِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ كَذَلِكَ الْقِيمَةُ بِإِزَاءِ الْجُثَّةِ وَالْعَيْنَيْنِ مَتَى اخْتَارَ الْمَفْقُوءُ عَيْنَيْهِ إمْسَاكَ الْجُثَّةِ وَتَضْمِينَ النُّقْصَانِ. فَأَمَّا إذَا اخْتَارَ دَفْعَ الْجُثَّةِ وَأَخْذَ الْجَانِيَ فَالْجَانِي كُلُّهُ يَكُونُ بَدَلًا عَنْ الْعَيْنَيْنِ لَا عَنْ الْجُثَّةِ؛ لِأَنَّ الْجَانِيَ إنَّمَا وَجَبَ دَفْعُهُ بِسَبَبِ الْجِنَايَةِ فَيَقُومُ مَقَامَ الْفَائِتِ بِالْجِنَايَةِ وَالْفَائِتُ بِالْجُثَّةِ الْعَيْنَانِ لَا الْجُثَّةُ وَكَانَ كَمَا لَوْ فَقَأَ عَيْنًا وَاحِدَةً وَأَخَذَ نِصْفَ قِيمَةِ الْمَفْقُوءِ كَانَ الْمَأْخُوذُ بَدَلًا عَنْ الْفَائِتِ فَكَذَا إذَا فَقَأَ الْعَيْنَيْنِ إلَّا أَنَّ بَدَلَ الْعَيْنَيْنِ بَدَلُ جَمِيعِ الرَّقَبَةِ كَمَا فِي الْحُرِّ وَالْأَصْلُ إنْ تَوَفَّرَ عَلَى الْمَالِكِ بَدَلُ مِلْكِهِ، فَإِنَّهُ يُزَالُ الْمُبْدَلُ عَنْ مِلْكِهِ حَتَّى لَا يَجْتَمِعَ الْبَدَلُ وَالْمُبْدَلُ فِي مِلْكٍ وَاحِدٍ، وَقَدْ تَعَذَّرَ إزَالَةُ الْعَيْنِ عَنْ مِلْكِ الْمَفْقُوءَةِ لِفَوَاتِهَا عَنْ مِلْكِهِ فَجَعَلْنَا الْجُثَّةَ قَائِمَةً مَقَامَ الْعَيْنَيْنِ وَالْمَدْفُوعُ كَانَ بِإِزَاءِ الْعَيْنَيْنِ فَصَارَ الرَّهْنُ فَائِتًا إلَى خَلَفٍ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ قِيمَةً فَيَبْقَى بِجَمِيعِ الدَّيْنِ عَبْدُ الرَّهْنِ أَتْلَفَ مَتَاعًا لِرَجُلٍ يُبَاعُ فِيهِ، فَإِنْ بَقِيَ مِنْ ثَمَنِهِ شَيْءٌ فَهُوَ رَهْنٌ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ بَعْضِ الرَّهْنِ فَيَقُومُ مَقَامَ الْمُبْدَلِ كَأَرْشِ طَرَفِهِ، فَإِنْ بَقِيَ شَيْءٌ فَهُوَ لِلْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّهُ بِالْبَيْعِ صَارَ كَالْهَالِكِ فِي حَقِّهِ فَصَارَ مُسْتَوْفِيًا وَمُتَمَلِّكًا لَهُ فَيَكُونُ الثَّمَنُ بَدَلَ مِلْكِهِ فَيَكُونُ لَهُ. وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُؤَلِّفُ لِمَسَائِلِ جِنَايَةِ الرَّهْن بِالْحَفْرِ، وَفِي الْمَبْسُوطِ رَهَنَ عَبْدًا بِأَلْفٍ فَحَفَرَ الْعَبْدُ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ بِئْرًا فِي الطَّرِيقِ، ثُمَّ افْتَكَّ الرَّهْنَ وَأَخَذَ الْعَبْدَ فَهُوَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: إمَّا أَنْ وَقَعَ فِيهَا دَابَّةٌ، ثُمَّ دَابَّةٌ أَوْ وَقَعَ فِيهَا إنْسَانٌ، ثُمَّ إنْسَانٌ أَوْ وَقَعَ فِيهَا إنْسَانٌ، ثُمَّ دَابَّةٌ، فَإِنْ وَقَعَ فِيهَا دَابَّةٌ وَتَلِفَتْ وَهِيَ تُسَاوِي أَلْفًا فَالْعَبْدُ يُبَاعُ فِي الدَّيْنِ إلَّا أَنْ يَفْدِيَهُ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ أَتْلَفَ الدَّابَّةَ بِالْحَفْرِ وَالْعَبْدُ إذَا أَتْلَفَ مَالَ إنْسَانٍ يُقَالُ لِمَوْلَاهُ إمَّا أَنْ تَبِيعَ الْعَبْدَ أَوْ تَقْضِيَ دَيْنَهُ. فَإِنْ بَاعَ الْعَبْدَ بِأَلْفٍ وَأَخَذَهَا صَاحِبُ الدَّابَّةِ يَرْجِعُ الرَّاهِنُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ بِالدَّيْنِ الَّذِي قَضَاهُ، فَإِنَّ الْعَبْدَ تَلِفَ فِي ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّهُ زَالَ عَنْ مِلْكِ الْمَوْلَى بِسَبَبٍ تَحَقَّقَ فِي مِلْكِ الْمُرْتَهِنِ فَيُعْتَبَرُ كَمَا لَوْ زَالَ عَنْ مِلْكِهِ بِالْمَوْتِ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ، وَقَدْ اسْتَوْفَى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 309 دَيْنَهُ قَبْلَ ذَلِكَ فَيَرْجِعُ الرَّاهِنُ عَلَيْهِ بِمَا قَبَضَهُ بِحَقِيقَةِ الِاسْتِيفَاءِ وَصَارَ كَالْعَبْدِ الْمَغْصُوبِ إذَا حَفَرَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ بِئْرًا فِي الطَّرِيقِ، ثُمَّ رَدَّهُ عَلَى مَوْلَاهُ، ثُمَّ تَلِفَ فِي الْبِئْرِ دَابَّةٌ فَالْحُكْمُ كَمَا وَصَفّنَا فَكَذَا هَذَا، وَإِنْ وَقَعَ فِي الْبِئْرِ دَابَّةٌ أُخْرَى قِيمَتُهَا أَلْفٌ شَارَكَ صَاحِبَ الدَّابَّةِ الْأُولَى وَيَأْخُذُ نِصْفَ مَا أَخَذَهُ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُتْلِفًا الدَّابَّتَيْنِ بِالْحَفْرِ مِنْ وَقْتِ تَسَبَّبَا؛ لِأَنَّهُ لَا فِعْلَ لَهُ سِوَى الْحَفْرِ فَكَانَ سَبَبُ تَلَفِ الدَّابَّتَيْنِ الْحَفْرَ فَصَارَ مُتْلِفًا الدَّابَّتَيْنِ مَعًا فَصَارَتْ قِيمَتُهُمَا دَيْنًا عَلَى الْعَبْدِ وَلَا يَرْجِعُ الْمَوْلَى عَلَى الرَّاهِنِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي ثَمَنِ الْعَبْدِ وَاكْتِسَابَهُ وَمَا أَخَذَهُ الرَّاهِنُ مِنْ الْمُرْتَهِنِ لَيْسَ ثَمَنَ الْعَبْدِ وَلَا كَسْبَهُ. وَأَمَّا إذَا أَتْلَفَ فِيهَا إنْسَانٌ فَدَفَعَ الْعَبْدَ بِهِ رَجَعَ الرَّاهِنُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ بِمَا قَضَاهُ مِنْ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ تَلِفَ بِسَبَبٍ كَانَ فِي يَدِهِ فَيَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا الدَّيْنَ مِنْ وَقْتِ الرَّهْنِ اسْتَوْفَى مَرَّةً أُخْرَى قَبْلَ ذَلِكَ فَيَلْزَمُهُ رَدُّ أَحَدِ الدِّيَتَيْنِ، فَإِنْ تَلِفَ فِيهَا إنْسَانٌ آخَرُ بَعْدَمَا دَفَعَ الْعَبْدَ فَوَلَّى الثَّانِي يُشَارِكُ الْأَوَّلُ فِي الْعَبْدِ لِمَا بَيَّنَّا، فَإِذَا وَقَعَ فِيهَا دَابَّةٌ فَبِيعَ الْعَبْدُ وَصُرِفَ ثَمَنُهُ إلَى صَاحِبِهَا، ثُمَّ وَقَعَ إنْسَانٌ فَمَاتَ فَدَمُهُ هَدَرٌ وَكَانَ يَجِبُ أَنْ يُنْقَضَ الْبَيْعُ، ثُمَّ يُدْفَعَ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ ثُمَّ يُبَاعَ بِدَيْنِ الْعَبْدِ. وَالْجَوَابُ عَنْهُ إنْ نُقِضَ الْبَيْعُ لَا يُفِيدُ؛ لِأَنَّا لَوْ نَقَضْنَاهُ احْتَجْنَا إلَى إعَادَةِ مِثْلِهِ ثَانِيًا فَيَكُونُ اشْتِغَالًا مِنْ الْقَاضِي بِمَا لَا يُفِيدُ وَالْقَاضِي لَا يَشْتَغِلُ بِمَا لَا يُفِيدُ. وَأَمَّا إذَا وَقَعَ فِيهَا آدَمِيٌّ وَمَاتَ فَدُفِعَ الْعَبْدُ بِالْجِنَايَةِ، ثُمَّ وَقَعَ فِيهَا دَابَّةٌ فَيُقَالُ لِوَلِيِّ الْقَتِيلِ إمَّا أَنْ تَبِيعَ الْعَبْدَ أَوْ تَقْضِيَ الدَّيْنَ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَتَيْنِ اسْتَنَدَتَا إلَى وَقْتِ الْحَفْرِ فَكَأَنَّهُمَا وَقَعَا مَعًا فَيُدْفَعُ الْعَبْدُ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ وَيُخَيَّرُ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالْفِدَاءِ فَكَذَا هَذَا وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ يَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ أَوَّلًا أَنَّ الْعَبْدَ إذَا جَنَى إمَّا أَنْ تَكُونَ جِنَايَتُهُ عَلَى آدَمِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ مَالِ حَيَوَانٍ أَوْ غَيْرِهِ وَيَخْتَلِفُ الْحُكْمُ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ إذَا جَنَى الْعَبْدُ عَلَى آدَمِيٍّ جِنَايَةً مُوجِبَةً لِلْمَالِ فَمَوْلَاهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ دَفَعَهُ بِهَا، وَإِنْ شَاءَ فَدَاهُ بِدَفْعِ أَرْشِهَا وَفَرَّقَ بَيْنَ جِنَايَتِهِ عَلَى آدَمِيٍّ وَجِنَايَتُهُ عَلَى الْمَالِ فَفِي الْجِنَايَةِ عَلَى الْآدَمِيِّ يُخَيَّرُ الْمَوْلَى بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ، وَفِي جِنَايَتِهِ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ يُخَيَّرُ الْمَوْلَى بَيْنَ الْبَيْعِ وَدَفْعِ الثَّمَنِ وَبَيْنَ فِدَائِهِ فَفِي حَفْرِ الْبِئْرِ فِي الطَّرِيقِ مَثَلًا إذَا وَقَعَ فِيهَا دَابَّةٌ مَثَلًا فَتَلِفَتْ فَبَاعَ الْمَوْلَى الْعَبْدَ وَدَفَعَ ثَمَنَهُ فِي الْجِنَايَةِ لِرَبِّ الدَّابَّةِ، ثُمَّ تَلِفَتْ فِيهَا دَابَّةٌ أُخْرَى يَتْبَعُ رَبُّ الدَّابَّةِ الثَّانِيَةِ رَبَّ الدَّابَّةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَمَّا بَاعَهُ وَدَفَعَ ثَمَنَهُ فَقَدْ فَعَلَ مَا هُوَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ وَخَرَجَ مِنْ الْعُهْدَةِ فَلَمَّا وَقَعَ الْآدَمِيُّ ثَانِيًا فَقَدْ هَدَرَ دَمُهُ لِتَعَذُّرِ الطَّلَبِ عَلَى الْمَالِكِ بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْ الْعُهْدَةِ وَثَمَنُهُ قَامَ مَقَامَ مُخَلِّصِ الْعَبْدِ لِلْمُشْتَرِي، وَفِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ لَمَّا دَفَعَهُ بِعَيْنِهِ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى، ثُمَّ وَقَعَ فِي الْبِئْرِ إنْسَانٌ آخَرُ وَالْعَبْدُ بِعَيْنِهِ بَاقٍ فِي مِلْكِ صَاحِبِ الْجِنَايَةِ الْأُولَى، وَقَدْ تَجَدَّدَ عَلَيْهِ جِنَايَةٌ بِوُقُوعِ الثَّانِي فِيهِ وَتَلِفَ بِسَبَبِ حَفْرِهِ السَّابِقِ، وَقَدْ دَفَعَ بِعَيْنِهِ لِلْأَوَّلِ فَيُخَاطَبُ مَالِكُهُ، وَفِي الْجِنَايَةِ الْأُولَى بِمَا هُوَ الْأَصْلُ مِنْ الدَّافِعِ أَوْ الْفِدَاءِ وَيَتَّجِهُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَتَيْنِ اسْتَنَدَتَا إلَى وَقْتِ الْحَفْرِ إلَى آخِرِهِ هَذَا،. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَا يُهْدَرُ دَمُهُ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْمَبْسُوطِ فِي جِنَايَةِ الْعَبْدِ فِي الْحَفْرِ لَوْ حَفَرَ عَبْدٌ بِئْرًا فِي الطَّرِيقِ فَأَعْتَقَ فَأُوقِعَ فِيهِ رَجُلٌ فَمَاتَ فَعَلَى الْمَوْلَى قِيمَتُهُ لِجِنَايَتِهِ فِي مِلْكِهِ، ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ وَقَعَ فِيهَا آخَرُ اشْتَرَكَا فِي الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ بِالْإِعْتَاقِ أَتْلَفَ رَقَبَةً وَاحِدَةً فَعَلَيْهِ قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ فَهِيَ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ وَقَعَ فِيهَا الْعَبْدُ نَفْسُهُ فَوَارِثُهُ يُشَارِكُ الْأَوَّلَ فِي مِلْكِ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ بَعْدَ الْعِتْقِ ظَهَرَ فِي تِلْكَ الْجِنَايَةِ وَصَارَ كَغَيْرِهِ مِنْ الْأَجَانِبِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ دَمَهُ هَدَرٌ وَالْأَصْلُ أَنَّ الْعَبْدَ لَوْ حَفَرَ بِئْرًا فِي الطَّرِيقِ، ثُمَّ أَعْتَقَ، ثُمَّ وَقَعَ فِيهَا فَمَاتَ فَدَمُهُ هَدَرٌ؛ لِأَنَّهُ كَجَانٍ عَلَى نَفْسِهِ وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّ عَلَى الْمَوْلَى قِيمَتَهُ لِوَرَثَتِهِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَمَّا عَتَقَ ظَهَرَ مِنْ الْجِنَايَةِ عَبْدَانِ حَفَرَا بِئْرًا فِي الطَّرِيقِ فَوَقَعَ فِيهَا عَبْدُ الرَّهْنِ فَدُفِعَا بِهِ، ثُمَّ وَقَعَ أَحَدُهُمَا فِيهَا فَمَاتَ بَطَلَ نِصْفُ الدَّيْنِ وَهَدَرَ دَمُهُ؛ لِأَنَّهُمَا قَامَا مَقَامَ الْعَبْدِ الْأَوَّلِ وَأَخَذَا حُكْمَ الْأَوَّلِ، وَلَوْ وَقَعَ الْعَبْدُ الْأَوَّلُ فِي الْبِئْرِ وَذَهَبَ نِصْفُهُ بِأَنْ ذَهَبَتْ عَيْنُهُ أَوْ شُلَّتْ يَدُهُ وَسَقَطَ نِصْفُ الدَّيْنِ فَكَذَا هَذَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَجِنَايَةُ الرَّهْنِ عَلَيْهِمَا وَعَلَى مَالِهِمَا هَدَرٌ) وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْإِطْلَاقَ غَيْرُ ظَاهِرٍ، وَلَوْ قَالَ الْمُؤَلِّفُ وَجِنَايَتُهُ عَلَى الرَّهْنِ الْمُوجِبَةِ لِلْمَالِ وَعَلَى مَالِهِ هَدَرٌ وَعَلَى الْمُرْتَهِنِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ أَوْ فِي مَالِهِ هَدَرٌ كَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ عَلَى الرَّاهِنِ الْمُوجِبَةَ لِلْقِصَاصِ مُعْتَبَرَةٌ فِي النَّفْسِ وَالْأَطْرَافِ فِيمَا تُوجِبُهُ وَعَلَى الْمُرْتَهِنِ فِي النَّفْسِ الْمُوجِبَةِ لِلْقِصَاصِ مُعْتَبَرَةٌ. وَمَحِلُّ كَوْنِهَا هَدَرًا فِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ حَيْثُ لَا فَضْلَ فِي قِيمَتِهِ عِنْدَ الْإِمَامِ قَالَ الشَّارِحُ أَطْلَقَ الْجَوَابَ وَالْمُرَادُ جِنَايَةٌ لَا تُوجِبُ الْقِصَاصَ، وَإِنْ كَانَتْ تُوجِبُهُ مُعْتَبَرَةٌ حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ، أَمَّا الْمُرْتَهِنُ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ عَنْهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 310 وَكَذَا الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ كَالْأَجْنَبِيِّ عَنْهُ فِي حَقِّ الدَّمِ إذَا لَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِهِ لَا مِنْ حَيْثُ الْمَالِيَّةُ، أَلَا تَرَى أَنَّ إقْرَارَ الْمَوْلَى عَلَيْهِ بِالْجِنَايَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْقِصَاصِ بَاطِلٌ وَإِقْرَارَ الْعَبْدِ بِهَا جَائِزٌ، وَالْإِقْرَارُ بِالْمَالِ عَلَى عَكْسِهِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ مِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ صَارَ أَجْنَبِيًّا عَنْهُ بِخِلَافِ مَا يُوجِبُ الْمَالَ؛ لِأَنَّ مَالِيَّتَهُ مِلْكُ الْمَوْلَى وَيَسْتَحِقُّ الْمُرْتَهِنُ فَلَا فَائِدَةَ فِي اعْتِبَارِهَا إذْ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ مُحَالٌ بِخِلَافِ جِنَايَةِ الْمَغْصُوبِ عَلَى الْمَغْصُوبِ مِنْهُ حَيْثُ تُعْتَبَرُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ عِنْدَ أَدَاءِ الضَّمَانِ يَثْبُتُ لِلْغَاصِبِ مُسْتَنَدًا حَتَّى يَكُونَ الْكَفَنُ عَلَى الْغَاصِبِ فَكَانَتْ كَجِنَايَتِهِ عَلَى غَيْرِ مِلْكِهِ فَاعْتُبِرَتْ، وَهَذَا الْحُكْمُ فِيهَا فِيمَا إذَا كَانَتْ جِنَايَةُ الرَّهْنِ مُوجِبَةً لِلدَّيْنِ عَلَى الْعَبْدِ لَا دَفْعِ الرَّقَبَةِ بِأَنْ كَانَتْ عَلَى غَيْرِ الْآدَمِيِّ فِي النَّفْسِ خَطَأً أَوْ فِيمَا دُونَهَا فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا إنْ كَانَتْ جِنَايَتُهُ عَلَى الرَّاهِنِ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى الْمُرْتَهِنِ فَمُعْتَبَرَةٌ؛ لِأَنَّ فِي اعْتِبَارِهَا فَائِدَةَ تَمَلُّكِ رَقَبَةِ الْعَبْدِ، وَالْمُرْتَهِنُ غَيْرُ مَالِكٍ حَقِيقَةً فَكَانَتْ جِنَايَةُ الْمُرْتَهِنِ عَلَيْهِ جِنَايَةً عَلَى غَيْرِ الْمَالِكِ غَيْرَ أَنَّهَا سَقَطَتْ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِي جِنَايَةٍ لَا تُوجِبُ دَفْعَ الْعَبْدِ لِمَا ذَكَرْنَا، وَهَذِهِ أَفَادَتْ مِلْكَ رَقَبَةِ الْعَبْدِ، وَإِنْ كَانَ دَيْنُهُ يَسْقُطُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَخْتَارُ مِلْكَ رَقَبَةِ الْعَبْدِ وَرُبَّمَا يَكُونُ بَقَاءُ الدَّيْنِ أَنْفَعَ لَهُ فَيَخْتَارُ أَيَّهُمَا شَاءَ. ثُمَّ إذَا اخْتَارَ أَخَذَهُ وَوَافَقَهُ الرَّاهِنُ عَلَى ذَلِكَ بَطَلَ الرَّهْنُ بِسُقُوطِ الدَّيْنِ بِهَلَاكِهِ؛ لِأَنَّ دَفْعَهُ بِالْجِنَايَةِ يُوجِبُ هَلَاكَهُ عَلَى الرَّاهِنِ فَيَسْقُطُ بِهِ الدَّيْنُ وَلِهَذَا لَوْ جَنَى عَلَى الْأَجْنَبِيِّ فَدَفَعَ بِهَا سَقَطَ الدَّيْنُ، وَإِنْ لَمْ يَدْفَعْ بِالْجِنَايَةِ فَهُوَ رَهْنٌ عَلَى حَالِهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ هَذِهِ الْجِنَايَةَ لَوْ اعْتَبَرْنَاهَا لِلْمُرْتَهِنِ كَانَ عَلَيْهِ التَّطْهِيرُ مِنْ الْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّهَا حَصَلَتْ فِي ضَمَانِهِ فَلَا تُفِيدُ وُجُوبَ الضَّمَانِ مَعَ وُجُوبِ التَّخْلِيصِ عَلَيْهِ، وَهَذَا الِاخْتِلَافُ نَظِيرُ الِاخْتِلَافِ فِي الْعَبْدِ الْمَغْصُوبِ، فَإِنَّ جِنَايَتَهُ عَلَى الْغَاصِبِ لَا تُعْتَبَرُ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا تُعْتَبَرُ وَمَا ذَكَرَا مِنْ الْفَائِدَةِ غَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ أَخْذَ الْعَبْدِ بِالْجِنَايَةِ لَا يَكُونُ إلَّا بِاخْتِيَارِ الْمَالِكِ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ، فَإِنْ كَانَتْ جِنَايَتُهُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ مُعْتَبَرَةً بِحِسَابِهَا؛ لِأَنَّ الزَّائِدَ أَمَانَةٌ فَصَارَ كَجِنَايَةِ الْعَبْدِ الْمُودَعِ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ جِنَايَتَهُ عَلَى أَوْلَادِهِمَا مُعْتَبَرَةٌ فَلَوْ جَنَى الرَّهْنُ عَلَى ابْنِ الرَّاهِنِ أَوْ عَلَى ابْنِ الْمُرْتَهِنِ فَهِيَ مُعْتَبَرَةٌ فِي الصَّحِيحِ حَتَّى يُدْفَعَ بِهَا أَوْ يُفْدَى، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى الْمَالِ فَيُبَاعُ كَمَا إذَا جَنَى عَلَى الْأَجْنَبِيِّ إذْ هُوَ أَجْنَبِيٌّ كَسَائِرِ الْأَمْلَاكِ هَذَا. وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُؤَلِّفُ لِبَقِيَّةِ الْجِنَايَةِ الَّتِي تَكُونُ هَدَرًا أَوْ لِجِنَايَةِ بَعْضِ الرَّهْنِ عَلَى بَعْضٍ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ أَصْلُهُ أَنَّ جِنَايَةَ الْمَشْغُولِ عَلَى الْمَشْغُولِ هَدَرٌ لَكِنْ يَسْقُطُ الدَّيْنُ فِي الْمَجْنِيِّ بِقَدْرِهِ. وَجِنَايَةُ الْمَشْغُولِ عَلَى الْفَارِغِ وَالْفَارِغُ عَلَى الْفَارِغِ وَجِنَايَةُ الْفَارِغِ عَلَى الْمَشْغُولِ مُعْتَبَرَةٌ وَيَنْتَقِلُ مَا فِي الْمَشْغُولِ مِنْ الدَّيْنِ إلَى الْفَارِغِ فَيَصِيرُ رَهْنًا مَكَانَهُ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ إنَّمَا تُعْتَبَرُ لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ فِي الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ لَا لِحَقِّ الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّ كِلَاهُمَا مِلْكُهُ وَاعْتِبَارُ الْجِنَايَةِ لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ لَا يُفِيدُ إلَّا فِي جِنَايَةِ الْفَارِغِ عَلَى الْمَشْغُولِ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تُعْتَبَرُ لِيَشْتَغِلَ الْجَانِي بِمَا كَانَ مِنْ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَهُوَ الْحَبْسُ، وَهَذَا ثَابِتٌ قَبْلَ الْجِنَايَةِ، فَإِنَّ الْجَانِيَ كَانَ مَحْبُوسًا بِالدَّيْنِ الَّذِي كَانَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ مَحْبُوسًا بِهِ وَلِهَذَا جِنَايَةُ الْفَارِغِ عَلَى الْفَارِغِ هَدَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا شَغْلَ فِيهَا بِحَقِّ الْحَبْسِ، وَإِذَا لَمْ يُفِدْ اعْتِبَارَهَا صَارَ كَأَنَّهُ فَاتَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ، فَإِنَّ جِنَايَةَ الْفَرَاغِ عَلَى الْمَشْغُولِ تُفِيدُ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ تَحَوَّلَ إلَيْهِ مِنْ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فَقَامَ مَقَامَهُ ثُمَّ الْمَسَائِلُ عَلَى فُصُولٍ: أَحَدُهَا فِي الْجِنَايَةِ عَلَى الرَّهْنِ، وَالثَّانِي فِي جِنَايَةِ وَلَدِ الرَّهْنِ، وَالثَّالِثُ فِي جِنَايَةِ الرَّهْنِ الْمُسْتَعَارِ. وَإِذَا ارْتَهَنَ دَابَّتَيْنِ فَأَتْلَفَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى ذَهَبَ مِنْ الدَّيْنِ بِحِسَابِهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ الرَّهْنُ عَبْدَيْنِ فَقَتَلَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ يَتَحَوَّلُ بَيْنَ الْمَقْتُولِ إلَى الْقَاتِلِ؛ لِأَنَّ جِنَايَةَ الْعَجْمَاءِ جُبَارٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «جُرْحُ الْعَجْمَاءِ جُبَارٌ» فَكَانَ قَتْلُ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى بِمَنْزِلَةِ مَوْتِهَا حَتْفَ أَنْفِهَا وَأَمَّا جِنَايَةُ الرَّقِيقِ عَلَى الرَّقِيقِ فَمُعْتَبَرَةٌ حَتَّى يَجِبَ الْقِصَاصُ أَوْ يَجِبَ الدَّفْعُ أَوْ الْفِدَاءُ فَقَامَ الْقَاتِلُ مَقَامَ الْمَقْتُولِ فَيَتَحَوَّلُ دَيْنُ الْمَقْتُولِ إلَى الْقَاتِلِ، ثُمَّ بِأَيِّ قَدْرٍ يَتَحَوَّلُ إلَيْهِ سَيَأْتِي ارْتَهَنَ عَبْدَيْنِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ ارْتَهَنَهُمَا فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ فِي صَفْقَتَيْنِ، فَإِنْ ارْتَهَنَهُمَا فِي صَفْقَةٍ بِأَلْفٍ وَقِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَلْفٌ فَقَتَلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ فَالْبَاقِي رَهْنٌ بِتِسْعِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُهُ مَشْغُولٌ وَنِصْفُهُ فَارِغٌ فَالنِّصْفُ الْفَارِغُ مِنْ الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ تَلِفَ بِجِنَايَةِ الْفَارِغِ عَلَى الْمَشْغُولِ وَبِجِنَايَةِ الْفَارِغِ عَلَى الْفَارِغِ. وَذَلِكَ كُلُّهُ هَدَرٌ وَالنِّصْفُ مِنْ النِّصْفِ الْمَشْغُولِ تَلِفَ بِجِنَايَةِ الْمَشْغُولِ عَلَى الْمَشْغُولِ وَذَلِكَ هَدَرٌ فَصَارَ كَأَنَّهُ رَهْنٌ بِسَبْعِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ، وَلَوْ لَمْ يَقْتُلْهُ وَلَكِنْ فَقَأَ عَيْنَهُ فَلَا يَخْلُو إمَّا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 311 أَنْ يَكُونَ فَقَأَ عَيْنَ الْآخَرِ لَا غَيْرُ أَوْ فَقَأَ كُلُّ وَاحِدٍ عَيْنَ الْآخَرِ مُتَعَاقِبًا أَوْ مَعًا، فَإِنْ فَقَأَ أَحَدُهُمَا عَيْنَ الْآخَرِ لَا غَيْرُ كَانَ الْفَاقِئُ رَهْنًا بِسِتِّمِائَةٍ وَخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ وَالْآخَرُ بِمِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ وَلَا يَفْتَكُّهُمَا إلَّا جَمِيعًا أَمَّا الْمَفْقُوءَةُ عَيْنُهُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ رَهْنًا بِخَمْسِمِائَةٍ وَالْفَاقِئُ بِالْفَقْءِ أَتْلَفَ مِنْهُ نِصْفَهُ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ مِنْ الْآدَمِيِّ نِصْفُهُ وَنِصْفُهُ فَارِغٌ وَنِصْفُهُ مَشْغُولٌ فَيَبْقَى نِصْفُ الدَّيْنِ بِإِزَاءِ النِّصْفِ الْقَائِمِ وَالْجِنَايَةُ عَلَى النِّصْفِ الْفَارِغِ مِنْ الْعَيْنِ هَدَرٌ؛ لِأَنَّهُ تَلِفَ بِجِنَايَةِ الْفَارِغِ عَلَى الْفَارِغِ أَوْ بِجِنَايَةِ الْمَشْغُولِ عَلَى الْفَارِغِ، وَهَذَا كُلُّهُ هَدَرٌ وَالْجِنَايَةُ عَلَى نِصْفِ الْمَشْغُولِ هَدَرٌ؛ لِأَنَّ نِصْفَ نِصْفِهِ تَلِفَ بِجِنَايَةِ الْمَشْغُولِ؛ لِأَنَّ الْفَاقِئَ نِصْفُهُ مَشْغُولٌ وَنِصْفُهُ فَارِغٌ وَجِنَايَةُ الْمَشْغُولِ عَلَى الْمَشْغُولِ هَدَرٌ فَيَسْقُطُ مَا بِإِزَائِهِ مِنْ الدَّيْنِ وَذَلِكَ مِائَةٌ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ وَالْجِنَايَةُ عَلَى نِصْفِ نِصْفِ الْمَشْغُولِ مُعْتَبَرَةٌ؛ لِأَنَّهُ تَلِفَ بِجِنَايَةِ الْفَارِغِ عَلَى الْمَشْغُولِ فَتَحَوَّلَ مَا بِإِزَائِهِ مِنْ الدَّيْنِ إلَى الْقَاتِلِ وَذَلِكَ مِائَةٌ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ وَالْجِنَايَةُ عَلَى نِصْفِ نِصْفِ الْمَشْغُولِ مُعْتَبَرَةٌ؛ لِأَنَّهُ تَلِفَ بِجِنَايَةِ الْفَارِغِ عَلَى الْمَشْغُولِ فَتَحَوَّلَ مَا بِإِزَائِهِ مِنْ الدَّيْنِ إلَى الْقَاتِلِ وَذَلِكَ مِائَةٌ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ فَبَقِيَ دَيْنُ الْمَفْقُوءَةِ عَيْنُهُ مِائَةً وَخَمْسَةً وَعِشْرِينَ فَكَانَ رَهْنًا وَتَحَوَّلَ مِنْ دَيْنِهِ إلَى الْفَاقِئِ قَدْرَ رُبُعِهِ مِائَةٌ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ فَكَانَ الْفَاقِئُ رَهْنًا بِسِتِّمِائَةٍ وَخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ وَسَقَطَ مِنْ دَيْنِ الْمَفْقُوءَةِ عَيْنُهُ قَدْرُ رُبُعِهِ وَذَلِكَ مِائَةٌ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ وَلَا يَفْتَكُّهُمَا إلَّا جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ وَاحِدٌ، وَلَوْ أَنَّ الْمَفْقُوءَةَ عَيْنُهُ فَقَأَ عَيْنَ الْفَاقِئِ الْأَوَّلِ ثَلَاثُمِائَةٍ وَاثْنَا عَشَرَ وَنِصْفٌ. وَالْفَاقِئُ الْآخَرُ يَكُونُ رَهْنًا بِأَرْبَعِمِائَةٍ وَسِتَّةٍ وَرُبُعٍ؛ لِأَنَّ الْفَاقِئَ الْآخَرَ أَتْلَفَ نِصْفَ الْفَاقِئِ الْأَوَّلِ وَبَقِيَ نِصْفُهُ فَيَبْقَى نِصْفُ الدَّيْنِ بِإِزَاءِ نِصْفِ الْبَاقِي وَذَلِكَ ثَلَاثُمِائَةٍ وَاثْنَا عَشَرَ وَنِصْفٌ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ عَلَى النِّصْفِ الْفَارِغِ هَدَرٌ وَعَلَى نِصْفِ نِصْفِ الْمَشْغُولِ أَيْضًا هَدَرٌ يَسْقُطُ مَا بِإِزَائِهِ مِنْ الدَّيْنِ وَذَلِكَ رُبُعُهُ وَهُوَ مِائَةٌ وَسِتَّةٌ وَخَمْسُونَ وَعَلَى نِصْفِ نِصْفِ الْمَشْغُولِ مُعْتَبَرَةٌ لِمَا مَضَى فَتَحَوَّلَ مَا بِإِزَائِهِ مِنْ الدَّيْنِ إلَى الْفَاقِئِ الْآخَرِ وَهُوَ رُبُعُهُ ذَلِكَ مِائَةٌ وَسِتَّةٌ وَخَمْسُونَ بَقِيَ الْفَاقِئُ الْأَوَّلُ بِأَرْبَعِمِائَةِ وَسِتَّةٍ وَرُبُعٍ، وَلَوْ فَقَأَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَيْنَ الْآخَرِ بَقِيَ الْفَاقِئُ الْأَوَّلُ رَهْنًا بِثَلَاثِمِائَةٍ وَاثْنَيْ عَشَرَ وَنِصْفٍ وَصَارَ الْفَاقِئُ الثَّانِي رَهْنًا بِأَرْبَعِمِائَةٍ وَسِتَّةٍ وَرُبُعٍ، وَلَوْ فَقَأَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَيْنَ الْآخَرِ مَعًا ذَهَبَ مِنْ الدَّيْنِ رُبُعُهُ وَبَقِيَ كُلُّ وَاحِدٍ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ خَمْسِمِائَةٍ؛ لِأَنَّ الْأَصْغَرَ لَمَّا فَقَأَ عَيْنَ الْأَكْبَرِ فَقَدْ أَتْلَفَ مِنْهُ نِصْفَهُ فَيَبْقَى نِصْفُ نِصْفِ الدَّيْنِ بِإِزَاءِ النِّصْفِ الْبَاقِي وَالنِّصْفُ التَّالِفُ مِنْ الْأَكْبَرِ نِصْفُهُ فَارِغٌ وَنِصْفُهُ مَشْغُولٌ وَالْجِنَايَةُ عَلَى النِّصْفِ الْفَارِغِ هَدَرٌ وَالْجِنَايَةُ عَلَى نِصْفِ النِّصْفِ الْمَشْغُولِ هَدَرٌ فَسَقَطَ مَا بِإِزَائِهِ مِنْ الدَّيْنِ وَذَلِكَ رُبُعُهُ وَالْجِنَايَةُ عَلَى نِصْفِ النِّصْفِ الْمَشْغُولِ مُعْتَبَرَةٌ فَيَتَحَوَّلُ مَا بِإِزَائِهِ إلَى الْأَصْغَرِ وَذَلِكَ رُبُعُهُ وَسَقَطَ مِنْ دَيْنِ الْأَصْغَرِ رُبُعُهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ عَلَى نِصْفِ النِّصْفِ الْمَشْغُولِ هَدَرٌ فَسَقَطَ مَا بِإِزَائِهِ مِنْ الدَّيْنِ فَالْحَاصِل أَنَّهُ بَقِيَ مِنْ دَيْنِهِ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ وَتَحَوَّلَ إلَيْهِ مِنْ دَيْنِ الْأَكْبَرِ رُبُعُهُ فَصَارَ رَهْنًا بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ خَمْسِمِائَةٍ. وَأَمَّا إذَا ارْتَهَنَ عَبْدَيْنِ كُلُّ وَاحِدٍ بِخَمْسِمِائَةٍ بِصَفْقَةٍ عَلَى حِدَةٍ فَقَتَلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمَا فَضْلٌ عَنْ الدَّيْنِ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَسْقُطُ مَا فِي الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي الدَّفْعِ لِلْمُرْتَهِنِ وَهَدَرَتْ الْجِنَايَةُ، فَإِنْ كَانَ فِيهِمَا فَضْلٌ يُخَيَّرُ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ إنْ شَاءَ جَعَلَا الْقَاتِلَ مَكَانَ الْمَقْتُولِ وَبَطَلَ مَا فِي الْمَقْتُولِ مِنْ الدَّيْنِ، وَإِنْ شَاءَ أَفْدَيَا الْقَاتِلَ بِقِيمَةِ الْمَقْتُولِ وَغَرِمَ كُلُّ وَاحِدٍ خَمْسَمِائَةٍ فَكَانَتْ الْقِيمَةُ رَهْنًا مَكَانَ الْمَقْتُولِ وَالْقَاتِلُ رَهْنٌ بِحَالِهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْتُولَ كُلَّهُ تَلِفَ بِجِنَايَةِ الْفَارِغِ؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ مَتَى تَفَرَّقَتْ فَالْحَقُّ الْمُتَعَلِّقُ بِأَحَدِهِمَا لَا يَتَعَلَّقُ بِالْآخَرِ فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَارِغًا عَنْ الْآخَرِ وَلِهَذَا لَوْ قَضَى دَيْنَ أَحَدِهِمَا كَانَ لَهُ أَنْ يَفْتَكَّهُ وَجِنَايَةُ الْمَشْغُولِ عَلَى الْفَارِغِ مُعْتَبَرَةٌ فَصَارَ كَمَا لَوْ جَنَى أَحَدُهُمَا عَلَى عَبْدٍ لِأَجْنَبِيٍّ يُخَيَّرُ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ فَكَذَا هَذَا، وَإِنْ اخْتَارَ الْفِدَاءَ غَرِمَ كُلُّ وَاحِدٍ خَمْسَمِائَةٍ؛ لِأَنَّ نِصْفَ الْقَاتِلِ مَضْمُونٌ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَعَبْدُهُ أَمَانَةٌ عِنْدَهُ فَكَانَ الْفِدَاءُ عَلَيْهِمَا اعْتِبَارًا لِلْبَعْضِ بِالْكُلِّ، وَإِنْ كَانَ فَقَأَ أَحَدُهُمَا عَيْنَ الْآخَرِ فَقِيلَ لَهُمَا ادْفَعَاهُ أَوْ افْدِيَاهُ بِأَرْشِ عَيْنِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ إتْلَافَ الْبَعْضِ يُعْتَبَرُ بِإِتْلَافِ الْكُلِّ، وَفِي إتْلَافِ الْكُلِّ يُخَيَّرُ فَكَذَا فِي إتْلَافِ الْبَعْضِ، فَإِنْ دَفَعَهُ بَطَلَ مَا فِيهِ مِنْ الدَّيْنِ، وَإِنْ فَدَيَاهُ كَانَ الْفِدَاءُ عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ رَهْنًا مَعَ الْمَفْقُوءَةِ عَيْنُهُ، وَلَوْ قَالَ الْمُرْتَهِنُ لَا أَفْدِي وَأَدَعُ الرَّهْنَ عَلَى حَالِهِ لَهُ ذَلِكَ وَالْمَفْقُوءَةُ عَيْنُهُ ذَهَبَ نِصْفُ بَاقِيهِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْجِنَايَةَ إنَّمَا تُعْتَبَرُ لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ لَا لِحَقِّ الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 312 لَوْ طَلَبَ الْجِنَايَةَ وَدَفَعَ الْجَانِيَ سَقَطَ نِصْفُ الدَّيْنِ، وَلَوْ تَرَكَ الْجِنَايَةَ يَسْقُطُ رُبُعُ الدَّيْنِ فَكَانَ فِي طَلَبِ الْجِنَايَةِ ضَرَرٌ بِالْمُرْتَهِنِ، فَإِذَا رَضِيَ بِإِبْطَالِ حَقِّهِ فَلَهُ ذَلِكَ وَيَسْقُطُ اعْتِبَارُ الْجِنَايَةِ، وَلَوْ قَالَ الرَّاهِنُ أَفْدِيهِ، وَقَالَ الْمُرْتَهِنُ لَا أَفْدِيهِ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَفْدِيَهُ بِأَرْشِ الْجِنَايَةِ كُلِّهَا؛ لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَى الْفِدَاءِ لِيُخَلِّصَ عَبْدَ الرَّهْنِ عَنْ الْجِنَايَةِ، فَإِنْ فَدَاهُ يَكُونُ لَهُ نِصْفُ ذَلِكَ عَمَّا عَلَى الْمُرْتَهِنِ فِي الْعَبْدِ الْجَانِي وَيَبْطُلُ فِي حَقِّهِ مِنْ الْعَبْدِ الْجَانِي نِصْفُهُ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ مُضْطَرٌّ إلَى الْفِدَاءِ؛ لِأَنَّهُ بِالْفِدَاءِ يُحْيِي مِلْكَهُ وَالْإِنْسَانُ فِيمَا يُحْيِي مِلْكَهُ لَا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا فَيَكُونُ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ عَلَيْهِ وَلِلْمُرْتَهِنِ عَلَيْهِ مِثْلُهُ فَيَلْتَقِيَانِ قِصَاصًا فَيَصِيرُ مُؤَدِّيًا دَيْنَ الْقَاتِلِ فَيَخْرُجُ الْقَاتِلُ مِنْ الرَّهْنِ، وَإِنْ أَبَى الرَّاهِنُ الْفِدَاءَ، وَقَالَ الْمُرْتَهِنُ أَفْدِي وَفَدَى يَكُونُ مُتَطَوِّعًا فِيهِ إذَا كَانَ الرَّاهِنُ حَاضِرًا؛ لِأَنَّ بِقَدْرِ الْمَضْمُونِ أَدَّى عَنْ نَفْسِهِ وَبِقَدْرِ الْأَمَانَةِ أَدَّى عَنْ الرَّاهِنِ وَهُوَ غَيْرُ مُضْطَرٍّ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَجِيءِ مِلْكِهِ فَيَكُونُ مُتَبَرِّعًا، وَإِنْ كَانَ الرَّاهِنُ غَائِبًا كَانَ عَلَى الرَّاهِنِ نِصْفُ الْفِدَاءِ دَيْنًا قِيلَ هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَعِنْدَهُمَا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا كَانَ الرَّاهِنُ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا لِمَا يَأْتِي. وَلَوْ قَتَلَ الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ نَفْسَهُ أَوْ فَقَأَ عَيْنَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ مَاتَ؛ لِأَنَّ جِنَايَةَ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ هَدَرٌ لِمَا تَبَيَّنَ. وَإِذَا كَانَ الرَّهْنُ أَمَتَيْنِ قِيمَةُ كُلِّ وَاحِدَةٍ أَلْفٌ فَوَلَدَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ بِنْتًا تُسَاوِي أَلْفًا وَالدَّيْنُ أَلْفٌ فَقَتَلَتْ إحْدَى الْبِنْتَيْنِ صَاحِبَتَهَا لَمْ يَبْطُلْ مِنْ الدَّيْنِ شَيْءٌ وَالْبَاقِي رَهْنٌ بِأَلْفٍ كُلُّهَا؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَمْ يَنْقَسِمْ عَلَيْهِمَا وَعَلَى وَلَدَيْهِمَا أَرْبَاعًا عَلَى سَبِيلِ التَّرَقُّبِ وَالِانْتِظَارِ؛ لِأَنَّ قِيمَتَهُمَا عَلَى السَّوَاءِ فَصَارَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ فَارِغَةً وَرُبُعُهَا مَشْغُولٌ بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّ قِيمَةَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِثْلَ الدَّيْنِ وَالْمَقْتُولَةُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا فَارِغَةٌ وَرُبُعُهَا مَشْغُولٌ وَالْجِنَايَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِهَا هَدَرٌ؛ لِأَنَّهُ تَلِفَ بِجِنَايَةِ الْفَارِغِ عَلَى الْفَارِغِ وَبِجِنَايَةِ الْمَشْغُولِ عَلَى الْفَارِغِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ مَا بِإِزَائِهِ مِنْ الدَّيْنِ وَلَكِنْ يَلْحَقُ بَاقِيهَا؛ لِأَنَّ بِفَوَاتِ الدَّيْنِ يَتَحَوَّلُ مَا فِيهِ مِنْ الدَّيْنِ إلَى الْأُمِّ وَالْجِنَايَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَرْبَاعٍ رُبُعُ الْمَشْغُولِ مُعْتَبَرَةٌ؛ لِأَنَّهُ تَلِفَ بِجِنَايَةِ الْفَارِغِ عَلَى الْمَشْغُولِ فَتَحَوَّلَ مَا بِإِزَائِهِ مِنْ الدَّيْنِ إلَى الْقَاتِلَةِ فَصَارَتْ الْقَاتِلَةُ رَهْنًا بِسَبْعِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ، وَأَمَّا الْقَاتِلَةُ كَانَتْ رَهْنًا بِمِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ وَذَلِكَ كُلُّهُ أَلْفٌ، فَإِنْ مَاتَتْ أُمُّ الْمَقْتُولَةِ بَقِيَتْ الْقَاتِلَةُ وَأُمُّهَا بِسَبْعِمِائَةٍ وَسَبْعَةٍ وَثَمَانِينَ وَنِصْفٍ لِحَقِّهَا مِنْ الْجِنَايَةِ وَافْتَكَّهَا بِذَلِكَ أَمَةً مَرْهُونَةً بِأَلْفٍ وَقِيمَتُهَا أَلْفٌ فَوَلَدَتْ وَلَدًا يُسَاوِي أَلْفًا فَجَنَى الْوَلَدُ فَدَفَعَ بِهَا لَمْ يَبْطُلْ مِنْ الدَّيْنِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ دَفْعَ الْوَلَدِ بِمَنْزِلَةِ الْهَلَاكِ، وَلَوْ هَلَكَ الْوَلَدُ لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ فَكَذَا هَذَا. وَإِنْ فَقَأَتْ الْأُمُّ عَيْنَيْ الْبِنْتِ فَدُفِعَتْ الْأُمُّ وَأُخِذَتْ الْبِنْتُ فَهِيَ رَهْنٌ بِأَلْفٍ كَامِلَةٍ؛ لِأَنَّ الْأُمَّ إنْ مَاتَتْ مَاتَتْ بِجَمِيعِ الْأَلْفِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَسْقُطُ مِنْ الدَّيْنِ بِقَدْرِ نُقْصَانِ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ فِي الْجُثَّةِ الْعَمْيَاءِ إذَا اخْتَارَ مَوْلَى الْفَاقِئِ الدَّفْعَ وَأَخَذَ الْجُثَّةَ لَهُ ذَلِكَ، وَلَيْسَ لِمَوْلَى الْمَفْقُوءَةِ إمْسَاكُ الْجُثَّةِ وَيَضْمَنُ النُّقْصَانَ، وَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إذَا اخْتَارَ مَوْلَى الْمَفْقُوءَةِ دَفْعَ الْجُثَّةِ وَأَخَذَ الْفَاقِئَ فَالرَّهْنُ كُلُّهُ فَاتَ إلَى خَلَفٍ فَيَقُومُ الْخَلَفُ مَقَامَهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِمَوْلَى الْمَفْقُوءَةِ إمْسَاكُ الْجُثَّةِ وَيَضْمَنُ النُّقْصَانَ وَكَانَ الْفَاقِئُ بَدَلًا عَنْ الْجُثَّةِ وَعَنْ الْعَيْنَيْنِ جَمِيعًا فَمَا بِإِزَاءِ الْعَيْنَيْنِ مِنْ الرَّهْنِ قَدْ بَطَلَ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَيْنِ لَمْ تَصِرْ مِلْكًا لِلرَّاهِنِ وَلَا وَصَلَ إلَى الْمُرْتَهِنِ فَكَانَ الرَّهْنُ بِقَدْرِ الْجُثَّةِ فَائِتًا بِخَلَفٍ فَيَكُونُ رَهْنًا بِهِ. فَإِنْ فَقَأَتْ الْأُمُّ بَعْدَ ذَلِكَ عَيْنَيْ الْبِنْتِ فَدُفِعَتْ وَأُخِذَتْ الْأُمُّ عَمْيَاءَ فَفِي الْقِيَاسِ تَكُونُ رَهْنًا بِجَمِيعِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْبِنْتَ قَامَتْ مَقَامَ الْأُمِّ بِالدَّفْعِ كَمَا قَامَتْ الْأُمُّ مَقَامَ الْبِنْتِ بِالدَّفْعِ فِي جَمِيعِ الرَّهْنِ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَعُودُ الرَّهْن الْأَوَّلُ عَلَى حَالِهِ وَيَذْهَبُ مِنْهُ بِحِسَابِ مَا نَقَصَ مِنْ الْعَيْنَيْنِ؛ لِأَنَّ الْأُمَّ كَانَتْ أَصْلًا فِي الرَّهْنِ وَالْبِنْتُ جُعِلَتْ بَدَلًا عَنْهَا وَتَبَعًا لَهَا، فَإِذَا دُفِعَتْ الْأُمُّ بِالْبِنْتِ فَقَدْ وَقَعَتْ الْقُدْرَةُ عَلَى الْأَصْلِ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْبَدَلِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الرَّهْنِ الْإِيفَاءُ، وَلَمْ يُوجَدُ الْإِيفَاءُ فَسَقَطَ اعْتِبَارُ الْبَدَلِ فَبَقِيَتْ الْأُمُّ أَصْلًا فِي الرَّهْنِ كَمَا كَانَتْ قَبْلَ الدَّفْعِ لَا بَدَلًا عَنْ الْبِنْتِ فَكَانَتْ أَصْلًا. وَلَوْ ذَهَبَتْ عَيْنَاهُ يَسْقُطُ مِنْ الدَّيْنِ بِحِسَابِ الْعَمْيَاءِ فَكَذَا هَذَا وَلِأَنَّ الْبِنْتَ لَمَّا جُعِلَتْ بَدَلًا وَتَبَعًا لِلْأُمِّ فِي الرَّهْنِ فَلَوْ قَامَتْ الْأُمُّ مَقَامَ الْبِنْتِ يَكُونُ فِي هَذَا الْمَتْبُوع تَبَعًا لِتَبَعِيَّتِهِ، وَهَذَا خِلَافُ مَوْضُوعِ الشَّرْعِ فَلَا تَقُومُ الْأُمُّ مَقَامَ الْبِنْتِ بَلْ تَبْقَى أَصْلًا وَتَبْقَى رَهْنًا كَمَا كَانَتْ. رَهَنَ أَمَةً تُسَاوِي أَلْفًا بِأَلْفٍ فَوَلَدَتْ وَلَدَيْنِ كُلُّ وَاحِدٍ يُسَاوِي أَلْفًا فَجَنَى أَحَدُهُمَا فَدُفِعَ، ثُمَّ فَقَأَتْ الْأُمُّ عَيْنَهُ فَدُفِعَتْ الْأُمُّ وَأُخِذَ الْوَلَدُ مَكَانَهَا فَالْوَلَدَانِ بِأَلْفٍ، وَهَذَا عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ الِابْنَ الْأَعْمَى يَقُومُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 313 مَقَامَ الْأُمِّ وَالْأُمُّ مَعَ الِابْنِ الصَّحِيحِ كَأَنَّهَا رَهْنًا بِجَمِيعِ الدَّيْنِ، وَكَذَلِكَ الِابْنَانِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَسْقُطُ مَعَ الدَّيْنِ بِقَدْرِ نُقْصَانِ الْأَعْمَى، فَإِنْ مَاتَ الْأَعْمَى ذَهَبَ نِصْفُ الدَّيْنِ، فَإِنْ جَنَى الْوَلَدُ الْبَاقِي عَلَى الْأُمِّ فَدُفِعَ وَأُخِذَ عَادَ الرَّهْنُ إلَى حَالِهِ الْأَوَّلِ وَذَهَبَ مِنْ الدَّيْنِ بِحِسَابِ مَا ذَهَبَ مِنْ الْأُمِّ اسْتِحْسَانًا، وَفِي الْقِيَاسِ يَكُونُ بِمَا كَانَ مِنْ الْوَلَدِ لِمَا بَيَّنَّا. رَهَنَ أَمَتَيْنِ تُسَاوِي كُلُّ وَاحِدَةٍ أَلْفًا فَوَلَدَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ وَلَدًا يُسَاوِي أَلْفًا ثُمَّ إنَّ أَحَدَ الْوَلَدَيْنِ قَتَلَ أُمَّهُ لَمْ يَلْحَقْهُ مِنْ الْجِنَايَةِ شَيْءٌ وَكَانَ رَهْنًا بِمِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ وَذَهَبَتْ الْأُمُّ بِمَا فِيهَا مِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ؛ لِأَنَّ جِنَايَةَ وَلَدِ الرَّهْنِ عَلَى الْأُمِّ هَدَرٌ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْأُمِّ، وَفِي حَقِّ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الرَّهْنِ لَمْ يُرَدَّ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا صَارَ رَهْنًا تَبَعًا لِلْأُمِّ فَصَارَ كَسَائِرِ أَطْرَافِهَا وَجِنَايَتُهَا عَلَى طَرَفِهَا هَدَرٌ فَسَقَطَ مَا فِيهَا فَكَذَا هَذَا، وَلَوْ أَنَّ الْأُمَّ قَتَلَتْ وَلَدَهَا عَادَ نَصِيبُهُ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ جِنَايَتَهَا عَلَى وَلَدِهَا إنْ كَانَتْ مُهْدَرَةً صَارَ كَأَنَّ الْوَلَدَ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ وَيَخْلُفُ مَا فِيهِ إلَى أُمِّهِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَكِنَّ أَحَدَ الْوَلَدَيْنِ قَتَلَ الْوَلَدَ الْآخَرَ كَانَتْ أُمُّ الْمَقْتُولِ وَثَلَاثَةُ أَثْمَانِ الْقَاتِلِ رَهْنًا بِخَمْسِمِائَةٍ وَخَمْسَةُ أَثْمَانِ الْقَاتِلِ وَأُمُّهُ رَهْنٌ بِخَمْسِمِائَةٍ قَالَ وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ بِأَنَّ ثَمَنَ الْقَاتِلِ وَنِصْفَ ثَمَنِهِ مَعَ أُمِّ الْمَقْتُولِ رَهْنًا بِخَمْسِمِائَةٍ وَسِتَّةُ أَثْمَانِ الْقَاتِلِ وَنِصْفُ أُمِّ الْقَاتِلِ بِخَمْسِمِائَةٍ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ انْقَسَمَ بَيْنَهُمْ أَرْبَاعًا لِاسْتِوَاءِ قِيمَتِهِمْ فَصَارَ بِإِزَاءِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ وَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْمَقْتُولِ فَارِغٌ عَنْ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ قِيمَتَهُ أَلْفٌ وَرُبُعُهُ مَشْغُولٌ وَالْقَاتِلُ كَذَلِكَ وَالْجِنَايَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ الْفَارِغِ هَدَرٌ وَالْجِنَايَةُ عَلَى رُبُعِ الرُّبُعِ الْمَشْغُولِ هَدَرٌ؛ لِأَنَّهُ تَلِفَ بِجِنَايَةِ الْمَشْغُولِ عَلَى الْمَشْغُولِ فَيَتَحَوَّلُ مَا بِإِزَائِهِ إلَى أُمِّ الْمَقْتُولِ وَذَلِكَ اثْنَانِ وَسِتُّونَ وَنِصْفٌ وَالْجِنَايَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ هَذَا الرُّبُعِ مُعْتَبَرَةٌ؛ لِأَنَّهُ تَلِفَ بِجِنَايَةِ الْفَارِغِ عَلَى الْمَشْغُولِ فَيَتَحَوَّلُ مَا بِإِزَائِهِ إلَى الْقَاتِلِ وَذَلِكَ مِائَةٌ وَسَبْعَةٌ وَثَمَانُونَ وَنِصْفٌ وَذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ مِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ فَصَارَ مَا فِي الْمَقْتُولِ وَهُوَ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَسْهُمٍ فَصَارَ الْأَلْفُ عَلَى سِتَّةِ أَسْهُمٍ، وَقَدْ تَحَوَّلَ ثَلَاثَةٌ مِنْهَا إلَى الْقَاتِلِ وَثَلَاثَةٌ مِنْ سِتَّةَ عَشَرَ يَكُونُ ثَمَنَهُ وَنِصْفَ ثَمَنِهِ وَالْبَاقِي سِتَّةُ أَثْمَانٍ وَنِصْفُ ثَمَنِهِ، فَإِنْ مَاتَ الْقَاتِلُ لَمْ يَسْقُطْ مِنْ الدَّيْنِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ بِهَلَاكِ وَلَدِ الرَّهْنِ لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ، فَإِنْ لَمْ يَمُتْ وَمَاتَتْ أُمُّهُ ذَهَبَ رُبُعُ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ بِإِزَائِهَا رُبُعُ الدَّيْنِ، وَلَوْ لَمْ تَمُتْ أُمُّهُ وَلَكِنْ مَاتَتْ أُمُّ الْمَقْتُولِ ذَهَبَ مِنْ الدَّيْنِ خَمْسَةُ أَثْمَانِ خَمْسِمِائَةٍ أَرْبَعَةُ أَثْمَانِهَا دَيْنُ نَفْسِهَا وَهُوَ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ وَثَمَنُهَا سَبَبُ الْجِنَايَةِ وَعَلَى وَلَدِهَا وَبَقِيَ الْقَاتِلُ رَهْنًا بِسَبْعَةِ أَثْمَانِ خَمْسِمِائَةٍ أَرْبَعَةُ أَثْمَانٍ دَيْنُ نَفْسِهَا وَذَلِكَ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ وَثَلَاثَةُ أَثْمَانِ تَحَوَّلَ إلَيْهِ مِنْ دَيْنِ الْمَقْتُولِ وَذَلِكَ مِائَةٌ وَسَبْعَةٌ وَثَمَانُونَ وَنِصْفٌ وَخَمْسُونَ وَمِائَتَانِ فِي عِتْقِ أُمِّهِ فَيَفْتَكُّهُمْ بِهِ الرَّاهِنُ. رَهَنَ عَبْدًا وَأَمَةً بِأَلْفٍ قِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ أَلْفٌ وَلَدَتْ الْجَارِيَةُ وَلَدًا يُسَاوِي أَلْفًا فَجَنَى الْوَلَدُ وَدُفِعَ بِهِ، ثُمَّ فَقَأَ الْوَلَدُ عَيْنَيْ الْعَبْدِ وَأَخَذَ مَكَانَهُ فَيَكُونُ مَعَ الْأُمِّ رَهْنًا بِجَمِيعِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ قَامَ مَقَامَ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ الرَّهْنُ، فَإِنْ نَكَلَهُ وَأَخْلَفَ بَدَلًا؛ لِأَنَّهُ فَاتَ الْعَبْدَ وَأَخَذَ بِإِزَائِهِ بَدَلًا صَحِيحَ الْعَيْنَيْنِ فَقَدْ فَاتَ كُلَّ الرَّهْنِ إلَى خَلَفٍ فَيَقُومُ مَقَامَ الْأَصْلِ فِي الرَّهْنِ، فَإِنْ قَتَلَ الْوَلَدُ أُمَّهُ أَوْ الْأُمُّ الْوَلَدَ فَالْقَاتِلُ رَهْنٌ بِسَبْعِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رَهْنٌ بِخَمْسِمِائَةٍ فَيَكُونُ نِصْفُهُ فَارِغًا وَنِصْفُهُ مَشْغُولًا وَالْجِنَايَةُ عَلَى النِّصْفِ الْفَارِغِ وَعَلَى نِصْفِ النِّصْفِ الْمَشْغُولِ هَدَرٌ فَسَقَطَ مَا بِإِزَائِهِ مِنْ الدَّيْنِ وَذَلِكَ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ وَالْجِنَايَةُ عَلَى نِصْفِ النِّصْفِ الْمَشْغُولِ مُعْتَبَرَةٌ فَيَتَحَوَّلُ مَا بِإِزَائِهِ مِنْ الدَّيْنِ إلَى الْقَاتِلِ فَيَصِيرُ الْقَاتِلُ أَيَّهُمَا كَانَ رَهْنًا بِسَبْعِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ، وَلَوْ جَاءَ الْعَبْدُ الْأَعْمَى فَقَتَلَ الْقَاتِلَ وَدُفِعَ بِهِ كَانَ رَهْنًا بِسَبْعِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ، وَهَذَا قِيَاسٌ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَسْقُطُ مِنْ الدَّيْنِ بِقَدْرِ نُقْصَانِ الْعَيْنَيْنِ، وَقَدْ مَرَّ فِيمَا تَقَدَّمَ. وَإِذَا اسْتَعَارَ مِنْ رَجُلَيْنِ عَبْدَيْنِ قِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ أَلْفٌ فَرَهَنَهُمَا بِأَلْفٍ فَفَقَأَ أَحَدُهُمَا عَيْنَ الْآخَرِ، ثُمَّ الْمَفْقُوءَةُ عَيْنُهُ فَقَأَ عَيْنَ الْفَاقِئِ فَهُنَا أَحْكَامٌ ثَلَاثَةٌ حُكْمٌ بَيْنَ الْمُسْتَعِيرِ وَالْمُرْتَهِنِ وَحُكْمٌ فِيمَا بَيْنَ الْمُسْتَعِيرِ وَالْمُعِيرَيْنِ وَحُكْمٌ فِيمَا بَيْنَ الْمُعِيرَيْنِ. أَمَّا الْحُكْمُ فِيمَا بَيْنَ الْمُسْتَعِيرِ وَالْمُرْتَهِنِ فَنَقُولُ إنَّ كُلَّ عَبْدٍ نِصْفُهُ فَارِغٌ وَنِصْفُهُ مَشْغُولٌ فَلَمَّا فَقَأَ عَيْنَ الْأَكْبَرِ الْأَصْغَرِ فَقَدْ أَتْلَفَ نِصْفَهُ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ مِنْ الْآدَمِيِّ نِصْفُهُ فَالْجِنَايَةُ عَلَى النِّصْفِ الْفَارِغِ وَعَلَى النِّصْفِ الْمَشْغُولِ هَدَرٌ لِمَا بَيَّنَّا فَسَقَطَ مَا بِإِزَائِهِ مِنْ الدَّيْنِ وَذَلِكَ مِائَةٌ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ وَالْجِنَايَةُ عَلَى نِصْفِ النِّصْفِ الْمَشْغُولِ مُعْتَبَرَةٌ؛ لِأَنَّهُ تَلِفَ بِجِنَايَةِ الْفَارِغِ عَلَى الْمَشْغُولِ فَيَتَحَوَّلُ مَا بِإِزَائِهِ مِنْ الدَّيْنِ إلَى الْقَاتِلِ وَذَلِكَ مِائَةٌ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ فَبَقِيَ الْأَصْغَرُ رَهْنًا بِمِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ فَصَارَ الْأَكْبَرُ رَهْنًا بِسِتِّمِائَةٍ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 314 وَخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ ثُمَّ لَمَّا فَقَأَ الْأَصْغَرُ عَيْنَ الْأَكْبَرِ فَقَدْ أَتْلَفَ نِصْفَ الْأَكْبَرِ وَبِإِزَاءِ نِصْفِهِ ثَلَاثُمِائَةٍ وَاثْنَا عَشَرَ وَنِصْفٌ فَسَقَطَ نِصْفُ ذَلِكَ وَذَلِكَ مِائَةٌ وَسِتَّةٌ وَخَمْسُونَ وَرُبُعٌ وَيَتَحَوَّلُ نِصْفُ الْآخَرِ وَذَلِكَ رُبُعُ الْأَصْغَرِ فَبَقِيَ الْأَكْبَرُ رَهْنًا بِثَلَاثِمِائَةٍ وَاثْنَيْ عَشَرَ وَنِصْفٍ وَصَارَ الْأَصْغَرُ رَهْنًا بِأَرْبَعِمِائَةٍ وَسِتَّةٍ وَرُبُعٍ فَيَكُونُ جُمْلَةُ ذَلِكَ سَبْعَمِائَةٍ وَثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَثَلَاثَةَ أَرْبَاعٍ وَسَقَطَ مِائَتَانِ وَوَاحِدٌ وَثَمَانُونَ وَرُبُعٌ. وَأَمَّا الْحُكْمُ فِيمَا بَيْنَ الْمُعِيرِ وَالْمُسْتَعِيرِ فَالْمُسْتَعِيرُ يَفْتَكُّ الْعَبْدَ بِسَبْعِمِائَةٍ وَثَمَانِيَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا وَثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ دِرْهَمٍ وَعَلَيْهِ أَيْضًا لِوَلِيِّ الْعَبْدِ الْمَفْقُوءَةِ عَيْنُهُ أَوَّلًا مِائَةٌ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ وَلِوَلِيِّ الْعَبْدِ الْمَفْقُوءَةِ عَيْنُهُ آخِرًا مِائَةٌ وَسِتَّةٌ وَخَمْسُونَ وَرُبُعٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَوْلَيَيْنِ صَارَ قَاضِيًا دَيْنَهُ مِنْ عَبْدِهِ هَذَا الْقَدْرَ وَأَمَّا الْحُكْمُ فِيمَا بَيْنَ الْمُعِيرَيْنِ وَهُوَ أَنْ يُقَالَ لِلْمَوْلَى الْعَبْدِ الْأَكْبَرِ ادْفَعْ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ عَبْدِكَ إلَى الثَّانِي وَافْدِهِ بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ أَرْشِ الْفَاقِئِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ وَصَلَ إلَيْهِ رُبُعُ أَرْشِ الْعَيْنِ مِنْ جِهَةِ الْمُسْتَعِيرِ؛ لِأَنَّهُ وَصَلَ إلَيْهِ مِنْ جِهَةِ الْمُسْتَعِيرِ مِائَةٌ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ وَذَلِكَ رُبُعُ أَرْشِ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّ أَرْشَ الْعَيْنِ الْوَاحِدَةِ خَمْسُمِائَةٍ مَتَى كَانَتْ قِيمَةُ الْعَبْدِ أَلْفًا، وَلَمْ يَصِلْ إلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ أَرْشِ الْعَيْنِ، فَإِنْ فَدَى يُقَالُ لِمَوْلَى الْأَصْغَرِ ادْفَعْ مِنْ عَبْدِك ثَلَاثَةَ أَخْمَاسِهِ وَثَلَاثَةَ أَثْمَانِ خُمُسِهِ وَنِصْفُ ثُمُنِ خُمُسِهِ أَوْ افْدِهِ بِمِثْلِ ذَلِكَ مِنْ أَرْشِ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّهُ وَصَلَ إلَى مَوْلَى الْأَكْبَرِ مِنْ جِهَةِ الْمُسْتَعِيرِ مِائَةٌ وَسِتَّةٌ وَخَمْسُونَ وَرُبُعُ أَرْشِ الْعَيْنِ وَأَرْبَعَةُ أَثْمَانِ أَخْمَاسِهِ وَنِصْفُ ثُمُنِ خُمُسٍ، فَإِذَا دَفَعَ أَوْ فَدَى فَقَدْ بَرِئَ حَيٌّ مِنْ حَيٍّ فَظَهَرَ كُلُّ عَبْدَيْنِ بِجِنَايَتَيْنِ وَعُشْرٍ وَلَا يَرْجِعُ وَاحِدٌ عَلَى صَاحِبِهِ بِشَيْءٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ رَهَنَ عَبْدًا يُسَاوِي أَلْفًا بِأَلْفٍ وَرَجَعَتْ قِيمَتُهُ إلَى مِائَةٍ فَقَتَلَهُ رَجُلٌ خَطَأً وَغَرِمَ مِائَةً وَحَلَّ الْأَجَلُ فَالْمُرْتَهِنُ يَقْبِضُ الْمِائَةَ قَضَاءً لِحَقِّهِ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الرَّاهِنِ بِشَيْءٍ) أَصْلُهُ أَنَّ النُّقْصَانَ مِنْ حَيْثُ السِّعْرُ لَا يُوجِبُ سُقُوطَ الدَّيْنِ عِنْدَنَا، وَقَدْ قَدَّمْنَا مَا فِيهِ مِنْ التَّفْصِيلِ خِلَافًا لِزُفَرَ وَهُوَ يَقُولُ إنَّ الْمَالِيَّةَ قَدْ انْتَقَصَتْ فَأَشْبَهَ انْتِقَاصَ الْعَيْنِ وَلَنَا أَنَّ نُقْصَانَ السِّعْرِ عِبَارَةٌ عَنْ فُتُورِ رَغَبَاتِ النَّاسِ وَذَلِكَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي الْمَبِيعِ حَتَّى إذَا حَصَلَ فِي الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ، وَلَوْ حَصَلَ فِي الْغَصْبِ لَا يُوجِبُ عَلَى الْغَاصِبِ ضَمَانَ مَا نَقَصَ بِالسِّعْرِ عِنْدَ رَدِّ الْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ بِخِلَافِ نُقْصَانِ الْعَيْنِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَإِذَا قَتَلَهُ حُرٌّ غَرِمَ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْإِتْلَافِ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ تُعْتَبَرُ يَوْمَ الْإِتْلَافِ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى اسْتَحَقَّهُ بِسَبَبِ الْمَالِيَّةِ بِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ يَتَعَلَّقُ بِالْمَالِيَّةِ فَكَذَا فِيمَا قَامَ مَقَامَهُ، ثُمَّ لَا يَرْجِعُ عَلَى الرَّاهِنِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ يَدَ الرَّاهِنِ يَدُ اسْتِيفَاءٍ مِنْ الِابْتِدَاءِ أَوْ يَقُولَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ مُسْتَوْفِيًا لِلْأَلْفِ بِمِائَةٍ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا فَيَصِيرَ مُسْتَوْفِيًا الْمِائَةَ وَبَقِيَ تِسْعُمِائَةٍ فِي الْعَيْنِ، فَإِذَا هَلَكَتْ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا لِتِسْعِمِائَةٍ بِالْهَلَاكِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مِنْ غَيْرِ قَتْلِ أَحَدٍ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا لِلْكُلِّ بِالْعَبْدِ وَلَا يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّا لَوْ جَعَلْنَاهُ مُسْتَوْفِيًا لِلْأَلْفِ بِمِائَةٍ يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا فَجَعَلْنَاهُ مُسْتَوْفِيًا تِسْعَمِائَةٍ بِالْعَبْدِ الْهَالِكِ وَهُوَ الْمَقْتُولُ وَالْمِائَةُ بِالْمِائَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ بَاعَهُ بِمِائَةٍ بِأَمْرِهِ قَبَضَ الْمِائَةَ قَضَاءً مِنْ حَقِّهِ وَرَجَعَ بِتِسْعِمِائَةٍ) أَيْ لَوْ بَاعَ الْمُرْتَهِنُ الْعَبْدَ الَّذِي يُسَاوِي أَلْفًا بِمِائَةٍ بِأَمْرِ الرَّاهِنِ وَكَانَ رَهْنًا بِأَلْفٍ قَبَضَ الْمُرْتَهِنُ تِلْكَ الْمِائَةَ الَّتِي هِيَ الثَّمَنُ قَضَاءً لِحَقِّهِ وَرَجَعَ عَلَى الرَّاهِنِ بِتِسْعِمِائَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا بَاعَهُ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ صَارَ كَأَنَّ الرَّهْنَ اسْتَرَدَّهُ وَبَاعَهُ بِنَفْسِهِ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ بَطَلَ الرَّهْنُ وَبَقِيَ الدَّيْنُ إلَّا بِقَدْرِ مَا اسْتَوْفَاهُ فَكَذَا هُنَا هَذَا فِيمَا إذَا نَقَصَتْ قِيمَتُهُ بِتَغْيِيرِ السِّعْرِ فَجَنَى عَلَيْهِ. وَأَمَّا إذَا زَادَ ثُلُثُ قِيمَتِهِ بِتَغْيِيرِ السِّعْرِ فَجَنَى عَلَيْهِ أَوْ مَاتَ بِالسِّرَايَةِ أَوْ جَنَى الْمَرْهُونَةُ وَلَدُهَا أَوْ اعْوَرَّ الْمَرْهُونُ أَوْ زَالَ عَوَرُهُ فَجَنَى عَلَيْهِ فَنَذْكُرُ ذَلِكَ تَتْمِيمًا لِلْفَائِدَةِ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ عَبْدٌ مَرْهُونٌ صَارَتْ قِيمَتُهُ أَلْفَيْنِ فَصَارَ كَمَا لَوْ غَصَبَهُ غَاصِبٌ يَضْمَنُ أَلْفَيْنِ فَكَذَا هَذَا، فَإِنْ أَدَّى أَلْفًا وَتَوِيَ أَلْفٌ كَانَ الْمُرْتَهِنُ أَوْلَى بِهَا؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ الْأَصْلِيَّةَ كَانَتْ أَلْفًا، ثُمَّ زَادَتْ أَلْفًا أُخْرَى فَكَانَتْ هَذِهِ الْأَلْفُ الزَّائِدَةُ تَبَعًا لِلْأَلْفِ الْأَصْلِيَّةِ حَيْثُ وُجِدَتْ بِسَبَبِ وُجُودِهَا، فَإِذَا وَرَدَ الْهَلَاكُ يُصْرَفُ إلَى التَّابِعِ لَا إلَى الْأَصْلِ وَالتَّابِعُ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ فِيهِ إلْحَاقَ التَّابِعِ بِالْأَصْلِ وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ وَلَا يُمْكِنُ صَرْفُهُ إلَى الْأَصْلِ دُونَ التَّابِعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إيفَاءُ التَّابِعِ دُونَ الْأَصْلِ وَلِأَنَّ فِيهِ تَرْجِيحَ التَّابِعِ عَلَى الْأَصْلِ وَذَلِكَ مُمْتَنِعٌ فَصَرَفْنَا الْهَلَاكَ إلَى التَّابِعِ ضَرُورَةً تَحْقِيقًا لِلتَّبَعِيَّةِ كَمَا فِي الْمُضَارَبَةِ يُصْرَفُ الْهَلَاكُ إلَى الرِّبْحِ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ فِي الْأَصْلِ أَلْفَيْنِ فَمَا يَخْرُجُ مِنْ قِيمَتِهِ بَيْنَ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ نِصْفَيْنِ وَمَا تَوِيَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَصْلٌ بِنَفْسِهِ فَمَا تَوِيَ يَتْوَى عَلَى الْحَقَّيْنِ وَمَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 315 يَخْرُجُ يَخْرُجُ عَلَى الْحَقَّيْنِ. عَبْدٌ مَرْهُونٌ بِأَلْفٍ وَقِيمَتُهُ أَلْفٌ فَقَتَلَهُ عَبْدَانِ فَدُفِعَا بِهِ فَهُمَا جَمِيعًا رَهْنٌ بِأَلْفٍ؛ لِأَنَّهُمَا قَامَا مَقَامَ الْأَوَّلِ فَيَكُونُ حُكْمُهُمَا كَالْأَوَّلِ فَتَكُونُ جِنَايَةُ أَحَدِهِمَا إلَى صَاحِبِهِ كَجِنَايَةِ الْأَوَّلِ عَلَى نَفْسِهِ وَذَلِكَ هَدَرٌ وَغَيْرُ مُعْتَبَرٍ وَيُجْعَلُ التَّالِفُ كَالتَّالِفِ بِلَا جِنَايَةٍ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ. عَبْدَانِ رُهِنَا بِأَلْفٍ يُسَاوِي كُلُّ وَاحِدٍ خَمْسَمِائَةٍ فَصَارَ كُلُّ وَاحِدٍ يُسَاوِي أَلْفًا، ثُمَّ قَتَلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ كَانَ الْبَاقِي رَهْنًا وَبِسَبْعِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُهُ فَارِغٌ وَنِصْفُهُ مَشْغُولٌ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَلَوْ كَانَتْ قِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَلْفًا يَوْمَ الِارْتِهَانِ يَصِيرُ الْقَاتِلُ رَهْنًا بِسَبْعِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ فَكَذَا إذَا كَانَتْ قِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَلْفًا يَوْمَ الْجِنَايَةِ إذْ الْمَعْنَى يَجْمَعُهُمَا لِمَا بَيَّنَّا، وَلَوْ قَتَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَبْدًا فَدُفِعَ بِهِ وَقِيمَةُ الْمَدْفُوعِ قَلِيلَةٌ أَوْ كَثِيرَةٌ، ثُمَّ قَتَلَ أَحَدُ الْمَدْفُوعَيْنِ صَاحِبَهُ فَالْحُكْمُ فِيهِ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمَا قَامَا مَقَامَ الْأَصْلَيْنِ فَكَأَنَّ الْأَصْلَيْنِ قَائِمَيْنِ فَازْدَادَتْ قِيمَتُهُمَا، ثُمَّ قَتَلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْبَدَلِ لَا يُخَالِفُ حُكْمَ الْأَصْلِ، وَفِي الْمُنْتَقَى رَجُلٌ قَطَعَ يَدَ أَمَةِ إنْسَانٍ قِيمَتُهَا أَلْفٌ، ثُمَّ رَهَنَهَا الْمَوْلَى بِخَمْسِمِائَةٍ وَهِيَ قِيمَتُهَا فَوَلَدَتْ وَلَدًا يُسَاوِي خَمْسَمِائَةٍ، وَلَمْ تَنْقُصْهَا الْوِلَادَةُ شَيْئًا، ثُمَّ مَاتَتْ مِنْ الْجِنَايَةِ، فَإِنْ شَاءَ الْمَوْلَى حَاسَبَ الْمُرْتَهِنَ فَيَذْهَبُ مِنْ الدَّيْنِ بِحِسَابِ ذَلِكَ وَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَى الْجَانِي، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ مِنْ الْجَانِي قِيمَتَهَا يَوْمَ قَطْعِ يَدِهَا وَهِيَ أَلْفٌ وَيَرْجِعُ الْجَانِي عَلَى الْمُرْتَهِنِ بِقِيمَتِهَا مَقْطُوعَةً وَذَلِكَ خَمْسُمِائَةٍ؛ لِأَنَّهَا مَاتَتْ فِي ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ فَتَكُونُ مَضْمُونَةً عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ رَهْنَ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ يَقْطَعُ حُكْمَ السِّرَايَةِ وَيَرْجِعُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الرَّاهِنِ بِمَا ضَمِنَ وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ اُنْتُقِضَ فِي الْأُمِّ بِالْهَلَاكِ وَيَرْجِعُ أَيْضًا عَلَيْهِ بِحِصَّةِ الْأُمِّ مِنْ الدَّيْنِ وَذَلِكَ خَمْسُمِائَةٍ وَيَبْقَى لِلْمُرْتَهِنِ عَلَى الرَّاهِنِ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ حِصَّةَ الْوَلَدِ، فَإِنْ مَاتَ الْوَلَدُ بَطَلَ الرَّهْنُ فِيهِ وَرَجَعَ الْمُرْتَهِنُ بِهَذِهِ الْمِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ عَلَى الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ كُلَّهُ عَادَ إلَى الْأُمِّ ذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَجُلٌ رَهَنَ رَجُلًا كُرًّا مِنْ شَعِيرٍ وَغُلَامًا وَبِرْذَوْنًا كُلُّ وَاحِدٍ يُسَاوِي مِائَةً بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَقَبَضَ الْمُرْتَهِنُ فَأَقْضَمَ الْغُلَامُ الْبِرْذَوْنَ الشَّعِيرَ، فَإِنَّ ثُلُثَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ رَهْنٌ بِثُلُثِ الْمِائَةِ؛ لِأَنَّ الْمِائَةَ مَقْسُومَةٌ عَلَى ثَلَاثَةٍ وَقِيمَتُهَا مُسْتَوِيَةٌ فَيُصِيبُ كُلَّ وَاحِدٍ ثُلُثُهُ وَالثُّلُثَانِ لِلرَّاهِنِ فَجِنَايَةُ ثُلُثِ الْعَبْدِ عَلَى الثُّلُثِ مِنْ الرَّهْنِ هَدَرٌ؛ لِأَنَّ جِنَايَةَ الرَّهْنِ عَلَى الرَّهْنِ مُهْدَرَةٌ وَجِنَايَةُ ثُلُثَيْ الْعَبْدِ مُعْتَبَرَةٌ فَتَكُونُ فِي عُنُقِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ جِنَايَةَ عَبْدِ الرَّاهِنِ عَلَى حَقِّ الْمُرْتَهِنِ فَتَكُونُ مَضْمُونَةً عَلَيْهِ فَبَقِيَ الْبِرْذَوْنُ ثَلَاثَةَ أَتْسَاعِ الْمِائَةِ وَسَقَطَ تُسْعُهُ وَهِيَ ثُلُثُهَا وَفِي الْعَبْدِ ثَلَاثَةُ أَتْسَاعِ الْمِائَةِ وَهِيَ ثُلُثُهَا، وَفِي الشَّعِيرِ ثَلَاثَةُ أَتْسَاعِ الْمِائَةِ وَهِيَ ثُلُثُهَا فَجِنَايَةُ الْعَبْدِ عَلَى تُسْعٍ وَاحِدٍ هَدَرٌ؛ لِأَنَّهُ جِنَايَةُ الرَّهْنِ فَيَلْزَمُ التُّسْعَانِ؛ لِأَنَّ جِنَايَةَ ثُلُثَيْهِ جِنَايَةُ غَيْرِ الرَّهْنِ عَلَى الرَّهْنِ فَيَكُونُ مَا بَقِيَ ثَلَاثَةُ أَتْسَاعِ الْمِائَةِ وَسَقَطَ تُسْعُهُ، وَلَوْ كَانَ الْبِرْذَوْنُ ضَرَبَ الْغُلَامَ فَفَقَأَ عَيْنَهُ يَذْهَبُ نِصْفُ ثُلُثِ الدَّيْنِ وَهُوَ تُسْعٌ وَنِصْفٌ، ثُمَّ أَقْضَمَ الْغُلَامُ الْبِرْذَوْنَ الشَّعِيرَ فَيَلْزَمُهُ أَيْضًا مِنْ جِنَايَةٍ فِي الشَّعِيرِ تُسْعَانِ فَيَكُونُ فِي الْعَبْدِ ثَلَاثَةُ أَتْسَاعٍ وَنِصْفُ، وَفِي الْبِرْذَوْنِ ثَلَاثَةُ أَتْسَاعٍ فَيَكُونُ جُمْلَتُهُ سِتَّةَ أَتْسَاعٍ. وَفِي الْجَامِعِ مَسَائِلُهُ عَلَى فُصُولٍ مُخْتَلِفَةٍ: أَحَدُهَا فِي هَلَاكِ الْمَرْهُونِ بِسِرَايَةِ الْجِنَايَةِ الْوَاقِعَةِ فِي يَدِ الرَّاهِنِ. وَالثَّانِي فِي الْجِنَايَةِ عَلَى الْمَرْهُونَةِ وَوَلَدِهَا. وَالثَّالِثُ فِي إعْوَارِ الْمَرْهُونَةِ، وَفِي رَهْنِ الْعَوَارِ ثُمَّ انْجِلَاءِ الْبَيَاضِ أَصْلُهُ إنْ رَهَنَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ يَقْطَعُ حُكْمَ السِّرَايَةِ وَيُبْرِئُ الْجَانِيَ عَنْ ضَمَانِهَا كَالْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ إيجَابُ ضَمَانِ السِّرَايَةِ عَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ السِّرَايَةَ حَصَلَتْ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَتَعَذَّرَ إيجَابُهُ عَلَى الْمُشْتَرِي فِي الِانْتِهَاءِ فَتَصِيرُ الْجِنَايَةُ مُخَالِفَةً لِلْجِنَايَةِ وَالنِّهَايَةُ مُبَايِنَةٌ عَنْ الْبِدَايَةِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَالرَّهْنُ كَالْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ مَلَكَ الْمَرْهُونَ عِنْدَ الْهَلَاكِ بِالدَّيْنِ فَيَتَبَدَّلُ الْمِلْكُ عِنْدَ الْهَلَاكِ فَالْبَرَاءَةُ عَنْ ضَمَانِ السِّرَايَةِ إنَّمَا تَحْصُلُ عِنْدَ الْهَلَاكِ لَا قَبْلَهُ حَتَّى إنَّ الرَّاهِنَ لَوْ افْتَكَّ الرَّهْنَ قَبْلَ السِّرَايَةِ، ثُمَّ سَرَى ضَمِنَ الْجَانِي جَمِيعَ بَدَلِ الرَّهْنِ لَا بَدَلَ الطَّرَفِ قَطَعَ يَدَ جَارِيَةٍ قِيمَتُهَا خَمْسُمِائَةٍ وَغَرِمَ الْقَاطِعُ لِنَفْسِهِ خَمْسَمِائَةٍ لِلرَّاهِنِ حَالًّا وَلَا يَغْرَمُ بِالسِّرَايَةِ؛ لِأَنَّ الْجَانِيَ بِالرَّهْنِ بَرِئَ عَنْ ضَمَانِ السِّرَايَةِ؛ لِأَنَّهَا حَصَلَتْ فِي مِلْكِ الْمُرْتَهِنِ فَبَقِيَ عَلَيْهِ أَرْشُ الْيَدِ وَتَجِبُ فِي مَالِهِ حَالَّةً كَضَمَانِ إتْلَافِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ أَطْرَافَ الْعَبْدِ مُلْحَقَةٌ بِالْأَمْوَالِ فَإِتْلَافُهَا يُوجِبُ ضَمَانَ الْمَالِ وَالْمُرْتَهِنُ بِالْهَلَاكِ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا لِدَيْنِهِ بِقَدْرِ خَمْسِمِائَةٍ فَسَقَطَ ذَلِكَ، وَلَوْ مَاتَتْ بَعْدَمَا وَلَدَتْ وَلَدًا يُسَاوِي خَمْسَمِائَةٍ فَوَلَدُهَا رَهْنٌ بِمِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ فَيُدْفَعُ إلَى الْمُرْتَهِنِ فَيَكُونُ رَهْنًا فِي يَدِهِ مَعَ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ انْقَسَمَ عَلَى الْأُمِّ وَالْوَلَدِ نِصْفَيْنِ لِاسْتِوَاءِ قِيمَتِهِمَا لِلْحَالِّ، وَبَقِيَّةُ قِيمَةِ الْوَلَدِ خَمْسُمِائَةٍ وَإِلَى وَقْتِ الْفِكَاكِ فَتَحَوَّلَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 316 نِصْفُ الدَّيْنِ إلَيْهِ وَذَهَبَ نِصْفُهُ بِذَهَابِ الْأُمِّ، فَإِذَا مَاتَتْ الْأُمُّ بَعْدَمَا تَحَوَّلَ نِصْفُ الدَّيْنِ إلَى الْوَلَدِ ظَهَرَ أَنَّ الدَّيْنَ كَانَ فِي نِصْفِ الْجَارِيَةِ عِنْدَ قَضَاءٍ وَاقْتِضَاءٍ وَإِيفَاءٍ وَاسْتِيفَاءٍ، وَفِي نِصْفِهَا عَقْدُ وَدِيعَةٍ وَأَمَانَةٍ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّ نِصْفَهَا كَانَ مَضْمُونًا وَنِصْفَهَا أَمَانَةٌ وَعَقْدُ الرَّهْنِ يُوجِبُ الْبَرَاءَةَ عَنْ ضَمَانِ السِّرَايَةِ وَعَقْدُ الْأَمَانَةِ يُوجِبُ عَلَى الْقَاطِعِ ضَمَانَ نِصْفِ السِّرَايَةِ وَذَلِكَ خَمْسُمِائَةٍ وَضَمَانُ نِصْفِ الْجِنَايَةِ وَهِيَ الْقَطْعُ وَذَلِكَ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ فَيَكُونُ جُمْلَتُهُ سَبْعَمِائَةٍ وَخَمْسِينَ. وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ خَمْسَمِائَةٍ مِنْ ذَلِكَ عَلَى عَاقِلَةِ الْجَانِي مُؤَجَّلًا فِي ثَلَاثِ سِنِينَ وَمِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ تَجِبُ فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّ خَمْسَمِائَةٍ ضَمَانُ نِصْفِ النِّصْفِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُهْدَرْ نِصْفُ السِّرَايَةِ وَضَمَانُ النَّفْسِ تَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ مُؤَجَّلًا وَمِائَتَانِ وَخَمْسُونَ ضَمَانُ الْمَالِ وَضَمَانُ الْمَالِ يَجِبُ فِي مَالِهِ حَالًّا وَيُدْفَعُ مِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ إلَى الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّ هَذَا بَدَلُ نِصْفِ نَفْسِ الْجَارِيَةِ وَنِصْفُهَا كَانَ مَحْبُوسًا فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ، وَإِنْ كَانَ أَمَانَةً فَكَذَلِكَ بَدَلُهَا يُدْفَعُ إلَيْهِ حَتَّى يَكُونَ مَحْبُوسًا عِنْدَهُ مَعَ الْوَلَدِ، فَإِنْ هَلَكَ الْمِائَتَانِ وَالْخَمْسُونَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ هَلَكَتْ بِغَيْرِ شَيْءٍ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ بَدَلًا كَمَا كَانَتْ أَمَانَةً فِي يَدِهِ وَلِلْبَدَلِ حُكْمُ الْمُبْدَلِ فَيَهْلِكُ أَمَانَةً، فَإِنْ هَلَكَ الْوَلَدُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَرُدَّ الْمُرْتَهِنُ الْمِائَتَيْنِ وَالْخَمْسِينَ عَلَى الرَّاهِنِ وَالرَّاهِنُ عَلَى الْقَاطِعِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ لَمَّا هَلَكَ قَبْلَ الْفِكَاكِ تَبَيَّنَ أَنَّا أَخْطَأْنَا فِي الْقِسْمَةِ حَتَّى قَسَمْنَا الدَّيْنَ عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّ الدَّيْنَ كُلَّهُ كَانَ بِإِزَاءِ لَازِمٍ حِينَ لَمْ يَبْقَ وَقْتَ الْفِكَاكِ فَقَدْ هَلَكَتْ الْأُمُّ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ وَظَهَرَ أَنَّ الْمُرْتَهِنَ قَبَضَ مِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ مِنْ الرَّهْنِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَظَهَرَ أَنَّ الْقَاطِعَ كَانَ بَرِيئًا عَنْ السِّرَايَةِ كُلِّهَا وَإِنَّمَا كَانَ عَلَيْهِ أَرْشُ الْيَدِ خَمْسُمِائَةٍ لَا غَيْرُ، وَقَدْ أَخَذَ مِنْهُ الرَّاهِنُ مِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ بِغَيْرِ حَقٍّ فَيَرُدُّ ذَلِكَ عَلَيْهِ أَصْلًا إنَّ الدَّيْنَ مَتَى قُسِمَ عَلَى الْأُمِّ وَالْوَلَدِ لِلْحَالِ يُنْظَرُ إنْ بَقِيَتْ قِيمَتُهُ غَيْرَ مُنْتَقِصَةٍ إلَى وَقْتِ الْفِكَاكِ لَا تُعَادُ الْقِسْمَةُ يَوْمَ الْفِكَاكِ. وَإِنْ اُنْتُقِصْت قِيمَتُهُ تُعَادُ الْقِسْمَةُ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ الْخَطَأُ فِي الْقِسْمَةِ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ تَقْسِيمُ الدَّيْن عَلَى قِيمَةِ الْوَلَدِ يَوْمَ الْفِكَاكِ؛ لِأَنَّ الْأُمَّ تُعْتَبَرُ يَوْمَ الرَّهْنِ وَقِيمَةُ الْوَلَدِ تُعْتَبَرُ يَوْمَ الْفِكَاكِ لِمَا بَيَّنَّا. [الْمَسَائِلُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ] ثُمَّ الْمَسَائِلُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: الْأَوَّلُ رَهَنَ جَارِيَةً بِأَلْفٍ تُسَاوِي أَلْفًا فَوَلَدَتْ وَلَدًا يُسَاوِي خَمْسَمِائَةٍ فَقَتَلَهَا عَبْدٌ يُسَاوِي أَلْفًا، ثُمَّ ذَهَبَ عَيْنُهُ يَفْتَكُّهُ الرَّاهِنُ بِأَرْبَعَةِ أَتْسَاعِ الْأَلْفِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ دُفِعَ بِإِزَاءِ الْأُمِّ وَالْوَلَدِ جَمِيعًا فَيُقْسَمُ الْعَبْدُ الْمَدْفُوعُ عَلَيْهِمَا بِاعْتِبَارِ قِيمَتِهِمَا أَثْلَاثًا؛ لِأَنَّ قِيمَةَ الْأُمِّ ضِعْفُ قِيمَةِ الْوَلَدِ، فَإِذَا ذَهَبَ عَيْنُ الْعَبْدِ فَقَدْ ذَهَبَ نِصْفُ بَدَلِ الْوَلَدِ وَلَا يَذْهَبُ مِنْ الدَّيْنِ شَيْءٌ. الثَّانِيَةُ رَهَنَ جَارِيَةً بِأَلْفٍ تُسَاوِي أَلْفًا فَوَلَدَتْ وَلَدًا قِيمَتُهُ أَلْفٌ فَقَتَلَتْ الْأُمُّ جَارِيَةً قِيمَتُهَا مِائَةٌ فَدُفِعَتْ فَوَلَدَتْ الْمَدْفُوعَةُ وَلَدًا يُسَاوِي أَلْفًا ثُمَّ اعْوَرَّتْ الْأُمُّ ذَهَبَ مِنْ الدَّيْنِ جُزْءٌ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَذْهَبُ سُدُسُ الدَّيْنِ وَيَفْتَكُّهُ بِخَمْسَةِ أَسْدَاسٍ وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ قِيمَةَ الْمَدْفُوعَةِ إنَّمَا تُعْتَبَرُ يَوْمَ الدَّفْعِ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا دَخَلَتْ فِي ضَمَانِهِ بِالدَّفْعِ وَقِيمَتُهَا يَوْمَ الدَّفْعِ مِائَةٌ، وَقَدْ انْدَفَعَ الدَّيْنُ إلَى الْمَقْتُولَةِ وَوَلَدِهَا لِاسْتِوَاءِ قِيمَتِهَا فَتَحَوَّلَ نِصْفُ مَا فِي الْمَقْتُولَةِ مِنْ الدَّيْنِ إلَى وَلَدِهَا وَبَقِيَ نِصْفُ الدَّيْنِ فِيهَا، ثُمَّ الْمَدْفُوعَةُ لَمَّا قَامَتْ مَقَامَ الْمَرْهُونَةِ تَحَوَّلَ مَا فِي الْمَرْهُونَةِ مِنْ الدَّيْنِ وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ عَلَى أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا؛ لِأَنَّ قِيمَةَ الْمَدْفُوعَةِ مِائَةٌ يَوْمَ الدَّفْعِ وَقِيمَةَ وَلَدِهَا أَلْفٌ يَوْمَ الْفِكَاكِ فَصَارَ كُلُّ مِائَةٍ سَهْمًا فَصَارَ الدَّيْنُ مَقْسُومًا عَلَى أَحَدَ عَشَرَ فَصَارَ بِإِزَاءِ الْمَدْفُوعَةِ سَهْمٌ، فَإِذَا اعْوَرَّتْ ذَهَبَ نِصْفُهَا فَذَهَبَ نِصْفُ مَا بِإِزَائِهَا مِنْ الدَّيْنِ وَذَلِكَ نِصْفُ سَهْمٍ فَانْكَسَرَ الْحِسَابُ فَاضْرِبْ اثْنَيْنِ فِي أَصْلِ نِصْفِ الْفَرِيضَةِ وَذَلِكَ أَحَدَ عَشَرَ فَصَارَ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ بِإِزَاءِ الْوَلَدِ عِشْرُونَ جُزْءًا وَبِإِزَاءِ الْأُمِّ جُزْءَانِ، فَإِذَا صَارَ نِصْفُ الدَّيْنِ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ صَارَ النِّصْفُ الْآخَرُ كَذَلِكَ فَصَارَ الْكُلُّ أَرْبَعَةً وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا اثْنَانِ وَعِشْرُونَ بِإِزَاءِ وَلَدِ الْمَرْهُونَةِ وَعِشْرُونَ بِإِزَاءِ وَلَدِ الْمَدْفُوعَةِ وَسَهْمَانِ بِإِزَاءِ الْمَدْفُوعَةِ وَسَقَطَ سَهْمٌ بِذَهَابِ نِصْفِهَا بِالْعَوَرِ فَيَبْقَى ثَلَاثَةٌ وَأَرْبَعُونَ جُزْءًا فَيَفْتَكُّهُ بِذَلِكَ، وَلَوْ لَمْ تَعْوَرَّ الْأُمُّ الْقَاتِلَةُ حَتَّى قَتَلَهُمْ جَمِيعًا عَبْدٌ قِيمَتُهُ أَلْفٌ فَدَفَعَ بِهِمْ، ثُمَّ اعْوَرَّ الْعَبْدُ فَالرَّاهِنُ يَفْتَكُّهُ بِخَمْسَةِ أَسْهُمٍ مِنْ سِتَّةٍ وَعِشْرِينَ مَا يَخُصُّ الْقَاتِلَةَ سَهْمٌ وَنِصْفُ عُشْرٍ. وَمَا يَخُصُّ وَلَدَهَا خَمْسَةٌ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ الْمَدْفُوعَ قَامَ مَقَامَهُمْ وَصَارُوا كَأَنَّهُمْ أَحْيَاءٌ مَعْنًى، وَلَمْ يُنْتَقَصْ مِنْ قِيمَتِهِمْ شَيْءٌ، وَإِنْ اُنْتُقِصَ سِعْرُهُمْ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ صَارَ مَدْفُوعًا بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ وَمِائَةٍ؛ لِأَنَّهُ دُفِعَ بِهِمْ وَقِيمَتُهُمْ أَلْفَانِ وَمِائَةٌ فَانْقَسَمَ الْعَبْدُ عَلَى الْأَلْفَيْنِ وَمِائَةٌ عَلَى أَحَدٍ وَعِشْرِينَ سَهْمًا كُلُّ مِائَةِ سَهْمٍ مِنْ ذَلِكَ بِإِزَاءِ الْقَاتِلَةِ وَعَشَرَةٌ بِإِزَاءِ وَلَدِهَا وَعَشَرَةٌ بِإِزَاءِ وَلَدِ الْمَقْتُولَةِ فَلَمَّا ذَهَبَ عَيْنُ الْعَبْدِ فَقَدْ ذَهَبَ مِنْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 317 الدَّيْنِ نِصْفُهُ فَذَهَبَ نِصْفُ بَدَلِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَمْسَةُ أَسْهُمٍ فَظَهَرَ أَنَّا أَخْطَأْنَا فِي الْقِسْمَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ قِيمَةُ الْوَلَدِ الْمَقْتُولِ إلَى يَوْمِ الْفِكَاكِ اُنْتُقِصَ خَمْسُمِائَةٍ فَتُسْتَأْنَفُ الْقِسْمَةُ فَيُقْسَمُ الدَّيْنُ عَلَى قِيمَةِ الْمَقْتُولِ يَوْمَ الرَّهْنِ وَعَلَى الْبَاقِي مِنْ قِيمَةِ وَلَدِهَا يَوْمَ الْفِكَاكِ وَذَلِكَ خَمْسَةٌ فَيُقْسَمُ الدَّيْنُ عَلَى سِتَّةٍ وَعِشْرِينَ سَهْمًا؛ لِأَنَّ كُلَّ أَلْفٍ صَارَ عَلَى أَحَدٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا لَمَّا صَارَ الْعَبْدُ عَلَى أَحَدٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا وَقِيمَةُ الْمَقْتُولَةِ أَلْفٌ فَيُجْعَلُ أَحَدًا وَعِشْرِينَ وَقِيمَةُ وَلَدِهَا خَمْسَةٌ فَيَصِيرُ سِتَّةً وَعِشْرِينَ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ بِإِزَاءِ الْمَقْتُولَةِ وَخَمْسَةٌ بِإِزَاءِ وَلَدِهَا فَتَحَوَّلَ مَا بِإِزَاءِ الْمَقْتُولَةِ إلَى الْقَاتِلَةِ؛ لِأَنَّهَا قَامَتْ مَقَامَهُمْ، ثُمَّ الْمُحَوَّلُ إلَى الْقَاتِلَةِ انْقَسَمَ عَلَيْهَا وَعَلَى وَلَدِهَا عَلَى تِسْعَةِ أَسْهُمٍ وَعُشْرِ سَهْمٍ؛ لِأَنَّ قِيمَةَ الْقَاتِلَةِ يَوْمَ الدَّفْعِ مِائَةٌ وَمِائَةٌ مِثْلُ عُشْرِ قِيمَةِ الْمَقْتُولِ وَذَلِكَ سَهْمَانِ وَعُشْرُ سَهْمٍ؛ لِأَنَّ قِيمَةَ الْمَقْتُولَةِ صَارَتْ عَلَى أَحَدٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا فَتَكُونُ مِائَةً مِنْ ذَلِكَ سَهْمَانِ وَعُشْرُ سَهْمٍ وَمَا بَقِيَ مِنْ قِيمَةِ وَلَدِهَا خَمْسَةُ أَسْهُمٍ فَتَصِيرُ جُمْلَتُهُ سَبْعَةَ أَسْهُمٍ وَعُشْرَ سَهْمٍ سَهْمَانِ وَعُشْرٌ حِصَّةُ الْقَاتِلَةِ وَخَمْسَةُ أَسْهُمٍ بَدَلُ وَلَدِهَا، فَإِذَا ذَهَبَ عَيْنُ الْعَبْدِ ذَهَبَ نِصْفُ حِصَّتِهَا وَذَلِكَ سَهْمٌ وَنِصْفٌ وَعُشْرُ سَهْمٍ وَمِنْ أَحَدٍ وَعِشْرِينَ فَيَبْقَى عِشْرُونَ غَيْرَ نِصْفِ عُشْرِ سَهْمٍ فَيَفْتَكُّهُ الرَّاهِنُ بِهَذَا. وَالثَّالِثَةُ جَارِيَةٌ مَرْهُونَةٌ بِأَلْفٍ وَهِيَ قِيمَتُهَا قَطَعَتْ يَدَهَا جَارِيَةٌ قِيمَتُهَا خَمْسُمِائَةٍ فَدُفِعَتْ بِهَا، ثُمَّ وَلَدَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ وَلَدًا يُسَاوِي خَمْسَمِائَةٍ فَقَتَلَهُمْ جَمِيعًا عَبْدٌ وَدُفِعَ بِهِمْ فَذَهَبَ عَيْنُهُ افْتَكَّهُ بِسَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ مِنْ خَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ مِنْ الدَّيْنِ، وَإِنْ شِئْت قُلْتُ: يَفْتَكُّهُ بِثَلَاثَةِ أَخْمَاسِ الدَّيْنِ وَتَخْرِيجُهُ أَنَّ الْقَاطِعَةَ لَمَّا دُفِعَتْ قَامَتْ مَقَامَ يَدِ الْمَقْطُوعَةِ وَكَانَ فِي يَدِ الْمَقْطُوعَةِ قَبْلَ الْقَطْعِ نِصْفُ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْيَدَ مِنْ الْآدَمِيِّ نِصْفُهُ فَيَتَحَوَّلُ نِصْفُ الدَّيْنِ إلَى الْقَاطِعَةِ، وَإِنْ قَامَتْ قِيمَةُ الْقَاطِعَةِ عَنْ خَمْسِمِائَةٍ؛ لِأَنَّهَا قَامَتْ مَقَامَ الْيَدِ الْمَقْطُوعَةِ وَصَارَ كَأَنَّ يَدَ الْمَقْطُوعَةِ قَائِمَةٌ إلَّا أَنَّهُ تَرَاجَعَ سِعْرُهَا وَبَقِيَ فِي الْمَقْطُوعَةِ يَدُهَا نِصْفُ الدَّيْنِ فَلَمَّا وَلَدَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْجَارِيَتَيْنِ وَلَدًا يُسَاوِي خَمْسَمِائَةٍ انْقَسَمَ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مِنْ الدَّيْنِ عَلَيْهِمَا وَعَلَى وَلَدِهِمَا نِصْفَيْنِ لِاسْتِوَاءِ قِيمَتِهِمَا فَصَارَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ رُبُعُ الدَّيْنِ وَذَلِكَ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ فَلَمَّا قَتَلَهُمْ جَمِيعًا عَبْدٌ يُسَاوِي أَلْفًا وَدُفِعَ بِهِمْ قَامَ رُبُعُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَبْدِ مَقَامَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ قِيمَتَهُمْ مُتَسَاوِيَةٌ؛ لِأَنَّ قِيمَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَوْمَ دُفِعَ الْعَبْدُ خَمْسُمِائَةٍ فَصَارَ كَأَنَّ الْأَرْبَعَةَ كُلَّهُمْ أَحْيَاءٌ، وَلَمْ يُنْتَقَصْ مِنْهُمْ شَيْءٌ بَدَنًا وَانْتُقِصَ سِعْرًا فَلَمَّا ذَهَبَ عَيْنُ الْعَبْدِ فَقَدْ ذَهَبَ مِنْ بَدَلِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ نِصْفُهُ إلَّا أَنَّهُ لَا يَذْهَبُ بِذَهَابِ نِصْفِ بَدَلِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْجَارِيَتَيْنِ نِصْفُ مَا بِإِزَائِهَا مِنْ الدَّيْنِ فَظَهَرَ أَنَّا أَخْطَأْنَا فِي الْقِسْمَةِ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ قِيمَةُ وَلَدِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا خَمْسُمِائَةٍ إلَى وَقْتِ الْفِكَاكِ بَلْ بَقِيَ قَدْرُ مِائَةٍ وَخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ لَمَّا ذَهَبَ مِنْ بَدَلِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَلَدَيْنِ نِصْفُهُ. وَبَقِيَ نِصْفُهُ وَهُوَ مِائَةٌ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ فَتُسْتَأْنَفُ الْقِسْمَةُ فَيُقْسَمُ جَمِيعُ الدَّيْنِ عَلَى قِيمَةِ الْجَارِيَةِ الْمَقْطُوعَةِ يَوْمَ الرَّهْنِ وَذَلِكَ أَلْفٌ وَعَلَى قِيمَةِ وَلَدِهَا يَوْمَ الْفِكَاكِ وَذَلِكَ مِائَةٌ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ فَيُجْعَلُ أَقَلُّ الْمَالَيْنِ وَهُوَ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ سَهْمًا فَصَارَتْ قِيمَةُ الْجَارِيَةِ ثَمَانِيَةَ أَسْهُمٍ وَقِيمَةُ وَلَدِهَا سَهْمٌ فَصَارَتْ تِسْعَةٌ فَيُجْعَلُ الدَّيْنُ عَلَى تِسْعَةِ أَسْهُمٍ فَيَصِيرُ بِإِزَاءِ الْوَلَدِ سَهْمٌ بِإِزَاءِ الْأُمِّ وَهِيَ ثَمَانِيَةُ أَتْسَاعِ الدَّيْنِ، ثُمَّ تُقْسَمُ ثَمَانِيَةُ أَتْسَاعِ الدَّيْنِ عَلَى الْمَقْطُوعَةِ وَالْقَاطِعَةِ نِصْفَيْنِ ثُمَّ يُقْسَمُ نِصْفُ الْقَاطِعَةِ وَذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَتْسَاعِ الدَّيْنِ عَلَى قِيمَتِهَا وَهِيَ خَمْسُمِائَةٍ يَوْمَ الرَّهْنِ وَعَلَى قِيمَةِ بَدَلِ وَلَدِهَا يَوْمَ الْفِكَاكِ وَذَلِكَ مِائَةٌ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ سَهْمًا وَقِسْمَةُ أَرْبَعَةٍ عَلَى خَمْسَةٍ لَا يَسْتَقِيمُ فَاضْرِبْ أَصْلَ فَرِيضَةِ الْمَقْطُوعَةِ وَوَلَدِهَا وَذَلِكَ تِسْعَةٌ فِي خَمْسَةٍ فَيَصِيرُ خَمْسَةً وَأَرْبَعِينَ لِلْمَقْطُوعَةِ أَرْبَعُونَ وَلِوَلَدِهَا خَمْسَةٌ، ثُمَّ تَحَوَّلَ نِصْفُ أَرْبَعِينَ إلَى الْقَاطِعَةِ وَهُوَ عِشْرُونَ، ثُمَّ تُقْسَمُ عِشْرُونَ عَلَى الْقَاطِعَةِ وَوَلَدِهَا عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ بِإِزَاءِ وَلَدِهَا وَذَلِكَ أَرْبَعَةٌ وَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ بِإِزَاءِ الْقَاطِعَةِ وَذَلِكَ سِتَّةَ عَشَرَ، فَإِذَا ذَهَبَ عَيْنُ الْعَبْدِ فَقَدْ ذَهَبَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُهُ وَكَانَ بِإِزَاءِ الْمَقْطُوعَةِ عِشْرُونَ سَهْمًا مِنْ الدَّيْنِ فَسَقَطَ عَشَرَةٌ وَكَانَ بِإِزَاءِ الْقَاطِعَةِ سِتَّةَ عَشَرَ فَسَقَطَ ثَمَانِيَةٌ. وَكَانَ السَّاقِطُ مِنْ الدَّيْنِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَالْبَاقِي سَبْعَةٌ وَعِشْرُونَ فَيُفْتَكُّ الْعَبْدُ بِذَلِكَ وَثَمَانِيَةَ عَشَرَ خُمُسًا جَمِيعُ الدَّيْنِ كُلُّ خُمُسٍ تِسْعَةٌ مِنْ خَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ وَسَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِهِ. وَالرَّابِعَةُ جَارِيَةٌ مَرْهُونَةٌ بِأَلْفٍ هِيَ قِيمَتُهَا فَوَلَدَتْ وَلَدًا يُسَاوِي أَلْفًا ثُمَّ قَتَلَتْ الْأُمُّ جَارِيَةً تُسَاوِي مِائَةً فَدُفِعَتْ، ثُمَّ وَلَدَتْ الْمَدْفُوعَةُ وَلَدًا يُسَاوِي أَلْفًا، ثُمَّ قَتَلَتْ الْمَدْفُوعَةُ جَارِيَةً قِيمَتُهَا أَلْفٌ فَدُفِعَتْ بِهِمْ فَوَلَدَتْ وَلَدًا يُسَاوِي أَلْفًا ثُمَّ مَاتَتْ الْأُمُّ قُسِمَ الدَّيْنُ عَلَى أَحَدٍ وَثَلَاثِينَ فَمَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 318 أَصَابَ عَشَرَةً فَهُوَ بِحِصَّةِ الْوَلَدِ الْأَوَّلِ مِنْ الْوَلَدِ الْحَيِّ يُؤَدِّيهِ الرَّاهِنُ وَمَا أَصَابَ أَحَدًا وَعِشْرِينَ قُسِمَ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ وَعُشْرِ سَهْمٍ فَمَا أَصَابَ عَشَرَةً فَهُوَ حِصَّةُ الْوَلَدِ الثَّانِي يُؤَدِّيهِ الرَّاهِنُ وَمَا أَصَابَ سَهْمًا وَعُشْرًا أَبْطَلَ عَنْ الرَّاهِنِ نِصْفَهُ وَأَدَّى نِصْفَهُ، وَتَخْرِيجُهُ أَنَّ الدَّيْنَ يُقْسَمُ عَلَى الْمَقْتُولَةِ الْأُولَى وَوَلَدِهَا نِصْفَيْنِ لِاسْتِوَاءِ قِيمَتِهِمَا وَعَلَى وَلَدِهَا أَحَدَ عَشَرَ؛ لِأَنَّ قِيمَةَ الْقَاتِلَةِ مِائَةٌ وَقِيمَةَ وَلَدِهَا أَلْفٌ كُلُّ مِائَةِ سَهْمٍ، وَإِذَا صَارَ نِصْفُ دَيْنِ الْقَاتِلَةِ عَلَى أَحَدَ عَشَرَ صَارَ نِصْفُ دَيْنِ وَلَدِ الْمَقْتُولَةِ كَذَلِكَ فَصَارَ كُلُّ الدَّيْنِ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ سَهْمًا، ثُمَّ الْقَاتِلَةُ الثَّانِيَةُ لَمَّا قَتَلَتْ الْقَاتِلَةَ الْأُولَى وَوَلَدَيْهِمَا فَقَدْ قَامَ مَقَامَهُمْ وَقِيمَتُهُمْ أَلْفَانِ وَمِائَةٌ قِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ أَلْفٌ وَقِيمَةُ الْقَاتِلَةِ الْأُولَى مِائَةٌ فَجَعَلْنَا كُلَّ مِائَةٍ سَهْمًا فَصَارَتْ إحْدَى وَعِشْرِينَ سَهْمًا فَصَارَتْ قَاتِلَةُ الثَّانِيَةِ إحْدَى وَعِشْرِينَ سَهْمًا بَدَلُ كُلِّ الْوَلَدَيْنِ عَشَرَةُ أَسْهُمٍ وَبَدَلُ أَسْهَامِهِمْ، ثُمَّ يُجْعَلُ وَلَدُ الْقَاتِلَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى أَحَدٍ وَعِشْرِينَ سَهْمًا فَالْأُمُّ لِاسْتِوَاءِ قِيمَتِهِمَا؛ لِأَنَّ وَلَدَهَا مُتَوَلِّدٌ عِنْدَ بَدَلِ الْأَشْخَاصِ الثَّلَاثَةِ. وَالْمُتَفَرِّعُ وَالْمُتَوَلِّدُ عَنْ مِلْكِ إنْسَانٍ يَكُونُ مِلْكًا لَهُ فَصَارَ بَدَلُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَلَدَيْنِ عِشْرِينَ جُزْءًا عَشَرَةٌ مِنْ الْقَاتِلَةِ الْأَخِيرَةِ وَعَشَرَةٌ مِنْ وَلَدِهَا وَبَدَلُ أُمِّهَا سَهْمَانِ، فَإِذَا مَاتَتْ الْقَاتِلَةُ الثَّانِيَةُ فَقَدْ ذَهَبَ نِصْفُ بَدَلِهِمْ، فَإِذَا ذَهَبَ نِصْفُ بَدَلِ الْوَلَدَيْنِ ظَهَرَ أَنَّا أَخْطَأْنَا فِي الْقِسْمَةِ فَتُسْتَأْنَفُ الْقِسْمَةُ فَيُقْسَمُ الدَّيْنُ مُسْتَأْنَفًا عَلَى قِيمَةِ الْمَقْتُولَةِ الْأُولَى وَعَلَى أَلْفٍ يَوْمَ الرَّهْنِ صَارَتْ مُنْقَسِمَةً عَلَى أَحَدٍ وَعِشْرِينَ سَهْمًا وَعَلَى قِيمَةِ مَا بَقِيَ مِنْ بَدَلِ وَلَدِهَا يَوْمَ الْفِكَاكِ وَذَلِكَ عَشَرَةٌ فَيَكُونُ مَبْلَغُ جَمِيعِهِ أَحَدًا وَثَلَاثِينَ سَهْمًا عَشَرَةٌ حِصَّةُ الْوَلَدِ وَأَحَدٌ وَعِشْرُونَ حِصَّةُ الْأُمِّ. ثُمَّ تُقْسَمُ حِصَّةُ الْمَقْتُولَةِ الْأُولَى عَلَى قِيمَةِ الْقَاتِلَةِ الْأُولَى وَعَلَى قِيمَةِ وَلَدِهَا عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ سَهْمًا وَعُشْرِ سَهْمٍ قِيمَةُ الْقَاتِلَةِ الْأُولَى مِائَةٌ وَقِيمَةُ الْمَقْتُولَةِ الْأُولَى صَارَتْ عَلَى أَحَدٍ وَعِشْرِينَ سَهْمًا فَعَشْرٌ مِنْهَا يَكُونُ سَهْمَيْنِ وَعُشْرَ سَهْمٍ وَبَدَلُ وَلَدِهَا الْقَاتِلَةُ الْأَخِيرَةُ عَشْرُ أَسْهُمٍ مِنْ أَحَدٍ وَعِشْرِينَ سَهْمًا فَلِذَا يُقْسَمُ دَيْنُ الْقَاتِلَةِ الْأُولَى عَلَيْهَا وَعَلَى وَلَدِهَا عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ سَهْمًا وَعُشْرٍ سَهْمَانِ وَعُشْرٌ حِصَّةُ الْقَاتِلَةِ وَعَشَرَةُ أَسْهُمٍ حِصَّةُ وَلَدِهَا، ثُمَّ يُقْسَمُ حِصَّةُ الْقَاتِلَةِ الْأُولَى وَهِيَ سَهْمَانِ وَعُشْرِ سَهْمٍ عَلَى بَدَلِهَا وَهُوَ جُزْءَانِ أَحَدُهُمَا فِي الْقَاتِلَةِ الْأَخِيرَةِ وَعَلَى وَلَدِهَا عَلَى السَّوَاءِ، وَإِذَا كَانَتْ جَارِيَةً بِإِحْدَى عَيْنَيْهَا بَيَاضٌ مَرْهُونَةٌ بِأَلْفٍ وَهِيَ قِيمَتُهَا فَذَهَبَتْ الْعَيْنُ الْأُخْرَى وَصَارَتْ تُسَاوِي مِائَتَيْنِ ذَهَبَ مِنْ الدَّيْنِ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ، فَإِنْ ذَهَبَ الْبَيَاضُ عَنْ الْعَيْنِ الْأُولَى لَمْ يَعُدْ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ مُتَّصِلَةٌ حَدَثَتْ بَعْدَ الرَّهْنِ فَلَا تَكُونُ مَضْمُونَةً، فَإِنْ ضَرَبَ رَجُلٌ هَذِهِ الْعَيْنَ فَصَارَتْ بَيْضَاءَ غَرِمَ ثَمَانِمِائَةٍ وَيَفْتَكُّ الرَّاهِنُ الْجَارِيَةَ الْأَرْشَ بِخَمْسَةِ أَتْسَاعِ الدَّيْنِ، فَإِنْ عَمِيَتْ الْجَارِيَةُ بَعْدَ ذَلِكَ بِأَنْ ذَهَبَتْ الْعَيْنُ الَّتِي كَانَتْ صَحِيحَةً بَعْدَ الرَّهْنِ فَالْعَمَى يُوجِبُ نُقْصَانَ ثَمَانِ مِائَةٍ مِنْ قِيمَتِهَا، وَقَدْ ذَهَبَ عَنْ أَرْبَعَةِ أَخْمَاسِهَا فَذَهَبَ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ الدَّيْنِ وَيَبْقَى خَمْسَةٌ وَيَبْقَى أَيْضًا حِصَّةُ الْأَرْشِ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِ الدَّيْنِ كَذَلِكَ الْبَاقِي مِنْ الدَّيْنِ خَمْسَةُ أَسْهُمٍ مِنْ تِسْعَةٍ فَيَفْتَكُّ الرَّهْنَ خَمْسَةَ أَتْسَاعٍ. رَجُلٌ رَهَنَ جَارِيَةً بِأَحَدِ عَيْنَيْهَا بَيَاضٌ قِيمَتُهَا أَلْفٌ بِأَلْفٍ فَذَهَبَ الْبَيَاضُ وَصَارَتْ قِيمَتُهَا أَلْفَيْنِ، ثُمَّ ابْيَضَّتْ الصَّحِيحَةُ وَعَادَتْ قِيمَتُهَا إلَى أَلْفٍ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يُنْظَرُ إلَى مَا كَانَ يَنْقُصُ هَذَا الْبَيَاضَ، وَلَوْ كَانَ الْبَيَاضُ عَلَى حَالِهِ، فَإِنْ نَقَصَ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِ الْقِيمَةِ بَطَلَ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ الدَّيْنِ وَبَيَانُ تَعْلِيلِ كُلِّ الْمَسَائِلِ يُنْظَرُ فِي الْمَبْسُوطِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ قَتَلَهُ عَبْدٌ قِيمَتُهُ مِائَةٌ فَدَفَعَهُ بِهِ افْتَكَّهُ بِكُلِّ الدَّيْنِ) ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ، وَإِنْ شَاءَ دَفَعَ الْعَبْدَ الْمَدْفُوعَ إلَى الْمُرْتَهِنِ بِدَيْنِهِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ،. وَقَالَ زُفَرُ يَصِيرُ رَهْنًا بِمِائَةٍ وَسَقَطَ مِنْ الدَّيْنِ بِقَدْرِ الْغَايَةِ قُلْنَا إنَّ الْعَبْدَ الثَّانِيَ قَامَ مَقَامَ الْأَوَّلِ لَحْمًا وَدَمًا، وَلَوْ كَانَ الْأَوَّلُ قَائِمًا وَانْتُقِصَ السِّعْرُ لَا يُنْتَقَصُ الدَّيْنُ وَهِيَ عَلَى الْخِلَافِ وَلِمُحَمَّدٍ أَنَّ الْمَرْهُونَ تَغَيَّرَ فِي ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ فَيُخَيَّرُ الرَّاهِنُ كَالْبَيْعِ وَالْمَغْصُوبُ إذَا كَانَ قِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَلْفٌ وَقَتَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَبْدًا قِيمَتُهُ مِائَةٌ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُشْتَرِي وَالْمَغْصُوبِ مِنْهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ الْقَاتِلَ وَلَا شَيْءَ لَهُ غَيْرُهُ، وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ الْمُشْتَرِي الْبَيْعَ وَرَجَعَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ وَلَهُمَا أَنَّ التَّغْيِيرَ لَمْ يَظْهَرْ فِي نَفْسِ الْعَبْدِ لِقِيَامِ الثَّانِي مَقَامَ الْأَوَّلِ لَحْمًا وَدَمًا فَلَا يَجُوزُ تَمْلِيكُهُ مِنْ الْمُرْتَهِنِ بِغَيْرِ رِضَاهُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ تَرَاجَعَ سِعْرُهُ حَتَّى صَارَ يُسَاوِي مِائَةً، ثُمَّ قَتَلَ عَبْدًا يُسَاوِي مِائَةً فَدُفِعَ بِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (، وَإِنْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 319 مَاتَ الرَّاهِنُ بَاعَ وَصِيُّهُ الرَّهْنَ وَقَضَى الدَّيْنَ) ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوصِي وَكَانَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ الرَّهْنَ فَكَذَا الْوَصِيَّةُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَصِيٌّ نَصَبَ الْقَاضِي لَهُ وَصِيًّا وَأَمَرَ بِبَيْعِهِ) وَفَعَلَ ذَلِكَ إلَى الْقَاضِي؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ نُصِبَ نَاظِرًا لِحُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ إذَا عَجَزُوا عَنْ النَّظَرِ؛ لِأَنْفُسِهِمْ، وَقَدْ تَعَيَّنَ النَّظَرُ فِي نَصِيبِ الْوَصِيِّ لِيُؤَدِّيَ مَا عَلَيْهِ لِغَيْرِهِ وَيَسْتَوْفِي حُقُوقَهُ مِنْ غَيْرِهِ، وَلَوْ كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ فَرَهَنَ الْوَصِيُّ بَعْضَ التَّرِكَةِ عِنْدَ غَرِيمٍ لَهُ مِنْ غُرَمَائِهِ لَمْ يَجُزْ وَلِلْآخَرِينَ أَنْ يَرُدُّوهُ؛ لِأَنَّهُ إيثَارٌ لِبَعْضِ الْغُرَمَاءِ بِالْإِيفَاءِ الْحُكْمِيِّ فَأَشْبَهَهُ الْإِيثَارُ بِالْإِيفَاءِ الْحَقِيقِيِّ وَالْجَامِعُ مَا فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ إبْطَالِ حَقِّ غَيْرِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَيِّتَ بِنَفْسِهِ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ بِمَرَضِ مَوْتِهِ فَكَذَا مَنْ قَامَ مَقَامَهُ. وَإِنْ قُضِيَ دَيْنُهُمْ قَبْلَ أَنْ يَرُدُّوهُ جَازَ لِزَوَالِ الْمَانِعِ وَوُصُولِ حَقِّهِمْ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ غَرِيمٌ آخَرُ جَازَ الرَّهْنُ اعْتِبَارًا بِالْإِيفَاءِ الْحَقِيقِيِّ وَبِيعَ فِي دِينِهِ؛ لِأَنَّهُ يُبَاعُ فِيهِ قَبْلَ الرَّهْنِ فَكَذَا بَعْدَهُ، وَإِذَا ارْتَهَنَ الْوَصِيُّ بِدَيْنٍ لِلْمَيِّتِ عَلَى رَجُلٍ جَازَ؛ لِأَنَّهُ اسْتِيفَاءٌ فَيَمْلِكُهُ وَلَهُ أَنْ يَبِيعَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَصْلٌ بِمَنْزِلَةِ الْمُتَفَرِّقَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي أَوَاخِرِ الْكُتُبِ] (فَصْلٌ) هَذَا الْفَصْلُ بِمَنْزِلَةِ الْمُتَفَرِّقَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي أَوَاخِرِ الْكُتُبِ فَلِذَا أَخَّرَهُ اسْتِدْرَاكًا لِمَا فَاتَهُ فِيمَا سَبَقَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (رَهَنَ عَصِيرًا قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ بِعَشَرَةٍ فَتَخَمَّرَ، ثُمَّ تَخَلَّلَ وَهُوَ يُسَاوِي عَشَرَةً فَهُوَ رَهْنٌ بِعَشَرَةٍ) يَعْنِي إذَا رَهَنَ عِنْدَ مُسْلِمٍ عَصِيرًا إلَى آخِرِهَا قَالُوا مَا كَانَ مَحِلًّا لِلْبَيْعِ بَقَاءً يَكُونُ مَحِلًّا لِلرَّهْنِ بَقَاءً كَمَا أَنَّ مَا يَكُونُ مَحِلًّا لِلْبَيْعِ ابْتِدَاءً يَكُونُ مَحِلًّا لِلرَّهْنِ ابْتِدَاءً وَالْخَمْرُ مَحَلٌّ لِلْبَيْعِ بَقَاءً، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَحِلًّا لَهُ ابْتِدَاءً أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَوْ كَانَ مَدَارُ مَسْأَلَتِنَا الْمَذْكُورَةِ عَلَى هَذَا الْقَدْرِ مِنْ التَّعْلِيلِ لَمَا ظَهَرَ فَائِدَةُ قَوْلِهِ، ثُمَّ صَارَ خَلًّا فِي وَضْعِ مَسْأَلَةٍ بَلْ كَانَ يَكْفِي أَنْ يُقَالَ وَمَنْ رَهَنَ عَصِيرًا بِعَشَرَةٍ فَتَخَمَّرَ فَهُوَ رَهْنٌ بِعَشَرَةٍ لِكِفَايَةِ التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ بِعَيْنِهِ فِي إثْبَاتِ هَذَا الْمَعْنَى الْعَامِّ فَتَأَمَّلْ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ مَا يَرْجِعُ إلَى الْمَحِلِّ فَالِابْتِدَاءُ وَالْبَقَاءُ فِيهِ سَوَاءٌ فَمَا بَالُ هَذَا تَخَلَّفَ عَنْ ذَلِكَ الْأَصْلِ، وَقَالَ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّهُ كَذَلِكَ فِيمَا يَكُونُ الْمَحِلُّ بَاقِيًا وَهَاهُنَا يَتَبَدَّلُ الْمَحِلُّ حُكْمًا بِتَبَدُّلِ الْوَصْفِ فَكَذَلِكَ تَخَلَّفَ عَنْ ذَلِكَ الْأَصْلِ اهـ. أَقُولُ: قَوْلُهُ: ثُمَّ تَخَلَّلَ وَهِيَ تُسَاوِي عَشَرَةً يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهِ فِي الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ الْقِيمَةُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْمُعْتَبَرُ الْقَدْرُ؛ لِأَنَّ الْعَصِيرَ وَالْخَلَّ مِنْ الْمُقَدَّرَاتِ؛ لِأَنَّهُ إمَّا مَكِيلٌ أَوْ مَوْزُونٌ وَفِيهَا نُقْصَانُ الْقِيمَةِ لَا يُوجِبُ سُقُوطَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ الدَّيْنِ كَمَا مَرَّ فِي انْكِسَارِ الْقُلْبِ وَإِنَّمَا يُوجِبُ الْخِيَارَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا؛ لِأَنَّ الْغَايَةَ فِيهِ مُجَرَّدُ الْوَصْفِ وَفَوَاتُ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ الْوَصْفِ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ لَا يُوجِبُ سُقُوطَ شَيْءٍ مِنْ الدَّيْنِ بِإِجْمَاعٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا فَيَكُونُ الْحُكْمُ فِيهِ أَنَّهُ إنْ نَقَصَ شَيْءٌ مِنْ الْقَدْرِ سَقَطَ بِقَدْرِهِ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ وَإِلَّا فَلَا وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ، ثُمَّ تَخَلَّلَ إلَى أَنَّ الْمَرْهُونَ عِنْدَهُ مُسَلَّمٌ وَالرَّاهِنُ فَلَوْ كَانَ ذِمِّيًّا قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ رَهَنَ ذِمِّيٌّ مِنْ ذِمِّيٍّ خَمْرًا فَصَارَتْ خَلًّا لَا يَنْقُصُ مِنْ قِيمَتِهِ بِقَدْرِهِ وَيَبْقَى رَهْنًا؛ لِأَنَّ بِالتَّغْيِيرِ مِنْ وَصْفِ الْمَرَارَةِ إلَى الْحُمُوضَةِ نَقَصَتْ الْمَالِيَّةُ عِنْدَهُمْ وَمُقَوِّمُهَا مَعَ بَقَاءِ الْعَيْنِ بِحَالِهَا وَبِتَبَدُّلِ الصِّفَةِ لَا يَبْطُلُ الرَّهْنُ كَمَا لَوْ كَانَ الرَّهْنُ قُلْبًا فَانْكَسَرَ وَبَقِيَ الْوَزْنُ عَلَى حَالِهِ. ثُمَّ عِنْدَهُمَا يَتَخَيَّرُ الرَّاهِنُ إنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ وَأَخَذَهُ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ خَمْرًا مِثْلَ خَمْرِهِ فَيَصِيرُ الْخَلُّ مِلْكًا لِلْمُرْتَهِنِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ، وَإِنْ شَاءَ جَعَلَهُ بِالدَّيْنِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْقُلْبِ إذَا انْكَسَرَ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ وَقَيَّدْنَا بِقَوْلِنَا رَهَنَ مُسْلِمٌ عَصِيرًا؛ لِأَنَّ رَهْنَ الْكَافِرِ الْخَمْرَ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَوْ رَهْنُ الْمُسْلِمِ الْخَمْرَ عِنْدَ كَافِرٍ بَاطِلٌ قَالَ ارْتَهَنَ الْمُسْلِمُ مِنْ كَافِرٍ خَمْرًا فَصَارَ خَلًّا فِي الرَّهْنِ بَاطِلٌ وَيَكُونُ الْخَلُّ أَمَانَةً فِي يَدِهِ لِلرَّاهِنِ وَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ قَضَاءَ دَيْنِهِ، وَإِنْ شَاءَ يَدَعُ الْخَلَّ بِدَيْنِهِ إنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْخَلِّ يَوْمَ الرَّهْنِ كَالدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ يَجُوزُ أَنْ يَضْمَنَ الْخَمْرَ بِالرَّهْنِ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُ ضَمَانٍ وَالْمَضْمُونُ مَتَى نُصِبَ فِي يَدِ الضَّمِينِ يُخَيَّرُ مَنْ لَهُ الضَّمَانُ كَمَا لَوْ غَصَبَ الْمُسْلِمُ خَمْرًا مِنْ ذِمِّيٍّ فَصَارَتْ خَلًّا فِي يَدِهِ يُخَيَّرُ الذِّمِّيُّ؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ عِنْدَ أَهْلِ الذِّمَّةِ يَصْلُحُ لِمَنَافِعَ مَا لَا يَصْلُحُ لَهُ الْخَلُّ وَلَا وَجْهَ فَصَارَ الْخَمْرُ كَالْهَالِكِ مِنْ وَجْهٍ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُرْتَهِنَ خَمْرًا مِثْلَ خَمْرِهِ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ مَنْهِيٌّ عَنْ تَمْلِيكِ الْخَمْرِ، وَلَا وَجْهَ أَنْ يُتْرَكَ الْخَلَّ عَلَيْهِ وَيَضْمَنَ النُّقْصَانَ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا. وَالْأَوْجَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْخَلَّ وَيَضْمَنَ الدَّيْنَ كُلَّهُ؛ لِأَنَّهُ يَتَضَرَّرُ بِهِ فَقُلْنَا بِأَنَّهُ يَجْعَلُهُ بِالدَّيْنِ لِيَدْفَعَ الضَّرَرَ عَنْهُ، وَلَيْسَ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الْمُرْتَهِنِ فَكَذَا هَذَا، فَإِذَا وَجَبَتْ قِيمَةُ الْخَمْرِ لِلرَّاهِنِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ فَلَهُ عَلَيْهِ مِثْلُ ذَلِكَ فَيَلْتَقِيَانِ قِصَاصًا. وَلَوْ ارْتَهَنَ الْكَافِرُ خَمْرًا مِنْ مُسْلِمٍ لَا يَجُوزُ وَيَكُونُ أَمَانَةً فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ لَا يَصِيرُ مَضْمُونًا عَلَى الْكَافِرِ الْمُسْلِمِ، وَإِنْ قَبَضَهَا بِجِهَةِ الضَّمَانِ كَمَا فِي الْغَصْبِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 320 وَالْإِتْلَافِ ارْتَهَنَ مُسْلِمٌ مِنْ مُسْلِمٍ عَصِيرًا فَصَارَ خَمْرًا فَلِلْمُرْتَهِنِ تَخْلِيلُهَا وَتَكُونُ رَهْنًا وَيَبْطُلُ مِنْ الدَّيْنِ بِحِسَابِ مَا نَقَصَ يَعْنِي مِنْ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ بِقَذْفِ الزَّبَدِ؛ لِأَنَّ مِنْ التَّخْلِيلِ إحْيَاءَ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ وَإِصْلَاحَ الْفَاسِدِ فَلَهُ ذَلِكَ وَفِي إبْقَاءِ الْعَقْدِ بَعْدَ التَّخْمِيرِ فَائِدَةٌ لِجَوَازِ التَّخْلِيلِ فَيَبْقَى كَالْعَصِيرِ إذَا تَخَمَّرَ قَبْلَ الْقَبْضِ يَبْقَى الْبَيْعُ فَكَذَا هَذَا وَالدَّيْنُ يَسْقُطُ بِانْتِقَاصِ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّهُ احْتَبَسَ عِنْدَهُ بَعْضَ الرَّهْنِ وَلَا يَنْقُصُ بِانْتِقَاصِ الْقِيمَةِ كَمَا إذَا تَغَيَّرَ السِّعْرُ وَقَيَّدْنَا بِذِكْرِ الْعَصِيرِ فِي الْمُسْلِمِ قَالَ: وَإِنْ كَانَ الرَّاهِنُ كَافِرًا يَأْخُذُ الْخَمْرَ وَالدَّيْنُ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُخَلِّلَهَا، فَإِنْ خَلَّلَهَا ضَمِنَ قِيمَتَهَا يَوْمَ خَلَّلَ وَرَجَعَ بِدَيْنِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ الرَّاهِنُ مُسْلِمًا فَخَلَّلَهَا لَمْ يَضْمَنْ وَالْفَرْقُ أَنَّ هُنَاكَ لَا ضَرَرَ عَلَى الرَّاهِنِ فِي إبْقَاءِ عَقْدِ الرَّهْنِ إلَى مَا بَعْدَ التَّخْمِيرِ بَلْ لَهُ فِيهِ مَنْفَعَةٌ؛ لِأَنَّ مَالَهُ يَصِيرُ مُتَقَوِّمًا بِالتَّخْلِيلِ، وَلَمْ يَصِرْ الْمُرْتَهِنُ مُتْلِفًا لِمَا لَهُ بَلْ إضْرَارٌ بِالرَّاهِنِ؛ لِأَنَّ لِأَهْلِ الذَّمَّةِ رَغَائِبُ فِي الْخَمْرِ مَا لَيْسَ مِثْلَهَا فِي الْعَصِيرِ وَهُوَ لَمْ يَرْضَ بِكَوْنِ الْخَمْرِ رَهْنًا فَلَوْ بَقَّيْنَا عَقْدَ الرَّهْنِ بَعْدَ تَغْيِيرِ مِلْكِهِ فِي حَقِّهِ يُؤَدِّي إلَى الضَّرَرِ بِهِ؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ بِالْعَصِيرِ جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ فِي حَقِّ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَهُوَ لَمْ يَعْقِدْ الرَّهْنَ عَلَى الْخَمْرِ وَإِنَّمَا عَقَدَ عَلَى الْعَصِيرِ فَلَا يَبْقَى الْعَقْدُ فَيَكُونُ لِلرَّاهِنِ أَخْذُ الْخَمْرِ مِنْ الْمُرْتَهِنِ. فَإِنْ خَلَّلَهَا يَضْمَنُ قِيمَتَهَا؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ الْخَمْرَ بِالتَّخْلِيلِ عَلَى الذِّمِّيِّ لِمَا بَيَّنَّا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. رَهَنَ ذِمِّيٌّ مِنْ ذِمِّيٍّ جِلْدَ مَيْتَةٍ فَدَبَغَهُ الْمُرْتَهِنُ لَمْ يَكُنْ رَهْنًا وَأَخَذَهُ الرَّاهِنُ وَأَعْطَاهُ أُجْرَةَ الدِّبَاغَةِ إنْ كَانَ لَهُ قِيمَةٌ؛ لِأَنَّ جِلْدَ الْمَيْتَةِ لَيْسَ بِمَالٍ عِنْدَ أَحَدٍ فَلَمْ يَنْعَقِدْ الْعَقْدُ لِفَوَاتِ الْمَحِلِّ فَلَا يَعُودُ جَائِزًا بِحُدُوثِ الْمَحَلِّيَّةِ مِنْ بَعْدُ كَمَا لَوْ رَهَنَ مِنْ مُسْلِمٍ خَمْرًا فَصَارَتْ خَلًّا، فَإِذَا دَبَغَهُ بِشَيْءٍ لَهُ قِيمَةٌ بَقِيَ أَثَرُهُ فِي الْجِلْدِ فَيَكُونُ لَهُ عَلَى صَاحِبِ الْجِلْدِ قِيمَةُ مَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ كَمَنْ صَبَغَ ثَوْبَ إنْسَانٍ بِصَبْغِهِ فَصَاحِبُ الثَّوْبِ يَأْخُذُهُ بِقِيمَةِ مَا زَادَ الصَّبْغُ فِيهِ فَكَذَا هَذَا. رَهَنَ ذِمِّيٌّ مِنْ ذِمِّيٍّ خَمْرًا، ثُمَّ أَسْلَمَ لَمْ يَبْقَ رَهْنًا أَيْ لَمْ يَبْقَ مَضْمُونًا، فَإِنْ خَلَّلَهَا وَتَخَلَّلَتْ فَهِيَ رَهْنٌ؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ لَا تَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ مَضْمُونَةً لِمَعْنًى يُتَوَهَّمُ زَوَالُهُ، فَإِذَا زَالَ الْعَارِضُ بِأَنْ صَارَتْ خَلًّا يَكُونُ رَهْنًا عَلَى حَالِهِ؛ لِأَنَّ فِي إبْقَاءِ الرَّهْنِ فَائِدَةً وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لِلْمُرْتَهِنِ وِلَايَةُ الْحَبْسِ لِلتَّخَلُّلِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ رَهَنَ شَاةً قِيمَتُهَا عَشَرَةٌ بِعَشَرَةٍ فَمَاتَتْ فَدَبَغَ جِلْدَهَا وَهُوَ يُسَاوِي دِرْهَمًا فَهُوَ رَهْنٌ بِدِرْهَمٍ) ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ يَتَعَذَّرُ بِالْهَلَاكِ، وَإِذَا أَحْيَا بَعْضَ الْمَحِلِّ يَعُودُ الْحُكْمُ بِقَدْرِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَتْ الشَّاةُ الْمَبِيعَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَدَبَغَ جِلْدَهَا حَيْثُ لَا يَعُودُ الْبَيْعُ بِقَدْرِهِ وَلِأَنَّ الْبَيْعَ يَنْفَسِخُ بِالْهَلَاكِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَدَبَغَ جِلْدَهَا حَيْثُ لَا يَعُودُ صَحِيحًا وَأَمَّا الرَّهْنُ فَيَتَعَذَّرُ بِالْهَلَاكِ. وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ يَقُولُ بِعَوْدِ الْبَيْعِ. وَقَوْلُهُ وَهُوَ يُسَاوِي دِرْهَمًا ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي الْقِيمَةِ حَالَ الدِّبَاغِ، وَكَذَا قَوْلُهُ فَهُوَ رَهْنٌ بِدِرْهَمٍ قَالُوا هَذَا إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الْجِلْدِ يَوْمَ الرَّهْنِ دِرْهَمًا، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ الرَّهْنِ دِرْهَمَيْنِ كَانَ الْجِلْدُ رَهْنًا بِدِرْهَمَيْنِ وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِالتَّقْوِيمِ وَأَنْ تُقَوَّمَ الشَّاةُ الْمَرْهُونَةُ غَيْرَ مَسْلُوخَةٍ ثُمَّ تُقَوَّمَ مَسْلُوخَةً فَالتَّفَاوُتُ بَيْنَهُمَا هُوَ قِيمَةُ الْجِلْدِ هَذَا إذَا كَانَتْ الشَّاةُ كُلُّهَا مَضْمُونَةً، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا أَمَانَةً بِأَنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ يَكُونُ الْجِلْدُ أَيْضًا بَعْضُهُ أَمَانَةً بِحِسَابِهِ فَيَكُونُ رَهْنًا بِحِصَّتِهِ مِنْ الدَّيْنِ قَالُوا هَذَا دَبَغَهُ الْمُرْتَهِنُ بِشَيْءٍ لَا قِيمَةَ لَهُ، وَإِنْ دَبَغَهُ بِشَيْءٍ لَهُ قِيمَةٌ كَانَ لِلْمُرْتَهِنِ حَقُّ حَبْسِهِ بِمَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ كَمَا لَوْ غَصَبَ جِلْدَ مَيْتَةٍ وَدَبَغَهُ بِشَيْءٍ لَهُ قِيمَةٌ. ثُمَّ قِيلَ يَبْطُلُ الرَّهْنُ فِيهِ حَتَّى إذَا أَدَّى الرَّاهِنُ مَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ أَخَذَهُ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا حَبَسَهُ بِالدَّيْنِ الثَّانِي فَصَارَ بِهِ مَحْبُوسًا حُكْمًا خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ رَهْنًا بِالْأَوَّلِ حُكْمًا كَمَا إذَا رَهَنَهُ حَقِيقَةً بِأَنْ رَهَنَ الرَّهْنَ بِدَيْنٍ آخَرَ غَيْرِ مَا كَانَ مَحْبُوسًا بِهِ، فَإِنَّهُ يَخْرُجُ عَنْ الْأَوَّلِ وَيَكُونُ رَهْنًا بِالثَّانِي فَكَذَا هَذَا، وَقِيلَ لَا يَبْطُلُ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ إنَّمَا يَبْطُلُ بِمَا هُوَ فَوْقَهُ أَوْ مِثْلُهُ وَلَا يَبْطُلُ بِمَا هُوَ دُونَهُ كَالْمَبِيعِ بِأَلْفٍ إذَا بَاعَهُ ثَانِيًا مِنْهُ بِأَقَلَّ أَوْ بِأَكْثَرَ يَبْطُلُ؛ لِأَنَّهُ مِثْلُهُ وَلَا يَبْطُلُ بِالْإِجَارَةِ وَالرَّهْنِ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ دُونَ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ حَبْسَ الْجِلْدِ بِالْمِائَةِ الَّتِي اتَّصَلَتْ بِالْجِلْدِ بِحُكْمِ الدِّبَاغِ وَتِلْكَ الْمَالِيَّةُ تَبَعٌ لِلْجِلْدِ؛ لِأَنَّهَا وَصْفٌ لَهُ وَالْوَصْفُ دَائِمًا يَتْبَعُ الْأَصْلَ فَالرَّهْنُ الْأَوَّلُ رَهْنٌ بِمَا هُوَ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ، وَلَيْسَ بِتَبَعٍ لِغَيْرِهِ وَهُوَ الدَّيْنُ فَيَكُونُ أَقْوَى مِنْ الثَّانِي فَلَمْ يَرْتَفِعْ الْأَوَّلُ بِالثَّانِي. قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ بِأَنْ كَانَتْ عِشْرِينَ وَالدَّيْنُ عَشَرَةً يُنْظَرُ إنْ كَانَ الْجِلْدُ يُسَاوِي دِرْهَمًا وَالْبَاقِي تِسْعَةَ عَشَرَ فَالْجِلْدُ رَهْنٌ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا أَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ بِأَنْ كَانَتْ تُسَاوِي خَمْسَةً وَالْجِلْدُ دِرْهَمًا وَاللَّحْمُ أَرْبَعَةً سَقَطَ مِنْ الدَّيْنِ أَرْبَعَةٌ وَبَقِيَ الْجِلْدُ رَهْنًا بِسِتَّةٍ؛ لِأَنَّ بِالْهَلَاكِ سَقَطَ خَمْسَةٌ مِنْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 321 الدَّيْنِ مِقْدَارُ قِيمَةِ الرَّهْنِ وَبَقِيَ الدَّيْنُ خَمْسَةً، فَإِذَا دَفَعَ الْجِلْدَ فَقَدْ أَحْيَا خُمُسَ الرَّهْنِ فَعَادَ خُمُسُ الدَّيْنِ الَّذِي كَانَ بِإِزَائِهِ وَهُوَ دِرْهَمٌ وَسَقَطَ أَرْبَعَةٌ الَّتِي بِإِزَاءِ اللَّحْمِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُزِلْ التَّوَى عَنْ اللَّحْمِ وَكَانَ الْبَاقِي مِنْ الدَّيْنِ سِتَّةً فَصَارَ الْجِلْدُ مَرْهُونًا بِسِتَّةٍ مَضْمُونًا بِدِرْهَمٍ؛ لِأَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الشَّاةِ مَرْهُونٌ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ مَضْمُونٌ بِمِقْدَارِ قِيمَتِهِ فَكَذَا الْجِلْدُ هَذَا إذَا دُبِغَ بِشَيْءٍ لَا قِيمَةَ لَهُ. فَإِنْ دُبِغَ بِشَيْءٍ لَهُ قِيمَةٌ، فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْمُرْتَهِنُ الْحَبْسَ بِمَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ كَالْغَصْبِ، فَإِذَا اسْتَحَقَّ الْحَبْسَ بِدَيْنٍ آخَرَ حَادِثٍ هَلْ يَبْطُلُ الرَّهْنُ الْأَوَّلُ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ يَبْطُلُ الرَّهْنُ الْأَوَّلُ فِي حَقِّ الْجِلْدِ وَيَصِيرُ الْجِلْدُ رَهْنًا بِمَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ كَمَا رَهَنَ الرَّاهِنُ هَذِهِ الْعَيْنَ بِدَيْنٍ حَادِثٍ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ يَبْقَى الرَّهْنُ الْأَوَّلُ وَيَصِيرُ مَحْبُوسًا بِقِيمَةِ الدِّبَاغِ حَتَّى لَا يَكُونَ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَفْتَكَّهُ مَا لَمْ يَرُدَّ مَا بِإِزَائِهِ مِنْ الدَّيْنِ وَقِيمَةِ الدِّبَاغِ. قَالَ فِي الْمُنْتَقَى رَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ رَهَنَ أَجْنَبِيٌّ بِدَيْنٍ آخَرَ وَهُوَ أَلْفٌ عَبْدًا بِغَيْرِ أَمْر الْمَطْلُوبِ ثُمَّ أَجْنَبِيٌّ آخَرُ رَهَنَهُ عَبْدًا آخَرَ بِغَيْرِ أَمْر الْمَطْلُوبِ فَهُوَ جَائِزٌ وَالْأَوَّلُ رَهْنٌ بِأَلْفٍ. وَالثَّانِي رَهْنٌ بِخَمْسِمِائَةٍ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ تَبَعٌ بِالرَّهْنِ وَلَا رَهْنَ بِالدَّيْنِ فَيَكُونُ رَهْنًا بِجَمِيعِ الدَّيْنِ. وَالثَّانِي رَهْنٌ وَبِالدَّيْنِ رَهْنٌ فَلَا يَصِيرُ رَهْنًا إلَّا بِخَمْسِمِائَةٍ، وَذَكَرَ الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا أَبَقَ الْعَبْدُ الرَّهْنَ، ثُمَّ وُجِدَ بَطَلَ مِنْ الدَّيْنِ بِقَدْرِ نُقْصَانِ الْآبِقِ؛ لِأَنَّهُ بِالْإِبَاقِ صَارَ مَعِيبًا، فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَى بَعْدَ الْإِبَاقِ بِمِثْلِ مَا يُشْتَرَى قَبْلَهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (، وَإِنْمَاءُ الرَّهْنُ كَالْوَلَدِ وَالثَّمَرِ وَاللَّبَنِ وَالصُّوفِ لِلرَّاهِنِ) ؛ لِأَنَّهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ مِلْكِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَهُوَ رَهْنٌ مَعَ الْأَصْلِ) وَهُوَ تَبَعٌ لَهُ وَالرَّهْنُ حَقٌّ مُتَأَكِّدٌ لَازِمٌ يَسْرِي إلَى الْوَلَدِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّاهِنَ لَا يَمْلِكُ بِهِ إبْطَالَهُ بِخِلَافِ وَلَدِ الْجَارِيَةِ حَيْثُ لَا يَسْرِي حُكْمُ الْجِنَايَةِ إلَى الْوَلَدِ وَلَا يَتْبَعُ أُمَّهُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ فِيهَا غَيْرُ مُتَأَكِّدٍ حَتَّى يَنْفَرِدَ الْمَالِكُ بِإِبْطَالِهِ بِالْفِدَاءِ بِخِلَافِ وَلَدِ الْمُسْتَأْجَرَةِ وَالْكَفِيلَةِ وَالْمَغْصُوبَةِ وَوَلَدِ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهَا؛ لِأَنَّ الْمُسْتَأْجَرَ حَقُّهُ فِي الْمَنْفَعَةِ دُونَ الْعَيْنِ وَفِي الْكَفَالَةِ الْحَقُّ يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ وَالْوَلَدُ لَا يَتَوَلَّدُ مِنْ الذِّمَّةِ، وَفِي الْغَصْبِ إثْبَاتُ الْيَدِ الْعَادِيَةِ بِإِزَالَةِ الْيَدِ الْمُحِقَّةِ وَهُوَ مَعْدُومٌ فِي الْوَلَدِ وَلَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ فِيهِ تَبَعًا؛ لِأَنَّهُ فِعْلٌ حِسِّيٌّ وَالتَّبَعِيَّةُ لَا تَجْرِي فِي الْأَوْصَافِ الشَّرْعِيَّةِ. وَفِي الْجَارِيَةِ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهَا الْمُسْتَحَقُّ لَهُ الْخِدْمَةُ وَهِيَ مَنْفَعَةُ الْأُمِّ وَالْوَلَدُ غَيْرُ صَالِحٍ لَهَا قَبْلَ الِانْفِصَالِ فَلَا يَكُونُ تَبَعًا وَبَعْدَهُ لَا يَنْقَلِبُ مُوجِبًا أَيْضًا بَعْدَ أَنْ انْعَقَدَ غَيْرَ مُوجِبٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَهْلِكُ مَجَّانًا) أَيْ إذَا هَلَكَ النَّمَاءُ يَهْلِكُ مَجَّانًا بِغَيْرِ شَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْأَتْبَاعَ لَا قِسْطَ لَهَا مِمَّا يَتَقَابَلُ بِالْأَصْلِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَدْخُلْ تَحْتَ الْعَقْدِ مَقْصُودًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ هَلَكَ الْأَصْلُ وَبَقِيَ النَّمَاءُ فُكَّ بِحِصَّتِهِ) يَعْنِي إذَا هَلَكَ الْأَصْلُ وَهُوَ الرَّهْنُ وَبَقِيَ النَّمَاءُ وَهُوَ الْوَلَدُ يُفْتَكُّ الْوَلَدُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَقْصُودًا بِالْفِكَاكِ وَالنَّمَاءُ إذَا صَارَ مَقْصُودًا بِالْفِكَاكِ يَكُونُ لَهُ قِسْطٌ كَوَلَدِ الْمَبِيعِ لَا حِصَّةَ لَهُ مِنْ الثَّمَنِ، ثُمَّ إذَا صَارَ مَقْصُودًا بِالْقَبْضِ صَارَ لَهُ حِصَّةٌ حَتَّى لَوْ هَلَكَتْ الْأُمُّ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَقِيَ الْوَلَدُ كَانَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَأْخُذَهُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ، وَلَوْ هَلَكَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُقْسَمُ الدَّيْنُ عَلَى قِيمَتِهِ يَوْمَ الْفِكَاكِ وَقِيمَةُ الْأَصْلِ يَوْمَ الْقَبْضِ وَسَقَطَ مِنْ الدَّيْنِ حِصَّةُ الْأَصْلِ وَفُكَّ النَّمَاءُ بِحِصَّتِهِ) ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ صَارَ لَهُ حِصَّةٌ بِالْفِكَاكِ وَالْأُمُّ دَخَلَتْ فِي الضَّمَانِ مِنْ وَقْتِ الْقَبْضِ فَيُعْتَبَرُ قِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي وَقْتِ اعْتِبَارِهِ وَلِهَذَا لَوْ هَلَكَ الْوَلَدُ بَعْدَ هَلَاكِ أُمِّهِ قَبْلَ الْفِكَاكِ هَلَكَ بِغَيْرِ شَيْءٍ فَيُعْلَمُ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ إلَّا عِنْدَ الْفِكَاكِ. وَلَوْ أَذِنَ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ فِي أَكْلِ زَوَائِدِ الرَّهْنِ بِأَنْ قَالَ مَهْمَا زَادَ فَكُلْهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَلَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَهُ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ، وَهَذِهِ إبَاحَةٌ وَالْإِطْلَاقُ يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ وَالْخَطَرُ بِخِلَافِ التَّمْلِيكِ، وَإِنْ لَمْ يُفْتَكَّ الرَّهْنُ حَتَّى هَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ قُسِمَ الدَّيْنُ عَلَى قِيمَةِ الزِّيَادَةِ الَّتِي أَكَلَهَا الْمُرْتَهِنُ وَعَلَيْهِ قِيمَةُ الْأَصْلِ فَمَا أَصَابَ الْأَصْلَ سَقَطَ وَمَا أَصَابَ الزِّيَادَةَ أَخَذَهُ الْمُرْتَهِنُ مِنْ الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ تَلِفَتْ عَلَى مِلْكِ الرَّاهِنِ بِفِعْلِ الْمُرْتَهِنِ بِتَسْلِيطٍ مِنْهُ فَصَارَ كَأَنَّ الرَّاهِنَ أَخَذَهُ وَأَتْلَفَهُ وَيَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ فَكَانَ لَهُ الدَّيْنُ هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي، وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خان وَالْمُحِيطِ وَعَزَاهُ إلَى الْجَامِعِ، وَلَوْ نَقَصَتْ قِيمَةُ الْأُمِّ بِتَغَيُّرِ السِّعْرِ فَصَارَتْ تُسَاوِي خَمْسَمِائَةٍ أَوْ زَادَتْ فَصَارَتْ تُسَاوِي أَلْفَيْنِ وَالْوَلَدُ عَلَى حَالِهِ يُسَاوِي أَلْفًا فَالدَّيْنُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَلَا يَتَغَيَّرُ عَمَّا كَانَ. وَإِنْ كَانَتْ الْأُمُّ عَلَى حَالِهَا وَانْتُقِصَتْ قِيمَةُ الْوَلَدِ بِعَيْبٍ دَخَلَهُ أَوْ بِتَغَيُّرِ السِّعْرِ فَصَارَتْ خَمْسَمِائَةٍ فَالدَّيْنُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا ثُلُثَانِ فِي الْأُمِّ وَالثُّلُثُ فِي الْوَلَدِ، وَلَوْ زَادَتْ قِيمَةُ الْوَلَدِ فَصَارَ يُسَاوِي أَلْفَيْنِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 322 فَثُلُثَا الدَّيْنِ فِي الْوَلَدِ وَالثُّلُثُ فِي الْأُمِّ حَتَّى لَوْ هَلَكَتْ الْأُمُّ بَقِيَ الْوَلَدُ بِثُلُثَيْ الدَّيْنِ، وَلَوْ وَلَدَتْ الْأُمُّ وَلَدًا وَقِيمَتُهُمَا سَوَاءٌ ثُمَّ اعْوَرَّتْ الْأُمُّ بَعْدَ الْوِلَادَةِ أَوْ قَبْلَهَا ذَهَبَ مِنْ الدَّيْنِ رُبُعُهُ وَهُوَ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ يَنْقَسِمُ عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ فَيَذْهَبُ نِصْفُ مَا كَانَ فِيهَا مِنْ الدَّيْنِ، وَفِي الْمُنْتَقَى رَهَنَ أَرْضًا وَنَخْلًا بِدَيْنٍ قِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ خَمْسُمِائَةٍ فَاحْتَرَقَ النَّخْلُ وَنَبَتَ فِي الْأَرْضِ نَخْلٌ آخَرُ يُسَاوِي خَمْسَمِائَةٍ قَالَ يَذْهَبُ مِنْ الدَّيْنِ نِصْفُهُ بِاحْتِرَاقِ النَّخْلِ وَمَا نَبَتَ فَهُوَ زِيَادَةٌ فِي الْأَرْضِ بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ رَهَنَ أَمَتَيْنِ فَمَاتَتْ إحْدَاهُمَا، ثُمَّ وَلَدَتْ الْبَاقِيَةُ جَارِيَةً بِأَلْفٍ فَقَتَلَتْهَا أَمَةٌ تُسَاوِي مِائَةً فَدُفِعَتْ بِهَا، ثُمَّ وَلَدَتْ وَلَدًا يُسَاوِي أَلْفًا فَالدَّيْنُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ؛ لِأَنَّ الْأَمَةَ الْأُولَى عَلَى حَالِهَا وَالزِّيَادَةُ فِي الرَّهْنِ حُكْمُهَا حُكْمُ الْأَصْلِ مَحْبُوسَةً مَضْمُونَةً كَالْأَصْلِ؛ لِأَنَّهَا تُلْحَقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ وَصَارَتْ كَالْمَوْجُودَةِ فِي الْعَقْدِ كَمَا فِي زَوَائِدِ الْمَبِيعِ وَيُقْسَمُ الدَّيْنُ عَلَى قِيمَةِ الْأَصْلِ يَوْمَ الْقَبْضِ وَعَلَى قِيمَةِ الزِّيَادَةِ يَوْمَ قُبِضَتْ، فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْأَصْلِ وَقِيمَةُ الزِّيَادَةِ يَوْمَ قُبِضَتْ خَمْسَمِائَةٍ انْقَسَمَ الدَّيْنُ عَلَيْهِمَا أَثْلَاثًا؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ إنَّمَا يَجِبُ بِالْقَبْضِ فَتُعْتَبَرُ قِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَوْمَ الْقَبْضِ، فَإِنْ نَقَصَ الرَّهْنُ فِي يَدِهِ. ثُمَّ زَادَ آخَرُ قُسِمَ مَا بَقِيَ مِنْ الدَّيْنِ عَلَى قِيمَةِ الْبَاقِي وَقِيمَةُ الزِّيَادَةِ يَوْمَ قُبِضَتْ مِثَالُهُ إذَا رَهَنَ عَبْدًا يُسَاوِي أَلْفًا بِأَلْفٍ فَاعْوَرَّ، ثُمَّ زَادَهُ رَهْنًا آخَرَ قُسِمَ مَا بَقِيَ مِنْ الدَّيْنِ عَلَى قِيمَةِ الْبَاقِي وَهُوَ الْعَبْدُ الْأَعْوَرُ وَعَلَى قِيمَةِ الْعَبْدِ الزَّائِدِ أَثْلَاثًا ثُلُثُهُ بِإِزَاءِ الْعَبْدِ الْقَدِيمِ وَثُلُثَاهُ بِإِزَاءِ الْعَبْدِ الزَّائِدِ بِخِلَافِ مَا إذَا وَلَدَتْ الْأَمَةُ الْمَرْهُونَةُ بَعْدَمَا اعْوَرَّتْ وَلَدًا يُسَاوِي أَلْفًا، فَإِنَّهُ يُقْسَمُ الدَّيْنُ عَلَى قِيمَتِهَا يَوْمَ الْقَبْضِ وَعَلَى قِيمَةِ الْوَلَدِ يَوْمَ الْفِكَاكِ نِصْفَيْنِ، ثُمَّ مَا أَصَابَ الْأُمَّ سَقَطَ نِصْفُهُ بِالِاعْوِرَارِ فَبَقِيَ الْأُمُّ وَالْوَلَدُ بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ الدَّيْنِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ ثَمَنِيَّةَ الْوَلَدِ تَتَفَرَّعُ عَنْهَا فَيَسْرِي إلَيْهِ حُكْمُ الْأَصْلِ تَبَعًا كَانَ الْوَلَدَ مُتَّصِلًا بِهَا فَيُعْتَبَرُ فِي الْقِسْمَةِ قِيمَةُ الْأُمِّ يَوْمَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ التَّحَكُّمَ فِي الزِّيَادَةِ تَثْبُتُ أَصْلًا لَا بِطَرِيقِ السِّعَايَةِ وَالتَّبَعِيَّةُ فَيُعْتَبَرُ فِي الْقِسْمَةِ قَدْرُ الْبَاقِي مِنْ الدَّيْنِ وَقْتَ الزِّيَادَةِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَضَى الرَّاهِنُ الْمُرْتَهِنَ خَمْسَمِائَةٍ فَتَكُونُ الزِّيَادَةُ رَهْنًا بِثُلُثَيْ خَمْسِمِائَةٍ فِي النِّصْفِ الْبَاقِي مِنْ الْعَبْدِ الْقَدِيمِ، وَفِي الْمُنْتَقَى رَجُلٌ رَهَنَ عِنْدَ رَجُلٍ دِينَارًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ، ثُمَّ زَادَهُ الرَّاهِنُ دِينَارًا آخَرَ وَزَادَهُ الْمُرْتَهِنُ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ عَلَى أَنْ يَكُونَ الدِّينَارَانِ رَهْنًا بِالْخَمْسَةَ عَشَرَ؛ لِأَنَّهُمَا جَعَلَاهُمَا كَذَلِكَ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الدِّينَارُ الْأَوَّلُ وَثُلُثَا الدِّينَارِ الثَّانِي يَكُونُ رَهْنًا بِالْعَشَرَةِ الْأُولَى وَيَكُونُ ثُلُثُ الدِّينَارِ الثَّانِي رَهْنًا بِنِصْفِ الْخَمْسَةِ وَيَكُونُ نِصْفُهُ الثَّانِي دَيْنًا عَلَيْهِ بِلَا رَهْنٍ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ الزِّيَادَةُ فِي دَيْنِ الرَّهْنِ غَيْرُ جَائِزَةٍ فَتَكُونُ الزِّيَادَةُ فِي الدَّيْنِ ابْتِدَاءً إيجَابًا لِلدَّيْنِ فَلَا يَكُونُ الدِّينَارُ الْأَوَّلُ رَهْنًا بِالْخَمْسَةِ الزَّائِدَةِ وَيَكُونُ قَدْ جَعَلَا الدِّينَارَ الزَّائِدَ رَهْنًا بِالْعَشَرَةِ الْأُولَى وَالْخَمْسَةِ الزَّائِدَةِ فَصَارَ ثُلُثَا الدِّينَارِ الْأَوَّلِ وَثُلُثُ الدِّينَارِ الثَّانِي. وَلَمْ يَصِحَّ رَهْنُ ثُلُثِ الدِّينَارِ الْأَوَّلِ بِهَا فَصَحَّ الرَّهْنُ فِي نِصْفِهَا وَبَطَلَ فِي نِصْفِهَا الزِّيَادَاتُ، أَصْلُهُ أَنَّ الدَّيْنَ يُقْسَمُ عَلَى الْأَمَةِ الْمَرْهُونَةِ وَوَلَدِهَا الْمَوْلُودِ فِي الرَّهْنِ بِشَرْطِ بَقَاءِ الْوَلَدِ إلَى وَقْتِ الْفِكَاكِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ، وَإِنْ صَارَ مَرْهُونًا وَلَكِنْ لَا يَسْقُطُ لَهُ مِنْ الدَّيْنِ شَيْءٌ مَا لَمْ يَصِرْ مَقْصُودًا وَإِنَّمَا يَصِيرُ مَقْصُودًا وَقْتَ الْفِكَاكِ؛ لِأَنَّهُ يَرُدُّ عَلَيْهِ الْقَبْضَ الَّذِي لَهُ شُبْهَةٌ بِالْعَقْدِ. [مَسَائِلُهُ عَلَى فُصُولٍ] ٍ: أَحَدُهَا فِي الْأَمَةِ الْمَرْهُونَةِ إذَا وَلَدَتْ، ثُمَّ زِيدَ فِي الرَّهْنِ. وَالثَّانِي فِي إحْدَى الْأَمَتَيْنِ الْمَرْهُونَتَيْنِ إذَا وَلَدَتَا، ثُمَّ زِيدَ فِي الرَّهْنِ. وَالثَّالِثُ فِي الْجَارِيَةِ الْمَرْهُونَةِ إذَا اعْوَرَّتْ، ثُمَّ زِيدَ فِي الرَّهْنِ، وَلَوْ رَهَنَ جَارِيَةً بِأَلْفٍ تُسَاوِي أَلْفًا فَوَلَدَتْ مَا يُسَاوِي أَلْفًا، ثُمَّ مَاتَتْ الْأَمَةُ فَزَادَ الرَّهْنُ وَلَدًا يُسَاوِي أَلْفًا افْتَكَّهُمَا مِنْ الْمُرْتَهِنِ بِنِصْفِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ انْقَسَمَ عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْقِيمَةِ، ثُمَّ حِصَّةُ الْأُمِّ وَهِيَ خَمْسُمِائَةٍ قَدْ سَقَطَتْ بِهَلَاكِهَا وَصَارَ الْوَلَدُ أَصْلًا فِي الرَّهْنِ بِشَرْطِ بَقَائِهِ إلَى وَقْتِ الْفِكَاكِ فَدَخَلَتْ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ وَانْقَسَمَتْ الْخَمْسُمِائَةِ الْبَاقِيَةُ عَلَى الْعَبْدِ الزَّائِدِ وَالْوَلَدِ نِصْفَيْنِ، وَإِنْ مَاتَ الْوَلَدُ اُسْتُرِدَّ الْعَبْدُ بِلَا شَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا هَلَكَ الْوَلَدُ صَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْ أَصْلًا فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا قِسْطَ لَهُ مِنْ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ إلَى وَقْتِ الْفِكَاكِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ كُلَّ الدَّيْنِ سَاقِطٌ بِهَلَاكِ الْأُمِّ وَأَنَّهُ زَادَ الْعَبْدَ، وَلَيْسَ هُنَاكَ دَيْنٌ قَائِمٌ فَكَانَتْ الزِّيَادَةُ بَاطِلَةً فَكَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ. وَلَوْ لَمْ يَمُتْ وَلَكِنَّهُ زَادَ حَتَّى صَارَ يُسَاوِي أَلْفَيْنِ يَفْتَكُّ الْأَوَّلَ وَالْعَبْدَ بِثُلُثَيْ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ فِي انْقِسَامِ الدَّيْنِ إنَّمَا تُعْتَبَرُ قِيمَةُ الْوَلَدِ وَقْتَ الْفِكَاكِ وَقِيمَةُ الْأُمِّ وَقْتَ الْعَقْدِ أَلْفٌ فَانْقَسَمَ الدَّيْنُ أَثْلَاثًا فَسَقَطَ ثُلُثُهُ بِهَلَاكِ الْأُمِّ وَبَقِيَ ثُلُثَاهُ تَبَعًا لِلْوَلَدِ، وَلَوْ نَقَصَ فَصَارَ يُسَاوِي خَمْسَمِائَةٍ افْتَكَّهُ بِثُلُثِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ سَقَطَ بِهَلَاكِ الْأُمِّ ثُلُثَا الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ انْقَسَمَ عَلَيْهِمَا أَثْلَاثًا ثُلُثُهُ بِإِزَاءِ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّ قِيمَتَهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 323 يَوْمَ الْفِكَاكِ ثُلُثُ قِيمَةِ الْأُمِّ وَقْتَ الْعَقْدِ، وَلَوْ نَمَتْ الْأُمُّ وَزَادَ الْعَبْدُ فَفِيهِ نِصْفُ الدَّيْنِ، وَفِي الْأُمِّ وَوَلَدِهَا نِصْفُهُ؛ لِأَنَّ الْجَارِيَةَ لَمَّا كَانَتْ قَائِمَةً كَانَ الْوَلَدُ تَبَعًا لَهَا فِي الرَّهْنِ فَمَا لَمْ يَظْهَرْ نَصِيبُ الْأَصْلِ لَا يُعْتَبَرُ التَّبَعُ فِي الِانْقِسَامِ؛ لِأَنَّ التَّبَعَ يَدْخُلُ مَعَ الْأَصْلِ فِي الِانْقِسَامِ فَانْقَسَمَ الدَّيْنُ عَلَى الْجَارِيَةِ وَعَلَى الْعَبْدِ الزَّائِدِ نِصْفَيْنِ بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَتْ الْجَارِيَةُ، ثُمَّ زِيدَ الْوَلَدُ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ صَارَ أَصْلًا فِي الرَّهْنِ بِفَوَاتِ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ اتِّبَاعَ الْقَائِمِ لِلْهَلَاكِ لَا يُتَصَوَّرُ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُجْعَلَ أَصْلًا فَاعْتَبَرْنَاهُ فِي الِانْقِسَامِ أَصْلًا فَانْقَسَمَ مَا بَقِيَ مِنْ الدَّيْنِ عَلَى الْوَلَدِ وَالْعَبْدِ الزِّيَادَةِ. رَهَنَ جَارِيَةً تُسَاوِي أَلْفًا بِأَلْفٍ فَقَضَاهُ مِنْ الدَّيْنِ خَمْسَمِائَةٍ، ثُمَّ زَادَ عَبْدًا يُسَاوِي أَلْفًا فَالْعَبْدُ رُهِنَ بِثُلُثَيْ الْخَمْسِمِائَةِ الْبَاقِيَةِ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الرَّهْنِ إنَّمَا تَصِحُّ فِي حَقِّ الْقَائِمِ مِنْ الدَّيْنِ دُونَ السَّاقِطِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ اسْتِيفَاءٌ وَإِيفَاءُ السَّاقِطِ وَالْمُتَوَفَّى لَا يُتَصَوَّرُ وَالْقَائِمُ مِنْ الدَّيْنِ خَمْسُمِائَةٍ فَيُقْسَمُ عَلَى قِيمَةِ الْعَبْدِ وَعَلَى نِصْفِ قِيمَةِ الْجَارِيَةِ؛ لِأَنَّ نِصْفَهَا بَقِيَ مَشْغُولًا بِالْخَمْسِمِائَةِ الْمُسْتَوْفَاةِ مَضْمُونًا وَنَابَهَا، فَإِنَّ اسْتِيفَاءَ الدَّيْنِ لَا يُخْرِجُ الرَّهْنَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا حَتَّى لَوْ هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ يَسْتَرِدُّ الرَّاهِنُ الْمُسْتَوْفَى فَانْقَسَمَتْ الْخَمْسُمِائَةِ الْبَاقِيَةُ أَثْلَاثًا ثُلُثَاهُ فِي الْعَبْدِ الزِّيَادَةِ، فَإِنْ وَجَدَ الْمُرْتَهِنُ مَا اقْتَضَاهُ سَتُّوقَةً. فَالْعَبْدُ وَالْجَارِيَةُ رَهْنٌ بِأَلْفٍ؛ لِأَنَّ السَّتُّوقَةَ لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ فَبِقَبْضِهَا لَا يَصِيرُ مُقْتَضِيًا وَمُسْتَوْفِيًا فَتَبَيَّنَ أَنَّ جَمِيعَ الدَّيْنِ كَانَ قَائِمًا حَتَّى زَادَهُ الْعَبْدُ، وَإِنْ وَجَدَهُ زُيُوفًا أَوْ مُسْتَحَقًّا فَرَدَّهُ فَالْجَارِيَةُ رَهْنٌ بِأَلْفٍ وَالْعَبْدُ رَهْنٌ مَعَهَا بِخَمْسِمِائَةٍ، وَلَيْسَ لِلرَّاهِنِ أَخْذُ الْجَارِيَةِ بِخَمْسِمِائَةٍ حَتَّى يُؤَدِّيَ الْأَلْفَ، وَإِنْ أَدَّى خَمْسَمِائَةٍ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْعَبْدَ؛ لِأَنَّ الزُّيُوفَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ إلَّا أَنَّ بِهِ عَيْبًا وَوُجُودُ الْعَيْبِ لَا يُبَدِّلُ جِنْسَهُ كَمَا فِي الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ فَصَارَ مُقْتَضِيًا وَمُسْتَوْفِيًا لَا مُسْتَبْدِلًا فَحِينَ زَادَ الْعَبْدُ كَانَ الْقَائِمُ مِنْ الدَّيْنِ خَمْسَمِائَةٍ فَصَارَ الْعَبْدُ زِيَادَةَ قِيمَةٍ فَانْقَسَمَتْ الْخَمْسُمِائَةِ عَلَيْهَا وَالرَّدُّ بِعَيْبِ الزِّيَادَةِ يَنْقُصُ الْقَبْضَ مِنْ الْأَصْلِ وَلَكِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَابِضًا، أَلَا تَرَى أَنَّ عِتْقَ الْمُكَاتَبِ لَا يَبْطُلُ بِرَدِّ الْمَوْلَى الْمَالَ بِعَيْبِ الزِّيَافَةِ فَلِهَذَا كَانَ الْعَبْدُ زِيَادَةً فِي الْخَمْسِمِائَةِ خَاصَّةً. رَهَنَ جَارِيَتَيْنِ بِأَلْفٍ تُسَاوِي كُلُّ وَاحِدَةٍ أَلْفًا وَزَادَهُ عَبْدٌ فَوَلَدَتْ إحْدَاهُمَا وَلَدًا يُسَاوِي أَلْفًا، ثُمَّ مَاتَتْ الْأُمُّ، ثُمَّ مَاتَ الْعَبْدُ يَمُوتُ خَمْسُمِائَةٍ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ؛ لِأَنَّ نِصْفَ الْأَلْفِ يَسْقُطُ بِهَلَاكِ إحْدَى الْجَارِيَتَيْنِ؛ لِأَنَّ قِيمَتَهَا أَلْفٌ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَلْفَ انْقَسَمَ عَلَيْهَا وَعَلَى وَلَدِهَا نِصْفَيْنِ فَسَقَطَ بِهَلَاكِهَا حِصَّتُهَا وَهِيَ خَمْسُمِائَةٍ وَبَقِيَ الْوَلَدُ بِخَمْسِمِائَةٍ، وَفِي الْجَارِيَةِ الْبَاقِيَةِ أَلْفٌ وَالْعَبْدُ الزَّائِدُ يَدْخُلُ ثُلُثَاهُ مَعَ الْجَارِيَةِ الْبَاقِيَةِ وَثُلُثُهُ مَعَ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ صَارَ أَصْلًا لِفَوَاتِ مَتْبُوعِهِ فَدَخَلَ فِي الْخَمْسِمِائَةِ الَّتِي فِي الْوَلَدِ فَيُقْسَمُ ذَلِكَ عَلَى قِيمَةِ الْوَلَدِ وَهِيَ أَلْفٌ وَعَلَى ثُلُثِ قِيمَةُ الْعَبْدِ وَذَلِكَ ثَلَاثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ فَاجْعَلْ هَذَا الْقَدْرَ بَيْنَهُمَا فَتَكُونُ قِيمَةُ الْوَلَدِ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ وَانْقَسَمَتْ الْخَمْسُمِائَةِ أَرْبَاعًا رُبُعُهَا فِي ثُلُثِ الْعَبْدِ الزَّائِدِ وَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا فِي الْوَلَدِ. وَأَمَّا الْأَلْفُ الَّتِي فِي الْجَارِيَةِ الْبَاقِيَةِ انْقَسَمَتْ عَلَى قِيمَتِهَا وَهِيَ أَلْفٌ وَعَلَى قِيمَةِ ثُلُثَيْ الْعَبْدِ الزِّيَادَةِ وَذَلِكَ سِتُّمِائَةٍ وَسِتَّةٌ وَسِتُّونَ وَثُلُثَانِ فَاجْعَلْ التَّفَاوُتَ بَيْنَ الْأَقَلِّ وَالْأَكْثَرِ بَيْنَهُمَا وَذَلِكَ ثَلَاثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ فَصَارَ ثُلُثَا الْعَبْدِ الزَّائِدِ سَهْمَيْنِ وَالْجَارِيَةُ الْبَاقِيَةُ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ فَيَكُونُ كُلُّهُ خَمْسَةَ أَسْهُمٍ فَانْقَسَمَتْ الْأَلْفُ عَلَيْهِمَا أَخْمَاسًا وَذَلِكَ أَرْبَعُمِائَةٍ فِي ثُلُثَيْ الْعَبْدِ الزَّائِدِ وَثَلَاثَةِ أَخْمَاسِهِ وَذَلِكَ سِتُّمِائَةٍ فِي الْجَارِيَةِ الْبَاقِيَةِ فَصَارَ جُمْلَةُ مَا فِي الْعَبْدِ خَمْسَمِائَةٍ وَخَمْسَةً وَعِشْرِينَ، وَلَوْ لَمْ يَمُتْ الْعَبْدُ وَمَاتَ الْوَلَدُ فَالْعَبْدُ وَالْأَمَةُ الْبَاقِيَةُ بِالْأَلْفِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا مَاتَ الْوَلَدُ صَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَتَبَيَّنَ أَنَّهُ سَقَطَ بِمَوْتِ أُمِّهِ مَا كَانَ فِيهَا وَذَلِكَ أَلْفٌ وَبَقِيَ الْعَبْدُ الزَّائِدُ مَعَ الْجَارِيَةِ الْبَاقِيَةِ رَهْنًا بِأَلْفٍ، وَلَوْ لَمْ يَمُتْ الْوَلَدُ وَمَاتَتْ الْجَارِيَةُ الْبَاقِيَةُ تَمُوتُ بِسِتِّمِائَةٍ؛ لِأَنَّ قِيمَتَهَا سِتُّمِائَةٍ، وَإِنْ مَاتَ الْعَبْدُ بَعْدَهَا يَمُوتُ بِخَمْسِمِائَةٍ وَخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ قِيمَتُهُ، وَإِنْ لَمْ يَمُتْ إلَّا الْجَارِيَةُ الْأُولَى وَبَلَغَتْ قِيمَةُ الْوَلَدِ أَلْفَيْنِ، فَإِنَّهُمْ جَمِيعًا بِأَلْفَيْنِ وَثُلُثِ أَلْفٍ؛ لِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي الِانْقِسَامِ قِيمَةُ الْوَلَدِ يَوْمَ الْفِكَاكِ وَيَبْقَى أَلْفَانِ فَانْقَسَمَ مَا كَانَ فِي أُمِّهِ عَلَى قِيمَةِ الْأُمِّ يَوْمَ الْعَقْدِ وَعَلَى قِيمَةِ الْوَلَدِ يَوْمَ الْفِكَاكِ أَثْلَاثًا سَقَطَ بِمَوْتِ أُمِّهِ ثُلُثَاهُ وَذَلِكَ أَلْفٌ بَقِيَ وَثُلُثُ أَلْفٍ فَصَارُوا رَهْنًا بِمَا بَقِيَ، فَإِنْ مَاتَ الْعَبْدُ مَاتَ بِأَرْبَعِمِائَةٍ وَسِتَّةٍ وَتِسْعِينَ وَتُسْعٍ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ كَانَ زِيَادَةً فِي الْقَائِمِ مِنْ الدَّيْنِ فَدَخَلَ عَلَى الْوَلَدِ وَالْجَارِيَةِ الْقَائِمَةِ أَخْمَاسًا خُمُسَاهُ مَعَ الْوَلَدِ وَقِيمَةُ ذَلِكَ أَرْبَعُمِائَةٍ وَثَلَاثَةُ أَخْمَاسِهِ مَعَ الْجَارِيَةِ وَقِيمَةُ ذَلِكَ سِتُّمِائَةٍ، ثُمَّ انْقَسَمَ مَا فِي الْوَلَدِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 324 وَذَلِكَ ثُلُثَا الْأَلْفِ عَلَى قِيمَةِ الْوَلَدِ وَهِيَ أَلْفَانِ وَعَلَى خُمُسَيْ الْعَبْدِ الزَّائِدِ وَذَلِكَ أَرْبَعُمِائَةٍ فَاجْعَلْ مِقْدَارَهُ أَرْبَعَمِائَةِ سَهْمٍ فَصَارَ قِيمَةُ الْوَلَدِ خَمْسَةَ أَسْهُمٍ فَانْقَسَمَ ذَلِكَ بَيْنَهُمَا أَسْدَاسًا سُدُسُهُ وَهُوَ مِائَةٌ وَأَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا وَتُسْعٌ فِي خُمُسِ الْعَبْدِ وَخَمْسَةِ أَسْدَاسِهِ وَذَلِكَ خَمْسُمِائَةٍ وَخَمْسَةٌ وَخَمْسُونَ وَخَمْسَةُ أَتْسَاعِ حِصَّةِ الْوَلَدِ وَانْقَسَمَ مَا فِي الْجَارِيَةِ الْبَاقِيَةِ عَلَى قِيمَتِهَا وَهِيَ أَلْفٌ وَعَلَى قِيمَةِ ثَلَاثَةِ أَخْمَاسِ الْعَبْدِ وَذَلِكَ سِتُّمِائَةٍ فَاجْعَلْ كُلَّ مِائَتَيْنِ سَهْمًا فَصَارَتْ الْجَارِيَةُ الْبَاقِيَةُ خَمْسَةَ أَسْهُمٍ وَثَلَاثَةُ أَخْمَاسِ الْعَبْدِ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ فَصَارَ كُلُّهُ ثَمَانِيَةَ أَسْهُمٍ يَكُونُ لِكُلِّ سَهْمٍ مِائَةٌ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ وَتُسْعٌ يَكُونُ أَرْبَعَمِائَةٍ وَسِتَّةً وَثَمَانِينَ وَتُسْعًا، فَإِنْ مَاتَتْ الْجَارِيَةُ فَحَصَلَ فِي ثَلَاثَةِ أَخْمَاسِ الْعَبْدِ ثَلَاثُمِائَةٍ وَخَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ إذَا ضَمَمْتَهُ إلَى مِائَةٍ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ وَتُسْعٍ يَكُونُ أَرْبَعَمِائَةٍ وَسِتَّةً وَثَمَانِينَ وَتُسْعًا، فَإِنْ مَاتَتْ الْجَارِيَةُ وَالْعَبْدُ بَقِيَ الْوَلَدُ بِخَمْسِمِائَةٍ وَخَمْسَةٍ وَخَمْسِينَ وَخَمْسَةِ أَتْسَاعٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حِصَّتُهُ مِنْ الدَّيْنَيْنِ، وَإِنْ مَاتَتْ الْجَارِيَةُ مَاتَتْ بِخَمْسِمِائَةٍ وَسِتَّةٍ وَعِشْرِينَ. وَفِي الْمَبْسُوطِ أَصْلُهُ أَنَّ الْوَلَدَ الْحَادِثَ وَالْمَرْهُونَةَ بَعْدَ الْعَوَرِ يُجْعَلَانِ كَالْمَوْجُودِ قَبْلَ الْعَوَرِ حَتَّى يَعُودَ بِسَبَبِهِ بَعْضُ مَا كَانَ سَاقِطًا مِنْ الدَّيْنِ وَمَسَائِلُهُ عَلَى أَنْوَاعٍ: أَحَدُهَا فِي الزِّيَادَةِ بَعْدَ الْعَوَرِ. وَالثَّانِي فِي الزِّيَادَةِ بَعْدَ قَضَاءِ بَعْضِ الْمَالِ الْأَوَّلِ رَهَنَ جَارِيَةً تُسَاوِي أَلْفًا بِأَلْفٍ فَاعْوَرَّتْ فَزَادَ الرَّاهِنُ جَارِيَةً تُسَاوِي خَمْسَمِائَةٍ فَوَلَدَتْ الْجَارِيَةُ الْعَوْرَاءُ وَلَدًا يُسَاوِي أَلْفًا، ثُمَّ مَاتَتْ الْجَارِيَةُ الزَّائِدَةُ يَفْتَكُّ الْجَارِيَةَ الْعَوْرَاءَ وَلَدُهَا بِتِسْعَةٍ وَثَلَاثِينَ جُزْءًا مِنْ ثَمَانِينَ جُزْءًا وَتَذْهَبُ الْجَارِيَةُ الزَّائِدَةُ بِأَحَدٍ وَعِشْرِينَ مِنْ ثَمَانِينَ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ هَذَا الْوَلَدَ الْحَادِثَ بَعْدَ الِاعْوِرَارِ كَالْحَادِثِ قَبْلَ الِاعْوِرَارِ فَانْقَسَمَ جَمِيعُ الدَّيْنِ عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ فَلَمَّا اعْوَرَّتْ سَقَطَ بِالِاعْوِرَارِ نِصْفُ مَا فِيهَا وَذَلِكَ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ وَبَقِيَ سَبْعُمِائَةٍ وَخَمْسُونَ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ يَعُودُ بَعْدَمَا سَقَطَ فَلَمَّا زَادَتْ زِيَادَةً تُسَاوِي خَمْسَمِائَةٍ صَارَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ فِي الْقَائِمِ مِنْ الدَّيْنِ فَانْقَسَمَتْ الْجَارِيَةُ الزَّائِدَةُ أَثْلَاثًا ثُلُثٌ صَارَ مَضْمُومًا إلَى نِصْفِ الْوَلَدِ وَثُلُثٌ صَارَ مَضْمُومًا إلَى الْعَوْرَاءِ، ثُمَّ بَاقِي نِصْفِ الْوَلَدِ وَهُوَ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ انْقَسَمَ عَلَى قِيمَةِ الْوَلَدِ وَثُلُثِ الزَّائِدَةِ الْوَجْهُ الثَّانِي لَوْ لَمْ تَعَوَّرْ الْجَارِيَةُ وَقَضَى الرَّاهِنُ خَمْسَمِائَةٍ، ثُمَّ زَادَ جَارِيَةً تُسَاوِيَ خَمْسَمِائَةٍ ثُمَّ وَلَدَتْ الْجَارِيَةُ الْأُولَى وَلَدًا يُسَاوِي أَلْفًا فَالْجَارِيَةُ الزَّائِدَةُ رَهْنٌ بِمِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ لَا تَزِيدُ وَلَا تَنْقُصُ سَوَاءٌ كَانَتْ وَلَدَتْ بَعْدَ الزِّيَادَةِ أَوْ قَبْلَهَا وَالْبَاقِي مِنْ الدَّيْنِ وَذَلِكَ خَمْسُمِائَةٍ يُقْسَمُ عَلَى قِيمَةِ الْجَارِيَةِ الزَّائِدَةِ وَعَلَى نِصْفِ الْجَارِيَةِ الْأُولَى فَانْقَسَمَ عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ وَوَلَدُهَا تَبَعٌ لَهَا وَبَيَانُ التَّعْلِيلِ يُؤْخَذُ مِنْ الْمَبْسُوطِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَصِحُّ الزِّيَادَةُ فِي الرَّهْنِ لَا فِي الدَّيْنِ) يَعْنِي لَوْ زَادَ عَلَى الرَّهْنِ رَهْنًا آخَرَ جَازَ اسْتِحْسَانًا خِلَافًا لِزُفَرَ وَالزِّيَادَةُ فِي الدَّيْنِ لَا تَصِحُّ عِنْدَهُمَا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - تَجُوزُ الزِّيَادَةُ فِي الدَّيْنِ أَيْضًا وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلْمُرْتَهِنِ عَلَى الرَّاهِنِ دَيْنٌ آخَرُ فَيُجْعَلُ الرَّهْنُ رَهْنًا بِهِمَا وَلِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ تُصَيِّرُ بَعْضَ الرَّهْنِ رَهْنًا بِالزِّيَادَةِ وَهُوَ دَيْنٌ حَادِثٌ مَعَ بَقَاءِ الْقَبْضِ فِي الْأَصْلِ، وَهَذَا تَصَرُّفٌ فِي الرَّهْنِ لَا فِي الدَّيْنِ وَلَهُمَا وِلَايَةُ التَّصَرُّفِ فَيَكُونُ مَشْرُوعًا تَصْحِيحًا لِتَصَرُّفِهِمَا وَلَهُمَا أَنَّ الرَّاهِنَ تَصَرَّفَ فِي الرَّهْنِ لَا فِي الدَّيْنِ، وَلَوْ صَحَّتْ الزِّيَادَةُ فِي الدَّيْنِ تَصِيرُ زِيَادَةً فِي الرَّهْنِ تَبَعًا فَيَنْقَلِبُ الْمَتْبُوعُ تَابِعًا وَفِيهِ تَغْيِيرُ الْمَشْرُوعِ وَتَبْدِيلُ الْمَوْضُوعِ وَهُوَ بَاطِلٌ وَفِي الْعِنَايَةِ، وَلَوْ قَالَ زِدْتُكَ هَذَا الْعَبْدَ مَعَ الْأُمِّ قُسِمَ الدَّيْنُ عَلَى قِيمَةِ الْأُمِّ يَوْمَ الْعَقْدِ عَلَى قِيمَةِ الزِّيَادَةِ يَوْمَ الْقَبْضِ فَمَا أَصَابَ الْأُمَّ قُسِمَ عَلَيْهَا وَعَلَى وَلَدِهَا؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ دَخَلَتْ مَعَ الْأُمِّ، فَإِنْ مَاتَتْ الْأُمُّ بَعْدَ الزِّيَادَةِ ذَهَبَ مَا كَانَ فِيهَا وَبَقِيَ الْوَلَدُ وَالزِّيَادَةُ بِمَا فِيهَا فَلَا يَبْطُلُ الْحُكْمُ بِالزِّيَادَةِ، وَلَوْ مَاتَ الْوَلَدُ بَعْدَ الزِّيَادَةِ ذَهَبَ بِغَيْرِ شَيْءٍ وَفِي الْعِنَايَةِ أَيْضًا، وَلَوْ قَالَ زِدْتُك هَذَا رَهْنًا مَعَ الْوَلَدِ جَازَ الْعَقْدُ وَيَكُونُ رَهْنًا مَعَ الْوَلَدِ دُونَ الْأُمِّ فَيُنْظَرُ إلَى قِيمَةِ الْوَلَدِ يَوْمَ الْفِكَاكِ وَإِلَى قِيمَةِ الْأُمِّ يَوْمَ الْعَقْدِ فَمَا أَصَابَ الْوَلَدَ قُسِمَ عَلَى قِيمَتِهِ يَوْمَ الْفِكَاكِ وَقِيمَةِ الْعَبْدِ يَوْمَ قَبْضِهِ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي ضَمَانِهِ بِالْقَبْضِ. فَإِنْ مَاتَ بَعْدَ الزِّيَادَةِ بَطَلَتْ؛ لِأَنَّهُ إذَا هَلَكَ خَرَجَ مِنْ الْعَقْدِ وَصَارَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ فَيَبْطُلُ الْحُكْمُ فِي الزِّيَادَةِ اهـ. وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ إنَّ الزِّيَادَةَ فِي الدَّيْنِ لَا تَصِحُّ إنْ رَهَنَا لَا يَكُونُ رَهْنًا بِالزِّيَادَةِ وَأَمَّا نَفْسُ زِيَادَةِ الدَّيْنِ عَلَى الدَّيْنِ فَصَحِيحَةٌ؛ لِأَنَّ الِاسْتِدَانَةَ بَعْدَ الِاسْتِدَانَةِ قَبْلَ قَضَاءِ الدَّيْنِ الْأَوَّلِ جَائِزٌ إجْمَاعًا، وَإِذَا صَحَّتْ الزِّيَادَةُ فِي الرَّهْنِ، ثُمَّ قُبِضَتْ قُسِمَ الدَّيْنُ عَلَى قِيمَتِهَا يَوْمَ قَبْضِهَا وَعَلَى قِيمَةِ الْأَوَّلِ يَوْمَ قَبْضِهِ وَظَاهِرُ عِبَارَةِ إطْلَاقِ الْمُؤَلِّفِ زِيَادَةُ الدَّيْنِ شَرْطٌ فِي مُقَابَلَتِهَا رَهْنًا أَوَّلًا وَالْمَنْقُولُ التَّفْصِيلُ، قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ رَهَنَهُ عَبْدًا قِيمَتُهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 325 أَلْفٌ بِخَمْسِمِائَةٍ ثُمَّ زَادَهُ الْمُرْتَهِنُ بِخَمْسِمِائَةٍ عَلَى إنْ زَادَهُ الرَّاهِنُ أَمَةَ الْعَبْدِ بِالرَّهْنِ بِالدَّيْنِ كُلِّهِ فَالْأَمَةُ نِصْفُهَا رَهْنٌ مَعَ الْعَبْدِ بِخَمْسِمِائَةٍ عِنْدَهُمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ هُمَا رَهْنٌ بِالْأَلْفِ رَهَنَهُ عَبْدًا قِيمَتُهُ خَمْسُمِائَةٍ بِخَمْسِمِائَةٍ مِنْ الدَّيْنِ وَالدَّيْنُ أَلْفٌ، ثُمَّ زَادَهُ أَمَةً قِيمَتُهَا أَلْفٌ بِالْأَلْفِ كُلِّهِ فَوَلَدَتْ وَلَدًا قِيمَتُهُ خَمْسُمِائَةٍ ثُمَّ مَاتَ الْعَبْدُ وَالْأَمَةُ بَقِيَ وَلَدُهَا بِثُلُثِ الْخَمْسِمِائَةِ الَّتِي كَانَ الْعَبْدُ رَهَنَهَا بِهَا وَبِثُلُثِ الْخَمْسِمِائَةِ الْأُخْرَى الدَّيْنُ أَلْفٌ فَرَهَنَهُ أَمَةً بِخَمْسِمِائَةٍ مِنْهَا قِيمَتُهَا أَلْفٌ، ثُمَّ رَهَنَهُ بِالْأَلْفِ كُلِّهِ أَمَةً تُسَاوِي خَمْسَمِائَةٍ فَوَلَدَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ وَلَدًا قِيمَتُهُ مِثْلُ قِيمَةِ الْأُمِّ فَالْأُولَى وَوَلَدُهَا وَنِصْفُ الثَّانِيَةِ وَنِصْفُ وَلَدِهَا رَهْنٌ بِخَمْسِمِائَةٍ وَالْأَمَةُ الْقَدِيمَةُ، فَإِنْ مَاتَتْ الْأَمَةُ الزَّائِدَةُ ذَهَبَ رُبُعُ الْخَمْسِمِائَةِ الْبَاقِيَةِ وَخَمْسُونَ مِنْ الْخَمْسِمِائَةِ الْأُولَى وَبَقِيَ نِصْفُ وَلَدِهَا رَهْنًا بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ الْخَمْسِمِائَةِ الْبَاقِيَةِ رَجُلٌ لَهُ عَلَى آخَرَ أَلْفٌ فَرَهَنَهُ بِخَمْسِمِائَةٍ مِنْهَا أَمَةٌ تُسَاوِي مِائَتَيْنِ ثُمَّ زَادَهُ أَمَةً تُسَاوِي ثَمَانِ مِائَةِ دِرْهَمٍ فَهُمَا رَهْنٌ بِالْمَالِ كُلِّهِ فَوَلَدَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ وَلَدًا قِيمَتُهُ مِثْلُ قِيمَةِ أُمِّهِ، ثُمَّ مَاتَتْ الْأُولَى ذَهَبَ مِنْ الْخَمْسِمِائَةِ الْأُولَى ثُلُثُهَا وَمِنْ الْخَمْسِمِائَةِ الْأَخِيرَةِ خُمُسُهَا وَبَيَانُ الدَّلِيلِ وَالتَّعْلِيلِ يُطْلَبُ مِنْ الْمُطَوَّلَاتِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ رَهَنَ عَبْدًا بِأَلْفٍ فَدَفَعَ عَبْدًا آخَرَ رَهْنًا مَكَانَ الْأَوَّلِ وَقِيمَةُ كُلٍّ أَلْفٌ فَالْأَوَّلُ رَهْنٌ حَتَّى يَرُدَّهُ إلَى الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنُ مِنْ الْآخَرِ أَمِينٌ حَتَّى يَجْعَلَهُ مَكَانَ الْأَوَّلِ) ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ دَخَلَ فِي ضَمَانِهِ بِالْقَبْضِ وَالدَّيْنِ وَهُمَا بَاقِيَانِ فَلَا يَخْرُجُ عَنْ الضَّمَانِ إلَّا بِرَفْعِهِمَا، وَإِذَا دَخَلَ بَقِيَ الْأَوَّلُ فِي ضَمَانِهِ وَلَا يَدْخُلُ الثَّانِي فِي ضَمَانِهِ؛ لِأَنَّهُمَا رَضِيَا بِأَحَدِهِمَا، فَإِذَا رَدَّ الْأَوَّلَ دَخَلَ الثَّانِي فِي ضَمَانِهِ، ثُمَّ قِيلَ يُشْتَرَطُ تَجْدِيدُ الْعَقْدِ فِيهِ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الْأَمَانَةِ لَا يَنُوبُ عَنْ قَبْضِ الضَّمَانِ، وَقِيلَ لَا يُشْتَرَطُ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ تَبَرَّعَ وَعَيْنُهُ أَمَانَةٌ عَلَى مَا عُرِفَ وَقَبْضُ الْأَمَانَةِ يَنُوبُ عَنْ قَبْضِ الْأَمَانَةِ، وَلَوْ أَبْرَأ الْمُرْتَهِنُ الرَّاهِنَ عَنْ الدَّيْنِ أَوْ وَهَبَهُ مِنْهُ، ثُمَّ هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ هَلَكَ بِغَيْرِ شَيْءٍ اسْتِحْسَانًا خِلَافًا لِزُفَرَ وَقَدْ مَرَّ، وَإِذَا اشْتَرَى بِالدَّيْنِ عَيْنًا أَوْ صَالَحَ مِنْ الدَّيْنِ عَلَى عَيْنٍ أَوْ أَحَالَ الرَّاهِنُ الْمُرْتَهِنَ بِالدَّيْنِ عَلَى غَيْرِهِ، ثُمَّ هَلَكَ الرَّهْنُ بَطَلَتْ الْحَوَالَةُ وَهَلَكَ بِالدَّيْنِ وَبَطَلَ الشِّرَاءُ وَالصُّلْحُ، وَإِذَا تَصَادَقَا عَلَى أَنْ لَا دَيْنَ، ثُمَّ هَلَكَ يَهْلِكُ بِالدَّيْنِ لِتَوَهُّمِ وُجُوبِ الدَّيْنِ بِالتَّصَادُقِ فَتَكُونُ الْجِهَةُ بَاقِيَةً، وَفِي الْكَافِي ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي الْمَبْسُوطِ إذَا تَصَادَقَا عَلَى أَنْ لَا دَيْنَ بَقِيَ ضَمَانُ الرَّهْنِ إذَا كَانَ تَصَادُقُهُمَا بَعْدَ هَلَاكِ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ كَانَ وَاجِبًا ظَاهِرًا وَظُهُورُهُ يَكْفِي لِضَمَانِ الرَّهْنِ وَأَمَّا إذَا تَصَادَقَا قَبْلَهُ يَبْقَى الدَّيْنُ مِنْ الْأَصْلِ وَضَمَانُ الرَّهْنِ لَا يَبْقَى بِدُونِ الرَّهْنِ، وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَنَّهُمَا إذَا تَصَادَقَا قَبْلَ الْهَلَاكِ، ثُمَّ هَلَكَ الرَّهْنُ اخْتَلَفَ مَشَايِخُنَا فِيهِ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يَهْلِكُ مَضْمُونًا رَجُلٌ دَفَعَ مَهْرَ امْرَأَةٍ غَيْرَ مُتَطَوِّعًا فَطَلُقَتْ الْمَرْأَةُ قَبْلَ الْوَطْءِ رَجَعَ الْمُتَطَوِّعُ بِنِصْفِ مَا أَدَّى، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا وَتَطَوَّعَ رَجُلٌ بِأَدَاءِ ثَمَنِهِ، ثُمَّ رَدَّ الْعَبْدَ بِعَيْبٍ رَجَعَ الْمُتَطَوِّعُ بِمَا أَدَّى عَنْهُمَا فَصَارَ كَأَدَائِهِمَا بِإِذْنِهِمَا قُلْنَا إنَّهُ إذَا قَضَى بِأَمْرِهِمَا رَجَعَ عَلَيْهَا بِمَا أَدَّى فَمَلَكَاهُ بِالضَّمَانِ وَهُنَا لَمْ يَمْلِكَاهُ فَيَبْقَى عَلَى مِلْكِ الْمُتَطَوِّعِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [كِتَابُ الْجِنَايَاتِ] أَوْرَدَ الْجِنَايَاتِ عَقِيبَ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلْوِقَايَةِ وَالصِّيَانَةِ، فَإِنَّ الرَّهْنَ وَثِيقَةٌ لِصِيَانَةِ الْمَالِ وَحُكْمُ الْجِنَايَةِ لِصِيَانَةِ النَّفْسِ، أَلَا تَرَى إلَى قَوْله تَعَالَى {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة: 179] وَلَمَّا كَانَ الْمَالُ وَسِيلَةً لِبَقَاءِ النَّفْسِ قَدَّمَ الرَّهْنَ عَلَى الْجِنَايَاتِ بِنَاءً عَلَى تَقَدُّمِ الْوَسَائِلِ عَلَى الْمَقَاصِدِ كَذَا فِي أَكْثَرِ الشُّرُوحِ قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَلَكِنْ قَدَّمَ الرَّهْنَ؛ لِأَنَّهُ مَشْرُوعٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بِخِلَافِ الْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّهَا مَحْظُورَةٌ، فَإِنَّهَا عِبَارَةٌ عَمَّا لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ فِعْلُهُ اهـ. أَقُولُ: هَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْبَيَانِ فِي كِتَابِ الْجِنَايَاتِ إنَّمَا هُوَ أَحْكَامُ الْجِنَايَاتِ دُونَ أَنْفُسِهَا وَلَا شَكَّ أَنَّ أَحْكَامَهَا مَشْرُوعَةٌ ثَابِتَةٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَأَيْضًا فَلَا مَعْنَى لِتَأْخِيرِهَا مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ، ثُمَّ إنَّ الْجِنَايَةَ فِي اللُّغَةِ اسْمٌ لِمَا تَجْنِيهِ مِنْ شَيْءٍ أَيْ تَكْسِبُهُ وَهِيَ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرٌ جَنَى عَلَيْهِ شَرًّا جِنَايَةً وَهُوَ عَامٌّ فِي كُلِّ مَا يَقْبُحُ وَيَسُوءُ إلَّا أَنَّهُ فِي الشَّرْعِ خُصَّ بِفِعْلٍ مُحَرَّمٍ حَلَّ بِالنُّفُوسِ وَالْأَطْرَافِ وَالْأَوَّلُ يُسَمَّى قَتْلًا وَهُوَ فِعْلٌ مِنْ الْعِبَادِ تَزُولُ بِهِ الْحَيَاةُ. وَالثَّانِي يُسَمَّى قَطْعًا وَجُرْحًا هَذَا زُبْدَةُ مَا فِي الْكِتَابِ وَالشُّرُوحِ. الْكَلَامُ فِي الْجِنَايَةِ مِنْ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ فِي مَعْرِفَةِ مَشْرُوعِيَّتِهَا، وَالثَّانِي فِي سَبَبِ وُجُوبِهَا، وَالثَّالِثُ فِي تَفْسِيرِهَا لُغَةً، وَالرَّابِعُ فِي تَفْسِيرِهَا عِنْدَ الْفُقَهَاءِ، وَالْخَامِسُ فِي رُكْنِهَا وَالسَّادِسُ فِي شَرْطِهَا، وَالسَّابِعُ فِي حُكْمِهَا. أَمَّا الْأَوَّلُ فَهُوَ مَعْرِفَةُ مَشْرُوعِيَّتِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ} [البقرة: 178] الْآيَةَ. وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْعَمْدُ قَوَدٌ وَالْقَتْلُ عُدْوَانٌ» وَسَبَبُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 326 مَشْرُوعِيَّةِ الْقِصَاصِ رَفْعُ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ وَأَمَّا مَعْنَاهَا لُغَةً فَهِيَ فِي اللُّغَةِ اسْمٌ لِمَا يَجْنِيهِ الْمَرْءُ مِنْ شَرٍّ وَمَا اكْتَسَبَهُ تَسْمِيَةً لِلْمَصْدَرِ مِنْ جَنَى عَلَيْهِ شَرًّا وَهُوَ عَامٌّ إلَّا أَنَّهُ خُصَّ بِمَا يَحْرُمُ مِنْ الْفِعْلِ وَأَصْلُهُ مِنْ جَنَى الثَّمَرَ وَهُوَ أَخْذُهُ مِنْ الشَّجَرَةِ وَأَمَّا فِي الشَّرْعِ فَهُوَ اسْمٌ لِفِعْلٍ مُحَرَّمٍ شَرْعًا سَوَاءٌ كَانَ مِنْ مَالٍ أَوْ نَفْسٍ لَكِنَّهُ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ يُرَادُ بِهِ عِنْدَ إطْلَاقِهِ اسْمُ الْجِنَايَةِ الْوَاقِعَةِ فِي النَّفْسِ وَالْأَطْرَافِ مِنْ الْآدَمِيِّ وَالْجِنَايَةُ الْوَاقِعَةُ فِي الْمَالِ تُسَمَّى غَصْبًا وَالْجِنَايَةُ الْوَاقِعَةُ مِنْ الْمُحْرِمِ أَوْ فِي الْحَرَمِ عَلَى الصَّيْدِ جِنَايَةُ الْمُحْرِمِ. وَأَمَّا رُكْنُهُ فَهُوَ الْقَتْلُ وَهُوَ فِعْلٌ مُضَافٌ إلَى الْعِبَادِ تَزُولُ بِهِ الْحَيَاةُ بِمُجَرَّدِ الْعَادَةِ. وَأَمَّا شَرْطُهُ فَالْمُمَاثَلَةُ وَالْمُعَادَلَةُ فِي الِاسْتِيفَاءِ؛ لِأَنَّ الْمُمَاثَلَةَ مَشْرُوطَةٌ فِي أَجْزِيَةِ السَّيِّئَاتِ وَضَمَانِ الْعُدْوَانَاتِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلا مِثْلَهَا} [الأنعام: 160] وَلِأَنَّ فِي إيجَابِ النَّاقِضِ بَخْسًا بِحَقِّ الْمَظْلُومِ. وَفِي إيجَابِ الزِّيَادَةِ جَوْرٌ عَلَى الظَّالِمِ وَالنَّجَسُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ وَالْحَيْفُ حَرَامٌ فَكَانَ الْإِنْصَافُ وَالِانْتِصَافُ فِي إيجَابِ الْمُمَاثَلَةِ إلَّا أَنَّهُ سَقَطَ اعْتِبَارُ الْمُمَاثَلَةِ فِي مَحَالِّ الْأَفْعَالِ فِي الْأَنْفُسِ فِي نَوْعِ ضَرُورَةٍ وَهُوَ أَنَّ قَتْلَ الْوَاحِدِ بِطَرِيقِ الِاجْتِمَاعِ غَالِبٌ وُجُودًا وَيَظْهَرُ مِنْ الْأَفْرَادِ نَادِرًا وُقُوعُهَا فَقَتْلُ الْجَمَاعَةِ بِالْوَاحِدِ، وَلَوْ اعْتَبَرْنَا الْمُمَاثَلَةَ فِي مَحَلِّ الْأَفْعَالِ لَأَدَّى إلَى فَتْحِ بَابِ الْعُدْوَانِ وَسَدِّ بَابِ الْقِصَاصِ وَأَيَّةُ فَائِدَةٍ فِي شَرْعِ الْقِصَاصِ فَسَقَطَ اعْتِبَارُ الْمُمَاثَلَةِ فِي الْأَنْفُسِ لِلضَّرُورَةِ وَبَقِيَتْ الْمُمَاثَلَةُ فِي الْأَطْرَافِ مُعْتَبَرَةً، فَإِنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى إتْلَافِ الطَّرَفِ لَيْسَ بِغَالِبٍ بَلْ هُوَ نَادِرٌ. وَأَمَّا حُكْمُهُ فَهُوَ وُجُوبُ الْقِصَاصِ وَالدِّيَةِ وَالْإِثْمِ، قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْقَتْلُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: عَمْدٌ وَخَطَأٌ وَشِبْهُ عَمْدٍ، فَالْعَمْدُ وَهُوَ أَنْ يَتَعَمَّدَ ضَرْبَهُ بِسِلَاحٍ وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهُ مِمَّا لَهُ حَدٌّ يَقْطَعُ وَيَجْرَحُ؛ لِأَنَّ الْعَمْدَ وَالْقَصْدَ مِمَّا لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ وَلَكِنَّ الضَّرْبَ بِآلَةٍ جَارِحَةٍ قَابِلَةٍ قَاطِعَةٍ دَلِيلٌ عَلَى الْقَتْلِ فَيُقَامُ مَقَامَ الْعَمْدِ، ثُمَّ آلَةُ الْقَتْلِ عَلَى ضَرْبَيْنِ آلَةُ السِّلَاحِ وَغَيْرُ السِّلَاحِ أَمَّا السِّلَاحُ فَكُلُّ آلَةٍ جَارِحَةٍ كَالسَّيْفِ وَالسِّكِّينِ وَنَحْوِهِمَا فَيُقْتَلُ بِهِ وَهُوَ عَمْدٌ مَحْضٌ، وَلَوْ قَتَلَهُ بِحَدِيدٍ لَا حَدَّ لَهُ، نَحْوُ أَنْ يَضْرِبَهُ بِعَمُودٍ أَوْ بِصَنْجَةٍ حَدِيدٍ أَوْ نُحَاسٍ أَوْ صُفْرٍ فَعَلَى رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ يَكُونُ عَمْدًا مَحْضًا؛ لِأَنَّ الْحَدِيدَ إذَا لَمْ يَجْرَحْ يَكُونُ عَمْدًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا قَوَدَ إلَّا مِنْ حَدِيدٍ» وَالْحَدِيدُ أَصْلٌ فِي الْقَتْلِ بِهِ وَأَنَّهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي إيجَابِ الْقَوَدِ بِهِ وَالْحُكْمُ فِي الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ يَتَعَلَّقُ بِعَيْنِ النَّصِّ لَا بِالْمَعْنَى وَالنَّصُّ الْوَارِدُ فِي الْحَدِيدِ وَالسَّيْفِ يَكُونُ وَارِدًا فِيمَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ فِي الِاسْتِعْمَالِ دَلَالَةً وَالنُّحَاسُ يُسْتَعْمَلُ مِنْهُ السِّلَاحُ كَمَا يُسْتَعْمَلُ مِنْ الْحَدِيدِ فَيَكُونُ الْحُكْمُ فِيهِ ثَابِتًا بِدَلَالَةِ النَّصِّ لَا بِعَيْنِهِ، وَلَوْ ضَرَبَهُ بِصَنْجَةٍ رَصَاصٍ لَا يَكُونُ عَمْدًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ مِنْهُ اسْتِعْمَالَ الْحَدِيدِ وَهُوَ السِّلَاحُ، وَأَمَّا غَيْرُ السِّلَاحِ كَاللِّيطَةِ وَالْمَرْوَةِ وَالرُّمْحِ الَّذِي لَا سِنَانَ فِيهِ وَنَحْوِهِ إذَا جَرَحَهُ فَهُوَ عَمْدٌ مَحْضٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا فَرَّقَ الْأَجْزَاءَ عَمِلَ عَمَلَ السَّيْفِ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْحَدِيدِ بِمَا هُوَ مُعْتَادٌ لَهُ فَلَا تَكُونُ شُبْهَةُ الْعَمْدِ اعْتِبَارَ قُصُورِ الْآلَةِ وَلِهَذَا قَالَ إذَا أَحْرَقَ رَجُلًا بِالنَّارِ يُقْتَلُ بِهِ؛ لِأَنَّ النَّارَ تُفَرِّقُ الْأَجْزَاءَ وَتُبَعِّضُهَا وَتَعْمَلُ عَمَلَ الْحَدِيدِ، وَأَمَّا شِبْهُ الْعَمْدِ وَهُوَ الْقَتْلُ بِآلَةٍ لَمْ تُوْضَعْ لَهُ، وَلَمْ يَحْصُلْ بِهِ الْمَوْتُ غَالِبًا مِثْلُ السَّوْطِ الصَّغِيرِ وَالْعَصَا الصَّغِيرَةِ وَنَحْوِهِ. فَأَمَّا الْقَتْلُ بِالْعَصَا الْكَبِيرِ وَبِكُلِّ آلَةٍ مُثْقَلَةٍ يَحْصُلُ بِهَا الْمَوْتُ غَالِبًا لَكِنَّهَا غَيْرُ جَارِحَةٍ قَاطِعَةٍ بَلْ هِيَ مُدَقِّقَةٌ مُكَسِّرَةٌ وَهُوَ شِبْهُ الْعَمْدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - خِلَافًا لَهُمْ لِمَا يَأْتِي. وَأَمَّا الْخَطَأُ وَهُوَ مَا لَوْ تَعَمَّدَ شَبَهًا فَيُصِيبُ آدَمِيًّا أَوْ يَقْصِدُهُ فَيَظُنُّهُ صَيْدًا أَوْ حَرْبِيًّا، فَإِذَا هُوَ مُسْلِمٌ وَنَوْعُ مَا هُوَ مُلْحَقٌ بِالْخَطَأِ كَالنَّائِمِ إذَا انْقَلَبَ عَلَى إنْسَانٍ فَقَتَلَهُ، وَكَذَا الْقَتْلُ بِطَرِيقِ التَّسَبُّبِ كَحَفْرِ الْبِئْرِ وَوَضْعِ الْحَجَرِ فِي الطَّرِيقِ الْمَمَرِّ؛ لِأَنَّهُ إذَا تَسَبَّبَ لِلْقَتْلِ صَارَ كَالْمُوقِعِ وَالدَّافِعِ وَلَمَّا لَمْ يَقْصِدْ الْقَتْلَ هُوَ كَالْخَطَأِ فِي الْحُكْمِ وَلَا يَكُونُ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ شِبْهُ الْعَمْدِ؛ لِأَنَّ مَا دُونَ النَّفْسِ لَا يَخْتَصُّ إتْلَافُهُ بِآلَةٍ دُونَ آلَةٍ بَلْ يَخْتَصُّ بِآلَةٍ جَارِحَةٍ قَاطِعَةٍ، فَأَمَّا الْقَتْلُ يَخْتَصُّ بِآلَاتٍ بَعْضُهَا جَارِحَةٌ قَاطِعَةٌ وَبَعْضُهَا لَا يَخْتَلِفُ حُكْمُ النَّفْسِ بِاخْتِلَافِ الْآلَاتِ، وَأَمَّا حُكْمُهَا فَسَيَأْتِي، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْقَتْلَ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ: عَمْدٌ وَخَطَأٌ وَشِبْهُ عَمْدٍ وَمَا أُجْرِيَ مَجْرَى الْخَطَأِ وَالْقَتْلُ بِسَبَبٍ، قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَجْهُ الِانْحِصَارِ فِي هَذِهِ الْخَمْسَةِ هُوَ أَنَّ الْقَتْلَ إذَا صَدَرَ عَنْ إنْسَانٍ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ حَصَلَ بِسِلَاحٍ أَوْ بِغَيْرِ سِلَاحٍ، وَإِنْ حَصَلَ بِسِلَاحٍ إمَّا أَنْ يَكُونَ بِهِ قَصْدُ الْقَتْلِ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ فَهُوَ عُدْوَانٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَهُوَ خَطَأٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِسِلَاحٍ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ جَارِيًا مَجْرَى الْخَطَأِ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ فَهُوَ شِبْهُ الْعَمْدِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُ قَصْدُ التَّأْدِيبِ أَوْ الضَّرْبِ أَوْ لَا. فَإِنْ كَانَ فَهُوَ شِبْهُ الْعَمْدِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ جَارِيًا مَجْرَى الْخَطَأِ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ فَهُوَ الْخَطَأُ، وَإِنْ لَمْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 327 يَكُنْ فَهُوَ الْقَتْلُ بِسَبَبٍ وَبِهَذَا الِاخْتِصَارِ يُعْرَفُ تَفْسِيرُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا اهـ. أَقُولُ: فِيهِ خَلَلٌ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ جَعَلَ الْقَتْلَ خَطَأً مَخْصُوصًا بِمَا حَصَلَ بِسِلَاحٍ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ لَا شَكَّ أَنَّ الْقَتْلَ الْخَطَأَ كَمَا يَكُونُ بِسِلَاحٍ يَكُونُ أَيْضًا بِمَا لَيْسَ بِسِلَاحٍ كَالْحَجَرِ الْعَظِيمِ وَالْخَشَبَةِ الْعَظِيمَةِ وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ قَوْلَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جَارِيًا مَجْرَى الْخَطَأِ فَهُوَ الْقَتْلُ بِسَبَبٍ لَيْسَ بِتَامٍّ؛ لِأَنَّ مَا لَا يَكُونُ جَارِيًا مَجْرَى الْخَطَأِ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْقَتْلُ بِسَبَبٍ أَلْبَتَّةَ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْقَتْلُ بِخَطَإٍ مَحْضٍ أَيْضًا فَلَا يَتِمَّ الْحَصْرُ فِي الْقَتْلِ بِسَبَبٍ وَلَمَّا تَنَبَّهْ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ لِمَا فِي وَجْهِ الْحَصْرِ الَّذِي ذَكَرَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ مِنْ الْقُصُورِ، قَالَ فِي بَيَانِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ الْقَتْلُ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ وَذَلِكَ أَنَّا اسْتَقْرَيْنَا فَوَجَدْنَا مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ أَحَدَ هَذِهِ الْأَوْجُهِ الْمَذْكُورَةِ، وَنَقَلَ مَا ذَكَرَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ مِنْ وَجْهِ الْحَصْرِ، فَقَالَ وَضَعْفُهُ وَرَكَاكَتُهُ ظَاهِرَانِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ وَبَيَانٍ، وَالْمُرَادُ بَيَانُ قَتْلٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَحْكَامُ قَالَ جُمْهُورُ الشُّرَّاحِ إنَّمَا قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّ أَنْوَاعَ الْقَتْلِ مِنْ حَيْثُ هُوَ قَتْلٌ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى ضَمَانِ الْقَتْلِ وَعَدَمِ ضَمَانِهِ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسَةِ أَوْجُهٍ كَقَتْلِ الْمُرْتَدِّ وَالْقَتْلِ قِصَاصًا وَالْقَتْلِ رَجْمًا وَالْقَتْلِ بِقَطْعِ الطَّرِيقِ وَقَتْلِ الْحَرْبِيِّ حَتَّى قَالَ بَعْضُهُمْ وَنَظِيرُ هَذَا مَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ. الْأَيْمَانُ ثَلَاثَةٌ، وَلَمْ يُرِدْ جِنْسَ الْأَيْمَانِ؛ لِأَنَّهَا أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثَةٍ يَمِينٌ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَيَمِينٌ بِالطَّلَاقِ وَيَمِينٌ بِالْعَتَاقِ وَالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَإِنَّمَا أَرَادَ بِذَلِكَ الْأَيْمَانَ بِاَللَّهِ تَعَالَى اهـ. قَالَ قَاضِي خان أَقُولُ: فِيمَا قَالُوا نَظَرٌ إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ شَيْئًا مِنْ أَنْوَاعِ الْقَتْلِ لَا يَخْرُجُ عَنْ الْأَوْجُهِ الْخَمْسَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْكِتَابِ بَلْ يَدْخُلُ كُلٌّ مِنْ ذَلِكَ فِي وَاحِدٍ مِنْ تِلْكَ الْأَوْجُهِ، فَإِنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ قَتْلِ الْمُرْتَدِّ وَقَتْلِ الْحَرْبِيِّ وَالْقَتْلِ قِصَاصًا أَوْ رَجْمًا أَوْ بِقَطْعِ الطَّرِيقِ يَكُونُ قَتْلًا عَمْدًا إنْ تَعَمَّدَ الْقَاتِلُ ضَرْبَ الْمَقْتُولِ بِسِلَاحٍ وَمَا أُجْرِيَ مَجْرَى السِّلَاحِ، وَيَكُونُ شِبْهَ عَمْدٍ إنْ تَعَمَّدَ ضَرْبَهُ بِمَا لَيْسَ بِسِلَاحٍ وَلَا مَا أُجْرِيَ مَجْرَى السِّلَاحِ وَيَكُونُ خَطَأً إنْ لَمْ يَكُنْ بِطَرِيقِ التَّعَمُّدِ بَلْ كَانَ بِطَرِيقِ الْخَطَإِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَوْجُهِ الْمَذْكُورَةِ وَإِنَّمَا تَكُونُ تِلْكَ الْأَنْوَاعُ الْمُبَاحَةُ مِنْ الْقَتْلِ خَارِجَةً عَنْ الْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ لِهَذِهِ الْأَوْجُهِ الْخَمْسَةِ فَلَا مَعْنَى لِلْقَوْلِ بِأَنَّ أَنْوَاعَ الْقَتْلِ أَكْثَرُ مِنْ خَمْسَةٍ، وَإِنْ قُلْتُ: كَيْفَ يُتَصَوَّرُ خُرُوجُ تِلْكَ الْأَنْوَاعِ مِنْ الْأَحْكَامِ لِلْأَوْجُهِ الْخَمْسَةِ لِلْقَتْلِ إلَّا مِنْ نَفْسِ هَذِهِ الْأَوْجُهِ، وَحُكْمُ الشَّيْءِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ وَيَلْزَمُهُ قُلْتُ: قَدْ يَكُونُ تَرَتُّبُ الْحُكْمِ عَلَى شَيْءٍ مَشْرُوطًا بِشَرْطٍ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ جَعَلُوا وُجُوبَ الْقَوَدِ مِنْ أَحْكَامِ الْقَتْلِ الْعَمْدِ مَعَ أَنَّهُ لَهُ شُرُوطٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا كَوْنُ الْقَاتِلِ عَاقِلًا بَالِغًا إذْ لَا يَجِبُ الْقَوَدُ عَلَى الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ أَصْلًا وَمِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ الْمَقْتُولُ جُزْءَ الْقَاتِلِ حَتَّى لَوْ قَتَلَ الْأَبُ وَلَدَهُ عَمْدًا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ. وَكَذَا لَوْ قَتَلَتْ الْأُمُّ وَلَدَهَا، وَكَذَا الْجَدُّ وَالْجَدَّةُ، وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ الْمَقْتُولُ مِلْكَ الْقَاتِلِ حَتَّى لَا يُقْتَلَ الْمَوْلَى بِعَبْدِهِ، وَمِنْهَا كَوْنُ الْمَقْتُولِ مَعْصُومَ الدَّمِ مُطْلَقًا فَلَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ وَلَا ذِمِّيٌّ بِالْكَافِرِ الْحَرْبِيِّ وَلَا بِالْمُرْتَدِّ لِعَدَمِ الْعِصْمَة أَصْلًا وَلَا بِالْمُسْتَأْمِنِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ عِصْمَتَهُ مَا ثَبَتَتْ مُطْلَقَةً بَلْ مُؤَقَّتَةً إلَى غَايَةِ مَقَامِهِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ صَرَّحَ بِذَلِكَ كُلُّ مَا فِي عَامَّةِ الْمُعْتَبَرَاتِ فَكَذَا كَوْنُ الْقَتْلِ بِغَيْرِ حَقٍّ شَرْطًا لِتَرْتِيبِ كُلٍّ مِنْ الْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ لِلْأَوْجُهِ الْخَمْسَةِ مِنْ الْقَتْلِ، وَلَيْسَ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرُوا مِنْ الْأَحْكَامِ مِنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ الْمَذْكُورَةِ لَهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ انْتِفَاءَ شَرْطِ تِلْكَ الْأَحْكَامِ وَهُوَ كَوْنُ الْقَتْلِ مَعْصُومَ الدَّمِ وَكَوْنُ الْقَتْلِ بِغَيْرِ حَقٍّ لَا يَقْدَحُ فِي شَيْءٍ فَالْأَظْهَرُ أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ وَالْمُرَادُ بَيَانُ قَتْلٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَحْكَامُ هُوَ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْبَيَانِ فِي كِتَابِ الْجِنَايَاتِ إنَّمَا هُوَ أَحْوَالٌ بِغَيْرِ حَقٍّ إذْ هُوَ الَّذِي يَكُونُ مِنْ الْجِنَايَاتِ وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَحْكَامُهَا دُونَ أَحْوَالِ مُطْلَقِ الْقَتْلِ، وَإِنْ كَانَ الْأَوْجُهُ الْخَمْسَةُ الْمَذْكُورَةُ تَتَنَاوَلُ كُلَّ ذَلِكَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (مُوجِبُ الْقَتْلِ عَمْدًا وَهُوَ مَا تَعَمَّدَ ضَرْبَهُ بِسِلَاحٍ وَنَحْوِهِ فِي تَفْرِيقِ الْأَجْزَاءِ كَالْمُحَدَّدِ مِنْ الْحَجَرِ وَالْخَشَبِ وَالنَّارِ الْإِثْمُ وَالْقَوَدُ عَيْنًا) أَيْ الْقَتْلُ الْمَوْصُوفُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ يُوجِبُ الْإِثْمَ وَالْقِصَاصُ مُتَعَيِّنٌ، قَالَ السِّغْنَاقِيُّ الْقَتْلُ فِعْلٌ يُضَافُ إلَى الْعِبَادِ تَزُولُ بِهِ الْحَيَاةُ. وَفِي الْمُنْتَقَى ذَكَرَ مَا يُعْرَفُ بِهِ الْعَمْدُ مِنْ غَيْرِهِ قَالَ مُحَمَّدٌ رَجُلٌ تَعَمَّدَ أَنْ يَضْرِبَ يَدَ رَجُلٍ أَوْ شَيْئًا مِنْهُ بِالسَّيْفِ فَأَخْطَأَ فَأَصَابَ عُنُقَهُ وَأَبَانَ رَأْسَهُ فَهُوَ عَمْدٌ، وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَضْرِبَ يَدَ رَجُلٍ أَوْ شَيْئًا مِنْهُ بِالسَّيْفِ فَأَخْطَأَ فَأَصَابَ عُنُقَ غَيْرِهِ فَهُوَ خَطَأٌ؛ لِأَنَّهُ أَصَابَ غَيْرَ مَا تَعَمَّدَ، وَفِي الْأَوَّلِ أَصَابَ مَا تَعَمَّدَ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ إتْلَافَ طَرَفِ ذَلِكَ الرَّجُلِ، وَلَوْ رَمَى قَلَنْسُوَةً عَلَى رَأْسِهِ فَأَصَابَ عُنُقَ غَيْرِهِ فَهُوَ خَطَأٌ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَصَدَ ضَرْبَ الْقَلَنْسُوَةِ فَأَصَابَهُ السَّيْفُ فَهُوَ خَطَأٌ، وَلَوْ رَمَى رَجُلًا فَأَصَابَ حَائِطًا، ثُمَّ رَجَعَ السَّهْمُ فَأَصَابَ الرَّجُلَ فَهُوَ خَطَأٌ؛ لِأَنَّهُ أَخْطَأَ فِي إصَابَةِ الْحَائِطِ وَرُجُوعُ السَّهْمِ مَبْنِيٌّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 328 عَلَى إصَابَةِ الْحَائِطِ لَا عَلَى الرَّمْيِ السَّابِقِ؛ لِأَنَّهُ آخِرُ السَّبَبَيْنِ وَالْحُكْمُ يُضَافُ فِي آخِرِ السَّبَبَيْنِ وُجُودًا، وَقَدْ تَخَلَّلَ بَيْنَ الرَّمْيِ وَالْإِصَابَةِ الْأَخِيرَةِ إصَابَةُ الْحَائِطِ فَقَطَعَ حُكْمَ الْإِصَابَةِ الْأَخِيرَةِ عَلَى الرَّمْيِ السَّابِقِ، وَلَوْ لَفَّ ثَوْبًا فَضَرَبَ بِهِ رَأْسَ إنْسَانٍ فَشَجَّهُ مُوضِحَةً فَهُوَ عَمْدٌ سَوَاءٌ اقْتَصَرَ عَلَى الشَّجَّةِ أَوْ مَاتَ؛ لِأَنَّهُ أَصَابَ مَا تَعَمَّدَ بِهِ، وَقَدْ عَمِلَتْ الْآلَامُ عَمَلَهَا أَثَّرَتْ فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ جَمِيعًا، وَقَدْ مَاتَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُجْرَحَ قَالَ صَارَ خَطَأً، وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي الدِّيَاتِ رَجُلٌ ضَرَبَ رَجُلًا بِسَيْفٍ بِغِمْدِهِ فَخَرَقَ السَّيْفُ الْغِمْدَ فَقَتَلَهُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا قَوَدَ عَلَيْهِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ إنْ كَانَ الْغِمْدُ يَقْتُلُ لَوْ ضُرِبَ بِهِ وَحْدَهُ يُقْتَلُ؛ لِأَنَّ الْغِمْدَ لَا يُقْصَدُ بِهِ إلَّا الضَّرْبُ إذَا كَانَ يَقْتُلُ بِهِ وَهُوَ قَاصِدٌ إلَى الْقَتْلِ، وَقَدْ أَصَابَ الْمَقْتَلَ فَوَجَبَ الْقِصَاصُ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ أَصَابَ الضَّرْبَ دُونَ الْقَتْلِ؛ لِأَنَّ الْغِمْدَ لَا يُقْصَدُ بِهِ إلَّا الضَّرْبُ عَادَةً فَصُورَةُ الْخَطَإِ هُوَ أَنْ يُصِيبَ خِلَافَ مَا قَصَدَ. وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى رَجُلٌ ضَرَبَ رَجُلًا بِإِبْرَةٍ أَوْ بِشَيْءٍ يُشْبِهُ الْإِبْرَةَ تَعَمُّدًا فَقَتَلَهُ فَلَا قَوَدَ عَلَيْهِ، وَإِنْ ضَرَبَهُ بِمِسَلَّةٍ أَوْ نَحْوِهَا فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ؛ لِأَنَّ الْإِبْرَةَ مِمَّا لَا يُقْصَدُ بِهَا الْقَتْلُ عَادَةً، وَإِنْ كَانَتْ الْآلَةُ جَارِحَةً؛ لِأَنَّ آلَةَ الْخِيَاطَةِ دُونَ الْقَتْلِ، فَإِذَا تَمَكَّنَتْ فِيهِ شُبْهَةُ عَدَمِ الْعَمْدِيَّةِ امْتَنَعَ وُجُوبُ مَا لَا يُجَامَعُ فَأَمَّا الْمِسَلَّةُ فَهِيَ آلَةٌ جَارِحَةٌ يُقْصَدُ بِهَا الْقَتْلُ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْهُ أَنَّهُ إنْ غَرَزَ بِالْإِبْرَةِ فِي الْمَقْتَلِ فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّ غَرْزَ الْإِبْرَةِ فِي الْمَقْتَلِ يُقْصَدُ بِهِ الْقَتْلُ لَا التَّأْدِيبُ. وَفِي الْفَتَاوَى الْكُبْرَى ضَرَبَ بِحَدِيدٍ أَوْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ شِبْهِهِ أَوْ نُحَاسٍ أَوْ رَصَاصٍ أَوْ صُفْرٍ فَجَرَحَهُ وَمَاتَ أَنَّهُ يُقْتَلُ، وَإِنْ رَمَاهُ بِصَنْجَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ فَجَرَحَهُ أَوْ لَمْ يَجْرَحْهُ فَمَاتَ مِنْهُ قُتِلَ، وَلَوْ ضَرَبَ بِعَصًا رَأْسُهَا مُضَبَّبٌ بِالْحَدِيدِ، وَقَدْ أَصَابَ الْحَدِيدُ حَتَّى جَرَحَهُ أَوْ أَزْهَقَ سَائِرَ جَسَدِهِ أَوْ ضَرَبَهُ بِقُفَّةٍ حَدِيدٍ أَوْ شِبْهِهِ أَوْ بِقِدْرٍ حَدِيدٍ فَمَاتَ مِنْهُ قُتِلَ، وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى قِيَاسِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا. وَلَوْ ضَرَبَهُ بِعَصًا مِنْ خَشَبٍ قَادَ مَعَهُ أَوْ بِحَجَرٍ غَيْرِ مَمْدُودٍ لَا يُقْتَلُ، وَإِنْ كَانَ مَمْدُودًا حَتَّى جَرَحَهُ يُقْتَلُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمُجَرَّدِ لَوْ أَلْقَى رَجُلًا فِي الْمَاءِ، ثُمَّ أُخْرِجَ وَبِهِ رَمَقٌ فَمَكَثَ أَيَّامًا حَتَّى مَاتَ يُقْتَلُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ يَجِيءُ وَيَذْهَبُ حَتَّى مَاتَ لَمْ يُقْتَلْ، وَلَوْ قَمَطَ رَجُلًا وَأَلْقَاهُ فِي الْبَحْرِ فَغَرِقَ تَجِبُ الدِّيَةُ، وَلَوْ سَبَحَ سِبَاحَةً، ثُمَّ غَرِقَ لَا دِيَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ غَرِقَ بِعَجْزِهِ وَفِي الْأَوَّلِ نَظَرٌ جَيِّدٌ. وَفِي الْفَتَاوَى الْكُبْرَى مَا يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي سَبَبٍ دُونَ سَبَبٍ لَفَّ ثَوْبًا فَضَرَبَ بِهِ رَأْسَ رَجُلٍ فَشَجَّهُ مُوضِحًا وَجَبَ الْقِصَاصُ، وَلَوْ مَاتَ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ، وَلَوْ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ يَجِبُ الْقِصَاصُ وَمَا يَجِبُ فِي سَبَبِهِ وَمُسَبِّبِهِ أَنْ شَجَّهُ مُوضِحَةً بِحَدِيدٍ فِيهَا قِصَاصٌ، وَإِنْ مَاتَ مِنْهَا يَجِبُ الْقِصَاصُ وَعَلَى عَكْسِهِ مَا لَا يَجِبُ فِي سَبَبٍ وَلَا فِي مُسَبِّبِهِ أَنْ يَجْرَحَهُ بِخَشَبَةٍ عَظِيمَةٍ فَلَا يَجِبُ الْقِصَاصُ، وَلَوْ مَاتَ كَذَلِكَ، وَفِي الْأَجْنَاسِ وَمَا لَيْسَ بِسِلَاحٍ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ عَمْدٌ وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ قَوْلَهُ مُوجِبُ هَذَا أَثَرُ الْعَمْدِ وَالْأَثَرُ مُتَأَخِّرُ وَفَصَلَ بَيْنَ الْمُبْتَدَإِ وَهُوَ قَوْلُهُ مُوجِبُهُ وَخَبَرِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ وَالْإِثْمُ بِأَجْنَبِيٍّ وَهُوَ قَوْلُهُ أَنْ يَتَعَمَّدَ الضَّمِيرَ جَازَ أَنْ يَرْجِعَ إلَى الْمُضَافِ وَأَنْ يَرْجِعَ إلَى الْمُضَافِ إلَيْهِ، وَالضَّمِيرُ إذَا احْتَمَلَ فَسَدَ الْمَعْنَى عَلَى أَحَدِ الِاحْتِمَالَيْنِ فَيَتَعَيَّنُ الْإِظْهَارُ بِأَنْ يَقُولَ الْعَمْدُ أَنْ يَتَعَمَّدَ وَعَبَّرَ بِقَوْلِهِ مُوجِبُهُ دُونَ أَنْ يَقُولَ حُكْمُهُ وَأَثَرُهُ لِيُفِيدَ أَنَّ صِفَتَهُ الْوُجُوبُ وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْأَحْكَامُ لَا الْحَقَائِقُ فَكَذَا قَدَّمَ الْحُكْمَ عَلَى التَّعْرِيفِ، وَهَذَا فَصْلٌ بِغَيْرِ أَجْنَبِيٍّ فَلَا يَضُرُّ وَالضَّمِيرُ يَرْجِعُ إلَى الْأَقْرَبِ وَهُوَ الْقَتْلُ؛ لِأَنَّهُ مَحِلٌّ لِلتَّعَمُّدِ فَلَا فَسَادَ. قَوْلُهُ ضَرَبَهُ أَيْ ضَرَبَ الْمَقْتُولَ قَالُوا فَيَخْرُجُ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ قَوْلُهُ ضَرَبَهُ أَيْ ضَرَبَ الْمَقْتُولَ قَالَهُ قَاضِي زَادَهْ أَقُولُ: بِرَدٍّ عَلَى الْمَقْتُولِ فِي الْمُنْتَقَى كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمُحِيطِ إذَا تَعَمَّدَ أَنْ يَضْرِبَ يَدَ رَجُلٍ فَأَخْطَأَ فَأَصَابَ عُنُقَ ذَلِكَ الرَّجُلِ، فَإِنْ بَانَ رَأْسُهُ وَقَتَلَهُ فَهُوَ عَمْدٌ وَفِيهِ الْقَوَدُ، وَإِنْ أَصَابَ عُنُقَ غَيْرِهِ فَهُوَ خَطَأٌ، وَوَجْهُ الْوُرُودِ أَنَّهُ لَمْ يَتَعَمَّدْ الْقَتْلَ بَلْ تَعَمَّدَ ضَرْبَ الْيَدِ وَجَرَى عَمْدًا فَظَهَرَ أَنَّ الشَّرْطَ، وَلَوْ لِلْقَطْعِ لَا لِتَقْيِيدِ الْقَتْلِ كَمَا قَالُوا أَمَّا اشْتِرَاطُ الْعَمْدِ فَلِأَنَّ الْجِنَايَةَ لَا تَتَحَقَّقُ دُونَهَا وَلَا بُدَّ مِنْهَا لِيَتَرَتَّب عَلَيْهَا الْعُقُوبَةُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ» الْحَدِيثَ. وَأَمَّا اشْتِرَاطُ السِّلَاحِ فَلِأَنَّ الْعَمْدَ هُوَ الْقَصْدُ وَهُوَ فِعْلٌ قَدْ لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ يَخْفَى فَأُقِيمَ اسْتِعْمَالُ الْآلَةِ الْقَاتِلَةِ غَالِبًا مَقَامَهُ، وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ إذَا قَتَلَ بِهَذِهِ الْآلَةِ، ثُمَّ قَالَ لَمْ أَقْصِدْ قَتْلَهُ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ وَالْمَنْقُولُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ قَالَ فِي الْمُجَرَّدِ قَتَلْت فُلَانًا بِسَيْفِي ثُمَّ قَالَ إنَّمَا أَرَدْت غَيْرَهُ فَأَصَابَتْهُ دُرِئَ عَنْهُ الْقِصَاصُ وَلَا يَخْفَى عَدَمُ الْوُرُودِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ ضَرَبَهُ لَا أَنْ يَتَعَمَّدَ قَتْلَهُ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ تَعَمُّدٌ لِلضَّرْبِ لَا تَعَمُّدٌ لِلْقَتْلِ بِدَلِيلِ تَعَمُّدِ قَطْعِ الْيَدِ أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ وَهُوَ أَنَّ هَذَا الْقَدْرَ مِنْ التَّعْلِيلِ يُشْكِلُ بِمَا إذَا اسْتَعْمَلَ الْآلَةَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 329 الْقَاتِلَةَ فِي الْقَتْلِ الْخَطَإِ كَمَا إذَا رَمَى شَخْصًا بِسَهْمٍ أَوْ ضَرَبَهُ بِسَيْفٍ يَظُنُّهُ صَيْدًا، فَإِذَا هُوَ آدَمِيٌّ أَوْ يَظُنُّهُ حَرْبِيًّا، فَإِذَا هُوَ مُسْلِمٌ، وَهَذَا فِي نَوْعِ الْخَطَإِ فِي الْقَصْدِ، وَكَذَا إذَا رَمَى عَرَضًا بِآلَةٍ قَاتِلَةٍ فَأَصَابَ آدَمِيًّا، وَهَذَا فِي نَوْعِ الْخَطَإِ فِي الْفِعْلِ، فَإِنَّ اسْتِعْمَالَ الْآلَةِ الْقَاتِلَةِ الَّذِي جُعِلَ دَلِيلًا عَلَى الْقَصْدِ قَدْ تَحَقَّقَ هُنَاكَ أَيْضًا مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بِعَمْدٍ بَلْ هُوَ خَطَأٌ مَحْضٌ عَلَى مَا نَصُّوا عَلَيْهِ قَاطِبَةً، فَإِنْ قُلْتُ: الْمُرَادُ بِاسْتِعْمَالِ الْآلَةِ الْقَاتِلَةِ فِي التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ اسْتِعْمَالُهَا لِضَرْبِ الْمَقْتُولِ لَا اسْتِعْمَالُهَا فِيهِ أَيْضًا لِضَرْبِ الْمَقْتُولِ لَكِنَّ الْخَطَأَ فِي وَصْفِ الْمَقْتُولِ، فَإِنْ قُلْتُ: الْمُرَادُ اسْتِعْمَالُهَا لِضَرْبِ الْمَقْتُولِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ آدَمِيٌّ لَا اسْتِعْمَالُهَا لِضَرْبِهِ مُطْلَقًا، وَفِي نَوْعِ الْخَطَإِ فِي الْقَصْدِ لَمْ يَتَحَقَّقْ الْحَيْثِيَّةُ الْمَذْكُورَةُ قُلْتُ: كَوْنُ الِاسْتِعْمَالِ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ أَمْرٌ مُضْمَرٌ رَاجِعٌ إلَى النِّيَّةِ وَالْقَصْدِ فَلَا يُوقَفُ عَلَيْهِ كَمَا لَا يُوقَفُ عَلَى الْعَمْدِ فَلَا بُدَّ مِنْ دَلِيلٍ آخَرَ خَارِجِيٍّ فَتَدَبَّرْ، وَذَكَرَ قَاضِي خان أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْجُرْحُ فِي الْحَدِيدِ وَمَا يُشْبِهُ الْحَدِيدَ مِنْ النُّحَاس وَغَيْرِهِ فِي ظَاهِرِ الرَّاوِيَةِ. وَأَمَّا الْإِثْمُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} [النساء: 93] الْآيَةَ، أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ الدَّلِيلُ خَاصٌّ وَالْمُدَّعَى عَامٌّ؛ لِأَنَّ إيجَابَ الْقَتْلِ الْمُؤْثِمُ وَالْقَوَدُ لَا يَنْفَكُّ عَنْ لُزُومِ الْمَأْثَمِ وَالْآيَةُ الْمَذْكُورَةُ مَخْصُوصَةٌ بِقَتْلِ الْمُؤْمِنِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْآيَةُ الْمَذْكُورَةُ، وَإِنْ أَفَادَتْ الْمَأْثَمَ فِي قَتْلِ الْمُؤْمِنِ عَمْدًا فَقَطْ بِعِبَارَتِهَا إلَّا أَنَّهَا تُفِيدُ الْمَأْثَمَ فِي قَتْلِ الذِّمِّيِّ أَيْضًا بَدَلًا بِنَاءً عَلَى ثُبُوتِ الْعِصْمَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ نَظَرًا إلَى التَّكْلِيفِ أَوْ الدَّارِ كَمَا سَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ، فَإِنْ قِيلَ بَقِيَ خُصُوصُ الدَّلِيلِ مَعَ عُمُومِ الْمُدَّعَى مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّ الْمَذْهَبَ عَنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ أَنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَخْلُدُ فِي النَّارِ، وَإِنْ ارْتَكَبَ كَبِيرَةً، وَلَمْ يَثْبُتْ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِمَنْ يَقْتُلُ فِي الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ هُوَ الْمُسْتَحِلُّ بِدَلَالَةِ خَالِدًا فِيهَا فَكَانَ الْقَتْلُ بِدُونِ الِاسْتِحْلَالِ خَارِجًا عَنْ مَدْلُولِ الْآيَةِ قُلْنَا لَا نُسَلِّمُ ظُهُورَ كَوْنِ الْمُرَادِ بِمَنْ يَقْتُلُ فِي الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ هُوَ الْمُسْتَحِلُّ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْخُلُودِ الْمَذْكُورِ فِيهَا هُوَ الْمُكْثُ الطَّوِيلُ كَمَا ذُكِرَ فِي التَّفَاسِيرِ فَلَا يُنَافِي التَّعْمِيمُ مَذْهَبَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، وَلَئِنْ سَلِمَ كَوْنُ الْمُرَادِ بِذَلِكَ هُوَ الْمُسْتَحِلُّ كَمَا ذُكِرَ فِي الْكُتُبِ الْكَلَامِيَّةِ وَفِي التَّفَاسِيرِ أَيْضًا فَفِي الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى عِظَمِ تِلْكَ الْجِنَايَةِ وَتَحَقُّقِ الْإِثْمِ فِي قَتْلِ الْمُؤْمِنِ عَمْدًا بِدُونِ الِاسْتِحْلَالِ أَيْضًا وَإِلَّا لَمَا لَزِمَ مِنْ اسْتِحْلَالِهِ الْخُلُودُ فِي النَّارِ. وَأَمَّا الْقَوَدُ فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْعَمْدُ قَوَدٌ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ} [البقرة: 178] الْآيَةَ إلَّا أَنَّهُ يَتَقَيَّدُ بِوَصْفِ الْعَمْدِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْعَمْدُ قَوَدٌ» أَيْ مُوجِبُهُ يَعْنِي أَنَّ ظَاهِرَ الْآيَةِ يُوجِبُ الْقَوَدَ بِالْقِصَاصِ أَيْنَمَا يُوجَدُ الْقَتْلُ وَلَا يُفْصَلُ بَيْنَ الْعَمْدِ وَالْخَطَإِ إلَّا أَنَّهُ تَقَيَّدَ بِوَصْفِ الْعَمْدِيَّةِ بِالْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ الَّذِي تَلَقَّتْهُ الْأُمَّةُ بِالْقَبُولِ وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْعَمْدُ قَوَدٌ» أَيْ مُوجِبُهُ قَوَدٌ، كَذَا فِي الشُّرُوحِ قَالَ صَاحِبُ الْكِفَايَةِ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يُقَالُ إنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْعَمْدُ قَوَدٌ» لَا يُوجِبُ التَّقْيِيدَ؛ لِأَنَّهُ تَخْصِيصٌ بِالذِّكْرِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ مَا عَدَاهُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَوْ لَمْ يُوجِبْ هَذَا الْخَبَرُ تَقْيِيدَ الْآيَةِ لَمْ يَكُنْ الْقَوَدُ مُوجِبَ الْعَمْدِ فَقَطْ فَلَا يَكُونُ لِذِكْرِ لَفْظِ الْعَمْدِ فَائِدَةٌ اهـ. أَقُولُ: سُؤَالٌ ظَاهِرُ الْوُرُودِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَخْطِرَ بِبَالِ كُلِّ ذِي فِطْرَةٍ سَلِيمَةٍ وَلَكِنْ لَمْ أَرَ أَحَدًا سِوَاهُ حَاوَلَ ذِكْرَهُ وَأَمَّا جَوَابُهُ فَمَنْظُورٌ فِيهِ عِنْدِي لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ سُئِلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ حُكْمِ الْعَمْدِ فَقَطْ بِأَنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ قَتْلَ الْعَمْدِ فَصَارَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْعَمْدُ قَوَدٌ» جَوَابًا عَنْ سُؤَالِهِمْ فَفَائِدَةُ ذِكْرِ لَفْظِ الْعَمْدِ حِينَئِذٍ تَطْبِيقُ الْجَوَابِ لِلسُّؤَالِ وَمَعَ هَذَا الِاحْتِمَالِ كَيْفَ يَتَعَيَّنُ تَقْيِيدُ كِتَابِ اللَّهِ بِالْحَدِيثِ الْمَزْبُورِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إلَّا أَنْ يَعْفُونَ) يَعْنِي يَجِبُ الْقِصَاصُ إلَّا أَنْ يَعْفُوَ الْأَوْلِيَاءُ فَيَسْقُطُ الْقِصَاصُ بِعَفْوِهِمْ وَلَا يَجِبُ شَيْءٌ هَذَا إذَا كَانَ الْعَفْوُ بِغَيْرِ بَدَلٍ، وَإِنْ كَانَ بِبَدَلٍ يَجِبُ الْمَشْرُوطُ وَيَتَعَيَّنُ بِالصُّلْحِ لَا بِالْقَتْلِ قَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْوَاجِبُ أَحَدُهُمَا لَا بِعَيْنِهِ وَيَتَعَيَّنُ بِاخْتِيَارِ الْوَلِيِّ وَلَنَا مَا تَلَوْنَا وَرَوَيْنَا مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْعَمْدُ قَوَدٌ» فَيَقْتَضِي أَنَّ جِنْسَ الْعَمْدِ وُجُودُ الْقَوَدِ لَا لِلْمَالِ وَمَنْ جَعَلَهُ مُوجِبًا لِلْمَالِ فَقَدْ زَادَ عَلَيْهِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ وَإِلَى هَذَا الْمَعْنَى أَشَارَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - بِقَوْلِهِ الْعَمْدُ قَوَدٌ لَا مَالَ فِيهِ وَلِأَنَّ الْمَالَ لَا يَصْلُحُ مُوجِبًا لِعَدَمِ الْمُمَاثَلَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْآدَمِيِّ صُورَةً وَمَعْنًى إذْ الْآدَمِيُّ خُلِقَ مُكَرَّمًا لِيَتَحَمَّلَ التَّكْلِيفَ وَيَشْتَغِلَ بِالطَّاعَةِ وَلِيَكُونَ خَلِيفَةَ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْأَرْضِ وَالْمَالُ خُلِقَ لِإِقَامَةِ مَصَالِحِهِ وَمُبْتَذَلًا لَهُ فِي حَوَائِجِهِ فَلَا يَصْلُحُ جَابِرًا وَقَائِمًا مَقَامَهُ وَالْقِصَاصُ يَصْلُحُ لِلْمُمَاثَلَةِ صُورَةً؛ لِأَنَّهُ قَتْلٌ بِقَوَدٍ، وَكَذَا مَعْنًى؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْقَتْلِ الِانْتِقَامُ. وَالثَّانِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 330 فِيهِ كَالْأَوَّلِ وَلِهَذَا سُمِّيَ قِصَاصًا وَبِهِ تَحْصُلُ مَنْفَعَةُ الْأَحْيَاءِ بِكَوْنِهِ زَاجِرًا فَلَا يَكُونُ مُوجِبًا لِلْمَالِ وَلِهَذَا يُضَافُ مَا يُوجِبُ مِنْ الْمَالِ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ إلَى الصُّلْحِ، أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ عَمْدًا وَلَا صُلْحًا» ، وَلَوْ كَانَ عَمْدًا مُوجِبًا لِلْمَالِ لَمَا أَضَافَهُ إلَى الصُّلْحِ وَالْمُرَادُ بِمَا رُوِيَ ثُبُوتُ الْخِيَارِ لِلْمَوْلَى عِنْدَ إعْطَاءِ الْقَاتِلِ الدِّيَةَ وَتَخْيِيرُهُ لَا يُنَافِي رِضَا الْآخَرِ فِي غَيْرِ الْوَاجِبِ، وَهَذَا كَمَا يُقَالُ لِلدَّائِنِ خُذْ بِدَيْنِك إنْ شِئْت دَرَاهِمَ، وَإِنْ شِئْت دَنَانِيرَ، وَإِنْ شِئْت عُرُوضًا وَمَعْنَاهُ أَنْ لَا يَأْخُذَ غَيْرَ حَقِّهِ إلَّا بِرِضَا الْمَدِينِ، وَهَذَا شَائِعٌ فِي الْكَلَامِ. أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَأْخُذْ إلَّا سَلَمَك أَوْ رَأْسَ مَالِك» أَيْ لَا تَأْخُذْ إلَّا سَلَمَك عِنْدَ الْمُضِيِّ فِي الْعَقْدِ وَلَا تَأْخُذْ إلَّا رَأْسَ مَالِك عِنْدَ التَّفَاسُخِ فَخَيَّرَهُ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يَأْخُذُ رَأْسَ مَالِهِ إلَّا بِرِضَا الْآخَرِ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ لَا يَتِمُّ إلَّا بِاتِّفَاقِهِمْ، فَإِذَا كَانَ الْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ ذَلِكَ أَوْ احْتَمَلَهُ لَا يَبْقَى حُجَّةٌ، وَاَلَّذِي يَدُلُّك عَلَى ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ كَانَ الْقِصَاصُ فِي بَنِي إسْرَائِيلَ، وَلَمْ تَكُنْ الدِّيَةُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ} [البقرة: 178] إلَى قَوْلِهِ {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} [البقرة: 178] وَالْعَفْوُ فِي أَنْ يَقْبَلَ الدِّيَةَ فِي الْعَمْدِ {ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة: 178] فِيمَا كَانَ كُتِبَ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَأَخْبَرَ أَنَّ بَنِي إسْرَائِيلَ لَمْ تَكُنْ فِيهِمْ دِيَةٌ أَيْ كَانَ ذَلِكَ حَرَامًا عَلَيْهِمْ أَخْذُهُ عِوَضًا عَنْ الْآدَمِيِّ وَيَتْرُكُوهُ فَخَفَّفَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَنَسَخَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} [البقرة: 178] الْآيَةَ وَنَبَّهَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ هَذِهِ الْجِهَةِ بَلْ بَيَّنَهَا بِقَوْلِهِ مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَقْتَصَّ أَوْ يَعْفُوَ وَيَأْخُذَ الدِّيَةَ الَّتِي أُبِيحَتْ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ وَجَعَلَ لَهُمْ أَخْذَهَا إذَا أَعْطَوْهَا وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ «أَنَّ عَمَّةَ الرُّبَيِّعِ لَطَمَتْ جَارِيَةً فَكَسَرَتْ ثَنِيَّتَهَا، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حِينَ اخْتَصَمُوا إلَيْهِ كَتَبَ اللَّهُ الْقِصَاصَ» ، وَلَمْ يُخَيِّرْ، وَلَوْ كَانَ الْمَالُ وَاجِبًا بِهِ لَخَيَّرَ إذْ مَنْ وَجَبَ لَهُ أَخْذُ شَيْئَيْنِ عَلَى الْخِيَارِ لَا يُحْكَمُ لَهُ بِأَحَدِهِمَا مُعَيَّنًا وَإِنَّمَا يُحْكَمُ بِأَنْ يَخْتَارَ أَيَّهُمَا شَاءَ وَاَلَّذِي يُحَقِّقُهُ أَنَّ الْوَلِيَّ إنْ عَفَا عَنْ الْقِصَاصِ قَبْلَ اخْتِيَارِ الْقِصَاصِ صَحَّ عَفْوُهُ. وَلَوْ لَمْ يَكُنْ هُوَ الْوَاجِبَ بِالْقَتْلِ لَمَا صَحَّ عَفْوُهُ قَبْلَ تَعَيُّنِهِ وَاخْتِيَارُهُ إذْ الْعَفْوُ عَنْ الشَّيْءِ قَبْلَ وُجُوبِهِ بَاطِلٌ، فَإِنْ كَانَ الْقِصَاصُ هُوَ الْوَاجِبُ الْأَصْلِيُّ لَا يَنْفَرِدُ الْوَلِيُّ بِالْعُدُولِ عَنْهُ إلَى الْمَالِ بَدَلًا عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ وَلَا يُجْبَرُ أَحَدٌ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ كَمَا فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ وَلِهَذَا لَوْ تَرَكَ الْمَوْلَى الْقِصَاصَ بِمَالٍ آخَرَ غَيْرِ الدِّيَةِ كَالدَّارِ وَنَحْوِهَا مِنْ الْأَعْيَانِ لَا يُجْبَرُ الْقَاتِلُ عَلَى الدَّفْعِ وَأَنَّ فِيهِ إحْيَاءَ نَفْسِهِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمُضْطَرَّ الَّذِي ذَكَرَهُ يُجْبَرُ عَلَى الشِّرَاءِ بِحَيْثُ يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ وَإِنَّمَا نَقُولُ يَأْثَمُ إذَا تَرَكَ الشِّرَاءَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ وَمَاتَ، وَكَذَا نَقُولُ هُنَا أَيْضًا يَأْثَمُ، ثُمَّ إذَا لَمْ يُخَلِّصْ نَفْسَهُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ وَالْآدَمِيُّ قَدْ يَضْمَنُ بِالْمَالِ كَمَا فِي الْخَطَإِ قُلْنَا وُجُوبُ الضَّمَانِ فِي الْخَطَإِ ضَرُورَةَ صَوْنِ الدَّمِ عَنْ الْإِهْدَارِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مِثْلٌ لَهُ، وَهَذَا لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ الْعُقُوبَةُ وَهُوَ الْقِصَاصُ لِعَدَمِ الْجِنَايَةِ صِيرَ إلَيْهِ لِصَوْنِ الدَّمِ عَنْ الْإِهْدَارِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَتَخَلَّطَ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ وَأَدَّى إلَى الْتَفَانِي وَلِأَنَّ النَّفْسَ مُحْتَرَمَةٌ فَلَا تَسْقُطُ حُرْمَتُهَا بِعُذْرِ الْخَاطِئِ كَمَا فِي الْمَالِ فَيَجِبُ الْمَالُ صِيَانَةً لَهَا عَنْ الْإِهْدَارِ وَلَا يُقَالُ وُجُوبُ الْقِصَاصِ لَا يُنَافِي وُجُوبَ الْمَالِ وَلَا الْعُدُولَ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ رِضَا الْجَانِي، أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا لَوْ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ وَهِيَ صَحِيحَةٌ وَيَدُ الْقَاطِعِ شَلَّاءُ فَالْمَقْطُوعُ يَدُهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ الْأَرْشَ، وَإِنْ شَاءَ قَطَعَ يَدَهُ الشَّلَّاءَ. وَكَذَا لَوْ عَفَا أَحَدُ الْأَوْلِيَاءِ بَطَلَ حَقُّ الْبَاقِينَ فِي الْقِصَاصِ وَوَجَبَ لَهُمْ الدِّيَةُ، وَلَوْ أَنَّهُ وَجَبَ بِالْجِنَايَةِ لَمَا وَجَبَ بِغَيْرِ رِضَاهُمْ؛ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّمَا كَانَ لَهُمْ ذَلِكَ لِتَعَذُّرِ اسْتِيفَاءِ حَقِّهِمْ كَامِلًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا الْكَفَّارَةُ) أَيْ لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِقَتْلِ الْعَمْدِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَجِبُ اعْتِبَارًا بِالْخَطَإِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ تَمْحُو الْإِثْمَ وَهُوَ فِي الْعَمْدِ أَكْثَرُ فَكَانَ أَدْعَى إلَى إيجَابِهَا وَلَنَا أَنَّ الْكَفَّارَةَ دَائِرَةٌ بَيْنَ الْعِبَادَةِ وَالْعُقُوبَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ سَبَبُهَا أَيْضًا دَائِرًا بَيْنَ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ لِتَعَلُّقِ الْعِبَادَةِ بِالْمُبَاحِ وَالْعُقُوبَةِ بِالْمَحْظُورِ وَقَتْلُ الْعَمْدِ كَبِيرَةٌ مَحْضٌ فَلَا تُنَاطُ بِهِ كَسَائِرِ الْكَبَائِرِ مِثْلِ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَالرِّبَا قَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ، فَإِنْ قُلْتُ: يُشْكِلُ بِكَفَّارَةِ قَتْلِ صَيْدِ الْمُحْرِمِ، فَإِنَّهُ كَبِيرَةٌ مَحْضَةٌ وَمَعَ هَذَا تَجِبُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ قُلْتُ: هُوَ جِنَايَةٌ عَلَى الْمَحِلِّ، وَلِهَذَا لَوْ اشْتَرَكَ رَجُلَانِ فِي قَتْلِ صَيْدِ الْحَرَمِ يَلْزَمُ جَزَاءٌ وَاحِدٌ، وَلَوْ كَانَ جِنَايَةُ الْفِعْلِ لَوَجَبَ جَزَاءَانِ وَالْجِنَايَةُ عَلَى الْمَحِلِّ يَسْتَوِي فِيهَا الْعَمَلُ وَالْخَطَأُ اهـ. أَقُولُ: فِي الْجَوَابِ بَحْثٌ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ لَا يَدْفَعُ السُّؤَالَ الْمَذْكُورَ؛ لِأَنَّ مَوْرِدَهُ مَضْمُونُ الدَّلِيلِ الْمَزْبُورِ وَهُوَ الْكَفَّارَةُ لَا تُنَاطُ بِمَا هُوَ كَبِيرَةٌ مَحْضَةٌ لَا أَصْلُ الْمُدَّعَى وَهُوَ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ فِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ، فَإِذَا سَلِمَ كَوْنُ قَتْلِ صَيْدِ الْحَرَمِ كَبِيرَةً مَحْضَةً يَلْزَمُ أَنْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 331 يُشْكِلَ الدَّلِيلُ الْمَزْبُورُ بِهِ سَوَاءٌ كَانَ فِي جِنَايَةِ الْفِعْل أَوْ جِنَايَةِ الْمَحِلِّ. وَكَوْنُ الْجِنَايَةِ عَلَى الْمَحِلِّ يَسْتَوِي فِيهَا الْعَمْدُ وَالْخَطَأُ إنَّمَا يُفِيدُ لَوْ وَرَدَ السُّؤَالُ عَلَى أَصْلِ الْمُدَّعَى، فَإِنَّهُ يُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْهُ حِينَئِذٍ بِأَنَّ مَا قُلْنَاهُ فِي جِنَايَةِ الْفِعْلِ دُونَ جِنَايَةِ الْمَحِلِّ وَقَتْلُ صَيْدِ الْحَرَمِ مِنْ قَبِيلِ الثَّانِيَةِ دُونَ الْأُولَى وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُ قَدْ تَقَرَّرَ فِي كُتُبِ أُصُولِ الْفِقْهِ أَنَّ الْكَفَّارَةَ جَزَاءُ الْفِعْلِ مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ لَا جَزَاءُ الْمَحِلِّ أَصْلًا فَلَوْ كَانَ قَتْلُ صَيْدِ الْحَرَمِ جِنَايَةً عَلَى الْمَحِلِّ لَا جِنَايَةَ الْفِعْلِ لَزِمَ أَنْ لَا تَصْلُحَ الْكَفَّارَةُ لِكَوْنِ الْكَفَّارَةِ جَزَاءَ الْفِعْلِ مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ لَا جَزَاءَ الْمَحِلِّ أَصْلًا وَلَا يُمْكِنُ قِيَاسُهُ عَلَى الْخَطَإِ؛ لِأَنَّهُ دُونَهُ فِي الْإِثْمِ فَشَرَعَهُ لِدَفْعِ الْأَدْنَى لَا يَدُلُّ عَلَى دَفْعِ الْأَعْلَى وَلِأَنَّ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ وَعِيدًا مُحْكَمًا وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ يَرْتَفِعُ الْمَأْثَمُ فِيهِ بِالْكَفَّارَةِ مَعَ وُجُودِ الشِّدَّةِ فِي الْوَعِيدِ بِنَصٍّ قَاطِعٍ لَا شُبْهَةَ فِيهِ وَمَنْ ادَّعَى ذَلِكَ مُحْكَمًا فِيهِ بِلَا دَلِيلٍ وَلِأَنَّ الْكَفَّارَةَ مِنْ الْمَقْدُورَاتِ فَلَا يَجُوزُ إثْبَاتُهَا بِالْقِيَاسِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَلِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} [النساء: 93] الْآيَةَ كُلُّ مُوجِبِهِ إذْ هُوَ مَذْكُورٌ فِي سِيَاقِ الْجَزَاءِ لِلشَّرْطِ فَتَكُونُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ نَسْخًا وَلَا يَجُوزُ بِالرَّأْيِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَشِبْهُهُ وَهُوَ أَنْ يَتَعَمَّدَ ضَرْبَهُ بِغَيْرِ مَا ذُكِرَ الْإِثْمُ وَالْكَفَّارَةُ عَلَى الْقَاتِلِ وَدِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ عَلَى الْعَاقِلَةِ لَا الْقَوَدُ) أَيْ مُوجِبُ الْقَتْلِ شِبْهِ الْعَمْدِ الْإِثْمُ وَالْكَفَّارَةُ عَلَى الْقَاتِلِ وَالدِّيَةُ الْمُغَلَّظَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَلَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ. وَقَوْلُهُ وَهُوَ أَنْ يَتَعَمَّدَ ضَرْبَهُ بِغَيْرِ مَا ذُكِرَ أَيْ بِغَيْرِ مَا ذُكِرَ فِي الْعَمْدِ وَاَلَّذِي فِي الْعَمْدِ هُوَ الْمُحَدَّدُ وَغَيْرُهُ هُوَ الَّذِي لَا حَدَّ لَهُ مِنْ الْأَدِلَّةِ وَكَالْحَجَرِ وَالْعَصَا وَكُلُّ شَيْءٍ لَيْسَ لَهُ حَدٌّ يُفَرِّقُ الْأَجْزَاءَ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ شِبْهُ الْعَمْدِ عِنْدَ الْإِمَامِ تَعَمَّدَ الضَّرْبَ بِمَا لَيْسَ بِسِلَاحٍ وَلَا هُوَ فِي مَعْنَى السِّلَاحِ فِي تَفْرِيقِ الْأَجْزَاءِ قَالَ مُحَمَّدٌ وَيَكُونُ قَصْدُهُ الضَّرْبَ وَالتَّأْدِيبَ، وَقَالَا إذَا ضَرَبَهُ بِحَجَرٍ عَظِيمٍ أَوْ بِخَشَبَةٍ عَظِيمَةٍ فَهُوَ عَمْدٌ وَشِبْهُ الْعَمْدِ أَنْ يَتَعَمَّدَ ضَرْبَهُ بِمَا لَا يُقْتَلُ بِهِ غَالِبًا وَلَهُمَا أَنَّ مَعْنَى الْعَمْدِيَّةِ يَتَقَاصَرُ بِاسْتِعْمَالِ آلَةٍ لَا تَقْتُلُ غَالِبًا؛ لِأَنَّهُ يَقْصِدُ بِهِ التَّأْدِيبَ، أَمَّا الَّتِي تَقْتُلُ غَالِبًا كَالسَّيْفِ فَكَانَ عَمْدًا فَوَجَبَ الْقَوَدُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - رَضَّ بَيْن حَجَرَيْنِ رَأْسَ يَهُودِيٍّ وَرَضَّ رَأْسَ صَبِيٍّ بَيْنَ حَجَرَيْنِ، وَكَذَا قَتَلَ الْمَرْأَةَ الَّتِي قَتَلَتْ امْرَأَةً بِمِسْطَحٍ وَهُوَ عَمُودُ الْفُسْطَاطِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَلَا إنَّ قَتِيلَ خَطَإِ الْعَمْدِ قَتِيلُ السَّوْطِ وَالْعَصَا وَالْحَجَرِ وَفِيهِ دِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ مِنْهَا أَرْبَعُونَ خِلْفَةً فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا وَبِإِطْلَاقِهِ يَتَنَاوَلُ الْعَصَا الْكَبِيرَ وَالْكَلَامُ فِي مِثْلِهَا وَلِأَنَّ قَضِيَّةَ الْقَتْلِ أَمْرٌ مُبَطَّنٌ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِدَلِيلٍ وَهُوَ اسْتِعْمَالُ الْآلَةِ الْقَاتِلَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَهَذِهِ الْآلَةُ لَا تَصْلُحُ دَلِيلًا عَلَى قَصْدِ الْقَتْلِ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَوْضُوعَةٍ لَهُ وَلَا مُسْتَعْمَلَةٌ فِيهِ إذْ لَا يُمْكِنُ الْقَتْلُ بِهَا عَلَى غَفْلَةٍ مِنْهُ وَلَا يَقَعُ الْقَتْلُ بِهَا غَالِبًا فَقُدِّمَتْ الْعَمْدِيَّةُ كَذَلِكَ فَصَارَ كَالْعَصَا الصَّغِيرِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ مَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ وَهُوَ الْآلَةُ الْمَحْدُودَةُ لَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ الصَّغِيرِ مِنْهُمَا وَالْكَبِيرِ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ صَالِحٌ لِلْقَتْلِ لِتَخْرِيبِ الْبِنْيَةِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا فَكَذَا مَا لَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ وَجَبَ أَنْ يُسَوَّى بَيْنَ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنْهُ حَتَّى لَا يُوجِبَ الْكُلُّ الْقِصَاصَ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُعَدٍّ لِلْقَتْلِ وَلَا صَالِحَ لَهُ لِعَدَمِ نَقْضِ الْبِنْيَةِ ظَاهِرًا وَكَانَ فِي قَصْدِ الْقَتْلِ شَكٌّ لِمَا فِيهِ مِنْ الْقُصُورِ وَالْقِصَاصُ نِهَايَةٌ فِي الْعُقُوبَةِ فَلَا يَجِبُ مَعَ الشَّكِّ. وَمَا رَوَيَاهُ مِنْ رَضِّ الْيَهُودِيِّ يَحْتَمِلُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِمَ أَنَّ الْيَهُودِيَّ كَانَ قَاطِعَ الطَّرِيقِ إذَا قَتَلَ بِسَوْطٍ أَوْ عَصًا أَوْ غَيْرِهِ بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ يُقْتَلُ بِهِ حَدًّا وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ جَعَلَهُ كَقَاطِعِ الطَّرِيقِ لِكَوْنِهِ سَاعِيًا فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ فَقَتَلَهُ حَدًّا كَمَا يُقْتَلُ قَاطِعُ الطَّرِيقِ، فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ أَنْ يُلْحَقَ بِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي قَاطِعِ الطَّرِيقِ. وَأَمَّا حَدِيثُ الْمَرْأَةِ، فَقَالَ عُبَيْدُ بْنُ فَضِيلَةَ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ «أَنَّ امْرَأَتَيْنِ ضَرَبَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى بِعَمُودِ الْفُسْطَاطِ فَقَتَلَتْهَا فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالدِّيَةِ عَلَى عَصَبَةِ الْقَاتِلَةِ وَقَضَى فِيمَا فِي بَطْنِهَا بِغُرَّةٍ، فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ أَغْرَمُ مَنْ لَا طَعِمَ وَلَا شَرِبَ وَلَا صَاحَ فَاسْتَهَلَّ وَمِثْلُ ذَلِكَ يُطَلُّ، فَقَالَ أَسَجْعٌ كَسَجْعِ الْأَعْرَابِ، وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ هَذَا مِنْ إخْوَانِ الْكُهَّانِ» مِنْ أَجْلِ سَجْعِهِ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ مَا رَوَيَاهُ غَيْرُ صَحِيحٍ وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ حَمَلُ بْنُ مَالِكٍ عَلَى زَعْمِهِمْ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا «قَالَ حَمَلُ بْنُ مَالِكٍ كُنْت بَيْنَ بِنْتَيْ امْرَأَتِي فَضَرَبَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى بِمِسْطَحٍ فَقَتَلَتْهَا وَجَنِينَهَا فَقَضَى رَسُولُ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي جَنِينِهَا بِغُرَّةٍ وَأَنْ تُقْتَلَ بِهِ» هَكَذَا رَوَوْهُ، وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «اقْتَتَلَتْ امْرَأَتَانِ مِنْ هُذَيْلٍ فَضَرَبَتْ أَحَدُهُمَا الْأُخْرَى بِحَجَرٍ فَقَتَلَتْهَا وَمَا فِي بَطْنِهَا فَاخْتَصَمُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَضَى أَنَّ دِيَةَ جَنِينِهَا عَبْدٌ وَقَضَى بِدِيَةِ الْمَرْأَةِ عَلَى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 332 عَاقِلَتِهَا وَوَرِثَهَا وَلَدُهَا، فَقَالَ حَمَلُ بْنُ مَالِكِ بْنِ النَّابِغَةِ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغْرَمُ مَنْ لَا شَرِبَ وَلَا أَكَلَ وَلَا نَطَقَ وَلَا اسْتَهَلَّ وَمِثْلُ ذَلِكَ يُطَلُّ، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - هَذَا مِنْ إخْوَانِ الْكُهَّانِ» ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ حَمَلِ بْنِ مَالِكٍ فَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يُتَصَوَّرَ عَنْهُ خِلَافُ ذَلِكَ. ثُمَّ لَا فَرْقَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بَيْنَ أَنْ يَمُوتَ بِضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ وَبَيْنَ أَنْ يُوَالِيَ عَلَيْهِ ضَرَبَاتٍ حَتَّى مَاتَ كُلُّ ذَلِكَ شِبْهُ عَمْدٍ لَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ وَاخْتَلَفُوا عَلَى قَوْلِهِمَا فِي الْمُوَالَاةِ، وَقَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَصِيرُ عَمْدًا بِهَا فَوَجَبَ الْقِصَاصُ، وَلَوْ أَلْقَاهُ مِنْ جَبَلٍ أَوْ سَطْحٍ أَوْ غَرَّقَهُ فِي الْمَاءِ أَوْ خَنَقَهُ حَتَّى مَاتَ كَانَ ذَلِكَ شِبْهَ عَمْدٍ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا عَمْدٌ وَإِنَّمَا كَانَ إثْمًا فِي شِبْهِ الْعَمْدِ؛ لِأَنَّهُ ارْتَكَبَ مُحَرَّمًا فِي دِينِهِ قَاصِدًا لَهُ وَإِنَّمَا وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ خَطَأٌ مِنْ وَجْهٍ فَيَدْخُلُ تَحْتَ النَّصِّ عَلَى الْخَطَإِ أَقُولُ: الْمُتَبَادِرُ مِنْ قَوْلِهِ لِدُخُولِهِ تَحْتَ الْخَطَإِ أَنَّ هَذِهِ الْكَفَّارَةَ إنَّمَا وَجَبَتْ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ بِاعْتِبَارِ الدُّخُولِ، فَإِنْ قُلْتُ: يُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ تَعَيُّنَ الْكَفَّارَةِ لِدَفْعِ الذَّنْبِ الْأَدْنَى بِالشَّرْعِ لَا تَعَيُّنُهَا كَمَا قَالُوا فِي الْعَمْدِ إذْ لَا شَكَّ أَنَّ شِبْهَ الْعَمْدِ أَعْلَى ذَنْبًا مِنْ الْخَطَإِ الْمَحْضِ، فَإِنَّ الْجَانِيَ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ قَدْ قَصَدَ الضَّرْبَ وَفِي الْخَطَإِ لَمْ يَقْصِدْ الضَّرْبَ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ ذَنْبَ شِبْهِ الْعَمْدِ دَائِرٌ بَيْنَ الْأَدْنَى وَالْأَعْلَى فَإِلْحَاقُهُ بِالْأَدْنَى أَوْلَى طَلَبًا لِلتَّخْفِيفِ فَلِذَا وَجَبَتْ فِيهِ الْكَفَّارَةُ، وَذَكَرَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ أَنَّ صَاحِبَ الْإِيضَاحِ قَالَ فِي الْإِيضَاحِ وَجَدْت فِي كُتُبِ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْكَفَّارَةَ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ لَا تَجِبُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، فَإِنَّ الْإِثْمَ كَامِلٌ وَتَنَاهِيَهُ يَمْنَعُ شَرْعَ الْكَفَّارَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ التَّخْفِيفِ وَجَوَابُهُ عَلَى الظَّاهِرِ أَنْ يَقُولَ إنَّهُ إثْمُ الضَّرْبِ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَهُ لَا إثْمُ الْقَتْلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَدِّقْهُ، وَهَذِهِ الْكَفَّارَةُ تَجِبُ بِالْقَتْلِ وَهُوَ فِيهِ مُخْطِئٌ وَلَا تَجِبُ بِالضَّرْبِ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَا تَجِبُ بِالضَّرْبِ بِدُونِ الْقَتْلِ وَبِعَكْسِهِ تَجِبُ فَكَذَا عِنْدَ اجْتِمَاعِهِمَا يُضَافُ الْوُجُوبُ إلَى الْقَتْلِ دُونَ الضَّرْبِ. وَأَمَّا وُجُوبُ الدِّيَةِ فَلِمَا رَوَيْنَا وَإِنَّمَا وَجَبَتْ عَلَى الْعَاقِلَةِ؛ لِأَنَّهُ خَطَأٌ مِنْ وَجْهٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَيَكُونُ مَعْذُورًا فَيَتَحَقَّقُ التَّخْفِيفُ كَذَلِكَ وَلِأَنَّهَا تَجِبُ بِنَفْسِ الْقَتْلِ فَتَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ كَمَا فِي الْخَطَإِ وَلِهَذَا أَوْجَبَهَا عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي ثَلَاثِ سِنِينَ وَيَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْقَتْلِ حِرْمَانُ الْمِيرَاثِ كَالْخَطَإِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ جَزَاءُ الْقَتْلِ وَهُوَ أَوْلَى بِالْمُجَازَاةِ لِوُجُودِ الْقَصْدِ مِنْهُ إلَى الْفِعْلِ فَحَاصِلُهُ أَنَّهُ كَالْخَطَإِ إلَّا فِي حَقِّ الْإِثْمِ وَصِفَةِ التَّغْلِيظِ فِي الدِّيَةِ عَلَى مَا تَبَيَّنَ مِنْ بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْخَطَأُ وَهُوَ أَنْ يَرْمِيَ شَخْصًا ظَنَّهُ صَيْدًا أَوْ حَرْبِيًّا، فَإِذَا هُوَ مُسْلِمٌ أَوْ عَرَضًا فَأَصَابَ آدَمِيًّا وَمَا جَرَى بِمَجْرَاهُ كَالنَّائِمِ إذَا انْقَلَبَ عَلَى رَجُلٍ فَقَتَلَهُ الْكَفَّارَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ) قَوْلُهُ وَهُوَ أَنْ يَرْمِيَ شَخْصًا إلَى آخِرِهِ تَفْسِيرٌ لِنَفْسِ الْخَطَإِ، فَإِنَّهُ عَلَى نَوْعَيْنِ خَطَأٌ فِي الْقَصْدِ وَخَطَأٌ فِي الْفِعْلِ، وَقَدْ بَيَّنَ النَّوْعَيْنِ بِقَوْلِهِ وَهُوَ أَنْ يَرْمِيَ شَخْصًا ظَنَّهُ صَيْدًا أَوْ حَرْبِيًّا، فَإِذَا هُوَ مُسْلِمٌ تَفْسِيرٌ لِلْخَطَإِ فِي الْقَصْدِ لَا فِي الْفِعْلِ حَيْثُ أَصَابَ مَا رَمَى وَإِنَّمَا أَخْطَأَ فِي الْقَصْدِ أَيْ الظَّنِّ حَيْثُ ظَنَّ الْمُسْلِمَ حَرْبِيًّا وَلَا الْآدَمِيَّ صَيْدًا. وَقَوْلُهُ أَوْ عَرَضًا فَأَصَابَ آدَمِيًّا هَذَا بَيَانٌ لِلْخَطَإِ فِي الْفِعْلِ دُونَ الْقَصْدِ فَيَكُونُ مَعْذُورًا أَقُولُ: فِي عِبَارَةِ الشَّارِحِ وَالْمُصَنِّفِ هُنَا تَسَامَحَ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي تَفْسِيرِ الْخَطَإِ فِي الْقَصْدِ وَهُوَ أَنْ يَرْمِيَ شَخْصًا يَظُنُّهُ صَيْدًا إلَى آخِرِهِ. وَقَالَ فِي تَفْسِيرِ الْخَطَإِ فِي الْفِعْلِ وَهُوَ أَنْ يَرْمِيَ عَرَضًا فَيُصِيبَ آدَمِيًّا وَلَا يَخْفَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ نَوْعَيْ الْخَطَإِ غَيْرُ مُنْحَصِرٍ فِيمَا ذَكَرَهُ فِي تَفْسِيرِهِ بَلْ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي تَفْسِيرِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جُزْءٌ مِنْ جُزْئِيَّاتِهِ فَكَانَ أَخَصَّ مِنْهُ جِدًّا فَلَمْ يَصْلُحْ؛ لَأَنْ يَكُونَ تَفْسِيرًا لَهُ فَكَانَ الظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَهُوَ نَحْوُ أَنْ يَرْمِيَ إشَارَةً إلَى الْعُمُومِ كَمَا تَدَارَكَهُ صَاحِبُ الْوِقَايَةِ حَيْثُ قَالَ: وَفِي الْخَطَإِ قَصْدًا كَرَمْيِهِ مُسْلِمًا ظَنَّهُ صَيْدًا أَوْ حَرْبِيًّا فِعْلًا كَرَمْيِهِ عَرَضًا فَأَصَابَ آدَمِيًّا اهـ. ثُمَّ إنَّ صَدْرَ الشَّرِيعَةِ قَالَ فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ الْخَطَأُ ضَرْبَانِ خَطَأٌ فِي الْقَصْدِ وَخَطَأٌ فِي الْفِعْلِ فَالْخَطَأُ الَّذِي فِي الْفِعْلِ أَنْ يَقْصِدَ فِعْلًا فَيَصْدُرُ مِنْهُ فِعْلٌ آخَرُ كَمَا إذَا رَمَى الْغَرَضَ فَأَخْطَأَ فَأَصَابَ غَيْرَهُ هَذَا هُوَ الْخَطَأُ فِي الْفِعْلِ وَأَمَّا الْخَطَأُ فِي الْقَصْدِ هُوَ أَنْ لَا يَكُونَ الْخَطَأُ فِي الْفِعْلِ وَإِنَّمَا يَكُونُ الْخَطَأُ فِي قَصْدِهِ، فَإِنْ قَصَدَ بِهَذَا الْفِعْلَ حَرْبِيًّا لَكِنْ أَخْطَأَ فِي ذَلِكَ الْقَصْدِ وَهُوَ الْغَرَضُ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ قَصَدَهُ اهـ. وَرَدَّ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْإِصْلَاحِ وَالْإِيضَاحِ حَيْثُ قَالَ الْخَطَأُ فِي الْفِعْلِ أَنْ لَا يَصْدُرَ عَنْهُ الْفِعْلُ الَّذِي قَصَدَهُ بَلْ فِعْلٌ آخَرُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّهُ إذَا رَمَى عَرَضًا فَأَصَابَهُ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ أَوْ تَجَاوَزَ عَنْهُ إلَى مَا وَرَاءَهُ فَأَصَابَ رَجُلًا يَتَحَقَّقُ الْخَطَأُ فِي الْفِعْلِ وَالشَّرْطُ الْمَذْكُورُ هَاهُنَا مَفْقُودٌ فِي الصُّورَتَيْنِ، ثُمَّ إنْ أَخْطَأَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ حَيْثُ اُعْتُبِرَ الْقَصْدُ فِيهِ وَذَلِكَ غَيْرُ لَازِمٍ، فَإِذَا سَقَطَ مِنْ يَدِهِ خَشَبَةٌ أَوْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 333 لَبِنَةٌ فَقَتَلَ رَجُلًا يَتَحَقَّقُ الْخَطَأُ فِي الْفِعْلِ وَلَا قَصْدَ فِيهِ اهـ. وَقَوْلُ الْمُؤَلِّفِ عَرَضًا هَذَا مَعْطُوفٌ عَلَى قَيَّدَ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ الرَّمْيَ مُعْتَبَرٌ فِي الْخَطَإِ فِي الْفِعْلِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَوْ سَقَطَ مِنْهُ خَشَبَةٌ أَوْ لَبِنَةٌ فَقَتَلَ رَجُلًا هَذَا خَطَأٌ فِي الْفِعْلِ وَلَا رَمْيَ. وَقَوْلُهُ كَنَائِمٍ انْقَلَبَ عَلَى رَجُلٍ تَفْسِيرٌ لِمَا جَرَى مَجْرَى الْخَطَإِ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِخَطَإٍ حَقِيقَةً وَلَمَّا وُجِدَ فِعْلُهُ حَقِيقَةً وَجَبَ عَلَيْهِ مَا أَتْلَفَهُ كَفِعْلِ الطِّفْلِ فَجَعَلَهُ كَالْخَطَإِ؛ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ كَالْمُخْطِئِ وَإِنَّمَا كَانَ حُكْمُ الْمُخْطِئِ مَا ذَكَرَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92] ، وَقَدْ قَضَى بِهِ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي ثَلَاثِ سِنِينَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَصَارَ إجْمَاعًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْقَتْلُ بِسَبَبٍ كَحَافِرِ الْبِئْرِ وَوَاضِعِ الْحَجَرِ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ لَا الْكَفَّارَةُ) أَيْ مُوجِبُ الْقَتْلِ بِسَبَبِ الدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ لَا الْكَفَّارَةُ أَمَّا وُجُوبُ الدِّيَةِ فَلِأَنَّهُ سَبَبُ التَّلَفِ وَهُوَ مُتَعَدٍّ فِيهِ بِالْحَفْرِ فَجُعِلَ كَالدَّافِعِ الْمُلْقِي فِيهِ فَتَجِبُ فِيهِ الدِّيَةُ صِيَانَةً لِلْأَنْفُسِ فَتَكُونُ عَلَى الْعَاقِلَةِ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ بِهَذَا الطَّرِيقِ دُونَ الْقَتْلِ بِالْخَطَإِ فَيَكُونُ مَعْذُورًا فَتَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ تَخْفِيفًا عَنْهُ كَمَا فِي الْخَطَإِ بَلْ أَوْلَى لِعَدَمِ الْقَتْلِ مِنْهُ مُبَاشَرَةً وَلِهَذَا لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ فِيهِ، وَفِي الْأَصْلِ لَوْ كَانَ عَلَى دَابَّةٍ فَوَطِئَ دَابَّتَهُ إنْسَانٌ فَقَتَلَهُ، وَفِي الْيَنَابِيعِ أَوْ سَقَطَ مِنْ سَطْحٍ عَلَى إنْسَانٍ فَقَتَلَهُ هَذَا كُلُّهُ قَتْلُ خَطَإٍ وَمُبَاشَرَةٍ، وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَالْكَفَّارَةُ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فِي حَقِّ الْقَادِرِ وَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ فِي حَقِّ غَيْرِ الْقَادِرِ، وَلَوْ أَفْطَرَ يَوْمًا يَجِبُ الِاسْتِئْنَافُ وَلَا يَجُوزُ إلَّا بِنِيَّةٍ مِنْ اللَّيْلِ وَلَا إطْعَامَ فِيهِ فَتُعْتَبَرُ الْقُدْرَةُ وَقْتَ الْأَدَاءِ لَا وَقْتَ الْوُجُوبِ اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْكُلُّ يُوجِبُ حِرْمَانَ الْإِرْثِ إلَّا هَذَا) أَيْ كُلُّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْقَتْلِ الَّتِي تَقَدَّمَ مِنْ عَمْدٍ وَشِبْهِهِ وَخَطَإٍ وَمَا أُجْرِيَ مَجْرَاهُ يُوجِبُ حِرْمَانَ الْإِرْثِ إلَّا الْقَتْلَ بِسَبَبٍ، فَإِنَّهُ لَا يُوجِبُ ذَلِكَ كَمَا لَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ هُوَ مُلْحَقٌ بِالْخَطَإِ فِي أَحْكَامِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَشِبْهُ الْعَمْدِ فِي النَّفْسِ عَمْدٌ فِيمَا سِوَاهَا) ؛ لِأَنَّ إتْلَافَ مَا دُونَ النَّفْس لَا يَخْتَصُّ بِآلَةٍ دُونَ آلَةٍ فَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ شِبْهُ الْعَمْدِ بِخِلَافِ النَّفْسِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَاَلَّذِي يَدُلُّك عَلَى هَذَا مَا رُوِيَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ «أَنَّ عَمَّةَ الرُّبَيِّعِ لَطَمَتْ جَارِيَةً فَكَسَرَتْ ثَنِيَّتَهَا فَطَلَبُوا إلَيْهِمْ الْعَفْوَ فَأَبَوْا وَالْأَرْشَ فَأَبَوْا إلَّا الْقِصَاصَ وَاخْتَصَمُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْقِصَاصِ، فَقَالَ أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ أَتُكْسَرُ ثَنِيَّةُ الرُّبَيِّعِ وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ نَبِيًّا لَا تُكْسَرُ ثَنِيَّتُهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَا أَنَسُ كِتَابُ اللَّهِ الْقِصَاصُ فَرَضِيَ الْقَوْمُ فَعَفَوْا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ» ، وَوَجْهُ دَلَالَتِهِ عَلَى مَا نَحْنُ فِيهِ أَنَّنَا عَلِمْنَا أَنَّ اللَّطْمَةَ لَوْ أَتَتْ عَلَى النَّفْسِ لَا تُوجِبُ الْقِصَاصَ وَرَأَيْنَاهَا فِيمَا دُونَ النَّفْسِ قَدْ أَوْجَبَتْهُ بِحُكْمِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ النَّفْسِ شِبْهَ عَمْدٍ فَهُوَ عَمْدٌ فِيمَا دُونَهَا وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ شِبْهَ عَمْدٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ مَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ وَمَا لَا يُوجِبُهُ] لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَنْوَاعِ الْقَتْلِ شَرَعَ فِي تَفْصِيلِ مَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ مِنْ الْقَتْلِ وَمَا لَا يُوجِبُهُ فِي بَابٍ عَلَى حِدَةٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (يَجِبُ الْقِصَاصُ بِقَتْلِ كُلِّ مَحْقُونِ الدَّمِ عَلَى التَّأْبِيدِ عَمْدًا) لِمَا بَيَّنَّا وَشَرَطَ أَنْ يَكُونَ الْمَقْتُولُ مَحْقُونَ الدَّمِ عَلَى التَّأْبِيدِ لِيَدْفَعَ شُبْهَةَ الْإِبَاحَةِ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ نِهَايَةٌ فِي الْعُقُوبَةِ، فَيَسْتَدْعِي الْكَمَالَ فِي الْجِنَايَةِ، فَلَا يَجِبُ مَعَ الشُّبْهَةِ وَاحْتَرَزَ بِذَلِكَ عَنْ الْمُسْتَأْمَنِ، فَإِنَّهُ غَيْرُ مَحْقُونِ الدَّمِ عَلَى التَّأْبِيدِ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَفِيهِ الْبَحْثُ مِنْ أَوْجُهٍ الْأَوَّلُ أَنَّ الْعَفْوَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ وَذَلِكَ يُنَافِي وَصْفَ الْقِصَاصِ بِالْوُجُوبِ الثَّانِي أَنَّ حَقْنَ الدَّمِ عَلَى التَّأْبِيدِ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ؛ لِأَنَّ غَايَةَ مَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ لِلْمُسْلِمِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، وَهُوَ يَزُولُ بِالِارْتِدَادِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى الثَّالِثُ أَنَّهُ مَنْقُوضٌ بِمُسْلِمٍ قَتَلَ ابْنَهُ الْمُسْلِمَ، فَإِنَّهَا مَوْجُودَةٌ فِيهِ، وَلَا قِصَاصَ الرَّابِعُ أَنَّ قَيْدَ التَّأْبِيدِ لِثُبُوتِ الْمُسَاوَاةِ، وَإِذَا قَتَلَ الْمُسْتَأْمَنُ مُسْلِمًا وَجَبَ الْقِصَاصُ وَلَا مُسَاوَاةَ وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوُجُودِ ثُبُوتُ الِاسْتِيفَاءِ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَفْوِ وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَقْنِ عَلَى التَّأْبِيدِ مَا هُوَ بِحَسَبِ الْأَصْلِ وَالِارْتِدَادُ عَارِضٌ لَا يُعْتَبَرُ وَرُجُوعُ الْحَرْبِيِّ أَصْلٌ لَا عَارِضٌ وَعَنْ الثَّالِثِ بِأَنَّ الْقِصَاصَ ثَابِتٌ لَكِنَّهُ انْقَلَبَ لِشُبْهَةِ الْأُبُوَّةِ وَعَنْ الرَّابِعِ بِأَنَّ التَّفَاوُتَ إلَى نُقْصَانٍ غَيْرُ مَانِعٍ عَنْ الِاسْتِيفَاءِ بِخِلَافِ الْعَكْسِ وَفِي الْكَافِي الْقِصَاصُ وَاجِبٌ بِقَتْلِ كُلِّ مَحْقُونِ الدَّمِ عَلَى التَّأْبِيدِ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا شُبْهَةُ الْمِلْكِ وَلَا شُبْهَةُ الْحُرِّيَّةِ يَعْنِي بِهِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 334 لَيْسَ الْمَقْتُولُ بِوَلَدِهِ وَلَا هُوَ عَبْدُهُ وَلَا لَهُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الرِّقِّ وَيُقْتَلُ، فَإِنْ كَانَ الْقَاتِلُ سَلِيمًا وَالْمَقْتُولُ بِهِ مُغْمًى عَلَيْهِ أَوْ مُبَرْسَمًا أَوْ مَقْطُوعًا أَوْ أَعْمَى أَوْ مَقْطُوعَ الْجَوَارِحِ أَوْ أَشَلَّ الْجَوَارِحِ أَوْ كَانَ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا، فَإِنَّهُ يُقْتَلُ بِهِ وَفِي الْعُيُونِ ضَرَبَ رَجُلًا بِسَيْفٍ فِي غِمْدِهِ فَخَرَقَ السَّيْفُ الْغِمْدَ وَقَتَلَهُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: إنْ كَانَ الْغِمْدُ لَوْ ضَرَبَ بِهِ وَحْدَهُ قَتَلَ قُتِلَ بِهِ وَفِي الْكُبْرَى وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: إذَا حَمِيَ التَّنُّورُ فَأَلْقَى فِيهَا إنْسَانًا أَوْ أَلْقَاهُ فِيمَا لَا يَسْتَطِيعُ الْخُرُوجَ مِنْهُ فَأَحْرَقَتْهُ النَّارُ يَجِبُ الْقِصَاصُ فَوَضْعُ الْمَسْأَلَةِ يَصِيرُ إلَى أَنَّ الْإِحْمَاءَ يَكْفِي، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ نَارٌ قَالَ الْبَقَّالِيُّ فِي فَتَاوِيهِ: هُوَ الصَّحِيحُ وَفِي الْبَقَّالِيِّ إذَا أَلْقَاهُ فِي النَّارِ ثُمَّ أَخْرَجَهُ وَبِهِ رَمَقٌ فَبَقِيَ أَيَّامًا مَرِيضًا مِنْ ذَلِكَ حَتَّى مَاتَ قُتِلَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ يَجِيءُ وَيَذْهَبُ وَفِي الْخَانِيَّةِ فَمَكَثَ أَيَّامًا لَمْ يَزَلْ صَاحِبَ فِرَاشٍ، وَإِنْ كَانَ يَجِيءُ وَيَذْهَبُ فَلَا وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَيْضًا وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ دِيَاتِ الْأَصْلِ إنْ غَرَّقَ إنْسَانًا بِالْمَاءِ إنْ كَانَ الْمَاءُ قَلِيلًا لَا يُقْبَلُ مِنْهُ غَالِبًا وَيُرْجَى مِنْهُ النَّجَاةُ فِي الْغَالِبِ فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ خَطَأُ الْعَمْدِ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا فَأَمَّا إذَا كَانَ الْمَاءُ عَظِيمًا إنْ كَانَ بِحَيْثُ يُمْكِنُهُ النَّجَاةُ مِنْهُ بِالسِّبَاحَةِ بِأَنْ كَانَ غَيْرَ مَشْدُودٍ وَلَا مُثْقَلٍ، وَهُوَ يُحْسِنُ السِّبَاحَةَ فَمَاتَ، فَإِنَّهُ يَكُونُ خَطَأَ الْعَمْدِ، وَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ النَّجَاةُ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ هُوَ خَطَأُ الْعَمْدِ فَلَا قِصَاصَ وَعَلَى قَوْلِهِمَا هُوَ عَمْدٌ مَحْضٌ وَيَجِبُ الْقِصَاصُ وَفِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ أَلْقَاهُ فِي الْمَاءِ فَغَرِقَ مِنْ سَاعَتِهِ لَا قِصَاصَ فِيهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي قَوْلِ صَاحِبَيْهِ يَجِبُ الْقِصَاصُ. وَفِي الْمُنْتَقَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَمَى رَجُلًا مِنْ سَفِينَةٍ فِي بَحْرٍ أَوْ فِي دِجْلَةَ أَوْ غَرِقَ كَمَا وَقَعَ فَعَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ، وَإِنْ كَانَ حِينَ أَلْقَاهُ سَبَحَ سَاعَةً ثُمَّ غَرِقَ فَلَا دِيَةَ فِيهِ وَلَوْ أَلْقَاهُ مِنْ سَطْحٍ أَوْ جَبَلٍ أَوْ أَلْقَاهُ فِي بِئْرٍ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ هَذَا خَطَأُ الْعَمْدِ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا إنْ كَانَ مَوْضِعًا يُرْجَى مِنْهُ النَّجَاةُ غَالِبًا فَهُوَ خَطَأٌ، وَإِنْ كَانَ لَا تُرْجَى مِنْهُ النَّجَاةُ غَالِبًا فَهُوَ عَمْدٌ مَحْضٌ يَجِبُ الْقِصَاصُ بِهِ عِنْدَهُمَا وَفِي الْخُلَاصَةِ لَوْ جَرَحَ رَجُلًا جِرَاحَةً لَا يُتَوَهَّمُ مَعَهَا النَّجَاةُ وَجَرَحَ آخَرَ جِرَاحَةً أُخْرَى فَالْقَاتِلُ هُوَ الَّذِي جَرَحَهُ جِرَاحَةً لَا يُتَوَهَّمُ مَعَهَا النَّجَاةُ هَذَا إذَا كَانَتْ الْجِرَاحَتَانِ مُتَعَاقِبَتَيْنِ، فَإِنْ كَانَتَا مَعًا وَكِلَاهُمَا قَاتِلَةٌ يُقْتَلَانِ بِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ جَرَحَ رَجُلًا جِرَاحَةً لَا يُتَوَهَّمُ مَعَهَا النَّجَاةُ هَذَا إذَا كَانَتْ الْجِرَاحَتَانِ مُتَعَاقِبَتَيْنِ، فَإِنْ كَانَتَا مَعًا وَكِلَاهُمَا قَاتِلَةٌ يُقْتَلَانِ بِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ جَرَحَ رَجُلًا جِرَاحَتَيْنِ وَالْآخَرَ جِرَاحَةً وَاحِدَةً كُلًّا مِنْهَا قَاتِلَةٌ وَإِذَا جَرَحَ رَجُلًا حَتَّى مَاتَ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ إنْ اعْتَادَ ذَلِكَ، فَالْإِمَامُ يَقْتُلُهُ حَدًّا، وَهُوَ نَظِيرُ السَّاحِرِ إذَا تَابَ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا إنْ دَامَ عَلَى الْخَنْقِ حَتَّى مَاتَ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ كَمَا لَوْ قَتَلَهُ بِحَجَرٍ عَظِيمٍ أَوْ خَشَبَةٍ عَظِيمَةٍ، وَإِنْ كَانَ تَرَكَ الْخَنْقَ قَبْلَ الْمَوْتِ ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يَنْظُرُ إنْ دَامَ عَلَى الْخَنْقِ مِقْدَارًا لَا يَمُوتُ الْإِنْسَانُ مِنْهُ غَالِبًا فَلَا قِصَاصَ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَوْ قَمَطَ رَجُلًا ثُمَّ أَغَلَى لَهُ مَاءً فِي قِدْرٍ يُثْخِنُهُ حَتَّى صَارَ كَأَنَّهُ نَارًا وَأَلْقَاهُ فِي الْمَاءِ فَسُلِخَ فَمَاتَ قُتِلَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ حَارًّا لَا يَغْلِي غَلْيًا شَدِيدًا فَأَلْقَاهُ فِيهِ ثُمَّ مَكَثَ سَاعَةً ثُمَّ مَاتَ وَقَدْ سَقَطَ جِلْدُهُ قُتِلَ بِهِ وَإِلَّا فَلَا، وَإِنْ هُوَ أُخْرِجَ مِنْ الْقِدْرِ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ وَقَدْ انْسَلَخَ فَمَاتَ مِنْ سَاعَتِهِ أَوْ يَوْمِهِ أَوْ مَكَثَ أَيَّامًا يُخَافُ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ قُتِلَ بِهِ، وَإِنْ عَاشَ حَتَّى يَجِيءَ وَيَذْهَبَ وَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يُقْتَلْ وَعَلَيْهِ الدِّيَةُ، وَهَذَا قِيَاسُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَوْ أَلْقَاهُ فِي مَاءِ بَارِدٍ فِي يَوْمٍ شَاتٍ فَمَاتَ سَاعَةَ أَلْقَاهُ فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَخَذَهُ فَجَعَلَهُ فِي سَطْحٍ فِي يَوْمٍ شَدِيدِ الْبَرْدِ فَلَمْ يَزَلْ حَتَّى مَاتَ مِنْ الْبَرْدِ وَكَذَلِكَ لَوْ قَطَّهُ فَجَعَلَهُ فِي الثَّلْجِ، وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا قَمَطَ رَجُلًا أَوْ صَبِيًّا ثُمَّ وَضَعَهُ فِي الشَّمْسِ فَلَمْ يَخْلُصْ حَتَّى مَاتَ مِنْ حَرِّ الشَّمْسِ فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ، وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَدْخَلَ رَجُلًا فِي بَيْتٍ وَأَدْخَلَ مَعَهُ سَبُعًا وَأَغْلَقَ عَلَيْهِ الْبَابَ وَأَخَذَ الرَّجُلَ السَّبُعُ فَقَتَلَهُ لَمْ يُقْتَلْ بِهِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَكَذَا لَوْ نَهَشَتْهُ حَيَّةٌ أَوْ لَسَعَتْهُ عَقْرَبٌ وَكَذَا لَوْ قَمَطَ صَبِيًّا فَأَلْقَاهُ فِي الشَّمْسِ أَوْ فِي يَوْمٍ بَارِدٍ حَتَّى مَاتَ عَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ، وَلَوْ ضَرَبَ إنْسَانًا ضَرْبَةً لَا أَثَرَ لَهَا فِي نَفْسٍ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا نَصُّ الْإِمَامِ السَّرَخْسِيِّ. وَفِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ رَجُلٌ صَاحَ بِآخَرَ فَجَاءَهُ فَمَاتَ مِنْ صَيْحَتِهِ تَجِبُ فِيهِ الدِّيَةُ، وَلَوْ سَلَخَ جِلْدَ وَجْهِهِ فَفِيهِ الدِّيَةُ وَإِذَا سَقَى رَجُلًا سُمًّا فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ إمَّا أَنْ يَكُونَ أَوْجَرَهُ عَلَى كُرْهٍ أَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى شُرْبِهِ حَتَّى شَرِبَ أَوْ نَاوَلَهُ وَشَرِبَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُكْرِهَهُ عَلَيْهِ، فَإِنْ أَوْجَرَهُ إيجَارًا أَوْ نَاوَلَهُ وَأَكْرَهَهُ عَلَى شُرْبِهِ حَتَّى شَرِبَ فَلَا قِصَاصَ وَعَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ وَفِي الذَّخِيرَةِ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْأَصْلِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ وَلَمْ يُفَصِّلْ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ مُقَدَّرًا يَقْتُلُ مِثْلُهُ غَالِبًا أَوْ لَا يَقْتُلُ، وَهَذَا الْجَوَابُ لَا يُشْكِلُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ حَصَلَ بِحَالٍ لَا يَخْرُجُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 335 لَا مِنْ حَيْثُ الْحَقِيقَةُ وَلَا مِنْ حَيْثُ الِاعْتِبَارُ فَكَانَ خَطَأَ الْعَمْدِ عَلَى مَذْهَبِهِ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ قَالَ الْجَوَابُ عِنْدَهُمَا عَلَى التَّفْصِيلِ إنْ كَانَ مَا أَوْجَرَهُ مِنْ السُّمِّ مِقْدَارَ مَا يَقْتُلُ مِثْلَهُ غَالِبًا كَانَ عَمْدًا مَحْضًا، وَإِنْ كَانَ قَدْرًا لَا يَقْتُلُ مِثْلَهُ غَالِبًا، فَإِنَّهُ يَكُونُ خَطَأَ الْعَمْدِ وَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ قَالَ بِأَنَّهُ عَلَى قَوْلِهِمْ جَمِيعًا يَكُونُ خَطَأَ الْعَمْدِ سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يَقْتُلُ مِثْلَهُ غَالِبًا أَوْ لَا يَقْتُلُ، وَكَانَ كَمَنْ أَوْجَرَ رَجُلًا سَقَمُونْيَا لَا تَحْتَمِلُهُ النُّفُوسُ فَمَاتَ لَا يَكُونُ عَمْدًا مَحْضًا وَإِذَا تَنَاوَلَهُ فَشَرِبَ مِنْ غَيْرِ إكْرَاهٍ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ قِصَاصٌ وَلَا دِيَةٌ سَوَاءٌ عَلِمَ الشَّارِبُ بِكَوْنِهِ سُمًّا أَوْ لَمْ يَعْلَمْ وَفِي الْخَانِيَّةِ لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ وَلَا دِيَةَ؛ لِأَنَّهُ شَرِبَ بِاخْتِيَارِهِ إلَّا أَنَّ الدَّافِعَ خَدَعَهُ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا التَّعْزِيرُ وَالِاسْتِغْفَارُ. وَمَنْ دَفَعَ سِكِّينًا إلَى رَجُلٍ فَقَتَلَ بِهِ نَفْسَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَى الدَّافِعِ شَيْءٌ وَفِي فَتَاوَى الْخُلَاصَةِ أَدْخَلَ نَائِمًا أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ أَوْ صَبِيًّا فِي بَيْتِهِ فَسَقَطَ عَلَيْهِ الْبَيْتُ ضَمِنَ فِي الصَّبِيِّ وَالْمَعْتُوهِ دُونَ النَّائِمِ، وَإِنْ أَدْخَلَ إنْسَانًا فِي بَيْتٍ حَتَّى مَاتَ جُوعًا أَوْ عَطَشًا لَا يَضْمَنُ شَيْئًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا تَجِبُ الدِّيَةُ وَفِي الْكُبْرَى إذَا طَيَّنَ عَلَى آخَرَ بَيْتًا حَتَّى مَاتَ جُوعًا أَوْ عَطَشًا لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا عَلَيْهِ الدِّيَةُ وَفِي الْخَانِيَّةِ قَالَ مُحَمَّدٌ يُعَاقَبُ الرَّجُلُ وَعَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَخَذَ رَجُلًا فَقَيَّدَهُ وَحَبَسَهُ حَتَّى مَاتَ جُوعًا قَالَ مُحَمَّدٌ أُوجِعُهُ عُقُوبَةً وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَفِي الْمُنْتَقَى سُئِلَ مُحَمَّدٌ عَنْ رَجُلٍ أَلْقَى رَجُلًا حَيًّا فِي قَبْرٍ وَمَاتَ قَالَ فِيهِ دِيَةٌ وَفِي الذَّخِيرَةِ يُقَادُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَهُ عَمْدًا وَفِي الْكُبْرَى، وَلَوْ أَلْقَاهُ حَيًّا فِي قَبْرٍ يُقْتَلُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَهُ عَمْدًا، وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَالْفَتْوَى أَنَّهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي الْمُجَرَّدِ رَوَى الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فُلَانٌ قَتَلَهُ بِحَدِيدَةٍ أَوْ قَالَ بِالسَّيْفِ ثُمَّ قَالَ إنَّمَا أَرَدْت غَيْرَهُ فَأَصَابَتْهُ دُرِئَ عَنْهُ الْقَتْلُ. وَفِي الْمُنْتَقَى إذَا قَالَ الرَّجُلُ قَتَلْنَا فُلَانًا بِأَسْيَافِنَا مُتَعَمِّدِينَ ثُمَّ قَالَ كَانَ مَعِي غَيْرِي لَمْ يُصَدَّقْ وَقُتِلَ بِهِ، وَلَوْ قَالَ قَتَلْت فُلَانًا مُتَعَمِّدًا بِحَدِيدَةٍ فَلَمَّا أُخِذَ بِذَلِكَ قَالَ كُنْت يَوْمَئِذٍ غُلَامًا لَمْ يُصَدَّقْ وَقُتِلَ بِهِ، وَلَوْ قَالَ ضَرَبْت فُلَانًا بِالسَّيْفِ مُتَعَمِّدًا ثُمَّ قَالَ لَا أَدْرِي مَاتَ مِنْهَا أَمْ لَا وَلَكِنَّهُ مَاتَ وَقَالَ الْوَلِيُّ مَاتَ مِنْ ضَرْبَتِك فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْقَاتِلِ وَعَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ وَفِي الْمُنْتَقَى إذَا قَطَعَ حُلْقُومَ الرَّجُلِ وَبَقِيَ شَيْءٌ قَلِيلٌ مِنْ الْحُلْقُومِ وَفِيهِ الرُّوحُ فَقَتَلَهُ رَجُلٌ آخَرُ فَلَا قَوَدَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ، هَذَا مَيِّتٌ، وَلَوْ مَاتَ ابْنُهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَهُوَ عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ وَرِثَهُ ابْنُهُ وَلَمْ يَرِثْ هُوَ مِنْ ابْنِهِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ رَجُلٌ نَائِمٌ، وَهُوَ صَحِيحُ الْبَدَنِ فَذَبَحَهُ إنْسَانٌ وَقَالَ ذَبَحْته، وَهُوَ مَيِّتٌ، فَإِنَّهُ يُقْتَلُ بِهِ قِيَاسًا وَفِي الِاسْتِحْسَانِ تَجِبُ الدِّيَةُ، وَلَوْ شَقَّ بَطْنَ رَجُلٍ وَخَرَّجَ أَمْعَاءَهُ كُلَّهَا وَسَقَطَتْ عَلَى الْأَرْضِ إلَّا أَنَّهُ صَحِيحٌ بَعْدُ فَقَتَلَهُ رَجُلٌ فَلَا قَوَدَ عَلَيْهِ وَفِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ عَدَا عَلَى رَجُلٍ فَشَقَّ بَطْنَهُ وَأَخْرَجَ أَمْعَاءَهُ ثُمَّ ضَرَبَ رَجُلٌ عُنُقَهُ بِالسَّيْفِ عَمْدًا فَالْقَاتِلُ هُوَ الَّذِي ضَرَبَ الْعُنُقَ عَمْدًا، وَإِنْ كَانَ خَطَأً تَجِبُ الدِّيَةُ وَعَلَى الَّذِي شَقَّ الْبَطْنَ ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَإِنْ كَانَ نَفَذَ إلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ يَجِبُ ثُلُثَا الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُمَا حَاشِيَتَانِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا ثُلُثُ الدِّيَةِ، هَذَا إذَا كَانَ مِمَّا يَعِيشُ بَعْدَ الشَّقِّ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ، فَإِنْ كَانَ الشَّقُّ بِحَالٍ لَا يُتَوَهَّمُ مَعَهُ وُجُودُ الْحَيَاةِ، وَلَمْ يَبْقَ مَعَهُ إلَّا اضْطِرَابُ الْمَوْتِ، فَالْقَاتِلُ هُوَ الَّذِي شَقَّ الْبَطْنَ فَيُقْتَصُّ فِي الْعَمْدِ وَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي الْخَطَأِ، وَلَوْ قَتَلَ رَجُلًا، وَهُوَ فِي النَّزْعِ فَقُتِلَ الْقَاتِلُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ وَسَيَأْتِي شَيْءٌ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ وَفِي فَصْلِ مُتَفَرِّقَاتِ الْإِسْبِيجَابِيِّ إذَا شَهِدَ الشُّهُودُ أَنَّهُ ضَرَبَهُ فَلَمْ يَزَلْ صَاحِبُ فِرَاشٍ حَتَّى مَاتَ، فَإِنْ كَانَ عَمْدًا فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ وَفِي الْجِنَايَةِ رَجُلٌ جَرَحَ رَجُلًا جِرَاحَةً وَآخَرَ جِرَاحَةً عَمْدًا ثُمَّ صَالَحَ الْمَجْرُوحُ أَحَدَهُمَا عَنْ الْجُرْحِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهُ عَلَى مَالٍ ثُمَّ مَاتَ مِنْهُمَا جَمِيعًا عَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ لِوَلِيِّهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَبِالْعَبْدِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: لَا يُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْعَبْدِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} [البقرة: 178] فَهَذَا يَقْتَضِي مُقَابَلَةَ الْجِنْسِ بِالْجِنْسِ وَمِنْ ضَرُورَةِ الْمُقَابَلَةِ أَنْ لَا يُقْتَلَ الْحُرُّ بِالْعَبْدِ؛ وَلِأَنَّ الْقِصَاصَ يَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ وَلَا مُسَاوَاةَ بَيْنَهُمَا إذْ الْحُرُّ مَالِكٌ وَالْعَبْدُ مَمْلُوكٌ وَالْمَالِكِيَّةُ أَمَارَةُ الْقُدْرَةِ وَالْمَمْلُوكِيَّةُ أَمَارَةُ الْعَجْزِ وَلَنَا الْعُمُومَاتُ نَحْوَ قَوْله تَعَالَى {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] وقَوْله تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: 178] وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْعَمْدُ قَوَدٌ» وَلَا يُعَارَضُ بِمَا تُلِيَ؛ لِأَنَّ فِيهِ مُقَابَلَةً مُقَيَّدَةً وَفِيمَا تَلَوْنَا مُقَابَلَةٌ مُطْلَقًا فَلَا يُحْمَلُ عَلَى الْمُقَيَّدِ عَلَى أَنَّ مُقَابَلَةَ الْحُرِّ بِالْحُرِّ لَا تُنَافِي الْحُرَّ بِالْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلَّا ذِكْرٌ لِبَعْضِ مَا شَمَلَهُ الْعُمُومُ عَلَى مُوَافَقَةِ حُكْمِهِ وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ تَخْصِيصَ مَا بَقِيَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَابَلَ الْأُنْثَى بِالْأُنْثَى دَلِيلٌ عَلَى جَرَيَانِ الْقِصَاصِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 336 بَيْنَ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ وَفَائِدَةُ هَذِهِ الْمُقَابَلَةِ فِي الْآيَةِ عَلَى مَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - كَانَتْ بَيْنَ بَنِي النَّضِيرِ وَبَنِي قُرَيْظَةَ مُقَابَلَةٌ وَكَانَ بَنُو قُرَيْظَةَ أَقَلَّ مِنْهُمْ عَدَدًا، وَكَانَ بَنُو النَّضِيرِ أَشْرَفَ عِنْدَهُمْ فَتَرَاضَوْا عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ مِنْ بَنِي النَّضِيرِ بِمُقَابَلَةِ الْحُرِّ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ وَالْأُنْثَى مِنْهُمْ بِمُقَابَلَةِ الذَّكَرِ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى الْآيَةَ رَدًّا عَلَيْهِمْ وَبَيَانًا عَلَى أَنَّ الْجِنْسَ يُقْتَلُ بِجِنْسِهِ عَلَى اخْتِلَافِ مُوَاضَعَتِهِمْ مِنْ الْقَبِيلَتَيْنِ جَمِيعًا فَكَانَتْ اللَّامُ لِتَعْرِيفِ الْعَهْدِ لَا لِتَعْرِيفِ الْجِنْسِ؛ وَلِأَنَّهُمَا مُسْتَوِيَانِ فِي الْعِصْمَةِ إذْ هِيَ بِالدَّيْنِ عِنْدَهُ وَبِالدَّارِ عِنْدَنَا، وَهِيَ الْمُعْتَبَرَةُ فَيَجْرِي الْقِصَاصُ بَيْنَهُمَا حَسْمًا لِمَادَّةِ الْفَسَادِ وَتَحْقِيقًا لِمَعْنَى الزَّجْرِ، وَلَوْ اُعْتُبِرَتْ الْمُسَاوَاةُ فِي غَيْرِ الْعِصْمَةِ فِي النَّفْسِ لَمَا جَرَى الْقِصَاصُ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَالْقِصَاصُ يَجِبُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ آدَمِيٌّ وَلَمْ يَدْخُلْ فِي الْمِلْكِ مِنْ، هَذَا الْوَجْهِ بَلْ هُوَ مَنْفِيٌّ عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ مِنْ، هَذَا الْوَجْهِ؛ وَلِهَذَا يُقْتَلُ الْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَكَذَا يُقْتَلُ الْعَبْدُ بِالْحُرِّ، وَلَوْ كَانَ مَالًا لَمَا قُتِلَ وَكَذَلِكَ عَجْزُهُ وَمَوْتُهُ وَبَقَاءُ أَثَرِ كُفْرِهِ حُكْمِيٌّ فَلَا يُؤَثِّرُ ذَلِكَ فِي سُقُوطِ الْعِصْمَةِ وَلَا يُؤَثِّرُ شُبْهَةً، وَلَوْ أَوْرَثَ شُبْهَةً لَمَا جَرَى الْقِصَاصُ بَيْنَ الْعَبِيدِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ وَوُجُوبُ الْقِصَاصِ فِي الْأَطْرَافِ يَعْتَمِدُ الْمُسَاوَاةَ فِي الْجُزْءِ الْمُبَانِ بَعْدَ الْمُسَاوَاةِ فِي الْعِصْمَةِ؛ وَلِهَذَا لَا تُقْطَعُ الصَّحِيحَةُ بِالشَّلَّاءِ وَفِي النَّفْسِ لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ حَتَّى يُقْتَلُ الصَّحِيحُ بِالزَّمِنِ وَالْمَفْلُوجِ وَلَا مُسَاوَاةَ بَيْنَ أَطْرَافِ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ إلَّا فِي الْعِصْمَةِ فَأَظْهِرَنَّ أَثَرَ الرِّقِّ فِيهَا دُونَ النَّفْسِ لِمَا أَنَّ الْعَبْدَ مِنْ حَيْثُ النَّفْسُ آدَمِيٌّ مُكَلَّفٌ خُلِقَ مَعْصُومًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمُسْلِمُ بِالذِّمِّيِّ) يَعْنِي يُقْتَلُ الْمُسْلِمُ بِالذِّمِّيِّ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يُقْتَلُ بِهِ لِمَا أَخْرَجَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ» الْحَدِيثَ وَلَنَا مَا تَلَوْنَا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَمَا رَوَيْنَا مِنْ السُّنَّةِ، فَإِنَّهُ بِإِطْلَاقِهِ يَتَنَاوَلُهُ وَقَدْ صَحَّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَلَمَةَ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُتِيَ بِرَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَدْ قَتَلَ مُعَاهِدًا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَأَمَرَ بِهِ فَضُرِبَ عُنُقُهُ فَقَالَ أَنَا أَوْلَى مَنْ وَافَى بِذِمَّتِهِ» وَالْقِصَاصُ يَعْتَمِدُ الْعِصْمَةَ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي الْعَبْدِ وَقَدْ وُجِدَتْ نَظَرًا إلَى الدَّارِ وَإِلَى التَّكْلِيفِ؛ وَلِأَنَّ شَرْطَ التَّكْلِيفِ الْقُدْرَةُ عَلَى مَا كُلِّفَ بِهِ وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إقَامَةِ مَا كُلِّفَ بِهِ إلَّا بِدَفْعِ أَسْبَابِ الْهَلَاكِ عَنْهُ وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ مُحَرَّمَ التَّعَرُّضِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْكُفْرَ مُبِيحٌ بِنَفْسِهِ بَلْ بِوَاسِطَةِ الْحِرَابِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ لَا يُقَاتِلُ مِنْهُمْ لَا يَحِلُّ قَتْلُهُ كَالشَّيْخِ الْفَانِي، وَقَدْ انْدَفَعَ الْحِرَابُ بِعَقْدِ الذِّمَّةِ فَكَانَ مَعْصُومًا بِلَا شُبْهَةٍ؛ وَلِهَذَا يُقْتَلُ الذِّمِّيُّ بِالذِّمِّيِّ، وَلَوْ كَانَ فِي عِصْمَتِهِ خَلَلٌ لَمَا قُتِلَ الذِّمِّيُّ بِالذِّمِّيِّ كَمَا لَا يُقْتَلُ الْمُسْتَأْمَنُ بِالْمُسْتَأْمَنِ وَقَدْ قَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنَّمَا بَذَلُوا الْجِزْيَةَ لِتَكُونَ دِمَاؤُهُمْ كَدِمَائِنَا وَأَمْوَالُهُمْ كَأَمْوَالِنَا وَذَلِكَ بِأَنْ تَكُونَ مَعْصُومَةً بِلَا شُبْهَةٍ كَالْمُسْلِمِ؛ وَلِهَذَا يُقْطَعُ الْمُسْلِمُ بِسَرِقَةِ مَالِ الذِّمِّيِّ، وَلَوْ كَانَتْ فِي عِصْمَتِهِ شُبْهَةٌ لَمَا قُطِعَ كَمَا لَا يُقْطَعُ فِي سَرِقَةِ مَالِ الْمُسْتَأْمَنِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ تَبَعٌ لِلنَّفْسِ وَأَمْرُ الْمَالِ أَهْوَنُ مِنْ النَّفْسِ، فَلَمَّا قُطِعَ بِسَرِقَتِهِ كَانَ أَوْلَى أَنْ يُقْتَلَ بِقَتْلِهِ؛ لِأَنَّ أَمْرَ النَّفْسِ أَعْظَمُ مِنْ الْمَالِ. أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَبْدَ لَا يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ مَالِ مَوْلَاهُ وَيُقْتَلُ بِقَتْلِ مَوْلَاهُ لِمَا ذَكَرْنَا وَاَلَّذِي يَدُلُّك عَلَى مَا قُلْنَا أَنَّ الذِّمِّيَّ لَوْ قَتَلَ ذِمِّيًّا ثُمَّ أَسْلَمَ الْقَاتِلُ قَبْلَ أَنْ يُقْتَلَ قُتِلَ بِهِ فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْحَرْبِيُّ إذْ هُوَ لَا يُقْتَلُ بِهِ مُسْلِمٌ وَلَا ذِمِّيٌّ وَلَا يُقَالُ مَعْنَاهُ لَا يُقْتَلُ ذُو عَهْدٍ مُطْلَقًا أَيْ لَا يَحِلُّ قَتْلُهُ فَيَكُونُ ابْتِدَاءَ كَلَامٍ؛ لِأَنَّا نَقُولُ، هَذَا لَا يَسْتَقِيمُ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ ذَا عَهْدٍ مُفْرَدٌ وَقَدْ عُطِفَ عَلَى جُمْلَةٍ فَيَأْخُذُ الْحُكْمُ مِنْهَا؛ لِأَنَّ الْمَعْطُوفَ النَّاقِصَ يَأْخُذُ الْحُكْمَ مِنْ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ التَّامِّ كَمَا يُقَالُ قَامَ زَيْدٌ وَعَمْرٌو أَوْ يُقَالُ قُتِلَ زَيْدٌ بِعَمْرٍو وَخَالِدٍ أَيْ: كِلَاهُمَا قَامَ أَوْ قُتِلَ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَدَّرَ لَهُ خَبَرٌ آخَرُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَعْنَى يَأْبَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِسَوْقِ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ نَفْيُ الْقَتْلِ قِصَاصًا لَا نَفْيُ مُطْلَقِ الْقَتْلِ فَكَذَا الثَّانِي تَحْقِيقًا لِلْعَطْفِ إذْ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ أَلْبَتَّةَ فِي الْمُفْرَدِ أَلَا تَرَى إلَى قَوْله تَعَالَى {وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ} [فاطر: 19] أَنَّ الْمَنْفِيَّ الِاسْتِوَاءُ فِي الْبَصَرِ وَالْعَمَى لَا فِي كُلِّ وَصْفٍ؛ وَلِهَذَا أُجْرِيَ الْقِصَاصُ بَيْنَهُمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْعِصْمَةِ وَكَذَا نُقْصَانُ حَالِ الْكَافِرِ بِكُفْرِهِ لَا يُزِيلُ عِصْمَتَهُ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ كَسَائِرِ الْأَوْصَافِ النَّاقِصَةِ كَالشَّلَلِ وَالْأُنُوثَةِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ كُفْرَهُ مُبِيحٌ لِلْقَتْلِ بَلْ حِرَابُهُ هُوَ الْمُبِيحُ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ غَيْرَ مَرَّةٍ بِخِلَافِ مَا ذُكِرَ مِنْ الْمِلْكِ وَالْأُخْتِ مِنْ الرَّضَاعِ، فَإِنَّهُ مُبِيحٌ لِلْوَطْءِ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ فِي الْأُخْتِ الْمَذْكُورَةِ بِعَارِضٍ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يُقْتَلَانِ بِمُسْتَأْمَنٍ) أَيْ لَا يُقْتَلُ الْمُسْلِمُ وَلَا الذِّمِّيُّ بِحَرْبِيٍّ دَخَلَ دَارَنَا بِأَمَانٍ؛ لِأَنَّ دَمَهُ لَيْسَ بِمَحْقُونٍ عَلَى التَّأْبِيدِ فَانْعَدَمَتْ الْمُسَاوَاةُ وَكَذَا كُفْرُهُ بَاعِثٌ عَلَى الْحِرَابِ لِقَصْدِهِ الرُّجُوعَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 337 إلَى دَارِ الْحَرْبِ وَيُقْتَلُ الْمُسْتَأْمَنُ بِالْمُسْتَأْمَنِ قِيَاسًا لِوُجُودِ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَهُمَا وَلَا يُقْتَلُ اسْتِحْسَانًا لِوُجُودِ الْمُبِيحِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالرَّجُلُ بِالْمَرْأَةِ وَالْكَبِيرُ بِالصَّغِيرِ وَالصَّحِيحُ بِالْأَعْمَى وَالزَّمِنِ وَنَاقِصِ الْأَطْرَافِ وَبِالْمَجْنُونِ) يَعْنِي يُقْتَلُ الرَّجُلُ الصَّحِيحُ بِهَؤُلَاءِ، وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ وَيُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْحُرِّ إلَخْ لَا عَلَى مَا يَلِيهِ مِنْ قَوْلِهِ وَلَا يُقْتَلَانِ بِمُسْتَأْمِنٍ، وَإِنَّمَا جَرَى الْقِصَاصُ بَيْنَهُمْ لِوُجُودِ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَهُمْ فِي الْعِصْمَةِ وَالْمُسَاوَاةُ فِيهَا هِيَ الْمُعْتَبَرَةُ فِي، هَذَا الْبَابِ، وَلَوْ اُعْتُبِرَتْ فِيمَا وَرَاءَهَا لَانْسَدَّ بَابُ الْقِصَاصِ وَلَظَهَرَ الْفِتَنُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْوَلَدُ بِالْوَالِدِ) لِمَا تَلَوْنَا وَرَوَيْنَا مِنْ الْعُمُومَاتِ وَلِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَعَانِي قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يُقْتَلُ الرَّجُلُ بِالْوَلَدِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يُقَادُ الْوَالِدُ بِوَلَدِهِ وَلَا السَّيِّدُ بِعَبْدِهِ» ؛ وَلِأَنَّ الْوَالِدَ لَا يَقْتُلُ وَلَدَهُ غَالِبًا لِوُفُورِ شَفَقَتِهِ فَيَكُونُ ذَلِكَ شُبْهَةً فِي سُقُوطِ الْقِصَاصِ؛ وَلِأَنَّ الْأَبَ لَا يَسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةَ بِوَلَدِهِ؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِإِحْيَائِهِ فَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ سَبَبًا لِإِفْنَائِهِ؛ وَلِهَذَا لَا يَقْتُلُهُ إذَا وَجَدَهُ فِي صَفِّ الْمُشْرِكِينَ مُقَاتِلًا أَوْ زَانِيًا، وَهُوَ مُحْصَنٌ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ يَسْتَحِقُّهُ الْوَارِثُ بِسَبَبٍ انْعَقَدَ لِلْمَيِّتِ خِلَافُهُ، وَلَوْ قُتِلَ بِهِ كَانَ الْقَاتِلُ هُوَ الِابْنَ نِيَابَةً وَطُولِبَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَنْ زَنَى بِابْنَتِهِ، وَهُوَ مُحْصَنٌ، فَإِنَّهُ يُرْجَمُ أُجِيبَ بِأَنَّ الرَّجْمَ حَقُّ اللَّهِ عَلَى الْخُصُوصِ بِخِلَافِ الْقِصَاصِ لَا يُقَالُ فَيَجِبُ أَنْ يَحُدَّ إذَا زَنَى بِجَارِيَةِ ابْنِهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ ثَبَتَ لَهُ حَقُّ الْمِلْكِ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك» قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْأُمُّ وَالْجَدُّ وَالْجَدَّةُ كَالْأَبِ) سَوَاءٌ كَانَ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ أَوْ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ؛ لِأَنَّهُ جُزْؤُهُمْ فَالنَّصُّ الْوَارِدُ فِي الْأَبِ يَكُونُ وَارِدًا فِيهِمْ دَلَالَةً فَكَانَتْ الشُّبْهَةُ شَامِلَةً لِلْجَمِيعِ فِي جَمِيعِ صُوَرِ الْقَتْلِ وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنْ قَتَلَهُ ضَرْبًا بِالسَّيْفِ فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ قَصَدَ تَأْدِيبَهُ، وَإِنْ كَانَ ذَبَحَهُ ذَبْحًا فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّهُ عَمْدٌ لَا شُبْهَةَ فِيهِ وَلَا تَأْوِيلَ بَلْ جِنَايَةُ الْأَبِ أَغْلَظُ؛ لِأَنَّ فِيهِ قَطْعَ الرَّحِمِ فَصَارَ كَمَنْ زَنَى بِابْنَتِهِ حَيْثُ يُرْجَمُ كَمَا لَوْ زَنَى بِالْأَجْنَبِيَّةِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَا وَمَا بَيَّنَّا وَلَيْسَ هَذَا كَالزِّنَا بِبِنْتِهِ؛ لِأَنَّ الْأَبَ لِوُفُورِ شَفَقَتِهِ يَجْتَنِبُ مَا يَضُرُّ وَلَدَهُ بَلْ يَتَحَمَّلُ الضَّرَرَ عَنْهُ حَتَّى يَسْلَمَ وَلَدُهُ فَهَذَا هُوَ الْعَادَةُ الْفَاشِيَةُ بَيْنَ النَّاسِ فَلَا يُتَوَهَّمُ أَنْ يَقْصِدَ قَتْلَ وَلَدِهِ، فَإِنْ وُجِدَ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ مِنْ الْعَوَارِضِ النَّادِرَةِ فَلَا يَتَغَيَّرُ بِذَلِكَ الْقَوَاعِدُ الشَّرْعِيَّةُ أَلَا تَرَى أَنَّ السَّفَرَ لَمَّا كَانَ فِيهِ الْمَشَقَّةُ غَالِبًا كَانَ لَهُ أَنْ يَتَرَخَّصَ بِرُخْصَةِ الْمُسَافِرِينَ فَلَا يَتَغَيَّرُ ذَلِكَ بِمَا يَتَّفِقُ فِيهِ لِبَعْضِهِمْ مِنْ الرَّاحَةِ وَلَا كَذَلِكَ الزِّنَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِعَبْدِهِ وَمُدَبَّرِهِ وَمُكَاتَبِهِ وَبِعَبْدِ وَلَدِهِ وَبِعَبْدٍ مَلَكَ بَعْضَهُ) يَعْنِي لَا يُقْتَلُ بِهَؤُلَاءِ لِمَا رَوَيْنَا؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ الْقِصَاصُ لَوَجَبَ لَهُ كَمَا إذَا قَتَلَهُ غَيْرُهُ وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُوجِبَ عَلَى نَفْسِهِ عُقُوبَةً وَكَذَا لَا يَسْتَوْجِبُ وَلَدُهُ الْقِصَاصَ عَلَيْهِ لِمَا بَيَّنَّا وَالْقِصَاصُ لَا يَتَجَزَّأُ فَيَسْقُطُ فِي الْبَعْضِ لِأَجْلِ أَنَّهُ مَلَكَ الْبَعْضَ فَيَسْقُطُ فِي الْكُلِّ لِعَدَمِ التَّجَزُّؤِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (، وَإِنْ وَرِثَ قِصَاصًا عَلَى أَبِيهِ سَقَطَ) لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الِابْنَ لَا يَسْتَوْجِبُ الْعُقُوبَةَ عَلَى أَبِيهِ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا قَتَلَ الْأَبُ أَخَ امْرَأَتِهِ ثُمَّ مَاتَتْ امْرَأَتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْتَصَّ بِهِ، فَإِنَّ ابْنَهُ يَرِثُ الْقِصَاصَ الَّذِي لَهَا عَلَى أَبِيهِ فَسَقَطَ لِمَا ذَكَرْنَا كَمَا إذَا قَتَلَ امْرَأَتَهُ وَلَيْسَ لَهَا ابْنٌ إلَّا ابْنُهَا مِنْهُ فَيَسْقُطُ الْقِصَاصُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (، وَإِنَّمَا يُقْتَصُّ بِالسَّيْفِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يُقْتَصُّ بِمِثْلِ مَا قَتَلَ إنْ قَتَلَهُ بِفِعْلٍ مَشْرُوعٍ، وَإِنْ قَتَلَهُ بِغَيْرِ فِعْلٍ مَشْرُوعٍ كَلِوَاطَةٍ يُتَّخَذُ لَهُ خَشَبَةً وَيُفْعَلُ بِهِ كَمَا فَعَلَ وَلَنَا مَا رَوَاهُ سُفْيَانُ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا قَوَدَ إلَّا بِالسَّيْفِ» ، وَهُوَ نَصٌّ عَلَى نَفْيِ اسْتِيفَاءِ الْقَوَدِ بِغَيْرِ السَّيْفِ فَكَيْفَ يَلْحَقُ بِهِ دَلَالَةً مَا كَانَ سِلَاحًا مِنْ غَيْرِ السَّيْفِ وَهَلْ يُتَصَوَّرُ أَنَّهُ يَدُلُّ كَلَامُ وَاحِدٍ عَلَى نَفْيِ شَيْءٍ وَإِثْبَاتِهِ مَعًا وَالْحَقُّ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالسَّيْفِ فِي الْحَدِيثِ الْمَزْبُورِ السِّلَاحَ مُطْلَقًا بِطَرِيقِ الْكِتَابَةِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَالْمُرَادُ بِهِ السِّلَاحُ وَصَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْكَافِي وَالْكِفَايَةِ حَيْثُ قَالَا وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا قَوَدَ إلَّا بِالسَّيْفِ» وَالْمُرَادُ بِالسَّيْفِ السِّلَاحُ هَكَذَا فَهِمَتْ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ، فَإِنْ قِيلَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ الْحَدِيثِ لَا قَوَدَ يَجِبُ إلَّا بِالسَّيْفِ لَا أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ لَا قَوَدَ يُسْتَوْفَى قُلْنَا الْقَوَدُ اسْمٌ لِفِعْلٍ هُوَ جَزَاءُ الْقَتْلِ دُونَ مَا يَجِبُ شَرْعًا، وَإِنْ حُمِلَ عَلَيْهِ كَانَ مَجَازًا؛ وَلِأَنَّ الْقَوَدَ قَدْ يَجِبُ بِغَيْرِ السَّيْفِ كَالْقَتْلِ بِالنَّارِ وَالْإِبْرَةِ فَلَمْ يُمْكِنْ حَمْلُهُ عَلَيْهِ لِوُجُودِ وُجُوبِ الْقَوَدِ بِدُونِ الْقَتْلِ بِالسَّيْفِ، وَإِنَّمَا السَّيْفُ مَخْصُوصٌ بِالِاسْتِيفَاءِ اهـ. وَمَا رَوَاهُ كَانَ مَشْرُوعًا ثُمَّ نُسِخَ كَمَا نُسِخَتْ الْمُثْلَةُ أَوْ يَكُونُ الْيَهُودِيُّ سَاعِيًا فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ فَيُقْتَلُ كَمَا يَرَاهُ الْإِمَامُ لِيَكُونَ أَرْدَعَ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ؛ وَلِأَنَّ الْيَهُودِيَّ كَانَ أَخَذَ الْمَالَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 338 أَلَا تَرَى إلَى مَا رُوِيَ فِي الْخَبَرِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ عَدَا يَهُودِيٌّ عَلَى جَارِيَةٍ فَأَخَذَهَا بِمَا مَعَهَا الْحَدِيثَ، وَهَذَا شَأْنُ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ، وَهَذَا يُقْتَلُ بِأَيٍّ شَاءَ الْإِمَامُ وَيُؤَيِّدُ، هَذَا الْمَعْنَى مَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَتَلَ الْيَهُودِيَّ بِخِلَافِ مَا كَانَ قَتَلَ بِهِ الْجَارِيَةَ» وَالِاسْتِيفَاءُ إمَّا أَنْ يَكُونَ بِحُكْمِ الْإِرْثِ أَوْ الْمِلْكِ أَوْ بِحُكْمِ السَّلْطَنَةِ وَالْوِلَايَةِ وَالْمُسْتَحِقُّ لِلْقِصَاصِ وَالدِّيَةِ الْوَرَثَةُ مِثْلُ مَا يَسْتَحِقُّ مَالَهُ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى. يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الزَّوْجُ وَالزَّوْجَةُ وَالْوَارِثُ يَقُومُ مَقَامَ الْمُوَرِّثِ فِي اسْتِحْقَاقِ كُلِّ مَا كَانَ لَهُ مِنْ الْأَمْلَاكِ وَالْحُقُوقِ إلَّا أَنَّ الدِّيَةَ تَجِبُ حَقًّا لِلْمَيِّتِ ابْتِدَاءً حَتَّى تُقْضَى مِنْهَا دُيُونُهُ وَتَنْفُذُ وَصَايَاهُ ثُمَّ تَثْبُتُ لِلْوَرَثَةِ بِطَرِيقِ الْخِلَافَةِ وَالْوِرَاثَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حَتَّى لَوْ أَقَامَ وَاحِدٌ مِنْ الْوَرَثَةِ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْقِصَاصِ لَا يَمْلِكُ أَنْ يَقْتَصَّ وَحْدَهُ وَلَا يَنْفَرِدَ أَحَدُهُمْ بِالِاسْتِيفَاءِ إذَا كَانُوا كِبَارًا حَتَّى يَجْتَمِعُوا؛ لِأَنَّا لَوْ أَطْلَقْنَا لِلْبَعْضِ الِاسْتِيفَاءَ مَعَ غَيْبَةِ الْبَاقِينَ يُؤَدِّي إلَى إبْطَالِ حَقِّ الْبَاقِينَ فِي الِاسْتِيفَاءِ وَكَذَلِكَ لَيْسَ لِلسُّلْطَانِ اسْتِيفَاؤُهُ مَعَ الْكَبِيرِ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا حُجَّتُهُمْ أَنَّ مِلْكَ الْقِصَاصِ ثَابِتٌ فِي الْمَحِلِّ لِلْكُلِّ بِدَلِيلِ أَنَّهُمْ يَمْلِكُونَ الِاعْتِيَاضَ وَالْعَفْوَ عَنْهُ وَيُسْتَوْفَى بِحُكْمِ الْمِلْكِ عَنْ الِاخْتِيَارِ، وَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمْ يُورَثُ نَصِيبُهُ وَهَذِهِ فَوَائِدُ الْمِلْكِ وَثَمَرَاتُهُ وَمِلْكُ الصَّغِيرِ مَعْصُومٌ مُحْتَرَمٌ وَأَثَرُ الْعِصْمَةِ أَنْ لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَى إبْطَالِهِ إلَّا بِعِوَضٍ لَهُ إذْ اسْتِيفَاؤُهُ مُعَجَّلًا مُنَجَّزًا يَكُونُ مُنْتَظِمًا دَافِعًا لِلْمَفْسَدَةِ، وَهِيَ صَوْنُ الْقَوَدِ وَحِفْظُهُ عَنْ نَظِيرِهِ فَالْفَوَاتُ إلَيْهَا إمَّا بِجِهَةِ الْغَيْبَةِ أَوْ بِجِهَةِ الْمَوْتِ، فَإِنَّ مُدَّةَ الصِّبَا مُدَّةٌ مَدِيدَةٌ وَالْمَوْتُ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ الْمَدِيدَةِ غَيْرُ نَادِرٍ وَتَغْيِيبُ الْقَاتِلِ نَفْسَهُ عَلَى وَجْهٍ لَا يَطَّلِعُ أَحَدٌ عَلَيْهِ مَخَافَةً عَلَى نَفْسِهِ غَالِبٌ وَلَيْسَ بَنَادِرُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (مُكَاتَبٌ قُتِلَ عَمْدًا وَتَرَكَ وَفَاءً وَوَارِثُهُ سَيِّدُهُ فَقَطْ أَوْ لَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً لَهُ وَارِثٌ يَقْتَصُّ) أَمَّا الْأَوَّلُ، وَهُوَ مَا إذَا تَرَكَ وَفَاءً وَلَا وَارِثَ لَهُ سِوَى الْمَالِ فَالْمَذْكُورُ هُنَا هُوَ قَوْلُهُمَا وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الِاسْتِحْقَاقِ قَدْ اخْتَلَفَ؛ وَلِأَنَّ الْمَوْلَى يَسْتَحِقُّهُ بِالْوِلَايَةِ بِأَنْ مَاتَ حُرًّا أَوْ بِالْمِلْكِ إنْ مَاتَ عَبْدًا فَاشْتَبَهَ الْحَالُ فَلَا يَسْتَحِقُّ؛ لِأَنَّ اخْتِلَافَ السَّبَبِ كَاخْتِلَافِ الْمُسْتَحَقِّ فَيَسْقُطُ أَصْلًا كَمَا إذَا كَانَ لَهُ وَارِثٌ غَيْرُ الْمَوْلَى فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ بِعْنِي هَذِهِ الْجَارِيَةَ بِكَذَا وَقَالَ الْمَوْلَى زَوَّجْتهَا مِنْك لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا لِاخْتِلَافِ الْحُكْمِ وَلَهُمَا أَنَّ الْمَوْلَى هُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِلْقِصَاصِ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ بِيَقِينٍ، وَهُوَ مَعْلُومٌ فَلَا يَضُرُّ مُجَرَّدُ اخْتِلَافِ السَّبَبِ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ لَا يُرَادُ لِذَاتِهِ، وَإِنَّمَا يُرَادُ لِحُكْمِهِ وَقَدْ حَصَلَ بِخِلَافِ الْمُسْتَشْهَدِ بِهِ لِاخْتِلَافِ حُكْمِ السَّبَبَيْنِ وَلَا يَدْرِي بِأَيِّهِمَا يَحْكُمُ فَلَا يَثْبُتُ الْحِلُّ بِدُونِ تَعْيِينِ السَّبَبِ، وَأَمَّا الثَّانِي، وَهُوَ مَا إذَا لَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً لَهُ وَارِثٌ غَيْرُ الْمَوْلَى فَلِأَنَّهُ مَاتَ رَقِيقًا لِانْفِسَاخِ الْكِتَابَةِ بِمَوْتِهِ لَا عَنْ وَفَاءٍ فَظَهَرَ أَنَّهُ قَتَلَ عَبْدًا عَمْدًا فَيَكُونُ الْقِصَاصُ لِلْمَوْلَى بِخِلَافِ مُعْتَقِ الْبَعْضِ إذَا قُتِلَ وَلَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً لَهُ حَيْثُ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ فِي الْبَعْضِ لَا يُفْسَخُ بِمَوْتِهِ عَاجِزًا؛ وَلِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي أَنَّهُ يَعْتِقُ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ ظَاهِرٌ فَأَشْبَهَ الْمُسْتَحِقَّ فَأَوْرَثَ ذَلِكَ شُبْهَةً كَالْمُكَاتَبِ إذَا قُتِلَ عَنْ وَفَاءٍ أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ مَرَّ مِنْ قَبْلُ أَنَّ أَصْلَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ هُوَ أَنَّ اخْتِلَافَ السَّبَبِ الَّذِي لَا يُفْضِي إلَى مُنَازَعَةٍ وَلَا إلَى الِاخْتِلَافِ، الْحَكَمُ لَا يُبَالِي بِهِ؛ وَلِهَذَا كَانَ لِلْمَوْلَى الْقِصَاصُ عِنْدَهُمَا فِيمَا إذَا قُتِلَ الْمُكَاتَبُ عَمْدًا وَلَيْسَ لَهُ وَارِثٌ سِوَى الْمَالِ وَتَرَكَ وَفَاءً فَكَيْفَ يَتِمُّ تَعْلِيلُ عَدَمِ وُجُوبِ الْقِصَاصِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي مَسْأَلَةِ مُعْتَقِ الْبَعْضِ إذَا مَاتَ عَاجِزًا بِأَنَّ الْمَوْلَى يَسْتَحِقُّ الْقِصَاصَ فِي بَعْضِهِ بِالْوِلَايَةِ وَفِي بَعْضِهِ بِالْمِلْكِ فَلَا يَثْبُتُ لَهُ الِاسْتِحْقَاقُ بِسَبَبَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ وَلَا إفْضَاءَ إلَى الْمُنَازَعَةِ عَلَى مُقْتَضَى، هَذَا التَّعْلِيلِ وَلَا إلَى الِاخْتِلَافِ فِي الْحُكْمِ فَمِنْ أَيْنَ لَا يَثْبُتُ لَهُ الِاسْتِحْقَاقُ عِنْدَهُ بِمُجَرَّدِ اخْتِلَافِ السَّبَبِ ثُمَّ أَقُولُ: لَعَلَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِمْ بِخِلَافِ مُعْتَقِ الْبَعْضِ إذَا مَاتَ وَلَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً فَأَمَّا إذَا كَانَ لَهُ وَارِثٌ غَيْرُ الْمَوْلَى يُرْشِدُ إلَيْهِ ذَكَرَ مُخَالِفَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي حَيِّزِ قَوْلِهِ، وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً وَلَهُ وَرَثَةٌ أَحْرَارٌ إلَى آخِرِهِ فَحِينَئِذٍ يَصِحُّ تَتْمِيمُ مَا حَمَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْلِيلِهِ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ فِي الْبَعْضِ لَا يَنْفَسِخُ بِالْعَجْزِ بِأَنْ يُقَالَ فَالْمَوْلَى يَسْتَحِقُّ الْقِصَاصَ فِي الْبَعْضِ الْمَمْلُوكِ بِالْمِلْكِ وَالْوَارِثُ يَسْتَحِقُّهُ فِي الْبَعْضِ الْمُعْتَقِ بِالْإِرْثِ فَيَكُونُ السَّبَبَانِ رَاجِعَيْنِ إلَى الشَّخْصَيْنِ فَيُبَالِي بِاخْتِلَافِهِمَا لِلْإِفْضَاءِ إلَى الْمُنَازَعَةِ تَأَمَّلْ تَقَفَّ. وَاشْتِرَاطُ الْوَارِثِ وَقَعَ اتِّفَاقًا، فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ أَيْضًا الْحُكْمُ كَذَلِكَ لِمَوْتِهِ رَقِيقًا، وَذَكَرَ ذَلِكَ لَيُنَبِّهَ عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَارِثٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (، وَإِنْ تَرَكَ وَفَاءً وَوَارِثًا لَا) أَيْ لَا يُقْتَصُّ، وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ اجْتَمَعَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 339 الْمَوْلَى وَالْوَارِثُ لِاشْتِبَاهِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ؛ لِأَنَّهُ إنْ مَاتَ حُرًّا كَمَا قَالَ عَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَالْقِصَاصُ لِلْوَارِثِ، وَإِنْ مَاتَ عَبْدًا كَمَا قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَالْقِصَاصُ لِلْمَوْلَى قَالَ ابْنُ قَاضِي زَادَهْ عَلَى عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ أَقُولُ: أَطْلَقَ الْوَارِثَ هَاهُنَا وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْحُرِّ وَقَيَّدَهُ فِي الصُّورَةِ الْآتِيَةِ حَيْثُ قَالَ: وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً وَلَهُ وَرَثَةٌ أَحْرَارٌ، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَعْكِسَ الْأَمْرَ، فَإِنَّهُ إذَا كَانَ الْوَارِثُ هَاهُنَا رَقِيقًا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَجِبُ الْقِصَاصُ لِلْمَوْلَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لِكَوْنِ حَقِّ الِاسْتِيفَاءِ لِلْمَوْلَى خَاصَّةً إذْ لَا وِلَايَةَ لِلْأَرِقَّاءِ عَلَى اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ فَلَمْ يُشْتَبَهْ مَنْ لَهُ الْحَقُّ هَاهُنَا، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْوَرَثَةُ أَرِقَّاءَ فِي الصُّورَةِ السَّابِقَةِ فَيَجِبُ الْقِصَاصُ لِلْمَوْلَى وَحْدَهُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا كَمَا إذَا كَانَتْ وَرَثَتُهُ أَحْرَارًا؛ لِأَنَّهُ مَاتَ عَبْدًا فِي تِلْكَ الصُّورَةِ وَالتَّقْيِيدُ بِالْأَحْرَارِ يُشْعِرُ بِكَوْنِ الْحُكْمِ فِي الْأَرِقَّاءِ خِلَافَ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَفْهُومَ الْمُخَالَفَةِ مُعْتَبَرٌ عِنْدَنَا أَيْضًا فِي الرِّوَايَاتِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، فَإِنْ قُلْتُ: الرَّقِيقُ لَا يَكُونُ وَارِثًا؛ لِأَنَّ الرِّقَّ أَحَدُ الْأُمُورِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي تَمْنَعُ عَنْ الْإِرْثِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْفَرَائِضِ فَلَا احْتِيَاجَ إلَى تَقْيِيدِ الْوَارِثِ بِالْحُرِّ بَلْ لَا وَجْهَ لَهُ لِإِشْعَارِهِ بِكَوْنِ الرَّقِيقِ أَيْضًا وَارِثًا قُلْتُ: الْمُرَادُ بِالْوَارِثِ هُنَا مَنْ كَانَ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَرِثَ وَالرَّقِيقُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَرِثُ عِنْدَ زَوَالِ الرِّقِّ لَا مَنْ يَرِثُ بِالْفِعْلِ فَيَحْتَمِلُ التَّقْيِيدَ بِالْحُرِّيَّةِ وَإِلَّا يَلْزَمُ أَنْ لَا يَتِمَّ تَقْيِيدُ الْوَرَثَةِ بِالْأَحْرَارِ فِي الصُّورَةِ الْآتِيَةِ أَيْضًا مَعَ أَنَّهَا قُيِّدَتْ بِهَا فِي الْكِتَابِ بَلْ فِي أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلْإِمَامِ الرَّبَّانِيِّ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ قُتِلَ عَبْدُ الرَّهْنِ لَا يُقْتَصُّ حَتَّى يَجْتَمِعَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ) ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ لَا يَلِيهِ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ فِي الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَتَلَ الْقَاتِلَ لَبَطَلَ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ فِي الدَّيْنِ لِهَلَاكِ الرَّهْنِ بِلَا بَدَلٍ وَلَيْسَ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَسْتَوْفِيَ تَصَرُّفًا يُؤَدِّي إلَى بُطْلَانِ حَقِّ الْغَيْرِ وَذَكَرَ فِي الْعُيُونِ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِفَخْرِ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ لَهُمَا الْقِصَاصُ، وَإِنْ اجْتَمَعَا فَجَعَلَاهُ كَالْمُكَاتَبِ الَّذِي تَرَكَ وَفَاءً وَارِثًا وَلَكِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا ظَاهِرٌ، فَإِنَّ الْمُرْتَهِنَ لَا يَسْتَحِقُّ الْقِصَاصَ؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ وَلَا وَفَاءَ فَلَا يُشْبِهُ مَنْ لَهُ الْحَقُّ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَفِي الْعُيُونِ الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ إذَا قُتِلَ عَمْدًا، فَإِنْ اجْتَمَعَا عَلَى الْقِصَاصِ فَلَهُمَا أَنْ يَقْتَصَّا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَيَكُونُ الْمُسْتَوْفَى هُوَ الرَّاهِنَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ لَا قِصَاصَ وَعَلَى الْقَاتِلِ الْقِيمَةُ وَفِي الْيَنَابِيعِ رَوَى هِشَامٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ الْقَاتِلِ قِيمَتُهُ وَيَكُونُ رَهْنًا مَكَانَهُ وَرَوَى ابْنُ الْوَلِيدِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُمَا إذَا اتَّفَقَا عَلَى الْقِصَاصِ وَقِيمَتُهُ أَقَلُّ مِنْ الدَّيْنِ أَوْ مِثْلُهُ فَلَهُمَا ذَلِكَ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فَلَهُمَا قِيمَتُهُ وَتَكُونُ رَهْنًا مَكَانَهُ ثُمَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ إذَا اجْتَمَعَا عَلَى الْقِصَاصِ سَقَطَ الدَّيْنُ عَنْ الْمُرْتَهِنِ فِي الرِّوَايَةِ الظَّاهِرَةِ، وَإِنْ اجْتَمَعَا عَلَى أَخْذِ الْقِيمَةِ يَرْجِعُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الرَّاهِنِ بِدَيْنِهِ كَالْعَبْدِ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ. وَلَوْ قَالَ الْمُؤَلِّفُ، وَإِنْ قُتِلَ عَبْدٌ فِيهِ حَقَّانِ تَامَّانِ لَا يُقْتَصُّ حَتَّى يَجْتَمِعَا لَكَانَ أَوْلَى وَأَخْصَرَ أَمَّا كَوْنُهُ أَوْلَى فَلِأَنَّهُ يَشْمَلُ الْعَبْدَ الْمُوصَى بِرَقَبَتِهِ لِإِنْسَانٍ وَبِخِدْمَتِهِ لِآخَرَ وَغَيْرَهُ وَقَوْلُنَا حَقَّانِ لِيُفِيدَ أَنَّهُ إذَا كَانَا مَالِكَيْنِ فَلَا بُدَّ مِنْ اجْتِمَاعِهِمَا وَكَوْنُهُ أَخْصَرَ أَظْهَرُ وَقَوْلُنَا تَامَّانِ لِيَخْرُجَ الْعَبْدُ الْمَبِيعُ الْمَقْتُولُ قَبْلَ الْقَبْضِ كَمَا سَيَأْتِي وَفِي فَتَاوَى الْفَضْلِيِّ الْمُوصَى بِهِ إذَا قُتِلَ قَبْلَ أَنْ يَقْبَلَ الْمُوصَى لَهُ الْوَصِيَّةَ فَلَا قِصَاصَ لِلْوَارِثِ وَلَا لِلْمُوصَى لَهُ إنْ اتَّفَقَا أَنَّهُ مَاتَ قَبْلَ قَبُولِ الْمُوصَى لَهُ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَنْظُرُ إنْ قَبِلَ الْمُوصَى لَهُ الْوَصِيَّةَ رَجَعَ عَلَى الْقَاتِلِ بِقِيمَتِهِ وَلَا تَرْجِعُ الْوَرَثَةُ بِذَلِكَ وَالْمُوصَى بِرَقَبَتِهِ لِرَجُلٍ وَبِخِدْمَتِهِ لِآخَرَ إذَا قَتَلَ عَمْدًا فَلَا قِصَاصَ فِيهِ إلَّا أَنْ يَجْتَمِعَا وَفِي الْكُبْرَى إنْ اتَّفَقَا بَطَلَ حَقُّ صَاحِبِ الْخِدْمَةِ وَيَسْتَوْفِيهِ صَاحِبُ الرَّقَبَةِ، وَإِنْ لَمْ يَرْضَ صَاحِبُ الْخِدْمَةِ، فَإِنَّهُ تَجِبُ الْقِيمَةُ عَلَى الْقَاتِلِ وَيَشْتَرِي بِهَا عَبْدًا آخَرَ وَيَكُونُ حَالُهُ مِثْلَ حَالِ الْأَوَّلِ وَفِي الْقُدُورِيِّ قَالَ أَبُو يُوسُفَ الْعَبْدُ الْمَمْهُورُ إذَا قُتِلَ قَبْلَ قَبْضِ الْمَرْأَةِ وَبَدَلُ الْخُلْعِ إذَا قُتِلَ قَبْلَ قَبْضِ الزَّوْجِ وَبَدَلُ الصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ إذَا قُتِلَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ عَمْدًا، فَإِنْ شَاءَ الْمَالِكُ اقْتَصَّ مِنْ الْقَاتِلِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْغَاصِبَ قِيمَةَ عَبْدِهِ ثُمَّ يَرْجِعُ الْغَاصِبُ عَلَى الْقَاتِلِ، وَإِنْ قُتِلَ الْعَبْدُ الْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَالْقِصَاصُ لِلْمُشْتَرِي إنْ أَجَازَ الْبَيْعَ؛ لِأَنَّهُ الْمَالِكُ، وَإِنْ نَقَصَ فَلِلْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ ارْتَفَعَ وَظَهَرَ أَنَّهُ الْمَالِكُ. وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَفِي الْعُيُونِ وَفِي فَتَاوَى الْفَضْلِيِّ الْعَبْدُ الْمَبِيعُ إذَا قُتِلَ قَبْلَ الْقَبْضِ عَمْدًا يُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي بَيْنَ الْمُضِيِّ وَالرَّدِّ، فَإِنْ اخْتَارَ الْمُضِيَّ فَلَهُ أَنْ يَقْتَصَّ وَلَكِنْ لَا يَكُونُ لَهُ الِاسْتِيفَاءُ إلَّا بَعْدَ نَقْدِ الثَّمَنِ فَقَدْ جَوَّزُوا إجَازَةَ الْبَيْعِ بَعْدَ الْمَوْتِ هُنَا، وَلَوْ رَدَّ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ، لِلْبَائِعِ أَنْ يَقْتَصَّ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِذَا أَدَّى الثَّمَنَ قَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَقْتَصُّ الْبَائِعُ، وَعِنْدَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 340 مُحَمَّدٍ تَجِبُ الْقِيمَةُ فِي الْوَجْهَيْنِ لِاشْتِبَاهِ الْمُسْتَحِقِّ وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَجُلٌ قَطَعَ يَدَ عَبْدِ رَجُلٍ أَوْ شَجَّهُ رَجُلٌ ثُمَّ إنَّ الْمَوْلَى بَاعَهُ ثُمَّ رُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ بِقَضَاءِ قَاضٍ أَوْ وَهَبَهُ الْمَوْلَى مِنْ إنْسَانٍ ثُمَّ رَجَعَ فِي الْهِبَةِ بِقَضَاءٍ أَوْ بِغَيْرِهِ ثُمَّ مَاتَ الْعَبْدُ مِنْ الْجِنَايَةِ، فَإِنَّ مَوْلَى الْعَبْدِ يَرْجِعُ عَلَى الْجَانِي بِجَمِيعِ قِيمَتِهِ وَفِي نَوَادِرِ بِشْرٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لَوْ أَنَّ أَمَةً قُطِعَتْ يَدُهَا خَطَأً وَبَاعَهَا الْمَوْلَى مِنْ إنْسَانٍ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ وَرُدَّتْ عَلَى الْمَوْلَى فَمَاتَتْ عِنْدَهُ مِنْ الْقَطْعِ فَعَلَى الْقَاطِعِ قِيمَتُهَا تَامَّةً، وَإِنْ كَانَ الْقَطْعُ عَمْدًا دَرَأْت الْقِصَاصَ اسْتِحْسَانًا وَفِي نَوَادِرِ دَاوُد بْنِ رَشِيدٍ عَنْ مُحَمَّدٍ عَبْدٌ قَطَعَ رَجُلٌ يَدَهُ ثُمَّ مَاتَ ثُمَّ اخْتَلَفَ الْقَاطِعُ وَالْمَوْلَى فِي قِيمَتِهِ يَوْمَ الْقَطْعِ فَقَالَ الْقَاطِعُ كَانَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْقَطْعِ أَلْفَيْ دِرْهَمٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْقَاطِعِ، فَإِنْ غَرِمَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَغْرَمْ حَتَّى تَلِفَتْ الْيَدُ وَمَاتَ فَعَلَى قَاطِعِ الْيَدِ وَعَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ. وَأَمَّا النَّفْسُ فَلَا يُصَدَّقُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَيْهَا فَيَغْرَمُ الْقَاتِلُ قِيمَةَ النَّفْسِ يَوْمَ تَلِفَتْ وَيَكُونُ عَلَى الْعَاقِلَةِ أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ مِنْهَا أَرْشُ الْيَدِ رَجُلٌ فَقَأَ عَيْنَيْ عَبْدٍ وَقَطَعَ الْآخَرُ رِجْلَهُ أَوْ يَدَهُ فَبَرِئَ، وَكَانَتْ الْجِنَايَةُ عَنْهُمَا مَعًا فَعَلَيْهِمَا قِيمَتُهُ أَثْلَاثًا وَيَأْخُذَانِ الْعَبْدَ فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ جِرَاحَةً مِنْ اثْنَيْنِ مَعًا جِرَاحَةُ هَذَا فِي عُضْوٍ وَجِرَاحَةُ هَذَا فِي عُضْوٍ يَسْتَغْرِقُ ذَلِكَ الْقِيمَةَ كُلَّهَا، فَإِنَّهُ يَدْفَعُهُ إلَيْهِمَا وَيَغْرَمَانِ الْقِيمَةَ عَلَى قَدْرِ أَرْشِ جِنَايَتِهِمَا وَيَكُونُ بَيْنَهُمَا عَلَى ذَلِكَ، وَإِنْ مَاتَ مِنْهُمَا وَالْجِنَايَةُ خَطَأٌ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَرْشُ جِرَاحَتِهِ عَلَى حِدَةٍ مِنْ قِيمَةِ عَبْدٍ صَحِيحٍ وَمَا بَقِيَ مِنْ النَّفْسِ عَلَيْهِمَا نِصْفَانِ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ إحْدَى الْجِرَاحَتَيْنِ قَبْلَ الْأُخْرَى وَقَدْ مَاتَ مِنْهُمَا فَعَلَى الْجَارِحِ الْأَوَّلِ أَرْشُ جِرَاحَتِهِ مِنْ قِيمَتِهِ صَحِيحًا وَعَلَى الْجَارِحِ الثَّانِي أَرْشُ جِرَاحَتِهِ مِنْ قِيمَتِهِ مَجْرُوحًا الْجِرَاحَةُ الْأُولَى وَمَا بَقِيَ مِنْ قِيمَتِهِ فَعَلَيْهِمَا نِصْفَانِ، وَإِنْ بَرِئَ مِنْهُمَا وَالْجِرَاحَةُ الْأُخْرَى تَسْتَغْرِقُ الْقِيمَةَ وَالْأُولَى تَسْتَغْرِقُ الْقِيمَةَ فَعَلَى الْأَوَّلِ أَرْشُ جِرَاحَتِهِ وَعَلَى الثَّانِي أَرْشُ جِرَاحَتِهِ وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَجُلٌ حَمَلَ عَلَى عَبْدِ رَجُلٍ مَخْتُومًا وَرَجُلٌ آخَرُ حَمَلَ عَلَيْهِ مَخْتُومَيْنِ، وَكَانَ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ فَعَلَى صَاحِبِ الْمَخْتُومِ ثُلُثُ الْقِيمَةِ وَعَلَى صَاحِبِ الْمَخْتُومَيْنِ ثُلُثَا الْقِيمَةِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَفِي نَوَادِرِ هِشَامٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَجُلٌ قَتَلَ رَجُلًا فَجَاءَ رَجُلٌ وَادَّعَى أَنَّهُ عَبْدُهُ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ وَشَهِدُوا أَنَّهُ كَانَ عَبْدُهُ فَأَعْتَقَهُ، وَهُوَ حُرٌّ الْيَوْمَ، فَإِنْ كَانَ لَهُ وَارِثٌ قَضَى لِوَارِثِهِ بِالْقِصَاصِ فِي الْعَمْدِ وَبِالدِّيَةِ فِي الْخَطَأِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ فَلِمَوْلَاهُ قِيمَتُهُ فِي الْخَطَأِ وَالْعَمْدِ. وَفِي الذَّخِيرَةِ عَبْدٌ مَقْطُوعُ الْيَدِ جَاءَ إنْسَانٌ وَقَطَعَ رِجْلَهُ إنْ قَطَعَ مِنْ هَذَا الْجَانِبِ فَعَلَى الْقَاطِعِ نُقْصَانُ قِيمَةِ الْعَبْدِ الْمَقْطُوعَةِ يَدُهُ، وَإِنْ قَطَعَهَا مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ فَعَلَيْهِ نِصْفُ قِيمَةِ الْعَبْدِ الْمَقْطُوعِ يَدُهُ وَفِي مُخْتَصَرِ الْكَافِي وَعَلَى هَذَا: الْبَائِعُ إذَا قَطَعَ يَدَ الْعَبْدِ الْمَبِيعِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ إلَى الْمُشْتَرِي فَيَسْقُطُ نِصْفُ الثَّمَنِ، وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ مَقْطُوعَ الْيَدِ فَقَطَعَ الْبَائِعُ يَدَهُ الثَّانِيَةَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ يَغْرَمُ النُّقْصَانَ وَيَسْقُطُ مِنْ الْمُشْتَرِي بِقَدْرِهِ مِنْ الثَّمَنِ حَتَّى لَوْ انْتَقَضَ ثُلُثٌ لَسَقَطَ ثُلُثُ الثَّمَنِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ مَكَانَ قَطْعِ الْيَدِ فَقْءُ الْعَيْنِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ مَقْطُوعَ الْيَدِ فَقَطَعَ إنْسَانٌ يَدَهُ الْأُخْرَى كَانَ عَلَى قَاطِعِ الْيَدِ الثَّانِيَةِ نُقْصَانُ قِيمَتِهِ مَقْطُوعَ الْيَدِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِأَبِي الْمَعْتُوهِ الْقَوَدُ وَالصُّلْحُ لَا الْعَفْوُ بِقَتْلِ وَلِيِّهِ) يَعْنِي إذَا قَتَلَ رَجُلٌ قَرِيبًا لِلْمَعْتُوهِ فَلِوَلِيِّ الْمَعْتُوهِ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ وَلَهُ أَنْ يُصَالِحَ؛ لِأَنَّ لَهُ تَمَامَ الشَّفَقَةِ وَالرَّأْفَةِ وَلَهُ وِلَايَةٌ عَلَى الْمَعْتُوهِ فَقَامَ مَقَامَهُ؛ وَلِأَنَّ فِي الصُّلْحِ مَنْفَعَةُ الْمَعْتُوهِ قَالَ جُمْهُورُ الشُّرَّاحِ، هَذَا إذَا صَالَحَا عَلَى مِثْلِ الدِّيَةِ أَمَّا إذَا صَالَحَا عَلَى أَقَلِّ مِنْ الدِّيَةِ لَمْ يَجُزْ وَيَجِبُ كَمَالُ الدِّيَةِ وَلَنَا فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ لَفْظَ مُحَمَّدٍ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُطْلَقٌ حَيْثُ جَوَّزَ صُلْحَ أَبِي الْمَعْتُوهِ وَعَنْ دَمِ قَرِيبِهِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ قَالَ وَلَهُ أَنْ يُصَالِحَ مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ بِقَدْرِ الدِّيَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ الصُّلْحُ عَلَى أَقَلِّ مِنْ الدِّيَةِ عَمَلًا بِإِطْلَاقِهِ، وَإِنَّمَا جَازَ صُلْحُهُ عَلَى الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ أَنْفَعُ لِلْمَعْتُوهِ مِنْ الْقِصَاصِ فَإِذَا جَازَ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ فَالصُّلْحُ أَوْلَى وَالنَّفْعُ يَحْصُلُ بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ. أَلَا تَرَى أَنَّ الْكَرْخِيَّ قَالَ فِي مُخْتَصَرِهِ وَإِذَا وَجَبَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ قِصَاصٌ فِي نَفْسٍ أَوْ فِيمَا دُونَهَا فَصَالَحَ صَاحِبُ الْحَقِّ مِنْ ذَلِكَ عَلَى مَالٍ، فَذَلِكَ جَائِزٌ قَلِيلًا كَانَ الْمَالُ أَوْ كَثِيرًا كَانَ ذَلِكَ دُونَ دِيَةِ النَّفْسِ أَوْ أَرْشِ الْجِرَاحَةِ أَوْ أَكْثَرَ إلَى هُنَا لَفْظُ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ أَقُولُ: نَظَرُهُ سَاقِطٌ جِدًّا، فَإِنَّ لِأَصْحَابِ التَّخْرِيجِ مِنْ الْمَشَايِخِ صَرْفُ إطْلَاقِ كَلَامِ الْمُجْتَهِدِ إلَى التَّقْيِيدِ إذَا اقْتَضَاهُ الْفِقْهُ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَلَهُ نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ فِي مَسَائِلِ الْفِقْهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. أَمَّا الْقَتْلُ فَلِأَنَّ الْقِصَاصَ شُرِعَ لِلتَّشَفِّي وَدَرْكِ الثَّأْرِ، وَكُلُّ ذَلِكَ رَاجِعٌ إلَى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 341 النَّفْسِ بِوِلَايَتِهِ وِلَايَةٌ عَلَى نَفْسِهِ فَيَلِيهِ كَالْإِنْكَاحِ بِخِلَافِ الْأَخِ وَأَمْثَالِهِ حَيْثُ لَا يَكُونُ لَهُمْ اسْتِيفَاءُ قِصَاصٍ وَجَبَ لِلْمَعْتُوهِ؛ لِأَنَّ الْأَبَ لِوُفُورِ شَفَقَتِهِ جَعَلَ التَّشَفِّيَ الْحَاصِلَ لِلِابْنِ؛ وَلِهَذَا يُعِدُّ ضَرَرَ وَلَدِهِ ضُرًّا عَلَى نَفْسِهِ، وَأَمَّا الْعَفْوُ فَلَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ إبْطَالٌ لِحَقِّهِ بِلَا عِوَضٍ وَلَا مَصْلَحَةٍ فَلَا يَجُوزُ، وَكَذَلِكَ إنْ قُطِعَتْ يَدُ الْمَعْتُوهِ عَمْدًا لِمَا بَيَّنَّا وَالْوَصِيُّ كَالْأَبِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا إلَّا فِي الْقَتْلِ، فَإِنَّهُ لَا يُقْتَلُ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ عَلَى النَّفْسِ حَتَّى لَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَهُ وَيَدْخُلُ تَحْتَ، هَذَا الْإِطْلَاقِ الصُّلْحُ عَنْ النَّفْسِ وَاسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ فِي الطَّرَفِ إذَا لَمْ يَسْرِ الْقَوَدُ فِي النَّفْسِ وَذَكَرَ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ أَنَّ الْوَصِيَّ لَا يَمْلِكُ الصُّلْحَ فِي النَّفْسِ؛ لِأَنَّهُ فِيهَا بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِيفَاءِ، وَهُوَ لَا يَمْلِكُ الِاسْتِيفَاءَ وَجْهُ الْمَذْكُورِ هُنَا. وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الصُّلْحِ الْمَالُ وَالْوَصِيُّ يَتَوَلَّى التَّصَرُّفَ فِيهِ كَمَا يَتَوَلَّى الْأَبُ بِخِلَافِ الْقِصَاصِ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ التَّشَفِّي، وَهُوَ مُخْتَصٌّ بِالْأَبِ وَلَا يَمْلِكُ الْعَفْوَ؛ لِأَنَّ الْأَبَ لَا يَمْلِكُهُ فِي النَّفْسِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مُتَّحِدٌ، وَهُوَ التَّشَفِّي، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَمْلِكُهُ؛ لِأَنَّ الْأَطْرَافَ يُسْلَكُ فِيهَا مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ؛ لِأَنَّهَا خُلِقَتْ وِقَايَةً لِلْأَنْفُسِ كَالْمَالِ فَكَانَ اسْتِيفَاؤُهُ بِمَنْزِلَةِ التَّصَرُّفِ فِيهِ، وَالْقَاضِي بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ فِيهِ فِي الصَّحِيحِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ قُتِلَ وَلَا وَلِيَّ لَهُ يَسْتَوْفِيهِ السُّلْطَانُ وَالْقَاضِي بِمَنْزِلَتِهِ فِيهِ، وَهَذَا أَوْلَى وَالصَّبِيُّ كَالْمَعْتُوهِ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْقَاضِي كَالْأَبِ وَالْوَصِيُّ يُصَالِحُ فَقَطْ وَالصَّبِيُّ كَالْمَعْتُوهِ) يَعْنِي أَنَّ الْقَاضِيَ يَمْلِكُ اسْتِيفَاءَ الْقِصَاصِ فِي الصَّغِيرِ الَّذِي لَا وَلِيَّ لَهُ، وَهُوَ قَوْلُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَذَكَرَ النَّاطِفِيُّ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ وَالْوَصِيُّ يَمْلِكُ الصُّلْحَ وَلَا يَمْلِكُ اسْتِيفَاءَ الْقِصَاصِ، هَذَا الْكَلَامُ فِيمَا إذَا كَانَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ مَوْلَى الصَّغِيرِ أَوْ الْمَعْتُوهِ فَلَوْ جَنَى صَغِيرٌ أَوْ مَجْنُونٌ عَلَى نَفْسٍ أَوْ طَرَفٍ وَأَرَادَ الْأَبُ أَنْ يُصَالِحَ عَنْ ذَلِكَ فَلَهُ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ وَالْوَصِيُّ يُصَالِحُ فَقَطْ، هَذَا إذَا كَانَ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ فِي الْأَطْرَافِ فَفِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَعَلَى رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَهُ ذَلِكَ وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ يَمْلِكُ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ وَقَوْلُهُ وَالصَّبِيُّ كَالْمَعْتُوهِ يَعْنِي وَلِيَّ الصَّبِيِّ يَمْلِكُ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي أَنَّ وَلِيَّ الْمَعْتُوهِ يَمْلِكُهُ وَفِي الْعُيُونِ إذَا ثَبَتَ الْقَتْلُ عَلَيْهِ ثُمَّ جَنَى الْقَاتِلُ قَالَ مُحَمَّدٌ: فِي الْقِيَاسِ يُقْتَلُ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ تُؤْخَذُ مِنْهُ الدِّيَةُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِلْكِبَارِ الْقَوَدُ قَبْلَ كِبَرِ الصِّغَارِ) يَعْنِي إذَا كَانَ الْقِصَاصُ مُشْتَرَكًا بِأَنْ قُتِلَ رَجُلٌ وَلَهُ أَوْلَادٌ كِبَارٌ وَصِغَارٌ فَلِلْكِبَارِ أَنْ يَقْتُلُوا الْقَاتِلَ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ الصِّغَارُ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ حَتَّى يَبْلُغَ الصِّغَارُ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمْ؛ وَلِأَنَّ الْكِبَارَ لَيْسَ لَهُمْ وِلَايَةٌ عَلَى الصِّغَارِ حَتَّى يَسْتَوْفُوا حَقَّهُمْ فَتَعَيَّنَ التَّأْخِيرُ كَمَا لَوْ كَانَ الْكُلُّ كِبَارًا وَفِيهِمْ كَبِيرٌ غَائِبٌ أَوْ كَانَ أَحَدُ الْوَلِيَّيْنِ غَائِبًا فِي الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ بِخِلَافِ مَا إذَا عَفَا الْكَبِيرُ حَيْثُ صَحَّ عَفْوُهُ، وَإِنْ بَطَلَ حَقُّ الصَّغِيرِ فِي الْقِصَاصِ، فَإِنَّهُ بَطَلَ بِعِوَضٍ فَجُعِلَ كَلَا بُطْلَانٍ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ مَا رَوَى أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنِ مُلْجِمٍ حِينَ قَتَلَ عَلِيًّا قُتِلَ بِهِ، وَكَانَ فِي أَوْلَادِ عَلِيٍّ صِغَارٌ، وَكَانَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَحَلَّ مَحَلَّ الْإِجْمَاعِ؛ وَلِهَذَا لَوْ اسْتَوْفَى بَعْضُ الْأَوْلِيَاءِ الْقَتْلَ بِنَفْسِهِ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ لَضَمِنَ كَمَا لَوْ قَتَلَ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ أَجْنَبِيٌّ فَافْتَرَقَا وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بَيْنَ الْمَوْلَيَيْنِ وَأَحَدُهُمَا صَغِيرٌ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْمِلْكِ أَوْ الْوَلَاءِ، وَهُوَ غَيْرُ مُتَكَامِلٍ وَفِي مَسْأَلَتِنَا الْقَرَابَةُ، وَهِيَ مُتَكَامِلَةٌ قَالَ الشَّارِحُ؛ وَلِأَنَّهُ حَقٌّ لَا يَتَجَزَّأُ؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ، وَهِيَ الْقَرَابَةُ لَا تَتَجَزَّأُ أَقُولُ: فِي تَمَامِ الِاسْتِدْلَالِ بِعَدَمِ تَجَزُّؤِ سَبَبِ الْقِصَاصِ، وَهُوَ الْقَرَابَةُ عَلَى عَدَمِ تَجَزُّؤِ الْقِصَاصِ نَفْسِهِ فِيهِ خَفَاءٌ؛ لِأَنَّ الْعَقْلَ لَا يَجِدُ مَحْذُورًا فِي كَوْنِ السَّبَبِ بَسِيطًا وَالْمُسَبَّبِ مُرَكَّبًا كَيْفَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْقَرَابَةَ الَّتِي لَا تَتَجَزَّأُ كَمَا أَنَّهَا سَبَبٌ لِاسْتِحْقَاقِ الْقِصَاصِ فِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ كَذَلِكَ هِيَ سَبَبٌ أَيْضًا لِاسْتِحْقَاقِ الدِّيَةِ فِي الْقَتْلِ الْخَطَأِ مَعَ أَنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّ الدِّيَةَ تَتَجَزَّأُ؛ لِأَنَّهَا مَالٌ، وَالْمَالُ يَتَجَزَّأُ بِلَا رَيْبٍ، فَالْأَظْهَرُ فِي بَيَانِ كَوْنِ الْقِصَاصِ حَقًّا لَا يَتَجَزَّأُ مَا ذَكَرَ فِي الْكَافِي وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ تَقْرِيرَ دَلِيلِ الْإِمَامَيْنِ، وَهُوَ أَنَّ الْقَتْلَ غَيْرُ مُتَجَزِّئٍ ثُمَّ إنَّ بَعْضَ الْفُضَلَاء طَعَنَ فِي قَوْلِهِمْ هَاهُنَا إنَّ سَبَبَ الْقِصَاصِ هُوَ الْقَرَابَةُ حَيْثُ قَالَ كَيْفَ يَكُونُ سَبَبُهُ الْقَرَابَةَ، وَهُوَ يَثْبُتُ لِلزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ اهـ. أَقُولُ: نَعَمْ السَّبَبُ لِلزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ هُوَ الزَّوْجِيَّةُ وَفِي الْعِتْقِ وَالْمُعْتَقَةِ هُوَ الْوَلَاءُ دُونَ الْقَرَابَةِ إلَّا أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ قَوْلَهُمْ هَاهُنَا، وَهُوَ الْقَرَابَةُ إمَّا بِنَاءً عَلَى التَّغْلِيبِ لِيَكُونَ أَوْلِيَاءُ الْقَتْلِ فِي الْأَكْثَرِ قَرَابَةً، وَإِمَّا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُمْ أَرَادُوا بِالْقَرَابَةِ هَاهُنَا الِاتِّصَالَ الْمُوجِبَ لِلْإِرْثِ دُونَ حَقِيقَةِ الْقَرَابَةِ فَيَعُمُّ الْكُلَّ وَقَيَّدْنَا مَحَلَّ الْخِلَافِ بِكَوْنِ الْقِصَاصِ بَيْنَ الْأَخَوَيْنِ فَلَوْ كَانَ بَيْنَ الْأَبِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 342 وَالْأَوْلَادِ الصِّغَارِ أَوْ بَيْتِ الْجَدِّ وَالْأَوْلَادِ الصِّغَارِ فَلِلْأَبِ وَالْجَدِّ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْقِصَاصَ بِالْإِجْمَاعِ وَفِي الْجَامِعِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ الْقَتْلُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً، فَإِنْ كَانَ خَطَأً، فَإِنْ كَانَ الشَّرِيكُ الْكَبِيرُ أَبَا الصَّغِيرِ كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ جَمِيعَ الدِّيَةِ حِصَّةَ نَفْسِهِ بِحُكْمِ الْمِلْكِ وَحِصَّةَ الصَّغِيرِ بِحُكْمِ الْوِلَايَةِ، وَإِنْ كَانَ الشَّرِيكُ الْكَبِيرُ أَخًا أَوْ عَمًّا وَلَمْ يَكُ وَصِيًّا لِلصَّغِيرِ يَسْتَوْفِي حِصَّةَ نَفْسِهِ وَلَا يَسْتَوْفِي حِصَّةَ الصَّغِيرِ، وَإِنْ كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا إنْ كَانَ الشَّرِيكُ الْكَبِيرُ أَبًا كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْقِصَاصَ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ كَانَ الشَّرِيكُ الْكَبِيرُ أَجْنَبِيًّا بِأَنْ قُتِلَ عَبْدٌ، وَهُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ أَجْنَبِيَّيْنِ أَحَدُهُمَا صَغِيرٌ وَالْآخَرُ كَبِيرٌ لَيْسَ لِلْأَجْنَبِيِّ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْقِصَاصَ بِالْإِجْمَاعِ وَفِي الْمُنْتَقَى إلَّا أَنْ يَكُونَ الصَّغِيرُ ابْنًا فَيُسْتَوْفَى حِينَئِذٍ، وَإِنْ كَانَ الشَّرِيكُ الْكَبِيرُ أَخًا أَوْ عَمًّا فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْقِصَاصَ قَبْلَ بُلُوغِ الصَّغِيرِ وَعَلَى قَوْلِهِمَا لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ حَتَّى يَبْلُغَ الصَّغِيرُ، وَعَلَى، هَذَا الِاخْتِلَافِ إذَا كَانَ الشَّرِيكُ الْكَبِيرُ مَعْتُوهًا أَوْ مَجْنُونًا وَالْكَبِيرُ أَخُو الْمَعْتُوهِ أَوْ عَمُّهُ وَأَرَادَ السُّلْطَانُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ حِصَّةَ الصَّغِيرِ مَعَ الْكَبِيرِ لَا شَكَّ أَنَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَهُ ذَلِكَ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْقِصَاصَ إذَا كَانَ كُلُّهُ لِلصَّغِيرِ لَيْسَ لِلْأَخِ الْكَبِيرِ وِلَايَةُ الِاسْتِيفَاءِ وَالْعَبْدُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ إذَا قُتِلَ عَمْدًا حَتَّى وَجَبَ الْقِصَاصُ فَأَرَادَ الْكَبِيرُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْقِصَاصَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا قَالَ إنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ وَبَعْضُهُمْ قَالَ لَا يَسْتَوْفِيهِ الْكَبِيرُ بِالْإِجْمَاعِ رَجُلٌ لَهُ عَبْدَانِ قَتَلَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ عَمْدًا فَلِلْوَلِيِّ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْقِصَاصَ مِنْ الْقَاتِلِ ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي آخِرِ إعْتَاقِ الْأَصْلِ فِي بَابِ جِنَايَةِ الرَّقِيقِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ قَتَلَهُ بِمَرٍّ يُقْتَصُّ إنْ أَصَابَهُ الْحَدِيدُ وَإِلَّا لَا كَالْخَنْقِ وَالتَّغْرِيقِ) ، هَذَا إذَا أَصَابَهُ بِحَدِّ الْحَدِيدِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ، وَإِنْ أَصَابَهُ بِظَهْرِهَا أَوْ بِالْعُودِ لَا كَالْخَنْقِ وَالتَّغْرِيقِ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَالْمَرُّ عُودٌ فِي طَرَفِهَا حَدِيدَةٌ قَالَ الْعَيْنِيُّ الْمَرُّ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ، وَهُوَ خَشَبَةٌ طَوِيلَةٌ فِي رَأْسِهَا حَدِيدَةٌ عَرِيضَةٌ مِنْ فَوْقِهَا خَشَبَةٌ عَرِيضَةٌ يَضَعُ الرَّجُلُ رِجْلَهُ عَلَيْهَا وَيَحْفِرُ بِهَا الْأَرْضَ وَبِالْفَارِسِيَّةِ تُسَمَّى بيل. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (، وَمَنْ جَرَحَ رَجُلًا عَمْدًا فَصَارَ ذَا فِرَاشٍ حَتَّى مَاتَ يُقْتَصُّ) يَعْنِي إذَا جَرَحَ إنْسَانٌ آخَرَ فَصَارَ الْمَجْرُوحُ صَاحِبَ فِرَاشٍ حَتَّى مَاتَ، فَإِنَّهُ يُقْتَصُّ مِنْ الْجَارِحِ؛ لِأَنَّ الْجُرْحَ سَبَبٌ ظَاهِرٌ لِمَوْتِهِ فَيُحَالُ الْمَوْتُ عَلَيْهِ مَا لَمْ يُوجَدْ مَا يَقْطَعُهُ كَحَزِّ الرَّقَبَةِ أَوْ الْبُرْءِ مِنْهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (، وَإِنْ مَاتَ بِفِعْلِ نَفْسِهِ وَزَيْدٍ وَأَسَدٍ وَحَيَّةٍ ضَمِنَ زَيْدٌ نِصْفَ الدِّيَةِ) ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْأَسَدِ وَالْحَيَّةِ جِنْسٌ وَاحِدٌ لِكَوْنِهِ هَدَرًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَفِعْلُهُ بِنَفْسِهِ جِنْسٌ آخَرُ لِكَوْنِهِ هَدَرًا فِي الدُّنْيَا مُعْتَبَرًا فِي الْآخِرَةِ حَتَّى يَأْثَمَ بِهِ وَفِعْلُ زَيْدٍ مُعْتَبَرٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَصَارَتْ ثَلَاثَةُ أَجْنَاسٍ هَدَرٌ مُطْلَقًا وَمُعْتَبَرٌ مُطْلَقًا وَمُعْتَبَرٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ، وَهُوَ فِعْلُهُ بِنَفْسِهِ فَيَكُونُ الثَّابِتُ فِعْلًا وَاحِدًا فَيَجِبُ عَلَى زَيْدٍ ثُلُثُ الدِّيَةِ ثُمَّ إنْ كَانَ فِعْلُ زَيْدٍ عَمْدًا تَجِبُ عَلَيْهِ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ وَإِلَّا فَعَلَى الْعَاقِلَةِ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ، وَفِي الْمَبْسُوطِ وَغَيْرِهِ الْمُشَارَكَةُ فِي الْقَتْلِ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُشَارِكَ الْقَاتِلُ مَنْ لَا يَكُونُ فِعْلُهُ مَضْمُونًا أَوْ يُشَارِكَهُ مَنْ يَكُونُ فِعْلُهُ مَضْمُونًا، فَإِنْ شَارَكَهُ مَنْ لَا يَكُونُ فِعْلُهُ مَضْمُونًا كَالسَّبُعِ وَالْبَهِيمَةِ وَالْحَرْبِيِّ وَالْمُرْتَدِّ أَوْ جَرَحَ إنْسَانٌ نَفْسَهُ ثُمَّ جَرَحَهُ آخَرُ أَوْ قَطَعَ الْإِمَامُ يَدَ السَّارِقِ فِي سَرِقَةٍ ثُمَّ قَطَعَ آخَرُ يَدَهُ أَوْ جَرَحَهُ وَمَاتَ فَلَا قِصَاصَ عَلَى الْقَاتِلِ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ شَارَكَهُ مَنْ يَكُونُ فِعْلُهُ مَضْمُونًا كَالْخَاطِئِ وَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ فَلَا قِصَاصَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلَوْ كَانَ مَكَانَ الْعَمْدِ خَطَأٌ تَجِبُ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَوْ جَرَحَهُ رَجُلَانِ عَامِدًا ثُمَّ مَاتَ أَحَدُ الْجَارِحَيْنِ ثُمَّ مَاتَ الْمَجْرُوحُ أَوْ رَمَى رَجُلَانِ إلَى آخَرَ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا ثُمَّ أَصَابَ السَّهْمَانِ فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ هَلْ يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى الْحَيِّ قَالَ بَعْضُهُمْ يَجِبُ؛ لِأَنَّ فِعْلَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُوجِبٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَجِبُ؛ لِأَنَّ فِعْلَ أَحَدِهِمَا إنَّمَا يَنْعَقِدُ مُوجِبًا بَعْدَ الْإِصَابَةِ فَلَا يَنْعَقِدُ أَحَدُهُمَا مُوجِبًا بِانْفِرَادِهِ. رَجُلَانِ قَتَلَا رَجُلًا أَحَدُهُمَا بِالسَّيْفِ، وَالْآخَرُ بِالْعِصَابَةِ يُقْضَى بِالدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَةِ صَاحِبِ الْعَصَا وَالْقِصَاصِ عَلَى صَاحِبِ السَّيْفِ وَفِي الْمَبْسُوطِ أَصْلُهُ أَنَّ النَّفْسَ مَتَى تَلِفَتْ بِجِنَايَاتٍ وَوَجَبَ الْمَالُ، فَإِنَّهُ يُنْظَرُ إنْ تَلِفَتْ بِجِنَايَاتِ بَنِي آدَمَ فَالْعِبْرَةُ فِيهَا بِعَدَدِ الْجَانِي وَلَا عِبْرَةَ بِعَدَدِ الْجِنَايَاتِ فِي حَقِّ الضَّمَانِ حَتَّى لَوْ جُرِحَ وَاحِدٌ عَشْرُ جِرَاحَاتٍ خَطَأً وَجَرَحَهُ آخَرُ وَاحِدَةً خَطَأً فَالدِّيَةُ عَلَيْهِمَا نِصْفَانِ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْإِنْسَانِ فِي نَفْسِهِ مُعْتَبَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْقَلِبُ عَنْ حُكْمِهِ فِي الدُّنْيَا، وَهُوَ الْقِصَاصُ وَالدِّيَةُ أَوْ الْإِثْمُ فِي الْآخِرَةِ فَاعْتُبِرَ عَدَدُ الْجَانِي لَا عَدَدُ الْجِنَايَاتِ؛ لِأَنَّ كُلَّ جِنَايَةٍ تَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ سَبَبَ الْمَوْتِ لَوْ انْفَرَدَتْ وَالْعِلَّةُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 343 لَا تَتَرَجَّحُ بِالزِّيَادَةِ مِنْ جِنْسِهَا فَاعْتُبِرَ الْكُلُّ جِنَايَةً وَاحِدَةً وَإِذَا تَلِفَتْ بِجِنَايَاتِ الْبَهَائِمِ وَبِجِنَايَاتِ بَنِي آدَمَ فَلَا عِبْرَةَ بِعَدَدِ الْجِنَايَاتِ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْبَهَائِمِ هَدَرٌ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُنَاطُ بِهِ حُكْمٌ مَا فَاعْتُبِرَ جِنَايَاتُ الْبَهَائِمِ كُلِّهَا كَجِنَايَةٍ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْكُلِّ وَاحِدٌ، وَهُوَ الْهَدَرُ، هَذَا كَرَجُلٍ بِهِ جُرُوحٌ وَدَمَامِيلُ قَاتِلَةٌ فَجَرَحَهُ رَجُلٌ آخَرُ فَمَاتَ مِنْ الْكُلِّ يَضْمَنُ الْجَارِحُ نِصْفَ الدِّيَةِ وَيُرْفَعُ النِّصْفُ وَيَسْقُطُ عَنْهُ اعْتِبَارُ عَدَدِ الدَّمَامِيلِ؛ لِأَنَّهَا مُهْدَرَةٌ، وَلَوْ قَطَعَ رَجُلٌ يَدَهُ وَلِصَاحِبِهِ فَشَجَّهُ وَعَقَرَهُ كَلْبٌ فَكَسَرَ رِجْلَهُ وَافْتَرَسَهُ سَبُعٌ فَعَلَى الْقَاطِعِ نِصْفُ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ النَّفْسَ تَلِفَتْ بِجِنَايَاتٍ أَرْبَعٍ وَاحِدَةً فَصَارَ كَأَنَّهَا تَلِفَتْ بِجِنَايَتَيْنِ إحْدَاهُمَا مُعْتَبَرَةٌ وَالْأُخْرَى مُهْدَرَةٌ. وَلَوْ قَطَعَ يَدَهُ رَجُلٌ وَجَرَحَهُ آخَرُ وَجَرَحَ هُوَ أَيْضًا نَفْسَهُ وَافْتَرَسَهُ سَبُعٌ ضَمِنَ الْقَاطِعُ رُبْعَ الدِّيَةِ وَالْجَارِحُ رُبْعَهَا؛ لِأَنَّ النَّفْسَ تَلِفَتْ بِجِنَايَاتٍ أَرْبَعَةٍ ثِنْتَانِ مِنْهَا مِنْ بَنِي آدَمَ وَهُمَا مُعْتَبَرَتَانِ وَوَاحِدَةٌ مِنْ غَيْرِ بَنِي آدَمَ، وَهِيَ مُهْدَرَةٌ فَقَدْ تَلِفَتْ بِجِنَايَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَجْنَبِيَّيْنِ رُبْعُهُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (، وَمَنْ أَشْهَرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ سَيْفًا وَجَبَ قَتْلُهُ) وَلَا شَيْءَ بِقَتْلِهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ شَهَرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ سَيْفًا فَقَدْ أَبْطَلَ دَمَهُ» ؛ وَلِأَنَّ دَفْعَ الضَّرَرِ وَاجِبٌ فَوَجَبَ عَلَيْهِمْ قَتْلُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ دَفْعُهُ إلَّا بِهِ وَلَا يَجِبُ عَلَى الْقَاتِلِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ صَارَ بَاغِيًا بِذَلِكَ وَكَذَا إذَا أَشْهَرَ عَلَى رَجُلٍ سِلَاحًا فَقَتَلَهُ أَوْ قَتَلَهُ غَيْرُهُ دَفْعًا عَنْهُ فَلَا يَجِبُ بِقَتْلِهِ شَيْءٌ لِمَا بَيَّنَّا وَلَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بِاللَّيْلِ أَوْ بِالنَّهَارِ فِي الْمِصْرِ أَوْ خَارِجَ الْمِصْرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ الْغَوْثُ بِاللَّيْلِ وَلَا فِي خَارِجِ الْمِصْرِ، فَكَانَ لَهُ دَفْعُهُ بِالْقَتْلِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِي الْمِصْرِ نَهَارًا وَفِي النَّوَادِرِ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَعَنْ الثَّانِي يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (، وَمَنْ شَهَرَ عَلَى رَجُلٍ سِلَاحًا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فِي الْمِصْرِ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ شَهَرَ عَلَيْهِ عَصًا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فِي غَيْرِهِ فَقَتَلَهُ الْمَشْهُورُ عَلَيْهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) لِمَا بَيَّنَّا مِنْ الْمَنْقُولِ وَالْمَعْقُولِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (، وَمَنْ شَهَرَ عَصًا نَهَارًا فِي مِصْرٍ فَقَتَلَهُ الْمَشْهُورُ عَلَيْهِ قُتِلَ بِهِ) ؛ لِأَنَّ الْعَصَا خَفِيفَةٌ وَالْغَوْثُ غَيْرُ مُنْقَطِعٍ فِي الْمِصْرِ فَكَانَ بِالْقَتْلِ مُعْتَدِيًا، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ كَالسِّلَاحِ عِنْدَهُ وَقِيلَ عِنْدَهُمَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ فِي الْعَمْدِ؛ لِأَنَّهُ كَالسِّلَاحِ عِنْدَهُمَا حَتَّى يَجِبَ الْقِصَاصُ بِالْقَتْلِ بِهِ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ وَقِيلَ، هَذَا فِي الزَّمَانِ الْمُتَقَدِّمِ أَمَّا الْيَوْمُ إذَا شَهَرَ عَلَيْهِ الْعَصَا فِي مِصْرٍ وَقَتَلَهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ النَّاسَ تَرَكُوا الْإِغَاثَةَ وَالْغَوْثَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (، وَإِنْ شَهَرَ الْمَجْنُونُ عَلَى غَيْرِهِ سِلَاحًا فَقَتَلَهُ الْمَشْهُورُ عَلَيْهِ عَمْدًا تَجِبُ الدِّيَةُ) وَعَلَى هَذَا، الصَّبِيُّ وَالدَّابَّةُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا تَجِبُ الدِّيَةُ فِي الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَجِبُ الضَّمَانُ فِي الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَهُ دَافِعًا عَنْ نَفْسِهِ فَصَارَ كَالْبَالِغِ الْعَاقِلِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مَحْمُولًا عَلَى قَتْلِهِ بِفِعْلِهِ كَأَنْ قَالَ لَهُ اُقْتُلْنِي وَإِلَّا قَتَلْتُك وَكَوْنُ الدَّابَّةِ مَمْلُوكَةً لِلْغَيْرِ لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي وُجُوبِ الضَّمَانِ كَالْعَبْدِ إذَا شَهَرَ سَيْفًا عَلَى رَجُلٍ فَقَتَلَهُ، فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ الضَّمَانُ فَكَذَا، هَذَا فَصَارَ كَالْعَبْدِ إذَا صَالَ عَلَى الْحُرِّ فَقَتَلَهُ وَلِأَبِي يُوسُفَ إنَّ فِعْلَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ مُعْتَبَرٌ أَصْلًا حَتَّى لَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّ وُجُوبِ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّ جِنَايَةَ الْعَجْمَاءِ جُبَارٌ وَكَذَا عِصْمَتُهَا لِحَقِّهَا وَعِصْمَةُ الدَّابَّةِ لِحَقِّ الْمَالِكِ فَكَانَ فِعْلُهُمَا مُسْقِطًا لِحَقِّهِمَا لِعِصْمَتِهِمَا فَلَا يَضْمَنَانِ وَيَضْمَنُ الدَّابَّةَ بِخِلَافِ الصَّيْدِ إذَا صَالَ عَلَى الْمُحْرِمِ أَوْ صَيْدُ الْحَرَمِ عَلَى الْحَلَالِ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ أَذِنَ فِي قَتْلِهِ وَلَمْ يُوجِبْ عَلَيْنَا تَحَمُّلَ أَذَاهُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْخَمْسَ الْفَوَاسِقَ أَبَاحَ قَتْلَهَا مُطْلَقًا لِتَوَهُّمِ الْأَذَى مِنْهَا فَمَا ظَنُّك إذَا تَحَقَّقَ الْأَذَى وَمَالِكُ الدَّابَّةِ لَمْ يَأْذَنْ فَيَجِبُ الضَّمَانُ وَكَذَا عِصْمَةُ عَبْدِ الْغَيْرِ لِحَقِّ نَفْسِهِ وَفِعْلُهُ مَحْظُورٌ فَتَسْقُطُ بِهِ عِصْمَتُهُ وَلَنَا أَنَّ الْفِعْلَ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ غَيْرُ مُتَّصِفٍ بِالْحُرْمَةِ فَلَمْ يَقَعْ بَغْيًا فَلَا تَسْقُطُ الْعِصْمَةُ بِهِ لِعَدَمِ الِاخْتِيَارِ الصَّحِيحِ؛ وَلِهَذَا يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ بِقَتْلِهِمَا، فَإِذَا لَمْ تَسْقُطْ كَانَ قَضِيَّتُهُ أَنْ يَجِبَ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَ نَفْسًا مَعْصُومَةً إلَّا أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ لِوُجُودِ الْمُبِيحِ، وَهُوَ دَفْعُ الشَّرِّ فَتَجِبُ الدِّيَةُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (وَلَوْ ضَرَبَهُ الشَّاهِرُ فَانْصَرَفَ فَقَتَلَهُ الْآخَرُ قُتِلَ الْقَاتِلُ) مَعْنَاهُ إذَا شَهَرَ رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ سِلَاحًا فَضَرَبَهُ الشَّاهِرُ فَانْصَرَفَ ثُمَّ إنَّ الْمَضْرُوبَ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَلَيْهِ ضَرَبَ الضَّارِبَ، وَهُوَ الشَّاهِرُ فَقَتَلَهُ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّ الشَّاهِرَ لَمَّا انْصَرَفَ بَعْدَ الضَّرْبِ عَادَ مَعْصُومًا مِثْلَ مَا كَانَ؛ لِأَنَّ حِلَّ دَمِهِ كَانَ بِاعْتِبَارِ شَهْرِهِ وَضَرْبِهِ، فَإِذَا رَجَعَ عَلَى وَجْهٍ لَا يُرِيدُ ضَرْبَهُ ثَانِيًا انْدَفَعَ شَرُّهُ فَلَا حَاجَةَ إلَى قَتْلِهِ لِارْتِفَاعِ شَرِّهِ بِدُونِهِ فَعَادَتْ عِصْمَتُهُ، فَإِذَا قَتَلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَقَدْ قَتَلَ رَجُلًا مَعْصُومًا ظُلْمًا فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 344 لَيْلًا فَأَخْرَجَ السَّرِقَةَ فَاتَّبَعَهُ فَقَتَلَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَاتِلْ دُونَ مَالِك» أَيْ لِأَجْلِ مَالِك؛ وَلِأَنَّ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ بِالْقَتْلِ ابْتِدَاءً فَكَذَا لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ بِهِ انْتِهَاءً إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَخْذِهِ مِنْهُ، وَلَوْ عَلِمَ أَنَّهُ لَوْ صَاحَ عَلَيْهِ يَطْرَحُ مَالَهُ فَقَتَلَهُ مَعَ ذَلِكَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّ قَتْلَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ إذَا قَتَلَ الْغَاصِبَ حَيْثُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى دَفْعِهِ بِالِاسْتِعَانَةِ بِالْمُسْلِمِينَ وَالْقَاضِي فَلَا تَسْقُطُ عِصْمَتُهُ بِخِلَافِ السَّارِقِ، وَاَلَّذِي لَا يَنْدَفِعُ بِالصِّيَاحِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [بَابُ الْقِصَاصِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ] لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْقِصَاصِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ؛ لِأَنَّ الْجُزْءَ يَتْبَعُ الْكُلَّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (يُقْتَصُّ بِقَطْعِ الْيَدِ مِنْ الْمَفْصِلِ، وَإِنْ كَانَتْ يَدُ الْقَاطِعِ أَكْبَرُ وَكَذَا الرِّجْلُ وَمَارِنُ الْأَنْفِ وَالْأُذُنُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45] أَيْ ذُو قِصَاصٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ} [المائدة: 45] وَالْقِصَاصُ يَنُبْنِي عَلَى الْمُمَاثَلَةِ فَكُلُّ مَا أَمْكَنَ فِيهِ رِعَايَةٌ لِلْمُمَاثَلَةِ يَجِبُ فِيهِ الْقِصَاصُ وَمَا لَا فَلَا وَقَدْ أَمْكَنَ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَلَا عِبْرَةَ بِكِبَرِ الْعُضْوِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوجِبُ التَّفَاوُتَ فِي الْمَنْفَعَةِ وَإِذَا قُلْنَا أَنَّ الْمَدَارَ عَنْ التَّسَاوِي فِي الْمَنْفَعَةِ فَلَا تُقْطَعُ الْيُمْنَى بِالْيُسْرَى وَلَا الصَّحِيحَةُ بِالشَّلَّاءِ وَلَا يَدُ الْمَرْأَةِ بِيَدِ الرَّجُلِ وَلَا يَدُ الْحُرِّ بِيَدِ الْعَبْدِ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ مِنْ الْمَفْصِلِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَطَعَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ الْمَفْصِلِ لَا قِصَاصَ فِيهِ وَفِي النَّوَادِرِ رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ إذَا قَطَعَ شَحْمَةَ أُذُنِهِ يُقْتَصُّ مِنْهُ، وَإِنْ قَطَعَ نِصْفَ أُذُنِهِ، وَكَانَ يَقْدِرُ أَنْ يُقْتَصَّ مِثْلَ ذَلِكَ اُقْتُصَّ مِنْهُ؛ لِأَنَّ شَحْمَةَ الْأُذُنِ لَهَا حَدٌّ مَعْلُومٌ وَلِلْأُذُنِ مَفَاصِلُ مَعْلُومَةٌ فَإِذَا قُطِعَ مِنْهَا شَيْءٌ يُعْلَمُ أَنَّ الْقَطْعَ مِنْ أَيِّ الْمَفْصِلِ أَمْكَنَ الْقِصَاصُ، وَكَذَلِكَ إذَا قَطَعَ غُضْرُوفَ الْأُذُنِ قَطْعًا يُسْتَطَاعُ فِيهِ الْقِصَاصُ اُقْتُصَّ مِنْهُ يَعْمَلُ ذَلِكَ بِحَدِيدَةٍ أَوْ بِغَيْرِ حَدِيدَةٍ، وَإِنْ جَذَبَ أُذُنَهُ فَانْتَزَعَ شَحْمَتَهُ لَا قِصَاصَ فِيهِ وَعَلَيْهِ الْأَرْشُ فِي مَالِهِ، وَإِنْ كَانَ أُذُنُ الْقَاطِعِ سَكًّا أَيْ صَغِيرَةَ الْخِلْقَةِ وَأُذُنُ الْمَقْطُوعِ صَحِيحَةً كَبِيرَةً كَانَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ نِصْفَ الدِّيَةِ، وَإِنْ شَاءَ قَطَعَهَا عَلَى صِغَرِهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ أُذُنُ الْقَاطِعِ مَقْطُوعَةً أَوْ خَرْمَاءَ أَوْ مَشْقُوقَةً كَانَ الْمَقْطُوعُ بِالْخِيَارِ، وَإِنْ كَانَتْ النَّاقِصَةُ هِيَ الْمَقْطُوعَةَ كَانَ لَهُ حُكُومَةُ عَدْلٍ لَا قِصَاصَ فِيهِ وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ، وَلَوْ قَطَعَ الْمَارِنَ، وَهُوَ أَرْنَبَةُ الْأَنْفِ فَفِيهَا الْقِصَاصُ، وَإِنْ قَطَعَ مِنْ أَصْلِهِ لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ عَظْمٌ، وَلَيْسَ بِمَفْصِلٍ وَلَا قِصَاصَ فِي الْعَظْمِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَوْ قَطَعَ ذَكَرَهُ مِنْ أَصْلِهِ أَوْ مِنْ الْحَشَفَةِ اُقْتُصَّ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ اسْتِيفَاؤُهُ عَلَى سَبِيلِ الْمُسَاوَاةِ إذْ لَهُ حَدٌّ مَعْلُومٌ فَأَشْبَهَ الْيَدَ مِنْ الْكُوعِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْعَيْنُ إنْ ذَهَبَ ضَوْءُهَا، وَهِيَ قَائِمَةٌ، وَإِنْ قَلَعَهَا لَا وَالسِّنُّ، وَإِنْ تَفَاوَتَا وَكُلُّ شَجَّةٍ تَتَحَقَّقُ فِيهَا الْمُمَاثَلَةُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ} [المائدة: 45] يَعْنِي لَوْ ضَرَبَ الْعَيْنَ فَأَذْهَبَ ضَوْءُهَا، وَهِيَ قَائِمَةٌ يَجِبُ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ بِأَنْ تُحْمَى لَهَا الْمِرْآةُ وَيُجْعَلُ عَلَى وَجْهِهِ قُطْنٌ رَطْبٌ وَتُشَدُّ عَيْنُهُ الْأُخْرَى ثُمَّ تُقَرَّبُ الْمِرْآةُ مِنْ عَيْنِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا انْقَلَعَتْ حَيْثُ لَا يُقْتَصُّ مِنْهُ لِعَدَمِ إمْكَانِ رِعَايَةِ الْمُمَاثَلَةِ، وَكَانَتْ هَذِهِ الْحَادِثَةُ وَقَعَتْ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَشَاوَرَ الصَّحَابَةَ فَقَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - يَجِبُ الْقِصَاصُ فَبَيَّنَ إمْكَانَ الِاسْتِيفَاءِ بِالطَّرِيقِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا ثُمَّ هُنَا لَمْ يُعْتَبَرْ الْكِبَرُ وَالصِّغَرُ حَتَّى أُجْرِيَ الْقِصَاصُ فِي الْكُلِّ بِاسْتِيفَاءِ الْكُلِّ وَاعْتُبِرَ بِالشَّجَّةِ فِي الرَّأْسِ إذَا كَانَتْ اسْتَوْعَبَتْ رَأْسَ الْمَشْجُوجِ، وَهِيَ لَمْ تَسْتَوْعِبْهُ رَأْسُ الشَّاجِّ فَأَثْبَتَ لِلْمَشْجُوجِ الْخِيَارَ إنْ شَاءَ اقْتَصَّ وَأَخَذَ بِقَدْرِ شَجَّتِهِ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ أَرْشَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَا لَحِقَهُ مِنْ الشَّيْنِ أَكْثَرُ؛ لِأَنَّ الشَّجَّةَ الْمُسْتَوْعِبَةَ لِمَا بَيْنَ قَرْنَيْهِ أَكْثَرُ شَيْنًا مِنْ الشَّجَّةِ الَّتِي لَمْ تَسْتَوْعِبْ مَا بَيْنَ قَرْنَيْهِ بِخِلَافِ قَطْعِ الْعُضْوِ، فَإِنَّ الشَّيْنَ فِيهِ لَا يَخْتَلِفُ، وَكَذَا مَنْفَعَتُهُ لَا تَخْتَلِفُ فَلَمْ يُمْكِنْ إلَّا الْقِصَاصُ لِوُجُودِ الْمُسَاوَاةِ فِيهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَإِذَا قُلِعَتْ لَا يَجِبُ حَيْثُ لَا يُمْكِنُ الْمُمَاثَلَةُ إذْ لَا قُدْرَةَ لَنَا أَنْ نَفْعَلَ بِهِ كَمَا فُعِلَ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ؛ فَلِهَذَا لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ، وَفِي الْهِدَايَةِ، وَلَوْ قَلَعَ السِّنَّ مِنْ أَصْلِهِ يُقْلَعُ الثَّانِي تَمَاثُلًا قَالَ صَاحِبُ الْكَافِي: وَعَامَّةُ شُرَّاحِ الْكِتَابِ فِي هَذَا الْمَقَامِ، وَلَوْ قَلَعَ السِّنَّ مِنْ أَصْلِهِ لَا يُقْلَعُ سِنُّهُ قِصَاصًا لِتَعَذُّرِ اعْتِبَارِ الْمُمَاثَلَةِ فَرُبَّمَا تَفْسُدُ بِهِ الْمُمَاثَلَةُ، وَلَكِنْ تُبْرَدُ بِالْمِبْرَدِ إلَى مَوْضِعِ أَصْلِ السِّنِّ، وَعَزَاهُ الشَّارِحُ إلَى الْمَبْسُوطِ. أَقُولُ: أُسْلُوبُ تَحْرِيرِهِمْ هَاهُنَا مَحَلُّ تَعَجُّبٍ، فَإِنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ لَا بِالرَّدِّ وَلَا بِالْقَبُولِ بَلْ ذَكَرُوا الْمَسْأَلَةَ عَلَى خِلَافِ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ، وَكَانَ مِنْ دَأْبِ الشُّرَّاحِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 345 التَّعَرُّضُ لِمَا فِي الْكِتَابِ إمَّا بِالْقَبُولِ، وَإِمَّا بِالرَّدِّ فَكَأَنَّهُمْ لَمْ يَرَوْا أَصْلًا نَعَمْ الْقَوْلُ الَّذِي نَقَلْته هَاهُنَا عَنْ الْمُصَنِّفِ غَيْرُ مَذْكُورٍ فِي بَعْضِ النُّسَخِ لَكِنَّهُ وَاقِعٌ فِي كَثِيرٍ مِنْ النُّسَخِ لَيْسَ بِمَثَابَةِ أَنْ لَا يَطَّلِعَ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ الشَّرَائِعِ كَيْفَ، وَقَدْ أَخَذَهُ صَاحِبُ الْوِقَايَةِ فَذَكَرَهُ فِي مَتْنِهِ حَيْثُ قَالَ وَلَا قَوَدَ فِي عَظْمٍ إلَّا فِي السِّنِّ فَتُقْلَعُ إنْ قُلِعَتْ وَتُبْرَدُ إنْ كُسِرَتْ، وَكَانَ مَا أَخَذَهُ مَتْنُ الْوِقَايَةِ هُوَ الْهِدَايَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُهُ، وَكَذَا ذَكَرَهُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمُتُونِ ثُمَّ إنَّ التَّحْقِيقَ هَاهُنَا هُوَ أَنَّهُ إذَا قَلَعَ سِنَّ غَيْرِهِ هَلْ يُقْلَعُ سِنُّهُ قِصَاصًا أَمْ يُبْرَدُ بِالْمِبْرَدِ إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى اللَّحْمِ فِيهِ رِوَايَتَانِ كَمَا أَفْصَحَ عَنْهُ فِي الْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيُّ حَيْثُ قَالَ إنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ بِكَسْرِ بَعْضِ السِّنِّ يُؤْخَذُ مِنْ سِنِّ الْكَاسِرِ بِالْمِبْرَدِ مِقْدَارُ مَا كَسَرَ مِنْ سِنِّ الْآخَرِ، وَهَذَا بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ بِقَلْعِ سِنٍّ ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّهُ لَا يُقْلَعُ سِنُّ الْقَالِعِ، وَلَكِنْ يُبْرَدُ سِنُّ الْقَالِعِ بِالْمِبْرَدِ إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى اللَّحْمِ وَيَسْقُطُ الْبَاقِي وَإِلَيْهِ مَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِهِ أَنَّهُ يُقْلَعُ سِنُّ الْقَالِعِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ حَيْثُ ذَكَرَ بِلَفْظِ النَّزْعِ وَالنَّزْعُ وَالْقَلْعُ وَاحِدٌ وَفِي الزِّيَادَاتِ نَصَّ عَلَى الْقَلْعِ إلَى هُنَا لَفْظُ الْمُحِيطِ. وَأَمَّا الشَّفَتَانِ فَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ إنْ كَانَ خَطَأً، وَأَمَّا إذَا كَانَ عَمْدًا فَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِهِ عَنْ الْإِمَامِ إذَا قَطَعَ شَفَةَ رَجُلٍ السُّفْلَى أَوْ الْعُلْيَا، وَكَانَ يُسْتَطَاعُ أَنْ يُقْتَصَّ مِنْهُ بِقَدْرِ مَا فَعَلَ يَجِبُ الْقِصَاصُ، وَإِنْ قَطَعَ بَعْضَهُ لَا يَجِبُ وَيُقْتَصُّ الْعُلْيَا بِالْعُلْيَا وَالسُّفْلَى بِالسُّفْلَى وَقَوْلُهُ وَالسِّنُّ إنْ تَفَاوَتَتْ يَعْنِي يَجِبُ قَطْعُ السِّنِّ بِالسِّنِّ إذَا أَمْكَنَتْ الْمُمَاثَلَةُ، وَإِنْ تَفَاوَتَا فِي الصِّغَرِ وَالْكِبَرِ وَإِلَّا فَلَا، وَفِي الْمُنْتَقَى إذَا أَرَادَ أَنْ يَقْلَعَ سِنَّ آخَرَ ظُلْمًا فَلَهُ أَنْ يَقْتُلَهُ إذَا كَانَ فِي مَوْضِعٍ لَا يُغِيثُهُ النَّاسُ، وَفِي الذَّخِيرَةِ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْرُدَ سِنَّ آخَرَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْتُلَهُ، وَإِنْ كَانَ لَا يُغَاثُ وَفِي الْأَصْلِ يَنْبَغِي أَنْ يُؤْخَذَ الضِّرْسُ بِالضِّرْسِ وَالثَّنِيَّةُ بِالثَّنِيَّةِ وَالنَّابُ بِالنَّابِ وَلَا يُؤْخَذُ الْأَعْلَى بِالْأَسْفَلِ بَلْ بِالْأَعْلَى، وَفِي الْخُلَاصَةِ الْحَاصِلُ أَنَّ النَّزْعَ مَشْرُوعٌ وَالْأَخْذُ بِالْمِبْرَدِ احْتِيَاطٌ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَإِذْ كَسَرَ سِنَّ إنْسَانٍ وَسِنُّ الْكَاسِرِ أَكْبَرُ يُقْتَصُّ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ فِي الْقَلْعِ وَلَا قِصَاصَ فِي السِّنِّ الزَّائِدَةِ، وَإِنَّمَا فِيهَا حُكُومَةُ عَدْلٍ، وَإِذَا كَسَرَ سِنَّ إنْسَانٍ، وَالسِّنُّ الْمَكْسُورَةُ مِثْلُ رُبْعِ سِنِّ الْكَاسِرِ يُقْتَصُّ مِنْهُ وَلَا يَكُونُ عَلَى قَدْرِ الصِّغَرِ وَالْكِبَرِ بَلْ يَكُونُ عَلَى قَدْرِ مَا كَسَرَهُ مِنْ السِّنِّ وَفِي الْحَاوِي، فَإِنْ كَانَ سِنُّ الْمَنْزُوعِ أَطْوَلَ وَأَعْظَمَ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا الْقِصَاصُ، وَإِنْ كُسِرَ إنْ كَانَ مُسْتَوِيًا يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ مِنْهُ اُقْتُصَّ مِنْهُ بِمِبْرَدٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَوِيًا وَلَا يُسْتَطَاعُ أَنْ يُقْتَصَّ كَانَ عَلَيْهِ أَرْشُهُ، وَفِي الْخُلَاصَةِ، وَإِنْ كَسَرَ ثُلُثًا لَيْسَ بِمُسْتَوٍ بِحَيْثُ لَا يُسْتَطَاعُ أَنْ يُقْتَصَّ مِنْهُ فَعَلَيْهِ أَرْشُ ذَلِكَ فِي كُلِّ سِنٍّ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ أَوْ مِنْ الْبَقَرِ. وَفِي الْمُنْتَقَى إذَا كَسَرَ مِنْ سِنِّ رَجُلٍ طَائِفَةٌ مِنْهَا اُنْتُظِرَ بِهَا حَوْلًا، فَإِذَا تَمَّ الْحَوْلُ وَلَمْ يَكْمُلْ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ تُبْرَدُ بِالْمِبْرَدِ وَيُطْلَبُ لِذَلِكَ طَبِيبٌ عَالِمٌ أَوْ يُقَالُ لَهَا قِيمَتُهَا كَمْ ذَهَبَ مِنْهَا؟ ، فَإِنْ قَالَ ذَهَبَ مِنْهَا النِّصْفُ يُبْرَدُ مِنْ سِنِّ الْقَالِعِ النِّصْفُ وَفِيهِ أَيْضًا إذَا كَسَرَ مِنْ رَجُلٍ بَعْضَهَا وَسَقَطَ مَا بَقِيَ، فَإِنَّ أَبَا يُوسُفَ كَانَ يَقُولُ يَجِبُ الْقِصَاصُ وَفِي الْقُدُورِيِّ لَا قِصَاصَ فِي الْمَشْهُورِ وَرَوَى الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا نَزَعَ الرَّجُلُ سِنَّ رَجُلٍ فَنَبَتَ نِصْفُهَا فَعَلَيْهِ نِصْفُ أَرْشِهَا وَلَا قِصَاصَ فِي ذَلِكَ، فَإِنْ نَبَتَتْ بَيْضَاءَ تَامَّةً ثُمَّ نَزَعَهَا آخَرُ يُنْتَظَرُ بِهَا سَنَةً، فَإِنْ نَبَتَتْ وَإِلَّا اُقْتُصَّ مِنْهُ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْأَوَّلِ وَقَالَ ابْنُ أَبِي مَالِكٍ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَجِبُ عَلَيْهِ، فَإِنْ نَبَتَتْ صَفْرَاءَ، فَعَلَيْهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ، وَقَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ فِي السِّنِّ إذَا نُزِعَتْ يُنْتَظَرُ بِهَا سَنَةً، فَإِنْ لَمْ تَنْبُتْ اُقْتُصَّ مِنْهُ، وَفِي جَامِعِ الْفَتَاوَى فِي الْإِمْلَاءِ يُقْتَصُّ مِنْ سَاعَتِهِ، وَإِنْ نَبَتَتْ صَفْرَاءُ فَفِيهَا حُكُومَةُ عَدْلٍ وَرَوَى ابْنُ مَالِكٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي السِّنِّ إذَا نُزِعَتْ يُنْتَظَرُ بِهَا الْبَرْدُ ثُمَّ يُقْتَصُّ مِنْ الْجَانِي، وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ إذَا كَسَرَ بَعْضَ سِنِّ إنْسَانٍ عَمْدًا ثُمَّ اسْوَدَّ الْبَاقِي بِذَلِكَ أَوْ احْمَرَّتْ أَوْ اخْضَرَّتْ أَوْ دَخَلَهَا عَيْبٌ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ فَلَا قِصَاصَ. وَيَجِبُ الْأَرْشُ فِي مَالِ الْجَانِي، وَبِهَذِهِ الرِّوَايَةِ تَبَيَّنَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي الْإِمَامُ صَدْرُ الْإِسْلَامِ وَالصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَإِذَا كَسَرَ بَعْضَ سِنِّ إنْسَانٍ وَاسْوَدَّ الْبَاقِي يَجِبُ فِيهَا حُكُومَةُ عَدْلٍ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، وَلَوْ قَالَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ أَنَا أَسْتَوْفِي الْقِصَاصَ فِي الْمَكْسُورِ وَأَتْرُكُ مَا اسْوَدَّ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَإِذَا ضَرَبَ سِنَّ إنْسَانٍ فَتَحَرَّكَ يُنْتَظَرُ فِيهِ حَوْلًا، فَإِنْ احْمَرَّ أَوْ اخْضَرَّ أَوْ اسْوَدَّ تَجِبُ الدِّيَةُ كَامِلَةً فِي مَالِ الْجَانِي، وَإِنْ اصْفَرَّ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ هَكَذَا ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِهِ قَالَ بَعْضُهُمْ: يَجِبُ كَمَالُ أَرْشِ السِّنِّ كَمَا فِي الْأَسْوَدِ وَالْأَحْمَرِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَجِبُ حُكُومَةُ عَدْلٍ وَذَكَرَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 346 شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَحْمَدُ الطَّوَاوِيسِيُّ فِي شَرْحِهِ أَنَّ فِي هَذَا الْفَصْلِ اخْتِلَافُ الرِّوَايَاتِ وَرَوَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ كَمَالُ الْأَرْشِ كَمَا فِي الْأَسْوَدِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ يُنْظَرُ فِي ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ يَلْحَقُهُ مِنْ الشَّيْنِ بِسَبَبِ الِاصْفِرَارِ مَا يَلْحَقُهُ مِنْ الشَّيْنِ بِسَبَبِ الِاسْوِدَادِ يَلْزَمُهُ كَمَالُ الْأَرْشِ وَإِلَّا فَيُقَدَّرُ الشَّيْنُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ حُكُومَةُ عَدْلٍ وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّ هِشَامًا رَوَى عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ سِنَّ الْحُرِّ إذَا اصْفَرَّتْ فَلَا شَيْءَ، وَإِنْ كَانَ عَبْدًا فَفِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ فِيهِ الْحُكُومَةَ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي مَالِكٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الصُّفْرَةَ إذَا اشْتَدَّتْ حَتَّى صَارَتْ كَالْخُضْرَةِ فَفِيهَا كَمَالُ الْأَرْشِ، وَإِنْ كَانَتْ دُونَ ذَلِكَ فَفِيهَا الْحُكُومَةُ ثُمَّ إنَّ مُحَمَّدًا أَوْجَبَ كَمَالَ الْأَرْشِ بِاسْوِدَادِ السِّنِّ وَلَمْ يُفَصِّلْ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ السِّنُّ مِنْ الْأَضْرَاسِ الَّتِي لَا تُرَى أَوْ مِنْ الْقَوَارِضِ الَّتِي تُرَى قَالُوا وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ فِيهَا عَلَى التَّفْصِيلِ إنْ كَانَ السِّنُّ مِنْ الْأَضْرَاسِ الَّتِي لَا تُرَى إنْ فَاتَتْ مَنْفَعَةُ الْمَضْغِ بِالِاسْوِدَادِ يَجِبُ الْأَرْشُ كَامِلًا، وَإِنْ لَمْ تَفُتْ مَنْفَعَةُ الْمَضْغِ يَجِبُ فِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ. وَإِنْ كَانَ السِّنُّ قَائِمَةً مِنْ الْقَوَارِضِ الَّتِي تُرَى وَتَظْهَرُ مِنْ الْأَسْنَانِ فَيَجِبُ كَمَالُ الْأَرْشِ بِالِاسْوِدَادِ، وَإِنْ لَمْ تَفُتْ مَنْفَعَتُهُ. وَفِي الْيَنَابِيعِ، وَلَوْ ضَرَبَ سِنَّ إنْسَانٍ فَتَحَرَّكَتْ سِنُّهُ الْأُخْرَى فَجَاءَ لِلْقَاضِي لِيُظْهِرَ أَثَرَ فِعْلِهِ، فَإِنْ أَجَّلَهُ الْقَاضِي حَوْلًا وَقَدْ سَقَطَتْ سِنُّهُ فَاخْتَلَفَا قَبْلَ السَّنَةِ فَقَالَ الْمَضْرُوبُ مِنْ ضَرْبِك وَقَالَ الضَّارِب لَا بَلْ مِنْ ضَرْبِ رَجُلٍ آخَرَ فَالْقَوْلُ لِلْمَضْرُوبِ، وَإِنْ جَاءَ بَعْدَ السَّنَةِ وَاخْتَلَفَا الْقَوْلُ لِلضَّارِبِ، وَلَوْ لَمْ تَسْقُطْ لَا شَيْءَ عَلَى الضَّارِبِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ تَجِبُ حُكُومَةُ عَدْلٍ فِي الْأَلَمِ وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَمَنْ ضَرَبَ رَجُلًا حَتَّى سَقَطَ أَسْنَانُهُ كُلُّهَا، وَهِيَ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ سِنًّا مِنْهَا عِشْرُونَ أَضْرَاسٌ وَأَرْبَعَةُ أَنْيَابٍ وَأَرْبَعُ ثَنَايَا وَأَرْبَعُ ضَوَاحِكَ، فَإِنَّ عَلَيْهِ دِيَةٌ وَثَلَاثَةُ أَخْمَاسِ الدِّيَةِ، وَهِيَ مِنْ الدَّرَاهِمِ سِتَّةَ عَشَرَ أَلْفًا فِي السَّنَةِ الْأُولَى ثُلُثَا الدِّيَةِ ثُلُثٌ مِنْ الدِّيَةِ الْكَامِلَةِ وَثُلُثٌ مِنْ ثَلَاثَةِ أَخْمَاسِ الدِّيَةِ وَفِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ وَفِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ، وَهِيَ مَا بَقِيَ مِنْ الدِّيَةِ وَالثَّلَاثَةِ أَخْمَاسٍ، وَإِذَا قَلَعَ الرَّجُلُ سِنَّ رَجُلٍ خَطَأً ثُمَّ نَبَتَتْ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْقَالِعِ عِنْدَ عُلَمَائِنَا وَرُوِيَ عَنْهُمَا فِي النَّوَادِرِ أَنَّهُ يَجِبُ الْأَرْشُ وَالصَّحِيحُ مَا قُلْنَا؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ يَأْبَى وُجُوبَ الْأَرْشِ بِالْقَلْعِ، وَإِنْ لَمْ تَنْبُتْ؛ لِأَنَّ الْمُتْلَفَ لَيْسَ بِمَالٍ وَلَكِنَّا تَرَكْنَا الْقِيَاسَ بِالنَّصِّ، وَإِنَّمَا أَوْجَبَ النَّصُّ الْأَرْشَ إذَا لَمْ تَنْبُتْ مَكَانَهُ أُخْرَى فَإِذَا نَبَتَتْ مَكَانَهُ أُخْرَى يَقَعُ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ فَإِذَا نَبَتَتْ أُخْرَى سَوْدَاءُ بَقِيَ الْأَرْشُ عَلَى حَالِهِ وَإِذَا نَزَعَ سِنَّ رَجُلٍ عَمْدًا أَوْ انْتَزَعَ الْمَنْزُوعُ سِنُّهُ سِنَّ النَّازِعِ ثُمَّ نَبَتَتْ سِنُّ الْأَوَّلِ فَعَلَى الْأَوَّلِ أَرْشُ سِنِّ الثَّانِي، وَلَوْ نَبَتَ مُعْوَجًّا يَجِبُ حُكُومَةُ عَدْلٍ. وَإِنْ نَبَتَتْ سَوْدَاءَ جُعِلَ كَأَنَّهَا لَمْ تَنْبُتْ وَفِي الْكَافِي، وَلَوْ قَلَعَ سِنَّ غَيْرِهِ فَرَدَّهَا صَاحِبُهَا إلَى مَكَانِهَا وَنَبَتَ عَلَيْهَا اللَّحْمُ فَعَلَى الْقَالِعِ كَمَالُ الْأَرْشِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ: عَلَيْهِ الضَّمَانُ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَطَعَ شَجَرَةَ رَجُلٍ فَنَبَتَتْ مَكَانَهَا أُخْرَى حَيْثُ لَا يَسْقُطُ الضَّمَانُ السِّغْنَاقِيُّ ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ، وَلَوْ قَلَعَ سِنَّ رَجُلٍ فَنَبَتَتْ كَمَا كَانَتْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَيَرْجِعُ عَلَى الْجَانِي بِقَدْرِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ ثَمَنِ الدَّوَاءِ وَأُجْرَةِ الْأَطِبَّاءِ وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ لَا يَجِبُ شَيْءٌ، وَفِي الْيَنَابِيعِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَوْ نَبَتَتْ سِنُّ الْبَالِغِ بَعْدَ الْقَلْعِ لَا يَسْقُطُ الْأَرْشُ بَلْ تَلْزَمُهُ الدِّيَةُ كَامِلَةً بِخِلَافِ سِنِّ الصَّبِيِّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا شَيْءَ فِي سِنِّ الصَّبِيِّ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: فِيهَا حُكُومَةُ عَدْلٍ، وَإِذَا لَمْ تَنْبُتْ يَجِبُ فِيهَا الْأَرْشُ كَامِلًا، وَإِذَا قَلَعَ الرَّجُلُ ثَنِيَّةَ رَجُلٍ عَمْدًا وَاقْتُصَّ لَهُ مِنْ ثَنِيَّةِ الْقَالِعِ ثُمَّ نَبَتَتْ ثَنِيَّتُهُ لَمْ يَكُنْ لِلْمُقْتَصِّ لَهُ أَنْ يَقْلَعَ تِلْكَ الثَّنِيَّةَ الَّتِي نَبَتَتْ ثَانِيًا، وَمِثْلُهُ لَوْ نَبَتَتْ ثَنِيَّةُ الْمُقْتَصِّ لَهُ، وَلَمْ تَنْبُتْ ثَنِيَّةُ الْمُقْتَصِّ مِنْهُ غَرِمَ الْمُقْتَصُّ لِلْمُقْتَصِّ مِنْهُ أَرْشَ ثَنِيَّتِهِ قَالَ فِي الْأَصْلِ: إذَا قَلَعَ الرَّجُلُ سِنَّ رَجُلٍ فَأَخَذَ الْمَقْلُوعُ سِنَّهُ وَأَثْبَتهَا فِي مَكَانِهَا فَثَبَتَتْ فَقَدْ كَانَ الْقَلْعُ خَطَأً فَعَلَى الْقَالِعِ أَرْشُ السِّنِّ كَامِلًا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: وَهَذَا إذَا لَمْ يَعُدْ إلَى حَالَتِهِ الْأُولَى بَعْدَ الثَّبَاتِ فِي الْمَنْفَعَةِ وَالْجَمَالِ، وَالْغَالِبُ أَنْ لَا يَعُودَ إلَى تِلْكَ الْحَالَةِ، وَإِذَا تُصُوِّرَ عَوْدُ الْجَمَالِ وَالْمَنْفَعَةِ بِالْإِثْبَاتِ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْقَالِعِ شَيْءٌ كَمَا لَوْ نَبَتَتْ السِّنُّ الْمَقْلُوعَةُ. قَالَ فِي الْأَصْلِ إذَا نَزَعَ ثَنِيَّةَ رَجُلٍ وَثَنْيَةُ الْجَانِي سَوْدَاءُ فَالْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بِالْخِيَارِ، وَعَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا فِي مَسْأَلَةِ الْعَيْنِ وَتَفْرِيعُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى نَحْوِ تَفْرِيعِ مَسْأَلَةِ الْعَيْنِ، وَفِي السِّغْنَاقِيِّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِيمَا إذَا قَلَعَ سِنَّ رَجُلٍ بَالِغٍ ثُمَّ نَبَتَ مَكَانَهَا أُخْرَى يَجِبُ حُكُومَةُ الْعَدْلِ لِمَكَانِ الْأَلَمِ فَيُقَوَّمُ، وَبِهِ هَذَا الْأَلَمُ فَيَجِبُ مَا اُنْتُقِصَ مِنْهُ بِسَبَبِ الْأَلَمِ مِنْ الْقِيمَةِ، وَلَوْ نَزَعَ ثَنِيَّةَ رَجُلٍ وَثَنْيَةُ النَّازِعِ سَوْدَاءُ، فَلَمْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 347 يَتَخَيَّرْ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ شَيْئًا حَتَّى سَقَطَتْ السِّنُّ السَّوْدَاءُ، وَنَبَتَتْ مَكَانَهَا أُخْرَى صَحِيحَةٌ فَقَدْ بَطَلَ حَقُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، وَفِي الْكَافِي وَكَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْقَالِعِ ثَنِيَّةٌ حِينَ قَلَعَ ثُمَّ نَبَتَتْ، فَلَا قِصَاصَ لَهُ وَلَهُ الْأَرْشُ، وَلَوْ قَلَعَ رَجُلٌ ثَنِيَّةَ رَجُلٍ وَثَنْيَةُ الْقَالِعِ مَقْلُوعَةٌ فَنَبَتَتْ ثَنِيَّتُهُ بَعْدَ الْقَلْعِ، فَلَا قِصَاصَ فِيهِ وَلِلْمَقْلُوعِ ثَنِيَّتُهُ أَرْشُهَا، وَفِي الْمُجَرَّدِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا نَزَعَ سِنَّ إنْسَانٍ يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَأْخُذَ ضَمِينًا مِنْ النَّازِعِ ثُمَّ يُؤَجِّلَهُ سَنَةً مِنْ النَّزْعِ فَإِذَا مَضَتْ سَنَةٌ، وَلَمْ تَنْبُتْ اُقْتُصَّ مِنْهُ، وَعَلَى هَذَا إذَا ضَرَبَ إنْسَانٌ إنْسَانًا وَاسْوَدَّ السِّنُّ فَقَالَ الضَّارِبُ: إنَّمَا اسْوَدَّتْ مِنْ ضَرْبَةٍ حَدَثَتْ فِيهَا بَعْدَ ضَرْبَتِي فَالْقَوْلُ لِلْمَضْرُوبِ اسْتِحْسَانًا هَكَذَا ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْأَصْلِ وَهَكَذَا رَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَفِي الْمُنْتَقَى فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ مِنْ الْجِنَايَاتِ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي عَيْنِ هَذِهِ الصُّورَةِ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الضَّارِبِ، وَلَيْسَ هَذَا فِي شَيْءٍ مِنْ الْجِنَايَاتِ إلَّا فِي السِّنِّ لِلْأَثَرِ. وَفِي النَّوَازِلِ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ ضَرَبَ عَلَى وَجْهِ رَجُلٍ فَتَنَاثَرَتْ أَسْنَانُهُ كُلُّهَا قَالَ يَجِبُ لِكُلِّ سِنٍّ دِيَةٌ خَمْسُمِائَةٍ قَالَ الْفَقِيهُ إنْ كَانَتْ جُمْلَتُهَا اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ سِتَّةَ عَشَرَ أَلْفًا، وَإِنْ كَانَتْ أَسْنَانُهُ ثَلَاثِينَ فَعَلَيْهِ خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفًا، وَلَوْ كَانَتْ ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ، فَعَلَيْهِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ أَلْفًا، وَفِي السِّرَاجِيَّةِ فِي سِنِّ الرَّجُلِ خَمْسُمِائَةٍ وَفِي سِنِّ الْمَرْأَةِ نِصْفُ ذَلِكَ وَفِي الْفَتَاوَى أَمَرَهُ بِنَزْعِ سِنِّهِ ثُمَّ اخْتَلَفَا فَقَالَ الْآمِرُ: أَمَرْتُك بِغَيْرِ هَذَا، فَإِنَّهُ قَالَ الْقَوْلُ قَوْلُ الْآمِرِ مَعَ يَمِينِهِ، فَإِذَا حَلَفَ فَأَرْشُ السِّنِّ عَلَى عَاقِلَةِ الْمَأْمُورِ أَوْ فِي مَالِهِ لَا رِوَايَةَ فِي هَذَا وَفِي الْمُنْتَقَى قَالُوا وَلَيْسَ فِي نَفْسِ الْآدَمِيِّ شَيْءٌ مِنْ الْأَعْضَاءِ دِيَتُهُ زَائِدَةٌ عَلَى دِيَةِ النَّفْسِ إلَّا الْأَسْنَانَ رَجُلَانِ قَامَا فِي اللَّعِبِ لِيَتَضَارَبَا بِالْوَكْزِ يَعْنِي (مَسَّهُ دَرَنٌ حابرل) فَرَكِبَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ وَكَسَرَ سِنَّهُ فَعَلَى الضَّارِبِ الْقِصَاصُ وَلَكِنْ بِالشَّرَائِطِ الَّتِي قُلْنَا؛ لِأَنَّ هَذَا عَمْدٌ وَالْمَسْأَلَةُ كَانَتْ وَاقِعَةَ الْفَتْوَى عَلَى هَذَا وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَلَوْ قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا (درن) فَوَكَزَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ اقْطَعْ يَدِي فَقَطَعَهَا، وَإِذَا قَلَعَ سِنَّ صَبِيٍّ آخَرَ حَوْلًا فَمَاتَ الصَّبِيُّ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْجَانِي فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: فِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ وَفِي الْكُبْرَى قَالَ فِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ، وَإِذَا ضَرَبَ سِنَّ رَجُلٍ فَاسْوَدَّ سِنُّ الرَّجُلِ ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَنَزَعَهَا فَعَلَى الْأَوَّلِ تَمَامُ أَرْشِهَا، وَفِي الْخَانِيَّةِ خَمْسُمِائَةٍ وَعَلَى الثَّانِي حُكُومَةُ عَدْلٍ وَإِذَا نَزَعَ سِنَّ رَجُلٍ وَسِنُّ الثَّانِي سَوْدَاءُ أَوْ صَفْرَاءُ أَوْ حَمْرَاءُ أَوْ خَضْرَاءُ وَالنَّزْعُ كَانَ عَمْدًا يُخَيَّرُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اقْتَصَّ مِنْهُ. وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ أَرْشَ سِنِّهِ خَمْسَمِائَةٍ، وَإِنْ كَانَ الْمَعْيُوبُ سِنَّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فَلَهُ حُكُومَةُ عَدْلٍ وَلَا يُقْتَصُّ سِنُّهُ لِسِنِّهِ وَفِي الْخَانِيَّةِ، وَلَوْ ضَرَبَ سِنَّ إنْسَانٍ فَاسْوَدَّتْ وَسِنُّ الْجَانِي سَوْدَاءُ أَوْ حَمْرَاءُ أَوْ خَضْرَاءُ أَوْ صَفْرَاءُ كَانَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ، وَإِنْ شَاءَ اسْتَوْفَى الْقِصَاصَ نَاقِصًا وَفِي الْكُبْرَى، وَلَوْ نَزَعَ سِنَّ رَجُلٍ فَنَبِتْ نِصْفُهَا فَعَلَيْهِ نِصْفُ أَرْشِهَا، وَإِنْ نَبَتَتْ صَفْرَاءَ فَفِيهَا حُكُومَةُ عَدْلٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا قِصَاصَ فِي عَظْمٍ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا قِصَاصَ فِي الْعَظْمِ» وَقَالَ عُمَرُ وَابْنُ مَسْعُودٍ: لَا قِصَاصَ فِي عَظْمٍ إلَّا فِي السِّنِّ، وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ وَبِمَوْضُوعِ صَاحِبِ الْكِتَابِ؛ وَلِأَنَّ الْقِصَاصَ يَنْبَنِي عَنْ الْمُسَاوَاةِ، وَقَدْ تَعَذَّرَ اعْتِبَارُهَا فِي غَيْرِ السِّنِّ، وَاخْتَلَفَ الْأَطِبَّاءُ فِي السِّنِّ هَلْ هُوَ عَظْمٌ أَوْ طَرَفُ عَصَبٍ يَابِسٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يُنْكِرُ أَنَّهُ عَظْمٌ؛ لِأَنَّهُ يَحْدُثُ وَيَنْمُو بَعْدَ تَمَامِ الْخِلْقَةِ وَيَلِينُ بِالْخَلِّ فَعَلَى هَذَا لَا يُحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُ، وَبَيْنَ سَائِرِ الْعِظَامِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَظْمٍ فَلَعَلَّ صَاحِبَ الْكِتَابِ تَرَكَ السِّنَّ لِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ الِاسْمِ؛ وَلِذَا لَمْ يَسْتَثْنِهِ فِي الْحَدِيثِ وَلَئِنْ قُلْنَا بِأَنَّهُ عَظْمٌ فَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَائِرِ الْعِظَامِ أَنَّ الْمُسَاوَاةَ فِيهِ مُمْكِنَةٌ بِأَنْ يُبْرَدَ بِالْمِبْرَدِ بِقَدْرِ مَا كُسِرَ مِنْهُ وَكَذَلِكَ إنْ قُلِعَ سِنُّهُ، فَإِنَّهُ لَا يُقْلَعُ سِنُّهُ قِصَاصًا لِتَعَذُّرِ اعْتِبَارِ الْمُمَاثَلَةِ فِيهِ فَلَرُبَّمَا تَفْسُدُ بِهِ، وَإِنَّمَا يُبْرَدُ بِالْمِبْرَدِ إلَى مَوْضِعِ أَصْلِ السِّنِّ كَذَا ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الذَّخِيرَةِ وَالْمَبْسُوطِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَطَرَفَيْ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ وَحُرٍّ وَعَبْدٍ وَعَبْدَيْنِ) أَيْ لَا قِصَاصَ فِي الطَّرَفِ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فَقَوْله وَطَرَفُ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ إلَى آخِرِهِ، فَإِنْ قِيلَ سَلَّمْنَا وُجُودَ التَّفَاوُتِ فِي الْقِيمَةِ فِي الْأَطْرَافِ، وَأَنَّهُ يَمْنَعُ الِاسْتِيفَاءِ لَكِنْ الْمَعْقُولُ مِنْهُ مَنْعُ اسْتِيفَاءِ الْأَكْمَلِ بِالْأَنْقَصِ دُونَ الْعَكْسِ، فَإِنَّ الشَّلَّاءَ تُقْطَعُ بِالصَّحِيحَةِ، وَأَنْتُمْ لَا تَقْطَعُونَ يَدَ الْمَرْأَةِ بِيَدِ الرَّجُلِ وَلَا يَدَ عَبْدٍ بِحُرٍّ. وَالْجَوَابُ إنَّا قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَطْرَافَ يُسْلَكُ بِهَا مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ؛ لِأَنَّهَا خُلِقَتْ وِقَايَةً لِلْأَنْفُسِ كَالْمَالِ، فَالْوَاجِبُ أَنْ يُعْتَبَرَ التَّفَاوُتُ الْمَالِيُّ شَائِعًا مُطْلَقًا، وَالشَّلَلُ لَيْسَ مِنْهُ، فَيُعْتَبَرُ مَانِعًا مِنْ جِهَةِ الْأَكْمَلِ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ، وَلَا مُمَاثَلَةَ بَيْنَ طَرَفَيْ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى لِلتَّفَاوُتِ بَيْنَهُمَا فِي الْقِيمَةِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 348 بِتَقْسِيمِ الشَّارِعِ، وَلَا بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ وَلَا بَيْنَ الْعَبْدَيْنِ لِلتَّفَاوُتِ فِي الْقِيمَةِ، وَإِنْ تَسَاوَيَا فِيهَا بِالظَّنِّ، فَصَارَ شُبْهَةً مُنِعَ الْقِصَاصُ، فَإِنْ قِيلَ إنْ اسْتَقَامَ عَدَمُ الْمُمَاثَلَةِ فِي الْحُرِّ وَالْعَبْدِ لَمْ يَسْتَقِمْ بَيْنَ الْعَبْدَيْنِ لِإِمْكَانِ تَسَاوِي قِيمَتِهِمَا بِتَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ أُجِيبَ بِأَنَّ التَّسَاوِيَ إنَّمَا يَكُونُ بِالْحَزْرِ وَالظَّنِّ وَالْمُمَاثَلَةِ الْمَشْرُوطَةِ شَرْعًا لَا تَثْبُتُ بِذَلِكَ كَالْمُمَاثَلَةِ فِي الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ بِخِلَافِ طَرَفَيْ الْحُرَّيْنِ؛ لِأَنَّ اسْتِوَاءَهُمَا مُتَيَقَّنٌ بِتَقْوِيمِ الشَّرْعِ وَبِخِلَافِ الْأَنْفُسِ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ فِيهَا مُتَعَلِّقٌ بِإِزْهَاقِ الرُّوحِ، وَلَا تَفَاوُتَ فِيهِ قَالَ صَاحِبُ الْكِفَايَةِ: فَإِنْ قِيلَ قَوْله تَعَالَى {وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنْفَ بِالأَنْفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ} [المائدة: 45] مُطْلَقٌ يَتَنَاوَلُ مَوْضِعَ النِّزَاعِ فَيَكُونُ حُجَّةً عَلَيْكُمْ قُلْنَا قَدْ خُصَّ مِنْهُ الْحَرْبِيُّ. وَالْمُسْتَأْمِنُ وَالْعَامُّ إذَا خُصَّ مِنْهُ شَيْءٌ يَجُوزُ تَخْصِيصُهُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فَخَصَّصْنَاهُ بِمَا رُوِيَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّهُ قَالَ «قَطَعَ عَبْدٌ لِقَوْمٍ فُقَرَاءَ أُذُنَ عَبْدٍ لِقَوْمٍ أَغْنِيَاءَ فَاخْتَصَمُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يَقْضِ بِالْقِصَاصِ» اهـ. أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ أَمَّا أَوَّلًا:؟ فَلِأَنَّهُ قَدْ تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ أَنَّ النَّصَّ الْعَامَّ إذَا خُصَّ مِنْهُ شَيْءٌ بِكَلَامٍ مُسْتَقِلٍّ مَوْصُولٍ بِهِ يَكُونُ ذَلِكَ الْعَامُّ الْمُخَصَّصُ مِنْهُ الْبَعْضُ ظَنِّيًّا فِي الْبَاقِي فَيَجُوزُ تَخْصِيصُهُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَأَمَّا إذَا خَرَجَ مِنْ النَّصِّ الْعَامِّ شَيْءٌ مِمَّا هُوَ مَفْصُولٌ عَنْهُ غَيْرُ مَوْصُولٍ بِهِ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ ظَنِّيًّا فِي الْبَاقِي بَلْ يَكُونُ بَاقِيًا عَلَى حَالَتِهِ الْأَوْلَى، وَلَا شَكَّ أَنَّ مُخْرِجَ الْحَرْبِيِّ وَالْمُسْتَأْمِنِ مِنْ الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ لَيْسَ بِكَلَامٍ مَوْصُولٍ بِهَا فَتَكُونُ بَاقِيَةً عَلَى قَطْعِيَّتِهَا الْأَصْلِيَّةِ فَلَا يَجُوزُ تَخْصِيصُهَا بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَقَدْ مَرَّ مِنَّا غَيْرَ مَرَّةٍ نَظِيرُ هَذَا النَّظَرِ فِي مَحَالِّهِ. وَأَمَّا ثَانِيًا؛ فَلِأَنَّ حَدِيثَ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ إنَّمَا يُفِيدُ عَدَمَ جَرَيَانِ الْقِصَاصِ فِي الْأَطْرَافِ بَيْنَ الْعَبْدَيْنِ وَلَا يُفِيدُ عَدَمَ جَرَيَانِهِ فِيمَا بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَلَا بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ فَبَقِيَ الِاعْتِرَاضُ بِإِطْلَاقِ الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ وَلَمْ يَتِمَّ الْجَوَابُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَطَرَفُ الْكَافِرِ وَالْمُسْلِمِ سِيَّانِ) أَيْ مِثْلَانِ فَيَجْرِي الْقِصَاصُ بَيْنَهُمَا لِلتَّسَاوِي فِي الْأَرْشِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجْرِي لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَصْلِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقَطْعُ يَدٍ مِنْ نِصْفِ سَاعِدٍ وَجَائِفَةٍ بَرِئَ مِنْهَا وَلِسَانٍ وَذَكَرٍ إلَّا أَنْ تُقْطَعَ الْحَشَفَةُ) أَيْ لَا قِصَاصَ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لِعَدَمِ الْمُمَاثَلَةِ فِيهَا؛ لِأَنَّ فِي الْقَطْعِ مِنْ نِصْفِ السَّاعِدِ كَسْرَ الْعَظْمِ وَيَتَعَذَّرُ التَّسَاوِي فِيهَا إذْ لَا ضَابِطَ لَهُ، وَفِي الْجَائِفَةِ الْبُرْءُ نَادِرٌ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَخْرُجَ الثَّانِي جَائِفَةً عَلَى وَجْهٍ يَبْرَأُ مِنْهُ، فَيَكُونُ إهْلَاكًا، فَلَا يَجُوزُ وَالذَّكَرُ وَاللِّسَانُ يَنْقَبِضَانِ وَيَنْبَسِطَانِ فَلَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ الْمُمَاثَلَةِ فِيهِمَا إلَّا أَنْ يُقْطَعَ مِنْ الْحَشَفَةِ؛ لِأَنَّ مَوْضِعَ الْقَطْعِ مَعْلُومٌ فَيُصَارُ إلَيْهِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا قَطَعَ مِنْ أَصْلِهِمَا يَجِبُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَطَعَ بَعْضَهَا لِتَعَذُّرِ اعْتِبَارِ الْمُمَاثَلَةِ فِيهِ قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ: إذَا قَطَعَ الْيَدَ مِنْ الْعُضْوِ وَالرِّجْلَ مِنْ الْفَخِذِ فَعِنْدَهُمَا فِيهِ الدِّيَةُ، وَمَا فَوْقَ الْكَتِفِ وَالْقَدَمِ، فَفِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ مَا فَوْقَ الْكَعْبِ وَالْقَدَمِ مَعَ الْأَصَابِعِ وَفِي الْخُلَاصَةِ دِيَةُ الْيَدِ تَجِبُ مُؤَجَّلَةً فِي سَنَتَيْنِ ثُلُثَاهَا فِي السَّنَةِ الْأُولَى وَالْبَاقِي فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ وَإِذَا كَسَرَ يَدَ عَبْدِ رَجُلٍ أَوْ رِجْلَهُ لَا يَجِبُ فِي الْحَالِ شَيْءٌ. وَلَوْ قَطَعَ أُصْبُعًا زَائِدَةً وَفِي يَدِهِ مِثْلُهَا لَا قِصَاصَ بِالْإِجْمَاعِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْأَقْطَعَيْنِ وَالْأَشَلَّيْنِ إنَّهُ لَا قِصَاصَ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْهُ وَكَذَلِكَ مَقْطُوعُ الْإِبْهَامِ أَوْ الْأَصَابِعِ كُلِّهَا إذَا قَطَعَ إنْسَانٌ يَدَهُ فَلَا قِصَاصَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ إنَّهُ لَا قِصَاصَ فِيهِ، وَفِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ، وَلَوْ كَسَرَ عَظْمًا مِنْ سَاعِدٍ أَوْ سَاقَ أَوْ غَيْرِهِ فَفِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ وَفِي ثَدْيِ الْمَرْأَةِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ وَلَا ذِكْرَ لَهُ فِي الْكُتُبِ وَفِي كَسْرِ الصُّلْبِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ إنْ مَنَعَهُ عَنْ الْجِمَاعِ وَأَحْدَبَهُ فَأَمَّا إذَا لَمْ يُحْدِبْهُ وَلَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ الْجِمَاعِ فَهَذَا عَلَى نَوْعَيْنِ: إمَّا أَنْ يَبْقَى لِلْجِرَاحَةِ أَثَرٌ فَفِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ وَلَمْ يَجِبْ كَمَالُ الدِّيَةِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَبْقَ لَهَا أَثَرٌ لَمْ يَجِبْ فِيهِ شَيْءٌ، وَقَدْ مَرَّ هَذَا فِيمَا تَقَدَّمَ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَكَذَا صَدْرُ الْمَرْأَةِ إذَا انْكَسَرَ وَانْقَطَعَ الْمَاءُ مِنْهُ فَفِيهِ الدِّيَةُ وَفِي الصُّلْبِ إذَا دُقَّ لَكِنْ يَقْدِرُ عَلَى الْجِمَاعِ فَفِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ وَصَارَ أَحْدَبَ فَدِيَةٌ كَامِلَةٌ، وَإِنْ عَادَ إلَى حَبْلِهِ وَلَمْ يَنْقُصْ وَلَكِنْ فِيهِ أَثَرُ الضَّرْبِ فَفِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَثَرٌ فَلَا شَيْءَ فِيهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا تَجِبُ أُجْرَةُ الطَّبِيبِ وَفِي الذَّكَرِ كَمَالُ الدِّيَةِ وَفِي ذَكَرِ الْخَصِيِّ حُكُومَةُ عَدْلٍ سَوَاءٌ كَانَ يَتَحَرَّكُ أَوْ لَا يَقْدِرُ الْخَصِيُّ عَلَى الْوَطْءِ أَوْ لَا يَقْدِرُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ ذَكَرُ الْعِنِّينِ. وَأَمَّا ذَكَرُ الشَّيْخِ الْكَبِيرِ إنْ كَانَ يَتَحَرَّكُ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى الْوَطْءِ فَالْجَوَابُ فِيهِ كَالْجَوَابِ فِي ذَكَرِ الْخَصِيِّ وَذَكَرِ الْعِنِّينِ وَفِي التَّهْذِيبِ، وَفِي ذَكَرِ الْخَصِيِّ وَالْعِنِّينِ حُكُومَةُ عَدْلٍ، وَهُوَ مَا يَرَى الْقَاضِي بِمَشُورَةِ أَهْلِ الْبَصِيرَةِ، وَقِيلَ يُقَوَّمُ إنْ لَوْ كَانَ عَبْدًا مَجْبُوبًا وَغَيْرَهُ فَتَجِبُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 349 نِسْبَةُ النُّقْصَانِ مِنْ دِيَتِهِ كَمَا لَوْ نَقَصَ عُشْرُ الْقِيمَةِ يَجِبُ عُشْرُ الدِّيَةِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. وَفِي التَّجْرِيدِ الْمَرْأَةُ إذَا أَفْضَاهَا فَصَارَتْ لَا تَسْتَمْسِكُ الْبَوْلَ وَالْغَائِطَ أَوْ أَحَدَهُمَا فَفِيهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ وَفِي الْأُنْثَيَيْنِ كَمَالُ الدِّيَةِ وَإِذَا قَطَعَ الْحَشَفَةَ يَجِبُ كَمَالُ الدِّيَةِ، فَإِنْ قَطَعَ بَاقِيَ الذَّكَرِ، فَإِنْ كَانَ قَبْلَ تَخَلُّلِ الْبُرْءِ تَجِبُ دِيَةٌ كَامِلَةٌ وَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ قَطَعَ الذَّكَرَ بِدَفْعَةٍ وَاحِدَةٍ، وَإِنْ تَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا بُرْءٌ فَيَجِبُ كَمَالُ الدِّيَةِ فِي الْحَشَفَةِ وَحُكُومَةُ الْعَدْلِ فِي الْبَاقِي، وَإِذَا قَطَعَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَيَيْنِ مِنْ الرَّجُلِ الصَّحِيحِ خَطَأً إنْ بَدَأَ بِقَطْعِ الذَّكَرِ فَفِيهِ دِيَتَانِ، وَفِي التَّجْرِيدِ، وَكَذَا إذَا قَطَعَهَا مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ، وَلَوْ بَدَأَ بِقَطْعِ الْأُنْثَيَيْنِ ثُمَّ بِالذَّكَرِ فَفِي الْأُنْثَيَيْنِ الدِّيَةُ كَامِلَةٌ وَفِي الذَّكَرِ حُكُومَةُ عَدْلٍ، وَإِنْ قَطَعَهُمَا مِنْ جَانِبِ الْفَخِذِ مَعًا فَعَلَيْهِ دِيَتَانِ وَفِي التُّحْفَةِ وَفِي الْأُنْثَيَيْنِ إذَا قَطَعَهُمَا مَعَ الذَّكَرِ جُمْلَةً وَاحِدَةً فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ يَجِبُ عَلَيْهِ دِيَتَانِ دِيَةٌ بِإِزَاءِ الذَّكَرِ وَدِيَةٌ بِإِزَاءِ الْأُنْثَيَيْنِ، وَإِذَا قَطَعَ الذَّكَرَ أَوَّلًا ثُمَّ الْأُنْثَيَيْنِ يَجِبُ دِيَتَانِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ بِقَطْعِ الذَّكَرِ قَطَعَ مَنْفَعَةَ الْأُنْثَيَيْنِ، وَهِيَ إمْسَاكُ الْمَنِيِّ فَأَمَّا إذَا قَطَعَ الْأُنْثَيَيْنِ أَوَّلًا ثُمَّ الذَّكَرَ تَجِبُ الدِّيَةُ بِقَطْعِ الْأُنْثَيَيْنِ وَتَجِبُ بِقَطْعِ الذَّكَرِ حُكُومَةُ الْعَدْلِ. وَفِي الْأَلْيَتَيْنِ إذَا قُطِعَتَا كَمَالُ الدِّيَةِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَفِي أَحَدِهِمَا نِصْفُ الدِّيَةِ وَفِي الْمُنْتَقَى عَنْ مُحَمَّدٍ إذَا قَطَعَ إحْدَى أُنْثَيَيْهِ وَانْقَطَعَ مَاؤُهُ دِيَةٌ وَنِصْفٌ قَالَ وَلَا نَعْلَمُ ذَهَابُ الْمَاءِ إلَّا بِإِقْرَارِ الْجَانِي فَإِذَا قُطِعَ الْبَاقِي مِنْ إحْدَى الْأُنْثَيَيْنِ يَجِبُ نِصْفُ الدِّيَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْكِتَابِ الْحُكْمَ فِي الْعَمْدِ وَالظَّاهِرُ الْأُنْثَيَيْنِ أَنَّهُ يَجِبُ فِيهِ الْقِصَاصُ حَالَةَ الْعَمْدِ وَفِي الرِّجْلَيْنِ كَمَالُ الدِّيَةِ فِي الْخَطَأِ وَفِي أَحَدِهِمَا نِصْفُ الدِّيَةِ وَفِي كُلِّ أُصْبُعٍ مِنْ أَصَابِعِ الرِّجْلَيْنِ عُشْرُ الدِّيَةِ وَفِي الرِّجْلَيْنِ فِي الْعَمْدِ الْقِصَاصُ إذَا قَطَعَ مِنْ مَفْصِلِ الْقَدَمِ أَوْ مِنْ مَفْصِلِ الرُّكْبَةِ أَوْ مِنْ مَفْصِلِ الْوَرِكِ، وَإِنْ قُطِعَتْ مِنْ غَيْرِ الْمَفْصِلِ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ وَفِي الذَّخِيرَةِ وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي أَصَابِعِ الرِّجْلَيْنِ إنْ قُطِعَتْ مِنْ الْمَفْصِلِ عَمْدًا يَجِبُ الْقِصَاصُ، وَإِذَا قَطَعَ الرِّجْلَ خَطَأً مِنْ نِصْفِ السَّاقِ تَجِبُ الدِّيَةُ لِأَجْلِ الْقَدَمِ وَحُكُومَةُ الْعَدْلِ فِيمَا وَرَاءَ الْقَدَمِ وَالْكَلَامُ فِيهِ نَظِيرُ الْكَلَامِ فِي الْيَدِ إذَا قُطِعَتْ مِنْ نِصْفِ السَّاعِدِ، وَإِنْ كَسَرَ فَخِذَهُ فَبَرِئَتْ وَاسْتَقَامَتْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ حُكُومَةُ عَدْلٍ وَذَكَرَ أَبُو سُلَيْمَانَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي كِتَابِ الْخَرَاجِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: مَا انْكَسَرَ مِنْ إنْسَانٍ يَدًا أَوْ رِجْلًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ وَبَرِئَ وَعَادَ كَهَيْئَتِهِ فَلَيْسَ فِيهِ عَقْلٌ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ نَقْصٌ بِأَنْ بَرِئَ الْعَظْمُ وَبَقِيَ فِيهِ وَرَمٌ فَفِيهِ مِنْ عَقْلِهِ بِحِسَابِ مَا نَقَصَ، وَكَذَلِكَ فِي الْجِرَاحَةِ الْجَسَدُ إذَا بَرِئَ وَعَادَ كَهَيْئَتِهِ، فَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ، وَلَوْ كَانَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ شَلَلٌ فَفِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ إلَّا الْجَائِفَةَ، فَإِنَّ فِيهَا ثُلُثَ دِيَةِ النَّفْسِ. وَإِذَا طُعِنَ بِرُمْحٍ أَوْ غَيْرِهِ فِي دُبُرِهِ وَصَارَ لَا يَسْتَمْسِكُ الطَّعَامُ فِي جَوْفِهِ فَفِيهِ الدِّيَةُ وَإِذَا ضَرَبَ فَسُلْسِلَ بَوْلُهُ، وَصَارَ بِحَالٍ لَا يَسْتَمْسِكُهُ فَفِيهِ الدِّيَةُ، وَإِذَا ضَرَبَ فَقَطَعَ فَرْجَ امْرَأَةٍ وَصَارَتْ بِحَالٍ لَا يُمْكِنُ جِمَاعُهَا فَفِيهِ الدِّيَةُ وَفِي الْيَنَابِيعِ وَكَذَا لَوْ قَطَعَ فَرْجَهَا مِنْ الْجَانِبَيْنِ حَتَّى وَصَلَ إلَى الْعَظْمَ، وَإِنْ قَطَعَ أَحَدَهُمَا فَفِيهِ نِصْفُ الدِّيَةِ وَفِي فَتَاوَى سَمَرْقَنْدَ، فَإِنْ جَامَعَ امْرَأَةً لَا يُجَامَعُ مِثْلُهَا فَمَاتَتْ فَعَلَى عَاقِلَتِهِ دِيَتُهَا وَفِي جِنَايَاتِ الْمُنْتَقَى إذَا جَامَعَ امْرَأَةً فَأَفْضَاهَا حَتَّى لَا تَسْتَمْسِكَ الْبَوْلَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إنْ كَانَتْ لَا تَسْتَمْسِكُ الْبَوْلَ فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ، وَإِنْ كَانَتْ تَسْتَمْسِكُ فَعَلَيْهِ ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَفِي الْكُبْرَى، وَإِنْ كَانَتْ بِحَيْثُ تَسْتَمْسِكُ فَفِيهَا ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَفِي فَتَاوَى الْخُلَاصَةِ رَجُلٌ جَامَعَ صَغِيرَةً لَا يُجَامَعُ مِثْلُهَا فَمَاتَتْ، فَإِنْ كَانَتْ أَجْنَبِيَّةً، فَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَإِنْ كَانَتْ مَنْكُوحَتَهُ فَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَالْمَهْرُ عَلَى الزَّوْجِ، وَلَوْ أَزَالَ بَكَارَةَ امْرَأَةٍ بِالْحَجْرِ أَوْ غَيْرِهِ يَجِبُ الْمَهْرُ وَفِي الْيَنَابِيعِ، وَإِنْ زَنَى بِهَا مُطَاوِعَةً وَأَفْضَاهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ عِنْدَهُمَا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: تَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَفِي الْيَنَابِيعِ وَإِذَا ضَرَبَ امْرَأَةً فَأَفْضَاهَا وَصَارَتْ بِحَيْثُ لَا تَسْتَمْسِكُ، فَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا يَجِبُ جَمِيعُ الدِّيَةِ وَلَا يَجِبُ الْمَهْرُ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا وَفِي التَّجْرِيدِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: وَإِذَا وَطِئَ امْرَأَةً بِشُبْهَةٍ فَأَفْضَاهَا وَصَارَتْ لَا تَسْتَمْسِكُ الْبَوْلَ تَجِبُ الدِّيَةَ وَلَا مَهْرَ لَهَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَهَا الْمَهْرُ وَالدِّيَةُ، وَلَوْ دَقَّ فَخِذَهَا أَوْ يَدَهَا مِنْ الْوَطْءِ فَأَرْشُ ذَلِكَ فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَقَعُ عَلَى جَسَدِهَا وَفِي الْمُجَامِعِ يَتَعَمَّدُ ذَلِكَ فَهَذَا مِنْهُ عَمْدٌ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَجُلٌ جَامَعَ امْرَأَةً وَمِثْلُهَا يُجَامَعُ فَمَاتَتْ مِنْ ذَلِكَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إذَا جَامَعَ امْرَأَةً فَذَهَبَ مِنْهَا عَيْنٌ أَوْ أَفْضَاهَا إنْ مَاتَتْ فَهُوَ ضَامِنٌ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَضْمَنُ فِي هَذَا كُلِّهِ إلَّا الْإِفْضَاءَ وَالْقَتْلَ فِي الْجِمَاعِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَا حَكَى عَنْ هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَعَنْ الْفَقِيهِ أَبِي نَصْرٍ الدَّبُوسِيِّ إذَا دَفَعَ أَجْنَبِيَّةً فَوَقَعَتْ وَذَهَبَتْ عُذْرَتُهَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 350 فَعَلَى الدَّافِعِ مَهْرُ مِثْلِهَا وَالتَّعْزِيرُ وَعَنْ الشَّيْخِ الْإِمَامِ أَبِي حَفْصٍ الْكَبِيرِ سُئِلَ عَمَّنْ دَفَعَ امْرَأَةً فَذَهَبَتْ عُذْرَتُهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا كَانَ عَلَيْهِ نِصْفُ الْمَهْرِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَلَيْهِ جَمِيعُ الْمَهْرِ بِكْرٌ دَفَعَتْ بِكْرًا أُخْرَى فَزَالَتْ عُذْرَتُهَا قَالَ مُحَمَّدٌ عَلَى الدَّافِعَةِ مَهْرُ مِثْلِ الْأُخْرَى قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَخُيِّرَ بَيْنَ الْأَرْشِ وَالْقَوَدِ إنْ كَانَ الْقَاطِعُ أَشَلَّ أَوْ نَاقِصَ الْأَصَابِعِ أَوْ كَانَ رَأْسُ الشَّاجِّ أَكْبَرَ) قَيَّدَ بِحَالَةِ الْقَطْعِ فَجَعَلَهَا قَيْدًا فِي التَّخْيِيرِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ تَغَيَّرَتْ بَعْدَ الْقَطْعِ لَا يُخَيَّرُ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ وَأَطْلَقَ فِي الشَّلَّاءِ فَشَمَلَ مَا إذَا كَانَ يَنْتَفِعُ بِهَا أَوْ لَا فَلَوْ قَيَّدَ فِي الشَّلَّاءِ فَقَالَ شَلَّاءُ يُنْتَفَعُ بِهَا لَكَانَ أَوْلَى كَمَا سَنُبَيِّنُهُ أَيْضًا أَمَّا الْأَوَّلُ، فَهُوَ مَا إذَا كَانَتْ يَدُ الْقَاطِعِ شَلَّاءَ أَوْ نَاقِصَةَ الْأَصَابِعِ وَيَدُ الْمَقْطُوعِ صَحِيحَةً كَامِلَةَ الْأَصَابِعِ؛ فَلِأَنَّ اسْتِيفَاءَ حَقِّهِ مُتَعَذِّرٌ فَيُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يَتَجَوَّزَ بِدُونِ حَقِّهِ فِي الْقَطْعِ وَبَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ الْأَرْشَ كَامِلًا ثُمَّ إذَا اسْتَوْفَى الْقِصَاصَ سَقَطَ حَقُّهُ فِي الزِّيَادَةِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُضَمِّنُهُ النُّقْصَانَ؛ لِأَنَّهُ قَدَرَ عَلَى اسْتِيفَاءِ الْبَعْضِ فَيُسْتَوْفَى مَا قَدَرَ عَلَيْهِ، وَمَا تَعَذَّرَ اسْتِيفَاؤُهُ يَضْمَنُهُ وَلَنَا أَنَّ الْبَاقِيَ وَصْفٌ فَلَا يُضْمَنُ بِانْفِرَادِهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ تَجَوَّزَ بِالرَّدِيءِ مَكَانَ الْجَيِّدِ، وَلَوْ سَقَطَتْ يَدُهُ الْمَعِيبَةُ قَبْلَ اخْتِيَارِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بَطَلَ حَقُّهُ وَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَيْهِ، فَإِنَّ حَقَّهُ تَعَيَّنَ فِي الْقِصَاصِ لِمَا مَرَّ أَنَّ مُوجَبَ الْعَمْدِ الْقَوَدُ عَيْنًا وَحَقُّهُ ثَابِتٌ فِيهِ قَبْلَ اخْتِيَارِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا قُطِعَتْ بِقَوَدٍ أَوْ سَرِقَةٍ حَيْثُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْأَرْشُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجِبُ عَلَيْهِ الْأَرْشُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ اسْتِيفَاءُ الْحَقِّ ظَهَرَ أَنَّهُ كَانَ مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِ بِخِلَافِ النَّفْسِ إذَا وَجَبَتْ عَلَى الْقَاتِلِ فَقُتِلَ بِجِنَايَةٍ أُخْرَى حَيْثُ لَا يَضْمَنُ، وَأَمَّا الثَّانِي، وَهُوَ مَا إذَا كَانَتْ رَأْسُ الشَّاجِّ أَكْبَرَ بِأَنْ كَانَتْ اسْتَوْعَبَتْ مَا بَيْنَ قَرْنَيْ الْمَشْجُوجِ وَفِي اسْتِيفَاءِ مَا بَيْنَ قَرْنَيْ الشَّاجِّ زِيَادَةٌ عَلَى مَا فَعَلَ، وَفِي اسْتِيفَاءِ قَدْرِ حَقِّهِ لَا يَلْحَقُ الشَّاجَّ مِنْ الشَّيْنِ مِثْلُ مَا يَلْحَقُ الْمَشْجُوجَ فَيَتَخَيَّرُ ثُمَّ لَوْ اخْتَارَ الْقَوَدَ يَبْدَأُ مِنْ أَيِّ الْجَانِبَيْنِ شَاءَ؛ لِأَنَّهُ حَقُّهُ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ، فَكَانَ لَهُ أَنْ يَتَخَيَّرَ. وَلَوْ كَانَتْ رَأْسُ الْمَشْجُوجِ أَكْبَرَ تَخَيَّرَ أَيْضًا لِتَقْرِيرِ الِاسْتِيفَاءِ كَمَلًا وَفِي السِّرَاجِيَّةِ وَلَا يُقْطَعُ الْإِبْهَامُ بِالسَّبَّابَةِ وَلَا بِالْوُسْطَى. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ شَيْءٌ مِنْ الْأَعْضَاءِ إلَّا بِمِثْلِهِ مِنْ الْقَاطِعِ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ وَإِذَا قَطَعَ الرَّجُلُ يَدَ آخَرَ وَفِيهَا ظُفْرٌ سَوْدَاءُ يَجِبُ الْقِصَاصُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ظُفْرُ يَدِ الْقَاطِعِ مُسَوَّدًا؛ لِأَنَّ الِاسْوِدَادَ لَا يُوجِبُ نُقْصَانًا فِي مَنْفَعَةِ الْيَدِ، وَهِيَ الْبَطْشُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَطَعَ إنْسَانٌ يَدَهُ خَطَأً كَانَ عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاطِعِ نِصْفُ الدِّيَةِ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِلِاسْوِدَادِ فِي الظُّفْرِ أَثَرٌ فِي نُقْصَانِ دِيَةِ الْيَدِ صَارَ وُجُودُ هَذَا الْعَيْبِ وَعَدَمُهُ بِمَنْزِلَةِ الْيَدِ الشَّلَّاءِ، وَإِنْ كَانَ نُقْصَانًا يُوهِنُ فِي الْبَطْشِ حَتَّى يَجِبُ بِقَطْعِهَا حُكُومَةُ عَدْلٍ لَا نِصْفُ الدِّيَةِ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْيَدِ الشَّلَّاءِ وَالْيَدُ الصَّحِيحَةُ لَا تُقْطَعُ بِالشَّلَّاءِ وَإِذَا قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ عَمْدًا وَيَدُ الْقَاطِعِ نَاقِصَةٌ فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ تَكُونَ نَاقِصَةً مِنْ حَيْثُ الصِّفَةُ بِأَنْ كَانَتْ شَلَّاءَ أَوْ كَانَتْ نَاقِصَةً مِنْ حَيْثُ الْأَصَابِعُ بِأَنْ كَانَتْ نَاقِصَةَ أُصْبُعٍ أَوْ أُصْبُعَيْنِ، فَإِنْ كَانَ النُّقْصَانُ مِنْ حَيْثُ الصِّفَةُ فَالْمَقْطُوعُ يَدُهُ بِالْخِيَارِ، فَإِنْ اخْتَارَ الْقَطْعَ فَلَا شَيْءَ لَهُ مَعَ الْقَطْعِ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَقْطَعْ وَاحِدٌ يَدَهُ حَتَّى يَصِلَ إلَيْهِ بَدَلُ حَقِّهِ عَلَى الْكَمَالِ مِنْ مَالِهِ، وَكَانَ الشَّهِيدُ بُرْهَانُ الْأَئِمَّةِ يَقُولُ إنَّمَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْمَقْطُوعَةِ يَدُهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ إذَا كَانَتْ الْيَدُ الشَّلَّاءُ مِمَّا يُنْتَفَعُ بِهَا مَعَ ذَلِكَ، فَأَمَّا إذَا كَانَتْ غَيْرَ مُنْتَفَعٍ بِهَا فَهِيَ لَيْسَتْ بِمَحَلِّ الْقِصَاصِ فَلَا يُخَيَّرُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ بَلْ لَهُ دِيَةٌ صَحِيحَةٌ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ لِلْقَاطِعِ يَدٌ أَصْلًا. وَبِهِ يُفْتَى وَتَفْرِيعُ الْمَسْأَلَةِ بَعْدَ هَذَا عَلَى حَسَبِ مَا ذَكَرْنَا فِي الْعَيْنِ وَالسِّنِّ الْكُبْرَى وَكَذَا لَوْ كَانَ الْقَاطِعُ صَحِيحَ الْيَدِ عِنْدَ الْقَطْعِ فَشُلَّتْ يَدُهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا خِيَارَ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بَيْنَ الْقِصَاصِ وَالْأَرْشِ بَلْ يَقْطَعُ الشَّلَّاءَ أَوْ يَتْرُكُ وَلَا شَيْءَ لَهُ، وَإِنْ كَانَتْ نَاقِصَةً بَعْدَ الْقَطْعِ فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ كَانَ النُّقْصَانُ حَاصِلًا لَا بِفِعْلِ أَحَدٍ، وَإِنْ كَانَتْ نَاقِصَةً مِنْ حَيْثُ الْقَدْرُ فَكَذَلِكَ يَتَخَيَّرُ، فَإِنْ اخْتَارَ الْقَطْعَ فَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَى الْقَاطِعِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَخَذَ مِنْهُ أَرْشَ مَا كَانَ فَائِتًا مِنْ الْأَصَابِعِ هَذَا إذَا كَانَتْ نَاقِصَةً وَقْتَ الْقَطْعِ فَأَمَّا إذَا اُنْتُقِصَتْ بَعْدَ الْقَطْعِ فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ كَانَ النُّقْصَانُ حَاصِلًا لَا بِفِعْلِ أَحَدٍ بِأَنْ سَقَطَ أُصْبُعٌ مِنْ أَصَابِعِهِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ الْجَوَابُ فِيهِ كَالْجَوَابِ فِيمَا إذَا كَانَتْ نَاقِصَةً وَقْتَ الْقَطْعِ، وَكُلُّ جَوَابٍ عَرَفْته ثَمَّ فَهُوَ الْجَوَابُ هُنَا، وَإِنْ كَانَ بِفِعْلِ أَحَدٍ بِأَنْ قَطَعَ أُصْبُعًا مِنْ أَصَابِعِهِ ظُلْمًا أَوْ قَطَعَ الْقَاطِعُ أُصْبُعًا أَوْ قَضَى بِهِ حَقًّا وَاجِبًا عَلَيْهِ فَالْجَوَابُ فِيهِ كَالْجَوَابِ فِي الْيَدِ هَكَذَا ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِهِ فَهَذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّ لِلْمَقْطُوعِ يَدُهُ الْخِيَارَ فِي الْفُصُولِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 351 كُلِّهَا غَيْرَ أَنَّ النُّقْصَانَ إذَا كَانَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ وَاخْتَارَ قَطْعَ الْيَدِ لَا شَيْءَ لَهُ مِنْ الْأَرْشِ عِنْدَهُ، وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ فِي شَرْحِهِ أَنَّهُ إنْ قَطَعَ أُصْبُعَهُ بِقِصَاصٍ وَجَبَ عَلَيْهِ فِي الْأُصْبُعِ فَلِلْمَقْطُوعَةِ يَدُهُ الْخِيَارُ، وَإِنْ قَطَعَ يَدَهُ ظُلْمًا فَلَا خِيَارَ لِلْقَاطِعِ، وَلَيْسَ لَهُ إلَّا الْقِصَاصُ. وَأَشَارَ إلَى الْفَرْقِ فَقَالَ: إذَا قَطَعَ أُصْبُعَهُ قِصَاصًا فَقَدْ قَضَى بِهَا حَقًّا مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِ فَيَصِيرُ مُتْلَفًا بَعْدَ حَقِّ صَاحِبِ الْحَقِّ فَيَكُونُ لَهُ الْخِيَارُ وَلَا كَذَلِكَ مَا إذَا قَطَعَ يَدَهُ ظُلْمًا، وَهَذَا الْفَرْقُ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهَا لَوْ سَقَطَتْ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فَلَا خِيَارَ لَهُ ذَكَرَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ الطَّوَاوِيسِيُّ فِي شَرْحِهِ أَنَّهَا إذَا قُطِعَتْ بِقِصَاصٍ فَلَهُ الْخِيَارُ وَإِذَا قُطِعَتْ ظُلْمًا أَوْ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فَلَا خِيَارَ لَهُ هَذَا إذَا كَانَتْ يَدُ الْقَاطِعِ قَائِمَةً وَقْتَ الْقَطْعِ فَأَمَّا إذَا كَانَتْ فَائِتَةً وَقْتَ الْقَطْعِ بِأَنْ قَطَعَ يَمِينَ رَجُلٍ وَلَا يَمِينَ لِلْقَاطِعِ فَحَقُّ الْمَقْطُوعِ فِي الْأَرْشِ فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِدُ عَيْنَ حَقِّهِ، وَكَانَ لَهُ بَدَلُ حَقِّهِ، وَإِنْ كَانَتْ يَدُ الْقَاطِعِ قَائِمَةً وَقْتَ الْقَطْعِ ثُمَّ فَاتَتْ بَعْدَ ذَلِكَ، فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ أَمَّا إنْ فَاتَتْ لَا بِفِعْلِهِ بِأَنْ فَاتَتْ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ بِأَنْ وَقَعَتْ فِيهَا أَكَلَةٌ فَسَقَطَتْ أَوْ قَطَعَهَا إنْسَانٌ ظُلْمًا أَوْ فَاتَتْ مِنْ جِهَتِهِ بِأَنْ قَضَى حَقًّا وَاجِبًا، وَإِنْ أَتْلَفَهُ بِنَفْسِهِ بِأَنْ قَطَعَ يَمِينَهُ، فَإِنْ فَاتَتْ بَعْدَ الْقَطْعِ لَا بِفِعْلِهِ، فَإِنَّهُ يَبْطُلُ حَقُّ الْمَقْطُوعِ يَدُهُ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمَقْطُوعِ يَدُهُ فِي الْعَيْنِ فَيَفُوتُ حَقُّهُ بِفَوَاتِ الْعَيْنِ كَالْعَبْدِ الْجَانِي إذَا هَلَكَ وَكَمَالُ الزَّكَاةِ إذَا هَلَكَ وَلَا يَضْمَنُ الْقَاطِعُ يَدَهُ، وَإِذَا قَطَعَ الْمَفْصِلَ الْأَعْلَى مِنْ أُصْبُعِ رَجُلٍ عَمْدًا أَوْ اقْتَصَّ مِنْهُ ثُمَّ قَطَعَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ ذَلِكَ يَدَ صَاحِبِهِ عَمْدًا فَلَا قِصَاصَ بَيْنَهُمَا، وَفِي النَّوَازِلِ مَقْطُوعُ الْإِبْهَامِ مِنْ يَدِهِ الْيُمْنَى إذَا قَطَعَ سَاعِدَ مِثْلِهِ لَا قِصَاصَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ إذَا قَطَعَ الرَّجُلُ أُصْبُعَ رَجُلٍ مِنْ الْمَفْصِلِ ثُمَّ قَطَعَ يَدَ آخَرَ وَبَدَأَ بِالْيَدِ ثُمَّ قَطَعَ الْأُصْبُعَ وَذَلِكَ كُلُّهُ فِي يَدِ وَاحِدٍ بِأَنْ كَانَ فِي الْيُمْنَى وَفِي الْيُسْرَى وَحَضَرَ صَاحِبُ الْأُصْبُعِ وَالْمَقْطُوعَةُ يَدُهُ وَطَلَبَا مِنْ الْقَاضِي الْقِصَاصَ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَقْطَعُ أَوَّلًا لِصَاحِبِ الْأُصْبُعِ ثُمَّ يُخَيِّرُ صَاحِبَ الْيَدِ، فَإِنْ شَاءَ قَطَعَ الثَّانِيَ لِجِهَتِهِ وَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ أَرْشِ الْأُصْبُعِ، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَقْطَعْ يَدَهُ، وَكَانَ لَهُ دِيَةُ الْيَدِ فِي مَالِهِ فَرَّقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا إذَا قَطَعَ يُمْنَى رَجُلَيْنِ ثُمَّ جَاءَا أَوْ طَلَبَا حَقَّهُمَا مِنْ الْقَاضِي، فَإِنَّ الْقَاضِيَ لَا يَبْدَأُ بِأَحَدِهِمَا بَلْ يَقْضِي لَهُمَا بِالْقِصَاصِ فِي يَمِينِهِ وَدِيَةٍ فِي مَالِهِ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا إذَا كَانَ صَاحِبُ الْأُصْبُعِ، وَصَاحِبُ الْيَدِ حَاضِرَيْنِ، فَأَمَّا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا حَاضِرًا، وَالْآخَرُ غَائِبًا، فَإِنْ كَانَ الْحَاضِرُ صَاحِبَ الْأُصْبُعِ فَلَا يُقْطَعُ الْأُصْبُعُ لَهُ، وَإِنْ كَانَ الْحَاضِرُ صَاحِبَ الْيَدِ، فَإِنَّهُ يُقْطَعُ لَهُ، وَإِذَا جَاءَ صَاحِبُ الْأُصْبُعِ بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يَأْخُذُ أَرْشَ الْأُصْبُعِ مِنْ مَالِهِ، وَلَوْ قَطَعَ رَجُلٌ أُصْبُعَ رَجُلٍ مِنْ الْمَفْصِلِ الْأَعْلَى ثُمَّ آخَرُ قَطَعَ مِنْ الْمَفْصِلِ الْأَوْسَطِ ثُمَّ آخَرُ قَطَعَ أُصْبُعًا أُخْرَى مِنْ الْمَفْصِلِ السُّفْلَى، وَذَلِكَ كُلُّهُ فِي أُصْبُعٍ وَاحِدٍ هَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ صَاحِبُ الْأَصَابِعِ حُضُورًا أَوْ بَعْضُهُمْ غَائِبًا، فَإِنْ كَانَ الْكُلُّ حُضُورًا وَطَلَبُوا مِنْ الْقَاضِي حَقَّهُمْ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَقْطَعُ مِنْ الْمَفْصِلِ الْأَعْلَى لِصَاحِبِ الْمَفْصِلِ الْأَعْلَى، وَإِنْ كَانَ صَاحِبُ الْأَسْفَلِ وَالْأَوْسَطِ ثَابِتًا فِي الْأَعْلَى؛ لِأَنَّهُمَا لَا حَقَّ لَهُمَا فِي قَطْعِ الْمَفْصِلِ الْأَعْلَى إلَّا عَلَى سَبِيلِ الشَّرِكَةِ؛ لِأَنَّ الْقَاطِعَ لَمْ يَضَعْ السِّكِّينَ عَلَى الْمَفْصِلِ مِنْ أَصَابِعِهِمَا، وَإِنَّمَا وَضَعَ عَلَى صَاحِبِ الْمَفْصِلِ إلَّا عَلَى حَقِّ صَاحِبِ الْأَعْلَى مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ثُمَّ خُيِّرَ صَاحِبُ الْمَفْصِلِ الْأَوْسَطِ، وَإِنَّمَا وُضِعَ عَلَى صَاحِبِ الْمَفْصِلِ الْأَوْسَطِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ كَانَ فِي مَفْصِلَيْنِ؛ لِأَنَّ الْفَائِتَ مُنْفَصِلَانِ فَبِفَوَاتِ أَحَدِهِمَا يَتَخَيَّرُ كَمَا خُيِّرَ صَاحِبُ الْيَدِ بَعْدَمَا قَطَعْنَا الْأُصْبُعَ لِصَاحِبِ الْأُصْبُعِ. فَإِنْ شَاءَ قَطَعَ مِنْ الْقَاطِعِ مَفْصِلَهُ الْوُسْطَى وَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ دِيَةِ الْأُصْبُعِ، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَقْطَعْ وَضَمَّنَهُ ثُلُثَ دِيَةِ الْأُصْبُعِ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ عَلَيْهِ مِنْ أُصْبُعٍ مَفْصِلَيْنِ فَيَضْمَنُ ثُلُثَ دِيَةِ الْأُصْبُعِ، وَإِنْ حَضَرَ أَحَدُهُمْ وَغَابَ الْآخَرَانِ، فَإِنْ كَانَ الْحَاضِرُ صَاحِبَ الْمَفْصِلِ الْأَعْلَى يُقْطَعُ، فَإِنْ قَطَعَ الْمَفْصِلَ الْأَعْلَى لَهُ ثُمَّ حَضَرَ الْآخَرَانِ، فَإِنَّهُمَا يُخَيَّرَانِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَا، فَإِنْ اخْتَارَ الْقَطْعَ لَمْ يَضْمَنْ لِأَحَدٍ مِنْهُمَا شَيْئًا، وَإِنْ قَطَعَ كَفَّ رَجُلٍ مِنْ مَفْصِلٍ ثُمَّ قَطَعَ الْآخَرُ مِرْفَقَهُ، وَكَانَا حَاضِرَيْنِ، فَإِنَّهُ يَبْدَأُ بِحَقِّ صَاحِبِ الْكَفِّ وَفِي الْكَافِي قَطَعَ يَمِينَ رَجُلَيْنِ فَقَطَعَ أَحَدُهُمَا إبْهَامَهُ وَقَطَعَ الْآخَرُ كَفَّهُ فَعَلَى قَاطِعِ الْيَدَيْنِ خَمْسَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ لِقَاطِعِ الْإِبْهَامِ أَرْبَعَةُ آلَافٍ وَلِقَاطِعِ الْكَفِّ أَلْفُ دِرْهَمٍ، وَإِنْ بَدَأَ الْأَجْنَبِيُّ فَقَطَعَ أُصْبُعًا مِنْ أَصَابِعِ الْقَاطِعِ ثُمَّ قَطَعَ أَحَدُ صَاحِبَيْ الْقِصَاصِ بَعْدَ ذَلِكَ أُصْبُعًا مِنْ أَصَابِعِ الْيَدَيْنِ ثُمَّ عَادَ الْأَجْنَبِيُّ فَقَطَعَ أُصْبُعًا مِنْ أَصَابِعِ الْقَاطِعِ ثُمَّ إنَّ الَّذِي لَمْ يَقْطَعْ شَيْئًا مِنْ أَصَابِعِ الْقَاطِعِ قَطَعَ الْكَفَّ وَعَلَيْهَا أُصْبُعٌ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي عَلَى الْقَاطِعِ بِدِيَةِ يَدَيْهِ وَأَخَذَ رُبْعَهَا لِلَّذِي أَخَذَ الْكَفَّ وَثَلَاثَةُ أَرْبَاعٍ لِلَّذِي قَطَعَ الْأُصْبُعَ وَلَا يُجْعَلُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 352 الْأُصْبُعُ الَّذِي قَطَعَهُ الْأَجْنَبِيُّ قَبْلَ قَطْعِ صَاحِبَيْ الْقِصَاصِ قَائِمًا حُكْمًا، فَإِنْ اجْتَمَعَ صَاحِبُ الْقِصَاصِ عَلَى قَطْعِ الْكَفِّ مَعَ الْأُصْبُعَيْنِ فَالدِّيَةُ الْمَأْخُوذَةُ تُقْسَمُ بَيْنَهُمْ لِقَاطِعِ الْأُصْبُعِ، وَالْآخَرِ الْخَمْسَةُ إتْمَامُهَا وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ رَجُلٌ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ مِنْ الْمَفْصِلِ وَلَيْسَ فِي الْكَفِّ إلَّا أُصْبُعٌ وَاحِدٌ فَفِيهِ عُشْرُ الدِّيَةِ. فَإِنْ كَانَ فِيهِ أُصْبُعَانِ فَالْخُمُسُ وَلَا شَيْءَ فِي الْكَفِّ وَقَالَا يَنْظُرُ إلَى أَرْشِ الْأُصْبُعِ بِالْكَفِّ، فَيَكُونُ عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ، وَيَدْخُلُ الْقَلِيلُ فِي الْكَثِيرِ سُئِلَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ عَنْ رَجُلٍ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ خَطَأً ثُمَّ قَطَعَ رِجْلَهُ مِنْ خِلَافٍ خَطَأً مَاذَا يَجِبُ عَلَيْهِ فَقَالَا يَجِبُ عَلَيْهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ لِكُلِّ عُضْوٍ نِصْفُهَا وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ الْحُسَامِيِّ رَجُلٌ قُطِعَتْ يَدُهُ فَاقْتَصَّ لَهُ مِنْ الْيَدِ ثُمَّ مَاتَ يُقْتَلُ الْمُقْتَصُّ مِنْهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يُقْتَصُّ. [فَصْلٌ الصُّلْحِ] (فَصْلٌ) لَمَّا كَانَ تَصَوُّرُ الصُّلْحِ بَعْدَ تَصَوُّرِ الْجِنَايَةِ أَتْبَعَ الصُّلْحَ ذَلِكَ فِي فَصْلٍ عَلَى حِدَةٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (، وَإِنْ صُولِحَ عَلَى مَالٍ وَجَبَ حَالًّا وَسَقَطَ الْقَوَدُ) يَعْنِي إذَا صَالَحَ الْقَاتِلُ أَوْلِيَاءَ الْمَقْتُولِ عَلَى مَالٍ عَنْ الْقِصَاصِ سَقَطَ الْقِصَاصُ وَوَجَبَ الْمَالُ حَالًّا قَلِيلًا كَانَ الْمَالُ أَوْ كَثِيرًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} [البقرة: 178] الْآيَةَ وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ بَيْنَ خِيَرَتَيْنِ أَنْ يَأْخُذُوا الْمَالَ أَوْ يَقْتُلُوا الْقَاتِلَ» بِخِلَافِ حَقِّ الْقَذْفِ، فَإِنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَجْرِي فِيهِ الْعَفْوُ وَلَا التَّعْوِيضُ وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْقَلِيلُ خَطَأً حَيْثُ لَا يَجُوزُ بِأَكْثَرَ مِنْ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ ثَابِتٌ فِي الذِّمَّةِ فَيَكُونُ أَخَذَ أَكْثَرَ مِنْهَا رِبًا، وَإِنَّمَا وَجَبَ حَالًّا؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ وَجَبَ بِالْعَقْدِ وَالْأَصْلُ فِي مِثْلِهِ الْحُلُولُ كَالثَّمَنِ وَالْمَهْرِ بِخِلَافِ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَجِبْ بِالْعَقْدِ، وَإِنَّمَا وَجَبَتْ بِسُقُوطِ الْقَوَدِ؛ وَلِأَنَّهُ مُوجِبُ الْعَقْدِ؛ وَلِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِبَذْلِ الْمَالِ إلَّا مُقَابَلًا بِهِ فَيُوَفِّرُ عَلَيْهِ مَقْصُودَهُ، وَهُوَ الْحَالُّ. وَقَوْلُهُ: وَإِنْ صُولِحَ إلَخْ أَطْلَقَ فِي الْعِبَارَةِ فَشَمَلَ مَا إذَا كَانَ الْمَقْتُولُ مُتَعَدِّدًا وَالْقَاتِلُ وَاحِدًا قَبْلَ الْقَضَاءِ بِالْقِصَاصِ أَوْ بَعْدَهُ وَالْإِطْلَاقُ فِي مَحَلِّ التَّقْيِيدِ لَا يَنْبَغِي فَلَوْ قَالَ: وَإِنْ صَالَحَ فِي وَاحِدٍ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِالْقِصَاصِ أَوْ بَعْدَهُ إلَى آخِرِهِ كَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ فِي قَوْلِنَا فِي وَاحِدٍ يَخْرُجُ مَا إذَا كَانَ الْمَقْتُولُ مُتَعَدِّدًا وَالْقَاتِلُ وَاحِدًا أَوْ حَصَلَ الْعَفْوُ وَبِقَوْلِنَا قَبْلَ الْقَضَاءِ أَوْ بَعْدَهُ يُفِيدُ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمَقْتُولُ وَاحِدًا، فَالْعَفْوُ يُسْقِطُ الْقِصَاصَ قَبْلَ الْقَضَاءِ وَبَعْدَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمَقْتُولُ مُتَعَدِّدًا عَلَى تَفْصِيلٍ يَأْتِي بَيَانُهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَنَصَّفَ إنْ أَمَرَ الْحُرُّ الْقَاتِلُ وَسَيِّدُ الْقَاتِلِ رَجُلًا بِالصُّلْحِ عَنْ دَمِهِمَا عَلَى أَلْفٍ فَفَعَلَ) مَعْنَاهُ لَوْ كَانَ الْقَاتِلُ حُرًّا وَعَبْدًا فَأَمَرَ الْحُرُّ الْقَاتِلُ وَمَوْلَى الْعَبْدِ رَجُلًا بِأَنْ يُصَالِحَ عَنْ دَمِهِمَا عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ فَفَعَلَ الْمَأْمُورُ فَالْأَلْفُ عَلَى الْحُرِّ وَالْعَبْدِ نِصْفَانِ؛ لِأَنَّهُ مُقَابَلٌ بِالْقِصَاصِ، وَهُوَ عَلَيْهِمَا عَلَى السَّوَاءِ فَيُقْسَمُ بَدَلُهُ عَلَيْهِمَا بِالسَّوَاءِ؛ وَلِأَنَّ الْأَلْفَ وَجَبَتْ بِالْعَقْدِ، وَهُوَ مُضَافٌ إلَيْهِمَا فَيُنَصَّفُ مُوجَبُهُ، وَهُوَ الْأَلْفُ عَلَيْهِمَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (، فَإِنْ صَالَحَ أَحَدُ الْأَوْلِيَاءِ مِنْ حَظِّهِ عَلَى عِوَضٍ أَوْ عَفَا فَلِمَنْ بَقِيَ حَظُّهُ مِنْ الدِّيَةِ) ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُتَمَكِّنٌ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي نَصِيبِهِ اسْتِيفَاءً وَإِسْقَاطًا بِالْعَفْوِ وَبِالصُّلْحِ؛ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِي خَالِصِ حَقِّهِ فَيَنْفُذُ عَفْوُهُ وَصُلْحُهُ فَسَقَطَ بِهِ حَقُّهُ مِنْ الْقِصَاصِ، وَمِنْ ضَرُورِيَّةِ سُقُوطِ حَقِّهِ سُقُوطُ حَقِّ الْبَاقِينَ أَيْضًا فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ ثُبُوتًا فَكَذَا سُقُوطًا وَفِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ قُصُورٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ يُقَالُ صَالَحَ عَنْ كَذَا وَذَكَرَ فِي الْكِتَابِ كَلِمَةً مِنْ الثَّانِي قَوْلُهُ مِنْ نَصِيبِهِ يُوهِمُ تَجَزُّؤَ الْقِصَاصِ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ قَالَ الشَّارِحُ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَتَلَ رَجُلَيْنِ فَعَفَا أَوْلِيَاءُ أَحَدِهِمَا حَيْثُ يَكُونُ لِأَوْلِيَاءِ الْآخَرِ قَتْلُهُ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ قِصَاصَانِ لِاخْتِلَافِ الْقَاتِلِ وَالْمَقْتُولِ فَسُقُوطُ أَحَدِهِمَا لَا يُسْقِطُ الْآخَرَ أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا يَفْتَرِقَانِ ثُبُوتًا وَكَذَا بَقَاءً بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ. فَإِذَا سَقَطَ انْقَلَبَ نَصِيبُ مَنْ لَمْ يَعْفُ مَالًا؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ اسْتِيفَاؤُهُ، فَيَجِبُ الْمَالُ كَمَا فِي الْخَطَأِ، فَإِنَّ سُقُوطَ الْقِصَاصِ فِيهِ لِمَعْنًى فِي الْقَتْلِ، وَهُوَ كَوْنُهُ مُخْطِئًا وَلَا يَجِبُ لِلْعَافِي شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهُ الْمُتَعَيِّنَ بِفِعْلِهِ وَرِضَاهُ بِلَا عِوَضٍ بِخِلَافِ شُرَكَائِهِ لِعَدَمِ ذَلِكَ مِنْهُمْ فَيَنْقَلِبُ نَصِيبُهُمْ مَالًا وَالْوَرَثَةُ فِي ذَلِكَ كُلُّهُمْ سَوَاءٌ وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ لَا حَقَّ لِلزَّوْجَيْنِ فِي الْقِصَاصِ، وَلَا فِي الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ فِي الْوِرَاثَةِ خِلَافَهُ، وَهِيَ بِالنَّسَبِ دُونَ السَّبَبِ لِانْقِطَاعِهِ بِالْمَوْتِ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: لَا يَثْبُتُ حَقُّهُمَا فِي الْقِصَاصِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ اسْتِحْقَاقِهِمَا الْعَقْدُ وَالْقِصَاصُ لَا يُسْتَحَقُّ بِالْعَقْدِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَصِيَّ لَا يَثْبُتُ لَهُ حَقٌّ فِي الْقِصَاصِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِي الْقِصَاصِ التَّشَفِّي وَالِانْتِفَاعُ، وَذَلِكَ يَخْتَصُّ بِهِ الْأَقَارِبُ الَّذِينَ يَنْصُرُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا؛ وَلِهَذَا لَا يَكُونُ أَحَدُهُمَا عَاقِلَةَ الْآخَرِ لِعَدَمِ التَّنَاصُرِ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ تَرَكَ مَالًا أَوْ حَقًّا فَلِوَرَثَتِهِ» الْحَدِيثَ وَالْقِصَاصُ حَقُّهُ فَيَكُونُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 353 لِجَمِيعِهِمْ كَالْمَالِ «وَأَمَرَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِتَوْرِيثِ امْرَأَةِ أُسَيْمٍ الضَّبَابِيِّ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا أُسَيْمٍ» ؛ وَلِأَنَّ الْقِصَاصَ حَقٌّ يَجْرِي فِيهِ الْإِرْثُ حَتَّى إذَا قُتِلَ وَلَهُ ابْنَانِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا عَنْ ابْنٍ كَانَ الْقِصَاصُ بَيْنَ الِابْنِ وَبَيْنَ ابْنِ الِابْنِ فَيَثْبُتُ كَسَائِرِ الْوَرَثَةِ وَالزَّوْجِيَّةُ تَبْقَى بَعْدَ الْمَوْتِ حُكْمًا كَمَا فِي حَقِّ الْإِرْثِ أَوْ يَثْبُتُ الْإِرْثُ مُسْتَنِدًا إلَى سَبَبِهِ، وَهُوَ الْجُرْحُ، وَكَانَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقْسِمُ الدِّيَةَ عَلَى مَنْ أَحْرَزَ الْمِيرَاثَ وَالدِّيَةُ حُكْمُهَا حُكْمُ سَائِرِ الْأَمْوَالِ؛ وَلِهَذَا لَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ تَدْخُلُ الدِّيَةُ فِيهِ. وَالْقِصَاصُ بَدَلُ النَّفْسِ كَالدِّيَةِ فَيُورَثُ كَسَائِرِ أَمْوَالِهِ؛ وَلِهَذَا لَوْ انْقَلَبَتْ مَالًا يُقْضَى بِهِ دَيْنُهُ وَتُنَفَّذُ بِهِ وَصَايَاهُ وَاسْتِحْقَاقُ الْإِرْثِ بِالزَّوْجِيَّةِ كَاسْتِحْقَاقِهِ بِالْقَرَابَةِ لَا بِالْعَقْدِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ؛ وَلِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ لَيْسَ بِالْعَقْدِ بَلْ بِالْعَقْدِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ التَّنَاصُرِ وَعَدَمِ الْعَقْلِ عَدَمُ الْإِرْثِ لِلْقِصَاصِ أَلَا تَرَى أَنَّ النِّسَاءَ مِنْ الْأَقَارِبِ لَا يَعْقِلْنَ وَيَرِثْنَ الْقِصَاصَ وَالدِّيَةُ أَقْرَبُ مِنْهُ إذْ الْمَرْأَةُ لَا تَعْقِلُ عَنْهَا أَبْنَاؤُهَا الْكِبَارُ وَيَرِثُونَهَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُقْتَلُ الْجَمْعُ بِالْمُفْرَدِ) لِمَا رُوِيَ أَنَّ سَبْعَةً مِنْ أَهْلِ صَنْعَاءَ قَتَلُوا وَاحِدًا فَقَتَلَهُمْ عُمَرُ بِهِ وَقَالَ لَوْ تَمَالَأَ عَلَيْهِ أَهْلُ صَنْعَاءَ لَقَتَلْتهمْ؛ وَلِأَنَّ الْقَتْلَ بِطَرِيقِ التَّغَالُبِ وَالْقِصَاصُ شُرِعَ حُكْمُهُ لِلزَّجْرِ فَيُجْعَلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَالْمُنْفَرِدِ بِهِ فَيَجْرِي الْقِصَاصُ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا تَحْقِيقًا لِمَعْنَى الْإِحْيَاءِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَسُدَّ بَابُ الْقِصَاصِ وَفُتِحَ بَابُ التَّغَالُبِ إذْ لَا يُوجَدُ الْقَتْلُ مِنْ وَاحِدٍ غَالِبًا؛ لِأَنَّهُ يُقَاوِمُهُ الْوَاحِدُ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ فَلَمْ يَحْصُلْ إلَّا نَادِرًا وَالنَّادِرُ يُشْرَعُ فِيمَا يَغْلِبُ لَا فِيمَا يَنْدُرُ قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: هَذَا جَوَابُ الِاسْتِحْسَانِ، وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَلْزَمُهُمْ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْقِصَاصِ الْمُسَاوَاةُ لِمَا فِي الزِّيَادَةِ مِنْ الظُّلْمِ عَلَى الْمُتَعَدِّي، وَفِي النُّقْصَانِ مِنْ الْبَخْسِ بِحَقِّ الْمُعْتَدَى عَلَيْهِ وَلَا مُسَاوَاةَ بَيْنَ الْعَشَرَةِ وَالْوَاحِدِ فِي شَيْءٍ هَذَا يُعْلَمُ بِبَدَاهَةِ الْعَقْلِ فَالْوَاحِدُ مِنْ الْعَشَرَةِ يَكُونُ مَثَلًا لِلْوَاحِدِ فَكَيْفَ تَكُونُ الْعَشَرَةُ مَثَلًا لِلْوَاحِدِ وَأَيَّدَ هَذَا الْقِيَاسَ قَوْله تَعَالَى {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] وَذَلِكَ يَنْفِي مُقَابَلَةَ النُّفُوسِ بِنَفْسٍ وَلَكِنْ تُرِكَ هَذَا الْقِيَاسُ بِمَا رُوِيَ أَنَّ سَبْعَةً مِنْ أَهْلِ صَنْعَاءَ قَتَلُوا رَجُلًا فَقَضَى عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِالْقِصَاصِ عَلَيْهِمْ وَقَالَ لَوْ تَمَالَأَ عَلَيْهِ أَهْلُ صَنْعَاءَ لَقَتَلْتهمْ بِهِ انْتَهَى كَلَامُهُ. أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِأَنَّ هَذَا الْقِيَاسَ مُقَيَّدٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] وَقَالَ فِي بَيَانِهِ وَذَلِكَ يَنْفِي مُقَابَلَةَ النُّفُوسِ بِنَفْسٍ فَعَلَى ذَلِكَ يَلْزَمُ مِنْ تَرْكِ هَذَا الْقِيَاسِ تَرْكُ الْعَمَلِ بِمَدْلُولِ الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَذَا لَا يَجُوزُ بِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؛ لِأَنَّ عُمَرَ إنْ كَانَ مُنْفَرِدًا فِي قَضَائِهِ وَقَوْلِهِ الْمَزْبُورَيْنِ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَ صَحَابِيٍّ وَاحِدٍ وَفِعْلَهُ لَا يَصْلُحَانِ لِلْمُعَارَضَةِ لِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَضْلًا عَنْ الرُّجْحَانِ عَلَيْهِ، وَإِنْ انْضَمَّ إلَيْهِ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ حَيْثُ كَانُوا مُتَوَافِرِينَ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْهُمْ فَحَلَّ مَحَلَّ الْإِجْمَاعِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا، فَكَذَلِكَ إذْ قَدْ تَقَرَّرَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ أَنَّ الْإِجْمَاعَ لَا يَكُونُ نَاسِخًا لِلْكِتَابِ، وَلَا السُّنَّةِ كَمَا لَا يَكُونُ الْقِيَاسُ نَاسِخًا لِشَيْءٍ مِنْهُمَا فَالْحَقُّ فِي أُسْلُوبِ تَحْرِيرِ هَذَا الْمَقَامِ أَنْ لَا يَتَعَرَّضَ لِحَدِيثِ كَوْنِ الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ مُؤَيِّدَةً لِمَا هُوَ مُقْتَضَى الْقِيَاسِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَأَنْ يُبَيِّنَ عَدَمَ الْمُنَافَاةِ بَيْنَ مَدْلُولِ تِلْكَ الْآيَةِ، وَبَيْنَ جَوَابِ الِاسْتِحْسَانِ هَاهُنَا وَسَيَجِيءُ مِنَّا الْكَلَامُ فِي التَّوْفِيقِ بَيْنَهُمَا بُعَيْدَ الْقَوْلِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالُوا الْقَتْلُ بِطَرِيقِ التَّغَالُبِ غَالِبٌ وَالْقِصَاصُ شُرِعَ لِحِكْمَةِ الزَّجْرِ فَيَجِبُ تَحْقِيقًا لِحِكْمَةِ الْإِحْيَاءِ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ مَا ذَكَرْتُمْ مِنْ الْمَقْتُولِ إنْ لَمْ يَكُنْ قِيَاسًا عَلَى مُجْمَعٍ عَلَيْهِ لَا يَكُونُ مُعْتَبَرًا فِي الشَّرْعِ، وَإِنْ كَانَ فَلَا يَرْبُو عَنْ الْقِيَاسِ الْمُقْتَضِي لِعَدَمِهِ الْمُؤَيَّدُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] . وَالْجَوَابُ أَنَّهُ قِيَاسُ سَائِرِ أَبْوَابِ الْعُقُوبَاتِ الْمُرَتَّبَةِ عَلَى مَا يُوجِبُ الْفَسَادَ مِنْ أَفْعَالِ الْعِبَادِ وَيَرْبُو عَلَى ذَلِكَ بِقُوَّةِ الْبَاطِنِ، وَهُوَ إحْيَاءُ كَلِمَةِ الْإِحْيَاءِ وقَوْله تَعَالَى {أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] لَا يُنَافِيهِ؛ لِأَنَّهُمْ فِي إزْهَاقِ الرُّوحِ الْغَيْرِ الْمُتَجَزِّئِ عَنْ مَجْمُوعِهِمْ وَجَعَلَهُمْ كَشَخْصٍ وَاحِدٍ اهـ. كَلَامُهُ. أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ جَعْلَ الْأَشْخَاصِ الْمُتَعَدِّدَةِ الذَّوَاتِ فِي الْحَقِيقَةِ شَخْصًا وَاحِدًا بِمُجَرَّدِ صُدُورِ إزْهَاقِ الرُّوحِ الْغَيْرِ الْمُتَجَزِّئِ عَنْ مَجْمُوعِهِمْ وَجَعْلَهُمْ مُتَسَاوِينَ كَشَخْصٍ وَاحِدٍ بِحَيْثُ يَتَحَقَّقُ بَيْنَ ذَلِكَ الشَّخْصِ الْوَاحِدِ وَبَيْنَ هَؤُلَاءِ الْجَمَاعَةِ مُمَاثَلَةٌ مُعْتَبَرَةٌ فِي الْقِصَاصِ بَعِيدٌ جِدًّا عَنْ مُسَاعِدَةِ الْعَقْلِ وَالنَّقْلِ وَأَيْضًا يُنَافِي هَذَا مَا سَيَأْتِي فِي تَعْلِيلِ الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ مِنْ أَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَاتِلٌ بِوَصْفِ الْكَمَالِ الصَّادِرِ مِنْهُمْ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ فَثَلَاثٌ مُتَعَدِّدَةٌ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِهِمْ فَحَصَلَتْ الْمُمَاثَلَةُ الْمُعْتَبَرَةُ فِي الْقِصَاصِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 354 ، وَالْحَقُّ عِنْدِي هَاهُنَا أَنْ يُقَالَ أَنَّ قَوْله تَعَالَى {أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] لَا يُنَافِي مَا قَالُوا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إذْ لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى اعْتِبَارِ الْوَحْدَةِ فِي النَّفْسِ بَلْ فِيهِ مُجَرَّدُ مُقَابَلَةِ جِنْسِ النَّفْسِ بِجِنْسِ النَّفْسِ كَمَا تَرَى وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ الِاحْتِرَازُ عَنْ أَنْ تُقْتَلَ النَّفْسُ بِمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنْفَ بِالأَنْفِ} [المائدة: 45] وَنَحْوِهِمَا، وَأَمَّا أَنَّهُ هَلْ تَحَقُّقُ الْمُمَاثَلَةِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي الْقِصَاصِ عِنْدَ تَعَذُّرِ النَّفْسِ فِي جَانِبِ الْقَاتِلِ وَالْمَقْتُولِ. وَإِنَّمَا يُسْتَفَادُ ذَلِكَ مِنْ دَلِيلٍ آخَرَ أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَيْنَ الْيُمْنَى لَا تُقْتَصُّ بِالْعَيْنِ الْيُسْرَى وَكَذَا الْعَكْسُ مَعَ أَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ} [المائدة: 45] لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ نَظَرًا إلَى ظَاهِرِ إطْلَاقِهِ بَلْ إنَّمَا يُسْتَفَادُ ذَلِكَ مِنْ دَلِيلٍ آخَرَ فَكَذَا هُنَا تَبَصَّرْ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْفَرْدُ بِالْجَمْعِ اكْتِفَاءً) يَعْنِي إذَا قَتَلَ وَاحِدٌ جَمَاعَةً يُقْتَلُ بِهِمْ يَعْنِي إذَا حَضَرَ الْأَوْلِيَاءُ وَطَلَبُوا يُقْتَلُ بِهِمْ وَقَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: يُقْتَلُ بِالْأَوَّلِ فَقَطْ وَلَنَا أَنَّهُ لَوْ قَتَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِوَصْفِ الْكَمَالِ فَيُقْتَلُ بِهِمْ لِحُصُولِ التَّمَاثُلِ، وَفِي الْحَاوِي قَتَلَ رَجُلٌ فَقِيلَ لَهُ لِمَ قَتَلْت فُلَانًا؟ فَقَالَ قَدْ كَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ مَكْتُوبًا فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ ثُمَّ قَالَ آخَرُ لِمَ قَتَلْت غُلَامِي؟ ، فَقَالَ قَتَلْت عَدُوِّي يُقْتَلُ وَفِي الْمُحِيطِ وَإِذَا قَتَلَ وَاحِدٌ رَجُلَيْنِ يُقْتَصُّ بِهِمَا وَلَا يَغْرَمُ الدِّيَةَ؛ لِأَنَّ بِقَتْلِهِ صَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُسْتَوْفِيًا حَقَّهُ عَلَى الْكَمَالِ؛ لِأَنَّ حَقَّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي عَدَمِ الْحَيَاةِ وَبِقَتْلِ الْوَاحِدِ حَصَلَ لَهُمَا إعْدَامُ الْحَيَاةِ مَعْنًى لِمَا بَيَّنَّا، وَإِنْ حَضَرَ أَحَدُهُمَا وَالْآخَرُ غَائِبٌ كَانَ لِلْحَاضِرِ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْقِصَاصَ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ فِي إتْلَافِ كُلِّ النَّفْسِ وَاسْتِيفَاءِ الْبَعْضِ لِمَكَانِ الْمُزَاحَمَةِ وَلَا مُزَاحَمَةَ هُنَا؛ لِأَنَّ حَقَّ الْحَاضِرِ قَدْ ظَهَرَ عِنْدَ الْقَاضِي وَحَقُّ الْغَائِبِ لَمْ يَظْهَرْ وَصَارَ كَأَحَدِ الشَّفِيعَيْنِ إذَا حَضَرَ فَقَضَى لَهُ بِالْجَمِيعِ فَكَذَا هَذَا، وَلَوْ كَانَ قَطَعَ الْيَدَيْنِ لَهُمَا فَقُطِعَ لِأَحَدِهِمَا وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَلِلْآخَرِ دِيَةُ يَدِهِ بِخِلَافِ الْقِصَاصِ بِالنَّفْسِ إذَا قُضِيَ لِأَحَدِهِمَا وَقَتَلَهُ لَمْ يَجِبْ لِلْآخَرِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ فَوَاتَ حَقِّهِ فِي الِاسْتِيفَاءِ يَكُونُ سَبَبًا لِقُصُورٍ فِي الْمَحَلِّ، فَإِنَّهُمَا إذَا اجْتَمَعَا وَاسْتَوْفَيَا صَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُسْتَوْفِيًا حَقَّهُ عَلَى الْكَمَالِ، فَلَا تَجِبُ مَعَهُ الدِّيَةُ، وَأَمَّا فِي الطَّرَفِ فَوَاتُ حَقِّهِ بِسَبَبِ قُصُورٍ فِي الْمَحَلِّ لَا يَضُرُّ عَنْ إيفَاءِ حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَيَجِبُ الضَّمَانُ، وَلَوْ عَفَا أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَضَاءِ بِالْقِصَاصِ أَوْ الدِّيَةِ بَطَلَ حَقُّهُ وَاقْتُصَّ لِلْآخَرِ؛ لِأَنَّ الْمُزَاحَمَةَ قَدْ انْقَطَعَتْ بِالْعَفْوِ فَبَقِيَ حَقُّ الْآخَرِ فِي الْكُلِّ. وَإِنْ عَفَا بَعْدَ الْقَضَاءِ بِالْقِصَاصِ وَصَالَحَ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ فَالدِّيَةُ بَيْنَهُمَا فَلَوْ قَتَلَ وَقَطَعَ الْيَدَ مِنْ آخَرَ وَأَخَذَ الدِّيَةَ فَلِلسَّاكِتِ دِيَةُ الْيَدِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَقَالَا لِلسَّاكِتِ أَنْ يَقْطَعَ الْيَدَ عَلَى أَنَّ لَهُمَا حَقَّ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ فِي يَدٍ وَاحِدَةٍ وَاسْتِيفَاءُ دِيَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَا قِصَاصَ مَعَ وُجُودِ الْمُوَافَقَةِ وَالْمُلَاءَمَةِ وَانْعِدَامِ الْمُنَازَعَةِ وَالْمُشَاجَرَةِ وَلَكِنَّهُ أَقْصَى مَا يَجِبُ لَهُمَا، وَهُوَ أَنْ يَجْتَمِعَا عَلَى الْقَطْعِ وَأَخْذُ الدِّيَةِ بَيْنَهُمَا، فَصَارَ الْحَالُ بَعْدَ الْقَضَاءِ كَالْحَالِ قَبْلَهُ، وَلَوْ أَخَذَ الدِّيَةَ عَنْ الْيَدِ ثُمَّ عَفَا أَحَدُهُمَا يَكُونُ لِلْآخَرِ نِصْفُ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُمَا لَمَّا قَبَضَا فَقَدْ مَلَكَاهَا، وَمِنْ ضَرُورَةِ ثُبُوتِ الْمِلْكِ فِي الْمُسْتَوْفَى أَنْ لَا يَبْقَى الْحَقُّ فِي الْيَدِ فَسَقَطَ حَقُّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي نِصْفِ الْيَدِ كَيْ لَا يَجْتَمِعَ الْبَدَلُ وَالْمُبْدَلُ فِي مِلْكٍ وَاحِدٍ، فَلَا يُتَمَكَّنُ مِنْ اسْتِيفَاءِ كُلِّ الْيَدِ بِدُونِ نَصِيبِ الْعَافِي فَبَطَلَ حَقُّهُ فِي الْقِصَاصِ فَامْتَنَعَ الْقَطْعُ؛ لِأَنَّ مُوجَبَهُ الدِّيَةُ فِي نَصِيبِهِ كَمَا إذَا كَانَ خَطَأً، وَلَوْ أَخَذَا بِالدِّيَةِ كَفِيلًا ثُمَّ عَفَا أَحَدُهُمَا فَلِلْآخِرِ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ تَوْقِيفٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ حَضَرَ وَاحِدٌ قُتِلَ وَسَقَطَ حَقُّ الْبَقِيَّةِ) كَمَوْتِ الْقَاتِلِ حَتْفَ أَنْفِهِ لِفَوَاتِ مَحَلِّ الِاسْتِيفَاءِ فَصَارَ كَمَوْتِ الْعَبْدِ الْجَانِي وَفِيهِ خِلَافُ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عِنْدَهُ أَحَدُهُمَا عَلَى مَا بَيَّنَّا، فَإِنَّ أَحَدَهُمَا قَضَى الْآخَرَ لِفَوَاتِ الْمَحَلِّ وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يُقْطَعُ يَدُ رَجُلَيْنِ بِيَدٍ) مَعْنَاهُ إذَا قَطَعَ رَجُلَانِ يَدَ رَجُلٍ فَلَا قِصَاصَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَقَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ تُقْطَعُ أَيْدِيهِمَا وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِيمَا أَخَذَ سِكِّينًا وَاحِدًا مِنْ جَانِبٍ وَأَمَرَّاهَا عَلَى يَدِهِ حَتَّى انْقَطَعَتْ هُوَ يَعْتَبِرُهَا بِالْأَنْفُسِ؛ لِأَنَّ الْأَطْرَافَ تَابِعَةٌ لَهَا، وَمُلْحَقَةٌ بِهَا فَأَخَذَتْ حُكْمَهَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَمَرَّ أَحَدُهُمَا السِّكِّينَ مِنْ جَانِبٍ، وَالْآخَرُ مِنْ جَانِبٍ حَتَّى الْتَقَتْ السِّكِّينَانِ فِي الْوَسَطِ وَبَانَتْ الْيَدُ حَيْثُ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ فِيهِ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إمْرَارُ السِّلَاحِ عَلَى بَعْضِ الْعُضْوِ وَلَنَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَاطِعٌ لِلْبَعْضِ؛ لِأَنَّ مَا انْقَطَعَ بِقُوَّةِ أَحَدِهِمَا أَنْ يُقْطَعَ بِقُوَّةِ الْآخَرِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقْطَعَ الْكُلُّ بِالْبَعْضِ وَالِاثْنَيْنِ بِالْوَاحِدِ لِانْعِدَامِ الْمُسَاوَاةِ فَصَارَ كَمَا إذَا أَمَرَّهَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ جَانِبٍ الْآخَرِ بِخِلَافِ النَّفْسِ، فَإِنْ شَرَطَ فِيهِ الْمُسَاوَاةَ فِي الْعِصْمَةِ لَا غَيْرُ وَفِي الطَّرَفِ يُعْتَبَرُ الْمُسَاوَاةُ فِي النَّفْعِ وَالْقِيمَةِ؛ وَلِهَذَا لَا تُقْطَعُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 355 الصَّحِيحَةُ بِالشَّلَّاءِ وَالنَّفْسُ السَّالِمَةُ مِنْ الْعُيُوبِ تُقْتَلُ بِالْمَفْلُوجِ وَالْمَسْلُولِ، وَكَذَا الِاثْنَانِ بِالْوَاحِدِ فَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ عَلَى النَّفْسِ؛ وَلِأَنَّ زُهُوقَ الرَّوْحِ لَا يَتَجَزَّأُ فَأُضِيفَ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ كُلًّا وَقَطْعُ الْعُضْوِ يَتَجَزَّأُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُقْطَعَ الْبَعْضُ وَيُتْرَكَ الْبَاقِي وَفِي الْقَتْلِ لَا يُمْكِنُ ذَلِكَ؛ وَلِهَذَا لَوْ أَمَرَّ أَحَدُهُمَا السِّكِّينَ عَلَى قَفَاهُ وَالْآخَرُ عَلَى حَلْقِهِ حَتَّى الْتَقَتَا فِي الْوَسَطِ وَمَاتَ مِنْهُمَا يَجِبُ الْقِصَاصُ وَفِي الْيَدِ لَا يَجِبُ؛ وَلِأَنَّ الْقَتْلَ بِطَرِيقِ الْإِجْمَاعِ غَالِبٌ مُخَالَفَةُ الْغَوْثِ لَا فِي الْقَطْعِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى مُقَدَّمَاتٍ بَطِيئَةٍ فَيَلْحَقُهُ الْغَوْثُ بِسَبَبِهَا كَالنِّدَاءِ، وَيَقُولُ ثَبَتَ وُجُوبُ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ وَالِاجْتِمَاعُ عَلَى خِلَافَ الْقِيَاسِ وَالطَّرَفُ لَيْسَ مِثْلَهَا، فَلَا يَلْحَقُ بِهَا وَقَوْلُهُ رَجُلَانِ مِثَالٌ وَلَيْسَ بِقَيْدٍ قَالَ فِي التَّجْرِيدِ إذَا قَطَعَ رَجُلَانِ يَدَيْ رَجُلٍ فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِمَا وَعَلَيْهِمَا الدِّيَةُ وَكَذَا مَا زَادَ عَلَى هَذَا الْعَدَدِ فِي هَذَا الْحُكْمِ سَوَاءٌ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الزِّيَادَاتِ رَجُلٌ قَطَعَ الْمَفْصِلَ الْأَعْلَى مِنْ أُصْبُعِ رَجُلٍ وَبَرِئَ مِنْهُ ثُمَّ عَادَ وَقَطَعَ الثَّانِيَ أَيْضًا ثُمَّ اخْتَصَمَا إلَى الْقَاضِي فَالْقَاضِي يَقْضِي عَلَى الْقَاطِعِ بِالْقِصَاصِ فِي الْمَفْصِلِ الثَّانِي هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا إذَا قَطَعَ الْمَفْصِلَ الْأَعْلَى، وَبَرِئَ ثُمَّ عَادَ وَقَطَعَ الْمَفْصِلَ الثَّانِيَ، فَإِنَّهُ يُقْطَعُ أُصْبُعُ الْقَاطِعِ مِنْ الْمَفْصِلِ الْأَسْفَلِ، وَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ قَطَعَ الْمَفْصِلَيْنِ بِدَفْعَةٍ وَاحِدَةٍ فَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ قَالَ مَا ذُكِرَ هَاهُنَا قَوْلُهُمَا أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِلْمَقْطُوعِ مَفْصِلَاهُ أَنْ يَقْطَعَ الْمَفْصِلَ الْأَعْلَى ثُمَّ الْأَسْفَلَ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هَذَا قَوْلُ الْكُلِّ، وَلَوْ قَطَعَ الْمَفْصِلَ الْأَعْلَى وَاقْتَصَّ مِنْ الْقَاطِعِ ثُمَّ عَادَ وَقَطَعَ الْمَفْصِلَ الثَّانِيَ وَبَرِئَ يَجِبُ لِوُجُودِ الْمُسَاوَاةِ فَرْقٌ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ رَجُلَيْنِ مَقْطُوعَيْ الْأَصَابِعِ قَطَعَ أَحَدُهُمَا كَفَّ صَاحِبِهِ لَا يُقْطَعُ كَفُّ الْقَاطِعِ أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ مُمْكِنَةٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقْطَعَ لِإِمْكَانِهَا فَتَدَبَّرْهُ وَكَذَا إذَا كَانَ مَقْطُوعَ الْكَفِّ قَطَعَ أَحَدُهُمَا زَنْدَ صَاحِبِهِ لَا يُقْطَعُ زَنْدُ الْقَاطِعِ، وَلَوْ قَطَعَ مِنْ أُصْبُعِ رَجُلٍ نِصْفَ مَفْصِلٍ وَكَسَرَ وَبَرِئَ ثُمَّ قَطَعَ مَا بَقِيَ مِنْ الْمَفْصِلِ وَبَرِئَ فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ أَمَّا فِي النِّصْفِ الْأَوَّلِ فَلِحُلُولِ الْجِنَايَةِ فِي الْعَظْمِ، وَأَمَّا فِي النِّصْفِ الثَّانِي فَلِعَدَمِ الْمُسَاوَاةِ؛ لِأَنَّ أُصْبُعَ الْقَاطِعِ حَالَ مَا قَطَعَ الثَّانِي مِنْ الْمَفْصِلِ صَحِيحَةٌ وَالْأُصْبُعُ الْمَقْطُوعَةُ مِنْ نِصْفِ الْمَفْصِلِ نَاقِصَةٌ. وَلَوْ لَمْ يَحُلْ بَيْنَهُمَا بُرْءٌ يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي الْمَفْصِلِ وَجُعِلَ كَأَنَّهُ قَطَعَ الْمَفْصِلَ بِدَفْعَةٍ وَاحِدَةٍ وَكَذَلِكَ لَوْ قَطَعَ الْأَصَابِعَ مِنْ رَجُلٍ وَعَادَ وَقَطَعَ الْكَفَّ إنْ لَمْ يَحُلْ بَيْنَهُمَا يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي يَدٍ كَأَنَّهُ قَطَعَ الْكُلَّ دَفْعَةً وَاحِدَةً، وَإِنْ حَالَ بَيْنَهُمَا بُرْءٌ يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي الْأَصَابِعِ وَحُكُومَةُ عَدْلٍ فِي الْكَفِّ وَكَذَا إذَا قَطَعَ حَشَفَةَ إنْسَانٍ خَطَأً ثُمَّ عَادَ وَقَطَعَ بَاقِيَ الذَّكَرِ إنْ كَانَ قَبْلَ تَخَلُّلِ الْبُرْءِ تَجِبُ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ كَانَ تَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا بُرْءٌ يَجِبُ كَمَالُ الدِّيَةِ فِي الْحَشَفَةِ وَحُكُومَةُ عَدْلٍ فِي الْبَاقِي، وَلَوْ قَطَعَ الْمَفْصِلَ الْأَعْلَى مِنْ أُصْبُعِ رَجُلٍ فَقَبْلَ الْبُرْءِ قَطَعَ النِّصْفَ مِنْ الْمَفْصِلِ الثَّانِي ثُمَّ بَرِئَ الْقِصَاصُ وَجُعِلَ كَأَنَّهُ مِنْ الِابْتِدَاءِ قَطَعَ النِّصْفَ مِنْ الْمَفْصِلِ الثَّانِي وَهُنَاكَ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ بَلْ يَجِبُ الْأَرْشُ فَهَذَا ذَلِكَ، وَلَوْ بَرِئَ مِنْ الْقَطْعِ الْأَوَّلِ ثُمَّ قَطَعَ النِّصْفَ مِنْ الْمَفْصِلِ الثَّانِي يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي الْمَفْصِلِ الْأَعْلَى لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَيَجِبُ نِصْفُ الْأَرْشِ فِي الثَّانِي. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَلَوْ قَطَعَ آخَرُ كَفَّهُ ثُمَّ قَطَعَ آخَرُ مِرْفَقَهُ فَمَاتَ، فَإِنْ كَانَ عَمْدًا فَقِصَاصُ النَّفْسِ عَلَى الثَّانِي وَدِيَةُ الْقَاطِعِ عَلَى الْأَوَّلِ، وَهَذَا قَوْلُ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ وَقَالَ زُفَرُ: إنْ كَانَ عَمْدًا، وَإِنْ كَانَ خَطَأً وَلَمْ يَتَخَلَّلْ الْبُرْءُ فَدِيَةُ النَّفْسِ عَلَيْهِمَا، وَإِنْ قَطَعَ أُصْبُعَ رَجُلٍ عَمْدًا ثُمَّ قَطَعَ آخَرُ كَفَّهُ خَطَأً فَمَاتَ يُقْتَصُّ مِنْ قَاطِعِ الْأُصْبُعِ، وَعَلَى عَاقِلَةِ الْآخَرِ دِيَةُ النَّفْسِ وَقَالَ زُفَرُ: لَا يُقْتَصُّ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ، وَإِذَا ضَرَبَ رَجُلٌ عَلَى يَدِ رَجُلٍ فَشُلَّتْ الْيَدُ فَعَلَيْهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ، وَفِي النَّوَازِلِ وَسُئِلَ شَدَّادٌ عَنْ رَجُلٍ قَطَعَ رَأْسَ أُصْبُعِ رَجُلٍ مِنْ مَفْصِلِهِ قَالَ يُقْتَصُّ مِنْهُ، فَإِنْ اُقْتُصَّ مِنْهُ ثُمَّ قَطَعَ أَحَدُهُمَا يَدَ صَاحِبِهِ، فَقَالَ: لَيْسَ بَيْنَهُمَا قِصَاصٌ وَفِي الْعُيُونِ رَجُلٌ قَطَعَ أُصْبُعَ رَجُلٍ خَطَأً فَجَاءَ آخَرُ وَقَطَعَ كَفَّهُ عَمْدًا فَمَاتَ مِنْهَا جَمِيعًا فِي قَوْلِ الْإِمَامِ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ وَبِهِ قَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُقْطَعُ مِنْ الْكَفِّ وَعَلَى عَاقِلَةِ الَّذِي قَطَعَ الْأُصْبُعَ دِيَةُ الْأُصْبُعِ وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَمَنْ قَطَعَ يَدَ مُرْتَدٍّ فَأَسْلَمَ فَمَاتَ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْقَاطِعِ، وَلَوْ قَطَعَ يَدَهُ، وَهُوَ مُسْلِمٌ فَارْتَدَّ فَمَاتَ فَعَلَيْهِ دِيَةُ الْيَدِ لَا غَيْرُ، وَلَوْ رَجَعَ إلَى الْإِسْلَامِ ثُمَّ مَاتَ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ عَلَيْهِ دِيَةُ النَّفْسِ، وَفِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ دِيَةُ الْيَدِ وَكَذَلِكَ لَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَلَمْ يَقْضِ الْقَاضِي بِلُحُوقِهِ ثُمَّ عَادَ مُسْلِمًا فَمَاتَ تَجِبُ دِيَةُ الْيَدِ لَا غَيْرُ، وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 356 وَمَنْ قَطَعَ مِنْ رَجُلٍ يَدًا أَوْ رَجُلًا أَوْ أُصْبُعًا أَوْ أُنْمُلَةً مِنْ أُصْبُعٍ أَوْ مَا سِوَى ذَلِكَ مَفْصِلًا مِنْ الْمَفْصِلِ عَمْدًا فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ بَعْدَ الْبُرْءِ مِنْ الْجِنَايَةِ وَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ وَإِذَا قَطَعَ رَجُلٌ يَدَ آخَرَ عَمْدًا، فَإِنْ كَانَ الْقَاطِعُ وَالْمَقْطُوعُ حُرَّيْنِ مُسْلِمَيْنِ أَوْ كِتَابِيَّيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا مُسْلِمٌ وَالْآخَرُ كِتَابِيٌّ يَجْرِي الْقِصَاصُ بَيْنَهُمَا أَوْ كَانَا امْرَأَتَيْنِ حُرَّتَيْنِ مُسْلِمَتَيْنِ أَوْ إحْدَاهُمَا مُسْلِمَةٌ وَالْأُخْرَى كِتَابِيَّةٌ أَوْ كَانَتَا ذِمِّيَّتَيْنِ يَجِبُ الْقِصَاصُ، وَلَوْ كَانَا عَبْدَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا عَبْدٌ وَالْآخَرُ حُرٌّ أَوْ أَحَدُهُمَا ذَكَرٌ وَالْآخَرُ أُنْثَى فَلَا قِصَاصَ بَيْنَهُمَا وَالْأَرْشُ فِي مَالِهِ حَالًّا هَذَا كُلُّهُ بَيَانُ حُكْمِ الْعَمْدِ رَجَعْنَا إلَى بَيَانِ حُكْمِ الْخَطَأِ فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ الْيَدَيْنِ إذَا قُطِعَتَا خَطَأً الدِّيَةُ لِفَوَاتِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ عَلَى الْكَمَالِ وَفِي أَحَدِهِمَا نِصْفُ الدِّيَةِ وَلَا تَفْضُلُ الْيَمِينُ عَلَى الشِّمَالِ، وَإِنْ كَانَتْ الْيَمِينُ أَكْثَرَ بَطْشًا مِنْ الشِّمَالِ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْجِنَايَاتِ لِجِنْسِ الْمَنْفَعَةِ لَا لِلزِّيَادَةِ، وَفِي الْيَدِ إذَا قُطِعَتْ مِنْ نِصْفِ السَّاعِدِ دِيَةُ الْيَدِ وَحُكُومَةُ عَدْلٍ فِيمَا وَرَاءَ الْكَفِّ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيِّ وَالشَّافِعِيِّ رَوَى صَاحِبُ الْأَمَالِي عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِي السَّاعِدِ شَيْءٌ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَمَالِكٍ وَسُفْيَانَ وَالثَّوْرِيِّ، وَكَذَلِكَ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ إذَا قَطَعَ الْيَدَ مِنْ الْمِرْفَقِ أَوْ الْمَنْكِبِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ فِي الْكَفِّ دِيَةُ الْيَدِ وَحُكُومَةُ الْعَدْلِ فِيمَا وَرَاءَ الْكَفِّ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَمَنْ تَابَعَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَنَّهُ يَجِبُ دِيَةُ الْيَدِ لَا غَيْرُ وَالصَّحِيحُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَلَوْ قَطَعَ رَجُلٌ ثَلَاثَ أَصَابِعَ مِنْ كَفِّ رَجُلٍ خَطَأً ثُمَّ قَطَعَ آخَرُ أُصْبُعَيْنِ ثُمَّ شُلَّتْ الْكَفُّ مِنْ الْجِرَاحَتَيْنِ فَعَلَى الْأَوَّلِ دِيَةُ مَا قَطَعَ وَعَلَى الثَّانِي دِيَةُ مَا قُطِعَ وَمَا بَقِيَ مِنْ الْكَفِّ بَعْدَ الْأَصَابِعِ فَهُوَ نِصْفَانِ فَمَا يُصِيبُ صَاحِبَ الْأَكْثَرِ دَخَلَ أَرْشُ الْأَقَلِّ فِي الْأَكْثَرِ، وَأَمَّا النِّصْفُ الْآخَرُ إنْ كَانَ الْآخَرُ قَطَعَ أُصْبُعَيْنِ فَعَلَيْهِ خُمُسَا دِيَةٍ لِلْأَصْلِ، وَهُوَ عُشْرُ الدِّيَةِ وَفِي الْأُنْمُلَةِ حُكُومَةُ عَدْلٍ وَالظُّفْرُ إذَا نَبَتَ كَمَا كَانَ لَا شَيْءَ فِيهِ، وَإِنْ نَبَتَ عَلَى عَيْبٍ فَحُكُومَةٌ دُونَ الْأُولَى وَفِي الْيَنَابِيعِ إذَا قَطَعَ الْيَدَ مِنْ الْعَضُدِ وَالرِّجْلَ مِنْ الْفَخِذِ فَعِنْدَهُمَا فِيهِ الدِّيَةُ وَمَا فَوْقَ الْكَفِّ وَالْقَدَمِ فَفِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ مَا فَوْقَ الْكَعْبِ إلَى الْقَدَمِ تَبَعٌ لِلْأَصَابِعِ وَإِذَا كَسَرَ يَدَ عَبْدِ رَجُلٍ أَوْ رِجْلِهِ لَا يَجِبُ فِي الْحَالِ شَيْءٌ وَفِي الْكَافِي، وَلَوْ قَطَعَ الْيَدَ وَفِيهَا ثَلَاثُ أَصَابِعُ فَعَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِ دِيَةِ الْيَدِ وَلَا شَيْءَ فِي الْكَفِّ بِالْإِجْمَاعِ وَقَاطِعُ يَدٍ لَا كَفَّ لَهُ فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ فِي السَّاعِدِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إذَا كَانَا سَوَاءً اقْتَصَّ مِنْهُ وَعَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ إذَا قَطَعَ كَفَّ رَجُلٍ، وَفِيهَا أُصْبُعٌ زَائِدَةٌ، وَفِي يَدِ الْقَاطِعِ أُصْبُعٌ زَائِدَةٌ، وَلَوْ قَطَعَ أُصْبُعًا زَائِدًا فِي يَدِهِ مِثْلُهَا لَا قِصَاصَ بِالْإِجْمَاعِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْأَقْطَعَيْنِ وَالْأَشَلَّيْنِ أَنَّهُ لَا قِصَاصَ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْهُ وَكَذَلِكَ مَقْطُوعُ الْإِبْهَامِ وَالْأُصْبُعِ كُلِّهَا إذَا قَطَعَ يَدَ أَشَلَّ فَلَا قِصَاصَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَفِي الْخَانِيَّةِ، وَلَوْ قَطَعَ أَظَافِرَ الْيَدَيْنِ أَوْ الرِّجْلَيْنِ رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا قِصَاصَ فِيهِ وَفِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ، وَلَوْ كَسَرَ عَظْمًا مِنْ سَاعِدٍ أَوْ سَاقَ أَوْ تَرْقُوَةٍ أَوْ غَيْرِهِ فَفِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَضَمِنَا دِيَتَهَا) أَيْ ضَمِنَ الْقَاطِعَانِ دِيَةَ الْمَقْطُوعِ؛ لِأَنَّ التَّلَفَ حَصَلَ بِفِعْلِهِمَا فَيَجِبُ عَلَيْهِمَا نِصْفُ الدِّيَةِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الرُّبْعُ فَتَجِبُ فِي مَالِهِمَا؛ لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَتَحَمَّلُ الْعَمْدَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (، وَإِنْ قَطَعَ وَاحِدٌ يَمِينَيْ رَجُلَيْنِ فَلَهُمَا قَطْعُ يَمِينِهِ وَنِصْفُ الدِّيَةِ) يَعْنِي إذْ حَضَرَا مَعًا سَوَاءٌ كَانَ الْقَطْعُ جُمْلَةً وَاحِدَةً أَوْ عَلَى التَّعَاقُبِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ قَطَعَهُمَا عَلَى التَّعَاقُبِ يُقْطَعُ لِلْأَوَّلِ مِنْهُمَا وَيَغْرَمُ أَرْشَ الْيَدِ لِلثَّانِي وَلَنَا أَنَّ الْمُسَاوَاةَ فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ وَيُوجِبُ الْمُسَاوَاةَ فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَلَا عِبْرَةَ فِي التَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ كَالْغَرِيمَيْنِ فِي الشَّرِكَةِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ حَقَّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَابِتٌ فِي كُلِّ الْيَدِ لِتَقَرُّرِ السَّبَبِ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَهُوَ الْقَطْعُ وَكَوْنُهُ مَشْغُولًا بِحَقِّ الْأَوَّلِ لَا يَمْنَعُ تَقَرُّرَ السَّبَبِ فِي حَقِّ الثَّانِي؛ وَلِهَذَا لَوْ كَانَ الْقَاطِعُ لَهُمَا عَبْدًا اسْتَوَيَا فِي اسْتِحْقَاقِ رَقَبَتِهِ، وَلَوْ كَانَ يَمْنَعُ بِالْأَوَّلِ لَمَا شَارَكَهُ الثَّانِي بِخِلَافِ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّهُ اسْتِيفَاءٌ حُكْمًا فَلَا يَثْبُتُ لِلثَّانِي بَعْدَمَا ثَبَتَ لِلْأَوَّلِ كَالِاسْتِيفَاءِ حَقِيقَةٍ فَإِذَا لَمْ يَمْنَعْ الْأَوَّلُ بِثُبُوتِ حَقِّ الثَّانِي فِيهَا اسْتَوَيَا فِيهَا يُقْطَعُ لَهُمَا إذَا حَضَرَا مَعًا لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ وَيَقْضِي لَهُمَا بِنِصْفِ الدِّيَةِ يَقْسِمَانِهِ نِصْفَيْنِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِيهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ حَيْثُ يَكْتَفِي فِيهِ بِالْقَتْلِ لَهُمَا وَلَا يَقْضِي لَهُمَا بِالدِّيَةِ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ الْفَرْقِ فِيمَا تَقَدَّمَ وَقَدَّمْنَا لَهُ مَزِيدَ بَيَانٍ فَارْجِعْ إلَيْهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (، وَإِنْ حَضَرَ وَاحِدٌ فَقَطَعَ يَدَهُ لَهُ فَلِلْآخَرِ عَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ) ؛ لِأَنَّ لِلْحَاضِرِ أَنْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 357 يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّأْخِيرُ حَتَّى يُحْضِرَ الْآخَرُ ثُبُوتَ حَقِّهِ بِيَقِينٍ وَحَقُّ الْآخَرِ مُتَرَدِّدٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا يَطْلُبَ أَوْ يَعْفُوَ مَجَّانًا أَوْ صُلْحًا فَصَارَ كَأَحَدِ الشَّفِيعَيْنِ إذَا حَضَرَ وَالْآخَرُ غَائِبٌ حَيْثُ يَقْضِي لَهُ بِالشُّفْعَةِ فِي الْكُلِّ لِمَا قُلْنَا. ثُمَّ إذَا حَضَرَ الْآخَرُ بَعْدَمَا قُطِعَتْ لِلْآخَرِ وَطَلَبَ يَقْضِي لَهُ بِالدِّيَةِ؛ لِأَنَّ يَدَهُ وَفَاؤُهَا حَقٌّ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ فَيَضْمَنُهَا لِسَلَامَتِهَا لَهُ، وَلَوْ قَضَى بِالْقِصَاصِ بَيْنَهُمَا ثُمَّ عَفَا أَحَدُهُمَا قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الدِّيَةِ فَلِلْآخِرِ الْقَوَدُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَهُ الْأَرْشُ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ بِالْقَضَاءِ أَثْبَتَ الشَّرِكَةَ بَيْنَهُمَا فَعَادَ حَقُّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى الْبَعْضِ، فَإِذَا عَفَا أَحَدُهُمَا فَقَدْ مَنَعَ الْآخَرَ مِنْ اسْتِيفَاءِ الْكُلِّ وَلَهُمَا أَنَّ الْإِمْضَاءَ مِنْ الْقَضَاءِ فِي الْعُقُوبَاتِ فَالْعَفْوُ قَبْلَهُ كَالْعَفْوِ قَبْلَ الْقَضَاءِ، وَلَوْ قَطَعَ أَحَدُهُمَا يَدَ الْقَاطِعِ مِنْ الْمِرْفَقِ سَقَطَ الْقِصَاصُ لِذَهَابِ الْيَدِ الَّتِي فِيهَا الْقِصَاصُ بِالْقَطْعِ ظُلْمًا وَلَا يَنْقَلِبُ مَالًا كَمَا إذَا قَطَعَهَا أَجْنَبِيٌّ أَوْ سَقَطَتْ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ وَلَهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ عَلَى حَالِهَا؛ لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ قَبْلَ قَطْعِهَا وَلَا تَسْقُطُ بِالْقَطْعِ ظُلْمًا ثُمَّ الْقَاطِعُ الْأَوَّلُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَطَعَ ذِرَاعَ الْقَاطِعِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ دِيَةَ الْيَدِ وَحُكُومَةُ عَدْلٍ فِي قَطْعِ الذِّرَاعِ إلَى الْمِرْفَقِ؛ لِأَنَّ يَدَ الْقَاطِعِ كَانَتْ مَقْطُوعَةً مِنْ الْكَفِّ حِينَ قَطَعَ الْقَاطِعُ الْأَوَّلُ مِنْ الْمِرْفَقِ فَكَانَتْ كَالشَّلَّاءِ وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ الْمَقْطُوعُ يَدُهُ وَاحِدًا فَقَطَعَ الْقَاطِعَ مِنْ الْمِرْفَقِ سَقَطَ حَقُّهُ فِي الْقِصَاصِ وَوَجَبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ وَلِلْمَقْطُوعِ مِنْ الْمِرْفَقِ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ قَطَعَ مِنْ الْمِرْفَقِ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْأَرْشَ لِمَا ذَكَرْنَا وَقَدَّمْنَا لَهُ مَزِيدَ بَيَانٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (، وَإِنْ أَقَرَّ عَبْدٌ بِقَتْلِ عَمْدٍ يُقْتَصُّ مِنْهُ) . وَقَالَ زُفَرُ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى إبْطَالِ حَقِّ الْمَوْلَى فَصَارَ كَالْإِقْرَارِ بِالْقَتْلِ خَطَأً أَوْ بِالْمَالِ وَلَنَا أَنَّهُ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِي مِثْلِهِ لِكَوْنِهِ يَلْحَقُهُ الضَّرَرُ بِهِ فَيَصِحُّ؛ وَلِأَنَّ الْعَبْدَ يَبْقَى عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ فِي حَقِّ الدَّمِ عَمَلًا بِآدَمِيَّتِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ إقْرَارَ الْمَوْلَى عَلَيْهِ بِالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ لَا يَجُوزُ، فَإِذَا صَحَّ لَزِمَهُ إبْطَالُ حَقِّ الْمَوْلَى ضَرُورَةً وَذَلِكَ لَا يَضُرُّ وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَصِحُّ ضِمْنًا، وَإِنْ كَانَ لَا يَصِحُّ قَصْدًا بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ بِالْمَالِ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى الْمَوْلَى بِإِبْطَالِ حَقِّهِ قَصْدًا؛ لِأَنَّ مُوجَبَهُ بَيْعُ الْعَبْدِ أَوْ الِاسْتِيفَاءُ وَكَذَا إقْرَارُهُ بِالْقَتْلِ خَطَأً؛ لِأَنَّ مُوجِبَهُ دَفْعُ الْعَبْدِ أَوْ الْفِدَاءُ عَلَى الْمَوْلَى وَلَا يَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ شَيْءٌ وَلَا يَصِحُّ سَوَاءٌ كَانَ الْعَبْدُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ أَوْ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ بَاطِلٌ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ رَمَى رَجُلًا عَمْدًا فَنَفَذَ السَّهْمُ مِنْهُ إلَى آخَرَ يُقْتَصُّ لِلْأَوَّلِ وَلِلثَّانِي الدِّيَةُ) ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ عَمْدٌ وَالثَّانِي أَحَدُ نَوْعَيْ الْخَطَأِ، وَهُوَ الْخَطَأُ فِي الْفِعْلِ فَكَأَنَّهُ رَمَى إلَى حَرْبِيٍّ وَأَصَابَ مُسْلِمًا وَالْفِعْلُ الْوَاحِدُ يَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ أَثَرِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [فَصْلٌ الْجِنَايَاتِ الْمُتَعَدِّدَةِ] (فَصْلٌ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ حُكْمِ الْجِنَايَةِ الْوَاحِدَةِ شَرَعَ فِي ذِكْرِ الْجِنَايَاتِ الْمُتَعَدِّدَةِ؛ لِأَنَّ الِاثْنَيْنِ بَعْدَ الْوَاحِدِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (، وَمَنْ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ ثُمَّ قَتَلَهُ أُخِذَ بِالْأَمْرَيْنِ، وَلَوْ عَمْدَيْنِ أَوْ مُخْتَلِفَيْنِ أَوْ خَطَأَيْنِ تَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا بُرْءٌ أَوْ لَا إلَّا فِي خَطَأَيْنِ لَمْ يَتَخَلَّلْ بَيْنَهُمَا بُرْءٌ فَتَجِبُ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ كَمَنْ ضَرَبَ رَجُلًا مِائَةَ سَوْطٍ فَبَرِئَ مِنْ تِسْعِينَ وَمَاتَ مِنْ عَشَرَةٍ) يَعْنِي إذَا قَطَعَ يَدَهُ ثُمَّ قَتَلَهُ يَجِبُ عَلَيْهِ مُوجِبُ الْقَطْعِ وَمُوجَبُ الْقَتْلِ إنْ كَانَا عَمْدَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا عَمْدٌ، وَالْآخَرُ خَطَأٌ أَوْ كَانَا خَطَأَيْنِ وَتَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا بُرْءٌ وَفِي خَطَأَيْنِ لَمْ يَتَخَلَّلْ بَيْنَهُمَا بُرْءٌ فَتَجِبُ عَلَيْهِ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ فَحَاصِلُهُ أَنَّ الْكُلَّ لَا يَتَدَاخَلُ إلَّا فِي خَطَأَيْنِ، فَإِنَّهُمَا يَتَدَاخَلَانِ فَيَجِبُ فِيهِمَا دِيَةٌ وَاحِدَةٌ إذَا لَمْ يَتَخَلَّلْ بَيْنَهُمَا بُرْءٌ، وَإِنْ تَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا بُرْءٌ لَا يَتَدَاخَلَانِ أَمَّا الْأَوَّلُ، وَهُوَ مَا إذَا كَانَا عَمْدَيْنِ فَالْمَذْكُورُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا يَتَدَاخَلَانِ فَيُقْتَلُ حَدًّا وَلَا يُقْطَعُ يَدُهُ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا مُمْكِنٌ لِتَجَانُسِ الْفِعْلَيْنِ وَعَدَمِ تَخَلُّلِ الْبُرْءِ بَيْنَهُمَا فَصَارَ كَالْخَطَأَيْنِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْجِرَاحَاتِ وَاجِبٌ مَا أَمْكَنَ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ يَقَعُ بِضَرَبَاتٍ غَالِبًا، وَاعْتِبَارُ كُلِّ ضَرْبَةٍ عَلَى حِدَتِهَا يُؤَدِّي إلَى الْجُرْحِ فَيُجْمَعُ تَيْسِيرًا إلَّا أَنْ لَا يُمْكِنَ بِأَنْ يَخْتَلِفَ حُكْمُ الْفِعْلَيْنِ كَالْعَمْدِ وَالْخَطَأِ أَوْ يَتَخَلَّلُ الْبُرْءُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْبُرْءَ قَاطِعٌ لِلسِّرَايَةِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ الثَّانِي تَتْمِيمًا لِلْأَوَّلِ فَيُعْتَبَرُ عَلَى حَالِهِ وَأَمْكَنَ ذَلِكَ قَبْلَ الْبُرْءِ فَصَارَ كَسِرَايَةِ الْأَوَّلِ وَلَهُ أَنَّ الْجَمْعَ مُتَعَذِّرٌ؛ لِأَنَّ حَزَّ الرَّقَبَةِ يَمْنَعُ سِرَايَةَ الْقَطْعِ كَالْبُرْءِ حَتَّى لَوْ صَدَرَ مِنْ شَخْصَيْنِ وَجَبَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْقِصَاصُ. فَكَذَا إذَا كَانَ مِنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ فَتُقْطَعُ أَوَّلًا يَدُهُ ثُمَّ يَقْتُلُوهُ إنْ شَاءُوا، وَإِنْ شَاءُوا قَتَلُوهُ مِنْ غَيْرِ قَطْعٍ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ يَعْتَمِدُ الْمُسَاوَاةَ فِي الْفِعْلِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ الْقَتْلُ بِالْقَتْلِ وَالْقَطْعُ بِالْقَطْعِ وَاسْتِيفَاءُ الْقَطْعِ بِالْقَتْلِ مُتَعَذِّرٌ لِاخْتِلَافِهِمَا حَقِيقَةً وَحُكْمًا؛ وَلِأَنَّ الْمُمَاثَلَةَ صُورَةً وَمَعْنًى يَكُونُ بِاسْتِيفَائِهِمَا وَبِالِاكْتِفَاءِ بِالْقَتْلِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 358 لَمْ تُوجَدْ الْمُمَاثَلَةُ إلَّا مَعْنًى فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمُمَاثَلَةِ صُورَةً وَمَعْنًى فَيُخَيَّرُ الْوَلِيُّ بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ مِنْ السِّرَايَةِ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ وَاحِدٌ وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَانَا خَطَأَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمُوجَبَ فِيهِ الدِّيَةُ، وَهُوَ بَدَلُ الْمَحَلِّ وَالْمَقْتُولُ وَاحِدٌ أَلَا تَرَى أَنَّ عَشَرَةً لَوْ قَتَلُوا وَاحِدًا خَطَأً يَجِبُ عَلَيْهِمْ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ لِاتِّحَادِ الْمَحَلِّ، وَإِنْ تَعَدَّدَ الْفِعْلُ، وَلَوْ قَتَلُوهُ عَمْدًا قُتِلُوا بِهِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ جَزَاءُ الْفِعْلِ، وَهُوَ مُتَعَدِّدٌ، وَإِنْ اتَّحَدَ؛ وَلِأَنَّ أَرْشَ الْيَدِ لَوْ وَجَبَ كَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْجَزَاءِ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ اسْتِحْكَامِ أَثَرِ الْفِعْلِ وَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ تَجِبُ دِيَةُ النَّفْسِ بِالْجَزَاءِ فَيَجْتَمِعُ وُجُوبُ بَدَلِ الْجَزَاءِ، وَالْكُلُّ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهُوَ مُحَالٌ، وَلَوْ وَجَبَ ذَلِكَ لَوَجَبَ بِقَتْلِ النَّفْسِ الْوَاحِدِ دِيَاتٌ كَثِيرَةٌ لِلْأَطْرَافِ؛ لِأَنَّهَا تَتْلَفُ بِتَلَفِ النَّفْسِ أَمَّا الْقَتْلُ وَالْقَطْعُ فَقِصَاصَانِ فَأَمْكَنَ اجْتِمَاعُهُمَا وَبِخِلَافِ مَا إذَا قَطَعَ وَسَرَى حَيْثُ يَكْتَفِي بِالْقَطْعِ لِاتِّحَادِ الْفِعْلِ، وَأَمَّا الثَّانِي، وَهُوَ مَا إذَا كَانَا مُخْتَلِفَيْنِ بِأَنْ كَانَ أَحَدُهُمَا خَطَأً وَالْآخَرُ عَمْدًا وَالثَّالِثُ. وَهُوَ مَا إذَا كَانَا خَطَأَيْنِ وَتَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا بُرْءٌ فَلِأَنَّ الْجَمْعَ غَيْرُ مُمْكِنٍ فِيهِمَا لِاخْتِلَافِ حُكْمِ الْفِعْلَيْنِ فِي الْأَوَّلِ وَلِتَخَلُّلِ الْبُرْءِ فِي الثَّانِي، وَهُوَ قَاطِعٌ لِلسِّرَايَةِ فَيُعْطَى لِكُلِّ فِعْلٍ حُكْمُ نَفْسِهِ وَقَوْلُهُ لَا فِي خَطَأَيْنِ لَمْ يَتَخَلَّلْ بَيْنَهُمَا بُرْءٌ فَتَجِبُ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ هَذَا إخْرَاجٌ مِنْ قَوْلِهِ وَأُخِذَ بِالْأَمْرَيْنِ أَيْ مُوجِبَيْ فِعْلِهِ إلَّا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، فَإِنَّهُمَا يَتَدَاخَلَانِ لَا يُؤْخَذُ إلَّا بِالْقَتْلِ فَيَجِبُ فِيهِ دِيَةُ النَّفْسِ لَا غَيْرُ، وَقَدْ بَيَّنَّا وَجْهَهُ فِي أَثْنَاءِ الْبَحْثِ وَقَوْلُهُ كَمَنْ ضَرَبَ رَجُلًا مِائَةَ سَوْطٍ فَبَرِئَ وَمِنْ تِسْعِينَ وَمَاتَ مِنْ عَشَرَةٍ يَعْنِي تَجِبُ فِيهِ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ كَمَا إذَا كَانَ الْقَطْعُ وَالْقَتْلُ خَطَأَيْنِ وَلَمْ يَتَخَلَّلْ بَيْنَهُمَا بُرْءٌ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الضَّرَبَاتِ الَّتِي بَرِئَ مِنْهَا، وَلَمْ يَبْقَ لَهَا أَثَرٌ سَقَطَ أَرْشُهَا لِزَوَالِ الشَّيْنِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِيهَا حُكُومَةُ عَدْلٍ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَجِبُ فِيهَا أُجْرَةُ الطَّبِيبِ وَثَمَنُ الْأَدْوِيَةِ وَسَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ بِأَدِلَّتِهَا فِي فَصْلِ الشِّجَاجِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَوْ بَقِيَ لَهَا أَثَرٌ بَعْدَ الْبُرْءِ يَجِبُ مُوجَبُهُ مَعَ دِيَةِ النَّفْسِ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الْأَرْشَ يَجِبُ بِاعْتِبَارِ الشَّيْنِ فِي النَّفْسِ، وَهُوَ بِبَقَاءِ الْأَثَرِ، وَلَوْ قَطَعَ أُصْبُعَهُ أَوْ يَدَهُ ثُمَّ قَطَعَ الْآخَرُ مَا بَقِيَ مِنْ الْيَدِ فَمَاتَ كَانَ الْقِصَاصُ عَلَى الثَّانِي فِي النَّفْسِ دُونَ الْأَوَّلِ وَيَقْطَعُ أَصَابِعَ الْأَوَّلِ أَوْ يَدَهُ وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ: يُقْتَلَانِ لَهُمَا أَنَّ زَوَالَ الْحَيَاةِ مُضَافٌ إلَى الْقَطْعَيْنِ؛ لِأَنَّهُ اتَّصَلَ الْمَوْتُ بِهِمَا قَبْلَ الْبُرْءِ وَزَالَ أَثَرُهُمَا وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا بِإِضَافَةِ الْإِزْهَاقِ إلَيْهِ أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ، فَأُضِيفَ إلَيْهِمَا كَمَا لَوْ قَطَعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدًا عَلَى حِدَةٍ قَبْلَ الْبُرْءِ وَلَنَا أَنَّ زَوَالَ الْحَيَاةِ أَلَمُ الثَّانِي غَيْرُ قَطْعِ الْأَوَّلِ فَصَارَ زَوَالُ الْحَيَاةِ مُضَافًا إلَى الْقَطْعِ الثَّانِي فَصَارَ الثَّانِي قَتْلًا دُونَ الْأَوَّلِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَطَعَ كُلُّ وَاحِدٍ يَدًا عَلَى حِدَةٍ أَوْ أُصْبُعًا عَلَى حِدَةٍ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ قَطْعِ الْأَوَّلِ قَائِمٌ وَقْتَ الْمَوْتِ. فَيُتَصَوَّرُ مِنْهُ حُدُوثُ زِيَادَةِ الْأَلَمِ فَحَصَلَ بِأَلَمِ حَدَثِ الْقَطْعَيْنِ فَصَارَ الْمَوْتُ مُضَافًا إلَيْهِمَا وَإِذَا قَطَعَ الْمَفْصِلَ الْأَعْلَى مِنْ أُصْبُعِ رَجُلٍ فَبَرِئَ وَلَمْ يَقْتَصَّ حَتَّى قَطَعَ مَفْصِلًا آخَرَ مِنْ تِلْكَ الْأُصْبُعِ يَقْطَعُ لَهُ الْمَفْصِلَ الْأَعْلَى دُونَ الْأَسْفَلِ وَعَلَيْهِ أَرْشُ الْأَسْفَلِ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ مَبْنَاهُ عَلَى الْمُسَاوَاةِ وَحَالَ قَطْعِ الثَّانِي لَا يُمْكِنُ الْمُسَاوَاةُ لِسَلَامَةِ أُصْبُعِ الْقَاطِعِ وَفَوَاتِ مَفْصِلِ الْمَقْطُوعِ؛ وَلِأَنَّ أُصْبُعَ الْقَاطِعِ، وَإِنْ كَانَتْ مُسْتَحَقَّةً بِالْقِصَاصِ وَلَكِنْ مِلْكُ الْقِصَاصِ مِلْكُ ضَرُورَةٍ لَا يَثْبُتُ إلَّا عِنْدَ الِاسْتِيفَاءِ فَقَتْلُهُ يَكُونُ مَقْصُودًا بِهِ مَمْلُوكِيَّةُ صَاحِبِهِ؛ وَلِهَذَا لَوْ قُلْنَا لَوْ قُطِعَتْ يَدُ مَنْ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ إنْ كَانَ عَمْدًا يَجِبُ الْقِصَاصُ، وَإِنْ كَانَ خَطَأً يَجِبُ الْأَرْشُ لَهُ لَا لِمَنْ لَهُ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تُوجَدْ الْمُسَاوَاةُ حَالَ قَطْعِ الثَّانِي، وَكَذَلِكَ لَوْ أَبْرَأ الثَّانِيَ ثُمَّ قَطَعَ الْمَفْصِلَ الثَّالِثَ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْقَطْعَيْنِ بَرِئَ وَوَجَبَ لَهُ الْقِصَاصُ فِي كُلِّ الْأَصَابِعِ بِقَطْعِهَا مِنْ أَصْلِهَا مَرَّةً وَاحِدَةً؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَخَلَّلْ بَيْنَ الْقَطْعَيْنِ بُرْءٌ وَجَعَلْنَا كِلَا الْفِعْلَيْنِ جِنَايَةً كَأَنَّهُ قَطَعَ ابْتِدَاءً مِنْ الْمَفْصِلِ الثَّانِي بِفِعْلٍ وَاحِدٍ، وَفِي الْمَبْسُوطِ أَصْلُهُ إنْ تَعَذَّرَ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ لِتَعَذُّرِ الْقَتْلِ أَنَّهُ مَتَى جَاءَ مِنْ قِبَلِ الْقَاتِلِ فَصَارَ إلَى الْمَالِ اعْتِبَارًا بِالْخَطَأِ، فَإِنَّ هُنَاكَ امْتَنَعَ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ بِمَعْنًى مِنْ جِهَةِ الْقَاتِلِ، وَهُوَ الْخَطَأُ فَإِذَا تَعَذَّرَ صِيَانَةُ الِاسْتِيفَاءِ، الْقِصَاصُ مِنْ قِبَلِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ لَا يُصَارُ إلَى الْمَالِ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ غَيَّرَ حَقَّهُ فِي الْقِصَاصِ لَكِنْ هُوَ الَّذِي فَوَّتَهُ وَفَرَّطَ بِإِتْيَانِ مَا أَعْجَزَهُ، فَأَهْدَرَهُ فَلَمْ يَبْقَ مُسْتَحِقًّا لِلنَّظَرِ. وَإِذَا أَقَرَّ الْقَاتِلُ بِالْخَطَأِ وَادَّعَى الْوَلِيُّ الْعَمْدَ لَمْ يُقْتَصَّ وَلَزِمَهُ الدِّيَةُ اسْتِحْسَانًا وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ قِيَاسًا؛ لِأَنَّ مَا أَقَرَّ بِهِ لَمْ يَثْبُتْ؛ لِأَنَّهُ كَذَّبَهُ الْمُدَّعِي فِي إقْرَارِهِ بِمُقْتَضَى دَعْوَاهُ الْقِصَاصَ، وَصَارَ كَمَا لَوْ أَقَرَّ الْقَاتِلُ بِالْعَمْدِ وَادَّعَى الْوَلِيُّ الْخَطَأَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ فَكَذَا هَذَا وَلَنَا أَنَّهُمَا تَصَادَقَا عَلَى الْقَتْلِ إلَّا أَنَّهُ تَعَذَّرَ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ بِمَعْنًى مِنْ قِبَلِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 359 الْقَاتِلِ، وَهُوَ دَعْوَى الْخَطَأِ فَتَجِبُ الدِّيَةُ صَوْنًا لِدَمِهِ عَنْ الْهَدَرِ؛ وَلِأَنَّ فِي زَعْمِ الْوَلِيِّ أَنَّ الْقِصَاصَ هُوَ الْوَاجِبُ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا أَقَرَّ بِالْخَطَأِ، فَقَدْ أَقَرَّ بِالْمَالِ، وَلِلْوَلِيِّ تَرْكُ الْقِصَاصِ وَأَخْذُ الْمَالِ وَلَمْ يَكُنْ بِهِ صَرِيحًا فَيَكُونُ لَهُ أَخْذُ الْمَالِ، وَلَوْ أَقَرَّ بِالْعَمْدِ وَادَّعَى الْوَلِيُّ الْخَطَأَ بَطَلَ حَقُّهُ؛ لِأَنَّ تَعَذُّرَ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ جَاءَ مِنْ قِبَلِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ الزِّيَادَاتُ، وَلَوْ ادَّعَى الْوَلِيُّ الْعَمْدَ عَلَى رَجُلَيْنِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: أَنَا قَطَعْت يَدَهُ عَمْدًا، وَهَذَا الْآخَرُ قَطَعَ رِجْلَهُ عَمْدًا وَأَنْكَرَ الْآخَرُ الْجِنَايَةَ قَالَ يُقْتَصُّ مِنْ الْمُقِرِّ؛ لِأَنَّهُمَا تَصَادَقَا عَلَى وُجُوبِ الْقَوَدِ وَلَمْ تَتَمَكَّنْ الشُّبْهَةُ فِيهِ حِينَ أَنْكَرَ الْآخَرُ الْجِنَايَةَ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ الشُّبْهَةُ إنَّمَا يَكُونُ بِاخْتِلَاطِ الْمُوجَبِ وَغَيْرِ الْمُوجَبِ فِي الْمَحَلِّ، وَذَلِكَ لَا يُتَصَوَّرُ قَبْلَ وُجُوبِ الْجِنَايَةِ مِنْ الْآخَرِ وَإِذَا ادَّعَى الْوَلِيُّ الْخَطَأَ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُقِرِّ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَنْكَرَ الْآخَرُ الْجِنَايَةَ صَارَ كَالْعَدَمِ، فَبَطَلَ دَعْوَاهُ الْخَطَأَ وَإِقْرَارُ الْقَاتِلِ بِالْعَمْدِ فِي هَذَا لَا يَجِبُ شَيْءٌ. وَإِنْ مَاتَ رَجُلٌ مِنْ قَطْعِ يَدِهِ وَرِجْلِهِ فَقَالَ رَجُلٌ: قَطَعْت يَدَهُ عَمْدًا وَقَالَ قَطَعَ عَمْرٌو رِجْلَهُ عَمْدًا فَقَالَ الْوَلِيُّ: بَلْ أَنْت قَطَعْتهمَا يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُمَا تَصَادَقَا عَلَى وُجُوبِ الْقِصَاصِ وَالشَّرِكَةُ لَمْ تَثْبُتْ لِعَدَمِ دَعْوَاهُ، فَإِنْ قَالَ الْوَلِيُّ: لَا أَدْرِي مَنْ قَطَعَ رِجْلَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَى قَاطِعِ الْيَدِ؛ لِأَنَّ قَاطِعَ الرِّجْلِ مَجْهُولٌ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ خَاطِئًا أَوْ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا فَتَعَذُّرُ إيجَابِ الْقِصَاصِ وَتَعَذُّرُ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ جَاءَ مِنْ قِبَلِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ، فَإِنْ جُهِلَ قَاطِعُ الرِّجْلِ جُهِلَ قَاطِعُ الْيَدِ فَلَا يَجِبُ الْمَالُ، وَلَوْ قَالَ الْوَلِيُّ بَعْدَ ذَلِكَ فُلَانٌ قَطَعَ رِجْلَهُ عَمْدًا وَأَنْكَرَ فُلَانٌ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْتُلَ الْمُقِرَّ قِيَاسًا، وَلَهُ أَنْ يَقْتُلَهُ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ لَا يَعْرِفُ قَاتِلَ أَبِيهِ عِنْدَ كَثْرَتِهِمْ فَيُعْذَرُ فِي التَّنَاقُضِ وَعَبَّرَ الْمُؤَلِّفُ بِمَنْ الَّتِي لَفْظُهَا مُفْرَدٌ وَمَعْنَاهُ جَمْعٌ؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْحُكْمِ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ الْفَاعِلُ مُفْرَدًا أَوْ مُتَعَدِّدًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ عَفَا الْمَقْطُوعُ عَنْ الْقَطْعِ فَمَاتَ ضَمِنَ الْقَاطِعُ الدِّيَةَ، وَلَوْ عَفَا عَنْ الْقَطْعِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهُ أَوْ عَنْ الْجِنَايَةِ لَا فَالْخَطَأُ مِنْ الثُّلُثِ وَالْعَمْدُ مِنْ كُلِّ الْمَالِ) يَعْنِي لَوْ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ عَمْدًا أَوْ خَطَأً فَقَالَ الْمَقْطُوعُ عَفَوْت عَنْ الْقَطْعِ، فَمَاتَ ضَمِنَ الْقَاطِعُ فِي الْعَمْدِ الدِّيَةَ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ عَفَوْت عَنْ الْجِنَايَةِ كَمَا سَيَأْتِي وَأَطْلَقَ الْمُؤَلِّفُ فِي قَوْلِهِ وَالْخَطَأُ مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ، وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ الْعَافِي يَخْرُجُ وَيَجِيءُ أَوْ كَانَ لَا يَخْرُجُ وَلَا يَجِيءُ سَيَأْتِي بَيَانُهُ. وَقَوْلُهُ بِإِطْلَاقِهِ قَوْلُ الْإِمَامِ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ رَجُلٌ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ ظُلْمًا عَمْدًا، فَعَفَا الْمَقْطُوعُ يَدُهُ عَنْ الْقَطْعِ ثُمَّ سَرَى إلَى النَّفْسِ وَمَاتَ أَوْ شَجَّ إنْسَانٌ مُوضِحَةً عَمْدًا فَعَفَا الْمَشْجُوجُ رَأْسُهُ عَنْ الشَّجَّةِ ثُمَّ سَرَى إلَى النَّفْسِ وَمَاتَ يَجِبُ أَنْ يُعْلَمَ بِأَنَّ هُنَا مَسْأَلَتَيْنِ إحْدَاهُمَا فِي الْعَمْدِ، وَالْأُخْرَى فِي الْخَطَأِ، وَكُلُّ مَسْأَلَةٍ عَلَى وُجُوهٍ إمَّا أَنْ يَقُولَ الْمَقْطُوعَةُ يَدُهُ عَفَوْتُك عَنْ الْجِنَايَةِ أَوْ يَقُولَ عَفَوْتُك عَنْ الْقَطْعِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهُ، فَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَمْدًا فَقَالَ الْمَقْطُوعَةُ يَدُهُ أَوْ قَالَ الْمَشْجُوجَةُ رَأْسُهُ عَفَوْتُك عَنْ الْجِنَايَةِ صَحَّ الْعَفْوُ وَبَرِئَ مِنْ الْقَطْعِ أَوْ الشَّجَّةِ أَوْ مَاتَ حَتَّى لَا يَجِبُ شَيْءٌ فِي الْحَالَيْنِ ثُمَّ تَصِحُّ الْبَرَاءَةُ عَنْ جَمِيعِ الْمَالِ سَوَاءٌ بَرِئَ أَوْ مَاتَ، وَإِنْ قَالَ عَفَوْتُك عَنْ الْقَطْعِ، وَلَمْ يَقُلْ وَمَا يَحْدُثُ مِنْ الْقَطْعِ أَوْ قَالَ عَفَوْتُك عَنْ الشَّجَّةِ وَلَمْ يَقُلْ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا صَحَّ الْعَفْوُ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا، فَلَوْ مَاتَ تَجِبُ الدِّيَةُ. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: مَعَ أَنَّ الْعَفْوَ بَاطِلٌ، وَالْقِصَاصُ أَنْ يَجِبَ عَلَى الْمَعْفُوِّ عَنْهُ الْقِصَاصُ إلَّا أَنِّي أَسْتَحْسِنُ وُجُوبَ الدِّيَةِ فِي مَالِهِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ بِأَنَّ الْعَفْوَ عَنْهُ جَائِزٌ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمَعْفُوِّ عَنْهُ لَا الْقِصَاصُ وَلَا الدِّيَةُ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا إذَا كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَمْدًا، فَإِذَا كَانَتْ خَطَأً إنْ عَفَا عَنْ الْجِنَايَةِ أَوْ عَنْ الْقَطْعِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهُ صَحَّ الْعَفْوُ سَوَاءٌ بَرِئَ وَمَاتَ إلَّا أَنَّهُ إنْ عَفَا فِي حَالٍ يَخْرُجُ وَيَجِيءُ وَيَذْهَبُ بَعْدَ الْجِنَايَةِ وَأَنَّهُ عَلَى قَوْلِ بَعْضِ الْمَشَايِخِ يُعْتَبَرُ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ وَذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ، وَإِنْ عَفَا عَنْ الْقَطْعِ إنْ اقْتَصَرَ عَنْ الْقَطْعِ إنْ بَرِئَ صَحَّ الْعَفْوُ بِلَا خِلَافٍ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ، وَإِنْ صَارَ قَاتِلًا فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الْعَفْوُ بَاطِلٌ، وَكَانَ عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاتِلِ الدِّيَةُ وَعِنْدَهُمَا الْعَفْوُ جَائِزٌ كَمَا لَوْ عَفَا عَنْ الْقَطْعِ وَعَمَّا يَحْدُثُ مِنْهُ إلَّا أَنَّهُ إنْ عَفَا فِي حَالَةِ حُكْمِ الصِّحَّةِ بِأَنْ كَانَ يَذْهَبُ، وَيَجِيءُ يَصِحُّ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ وَعَلَى قِيَاسِ رِوَايَةِ الْمُنْتَقَى مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ، وَإِنْ عَفَا فِي حَالِ حُكْمِ الْمَرَضِ بِأَنْ صَارَ صَاحِبَ فِرَاشٍ يُعْتَبَرُ مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ، وَلَوْ قَالَ عَفَوْت عَنْ الْجِنَايَةِ أَوْ عَنْ الْقَاطِعِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهُ كَانَ عَفْوًا عَنْ دِيَةِ النَّفْسِ بِالْإِجْمَاعِ حَتَّى إذَا مَاتَ سَقَطَ كُلُّ الدِّيَةِ فِيهِ غَيْرَ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ فِي الْخَطَأِ؛ لِأَنَّ مُوجَبَهُ الْمَالُ، وَقَدْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْوَرَثَةِ فَيُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ كَسَائِرِ أَمْوَالِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ عَمْدًا حَيْثُ يَصِحُّ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ مُوجَبَهُ الْقِصَاصُ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِحَقِّ الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 360 لَيْسَ بِمَالٍ. قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: فِيهِ بَحْثٌ، وَهُوَ أَنَّ الْقِصَاصَ مَوْرُوثٌ بِالِاتِّفَاقِ، فَكَيْفَ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ الْوَرَثَةِ ثُمَّ قَالَ: وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ نَفَى تَعَلُّقَ حَقِّ الْوَرَثَةِ بِهِ لَا كَوْنَهُ مَوْرُوثًا وَلَا تَنَافِيَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ حَقَّ الْوَرَثَةِ إنَّمَا يَثْبُتُ بِطَرِيقِ الْخِلَافَةِ وَحُكْمُ الْخَلَفِ لَا يَثْبُتُ مَعَ وُجُودِ الْأَصْلِ وَالْقِيَاسُ فِي الْمَالِ أَيْضًا أَنْ لَا يَثْبُتَ فِيهِ تَعَلُّقُ حَقِّ الْوَرَثَةِ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ لَكِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ شَرْعًا بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَأَنْ تَدَعَ وَرَثَتَك أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ» وَتَرْكُهُمْ أَغْنِيَاءَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِتَعَلُّقِ حَقِّهِمْ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّصَرُّفُ فِيهِ وَالْقِصَاصُ لَيْسَ بِمَالٍ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ لَكِنَّهُ مَوْرُوثٌ اهـ. أَقُولُ: فِي تَقْرِيرِ الْبَحْثِ الْمَذْكُورِ خَلَلٌ فَاحِشٌ وَفِي تَحْرِيرِ الْجَوَابِ الْمَزْبُورِ الْتِزَامُ ذَلِكَ أَمَّا الْأَوَّلُ؛ فَلِأَنَّهُ سَيَجِيءُ فِي أَوَّلِ بَابِ الشَّهَادَةِ فِي الْقَتْلِ أَنَّ الْقِصَاصَ ثَبَتَ لِوَرَثَةِ الْقَتِيلِ ابْتِدَاءً لَا بِطَرِيقِ الْوِرَاثَةِ مِنْهُ كَالدَّيْنِ وَالدِّيَةِ فَقَوْلُهُ إنَّ الْقِصَاصَ مَوْرُوثٌ بِالِاتِّفَاقِ كَذِبٌ صَرِيحٌ وَقَدْ مَرَّ نَظِيرُ هَذَا مِنْ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ فِي الْفَصْلِ السَّابِقِ، وَثَبَتَ بُطْلَانُهُ هُنَاكَ أَيْضًا فَتَذَكَّرْ، وَأَمَّا الثَّانِي؛ فَلِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ التَّعَرُّضُ فِيهِ لِكَوْنِ الْقِصَاصِ غَيْرَ مَوْرُوثٍ مِنْ الْمَقْتُولِ عِنْدَ إمَامِنَا الْأَعْظَمِ بَلْ سَبَقَ الْكَلَامُ عَلَى وَجْهٍ يُشْعِرُ بِكَوْنِهِ مَوْرُوثًا بِالِاتِّفَاقِ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ فِي خَاتِمَتِهِ وَالْقِصَاصُ لَيْسَ بِمَالٍ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ لِكَوْنِهِ مَوْرُوثًا وَفِي الْمُحِيطِ وَيَكُونُ هَذَا وَصِيَّةً لِلْعَاقِلَةِ سَوَاءٌ كَانَ الْقَاتِلُ وَاحِدًا مِنْهُمْ أَوْ لَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْقَاتِلِ إذَا لَمْ تَصِحَّ لِلْقَاتِلِ تَصِحُّ لِلْعَاقِلَةِ كَمَنْ أَوْصَى لِحَيٍّ وَمَيِّتٍ فَالْوَصِيَّةُ كُلُّهَا لِلْحَيِّ اهـ. وَظَهَرَ هُنَا مِنْ قَوْلِ صَاحِبِ الْمُحِيطِ وَصِيَّةٌ لِلْعَاقِلَةِ فَسَادُ مَا اُعْتُرِضَ بِهِ مِنْ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْقَاتِلِ لَا تَصِحُّ وَمِنْ أَنَّ الْقَاتِلَ كَوَاحِدٍ مِنْ الْعَاقِلَةِ فَكَيْفَ جَاءَتْ الْوَصِيَّةُ لَهُ بِجَمِيعِ الثُّلُثِ فَتَأَمَّلْ وَيَظْهَرُ مِنْ أَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فِي الْعَمْدِ تَسْعَى الْعَاقِلَةُ فِي ثُلُثَيْ الدِّيَةِ، وَفِي الْخَطَأِ إنْ خَرَجَتْ الدِّيَةُ مِنْ الثُّلُثِ فَلَا سِعَايَةَ، وَلَوْ لَمْ تَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ يَسْقُطُ بِقَدْرِ مَا يَخْرُجُ وَتَسْعَى الْعَاقِلَةُ فِي الْبَقِيَّةِ كَمَا سَيَأْتِي فِي نَظَائِرِهِ فِي كِتَابِ الْوَصَايَا، وَهَذَا مِنْ خَصَائِصِ هَذَا الْكِتَابِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ قَطَعَتْ امْرَأَةٌ يَدَ رَجُلٍ عَمْدًا أَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى الْيَدِ ثُمَّ مَاتَ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَالدِّيَةُ فِي مَالِهَا وَعَلَى عَاقِلَتِهَا لَوْ خَطَأً) يَعْنِي لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى قَطْعِهَا يَدَهُ عَمْدًا فَمَاتَ الزَّوْجُ مِنْهُ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَالدِّيَةُ فِي مَالِهَا وَعَلَى عَاقِلَتِهَا لَوْ خَطَأً، وَهَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ وَلَمْ يُفَصِّلْ الْمُؤَلِّفُ بَيْنَ مَا إذَا مَاتَ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ لَكِنْ فِي قَوْلِهِ مَهْرُ الْمِثْلِ يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ بَعْدَ الدُّخُولِ وَفِي الْكَافِي أَمَّا أَنْ يَكُونَ الْقَطْعُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً وَكُلُّ مَسْأَلَةٍ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ إمَّا إنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى الْقَطْعِ أَوْ عَلَى الْقَطْعِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهُ أَوْ عَلَى الْجِنَايَةِ وَقَدْ بَرِئَ مِنْ ذَلِكَ أَوْ مَاتَ، فَإِنْ كَانَ الْقَطْعُ عَمْدًا وَبَرِئَ مِنْ ذَلِكَ صَحَّتْ التَّسْمِيَةُ وَصَارَ أَرْشُ الْيَدِ مَهْرًا لَهَا عِنْدَهُمْ جَمِيعًا قَالَ الشَّارِحُ فَإِذَا كَانَ الْقَطْعُ عَمْدًا، فَهَذَا تَزَوَّجَ عَلَى الْقِصَاصِ فِي الطَّرَفِ، وَهُوَ لَيْسَ بِمَالٍ عَلَى تَقْدِيرِ الِاسْتِيفَاءِ وَعَلَى تَقْدِيرِ السُّقُوطِ أَوَّلًا، فَإِذَا لَمْ يَصْلُحْ مَالًا لَا يَصْلُحُ مَهْرًا فَيَجِبُ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ إذَا مَاتَ وَلَا يَجِبُ الْقِصَاصُ لَا يُقَالُ لَا يَجْرِي الْقِصَاصُ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فِي الْأَطْرَافِ فَكَيْفَ يَكُونُ تَزْوِيجًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْمُوجَبُ الْأَصْلِيُّ فِي الْعَمْدِ الْقِصَاصُ، وَإِنَّمَا سَقَطَ لِلتَّعَذُّرِ ثُمَّ تَجِبُ عَلَيْهِ الدِّيَةُ، فَإِذَا سَرَى تَبَيَّنَ أَنَّهُ قُتِلَ وَلَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْعَفْوُ فَتَجِبُ الدِّيَةُ لِعَدَمِ الْعَفْوِ عَنْ النَّفْسِ، وَذَلِكَ فِي مَالِهَا؛ لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَتَحَمَّلُ الْعَمْدَ اهـ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ، فَإِنْ قُلْتُ: لِمَ لَمْ يَجِبْ الْقِصَاصُ هَاهُنَا عَلَى الْمَرْأَةِ مَعَ أَنَّ الْقَطْعَ كَانَ عَمْدًا، وَهِيَ قَتْلٌ مِنْ الِابْتِدَاءِ فَإِذَا مَاتَ ظَهَرَ أَنَّ الْمُوجَبَ الْأَصْلِيَّ هُوَ الْقِصَاصُ وَلَمَّا لَمْ يَصْلُحْ الْقِصَاصُ مَهْرًا صَارَ كَأَنَّهُ تَزَوَّجَ، وَلَمْ يَذْكُرْ شَيْئًا وَفِيهِ الْقِصَاصُ فَكَذَا هَاهُنَا؟ . قُلْتُ: نَعَمْ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا جَعَلَ الْقِصَاصَ مَهْرًا جَعَلَ وِلَايَةَ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ لِلْمَرْأَةِ، وَلَوْ اسْتَوْفَتْ الْقِصَاصَ تَسْتَوْفِيهِ مِنْ نَفْسِهَا، وَهُوَ مُحَالٌ وَلَمَّا سَقَطَ الْقِصَاصُ بَقِيَ النِّكَاحُ بِلَا تَسْمِيَةٍ فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ كَمَا إذَا لَمْ يُسَمِّ ابْتِدَاءً اهـ. وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى مُوجَبِ الْقَطْعِ جَازَ، فَإِنْ طَلَّقَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ بِهَا أَوْ مَاتَ عَلَيْهَا سَلَّمَ لَهَا جَمِيعَ الْأَرْشِ، وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا سُلِّمَ لَهَا مِنْ ذَلِكَ أَلْفَانِ وَخَمْسُمِائَةٍ وَرُدَّ عَلَى الزَّوْجِ أَلْفَانِ وَخَمْسُمِائَةٍ؛ لِأَنَّهُ تَزَوَّجَهَا فِي الْحَاصِلِ عَلَى خَمْسَةِ آلَافِ، فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا يُسَلِّمُ لَهَا نِصْفَ ذَلِكَ وَيَلْزَمُهَا أَنْ تَرُدَّ النِّصْفَ عَلَى الزَّوْجِ هَذَا إذَا أُبْرِئَ مِنْ الْقَطْعِ، وَإِنْ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ فَالتَّسْمِيَةُ بَاطِلَةٌ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا، وَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ مَهْرُ مِثْلِهَا الْمُفِيدِ أَنَّهُ بَعْدَ الدُّخُولِ لَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَهَا الْمُتْعَةُ ثُمَّ الْقِيَاسُ أَنْ لَا تَجِبَ عَلَيْهَا الدِّيَةُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 361 مَالِهَا وَعَلَى قَوْلِهِمَا صَحَّ الْعَفْوُ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا لَا قِصَاصٌ وَلَا دِيَةٌ لَوْ مَاتَ هَذَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى الْقَطْعِ قَيَّدَ بِذِكْرِ الْيَدِ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى الْقَطْعِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهُ إنْ بَرِئَ مِنْ ذَلِكَ صَارَ أَرْشُ يَدِهِ مَهْرًا لَهَا عِنْدَهُمْ جَمِيعًا وَيُسَلَّمُ لَهَا ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا، وَإِنْ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ بَطَلَتْ التَّسْمِيَةُ، وَكَانَ لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَسَقَطَ الْقِصَاصُ مَجَّانًا بِغَيْرِ شَيْءٍ وَلَا مِيرَاثَ لَهَا مِنْ زَوْجِهَا؛ لِأَنَّهَا قَاتِلَتُهُ وَعَلَيْهَا عِدَّةُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ عَمْدًا؛ لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ الْجِنَايَةُ خَطَأً وَقَدْ تَزَوَّجَهَا عَلَى الْقَطْعِ إنْ بَرِئَ مِنْ ذَلِكَ صَارَ أَرْشُ يَدِهِ مَهْرًا لَهَا. فَإِنْ دَخَلَ بِهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا سَلَّمَ لَهَا جَمِيعَ ذَلِكَ وَسَقَطَ عَنْ الْعَاقِلَةِ، وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا سَلَّمَ لَهَا نِصْفَ ذَلِكَ، وَذَلِكَ أَلْفَانِ وَخَمْسُمِائَةٍ وَتُؤَدِّي الْعَاقِلَةُ أَلْفَيْنِ وَخَمْسَمِائَةٍ إلَى زَوْجِهَا فَأَمَّا إذَا مَاتَ مِنْ ذَلِكَ بَطَلَتْ التَّسْمِيَةُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَكَانَ لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَعَلَى عَاقِلَتِهَا دِيَةُ الزَّوْجِ وَعِنْدَهُمَا تَصِحُّ التَّسْمِيَةُ وَتَصِيرُ دِيَةُ الزَّوْجِ مَهْرًا لَهَا فَأَمَّا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى الْقَطْعِ وَمَا يَحْدُثُ أَوْ عَلَى الْجِنَايَةِ إنْ بَرِئَ مِنْ ذَلِكَ صَارَ أَرْشُ يَدِهِ مَهْرًا لَهَا، وَإِنْ مَاتَ ثُمَّ يُنْظَرُ إلَى مَهْرِ مِثْلِهَا وَإِلَى الدِّيَةِ، فَإِنْ كَانَ مَهْرُ الْمِثْلِ مِثْلَ الدِّيَةِ لَا شَكَّ أَنَّ الْكُلَّ يُسَلَّمُ لَهَا سَوَاءٌ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ الْقَطْعِ فِي حَالِ مَا يَجِيءُ وَيَذْهَبُ أَوْ بَعْدَمَا صَارَ صَاحِبَ فِرَاشٍ، وَإِنْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا أَقَلَّ مِنْ الدِّيَةِ، فَإِنْ كَانَ تَزَوَّجَهَا فِي حَالٍ يَجِيءُ وَيَذْهَبُ، فَالْكُلُّ يُسَلَّمُ لَهَا، وَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ إلَى تَمَامِ الدِّيَةِ تَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ مَالِ الزَّوْجِ وَتُعْتَبَرُ الزِّيَادَةُ عَلَى مَهْرِ مِثْلِهَا وَصِيَّةً لِلْعَاقِلَةِ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تَخْرُجُ الزِّيَادَةُ عَلَى مَهْرِ مِثْلِهَا مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ فَيُقَدَّرُ مَا يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ يَسْقُطُ عَنْ الْعَاقِلَةِ وَيُعْتَبَرُ ذَلِكَ وَصِيَّةً لَهُمْ هَذَا إذَا لَمْ يُطَلِّقْهَا الزَّوْجُ قَبْلَ مَوْتِهِ حَتَّى مَاتَ، فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ مَوْتِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا سَلَّمَ لَهَا مِنْ ذَلِكَ خَمْسَةَ آلَافٍ مَهْرَ مِثْلِهَا وَصِيَّةً لِلْعَاقِلَةِ وَيَسْقُطُ عَنْ الْعَاقِلَةِ، وَإِنْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةِ آلَافٍ إنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ عَلَى غَيْرِ مَهْرِ مِثْلِهَا إلَى تَمَامِ خَمْسَةِ آلَافٍ يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ فَكَذَا يَسْقُطُ عَنْ الْعَاقِلَةِ خَمْسَةُ آلَافٍ. وَإِنْ كَانَ لَا يَخْرُجُ فَبِقَدْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ مِقْدَارُ مَهْرِ مِثْلِهَا يَسْقُطُ عَنْ الْعَاقِلَةِ وَيَرُدُّونَ الْبَاقِيَ إلَى وَرَثَةِ الزَّوْجِ وَكَذَلِكَ إنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى الْجِنَايَةِ فَالْجَوَابُ فِيهِ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى آخِرِهِ كَالْجَوَابِ فِيمَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى الْقَطْعِ وَمَا يُحَدِّثُ بِهِ إسْمَاعِيلُ بْنُ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي رَجُلٍ قُتِلَ عَمْدًا وَلَهُ وَلِيَّانِ فَصَالَحَ أَحَدَ وَلِيَّيْ الْقَاتِلِ عَنْ جَمِيعِ الدَّيْنِ عَلَى خَمْسِينَ أَلْفًا فَلِلَّذِي صَالَحَ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفًا وَالْآخَرِ الْبَاقِي هَذَا إذَا تَزَوَّجَهَا الْمَقْطُوعُ يَدُهُ فَلَوْ تَزَوَّجَهَا وَلِيُّهُ قَالَ امْرَأَةٌ قَتَلَتْ رَجُلًا خَطَأً فَتَزَوَّجَتْ وَلِيَّ الْمَقْتُولِ عَلَى الدِّيَةِ الَّتِي وَجَبَتْ عَلَى الْعَاقِلَةِ فَذَلِكَ جَائِزٌ وَالْعَاقِلَةُ بَرِئَتْ، فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا رَجَعَ عَلَى الْعَاقِلَةِ بِنِصْفِ الدِّيَةِ رَجُلٌ شَجَّ رَجُلًا مُوضِحَةً عَمْدًا أَوْ صَالَحَهُ الْمَشْجُوجُ عَنْ الْمُوضِحَةِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا عَلَى مَالِ مُسَمًّى قَبَضَهُ ثُمَّ شَجَّهُ رَجُلٌ آخَرُ مُوضِحَةً عَمْدًا وَمَاتَ مِنْ الْمُوضِحَتَيْنِ فَعَلَى الْآخَرِ الْقِصَاصُ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْأَوَّلِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الصُّلْحُ مَعَ الْأَوَّلِ بَعْدَمَا شَجَّهُ الْآخَرُ قَالَ أَبُو الْفَضْلِ فَقَدْ اُسْتُحْسِنَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ أَنَّ لَهُ الْقِصَاصَ عَلَى الْآخَرِ إذَا كَانَ شَجَّهُ بَعْدَ صُلْحِ الْأَوَّلِ رَجُلٌ شَجَّ رَجُلًا مُوضِحَةً عَمْدًا وَصَالَحَهُ عَنْهَا وَمَا يَحْدُثُ عَنْهَا عَلَى عَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ وَقَبَضَهَا ثُمَّ شَجَّهُ آخَرُ خَطَأً وَمَاتَ مِنْهَا فَعَلَى الثَّانِي خَمْسَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَيَرْجِعُ الْأَوَّلُ فِي مَالِ الْمَقْتُولِ بِخَمْسَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَإِنْ كَانَتْ الشَّجَّتَانِ عَمْدًا جَازَا إعْطَاءُ الْأَوَّلِ وَقَتْلُ الْآخَرِ الْإِسْبِيجَابِيُّ جَامِعِ الْفَتَاوَى. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي جَامِعِهِ إذَا صَالَحَ الشَّاجَّ مِنْ مُوضِحَةِ الْخَطَأِ عَلَى خَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ ثُمَّ مَاتَ مِنْهَا يَحُطُّ عَنْ الْعَاقِلَةِ الثُّلُثَ وَبَطَلَ الصُّلْحُ وَيَرْجِعُ الشَّاجُّ بِمَا دَفَعَ وَفِي الْكُبْرَى، وَهَذَا الْجَوَابُ عَلَى قَوْلِهِمَا خَاصَّةً أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالصُّلْحُ وَالْعَفْوُ عَنْ الشَّجَّةِ لَا يَتَنَاوَلُ مَا يَحْدُثُ مِنْهَا، فَإِذَا مَاتَ الْمَشْجُوجُ هَاهُنَا صَارَ وُجُودُ الصُّلْحِ كَعَدَمِهِ عِنْدَهُ، وَلَوْ انْعَدَمَ الصُّلْحُ عِنْدَهُ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الشَّاجِّ كَذَا هُنَا وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَإِنْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفًا بَعْدَ قَضَاءِ الْقَاضِي بِعَشَرَةِ آلَافٍ فَهَذَا الصُّلْحُ بَاطِلٌ لِمَا فِيهِ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَى الدِّيَةِ، وَإِنْ كَانَ الْمَقْضِيُّ بِهِ مِائَةٍ مِنْ الْإِبِلِ فَاصْطَلَحَا عَلَى مِائَةٍ وَخَمْسِينَ إنْ وَقَعَ الصُّلْحُ نَسِيئَةً لَا شَكَّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ يَدًا بِيَدٍ إنْ كَانَ الْإِبِلُ بِأَعْيَانِهَا ثُمَّ اصْطَلَحُوا عَلَى مِائَةٍ وَخَمْسِينَ مِنْ الْإِبِلِ بِأَعْيَانِهَا كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا هَذَا إذَا وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ النَّوْعِ الَّذِي وَقَعَ بِهِ الْقَضَاءُ أَمَّا إذَا وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى أَقَلَّ مِمَّا وَقَعَ بِهِ الْقَضَاءُ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ حَالًّا وَنَسِيئَةً وَإِذَا اصْطَلَحَا عَلَى خِلَافِ جِنْسِ مَا وَقَعَ بِهِ الْقَضَاءُ وَقَدْ صَالَحَهُ عَلَى أَكْثَرَ مِمَّا قَضَى بِهِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ هَذَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 362 الَّذِي ذَكَرْنَا إذَا اصْطَلَحَا بَعْدَ الْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا أَمَّا إذَا اصْطَلَحَا قَبْلَ الْقَضَاءِ إنْ كَانَ الْمُصَالَحُ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِنْ الدِّيَةِ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي رَجُلٍ جَرَحَهُ رَجُلَانِ جِرَاحَةً عَمْدًا فَقَضَى بِالْقِصَاصِ عَلَى أَحَدِهِمَا ثُمَّ مَاتَ مِنْ الْجِرَاحَتَيْنِ قَالَ لِوَرَثَتِهِ أَنْ يَقْتُلُوا الْآخَرَ. وَلَوْ جَرَحَهُ رَجُلٌ جِرَاحَةً عَمْدًا وَعَفَا عَنْهُ ثُمَّ جَرَحَهُ آخَرُ عَمْدًا فَلَمْ يَعْفُ حَتَّى مَاتَ مِنْهُمَا فَلَا قَوَدَ عَلَى الثَّانِي وَسُئِلَ أَبُو سَلَمَةَ عَنْ جَمَاعَةٍ كَانُوا يَرْمُونَ عَلَى كُلِّ كَلْبٍ عَقُورٍ فَأَخْطَأَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فَأَصَابَ صَغِيرَةً فَمَاتَتْ وَعُرِفَ أَنَّ هَذَا سَهْمُ فُلَانٍ وَلَكِنْ لَمْ يَشْهَدْ أَحَدٌ أَنَّهُ رَمَاهُ فُلَانٌ فَصَالَحَ صَاحِبُ السَّهْمِ عَلَى كَرْمٍ ثُمَّ طَلَبَ الْمُصَالِحُ رَدَّ الصُّلْحِ قَالَ إنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ الْمُصَالِحَ هُوَ الَّذِي جَرَحَهَا وَأَنَّ الصَّبِيَّةَ مَاتَتْ مِنْ تِلْكَ الْجِرَاحَةِ فَالصُّلْحُ مَاضٍ، فَإِنْ عُلِمَ أَنَّ الْجَارِحَ صَاحِبُ السَّهْمِ وَلَكِنْ اسْتَغَاثَتْ الصَّغِيرَةُ بِأَبِيهَا فَلَطَمَهَا أَبُوهَا فَسَقَطَتْ وَمَاتَتْ وَلَمْ يَدْرِ أَنَّهَا مَاتَتْ مِنْ اللَّطْمَةِ أَوْ مِنْ الرَّمْيِ قَالَ: فَإِنْ كَانَ الصُّلْحُ مِنْ الْأَبِ بِإِذْنِ سَائِرِ الْوَرَثَةِ فَالصُّلْحُ جَائِزٌ وَالْبَدَلُ لِسَائِرِ الْوَرَثَةِ وَلَا مِيرَاثَ لِلْأَبِ، وَإِنْ كَانَ الْمِيرَاثُ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ وَفِي نَوَادِرِ هِشَامٍ قَالَ سَأَلْت مُحَمَّدًا عَنْ قَلْعِ سِنِّ صَبِيٍّ أَوْ حَلْقِ رَأْسِ امْرَأَةٍ فَصَالَحَ الْجَانِي أَبَا الصَّبِيِّ أَوْ الْمَرْأَةِ عَلَى دَرَاهِمَ وَنَبَتَ الشَّعْرُ أَوْ السِّنُّ فَأَخْبَرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يَرُدُّ الدَّرَاهِمَ قَالَ: وَكَذَلِكَ أَقُولُ: وَكَذَلِكَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ قَالَ: وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ هَذَا كَسَرَ يَدَهُ فَصَالَحَهُ عَنْهَا ثُمَّ جَبَرَا وَصَحَّتْ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ: فَإِنْ زَعَمَ صَاحِبُ الْيَدِ أَنَّ يَدَهُ قَدْ ضَعُفَتْ، وَلَيْسَتْ كَمَا كَانَتْ قَالَ أُمِرَ مَنْ يَنْظُرُ إلَيْهَا، فَإِنَّهُ لَا يَكَادُ يَخْفَى. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى الْيَدِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا أَوْ عَلَى الْجِنَايَةِ فَمَاتَ مِنْهُ فَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ) كَمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا) ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِسُقُوطِ الْقِصَاصِ عَلَى أَنَّهُ يَصِيرُ مَهْرًا، وَهُوَ لَا يَصِيرُ مَهْرًا فَسَقَطَ أَصْلًا فَصَارَ كَمَا إذَا سَقَطَ الْقِصَاصُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَصِيرَ مَالًا، فَإِنَّهُ يَسْقُطُ مَجَّانًا وَقَدْ تَقَدَّمَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ خَطَأً رُفِعَ عَنْ الْعَاقِلَةِ مَهْرُ مِثْلِهَا وَلَهُمْ ثُلُثُ مَا تَرَكَ وَصِيَّةً) ؛ لِأَنَّ التَّزَوُّجَ عَلَى الْيَدِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا أَوْ عَلَى الْجِنَايَةِ تَزَوُّجٌ عَلَى مُوجَبِهَا وَمُوجَبُهَا هُنَا الدِّيَةُ، وَهِيَ تَصْلُحُ مَهْرًا فَصَحَّتْ التَّسْمِيَةُ إلَّا أَنَّهُ يُقَدِّرُ مَهْرَ مِثْلِهَا يُعْتَبَرُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مُحَابَاةٌ وَالْمَرِيضُ لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ مِنْ التَّزَوُّجِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ فَيَنْفُذُ قَدْرُ مَهْرِ مِثْلِهَا مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ، وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهَا، وَقَدْ صَارَتْ مَهْرًا فَيَسْقُطُ كُلُّهَا عَنْهُمْ إنْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا مِثْلَ الدِّيَةِ أَوْ أَكْثَرَ وَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِمْ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَحَمَّلُونَ عَنْهَا بِسَبَبِ جِنَايَتِهَا، فَإِذَا صَارَ ذَلِكَ مِلْكًا لَهَا يَسْقُطُ عَنْهُمْ أَصْلًا فَلَا يَغْرَمُونَ لَهَا، وَإِنْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا أَقَلَّ مِنْ الدِّيَةِ سَقَطَ عَنْهُمْ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ وَصِيَّتُهُ لَهُمْ فَيَصِحُّ؛ لِأَنَّهُمْ أَجَانِبُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ سَقَطَ عَنْهُمْ قَدْرُ الثُّلُثِ وَأَدَّوْا الزِّيَادَةَ إلَى الْوَلِيِّ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَا نَفَاذَ لَهَا إلَّا مِنْ الثُّلُثِ ثُمَّ قِيلَ لَا يَسْقُطُ قَدْرُ نَصِيبِ الْقَاتِلِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْقَاتِلِ لَا تَصِحُّ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَسْقُطُ كُلُّهُ؛ لِأَنَّهُ أَوْصَى لِمَنْ تَجُوزُ لَهُ الْوَصِيَّةُ فَهُوَ كَمَنْ أَوْصَى لِحَيٍّ وَمَيِّتٍ، فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ كُلَّهَا تَكُونُ لِلْحَيِّ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَسْقُطْ نَصِيبُهُ لَكَانَ ذَلِكَ الْقَدْرُ هُوَ الْوَاجِبَ بِالْقَتْلِ فَتَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ عَنْهُ فَيَنْقَسِمُ أَيْضًا فَيَلْزَمُ مِثْلُ ذَلِكَ عَنْ نَصِيبِهِ مِنْهُ أَيْضًا ثُمَّ هَكَذَا،. وَهَكَذَا إلَى أَنْ لَا يَبْقَى مِنْهُ شَيْءٌ فَلَوْ أَبْطَلْنَا الْوَصِيَّةَ فِي صِحَّتِهِ ابْتِدَاءً لَزِمَنَا تَصْحِيحُهَا انْتِهَاءً فَصَحَّحْنَاهَا ابْتِدَاءً قَصْرًا لِلْمَسَافَةِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ كَذَلِكَ الْجَوَابُ فِيمَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى الْيَدِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْعَفْوَ عَنْ الْيَدِ عَفْوٌ عَمَّا يَحْدُثُ مِنْهُ عِنْدَهُمَا فَصَارَ الْجَوَابُ فِي الْفَصْلَيْنِ وَاحِدًا أَقُولُ: فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ احْتِمَالٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهَا وَلِلْعَاقِلَةِ ثُلُثُ مَا تَرَكَ الْمَيِّتُ وَصِيَّةً فَيَشْمَلُ الدِّيَةَ وَغَيْرَهَا، وَلَوْ قَالَ الْمُؤَلِّفُ، وَلَوْ خَطَأً دَفَعَ عَنْ الْعَاقِلَةِ مَهْرَ مِثْلِهَا وَالْبَاقِي وَصِيَّةٌ، فَإِنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ سَقَطَ وَإِلَّا فَثُلُثُ الْمَالِ لَكَانَ أَوْلَى وَقَوْلُ الْمُؤَلِّفِ رُفِعَ إلَى آخِرِهِ، فَأَفَادَ أَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ أَقَلُّ مِنْ الدِّيَةِ كَمَا بَيَّنَّاهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ قَطَعَ يَدَهُ فَاقْتُصَّ لَهُ فَمَاتَ الْأَوَّلُ قُتِلَ بِهِ) يَعْنِي رَجُلٌ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ فَاقْتُصَّ لَهُ فَمَاتَ الْمَقْطُوعُ الْأَوَّلُ قُتِلَ الْمَقْطُوعُ الثَّانِي بِهِ، وَهُوَ الْقَاطِعُ الْأَوَّلُ قِصَاصًا؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ الْجِنَايَةَ كَانَتْ قَتْلًا عَمْدًا مِنْ الْأَوَّلِ وَاسْتِيفَاءُ الْحَقِّ الْأَوَّلِ لَا يُوجِبُ سُقُوطَ حَقِّهِ فِي الْقَتْلِ؛ لِأَنَّ مَنْ لَهُ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ إذَا قَطَعَ طَرَفَ مَنْ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ ثُمَّ قَتَلَهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ إلَّا أَنَّهُ مُسِيءٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَحْرَقَهُ بِالنَّارِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ غَيْرُ الْإِسَاءَةِ فَإِذَا بَقِيَ لَهُ فِيهِ الْقِصَاصُ فَلِوَارِثِهِ أَنْ يَقُومَ مَقَامَهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَسْقُطُ حَقُّهُ فِي الْقِصَاصِ؛ لِأَنَّ إقْدَامَهُ عَلَى الْقَطْعِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ أَبْرَأهُ عَنْ غَيْرِهِ قُلْنَا إنَّمَا قَدَّمَ عَلَيْهِ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ حَقُّهُ فِيهِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 363 لَا حَقَّ لَهُ فِي غَيْرِهِ وَبَعْدَ السِّرَايَةِ تَبَيَّنَ أَنَّ حَقَّهُ فِي الْقَوَدِ فَلَمْ يَكُنْ مُبَرِّئًا عَنْهُ بِدُونِ عِلْمِهِ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ مَاتَ الْمُقْتَصُّ مِنْهُ، وَهُوَ الْمَقْطُوعُ قِصَاصًا مِنْ الْقَطْعِ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ الْمُقْتَصِّ لَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى حَقَّهُ، وَهُوَ الْقَطْعُ فَيَسْقُطُ حُكْمُ سِرَايَتِهِ إذْ الِامْتِنَاعُ عَنْ السِّرَايَةِ خَارِجٌ عَنْ وُسْعِهِ فَلَا يَتَقَيَّدُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ كَيْ لَا يَنْسَدَّ بَابُ الْقِصَاصِ فَصَارَ كَالْإِمَامِ وَإِذَا قَطَعَ يَدَ السَّارِقِ فَسَرَى إلَى النَّفْسِ وَمَاتَ كَالنِّزَاعِ وَالْفِصَادِ وَالْحِجَامِ وَالْخِتَانِ وَكَمَا لَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ اقْطَعْ يَدِي فَقَطَعَهَا وَمَاتَ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ السِّرَايَةَ تَبَعٌ لِابْتِدَاءِ الْجِنَايَةِ فَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءُ الْفِعْلِ غَيْرَ مَضْمُونٍ وَسِرَايَتُهُ مَضْمُونَةٌ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ حَقَّهُ فِي الْقَطْعِ وَالْمَوْجُودُ قَتْلٌ حَتَّى لَوْ قَطَعَ ظُلْمًا كَانَ قَتْلًا فَلَمْ يَكُنْ مُسْتَوْفِيًا حَقَّهُ فَيَضْمَنَ، وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يَجِبَ الْقِصَاصُ إلَّا أَنَّهُ سَقَطَ لِلشُّبْهَةِ فَوَجَبَتْ الدِّيَةُ بِخِلَافِ مَا ذَكَرُوا مِنْ الْمَسَائِلِ؛ لِأَنَّ إقَامَةَ الْحَدِّ وَاجِبٌ عَلَى الْإِمَامِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ قَطَعَ يَدَ الْقَاتِلِ وَعَفَا ضَمِنَ الْقَاتِلُ دِيَةَ الْيَدِ) ، وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ قَالَ فِي الْكَافِي وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا قَضَى لَهُ بِالْقِصَاصِ أَوْ لَا وَعِنْدَهُمَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ يَعْنِي لَوْ قَتَلَ إنْسَانٌ آخَرَ عَمْدًا فَقَطَعَ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ يَدَ الْقَاتِلِ وَعَفَا ضَمِنَ الدِّيَةَ أَطْلَقَ فَشَمَلَ مَا إذَا كَانَ قَتَلَ فَقَطْ أَوْ قَتَلَ وَقَطَعَ وَمَا إذَا مَاتَ مِنْ الْقَطْعِ أَوْ بَرِئَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَلَوْ قَالَ الْمُؤَلِّفُ فِي قَتْلٍ فَقَطْ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ لَوْ قَطَعَ وَقَتَلَ لَهُ فِعْلُهُمَا، وَلَوْ قَالَ دِيَةُ الْيَدِ لَوْ بَرِئَ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْخِلَافِ لَهُمَا أَنَّهُ قَطَعَ يَدًا مِنْ نَفْسٍ لَوْ أَتْلَفَهَا لَا يَضْمَنُ كَمَا لَوْ قَطَعَ يَدَ مُرْتَدٍّ ثُمَّ أَسْلَمَ ثُمَّ سَرَى، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ إتْلَافَهُ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ إذْ الْأَجْزَاءُ تَبَعٌ لِلنَّفْسِ فَبَطَلَ حَقُّهُ بِالْعَفْوِ فِيمَا بَقِيَ لَا فِيمَا اسْتَوْفَاهُ؛ وَلِهَذَا لَوْ لَمْ يَعْفُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ الْيَدِ وَكَذَا إذَا عَفَا ثُمَّ سَرَى لَا يَضْمَنُ، وَالْقَطْعُ السَّارِي أَفْحَشُ مِنْ الْمُقْتَصِرِ أَوْ قَطَعَ وَمَا عَفَا وَمَا سَرَى ثُمَّ جَزَّ رَقَبَتَهُ قَبْلَ الْبُرْءِ وَبَعْدَهُ فَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَ لَهُ قِصَاصٌ فِي الْيَدِ فَقَطَعَ أَصَابِعَهُ ثُمَّ عَفَا عَنْ الْيَدِ، فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ أَرْشَ الْأَصَابِعِ وَالْأَصَابِعُ مِنْ الْكَفِّ كَالْأَطْرَافِ مِنْ النَّفْسِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ اسْتَوْفَى غَيْرَ حَقِّهِ فَيَضْمَنُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الْقَتْلِ لَا فِي الْقَطْعِ، وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يَجِبَ الْقِصَاصُ إلَّا أَنَّهُ سَقَطَ لِلشُّبْهَةِ إذْ كَانَ لَهُ أَنْ يُتْلِفَ الطَّرَفَ تَبَعًا لِلنَّفْسِ، وَإِذَا سَقَطَ الْقَوَدُ وَجَبَتْ الدِّيَةُ، وَإِنَّمَا لَمْ يَضْمَنْ فِي الْحَالِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَصِيرَ قَتْلًا بِالسِّرَايَةِ فَيَظْهَرُ أَنَّهُ اسْتَوْفَى حَقَّهُ وَحَقُّهُ فِي الطَّرَفِ ثَبَتَ ضَرُورَةَ ثُبُوتِ الْقَتْلِ وَهَذِهِ الضَّرُورَةُ عِنْدَ الِاسْتِيفَاءِ لَا قَبْلَهُ. فَإِذَا وُجِدَ الِاسْتِيفَاءُ ظَهَرَ حَقُّهُ فِي الْأَطْرَافِ تَبَعًا وَإِذَا لَمْ يَسْتَوْفِ لَمْ يَظْهَرْ حَقُّهُ فِي الطَّرَفِ لَا أَصْلًا وَلَا تَبَعًا فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ اسْتَوْفَى غَيْرَ حَقِّهِ فَأَمَّا إذَا لَمْ يَعْفُ، فَإِنَّمَا لَمْ يَضْمَنْ لِمَانِعٍ، وَهُوَ قِيَامُ الْحَقِّ فِي النَّفْسِ لِاسْتِحَالَتِهِ أَنْ يَمْلِكَ قَتْلَهُ وَتَكُونُ أَطْرَافُهُ مَضْمُونَةً عَلَيْهِ، فَإِنْ زَالَ الْمَانِعُ بِالْعَفْوِ ظَهَرَ حُكْمُ السَّبَبِ وَإِذَا سَرَى فَهُوَ اسْتِيفَاءٌ لِلْقَتْلِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْعَفْوَ كَانَ بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ، وَلَوْ قَطَعَ وَمَا عَفَا وَبَرِئَ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ فِي الصَّحِيحِ، وَلَوْ قَطَعَ ثُمَّ حَزَّ رَقَبَتَهُ قَبْلَ الْبُرْءِ فَهُوَ اسْتِيفَاءٌ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ انْعَقَدَ عَلَى وَجْهٍ يَحْتَمِلُ السِّرَايَةَ، وَكَانَ حَزُّ رَقَبَتِهِ تَتْمِيمًا لِمَا انْعَقَدَ لَهُ الْقَطْعُ فَلَا يَضْمَنُ حَتَّى لَوْ حَزَّ رَقَبَتَهُ بَعْدَ الْبُرْءِ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ فِي الصَّحِيحِ عَلَى أَنَّا لَا نُسَلِّمُ ظُهُورَ حَقِّهِ عِنْدَ الِاسْتِيفَاءِ فِي التَّوَاقُعِ، وَإِنَّمَا دَخَلَتْ فِي النَّفْسِ لِعَدَمِ إمْكَانِ التَّحَرُّزِ عَنْ إتْلَافِهَا وَالْأَصَابِعُ تَابِعٌ قِيَامًا وَالْكَفُّ تَابِعٌ لَهَا عَرَضًا؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْبَطْشِ تَقُومُ بِالْأَصَابِعِ بِخِلَافِ الطَّرَفِ، فَإِنَّهُ تَابِعٌ لِلنَّفْسِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الشَّهَادَةِ فِي الْقَتْلِ] (بَابُ الشَّهَادَةِ فِي الْقَتْلِ) لَمَّا كَانَتْ الشَّهَادَةُ فِي الْقَتْلِ أَمْرًا مُتَعَلِّقًا بِالْقَتْلِ أَوْرَدَهَا بَعْدَ ذِكْرِ حُكْمِ الْقَتْلِ؛ لِأَنَّ مَا يَتَعَلَّقُ بِالشَّيْءِ يَكُونُ أَدْنَى دَرَجَةً مِنْ ذَلِكَ الشَّيْءِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يُقَيَّدُ حَاضِرٌ بِحُجَّتِهِ إذَا أَخُوهُ غَابَ عَنْ خُصُومَتِهِ، فَإِنْ بَعُدَ لَا بُدَّ مِنْ إعَادَتِهِ لِيَقْتُلَا، وَلَوْ خَطَأً أَوْ دَيْنًا لَا) يَعْنِي إذَا قُتِلَ رَجُلٌ وَلَهُ وَلِيَّانِ بَالِغَانِ عَاقِلَانِ أَحَدُهُمَا حَاضِرٌ وَالْآخَرُ غَائِبٌ فَأَقَامَ الْحَاضِرُ بَيِّنَةً عَلَى الْقَتْلِ لَا يَقْتُلُ قِصَاصًا، فَإِنْ عَادَ الْغَائِبُ فَلَيْسَ لَهُمَا أَنْ يَقْتُلَا بِتِلْكَ الْبَيِّنَةِ بَلْ لَا بُدَّ لَهُمَا مِنْ إعَادَةِ الْبَيِّنَةِ لِلْقَتْلِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَقَالَا لَا يُعِيدُ، وَلَوْ كَانَ الْقَتْلُ خَطَأً أَوْ دَيْنًا لَا يُعِيدُهَا بِالْإِجْمَاعِ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْقَاتِلَ يُحْبَسُ إذَا أَقَامَ الْحَاضِرُ الْبَيِّنَةَ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُتَّهَمًا بِالْقَتْلِ وَالْمُتَّهَمُ يُحْبَسُ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَقْضِي بِالْقِصَاصِ مَا لَمْ يَحْضُرْ الْغَائِبُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْقِصَاصُ وَالْحَاضِرُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ بِالْإِجْمَاعِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ خَطَأً أَوْ دَيْنًا، فَإِنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ اسْتِيفَاءِ نَصِيبِهِ فِي غَيْبَةِ الْآخَرِ فَلَمْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 364 تَجِبُ إعَادَتُهَا بَعْدُ وَالْوَارِثُ يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ شُرَكَائِهِ فِيمَا يَدَّعِي لِلْمَيِّتِ، وَعَلَى الْمَيِّتِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْقِصَاصَ غَيْرُ مَوْرُوثٍ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ بَعْدَ الْمَوْتِ لِلتَّشَفِّي وَدَرْكِ الثَّأْرِ، وَالْمَيِّتُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لِلْوَرَثَةِ ابْتِدَاءً بِطَرِيقِ الْخِلَافَةِ بِسَبَبٍ انْعَقَدَ لِلْمَيِّتِ أَيْ يَقُومُونَ مَقَامَهُ فَيَسْتَحِقُّ بِهِ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ أَنْ يَثْبُتَ لِلْمَيِّتِ كَالْعَبْدِ يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ يَقَعُ الْمِلْكُ فِيهَا لِلْمَوْلَى ابْتِدَاءً بِطَرِيقِ الْخِلَافَةِ عَنْهُ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ مِلْكُ الْفِعْلِ فِي الْمَحِلِّ بَعْدَ مَوْتِ الْمَجْرُوحِ وَلَا يُتَصَوَّرُ الْفِعْلُ مِنْ الْمَيِّتِ؛ وَلِهَذَا صَحَّ عَفْوُ الْوَرَثَةِ قَبْلَ مَوْتِ الْمَجْرُوحِ، وَإِنَّمَا صَحَّ عَفْوُ الْمَجْرُوحِ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ انْعَقَدَ لَهُ. وَفِي قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} [الإسراء: 33] نَصٌّ عَلَى أَنَّ الْقِصَاصَ يَثْبُتُ لِلْوَارِثِ ابْتِدَاءً بِخِلَافِ الدِّيَةِ وَالدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ أَهْلٌ لِمِلْكِ الْمَالِ؛ وَلِهَذَا لَوْ نَصَبَ شَبَكَةً وَتَعَلَّقَ بِهَا صَيْدٌ بَعْدَ مَوْتِهِ يَمْلِكُهُ وَأَصْلُ الِاخْتِلَافِ رَاجِعٌ إلَى أَنَّ اسْتِيفَاءَ الْقِصَاصِ حَقُّ الْوَرَثَةِ عِنْدَهُ، وَحَقُّ الْمَيِّتِ عِنْدَهُمَا فَإِذَا كَانَ الْقِصَاصُ يَثْبُتُ حَقًّا لِلْوَرَثَةِ عِنْدَهُ ابْتِدَاءً لَا يَنْتَصِبُ أَحَدُهُمْ خَصْمًا عَنْ الْآخَرِينَ فِي إثْبَاتِ حَقِّهِمْ بِغَيْرِ وَكَالَةٍ مِنْهُمْ وَبِإِقَامَةِ الْحَاضِرِ الْبَيِّنَةَ لَا يَثْبُتُ الْقِصَاصُ فِي حَقِّ الْغَائِبِ فَيُفِيدُهَا بَعْدَ حُضُورِهِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ وَلَا يَلْزَمُهُ أَنَّ الْقِصَاصَ إذَا انْقَلَبَ مَالًا يَصِيرُ حَقًّا لِلْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهُ إذَا انْقَلَبَ مَالًا صَارَ صَالِحًا لِقَضَاءِ حَوَائِجِهِ، فَصَارَ مُفِيدًا بِخِلَافِ الْقِصَاصِ، وَلَا يَصِحُّ الِاسْتِدْلَال بِصِحَّةِ عَفْوِ الْمُوَرِّثِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِحُّ فِي جَوَابِ الِاسْتِحْسَانِ لِوُجُودِ سَبَبِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَهُوَ الِاسْتِدْلَال مُعَارَضٌ بِعَفْوِ الْوَارِثِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَيْضًا قَبْلَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ بَعْدَ الْجَرْحِ اسْتِحْسَانًا لِوُجُودِ السَّبَبِ فَلَوْلَا أَنَّ الْحَقَّ يَثْبُتُ فِيمَا لَهُ ابْتِدَاءٌ لَمَا صَحَّ عَفْوُهُ أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّ مَا تَمَسَّكَا بِهِ لَا يَنْهَضُ حُجَّةً عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَا تَمَسَّكَ بِهِ يَنْهَضُ حُجَّةً عَلَيْهِمَا فَكَيْفَ يَتَحَقَّقُ التَّدَافُعُ، وَذَلِكَ أَنَّ الْقِصَاصَ، وَإِنْ كَانَ حَقًّا لِلْوَارِثِ عِنْدَهُ بِاعْتِبَارِ ثُبُوتِهِ لِلْوَارِثِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْقِصَاصَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْمَيِّتُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ أَنْ يَثْبُتَ لَهُ هَذَا الْحَقُّ؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ لِلتَّشَفِّي وَدَرْكِ الثَّأْرِ وَالْمَيِّتُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِذَلِكَ لَكِنَّهُ حَقٌّ لِلْمُوَرِّثِ أَيْضًا عِنْدَهُ بِاعْتِبَارِ انْعِقَادِ سَبَبِهِ الَّذِي هُوَ الْجِنَايَةُ فِي حَقِّ الْمُوَرِّثِ. وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِ الشُّرُوحِ فَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رَاعَى فِيمَا نَحْنُ فِيهِ جِهَةَ كَوْنِ الْقِصَاصِ حَقًّا لِلْوَارِثِ، فَقَالَ بِاشْتِرَاطِ إعَادَةِ الْبَيِّنَةِ إذَا حَضَرَ الْغَائِبُ احْتِيَالًا لِلدَّرْءِ وَقَالَ بِصِحَّةِ الْعَفْوِ مِنْهُ أَيْضًا احْتِيَالًا لِلدَّرْءِ أَيْضًا، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَالْقِصَاصُ حَقٌّ ثَابِتٌ لِلْمُوَرِّثِ ابْتِدَاءً مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ ثُمَّ يَنْتَقِلُ بَعْدَ مَوْتِهِ إلَى الْوَارِثِ بِطَرِيقِ الْوِرَاثَةِ كَسَائِرِ أَمْلَاكِهِ فَيُتَّجَهُ عَلَيْهِمَا الْمُؤَاخَذَةُ بِصِحَّةِ الْعَفْوِ مِنْ الْوَارِثِ حَالَ حَيَاةِ الْمُوَرِّثِ بِالْإِجْمَاعِ فَتَدَبَّرْ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (، فَإِنْ أَثْبَتَ الْقَاتِلُ عَفْوَ الْغَائِبِ لَمْ يَعُدْ) مَعْنَاهُ أَنَّ الْقَاتِلَ لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّ الْغَائِبَ قَدْ عَفَا عَنْهُ كَانَ الْحَاضِرُ خَصْمًا، وَسَقَطَ الْقِصَاصُ وَلَا تُعَادُ الْبَيِّنَةُ لَوْ حَضَرَ؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى حَقًّا عَلَى الْحَاضِرِ، وَهُوَ سُقُوطُ حَقِّهِ فِي الْقِصَاصِ وَانْقِلَابُ نَصِيبِهِ مَالًا وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إثْبَاتِهِ إلَّا بِإِثْبَاتِ الْعَفْوِ مِنْ الْغَائِبِ فَانْتَصَبَ الْحَاضِرُ خَصْمًا عَنْ الْغَائِبِ فِي الْإِثْبَاتِ عَلَيْهِ بِالْبَيِّنَةِ، فَإِذَا قَضَى عَلَيْهِ صَارَ الْغَائِبُ مُقْتَضِيًا عَلَيْهِ تَبَعًا لَهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكَذَا لَوْ قُتِلَ عَبْدُهُمَا وَأَحَدُهُمَا غَائِبٌ) أَيْ لَوْ كَانَ عَبْدٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَقُتِلَ عَمْدًا وَأَحَدُ الْمَوْلَيَيْنِ غَائِبٌ فَحُكْمُهُ مِثْلُ مَا ذَكَرْنَا أَحَدٌ فِي الْوَلِيَّيْنِ حَتَّى لَا يُقْبَلُ بَيِّنَةٌ أَقَامَهَا الْحَاضِرُ مِنْ غَيْرِ إعَادَةٍ بَعْدَ عَوْدِ الْغَائِبِ، وَلَوْ أَقَامَ الْقَاتِلُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْغَائِبَ قَدْ عَفَا، فَالشَّاهِدُ خَصْمٌ وَيَسْقُطُ الْقِصَاصُ لِمَا بَيَّنَّا فَحَاصِلُهُ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مِثْلُ الْأُولَى فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً لَا يَكُونُ الْحَاضِرُ خَصْمًا عَنْ الْغَائِبِ بِالْإِجْمَاعِ وَالْفَرْقُ لَهُمَا فِي الْكُلِّ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ فِي الْخَطَأِ أَنَّ أَحَدَ الْوَرَثَةِ خَصْمٌ عَنْ الْبَاقِينَ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلَا كَذَلِكَ أَحَدُ الْمَوْلَيَيْنِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَقَدَّمْنَا لَهُ مَزِيدَ بَيَانٍ عِنْدَ ذِكْرِ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ فَارْجِعْ إلَيْهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (، وَإِنْ شَهِدَ وَلِيَّانِ بِعَفْوِ ثَالِثِهِمَا لَغَتْ) أَيْ إذَا كَانَ أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ ثَلَاثَةً فَشَهِدَ اثْنَانِ مِنْهُمْ عَلَى الثَّالِثِ أَنَّهُ عَفَا فَشَهَادَتُهُمَا بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّهُمَا يَجُرَّانِ لِأَنْفُسِهِمَا نَفْعًا، وَهُوَ انْقِلَابُ الْقَوَدِ مَالًا، وَهُوَ عَفْوٌ مِنْهُمَا وَزَعْمُهُمَا مُعْتَبَرٌ فِي حَقِّ أَنْفُسِهِمَا إطْلَاقٌ فِي قَوْلِهِ بِعَفْوِ ثَالِثِهِمَا فَشَمَلَ مَا إذَا كَانَ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ وَقَيَّدَ فِي الْمُحِيطِ الْخَطَأَ حَيْثُ قَالَ: فَشَهَادَتُهُمَا جَائِزَةٌ فِي الْخَطَأِ إذَا لَمْ يَقْبِضَا نَصِيبَهُمَا اهـ. وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُمَا إذَا قَبَضَا نَصِيبَهُمَا لَمْ يَحْتَاجَا إلَى إثْبَاتِ عَفْوِ الْغَائِبِ؛ لِأَنَّ الْعَفْوَ حَصَلَ مِنْهُمَا، وَهُوَ قَيْدٌ حَسَنٌ لَا بُدَّ مِنْهُ، وَلَوْ قَيَّدَ بِهِ الْمُؤَلِّفُ لَكَانَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 365 أَوْلَى وَذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ وَالْمَأْذُونُ فِي دَيْنٍ بَيْنَ ثَلَاثَةٍ شَهِدَ اثْنَانِ عَلَى الثَّالِثِ أَنَّهُ أَبْرَأ عَنْ نَصِيبِهِ لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهُمَا تَجُرُّ لِأَنْفُسِهِمَا مَغْنَمًا؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهُمَا تَقْطَعُ شَرِكَةَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ فِي الْبَاقِي مِنْ الدَّيْنِ فَلَا تُقْبَلُ كَمَا لَوْ شَهِدَ أَنَّهُ أَبْرَأهُ عَنْ نَصِيبِهِ بَعْدَمَا قَبَضَا نَصِيبَهُمَا وَجْهُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُؤَلِّفُ أَنَّهُمَا بِشَهَادَتِهِمَا لَا يُثْبِتَانِ لِأَنْفُسِهِمَا حَقَّ الْمُشَارَكَةِ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَقْبِضَا شَيْئًا مِنْ الدَّيْنِ. وَلَوْ حَوَّلَا نَصِيبَهُمَا مَالًا، وَإِنَّمَا مَنَعَتْ ثُبُوتَ الْمُشَارَكَةِ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ مَتَى قَبَضَا نَصِيبَهُمَا وَالشَّاهِدُ يَمْلِكُ الْمَنْعَ وَلَا يَمْلِكُ الْإِبْطَالَ، وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ بِالْعَفْوِ عَلَى الْخَطَأِ فَقَضَى بِهِ ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا مَا اتْلَفَاهُ نِصْفَيْنِ لِأَنَّهُمَا أَبْطَلَا عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ دَيْنًا مُؤَجَّلًا فَيَضْمَنَانِ لِذَلِكَ شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى وَلِيِّ الدَّمِ أَنَّهُ أَخَّرَ الْقَاتِلَ الْيَوْمَ إلَى اللَّيْلِ عَلَى جُعْلٍ مَعْلُومٍ وَلَمْ يَكُنْ عَفْوًا وَلَا مَالَ لَهُ؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَ الْحَقِّ لَا يَقْتَضِي سُقُوطَهُ فَكَذَا تَأْجِيلُ الْقَتْلِ لَا يَقْتَضِي سُقُوطَهُ وَالْمَالُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ عِوَضًا عَنْ الْأَجَلِ وَالِاعْتِيَاضُ عَنْ الْأَجَلِ بَاطِلٌ، وَلَوْ شَهِدَا عَلَى أَنَّهُ أَخَذَ الْجُعْلَ عَلَى أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُ يَوْمًا كَانَ صُلْحًا؛ لِأَنَّهُ عَفَا عَنْ الْقِصَاصِ يَوْمًا وَالْعَفْوُ لَا يَقْبَلُ التَّأْقِيتَ فَصَحَّ الْعَفْوُ وَبَطَلَ التَّأْقِيتُ، وَصَارَ كَمَا لَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَأَعْتَقَ عَبْدَهُ عَلَى أَلْفٍ إلَى اللَّيْلِ جَازَ الصُّلْحُ وَبَطَلَ التَّأْقِيتُ فَكَذَا هَذَا وَقَوْلُهُ عَلَى أَنْ يَعْفُوَ لَمْ يَخْرُجْ مَخْرَجَ الْعِدَةِ، وَإِنَّمَا يُرَادُ بِهِ الْإِخْبَارُ كَالرَّجُلِ يَقُولُ لِلْمَرْأَةِ تَزَوَّجْتُك عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ فَقَبِلَتْ فَهُوَ نِكَاحٌ فَكَانَ الْمُرَادُ مِنْهُ الْإِيجَابَ فَكَذَا هَذَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ صَدَّقَهُمَا الْقَاتِلُ فَالدِّيَةُ لَهُمْ أَثْلَاثًا) أَيْ صَدَّقَهُمَا الْقَاتِلُ دُونَ الْوَلِيِّ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ تَصْدِيقَهُ لَهُمَا إقْرَارٌ لَهُمَا بِثُلُثَيْ الدِّيَةِ وَيَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَزْعُمُونَ أَنَّ نَصِيبَ الْوَلِيِّ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ قَدْ سَقَطَ بِعَفْوِهِ، وَهُوَ يُنْكِرُ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُمْ عَلَيْهِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ كُلُّ الدِّيَةِ وَلِلْمُنْكِرِ ثُلُثُهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ كَذَّبَهُمَا فَلَا شَيْءَ لَهُمَا، وَلِلْآخَرِ ثُلُثُ الدِّيَةِ) أَيْ إنْ كَذَّبَهُمَا الْقَاتِلُ أَيْضًا بَعْدَ أَنْ كَذَّبَهُمَا الْوَلِيُّ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بِالْعَفْوِ فَلَا شَيْءَ لِلْوَلِيَّيْنِ الشَّاهِدَيْنِ؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهُمَا عَلَيْهِ إقْرَارٌ بِبُطْلَانِ حَقِّهِمَا عَلَيْهِ فِي الْقِصَاصِ فَصَحَّ إقْرَارُهُمَا فِي حَقِّ أَنْفُسِهِمَا. وَإِنْ ادَّعَيَا انْقِلَابَهُمَا مَالًا فَلَا يُصَدَّقَا فِي دَعْوَاهُمَا إلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَلِلْوَلِيِّ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ ثُلُثُ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهُمَا عَلَيْهِ بِالْعَفْوِ، وَهُوَ يُنْكِرُ بِمَنْزِلَةِ إقْرَارِهِمَا بِالْعَفْوِ فَيَنْقَلِبُ نَصِيبُهُمَا مَالًا، وَفِي النِّهَايَةِ، وَإِنْ كَذَّبَهُمَا الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ يَجِبُ عَلَى الْقَاتِلِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا فَجَعَلَ الضَّمِيرَ فَاعِلَ كَذَّبَهُمَا الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ لَا الْقَاتِلُ قَالَ الشَّارِحُ: وَإِنْ صَدَّقَهُمَا الْوَلِيُّ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ وَحْدَهُ دُونَ الْقَاتِلِ ضَمِنَ الْقَاتِلُ ثُلُثَ الدِّيَةِ لِلْوَلِيِّ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِذَلِكَ، فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ لَهُ الثُّلُثُ، وَهُوَ قَدْ أَقَرَّ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَى الْقَاتِلِ شَيْئًا بِدَعْوَاهُ الْعَفْوَ قُلْنَا ارْتَدَّ إقْرَارُهُ بِتَكْذِيبِ الْقَاتِلِ إيَّاهُ فَوَجَبَ لَهُ ثُلُثُ الدِّيَةِ عَلَيْهِ، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ كَانَ هَذَا الثُّلُثُ لِلشَّاهِدَيْنِ لَا لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ يَزْعُمُ أَنَّهُ قَدْ عَفَا أَوْ لَا شَيْءَ لَهُ وَلِلشَّاهِدَيْنِ عَلَى الْقَاتِلِ ثُلُثُ الدِّيَةِ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ وَاَلَّذِي فِي يَدِهِ، وَهُوَ ثُلُثُ الدِّيَةِ مَالُ الْقَاتِلِ، وَهُوَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِمَا فَيُصْرَفُ إلَيْهِمَا لِإِقْرَارِهِ لَهُمَا بِذَلِكَ كَمَنْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَقَالَ الْمُقِرُّ لَهُ لَيْسَ ذَلِكَ لِي، وَإِنَّمَا هُوَ لِفُلَانٍ، فَإِنَّهُ يُصْرَفُ إلَيْهِ فَكَذَا هُنَا، وَهَذَا كُلُّهُ اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَلْزَمَ الْقَاتِلَ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ مَا ادَّعَاهُ الشَّاهِدَانِ عَلَى الْقَاتِلِ لَمْ يَثْبُتْ لِإِنْكَارِهِ وَمَا أَقَرَّ بِهِ الْقَاتِلُ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ قَدْ بَطَلَ بِإِقْرَارِهِ بِالْعَفْوِ؛ لِكَوْنِهِ تَكْذِيبًا لَهُ. وَجَوَابُهُ أَنَّ الْقَائِلَ بِتَكْذِيبِ الشَّاهِدَيْنِ قَدْ أَقَرَّ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ بِثُلُثِ الدِّيَةِ لِزَعْمِهِ أَنَّ الْقِصَاصَ قَدْ سَقَطَ بِشَهَادَتِهِمَا كَمَا إذَا عَفَا وَالْمُقَرُّ لَهُ لَمْ يُكَذِّبْ الْقَاتِلَ حَقِيقَةً بَلْ أَضَافَ الْوُجُوبَ إلَى غَيْرِهِ فَجَعَلَ الْوَاجِبَ لِلشَّاهِدَيْنِ، وَفِي مِثْلِهِ لَا يَرْتَدُّ الْإِقْرَارُ كَمَنْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ كَذَا، فَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ لَيْسَ لِي وَلَكِنَّهُ لِفُلَانٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا قَيَّدَ الْمُؤَلِّفُ بِقَوْلِهِ، وَلَوْ شَهِدَ اثْنَانِ، وَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ فِي الْوَاحِدِ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إذَا عُلِمَ أَنَّ شَهَادَةَ الِاثْنَيْنِ بَاطِلَةٌ عُلِمَ بِبُطْلَانِ شَهَادَةِ الْوَاحِدِ الْفَرْدِ مِنْ بَابِ أَوْلَى وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِمَا إذَا شَهِدَا مَعًا أَوْ مُتَعَاقِبًا وَنَحْنُ نَذْكُرُ ذَلِكَ وَنَذْكُرُ شَهَادَةَ الْفَرْدِ تَتْمِيمًا لِلْفَائِدَةِ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ لَهُ وَلِيَّانِ اثْنَانِ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ أَنَّهُ عَفَا فَهُوَ عَلَى قِسْمَيْنِ إمَّا أَنْ يَشْهَدَ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِالْعَفْوِ أَوْ يَشْهَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِالْعَفْوِ أَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ فَهُوَ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ إمَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ صَاحِبُهُ، وَالْقَاتِلُ جَمِيعًا أَوْ كَذَّبَاهُ أَوْ كَذَّبَهُ صَاحِبُهُ وَصَدَّقَهُ الْقَاتِلُ أَوْ عَلَى عَكْسِهِ أَوْ سَكَتَا جَمِيعًا، فَالْعَفْوُ وَاقِعٌ فِي الْفُصُولِ كُلِّهَا؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَ مَتَى أَقَرَّ بِعَفْوِ صَاحِبِهِ، فَقَدْ أَقَرَّ بِسُقُوطِ الْقِصَاصِ فِي نَصِيبِهِ، وَإِذَا سَقَطَ يَسْقُطُ فِي نَصِيبِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 366 الْآخَرِ كَمَا لَوْ عَفَا الشَّاهِدُ عَنْ نَصِيبِهِ، وَأَمَّا الدِّيَةُ إنْ تَصَادَقَا فَلِلشَّاهِدِ نِصْفُ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالتَّصَادُقِ وَالْمُوَافَقَةِ كَالثَّابِتِ بِالْمُعَايَنَةِ، وَإِنْ كَذَّبَاهُ فَلَا شَيْءَ لِلشَّاهِدِ، وَيَجِبُ لِلْآخَرِ نِصْفُ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا شَهِدَ بِالْعَفْوِ فَقَدْ أَقَرَّ بِبُطْلَانِ حَقِّهِ فِي الْقِصَاصِ فَصَحَّ وَادَّعَى انْقِلَابَ نَصِيبِ نَفْسِهِ مَالًا فَلَمْ يُصَدَّقْ وَيُحَوَّلُ نَصِيبُ الْآخَرِ مَالًا؛ لِأَنَّ تَعَذُّرَ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ فِي نَصِيبِهِ مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ سُقُوطَ الْقِصَاصِ مُضَافٌ إلَى شَهَادَةٍ بِالْعَفْوِ، فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْعَفْوِ مِنْهُ. وَإِنْ كَذَّبَهُ صَاحِبُهُ وَصَدَّقَهُ الْقَاتِلُ ضَمِنَ الدِّيَةَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا صَدَّقَهُ فَقَدْ أَقَرَّ لَهُ بِنِصْفِ الدِّيَةِ فَلَزِمَهُ وَادَّعَى بُطْلَانَ حَقِّ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ بِالْعَفْوِ فَلَمْ يَصْدُقْ نَصِيبُ السَّاكِتِ مَالًا؛ لِأَنَّ فِي زَعْمِ الشَّاهِدَيْنِ نَصِيبَهُ تَحَوَّلَ مَالًا بِعَفْوِ صَاحِبِهِ وَالْقَاتِلُ صَدَّقَهُ فِيهِ فَوَجَبَ لَهُ نِصْفُ الدِّيَةِ عَلَى الْقَاتِلِ، وَفِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ لَمْ يَسْقُطْ مِنْ جِهَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عَفْوُهُ فِي حَقِّهِ لِتَكْذِيبِهِ، وَإِنَّمَا سَقَطَ بِإِقْرَارِ الشَّاهِدِ فَيَنْقَلِبُ نَصِيبُهُ مَالًا، وَإِنْ كَذَّبَهُ الْقَاتِلُ وَصَدَّقَهُ صَاحِبُهُ ضَمِنَ نِصْفَ الدِّيَةِ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَلَا يَضْمَنُ لِلشَّاهِدِ شَيْئًا وَقَالَ زُفَرُ: لَا شَيْءَ لَهُمَا؛ لِأَنَّ الْعَفْوَ ثَبَتَ فِي حَقِّهِمَا بِتَصَادُقِهِمَا، وَلَمْ يَثْبُتْ فِي حَقِّ الْقَاتِلِ لِتَكْذِيبِهِ فَسَقَطَ نَصِيبُ الشَّاهِدِ وَلَمْ يَجِبْ لِتَكْذِيبِ نِصْفِ الدِّيَةِ فَيَبْرَأُ الْقَاتِلُ وَلَنَا أَنَّ الْقَاتِلَ لَمَّا أَكْذَبَ الشَّاهِدَ فِي الشَّهَادَةِ بِالْعَفْوِ، فَقَدْ كَذَّبَهُ فِيمَا ادَّعَى عَلَيْهِ مِنْ نِصْفِ الدِّيَةِ وَأَقَرَّ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ بِنِصْفِ الدِّيَةِ فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ زَعَمَ أَنَّ نَصِيبَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ إنَّمَا سَقَطَ لِمَعْنًى جَاءَ مِنْ قِبَلِ الشَّاهِدِ لَا مِنْ جِهَتِهِ، فَإِنَّهُ أَنْكَرَ عَفْوَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَالْمَشْهُودُ عَلَيْهِ لَمَّا صَدَّقَ الشَّاهِدَ فِي شَهَادَتِهِ فَقَدْ أَقَرَّ بِذَلِكَ الْمَالِ لِلشَّاهِدِ وَالْمُقَرُّ لَهُ بِالْمَالِ إذَا قَالَ لِلْمُقِرِّ مَا أَقْرَرْت بِهِ لَيْسَ لِي، وَإِنَّمَا هُوَ لِفُلَانٍ كَانَ الْمُقَرُّ بِهِ لِفُلَانٍ كَمَنْ أَقَرَّ بِمِائَةٍ لِزَيْدٍ فَقَالَ زَيْدٌ: هِيَ لِعَمْرٍو صَارَتْ الْمِائَةُ لِعَمْرٍو فَكَذَا هَذَا. وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي لَوْ شَهِدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِالْعَفْوِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَشْهَدَا مَعًا أَوْ مُتَعَاقِبًا، فَإِنْ شَهِدَا مَعًا إنْ كَذَّبَهُمَا الْقَاتِلُ بَطَلَ حَقُّهُمَا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَقَرَّ بِسُقُوطِ الْقِصَاصِ فِي نَصِيبِهِ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَأَنَّهُ وَجَبَ لَهُ عَلَى الْقَاتِلِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا زَعَمَ أَنَّ حَقَّ الْعَافِي فِي الْقِصَاصِ قَدْ سَقَطَ، وَانْقَلَبَ نَصِيبُهُ مَالًا، فَصَحَّ إقْرَارُهُمَا بِسُقُوطِ الْقِصَاصِ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يُتَّهَمَانِ فِي حَقِّهِمَا وَلَمْ يَصِحَّ بِالْمَالِ عَلَى الْقَاتِلِ؛ لِأَنَّهُ دَعْوَى وَالدَّعْوَى لَا تَثْبُتُ إلَّا بِحُجَّةٍ، وَكَذَلِكَ إنْ صَدَّقَهُمَا الْقَاتِلُ؛ لِأَنَّهُ مَتَى صَدَّقَ أَحَدَهُمَا فِي دَعْوَاهُ، فَقَدْ كَذَّبَ الْآخَرَ فِي دَعْوَاهُ مِنْ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْعَافِيَ لَا يَجِبُ لَهُ شَيْءٌ، فَقَدْ تَعَارَضَ التَّصْدِيقُ وَالتَّكْذِيبُ بِالشَّكِّ، فَصَارَ كَأَنَّهُ سَكَتَ، وَإِنْ صَدَّقَهُمَا عَلَى التَّعَاقُبِ فَلَهُمَا دِيَةٌ كَامِلَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا صَدَّقَ الْأَوَّلَ فِي دَعْوَاهُ الْمَالَ فَقَدْ كَذَّبَ الثَّانِيَ فِي دَعْوَاهُ الْمَالَ فَإِذَا صَدَّقَ الثَّانِيَ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَدْ صَدَّقَهُ بَعْدَمَا كَذَّبَهُ وَالتَّصْدِيقُ بَعْدَ التَّكْذِيبِ جَائِزٌ وَبِتَصْدِيقِ الثَّانِي إنْ صَارَ مُكَذَّبًا فِيمَا ادَّعَاهُ إلَّا أَنَّهُ كَذَّبَهُ بَعْدَمَا نَفَذَ حُكْمُ التَّصْدِيقِ بِالسُّكُوتِ عَلَيْهِ، وَكَانَ التَّكْذِيبُ مِنْهُ رُجُوعًا عَنْ إقْرَارِهِ، فَلَمْ يَصِحَّ، وَأَمَّا إذَا شَهِدَ مُتَعَاقِبًا، فَإِنْ كَذَّبَهُمَا الْقَاتِلُ، فَلِلشَّاهِدِ آخِرًا نِصْفُ الدِّيَةِ وَلَا شَيْءَ لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْقَاتِلَ لَمَّا كَذَّبَ الْأَوَّلَ فَقَدْ زَعَمَ أَنَّ لِلثَّانِي نِصْفَ الدِّيَةِ وَلَمْ يَثْبُتْ عَفْوُهُ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ تَكْذِيبُ الْقَاتِلِ فِي إقْرَارِهِ فَوَجَبَ لَهُ نِصْفُ الدِّيَةِ وَالْأَوَّلُ قَدْ أَقَرَّ بِسُقُوطِ الْقِصَاصِ فِي نَصِيبِهِ بِنِصْفِ دِيَةٍ وَجَبَتْ لَهُ عَلَى الْقَاتِلِ وَقَدْ كَذَّبَهُ الْقَاتِلُ فِي ذَلِكَ فَلَمْ يَثْبُتْ وَكَذَّبَهُ إنْ صَدَّقَهُمَا مَعًا فَلَا شَيْءَ لِلْأَوَّلِ. وَلِلثَّانِي نِصْفُ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ تَعَارَضَ التَّصْدِيقُ وَالتَّكْذِيبُ مِنْهُ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَتَسَاقَطَا فَصَارَ كَأَنَّهُ سَكَتَ، وَلَوْ سَكَتَ يَجِبُ لِلثَّانِي نِصْفُ الدِّيَةِ وَلَا يَبْطُلُ بِتَكْذِيبِ الْقَاتِلِ؛ لِأَنَّ تَكْذِيبَ الْقَاتِلِ بَاطِلٌ فِي حَقِّ الثَّانِي، وَإِنْ صَدَّقَهُ الثَّانِي وَكَذَّبَهُ الْأَوَّلُ فَلِلثَّانِي نِصْفُ الدِّيَةِ وَلَا شَيْءَ لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ عَفْوُ الْأَوَّلِ فِي حَقِّ الْقَاتِلِ بِتَصْدِيقِ الثَّانِي فِي شَهَادَتِهِ وَلَمْ يَثْبُتْ عَفْوُ الثَّانِي بِتَكْذِيبِ الْأَوَّلِ فِي شَهَادَتِهِ، وَلَوْ عَفَا أَحَدُ الْوَلِيَّيْنِ وَعَلِمَ الْآخَرُ أَنَّ الْقَتْلَ حَرَامٌ عَلَيْهِ فَقَتَلَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ وَلَهُ نِصْفُ الدِّيَةِ فِي مَالِ الْقَاتِلِ؛ لِأَنَّ قَتْلَهُ تَمَحَّضَ حَرَامًا، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْحُرْمَةِ فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ عَلِمَ بِالْعَفْوِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ؛ لِأَنَّهُ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ ظَنَّهُ اسْتَنَدَ إلَى دَلِيلٍ يُوجِبُ الِاشْتِبَاهَ، وَهُوَ الْقِيَاسُ عَلَى سَائِرِ الْحُقُوقِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَ اثْنَيْنِ إذَا أَبْرَأَ أَحَدَهُمَا لَا يَبْطُلُ حَقُّ الْآخَرِ فَكَانَتْ ظَنًّا فِي مَوْضِعِ الِاشْتِبَاهِ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً لِسُقُوطِ الْقِصَاصِ؛ وَلِهَذَا اشْتَبَهَ عَلَى عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَعَ جَلَالَةِ قَدْرِهِ فِي الْعِلْمِ حَيْثُ شَاوَرَ ابْنَ مَسْعُودٍ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَشْهَدَا أَنَّهُ ضَرَبَهُ فَلَمْ يَزَلْ صَاحِبَ فِرَاشٍ حَتَّى مَاتَ يُقْتَصُّ) ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ مُعَايَنَةً، وَفِي ذَلِكَ الْقِصَاصُ عَلَى مَا عُرِفَ وَالشَّهَادَةُ عَلَى قَتْلِ الْعَمْدِ يَتَحَقَّقُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مُخْطِئًا لَا يَحِلُّ لَهُمْ أَنْ يُطْلِقُوهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 367 بَلْ يَقُولُونَ قَصَدَ غَيْرَهُ فَأَصَابَهُ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ بِسَبَبِ الضَّرْبِ إنَّمَا يُعْرَفُ إذَا صَارَ بِالضَّرْبِ صَاحِبَ فِرَاشٍ وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى مَاتَ قَالَ الشَّارِحُ وَتَأْوِيلُهُ إنْ أَشْهَدُوا أَنَّهُ ضَرَبَهُ بِشَيْءٍ جَارِحٍ أَقُولُ: قَالَ فِي الْكِفَايَةِ: إنَّمَا أَوَّلَهُ لِتَكُونَ الْمَسْأَلَةُ مُجْمَعًا عَلَيْهَا قَالَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: الْإِطْلَاقُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إنْ كَانَ قَوْلُهُمَا فَهُوَ مُجْرًى عَلَى إطْلَاقِهِ، وَإِنْ كَانَ قَوْلَ الْكُلِّ فَتَأْوِيلُهُ أَنْ تَكُونَ الْآلَةُ جَارِحَةً قَالَ جُمْهُورُ الشُّرَّاحِ: فَإِنْ قِيلَ الشُّهُودُ شَهِدُوا عَلَى الضَّرْبِ بِشَيْءٍ جَارِحٍ وَلَكِنْ الضَّرْبُ بِهِ قَدْ يَكُونُ خَطَأً فَكَيْفَ يَثْبُتُ الْقَوَدُ مَعَ أَنَّهُمْ لَمْ يَشْهَدُوا أَنَّهُ كَانَ عَمْدًا؟ قُلْنَا لَمَّا شَهِدُوا أَنَّهُ ضَرَبَهُ، وَإِنَّمَا يَشْهَدُونَ أَنَّهُ قَصَدَ غَيْرَهُ فَأَصَابَهُ وَقَالُوا كَذَلِكَ ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خواهر زاده. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ اخْتَلَفَا شَاهِدُ الْقَتْلِ فِي الزَّمَانِ أَوْ الْمَكَانِ أَوْ فِيمَا وَقَعَ بِهِ الْقَتْلُ أَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا قَتَلَهُ بِعَصًا وَقَالَ الْآخَرُ لَمْ نَدْرِ بِمَاذَا قَتَلَهُ بَطَلَتْ) ، وَلَوْ قَالَ الْمُؤَلِّفُ، وَلَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ بِقَتْلٍ وَاخْتَلَفُوا فِي الزَّمَانِ أَوْ الْمَكَانِ أَوْ فِيمَا وَقَعَ بِهِ الْقَتْلُ أَوْ قَالَا قَتَلَهُ بِعَصًا وَقَالَ الْآخَرُ: لَمْ نَدْرِ بِمَاذَا قَتَلَهُ بَطَلَتْ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ إذَا عَلِمَ بِبُطْلَانِ شَهَادَةِ الْمُثَنَّى عِنْدَ الِاخْتِلَافِ عَلِمَ بُطْلَانَ شَهَادَةِ الْفَرْدِ مِنْ بَابِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ لَا يَتَكَرَّرُ، فَالْقَتْلُ فِي زَمَانٍ أَوْ فِي مَكَان غَيْرِ الْقَتْلِ فِي مَكَان آخَرَ أَوْ فِي زَمَانٍ آخَرَ، وَكَذَا الْقَتْلُ بِآلَةٍ غَيْرُ الْقَتْلِ بِآلَةٍ أُخْرَى وَتَخْتَلِفُ الْأَحْكَامُ بِاخْتِلَافِ الْآلَةِ فَكَانَ عَلَى كُلِّ قَتْلٍ شَهَادَةُ فَرْدٍ فَلَمْ تُقْبَلْ؛ وَلِأَنَّ اتِّفَاقَ الشَّاهِدَيْنِ شَرْطٌ لِلْقَبُولِ وَلَمْ يُوجَدْ؛ وَلِأَنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي بِكَذِبِ أَحَدِهِمَا لِاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِ مَا ذَكَرْنَا فَلَا تُقْبَلُ بِمِثْلِهِ،. وَكَذَا لَوْ كَمَّلَ النِّصَابَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِتَيَقُّنِ الْقَاضِي بِكَذِبِ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ دُونَ الْآخَرِ حَيْثُ يُقْبَلُ الْكَامِلُ مِنْهُمَا لِعَدَمِ الْمُعَارِضِ أَطْلَقَ فِي الْمَكَانِ، وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِالْكَبِيرِ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خواهر زاده فِي شَرْحِ دِيَاتِ الْأَصْلِ أَنَّهُمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي الْمَكَانِ يُتَسَامَح مُتَقَارِبَانِ كَبَيْتٍ صَغِيرٍ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ رَآهُ قَتَلَهُ فِي هَذَا الْجَانِبِ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ قَتَلَهُ فِي الْجَانِبِ الْآخَرِ، فَإِنَّهُ تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ اسْتِحْسَانًا وَكَذَلِكَ لَوْ اخْتَلَفَا فِي الْآلَةِ وَفِي الْإِسْبِيجَابِيِّ كَمَا إذَا قَالَ أَحَدُهُمَا قَتَلَهُ بِالسَّيْفِ وَقَالَ الْآخَرُ قَتَلَهُ بِالْقِصَاصِ وَقَيَّدْنَا بِمَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّهُمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي الْقَاتِلِ لَا تُقْبَلُ كَمَا سَيَأْتِي وَاعْلَمْ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْآلَةِ عَلَى فُصُولٍ أَحَدُهُمَا أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى الْآلَةِ بِأَنْ شَهِدَا أَنَّهُ قَتَلَهُ عَمْدًا بِالسَّيْفِ أَوْ قَتَلَهُ بِالْعَصَا، فَإِنْ شَهِدَا أَنَّهُ قَتَلَهُ بِالسَّيْفِ إنْ ذَكَرَا صِفَةَ التَّعَمُّدِ بِأَنْ قَالَا قَتَلَهُ عَمْدًا بِالسَّيْفِ، فَإِنَّهُ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا وَيُقْضَى عَلَيْهِ بِالْقِصَاصِ، وَلَوْ قَالَا قَتَلَهُ بِالسَّيْفِ خَطَأً تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا وَيُقْضَى بِالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَإِنْ سَكَتَا عَنْ ذِكْرِ صِفَةِ الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ، فَهَذَا وَمَا لَوْ ذَكَرَا صِفَةَ الْعَمْدِ سَوَاءٌ، وَإِنْ قَالَا لَا نَدْرِي قَتَلَهُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً، فَإِنَّهُ تُقْبَلُ هَذِهِ الشَّهَادَةُ وَيُقْضَى بِالدِّيَةِ فِي مَالِ الْقَاتِلِ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا أَنَّ الشَّهَادَةَ مَقْبُولَةٌ جَوَابُ الِاسْتِحْسَانِ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تُقْبَلَ هَذِهِ الشَّهَادَةُ، وَإِنْ شَهِدَا أَنَّهُ قَتَلَهُ بِالْعَصَا إنْ كَانَ الْعَصَا صَغِيرًا لَا تَقْتُلُ مِثْلَهُ غَالِبًا، فَإِنَّهُ تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ وَيُقْضَى بِالدِّيَةِ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا كَمَا لَوْ ثَبَتَ مُعَايَنَةً سَوَاءٌ شَهِدَا بِالْعَمْدِ أَوْ بِالْخَطَأِ وَأَطْلَقَا. وَإِنْ كَانَ الْعَصَا كَبِيرًا تَقْتُلُ مِثْلَهُ غَالِبًا فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الْجَوَابُ عَنْهُ كَالْجَوَابِ فِيمَا لَوْ شَهِدُوا أَنَّهُ قَتَلَهُ بِالسَّيْفِ، وَأَمَّا إذَا بَيَّنَ أَحَدُهُمَا الْآلَةَ وَقَالَ الْآخَرُ: لَا أَدْرِي بِمَاذَا قَتَلَهُ؛ فَلِأَنَّ الْمُطْلَقَ يُغَايِرُ الْمُقَيَّدَ؛ لِأَنَّهُ مَعْدُومٌ وَالْمُقَيَّدُ مَوْجُودٌ فَاخْتَلَفَا وَكَذَا أَيْضًا حُكْمُهُمَا مُخْتَلِفٌ، فَإِنَّ مَنْ قَالَ قَتَلَهُ بِعَصًا يُوجِبُ الدِّيَةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَمَنْ قَالَ لَا أَعْلَمُ بِمَاذَا قَتَلَهُ عَلَى الْقَاتِلِ فَاخْتَلَفَ الْمَشْهُودُ بِهِ فَبَطَلَتْ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَقَالَ أَحَدُهُمَا: قَتَلَهُ بِعَصًا وَقَالَ الْآخَرُ لَمْ نَدْرِ بِمَاذَا قَتَلَهُ وَكَذَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالْقَتْلِ مُعَايَنَةً وَالْآخَرُ عَلَى إقْرَارِ الْقَاتِلِ بِذَلِكَ كَانَ بَاطِلًا لِاخْتِلَافِ الْمَشْهُودِ بِهِ. فَإِنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالْقَتْلِ مُعَايَنَةً وَالْآخَرُ عَلَى إقْرَارِ الْقَاتِلِ بِذَلِكَ كَانَ بَاطِلًا لِاخْتِلَافِ الْمَشْهُودِ بِهِ، فَإِنَّ أَحَدَهُمَا فِعْلٌ يُوجِبُ الْقِصَاصَ وَالْآخَرُ الدِّيَةَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ شَهِدَا أَنَّهُ قَتَلَهُ وَقَالَا لَا نَدْرِي بِمَاذَا قَتَلَهُ) يَعْنِي بِأَيِّ شَيْءٍ قَتَلَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تُقْبَلَ هَذِهِ الشَّهَادَةُ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُمَا شَهِدَا بِقَتْلٍ مَجْهُولٍ؛ لِأَنَّ الْآلَةَ إذَا تَقَوَّمْ فَقَدْ جُهِلَ الْقَتْلُ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ يَخْتَلِفُ حُكْمُهُ بِاخْتِلَافِ الْآلَةِ فَيَكُونُ هَذَا غَفْلَةً مِنْ الشُّهُودِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُمَا شَهِدَا بِقَتْلٍ مُطْلَقٍ وَالْمُطْلَقُ لَيْسَ بِمَجْهُولٍ لِإِمْكَانِ الْعَمَلِ بِهِ فَيَجِبُ أَقَلُّ مُوجَبِهِ، وَهُوَ الدِّيَةُ فَلَا يُحْمَلُ قَوْلُهُمَا لَا نَدْرِي عَلَى الْغَفْلَةِ بَلْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُمَا سَعَيَا لِلدَّرْءِ الْمَنْدُوبِ إلَيْهِ فِي الْعُقُوبَاتِ اسْتِحْسَانًا لِلظَّنِّ وَمِثْلُ ذَلِكَ سَائِغٌ شَرْعًا؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَطْلَقَ الْكَذِبَ فِي إصْلَاحِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 368 ذَاتِ الْبَيْنِ عَلَى مَا قَالَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَيْسَ بِكَذَّابٍ مَنْ أَصْلَحَ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَقَالَ خَيْرًا أَوْ أَنْمَى خَيْرًا» فَهَذَا مِثْلُهُ أَوْ أَحَقُّ مِنْهُ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ فَلَا يَثْبُتُ جَهْلُهُمَا أَوْ اخْتِلَافُهُمَا بِالشَّكِّ، وَإِنَّمَا وَجَبَتْ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ دُونَ الْعَاقِلَةِ؛ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يُحْمَلُ عَلَى الْكَمَالِ فَلَا يَثْبُتُ الْخَطَأُ بِالشَّكِّ وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: رَجُلٌ قُتِلَ وَلَهُ وَلِيَّانِ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُمَا فَأَقَامَ أَحَدُهُمَا، وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بَيِّنَةً عَلَى صَاحِبِهِ، وَهُوَ زَيْدٌ أَنَّهُ عَمْدًا وَأَقَامَ زَيْدٌ عَلَى أَجْنَبِيٍّ بَيِّنَةً أَنَّهُ قَتَلَهُ عَمْدًا قُبِلَتْ الْبَيِّنَتَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعَلَى الْوَلِيِّ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، وَهُوَ زَيْدٌ نِصْفُ الدِّيَةِ فِي مَالِهِ لِصَاحِبِهِ وَعَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ الْأَجْنَبِيِّ نِصْفُ الدِّيَةِ فِي مَالِهِ لِصَاحِبِهِ، وَإِنْ كَانَ الْقَتْلُ خَطَأً، فَعَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: بَيِّنَةُ الِابْنِ عَلَى أَخِيهِ أَوْلَى وَيُقْضَى لَهُ عَلَى الْأَخِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ بِالْقَوَدِ إنْ كَانَ عَمْدًا، وَإِنْ كَانَ خَطَأً فَلَهُ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَبَطَلَتْ بَيِّنَةُ الِابْنِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ بِالْقَوَدِ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي الْمِيرَاثِ قَالَ بَعْضُهُمْ: الْمِيرَاثُ بَيْنَهُمَا أَرْبَاعًا ثَلَاثَةُ أَرْبَاعٍ لِعَبْدِ اللَّهِ وَرُبْعُهُ لِزَيْدٍ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْمِيرَاثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ. وَلَوْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ عَلَى صَاحِبِهِ أَنَّهُ قَتَلَ أَبَاهُمَا عَمْدًا أَوْ خَطَأً فَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ تَهَاتَرَتْ الْبَيِّنَتَانِ وَلَا تَجِبُ الدِّيَةُ وَالْمِيرَاثُ بَيْنَهُمَا، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يُقْضَى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِنِصْفِ الدِّيَةِ إنْ كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا وَيَتَقَاصَّانِ، وَإِنْ كَانَ خَطَأً فَعَلَى عَاقِلَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا الدِّيَةُ، وَلَوْ كَانَ الْبَنُونَ ثَلَاثَةً فَأَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ عَلَى زَيْدٍ بَيِّنَةً أَنَّهُ قَتَلَ الْأَبَ، وَأَقَامَ مُحَمَّدٌ وَزَيْدٌ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَتَلَ الْأَبَ فَهُنَا تُقْبَلُ الْبَيِّنَتَانِ بِالِاتِّفَاقِ وَلَا يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِالِاتِّفَاقِ ثُمَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُقْضَى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى صَاحِبِهِ بِثُلُثِ الدِّيَةِ فِي مَالِهِ إنْ كَانَ عَمْدًا وَعَلَى عَاقِلَتِهِ إنْ كَانَ خَطَأً وَيَكُونُ الْمِيرَاثُ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يُقْضَى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى صَاحِبِهِ بِنِصْفِ الدِّيَةِ، وَلَوْ أَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ الْبَيِّنَةَ عَلَى زَيْدٍ وَعَمْرٍو أَنَّهُمَا قَتَلَا أَبَاهُمْ عَمْدًا أَوْ خَطَأً وَأَقَامَ زَيْدٌ وَعَمْرٌو الْبَيِّنَةَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَتَلَ أَبَاهُمْ عَمْدًا أَوْ خَطَأً تَهَاتَرَتْ الْبَيِّنَتَانِ عِنْدَهُمَا وَانْتَصَفَ الْوِرَاثَةُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا كَمَا لَوْ لَمْ تُوجَدْ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ فَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يُقْضَى لِعَبْدِ اللَّهِ عَلَى زَيْدٍ وَعَمْرٍو بِنِصْفِ الدِّيَةِ فِي مَالِهِمَا إنْ كَانَ عَمْدًا وَعَلَى عَاقِلَتِهِمَا إنْ كَانَ خَطَأً فَفِي مَالِ عَبْدِ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ خَطَأً فَعَلَى عَاقِلَتِهِ وَالْمِيرَاثُ يَكُونُ نِصْفُهُ لِعَبْدِ اللَّه وَنِصْفُهُ لِزَيْدٍ وَعَمْرٍو. وَلَوْ أَقَامَ عَمْرٌو عَلَى زَيْدٍ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ قَتَلَ أَبَاهُمْ وَلَمْ يُقِمْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ، فَإِنَّهُ يُقَالُ لِعَبْدِ اللَّهِ مَا تَقُولُ فِي هَذَا، وَإِنَّمَا وَجَبَ السُّؤَالُ لِعَبْدِ اللَّهِ؛ لِأَنَّهُ صَاحِبُ حَقٍّ فِي هَذَا الدَّمِ إذْ هُوَ لَيْسَ بِقَاتِلٍ فَعُدَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ إمَّا أَنْ يَدَّعِيَ عَبْدُ اللَّهِ عَلَى أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ أَوْ لَمْ يَدَّعِ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِأَنْ قَالَ لَمْ يَقْتُلْهُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا أَوْ ادَّعَى عَلَيْهِمَا بِأَنْ قَالَ هُمَا قَتَلَاهُ، فَإِنْ ادَّعَى الْقَتْلَ عَلَى وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ، وَهُوَ عَمْرٌو فَعَلَى قِيَاسِ أَبِي حَنِيفَةَ يَقْضِي عَلَى عَمْرٍو بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ الدِّيَةِ، وَيَكُونُ ذَلِكَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَبْدِ اللَّهِ نِصْفَيْنِ، فَإِنْ كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا فَفِي مَالِ عَمْرٍو، وَإِنْ كَانَ خَطَأً فَعَلَى عَاقِلَةِ عَمْرٍو وَيُقْضَى لِعَمْرٍو عَلَى زَيْدٍ بِرُبْعِ الدِّيَةِ، وَيَكُونُ ذَلِكَ فِي مَالِ زَيْدٍ إنْ كَانَ عَمْدًا، وَإِنْ كَانَ خَطَأً فَعَلَى عَاقِلَتِهِ، وَأَمَّا الْمِيرَاثُ فَنِصْفُهُ لِعَبْدِ اللَّهِ وَنِصْفُهُ لِزَيْدٍ وَعَمْرٍو، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يُقْضَى لِعَبْدِ اللَّهِ عَلَى عَمْرٍو بِالْقَوَدِ إنْ كَانَ عَمْدًا وَيُقْضَى بِالدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَةِ عَمْرٍو إنْ كَانَ خَطَأً وَيَكُونُ ذَلِكَ بَيْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَزَيْدٍ نِصْفَيْنِ وَيَكُونُ الْمِيرَاثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ أَيْضًا، وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ عَبْدُ اللَّهِ الْقَتْلَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِأَنْ قَالَ لَمْ يَقْتُلْهُ وَاحِدٌ فَفِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يُقْضَى لِعَمْرٍو عَلَى زَيْدٍ بِرُبْعِ الدِّيَةِ إنْ كَانَ عَمْدًا فَفِي مَالِهِ، وَإِنْ كَانَ خَطَأً فَعَلَى عَاقِلَتِهِ وَلَا شَيْءَ لِعَبْدِ اللَّهِ مِنْ الدِّيَةِ وَيَكُونُ الْمِيرَاثُ أَثْلَاثًا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لَا يُقْضَى هَاهُنَا بِشَيْءٍ لَا بِالدِّيَةِ وَلَا بِالْقِصَاصِ، وَإِنْ ادَّعَى الْقَتْلَ عَلَيْهِمَا بِأَنْ قَالَ قَتَلْتُمَاهُ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يُقْضَى لِعَبْدِ اللَّهِ بِشَيْءٍ مِنْ الدِّيَةِ. وَأَمَّا الْمِيرَاثُ فَنِصْفُهُ لِعَبْدِ اللَّهِ وَنِصْفُهُ لَهُمَا، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فَقَدْ تَهَاتَرَتْ بَيِّنَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ وَلَا بَيِّنَةَ لِعَبْدِ اللَّهِ عَلَى مَا يَدَّعِي فَلَا يُقْضَى بِشَيْءٍ مِنْ الدِّيَةِ وَالْمِيرَاثُ يَكُونُ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا، وَلَوْ تَرَكَ الْمَقْتُولُ أَخًا وَابْنًا فَأَقَامَ الْأَخُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الِابْنِ أَنَّهُ قَتَلَ الْأَبَ، وَأَقَامَ الِابْنُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْأَخِ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي قَتَلَ الْأَبَ كَانَتْ بَيِّنَةُ الِابْنِ أَوْلَى بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَا ابْنَيْنِ حَيْثُ يُقْضَى هُنَاكَ بِنِصْفِ الدِّيَةِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَهَاهُنَا بَيِّنَةُ الِابْنِ أَوْلَى وَلَمْ يَذْكُرْ الْخِلَافَ، وَلَوْ تَرَكَ الْمَقْتُولُ ابْنَيْنِ وَأَخَا فَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الِابْنَيْنِ الْبَيِّنَةَ عَلَى صَاحِبِهِ بِالْقَتْلِ وَصَدَّقَ الْأَخُ أَحَدَهُمَا أَوْ صَدَّقَهُمَا كَانَ التَّصْدِيقُ مِنْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 369 الْأَخِ وَالْعَدَمُ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ، فَإِنْ أَقَامَ الْأَخُ بَيِّنَةً أَنَّهُمَا قَتَلَاهُ بَعْدَ أَنْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الِابْنَيْنِ الْبَيِّنَةَ عَلَى صَاحِبِهِ أَنَّهُ هُوَ الْقَاتِلُ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ مَعَ مُحَمَّدٍ الْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْأَخِ وَيَكُونُ الْمِيرَاثُ لَهُ وَيَقْتُلُ الِابْنَيْنِ إنْ كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا، وَإِنْ كَانَ خَطَأً فَعَلَى عَاقِلَتِهِمَا الدِّيَةُ وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ أَنْ لَا تُقْبَلَ بَيِّنَةُ الْأَخِ، وَإِنْ تَرَكَ ثَلَاثَ بَنِينَ فَأَقَامَ اثْنَيْنِ مِنْهُمْ عَلَى الثَّالِثِ أَنَّهُ قَتَلَ أَبَاهُمْ وَأَقَامَ الثَّالِثُ بَيِّنَةً بِذَلِكَ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ بَيِّنَةُ الِابْنَيْنِ أَوْلَى فَيَقْضِي الْقَاضِي بِالْقِصَاصِ عَلَى الثَّالِثِ لِلْآخَرَيْنِ إنْ كَانَ عَمْدًا وَبِالدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَتِهِ إنْ كَانَ خَطَأً. وَلَا يَرِثُ الِابْنُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ وَيَكُونُ الْمِيرَاثُ بَيْنَ الِابْنَيْنِ عَلَى بَيِّنَةِ الثَّالِثِ فَيَقْضِي لِلِاثْنَيْنِ عَلَى الثَّالِثِ بِثُلُثَيْ الدِّيَةِ إنْ كَانَ عَمْدًا، فَفِي مَالِهِ، وَإِنْ كَانَ خَطَأً فَعَلَى عَاقِلَتِهِ وَيُقْضَى لِلثَّالِثِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ بِثُلُثِ الدِّيَةِ، وَيَكُونُ الْمِيرَاثُ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا وَإِذَا قُتِلَ الرَّجُلُ وَتَرَكَ ثَلَاثًا فَأَقَامَ الْأَكْبَرُ بَيِّنَةً عَلَى الْأَوْسَطِ أَنَّهُ قَتَلَ الْأَبَ وَأَقَامَ الْأَوْسَطُ بَيِّنَةً عَلَى الْأَصْغَرِ بِذَلِكَ وَأَقَامَ الْأَصْغَرُ بَيِّنَةً عَلَى الْأَجْنَبِيِّ بِذَلِكَ فَفِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُقْضَى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى الَّذِي أَقَامَ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ بِثُلُثِ الدِّيَةِ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يُقْضَى لِلْأَكْبَرِ عَلَى الْأَوْسَطِ بِنِصْفِ الدِّيَةِ وَلِلْأَوْسَطِ عَلَى الْأَصْغَرِ بِنِصْفِ الدِّيَةِ وَلَا يُقْضَى لِلْأَصْغَرِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ بِشَيْءٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَقَرَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ قَتَلَهُ وَقَالَ الْوَلِيُّ قَتَلَاهُ جَمِيعًا لَهُ قَتْلُهُمَا، وَلَوْ كَانَ مَكَانَ الْإِقْرَارِ شَهَادَةٌ لَغَتْ) يَعْنِي لَوْ أَقَرَّ رَجُلَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ قَتَلَ زَيْدًا مُنْفَرِدًا فَقَالَ الْوَلِيُّ قَتَلَاهُ جَمِيعًا لَهُ قَتَلَهُمَا، وَإِنْ شَهِدَ اثْنَانِ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ قَتَلَهُ وَشَهِدَ آخَرَانِ عَلَى آخَرَ أَنَّهُ قَتَلَهُ بَطَلَتْ الشَّهَادَةُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْإِقْرَارِ وَالشَّهَادَةِ يُثْبِتُ أَنَّ كُلَّ الْقَتْلِ وُجِدَ مِنْ الْمُقِرِّ وَالْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَمُقْتَضَاهُ أَنْ يَجِبَ الْقِصَاصُ عَلَيْهِ وَحْدَهُ؛ لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ أَنَا قَتَلْته انْفَرَدْت بِقَتْلِهِ وَكَذَا قَوْلُ الشُّهُودِ قَتَلَهُ فُلَانٌ يُوجِبُ انْفِرَادَهُ بِالْقَتْلِ وَقَوْلُ الْوَلِيِّ قَتَلَهُمَا تَكْذِيبٌ لَهُ حَيْثُ ادَّعَى اشْتِرَاكَهُمَا فِي الْقَتْلِ. فَكَأَنَّهُ قَالَ لَمْ يُفْرَدْ أَحَدُكُمَا بِقَتْلِهِ بَلْ شَارَكَهُ الْآخَرُ، وَهَذَا الْقَدْرُ مِنْ التَّكْذِيبِ يَمْنَعُ صِحَّةَ قَبُولِ الشَّهَادَةِ لِادِّعَائِهِ فِسْقَهُمْ بِهِ دُونَ الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّ فِسْقَ الْمُقِرِّ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ، وَلَوْ قَالَ فِي الْإِقْرَارِ صَدَقْتُمَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْتُلَ وَاحِدًا مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ تَصْدِيقَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَكْذِيبٌ لِلْآخَرِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَّعِي الِانْفِرَادَ بِالْقَتْلِ بِتَصْدِيقِهِ فَوَجَبَ ذَلِكَ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ لِكُلٍّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَتَلْت وَحْدَك وَلَمْ يُشَارِكُكَ فِيهِ أَحَدٌ فَيَكُونُ مُقِرًّا بِأَنَّ الْآخَرَ لَمْ يَقْتُلْهُ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ مَا إذَا قَالَ قَتَلْتُمَاهُ تَصْدِيقٌ لَهُمَا قُلْنَا هُوَ تَصْدِيقٌ ضِمْنِيٌّ وَالضِّمْنِيُّ يُتَسَامَحُ فِيهِ مَا لَا يُتَسَامَحُ فِي الْقَصْدِيِّ، وَهُوَ قَوْلُهُ صَدَقْتُمَا، وَلَوْ أَقَرَّ رَجُلٌ أَنَّهُ قَتَلَهُ وَقَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْآخَرِ أَنَّهُ قَتَلَهُ وَقَالَ الْوَلِيُّ: قَتَلَهُ كِلَاكُمَا كَانَ لَهُ أَنْ يَقْتُلَ الْمُقِرَّ دُونَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَكْذِيبًا لِبَعْضِ مُوجَبِهِ عَلَى مَا مَرَّ وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ لِأَحَدٍ الْمُقِرَّيْنِ صَدَقْت أَنْتَ قَتَلْت وَحْدَك كَانَ لَهُ أَنْ يَقْتُلَهُ؛ لِأَنَّهُمَا تَصَادَقَا عَلَى وُجُوبِ الْقَتْلِ عَلَيْهِ وَحْدَهُ وَكَذَا إذَا قَالَ لِأَحَدِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِمَا أَنْتَ قَتَلْته كَانَ لَهُ أَنْ يَقْتُلَهُ لِعَدَمِ تَكْذِيبِ الْمَشْهُودِ لَهُ، وَإِنَّمَا كَذَّبَ الْآخَرِينَ وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي الْخَطَأِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا وَفِي الْأَصْلِ ادَّعَى الْوَلِيُّ الْعَمْدَ أَوْ الْخَطَأَ وَصَدَّقَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ كَذَّبَ وَيَدْخُلُ فِيهِ اخْتِلَافُ الشَّاهِدَيْنِ الْأَصْلُ إنْ تَعَذَّرَ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ بَعْدَ ظُهُورِ الْقَتْلِ إنْ كَانَ لِمَعْنًى مِنْ جِهَةِ الْوَلِيِّ لَا تَجِبُ الدِّيَةُ. وَإِنْ كَانَ لِمَعْنًى مِنْ جِهَةِ الْقَاتِلِ تَجِبُ الدِّيَةُ اسْتِحْسَانًا، فَإِنَّهُ يَخْرُجُ عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي قُلْنَا فُرِّعَ عَلَى مَا إذَا ادَّعَى الْوَلِيُّ الْخَطَأَ وَأَقَرَّ الْقَاتِلُ بِالْعَمْدِ فَقَالَ لَوْ صَدَّقَ الْوَلِيُّ بَعْدَ ذَلِكَ الْقَاتِلَ وَقَالَ إنَّك قَتَلْته عَمْدًا فَلَهُ الدِّيَةُ عَلَى الْقَاتِلِ بِالْعَمْدِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ إذَا ادَّعَى الْوَلِيُّ الْخَطَأَ وَأَقَرَّ الْقَاتِلُ بِالْعَمْدِ فَعَلَى الْقَاتِلِ الدِّيَةُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِي الزِّيَادَاتِ: ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلَيْنِ أَنَّهُمَا قَتَلَا وَلِيَّهُ عَمْدًا بِحَدِيدَةٍ فَلَهُ عَلَيْهِمَا الْقِصَاصُ فَقَالَ أَحَدُهُمَا: صَدَقْت وَقَالَ الْآخَرُ ضَرَبْته أَنَا خَطَأً بِالْعَصَا، فَإِنَّهُ يُقْضَى لِوَلِيِّ الْقَتْلِ عَلَيْهِمَا بِالدِّيَةِ فِي مَالِهِمَا فِي ثَلَاثَةِ سِنِينَ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمَا بِشَيْءٍ، وَلَوْ ادَّعَى الْوَلِيُّ الْعَمْدَ عَلَيْهِمَا وَصَدَّقَهُ أَحَدُهُمَا فِي ذَلِكَ وَأَنْكَرَ الْآخَرُ الْقَتْلَ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُقِرِّ وَفِي الْخَانِيَّةِ، وَلَوْ ادَّعَى الْخَطَأَ عَلَيْهِمَا وَأَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِالْعَمْدِ وَجَحَدَ الْآخَرُ فَلَمْ يَقْضِ بِشَيْءٍ، وَلَوْ ادَّعَى الْعَمْدَ عَلَيْهِمَا فَأَقَرَّ أَحَدُهُمَا وَجَحَدَ الْآخَرُ الْقَتْلَ قُتِلَ الْمُقِرُّ، وَلَوْ أَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِالْعَمْدِ وَالْآخَرُ بِالْخَطَأِ وَأَنْكَرَ شَرِكَةَ الْخَاطِئِ قُتِلَ الْعَامِدُ، وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ قَتَلْت أَنَا وَفُلَانٌ وَلِيَّك عَمْدًا وَقَالَ فُلَانٌ قَتَلْنَاهُ خَطَأً وَقَالَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 370 الْوَلِيُّ لِلْمُقِرِّ بِالْعَمْدِ أَنْت قَتَلْته وَحْدَك عَمْدًا، فَإِنَّ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَقْتُلَ الْمُقِرَّ، وَإِنْ ادَّعَى الْوَلِيُّ الْخَطَأَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَا يَجِبُ شَيْءٌ. رَجُلٌ قُطِعَ يَدُهُ وَرِجْلُهُ وَمَاتَ مِنْهُمَا فَقَالَ رَجُلٌ قَطَعْت يَدَهُ عَمْدًا وَفُلَانٌ قَطَعَ رِجْلَهُ وَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ وَقَالَ الْوَلِيُّ: لَا بَلْ أَنْت قَطَعْت ذَلِكَ كُلَّهُ عَمْدًا، فَإِنَّ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَقْتُلَهُ، وَإِنْ قَالَ لَا أَدْرِي مَنْ قَطَعَ رِجْلَهُ لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَقْطَعَ الْمُقِرَّ، وَإِنْ أَزَالَ الْوَلِيُّ الْجَهَالَةَ بَعْدَ ذَلِكَ وَقَالَ زُفَرُ إذَا بَيَّنَ صَحَّ بَيَانُهُ حَتَّى كَانَ لَهُ أَنْ يَقْتُلَ الْمُقِرَّ قَالَ مَشَايِخُنَا، وَهَذَا إذَا بَيَّنَ الْوَلِيُّ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ الْقَاضِي بِبُطْلَانِ حَقِّهِ فِي الْقِصَاصِ قَبْلَ الْمُقِرِّ حَيْثُ قَالَ لَا أَدْرِي مَنْ قَطَعَ رِجْلَهُ فَأَمَّا إذَا قَضَى بِذَلِكَ ثُمَّ بَيَّنَ لَا يَصِحُّ بَيَانُهُ وَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَقْتُلَ الْمُقِرَّ وَفِي نَوَادِرِ بِشْرٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَجُلٌ قَالَ لِرَجُلٍ أَنَا قَتَلْت وَلِيَّك عَمْدًا فَصَدَّقَهُ وَقَتَلَهُ ثُمَّ جَاءَ آخَرُ وَقَالَ أَنَا الَّذِي قَتَلْته وَحْدِي وَصَدَّقَهُ فَعَلَيْهِ دِيَةُ الَّذِي قَتَلَهُ وَلَهُ عَلَى الْآخَرِ الدِّيَةُ قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الزِّيَادَاتِ ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلَيْنِ أَنَّهُمَا قَتَلَا وَلِيَّهُ عَمْدًا بِالسَّيْفِ وَقَضَى لَهُ عَلَيْهِمَا بِالْقِصَاصِ فَأَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِالْقَتْلِ وَأَقَامَ آخَرُ شَاهِدَيْنِ عَلَى الْآخَرِ أَنَّهُ قَتَلَهُ وَحْدَهُ عَمْدًا كَانَ لِلْمُدَّعِي أَنْ يَقْتُلَ الْمُقِرَّ مَكَانَ الْعَمْدِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْتُلَ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ وَبَطَلَتْ شَهَادَةُ الشَّاهِدَيْنِ، وَلَوْ كَانَ مَكَانَ قَتْلِ الْعَمْدِ قَتْلُ الْخَطَأِ وَبَاقِي الْمَسْأَلَةِ بِحَالِهَا لَا شَيْءَ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ مِنْ الدِّيَةِ وَعَلَى الْمُقِرِّ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَإِنْ أَقَرَّ بِالْكُلِّ وَفِيهَا أَيْضًا رَجُلٌ قَتَلَ مَقْطُوعَ الْيَدَيْنِ وَادَّعَى وَلِيُّهُ أَنَّ فُلَانًا قَطَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَمْدًا وَفُلَانٌ قَطَعَ يَدَهُ الْيُسْرَى عَمْدًا وَمَاتَ مِنْهُمَا فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: أَنَا قَطَعْت يَدَهُ الْيُسْرَى عَمْدًا وَلَا أَدْرِي مَنْ قَطَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى إلَّا أَنِّي أَعْلَمُ أَنَّ الْيُمْنَى قُطِعَتْ عَمْدًا وَمَاتَ مِنْ الْقَطْعِ وَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَطَعْت الْيَدَ الْيُسْرَى وَمَاتَ مِنْهَا خَاصَّةً لَا شَيْءَ عَلَى الْمُقِرِّ. وَلَوْ قَالَ الْوَلِيُّ: قَطَعَ فُلَانٌ يَدَهُ الْيُسْرَى عَمْدًا وَلَا أَدْرِي مَنْ قَطَعَ الْيُمْنَى إلَّا إنِّي أَعْلَمُ أَنَّ الْيُمْنَى قُطِعَتْ عَمْدًا فَمَاتَ مِنْهُمَا فَلَا قَوَدَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ شَيْءٌ مِنْ الدِّيَةِ وَفِيهَا أَيْضًا رَجُلٌ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ شَجَّ وَلِيَّهُ مُوضِحَةً عَمْدًا وَمَاتَ مِنْهَا وَجَحَدَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ذَلِكَ فَجَاءَ الْمُدَّعِي بِشَاهِدَيْنِ فَشَهِدَا بِالْمُوضِحَةِ وَبِالْمَوْتِ مِنْهَا كَمَا ادَّعَاهُ الْمُدَّعِي وَشَهِدَ الْآخَرُ بِالْمُوضِحَةِ وَالْبُرْءِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا عَلَى الْمُوضِحَةِ وَقَضَى بِالْقِصَاصِ فِي الْمُوضِحَةِ. فَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ قَالَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْجَوَابِ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدًا مَا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَنْبَغِي أَنْ لَا تُقْبَلَ هَذِهِ الشَّهَادَةُ وَلَا يُقْضَى بِشَيْءٍ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا بَلْ هَذَا قَوْلُ الْكُلِّ، وَلَوْ ادَّعَى الْمُوضِحَةَ وَالْبُرْءَ مِنْهَا وَشَهِدَ أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ بِالْمُوضِحَةِ وَالْبُرْءِ وَالْآخَرُ بِالسِّرَايَةِ لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ، وَلَوْ ادَّعَى الْوَلِيُّ أَنَّهُ مَاتَ مِنْهَا، وَجَاءَ بِشَاهِدَيْنِ شَهِدَ أَحَدُهُمَا كَمَا ادَّعَاهُ الْمُدَّعِي وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ بَرِيءٌ مِنْ ذَلِكَ قُبِلَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّجَّةِ وَقَضَى بِأَرْشِهَا فِي مَالِ الْجَانِي وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْمَيِّتُ عِنْدَ رَجُلٍ فَادَّعَى مَوْلَاهُ أَنَّ الشَّاجَّ شَجَّهُ مُوضِحَةً عَمْدًا وَمَاتَ مِنْهَا وَأَنَّ لَهُ عَلَيْهِ الْقَوَدَ وَجَاءَ بِشَاهِدَيْنِ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا كَمَا ادَّعَى الْمُدَّعِي وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ بَرِئَ مِنْهَا فَالْقَاضِي يَقْضِي بِأَرْشِ الشَّجَّةِ فِي مَالِ الْجَانِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابٌ فِي بَيَانِ اعْتِبَارِ حَالَةِ الْقَتْلِ] لَمَّا كَانَتْ الْأَحْوَالُ صِفَاتٌ لِذَوَاتِهَا ذَكَرَهَا بَعْدَ الْقَتْلِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (الْمُعْتَبَرُ حَالَةُ الرَّمْيِ) فِي حَقِّ الْحِلِّ وَالضَّمَانِ عِنْدَ ذَلِكَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَتَجِبُ الدِّيَةُ بِرِدَّةِ الْمَرْمِيِّ إلَيْهِ قَبْلَ الْوُصُولِ) يَعْنِي لَوْ رَمَى رَجُلٌ رَجُلًا مُسْلِمًا فَارْتَدَّ الْمَرْمِيُّ إلَيْهِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ قَبْلَ وُصُولِ السَّهْمِ إلَيْهِ ثُمَّ وَقَعَ بِهِ السَّهْمُ تَجِبُ عَلَى الرَّامِي الدِّيَةُ وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ وَقَالَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ التَّلَفَ حَصَلَ فِي مَحَلٍّ لَا عِصْمَةَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ بِارْتِدَادِهِ أَسْقَطَ تُقَوَّمَ نَفْسِهِ فَصَارَ مُبَرِّئًا لِلرَّامِي عَنْ مُوجَبِهِ كَمَا لَوْ أَبْرَأهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَلِلْإِمَامِ أَنَّ الضَّمَانَ يَجِبُ بِفِعْلِهِ وَهُوَ الرَّمْيُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَدْخُلُ تَحْتَ قُدْرَتِهِ دُونَ الْإِصَابَةِ وَلَا فِعْلَ لَهُ أَصْلًا بَعْدَهُ فَيَصِيرُ قَاتِلًا بِالرَّمْيِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ رَمَى إلَى صَيْدٍ وَهُوَ مُسْلِمٌ ثُمَّ ارْتَدَّ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَأَصَابَ السَّهْمُ الصَّيْدَ وَهُوَ مُرْتَدٌّ فَجَرَحَهُ وَمَاتَ بِالْجُرْحِ حَلَّ أَكْلُهُ وَكَذَلِكَ لَوْ كَفَرَ بَعْدَ الرَّمْيِ قَبْلَ الْإِصَابَةِ جَازَ تَكْفِيرُهُ وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يَجِبَ الْقِصَاصُ لِمَا ذَكَرْنَا لَكِنَّهُ سَقَطَ بِالشُّبْهَةِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَقَوْلُهُمَا إنَّهُ بِالِارْتِدَادِ صَارَ مُبَرِّئًا لَهُ عَنْ ضَمَانِ الْجِنَايَةِ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ اعْتِقَادَ الْمُرْتَدِّ أَنَّ الرِّدَّةَ لَا تُبْطِلُ التَّقَوُّمَ فَكَيْفَ يَصِيرُ مُبَرِّئًا عَنْ ضَمَانِ الْجِنَايَةِ غَيْرُ صَحِيحٍ كَذَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ والتمرتاشي وَالْمَحْبُوبِيِّ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا بِإِسْلَامِهِ) أَيْ لَا يَجِبُ شَيْءٌ بِإِسْلَامِ الْمَرْمِيِّ إلَيْهِ بِأَنْ رَمَى إلَى حَرْبِيٍّ أَوْ مُرْتَدٍّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 371 فَأَسْلَمَ قَبْلَ الْإِصَابَةِ ثُمَّ أَصَابَهُ بَعْدَمَا أَسْلَمَ وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ الرَّمْيَ لَمْ يَنْعَقِدْ مُوجِبًا لِلضَّمَانِ لِعَدَمِ تَقَوُّمِ الْمَحَلِّ لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ وَالْحَرْبِيَّ لَا عِصْمَةَ لِدَمِهِمَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْقِيمَةُ بِعِتْقِهِ) يَعْنِي لَوْ رَمَى إلَى عَبْدٍ فَأَعْتَقَهُ الْمَوْلَى بَعْدَ الرَّمْيِ قَبْلَ الْإِصَابَةِ فَأَصَابَهُ السَّهْمُ فَمَاتَ لَزِمَ الرَّامِيَ الْقِيمَةُ عِنْدَ الْإِمَامِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَهُ فَضْلُ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ مَرْمِيًّا وَغَيْرَ مَرْمِيٍّ لِأَنَّ الْعِتْقَ قَطَعَ السِّرَايَةَ وَإِذَا انْقَطَعَتْ بَقِيَ مُجَرَّدُ الرَّمْيِ وَهِيَ جِنَايَةٌ تُنْتَقَصُ بِهَا قِيمَةُ الْمَرْمِيِّ إلَيْهِ بِالْإِضَافَةِ إلَى مَا قَبْلَ الرَّمْيِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ حَتَّى لَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ قَبْلَ الرَّمْيِ وَثَمَانَمِائَةٍ بَعْدَهُ لَزِمَهُ مِائَتَانِ لِأَنَّ الْعِتْقَ قَاطِعٌ لِلسِّرَايَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ قَطَعَ يَدَ عَبْدٍ ثُمَّ أَعْتَقَهُ مَوْلَاهُ ثُمَّ مَاتَ مِنْهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا أَرْشُ الْيَدِ مَعَ النُّقْصَانِ الَّذِي نَقَصَهُ الْقَطْعُ إلَى الْعِتْقِ وَهُوَ بِنَفْسِ الرَّمْيِ فَصَارَ جَانِيًا عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يُوجِبُ النُّقْصَانَ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الرَّامِيَ يَصِيرُ قَاتِلًا لَهُ مِنْ وَقْتِ الرَّمْيِ وَهُوَ مَمْلُوكٌ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ بِخِلَافِ الْقَطْعِ وَالْجَرْحِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إتْلَافٌ لِبَعْضِ الْمَحَلِّ وَالْإِتْلَافُ يُوجِبُ الضَّمَانَ لِلْمَوْلَى لِأَنَّهُ وَرَدَ عَلَى مَحَلٍّ مَمْلُوكٍ لَهُ ثُمَّ إذَا سَرَى لَا يُوجِبُ شَيْئًا لِأَنَّهُ لَوْ أَوْجَبَ شَيْئًا لَوَجَبَ لِلْعَبْدِ لَا لِلْمَوْلَى لِانْقِطَاعِ حَقِّ الْمَوْلَى عَنْهُ وَظُهُورِ حَقِّهِ فِيهِ فَيَصِيرُ النِّهَايَةُ مُخَالَفَةً لِلْبَدِيَّةِ فَصَارَ ذَلِكَ كَتَبَدُّلِ الْمَحَلِّ وَعِنْدَ تَبَدُّلِ الْمَحَلِّ لَا تَتَبَدَّلُ السِّرَايَةُ فَكَذَا هُنَا أَمَّا الرَّمْيُ فَقَبْلَ الْإِصَابَةِ بِهِ لَيْسَ بِإِتْلَافِ شَيْءٍ مِنْهُ لِأَنَّهُ لَا أَثَرَ لَهُ فِي الْمَحَلِّ. وَإِنَّمَا قَلَّتْ فِيهِ الرَّغَبَاتُ فَلَا يَجِبُ فِيهِ الضَّمَانُ قَبْلَ الِاتِّصَالِ بِالْمَحَلِّ وَعِنْدَ الِاتِّصَالِ بِالْمَحَلِّ يَسْتَنِدُ الْوُجُوبُ إلَى وَقْتِ الِانْعِقَادِ فَلَا تُخَالِفُ النِّهَايَةُ الْبِدَايَةَ فَتَجِبُ قِيمَتُهُ لِلْمَوْلَى وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَيْهِ الدِّيَةُ لِأَنَّ الرَّمْيَ إنَّمَا صَارَ عِلَّةً عِنْدَ الْإِصَابَةِ إذْ الْإِتْلَافُ لَا يَصِيرُ عِلَّةً مِنْ غَيْرِ تَلَفٍ يَتَّصِلُ بِهِ، وَوَقْتُ التَّلَفِ الْمُتْلَفُ حُرٌّ فَتَجِبُ دِيَتُهُ وَأَبُو يُوسُفَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِيهِ وَالْفَرْقُ لَهُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ مَسْأَلَةِ الِارْتِدَادِ أَنَّهُ اعْتَرَضَ عَلَى الرَّمْيِ مَا يُوجِبُ عِصْمَةَ الْمَحَلِّ فِيمَا تَقَدَّمَ، فَحَصَلَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْإِبْرَاءِ أَمَّا هُنَا اعْتَرَضَ عَلَى الرَّمْيِ بِمَا يُؤَكِّدُ عِصْمَةَ الْمَحَلِّ وَهُوَ الْإِعْتَاقُ فَلَا تَبْطُلُ بِهِ الْجِنَايَةُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَضْمَنُ الرَّامِي بِرُجُوعِ شَاهِدِ الرَّجْمِ بَعْدَ الرَّمْيِ) مَعْنَاهُ إذَا قَضَى الْقَاضِي بِرَجْمِ رَجُلٍ فَرَمَاهُ رَجُلٌ ثُمَّ رَجَعَ أَحَدُ الشُّهُودِ بَعْدَ الرَّمْيِ قَبْلَ الْإِصَابَةِ وَوَقَعَ عَلَيْهِ الْحَجْرُ فَلَا شَيْءَ عَلَى الرَّامِي لِمَا أَنَّ الْمُعْتَبَرَ حَالَةُ الرَّمْيِ وَهُوَ مُبَاحُ الدَّمِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَحَلَّ الصَّيْدُ بِرِدَّةِ الرَّامِي لَا بِإِسْلَامِهِ) مَعْنَاهُ إذَا رَمَى مُسْلِمٌ صَيْدًا فَارْتَدَّ قَبْلَ وُقُوعِ السَّهْمِ بِالصَّيْدِ حَلَّ أَكْلُهُ وَلَوْ رَمَاهُ وَهُوَ مَجُوسِيٌّ فَأَسْلَمَ قَبْلَ الْوُقُوعِ لَا يَحِلُّ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ حَالَةُ الرَّمْيِ فِي حَقِّ الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ إذْ الرَّمْيُ هُوَ الذَّكَاةُ لِأَنَّهُ فِعْلُهُ وَيَدْخُلُ تَحْتَ قُدْرَتِهِ لَا الْإِصَابَةُ فَتُعْتَبَرُ الْأَهْلِيَّةُ وَعَدَمُهَا عِنْدَهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَوَجَبَ الْجَزَاءُ بِحِلِّهِ لَا بِإِحْرَامِهِ) أَيْ لَوْ رَمَى الْمُحْرِمُ صَيْدًا فَحَلَّ قَبْلَ الْإِصَابَةِ ثُمَّ أَصَابَ وَجَبَ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ. وَإِنْ رَمَاهُ وَهُوَ حَلَالٌ فَأَحْرَمَ قَبْلَ الْإِصَابَةِ فَوَقَعَ الصَّيْدُ وَهُوَ مُحْرِمٌ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ لِأَنَّ الْجَزَاءَ يَجِبُ بِالتَّعَدِّي، وَهُوَ الرَّمْيُ فِي حَالَةِ الْإِحْرَامِ وَوَجَدَ ذَلِكَ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي، وَالْأَصْل فِي مَسَائِلِ هَذَا الْكِتَابِ أَنْ يُعْتَبَرَ وَقْتُ الرَّمْيِ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنَّمَا عَدَلَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ عَنْ ذَلِكَ فِيمَا إذَا رَمَى إلَى مُسْلِمٍ فَارْتَدَّ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ قَبْلَ الْإِصَابَةِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ صَارَ مُبَرِّئًا لَهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي أَوَّلِ هَذَا الْفَصْلِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. [كِتَابُ الدِّيَاتِ] قَالَ فِي الْعِنَايَةِ ذِكْرُ الدِّيَاتِ بَعْدَ الْجِنَايَاتِ ظَاهِرُ الْمُنَاسَبَةِ لِمَا أَنَّ الدِّيَةَ أَحَدُ مُوجِبَيْ الْجِنَايَةِ فِي الْآدَمِيِّ صِيَانَةً لَهُ عَنْ الْقِصَاصِ لَكِنَّ الْقِصَاصَ أَشَدُّ جِنَايَةً فَلِذَا قَدَّمَهُ وَالْكَلَامُ فِيهَا مِنْ وُجُوهٍ الْأَوَّلُ فِي دَلِيلِ مَشْرُوعِيَّتِهَا وَالثَّانِي فِي مَعْنَاهَا لُغَةً وَالثَّالِثُ فِي مَعْنَاهَا عِنْدَ الْفُقَهَاءِ وَالرَّابِعُ فِي سَبَبِ وُجُوبِهَا وَالْخَامِسُ فِي فَائِدَتِهَا وَالسَّادِسُ فِي رُكْنِهَا وَالسَّابِعُ فِي شَرْطِهَا وَالثَّامِنُ فِي حُكْمِهَا أَمَّا دَلِيلُ الْمَشْرُوعِيَّةِ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92] الْآيَةُ. وَأَمَّا مَعْنَاهَا فِي اللُّغَةِ فَالدِّيَةُ مَصْدَرُ وَدَى الْقَاتِلُ الْمَقْتُولَ أَعْطَى دِيَتَهُ وَأَعْطَى لِوَلِيِّهِ الْمَالَ الَّذِي هُوَ بَدَلُ النَّفْسِ ثُمَّ قِيلَ لِذَلِكَ الْمَالِ الدِّيَةُ تَسْمِيَةً بِالْمَصْدَرِ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ الدِّيَةُ حَقٌّ لِلْقَتِيلِ جَمْعُهَا دِيَاتٌ وَفِي الصِّحَاحِ وَدَيْت الْقَتِيلَ أَدِيهِ دِيَةً إذَا أَعْطَيْت دِيَتَهُ وَأَمَّا مَعْنَاهَا شَرْعًا فَالدِّيَةُ عِبَارَةٌ عَمَّا يُؤْدَى وَقَدْ صَارَ هَذَا الِاسْمُ عَلَمًا عَلَى بَدَلِ النُّفُوسِ دُونَ غَيْرِهَا وَهُوَ الْأَرْشُ وَأَمَّا سَبَبُ وُجُوبِهَا فَالْخَطَأُ فَإِنَّ الْآدَمِيَّ لَمَّا خُلِقَ فِي الْأَصْلِ مَعْصُومَ النَّفْسِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 372 مَحْقُونَ الدَّمِ مَضْمُونًا عَنْ الْهَدَرِ فَيَجِبُ صَوْنُ حَقِّهِ عَنْ الْبُطْلَانِ. وَأَمَّا الْخَامِسُ وَهُوَ فَائِدَتُهَا فَهُوَ دَفْعُ الْفَسَادِ وَإِطْفَاءُ نَارِ وَلِيِّ الْمَقْتُولِ. وَأَمَّا رُكْنُهَا فَهُوَ الْأَدَاءُ وَالْإِيتَاءُ وَأَمَّا شَرْطُ وُجُوبِهَا فَكَوْنُ الْمَقْتُولِ مَعْصُومَ الدَّمِ مُتَقَوِّمًا بِعِصْمَةِ الدَّارِ وَمَنَعَةِ الْإِسْلَامِ حَتَّى لَوْ أَسْلَمَ الْحَرْبِيُّ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَمْ يُهَاجِرْ إلَيْنَا فَقُتِلَ لَا تَجِبُ الدِّيَةُ. وَأَمَّا حُكْمُهَا فَتَمْحِيضُ ذَنْبِ التَّقْصِيرِ بِالتَّكْفِيرِ وَفِي الْمَبْسُوطِ يَحْتَاجُ إلَى بَيَانِ كَيْفِيَّةِ وُجُوبِ الدِّيَةِ وَكَيْفِيَّةِ مِقْدَارِهَا أَمَّا كَيْفِيَّةُ وُجُوبِ الدِّيَةِ فَفِي نَفْسِ الْحُرِّ تَجِبُ دِيَةٌ كَامِلَةٌ يَسْتَوِي فِيهَا الصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ وَالْوَضِيعُ وَالشَّرِيفُ وَالْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - دِيَةُ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ أَرْبَعَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ وَفِي الْمَجُوسِ ثَمَانُمِائَةٍ وَالصَّحِيحُ قَوْلُنَا لِمَا رُوِيَ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِدِيَةِ الْمُسْتَأْمَنِينَ اللَّذَيْنِ قَتَلَهُمَا عُمَرُ وَابْنُ أَبِي أُمَيَّةَ كَدِيَةِ حُرَّيْنِ مُسْلِمَيْنِ» وَعَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ قَضَى أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فِي دِيَةِ الذِّمِّيِّ بِمِثْلِ دِيَةِ الْمُسْلِمِ وَلِأَنَّهُمَا يَسْتَوِيَانِ فِي الْعِصْمَةِ وَالْحُرِّيَّةِ وَلِهَذَا قَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنَّمَا بَذَلُوا الْجِزْيَةَ لِتَكُونَ دِمَاؤُهُمْ كَدِمَائِنَا وَأَمْوَالُهُمْ كَأَمْوَالِنَا وَنَقْصُ الْكُفْرِ يُؤَثِّرُ فِي أَحْكَامِ الْعَقَائِدِ فَيَسْتَوِيَانِ فِي الدِّيَةِ قَالَ فِي الْكَافِي الدِّيَةُ الْمَالُ الَّذِي هُوَ بَدَلُ النَّفْسِ وَالْأَرْشُ اسْمٌ لِلْوَاجِبِ عَلَى مَا دُونَ النَّفْسِ. اهـ. أَقُولُ: الظَّاهِرُ مِنْ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ كُلِّهَا أَنْ تَكُونَ الدِّيَةُ مُخْتَصَّةً بِمَا هُوَ بَدَلُ النَّفْسِ وَيُنَافِيهِ مَا سَيَجِيءُ فِي الْفَصْلِ الْآتِي مِنْ أَنَّ فِي الْمَارِنِ الدِّيَةَ وَفِي اللِّسَانِ الدِّيَةُ وَفِي الذَّكَرِ الدِّيَةُ وَفِي اللِّحْيَةِ الدِّيَةُ وَفِي شَعْرِ الرَّأْسِ الدِّيَةُ وَفِي الْحَاجِبَيْنِ الدِّيَةُ وَفِي الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةُ وَفِي الْيَدَيْنِ الدِّيَةُ وَفِي الرِّجْلَيْنِ الدِّيَةُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي أُطْلِقَتْ الدِّيَةُ فِيهَا عَلَى مَا هُوَ بَدَلُ مَا دُونَ النَّفْسِ وَكَذَا مَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ وَهُوَ مَا رَوَى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «فِي النَّفْسِ وَفِي اللِّسَانِ الدِّيَةُ وَفِي الْمَارِنِ» وَهَكَذَا هُوَ الْكِتَابُ الَّذِي كَتَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَمَا سَيَأْتِي فَالْأَظْهَرُ فِي تَفْسِيرِ الدِّيَةِ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ آخِرًا فَإِنَّهُ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ مِثْلَ ذَلِكَ فِي الْمُغْرِبِ وَعَامَّةِ الشُّرُوحِ قَالَ وَالدِّيَةُ اسْمٌ لِضَمَانٍ يَجِبُ بِمُقَابَلَةِ الْآدَمِيِّ أَوْ طَرَفٍ مِنْهُ سُمِّيَ بِهَا لِأَنَّهُ يُؤَدَّى عَادَةً لِأَنَّهُ قَلَّ مَا يَجْرِي فِيهِ الْعَفْوُ لِعِظَمِ حُرْمَةِ الْآدَمِيِّ. اهـ. وَلَمَّا كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْفِقْهِ بَيَانَ الْأَحْكَامِ لَا بَيَانَ الْحَقَائِقِ تَرَكَ الْمُؤَلِّفُ بَيَانَ الْحَقِيقَةِ وَشَرَعَ يُبَيِّنُ أَنْوَاعَهَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (دِيَةُ شِبْهِ الْعَمْدِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ أَرْبَاعًا مِنْ بِنْتِ مَخَاضٍ إلَى جَذَعَةٍ) يَعْنِي خَمْسٌ وَعِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ جَذَعَةً وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ ثَلَاثُونَ حِقَّةً وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً وَأَرْبَعُونَ ثَنِيَّةً فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَلَا إنَّ قَتِيلَ الْخَطَإِ الْعَمْدِ بِالسَّوْطِ وَالْعَصَا وَالْحَجَرِ وَفِيهِ دِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ أَرْبَعُونَ مِنْهَا ثَنِيَّةً إلَى بَازِلِ عَامِهَا كُلُّهُنَّ خَلِفَةٌ» وَلِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ التَّغْلِيظَ فِيهِ وَاجِبٌ لِشِبْهِهِ بِالْعَمْدِ وَمَعْنَى التَّغْلِيظِ يَتَحَقَّقُ بِإِيجَابِ شَيْءٍ لَا يَجِبُ فِي الْخَطَأِ وَلَهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَضَى فِي الدِّيَةِ بِمِائَةٍ مِنْ الْإِبِلِ أَرْبَاعًا» وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ الْخَطَأَ لِأَنَّهُ تَجِبُ فِيهِ أَخْمَاسًا فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ شِبْهُ الْعَمْدِ ولِأَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْأُمَّةِ أَنَّ الدِّيَةَ مُقَدَّرٌ بِمِائَةٍ مِنْ الْإِبِلِ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِي نَفْسِ الْمُؤْمِنِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ» وَاخْتَلَفُوا فِي صِفَةِ التَّغْلِيظِ فَذَهَبَ ابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَى أَنَّهَا أَرْبَاعٌ مِثْلُ مَذْهَبِنَا، وَمَذْهَبُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهَا أَثْلَاثٌ ثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ حِقَّةً وَثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً وَأَرْبَعَةٌ وَثَلَاثُونَ خَلِفَةً. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا تَتَغَلَّظُ الدِّيَةُ إلَّا فِي الْإِبِلِ) لِأَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِهِ وَعَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ وَالْمُقَدَّرَاتُ لَا تُعْرَفُ إلَّا سَمَاعًا إذْ لَا مَدْخَلَ لِلرَّأْيِ فِيهَا فَلَمْ تَتَغَلَّظْ بِغَيْرِهِ حَتَّى لَوْ قَضَى بِهِ الْقَاضِي لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ لِعَدَمِ التَّوْقِيفِ بِالتَّقْدِيرِ بِغَيْرِ الْإِبِلِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي الْخَطَأِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ أَخْمَاسًا) أَيْ دِيَةُ الْخَطَأِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ أَخْمَاسًا ابْنُ مَخَاضٍ إلَخْ أَيْ عِشْرُونَ ابْنَ مَخَاضٍ وَعِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ وَعِشْرُونَ حِقَّةً وَعِشْرُونَ جَذَعَةً، فَإِذَا كَانَتْ أَخْمَاسًا يَكُونُ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ مِنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ عِشْرِينَ لِمَا رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي دِيَةِ الْخَطَأِ عِشْرُونَ حِقَّةً وَعِشْرُونَ جَذَعَةً وَعِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ وَعِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمْ وَالشَّافِعِيُّ أَخَذَ بِمَذْهَبِنَا غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ يَجِبُ عِشْرُونَ ابْنَ لَبُونٍ مَكَانَ ابْنَ مَخَاضٍ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَا وَلِأَنَّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 373 مَا قُلْنَاهُ أَخَفُّ لِإِقَامَةِ ابْنِ الْمَخَاضِ مَقَامَ ابْنِ لَبُونٍ فَكَانَ ابْنُ لَبُونٌ أَلْيَقَ بِحَالِ الْمُخْطِئِ وَلِأَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ ابْنَ اللَّبُونِ بِمَنْزِلَةِ بِنْتِ الْمَخَاضِ فِي الزَّكَاةِ حَيْثُ أَخَذَهُ مَكَانَهَا فَإِيجَابُ الْعِشْرِينَ مِنْهُ مَعَ الْعِشْرِينَ مِنْ بِنْتِ الْمَخَاضِ كَإِيجَابِ أَرْبَعِينَ بِنْتَ مَخَاضٍ وَذَلِكَ لَا يَلِيقُ بَلْ لَا يَجُوزُ لِعَدَمِ التَّغَايُرِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يُرِدْ بِتَغْيِيرِ أَسْنَانِ الْإِبِلِ إلَّا التَّخْفِيفَ وَلَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ التَّخْفِيفُ فَلَا يَجُوزُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ أَلْفُ دِينَارٍ أَوْ عَشْرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ) وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى الدِّيَةُ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ لِمَا رَوَيَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ «رَجُلًا قُتِلَ فَجَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دِيَتَهُ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَلِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّهَا مِنْ الدَّنَانِيرِ أَلْفُ دِينَارٍ وَكَانَتْ قِيمَةُ الدِّينَارِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِالدِّيَةِ فِي قَتِيلٍ بِعَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ» وَمَا قُلْنَا أَوْلَى لِلتَّيَقُّنِ بِهِ لِأَنَّهُ أَقَلُّ أَوْ يُحْمَلُ عَلَى مَا رَوَيَاهُ عَلَى وَزْنِ خَمْسَةٍ وَمَا رَوَيْنَاهُ عَلَى وَزْنِ سِتَّةٍ وَهَكَذَا كَانَتْ دَرَاهِمُهُمْ مِنْ زَمَانِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى زَمَانِ عُمَرَ عَلَى مَا حَكَاهُ الْخَبَّازِيُّ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ فَإِنَّهُ قَالَ كَانَتْ الدَّرَاهِمُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَلَاثَةً الْوَاحِدُ مِنْهَا وَزْنُ عَشَرَةٍ أَيْ الْعَشَرَةُ مِنْهُ وَزْنُ عَشَرَةِ دَنَانِيرَ وَهُوَ قَدْرُ الدِّينَارِ وَالثَّانِي وَزْنُ سِتَّةٍ أَيْ الْعَشَرَةُ مِنْهُ وَزْنُ سِتَّةٍ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ فَجَمَعَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَيْنَ الثَّلَاثَةِ فَخَلَطَ فَجَعَلَهُ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ فَصَارَ ثُلُثُ الْمَجْمُوعِ دِرْهَمًا فَكَشَفَ هَذَا أَنَّ الدِّينَارَ عِشْرُونَ قِيرَاطًا فَوْقَ الْعَشَرَةِ يَكُونُ مِثْلَهُ عِشْرُونَ قِيرَاطًا ضَرُورَةَ اسْتِوَائِهِمَا وَوَزْنُ السِّتَّةِ يَكُونُ نِصْفَ الدِّينَارِ وَعَشَرَةً فَيَكُونُ اثْنَيْ عَشَرَ قِيرَاطًا وَزْنُ الْخَمْسَةِ يَكُونُ نِصْفَ الدِّينَارِ فَيَكُونُ عَشَرَةَ قَرَارِيطَ فَيَكُونُ الْمَجْمُوعُ اثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ قِيرَاطًا فَإِنْ جَعَلْتهَا أَثْلَاثًا صَارَ كُلُّ ثُلُثٍ أَرْبَعَةَ عَشَرَ قِيرَاطًا وَهُوَ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ دَرَاهِمُهُمْ. فَإِذَا حُمِلَ مَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَلَى وَزْنِ خَمْسَةٍ وَمَا رَوَيْنَاهُ عَلَى وَزْنِ سِتَّةٍ اسْتَوَيَا وَاَلَّذِي يُرَجِّحُ مَذْهَبَنَا مَا رُوِيَ أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْجَنِينِ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ وَهُوَ عُشْرُ دِيَةِ الْأُمِّ عِنْدَهُ سَوَاءٌ كَانَ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى وَعِنْدَنَا عُشْرُ دِيَةِ النَّفْسِ إنْ كَانَ أُنْثَى وَنِصْفُ الْعُشْرِ إنْ كَانَ ذَكَرًا فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ دِيَةَ الْأُمِّ خَمْسَةُ آلَافٍ وَدِيَةَ الرَّجُلِ ضِعْفُ ذَلِكَ وَهُوَ عَشَرَةُ آلَافٍ وَلِأَنَّا أَجْمَعْنَا أَنَّهَا مِنْ الذَّهَبِ أَلْفُ دِينَارٍ وَالدِّينَارُ مُقَوَّمٌ فِي الشَّرْعِ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ أَلَا تَرَى أَنَّ نِصَابَ الْفِضَّةِ فِي الزَّكَاةِ مُقَدَّرٌ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَنِصَابُ الذَّهَبِ فِيهَا بِعِشْرِينَ دِينَارًا فَيَكُونُ غَنِيًّا بِهَذَا الْقَدْرِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إذْ الزَّكَاةُ لَا تَجِبُ إلَّا عَلَى الْغَنِيِّ فَيُعْلَمُ بِذَلِكَ عِلْمًا ضَرُورِيًّا أَنَّ الدِّينَارَ مُقَدَّرٌ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ ثُمَّ الْخِيَارُ فِي هَذِهِ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ إلَى الْقَاتِلِ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ فَيَكُونُ الْخِيَارُ إلَيْهِ كَمَا فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَلَا تَثْبُتُ الدِّيَةُ إلَّا مِنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا يَجِبُ مِنْهَا وَمِنْ الْبَقَرِ مِائَتَا بَقَرَةٍ وَمِنْ الْغَنَمِ أَلْفُ شَاةٍ وَمِنْ الْحُلَلِ مِائَتَا حُلَّةٍ كُلُّ حُلَّةٍ ثَوْبَانِ لِمَا رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَضَ فِي الدِّيَةِ عَلَى أَهْلِ الْإِبِلِ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ وَعَلَى أَهْلِ الْبَقَرِ مِائَتَيْ بَقَرَةٍ وَعَلَى أَهْلِ هَذِهِ الشِّيَاهِ أَلْفَيْ شَاةٍ وَعَلَى أَهْلِ الْحُلَلِ مِائَتَيْ حُلَّةٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَكَانَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقْضِي بِذَلِكَ عَلَى أَهْلِ كُلِّ مَالٍ كَمَا ذَكَرْنَا وَكُلُّ حُلَّةٍ ثَوْبَانِ إزَارٌ وَرِدَاءٌ وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَفِي النِّهَايَةِ قِيلَ فِي زَمَانِنَا قَمِيصٌ وَسَرَاوِيلُ وَلَهُ أَنَّ التَّقْدِيرَ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ بِشَيْءٍ مَعْلُومِ الْمَالِيَّةِ وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ مَجْهُولَةُ الْمَالِيَّةِ وَلِهَذَا لَا يُقَدَّرُ بِهَا ضَمَانُ الْمُتْلَفَاتِ وَالتَّقْدِيرُ بِالْإِبِلِ عُرِفَ بِالْآثَارِ الْمَشْهُورَةِ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فِي غَيْرِهَا فَلَا يُعْدَلُ عَنْ الْقِيَاسِ وَالْآثَارِ الَّتِي وَرَدَتْ فِيهَا تَحْتَمِلُ الْقَضَاءَ فِيهَا بِطَرِيقِ الصُّلْحِ فَلَا يَلْزَمُ حُجَّةٌ وَذَكَرَ فِي الْمَعَاقِلِ أَنَّهُ لَوْ صَالَحَ عَلَى الزِّيَادَةِ عَلَى مِائَتَيْ حُلَّةٍ أَوْ مِائَتِي بَقَرَةٍ لَا يَجُوزُ وَتَأْوِيلُهُ أَنَّهُ قَوْلُهُمَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكَفَّارَتُهُمَا مَا ذُكِرَ فِي النَّصِّ) أَيْ كَفَّارَةُ الْقَتْلِ خَطَأً وَشِبْهِ الْعَمْدِ هُوَ الَّذِي ذُكِرَ فِي الْقُرْآنِ وَهُوَ الْإِعْتَاقُ وَالصَّوْمُ عَلَى التَّرْتِيبِ مُتَتَابِعًا كَمَا ذُكِرَ فِي النَّصِّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] وَشِبْهُ الْعَمْدِ خَطَأٌ فِي حَقِّ الْقَتْلِ وَإِنْ كَانَ عَمْدًا فِي حَقِّ الضَّرْبِ فَتَتَنَاوَلُهُمَا الْآيَةُ وَلَا يَخْتَلِفَانِ فِيهِ لِعَدَمِ النَّقْلِ بِالِاخْتِلَافِ بِخِلَافِ الدِّيَةِ حَيْثُ تَجِبُ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ مُغَلَّظَةً لِوُجُودِ التَّوْفِيقِ فِي التَّغْلِيظِ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ دُونَ الْخَطَأِ وَالْمَقَادِيرُ لَا تَجِبُ إلَّا سَمَاعًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَجُوزُ الْإِطْعَامُ وَالْجَنِينُ) لِأَنَّ الْإِطْعَامَ لَمْ يَرِدْ بِهِ النَّصُّ وَالْمَقَادِيرُ لَمْ تُعْرَفْ إلَّا سَمَاعًا وَلِأَنَّ الْمَذْكُورَ كُلُّ الْوَاجِبِ إمَّا فِي الْجَوَابِ أَوْ لِكَوْنِهِ كُلَّ الْمَذْكُورِ وَالْجَنِينُ لَمْ تُعْرَفْ حَيَاتُهُ وَلَا سَلَامَتُهُ فَلَا يَجُوزُ وَلِأَنَّهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 374 عُضْوٌ مِنْ وَجْهٍ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ مُطْلَقِ النَّصِّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَجُوزُ الرَّضِيعُ لَوْ أَحَدُ أَبَوَيْهِ مُسْلِمًا) لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ تَبَعٌ لَهُ. وَالظَّاهِرُ سَلَامَةُ أَطْرَافِهِ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْحِيلَةُ وَلَا يُقَالُ كَيْفَ اكْتَفَى هَذَا بِالظَّاهِرِ فِي سَلَامَةِ أَطْرَافِهِ حَتَّى جَازَ التَّكْفِيرُ وَلَمْ يَكْتَفِ بِالظَّاهِرِ فِي حَدِّ وُجُوبِ الضَّمَانِ بِإِتْلَافِ أَطْرَافِهِ لِأَنَّا نَقُولُ الْحَاجَةُ فِي التَّكْفِيرِ إلَى دَفْعِ الْوَاجِبِ وَالظَّاهِرُ يَصْلُحُ حُجَّةً لِلدَّافِعِ وَالْحَاجَةُ فِي الْإِتْلَافِ إلَى دَفْعِ الضَّمَانِ وَهُوَ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً فِيهِ وَلِأَنَّهُ يُظْهِرُ حَالَ الْأَطْرَافِ فِيمَا بَعْدَ التَّكْفِيرِ إذَا عَاشَ وَلَا كَذَلِكَ الْإِتْلَافُ فَافْتَرَقَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَدِيَةُ الْمَرْأَةِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ فِي النَّفْسِ وَفِيمَا دُونَهَا) رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الثُّلُثُ وَمَا دُونَ الثُّلُثِ لَا يَتَنَصَّفُ لِمَا رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ السُّنَّةُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ السُّنَّةُ إذَا أُطْلِقَتْ يُرَادُ بِهِ سُنَّةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَنَا مَا رَوَيْنَا وَمَا رَوَاهُ أَنَّ كِبَارَ الصَّحَابَةِ أَفْتَوْا بِخِلَافِهِ وَلَوْ كَانَ سُنَّةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَا خَالَفُوهُ. وَقَوْلُهُ سُنَّةٌ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ سُنَّةُ زَيْدٍ لِأَنَّهُ لَمْ يُرْوَ إلَّا عَنْهُ مَوْقُوفًا وَلِأَنَّ هَذَا يُؤَدِّي إلَى الْمُحَالِ وَهُوَ أَمَّا إذَا كَانَ أَلَمُهَا أَشَدَّ وَمُصَابُهَا أَكْبَرَ أَنْ يَقِلَّ أَرْشُهَا بَيَانُهُ أَنَّهُ لَوْ قُطِعَ إصْبَعٌ مِنْهَا يَجِبُ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ، وَإِذَا قُطِعَ إصْبَعَانِ يَجِبُ عِشْرُونَ، وَإِذَا قُطِعَ ثَلَاثَةٌ يَجِبُ ثَلَاثُونَ لِأَنَّهَا تُسَاوِي الرَّجُلَ فِيهِ عَلَى زَعْمِهِ لِكَوْنِهِ مَا دُونَ الثُّلُثِ وَلَوْ قُطِعَ أَرْبَعَةٌ يَجِبُ عِشْرُونَ لِلتَّنْصِيفِ فِيمَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْ الثُّلُثِ فَقَطْعُ الرَّابِعَةِ لَا يُوجِبُ شَيْئًا بَلْ يُسْقِطُ مَا وَجَبَ بِقَطْعِ الثَّالِثَةِ، وَحِكْمَةُ الشَّارِعِ تُنَافِي ذَلِكَ فَلَا تَجُوزُ نِسْبَتُهُ إلَيْهِ لِأَنَّ مِنْ الْمُحَالِ أَنْ تَكُونَ الْجِنَايَةُ لَا تُوجِبُ شَيْئًا شَرْعًا وَأَقْبَحُ مِنْهُ أَنْ تَسْقُطَ مَا وَجَبَ لِغَيْرِهَا وَهَذَا مِمَّا تُحِيلُهُ الْعُقَلَاءُ بِالْبَدِيهَةِ وَلِأَنَّ الشَّافِعِيَّ يَعْتَبِرُ الْأَطْرَافَ بِالْأَنْفُسِ وَتَرْكُهُ هُنَا حَيْثُ نَصَّفَ دِيَةَ النَّفْسِ وَلَمْ يُنَصِّفْ دِيَةَ الْأَطْرَافِ إلَّا إذَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَدِيَةُ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ سَوَاءٌ) لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى فِي مُسْتَأْمَنٍ قَتَلَهُ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ بِمِائَةٍ مِنْ الْإِبِلِ» وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَدِيَةُ كُلِّ ذِي عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ أَلْفُ دِينَارٍ» وَعَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - كَانَا يَجْعَلَانِ دِيَةَ الذِّمِّيِّ مِثْلَ دِيَةِ الْمُسْلِمِ وَقَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنَّمَا بَذَلُوا الْجِزْيَةَ لِتَكُونَ دِمَاؤُهُمْ كَدِمَائِنَا وَأَمْوَالُهُمْ كَأَمْوَالِنَا وَفِي ظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92] دَلَالَةٌ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ ظَاهِرُ مَا هُوَ الْمُرَادُ مَنْ قَوْله تَعَالَى فِي قَتْلِ الْمُؤْمِنِ {وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92] لِأَنَّهُمْ مَعْصُومُونَ مُتَقَوِّمُونَ لِإِحْرَازِهِمْ أَنْفُسَهُمْ بِالدَّارِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونُوا مُلْحَقِينَ بِالْمُسْلِمِينَ إذْ يَجِبُ بِقَتْلِهِمْ مَا يَجِبُ بِقَتْلِهِمْ أَنْ لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ. أَلَا تَرَى أَنَّ أَمْوَالَهُمْ لَمَّا كَانَتْ مَعْصُومَةً مُتَقَوِّمَةً يَجِبُ بِإِتْلَافِهَا مَا يَجِبُ بِإِتْلَافِ مَالِ الْمُسْلِمِ، فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي أَمْوَالِهِمْ فَمَا ظَنُّك فِي أَنْفُسِهِمْ وَلَا يُقَالُ إنَّ نَقْصَ الْكُفْرِ فَوْقَ نَقْصِ الْأُنُوثَةِ وَالرِّقِّ فَوَجَبَ أَنْ تُنْتَقَصَ دِيَتُهُ بِهِ كَمَا تُنْتَقَصُ بِالْأُنُوثَةِ وَالرِّقِّ وَلِأَنَّ الرِّقَّ أَثَرُ الْكُفْرِ، فَإِذَا انْتَقَصَ بِأَثَرِهِ فَأَوْلَى أَنْ يَنْتَقِصَ بِهِ لِأَنَّا نَقُولُ نُقْصَانُ دِيَةِ الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ لَا بِاعْتِبَارِ نُقْصَانِ الْأُنُوثَةِ وَالرِّقِّ بَلْ بِاعْتِبَارِ نُقْصَانِ صِفَةِ الْمَالِكِيَّةِ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَمْلِكُ النِّكَاحَ وَالْعَبْدُ لَا يَمْلِكُ الْمَالَ وَالْحُرُّ الذَّكَرُ يَمْلِكُهُمَا وَلِهَذَا زَادَتْ قِيمَتُهُ وَنَقَصَتْ قِيمَتُهُمَا وَالْكَافِرُ يُسَاوِي الْمُسْلِمَ فِي هَذَا الْمَعْنَى فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ بَدَلُهُ كَبَدَلِهِ وَالْمُسْتَأْمِنُ دِيَتُهُ مِثْلُ دِيَةِ الذِّمِّيِّ فِي الصَّحِيحِ لِمَا رَوَيْنَا. [فَصْلٌ فِي بَيَانِ مَا يُلْحَقُ بِدِيَةِ النَّفْسِ] (فَصْلٌ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ دِيَةِ النَّفْسِ شَرَعَ يَذْكُرُ مَا يُلْحَقُ بِهَا فِيهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فِي النَّفْسِ وَالْمَارِنِ) يَعْنِي تَجِبُ الدِّيَةُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِي الْأَنْفِ الدِّيَةُ وَفِي الْمَارِنِ الدِّيَةُ وَالْمَارِنُ مَا لَانَ مِنْ الْأَنْفِ وَفِي الذَّخِيرَةِ فِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ وَفِي الْأَصْلِ وَإِذَا قُطِعَ أَنْفَ رَجُلٍ وَذَهَبَ شَمُّهُ تَجِبُ دِيَةٌ كَامِلَةٌ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَبِهِ يُفْتَى وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ تَجِبُ حُكُومَةُ الْعَدْلِ وَفِي الْكَافِي وَلَوْ قُطِعَ الْمَارِنُ مَعَ الْقَصَبَةِ لَا يُزَادُ عَلَى دِيَةٍ وَاحِدَةٍ وَطَرِيقُ مَعْرِفَةِ ذَهَابِ الشَّمِّ أَنْ يُوضَعَ بَيْنَ يَدَيْهِ مَا لَهُ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ فَإِنْ نَفَرَ عَنْ ذَلِكَ عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَذْهَبْ شَمُّهُ وَفِي الْمُنْتَقَى إذَا جَنَى عَلَيْهِ فَصَارَ لَا يَسْتَنْثِرُ مِنْ أَنْفِهِ وَلَكِنْ يَسْتَنْثِرُ مِنْ فَمِهِ فَعَلَيْهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ. وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ إذَا قُطِعَ الْمَارِنُ ثُمَّ الْأَنْفُ، فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْبُرْءِ تَجِبُ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْبُرْءِ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي الْمَارِنِ وَحُكُومَةُ الْعَدْلِ فِي الْبَاقِي وَفِي جِنَايَاتِ الْحَسَنِ إذَا كَانَ أَنْفُ الْقَاطِعِ أَصْفَرَ كَانَ الْمَقْطُوعُ أَنْفَهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَطَعَ أَنْفَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ أَرْشَهُ، فَإِنْ كَانَ فِي أَنْفِ الْقَاطِعِ نُقْصَانٌ مِنْ شَيْءٍ أَصَابَهُ أَوْ كَانَ أَخْشَمَ لَا يَجِدُ الرِّيحَ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ وَفِي الْحَاوِي أَخْشَمُ يَعْنِي أَصْغَرَ أَوْ أَخْرَقَ فَالْمَقْطُوعُ أَنْفُهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَطَعَ أَنْفَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 375 الْقَاطِعِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ دِيَةَ الْأَنْفِ وَفِي الْكُبْرَى: لَوْ قَطَعَ الْأَنْفَ مِنْ أَصْلِ الْعَظْمِ اُقْتُصَّ مِنْهُ وَمَعْنَاهُ مَا يَلِيهِ الْمَارِنُ، فَإِنَّهُ قَالَ لَوْ ضَرَبَ أَنْفَهُ فَوْقَ الْعَظْمِ فَانْكَسَرَ الْعَظْمُ وَتُدَغْدَغ اللَّحْمُ حَتَّى ذَهَبَ بِالْأَنْفِ لَمْ يَكُنْ فِيهِ قِصَاصٌ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَوْ قَطَعَ الْمَارِنَ وَهِيَ أَرْنَبَتُهُ يُقْتَصُّ مِنْهُ، وَإِنْ قُطِعَ مِنْ أَصْلِهِ فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ عَظْمٌ وَلَيْسَ بِمِفْصَلٍ وَالْجَوَابُ أَمَّا السِّنُّ فَقَدْ قِيلَ إنَّهُ لَيْسَ بِعَظْمٍ، وَإِنَّمَا هُوَ عَصَبٌ يَنْعَقِدُ وَلَوْ كَانَ عَظْمًا لَنَبَتَ إذَا كُسِرَ بِخِلَافِ سَائِرِ الْعِظَامِ وَمُرَادُ مُحَمَّدٍ الْعِظَامُ الَّذِي لَا يُنْتَقَصُ عَلَى حَسَبِ الْمُرَادِ إلَّا أَنَّهُ سَامَحَ وَأَوْجَزَ فِي اللَّفْظِ وَفِي الْقُدُورِيِّ فِي الْأَنْفِ الْمَقْطُوعَةِ أَرْنَبَتُهُ حُكُومَةُ عَدْلٍ وَفِي الْأَصْلِ إذَا انْكَسَرَ أَنْفُ إنْسَانٍ فَفِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ، وَإِذَا قُطِعَ كُلُّ الْمَارِنِ عَمْدًا يَجِبُ الْقِصَاصُ، وَإِذَا قُطِعَ بَعْضُهُ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ، وَإِذَا قُطِعَ بَعْضُ عَصَبَةِ الْأَنْفِ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ بِالِاتِّفَاقِ. وَإِذَا قُطِعَ كُلُّ الْأَنْفِ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَجِبُ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ قَالَ الْقُدُورِيُّ أَرَادَ بِقَوْلِهِ إذَا قُطِعَ كُلُّ الْأَنْفِ يَجِبُ الْفَاضِلُ عَنْ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِي الْمَارِنِ أَمَّا عَصَبَةُ الْأَنْفِ عَظْمٌ وَلَا قِصَاصَ فِي الْعَظْمِ بِالْإِجْمَاعِ وَقَدَّمْنَا ذَلِكَ بِتَفَاصِيلِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي اللِّسَانِ وَالذَّكَرِ وَالْحَشَفَةِ) يَعْنِي الدِّيَةَ أَمَّا اللِّسَانُ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ وَفِي اللِّسَانِ الدِّيَةُ يُرِيدُ بِهِ حَالَةَ الْخَطَأِ، وَإِذَا قُطِعَ بَعْضُ اللِّسَانِ إنْ مَنَعَهُ عَنْ الْكَلَامِ فَفِيهِ كَمَالُ الدِّيَةِ، وَأَمَّا إذَا مَنَعَهُ عَنْ بَعْضِ الْكَلَامِ دُونَ الْبَعْضِ، فَإِنَّهُ تَجِبُ الدِّيَةُ بِقَدْرِ مَا فَاتَ إنْ كَانَ الْفَائِتُ نِصْفًا يَجِبُ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَإِنْ كَانَ رُبْعًا يَجِبُ رُبْعُ الدِّيَةِ وَكَيْفَ نَعْرِفُ مِقْدَارَ الْفَائِتِ مِنْ الْبَاقِي اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ الْمُتَأَخِّرُونَ قَالَ بَعْضُهُمْ يُعْرَفُ بِالتَّهَجِّي بِحُرُوفِ الْمُعْجَمِ الَّتِي عَلَيْهَا مَدَارُ كَلَامِ الْعَرَبِ وَهِيَ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ حَرْفًا، فَإِنْ أَمْكَنَهُ التَّكَلُّمُ بِنِصْفِ الْحُرُوفِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ وَعَجَزَ عَنْ النِّصْفِ عُلِمَ أَنَّ الْفَائِتَ نِصْفُ الْكَلَامِ فَتَجِبُ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَإِنْ أَمْكَنَهُ التَّكَلُّمُ بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعٍ مِنْهَا وَذَلِكَ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ كَانَ الْفَائِتُ هُوَ الرُّبْعَ فَيَجِبُ رُبْعُ الدِّيَةِ، وَإِنْ أَمْكَنَهُ التَّكَلُّمُ بِرُبْعِهَا وَهُوَ سَبْعَةٌ كَانَ الْفَائِتُ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِهِ فَيَلْزَمُهُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الدِّيَةِ وَالْأَصْلُ فِي هَذَا مَا رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا قُطِعَ طَرَفُ لِسَانِهِ فِي زَمَنِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَأَمَرَهُ أَنْ يَقْرَأَ: أَبَ تَ ثَ فَمَا قَرَأَ حَرْفًا أَسْقَطَ مِنْ الدِّيَةِ بِقَدْرِ ذَلِكَ وَمَا لَمْ يَقْرَأْهُ أَوْجَبَ الدِّيَةَ بِحِسَابِ ذَلِكَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يُهَجَّى بِجَمِيعِ حُرُوفِ الْمُعْجَمِ، وَإِنَّمَا يَتَهَجَّى بِالْحُرُوفِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِاللِّسَانِ اللَّازِمَةِ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ التَّهَجِّي بِالنِّصْفِ كَانَ الْفَائِتُ نِصْفًا فَيَلْزَمُهُ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَإِنْ أَمْكَنَهُ التَّكَلُّمِ بِالثُّلُثِ يَلْزَمُهُ ثُلُثَا الدِّيَةِ قَالُوا وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. اهـ. وَفِي التَّجْرِيدِ الْمُعْتَبَرُ الْحُرُوفُ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِاللِّسَانِ فَالْهَوَائِيَّةُ وَالْحَلْقِيَّةُ وَالشَّفَوِيَّةُ لَا تَدْخُلُ فِي الْقِسْمَةِ وَفِي السِّغْنَاقِيِّ الْحُرُوفُ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِاللِّسَانِ وَهِيَ الْأَلْفُ وَالتَّاءُ وَالثَّاءُ وَالْجِيمُ وَالدَّالُ وَالذَّالُ وَالرَّاءُ وَالزَّايُ وَالسِّينُ وَالشَّيْنُ وَالصَّادُ وَالضَّادُ وَالطَّاءُ وَالظَّاءُ وَاللَّامُ وَالنُّونُ وَالْيَاءُ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ إتْيَانٌ بِحَرْفٍ مِنْهَا يَلْزَمُهُ حِصَّتُهُ مِنْ الدِّيَةِ فَأَمَّا الْهَوَائِيَّةُ وَالْحَلْقِيَّةُ وَالشَّفَوِيَّةُ فَلَا تَدْخُلُ فِي الْقِسْمَةِ فَالشَّفَوِيَّةُ الْبَاءُ وَالْمِيمُ وَالْوَاوُ وَالْحَلْقِيَّةُ الْهَاءُ وَالْعَيْنُ وَالْغَيْنُ وَالْحَاءُ وَالْخَاءُ وَالْقَافُ هَذَا كُلُّهُ فِي لِسَانِ الْبَالِغِ وَالْكَلَامُ فِي لِسَانِ الصَّبِيِّ يَأْتِي بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَإِذَا قَطَعَ لِسَانَ غَيْرِهِ عَمْدًا ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ لَا قِصَاصَ بِقَطْعِ الْبَعْضِ أَوْ قَطْعِ الْكُلِّ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا قَطَعَ الْكُلَّ فَفِيهِ الْقِصَاصُ وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَإِذَا قُطِعَ اللِّسَانُ أَنْ لَا قِصَاصَ فِيهِ بِالْإِجْمَاعِ وَفِي الْعُيُونِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي اللِّسَانِ إذَا أُمْكِنَ الْقِصَاصُ يُقْتَصُّ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالْفَتْوَى عَلَى لَا قِصَاصَ فِي اللِّسَانِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ الْمُمَاثَلَةِ فِيهِ لِأَنَّهُ يَنْقَبِضُ وَيَنْبَسِطُ وَفِي الْوَاقِعَاتِ لَا قِصَاصَ فِي اللِّسَانِ، وَإِنْ قُطِعَ مِنْ وَسَطِ اللِّسَانِ أَوْ مِنْ طَرَفِهِ، فَإِنْ ادَّعَى ذَهَابَ الْكَلَامِ يَشْتَغِلُ عَنْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَهُ أَوْ لَا يَسْمَعَ وَفِي لِسَانِ الْأَخْرَسِ حُكُومَةُ عَدْلٍ وَأَطْلَقَ الْمُؤَلِّفُ فِي وُجُوبِ الدِّيَةِ فِي الذَّكَرِ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ شَابٍّ وَشَيْخٍ وَلَا بَيْنَ مَرِيضٍ وَصَحِيحٍ وَلَا بَيْنَ ذَكَرٍ خَصِيٍّ وَعِنِّينٍ وَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ ذَلِكَ وَلَوْ قَالَ وَيُقْطَعُ ذَكَرٌ يَفُوتُ بِهِ الْإِيلَاجُ لَكَانَ أَوْلَى وَفِي الْمُحِيطِ وَفِي ذَكَرِ الْخَصِيِّ وَالْعِنِّينِ حُكُومَةُ عَدْلٍ وَعَنْ الشَّافِعِيِّ كَمَالُ الدِّيَةِ قُلْنَا ذَكَرُ الْخَصِيِّ وَالْعِنِّينِ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْإِيلَاجُ بِنَفْسِهِ فَلَا تَجِبُ فِيهِ دِيَةٌ. وَفِي ذَكَرِ الْمَرِيضِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ لِأَنَّهُ بِزَوَالِ الْمَرَضِ يَعُودُ إلَى قُوَّتِهِ الْكَامِلَةِ وَفِي ذَكَرِ الشَّيْخِ الْكَبِيرِ إنْ كَانَ لَا يَتَحَرَّكُ وَلَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى الْوَطْءِ حُكُومَةُ عَدْلٍ، وَإِنْ كَانَ يَتَحَرَّكُ وَيَقْدِرُ عَلَى الْوَطْءِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ وَفِي قَطْعِ الْحَشَفَةِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ وَفِي قَطْعِ الذَّكَرِ الْمَقْطُوعِ الْحَشَفَةِ حُكُومَةُ عَدْلٍ وَفِي التَّجْرِيدِ وَفِي الْأُنْثَيَيْنِ كَامِلَةٌ كَمَالَ الدِّيَةِ وَفِيهِ أَيْضًا وَفِي قَطْعِ الْحَشَفَةِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ، فَإِنْ جَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ وَقَطَعَ بَاقِيَ الذَّكَرِ قَبْلَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 376 تَخَلُّلِ بُرْءٍ تَجِبُ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ كَامِلَةٌ وَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ قَطَعَ الذَّكَرَ بِدَفْعَةٍ وَاحِدَةٍ، وَإِنْ تَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا بُرْءٌ يَجِبُ كَمَالُ الدِّيَةِ فِي الْحَشَفَةِ وَحُكُومَةُ الْعَدْلِ فِي الْبَاقِي، وَإِذَا قُطِعَ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَيَيْنِ مِنْ الرَّجُلِ الصَّحِيحِ خَطَأً إنْ بَدَأَ بِقَطْعِ الذَّكَرِ فَفِيهِ دِيَتَانِ وَفِي التَّجْرِيدِ وَكَذَا إذَا قَطَعَهُمَا مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ مَعًا فَفِيهِ دِيَتَانِ وَفِي التُّحْفَةِ وَفِي الْأُنْثَيَيْنِ إذَا قَطَعَهُمَا مَعَ الذَّكَرِ جُمْلَةً مَرَّةً وَاحِدَةً فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ يَجِبُ عَلَيْهِ دِيَتَانِ دِيَةٌ بِإِزَاءِ الذَّكَرِ وَدِيَةٌ بِإِزَاءِ الْأُنْثَيَيْنِ، وَإِنْ قُطِعَ الذَّكَرُ أَوَّلًا ثُمَّ الْأُنْثَيَيْنِ يَجِبُ دِيَتَانِ أَيْضًا لِأَنَّ بِقَطْعِ الذَّكَرِ تَفُوتُ مَنْفَعَةُ الْأُنْثَيَيْنِ وَهِيَ إمْسَاكُ الْمَنِيِّ فَأَمَّا إذَا قَطَعَ الْأُنْثَيَيْنِ أَوَّلًا ثُمَّ الذَّكَرَ تَجِبُ الدِّيَةُ بِقَطْعِ الْأُنْثَيَيْنِ وَيَجِبُ بِقَطْعِ الذَّكَرِ حُكُومَةُ الْعَدْلِ وَفِي الْأُنْثَيَيْنِ إذَا قَطَعَهُمَا خَطَأً كَمَالُ الدِّيَةِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَفِي أَحَدِهِمَا نِصْفُ الدِّيَةِ وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ وَفِي الْمُنْتَقَى عَنْ مُحَمَّدٍ إذَا قَطَعَ إحْدَى أُنْثَيَيْهِ فَانْقَطَعَ مَاؤُهُ دِيَةٌ وَنِصْفٌ وَلَا يُعْلَمُ ذَهَابُ الْمَاءِ إلَّا بِإِقْرَارِ الْجَانِي. فَإِنْ قَطَعَ الْبَاقِيَ مِنْ إحْدَى الْأُنْثَيَيْنِ يَجِبُ نِصْفُ الدِّيَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْكِتَابِ أَنَّهُ إذَا قَطَعَ الْأُنْثَيَيْنِ عَمْدًا هَلْ يَجِبُ الْقِصَاصُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَجِبُ فِيهِمَا الْقِصَاصُ حَالَةَ الْعَمْدِ، وَإِنْ قَطَعَ الْحَشَفَةَ كُلَّهَا عَمْدًا فَفِيهَا الْقِصَاصُ، وَإِنْ قَطَعَ بَعْضَهَا فَلَا قِصَاصَ فِيهِ وَلَوْ قَطَعَ الذَّكَرَ كُلَّهُ ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ لَا قِصَاصَ لِأَنَّهُ يَنْقَبِضُ وَيَنْبَسِطُ فَلَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ فِيهِ وَصَارَ كَاللِّسَانِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجِبُ الْقِصَاصُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي الْعَقْلِ وَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالشَّمِّ وَالذَّوْقِ) يَعْنِي تَجِبُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دِيَةٌ كَامِلَةٌ أَمَّا الْعَقْلُ فَلِأَنَّ بِذَهَابِهِ تَذْهَبُ مَنَافِعُ الْأَعْضَاءِ كُلِّهَا لِأَنَّ أَفْعَالَ الْمَجْنُونِ تَجْرِي مَجْرَى أَفْعَالِ الْبَهَائِمِ. وَأَمَّا السَّمْعُ فَلِأَنَّهُ بِفَوَاتِهِ يَفُوتُ جِنْسُ الْمَنْفَعَةِ عَلَى الْكَمَالِ وَهُوَ مَنْفَعَةُ الِاسْتِمَاعِ، وَأَمَّا الشَّمُّ فَلِأَنَّ بِفَوَاتِهِ يَفُوتُ إدْرَاكُ الرَّوَائِحِ الطَّيِّبَةِ وَالتَّفْرِقَةُ بَيْنَ الرَّائِحَةِ الطَّيِّبَةِ وَالْخَبِيثَةِ، وَأَمَّا الذَّوْقُ فَلِأَنَّ بِفَوَاتِهِ يَفُوتُ إدْرَاكُ الْحَلَاوَةِ وَالْمَرَارَةِ وَالْحُمُوضَةِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَضَى لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ بِأَرْبَعِ دِيَاتٍ بِضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ وَقَعَتْ عَلَى رَأْسِهِ ذَهَبَ بِهَا عَقْلُهُ وَسَمْعُهُ وَبَصَرُهُ وَكَلَامُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يُعْرَفُ الذَّهَابُ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْجَانِي لِأَنَّهُ الْمُنْكِرُ وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ إلَّا إذَا صَدَّقَهُ أَوْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ وَقِيلَ ذَهَابُ الْبَصَرِ تَعْرِفُهُ الْأَطِبَّاءُ فَيَكُونُ فِيهِ قَوْلُ رَجُلَيْنِ عَدْلَيْنِ مِنْهُمْ حُجَّةٌ فِيهِ وَقِيلَ يَسْتَقْبِلُ بِهِ الشَّمْسَ مَفْتُوحَ الْعَيْنَيْنِ، فَإِذَا دَمَعَتْ عَيْنُهُ عَلِمَ أَنَّهَا بَاقِيَةٌ وَإِلَّا فَلَا وَقِيلَ يُلْقِي بَيْنَ يَدَيْهِ حَيَّةً، فَإِنْ هَرَبَ مِنْهَا عُلِمَ أَنَّهَا لَمْ تَذْهَبْ، وَإِنْ لَمْ يَهْرُبْ فَهِيَ ذَاهِبَةٌ وَطَرِيقُ مَعْرِفَةِ ذَهَابِ السَّمْعِ أَنْ يُغَافَلَ ثُمَّ يُنَادَى، فَإِنْ أَجَابَ عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَذْهَبْ وَإِلَّا فَهُوَ ذَاهِبٌ وَرَوَى إسْمَاعِيلُ بْنُ حَمَّادٍ أَنَّ امْرَأَةً ادَّعَتْ أَنَّهَا لَا تَسْمَعُ وَتَطَارَشَتْ فِي مَجْلِسِ حُكْمِهِ فَاشْتَغَلَ بِالْقَضَاءِ عَنْ النَّظَرِ إلَيْهَا ثُمَّ قَالَ لَهَا فَجْأَةً غَطِّي عَوْرَتَك فَاضْطَرَبَتْ وَتَسَارَعَتْ إلَى جَمْعِ ثِيَابِهَا فَظَهَرَ كَذِبُهَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَاللِّحْيَةُ إنْ لَمْ تَنْبُتْ وَشَعْرُ الرَّأْسِ وَالْعَيْنَيْنِ وَالْأُذُنَيْنِ وَالْحَاجِبَيْنِ وَثَدْيَيْ الْمَرْأَةِ الدِّيَةُ وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ نِصْفُ الدِّيَةِ وَفِي أَجْفَانِ الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةُ وَفِي أَحَدِهِمَا رُبْعُ الدِّيَةِ) يَعْنِي إذَا حَلَقَ اللِّحْيَةَ أَوْ شَعْرَ الرَّأْسِ وَلَمْ يَنْبُتْ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دِيَةٌ كَامِلَةٌ لِأَنَّهُ أَزَالَ جَمَالًا عَلَى الْكَمَالِ وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ لَا تَجِبُ فِيهَا الدِّيَةُ وَتَجِبُ فِيهَا حُكُومَةُ عَدْلٍ لِأَنَّ ذَلِكَ زِيَادَةٌ فِي الْآدَمِيِّ وَلِهَذَا يَنْمُو بَعْدَ كَمَالِ الْخِلْقَةِ وَلِهَذَا تُحْلَقُ الرَّأْسُ وَاللِّحْيَةُ وَبَعْضُهَا فِي بَعْضِ الْبِلَادِ فَلَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الدِّيَةُ كَشَعْرِ الصَّدْرِ وَالسَّاقِ إذْ لَا تَتَعَلَّقُ بِهِ مَنْفَعَةٌ وَلِهَذَا لَا تَجِبُ فِي شَعْرِ الْعَبِيدِ نُقْصَانُ الْقِيمَةِ وَلَنَا قَوْلُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الرَّأْسِ إذَا حُلِقَ وَلَمْ يَنْبُتْ الدِّيَةُ كَامِلَةً وَالْمَوْقُوفُ فِي هَذَا كَالْمَرْفُوعِ لِأَنَّهُ مِنْ الْمَقَادِيرِ فَلَا يُهْتَدَى إلَيْهِ بِالرَّأْيِ لِأَنَّ اللِّحْيَةَ فِي أَوَانِهَا جَمَالٌ فَيَلْزَمُهُ كَمَالُ الدِّيَةِ كَمَا لَوْ قَطَعَ الْأُذُنَيْنِ الشَّاخِصَيْنِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ جَمَالٌ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً تَسْبِيحُهُمْ سُبْحَانَ مَنْ زَيَّنَ الرِّجَالَ بِاللِّحَاءِ وَالنِّسَاءَ بِالْقُدُودِ وَالذَّوَائِبِ» بِخِلَافِ شَعْرِ الصَّدْرِ وَالسَّاقِ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْجَمَالُ، وَأَمَّا شَعْرُ الْعَبْدِ فَقَدْ رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ كَمَالُ الْقِيمَةِ فَلَا يَلْزَمُنَا وَالْجَوَابُ عَنْ الظَّاهِرِ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْعَبْدِ الِاسْتِخْدَامُ دُونَ الْجَمَالِ وَهُوَ لَا يَفُوتُ بِالْحَلْقِ بِخِلَافِ الْحُرِّ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ فِي حَقِّهِ الْجَمَالُ فَيَجِبُ بِفَوَاتِهِ كَمَالُ الدِّيَةِ وَفِي الشَّارِبِ حُكُومَةُ عَدْلٍ فِي الصَّحِيحِ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلْحَيَّةِ فَصَارَ طَرَفًا مِنْ أَطْرَافِ اللِّحْيَةِ وَاخْتَلَفُوا فِي لِحْيَةِ الْكَوْسَجِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنْ كَانَ فِي ذَقَنِهِ شَعَرَاتٌ مَعْدُودَةٌ فَلَيْسَ فِي حَلْقِهَا شَيْءٌ لِأَنَّ وُجُودَهَا يَشِينُهُ وَلَا يَزِينُهُ. وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ كَانَ عَلَى الْخَدِّ وَالذَّقَنِ جَمِيعًا وَلَكِنَّهُ غَيْرُ مُتَّصِلٍ فَفِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ لِأَنَّ فِيهِ بَعْضَ الْجَمَالِ، وَإِنْ كَانَ مُتَّصِلًا فَفِيهِ كَمَالُ الدِّيَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِكَوْسَجٍ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 377 وَفِي لِحْيَتِهِ كَمَالُ جَمَالٍ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا انْسَدَّ الْمَنْبَتُ، فَإِنْ نَبَتَ حَتَّى اسْتَوَى كَمَا كَانَ لَا يَجِبُ شَيْءٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لِفِعْلِ الْجَانِي أَثَرٌ فِي الْبَدَنِ وَلَكِنَّهُ يُؤَدَّبُ عَلَى ذَلِكَ لِارْتِكَابِهِ الْمُحَرَّمَ، وَإِنْ نَبَتَ أَبْيَضَ فَقَدْ ذَكَرَ فِي النَّوَادِرِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْحُرِّ لِأَنَّ الْجَمَالَ يَزْدَادُ بِبَيَاضِ الشَّعْرِ فِي اللِّحْيَةِ وَعِنْدَهُمَا تَجِبُ حُكُومَةُ عَدْلٍ لِأَنَّ الْبَيَاضَ يَشِينُهُ فِي غَيْرِ أَوَانِهِ فَتَجِبُ حُكُومَةُ عَدْلٍ بِاعْتِبَارِهِ وَفِي الْعَبْدِ تَجِبُ حُكُومَةُ عَدْلٍ عِنْدَهُمْ لِأَنَّهُ تُنْتَقَصُ بِهِ قِيمَتُهُ وَيَسْتَوِي الْعَمْدُ وَالْخَطَأُ فِي حَلْقِ الشَّعْرِ لِأَنَّ الْقِصَاصَ لَا يَجِبُ فِيهِ لِأَنَّهُ عُقُوبَةٌ فَلَا يَثْبُتُ فِيهَا قِيَاسًا، وَإِذَا ثَبَتَ نَصًّا أَوْ دَلَالَةً وَالنَّصُّ إنَّمَا وَرَدَ فِي النَّفْسِ وَالْجِرَاحَاتِ وَيُؤَجَّلُ فِيهِ سَنَةً، فَإِنْ لَمْ يَنْبُتْ فِيهَا وَجَبَتْ الدِّيَةُ وَيَسْتَوِي فِيهَا الصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ تَمَامِ السَّنَةِ وَلَمْ يَنْبُتْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ أَمَّا مَا يَكُونُ مُزْدَوَجًا فِي الْأَعْضَاءِ كَالْعَيْنَيْنِ وَالْيَدَيْنِ فَفِي قَطْعِهِمَا كَمَالُ الدِّيَةِ وَفِي قَطْعِ أَحَدِهِمَا نِصْفُ الدِّيَةِ وَأَصْلُ ذَلِكَ مَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «فِي الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةُ وَفِي أَحَدِهِمَا نِصْفُ الدِّيَةِ وَفِي الرِّجْلَيْنِ الدِّيَةُ وَفِي أَحَدِهِمَا نِصْفُ الدِّيَةِ» وَلِأَنَّ تَفْوِيتَ اثْنَيْنِ مِنْهَا تَفْوِيتُ الْمَنْفَعَةِ أَوْ تَفْوِيتُ الْجَمَالِ عَلَى الْكَمَالِ. وَفِي تَفْوِيتِ الرِّجْلَيْنِ تَفْوِيتُ مَنْفَعَةِ الْمَشْيِ وَفِي تَفْوِيتِ الْأُنْثَيَيْنِ تَفْوِيتُ مَنْفَعَةِ الْإِمْنَاءِ وَالنَّسْلِ وَفِي ثَدْيَيْ الْمَرْأَةِ تَفْوِيتُ مَنْفَعَةِ الْإِرْضَاعِ بِخِلَافِ ثَدْيَيْ الرَّجُلِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَفْوِيتُ الْمَنْفَعَةِ وَلَا الْجَمَالُ عَلَى الْكَمَالِ فَيَجِبُ فِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ وَفِي حَلَمَتَيْ الْمَرْأَةِ كَمَالُ الدِّيَةِ وَفِي أَحَدِهِمَا نِصْفُ الدِّيَةِ لِفَوَاتِ مَنْفَعَةِ الْإِرْضَاعِ وَإِمْسَاكِ الصَّبِيِّ لِأَنَّهَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا حَلَمَةٌ يَتَعَذَّرُ عَلَى الصَّبِيِّ الِالْتِقَامُ عِنْدَ الْإِرْضَاعِ وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ يَجِبُ فِي الْحَاجِبَيْنِ حُكُومَةُ عَدْلٍ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِمَا لِأَنَّهُمَا لَا يَرَيَانِ وُجُوبَ الدِّيَةِ فِي الشَّعْرِ وَعِنْدَنَا يَجِبُ فِيهِمَا الدِّيَةُ لِتَفْوِيتِ الْجَمَالِ عَلَى الْكَمَالِ، وَأَمَّا مَا يَكُونُ مِنْ الْأَعْضَاءِ أَرْبَعًا فَهُوَ أَشْفَارُ الْعَيْنَيْنِ فَفِيهَا الدِّيَةُ إذَا قَطَعَهَا وَلَمْ تَنْبُتْ وَفِي أَحَدِهِمَا رُبْعُ الدِّيَةِ لِأَنَّهَا يَتَعَلَّقُ بِهَا الْجَمَالُ عَلَى الْكَمَالِ وَيَتَعَلَّقُ بِهَا دَفْعُ الْأَذَى وَالْقَذَرِ عَنْ الْعَيْنِ وَتَفْوِيتُ ذَلِكَ يُنْقِصُ الْبَصَرَ وَيُورِثُ الْعَمَى، فَإِذَا وَجَبَ فِي الْكُلِّ الدِّيَةُ وَهِيَ أَرْبَعَةٌ وَجَبَ فِي الْوَاحِدِ مِنْهَا رُبْعُ الدِّيَةِ وَفِي الِاثْنَيْنِ نِصْفُ الدِّيَةِ وَفِي الثَّلَاثِ ثَلَاثُ أَرْبَاعِ الدِّيَةِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي أَشْفَارِ الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةُ كَامِلَةٌ إذَا لَمْ تَنْبُتْ فَأَرَادَ بِهِ الشَّعْرَ لِأَنَّ الشَّعْرَ هُوَ الَّذِي يَنْبُتُ دُونَ الْجُفُونِ وَأَيُّهُمَا أُرِيدَ كَانَ مُسْتَقِيمًا لِأَنَّ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّعْرِ دِيَةً كَامِلَةً فَلَا يَخْتَلُّ الْمَعْنَى وَلَوْ قَطَعَ الْجُفُونَ بِأَهْدَابِهَا تَجِبُ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ لِأَنَّ الْأَشْفَارَ مَعَ الْجُفُونِ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ كَالْمَارِنِ مَعَ الْقَصَبَةِ وَالْمُوضِحَةِ مَعَ الشَّعْرِ. وَأَمَّا مَا يَكُونُ مِنْ الْأَعْضَاءِ أَعْشَارًا كَالْأَصَابِعِ فَفِي قَطْعِ الْيَدَيْنِ أَوْ الرِّجْلَيْنِ كُلُّ الدِّيَةِ وَفِي قَطْعِ وَاحِدٍ مِنْهَا عُشْرُ الدِّيَةِ وَفِي قَطْعِ الْجُفُونِ الَّتِي لَا شَعْرَ فِيهَا حُكُومَةُ عَدْلٍ، وَإِذَا كَانَ الْجَانِي عَلَى الْأَهْدَابِ وَاحِدًا وَعَلَى الْجُفُونِ وَاحِدًا آخَرَ كَانَ عَلَى الَّذِي جَنَى عَلَى الْأَهْدَابِ تَمَامُ الدِّيَةِ وَعَلَى الَّذِي جَنَى عَلَى الْجُفُونِ حُكُومَةُ عَدْلٍ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَوْ حَلَقَ نِصْفَ اللِّحْيَةِ فَلَمْ تَنْبُتْ وَحَلَقَ رُبْعَ الرَّأْسِ أَوْ نِصْفَ الرَّأْسِ تَجِبُ نِصْفُ الدِّيَةِ لِأَنَّهُ مَا زَالَ الْجَمَالُ عَلَى الْكَمَالِ لِأَنَّ الشَّيْنَ إنَّمَا يَكْمُلُ بِفَوَاتِ الْكُلِّ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَجِبُ كَمَالُ الدِّيَةِ لِأَنَّ نِصْفَ الْحَلْقِ لَا يَبْقَى زِينَةً فَتَفُوتُ الزِّينَةُ بِالْكُلِّيَّةِ بِفَوَاتِ نِصْفِ اللِّحْيَةِ فَفِيهِ كَمَالُ الدِّيَةِ كَمَا لَوْ قَطَعَ الشَّارِبَ وَفِي لِحْيَةِ الْعَبْدِ حُكُومَةُ عَدْلٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْعَبْدِ الْخِدْمَةُ كَالْجَمَالِ لِأَنَّ لِحْيَةَ الْعَبْدِ جَمَالٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ آدَمِيٌّ نُقْصَانٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَالٌ لِأَنَّهُ مِمَّا يُوجِبُ نُقْصَانًا فِي الْمَالِيَّةِ، فَإِنَّهُ لَا يُسَاوِي غَيْرَ الْمُلْتَحِي فِي الْجَمَالِ فَلَمْ يُوجَدْ إزَالَةُ الْجَمَالِ عَلَى الْكَمَالِ وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ تَجِبُ كَمَالُ الدِّيَةِ لَا الْقِيمَةُ لِأَنَّ الْجَمَالَ فِي حَقِّهِ مَقْصُودٌ أَيْضًا، وَإِنْ نَبَتَ مَكَانَهَا أُخْرَى مِثْلَ الْأُولَى فَلَا شَيْءَ فِيهَا كَمَا فِي السِّنِّ، فَإِنْ كَانَتْ الْأُولَى سَوْدَاءَ فَنَبَتَتْ مَكَانَهَا بَيْضَاءُ ذَكَرَ فِي النَّوَادِرِ أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْحُرِّ لَا يَجِبُ شَيْءٌ وَفِي الْعَبْدِ حُكُومَةُ عَدْلٍ لِأَنَّ الْبَيَاضَ فِي الشَّعْرِ مِمَّا يُنْقِصُ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ لِأَنَّ الْبَيَاضَ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ عَيْبٌ وَشَيْنٌ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي كُلِّ إصْبَعٍ مِنْ أَصَابِعِ الْيَدِ أَوْ الرِّجْلِ عُشْرُ الدِّيَةِ وَمَا فِيهَا ثَلَاثُ مَفَاصِلَ فَفِي أَحَدِهَا ثُلُثُ الدِّيَةِ وَنِصْفُهَا لَوْ فِيهَا مِفْصَلَانِ) يَعْنِي مَا يَكُون مِنْ الْأَعْضَاءِ أَعْشَارًا كَالْأَصَابِعِ فَفِي كُلِّ إصْبَعٍ عُشْرُ الدِّيَةِ وَلَوْ قَطَعَ أَصَابِعَ الْيَدَيْنِ أَوْ الرِّجْلَيْنِ فَعَلَيْهِ كُلُّ الدِّيَةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَفِي كُلِّ إصْبَعٍ عَشَرَةٌ مِنْ الْإِبِلِ» وَفِي قَطْعِ الْكُلِّ تَفْوِيتُ مَنْفَعَةِ الْمَشْيِ أَوْ الْبَطْشِ وَفِيهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ وَهِيَ عَشَرَةٌ فَتُقْسَمُ الدِّيَةُ عَلَيْهَا وَالْأَصَابِعُ كُلُّهَا سَوَاءٌ لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا وَلِأَنَّ الْكُلَّ سَوَاءٌ فِي أَصْلِ الْمَنْفَعَةِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 378 فَلَا تُعْتَبَرُ الزِّيَادَةُ أَمَّا مَا فِيهَا ثَلَاثُ مَفَاصِلَ فَفِي أَحَدِهَا ثُلُثُ دِيَةِ الْإِصْبَعِ لِأَنَّهَا ثُلُثُهَا وَمَا فِيهَا مِفْصَلَانِ كَالْإِبْهَامِ فَفِي أَحَدِهِمَا نِصْفُ دِيَةِ الْإِصْبَعِ لِأَنَّهُ نِصْفُهَا وَهُوَ نَظِيرُ انْقِسَامِ دِيَةِ الْيَدِ عَلَى الْأَصَابِعِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فِي الْمُخْتَصَرِ وَمَا فِيهَا ثَلَاثُ مَفَاصِلَ فَفِي أَحَدِهَا ثُلُثُ دِيَةِ الْإِصْبَعِ وَنِصْفُهَا لَوْ فِيهَا مِفْصَلَانِ، وَإِذَا قَطَعَ الرَّجُلُ أُذُنَ الرَّجُلِ خَطَأً فَأَثْبَتَهَا الْمَقْطُوعَةُ أُذُنُهُ فِي مَكَانِهَا فَثَبَتَتْ فَعَلَى الْقَاطِعِ أَرْشُ الْأُذُنِ كَامِلًا قَالَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ الطَّوَاوِيسِيُّ هَذَا الْجَوَابُ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ الْأُذُنَ لَا يُتَصَوَّرُ إثْبَاتُهَا بِالِاحْتِيَالِ، وَإِنَّمَا تَثْبُتُ بِاتِّصَالِ الْعُرُوقِ، فَإِذَا ثَبَتَتْ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ اتَّصَلَ الْعُرُوقُ وَزَالَتْ الْجِنَايَةُ فَيَزُولُ مُوجِبُهَا وَفِي الْكُبْرَى، وَإِنْ جَذَبَ أُذُنَهُ فَانْتَزَعَ شَحْمَتَهُ فَعَلَيْهِ الْأَرْشُ فِي مَالِهِ دُونَ الْقِصَاصِ لِتَعَذُّرِ مُرَاعَاةِ التَّسَاوِي فِي الْقِصَاصِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَنْ قَطَعَ أُذُنَ عَبْدٍ أَوْ أَنْفَهُ فَعَلَيْهِ مَا نَقَصَهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي كُلِّ سِنٍّ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ أَوْ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ) يَعْنِي فِي كُلِّ سِنٍّ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ وَهُوَ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ أَوْ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَفِي كُلِّ سِنٍّ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ» وَالْأَسْنَانُ وَالْأَضْرَاسُ سَوَاءٌ وَهِيَ كُلُّهَا سَوَاءٌ لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا وَلِمَا رُوِيَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ وَالْأَسْنَانُ كُلُّهَا لِأَنَّ الْكُلَّ فِي أَصْلِ الْمَنْفَعَةِ سَوَاءٌ فَلَا يُعْتَبَرُ التَّفَاوُتُ فِيهِ كَالْأَيْدِي وَالْأَصَابِعِ وَلَئِنْ كَانَ فِي بَعْضِهَا زِيَادَةُ مَنْفَعَةٍ فَفِي الْآخَرِ زِيَادَةُ الْجَمَالِ فَاسْتَوَيَا فَزَادَتْ دِيَةُ هَذَا الطَّرَفِ عَلَى دِيَةِ النَّفْسِ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِ الدِّيَةِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَهُ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ سِنًّا عِشْرُونَ ضِرْسًا وَأَرْبَعَةُ أَنْيَابٍ وَأَرْبَعُ ثَنَايَا وَأَرْبَعُ ضَوَاحِكَ، فَإِذَا وَجَبَ فِي الْوَاحِدَةِ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ يَجِبُ فِي الْكُلِّ دِيَةٌ وَثَلَاثَةُ أَخْمَاسِ الدِّيَةِ وَذَلِكَ سِتَّةَ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ هَذَا إذَا كَانَ خَطَأً، وَأَمَّا إنْ كَانَ عَمْدًا فَفِيهِ الْقِصَاصُ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ. قَوْلُهُمْ: وَالْأَسْنَانُ وَالْأَضْرَاسُ سَوَاءٌ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ قَالُوا فِيهِ نَظَرٌ وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ وَالْأَسْنَانُ كُلُّهَا سَوَاءٌ وَيُقَالُ وَالْأَنْيَابُ وَالْأَضْرَاسُ كُلُّهَا سَوَاءٌ لِأَنَّ السِّنَّ اسْمُ جِنْسٍ يَدْخُلُ تَحْتَهُ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ أَرْبَعٌ مِنْهَا ثَنَايَا وَهِيَ الْأَسْنَانُ الْمُتَقَدِّمَةُ اثْنَانِ فَوْقُ وَاثْنَانِ أَسْفَلُ وَمِثْلُهَا رُبَاعِيَّاتٌ وَهِيَ مَا يَلِي الثَّنَايَا وَمِثْلُهَا أَنْيَابٌ تَلِي الرَّبَاعِيَاتِ وَمِثْلُهَا ضَوَاحِكُ تَلِي الْأَنْيَابَ وَاثْنَيْ عَشَرَ سِنًّا تُسَمَّى بِالطَّوَاحِينِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ ثَلَاثٌ فَوْقُ وَثَلَاثٌ أَسْفَلُ وَبَعْدَهَا سِنٌّ وَهُوَ آخِرُ الْأَسْنَانِ يُسَمَّى ضِرْسَ الْحُلُمِ لِأَنَّهُ يَنْبُتُ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَقْتَ كَمَالِ الْعَقْلِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ الْأَسْنَانُ وَالْأَضْرَاسُ سَوَاءٌ لِعَوْدِهِ إلَى مَعْنَى أَنْ يُقَالَ الْأَسْنَانُ وَبَعْضُهَا سَوَاءٌ. اهـ. أَقُولُ: فِي هَذَا النَّظَرِ مُبَالَغَةٌ مَرْدُودَةٌ حَيْثُ قِيلَ فِي أَوَّلِهِ وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ مَا فِي الْكِتَابِ خَطَأٌ وَقَالَ فِي آخِرِهِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ الْأَسْنَانُ وَالْأَضْرَاسُ سَوَاءٌ وَفِيهِ تَصْرِيحٌ بِعَدَمِ صِحَّةِ مَا فِي الْكِتَابِ مَعَ أَنَّ تَصْحِيحَهُ عَلَى طَرِيقِ التَّمَامِ، فَإِنَّ عَطْفَ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ طَرِيقَةٌ مَعْرُوفَةٌ قَدْ ذُكِرَتْ مُرَتَّبَةً فِي عِلْمِ الْبَلَاغَةِ وَلَهُ أَمْثِلَةٌ كَثِيرَةٌ فِي التَّنْزِيلِ قَوْله تَعَالَى {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: 238] وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} [البقرة: 98] فَجَازَ أَنْ يَكُونَ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ قَبِيلِ ذَلِكَ وَيَعُودُ حَاصِلُ مَعْنَاهُ إلَى أَنَّهُ يُقَالُ الْأَضْرَاسُ وَمَا عَدَاهَا مِنْ الْأَسْنَانِ سَوَاءٌ، فَإِنَّهُ إذَا عُطِفَ الْخَاصُّ عَلَى الْعَامِّ يُرَادُ بِالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ مَا عَدَا الْمَعْطُوفَ مِنْ أَفْرَادِ الْعَامِّ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فَلَا يَلْزَمُ الْمَحْذُوفُ ثُمَّ إنَّ قَوْلَهُ أَوْ يُقَالُ وَالْأَنْيَابُ وَالْأَضْرَاسُ كُلُّهَا سَوَاءٌ مِثْلُ مَا ذُكِرَ فِي الْإِيرَادِ عَلَى مَا فِي الْكِتَابِ فَلَا مَعْنَى لَأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ صَوَابًا دُونَ مَا فِي الْكِتَابِ نَعَمْ الْأَظْهَرُ فِي إفَادَةِ الْمُرَادِ هَاهُنَا أَنْ يُقَالَ وَالْأَسْنَانُ كُلُّهَا سَوَاءٌ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ لَفْظُ الْحَدِيثِ أَوْ أَنْ يُقَالَ فِي الْأَضْرَاسِ وَالثَّنَايَا كُلُّهَا سَوَاءٌ بِالْجَمْعِ بَيْنَ النَّوْعَيْنِ كَمَا ذُكِرَ فِي الْمَبْسُوطِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكُلُّ عُضْوٍ ذَهَبَ مَنْفَعَتُهُ فَفِيهِ دِيَةٌ كَيَدٍ شُلَّتْ وَعَيْنٍ ذَهَبَ ضَوْءُهَا) أَيْ إذَا ضَرَبَ عُضْوًا فَذَهَبَ نَفْعُهُ بِضَرْبِهِ فَفِيهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ كَمَا إذَا ضَرَبَ يَدَهُ فَشُلَّتْ بِهِ أَوْ عَيْنُهُ فَذَهَبَ ضَوْءُهَا لِأَنَّ وُجُوبَ الدِّيَةِ يَتَعَلَّقُ بِتَفْوِيتِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ، فَإِذَا زَالَتْ مَنْفَعَتُهُ كُلُّهَا وَجَبَ عَلَيْهِ أَرْشُ مُوجِبِهِ كُلِّهِ وَلَا عِبْرَةَ لِلصُّورَةِ بِدُونِ الْمَنْفَعَةِ لِكَوْنِهَا تَابِعَةً فَلَا يَكُونُ لَهَا حِصَّةٌ مِنْ الْأَرْشِ إلَّا إذَا تَجَرَّدَتْ عِنْدَ الْإِتْلَافِ بِأَنْ أَتْلَفَ عُضْوًا ذَهَبَ مَنْفَعَتُهُ فَحِينَئِذٍ يَجِبُ فِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ جَمَالٌ كَالْيَدِ الشَّلَّاءِ أَوْ أَرْشُهُ كَامِلًا إنْ كَانَ فِيهِ جَمَالٌ كَالْأُذُنِ الشَّاخِصَةِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ اعْتِبَارِ الصُّورَةِ وَالْجَمَالِ عِنْدَ انْفِرَادِهِ عَنْ الْمَنْفَعَةِ اعْتِبَارُهُمَا مَعًا بَلْ يَكُونُ تَبَعًا لَهَا فَيَكُونُ الْمَنْظَرُ إلَيْهِ هِيَ الْمَنْفَعَةَ فَقَطْ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَكُونُ تَبَعًا لِغَيْرِهِ عِنْدَ الْإِتْلَافِ فَلَا يَكُونُ لَهُ أَرْشٌ ثُمَّ إذَا انْفَرَدَ عِنْدَ الْإِتْلَافِ يَكُونُ لَهُ أَرْشٌ أَلَا تَرَى أَنَّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 379 الْأَعْضَاءَ كُلَّهَا تَبَعٌ لِلنَّفْسِ فَلَا يَكُونُ لَهَا أَرْشٌ إذَا تَلِفَتْ مَعَهَا، وَإِذَا انْفَرَدَتْ بِالْإِتْلَافِ كَانَ لَهَا أَرْشٌ وَمَنْ ضَرَبَ صُلْبَ رَجُلٍ فَانْقَطَعَ مَاؤُهُ تَجِبُ الدِّيَةُ لِأَنَّ فِيهِ تَفْوِيتَ مَنْفَعَةِ الْجَمَالِ عَلَى الْكَمَالِ لِأَنَّ جَمَالَ الْآدَمِيِّ فِي كَوْنِهِ مُنْتَصِبَ الْقَامَةِ وَقِيلَ هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين: 4] وَلَوْ زَالَتْ الْحُدُوبَةُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِزَوَالِهَا لَا عَنْ أَثَرٍ وَلَوْ بَقِيَ أَثَرُ الضَّرْبَةِ فَفِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ لِبَقَاءِ الشَّيْنِ بِبَقَاءِ أَثَرِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَصْلٌ فِي الشِّجَاجِ] (فَصْلٌ فِي الشِّجَاجِ) الشِّجَاجُ عَشَرَةٌ الْخَارِصَةُ وَهِيَ الَّتِي تَخْرُصُ الْجِلْدَ أَيْ تَخْدِشُهُ وَلَا تُخْرِجُ الدَّمَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ خَرَصَ الْقَصَّارُ الثَّوْبَ إذَا شَقَّهُ فِي الدَّقِّ وَالدَّامِعَةُ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الدَّمْعِ سُمِّيَتْ بِهَا لِأَنَّ الدَّمَ يَخْرُجُ مِنْهَا بِقَدْرِ الدَّمْعِ مِنْ الْقِلَّةِ وَقِيلَ لِأَنَّ عَيْنَيْهِ تَدْمَعُ بِسَبَبِ أَلَمٍ يَحْصُلُ لَهُ مِنْهَا وَفِي الْمُحِيطِ الدَّامِعَةُ هِيَ الَّتِي يَخْرُجُ مِنْهَا مَا يُشْبِهُ الدَّمْعَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ دَمْعِ الْعَيْنِ وَالدَّامِيَةُ وَهِيَ الَّتِي يَسِيلُ مِنْهَا الدَّمُ وَذَكَرَ الْمَرْغِينَانِيُّ أَنَّ الدَّامِيَةَ هِيَ الَّتِي تُدْمِي مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسِيلَ مِنْهَا دَمٌ هُوَ الصَّحِيحُ يُرْوَى عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ وَالدَّامِعَةُ وَهِيَ الَّتِي يَسِيلُ مِنْهَا الدَّمُ كَدَمْعِ الْعَيْنِ وَمَنْ قَالَ: إنَّ صَاحِبَهَا تَدْمَعُ عَيْنَاهُ مِنْ الْأَلَمِ فَقَدْ أَبْعَدَ وَالْبَاضِعَةُ وَهِيَ الَّتِي تُبْضِعُ الْجِلْدَ أَيْ تَقْطَعُهُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْبَضْعِ وَهُوَ الشَّقُّ وَالْقَطْعُ وَمِنْهُ مُبَضِّعُ الْفِصَادِ أَقُولُ: فِي تَفْسِيرِ الْبَاضِعَةِ بِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فُتُورٌ، وَإِنْ تَابَعَهُ صَاحِبُ الْكَافِي وَكَثِيرٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ فِيهِ لِأَنَّ قَطْعَ الْجِلْدِ مُتَحَقِّقٌ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى مِنْهَا لَا سِيَّمَا فِي الدَّامِعَةِ وَالدَّامِيَةِ إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ شَيْئًا مِنْ إظْهَارِ الدَّمِ وَأَصَالَتِهِ لَا يُتَصَوَّرُ بِدُونِ قَطْعِ الْجِلْدِ وَقَدْ صَرَّحَ الشُّرَّاحُ بِتَحَقُّقِ قَطْعِ الْجِلْدِ فِي كُلِّ الْأَنْوَاعِ الْعَشَرَةِ لِلشَّجَّةِ فَكَانَ التَّفْسِيرُ الْمَذْكُورُ شَامِلًا لِلْكُلِّ غَيْرَ مُخْتَصٍّ بِالْبَاضِعَةِ فَالظَّاهِرُ فِي تَفْسِيرِ الْبَاضِعَةِ هُوَ مَا ذُكِرَ فِي الْمُحِيطِ وَالْبَدَائِعِ حَيْثُ قَالَ فِي الْمُحِيطِ ثُمَّ الْبَاضِعَةُ وَهِيَ تُبْضِعُ اللَّحْمَ أَيْ تَقْطَعُهُ وَقَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَالْبَاضِعَةُ هِيَ الَّتِي تُبْضِعُ اللَّحْمَ أَيْ تَقْطَعُهُ. اهـ. وَيُعَضِّدُ ذَلِكَ مَا وَقَعَ فِي مُعْتَبَرَاتِ كُتُبِ اللُّغَةِ قَالَ فِي الْمُغْرِبِ وَفِي الشِّجَاجِ الْبَاضِعَةُ وَهِيَ الَّتِي جَرَحَتْ الْجِلْدَ وَشَقَّتْ اللَّحْمَ. اهـ. وَقَالَ فِي الصِّحَاحِ الْبَاضِعَةُ الشَّجَّةُ الَّتِي تَقْطَعُ الْجِلْدَ وَتَشُقُّ اللَّحْمَ وَتُدْمِي إلَّا أَنَّهَا لَا تُسِيلُ الدَّمَ وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ وَالْبَاضِعَةُ الشَّجَّةُ الَّتِي تَقْطَعُ الْجِلْدَ وَتَشُقُّ اللَّحْمَ شَقًّا خَفِيفًا وَتُدْمِي إلَّا أَنَّهَا لَا تُسِيلُ الدَّمَ. اهـ. لَا يُقَالُ فَعَلَى هَذَا يَلْزَمُ تَشْبِيهُ الْبَاضِعَةِ بِالْمُتَلَاحِمَةِ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا وَالْمُتَلَاحِمَةُ هِيَ الَّتِي تَأْخُذُ فِي اللَّحْمِ وَهَذَا فِي الْمَآلِ غَيْرُ مَا نَقَلْته عَنْ الْمُحِيطِ وَالْبَدَائِعِ فِي تَفْسِيرِ الْبَاضِعَةِ لِأَنَّا نَقُولُ مَنْ فَسَّرَ الْبَاضِعَةَ بِمَا قُلْنَا مِنْ الْمَعْنَى الظَّاهِرِ لَا يَقُولُ بِتَفْسِيرِ الْمُتَلَاحِمَةِ بِمَا ذُكِرَ حَتَّى يَلْزَمَ الِاشْتِبَاهُ بَلْ يَزِيدُ عَلَيْهِ قَيْدًا وَعَنْ هَذَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ ثُمَّ الْبَاضِعَةُ وَهِيَ الَّتِي تُبْضِعُ اللَّحْمَ أَيْ تَقْطَعُهُ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَلَا تَنْزِعُ شَيْئًا مِنْ اللَّحْمِ ثُمَّ الْمُتَلَاحِمَةُ وَهِيَ الَّتِي تَقْطَعُ اللَّحْمَ وَتَنْزِعُ شَيْئًا مِنْ اللَّحْمِ إلَى هُنَا لَفْظُ الْمُحِيطِ وَقَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَالْبَاضِعَةُ وَهِيَ الَّتِي تُبْضِعُ اللَّحْمَ أَيْ تَقْطَعُهُ وَالْمُتَلَاحِمَةُ هِيَ الَّتِي تَذْهَبُ فِي اللَّحْمِ أَكْثَرُ مِمَّا تَذْهَبُ الْبَاضِعَةُ فِيهِ وَقَالَ فِي الْمُغْرِبِ وَالْمُتَلَاحِمَةُ مِنْ الشِّجَاجِ هِيَ الَّتِي تَشُقُّ اللَّحْمَ دُونَ الْعَظْمِ ثُمَّ تَتَلَاحَمُ بَعْدَ شَقِّهَا أَيْ تَتَلَاءَمُ. اهـ. وَقَالَ فِي الصِّحَاحِ وَالْمُتَلَاحِمَةُ الشَّجَّةُ الَّتِي أَخَذَتْ فِي اللَّحْمِ دُونَ الْعَظْمِ ثُمَّ تَتَلَاحَمُ وَلَمْ تَبْلُغْ السِّمْحَاقَ. اهـ. وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ وَشَجَّةٌ مُتَلَاحِمَةٌ أَخَذَتْ فِيهِ وَلَمْ تَبْلُغْ السِّمْحَاقَ وَالْمُتَلَاحِمُ وَهِيَ الَّتِي تَأْخُذُ فِي اللَّحْمِ كُلِّهِ ثُمَّ تَتَلَاحَمُ بَعْدَ ذَلِكَ أَيْ تَلْتَئِمُ وَتَتَلَاصَقُ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ تَفَاؤُلًا عَلَى مَا يَئُولُ إلَيْهِ وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْمُتَلَاحِمَةَ قَبْلَ الْبَاضِعَةِ لِأَنَّ الْمُتَلَاحِمَةَ مِنْ قَوْلِهِمْ الْتَحَمَ الشَّيْئَانِ إذَا اتَّصَلَ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ فَالْمُتَلَاحِمَةُ هِيَ الَّتِي تُظْهِرُ اللَّحْمَ وَلَا تَقْطَعُهُ وَالْبَاضِعَةُ بَعْدَهَا لِأَنَّهَا تَقْطَعُهُ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَالْمُتَلَاحِمَةُ تَعْمَلُ فِي قَطْعِ أَكْثَرِ اللَّحْمِ وَهِيَ بَعْدَ الْبَاضِعَةِ وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ الْأَوْجَهُ أَنْ يُقَالَ الْمُتَلَاحِمَةُ أَيْ الْقَاطِعَةُ لِلَّحْمِ وَالِاخْتِلَافُ الَّذِي وُجِدَ فِي الشِّجَاجِ رَاجِعٌ إلَى مَأْخَذِ الِاشْتِقَاقِ لَا إلَى الْحُكْمِ وَالسِّمْحَاقُ وَهِيَ الَّتِي تَصِلُ إلَى السِّمْحَاقِ وَهِيَ الْجِلْدَةُ الرَّقِيقَةُ الَّتِي بَيْنَ اللَّحْمِ وَعَظْمِ الرَّأْسِ وَالْمُوضِحَةُ وَهِيَ الَّتِي تُوضِحُ الْعَظْمَ أَيْ تُبَيِّنُهُ وَالْهَاشِمَةُ وَهِيَ الَّتِي تَهْشِمُ الْعَظْمَ وَالْمُنَقِّلَةُ وَهِيَ الَّتِي تَنْقُلُ الْعَظْمَ بَعْدَ الْكَسْرِ أَيْ تُحَوِّلُهُ وَالْآمَّةُ وَهِيَ الَّتِي تَصِلُ إلَى أُمِّ الدِّمَاغِ وَأُمُّ الدِّمَاغِ هِيَ الْجِلْدَةُ الرَّقِيقَةُ الَّتِي تَجْمَعُ الدِّمَاغَ وَبَعْدَ الْآمَّةِ شَجَّةٌ تُسَمَّى الدَّامِغَةُ بَالِغِينَ الْمُعْجَمَةِ وَهِيَ الَّتِي تَصِلُ إلَى الدِّمَاغِ لَمْ يَذْكُرْهَا مُحَمَّدٌ لِأَنَّ النَّفْسَ لَا تَبْقَى بَعْدَهَا عَادَةً فَتَكُونُ قَتْلًا وَلَا تَكُونُ مِنْ الشِّجَاجِ وَالْكَلَامُ فِي الشِّجَاجِ وَلِذَا لَمْ يَذْكُرْ الْخَارِصَةَ وَالدَّامِغَةَ لِأَنَّهَا لَا يَبْقَى لَهَا فِي الْغَالِبِ أَثَرٌ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 380 هَذِهِ الشِّجَاجُ تَخْتَصُّ بِالرَّأْسِ وَالْوَجْهِ وَمَا كَانَ فِي غَيْرِهِمَا يُسَمَّى جِرَاحَةً فَهَذَا هُوَ الْحَقِيقَةُ وَالْحُكْمُ يَتَرَتَّبُ عَلَى الْحَقِيقَةِ فَلَا يَجِبُ بِالْجِرَاحَةِ مَا يَجِبُ بِالشَّجَّةِ مِنْ الْمِقْدَارِ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ بِالنَّقْلِ وَهُوَ إنَّمَا وَرَدَ فِي الشِّجَاجِ وَهِيَ تَخْتَصُّ بِالرَّأْسِ وَالْوَجْهِ فَخَصَّ الْحُكْمَ الْمُقَدَّمَ بِهَا وَلَا يَجُوزُ إلْحَاقُ الْجِرَاحَةِ بِهَا دَلَالَةً وَلَا قِيَاسًا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي مَعْنَاهَا فِي الشَّيْنِ لِأَنَّ الْوَجْهَ وَالرَّأْسَ يَظْهَرَانِ فِي الْغَالِبِ وَغَيْرُهُمَا مَسْتُورٌ غَالِبًا لَا يَظْهَرُ وَاخْتَلَفُوا فِي اللَّحْيَيْنِ فَعِنْدَهُمَا فِي الْوَجْهِ فَيَتَحَقَّقُ الشِّجَاجُ فِيهِمَا فَيَجِبُ فِيهَا مُوجِبُهَا خِلَافًا لِمَا يَقُولُ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فَإِنَّهُ يَقُولُ: إنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ الْوَجْهِ لِأَنَّ الْمُوَاجَهَةَ لَا تَقَعُ بِهِمَا وَنَحْنُ نَقُولُ هُمَا مُتَّصِلَانِ بِالْوَجْهِ مِنْ غَيْرِ فَاصِلٍ وَيَتَحَقَّقُ مَعْنَى الْمُوَاجَهَةِ فَصَارَا كَالذَّقَنِ لِأَنَّهُمَا تَحْتَهَا وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَيَجِبُ أَنْ يُفْرَضَ غَسْلُهُمَا فِي الْوُضُوءِ لِأَنَّهُمَا مِنْ الْوَجْهِ حَقِيقَةً إلَّا أَنَّا تَرَكْنَاهُمَا لِلْإِجْمَاعِ وَلَا إجْمَاعَ هُنَا فَبَقَّيْنَا الْعِبْرَةَ لِلْحَقِيقَةِ وَفِي الْمَبْسُوطِ الشِّجَاجُ فِي الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ أَحَدَ عَشَرَ أَوَّلُهَا الْخَارِصَةُ وَهِيَ تَشُقُّ الْجِلْدَ مَأْخُوذَةً مِنْ قَوْلِهِمْ خَرَصَ الْقَصَّارُ الثَّوْبَ إذَا شَقَّهُ مِنْ الدَّقِّ ثُمَّ الدَّامِعَةُ وَهِيَ الَّتِي يَخْرُجُ مِنْهَا مَا يُشْبِهُ الدَّمْعَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ دَمْعِ الْعَيْنِ وَلَمْ يَذْكُرْهَا مُحَمَّدٌ لِأَنَّهَا لَمْ يَبْقَ لَهَا أَثَرٌ فِي الْغَالِبِ ثُمَّ الدَّامِيَةُ وَهِيَ الَّتِي يَخْرُجُ مِنْهَا الدَّمُ ثُمَّ الْبَاضِعَةُ وَهِيَ الَّتِي تُبْضِعُ اللَّحْمَ ثُمَّ الْمُتَلَاحِمَةُ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ جَعَلَ الْمُتَلَاحِمَةَ قَبْلَ الْبَاضِعَةِ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَتَفْسِيرُهَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الَّتِي تُقَشِّرُ الْجِلْدَ وَتَجْمَعُ اللَّحْمَ فِي مَوْضِعِ الْجِرَاحَةِ وَلَا تَقْطَعُهُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْتِحَامٍ يُقَالُ الْتَحَمَ الْجَيْشَانِ إذَا اجْتَمَعَا ثُمَّ السِّمْحَاقُ وَهِيَ الَّتِي تَصِلُ إلَى جِلْدَةٍ رَقِيقَةٍ فَوْقَ الْعَظْمِ تُسَمَّى السِّمْحَاقُ ثُمَّ الْمُوضِحَةُ وَهِيَ الَّتِي تُوضِحُ الْعَظْمَ وَاللَّحْمَ ثُمَّ الْهَاشِمَةُ وَهِيَ الَّتِي تَهْشِمُ الْعَظْمَ ثُمَّ الْمُنَقِّلَةُ الَّتِي يَخْرُجُ مِنْهَا الْعَظْمُ لِأَنَّهَا تَكْسِرُ الْعَظْمَ وَتَنْقُلُهُ عَنْ مَوْضِعِهِ ثُمَّ الْآمَّةُ الَّتِي تَصِلُ إلَى أُمِّ الرَّأْسِ وَهِيَ الْجِلْدَةُ الَّتِي فَوْقَ الدِّمَاغِ ثُمَّ الدَّامِغَةُ الَّتِي تَخْرِقُ الْجِلْدَ وَتَصِلُ إلَى الدِّمَاغِ وَلَمْ يَذْكُرْهَا مُحَمَّدٌ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَعِيشُ مَعَهَا، وَأَمَّا أَحْكَامُهَا، فَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الشِّجَاجُ عَمْدًا فَفِي الْمُوضِحَةِ الْقِصَاصُ لِأَنَّ السِّكِّينَ يَنْتَهِي إلَى الْعَظْمِ وَلَا يَخَافُ مِنْهُ الْهَلَاكَ غَالِبًا فَيَجِبُ الْقِصَاصُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45] وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ عَنْهُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ الشِّجَاجِ إلَّا فِي الْقِصَاصِ وَالْمُوضِحَةِ وَلَيْسَ لِهَذِهِ الشِّجَاجِ أُرُوشٌ مُقَدَّرَةٌ وَمُوجِبُ هَذِهِ الشِّجَاجِ لَا يَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ، فَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الشِّجَاجُ خَطَأً فَفِيمَا قَبْلَ الْمُوضِحَةِ حُكُومَةُ عَدْلٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهَا أَرْشٌ مُقَدَّرٌ وَفِي الْمُوضِحَةِ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ وَفِي الْهَاشِمَةِ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ. وَفِي الْمُنَقِّلَةِ خَمْسَةَ عَشْرَةَ وَفِي الْآمَّةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ هَكَذَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَتَبَ إلَى حَزْمٍ حِينَ بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ وَذَكَرَ فِيهِ أَنَّ فِي النَّفْسِ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ وَفِي الْأَنْفِ الدِّيَةَ وَفِي الشَّفَتَيْنِ الدِّيَةَ وَفِي اللِّسَانِ الدِّيَةَ وَفِي الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةَ وَفِي الصُّلْبِ الدِّيَةَ وَفِي الذَّكَرِ الدِّيَةَ وَفِي الْأُنْثَيَيْنِ الدِّيَةَ وَفِي الرِّجْلِ نِصْفَ الدِّيَةِ وَفِي الْآمَّةِ ثُلُثَ الدِّيَةِ وَفِي الْجَائِفَةِ ثُلُثَ الدِّيَةِ وَفِي الْمُنَقِّلَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ مِنْ الْإِبِلِ وَفِي الْمُوضِحَةِ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ هَكَذَا رَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَفِي النَّوَادِرِ رَجُلٌ أَصْلَعُ ذَهَبَ شَعْرُهُ شَجَّهُ إنْسَانٌ مُوضِحَةً عَمْدًا قَالَ مُحَمَّدٌ لَا يُقْتَصُّ وَعَلَيْهِ الْأَرْشُ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ مِنْ مُوضِحَةٍ؛ لِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ مُعْتَبَرَةٌ فِي تَنَاوُلِ الْأَطْرَافِ وَلَا مُسَاوَاةَ؛ لِأَنَّ الْمُوضِحَةَ فِي أَحَدِهِمَا مُؤَثِّرَةٌ فِي الْجِلْدِ وَاللَّحْمِ فَتَعَذَّرَ مُرَاعَاةُ الْمُسَاوَاةِ وَصَارَ كَصَحِيحِ الْيَدِ إذَا قَطَعَ يَدَ الْأَشَلِّ لَا يَقْطَعُ فَكَذَا هَذَا. وَإِنْ قَالَ الشَّارِحُ رَضِيت أَنْ يُقْتَصَّ مِنِّي لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ إذَا لَمْ تُوجِبْ الْقِصَاصَ لَا يُوجِبُ الِاسْتِيفَاءَ بِالرِّضَا، وَإِنْ كَانَ الشَّاجُّ أَيْضًا أَصْلَعَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْمُسَاوَاةِ مُمْكِنٌ فَصَارَ كَالْأَشَلِّ إذَا قَطَعَ يَدَ الْأَشَلِّ، وَإِنْ لَمْ يَبْقَ لِلْجِرَاحَةِ أَثَرٌ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَلْزَمُهُ قَدْرُ مَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ إلَى أَنْ يَبْرَأَ؛ لِأَنَّهُ بِجِنَايَتِهِ اُضْطُرَّ إلَى الْإِنْفَاقِ عَلَى الْجِرَاحَةِ خَوْفًا مِنْ السِّرَايَةِ فَكَانَ الزَّوَالُ مُضَافًا إلَى جِنَايَتِهِ لَهُمَا أَنَّهُ كَانَ مُخْتَارًا فِي الْإِنْفَاقِ وَلَمْ يَكُنْ مُضْطَرًّا فِيهِ؛ لِأَنَّ لُحُوقَ السِّرَايَةِ لَا يُثْبِتُ الِاضْطِرَارَ؛ لِأَنَّ السِّرَايَةَ مَوْهُومَةٌ فَلَا يَثْبُتُ الِاضْطِرَارُ بِالْوَهْمِ وَالِارْتِيَابِ فَلَمْ يَصِرْ مُفَوِّتًا لِشَيْءٍ مِنْ الْمَالِ وَلَا مِنْ الْمَنْفَعَةِ وَالْجَمَالِ فَلَا يَضْمَنُ كَمَا لَوْ لَطَمَهُ فَآلَمَهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي الْمُوضِحَةِ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ وَفِي الْهَاشِمَةِ عُشْرُهَا وَفِي الْمُنَقِّلَةِ عُشْرٌ وَنِصْفُ عُشْرٍ وَفِي الْآمَّةِ وَالْجَائِفَةِ ثُلُثُهَا، فَإِنْ نَفَذَ مِنْ الْجَائِفَةِ فَثُلُثَاهَا) لِمَا رُوِيَ وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ وَلِأَنَّهَا إذَا نَفَذَتْ صَارَتْ جَائِفَتَيْنِ فَيَجِبُ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا الثُّلُثُ وَهُوَ يَكُونُ فِي الرَّأْسِ وَالْبَطْنِ قَوْلُهُ جَائِفَةٌ قَالَ فِي الْإِيضَاحِ الْجَائِفَةُ مَا يَصِلُ إلَى الْجَوْفِ مِنْ الصَّدْرِ وَالْبَطْنِ وَالظَّهْرِ وَالْجَنْبِ وَمَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 381 وَصَلَ مِنْ الرَّقَبَةِ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي وَصَلَ إلَيْهِ الشَّرَابُ وَمَا فَوْقَ ذَلِكَ فَلَيْسَ بِجَائِفَةٍ قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ بَعْدَ نَقْلِ ذَلِكَ فَعَلَى هَذَا ذِكْرُ الْجَائِفَةِ هُنَا فِي مَسَائِلِ الشِّجَاجِ وَقَعَ اتِّفَاقًا وَكَذَا فِي الْعِنَايَةِ نَقْلًا عَنْ النِّهَايَةِ أَقُولُ: نَعَمْ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْإِيضَاحِ يَكُونُ الْأَمْرُ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّ غَيْرَهُ تَدَارَكَهُ قَالَ فِيمَا بَعْدُ وَقَالُوا الْجَائِفَةُ تَخْتَصُّ بِالْجَوْفِ وَجَوْفِ الرَّأْسِ أَوْ جَوْفِ الْبَطْنِ يَعْنِي أَنَّهَا لَمَّا تَنَاوَلَتْ مَا فِي جَوْفِ الرَّأْسِ أَيْضًا كَانَتْ مِنْ الشِّجَاجِ فِيمَا إذَا وَقَعَتْ فِي الرَّأْسِ فَتَدْخُلُ فِي مَسَائِلِ الشِّجَاجِ بِاعْتِبَارِ ذَلِكَ فَلَا يَكُونُ ذِكْرُهَا فِي فَصْلِ الشِّجَاجِ فِيمَا وَقَعَ اتِّفَاقًا بِخِلَافِ سَائِرِ الشِّجَاجِ، فَإِنَّهُ حَيْثُ لَا يَكُونُ إلَّا فِي الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ وَقِيلَ لَا تَتَحَقَّقُ الْجَائِفَةُ فِيمَا فَوْقَ الْحَلْقِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي الْخَارِصَةِ وَالدَّامِعَةِ وَالدَّامِيَةِ وَالْبَاضِعَةِ وَالْمُتَلَاحِمَةِ وَالسِّمْحَاقِ حُكُومَةُ عَدْلٍ) ؛ لِأَنَّ هَذِهِ لَيْسَ فِيهَا أَرْشٌ مُقَدَّرٌ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ وَلَا يُمْكِنُ إهْدَارُهَا فَيَجِبُ فِيهَا حُكُومَةُ عَدْلٍ وَهُوَ مَأْثُورٌ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَاخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْحُكُومَةِ قَالَ الطَّحَاوِيُّ تَفْسِيرُهَا أَنْ يَقُومَ مَمْلُوكًا بِدُونِ هَذَا الْأَثَرِ ثُمَّ يَقُومَ وَبِهِ هَذَا الْأَثَرُ ثُمَّ يَنْظُرُ إلَى تَفَاوُتِ مَا بَيْنَهُمَا، فَإِنْ كَانَ ثُلُثَ عُشْرِ الْقِيمَةِ مَثَلًا يَجِبُ ثُلُثُ عُشْرِ الدِّيَةِ، وَإِنْ كَانَ رُبْعَ عُشْرِ الْقِيمَةِ يَجِبُ رُبْعُ عُشْرِ الدِّيَةِ وَقَالَ الْكَرْخِيُّ يَنْظُرُ كَمْ مِقْدَارُ هَذِهِ الشَّجَّةِ مِنْ الْمُوضِحَةِ فَيَجِبُ بِقَدْرِ ذَلِكَ مِنْ نِصْفِ عُشْرِ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ مَا لَا نَصَّ فِيهِ يُرَدُّ إلَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ وَكَانَ الْكَرْخِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ لَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ اعْتَبَرَ ذَلِكَ الطَّرِيقَ فَرُبَّمَا يَكُونُ نُقْصَانُ الْقِيمَةِ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الدِّيَةِ فَيُؤَدِّي إلَى أَنْ يُوجِبَ فِي هَذِهِ الشِّجَاجِ وَهُوَ دُونَ الْمُوضِحَةِ أَكْثَرُ مِمَّا أَوْجَبَهُ الشَّرْعُ فِي الْمُوضِحَةِ وَأَنَّهُ مُحَالٌ بَلْ الصَّحِيحُ الِاعْتِبَارُ بِالْمِقْدَارِ وَقَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ يَنْظُرُ الْمُفْتِي فِي هَذَا إنْ أَمْكَنَهُ الْفَتْوَى بِالثَّانِي بِأَنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ فِي الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ يُفْتِي بِالثَّانِي، وَإِنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ عَلَيْهِ ذَلِكَ يُفْتِي بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ الْأَيْسَرُ قَالَ وَكَانَ الْمَرْغِينَانِيُّ يُفْتِي بِهِ وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَنْظُرُ كَمْ مِقْدَارُ هَذِهِ الشَّجَّةِ مِنْ أَقَلِّ شَجَّةٍ لَهَا أَرْشٌ مُقَدَّرٌ، فَإِنْ كَانَ مِقْدَارُهُ مِثْلَ نِصْفِ شَجَّةٍ لَهَا أَرْشٌ أَوْ ثُلُثُهَا وَجَبَ نِصْفُ أَوْ ثُلُثُ أَرْشِ تِلْكَ الشَّجَّةِ، وَإِنْ رُبْعًا فَرُبْعٌ ذَكَرَهُ بَعْدَ ذِكْرِ الْقَوْلَيْنِ فَكَأَنَّهُ جَعَلَهُ قَوْلًا ثَالِثًا وَالْأَشْبَهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا تَفْسِيرًا لِقَوْلِ الْكَرْخِيِّ وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: وَقَوْلُ الْكَرْخِيِّ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ عَلِيًّا اعْتَبَرَهُ بِهَذَا الطَّرِيقِ فِيمَنْ قَطَعَ طَرَفَ لِسَانِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا قِصَاصَ فِي غَيْرِ الْمُوضِحَةِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ الْمُسَاوَاةِ فِيهِ؛ لِأَنَّ مَا دُونَ الْمُوضِحَةِ لَيْسَ لَهُ حَدٌّ يَنْتَهِي إلَيْهِ السِّكِّينُ وَمَا فَوْقَهَا كَسْرُ الْعَظْمِ وَلَا قِصَاصَ فِيهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا قِصَاصَ فِي الْعَظْمِ» وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَجِبُ الْقِصَاصُ فِيمَا دُونَ الْمُوضِحَةِ ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْأَصْلِ وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ مُمْكِنٌ فِيهِ اعْتِبَارُ الْمُسَاوَاةِ فِيهِ إذْ لَيْسَ فِيهِ كَسْرُ الْعَظْمِ وَلَا خَوْفُ التَّلَفِ فَيَسْتُرُ قَدْرَهَا اعْتِبَارًا ثُمَّ يَتَّخِذُ حَدِيدَةً بِقَدْرِ ذَلِكَ فَيَقْطَعُ بِهَا مِقْدَارَ مَا قَطَعَ فَيَتَحَقَّقُ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ بِذَلِكَ وَفِي الْمُوضِحَةِ الْقِصَاصُ إنْ كَانَتْ عَمْدًا لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَضَى بِالْقِصَاصِ فِي الْمُوضِحَةِ» ؛ لِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ فِيهَا مُمْكِنَةٌ بِانْتِهَاءِ السِّكِّينِ إلَى الْعَظْمِ فَيَتَحَقَّقُ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي أَصَابِعِ الْيَدِ نِصْفُ الدِّيَةِ) أَيْ أَصَابِعُ الْيَدِ الْوَاحِدَةِ؛ لِأَنَّ فِي كُلِّ إصْبَعٍ عَشَرَةً مِنْ الْإِبِلِ لِمَا رَوَيْنَا فَيَكُونُ فِي الْخَمْسَةِ خَمْسُونَ ضَرُورَةً وَهُوَ النِّصْفُ وَلِأَنَّ بِقَطْعِ الْأَصَابِعِ تَفُوتُ مَنْفَعَةُ الْبَطْشِ وَهُوَ الْمُوجِبُ عَلَى مَا مَرَّ أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لِمَنْ ذَكَرَ فِيمَا مَرَّ أَنَّ فِي كُلِّ إصْبَعٍ مِنْ أَصَابِعِ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ عُشْرَ الدِّيَةِ كَانَ ذِكْرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ هُنَا مُسْتَدْرِكًا إذْ لَا شَكَّ أَنَّ خَمْسَةَ أَعْشَارِ الدِّيَةِ نِصْفُ الدِّيَةِ وَعُلِمَ قَطْعًا مِمَّا مَرَّ أَنَّ فِي أَصَابِعِ الْيَدِ الْوَاحِدَةِ وَهِيَ خَمْسُ أَصَابِعَ نِصْفَ الدِّيَةِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الِاسْتِلْزَامُ وَالِاقْتِضَاءُ فِي حُصُولِ الْعِلْمِ بِمِثْلِهِ بَلْ كَانَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ التَّصْرِيحِ بِهَا لَلَزِمَ أَنْ يَذْكُرَ أَيْضًا أَنَّ فِي الْإِصْبَعَيْنِ عُشْرَيْ الدِّيَةِ وَفِي ثَلَاثِ أَصَابِعَ ثَلَاثَةَ أَعْشَارِ الدِّيَةِ وَفِي أَرْبَعَةِ أَصَابِعَ أَرْبَعَةَ أَعْشَارِ الدِّيَةِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَسَائِلِ الْمَتْرُوكِ ذِكْرُهَا صَرَاحَةً فِي الْكِتَابِ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْهُ بِأَنَّ ذِكْرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ هُنَا لَيْسَ بِبَيَانِ نَفْسِهَا أَصَالَةً حَتَّى يُتَوَهَّمَ الِاسْتِدْرَاكُ بَلْ لِيَكُونَ ذِكْرُهَا تَوْطِئَةً لِلْمَسْأَلَةِ الْمُعَاقِبَةِ إيَّاهَا وَهِيَ قَوْلُهُ: فَإِنْ قَطَعَهَا مَعَ الْكَفِّ فَفِيهِ أَيْضًا نِصْفُ الدِّيَةِ فَالْمَقْصُودُ فِي الْبَيَانِ هُنَا أَنَّ قَطْعَ الْأَصَابِعِ وَحْدَهَا وَقَطْعَهَا مَعَ الْكَفِّ سِيَّانِ فِي الْحُكْمِ وَعَنْ هَذَا قَالَ فِي الْوِقَايَةِ فِي هَذَا الْمَقَامِ وَفِي أَصَابِعِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 382 يَدٍ بِلَا كَفٍّ وَمَعَهَا نِصْفُ الدِّيَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ مَعَ الْكَفِّ) هَذَا مُتَّصِلٌ بِمَا قَبْلَهُ أَيْ فِي أَصَابِعِ الْيَدِ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَإِنْ قَطَعَهَا مَعَ الْكَفِّ وَلَا يَزِيدُ الْأَرْشُ بِسَبَبِ الْكَفِّ؛ لِأَنَّ الْكَفَّ سَبَبٌ لِلْأَصَابِعِ فِي حَقِّ الْبَطْشِ، فَإِنَّ قُوَّةَ الْبَطْشِ بِهَا وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِي الْيَدَيْنِ الدِّيَةُ وَفِي أَحَدِهِمَا نِصْفُ الدِّيَةِ» وَالْيَدُ اسْمٌ لِجَارِحَةٍ يَقَعُ بِهَا الْبَطْشُ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْيَدِ يَدُلُّ عَلَى الْقُدْرَةِ وَالْقُوَّةِ وَالْبَطْشُ يَقَعُ بِالْأَصَابِعِ وَالْكَفِّ فَيَجِبُ فِيهَا دِيَةٌ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ فَيَكُونُ الْكَفُّ تَبَعًا لِلْأَصَابِعِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَعَ نِصْفِ السَّاعِدِ نِصْفُ الدِّيَةِ وَحُكُومَةُ) عَدْلٍ نِصْفُ الدِّيَةِ فِي الْكَفِّ وَالْأَصَابِعِ وَالْحُكُومَةُ فِي نِصْفِ السَّاعِدِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَعَنْهُ مَا زَادَ عَلَى الْأَصَابِعِ مِنْ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ مِنْ أَصْلِ السَّاعِدِ وَالْفَخِذُ هُوَ تَبَعٌ فَلَا يَزِيدُ عَلَى الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ أَوْجَبَ فِي الْوَاحِدَةِ مِنْهُمَا نِصْفَ الدِّيَةِ وَالْيَدُ اسْمٌ لِهَذِهِ الْجَارِحَةِ إلَى الْمَنْكِبِ وَالرِّجْلُ إلَى الْفَخِذِ فَلَا يَزِيدُ عَلَى تَقْدِيرِ الشَّارِعِ وَلِأَنَّ السَّاعِدَ لَيْسَ لَهُ أَرْشٌ مُقَدَّرٌ فِيهِ كَالْكَفِّ وَوَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الْيَدَ اسْمٌ لِآلَةٍ بَاطِشَةٍ، وَوُجُوبُ الْأَرْشِ بِاعْتِبَارِ مَنْفَعَةِ الْبَطْشِ وَكَذَا فِي الْأَرْشِ وَلَا يَقَعُ الْبَطْشُ بِالسَّاعِدِ أَصْلًا وَلَا تَبَعًا فَلَا يَدْخُلُ فِي أَرْشِهِ وَقَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ وَلَهُمَا أَنَّ الْيَدَ آلَةٌ بَاطِشَةٌ وَالْبَطْشُ يَتَعَلَّقُ بِالْكَفِّ وَالْأَصَابِعِ دُونَ الذِّرَاعِ أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ الظَّاهِرُ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْكَفِّ وَالْأَصَابِعِ مَدْخَلٌ فِي الْبَطْشِ وَمَدْلُولُ قَوْلِهِ فِيمَا قَبْلُ وَلِأَنَّ الْكَفَّ تَبَعٌ لِلْأَصَابِعِ؛ لِأَنَّ الْبَطْشَ بِهَا أَنْ يَكُونَ الْبَاطِشُ هُوَ الْأَصَابِعَ لَا غَيْرُ فَبَيْنَ كَلَامَيْهِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ نَوْعُ تَدَافُعٍ وَكَأَنَّ صَاحِبَ الْكَافِي تَفَطَّنَ لَهُ حَيْثُ غَيَّرَ تَحْرِيرَهُ هَاهُنَا فَقَالَ لَهَا: إنَّ أَرْشَ الْيَدِ إنَّمَا يَجِبُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ آلَةٌ بَاطِشَةٌ وَالْأَصْلُ فِي الْبَطْشِ الْأَصَابِعُ وَالْكَفُّ تَبَعٌ لَهَا أَمَّا السَّاعِدُ فَلَا يَتْبَعُهَا؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَّصِلٍ بِهَا فَلَمْ يُجْعَلْ تَبَعًا لَهَا فِي حَقِّ التَّضْمِينِ. اهـ. ثُمَّ أَقُولُ: يُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بَيْنَ كَلَامَيْهِ أَيْضًا بِنَوْعِ عِنَايَةٍ وَهُوَ أَنْ يُقَدَّرَ الْمُضَافُ فِي قَوْلِهِ فِيمَا قَبْلُ؛ لِأَنَّ الْبَطْشَ بِهَا فَلَا يُنَافِي أَنْ يَكُونَ بِالْكَفِّ أَيْضًا بَطْشٌ فِي الْجُمْلَةِ بِالتَّبَعِيَّةِ فَيَرْتَفِعُ التَّدَافُعُ وَلِأَنَّهُ لَوْ جُعِلَ تَبَعًا لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُجْعَلَ تَبَعًا لِلْأَصَابِعِ أَوْ الْكَفِّ وَلَا وَجْهَ إلَى الْأَوَّلِ لِوُقُوعِ الْفَصْلِ بَيْنَهُمَا بِالْكَفِّ وَلَا إلَى الثَّانِي؛ لِأَنَّ الْكَفَّ تَبَعٌ لِلْأَصَابِعِ وَلَا تَبَعَ لِلتَّبَعِ وَلَا نُسَلِّمُ الْيَدَ اسْمٌ لِهَذِهِ الْجَارِحَةِ إلَى الْمَنْكِبِ بَلْ هِيَ اسْمٌ إلَى الزَّنْدِ إذَا ذُكِرَتْ فِي مَوْضِعِ الْقَطْعِ بِدَلِيلِ آيَةِ السَّرِقَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي قَطْعِ الْكَفِّ وَفِيهَا إصْبَعٌ أَوْ إصْبَعَانِ عُشْرُهَا أَوْ خُمُسُهَا وَلَا شَيْءَ فِي الْكَفِّ) أَيْ إذَا كَانَ فِي الْكَفِّ إصْبَعٌ أَوْ إصْبَعَانِ فَقَطَعَهُمَا يَجِبُ عُشْرُ الدِّيَةِ فِي الْإِصْبَعِ الْوَاحِدَةِ وَخُمُسُهَا فِي إصْبَعَيْنِ: وَلَا يَجِبُ فِي الْكَفِّ شَيْءٌ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا يُنْظَرُ إلَى أَرْشِ الْكَفِّ وَإِلَى أَرْشِ مَا فِيهَا مِنْ الْأَصَابِعِ فَيَجِبُ أَكْثَرُهَا وَيَدْخُلُ الْقَلِيلُ فِي الْكَثِيرِ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْأَرْشَيْنِ مُتَعَذَّرٌ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ الْكُلَّ شَيْءٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الْأَصَابِعِ هُوَ ضَمَانُ الْكَفِّ وَضَمَانُ الْكَفِّ فِيهِ ضَمَانُ الْإِصْبَعِ وَكَذَا إهْدَارُ أَحَدِهِمَا مُتَعَذِّرٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَصْلٌ مِنْ وَجْهٍ أَمَّا الْكَفُّ فَلِأَنَّ الْأَصَابِعَ قَائِمَةٌ بِهِ، وَأَمَّا الْأَصَابِعُ فَلِأَنَّهَا هِيَ الْأَصْلُ فِي مَنْفَعَةِ الْبَطْشِ، فَإِذَا كَانَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا أَصْلًا مِنْ وَجْهٍ وَرَجَّحْنَا بِالْكَثْرَةِ كَمَا قُلْنَا فِيمَنْ شَجَّ رَأْسَ إنْسَانٍ وَتَنَاثَرَ بَعْضُ شَعْرِ رَأْسِهِ يَدْخُلُ الْقَلِيلُ فِي الْكَثِيرِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْأَصَابِعَ أَصْلٌ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْيَدِ وَهِيَ الْبَطْشُ وَالْقَبْضُ وَالْبَسْطُ قَائِمَةٌ بِهَا وَكَذَا حُكْمًا؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - جَعَلَ الْيَدَ بِمُقَابَلَةِ الْأَصَابِعِ حَيْثُ أَوْجَبَ فِي الْيَدِ نِصْفَ الدِّيَةِ ثُمَّ جَعَلَ فِي كُلِّ إصْبَعٍ عَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ وَمِنْ ضَرُورَتِهِ أَنْ تَكُونَ كُلُّهَا بِمُقَابَلَةِ الْأَصَابِعِ دُونَ الْكَفِّ وَالْأَصْلُ أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ، وَإِنْ قَلَّ وَلَا يَظْهَرُ التَّتَابُعُ بِمُقَابَلَةِ الْأَصْلِ فَلَا يُعَارَضُ حَتَّى يُصَارَ إلَى التَّرْجِيحِ بِالْكَثْرَةِ وَلَئِنْ تَعَارَضَا فَالتَّرْجِيحُ بِالْأَصْلِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا أَوْلَى مِنْ التَّرْجِيحِ بِالْكَثْرَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ الصِّغَارَ إذَا اخْتَلَطَتْ مَعَ الْكِبَارِ تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ تَبَعًا، وَإِنْ كَانَ الصِّغَارُ أَكْثَرَ تَرْجِيحًا لِلْأَصْلِ بِخِلَافِ مَا اُسْتُشْهِدَ بِهِ مِنْ الشَّجَّةِ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَيْسَ بِتَبَعٍ لِلْآخَرِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْهُ أَنَّ الْبَاقِيَ إذَا كَانَ دُونَ الْإِصْبَعِ يُعْتَبَرُ أَكْثَرَهُمَا إرْشَادًا؛ لِأَنَّ أَرْشَ مَا دُونَ الْإِصْبَعِ غَيْرُ مَنْصُوصٍ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ بِاعْتِبَارِهِ بِالْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ بِنَوْعِ اجْتِهَادٍ وَكَوْنِهِ أَصْلًا بِاعْتِبَارِ النَّصِّ، فَإِذَا لَمْ يَرِدْ النَّصُّ بِأَرْشِ مِفْصَلٍ وَلَا مِفْصَلَيْنِ اعْتَبَرْنَا فِيهِ الْكَثْرَةَ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ أَرْشَهُ ثَبَتَ بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ كَالنَّصِّ وَلَوْ لَمْ يَبْقَ فِي الْكَفِّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 383 إصْبَعٌ غَيْرُ مَنْصُوصٍ عَلَيْهِ يَجِبُ عَلَيْهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ لَا يَبْلُغُ بِهَا أَرْشَ الْأَصَابِعِ وَلَا يَجِبُ فِيهِ الْأَرْشُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الْأَصَابِعَ أَصْلٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلِلْأَكْثَرِ حُكْمُ الْكُلِّ فَاسْتُتْبِعَتْ الْكَفُّ كَمَا إذَا كَانَتْ كُلُّهَا قَائِمَةً قَوْلُهُ وَفِي قَطْعِ الْكَفِّ إلَخْ لَا يَخْفَى أَنَّهُ مُكَرَّرٌ مَعَ قَوْلِهِ وَفِي كُلِّ إصْبَعٍ عُشْرُ الدِّيَةِ وَقَوْلُهُ وَلَا شَيْءَ فِي الْكَفِّ إلَخْ لَا يَخْفَى أَنَّهُ مُكَرَّرٌ مَعَ قَوْلِهِ وَلَوْ مَعَ الْكَفِّ؛ لِأَنَّهُ إذَا عُلِمَ أَنَّ الْكَفَّ لَا شَيْءَ فِيهِ مَعَ كُلِّ الْأَصَابِعِ عُلِمَ بِالْأَوْلَى مَعَ بَعْضِهَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي الْإِصْبَعِ الزَّائِدَةِ وَعَيْنِ الصَّبِيِّ وَذَكَرِهِ وَلِسَانِهِ إنْ لَمْ يُعْرَفْ صِحَّتُهُ بِنَظَرٍ وَحَرَكَةٍ وَكَلَامٍ حُكُومَةُ) عَدْلٍ أَمَّا الْإِصْبَعُ الزَّائِدَةُ فَلِأَنَّهَا جُزْءُ الْآدَمِيِّ فَيَجِبُ الْأَرْشُ فِيهَا تَشْرِيفًا لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا نَفْعٌ وَلَا زِينَةٌ كَمَا فِي السِّنِّ الزَّائِدَةِ وَلَا يَجِبُ فِيهَا الْقِصَاصُ، وَإِنْ كَانَ الْمَقْطُوعُ إصْبَعًا زَائِدَةً وَلِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ شَرْطٌ لِوُجُوبِ الْقِصَاصِ فِي الطَّرَفِ وَلَمْ يُعْلَمْ تَسَاوِيهِمَا إلَّا بِالظَّنِّ فَصَارَ كَالْعَبْدِ يَقْطَعُ طَرَفَ الْعَبْدِ، وَإِنْ تَعَذَّرَ الْقِصَاصُ لِلشُّبْهَةِ وَجَبَ أَرْشُهَا وَلَيْسَ لَهَا أَرْشٌ مُقَدَّرٌ فِي الشَّرْعِ فَيَجِبُ فِيهَا حُكُومَةُ عَدْلٍ بِخِلَافِ لِحْيَةِ الْكَوْسَجِ حَيْثُ لَا يَجِبُ فِيهَا شَيْءٌ؛ لِأَنَّ اللِّحْيَةَ لَا يَبْقَى فِيهَا أَثَرُ الْحَلْقِ فَلَا يَلْحَقُهُ الشَّيْنُ بَلْ بِبَقَاءِ الشَّعَرَاتِ يَلْحَقُهُ ذَلِكَ فَيَكُونُ نَظِيرَ مَنْ قَلَّمَ ظُفْرَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَفِي قَطْعِ الْإِصْبَعِ الزَّائِدَةِ يَبْقَى أَثَرٌ وَيَشِينُهُ ذَلِكَ فَيَجِبُ الْأَرْشُ، وَأَمَّا عَيْنُ الصَّبِيِّ وَذَكَرُهُ وَلِسَانُهُ فَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الْمَنْفَعَةُ، فَإِذَا لَمْ يُعْلَمْ صِحَّتُهَا لَا يَجِبُ أَرْشُهَا كَامِلًا بِالشَّكِّ بِخِلَافِ الْمَارِنِ وَالْأُذُنِ الشَّاخِصَةِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا الْجَمَالُ وَقَدْ فَوَّتَهُ وَتُعْرَفُ الصِّحَّةُ بِاللِّسَانِ فِي الْكَلَامِ وَفِي الذَّكَرِ بِالْحَرَكَةِ وَفِي الْعَيْنِ بِمَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الرُّؤْيَةِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ إنْ لَمْ تُعْرَفْ صِحَّتُهُ بِنَظَرٍ وَحَرَكَةٍ وَكَلَامٍ فَيَكُونُ بَعْدَ مَعْرِفَةِ صِحَّةِ ذَلِكَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْبَالِغِ فِي الْخَطَأِ وَالْعَمْدِ إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِإِقْرَارِ الْجَانِي، فَإِنْ أَنْكَرَ وَلَمْ يُقِمْ بِهِ بَيِّنَةً فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْجَانِي وَكَذَا إذَا قَالَ لَا أَعْرِفُ صِحَّتَهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْأَرْشُ كَامِلًا إلَّا بِالْبَيِّنَةِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تَجِبُ الدِّيَةُ كَامِلَةً كَيْفَمَا كَانَ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهِ الصِّحَّةُ فَأَشْبَهَ الْأُذُنَ وَالْمَارِنَ قُلْنَا الظَّاهِرُ لَا يَصْلُحُ لِلِاسْتِحْقَاقِ، وَإِنَّمَا يَصْلُحُ لِلدَّفْعِ وَحَاجَتُنَا الِاسْتِحْقَاقُ وَقَدْ ذَكَرْنَا الْفَرْقَ بَيْنَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَبَيْنَ الْأُذُنِ وَالْأَنْفِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ شَجَّ رَجُلًا مُوضِحَةً فَذَهَبَ عَقْلُهُ أَوْ شَعْرُ رَأْسِهِ دَخَلَ أَرْشُ الْمُوضِحَةِ فِي الدِّيَةِ) فَصَارَ كَمَا إذَا أَوْضَحَهُ فَمَاتَ؛ لِأَنَّ تَفْوِيتَ الْعَقْلِ يُبْطِلُ مَنْفَعَةَ جَمِيعِ الْأَعْضَاءِ قُيِّدَ بِالْمُوضِحَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَطَعَ يَدَهُ فَذَهَبَ عَقْلُهُ لَا يَدْخُلُ كَمَا سَيَأْتِي أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ إذْ لَوْ كَانَ فَوَاتُ الْعَقْلِ بِمَنْزِلَةِ الْمَوْتِ وَكَانَ هَذَا مَدَارَ دُخُولِ أَرْشِ الْمُوضِحَةِ فِي الدِّيَةِ لِمَا تَمَّ مَا سَبَقَ فِي فَصْلٍ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ مِنْ أَنَّهُ رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَضَى بِأَرْبَعِ دِيَاتٍ فِي ضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ ذَهَبَ فِيهَا الْعَقْلُ وَالْكَلَامُ وَالسَّمْعُ وَالْبَصَرُ، فَإِنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَوْ مَاتَ مِنْ الشَّجَّةِ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إلَّا دِيَةٌ وَاحِدَةٌ فَيُتَأَمَّلُ وَأَرْشُ الْمُوضِحَةِ يَجِبُ بِفَوَاتِ جُزْءٍ مِنْ الشَّعْرِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَنْبُتْ تَجِبُ الدِّيَةُ بِفَوَاتِ كُلِّ الشَّعْرِ قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ أَيْ لَوْ نَبَتَ الشَّعْرُ وَالْتَأَمَتْ الشَّجَّةُ فَصَارَ كَمَا كَانَ لَا يَجِبُ شَيْءٌ فَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّ وُجُوبَ أَرْشِ الْمُوضِحَةِ بِسَبَبِ فَوَاتِ الشَّعْرِ. اهـ. وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ قَوْلُهُ وَأَرْشُ الْمُوضِحَةِ تَجِبُ بِفَوَاتِ جُزْءٍ مِنْ الشَّعْرِ لِبَيَانِ الْجُزْئِيَّةِ قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ نَبَتَ يَعْنِي الشَّعْرَ يَسْقُطُ يَعْنِي أَرْشَ الْمُوضِحَةِ لِبَيَانِ أَنَّ الْأَرْشَ يَجِبُ بِالْفَوَاتِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَلَيْسَ بِمُفْتَقِرٍ إلَيْهِ لِكَوْنِهِ مَعْلُومًا. اهـ. أَقُولُ: إنَّ قَوْلَهُ وَلَيْسَ بِمُفْتَقِرٍ إلَيْهِ لِكَوْنِهِ مَعْلُومًا لَيْسَ بِشَيْءٍ إذْ لَا رَيْبَ أَنَّ كَوْنَ وُجُوبِ أَرْشِ الْمُوضِحَةِ بِفَوَاتِ جُزْءٍ مِنْ الشَّعْرِ لَا بِمُجَرَّدِ تَفْرِيقِ الِاتِّصَالِ وَالْإِيلَامُ الشَّدِيدُ أَمْرٌ خَفِيٌّ جِدًّا غَيْرُ مَعْلُومٍ بِدُونِ الْبَيَانِ وَالْإِعْلَامِ إذَا كَانَ الظَّاهِرُ الْمُتَبَادَرُ مِمَّا ذَكَرَهُ فِي فَصْلِ الشِّجَاجِ إذْ لَا يُشْتَرَطُ فِي وُجُوبِ أَرْشِ الْمُوضِحَةِ فَوَاتُ جُزْءٍ مِنْ الشَّعْرِ بِالْكُلِّيَّةِ بِأَنْ لَا يَنْبُتَ مِنْ بَعْدُ أَصْلًا، فَإِنَّهُمْ قَالُوا الْمُوضِحَةُ مِنْ الشِّجَاجِ هِيَ الَّتِي تُوضِحُ الْعَظْمَ أَيْ تُبِينُهُ ثُمَّ بَيَّنُوا حُكْمَهَا بِأَنَّهُ الْقِصَاصُ إنْ كَانَتْ عَمْدًا وَنِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ إنْ كَانَتْ خَطَأً وَلَا شَكَّ أَنَّ اسْمَ الْمُوضِحَةِ وَحْدَهَا الْمَذْكُورَةَ يَتَحَقَّقَانِ فِيمَا نَبَتَ فِيهِ الشَّعْرُ أَيْضًا فَكَانَ اشْتِرَاطُ أَنْ لَا يَنْبُتَ الشَّعْرُ بَعْدَ الْبُرْءِ أَصْلًا فِي وُجُوبِ أَرْشِهَا أَمْرًا خَفِيًّا مُحْتَاجًا إلَى الْبَيَانِ بَلْ إلَى الْبُرْهَانِ وَلِهَذَا قَالُوا وَأَرْشُ الْمُوضِحَةِ يَجِبُ بِفَوَاتِ جُزْءٍ مِنْ الشَّعْرِ حَتَّى لَوْ نَبَتَ يَسْقُطُ وَقَالَ فِي الْكَافِي وَأَرْشُ الْمُوضِحَةِ بِاعْتِبَارِ ذَهَابِ الشَّعْرِ وَلِهَذَا لَوْ نَبَتَ الشَّعْرُ عَلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَاسْتَوَى لَا يَجِبُ شَيْءٌ وَقَالَ فِي الْمَبْسُوطِ وُجُوبُ أَرْشِ الْمُوضِحَةِ بِاعْتِبَارِ ذَهَابِ الشَّعْرِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ نَبَتَ الشَّعْرُ عَلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَاسْتَوَى كَمَا كَانَ لَا يَجِبُ شَيْءٌ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْبَيَانَاتِ الْوَاقِعَةِ مِنْ الثِّقَاتِ وَقَدْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 384 تَعَلَّقَا بِسَبَبٍ وَاحِدٍ وَهُوَ فَوَاتُ الشَّعْرِ فَيَدْخُلُ الْجُزْءُ فِي الْجُمْلَةِ فَصَارَ كَمَا إذَا قَطَعَ إصْبَعَ رَجُلٍ فَشُلَّتْ يَدُهُ كُلُّهَا فَحَاصِلُهُ أَنَّ الْجِنَايَةَ مَتَى وَقَعَتْ عَلَى عُضْوٍ وَأَتْلَفَتْ شَيْئَيْنِ وَأَرْشُ أَحَدِهِمَا أَكْثَرُ دَخَلَ الْأَقَلُّ فِيهِ. وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الْجِنَايَةُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً، فَإِنْ وَقَعَتْ عَلَى عُضْوَيْنِ لَا يَدْخُلُ وَيَجِبُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَرْشُهُ سَوَاءٌ كَانَ عَمْدًا أَوْ خَطَأً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِسُقُوطِ الْقِصَاصِ بِهِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ لِلْأَوَّلِ الْقِصَاصُ إنْ كَانَ عَمْدًا وَأَمْكَنَ الِاسْتِيفَاءُ وَإِلَّا فَكَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ زُفَرُ لَا يَدْخُلُ أَرْشُ الْأَعْضَاءِ بَعْضُهُمَا فِي بَعْضٍ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا جِنَايَةٌ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ فَلَا يَتَدَاخَلَانِ كَسَائِرِ الْجِنَايَاتِ وَجَوَابُهُ مَا بَيَّنَّاهُ وَفِي الْمَبْسُوطِ أَصْلُهُ أَنَّ الْجِنَايَاتِ مَتَى وَقَعَتْ عَلَى عُضْوٍ وَاحِدٍ وَأَتْلَفَتْ شَيْئَيْنِ وَأَرْشُ أَحَدِهِمَا أَكْثَرُ، فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ الْأَقَلُّ فِي الْأَكْثَرِ أَصْلُهُ فِي الْمُوضِحَةِ مَتَى كَانَتْ فِي الرَّأْسِ لَا بُدَّ أَنْ يَتَنَاثَرَ الشَّعْرُ مِقْدَارَ الْمُوضِحَةِ وَتَنَاثُرُ الشَّعْرِ مِقْدَارُ الْمُوضِحَةِ يُوجِبُ الْأَرْشَ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْجَبَ فِي الْمُوضِحَةِ خَمْسًا مِنْ الْإِبِلِ وَلَمْ يُوجِبْ فِي تَنَاثُرِ الشَّعْرِ شَيْئًا فَعُلِمَ أَنَّ أَرْشَ مَا تَنَاثَرَ مِنْ الشَّعْرِ وَهُوَ أَقَلُّ مِنْ أَرْشِ الْمُوضِحَةِ دَخَلَ فِي أَرْشِ الْمُوضِحَةِ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَلَى عُضْوٍ وَاحِدٍ وَأَتْلَفَتْ شَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ وَالْآخَرُ يُوجِبُ الْمَالَ، فَإِنَّهُ يَجِبُ الْمَالُ وَأَصْلُهُ الْخَاطِئُ مَعَ الْعَامِدِ مَتَى اشْتَرَكَا فِي قَتْلٍ وَاحِدٍ يَجِبُ الْمَالُ، وَإِنْ وَقَعَتْ الْجِنَايَةُ عَلَى عُضْوَيْنِ أَحَدُهُمَا يُوجِبُ الْقَوَدَ وَالْآخَرُ يُوجِبُ الْمَالَ إنْ كَانَ خَطَأً لَا يَدْخُلُ أَرْشُ الْأَقَلِّ فِي الْأَكْثَرِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَى مَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ عَلَى قَضِيَّةِ الْقِيَاسِ، وَإِنْ كَانَ عَمْدًا يَجِبُ الْمَالُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا الْقِصَاصُ لِمَا يَأْتِي وَلَوْ شَجَّهُ مُوضِحَةً فَذَهَبَ شَعْرُ رَأْسِهِ فَلَمْ يَنْبُتْ غَرِمَ الدِّيَةَ وَيَدْخُلُ فِيهَا أَرْشُ الْمُوضِحَةِ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ وَقَعَتْ عَلَى عُضْوٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ وَقَعَتْ عَلَى الرَّأْسِ وَالشَّعْرُ بِالرَّأْسِ. وَلَوْ ذَهَبَ بَعْضُ الشَّعْرِ دَخَلَ الْأَقَلُّ فِي الْأَكْثَرِ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ الْمُوضِحَةُ فِي الْحَاجِبِ وَقَدْ ذَهَبَ شَعْرُ الْحَاجِبِ وَلَوْ ذَهَبَ سَمْعُهُ وَبَصَرُهُ فَلَا يَخْلُو إنْ كَانَتْ الشَّجَّةُ خَطَأً أَوْ عَمْدًا، فَإِنْ كَانَتْ خَطَأً لَا يَدْخُلُ أَرْشُ الْمُوضِحَةِ فِي دِيَةِ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ بَلْ يَجِبُ كِلَاهُمَا وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي النَّوَادِرِ أَنَّهُ قَالَ يَدْخُلُ أَرْشُ الشَّجَّةِ فِي دِيَةِ السَّمْعِ وَلَا يَدْخُلُ فِي دِيَةِ الْبَصَرِ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ السَّمْعِ الْأُذُنَانِ وَالْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْسِ حُكْمًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْسِ» فَصَارَتْ الْجِنَايَةُ وَاقِعَةً عَلَى عُضْوٍ وَاحِدٍ وَأَتْلَفَتْ شَيْئَيْنِ فَيَدْخُلُ الْأَقَلُّ فِي الْأَكْثَرِ، وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْجِنَايَةَ وَقَعَتْ عَلَى عُضْوَيْنِ؛ لِأَنَّ الْأُذُنَيْنِ لَيْسَتَا مِنْ الرَّأْسِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا وَلَكِنَّهُمَا جُعِلَا مِنْ الرَّأْسِ فِي حَقِّ حُكْمِ كُلِّ الْأَحْكَامِ حَتَّى لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى الْمَسْحِ عَلَى الْأُذُنَيْنِ لَمْ يَجُزْ عَنْ مَسْحِ الرَّأْسِ فَيَتَيَقَّنُ أَنَّ الْأُذُنَيْنِ مَعَ الرَّأْسِ عُضْوَانِ مُخْتَلِفَانِ مُتَبَايِنَانِ فِي حَقِّ الْجِنَايَةِ فَلَا يَدْخُلُ أَرْشُ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ، وَإِنْ ذَهَبَ عَقْلُهُ بِالشَّجَّةِ يَدْخُلُ أَرْشُ الْمُوضِحَةِ فِي دِيَةِ الْعَقْلِ خِلَافًا لِزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ وَالْحَسَنِ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ وَقَعَتْ عَلَى عُضْوَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، فَإِنَّ مَحَلَّ الشَّجَّةِ الرَّأْسُ وَمَحَلَّ الْعَقْلِ الصَّدْرُ فَكَانَ كَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالصَّحِيحُ قَوْلُنَا؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ وَقَعَتْ عَلَى عُضْوٍ وَاحِدٍ مَعْنًى؛ لِأَنَّ الْعَقْلَ وَإِنْ كَانَ نُورًا وَجَوْهَرًا مُضِيئًا فِي الصَّدْرِ يُبْصِرُ بِهِ الْإِنْسَانُ عَوَاقِبَ الْأُمُورِ وَحُسْنَ الْأَشْيَاءِ وَقُبْحَهَا إلَّا أَنَّ الدِّمَاغَ كَالْفَتِيلَةِ لِهَذَا النُّورِ يَقْوَى وَيَضْعُفُ بِقُوَّةِ الدِّمَاغِ وَضَعْفِهِ وَيَزُولُ وَيَذْهَبُ بِفَسَادِ الدِّمَاغِ فَإِنْ كَانَ الْعَقْلُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ لِتَعَلُّقِهِ بِالدِّمَاغِ بَقَاءً وَذَهَابًا فَكَانَتْ الْجِنَايَةُ وَاقِعَةً عَلَى عُضْوٍ وَاحِدٍ وَقَدْ أَتْلَفَتْ شَيْئَيْنِ فَيَدْخُلُ الْأَقَلُّ فِي الْأَكْثَرِ، وَأَمَّا الْبَصَرُ، فَإِنَّهُ يَنْظُرُ إلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ، فَإِنْ قَالُوا بِذَهَابِهِ وَجَبَتْ الدِّيَةُ، وَإِنْ قَالُوا لَا نَدْرِي تُعْتَبَرُ الدَّعْوَى وَالْإِنْكَارُ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الضَّارِبِ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ، وَأَمَّا الشَّمُّ فَيُخْتَبَرُ بِالرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ الْمُنْتِنَةِ، فَإِنْ ظَهَرَ فِيهِ تَغَيُّرٌ عُلِمَ أَنَّهُ كَاذِبٌ هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ خَطَأً، فَإِنْ كَانَتْ الشَّجَّةُ مُوضِحَةً عَمْدًا فَذَهَبَ سَمْعُهُ وَبَصَرُهُ أَوْ قَطَعَ إصْبَعًا فَتَلِفَتْ الْأُخْرَى بِجَنْبِهَا أَوْ قَطَعَ الْيَمِينَ فَشُلَّتْ الْيُسْرَى تَجِبُ دِيَةُ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَيَجِبُ أَرْشُ الْإِصْبَعَيْنِ وَالْيَدَيْنِ فِي مَالِهِ وَلَا يُقْتَصُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يُقْتَصُّ فِي الشَّجَّةِ وَالْقَطْعِ وَيَغْرَمُ دِيَةً أُخْرَى فِي مَالِهِ وَلَوْ شَجَّهُ مُوضِحَةً فَصَارَتْ مُنَقِّلَةً أَوْ كَسَرَ بَعْضَ سِنِّهِ فَاسْوَدَّ مَا بَقِيَ أَوْ قَطَعَ مِفْصَلًا فَشُلَّ مَا بَقِيَ ضَمِنَ الْأَرْشَ عِنْدَهُمَا وَلَا يُقْتَصُّ لَهُمَا أَنَّهُمَا لَاقَتَا مَحَلَّيْنِ مُتَبَايِنَيْنِ، فَإِنَّ الْفِعْلَ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِالْأَثَرِ فَيَتَقَدَّرُ بِتَقَدُّرِ الْأَثَرِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ رَمَى إلَى إنْسَانٍ فَأَصَابَهُ وَنَفَذَ مِنْهُ فَأَصَابَ آخَرَ، فَإِنَّهُ يَجِبُ الْقِصَاصُ لِلْأَوَّلِ وَالدِّيَةُ لِلثَّانِي وَكَذَا إذَا قَطَعَ إصْبَعًا فَاضْطَرَبَ السِّكِّينُ فَأَصَابَ إصْبَعًا أُخْرَى خَطَأً يُقْتَصُّ فِي الْأُولَى وَيَجِبُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 385 الْأَرْشُ فِي الثَّانِيَةِ، وَإِذَا صَارَتْ الْجِنَايَةُ بِمَنْزِلَةِ الْجِنَايَتَيْنِ ثُمَّ تَعَذَّرَتْ الشُّبْهَةُ فِي أَحَدِهِمَا إلَى الْأُخْرَى لَهُ أَنَّ السِّرَايَةَ لَا تَنْفَصِلُ إلَى الْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّ أَثَرَ الْجِنَايَةِ لَا يَنْفَصِلُ عَنْهَا فَيَكُونُ الْفِعْلُ مُعَدًّا لَهُ أَثَرَانِ فِي مَحَلَّيْنِ فِي شَخْصٍ وَاحِدٍ وَيُتَصَوَّرُ سِرَايَةُ الْجِنَايَةِ إلَى جَمِيعِ الْبَدَنِ فَيُتَصَوَّرُ سِرَايَتُهَا، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ آخِرُ الْفِعْلِ مُوجِبًا لِلْقِصَاصِ لَا يَكُونُ أَوَّلُهُ مُوجِبًا بِخِلَافِ الْمُسْتَشْهِدِ بِهِمَا؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَيْسَ مِنْ سِرَايَةِ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ سِرَايَةُ الْفِعْلِ مِنْ شَخْصٍ إلَى شَخْصٍ فَاخْتَلَفَ الْفِعْلُ بِاخْتِلَافِ الْمَحَلَّيْنِ فِي شَخْصَيْنِ وَلَوْ قَطَعَ إصْبَعًا فَسَقَطَتْ أُخْرَى إلَى جَنْبِهَا لَمْ يَجِبْ الْقِصَاصُ فِيهِمَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِمَا بَيَّنَّا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَجِبُ فِي الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَجَبَ الْقِصَاصُ فِيهِمَا رَوَاهُ ابْنُ سِمَاعَةَ؛ لِأَنَّ سِرَايَةَ الْفِعْلِ تُنْسَبُ إلَى الْفَاعِلِ وَيَجِبُ الْفِعْلُ مُبَاشِرًا لِلسِّرَايَةِ فَصَارَ كَمَا لَوْ بَاشَرَ إسْقَاطَهُمَا وَكَمَا لَوْ سَرَى إلَى النَّفْسِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَإِنْ ذَهَبَ سَمْعُهُ أَوْ بَصَرُهُ أَوْ كَلَامُهُ) أَيْ لَوْ شَجَّهُ مُوضِحَةً فَذَهَبَ أَحَدُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بِهَا لَا يَدْخُلُ أَرْشُ الْمُوضِحَةِ فِي أَرْشِ أَحَدِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ سَوَاءٌ كَانَتْ عَمْدًا أَوْ خَطَأً وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَدْخُلُ أَرْشُ الْمُوضِحَةِ فِي دِيَةِ السَّمْعِ وَالْكَلَامِ وَلَا يَدْخُلُ فِي دِيَةِ الْبَصَرِ؛ لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ فَلَا يُلْحَقُ بِالْعَقْلِ فَلَا يَدْخُلُ فِيهِ أَرْشُ الْمُوضِحَةِ، وَأَمَّا السَّمْعُ وَالْكَلَامُ فَبَاطِنَانِ فَيُلْحَقَانِ بِالْعَقْلِ فَيَدْخُلُ فِيهِمَا أَرْشُ الْمُوضِحَةِ كَمَا يَدْخُلُ فِي أَرْشِ الْعَقْلِ وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ بِفُرُوعِهِ وَلَهُمَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَنَافِعِ أَصْلٌ بِنَفْسِهَا فَيَتَعَدَّدُ حُكْمُ الْجِنَايَةِ بِتَعَدُّدِهَا وَلَا يَدْخُلُ بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِتَعَدُّدِ أَثَرِ الْفِعْلِ لَا لِاتِّحَادِ الْفِعْلِ بِخِلَافِ الْعَقْلِ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهُ تَعُودُ إلَى كُلِّ الْأَعْضَاءِ إذْ لَا يُنْتَفَعُ بِالْأَعْضَاءِ بِدُونِهِ فَصَارَ كَالنَّفْسِ قَالَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ قَالَ الْهِنْدُوَانِيُّ كُنَّا نُفَرِّقُ بِهَذَا الْفَرْقِ حَتَّى رَأَيْت مَا يَنْقُضُهُ وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ قَطَعَ يَدَهُ فَذَهَبَ عَقْلُهُ أَنَّ عَلَيْهِ دِيَةَ الْعَقْلِ وَأَرْشَ الْيَدِ بِلَا خِلَافٍ مِنْ أَحَدٍ وَلَوْ كَانَ زَوَالُ الْعَقْلِ كَزَوَالِ الرُّوحِ لَمَا وَجَبَ أَرْشُ الْيَدِ كَمَا لَوْ مَاتَ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْفَرْقِ أَنَّ الْجِنَايَةَ وَقَعَتْ عَلَى عُضْوٍ وَاحِدٍ فِي الْعَقْلِ وَوَقَعَتْ فِي السَّمْعِ وَالْبَصَرِ عَلَى عُضْوَيْنِ فَلَا يَدْخُلُ. اهـ. أَقُولُ: كَمَا يُنْتَقَضُ الْفَرْقُ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ بِالْمَسْأَلَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْهِنْدُوَانِيُّ كَذَلِكَ يُنْتَقَضُ مَا عَدَّهُ صَحِيحًا مِنْ الْفَرْقِ بِتِلْكَ الْمَسْأَلَةِ عُضْوًا مُغَايِرًا لِعُضْوِ الْيَدِ فَتَكُونُ الْجِنَايَةُ فِيهَا وَاقِعَةً عَلَى الْعُضْوَيْنِ بِذَلِكَ الِاعْتِبَارِ فَلَمْ يُعْتَبَرْ الْعَقْلُ فِي مَسْأَلَةِ الشَّجَّةِ أَيْضًا عُضْوًا مُغَايِرًا لِمَحَلِّ الشَّجَّةِ حَتَّى تَكُونَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ أَيْضًا بِذَلِكَ الِاعْتِبَارِ مِنْ قَبِيلِ مَا لَوْ وَقَعَتْ الْجِنَايَةُ عَلَى عُضْوَيْنِ فَلَا يَدْخُلُ الْأَرْشُ فِي الدِّيَةِ كَمَا فِي السَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَبِالْجُمْلَةِ مَا عَدَّهُ الْهِنْدُوَانِيُّ صَحِيحًا مِنْ الْفَرْقِ هُنَا لَا يَخْلُو عَنْ الِانْتِقَاضِ مِنْهُ أَيْضًا فَتَأَمَّلْ أَوْ نَقُولُ ذَهَابُ الْعَقْلِ فِي مَعْنَى تَبْدِيلِ النَّفْسِ وَإِلْحَاقُهُ بِالْبَهَائِمِ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْمَوْتِ وَلَا كَذَلِكَ سَائِرُ الْأَعْضَاءِ أَوْ نَقُولُ إنَّ الْعَقْلَ لَيْسَ لَهُ مَوْضِعٌ يُشَارُ إلَيْهِ فَصَارَ كَالرُّوحِ لِلْجَسَدِ وَقَالَ الْحَسَنُ أَرْشُ الْمُوضِحَةِ بِخِلَافِ الْمُوضِحَةِ مَعَ الشَّعْرِ وَالْحُجَّةُ عَلَى مَا بَيَّنَّا قَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ: وَوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ السَّمْعَ وَالْكَلَامَ مُبْطِنٌ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ قِيلَ يُرِيدُ بِهِ الْكَلَامَ النَّفْسِيَّ بِحَيْثُ لَا تَرْتَسِمُ فِيهِ الْمَعَانِي وَلَا يَقْدِرُ عَلَى نَظْمِ التَّكَلُّمِ، فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ ذَلِكَ كَانَ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذَهَابِ السَّمْعِ وَالْعَقْلِ عَسِرًا جِدًّا، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ التَّكَلُّمَ بِالْحُرُوفِ وَالْأَصْوَاتِ فَفِي جَعْلِهِ مُبْطِنًا نَظَرٌ. اهـ. أَقُولُ: يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ بِهِ هُوَ الثَّانِي وَالْمُرَادُ بِكَوْنِ السَّمْعِ وَالْكَلَامِ مُبْطَنَيْنِ كَوْنُ مَحَلِّهِمَا مَسْتُورًا غَائِبًا عَنْ الْحَسَنِ بِخِلَافِ الْبَصَرِ، فَإِنَّ مَحَلَّهُ ظَاهِرٌ مُشَاهَدٌ فَيَنْدَفِعُ النَّظَرُ كَمَا تَرَى. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ شَجَّهُ مُوضِحَةً فَذَهَبَتْ عَيْنَاهُ أَوْ قَطَعَ إصْبَعًا فَشُلَّتْ أُخْرَى أَوْ قَطَعَ الْمِفْصَلَ الْأَعْلَى فَشُلَّ مَا بَقِيَ أَوْ كُلُّ الْيَدِ أَوْ كَسَرَ نِصْفَ سِنِّهِ فَاسْوَدَّ مَا بَقِيَ فَلَا قَوَدَ) وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ مُطْلَقًا وَقَالَا يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي الْمُوضِحَةِ وَالدِّيَةُ فِي الْعَيْنَيْنِ فِيمَا إذَا شَجَّهُ مُوضِحَةً فَذَهَبَتْ عَيْنَاهُ وَكَذَا إذَا قَطَعَ إصْبَعًا فَشُلَّتْ أُخْرَى بِجَنْبِهَا يُقْتَصُّ لِلْأُولَى وَيَجِبُ الْأَرْشُ لِلْأُخْرَى وَعِنْدَهُ لَمَّا لَمْ يَجِبْ الْقِصَاصُ فِي الْعُضْوَيْنِ يَجِبُ أَرْشُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَامِلًا، وَإِنْ كَانَ عُضْوًا وَاحِدًا كَقَطْعِ الْإِصْبَعِ مِنْ الْمِفْصَلِ الْأَعْلَى فَشُلَّ مَا بَقِيَ مِنْهَا يُكْتَفَى بِأَرْشٍ وَاحِدٍ إنْ لَمْ يَنْتَفِعْ بِمَا بَقِيَ، وَإِنْ كَانَ يُنْتَفَعُ بِهِ يَجِبُ دِيَةُ الْمَقْطُوعِ وَتَجِبُ حُكُومَةُ عَدْلٍ فِي الْبَاقِي بِالْإِجْمَاعِ وَكَذَا إذَا كَسَرَ نِصْفَ السِّنِّ وَاسْوَدَّ مَا بَقِيَ أَوْ اصْفَرَّ أَوْ احْمَرَّ يَجِبُ السِّنُّ كُلُّهُ بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ قَالَ اقْطَعْ الْمِفْصَلَ الْأَعْلَى وَاتْرُكْ مَا بَقِيَ أَوْ قَالَ اكْسِرْ الْقَدْرَ الْمَكْسُورَ مِنْ السِّنِّ وَاتْرُكْ الْبَاقِيَ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ فِي نَفْسِهِ لَمْ يَقَعْ مُوجِبًا لِلْقَوَدِ فَصَارَ كَمَا إذَا شَجَّهُ مُنَقِّلَةً فَقَالَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 386 أَشُجُّهُ مُوضِحَةً وَأَتْرُكُ الْبَاقِيَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَالْأَصْلُ عِنْدَهُ أَنَّ الْفِعْلَ الْوَاحِدَ إذَا أَوْجَبَ مَالًا فِي الْبَعْضِ سَقَطَ الْقِصَاصُ سَوَاءٌ كَانَا عُضْوَيْنِ أَوْ عُضْوًا وَاحِدًا لَا يَجِبُ لَهُمَا وَفِي الْخُلَاصَةِ أَنَّ الْفِعْلَ فِي مَحَلَّيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فَيَكُونُ جِنَايَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ يَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ أَثَرِهِ فَصَارَ كَجِنَايَتَيْنِ مُبْتَدَأَتَيْنِ فَالشُّبْهَةُ فِي أَحَدِهِمَا لَا يَتَعَدَّى إلَى الْآخَرِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْجَزَاءَ بِالْمِثْلِ وَالْجُرْحُ الْأَوَّلُ سَارٍ وَلَيْسَ وَسِعَهُ السَّارِي فَيَسْقُطُ الْقِصَاصُ وَيَجِبُ الْمَالُ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ سَارٍ أَنَّ فِعْلَهُ أَثَّرَ فِي نَفْسٍ وَاحِدَةٍ. وَالسِّرَايَةُ عِبَارَةٌ عَنْ إيلَامٍ يَتَعَاقَبُ عَنْ الْجِنَايَةِ عَلَى الْبَدَنِ وَيَتَحَقَّقُ ذَلِكَ فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْهُمَا كَمَا يَتَحَقَّقُ فِي الْأَطْرَافِ مَعَ النَّفْسِ بِأَنْ مَاتَ مِنْ الْجِنَايَةِ بِخِلَافِ نَفْسَيْنِ، فَإِنَّ الْفِعْلَ فِي النَّفْسِ الثَّانِيَةِ مُبَاشَرَةٌ عَلَى حِدَةٍ لَيْسَ بِسِرَايَةِ الْأُولَى، أَوْ نَقُولُ إنَّ ذَهَابَ الْبَصَرِ وَنَحْوِهِ جُعِلَ بِطَرِيقِ التَّسَبُّبِ، فَإِنَّ الْفِعْلَ بَاقٍ عَلَى اسْمِهِ لَمْ يَتَغَيَّرْ وَالْأَصْلُ فِي سِرَايَةِ الْأَفْعَالِ أَنْ لَا يَبْقَى الْأَوَّلُ بَعْدَ حُدُوثِ السِّرَايَةِ كَالْقَطْعِ إذَا سَرَى إلَى النَّفْسِ صَارَ قَتْلًا فَلَمْ يَبْقَ قَطْعًا وَهَاهُنَا الشَّجَّةُ أَوْ الْقَطْعُ لَمْ يَنْعَدِمْ بِذَهَابِ الْبَصَرِ وَنَحْوِهِ فَكَانَ الْفِعْلُ الْأَوَّلُ تَسَبُّبًا إلَى فَوَاتِ الْبَصَرِ وَنَحْوِهِ بِمَنْزِلَةِ حَفْرِ الْبِئْرِ وَالتَّسَبُّبُ لَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَهِيَ مَا إذَا شَجَّهُ مُوضِحَةً فَذَهَبَ بَصَرُهُ أَنَّهُ يَجِبُ الْقِصَاصُ مِنْهُمَا رِوَايَةُ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْهُ. وَوَجْهُهُ أَنَّ سِرَايَةَ الْفِعْلِ اُنْتُسِبَ إلَى فَاعِلِهِ شَرْعًا حَتَّى يُجْعَلَ الْفَاعِلَ مُبَاشِرًا لِلسِّرَايَةِ فَيُؤْخَذُ بِهِ كَمَا لَوْ سَرَى إلَى النَّفْسِ فَإِنَّهُ يَجِبُ وَيُعْتَبَرُ قَتْلًا بِطَرِيقِ الْمُبَاشَرَةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَطَعَ إصْبَعًا فَشُلَّتْ بِجَنْبِهَا أُخْرَى أَوْ شَجَّهُ مُوضِحَةً فَذَهَبَ عَقْلُهُ أَوْ كَلَامُهُ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي السَّمْعِ وَالْكَلَامِ وَالشَّلَلِ لِعَدَمِ الْإِمْكَانِ وَفِي الْبَصَرِ يَجِبُ لِإِمْكَانِ الِاسْتِيفَاءِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَذْهَبَهُ وَحْدَهُ بِفِعْلٍ مَقْصُودٍ مِنْهُ يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي الْبَصَرِ دُونَ الشَّلَلِ وَالسَّمْعِ وَالْكَلَامِ فَافْتَرَقَا وَلَوْ كَسَرَ بَعْضَ السِّنِّ فَسَقَطَتْ فَفِيهَا الْقِصَاصُ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ وَعَلَى الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ لَا قِصَاصَ فِيهَا وَلَوْ شَجَّهُ فَأَوْضَحَهُ ثُمَّ شَجَّهُ أُخْرَى فَأَوْضَحَهُ فَتَكَامَلَتَا حَتَّى صَارَتَا شَيْئًا وَاحِدًا فَلَا قِصَاصَ فِيهِمَا كَمَا فِي الْمَشْهُورِ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ يَجِبُ الْقِصَاصُ وَالْوَجْهُ فِيهِمَا مَا بَيَّنَّاهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَإِنْ قَلَعَ سِنَّهُ فَنَبَتَ مَكَانَهَا أُخْرَى سَقَطَ الْأَرْشُ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا عَلَيْهِ الْأَرْشُ كَامِلًا؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ وَقَعَتْ مُوجِبَةً لَهُ وَاَلَّتِي نَبَتَتْ نِعْمَةٌ مُبْتَدَأَةٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى فَصَارَ كَمَا لَوْ أَتْلَفَ مَالَ إنْسَانٍ فَحَصَلَ لِلْمُتْلَفِ عَلَيْهِ مَالٌ آخَرُ وَلِهَذَا يُسْتَأْنَى حَوْلًا بِالْإِجْمَاعِ أَيْ يُؤَجَّلُ سَنَةً بِالْإِجْمَاعِ وَذَكَرَ فِي التَّتِمَّةِ أَنَّ سِنَّ الْبَالِغِ إذَا سَقَطَ يُنْتَظَرُ حَتَّى يَبْرَأَ مَوْضِعُ السِّنِّ لَا الْحَوْلُ هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ نَبَاتَ سِنِّ الْبَالِغِ نَادِرٌ فَلَا يُفِيدُ التَّأْجِيلَ إلَّا أَنَّ قَبْلَ الْبُرْءِ لَا يُقْتَصُّ وَلَا يُؤْخَذُ الْأَرْشُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي عَاقِبَتَهُ. اهـ. قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بَعْدَ نَقْلِ ذَلِكَ إجْمَالًا وَذَلِكَ لَيْسَ بِظَاهِرٍ، وَإِنَّمَا الظَّاهِرُ مَا قَالُوهُ؛ لِأَنَّ الْحَوْلَ يَشْتَمِلُ عَلَى الْفُصُولِ الْأَرْبَعَةِ وَلَهَا تَأْثِيرٌ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِبَدَنِ الْإِنْسَانِ فَكُلُّ فَصْلٍ مِنْهَا يُوَافِقُ مِزَاجَ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فَيُؤَثِّرُ فِي إنْبَاتِهِ قَالَ وَلَكِنَّ قَوْلَهُ بِالْإِجْمَاعِ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا قَالَ: الِاسْتِيفَاءُ حَوْلًا مِنْ فَصْلِ الْقَلْعِ فِي الْبَالِغِ وَالصَّغِيرِ جَمِيعًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الْجِرَاحَاتِ كُلِّهَا يُسْتَأْنَى حَوْلًا وَهُوَ كَمَا تَرَى يُنَافِي الْإِجْمَاعَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَإِنْ أُقِيدَ فَنَبَتَتْ سِنُّ الْأَوَّلِ تَجِبُ الدِّيَةُ) مَعْنَاهُ إذَا قَلَعَ سِنَّ رَجُلٍ فَأُقِيدَ أَيْ أُقْتَصُّ مِنْ الْقَالِعِ ثُمَّ نَبَتَ سِنُّ الْأَوَّلِ الْمُقْتَصِّ لَهُ يَجِبُ عَلَى الْمُقْتَصِّ لَهُ أَرْشُ سِنِّ الْمُقْتَصِّ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ اسْتَوْفَى بِغَيْرِ حَقٍّ؛ لِأَنَّ الْمُوجِبَ فَسَادُ الْمَنْبَتِ وَلَمْ يَفْسُدْ حَيْثُ نَبَتَ مَكَانَهَا أُخْرَى فَانْعَدَمَتْ الْجِنَايَةُ وَلِهَذَا يُسْتَأْنَى حَوْلًا وَيَنْبَغِي أَنْ يَنْظُرَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ الْقِصَاصِ خَوْفًا مِنْ مِثْلِهِ إلَّا أَنَّ فِي اعْتِبَارِ ذَلِكَ تَضْيِيعَ الْحُقُوقِ فَاكْتَفَيْنَا بِالْحَوْلِ؛ لِأَنَّهُ يَنْبُتُ فِيهِ ظَاهِرًا عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ الْفَسَادِ، فَإِذَا مَضَى الْحَوْلُ وَلَمْ تَنْبُتْ فِيهِ قَضَيْنَا بِالْقِصَاصِ ثُمَّ إذَا تَبَيَّنَ أَنَّا أَخْطَأْنَا فِيهِ كَانَ الِاسْتِيفَاءُ بِغَيْرِ حَقٍّ إلَّا أَنَّ الْقِصَاصَ سَقَطَ لِلشُّبْهَةِ فَيَجِبُ الْمَالُ وَلَوْ ضَرَبَ سِنَّ إنْسَانٍ فَتَحَرَّكَتْ يُسْتَأْنَى حَوْلًا لِيَظْهَرَ فِعْلُهُ، فَإِنْ سَقَطَتْ سِنُّهُ وَاخْتَلَفَا قَبْلَ الْحَوْلِ فَالْقَوْلُ لِلْمَضْرُوبِ لِتَيَقُّنِ التَّأْجِيلِ بِخِلَافِ مَا لَوْ شَجَّهُ مُوضِحَةً ثُمَّ جَاءَ وَقَدْ صَارَتْ مُنَقِّلَةً حَيْثُ يَكُونُ الْقَوْلُ لِلضَّارِبِ؛ لِأَنَّ الْمُوضِحَةَ لَا تُورِثُ الْمُنَقِّلَةَ وَالتَّحْرِيكُ يُورِثُ السُّقُوطَ وَلَوْ اخْتَلَفَا بَعْدَ الْقَوْلِ كَانَ الْقَوْلُ لِلضَّارِبِ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ وَقَصْد مُضِيَّ الْأَجَلِ الَّذِي ضُرِبَ لِلثَّانِي وَلَوْ لَمْ يَسْقُطْ فَلَا شَيْءَ لِلضَّارِبِ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي حُصُولِ الِاسْوِدَادِ بِضَرْبِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الضَّارِبِ قِيَاسًا؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُنْكِرُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الضَّرْبِ الِاسْوِدَادُ فَصَارَ إنْكَارُهُ لَهُ كَإِنْكَارِهِ أَصْلَ الْفِعْلِ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمَضْرُوبِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 387 لِأَنَّ مَا يَظْهَرُ عَقِيبَ فِعْلٍ مِنْ الْأَثَرِ يُحَالُ عَلَى الْفِعْلِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ السَّبَبُ الظَّاهِرُ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الضَّارِبُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ بِغَيْرِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ شَجَّ رَجُلًا فَالْتَحَمَ وَلَمْ يَبْقَ لَهُ أَثَرٌ أَوْ ضَرَبَ فَجَرَحَ فَبَرَأَ أَوْ ذَهَبَ أَثَرُهُ فَلَا أَرْشَ) وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَيْهِ أَرْشُ الْأَلَمِ وَهُوَ حُكُومَةُ عَدْلٍ؛ لِأَنَّ الشَّيْنَ الْمُوجِبَ إنْ زَالَ فَالْأَلَمُ الْحَاصِلُ لَمْ يَزُلْ وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَيْهِ أُجْرَةُ الطَّبِيبِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَثَرُ فِعْلِهِ فَكَانَ لَهُ أَخْذُ ذَلِكَ مِنْ مَالِهِ وَإِعْطَاؤُهُ الطَّبِيبَ وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ فَسَّرَ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ عَلَيْهِ أَرْشُ الْأَلَمِ بِأُجْرَةِ الطَّبِيبِ وَالْمُدَاوَاةِ فَعَلَى هَذَا الِاخْتِلَافُ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْمُوجِبَ هُوَ الشَّيْنُ الَّذِي يَلْحَقُهُ بِفِعْلِهِ وَزَوَالُ مَنْفَعَتِهِ وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ بِزَوَالِ أَثَرِهِ وَالْمَنَافِعُ لَا تَتَقَوَّمُ إلَّا بِالْعَقْدِ كَالْإِجَارَةِ وَالْمُضَارَبَةِ الصَّحِيحَيْنِ أَوْ مَا يُشْبِهُ الْعَقْدَ كَالْفَاسِدِ مِنْهُمَا وَلَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْجَانِي فَلَا يَلْزَمُ الْغَرَامَةُ وَكَذَلِكَ مُجَرَّدُ الْأَلَمِ لَا يُوجِبُ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ لَا قِيمَةَ لَهُ بِمُجَرَّدِ الْأَلَمِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ ضَرَبَ إنْسَانًا ضَرْبًا مُؤْلِمًا مِنْ غَيْرِ جُرْحٍ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْأَرْشِ وَكَذَا لِأَنَّهُ لَوْ شَتَمَهُ شَتْمًا يُؤْلِمُ نَفْسَهُ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا قَوَدَ بِجُرْحٍ حَتَّى يَبْرَأَ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُقْتَصُّ مِنْهُ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ الْمُوجِبَ قَدْ تَحَقَّقَ فَلَا يُؤَخَّرُ كَمَا فِي الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ وَلَنَا مَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نَهَى أَنْ يُقْتَصَّ مِنْ جُرْحٍ حَتَّى يَبْرَأَ صَاحِبُهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَلِأَنَّ الْجِرَاحَاتِ يُعْتَبَرُ فِيهَا مَآلُهُمَا لِاحْتِمَالِ أَنْ تَسْرِيَ إلَى النَّفْسِ فَيَظْهَرَ أَنَّهُ قَتْلٌ فَلَا يُعْلَمُ أَنَّهُ جُرْحٌ إلَّا بِالْبُرْءِ فَيَسْتَقِرُّ بِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكُلُّ عَمْدٍ سَقَطَ فِيهِ قَوَدُهُ لِشُبْهَةٍ كَقَتْلِ الْأَبِ ابْنَهُ عَمْدًا فَفِيهِ دِيَةٌ فِي مَالِ الْقَاتِلِ وَكَذَا مَا وَجَبَ صُلْحًا أَوْ اعْتِرَافًا أَوْ لَمْ يَكُنْ نِصْفَ الْعُشْرِ) أَيْ نِصْفَ عُشْرِ الدِّيَةِ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا «لَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ عَمْدًا وَلَا عَبْدًا وَلَا صُلْحًا وَلَا اعْتِرَافًا» وَلِأَنَّ الْعَاقِلَةَ تَتَحَمَّلُ عَنْ الْقَاتِلِ تَخْفِيفًا عَنْهُ وَذَلِكَ يَلِيقُ بِالْمُخْطِئِ؛ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ دُونَ الْمُتَعَمِّدِ؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ التَّغْلِيظَ وَاَلَّذِي وَجَبَ بِالصُّلْحِ إنَّمَا وَجَبَ بِعَقْدِهِ وَالْعَاقِلَةُ لَا تَتَحَمَّلُ مَا يَجِبُ بِالْعَقْدِ، وَإِنَّمَا تَتَحَمَّلُ مَا يَجِبُ بِالْقَتْلِ وَكَذَا مَا لَزِمَهُ بِالْإِقْرَارِ لَا تَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ؛ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةً عَلَى نَفْسِهِ دُونَ عَاقِلَتِهِ فَيَلْزَمُهُ دُونَهُمْ، وَإِنَّمَا لَا تَتَحَمَّلُ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ عُشْرِ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤَدِّي إلَى الْإِجْحَافِ وَالِاسْتِئْصَالِ بِالْجَانِي وَالتَّأْجِيلِ تَحَرُّزًا عَنْهُ فَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ ثُمَّ الْكُلُّ يَجِبُ مُؤَجَّلًا إلَى ثَلَاثِ سِنِينَ إلَّا مَا وَجَبَ بِالصُّلْحِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ حَالًّا؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ بِالْعَقْدِ فَيَكُونُ حَالًّا بِخِلَافِ غَيْرِهِ وَمَا دُونَهُ أَرْشُ الْمُوضِحَةِ يَجِبُ فِي سَنَةٍ لَا مَا دُونَ ثُلُثِ الدِّيَةِ وَالثُّلُثُ وَمَا دُونَهُ يَجِبُ فِي سَنَةٍ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا وَجَبَ بِقَتْلِ الْأَبِ ابْنَهُ يَجِبُ حَالًّا؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ سَقَطَ شَرْعًا إلَى بَدَلٍ فَيَكُونُ ذَلِكَ الْبَدَلُ حَالًّا كَسَائِرِ الْمُتْلِفَاتِ وَلَنَا أَنَّ الْمُتْلِفَ لَيْسَ بِمَالٍ وَمَا لَيْسَ بِمَالٍ لَا يُضْمَنُ بِالْمَالِ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقِيمَةٍ إذْ لَا تَقُومُ مَقَامَهُ وَقِيمَةُ الشَّيْءِ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ، وَإِنَّمَا عَرَفْنَا تَقَوُّمَهُ بِالْمَالِ بِالشَّرْعِ وَالشَّرْعُ إنَّمَا قَوَّمَهُ بِدِيَةٍ مُؤَجَّلَةٍ إلَى ثَلَاثِ سِنِينَ وَإِيجَابُ الْمَالِ حَالًّا زِيَادَةٌ عَلَى مَا أَوْجَبَهُ الشَّرْعُ وَصْفًا كَمَا لَا يَجُوزُ إيجَابُ الزِّيَادَةِ عَلَى مَا أَوْجَبَهُ الشَّرْعُ قَدْرًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَمْدُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ خَطَأٌ وَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَلَا تَكْفِيرَ فِيهِ وَلَا حِرْمَانَ فِيهِ) أَيْ عَنْ الْمِيرَاثِ، وَالْمَعْتُوهُ كَالصَّبِيِّ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَمْدُهُ عَمْدٌ فَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّ الْعَمْدَ هُوَ الْقَصْدُ وَهُوَ ضِدُّ الْخَطَأِ فَمَنْ يَتَحَقَّقُ مِنْهُ الْخَطَأُ يَتَحَقَّقُ مِنْهُ الْعَمْدُ وَلِهَذَا يُؤَدَّبُ وَيُعَزَّرُ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ الْقِصَاصُ إلَّا أَنَّهُ سَقَطَ لِلشُّبْهَةِ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْعُقُوبَةِ فَيَجِبُ عَلَيْهِمْ مُوجَبُهُ الْآخَرُ وَهُوَ الْمَالُ؛ لِأَنَّهُمْ أَهْلٌ لِوُجُوبِهِ عَلَيْهِمْ فَصَارَ نَظِيرَ السَّرِقَةِ، فَإِنَّهُمْ إذَا سَرَقُوا لَا يَقْطَعُ أَيْدِيَهُمْ وَيَجِبُ عَلَيْهِمْ ضَمَانُ الْمَالِ الْمَسْرُوقِ لِمَا قُلْنَا وَلِهَذَا وَجَبَ عَلَيْهِمْ التَّكْفِيرُ بِالْمَالِ؛ لِأَنَّهُ أَهْلٌ لِفَوَاتِ الْمَالِيَّةِ دُونَ الصَّوْمِ لِعَدَمِ الْخِطَابِ وَكَذَا يَحْرُمُ الْمِيرَاثُ عِنْدَهُ بِالْقَتْلِ وَلَنَا أَنَّ مَجْنُونًا صَالَ عَلَى رَجُلٍ بِسَيْفٍ فَضَرَبَهُ فَرُفِعَ ذَلِكَ إلَى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَجَعَلَ عَقْلَهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَقَالَ عَمْدُهُ وَخَطَؤُهُ سَوَاءٌ وَلِأَنَّ الصَّبِيَّ مَظِنَّةُ الْمَرْحَمَةِ «قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَلَمْ يُوَقِّرْ كَبِيرَنَا فَلَيْسَ مِنَّا» وَالْعَاقِلُ الْمُخْطِئُ لَمَّا اسْتَحَقَّ التَّخْفِيفَ حَتَّى وَجَبَتْ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ فَهَؤُلَاءِ أَوْلَى بِهَذَا التَّخْفِيفِ فَيَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ إذَا كَانَ الْوَاجِبُ قَدْرَ نِصْفِ الْعُشْرِ أَوْ أَكْثَرَ بِخِلَافِ مَا دُونَهُ؛ لِأَنَّهُ يَسْلُكُ بِهِ مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ كَمَا فِي الْبَالِغِ الْعَاقِلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ الْعَمْدُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ الْقَصْدِ وَهُوَ يَتَرَتَّبُ عَلَى الْعِلْمِ وَالْعِلْمُ بِالْعَقْلِ وَهَؤُلَاءِ عُدِمُوا الْعَقْلَ فَكَيْفَ يَتَحَقَّقُ مِنْهُمْ الْقَصْدُ وَصَارُوا كَالنَّائِمِ وَحِرْمَانُ الْإِرْثِ عُقُوبَةٌ وَهُمْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 388 لَيْسُوا مِنْ أَهْلِهَا وَالْكَفَّارَةُ كَاسْمِهَا سَاتِرَةٌ وَلَا ذَنْبَ لَهُمْ تَسْتُرُهُ؛ لِأَنَّهُمْ مَرْفُوعٌ عَنْهُمْ الْقَلَمُ وَلِأَنَّ الْكَفَّارَةَ دَائِرَةٌ بَيْنَ الْعِبَادَةِ وَالْعُقُوبَةِ يَعْنِي أَنَّ فِيهَا مَعْنَى الْعِبَادَةِ وَمَعْنَى الْعُقُوبَةِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ عِبَادَةٌ وَلَا عُقُوبَةٌ وَكَذَا سَبَبُ الْكَفَّارَةِ تَكُونُ دَائِرَةً بَيْنَ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ لِكَوْنِ الْعُقُوبَةِ مُتَعَلِّقَةً بِالْحَظْرِ وَفِعْلُهُمْ لَا يُوصَفُ بِالْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّهَا اسْمٌ لِفِعْلٍ مَحْظُورٍ وَكُلُّ ذَلِكَ يُنْبِئُ عَنْ الْخِطَابِ وَهُمْ لَيْسُوا بِمُخَاطَبِينَ فَكَيْفَ تَجِبُ عَلَيْهِمْ الْكَفَّارَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَصْلٌ فِي الْجَنِينِ] (فَصْلٌ فِي الْجَنِينِ) لَمَّا ذَكَرَ أَحْكَامَ الْجِنَايَةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْآدَمِيِّ شَرَعَ فِي بَيَانِ أَحْكَامِهَا الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْآدَمِيِّ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ وَهُوَ الْجَنِينُ بَيَانُ ذَلِكَ مَا ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي أُصُولِهِ أَنَّ الْجَنِينَ مَا دَامَ مُجْتَنًّا فِي الْبَطْنِ لَيْسَ لَهُ ذِمَّةٌ صَالِحَةٌ لِكَوْنِهِ فِي حُكْمِ جُزْءٍ مِنْ الْأُمِّ لَكِنَّهُ مُنْفَرِدٌ بِالْحَيَاةِ بَعْدُ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَفْسًا لَهُ ذِمَّةٌ فَبِاعْتِبَارِ هَذَا الْوَجْهِ يَكُونُ أَهْلًا لِوُجُوبِ الْحَقِّ لَهُ مِنْ عِتْقٍ أَوْ إرْثٍ أَوْ نَسَبٍ أَوْ وَصِيَّةٍ وَبِاعْتِبَارِ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لَا يَكُونُ أَهْلًا لِوُجُوبِ الْحَقِّ عَلَيْهِ فَأَمَّا بَعْدَمَا يُولَدُ فَلَهُ ذِمَّةٌ صَالِحَةٌ وَلِهَذَا لَوْ انْقَلَبَ عَلَى مَالِ إنْسَانٍ أَتْلَفَهُ يَكُونُ ضَامِنًا لَهُ وَيَلْزَمُهُ مَهْرُ امْرَأَتِهِ بِعَقْدِ الْوَلِيِّ، جَنِينٌ عَلَى وَزْنِ فَعِيلٍ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ وَهِيَ مَجْنُونٌ أَيْ مَسْتُورٌ مِنْ جَنَّهُ إذَا سَتَرَهُ مِنْ بَابِ طَلَبَ وَالْجَنِينُ اسْمٌ لِلْوَلَدِ فِي بَطْنِ أُمِّهِ مَا دَامَ فِيهِ وَالْجَمْعُ أَجِنَّةٌ، فَإِذَا وُلِدَ يُسَمَّى وَلَيَدًا ثُمَّ رَضِيعًا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ضَرَبَ بَطْنَ امْرَأَةٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا تَجِبُ غُرَّةُ نِصْفِ عُشْرِ الدِّيَةِ) الْغُرَّةُ الْخِيَارُ غُرَّةُ الْمَالِ خِيَارُهُ كَالْفَرَسِ وَالْبَعِيرِ الْبَخْتِ وَالْعَبْدِ وَالْأَمَةِ أَلْفَا دِرْهَمٍ وَقِيلَ: إنَّمَا سُمِّيَ مَا يَجِبُ فِي الْجَنِينِ غُرَّةً؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ مِقْدَارٍ ظَهَرَ فِي بَابِ الدِّيَةِ وَغُرَّةُ الشَّيْءِ أَوَّلُهُ كَمَا سُمِّيَ أَوَّلُ الشَّهْرِ غُرَّةً وَسُمِّيَ وَجْهُ الْإِنْسَانِ غُرَّةً؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ شَيْءٍ يَظْهَرُ مِنْهُ وَالْمُرَادُ بِنِصْفِ عُشْرِ الدِّيَةِ دِيَةُ الرَّجُلِ لَوْ كَانَ الْجَنِينُ ذَكَرًا وَفِي الْأُنْثَى دِيَةُ عُشْرِ الْمَرْأَةِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا خَمْسُمِائَةٍ دِرْهَمٍ. وَلِهَذَا لَمْ يُبَيِّنْ فِي الْمُخْتَصَرِ أَنَّهُ ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى؛ لِأَنَّ دِيَةَ الْمَرْأَةِ نِصْفُ دِيَةِ الرَّجُلِ فَالْعُشْرُ مِنْ دِيَتِهَا قَدْرُ نِصْفِ الْعُشْرِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجِبَ شَيْءٌ فِي الْجَنِينِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ جِنَايَةً وَالظَّاهِرُ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً لِلِاسْتِحْقَاقِ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ فِي جَنِينِ الْبَهِيمَةِ إلَّا نُقْصَانُ الْأُمِّ إنْ نَقَصَتْ وَإِلَّا فَلَا يَجِبُ شَيْءٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجِبَ كَمَالُ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ بِضَرْبِهِ مَنَعَ حُدُوثَ الْحَيَاةِ فِيهِ فَيَكُونُ بِذَلِكَ كَالْمُزْهِقِ لِلرُّوحِ وَلِهَذَا الْمَعْنَى وَجَبَتْ قِيمَةُ وَلَدِ الْمَغْرُورِ، فَإِنَّهُ مَنَعَ مِنْ حُدُوثِ الرِّقِّ فِيهِ وَكَذَلِكَ وَجَبَ عَلَى الْمُحْرِمِ قِيمَةُ بَيْضِ الصَّيْدِ فِي كَسْرِهِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ مَا رُوِيَ «أَنَّ امْرَأَةً مِنْ هُذَيْلٍ ضَرَبَتْ بَطْنَ امْرَأَةٍ بِحَجَرٍ فَقَتَلَتْهَا وَمَا فِي بَطْنِهَا فَاخْتَصَمُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَضَى أَنَّ دِيَةَ جَنِينِهَا غُرَّةُ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ قِيمَتُهُ خَمْسُمِائَةٍ» كَذَا وَجَدْته بِخَطِّ شَيْخِي وَفِي الْمُنْتَقَى رَجُلٌ ضَرَبَ بَطْنَ امْرَأَتِهِ فَأَلْقَتْ جَنِينًا حَيًّا ثُمَّ مَاتَ ثُمَّ أَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا ثُمَّ مَاتَتْ الْأُمُّ بَعْدَ ذَلِكَ وَلِلرَّجُلِ الضَّارِبِ بِنْتٌ مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الْمَرْأَةِ وَلَيْسَ لَهُ وَلَدٌ مِنْ هَذِهِ الَّتِي وَلَدَتْ وَلَهَا إخْوَةٌ مِنْ أَبِيهَا وَأُمِّهَا فَعَلَى عَاقِلَةِ الْأَبِ دِيَةُ الْوَلَدِ الَّذِي وَقَعَ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ تَرِثُ مِنْ ذَلِكَ أُمُّهُ السُّدُسَ وَمَا بَقِيَ فَلِأُخْتِ هَذَا الْوَلَدِ مِنْ أَبِيهِ وَعَلَى وَالِدِهِ كَفَّارَتَانِ فِي الْوَلَدِ الْوَاقِعِ حَيًّا وَكَفَّارَةٌ فِي أُمِّهِ وَالْوَلَدُ الَّذِي سَقَطَ مَيِّتًا فَفِيهِ غُرَّةٌ عَلَى عَاقِلَةِ الْأَبِ خَمْسُمِائَةٍ وَيَكُونُ لِلْأُمِّ مِنْ ذَلِكَ السُّدُسُ أَيْضًا وَمَا بَقِيَ فَلِأُخْتِ هَذَا الْوَلَدِ مِنْ أَبِيهِ أَيْضًا فَلَوْ كَانَ الرَّجُلُ ضَرَبَ بَطْنَهَا بِالسَّيْفِ عَمْدًا فَقَطَعَ الْبَطْنَ وَوَقَعَ أَحَدُ الْوَلَدَيْنِ حَيًّا وَبِهِ جِرَاحَةُ السَّيْفِ ثُمَّ مَاتَ وَوَقَعَ الْآخَرُ مَيِّتًا وَبِهِ جِرَاحَةُ السَّيْفِ أَيْضًا ثُمَّ مَاتَتْ الْأُمُّ مِنْ ذَلِكَ فَعَلَى الرَّجُلِ الْقَوَدُ فِي الْأُمِّ وَعَلَى عَاقِلَتِهِ دِيَةُ الْوَلَدِ الْحَيِّ وَغُرَّةُ الْجَنِينِ الْمَيِّتِ. قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَأَطْلَقَ فِي قَوْلِهِ امْرَأَةٌ قَالَ فِي السِّرَاجِيَّةِ فَشَمَلَ الْحُرَّةَ مُسْلِمَةً كَانَتْ أَوْ كَافِرَةً وَيَكُونُ بَدَلُ الْجَنِينِ بَيْنَ الْوَرَثَةِ وَفِي الْكَافِي هَذَا إذَا تَبَيَّنَ خَلْقُهُ أَوْ بَعْضُ خَلْقِهِ وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ أَوْ كَانَتْ أَمَةً عُلِّقَتْ مِنْ سَيِّدِهَا وَالْكَفَّارَةُ فِي الْجَنِينِ تَجِبُ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَوْ أَلْقَتْ جَنِينَيْنِ تَجِبُ غُرَّتَانِ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا خَرَجَ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ وَالْآخَرُ خَرَجَ مَيِّتًا تَجِبُ غُرَّةٌ وَدِيَةٌ وَعَلَى الضَّارِبِ الْكَفَّارَةُ، وَإِنْ مَاتَتْ الْأُمُّ ثُمَّ خَرَجَ الْجَنِينَانِ تَجِبُ دِيَةُ الْأُمِّ وَحْدَهَا إلَّا إذَا خَرَجَ الْجَنِينَانِ ثُمَّ مَاتَا تَجِبُ عَلَيْهِ ثَلَاثُ دِيَاتٍ فَاعْتُبِرَ عَلَى هَذَا الْقِيَاسِ، وَإِنْ كَانَ فِي بَطْنِهَا جَنِينَانِ فَخَرَجَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ مَوْتِ الْأُمِّ وَخَرَجَ الْآخَرُ بَعْدَ مَوْتِ الْأُمِّ وَهُمَا مَيِّتَانِ تَجِبُ الْغُرَّةُ فِي الَّذِي خَرَجَ قَبْلَ مَوْتِ الْأُمِّ وَلَا يَرِثُ مِنْ دِيَةِ أُمِّهِ شَيْئًا وَتَرِثُ الْأُمُّ مِنْ دِيَتِهِ وَالْجَنِينُ الْآخَرُ وَهُوَ الَّذِي خَرَجَ بَعْدَ مَوْتِ أُمِّهِ لَا يَرِثُ مِنْ أَحَدٍ وَلَا يُورَثُ عَنْهُ قَالَ: وَإِنْ كَانَ الَّذِي خَرَجَ بَعْدَ مَوْتِ الْأُمِّ خَرَجَ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 389 فَفِيهِ الدِّيَةُ كَامِلَةً وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَوْ خَرَجَ الْوَلَدُ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ تَجِبُ دِيَتَانِ قَالَ وَيَرِثُ هَذَا الْجَنِينُ مِنْ دِيَةِ أُمِّهِ وَهَلْ يَرِثُ هَذَا الْجَنِينُ الْأَوَّلُ وَهُوَ الَّذِي خَرَجَ مَيِّتًا قَبْلَ مَوْتِ الْأُمِّ يُنْظَرُ إنْ كَانَ الْآخَرُ حَيًّا لَا يَرِثُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَيًّا يَرِثُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَلْقَتْهُ حَيًّا فَمَاتَ فَدِيَةٌ) أَيْ تَجِبُ دِيَةٌ كَامِلَةٌ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ آدَمِيًّا خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ فَتَجِبُ فِيهِ الدِّيَةُ كَامِلَةً قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ أَلْقَتْ مَيِّتًا فَمَاتَتْ الْأُمُّ فَدِيَةٌ وَغُرَّةٌ) لِمَا رَوَيْنَا وَلِأَنَّهُمَا جِنَايَتَانِ فَيَجِبُ فِيهِمَا مُوجِبُهُمَا وَهَذَا لِمَا عُرِفَ أَنَّ الْفِعْلَ يَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ دَائِرِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا رَمَى فَأَصَابَ شَخْصًا وَنَفَذَتْ مِنْهُ إلَى آخَرَ فَقَتَلَهُ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ دِيَتَانِ إنْ كَانَ خَطَأً، وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ عَمْدًا يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي الْأَوَّلِ وَفِي الثَّانِي الدِّيَةُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ مَاتَتْ فَأَلْقَتْهُ مَيِّتًا فَدِيَةٌ فَقَطْ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تَجِبُ الْغُرَّةُ مَعَ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ الْجَنِينَ مَاتَ بِضَرْبَتِهِ ظَاهِرًا فَصَارَ كَمَا إذَا أَلْقَتْهُ مَيِّتًا وَهِيَ بِالْحَيَاةِ وَلَنَا أَنَّ مَوْتَ الْأُمِّ سَبَبٌ لِمَوْتِهِ ظَاهِرًا؛ لِأَنَّ حَيَاتَهُ بِحَيَاتِهَا وَتَنَفُّسَهُ بِتَنَفُّسِهَا فَيَتَحَقَّقُ بِمَوْتِهَا فَلَا يَكُونُ فِي مَعْنَى مَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ إذْ الِاحْتِمَالُ فِيهِ أَقَلُّ فَلَا يَجِبُ شَيْءٌ بِالشَّكِّ، وَإِنْ أَلْقَتْهُ حَيًّا بَعْدَمَا مَاتَتْ تَجِبُ دِيَتَانِ دِيَةُ الْأُمِّ وَدِيَةُ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ كَمَا إذَا أَلْقَتْهُ حَيًّا وَمَاتَتْ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَا يَجِبُ فِيهِ يُورَثُ عَنْهُ وَلَا يَرِثُ الضَّارِبُ فَلَوْ ضَرَبَ بَطْنَ امْرَأَتِهِ فَأَلْقَتْ ابْنَهُ مَيِّتًا فَعَلَى عَاقِلَةِ الْأَبِ غُرَّةٌ وَلَا يَرِثُ مِنْهَا) ، وَإِنَّمَا يُورَثُ؛ لِأَنَّهُ نَفْسٌ مِنْ وَجْهٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَالْغُرَّةُ بَدَلُهُ فَيَرِثُهَا وَارِثُهُ وَلَا يَرِثُ الضَّارِبُ مِنْ الْغُرَّةِ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ قَاتِلٌ مُبَاشَرَةً ظُلْمًا وَلَا مِيرَاثَ لِلْقَاتِلِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي جَنِينِ الْأَمَةِ لَوْ ذَكَرًا نِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهِ لَوْ كَانَ حَيًّا وَعُشْرُ قِيمَتِهِ لَوْ أُنْثَى) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجِبُ فِيهِ عُشْرُ قِيمَةِ الْأُمِّ؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ وَجْهٍ وَضَمَانُ الْأَجْزَاءِ يَوْمَئِذٍ بِمِقْدَارِهَا مِنْ الْأَصْلِ وَلِهَذَا وَجَبَ فِي جَنِينِ الْحُرَّةِ عُشْرُ دِيَتِهَا بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ الْغُرَّةُ وَلَنَا أَنَّهُ بَدَلُ نَفْسِهِ فَلَا يُقَدَّرُ بِغَيْرِهِ إذْ لَا نَظِيرَ لَهُ فِي الشَّرْعِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ بَدَلُ نَفْسِهِ أَنَّ الْأُمَّةَ أَجْمَعَتْ عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ نُقْصَانُ الْأَصْلِ وَلَوْ كَانَ ضَمَانُ الطَّرَفِ لَمَا وَجَبَ إلَّا عِنْدَ نُقْصَانِ الْأَصْلِ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ مَا يَجِبُ فِي جَنِينِ الْحُرَّةِ مَوْرُوثٌ وَلَوْ كَانَ بَدَلَ الطَّرَفِ لِمَا وُرِثَ وَالْحُرُّ وَالْعَبْدُ لَا يَخْتَلِفَانِ فِي ضَمَانِ الطَّرَفِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُورَثُ، وَإِنَّمَا يَخْتَلِفَانِ فِي ضَمَانِ النَّفْسِ وَلَوْ كَانَ ضَمَانُ الطَّرَفِ لَمَا وُرِثَ فِي الْحُرِّ، فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ ضَمَانُ النَّفْسِ كَانَ دِيَةً مُقَدَّرَةً بِنَفْسِ الْجَنِينِ لَا بِنَفْسِ غَيْرِهِ كَمَا فِي سَائِرِ الْمَضْمُونَاتِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْغُرَّةَ مُقَدَّرَةٌ بِدِيَةِ الْأُمِّ بَلْ بِدِيَةِ نَفْسِ الْجَنِينِ إذْ لَوْ كَانَ حَيًّا تَجِبُ نِصْفُ عُشْرِ دِيَتِهِ إنْ كَانَ ذَكَرًا وَعُشْرُ دِيَتِهِ إنْ كَانَ أُنْثَى فَكَذَا فِي جَنِينِ الْأَمَةِ يَجِبُ بِتِلْكَ النِّسْبَةِ مِنْ قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا كَانَ بِقَدْرِ دِيَةِ الْحُرِّ فَهُوَ مُقَدَّرٌ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ فَيَجِبُ نِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهِ إنْ كَانَ ذَكَرًا وَعُشْرُ قِيمَتِهِ إنْ كَانَ أُنْثَى هَذَا دِيَةُ الْحُرِّ إذَا كَانَ الْجَنِينُ مِنْ غَيْرِ مَوْلَاهَا وَمِنْ غَيْرِ مَغْرُورٍ. وَأَمَّا إذَا كَانَ مِنْ أَحَدِهِمَا فَفِيهِ الْغُرَّةُ الْمَذْكُورَةُ فِي جَنِينِ الْحُرَّةِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى كَمَا تَقَدَّمَ وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ رَجُلٌ قَالَ لِأَمَتِهِ الْحُبْلَى: أَحَدُ الْوَلَدَيْنِ اللَّذَيْنِ فِي بَطْنِك حُرٌّ فَضَرَبَ إنْسَانٌ بَطْنَهَا فَأَلْقَتْ جَنِينَيْنِ مَيِّتَيْنِ غُلَامٌ وَجَارِيَةٌ قَالَ عَلَى الْجَانِي غُرَّةٌ وَذَلِكَ خَمْسُمِائَةٍ وَعَلَيْهِ أَيْضًا فِي الْغُلَامِ رُبْعُ عُشْرِ قِيمَتِهِ لَوْ كَانَ حَيًّا وَعَلَيْهِ فِي الْجَارِيَةِ نِصْفُ خَمْسِمِائَةٍ وَنِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهَا وَفِي الْعُيُونِ هِشَامٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي رَجُلٍ اشْتَرَى أَمَةً حَامِلًا فَلَمْ يَقْبِضْهَا حَتَّى أَعْتَقَ مَا فِي بَطْنِهَا ثُمَّ ضَرَبَ إنْسَانٌ بَطْنَهَا فَأَلْقَتْ غُلَامًا مَيِّتًا فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ الْأَمَةَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَأَتْبَعَ الْجَانِيَ بِأَرْشِ الْجَنِينِ أَرْشَ حُرٍّ فَيَكُونُ لَهُ الْفَضْلُ طَيِّبًا، وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ الْبَيْعَ فِي الْأَمَةِ وَلَزِمَهُ الْوَلَدُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَلَوْ كَانَ لِلْجَنِينِ أَبٌ حُرٌّ كَانَ أَرْشُ الْجَنِينِ لِوَالِدِهِ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا وَلَا شَيْءَ لِلْمُشْتَرِي وَفِي التَّتِمَّةِ وَسُئِلَ يُوسُفُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبِلَالِيُّ عَنْ رَجُلٍ زَنَى بِجَارِيَةِ الْغَيْرِ فَأَحْبَلَهَا ثُمَّ احْتَالَ هُوَ وَامْرَأَتُهُ فَأَسْقَطَا الْحَمْلَ مِنْ الْجَارِيَةِ وَمَاتَتْ الْجَارِيَةُ بِذَلِكَ السَّبَبِ مَا الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ وَمَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا فَقَالَ: أَمَّا الْجَارِيَةُ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُهَا إذَا مَاتَتْ بِذَلِكَ السَّبَبِ وَفِي الْحَمْلِ الْغُرَّةُ إنْ كَانَ مَيِّتًا، وَإِنْ سَقَطَ وَهُوَ حَيٌّ ثُمَّ مَاتَ فَإِنَّهُ يَجِبُ قِيمَتُهُ، وَإِنْ كَانَ الْحَمْلُ مَاءً وَدَمًا فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ فِيهِ شَيْءٌ وَفِي الْمُنْتَقَى قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ إذَا ضَرَبَ الرَّجُلُ بَطْنَ امْرَأَتِهِ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَلَا يَرِثُ مِنْهُ. وَإِنْ أَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا قَدْ اسْتَبَانَ مِنْ خَلْقِهِ شَيْءٌ ثُمَّ مَاتَتْ هِيَ مِنْ تِلْكَ الضَّرْبَةِ ثُمَّ أَلْقَتْ جَنِينًا حَيًّا وَمَاتَ فَفِي الْأَوَّلِ الْغُرَّةُ وَفِي الْأُمِّ الدِّيَةُ وَفِي الْجَنِينِ الثَّانِي الدِّيَةُ كَامِلَةً وَفِي النَّسَفِيَّةِ سُئِلَ عَنْ مُخْتَلِعَةٍ حَامِلٍ مَضَتْ عِدَّتُهَا بِإِسْقَاطِ الْوَلَدِ هَلْ لِلزَّوْجِ أَنْ يُخَاصِمَهَا فِي هَذَا الْحَمْلِ فَقَالَ إنْ أَسْقَطَتْهُ بِفِعْلِهَا وَجَبَ عَلَيْهَا لِلزَّوْجِ غُرَّةٌ قِيمَتُهَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 390 خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ نُقْرَةً خَالِصَةً وَلَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لِمِيرَاثِهَا؛ لِأَنَّهَا قَاتِلَةٌ فَلَا تَرِثُ وَسُئِلَ أَبُو الْقَاسِمِ عَنْ امْرَأَةٍ شَرِبَتْ الدَّوَاءَ فَأَلْقَتْ جَنِينَهَا مَيِّتًا أَوْ حَمَلَتْ حَمْلًا ثَقِيلًا فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا أَنَّ عَلَى عَاقِلَتِهَا خَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ لِوَارِثِ الْحَمْلِ أَبًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا عَاقِلَةٌ فَهِيَ فِي مَالِهَا فِي سَنَةٍ وَفِي الْحَاوِي وَذَلِكَ لِزَوْجِهَا؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْوَارِثُ قَالَهُ يُوسُفُ بْنُ عِيسَى وَفِي جَامِعِ الْفَتَاوَى وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى يُؤْخَذُ بِالْمُتَيَقَّنِ كَالْخُنْثَى الْمُشْكِلِ، ضَاعَ الْجَنِينُ وَلَا يُمْكِنُهَا تَقْوِيمُهُ بِاعْتِبَارِ قِيمَتِهِ وَهَيْئَاتِهِ وَوَقَعَ التَّنَازُعُ فِي قِيمَتِهِ الْقَوْلُ لِلضَّارِبِ؛ لِأَنَّهُ الْمُنْكِرُ كَمَا لَوْ قَتَلَ عَبْدًا خَطَأً وَوَقَعَ التَّنَازُعُ فِي قِيمَتِهِ وَعَجَزَ الْقَاضِي عَنْ تَقْوِيمِهِ بِاعْتِبَارِ حَالِهِ كَانَ الْقَوْلُ لِلضَّارِبِ كَذَا فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ لِلْعَيْنِيِّ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ حَرَّرَهُ سَيِّدُهُ بَعْدَ ضَرْبِهِ فَأَلْقَتْهُ فَمَاتَ فَفِيهِ قِيمَتُهُ حَيًّا) . وَلَا تَجِبُ الدِّيَةُ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ بِالضَّرْبِ وَالضَّرْبُ صَادَفَهُ وَهُوَ رَقِيقٌ فَتَجِبُ قِيمَتُهُ حَيًّا؛ لِأَنَّهُ صَارَ قَاتِلًا لَهُ وَهُوَ حَيٌّ فَاعْتَبَرْنَا حَالَتَيْ السَّبَبِ وَالتَّلَفِ فَأَوْجَبْنَا عَلَيْهِ الْقِيمَةَ بِاعْتِبَارِ حَالَتَيْ السَّبَبِ وَهُوَ الضَّرْبُ؛ لِأَنَّهُ رَقِيقٌ حِينَئِذٍ وَأَوْجَبْنَا عَلَيْهِ جَمِيعَ قِيمَتِهِ بِاعْتِبَارِ حَالَةِ التَّلَفِ كَأَنَّهُ ضَرَبَهُ فِي الْحَالِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ مَا نَقَصَ بِضَرْبِهِ إلَى أَنْ يُوجَدَ الْعِتْقُ كَمَا لَوْ قَطَعَ يَدَ عَبْدٍ أَوْ جَرَحَهُ فَأَعْتَقَهُ الْمَوْلَى ثُمَّ مَاتَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَرْشُ الْيَدِ وَالْجُرْحُ وَمَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ إلَى الْعِتْقِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ يَقْطَعُ السِّرَايَةَ لَكِنْ اُعْتُبِرَ فِيهِ الْحَالَتَانِ فَجُعِلَ كَأَنَّ الضَّرْبَ لَمْ يُوجَدْ فِي حَقِّ الْجَنِينِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالضَّرْبِ الْأُمُّ فَأَوْجَبْنَا الْقِيمَةَ دُونَ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ قَاتِلًا لَهُ بِالضَّرْبِ الْأَوَّلِ فَصَارَ كَمَا لَوْ رَمَى عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ الْمَوْلَى ثُمَّ وَقَعَ عَلَيْهِ السَّهْمُ فَمَاتَ، فَإِنَّهُ تَجِبُ عَلَيْهِ الْقِيمَةُ لِلْمَوْلَى؛ لِأَنَّ الرَّمْيَ لَيْسَ بِجِنَايَةٍ مَا لَمْ يَتَّصِلْ بِالْمَحَلِّ فَلَا يَجِبُ فِيهِ شَيْءٌ بِدُونِ الِاتِّصَالِ بِخِلَافِ الْقَطْعِ وَالْجُرْحِ؛ لِأَنَّهُ جِنَايَةٌ فِي الْحَالِ وَالْعِتْقُ يَقْطَعُ السِّرَايَةَ وَمَعَ هَذَا تَجِبُ الْقِيمَةُ دُونَ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ قَاتِلًا لَهُ مِنْ وَقْتِ الرَّمْيِ؛ لِأَنَّهُ الْفِعْلُ الْمَمْلُوكُ لَهُ وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا مَعْنَى قَوْلِهِ ضَمِنَ أَيْ الدِّيَةَ وَقَوْلُهُ وَلَا تَجِبُ الدِّيَةُ لَيْسَ هُوَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَوُجِّهَ أَنَّ الضَّرْبَ وَقَعَ عَلَى الْأُمِّ فَلَمْ يُعْتَبَرْ جِنَايَةً فِي الْجَنِينِ إلَّا بَعْدَ الِانْفِصَالِ حَيًّا وَلِذَلِكَ لَمْ تَنْقَطِعْ سِرَايَتُهُ بِخِلَافِ مَنْ جُرِحَ فَأَعْتَقَهُ مَوْلَاهُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ بَلْ الْمُرَادُ بِهِ حَقِيقَةُ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ قَدْ تَمَّتْ مِنْهُ لَكِنْ لَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّ الْجَنِينِ مَقْصُودًا إلَّا بَعْدَ الِانْفِصَالِ فَأَشْبَهَ الرَّمْيَ الَّذِي تَمَّ مِنْ الرَّامِي وَلَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّ الْمُرْمَى إلَيْهِ إلَّا بَعْدَ الْإِصَابَةِ وَقِيلَ هَذَا عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تَجِبُ قِيمَتُهُ مَا بَيْنَ كَوْنِهِ مَضْرُوبًا إلَى كَوْنِهِ غَيْرَ مَضْرُوبٍ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ قَاطِعُ السِّرَايَةِ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ بَعْدَ ضَرْبِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ حَرَّرَهُ قَبْلَ الضَّرْبِ فَأَلْقَتْهُ حَيًّا فَالْوَاجِبُ الدِّيَةُ عَلَى قَوْلِهِمَا وَعَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ تَجِبُ قِيمَتُهُ مَا بَيْنَ كَوْنِهِ مَضْرُوبًا إلَى كَوْنِهِ غَيْرَ مَضْرُوبٍ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ لِمَنْ يَكُونُ هَذَا الْمِقْدَارُ قَالَ بَعْضُهُمْ لِوَرَثَةِ هَذَا الْجَنِينِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لِلْمَوْلَى كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا كَفَّارَةَ فِي الْجَنِينِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَجِبُ الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّهُ نَفْسٌ مِنْ وَجْهٍ فَتَجِبُ احْتِيَاطًا لِمَا فِيهَا مِنْ الْعِبَادَةِ وَلَنَا أَنَّ الْكَفَّارَةَ فِيهَا مَعْنَى الْعُقُوبَةِ؛ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ زَاجِرَةً وَفِيهَا مَعْنَى الْعِبَادَةِ؛ لِأَنَّهَا تَتَأَدَّى بِالصَّوْمِ وَقَدْ عُرِفَ وُجُوبُهَا فِي النَّفْسِ الْمُطْلَقَةِ فَلَا تَتَعَدَّاهَا؛ لِأَنَّ الْعُقُوبَةَ لَا يَجْرِي فِيهَا الْقِيَاسُ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِيهِ تَنَاقُضٌ؛ لِأَنَّهُ يَعْتَبِرُهُ جُزْءًا حَتَّى أَوْجَبَ عَلَيْهِ عُشْرَ قِيمَةِ الْأُمِّ وَهَاهُنَا اعْتَبَرَهُ نَفْسًا حَتَّى أَوْجَبَ فِيهِ الْكَفَّارَةَ وَنَحْنُ اعْتَبَرْنَاهُ جُزْءًا مِنْ وَجْهٍ وَلِهَذَا لَمْ يَجِبْ فِيهِ كُلُّ الْبَدَلِ فَكَذَا لَا تَجِبُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّ الْأَعْضَاءَ لَا كَفَّارَةَ فِيهَا إلَّا إذَا تَبَرَّعَ بِهَا هُوَ؛ لِأَنَّهُ ارْتَكَبَ مَحْظُورًا، فَإِذَا تَقَرَّبَ بِهَا إلَى اللَّهِ تَعَالَى كَانَ أَفْضَلَ وَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى مِمَّا صَنَعَ مِنْ الْجَرِيمَةِ الْعَظِيمَةِ. وَالْجَنِينُ الَّذِي اسْتَبَانَ بَعْضُ خَلْقِهِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ كَالتَّامِّ لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا وَلِأَنَّهُ وَلَدٌ فِي حَقِّ الْأَحْكَامِ كَأُمُومِيَّةِ الْوَلَدِ وَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بِهِ وَالنِّفَاسِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَكَذَا فِي حَقِّ هَذَا الْحُكْمِ وَلِأَنَّهُ يَتَمَيَّزُ مِنْ الْعَلَقَةِ وَالدَّمِ فَلَا بُدَّ مِنْهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ شَرِبَتْ دَوَاءً لِتَطْرَحَهُ أَوْ عَالَجَتْ فَرْجَهَا حَتَّى أَسْقَطَتْهُ ضَمِنَ عَاقِلَتُهَا الْغُرَّةُ إنْ فَعَلَتْ بِلَا إذْنٍ) ؛ لِأَنَّهَا أَلْقَتْهُ مُتَعَدِّيَةً فَيَجِبُ عَلَيْهَا ضَمَانُهُ وَتَتَحَمَّلُ عَنْهَا الْعَاقِلَةُ لِمَا بَيَّنَّا وَلَا تَرِثُ هِيَ مِنْ الْغُرَّةِ شَيْئًا؛ لِأَنَّهَا قَاتِلَتُهُ بِغَيْرِ حَقٍّ وَالْقَاتِلُ لَا يَرِثُ بِخِلَافِ مَا إذَا فَعَلَتْ ذَلِكَ بِإِذْنِ الزَّوْجِ حَيْثُ لَا تَجِبُ الْغُرَّةُ لِعَدَمِ التَّعَدِّي وَلَوْ فَعَلَتْ أُمُّ الْوَلَدِ ذَلِكَ بِنَفْسِهَا حَتَّى أَسْقَطَتْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا لِاسْتِحَالَةِ وُجُوبِ الدَّيْنِ عَلَى الْمَمْلُوكِ لِسَيِّدِهِ وَلَوْ اسْتَحَقَّتْ وَجَبَ لِلْمَوْلَى غُرَّةٌ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَالِكٍ لَهُمَا وَأَنَّهُ مَغْرُورٌ وَوَلَدُ الْمَغْرُورِ حُرُّ الْأَصْلِ وَهِيَ مُتَعَدِّيَةٌ بِذَلِكَ الْفِعْلِ فَصَارَتْ قَاتِلَةً لِلْجَنِينِ فَتَجِبُ الْغُرَّةُ لَهُ وَيُقَالُ لِلْمُسْتَحِقِّ إنْ شِئْت سَلِّمْ الْجَارِيَةَ، وَإِنْ شِئْت الجزء: 8 ¦ الصفحة: 391 افْدِهَا؛ لِأَنَّهُ الْحُكْمُ فِي جِنَايَةِ الْمَمْلُوكِ وَفِي جَامِعِ الْفَتَاوَى وَفِي نَوَادِرِ رُسْتُمَ امْرَأَةٌ شَرِبَتْ دَوَاءً لِتُسْقِطَ وَلَدَهَا عَمْدًا فَأَلْقَتْ جَنِينًا حَيًّا ثُمَّ مَاتَ فَعَلَى الْعَاقِلَةِ الدِّيَةُ وَلَا تَرِثُ مِنْهُ شَيْئًا وَعَلَيْهَا الْكَفَّارَةُ، وَإِنْ أَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا فَعَلَى عَاقِلَتِهَا غُرَّةٌ وَلَا تَرِثُ مِنْهُ شَيْئًا وَعَلَيْهَا الْكَفَّارَةُ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ: إنَّهَا إذَا أَسْقَطَتْ سِقْطًا لَيْسَ عَلَيْهَا إلَّا التَّوْبَةُ وَالِاسْتِغْفَارُ، وَإِنْ كَانَ جَنِينًا فَعَلَيْهَا غُرَّةٌ وَتَأْوِيلُهُ إذَا شَرِبَتْ دَوَاءً يُوجِبُ سُقُوطَ الْوَلَدِ وَتَعَمَّدَتْ ذَلِكَ وَفِي الْمُنْتَقَى رِوَايَةٌ مَجْهُولَةٌ امْرَأَةٌ شَرِبَتْ دَوَاءً فَأَسْقَطَتْ وَكَانَتْ شَرِبَتْ لِغَيْرِ ذَلِكَ يَعْنِي لِغَيْرِ إسْقَاطِ الْوَلَدِ فَعَلَيْهَا الْغُرَّةُ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَلَا تَرِثُهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ عَلَيْهَا الْكَفَّارَةُ وَهَذَا الْجَوَابُ مِنْ زِيَادَاتِ الْحَاوِي وَفِي الْمُنْتَقَى سُئِلَ أَبُو بَكْرٍ عَنْ حَامِلٍ أَرَادَتْ أَنْ تُلْقِيَ الْعَلَقَةَ لِغَلَبَةِ الدَّمِ قَالَ يُسْأَلُ أَهْلُ الطِّبِّ عَنْ ذَلِكَ إنْ قَالُوا يَضُرُّ بِالْحَمْلِ لَا تَفْعَلْ، وَإِنْ قَالُوا لَا يَضُرُّ تَفْعَلُ وَكَذَا الْحِجَامَةُ وَالْفَصْدُ قَالَ الْفَقِيهُ وَسَمِعْت مِمَّنْ يَعْرِفُ ذَلِكَ الْأَمْرَ قَالَ لَا يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تَفْعَلَ مَا لَمْ يَتَحَرَّكْ الْوَلَدُ، فَإِذَا تَحَرَّكَ فَلَا بَأْسَ بِالْحِجَامَةِ مَا لَمْ تَقْرُبْ الْوِلَادَةُ، فَإِذَا قَرُبَتْ فَلَا يُفْعَلْ، وَأَمَّا الْفَصْدُ فَالِامْتِنَاعُ فِي حَالِ الْحَبَلِ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّهُ يُخَافُ عَلَى الْوَلَدِ إلَّا أَنْ يَدْخُلَ الْأُمَّ ضَرَرٌ بَيِّنٌ فِي تَرْكِهِ. وَفِي فَتَاوَى النَّسَفِيِّ سُئِلَ عَنْ مُخْتَلِعَةٍ وَهِيَ حَامِلٌ احْتَالَتْ لِإِسْقَاطِ الْعِدَّةِ بِإِسْقَاطِ الْوَلَدِ قَالَ إنْ سَقَطَ بِفِعْلِهَا وَجَبَ عَلَيْهَا الْغُرَّةُ وَيَكُونُ ذَلِكَ لِلزَّوْجِ وَفِي الْحَاوِي وَهِيَ لَا تَرِثُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهَا قَاتِلَةٌ. قَالَ الْأَبُ إذَا ضَرَبَ ابْنَهُ الصَّغِيرَ تَأْدِيبًا فَعَطِبَ مِنْ ذَلِكَ يُنْظَرُ إنْ ضَرَبَهُ حَيْثُ لَا يُضْرَبُ لِلتَّأْدِيبِ فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَفِي نَوَادِرِ بِشْرٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ عَلَيْهِ كَفَّارَةً وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْوَصِيُّ إذَا ضَرَبَ الصَّغِيرَ تَأْدِيبًا وَفِي الْكُبْرَى، وَإِنْ كَانَ ضَرَبَهُ الْمُعَلِّمُ فِي الْمَوْضِعِ الْمُعْتَادِ فَمَاتَ لَا يَضْمَنُ هُوَ وَلَا الْأَبُ وَلَا الْوَصِيُّ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا وَكَذَا الْمُؤَدِّبُ الَّذِي يُعَلِّمُهُ الْكِتَابَةَ إذَا ضَرَبَهُ بِإِذْنِ وَالِدِهِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ فِي قَوْلِهِمَا وَهَذَا إذَا كَانَ ضَرَبَهُ الْمُعَلِّمُ فِي مَوْضِعٍ مُعْتَادٍ وَفِي رِوَايَةٍ مَجْهُولَةٍ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِمَا وَالْفَتْوَى عَلَى الْأَوَّلِ وَالزَّوْجُ إذَا ضَرَبَ زَوْجَتَهُ حَيْثُ تُضْرَبُ لِلتَّأْدِيبِ مِثْلَ مَا تُضْرَبُ حَالَ نُشُوزِهَا يَضْمَنُ بِالْإِجْمَاعِ وَالْأَبُ وَالْوَصِيُّ إذَا سَلَّمَا الصَّغِيرَ إلَى مُعَلِّمٍ يُعَلِّمُهُ الْقُرْآنَ أَوْ عِلْمًا آخَرَ فَضَرَبَهُ الْمُعَلِّمُ لِلتَّعْلِيمِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُعَلِّمِ وَلَا عَلَى الْأَبِ وَالْوَصِيِّ وَفِي الْمُنْتَقَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةَ، وَإِنْ ضَرَبَهُ حَيْثُ لَا يُضْرَبُ أَوْ فَوْقَ ضَرْبِ التَّعْلِيمِ فَالْمُعَلِّمُ ضَامِنٌ قَالَ هِشَامٌ فِي نَوَادِرِهِ قُلْتُ: لِمُحَمَّدٍ إنْ لَمْ يَكُنْ الْأَبُ قَالَ لَهُ فِي أَمْرِ الضَّرْبِ شَيْئًا قَالَ يَضْمَنُ الْمُعَلِّمُ وَفِي رِوَايَةٍ فِي بَعْضِ النُّسَخِ إنَّ ضَرْبَ الصَّغِيرِ إنَّمَا يُضْمَنُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا كَانَ لِلتَّأْدِيبِ أَمَّا إذَا ضَرَبَهُ لِتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ لَا يَضْمَنُ كَالْمُعَلِّمِ، فَإِذًا لَا فَرْقَ بَيْنَ ضَرْبِ الْمُعَلِّمِ بِإِذْنِ الْأَبِ وَبَيْنَ ضَرْبِ الْأَبِ إذَا كَانَ لِلتَّعْلِيمِ وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ فِي شَرْحِ كِتَابِ الْإِجَارَاتِ أَنَّ فِي ضَرْبِ الْأَبِ ابْنَهُ وَفِي ضَرْبِ الزَّوْجِ زَوْجَتَهُ رِوَايَتَيْنِ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي رِوَايَةٍ يَضْمَنُ وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَضْمَنُ، وَأَمَّا الْوَالِدَةُ إذَا ضَرَبَتْ وَلَدَهَا الصَّغِيرَ لِلتَّأْدِيبِ فَلَا شَكَّ أَنَّهَا تَضْمَنُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ عَلَى قَوْلِهِمَا قَالَ بَعْضُهُمْ لَا تَضْمَنُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ هِيَ ضَامِنَةٌ؛ لِأَنَّ الضَّرْبَ تَصَرُّفٌ فِي النَّفْسِ وَلَيْسَ لَهَا وِلَايَةُ التَّصَرُّفِ فِي النَّفْسِ أَصْلًا وَفِي كِتَابِ الْعِلَلِ لِلزَّوْجِ أَنْ يَضْرِبَ امْرَأَتَهُ عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ وَلِلْأَبِ أَنْ يَضْرِبَ ابْنَهُ عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ وَذَكَرَ مَسْأَلَةَ الْمُعَلِّمِ إذَا ضَرَبَ الصَّغِيرَ بِإِذْنِ الْأَبِ عَلَى الِاتِّفَاقِ قَالَ نَحْوَ مَا ذَكَرْنَا قَالَ مُحَمَّدٌ ثَمَّةَ وَهَذَا عِنْدَنَا. وَفِي الْعُيُونِ إذَا قَالَ لِرَجُلَيْنِ اضْرِبَا مَمْلُوكِي هَذَا مِائَةَ سَوْطٍ فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَضْرِبَهُ الْمِائَةَ كُلَّهَا، فَإِنْ ضَرَبَهُ أَحَدُهُمَا تِسْعَةً وَتِسْعِينَ وَضَرَبَهُ الْآخَرُ سَوْطًا وَاحِدًا فَفِي الْقِيَاسِ يَضْمَنُ ضَارِبُ الْأَكْثَرِ وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَضْمَنُ وَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ إنْ أَكَلْتُمَا هَذَا الْخُبْزَ فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ فَأَكَلَتَاهُ، وَإِنْ أَكَلَتْ إحْدَاهُمَا عَامَّتَهُ وَالْأُخْرَى بَقِيَّتَهُ لَا تَطْلُقُ اسْتِحْسَانًا. وَفِي الْكُبْرَى الْمُحْتَرِفُ إذَا ضَرَبَ التِّلْمِيذَ فَمَاتَ إنْ كَانَ ضَرَبَهُ بِأَمْرِ أَبِيهِ أَوْ وَصِيِّهِ لَا يَضْمَنُ إذَا كَانَ فِي الْمَوْضِعِ الْمُعْتَادِ لَوْ ضَرَبَ امْرَأَتَهُ عَلَى الْمَضْجَعِ أَوْ فِي أَدَبٍ فَمَاتَتْ يَضْمَنُ إجْمَاعًا وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ هُمَا فَرَّقَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْأَبِ، فَإِنَّ ضَرْبَ الْأَبِ لِمَنْفَعَةِ الِابْنِ وَضَرْبَ الْمَرْأَةِ لِمَنْفَعَةِ الزَّوْجِ. وَفِي السِّرَاجِيَّةِ رَجُلٌ ضَرَبَ رَجُلًا سِيَاطًا فَجَرَحَهُ فَبَرَأَ مِنْهُ فَعَلَيْهِ أَرْشُ الضَّرْبِ إنْ بَقِيَ أَثَرُ الضَّرْبِ، وَإِنْ لَمْ يَبْقَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ سِوَى التَّعْزِيرِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ تَجِبُ حُكُومَةُ عَدْلٍ وَقَالَ مُحَمَّدٌ أُجْرَةُ الطَّبِيبِ وَثَمَنُ الْأَدْوِيَةِ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ الْخَامِسَةُ وَهَذَا إذَا جُرِحَ ابْتِدَاءً فَأَمَّا إذَا لَمْ يَجْرَحْ فِي الِابْتِدَاءِ لَا يَجِبُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 392 بِالِاتِّفَاقِ. وَفِي الْمُنْتَقَى رَجُلٌ قَتَلَ عَمْدًا وَلَهُ أَخٌ مَعْرُوفٌ فَأَقَرَّ أَخُوهُ بِابْنِ الْمَقْتُولِ وَادَّعَى ذَلِكَ الِابْنَ وَهُوَ كَبِيرٌ، فَإِنَّ لِلْمُقِرِّ بِهِ الْقَوَدَ وَقَالَ أَبُو الْفَضْلِ هَذَا الْجَوَابُ خِلَافُ مَا فِي الْأَصْلِ وَفِي نَوَادِرِ هِشَامٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَجُلٌ ادَّعَى أَنَّهُ عَبْدُهُ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ وَشَهِدَ الشُّهُودُ أَنَّهُ كَانَ عَبْدَهُ فَأَعْتَقَهُ وَهُوَ حُرٌّ الْيَوْمَ، فَإِنْ كَانَ لَهُ وَارِثٌ قُضِيَ لِوَارِثِهِ بِالْقِصَاصِ فِي الْعَمْدِ وَبِالدِّيَةِ فِي الْخَطَأِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ فَلِمَوْلَاهُ قِيمَتُهُ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ. وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ قَالَ سَمِعْت أَبَا يُوسُفَ يَقُولُ فِي رَجُلٍ فِي يَدِهِ صَبِيٌّ صَغِيرٌ فَقَطَعَ الرَّجُلُ يَدَ الصَّبِيِّ عَمْدًا ثُمَّ قَالَ الْقَاطِعُ هُوَ عَبْدُك وَقَالَ الَّذِي فِي يَدِهِ هُوَ ابْنِي لَا أُصَدِّقُهُ عَلَى ذَلِكَ، وَلَوْ قَالَ هَذِهِ الْمَقَالَةُ قَبْلَ مَوْتِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فَعَلَى الْجَانِي الْقَوَدُ. وَفِي الْمُنْتَقَى رَجُلٌ جُرِحَ فَقَالَ فُلَانٌ قَتَلَنِي ثُمَّ أَقَامَ وَارِثُهُ بَيِّنَةً عَلَى رَجُلٍ آخَرَ أَنَّهُ قَتَلَهُ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ وَذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَجُلٌ قَالَ فُلَانٌ جَرَحَنِي فَأَقَامَ ابْنٌ لَهُ بَيِّنَةً عَلَى ابْنٍ لَهُ آخَرَ أَنَّهُ جَرَحَهُ خَطَأً، فَإِنِّي أَقْبَلُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الِابْنِ وَأَحْرِمُهُ عَنْ الْمِيرَاثِ بِذَلِكَ فَلَمَّا أَجَزْنَا ذَلِكَ فِي الْمِيرَاثِ جَعَلْنَا الدِّيَةَ عَلَى عَاقِلَتِهِ قَالَ هِشَامٌ سَمِعْت مُحَمَّدًا يَقُولُ فِي رَجُلٍ أَدْخَلَ نَائِمًا أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ فِي بَيْتِهِ فَسَقَطَ الْبَيْتُ عَلَيْهِ قَالَ لَا يَضْمَنُ إلَّا فِي الْمَعْتُوهِ وَالصَّبِيِّ. وَفِي الْمُنْتَقَى رَجُلٌ فَقَأَ عَيْنَيْ عَبْدٍ وَقَطَعَ الْآخَرُ رِجْلَهُ أَوْ يَدَهُ فَبَرَأَ وَكَانَتْ الْجِنَايَةُ مِنْهُمَا مَعًا فَعَلَيْهِمَا قِيمَتُهُ أَثْلَاثًا وَيَأْخُذَانِ الْعَبْدَ فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ كُلُّ جَارِحَةٍ مِنْ اثْنَيْنِ مَعًا جِرَاحَةُ هَذَا فِي عُضْوٍ وَجِرَاحَةُ الْآخَرِ فِي عُضْوٍ تَسْتَغْرِقُ ذَلِكَ الْقِيمَةَ كُلَّهَا، فَإِنَّهُ يَدْفَعُهُ إلَيْهِمَا وَيَغْرَمَانِ قِيمَتَهُ عَلَى قَدْرِ أَرْشِ جِرَاحَتِهِمَا وَيَكُونُ بَيْنَهُمَا عَلَى ذَلِكَ، وَإِنْ مَاتَ مِنْهُمَا وَالْجِرَاحَةُ خَطَأٌ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَعَلَى الْجَارِحِ الْأَوَّلِ أَرْشُ جِرَاحَتِهِ مِنْ قِيمَتِهِ مَجْرُوحًا بِالْجِرَاحَةِ الْأُولَى وَمَا بَقِيَ مِنْ قِيمَتِهِ فَعَلَيْهِمَا نِصْفَانِ، وَإِنْ بَرَأَ مِنْهُمَا وَالْجِرَاحَةُ الْأَخِيرَةُ تَسْتَغْرِقُ الْقِيمَةَ وَالْجِرَاحَةُ الْأُولَى لَا تَسْتَغْرِقُ فَعَلَى الْأَوَّلِ أَرْشُ جِرَاحَتِهِ وَعَلَى الثَّانِي قِيمَتُهُ مَجْرُوحًا بِالْجُرْحِ الْأَوَّلِ وَيَدْفَعُ الْعَبْدَ إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَتْ الْجِرَاحَةُ الْأُولَى هِيَ الَّتِي تَسْتَغْرِقُ الْقِيمَةَ فَعَلَى الْجَارِحِ الثَّانِي أَرْشُ جِرَاحَتِهِ. وَمَنْ أَمْسَكَ رَجُلًا حَتَّى جَاءَ آخَرُ وَقَتَلَهُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً فَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُمْسِكِ عِنْدَنَا وَعَلَى الْقَاتِلِ الْقِصَاصُ فِي الْعَمْدِ وَالدِّيَةُ فِي الْخَطَأِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ كِتَابِ الدِّيَاتِ وَعَلَى هَذَا مَنْ أَمْسَكَ رَجُلًا حَتَّى جَاءَ آخَرُ وَأَخَذَ دَرَاهِمَهُ فَضَمَانُ الدَّرَاهِمِ عَلَى الْآخِذِ عِنْدَنَا لَا عَلَى الْمُمْسِكِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ وَطِئَ جَارِيَةَ إنْسَانٍ بِشُبْهَةٍ أَوْ أَزَالَ بَكَارَتَهَا فَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يُنْظَرُ إلَى مَهْرِ مِثْلِهَا فَيُزَادُ إلَى نُقْصَانِ بَكَارَتِهَا إنْ كَانَ أَكْثَرَ يَجِبُ ذَلِكَ وَيَدْخُلُ الْأَقَلُّ فِي الْأَكْثَرِ وَلَوْ أَنَّ صَبِيًّا زَنَى فِي صَبِيَّةٍ وَأَذْهَبَ عُذْرَتَهَا كَانَ عَلَيْهِ الْمَهْرُ بِإِزَالَةِ الْبَكَارَةِ لَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ بَالِغَةً مُسْتَكْرَهَةً، وَإِنْ كَانَتْ مُطَاوِعَةً لَا يَجِبُ الْمَهْرُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ عَلَى الصَّبِيِّ كَانَ لِوَلِيِّ الصَّبِيِّ أَنْ يَرْجِعَ بِذَلِكَ عَلَيْهَا كَمَا لَوْ أَمَرَ صَبِيًّا بِشَيْءٍ يَلْحَقُهُ ضَمَانُهُ كَانَ لِوَلِيِّ الصَّغِيرِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْآمِرِ فَلَا يُفِيدُ تَضْمِينُ الصَّغِيرِ وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً بَالِغَةً غَصَبَهَا فَزَنَى بِهَا وَأَذْهَبَ عُذْرَتَهَا بِأَمْرِهَا كَانَ عَلَى الصَّبِيِّ مَهْرُهَا؛ لِأَنَّ أَمْرَ الْأَمَةِ لَمْ يَصِحَّ فِي حَقِّ مَوْلَى الْأَمَةِ، حَرِيقٌ وَقَعَ فِي مَحَلَّةٍ فَهَدَمَ رَجُلٌ دَارَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِ صَاحِبِهِ وَبِغَيْرِ أَمْرِ السُّلْطَانِ حَتَّى يَنْقَطِعُ عَنْ دَارِهِ ضَمِنَ وَلَمْ يَأْثَمْ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ حُرٌّ مَعَهُ سَيْفٌ وَعَبْدٌ مَعَهُ عَصَا فَالْتَقَيَا وَضَرَبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ حَتَّى قَتَلَهُ وَمَاتَا وَلَا يَدْرِي أَيُّهُمَا بَدَأَ بِالضَّرْبِ فَلَيْسَ عَلَى وَرَثَةِ الْحُرِّ وَلَا عَلَى مَوْلَى الْعَبْدِ شَيْءٌ، وَإِنْ كَانَ السَّيْفُ بِيَدِ الْعَبْدِ وَالْعَصَا بِيَدِ الْحُرِّ فَعَلَى عَاقِلَةِ الْحُرِّ نِصْفُ قِيمَةِ الْعَبْدِ وَلَا شَيْءَ لِوَرَثَةِ الْحُرِّ عَلَى مَوْلَى الْعَبْدِ، وَإِنْ كَانَ بِيَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَصًا وَضَرَبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْآخَرَ وَشَجَّهُ مُوضِحَةً ثُمَّ مَاتَا وَلَا يَدْرِي مَنْ الَّذِي بَدَأَ بِالضَّرْبِ فَعَلَى عَاقِلَةِ الْحُرِّ قِيمَةُ الْعَبْدِ صَحِيحًا لِمَوْلَاهُ ثُمَّ يُقَالُ لِمَوْلَاهُ ادْفَعْ مِنْ ذَلِكَ قِيمَةَ الشَّجَّةِ إلَى وَلِيِّ الْحُرِّ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ شَيْءٌ مِنْهُ بِشْرُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي رَجُلٍ ضَرَبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ هَذَا بِالسَّيْفِ وَهَذَا مَعَهُ عَصًا فَمَاتَا وَلَا يَدْرِي أَيُّهُمَا بَدَأَ قَالَ عَلَى صَاحِبِ الْعَصَا نِصْفُ دِيَةِ صَاحِبِ السَّيْفِ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَلَيْسَ لِصَاحِبِ الْعَصَا شَيْءٌ، وَإِذَا جَرَحَ الرَّجُلُ عَمْدًا بِالسَّيْفِ فَأَشْهَدَ الْمَجْرُوحُ بِالسَّيْفِ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّ فُلَانًا لَمْ يَجْرَحْهُ ثُمَّ مَاتَ الْمَجْرُوحُ مِنْ ذَلِكَ هَلْ يَصِحُّ هَذَا الْإِشْهَادُ قَالُوا هَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ تَكُونَ جِرَاحَةُ فُلَانٍ مَعْرُوفَةً عِنْدَ الْقَاضِي وَعِنْدَ النَّاسِ أَوْ غَيْرَ مَعْرُوفَةٍ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَعْرُوفَةً كَانَ الْإِشْهَادُ صَحِيحًا وَفِي الذَّخِيرَةِ، وَإِنْ أَقَامَ الْوَرَثَةُ بَيِّنَةً بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ فُلَانًا جَرَحَهُ لَمْ تُقْبَلْ هَذِهِ الْبَيِّنَةُ. وَفِي التَّجْرِيدِ وَلَوْ أَمَرَ رَجُلٌ عَشَرَةَ رِجَالٍ أَنْ يَضْرِبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَبْدَهُ سَوْطًا فَفَعَلُوا ثُمَّ إنَّ آخَرَ ضَرَبَ سَوْطًا وَلَمْ يَأْمُرْهُ فَمَاتَ الْعَبْدُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ فَعَلَى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 393 الَّذِي لَمْ يُؤْمَرْ أَرْشُ مَا نَقَصَ بِضَرْبِهِ مَضْرُوبًا عَشَرَةَ أَسْوَاطٍ وَعَلَيْهِ أَيْضًا جُزْءٌ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ قِيمَتِهِ مَضْرُوبًا أَحَدَ عَشَرَ سَوْطًا وَلَوْ أَنَّ الْمَوْلَى ضَرَبَهُ بِيَدِهِ عَشَرَةَ أَسْوَاطٍ ثُمَّ ضَرَبَهُ هَذَا الرَّجُلُ سَوْطًا وَمَاتَ فَعَلَيْهِ نُقْصَانُ سَوْطِهِ وَنِصْفُ قِيمَتِهِ مَضْرُوبًا أَحَدَ عَشَرَ سَوْطًا وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَنْ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ الصِّبْيَانُ أَوْ الْمَجَانِينُ يُرِيدُونَ قَتْلَهُ وَفِي الْحَاوِي أَوْ أَخْذَ مَالِهِ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى دَفْعِهِمْ إلَّا بِالْقَتْلِ قَالَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْتُلَهُمْ وَلَوْ قَتَلَ تَجِبُ عَلَيْهِ الدِّيَةُ قَالَ الْمُعَلَّى قُلْتُ: لِمُحَمَّدٍ إنَّ صَاحِبَنَا يَقُولُ بِالضَّمَانِ وَعَنَى أَنَّهُ أَبُو مُطِيعٍ قَالَ الْمُعَلَّى كُنْت فِي الطَّوَافِ، فَإِذَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فَقَالَ يَا خُرَاسَانِيُّ الْقَوْلُ مَا قَالَ صَاحِبُكُمْ قَالَ الشَّيْخُ وَبِهِ يُفْتِي، وَكَانَ نُصَيْرٌ يَقْضِي بِالضَّمَانِ فِي الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالْبَهِيمَةِ إذَا قَتَلَهُ الرَّجُلُ دَافِعًا وَكَانَ الْفَقِيهُ أَبُو بَكْرٍ يُفْتِي بِعَدَمِ الضَّمَانِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ هَذَا الْقَوْلُ يُخَالِفُ مَا قِيلَ فِي الرِّوَايَاتِ الظَّاهِرَةِ وَفِي فَتَاوَى الذَّخِيرَةِ أَمَةُ الرَّجُلِ إذَا ارْتَدَّتْ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَقَتَلَهَا رَجُلٌ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْقَاتِلِ هَكَذَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ وَفِي غَيْرِهَا أَنَّ عَلَى الْقَاتِلِ قِيمَتَهَا وَفِي النَّسَفِيَّةِ سُئِلَ عَمَّنْ سَعَى فِيهِ إلَى السُّلْطَانِ وَأَخَذَ مِنْ الرَّجُلِ مَالًا ظُلْمًا هَلْ يَضْمَنُ لِلسَّاعِي قَالَ نَعَمْ وَرُوِيَ هَذَا عَنْ زُفَرَ وَأَخَذَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْ مَشَايِخِنَا لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ فَتَاوَى الْخُلَاصَةِ. مَنْ سَعَى بِرَجُلٍ إلَى السُّلْطَانِ حَتَّى غَرَّمَهُ لَا يَخْلُو مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا إنْ كَانَتْ السِّعَايَةُ بِحَقٍّ بِأَنْ كَانَ يُؤْذِيهِ وَلَا يُمْكِنُهُ دَفْعُ الْأَذَى إلَّا بِالرَّفْعِ إلَى السُّلْطَانِ أَوْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَمْتَنِعُ عَنْ الْفِسْقِ بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَفِي مِثْل هَذَا لَا يَضْمَنُ السَّاعِي. الثَّانِي: أَنْ يَقُولَ إنَّ فُلَانًا وَجَدَ كَنْزًا أَوْ لُقْطَةً وَظَهَرَ أَنَّهُ كَاذِبٌ ضَمِنَ إلَّا إذَا كَانَ السُّلْطَانُ عَادِلًا لَا يَغْرَمُ بِمِثْلِ هَذِهِ السِّعَايَاتِ أَوْ قَدْ يَغْرَمُ وَقَدْ لَا يَغْرَمُ لَا يَضْمَنُ السَّاعِي الثَّالِثُ إذَا وَقَعَ فِي قَلْبِهِ أَنَّ فُلَانًا يَجِيءُ إلَى امْرَأَتِهِ فَرَفَعَ إلَى السُّلْطَانِ فَغَرَّمَهُ السُّلْطَانُ ثُمَّ ظَهَرَ كَذِبُهُ فَعِنْدَهُمَا لَا يَضْمَنُ السَّاعِي وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَضْمَنُ وَقَالَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ فِي كِتَابِ اللُّقَطَةِ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لِغَلَبَةِ السِّعَايَةِ فِي زَمَانِنَا وَقِيلَ سَوَاءٌ قَالَ صِدْقًا أَوْ كَذِبًا إنْ لَمْ يَكُنْ مُحْتَسِبًا وَلَيْسَ لِلسُّلْطَانِ حَقُّ الْأَخْذِ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ إذَا أَمَرَ الْأَعْوَانَ بِأَخْذِ الْمَالِ بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ لَا يَجِبُ وَاعْتِبَارُ السِّعَايَةِ يَجِبُ أَمَّا إذَا لَمْ يَأْمُرْ الْأَعْوَانَ وَلَكِنْ أَرَاهُ بَيْتَهُ وَأَخَذَ مِنْ بَيْتِهِ شَيْئًا لَا يَضْمَنُ وَقَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ لَا يَضْمَنُ الْجَانِي مُطْلَقًا قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ السَّاعِي لَا يَضْمَنُ أَيْضًا وَالْمَشَايِخُ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْهُمْ الْقَاضِي الْإِمَامُ عَلِيٌّ السُّغْدِيُّ وَالْحَاكِمُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَغَيْرُهُمَا أَفْتَوْا بِوُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَى السَّاعِي هَكَذَا اخْتَارَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَهُوَ أَصَحُّ وَلَوْ قَالَ عِنْدَ السُّلْطَانِ: إنَّ لِفُلَانٍ قَوْسًا جَيِّدًا أَوْ جَارِيَةً حَسْنَاءَ وَالسُّلْطَانُ يَأْخُذُ فَأَخَذَ يَضْمَنُ وَلَوْ كَانَ السَّاعِي عَبْدًا يَطْلُبُ بَعْدَ الْعِتْقِ وَلَوْ اشْتَرَى شَيْئًا فَقِيلَ لَهُ اشْتَرَيْت بِثَمَنٍ غَالٍ فَسَعَى عِنْدَ ظَالِمٍ وَأَخَذَهُ إنْ كَانَ قَالَ صِدْقًا لَا يَضْمَنُ، وَإِنْ كَانَ كَذِبًا يَضْمَنُ. وَقَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَالَ أَبُو نَصْرٍ الدَّبُوسِيُّ فِيمَنْ قَطَعَ يَدَ عَبْدِهِ أَوْ قَتَلَهُ أَنَّ عَلَيْهِ التَّعْزِيرَ وَفِي الْفَتَاوَى عَنْ خَلْفٍ قَالَ سَأَلْت أَسَدَ بْنَ عَمْرٍو عَمَّنْ ضَرَبَهُ بِيَدِهِ أَوْ رِجْلِهِ وَمَاتَ مِنْهُ قَالَ هَذَا شِبْهُ الْعَمْدِ. وَفِي الْمُنْتَقَى عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ فِي رَجُلٍ قَصَدَ أَنْ يَضْرِبَ آخَرَ بِالسَّيْفِ فَأَخَذَ الْمَضْرُوبُ السَّيْفَ مِنْ يَدِهِ فَقَطَعَ السَّيْفُ أَصَابِعَ الْآخَرِ قَالَ إنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ الْمِفْصَلِ فَعَلَى الْجَاذِبِ الدِّيَةُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْمِفْصَلِ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ. وَفِي الْمُنْتَقَى رَجُلٌ قُتِلَ عَمْدًا وَلَهُ ابْنَانِ وَامْرَأَةٌ فَعَفَتْ الْمَرْأَةُ عَنْ الدَّمِ ثُمَّ إنَّ أَحَدَ الِابْنَيْنِ قَتَلَ الْقَاتِلَ وَهُوَ يَعْلَمُ الْعَفْوَ فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ يَدْفَعُ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ مَا كَانَ لَهُ عَلَى قَاتِلِ الْأَبِ، وَأَمَّا إذَا قَتَلَ أَحَدُهُمَا أَبًا عَمْدًا وَقَتَلَ الْآخَرُ أُمَّهُ عَمْدًا فَلِلْأَوَّلِ أَنْ يَقْتُلَ الثَّانِيَ بِالْأُمِّ وَيَسْقُطَ الْقِصَاصُ عَنْ الْأَبِ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ الْأَوَّلَ لَمَّا قُتِلَ صَارَ الْقِصَاصُ مَوْرُوثًا بَيْنَ الِابْنِ الْآخَرِ وَبَيْنَ الْأُمِّ لِلْأُمِّ مِنْ ذَلِكَ الثُّمُنُ، فَإِنْ قَتَلَ الْآخَرُ الْأُمَّ صَارَ الثُّمُنُ الَّذِي وَرِثَتْهُ الْأُمُّ مِنْ الْأَبِ مِيرَاثَ الْأَوَّلِ فَسَقَطَ ضَرُورَةً، وَإِذَا جَنَى عَلَى مُكَاتَبِ إنْسَانٍ ثُمَّ دَبَّرَهُ مَوْلَاهُ لِانْهِدَارِ السِّرَايَةِ بَلْ تَكُونُ السِّرَايَةُ مَضْمُونَةً عَلَى الْجَانِي بَعْدَ التَّدْبِيرِ وَلَوْ كَاتَبَهُ أَوْ أَعْتَقَهُ هُدِرَتْ السِّرَايَةُ أَيْضًا، وَإِذَا جَنَى عَلَى مُكَاتَبِ إنْسَانٍ ثُمَّ أَدَّى الْمُكَاتَبُ فَعَتَقَ ثُمَّ مَاتَ الْمُكَاتَبُ مِنْ تِلْكَ الْجِنَايَةِ فَعَلَى الْجَانِي قِيمَةُ الْمُكَاتَبِ لَا الدِّيَةُ، وَإِنْ مَاتَ حُرًّا. وَقَالَ فِي الْمُنْتَقَى رَجُلٌ شَهِدَ لَهُ رَجُلَانِ أَنَّهُ قَتَلَ ابْنَ هَذَا فُلَانًا وَشَهِدَ آخَرَانِ لِهَذَا الرَّجُلِ أَيْضًا أَنَّهُ قَتَلَ ابْنَ هَذَا فُلَانًا وَسَمَّيَا ابْنًا آخَرَ لَهُ غَيْرَ الَّذِي سَمَّيَاهُ الْأَوَّلَانِ وَزُكِّيَ الْفَرِيقُ الْأَوَّلُ وَلَمْ يُزَكَّ الْفَرِيقُ الثَّانِي فَدُفِعَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ إلَى الْمَشْهُودِ لَهُ لِيَقْتُلَهُ فَقَالَ الْمَشْهُودُ لَهُ أَنَا أَقْتُلُك بِابْنِي الَّذِي لَمْ تُزَكَّ الشُّهُودُ عَلَى قَتْلِهِ وَلَا أَقْتُلُك بِابْنِي الَّذِي زَكِّي الشُّهُودُ عَلَى قَتْلِهِ ثُمَّ قَتَلَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَإِنْ قَالَ لَمْ يُقْتَلْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 394 ابْنِي الَّذِي زُكِّيَ الشُّهُودُ عَلَى قَتْلِهِ، وَإِنَّمَا قُتِلَ ابْنٌ آخَرُ لِي فَقَتَلَهُ كَانَ عَلَيْهِ الدِّيَةُ اسْتِحْسَانًا وَفِي الْقِيَاسِ عَلَيْهِ الْقَتْلُ. وَفِي الْمُنْتَقَى قَالَ مُحَمَّدٌ فِي نَصْرَانِيٍّ شَهِدَ عَلَيْهِ نَصْرَانِيَّانِ أَنَّهُ قَتَلَ ابْنَ هَذَا النَّصْرَانِيِّ عَمْدًا فَقُضِيَ عَلَيْهِ بِالْقِصَاصِ وَدُفِعَ إلَيْهِ لِيَقْتُلَهُ فَأَسْلَمَ، فَإِنِّي أَدْرَأُ عَنْهُ الْقَتْلَ وَأَجْعَلُ عَلَيْهِ الدِّيَةَ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي مُسْلِمٍ قَطَعَ يَدَ عَبْدِ النَّصْرَانِيِّ عَمْدًا فَأَقَامَ الْعَبْدُ بَيِّنَةً عَلَى النَّصْرَانِيِّ أَنَّ مَوْلَاهُ كَانَ أَعْتَقَهُ قَبْلَ أَنْ يَقْطَعَ هَذَا الْمُسْلِمُ يَدَهُ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ عَلَى الْعِتْقِ وَلَا يُقْضَى لَهُ بِالْقِصَاصِ وَلَهُ نِصْفُ الْقِيمَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. [بَابُ مَا يُحْدِثُ الرَّجُلُ فِي الطَّرِيقِ] (بَابُ مَا يُحْدِثُ الرَّجُلُ فِي الطَّرِيقِ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَحْكَامِ الْقَتْلِ مُبَاشَرَةً شَرَعَ فِي بَيَانِ أَحْكَامِهِ تَسَبُّبًا وَقَدَّمَ الْأَوَّلَ لِكَوْنِهِ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ قَتْلٌ بِلَا وَاسِطَةٍ وَلِكَوْنِهِ أَكْثَرَ وُقُوعًا فَكَانَ أَمَسَّ حَاجَةً إلَى مَعْرِفَةِ أَحْكَامِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ أَخْرَجَ إلَى طَرِيقِ الْعَامَّةِ كَنِيفًا أَوْ مِيزَابًا أَوْ جُرْصُنًا أَوْ دُكَّانًا فَلِكُلٍّ نَزْعُهُ) أَيْ لِكُلِّ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْمُرُورِ الْخُصُومَةُ مُطَالَبَةً بِالنَّقْضِ كَالْمُسْلِمِ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ الْحُرِّ وَكَالذِّمِّيِّ؛ لِأَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمْ الْمُرُورَ بِنَفْسِهِ وَبِدَوَابِّهِ فَتَكُونُ لَهُ الْخُصُومَةُ بِنَفْسِهِ كَمَا فِي الْمِلْكِ الْمُشْتَرَكِ بِخِلَافِ الْعَبِيدِ وَالصِّبْيَانِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِمْ حَيْثُ لَا يُؤْمَرُ بِالْهَدْمِ بِمُطَالَبَتِهِمْ؛ لِأَنَّ مُخَاصَمَةَ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِمْ لَا تُعْتَبَرُ فِي مَالِهِ بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ هَذَا إذَا بَنَى لِنَفْسِهِ قُيِّدَ بِمَا ذُكِرَ لِيَحْتَرِزَ عَمَّا إذَا بَنَى لِلْمُسْلِمِينَ كَالْمَسْجِدِ وَنَحْوِهِ فَلَا يُنْتَقَضُ كَذَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَالَ إسْمَاعِيلُ الصَّفَّارُ إنَّمَا يُنْقَضُ بِخُصُومَتِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مِثْلُ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ لَهُ مِثْلُهُ لَا يُلْتَفَتُ إلَى خُصُومَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَرَادَ بِهِ إزَالَةَ الضَّرَرِ عَنْ النَّاسِ لَبَدَأَ بِنَفْسِهِ وَحَيْثُ لَمْ يَزُلْ مَا فِي قُدْرَتِهِ عُلِمَ أَنَّهُ مُتَعَنِّتٌ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ الْكَنِيفُ الْمُسْتَرَاحُ وَالْمِيزَابُ وَالْجُرْصُنُ قِيلَ هُوَ الْبُرْجُ وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ جِذْعٌ يُخْرِجُهُ الْإِنْسَانُ مِنْ الْحَائِطِ لِيَبْنِيَ عَلَيْهِ ثُمَّ الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ أَحَدُهَا فِي أَنَّهُ هَلْ يَحِلُّ لَهُ إحْدَاثُهُ فِي الطَّرِيقِ أَمْ لَا وَالثَّانِي فِي الْخُصُومَةِ فِي مَنْعِهِ مِنْ الْإِحْدَاثِ فِيهِ وَرَفْعُهُ بَعْدَهُ وَالثَّالِثُ فِي ضَمَانِ مَا تَلِفَ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ أَمَّا الْإِحْدَاثُ فَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ إنْ كَانَ الْإِحْدَاثُ يَضُرُّ بِأَهْلِ الطَّرِيقِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُحْدِثَ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ لَا يَضُرُّ بِأَحَدٍ لِسَعَةِ الطَّرِيقِ جَازَ لَهُ إحْدَاثُهُ فِيهِ مَا لَمْ يَمْنَعْ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ فِي الطَّرِيقِ بِغَيْرِ أَنْ يَضُرَّ بِأَحَدٍ جَائِزٍ فَكَذَا مَا هُوَ مِثْلُهُ فَيُلْحَقُ بِهِ إذَا احْتَاجَ إلَيْهِ، فَإِذَا أَضَرَّ بِالْمَارِّ لَا يَحِلُّ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارِ فِي الْإِسْلَامِ» وَهَذَا نَظِيرُ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ، فَإِنَّهُ لَا يَسَعُهُ التَّأْخِيرُ إذَا طَالَبَهُ صَاحِبُهُ فَلَوْ لَمْ يُطَالِبْهُ جَازَ لَهُ تَأْخِيرُهُ وَعَلَى هَذَا الْقُعُودُ فِي الطَّرِيقِ لِلْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ يَجُوزُ إنْ لَمْ يَضُرَّ بِأَحَدٍ، وَإِنْ أَضَرَّ لَمْ يَجُزْ لِمَا قُلْنَا، وَأَمَّا الْخُصُومَةُ فِيهِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ عُرْضِ النَّاسِ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ الْوَضْعِ وَأَنْ يُكَلِّفَهُ الرَّفْعَ بَعْدَ الْوَضْعِ سَوَاءٌ كَانَ فِيهِ ضَرَرًا وَلَمْ يَكُنْ إذَا وَضَعَ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ لِافْتِيَاتِهِ عَلَى رَأْيِهِ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ فِي أُمُورِ الْعَامَّةِ إلَى الْإِمَامِ الْعُرْضُ بِالضَّمِّ النَّاحِيَةُ وَالْمُرَادُ وَاحِدٌ مِنْ النَّاسِ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لِكُلِّ وَاحِدٍ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَمْنَعَهُ قَبْلَ الْوَضْعِ وَلَا بَعْدَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرُ النَّاسِ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ فِي إحْدَاثِهِ شَرْعًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ إنْ لَمْ يَمْنَعْهُ أَحَدٌ وَالْمَانِعُ مِنْهُ مُتَعَنِّتٌ فَلَا يُمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ. فَصَارَ كَمَا لَوْ أَذِنَ لَهُ الْإِمَامُ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ إذْنَ الشَّارِعِ أَحْرَى وِلَايَةً وَأَقْوَى كَالْمُرُورِ حَتَّى لَا يَجُوزَ لِأَحَدٍ أَنْ يَمْنَعَهُ وَجَوَابُهُ أَنَّ هَذَا انْتِفَاعٌ بِمَا لَمْ تُوضَعْ لَهُ الطَّرِيقُ فَكَانَ لَهُمْ مَنْعُهُ، وَإِنْ كَانَ جَائِزًا فِي نَفْسِهِ بِخِلَافِ الْمُرُورِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ انْتِفَاعٌ بِمَا وُضِعَ لَهُ فَلَا يَكُونُ لِأَحَدٍ مَنْعُهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَهُ التَّصَرُّفُ فِي النَّافِذِ إلَّا إذَا أَضَرَّ) أَيْ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ بِإِحْدَاثِ الْجُرْصُنِ وَغَيْرِهِ مِمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي الطَّرِيقِ النَّافِذِ إذَا لَمْ يَضُرَّ بِالْعَامَّةِ مَعْنَاهُ إذَا لَمْ يَمْنَعْهُ أَحَدٌ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ وَالْخِلَافَ الَّذِي فِيهِ فَلَا نُعِيدُهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي غَيْرِهِ لَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ إلَّا بِإِذْنِهِمْ) أَيْ فِي غَيْرِ النَّافِذِ مِنْ الطَّرِيقِ لَا يَتَصَرَّفُ أَحَدٌ بِإِحْدَاثِ مَا ذَكَرْنَا إلَّا بِإِذْنِ أَهْلِهِ؛ لِأَنَّ الطَّرِيقَ الَّتِي لَيْسَتْ بِنَافِذَةٍ مَمْلُوكَةٌ لِأَهْلِهَا فَهُمْ فِيهَا شُرَكَاءُ وَلِهَذَا يَسْتَحِقُّونَ بِهَا الشُّفْعَةَ وَالتَّصَرُّفَ فِي الْمِلْكِ الْمُشْتَرَكِ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي لَمْ يُوضَعْ لَهُ لَا يُمْلَكُ إلَّا بِإِذْنِ الْكُلِّ أَضَرَّ بِهِمْ أَوْ لَمْ يَضُرَّ بِخِلَافِ النَّافِذِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ فِيهِ مِلْكٌ فَيَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ مَا لَمْ يَضُرَّ بِأَحَدٍ وَلِأَنَّهُ إذَا كَانَ حَقُّ الْعَامَّةِ فَيَتَعَذَّرُ الْوُصُولُ إلَى إذْنِ الْكُلِّ فَجُعِلَ كُلُّ وَاحِدٍ كَأَنَّهُ هُوَ الْمَالِكُ وَحْدَهُ فِي حَقِّ الِانْتِفَاعِ مَا لَمْ يَضُرَّ بِأَحَدٍ وَلَا كَذَلِكَ غَيْرُ النَّافِذِ؛ لِأَنَّ الْوُصُولَ إلَى إرْضَائِهِمْ مُمْكِنٌ فَيَبْقَى عَلَى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 395 شَرِكَتِهِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا وَفِي الْمُنْتَقَى إنَّمَا يُؤْمَرُ بِرَفْعِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ إذَا عُلِمَ حُدُوثُهَا فَلَوْ كَانَتْ قَدِيمَةً فَلَيْسَ لِأَحَدٍ حَقُّ الرَّفْعِ، وَإِنْ لَمْ يُدْرَ حَالُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ تُجْعَلُ قَدِيمَةً وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ مَاتَ أَحَدٌ بِسُقُوطِهَا فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ كَمَا لَوْ حَفَرَ بِئْرًا فِي طَرِيقٍ أَوْ وَضَعَ حَجَرًا فَتَلِفَ بِهِ إنْسَانٌ) أَيْ إذَا مَاتَ إنْسَانٌ بِسُقُوطِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ كَنِيفٍ أَوْ مِيزَابٍ أَوْ جَرْصَنٍ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ مَنْ أَخْرَجَهُ إلَى الطَّرِيقِ؛ لِأَنَّهُ تَسَبَّبَ لِلْهَلَاكِ مُتَعَدِّيًا فِي إحْدَاثِ مَا تَضَرَّرَ بِهِ الْمَارَّةُ بِإِشْغَالِ هَوَاءِ الطَّرِيقِ بِهِ أَوْ بِإِحْدَاثِ مَا يَحُولُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الطَّرِيقِ وَكَذَا إذَا عَثَرَ بِنَقْضِهِ إنْسَانٌ وَلَوْ عَثَرَ بِمَا أَحْدَثَ بِهِ هُوَ رَجُلٌ فَوَقَعَ عَلَى آخَرَ فَمَاتَا فَدِيَتُهُمَا عَلَى عَاقِلَةِ مَنْ أَحْدَثَهُ؛ لِأَنَّ الْوَاقِعَ كَالْمَدْفُوعِ عَلَى الْآخَرِ وَلَوْ سَقَطَ الْمِيزَابُ فَأَصَابَ مَا كَانَ فِي الدَّاخِلِ رَجُلًا فَقَتَلَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَى أَحَدٍ؛ لِأَنَّهُ وَضَعَ ذَلِكَ فِي مِلْكِهِ فَلَا يَكُونُ مُتَعَدِّيًا فِيهِ، وَإِنْ أَصَابَهُ مَا كَانَ خَارِجًا فِيهِ يَضْمَنُ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَخَارِجًا أَمْ دَاخِلًا؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ خَارِجًا ضَمِنَ، وَإِنْ كَانَ دَاخِلًا لَا يَضْمَنُ فَفِي الْقِيَاسِ لَا يَضْمَنُ بِالشَّكِّ؛ لِأَنَّ فَرَاغَ ذِمَّتِهِ ثَابِتٌ بِيَقِينٍ وَفِي الشُّغْلِ شَكٌّ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَضْمَنُ النِّصْفَ؛ لِأَنَّهُ فِي حَالٍ يَضْمَنُ الْكُلَّ وَفِي حَالٍ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا فَيَضْمَنُ النِّصْفَ وَلَا يُقَالُ يَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ يَضْمَنُ فِي حَالَةِ النِّصْفِ وَهُوَ مَا إذَا أَصَابَهُ الطَّرَفَانِ فَيَنْتَصِفُ فَيَكُونُ مَعَ النِّصْفِ الْأَوَّلِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعٍ؛ لِأَنَّ أَحْوَالَ الْإِصَابَةِ حَالَةٌ وَاحِدَةٌ فَلَا تَتَعَدَّدُ لِاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِهِمَا بِخِلَافِ حَالَةِ الْجُرْحَيْنِ. وَلَوْ أَشْرَعَ جَنَاحًا إلَى الطَّرِيقِ ثُمَّ بَاعَ الْكُلَّ فَأَصَابَ الْجَنَاحُ رَجُلًا فَقَتَلَهُ أَوْ وَضَعَ خَشَبَةً فِي الطَّرِيقِ ثُمَّ بَاعَ الْخَشَبَةَ وَتَرَكَهَا الْمُشْتَرِي حَتَّى عَطِبَ بِهَا إنْسَانٌ فَالضَّمَانُ عَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ لَمْ يَنْفَسِخْ بِزَوَالِ مِلْكِهِ وَهُوَ الْمُوجِبُ بِخِلَافِ الْحَائِطِ الْمَائِلِ إذَا بَاعَهُ بَعْدَ الْإِشْهَادِ عَلَيْهِ ثُمَّ سَقَطَ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي عَلَى إنْسَانٍ حَيْثُ لَا يَضْمَنُ الْبَائِعُ وَلَا الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ وَهُوَ شَرْطُ الْحَائِطِ الْمَائِلِ وَفِي حَقِّ الْبَائِعِ قَدْ بَطَلَ الْإِشْهَادُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْإِشْهَادِ فَيَبْطُلُ بِخُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ نَقْضِ مِلْكِ الْغَيْرِ وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ إنَّمَا يَضْمَنُ بِإِشْغَالِ الطَّرِيقِ لَا بِاعْتِبَارِ الْمِلْكِ وَالْإِشْغَالُ بَاقٍ بَعْدَ الْبَيْعِ أَلَا تَرَى أَنَّ ذَلِكَ الْإِشْغَالَ لَوْ حَصَلَ مِنْ غَيْرِ مَالِكٍ كَالْمُسْتَأْجِرِ أَوْ الْمُعِيرِ أَوْ الْغَاصِبِ يَضْمَنُ وَفِي الْحَائِطِ لَا يَضْمَنُ غَيْرُ الْمَالِكِ. وَلَوْ اسْتَأْجَرَ رَبُّ الدَّارِ الْفَعَلَةَ لِإِخْرَاجِ الْجَنَاحِ أَوْ الظُّلَّةِ فَوَقَعَ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغُوا مِنْ الْعَمَلِ فَقَتَلَ إنْسَانًا فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ التَّلَفَ بِفِعْلِهِمْ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ لَا يَكُونُ مُسَلَّمًا إلَى رَبِّ الدَّارِ قَبْلَ فَرَاغِهِمْ مِنْهُ فَانْقَلَبَ فِعْلُهُمْ قَتْلًا حَتَّى وَجَبَتْ عَلَيْهِمْ الْكَفَّارَةُ وَيُحْرَمُونَ مِنْ الْإِرْثِ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمَسَائِلِ مِنْ إخْرَاجِ الْجُنَاحِ أَوْ الْمِيزَابِ أَوْ الْكَنِيفِ إلَى الطَّرِيقِ فَقَتَلَ إنْسَانًا بِسُقُوطِهِ حَيْثُ لَا تَجِبُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ وَلَا يَحْرُمُ الْإِرْثُ؛ لِأَنَّهُ تَسَبُّبٌ وَهُنَا مُبَاشَرَةُ الْقَتْلِ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي عَقْدِهِ فَلَمْ يَسْتَنِدْ فِعْلُهُمْ إلَيْهِ فَاقْتَصَرَ عَلَيْهِمْ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هَذَا عَلَى وُجُوهٍ أَمَّا إنْ قَالَ لَهُمْ ابْنُوا لِي جَنَاحًا عَلَى فِنَاءِ دَارِي، فَإِنَّهُ مِلْكِي وَلِي مِنْهُ حَقُّ إشْرَاعِ الْجَنَاحِ إلَيْهِ مِنْ الْقَدِيمِ وَلَمْ تَعْلَمْ الْفَعَلَةُ ثُمَّ ظَهَرَ بِخِلَافِ مَا قَالَ ثُمَّ سَقَطَ فَأَصَابَ شَيْئًا فَالضَّمَانُ عَلَى الْآجِرِ وَيَرْجِعُونَ بِالضَّمَانِ عَلَى الْآمِرِ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا سَوَاءٌ سَقَطَ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ أَوْ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ وَجَبَ عَلَى الْفَاعِلِ بِأَمْرِ الْآمِرِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ شَخْصًا لِيَذْبَحَ لَهُ شَاةً ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ الشَّاةُ بَعْدَ الذَّبْحِ كَانَ لِلْمُسْتَحِقِّ أَنْ يُضَمِّنَ الذَّابِحَ وَيَرْجِعَ الذَّابِحُ بِهِ عَلَى الْآمِرِ فَكَذَا هَذَا، وَأَمَّا إذَا قَالَ لَهُمْ اشْرَعُوا لِي جَنَاحًا عَلَى فِنَاءِ دَارِي وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حَقُّ الشَّرْعِ فِي الْقَدِيمِ أَوْ لَمْ يُخْبِرْهُمْ حَتَّى بَنَوْا ثُمَّ سَقَطَ فَأَتْلَفَ شَيْئًا إنْ سَقَطَ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَرْجِعُوا بِهِ عَلَى الْآمِرِ قِيَاسًا، وَإِنْ سَقَطَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ فَكَذَلِكَ فِي جَوَابِ الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ أَمَرَهُمْ بِمَا لَا يَمْلِكُ مُبَاشَرَتَهُ بِنَفْسِهِ وَقَدْ عَلِمُوا فَسَادَ أَمْرِهِ فَلَمْ يَحْكُمْ بِالضَّمَانِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَذْبَحَ شَاةَ جَارٍ لَهُ وَأَعْلَمَهُ فَذَبَحَ ثُمَّ ضَمِنَ الذَّابِحُ لِلْجَارِّ لَمْ يَرْجِعْ بِهِ عَلَى الْآمِرِ وَكَذَا لَوْ اسْتَأْجَرَهُمْ لِيَبْنُوا لَهُ بَيْتًا فِي وَسَطِ الطَّرِيقِ ثُمَّ سَقَطَ وَأَتْلَفَ شَيْئًا لَمْ يَرْجِعُوا بِهِ عَلَى الْآمِرِ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَكُونُ الضَّمَانُ عَلَى الْآمِرِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْأَمْرَ صَحِيحٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ فَمِنْ حَيْثُ إنَّ الْأَمْرَ صَحِيحٌ يَكُونُ إقْرَارُ الضَّمَانِ عَلَى الْآمِرِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْفِعْلِ وَمِنْهُ حَيْثُ إنَّهُ فَاسِدٌ يَكُونُ الضَّمَانُ عَلَى الْعَامِلِ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ عَمَلًا بِهَا وَإِظْهَارُ شُبْهَةِ الصِّحَّةِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ أَوْلَى مِنْ إظْهَارِهِ قَبْلَ الْفَرَاغِ؛ لِأَنَّ أَمْرَ الْآمِرِ إنَّمَا لَا يَصْلُحُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يَمْلِكُ الِانْتِفَاعَ بِفِنَاءِ دَارِهِ، وَإِنَّمَا حَصَلَ لَهُ ذَلِكَ بَعْدَ الْفَرَاغِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 396 مِنْ الْعَمَلِ. قَوْلُهُ كَمَا لَوْ حَفَرَ بِئْرًا فِي طَرِيقٍ فَتَلِفَ بِهِ إنْسَانٌ أَيْ الْقَتْلُ بِسُقُوطِ الْمِيزَابِ وَنَحْوِهِ كَالْقَتْلِ بِحَفْرِ الْبِئْرِ وَوَضْعِ الْحَجَرِ فِي الطَّرِيقِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَتْلٌ بِسَبَبٍ حَتَّى لَا تَجِبَ فِيهِ الْكَفَّارَةُ وَلَا يُحْرَمَ الْمِيرَاثَ فَيَكُونَ حُكْمُهُ كَحُكْمِهِ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ قَوْلُهُ: حَفَرَ إلَى آخِرِهِ حَفَرَ بِئْرًا فِي الطَّرِيقِ فَجَاءَ آخَرُ وَحَفَرَ طَائِفَةٌ فِي أَسْفَلِهَا ثُمَّ وَقَعَ فِيهَا إنْسَانٌ وَمَاتَ فِي الْقِيَاسِ يَضْمَنُ الْأَوَّلُ وَبِهِ أَخَذَ مُحَمَّدٌ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَيْهِمَا أَثْلَاثًا. وَلَوْ حَفَرَ بِئْرًا ثُمَّ جَاءَ آخَرُ وَوَسَّعَ رَأْسَهَا فَسَقَطَ فِيهَا إنْسَانٌ وَمَاتَ كَانَ الضَّمَانُ عَلَيْهِمَا أَثْلَاثًا قَالُوا تَأْوِيلُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الثَّانِيَ وَسَّعَ رَأْسَهَا بِحَيْثُ يَعْلَمُ النَّاسُ أَنَّ الْوَاقِعَ إنَّمَا وَقَعَ فِي مَوْضِعٍ بَعْضُهُ مِنْ حَفْرِ الْأَوَّلِ وَبَعْضُهُ مِنْ حَفْرِ الثَّانِي أَمَّا إذَا وَسَّعَ الثَّانِي رَأْسَهَا بِحَيْثُ إنَّهُ إنَّمَا وَقَعَ فِي مَوْضِعِ حَفْرِ الثَّانِي كَانَ الضَّمَانُ عَلَى الثَّانِي، وَإِنْ لَمْ يَدْرِ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمَا قَاضِي خَانْ قَوْلُهُ حَفَرَ إلَى آخِرِهِ سَقَطَ إنْسَانٌ فَقَالَ الْحَافِرُ إنَّهُ أَلْقَى نَفْسَهُ وَكَذَّبَهُ الْوَرَثَةُ فِي ذَلِكَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْحَافِرِ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ آخِرًا وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْبَصِيرَ يَرَى مَوْضِعَ قَدَمَيْهِ، وَإِنْ كَانَ الظَّاهِرُ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُوقِعُ نَفْسَهُ إلَّا إذَا وَقَعَتْ لَهُ شِدَّةٌ فَلَا يَجِبُ الضَّمَانُ بِالشَّكِّ قَوْلُهُ حَفَرَ بِئْرًا فِي الطَّرِيقِ ثُمَّ كَسَاهَا بِالتُّرَابِ أَوْ بِخُضَرٍ أَوْ بِمَا هُوَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ يَضْمَنُ الْأَوَّلُ وَلَوْ غَطَّى رَأْسَهَا وَجَاءَ آخَرُ وَرَفَعَ الْغِطَاءَ فَوَقَعَ فِيهَا إنْسَانٌ ضَمِنَ الْأَوَّلُ وَقَالَ قَاضِي خَانْ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ فَتَلِفَ فِيهِ فَلَوْ لَمْ يَمُتْ مِنْ ذَلِكَ بَلْ مَاتَ جُوعًا أَوْ عَطَشًا أَوْ غَمًّا هَلْ يَضْمَنُ الْحَافِرُ لَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ هَذَا وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو يُوسُفَ فِي الْإِمْلَاءِ خِلَافًا فَقَالَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَضْمَنُ الْحَافِرُ إذَا مَاتَ جُوعًا فَالْجَوَابُ كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فَأَمَّا إذَا مَاتَ غَمًّا، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ الْحَافِرُ وَفِي الْكُبْرَى وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِي الذَّخِيرَةِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَضْمَنُ فِي الْحَالَتَيْنِ هَذَا إذَا كَانَ الْحَفْرُ فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ فَأَمَّا إذَا كَانَ الْحَفْرُ فِي فِنَاءِ دَارِهِ فَوَقَعَ فِيهِ إنْسَانٌ فَمَاتَ هَلْ يَضْمَنُ إنْ كَانَ الْفِنَاءُ لِغَيْرِهِ يَكُونُ ضَامِنًا، وَأَمَّا إذَا حَفَرَ فِي مِلْكِهِ أَوْ كَانَ لَهُ حَقُّ الْحَفْرِ فِي الْقَدِيمِ فَكَذَا الْجَوَابُ لَا يَضْمَنُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِلْكًا لَهُ وَلَكِنْ كَانَ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ كَانَ شِرْكًا بِأَنْ كَانَ فِي سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ قَالَ فِي الْمُنْتَقَى فِنَاءُ دَارِ الرَّجُلِ مَا كَانَ فِي دَارِهِ يَحْتَاجُ إلَيْهِ وَإِنْ كَانَ فِي عُرْضِ سِكَّتِهِ أَوْ أَعْرَضَ مِنْهَا فَأَمَّا إذَا أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يَحْفِرَ لَهُ بِئْرًا فِي أَصْلِ حَائِطِ جَارِهِ وَفِنَائِهِ فَهَذَا كُلُّهُ فِنَاءُ الْآمِرِ وَفِنَاءُ جَارِهِ الَّذِي هُوَ فِنَاءٌ لَهُ فَهُوَ فِنَاؤُهُمَا، وَإِنْ كَانَتْ السِّكَّةُ غَيْرَ نَافِذَةٍ فَأَمَرَ بِالْحَفْرِ فِي مَوْضِعٍ لَيْسَ لَهُ فِيهِ مَنْفَعَةٌ وَلَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الدَّارُ وَهَذَا لَيْسَ بِفِنَائِهِ، وَإِذَا أَوْقَعَ إنْسَانٌ نَفْسَهُ فِي الْبِئْرِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْحَافِرِ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. وَمَنْ حَفَرَ بِئْرًا عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ فَوَقَعَ فِيهَا دَابَّةٌ أَوْ إنْسَانٌ فَتَلِفَ فَالضَّمَانُ عَلَى الْحَافِرِ وَلَوْ جَاءَ إنْسَانٌ فَدَفَعَهُ وَأَلْقَاهُ فِي الْبِئْرِ وَهَلَكَ فَالضَّمَانُ عَلَى الدَّافِعِ دُونَ الْحَافِرِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ حَفَرَ بِئْرًا فِي مِلْكِهِ ثُمَّ سَقَطَ إنْسَانٌ فَقَتَلَ السَّاقِطُ ذَلِكَ الْإِنْسَانَ أَوْ الدَّابَّةَ كَانَ السَّاقِطُ ضَامِنًا دِيَةَ أَوْ قِيمَةَ مَنْ كَانَ فِيهَا، وَإِنْ كَانَ الْبِئْرُ فِي الطَّرِيقِ كَانَ الضَّمَانُ عَلَى حَافِرِ الْبِئْرِ، فَإِذَا حَفَرَ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ فَسُقُوطُهُ لَا يَكُونُ ضَامِنًا إلَى الْحَافِرِ وَكَانَ تَلَفُ السُّقُوطِ عَلَيْهِ مُضَافًا إلَى السَّاقِطِ، وَإِذَا حَفَرَ الرَّجُلُ بِئْرًا فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ آخَرُ حَفَرَ طَائِفَةٌ أُخْرَى فِي أَسْفَلِهَا ثُمَّ وَقَعَ إنْسَانٌ وَمَاتَ، فَإِنَّهُ يَنْبَغِي فِي الْقِيَاسِ أَنْ يَضْمَنَ الْأَوَّلُ وَبِهِ أَخَذَ مُحَمَّدٌ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي جَوَابِ الِاسْتِحْسَانِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ جَوَابُ الِاسْتِحْسَانِ أَنْ يَكُونَ الضَّمَانُ عَلَى الْأَوَّلِ وَالثَّانِي وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ جَوَابُ الِاسْتِحْسَانِ أَنْ يَكُونَ الضَّمَانُ عَلَى الثَّانِي خَاصَّةً إلَّا أَنَّ أَصْحَابَنَا أَخَذُوا بِالْقِيَاسِ وَكَانَ كَمَنْ حَفَرَ بِئْرًا عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ فَجَاءَ إنْسَانٌ وَوَضَعَ فِي الْبِئْرِ سِلَاحًا ثُمَّ جَاءَ إنْسَانٌ وَوَقَعَ عَلَى السِّلَاحِ وَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّ الضَّمَانَ عَلَى الْحَافِرِ وَسُئِلَ بَعْضُهُمْ عَمَّنْ حَفَرَ فِي صَحْرَاءِ قَرْيَةٍ الَّتِي هِيَ لِأَهْلِ الْقَرْيَةِ وَهِيَ مَبِيتُ دَوَابِّهِمْ حَفِيرَةً يَضَعُ فِيهَا الْحِنْطَةَ وَالشَّعِيرَ بِغَيْرِ إذْنِ الْبَاقِينَ فَجَاءَ رَجُلٌ وَأَوْقَدَ فِي الْحَفِيرَةِ نَارًا كَسَتْهَا وَذَلِكَ أَيْضًا بِغَيْرِ إذْنِ الْبَاقِينَ فَوَقَعَ فِيهَا حِمَارٌ فَاحْتَرَقَ بِالنَّارِ فَالضَّمَانُ عَلَى مَنْ يَجِبُ فَقَالَ عَلَى الْحَافِرِ قَالَ وَهَذَا قِيَاسُ مَا نُقِلَ عَنْ أَصْحَابِنَا فِي كِتَابِ الدِّيَاتِ أَنَّ مَنْ حَفَرَ بِئْرًا عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ وَأَلْقَى رَجُلٌ فِيهَا حَجَرًا بَعْدَمَا وَقَعَ فِي الْبِئْرِ رَجُلٌ فَأَصَابَهُ الْحَجَرُ الَّذِي فِي الْبِئْرِ فَمَاتَ إنَّ الدِّيَةَ عَلَى الْحَافِرِ وَمِثْلُهُ لَوْ وَضَعَ رَجُلٌ حَجَرًا عَلَى الْأَرْضِ بِقُرْبِ الْبِئْرِ فَتَعَقَّلَ فِيهَا إنْسَانٌ وَوَقَعَ فَهَلَكَ فَالدِّيَةُ عَلَى مَنْ وَضَعَ الْحَجَرَ كَأَنَّهُ أَلْقَاهُ فِي الْبِئْرِ فَمَاتَ وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ كَانَ الضَّمَانُ عَلَى الدَّافِعِ وَكَذَلِكَ هَاهُنَا هَذَا إذَا وَضَعَ الْحَجَرَ وَاضِعٌ فَأَمَّا إذَا لَمْ يَضَعْهُ أَحَدٌ وَلَكِنْ كَانَ الْحَجَرُ رَاسِخًا فَتَعَقَّلَ بِهِ إنْسَانٌ وَوَقَعَ فِي الْبِئْرِ وَمَاتَ فَالضَّمَانُ عَلَى الْحَافِرِ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي التَّسَبُّبِ وَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 397 الْمَاشِي إذَا وَقَعَ فِي الْبِئْرِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِالْبِئْرِ فَالضَّمَانُ عَلَى الْحَافِرِ، وَإِنْ كَانَ الْمَاشِي دَافِعًا نَفْسَهُ فِي الْبِئْرِ وَأَنَّهُ مُبَاشِرٌ وَالْحَافِرُ مُتَسَبِّبٌ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَإِنْ كَانَ الْحَجَرُ لَمْ يَضَعْهُ أَحَدٌ لَكِنَّهُ حَمِيلُ السَّيْلِ جَاءَ بِهِ فَالضَّمَانُ عَلَى الْحَافِرِ وَمِنْ هَذَا الْجِنْسِ مَا ذُكِرَ فِي الْمُنْتَقَى رَجُلٌ حَفَرَ بِئْرًا عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ فَجَاءَ إنْسَانٌ وَزَلَقَ بِمَاءٍ صَبَّهُ رَجُلٌ آخَرُ عَلَى الطَّرِيقِ وَوَقَعَ فِي الْبِئْرِ وَمَاتَ فَالضَّمَانُ عَلَى الَّذِي صَبَّ الْمَاءَ، فَإِنْ كَانَ الْمَاءُ مَاءَ السَّمَاءِ فَعَلَى صَاحِبِ الْبِئْرِ. وَإِذَا حَفَرَ الرَّجُلُ بِئْرًا فِي طَرِيقِ مَكَّةَ فِي الْفَيَافِيِ وَالْمَفَازَاتِ فِي غَيْرِ مَمَرِّ النَّاسِ فَوَقَعَ فِيهِ إنْسَانٌ، فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ لَهُ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ حَفَرَ فِي الطَّرِيقِ، فَإِنَّهُ يَصِيرُ ضَامِنًا، فَإِذَا حَفَرَ بِئْرًا عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ فَوَقَعَ إنْسَانٌ فَسَلِمَ مِنْ الْوَقْعَةِ وَطَلَبَ الْخُرُوجَ مِنْهَا فَتَعَلَّقَ حَتَّى إذَا كَانَ فِي وَسَطِهَا سَقَطَ وَعَطِبَ فَلَا ضَمَانَ وَلَوْ مَشَى فِي أَسْفَلِهَا فَعَطِبَ بِصَخْرَةٍ فِيهَا فَإِنْ كَانَتْ الصَّخْرَةُ فِي مَوْضِعِهَا مِنْ الْأَرْضِ فَلَا ضَمَانَ، وَإِنْ كَانَ صَاحِبُ الْبِئْرِ قَلَعَهَا مِنْ مَوْضِعِهَا وَوَضَعَهَا فِي نَاحِيَةِ الْبِئْرِ فَعَلَى صَاحِبِ الْبِئْرِ هَكَذَا ذُكِرَ فِي الْمُنْتَقَى شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. وَإِذَا حَفَرَ الرَّجُلُ بِئْرًا فِي الطَّرِيقِ فَسَقَطَ فِيهِ رَجُلٌ فَتَعَلَّقَ بِهِ آخَرُ وَتَعَلَّقَ الثَّانِي بِثَالِثٍ وَسَقَطُوا جَمِيعًا وَمَاتُوا جَمِيعًا فَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ إنْ مَاتُوا مِنْ وُقُوعِهِمْ وَلَمْ يَقَعْ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ أَوْ مِنْ وُقُوعِهِمْ وَوَقَعَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَقَدْ عُلِمَ كَيْفِيَّةُ الْمَوْتِ أَوْ لَمْ يُعْلَمْ كَيْفَ مَاتُوا، فَإِنْ مَاتُوا مِنْ وُقُوعِهِمْ وَلَمْ يَقَعْ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فَدِيَةُ الْأَوَّلِ عَلَى الْحَافِرِ؛ لِأَنَّهُ كَالدَّافِعِ وَدِيَةُ الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ مُبَاشِرٌ وَدِيَةُ الثَّالِثِ عَلَى الثَّانِي، وَإِذَا خَرَجُوا أَحْيَاءَ وَأَخْبَرُوا عَنْ حَالِهِمْ ثُمَّ مَاتُوا فَمَوْتُ الْأَوَّلِ عَلَى سَبْعَةِ أَوْجُهٍ إمَّا إنْ مَاتَ مِنْ وُقُوعِهِ لَا غَيْرُ فَدِيَتُهُ عَلَى الْحَافِرِ، وَإِنْ مَاتَ مِنْ وُقُوعِ الثَّانِي عَلَيْهِ فَدِيَتُهُ هَدَرٌ؛ لِأَنَّهُ قَاتِلٌ لِنَفْسِهِ بِجَرِّهِ، وَإِنْ مَاتَ مِنْ وُقُوعِ الثَّالِثِ عَلَيْهِ فَدِيَتُهُ عَلَى الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ هُوَ جَرَّ الثَّالِثَ، وَإِنْ مَاتَ مِنْ وُقُوعِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ فَنِصْفُ دِيَتِهِ هَدَرٌ وَنِصْفُهَا عَلَى الثَّانِي، وَإِنْ مَاتَ مِنْ وُقُوعِهِ وَوُقُوعِ الثَّالِثِ عَلَيْهِ فَالنِّصْفُ عَلَى الْحَافِرِ وَالنِّصْفُ عَلَى الثَّانِي، وَإِنْ مَاتَ مِنْ وُقُوعِهِ وَوُقُوعِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ فَالثُّلُثُ هَدَرٌ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَ نَفْسَهُ بِجَرِّ الثَّانِي عَلَيْهِ وَالثُّلُثُ عَلَى الْحَافِرِ؛ لِأَنَّهُ كَالدَّافِعِ وَالثُّلُثُ عَلَى الثَّانِي بِجَرِّ الثَّالِثِ مُبَاشَرَةً، وَأَمَّا الْحُكْمُ فِي الثَّانِي، فَإِنْ مَاتَ بِوُقُوعِ الثَّالِثِ عَلَيْهِ فَدِيَتُهُ هَدَرٌ؛ لِأَنَّهُ جَرَّهُ إلَى نَفْسِهِ، وَإِنْ مَاتَ مِنْ وُقُوعِ الْأَوَّلِ عَلَيْهِ فَدِيَتُهُ عَلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ كَالدَّافِعِ لِلثَّانِي فِي الْبِئْرِ، وَإِنْ مَاتَ مِنْ وُقُوعِ الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ مَعًا فَنِصْفُ دِيَتِهِ هَدَرٌ لِجَرِّهِ الثَّالِثَ إلَى نَفْسِهِ وَنِصْفُهَا عَلَى عَاقِلَةِ الْأَوَّلِ لِجَرِّ الْأَوَّلِ لَهُ وَإِيقَاعِهِ فِي الْبِئْرِ،. وَأَمَّا دِيَةُ الثَّالِثِ فَعَلَى الثَّانِي لِجَرِّ الثَّانِي لَهُ هَذَا إذَا كَانَ يُدْرَى حَالُ وُقُوعِهِمْ فَأَمَّا إذَا كَانَ لَا يُدْرَى فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ أَوْ وُجِدُوا مُتَفَرِّقِينَ، فَإِنْ كَانُوا مُتَفَرِّقِينَ فَدِيَةُ الثَّالِثِ عَلَى الثَّانِي وَدِيَةُ الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ وَدِيَةُ الثَّالِثِ عَلَى الثَّانِي وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَفِي قَوْلٍ آخَرَ لَمْ يُبَيِّنْ مُحَمَّدٌ قَائِلَهُ فِي الْأَصْلِ وَيُقَالُ هُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ أَنَّ دِيَةَ الْأَوَّلِ أَثْلَاثًا ثُلُثٌ عَلَى صَاحِبِ الْبِئْرِ وَثُلُثٌ عَلَى الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ جَرَّ الثَّالِثَ عَلَيْهِ وَثُلُثٌ هَدَرٌ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الَّذِي جَرَّ الثَّانِيَ وَدِيَةُ الثَّانِي نِصْفَانِ نِصْفٌ عَلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي جَرَّهُ وَنِصْفٌ هَدَرٌ؛ لِأَنَّهُ جَرَّ الثَّالِثَ إلَى نَفْسِهِ وَدِيَةُ الثَّالِثِ عَلَى الثَّانِي عَبْدٌ حَفَرَ بِئْرًا عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ فَجَاءَ إنْسَانٌ وَوَقَعَ فِيهَا فَعَفَا عَنْهُ الْوَلِيُّ ثُمَّ وَقَعَ فِيهَا آخَرُ فَعَلَى الْمَوْلَى أَنْ يَدْفَعَ كُلَّهُ أَوْ يَفْدِيَهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يُدْفَعُ إلَيْهِ نِصْفٌ؛ لِأَنَّهُمَا وَقَعَا مَعًا فَعَفَا عَنْهُ أَحَدُ الْوَلِيَّيْنِ رَجُلٌ مَاتَ وَتَرَكَ دَارًا وَعَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ مَا يَسْتَغْرِقُ قِيمَتَهَا فَحَفَرَ فِيهَا وَرَثَتُهُ فَهُوَ ضَامِنٌ لِنُقْصَانِ الْحَفْرِ لِلْغُرَمَاءِ، فَإِنْ وَقَعَ فِيهَا إنْسَانٌ فَعَلَيْهِ ضَمَانُ ذَلِكَ عَلَى عَاقِلَتِهِ. وَفِي الْمُنْتَقَى مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي عَبْدٍ حَفَرَ بِئْرًا ثُمَّ أَعْتَقَهُ مَوْلَاهُ ثُمَّ وَقَعَ الْعَبْدُ الْمُعْتَقُ فِي الْبِئْرِ وَمَاتَ قَالَ عَلَى الْمَوْلَى قِيمَتُهُ لِوَرَثَتِهِ قَالَ مُحَمَّدٌ لَا أَرَى عَلَيْهِ شَيْئًا وَلَوْ أَعْتَقَهُ الْمَوْلَى أَوَّلًا ثُمَّ حَفَرَ وَوَقَعَ فِيهَا فَلَا شَيْءَ عَلَى الْمَوْلَى بِلَا خِلَافٍ. وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ مُكَاتَبٌ حَفَرَ بِئْرًا فِي الطَّرِيقِ ثُمَّ قَتَلَ إنْسَانًا فَقُضِيَ عَلَيْهِ بِقِيمَتِهِ ثُمَّ وَقَعَ فِي الْبِئْرِ إنْسَانٌ وَمَاتَ قَالَ يُشَارِكُ السَّاقِطُ فِي الْبِئْرِ الَّذِي أَخَذَ الْقِيمَةَ فِيهَا قَالَ وَكَذَلِكَ الْمُدَبَّرُ قَالَ، وَإِذَا جَاءَ وَلِيُّ السَّاقِطِ فِي الْبِئْرِ فَأَخَذَ الَّذِي أَخَذَ قِيمَةَ الْمُدَبَّرِ مِنْ مَوْلَاهُ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ خُصُومَةٌ وَلَا أَقْبَلُ بَيِّنَةً عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا أَقْبَلُ بَيِّنَةً عَلَى مَوْلَى الْمُدَبَّرِ، فَإِذَا زَكَّتْ كَذَا عَلَى الْمَوْلَى يَرْجِعُ عَلَى الَّذِي أَخَذَ الْقِيمَةَ بِنِصْفِهَا وَفِي التَّجْرِيدِ وَلَوْ كَانَ الْحَافِرُ مُدَبَّرًا أَوْ أُمَّ وَلَدٍ وَقُضِيَ عَلَى الْمَوْلَى بِقِيمَةٍ وَاحِدَةٍ تُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ يَوْمَ الْحَفْرِ وَلَا يُعْتَبَرُ بِزِيَادَةِ الْقِيمَةِ وَنُقْصَانِهَا، وَأَمَّا الْمُكَاتَبُ فَتَلْزَمُهُ الْجِنَايَاتُ وَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْحَفْرِ وَلَوْ كَانَ الْحَافِرُ عَبْدًا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 398 فَالْجِنَايَاتُ كُلُّهَا فِي رَقَبَتِهِ وَيُخَاطَبُ الْمَوْلَى بِالدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ بِجَمِيعِ الْأُرُوشِ، فَإِنْ أَعْتَقَهُ الْمَوْلَى بَعْدَ الْحَفْرِ قَبْلَ الْوُقُوعِ ثُمَّ لَحِقَتْهُ الْجِنَايَاتُ فَعَلَى الْمَوْلَى قِيمَتُهُ يَوْمَ عِتْقٍ يَشْتَرِكُ فِيهَا أَصْحَابُ الْجِنَايَاتِ الَّتِي كَانَتْ بَعْدَ الْعِتْقِ وَقَبْلَهُ يَضْرِبُ فِي ذَلِكَ كُلُّ وَاحِدٍ بِقَدْرِ أَرْشِ جِنَايَتِهِ وَلَوْ لَمْ يُعْتَقْ وَلَكِنْ وَقَعَ وَاحِدٌ وَمَاتَ فَيُدْفَعُ بِهِ ثُمَّ وَقَعَ ثَانٍ وَثَالِثٌ فَيَشْتَرِكُوا مَعَ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ الْأَوَّلِ فِي رَقَبَتِهِ بِقَدْرِ حُقُوقِهِمْ وَلَوْ أَنَّ عَبْدًا قَتَلَ إنْسَانًا وَدَفَعَهُ الْمَوْلَى بِهِ ثُمَّ وَقَعَ إنْسَانٌ فِي بِئْرٍ كَانَ حَفَرَهَا الْعَبْدُ قَبْلَ ذَلِكَ عِنْدَ الدَّافِعِ فَالْعَبْدُ يُدْفَعُ نِصْفُهُ إلَى وَلِيِّ السَّاقِطِ فِي الْبِئْرِ أَوْ يَفْدِيهِ بِالدِّيَةِ وَلَوْ عَفَا وَلِيُّ السَّاقِطِ فِي الْبِئْرِ لَمْ يُدْفَعْ إلَى الْمَوْلَى شَيْءٌ مِنْ الْعَبْدِ وَلَا خُصُومَةَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَيْنَ الْمَوْلَى الْأَوَّلِ، وَإِنَّمَا يُخَاصَمُ الَّذِي فِي يَدِهِ الْعَبْدُ. وَفِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا حَفَرَ بِئْرًا فِي سُوقِ الْعَامَّةِ أَوْ بَنَى فِيهِ دُكَّانًا فَعَطِبَ بِهِ شَيْءٌ، فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِإِذْنِ الْإِمَامِ لَا يَكُونُ ضَامِنًا وَبِغَيْرِ إذْنِهِ يَكُونُ ضَامِنًا كَمَا لَوْ أَوْقَفَ دَابَّتَهُ فِي السُّوقِ فِي مَوْضِعٍ مُعَدٍّ لِلدَّابَّةِ فَأَوْقَفَ الدَّابَّةَ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ إنْ عَيَّنُوا ذَلِكَ الْمَوْضِعَ بِإِذْنِ السُّلْطَانِ فَعَطِبَ لَا يَكُونُ ضَامِنًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِإِذْنِ السُّلْطَانِ كَانَ ضَامِنًا؛ لِأَنَّ السُّلْطَانَ إذَا أَذِنَ بِذَلِكَ يَخْرُجُ ذَلِكَ الْمَوْضِعُ عَنْ أَنْ يَكُونَ طَرِيقًا فَتَعَيَّنَ لِإِيقَافِ الدَّوَابِّ وَبِغَيْرِ إذْنِ السُّلْطَانِ لَا يَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ طَرِيقًا وَلَوْ أَنَّ مُدَبَّرًا حَفَرَ بِئْرًا فِي الطَّرِيقِ ثُمَّ أَعْتَقَهُ الْمَوْلَى أَوْ مَاتَ الْمَوْلَى حَتَّى عَتَقَ الْمُدَبَّرُ بِمَوْتِهِ ثُمَّ أَوْقَعَ نَفْسَهُ كَانَ لِلْمُشْتَرِي قِيمَتُهُ عَلَى الْبَائِعِ وَكَذَا لَوْ كَانَ الْمُدَبَّرُ عَبْدًا وَأَعْتَقَهُ الْمَوْلَى وَقَدْ ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى الْخِلَافِ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ. وَإِذَا حَفَرَ الرَّجُلُ نَهْرًا فِي غَيْرِ مِلْكِهِ فَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ النَّهْرِ مَاءً يُغْرِقُ أَرْضًا أَوْ قَرْيَةً كَانَ ضَامِنًا وَلَوْ كَانَ فِي مِلْكِهِ فَلَا ضَمَانَ رَجُلٌ سَقَى أَرْضَهُ مِنْ نَهْرِ الْعَامَّةِ وَكَانَ عَلَى نَهْرِ الْعَامَّةِ أَنْهَارٌ صِغَارٌ مَفْتُوحَةٌ فُوَّهَاتُهَا وَدَخَلَ الْمَاءُ فِي الْأَنْهَارِ الصِّغَارِ وَفَسَدَ بِذَلِكَ أَرْضُ قَوْمٍ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْأَجَلُّ ظَهِيرُ الدِّينِ يَكُونُ ضَامِنًا؛ لِأَنَّهُ أَجْرَى الْمَاءَ فِيهَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ بَهِيمَةً فَضَمَانُهَا فِي مَالِهِ) أَيْ لَوْ كَانَ الْهَالِكُ فِي الْبِئْرِ أَوْ بِسُقُوطِ الْجُرْصُنِ بَهِيمَةً يَكُونُ ضَمَانُهَا فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَتَحَمَّلُ ضَمَانَ الْمَالِ وَإِبْقَاءُ الْمِيزَابِ وَاتِّخَاذُ الطِّينِ فِي الطَّرِيقِ بِمَنْزِلَةِ إلْقَاءِ الْحَجَرِ وَالْخَشَبَةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ ذَلِكَ مُسَبِّبٌ بِطَرِيقٍ مِنْ التَّعَدِّي بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِي مِلْكِهِ لِعَدَمِ التَّعَدِّي وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَنَسَ الطَّرِيقَ فَعَطِبَ بِمَوْضِعِ كَنْسِهِ إنْسَانٌ حَيْثُ لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُتَعَدٍّ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ شَيْئًا، وَإِنَّمَا قَصَدَ إمَاطَةَ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ حَتَّى لَوْ جَمَعَ الْكُنَاسَةَ فِي الطَّرِيقِ فَعَطِبَ بِهَا إنْسَانٌ ضَمِنَ لِوُجُودِ التَّعَدِّي بِشُغْلِهِ الطَّرِيقَ وَلَوْ وَضَعَ حَجَرًا فَنَحَّاهُ غَيْرُهُ عَنْ مَوْضِعِهِ فَتَلِفَ بِهِ نَفْسٌ أَوْ مَالٌ كَانَ ضَمَانُهُ عَلَى مَنْ نَحَّاهُ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْأَوَّلِ قَدْ انْتَسَخَ وَكَذَا إذَا صَبَّ الْمَاءَ فِي الطَّرِيقِ أَوْ رَشَّ أَوْ تَوَضَّأَ فَعَطِبَ بِهِ نَفْسٌ أَوْ مَالٌ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِيهِ بِخِلَافِ مَا إذَا فَعَلَ ذَلِكَ فِي سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ وَهُوَ مِنْ أَهْلِهَا أَوْ قَعَدَ فِيهِ أَوْ وَضَعَ خَشَبَةً أَوْ مَتَاعَهُ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ وَاحِدٌ مِنْ أَهْلِهِ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ مِنْ ضَرُورَاتِ السَّكَنِ كَمَا فِي الدَّارِ الْمُشْتَرَكَةِ بِخِلَافِ الْحَفْرِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَاتِ السَّكَنِ فَيَضْمَنُ مَا عَطِبَ بِهِ كَالدَّارِ الْمُشْتَرَكَةِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ فِي السِّكَّةِ مَا نَقَصَ بِالْحَفْرِ وَفِي الدَّارِ الْمُشْتَرَكَةِ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ لِشَرِيكِهِ مِلْكًا حَقِيقَةً فِي الدَّارِ حَتَّى يَبِيعَ نَصِيبَهُ وَيَقْسِمَ بِخِلَافِ السِّكَّةِ قَالُوا هَذَا إذَا رَشَّ مَاءً كَثِيرًا بِحَيْثُ يُزْلَقُ مِنْهُ عَادَةً، وَأَمَّا إذَا لَمْ يُجَاوِزْ الْمُعْتَادَ لَا يَضْمَنُ وَلَوْ تَعَمَّدَ الْمُرُورَ فِي مَوْضِعِ الصَّبِّ مَعَ عِلْمِهِ بِهِ لَا يَضْمَنُ الرَّاشُّ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي خَاطَرَ بِنَفْسِهِ فَصَارَ كَمَنْ وَثَبَ فِي الطَّرِيقِ مِنْ جَانِبٍ إلَى جَانِبٍ فَوَقَعَ فِيهَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بِغَيْرِ عِلْمِهِ بِأَنْ كَانَ لَيْلًا أَوْ أَعْمَى وَقِيلَ يَضْمَنُ مَعَ الْعِلْمِ أَيْضًا إذَا رَشَّ جَمِيعَ الطَّرِيقِ؛ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ إلَى الْمُرُورِ فِيهِ وَكَذَا الْحُكْمُ فِي الْخَشَبَةِ الْمَوْضُوعَةِ فِي الطَّرِيقِ فِي جَمِيعِ أَجْزَاءِ الطَّرِيقِ أَوْ بَعْضِهِ وَلَوْ رَشَّ فِنَاءَ حَانُوتٍ بِإِذْنِ صَاحِبِهِ فَضَمَانُ مَا عَطِبَ عَلَى الْآمِرِ اسْتِحْسَانًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ) (جَعَلَ بَالُوعَةً فِي طَرِيقٍ بِأَمْرِ السُّلْطَانِ أَوْ فِي مِلْكِهِ أَوْ وَضَعَ خَشَبَةً فِيهَا) أَيْ فِي الطَّرِيقِ (أَوْ قَنْطَرَةً بِلَا إذْنِ الْإِمَامِ فَتَعَمَّدَ الرَّجُلُ الْمُرُورَ عَلَيْهَا) (لَمْ يَضْمَنْ) أَمَّا بِنَاءُ الْبَالُوعَةِ بِأَمْرِ الْإِمَامِ أَوْ فِي مِلْكِهِ وَوَضْعُ الْخَشَبَةِ فَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُتَعَدٍّ، وَأَمَّا بِنَاءُ الْقَنْطَرَةِ فَلِأَنَّ الْبَانِيَ فَوَّتَ حَقًّا عَلَى غَيْرِهِ، فَإِنَّ التَّدْبِيرَ فِي وَضْعِ الْقَنْطَرَةِ مِنْ حَيْثُ تَعْيِينُ الْمَكَانِ لِلْإِمَامِ فَكَانَتْ جِنَايَةً بِهَذَا الِاعْتِبَارِ فَتَعَمَّدَ رَجُلٌ الْمُرُورَ عَلَيْهَا لَمْ يَضْمَنْ وَوَضْعُ الْخَشَبَةِ وَالْقَنْطَرَةِ وَإِنْ وُجِدَ التَّعَدِّي مِنْهُ فِيهِمَا لَكِنَّ تَعَمُّدَهُ الْمُرُورَ عَلَيْهِمَا يُسْقِطُ النِّسْبَةَ إلَى الْوَاضِعِ؛ لِأَنَّ الْوَاضِعَ مُتَسَبِّبٌ وَالْمَارَّ مُبَاشِرٌ فَصَارَ هُوَ صَاحِبَ عِلَّةٍ فَلَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 399 يُعْتَبَرُ التَّسَبُّبُ مَعَهُ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِيمَا مَضَى، وَإِنْ اسْتَأْجَرَ أُجَرَاءَ يَحْفِرُونَ لَهُ فِي غَيْرِ فِنَائِهِ فَضَمَانُهُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْآجِرِ إنْ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ فِي غَيْرِ فِنَائِهِ؛ لِأَنَّ أَمْرَهُ قَدْ صَحَّ إذَا لَمْ يَعْلَمُوا فَنُقِلَ فِعْلُهُمْ إلَى الْآمِرِ؛ لِأَنَّهُمْ مَغْرُورُونَ مِنْ جِهَتِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا أَمَرَ أَجِيرًا بِذَبْحِ هَذِهِ الشَّاةِ فَذَبَحَهَا ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ الشَّاةَ لِغَيْرِهِ يَضْمَنُ الْمَأْمُورُ وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْآمِرِ لِكَوْنِهِ مَغْرُورًا مِنْ جِهَتِهِ وَهُنَا يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ ابْتِدَاءً؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتَسَبِّبٌ وَالْأَجِيرُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ وَالْمُسْتَأْجِرُ مُتَعَدٍّ فَتَرَجَّحَ جَانِبُهُ، فَإِنْ عَلِمُوا بِذَلِكَ فَالضَّمَانُ عَلَى الْآجِرِ؛ لِأَنَّ أَمْرَهُ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ أَنْ يَفْعَلَ بِنَفْسِهِ وَلَا غُرُورَ مِنْ جِهَتِهِ لِعِلْمِهِمْ بِذَلِكَ فَبَقِيَ الْفِعْلُ مُضَافًا إلَيْهِمْ وَلَوْ قَالَ لَهُمْ هَذَا فِنَائِي وَلَيْسَ لِي حَقُّ الْحَفْرِ فِيهِ فَحَفَرُوا فَمَاتَ فِيهِ إنْسَانٌ فَالضَّمَانُ عَلَى الْأُجَرَاءِ قِيَاسًا؛ لِأَنَّهُمْ عَلِمُوا بِفَسَادِ الْأَمْرِ فَلَمْ يَغُرَّهُمْ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ الضَّمَانُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ فِنَاءً لَهُمْ بِمَنْزِلَةِ كَوْنِهِ مَمْلُوكًا لَهُ لِانْطِلَاقِ يَدِهِ بِالتَّصَرُّفِ فِيهِ مِنْ إلْقَاءِ الطِّينِ وَالْحَطَبِ وَرَبْطِ الدَّابَّةِ وَالرُّكُوبِ وَبِنَاءِ الدُّكَّانِ فَكَانَ آمِرًا بِالْحَفْرِ فِي مِلْكِهِ ظَاهِرًا بِالنَّظَرِ إلَى مَا ذَكَرْنَا فَكَذَا يُنْقَلُ إلَيْهِ وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ إذَا كَانَ الطَّرِيقُ مَعْرُوفًا أَنَّهُ لِلْعَامَّةِ ضَمِنُوا سَوَاءٌ قَالَ لَهُمْ أَوْ لَا، وَإِذَا اسْتَأْجَرَ الرَّجُلُ أَجِيرًا لِيَحْفِرَ لَهُ بِئْرًا فَحَفَرَ لَهُ الْأَجِيرُ وَوَقَعَ فِيهَا إنْسَانٌ وَمَاتَ فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الْأَجِيرَ لِيَحْفِرَ لَهُ بِئْرًا فِي الطَّرِيقِ، فَإِنَّهُ عَلَى وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ طَرِيقًا مَعْرُوفًا لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ يَعْرِفُهُ كُلُّ أَحَدٍ وَفِي هَذَا الْوَجْهِ يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الْأَجِيرِ سَوَاءٌ عَلِمَهُ الْمُسْتَأْجِرُ بِذَلِكَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْهُ، وَإِنْ كَانَ الطَّرِيقُ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ إلَّا أَنَّهُ طَرِيقٌ غَيْرُ مَشْهُورٍ، فَإِنْ أَعْلَمَ الْمُسْتَأْجِرُ الْأَجِيرَ بِأَنَّ هَذَا الطَّرِيقَ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ فَكَذَا الْجَوَابُ أَيْضًا فَأَمَّا إذَا لَمْ يُعْلِمْ فَالضَّمَانُ عَلَى الْآمِرِ لَا عَلَى الْأَجِيرِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرُ الذَّبْحِ شَاةً فَذَبَحَهَا ثُمَّ عَلِمَ أَنَّ الشَّاةَ لِغَيْرِ الْآمِرِ فَإِنَّ الضَّمَانَ عَلَى الْأَجِيرِ أَعْلَمَهُ الْمُسْتَأْجِرُ بِأَنَّ الشَّاةَ لِغَيْرِهِ أَوْ لَمْ يُعْلِمْهُ ثُمَّ يَرْجِعُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ، الْوَجْهُ الثَّانِي إذَا اسْتَأْجَرَهُ لِيَحْفِرَ لَهُ بِئْرًا فِي الْفِنَاءِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَفِي الْفَتَاوَى وَالْخُلَاصَةِ إذَا اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَبْنِيَ لَهُ أَوْ لِيُحْدِثَ لَهُ شَيْئًا فِي الطَّرِيقِ أَوْ يُخْرِجَ حَائِطًا فَمَا عَطِبَ بِهِ مِنْ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ فَذَلِكَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ دُونَ الْأَجِيرِ اسْتِحْسَانًا إلَّا إذَا سَقَطَ مِنْ يَدِهِ لَبِنٌ فَأَصَابَ إنْسَانًا فَقَتَلَهُ تَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الَّذِي سَقَطَ مِنْ يَدِهِ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَفِي السِّغْنَاقِيِّ مَنْ حَفَرَ بِئْرًا عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ فَجَاءَ آخَرُ وَخَاطَرَ بِنَفْسِهِ وَوَثَبَ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ إلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ وَوَقَعَ فِيهِ وَمَاتَ لَمْ يَضْمَنْ الْحَافِرُ شَيْئًا. وَفِي الْمُنْتَقَى رَجُلٌ جَاءَ بِقَوْمٍ إلَى طَرِيقٍ مِنْ طُرُقِ الْمُسْلِمِينَ وَقَالَ احْفِرُوا لِي هُنَا بِئْرًا أَوْ قَالَ ابْنُوا لِي هُنَا وَلَمْ يَقُلْ غَيْرَهُ، فَإِنَّ ضَمَانَ مَا عَطِبَ بِهِ مِنْ ذَلِكَ عَلَى الْآمِرِ دُونَ الْفَاعِلِ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ مُطْلَقًا وَتَأْوِيلُهَا مَا إذَا لَمْ يَكُنْ الطَّرِيقُ مَشْهُورًا لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَلَمْ يَعْلَمْهُ الْمُسْتَأْجِرُ بِذَلِكَ كَمَا ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَذَكَرَ عَقِيبَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ رَجُلٌ جَاءَ لِقَوْمٍ وَقَالَ احْفِرُوا فِي هَذَا الطَّرِيقِ بِئْرًا وَلَمْ يَقُلْ لِي وَلَمْ يَقُلْ أَسْتَأْجِرُ عَلَى ذَلِكَ وَظَنُّوا أَنَّهُ الْآمِرُ وَكَذَلِكَ لَوْ أَدْخَلَهُمْ دَارًا وَقَالَ لَهُمْ احْفِرُوا فِيهَا فَحَفَرُوا وَظَنُّوا أَنَّهَا دَارُ الْآمِرِ فَهُوَ عَلَى أَنْ يَقُولَ إنْ اسْتَأْجَرَهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَذَكَرَ بَعْدَ هَذَا بِشْرُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَجُلٌ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا فَحَفَرَ لَهُ فِي غَيْرِ فِنَائِهِ فَالضَّمَانُ فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ عَلِمَ الْعَبْدُ بِذَلِكَ أَمْ لَا. وَلَوْ اسْتَأْجَرَ مُكَاتَبًا أَوْ عَبْدًا مَحْجُورًا عَلَيْهِ لِحَفْرِ بِئْرٍ فَوَقَعَتْ الْبِئْرُ عَلَيْهِمَا وَمَاتَا فَالضَّمَانُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ فِي الْحُرِّ لَا فِي الْمُكَاتَبِ وَيَضْمَنُ قِيمَةَ الْعَبْدِ لِمَوْلَاهُ، فَإِذَا أَخَذَ الْقِيمَةَ دَفَعَ الْمَوْلَى الْقِيمَةَ إلَى وَرَثَةِ الْحُرِّ وَالْمُكَاتَبِ فَيَضْرِبُ وَرَثَةُ الْحُرِّ فِي قِيمَتِهِ بِثُلُثِ الدِّيَةِ وَوَرَثَةُ الْمُكَاتَبِ بِثُلُثِ قِيمَةِ الْمُكَاتَبِ ثُمَّ يَرْجِعُ الْمَالِكُ عَلَى الْمُسْتَأْجَرِ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ مَرَّةً فَيُسَلِّمُ لَهُ وَلِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى عَاقِلَةِ الْحُرِّ بِثُلُثِ قِيمَةِ الْعَبْدِ وَيَأْخُذُ أَوْلِيَاءُ الْمُكَاتَبِ مِنْ الْحُرِّ ثُلُثَ قِيمَةِ الْمُكَاتَبِ ثُمَّ يُؤْخَذُ مِنْ الْمُكَاتَبِ مِقْدَارُ قِيمَتِهِ فَيَكُونُ بَيْنَ وَرَثَةِ الْحُرِّ وَالْمُسْتَأْجِرِ يَضْرِبُ وَرَثَةُ الْحُرِّ بِثُلُثِ دِيَتِهِ وَالْمُسْتَأْجِرُ بِثُلُثِ قِيمَةِ الْعَبْدِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ حَمَلَ شَيْئًا فِي الطَّرِيقِ فَسَقَطَ عَلَى إنْسَانٍ ضَمِنَ) سَوَاءٌ تَلِفَ بِالْوُقُوعِ أَوْ بِالْعَثْرَةِ بِهِ بَعْدَ الْوُقُوعِ؛ لِأَنَّ حَمْلَ الْمَتَاعِ فِي الطَّرِيقِ عَلَى رَأْسِهِ أَوْ عَلَى ظَهْرِهِ مُبَاحٌ لَهُ لَكِنَّهُ مُقَيَّدٌ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ بِمَنْزِلَةِ الرَّمْيِ إلَى الْهَدَفِ أَوْ الصَّيْدِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَلَوْ كَانَ رِدَاءً قَدْ لَبِسَهُ فَسَقَطَ لَا) أَيْ لَوْ كَانَ الْمَحْمُولُ رِدَاءً قَدْ لَبِسَهُ فَسَقَطَ عَلَى إنْسَانٍ فَعَطِبَ بِهِ لَا يَضْمَنُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّيْءِ الْمَحْمُولِ أَنَّ الْحَامِلَ يَقْصِدُ حِفْظَهُ فَلَا يَخْرُجُ بِالتَّقْيِيدِ بِوَصْفِ السَّلَامَةِ وَاللَّابِسُ يَقْصِدُ حِفْظَ مَا يَلْبَسُهُ فَيَخْرُجُ بِالتَّقْيِيدِ بِوَصْفِ السَّلَامَةِ فَجُعِلَ فِي حَقِّهِ مُبَاحًا مُطْلَقًا وَعَنْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 400 مُحَمَّدٍ إذَا لَبِسَ زِيَادَةً عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ وَمَا لَا يُلْبَسُ عَادَةً كَاللِّبْدِ وَالْجُوَالِقِ وَالدِّرْعِ مِنْ الْحَدِيدِ فِي غَيْرِ الْحَرْبِ ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ إلَى لُبْسِهِ وَسُقُوطُ الضَّمَانِ بِاعْتِبَارِهِمَا لِعُمُومِ الْبَلْوَى. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (مَسْجِدٌ لِعَشِيرَةٍ فَعَلَّقَ رَجُلٌ مِنْهُمْ قِنْدِيلًا أَوْ جَعَلَ فِيهَا بَوَارِي أَوْ حَصَاةً فَعَطِبَ بِهِ رَجُلٌ لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهِمْ ضَمِنَ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا لَا يَضْمَنُ فِي الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ قُرْبَةٌ يُثَابُ عَلَيْهَا الْفَاعِلُ فَصَارَ كَأَهْلِ الْمَسْجِدِ وَكَمَا لَوْ كَانَ بِإِذْنِهِمْ وَهَذَا؛ لِأَنَّ بَسْطَ الْحَصِيرِ وَتَعْلِيقَ الْقِنْدِيلِ مِنْ بَابِ التَّمْكِينِ مِنْ إقَامَةِ الصَّلَاةِ فِيهِ فَيَكُونُ مِنْ بَابِ التَّعَاوُنِ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى فَيَسْتَوِي فِيهِ أَهْلُ الْمَسْجِدِ وَغَيْرُهُمْ وَلَهُ أَنَّ التَّدْبِيرَ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَسْجِدِ لِأَهْلِهِ دُونَ غَيْرِهِمْ كَنَصْبِ الْإِمَامِ وَاخْتَارَ الْمُتَوَلِّي رَفْعَ بَابِهِ وَإِغْلَاقَهُ وَتَكْرَارَ الْجَمَاعَةِ حَتَّى لَا يَعْتَدَّ بِمَنْ سَبَقَهُمْ فِي حَقِّ الْكَرَاهَةِ وَبَعْدَهُمْ يُكْرَهُ فَكَانَ فِعْلُهُمْ مُبَاحًا مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ وَفِعْلُ غَيْرِهِمْ مُقَيَّدٌ بِهَا وَقَضِيَّةُ الْقُرْبَةِ لَا تُنَافِي الْغَرَامَةَ إذَا أَخْطَأَ الطَّرِيقَ كَمَا إذَا انْفَرَدَ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا وَكَمَا إذَا وَقَفَ عَلَى الطَّرِيقِ لِإِمَاطَةِ الْأَذَى وَلِدَفْعِ الْمَظَالِمِ فَعَثَرَ بِهِ غَيْرُهُ يُؤْجَرُ عَلَى ذَلِكَ وَيَغْرَمُ وَالطَّرِيقُ فِيهِ الِاسْتِئْذَانُ مِنْ أَهْلِهِ وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ أَخَذُوا بِقَوْلِهِمَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَعَنْ ابْنِ سَلَّامٍ بَانِي الْمَسْجِدِ أَوْلَى بِالْعِمَارَةِ وَالْقَوْمُ أَوْلَى بِنَصْبِ الْإِمَامِ وَالْمُؤَذِّنِ. وَعَنْ الْإِسْكَافِيِّ أَنَّ الْبَانِيَ أَحَقُّ بِهِ قَالَ أَبُو اللَّيْثِ وَبِهِ نَأْخُذُ إلَّا أَنْ يَنْصِبَ شَخْصًا وَالْقَوْمُ يَرَوْنَ مَنْ هُوَ أَصْلَحُ لِذَلِكَ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَوْ حَصِيرًا وَفِي الذَّخِيرَةِ أَوْ حَفَرَ بِئْرًا فَعَطِبَ بِهِ إنْسَانٌ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ الْحَافِرُ مِنْ غَيْرِ الْعَشِيرَةِ ضَمِنَ ذَلِكَ كُلَّهُ هَذَا هُوَ لَفْظُ هَذَا الْكِتَابِ وَفِي الْأَصْلِ يَقُولُ، وَإِذَا احْتَفَرَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ فِي مَسْجِدِهِمْ بِئْرًا لِمَاءِ الْمَطَرِ أَوْ عَلَّقُوا فِيهِ قَنَادِيلَ أَوْ جَعَلُوا فِيهِ حَبًّا يُصَبُّ فِيهِ الْمَاءُ أَوْ طَرَحُوا فِيهِ حَصَا أَوْ رَكَّبُوا فِيهِ بَابًا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ فِيمَنْ عَطِبَ بِذَلِكَ فَأَمَّا إذَا أَحْدَثَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مَنْ هُوَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ فَعَطِبَ بِهِ إنْسَانٌ فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَفْعَلُوا بِغَيْرِ إذْنِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ إنْ أَحْدَثُوا شَيْئًا أَوْ حَفَرُوا بِئْرًا فَعَطِبَ فِيهَا إنْسَانٌ، فَإِنَّهُمْ يَضْمَنُونَ بِالْإِجْمَاعِ فَأَمَّا إذَا وَضَعُوا حَبًّا لِيَشْرَبُوا مِنْهُ الْمَاءَ أَوْ بَسَطُوا حَصِيرًا أَوْ عَلَّقُوا قَنَادِيلَ بِغَيْرِ إذْنِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ فَتَعَقَّلَ إنْسَانٌ بِالْحَصِيرِ فَعَطِبَ أَوْ وَقَعَ الْقِنْدِيلُ وَأَحْرَقَ ثَوْبَ إنْسَانٍ أَوْ أَفْسَدَهُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنَّهُمْ يَضْمَنُونَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَضْمَنُونَ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ وَأَكْثَرُ مَشَايِخِنَا أَخَذُوا بِقَوْلِهِمَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى قَالَ فِيهِ أَيْضًا إذَا قَعَدَ الرَّجُلُ فِي الْمَسْجِد لِحَدِيثٍ أَوْ نَامَ فِيهِ أَوْ قَامَ فِيهِ بِغَيْرِ الصَّلَاةِ أَوْ مَرَّ فِيهِ مَارٌّ لِحَاجَةٍ مِنْ الْحَوَائِجِ فَعَثَرَ بِهِ إنْسَانٌ فَمَاتَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِأَنَّهُ ضَامِنٌ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ بِأَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَمْشِيَ فِيهِ عَلَى إنْسَانٍ فَأَمَّا إذَا قَعَدَ لِعِبَادَةٍ بِأَنْ كَانَ يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ أَوْ كَانَ قَعَدَ لِلتَّدْرِيسِ وَتَعْلِيمِ الْقَضَاءِ وَلِلِاعْتِكَافِ أَوْ قَعَدَ لِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَسْبِيحِهِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فَعَثَرَ بِهِ إنْسَانٌ فَمَاتَ هَلْ يَضْمَنُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَا رِوَايَةَ لِهَذَا فِي الْكِتَابِ وَالْمَشَايِخُ الْمُتَأَخِّرُونَ اخْتَلَفُوا فِيهِ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ يَضْمَنُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَضْمَنُ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْجُرْجَانِيُّ فَأَمَّا إذَا كَانَ يُصَلِّي فَعَثَرَ بِهِ إنْسَانٌ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ يُصَلِّي الْفَرْضَ أَوْ التَّطَوُّعَ السِّغْنَاقِيُّ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ سَمِعْت أَبَا بَكْرٍ الْبَلْخِيّ يَقُولُ إنْ جَلَسَ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ مُعْتَكِفًا فِي الْمَسْجِدِ لَا يَضْمَنُ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا وَذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَالصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إنْ جَلَسَ لِلْحَدِيثِ فَعَطِبَ بِهِ رَجُلٌ يَضْمَنُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُبَاحٍ لَهُ الذَّخِيرَةِ وَفِي الْمُنْتَقَى رِوَايَةٌ مَجْهُولَةٌ. وَإِذَا فَرَشَ الرَّجُلُ فِرَاشًا فِي الْمَسْجِدِ وَنَامَ عَلَيْهِ فَعَثَرَ رَجُلٌ بِالنَّائِمِ فَلَا ضَمَانَ وَلَوْ عَثَرَ بِالْفِرَاشِ فَهُوَ ضَامِنٌ وَفِيهِ أَيْضًا رِوَايَةٌ مَجْهُولَةٌ. إذَا بَنَى مَسْجِدًا فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ بِغَيْرِ أَمْر السُّلْطَانِ فَعَطِبَ بِحَائِطِهِ فَهُوَ ضَامِنٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَكَذَلِكَ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ إذَا كَانَ فِي طَرِيقِ الْأَمْصَارِ حَيْثُ يَكُونُ تَضْيِيقًا أَوْ إضْرَارًا، وَإِنْ كَانَ فِي الصَّحْرَاءِ بِحَيْثُ لَا يَضُرُّ بِالطَّرِيقِ غَيْرَ أَنَّهُ فِي أَفَنِيَّة الْمِصْرِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ اسْتِحْسَانًا وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَخْرَجَ مِنْ دَارِهِ مَسْجِدًا وَبَنَى كَانَ أَوْلَى النَّاسِ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ وَغَيْرُهُمْ بِإِصْلَاحِهِ وَالْإِسْرَاجِ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُشْرِكَهُ فِيهِ إلَّا بِإِذْنِهِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ بِرِوَايَةِ بِشْرٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَهْلِ الْمَسْجِدِ أَنْ يَهْدِمُوا مَسْجِدَهُمْ وَيَهْدِمُوا بِنَاءَهُ وَلَيْسَ لِغَيْرِهِمْ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ إلَّا بِرِضَاهُمْ. قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي رَجُلٍ جَعَلَ قَنْطَرَةً عَلَى نَهْرٍ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ فَمَرَّ عَلَيْهَا رَجُلٌ مُتَعَمِّدًا فَوَقَعَ فَعَطِبَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ هَكَذَا ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ هُنَا وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 401 الْمَسْأَلَةَ عَلَى وَجْهَيْنِ أَمَّا إذَا كَانَ النَّهْرُ مَمْلُوكًا لَهُ أَوْ لَمْ يَكُنْ مَمْلُوكًا فَلَوْ كَانَ مَمْلُوكًا لَهُ فَلَا ضَمَانَ وَإِنْ صَارَ مُسَبِّبًا لِلتَّلَفِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فِي هَذَا السَّبَبِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ النَّهْرُ مَمْلُوكًا لَهُ فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ كَانَ نَهْرًا خَاصًّا لِأَقْوَامٍ مَخْصُوصِينَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ تَعَمَّدَ الْمُرُورَ عَلَيْهَا، وَإِنْ لَمْ يَتَعَمَّدْ الْمُرُورَ عَلَيْهَا وَفِي الْكَافِي بِأَنْ كَانَ أَعْمَى أَوْ مَرَّ لَيْلًا فَهُوَ ضَامِنٌ وَصَارَ الْجَوَابُ فِيهِ كَالْجَوَابِ فِيمَا إذَا حَفَرَ بِئْرًا فِي مِلْكِ إنْسَانٍ فَوَقَعَ فِيهَا إنْسَانٌ أَمَّا إذَا كَانَ نَهْرًا عَامًّا لِجَمَاعَةٍ مُسْلِمِينَ وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ فَالْجَوَابُ فِيهِ كَالْجَوَابِ فِيمَا لَوْ نَصَبَ جِسْرًا أَوْ قَنْطَرَةً عَلَى نَهْرٍ خَاصٍّ لِأَقْوَامٍ مُعَيَّنِينَ هَكَذَا ذَكَرَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ بِشْرٍ إلَّا إذَا كَانَ النَّهْرُ عَامًّا لِجَمَاعَةٍ مُسْلِمِينَ، فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَى وَاضِعِ الْقَنْطَرَةِ وَالْجِسْرِ سَوَاءٌ، عَلِمَ الْمَاشِي عَلَيْهِ فَانْخَرَقَ بِهِ فَمَاتَ إنْ تَعَمَّدَ الْمُرُورَ عَلَيْهَا لَا ضَمَانَ عَلَى وَاضِعِ الْقَنْطَرَةِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْمَارُّ بِهِ ضَمِنَ كَمَنْ نَصَبَ خَشَبَةً فِي طَرِيقٍ فَمَرَّ بِهِ كَانَ ضَامِنًا قَالُوا إنْ كَانَتْ الْخَشَبَةُ الْمَوْضُوعَةُ صَغِيرَةً بِحَيْثُ لَا يُوطَأُ عَلَى مِثْلِهَا لَا يَضْمَنُ وَاضِعُهَا؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ عَلَى مِثْلِ هَذِهِ الْخَشَبَةِ بِمَنْزِلَةِ تَعَمُّدِ الزَّلَقِ، وَإِنْ كَانَتْ الْخَشَبَةُ كَبِيرَةً يُوطَأُ عَلَى مِثْلِهَا يَضْمَنُ وَاضِعُهَا هَذَا إذَا كَانَ النَّهْرُ خَاصًّا لِأَقْوَامٍ مَخْصُوصِينَ، فَإِنْ كَانَ النَّهْرُ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَكُونُ ضَامِنًا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَكُونُ ضَامِنًا قَالَ التُّمُرْتَاشِيُّ لَوْ ضَاقَ الْمَسْجِدُ بِأَهْلِهِ لَهُمْ أَنْ يَمْنَعُوا مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ مِنْ الصَّلَاةِ وَفِي الْعَيْنِيِّ عَلَى الْهِدَايَةِ وَلَا يُمْتَنَعُ أَنْ يَكُونَ الْمَسْجِدُ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَيَخْتَصُّ أَهْلُهُ بِتَدْبِيرِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَذَ مَفَاتِيحَ الْكَعْبَةِ مِنْ بَنِي شَيْبَةَ فَأَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَرُدَّهَا إلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58] . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ) (جَلَسَ فِيهِ) أَيْ فِي الْمَسْجِدِ (رَجُلٌ مِنْهُمْ فَعَطِبَ بِهِ آخَرُ) (ضَمِنَ إنْ كَانَ فِي غَيْرِ وَقْتِ الصَّلَاةِ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا لَا) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا لَا يَضْمَنُ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ لَهُمَا أَنَّ الْمَسَاجِدَ بُنِيَتْ لِلصَّلَاةِ وَالذِّكْرِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} [النور: 36] وَقَالَ تَعَالَى {وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187] ، فَإِذَا بُنِيَتْ لَهَا لَا يُمْكِنُهُ أَدَاءُ الصَّلَاةِ مَعَ الْجَمَاعَةِ إلَّا بِاسْتِنْظَارِهَا فَكَانَ الْجُلُوسُ فِيهِ مِنْ ضَرُورَتِهَا فَيُبَاحُ لَهُ وَلِأَنَّ الْمُنْتَظِرَ لِلصَّلَاةِ فِي الصَّلَاةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْمُنْتَظِرُ لِلصَّلَاةِ فِي الصَّلَاةِ مَا دَامَ يَنْتَظِرُهَا» وَتَعْلِيمُ الْفِقْهِ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ عِبَادَةٌ كَالذِّكْرِ وَلَهُ أَنَّ الْمَسْجِدَ بُنِيَ لِلصَّلَاةِ وَغَيْرُهَا مِنْ الْعِبَادَةِ تَبَعٌ بِدَلِيلِ أَنَّ الْمَسْجِدَ إذَا ضَاقَ عَلَى الْمُصَلِّي كَانَ لَهُ أَنْ يُزْعِجَ الْقَاعِدَ عَنْ مَوْضِعِهِ حَتَّى يُصَلِّيَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ الْقَاعِدُ مُشْتَغِلًا بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ بِالتَّدْرِيسِ أَوْ مُعْتَكِفًا، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُزْعِجَ الْمُصَلِّيَ مِنْ مَكَانِهِ الَّذِي سَبَقَ إلَيْهِ لِمَا أَنَّهُ بُنِيَ لَهَا وَاسْمُهُ يَدُلُّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ اسْمٌ لِمَوْضِعِ السُّجُودِ وَفِي الْعَادَةِ أَيْضًا لَا يُعْرَفُ بِنَاءُ الْمَسْجِدِ إلَّا لِلصَّلَاةِ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا بُدَّ مِنْ إظْهَارِ التَّفَاوُتِ بَيْنَهُمَا فَكَانَ الْكَوْنُ فِيهِ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ مُبَاحًا مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ وَفِي حَقِّ غَيْرِهَا مُقَيَّدٌ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ لِيَظْهَرَ التَّفَاوُتُ بَيْنَ الْأَصْلِ وَبَيْنَ التَّبَعِ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ قُرْبَةً مُقَيَّدًا بِشَرْطِ السَّلَامَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ وَقَفَ فِي الطَّرِيقِ لِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ قُرْبَةٌ فِي نَفْسِهِ وَمَعَ هَذَا مُقَيَّدٌ بِالسَّلَامَةِ فِي الصَّحِيحِ وَذَكَرَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ أَنَّ الْأَظْهَرَ مَا قَالَاهُ؛ لِأَنَّ الْجُلُوسَ مِنْ ضَرُورَةِ الصَّلَاةِ فَيَكُونُ مُلْحَقًا بِهَا؛ لِأَنَّ مَا ثَبَتَ ضَرُورَةً لِشَيْءٍ يَكُونُ حُكْمُهُ كَحُكْمِهِ وَفِي الْعَيْنِيِّ عَلَى الْهِدَايَةِ وَبِهِ أَخَذَ مَشَايِخُنَا وَفِي الذَّخِيرَةِ بِقَوْلِهِمَا يُفْتَى وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْجَالِسَ لِانْتِظَارِ الصَّلَاةِ لَا يَضْمَنُ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي عَمَلٍ لَا يَكُونُ لَهُ اخْتِصَاصٌ بِالْمَسْجِدِ كَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَدَرْسِ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَصْلٌ فِي الْحَائِطِ الْمَائِلِ] (فَصْلٌ) فِي الْحَائِطِ الْمَائِلِ لَمَا ذَكَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَحْكَامَ الْقَتْلِ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِالْإِنْسَانِ مُبَاشَرَةً وَتَسَبُّبًا شَرَعَ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ الْقَتْلِ الَّذِي يَتَعَلَّق بِالْجَمَادِ وَهُوَ الْحَائِطُ الْمَائِلُ وَكَانَ مِنْ حَقِّهَا أَنْ تُؤَخَّرَ عَنْ مَسَائِلِ جَمِيعِ الْحَيَوَانَاتِ تَقْدِيمًا لِلْحَيَوَانِ عَلَى الْجَمَادِ إلَّا أَنَّ الْحَائِطَ الْمَائِلَ لَمَّا نَاسَبَ الْجُرْصُنَ وَالرَّوْشَنَ وَالْجَنَاحَ وَالْكَنِيفَ وَغَيْرَهَا أَلْحَقَ مَسَائِلَهُ بِهَا وَلِهَذَا عَبَّرَ بِلَفْظِ الْفَصْلِ لَا بِلَفْظِ الْبَابِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (حَائِطٌ مَالَ إلَى طَرِيقِ الْعَامَّةِ ضَمِنَ رَبُّهُ مَا تَلِفَ بِهِ مِنْ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ إنْ طَالَبَ بِنَقْضِهِ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ وَلَمْ يَنْقُضْهُ فِي مُدَّةٍ يَقْدِرُ عَلَى نَقْضِهِ) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَضْمَنَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ صُنْعٌ هُوَ فِعْلٌ وَلَا مُبَاشَرَةُ عِلَّةٍ وَلَا مُبَاشَرَةُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 402 شَرْطٍ أَوْ سَبَبٍ وَالضَّمَانُ بِاعْتِبَارِ ذَلِكَ فَصَارَ كَمَا إذَا لَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ وَبَطَلَ نَقْضُهُ مِنْهُ وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَعَنْ شُرَيْحٍ وَالنَّخَعِيِّ وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَئِمَّةِ التَّابِعِينَ مَا قُلْنَاهُ وَلِأَنَّ الْحَائِطَ لَمَّا مَالَ فَقَدْ أَشْغَلَ هَوَاءَ الطَّرِيقِ بِمِلْكِهِ وَرَفْعِهِ فِي قُدْرَتِهِ، فَإِذَا طُولِبَ بِرَفْعِهِ لَزِمَهُ ذَلِكَ، فَإِذَا امْتَنَعَ مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْهُ صَارَ مُتَعَدِّيًا فَيَلْزَمُهُ مُوجِبُهُ وَلِأَنَّ الضَّرَرَ الْخَاصَّ يَجِبُ تَحَمُّلُهُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ الْعَامِّ كَالْكُفَّارِ إذَا تَتَرَّسُوا بِالْمُسْلِمِينَ ثُمَّ مَا تَلِفَ بِهِ مِنْ النُّفُوسِ تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى الْإِجْحَافِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا تَتَحَمَّلُ الْعَاقِلَةُ حَتَّى يَشْهَدَ الشُّهُودُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ عَلَى التَّقَدُّمِ فِي النَّقْضِ وَعَلَى أَنَّهُ مَاتَ بِالسُّقُوطِ عَلَيْهِ وَعَلَى أَنَّ الدَّارَ لِفُلَانٍ وَمَا تَلِفَ بِهِ مِنْ الْأَمْوَالِ فَضَمَانُهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَتَحَمَّلُ الْمَالَ. وَالشَّرْطُ الطَّلَبُ لِلنَّقْضِ مِنْهُ دُونَ الْإِشْهَادِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْإِشْهَادَ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ إثْبَاتِهِ عِنْدَ الْجُحُودِ أَوْ جُحُودِ الْعَاقِلَةِ فَكَانَ مِنْ بَابِ الِاحْتِيَاطِ وَيَفْتَحُ الطَّلَبَ بِكُلِّ لَفْظٍ يُفْهَمُ مِنْهُ طَلَبُ النَّقْضِ مِنْ أَنْ يَقُولَ حَائِطُك هَذِهِ مَخُوفٌ أَوْ مَائِلٌ فَاهْدِمْهُ حَتَّى لَا يَسْقُطَ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ اشْهَدُوا أَنِّي تَقَدَّمْت إلَى هَذَا الرَّجُلِ فِي هَدْمِ حَائِطِهِ هَذَا يَصِحُّ أَيْضًا وَلَوْ قَالَ يَنْبَغِي لَك أَنْ تَهْدِمَهُ فَلَيْسَ هَذَا بِطَلَبٍ وَلَا إشْهَادٍ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ طَلَبُ التَّفْرِيغِ إلَى مَنْ لَهُ وِلَايَةُ النَّقْضِ كَالْمَالِكِ وَالْأَبِ وَالْجَدِّ وَالْوَصِيِّ فِي مِلْكِ الصَّغِيرِ وَالْعَبْدِ التَّاجِرِ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَا وَإِلَى الرَّاهِنِ فِي الدَّارِ الْمَرْهُونَةِ؛ لِأَنَّهُ الْقَادِرُ عَلَى الْهَدْمِ وَإِلَى الْمُكَاتَبِ ثُمَّ إنْ تَلِفَ حَالَ بَقَاءِ الْكِتَابَةِ تَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ لِتَعَذُّرِ الدَّفْعِ وَبَعْدَ الْعِتْقِ عَلَى عَاقِلَةِ الْمَوْلَى وَبَعْدَ الْحَجْرِ لَا يَجِبُ عَلَى أَحَدٍ لِعَدَمِ قُدْرَةِ الْمُكَاتَبِ وَلِعَدَمِ الْإِشْهَادِ عَلَى الْمَوْلَى وَلَوْ تَقَدَّمَ إلَى مَنْ يَسْكُنُ أَوْ لِلْمُرْتَهِنِ أَوْ لِلْمَوْلَى لَا يُعْتَبَرُ حَتَّى لَوْ سَقَطَ وَأَتْلَفَ شَيْئًا لَا يَضْمَنُ السَّاكِنُ وَلَا الْمَالِكُ وَيُشْتَرَطُ دَوَامُ الْقُدْرَةِ إلَى وَقْتِ السُّقُوطِ حَتَّى لَوْ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ بِالْبَيْعِ بَعْدَ الْإِشْهَادِ بَرِئَ عَنْ الضَّمَانِ لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى النَّقْضِ وَلَا يَصِحُّ الْإِشْهَادُ قَبْلَ أَنْ يَمِيلَ لِانْعِدَامِ سَبَبِهِ وَسَوَّى فِي الْمُخْتَصَرِ بَيْنَ أَنْ يُطَالِبَ بِالنَّقْضِ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُرُورِ لِلْكُلِّ بِخِلَافِ الْعَبِيدِ وَالصِّبْيَانِ لِعَدَمِ قُدْرَتِهِمْ عَلَى النَّقْضِ إلَّا إذَا أَذِنَ لَهُمْ الْمَوْلَى فِي الْخُصُومَةِ فَحِينَئِذٍ جَازَ طَلَبُهُمْ وَإِشْهَادُهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ الْتَحَقُوا بِالْبَالِغِ ثُمَّ بَعْدَ الْإِشْهَادِ تَكُونُ الْخُصُومَةُ عِنْدَ سُلْطَانٍ أَوْ نَائِبِهِ. وَلَوْ جُنَّ بَعْدَ الْإِشْهَادِ مُطْبَقًا أَوْ ارْتَدَّ وَلَحِقَ فَقَضَى الْقَاضِي بِهِ ثُمَّ عَادَ مُسْلِمًا وَرَدَّ عَلَيْهِ الدَّارَ ثُمَّ سَقَطَ الْحَائِطُ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَتْلَفَ إنْسَانًا كَانَ هَدَرًا وَكَذَا لَوْ أَفَاقَ الْمَجْنُونُ وَكَذَا إذَا رُدَّتْ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ أَوْ خِيَارِ شَرْطٍ أَوْ خِيَارِ رُؤْيَةٍ لَا يَجِبُ الضَّمَانُ إلَّا بِإِشْهَادٍ مُسْتَقْبَلٍ وَلَوْ كَانَ بَعْضُ الْحَائِطِ صَحِيحًا وَبَعْضُهُ وَاهٍ فَأَشْهَدَ عَلَيْهِ فَسَقَطَ الْوَاهِي وَغَيْرُ الْوَاهِي وَقَتَلَ إنْسَانًا يَضْمَنُ صَاحِبُ الْحَائِطِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَائِطُ طَوِيلًا بِحَيْثُ وَهِيَ بَعْضُهُ وَلَمْ يُوهَ الْبَعْضُ فَحِينَئِذٍ يَضْمَنُ مَا أَصَابَ الْوَاهِي وَلَا يَضْمَنُ مَا أَصَابَهُ الَّذِي لَمْ يُوهَ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ كَذَلِكَ صَارَ بِمَنْزِلَةِ حَائِطَيْنِ أَحَدُهُمَا صَحِيحٌ وَالْآخَرُ مَائِلٌ وَأَشْهَدَ عَلَيْهِمْ فَلَمْ يَسْقُطْ الْمَائِلُ وَسَقَطَ الصَّحِيحُ فَيَكُونُ هَدَرًا وَفِيهِ أَيْضًا اللَّقِيطُ لَهُ حَائِطٌ مَائِلٌ وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ فَسَقَطَ الْحَائِطُ وَأَتْلَفَ إنْسَانًا كَانَ دِيَةُ الْقَتِيلِ فِي بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ مِيرَاثَهُ يَكُونُ لِبَيْتِ الْمَالِ. وَكَذَا الْكَافِرُ إذَا أَسْلَمَ، وَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ عَلَى حَائِطٍ لَهُ وَالْحَائِطُ مَائِلٌ أَوْ غَيْرُ مَائِلٍ فَسَقَطَ الرَّجُلُ بِالْحَائِطِ مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِ وَأَصَابَ إنْسَانًا فَقَتَلَهُ كَانَ ضَامِنًا لِمَا هَلَكَ بِالْحَائِطِ إنْ كَانَ أَشْهَدَ عَلَيْهِ فِي نَقْضِهِ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيمَا سِوَاهُ، وَإِنْ كَانَ هُوَ الَّذِي سَقَطَ مِنْ أَعْلَى الْحَائِطِ عَلَى إنْسَانٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْقُطَ بِهِ الْحَائِطُ وَقَتَلَ إنْسَانًا كَانَ هُوَ ضَامِنًا دِيَةَ الْمَقْتُولِ، وَإِنْ مَاتَ السَّاقِطُ بِمَنْ كَانَ فِي الطَّرِيقِ، فَإِنْ كَانَ يَمْشِي فِي الطَّرِيقِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فِي الْمَشْيِ، وَإِنْ كَانَ وَاقِفًا فِي الطَّرِيقِ قَائِمًا أَوْ قَاعِدًا كَانَتْ دِيَةُ السَّاقِطِ عَلَيْهِ قُيِّدَ بِقَوْلِهِ طُولِبَ بِنَقْضِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ سَقَطَ وَأَتْلَفَ قَبْلَ أَنْ يُطَالِبَ بِنَقْضِهِ لَا يَضْمَنُ وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَوْ أَنْكَرَتْ الْعَاقِلَةُ أَنْ تَكُونَ الدَّارُ لَهُ لَا عَقْلَ عَلَيْهِمْ وَلَا يَضْمَنُ حَتَّى يُشْهِدُوا عَلَى التَّقْوِيمِ عَلَيْهِ وَعَلَى أَنَّهُ مَاتَ مِنْ سُقُوطِ الْحَائِطِ عَلَيْهِ وَأَنَّ الدَّارَ لَهُ، فَإِذَا أَنْكَرَتْ الْعَاقِلَةُ وَاحِدًا مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ فَلَا تَعْقِلُ وَلَوْ أَقَرَّ رَبُّ الدَّارِ بِهَذَا الْإِشْهَادِ الثَّلَاثَةُ تَلْزَمُ فِي مَالِهِ وَلَا تَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ. وَفِي الْمُنْتَقَى رَجُلٌ ادَّعَى دَارًا فِي يَدِ رَجُلٍ وَفِيهَا حَائِطٌ مَائِلٌ يُخَافُ سُقُوطُهُ مِنْ الَّذِي يَقْدُمُ إلَيْهِ فِيهِ وَيَشْهَدُ عَلَيْهِ بَعْدَ بَيِّنَةِ الْمُدَّعِي قَالَ يُؤْخَذُ الَّذِي فِي يَدِهِ الدَّارُ بِنَقْضِهِ وَيَشْهَدُ عَلَيْهِ بِمَيْلِهِ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ دَارٍ ادَّعَاهَا وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ لَمْ يَتْرُكْ الْبَيِّنَةَ، فَإِنَّهُ يَتَقَدَّمُ بِنَقْضِهِ الَّذِي فِي يَدِهِ ثُمَّ زُكِّيَتْ الْبَيِّنَةُ ضَمِنَ تُقَدَّمُ لَهُ الْقِيمَةُ قَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَشْهَدَ عَلَيْهِ فِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 403 حَائِطٍ مَائِلٍ لَهُ فَذَهَبَ يَطْلُبُ مَنْ يَهْدِمُهُ وَكَانَ فِي ذَلِكَ حَتَّى سَقَطَ الْحَائِطُ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا وَفِيهِ أَيْضًا رَجُلٌ أَشْهَدَ عَلَيْهِ فِي حَائِطٍ مَائِلٍ إلَى دَارِ رَجُلٍ فَسَأَلَ صَاحِبُ الْحَائِطِ الْمَائِلِ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يُؤَجِّلَهُ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَفَعَلَ الْقَاضِي ذَلِكَ ثُمَّ سَقَطَ الْحَائِطُ وَأَتْلَفَ شَيْئًا كَانَ الضَّمَانُ وَاجِبًا عَلَى صَاحِبِ الْحَائِطِ وَلَوْ وُجِدَ التَّأْجِيلُ مِنْ صَاحِبِ الدَّارِ فَوَقَعَ الْحَائِطُ فِي مُدَّةِ التَّأْجِيلِ وَأَفْسَدَ شَيْئًا لَا يَجِبُ الضَّمَانُ وَلَوْ سَقَطَ الْحَائِطُ بَعْدَ مُدَّةِ التَّأْجِيلِ كَانَ ضَامِنًا وَفِيهِ أَيْضًا رَجُلٌ أَشْهَدَ عَلَيْهِ فِي حَائِطٍ مَائِلٍ فِي الطَّرِيقِ الْأَعْظَمِ وَطَلَبَ صَاحِبُ الْحَائِطِ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يُؤَجِّلَهُ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً فَفَعَلَ الْقَاضِي ذَلِكَ ثُمَّ سَقَطَ الْحَائِطُ الْمَائِلُ فَأَتْلَفَ شَيْئًا كَانَ الضَّمَانُ وَاجِبًا وَكَذَلِكَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلَوْ لَمْ يُؤَخِّرْهُ الْقَاضِي وَلَكِنْ أَخَّرَهُ الَّذِي أَشْهَدَ عَلَيْهِ لَا يَصِحُّ لَا فِي حَقِّ غَيْرِهِ وَلَا فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ رُسْتُمَ مَسْجِدٌ مَائِلٌ حَائِطُهُ فَأَشْهَدَ عَلَى الَّذِي بَنَاهُ، فَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ عَلَى رَجُلٍ فَقَتَلَهُ فَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ. وَلَوْ أَشْرَعَ الْمُكَاتَبُ كَنِيفًا أَوْ جَنَاحًا مِنْ حَائِطٍ مَائِلٍ إلَى طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ أَدَّى الْكِتَابَةَ وَعَتَقَ ثُمَّ وَقَعَ ذَلِكَ عَلَى إنْسَانٍ فَقَتَلَهُ كَانَ عَلَى الْمُكَاتَبِ الْأَقَلُّ مِنْ دِيَةِ الْمَقْتُولِ وَمِنْ قِيمَتِهِ يَوْمَ الْإِشْرَاعِ قَالَ فِي الْكِتَابِ لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَهُ مَوْلَاهُ لِعَتَاقَةِ رَجُلٍ وَأَبُوهُ عَبْدٌ أَشْهَدَ عَلَيْهِ فِي حَائِطٍ مَائِلٍ فَلَمْ يَنْقُضْهُ حَتَّى عَتَقَ الْأَبُ ثُمَّ سَقَطَ الْحَائِطُ وَقَتَلَ إنْسَانًا فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ الْأَبِ وَلَوْ سَقَطَ قَبْلَ عِتْقِ الْأَبِ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الْأُمِّ بِمِثْلِهِ وَلَوْ أَشْرَعَ كَنِيفًا ثُمَّ عَتَقَ أَبُوهُ ثُمَّ وَقَعَ الْكَنِيفُ عَلَى إنْسَانٍ وَقَتَلَهُ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الْأُمِّ رَجُلٌ أَشْهَدَ عَلَيْهِ فِي حَائِطٍ مَائِلٍ فَسَقَطَ فِي الطَّرِيقِ وَعَثَرَ رَجُلٌ بِنَقْضِ الْحَائِطِ وَمَاتَ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ صَاحِبِ الْحَائِطِ وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَوْ أَشْهَدَ عَلَى حَائِطٍ فَسَقَطَ فَمَا سَقَطَ بِنَقْضِهِ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ مَا تَلِفَ بِالنَّقْضِ لَا يُضْمَنُ إلَّا إذَا أَشْهَدَ عَلَى النَّقْضِ وَلَوْ سَقَطَ الْحَائِطُ عَلَى رَجُلٍ فَقَتَلَهُ أَوْ عَثَرَ رَجُلٌ بِنَقْضِ الْحَائِطِ وَمَاتَ ثُمَّ عَثَرَ رَجُلٌ بِالْقَتِيلِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى عَاقِلَةِ صَاحِبِ الْحَائِطِ وَلَوْ كَانَ مَكَانُ الْحَائِطِ جَنَاحٌ أَخْرَجَهُ إلَى الطَّرِيقِ فَوَقَعَ عَلَى الطَّرِيقِ فَعَثَرَ إنْسَانٌ بِنَقْضِهِ فَمَاتَ وَعَثَرَ رَجُلٌ آخَرُ بِالْقَتِيلِ وَمَاتَ أَيْضًا فَدِيَةُ الْقَتِيلَيْنِ جَمِيعًا عَلَى صَاحِبِ الْجَنَاحِ حَائِطٌ مَائِلٌ لِرَجُلٍ أَشْهَدَ عَلَيْهِ فِي الْحَائِطِ ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ الْحَائِطِ وَضَعَ جُرَّةً لِغَيْرَةِ عَلَى الْحَائِطِ فَسَقَطَ الْحَائِطُ وَرُمِيَتْ الْجُرَّةُ وَأَصَابَتْ إنْسَانًا فَقَتَلَتْهُ فَدِيَةُ الْمَقْتُولِ عَلَى صَاحِبِ الْحَائِطِ وَلَوْ عَثَرَ بِالْجُرَّةِ وَبِنَقْضِهَا أَحَدٌ فَلَا ضَمَانَ عَلَى أَحَدٍ وَلَوْ بَاعَ الدَّارَ بِيَدِ الْإِشْهَادِ عَلَيْهِ فِي الْحَائِطِ ثُمَّ رَدَّ الْمُشْتَرِي الدَّارَ بِخِيَارِ رُؤْيَةٍ أَوْ بِخِيَارِ شَرْطٍ أَوْ بِخِيَارِ عَيْبٍ بِقَضَاءِ الْقَاضِي وَفِي الْخَانِيَّةِ أَوْ غَيْرِهِ ثُمَّ سَقَطَ الْحَائِطُ عَلَى إنْسَانٍ وَقَتَلَهُ، فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَفِي الْخَانِيَّةِ إلَّا بِإِشْهَادٍ مُسْتَقْبَلٍ بَعْدَ الرَّدِّ وَلَوْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ ثُمَّ سَقَطَ الْحَائِطُ وَأَتْلَفَ شَيْئًا كَانَ ضَامِنًا؛ لِأَنَّ خِيَارَ الْبَائِعِ لَا يُبْطِلُ وِلَايَةَ الْإِصْلَاحِ فَلَا يُبْطِلُ الْإِشْهَادَ وَلَوْ أَسْقَطَ الْبَائِعُ خِيَارَهُ وَأَوْجَبَ الْبَيْعَ بَطَلَ الْإِشْهَادُ؛ لِأَنَّهُ أَزَالَ الْحَائِطَ عَنْ مِلْكِهِ وَفِي إخْرَاجِ الْكَنِيفِ وَالْجَنَاحِ وَالْمِيزَابِ لَا يَبْطُلُ الضَّمَانُ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَفِي الْكَافِي لَا ضَمَانَ عَلَى الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُشْهِدْ عَلَيْهِ فِي الْهَدْمِ، فَإِذَا أَشْهَدَ عَلَى الْمُشْتَرِي بَعْدَ شِرَائِهِ فَهُوَ ضَامِنٌ وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَوْ مَالَ إلَى سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ فَالْخُصُومَةُ إلَى وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ السِّكَّةِ وَلَوْ مَالَ إلَى دَارِ جَارِهِ فَالْخُصُومَةُ إلَى صَاحِبِ تِلْكَ الدَّارِ، وَإِنْ مُسْتَعِيرًا أَوْ مُسْتَأْجِرًا فَالْإِشْهَادُ إلَى السُّكَّانِ وَلَيْسَ إلَى غَيْرِهِمْ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ بَنَاهُ مَائِلًا ابْتِدَاء ضَمِنَ مَا تَلِفَ بِسُقُوطِهِ بِلَا طَلَبٍ) ؛ لِأَنَّهُ تَعَدَّى بِالْبِنَاءِ فَصَارَ كَإِشْرَاعِ الْجَنَاحِ وَوَضْعِ الْحَجَرِ وَحَفْرِ الْبِئْرِ فِي الطَّرِيقِ أَطْلَقَ الْمُؤَلِّفُ فِي الْمَيَلَانِ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ يَسِيرِهِ وَفَاحِشِهِ وَفِي الْمُنْتَقَى إنْ كَانَ يَسِيرًا وَقْتَ الْبِنَاءِ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الْجِدَارَ لَا يَخْلُو عَنْ يَسِيرِ الْمَيَلَانِ، وَإِنْ كَانَ فَاحِشًا يَضْمَنُ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَتَقَدَّمْ أَحَدٌ يَطْلُبُ مِنْهُ النَّقْضَ وَلَوْ شَغَلَ الطَّرِيقَ بِأَنْ أَخْرَجَ جِذْعًا فِيهَا فَهُوَ عَلَى التَّفْصِيلِ وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ لَا يُفَصِّلُ فِي الْجِذْعِ وَلَا فِي الْمَيَلَانِ وَفِي الْمُنْتَقَى قَالَ مُحَمَّدٌ حَائِطٌ مَائِلٌ تَقَدَّمَ إلَى صَاحِبِهِ فِيهِ فَلَمْ يَهْدِمْهُ حَتَّى أَلْقَتْهُ الرِّيحُ فَهُوَ ضَامِنٌ وَلَيْسَ هَذَا كَحَجَرٍ وَضَعَهُ إنْسَانٌ عَلَى الطَّرِيقِ وَقَلَبَهُ الرِّيحُ مِنْ مَوْضِعٍ إلَى مَوْضِعٍ فَعَثَرَ بِهِ إنْسَانٌ، فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ، وَإِذَا أَقَرَّتْ الْعَاقِلَةُ أَنَّ الدَّارَ لَهُ ضَمِنُوا الدِّيَةَ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِجِنَايَةٍ خَطَأٍ وَصَدَّقَتْهُ الْعَاقِلَةُ فِي ذَلِكَ وَكَذَلِكَ الْجَنَاحُ وَالْمِيزَابُ يَشْرَعُهُ الرَّجُلُ مِنْ دَارِهِ فِي الطَّرِيقِ فَوَقَعَ عَلَى إنْسَانٍ وَمَاتَ وَأَنْكَرَتْ الْعَاقِلَةُ أَنْ تَكُونَ الدَّارُ لَهُ وَقَالُوا إنَّمَا أَمَرَ رَبُّ الدَّارِ بِإِخْرَاجِ الْجَنَاحِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ إلَّا أَنْ تُقَامَ الْبَيِّنَةُ أَنَّ الدَّارَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 404 لَهُ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ إخْرَاجَ الْجَنَاحِ مِنْ الدَّارِ الَّتِي فِي يَدِهِ إنَّمَا يُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَى الْعَاقِلَةِ إذَا أَخْرَجَهُ مِنْ دَارِهِ إلَى الطَّرِيقِ لَا بِالْبَيِّنَةِ وَلَا بِإِقْرَارِ الْعَاقِلَةِ كَأَنْ أَقَرَّ رَبُّ الدَّارِ أَنَّ الدَّارَ لَهُ وَكَذَّبَتْهُ الْعَاقِلَةُ لَا يُعْقَلُ وَفِي قَاضِي خَانْ رَجُلٌ تَقَدَّمَ إلَيْهِ فِي حَائِطٍ مَائِلٍ لَهُ فَلَمْ يَنْقُضْهُ حَتَّى وَقَعَ عَلَى حَائِطِ جَارِهِ وَهَدَمَهُ فَهُوَ ضَامِنٌ لِحَائِطِ الْجَارِ وَيَكُونُ رَبُّهَا بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ حَائِطِهِ وَالنَّقْضُ لَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ النَّقْضَ وَضَمَّنَهُ النُّقْصَانَ وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَجْبُرَهُ عَلَى الْبِنَاءِ كَمَا كَانَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَفِي الْكَافِي وَمَا تَلِفَ بِوُقُوعِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي فَعَلَى مَالِكِ الْأَوَّلِ وَلَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قِيمَةَ الْحَائِطِ حُكِيَ عَنْ الشَّيْخِ الْإِمَامِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ قَالَ تُقَوَّمُ الدَّارُ وَحِيطَانُهَا مُحِيطَةٌ بِهَا. وَكَذَلِكَ قَالَ فِي الْمُنْتَقَى إنْ أَرْسَلَ دَابَّتَهُ فِي زَرْعِ غَيْرِهِ وَأَفْسَدَ ضَمِنَ قِيمَةَ الزَّرْعِ وَطَرِيقُ مَعْرِفَةِ قِيمَتِهِ أَنْ تُقَوَّمَ الْأَرْضُ مَعَ الزَّرْعِ الثَّابِتِ فَيَضْمَنُ حِصَّةَ الزَّرْعِ، وَإِذَا ضَمِنَ قِيمَةَ حَائِطِهِ كَانَ النَّقْضُ لِلضَّامِنِ فَلَوْ جَاءَ إنْسَانٌ وَعَثَرَ بِنَقْضِ الْحَائِطِ فَالضَّمَانُ عَلَى عَاقِلَتِهِ الْمُتَقَدِّمِ عَلَيْهِ وَهَذَا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَإِنْ عَثَرَ بِنَقْضِ الْحَائِطِ الثَّانِي قِيلَ يَضْمَنُ صَاحِبُ الْحَائِطِ الْأَوَّلِ وَلَوْ أَنَّ الْحَائِطَ الْأَوَّلَ حِينَ وَقَعَ عَلَى الْحَائِطِ الثَّانِي وَهَدَمَهُ وَقَعَ الْحَائِطُ الثَّانِي عَلَى رَجُلٍ وَقَتَلَهُ لَا ضَمَانَ عَلَى صَاحِبِ الْحَائِطِ الثَّانِي، وَإِنَّمَا الضَّمَانُ عَلَى عَاقِلَةِ صَاحِبِ الْحَائِطِ الْأَوَّلِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ مَالَ إلَى دَارِ رَجُلٍ فَالطَّلَبُ إلَى رَبِّهَا) ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ عَلَى الْخُصُوصِ، وَإِذَا كَانَ يَسْكُنُهَا غَيْرُهُ كَانَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَهُ؛ لِأَنَّ لَهُ الْمُطَالَبَةَ بِإِزَالَةِ مَا شَغَلَ هَوَاهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ أَجَّلَهُ أَوْ أَبْرَأَهُ صَحَّ) بِخِلَافِ الطَّرِيقِ إنْ أَجَّلَهُ صَاحِبُ الدَّارِ أَوْ أَبْرَأَهُ جَازَ تَأْجِيلُهُ وَإِبْرَاؤُهُ حَتَّى لَوْ سَقَطَ فِي الْإِبْرَاءِ وَقَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ فِي التَّأْجِيلِ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ بِخِلَافِ مَا إذَا مَالَ لِلطَّرِيقِ الْعَامِّ فَأَجَّلَهُ الْقَاضِي أَوْ مَنْ أَشْهَدَ عَلَيْهِ أَوْ أَبْرَأَهُ لَا يَصِحُّ التَّأْجِيلُ وَالْإِبْرَاءُ لِمَا ذَكَرْنَا وَقَوْلُهُ إلَى دَارِ رَجُلٍ مِثَالٌ وَلَيْسَ بِقَيْدٍ حَتَّى لَوْ مَالَ الْعُلُوُّ إلَى الْأَسْفَلِ أَوْ الْأَسْفَلُ إلَى الْعُلُوِّ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ كَذَا فِي قَاضِي خَانْ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (حَائِطٌ بَيْنَ خَمْسَةٍ أَشْهَدَ عَلَى أَحَدِهِمْ فَسَقَطَ عَلَى رَجُلٍ ضَمِنَ خُمُسَ الدِّيَةِ دَارٌ بَيْنَ ثَلَاثَةٍ حَفَرَ أَحَدُهُمْ فِيهَا بِئْرًا أَوْ بَنَى حَائِطًا فَعَطِبَ بِهِ رَجُلٌ ضَمِنَ ثُلْثَيْ الدِّيَةِ) وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ وَقَالَا يَضْمَنُ النِّصْفَ فِي الصُّورَتَيْنِ؛ لِأَنَّ التَّلَفَ بِنَصِيبِ مَنْ أَشْهَدَ عَلَيْهِ يُعْتَبَرُ وَبِنَصِيبِ مَنْ لَمْ يُشْهِدْ عَلَيْهِ هَدَرٌ وَفِي الْحَفْرِ بِاعْتِبَارِ مِلْكِهِ غَيْرُ مُتَعَدٍّ بِاعْتِبَارِ مِلْكِ شَرِيكِهِ مُتَعَدٍّ وَكَانَا قِسْمَيْنِ فَانْقَسَمَا نِصْفَيْنِ عَلَيْهِمَا وَلِلْإِمَامِ أَنَّ الْمَوْتَ حَصَلَ بِعِلَّةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ الْقَتْلُ فَيُضَافُ التَّلَفُ إلَى الْعِلَّةِ الْوَاحِدَةِ ثُمَّ يُقْسَمُ عَلَى أَرْبَابِهَا بِقَدْرِ الْمِلْكِ، فَإِنْ قِيلَ الْوَاحِدُ مِنْ الشُّرَكَاءِ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَهْدِمَ شَيْئًا مِنْ الْحَائِطِ فَكَيْفَ يَصِحُّ تَقَدُّمُهُ إلَيْهِ قُلْنَا إنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ هَدْمِ نَصِيبِهِ يَتَمَكَّنُ مِنْ إصْلَاحِهِ بِالْمُرَافَعَةِ إلَى الْحَاكِمِ وَبِهِ يَحْصُلُ الْغَرَضُ وَهُوَ إزَالَةُ الضَّرَرِ وَفِي الْمُحِيطِ قَالَ يَقْدِرُ عَلَى هَدْمِ نَصِيبِهِ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ وَمُطَالَبَةِ الْبَاقِينَ بِالنَّقْضِ فَيَكُونُ قَادِرًا عَلَى النَّقْضِ بِهَذَا الطَّرِيقِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْفَرْقَ لِلْإِمَامِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ حَيْثُ يَضْمَنُ خُمُسَ الدِّيَةِ وَفِي الْحَائِطِ وَيَضْمَنُ ثُلُثَيْ الدِّيَةِ فِيمَا إذَا حَفَرَ وَبَنَى فِي دَارٍ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ كُلَّ حَجَرٍ وَضَعَهُ أَوْ حَفَرَهُ فَهُوَ مُتَعَدٍّ فِي ثُلُثَيْ الْوَضْعِ وَالْحَفْرِ وَلَيْسَ مُتَعَدِّيًا فِي الثُّلُثِ فَلِهَذَا يَضْمَنُ الثُّلُثَيْنِ وَقَوْلُهُ حَائِطٌ بَيْنَ خَمْسَةٍ وَدَارٌ بَيْنَ ثَلَاثَةٍ مِثَالٌ وَلَيْسَ بِقَيْدٍ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالْحَائِطُ إذَا كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَ اثْنَيْنِ فَأَشْهَدَ عَلَى أَحَدِهِمَا فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَشْهَدَ عَلَى أَحَدِ الْوَرَثَةِ. وَفِي الْمُنْتَقَى رَجُلٌ مَاتَ وَتَرَكَ دَارًا وَعَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ مَا يَسْتَغْرِقُ قِيمَتَهَا وَفِيهَا حَائِطٌ مَائِلٌ إلَى الطَّرِيقِ وَلَا وَارِثَ لِلْمَيِّتِ غَيْرَ هَذَا الِابْنِ فَالتَّقَدُّمُ فِي حَائِطِهِ إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَمْلِكُهَا، فَإِنْ وَقَعَ التَّقَدُّمُ بَعْدَ التَّقَدُّمِ إلَيْهِ كَانَتْ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الْأَبِ دُونَ عَاقِلَةِ الِابْنِ، فَإِنْ كَانَ الْحَائِطُ الْمَائِلُ بَيْنَ خَمْسَةِ نَفَرٍ أَخْمَاسًا وَتَقَدَّمَ إلَى أَحَدِهِمْ بِالنَّقْضِ ثُمَّ سَقَطَ عَلَى إنْسَانٍ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ الْمُتَقَدِّمُ إلَيْهِ خُمُسَ الدِّيَةِ وَيَجِبُ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَيَهْدُرُ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسٍ وَهُوَ حِصَّةُ شُرَكَائِهِ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ بِأَنَّ الشَّرِيكَ الْحَاضِرَ الْمُتَقَدِّمَ إلَيْهِ يَضْمَنُ نِصْفَ الدِّيَةِ فَتَجِبُ ذَلِكَ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَيَهْدُرُ النِّصْفُ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي الْأَصْلِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهَا خِلَافًا. قَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَيْضًا إذَا كَانَتْ الدَّارُ بَيْنَ ثَلَاثَةِ نَفَرٍ حَفَرَ أَحَدُهُمْ فِي هَذِهِ الدَّارِ الْمُشْتَرَكَةِ بِئْرًا وَوَقَعَ فِيهَا إنْسَانٌ وَمَاتَ قَالَ عَلَى عَاقِلَةِ الْحَافِرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ثُلُثُ دِيَةِ الْمَقْتُولِ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يَجِبُ عَلَى الْحَافِرِ نِصْفُ الدِّيَةِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَذْكُورَةٌ فِي الْأَصْلِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ وَالْخِلَافُ فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ مِنْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 405 خَصَائِصِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. وَفِي السِّغْنَاقِيِّ، وَإِذَا وَضَعَ الرَّجُلُ عَلَى حَائِطِهِ شَيْئًا فَوَقَعَ ذَلِكَ الشَّيْءُ فَأَصَابَ إنْسَانًا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ وَضَعَهُ عَلَى مِلْكِهِ وَهُوَ لَا يَكُونُ مُتَعَدِّيًا فِيمَا يُحْدِثُهُ فِي مِلْكِهِ سَوَاءٌ كَانَ الْحَائِطُ مَائِلًا أَوْ غَيْرَ مَائِلٍ وَفِي الْمُنْتَقَى وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا بَنَى حَائِطًا مَائِلًا بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَثْلَاثًا تَقَدَّمَ إلَى صَاحِبِ الثُّلُثِ فِيهِ ثُمَّ سَقَطَ عَلَى رَجُلٍ وَقَتَلَهُ صَرْعًا فَعَلَيْهِ ثُلُثُ الدِّيَةِ بِلَا خِلَافٍ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ حِمَارٍ حَمَلَ عَلَيْهِ إنْسَانٌ عَشْرَةَ أَقْفِزَةٍ وَحَمَلَ الْآخَرُ عَلَيْهِ خَمْسَةَ أَقْفِزَةٍ وَكُلُّ ذَلِكَ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى فَمَاتَ الْحِمَارُ مِنْ ذَلِكَ تَجِبُ الْقِيمَةُ أَثْلَاثًا وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ أَخَذَ بِنَفَسِ إنْسَانٍ وَأَخَذَ آخَرُ بِنَفَسِهِ الْآخَرِ فَمَاتَ الْمَأْخُوذُ مِنْ ذَلِكَ وَهُنَاكَ يَجِبُ الضَّمَانُ كَذَا هُنَا هَذَا إذَا وَقَعَ الْحَائِطُ عَلَى حُرٍّ وَلَوْ وَقَعَ الْحَائِطُ عَلَى عَبْدٍ إنْ قَتَلَهُ غَمًّا، فَإِنَّ قِيمَتَهُ عَلَيْهِمَا أَثْلَاثًا. وَإِنْ جَرَحْته الْحَائِطُ وَمَاتَ الْعَبْدُ مِنْ الْجِرَاحَةِ فَالْجِرَاحَةُ عَلَيْهِمَا أَثْلَاثًا وَالنَّفْسُ عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ، فَإِنْ جَرَحَهُ الْحَائِطُ ثُمَّ مَاتَ مِنْ الْغَمِّ وَالْجِرَاحَةِ، فَإِنَّ الْجِرَاحَةَ عَلَيْهِمَا أَثْلَاثًا نِصْفُ مَا بَقِيَ مِنْ النَّفْسِ وَهُوَ حِصَّةُ الْغَمِّ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا أَيْضًا وَالنِّصْفُ الْآخَرُ وَهُوَ حِصَّةُ الْجِرَاحَةِ بَيْنهمَا نِصْفَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي حَائِطٍ مَائِلٍ لِرَجُلَيْنِ أَشْهَدَ عَلَيْهِمَا وَحَائِطٍ مَائِلٍ لِرَجُلٍ أَشْهَدَ عَلَيْهِ سَقَطَا عَلَى إنْسَانٍ فَقَتَلَاهُ فَنِصْفُ الدِّيَةِ عَلَى الرَّجُلِ الَّذِي لَهُ الْحَائِطُ وَنِصْفُ الدِّيَةِ عَلَى رَجُلَيْنِ وَرَوَى الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ فَسَقَطَا عَلَى الرَّجُلَيْنِ فَمَاتَا فَالدِّيَةُ عَلَيْهِمَا مُطْلَقًا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إنْ مَاتَ مِنْ جُرْحٍ جَرَحَهُ الْحَائِطُ فَالدِّيَةُ عَلَيْهِمْ أَثْلَاثًا، وَإِنْ مَاتَ مِنْ ثِقَلِهِمَا فَالدِّيَةُ عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ وَلَا يَضْمَنُ إذَا لَمْ يَكُنْ مُتَعَدِّيًا فَأَمَّا إذَا وَضَعَ فِي مِلْكِهِ عَرَضًا حَتَّى خَرَجَ طَرَفُهُ مِنْهُ إلَى الطَّرِيقِ إنْ سَقَطَ فَأَصَابَ الطَّرَفَ الْخَارِجَ مِنْهُ شَيْئًا، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ. وَكَانَ الْجَوَابُ فِيهِ كَالْجَوَابِ فِي إخْرَاجِ الْمِيزَابِ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْحَائِطُ مَائِلًا وَكَانَ مُمْكِنٌ وَضْعَ الْجِذْعِ عَلَيْهِ طُولًا حَتَّى لَمْ يَخْرُجْ شَيْءٌ مِنْهُ إلَى الطَّرِيقِ ثُمَّ سَقَطَ ذَلِكَ الْجِذْعُ عَلَى إنْسَانٍ وَمَاتَ، فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ هَكَذَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ وَأَطْلَقَ الْجَوَابَ إطْلَاقًا وَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ قَالَ هَذَا إذَا كَانَ الْحَائِطُ مَائِلًا إلَى الطَّرِيقِ مَيْلًا يَسِيرًا غَيْرَ فَاحِشٍ فَأَمَّا إذَا مَالَ مَيْلًا فَاحِشًا، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَيَلَانَ إذَا كَانَ غَيْرَ فَاحِشٍ بِحَيْثُ يُوجَدُ ذَلِكَ الْقَدْرُ وَقْتَ الْبِنَاءِ يَكُونُ وُجُودُهُ وَعَدَمُهُ بِمَنْزِلَةٍ؛ لِأَنَّ الْجِدَارَ قَلَّمَا يَخْلُو عَنْ قَلِيلِ مَيَلَانٍ يَكُونُ لَهُ إلَى الطَّرِيقِ فَأَمَّا إذَا كَانَا مَيْلًا فَاحِشًا بِحَيْثُ يُحْتَرَزُ مِنْهُ عِنْدَ الْبِنَاءِ فِي الْأَصْلِ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ إذَا سَقَطَ ذَلِكَ عَلَى إنْسَانٍ إنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ إلَيْهِ بِالرَّفْعِ؛ لِأَنَّهُ مَتَى وَضَعَ الْجِذْعَ طُولًا عَلَى الْحَائِطِ الْمَائِلِ فَيُعْتَبَرُ بِمَا لَوْ شَغَلَ الْهَوَاءَ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ وَلَوْ شَغَلَ هَوَاءَ الطَّرِيقِ بِوَاسِطَةٍ بِأَنْ أَخْرَجَ الْجِذْعَ عَنْ الْحَائِطِ فَسَقَطَ فَأَصَابَ إنْسَانًا كَذَا هَذَا. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ الْجَوَابُ فِيهِ كَمَا أَطْلَقَهُ مُحَمَّدٌ لَا يَضْمَنُ فِي الْحَالَتَيْنِ وَلَوْ كَانَ الْوَضْعُ بَعْدَمَا تَقَدَّمَ إلَيْهِ فِي الْحَائِطِ ثُمَّ سَقَطَ الْجِذْعُ فَأَصَابَ إنْسَانًا يَقُولُ بِأَنَّهُ يَضْمَنُ كَذَا فِي الْمُنْتَقَى وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [بَابُ جِنَايَةِ الْبَهِيمَةِ وَالْجِنَايَةُ عَلَيْهَا وَغَيْرُ ذَلِكَ] (بَابُ جِنَايَةِ الْبَهِيمَةِ وَالْجِنَايَةُ عَلَيْهَا وَغَيْرُ ذَلِكَ) لَمَّا فَرَغَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ بَيَانِ أَحْكَامِ جِنَايَةِ الْإِنْسَانِ شَرَعَ فِي بَيَانِ جِنَايَةِ الْبَهِيمَةِ وَلَا شَكَّ فِي تَقَدُّمِ جِنَايَةِ الْإِنْسَانِ عَلَى الْبَهِيمَةِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يَفْرُغْ مِنْ بَيَانِ جِنَايَةِ الْإِنْسَانِ مُطْلَقًا بَلْ بَقِيَ مِنْهَا جِنَايَةُ الْمَمْلُوكِ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ مِنْ الْإِنْسَانِ فَيُقَدَّمُ عَلَى الْبَهِيمَةِ وَكَانَ مِنْ حَقِّهِ أَنْ يُقَدَّمَ عَلَى جِنَايَةِ الْبَهِيمَةِ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ضَمِنَ الرَّاكِبُ مَا أَوْطَأَتْ دَابَّتُهُ بِيَدٍ وَرِجْلٍ أَوْ رَأْسٍ أَوْ كَدَمَتْ أَوْ خَبَطَتْ أَوْ صَدَمَتْ لَا مَا نَفَحَتْ بِرِجْلٍ أَوْ ذَنَبٍ إلَّا إذَا أَوْقَفَهَا فِي الطَّرِيقِ) وَالْأَصْلُ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّ الْمُرُورَ فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ مُبَاحٌ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي حَقِّهِ وَفِي حَقِّ غَيْرِهِ مِنْ وَجْهٍ لِكَوْنِهِ مُشْتَرَكًا بَيْنَ كُلِّ النَّاسِ إذْ الْإِبَاحَةُ مُقَيَّدَةٌ بِالسَّلَامَةِ، وَالِاحْتِرَازُ عَنْ الْإِيطَاءِ وَالْكَدْمِ وَالصَّدْمِ وَالْخَبْطِ مُمْكِنٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ السَّيْرِ وَقَيَّدْنَاهُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ وَفِي الْعَيْنِيِّ عَلَى الْهِدَايَةِ الْكَدْمُ بِمُقَدَّمِ الْإِنْسَانِ وَالْخَبْطُ بِالْيَدِ وَالصَّدْمُ هُوَ أَنْ تَطْلُبَ الشَّيْءَ بِجَسَدِك، وَلَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْ النَّفْحَةِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْ الْإِيقَافِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ إلَّا إذَا أَوْقَفَهَا فِي الطَّرِيقِ أَطْلَقَ فِيمَا ذَكَرَهُ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِأَنْ يَكُونَ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ. أَمَّا إذَا كَانَ فِي مِلْكِهِ لَا يَضْمَنُ إلَّا فِي الْإِيطَاءِ وَهُوَ رَاكِبُهَا؛ لِأَنَّهُ فِعْلٌ مِنْهُ مُبَاشَرَةً حَتَّى يُحْرَمَ بِهِ عَنْ الْمِيرَاثِ، وَتَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ بِشَرْطِ التَّعَدِّي فَصَارَ كَحَفْرِ الْبِئْرِ وَفِي الْمُبَاشَرَةِ لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ، فَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ تَسَبَّبَ فِيهِ بِإِذْنِ مَالِكِهِ فَهُوَ كَمَا لَوْ كَانَ فِي مِلْكِهِ، فَإِنْ كَانَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 406 بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهِ فَإِنْ دَخَلَتْ الدَّابَّةُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُدْخِلَهَا مَالِكُهَا وَلَمْ يَكُنْ مَعَهَا لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا، فَإِنْ أَدْخَلَهَا هُوَ ضَمِنَ الْجَمِيعَ سَوَاءٌ كَانَ مَعَهَا أَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا لِوُجُودِ التَّعَدِّي بِالْإِدْخَالِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ، وَالْمِلْكُ الْمُشْتَرَكُ كَمِلْكِهِ الْخَاصِّ بِهِ فِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ وَالْمَسْجِدُ كَالطَّرِيقِ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْأَحْكَامِ وَلَوْ جَعَلَ الْإِمَامُ مَوْضِعًا لِوُقُوفِ الدَّوَابِّ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ فَلَا ضَمَانَ فِيمَا يَحْدُثُ مِنْ الْوُقُوفِ فِيهِ وَكَذَا إيقَافُ الدَّوَابِّ فِي سُوقِ الدَّوَابِّ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ مِنْ جِهَةِ السُّلْطَانِ وَكَذَا إذَا أَوْقَفَهَا فِي طَرِيقٍ مُتَّسَعَةٍ لَا يَضُرُّ وُقُوفُهَا بِالنَّاسِ فَلَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى إذْنِ الْإِمَامِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ غَيْرَ مُتَّسَعَةٍ وَفِي الْخُلَاصَةِ دَابَّةٌ مَرْبُوطَةٌ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ، فَإِنْ ذَهَبَ وَحَلَّ الرِّبَاطَ فَقَدْ زَالَتْ الْجِنَايَةُ فَمَا عَطِبَ بِهِ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ هَدَرٌ فَلَوْ جَالَتْ الدَّابَّةُ فِي رِبَاطِهَا فَمَا أَصَابَ شَيْئًا وَأَتْلَفَهُ فَهُوَ مَضْمُونٌ سَوَاءٌ ضَرَبَتْ بِيَدِهَا أَوْ بِرِجْلِهَا أَوْ بِرَأْسِهَا فَلَوْ رَبَطَهَا فِي مَكَان فَذَهَبَتْ إلَى مَكَان آخَرَ فَمَا أَصَابَتْ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ فَهُوَ هَدَرٌ وَفِيهَا أَيْضًا الرَّاكِبُ إذَا كَانَتْ الدَّابَّةُ تَسِيرُ بِهِ فَنَخَسَهَا رَجُلٌ فَأَلْقَتْ الرَّاكِبَ إنْ كَانَ الرَّاكِبُ أَذِنَ لَهُ فِي النَّخْسِ لَا يَجِبُ عَلَى النَّاخِسِ شَيْءٌ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهِ ضَمِنَ الدِّيَةَ، وَإِنْ ضَرَبَتْ النَّاخِسَ فَمَاتَ فَدَمُهُ هَدَرٌ، وَإِنْ أَصَابَتْ رَجُلًا آخَرَ بِالذَّنَبِ أَوْ الرِّجْلِ أَوْ كَيْفَمَا أَصَابَتْ إنْ كَانَ بِغَيْرِ إذْنِ الرَّاكِبِ فَالضَّمَانُ عَلَى النَّاخِسِ، وَإِنْ كَانَ بِإِذْنِهِ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمَا إلَّا فِي النَّفْحَةِ بِالرِّجْلِ أَوْ الذَّنَبِ، فَإِنَّهُ جُبَارٌ إلَّا إذَا كَانَ الرَّاكِبُ وَاقِفًا بِغَيْرِ مِلْكِهِ فَأَمَرَ رَجُلًا فَنَخَسَهَا فَنَفَحَتْ بِرِجْلِهَا فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمَا. وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَالضَّمَانُ عَلَى النَّاخِسِ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ فِيمَا نَفَحَتْ بِرِجْلِهَا قَالَ عَامَّةُ الشُّرَّاحِ نَفَحَتْ الدَّابَّةُ إذَا ضَرَبَتْ بِحَافِرِهَا قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَمِثْلُ هَذَا فِي الصِّحَاحِ وَالْمُغْرِبِ وَاقْتَفَى أَثَرَهُ صَاحِبُ الْكِفَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ أَقُولُ: كَوْنُ الْمَذْكُورِ فِي الصِّحَاحِ كَذَا مَمْنُوعٌ إذَا لَمْ يُعْتَبَرْ فِيهِ كَوْنُ الضَّرْبِ بِحَدِّ الْحَافِرِ بَلْ قَالَ فِيهِ وَنَفَحَتْ النَّاقَةُ ضَرَبَتْ بِرِجْلِهَا ثُمَّ أَقُولُ: بَقِيَ إشْكَالٌ فِي عِبَارَةِ الْكِتَابِ وَهُوَ أَنَّ الَّذِي يَظْهَرُ مِمَّا ذُكِرَ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ وَمِمَّا ذَكَرَهُ الشُّرَّاحُ هَاهُنَا أَنْ لَا تَكُونَ النَّفْحَةُ إلَّا بِالرِّجْلِ فَيَلْزَمُ أَنْ لَا يَصِحَّ قَوْلُهُ وَلَا يَضْمَنَ بِالنَّفْحَةِ مَا نَفَحَتْ بِرِجْلِهَا أَوْ ذَنَبِهَا؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ النَّفْحَةُ بِالذَّنَبِ أَيْضًا بَلْ يَلْزَمُ أَيْضًا اسْتِدْرَاكُ قَوْلِهِ بِرِجْلِهَا؛ لِأَنَّ الضَّرْبَ بِالرِّجْلِ كَانَ دَاخِلًا فِي مَفْهُومِ النَّفْحَةِ لَا يُقَالُ ذِكْرُ الرِّجْلِ مَحْمُولٌ عَلَى التَّأْكِيدِ وَذِكْرُ الذَّنَبِ عَلَى التَّحْدِيدِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ اعْتِبَارُ التَّأْكِيدِ وَالتَّحْدِيدِ مَعًا بِالنَّظَرِ إلَى كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ مُتَعَذِّرٌ لِلتَّنَافِي بَيْنَهُمَا كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْفَطِنِ بَلْ التَّأْوِيلُ الصَّحِيحُ أَنْ تُحْمَلَ النَّفْحَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي عِبَارَةِ الْكِتَابِ عَلَى مُطْلَقِ الْجَمْعِ بِطَرِيقِ عُمُومِ الْمَجَازِ فَيَصِحُّ ذِكْرُ الرِّجْلِ وَالذَّنَبِ كِلَيْهِمَا بِلَا إشْكَالٍ فَتَأَمَّلْ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَصَابَتْ بِيَدِهَا أَوْ رِجْلِهَا حَصَاةٌ أَوْ نَوَاةً أَوْ أَثَارَ غُبَارًا أَوْ حَجَرًا صَغِيرًا فَفَقَأَ عَيْنًا لَمْ يَضْمَنْ وَلَوْ كَبِيرًا ضَمِنَ) ؛ لِأَنَّ التَّحَرُّزَ عَنْ الْحِجَارَةِ الصِّغَارِ وَالْغُبَارِ مُتَعَذِّرٌ؛ لِأَنَّ سَيْرَ الدَّابَّةِ لَا يَخْلُو عَنْهُ وَعَنْ الْكِبَارِ مِنْ الْحِجَارَةِ مُمْكِنٌ، وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ عَادَةً مِنْ قِلَّةِ هِدَايَةِ الرَّاكِبِ فَيَضْمَنُ. وَفِي الذَّخِيرَةِ قِيلَ لَوْ عَنَّفَ الدَّابَّةَ فَأَثَارَتْ حَجَرًا صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا يَضْمَنُ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ أَوْقَفَ دَابَّةً فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ وَلَمْ يَرْبِطْهَا فَسَارَتْ إلَى مَكَان آخَرَ وَأَتْلَفَتْ شَيْئًا فَلَا ضَمَانَ عَلَى صَاحِبِهَا كَذَا فِي الْكُبْرَى وَكُلُّ بَهِيمَةٍ مِنْ سَبُعٍ أَوْ غَيْرِهِ فَهُوَ ضَامِنٌ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ عَنْ حَالِهِ، وَإِذَا سَارَ الرَّجُلُ عَلَى دَابَّتِهِ فِي الطَّرِيقِ فَضَرَبَهَا وَكَبَحَهَا بِاللِّجَامِ فَضَرَبَتْ بِرِجْلِهَا أَوْ بِذَنَبِهَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَفِي السِّغْنَاقِيِّ وَمِنْ هَذَا الْجِنْسِ مَا قَالُوا فِيمَنْ سَاقَ دَابَّةً عَلَيْهَا وَقْرٌ مِنْ الْحِنْطَةِ فَأَتْلَفَتْ شَيْئًا مِنْ الطَّرِيقِ نَفْسًا أَوْ مَالًا فَهُوَ عَلَى وُجُوهٍ أَمَّا إنْ قَالَ السَّائِقُ أَوْ الْقَائِدُ أَوْ الرَّاكِبُ إلَيْك، فَإِنْ سَمِعَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ وَلَمْ يَذْهَبْ فَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ أَمَّا إنْ لَمْ يَبْرَحْ مِنْ مَكَانِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَكَانِ أَوْ لَمْ يَجِدْ مَكَانًا آخَرَ لِيَذْهَبَ فَمَكَثَ فِي مَكَانِهِ ذَلِكَ حَتَّى تَخَرَّقَ ثِيَابُهُ فَفِي هَذَا الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لَا يَضْمَنُ صَاحِبُ الدَّابَّةِ وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي يَضْمَنُ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ إلَيْك رَكِبَ الدَّابَّةَ ضَمِنَ وَفِي الْفَتَاوَى رَجُلٌ سَاقَ حِمَارًا عَلَيْهِ وَقْرُ حَطَبٍ فَقَالَ السَّائِقُ بِالْفَارِسِيَّةِ (كوسيت أَوْ يَرِثهُ) فَلَمْ يَسْمَعْ الْوَاقِفُ حَتَّى أَصَابَهُ الْحَطَبُ فَخَرَقَ ثَوْبَهُ أَوْ سَمِعَ لَكِنْ لَمْ يَتَهَيَّأْ لَهُ أَنْ يَتَنَحَّى عَنْ الطَّرِيقِ لِقِصَرِ الْمُدَّةِ ضَمِنَ، وَإِنْ سَمِعَ وَتَهَيَّأَ وَلَمْ يَنْتَقِلْ لَا يَضْمَنُ وَنَظِيرُ هَذَا مَنْ أَقَامَ حِمَارًا عَلَى الطَّرِيقِ وَعَلَيْهِ ثِيَابٌ فَجَاءَ رَاكِبٌ وَكَرَّ شَلَّا وَخَرَقَ الثِّيَابَ إنْ كَانَ الرَّاكِبُ يُبْصِرُ الْحِمَارَ وَأَرْسُوَن يَضْمَنُ، وَإِنْ لَمْ يُبْصِرْ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَضْمَنُوا الثِّيَابَ عَلَى الطَّرِيقِ فَجَعَلَ النَّاسُ يَمُرُّونَ عَلَيْهِ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ لَا يَضْمَنُ وَكَذَا رَجُلٌ جَلَسَ عَلَى الطَّرِيقِ فَوَقَعَ عَلَيْهِ إنْسَانٌ فَلَمْ يَرُدَّهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 407 فَمَاتَ الْجَالِسُ لَا يَضْمَنُ ثُمَّ الَّذِي سَاقَ الْحِمَارَ إذَا كَانَ لَا يُنَادِي يَا رَبِّ أَيْ لَوْ شِئْت حَتَّى تَعَلَّقَ الْحَطَبُ بِثَوْبِ رَجُلٍ فَتَخَرَّقَ يَضْمَنُ إنْ مَشَى الْحِمَارُ إلَى صَاحِبِ الثَّوْبِ. وَإِنْ مَشَى إلَى الْحِمَارِ وَهُوَ يَرَاهُ أَوْ لَمْ يَتَبَاعَدْ عَلَيْهِ لَا يَضْمَنُ وَلَوْ وَثَبَ مِنْ نَخْسِهِ عَلَى رَجُلٍ فَقَتَلَهُ أَوْ وَطِئَتْ رَجُلًا فَقَتَلَتْهُ فَالضَّمَانُ عَلَى النَّاخِسِ دُونَ الرَّاكِبِ وَفِي الْكَافِي فِدْيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ النَّاخِسِ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ رَاثَتْ أَوْ بَالَتْ فِي الطَّرِيقِ لَمْ يَضْمَنْ مَا عَطِبَ بِهِ إنْ أَوْقَفَهَا لِذَلِكَ، وَإِنْ أَوْقَفَهَا لِغَيْرِهِ ضَمِنَ) ؛ لِأَنَّ سَيْرَ الدَّابَّةِ لَا يَخْلُو عَنْ رَوْثٍ وَبَوْلٍ فَلَا يُمْكِنُهُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ فَلَا يَضْمَنُ مَا تَلِفَ بِهِ فِيمَا إذَا رَاثَتْ أَوْ بَالَتْ وَهِيَ تَسِيرُ وَكَذَا إذَا أَوْقَفَهَا لِذَلِكَ؛ لِأَنَّ مِنْ الدَّوَابِّ مَنْ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ إلَّا وَاقِفًا وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ، وَإِنْ أَوْقَفَهَا لِغَيْرِهِ فَبَالَتْ أَوْ رَاثَتْ فَعَطِبَ بِهِ إنْسَانٌ ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي الْإِيقَافِ إذْ هُوَ لَيْسَ مِنْ ضَرُورِيَّاتِ السَّيْرِ وَهُوَ أَكْثَرُ ضَرَرًا أَيْضًا مِنْ السَّيْرِ لِكَوْنِهِ أَدْوَمَ مِنْهُ فَلَا يُلْحَقُ بِهِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ، وَإِنْ أَوْقَفَهَا لِذَلِكَ، وَإِنْ أَوْقَفَهَا لِغَيْرِهِ ضَمِنَ. وَفِي الْمُنْتَقَى رَجُلٌ وَاقِفٌ عَلَى دَابَّتِهِ فِي الطَّرِيقِ فَأَمَرَ رَجُلًا أَنْ يَنْخُسَ دَابَّتَهُ فَنَخَسَهَا فَقَتَلَتْ رَجُلًا فَدِيَةُ الرَّجُلِ الْأَجْنَبِيِّ عَلَى النَّاخِسِ وَالرَّاكِبِ جَمِيعًا وَدَمُ الْآمِرِ بِالنَّخْسِ هَدَرٌ وَلَوْ سَارَتْ عَنْ مَوْضِعِهَا ثُمَّ نَفَحَتْ مِنْ فَوْرِ النَّخْسِ فَالضَّمَانُ عَلَى النَّاخِسِ دُونَ الرَّاكِبِ وَلَوْ لَمْ تَسِرْ وَنَفَحَتْ النَّاخِسَ وَرَجُلًا آخَرَ وَقَتَلَهُمَا فَدِيَةُ الْأَجْنَبِيِّ عَلَى النَّاخِسِ وَالرَّاكِبِ وَنِصْفُ دِيَةِ النَّاخِسِ عَلَى الرَّاكِبِ. وَلَوْ لَمْ يُوقِفْهَا الرَّاكِبُ عَلَى الطَّرِيقِ وَلَكِنْ حَرَنَتْ فَوَقَفَتْ فَنَخَسَهَا هُوَ وَغَيْرُهُ لِتَسِيرَ فَنَفَحَتْ إنْسَانًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا وَفِيهِ أَيْضًا رَجُلٌ اكْتَرَى مِنْ آخَرَ دَابَّةً لِيَذْهَبَ عَلَيْهَا فِي حَاجَةٍ لَهُ فَأَتْبَعَهُ صَاحِبُهَا فَلَهُ أَنْ يَسُوقَهَا، فَإِنْ وَقَفَ الرَّاكِبُ فِي الطَّرِيقِ عَلَى أَهْلِ مَجْلِسٍ فَحَرَنَتْ فَنَخَسَهَا صَاحِبُ الدَّابَّةِ أَوْ ضَرَبَهَا أَوْ سَاقَهَا فَنَفَحَتْ الدَّابَّةُ وَهِيَ وَاقِفَةٌ فَقَتَلَتْ إنْسَانًا فَالضَّمَانُ عَلَى الرَّاكِبِ وَالسَّائِقِ جَمِيعًا وَفِيهِ أَيْضًا صَبِيٌّ رَكِبَ دَابَّةً بِأَمْرِ أَبِيهِ ثُمَّ إنَّ الصَّبِيَّ الرَّاكِبَ أَمَرَ صَبِيًّا فَنَخَسَهَا فَالْقَوْلُ فِيهِ إذَا كَانَ مَأْذُونًا كَالْقَوْلِ فِي الْكَبِيرِ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي ذَلِكَ فَأَمَرَ صَبِيًّا حَتَّى نَخَسَهَا فَسَارَتْ وَنَفَحَتْ مِنْ النَّخْسَةِ فَعَلَى النَّاخِسِ الضَّمَانُ وَلَا شَيْءَ عَلَى الرَّاكِبِ، وَإِنْ أَمَرَ بِذَلِكَ وَوَطِئَتْ إنْسَانًا فَقَتَلَتْهُ وَكَانَ سَيْرُهَا مِنْ النَّخْسَةِ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ النَّاخِسِ وَلَا يَرْجِعُونَ بِذَلِكَ عَلَى عَاقِلَةِ الرَّاكِبِ وَفِيهِ أَيْضًا رَجُلٌ رَكِبَ دَابَّةَ رَجُلٍ قَدْ أَوْقَفَهَا رَبُّهَا فِي الطَّرِيقِ وَرَبَطَهَا وَغَابَ فَأَمَرَ رَبُّ الدَّابَّةِ رَجُلًا حَتَّى نَخَسَهَا فَنَفَحَتْ رَجُلًا أَوْ نَفَحَتْ الْآمِرَ فَدِيَتُهُ عَلَى النَّاخِسِ، وَإِنْ كَانَ الْآمِرُ أَوْقَفَهَا فِي الطَّرِيقِ ثُمَّ أَمَرَ رَجُلًا حَتَّى نَخَسَهَا فَقَتَلَتْ رَجُلًا فَدِيَتُهُ عَلَى الْآمِرِ وَالنَّاخِسِ نِصْفَيْنِ رَجُلٌ أَذِنَ رَجُلًا أَنْ يَدْخُلَ دَارِهِ وَهُوَ رَاكِبٌ فَدَخَلَهَا رَاكِبًا فَوَطِئَتْ دَابَّتُهُ عَلَى شَيْءٍ كَانَ ضَامِنًا لَهُ، وَإِنْ كَانَ سَائِقًا أَوْ قَائِدًا فَلَا ضَمَانَ أَدْخَلَ بَعِيرًا بِرَحْلِهِ فَوَقَعَ عَلَيْهِ الْمُتَعَلِّمُ فَقَتَلَهُ فَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا ضَمَانَ عَلَى صَاحِبِ الْمُتَعَلِّمِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنْ أَدْخَلَ صَاحِبُ الْمُتَعَلِّمِ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِ الدَّارِ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ، وَإِنْ كَانَ دَخَلَهَا بِإِذْنِهِ فَلَا ضَمَانَ وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَفِي فَتَاوَى الْخُلَاصَةِ وَلَوْ كَانَ الْبَعِيرُ غَيْرَ مُتَعَلِّمٍ فَحُكْمُهُ حُكْمُ مُتَعَلِّمٍ. وَفِي الْفَتَاوَى رَبَطَ حِمَارَهُ فِي أَرْضِهِ لِيَأْكُلَ عَلَفًا فَجَاءَ حِمَارُ رَجُلٍ فَعَقَرَهُ فَجَعَلَهُ مَعْيُوبًا عَيْبًا فَاحِشًا قَالَ لَا يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ عَلَى صَاحِبِ الْحِمَارِ قُلْتُ: قَالَ الْقَاضِي بَدِيعُ الدِّينِ إنْ كَانَ صَاحِبُهُ مَعَهُ يَضْمَنُ وَإِلَّا فَلَا يَضْمَنُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَا ضَمِنَهُ الرَّاكِبُ ضَمِنَ السَّائِقُ وَالْقَائِدُ) أَيْ كُلُّ شَيْءٍ يَضْمَنُهُ الرَّاكِبُ يَضْمَنَانِ؛ لِأَنَّهُمَا سَبَبَانِ كَالرَّاكِبِ فِي غَيْرِ الْإِيطَاءِ فَيَجِبُ عَلَيْهِمَا الضَّمَانُ بِالتَّعَدِّي فِيهِ كَالرَّاكِبِ وَقَوْلُهُ وَمَا ضَمِنَهُ الرَّاكِبُ ضَمِنَهُ السَّائِقُ وَالْقَائِدُ يَطَّرِدُ وَيَنْعَكِسُ فِي الصَّحِيحِ وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّ السَّائِقَ يَضْمَنُ النَّفْحَةَ بِالرِّجْلِ؛ لِأَنَّهُ بِمَرْأَى عَيْنِهِ فَيُمْكِنُهُ الِاحْتِرَازُ عَنْهَا مَعَ السَّيْرِ وَغَائِبَةٌ عَنْ بَصَرِ الرَّاكِبِ وَالْقَائِدِ فَلَا يُمْكِنُهُمَا الِاحْتِرَازُ عَنْهَا بِخِلَافِ الْكَدْمِ وَالصَّدْمِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَضْمَنُونَ كُلُّهُمْ النَّفْحَةَ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرْنَا وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الرِّجْلُ جُبَارٌ» وَمَعْنَاهُ النَّفْحَةُ بِالرِّجْلِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَلَى الرَّاكِبِ الْكَفَّارَةُ لَا عَلَيْهِمَا) أَيْ لَا عَلَى السَّائِقِ وَالْقَائِدِ وَمُرَادُهُ فِي الْإِيطَاءِ؛ لِأَنَّ الرَّاكِبَ مُبَاشِرٌ فِيهِ؛ لِأَنَّ التَّلَفَ بِثِقَلِهِ وَثِقَلُ دَابَّتِهِ تَبَعٌ، فَإِنَّ سَيْرَ الدَّابَّةِ مُضَافٌ إلَيْهِ وَهِيَ الْعِلَّةُ وَهُمَا مُسَبَّبَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَّصِلُ مِنْهُمَا شَيْءٌ بِالْمَحَلِّ وَكَذَلِكَ الرَّاكِبُ فِي غَيْرِ الْإِيطَاءِ وَالْكَفَّارَةِ حُكْمُ الْمُبَاشَرَةِ لَا حُكْمُ التَّسَبُّبِ وَكَذَا يَتَعَلَّقُ بِالْإِيطَاءِ فِي حَقِّ الرَّاكِبِ حِرْمَانُ الْمِيرَاثِ وَالْوَصِيَّةِ دُونَ السَّائِقِ وَالْقَائِدِ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَصُّ بِالْمُبَاشِرِ وَلَوْ كَانَ سَائِقٌ وَرَاكِبٌ قِيلَ لَا يَضْمَنُ السَّائِقُ مَا فَعَلَتْ الدَّابَّةُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 408 لِأَنَّ الرَّاكِبَ مُبَاشِرٌ فِيهِ كَمَا ذَكَرْنَا وَالسَّائِقَ مُسَبِّبٌ وَالْإِضَافَةُ إلَى الْمُبَاشَرَةِ أَوْلَى وَقِيلَ الضَّمَانُ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ سَبَبُ الضَّمَانِ أَلَا تَرَى أَنَّ مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّ الرَّاكِبَ إذَا أَمَرَ إنْسَانًا فَنَخَسَ الْمَأْمُورُ الدَّابَّةَ وَوَطِئَتْ إنْسَانًا كَانَ الضَّمَانُ عَلَيْهِمَا فَاشْتَرَكَا فِي الضَّمَانِ وَالنَّاخِسُ سَائِقٌ وَالْآمِرُ رَاكِبٌ فَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّهُمَا مُسْتَوِيَانِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ لِمَا ذَكَرْنَا وَالْجَوَابُ عَمَّا ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّ الْمُسَبِّبَ إنَّمَا يَضْمَنُ مَعَ الْمُبَاشَرَةِ إذَا كَانَ السَّبَبُ شَيْئًا لَا يَعْمَلُ بِانْفِرَادِهِ فِي الْإِتْلَافِ كَالْحَفْرِ مَعَ الْإِلْقَاءِ، فَإِنَّ الْحَفْرَ لَا يَعْمَلُ شَيْئًا بِدُونِ الْإِلْقَاءِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ السَّبَبُ يَعْمَلُ بِانْفِرَادِهِ فِي الْإِتْلَافِ فَيَشْتَرِكَانِ وَهَذَا مِنْهُ. وَفِي الْأَصْلِ يَقُولُ رَجُلٌ قَادَ قِطَارًا مِنْ الْإِبِلِ فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ فَمَا وَطِئَ أَوَّلُ الْقِطَارِ وَآخِرُهُ مَالًا أَوْ رَجُلًا فَقَتَلَهُ فَالْقَائِدُ ضَامِنٌ وَلَا كَفَّارَةَ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ سَائِقٌ يَسُوقُ الْإِبِلَ إلَّا أَنَّهُ تَارَةً يَتَقَدَّمُ وَتَارَةً يَتَأَخَّرُ، فَإِنَّهُمَا يَشْتَرِكَانِ فِي الضَّمَانِ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُمَا ثَالِثٌ يَسُوقُ الْإِبِلَ وَسَطَ الْقِطَارِ فَمَا أَصَابَ مِمَّا خَلْفَ هَذَا الَّذِي فِي وَسَطِ الْقِطَارِ أَوْ مِمَّا قَبْلَهُ فَضَمَانُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ أَثْلَاثًا يُرِيدُ بِهِ إذَا كَانَ هَذَا الَّذِي يَمْشِي فِي وَسَطِ الْقِطَارِ وَلَا يَمْشِي فِي جَانِبٍ مِنْ الْقِطَارِ وَلَا يَأْخُذُ بِزِمَامِ بَعِيرٍ يَقُودُ مَا خَلْفَهُ؛ لِأَنَّهُ سَائِقٌ لِوَسَطِ الْقِطَارِ فَيَكُونُ سَائِقًا لِلْكُلِّ بِحُكْمِ اتِّصَالِ الْأَزِمَّةِ فَأَمَّا إذَا كَانَ الَّذِي فِي وَسَطِ الْقِطَارِ آخِذًا بِزِمَامٍ يَقُودُ مَا خَلْفَهُ وَلَا يَسُوقُ مَا قَبْلَهُ فَمَا أَصَابَ مِمَّا خَلْفَ هَذَا الَّذِي فِي هَذَا الْقِطَارِ فَضَمَانُ ذَلِكَ عَلَى الْقَائِدِ الْأَوَّلِ وَلَا شَيْءَ فِيهِ عَلَى هَذَا الَّذِي فِي وَسَطِ الْقِطَارِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقَائِدٍ لِمَا قَبْلَهُ وَلَا سَائِقٍ حَتَّى لَوْ كَانَ سَائِقًا لَهُ يُشَارِكُ الْأَوَّلَ فِي الضَّمَانِ كَذَا فِي الْمُغْنِي وَفِي الْيَنَابِيعِ، وَإِنْ كَانَ السَّائِقُ فِي وَسَطِ الْقِطَارِ فَمَا أَصَابَ مِنْ خَلْفِهِ أَوْ بَيْنَ يَدَيْهِ فَهُوَ عَلَيْهِمَا، وَإِنْ كَانُوا ثَلَاثَةَ نَفَرٍ أَحَدُهُمْ فِي مُقَدَّمِ الْقِطَارِ وَالْآخَرُ فِي مُؤَخَّرِ الْقِطَارِ وَالثَّالِثُ فِي وَسَطِ الْقِطَارِ، فَإِنْ كَانَ الَّذِي فِي الْوَسَطِ وَالْمُؤَخَّرِ يَسُوقَانِ وَالْمُقَدَّمُ يَقُودُ الْقِطَارَ فَمَا عَطِبَ بِمَا أَمَامَ الَّذِي فِي الْوَسَطِ فَذَلِكَ كُلُّهُ عَلَى الْقَائِدِ وَمَا تَلِفَ مِمَّا هُوَ خَلْفَهُ فَهُوَ كُلُّهُ عَلَى الْقَائِدِ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُؤَخَّرِ إلَّا أَنْ يَكُونَ سَائِقًا. وَإِنْ كَانُوا يَسُوقُونَ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا السِّغْنَاقِيِّ وَلَوْ كَانَ الرَّجُلُ رَاكِبًا وَسَطَ الْقِطَارِ عَلَى بَعِيرِهِ وَلَا يَسُوقُ مِنْهَا شَيْئًا لَمْ يَضْمَنْ مَا تَعِيبُ الْإِبِلُ الَّتِي بَيْنَ يَدَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِسَائِقٍ لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُوَ مَعَهُمْ فِي الضَّمَانِ مِمَّا أَصَابَ الْبَعِيرُ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ أَوْ مَا خَلْفَهُ وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ هَذَا الَّذِي ذُكِرَ إذَا كَانَ زِمَامُ مَا خَلْفَهُ بِيَدِهِ يَقُودُهُ، وَأَمَّا إذَا كَانَ نَائِمًا عَلَى بَعِيرِهِ أَوْ قَاعِدًا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ فَهُوَ فِي حَقِّ مَا خَلْفَهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَتَاعِ الْمَوْضُوعِ عَلَى الْبَعِيرِ الظَّهِيرِيَّةِ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا يَقُودُ قِطَارًا وَآخَرُ مِنْ خَلْفِ الْقِطَارِ يَسُوقُهُ وَعَلَى الْإِبِلِ قَوْمٌ فِي الْمَحَالِّ نِيَامٌ أَوْ غَيْرُ نِيَامٍ فَوَطِئَ بَعِيرٌ مِنْهَا إنْسَانًا فَقَتَلَهُ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الْقَائِدِ وَالسَّائِقِ وَالرَّاكِبِينَ الَّذِينَ قُدَّامَ الْبَعِيرِ عَلَى عَوَاقِلِهِمْ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِهِمْ وَالْكَفَّارَةُ عَلَى رَاكِبِ الْبَعِيرِ الَّذِي وَطِئَ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُبَاشِرِ. قَالَ فِي الْمُنْتَقَى إذَا قَادَ الرَّجُلُ قِطَارًا وَخَلْفَهُ سَائِقٌ وَأَمَامَهُ رَاكِبٌ فَوَطِئَ الرَّاكِبُ إنْسَانًا فَالدِّيَةُ عَلَيْهِمْ أَثْلَاثًا وَكَذَلِكَ إذَا وَطِئَ بَعِيرٌ مِمَّا خَلْفَ الرَّاكِبِ إنْسَانًا، وَإِنْ كَانَ وَطِئَ بِغَيْرِ أَمَامٍ فَهُوَ عَلَى الْقَائِدِ وَالسَّائِقِ نِصْفَيْنِ وَلَا شَيْءَ عَلَى الرَّاكِبِ وَذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى مَسْأَلَةَ الْقِطَارِ بَعْدَ هَذَا فِي صُورَةٍ أُخْرَى وَأَوْجَبَ الضَّمَانَ عَلَى الْقَائِدِ وَعَلَى مَنْ كَانَ قُدَّامَ الْبَعِيرِ الَّذِي أَوْطَأَ مِنْ الرُّكْبَانِ قَالَ وَلَيْسَ عَلَى مَنْ خَلْفَهُ مِنْ الرُّكْبَانِ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ إنْسَانًا مُؤَجَّرًا وَيَسُوقَ فَيَكُونَ عَلَيْهِ وَعَلَى السَّائِقِ الَّذِي خَلْفَهُ يَشْتَرِكُونَ جَمِيعًا فِيهِ الْخَانِيَّةُ. رَجُلٌ يَقُودُ دَابَّةً فَسَقَطَ شَيْءٌ مِمَّا يُحْمَلُ عَلَى الْإِبِلِ عَلَى إنْسَانٍ أَوْ سَقَطَ سَرْجُ الدَّابَّةِ أَوْ لِجَامُهَا عَلَى إنْسَانٍ فَقَتَلَهُ أَوْ سَقَطَ ذَلِكَ فِي الطَّرِيقِ فَعَثَرَ بِهِ إنْسَانٌ وَمَاتَ يَضْمَنُ الْقَائِدُ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ سَائِقٌ كَانَ الضَّمَانُ عَلَيْهِمَا الْقَاضِي وَسُئِلَ أَيْضًا عَنْ صَاحِبِ زَرْعٍ سَلَّمَ الْحِمَارَ إلَى الْمُزَارِعِ فَرَبَطَ الدَّابَّةَ عَلَيْهِ وَشَدَّ الْحِمَارَ فِي الدَّالِيَةِ بِأَمْرِهِ فَانْقَطَعَ خَيْطٌ مِنْ خُيُوطِهَا فَوَقَعَ الْحِمَارُ فِي حُفْرَةِ الدَّالِيَةِ فَعَطِبَ الْحِمَارُ هَلْ يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الْمُزَارِعِ فَقَالَ لَا قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ رَجُلٌ قَادَ قِطَارًا فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ فَجَاءَ رَجُلٌ بَعْدُ بِبَعِيرٍ وَرَبَطَهُ بِالْقِطَارِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ فَأَصَابَ ذَلِكَ الْبَعِيرُ إنْسَانًا فَضَمَانُهُ عَلَى الْقَائِدِ دُونَ الرَّابِطِ، وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا سَبَبًا لِلْإِتْلَافِ فَهَلْ يَرْجِعُ عَلَى عَاقِلَةِ الرَّابِطِ قَالَ لَا يَرْجِعُ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ وَلَمْ يَفْصِلْ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بَيْنَ مَا إذَا رَبَطَ الْبَعِيرَ بِالْقِطَارِ وَالْقِطَارُ يَسِيرُ. وَفِي بَعْضِ كُتُبِ النَّوَادِرِ أَنَّ الْقِطَارَ إنْ كَانَ لَا يَسِيرُ حَالَةَ الرَّبْطِ فَقَادَهَا الْقَائِدُ بَعْدَ الرَّبْطِ لَا يَرْجِعُ الْقَائِدُ عَلَى عَاقِلَةِ الرَّابِطِ عَلِمَ الْقَائِدُ بِرَبْطِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ، فَإِنْ كَانَ الْقِطَارُ يَسِيرُ حَالَةَ الرَّبْطِ فَالْقَائِدُ يَرْجِعُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 409 عَلَى عَاقِلَةِ الرَّابِطِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِرَبْطِهِ. وَفِي الْمُنْتَقَى، وَإِذَا سَارَ الرَّجُلُ عَلَى دَابَّةٍ وَخَلْفَهُ رَدِيفٌ وَخَلْفَ الدَّابَّةِ سَائِقٌ وَأَمَامَهَا قَائِدٌ فَوَطِئَتْ إنْسَانًا فَالدِّيَةُ عَلَيْهِمْ أَرْبَاعًا وَعَلَى الرَّاكِبِ وَالرَّدِيفِ الْكَفَّارَةُ، وَإِذَا سَارَ الرَّجُلُ عَلَى دَابَّتِهِ فِي الطَّرِيقِ فَعَثَرَتْ بِحَجَرٍ وَضَعَهُ رَجُلٌ أَوْ بِدُكَّانٍ بَنَاهُ رَجُلٌ أَوْ بِمَاءٍ صَبَّهُ رَجُلٌ فَوَقَعَتْ عَلَى إنْسَانٍ وَأَتْلَفَتْهُ فَالضَّمَانُ عَلَى الَّذِي وَضَعَ الْحَجَرَ وَبَنَى الدُّكَّانَ وَصَبَّ الْمَاءَ؛ لِأَنَّهُ مُسَبَّبُ الْإِتْلَافِ وَهُوَ مُتَعَدٍّ فِي هَذَا السَّبَبِ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الرَّاكِبِ وَفِي الْكَفَّارَةِ إذَا أَرْسَلَ كَلْبًا أَوْ دَابَّةً أَوْ طَيْرًا فَأَصَابَ فِي فَوْرِهِ شَيْئًا ضَمِنَ فِي الدَّابَّةِ دُونَ الْكَلْبِ وَالطَّيْرِ وَفِي الصُّغْرَى الطَّحَاوِيُّ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَضْمَنُ الْكُلَّ كَذَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ اصْطَدَمَ فَارِسَانِ أَوْ مَاشِيَانِ فَمَاتَا ضَمِنَ عَاقِلَةُ كُلٍّ دِيَةَ الْآخَرِ) وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَجِبُ عَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ نِصْفُ دِيَةِ الْآخَرِ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَاتَ بِفِعْلِهِ وَفِعْلِ صَاحِبِهِ فَيُعْتَبَرُ نِصْفُهُ وَيُهْدَرُ النِّصْفُ كَمَا إذَا كَانَ الِاصْطِدَامُ عَمْدًا وَجَرَحَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَفْسَهُ وَصَاحِبَهُ أَوْ حَفَرَا عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ بِئْرًا فَانْهَدَمَ عَلَيْهِمَا أَوْ وَقَفَا فِيهِ يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا النِّصْفُ فَكَذَا هَذَا وَلَنَا أَنَّ قَتْلَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُضَافٌ إلَى فِعْلِ صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ فِي نَفْسِهِ مُبَاحٌ كَالْمَشْيِ فِي الطَّرِيقِ فَلَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّ الضَّمَانِ بِالنِّسْبَةِ إلَى نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ مُطْلَقًا فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَلَوْ اُعْتُبِرَ ذَلِكَ لَوَجَبَ نِصْفُ الدِّيَةِ فِيمَا إذَا وَقَعَ فِي بِئْرٍ فِي قَارِعَةِ الطَّرِيقِ؛ لِأَنَّهُ لَوْلَا مَشْيُهُ وَثِقَلُهُ فِي نَفْسِهِ لَمَا هَوَى فِي الْبِئْرِ وَفِعْلُ صَاحِبِهِ، وَإِنْ كَانَ مُبَاحًا لَكِنَّهُ مُقَيَّدٌ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ فِي حَقِّ غَيْرِهِ فَيَكُونُ سَبَبًا لِلضَّمَانِ عِنْدَ وُجُودِ التَّلَفِ بِهِ وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ أَوْجَبَ كُلَّ الدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَتَعَارَضَتْ رِوَايَتَانِ فَرَجَّحْنَا مَا ذَكَرْنَا وَيُحْتَمَلُ مَا رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ أَوْجَبَ كُلَّ الدِّيَةِ عَلَى الْخَطَأِ تَوْفِيقًا بَيْنَهُمَا، وَأَمَّا مَا اسْتَشْهَدَا بِهِ مِنْ الِاصْطِدَامِ وَجَرِحَ كُلٍّ مِنْهُمَا نَفْسَهُ وَصَاحِبَهُ وَحَفْرِ الْبِئْرِ فِي الطَّرِيقِ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مَحْظُورٌ مُطْلَقًا فَيُعْتَبَرُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ أَيْضًا فَيَكُونُ قَاتِلًا لِنَفْسِهِ وَهَذَا الْحُكْمُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ فِي الْحُرَّيْنِ وَلَوْ كَانَا عَبْدَيْنِ هُدِرَ الدَّمُ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى فِيهِ غَيْرُ مُخْتَارٍ لِلْفِدَاءِ وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا حُرًّا وَالْآخَرُ عَبْدًا يَجِبُ عَلَى عَاقِلَةِ الْحُرِّ قِيمَةُ الْعَبْدِ كُلُّهَا فِي الْخَطَأِ وَنِصْفُهَا فِي الْعَبْدِ فَيَأْخُذُهَا وَرَثَةُ الْحُرِّ الْمَقْتُولِ وَيَبْطُلُ مَا زَادَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ الْخَلْفِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ قِيمَةَ الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ تَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ عَلَى أَصْلِهِمَا؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ الْآدَمِيِّ. وَإِذَا تَجَاذَبَ رَجُلَانِ حَبْلًا فَانْقَطَعَ الْحَبْلُ فَسَقَطَا أَوْ مَاتَا يُنْظَرُ، فَإِنْ وَقَعَا عَلَى الْقَفَا لَا تَجِبُ لَهُمَا دِيَةٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَاتَ بِقُوَّةِ نَفْسِهِ، وَإِنْ وَقَعَا عَلَى الْوَجْهِ وَجَبَ عَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دِيَةُ الْآخَرِ، وَإِنْ قَطَعَ إنْسَانٌ الْحَبْلَ بَيْنَهُمَا فَوَقَعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْقَفَا فَدِيَتُهُمَا عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاطِعِ وَكَذَا عَلَى هَذَا سَائِرُ الضَّمَانَاتِ وَقَدْ قَدَّمْنَا شَيْئًا مِنْ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَوْ ضَرَبَ بَطْنَ امْرَأَتِهِ فَرَاجِعْهُ قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَفِي تَقْيِيدِ الْفَارِسَيْنِ فِي الْكِتَابِ بِقَوْلِهِ، وَإِذَا اصْطَدَمَ الْفَارِسَانِ لَيْسَتْ زِيَادَةَ فَائِدَةٍ، فَإِنَّ الْحُكْمَ فِي اصْطِدَامِ الْمَاشِيَيْنِ وَمَوْتِهِمَا بِذَلِكَ كَذَلِكَ ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ سِوَى أَنَّ مَوْتَ الْمُصْطَدِمَيْنِ فِي الْغَالِبِ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْفَارِسَيْنِ. اهـ. وَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ آخِذًا مِنْ النِّهَايَةِ حُكْمُ الْمَاشِيَيْنِ حُكْمُ الْفَارِسَيْنِ لَكِنْ لَمَّا كَانَ مَوْتُ الْمُصْطَدِمَيْنِ غَالِبًا فِي الْفَارِسَيْنِ خَصَّهُمَا بِالذِّكْرِ. اهـ. وَقَالَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَكَذَا الْحُكْمُ إذَا اصْطَدَمَ الْمَاشِيَانِ وَالتَّقْيِيدُ بِالْفَارِسَيْنِ اتِّفَاقِيٌّ أَوْ بِحَسَبِ الْغَالِبِ. اهـ. وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ أَقُولُ: عَجِيبٌ مِنْ هَؤُلَاءِ الشُّرَّاحِ مِثْلُ هَذِهِ التَّعَسُّفَاتِ مَعَ كَوْنِ وَجْهِ التَّقْيِيدِ بِالْفَارِسَيْنِ بَيِّنًا؛ لِأَنَّ الْبَابَ الَّذِي عَرَفْته بَابُ جِنَايَةِ الْبَهِيمَةِ وَالْجِنَايَةُ عَلَيْهَا وَلَا يَخْفَى أَنَّ اصْطِدَامَ الْمَاشِيَيْنِ لَيْسَ مِنْ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ فَكَانَ خَارِجًا عَنْ مَسَائِلِ هَذَا الْبَابِ رَجُلٌ وَجَدَ فِي زَرْعِهِ فِي اللَّيْلِ ثَوْرَيْنِ فَظَنَّ أَنَّهُمَا لِأَهْلِ الْقَرْيَةِ فَبَانَا أَنَّهُمَا لِغَيْرِهِمْ فَأَرَادَ أَنْ يُدْخِلَهُمَا فَدَخَلَ وَاحِدٌ وَفَرَّ آخَرُ فَتَبِعَهُ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ فَجَاءَ صَاحِبُهُ يَضْمَنُهُ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ إنْ كَانَ نِيَّتُهُ عِنْدَ الْأَخْذِ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ صَاحِبِهِ يَضْمَنُ وَإِنْ كَانَ نِيَّتُهُ أَنْ يَرُدَّ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَقْدِرْ لَمْ يَضْمَنْ فَقِيلَ إنْ كَانَ ذَلِكَ بِالنَّهَارِ قَالَ إنْ كَانَ لِغَيْرِ أَهْلِ الْقَرْيَةِ كَانَ لُقَطَةً، فَإِنْ تَرَكَ الْإِشْهَادَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ يَضْمَنُ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ شُهُودًا يَكُونُ عُذْرًا، وَإِنْ كَانَ لِأَهْلِ الْقَرْيَةِ فَكَمَا أَخْرَجَهُ يَكُونُ ضَامِنًا وَقَالَ الْقَاضِي عَلِيٌّ السُّغْدِيُّ، وَإِنْ وَجَدَ فِي زَرْعِهِ دَابَّةً فَسَاقَهَا بِقَدْرِ مَا يُخْرِجُهَا عَنْ مِلْكِهِ؛ لَا يَكُونَ ضَامِنًا، فَإِذَا سَاقَ وَزَادَ وَرَاءَ ذَلِكَ الْقَدْرِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 410 يَصِيرُ غَاصِبًا بِالسُّوقِ وَالصَّحِيحُ مَا قَالَهُ الْقَاضِي عَلِيٌّ السُّغْدِيُّ عَبْدَانِ الْتَقَيَا وَمَعَ كُلِّ وَاحِدٍ عَصًا فَضَرَبَا وَبَرِئَا خُيِّرَ مَوْلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْآخَرِ وَلَا يَتَرَاجَعَانِ بِشَيْءٍ سِوَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَلَكَ عَبْدَهُ مِنْ صَاحِبِهِ وَلَا يُفِيدُ التَّرَاجُعُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ رَجَعَ أَحَدُهُمَا لَرَجَعَ الْآخَرُ؛ لِأَنَّ حَقَّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَبَتَ فِي رَقَبَةٍ كَامِلَةٍ فَمَا يَأْخُذُ أَحَدُهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ فَذَاكَ بَدَلُ الْآخَرِ وَتَعَلَّقَ بِهِ حَقُّهُ فَلَا يُفِيدُ الرُّجُوعَ، وَإِنْ اخْتَارَ الْفِدَاءَ فَدَى كُلُّ وَاحِدٍ بِجَمِيعِ أَرْشِ جِنَايَتِهِ لِأَنَّهُمَا لَمَّا ضَرَبَا مَعًا فَقَدْ جَنَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى عَبْدٍ صَحِيحٍ فَتَعَلَّقَ حَقُّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَوْلَيَيْنِ بِعَبْدٍ صَحِيحٍ فَيَجِبُ بَدَلُ عَبْدٍ صَحِيحٍ، وَإِنْ سَبَقَ أَحَدُهُمَا بِالضَّرْبَةِ خُيِّرَ الْمَوْلَى مَوْلَى الْبَادِئِ؛ لِأَنَّ الْبِدَايَةَ مِنْ مَوْلَى اللَّاحِقِ لَا تُفِيدُ، لِأَنَّ حَقَّ اللَّاحِقِ فِي عَبْدٍ صَحِيحٍ كَامِلِ الرَّقَبَةِ، فَإِذَا دَفَعَ إلَى الْبَادِئِ عَبْدًا مَشْجُوجًا كَانَ لِلَّاحِقِ أَنْ يَسْتَرِدَّ مِنْهُ ثَانِيًا؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ عَبْدُك شَجَّ عَبْدِي وَهُوَ صَحِيحٌ وَدَفَعْتَ إلَيَّ عَبْدَكَ بَدَلَ تِلْكَ الشَّجَّةِ فَيَكُونُ لِي وَالْبِدَايَةُ مِنْ مَوْلَى الْبَادِئِ بِالدَّفْعِ مُفِيدَةٌ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْبَادِئِ ثَبَتَ فِي عَبْدٍ مَشْجُوجٍ فَمَتَى دَفَعَهُ مَشْجُوجًا لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ فَكَانَ دَفْعُهُ مُفِيدًا. فَإِنْ دَفَعَهُ فَالْعَبْدُ لِلْمَدْفُوعِ إلَيْهِ وَلَا شَيْءَ لِلدَّافِعِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ رَجَعَ الْبَادِئُ بِشَيْءٍ كَانَ لِلْمَدْفُوعِ إلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ ثَانِيًا؛ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي رَقَبَةِ عَبْدٍ صَحِيحٍ فَلَا يُفِيدُ رُجُوعُ الْبَادِئِ، وَإِنْ فَدَاهُ خُيِّرَ مَوْلَى اللَّاحِقِ بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ عِنْدَ الْبَادِئِ عَنْ الْجِنَايَةِ بِالْفِدَاءِ وَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَجْنِ، وَإِنْ جَنَى عَلَيْهِ الْعَبْدُ اللَّاحِقُ فَإِنْ مَاتَ الْبَادِئُ كَانَتْ قِيمَتُهُ فِي عُنُقِ الثَّانِي يَدْفَعُ بِهَا أَوْ الْفِدَاءَ، فَإِنْ فَدَاهُ بِقِيمَةِ الْمَيِّتِ رَجَعَ فِي تِلْكَ الْقِيمَةِ بِأَرْشِ جِرَاحَتِهِ عَبْدًا؛ لِأَنَّ بِالْفِدَاءِ أَظْهَرَ عَبْدًا لِلَّاحِقِ عَنْ الْجِنَايَةِ وَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَجْنِ، وَإِنَّمَا جَنَى عَلَيْهِ الْبَادِئُ وَالْبَادِئُ وَإِنْ مَاتَ فَالْقِيمَةُ قَامَتْ مَقَامَهُ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ قَائِمٌ مَقَامَهُ، وَإِنْ دَفَعَهُ رَجَعَ بِأَرْشِ شَجَّةِ عَبْدِهِ فِي عُنُقِهِ وَيُخَيَّرُ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ؛ لِأَنَّ الْمَدْفُوعَ قَامَ مَقَامَ الْمَيِّتِ الشَّاجِّ، وَإِنْ مَاتَ الْعَبْدُ الْقَاتِلُ خُيِّرَ مَوْلَى الْعَبْدِ الْبَادِئِ، وَإِنْ فَدَاهُ أَوْ دَفَعَ بَطَلَ حَقُّهُ فِي شَجَّةِ عَبْدِهِ؛ لِأَنَّهُ حِينَ شَجَّ اللَّاحِقُ الْبَادِئَ كَانَ اللَّاحِقُ مَشْجُوجًا فَثَبَتَ حَقُّ مَوْلَى الْبَادِئِ فِي عَبْدٍ مَشْجُوجٍ فَثَبَتَ حَقُّهُ فِيمَا وَرَاءَ الشَّجَّةِ فَمَاتَ لَا إلَى خَلْفٍ لَمَّا مَاتَ الْعَبْدُ الْقَاتِلُ فَبَطَلَ حَقُّ مَوْلَى الْبَادِئِ فِي شَجَّةِ عَبْدِهِ وَلَوْ مَاتَ الْبَادِئُ مِنْ شَيْءٍ آخَرَ سِوَى الْجِنَايَةِ وَبَقِيَ اللَّاحِقُ خُيِّرَ مَوْلَى الْبَادِئِ وَيُقَالُ لَهُ إنْ شِئْت فَاعْفُ عَنْ مَوْلَى اللَّاحِقِ وَلَا سَبِيلَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ، وَإِنْ شِئْت ادْفَعْ أَرْشَ شَجَّةِ اللَّاحِقِ وَطَالِبْهُ بِحَقِّك وَإِنْ دَفَعَ إلَى صَاحِبِهِ أَرْشَ عَبْدِهِ يَرْجِعُ بِأَرْشِ جِنَايَةِ عَبْدِهِ فَيَدْفَعُ مَوْلَى اللَّاحِقِ عَبْدَهُ بِهَا أَوْ يَفْدِيهِ أَمَّا الْمَفْهُومُ فَلِأَنَّ مَوْلَى الْبَادِئِ بِجِنَايَتِهِ إذَا دَفَعَ كَانَ لِمَوْلَى اللَّاحِقِ أَنْ يُطَالِبَهُ بِأَرْشِ شَجَّةِ عَبْدِهِ وَكَانَ لِمَوْلَى الْبَادِئِ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ الْعَبْدَ الْمَدْفُوعَ ثَانِيًا إلَيْهِ عَنْ حَقِّهِ فَلَا يُفِيدُهُ الدَّفْعُ. وَإِنَّمَا دَفَعَ أَرْشَ شَجَّةِ اللَّاحِقِ؛ لِأَنَّهُ مَتَى دَفَعَ أَرْشَ عَبْدِ اللَّاحِقِ فَقَدْ طَهُرَ الْبَادِئُ عَنْ الْجِنَايَةِ وَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَجْنِ، وَإِنَّمَا جَنَى عَلَيْهِ الْعَبْدُ اللَّاحِقُ فَيُخَاطَبُ مَوْلَى اللَّاحِقِ بِالدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ وَأَيَّ ذَلِكَ اخْتَارَ لَا يَبْقَى لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ سَبِيلٌ؛ لِأَنَّهُ وَصَلَ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَقُّهُ، وَإِنْ أَبَى مَوْلَى الْبَادِئِ أَنْ يَدْفَعَ الْأَرْشَ فَلَا شَيْءَ لَهُ فِي عِتْقِ الْآخَرِ، فَإِنَّ مَوْلَى الْبَادِئِ كَانَ مُخَيَّرًا بَيْنَ الْعَفْوِ وَبَيْنَ دَفْعِ الْأَرْشِ وَالْمُطَالَبَةِ شَجَّةً لِعَبْدِهِ، فَإِذَا امْتَنَعَ مِنْ دَفْعِ الْأَرْشِ صَارَ مُخْتَارًا لِلْعَفْوِ وَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ عَفَوْتُك عَنْ حَقِّي فَيَبْطُلُ حَقُّهُ وَلَوْ مَاتَ اللَّاحِقُ وَبَقِيَ الْبَادِئُ خُيِّرَ مَوْلَاهُ، فَإِنْ دَفَعَهُ بَطَلَ حَقُّهُ، وَإِنْ فَدَاهُ بِأَرْشِ عَبْدِهِ وَفِي الْفِدَاءِ؛ لِأَنَّ الْبَادِئَ طَاهِرٌ عَنْ الْجِنَايَةِ لِعَفْوِ أَحَدِهِمَا عَنْ جِنَايَتِهِ نِصْفَ الْعَبْدِ وَلَا يَزْدَادُ حَقُّهُ فَكَذَا هَذَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ سَاقَ دَابَّةً فَوَقَعَ السَّرْجُ عَلَى رَجُلٍ فَقَتَلَهُ ضَمِنَ) يَعْنِي إذَا سَاقَ دَابَّةً وَلَهَا سَرْجٌ فَوَقَعَ السَّرْجُ عَلَى رَجُلٍ فَقَتَلَهُ ضَمِنَ عَاقِلَتُهُ الدِّيَةَ وَقَدْ قَدَّمْنَاهَا بِفُرُوعِهَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ قَادَ قِطَارًا فَوَطِئَ بَعِيرٌ إنْسَانًا ضَمِنَ عَاقِلَةُ الْقَائِدِ الدِّيَةَ) ؛ لِأَنَّ الْقَائِدَ عَلَيْهِ حِفْظُ الْقِطَارِ كَالسَّائِقِ وَقَدْ أَمْكَنَهُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ فَصَارَ مُتَعَدِّيًا بِالتَّقْصِيرِ فِيهِ وَالتَّسَبُّبُ بِلَفْظِ التَّعَدِّي سَبَبٌ لِلضَّمَانِ غَيْرَ أَنَّ ضَمَانَ النَّفْسِ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَضَمَانَ الْمَالِ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ رَجُلٌ لَهُ مَزْرَعَةٌ فَأَكَلَهَا جَمَلُ غَيْرِهِ فَأَخَذَهُ وَحَبَسَهُ فِي الْإِصْطَبْلِ ثُمَّ وُجِدَ الْجَمَلُ مَكْسُورَ الرِّجْلِ كَيْفَ الْحُكْمُ بَيْنَهُمَا فِي ذَلِكَ فَقَالَ إنْ لَمْ يُكْسَرْ رِجْلُهُ فِي حَبْسِهِ قَالُوا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. وَقَدْ قَالُوا الضَّمَانُ عَلَيْهِ مَا لَمْ يُسَلِّمْهُ إلَى صَاحِبِهِ وَالرَّأْيُ فِيهِ إلَى الْقَاضِي قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ كَانَ مَعَهُ سَائِقٌ فَعَلَيْهِمَا) أَيْ إذَا كَانَ مَعَ الْقَائِدِ سَائِقٌ تَجِبُ عَلَى عَاقِلَتِهِمَا الضَّمَانُ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي التَّسَبُّبِ؛ لِأَنَّ قَائِدَ الْوَاحِدِ قَائِدُ الْكُلِّ وَكَذَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 411 سَائِقُهُ لِاتِّصَالِ اللَّازِمَةِ أَمَّا الْبَعِيرُ الَّذِي هُوَ رَاكِبُهُ فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا أَصَابَهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ وَعَلَى الْقَائِدِ غَيْرُ مَا أَصَابَهُ بِالْإِيطَاءِ، فَإِنَّ ذَلِكَ ضَمَانُهُ عَلَى الرَّاكِبِ وَحْدَهُ؛ لِأَنَّهُ جُعِلَ فِيهِ مُبَاشِرًا حَتَّى جَرَتْ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُبَاشَرَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ رَبَطَ بَعِيرًا عَلَى قِطَارٍ رَجَعَ عَلَى عَاقِلَةِ الْقَائِدِ بِدِيَةِ مَا تَلِفَ بِهِ عَلَى عَاقِلَةِ الرَّابِطِ) أَيْ إذَا رَبَطَ رَجُلٌ بَعِيرًا عَلَى قِطَارٍ وَالْقَائِدُ لِذَلِكَ الْقِطَارِ لَا يَعْلَمُ فَوَطِئَ الْبَعِيرُ الْمَرْبُوطُ إنْسَانًا فَقَتَلَهُ فَعَلَى عَاقِلَةِ الْقَائِدِ دِيَتُهُ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَصُونَ قِطَارَهُ عَنْ رَبْطِ غَيْرِهِ بِهِ، فَإِذَا تَرَكَ صِيَانَتَهُ صَارَ مُتَعَدِّيًا بِالتَّقْصِيرِ وَهُوَ مُتَسَبِّبٌ وَفِيهِ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ كَمَا فِي قَتْلِ الْخَطَأِ ثُمَّ يَرْجِعُونَ بِهَا عَلَى عَاقِلَةِ الرَّابِطِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَوْقَعَهُمْ فِيهِ، وَإِنَّمَا لَا يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الْقَائِدِ وَالرَّابِطِ ابْتِدَاءً مَعَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتَسَبِّبٌ؛ لِأَنَّ الْقَوَدَ بِمَنْزِلَةِ الْمُبَاشَرَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الرَّبْطِ لِاتِّصَالِ التَّلَفِ بِهِ دُونَ الرَّبْطِ فَيَجِبُ فِيهِ الضَّمَانُ وَحْدَهُ ثُمَّ يَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ قَالُوا هَذَا إذَا رَبَطَ وَالْقِطَارُ يَسِيرُ؛ لِأَنَّ الرَّبْطَ أَمْرٌ بِالْقَوَدِ دَلَالَةً، وَإِذَا لَمْ يُعْلَمْ لَا يُمْكِنُهُ التَّحَفُّظُ عَنْهُ وَلَكِنَّ جَهْلَهُ لَا يَنْفِي وُجُوبَ الضَّمَانِ عَلَيْهِ لِتَحَقُّقِ الْإِتْلَافِ مِنْهُ، وَإِنَّمَا يَنْفِي الْإِثْمَ فَيَكُونُ قَرَارُ الضَّمَانِ عَلَى الرَّابِطِ. وَأَمَّا إذَا رَبَطَ وَالْإِبِلُ وَاقِفَةٌ ضَمِنَهَا عَاقِلَةُ الْقَائِدِ وَلَا يَرْجِعُونَ عَلَى عَاقِلَةِ الرَّابِطِ بِمَا لَحِقَهُمْ مِنْ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّ الْقَائِدَ رَضِيَ بِذَلِكَ وَالتَّلَفُ قَدْ اتَّصَلَ بِفِعْلِهِ فَلَا يَرْجِعُ بِهِ وَهُوَ الْقِيَاسُ فِيمَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ؛ لِأَنَّ الْجَهْلَ لَا يُنَافِي التَّسَبُّبَ وَلَا الضَّمَانَ إلَّا أَنَّا اسْتَحْسَنَّا الرُّجُوعَ لِمَا ذَكَرْنَا. وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ رَجُلٌ قَادَ قِطَارًا فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ فَجَاءَ بَعِيرٌ آخَرُ وَرَبَطَهُ وَالْقَائِدُ لَا يَعْلَمُ بِهِ أَوْ عَلِمَ فَأَصَابَ ذَلِكَ الْبَعِيرُ إنْسَانًا فَضَمَانُهُ عَلَى الْقَائِدِ دُونَ الرَّابِطِ، وَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتَسَبِّبًا لِلْإِتْلَافِ وَهَلْ يَرْجِعُ عَلَى عَاقِلَةِ الرَّابِطِ إنْ عَلِمَ لَا يَرْجِعُ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ يَرْجِعُ وَلَمْ يُفَصِّلْ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بَيْنَ مَا إذَا رَبَطَ الْبَعِيرَ بِالْقِطَارِ وَالْقِطَارُ يَسِيرُ وَفِي بَعْضِ كُتُبِ النَّوَادِرِ، وَإِنْ كَانَ الْقِطَارُ لَا يَسِيرُ حَالَةَ الرَّبْطِ فَقَادَهَا الْقَائِدُ بَعْدَ الرَّبْطِ لَا يَرْجِعُ الْقَائِدُ عَلَى عَاقِلَةِ الرَّابِطِ عَلِمَ الْقَائِدُ بِرَبْطِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ، وَإِنْ كَانَ الْقِطَارُ يَسِيرُ حَالَةَ الرَّبْطِ فَالْقَائِدُ يَرْجِعُ عَلَى عَاقِلَةِ الرَّابِطِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِرَبْطِهِ. وَفِي الْمُنْتَقَى: وَإِذَا سَارَ الرَّجُلُ عَلَى دَابَّتِهِ وَخَلْفَهُ رَدِيفٌ وَخَلْفَ الدَّابَّةِ سَائِقٌ وَأَمَامَهَا قَائِدٌ فَوَطِئَتْ إنْسَانًا فَالدِّيَةُ عَلَيْهِمْ أَرْبَاعًا وَعَلَى الرَّاكِبِ وَالرَّدِيفِ الْكَفَّارَةُ، وَإِذَا سَارَ الرَّجُلُ عَلَى دَابَّتِهِ فِي الطَّرِيقِ فَعَثَرَتْ بِحَجَرٍ وَضَعَهُ رَجُلٌ أَوْ قَدْ كَانَ بَنَاهُ رَجُلٌ أَوْ بِمَاءٍ قَدْ صَبَّهُ رَجُلٌ فَوَقَعَتْ عَلَى إنْسَانٍ وَأَتْلَفَتْهُ فَالضَّمَانُ عَلَى الَّذِي وَضَعَ الْحَجَرَ فِي الْمَكَانِ أَوْ صَبَّ الْمَاءَ؛ لِأَنَّهُ مُسَبِّبٌ فِي هَذَا الْإِتْلَافِ وَهُوَ مُتَعَدٍّ فِي هَذَا السَّبَبِ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الرَّاكِبِ قَالُوا وَلَوْ نَخَسَ الدَّابَّةَ رَجُلٌ فَوَطِئَتْ إنْسَانًا فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمَا إنْ وَطِئَتْ فِي فَوْرِ النَّخْسِ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ حَصَلَ بِثِقَلِ الرَّاكِبِ وَفِعْلِ النَّاخِسِ فَيَكُونُ مُضَافًا إلَيْهِمَا أَقُولُ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ الرَّاكِبُ مُبَاشِرٌ فِيمَا أَتْلَفَتْ بِالْوَطْءِ لِحُصُولِ التَّلَفِ بِثِقَلِهِ وَثِقَلِ الدَّابَّةِ جَمِيعًا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَالنَّاخِسُ مُسَبِّبٌ كَمَا مَرَّ فِي الْكِتَابِ. وَإِذَا اجْتَمَعَ الْمُبَاشِرُ وَالْمُسَبِّبُ فَالْإِضَافَةُ إلَى الْمُبَاشِرِ أَوْلَى كَمَا صَرَّحُوا بِهِ لَا سِيَّمَا فِي مَسْأَلَةِ الرَّاكِبِ وَالسَّائِقِ فَمَا بَالُهُمْ صَرَّحُوا هُنَا بِإِضَافَةِ الْفِعْلِ إلَى الرَّاكِبِ وَالنَّاخِسِ مَعًا وَحَكَمُوا بِوُجُوبِ الدِّيَةِ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا فَتَدَبَّرْهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ أَرْسَلَ بَهِيمَةً وَكَانَ سَائِقَهَا فَمَا أَصَابَتْ فِي فَوْرِهَا ضَمِنَ) يَعْنِي إذَا أَرْسَلَ إنْسَانٌ بَهِيمَةً وَسَاقَهَا فَكُلُّ شَيْءٍ أَصَابَتْهُ فِي فَوْرِهَا، فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَرْسَلَ طَيْرًا أَوْ كَلْبًا وَلَمْ يَكُنْ سَائِقًا أَوْ انْفَلَتَتْ دَابَّتُهُ فَأَصَابَتْ مَالًا أَوْ آدَمِيًّا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا لَا يَضْمَنُ) أَيْ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ كُلِّهَا أَمَّا الطَّيْرُ فَلِأَنَّ بَدَنَهُ لَا يَحْتَمِلُ السَّوْقَ فَصَارَ وُجُودُ السَّوْقِ وَعَدَمِهِ سَوَاءً فَلَا يَضْمَنُ مُطْلَقًا بِخِلَافِ الدَّابَّةِ، فَإِنَّ بَدَنَهَا يَحْمِلُ السَّوْقَ فَيُعْتَبَرُ فِيهَا السَّوْقُ وَمِنْ ثَمَّ قَالُوا وَلَوْ أَرْسَلَ بَازِيًا فِي الْحَرَمِ فَقَتَلَ لَا يَضْمَنُ الْمُرْسِلُ، وَأَمَّا الْكَلْبُ فَلِأَنَّهُ، وَإِنْ كَانَ يَحْتَمِلُ السَّوْقَ لَكِنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ السَّوْقُ حَقِيقَةً بِأَنْ يَمْشِيَ خَلْفَهُ وَلَا حُكْمًا بِأَنْ يُصِيبَ عَلَى فَوْرِ الْإِرْسَالِ وَالتَّعَدِّي يَكُونُ بِالسَّوْقِ فَلَا يَضْمَنُ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الْفِعْلَ الِاخْتِيَارِيَّ يُضَافُ إلَى فِعْلِ صَاحِبِهِ وَلَا يَجُوزُ إضَافَتُهُ إلَى غَيْرِهِ؛ لِأَنَّا تَرَكْنَا ذَلِكَ فِي فِعْلِ الْبَهِيمَةِ إذَا وُجِدَ مِنْهُ السَّوْقُ فَأَضَفْنَاهُ إلَيْهِ اسْتِحْسَانًا صِيَانَةً لِلْأَنْفُسِ وَالْأَمْوَالِ، وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ السَّوْقُ بَقِيَ عَلَى الْأَصْلِ وَلَا يَجُوزُ إضَافَتُهُ إلَيْهِ لِعَدَمِ الْفِعْلِ مِنْهُ مُبَاشَرَةً وَتَسَبُّبًا بِخِلَافِ مَا إذَا أَرْسَلَ الْكَلْبَ عَلَى صَيْدٍ حَيْثُ يُؤْكَلُ مَا أَصَابَهُ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَائِقًا لَهُ حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ مَسَّتْ إلَى الِاصْطِيَادِ بِهِ فَأُضِيفَ إلَى الْمُرْسَلِ مَا دَامَ الْكَلْبُ فِي تِلْكَ الْجِهَةِ وَلَمْ يَفْتَرِ عَنْهَا إذْ لَا طَرِيقَ لِلِاصْطِيَادِ سِوَاهُ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 412 الِاصْطِيَادَ بِهِ مَشْرُوعٌ وَلَوْ شَرَطَ السَّوْقَ لَاسْتَدَّ بَابُهُ وَهُوَ مَفْتُوحٌ فَأُضِيفَ إلَيْهِ وَلَوْ غَابَ عَنْ بَصَرِهِ مَعَ الصَّيْدِ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ فِي حَقِّ ضَمَانِ الْعُدْوَانِ فَبَقِيَ عَلَى الْأَصْلِ فَكَانَ مُضَافًا إلَى الْكَلْبِ؛ لِأَنَّهُ مُخْتَارٌ فِي فِعْلِهِ وَلَا يَصْلُحُ نَائِبًا عَنْ الْمُرْسَلِ فَلَا يُضَافُ فِعْلُهُ إلَى غَيْرِهِ وَقَوْلُهُ سَائِقًا قَيْدٌ فِي الْكَلْبِ دُونَ الطَّيْرِ وَقَيْدٌ فِي الدَّابَّةِ بِالِانْفِلَاتِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَرْسَلَهَا يَضْمَنُ. وَفِي الْمَبْسُوطِ إذَا أَرْسَلَ دَابَّةً فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ فَمَا أَصَابَتْ فِي فَوْرِهَا فَالْمُرْسِلُ ضَامِنٌ؛ لِأَنَّ سَيْرَهَا مُضَافٌ إلَيْهِ مَا دَامَتْ تَسِيرُ عَلَى سُنَّتِهَا وَلَوْ انْعَطَفَتْ عَنْهُ يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً انْقَطَعَ حُكْمُ الْإِرْسَالِ إلَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ طَرِيقٌ آخَرُ سِوَاهُ وَكَذَا إذَا وَقَفَتْ ثُمَّ سَارَتْ أَيْ يَنْقَطِعُ حُكْمُ الْإِرْسَالِ بِالْوَقْفَةِ أَيْضًا كَمَا يَنْقَطِعُ بِالْعَطْفَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَفَ الْكَلْبُ بَعْدَ الْإِرْسَالِ فِي الِاصْطِيَادِ ثُمَّ سَارَ فَأَخَذَ الصَّيْدَ؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْوَقْفَةَ تُحَقِّقُ مَقْصُودَ الْمُرْسِلِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الصَّيْدِ وَهَذِهِ تُنَافِي مَقْصُودَ الْمُرْسِلِ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ السَّيْرُ فَيَنْقَطِعُ بِهِ حُكْمُ الْإِرْسَالِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا أَرْسَلَهُ إلَى صَيْدٍ فَأَصَابَ نَفْسًا أَوْ مَالًا فِي فَوْرِهِ حَيْثُ لَا يَضْمَنُ مَنْ أَرْسَلَهُ وَفِي إرْسَالِ الْبَهِيمَةِ فِي الطَّرِيقِ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ شَغَلَ الطَّرِيقَ تَعَدِّيًا فَيَضْمَنُ مَا تَوَلَّدَ مِنْهُ. وَأَمَّا الْإِرْسَالُ لِلِاصْطِيَادِ فَمُبَاحٌ وَلَا يُنْسَبُ بِوَصْفِ التَّعَدِّي كَذَا ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ سَائِقًا لَهَا أَوْ لَا وَذَكَرَ قَاضِي خَانْ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَرْسَلَ بَهِيمَةً وَكَانَ سَائِقًا لَهَا ضَمِنَ مَا أَصَابَتْ فِي فَوْرِهَا وَكَذَا لَوْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ وَكَانَ سَائِقًا لَهُ يَضْمَنُ مَا أَتْلَفَ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ سَائِقًا لَا يَضْمَنُ وَكَذَا لَوْ أَشْلَى كَلْبَهُ عَلَى رَجُلٍ فَعَقَرَهُ أَوْ مَزَّقَ ثِيَابَهُ لَا يَضْمَنُ إلَّا أَنْ يَسُوقَهُ وَقِيلَ إذَا أَرْسَلَ كَلْبَهُ وَهُوَ لَا يَمْشِي خَلْفَهُ فَعَقَرَ إنْسَانًا أَوْ أَتْلَفَ غَيْرَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ مُعَلَّمًا لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْمُعَلَّمِ يَذْهَبُ بِطَبْعِ نَفْسِهِ، وَإِنْ كَانَ مُعَلَّمًا ضَمِنَ إنْ مَرَّ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَرْسَلَهُ؛ لِأَنَّهُ ذَهَبَ بِإِرْسَالِ صَاحِبِهِ أَمَّا إذَا أَخَذَ يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً فَلَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ مَالَ عَنْ سُنَنِ الْإِرْسَالِ إلَّا إذَا كَانَ خَلْفَهُ وَلَوْ أَشْلَى كَلْبَهُ حَتَّى عَضَّ رَجُلًا لَا يَضْمَنُ كَمَا لَوْ أَرْسَلَ بَازِيًا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَضْمَنُ سَوَاءٌ كَانَ يَسُوقُهُ أَوْ يَقُودُهُ أَوْ لَا يَقُودُهُ وَلَا يَسُوقُهُ كَمَا لَوْ أَرْسَلَ الْبَهِيمَةَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إنْ كَانَ سَائِقًا أَوْ قَائِدًا يَضْمَنُ وَإِلَّا فَلَا وَبِهِ أَخَذَ الطَّحَاوِيُّ وَالْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ كَانَ يُفْتِي بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَفِي الزِّيَادَاتِ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَفِي الْخُلَاصَةِ وَلَوْ كَانَ لِرَجُلٍ كَلْبٌ عَقُورٌ يُؤْذِي مَنْ مَرَّ بِهِ فَلِأَهْلِ الْبَلَدِ أَنْ يَقْتُلُوهُ، وَإِنْ أَتْلَفَ شَيْئًا عَلَى صَاحِبِهِ الضَّمَانُ إنْ كَانَ تَقَدَّمَ إلَيْهِ قَبْلَ الْإِتْلَافِ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَالْحَائِطِ الْمَائِلِ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا طَرَحَ رَجُلًا قُدَّامَ سَبُعٍ فَقَتَلَهُ السَّبُعُ فَلَيْسَ عَلَى الطَّارِحِ شَيْءٌ إلَّا التَّعْزِيرَ وَالْحَبْسَ حَتَّى يَتُوبَ. وَإِنَّمَا قُلْنَا بِعَدَمِ الضَّمَانِ فِي انْفِلَاتِ الْبَهِيمَةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ» أَيْ فِعْلُهَا هَدَرٌ وَقَالَ مُحَمَّدٌ الْمُنْفَلِتَةُ وَهَذَا صَحِيحٌ ظَاهِرٌ وَلِأَنَّ الْفِعْلَ مُقْتَصِرٌ عَلَيْهَا وَغَيْرُ مُضَافٍ إلَى صَاحِبِهَا لِعَدَمِ مَا يُوجِبُ النِّسْبَةَ إلَيْهِ مِنْ الرُّكُوبِ وَأَخَوَاتِهِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ بَعَثَ غُلَامًا صَغِيرًا فِي حَاجَةِ نَفْسِهِ بِغَيْرِ إذْنِ أَهْلِ الصَّغِيرِ فَرَأَى الْغُلَامُ غِلْمَانًا صِغَارًا يَلْعَبُونَ فَانْتَهَى إلَيْهِمْ وَارْتَقَى وَمَاتَ ضَمِنَ الَّذِي أَرْسَلَهُ فِي حَاجَتِهِ وَلَوْ أَنَّ عَبْدًا حَمَلَ صَبِيًّا عَلَى دَابَّةٍ فَوَقَعَ الصَّبِيُّ مِنْهَا وَمَاتَ فَدِيَةُ الصَّبِيِّ تَكُونُ فِي عِتْقِ الْعَبْدِ يَدْفَعُهُ الْمَوْلَى أَوْ يَفْدِيهِ، وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ مَعَ الصَّبِيِّ عَلَى الدَّابَّةِ فَسَارَا عَلَيْهَا وَوَطِئَتْ الدَّابَّةُ إنْسَانًا وَمَاتَ فَعَلَى عَاقِلَةِ الصَّبِيِّ نِصْفُ الدِّيَةِ وَفِي عِتْقِ الْعَبْدِ نِصْفُهَا وَلَوْ أَنَّ حُرًّا كَبِيرًا حَمَلَ عَبْدًا صَغِيرًا عَلَى دَابَّةٍ وَمِثْلُهُ يَضْرِبُ الدَّابَّةَ وَيَسْتَمْسِكُ عَلَيْهَا ثُمَّ أَمَرَهُ أَنْ يَسِيرَ عَلَيْهَا فَوَطِئَ إنْسَانًا فَكَذَلِكَ تَكُونُ فِي عُنُقِ الْعَبْدِ فَيُؤْمَرُ مَوْلَى الْعَبْدِ بِالدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ ثُمَّ يَرْجِعُ مَوْلَى الْعَبْدِ عَلَى الْآمِرِ؛ لِأَنَّهُ بِاسْتِعْمَالِ عَبْدِ الْغَيْرِ يَصِيرُ غَاصِبًا، فَإِذَا لَحِقَهُ غُرْمٌ يَرْجِعُ بِذَلِكَ عَلَى الْغَاصِبِ. وَفِي الْفَتَاوَى أَمَرَ رَجُلًا بِكَسْرِ الْحَطَبِ فَأَعْطَى غُلَامًا الْفَأْسَ فَقَالَ اعْطِنِي الْأُجْرَةَ لِأَكْسِرَ فَأَبَى فَكَسَرَ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَوَقَعَ الْحَطَبُ عَلَى عَيْنِ الْغُلَامِ وَذَهَبَ عَيْنُهُ اتَّفَقَ مَشَايِخُنَا أَنَّهُ لَا يَكُونُ عَلَى صَاحِبِ الْحَطَبِ شَيْءٌ وَفِي التَّتِمَّةِ سُئِلَ أَبُو الْفَضْلِ عَنْ صَغِيرَيْنِ كَانَا يَلْعَبَانِ فَأَوْقَع أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ إلَى الْأَرْضِ فَانْكَسَرَ عَظْمُ فَخِذِهِ هَلْ يَجِبُ عَلَى أَقَارِبِهِ شَيْءٌ فَقَالَ إذَا كَانَ بِحَالٍ لَا يُمْكِنُهُ الْمَشْيُ بِهَا فَنِصْفُ الدِّيَةِ خَمْسُمِائَةِ دِينَارٍ عَلَى أَقَارِبِ الصَّبِيِّ مِنْ جِهَةِ الْأَب. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي فَقْءِ عَيْنِ شَاةٍ لِقَصَّابِ ضَمِنَ النُّقْصَانَ) ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الشَّاةِ اللَّحْمُ فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهَا إلَّا النُّقْصَانُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي عَيْنِ بَدَنَةِ الْجَزَّارِ وَالْحِمَارِ وَالْفَرَسِ رُبْعُ الْقِيمَةِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَيْسَ فِيهِ إلَّا النُّقْصَانُ أَيْضًا اعْتِبَارًا بِالشَّاةِ وَلَنَا مَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَضَى فِي عَيْنِ الدَّابَّةِ بِرُبْعِ الْقِيمَةِ» قَالَ فِي الْعِنَايَةِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 413 فَإِنْ قِيلَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَضَاءُ رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِيمَا يُؤْكَلُ فَالْجَوَابُ أَنَّ الشَّيْءَ الَّذِي أَوْجَبَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الْمَأْكُولِ مِنْ اللَّحْمِ وَالرُّكُوبِ وَالزِّينَةِ وَالْجَمَالِ وَالْعَمَلُ مَوْجُودٌ فِي مَأْكُولِ اللَّحْمِ فَيُلْحَقُ بِهِ. اهـ. وَلِأَنَّ فِيهَا مَقَاصِدَ سِوَى اللَّحْمِ كَالرُّكُوبِ وَالزِّينَةِ وَاللَّحْمِ وَالْعَمَلِ فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ يُشْبِهُ الْآدَمِيَّ وَقَدْ تَمَسَّكَ بِغَيْرِهِ كَالْأَكْلِ وَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ يُشْبِهُ الْمَأْكُولَاتِ فَعَلِمْنَا بِالشَّبَهَيْنِ بِشَبَهِ الْآدَمِيِّ فِي إيجَابِ الرُّبْعِ وَبِالشَّبَهِ الْآخَرِ فِي نَفْيِ النِّصْفِ وَلِأَنَّهُ إنَّمَا يُمْكِنُ إقَامَةُ الْعَمَلِ فِيهَا بِأَرْبَعَةِ أَعْيُنٍ عَيْنَاهَا وَعَيْنَا الْفَاعِلِ لَهَا فَصَارَتْ كَأَنَّهَا ذَاتُ أَعْيُنٍ أَرْبَعٍ فَيَجِبُ الرُّبْعُ بِفَوَاتِ أَحَدِهَا، وَإِنْ فَقَأَ عَيْنَهَا فَصَاحِبُهَا بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ تَرَكَهَا عَلَى الْفَاقِئِ وَضَمَّنَهُ الْقِيمَةَ، وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا وَضَمَّنَهُ النُّقْصَانَ؛ لِأَنَّ الْمَعْمُولَ بِهِ النَّصُّ وَهُوَ وَرَدَ فِي عَيْنٍ وَاحِدَةٍ فَيُقْتَصَرُ عَلَيْهِ وَفِي الْعِنَايَةِ، وَإِنَّمَا قَالَ بَدَنَةً لِيَشْمَلَ الْبَقَرَ وَالْإِبِلَ، فَإِنَّ الْحُكْمَ فِيهَا وَاحِدٌ وَهُوَ رُبْعُ الْقِيمَةِ وَفِي الْعَيْنِيِّ عَلَى الْهِدَايَةِ وَفِي فَقْءِ عَيْنِ بَدَنَةِ الْجَزَّارِ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَهُوَ مَا اُتُّخِذَ لِلنَّحْرِ يَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى كَذَا فِي الطَّحَاوِيِّ وَالْجَزْرُ الْقَطْعُ وَجَزْرُ الْجَزُورِ نَحْرُهَا وَالْجَزَّارُ هُوَ الَّذِي يَنْحَرُ الْبَقَرَةَ. اهـ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [بَابُ جِنَايَةِ الْمَمْلُوكِ وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ] لَمَّا فَرَغَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ بَيَانِ حُكْمِ جِنَايَةِ الْمَالِكِ وَهُوَ الْحُرُّ وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ شَرَعَ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ جِنَايَةِ الْمَمْلُوكِ وَهُوَ الْعَبْدُ وَأَخَّرَهُ لِانْحِطَاطِ رُتْبَةِ الْعَبْدِ عَنْ رُتْبَةِ الْحُرِّ كَذَا فِي الشُّرُوحِ أَقُولُ: فِيهِ شَيْءٌ وَهُوَ أَنَّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَمَّا وَقَعَ الْفَرَاغُ مِنْ بَيَانِ أَحْكَامِ جِنَايَةِ الْحُرِّ عَلَى الْحُرِّ مُطْلَقًا بَقِيَ مِنْهُ بَيَانُ حُكْمِ جِنَايَةِ الْحُرِّ عَلَى الْعَبْدِ فَالْأَظْهَرُ أَنْ يُقَالَ لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ جِنَايَةِ الْحُرِّ عَلَى الْحُرِّ شَرَعَ فِي بَيَانِ جِنَايَةِ الْمَمْلُوكِ وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ وَلَمَّا كَانَ فِيهِ تَعَلُّقُ الْمِلْكِ بِالْمَمْلُوكِ أَلْبَتَّةَ مِنْ جَانِبٍ أَخَّرَهُ لِانْحِطَاطِ رُتْبَةِ الْمَمْلُوكِ عَنْ الْمَالِكِ ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ لَا يُقَالُ الْعَبْدُ لَا يَكُونُ أَدْنَى مَنْزِلَةً مِنْ الْبَهِيمَةِ فَكَيْفَ أَخَّرَ بَابَ جِنَايَتِهِ عَنْ بَابِ جِنَايَةِ الْبَهِيمَةِ لِأَنَّ جِنَايَةَ الْبَهِيمَةِ كَانَتْ بِاعْتِبَارِ الرَّاكِبِ أَوْ السَّائِقِ أَوْ الْقَائِدِ وَهُمْ مُلَّاكٌ. اهـ. أَقُولُ: فِيهِ أَيْضًا شَيْءٌ إذْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إنْ أَرَادَ جِنَايَةَ الْبَهِيمَةِ كَانَتْ بِاعْتِبَارِ الرَّاكِبِ أَوْ السَّائِقِ أَوْ الْقَائِدِ فَهُوَ مَمْنُوعٌ فَإِنَّ جِنَايَتَهَا بِطَرِيقِ النَّفْحَةِ بِرِجْلِهَا أَوْ ذَنَبِهَا وَهِيَ تَسِيرُ لَا يَكُونُ بِاعْتِبَارِ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَإِلَّا لَوَجَبَ عَلَيْهِمْ الضَّمَانُ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا عُرِفَ فِي بَابِهَا وَكَذَا الْحَالُ فِيمَا إذَا أَصَابَتْ بِيَدِهَا أَوْ رِجْلِهَا حَصَاةً أَوْ نَوَاةً أَوْ أَثَارَتْ غُبَارًا أَوْ حَجَرًا صَغِيرًا فَقَأَ عَيْنَ إنْسَانٍ أَوْ أَفْسَدَ ثَوْبَهُ وَكَذَا إذَا انْفَلَتَتْ فَأَصَابَتْ مَالًا أَوْ آدَمِيًّا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا كَمَا عُرِفَ كُلُّ ذَلِكَ أَيْضًا فِي بَابِهَا وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ جِنَايَتَهَا قَدْ تَكُونُ بِاعْتِبَارِ أَحَدٍ مِنْهُمْ فَهُوَ مُسْلِمٌ وَلَكِنْ لَا يَتِمُّ بِهِ تَمَامُ التَّعَرُّفِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ الصُّوَرُ الَّتِي لَا يَجِبُ فِيهَا مِنْ فِعْلِ الْبَهِيمَةِ ضَمَانٌ عَلَى أَحَدٍ بَلْ يَكُونُ فِعْلُهَا هَدَرًا مِمَّا لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ الْجِنَايَةِ فِي الشَّرْعِ وَإِنَّمَا ذُكِرَتْ فِي بَابِهَا اسْتِطْرَادًا وَبِنَاءُ الْكَلَامِ هُنَا عَلَى مَا لَهُ حُكْمٌ مِنْ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ فَيَتِمُّ التَّعْرِيفُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (جِنَايَةُ الْمَمْلُوكِ لَا تُوجِبُ إلَّا دَفْعًا وَاحِدًا أَوْ مَحَلًّا لَهَا وَإِلَّا قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ) أَيْ جِنَايَةُ الْعَبْدِ لَا تُوجِبُ إلَّا دَفْعَ رَقَبَتِهِ إذَا كَانَ مَحَلًّا لِلدَّفْعِ إذَا كَانَ قِنًّا وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَنْعَقِدْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ أَسْبَابِ الْحُرِّيَّةِ كَالتَّدْبِيرِ وَأُمُومِيَّةِ الْوَلَدِ وَالْكِتَابَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ الْجِنَايَةُ وَاحِدَةً أَوْ أَكْثَرَ لَا تُوجِبُ إلَّا دَفْعَ رَقَبَتِهِ إذَا كَانَتْ الْجِنَايَةُ فِي النَّفْسِ مُوجِبَةً لِلْمَالِ وَإِلَّا فَقِيمَةٌ وَاحِدَةٌ إنْ لَمْ يَكُنْ مَحَلًّا لِلدَّفْعِ بِأَنْ انْعَقَدَ لَهُ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْنَا يُوجِبُ جِنَايَتَهُ قِيمَةً وَاحِدَةً وَلَا يَزِيدُ عَلَيْهَا. وَإِنْ تَكَرَّرَتْ الْجِنَايَةُ وَفِي الْقِنِّ إذَا جَنَى بَعْدَ الْفِدَاءِ تُؤْمَرُ بِالدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ وَأُخْتَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يُوجِبُ إلَّا قِيمَةً وَاحِدَةً عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي أَثْنَاءِ الْمَسَائِلِ وَالْكَلَامُ فِي جِنَايَةِ الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ مِنْ وُجُوهٍ الْأَوَّلُ فِي جِنَايَتِهِ عَلَى مَوْلَاهُ وَالثَّانِي فِي سِعَايَتِهِ وَالثَّالِثُ فِي جِنَايَةِ الْمُدَبَّرِ وَالرَّابِعُ فِي جِنَايَةِ الْمُدَبَّرِ فِي يَدِ الْغَاصِبِ وَدِيَةِ جِنَايَةِ الْمُدَبَّرِ نَفْسًا وَمَا دُونَهَا عَلَى مَوْلَاهُ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ فَإِنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ مِثْلَ الدِّيَةِ أَوْ أَكْثَرَ غَرِمَ مِثْلَ الدِّيَةِ إلَّا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَيَضْمَنُ قِيمَتَهُ يَوْمَ جَنَى وَقِيمَةُ الْمُدَبَّرِ ثُلُثَا قِيمَتِهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَهُوَ إذَا جَنَى جِنَايَاتٍ أَوْ جِنَايَةً وَاحِدَةً لَا تُوجِبُ إلَّا قِيمَةً وَاحِدَةً وَلَوْ مَاتَ الْمُدَبَّرُ بَعْدَ الْجِنَايَةِ بِلَا فَصْلٍ وَلَمْ تَنْقُصْ قِيمَتُهُ لَمْ يَسْقُطْ عَنْ الْمَوْلَى شَيْءٌ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ وَلَوْ قَتَلَ مُدَبَّرٌ رَجُلًا خَطَأً وَقِيمَتُهُ أَلْفٌ ثُمَّ صَارَتْ قِيمَتُهُ أَلْفَيْنِ فَقَتَلَ آخَرَ خَطَأً فَالْأَلْفُ دِرْهَمٍ لِلثَّانِي وَتَحَاصَّا فِي الْقِيمَةِ الْأُولَى وَهِيَ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَلَوْ دَفَعَ الْمَوْلَى الْقِيمَةَ لِلْأَوَّلِ بِغَيْرِ قَضَاءٍ غَرِمَ لِلثَّانِي أَلْفَ دِرْهَمٍ وَاتَّبَعَ الْأَوَّلَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 414 فِي نِصْفِ الْقِيمَةِ وَإِنْ دَفَعَ بِقَضَاءٍ لَا يَغْرَمُ شَيْئًا اتِّفَاقًا وَلَوْ قَتَلَ الْمُدَبَّرُ مَوْلَاهُ خَطَأً سَعَى فِي قِيمَتِهِ وَلَوْ جَنَى مُدَبَّرٌ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ سَعَى فِي قِيمَتِهِ كَالْمُكَاتَبِ إذَا قَتَلَ مَوْلَاهُ خَطَأً سَعَى فِي قِيمَتِهِ. وَإِنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ كَانَتْ عَلَى الْعَاقِلَةِ اتِّفَاقًا وَمُدَبَّرُ ذِمِّيٍّ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ كَمُدَبَّرِ مُسْلِمٍ وَكَذَا مُدَبَّرُ حَرْبِيٍّ مُسْتَأْمَنٍ مَا دَامَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ مَعَهُ فَلَوْ دَبَّرَهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ رَجَعَ بِهِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ فَسُبِيَ عَتَقَ الْمُدَبَّرُ وَلَا يَغْرَمُ مَا جَنَى بَعْدَ مَا سَبَى وَيُعْتَقُ الْمُدَبَّرُ بِمَوْتِ الْمَوْلَى حُكْمًا كَمَا يُعْتَقُ بِمَوْتِهِ حَقِيقَةً وَلَوْ جَنَى الْحُرُّ عَلَى الْمُدَبَّرِ فَهُوَ كَمَا لَوْ جَنَى الْحُرُّ عَلَى الْقِنِّ فَلَوْ قَتَلَهُ فَعَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ وَلَوْ قَطَعَ يَدَهُ فَعَلَيْهِ نِصْفُ قِيمَتِهِ مُدَبَّرٌ قَتَلَ رَجُلًا خَطَأً فَدَفَعَ الْمَوْلَى الْقِيمَةَ ثُمَّ قَتَلَ آخَرَ خَطَأً فَإِنْ شَاءَ الثَّانِي تَبِعَ الْأَوَّلَ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ مِنْ الْمَوْلَى نِصْفَ الْقِيمَةِ وَيَرْجِعُ بِهِ الْمَوْلَى عَلَى الْأَوَّلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَهُمَا لَا يَغْرَمُ الْمَوْلَى شَيْئًا مُدَبَّرٌ حَفَرَ بِئْرًا فَمَاتَ فِيهَا رَجُلٌ فَدَفَعَ الْمَوْلَى قِيمَتَهُ وَهِيَ أَلْفٌ بِقَضَاءٍ ثُمَّ مَاتَ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ وَتَرَكَ أَلْفًا وَعَلَيْهِ أَلْفَانِ دَيْنًا لِرَجُلَيْنِ لِكُلٍّ أَلْفٌ وَوَقَعَ فِي الْبِئْرِ آخَرُ فَمَاتَ فَالْأَلْفُ الَّذِي تَرَكَهُ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى يُقْسَمُ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ وَبَيْنَ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ لِلْغُرَمَاءِ أَرْبَعَةٌ وَلَهُ سَهْمٌ لِأَنَّهُ لَمَّا وَقَعَ فِي الْبِئْرِ ظَهَرَ أَنَّ نِصْفَ قِيمَةِ الْمُدَبَّرِ وَذَلِكَ خَمْسُمِائَةٍ دَيْنٌ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى فَظَهَرَ أَنَّ الْقِيمَةَ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُمَا تُقْسَمُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ عَبْدٌ لِرَجُلٍ شَجَّهُ رَجُلٌ مُوضِحَةً ثُمَّ دَبَّرَهُ ثُمَّ شَجَّهُ مُوضِحَةً أُخْرَى ثُمَّ كَاتَبَهُ ثُمَّ شَجَّهُ مُوضِحَةً ثَالِثَةً ثُمَّ أَدَّى الْكِتَابَةَ فَعَتَقَ ثُمَّ شَجَّهُ مُوضِحَةً رَابِعَةً فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ فَهَاهُنَا حُكْمُ الشِّجَاجِ وَحُكْمُ النَّفْسِ أَمَّا حُكْمُ الشِّجَاجِ فَالْأُولَى يَضْمَنُ الشَّاجُّ نِصْفَ عُشْرِ قِيمَتِهِ وَهُوَ عَبْدٌ صَحِيحٌ. وَأَمَّا حُكْمُ الشَّجَّةِ الثَّالِثَةِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ نِصْفَ عُشْرِ قِيمَتِهِ وَهُوَ مُدَبَّرٌ مُكَاتَبٌ مَشْجُوجٌ شَجَّتَيْنِ وَأَمَّا حُكْمُ الشَّجَّةِ الرَّابِعَةِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ ثُلُثَ الدِّيَةِ وَلَا يَضْمَنُ الْأَرْشَ وَأَمَّا حُكْمُ النَّفْسِ فَلَا شَيْءَ عَلَى الشَّاجِّ بِسِرَايَةِ الشَّجَّةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ لِأَنَّ سِرَايَتَهُمَا مُنْقَطِعَةٌ عَنْ الْجِنَايَةِ بِالْعِتْقِ وَالْكِتَابَةِ وَيَضْمَنُ لِلشَّجَّةِ الثَّالِثَةِ ثُلُثَ قِيمَتِهِ وَهُوَ مُدَبَّرٌ مُكَاتَبٌ مَشْجُوجٌ بِأَرْبَعِ شَجَّاتٍ وَلَا يَضْمَنُ ثُلُثَ الدِّيَةِ وَإِنْ مَاتَ حُرًّا لِأَنَّ ابْتِدَاءَ الشَّجَّةِ لَاقَى الْكِتَابَةَ وَإِنَّمَا يَضْمَنُ ثُلُثَ قِيمَتِهِ لَا رُبْعَهَا لِأَنَّ الْجِنَايَةَ الْأُولَى وَالثَّانِيَةَ حُكْمُهُمَا وَاحِدٌ وَالشَّجَّةُ الرَّابِعَةُ لَاقَتْهُ وَهُوَ حُرٌّ وَمُوجِبُهَا الدِّيَةُ فَبَانَ بِهَذَا وَاتَّضَحَ أَنَّ النَّفْسَ إنَّمَا تَلِفَتْ مَعْنًى وَاعْتِبَارًا بِثَلَاثِ جِنَايَاتٍ ثُلُثُهَا بِالْجِنَايَةِ الْأُولَى وَقَدْ هُدِرَتْ سِرَايَتُهَا وَثُلُثُهَا بِالْجِنَايَةِ الثَّالِثَةِ وَسِرَايَتُهَا مُعْتَبَرَةٌ فَيَضْمَنُ ثُلُثَ قِيمَتِهِ مَشْجُوجًا بِأَرْبَعِ شِجَاجٍ لِأَنَّ ثَلَاثَ شِجَاجٍ مِنْهَا ضَمِنَهَا مَرَّةً فَلَا يَضْمَنُ مَرَّةً أُخْرَى وَمَا تَلِفَ بِالشَّجَّةِ الرَّابِعَةِ يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَى الشَّاجِّ بِالشَّجَّةِ الثَّالِثَةِ لِأَنَّهُ مَاتَ وَهُوَ مَنْقُوصٌ بِأَرْبَعِ شَجَّاتٍ كَذَا فِي الْمُحِيطِ مَعَ اخْتِصَارٍ وَفِي الذَّخِيرَةِ أُمُّ الْوَلَدِ إذَا جَنَتْ جِنَايَةً خَطَأً فَالْجَوَابُ فِيهَا كَالْجَوَابِ فِي الْمُدَبَّرِ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمُتَقَدِّمِ اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (جَنَى عَبْدٌ خَطَأً دَفَعَهُ بِالْجِنَايَةِ فَيَمْلِكُهُ أَوْ فَدَاهُ بِأَرْشِهَا) أَيْ إذَا جَنَى الْعَبْدُ خَطَأً فَمَوْلَاهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ دَفَعَهُ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ فَإِنْ دَفَعَهُ مَلَكَهُ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ وَإِنْ شَاءَ فَدَاهُ بِأَرْشِهَا. وَقَوْلُهُ خَطَأً يُحْتَرَزُ بِهِ مِنْ الْعَمْدِ وَهَذَا التَّقْيِيدُ إنَّمَا يُفِيدُ إذَا كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَلَى النَّفْسِ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ عَمْدًا تُوجِبُ الْقِصَاصَ وَأَمَّا إذَا كَانَتْ عَلَى الْأَطْرَافِ لَا يُفِيدُ التَّقْيِيدَ بِهِ إذْ لَا يَجْرِي الْقِصَاصُ فِيهَا بَيْنَ الْعَبِيدِ وَبَيْنَ الْأَحْرَارِ وَالْعَبِيدِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - جِنَايَةُ الْعَبْدِ تَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ يُبَاعُ فِيهَا إلَّا أَنْ يَقْضِيَ الْمَوْلَى الْأَرْشَ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي اتِّبَاعِ الْجَانِي عِنْدَهُ وَعِنْدَنَا لَا يُتْبَعُ لَا فِي حَالَةِ الرِّقِّ وَلَا بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ وَالْمَسْأَلَةُ مُخْتَلِفَةٌ بَيْنَ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلُ مَذْهَبِنَا وَعَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ مِثْلُ مَذْهَبِهِ لَهُ أَنَّ الْأَصْلَ فِي مُوجِبِ الْجِنَايَةِ أَنْ يَجِبَ عَلَى الْجَانِي لِأَنَّهُ الْمُتَعَدِّي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] إلَّا أَنَّ الْعَاقِلَةَ تَتَحَمَّلُ عَنْهُ وَلَا عَاقِلَةَ لِلْعَبْدِ فَيَجِبُ فِي ذِمَّتِهِ كَمَا فِي الذِّمِّيِّ وَيَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ وَيُبَاعُ فِيهِ كَمَا فِي الْجِنَايَةِ عَلَى الْمَالِ وَلَنَا أَنَّ الْمُسْتَحَقَّ بِالْجِنَايَةِ عَلَى النُّفُوسِ نَفْسُ الْجَانِي إذَا أَمْكَنَ إلَّا أَنَّ اسْتِحْقَاقَ النَّفْسِ قَدْ يَكُونُ بِطَرِيقِ الْإِتْلَافِ عُقُوبَةً وَقَدْ يَكُونُ بِطَرِيقِ التَّمَلُّكِ وَالْعَبْدُ مِنْ أَهْلِ أَنْ يَسْتَحِقَّ نَفْسَهُ بِالطَّرِيقَيْنِ فَتَصِيرُ نَفْسُهُ مُسْتَحَقَّةً لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ صِيَانَةً عَنْ الْهَدَرِ إلَّا أَنْ يَخْتَارَ الْمَوْلَى الْفِدَاءَ فَيَكُونَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إبْطَالُ حَقِّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بَلْ مَقْصُودُ الْمَجْنِيِّ يَحْصُلُ بِذَلِكَ بِخِلَافِ إتْلَافِ الْمَالِ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ بِهِ نَفْسَ الْجَانِي أَبَدًا وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي مُوجِبِ الْجِنَايَةِ خَطَأً أَنْ يَتَبَاعَدَ عَنْ الْجَانِي لِكَوْنِهِ مَعْذُورًا وَلِكَوْنِ الْخَطَأِ مَرْفُوعًا شَرْعًا وَيَتَعَلَّقُ بِأَقْرَبِ النَّاسِ إلَيْهِ تَخْفِيفًا عَنْ الْمُخْطِئِ وَتَوَقِّيًا عَنْ الْإِجْحَافِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 415 إلَّا أَنَّ عَاقِلَةَ الْعَبْدِ مَوْلَاهُ لِأَنَّ الْعَبْدَ يَسْتَنْصِرُ بِهِ وَبِاعْتِبَارِ النُّصْرَةِ تَتَحَمَّلُ الْعَاقِلَةُ حَتَّى تَجِبَ الدِّيَةُ عَلَى أَهْلِ الدِّيوَانِ فَيَجِبَ ضَمَانُ جِنَايَتِهِ عَلَى الْمَوْلَى. بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ فَإِنَّهُمْ لَا يَتَنَاصَرُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ فَلَا عَاقِلَةَ لَهُمْ فَيَجِبُ فِي ذِمَّتِهِ صِيَانَةً عَنْ الْهَدَرِ وَبِخِلَافِ الْجِنَايَةِ عَلَى الْمَالِ لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَعْقِلُ الْمَالَ إلَّا أَنَّ الْمَوْلَى يُخَيَّرُ بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ لِأَنَّهُ وَاحِدٌ وَاخْتُلِفَ فِي الْمُوجِبِ الْأَصْلِيِّ قَالَ التُّمُرْتَاشِيُّ الصَّحِيحُ أَنَّ الْأَصْلَ هُوَ الدِّيَةُ أَوْ الْأَرْشُ لَكِنَّ لِلْمَوْلَى أَنْ يَخْتَارَ الدَّفْعَ وَفِي إثْبَاتِ الْخِيرَةِ نَوْعُ تَخْفِيفٍ فِي حَقِّهِ كَيْ لَا يَسْتَأْصِلَ فَيُخَيَّرُ لِأَنَّ التَّخْيِيرَ مُفِيدٌ وَقَالَ غَيْرُهُ الْوَاجِبُ الْأَصْلِيُّ هُوَ الدَّفْعُ فِي الصَّحِيحِ وَلِهَذَا يَسْقُطُ الْوَاجِبُ بِمَوْتِ الْعَبْدِ الْجَانِي قَبْلَ الِاخْتِيَارِ لِفَوَاتِ مَحَلِّ الْوَاجِبِ وَإِنْ كَانَ لَهُ حَقُّ النَّقْلِ إلَى الْفِدَاءِ كَمَا فِي مَالِ الزَّكَاةِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فَإِنَّ الْوَاجِبَ جُزْءٌ مِنْ النِّصَابِ وَلَهُ النَّقْلُ إلَى الْقِيمَةِ فَكَذَا هَذَا بِخِلَافِ الْجَانِي الْحُرِّ فِي الْخَطَأِ حَيْثُ لَا يَبْطُلُ الْمُوجِبُ بِمَوْتِهِ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْوَاجِبُ اسْتِيفَاءً فَصَارَ كَالْعَبْدِ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ وَإِذَا اخْتَارَ الدَّفْعَ يَلْزَمُهُ حَالًا لِأَنَّهُ عَيْنٌ فَلَا يَجُوزُ التَّأْجِيلُ فِي الْأَعْيَانِ وَإِنْ كَانَ مُقَدَّرًا بِغَيْرِهِ وَهُوَ الْمُتْلِفُ وَلِهَذَا سُمِّيَ فِدَاءً وَأَيُّهُمَا اخْتَارَ فِعْلَهُ فَلَا شَيْءَ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ غَيْرُهُ أَمَّا الدَّفْعُ فَلِأَنَّ حَقَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِهِ فَإِذَا خَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّقَبَةِ سَقَطَ حَقُّ الْمُطَالَبَةِ عَنْهُ وَأَمَّا الْفِدَاءُ فَلِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ إلَّا الْأَرْشُ فَإِذَا أَوْفَاهُ حَقَّهُ سُلِّمَ الْعَبْدُ لَهُ وَكَذَا إذَا اخْتَارَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يَفْعَلْ أَوْ فَعَلَ وَلَمْ يُخَيِّرْهُ قَوْلًا سَقَطَ حَقُّ الْمَوْلَى فِي الْآخَرِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَعْيِينُ الْمَحَلِّ حَتَّى يَتَمَكَّنَ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ. وَالتَّعْيِينُ يَحْصُلُ بِالْقَوْلِ كَمَا يَحْصُلُ بِالْفِعْلِ بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ حَيْثُ لَمْ تَتَعَيَّنْ إلَّا بِالْفِعْلِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى الْفِعْلُ وَالْمَحَلُّ تَابِعٌ لِضَرُورَةِ وُجُودِهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَوْلَى قَادِرًا عَلَى الْأَرْشِ أَوْ لَمْ يَكُنْ قَادِرًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّهُ اخْتَارَ أَصْلَ حَقِّهِمْ فَبَطَلَ حَقُّهُمْ فِي الْعَبْدِ لِأَنَّ وِلَايَةَ التَّعْيِينِ لِلْمَوْلَى لَا لِلْأَوْلِيَاءِ وَقَالَا لَا يَصِحُّ اخْتِيَارُهُ الْفِدَاءَ إذَا كَانَ مُفْلِسًا إلَّا بِرِضَا الْأَوْلِيَاءِ لِأَنَّ الْعَبْدَ صَارَ حَقًّا لِلْأَوْلِيَاءِ حَتَّى لَا يُضَمِّنَهُ الْمَوْلَى بِالْإِتْلَافِ فَلَا يَمْلِكُ إبْطَالَ حَقِّهِمْ إلَّا بِرِضَاهُمْ أَوْ بِوُصُولِ الْبَدَلِ إلَيْهِمْ وَهُوَ الدِّيَةُ وَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ شَيْئًا حَتَّى مَاتَ الْعَبْدُ بَطَلَ حَقُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ لِفَوَاتِ مَحَلِّ حَقِّهِ بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ بَعْدَ اخْتِيَارِهِ الْفِدَاءَ حَيْثُ لَمْ يَبْرَأْ الْمَوْلَى لِتَحَوُّلِ الْحَقِّ مِنْ رَقَبَةِ الْعَبْدِ إلَى ذِمَّةِ الْمَوْلَى قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَلَوْ جَنَى عَبْدٌ عَلَى جَمَاعَةٍ فَدُفِعَ إلَيْهِمْ فَكَانَ مَقْسُومًا بَيْنَهُمْ وَإِنْ شَاءَ الْمَوْلَى أَمْسَكَهُ وَغَرِمَ الْجِنَايَاتِ لِأَنَّ تَعَلُّقَ حَقِّ الْأَوَّلِ لَا يَمْنَعُ تَعَلُّقَ حَقِّ الْبَاقِينَ وَلِلْمَوْلَى أَنْ يَفْدِيَ بَعْضَهُمْ وَيَدْفَعَ إلَى بَعْضٍ مِقْدَارَ مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَتَلَ الْعَبْدُ رَجُلًا خَطَأً وَلَهُ وَلِيَّانِ فَاخْتَارَ الْمَوْلَى الْفِدَاءَ لِأَحَدِهِمَا أَوْ الدَّفْعَ إلَى الْآخَرِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ ثَمَّةَ الْحَقُّ مُتَّحِدٌ يَجِبُ لِلْمَقْتُولِ أَوَّلًا ثُمَّ يَنْتَقِلُ إلَى الْوَرَثَةِ بِطَرِيقِ الْخِلَافَةِ عَنْهُ وَهَذَا مُوجِبُ الْجِنَايَةِ الْمُتَّحِدَةِ وَهُنَا الْجِنَايَاتُ مُخْتَلِفَةٌ وَلِلْمَوْلَى خِيَارُ الدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ فَمَلَكَ تَعْيِينَ أَحَدِ الْمُوجِبَيْنِ فِي كُلِّ جِنَايَةٍ. وَلَوْ قَتَلَ إنْسَانًا وَفَقَأَ عَيْنَ آخَرَ وَقَطَعَ يَدَهُ دُفِعَ الْعَبْدُ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ بِقَدْرِ الْحَقِّ وَحَقُّ الْمَقْتُولِ فِي كُلِّ الْعَبْدِ وَحَقُّ الْمَفْقُوءَةِ عَيْنُهُ فِي نِصْفِهِ وَكَذَلِكَ الْمَقْطُوعُ يَدُهُ وَكَذَلِكَ إذَا شَجَّ ثَلَاثَةً شِجَاجًا مُخْتَلِفَةً دُفِعَ إلَيْهِمْ وَقُسِمَ بَيْنَهُمْ بِقَدْرِ جِنَايَاتِهِمْ وَلَوْ جَنَى الْعَبْدُ جِنَايَاتٍ فَغَصَبَهُ إنْسَانٌ وَجَنَى فِي يَدِ الْغَاصِبِ جِنَايَاتٍ فَمَاتَ فِي يَدِهِ فَالْقِيمَةُ تُقْسَمُ بَيْنَ أَصْحَابِ الْجِنَايَاتِ كَمَا تُقْسَمُ الرَّقَبَةُ وَلَا خِيَارَ لِلْمَوْلَى فِيهِ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ تَعَيَّنَتْ وَاجِبًا وَهِيَ أَقَلُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ إمْسَاكُهَا مُفِيدًا وَإِنْ كَانَ الْفِدَاءُ أَكْثَرَ مِنْ الْقِيمَةِ وَلَوْ قَتَلَ الْعَبْدُ الْجَانِي عَبْدًا لِرَجُلٍ آخَرَ فَخُيِّرَ مَوْلَى الْعَبْدِ بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ فَإِنْ فَدَاهُ بِقِيمَةِ الْمَقْتُولِ قُسِمَتْ الْقِيمَةُ بَيْنَ أَوْلِيَاءِ الْجِنَايَةِ الْأُولَى عَلَى قَدْرِ حُقُوقِهِمْ لِأَنَّ الْقِيمَةَ قَائِمَةٌ مَقَامَهُ وَلَوْ دَفَعَهُ إلَى مَوْلَى الْمَقْتُولِ خُيِّرَ مَوْلَى الْمَقْتُولِ فِي الْمَدْفُوعِ بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ فَإِنْ فَدَاهُ بِقِيمَةِ الْمَقْتُولِ قُسِمَتْ الْقِيمَةُ بَيْنَ أَوْلِيَاءِ الْجِنَايَةِ الْأُولَى عَلَى قَدْرِ حُقُوقِهِمْ لِأَنَّ الثَّانِيَ قَائِمٌ مَقَامَ الْأَوَّلِ فَكَأَنَّهُ هُوَ وَلَوْ كَانَ حَيًّا قَائِمًا يُخَيَّرُ الْمَوْلَى فَكَذَا فِيمَنْ قَامَ مَقَامَهُ وَكَذَا لَوْ قَطَعَ عَبْدٌ يَدَ الْجَانِي فَدَفَعَ بِهِ خُيِّرَ مَوْلَى الْعَبْدِ الْمَقْطُوعِ بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ لِأَنَّ الْعَبْدَ الثَّانِيَ قَائِمٌ مَقَامَ الْأَوَّلِ وَكَانَ حَقُّ وَلِيِّ الْمَقْتُولِ مُتَعَلِّقًا بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ فَيَظْهَرُ حَقُّهُ فِي بَدَلِ الْجُزْءِ وَلَوْ لَمْ يَظْهَرْ حَقُّهُ فِي بَدَلِ الْكُلِّ وَلَوْ اكْتَسَبَ الْعَبْدُ الْجَانِي أَوْ وَلَدَتْ الْأَمَةُ الْجَانِيَةُ لَمْ يُدْفَعْ الْكَسْبُ وَالْوَلَدُ مَعَهَا لِأَنَّ الْمِلْكَ ثَبَتَ لِمَوْلَى الْجِنَايَةِ بِالدَّفْعِ لَا قَبْلَهُ فَكَانَ الدَّفْعُ تَمْلِيكًا لِلْعَبْدِ. فَإِذَا اقْتَصَرَ الْمِلْكُ عَلَى حَالَةِ الدَّفْعِ لَمْ يَظْهَرْ فِي حَقِّ الْكَسْبِ وَالْوَلَدِ بِخِلَافِ الْأَرْشِ فَإِنَّهُ بَدَلُ الْجُزْءِ فَكَانَ حَقُّ الدَّفْعِ مُتَعَلِّقًا بِذَلِكَ الْجُزْءِ فَيَظْهَرُ اسْتِحْقَاقُ الْأَصْلِ فِي حَقِّ الْبَدَلِ أَمَةٌ قَطَعَتْ يَدَ رَجُلٍ ثُمَّ وَلَدَتْ فَقَتَلَهَا الْوَلَدُ خُيِّرَ الْمَوْلَى فَإِنْ شَاءَ دَفَعَ الْوَلَدَ وَإِنْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 416 شَاءَ دَفَعَ فِدَاهُ بِالْأَقَلِّ مِنْ دِيَةِ الْيَدِ وَمِنْ قِيمَةِ الْأُمِّ لِأَنَّ جِنَايَةَ الْمَمْلُوكِ عَلَى مَمْلُوكِ مَوْلَاهُ مُعْتَبَرَةٌ إذَا تَعَلَّقَ حَقُّ الْغَيْرِ بِهِ لِأَنَّ الْحَقَّ بِمَنْزِلَةِ الْحَقِيقَةِ فِي حَقِّ إيجَابِ الضَّمَانِ وَقَدْ تَعَلَّقَ بِالْأُمِّ حَقُّ الْمَقْطُوعَةِ يَدُهُ فَكَانَتْ جِنَايَةُ الْوَلَدِ عَلَيْهَا مُعْتَبَرَةً قَضَاءً لِحَقِّ صَاحِبِ الْحَقِّ. وَأَمَّا الْجِنَايَةُ عَلَى أَطْرَافِ الْعَبْدِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَكُلُّ شَيْءٍ مِنْ الْحُرِّ فِيهِ الدِّيَةُ يَجِبُ فِي الْعَبْدِ الْقِيمَةُ وَكُلُّ شَيْءٍ مِنْ الْحُرِّ فِيهِ نِصْفُ الدِّيَةِ فَفِيهِ مِنْ الْعَبْدِ نِصْفُ الْقِيمَةِ إلَّا إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ عَشَرَةَ آلَافٍ وَأَكْثَرَ يُنْقَصُ عَشَرَةٌ أَوْ خَمْسَةٌ فَفِي رِوَايَةِ الْمَبْسُوطِ وَالْجَامِعِ أَنَّهُ يَجِبُ أَرْشٌ مُقَدَّرٌ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ وَعِنْدَهُمَا يُقَوَّمُ صَحِيحًا وَيُقَوَّمُ مَنْقُوصًا بِالْجِنَايَةِ فَيَجِبُ فَضْلُ مَا بَيْنِ الْقِيمَتَيْنِ وَهُوَ رِوَايَةُ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَهُمَا أَنَّ ضَمَانَ أَطْرَافِ الْعَبِيدِ ضَمَانُ أَمْوَالٍ لِأَنَّ أَطْرَافَ الْعَبِيدِ مُعْتَبَرَةٌ بِالْأَمْوَالِ لِأَنَّهَا خُلِقَتْ حَرْبًا لِلنَّفْسِ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ ضَمَانُهَا عَلَى الْعَاقِلَةِ وَضَمَانُ الْأَمْوَالِ مُقَدَّرٌ بِقَدْرِ النُّقْصَانِ وَلَهُ أَنَّ الْأَطْرَافَ مِنْ جُمْلَةِ النُّفُوسِ حَقِيقَةً لِأَنَّ النَّفْسَ مُرَكَّبَةٌ مِنْ الْأَطْرَافِ وَفِي إتْلَافِهَا إتْلَافُ النَّفْسِ وَفِي اسْتِكْمَالِهَا كَمَالُ النَّفْسِ لَكِنْ فِيهَا مَعْنَى الْمَالِيَّةِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا خُلِقَتْ لِمَانِعِ النَّفْسِ وَمَصَالِحِهَا فَيَجِبُ اعْتِبَارُهَا فَلَا يَجُوزُ إخْلَاءُ النَّفْسِيَّةِ عَنْ أَطْرَافِ الْعَبِيدِ بِالْكُلِّيَّةِ. وَبِاعْتِبَارِ النَّفْسِيَّةِ فِيهَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا مُقَدَّرًا كَالْأَطْرَافِ وَبِاعْتِبَارِ مَعْنَى الْمَالِيَّةِ فِيهَا أَوْجَبْنَا ضَمَانَهَا عَلَى الْجَانِي دُونَ الْعَاقِلَةِ لِأَنَّ النَّصَّ وَرَدَ بِإِيجَابِ الضَّمَانِ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي النُّفُوسِ الْمُطْلَقَةِ وَلَمْ يُوجَدْ فَأَمَّا تَقْرِيرُ الضَّمَانِ بِمَا هُوَ مُلْحَقٌ بِالنُّفُوسِ مُلَائِمٌ لِلْأَصْلِ أَلَا تَرَى أَنَّ ضَمَانَ عَيْنِ الْبَقَرِ وَالْفَرَسِ مُقَدَّرٌ بِرُبْعِ قِيمَتِهِ فَصَارَ الْعَبْدُ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ مُقَدَّرًا وَلَوْ قَطَعَ رَجُلٌ يَدَ عَبْدٍ قِيمَتُهُ أَلْفٌ ثُمَّ بَعْدَ الْقَطْعِ صَارَتْ قِيمَتُهُ أَلْفًا كَمَا كَانَتْ قَبْلَ الْقَطْعِ ثُمَّ قَطَعَ رَجُلٌ آخَرُ رِجْلَهُ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ مَاتَ مِنْهَا ضَمِنَ الْأَوَّلُ سِتَّمِائَةٍ وَخَمْسَةً وَعِشْرِينَ وَالْآخَرُ سَبْعَمِائَةٍ وَخَمْسِينَ لِأَنَّ الْأَوَّلَ قَطَعَ يَدَهُ وَقِيمَتُهُ أَلْفٌ فَغَرِمَ خَمْسَمِائَةٍ لِأَنَّ الْيَدَ مِنْ الْآدَمِيِّ نِصْفُهُ وَبَقِيَتْ قِيمَةُ النِّصْفِ الْآخَرِ خَمْسَمِائَةٍ وَإِذَا زَادَتْ خَمْسَمِائَةٍ أُخْرَى صَارَتْ أَلْفًا فَهَذِهِ الزِّيَادَاتُ لَا تُعْتَبَرُ فِي حَقِّ قَاطِعِ الْيَدِ لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ مَوْجُودَةً وَقْتَ الْقَطْعِ وَإِنَّمَا حَدَثَتْ بَعْدَهُ فَبَقِيَ فِي حَقِّ قَاطِعِ الْيَدِ قِيمَةُ الْبَاقِي خَمْسُمِائَةٍ ثُمَّ قَاطِعُ الرِّجْلِ أَتْلَفَ النِّصْفَ الْبَاقِيَ وَذَلِكَ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ بَقِيَتْ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ تَلِفَتْ بِسِرَايَةِ جِنَايَتِهِمَا فَيَجِبُ عَلَى قَاطِعِ الْيَدِ نِصْفُ ذَلِكَ وَذَلِكَ مِائَةٌ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ وَقَاطِعُ الرِّجْلِ حِينَ قَطَعَ رِجْلَهُ كَانَتْ قِيمَةُ الْعَبْدِ أَلْفًا ضَمِنَ نِصْفَهُ وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ وَبَقِيَ خَمْسُمِائَةٍ فِي حَقِّهِ وَقَدْ تَلِفَتْ بِسِرَايَةِ جِنَايَتَيْنِ فَضَمِنَ نِصْفَهُ وَذَلِكَ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ يُضَمُّ ذَلِكَ إلَى خَمْسِمِائَةٍ فَتَصِيرُ سَبْعَمِائَةٍ وَخَمْسِينَ وَلَوْ صَارَ يُسَاوِي أَلْفَيْنِ وَهُوَ أَقْطَعُ فَعَلَى قَاطِعِ الرِّجْلِ أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ فِي حَقِّ قَاطِعِ الْيَدِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ فَصَارَ وُجُودُهَا وَعَدَمُهَا بِمَنْزِلَةٍ فَعَلَيْهِ سِتُّمِائَةٍ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ كَمَا وَصَفْنَا فَأَمَّا قَاطِعُ الرِّجْلِ بِالْقَطْعِ أَتْلَفَ نِصْفَهُ فَضَمِنَ قِيمَتَهُ وَهِيَ أَلْفٌ وَأَلْفٌ تَلِفَ بِسِرَايَةِ الْجِنَايَتَيْنِ يَغْرَمُ نِصْفَهُ وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ فَيُضَمُّ خَمْسُمِائَةٍ إلَى الْأَلْفِ فَيَكُونُ أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ. وَفِي النَّوَازِلِ رَوَى الْحَسَنُ فِي الْمُجَرَّدِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رَجُلٌ قَطَعَ أُذُنَ عَبْدٍ أَوْ أَنْفَهُ أَوْ حَلَقَ لِحْيَتَهُ فَلَمْ تَنْبُتْ فَعَلَيْهِ مَا نَقَصَهُ وَرَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ عَلَيْهِ لِلْمَوْلَى قِيمَتَهُ تَامَّةً إنْ دُفِعَ إلَيْهِ الْعَبْدُ وَجْهُ رِوَايَةِ الْحَسَنِ أَنَّ الْفَائِتَ مِنْ الْعَبْدِ مُعْتَبَرٌ مِنْ حَيْثُ الْمَالِيَّةُ وَبِفَوَاتِ الْجَمَالِ تَقِلُّ رَغَبَاتُ النَّاسِ فَتُنْتَقَصُ الْمَالِيَّةُ فَيَضْمَنُ النُّقْصَانَ وَجْهُ رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ أَنَّ مَا يَجِبُ بِتَفْوِيتِهِ مِنْ الْحُرِّ كَمَالُ الدِّيَةِ فَيَجِبُ بِتَفْوِيتِهِ مِنْ الْعَبْدِ كَمَالُ الْقِيمَةِ فِي الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ لِأَنَّ دِيَةَ أَطْرَافِ الْعَبْدِ مُقَدَّرَةٌ لِمَا بَيَّنَّا رَجُلٌ فَقَأَ عَيْنَيْ عَبْدٍ ثُمَّ قَطَعَ آخَرُ يَدَهُ كَانَ عَلَى الْفَاقِئِ مَا نَقَصَهُ وَعَلَى الْقَاطِعِ نِصْفُ قِيمَتِهِ مَفْقُوءَ الْعَيْنَيْنِ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا شَيْءَ عَلَى الْفَاقِئِ عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ عِنْدَهُ لَيْسَ لِلْمَوْلَى إمْسَاكُ الْمَفْقُوءِ وَتَضْمِينُ النُّقْصَانِ وَإِنَّمَا لَهُ كَمَالُ الْقِيمَةِ وَتَمْلِيكُ الْجُثَّةِ مِنْهُ وَبِالْقَطْعِ الطَّارِئِ عَلَى الْمَفْقُوءِ امْتَنَعَ تَضْمِينُ الْقِيمَةِ فَيُقَدَّرُ إيجَابُ الضَّمَانِ عَلَيْهِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْجِنَايَةَ تَقَرَّرَتْ مُوجِبَةً لِلضَّمَانِ قَبْلَ الْقَطْعِ فَلَا يَجُوزُ تَعْطِيلُ السَّبَبِ عَنْ الْحُكْمِ وَإِهْدَارُ الْجِنَايَةِ فَيَغْرَمُ النُّقْصَانَ صَوْنًا لِلذِّمَّةِ عَنْ الْهَدَرِ وَالْبُطْلَانِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي عَبْدٍ قَتَلَ رَجُلًا عَمْدًا وَلَهُ وَلِيَّانِ فَعَفَا أَحَدُهُمَا ثُمَّ قَتَلَ آخَرُ خَطَأً فَاخْتَارَ الدَّفْعَ فَإِنَّهُ يَدْفَعُ أَرْبَاعًا ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِهِ لِوَلِيِّ الْخَطَأِ وَرُبْعَهُ لِوَلِيِّ الْعَمْدِ الَّذِي لَمْ يَعْفُ وَهُوَ قَوْلُهُمَا وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يَدْفَعُ إلَيْهِمَا أَثْلَاثًا ثُلُثَاهُ لِصَاحِبِ الْخَطَأِ وَثُلُثٌ لِصَاحِبِ الْعَمْدِ. وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَدْفَعُ نِصْفَهُ إلَى وَلِيِّ الْخَطَأِ وَرُبْعَهُ إلَى وَلِيِّ الْعَمْدِ وَيَبْقَى رُبْعُهُ لِلْمَوْلَى وَلِزُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الجزء: 8 ¦ الصفحة: 417 أَنَّ حَقَّ الْوَلِيَّيْنِ مُتَعَلِّقٌ بِالْعَيْنِ وَبِعَفْوِ أَحَدِهِمَا سَقَطَ حَقُّهُ وَانْتَقَلَ حَقُّ الْآخَرِ إلَى الرَّقَبَةِ أَوْ الْفِدَاءِ فِي النِّصْفِ وَحَقُّ وَلِيِّ الْخَطَأِ فِي الْكُلِّ لِأَنَّهُ لَا يُشَارِكُهُ غَيْرُهُ فِيهِ وَحَقُّ الْوَلِيِّ بِالْعَفْوِ عَادَ إلَى الرُّبْعِ فَيَكُونُ الرُّبْعُ لَهُ بَقِيَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ حَقِّهِمَا وَجْهُ رِوَايَةِ الْحَسَنِ أَنَّهُ إذَا عَفَا أَحَدُ وَلِيَّيْ الْعَمْدِ فَفِي حَقِّ الْآخَرِ الْمُزَاحَمَةُ فِي الرُّبْعِ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ حَقُّ وَلِيَّيْ الْخَطَأِ بِالنِّصْفِ لَا بِالْكُلِّ فَبَقِيَ حَقُّ غَيْرِ الْفَاقِئِ فِيهِ الرُّبْعَ فَانْتَقَلَ إلَى الرَّقَبَةِ أَوْ الْفِدَاءِ فَيَكُونُ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا أَرْبَاعًا وَجْهُ رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ الْأَصَحُّ أَنَّهُ إذَا عَفَا أَحَدُ وَلِيَّيْ الْعَمْدِ بَقِيَ حَقُّ الْآخَرِ فِي النِّصْفِ لِأَنَّ حَقَّهُمَا قَدْ تَعَلَّقَ بِالْكُلِّ لِأَنَّ تَعَلُّقَ الْأَوَّلِ لَا يَمْنَعُ تَعَلُّقَ الثَّانِيَةِ إلَّا أَنَّ بِالْعَفْوِ فَرَغَ نِصْفُ الرَّقَبَةِ عَنْ حُكْمِ الْجِنَايَةِ الْأُولَى فَبَقِيَ حَقُّ الْأَوَّلِ مُتَعَلِّقًا بِالنِّصْفِ وَحَقُّ الثَّانِي فِي الْكُلِّ فَيَكُونُ الْمَدْفُوعُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ مَمْلُوكٌ قَتَلَ مَمْلُوكًا لِرَجُلٍ خَطَأً ثُمَّ قَتَلَ أَخَا مَوْلَاهُ وَلَيْسَ لِأَخِي مَوْلَاهُ وَارِثٌ غَيْرَهُ فَإِنَّهُ يَدْفَعُ نِصْفَ الْعَبْدِ كُلَّهُ إلَى مَوْلَى الْعَبْدِ أَوْ يَفْدِيَهُ، وَالنِّصْفُ الْبَاقِي لِلْمَوْلَى لِأَنَّ حَقَّ أَخِي الْمَوْلَى تَعَلَّقَ بِرَقَبَةِ الْجَانِي بَعْدَمَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْمَوْلَى فَتَقَعُ الْمُزَاحَمَةُ بَيْنَهُمَا فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَإِذَا انْتَقَلَ النِّصْفُ إلَى الْمَوْلَى بِالْإِرْثِ سَقَطَ بَعْدَ الْوُجُوبِ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى عَبْدِهِ شَيْئًا فَبَقِيَ حَقُّ الْأَوَّلِ فِي النِّصْفِ فَإِنْ قَتَلَ أَخَا مَوْلَاهُ أَوَّلًا ثُمَّ قَتَلَ مَمْلُوكَ رَجُلٍ خَطَأً فَإِنَّهُ يَدْفَعُ الْعَبْدَ كُلَّهُ إلَى مَوْلَى الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ أَوْ يَفْدِيهِ لِأَنَّهُ لَمَّا انْتَقَلَ الْحَقُّ إلَى الْمَوْلَى بِالْإِرْثِ سَقَطَ عَنْهُ وَإِذَا جَنَى عَلَى الثَّانِي وَلَا يُزَاحِمُهُ الْأَوَّلُ فَقَدْ تَعَلَّقَ حَقُّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ غَيْرِ مُزَاحَمَةٍ. وَإِنْ كَانَ لِأَخِي مَوْلَاهُ بِنْتٌ وَقَدْ قَتَلَهُ الْعَبْدُ أَوَّلًا فَإِنَّهُ يَضْمَنُ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الْعَبْدِ لِمَوْلَى الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ وَرُبْعَهُ لِلْبِنْتِ لِأَنَّ حَقَّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ تَعَلَّقَ بِالنِّصْفِ وَتَعَلَّقَ حَقُّ الْوَارِثِينَ بِالنِّصْفِ إلَّا أَنَّهُ سَقَطَ حَقُّ الْمَوْلَى عَنْ الرُّبْعِ وَبَقِيَ حَقُّ الْبِنْتِ فِي الرُّبْعِ فَإِنْ كَانَتْ الضَّرْبَتَانِ مَعًا وَلَيْسَ لَهُ بِنْتٌ فَالْعَبْدُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ لِأَنَّ الْجِنَايَتَيْنِ افْتَرَقَتَا فَلَمْ تُصَادِفْ إحْدَاهُمَا مَحَلًّا فَارِغًا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَجُلٌ فَقَأَ عَيْنَيْ عَبْدٍ فَمَاتَ الْعَبْدُ مِنْ غَيْرِ الْفَقْءِ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْفَاقِئِ وَإِنْ لَمْ يَمُتْ وَلَكِنَّهُ قَتَلَهُ إنْسَانٌ لَزِمَ الْفَاقِئَ النُّقْصَانُ لِأَنَّ الضَّمَانَ ضَمَانُ تَفْوِيتِ الْمَالِيَّةِ وَالْقَتْلُ تَفْوِيتُ الْمَالِ وَالْمَوْتُ حُكْمُ الْمَالِيَّةِ وَلَا يُفَوِّتُهَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَضْمَنُ النُّقْصَانَ فِي الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ تَحَقَّقَتْ فِي الْحَالَيْنِ فَانْعَقَدَتْ مُوجِبَةً لِلضَّمَانِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمَوْلَى عَاقِلَتُهُ قَالَ بَعْضُ الْأَفَاضِلِ لَيْسَ هَذَا مُخَالِفًا حَيْثُ لَا تَعْقِلُ الْعَوَاقِلُ عَمْدًا وَلَا عَبْدًا. اهـ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ الْمَوْلَى كَالْعَاقِلَةِ اهـ. قَالَ فِي الْعِنَايَةِ لَا يُقْضَى عَلَى الْمَوْلَى بِشَيْءٍ حَتَّى يَبْرَأَ الْمَجْنِيُّ أَوْ يَتِمَّ أَمْرُهُ لِأَنَّ الْقَضَاءَ قَبْلَهُ قَضَاءٌ بِالْمَجْهُولِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ وَفِي الْمُنْتَقَى إذَا قَتَلَ الْعَبْدُ رَجُلًا خَطَأً فَقَالَ الْمَوْلَى أَفْدِي نِصْفَهُ وَأَدْفَعَ نِصْفَهُ فَهَذَا اخْتِيَارٌ مِنْهُ لِلْعَبْدِ وَعَلَيْهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ فَدَاهُ فَجَنَى فَهِيَ كَالْأُولَى فَإِنْ جَنَى جِنَايَتَيْنِ دَفَعَهُ بِهِمَا أَفْدَاهُ بِأَرْشِهِمَا) لِأَنَّهُ لَمَّا ظَهَرَ حُكْمُ الْجِنَايَةِ الْأُولَى بِالْفِدَاءِ جُعِلَ كَأَنَّهُ لَمْ يَجْنِ مِنْ قَبْلُ وَهَذِهِ ابْتِدَاءُ جِنَايَةٍ. وَلَوْ جَنَى قَبْلَ أَنْ تَخْتَارَ فِي الْأُولَى شَيْئًا أَوْ جَنَى جِنَايَتَيْنِ دَفَعَ دَفْعَةً وَاحِدَةً وَلَوْ جِنَايَاتٍ قِيلَ لِمَوْلَاهُ إمَّا أَنْ تَدْفَعَهُ أَوْ تَفْدِيَة بِأَرْشِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْجِنَايَاتِ لِأَنَّ تَعَلُّقَ الْأُولَى بِرَقَبَتِهِ لَا يَمْنَعُ تَعَلُّقَ الثَّانِيَةِ بِهَا كَالْمَدْيُونِ لِأَقْوَامٍ أَوْ لِوَاحِدٍ أَلَا تَرَى أَنَّ مِلْكَ الْمَوْلَى لَا يَمْنَعُ تَعَلُّقَ الْجِنَايَةِ فَحَقُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَوْلَى أَنْ لَا يُمْنَعَ بِخِلَافِ الرَّهْنِ حَيْثُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ غَيْرِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الرَّهْنَ إيفَاءٌ وَاسْتِيفَاءٌ حُكْمًا فَصَارَ كَالِاسْتِيفَاءِ حَقِيقَةً فَأَمَّا الْجِنَايَةُ فَلَيْسَ فِيهَا إلَّا تَعَلُّقُ الْحَقِّ لِوَلِيِّ الْأُولَى وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ تَعَلُّقَ حَقٍّ آخَرَ بِهِ ثُمَّ إذَا دَفَعَهُ إلَيْهِمْ اقْتَسَمُوهُ عَلَى قَدْرِ حُقُوقِهِمْ وَحَقُّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَرْشُ جِنَايَتِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ أَعْتَقَهُ غَيْرَ عَالِمٍ بِالْجِنَايَةِ ضَمِنَ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الْأَرْشِ) يَعْنِي لَوْ أَعْتَقَ الْجَانِي وَلَمْ يَعْلَمْ بِهَا ضَمِنَ الْأَقَلَّ مِنْ الْقِيمَةِ وَمِنْ الْأَرْشِ وَإِذَا جَرَحَ الْعَبْدُ رَجُلًا فَاخْتَارَ الْمَوْلَى الْفِدَاءَ ثُمَّ مَاتَ الْمَجْرُوحُ خُيِّرَ مَرَّةً أُخْرَى عِنْدَ مُحَمَّدٍ اسْتِحْسَانًا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ عَلَيْهِ الدِّيَةُ وَلَا يُخَيَّرُ قِيَاسًا وَهِيَ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي رَجَعَ فِيهَا أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ الِاسْتِحْسَانِ إلَى الْقِيَاسِ وَلَوْ أَعْتَقَهُ وَهُوَ يَعْلَمُ ثُمَّ مَاتَ الْمَجْرُوحُ كَانَ مُخْتَارًا لِلدِّيَةِ إنْ كَانَ خَطَأً وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّهُ اخْتَارَ أَرْشَ الْجِرَاحَةِ فَيَكُونُ اخْتِيَارًا لِأَرْشِهَا وَمَا يَحْدُثُ وَيَتَوَلَّدُ عَنْهَا كَالْعَفْوِ عَنْ الْجِرَاحَةِ وَيَكُونُ عَفْوًا عَنْهَا وَعَمَّا يَحْدُثُ مِنْهَا لِأَنَّ السِّرَايَةَ لَا تَنْفَكُّ عَنْ الْجِنَايَةِ فَيَكُونُ اخْتِيَارُ الْأَصْلِ اخْتِيَارًا لِلتَّبَعِ الْمُتَوَلِّدِ مِنْهُ ضَرُورَةً لِأَنَّهُ صَارَ قَاتِلًا بِتِلْكَ الْجِرَاحَةِ فَظَهَرَ أَنَّهُ اخْتَارَ إمْسَاكَ الْعَبْدِ بَعْدَ الْقَتْلِ وَهُوَ عَالِمٌ بِالْقَتْلِ كَمَا لَوْ أَعْتَقَ الْعَبْدَ بَعْدَ الْجِرَاحَةِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 418 أَنَّ الْمَوْلَى إنَّمَا اخْتَارَ إمْسَاكَ الْعَبْدِ بِمَالٍ قَلِيلٍ عَلَى حِسَابِ أَنَّ الْجِرَاحَةَ لَا تَسْرِي فَبَعْدَ الْمَوْتِ لَوْ لَزِمَهُ لَزِمَهُ حُكْمُ الِاخْتِيَارِ بِمَالٍ كَثِيرٍ وَهُوَ دِيَةٌ. وَاخْتِيَارُ الْإِنْسَانِ إمْسَاكَ الْعَبْدِ بِمَالٍ قَلِيلٍ لَا يَكُونُ اخْتِيَارًا مِنْهُ بِأَدَاءِ مَالٍ كَثِيرِ لِأَنَّهُ غَيْرُ رَاضٍ بِهِ فَلَوْ لَزِمَهُ تَضَرَّرَ بِهِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ حُكْمُ الِاخْتِيَارِ بِالدِّيَةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَعْتَقَهُ بَعْدَ الْجِرَاحَةِ ثُمَّ مَاتَ لِأَنَّهُ لَمْ يَنُصَّ عَلَى اخْتِيَارِ الْعَبْدِ بِمَالٍ قَلِيلٍ بَلْ اخْتَارَ إمْسَاكَ الْعَبْدِ مُطْلَقًا قَتَلَ عَبْدٌ رَجُلًا عَمْدًا وَلَهُ وَلِيٌّ وَاحِدٌ فَطَلَبَ الْفِدَاءَ فَاخْتَارَ الْمَوْلَى الْفِدَاءَ عَنْ نِصْفِ الْعَبْدِ يَصِيرُ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ عَنْ الْكُلِّ لِأَنَّ فِي التَّفْرِيقِ ضَرَرًا عَلَيْهِ فَلَا يَتَمَكَّنُ الْمَوْلَى مِنْ ذَلِكَ فَصَارَ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ عَنْ الْكُلِّ ضَرُورَةً وَإِنْ كَانَ لَهُ وَلِيَّانِ فَاخْتَارَ الْفِدَاءَ فِي نَصِيبِ أَحَدِهِمَا يَصِيرُ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ فِي حَقِّ الْآخَرِ فِي عَامَّةِ الرِّوَايَاتِ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ لِمُوجِبِ الْجِنَايَةِ هُوَ الْمَيِّتُ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ وَرَدَتْ عَلَى حَقِّهِ وَأَمْكَنَ إثْبَاتُ الْمِلْكِ لِمُوجِبِ الْجِنَايَةِ لِأَنَّ بَعْدَ الْمَوْتِ تَبْقَى التَّرِكَةُ عَلَى حُكْمِ الْمِلْكِ وَلِهَذَا لَا تَنْفُذُ وَصَايَاهُ وَتُقْضَى مِنْهَا دُيُونُهُ فَوَقَعَ الْمِلْكُ لِلْمَيِّتِ أَوَّلًا ثُمَّ انْتَقَلَ إلَى الْوَارِثِ وَكَانَ الْمُسْتَحِقُّ لِمُوجِبِ الْجِنَايَةِ هَذَا فَيَصِيرُ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ مِنْ الْكُلِّ ضَرُورَةً وَفِي رِوَايَةِ كِتَابِ الدُّرِّ لَا يَصِيرُ مُخْتَارًا لِأَنَّ الْمِلْكَ فِي مُوجِبِ الْجِنَايَةِ يَثْبُتُ لِلْمَوْلَى ابْتِدَاءً لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْمِلْكِ فَكَانَ الْمُسْتَحِقُّ لِلْجِنَايَةِ اثْنَيْنِ فَالتَّفْرِيقُ لَا يُلْحِقُ بِأَحَدِهِمَا ضَرَرًا لَمْ يَكُنْ مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِ وَفِي قَتْلِ الْخَطَأِ لَوْ كَانَ الْوَلِيُّ وَاحِدًا فَاخْتَارَ الْفِدَاءَ فِي النِّصْفِ يَكُونُ اخْتِيَارًا لِلْفِدَاءِ فِي حَقِّ الْآخَرِ مَا دَامَ الْعَبْدُ قَائِمًا لِأَنَّ حَقَّهُمَا ثَبَتَ فِي الْعَبْدِ مُتَفَرِّقًا مُشْتَرَكًا. وَإِذَا مَاتَ الْعَبْدُ قَبْلَ أَنْ يَدْفَعَ النِّصْفَ إلَى الْآخَرِ يَصِيرُ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ لِأَنَّ الْحَقَّ ثَبَتَ لِلْمَقْتُولِ وَلَوْ صَالَحَ أَحَدُهُمَا عَلَى نِصْفِ الْعَبْدِ خُيِّرَ الْمَوْلَى وَالْوَلِيُّ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ بَيْنَ أَنْ يَدْفَعَا نِصْفَ الْعَبْدِ إلَى الثَّانِي أَوْ يَفْدِيَا لِأَنَّ الْجِنَايَةَ انْقَلَبَتْ مَالًا وَالْعَبْدُ فِي مِلْكِهِمَا فَيُعْتَبَرُ بِمَا لَوْ جَنَى جِنَايَةً خَطَأً وَالْعَبْدُ مِلْكُهُمَا يُخَيَّرُ بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ فَكَذَا هَذَا لِأَنَّ الْعَبْدَ فَرَغَ مِنْ نِصْفِ الْجِنَايَةِ بِالصُّلْحِ وَبَقِيَ مَشْغُولًا بِالنِّصْفِ فَثَبَتَ لَهُمَا الْخِيَارُ فِي النِّصْفِ وَإِنْ صَالَحَ أَحَدُهُمَا عَنْ جَمِيعِ الْعَبْدِ قِيلَ لِلشَّرِيكِ ادْفَعْ نِصْفَهُ إلَى أَخِيك أَوْ أَفْدِهِ لِأَنَّهُ انْتَقَلَ الْمِلْكُ إلَيْهِ وَنِصْفُهُ مَشْغُولٌ بِالْجِنَايَةِ وَلَوْ قَتَلَتْ أَمَةٌ رَجُلًا عَمْدًا وَلَهُ وَلِيَّانِ فَصَالَحَ الْمَوْلَى أَحَدَهُمَا عَلَى وَلَدِهَا صَارَ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ فَيَفْدِيهِ بِنِصْفِ الدِّيَةِ وَذُكِرَ فِي كِتَابِ الدُّرَرِ لَا يَصِيرُ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ وَلَوْ صَالَحَ أَحَدَهُمَا فِي ثُلُثِ الْأَمَةِ كَانَ الثَّانِي لَهُ خِيَارُ أَنْ يَدْفَعَهُ أَوْ يَفْدِيَهُ وَفِي الْجَامِعِ وَالدُّرَرِ لَا يَكُونُ مِنْهُ اخْتِيَارٌ أَوْجُهُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ سَوَّى بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ فِي الْبَعْضِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمِلْكَ يَقَعُ لِلْمَيِّتِ أَوَّلًا ثُمَّ يَنْتَقِلُ إلَى الْوَارِثِ لِمَا بَيَّنَّا فَكَانَ مِلْكُ الْمَيِّتِ أَصْلًا وَمِلْكُ الْوَارِثِ بِنَاءً عَلَيْهِ فَيَكُونُ الْمُسْتَحِقُّ لِلْجِنَايَةِ وَاحِدًا فَاخْتِيَارُ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ فِي الْبَعْضِ يَكُونُ اخْتِيَارًا فِي الْكُلِّ لِئَلَّا يَتَفَرَّقَ الْمِلْكُ عَلَى الْمُسْتَحِقِّ. وَجْهُ رِوَايَةِ الصُّلْحِ وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ أَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يُضْطَرُّ إلَى أَنْ يُخْرِجَ بَعْضَ الْعَبْدِ عَنْ مِلْكِهِ لِكَيْ يُعِيدَ الزَّائِلَ إلَى مِلْكِهِ فِي الثَّانِي وَإِذَا وُجِدَ ثَمَنٌ فَلَا يَكُونُ اخْتِيَارُ دَفْعِ النِّصْفِ اخْتِيَارَ دَفْعِ النِّصْفِ الْآخَرِ دَلَالَةً فَأَمَّا اخْتِيَارُ بَعْضِ الْفِدَاءِ يَدُلُّ عَلَى اخْتِيَارِ إمْسَاكِ الْأَمَةِ فِي مِلْكِهِ لِرَغْبَةٍ لِإِمْسَاكِهَا الْمَنَافِعَ تَحْصُلُ لَهُ مِنْهَا لَا تَحْصُلُ لَهُ مِنْ غَيْرِهَا وَتِلْكَ الْمَنَافِعُ تَحْصُلُ مِنْ كُلِّهَا لَا مِنْ بَعْضِهَا فَاخْتِيَارُ إمْسَاكِ الْأَمَةِ يَدُلُّ عَلَى اخْتِيَارِ الْفِدَاءِ ضَرُورَةُ اخْتِيَارِ الصُّلْحِ أَنْ يَقُولَ الْمَوْلَى اخْتَرْت الْفِدَاءَ أَوْ الدَّلَالَةَ كَمَا لَوْ تَصَرَّفَ فِيهِ بِالْبَيْعِ أَوْ بِالْهِبَةِ أَوْ بِالصَّدَقَةِ أَوْ بِالْعِتْقِ أَوْ بِالتَّدْبِيرِ أَوْ بِالْكِتَابَةِ أَوْ بِعَيْبٍ كَفَقْءِ الْعَيْنِ وَالْجِرَاحَةِ وَقَطْعِ الْيَدِ وَأَمَّا فِي الرَّهْنِ وَالْإِجَارَةِ وَالنِّكَاحِ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ مِنْهُ امْرَأَةً وَكَانَتْ أَمَةً فَتَزَوَّجَهَا فَهَذَا لَا يَكُونُ اخْتِيَارًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ يَصِيرُ مُخْتَارًا وَلَوْ أَنَّ الْعَبْدَ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَخْتَارَ الْمَوْلَى شَيْئًا بَطَلَتْ الْجِنَايَةُ عَمْدًا كَانَتْ أَوْ خَطَأً وَلَا يُؤْخَذُ الْمَوْلَى بِشَيْءٍ فَإِنْ لَمْ يَمُتْ وَلَكِنْ قَتَلَهُ مَوْلَاهُ فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُخْتَارًا لِلْأَرْشِ فَإِنْ لَمْ يَقْتُلْهُ مَوْلَاهُ وَلَكِنْ قَتَلَهُ أَجْنَبِيٌّ فَإِنْ كَانَ عَمْدًا بَطَلَتْ الْجِنَايَةُ وَلِلْمَوْلَى أَنْ يَقْتَصَّ وَإِنْ كَانَ خَطَأً يَأْخُذُ الْقِيمَةَ ثُمَّ يَدْفَعُ تِلْكَ الْقِيمَةَ إلَى أَوْلِيَاءِ الْجِنَايَةِ حَتَّى لَوْ تَصَرَّفَ فِي تِلْكَ الْقِيمَةِ لَا يَصِيرُ مُخْتَارًا لِلْأَرْشِ وَكَذَلِكَ لَوْ قَتَلَهُ عَبْدٌ فَخُيِّرَ الْوَلِيُّ بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ وَيُدْفَعُ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ وَلَوْ دُفِعَ الْعَبْدُ إلَى مَوْلَى الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ قَامَ مَقَامَهُ لَحْمًا وَدَمًا كَأَنَّهُ هُوَ فَيُخَيَّرُ الْمَوْلَى بِالْفِدَاءِ حَتَّى لَوْ تَصَرَّفَ فِي الْعَبْدِ الْمَدْفُوعِ بِالْبَيْعِ أَوْ بِالْعِتْقِ أَوْ نَحْوِهِ فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ وَلَوْ لَمْ يَقْتُلْهُ عَبْدُ الْأَجْنَبِيِّ وَلَكِنَّهُ قَتَلَهُ عَبْدٌ آخَرُ لِمَوْلَاهُ فَإِنَّهُ يُخَيَّرُ الْمَوْلَى بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ فَإِنْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 419 دَفَعَهُ الْعَبْدُ إلَيْهِ سُلِّمَ لَهُمْ وَإِنْ اخْتَارَ الْفِدَاءَ يُفْدَى بِقِيمَةِ الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ وَلَوْ قَطَعَ الْأَجْنَبِيُّ يَدَ هَذَا وَفَقَأَ عَيْنَهُ أَوْ جِرَاحَهُ فَيُخَيَّرُ الْعَبْدُ الْأَجْنَبِيُّ فَإِنْ دَفَعَ أَوْ فَدَاهُ بِالْأَرْشِ فَإِنَّهُ يُقَالُ لِمَوْلَى الْعَبْدِ الْمَفْقُوءَةِ عَيْنُهُ ادْفَعْ عَبْدَك هَذَا إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ أَوْ افْدِهِ وَقُيِّدَ الضَّمَانُ فِي الْعِتْقِ يَكُونُ لِلْقَتْلِ خَطَأً لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَمْدًا فَأُعْتِقَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ. وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ قَتَلَ رَجُلًا عَمْدًا وَوَجَبَ الْقِصَاصُ فَأَعْتَقَهُ مَوْلَاهُ فَلَا يَلْزَمُ الْمَوْلَى شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ لِلْمَقْتُولِ وَلَدَانِ فَعَفَا أَحَدُهُمَا بَطَلَ حَقُّهُ وَانْقَلَبَ نَصِيبُ الْآخَرِ مَالًا فَلَهُ أَنْ يُسْتَسْعَى الْعَبْدُ فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى نِصْفُ الْقِيمَةِ هَذَا إذَا جَنَى فَقَطْ. فَلَوْ جَنَى وَأَتْلَفَ مَالًا قَالَ وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ اسْتَهْلَكَ مَالًا فَوَجَبَ عَلَيْهِ وَقَتَلَ آخَرَ خَطَأً فَحَضَرَ أَصْحَابُ الدُّيُونِ وَأَوْلِيَاءُ الْجِنَايَةِ مَعًا فَإِنَّهُ يُخَيَّرُ الْمَوْلَى بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ فَإِنْ ظَهَرَتْ رَقَبَةُ الْعَبْدِ عَنْ الْجِنَايَةِ فَبَعْدَ ذَلِكَ يُبَاعُ فِي الدَّيْنِ إلَّا إذَا قَضَى السَّيِّدُ الدَّيْنَ وَإِنْ اخْتَارَ الدَّفْعَ دَفَعَهُ إلَى أَوْلِيَاءِ الْجِنَايَةِ ثُمَّ يَتَّبِعُونَهُ فِي دَيْنِهِمْ وَإِنْ حَضَرَ أَصْحَابُ الدُّيُونِ أَوَّلًا فَبَاعَ الْمَوْلَى الْعَبْدَ فِي دَيْنِهِمْ بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي فَإِنَّهُ يُنْظَرُ إنْ كَانَ عَالِمًا بِالْجِنَايَةِ صَارَ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ عَالِمٍ بِالْجِنَايَةِ يَلْزَمُهُ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ وَإِنْ كَانَ الدَّفْعُ لِلْقَاضِي فَإِنْ كَانَ الْقَاضِي غَيْرَ عَالِمٍ بِالْجِنَايَةِ فَبَاعَ الْعَبْدَ فِي الدَّيْنِ لَمْ تَبْطُلْ الْجِنَايَةُ وَإِنْ كَانَ الْقَاضِي يَعْلَمُ بِالْجِنَايَةِ فَبَاعَهُ فِي الدَّيْنِ بَطَلَتْ الْجِنَايَةُ وَفِي الذَّخِيرَةِ وَفِي الْأَصْلِ إذَا جَنَى جِنَايَةً وَخُيِّرَ الْمَوْلَى بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ فَاخْتَارَ نِصْفَ الْعَبْدِ وَاخْتَارَ الْفِدَاءَ فِي نِصْفِهِ الْآخَرِ فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وُجُوهٍ أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ وَاحِدًا بِأَنْ قَتَلَ الْعَبْدُ رَجُلًا خَطَأً وَلَهُ وَلَدٌ وَاحِدٌ وَالْقَتْلُ خَطَأٌ وَفِي هَذَا الْوَجْهِ إذَا اخْتَارَ الْمَوْلَى الْفِدَاءَ فِي نِصْفِ الْعَبْدِ يَصِيرُ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ فِي الْكُلِّ لِذَلِكَ. وَإِذَا اخْتَارَ نِصْفَ الْعَبْدِ يَصِيرُ مُخْتَارًا لِدَفْعِ الْكُلِّ وَهَذَا بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ الْمَقْتُولُ اثْنَيْنِ بِأَنْ قَتَلَ الْعَبْدُ رَجُلَيْنِ خَطَأً وَلِكُلِّ أَحَدٍ مِنْهُمَا ابْنٌ وَاخْتَارَ الْمَوْلَى الْفِدَاءَ فِي أَحَدِهِمَا أَوْ الدَّفْعَ فَإِنَّهُ يَبْقَى عَلَى اخْتِيَارِهِ فِي حَقِّ الْآخَرِ وَهَذَا بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ أَيْضًا الثَّالِثُ إذَا كَانَ الْمَقْتُولُ وَاحِدًا وَلَهُ وَلِيَّانِ فَاخْتَارَ الْمَوْلَى الْفِدَاءَ فِي حَقِّ الْآخَرِ فَفِي عَامَّةِ الرِّوَايَاتِ يَكُونُ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ وَفِي كِتَابِ الدُّرَرِ لَا يَكُونُ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ وَالْأَصْلُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْمَوْلَى مَتَى أَحْدَثَ فِي الْعَبْدِ تَصَرُّفًا يُعْجِزُهُ عَنْ الدَّفْعِ وَهُوَ غَيْرُ عَالِمٍ بِالْجِنَايَةِ يَصِيرُ مُخْتَارًا وَإِذَا أَحْدَثَ تَصَرُّفًا لَا يُعْجِزُهُ عَنْ الدَّفْعِ لَا يَصِيرُ مُخْتَارًا وَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِالْجِنَايَةِ فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا الْأَصْلُ فَنَقُولُ الْإِعْتَاقُ تَصَرُّفٌ يُعْجِزُهُ عَنْ الدَّفْعِ لِأَنَّ إعْتَاقَهُ نَافِذٌ وَبَعْدَ الْعِتْقِ لَا يُمْكِنُهُ الدَّفْعُ فَإِذَا أُعْتِقَ مَعَ الْعِلْمِ بِالْجِنَايَةِ يَكُونُ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ وَلَوْ كَانَتْ أَمَةً فَوَطِئَهَا فَهَذَا لَيْسَ بِاخْتِيَارٍ لِلْفِدَاءِ عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَكُونُ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ وَكَذَلِكَ إذَا تَزَوَّجَهَا لَا يَكُونُ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ إلَّا إذَا أَحْبَلَهَا وَفِي التَّهْذِيبِ وَلَوْ كَانَتْ أَمَةً فَتَزَوَّجَهَا لَا يَصِيرُ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ وَكَذَلِكَ إذَا وَطِئَهَا لَا يَكُونُ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ إلَّا إذَا كَانَتْ بِكْرًا أَوْ عَلِقَتْ وَذُكِرَ فِي الْمُنْتَقَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي مَسْأَلَةِ الْوَطْءِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ قَالَ فِي رِوَايَةِ الْوَطْءُ لَا يَكُونُ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ وَإِنْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ بِكْرًا وَهَذِهِ رِوَايَةُ هِشَامٍ وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي مَالِكٍ. إنْ كَانَ الْوَطْءُ نَقَصَهَا فَهُوَ اخْتِيَارٌ لِلْفِدَاءِ وَإِنْ لَمْ يَنْقُصْهَا فَلَيْسَ بِاخْتِيَارٍ وَبِهِ كَانَ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَةٌ أُخْرَى إنَّ الْوَطْءَ اخْتِيَارٌ لِلْفِدَاءِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَفِي الذَّخِيرَةِ وَذُكِرَ فِي عَتَاقِ الْأَصْلِ أَنَّهُ يَكُونُ اخْتِيَارًا لِلْفِدَاءِ فَإِنْ اسْتَخْدَمَهَا لَا يَكُونُ اخْتِيَارًا لِلْفِدَاءِ وَفِي السِّغْنَاقِيِّ حَتَّى لَوْ عَطِبَتْ فِي الْخِدْمَةِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَكَذَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَاسْتَخْدَمَهُ الْمَوْلَى لَمْ يَضْمَنْ الْفِدَاءَ. وَفِي السِّرَاجِيَّةِ الْمَوْلَى إذَا أَذِنَ الْعَبْدَ الْجَانِيَ فِي التِّجَارَةِ وَلَحِقَهُ دَيْنٌ لَمْ يُصَيِّرْهُ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ وَفِيهِ أَيْضًا عَبْدٌ قَتَلَ حُرًّا خَطَأً ثُمَّ قَتَلَهُ رَجُلٌ آخَرُ خَطَأً فَأَخَذَ الْمَوْلَى قِيمَتَهُ مِنْ قَاتِلِهِ لَمْ يَكُنْ مُخْتَارًا وَيَضْمَنُ مِثْلَهَا لِمَوْلَى الْحُرِّ السِّغْنَاقِيِّ وَلَوْ ضَرَبَهُ ضَرْبًا أَثَّرَ فِيهِ الضَّرْبُ حَتَّى صَارَ مَهْزُولًا وَقُلْتُ: قِيمَتُهُ بِبَقَاءِ أَثَرِ الضَّرْبِ فَهُوَ مُخْتَارٌ إذَا كَانَ عَالِمًا بِالْجِنَايَةِ وَإِذَا ضَرَبَهُ وَهُوَ غَيْرُ عَالِمٍ بِالْجِنَايَةِ كَانَ عَلَيْهِ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ إلَّا أَنْ يَرْضَى وَلِيُّ الدَّمِ أَنْ يَأْخُذَهُ نَاقِصًا وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمَوْلَى وَلَوْ ضَرَبَ الْمَوْلَى عَيْنَهُ فَابْيَضَّتْ وَهُوَ غَيْرُ عَالِمٍ بِهِ ثُمَّ ذَهَبَ الْبَيَاضُ لَا يَكُونُ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ بَلْ يَدْفَعُ وَيَفْدِي وَلَوْ خُوصِمَ فِي حَالَةِ الْبَيَاضِ فَضَمَّنَهُ الْقَاضِي الدِّيَةَ ثُمَّ زَالَ الْبَيَاضُ فَالْقَضَاءُ نَافِذٌ فَلَا يُرَدُّ وَأَطْلَقَ فِي الْعِتْقِ وَالضَّمَانِ فَشَمِلَ مَا إذَا أَعْتَقَهُ بِإِذْنِ وَلِيِّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَوَّلًا. وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ إذَا أَعْتَقَهُ الْمَوْلَى بِإِذْنِ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ فَهُوَ اخْتِيَارٌ لِلْفِدَاءِ وَعَلَيْهِ الدِّيَةُ وَفِي الْإِمْلَاءِ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 420 إجَازَةَ بَيْعِ الْعَبْدِ بَعْدَ جِنَايَتِهِ فِي يَدِهِ لَيْسَ بِاخْتِيَارٍ لِلْفِدَاءِ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَيُقَالُ لِلْمُشْتَرِي ادْفَعْ أَوْ رُدَّ وَفِي التَّجْرِيدِ وَأَطْلَقَ فِي الْعِتْقِ فَشَمِلَ مَا إذَا أَعْتَقَ أَوْ أَمَرَ بِهِ قَالَ وَلَوْ أَمَرَ الْمَوْلَى الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ بِإِعْتَاقِهِ فَأَعْتَقَهُ صَارَ الْمَوْلَى مُخْتَارًا عَبْدٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ جَنَى جِنَايَتَيْنِ فَشَهِدَ أَحَدُ الْمَوْلَيَيْنِ عَلَى صَاحِبِهِ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِ وَلَوْ بَالِغًا حِينَ شَهِدَ بِهَذَا فَعَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ وَعَلَى الْآخَرِ نِصْفُ الْقِيمَةِ وَفِيهِ رَجُلٌ وَرِثَ عَبْدًا أَوْ اشْتَرَاهُ فَجَنَى جِنَايَةً وَزَعَمَ الْمَوْلَى بَعْدَ جِنَايَتِهِ أَنَّ الَّذِي بَاعَهُ إيَّاهُ كَانَ أَعْتَقَهُ قَبْلَ الْبَيْعِ أَوْ إنَّ أَبَاهُ كَانَ أَعْتَقَهُ فَإِنَّهُ مُخْتَارٌ لِلْفِدَاءِ بِهَذَا الْقَوْلِ. وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ إذَا قَتَلْت فُلَانًا أَوْ أَدْمَيْتَهُ أَوْ شَجَجْتَهُ أَوْ ضَرَبْتَهُ فَأَنْت حُرٌّ يَصِيرُ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ وَفِي الْكَافِي يَكُونُ عَلَى الْمَوْلَى دِيَةُ الْقَتِيلِ عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ وَفِي الْكَافِي وَقَالَ زُفَرُ لَا يَصِيرُ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ وَعَلَيْهِ قِيمَةُ الْعَبْدِ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ خواهر زاده هَذَا إذَا عَلَّقَ الْعِتْقَ بِضَرْبٍ يُوجِبُ الضَّمَانَ حَتَّى يَكُونَ الْمَوْلَى يُخَيَّرُ بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ. وَأَمَّا إذَا عَلَّقَ الْعِتْقَ بِضَرْبٍ يُوجِبُ الْقِصَاصَ بِأَنْ قَالَ إنْ ضَرَبْت فُلَانًا بِالسَّيْفِ فَأَنْت حُرٌّ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْمَوْلَى شَيْءٌ لَا الْقِيمَةُ وَلَا الْفِدَاءُ وَفِيهِ رَجُلٌ أَذِنَ لِعَبْدِهِ فِي التِّجَارَةِ فَلَحِقَهُ دَيْنٌ أَلْفِ دِرْهَمٍ وَقِيمَتُهُ أَلْفٌ وَجَنَى جِنَايَةً فَأَعْتَقَهُ الْمَوْلَى وَهُوَ لَا يَعْلَمُ فَإِنَّ عَلَيْهِ قِيمَتَيْنِ قَتَلَ الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ رَجُلًا خَطَأً وَقِيمَتُهُ مِثْلُ الدَّيْنِ فَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَفْدِيَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ فَإِنْ قَالَ لَا أَفْدِي كَانَ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَدْفَعَ بِالْجِنَايَةِ فَإِنْ أَعْتَقَهُ كَانَ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ وَفِي الْكَافِي وَلَوْ أَقَرَّ مَوْلَى الْجِنَايَةِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْجِنَايَةِ أَنَّ الْعَبْدَ لِهَذَا فَهُوَ اخْتِيَارٌ لِلْفِدَاءِ عِنْدَ زُفَرَ وَعِنْدَنَا لَا يَكُونُ مُخْتَارًا وَفِي السِّغْنَاقِيِّ وَلَوْ أَنَّ عَبْدًا فِي يَدِ رَجُلٍ جَنَى جِنَايَةً فَقَالَ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ هُوَ عَبْدُك وَقَالَ الرَّجُلُ هُوَ وَدِيعَةٌ عِنْدِي لِفُلَانٍ أَوْ عَارِيَّةٌ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ رَهْنٌ فَإِنْ أَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً أَجَزْت الْأَمْرَ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يُقِمْ خُوطِبَ بِالدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ وَقَالَ زُفَرُ مُخْتَارُ الدِّيَةِ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ إنَّهُ لِفُلَانٍ فَإِنْ فَدَاهُ ثُمَّ قَدِمَ الْغَائِبُ أَخَذَهُ عَبْدُهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ وَإِنْ كَانَ دَفَعَهُ فَالْغَائِبُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَمْضَى ذَلِكَ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْعَبْدَ وَدَفَعَ الْأَرْشَ وَفِي الْمُنْتَقَى عَبْدٌ قَتَلَ قَتِيلًا وَقَامَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ بِذَلِكَ ثُمَّ أَقَرَّ الْمَوْلَى أَنَّهُ قَتَلَ قَتِيلًا آخَرَ فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ بِدَفْعِهِ إلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ ثُمَّ يَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهِ لِصَاحِبِ الْبَيِّنَةِ. الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَجُلٌ أَقَرَّ أَنَّ عَبْدَهُ قَتَلَ رَجُلًا خَطَأً ثُمَّ أَقَرَّ عَلَيْهِ أَيْضًا بِرَجُلٍ آخَرَ أَنَّهُ قَتَلَهُ خَطَأً يُقَالُ لِلْمَوْلَى ادْفَعْ عَبْدَك لِلْأَوَّلِ خَاصَّةً أَوْ افْدِهِ فَإِنْ دَفَعَهُ فَلَا شَيْءَ لِلْآخَرِ. وَإِنْ فَدَاهُ مِنْ الْأَوَّلِ قِيلَ لَهُ ادْفَعْ إلَى الْآخَرِ نَصِيبَهُ أَوْ افْدِهِ بِنِصْفِ الدِّيَةِ وَرَوَى ابْنُ مَالِكٍ أَنَّهُ يُقَالُ لِلْمَوْلَى ادْفَعْهُ إلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ فَإِنْ دَفَعَهُ غَرِمَ الْأَوَّلُ نِصْفَ قِيمَتِهِ وَإِنْ قَالَ أَنَا أَفْدِيهِ مِنْ الْآخَرِ دَفَعَهُ كُلَّهُ إلَى الْأَوَّلِ فَإِنْ قَالَ أَفْدِيهِ مِنْ الْأَوَّلِ دَفَعَ نِصْفَهُ إلَى الْآخَرِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَذَكَرَ الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْهُ أَنَّهُ إذَا دَفَعَ نِصْفَهُ إلَى الثَّانِي فَهُوَ مُخْتَارُ الدِّيَةِ مِنْ الْأَوَّلِ رَجُلٌ فِي يَدَيْهِ عَبْدٌ لَا يَدْرِي أَنَّهُ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ لَمْ يَدَّعِ صَاحِبُ الْيَدِ أَنَّهُ لَهُ وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْ الْعَبْدِ إقْرَارَهُ أَنَّهُ عَبْدُ صَاحِبِ الْيَدِ إلَّا أَنَّهُ يُقِرُّ بِأَنَّهُ عَبْدٌ فَجَنَى هَذَا الْعَبْدُ جِنَايَةً وَثَبَتَ ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِإِقْرَارِ صَاحِبِ الْيَدِ ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ الْيَدِ أَقَرَّ أَنَّهُ عَبْدُ رَجُلٍ وَصَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ بِذَلِكَ وَكَذَّبَهُ فِي الْجِنَايَةِ فَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ بِبَيِّنَةٍ قِيلَ لِلْمُقَرِّ لَهُ ادْفَعْ أَوْ افْدِهِ وَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ بِإِقْرَارِ الَّذِي كَانَ الْعَبْدُ فِي يَدِهِ أَخَذَ الْمُقَرُّ لَهُ الْعَبْدَ بَطَلَتْ الْجِنَايَةُ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى الْمُقِرِّ مِنْ الْجِنَايَةِ شَيْءٌ وَفِيهِ أَيْضًا عَبْدٌ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ خَطَأً فَبَرَأَتْ فَدَفَعَهُ مَوْلَاهُ بِجِنَايَتِهِ ثُمَّ انْتَقَضَ الْجُرْحُ فَمَاتَ مِنْهُ قَالَ يَدْفَعُ قِيمَةَ عَبْدِهِ وَفِي الْعُيُونِ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي عَبْدٍ قَطَعَ أُصْبُعَ رَجُلٍ خَطَأً فَفَدَاهُ الْمَوْلَى بِأَلْفٍ ثُمَّ مَاتَ الْمَقْطُوعُ أُصْبُعُهُ كَانَ ذَلِكَ الْفِدَاءُ بَاطِلًا وَكَانَ عَلَيْهِ تَمَامُ الدِّيَةِ إنْ كَانَ الْفِدَاءُ بِغَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي وَصَارَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أُعْتِقَ وَهُوَ يَعْلَمُ وَفِي الْكَافِي رَجُلٌ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ عَمْدًا فَصَالَحَ الْمَقْطُوعَةُ يَدُهُ عَلَى عَبْدٍ وَدَفَعَ إلَيْهِ فَأَعْتَقَهُ الْمَقْطُوعُ يَدُهُ ثُمَّ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ فَالْعَبْدُ صَلَحَ بِالْجِنَايَةِ وَإِنْ لَمْ يُعْتِقْهُ رُدَّ عَلَى مَوْلَاهُ. وَقِيلَ لِلْأَوْلِيَاءِ إمَّا أَنْ تَقْتُلُوهُ وَإِمَّا أَنْ تَعْفُوا وَفِي النَّوَادِرِ عَبْدٌ جَنَى فَأَقَرَّ ابْنُ السَّيِّدِ أَنَّهُ حُرٌّ فَمَاتَ السَّيِّدُ فَوَرِثَهُ هَذَا الِابْنُ فَهُوَ حُرٌّ وَعَلَى الِابْنِ الدِّيَةُ جَارِيَةٌ جَنَتْ وَهِيَ حَامِلٌ فَأَعْتَقَ السَّيِّدُ مَا فِي بَطْنِهَا وَهُوَ يَعْلَمُ بِالْجِنَايَةِ صَارَ مُخْتَارًا قَبْلَ أَنْ تَضَعَ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِالْجِنَايَةِ فَإِنْ حَضَرَ الطَّالِبُ قَبْلَ الْوَضْعِ خُيِّرَ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمَوْلَى قِيمَتَهَا حَامِلًا وَإِنْ شَاءَ أَخَذَهَا حَامِلًا بِجِنَايَتِهَا وَكَانَ وَلَدُهَا حُرًّا وَإِنْ حَضَرَ بَعْدَ مَا وَلَدَتْ خُيِّرَ الْمَوْلَى إنْ شَاءَ دَفَعَ وَإِنْ شَاءَ فَدَى وَلَا سَبِيلَ عَلَى الْوَلَدِ وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا أَعْتَقَ الرَّجُلُ مَا فِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 421 بَطْنِ جَارِيَتِهِ ثُمَّ جَنَتْ جِنَايَةً فَدَفَعَهَا بِالْجِنَايَةِ جَازَ وَفِي الْعُيُونِ أَيْضًا بَاعَ جَارِيَةً فَوَلَدَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَجَنَى عَلَى الْوَلَدِ ثُمَّ ادَّعَاهُ الْبَائِعُ وَهُوَ يَعْلَمُ بِالْجِنَايَةِ فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ لِأَصْحَابِ الْجِنَايَةِ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَلَيْهِ الْقِيمَةُ دُونَ الدِّيَةِ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَفِيهِ أَيْضًا جَارِيَةٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَوَلَدَتْ وَلَدَهَا فَإِنْ ادَّعَاهُ أَحَدُهُمَا وَهُوَ عَالِمٌ بِالْجِنَايَةِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ الدِّيَةُ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ قَالَ زُفَرُ إذَا عَلِمَ فَعَلَيْهِ نِصْفُ الْقِيمَةِ وَفِي الْعُيُونِ جَارِيَةٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ جَاءَتْ بِوَلَدٍ فَجَنَى الْوَلَدُ جِنَايَةً فَادَّعَاهُ أَحَدُهُمَا فَإِنْ عَلِمَ بِالْجِنَايَةِ فَعَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَعَلَيْهِ نِصْفُ الْقِيمَةِ وَهَذَا قَوْلُ زُفَرَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ عَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ قَالَ لِعَبْدَيْهِ أَحَدُكُمَا حُرٌّ ثُمَّ جَنَى أَحَدُهُمَا ثُمَّ صَرَفَ الْمَوْلَى الْعِتْقَ إلَيْهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ عَلِمَ بِالْجِنَايَةِ فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ وَقَالَ زُفَرُ عَلَيْهِ الْقِيمَةُ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَوْ جَنَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَعْدَ الْإِيجَابِ ثُمَّ بَيَّنَ الْعِتْقَ فِي أَحَدِهِمَا عَتَقَ وَلَزِمَهُ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدِّيَةِ وَبَقِيَ الْآخَرُ مُلْكًا لَهُ يُقَالُ ادْفَعْهُ أَوْ افْدِهِ بِالدِّيَةِ وَلَا يَصِيرُ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ وَلَكِنْ لَوْ كَانَتْ جِنَايَةُ أَحَدِهِمَا قَطْعَ يَدِ رَجُلٍ وَجِنَايَةُ الْآخَرِ قَتْلَ نَفْسٍ لَا يَخْتَلِفُ الْجَوَابُ وَفِي التَّجْرِيدِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ إذَا غَصَبَ رَجُلٌ عَبْدًا فَقَتَلَ عِنْدَهُ قَتِيلًا خَطَأً وَرَدَّهُ عَلَى مَوْلَاهُ فَقَتَلَ عِنْدَهُ قَتِيلًا وَدَفَعَهُ الْمَوْلَى بِالْجِنَايَتَيْنِ رَجَعَ الْوَلِيُّ عَلَى الْغَاصِبِ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ وَدَفَعَ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى ثُمَّ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْغَاصِبِ فَيُسَلَّمُ لَهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ يَأْخُذُ نِصْفَ الْقِيمَةِ فَيُسَلَّمُ لَهُ وَلَا يَدْفَعُهَا إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ عَبْدٌ جَنَى فَأَوْصَى الْمَوْلَى بِعِتْقِهِ فِي مَرَضِهِ فَأَعْتَقَهُ الْوَارِثُ أَوْ الْوَصِيُّ فَإِنَّ الْوَصِيَّ عَالِمًا بِالْجِنَايَةِ فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ قَدْرُ قِيمَتِهِ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ وَالزِّيَادَةُ مِنْ الثُّلُثِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِهَا تَجِبُ الْقِيمَةُ فِي مَالِ الْمَيِّتِ فِي قَوْلِ زُفَرَ وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّ الَّذِي أَعْتَقَ هَلْ يَضْمَنُ وَمَاذَا يَضْمَنُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ عَلِمَ الَّذِي أَعْتَقَهُ بِالْجِنَايَةِ فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ أَنْ يَكُونَ هَذَا قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلِ. أَمَّا عَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِ الْآخَرِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ مِثْلَ قَوْلِ زُفَرَ كَمَا قَالَ فِي آخِرِ كِتَابِ الْبُيُوعِ لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا وَلَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ حَتَّى وَكَّلَ وَكِيلًا بِعِتْقِهِ فَأَعْتَقَهُ الْوَكِيلُ لَا ضَمَانَ عَلَى الْوَكِيلِ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا إذَا كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِالْعِتْقِ بَعْدَ مَا جَنَى أَمَّا إذَا أَوْصَى بِعِتْقِهِ قَبْلَ الْجِنَايَةِ ثُمَّ جَنَى فَمَاتَ الْمُوصِي فَأَعْتَقَهُ الْوَصِيُّ وَهُوَ يَعْلَمُ بِالْجِنَايَةِ فَهُوَ ضَامِنٌ لِلْجِنَايَةِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَهُوَ ضَامِنُ الْقِيمَةِ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْوَرَثَةِ إذَا وَكَّلَ رَجُلَيْنِ بِعِتْقِ عَبْدِهِ ثُمَّ إنَّ الْعَبْدَ جَنَى جِنَايَةً ثُمَّ أَعْتَقَهُ الْوَكِيلُ وَهُوَ يَعْلَمُ بِالْجِنَايَةِ فَالْمَوْلَى ضَامِنٌ لِقِيمَةِ الْعَبْدِ إنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِالْجِنَايَةِ وَفِي الْمُنْتَقَى وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ إذَا أَوْصَى بِعِتْقِ عَبْدِهِ ثُمَّ مَاتَ وَقَدْ كَانَ أَوْصَى إلَى رَجُلٍ فَجَنَى الْعَبْدُ جِنَايَةً بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي ثُمَّ أَعْتَقَهُ الْوَصِيُّ وَهُوَ يَعْلَمُ بِالْجِنَايَةِ فَهُوَ مُخْتَارُ الدِّيَةِ فِي مَالِهِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَعَلَيْهِ الْقِيمَةُ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَوْ قَالَ لِعَبْدَيْهِ وَقِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَلْفٌ أَحَدُكُمَا حُرٌّ ثُمَّ قَتَلَ أَحَدُهُمَا إنْسَانًا خَطَأً ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى قَبْلَ الْبَيَانِ وَهُوَ عَالِمٌ بِالْجِنَايَةِ عَتَقَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُهُ وَيَسْعَى فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ وَيَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى قِيمَةُ الْعَبْدِ الْجَانِي فَيُسْتَوْفَى مِنْ جَمِيعِ تَرِكَتِهِ وَلَا يَصِيرُ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ بِالْمَوْتِ مِنْ غَيْرِ بَيَانِ وَاحِدٍ مِنْ الْعَبْدَيْنِ وَفِي التَّجْرِيدِ وَلَوْ قُتِلَ الْعَبْدُ الْمَغْصُوبُ فِي يَدِ الْغَاصِبِ وَمَاتَ وَقَدْ كَانَ جَنَى قَبْلَ الْغَصْبِ جِنَايَاتٍ فَالْقِيمَةُ لِأَصْحَابِ الْجِنَايَاتِ وَلَا خِيَارَ لِلْمَوْلَى فِي ذَلِكَ. وَلَا يَجُوزُ إقْرَارُ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ وَالْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِالْجِنَايَةِ وَلَا يَسْعَى بَعْدَ الْعِتْقِ وَلَوْ أَقَرَّ بَعْدَ الْعِتْقِ أَنَّهُ كَانَ جَنَى فِي حَالَةِ الرِّقِّ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ وَلَوْ قَتَلَ الْعَبْدُ قَتِيلًا خَطَأً ثُمَّ قُطِعَتْ يَدُ الْعَبْدِ ثُمَّ آخَرَ خَطَأً فَأَرْشُ يَدِهِ يُسَلَّمُ لِأَوْلِيَاءِ الْجِنَايَةِ الْأُولَى ثُمَّ يَدْفَعُهُ الْعَبْدُ فَيَكُونُ بَيْنَ وَلِيِّ الْجِنَايَتَيْنِ وَلَوْ اخْتَلَفَ الْمَوْلَى وَوَلِيُّ الْجِنَايَةِ فَادَّعَى الْمَوْلَى أَنَّ الْقَتْلَ كَانَ قَبْلَ الْجِنَايَةِ وَادَّعَى وَلِيُّ الْجِنَايَةِ أَنَّهُ كَانَ بَعْدَهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَلِيِّ وَلَوْ شَجَّ إنْسَانًا مُوضِحَةً وَقِيمَتُهُ أَلْفٌ ثُمَّ قَالَ قَتَلَ آخَرَ وَقِيمَتُهُ أَلْفَانِ فَإِنَّ الْمَوْلَى يَدْفَعُ بَيْنَهُمَا عَلَى أَحَدٍ وَعِشْرِينَ سَهْمًا لِصَاحِبِ الْمُوضِحَةِ سَهْمٌ وَعِشْرُونَ لِوَلِيِّ الْقَتِيلِ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ عَمِيَ بَعْدَ الْقَتْلِ قَبْلَ الشَّجَّةِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ فَهُوَ عَلَى الشَّرِكَةِ وَفِي الْعُيُونِ إذَا أَوْصَى بِعِتْقِ عَبْدٍ لَهُ فَجَنَى الْعَبْدُ جِنَايَةً أَرْشِهَا دِرْهَمٌ فَقَالَتْ الْوَرَثَةُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي لَا نَفْدِي فَلَهُمْ ذَلِكَ فَإِذَا تَرَكُوا الْفِدَاءَ يُدْفَعُ بِالْجِنَايَةِ وَتَبْطُلُ بِالْوَصِيَّةِ إلَّا أَنْ يُؤَدِّيَ الْعَبْدُ مِنْ غَيْرِ مَا اكْتَسَبَهُ بِأَنْ يَقُولَ لِلْإِنْسَانِ أَدِّ عَنِّي دِرْهَمًا فَفَعَلَ يَصِحُّ وَيَصِيرُ ذَلِكَ الدِّرْهَمُ دَيْنًا عَلَى الْعَبْدِ يُطَالَبُ بِهِ إذَا عَتَقَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ عَالِمًا بِهَا لَزِمَهُ الْأَرْشُ كَبَيْعِهِ وَتَعْلِيقِ عِتْقِهِ بِقَتْلِ فُلَانٍ وَرَمْيِهِ وَشَجِّهِ إنْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 422 فَعَلَ ذَلِكَ) يَعْنِي لَوْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَالِمًا بِالْجِنَايَةِ صَارَ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ بِهَذَا الْعِتْقِ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ يَمْنَعُ مِنْ الدَّفْعِ فَالْإِقْدَامُ عَلَيْهِ اخْتِيَارٌ فَإِذَا أَعْتَقَهُ وَهُوَ يَعْلَمُ بِالْجِنَايَةِ صَارَ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ لِمَا قُلْنَا وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ كَبَيْعِهِ يَعْنِي لَوْ بَاعَهُ عَالِمًا بِالْجِنَايَةِ وَعَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ الْهِبَةُ وَالتَّدْبِيرُ وَالِاسْتِيلَادُ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَمْنَعُ مِنْ الدَّفْعِ لِزَوَالِ الْمِلْكِ وَالتَّمْلِيكِ بِهِ بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ لِغَيْرِهِ بِالْعَبْدِ الْجَانِي عَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ لِأَنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِهِ حَقُّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ فَإِنَّ الْمُقَرَّ لَهُ يُخَاطَبُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ. وَلَيْسَ فِيهِ نَقْلُ الْمِلْكِ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ لَيْسَ بِتَمْلِيكٍ مِنْ جِهَةِ الْمُقِرِّ وَإِنَّمَا إظْهَارُ الْحَقِّ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ صَادِقًا بِذَلِكَ فَإِذَا لَمْ يَصِرْ مُخْتَارًا لَا يَلْزَمُهُ الْفِدَاءُ وَتَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ عَنْهُ إنْ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهُ لِلْمُقَرِّ لَهُ وَإِنْ لَمْ تَقُمْ فَيُقَالُ لَهُ إمَّا أَنْ تَفْدِيَهُ أَوْ تَدْفَعَهُ فَإِنْ فَدَاهُ صَارَ مُتَطَوِّعًا بِالْفِدَاءِ حَتَّى لَا يَرْجِعَ بِهِ عَلَى الْمُقَرِّ لَهُ إذَا حَضَرَ وَصَدَّقَهُ أَنَّهُ لَهُ وَإِنْ دَفَعَهُ كَانَ الْمُقَرُّ لَهُ بِالْخِيَارِ إذَا حَضَرَ إنْ شَاءَ أَجَازَ دَفْعَهُ وَإِنْ شَاءَ فَدَاهُ وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا الْمَعْنَى بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الْجِنَايَةُ فِي نَفْسٍ أَوْ فِي الْأَطْرَافِ لِأَنَّ الْكُلَّ مُوجِبٌ لِلْفِدَاءِ فَلَا يَخْتَلِفُ وَكَذَا لَا فَرْقَ فِي الْبَيْعِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بَتًّا وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ خِيَارُ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْكُلَّ يُزِيلُ الْمِلْكَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ ثُمَّ نَقَضَهُ أَوْ الْعَرْضُ عَلَى الْبَيْعِ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَمْ يَزُلْ بِهِ وَلَا يُقَالُ الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إذَا بَاعَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَهُ يَصِيرُ مُخْتَارًا لِلْإِجَازَةِ بِهِ فَوَجَبَ هُنَا أَنْ يَكُونَ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ لِأَنَّا نَقُولُ لَوْ لَمْ يَكُنْ الْمُشْتَرِي مُخْتَارًا لَلَزِمَ مِنْهُ مِلْكُ غَيْرِهِ وَهُنَا لَا يَلْزَمُ وَلِأَنَّهُ يَلْزَمُ فِي الْبَيْعِ بَيْعُ الْغَرَرِ وَهُنَا لَا يَلْزَمُ وَلَوْ بَاعَهُ بَيْعًا فَاسِدًا لَمْ يَصِرْ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ حَتَّى يُسَلِّمَهُ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَا يَزُولُ إلَّا بِهِ بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ حَيْثُ يَكُونُ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ بِهَا لِأَنَّ حُكْمَ الْكِتَابَةِ تَعَلُّقُ الْعِتْقِ بِأَدَاءِ الْمَالِ وَفَكِّ الْحَجْرِ عَنْ الْعَبْدِ فِي الْحَالِ وَهُوَ ثَابِتٌ بِنَفْسِ الْكِتَابَةِ وَلَا كَذَلِكَ الْبَيْعُ الْفَاسِدُ لِأَنَّ حُكْمَهُ وَهُوَ الْمِلْكُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالْقَبْضِ وَلَوْ كَانَتْ الْكِتَابَةُ صَحِيحَةً ثُمَّ عَجَزَ كَانَ لَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ بِالْجِنَايَةِ. فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ وَبَعْدَهَا لَا يَدْفَعُهُ لِتَقَرُّرِ الْقِيمَةِ بِالْقَضَاءِ وَلَوْ بَاعَهُ مِنْ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ كَانَ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ بِخِلَافِ مَا إذَا وَهَبَهُ مِنْهُ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ لَهُ أَخْذُهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَهُوَ مُتَحَقِّقٌ فِي الْهِبَةِ دُونَ الْبَيْعِ وَإِعْتَاقُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِأَمْرِ الْمَوْلَى بِمَنْزِلَةِ إعْتَاقِ الْمَوْلَى فِيمَا ذَكَرْنَا لِأَنَّ فِعْلَ الْمَأْمُورِ بِهِ يَنْتَقِلُ إلَى الْآمِرِ وَلَوْ ضَرَبَهُ فَنَقَصَهُ كَانَ مُخْتَارًا بَعْدَ الْعِلْمِ لِأَنَّهُ جِنْسُ جُزْءٍ مِنْهُ فَإِنْ أَزَالَ النُّقْصَانَ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِالْقِيمَةِ كَانَ لَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ بِهَا لِزَوَالِ الْمَانِعِ مِنْ الدَّفْعِ قَبْلَ اسْتِقْرَارِ الْقِيمَةِ وَيَصِيرُ مُخْتَارًا بِالْإِجَارَةِ وَالرَّهْنِ فِي رِوَايَةِ كِتَابِ الْإِعْتَاقِ لِأَنَّهُمَا لَازِمَانِ فَيَكُونُ مُحْدِثًا فِيهِ مَا يَعْجِزُ عَنْ الدَّفْعِ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ مُخْتَارًا بِهِمَا لِلْفِدَاءِ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْجِزْهُ عَنْ الدَّفْعِ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ الْإِجَارَةَ وَالرَّهْنَ لِحَقِّ الْمَجْنِيِّ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِعَيْنِ الْعَبْدِ سَابِقًا عَلَى حَقِّهِمَا فَيُفْسَخَانِ صَوْنًا لِحَقِّهِ عَنْ الْبُطْلَانِ وَكَذَا لَا يَصِيرُ مُخْتَارًا بِالْإِذْنِ فِي التِّجَارَةِ وَإِنْ رَكِبَهُ دَيْنٌ لِأَنَّ الْإِذْنَ لَا يُفَوِّتُ الدَّفْعَ وَلَا يُنْقِصُ الرَّقَبَةَ إلَّا أَنَّ لِمَوْلَى الْجِنَايَةِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ الْقَبُولِ لِأَنَّ الدَّيْنَ لِحَقِّهِ مِنْ جِهَةِ الْمَوْلَى بَعْدَ مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّهُ فَلَزِمَ الْمَوْلَى قِيمَتُهُ وَلَوْ جَنَى جِنَايَتَيْنِ فَعَلِمَ بِأَحَدِهِمَا دُونَ الْأُخْرَى وَتَصَرَّفَ بِهِ تَصَرُّفًا يَصِيرُ بِهِ تَصَرُّفًا مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ فِيمَا عُلِمَ وَفِيمَا لَا يُعْلَمُ يَلْزَمُهُ حِصَّتُهُ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ. وَقَوْلُهُ كَبَيْعِهِ وَتَعْلِيقِ عِتْقِهِ بِقَتْلِ فُلَانٍ أَوْ رَمْيِهِ وَشَجِّهِ إنْ فَعَلَ ذَلِكَ أَيْ يَصِيرُ مُخْتَارًا بِبَيْعِهِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِهَا وَبِتَعْلِيقِ عِتْقِهِ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْقَتْلِ وَالرَّمْيِ وَالشَّجِّ يَصِيرُ مُخْتَارًا كَمَا يَصِيرُ مُخْتَارًا بِالْإِعْتَاقِ بَعْدَ الْإِعْلَامِ بِهَا وَإِنَّمَا يَصِيرُ مُخْتَارًا بِالتَّعْلِيقِ عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ وَقَالَ زُفَرُ لَا يَصِيرُ مُخْتَارًا كَمَا لَا يَصِيرُ مُخْتَارًا بِالْإِعْتَاقِ بَعْدَ الْإِعْلَامِ بِهَا وَإِنَّمَا يَصِيرُ مُخْتَارًا بِمَا ذَكَرْنَا لِأَنَّ أَوَانَ تَكَلُّمِهِ بِهِ لَا جِنَايَةَ مِنْ الْعَبْدِ وَلَا عِلْمَ لِلْمَوْلَى بِمَا سَيُوجَدُ بَعْدُ وَبَعْدَ الْجِنَايَةِ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ فِعْلٌ يَصِيرُ بِهِ مُخْتَارًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ أَوْ الْعَتَاقَ بِالشَّرْطِ ثُمَّ حَلَفَ أَنْ لَا يُطَلِّقَ أَوْ لَا يُعْتِقَ ثُمَّ وُجِدَ الشَّرْطُ وَثَبَتَ الْعِتْقُ وَالطَّلَاقُ لَا يَحْنَثُ بِذَلِكَ فِي يَمِينِهِ فَكَذَا هَذَا وَلَنَا أَنَّهُ عَلَّقَ الْإِعْتَاقَ بِالْجِنَايَةِ وَالْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ يُنَزَّلُ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ كَالْمُنَجَّزِ عِنْدَهُ فَصَارَ كَمَا إذَا أَعْتَقَهُ بَعْدَ الْجِنَايَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إذَا دَخَلْت الدَّارَ فَوَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ يَصِيرُ ابْتِدَاءُ الْإِيلَاءِ مِنْ وَقْتِ الدُّخُولِ وَكَذَا إنْ قَالَ لَهَا إذَا مَرِضْت فَأَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا وَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ يَصِيرُ فَارًّا لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُطَلِّقًا بَعْدَ الدُّخُولِ وَوُجُودُ الْمَرَضِ بِخِلَافِ مَا أَوْرَدَهُ لِأَنَّ غَرَضَهُ طَلَاقٌ أَوْ عَتَاقٌ يُمْكِنُهُ الِامْتِنَاعُ عَنْهُ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَهُ مَا لَا يُمْكِنُهُ الِامْتِنَاعُ عَنْهُ وَلِأَنَّهُ حِرْصُهُ عَلَى مُبَاشَرَةِ الشَّرْطِ بِتَعْلِيقِ أَقْوَى الدَّوَاعِي إلَى الْقَتْلِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَفْعَلُهُ وَهَذَا دَلَالَةُ الِاخْتِيَارِ هَذَا إذَا عَلَّقَهُ بِجِنَايَةٍ تُوجِبُ الْمَالَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 423 كَالْخَطَأِ وَشِبْهِ الْعَمْدِ وَإِنْ عَلَّقَهُ بِجِنَايَةٍ تُوجِبُ الْقِصَاصَ بِأَنْ قَالَ لَهُ إنْ ضَرَبْته بِالسَّيْفِ فَأَنْت حُرٌّ فَلَا يَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى شَيْءٌ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَبْدِ وَالْحُرِّ فِي الْقِصَاصِ فَلَمْ يَكُنْ الْمَوْلَى مُفَوِّتًا حَقَّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ بِالْعِتْقِ وَبِكُلِّ قَتْلٍ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ فِيهِ يَصِيرُ الْمَوْلَى مُخْتَارًا كَالْقَتْلِ بِالْمُبَاشَرَةِ وَإِنْ لَمْ تَجِبْ الْكَفَّارَةُ فِيهِ لَا يَصِيرُ مُخْتَارًا وَهُوَ الْقَتْلُ تَسَبُّبًا كَمَا لَوْ وَقَعَ فِي بِئْرٍ حَفَرَهَا الْمَوْلَى لِأَنَّ الْقَتْلَ تَسَبُّبًا لَيْسَ بِقَتْلٍ حَقِيقَةً لِأَنَّ الْقَتْلَ فِعْلٌ فِي الْحُرِّ وَيُؤَثِّرُ فِي إزْهَاقِ الرُّوحِ وَالتَّسَبُّبُ لَيْسَ بِفِعْلٍ فِي الْحُرِّ لِأَنَّهُ لَمْ يُوصِلْ إلَّا إلَى الدِّيَةِ وَلِهَذَا لَمْ يَجِبْ الْقِصَاصُ وَلَا يَحْرُمُ الْإِرْثُ فَلَمْ يَصِرْ مُتَمَلِّكًا لِلْعَبْدِ وَبِالْقَتْلِ مُبَاشَرَةً صَارَ مُسْتَدْعِيًا لِلْعَمْدِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ صَارَ مُتْلِفًا لِلْعَبْدِ يَضْمَنُ الْفِدَاءَ لِمَا بَيَّنَّا. وَلَوْ أَخْبَرَهُ عَبْدُهُ بِالْجِنَايَةِ فَأَعْتَقَهُ الْمَوْلَى وَقَالَ لَمْ أُصَدِّقْهُ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَضْمَنُ مَا لَمْ يُخْبِرْهُ رَجُلٌ حُرٌّ عَدْلٌ وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ الدِّيَةَ وَإِنْ كَانَ الْمُخْبِرُ فَاسِقًا أَوْ كَافِرًا وَقَدْ مَرَّتْ فِي الْوَكَالَةِ وَالشُّفْعَةِ وَلَوْ بِهِ لِغَيْرِهِ فَهُوَ عَلَى قِسْمَيْنِ إمَّا أَنْ أَقَرَّ بِالْجِنَايَةِ أَوَّلًا ثُمَّ بِالْمِلْكِ أَوْ عَلَى عَكْسِهِ وَكُلُّ قِسْمٍ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ الْمِلْكُ فِي الْعَبْدِ مَعْرُوفًا لِلْمُقِرِّ أَوْ كَانَ مَجْهُولًا أَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّل لَوْ أَقَرَّ بِالْجِنَايَةِ ثُمَّ بِالْمِلْكِ لِغَيْرِهِ وَالْمِلْكُ فِي الْعَبْدِ مَعْرُوفٌ لِلْمُقِرِّ فَإِنْ صَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ فِي الْمِلْكِ وَالْجِنَايَةِ جَمِيعًا يُقَالُ لِلْمُقَرِّ لَهُ ادْفَعْ الْعَبْدَ أَوْ افْدِهِ لِأَنَّهُ صَحَّ الْإِقْرَارُ لِأَنَّ حَقَّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ لَا يَمْنَعُ نُفُوذَ تَصَرُّفِ الْمَوْلَى لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الدَّافِعِ أَوْ الْفِدَاءِ وَهُوَ بَاقٍ بَعْدَ الْإِقْرَارِ وَالثَّابِتُ بِالْإِقْرَارِ كَالثَّابِتِ بِالْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ وَمَتَى ظَهَرَ الْمِلْكُ لِلْمُقَرِّ لَهُ بِالْإِقْرَارِ ظَهَرَ أَنَّ الْجِنَايَةَ صَدَرَتْ مِنْ مِلْكِهِ وَإِنْ كَانَ كَذَّبَهُ فِيهَا لَا يَكُونُ الْمُقِرُّ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ خِلَافًا لِزُفَرَ لَهُ أَنَّ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى تَصْدِيقِ الْمُقَرِّ لَهُ وَلِهَذَا لَوْ مَاتَ الْمُقِرُّ قَبْلَ التَّصْدِيقِ يَصِيرُ الْمُقَرُّ بِهِ مِيرَاثًا لِوَرَثَتِهِ فَقَدْ زَالَ الْعَبْدُ عَنْ مِلْكِهِ بِنَفْسِ الْإِقْرَارِ وَهُوَ عَالِمٌ بِالْجِنَايَةِ فَيَصِيرُ مُخْتَارًا وَلَنَا أَنَّ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ لَا تُوجِبُ عَلَى التَّصْدِيقِ وَالْبُطْلَانُ يَتَوَقَّفُ عَلَى التَّكْذِيبِ وَإِذَا اتَّصَلَ بِهِ التَّكْذِيبُ بَطَلَ مِنْ الْأَصْلِ فَلَوْ صَدَّقَهُ فِي الْمِلْكِ وَكَذَّبَهُ فِي الْجِنَايَةِ صَارَ الْمُقِرُّ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْجِنَايَةِ عَلَى الْعَبْدِ صَادَفَ مِلْكَهُ فِي الْعَبْدِ فَصَحَّ. ثُمَّ إذَا أَقَرَّ بِالْمِلْكِ لِغَيْرِهِ وَصَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ صَارَ مُزِيلًا لِلْعَبْدِ عَنْ مِلْكِهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ بَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي لَوْ أَقَرَّ بِالْمِلْكِ أَوَّلًا ثُمَّ بِالْجِنَايَةِ إنْ صَدَّقَهُ فِيهِمَا فَالْخَصْمُ هُوَ الْمُقَرُّ لَهُ وَإِنْ كَذَّبَهُ فِيهِمَا فَالْخَصْمُ هُوَ الْمُقِرُّ وَإِنْ صَدَّقَهُ فِي الْمِلْكِ وَكَذَّبَهُ فِي الْجِنَايَةِ هُدِرَتْ الْجِنَايَةُ لِأَنَّهُ لَمَّا صَدَّقَهُ الْمُقِرُّ فِي الْمِلْكِ ظَهَرَ أَنَّ إقْرَارَهُ بِجِنَايَةِ الْعَبْدِ صَادِقٌ فَلَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ بِالْجِنَايَةِ مَتَى كَذَّبَهُ الْمُقِرُّ لَهُ فَلَمْ تَثْبُتْ الْجِنَايَةُ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْعَبْدُ مَجْهُولًا لَا يَدْرِي أَنَّهُ لِلْمُقِرِّ أَمْ لِغَيْرِهِ فَأَقَرَّ بِالْجِنَايَةِ أَوَّلًا ثُمَّ بِالْمِلْكِ أَوْ بِالْمِلْكِ أَوَّلًا ثُمَّ بِالْجِنَايَةِ لِأَنَّ الْمِلْكَ ثَابِتٌ لِلْمُقِرِّ بِظَاهِرِ الْيَدِ لَا يَسْتَنِدُ إلَى دَلِيلٍ وَالْمِلْكُ الثَّابِتُ بِظَاهِرِ الْيَدِ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً لِلِاسْتِحْقَاقِ وَاخْتِيَارِ الْفِدَاءِ فَلَمْ يَصِرْ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ الْمِلْكُ لَهُ مَعْرُوفًا لِأَنَّ مِلْكَهُ ثَابِتٌ مُسْتَنِدٌ إلَى دَلِيلٍ سِوَى ظَاهِرِ الْيَدِ فَصَلُحَ حُجَّةً لِإِثْبَاتِ مَا لَمْ يَكُنْ وَلَوْ قَالَ كُنْت بِعْته مِنْ فُلَانٍ قَبْلَ الْجِنَايَةِ وَصَدَّقَهُ فُلَانٌ يُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ لِأَنَّهُ ثَبَتَ الْمِلْكُ بِتَصَادُقِهِمَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (عَبْدٌ قَطَعَ يَدَ حُرٍّ عَمْدًا وَدَفَعَ إلَيْهِ فَحَرَّرَهُ فَمَاتَ مِنْ الْيَدِ فَالْعَبْدُ صَلُحَ بِالْجِنَايَةِ وَإِنْ لَمْ يُحَرِّرْهُ رُدَّ عَلَى سَيِّدِهِ وَيُقَادُ) لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُعْتِقْهُ وَسَرَى ظَهَرَ أَنَّ الصُّلْحَ كَانَ بَاطِلًا لِأَنَّ الصُّلْحَ وَقَعَ عَلَى الْمَالِ وَهُوَ لِعَبْدٍ عَنْ دِيَةِ الْيَدِ لِأَنَّ الْقِصَاصَ لَا يَجْرِي بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ فِي الْأَطْرَافِ وَبِالسِّرَايَةِ ظَهَرَ أَنَّ دِيَةَ الْيَدِ غَيْرُ وَاجِبَةٍ وَأَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الْقَوَدُ فَصَارَ الصُّلْحُ بَاطِلًا لِأَنَّ الصُّلْحَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُصَالَحٍ عَنْهُ. وَالْمُصَالَحُ عَنْهُ الْمَالُ وَلَمْ يُوجَدْ فَبَطَلَ الصُّلْحُ وَالْبَاطِلُ لَا يُورِثُ شُبْهَةً كَمَا لَوْ وَطِئَ مُطَلَّقَتَهُ ثَلَاثًا فِي عِدَّتِهَا مَعَ الْعِلْمِ بِحُرْمَتِهَا عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يَصِيرُ شُبْهَةً فِي دَرْءِ الْحَدِّ فَكَذَا هَذَا فَوَجَبَ الْقِصَاصُ أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا أَرَادَ أَنَّ الْبُطْلَانَ لَا يُورِثُ الشُّبْهَةَ فِيمَا إذَا عُلِمَ بُطْلَانُهُ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ مِمَّا ذَكَرَهُ فِي نَظِيرِهِ حَيْثُ قَالَ فِيهِ مَعَ الْعِلْمِ بِحُرْمَتِهَا عَلَيْهِ فَهُوَ مُسْلِمٌ لَكِنْ لَا يُجْدِي نَفْعًا هَاهُنَا لِأَنَّ الدَّافِعَ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ الْقَطْعَ يَسْرِي فَيَكُونُ مُوجِبُهُ الْقَوَدَ بَلْ ظَنَّ أَنْ لَا يَسْرِيَ وَكَانَ مُوجِبُهُ الْمَالَ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ الْبَاطِلَ لَا يُورِثُ الشُّبْهَةَ وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ بُطْلَانُهُ فَهُوَ مَمْنُوعٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا وَطِئَ الْمُطَلَّقَةَ ثَلَاثًا فِي عِدَّتِهَا وَلَمْ يَعْلَمْ بِحُرْمَتِهَا عَلَيْهِ بَلْ ظَنَّ أَنَّهَا تَحِلُّ لَهُ فَإِنَّهُ يُورِثُ الشُّبْهَةَ فَيُدْرَأُ الْحَدُّ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ وَيُفْهَمُ أَيْضًا هَاهُنَا مِنْ قَوْلِهِ مَعَ الْعِلْمِ بِحُرْمَتِهَا عَلَيْهِ وَأَمَّا إذَا أَعْتَقَهُ فَقَدْ قَصَدَ صِحَّةَ الْإِعْتَاقِ ضَرُورَةً لِأَنَّ الْعَاقِلَ يَقْصِدُ تَصْحِيحَ تَصَرُّفِهِ وَلَا صِحَّةَ لَهُ إلَّا بِالصُّلْحِ عَنْ الْجِنَايَةِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا ابْتِدَاءً وَلِهَذَا لَوْ نَصَّ عَلَيْهِ وَرَضِيَ بِهِ جَازَ فَكَانَ مُصَالِحًا عَنْ الْجِنَايَةِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا عَلَى الْعَبْدِ مُقْتَضَى الْإِقْدَامِ عَلَى الْإِعْتَاقِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 424 وَالْمَوْلَى أَيْضًا مُصَالِحًا مَعَهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ رَاضِيًا بِهِ لِأَنَّهُ لَمَّا رَضِيَ بِكَوْنِ الْعَبْدِ عِوَضًا عَنْ الْقَلِيلِ كَانَ رَاضِيًا بِكَوْنِهِ عِوَضًا عَنْ الْكَثِيرِ فَإِذَا أَعْتَقَهُ صَحَّ الصُّلْحُ فِي ضِمْنِ الْإِعْتَاقِ ابْتِدَاءً وَإِذَا لَمْ يُعْتِقْهُ لَمْ يُوجَدْ الصُّلْحُ ابْتِدَاءً وَالصُّلْحُ الْأَوَّلُ وَقَعَ بَاطِلًا فَيُرَدُّ الْعَبْدُ إلَى الْمَوْلَى وَالْأَوْلِيَاءُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءُوا عَفَوْا عَنْهُ وَإِنْ شَاءُوا قَتَلُوهُ. وَذُكِرَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ رَجُلٌ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ عَمْدًا فَصَالَحَ الْمَقْطُوعَ يَدُهُ عَلَى عَبْدٍ وَدَفَعَهُ إلَيْهِ فَأَعْتَقَهُ الْمَقْطُوعُ يَدُهُ ثُمَّ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ فَالْعَبْدُ صُلْحٌ بِالْجِنَايَةِ وَإِنْ لَمْ يُعْتِقْهُ رُدَّ عَلَى مَوْلَاهُ وَقِيلَ لِلْأَوْلِيَاءِ إمَّا أَنْ تَقْتُلُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْهُ وَالْوَجْهُ مَا بَيَّنَّاهُ فَاتَّحَدَ الْحُكْمُ وَالْعِلَّةُ وَاخْتَلَفَا صُورَةً ثُمَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الصُّلْحِ تَرُدُّ إشْكَالًا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَا إذَا عَفَا عَنْ الْيَدِ ثُمَّ سَرَى إلَى النَّفْسِ وَمَاتَ حَيْثُ يَبْطُلُ الْعَفْوُ وَلَا يَجِبُ الْقِصَاصُ هُنَاكَ وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَالَ يَبْطُلُ الصُّلْحُ وَيَجِبُ الْقِصَاصُ فِيمَا إذَا لَمْ يُعْتَقْ الْعَبْدُ وَإِنْ أَعْتَقَهُ فَالصُّلْحُ بَاقٍ عَلَى حَالِهِ فَالْجَوَابُ أَمَّا إذَا لَمْ يُعْتِقْهُ فَقَدْ قِيلَ مَا ذُكِرَ فِي مَسْأَلَةِ الصُّلْحِ جَوَابُ الْقِيَاسِ وَمَا ذُكِرَ فِي مَسْأَلَةِ الصُّلْحِ جَوَابُ الِاسْتِحْسَانِ فَيَكُونَانِ عَلَى الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ وَقِيلَ بِالْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَوَجْهُهُ أَنَّ الصُّلْحَ عَنْ الْجِنَايَةِ عَلَى مَالٍ يُقَرِّرُ الْجِنَايَةَ وَلَا يُبْطِلُهَا لِأَنَّ الصُّلْحَ عَنْ الْجِنَايَةِ اسْتِيفَاءٌ لِلْجِنَايَةِ مَعْنًى بِاسْتِيفَاءِ بَدَلِهَا وَلِهَذَا تَعَيَّنَتْ الْجِنَايَةُ وَتُوَفِّرُ عَلَيْهِ عُقُوبَتَهَا وَهُوَ الْقِصَاصُ أَقُولُ: يَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ إنْ أُرِيدَ بِقَوْلِهِمْ الصُّلْحُ لَا يَبْطُلُ الْجِنَايَةُ بَلْ يُقَرِّرُهَا أَنَّ الصُّلْحَ لَا يُسْقِطُ مُوجِبَ الْجِنَايَةِ يُبْقِيهِ عَلَى حَالِهِ فَهُوَ مَمْنُوعٌ كَيْفَمَا كَانَ وَقَدْ صَرَّحُوا فِي صَدْرِ كِتَابِ الْجِنَايَاتِ بِأَنَّ مُوجِبَ الْقَتْلِ الْعَمْدِ الْقَوَدُ إلَّا أَنْ يَعْفُوَ الْأَوْلِيَاءُ أَوْ يُصَالِحُوا فَقَدْ جَعَلُوا الصُّلْحَ كَالْعَفْوِ وَفِي إسْقَاطِ مُوجَبِ الْجِنَايَاتِ وَإِنْ أُرِيدَ بِذَلِكَ أَنَّ الصُّلْحَ لَا يُنَافِي ثُبُوتَ مُوجَبِ الْجِنَايَةِ فِي الْأَصْلِ بَلْ يُقَرِّرُ ذَلِكَ حَيْثُ وَقَعَ الصُّلْحُ عَنْهُ عَلَى مَالٍ وَأَنَّ سُقُوطَهُ بَعْدَ تَحَقُّقِ الصُّلْحِ فَهُوَ مُسَلَّمٌ لَكِنْ لَا يَتِمُّ حِينَئِذٍ قَوْلُهُمْ فَإِذَا لَمْ تَبْطُلْ الْجِنَايَةُ لَمْ يَمْنَعْ الْعُقُوبَةَ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ بُطْلَانِ الْجِنَايَةِ بِمَعْنَى ثُبُوتِهَا فِي الْأَصْلِ عَدَمُ امْتِنَاعِ الْعُقُوبَةِ بَعْدَ تَحَقُّقِ الصُّلْحِ عَنْهَا كَمَا هُوَ الْحَالُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ بَلْ لَا يَتِمُّ حِينَئِذٍ الْفَرْقُ رَأْسًا بَيْنَ صُورَتَيْ الْغَدْرِ وَالصُّلْحِ. وَالْعَفْوُ أَيْضًا لَا يُنَافِي فِي ثُبُوتِ مُوجِبِ الْجِنَايَةِ فِي الْأَصْلِ قَبْلَ الْعَفْوِ كَمَا لَا يَخْفَى وَأَمَّا الْعَفْوُ فَهُوَ مُعْدِمٌ لِلْجِنَايَةِ وَالْعَفْوِ عَنْ الْقَطْعِ وَإِنْ بَطَلَ بِالسِّرَايَةِ إلَى النَّفْسِ لَكِنْ بَقِيَتْ شُبْهَتُهُ لِوُجُودِ صُورَةِ الْعَفْوِ وَهِيَ كَافِيَةٌ لِدَرْءِ الْحَدِّ وَأَمَّا إذَا أَعْتَقَهُ فَجَوَابُهُ هُوَ الْفَرْقُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ أَنَّ الْعِتْقَ يَحْصُلُ صُلْحًا ابْتِدَاءً بِخِلَافِ الْعَفْوِ وَعَلَى قَوْلِهِمَا أَيْضًا يُرَدُّ فِي الصُّورَتَيْنِ لِأَنَّهُمَا كَانَا يَجْعَلَانِ الْعَفْوَ عَنْ الْقَطْعِ عَفْوًا عَمَّا يَحْدُثُ مِنْهُ وَفِي الصُّلْحِ لَمْ يَجْعَلَا كَذَلِكَ بَلْ أَوْجَبَا الْقِصَاصَ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يُعْتِقْهُ وَجَعَلَاهُ صُلْحًا مُبْتَدَأً إذَا أَعْتَقَهُ وَقَدْ قَدَّمْنَا مَسَائِلَ سِرَايَةِ الْجُرْحِ فَلَا نُعِيدُهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (جَنَى مَأْذُونٌ مَدْيُونٌ خَطَأً فَحَرَّرَهُ سَيِّدُهُ بِلَا عِلْمٍ عَلَيْهِ قِيمَتَانِ قِيمَةٌ لِرَبِّ الدَّيْنِ وَقِيمَةٌ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ) لِأَنَّهُ أَتْلَفَ حَقَّيْنِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَضْمُونٌ بِكُلِّ الْقِيمَةِ عَلَى الِانْفِرَادِ، الدَّفْعُ عَلَى الْأَوْلِيَاءِ وَالْبَيْعَ عَلَى الْغُرَمَاءِ فَكَذَا عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقَّيْنِ أَيْضًا مِنْ الرَّقَبَةِ الْوَاحِدَةِ بِأَنْ يَدْفَعَ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ أَوَّلًا ثُمَّ يُبَاعُ لِلْغُرَمَاءِ فَيَضْمَنُهُمَا بِالتَّفْوِيتِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَتْلَفَهُ أَجْنَبِيٌّ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا حَيْثُ يَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ لِلْمَوْلَى بِحُكْمِ الْمِلْكِ فِي رَقَبَتِهِ فَلَا يَظْهَرُ حَقُّ الْفَرِيقَيْنِ بِالنِّسْبَةِ إلَى مِلْكِ الْمَالِكِ لِأَنَّهُ دُونَ الْمِلْكِ فَصَارَ كَأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ حَقٌّ ثُمَّ الْغَرِيمُ أَحَقُّ بِتَمْلِيكِ الْقِيمَةِ لِأَنَّهَا مَالِيَّةُ الْعَبْدِ وَالْغَرِيمُ مُقَدَّمٌ فِي الْمَالِيَّةِ عَلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ ثُمَّ يُبَاعُ لِلْغَرِيمِ فَكَانَ مُقَدَّمًا مَعْنًى وَالْقِيمَةُ هِيَ الْمَعْنَى فَنُسَلِّمُ إلَيْهِ. وَفِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ كَانَ التَّعَارُضُ بَيْنَ الْحَقَّيْنِ وَهُمَا مُتَسَاوِيَانِ فَيَضْمَنُهُمَا فَيَظْهَرَانِ وَقُيِّدَ بِعَدَمِ الْعِلْمِ لِأَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَهُ وَهُوَ عَالِمٌ بِالْجِنَايَةِ كَانَ عَلَيْهِ الدِّيَةُ إذَا كَانَتْ الْجِنَايَةُ فِي النَّفْسِ لِأَوْلِيَائِهِ وَقِيمَةُ الْعَبْدِ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ بَعْدَ الْعِلْمِ مُوجِبُ الْأَرْشِ وَالْأَصْلُ أَنَّ الْعَبْدَ إذَا جَنَى وَعَلَيْهِ دَيْنٌ خُيِّرَ الْمَوْلَى بَيْنَ الدَّفْعِ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ وَالْفِدَاءِ فَإِنْ اخْتَارَ الدَّفْعَ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ دُفِعَ ثُمَّ يُبَاعُ فِي الدَّيْنِ فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَهُوَ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ لِأَنَّهُ بَدَلُ مِلْكِهِ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهُ وَإِنْ بَدَأَ بِالدَّفْعِ جَمْعًا بَيْنَ الْحَقَّيْنِ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ بَيْعُهُ بَعْدَ الدَّفْعِ وَلَوْ بَدَأَ بَيْعَهُ فِي الدَّيْنِ لَا يُمْكِنُ دَفْعُهُ بِالْجِنَايَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي جِنَايَةٌ وَلَا يُقَالُ لَا فَائِدَةَ فِي الدَّفْعِ إذَا كَانَ يُبَاعُ عَلَيْهِ لِأَنَّا نَقُولُ فَائِدَتُهُ ثُبُوتُ اسْتِخْلَاصِ الْعَبْدِ لِأَنَّ وَلِيَّ الْجِنَايَةِ ثَبَتَ لَهُ حَقُّ الِاسْتِخْلَاصِ وَلِلْإِنْسَانِ أَغْرَاضٌ فِي الْعَيْنِ فَإِذَا كَانَ الْوَاجِبُ هُوَ الدَّفْعُ فَلَوْ أَنَّ لِلْمَوْلَى دَفْعَهُ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ بِغَيْرِ قَضَاءٍ لَا يَضْمَنُ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّهُ فَعَلَ عَيْنَ مَا يَفْعَلُهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 425 الْقَاضِي وَفِي الْقِيَاسِ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ لِوُجُودِ التَّمْلِيكِ كَمَا لَوْ بَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ وَلَوْ دَفَعَهُ إلَى أَصْحَابِ الدَّيْنِ صَارَ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ كَمَا لَوْ بَاعَهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ بَلْ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ الدَّفْعُ بِالْجِنَايَةِ أَوَّلًا وَلَوْ أَنَّ الْقَاضِيَ بَاعَهُ فِي الدَّيْنِ بِبَيِّنَةٍ قَامَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ حَضَرَ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ وَلَمْ يَفْضُلْ مِنْ الثَّمَنِ شَيْءٌ سَقَطَ حَقُّهُ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا تَلْزَمُهُ الْعُهْدَةُ فِيمَا فَعَلَ وَلَوْ فُسِخَ الْبَيْعُ وَدُفِعَ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ لَاحْتِيجَ إلَى بَيْعِهِ ثَانِيًا لِمَا ذَكَرْنَا فَلَا فَائِدَةَ فِي الْفَسْخِ وَقَدْ قَرَّرْنَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِفُرُوعِهَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (مَأْذُونَةٌ مَدْيُونَةٌ وَلَدَتْ بِيعَتْ مَعَ وَلَدِهَا فِي الدَّيْنِ وَإِنْ جَنَتْ فَوَلَدَتْ لَمْ يُدْفَعْ الْوَلَدُ لَهُ) وَالْفَرْقُ أَنَّ الدَّيْنَ مُتَعَلِّقٌ بِرَقَبَتِهَا لِأَنَّ الدَّيْنَ عَلَيْهَا وَهُوَ وَصْفٌ لَهَا حُكْمِيٌّ فَسَرَى إلَى الْوَلَدِ لِأَنَّ الصِّفَاتِ الشَّرْعِيَّةَ الثَّابِتَةَ فِي الْأَصْلِ تَسْرِي إلَى الْفُرُوعِ كَالْمِلْكِ وَالرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ وَأَمَّا الدَّفْعُ فِي الْجِنَايَةِ فَوَاجِبٌ فِي ذِمَّةِ الْمَوْلَى لَا فِي ذِمَّتِهَا وَإِنَّمَا يُلَاقِيهَا أَثَرُ الْفِعْلِ الْحَقِيقِيِّ وَهُوَ الدَّفْعُ وَقَبْلَ الدَّفْعِ كَانَتْ رَقَبَتُهَا خَالِيَةً عَنْ حَقِّ الْجِنَايَةِ فَكَذَلِكَ لَا يَجْرِي الْقِصَاصُ عَلَى الْأَوْلَادِ وَلَا الْحَدُّ لِأَنَّهُمَا فِعْلَانِ مَحْسُوسَانِ كَالدَّفْعِ وَلَا يَبِيعُهَا فِيهِ فَإِنْ قِيلَ إذَا كَانَ الدَّيْنُ عَلَيْهِمَا فَلِمَاذَا يَضْمَنُ الْمَوْلَى إذَا أَعْتَقَهَا وَالْإِنْسَانُ إذَا أَتْلَفَ الْمَدْيُونَ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا قُلْنَا وُجُوبُ الضَّمَانِ بِاعْتِبَارِ تَفْوِيتِ مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّهُمْ اسْتِيفَاءً لَا بِاعْتِبَارِ وُجُوبِ الدَّيْنِ عَلَى الْمَوْلَى أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَضْمَنُ الْقِيمَةَ لَا غَيْرُ وَلَوْ كَانَ بِاعْتِبَارِ الْوُجُوبِ عَلَيْهِ يَضْمَنُ كُلَّ الدَّيْنِ كَالْعَبْدِ الْجَانِي إذَا أَعْتَقَهُ الْمَوْلَى بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْجِنَايَةِ وَلِهَذَا يَتْبَعُ الْغَرِيمُ بِالْفَاضِلِ الْعَبْدَ الْمَدْيُونَ بَعْدَ الْعِتْقِ وَلَوْ كَانَ عَلَى الْمَوْلَى لَمَا اتَّبَعَهُ كَالْعَبْدِ الْجَانِي وَلَا يُرَدُّ عَلَيْنَا وُجُوبُ دَفْعِ الْأَرْشِ مَعَهَا إذَا جَنَى عَلَيْهَا قَبْلَ الدَّفْعِ وَأَخَذَ الْمَوْلَى الْأَرْشَ لِأَنَّ الْأَرْشَ بَدَلُ جُزْئِهَا وَهُوَ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ مُتَعَلِّقٌ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا فَإِذَا فَاتَ جُزْءٌ مِنْهَا وَأَخْلَفَ بَدَلًا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّهُ كَمَا إذَا قَتَلْت وَأَخْلَفْت بَدَلًا اعْتِبَارًا لِلْجُزْءِ بِالْكُلِّ بِخِلَافِ الْوَلَدِ وَقَوْلُهُ مَأْذُونَةٌ وَلَدَتْ شَرْطُ السِّرَايَةِ إلَى الْوَلَدِ أَنْ تَكُونَ الْوِلَادَةُ بَعْدَ لُحُوقِ الدَّيْنِ لِأَنَّهَا إذَا وَلَدَتْ ثُمَّ لَحِقَهَا الدَّيْنُ لَا يَتَعَلَّقُ حَقُّ الْغُرَمَاءِ بِالْوَلَدِ. بِخِلَافِ الِاكْتِسَابِ حَيْثُ يَتَعَلَّقُ حَقُّ الْغُرَمَاءِ بِمَا كَسَبَتْ قَبْلَ الدَّيْن وَبَعْدَهُ لِأَنَّ لَهَا يَدًا مُعْتَبَرَةً فِي الْكَسْبِ حَتَّى لَوْ نَازَعَهَا فِيهِ أَحَدٌ كَانَتْ هِيَ الْخَصْمُ فِيهِ فَبِاعْتِبَارِ الْيَدِ كَانَتْ هِيَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ سَيِّدِهَا لِقَضَاءِ دَيْنِهَا بِخِلَافِ الْوَلَدِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يُسْتَحَقُّ بِالسِّرَايَةِ وَذَلِكَ قَبْلَ الِانْقِضَاءِ لَا بَعْدَهُ كَوَلَدِ الْمُكَاتَبَةِ وَوَلَدِ أُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرَةِ وَكَوَلَدِ الْأُضْحِيَّةِ لِأَنَّهَا حُقُوقٌ مُسْتَقِرَّةٌ فِي الرَّقَبَةِ حَتَّى صَارَ صَاحِبُهَا مَمْنُوعًا عَنْ التَّصَرُّفِ وَإِذَا جَنَى الْعَبْدُ جِنَايَةً ثُمَّ أَذِنَ لَهُ الْمَوْلَى فِي التِّجَارَةِ فَلَحِقَهُ دَيْنٌ دُفِعَ بِجِنَايَتِهِ فَإِنَّ الدَّائِنَ يَتْبَعُهُ فَإِذَا بِيعَ لَهُمْ رَجَعَ أَوْلِيَاءُ الْجِنَايَةِ عَلَى الْمَوْلَى بِقِيمَةِ الْعَبْدِ وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ عَلَيْهِ بِدَيْنٍ ثُمَّ دَفَعَهُ بِجِنَايَتِهِ فِي دَيْنِهِ وَرَجَعَ أَوْلِيَاءُ الْجِنَايَةِ بِقِيمَتِهِ عَلَى الْمَوْلَى وَذَكَرَ بَعْدَ هَذَا إذَا وَجَبَ الدَّيْنُ عَلَى الْعَبْدِ بِبَيِّنَةٍ ثُمَّ أَقَرَّ الْمَوْلَى عَلَيْهِ بِجِنَايَتِهِ خَطَأً بِيعَ الْعَبْدُ فِي الدَّيْنِ وَلَمْ يُلْتَفَتْ إلَى الْجِنَايَةِ وَفِيهِ أَيْضًا رَجُلٌ فِي يَدِهِ عَبْدٌ لَا يَدْرِي أَنَّهُ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ وَلَمْ يَدَّعِ صَاحِبُ الْيَدِ أَنَّهُ لَهُ وَلَمْ يُسْمَعْ مِنْ الْعَبْدِ إقْرَارٌ أَنَّهُ عَبْدُ صَاحِبِ الْيَدِ إلَّا أَنَّهُ يُقِرُّ بِأَنَّهُ عَبْدٌ فَجَنَى هَذَا الْعَبْدُ جِنَايَةً وَثَبَتَ ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِإِقْرَارِ صَاحِبِ الْيَدِ ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ الْيَدِ أَقَرَّ أَنَّهُ لِرَجُلٍ وَصَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ بِذَلِكَ وَكَذَّبَهُ فِي الْجِنَايَةِ فَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ بِبَيِّنَةٍ قِيلَ لِلْمُقَرِّ لَهُ ادْفَعْ أَوْ افْدِهِ وَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ بِإِقْرَارِ الَّذِي كَانَ الْعَبْدُ فِي يَدِهِ أَخَذَ الْمُقَرُّ لَهُ الْعَبْدَ وَبَطَلَتْ الْجِنَايَةُ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى الْمُقِرِّ مِنْ الْجِنَايَةِ شَيْءٌ وَقَدْ قَدَّمْنَاهَا بِغَيْرِ هَذِهِ الْعِبَارَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (عَبْدٌ زَعَمَ رَجُلٌ أَنَّ سَيِّدَهُ حَرَّرَهُ وَقَتَلَ وَلِيَّهُ خَطَأً لَا شَيْءَ لَهُ عَلَيْهِ) مَعْنَاهُ إذَا كَانَ الْعَبْدُ لِرَجُلٍ فَزَعَمَ رَجُلٌ أَنَّ مَوْلَاهُ أَعْتَقَهُ فَقَتَلَ الْعَبْدُ خَطَأً وَلِيَّ ذَلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي زَعَمَ أَنَّ مَوْلَاهُ أَعْتَقَهُ وَلِيُّهُ فَلَا شَيْءَ لَهُ لِأَنَّهُ لَمَّا زَعَمَ أَنَّ مَوْلَاهُ أَعْتَقَهُ فَقَدْ أَقَرَّ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَى الْمَوْلَى دَفْعَ الْعَبْدِ وَلَا الْفِدَاءَ بِالْأَرْشِ وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ الدِّيَةَ عَلَيْهِ وَعَلَى الْعَاقِلَةِ لِأَنَّهُ حُرٌّ فَيُصَدَّقُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَيَسْقُطُ الدَّفْعُ وَالْفِدَاءُ عَنْ الْمَوْلَى وَلَا يُصَدَّقُ فِي دَعْوَاهُ الدِّيَةَ عَلَيْهِمْ إلَّا بِحُجَّةٍ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ وَضْعُ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا جَنَى جِنَايَةً ثُمَّ أَقَرَّ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ حَرَّرَهُ قَبْلَ الدَّفْعِ وَجَعَلَ فِي الْكِتَابِ الْإِقْرَارَ بِالْحُرِّيَّةِ قَبْلَ الْجِنَايَةِ وَهُمَا لَا يَتَفَاوَتَانِ وَكَذَا إذَا أَقَرَّ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بَعْدَ الدَّفْعِ إلَيْهِ أَنَّهُ حُرٌّ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالدَّفْعِ وَقَدْ أَقَرَّ لَهُ بِحُرِّيَّتِهِ فَيُعْتَقُ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ وَصَارَ نَظِيرَ مَنْ اشْتَرَى عَبْدًا ثُمَّ أَقَرَّ بِتَحْرِيرِهِ مَوْلَاهُ قَبْلَ الدَّفْعِ وَفِي الْأَصْلِ جَعَلَ الْمَسْأَلَةَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَمَّا إنْ أَقَرَّ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ أَنَّ الْعَبْدَ حُرُّ الْأَصْلِ أَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ حُرٌّ أَوْ أَقَرَّ أَنَّ مَوْلَاهُ أَعْتَقَهُ فَإِنْ أَقَرَّ أَنَّهُ حُرُّ الْأَصْلِ فَلَا ضَمَانَ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ لَا عَلَى الْعَبْدِ وَلَا عَلَى الْمَوْلَى وَكَذَلِكَ الْجَوَابُ إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ حُرٌّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 426 أَوْ أَقَرَّ أَنَّ مَوْلَاهُ أَعْتَقَهُ فَأَمَّا إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ فَإِنْ أَقَرَّ بِهِ قَبْلَ الْجِنَايَةِ فَالْجَوَابُ كَالْجَوَابِ فِيمَا إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ حُرُّ الْأَصْلِ وَإِنْ أَقَرَّ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ بَعْدَ الْجِنَايَةِ فَقَدْ أَقَرَّ بِبَرَاءَةِ الْعَبْدِ وَادَّعَى عَلَى الْمَوْلَى الْفِدَاءَ إنْ ادَّعَى أَنَّهُ أَعْتَقَهُ وَهُوَ عَالِمٌ بِالْجِنَايَةِ. وَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا ادَّعَى عَلَى الْمَوْلَى ضَمَانَ الْقِيمَةِ وَأَنْكَرَ الْمَوْلَى مَا ادَّعَى عَلَيْهِ مِنْ ضَمَانِ الْفِدَاءِ أَوْ الْقِيمَةِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمَوْلَى مَعَ يَمِينِهِ وَعَلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ وَفِي الْمَسْأَلَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ لَا يَدَّعِي عَلَى الْمَوْلَى ضَمَانًا فَلَا يَكُونُ بَيْنَ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ وَبَيْنَ الْمَوْلَى خُصُومَةٌ وَيَكُونُ الْعَبْدُ عَلَى حَالِهِ هَذَا إذَا كَانَ الْإِقْرَارُ مِنْ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ قَبْلَ الدَّفْعِ فَأَمَّا إذَا كَانَ الْإِقْرَارُ مِنْ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ وَبَيْنَ الْمَوْلَى خُصُومَةٌ وَيَكُونُ الْمَوْلَى بَعْدَ الدَّفْعِ إلَيْهِ أَقَرَّ أَنَّهُ حُرُّ الْأَصْلِ أَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ حُرٌّ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَى الْمَوْلَى سَبِيلٌ وَلَا عَلَى الْعَبْدِ إلَّا أَنَّ الْعَبْدَ يُعْتَقُ وَلَا يَكُونُ لِأَحَدٍ عَلَى الْعَبْدِ وَلَاءٌ وَإِنْ أَقَرَّ أَنَّهُ كَانَ أَعْتَقَهُ قَبْلَ الْجِنَايَةِ فَإِنَّهُ يَحْكُمُ بِحُرِّيَّةِ الْعَبْدِ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِحُرِّيَّتِهِ وَالْعَبْدُ فِي مِلْكِهِ وَيَكُونُ وَلَاؤُهُ مَوْقُوفًا لِأَنَّهُ لِمَوْلَى الْعَبْدِ وَمَوْلَى الْعَبْدِ يَبْرَأُ مِنْ ذَلِكَ وَأَقَرَّ بِأَنَّهُ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ فَإِنْ زَعَمَ أَنَّهُ أُعْتِقَ مِنْ جِهَتِهِ فَيَكُونُ وَلَاؤُهُ مَوْقُوفًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَالَ مُعْتِقٌ لِرَجُلٍ قَتَلْتُ أَخَاكَ خَطَأً وَأَنَا عَبْدٌ وَقَالَ بَعْدَ الْعِتْقِ فَالْقَوْلُ لِلْعَبْدِ) مَعْنَاهُ إذَا أُعْتِقَ الْعَبْدُ ثُمَّ قَالَ لِرَجُلٍ بَعْدَ الْعِتْقِ قَتَلْتُ أَخُوكَ خَطَأً وَأَنَا عَبْدٌ وَقَالَ الرَّجُلُ قَتَلْتَهُ وَأَنْتَ حُرٌّ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْعَبْدِ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِلضَّمَانِ لِمَا أَنَّهُ أَسْنَدَ إلَى الْعِتْقِ حَالَةً مَعْهُودَةً مُنَافِيَةً لِلضَّمَانِ إذْ الْكَلَامُ فِيمَا إذَا كَانَ رِقُّهُ مَعْرُوفًا وَالْوُجُوبُ فِي جِنَايَةِ الْعَبْدِ عَلَى الْمَوْلَى دَفْعًا أَوْ فِدَاءً فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ طَلَّقْتُ امْرَأَتِي وَأَنَا صَبِيٌّ أَوْ بِعْتُ دَارِي وَأَنَا صَبِيٌّ وَقَالَ طَلَّقْت امْرَأَتِي وَأَنَا مَجْنُونٌ وَقَدْ كَانَ جُنُونُهُ مَعْرُوفًا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ لِمَا ذَكَرْنَا. وَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى أَصْلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الِانْتِسَابَ إلَى عَادَةٍ مَعْهُودَةٍ مُتَنَافِيَةٍ لِلضَّمَانِ تُوجِبُ سُقُوطَ الْمُقَرِّ بِهِ وَالْآخَرُ أَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِسَبَبِ الضَّمَانِ ثُمَّ ادَّعَى مَا يُبْرِئُهُ لَا يُسْمَعُ مِنْهُ إلَّا بِحُجَّةٍ فَإِنْ قِيلَ إنَّ الْعَبْدَ قَدْ ادَّعَى تَارِيخًا سَابِقًا فِي إقْرَارِهِ وَالْمُقَرُّ لَهُ مُنْكِرٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَأُجِيبَ بِأَنَّ اعْتِبَارَ التَّارِيخِ لِلتَّرْجِيحِ بَعْدَ الْوُجُوبِ كَأَنْ قَالَ لَهَا قَطَعْتُ يَدَكِ لِأَصْلِهِ وَهُنَا هُوَ مُنْكِرٌ لِأَصْلِهِ فَصَارَ كَمَنْ يَقُولُ لِعَبْدِهِ أَعْتَقْتُك قَبْلَ أَنْ تُخْلَقَ أَوْ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ قَالَ لَهَا قَطَعْت يَدَك وَأَنْتِ أَمَتِي وَقَالَتْ بَعْدَ الْعِتْق فَالْقَوْلُ لَهَا وَكَذَا كُلُّ مَا أُخِذَ مِنْهَا إلَّا الْجِمَاعَ وَالْغَلَّةَ) وَهَذَا عِنْدَهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَضْمَنُ إلَّا شَيْئًا قَائِمًا بِعَيْنِهِ يُؤْمَرُ بِرَدِّهِ عَلَيْهَا لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ وُجُوبَ الضَّمَانِ لِإِسْنَادِ الْفِعْلِ إلَى حَالَةٍ مَعْهُودَةٍ مُنَافِيَةٍ لَهُ كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَكَمَا فِي الْوَطْءِ وَالْغَلَّةِ وَفِي الْقَائِمِ أَقَرَّ لِلضَّمَانِ حَيْثُ اعْتَرَفَ بِالْأَخْذِ مِنْهَا ثُمَّ ادَّعَى التَّمَلُّكَ عَلَيْهَا وَهِيَ تُنْكِرُ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ وَلِهَذَا يُؤْمَرُ بِالرَّدِّ عَلَيْهِمَا وَلَهُمَا أَنَّهُ أَقَرَّ بِسَبَبٍ ظَاهِرٍ ثُمَّ ادَّعَى مَا يُبْرِئُهُ فَلَا يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ كَمَا إذَا قَالَ لِغَيْرِهِ أَذْهَبْت عَيْنَك الْيُمْنَى وَعَيْنِي الْيُمْنَى صَحِيحَةٌ ثُمَّ فُقِئَتْ فَقَالَ الْمُقِرُّ لَا بَلْ أَذْهَبْتَهَا وَعَيْنُك الْيُمْنَى مَفْقُوءَةٌ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُقَرِّ لَهُ وَهَذَا إذَا لَمْ يُسْنِدْهُ إلَى حَالَةٍ مُنَافِيَةٍ لِلضَّمَانِ لِأَنَّهُ لَا يَضْمَنُ يَدَهَا إذَا قَطَعَهَا وَهِيَ مَدْيُونَةٌ. بِخِلَافِ الْوَطْءِ وَالْغَلَّةِ لِأَنَّ وَطْءَ الْمَوْلَى أَمَتَهُ الْمَدْيُونَةَ لَا يُوجِبُ الْعُقْرَ وَإِذَا أَخَذَهُ مِنْ غَلَّتِهَا أَوْ إنْ كَانَتْ مَدْيُونَةً لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَيْهِ فَحَصَلَ الْإِسْنَادُ إلَى حَالَةٍ مَعْهُودَةٍ مُنَافِيَةٍ لِلضَّمَانِ فِي حَقِّهَا أَيْ فِي حَقِّ الْغَلَّةِ وَالْوَطْءِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ قَالَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ حَرْبِيٍّ أَسْلَمَ أَخَذْت مَالَك وَأَنْتَ حَرْبِيٌّ فَقَالَ بَلْ أَخَذْتَهُ بَعْدَ مَا أَسْلَمْت وَفِي الْعِنَايَةِ وَمِثْلُهَا مَسْأَلَةُ الْحَرْبِيِّ وَصُورَتُهَا مُسْلِمٌ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ فَأَخَذَ مَالَ حَرْبِيٍّ ثُمَّ أَسْلَمَ الْحَرْبِيُّ ثُمَّ خَرَجَا إلَيْنَا فَقَالَ الْمُسْلِمُ أَخَذْت مِنْك وَأَنْتَ حَرْبِيٌّ وَقَالَ الْحَرْبِيُّ الَّذِي أَسْلَمَ أَخَذْتَ مِنِّي وَأَنَا مُسْلِمٌ فَالْقَوْلُ لِلْحَرْبِيِّ عَلَى الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ أَهُوَ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ إذَا قَالَ أَخَذْت مِنْك أَلْفَ دِرْهَمٍ مِنْ كَسْبِك وَأَنْتَ عَبْدِي وَقَالَ الْعَبْدُ لَا بَلْ أَخَذْته بَعْدَ الْعِتْقِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ مَا إذَا أَسْلَمَ الْحَرْبِيُّ أَوْ صَارَ ذِمِّيًّا فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مُسْلِمٌ قَطَعْت يَدَك وَأَنْتَ حَرْبِيٌّ وَأَخَذْت كَذَا وَكَذَا وَأَنْتَ حَرْبِيٌّ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَقَالَ الْحَرْبِيُّ لَا بَلْ فَعَلْت بَعْدَ مَا أَسْلَمْت أَوْ قَالَ بَعْدَمَا صِرْت إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ الْقَوْلُ قَوْلُ الْحَرْبِيِّ وَالْمُسْلِمُ ضَامِنٌ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْلِمِ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَإِذَا أَسْلَمَ الْحَرْبِيُّ فَقَالَ لِرَجُلٍ مُسْلِمٍ قَطَعْت يَدَك وَأَنَا حَرْبِيٌّ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَقَالَ الْمُسْلِمُ فَعَلْت مَا فَعَلْت وَأَنْتَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَذَكَرَ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ مِنْ الْأَصْلِ أَنَّهُ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ. وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ إذَا قَالَ لِجَارِيَتِهِ بَعْدَ مَا عَتَقَهَا وَطِئْتُك قَبْلَ الْعِتْقِ وَقَالَتْ الْجَارِيَةُ لَا بَعْدَ الْعِتْقِ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 427 الْمَوْلَى وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا لَهُ فَقَالَ الْعَبْدُ لِرَجُلٍ آخَرَ قَطَعْت يَدَك وَأَنَا عَبْدٌ وَقَالَ ذَلِكَ الرَّجُلُ لَا بَلْ بَعْدَ مَا أُعْتِقْت أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُقِرِّ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (عَبْدٌ مَحْجُورٌ أَمَرَ صَبِيًّا حُرًّا بِقَتْلِ رَجُلٍ فَقَتَلَهُ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ الصَّبِيِّ) لِأَنَّ الصَّبِيَّ هُوَ الْمُبَاشِرُ لِلْقَتْلِ وَعَمْدُهُ وَخَطَؤُهُ سَوَاءٌ تَجِبُ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْعَبْدِ الْآمِرِ وَكَذَا الْحُكْمُ إذَا أَمَرَهُ بِذَلِكَ صَبِيٌّ وَالْأَصْلُ أَنَّ الْأَمْرَ بِمَا لَا يَمْلِكُهُ الْآمِرُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْمَأْمُورُ بِفَسَادِ الْأَمْرِ صَحِيحٌ فِي حَقِّ الْآمِرِ وَالْمَأْمُورِ حَتَّى يَثْبُتَ لِلْمَأْمُورِ الرُّجُوعُ عَنْ الْأَمْرِ إذَا لَحِقَهُ غُرْمٌ فِي ذَلِكَ بَيَانُ ذَلِكَ أَمَرَ رَجُلًا بِأَنْ يَذْبَحَ هَذِهِ الشَّاةَ وَهِيَ لِجَارِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ الْمَأْمُورُ بِذَلِكَ فَإِنَّهُ يَصِحُّ الْأَمْرُ فِي حَقِّهِمَا حَتَّى إذَا ضَمِنَ الذَّابِحُ لِلْجَارِ قِيمَةَ الشَّاةِ يَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْآمِرِ فَإِنْ عَلِمَ أَنَّ الشَّاةَ لِغَيْرِهِ وَهُوَ حُرٌّ بَالِغٌ لَا يَصِحُّ الْأَمْرُ حَتَّى لَا يَرْجِعَ بِمَا لَحِقَهُ مِنْ مَغْرَمٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ عَامِلًا لِلْآمِرِ وَإِنْ كَانَ الْمَأْمُورُ صَبِيًّا يَصِحُّ الْأَمْرُ سَوَاءٌ كَانَ عَالِمًا بِفَسَادِ الْأَمْرِ حَتَّى لَا يَرْجِعَ بِمَا لَحِقَهُ مِنْ مَغْرَمٍ أَوْ لَا لِنُقْصَانِ عَقْلٍ وَيُلْحَقُ بِهِ الْمَجْنُونُ وَأَمَّا مَسْأَلَتُنَا فَالْأَصْلُ أَنَّ الصَّبِيَّ مُؤَاخَذٌ بِضَمَانِ الْأَفْعَالِ دُونَ الْأَقْوَالِ فِيمَا يَتَنَوَّعُ إلَى صَحِيحٍ وَفَاسِدٍ أَمَّا صِحَّةُ فِعْلِهِ فَلِصُدُورِهِ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ النَّوَادِرِ أَمَرَ صَبِيًّا بِقَتْلِ دَابَّةٍ أَوْ بِمَزْقِ ثَوْبٍ أَوْ بِأَكْلِ طَعَامٍ لِغَيْرِهِ. فَالضَّمَانُ عَلَى الصَّبِيِّ فِي مَالِهِ وَيَرْجِعُ بِذَلِكَ عَلَى الْآمِرِ وَلَوْ أَمَرَ الصَّبِيُّ بَالِغًا فَفَعَلَ لَمْ يَضْمَنْ الصَّبِيُّ وَلَوْ أَمَرَ الْحُرُّ الْبَالِغُ بِذَلِكَ فَالضَّمَانُ عَلَى الْفَاعِلِ وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ اُقْتُلْ ابْنِي أَوْ اقْطَعْ يَدَهُ أَوْ اُقْتُلْ أَخِي فَقَتَلَهُ اقْتَصَّ مِنْ الْقَاتِلِ قِيَاسًا وَتَجِبُ الدِّيَةُ اسْتِحْسَانًا وَلَا رُجُوعَ لِعَاقِلَةِ الصَّبِيِّ عَلَى الصَّبِيِّ الْآمِرِ أَبَدًا وَيَرْجِعُونَ عَلَى الْعَبْدِ الْآمِرِ بَعْدَ الْعِتْقِ لِأَنَّ عَدَمَ الِاعْتِبَار كَانَ لِحَقِّ الْمَوْلَى لَا بِنُقْصَانِ أَهْلِيَّةِ الْعَبْدِ وَقَدْ زَالَ حَقُّ الْمَوْلَى بِالْإِعْتَاقِ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ لِأَنَّهُ قَاصِرُ الْأَهْلِيَّةِ وَفِي شَرْحِ الزِّيَادَاتِ لَا تَرْجِعُ الْعَاقِلَةُ عَلَى الْعَبْدِ أَيْضًا أَبَدًا لِأَنَّ هَذَا ضَمَانُ جِنَايَةٍ وَهُوَ عَلَى الْمَوْلَى لَا عَلَى الْعَبْدِ وَقَدْ تَعَذَّرَ إيجَابُهُ عَلَى الْمَوْلَى لَمَّا كَانَ عَلَى الْعَبْدِ الْحَجْرُ وَهَذَا أَوْفَقُ لِلْقَوَاعِدِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَبْدَ إذَا أَقَرَّ بَعْدَ الْعِتْقِ بِالْقَتْلِ قَبْلَهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِكَوْنِهِ أَسْنَدَهُ إلَى حَالَةٍ مُنَافِيَةٍ لِلضَّمَانِ عَلَى مَا بَيَّنَّا قَبْلَ هَذَا وَلِهَذَا لَوْ حَفَرَ الْعَبْدُ بِئْرًا فَأَعْتَقَهُ مَوْلَاهُ ثُمَّ وَقَعَ فِيهَا إنْسَانٌ فَهَلَكَ لَا يَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ شَيْءٌ وَإِنَّمَا يُوجِبُ عَلَى الْمَوْلَى فَيَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ وَلَوْ مَاتَ فِيهَا أَلْفُ نَفْسٍ فَيَقْسِمُوهَا بِالْحِصَصِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكَذَا إنْ أَمَرَ عَبْدًا) مَعْنَاهُ أَنْ يَكُونَ الْآمِرُ عَبْدًا وَالْمَأْمُورُ أَيْضًا عَبْدًا مَحْجُورًا عَلَيْهِمَا فَيُخَاطَبُ مَوْلَى الْقَاتِلِ بِالدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ وَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْآمِرِ فِي الْحَالِ وَيَرْجِعُ بَعْدَ الْعِتْقِ بِالْأَقَلِّ مِنْ الْفِدَاءِ وَقِيمَةُ الْعَبْدِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُضْطَرٍّ فِي دَفْعِ الزِّيَادَةِ. وَعَلَى قِيَاسِ مَا ذَكَرَهُ الْعَتَّابِيُّ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِمَا بَيَّنَّا وَهَذَا إذَا كَانَ الْقَتْلُ خَطَأً وَكَذَا إذَا كَانَ عَمْدًا وَالْعَبْدُ الْقَاتِلُ صَغِيرًا لِأَنَّ عَمْدَهُ خَطَأٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَأَمَّا إذَا كَانَ كَبِيرًا يَجِبُ الْقِصَاصُ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْعُقُوبَةِ وَلَوْ أَمَرَ رَجُلٌ حُرٌّ صَبِيًّا حُرًّا فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الصَّبِيِّ لِأَنَّهُ الْمُبَاشِرُ ثُمَّ تَرْجِعُ الْعَاقِلَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الصَّبِيِّ لِأَنَّهُ الْمُتَسَبِّبُ إذْ لَوْلَا أَمْرُهُ لَمَا قَتَلَ لِضَعْفٍ فِيهِ وَلَا يُقَالُ كَيْفَ تَعْقِلُ عَاقِلَةُ الرَّجُلِ مَا لَزِمَ بِسَبَبِ الْقَتْلِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالْإِقْرَارِ لِأَنَّا نَقُولُ هَذَا قَوْلٌ لَا يَحْتَمِلُ الْكَذِبَ وَهُوَ تَسَبُّبٌ فَيُعَلِّقُهُ بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ بِالْقَتْلِ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْكَذِبَ فَلَا تَعْقِلُهُ الْعَاقِلَةُ وَلَوْ كَانَ الْمَأْمُورُ عَبْدًا مَحْجُورًا عَلَيْهِ كَبِيرًا أَوْ صَغِيرًا يُخَيَّرُ الْمَوْلَى بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ وَأَيُّهُمَا اخْتَارَ يَرْجِعُ بِالْأَقَلِّ عَلَى الْآمِرِ فِي مَالِهِ لِأَنَّ الْآمِرَ صَارَ غَاصِبًا لِلْعَبْدِ بِالْأَمْرِ كَمَا إذَا اسْتَخْدَمَهُ وَضَمَانُ الْغَصْبِ فِي مَالِهِ لَا عَلَى الْعَاقِلَةِ وَإِنْ كَانَ الْمَأْمُورُ حُرًّا بَالِغًا عَاقِلًا فَعَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ وَلَا تَرْجِعُ الْعَاقِلَةُ عَلَى الْآمِرِ بِحَالٍ لِأَنَّ أَمْرَهُ لَمْ يَصِحَّ وَلَا يُؤَثِّرُ وَهُوَ أَيْضًا يَأْمُرُ مِثْلَهُ لَا سِيَّمَا فِي الدَّمِ وَإِنْ كَانَ الْآمِرُ عَبْدًا مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ كَبِيرًا كَانَ أَوْ صَغِيرًا وَالْمَأْمُورُ عَبْدًا مَحْجُورًا عَلَيْهِ أَوْ مَأْذُونًا يُخَيَّرُ مَوْلَى الْمَأْمُورِ بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ وَأَيُّهُمَا فَعَلَ يَرْجِعُ عَلَى الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ لِأَنَّ هَذَا ضَمَانُ غَصْبٍ. وَإِنَّهُ مِنْ جِنْسِ ضَمَانِ التِّجَارَةِ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى تَمَلُّكِ الْمَضْمُونِ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ وَالْمَأْذُونُ لَهُ يُؤْخَذُ بِضَمَانِ التِّجَارَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمَأْمُورُ حُرًّا حَيْثُ لَا تَرْجِعُ عَاقِلَةُ الْمَأْمُورِ عَلَى الْآمِرِ فِي الْحَالِ وَلَا بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْغَصْبِ فِي الْحُرِّ وَلَوْ كَانَ الْمَأْمُورُ صَبِيًّا حُرًّا مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ حَتَّى يَرْجِعَ عَلَيْهِ فِيمَا إذَا كَانَ الْمَأْمُورُ عَبْدًا لِتَحَقُّقِ الْغَصْبِ فِيهِ وَيَكُونُ ذَلِكَ فِي مَالِهِ دُونَ الْعَاقِلَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِضَمَانِ جِنَايَةٍ وَإِنَّمَا هُوَ ضَمَانُ تِجَارَةٍ وَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ إذَا كَانَ الْمَأْمُورُ حُرًّا لِعَدَمِ تَصَوُّرِ الْغَصْبِ فِيهِ فَصَارَ الصَّبِيُّ الْآمِرُ فِي حَقِّهِ كَالصَّبِيِّ الْمَحْجُورِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 428 وَلَوْ كَانَ الْآمِرُ مُكَاتَبًا صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا وَالْمَأْمُورُ صَبِيٌّ حُرٌّ تَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الصَّبِيِّ وَتَرْجِعُ الْعَاقِلَةُ عَلَى الْمُكَاتَبِ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ لِأَنَّ هَذَا حُكْمُ جِنَايَةِ الْمُكَاتَبِ بِخِلَافِ الْقِنِّ فَإِنَّ حُكْمَ جِنَايَتِهِ عَلَى الْمَوْلَى فَيَجِبُ عَلَيْهِ إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا سَقَطَ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَإِنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ بَعْدَ مَا قَضَى الْقَاضِي عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ تُبَاعُ رَقَبَتُهُ إلَّا أَنْ يَفْدِيَ الْمَوْلَى بِدِيَتِهِمْ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَبْطُلَ حُكْمُ جِنَايَتِهِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ بِالْعَجْزِ صَارَ قِنًّا وَأَمْرُهُ لَا يَصْلُحُ وَهُمَا يَقُولَانِ لَمَّا قُضِيَ عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ صَارَ دَيْنًا عَلَيْهِ وَتَقَرَّرَ فَلَا يَسْقُطُ حَتَّى لَوْ عَجَزَ قَبْلَ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ بَطَلَ حُكْمُ جِنَايَتِهِ لِأَنَّ حُكْمَ جِنَايَتِهِ إنَّمَا يَصِيرُ دَيْنًا عَلَيْهِ بِالْقَضَاءِ وَلَمْ يُوجَدْ. وَإِنْ عَجَزَ بَعْدَمَا أَدَّى كُلَّ الْقِيمَةِ لَا يَبْطُلُ وَإِنْ كَانَ الْمَأْمُورُ عَبْدًا يُخَيَّرُ مَوْلَاهُ بَيْنَ الدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ ثُمَّ يَرْجِعُ عَلَى الْمُكَاتَبِ بِقِيمَةِ الْمَأْمُورِ إلَّا إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ الدِّيَةِ فَنَقَصَ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ بَقِيَ إشْكَالٌ وَهُوَ أَنْ يُقَالَ إنَّ هَذَا ضَمَانُ الْغَصْبِ فَفِيهِ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ فَكَيْفَ يَنْقُصُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ كَضَمَانِ الْجِنَايَةِ فَجَوَابُهُ هَذَا الْغَصْبُ لَكِنْ يَحْصُلُ بِسَبَبِ الْجِنَايَةِ فَاعْتُبِرَ بِهَا فِي حَقِّ التَّقْدِيرِ وَإِنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ فَمَوْلَى الْمَأْمُورِ يُطَالِبُ مَوْلَى الْمُكَاتَبِ بِبَيْعِهِ لِأَنَّ ضَمَانَ الْغَصْبِ لَا يَسْقُطُ بِعَجْزِ الْمُكَاتَبِ وَإِنْ أَعْتَقَ الْمَوْلَى الْمُكَاتَبَ فَالْمَأْمُورُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَجَعَ بِجَمِيعِ قِيمَةِ الْمَأْمُورِ عَلَى الْمُعْتِقِ وَبِالْفَضْلِ عَلَى الْمُعْتَقِ لِأَنَّهُ ضَمَانُ غَصْبٍ فَلَا يَبْطُلُ بِالْإِعْتَاقِ وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَى الْمَوْلَى بِقَدْرِ قِيمَةِ الْمُعْتِقِ إلَى تَمَامِ قِيمَةِ الْمَأْمُورِ وَإِنْ كَانَ الْمَأْمُورُ مُكَاتَبًا يَجِبُ عَلَى الْمَأْمُورِ ضَمَانُ قِيمَةِ نَفْسِهِ وَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْآمِرِ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ أَنْ يُجْعَلَ ضَمَانَ غَصْبٍ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ حُرٌّ مِنْ وَجْهٍ فَلَا يَكُونُ مَحَلًّا لِلْغَصْبِ صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ الصَّغِيرَ مُلْحَقٌ بِالْكَبِيرِ فَصَارَ كَالْحُرِّ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ إنْ كَانَ مَأْمُورًا قُيِّدَ بِقَوْلِهِ عَجَزَ لِأَنَّهُ لَوْ جَنَى قَبْلَ الْعَجْزِ لَا يُبَاعُ بَلْ يُخَيَّرُ الْمَوْلَى. قَالَ فِي الْمُحِيطِ مُكَاتَبٌ جَنَى جِنَايَاتٍ أَوْ وَاحِدَةً كَانَ عَلَى الْمَوْلَى الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ أَرْشِ الْجِنَايَاتِ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ مَمْلُوكٌ رَقَبَةً حُرٌّ يَدًا مُطْلَقًا وَتَصَرُّفًا فَبِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مَمْلُوكٌ رَقَبَةً تَكُونُ جِنَايَتُهُ عَلَى الْمَوْلَى. وَبِاعْتِبَارِ أَنَّهُ حُرٌّ يَدًا وَكَسْبًا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُوجِبُ جِنَايَتِهِ عَلَيْهِ عَلَى أَنَّ أَكْسَابَهُ حَقٌّ لَهُ وَقَدْ تَعَذَّرَ دَفْعُهُ بِمُوجِبِ الْجِنَايَةِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْأَقَلُّ مِنْ الْقِيمَةِ وَمِنْ الْأَرْشِ وَإِنْ تَكَرَّرَتْ الْجِنَايَاتُ قَبْلَ الْقَضَاءِ لَزِمَهُ قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ وَلَوْ جَنَى فَقُضِيَ عَلَيْهِ ثُمَّ جَنَى أُخْرَى يُقْضَى عَلَيْهِ بِقِيمَةٍ أُخْرَى خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَلَوْ قَتَلَ رَجُلًا وَلَمْ يُقْضَ عَلَيْهِ حَتَّى عَجَزَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ دَفَعَ بِالْجِنَايَةِ ثُمَّ يُبَاعُ فِي الدَّيْنِ وَإِنْ فَدَاهُ بِيعَ بِالدَّيْنِ وَلَوْ مَاتَ عَنْ مَالٍ قُضِيَ فِي مَالِهِ بِالْجِنَايَةِ ثُمَّ بِالْكِتَابَةِ ثُمَّ بِالْإِرْثِ لِأَنَّهُ مَاتَ عَنْ وَفَاءٍ فَلَا تَنْفَسِخُ الْكِتَابَةُ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَجِنَايَةٌ فَقُضِيَ عَلَيْهِ بِالْجِنَايَةِ فَالدَّيْنُ وَالْجِنَايَةُ سَوَاءٌ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ صَارَتْ دَيْنًا بِالْقَضَاءِ وَإِنْ لَمْ يُقْضَ بِالْجِنَايَةِ فَحُكْمُ مَا تَقَدَّمَ مُكَاتَبَةٌ جَنَتْ ثُمَّ وَلَدَتْ وَلَمْ يُقْضَ دَفَعَتْ وَحْدَهَا وَلَوْ قُضِيَ عَلَيْهَا ثُمَّ وَلَدَتْ بِيعَتْ فَإِنْ وَفَّى ثَمَنَهَا بِالْجِنَايَةِ وَإِلَّا بِيعَ وَلَدُهَا لِأَنَّ الْوَلَدَ الْمَوْلُودَ فِي الْكِتَابَةِ حُكْمُهُ حُكْمُ أُمِّهِ وَلَوْ كَاتَبَ نِصْفَ أَمَتِهِ فَجَنَى أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ لَزِمَ الْجَانِيَ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ نِصْفِ الْجِنَايَةِ وَجِنَايَةُ عَبْدِ الْمُكَاتَبِ كَجِنَايَةِ عَبْدِ الْحُرِّ وَلَوْ جَنَى الْمُكَاتَبُ عَلَى مَوْلَاهُ أَوْ عَلَى عَبْدِ مَوْلَاهُ أَوْ عَلَى ابْنِ مَوْلَاهُ كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَلَيْهِمْ كَالْجِنَايَةِ عَلَى غَيْرِهِمْ لِأَنَّ جِنَايَةَ الْمُكَاتَبِ عَلَيْهِمَا مُعْتَبَرَةٌ وَإِذَا كَانَ مُكَاتَبٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ يُعْتَبَرُ كُلُّ نِصْفٍ مِنْهُ عَلَى حِدَةٍ فِي الْأَحْكَامِ الْمُتَقَدِّمَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْكِتَابَةَ تَتَجَزَّأُ. وَلَوْ كَانَتْ أَمَةً مُشْتَرَكَةً فَكَاتَبَهَا أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ فَوَلَدَتْ وَكَاتَبَ الْآخَرُ نَصِيبَهُ مِنْ الْوَلَدِ ثُمَّ جَنَى الْوَلَدُ عَلَى الْأُمِّ أَوْ الْأُمُّ عَلَيْهِ لَزِمَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ قِيمَةِ الْمَقْتُولِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَلَوْ أَقَرَّ الْمُكَاتَبُ بِالْجِنَايَةِ الْمَبْسُوطِ أَصْلُهُ أَنَّ الْمُكَاتَبَ فِي حَقِّ جِنَايَةٍ تُوجِبُ الْمَالَ بِمَنْزِلَةِ الْحُرِّ لِأَنَّهُ اسْتِيجَابُ الْمَالِ عَلَى نَفْسِهِ وَالْمُكَاتَبُ مِنْ أَهْلِ اسْتِيجَابِ الْمَالِ عَلَى نَفْسِهِ بِخِلَافِ الْعَبْدِ لَوْ أَقَرَّ بِجِنَايَةٍ تُوجِبُ الْمَالَ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ مُوجِبَهَا يَجِبُ عَلَى مَوْلَاهُ فَجُعِلَ مُقِرًّا عَلَى مَوْلَاهُ فَلَمْ يَصِحَّ وَإِذَا أَقَرَّ الْمُكَاتَبُ بِجِنَايَةٍ عَمْدًا أَوْ خَطَأً لَزِمَهُ لِأَنَّهُ فِي حَقِّ الْجِنَايَةِ مُلْحَقٌ بِالْحُرِّ وَلَوْ قُضِيَ عَلَيْهِ بِجِنَايَةٍ خَطَأً ثُمَّ عَجَزَ هَدَرَ مُوجِبُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يُؤْخَذُ وَيُبَاعُ فِيهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُكَاتَبَ لَوْ أَقَرَّ بِجِنَايَةٍ مُوجِبَةٍ لِلْمَالِ لَا يُؤَاخَذُ بِهِ وَلَوْ عَجَزَ عِنْدَهُ وَصَارَ دَيْنًا عَلَيْهِ أَوْ لَا وَعِنْدَهُمَا يُؤْخَذُ بِهِ إذَا صَارَ دَيْنًا عَلَيْهِ بِالْقَضَاءِ وَلَوْ أُعْتِقَ ضَمِنَ قُضِيَ بِهَا أَوْ لَا وَكَذَلِكَ لَوْ صَالَحَ وَلِيُّ الْعَمْدِ وَقَدْ أَقَرَّ بِهِ ثُمَّ عَجَزَ هُدِرَتْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَهُمَا يُبَاعُ فِيهِ لِأَنَّ الْقِصَاصَ بَعْدَ الصُّلْحِ صَارَ مُوجِبًا لِلْمَالِ وَأَصْلُ الْجِنَايَةِ ثَبَتَ بِإِقْرَارِهِ وَمَنْ أَقَرَّ بِجِنَايَةٍ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 429 مُوجِبَةٍ لِلْمَالِ لَا يُؤَاخَذُ بِهِ بَعْدَ الْعَجْزِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يُؤَاخَذُ بِهِ إذَا صَارَ دَيْنًا عَلَيْهِ بِالصُّلْحِ وَلَوْ أَقَرَّ الْوَلَدُ عَلَى أُمِّهِ بِجِنَايَةٍ لَمْ يَثْبُتْ. فَإِنْ مَاتَتْ الْأُمُّ لَزِمَهُ الْأَقَلُّ مِنْ الدَّيْنِ وَالْكِتَابَةِ لِأَنَّ الْفَاضِلَ مِنْ الدَّيْنِ الْمَوْرُوثِ يَكُونُ لَهُ فَيُقَدَّرُ الْفَضْلُ مِنْ دَيْنِهِ جُعِلَ مُقِرًّا عَلَى نَفْسِهِ وَصَارَ كَالْحُرِّ إذَا أَقَرَّ عَلَى مُوَرِّثِهِ بِدَيْنٍ ثُمَّ مَاتَ الْمُوَرِّثُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ صَحَّ الْإِقْرَارُ بِالْفَاضِلِ مِنْ دَيْنِهِ فَكَذَا هَذَا وَإِذَا عَجَزَ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهُ لِأَنَّهُ صَارَ قِنًّا وَإِنْ كَانَ أَدَّى ثُمَّ عَجَزَ لَا يَسْتَرِدُّ مِنْ الْمُقَرِّ لَهُ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِذَلِكَ قَدْ صَحَّ وَلَوْ أَقَرَّتْ الْأُمُّ عَلَى ابْنِهَا بِجِنَايَةٍ ثُمَّ قُتِلَ الِابْنُ خَطَأً وَأَخَذَتْ قِيمَتَهُ قُضِيَ بِمَا أَقَرَّتْ فِي الْقِيمَةِ لِأَنَّ بَدَلَ الْوَلَدِ يَكُونُ لِلْأُمِّ كَكَسْبِهِ فَصَارَتْ مُقِرَّةً عَلَى نَفْسِهَا وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّتْ عَلَى ابْنِهَا بِدَيْنٍ وَفِي يَدِهِ مَالٌ وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ جَازَ إقْرَارُهَا بِالدَّيْنِ فِي كَسْبِهِ لِأَنَّ كَسْبَ وَلَدِهَا لَهَا فَصَارَتْ مُقِرَّةً عَلَى نَفْسِهَا عَبْدٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَقَأَ الْعَبْدُ عَيْنَ أَحَدِهِمَا ثُمَّ جَرَحَهُ ثُمَّ كَاتَبَ الْمَفْقُوءَةُ عَيْنُهُ نَصِيبَهُ مِنْهُ ثُمَّ جَرَحَهُ جُرْحًا آخَرَ فَمَاتَ مِنْهَا سَعَى الْمُكَاتَبُ فِي الْأَقَلِّ مِنْ نِصْفِ الْقِيمَةِ وَرُبْعِ الدِّيَةِ وَعَلَى الْمَوْلَى الَّذِي لَمْ يُكَاتَبْ نِصْفُ قِيمَةِ الْعَبْدِ لِوَرَثَةِ الْمَقْتُولِ لِأَنَّهُ قُتِلَ بِجِنَايَتَيْنِ لِأَنَّهُ جَنَى عَلَيْهِ قَبْلَ الْكِتَابَةِ وَبَعْدَهَا فَمَا تَلِفَ بِالْجِنَايَةِ قَبْلَ الْكِتَابَةِ وَهُوَ الرُّبْعُ هَدَرٌ لِأَنَّهُ جِنَايَةُ عَبْدٍ عَلَى مَوْلَاهُ وَمَا تَلِفَ بِالْجِنَايَةِ بَعْدَ الْكِتَابَةِ وَهُوَ الرُّبْعُ مُعْتَبَرَةٌ لِأَنَّهُ جِنَايَةُ مُكَاتَبٍ عَلَى مَوْلَاهُ فَيَضْمَنُ الْمُكَاتَبُ الْأَقَلَّ مِنْ نِصْفِ قِيمَتِهِ وَمِنْ رُبْعِ الدِّيَةِ لِأَنَّهُ لَمَّا هُدِرَتْ بِالْجِنَايَةِ قَبْلَ الْكِتَابَةِ صَارَ كَأَنَّهُ جَنَى نِصْفَ الْمُكَاتَبِ عَلَى رُبْعِ مَوْلَاهُ لَا غَيْرُ. وَأَمَّا نِصْفُ السَّاكِتِ فَلِأَنَّهُ قَتَلَ الْحُرَّ بِجِنَايَتَيْنِ لِأَنَّهُ جَنَى عَلَيْهِ قَبْلَ الْكِتَابَةِ بَعْدَهَا فَمَا تَلِفَ بِالْجِنَايَةِ قَبْلَ الْكِتَابَةِ وَهُوَ الرُّبْعُ هَدَرٌ لِأَنَّهُ جِنَايَةُ عَبْدِ الْغَيْرِ عَلَى أَجْنَبِيٍّ فَضَمِنَ السَّاكِتُ نِصْفَ الْقِيمَةِ مَا لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ نَصِيبُهُ بِضَمَانٍ أَوْ سِعَايَةٍ لِأَنَّ قِيمَةَ نَصِيبِهِ بِالْكِتَابَةِ وَجَبَتْ عَلَى الْمُكَاتَبِ حَالَ حَيَاتِهِ فَمَا لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ حَقُّهُ مِنْ تَرِكَتِهِ لَا يَلْزَمُهُ أَيْضًا نِصْفُ الْقِيمَةِ عَبْدٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَجَنَى عَلَى أَحَدِهِمَا ثُمَّ بَاعَ الْآخَرُ نِصْفَ نَصِيبِهِ مِنْ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَهُوَ يَعْلَمُ بِالْجِنَايَةِ ثُمَّ جَنَى عَلَيْهِ بِجِنَايَةٍ أُخْرَى ثُمَّ إنَّ الَّذِي بَاعَ نِصْفَهُ اشْتَرَى الرُّبْعَ وَكَاتَبَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ نَصِيبَهُ مِنْهُ ثُمَّ جَنَى عَلَيْهِ ثَلَاثَ جِنَايَاتٍ ثُمَّ أَدَّى الْكِتَابَةَ فَعَتَقَ ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى مِنْ الْجِنَايَاتِ فَعَلَى الْمُكَاتَبِ بِجِنَايَتِهِ وَهُوَ مُكَاتَبٌ الْأَقَلُّ مِنْ نِصْفِ قِيمَةِ الْعَبْدِ وَمِنْ سُدُسِ وَرُبْعِ سُدُسِ الدِّيَةِ لِأَنَّ نِصْفَ الْمُكَاتَبِ قَبْلَ نِصْفِ الْحُرِّ بِثَلَاثِ جِنَايَاتٍ جِنَايَتَانِ قَبْلَ الْكِتَابَةِ وَهُمَا مُهْدَرَتَانِ لِأَنَّهُمَا جِنَايَةُ عَبْدٍ عَلَى مَوْلَاهُ وَجِنَايَةٌ بَعْدَ الْكِتَابَةِ وَهِيَ مُعْتَبَرَةٌ لِأَنَّهَا جِنَايَةُ الْمُكَاتَبِ عَلَى مَوْلَاهُ فَالْمُهْدَرَتَانِ صَارَتَا كَجِنَايَةٍ وَاحِدَةٍ لِأَنَّ حُكْمَهُمَا وَاحِدٌ فَبَقِيَتْ جِنَايَتَانِ أَحَدُهُمَا مُهْدَرَةٌ وَالْأُخْرَى مُعْتَبَرَةٌ فَيَضْمَنُ الْمُكَاتَبُ رُبْعَ الدِّيَةِ وَأَمَّا نِصْفُ السَّاكِتِ فَرُبْعُهُ الْمَبِيعُ قَبْلَ رُبْعِ الْحُرِّ بِثَلَاثِ جِنَايَاتٍ جِنَايَةٌ قَبْلَ الْبَيْعِ وَهِيَ مُعْتَبَرَةٌ لِأَنَّهَا جِنَايَةُ مَمْلُوكٍ عَلَى مَوْلَاهُ وَجِنَايَةٌ بَعْدَ الْكِتَابَةِ وَهِيَ مُعْتَبَرَةٌ لِأَنَّهَا جِنَايَةُ مَمْلُوكٍ عَلَى أَجْنَبِيٍّ فَسَهْمَانِ مِنْ هَذَا الرُّبْعِ مَضْمُونٌ وَسَهْمٌ مُهْدَرَةٌ وَصَارَ كُلُّ رُبْعٍ عَلَى ثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ وَالْكُلُّ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ وَالرُّبْعُ الَّذِي لَمْ يَبِعْهُ قَبْلَ رُبْعِ الْحُرِّ بِثَلَاثِ جِنَايَاتٍ جِنَايَةٌ قَبْلَ الْبَيْعِ وَقَدْ تَلِفَ بِهَا سَهْمٌ مِنْ الْحُرِّ. وَقَدْ صَارَ الْمَوْلَى مُخْتَارًا لِذَلِكَ السَّهْمِ مِنْ الدِّيَةِ بِالْبَيْعِ وَجِنَايَةٌ بَعْدَ الْبَيْعِ وَجِنَايَةٌ بَعْدَ الْكِتَابَةِ وَهُمَا مُعْتَبَرَتَانِ لِأَنَّهُمَا جِنَايَةُ مَمْلُوكٍ عَلَى أَجْنَبِيٍّ فَهَاتَانِ الْجِنَايَتَانِ حُكْمُهُمَا وَاحِدٌ فَيُعْتَبَرَانِ كَجِنَايَةٍ وَاحِدَةٍ فَصَارَ كَأَنَّ هَذَا الرُّبْعَ جَنَى جِنَايَتَيْنِ فَصَارَ الْمَوْلَى مُخْتَارًا لِسَهْمَيْنِ وَنِصْفٍ مِنْ النِّصْفِ الَّذِي لِلسَّاكِتِ فَيَكُونُ سُدُسًا وَرُبْعَ سُدُسٍ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ وَلَمْ يَصِرْ مُخْتَارًا لِسَهْمَيْنِ وَنِصْفِ سَهْمٍ، نِصْفٌ مِنْ الرُّبْعِ وَسَهْمَانِ مِنْ الرُّبْعِ الَّذِي بَاعَهُ وَهُوَ هَدَرَ نِصْفَ سُدُسِ الدِّيَةِ وَذَلِكَ سَهْمٌ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ وَلَوْ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ ثُمَّ بَاعَهُ أَحَدُهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ وَهُوَ يَعْلَمُ ثُمَّ اشْتَرَاهُ فَقَطَعَ يَدَ آخَرَ وَفَقَأَ عَيْنَ الْأَوَّلِ فَمَاتَا قِيلَ لِلْمُشْتَرِي ادْفَعْ نِصْفَك إلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ أَوْ افْدِهِ بِعَشَرَةِ آلَافٍ بَيْنَهُمَا وَقِيلَ لِلْبَائِعِ افْدِ الْأَوَّلَ بِرُبْعِ الدِّيَةِ أَوْ ادْفَعْ نِصْفَك إلَيْهِمَا أَثْلَاثًا ثُلُثَهُ لِلْأَوَّلِ وَثُلُثَهُ لِلثَّانِي أَوْ افْدِهِ مِنْ الْأَوَّلِ بِرُبْعِ الدِّيَةِ وَمِنْ الثَّانِي بِنِصْفٍ لِأَنَّ النِّصْفَ الَّذِي لَمْ يُبَعْ قَبْلَ نِصْفِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَّا أَنَّ نِصْفَ أَحَدِهِمَا بِجِنَايَتَيْنِ وَالْأُخْرَى بِجِنَايَةٍ وَاحِدَةٍ وَكِلَاهُمَا مُعْتَبَرَتَانِ فَيُخَاطَبُ بِالدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ وَالنِّصْفُ الَّذِي بَاعَ قَبْلَ نِصْفِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَّا أَنَّ نِصْفَ أَحَدِهِمَا بِجِنَايَتَيْنِ بِجِنَايَةٍ قَبْلَ الْبَيْعِ وَهِيَ الْقَطْعُ وَقَدْ صَارَ مُخْتَارًا لِلْبَيْعِ الَّذِي تَلِفَ بِهَذِهِ الْجِنَايَةِ بِالْبَيْعِ فَعَلَيْهِ رُبْعُ الدِّيَةِ وَبِجِنَايَةٍ بَعْدَ الْبَيْعِ وَهِيَ الْفَقْءُ وَلَمْ يَصِرْ مُخْتَارًا لِمَا تَلِفَ بِهَذِهِ الْجِنَايَةِ فَتَيَقَّنَ فِي نَصِيبِهِ رُبْعُ دِيَةِ أَحَدِهِمَا وَنِصْفُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 430 دِيَةِ الْآخَرِ فَيَدْفَعُ نَصِيبَهُ إلَيْهِمَا أَثْلَاثًا أَوْ الْفِدَاءَ كَذَا فِي الْمُحِيطِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (عَبْدٌ قَتَلَ رَجُلَيْنِ عَمْدًا وَلِكُلٍّ وَلِيَّانِ فَعَفَا أَحَدُ وَلِيَّيْ كُلٍّ مِنْهُمَا دَفَعَ سَيِّدُهُ نِصْفَهُ إلَى الْآخَرِينَ أَوْ فَدَاهُ بِالدِّيَةِ) أَيْ لِلْمَوْلَى الْخِيَارُ إنْ شَاءَ دَفَعَ نِصْفَ الْعَبْدِ إلَى الَّذِي لَمْ يَعْفُ مِنْ وَلِيَّيْ الْقَتِيلَيْنِ وَإِنْ شَاءَ فَدَاهُ بِدِيَةٍ كَامِلَةٍ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْقَتِيلَيْنِ يَجِبُ لَهُ قِصَاصٌ كَامِلٌ عَلَى حِدَةٍ فَإِذَا سَقَطَ الْقِصَاصُ وَجَبَ أَنْ يَنْقَلِبَ كُلُّهُ مَالًا وَذَلِكَ دِيَتَانِ فَيَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى عِشْرُونَ أَلْفًا وَدُفِعَ الْعَبْدُ غَيْرَ أَنَّ نَصِيبَ الْعَافِينَ سَقَطَ مَجَّانًا فَانْقَلَبَ نَصِيبُ السَّاكِتِينَ مَالًا وَذَلِكَ دِيَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ أَوْ دُفِعَ نِصْفُ الْعَبْدِ لَهُمَا فَيُخَيَّرُ الْمَوْلَى بَيْنَهُمَا كَذَا ذَكَرَ الشَّارِحُ قَالَ فِي الْمُحِيطِ عَبْدَانِ الْتَقَيَا وَمَعَ كُلِّ وَاحِدٍ عَصًا فَاضْطَرَبَا وَبَرِئَا دَفَعَ مَوْلَى كُلِّ وَاحِدٍ بِالْآخَرِ وَلَا يَرْجِعَانِ بِشَيْءٍ سِوَى ذَلِكَ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَلَكَ عَبْدَهُ مِنْ صَاحِبِهِ وَلَا يُفِيدُ التَّرَاجُعَ لِأَنَّهُ لَوْ رَجَعَ أَحَدُهُمَا لَرَجَعَ الْآخَرُ لِأَنَّ حَقَّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَبَتَ فِي رَقَبَةٍ كَامِلَةٍ فَمَا يَأْخُذُ أَحَدُهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ فَذَاكَ بَدَلٌ آخَرُ وَتَعَلَّقَ بِهِ حَقُّهُ فَلَا يُفِيدُ الرُّجُوعَ وَإِنْ اخْتَارَ الْفِدَاءَ فَدَى كُلَّ وَاحِدٍ بِجَمِيعِ أَرْشِ جِنَايَتِهِ لِأَنَّهُمَا لَمَّا اضْطَرَبَا مَعًا فَقَدْ جَنَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى عَبْدٍ صَحِيحٍ فَتَعَلَّقَ حَقُّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَوْلَيَيْنِ بِعَبْدٍ صَحِيحٍ فَيَجِبُ بَدَلُ عَبْدٍ صَحِيحٍ وَإِنْ سَبَقَ أَحَدُهُمَا بِالضَّرْبَةِ خُيِّرَ مَوْلَى الْبَادِئِ لِأَنَّ الْبِدَايَةَ مِنْ مَوْلَى اللَّاحِقِ لَا تُفِيدُ لِأَنَّ حَقَّ اللَّاحِقِ فِي عَبْدٍ صَحِيحٍ كَامِلِ الرَّقَبَةِ فَإِذَا دَفَعَ إلَى الْبَادِئِ عَبْدَهُ مَشْجُوجًا كَانَ لِلَّاحِقِ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ مِنْهُ فَكَانَ دَفْعُهُ مُفِيدًا. فَإِنْ دَفَعَهُ فَالْعَبْدُ لِلْمَدْفُوعِ إلَيْهِ وَلَا شَيْءَ لِلدَّافِعِ لِأَنَّهُ لَوْ رَجَعَ الْبَادِئُ بِشَيْءٍ كَانَ لِلْمَدْفُوعِ إلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ ثَانِيًا لِأَنَّ حَقَّهُ فِي رَقَبَةِ عَبْدٍ صَحِيحٍ فَلَا يُفِيدُ رُجُوعُ الْبَادِئِ وَإِنْ فَدَاهُ خُيِّرَ الْمَوْلَى اللَّاحِقُ بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ لِأَنَّهُ بَرِئَ عَبْدُ الْبَادِئِ عَنْ الْجِنَايَةِ بِالْفِدَاءِ وَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَجْنِ وَإِنْ جَنَى عَلَيْهِ الْعَبْدُ اللَّاحِقُ فَإِنْ مَاتَ الْبَادِئُ كَانَتْ قِيمَتُهُ فِي عُنُقِ الثَّانِي يَدْفَعُ بِهَا أَوْ يَفْدِي فَإِنْ فَدَاهُ بِقِيمَةِ الْمَيِّتِ يَرْجِعُ فِي تِلْكَ الْقِيمَةِ بِأَرْشِ جِرَاحَةِ عَبْدٍ وَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَجْنِ وَإِنَّمَا جَنَى عَلَيْهِ الْبَادِئُ وَالْبَادِئُ إنْ مَاتَ فَالْقِيمَةُ قَائِمَةٌ مَقَامَهُ لِأَنَّهُ حَيٌّ قَائِمٌ وَإِنْ دَفَعَهُ رَجَعَ بِأَرْشِ شَجَّةِ عَبْدِهِ فِي عُنُقِهِ وَيُخَيَّرُ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ لِأَنَّ الْمَدْفُوعَ قَامَ مَقَامَ الْمَيِّتِ الشَّاجِّ وَإِنْ مَاتَ الْعَبْدُ الْقَاتِلُ خُيِّرَ مَوْلَى الْعَبْدِ الْبَادِئِ فَإِنْ فَدَاهُ أَوْ دَفَعَ بَطَلَ حَقُّهُ فِي شَجَّتِهِ لِأَنَّهُ حِينَ شَجَّ اللَّاحِقُ الْبَادِئَ كَانَ اللَّاحِقُ مَشْجُوجًا فَثَبَتَ حَقُّ مَوْلَى الْبَادِئِ فِي شَجَّةِ عَبْدِهِ وَلَوْ مَاتَ الْبَادِئُ مِنْ شَيْءٍ آخَرَ سِوَى الْجِنَايَةِ وَبَقِيَ اللَّاحِقُ خُيِّرَ الْمَوْلَى وَيُقَالُ لَهُ إذَا شِئْت ادْفَعْ وَاعْفُ عَنْ مَوْلَى اللَّاحِقِ وَلَا سَبِيلَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ وَإِنْ شِئْت ادْفَعْ أَرْشَ شَجَّةِ اللَّاحِقِ وَطَالِبْهُ فَإِنْ دَفَعَ إلَى صَاحِبِهِ أَرْشَ عَبْدِهِ يَرْجِعُ بِأَرْشِ جِنَايَةِ عَبْدِهِ فَيَدْفَعُ مَوْلَى اللَّاحِقِ عَبْدَهُ أَوْ يَفْدِهِ أَمَّا الْعَفْوُ فَلِأَنَّهُ مَوْلَى الْبَادِئِ بِجِنَايَتِهِ وَإِذَا دَفَعَ كَانَ لِمَوْلَى اللَّاحِقِ أَنْ يُطَالِبَهُ بِأَرْشِ شَجَّةِ عَبْدِهِ وَكَانَ لِمَوْلَى الْبَادِئِ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ الْعَبْدَ الْمَدْفُوعَ ثَانِيًا لِيَبْرَأَ عَنْ حَقِّهِ فَلَا يُفِيدُ الدَّفْعُ. وَإِنَّمَا دَفَعَ أَرْشَ شَجَّةِ اللَّاحِقِ لِأَنَّهُ مَتَى دَفَعَ أَرْشَ عَبْدِ اللَّاحِقِ فَقَدْ طَهُرَ الْبَادِئُ عَنْ الْجِنَايَةِ وَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَجْنِ وَإِنَّمَا جَنَى عَلَيْهِ الْعَبْدُ اللَّاحِقُ فَيُخَاطَبُ مَوْلَى اللَّاحِقِ بِالدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ وَأَيُّ ذَلِكَ اخْتَارَ لَا يَبْقَى لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ سَبِيلٌ لِأَنَّهُ وَصَلَ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَقُّهُ وَإِنْ أَبَى مَوْلَى الْبَادِئِ أَنْ يَدْفَعَ الْأَرْشَ فَلَا تَعَلُّقَ لَهُ فِي عُنُقِ الْحُرِّ لِأَنَّ مَوْلَى الْبَادِئِ كَانَ مُخَيَّرًا بَيْنَ الْعَفْوِ وَبَيْنَ دَفْعِ الْأَرْشِ وَالْمُطَالَبَةِ بِشَجَّةِ عَبْدِهِ فَإِذَا امْتَنَعَ مِنْ دَفْعِ الْأَرْشِ صَارَ مُخْتَارًا لِلْعَفْوِ وَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ عَفَوْتُك عَنْ حَقِّي فَبَطَلَ حَقُّهُ وَلَوْ مَاتَ اللَّاحِقُ وَبَقِيَ الْبَادِئُ خُيِّرَ مَوْلَاهُ فَإِنْ دَفَعَهُ بَطَلَ حَقُّهُ وَإِنْ فَدَاهُ بِأَرْشٍ فَدَاهُ عَبْدُهُ فِي الْفِدَاءِ لِأَنَّ الْبَادِئَ طَهُرَ عَنْ الْجِنَايَةِ فَلَا يَكُونُ لِمَوْلَى اللَّاحِقِ أَنْ يَسْتَرْجِعَ مِنْهُ الْأَرْشَ ثَانِيًا فَأَمَّا الدَّفْعُ لَمْ يَظْهَرْ عَنْ الْجِنَايَةِ فَبَقِيَ حَقُّ مَوْلَى اللَّاحِقِ مُتَعَلِّقًا بِمَا فَاتَ بِالشَّجَّةِ مِنْ الْعَبْدِ الْبَادِئِ وَالْعَبْدِ الْمَدْفُوعِ بَدَلُهُ فَيَتَعَلَّقُ حَقُّهُ بِبَدَلِهِ فَلَوْ رَجَعَ مَوْلَى الْبَادِئِ بِأَرْشِ شَجَّتِهِ كَانَ لِمَوْلَى اللَّاحِقِ أَنْ يَسْتَرْجِعَ مِنْهُ لِأَنَّ حَقَّهُ كَانَ مُتَعَلِّقًا بِالْفَائِتِ مِنْ الْفَائِتِ الْبَادِئِ فَلَا يُفِيدُ الرُّجُوعُ وَلَوْ بَرِئَا ثُمَّ قَتَلَ الْبَادِئُ اللَّاحِقَ جَرِيحًا كَانَ فِي عُنُقِ الْبَادِئِ أَرْشُ اللَّاحِقِ وَقِيمَتُهُ وَيُخَيَّرُ بَيْنَ دَفْعِهِ وَفِدَائِهِ فَإِنْ دَفَعَهُ فَلَا شَيْءَ لَهُ لِمَا بَيَّنَّا وَإِنْ فَدَاهُ فَدَاهُ بِأَرْشِ الشَّجَّةِ وَقِيمَةِ الْمَقْتُولِ لِأَنَّ الْبَادِئَ شَجَّ اللَّاحِقَ ثُمَّ قَتَلَهُ مَشْجُوجًا فَيَلْزَمُهُ أَرْشُ الشَّجَّةِ وَقِيمَتُهُ مَشْجُوجًا مَتَى اخْتَارَ الْفِدَاءَ وَيُسَلِّمُ أَرْشَ شَجَّةِ الْمَقْتُولِ لِمَوْلَاهُ خَاصَّةً. وَيَكُونُ أَرْشُ شَجَّةِ الْحَيِّ فِي هَذِهِ الْقِيمَةِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 431 يَأْخُذُ مَوْلَاهُ مِنْهَا وَمَا بَقِيَ لِمَوْلَى الْمَقْتُولِ لِأَنَّ حَقَّ مَوْلَى الْبَادِئِ إنَّمَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ اللَّاحِقِ وَهُوَ مَشْجُوجٌ لِأَنَّهُ حِينَ جَنَى عَلَى الْبَادِئِ وَهُوَ مَشْجُوجٌ فَيَأْخُذُ مِنْ قِيمَتِهِ مَشْجُوجًا أَرْشَ شَجَّةِ الْبَادِئِ فَإِنْ فَضَلَ مِنْهُ شَيْءٌ يَكُونُ لِمَوْلَى اللَّاحِقِ لِأَنَّهُ بَدَلُ عَبْدِهِ وَقَدْ فَرَغَ عَنْ حَقِّ الْغَيْرِ وَلَوْ قَتَلَ الْبَادِئُ اللَّاحِقَ فَإِنْ لَمْ يَطْلُبْ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ الْجِنَايَةَ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا عَلَى صَاحِبِهِ شَيْءٌ لِأَنَّ مَوْلَى الْمَقْتُولِ يُخَيَّرُ بَيْنَ الْعَفْوِ وَالْفِدَاءِ بِأَرْشِ الشَّجَّةِ الثَّانِيَةِ وَإِنْ طَلَبَ الْجِنَايَةَ بَدَأَ عَنْهُ بِأَرْشِ الْحَيِّ ثُمَّ خُيِّرَ مَوْلَى الْحَيِّ بَيْنَ أَنْ يَدْفَعَ عَبْدَهُ أَوْ يَفْدِيَهُ بِقِيمَةِ الْمَقْتُولِ وَيُسَلِّمُ ذَلِكَ لِوَلِيِّ الْمَقْتُولِ لِأَنَّ الْعَبْدَ اللَّاحِقَ قَبْلَ الْبَادِئِ مَشْجُوجًا فَيُخَيَّرُ مَوْلَاهُ بَيْنَ دَفْعِهِ وَفِدَائِهِ بِقِيمَتِهِ مَشْجُوجًا وَأَيُّ ذَلِكَ فَعَلَ لَا يَبْقَى لِأَحَدِهِمَا عَلَى صَاحِبِهِ سَبِيلٌ لِأَنَّهُ وَصَلَ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَقُّهُ وَلَوْ قَتَلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ بَعْدَ مَا بَرِئَا وَلَا يُعْلَمُ الْبَادِئُ بِالشَّجَّةِ خُيِّرَ مَوْلَى الْقَاتِلِ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَتْ الْبُدَاءَةُ بِالْبَادِئِ لِلْجَهَالَةِ وَلَوْ تَعَذَّرَتْ الْبُدَاءَةُ بِسَبَبِ مَوْتِ الْبَادِئِ تَعَذَّرَ الْقَتْلُ فَكَذَا هَذَا فَإِنْ دَفَعَ عَبْدَهُ كَانَ لَهُ نِصْفُ أَرْشِ شَجَّةِ الْمَقْتُولِ وَعَلَى قِيمَتِهِ مَشْجُوجًا فَيَأْخُذُ الَّذِي دَفَعَهُ مِنْ حِصَّتِهِ قِيمَتَهُ مَشْجُوجًا مِنْ الْعَبْدِ الْمَدْفُوعِ أَوْ يَفْدِيَهُ لِأَنَّ الْقَاتِلَ بِالدَّفْعِ قَامَ مَقَامَ الْمَقْتُول لَحْمًا وَدَمًا فَصَارَ كَأَنَّ الْمَقْتُولَ بَقِيَ حَيًّا لَوْلَاهُ يَرْجِعُ بِنِصْفِ أَرْشِ شَجَّةِ عَبْدِهِ مَتَى اخْتَارَ الدَّفْعَ. فَكَذَا إذَا دَفَعَ بَدَلَهُ وَإِنْ اخْتَارَ مَوْلَى الْقَاتِلِ فَدَاهُ بِقِيمَةِ الْمَقْتُولِ صَحِيحًا لِأَنَّ الْقَاتِلَ هُوَ الْبَادِئُ بِالشَّجَّةِ شَجَّ عَبْدًا صَحِيحًا ثُمَّ قَتَلَهُ فَعَلَيْهِ قِيمَةُ عَبْدٍ صَحِيحٍ وَإِنْ كَانَ الْقَاتِلُ هُوَ اللَّاحِقُ فَقَدْ شَجَّ الْبَادِئَ وَهُوَ صَحِيحٌ ثُمَّ قَتَلَهُ كَانَ عَلَى الْمَوْلَى الْقَاتِلِ أَنْ يَفْدِيَ عَبْدَهُ بِقِيمَةِ الْمَقْتُولِ صَحِيحًا وَيَرْجِعَ بِأَرْشِ الشَّجَّةِ فِي الْفِدَاءِ بَعْدَمَا يَدْفَعُ إلَى مَوْلَى الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ نِصْفَ أَرْشِ شَجَّتِهِ لِأَنَّ الْقِيمَةَ قَامَتْ مَقَامَ الْمَقْتُولِ وَلَوْ كَانَ الْمَقْتُولُ حَيًّا وَقَدْ شَجَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ وَلَا يُعْلَمُ الْبَادِئُ مِنْهُمَا يَرْجِعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيمَا دَفَعَ إلَى صَاحِبِهِ بِنِصْفِ أَرْشِ شَجَّةِ عَبْدِهِ وَالْمَدْفُوعُ إلَيْهِ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْفِدَاءِ وَبَيْنَ مَا يَخُصُّ نِصْفَ أَرْشِ الشَّجَّةِ مِنْ الْعَبْدِ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ فَكَذَا تَرِكَتُهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ قُتِلَ أَحَدُهُمَا عَمْدًا وَالْآخَرُ خَطَأ فَعَفَا أَحَدُ وَلِيَّيْ الْعَمْدِ فَدَى بِالدِّيَةِ لِوَلِيِّ الْخَطَأِ وَبِنِصْفِهَا لِأَحَدِ وَلِيَّيْ الْعَمْدِ) لِأَنَّ حَقَّهُمَا فِي الدِّيَةِ عَشَرَةُ آلَافٍ وَحَقُّ وَلِيَّيْ الْعَمْدِ فِي الْقِصَاصِ فَإِنْ عَفَا أَحَدُهُمَا انْقَلَبَ نَصِيبُ الْآخَرِ مَالًا وَهُوَ نِصْفُ الدِّيَةِ خَمْسَةُ آلَافٍ فَإِذَا فَدَاهُ بَخَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ عَشَرَةُ آلَافٍ لِوَلِيِّ الْخَطَأِ وَخَمْسَةُ آلَافٍ لِغَيْرِ الْعَافِي مِنْ وَلِيَّيْ الْعَمْدِ وَإِنْ دَفَعَهُ إلَيْهِمْ أَثْلَاثًا ثُلُثَاهُ لِوَلِيَّيْ الْخَطَأِ وَثُلُثُهُ لِلسَّاكِتِ مِنْ وَلِيَّيْ الْعَمْدِ بِطَرِيقِ الْعَمْدِ لِأَنَّ حَقَّهُمْ فِي الدِّيَةِ كَذَلِكَ فَيُضْرَبُ وَلِيَّا الْخَطَأِ بِعَشَرَةِ آلَافٍ وَيُضْرَبُ غَيْرُ الْعَافِي مِنْ وَلِيَّيْ الْعَمْدِ بِخَمْسَةِ آلَافٍ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يَدْفَعُهُ أَرْبَاعًا بِطَرِيقِ الْمُنَازَعَةِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ لِوَلِيَّيْ الْخَطَأِ وَرُبْعُهُ لِغَيْرِ الْعَافِي مِنْ وَلِيَّيْ الْعَمْدِ لِأَنَّ نِصْفَهُ سُلِّمَ لِوَلِيَّيْ الْخَطَأِ بِلَا مُنَازَعَةٍ فَاسْتَوَتْ مُنَازَعَتُهُمْ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ فَيَنْتَصِفُ فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يُسَلِّمَ لِلْمَوْلَى رُبْعَ الْعَبْدِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَهِيَ نَصِيبُ الْعَافِي مِنْ وَلِيَّيْ الْعَمْدِ وَيَدْفَعُ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِهِ إلَيْهِمْ تُقْسَمُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ حُقُوقِهِمْ كَمَا سُلِّمَ لَهُ النِّصْفُ وَهُوَ نَصِيبُ الْعَافِينَ قُلْنَا لَا يُمْكِنُ ذَلِكَ هُنَا لِأَنَّ لِوَلِيَّيْ الْخَطَأِ اسْتِحْقَاقَ كُلِّهِ وَلَمْ يَسْقُطْ مِنْ حَقِّهِمَا شَيْءٌ وَهَذَا لِأَنَّ حَقَّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ تَعَلَّقَ بِكُلِّ الرَّقَبَةِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ غَيْرَ أَنَّهُ لَمَّا عَفَا وَلِيُّ كُلِّ قَتِيلٍ سَقَطَ حَقُّ الْعَافِينَ عَلَى الرَّقَبَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَخَلَّى نَصِيبَهُمَا مِنْهُ عَنْ حَقِّهِمَا وَصَارَ ذَلِكَ لِلْمَوْلَى وَهُوَ النِّصْفُ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّ حَقَّ وَلِيَّيْ الْخَطَأِ ثَابِتٌ فِي الْكُلِّ عَلَى حَالِهِ وَكَانَتْ الرَّقَبَةُ كُلُّهَا مُسْتَحَقَّةً لَهُمَا وَالنِّصْفُ لِغَيْرِ الْعَافِي مِنْ وَلِيِّ الْعَمْدِ فَلِهَذَا افْتَرَقَا فَيَقْسِمُونَهَا كُلَّهَا عَلَى قَدْرِ حُقُوقِهِمْ بِطَرِيقِ الْعَوْلِ وَالْمُنَازَعَةِ وَلِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَظَائِرُ ذَكَرْنَاهَا فِي كِتَابِ الدَّعْوَى مِنْ هَذَا الْكِتَابِ بِأُصُولِهَا الَّذِي نَشَأَ مِنْهَا الْخِلَافُ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا نُعِيدُهَا وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُؤَلِّفُ لِمَا إذَا جَنَى الْقِنُّ عَلَى الْغَاصِبِ وَنَحْنُ نَذْكُرُ ذَلِكَ تَتْمِيمًا لِلْفَائِدَةِ. قَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ غَصَبَ عَبْدًا فَقَتَلَ عِنْدَ الْغَاصِبِ عَمْدًا رَجُلًا ثُمَّ رَدَّهُ إلَى مَوْلَاهُ فَقَتَلَ عِنْدَهُ رَجُلًا آخَرَ خَطَأً وَاخْتَارَ الْمَوْلَى دَفْعَهُ بِالْجِنَايَتَيْنِ فَإِنَّهُ يَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ثُمَّ يَرْجِعُ الْمَوْلَى عَلَى الْغَاصِبِ بِنِصْفِ قِيمَةِ الْعَبْدِ وَيَدْفَعُهُ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى. ثُمَّ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْغَاصِبِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ لَا يَرْجِعُ ذَلِكَ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ جَنَى عِنْدَ الْمَوْلَى أَوَّلًا ثُمَّ عِنْدَ الْغَاصِبِ ثُمَّ رَدَّ الْغَاصِبُ الْعَبْدَ عَلَى الْمَوْلَى وَدَفَعَهُ الْمَوْلَى بِالْجِنَايَتَيْنِ جَمِيعًا رَجَعَ الْمَوْلَى عَلَى الْغَاصِبِ بِنِصْفِ قِيمَةِ الْعَبْدِ وَيَدْفَعُهَا إلَى وَلِيِّ الْقَتِيلِ وَلَا يَرْجِعُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 432 بِذَلِكَ مَرَّةً أُخْرَى عَلَى الْغَاصِبِ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا أَمَّا دَفْعُهَا إلَى وَلِيِّ الْقَتِيلَيْنِ فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ثُمَّ يَرْجِعُ الْمَوْلَى عَلَى الْغَاصِبِ بِنِصْفِ قِيمَةِ الْعَبْدِ وَيَدْفَعُهَا إلَى وَلِيِّ الْقَتِيلِ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ مَكَانَ الْعَبْدِ مُدَبَّرٌ كَانَ الْجَوَابُ فِيهِ كَالْجَوَابِ فِي الْعَبْدِ مِنْ الْوِفَاقِ وَالْخِلَافِ وَصُورَتُهُ رَجُلٌ غَصَبَ مُدَبَّرَ رَجُلٍ وَقَدْ كَانَ الْمُدَبَّرُ قَتَلَ قَتِيلًا خَطَأً عِنْدَ الْمَوْلَى فَقَتَلَ قَتِيلًا آخَرَ عِنْدَ الْغَاصِبِ فَرَدَّ الْغَاصِبُ الْمُدَبَّرَ عَلَى الْمَوْلَى فَعَلَى الْمَوْلَى قِيمَةُ الْمُدَبَّرِ بَيْنَ وَلِيِّ الْقَتِيلَيْنِ نِصْفَيْنِ ثُمَّ يَرْجِعُ الْمَوْلَى عَلَى الْغَاصِبِ بِنِصْفِ قِيمَةِ الْمُدَبَّرِ وَلَا يَرْجِعُ بِجَمِيعِ قِيمَةِ الْمُدَبَّرِ فَإِذَا رَجَعَ الْمَوْلَى عَلَى الْغَاصِبِ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ فَإِنَّ لِوَلِيِّ الْقَتِيلِ الْأَوَّلِ أَنْ يَأْخُذَ ذَلِكَ مِنْ الْمَوْلَى عِنْدَهُمْ جَمِيعًا وَلَوْ كَانَ جَنَى أَوَّلًا عِنْدَ الْغَاصِبِ وَجَنَى ثَانِيًا عِنْدَ الْمَوْلَى وَحَصَرَ الْمَوْلَى قِيمَتَهُ وَرَجَعَ عَلَى الْغَاصِبِ بِنِصْفِ قِيمَتِهِ هَلْ يُسَلَّمُ ذَلِكَ لِلْمَوْلَى فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ لَا يُسَلَّمُ وَعَلَى قَوْلِ زُفَرَ يُسَلَّمُ. قَالَ فِي الْأَصْلِ وَإِذَا غَصَبَ الرَّجُلُ عَبْدًا مِنْ رَجُلٍ فَقَتَلَ عِنْدَهُ قَتِيلًا خَطَأً ثُمَّ اجْتَمَعَ الْمَوْلَى وَأَوْلِيَاءُ الْقَتِيلِ. فَإِنَّ الْعَبْدَ يُرَدُّ عَلَى مَوْلَاهُ وَإِذَا رُدَّ عَلَيْهِ الْعَبْدُ يُقَالُ لَهُ جَنَى وَهُوَ بِمَحَلِّ الدَّفْعِ فَتَخَيَّرَ فَإِنْ دَفَعَ أَوْ فَدَاهُ رَجَعَ عَلَى الْغَاصِبِ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ وَمِنْ الْأَرْشِ وَإِنْ كَانَ زَادَ عِنْدَ الْغَاصِبِ زِيَادَةً مُتَّصِلَةً وَاخْتَارَ الدَّفْعَ فَإِنَّهُ يَدْفَعُ الْعَبْدَ مَعَ الزِّيَادَةِ سَوَاءٌ حَدَثَتْ الزِّيَادَةُ قَبْلَ الْجِنَايَةِ أَوْ بَعْدَهَا ثُمَّ لَا يَرْجِعُ الْمَوْلَى عَلَى الْغَاصِبِ بِقِيمَةِ الزِّيَادَةِ وَإِنْ اُسْتُحِقَّتْ الزِّيَادَةُ بِسَبَبٍ أَحْدَثَهُ الْعَبْدُ عِنْدَ الْغَاصِبِ وَلَوْ هَلَكَتْ الزِّيَادَةُ مِنْ حَيْثُ الْقِيمَةُ لَا يَضْمَنُهَا الْغَاصِبُ هَذَا إذَا زَادَ الْعَبْدُ فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَإِنْ أَعْوَرَ الْعَبْدُ فِي يَدِ الْغَاصِبِ وَقَدْ جَنَى عِنْدَهُ جِنَايَةً فَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا إنْ أَعْوَرَ بَعْدَ الْجِنَايَتَيْنِ أَوْ قَبْلُ فَإِنْ أَعْوَرَ بَعْدَ الْجِنَايَةِ وَقَدْ اخْتَارَ الْمَوْلَى الدَّفْعَ فَإِنَّهُ يَدْفَعُهَا إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ ثُمَّ يَرْجِعُ الْمَوْلَى عَلَى الْغَاصِبِ ثَانِيًا بِنِصْفِ قِيمَةِ الْعَبْدِ صَحِيحًا حِينَ جَنَى وَكَّلَ لَهُ قِيمَةَ الْعَبْدِ وَإِنْ أَعْوَرَ قَبْلَ الْجِنَايَةِ وَاخْتَارَ الْمَوْلَى الدَّفْعَ فَإِنَّهُ يَدْفَعُ الْعَبْدُ أَعْوَرَ ثُمَّ يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ صَحِيحًا عَلَى الْغَاصِبِ فَإِذَا أَخَذَ ذَلِكَ سُلِّمَ لَهُ وَلَمْ يَكُنْ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا الْعَبْدُ الْمَغْصُوبُ إذَا جَنَى عَلَى مَوْلَاهُ جِنَايَةً مُوجِبَةً لِلْمَالِ بِأَنْ قَتَلَهُ خَطَأً أَوْ جَنَى عَلَى رَقِيقِهِ خَطَأً أَوْ عَلَى مَالِهِ بِأَنْ أَتْلَفَ شَيْئًا مِنْ مِلْكِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنَّهُ تُعْتَبَرُ جِنَايَتُهُ حَتَّى يَضْمَنَ الْغَاصِبُ قِيمَةَ الْعَبْدِ الْمَغْصُوبِ لِمَوْلَاهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْأَرْشُ أَوْ قِيمَةُ الْعَبْدِ الْمُتْلِفِ أَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ الْمَغْصُوبِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ بِأَنَّ جِنَايَةَ الْمَغْصُوبِ عَلَى مَوْلَاهُ وَعَلَى رَقِيقِهِ وَعَلَى مَالِهِ هَدَرٌ فَأَمَّا الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ إذَا جَنَى عَلَى الرَّاهِنِ أَوْ عَلَى مَالِهِ هَلْ تُعْتَبَرُ جِنَايَتُهُ. قَالُوا ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ وَقَالَ تُهْدَرُ جِنَايَتُهُ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ خِلَافًا إلَّا أَنَّ الْمَشَايِخَ قَالُوا مَا ذُكِرَ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ إنَّهُ يُهْدَرُ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ تُعْتَبَرُ عَلَى الرَّاهِنِ بِقَدْرِ الدَّيْنِ كَمَا تُعْتَبَرُ جِنَايَةُ الْمَغْصُوبِ هُنَا عَلَى الْغَاصِبِ وَعَلَى رَقِيقِهِ هَذَا إذَا جَنَى الْمَغْصُوبُ عَلَى مَوْلَاهُ أَوْ عَلَى مَالِ مَوْلَاهُ فَأَمَّا إذَا جَنَى عَلَى الْغَاصِبِ أَوْ عَلَى رَقِيقِ الْغَاصِبِ فَجِنَايَتُهُ مُوجِبَةٌ لِلْمَالِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فَيَكُونُ هَدَرًا حَتَّى لَا يُخَاطَبُ مَوْلَى الْعَبْدِ بِالدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ وَكَذَلِكَ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ لِلْعَبْدِ الْمَرْهُون إذَا جَنَى جِنَايَةً عَلَى الْمُرْتَهِنِ أَوْ عَلَى مَالِهِ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَا تُعْتَبَرُ الْجِنَايَةُ بِقَدْرِ الدَّيْنِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ بِأَنْ يُعْتَبَرَ. الْحُرُّ وَالْعَبْدَانِ إذَا تَضَارَبَا وَتَشَاحَّا وَفِي الْمَبْسُوطِ حُرٌّ جَنَى عَلَى عَبْدٍ وَجَنَى الْعَبْدُ عَلَى رَجُلٍ آخَرَ وَعَلَى الْجَانِي فَاخْتَارَ مَوْلَاهُ الدَّفْعَ ثُمَّ اخْتَلَفَا فَقَالَ الْمَوْلَى جَنَى عَلَى عَبْدِي أَوَّلًا فَأَرْشُهُ لِي وَدِيَةُ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ فَالْقَوْلُ لِلْمَوْلَى مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّ الْحُرَّ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ لَمَّا ادَّعَى أَنَّ الْبَادِئَ بِالْجِنَايَةِ هُوَ الْعَبْدُ فَقَدْ ادَّعَى عَلَى الْمَوْلَى شَيْئَيْنِ الْعَبْدَ وَأَرْشَ الْعَبْدِ مَعَ اخْتِيَارِ دَفْعِ الْعَبْدِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ ادَّعَى أَنَّ حَقَّهُ ثَبَتَ فِي عَبْدٍ صَحِيحِ الْيَدَيْنِ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَمَّا بَدَأَ بِقَطْعِ يَدِ الْحُرِّ كَانَتْ يَدَاهُ صَحِيحَةً فَإِذَا تَعَلَّقَ حَقُّهُ بِيَدِ الْعَبْدِ تَعَلَّقَ بِبَدَلِهَا أَيْضًا وَالْمَوْلَى أَقَرَّ لَهُ بِالْعَبْدِ وَأَنْكَرَ الْأَرْشَ فَيَكُونُ الْقَوْلُ لَهُ فَصَارَ كَمَا لَوْ تَصَادَقَا عَلَى الْبَادِئِ فِي الْجِنَايَةِ هُوَ الْحُرُّ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِقَوْلِ مَنْ جَعَلَ لَهُ شَرْعًا كَالثَّابِتِ بِالتَّصَادُقِ وَمَتَى تَصَادَقَا أَنَّ الْبَادِئَ بِالْجِنَايَةِ هُوَ الْحُرُّ يَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَةِ الْعَبْدِ. وَالْمَوْلَى يُخَيَّرُ بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ وَلَهُ أَنْ يَدْفَعَ الْعَبْدَ دُونَ الْأَرْشِ لِأَنَّ حَقَّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ تَعَلَّقَ بِعَبْدٍ مَقْطُوعِ الْيَدِ فَأَمَّا مَقْطُوعُ الْيَدِ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِبَدَلِهَا وَهُوَ الْأَرْشُ وَإِنْ تَصَادَقَا أَنَّهُمَا لَا يَعْلَمَانِ الْبَادِئَ مِنْهُمَا بِالْجِنَايَةِ ضَمِنَ الْحُرُّ الْجَانِي قِيمَةَ الْعَبْدِ وَالْمَوْلَى إنْ اخْتَارَ الدَّفْعَ يَدْفَعُ الْعَبْدَ وَنِصْفَ أَرْشِ يَدِهِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَادِئًا بِالْجِنَايَةِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَاحِقًا فَإِنْ كَانَ الْحُرُّ هُوَ الْبَادِئُ فَلَيْسَ عَلَى الْمَوْلَى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 433 إلَّا دَفْعُ الْعَبْدِ وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ هُوَ الْبَادِئُ فَعَلَى الْمَوْلَى دَفْعُ الْعَبْدِ مَعَ أَرْشِ يَدِهِ فَلِلْحُرِّ أَرْشُ الْيَدِ فِي حَالَةٍ وَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ فِي حَالَةٍ فَيَجِبُ أَنْ يَصْرِفَ الْأَرْشَ حُرٌّ وَعَبْدٌ الْتَقَيَا وَمَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَصًا وَاضْطَرَبَا فَشَجَّ كُلُّ وَاحِدٍ صَاحِبَهُ ثُمَّ اخْتَلَفَ مَوْلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ فِي الْبُدَاءَةِ فَالْقَوْلُ لِلْمَوْلَى أَنَّ الْحُرَّ بَدَأَ وَعَلَيْهِ أَرْشُ جِنَايَتِهِ عَلَى الْعَبْدِ لِلْمَوْلَى ثُمَّ يَدْفَعُ الْعَبْدَ بِجِنَايَتِهِ أَوْ يَفْدِيهِ لِأَنَّ الْحُرَّ أَقَرَّ بِأَرْشِ يَدٍ بِالْجِنَايَةِ لِأَنَّهُ ادَّعَى الْإِبْرَاءَ مَتَى اخْتَارَ الْمَوْلَى دَفْعَ الْعَبْدِ إلَيْهِ وَأَنْكَرَ الْمَوْلَى فَيَكُونُ الْقَوْلُ لَهُ وَلَوْ كَانَ مَعَ الْعَبْدِ سَيْفٌ وَمَعَ الْحُرِّ عَصًا فَمَاتَ الْعَبْدُ وَبَرَأَ الْحُرُّ وَاخْتَلَفَا كَانَ الْقَوْلُ لِلْمَوْلَى وَقِيمَةُ الْعَبْدِ عَلَى عَاقِلَةِ الْحُرِّ يُسَلِّمُ الْمَوْلَى مِنْ مِقْدَارِ مَا نَقَصَهُ الْحُرُّ مِنْ قِيمَتِهِ إلَى يَوْمِ ضَرَبَ الْعَبْدُ الْحُرَّ وَالْبَاقِي قِيمَةُ أَرْشِ جِنَايَتِهِ عَلَى الْحُرِّ فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَهُوَ لِلْمَوْلَى لِأَنَّ الْحُرَّ قُتِلَ بِعَصًا فَيَكُونُ قَتِيلَ خَطَأِ الْعَمْدِ فَيَجِبُ قِيمَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ الْحُرِّ. وَالْقِيمَةُ قَامَتْ مَقَامَ الْعَبْدِ كَأَنَّ الْعَبْدَ حَيٌّ فَيَأْخُذُ الْمَوْلَى قَدْرَ مَا انْتَقَصَ بِجِنَايَةِ الْحُرِّ وَيَأْخُذُ الْحُرُّ مِنْ الْبَاقِي أَرْشَ جِرَاحَتِهِ فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ مِنْهُ فَهُوَ لِلْمَوْلَى لِأَنَّهُ بَدَلُ عَبْدِهِ وَقَدْ فَرَغَ الْعَبْدُ عَنْ حَقِّ الْغَيْرِ وَإِنْ انْتَقَصَ الْبَاقِي لَا يَكُونُ عَلَى الْمَوْلَى شَيْءٌ كَمَا لَوْ دَفَعَ الْعَبْدَ وَقِيمَتُهُ أَقَلُّ مِنْ أَرْشِ الْجِرَاحَةِ وَلَوْ كَانَ السَّيْفُ مَعَ الْحُرِّ وَمَعَ الْعَبْدِ عَصًا فَمَاتَ الْعَبْدُ وَبَرَأَ الْحُرُّ وَلَا يُدْرَى أَيُّهُمَا بَدَأَ بِالْجِنَايَةِ فَلِلْمَوْلَى أَنْ يَقْتُلَ الْحُرَّ وَيُبْطِلَ حَقَّ الْحُرِّ لِأَنَّ الْحُرَّ قَتَلَ بِالسَّيْفِ عَمْدًا فَوَجَبَ الْقَوَدُ فَقَدْ مَاتَ الْعَبْدُ وَلَمْ يُخَلِّفْ بَدَلًا فَيَبْطُلُ حَقُّ الْحُرِّ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْعَبْدُ هُوَ الَّذِي بَدَأَ بِالْجِنَايَةِ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ تَمَلُّكُ الْعَبْدِ بِسَبَبٍ بَعْدَمَا مَاتَ وَلَوْ كَانَ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَصًا فَشَجَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ مُوضِحَةً وَبَرِئَا وَاتَّفَقُوا أَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْبَادِئَ مَنْ هُوَ خُيِّرَ الْمَوْلَى فَإِنْ دَفَعَ الْعَبْدَ يَرْجِعُ عَلَى الْحُرِّ بِنِصْفِ أَرْشِ عَبْدِهِ لِأَنَّ الْحُرَّ إنْ كَانَ هُوَ الْبَادِئُ بِالْجِنَايَةِ يَجِبُ عَلَيْهِ جَمِيعُ أَرْشِ عَبْدِهِ وَإِنْ كَانَ اللَّاحِقُ فَهُوَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَيَجِبُ نِصْفُهُ وَإِنْ شَاءَ فَدَاهُ بِجَمِيعِ أَرْشِ الْحُرِّ وَرَجَعَ عَلَى الْحُرِّ بِجَمِيعِ أَرْشِ عَبْدِهِ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْحُرِّ جَمِيعُ أَرْشِ الْعَبْدِ تَقَدَّمَتْ جِنَايَتُهُ أَوْ تَأَخَّرَتْ فَإِنْ كَانَا سَوَاءٌ اتَّفَقَا وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَقَلَّ فَالْأَقَلُّ بِمِثْلِهِ يَصِيرُ قِصَاصًا وَيُرَدُّ الْفَضْلُ عَلَى صَاحِبِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (عَبْدُهُمَا قَتَلَ قَرِيبَهُمَا فَعَفَا أَحَدُهُمَا بَطَلَ الْكُلُّ) مَعْنَاهُ إنْ كَانَ عَبْدٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَقَتَلَ قَرِيبًا لَهُمَا كَأُمِّهِمَا أَوْ أَخُوهُمَا فَعَفَا أَحَدُهُمَا بَطَلَ الْجَمِيعُ وَلَا يَسْتَحِقُّ غَيْرُ الْعَافِي مِنْهُمَا شَيْئًا مِنْ الْعَبْدِ غَيْرَ نَصِيبِهِ الَّذِي كَانَ لَهُ مِنْ قَبْلُ. وَكَذَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ لِقَرِيبٍ لَهُمَا أَوْ لِمُعْتِقِهِمَا فَقَتَلَ مَوْلَاهُ فَرَثَاهُ بَطَلَ الْكُلُّ هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَدْفَعُ الَّذِي عَفَا نِصْفَ نَصِيبِهِ إلَى الْآخَرِ إنْ شَاءَ وَإِنْ شَاءَ فَدَاهُ بِرُبْعِ الدِّيَةِ لِأَنَّ حَقَّ الْقِصَاصِ ثَبَتَ لَهُمَا فِي الْعَبْدِ عَلَى الشُّيُوعِ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَا يُنَافِي اسْتِحْقَاقَ الْقِصَاصِ عَلَيْهِ لِلْمَوْلَى فَإِذَا عَفَا أَحَدُهُمَا انْقَلَبَ نَصِيبُ الْآخَرِ وَهُوَ النِّصْفُ مَالًا غَيْرَ أَنَّهُ شَائِعٌ فِي كُلِّ الْعَبْدِ فَيَكُونُ نِصْفُهُ فِي نَصِيبِهِ وَنِصْفُهُ فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ فَمَا أَصَابَ نَصِيبَهُ سَقَطَ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى عَبْدِهِ مَالًا وَمَا أَصَابَ نَصِيبَ صَاحِبِهِ ثَبَتَ وَهُوَ نِصْفُ النِّصْفِ وَهُوَ الرُّبْعُ فَيَدْفَعُ نِصْفَ نَصِيبِهِ أَوْ يَفْدِيهِ بِرُبْعِ الدِّيَةِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مَا يَجِبُ مِنْ الْمَالِ يَكُونُ حَقَّ الْمَوْلَى لِأَنَّهُ بَدَلُ دَمِهِ وَلِهَذَا يُقْضَى مِنْهُ دُيُونُهُ وَتَنْفُذُ مِنْهُ وَصَايَاهُ ثُمَّ الْوَرَثَةُ يَخْلُفُونَهُ فِيهِ عِنْدَ الْفَرَاغِ مِنْ حَاجَتِهِ وَالْمَوْلَى لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى عَبْدِهِ مَالًا فَلَا تَخْلُفُهُ الْوَرَثَةُ فِيهِ وَلِأَنَّ الْقِصَاصَ لَمَّا صَارَ مَالًا صَارَ بِمَعْنَى الْخَطَأِ وَفِيهِ لَا يَجِبُ شَيْءٌ فَكَذَا مَا هُوَ فِي مَعْنَى ذَلِكَ وَفِي الْكَافِي وَمَنْ قَتَلَ وَلِيَّهُ عَمْدًا فَقُطِعَ يَدُ قَاتِلِهِ ثُمَّ عَفَا وَقَدْ قُضِيَ لَهُ بِالْقِصَاصِ أَوْ لَمْ يُقْضَ فَعَلَى قَاطِعِ الْيَدِ دِيَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَكَذَا إذَا عَفَا ثُمَّ سَرَى لَا يَضْمَنُ شَيْئًا وَالْقَطْعُ السَّارِي أَفْحَشُ مِنْ الْمُقْتَصِرِ وَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَ لَهُ قِصَاصٌ فِي الْيَدِ فَقَطَعَ أَصَابِعَهُ ثُمَّ عَفَا عَنْ الْيَدِ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ أَرْشَ الْأَصَابِعِ وَالْأَصَابِعُ وَالْكَفُّ كَأَطْرَافِ النَّفْسِ وَلَوْ قَطَعَ وَمَا عَفَا ثُمَّ بَرَأَ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ فِي الصَّحِيحِ. وَلَوْ قَطَعَ ثُمَّ حَزَّ رَقَبَتَهُ قَبْلَ الْبُرْءِ فَهُوَ عَلَى اسْتِيفَاءِ قَتْلٍ يَضْمَنُ حَتَّى لَوْ حَزَّ رَقَبَتَهُ بَعْدَ الْبُرْءِ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ فِي الصَّحِيحِ شَجَّ رَجُلًا مُوضِحَةً عَمْدًا فَعَفَا عَنْهَا وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا ثُمَّ شَجَّهُ شَجَّةً أُخْرَى عَمْدًا فَلَمْ يَعْفُ عَنْهَا فَعَلَى الْجَانِي الدِّيَةُ كَامِلَةً فِي ثَلَاثِ سِنِينَ إذَا مَاتَ مِنْهَا جَمِيعًا مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ عَفَا عَنْ الْأُولَى بَطَلَ عَنْهُ الْقِصَاصُ وَصَارَتْ الثَّانِيَةُ مَالًا وَصَارَتْ الْأُولَى أَيْضًا مَالًا وَلَمْ يَجُزْ لَهُ الْعَفْوُ لِأَنَّهُ لَا وَصِيَّةَ لَهُ وَرَوَى الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ أَنَّ عَلَى الْجَانِي الدِّيَةَ رَجُلٌ قَتَلَ عَمْدًا وَقُضِيَ لِوَلِيِّهِ بِالْقِصَاصِ عَلَى الْقَاتِلِ فَأَمَرَ الْوَلِيُّ رَجُلًا بِقَتْلِهِ ثُمَّ إنَّهُ طَلَبَ مِنْ الْوَلِيِّ أَنْ يَعْفُوَ عَنْ الْقَاتِلِ فَعَفَا عَنْهُ فَقَتَلَهُ الْمَأْمُورُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِالْعَفْوِ قَالَ عَلَيْهِ الدِّيَةُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 434 وَيَرْجِعُ بِذَلِكَ عَلَى الْآمِرِ امْرَأَةٌ قَتَلَتْ رَجُلًا خَطَأً فَتَزَوَّجَهَا وَلِيُّ الْمَقْتُولِ عَلَى الدِّيَةِ الَّتِي وَجَبَتْ عَلَى الْعَاقِلَةِ فَذَلِكَ جَائِزٌ وَالْعَاقِلَةُ بَرَاءٌ فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا رَجَعَ عَلَى الْعَاقِلَةِ بِنِصْفِ الدِّيَةِ رَجُلٌ شَجَّ رَجُلًا مُوضِحَةً عَمْدًا وَمَاتَ مِنْ الْمُوضِحَتَيْنِ فَعَلَى الْآخَرِ الْقِصَاصُ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْأَوَّلِ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الصُّلْحُ مَعَ الْأَوَّلِ بَعْدَ مَا شَجَّهُ الْآخَرُ قَالَ أَبُو الْفَضْلِ فَقَدْ اسْتَحْسَنَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ أَنَّهُ لَهُ الْقِصَاصُ عَلَى الْآخَرِ إذَا كَانَ شَجَّهُ بَعْدَ صُلْحِ الْأَوَّلِ رَجُلٌ شَجَّ رَجُلًا مُوضِحَةً عَمْدًا وَصَالَحَهُ عَنْهَا وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا عَلَى عَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ وَقَبَضَهَا ثُمَّ شَجَّهُ آخَرُ خَطَأً وَمَاتَ مِنْهَا فَعَلَى الثَّانِي خَمْسَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ عَلَى عَاقِلَتِهِ. وَيَرْجِعُ الْأَوَّلُ فِي مَالِ الْمَقْتُولِ بِخَمْسَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَإِنْ كَانَتْ الشَّجَّتَانِ عَمْدًا جَازَ إعْطَاءُ الْأَوَّلِ وَقَتْلُ الْآخَرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَصْلٌ بَيَانِ أَحْكَامِ الْجِنَايَةِ عَلَى الْعَبْدِ] (فَصْلٌ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَحْكَامِ جِنَايَةِ الْعَبْدِ شَرَعَ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ الْجِنَايَةِ عَلَى الْعَبْدِ وَقَدَّمَ الْأَوَّلَ تَرْجِيحًا لِجَانِبِ الْفَاعِلِيَّةِ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَهُوَ حَقُّ الْأَدَاءِ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ إنَّمَا قَدَّمَ جِنَايَةَ الْعَبِيدِ عَلَى الْجِنَايَةِ عَلَيْهِمْ لِأَنَّ الْفَاعِلَ قَبْلَ الْمَفْعُولِ وُجُودًا فَكَذَا تَرْتِيبًا أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ لِأَنَّهُ إنْ أُرِيدَ أَنَّ ذَاتَ الْفَاعِلِ قَبْلَ ذَاتِ الْمَفْعُولِ وُجُودًا فَهُوَ مَمْنُوعٌ إذْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وُجُودُ ذَاتِ الْمَفْعُولِ قَبْلَ وُجُودِ ذَاتِ الْفَاعِلِ بِمُدَّةٍ طَوِيلَةٍ مَثَلًا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عُمْرُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ سَبْعِينَ سَنَةً أَوْ أَكْثَرَ وَعُمْرُ الْجَانِي عِشْرِينَ سَنَةً أَوْ أَقَلَّ وَإِنْ أُرِيدَ فَاعِلِيَّةُ الْفَاعِلِ قَبْلَ مَفْعُولِيَّةِ الْمَفْعُولِ وُجُودًا فَهُوَ أَيْضًا مَمْنُوعٌ لِأَنَّ الْفَاعِلِيَّةَ وَالْمَفْعُولِيَّةَ يُوجَدَانِ مَعًا فِي آنٍ وَاحِدٍ وَهُوَ أَنَّ تَعَلُّقَ الْفِعْلِ الْمُتَعَدِّي بِالْمَفْعُولِ بِوُقُوعِهِ عَلَيْهِ وَقَبْل ذَلِكَ لَا يَتَّصِفُ الْفَاعِلُ بِالْفَاعِلِيَّةِ وَلَا الْمَفْعُولُ بِالْمَفْعُولِيَّةِ وَكُلُّ ذَلِكَ بِوُقُوعِهِ عَلَيْهِ لَيْسَ خَافٍ عَلَى الْعَارِفِ الْفَطِنِ بِالْقَوَاعِدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (عَبْدٌ قُتِلَ خَطَأً تَجِبُ قِيمَتُهُ وَنُقِصَ عَشَرَةً لَوْ كَانَتْ عَشَرَةَ آلَافٍ أَوْ أَكْثَرَ وَفِي الْأَمَةِ عَشَرَةٌ مِنْ خَمْسَةِ آلَافٍ وَفِي الْمَغْصُوبِ تَجِبُ قِيمَتُهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ) . وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالشَّافِعِيُّ فِي الْقِنِّ تَجِبُ قِيمَتُهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ وَفِي الْغَصْبِ تَجِبُ قِيمَتُهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ بِالْإِجْمَاعِ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَنَّهُمْ أَوْجَبُوا فِي قَتْلِ الْعَبْدِ قِيمَتَهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ لِأَنَّ الضَّمَانَ بَدَلُ الْمَالِيَّةِ وَلِهَذَا يَجِبُ لِلْمَوْلَى وَهُوَ لَا يَمْلِكُ إلَّا مِنْ حَيْثُ الْمَالِيَّةُ وَلَوْ كَانَ بَدَلَ الدَّمِ لَكَانَ لِلْعَبْدِ إذْ هُوَ فِي حَقِّ الدَّمِ مُبْقًى عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ فَعُلِمَ أَنَّهُ بَدَلُ الْمَالِيَّةِ. وَلِهَذَا لَوْ قُتِلَ الْعَبْدُ الْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ يَبْقَى عَقْدُ الْبَيْعِ وَبَقَاؤُهُ بِبَقَاءِ الْمَالِيَّةِ أَصْلًا أَوْ بَدَلًا فِي حَالِ قِيَامِهِ أَوْ هَلَاكِهِ فَصَارَ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ وَكَقَلِيلِ الْقِيمَةِ وَالْغَصْبِ وَلِأَنَّ ضَمَانَ الْمَالِ بِالْمَالِ أَصْلٌ وَضَمَانَ مَا لَيْسَ بِمَالٍ خِلَافُ الْأَصْلِ وَمَهْمَا أَمْكَنَ إيجَابُ الضَّمَانِ عَلَى مُوَافَقَةِ الْقِيَاسِ لَا يُصَارُ إلَى إيجَابِهِ بِخِلَافِ الْأَصْلِ قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي كِتَابِهِ التَّقْرِيرُ قَالَ أَبُو يُوسُفَ إذَا قُتِلَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَاخْتَارَ الْمُشْتَرِي إجَازَةَ الْبَيْعِ كَانَ لَهُ الْقِصَاصُ وَكَذَا إنْ اخْتَارَ فَسْخَ الْبَيْعِ كَانَ لِلْبَائِعِ الْقِصَاصُ وَهَذَا حِفْظِي عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَيْسَ لِلْبَائِعِ الْقِصَاصُ وَرَوَى ابْنُ زِيَادٍ عَنْهُ لَا قِصَاصَ لِلْمُشْتَرِي أَيْضًا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْله تَعَالَى {وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ} [النساء: 92] أَوْجَبَهَا مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ حُرًّا أَوْ عَبْدًا وَالدِّيَةُ اسْمٌ لِلْوَاجِبِ بِمُقَابَلَةِ الْآدَمِيَّةِ وَهُوَ آدَمِيٌّ فَيَدْخُلُ تَحْتَ النَّصِّ وَهَذَا لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْآيَةِ حُكْمَانِ الدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ وَالْعَبْدُ دَاخِلٌ فِيهَا فِي حَقِّ الْكَفَّارَةِ بِالْإِجْمَاعِ لِكَوْنِهِ آدَمِيًّا. فَكَذَا فِي الدِّيَةِ لِأَنَّهُ آدَمِيٌّ وَلِهَذَا يَجِبُ الْقِصَاصُ بِقَتْلِهِ بِالْإِجْمَاعِ وَيَكُونُ مُكَلَّفًا وَلَوْلَا أَنَّهُ آدَمِيٌّ لَمَا وَجَبَ الْقِصَاصُ وَكَانَ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ وَلِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ فِيهِ مَعْنَى الْمَالِيَّةِ وَالْآدَمِيَّةِ وَجَبَ اعْتِبَارُ أَعْلَاهُمَا وَهِيَ الْآدَمِيَّةُ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا بِإِهْدَارِ الْأَدْنَى وَهِيَ الْمَالِيَّةُ لِأَنَّ الْآدَمِيَّةَ أَسْبَقُ وَالرِّقُّ عَارِضٌ بِوَاسِطَةِ الِاسْتِنْكَافِ فَكَانَ اعْتِبَارُ مَا هُوَ الْأَصْلُ أَوْلَى أَلَا تَرَى أَنَّ الْقِصَاصَ يَجِبُ بِقَتْلِهِ عَمْدًا بِهَذَا الِاعْتِبَارِ وَالْمُتْلَفُ فِي حَالَةِ الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ وَاحِدٌ. فَإِذَا اُعْتُبِرَ فِي إحْدَى حَالَتَيْ الْقَتْلِ آدَمِيًّا وَجَبَ أَنْ يُعْتَبَرَ فِي الْحَالَةِ الْأُخْرَى كَذَلِكَ إذْ الشَّيْءُ الْوَاحِدُ لَا يَتَبَدَّلُ جِنْسُهُ بِاخْتِلَافِ حَالَةِ إتْلَافِهِ وَهَذَا أَوْلَى مِنْ الْعَكْسِ لِأَنَّ فِي الْعَكْسِ إهْدَارَ آدَمِيَّتِهِ وَإِلْحَاقَهُ بِالْبَهَائِمِ وَالْجَمَادِ وَمَا رَوَيَا مِنْ الْأَثَرِ مُعَارَضٌ بِأَثَرِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْغَصْبِ وَضَمَانُ الْغَصْبِ بِمُقَابَلَةِ الْمَالِيَّةِ لِأَنَّهُ لَا تَعَارُضَ لَهَا إذْ الْغَصْبُ لَا يَرِدُ إلَّا عَلَى الْمَالِ وَبَقَاءُ الْعَقْدِ لَا يَعْتَمِدُ الْمَالِيَّةَ وَإِنَّمَا يَعْتَمِدُ الْفَائِدَةَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَبْقَى بَعْدَ قَتْلِهِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 435 عَمْدًا أَيْضًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْقِصَاصُ مَالًا وَلَا بَدَلًا عَنْ الْمَالِيَّةِ وَفِي قَلِيلِ الْقِيمَةِ الْوَاجِبُ بِمُقَابَلَةِ الْآدَمِيَّةِ إلَّا أَنَّهُ لَا سَمْعَ فِيهِ فَقَدَّرْنَاهُ بِقِيمَتِهِ رَأْيًا بِخِلَافِ كَثِيرِ الْقِيمَةِ لِأَنَّ فِيهِ قَوْلَ ابْنِ مَسْعُودٍ لَا يَبْلُغُ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ دِيَةَ الْحُرِّ وَيُنْقَصُ مِنْهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَالْأَثَرُ فِي الْمُقَدَّرَاتِ كَالْخَبَرِ إذْ لَا يُعْرَفُ إلَّا سَمَاعًا وَلِأَنَّ آدَمِيَّتَهُ أَنْقَصُ وَيَكُونُ بَدَلُهَا أَقَلَّ كَالْمَرْأَةِ وَالْجَنِينِ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَمَّا كَانَ أَنْقَصَ نُصِّفَتْ النِّعَمُ وَالْعُقُوبَاتُ فِي حَقِّهِ إظْهَارًا لِانْحِطَاطِ رُتْبَتِهِ فَكَذَا فِي هَذَا وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَجِبُ فِي الْأَمَةِ خَمْسَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ إلَّا خَمْسَةً لِأَنَّ دِيَةَ الْأُنْثَى نِصْفُ الذَّكَرِ فَيَكُونُ النَّاقِصُ عَنْ دِيَةِ الْأُنْثَى نِصْفَ النَّاقِصِ عَنْ دِيَةِ الذَّكَرِ كَمَا فِي الْأَطْرَافِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ لِأَنَّ أَقَلَّ مَالٍ لَهُ خَطَرٌ فِي الشَّرْعِ عَشَرَةٌ كَنِصَابِ السَّرِقَةِ وَالْمَهْرِ وَمَا دُونَهُ لَا يُعْتَبَرُ بِخِلَافِ الْأَطْرَافِ لِأَنَّهُ بَعْضُ الدِّيَةِ فَيَنْقُصُ مِنْ كُلِّ جُزْءٍ بِحِسَابِهِ وَلَوْ نَقَصَ مِنْ كُلِّ جُزْءٍ عَشَرَةٌ لَمَا وَجَبَ أَصْلًا. وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُؤَلِّفُ لِمَسَائِلِ الضَّرْبِ وَنَحْنُ نَذْكُرُهَا تَكْمِيلًا لِلْفَائِدَةِ قَالَ فِي الْجَامِعِ مَسَائِلُ الضَّرْبِ عَلَى ثَلَاثَةِ فُصُولٍ أَحَدُهَا فِي ضَرْبِ الْمَوْلَى عَبْدَهُ وَالثَّانِي فِي أَمْر أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ بِضَرْبِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ وَالثَّالِثُ فِي ضَرْبِ الشَّرِيكِ أَوْ أَجْنَبِيٍّ أَصْلُهُ الْعِبْرَةُ فِي الْجِنَايَاتِ لِتَعَدُّدِ الْجَانِي لَا لِتَعَدُّدِ الْجِنَايَةِ لِأَنَّ النَّفْسَ تَبْرَأُ مِنْ جِرَاحَاتٍ كَثِيرَةٍ وَتَمُوتُ مِنْ جِرَاحَاتٍ قَلِيلَةٍ وَلِهَذَا سَقَطَ اعْتِبَارُ طُولِهَا وَعَرْضِهَا وَعُمْقِهَا أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يَضْرِبَ عَبْدَهُ سَوْطَيْنِ فَضَرَبَهُ ثَلَاثَةً وَضَرَبَهُ الْمَوْلَى سَوْطًا ثُمَّ ضَرَبَهُ أَجْنَبِيٌّ سَوْطًا ثُمَّ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ فَعَلَى عَاقِلَةِ الْمَأْمُورِ بِالسَّوْطَيْنِ أَرْشُ السَّوْطِ الثَّالِثِ مَضْرُوبًا وَهُوَ سُدُسُ قِيمَتِهِ مَضْرُوبًا أَرْبَعَةَ أَسْوَاطٍ وَعَلَى عَاقِلَةِ الْأَجْنَبِيِّ أَرْشُ السَّوْطِ الْخَامِسِ مَضْرُوبًا أَرْبَعَةَ أَسْوَاطٍ وَهُوَ ثُلُثُ قِيمَتِهِ مَضْرُوبًا بِأَرْبَعَةِ أَسْوَاطٍ. وَيَبْطُلُ مَا سِوَى ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ ضَرَبَهُ ثَلَاثَةَ أَسْوَاطٍ اثْنَانِ مِنْهَا هَدَرٌ مَعَ السِّرَايَةِ لِلْإِذْنِ وَالثَّالِثُ مُعْتَبَرٌ لِأَنَّهُ ضَرْبٌ بِغَيْرِ إذْنٍ فَيَضْمَنُ أَرْشَهُ مَضْمُونًا بِهِمَا وَالرَّابِعُ هَدَرٌ لِأَنَّ جِنَايَةَ الْمَوْلَى عَلَى مَمْلُوكِهِ هَدَرٌ وَالْخَامِسُ مُعْتَبَرٌ فَيَضْمَنُ الْأَجْنَبِيُّ أَرْشَهُ مَنْقُوصًا بِأَرْبَعَةِ أَسْوَاطٍ وَإِذَا مَاتَ الْعَبْدُ مِنْ هَذِهِ فَقَدْ مَاتَ مِنْ خَمْسِ جِنَايَاتٍ فَانْقَسَمَ تَلَفُ التَّلَفِ عَلَى الْجِنَايَاتِ فَيُقْسَمُ عَلَيْهَا لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِعَدَدِ الْجَانِي لَا لِعَدَدِ الْجِنَايَاتِ فَانْقَسَمَ عَلَيْهِمَا أَثْلَاثًا ثُلُثٌ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ وَثُلُثَاهُ تَلِفَ بِجِنَايَةِ الْمَأْمُورِ الْأَوَّلِ فَانْقَسَمَ هَذَا الثُّلُثُ نِصْفَيْنِ، نِصْفُهُ هَدَرٌ وَنِصْفُهُ مُعْتَبَرٌ. وَالْأَصْلُ الثَّانِي أَنَّ الْجِنَايَةَ عَلَى الْمَمَالِيكِ مَتَى أَتْلَفَتْ نَفْسًا أَوْ عُضْوًا وَأَفْضَى إلَى الْمَوْتِ فَتَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ لِأَنَّهُ ضَمَانُ دَمٍ وَضَمَانُ الدَّمِ تَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ وَإِنْ اقْتَصَرَتْ عَلَى مَا دُونَ النَّفْسِ يَجِبُ ضَمَانُهُ فِي مَالِ الْجَانِي عَبْدٌ بَيْن رَجُلَيْنِ قَالَ أَحَدُهُمَا اضْرِبْهُ سَوْطًا فَإِنْ زِدْت فَهُوَ حُرٌّ فَضَرَبَهُ ثَلَاثَةً فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ فَعَلَى الضَّارِبِ نِصْفُ أَرْشِ السَّوْطَيْنِ مَنْقُوصًا سَوْطًا فِي مَالِهِ وَعَلَى الْمُعْتِقِ لِشَرِيكِهِ إنْ كَانَ مُوسِرًا نِصْفُ قِيمَتِهِ مَضْرُوبًا سَوْطَيْنِ وَعَلَى الضَّارِبِ أَرْشُ السَّوْطِ الثَّالِثِ مَضْرُوبًا سَوْطَيْنِ وَنِصْفُ قِيمَتِهِ مَضْرُوبًا ثَلَاثَةَ أَسْوَاطٍ فَيَكُونُ ذَلِكَ عَلَى عَاقِلَتِهِ فَلِيَسْتَوْفِهَا أَوْلِيَاءُ الْعَبْدِ أَوْ يَأْخُذَ الْمُعْتِقُ مِنْ ذَلِكَ مَا غَرِمَ وَيَكُونُ الْبَاقِي لِوَرَثَةِ الْعَبْدِ لِأَنَّ السَّوْطَ الْأَوَّلَ كُلَّهُ هَدَرٌ لِأَنَّ نِصْفَهُ فِي مِلْكِهِ وَنِصْفَهُ لَاقَى مِلْكَ شَرِيكِهِ وَلَكِنَّهُ بِإِذْنِهِ وَالسَّوْطُ الثَّانِي نِصْفُهُ هَدَرٌ وَنِصْفُهُ مُعْتَبَرٌ لِأَنَّ نِصْفَهُ لَاقَى مِلْكَهُ وَنِصْفَهُ لَاقَى مِلْكَ شَرِيكِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَيَضْمَنُ أَرْشَ السَّوْطِ الثَّانِي مَضْرُوبًا سَوْطًا فِي مَالِهِ لِشَرِيكِهِ لِأَنَّ سِرَايَتَهُ انْقَطَعَتْ لَمَّا أَعْتَقَهُ فَاقْتَصَرَتْ الْجِنَايَةُ عَلَى مَا دُونَ النَّفْسِ فَتَجِبُ فِي مَالِ الْجَانِي. وَصَارَ الْعَبْدُ كُلُّهُ مِلْكًا لِلْمُعْتِقِ بِالضَّمَانِ لِأَنَّ الْمُعْتِقَ بِالضَّمَانِ يَمْلِكُ نَصِيبَ الضَّارِبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيَصِيرُ مُكَاتَبًا لَهُ لِأَنَّهُ يُوقَفُ عِتْقُ هَذَا النِّصْفِ عَلَى أَدَاءِ السِّعَايَةِ إلَيْهِ فَالسَّوْطُ الثَّالِثُ لَاقَى مُكَاتَبَ غَيْرِهِ فَيَكُونُ مُعْتَبَرًا كُلُّهُ فَيَضْمَنُ الضَّارِبُ جَمِيعَ مَا نَقَصَهُ السَّوْطُ الثَّالِثُ مَضْرُوبًا سَوْطَيْنِ لِأَنَّ السَّوْطَ الثَّالِثَ حَلَّ بِهِ وَهُوَ مَنْقُوصٌ سَوْطَيْنِ. فَلَمَّا مَاتَ الْعَبْدُ فَقَدْ مَاتَ مِنْ ثَلَاثِ جِنَايَاتٍ إلَّا أَنَّ الْجِنَايَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ كَجِنَايَةٍ وَاحِدَةٍ لِاتِّفَاقِ حُكْمِهَا وَاتِّحَادِهِ وَانْهَدَرَتْ سِرَايَتُهُمَا وَالْجِنَايَةُ الثَّالِثَةُ مُعْتَبَرَةٌ بِأَصْلِهَا وَسِرَايَتَهَا وَإِنْ عَتَقَ الْعَبْدُ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّ إعْتَاقَ الْمُكَاتَبِ لَا يَقْطَعُ السِّرَايَةَ لِمَا بَيَّنَّا فَصَارَتْ النَّفْسُ تَالِفَةً بِجِنَايَتَيْنِ إحْدَاهُمَا مُعْتَبَرَةٌ وَالْأُخْرَى مُهْدَرَةٌ فَيُهْدَرُ نِصْفُ قِيمَتِهِ وَيَضْمَنُ الضَّارِبُ نِصْفَ قِيمَتِهِ مَضْرُوبًا ثَلَاثَةَ أَسْوَاطٍ لِأَنَّهُ مَاتَ مَنْقُوصًا ثَلَاثَةَ أَسْوَاطٍ فَإِنْ ظَفِرَ الْمُعْتِقُ بِمَالِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِهِ مَا ضَمِنَ لِشَرِيكِهِ كَمَا لَهُ وَرَثَةٌ وَلِلْحَالِفِ لِأَنَّ وَلَاءَهُ لَهُ وَلَمْ يُبَاشِرْ قَتْلَهُ وَإِنَّمَا أَمَرَ بِقَتْلِهِ فَيَكُونُ مُسَبِّبًا لِقَتْلِهِ وَالْمُتَسَبِّبُ لِلْقَتْلِ لَا يُحْرَمُ عَنْ الْإِرْثِ وَإِنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُعْسِرًا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 436 وَعَلَى الضَّارِبِ الضَّمَانُ كَمَا وَصَفْنَا وَيَكُونُ نِصْفُهُ فِي مَالِهِ وَنِصْفُهُ عَلَى الْعَاقِلَةِ فَيَأْخُذُ الضَّارِبُ مِنْ ذَلِكَ نِصْفَ قِيمَةِ الْعَبْدِ مَضْرُوبًا سَوْطَيْنِ فَإِنْ بَقِيَ شَيْءٌ فَلِوَرَثَةِ الْعَبْدِ لِأَنَّ الْحَالِفَ مَتَى كَانَ مُعْسِرًا لَا يَكُونُ لِلضَّارِبِ تَضْمِينُ الْحَالِفِ وَإِنَّمَا لَهُ اسْتِسْعَاءُ نَصِيبِهِ فَبَقِيَ نَصِيبُ الضَّارِبِ عَلَى مِلْكِهِ. وَصَارَ نَصِيبُهُ مُكَاتَبًا لَهُ لِأَنَّهُ تَوَقَّفَ عِتْقُ نَصِيبِهِ عَلَى أَدَاءِ السِّعَايَةِ إلَيْهِ وَنَصِيبُ الْمُعْتِقِ صَارَ حُرًّا مَوْلًى لَهُ وَكَانَ السَّوْطُ الْأَوَّلُ هَدَرًا، وَالسَّوْطُ الثَّانِي نِصْفُهُ هَدَرٌ وَنِصْفُهُ مُعْتَبَرٌ لِمَا بَيَّنَّا وَالسَّوْطُ الثَّالِثُ كُلُّهُ مُعْتَبَرٌ لِأَنَّ نِصْفَهُ مُكَاتَبٌ لِلضَّارِبِ وَنِصْفَهُ لِمَوْلَى الْحَالِفِ وَقَدْ مَاتَ الْعَبْدُ بِجِنَايَتَيْنِ إحْدَاهُمَا مُعْتَبَرَةٌ وَالْأُخْرَى مُهْدَرَةٌ فَكَانَ عَلَى الضَّارِبِ نِصْفُ قِيمَةِ الْعَبْدِ مَضْرُوبًا بِثَلَاثَةِ أَسْوَاطٍ نِصْفُهُ عَلَى الْعَاقِلَةِ لِأَنَّ نِصْفَهُ مُكَاتَبٌ وَنِصْفَهُ مُعْتِقُ الْحَالِفِ وَمُوجِبُ جِنَايَتِهِ عَلَى مُكَاتَبِ نَفْسِهِ فِي مَالِهِ. وَمُوجِبُ جِنَايَتِهِ عَلَى مُعْتِقِ غَيْرِهِ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَيَكُونُ ذَلِكَ كَسْبَ الْمُكَاتَبِ فَيَسْتَوْفِي الضَّارِبُ مِنْهُ مِقْدَارَ نِصْفِ قِيمَتِهِ مَضْرُوبًا سَوْطَيْنِ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ مِنْ مَالِهِ مَالَ جِنَايَتِهِ لِأَنَّهُ صَارَ دَيْنًا عَلَيْهِ فَيُؤْخَذُ أَيْضًا مِنْ تَرِكَتِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ وَلَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا ثُمَّ ضَرَبَهُ الْآمِرُ سَوْطًا ثُمَّ ضَرَبَهُ الْأَجْنَبِيُّ سَوْطًا وَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ فَعَلَى الْمَأْمُورِ نِصْفُ أَرْشِ السَّوْطِ الثَّانِي مَضْرُوبًا سَوْطًا فِي مَالِهِ لِشَرِيكِهِ وَعَلَى عَاقِلَةِ الْمَأْمُورِ إنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُوسِرًا أَرْشُ السَّوْطِ الثَّالِثِ مَضْرُوبًا سَوْطَيْنِ وَهُوَ سُدُسُ قِيمَتِهِ مَضْرُوبًا خَمْسَةَ أَسْوَاطٍ فِي مَالِهِ وَعَلَى عَاقِلَةِ الْأَجْنَبِيِّ أَرْشُ السَّوْطِ الْخَامِسِ مَضْرُوبًا أَرْبَعَةَ أَسْوَاطٍ وَهُوَ ثُلُثُ قِيمَتِهِ مَضْرُوبًا خَمْسَةَ أَسْوَاطٍ لِأَنَّ السَّوْطَ الْأَوَّلَ كُلَّهُ هَدَرٌ وَالسَّوْطَ الثَّانِيَ نِصْفُهُ مُعْتَبَرٌ لِأَنَّ نِصْفَهُ لَاقَى مِلْكَ شَرِيكِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَيَغْرَمُ الضَّارِبُ نِصْفَ أَرْشٍ فِي مَالِهِ لِشَرِيكِهِ وَسِرَايَةُ الْجِنَايَتَيْنِ مُهْدَرَةٌ لِأَنَّ الْحَالِفَ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ بَعْدَ السَّوْطِ الثَّانِي وَهُوَ مُوسِرٌ فَكَانَ لِلضَّارِبِ أَنْ يَضْمَنَ قِيمَةَ نَصِيبِهِ مَضْرُوبًا سَوْطَيْنِ. وَصَارَ نَصِيبُ الضَّارِبِ مِلْكًا لِلْحَالِفِ بِالضَّمَانِ وَصَارَ مُكَاتَبًا لَهُ وَالسَّوْطُ الثَّالِثُ مُعْتَبَرٌ كُلُّهُ لِأَنَّهُ لَاقَى شَخْصًا نِصْفُهُ مُعْتَقٌ مُكَاتَبٌ لَهُ وَالْجِنَايَةُ عَلَى الْمُعْتَقِ وَالْمُكَاتَبِ مُعْتَبَرَةٌ وَالسَّوْطُ الرَّابِعُ مِنْ الْمَوْلَى أَيْضًا مُعْتَبَرٌ لِأَنَّهُ لَاقَى شَخْصًا نِصْفُهُ مَوْلًى لِلْآمِرِ وَنِصْفُهُ مُكَاتَبٌ لَهُ وَجِنَايَةُ الْإِنْسَانِ عَلَى مَوْلَاهُ وَمُكَاتَبِهِ مُعْتَبَرَةٌ فَيَغْرَمُ الْآمِرُ مَا نَقَصَهُ السَّوْطُ الرَّابِعُ مَنْقُوصًا ثَلَاثَةَ أَسْوَاطٍ وَالسَّوْطُ الْخَامِسُ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ مُعْتَبَرٌ فَيَغْرَمُ أَرْشَ مَا نَقَصَهُ مَضْرُوبًا أَرْبَعَةَ أَسْوَاطٍ وَإِذَا مَاتَ الْعَبْدُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ يَغْرَمُ الضَّارِبُ سُدُسَ قِيمَتِهِ مَضْرُوبًا خَمْسَةَ أَسْوَاطٍ لِأَنَّهُ قَتْلُ النَّفْسِ ثَلَاثَةً فَقَدْ تَلِفَتْ النَّفْسُ بِجِنَايَاتِ الضَّارِبِ وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَسْوَاطٍ إلَّا أَنَّ السَّوْطَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ حُكْمُهُمَا وَاحِدٌ فَإِنَّ سِرَايَتَهُمَا مُهْدَرَةٌ فَتُجْعَلُ جِنَايَةً وَاحِدَةً. وَالسَّوْطُ الثَّالِثُ بِأَصْلِهِ وَسِرَايَتُهُ مُعْتَبَرَةٌ فَهَذَا الثُّلُثُ تَلِفَ بِجِنَايَتَيْنِ أَحَدُهُمَا مُعْتَبَرَةٌ وَالْأُخْرَى مُهْدَرَةٌ فَيَغْرَمُ نِصْفَ الثُّلُثِ وَذَلِكَ سُدُسُ الْكُلِّ وَيَجِبُ عَلَى عَاقِلَتِهِ لِأَنَّهُ جَنَى عَلَى مُعْتَقِ وَمُكَاتَبِ غَيْرِهِ وَيَضْمَنُ الْآمِرُ نِصْفَ قِيمَتِهِ مَضْرُوبًا خَمْسَةَ أَسْوَاطٍ فِي مَالِهِ لِأَنَّهُ جَنَى عَلَى الْمُكَاتَبِ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ لِعِتْقِ نَصِيبِهِ أَثَرٌ فِي حُكْمٍ مِنْ أَحْكَامِ الْحُرِّيَّةِ فَكَانَ الْكُلُّ مُكَاتَبًا لَهُ حُكْمًا وَاعْتِبَارًا عَلَى عَاقِلَةِ الْأَجْنَبِيِّ ثُلُثُ قِيمَتِهِ مَضْرُوبًا خَمْسَةَ أَسْوَاطٍ لِأَنَّهُ جَنَى عَلَى مُكَاتَبِ غَيْرِهِ وَمَوْلَى غَيْرِهِ يَكُونُ مِنْ عَاقِلَةِ الْأَجْنَبِيِّ وَمِنْ الْآمِرِ وَمِنْ الْمَأْمُورِ لِلْعَبْدِ لِأَنَّهُ كَسْبُ الْعَبْدِ وَيَأْخُذُ الْمَأْمُورُ مِنْ الْآمِرِ بِذَلِكَ مِنْ مَالِ الْعَبْدِ لِأَنَّ هَذَا أَرْشٌ لَهُ عَلَى الْعَبْدِ. وَمَا بَقِيَ فِي مَالِهِ فَلِعَصَبَةِ الْمَوْلَى الْآمِرِ إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْعَبْدِ عَصَبَةٌ لِأَنَّ الْوَلَاءَ لَهُمَا إلَّا أَنَّ الْآمِرَ بَاشَرَ قَتْلَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ مُحَرَّمٍ عَنْ الْمِيرَاثِ فَيُجْعَلُ كَالْمَيِّتِ فَيَكُونُ مَا بَقِيَ لِأَقْرَبِ عَصَبَاتِ الْآمِرِ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ هَذَا بِخِلَافِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ فَفِي طَرَفِ الْمَمْلُوكِ تُعْتَبَرُ بِأَطْرَافِ الْحُرِّ مِنْ الدِّيَةِ إلَى آخِرِهِ فَإِنْ قِيلَ عِنْدَ الْإِمَامِ يُدْفَعُ إلَيْهِ الْعَبْدُ وَيَأْخُذُ قِيمَتَهُ فِي قَطْعِ الْأَطْرَافِ فَأَيُّ تَقْدِيرٍ عَلَى قَوْلِهِ فَالْجَوَابُ أَنَّ التَّقْدِيرَ عَلَى قَوْلِهِ فِيمَا إذَا جَنَى عَلَيْهِ آخَرُ بِقَطْعِ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ فَسَرَى فِيهِ إلَى النَّفْسِ أَوْ فَوَّتَ جِنْسَ الْمَنْفَعَةِ فِي عَدَمِ التَّقْدِيرِ وَالدَّفْعِ فِي غَيْرِهِ وَقِيلَ يَضْمَنُ فِي الْأَطْرَافِ بِحِسَابِهِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ وَلَا يَنْقُصُ مِنْهُ شَيْءٌ لِأَنَّ الْأَطْرَافَ يُسْلَكُ فِيهَا مَسْلَكُ الْأَمْوَالِ. وَهَذَا يُؤَدِّي إلَى أَمْرٍ شَنِيعٍ وَهُوَ أَنَّ مَا يَجِبُ فِي الْأَطْرَافِ أَكْثَرُ مِمَّا يَجِبُ فِي النُّفُوسِ بِأَنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ مَثَلًا مِائَةَ أَلْفٍ فَإِنَّهُ بِقَطْعِ يَدِهِ يَجِبُ خَمْسُونَ أَلْفًا وَبِقَتْلِهِ يَجِبُ عَشَرَةُ آلَافٍ إلَّا عَشَرَةً. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَطَعَ يَدَ عَبْدٍ فَحَرَّرَهُ سَيِّدُهُ فَمَاتَ مِنْهُ وَلَهُ وَرَثَةٌ غَيْرَهُ لَا يُقْتَصُّ وَإِلَّا اُقْتُصَّ مِنْهُ) وَإِنَّمَا لَا يُقْتَصُّ فِي الْأَوَّلِ لِاشْتِبَاهِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ لِأَنَّ الْقِصَاصَ يَجِبُ عِنْدَ الْمَوْتِ مُسْتَنِدٌ إلَى وَقْتِ الْجُرْحِ فَعَلَى اعْتِبَارِ حَالَةِ الْجُرْحِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 437 يَكُونُ الْحَقُّ لِلْمَوْلَى وَعَلَى اعْتِبَارِ الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ يَكُونُ لِلْوَرَثَةِ فَتَحَقَّقَ الِاشْتِبَاهُ فَتَعَذَّرَ فَلَا تَجِبُ عَلَى وَجْهٍ يُسْتَوْفَى إذْ الْكَلَامُ فِيمَا إذَا كَانَ لِلْعَبْدِ وَرَثَةٌ أُخْرَى سِوَى الْمَوْلَى وَاجْتِمَاعُهُمَا لَا يُزِيلُ الِاشْتِبَاهَ لِأَنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي إحْدَى الْحَالَتَيْنِ وَلَا يَثْبُتُ عَلَى الدَّوَامِ فِيهَا فَلَا يَكُونُ الِاجْتِمَاعُ مُقَيَّدًا وَلَا يُقَالُ يَأْذَنُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ لِأَنَّ الْإِذْنَ إنَّمَا يَصِحُّ إذَا كَانَ الْآذِنُ يَمْلِكُ ذَلِكَ بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمُوصَى بِرَقَبَتِهِ لِرَجُلٍ وَبِخِدْمَتِهِ لِآخَرَ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَائِمٌ فَصَارَا بِمَنْزِلَةِ الشَّرِيكَيْنِ فِيهِ فَلَا يُفْرَدُ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّ الْآخَرِ فَيَتَّصِلُ بِاجْتِمَاعِهِمَا لِلرِّضَا بِبُطْلَانِ حَقِّهِ وَأَمَّا فِي الثَّانِي وَهُوَ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَرَثَةٌ غَيْرَ الْمَوْلَى فَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ فِيهِ أَيْضًا لِأَنَّ سَبَبَ الْوِلَايَةِ قَدْ اخْتَلَفَ لِأَنَّ الْمِلْكَ عَلَى اعْتِبَارِ الْعِتْقِ وَالْوَلَاءَ عَلَى اعْتِبَارِ حَالَةِ الْمَوْتِ فَنُزِّلَ اخْتِلَافُ السَّبَبِ مَنْزِلَةَ اخْتِلَافِ الْمُسْتَحَقِّ فِيمَا لَا يَثْبُتُ مَعَ الشُّبْهَةِ أَوْ فِيمَا يُحْتَاطُ فِيهِ فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ لِآخَرَ بِعْتَنِي هَذِهِ الْجَارِيَةَ وَقَالَ لَا بَلْ زَوَّجْتهَا مِنْك لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا لِمَا قُلْنَا. بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ لِرَجُلٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ مِنْ الْقَرْضِ وَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ فَإِنَّهُ يُقْضَى لَهُ عَلَيْهِ بِأَلْفٍ وَإِنْ اخْتَلَفَ السَّبَبُ لِأَنَّ الْأَمْوَالَ تَثْبُتُ بِالشُّبْهَةِ فَلَا يُبَالِي بِاخْتِلَافِ السَّبَبِ عِنْدَ اتِّحَادِ الْحُكْمِ وَلِأَنَّ الْإِعْتَاقَ قَاطِعٌ لِلسِّرَايَةِ وَبِانْقِطَاعِهَا يَبْقَى الْجُرْحُ بِلَا سِرَايَةٍ وَالسِّرَايَةُ بِلَا قَطْعٍ فَيَمْتَنِعُ الْقِصَاصُ وَلَهُمَا أَنَّهُمَا تَيَقَّنَا ثُبُوتَ الْوِلَايَةِ لِلْمَوْلَى فَيَسْتَوْفِيهِ وَهَذَا لِأَنَّ الْمَقْضِيَّ لَهُ مَعْلُومٌ وَالْحُكْمُ مُتَّحِدٌ فَأَمْكَنَ الْإِيجَابُ وَالِاسْتِيفَاءُ لِاتِّحَادِ الْمُسْتَوْفَى وَالْمُسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَا مُعْتَبَرَ بِاخْتِلَافِ السَّبَبِ بَعْدَ ذَلِكَ كَمَسْأَلَةِ الْإِقْرَارِ بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْمَقْضِيَّ لَهُ مَجْهُولٌ وَبِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْجَارِيَةِ لِأَنَّ الْحُكْمَ مُخْتَلِفٌ لِأَنَّ مِلْكَ الْيَمِينِ يُغَايِرُ مِلْكَ النِّكَاحِ فِي الْحُكْمِ لِأَنَّ النِّكَاحَ يُثْبِتُ الْحَلَّ مَقْصُودًا وَمِلْكُ الْيَمِينِ لَا يُثْبِتُهُ مَقْصُودًا وَقَدْ لَا يَثْبُتُ الْحَلُّ أَصْلًا وَلِأَنَّ مَا ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ السَّبَبِ لِلْحَلِّ انْتَفَى بِإِنْكَارِ الْآخَرِ فَبَقِيَ بِلَا سَبَبٍ فَلَا يَثْبُتُ الْحَلُّ بِدُونِهِ إذْ لَا يَجْرِي فِيهِ الْبَدَلُ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ لِأَنَّ السَّبَبَ مَوْجُودٌ بِيَقِينٍ وَلَا مُنْكِرَ لَهُ فَلَمْ يُوجَدْ مَا يُبْطِلُهُ وَلَا مَا يَحْتَمِلُ الْإِبْطَالَ فَأَمْكَنَ اسْتِيفَاؤُهُ وَالْإِعْتَاقُ لَا يَقْطَعُ السِّرَايَةَ لِذَاتِهِ بَلْ الِاشْتِبَاهُ مَنْ لَهُ الْحَقُّ وَذَلِكَ إذَا كَانَ لَهُ وَارِثٌ آخَرُ غَيْرَ الْمَوْلَى عَلَى مَا بَيَّنَّا أَوْ فِي الْأَطْرَافِ أَوْ فِي الْقَتْلِ خَطَأً لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَصْلُحُ مَالِكًا لِلْمَالِ فَعَلَى اعْتِبَارِ حَالَةِ الْجُرْحِ يَكُونُ الْحَقُّ لِلْمَوْلَى وَعَلَى اعْتِبَارِ حَالَةِ الْمَوْتِ أَوْ زِيَادَةِ الْجُرْحِ فِي الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ يَكُونُ لِلْعَبْدِ حَتَّى تُقْضَى مِنْهُ دُيُونُهُ وَتَنْفُذُ وَصَايَاهُ فَحَصَلَ الِاشْتِبَاهُ فِيمَنْ لَهُ الْحَقُّ فَسَقَطَ مَا حَدَثَ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ مِنْ ذَلِكَ الْجُرْحِ. وَأَمَّا الْقَتْلُ عَمْدًا فَمُوجِبُهُ الْقِصَاصُ فَلَا اشْتِبَاهَ فِيهِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ سِوَى الْمَوْلَى لِأَنَّهُ عَلَى اعْتِبَارِ أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ لِلْعَبْدِ فَالْمَوْلَى هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّاهُ فَلَا اشْتِبَاهَ فِيمَنْ لَهُ الْحَقُّ فَالْحَاصِلُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ أَنَّ مَنْ قَطَعَ يَدَ عَبْدِ غَيْرِهِ فَأَعْتَقَهُ الْمَوْلَى ثُمَّ مَاتَ لَا يَزِيدُ عَلَى أَرْبَعٍ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ قَطَعَ عَمْدًا أَوْ خَطَأً فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ لِلْعَبْدِ وَارِثٌ سِوَى الْمَوْلَى أَوْ لَمْ يَكُنْ فَإِنْ كَانَ يُقْطَعُ الْإِعْتَاقُ السِّرَايَةَ بِالِاتِّفَاقِ فَلَا يَجِبُ الْقِصَاصُ لِجَهَالَةِ الْمَقْضِيِّ لَهُ وَالْمَقْضِيِّ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَا يَقْطَعُهَا عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَالْإِعْتَاقُ لَا يَقْطَعُهَا فَحَاصِلُهُ أَنَّهُمْ أَجْمَعُوا فِي الْخَطَأِ وَفِي الْعَمْدِ فِيمَا إذَا كَانَ لَهُ وَارِثٌ آخَرُ أَنَّ الْإِعْتَاقَ يَقْطَعُ السِّرَايَةَ فَلَا يَجِبُ إلَّا أَرْشَ الْقَطْعِ وَمَا يَنْقُصُ بِذَلِكَ إلَّا الْإِعْتَاقُ وَيَسْقُطُ الدِّيَةُ وَالْقِصَاصُ وَكَذَا فِي الْقَطْعِ إذَا لَمْ يَمُتْ مِنْهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ سِوَى أَرْشِ الْقَطْعِ وَمَا نَقَصَ إلَى الْإِعْتَاقِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ مَا حَدَثَ مِنْ النُّقْصَانِ بَعْدَ الْإِعْتَاقِ بِالْإِجْمَاعِ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ لَا يَجِبُ فِيهِ الْقِصَاصُ يَجِبُ فِيهِ أَرْشُ الْقَطْعِ وَمَا نَقَصَهُ إلَى الْإِعْتَاقِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الدِّيَةُ وَمَا نَقَصَ مِنْهُ بَعْدَ الْإِعْتَاقِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَالَ أَحَدُكُمَا حُرٌّ فَشُجَّا فَبَيَّنَ فِي أَحَدِهِمَا فَأَرْشُهُمَا لِلسَّيِّدِ) يَعْنِي إذَا قَالَ لِعَبْدَيْهِ أَحَدُكُمَا حُرٌّ ثُمَّ شُجَّا فَبَيَّنَ فِي أَحَدِهِمَا الْعِتْقَ بَعْدَ الشَّجِّ فَأَرْشُهُمَا لِلْمَوْلَى لِأَنَّ الْعِتْقَ غَيْرُ نَازِلٍ فِي الْمُعَيَّنِ فَالشَّجَّةُ تُصَادِفُ الْمُعَيَّنَ فَبَقِيَا مَمْلُوكَيْنِ فِي حَقِّ الشَّجَّةِ. وَلَوْ قَتَلَهُمَا رَجُلٌ وَاحِدٌ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ مَعًا تَجِبُ دِيَةُ حُرٍّ وَقِيمَةُ عَبْدٍ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْبَيَانَ إنْشَاءٌ مِنْ وَجْهٍ وَإِظْهَارٌ مِنْ وَجْهٍ عَلَى مَا عُرِفَ وَبَعْدَ الشَّجَّةِ بَقِيَ مَحَلًّا لِلْبَيَانِ فَاعْتُبِرَ إنْشَاءً فِي حَقِّ الْمَحَلِّ وَبَعْدَ الْمَوْتِ لَمْ يَبْقَ مَحَلًّا لِلْبَيَانِ فَاعْتُبِرَ إظْهَارًا مَحْضًا فَإِذَا قَتَلَهُمَا رَجُلٌ وَاحِدٌ مَعًا فَأَحَدُهُمَا حُرٌّ يَجِبُ عَلَيْهِ دِيَةُ حُرٍّ وَقِيمَةُ عَبْدٍ فَيَكُونُ الْكُلُّ نِصْفَيْنِ بَيْنَ الْمَوْلَى وَالْوَرَثَةِ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ قِيمَتُهُمَا يَجِبُ نِصْفُ قِيمَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَدِيَةُ حُرٍّ فَيُقْسَمُ مِثْلُ الْأَوَّلِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَتَلَهُمَا عَلَى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 438 التَّعَاقُبِ حَيْثُ تَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَةُ الْأَوَّلِ لِمَوْلَاهُ وَدِيَةُ الثَّانِي لِلْوَرَثَةِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا قَتَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رَجُلًا مَعًا تَجِبُ قِيمَةُ الْمَمْلُوكِينَ لِأَنَّا لَمْ نَتَيَقَّنْ بِقَتْلِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُرًّا وَكُلٌّ مِنْهُمَا يُنْكِرُ ذَلِكَ وَلِأَنَّ الْقِيَاسَ يَأْبَى ثُبُوتَ الْعِتْقِ فِي الْمَجْهُولِ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ فَائِدَتَهُ وَإِنَّمَا صَحَّحْنَاهُ ضَرُورَةَ صِحَّةِ التَّصَرُّفِ وَأَثْبَتْنَا لَهُ وِلَايَةَ النَّقْلِ مِنْ الْمَجْهُولِ إلَى الْمَعْلُومِ فَيُقَدَّرُ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ وَهِيَ النَّفْسُ دُونَ الْأَطْرَافِ وَالدِّيَةِ فَبَقِيَ مَمْلُوكًا فِي حَقِّهِمَا فَتَجِبُ الْقِيمَةُ فِيهِمَا فَيَكُونُ نِصْفَيْنِ بَيْنَ الْمَوْلَى وَالْوَرَثَةِ فَيَأْخُذُ هُوَ نِصْفَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَيَتْرُكُ النِّصْفَ لِوَرَثَتِهِ لِأَنَّ مُوجِبَ الْعِتْقِ ثَابِتٌ فِي أَحَدِهِمَا فِي حَقِّ الْمَوْلَى فَلَا بَدَلَ لَهُ فَوُزِّعَ ذَلِكَ عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ. وَإِنْ قَتَلَاهُمَا عَلَى التَّعَاقُبِ فَعَلَى قَاتِلِ الْأَوَّلِ قِيمَتُهُ لِلْمَوْلَى لِتَعَيُّنِهِ لِلرِّقِّ وَعَلَى قَاتِلِ الثَّانِي دِيَتُهُ لِوَرَثَتِهِ لِتَعَيُّنِهِ لِلْعِتْقِ بَعْدَ مَوْتِ الْأَوَّلِ وَإِنْ كَانَ لَا يَدْرِي أَيَّهُمَا قُتِلَ أَوَّلًا فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قِيمَتُهُ وَلِلْمَوْلَى مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الْقِيمَةِ كَالْأَوَّلِ لِعَدَمِ أَوْلَوِيَّةِ أَحَدِهِمَا بِالتَّقَدُّمِ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِعَبْدَيْنِ لَهُ فِي صِحَّتِهِ أَحَدُكُمَا حُرٌّ ثُمَّ إنَّ أَحَدَهُمَا قَتَلَ رَجُلًا خَطَأً فَالْقَاضِي يُجْبِرُ الْمَوْلَى عَلَى الْبَيَانِ فَإِنْ أَوْقَع الْعِتْقَ عَلَى غَيْرِ الْجَانِي خُيِّرَ فِي الثَّانِي بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ وَإِنْ أَوْقَعَ الْعِتْقَ عَلَى الْجَانِي صَارَ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ فِي الْجَانِي فَرَّقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا إذَا بَاعَ عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَجَنَى الْعَبْدُ فِي يَدِ الْبَائِعِ جِنَايَةً مُوجِبَةً لِلْمَوْلَى فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ بِأَنْ قَتَلَ رَجُلًا خَطَأً فَأَجَازَ الْبَائِعُ الْبَيْعَ فِيهِ مَعَ الْعِلْمِ بِالْجِنَايَةِ لَمْ يَصِرْ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ وَإِنْ أَعْجَزَ نَفْسَهُ عَنْ الدَّفْعِ مَعَ الْعِلْمِ بِالْجِنَايَةِ وَكَذَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فَجَنَى الْعَبْدُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ ثُمَّ رَدَّ الْمُشْتَرِي الْعَبْدَ لَا يَكُونُ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ وَإِنْ عَجَزَ نَفْسُهُ عَنْ الدَّفْعِ بِسَبَبِ الرَّدِّ بِالْجِنَايَةِ وَلَوْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَبْدَيْنِ قَتَلَ رَجُلًا خَطَأً بَعْدَ الْعِتْقِ الْمُبْهَمِ ثُمَّ أَوْقَعَ الْمَوْلَى الْعِتْقَ عَلَى أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ يُخَيَّرُ بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ فِي الْعَبْدِ الْأَخِيرِ وَعَلَيْهِ قِيمَةُ الْعَبْدِ الَّذِي أَوْقَعَ فِيهِ الْعِتْقَ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ يُرِيدُ إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ الدِّيَةِ وَلَمْ يَصِرْ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ بِصَرْفِ الْعِتْقِ إلَى الْجَانِي فَرَّقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا لَوْ طَلَّقَ إحْدَى امْرَأَتَيْهِ فِي صِحَّتِهِ ثَلَاثًا ثُمَّ مَرِضَ مَرَضَ الْمَوْتِ فَأُجْبِرَ عَلَى الْبَيَانِ فَأَوْقَعَ ذَلِكَ عَلَى أَحَدِهِمَا فَإِنَّهُ يَصِيرُ فَارًّا وَإِنْ كَانَ مُضْطَرًّا إلَى الْبَيَانِ. وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ جِنَايَةُ أَحَدِ الْعَبْدَيْنِ قَطْعَ يَدٍ وَجِنَايَةُ الْآخَرِ قَتْلَ نَفْسٍ خَطَأً كَانَ الْجَوَابُ كَمَا قُلْنَا وَلَوْ قَالَ فِي صِحَّتِهِ لِعَبْدَيْنِ قِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَلْفٌ أَحَدُكُمَا حُرٌّ ثُمَّ قَتَلَ أَحَدُهُمَا رَجُلًا خَطَأً ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى قَبْلَ الْبَيَانِ عَتَقَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُهُ وَسَعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ وَلِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فِي مَالِ الْمَوْلَى قِيمَةُ الْجَانِي يُرِيدُ بِهِ إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ الْأَرْشِ وَيَصِيرُ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ وَلَا يَصِيرُ الْمَوْلَى مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ وَلَوْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَبْدَيْنِ قَتَلَ رَجُلًا خَطَأً وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا سَعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَبْدَيْنِ فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِمَا فِي مَالِ الْمَوْلَى قِيمَةُ الْعَبْدِ الَّذِي جَنَى عَلَيْهِ وَلَمْ يَصِرْ الْمَوْلَى مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ كُلَّهُ إذَا أَوْقَعَ الْمَوْلَى الْعِتْقَ الْمُبْهَمَ عَلَى أَحَدِ عَبْدَيْهِ قَبْلَ الْجِنَايَةِ أَمَّا إذَا كَانَ إيقَاعُ الْعِتْقِ الْمُبْهَمِ بَعْدَ الْجِنَايَةِ فَقَالَ رَجُلٌ لَهُ عَبْدَانِ قِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَلْفٌ فَقَتَلَ أَحَدُهُمَا قَتِيلًا خَطَأً ثُمَّ قَالَ الْمَوْلَى فِي صِحَّتِهِ أَحَدُكُمَا حُرٌّ وَهُوَ عَالِمٌ بِالْجِنَايَةِ ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى قَبْلَ الْبَيَانِ عَتَقَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُهُ وَسَعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ وَيَصِيرُ الْمَوْلَى مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ فِي الْجَانِي ثُمَّ إذَا صَارَ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ فَمِقْدَارُ الْقِيمَةِ مُعْتَبَرٌ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ وَإِذَا جَنَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَبْدَيْنِ جِنَايَةً وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا سَعَيَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي وَصَفْنَاهُ وَصَارَ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ فِي الْجِنَايَتَيْنِ وَلَكِنْ تَجِبُ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ فِي مَالِ الْمَوْلَى وَقِيمَةِ الْعَبْدَيْنِ. وَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ وَمَا زَادَ عَلَى الْقِيمَةِ إلَى تَمَامِ الدِّيَةِ يُعْتَبَرُ مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ وَتَكُونُ الْجِنَايَتَانِ نِصْفَيْنِ إذْ لَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ قَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ رَجُلٌ لَهُ عَبْدَانِ سَالِمٌ وَرَابِعٌ فَقَتَلَ سَالِمٌ رَجُلًا خَطَأً فِي صِحَّةِ الْمَوْلَى فَقَالَ الْمَوْلَى أَحَدُكُمَا حُرٌّ ثُمَّ قَتَلَ رَابِعٌ رَجُلًا آخَرَ فِي صِحَّةِ الْمَوْلَى ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى قَبْلَ الْبَيَانِ عَتَقَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُهُ وَسَعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ وَلَزِمَ الْمَوْلَى الْفِدَاءُ فِي قَتْلِ سَالِمٍ وَهَذَا مِنْهُ اخْتِيَارٌ لِلْفِدَاءِ إلَّا أَنَّ فِدَاءَ سَالِمٍ فِي الدِّيَةِ يُعْتَبَرُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ إلَى تَمَامِ الدِّيَةِ يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ وَلَا يَلْزَمُهُ الْفِدَاءُ فِي قَتْلِ رَابِعٍ وَلَوْ أَنَّ الْمَوْلَى لَمْ يَقُلْ مَا ذُكِرَ وَلَكِنَّ الْمَوْلَى أَوْقَعَ الْعِتْقَ عَلَى سَالِمٍ صَارَ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ فِي قَتْلِ سَالِمٍ وَإِنْ أَوْقَعَ الْمَوْلَى الْعِتْقَ عَلَى رَابِعٍ لَمْ يَصِرْ مُخْتَارًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَقَأَ عَيْنَيْ عَبْدٍ دَفَعَ سَيِّدُهُ عَبْدَهُ وَأَخَذَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 439 قِيمَتَهُ أَوْ أَمْسَكَهُ وَلَا يَأْخُذُ النُّقْصَانَ) أَيْ إذَا فَقَأَ رَجُلٌ عَيْنَيْ عَبْدٍ فَالْمَوْلَى بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ دَفَعَ الْعَبْدَ الْمَفْقُوءَ إلَى الْفَاقِئِ وَأَخَذَ قِيمَتَهُ كَامِلًا وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهُ وَلَا شَيْءَ لَهُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا إنْ شَاءَ أَمْسَكَ الْعَبْدَ وَأَخَذَ مَا أَنْفَقَهُ وَإِنْ شَاءَ دَفَعَ الْعَبْدَ وَأَخَذَ قِيمَتَهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُضَمِّنُهُ كُلَّ الْقِيمَةِ وَيُمْسِكُ الْجُثَّةَ لِأَنَّهُ يَجْعَلُ الضَّمَانَ مُقَابَلًا بِالْفَائِتِ فَبَقِيَ الْبَاقِي عَلَى مِلْكِهِ كَمَا إذَا قَطَعَ إحْدَى يَدَيْهِ وَفَقَأَ إحْدَى عَيْنَيْهِ وَنَحْنُ نَقُولُ الْمَالِيَّةُ قَائِمَةٌ فِي الذَّوَاتِ وَهِيَ مُعْتَبَرَةٌ فِي حَقِّ الْأَطْرَافِ. فَصَارَ اعْتِبَارُ الْمَالِيَّةِ فِي الذَّوَاتِ دُونَ الْأَطْرَافِ سَاقِطًا بَلْ الْمَالِيَّةُ تُعْتَبَرُ فِي الْأَطْرَافِ أَيْضًا بَلْ اعْتِبَارُ الْمَالِيَّةِ فِي الْأَطْرَافِ أَوْلَى لِأَنَّهَا يُسْلَكُ بِهَا مَسَالِكَ الْأَمْوَالِ فَإِذَا كَانَتْ الْمَالِيَّةُ مُعْتَبَرَةً وَقَدْ وُجِدَ أَيْضًا إتْلَافُ النَّفْسِ مِنْ وَجْهٍ بِتَفْوِيتِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ وَهَذَا الضَّمَانُ مُقَدَّرٌ بِقِيمَةِ الْكُلِّ فَوَجَبَ أَنْ يَتَمَلَّكَ الْجُثَّةَ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ وَرِعَايَةً لِلْمَالِيَّةِ بِخِلَافِ مَا إذَا فَقَأَ عَيْنَيْ حُرٍّ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَعْنَى الْمَالِيَّةِ وَبِخِلَافِ عَيْنَيْ الْمُدَبَّرِ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ النَّقْلَ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ وَفِي قَطْعِ إحْدَى الْيَدَيْنِ وَفَقْءِ إحْدَى الْعَيْنَيْنِ لَمْ يُوجَدْ تَفْوِيتُ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا جِئْنَا إلَى تَعْلِيلِ مَذْهَبِ الْفَرِيقَيْنِ. لَهُمَا أَنَّ الْعَبْدَ فِي حُكْمِ الْجِنَايَةِ عَلَى أَطْرَافِهِ بِمَنْزِلَةِ الْمَالِ حَتَّى لَا يَجِبَ الْقَوَدُ فِيهَا وَلَا تَتَحَمَّلُهَا الْعَاقِلَةُ وَتَجِبُ قِيمَتُهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ فَكَانَ مُعْتَبَرًا بِالْمَالِ فَإِذَا كَانَ مُعْتَبَرًا بِهِ وَجَبَ تَخْيِيرُ الْمَوْلَى عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي قُلْنَاهُ كَمَا فِي سَائِرِ الْأَمْوَالِ فَإِنَّ خَرْقَ ثَوْبِ الْغَيْرِ خَرْقًا فَاحِشًا يُوجِبُ تَخْيِيرَ الْمَالِكِ إنْ شَاءَ دَفَعَ الثَّوْبَ وَضَمِنَ قِيمَتَهُ وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهُ وَضَمَّنَهُ النُّقْصَانَ وَلَهُ أَنَّ الْمَالِيَّةَ وَإِنْ كَانَتْ مُعْتَبَرَةً فِي الذَّاتِ وَالْآدَمِيَّةِ أَيْضًا غَيْرَ مُهْدَرَةٍ فِيهِ وَفِي الْأَطْرَافِ أَلَا تَرَى أَنَّ عَبْدًا لَوْ قَطَعَ يَدَ عَبْدٍ آخَرَ يُؤْمَرُ مَوْلَاهُ بِالدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ وَهَذَا مِنْ أَحْكَامِ الْآدَمِيَّةِ لِأَنَّ مُوجِبَ الْجِنَايَةِ عَلَى الْمَالِ إنْ تَابَعَ رَقَبَتَهُ فِيهَا ثُمَّ مِنْ أَحْكَامِ الْآدَمِيَّةِ أَنْ لَا يَنْقَسِمَ الضَّمَانُ عَلَى الْجُزْءِ الْفَائِتِ وَالْقَائِمِ بَلْ يَكُونُ بِإِزَاءِ الْفَائِتِ لَا غَيْرُ وَلَا يَتَمَلَّكُ الْجُثَّةَ وَمِنْ أَحْكَامِ الْمَالِيَّةِ أَنْ يَنْقَسِمَ عَلَى الْجُزْءِ الْفَائِتِ وَالْقَائِمِ وَيَتَمَلَّكُ الْجُثَّةَ فَوَفَّرْنَا عَلَى الشَّبَهَيْنِ حَظَّهُمَا فَقُلْنَا بِأَنَّهُ لَا يَنْقَسِمُ اعْتِبَارًا لِلْآدَمِيَّةِ وَيَتَمَلَّكُ الْجُثَّةَ اعْتِبَارًا لِلْمَالِيَّةِ. وَهَذَا أَوْلَى مِمَّا قَالَاهُ إذْ فِيمَا قَالَاهُ اعْتِبَارُ جَانِبِ الْمَالِيَّةِ فَقَطْ وَهُوَ أَدْنَى وَإِهْدَارُ جَانِبِ الْآدَمِيَّةِ وَهُوَ أَعْلَى وَمِمَّا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ أَيْضًا لِأَنَّ فِيهِ اعْتِبَارَ الْآدَمِيَّةِ فَقَطْ وَالشَّيْءُ إذَا أَشْبَهَ شَيْئَيْنِ يُوَفَّرُ عَلَيْهِ حَظُّهُمَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (جَنَى مُدَبَّرٌ أَوْ أُمُّ وَلَدٍ ضَمِنَ السَّيِّدُ الْأَقَلَّ مِنْ الْقِيمَةِ وَمِنْ الْأَرْشِ) لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَضَى بِجِنَايَةِ الْمُدَبَّرِ عَلَى الْمَوْلَى بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ وَكَانَ يَوْمئِذٍ أَمِيرًا بِالشَّامِ فَكَانَ إجْمَاعًا وَلِأَنَّ الْمَوْلَى صَارَ مَانِعًا مَا ذَكَرْنَا قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي التَّقْرِيبِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ يَضْمَنُ الْمَوْلَى قِيمَةَ الْمُدَبَّرِ وَأُمَّ الْوَلَدِ بِالْجِنَايَةِ مُدَبَّرًا وَقَالَ زُفَرُ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ عَبْدًا الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَجِنَايَةُ الْمُدَبَّرِ عَلَى سَيِّدِهِ وَفِي مَالِهِ هَدَرٌ بِالتَّدْبِيرِ وَكَذَا بِالِاسْتِيلَادِ وَإِنَّمَا يَصِيرُ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِمَا يَحْدُثُ فَصَارَ كَمَا إذَا فَعَلَ بَعْدَ الْجِنَايَةِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ وَإِنَّمَا يَجِبُ الْأَقَلُّ مِنْ الْقِيمَةِ وَمِنْ الْأَرْشِ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ فِي أَكْثَرَ مِنْ الْأَرْشِ وَلَا مَنْعَ مِنْ الْمَوْلَى فِي أَكْثَرَ مِنْ الْعَيْنِ وَقِيمَتُهَا تَقُومُ مَقَامَهَا وَلَا يُخَيَّرُ فِي الْأَكْثَرِ أَوْ الْأَقَلِّ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُهُ فِي جِنْسٍ وَاحِدٍ لِاخْتِيَارِهِ الْأَقَلَّ. بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْجَانِي قِنًّا حَيْثُ يُخَيَّرُ الْمَوْلَى بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ وَلَا يَجِبُ الْأَقَلُّ لِأَنَّ فِيهِ فَائِدَةً لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ لِأَنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَخْتَارُ دَفْعَ الْعَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَخْتَارُ دَفْعَ الْفِدَاءِ عَلَى مَا هُوَ الْأَيْسَرُ عِنْدَهُ أَوْ يَبْقَى مَا اخْتَارَهُ عَلَى مِلْكِهِ وَيَخْرُجُ الْآخَرُ عَنْ مِلْكِهِ ثُمَّ الْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ جِنَايَاتِ الْمُدَبَّرَةِ لَا تُوجِبُ إلَّا قِيمَةً وَاحِدَةً وَإِنْ كَثُرَتْ لِأَنَّهُ لَا يُمْنَعُ مِنْهُ إلَّا رَقَبَةٌ وَاحِدَةٌ وَلِأَنَّ دَفْعَ الْقِيمَةِ فِيهِ كَدَفْعِ الْعَيْنِ فِي الْقِنِّ وَدَفْعُ الْعَيْنِ لَا يَتَكَرَّرُ فَكَذَا مَا قَامَ مَقَامَهَا وَيَتَضَارَبُونَ بِالْحِصَصِ فِي الْقِيمَةِ وَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي حَالِ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ حَتَّى لَوْ قَتَلَ رَجُلًا وَقِيمَتُهُ أَلْفٌ ثُمَّ قَتَلَ آخَرَ وَقِيمَتُهُ أَلْفَانِ ثُمَّ قَتَلَ آخَرَ وَقِيمَتُهُ خَمْسُمِائَةٍ يَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى أَلْفَا دِرْهَمٍ لِأَنَّهُ جَنَى عَلَى الْوَسَطِ وَقِيمَتُهُ أَلْفَانِ فَيَكُونُ لِلْمَوْلَى الْأَوْسَطِ أَلْفٌ مِنْهَا لَا يُشَارِكُهُ فِيهِ أَحَدٌ لِأَنَّ وَلِيَّ الْأَوَّلِ لَا حَقَّ لَهُ فِيمَا زَادَ عَلَى الْأَلْفِ وَإِنَّمَا حَقُّهُ فِي قِيمَتِهِ يَوْمَ جَنَى عَلَى وَلِيِّهِ وَهُوَ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَكَذَلِكَ الثَّالِثُ لَا حَقَّ لَهُ فِيمَا زَادَ عَلَى الْخَمْسِمِائَةِ لِمَا ذَكَرْنَا ثُمَّ يُعْطِي خَمْسَمِائَةٍ فَتَنْقَسِمُ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَالْأَوْسَطِ فَيَضْرِبُ الْأَوَّلُ بِجَمِيعِ حَقِّهِ وَهُوَ عَشَرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ وَيَضْرِبُ الْأَوْسَطُ بِمَا بَقِيَ مِنْ حَقِّهِ وَهُوَ عَشَرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ إلَى آخِرِهِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 440 لِأَنَّا نَنْتَظِرُ إلَى دِيَةِ الْمَقْتُولِ وَمَا وَصَلَ مِنْهَا وَمَا تَأَخَّرَ مِنْهَا يَضْرِبُ لَهُ بِعَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ إلَى آخِرِهِ. قَالَ فِي الْمُحِيطِ مُدَبَّرٌ قَتَلَ رَجُلًا وَقِيمَتُهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ ثُمَّ صَارَتْ قِيمَتُهُ أَلْفَيْنِ فَقَتَلَ آخَرَ خَطَأً فَالْأَلْفُ دِرْهَمٍ لِلثَّانِي وَتَحَاصَّا فِي الْأَلْفِ الْأُولَى فِي الْمُرْتَهِنِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ دَفَعَ الْقِيمَةَ بِقَضَاءٍ فَجَنَى أُخْرَى شَارَكَ الثَّانِي الْأَوَّلَ) يَعْنِي إذَا دَفَعَ الْمَوْلَى الْقِيمَةَ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى بِقَضَاءِ الْقَاضِي ثُمَّ جَنَى جِنَايَةً أُخْرَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْمَوْلَى لِأَنَّ جِنَايَاتِهِ كُلَّهَا لَا تُوجِبُ إلَّا قِيمَةً وَاحِدَةً وَلَا تَعَدِّي مِنْ الْمَوْلَى بِدَفْعِهَا إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى لِأَنَّهُ مَجْبُورٌ عَلَيْهِ بِالْقَضَاءِ فَيُتْبَعُ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ وَلِيَّ الْأُولَى فَيُشَارِكُهُ فِيهَا وَيَقْتَسِمَاهَا عَلَى قَدْرِ حَقِّهِمَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ بِغَيْرِ قَضَاءٍ اتَّبَعَ السَّيِّدَ أَوْ وَلِيَّ الْجِنَايَةِ) أَيْ لَوْ دَفَعَ الْمَوْلَى الْقِيمَةَ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى بِغَيْرِ قَضَاءٍ كَانَ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ اتَّبَعَ الْمَوْلَى بِحِصَّتِهِ مِنْ الْقِيمَةِ وَإِنْ شَاءَ اتَّبَعَ وَلِيَّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا لَا شَيْءَ عَلَى الْوَلِيِّ لِأَنَّهُ فَعَلَ عَيْنَ مَا يَفْعَلُهُ الْقَاضِي وَلَا تَعَدِّيَ مِنْهُ بِتَسْلِيمِهِ إلَى الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ حِينَ دَفَعَ الْحَقَّ إلَى مُسْتَحِقِّهِ لَمْ تَكُنْ الْجِنَايَةُ الثَّانِيَةُ مَوْجُودَةً وَلَا عِلْمَ لَهُ بِمَا يَحْدُثُ حَتَّى يُجْعَلَ مُتَعَدِّيًا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنَّ جِنَايَاتِ الْمُدَبَّرِ تُوجِبُ قِيمَةً وَاحِدَةً وَهُمْ شُرَكَاءُ فِيهَا وَالْجِنَايَةُ الْمُتَأَخِّرَةُ كَالْمُقَارَنَةِ حُكْمًا وَلِهَذَا يَشْتَرِكُونَ فِيهَا كُلُّهُمْ جَمِيعًا. ثُمَّ إذَا دَفَعَهَا إلَى الْأَوَّلِ بِاخْتِيَارِهِ صَارَ مُتَعَدِّيًا فِي حَقِّ الثَّانِي لِأَنَّ حِصَّتَهُ وَجَبَتْ عَلَيْهِ وَلَيْسَ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَيْهِ فَإِذَا لَمْ يَنْفُذْ دَفَعَ الْمَوْلَى فِي حَقِّ الثَّانِي فَالثَّانِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ تَبِعَ الْأَوَّل لِأَنَّهُ قَبَضَ حَقَّهُ ظُلْمًا فَصَارَ بِهِ ضَامِنًا فَيَأْخُذُهُ مِنْهُ وَإِنْ شَاءَ اتَّبَعَ الْمَوْلَى لِأَنَّهُ دَفَعَ حَقَّهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَإِذَا أُخِذَ مِنْهُ رَجَعَ الْمَوْلَى عَلَى الْأَوَّلِ بِمَا ضَمِنَ لِلثَّانِي وَهُوَ حِصَّتُهُ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ فَيَسْتَرِدُّهُ مِنْهُ وَهَذَا لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ لَكَانَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِنْ الْقِيمَةِ وَلِأَنَّ الثَّانِيَةَ مُقَارِنَةٌ مِنْ وَجْهٍ حَتَّى يُشَارِكَهُ وَمُتَأَخِّرَةٌ مِنْ وَجْهٍ فِي حَقِّ اعْتِبَارِ الْقِيمَةِ فَيُعْتَبَرُ مُقَارِنَةً فِي حَقِّ التَّضْمِينِ أَيْضًا كَيْ لَا يَبْطُلَ حَقُّ وَلِيِّ الثَّانِيَةِ وَإِذَا أُعْتِقَ الْمُدَبَّرُ وَقَدْ جَنَى جِنَايَةً لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ لِمَا ذَكَرْنَا وَسَوَاءٌ أَعْتَقَهُ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْجِنَايَةِ أَوْ قَبْلَهُ لِأَنَّ حَقَّ الْمَوْلَى لَمْ يَتَعَلَّقْ بِالْعَبْدِ فَلَمْ يَكُنْ مُفَوِّتًا بِالْإِعْتَاقِ وَأُمُّ الْوَلَدِ كَالْمُدَبَّرِ وَإِذَا أَقَرَّ الْمُدَبَّرُ وَأُمُّ الْوَلَدِ بِجِنَايَةٍ تُوجِبُ الْمَالَ لَمْ يَجُزْ إقْرَارُهُ وَجِنَايَتُهُ عَلَى الْمَوْلَى لَا عَلَى نَفْسِهِ وَإِقْرَارُهُ عَلَى الْمَوْلَى غَيْرُ نَافِذٍ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْجِنَايَةُ مُوجِبَةً لِلْقَوَدِ بِأَنْ أَقَرَّ بِالْقَتْلِ عَمْدًا حَيْثُ يَصِحُّ إقْرَارُهُ فَيُقْتَلُ بِهِ لِأَنَّ إقْرَارَهُ عَلَى نَفْسِهِ فَيَنْفُذُ عَلَيْهِ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ. [بَابُ غَصْبِ الْعَبْدِ وَالْمُدَبَّرِ وَالصَّبِيِّ وَالْجِنَايَةِ فِي ذَلِكَ] (بَابُ غَصْبِ الْعَبْدِ وَالْمُدَبَّرِ وَالصَّبِيِّ وَالْجِنَايَةِ فِي ذَلِكَ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ لَمَّا ذَكَرَ حُكْمَ الْمُدَبَّرِ فِي الْجِنَايَةِ ذَكَرَ فِي هَذَا الْبَابِ مَا يَرِدُ عَلَيْهِ وَمَا يَرِدُ مِنْهُ وَذَكَرَ حُكْمَ مَا يُلْحَقُ بِهِ اهـ. وَقَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ لَمَّا ذَكَرَ جِنَايَةَ الْعَبْدِ وَالْمُدَبَّرِ ذَكَرَ فِي هَذَا الْبَابِ جِنَايَتَهُمَا مَعَ غَصْبِهِمَا لِأَنَّ الْمُفْرَدَ قَبْلَ الْمُرَكَّبِ ثُمَّ جَرَّ كَلَامَهُ إلَى بَيَانِ حُكْمِ غَصْبِ الصَّبِيِّ. اهـ. وَتَبِعَهُ الْعَيْنِيُّ أَقُولُ: هَذَا أَشْبَهُ الْوُجُوهِ الْمَذْكُورَةِ وَإِنْ أَمْكَنَ التَّقَرُّبُ بِأَحْسَنَ مِنْهُ تَدَبَّرْ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَطَعَ يَدَ عَبْدِهِ فَغَصَبَهُ رَجُلٌ وَمَاتَ مِنْهُ ضَمِنَ قِيمَتَهُ أَقْطَعَ وَإِنْ قَطَعَ يَدَهُ فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَمَاتَ مِنْهُ بَرِئَ) لِأَنَّ الْغَصْبَ يُوجِبُ ضَمَانَ مَا غُصِبَ فَفِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لَمَّا قَطَعَهُ الْمَوْلَى نَقَصَتْ قِيمَتُهُ بِالْقَطْعِ فَيَجِبُ عَلَى الْغَاصِبِ قِيمَتُهُ أَقْطَعَ وَفِي الثَّانِيَةِ حِينَ قَطَعَ الْمَوْلَى الْعَبْدَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ صَارَ مُسْتَرِدًّا لَهُ لِاسْتِيلَائِهِ عَلَيْهِ وَبَرِئَ الْغَاصِبُ مِنْ ضَمَانِهِ لِوُصُولِ مِلْكِهِ إلَى يَدِهِ قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ إنَّ الْغَصْبَ قَاطِعٌ لِلسِّرَايَةِ لِأَنَّ سَبَبَ الْمِلْكِ كَالْبَيْعِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ هَلَكَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فَتَجِبُ قِيمَتُهُ أَقْطَعَ وَلَوْ لَمْ يُوجَدْ الْقَاطِعُ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي فَكَانَتْ السِّرَايَةُ مُضَافَةً إلَى الْبِدَايَةِ فَصَارَ الْمَوْلَى مُتْلِفًا فَيَصِيرُ مُسْتَرِدًّا وَهَذَا مُشْكِلٌ لِأَنَّ السِّرَايَةَ إنَّمَا تَنْقَطِعُ بِاعْتِبَارِ تَبَدُّلِ الْمِلْكِ لِاخْتِلَافِ الْمُسْتَحِقِّينَ وَالْغَصْبُ لَيْسَ بِسَبَبٍ لِلْمِلْكِ وَضْعًا وَالْغَاصِبُ لَا يَمْلِكُ إلَّا بِأَدَاءِ الضَّمَانِ ضَرُورَةً كَيْ لَا يَجْتَمِعَ الْبَدَلَانِ فِي مِلْكٍ وَاحِدٍ وَذَلِكَ بَعْدَ مِلْكِ الْمَوْلَى الْبَدَلَ وَلَمْ يُوجَدْ تَحْقِيقُهُ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِمْ بِقَطْعِ السِّرَايَةِ أَنَّ مَا حَصَلَ مِنْ التَّلَفِ بِالسِّرَايَةِ يَكُونُ هَدَرًا إلَّا إنْ تَسَبَّبَ ذَلِكَ إلَى غَيْرِ الْجَانِي. وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ الْإِمَامُ قَاضِي خَانْ بِأَنَّ هَذَا يُخَالِفُ مَذْهَبَنَا فَإِنَّ الْغَصْبَ لَا يَقْطَعُ السِّرَايَةَ مَا لَمْ يَمْلِكْ الْبَدَلَ عَلَى الْغَاصِبِ بِقَضَاءٍ أَوْ رِضًا لِأَنَّ السِّرَايَةَ إنَّمَا تَنْقَطِعُ بِهِ بِاعْتِبَارِ تَبَدُّلِ الْمِلْكِ وَإِنَّمَا يَتَبَدَّلُ الْمِلْكُ بِهِ إذَا مَلَكَ الْبَدَلَ عَلَى الْغَاصِبِ وَهُوَ قِيمَةُ الْعَبْدِ أَقْطَعَ أَمَّا قَبْلَهُ فَلَا يَضْمَنُ وَفِي رَهْنِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي الْبَابِ الثَّانِي مِنْ جِنَايَاتِهِ إنَّمَا يَضْمَنُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 441 الْغَاصِبُ هُنَا قِيمَةَ الْعَبْدِ لِأَنَّ السِّرَايَةَ وَإِنْ لَمْ تَنْقَطِعْ بِالْغَصْبِ وَرَدَتْ عَلَى مَالٍ مُتَقَوِّمٍ فَوَجَبَ سَبَبُ الضَّمَانِ فَلَا يَبْرَأُ عَنْهُ الْغَاصِبُ إلَّا إذَا ارْتَفَعَ الْغَصْبُ وَالشَّيْءُ إنَّمَا يَرْتَفِعُ بِمَا هُوَ فَوْقَهُ أَوْ مِثْلُهُ وَيَدُ الْغَاصِبِ ثَابِتَةٌ عَلَى الْمَغْصُوبِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا وَيَدُ الْمَوْلَى ثَابِتَةٌ عَلَيْهِ حُكْمًا بِاعْتِبَارِ السِّرَايَةِ لَا حَقِيقَةً لِأَنَّ بَعْدَ الْغَصْبِ لَمْ تَثْبُتْ يَدُهُ عَلَى الْعَبْدِ حَقِيقَةً وَالثَّابِتُ حُكْمًا دُونَ الثَّابِتِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا فَلَمْ يَرْتَفِعْ الْغَصْبُ بِاتِّصَالِ السِّرَايَةِ فَقَصَرَ عَلَيْهِ الضَّمَانَ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ يَدَ الْغَاصِبِ عَلَيْهِ ثَابِتَةٌ حُكْمًا فَإِنَّ يَدَ الْمَوْلَى ثَابِتَةٌ عَلَيْهِ حُكْمًا وَلَا يَثْبُتُ عَلَى الشَّيْءِ الْوَاحِدِ يَدَانِ حُكْمِيَّانِ بِكَمَالِهِمَا أَقُولُ: نَظَرُهُ سَاقِطٌ إذْ لَا وَجْهَ لِمَنْعِ ثُبُوتِ يَدِ الْغَاصِبِ عَلَيْهِ حُكْمًا فَإِنَّ مَعْنَى ثُبُوتِ الْيَدِ عَلَى الشَّيْءِ حُكْمًا أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَى تِلْكَ الْيَدِ حُكْمًا مِنْ الْأَحْكَامِ وَقَدْ تَرَتَّبَ عَلَى يَدِ الْغَاصِبِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ وُجُوبُ الضَّمَانِ بِالْإِجْمَاعِ وَأَمَّا يَدُ مَنْعِهِ فَلَيْسَ بِتَامٍّ أَيْضًا إذْ لَا مَحْذُورَ فِي أَنْ يَثْبُتَ عَلَى الشَّيْءِ الْوَاحِدِ يَدَانِ حُكْمِيَّانِ بِكَمَالِهِمَا مِنْ جِهَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ وَهُنَا كَذَلِكَ فَإِنَّ ثُبُوتَ يَدِ الْمَوْلَى عَلَى الْعَبْدِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ حُكْمًا بِاعْتِبَارِ سِرَايَةِ الْقَطْعِ الَّذِي صَدَرَ مِنْهُ وَثُبُوتُ يَدِ الْغَاصِبِ عَلَيْهِ حُكْمًا بِاعْتِبَارِ ثُبُوتِ يَدِهِ عَلَيْهِ حَقِيقَةً فَاخْتَلَفَتْ الْجِهَتَانِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (غَصَبَ مَحْجُورٌ مِثْلَهُ فَمَاتَ فِي يَدِهِ ضَمِنَ) يَعْنِي إذَا غَصَبَ عَبْدٌ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ عَبْدًا مَحْجُورًا عَلَيْهِ فَمَاتَ الْمَغْصُوبُ فِي يَدِ الْغَاصِبِ ضَمِنَهُ لِأَنَّ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ مُؤَاخَذٌ بِأَفْعَالِهِ وَهَذَا مِنْهَا فَيَضْمَنُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (مُدَبَّرٌ جَنَى عِنْدَ غَاصِبِهِ ثُمَّ عِنْدَ سَيِّدِهِ ضَمِنَ قِيمَتَهُ لَهُمَا) أَيْ لَوْ غَصَبَ رَجُلٌ مُدَبَّرًا فَجَنَى عِنْدَهُ جِنَايَةً ثُمَّ رَدَّهُ عَلَى مَوْلَاهُ فَجَنَى عِنْدَهُ جِنَايَةً أُخْرَى ضَمِنَ الْمَوْلَى الْقِيمَةَ لِوَلِيِّ الْجِنَايَتَيْنِ فَتَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِأَنَّ مُوجِبَ جِنَايَةِ الْمُدَبَّرِ وَإِنْ كَثُرَتْ قِيمَتُهُ وَاحِدَةٌ فَيَجِبُ ذَلِكَ عَلَى الْمِلْكِ لِلْمَوْلَى لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَعْجَزَ نَفْسَهُ عَنْ الدَّفْعِ بِالتَّدْبِيرِ السَّابِقِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَصِيرَ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ كَمَا فِي الْقِنِّ إذَا أَعْتَقَهُ بَعْدَ الْجِنَايَاتِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْلَمَهَا وَإِنَّمَا كَانَتْ الْقِيمَةُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي السَّبَبِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَرَجَعَ بِنِصْفِ قِيمَتِهِ عَلَى الْغَاصِبِ) أَيْ رَجَعَ الْمَوْلَى بِنِصْفِ مَا ضَمِنَ مِنْ قِيمَةِ الْمُدَبَّرِ عَلَى الْغَاصِبِ لِلتَّعَدِّي لِأَنَّهُ ضَمِنَ الْقِيمَةَ بِالْجِنَايَتَيْنِ نِصْفُهَا بِسَبَبٍ كَانَ يَمْتَدُّ لِلْغَاصِبِ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ بِسَبَبٍ عِنْدَهُ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِسَبَبٍ لَحِقَهُ مِنْ جِهَةِ الْغَاصِبِ فَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَرُدَّ نِصْفَ الْعَبْدِ لِأَنَّ رَدَّ الْمُسْتَحَقَّ بِسَبَبٍ وُجِدَ وَعَبْدُهُ عِنْدَ الْغَاصِبِ كَلَا رَدٍّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَرَدَّهُ لِلْأَوَّلِ) أَيْ دَفَعَ الْمَوْلَى نِصْفَ الْقِيمَةِ الَّذِي أَخَذَهُ مِنْ الْغَاصِبِ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ قَالُوا لَهُمَا إنَّ حَقَّ الْأَوَّلِ فِي جَمِيعِ الْقِيمَةِ لِأَنَّهُ حِينَ جَنَى فِي حَقِّهِ لَا يُزَاحِمُهُ أَحَدٌ وَإِنَّمَا انْتَقَصَ بِاعْتِبَارِ مُزَاحَمَةِ الثَّانِي إلَى آخِرِهِ. قَالَ فِي الْعِنَايَةِ وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الثَّانِيَةَ مُقَارِنَةٌ لِلْأُولَى حُكْمًا فَكَيْفَ يَكُونُ الْحَقُّ لِلْأَوَّلِ فِي جَمِيعِ الْقِيمَةِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُقَارَنَةَ جُعِلَتْ حُكْمًا فِي حَقِّ الضَّمَانِ لَا غَيْرُ وَالْأُولَى مُقَدَّمَةٌ حَقِيقَةً وَقَدْ انْعَقَدَتْ مُوجِبَةً لِكُلِّ الْقِيمَةِ مِنْ غَيْرِ مُزَاحَمَةٍ وَأَمْكَنَ تَوْفِيرُ مُوجِبِهَا فَلَا يَمْتَنِعُ بِلَا مَانِعٍ أَقُولُ: فِي الْجَوَابِ بَحْثٌ لِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمُقَارَنَةَ جُعِلَتْ حُكْمًا فِي حَقِّ التَّضْمِينِ لَا غَيْرُ بَلْ جُعِلَتْ حُكْمًا أَيْضًا فِي حَقِّ مُشَارَكَةِ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى كَمَا أَرْشَدَ إلَيْهِ قَوْلُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ فِي الْفَصْلِ السَّابِقِ لِأَنَّ الثَّانِيَةَ مُقَارِنَةٌ حُكْمًا مِنْ وَجْهٍ وَلِهَذَا يُشَارِكُ وَلِيَّ الْجِنَايَةِ اهـ. فَإِذَا جُعِلَتْ الْمُقَارَنَةُ حُكْمًا فِي حَقِّ مُشَارَكَتِهِ وَفِي الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ أَيْضًا كَانَ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ مُزَاحِمًا لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى فِي اسْتِحْقَاقِ جَمِيعِ الْقِيمَةِ فَكَيْفَ يَأْخُذُ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى وَحْدَهُ كُلَّ الْقِيمَةِ مَعَ مُزَاحَمَةِ الْأُولَى الثَّانِيَةَ لَهُ فِي اسْتِحْقَاقِهِ إيَّاهُ وَإِنْ كَانَ الِاعْتِبَارُ لِتَقَدُّمِ الْأُولَى حَقِيقَةً دُونَ الْمُقَارَنَةِ الْحُكْمِيَّةِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَسْتَحِقَّ وَلِيُّ الثَّانِيَةِ شَيْئًا مِنْ قِيمَةِ الْمُدَبَّرِ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ بِالْإِجْمَاعِ فَلْيُتَأَمَّلْ فِي جَوَابِ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَدْفَعُهَا إلَيْهِ لِأَنَّ الَّذِي يَرْجِعُ بِهِ الْمَوْلَى عَلَى الْغَاصِبِ عِوَضُ مَا سُلِّمَ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى لِأَنَّهُ إنَّمَا يَرْجِعُ عَلَى الْغَاصِبِ فَلَا يَدْفَعُ إلَيْهِ كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى اجْتِمَاعِ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ فِي مِلْكِ رَجُلٍ وَكَيْ لَا يَتَكَرَّرَ الِاسْتِحْقَاقُ. وَقَوْلُهُ عِوَضُ مَا سُلِّمَ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى قُلْنَا هُوَ كَذَلِكَ لَكِنَّ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْمَوْلَى وَالْغَاصِبِ لِأَنَّ مَا أَخَذَهُ الْمَوْلَى مِنْ الْغَاصِبِ عِوَضُ الْمَدْفُوعِ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى وَأَمَّا فِي حَقِّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فَهُوَ عِوَضُ مَا لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ وَمِثْلُهُ جَائِزٌ كَالذِّمِّيِّ إذَا بَاعَ خَمْرًا وَقَضَى دَيْنَ مُسْلِمٍ يَجُوزُ لَهُ أَخْذُهُ لِأَنَّ تِلْكَ الدَّرَاهِمَ ثَمَنُ الْخَمْرِ فِي حَقِّ الذِّمِّيِّ وَبَدَلُ الدَّيْنِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ قَوْلُهُ وَدَفَعَ إلَى الْأَوَّلِ فَإِنْ قُلْتُ: هَذَا يُنَاقِضُ قَوْلَهُ أَوَّلًا: جِنَايَةُ الْعَبْدِ لَا تُوجِبُ إلَّا دَفْعًا وَاحِدًا لَوْ مَحَلًّا أَوْ قِيمَةً وَاحِدَةً وَهُنَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 442 أَوْجَبَتْ قِيمَةً وَنِصْفًا أَوْ دَفَعَ الْعَبْدَ وَنِصْفَ الْقِيمَةِ لِلْأَوَّلِ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْكَلَامَ الْأَوَّلَ فِيمَا إذَا تَعَدَّدَتْ الْجِنَايَةُ فِي يَدِ شَخْصٍ وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِ غَصْبٍ وَرُدَّ يَكُونُ جَامِعًا لَهَا فَلِهَذَا تَجِبُ قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ أَوْ دَفْعٌ وَاحِدٌ وَهُنَا لَمَّا كَانَتْ عِنْدَ شَخْصَيْنِ لَمْ يُمْكِنْ جَمْعُهَا فَلَهَا حُكْمَانِ وَإِنْ كَانَتْ فِي يَدِ وَاحِدٍ لَكِنْ بَعْدَ غَصْبٍ وَرَدٍّ كَمَا سَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَرَدَّهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ رَجَعَ بِهِ عَلَى الْغَاصِب) أَيْ يَرْجِعُ الْمَوْلَى بِذَلِكَ الَّذِي دَفَعَهُ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى ثَانِيًا عَلَى الْغَاصِبِ عِنْدَهُمَا لِأَنَّهُ اُسْتُحِقَّ مِنْ يَدِهِ بِسَبَبٍ كَانَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ فَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يُرَدَّ وَلَمْ يَضْمَنْ لَهُ شَيْئًا إذَا لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِنْ الْعَبْدِ أَوْ مِنْ بَدَلِهِ فِي يَدِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِعَكْسِهِ لَا يَرْجِعُ بِهِ ثَانِيًا) أَيْ بِعَكْسِ مَا ذَكَرَهُ لَا يَرْجِعُ غَاصِبُ الْمَوْلَى عَلَى الْغَاصِبِ بِالْقِيمَةِ ثَانِيًا وَصُورَتُهُ أَنَّ الْمُدَبَّرَ جَنَى عِنْدَ مَوْلَاهُ أَوَّلًا فَغَصَبَهُ رَجُلٌ فَجَنَى عِنْدَهُ جِنَايَةً أُخْرَى ثُمَّ رَدَّهُ عَلَى الْمَوْلَى ضَمِنَ قِيمَتَهُ لِوَلِيِّ الْجِنَايَتَيْنِ فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ثُمَّ يَرْجِعُ الْمَوْلَى عَلَى الْغَاصِبِ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ لِأَنَّهُ اُسْتُحِقَّ عَلَيْهِ بِسَبَبٍ كَانَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَيَدْفَعُهُ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى بِالْإِجْمَاعِ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ لِمَا بَيَّنَّا. وَأَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ الدَّفْعُ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى كَيْ لَا يَجْتَمِعَ الْبَدَلُ وَالْمُبْدَلُ فِي مِلْكٍ وَاحِدٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَهُنَا لَا يَلْزَمُ ذَلِكَ لِأَنَّ مَا أَخَذَهُ مِنْ الْغَصْبِ عِوَضُ مَا دُفِعَ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ فَإِذَا دَفَعَهُ إلَى وَلِيِّ الْأُولَى لَا يَجْتَمِعُ الْبَدَلَانِ فِي مِلْكٍ وَاحِدٍ وَفِي الْأَوَّلِ يَجْتَمِعُ لِأَنَّهُ عِوَضُ مَا أَخَذَهُ هُوَ بِنَفْسِهِ ثُمَّ إذَا دَفَعَهُ إلَى وَلِيِّ الْأُولَى لَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْغَاصِبِ بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَبِعَكْسِهِ لَا يَرْجِعُ ثَانِيًا لِأَنَّ الْمَوْلَى لَمَّا لَمْ يَدْفَعْ مَا أَخَذَهُ مِنْ الْغَاصِبِ إلَى وَلِيِّ الْأُولَى سَلَّمَ لَهُ مَا أَخَذَهُ مِنْ الْغَاصِبِ فَلَمْ يُتَصَوَّرْ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ وَهُنَا لَمْ يُسَلِّمْ لَهُ بِالْإِجْمَاعِ وَمَعَ هَذَا لَا يَرْجِعُ عَلَى الْغَاصِبِ بِالْإِجْمَاعِ بِمَا دَفَعَهُ ثَانِيًا لِأَنَّ الَّذِي دَفَعَهُ الْمَوْلَى إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى ثَانِيًا هُنَا بِسَبَبِ جِنَايَةٍ وُجِدَتْ عِنْدَهُ فَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى أَحَدٍ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى عِنْدَهُمَا لِأَنَّ دَفْعَ الْمَوْلَى ثَانِيًا إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى فِيهَا بِسَبَبِ جِنَايَةٍ وُجِدَتْ عِنْدَ الْغَاصِبِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ هُنَا كَمَا ذَكَرْنَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْقِنُّ كَالْمُدَبَّرِ غَيْرَ أَنَّ الْمَوْلَى يَدْفَعُ الْعَبْدَ هُنَا وَثَمَّةَ الْقِيمَةَ) أَيْ: الْعَبْدُ الْقِنُّ فِيمَا ذَكَرْنَا كَالْمُدَبَّرِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا إلَّا أَنَّ الْمَوْلَى يَدْفَعُ الْقِنَّ وَفِي الْمُدَبَّرِ الْقِيمَةَ حَتَّى إذَا غَصَبَ رَجُلٌ عَبْدًا فَجَنَى فِي يَدِهِ ثُمَّ رَدَّهُ عَلَى الْمَوْلَى فَجَنَى عِنْدَهُ جِنَايَةً أُخْرَى فَإِنَّ الْمَوْلَى يَدْفَعُهُ إلَى الْأَوَّلِ ثُمَّ يَرْجِعُ عَلَى الْغَاصِبِ عِنْدَهُمَا. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَدْفَعُ مَا أَخَذَهُ مِنْ الْغَاصِبِ إلَى الْأَوَّلِ بَلْ يُسَلَّمُ لَهُ فَلَا يُتَصَوَّرُ الرُّجُوعُ عَلَى الْغَاصِبِ ثَانِيًا عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الْمُدَبَّرِ وَإِنْ جَنَى عِنْدَ الْمَوْلَى أَوَّلًا ثُمَّ غَصَبَهُ فَجَنَى فِي يَدِهِ ثُمَّ رَدَّهُ إلَى الْمَوْلَى دَفَعَهُ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَتَيْنِ نِصْفَيْنِ ثُمَّ يَرْجِعُ بِنِصْفِ قِيمَتِهِ عَلَى الْغَاصِبِ لِمَا ذَكَرْنَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (مُدَبَّرٌ جَنَى عِنْدَ غَاصِبِهِ فَرَدَّهُ فَغَصَبَهُ أُخْرَى فَجَنَى فَعَلَى سَيِّدِهِ قِيمَتُهُ لَهُمَا) أَيْ إذَا غَصَبَ رَجُلٌ مُدَبَّرًا فَجَنَى عِنْدَهُ جِنَايَةً فَرَدَّهُ عَلَى الْمَوْلَى ثُمَّ غَصَبَهُ ثَانِيًا فَجَنَى عِنْدَهُ جِنَايَةً أُخْرَى فَعَلَى الْمَوْلَى قِيمَتُهُ بَيْنَ وَلِيِّ الْجِنَايَتَيْنِ نِصْفَيْنِ لِأَنَّ مَنْعَهُ بِالتَّدْبِيرِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَرَجَعَ بِقِيمَتِهِ عَلَى الْغَاصِبِ) لِأَنَّ الْجِنَايَتَيْنِ كَانَتَا فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَاسْتُحِقَّ كُلٌّ بِسَبَبٍ كَانَ فِي يَدِهِ فَرَجَعَ عَلَيْهِ بِالْكُلِّ بِخِلَافِ الْمَسَائِلِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَإِنَّ هُنَالِكَ اُسْتُحِقَّ النِّصْفُ بِسَبَبٍ كَانَ عِنْدَهُ وَالنِّصْفُ بِسَبَبٍ كَانَ فِي يَدِ الْمَالِكِ فَيَرْجِعُ بِالنِّصْفِ لِذَلِكَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَدَفَعَ نِصْفَهَا إلَى الْأَوَّلِ) أَيْ دَفَعَ الْمَوْلَى نِصْفَ الْقِيمَةِ الْمَأْخُوذَةِ مِنْ الْغَاصِبِ ثَانِيًا إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ كُلَّ الْقِيمَةِ لِعَدَمِ الْمُزَاحَمَةِ عِنْدَ وُجُودِ جِنَايَتِهِ وَإِنَّمَا انْتَقَصَ حَقُّهُ بِحُكْمِ الْمُزَاحَمَةِ مِنْ بَعْدُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَرَجَعَ بِذَلِكَ النِّصْفِ عَلَى الْغَاصِبِ) أَيْ يَرْجِعُ الْمَوْلَى بِالنِّصْفِ الَّذِي دَفَعَهُ ثَانِيًا إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى عَلَى الْغَاصِبِ لِأَنَّ وَلِيَّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى اسْتَحَقَّ هَذَا النِّصْفَ ثَانِيًا بِسَبَبٍ كَانَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِهِ وَيُسَلَّمُ الْبَاقِي لَهُ وَلَا يَدْفَعُهُ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى حَقَّهُ فِي حَقِّهِ وَلَا إلَى وَلِيِّ الثَّانِيَةِ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ إلَّا فِي النِّصْفِ لِسَبْقِ حَقِّ الْأَوَّلِ عَلَيْهِ وَقَدْ وَصَلَ ذَلِكَ إلَيْهِ وَهَذَا لِأَنَّ الثَّانِيَ يَسْتَحِقُّ النِّصْفَ لِوُجُودِ الْمُزَاحَمَةِ وَقْتَ جِنَايَتِهِ وَالْمُزَاحَمَةُ مَوْجُودَةٌ فَبَقِيَ عَلَى مَا كَانَ. بِخِلَافِ وَلِيِّ الْأُولَى لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ الْكُلَّ وَقْتَ الْجِنَايَةِ وَإِنَّمَا رَجَعَ حَقُّهُ إلَى النِّصْفِ لِلْمُزَاحَمَةِ قَالُوا وَكُلَّمَا وَجَدَ شَيْئًا مِنْ بَدَلِ الْعَبْدِ أَخَذَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ ثُمَّ قِيلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى الْخِلَافِ كَالْأُولَى وَقِيلَ عَلَى الِاتِّفَاقِ وَالْفَرْقُ لِمُحَمَّدٍ أَنَّ الَّذِي يَرْجِعُ بِهِ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى عِوَضُ مَا سُلِّمَ لَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 443 الْأُولَى لِأَنَّ الثَّانِيَةَ كَانَتْ فِي يَدِ الْمَالِكِ فَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ ثَانِيًا تَكَرَّرَ الِاسْتِحْقَاقُ وَأَمَّا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَيُمْكِنُ أَنْ يَجْعَلَهُ عِوَضًا عَنْ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ لِأَنَّهَا كَانَتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَلَا يُؤَدِّي إلَى مَا ذَكَرْنَا وَفِي الْمَبْسُوطِ وَإِذَا غَصَبَ رَجُلٌ عَبْدًا وَجَارِيَةً فَقَتَلَ كُلُّ وَاحِدٍ رَجُلًا خَطَأً ثُمَّ قَتَلَ الْعَبْدُ الْجَارِيَةَ وَرُدَّ الْعَبْدُ فَإِنَّهُ يُرَدُّ مَعَهُ قِيمَةُ الْجَارِيَةِ فَيَدْفَعُهَا الْمَوْلَى إلَى وَلِيِّ قَتِيلِ الْجَارِيَةِ وَيَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْغَاصِبِ لِأَنَّ قِيمَةَ الْجَارِيَةِ اُسْتُحِقَّتْ مِنْ يَدِ الْمَوْلَى بِسَبَبٍ كَانَ عِنْدَ الْغَاصِبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَهُمَا لَا يَرْجِعُ وَإِنْ اخْتَارَ الدَّفْعَ دَفَعَ الْعَبْدَ كُلَّهُ إلَى وَلِيِّ قَتِيلِ الْعَبْدِ فَدَفَعَ فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَيَرْجِعُ بِقِيمَتِهِ عَلَى الْغَاصِبِ وَعِنْدَهُمَا يَدْفَعُهُ إلَى وَلِيِّ قَتِيلِ الْعَبْدِ وَإِلَى الْغَاصِبِ عَلَى أَحَدَ عَشَرَ سَهْمًا إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الْجَارِيَةِ أَلْفَ دِرْهَمٍ سَهْمٌ لِلْغَاصِبِ وَعَشَرَةٌ لِوَلِيِّ قَتِيلِ الْعَبْدِ ثُمَّ يَرْجِعُ الْمَوْلَى عَلَى الْغَاصِبِ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ فَيَدْفَعُ مِنْهَا إلَى وَلِيِّ قَتِيلِهِ جُزْءًا مِنْ أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا ثُمَّ يَرْجِعُ بِذَلِكَ عَلَى الْغَاصِبِ وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ الْغَاصِبَ لَمَّا مَلَكَ الْجَارِيَةَ بِالضَّمَانِ مِنْ يَوْمِ الْغَصْبِ ظَهَرَ أَنَّ الْعَبْدَ قَتَلَ جَارِيَةً مَمْلُوكَةً. وَجِنَايَةُ الْمَغْصُوبِ عَلَى الْغَاصِبِ وَعَلَى مَالِهِ هَدَرٌ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا مُعْتَبَرَةٌ لَمَّا تَبَيَّنَ فَعِنْدَهُ لَمَّا هُدِرَتْ جِنَايَةُ الْعَبْدِ عَلَى الْجَارِيَةِ بَقِيَ فِي رَقَبَتِهِ جِنَايَةٌ وَاحِدَةٌ وَهُوَ دَمُ الْحُرِّ فَيُدْفَعُ كُلُّهُ إلَى وَلِيِّ دَمِ الْحُرِّ وَيَفْدِيهِ كُلَّهُ إلَيْهِ وَهُوَ مُضْطَرٌّ فِي الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ وَقَدْ اُسْتُحِقَّ الْعَبْدُ مِنْ يَدِهِ بِسَبَبٍ كَانَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ وَضَمَانُهُ فَيَرْجِعُ بِقِيمَتِهِ عَلَيْهِ وَعِنْدَهُمَا لَمَّا كَانَتْ جِنَايَةُ الْعَبْدِ عَلَى الْجَارِيَةِ عَشَرَةَ آلَافٍ وَحَقُّ الْغَاصِبِ فِي قِيمَةِ الْجَارِيَةِ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَيُقْسَمُ الْعَبْدُ بَيْنَهُمَا عَلَى أَحَدَ عَشَرَ وَيَرْجِعُ بِقِيمَتِهِ عَلَى الْغَاصِبِ لِأَنَّ جَمِيعَ الْعَبْدِ اُسْتُحِقَّ مِنْ يَدِ الْمَوْلَى بِجِنَايَةٍ كَانَتْ فِي ضَمَانِ الْغَاصِبِ بِخِلَافِ الْفِدَاءِ لِأَنَّهُ وَجَبَ لِلْغَاصِبِ عَلَى الْمَوْلَى قِيمَةُ الْجَارِيَةِ لِأَنَّ جِنَايَةَ عَبْدِهِ عَلَى جَارِيَةِ الْغَاصِبِ مُعْتَبَرَةٌ عِنْدَهُمَا وَلِلْمَوْلَى عَلَى الْغَاصِبِ قِيمَةُ الْعَبْدِ فَوَقَعَتْ الْمُقَاصَصَةُ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا جِنْسًا وَمِقْدَارُ دِيَةِ الْحُرِّ مَعَ قِيمَةِ الْعَبْدِ مُخْتَلِفَانِ جِنْسًا وَقَدْرًا فَلَا يَتَقَاصَّانِ وَلَوْ كَانَ الْغَاصِبُ مُعْسِرًا وَقَالَ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ انْتَظِرْ يَسَارَهُ دَفَعَ الْعَبْدَ إلَى وَلِيِّ قَتِيلِهِ أَوْ فَدَاهُ وَيَرْجِعُ بِقِيمَتِهِ عَلَى الْغَاصِبِ إذَا أَيْسَرَ وَبِقِيمَةِ الْجَارِيَةِ مَرَّتَيْنِ وَاحِدَةً يَدْفَعُهَا إلَى وَلِيِّ قَتِيلِهَا وَوَاحِدَةً تُسَلَّمُ لَهُ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَعِنْدَهُمَا يَدْفَعُ مِنْ الْعَبْدِ عَشَرَةَ أَجْزَاءٍ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا إلَى وَلِيِّ قَتِيلِهِ فَإِذَا أَيْسَرَ الْغَاصِبُ دَفَعَ إلَيْهِ الْجُزْءَ الثَّانِيَ لِجَوَازِ أَنْ يُؤَدِّيَ الْغَاصِبُ قِيمَةَ الْجَارِيَةِ فَيَثْبُتَ لَهُ حَقٌّ فِي الْعَبْدِ عَلَى قَوْلِهِمَا فَمَتَى دَفَعَ جَمِيعَ الْعَبْدِ إلَى وَلِيِّ قَتِيلِ الْعَبْدِ يَبْطُلُ حَقُّ الْغَاصِبِ فِي الْعَبْدِ مَتَى أَدَّى قِيمَةَ الْجَارِيَةِ فَيُوقَفُ جُزْءٌ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا مِمَّا عَلَيْهِ. وَإِنْ قَالَ وَلِيُّ قَتِيلِهَا اضْرِبْ بِقِيمَةِ الْجَارِيَةِ فِي الْغُلَامِ دَفَعَ إلَيْهِمَا عَلَى أَحَدَ عَشَرَ لِأَنَّ نِصْفَهُ لَا فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ لِلْحَالِ وَحَقُّ الْغَاصِبِ غَيْرُ ثَابِتٍ لِلْحَالِ وَفِي الثَّانِي عَسَى يَثْبُتُ وَعَسَى لَا يَثْبُتُ ثُمَّ يَرْجِعُ بِقِيمَتِهَا فَيُدْفَعُ إلَى وَلِيِّ قَتِيلِهِمَا تَمَامًا لِأَنَّ حَقَّهُ كَانَ ثَابِتًا فِي جَمِيعِ الْعَبْدِ وَقَدْ وَصَلَ إلَيْهِ عَشَرَةُ أَجْزَاءٍ مِنْ الْعَبْدِ وَلَمْ يَصِلْ إلَيْهِ جُزْءٌ وَاحِدٌ وَفِي يَدِ الْمَوْلَى بَدَلُهُ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ ذَلِكَ مِنْهُ ثُمَّ يَرْجِعُ عَلَى الْغَاصِبِ بِمِثْلِ ذَلِكَ لِمَا بَيَّنَّا وَلِوَلِيِّ قَتِيلِ الْجَارِيَةِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْمَوْلَى عَشَرَةَ أَجْزَاءٍ مِنْ قِيمَتِهَا فِي رِوَايَةٍ لِأَنَّهُ وَصَلَ إلَيْهِ بَدَلُ جَمِيعِ الْجَارِيَةِ لِأَنَّ الْعَبْدَ قَامَ مَقَامَ الْجَارِيَةِ وَإِذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ الْجَارِيَةِ لِأَنَّ قَلِيلَ الْقِيمَةِ إذَا قَتَلَ كَثِيرَ الْقِيمَةِ وَدُفِعَ بِهِ قَامَ مَقَامَ جَمِيعِهِ فَإِذَا قَامَ الْعَبْدُ مَقَامَ جَمِيعِ الْجَارِيَةِ فَصَارَ كَأَنَّهُ وَصَلَ إلَيْهِ جَمِيعُ الْجَارِيَةِ بِخِلَافِ وَلِيِّ قَتِيلِ الْعَبْدِ لِأَنَّ حَقَّهُ كَانَ فِي جَمِيعِ الْعَبْدِ وَلَمْ يَتَحَوَّلْ إلَى بَدَلِهِ وَقَدْ وَصَلَ إلَيْهِ بَعْضُ الْعَبْدِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بَدَلَ مَا لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ مِنْ الْعَبْدِ وَلَوْ قَتَلَ الْعَبْدُ الْمَغْصُوبُ الْغَاصِبَ هَدَرَ دَمُهُ وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ إذَا قَتَلَ الْمُرْتَهِنَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَهُمَا يُعْتَبَرُ حَتَّى يُؤْمَرَ الْمَوْلَى بِالدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ لَهُمَا أَنَّ فِي اعْتِبَارِ جِنَايَتِهِ فَائِدَةً لِأَنَّ الْغَاصِبَ مَلَكَهُ بِالدَّفْعِ بِالْقِيمَةِ وَيُمْلَكُ عَبْدُ الْغَيْرِ بِالْقِيمَةِ مُفِيدًا كَمَا لَوْ اشْتَرَى مِنْهُ وَبِالْفِدَاءِ يَمْلِكُ دِيَةَ نَفْسِهِ وَهِيَ أَكْثَرُ مِنْ الْقِيمَةِ ظَاهِرًا فَيَحْصُلُ لِلْغَاصِبِ زِيَادَةٌ عَلَى الْقِيمَةِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ فِي اعْتِبَارِ هَذِهِ الْجَارِيَةِ فَائِدَةً فَوَجَبَ اعْتِبَارُهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الْمَوْلَى مَتَى أَخَذَ الضَّمَانَ مِنْ الْغَاصِبِ يَمْلِكُ الْغَاصِبُ الْعَبْدَ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْغَصْبِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْجِنَايَةَ ظَهَرَتْ مِنْ الْمَمْلُوكِ عَلَى مَالِكِهِ وَجِنَايَةُ الْمَمْلُوكِ عَلَى مَالِكِهِ هَدَرٌ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى مَمْلُوكِهِ شَيْئًا وَجِنَايَةُ الْمَغْصُوبِ عَلَى مَوْلَاهُ مُعْتَبَرَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - خِلَافًا لَهُمَا لِمَا مَرَّ فِي الرَّهْنِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 444 قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (غَصَبَ صَبِيًّا حُرًّا فَمَاتَ فِي يَدِهِ فَجْأَةً أَوْ بِحُمَّى لَمْ يَضْمَنْ وَإِنْ مَاتَ بِصَاعِقَةٍ أَوْ نَهْشِ حَيَّةٍ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ الْغَاصِبِ) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَضْمَنَ فِي الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لِأَنَّ الْغَصْبَ فِي الْحُرِّ لَا يَتَحَقَّقُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ فِي الْمُكَاتَبِ وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا لِكَوْنِهِ حُرًّا يَدًا مَعَ أَنَّهُ رَقِيقُ رَقَبَةٍ فَالْحُرُّ يَدًا وَرَقَبَةً أَوْلَى أَنْ لَا يَضْمَنَ بِهِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذَا ضَمَانُ إتْلَافٍ لَا ضَمَانُ غَصْبٍ وَالصَّبِيُّ يَضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ وَهَذَا لِأَنَّ نَقْلَهُ إلَى أَرْضٍ مَسْبَعَةٍ أَوْ إلَى مَكَانِ الصَّوَاعِقِ إتْلَافٌ مِنْهُ تَسَبُّبًا وَهُوَ مُتَعَدٍّ فِيهِ بِتَفْوِيتِ يَدِ الْحَافِظِ وَهُوَ الْمَوْلَى فَيَضْمَنُ وَهَذَا لِأَنَّ الْحَيَّاتِ وَالسِّبَاعَ وَالصَّوَاعِقَ لَا تَكُونُ فِي كُلِّ مَكَان فَأَمْكَنَ حِفْظُهُ عَنْهُ فَإِذَا نَقَلَهُ إلَيْهِ وَهُوَ مُتَعَدٍّ فِيهِ فَقَدْ أَزَالَ حِفْظَ الْمَوْلَى عَنْهُ مُتَعَدِّيًا فَيُضَافُ إلَيْهِ لِأَنَّ شَرْطَ الْعِلَّةِ بِمَنْزِلَةِ الْعِلَّةِ إذَا كَانَ تَعَدِّيًا كَالْحَفْرِ فِي الطَّرِيقِ بِخِلَافِ الْمَوْتِ فَجْأَةً أَوْ بِحُمَّى فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمَاكِنِ حَتَّى لَوْ نَقَلَهُ إلَى مَكَان تَغْلِبُ فِيهِ الْحُمَّى وَالْأَمْرَاضُ يَقُولُ إنَّهُ يَضْمَنُ وَتَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ لِكَوْنِهِ قَتْلًا تَسَبُّبًا بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ لِأَنَّهُ فِي يَدِ نَفْسِهِ وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا فَهُوَ يَلْحَقُ بِالْكَثِيرِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُزَوَّجُ إلَّا بِرِضَاهُ كَالْبَالِغِ وَالْحُرِّ الصَّغِيرِ يُزَوِّجُهُ وَلِيُّهُ بِدُونِ رِضَاهُ فَإِذَا أَخْرَجَهُ مِنْ يَدِ الْمَوْلَى فَمَاتَ مِمَّا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ يَضْمَنُ. وَالْمُكَاتَبُ لَا يَعْجِزُ عَنْ حِفْظِ نَفْسِهِ فَلَا يَضْمَنُ بِالْغَصْبِ كَالْحُرِّ الْكَبِيرِ حَتَّى لَوْ لَمْ يُمْكِنْهُ مِنْ حِفْظِ نَفْسِهِ فَلَا يَضْمَنُ بِالْغَصْبِ مِمَّا صَنَعَ مِنْ قَيْدٍ وَنَحْوِهِ يَضْمَنُ الْمُكَاتَبُ وَكَالْحُرِّ الْكَبِيرِ أَيْضًا كَمَا يَضْمَنُ الصَّغِيرُ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ التَّلَفُ مُضَافًا إلَى الْغَاصِبِ بِتَقْصِيرِ حِفْظِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (كَصَبِيٍّ أَوْدَعَ عَبْدًا فَقَتَلَهُ وَإِنْ أَوْدَعَ طَعَامًا وَأَكَلَهُ لَمْ يَضْمَنْ) أَيْ يَضْمَنُ عَاقِلَةُ الْغَاصِبِ كَمَا يَضْمَنُ عَاقِلَةُ الصَّبِيِّ إذَا قَتَلَ عَبْدًا أَوَدَعَ عِنْدَهُ وَهَذَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْعَبْدِ الْمُودَعِ وَالطَّعَامِ الْمُودَعِ هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى يُضْمَنُ الصَّبِيُّ الْمُودَعُ فِي الْوَجْهَيْنِ وَعَلَى هَذَا لَوْ أَوْدَعَ الْعَبْدُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ مَالًا فَاسْتَهْلَكَهُ لَا يُؤْخَذُ بِالضَّمَانِ فِي الْحَالِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَيُؤْخَذُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى يُؤْخَذُ بِهِ فِي الْحَالِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْإِقْرَارُ فِي الْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ وَكَذَا الْإِعَارَةُ فِيهِمَا ثُمَّ إنَّ مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - شَرَطَ فِي الْجَامِعِ أَنْ يَكُونَ الصَّبِيُّ عَاقِلًا وَفِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِي الصَّبِيِّ الَّذِي عُمْرُهُ اثْنَيْ عَشْرَ سَنَةً وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ غَيْرَ الْعَاقِلِ يَضْمَنُ بِالِاتِّفَاقِ وَلِأَنَّ التَّسْلِيطَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِيهِ وَفِعْلُهُ مُعْتَبَرٌ لِأَبِي يُوسُفَ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى إذَا أَتْلَفَ مَالًا مُتَقَوِّمًا مَعْصُومًا حَقًّا لِلْمَالِكِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُهُ كَمَا إذَا كَانَتْ الْوَدِيعَةُ عَبْدًا أَوْ كَانَ الصَّبِيُّ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ أَوْ فِي الْحِفْظِ مِنْ جِهَةِ الْوَلِيِّ وَكَمَا إذَا أَتْلَفَ غَيْرَ مَا فِي يَدِهِ وَلَمْ يَكُنْ مَعْصُومًا لِثُبُوتِ وِلَايَةِ الِاسْتِهْلَاكِ فِيهِ وَلَهُمَا أَنَّهُ أَتْلَفَ مَالًا غَيْرَ مَعْصُومٍ فَلَا يُؤَاخَذُ بِضَمَانِهِ كَمَا لَوْ أَتْلَفَهُ بِإِذْنِهِ وَرِضَاهُ. وَهَذَا لِأَنَّ الْعِصْمَةَ تَثْبُتُ حَقًّا لَهُ وَقَدْ فَوَّتَهَا عَلَى نَفْسِهِ حَيْثُ وَضَعَهُ فِي يَدٍ غَيْرِ مَانِعَةٍ فَلَا يَبْقَى مَعْصُومًا إلَّا إذَا أَقَامَ غَيْرُهُ مَقَامَ نَفْسِهِ فِي الْحِفْظِ وَلَا إقَامَةَ هُنَا لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى الصَّبِيِّ حَتَّى يَلْزَمَهُ وَلَا وِلَايَةَ لِلصَّبِيِّ عَلَى نَفْسِهِ حَتَّى يَلْتَزِمَ بِخِلَافِ الْمَأْذُونِ لَهُ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةً عَلَى نَفْسِهِ كَالْبَالِغِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْوَدِيعَةُ عَبْدًا لِأَنَّ عِصْمَتَهُ لِحَقِّ نَفْسِهِ إذْ هُوَ مُبْقًى عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ فِي حَقِّ الدَّمِ فَكَانَتْ عِصْمَتُهُ لِحَقِّ نَفْسِهِ لَا لِلْمَالِكِ لِأَنَّ عِصْمَةَ الْمَالِكِ إنَّمَا تُعْتَبَرُ فِيمَا لَهُ وِلَايَةُ اسْتِهْلَاكٍ حَتَّى يُمَكَّنَ غَيْرُهُ مِنْ الِاسْتِهْلَاكِ بِالتَّسْلِيطِ وَلَيْسَ لِلْمَوْلَى وِلَايَةُ اسْتِهْلَاكِ عَبْدِهِ فَلَا يَقْدِرُ أَنْ يُمَكَّنَ غَيْرُهُ مِنْ ذَلِكَ فَلَا يُعْتَبَرُ تَسْلِيطُهُ فَيَضْمَنُ الصَّبِيُّ بِاسْتِهْلَاكِهِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَمْوَالِ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ وَإِذَا اسْتَهْلَكَ الصَّبِيُّ يُنْظَرُ إنْ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَإِنْ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ لَكِنَّهُ قَبِلَ الْوَدِيعَةَ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ ضَمِنَ بِالْإِجْمَاعِ إنْ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ وَقَبِلَهَا بِغَيْرِ أَمْرِ وَلِيِّهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَمُحَمَّدٍ فِي الْحَالِ وَلَا بَعْدَ الْإِنْزَالِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَضْمَنُ فِي الْحَالِ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ اسْتَهْلَكَ مَالَ الْغَيْرِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ يَضْمَنُ فِي الْحَالِ وَهُوَ تَقْسِيمٌ حَسَنٌ اهـ. [بَابُ الْقَسَامَةِ] (بَابُ الْقَسَامَةِ) لَمَّا كَانَ أَمْرُ الْقَتِيلِ يَئُولُ إلَى الْقَسَامَةِ فِيمَا إذَا لَمْ يُعْلَمْ قَاتِلُهُ ذَكَرَ هَاهُنَا فِي بَابٍ عَلَى حِدَةٍ فِي آخِرِ الدِّيَاتِ. وَالْكَلَامُ فِي الْقَسَامَةِ مِنْ وُجُوهٍ الْأَوَّلُ فِي مَعْنَاهَا لُغَةً وَالثَّانِي فِي مَعْنَاهَا شَرْعًا وَالثَّالِثُ فِي رُكْنِهَا وَالرَّابِعُ فِي شَرْطِهَا وَالْخَامِسُ فِي صِفَتِهَا وَالسَّادِسُ فِي دَلِيلِهَا اعْلَمْ أَنَّ الْقَسَامَةَ فِي اللُّغَةِ اسْمٌ وُضِعَ مَوْضِعَ الْأَقْسَامِ كَذَا فِي عَامَّةِ الشُّرُوحِ أَخْذًا مِنْ الْمُغْرِبِ وَقَالَ فِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 445 مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ الْقَسَامَةُ لُغَةً: مَصْدَرُ أَقْسَمَ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ لَهُ دِرَايَةٌ بِعِلْمِ الْأَدَبِ وَأَمَّا فِي عِلْمِ الشَّرِيعَةِ فَهِيَ أَيْمَانٌ يَقْسِمُ بِهَا أَهْلُ مَحَلَّةٍ أَوْ دَارٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وُجِدَ فِيهَا قَتِيلٌ بِهِ أَثَرٌ يَقُولُ كُلٌّ مِنْهُمْ وَاَللَّهِ مَا قَتَلْته وَلَا عَلِمْت لَهُ قَاتِلًا كَذَا فِي الْعِنَايَةِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَأَمَّا تَفْسِيرُهَا شَرْعًا فَمَا رَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ فِي الْقَتِيلِ الَّذِي يُوجَدُ فِي الْمَحَلَّةِ أَوْ دَارِ رَجُلٍ فِي الْمِصْرِ إنْ كَانَ جِرَاحَةً أَوْ أَثَرَ ضَرْبٍ أَوْ أَثَرَ خَنْقٍ وَلَا يُعْلَمُ قَاتِلُهُ يَقْسِمُ خَمْسُونَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ كُلٌّ مِنْهُمْ يَقُولُ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْته وَلَا عَلِمْت لَهُ قَاتِلًا. اهـ. أَقُولُ: مَا ذُكِرَ فِي النِّهَايَةِ إنَّمَا هُوَ مَسْأَلَةُ الْقَسَامَةِ شَرْعًا فَإِنَّ التَّفْسِيرَ مِنْ قَبِيلِ التَّصَوُّرَاتِ وَمَا ذُكِرَ فِيهَا تَصْدِيقٌ مِنْ قَبِيلِ الشَّرْطِيَّاتِ كَمَا تَرَى نَعَمْ يُمْكِنُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ تَفْسِيرُ الْقَسَامَةِ شَرْعًا بِتَدْقِيقِ النَّظَرِ لَكِنَّهُ فِي مَوْضِعِ بَيَانِ مَعْنَى الْقَسَامَةِ شَرْعًا فِي أَوَّلِ الْبَابِ تَعَسُّفٌ خَارِجٌ عَنْ سُنَنِ الطَّرِيقِ وَأَمَّا رُكْنُهَا فَهُوَ أَنَّهُ يَجْرِي مِنْ أَنْ يُقْسِمَ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ الَّتِي يُقْسِمُ بِهَا عَلَى لِسَانِهِ ثُمَّ قَالَ فِي النِّهَايَةِ. وَأَمَّا شَرْطُهَا فَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمُقْسِمُ رَجُلًا بَالِغًا عَاقِلًا حُرًّا فَلِذَلِكَ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْقَسَامَةِ الْمَرْأَةُ وَالصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ وَالْعَبْدُ وَأَنْ يَكُونَ فِي الْمَيِّتِ الْمَوْجُودِ أَثَرُ الْقَتْلِ وَأَمَّا لَوْ وُجِدَ مَيِّتًا لَا أَثَرَ بِهِ فَلَا قَسَامَةَ وَلَا دِيَةَ وَمِنْ شَرْطِهَا أَيْضًا تَكْمِيلُ الْيَمِينِ بِالْخَمْسِينَ. اهـ. وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَيْضًا كَذَلِكَ وَمِنْ شُرُوطِهَا أَيْضًا أَنْ لَا يُعْلَمَ قَاتِلُهُ فَإِنْ عُلِمَ فَلَا قَسَامَةَ فِيهِ وَلَكِنْ يَجِبُ الْقِصَاصُ فِيهِ أَوْ الدِّيَةُ كَمَا تَقَدَّمَ وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ الْقَتِيلُ مِنْ بَنِي آدَمَ فَلَا قَسَامَةَ فِي بَهِيمَةٍ وُجِدَتْ فِي مَحَلَّةِ قَوْمٍ وَمِنْهَا الدَّعْوَى مِنْ أَوْلِيَاءِ الْقَتِيلِ لِأَنَّ الْقَسَامَةَ يَمِينٌ وَالْيَمِينَ لَا تَجِبُ بِدُونِ الدَّعْوَى كَمَا فِي سَائِرِ الدَّعَاوَى وَمِنْهَا إنْكَارُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِأَنَّ الْيَمِينَ وَظِيفَةُ الْمُنْكِرِ وَمِنْهَا الْمُطَالَبَةُ فِي الْقَسَامَةِ لِأَنَّ الْيَمِينَ حَقُّ الْمُدَّعِي وَحَقُّ الْإِنْسَانِ يُوَفَّى عِنْدَ طَلَبِهِ كَمَا فِي سَائِرِ الْأَمْوَالِ وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ الْمَوْضِعُ الَّذِي وُجِدَ فِيهِ الْقَتِيلُ مِلْكًا لِأَحَدٍ أَوْ فِي يَدِ أَحَدٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِلْكًا لِأَحَدٍ وَلَا فِي يَدِ أَحَدٍ أَصْلًا فَلَا قَسَامَةَ فِيهِ وَلَا دِيَةَ فِي قِنٍّ أَوْ مُدَبَّرٍ أَوْ أُمِّ وَلَدٍ أَوْ مُكَاتَبٍ أَوْ مَأْذُونٍ وُجِدَ مَقْتُولًا فِي دَارِ مَوْلَاهُ نَصَّ فِي الْبَدَائِعِ عَلَى هَاتِيك الشُّرُوطِ كُلِّهَا بِالْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مَعَ زِيَادَةِ تَفْصِيلٍ وَأَوْرَدَ عَلَى اشْتِرَاطِ الْحُرِّيَّةِ. إذَا وُجِدَ قَتِيلٌ فِي دَارِ مُكَاتَبٍ فَعَلَيْهِ الْقَسَامَةُ وَإِذَا حَلَفَ يَجِبُ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدِّيَةِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْبَدَائِعِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُكَاتَبَ حُرٌّ يَدًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حُرًّا رَقَبَةً كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي الْبَابِ السَّابِقِ فَوُجِدَ فِيهِ الْحُرِّيَّةُ فِي الْجُمْلَةِ فَجَازَ اشْتِرَاطُنَا الْحُرِّيَّةَ فِي الْقَسَامَةِ مُطْلَقًا بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ لَكِنْ لَا يَخْفَى مَا فِيهِ وَأَمَّا صِفَتُهَا فَهِيَ وُجُوبُ الْأَيْمَانِ وَأَمَّا دَلِيلُهَا فَالْأَحَادِيثُ الْمَشْهُورَةُ وَإِجْمَاعُ الْأُمَّةِ وَأَمَّا سَبَبُهَا فَوُجُودُ الْقَتِيلِ فِي الْمَحَلَّةِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَتِيلٌ وُجِدَ فِي مَحَلَّةٍ لَمْ يُدْرَ قَاتِلُهُ حَلَفَ خَمْسُونَ رَجُلًا مِنْهُمْ يَتَخَيَّرُهُمْ الْوَلِيُّ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْنَاهُ وَلَا عَلِمْنَا لَهُ قَاتِلًا) هَذَا عَلَى سَبِيلِ الْحِكَايَةِ عَنْ الْجَمِيعِ وَأَمَّا عِنْدَ الْحَلِفِ فَيَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْته وَلَا عَلِمْت لَهُ قَاتِلًا لِجَوَازِ أَنَّهُ قَتَلَهُ وَحْدَهُ فَيَجْرِي عَلَى يَمِينِهِ مَا قُلْنَا يَعْنِي جَمِيعًا وَلَا يُعْكَسُ لِأَنَّهُ إذَا قَتَلَهُ مَعَ غَيْرِهِ كَانَ قَاتِلًا لَهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا كَانَ هُنَاكَ لَوْثٌ اسْتَحْلَفَ الْأَوْلِيَاءُ خَمْسِينَ يَمِينًا وَيُقْضَى لَهُمْ بِالدِّيَةِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَمْدًا كَانَتْ الدَّعْوَى أَوْ خَطَأً وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُقْضَى بِالْقَوَدِ إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى فِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَاللَّوْثُ عِنْدَهُمَا أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ عَلَامَةُ الْقَتْلِ عَلَى وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ أَوْ ظَاهِرٌ يَشْهَدُ لِلْمُدَّعِي مِنْ عَدَاوَةٍ ظَاهِرَةٍ أَوْ يَشْهَدُ عَدْلٌ أَوْ جَمَاعَةٌ غَيْرُ عُدُولٍ أَنَّ أَهْلَ الْمَحَلَّةِ قَتَلُوهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثُمَّ لَوْثٌ اُسْتُحْلِفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ. فَإِنْ حَلَفُوا لَا دِيَةَ عَلَيْهِمْ وَإِنْ أَبَوْا أَنْ يَحْلِفُوا حَلَفَ الْمُدَّعِي وَاسْتَحَقَّ مَا ادَّعَاهُ لَنَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَوْ أُعْطِيَ النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ الْحَدِيثَ وَقَوْلُهُ «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الدَّمِ وَالْأَمْوَالِ عَلَى ظَاهِرِ الْأَحَادِيثِ وَمَا رُوِيَ فِي قَتِيلٍ وُجِدَ بَيْنَ قَوْمٍ قَالَ يَسْتَحْلِفُ خَمْسِينَ رَجُلًا مِنْهُمْ فَهُوَ كَقَوْلِ الْمُؤَلِّفِ قَتِيلٌ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ جُرِحَ رَجُلٌ فِي قَبِيلَةٍ وَلَمْ يُعْلَمْ جَارِحُهُ فَإِمَّا أَنْ يَصِيرَ صَاحِبَ فِرَاشٍ أَوْ يَكُونَ صَحِيحًا بِحَيْثُ يَذْهَبُ وَيَجِيءُ فَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ فَلَا ضَمَانَ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ فَفِيهِ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى الْقَبِيلَةِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَ الثَّانِي لَا شَيْءَ فِيهِ. اهـ. وَأَطْلَقَ فِي الْقَتِيلِ فَشَمِلَ الْخَطَأَ وَالْعَمْدَ وَالدَّعْوَى بِذَلِكَ قَالَ فِي الْأَصْلِ وَإِذَا وُجِدَ قَتِيلٌ فِي مَحَلَّةِ قَوْمٍ وَادَّعَى وَلِيُّ الْقَتِيلِ الْقَتْلَ عَمْدًا أَوْ خَطَأً فَهَذَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ إمَّا أَنْ يَدَّعِيَ وَلِيُّ الْقَتِيلِ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي قَتَلَهُ وَلِيُّهُ فَإِنْ ادَّعَى عَلَى جَمِيعِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ أَنَّهُمْ قَتَلُوا وَلِيَّهُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً وَادَّعَى عَلَى وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ أَنَّهُ هُوَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 446 الَّذِي قَتَلَهُ وَلِيُّهُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً وَأَنْكَرَ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ خَمْسُونَ رَجُلًا مِنْهُمْ كُلُّ وَاحِدٍ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْته وَلَا عَلِمْت لَهُ قَاتِلًا فَإِنْ حَلَفُوا غَرِمُوا الدِّيَةَ وَإِنْ نَكَلُوا فَإِنَّهُ يَحْبِسُهُمْ حَتَّى يُحَلِّفَهُمْ وَفِي الذَّخِيرَةِ هَذَا الْحَبْسُ بِدَعْوَى الْعَمْدِ وَإِنْ كَانَ يَدَّعِي الْخَطَأَ فَإِذَا نَكَلُوا عَنْ الْيَمِينِ يُقْضَى عَلَيْهِمْ بِالدِّيَةِ اهـ. وَقَوْلُهُ يَتَخَيَّرُهُمْ الْوَلِيُّ يَعْنِي يَخْتَارُ الصَّالِحِينَ دُونَ الطَّالِحِينَ وَلَوْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ. وَإِنْ كَانَ الْقَتِيلُ مُدَبَّرًا أَوْ مُكَاتَبًا وَجَبَتْ الْقَسَامَةُ وَقِيمَتُهُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ لِأَنَّ الْعَبْدَ بِمَنْزِلَةِ الْأَحْرَارِ فِي حَقِّ الدِّمَاءِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا شَيْءَ فِيهِ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْأَمْوَالِ عِنْدَهُ وَلَا قَسَامَةَ فِي الْجَنِينِ لِأَنَّهُ نَاقِصُ الْخِلْقَةِ اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ حَلَفُوا فَعَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ الدِّيَةُ وَلَا يَحْلِفُ الْوَلِيُّ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَحْلِفُ وَقَدْ تَقَدَّمَ وَدَلِيلُنَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَحْلِفُ خَمْسُونَ رَجُلًا مِنْكُمْ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْنَاهُ وَلَا عَلِمْنَا لَهُ قَاتِلًا ثُمَّ أُغْرِمُوا الدِّيَةَ فَقَالَ الْحَالِفُ يَا رَسُولَ اللَّهِ يَحْلِفُ وَيَغْرَمُ فَقَالَ نَعَمْ الْحَدِيثَ هَذَا إذَا ادَّعَى عَلَيْهِمْ لَا بِأَعْيَانِهِمْ الْقَتْلَ عَمْدًا أَوْ خَطَأً لِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ لَا يُمَيَّزُونَ عَنْ الْبَاقِينَ وَلَوْ ادَّعَى عَلَى الْبَعْضِ بِأَعْيَانِهِمْ الْقَتْلَ عَمْدًا أَوْ خَطَأً فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ وَإِطْلَاقُ الْكِتَابِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ أَنَّ الْقَسَامَةَ وَالدِّيَةَ تَسْقُطُ عَنْ الْبَاقِينَ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ وَيُقَالُ لِلْوَلِيِّ أَلَك بَيِّنَةٌ فَإِنْ قَالَ لَا يُسْتَحْلَفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَمِينًا وَاحِدَةً وَرَوَى ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِثْلَهُ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْقِيَاسَ يَأْبَاهُ لِاحْتِمَالِ وُجُودِ الْقَتْلِ مِنْ غَيْرِهِمْ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ تَجِبُ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ وَالنُّصُوصُ لَمْ تُفَرِّقْ بَيْنَ دَعْوَى وَدَعْوَى فَيُجَابُ بِإِطْلَاقِ النُّصُوصِ لَا بِالْقِيَاسِ بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَى عَلَى وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِهِمْ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ نَصٌّ فَلَوْ أَوْجَبْنَاهُمَا لَأَوْجَبْنَاهُمَا بِالْقِيَاسِ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ ثُمَّ إنْ حَلَفَ بَرِئَ وَإِنْ نَكَلَ فَفِي دَعْوَى الْمَالِ يَثْبُتُ وَفِي دَعْوَى الْقِصَاصِ فَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ لَمْ يَتِمَّ الْعَدَدُ كَرَّرَ الْحَلِفَ عَلَيْهِمْ لِيُتِمَّ خَمْسِينَ يَمِينًا) لِأَنَّ الْخَمْسِينَ وَجَبَتْ بِالنَّصِّ فَيَجِبُ تَمَامُهُ مَا أَمْكَنَ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْوُقُوفُ عَلَى الْفَائِدَةِ فِيمَا يَثْبُتُ بِالنَّصِّ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَضَى بِالدِّيَةِ وَرُوِيَ عَنْ شُرَيْحٍ وَالنَّخَعِيِّ مِثْلُ ذَلِكَ وَلِأَنَّ فِيهِ اسْتِعْظَامًا لِأَمْرِ الدَّمِ فَيَتَكَمَّلُ وَتَكْرَارُ الْيَمِينِ مِنْ وَاحِدٍ عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ مُمْكِنٌ شَرْعًا كَمَا فِي كَلِمَاتِ اللِّعَانِ وَإِنْ كَانَ الْعَدَدُ كَامِلًا فَأَرَادَ الْوَلِيُّ أَنْ يُكَرِّرَ عَلَى أَحَدِهِمْ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَصِيرَ إلَى التَّكْرَارِ ضَرُورَةُ الْإِكْمَالِ وَقَدْ كَمُلَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا قَسَامَةَ عَلَى صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَامْرَأَةٍ وَعَبْدٍ) لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ النُّصْرَةِ وَإِنَّمَا هُمْ أَتْبَاعٌ وَالنُّصْرَةُ لَا تَقُومُ بِالِاتِّبَاعِ وَالْيَمِينُ عَلَى أَهْلِ النُّصْرَةِ وَلِأَنَّ الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ لَيْسَا مِنْ أَهْلِ الْقَوْلِ الصَّحِيحِ وَالْيَمِينُ قَوْلٌ قَوْلُهُ وَامْرَأَةٍ وَعَبْدٍ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْلِ النُّصْرَةِ وَالْيَمِينُ عَلَى أَهْلِهَا أَقُولُ: يُشْكَلُ إطْلَاقُ هَذَا بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ فِي مَسْأَلَةٍ وَهِيَ أَنَّهُ لَوْ وُجِدَ قَتِيلٌ فِي قَرْيَةٍ لِامْرَأَةٍ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ عَلَيْهَا الْقَسَامَةُ تُكَرَّرُ عَلَيْهَا الْأَيْمَانُ وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهَا وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الْقَسَامَةُ أَيْضًا عَلَى الْعَاقِلَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا قَسَامَةَ وَلَا دِيَةَ فِي مَيِّتٍ لَا أَثَرَ بِهِ أَوْ يَسِيلُ دَمٌ مِنْ فَمِهِ أَوْ أَنْفِهِ أَوْ دُبُرِهِ بِخِلَافِ عَيْنِهِ وَأُذُنِهِ) لِأَنَّ الْقَسَامَةَ تَجِبُ فِي الْقَتِيلِ. وَهَذَا لَيْسَ بِقَتِيلٍ وَإِنَّمَا مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ وَفِي مِثْلِهِ لَا قَسَامَةَ وَلَا غَرَامَةَ لِأَنَّ الْغَرَامَةَ تَتْبَعُ فِعْلَ الْعَبْدِ، وَالْقَسَامَةَ لِاحْتِمَالِ الْقَتْلِ مِنْهُمْ فَلَا بُدَّ مِنْ أَثَرٍ يَكُونُ بِالْمَيِّتِ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ قَتِيلٌ بِخِلَافِ مَا إذَا خَرَجَ دَمُهُ مِنْ عَيْنِهِ وَأُذُنِهِ لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَادَةً إلَّا مِنْ كَثْرَةِ الضَّرْبِ فَيَكُونُ قَتِيلًا ظَاهِرًا فَتَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُهُ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ بِخِلَافِ عَيْنِهِ وَأُذُنِهِ وَلَوْ وُجِدَ بَدَنُ الْقَتِيلِ كُلُّهُ أَوْ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِهِ أَوْ النِّصْفُ وَمَعَهُ الرَّأْسُ فِي مَحَلَّةٍ فَعَلَى أَهْلِهَا الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ وَإِنْ وُجِدَ نِصْفُهُ مَشْقُوقًا بِالطُّولِ أَوْ وُجِدَ أَقَلُّ مِنْ النِّصْفِ وَكَانَ مَعَهُ الرَّأْسُ أَوْ لَمْ يَكُنْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ لِأَنَّ هَذَا حُكْمٌ عُرِفَ بِالنَّصِّ وَقَدْ وَرَدَ بِهِ فِي الْبَدَنِ وَلَكِنْ لِلْأَكْثَرِ حُكْمُ الْكُلِّ فَأَجْرَيْنَا عَلَيْهِ أَحْكَامَهُ تَعْظِيمًا لِلْآدَمِيِّ وَالْأَقَلُّ لَيْسَ مَعْنَاهُ فَلَا يُلْحَقُ بِهِ وَإِلَّا لَوْ اعْتَبَرْنَاهُ لَاجْتَمَعَتْ الدِّيَاتُ وَالْقَسَامَاتُ بِمُقَابَلَةِ شَخْصٍ وَاحِدٍ بِأَنْ تُوجَدَ أَطْرَافُهُ فِي الْقُرَى مُفَرَّقَةً وَهُوَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ وَيَنْبَنِي عَلَى هَذَا صَلَاةُ الْجِنَازَةِ لِأَنَّهَا لَا تَتَكَرَّرُ كَالْقَسَامَةِ وَالدِّيَةِ قَالَ الشَّارِحُ وَلَوْ وُجِدَ فِيهِمْ جَنِينٌ أَوْ سَقَطَ لَيْسَ بِهِ أَثَرُ الضَّرْبِ لَا شَيْءَ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ لِأَنَّهُ لَا يَفُوقُ الْكَبِيرَ حَالًا وَإِنْ كَانَ بِهِ أَثَرُ الضَّرْبِ وَهُوَ تَامُّ الْخَلْقِ وَجَبَتْ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَيْهِمْ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ تَامَّ الْخَلْقِ يَنْفَصِلُ حَيًّا إلَى آخِرِهِ أَقُولُ: فِي تَحْرِيرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فُتُورٌ مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ أَنَّ الْجَنِينَ عَلَى مَا صَرَّحُوا بِهِ فِي عَامَّةِ كُتُبِ اللُّغَةِ الْوَلَدُ مَا دَامَ فِي الْبَطْنِ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنَّهُ يُوجَدُ فِيهِمْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 447 جَنِينٌ وَحْدَهُ وَهُوَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ وَأَمَّا وُجُودُهُ مَعَ أُمِّهِ بِمَعْزِلٍ عَمَّا نَحْنُ فِيهِ لِكَوْنِ الْحُكْمِ هُنَاكَ لِلْأُمِّ دُونَ الْجَنِينِ. وَالثَّانِي أَنَّ ذِكْرَ الْجَنِينِ يُغْنِي عَنْ ذِكْرِ السِّقْطِ لِأَنَّ السِّقْطَ عَلَى مَا صُرِّحَ بِهِ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ الْوَلَدُ الَّذِي يَسْقُطُ قَبْلَ تَمَامِهِ وَالْجَنِينُ يَعُمُّ تَامَّ الْخَلْقِ وَغَيْرَ تَامِّهِ وَالثَّالِثُ أَنَّ قَوْلَهُ لَيْسَ بِهِ أَثَرُ الضَّرْبِ غَيْرُ كَافٍ فِي جَوَابِ الْمَسْأَلَةِ إذْ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ بِهِ أَثَرُ الْجِرَاحَةِ وَالْخَنْقِ كَمَا تَقَرَّرَ فِيمَا سَبَقَ فَالِاقْتِصَارُ هُنَا عَلَى نَفْيِ أَثَرِ الضَّرْبِ تَقْصِيرٌ وَالْأَظْهَرُ أَنْ يُقَالَ وَلَوْ وُجِدَ فِيهِمْ وَلَدٌ صَغِيرٌ سَاقِطٌ لَيْسَ فِيهِ أَثَرُ الْقَتْلِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ فَتَدَبَّرْ قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ بِهِ أَثَرُ الضَّرْبِ وَهُوَ تَامُّ الْخَلْقِ وَجَبَتْ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَيْهِمْ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ تَامَّ الْخَلْقِ يَنْفَصِلُ حَيًّا فَإِنْ قِيلَ الظَّاهِرُ يَصْلُحُ لِلدَّفْعِ دُونَ الِاسْتِحْقَاقِ وَلِهَذَا قُلْنَا فِي عَيْنِ الصَّبِيِّ وَلِسَانِهِ وَذَكَرِهِ إذَا لَمْ يُعْلَمْ صِحَّتُهُ حُكُومَةُ عَدْلٍ عِنْدَنَا وَإِنْ كَانَ الظَّاهِرُ سَلَامَتُهَا أُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا لَمْ يَجِبْ فِي الْأَطْرَافِ قَبْلَ أَنْ يُعْلَمَ صِحَّتُهَا مَا يَجِبُ فِي السَّلِيمَةِ لِأَنَّ الْأَطْرَافَ يُسْلَكُ بِهَا مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ وَلَيْسَ تَعْظِيمٌ كَتَعْظِيمِ النَّفْسِ فَلَمْ يَجِبْ فِيهَا قَبْلَ الْعِلْمِ بِالصِّحَّةِ قِصَاصٌ أَوْ دِيَةٌ بِخِلَافِ الْجَنِينِ فَإِنَّهُ نَفْسٌ مِنْ وَجْهٍ عُضْوٌ مِنْ وَجْهٍ فَإِذَا انْفَصَلَ تَامَّ الْخَلْقِ وَبِهِ أَثَرُ الضَّرْبِ وَجَبَ فِيهِ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ تَعْظِيمًا لِلنُّفُوسِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ قَتِيلٌ لِوُجُودِ دَلَالَةِ الْقَتْلِ وَهُوَ الْأَثَرُ إذْ الظَّاهِرُ مِنْ حَالِ تَامِّ الْخَلْقِ أَنْ يَنْفَصِلَ حَيًّا وَأَمَّا إذَا وُجِدَ مَيِّتًا وَلَا أَثَرَ بِهِ لَا يَجِبُ فِيهِ شَيْءٌ فَكَذَا هَذَا قَالَ جُمْهُورُ الشُّرَّاحِ. وَرَدَّ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ جَوَابَهُمْ الْمَزْبُورَ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِ السُّؤَالِ وَالْجَوَابُ وَهَذَا كَمَا تَرَى مَعَ تَطْوِيلِهِ لَمْ يَرِدْ السُّؤَالُ وَرُبَّمَا قَوَّاهُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ إذَا لَمْ يَكُنْ حُجَّةً لِلِاسْتِحْقَاقِ فِي الْأَمْوَالِ وَمَا سُلِكَ بِهِ مَسْلَكَهَا فَلَأَنْ يَكُونَ فِيمَا هُوَ أَعْظَمُ خَطَرًا أَوْلَى انْتَهَى وَلِأَنَّ الْجَنِينَ نَفْسٌ فَاعْتَبَرْنَا جِهَةَ النَّفْسِ إنْ انْفَصَلَ حَيًّا فَيُسْتَدَلُّ عَلَيْهِ بِتَمَامِ الْخَلْقِ وَعُضْوٌ مِنْ وَجْهٍ فَاعْتَبَرْنَا جِهَةَ الْعُضْوِ إنْ انْفَصَلَ مَيِّتًا فَيُسْتَدَلُّ عَلَيْهِ بِنُقْصَانِ الْخَلْقِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَتِيلٌ عَلَى دَابَّةٍ وَمَعَهَا سَائِقٌ أَوْ قَائِدٌ أَوْ رَاكِبٌ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ) دُونَ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ لِأَنَّهُ فِي يَدِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا كَانَ فِي دَارِهِ وَإِنْ اجْتَمَعَ فِيهَا السَّائِقُ وَالْقَائِدُ وَالرَّاكِبُ كَانَتْ الدِّيَةُ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا لِأَنَّ الْقَتِيلَ فِي أَيْدِيهِمْ دُونَ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ فَصَارَ كَمَا إذَا وُجِدَ فِي دَارِهِمْ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونُوا مَالِكِينَ لِلدَّابَّةِ بِخِلَافِ الدَّارِ وَالْفَرْقُ أَنَّ تَدْبِيرَ الدَّابَّةِ إلَيْهِمْ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا مَالِكِينَ لَهَا وَتَدْبِيرُ الدَّارِ إلَى مَالِكِهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَاكِنًا فِيهَا وَقِيلَ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى مَالِكِ الدَّابَّةِ فَعَلَى هَذَا أَنْ لَا فَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الدَّارِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى السَّائِقِ إلَّا إذَا كَانَ يَسُوقُهَا مُخْتَفِيًا لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَنْقُلُ قَرِيبَهُ الْمَيِّتَ مِنْ مَكَان إلَى مَكَان لِلدَّفْنِ وَأَمَّا إذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الْخُفْيَةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي قَتَلَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَ الدَّابَّةِ أَحَدٌ فَالدِّيَةُ وَالْقَسَامَةُ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ الَّذِينَ وُجِدَ فِيهِمْ الْقَتِيلُ عَلَى الدَّابَّةِ لِأَنَّ وُجُودَهُ وَحْدَهُ عَلَى الدَّابَّةِ كَوُجُودِهِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي فِيهِ الدَّابَّةُ. وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ أَوْ كَانَ الرَّجُلُ يَحْمِلُهُ عَلَى ظَهْرِهِ فَهُوَ كَاَلَّذِي مَعَ الدَّابَّةِ وَظَاهِرُ عِبَارَةِ الْمُؤَلِّفِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَالِكُ مَعْرُوفًا أَوْ لَا وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ فَالْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَيْهِمْ هَكَذَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ وَلَمْ يُفَصِّلْ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ لِلدَّابَّةِ مَالِكٌ وَبَيْنَ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ بَلْ أَطْلَقَ الْجَوَابَ وَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ قَالَ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلدَّابَّةِ مَالِكٌ مَعْرُوفٌ وَإِنَّمَا يَعْرِفُ ذَلِكَ الْقَائِدُ وَالسَّائِقُ فَأَمَّا إذَا كَانَ مَالِكُ الدَّابَّةِ مَعْرُوفًا فَإِنَّمَا تَجِبُ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى مَالِكِ الدَّابَّةِ نَظِيرُ هَذَا مَا قَالَ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الْعَتَاقِ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا اسْتَوْلَدَ جَارِيَةً فِي يَدِهِ ثُمَّ أَقَرَّ إنَّهَا لِفُلَانٍ إنْ كَانَ الْمُقَرُّ لَهُ مَالِكًا مَعْرُوفًا لِهَذِهِ الْجَارِيَةِ صُدِّقَ الْمُسْتَوْلَدُ وَلَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمُقَرُّ لَهُ مَالِكًا مَعْرُوفًا لَمْ يُصَدَّقْ لِأَنَّهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ فَكَذَلِكَ هُنَا وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ سَوَاءٌ كَانَ لِلدَّابَّةِ مَالِكٌ مَعْرُوفٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ فَإِنَّ الْقَسَامَةَ تَجِبُ عَلَى الَّذِي فِي يَدِهِ الدَّابَّةُ وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَلَوْ وَقَعَتْ الْمُنَازَعَةُ بَيْنَ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ وَبَيْنَ السَّائِقِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ السَّائِقِ أَنَّ الدَّابَّةَ دَابَّتُهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (مَرَّتْ دَابَّةٌ عَلَيْهَا قَتِيلٌ بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ فَعَلَى أَقْرَبِهِمَا) لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَمَرَ فِي قَتِيلٍ وُجِدَ بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ بِأَنْ يُذْرَعَ فَوُجِدَ أَحَدُهُمَا أَقْرَبَ بِشِبْرٍ فَقَضَى عَلَيْهِمْ بِالْقَسَامَةِ» قِيلَ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانُوا بِحَيْثُ يُسْمَعُ مِنْهُمْ الصَّوْتُ وَأَمَّا إذَا كَانُوا بِحَيْثُ لَا يُسْمَعُ مِنْهُمْ الصَّوْتُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ إذَا كَانُوا بِحَيْثُ لَا يُسْمَعُ مِنْهُمْ الصَّوْتُ لَا يُمْكِنُهُمْ الْغَوْثُ وَهَذَا قَوْلُ الْكَرْخِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَعِبَارَةُ الْمَاتِنِ ظَاهِرُهَا الْإِطْلَاقُ وَأَمَّا إذَا وُجِدَ فِي فَلَاةٍ فِي أَرْضٍ فَإِنْ كَانَتْ مِلْكًا لِإِنْسَانٍ فَهُمَا عَلَى الْمَالِكِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِلْكًا لِأَحَدٍ فَإِنْ كَانَتْ يُسْمَعُ مِنْهَا الصَّوْتُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 448 مِنْ مِصْرٍ مِنْ الْأَمْصَارِ فَعَلَيْهِمْ الْقَسَامَةُ وَإِنْ كَانَ لَا يُسْمَعُ فَإِنْ كَانَ لِلْمُسْلِمِينَ فِيهَا مَنْفَعَةٌ لِلِاحْتِطَابِ وَالْكَلَأِ فَالدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَإِنْ انْقَطَعَتْ عَنْهَا مَنْفَعَةُ الْمُسْلِمِينَ فَدَمُهُ هَدَرٌ فَظَهَرَ أَنَّ قَوْلَهُ عَلَى أَقْرَبِهَا إذَا لَمْ تَكُنْ الْأَرْضُ مِلْكًا لِأَحَدِكُمَا قَالَ إذَا كَانَ يُسْمَعُ مِنْهَا الصَّوْتُ مِنْ الْمِصْرِ وَهُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فِي الْقَرْيَتَيْنِ إذَا وُجِدَ قَتِيلٌ بَيْنَهُمَا وَقَوْلُهُ بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ مِثَالٌ وَكَذَا لَوْ وُجِدَ بَيْنَ قَبِيلَتَيْنِ أَوْ بَيْنَ مَحَلَّتَيْنِ قَالَ فِي الْمُحِيطِ أَمَّا إذَا وُجِدَ فِي فَلَاةِ مُبَاحٍ فَإِنْ وُجِدَ فِي خَيْمَةٍ أَوْ فُسْطَاطٍ فَالْقَسَامَةُ عَلَى مَالِكِهَا وَالدِّيَةُ عَلَى مَنْ يَسْكُنُهَا لِأَنَّهَا فِي يَدِهِ كَمَا فِي الدَّارِ وَإِنْ كَانَ خَارِجًا عَنْهَا فَعَلَى الْقَبِيلَةِ الَّتِي وُجِدَ فِيهَا الْقَتِيلُ لِأَنَّهُمْ لَمَّا نَزَلُوا قَبَائِلَ فِي أَمَاكِنَ مُخْتَلِفَةٍ صَارَتْ الْأَمْكِنَةُ بِمَنْزِلَةِ الْمَحَالِّ الْمُخْتَلِفَةِ فِي الْمُقِرِّ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَيْسَ لِغَيْرِهِمْ إزْعَاجُهُمْ عَنْ هَذَا الْمَكَانِ. وَلَوْ وُجِدَ بَيْنَ الْقَبِيلَتَيْنِ فَعَلَى أَقْرَبِهِمَا فَإِنْ اسْتَوَيَا فَعَلَيْهِمَا كَمَا لَوْ وُجِدَ بَيْنَ الْمَحَلَّتَيْنِ وَبَيْنَ الْقَرْيَتَيْنِ هَذَا إذَا نَزَلُوا بَيْنَ قَبَائِلَ مُتَفَرِّقِينَ فَإِنْ نَزَلُوا جُمْلَةً مُخْتَلِطِينَ وَوُجِدَ الْقَتِيلُ خَارِجَ الْخِيَامِ فَعَلَى أَهْلِ الْعَسْكَرِ كُلِّهِمْ لِأَنَّهُمْ لَمَّا نَزَلُوا جُمْلَةً صَارَتْ الْأَمْكِنَةُ كُلُّهَا بِمَنْزِلَةِ مَحَلَّةٍ وَاحِدَةٍ لِأَنَّ الْأَمْكِنَةَ كُلَّهَا مَنْسُوبَةٌ إلَى جَمِيعِ الْعَسْكَرِ لَا إلَى الْبَعْضِ وَإِنْ كَانَ الْعَسْكَرُ فِي أَرْضِ رَجُلٍ فَالْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْعَسْكَرَ فِي هَذَا الْمَكَانِ بِمَنْزِلَةِ السُّكَّانِ وَالْقَسَامَةَ وَالدِّيَةَ عَلَى الْمُلَّاكِ دُونَ السُّكَّانِ بِالْإِجْمَاعِ وَهُمَا سَوَّيَا بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ الدَّارِ وَأَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَرَّقَ فَإِنَّ عِنْدَهُ فِي الدَّارِ تَجِبُ عَلَى السُّكَّانِ دُونَ الْمُلَّاكِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْعَسْكَرَ نَزَلُوا فِي هَذَا الْمَكَانِ لِلِانْتِقَالِ وَالِارْتِحَالِ لَا لِلْقَرَارِ وَمَا لَا قَرَارَ لَهُ وُجُودُهُ وَعَدَمُهُ بِمَنْزِلَةٍ فَأَمَّا السُّكَّانُ فِي الدَّارِ لِلْقَرَارِ لَا لِلِانْتِقَالِ وَالْفِرَارِ فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِهِ وَإِنْ كَانَ أَهْلُ الْعَسْكَرِ قَدْ لَقُوا عَدُوَّهُمْ فَلَا قَسَامَةَ وَلَا دِيَةَ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ قَتْلُ الْعَدُوِّ وَلَوْ جُرِحَ فِي مَحَلَّةٍ أَوْ قَبِيلَةٍ فَحُمِلَ مَجْرُوحًا وَمَاتَ فِي مَحَلَّةٍ أُخْرَى مِنْ تِلْكَ الْجِرَاحَةِ فَالْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ الَّتِي جُرِحَ فِيهَا لِأَنَّ الْقَتْلَ حَقِيقَةً وُجِدَ فِي الْمَحَلَّةِ الْأُولَى دُونَ الْأُخْرَى رَجُلٌ جُرِحَ وَحَمَلَهُ إنْسَانٌ مِنْ أَهْلِهِ فَمَكَثَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ ثُمَّ مَاتَ لَمْ يَضْمَنْ الْحَامِلُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ. وَفِي قِيَاسِ أَبِي حَنِيفَةَ يَضْمَنُ وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى مَا إذَا جُرِحَ فِي قَبِيلَةٍ ثُمَّ مَاتَ فِي أَهْلِ قَبِيلَةٍ أُخْرَى لِأَنَّ يَدَهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَحَلَّةِ فَصَارَ وُجُودُهُ مَجْرُوحًا فِي يَدِهِ كَوُجُودِهِ فِي مَحَلَّتِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ وُجِدَ فِي دَارِ إنْسَانٍ فَعَلَيْهِ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ) لِأَنَّ الدَّارَ فِي يَدِهِ وَتَصَرُّفِهِ وَلَا يَدْخُلُ السُّكَّانُ فِي الْقَسَامَةِ مَعَ الْمَالِكِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ هِيَ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا لِأَنَّ وِلَايَةَ التَّدْبِيرِ تَكُونُ بِالسُّكْنَى كَمَا تَكُونُ بِالْمِلْكِ وَلَنَا أَنَّ الْمُلَّاكَ هُمْ الْمُخْتَصُّونَ بِنُصْرَةِ الْمَنْفَعَةِ عَادَةً دُونَ السُّكَّانِ وَلِأَنَّ تَمْلِيكَ الْمُلَّاكِ أَلْزَمُ وَقَرَارَهُمْ أَدْوَمُ وَكَانَتْ وِلَايَةُ التَّدْبِيرِ إلَيْهِمْ فَتَحَقَّقَ التَّقْصِيرُ مِنْهُمْ وَفِي الْأَصْلِ وَإِذَا وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي الدَّارِ تَجِبُ الْقَسَامَةُ عَلَى صَاحِبِ الدَّارِ وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الدَّارِ يَعْنِي أَهْلَ الْخُطَّةِ وَفِي الذَّخِيرَةِ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ وَكَذَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْأَصْلِ وَذُكِرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ الْأَصْلِ أَنَّ الْقَسَامَةَ وَالدِّيَةَ عَلَى قَوْمِ صَاحِبِ الدَّارِ فَاتَّفَقَتْ الرِّوَايَاتُ أَنَّ الدِّيَةَ عَلَى قَوْمِهِ وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ فِي الْقَسَامَةِ ذُكِرَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ إنَّمَا تَكُونُ عَلَى الْمُشْتَرِي خَاصَّةً وَذُكِرَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهَا تَكُونُ عَلَى عَاقِلَةِ الْمُشْتَرِي وَحُكِيَ عَنْ الْكَرْخِيِّ أَنَّهُ وَفَّقَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ قَالَ إنَّهَا تَجِبُ عَلَيْهِ خَاصَّةً إذَا كَانَ قَوْمُهُ غُيَّبًا وَمَعْنَى الرِّوَايَةِ الَّتِي قَالَ إنَّهَا تَكُونُ عَلَيْهِ وَعَلَى قَوْمِهِ أَنْ يَكُونَ قَوْمُهُ حُضُورًا حَتَّى لَوْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُمْ فِي الْمَحَلَّةِ ثُمَّ وُجِدَ قَتِيلٌ فِي سِكَّةٍ مِنْ سِكَكِهِمْ أَيْ فِي مَسْجِدٍ مِنْ مَسَاجِدِهِمْ وَفِيهَا سُكَّانٌ وَمُشْتَرُونَ فَإِنَّ الْقَسَامَةَ عَلَى الْمُشْتَرِي وَهَذَا الَّذِي ذُكِرَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. فَأَمَّا فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ تَجِبُ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى السُّكَّانِ لَا عَلَى الْمُشْتَرِينَ الَّذِينَ هُمْ مُلَّاكٌ وَفِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ يَقُولُ تَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَالسُّكَّانِ وَفِي الذَّخِيرَةِ وُجِدَ قَتِيلٌ فِي دَارٍ فَقَالَ صَاحِبُ الدَّارِ أَنَا قَتَلْته لِأَنَّهُ أَرَادَ أَخْذَ مَالِي وَعَلَى الْمَقْتُولِ سِيمَا السُّرَّاقِ وَهُوَ مُبْهَمٌ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَى صَاحِبِ الدَّارِ وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ قَالَ إنَّ عَلَيْهِ الدِّيَةَ لَا الْقِصَاصَ وَإِنْ لَمْ يُقِرَّ صَاحِبُ الدَّارِ بِقَتْلِهِ وَلَا نَقْتُلُهُ وَتُقْسَمُ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَفِي الْيَنَابِيعِ رَجُلٌ وَجَدَ قَتِيلًا فَادَّعَى وَلِيُّ الْجِنَايَةِ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ قَتَلَهُ وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَقْتُولِ عَدَاوَةٌ ظَاهِرَةٌ فَإِنْ أَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَقَالَ الْوَلِيُّ احْلِفْ أَنَّك قَتَلْته وَآخُذُ مِنْك الْجِنَايَةَ أَيْ الدِّيَةَ فَإِنَّهُ لَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ عِنْدَنَا وَقَوْلُهُ دَارُ إنْسَانٍ مِثَالٌ وَكَذَا لَوْ وُجِدَ فِي حَانُوتٍ، وَالْكَرْمُ وَالْأَرْضُ فِي الْحُكْمِ كَمَا ذَكَرْنَا فِي الدَّارِ، وَفِي الْمُحِيطِ وَإِذَا وُجِدَ قَتِيلٌ فِي مَحَلَّةٍ خَرِبَةٍ لَيْسَ فِيهَا أَحَدٌ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 449 وَبِقُرْبِهَا مَحَلَّةٌ عَامِرَةٌ فِيهَا أُنَاسٌ كَثِيرَةٌ تَجِبُ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى أَهْل الْمَحَلَّةِ الْعَامِرَةِ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ الْأَمَاكِنِ إلَيْهَا وَلَوْ وُجِدَ فِي دَارِ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ أَوْ امْرَأَةٌ فِي دَارِ زَوْجِهَا تَجِبُ فِيهَا الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ وَلَا يُحْرَمُ الْإِرْثَ لِأَنَّهُ حُكْمٌ بِأَنَّهُ قَتَلَهُ حُكْمًا بِتَرْكِ الْحِفْظِ وَلَوْ وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي دَارِ امْرَأَةٍ كَرَّرَ عَلَيْهَا الْيَمِينَ خَمْسِينَ مَرَّةً. وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهَا وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ عَلَى أَقْرَبِ الْقَبَائِلِ قَالَ فِي الْمُحِيطِ رَجُلَانِ كَانَا فِي بَيْتٍ لَيْسَ مَعَهُمَا ثَالِثٌ فَوُجِدَ أَحَدُهُمَا مَذْبُوحًا قَالَ أَبُو يُوسُفَ يَضْمَنُ الْآخَرُ الدِّيَةَ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا يَقْتُلُ نَفْسَهُ وَإِنَّمَا قَتَلَهُ الْآخَرُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا حُكْمَ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّ الْآخَرَ قَتَلَ نَفْسَهُ وَأَنَّ الْآخَرَ قَتَلَهُ فَلَا أُضَمِّنُهُ بِالشَّكِّ وَلَوْ أَنَّ دَارًا مُغْلَقَةً لَيْسَ فِيهَا أَحَدٌ وَوُجِدَ فِيهَا قَتِيلٌ فَالْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ رَبِّ الدَّارِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَهِيَ عَلَى أَهْلِ الْخُطَّةِ دُونَ السُّكَّانِ وَالْمُشْتَرِينَ) هَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ وَمُحَمَّدٍ وَأَهْلُ الْخُطَّةِ هُمْ الَّذِينَ خَطَّ لَهُمْ الْإِمَامُ الْأَرْضَ بِخَطِّهِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ الْكُلُّ مُشْتَرِكٌ لِأَنَّ الضَّمَانَ إنَّمَا يَجِبُ بِتَرْكِ الْحِفْظِ مِمَّنْ لَهُ وِلَايَةُ الْحِفْظِ وَهُمْ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ فَكَذَا فِي تَرْكِ الْحِفْظِ فَصَارَ كَالدَّارِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْخُطَّةِ وَبَيْنَ الْمُشْتَرِي وَلَوْ كَانَ لِلْخُطَّةِ تَأْثِيرٌ فِي التَّقْدِيمِ لَمَا شَارَكَهُمْ الْمُشْتَرِي وَلَهُمَا أَنَّ صَاحِبَ الْخُطَّةِ هُوَ الْمُخْتَصُّ بِنُصْرَةِ الْبُقْعَةِ فِي الْعُرْفِ وَكَذَا فِي الْحِفْظِ وَلِأَنَّ صَاحِبَ الْخُطَّةِ أَصِيلٌ وَالْمُشْتَرِي دَخِيلٌ وَوِلَايَةُ الْحِفْظِ عَلَى الْأَصِيلِ دُونَ الدَّخِيلِ وَفِي الدَّارِ الْمُشْتَرَكَةِ وِلَايَةُ تَدْبِيرِهَا إلَى الْمَالِكِ مُطْلَقًا بِخِلَافِ الْقَرْيَةِ وَالْمَحَلَّةِ وَالدَّارِ فَإِنَّهُ إذَا وُجِدَ قَتِيلٌ فِي دَارٍ مُشْتَرَكَةٍ بَيْنَ مُشْتَرٍ وَصَاحِبِ خُطَّةٍ فَإِنَّهُمَا يَسْتَوِيَانِ فِي الْقَسَامَةِ وَالدِّيَةِ بِالْإِجْمَاعِ وَفِي الْمَحَلَّةِ أَوْجَبَ الْقَسَامَةَ وَالدِّيَةَ عَلَى أَهْلِ الْخُطَّةِ دُونَ الْمُشْتَرِينَ مَعَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَوْ انْفَرَدَ كَانَتْ الْقَسَامَةُ عَلَيْهِ وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ. وَالْفَرْقُ أَنَّ الْعُرْفَ جَارٍ بِأَنَّ تَدْبِيرَ الْمَحَلَّةِ لِأَهْلِهَا دُونَ الْمُشْتَرِي مِنْهُ وَتَدْبِيرَ الدَّارِ لِلْمُشْتَرِي وَلَوْ قَالَ وَهُمَا عَلَى أَهْلِ الْخُطَّةِ لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّ الضَّمِيرَ يَرْجِعُ لِأَقْرَبِ مَذْكُورٍ وَهُوَ الدِّيَةُ وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي الْحُكْمِ مُتَأَخِّرٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ لَمْ يَبْقَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فَعَلَى الْمُشْتَرِينَ) يَعْنِي إنْ لَمْ يَبْقَ وَاحِدٌ مِنْ أَهْلِ الْخُطَّةِ فَعَلَى الْمُشْتَرِينَ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ انْتَقَلَتْ إلَيْهِمْ لِزَوَالِ مَنْ يُزَاحِمُهُمْ ثُمَّ إذَا وُجِدَ فِي دَارِ إنْسَانٍ تَدْخُلُ الْعَاقِلَةُ فِي الْقَسَامَةِ إنْ كَانُوا حَاضِرِينَ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا تَدْخُلُ لِأَنَّ رَبَّ الدَّارِ أَخَصُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ فَلَا يُشَارِكُهُ غَيْرُهُ فِيهَا كَأَهْلِ الْمَحَلَّةِ لَا يُشَارِكُهُمْ فِيهَا عَوَاقِلُهُمْ فَصَارُوا كَمَا إذَا كَانُوا غَائِبِينَ وَلَهُمَا أَنَّهُمْ فِي الْحُضُورِ لَزِمَتْهُمْ نُصْرَةُ الْبُقْعَةِ كَمَا يَلْزَمُ صَاحِبَ الدَّارِ فَيُشَارِكُونَهُ فِي الْقَسَامَةِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ هَذَا قَوْلُ الْكَرْخِيِّ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ وُجِدَ فِي دَارٍ مُشْتَرَكَةٍ عَلَى التَّفَاوُتِ فَهِيَ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ) أَيْ إذَا وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي دَارٍ مُشْتَرَكَةٍ بَيْنَ جَمَاعَةٍ أَنْصِبَاؤُهُمْ فِيهَا مُتَفَاضِلَةٌ بِأَنْ كَانَتْ بَيْنَ ثَلَاثَةٍ مَثَلًا لِأَحَدِهِمْ النِّصْفُ وَلِلْآخَرِ الثُّلُثُ وَلِلثَّالِثِ السُّدُسُ تُقْسَمُ الدِّيَةُ وَالْقَسَامَةُ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِهِمْ وَلَا يُعْتَبَرُ بِتَفَاوُتِ الْأَنْصِبَاءِ لِأَنَّ صَاحِبَ الْقَلِيلِ يُزَاحِمُ صَاحِبَ الْكَثِيرِ فِي التَّدْبِيرِ فَكَانُوا سَوَاءً فِي الْحِفْظِ وَالتَّقْصِيرِ فَيَكُونُ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ بِمَنْزِلَةِ الشُّفْعَةِ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ دَارٌ نِصْفُهَا لِرَجُلٍ وَعُشْرُهَا لِآخَرَ وَلِآخَرَ مَا بَقِيَ فَوُجِدَ فِيهَا قَتِيلٌ فَهِيَ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِ الرِّجَالِ دُونَ تَفَاوُتِ الْمِلْكِ حَتَّى أَنَّ الْقَتِيلَ إذَا وُجِدَ فِي دَارٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَثْلَاثًا فَالدِّيَةُ تَجِبُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَكَذَا دَارٌ بَيْنَ بَكْرٍ وَزَيْدٍ أَثْلَاثًا فَوُجِدَ فِيهَا قَتِيلٌ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِمْ أَثْلَاثًا. وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ رَوَاهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ بِخِلَافِ هَذَا فَإِنَّهُ قَالَ عَلَى عَدَدِ الْمِلْكِ وَلَوْ وُجِدَ قَتِيلٌ بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ فَالدِّيَةُ عَلَى أَهْلِ الْقَرْيَتَيْنِ عَلَى السَّوَاءِ وَلَا يُنْظَرُ إلَى عَدَدِ أَهْلِ الْقَرْيَتَيْنِ وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي دَارٍ بَيْنَ تَمِيمِيٍّ وَبَيْنَ أَرْبَعَةٍ مِنْ هَمْدَانَ وُجِدَ فِيهَا قَتِيلٌ فَالدِّيَةُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تَجِبُ الدِّيَةُ أَخْمَاسًا وَإِذَا وُجِدَ قَتِيلٌ بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ وَهُوَ فِي الْقُرْبِ إلَيْهِمَا عَلَى السَّوَاءِ وَوُجِدَ فِي إحْدَى الْقَرْيَتَيْنِ أُنَاسٌ كَثِيرَةٌ وَفِي الْأُخْرَى أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ فَالدِّيَةُ عَلَى الْقَرْيَتَيْنِ نِصْفَيْنِ بِلَا خِلَافٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي قَتِيلٍ وُجِدَ بَيْنَ ثَلَاثِ دُورٍ دَارٌ لِتَمِيمِيِّ وَدَارَانِ لِهَمْدَانَ وَهُوَ فِي الْقُرْبِ مِنْهُمَا جَمِيعًا عَلَى السَّوَاءِ فَالدِّيَةُ نِصْفَانِ وَاعْتَبَرَ الْقَبِيلَةَ دُونَ الْقُرْبِ وَإِذَا وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي دَارٍ بَيْنَ ثَلَاثَةِ نَفَرٍ فَالْقَسَامَةُ عَلَى عَوَاقِلِهِمْ جَمِيعًا أَثْلَاثًا وَتَمَامُ الْخَمْسِينَ عَلَى الْعَوَاقِلِ وَكَذَا لَوْ وُجِدَ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ الْمَحَلَّةِ فَالْمُعْتَبَرُ عَدَدُ الْقَبَائِلِ وَالْقَبَائِلُ هُنَا ثَلَاثٌ فَالدِّيَةُ أَثْلَاثٌ وَلِهَذَا قُلْنَا بِأَنَّ أَهْلَ الدِّيوَانِ إذَا جَمَعَهُمْ دِيوَانٌ وَاحِدٌ وَقَاتِلٌ وَاحِدٌ مِنْهُمْ كَانَ عَلَى أَهْلِ دِيوَانِهِ لَا عَلَى أَهْلِهِ وَعَشِيرَتِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ بِيعَ فَلَمْ يَقْبِضْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 450 فَهِيَ عَلَى عَاقِلَةِ الْبَائِعِ وَفِي الْخِيَارِ عَلَى ذِي الْيَدِ) أَيْ إذَا بِيعَتْ الدَّارُ وَلَمْ يَقْبِضْهَا الْمُشْتَرِي وَوُجِدَ فِيهَا قَتِيلٌ فَضَمَانُهُ عَلَى عَاقِلَةِ الْبَائِعِ وَإِنْ كَانَ فِي الْبَيْعِ خِيَارٌ لِأَحَدِهِمَا فَهُوَ عَلَى عَاقِلَةِ الَّذِي فِي يَدِهِ. وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ خِيَارٌ فَهُوَ عَلَى عَاقِلَةِ الْمُشْتَرِي وَإِنْ كَانَ فِيهِ خِيَارٌ فَهُوَ عَلَى عَاقِلَةِ الَّذِي يَصِيرُ لَهُ لِأَنَّهُ إنَّمَا نُزِّلَ قَاتِلًا بِاعْتِبَارِ التَّقْصِيرِ فِي الْحِفْظِ فَلَا يَجِبُ إلَّا عَلَى مَنْ لَهُ وِلَايَةُ الْحِفْظِ وَالْوِلَايَةُ تُسْتَفَادُ بِالْمِلْكِ وَلِهَذَا لَوْ كَانَتْ الدَّارُ وَدِيعَةً تَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى صَاحِبِ الدَّارِ دُونَ الْمُودِعِ وَالْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبْضِ فِي الْبَيْعِ الْبَاتِّ وَفِي الَّذِي شُرِطَ فِيهِ الْخِيَارُ يُعْتَبَرُ قَرَارُ الْمِلْكِ كَمَا فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى الْحِفْظِ بِالْيَدِ دُونَ الْمِلْكِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى الْحِفْظِ بِالْيَدِ دُونَ الْمِلْكِ وَلَا يَقْدِرُ بِالْمِلْكِ بِدُونِ الْيَدِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ وَفِي الْبَيْعِ الْبَاتِّ الْيَدُ لِلْبَائِعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَكَذَا فِيمَا فِيهِ الْخِيَارُ لِأَحَدِهِمَا لِأَنَّهُ دُونَ الْبَاتِّ وَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَالْخِيَارُ لَهُ فَهُوَ أَخَصُّ النَّاسِ بِهِ تَصَرُّفًا وَإِذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ فَهُوَ فِي يَدِهِ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ كَالْمَغْصُوبِ فَيُعْتَبَرُ يَدُهُ إذْ بِهَا يَقْدِرُ عَلَى الْحِفْظِ بِخِلَافِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ فَإِنَّهَا تَجِبُ عَلَى الْمَالِكِ لَا عَلَى الضَّامِنِ وَهَذِهِ ضَمَانُ جِنَايَةٍ فَتَجِبُ عَلَى الضَّامِنِ لِأَنَّ ضَمَانَ الْجِنَايَةِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْمِلْكُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْغَاصِبَ يَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ جِنَايَةِ الْعَبْدِ الْمَغْصُوبِ وَلَا مِلْكَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الدَّارُ فِي يَدِهِ وَدِيعَةً لِأَنَّ هَذَا الضَّمَانَ ضَمَانُ تَرْكِ الْحِفْظِ وَهُوَ إنَّمَا يَجِبُ عَلَى مَنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْحِفْظِ وَهُوَ مَنْ لَهُ يَدُ أَصَالَةٍ لَا يَدُ نِيَابَةٍ وَيَدُ الْمُودَعِ يَدُ نِيَابَةٍ. وَكَذَا الْمُسْتَعِيرُ وَالْمُرْتَهِنُ وَكَذَا الْغَاصِبُ لِأَنَّ يَدَهُ يَدُ أَمَانَةٍ لِأَنَّ الْعَقَارَ لَا يُضْمَنُ بِالْغَصْبِ عِنْدَنَا ذِكْرُهُ فِي الْبِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الضَّمَانَ عَلَى الْغَاصِبِ فَإِنْ قُلْتُ: لَوْ جَنَى الْعَبْدُ فِي الْبَيْعِ الْبَاتِّ قَبْلَ الْقَبْضِ يُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي بَيْنَ الرَّدِّ وَإِمْضَائِهِ وَهُنَا لَا يُخَيَّرُ وَالْفَرْقُ أَنَّ الدَّارَ لَا يَسْتَحِقُّهَا بِوُجُودِ الْقَتِيلِ فِيهَا بِخِلَافِ الْعَبْدِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُسْتَحَقًّا بِالْجِنَايَةِ وَفِي مُخْتَصَرِ خواهر زاده وَإِنْ وُجِدَ فِي دَارِ يَتَامَى الْمُسْلِمِينَ فَالْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الْيَتَامَى وَالْأَصْلُ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَعْتَبِرُ لِوُجُودِ الدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ الْيَدَ الْحَقِيقِيَّةَ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الْقُدْرَةَ عَلَى الْحِفْظِ وَهُمَا يَعْتَبِرَانِ الْمِلْكَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا تَعْقِلُ عَاقِلَةٌ حَتَّى تَشْهَدَ الشُّهُودُ أَنَّهَا لِذِي الْيَدِ) أَيْ إذَا كَانَتْ دَارٌ فِي يَدِ رَجُلٍ فَوُجِدَ فِيهَا قَتِيلٌ لَا تَعْقِلُهُ عَاقِلَتُهُ حَتَّى تَشْهَدَ الشُّهُودُ أَنَّهَا لِصَاحِبِ الْيَدِ لِأَنَّ مِلْكَ صَاحِبِ الْيَدِ لَا بُدَّ مِنْهُ حَتَّى تَعْقِلَ عَاقِلَتُهُ عَنْهُ وَالْيَدُ وَإِنْ كَانَتْ تَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ وَلَكِنَّهَا مُحْتَمَلَةٌ فَلَا تَكْفِي إلَّا بِإِيجَابِ الضَّمَانِ عَلَى الْعَاقِلَةِ كَمَا لَا يَخْفَى لِلِاسْتِحْقَاقِ وَتَصْلُحُ لِلدَّفْعِ وَقَدْ عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ وَلَا يَخْتَلِجُ فِي وَهْمِك صُورَةُ تَنَاقُضٍ بِعَدَمِ الِاكْتِفَاءِ بِالْيَدِ مَعَ مَا تَقَدَّمَ أَنَّ الِاعْتِبَارَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِلْيَدِ لِأَنَّ الْيَدَ الْمُعْتَبَرَةَ عِنْدَهُ هِيَ الَّتِي تَكُونُ بِالْأَصَالَةِ لَكِنْ كَيْفَ يَتِمُّ عَلَى أَصْلِهِ التَّعْلِيلُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْمِلْكِ لِصَاحِبِ الْيَدِ حَتَّى تَعْقِلَ الْعَوَاقِلُ عَنْهُ. وَهَلْ لَا يُنَاقِضُ هَذَا مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الِاعْتِبَارَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِلْيَدِ دُونَ الْمِلْكِ كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ آنِفًا فَإِنَّ الْمِلْكَ هُنَاكَ لِلْمُشْتَرِي مَعَ أَنَّ الدِّيَةَ عِنْدَهُ عَلَى عَاقِلَةِ الْبَائِعِ لِكَوْنِهِ صَاحِبَ الْيَدِ قَبْلَ الْقَبْضِ كَمَا مَرَّ تَفْصِيلُهُ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ وَلَا يَلْزَمُ أَبَا حَنِيفَةَ أَنْ يَعْتَبِرَ الْيَدَ فِي اسْتِحْقَاقِ الدِّيَةِ كَمَا قَالَ فِي الدَّارِ الْمَبِيعَةِ فِي يَدِ الْبَائِعِ يُوجَدُ فِيهَا قَتِيلٌ لِأَنَّ الدِّيَةَ تَجِبُ عَلَى عَاقِلَةِ الْبَائِعِ لِأَنَّهُ يَعْتَبِرُ يَدَ الْمَالِكِ لَا مُجَرَّدَ الْيَدِ فَلَمْ تَثْبُتْ هُنَا يَدُ الْمَالِكِ إلَّا بِالْبَيِّنَةِ اهـ. وَذُكِرَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ مَا يُوَافِقُهُ حَيْثُ قَالَ وَفِي جَامِعِ كَرْبِيسِيٍّ اعْتَبَرَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مُجَرَّدَ الْيَدِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَهُنَاكَ لَا يَثْبُتُ ذَلِكَ إلَّا بِالْبَيِّنَةِ فَلَا يَرِدُ نَقْضًا عَلَيْهِ. اهـ. أَقُولُ: هَذَا التَّوْجِيهُ مُشْكِلٌ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ كَانَ لِلْمُشْتَرِي لَا مَحَالَةَ وَعَنْ هَذَا نَشَأَ النِّزَاعُ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَصَاحِبَيْهِ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ إذْ لَوْ كَانَ الْمِلْكُ أَيْضًا لِلْبَائِعِ لَمَا صَارَ مَحَلُّ الْخِلَافِ وَإِقَامَةُ الْحُجَّةِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ عَلَى مَا مَرَّ بَيَانُهُ فَإِذَا كَانَ الْمِلْكُ هُنَا لِلْمُشْتَرِي فَكَيْفَ يَتَحَقَّقُ الْبَائِعُ أَنَّ ذَاكَ يَدُ الْمَالِكِ إذْ ثُبُوتُ يَدِ الْمِلْكِ لَهُ يَقْتَضِي ثُبُوتَ نَفْسِ الْمِلْكِ أَيْضًا لَهُ فَيَلْزَمُ أَنْ يَجْتَمِعَ عَلَى الدَّارِ الْمَبِيعَةِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ مِلْكَانِ وَهُمَا مِلْكُ الْبَائِعِ وَمِلْكُ الْمُشْتَرِي وَهُوَ مُحَالٌ وَإِنْ أُرِيدَ بِيَدِ الْمِلْكِ غَيْرُ مَعْنَاهُ الظَّاهِرِ أَيْ الْيَدُ الَّتِي كَانَتْ لِصَاحِبِهَا مِلْكًا فِي الْأَصْلِ وَإِنْ زَالَ ذَلِكَ الْمِلْكُ فِي الْحَالِ بِالْبَيْعِ فَمَا مَعْنَى اعْتِبَارِ مِثْلِ ذَلِكَ الْأَصْلِ الْمُزِيلِ فِي تَرَتُّبِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ وَهَلْ يَلِيقُ أَنْ يُعَدَّ ذَلِكَ أَصْلًا لِإِمَامِنَا الْأَعْظَمِ فَعَلَيْك بِالتَّأَمُّلِ الصَّادِقِ. وَظَاهِرُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا أَنْكَرَ الْعَوَاقِلُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 451 أَنَّ الدَّارَ لَهُ وَأَقَرُّوا بِهَا قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ قُصِدَ بِهَذَا الْكَلَامِ إذَا أَنْكَرَ الْعَوَاقِلُ كَوْنَ الدَّارِ لَهُ وَقَالُوا هِيَ وَجِيعَةٌ فِي يَدِهِ فَالْقَوْلُ لَهُمْ إلَّا أَنْ يُقِيمُوا بَيِّنَةً عَلَى الْمِلْكِ كَذَا فِي الْعَيْنِيِّ عَلَى الْهِدَايَةِ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْقَتِيلُ الْمَوْجُودُ فِيهَا صَاحِبَ الدَّارِ أَوْ غَيْرَهُ عِنْدَ الْإِمَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي الْفُلْكِ عَلَى مَنْ فِيهَا مِنْ الرُّكَّابِ وَالْمَلَّاحِينَ) لِأَنَّهُ فِي أَيْدِيهِمْ فَيَسْتَوِي الْمَالِكُ وَغَيْرُهُ فِي الدَّارِ فِيهِ وَعَلَى هَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ ظَاهِرٌ لِأَنَّ عِنْدَهُ يَسْتَوِي الْمَالِكُ وَالسَّاكِنُ فِي الدَّارِ وَالْفَرْقُ لَهُمَا أَنَّ الْفُلْكَ يُنْقَلُ وَيُحَوَّلُ فَيَكُونُ فِي الْيَدِ حَقِيقَةً بِخِلَافِ الْعَقَارِ فَإِنَّهُ لَا يُنْقَلُ وَلَا يُحَوَّلُ وَفِي الْمُحِيطِ وَقِيلَ يَجِبُ عَلَى سُكَّانِ السَّفِينَةِ دُونَ مَالِكِهَا لِأَنَّ السَّفِينَةَ تَحْتَ يَدِ السَّاكِنِ دُونَ الْمَالِكِ وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ إنَّمَا تَجِبُ عَلَى رَاكِبِ السَّفِينَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا مَالِكٌ مَعْرُوفٌ وَإِنْ كَانَ لَهَا مَالِكٌ مَعْرُوفٌ فَعَلَى مَالِكِ السَّفِينَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ عَلَى الرَّاكِبِ مُطْلَقًا وَإِطْلَاقُ مُحَمَّدٍ فِي النَّوَازِلِ الْجَوَابَ عَلَى هَذَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي مَسْجِدِ مَحَلَّةٍ لَهُمْ وَفِي الْجَامِعِ وَالشَّارِعِ لَا قَسَامَةَ وَالدِّيَةُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ) لِلْعَامَّةِ لَا يَخْتَصُّ بِهِ وَاحِدٌ مِنْهُمْ وَالْقَسَامَةُ لِنَفْيِ تُهْمَةِ الْقَتْلِ وَذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ فِي حَقِّ الْكُلِّ فَدِيَتُهُ تَكُونُ فِي بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّهُ مَالُ الْعَامَّةِ. وَكَذَلِكَ الْجُسُورُ الْعَامَّةُ وَالسُّوقُ الْعَامَّةُ الَّتِي تَكُونُ فِي الشَّوَارِعِ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ فِي هَذَا كُلِّهِ إلَى الْإِمَامِ لِأَنَّهُ نَائِبُ الْمُسْلِمِينَ لَا إلَى أَهْلِ السُّوقِ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ أَرَادَ بِهِ أَنْ يَكُونَ السُّوقُ الْأَعْظَمُ نَائِبًا عَنْ الْمَحَالِّ وَأَمَّا الْأَسْوَاقُ الَّتِي فِي الْمَحَالِّ فَهِيَ مَحْفُوظَةٌ بِحِفْظِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ فَتَكُونُ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ وَكَذَا فِي السُّوقِ النَّائِي عَنْ الْمَحَالِّ إذَا كَانَ لَهَا سُكَّانٌ أَوْ كَانَ لِأَحَدٍ فِيهَا دَارٌ مَمْلُوكَةٌ وَأَمَّا كَوْنُ الْقَسَامَةِ وَالدِّيَةِ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُمْ الْحِفْظُ بِخِلَافِ الْأَسْوَاقِ الْمَمْلُوكَةِ لِأَهْلِهَا أَوْ الَّتِي فِي الْمَحَالِّ وَالْمَسَاجِدِ الَّتِي فِيهَا حَيْثُ يَجِبُ الضَّمَانُ فِيهَا عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ أَوْ عَلَى الْمَالِكِ عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي بَيَّنَّا لِأَنَّهَا مَحْفُوظَةٌ بِحِفْظِ أَرْبَابِهَا أَوْ بِحِفْظِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ وَفِي الْمُنْتَقَى إذَا وُجِدَ قَتِيلٌ فِي صَفٍّ مِنْ السُّوقِ فَإِنْ كَانَ أَهْلُ ذَلِكَ الصَّفِّ يَبِيتُونَ فِي حَوَانِيتِهِمْ فَدِيَةُ الْقَتِيلِ عَلَيْهِمْ وَإِنْ كَانُوا لَا يَبِيتُونَ فِيهَا فَالدِّيَةُ عَلَى الَّذِينَ لَهُمْ مِلْكُ الْحَوَانِيتِ وَلَوْ وُجِدَ فِي السِّجْنِ فَدِيَتُهُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ عَلَى أَهْلِهِ وَهِيَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى مَسْأَلَةِ السُّكَّانِ وَالْمُلَّاكِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُهْدَرُ لَوْ فِي) (بَرِّيَّةٍ أَوْ وَسَطِ الْفُرَاتِ) لِأَنَّ الْفُرَاتَ لَيْسَ فِي يَدِ أَحَدٍ وَلَا فِي مِلْكِهِ إذَا كَانَ يَمُرُّ بِهِ الْمَاءُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ النَّهْرُ صَغِيرًا بِحَيْثُ يَسْتَحِقُّ رَبُّهُ الشُّفْعَةَ حَيْثُ يَكُونُ ضَمَانُهُ عَلَى أَهْلِهِ لِقِيَامِ يَدِهِمْ عَلَيْهِ. وَكَذَا الْبَرِّيَّةُ لَا يَدَ لِأَحَدٍ فِيهَا وَلَا مِلْكَ فَيُهْدَرُ مَا وُجِدَ فِيهَا مِنْ الْقَتْلِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ الْبَرِّيَّةُ مَمْلُوكَةً لِأَحَدٍ أَوْ كَانَتْ قَرِيبَةً مِنْ الْقَرْيَةِ بِحَيْثُ يُسْمَعُ مِنْهُ الصَّوْتُ تَجِبُ عَلَى الْمَالِكِ وَعَلَى أَهْلِ الْقَرْيَةِ لِمَا بَيَّنَّا وَلَوْ وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ مِنْ غَيْرِ زِحَامِ النَّاسِ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ بِعَرَفَةَ فَالدِّيَةُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ مِنْ غَيْرِ قَسَامَةٍ هَذِهِ الْجُمْلَةُ فِي الْمُنْتَقَى وَفِيهِ أَيْضًا وَكُلُّ قَتِيلٍ يُوجَدُ فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ وَلَا يُدْرَى مَنْ قَتَلَهُ أَوْ قَتَلَهُ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَلَكِنْ لَا يَدْرِي مَنْ هُوَ أَوْ زَحَمَهُ النَّاسُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَتَلُوهُ وَلَا يُدْرَى مَنْ هُوَ فَهُوَ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ وَإِذَا وُجِدَ فِي الْمَسْجِدِ لِقَبِيلَةٍ فَهُوَ عَلَى أَقْرَبِ الدُّورِ مِنْهُ إنْ كَانَ لَا يَعْلَمُ الَّذِي اشْتَرَاهُ وَبَنَاهُ وَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ الَّذِي اشْتَرَى الْمَسْجِدَ وَبَنَاهُ كَانَ عَلَى عَاقِلَتِهِ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ وَإِنْ كَانَ فِي دَرْبٍ غَيْرِ نَافِذٍ أَوْ مُصَلَّاهُ وَاحِدٌ كَانَ عَلَى عَاقِلَةِ أَصْحَابِ الدُّورِ الَّذِينَ فِي الدَّرْبِ وَفِيهِ أَيْضًا وَإِذَا وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي قَبِيلَةٍ فِيهَا عِدَّةُ مَسَاجِدَ فَهُوَ عَلَى الْقَبِيلَةِ كُلِّهَا وَإِذَا لَمْ يَكُنْ قَبِيلَةٌ فَهُوَ عَلَى أَصْحَابِ الْمَحَلَّةِ وَأَهْلُ كُلِّ مَسْجِدٍ مَحَلَّةٌ وَفِي السِّغْنَاقِيِّ وَإِذَا وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي وَقْفِ الْمَسْجِدِ فَهُوَ كَوُجُودِهِ فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ كَانَتْ الدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَإِنْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى قَوْمٍ مَعْلُومِينَ فَالدِّيَةُ وَالْقَسَامَةُ عَلَيْهِمْ وَكَذَلِكَ الْمَحْسُوبُ لِلْعَامَّةِ وَفِي الْمُنْتَقَى إذَا وُجِدَ قَتِيلٌ عَلَى الْجِسْرِ أَوْ عَلَى الْقَنْطَرَةِ فَذَلِكَ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ وَشَيْخُ الْإِسْلَامِ وَإِنَّ النَّهْرَ الْعَظِيمَ إذَا كَانَ انْصِبَابُ مَائِهِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّهُ فِي أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مَوْضِعُ انْصِبَابِ مَائِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَتِيلَ أَهْلِ الْحَرْبِ فَيُهْدَرَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ مُحْتَبِسًا بِالشَّاطِئِ فَعَلَى أَقْرَبِ الْقُرَى) أَيْ لَوْ كَانَ الْقَتِيلُ مُحْتَبِسًا بِالشَّاطِئِ فَعَلَى أَقْرَبِ الْقُرَى فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ لِأَنَّ الشَّطَّ فِي أَيْدِيهِمْ يَسْتَقُونَ مِنْهُ وَيُورِدُونَ دَوَابَّهُمْ فَكَانُوا أَخَصَّ بِنُصْرَتِهِ وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَإِنْ كَانَ الشَّطُّ مِلْكًا لِأَحَدٍ فَإِنْ كَانَ مِلْكًا خَاصًّا فَهُوَ كَالدَّارِ وَإِنْ كَانَ مِلْكًا عَامًّا فَهُوَ كَالْمَحَلَّةِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 452 فَأَمَّا إذَا كَانَ نَهْرًا صَغِيرًا انْحَدَرَ مِنْ الْفُرَاتِ أَوْ نَحْوِهِ لِأَقْوَامٍ مَعْرُوفِينَ فَإِنَّهُ تَجِبُ الْقَسَامَةُ عَلَى أَصْحَابِ النَّهْرِ وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِمْ وَفِي الْكَافِي وَالنَّهْرُ الصَّغِيرُ مَا يُسْتَحَقُّ بِالشَّرِكَةِ فِيهِ الشُّفْعَةُ وَإِلَّا فَهُوَ عَظِيمٌ كَالْفُرَاتِ وَجَيْحُونَ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُؤَلِّفُ لِمَا إذَا وُجِدَ فِي بَيْتِ مَنْ ثَبَتَتْ لَهُ بَعْضُ الْحُرِّيَّةِ وَفِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ وُجِدَ الْمُكَاتَبُ قَتِيلًا فِي دَارٍ اشْتَرَاهَا لَا يَجِبُ فِيهِ شَيْءٌ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا وَفِي الْمُكَاتَبِ سَوَّى أَبُو حَنِيفَةَ أَيْضًا بَيْنَ مَا إذَا وُجِدَ قَتِيلًا فِي دَارِهِ وَبَيْنَ مَا إذَا وُجِدَ غَيْرُهُ قَتِيلًا إلَّا أَنَّهُ إذَا وُجِدَ غَيْرُهُ قَتِيلًا لَا تَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ لِأَنَّهُ لَا عَاقِلَةَ لِلْمُكَاتَبِ وَإِنَّمَا تَجِبُ عَلَيْهِ لِأَنَّ عَاقِلَتَهُ نَفْسَهُ وَلَوْ وُجِدَ جَمِيعُ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ فَلَا تَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى عَوَاقِلِهِمْ وَتَسْقُطُ الْقَسَامَةُ وَذُكِرَ فِي الْمُنْتَقَى عَنْ ابْنِ أَبِي مَالِكٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مَنْ وُجِدَ قَتِيلًا فِي دَارِ نَفْسِهِ فَلَيْسَ فِيهِ قَسَامَةٌ وَلَا دِيَةٌ وَرَوَى الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ عَلَى سُكَّانِ الْقَبِيلَةِ وَعَلَى عَاقِلَةِ الْمَقْتُولِ دِيَةٌ قَالُوا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَرِوَايَةُ ابْنِ أَبِي مَالِكٍ تُخَالِفُ رِوَايَةَ الْأُصُولِ وَفِي الذَّخِيرَةِ وَفِي شَرْحِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ إذَا وُجِدَ قَتِيلٌ فِي مَحَلَّةٍ وَزَعَمَ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ أَنَّ رَجُلًا مِنْهُمْ قَتَلَهُ وَلَمْ يَدَّعِ وَلِيُّ الْقَتِيلِ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِعَيْنِهِ لَمْ تَسْقُطْ عَنْهُمْ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ وَرِوَايَةُ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ إذَا وُجِدَ الْعَبْدُ أَوْ الْمُكَاتَبُ أَوْ الْمُدَبَّرُ أَوْ أُمُّ الْوَلَدِ الَّذِي سَعَى فِي بَعْضِ قِيمَتِهِ قَتِيلًا فِي مَحَلَّةٍ فَعَلَيْهِمْ الْقَسَامَةُ وَتَجِبُ الْقِيمَةُ عَلَى عَوَاقِلِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ شَيْءٌ فِي الْعَبْدِ وَالْمُكَاتَبِ وَالْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَهَذَا يُجْعَلُ كَجِنَايَةٍ عَلَى الْبَهَائِمِ وَلِهَذَا قَالَ بِأَنَّهُ تَجِبُ قِيمَتُهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ إذَا كَانَ خَطَأً وَإِذَا كَانَ عَمْدًا يَجِبُ الْقِصَاصُ وَأَمَّا مُعْتَقُ الْبَعْضِ فَإِنَّهُ تَجِبُ فِيهِ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْحُرِّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَالْحُرُّ إذَا وُجِدَ قَتِيلًا فِي مَحَلَّةٍ فَإِنَّهُ تَجِبُ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ فِي الْحُكْمِ إذَا وُجِدَ قَتِيلًا فِي مَحَلَّةٍ عِنْدَهُ هَذَا وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَوْ وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي دَارِ الْمُكَاتَبِ فَإِنَّهُ تُكَرَّرُ عَلَيْهِ الْأَيْمَانُ فَإِنْ حَلَفَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدِّيَةِ إلَّا عَشَرَةً لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ عَاقِلَةُ نَفْسِهِ وَفِي التَّجْرِيدِ وَالْأَعْمَى وَالْمَحْدُودُ فِي الْقَذْفِ وَالْكَافِرُ الْقَسَامَةُ عَلَيْهِمْ وَإِذَا وُجِدَ الْعَبْدُ قَتِيلًا فِي دَارِ مَوْلَاهُ فَلَا شَيْءَ فِيهِ لِأَنَّ الْمَوْلَى صَارَ قَاتِلًا لَهُ حُكْمًا بِمِلْكِ الدَّارِ فَيُعْتَبَرُ بِمَا لَوْ بَاشَرَ وَلَوْ بَاشَرَ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمَوْلَى شَيْءٌ فَكَذَا هَذَا قَالُوا وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ فَأَمَّا إذَا كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ الْمَوْلَى الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ وَقَدْ نَصَّ مُحَمَّدٌ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ فِي كِتَابِ الْمَأْذُونِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ الْتَقَى قَوْمٌ بِالسُّيُوفِ فَأُجْلُوا عَنْ قَتِيلٍ فَعَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ الْوَلِيُّ عَلَى أُولَئِكَ أَوْ عَلَى مُعَيَّنٍ مِنْهُمْ) لِأَنَّ الْقَتِيلَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ وَالْحِفْظَ عَلَيْهِمْ فَتَكُونَ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَيْهِمْ إلَّا إذَا أَبْرَأَهُمْ الْوَلِيُّ بِدَعْوَى الْقَتِيلِ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِعَيْنِهِ فَيَبْرَأُ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ. وَلَا يَثْبُتُ عَلَى عَاقِلَتِهِ إلَّا بِحُجَّةٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَقَوْلُهُ عَلَى مُعَيَّنٍ مِنْهُمْ إنْ أُرِيدَ بِهِ الْوَاحِدُ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ لِيَسْتَقِيمَ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ أَهْلَ الْمَحَلَّةِ يَبْرَءُونَ بِدَعْوَى الْوَلِيِّ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُعَيَّنٍ وَهُوَ الْقِيَاسُ وَعِنْدَهُمَا لَا يَبْرَءُونَ وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ وَبَيَّنَّاهُ فِي أَوَائِلِ الْبَابِ فَلَا يَسْتَقِيمُ وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ وَاحِدٌ مِنْ الَّذِينَ الْتَقَوْا بِالسُّيُوفِ وَيَسْتَقِيمُ بِالْإِجْمَاعِ وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فِي كَشْفِ الْغَوَامِضِ هَذَا إذَا كَانَ الْفَرِيقَانِ غَيْرَ مُتَنَاوِلَيْنِ اقْتَتَلُوا عُصْبَةً وَإِنْ كَانَ مُشْرِكِينَ أَوْ خَوَارِجَ فَلَا شَيْءَ فِيهِ وَيُجْعَلُ ذَلِكَ مِنْ إصَابَةِ الْعَدُوِّ وَإِذَا كَانَ الْقِتَالُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَلَا يُدْرَى الْقَاتِلُ يُرَجَّحُ حَالُ قَتْلَى الْمُشْرِكِينَ حَمْلًا لِأَمْرِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الصَّلَاحِ فِي أَنَّهُمْ لَا يَتْرُكُونَ الْمُسْلِمِينَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْحَالِ وَيَقْتُلُونَ الْمُسْلِمِينَ فَإِنْ قِيلَ الظَّاهِرُ أَنَّ قَاتِلَهُ مِنْ غَيْرِ الْمَحَلَّةِ وَإِنَّهُ مِنْ خُصَمَائِهِ قُلْنَا قَدْ تَعَذَّرَ الْوُقُوفُ عَلَى قَاتِلِهِ حَقِيقَةً فَيَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ بِالسَّبَبِ الظَّاهِرِ وَهُوَ وُجُودُهُ قَتِيلًا فِي مَحَلَّتِهِمْ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ أَقُولُ: يُرَدُّ عَلَى هَذَا الْجَوَابِ أَنْ يُقَالَ مَا بِالْحُكْمِ تَجْعَلُونَ هَذَا الظَّاهِرَ وَهُوَ وُجُودُهُ قَتِيلًا فِي مَحَلَّتِهِمْ مُوجِبًا لِاسْتِحْقَاقِ الْقَسَامَةِ وَالدِّيَةِ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ وَلَا يَجْعَلُونَ ذَلِكَ الظَّاهِرَ وَهُوَ كَوْنُ قَاتِلِهِ خُصَمَاؤُهُ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ دَفْعًا لِلْقَسَامَةِ وَالدِّيَةِ عَنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ الشَّائِعَ أَنْ يَكُونَ الظَّاهِرُ حُجَّةٌ لِلدَّفْعِ دُونَ الِاسْتِحْقَاقِ فَالْأَظْهَرُ فِي الْجَوَابِ أَنْ يُقَالَ الظَّاهِرُ لَا يَكُونُ حُجَّةً لِلِاسْتِحْقَاقِ فَبَقِيَ حَالُ الْقَتْلِ مُشْكِلًا فَأَوْجَبْنَا الْقَسَامَةَ وَالدِّيَةَ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ لِوُرُودِ النَّصِّ بِإِضَافَةِ الْقَتِيلِ إلَيْهِمْ عِنْدَ الْإِشْكَالِ فَكَانَ الْعَمَلُ بِمَا وَرَدَ فِيهِ النَّصُّ أَوْلَى وَسَيَأْتِي مِثْلُ هَذَا عَنْ قَرِيبٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَإِنْ كَانَ الْقَوْمُ لَقَوْا قِتَالًا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 453 وَوُجِدَ قَتِيلٌ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ فَلَا قَسَامَةَ وَلَا دِيَةَ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ قَتْلَهُ كَانَ هَدَرًا يُحْوِجُ إلَى ذِكْرِ الْفَرْقِ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا إذَا اقْتَتَلَ الْمُسْلِمُونَ عَصَبِيَّةً فِي مَحَلَّةٍ فَأُجْلُوا عَنْ قَتِيلٍ فَإِنَّ عَلَيْهِمْ الْقَسَامَةَ وَالدِّيَةَ كَمَا مَرَّ آنِفًا. وَقَالُوا فِي الْفَرْقِ إنَّ الْقِتَالَ إذَا كَانَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ فِي مَكَان فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَلَا يَدْرِي أَنَّ الْقَاتِلَ مِنْ أَيِّهِمَا يُرَجَّحُ جَانِبُ احْتِمَالِ قَتْلِ الْمُشْرِكِينَ حَمْلًا لِأَمْرِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الصَّلَاحِ فِي أَنَّهُمْ لَا يَتْرُكُونَ الْكُفَّارَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْحَالِ يَقْتُلُونَ الْمُسْلِمِينَ وَأَمَّا فِي الْمُسْلِمِينَ مِنْ الطَّرَفَيْنِ فَلَيْسَ ثَمَّةَ جِهَةُ الْحَمْلِ عَلَى الصَّلَاحِ حَيْثُ كَانَ الْفَرِيقَانِ مُسْلِمَيْنِ فَبَقِيَ حَالُ الْقَتْلِ مُشْكِلًا فَأَوْجَبْنَا الْقَسَامَةَ وَالدِّيَةَ عَلَى أَهْلِ ذَلِكَ الْمَكَانِ لِوُرُودِ النَّصِّ بِإِضَافَةِ الْقَتْلِ إلَيْهِمْ عِنْدَ الْإِشْكَالِ وَكَانَ الْعَمَلُ بِمَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ أَوْلَى عِنْدَ الِاحْتِمَالِ مِنْ الْعَمَلِ بِاَلَّذِي لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ. اهـ. وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ طَعَنَّا فِي الْمَصِيرِ إلَى الْفَرْقِ الْمَذْكُورِ أَنَّهُ ظَاهِرٌ فَإِنَّ الظَّاهِرَ هُنَا حُجَّةٌ لِلدَّفْعِ عَنْ الْمُسْلِمِينَ فَيَصْلُحُ حُجَّةً وَثَمَّةَ لَوْ كَانَ حُجَّةً لَكَانَ حُجَّةً لِلِاسْتِحْقَاقِ وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ فَيَجِبُ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ لِلنَّصِّ. اهـ. أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا الْفَرْقُ بِتَمَامٍ فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ ظَاهِرًا إذْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الظَّاهِرَ ثَمَّةَ لَوْ كَانَ حُجَّةً لَكَانَ حُجَّةً لِلِاسْتِحْقَاقِ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حُجَّةً لِدَفْعِ الْقَسَامَةِ وَالدِّيَةِ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ وَلَا يَكُونُ حُجَّةً لِلِاسْتِحْقَاقِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ اقْتَتَلُوا عَصَبِيَّةً فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ هَدَرًا فَلَا بُدَّ مِنْ تَمَامِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ مِنْ الْمَصِيرِ إلَى مَا ذَكَرَهُ الْمَشَايِخُ مِنْ الْبَيَانِ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ كَمَا تَحَقَّقْتُهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ قَالَ الْمُسْتَحْلِفُ قَتَلَهُ زَيْدٌ حَلَفَ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْته وَلَا عَرَفْت لَهُ قَاتِلًا غَيْرَ زَيْدٍ) لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَرَّ بِالْقَتْلِ عَلَى وَاحِدٍ صَارَ مُسْتَثْنِيًا عَنْ الْيَمِينِ وَبَقِيَ حُكْمُ مَنْ سِوَاهُ عَلَى حَالِهِ فَيَحْلِفُ عَلَيْهِ فَلَا يُقْبَلُ عَلَيْهِ قَوْلُ الْمُسْتَحْلِفِ إنَّهُ قَتَلَهُ لِأَنَّهُ يُرِيدُ بِذَلِكَ إسْقَاطَ الْخُصُومَةِ عَنْ نَفْسِهِ فَلَا يُقْبَلُ وَيَحْلِفُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَفِي النِّهَايَةِ هَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فَلَا يَحْلِفُ عَلَى الْعِلْمِ لِأَنَّهُ قَدْ عَرَفَ الْقَاتِلَ وَاعْتَرَفَ بِهِ فَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ بِجَوَازِ أَنَّهُ عَرَفَ أَنَّ لَهُ قَاتِلًا آخَرَ مَعَهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبَطَلَ) (شَهَادَةُ بَعْضِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ عَلَى قَتْلِ غَيْرِهِمْ أَوْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ إذَا شَهِدُوا عَلَى غَيْرِهِمْ لِأَنَّ الْوَلِيَّ لَمَّا ادَّعَى الْقَتْلَ عَلَى غَيْرِهِمْ تَبَيَّنَ أَنَّهُمْ لَيْسُوا بِخُصَمَاءَ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُمْ كَانُوا عَرْضِيَّةَ أَنَّهُمْ يَصِيرُونَ خَصْمًا بِمَنْزِلَتِهِمْ قَابِلِينَ لِلتَّقْصِيرِ الصَّادِرِ مِنْهُمْ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ وَإِنْ خَرَجُوا مِنْ الْخُصُومَةِ فَحَاصِلُهُ أَنَّ مَنْ صَارَ خَصْمًا فِي حَادِثَةٍ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِيهَا وَمَنْ كَانَ بِعَرْضِيَّةِ أَنْ يَصِيرَ خَصْمًا وَلَمْ يَنْتَصِبْ خَصْمًا بَعْدُ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَهَذَانِ أَصْلَانِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا غَيْرَ أَنَّهُمَا يَجْعَلَانِ أَهْلَ الْمَحَلَّةِ مِمَّنْ لَهُ عَرْضِيَّةُ أَنْ يَصِيرَ خَصْمًا وَهُوَ يَجْعَلُهُمْ مِمَّنْ انْتَصَبَ خَصْمًا وَعَلَى هَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ يَتَخَرَّجُ كَثِيرٌ مِنْ الْمَسَائِلِ فَمِنْ جِنْسِ الْأَوَّلِ الْوَكِيلُ بِالْخُصُومَةِ إذَا خَاصَمَ عِنْدَ الْحَاكِمِ ثُمَّ عُزِلَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَالشَّفِيعُ إذَا طَلَبَ الشُّفْعَةَ ثُمَّ تَرَكَهَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ بِالْبَيْعِ. وَمِنْ جِنْسِ الثَّانِي الْوَكِيلُ إذَا لَمْ يُخَاصِمْ وَالشَّفِيعُ إذَا لَمْ يَطْلُبْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا وَلَوْ ادَّعَى الْوَلِيُّ عَلَى رَجُلٍ بِعَيْنِهِ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ وَشَهِدَ شَاهِدَانِ مِنْ أَهْلِهَا عَلَيْهِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمَا عَلَيْهِ لِأَنَّ الْخُصُومَةَ قَائِمَةٌ مَعَ الْكُلِّ وَالشَّاهِدُ يَقْطَعُهَا عَنْ نَفْسِهِ فَكَانَ مِنْهُمَا فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا قَالَ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا الْمَرْأَةُ تَدْخُلُ مَعَ الْعَاقِلَةِ فِي التَّحَمُّلِ لِأَنَّا نَرَاهَا قَاتِلَةً فَيَجِبُ عَلَيْهَا وَهُوَ مُخْتَارُ الطَّحَاوِيِّ وَهُوَ الْأَصَحُّ فَصَارَ كَمَا إذَا بَاشَرَتْ الْقَتْلَ بِنَفْسِهَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. [كِتَابُ الْمَعَاقِلِ] قَالَ فِي النِّهَايَةِ لَمَّا كَانَ مُوجِبُ الْقَتْلِ الْخَطَأِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ مَعْرِفَتِهَا وَمَعْرِفَةِ أَحْكَامِهَا فَذَكَرَهَا فِي هَذَا الْبَابِ، وَرَدَّهُ صَاحِبُ الْمِعْرَاجِ، وَقَالَ وَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ إنَّمَا هُوَ لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الْقَتْلِ الْخَطَأِ وَتَوَابِعِهِ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الدِّيَةُ إذْ لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَتِهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (هِيَ جَمْعُ مَعْقُلَةٍ، وَهِيَ الدِّيَةُ) أَيْ الْمَعَاقِلُ جَمْعُ مَعْقُلَةٍ بِالضَّمِّ، وَالْمَعْقُلَةُ الدِّيَةُ، وَتُسَمَّى عَقْلًا لِأَنَّهَا تَعْقِلُ الدِّمَاءَ مِنْ أَنْ تُسْفَكَ أَيْ تَمْسِكُهَا يُقَالُ عَقَلَ الْبَعِيرَ عَقْلًا إذَا شَدَّهُ بِالْعِقَالِ، وَمِنْهُ الْعَقْلُ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ صَاحِبَهُ مِنْ الْمَقَاتِلِ أَقُولُ: هَكَذَا وَقَعَ الْعِنْوَانُ فِي عَامَّةِ الْمُعْتَبَرَاتِ لَكِنْ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَ الْعَوَاقِلَ بَدَلَ الْمَعَاقِلِ لِأَنَّ الْمَعَاقِلَ جَمْعُ مَعْقُلَةٍ، وَهِيَ الدِّيَةُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ فَيَصِيرُ الْمَعْنَى كِتَابُ الدِّيَاتِ، وَهَذَا مَعَ كَوْنِهِ مُؤَدِّيًا إلَى التَّكْرَارِ لَيْسَ بِتَامٍّ فِي نَفْسِهِ لِأَنَّ بَيَانَ أَقْسَامِ الدِّيَاتِ وَأَحْكَامِهَا قَدْ مَرَّ مُسْتَوْفًى فِي كِتَابِ الدِّيَاتِ، وَالْمَقْصُودُ بِالْبَيَانِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 454 هُنَا بَيَانُ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِمْ الدِّيَةُ بِتَفَاصِيلِ أَنْوَاعِهِمْ وَأَحْكَامِهِمْ، وَهُمْ الْعَاقِلَةُ فَالْمُنَاسَبَةُ فِي الْعِنْوَانِ ذِكْرُ الْعَوَاقِلِ لِأَنَّهَا جَمْعُ الْعَاقِلَةِ، وَالْكَلَامُ هُنَا مِنْ وُجُوهٍ الْأَوَّلُ فِي تَفْسِيرِهَا لُغَةً، وَالثَّانِي فِي تَفْسِيرُهَا شَرْعًا، وَالثَّالِثُ فِي كَيْفِيَّةِ وُجُوبِ الدِّيَةِ، وَالرَّابِعُ فِي بَيَانِ مُدَّةِ الْوَاجِبِ، وَالْخَامِسُ فِيمَا تَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ، وَالسَّادِسُ فِيمَنْ يُحَوَّلُ عَلَى الدِّيَةِ مِنْ عَاقِلَةٍ إلَى عَاقِلَةٍ، وَالسَّابِعُ فِي عَاقِلَةِ مَوْلَى الْمُوَالَاةِ، وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ فِيهِ فُصُولٌ أَحَدُهَا فِي مَعْرِفَةِ الْعَاقِلَةِ، وَالثَّانِي فِي كَيْفِيَّةِ وُجُوبِ الدِّيَةِ عَلَيْهِ، وَالثَّالِثُ فِي بَيَانِ مُدَّةِ الْوَاجِبِ، وَالرَّابِعُ فِيمَا تَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ وَمَا لَا تَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ، وَالْخَامِسُ فِيمَنْ يُحَوِّلُ الدِّيَةَ مِنْ عَاقِلَةٍ إلَى عَاقِلَةٍ، وَالسَّادِسُ فِي عَاقِلَةِ مَوْلَى الْمُوَالَاةِ أَمَّا تَفْسِيرُهَا لُغَةً فَالْعَاقِلَةُ اسْمٌ مُشْتَقٌّ مِنْ الْعَقْلِ، وَهُوَ الْمَنْعُ، وَلِهَذَا يُقَالُ لِمَا يُعْقَلُ بِهِ الْبَعِيرُ عِقَالًا لِأَنَّهُ يَمْنَعُهُ مِنْ النُّفُورِ، وَمِنْهُ سُمِّيَ اللُّبُّ عَقْلًا لِأَنَّهُ مِمَّا يَمْنَعُ الْإِنْسَانَ عَمَّا يَضُرُّهُ فَذَلِكَ عَاقِلَةُ الْإِنْسَانِ، وَهُمْ أَهْلُ نُصْرَتِهِ مِمَّنْ يَمْنَعُونَهُ مِنْ قَتْلِ مَنْ لَيْسَ لَهُ قَتْلُهُ، وَأَمَّا الْعَاقِلَةُ. وَالْعَقْلُ هُوَ الدِّيَةُ، وَجَمْعُهُ الْمَعَاقِلُ، وَمِنْهُ الْعَاقِلَةُ، وَهُمْ الَّذِينَ يَتَحَمَّلُونَ الْعَقْلَ، وَهُوَ الدِّيَةُ، وَأَمَّا الْعَاقِلَةُ شَرْعًا فَهُمْ أَهْلُ الدِّيوَانِ مِنْ الْمُقَاتِلَةِ، وَأَهْلُ الدِّيوَانِ الَّذِينَ لَهُمْ رِزْقٌ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَكُتِبَ أَسْمَاؤُهُمْ فِي الدِّيوَانِ، وَمَنْ لَا دِيوَانَ لَهُ فَعَاقِلَتُهُ مِنْ عَصَبَةِ النَّسَبِ لَا عَلَى أَهْلِ الدِّيوَانِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْعَقْلُ عَلَى عَصَبَتِهِ مِنْ النَّسَبِ لَا عَلَى أَهْلِ الدِّيوَانِ، وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهَا تَجِبُ فِي مَالِ الْقَاتِلِ لِأَنَّ وُجُوبَ الْعَقْلِ عَلَى الْعَاقِلَةِ عُرِفَ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ لِأَنَّ مُؤَاخَذَةَ غَيْرِ الْجَانِي بِالْجَانِي مِمَّا يَأْبَاهُ الْقِيَاسُ وَالشَّرْعُ إنَّمَا أَوْجَبَ عَلَى أَهْلِ الدِّيوَانِ أَوْ عَلَى الْعَشِيرَةِ فَبَقِيَ عَلَى مَا عَدَاهُمَا عَلَى قَضِيَّةِ الْقِيَاسِ، وَمَنْ لَيْسَ لَهُ دِيوَانٌ، وَلَا عَشِيرَةٌ قِيلَ يُعْتَبَرُ الْمَحَالُّ، وَنُصْرَةُ الْقُلُوبِ فَالْأَقْرَبُ، وَقِيلَ تَجِبُ فِي مَالِهِ، وَقِيلَ تَجِبُ فِي مَالِ بَيْتِ الْمَالِ، وَكَذَلِكَ اللَّقِيطُ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ، وَلَا تَعْقِلُ مَدِينَةٌ عَنْ مَدِينَةٍ، وَتَعْقِلُ مَدِينَةٌ عَنْ قُرَاهَا لِأَنَّ الْعَقْلَ إنَّمَا بُنِيَ عَلَى التَّنَاصُرِ وَالتَّعَاوُنِ، وَأَهْلُ كُلِّ مِصْرٍ يَنْتَصِرُونَ بِأَهْلِ دِيوَانِ مِصْرِهِمْ، وَلَا يَنْتَصِرُونَ بِدِيوَانِ أَهْلِ مِصْرٍ آخَرَ، وَأَهْلُ كُلِّ مِصْرٍ يَنْتَصِرُونَ بِأَهْلِ سَوَادِهِمْ، وَقُرَاهُمْ، وَإِنْ كَانَ بَعِيدَ الْمَنْزِلِ مِنْهُمْ لِأَنَّ الْبَادِيَةَ بَادِيَةٌ وَاحِدَةٌ فَكَانُوا كَأَهْلِ الدِّيوَانِ فِي مِصْرٍ وَاحِدٍ يَتَعَاوَنُونَ عَلَى أَهْلِ الْمِصْرِ، وَإِنْ بَعُدَتْ مَنَازِلُهُمْ، وَالْبَادِيَتَانِ إذَا اخْتَلَفَتَا كَانَتَا بِمَنْزِلَةِ مِصْرَيْنِ، وَعَاقِلَةُ الْمُعْتِقِ قَبِيلَةُ مَوْلَاهُ، وَمَوْلَى الْمُوَالَاةِ يَعْقِلُ عَنْهُ مَوْلَاهُ، وَقَبِيلَتُهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (كُلُّ دِيَةٍ وَجَبَتْ بِنَفْسِ الْقَتْلِ عَلَى الْعَاقِلَةِ) وَالْعَاقِلَةُ الْجَمَاعَةُ الَّذِينَ يَعْقِلُونَ الْعَقْلَ، وَهُوَ الدِّيَةُ يُقَالُ وَدَيْتُ الْقَتِيلَ إذَا أَعْطَيْتُ دِيَتَهُ، وَعَقَلْتُ عَنْ الْقَاتِلِ أَيْ أَدَّيْتُ عَنْهُ مَا لَزِمَهُ مِنْ الدِّيَةِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا الدِّيَةَ، وَأَنْوَاعَهَا فِي كِتَابِ الدِّيَاتِ، وَأَمَّا وُجُوبُهَا عَلَى الْعَاقِلَةِ فَالْأَصْلُ فِيهِ مَا صَحَّ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَضَى بِدِيَةِ الْمَرْأَةِ الْمَقْتُولَةِ وَدِيَةِ جَنِينِهَا عَلَى عَصَبَةِ الْعَاقِلَةِ فَقَالَ أَبُو الْقَاتِلَةِ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ أَغْرَمَ مَنْ لَا صَاحَ وَلَا اسْتَهَلَّ وَلَا شَرِبَ وَلَا أَكَلَ وَمِثْلُ ذَلِكَ ضَلَالٌ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - هَذَا مِنْ الْكُهَّانِ» ، وَلِأَنَّ النَّفْسَ مُحَرَّمَةٌ فَلَا وَجْهَ إلَى إهْدَارِهَا، وَلَا إيجَابَ عَلَى الْمُخْطِئِ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ فَرُفِعَ عَنْهُ الْخَطَأُ، وَفِي إيجَابِ الْكُلِّ عَلَيْهِ عُقُوبَةٌ لِمَا فِيهِ مِنْ إجْحَافِهِ وَاسْتِئْصَالِهِ فَيَضُمُّ إلَيْهِ الْعَاقِلَةَ تَحْقِيقًا لِلتَّخْفِيفِ فَكَانُوا أَوْلَى بِالضَّمِّ، وَقَوْلُهُ كُلُّ دِيَةٍ وَجَبَتْ بِنَفْسِ الْقَتْلِ يُحْتَرَزُ بِهِ عَمَّا يَنْقَلِبُ مَالًا بِالصُّلْحِ أَوْ بِالشُّبْهَةِ لِأَنَّ الْعَدُوَّ يُوجِبُ الْعُقُوبَةَ فَلَا يَسْتَحِقُّ التَّخْفِيفَ فَلَا تَتَحَمَّلُ عَنْهُ الْعَاقِلَةُ، وَفِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ طَعَنَ بَعْضٌ، وَقَالَ لَا جِنَايَةَ مِنْ الْعَاقِلَةِ، وَوُجُوبُ الدِّيَةِ بِاعْتِبَارِهَا فَتَكُونُ فِي مَالِ الْقَاتِلِ يُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ أَتْلَفَ دَابَّةً يَضْمَنُهَا فِي مَالِهِ فَكَذَا إيجَابُ الدِّيَةِ قُلْنَا إيجَابُ الدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ مَشْهُورٌ ثَبَتَ بِالْأَحَادِيثِ الْمَشْهُورَةِ، وَعَلَيْهِ عَمَلُ الصَّحَابَةِ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ يَتَرَادُّ بِهِ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَهِيَ أَهْلُ الدِّيوَانِ إنْ كَانَ الْقَاتِلُ مِنْهُمْ) تُؤْخَذُ مِنْ عَطَايَاهُمْ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ وَأَهْلُ الدِّيوَانِ هُمْ الْجَيْشُ الَّذِينَ كُتِبَتْ أَسْمَاؤُهُمْ فِي الدِّيوَانِ، وَهَذَا عِنْدَنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ عَلَى أَهْلِ الْعَشِيرَةِ لِمَا رَوَيْنَا، وَكَانَ كَذَلِكَ إلَى أَيَّامِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلَا نَسْخَ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَبْقَى عَلَى مَا كَانَ، وَلِأَنَّهَا صِلَةٌ، وَالْأَقَارِبُ أَوْلَى بِهَا كَالْإِرْثِ وَالنَّفَقَاتِ، وَلَنَا أَقْضِيَةُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّهُ لَمَّا دَوَّنَ الدَّوَاوِينَ جَعَلَ الدِّيَةَ عَلَى أَهْلِ الدِّيوَانِ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ مِنْهُمْ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِنَسْخٍ بَلْ هُوَ تَقْرِيرُ مَعْنًى لِأَنَّهُ كَانَ عَلَى أَهْلِ النُّصْرَةِ، وَقَدْ كَانَتْ بِأَنْوَاعٍ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 455 بِالْحَلِفِ وَالْوَلَاءِ وَالْعَدُوِّ، وَفِي عَهْدِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَدْ صَارَتْ بِالدِّيوَانِ فَجَعَلَ عَلَى أَهْلِهَا اتِّبَاعًا لِلْمَعْنَى، وَلِهَذَا قَالُوا لَوْ كَانَ الْيَوْمَ يَتَنَاصَرُونَ بِالْحِرَفِ فَعَاقِلَتُهُمْ أَهْلُ الْحِرْفَةِ، وَإِنْ كَانُوا بِالْحِلْفِ فَأَهْلُهُ، وَالدِّيَةُ صِلَةٌ كَمَا قَالَ لَكِنَّ إيجَابَهَا فِيمَا هُوَ صِلَةٌ، وَهُوَ الْعَطَايَا أَوَّلًا مِنْ إيجَابِهَا فِي أُصُولِ أَمْوَالِهِمْ لِأَنَّهُ أَحَقُّ وَمَا تَحَمَّلَتْ الْعَاقِلَةُ إلَّا لِلتَّخْفِيفِ، وَالتَّقْدِيرُ بِثَلَاثِ سِنِينَ مَرْوِيٌّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَحْكِيٌّ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ خَرَجَتْ الْعَطَايَا فِي أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِ سِنِينَ أَوْ أَقَلَّ أُخِذَ مِنْهَا) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ التَّخْفِيفُ. وَقَدْ حَصَلَ أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ، وَهُوَ أَنَّ الْقِيَاسَ كَانَ يَأْبَى إيجَابَ الْمَالِ بِمُقَابَلَةِ النَّفْسِ الْمُحْتَرَمَةِ لِعَدَمِ الْمُمَاثَلَةِ بَيْنَهُمَا إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِذَلِكَ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، وَالشَّرْعُ إنَّمَا وَرَدَ بِإِيجَابِهِ مُؤَجَّلًا بِثَلَاثِ سِنِينَ فَإِنَّهُ الْمَرْوِيُّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ الْمَحْكِيُّ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَمَا مَرَّ آنِفًا فَيَنْبَغِي أَنْ يَخْتَصَّ التَّأْجِيلُ بِثَلَاثِ سِنِينَ إذْ تَقَرَّرَ عِنْدَهُمْ أَنَّ الشَّرْعَ الْوَارِدَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ يَخْتَصُّ بِمَا وَرَدَ بِهِ، وَسَيَجِيءُ نَظِيرُ هَذَا فِي الْكِتَابِ فِي تَعْلِيلِ أَنَّ مَا وَجَبَ عَلَى الْقَاتِلِ فِي مَالِهِ كَمَا إذَا قَتَلَ الْأَبُ ابْنَهُ عَمْدًا لَيْسَ بِحَالٍّ عِنْدَنَا بَلْ مُؤَجَّلًا بِثَلَاثِ سِنِينَ فَتَأَمَّلْ هَلْ يُمْكِنُ دَفْعُهُ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْعَطَايَا لِلسِّنِينَ الْمُسْتَقْبَلَةِ حَتَّى لَوْ اجْتَمَعَتْ فِي السِّنِينَ الْمَاضِيَةِ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِالدِّيَةِ ثُمَّ خَرَجَتْ بَعْدَ الْقَضَاءِ لَا يُؤْخَذُ مِنْهَا لِأَنَّ الْوُجُوبَ بِالْقَضَاءِ. وَلَوْ خَرَجَتْ عَطَايَا ثَلَاثَ سِنِينَ مُسْتَقْبَلَةً فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ يُؤْخَذُ مِنْهَا كُلُّ الدِّيَةِ لِأَنَّهَا بَعْدَ الْوُجُوبِ إذْ الْوُجُوبُ بِالْقَضَاءِ، وَقَدْ حَصَلَ الْمَقْصُودُ بِذَلِكَ، وَهُوَ التَّخْفِيفُ، وَإِذَا كَانَ الْوَاجِبُ ثُلُثَ الدِّيَةِ أَوْ أَقَلَّ يَجِبُ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ، وَإِذَا كَانَ أَكْثَرَ مِنْهُ يَجِبُ فِي سَنَتَيْنِ إلَى تَمَامِ الثُّلُثَيْنِ ثُمَّ إذَا كَانَ أَكْثَرَ مِنْهُ إلَى تَمَامِ الدِّيَةِ تَجِبُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ لِأَنَّ جَمْعَ الدِّيَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ فَيَكُونُ كُلُّ ثُلُثٍ فِي سَنَةٍ ضَرُورَةً، وَالْوَاجِبُ عَلَى الْقَاتِلِ كَالْوَاجِبِ عَلَى الْعَاقِلَةِ حَتَّى تَجِبَ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، وَذَلِكَ مِثْلُ الْأَبِ إذَا قَتَلَ ابْنَهُ عَمْدًا إذَا انْقَلَبَ الْقِصَاصُ مَالًا، وَلَوْ قَتَلَ عَشَرَةٌ رَجُلًا وَاحِدًا خَطَأً فَعَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عُشْرُ الدِّيَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ اعْتِبَارًا لِلْجُزْءِ بِالْكُلِّ، وَهُوَ بَدَلُ النَّفْسِ فَيُؤَجَّلُ كُلُّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهِ بِثَلَاثِ سِنِينَ، وَأَوَّلُ الْمُدَّةِ يُعْتَبَرُ مِنْ وَقْتِ الْقَضَاءِ بِالدِّيَةِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ الْأَصْلِيَّ هُوَ الدِّيَةُ وَالنَّقْلُ إلَى الْقِيمَةِ بِالْقَضَاءِ فَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دِيوَانًا فَعَلَى عَاقِلَتِهِ) لِمَا رَوَيْنَا، وَلِأَنَّ نُصْرَتَهُ بِهِمْ، وَهِيَ الْمُعْتَبَرَةُ فِي الْبَابِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتُقْسَمُ عَلَيْهِمْ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ لَا يُؤْخَذُ مِنْ كُلٍّ فِي كُلِّ سَنَةٍ إلَّا دِرْهَمٌ أَوْ دِرْهَمٌ وَثُلُثٌ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ كُلِّ الدِّيَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ عَلَى أَرْبَعَةٍ) وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ لَا يُزَادُ الْوَاحِدُ عَلَى أَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ فِي كُلِّ سَنَةٍ، وَيُنْقَصُ مِنْهَا، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ فَإِنَّ مُحَمَّدًا نَصَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُزَادُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ جَمِيعِ الدِّيَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ عَلَى ثَلَاثَةٍ أَوْ أَرْبَعَةٍ فَلَا يُؤْخَذُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ فِي كُلِّ سَنَةٍ إلَّا دِرْهَمٌ وَثُلُثٌ كَمَا ذَكَرْنَا هُنَا لِأَنَّ مَعْنَى التَّخْفِيفِ مُرَاعًى فِيهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ لَمْ تَتَّسِعْ الْقَبِيلَةُ لِذَلِكَ ضُمَّ إلَيْهَا أَقْرَبُ الْقَبَائِلِ نَسَبًا عَلَى تَرْتِيبِ الْعَصَبَاتِ) لِتَحَقُّقِ مَعْنَى التَّخْفِيفِ، وَاخْتَلَفُوا فِي أَبِي الْقَاتِلِ وَأَبْنَائِهِ قِيلَ يَدْخُلُونَ لِقُرْبِهِمْ، وَقِيلَ لَا يَدْخُلُونَ لِأَنَّ الضَّمَّ يَنْفِي الْحَرَجَ حَتَّى لَا يُصِيبَ كُلَّ وَاحِدٍ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعَةٍ، وَهَذَا الْمَعْنَى إنَّمَا يُسْتَحَقُّ عِنْدَ الْكَثْرَةِ، وَالْأَبْنَاءُ وَالْآبَاءُ لَا يَكْثُرُونَ قَالُوا هَذَا فِي حَقِّ الْعَرَبِ لِأَنَّهُمْ حَفِظُوا أَنْسَابَهُمْ فَأَمْكَنَ إيجَابُهُمْ عَلَى أَقْرَبِ الْقَبَائِلِ، وَأَمَّا الْعَجَمُ فَقَدْ ضَيَّعُوا أَنْسَابَهُمْ فَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ فِي حَقِّهِمْ فَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ فَقَدْ اخْتَلَفُوا فِيهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ يُعْتَبَرُ بِالْمَحَالِّ وَالْقُرْبَةِ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ رَأَى يُفَوَّضُ ذَلِكَ إلَى الْإِمَامِ لِأَنَّهُ هُوَ الْعَالِمُ بِهِ، وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ نِصْفُ دِينَارٍ فَيَسْتَوِي بَيْنَ الْكُلِّ لِأَنَّهُ كُلُّهُ صِلَةٌ فَيُعْتَبَرُ بِالزَّكَاةِ، وَلَوْ كَانَتْ عَاقِلَتُهُ أَصْحَابَ الرِّزْقِ يُقْضَى بِالدِّيَةِ فِي أَرْزَاقِهِمْ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ فِي كُلِّ سَنَةٍ الثُّلُثُ يُؤْخَذُ كُلَّمَا خَرَجَ رِزْقٌ ثُلُثُ الدِّيَةِ بِمَنْزِلَةِ الْعَطَايَا، وَإِنْ كَانَ يَخْرُجُ فِي كُلِّ سَنَةٍ، وَأَرْزَاقٌ فِي كُلِّ شَهْرٍ فُرِضَتْ الدِّيَةُ فِي الْأَعْطِيَةِ دُونَ الْأَرْزَاقِ لِأَنَّ الْأَخْذَ مِنْ الْأَعْطِيَةِ أَيْسَرُ لَهُمْ، وَالْأَخْذُ مِنْ الْأَرْزَاقِ يُؤَدِّي إلَى الْإِضْرَارِ بِهِمْ إذْ الْأَرْزَاقُ لِكِفَايَةِ الْوَقْتِ، وَيَتَضَرَّرُونَ بِالْأَدَاءِ مِنْهُ، وَالْأَعْطِيَةِ لِيَكُونُوا مُؤْتَلِفِينَ فِي الدِّيوَانِ قَائِمِينَ بِالنُّصْرَةِ فَتَيَسَّرَ عَلَيْهِمْ الْأَدَاءُ مِنْهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْقَاتِلُ كَأَحَدِهِمْ) أَيْ كَوَاحِدٍ مِنْ الْعَاقِلَةِ فَلَا مَعْنَى لِإِخْرَاجِهِ وَمُؤَاخَذَةِ غَيْرِهِ بِهِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يَجِبُ عَلَى الْقَاتِلِ شَيْءٌ مِنْ الدِّيَةِ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ، وَلِهَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْكُلُّ فَكَذَا الْبَعْضُ إذْ الْجُزْءُ لَا يُخَالِفُ الْكُلَّ قُلْنَا إيجَابُ الْكُلِّ إجْحَافٌ بِهِ، وَلَا كَذَلِكَ إيجَابُ الْبَعْضِ، وَلِأَنَّهَا تَجِبُ بِالنُّصْرَةِ، وَلَا يَنْصُرُ نَفْسَهُ مِثْلَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 456 مَا يَنْصُرُ غَيْرَهُ بَلْ أَشَدُّ فَكَانَ أَوْلَى بِالْإِيجَابِ عَلَيْهِ فَإِذَا كَانَ الْمُخْطِئُ مَعْذُورًا فَالْبَرِيءُ مِنْهُ أَوْلَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَاقِلَةُ الْمُعْتَقِ قَبِيلَةُ مَوْلَاهُ) إذْ نُصْرَتُهُ بِهِمْ، وَاسْمُهَا يُنْبِي عَنْهَا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ» قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَعْقِلُ عَنْ مَوْلَى الْمُوَالَاةِ مَوْلَاهُ وَقَبِيلَتُهُ) وَمَوْلَى الْمُوَالَاةِ هُوَ الْحَلِيفُ فَيَعْقِلُ عَنْهُ مَوْلَاهُ الَّذِي عَاقَدَهُ، وَعَاقِلَةُ مَوْلَاهُ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَقَبِيلَتُهُ أَيْ قَبِيلَةُ مَوْلَاهُ الَّذِي عَاقَدَهُ لِأَنَّهُ الْمَعْرُوفُ بِهِ فَأَشْبَهَ مَوْلَى الْعَتَاقَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا تَعْقِلُ عَاقِلَةُ جِنَايَةِ الْعَبْدِ) وَلَا الْعَمْدِ وَمَا لَزِمَ صُلْحًا وَاعْتِرَافًا لِمَا رَوَيْنَا، وَلِأَنَّهُ لَا يَنْتَصِرُ بِالْعَبْدِ وَالْإِقْرَارُ وَالصُّلْحُ لَا يَلْزَمَانِ الْعَاقِلَةَ لِقُصُورِ وِلَايَتِهِ عَنْهُمْ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إلَّا أَنْ يُصَدِّقُوهُ فِي الْإِقْرَارِ) لِأَنَّ التَّصْدِيقَ إقْرَارٌ مِنْهُمْ فَتَلْزَمُهُمْ بِإِقْرَارِهِمْ بِأَنَّ لَهُمْ وِلَايَةً عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَالِامْتِنَاعُ كَانَ لِحَقِّهِمْ، وَقَدْ زَالَ أَوْ تَقُومُ الْبَيِّنَةُ لِأَنَّ مَا ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ كَالْمُشَاهَدَةِ لِأَنَّهَا كَاسْمِهَا مُبَيِّنَةٌ، وَتُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ هُنَا مَعَ الْإِقْرَارِ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تُعْتَبَرُ مَعَهُ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ مَا لَيْسَ بِثَابِتٍ بِإِقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَهُوَ الْوُجُوبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ ثُمَّ مَا ثَبَتَ بِالْإِقْرَارِ يَجِبُ مُؤَجَّلًا وَمَا ثَبَتَ بِالصُّلْحِ حَالٌّ إلَّا إذَا شُرِطَ التَّأْجِيلُ فِي الصُّلْحِ، وَقَدْ عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ، وَلَوْ أَقَرَّ بِالْقَتْلِ خَطَأً فَلَمْ يَرْتَفِعُوا إلَى الْحَاكِمِ إلَّا بَعْدَ سِنِينَ فَقُضِيَ عَلَيْهِ بِالدِّيَةِ فِي مَالِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ كَانَ أَوَّلَ الْمُدَّةِ مِنْ يَوْمِ قُضِيَ عَلَيْهِ لِأَنَّ التَّأْجِيلَ مِنْ وَقْتِ الْقَضَاءِ فِي الثَّابِتِ بِالْبَيِّنَةِ فَكَذَا فِي الثَّابِتِ بِالْإِقْرَارِ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَضْعَفُ، وَلَوْ تَصَادَقَ الْقَاتِلُ وَأَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ عَلَى أَنَّ قَاضِي بَلَدِ كَذَا قَضَى بِالدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَتِهِ بِالْبَيِّنَةِ، وَكَذَبَتْهُمَا الْعَاقِلَةُ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْعَاقِلَةِ لِأَنَّ تَصَادُقَهُمَا لَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي مَالِهِ لِأَنَّ الدِّيَةَ بِتَصَادُقِهِمَا تَقَرَّرَتْ عَلَى الْعَاقِلَةِ بِالْقَضَاءِ، وَتَصَادُقُهُمَا حُجَّةٌ فِي حَقِّهِمَا فَلَا يَلْزَمُ إلَّا حِصَّتُهُ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ حَيْثُ تَجِبُ جَمِيعُ الدِّيَةِ عَلَى الْمُقِرِّ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ التَّصْدِيقُ مِنْ الْوَلِيِّ بِالْقَضَاءِ بِالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَقَدْ وُجِدَ هُنَا فَافْتَرَقَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ جَنَى حُرٌّ عَلَى عَبْدٍ خَطَأً فَهِيَ عَلَى عَاقِلَتِهِ) يَعْنِي إذَا قَتَلَهُ لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَتَحَمَّلُ أَطْرَافَ الْعَبْدِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تَتَحَمَّلُ النَّفْسَ أَيْضًا بَلْ يَجِبُ فِي مَالِ الْقَاتِلِ، وَلَنَا أَنَّهُ آدَمِيٌّ فَتَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ كَالْحُرِّ، وَهَذَا لِأَنَّ مَا يَجِبُ بِقَتْلِهِ دِيَةٌ، وَهِيَ بَدَلُ الْآدَمِيِّ لَا الْمَالِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ فَكَانَتْ عَلَى الْعَاقِلَةِ بِخِلَافِ مَا دُونَ النَّفْسِ لِأَنَّهُ يَسْلُكُ بِهِ مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ، وَالْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ عَمْدًا، وَلَا عَبْدًا جِنَايَةً» أَيْ لَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ جِنَايَةً عَمْدًا، وَلَا جِنَايَةَ عَبْدٍ، وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ لِأَنَّ جِنَايَتَهُ تُوجِبُ دَفْعَهُ إلَّا أَنْ يَفْدِيَهُ الْمَوْلَى قَالَ أَصْحَابُنَا لَيْسَ عَلَى الْمَرْأَةِ وَالذُّرِّيَّةِ مِمَّنْ لَهُ حَظٌّ فِي الدِّيوَانِ عَقْلٌ لِقَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يَعْقِلُ مَعَ الْعَوَاقِلِ صَبِيٌّ، وَلَا امْرَأَةٌ، وَلِأَنَّ الْعَقْلَ إنَّمَا يَجِبُ عَلَى أَهْلِ النُّصْرَةِ، وَالنَّاسُ لَا يَتَنَاصَرُونَ بِالصِّبْيَانِ وَالنِّسَاءِ، وَلِهَذَا لَا يُوضَعُ عَلَيْهِمْ مَا هُوَ خَلَفٌ عَنْ النُّصْرَةِ، وَهُوَ الْجِزْيَةُ، وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ الْقَاتِلُ صَبِيًّا أَوْ امْرَأَةً لَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا مِنْ الدِّيَةِ، وَهَذَا صَحِيحٌ فِيمَا إذَا قَتَلَهُ غَيْرُهُمَا، وَأَمَّا إذَا بَاشَرَا الْقَتْلَ بِأَنْفُسِهِمَا فَالصَّحِيحُ أَنَّهُمَا يُشَارِكَانِ الْعَاقِلَةَ، وَكَذَا الْمَجْنُونُ إذَا قُتِلَ فَالصَّحِيحُ أَنْ يَكُونَ كَوَاحِدٍ مِنْ الْعَاقِلَةِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الِاسْتِنْصَارَ بِالدِّيوَانِ أَظْهَرُ فَلَا يَظْهَرُ مَعَهُ حُكْمُ النُّصْرَةِ بِالْقَرَابَةِ وَالْوَلَاءِ وَقُرْبِ السُّكْنَى، وَالْعَدِّ وَالْحَلِفِ، وَبَعْدَ دِيوَانِ النُّصْرَةِ بِالنَّسَبِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَعَلَى هَذَا يُخَرِّجُ كَثِيرًا مِنْ مَسَائِلِ الْمَعَاقِلِ أَخَوَانِ دِيوَانٍ أَحَدُهُمَا بِالْبَصْرَةِ، وَدِيوَانُ الثَّانِي بِالْكُوفَةِ لَا يَعْقِلُ أَحَدُهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ، وَإِنَّمَا يَعْقِلُ عَنْهُ أَهْلُ دِيوَانِهِ، وَمَنْ جَنَى جِنَايَةً مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، وَلَيْسَ لَهُ فِي أَهْلِ الدِّيوَانِ عَطَاءٌ، وَأَهْلُ الْبَادِيَةِ أَقْرَبُ إلَيْهِ نَسَبًا، وَمَسْكَنُهُ الْمِصْرُ عَقَلَ عَنْهُ أَهْلُ الدِّيوَانِ مِنْ ذَلِكَ الْمِصْرِ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِ الدِّيوَانِ قَرَابَةٌ لِأَنَّ أَهْلَ الدِّيوَانِ هُمْ الَّذِينَ يَدْرَءُونَ عَنْ أَهْلِ الْمِصْرِ، وَيَقُومُونَ بِنُصْرَتِهِمْ، وَيَدْفَعُونَ عَنْهُمْ. وَلَا يَخُصُّونَ بِالنُّصْرَةِ أَهْلَ الْعَطَاءِ فَقَطْ بَلْ يَنْصُرُونَ أَهْلَ الْمِصْرِ كُلَّهُمْ، وَقِيلَ إذَا لَمْ يَكُونُوا قَرِيبًا لَهُ لَا يَعْقِلُونَهُ، وَإِنَّمَا يَعْقِلُونَ إذَا كَانُوا قَرِيبًا لَهُ، وَلَهُ فِي الْبَادِيَةِ أَقْرَبُ مِنْهُمْ نَسَبًا لِأَنَّ الْوُجُوبَ بِحُكْمِ الْقَرَابَةِ وَأَهْلُ مِصْرٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ فَكَانَتْ الْقُدْرَةُ عَلَى أَهْلِ النُّصْرَةِ لَهُمْ فَصَارَ نَظِيرَ مَسْأَلَةِ الْغَيْبَةِ الْمُنْقَطِعَةِ فِي الْإِنْكَاحِ، وَلَوْ كَانَ الْبَدَوِيُّ نَازِلًا فِي الْمِصْرِ لَا مَسْكَنَ لَهُ فِيهِ لَا يَعْقِلُهُ أَهْلُ الْمِصْرِ النَّازِلِ فِيهِمْ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَنْصِرُ بِهِمْ، وَإِنْ كَانَ لِأَهْلِ الذَّمَّةِ عَوَاقِلُ مَعْرُوفَةٌ يَتَعَاقَلُونَ بِهَا فَقَتَلَ أَحَدُهُمْ قَتِيلًا فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ بِمَنْزِلَةِ الْمُسْلِمِ لِأَنَّهُمْ الْتَزَمُوا أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ فِي الْمُعَامَلَاتِ سِيَّمَا فِي الْمَعَانِي الْعَاصِمَةِ عَنْ الْإِضْرَارِ، وَمَعْنَى التَّنَاصُرِ مَوْجُودٌ فِي حَقِّهِمْ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ عَاقِلَةٌ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 457 مَعْرُوفَةٌ فَدِيَتُهُ فِي مَالِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ مِنْ يَوْمِ يُقْضَى بِهَا عَلَيْهِ كَمَا فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ لِأَنَّا بَيَّنَّا أَنَّ الْوُجُوبَ عَلَى الْقَاتِلِ، وَإِنَّمَا تَتَحَوَّلُ عَنْهُ إلَى الْعَاقِلَةِ إذَا وُجِدَتْ فَإِنْ لَمْ تُوجَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ مُسْلِمَيْنِ تَاجِرَيْنِ فِي دَارِ الْحَرْبِ قَتَلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ فَيُقْضَى بِالدِّيَةِ فِي مَالِهِ لِأَنَّ أَهْلَ دَارِ الْإِسْلَامِ لَا يَعْقِلُونَ عَنْهُ لِأَنَّ تَمَكُّنَهُ مِنْ الْقَتْلِ لَيْسَ بِنُصْرَتِهِمْ وَلَا يَعْقِلُ عَاقِلٌ كَافِرٌ عَنْ مُسْلِمٍ، وَلَا مُسْلِمٌ عَنْ كَافِرٍ لِعَدَمِ التَّنَاصُرِ وَالْكُفَّارُ يَتَعَاقَلُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ مِلَلُهُمْ لِأَنَّ الْكُفْرَ كُلَّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ. قَالُوا هَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ الْمُعَادَاتُ بَيْنَهُمْ ظَاهِرَةً أَمَّا إذَا كَانَتْ ظَاهِرَةً كَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى يَنْبَغِي أَنْ لَا يَعْقِلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِانْقِطَاعِ التَّنَاصُرِ بَيْنَهُمْ، وَلَوْ كَانَ الْعَاقِلُ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، وَلَهُ بِهَا عَطَاءٌ، وَحُمُولُ دِيوَانِهِ إلَى الْبَصْرَةِ ثُمَّ إذَا رُفِعَ إلَى الْقَاضِي فَإِنَّهُ يَقْضِي بِالدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَتِهِ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، وَقَالَ زُفَرُ يَقْضِي عَلَى عَاقِلَتِهِ مِنْ الْكُوفَةِ، وَهُمْ أَهْلُ الْكُوفَةِ فَصَارَ كَمَا لَوْ حَوَّلَ بَعْدَ الْقَضَاءِ، وَلَنَا أَنَّ الدِّيَةَ إنَّمَا تَجِبُ بِالْقَضَاءِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الْمِثْلُ، وَبِالْقَضَاءِ يُنْقَلُ إلَى الْمَالِ بِخِلَافِ مَا إذَا حَوَّلَ بَعْدَ الْقَضَاءِ لِأَنَّ الْوُجُوبَ قَدْ تَقَرَّرَ بِالْقَضَاءِ فَلَا يَنْتَقِلُ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّ حِصَّةَ الْقَاتِلِ تُؤْخَذُ مِنْ عَطَائِهِ بِالْبَصْرَةِ لِأَنَّهَا تُؤْخَذُ مِنْ الْعَطَاءِ، وَعَطَاؤُهُ بِالْبَصْرَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا نُقِلَتْ الْعَاقِلَةُ بَعْدَ الْقَضَاءِ عَلَيْهِمْ حَيْثُ يُضَمُّ إلَيْهِمْ أَقْرَبُ الْقَبَائِلِ فِي النَّسَبِ لِأَنَّ فِي النَّقْلِ إبْطَالَ الْحُكْمِ الْأَوَّلِ فَلَا يَجُوزُ بِحَالٍ، وَفِي الضَّمِّ تَكْثِيرُ الْمُتَحَمِّلِينَ فِيمَا قُضِيَ بِهِ عَلَيْهِمْ فَكَانَ فِيهِ تَقْرِيرُ الْحُكْمِ الْأَوَّلِ لَا إبْطَالُهُ، وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ الْقَاتِلُ مَسْكَنُهُ بِالْكُوفَةِ، وَلَيْسَ لَهُ عَطَاءٌ بِهَا فَلَمْ يُقْضَ عَلَيْهِمْ حَتَّى اسْتَوْطَنَ الْبَصْرَةَ قُضِيَ عَلَى أَهْلِ الْبَصْرَةِ بِالدِّيَةِ، وَلَوْ كَانَ قُضِيَ بِهَا عَلَى أَهْلِ الْكُوفَةِ فَلَمْ يَنْتَقِلْ إلَيْهِمْ، وَكَذَا الْبَدَوِيُّ إذَا لَحِقَ بِالدِّيوَانِ بَعْدَ الْقَتْلِ قَبْلَ قَضَاءِ الْقَاضِي يُقْضَى بِالدِّيَةِ عَلَى أَهْلِ الدِّيوَانِ، وَبَعْدَ الْقَضَاءِ عَلَى عَاقِلَتِهِ. فَالدِّيَةُ لَا تَتَحَوَّلُ عَنْهُمْ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ فَقُضِيَ عَلَيْهِمْ بِالدِّيَةِ فِي أَمْوَالِهِمْ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ ثُمَّ جَعَلَهُمْ الْإِمَامُ فِي الْعَطَاءِ حَيْثُ تَصِيرُ الدِّيَةُ فِي عَطَايَاهُمْ، وَلَوْ كَانَ قَضَى بِهَا فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ نَقْضُ الْقَضَاءِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ قَضَى بِهَا فِي أَمْوَالِهِمْ، وَأَعْطَاهُمْ أَمْوَالَهُمْ غَيْرَ أَنَّ الدِّيَةَ تُقْضَى مِنْ أَيْسَرِ الْأَمْوَالِ إذْ الْأَدَاءُ مِنْ الْعَطَاءِ أَيْسَرُ إذَا صَارُوا مِنْ أَهْلِ الْعَطَاءِ إلَّا إذَا لَمْ يَكُنْ مَالُ الْعَطَاءِ مِنْ جِنْسِ مَا قُضِيَ بِهِ عَلَيْهِمْ بِأَنْ كَانَ الْقَضَاءُ بِالْإِبِلِ، وَالْعَطَاءُ دَرَاهِمُ فَحِينَئِذٍ لَا يَتَحَوَّلُ إلَى الدَّرَاهِمِ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ الْقَضَاءِ الْأَوَّلِ لَكِنْ تُقْضَى الْإِبِلُ مِنْ مَالِ الْعَطَايَا بِأَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ لِأَنَّهُ أَيْسَرُ، قَالَ عُلَمَاؤُنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى إنَّ الْقَاتِلَ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عَاقِلَةٌ وَالدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ إذَا كَانَ الْقَاتِلُ مُسْلِمًا لِأَنَّ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ هُمْ أَهْلُ نُصْرَتِهِ، وَلَيْسَ بَعْضُهُمْ أَخَصَّ مِنْ الْبَعْضِ بِذَلِكَ، وَلِهَذَا إذَا مَاتَ فَمِيرَاثُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ فَكَذَا مَا يَلْزَمُهُ مِنْ الْغَرَامَةِ يَلْزَمُ بَيْتَ الْمَالِ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَةٌ شَاذَّةٌ أَنَّهَا تَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ وَابْنُ الْمُلَاعَنَةِ تَعْقِلُ عَنْهُ عَاقِلَةُ أُمِّهِ لِأَنَّ نَسَبَهُ ثَابِتٌ مِنْهَا دُونَ الْأَبِ فَإِذَا عَقَلَتْ عَنْهُ ثُمَّ ادَّعَاهُ الْأَبُ رَجَعَتْ عَاقِلَةُ الْأُمِّ بِمَا أَدَّتْ عَلَى عَاقِلَةِ الْأَبِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ مِنْ يَوْمِ قُضِيَ لَهُمْ بِالرُّجُوعِ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ الدِّيَةَ كَانَتْ وَجَبَتْ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُ بِالدَّعْوَى ظَهَرَ أَنَّ النَّسَبَ كَانَ ثَابِتًا مِنْهُ مِنْ الْأَصْلِ فَقَوْمُ الْأُمِّ يَحْمِلُونَ مَا كَانَ وَاجِبًا عَلَى قَوْمِ الْأَبِ فَيَرْجِعُونَ بِهَا عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ مُضْطَرُّونَ فِي ذَلِكَ. وَكَذَا إذَا مَاتَ الْمُكَاتَبُ عَنْ وَفَاءٍ، وَلَهُ وَلَدٌ مُسْلِمٌ حُرٌّ فَلَمْ يُؤَدِّ كِتَابَتَهُ حَتَّى جَنَى ابْنُهُ، وَعَقَلَ عَنْهُ قَوْمُ أُمِّهِ ثُمَّ أُدِّيَتْ الْكِتَابَةُ تَرْجِعُ عَاقِلَةُ الْأُمِّ عَلَى عَاقِلَةِ الْأَبِ لِأَنَّهُ إذَا أَدَّى الْكِتَابَةَ يَتَحَوَّلُ وَلَاؤُهُ إلَى قَوْمِ أَبِيهِ مِنْ وَقْتِ تَثْبُتُ الْحُرِّيَّةُ لِلْأَبِ، وَهُوَ آخِرُ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ قَوْمَ الْأُمِّ عَقَلُوا عَنْهُمْ فَيَرْجِعُونَ عَلَيْهِمْ، وَكَذَا رَجُلٌ أَمَرَ صَبِيًّا بِقَتْلِ رَجُلٍ فَقَتَلَهُ فَضَمِنَتْ عَاقِلَةُ الصَّبِيِّ الدِّيَةَ رَجَعَتْ بِهَا عَلَى عَاقِلَةِ الْآمِرِ إنْ كَانَ الْأَمْرُ ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ، وَفِي مَالِ الْآمِرِ إنْ كَانَ ثَبَتَ بِإِقْرَارِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ مِنْ يَوْمِ يُقْضَى بِهَا عَلَى الْآمِرِ أَوْ عَلَى عَاقِلَتِهِ لِأَنَّ الدِّيَةَ تَجِبُ مُؤَجَّلَةً بِطَرِيقِ التَّيْسِيرِ عَلَيْهِمْ فَكَذَا الرُّجُوعُ بِهَا تَحْقِيقًا لِلْمُمَاثَلَةِ ثُمَّ مَسَائِلُ الْعَاقِلَةِ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ كَثِيرَةٌ، وَأَجْوِبَتُهَا مُخْتَلِفَةٌ، وَالضَّابِطُ الَّذِي يَرُدُّ كُلَّ جِنْسٍ إلَى أَصْلِهِ أَنْ يُقَالَ إنَّ حَالَ الْقَاتِلِ إنْ تَبَدَّلَ حُكْمًا بِسَبَبِ حَادِثٍ فَانْتَقَلَ وَلَاءٌ إلَى وَلَاءٍ لَمْ تَنْتَقِلْ جِنَايَتُهُ عَنْ الْأَوَّلِ قُضِيَ بِهَا أَوْ لَمْ يُقْضَ، وَذَلِكَ كَالْوَلَدِ الْمَوْلُودِ بَيْنَ حُرَّةٍ وَعَبْدٍ إذَا جَنَى ثُمَّ أُعْتِقَ الْعَبْدُ لَا يُجَرُّ وَلَاءُ الْوَلَدِ إلَى قَوْمِهِ وَلَا تَتَحَوَّلُ الْجِنَايَةُ عَنْ عَاقِلَةِ الْأُمِّ قُضِيَ بِهَا أَوْ لَمْ يُقْضَ، وَكَذَا لَوْ حَفَرَ هَذَا الْغُلَامُ بِئْرًا ثُمَّ أُعْتِقَ أَبُوهُ ثُمَّ وَقَعَ فِيهَا إنْسَانٌ يُقْضَى بِالدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَةِ الْأُمِّ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِحَالَةِ الْحَفْرِ، وَمِنْ نَظِيرِهِ حَرْبِيٌّ أَسْلَمَ، وَوَالَى رَجُلًا فَجَنَى ثُمَّ أُعْتِقَ أَبُوهُ جُرَّ وَلَاؤُهُ لِأَنَّ وَلَاءَ الْعَتَاقَةِ أَقْوَى. وَجِنَايَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ مَنْ وَالَاهُ لِأَنَّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 458 الْعِبْرَةَ لِوَقْتِ الْجِنَايَةِ، وَتَحَوُّلُ الْوَلَاءِ بِسَبَبٍ حَادِثٍ فَلَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّ تِلْكَ الْجِنَايَةِ فَلَا يَتَبَدَّلُ، وَإِنْ لَمْ يَتَبَدَّلْ حَالُ الْقَاتِلِ، وَلَكِنْ ظَهَرَتْ حَالَةٌ خَفِيَتْ فِيهِ تَحَوَّلَتْ الْجِنَايَةُ إلَى الْأُخْرَى وَقَعَ الْقَضَاءُ بِهَا أَوْ لَمْ يَقَعْ، وَذَلِكَ مِثْلُ دَعْوَةِ وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ وَوَلَدِ الْمُكَاتَبِ إذَا مَاتَ الْمُكَاتَبُ عَنْ وَفَاءٍ، وَأَمَرَ الرَّجُلُ الصَّبِيَّ بِالْجِنَايَةِ، وَلَوْ لَمْ يَتَبَدَّلْ حَالُ الْجَانِي، وَلَمْ يَظْهَرْ فِيهِ الْحَالَةُ الْحَقِيقِيَّةُ، وَلَكِنَّ الْعَاقِلَةَ تَبَدَّلَتْ كَانَ الِاعْتِبَارُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ الْقَضَاءَ لَا غَيْرُ فَإِنْ قُضِيَ بِهَا عَلَى الْأَوَّلِ لَمْ تَنْتَقِلْ إلَى الثَّانِي، وَإِلَّا قُضِيَ بِهَا عَلَى الثَّانِيَةِ، وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ دِيوَانِ أَهْلِ الْكُوفَةِ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ دِيوَانِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْنَا لَكِنْ لَحِقَ الْعَاقِلَةَ زِيَادَةٌ أَوْ نُقْصَانٌ اشْتَرَكُوا فِي حُكْمِ الْجِنَايَةِ قَبْلَ الْقَضَاءِ، وَبَعْدَهُ إلَّا فِيمَا سَبَقَ أَدَاؤُهُ فَمَنْ أَحْكَمَ هَذَا الْفَصْلَ، وَتَأَمَّلَ فِيهِ أَمْكَنَهُ تَخْرِيجُ الْمَسَائِلِ وَرَدُّ كُلِّ وَاقِعَةٍ مِنْ النَّظَائِرِ وَالْأَضْدَادِ إلَى أَصْلِهَا قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا سَبَقَ فِي أَوَّلِ بَابِ جِنَايَةِ الْمَمْلُوكِ إنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ لَا يَتَعَاقَلُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَجَوَابُهُ أَنَّ ذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْغَالِبِ. اهـ. أَقُولُ: يَأْبَى هَذَا الْجَوَابَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ هُنَا فَلَا عَاقِلَةَ بَعْدَ قَوْلِهِ أَنَّهُمْ لَا يَتَعَاقَلُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ لِأَنَّ النَّكِرَةَ الْمَنْفِيَّةَ تُفِيدُ الْعُمُومَ عَلَى مَا عُرِفَ فَالْأَوْلَى فِي الْجَوَابِ أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ هُنَاكَ نَفْيُ الْوُقُوعِ أَيْ لَمْ يَقَعْ التَّعَاقُلُ فِيمَا بَيْنَهُمْ. وَالْمُرَادُ هُنَا بَيَانُ الْجَوَازِ أَيْ لَوْ وَقَعَ التَّعَاقُلُ فِيمَا بَيْنَهُمْ جَازَ وَلَا يَضُرُّهُ اخْتِلَافُ مِلَلِهِمْ فَتَبَصَّرْ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [كِتَابُ الْوَصَايَا] قَالَ الشُّرَّاحُ: إيرَادُ كِتَابِ الْوَصَايَا فِي آخِرِ الْكِتَابِ ظَاهِرُ الْمُنَاسَبَةِ إذْ آخِرُ الْأَحْوَالِ فِي الْآدَمِيِّ فِي الدُّنْيَا الْمَوْتُ وَالْوَصِيَّةُ مُعَامَلَةٌ وَقْتَ الْمَوْتِ أَقُولُ: يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ كِتَابَ الْوَصَايَا لَيْسَ بِمَوْرُودٍ فِي آخِرِ هَذَا الْكِتَابِ، وَإِنَّمَا الْمَوْرُودُ فِي آخِرِهِ كِتَابُ الْخُنْثَى كَمَا تَرَى نَعَمْ إنَّ كَثِيرًا مِنْ أَصْحَابِ التَّصَانِيفِ أَوْرَدُوهُ فِي آخِرِ كُتُبِهِمْ لَكِنَّ الْكَلَامَ فِي شَرْحِ هَذَا الْكِتَابِ، وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ مِنْ قِبَلِ الشُّرَّاحِ حَمْل الْآخَرِ فِي قَوْلِهِمْ فِي آخِرِ الْكِتَابِ عَلَى الْإِضَافِيِّ فَإِنَّ آخِرَهُ الْحَقِيقِيُّ، وَإِنْ كَانَ كِتَابَ الْخُنْثَى إلَّا أَنَّ كِتَابَ الْوَصَايَا أَيْضًا آخِرُهُ بِالْإِضَافَةِ إلَى مَا قَبْلَهُ حَيْثُ كَانَ فِي قُرْبِ آخِرِهِ الْحَقِيقِيِّ، وَمِنْ هَذَا تَرَى الْقَوْمَ يَقُولُونَ وَقَعَ هَذَا فِي أَوَائِلِ كَذَا أَوْ أَوَاخِرِهِ فَإِنَّ صِيغَةَ الْجَمْعِ لَا تَتَمَشَّى فِي الْأَوَّلِ الْحَقِيقِيِّ وَالْآخِرِ الْحَقِيقِيِّ، وَإِنَّمَا الْمُخَلِّصُ فِي ذَلِكَ تَعْمِيمُ الْأَوَّلِ، وَالْآخِرُ لِلْحَقِيقِيِّ وَالْإِضَافِيِّ، وَالْكَلَامُ فِي الْوَصِيَّةِ مِنْ وُجُوهٍ الْأَوَّلُ فِي تَفْسِيرِهَا لُغَةً، وَالثَّانِي فِي تَفْسِيرُهَا شَرْعًا وَالثَّالِثُ فِي سَبَبِ الْمَشْرُوعِيَّةِ، وَالرَّابِعُ فِي رُكْنِهَا، وَالْخَامِسُ فِي شَرْطِهَا، وَالسَّادِسُ فِي صِفَتِهَا، وَالسَّابِعُ فِي حُكْمِهَا، وَالثَّامِنُ فِي دَلِيلِ مَشْرُوعِيَّتِهَا أَمَّا الْوَصِيَّةُ فِي اللُّغَةِ فَهِيَ اسْمٌ بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ الَّذِي هُوَ التَّوْصِيَةُ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {حِينَ الْوَصِيَّةِ} [المائدة: 106] ثُمَّ سُمِّيَ الْمُوصَى بِهِ وَصِيَّةً. وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا} [النساء: 12] وَفِي الشَّرِيعَةِ (الْوَصِيَّةُ تَمْلِيكٌ مُضَافٌ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ) بِطَرِيقِ التَّبَرُّعِ سَوَاءٌ كَانَتْ ذَلِكَ فِي الْأَعْيَانِ أَوْ فِي الْمَنَافِعِ كَذَا فِي عَامَّةِ الشُّرُوحِ أَقُولُ: وَهَذَا التَّعْرِيفُ لَيْسَ بِجَامِعٍ لِأَنَّهُ لَا يَشْمَلُ حُقُوقَ اللَّهِ تَعَالَى، وَالدَّيْنَ الَّذِي فِي ذِمَّتِهِ، وَلَوْ قَالَ الْمُؤَلِّفُ هِيَ طَلَبُ بَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْعِبَادِ مَا لَمْ يَصِلْهُمَا أَوْ تَمْلِيكٌ إلَى آخِرِهِ لَكَانَ أَوْلَى لَا يُقَالُ إدْخَالٌ أَوْ فِي الْحُدُودِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْحُدُودَ الْحَقِيقِيَّةَ وَلَا تَعَدُّدَ فِيهَا لِأَنَّا نَقُولُ إذَا أُرِيدَ تَعْرِيفُ الْحَقِيقَةِ فِي ضِمْنِ الْأَفْرَادِ جَازَ ذَلِكَ كَمَا تَقَرَّرَ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ ثُمَّ الْوَصِيَّةُ، وَالتَّوْصِيَةُ، وَكَذَا الْإِيصَاءُ فِي اللُّغَةِ طَلَبُ فِعْلٍ مِنْ غَيْرِهِ لِيَفْعَلَهُ فِي غَيْبَتِهِ حَالَ حَيَاتِهِ أَوْ بَعْدَ وَفَاتِهِ، وَفِي الشَّرِيعَةِ تَمْلِيكٌ مُضَافٌ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ عَلَى سَبِيلِ التَّبَرُّعِ عَيْنًا كَانَ أَوْ مَنْفَعَةً هَذَا هُوَ التَّعْرِيفُ الْمَذْكُورُ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ، وَذُكِرَ فِي الْإِيضَاحِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ هِيَ مَا أَوْجَبَهُ الْإِنْسَانُ فِي مَالِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ أَوْ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ وَالْوَصِيَّةُ بِهَذَا الْمَعْنَى هِيَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهَا بِأَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ غَيْرُ وَاجِبَةٍ، وَأَنَّ الْقِيَاسَ يَأْبَى جَوَازَهَا فَعَلَى هَذَا يَكُونُ بَعْضُ الْمَسَائِلِ مِثْلَ مَسْأَلَةِ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَحُقُوقِ الْعِبَادِ، وَالْمَسَائِلُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْوَصِيِّ مَذْكُورَةٌ فِي كِتَابِ الْوَصَايَا بِطَرِيقِ التَّطَفُّلِ لَكِنَّ التَّحْقِيقَ أَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ كَمَا أَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ فِي الشَّرْعِ لِلْمَعْنَى الْمَذْكُورِ مَوْضُوعَةٌ فِيهِ أَيْضًا لِطَلَبِ شَيْءٍ مِنْ غَيْرِهِ لِيَفْعَلَهُ بَعْدَ مَمَاتِهِ فَقَدْ نُقِلَ هَذَا عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ لَكِنْ يُشْتَرَطُ اسْتِعْمَالُ لَفْظِ الْإِيصَاءِ بِاللَّامِ فِي الْمَعْنَى الْأَوَّلِ. وَبِإِلَى فِي الْمَعْنَى الثَّانِي فَحِينَئِذٍ يَكُونُ ذِكْرُ الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى أَنَّهَا مِنْ فُرُوعِ الْمَعْنَى الثَّانِي لَا عَلَى سَبِيلِ التَّطَفُّلِ إلَى هُنَا لَفْظُهُ ثُمَّ إنَّ سَبَبَ الْوَصِيَّةِ سَبَبُ سَائِرِ التَّبَرُّعَاتِ، وَهُوَ إرَادَةُ تَحْصِيلِ الذِّكْرِ الْحَسَنِ فِي الدُّنْيَا وَوُصُولِ الدَّرَجَاتِ الْعَالِيَةِ فِي الْعُقْبَى. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 459 وَأَمَّا شَرَائِطُهَا فَكَوْنُ الْمُوصِي أَهْلًا لِلتَّبَرُّعِ، وَأَنْ لَا يَكُونَ مَدْيُونًا، وَكَوْنُ الْمُوصَى لَهُ حَيًّا وَقْتَ الْوَصِيَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَوْلُودًا حَتَّى إذَا أَوْصَى لِلْجَنِينِ إذَا كَانَ مَوْجُودًا حَيًّا عِنْدَ الْوَصِيَّةِ تَصِحُّ، وَإِلَّا فَلَا، وَإِنَّمَا تُعْرَفُ حَيَاتُهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ بِأَنْ وَلَدَتْهُ قَبْلَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ حَيًّا، وَكَوْنُهُ أَجْنَبِيًّا حَتَّى أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْوَارِثِ لَا تَجُوزُ إلَّا بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ، وَأَنْ لَا يَكُونَ قَاتِلًا، وَكَوْنُ الْمُوصَى بِهِ شَيْئًا قَابِلًا لِلتَّمْلِيكِ مِنْ الْغَيْرِ بِعَقْدٍ مِنْ الْعُقُودِ حَالَ حَيَاةِ الْمُوصِي سَوَاءٌ كَانَ مَوْجُودًا فِي الْحَالِ أَوْ مَعْدُومًا، وَأَنْ يَكُونَ أَيْضًا الْمُوصَى بِهِ بِقَدْرِ الثُّلُثِ حَتَّى أَنَّهَا لَا تَصِحُّ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ، وَفِي الْعِنَايَةِ أَيْضًا بِطَرِيقِ الْإِجْمَالِ، وَفِي الْأَصْلِ، وَمِنْ شُرُوطِهَا كَوْنُ الْمُوصِي أَهْلًا لِلتَّبَرُّعِ فَلَا تَصِحُّ مِنْ صَبِيٍّ وَلَا عَبْدٍ، وَأَقُولُ: فِيهِ قُصُورٌ بِلَا خَلَلٍ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ جَعَلَ مِنْ شَرَائِطِهَا أَنْ لَا يَكُونَ الْمُوصِي مَدْيُونًا بِدُونِ التَّقْيِيدِ بِأَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ مُسْتَغْرِقًا لِتَرِكَتِهِ، وَالشَّرْطُ عَدَمُ هَذَا الدَّيْنِ الْمُقَيَّدِ لَا عَدَمُ الدَّيْنِ الْمُطْلَقِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ غَيْرُهُ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُ جَعَلَ مِنْ شَرَائِطِهَا كَوْنَ الْمُوصَى لَهُ حَيًّا وَقْتَ الْوَصِيَّةِ، وَالشَّرْطُ كَوْنُهُ مَوْجُودًا وَقْتَ الْوَصِيَّةِ لَا كَوْنُهُ حَيًّا أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ جَعَلُوا الدَّلِيلَ عَلَيْهِ الْوِلَادَةَ قَبْلَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ حَيًّا، وَتِلْكَ إنَّمَا تَدُلُّ عَلَى وُجُودِ الْجَنِينِ وَقْتَ الْوَصِيَّةِ لَا عَلَى حَيَاتِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْعَارِفِ بِأَحْوَالِ الْجَنِينِ فِي الرَّحِمِ، وَبِأَقَلِّ مُدَّةِ الْحَمْلِ، وَعَنْ هَذَا كَانَ الْمَذْكُورُ فِي عَامَّةِ الْمُعْتَبَرَاتِ عِنْدَ بَيَانِ هَذَا الشَّرْطِ أَنْ يَكُونَ الْمُوصَى لَهُ مَوْجُودًا وَقْتَ الْوَصِيَّةِ بِدُونِ ذِكْرِ قَيْدِ الْحَيَاةِ أَصْلًا، وَأَمَّا ثَالِثًا فَلِأَنَّهُ جَعَلَ مِنْ شَرَائِطِهَا أَنْ يَكُونَ الْمُوصَى بِهِ مِقْدَارَ الثُّلُثِ لَا زَائِدًا عَلَيْهِ، وَهُوَ لَيْسَ بِسَدِيدٍ عَلَى إطْلَاقِهِ فَإِنَّ الْمُوصِي إذَا تَرَكَ وَرَثَةً فَإِنَّمَا لَا تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ إنْ لَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ، وَإِنْ أَجَازُوهُ صَحَّتْ وَصِيَّتُهُ بِهِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَتْرُكْ وَارِثًا فَتَصِحُّ وَصِيَّتُهُ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ حَتَّى بِجَمِيعِ مَالِهِ عِنْدَنَا كَمَا تَقَرَّرَ فِي مَوْضِعِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّقْيِيدِ مَرَّتَيْنِ مَرَّةً بِأَنْ يَكُونَ لَهُ وَارِثٌ، وَأُخْرَى بِأَنْ لَا يُجِيزَهُ الْوَارِثُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا رُكْنُهَا فَقَوْلُهُ أَوْصَيْت بِكَذَا، وَأَمَّا صِفَتُهَا فَقَدْ ذَكَرَهَا الْمُؤَلِّفُ، وَأَمَّا حُكْمُهَا فَالْمُوصَى لَهُ يَمْلِكُ الْمَالَ بِالْقَبْضِ، وَأَمَّا سَبَبُ مَشْرُوعِيَّتِهَا فَقَوْلُهُ تَعَالَى {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 12] . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَهِيَ مُسْتَحَبَّةٌ) يَعْنِي الْوَصِيَّةَ مُسْتَحَبَّةٌ أَقُولُ: الْحُكْمُ بِالِاسْتِحْبَابِ عَلَى الْوَصِيَّةِ مُطْلَقًا لَا يُنَاسِبُ مَا سَيَأْتِي مِنْ التَّفْصِيلِ فِي الْكِتَابِ مِنْ أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالثُّلُثِ لِلْأَجْنَبِيِّ جَائِزَةٌ بِدُونِ الثُّلُثِ مُسْتَحَبَّةٌ إنْ كَانَتْ الْوَرَثَةُ أَغْنِيَاءَ أَوْ يَسْتَغْنُونَ بِنَصِيبِهِمْ. وَإِنْ كَانُوا فُقَرَاءَ لَا يَسْتَغْنُونَ بِمَا يَرِثُونَ فَتَرْكُ الْوَصِيَّةِ أَوْلَى، وَأَنَّهَا لَا تَجُوزُ لِلْوَارِثِ وَالْقَاتِلِ فَكَانَ الظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ الْوَصِيَّةُ غَيْرُ وَاجِبَةٍ بَلْ هِيَ مُسْتَحَبَّةٌ أَوْ جَائِزَةٌ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُوجِبَهُ قَوْلُهُ وَهِيَ مُسْتَحَبَّةٌ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَنَّ غَايَةَ أَمْرِهَا الِاسْتِحْبَابُ دُونَ الْوُجُوبِ لَا أَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ فَكَأَنَّهُ قَالَ إنَّهَا لَا تَصِلُ إلَى مَرْتَبَةِ الْوُجُوبِ بَلْ قُصَارَى أَمْرِهَا الِاسْتِحْبَابُ لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ النَّقْضُ بِالْوَصِيَّةِ لِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى كَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ الَّتِي فَرَّطَ فِيهَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ الزَّيْلَعِيُّ فِي التَّبْيِينِ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ أَخْذًا مِنْ النِّهَايَةِ فَقَوْلُهُ غَيْرُ وَاجِبَةٍ رَدٌّ لِقَوْلِ مَنْ يَقُولُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إذَا كَانُوا مِمَّنْ لَا يَرِثُونَ فَرْضٌ، وَلِقَوْلِ مَنْ يَقُولُ الْوَصِيَّةُ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ مِمَّنْ لَهُ مُرُوءَةٌ وَيَسَارٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ} [البقرة: 180] وَالْمَكْتُوبُ عَلَيْنَا فَرْضٌ، وَلَمَّا لَمْ يُفْهَمْ الِاسْتِحْبَابُ مِنْ نَفْيِ الْوُجُوبِ لِجَوَازِ الْإِبَاحَةِ قَالَ الشَّارِحُ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ حَقٌّ مُسْتَحَقٌّ لِلَّهِ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ حَقٌّ مُسْتَحَقٌّ لِلَّهِ كَالزَّكَاةِ، وَالصَّوْمِ أَوْ الْحَجِّ أَوْ الصَّلَاةِ الَّتِي فَرَّطَ فِيهَا فَهِيَ وَاجِبَةٌ، وَالْقِيَاسُ يَأْبَى جَوَازَهَا لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ مُضَافٌ إلَى حَالِ زَوَالِ الْمِلْكِ، وَلَوْ أَضَافَهُ إلَى حَالِ قِيَامِهِ بِأَنْ قَالَ مَلَّكْتُك غَدًا كَانَ بَاطِلًا فَهَذَا أَوْلَى إلَّا أَنَّ الشَّارِعَ أَجَازَهُ لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهَا لِأَنَّ الْإِنْسَانَ مَغْرُورٌ بِأَمَلِهِ مُقَصِّرٌ فِي عَمَلِهِ فَإِذَا عَرَضَ لَهُ عَارِضٌ، وَخَافَ الْهَلَاكَ يَحْتَاجُ إلَى تَلَافِي مَا فَاتَهُ مِنْ التَّقْصِيرِ بِمَالِهِ عَلَى وَجْهٍ لَوْ تَحَقَّقَ مَا كَانَ مُخَالَفَةً يَحْصُلُ مَقْصُودُهُ. وَقَدْ يَبْقَى الْمِلْكُ بَعْدَ الْمَوْتِ بِاعْتِبَارِ الْحَاجَةِ كَمَا يَبْقَى فِي قَدْرِ التَّجْهِيزِ وَالدَّيْنِ، وَقَدْ نَطَقَ بِهَا الْكِتَابُ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 12] وَالسُّنَّةُ، وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ اللَّهَ قَدْ تَصَدَّقَ عَلَيْكُمْ بِثُلُثِ أَمْوَالِكُمْ عِنْدَ وَفَاتِكُمْ زِيَادَةً فِي حَسَنَاتِكُمْ لِيَجْعَلَهَا لَكُمْ زِيَادَةً فِي أَعْمَالِكُمْ» ، وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ ثُمَّ تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِلْأَجْنَبِيِّ بِالثُّلُثِ مِنْ غَيْرِ إجَازَةِ الْوَارِثِ وَلَا تَجُوزُ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ لِمَا رُوِيَ «عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّهُ قَالَ جَاءَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعُودُنِي مِنْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 460 وَجَعٍ اشْتَدَّ بِي فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ بَلَغَ بِي مِنْ الْوَجَعِ مَا تَرَى، وَأَنَا ذُو مَالٍ وَلَا يَرِثُنِي إلَّا ابْنَةٌ لِي أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي قَالَ لَا قَالَ قُلْتُ: فَالشَّطْرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ لَا قَالَ قُلْتُ: فَالثُّلُثُ قَالَ فَالثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ إنَّك أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَك أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ لَك مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ» ، وَلِأَنَّ حَقَّ الْوَرَثَةِ تَعَلَّقَ بِمَالِهِ لِانْعِقَادِ سَبَبِ الزَّوَالِ إلَيْهِمْ، وَهُوَ اسْتِغْنَاؤُهُمْ عَنْ الْمَالِ إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يُظْهِرْ فِي حَقِّ الْأَجَانِبِ بِقَدْرِ الثُّلُثِ لِيَتَدَارَكَ تَقْصِيرَهُ، وَأَظْهَرَهُ فِي حَقِّ الْوَرَثَةِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا يَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَيْهِمْ تَحَرُّزًا عَمَّا يُتَّفَقُ لَهُمْ مِنْ التَّأَذِّي بِالْإِيثَارِ، وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «الْحَيْفُ فِي الْوَصِيَّةِ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ» ، وَفَسَّرُوهُ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الثُّلُثِ، وَبِالْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ، وَقَوْلُهُ مُسْتَحَبَّةٌ إلَخْ الْأَفْضَلُ لِمَنْ كَانَ قَلِيلَ الْمَالِ أَنْ لَا يُوصِيَ بِشَيْءٍ، وَالْأَفْضَلُ لِمَنْ كَانَ لَهُ مَالٌ كَثِيرٌ أَنْ يُوصِيَ بِمَا لَا مَعْصِيَةَ فِيهِ. وَقَدْرُ الْأَغْنِيَاءِ عِنْدَ الْإِمَامِ إذَا تَرَكَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَرَثَةِ أَرْبَعَةَ آلَافٍ دُونَ الْوَصِيَّةِ، وَعَنْ الْإِمَامِ الْفَضْلِ عَشَرَةَ آلَافٍ، وَفِي الْمُوصِي الَّذِي أَرَادَ أَنْ يُوصِيَ يَنْبَغِي أَنْ يَبْدَأَ بِالْوَاجِبَاتِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْوَاجِبَاتِ بَدَأَ بِالْقَرَابَةِ فَإِنْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ فَالْجِيرَانُ، وَفِي الْفَتَاوَى عَامِلُ السُّلْطَانِ أَوْصَى بِأَنْ يُعْطَى لِلْفُقَرَاءِ كَذَا كَذَا مِنْ مَالِهِ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ إنْ عُلِمَ بِأَنَّهُ مَالُ غَيْرِهِ لَا يَحِلُّ أَخْذُهُ، وَإِنْ عُلِمَ أَنَّهُ مُخْتَلِطٌ بِمَالِ غَيْرِهِ جَازَ أَخْذُهُ، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ لَا يَجُوزُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَنَّهُ مَالُهُ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ الْجَوَازُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْخَلْطِ، وَعَلَى قَوْلِهِمَا لَا يَجُوزُ، وَفِي الْخَانِيَّةِ إذَا أَوْصَى أَنْ يُنْفَقَ عَلَى فَرَسِ فُلَانٍ جَازَ، وَهِيَ وَصِيَّةٌ لِصَاحِبِ الْفَرَسِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا تَصِحُّ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ) فَهَذِهِ الْعِبَارَةُ أَوْلَى مِنْ عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ حَيْثُ قَالَ وَلَا تَجُوزُ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الصِّحَّةِ عَدَمُ الْجَوَازِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْجَوَازِ عَدَمُ الصِّحَّةِ، وَالْمُرَادُ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ عَدَمُ النَّفَاذِ حَتَّى لَا يَنْفُذَ بَلْ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِجَازَةِ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ يَعْنِي لَا يَجُوزُ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ حَتَّى لَا يَجُوزَ فِي حَقِّ الْفَاضِلِ عَلَى الثُّلُثِ بَلْ فِي حَقِّ الثُّلُثِ فَقَطْ لَا أَنَّهُ لَا تَجُوزُ هَذِهِ الْوَصِيَّةُ أَصْلًا فَإِنْ قُلْتُ: كَيْفَ جَازَ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِي بَعْضِ مَدْلُولَاتِهِ دُونَ بَعْضٍ، وَبِأَيِّ وَجْهٍ أَمْكَنَ ذَلِكَ قُلْتُ: يَجْعَلُهُ فِي حُكْمِ وَصَايَا مُتَعَدِّدَةٍ بِأَنْ يَجْعَلَ قَوْلَهُ أَوْصَيْت لِفُلَانٍ بِثُلُثَيْ مَالِي فِي قُوَّةِ قَوْلِهِ أَوْصَيْت لَهُ بِثُلُثِهِ دُونَ الزَّائِدِ وَالْوَصِيَّةُ تَارَةً تَكُونُ مُنَجَّزَةً. وَتَارَةً مُعَلَّقَةً بِشَرْطٍ فَيَجِبُ أَنْ يَعْلَمَ بِأَنَّ تَعَلُّقَ الْوَصِيَّةِ بِالشَّرْطِ جَائِزٌ، وَفِي نَوَادِرِ بِشْرٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الْإِمْلَاءِ إذَا أَوْصَى بِثُلُثِهِ لِرَجُلٍ عَلَى أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ فَهَذَا جَائِزٌ إنْ قَبِلَ ذَلِكَ الْمُوصَى لَهُ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا قَالَ فِي وَصِيَّتِهِ يُنْفَقُ عَلَى فُلَانٍ كَذَا، وَالْمُوصَى لَهُ غَائِبٌ أَوْ مَاتَ الْمُوصِي، وَهُوَ غَائِبٌ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ رَدِّ الْوَصِيَّةِ وَلَا شَيْءَ لَهُ، وَكَذَلِكَ إنْ قَدِمَ فَلَمْ يَقْبَلْ، وَإِنْ قَدِمَ، وَقَبِلَ فَلَهُ مَا مَضَى قَالَ أَبُو يُوسُفَ رَجُلٌ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِرَجُلٍ، وَقَالَ إنْ أَبَى فَهُوَ لِفُلَانٍ فَمَاتَ الْمُوصَى لَهُ الْأَوَّلُ أَوْ لَمْ يَأْبَ فَالثُّلُثُ لِلْأَوَّلِ، وَلَوْ أَبَى كَانَ لِلْآخَرِ، وَلَوْ قَالَ ثُلُثِي وَصِيَّةٌ لِفُلَانٍ فَإِنْ لَمْ يَشَأْ ذَلِكَ فَلِفُلَانٍ فَهُوَ مِثْلُ الْأَوَّلِ، وَلَوْ قَالَ ثُلُثِي وَصِيَّةٌ لِفُلَانٍ إنْ شَاءَ، وَإِنْ أَبَى فَهُوَ لِفُلَانٍ فَمَاتَ الْمُوصَى لَهُ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِشَيْءٍ فَالثُّلُثُ مَرْدُودٌ عَلَى الْوَرَثَةِ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَجُلٌ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِوَصِيَّةٍ، وَقَالَ إنْ لَمْ يَقْبَلْ فُلَانٌ مَا أَوْصَيْتُ لَهُ بِهِ أَوْ قَالَ إنْ رَدَّ فُلَانٌ مَا أَوْصَيْتُ بِهِ فَهُوَ لِفُلَانٍ فَإِذَا الْمُوصَى لَهُ الْأَوَّلُ حَيًّا أَوْ كَانَ حَيًّا فَمَاتَ قَبْلَ الْمُوصِي، وَلَمْ يَعْلَمْ بِالْوَصِيَّةِ قَالَ هِيَ لِلثَّانِي كُلُّهَا قَالَ إنْ أَسْلَمَتْ جَارِيَتِي هَذِهِ فَأَعْتِقُوهَا فَبَاعُوهَا قَبْلَ أَنْ تُسْلِمَ ثُمَّ أَسْلَمَتْ بَعْدَ مُضِيِّ الْبَيْعِ صَحَّ وَلَا تُرَدُّ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا قَالَ أَوْصَيْتُ أَنْ يَخْدُمَ عَبْدِي فُلَانًا سَنَةً ثُمَّ هُوَ لِفُلَانٍ فَقَالَ فُلَانٌ لَا أَقْبَلُ الْوَصِيَّةَ قَالَ يَخْدُمُ الْوَرَثَةَ سَنَةً ثُمَّ الْمُوصَى لَهُ وَلَا تَبْطُلُ وَصِيَّتُهُ لِلثَّانِي بِإِبَاءِ الْأَوَّلِ الْخِدْمَةَ قَالَ أَعْطُوهُ فُلَانًا بَعْدَ السَّنَةِ فَإِنْ مَاتَ فُلَانٌ خَدَمَ تَمَامَ السَّنَةِ لِلْوَرَثَةِ ثُمَّ يُدْفَعُ إلَى الْمُوصَى لَهُ بَعْدَ تَمَامِ السَّنَةِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هَذِهِ وَصِيَّةٌ فِيهَا يَمِينٌ، وَلَيْسَتْ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى كَهَذِهِ إبْرَاهِيمُ بْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ أَرْضِي الَّتِي فِي مَوْضِعِ كَذَا، وَغُلَامِي فُلَانٌ لِأُمِّ وَلَدِهِ فَيَصِيرُ مِيرَاثًا مِنْهَا ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَوْصَى أَنْ يُنْفَقَ عَلَى أُمِّ وَلَدِهِ مَا قَامَتْ عَلَى وَلَدِهَا، وَقَالَ إنْ تَزَوَّجَتْ فَلَا شَيْءَ لَهَا فَتَزَوَّجَتْ، وَطَلَّقَهَا زَوْجُهَا فَرَجَعَتْ إلَى وَلَدِهَا لَمْ يُرَدَّ عَلَيْهَا مَا كَانَ أَوْصَى بِهِ لَهَا، وَقَدْ بَطَلَ، وَكَذَلِكَ إنْ خَرَجَتْ مِنْ بِلَادِهَا إلَى بِلَادٍ أُخْرَى، وَلَوْ خَرَجَتْ مِنْ دَارِهَا أَوْ جَاءَ مِنْهَا شَيْءٌ يُعْرَفُ أَنَّهَا قَدْ تَرَكَتْهُمْ، وَلَمْ تَقُمْ عَلَيْهِمْ فَلَا هَذِهِ الدَّارُ لَك عَلَى أَنْ تَحُجَّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ قَالَ هَذِهِ الدَّابَّةُ لَك عَلَى أَنْ تَغْزُوَا عَلَيْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هِيَ لَهُ، وَلَهُ أَنْ يَصْنَعَ بِهَا مَا شَاءَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَجُلٌ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 461 لِرَجُلٍ، وَشَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ يَقْضِيَ دَيْنَهُ مَعْنَاهُ شَرَطَ الْمُوصِي عَلَى الْمُوصَى لَهُ أَنْ يَقْضِيَ دَيْنَ الْمُوصِي فَهَذَا عَلَى وُجُوهٍ إنْ كَانَ الدَّيْنُ مَجْهُولًا أَوْ كَانَ مَعْلُومًا إلَّا أَنَّ الثُّلُثَ مَجْهُولٌ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مَعْلُومًا، وَالثُّلُثُ مَعْلُومًا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الثُّلُثِ ذَهَبٌ وَلَا فِضَّةٌ فَهُوَ جَائِزٌ، وَيَجِبُ لَهُ الثُّلُثُ بِالدَّيْنِ إذَا قَبِلَ كَمَا يَجِبُ فِي الْبَيْعِ، وَإِنْ كَانَ فِي الثُّلُثِ دَرَاهِمُ إنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ فَإِنَّ هَذَا لَا يَجُوزُ مِنْ قَبِيلِ أَنَّ هَذَا بَيْعُ دَرَاهِمَ بِدَرَاهِمَ، وَفَضْلُ عُرُوضٍ سِوَى ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ الدَّرَاهِمُ الَّتِي فِي الثُّلُثِ أَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ جَازَ فَإِنْ قَبَضَ الثُّلُثَ سَاعَةَ يَمُوتُ أَوْ قَبَضَ الدَّرَاهِمَ الَّتِي فِي الثُّلُثِ سَاعَةَ يَمُوتُ، وَقَضَى الدَّيْنَ سَاعَتَهُ انْتَقَصَ ذَلِكَ فِي الدَّرَاهِمِ مَا يَخُصُّهُ. وَجَازَ فِي الْعُرُوضِ أَوْصَى بِأَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنْ يَقْضِيَ عَنْهُ فُلَانًا خَمْسَمِائَةٍ لَا يَجُوزُ، وَلَوْ قَالَ عَلَى أَنْ يَقْضِيَ عَنْهُ فُلَانًا مِنْهَا خَمْسَمِائَةٍ جَازَ الْعَلَاءُ فِي نَوَادِرِ هِشَامٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا قَالَ إذَا مِتّ، وَهَذَانِ الْعَبْدَانِ فِي مِلْكِي فَهُمَا وَصِيَّةٌ لِفُلَانٍ فَمَاتَ أَحَدُ الْعَبْدَيْنِ ثُمَّ مَاتَ الْمُوصِي، وَالثَّانِي فِي مِلْكِهِ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ، وَلَوْ قَالَ إنْ مِتّ وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ حَيَّانِ فَهَذَا الْعَبْدُ وَصِيَّةٌ لَهُمَا فَمَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي فَإِنَّ الثَّانِي مِنْهُمَا يُعْطَى نِصْفَ الْعَبْدِ قَالَ وَإِذَا أَوْصَى رَجُلٌ لِأَمَتِهِ أَنْ تُعْتَقَ عَلَى أَنْ تَتَزَوَّجَ ثُمَّ مَاتَ الْمُوصِي فَقَالَتْ الْأَمَةُ لَا أَتَزَوَّجُ فَإِنَّهَا تَعْتِقُ، وَيَجِبُ أَنْ يَعْلَمَ بِأَنَّ الْمُوصِي مَتَى عَلَّقَ عِتْقَ مَمْلُوكِهِ بِشَيْءٍ بَعْدَ مَوْتِهِ فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْ وَجْهَيْنِ أَنْ يُعَلِّقَهُ عَلَى فِعْلٍ غَيْرِ مُؤَقَّتٍ بِأَنْ قَالَ هِيَ حُرَّةٌ إنْ ثَبَتَتْ عَلَى الْإِسْلَامِ بَعْدَ مَوْتِي أَوْ أَوْصَى أَنْ يَعْتِقُوهَا بَعْدَ مَوْتِهِ عَلَى أَنْ لَا تَتَزَوَّجَ أَوْ قَالَ هِيَ حُرَّةٌ بَعْدَ مَوْتِي إنْ لَمْ تَتَزَوَّجْ أَوْ عَلَّقَ عِتْقَهُ عَلَى فِعْلٍ مُؤَقَّتٍ بِأَنْ قَالَ إنْ مَكَثَتْ مَعَ وَلَدِي شَهْرًا فَهِيَ حُرَّةٌ أَوْ قَالَ أَعْتِقُوهُ إنْ لَمْ يَتَزَوَّجْ شَهْرًا فَإِنْ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِالثَّبَاتِ عَلَى فِعْلٍ غَيْرِ مُؤَقَّتٍ حَالَ حَيَاتِهِ بِأَنْ قَالَ لِمَمْلُوكِهِ حَالَ حَيَاتِهِ إنْ ثَبَتَ مَعَ وَلَدِي أَوْ فِي هَذِهِ الدَّارِ شَهْرًا فَأَنْت حُرَّةٌ فَثَبَتَتْ سَاعَةً عَتَقَتْ، وَكَذَا إذَا عَلَّقَ عِتْقَهُ بِالثَّبَاتِ عَلَى فِعْلٍ غَيْرِ مُؤَقَّتٍ بِأَنْ أَوْصَى بِأَنْ يُعْتِقُوهَا عَلَى أَنْ لَا تَتَزَوَّجَ أَوْ قَالَ إنْ لَمْ تَتَزَوَّجْ إذَا قَالَتْ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى لَا أَتَزَوَّجُ فَإِنَّهَا تُعْتَقُ إذَا كَانَتْ تَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ هَكَذَا وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ إذَا لَمْ تَتَزَوَّجْ يَوْمًا أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ لَهَا صَحِيحَةٌ فَإِنْ تَزَوَّجَتْ بَعْدَ ذَلِكَ صَحَّ نِكَاحُهَا وَلَا يَبْطُلُ عِتْقُهَا، وَوَصِيَّتُهَا وَلَا يَلْزَمُهَا السِّعَايَةُ فِي شَيْءٍ لِلْوَرَثَةِ، وَهَذَا قَوْلُ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ قَالَ أَوْصَى لِأُمِّ وَلَدِهِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنْ تَتَزَوَّجَ أَوْ قَالَ إنْ لَمْ تَتَزَوَّجْ إنْ قَالَتْ لَا أَتَزَوَّجُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي فَإِنَّهُ يُعْطِي لَهَا وَصِيَّتَهَا فَإِنْ تَزَوَّجَتْ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَسْتَرِدُّ الْأَلْفَ مِنْهَا، وَلَوْ قَالَ مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ شَهْرًا فَهُوَ عَلَى مَا قَالَ لَا تَسْتَحِقُّ وَصِيَّتَهَا مَا لَمْ تَتْرُكْ التَّزَوُّجَ شَهْرًا، وَإِذَا تَزَوَّجَتْ قَبْلَ مُضِيِّ الشَّهْرِ تَبْطُلُ وَصِيَّتُهَا أَوْصَى لَهَا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنْ تَثْبُتَ مَعَ وَلَدِهَا فَمَكَثَتْ مَعَ وَلَدِهَا سَاعَةً اسْتَحَقَّتْ الْوَصِيَّةِ قَالَ وَإِذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِخَادِمِهِ عَلَى أَنْ يُقِيمَ مَعَ ابْنَتِهِ، وَمَعَ ابْنِهِ حَتَّى يَسْتَغْنِيَا ثُمَّ هِيَ حُرَّةٌ فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ فَإِمَّا كَانَا كَبِيرَيْنِ أَوْ كَانَا صَغِيرَيْنِ فَإِنْ كَانَا كَبِيرَيْنِ فَإِنَّهَا تَخْدُمُ الِابْنَةَ حَتَّى تَتَزَوَّجَ، وَتَخْدُمُ الِابْنَ حَتَّى يَتَأَهَّلَ أَوْ يَجِدَ مَا يَشْتَرِي بِهِ خَادِمًا يَخْدُمُهُ فَيَسْتَغْنِي عَنْ خِدْمَتِهَا، وَإِنْ كَانَا صَغِيرَيْنِ تَخْدُمُهُمَا حَتَّى يَبْلُغَا، وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ مَاتَا جَمِيعًا قَبْلَ أَنْ يَسْتَغْنِيَا فَإِنَّ الْجَارِيَةَ لَا تَعْتِقُ، وَتَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ قَالَ إذَا أَوْصَى لَهَا بِالْعِتْقِ عَلَى أَنْ تَتَزَوَّجَ فُلَانًا بِعَيْنِهِ فَقَالَتْ أَفْعَلُ تَعْتِقُ مِنْ ثُلُثِهِ، وَبَعْدَ هَذَا إذَا أَبَتْ أَنْ تُزَوِّجَ نَفْسَهَا مِنْ فُلَانٍ، وَفُلَانٌ أَجْنَبِيٌّ لَا شَيْءَ عَلَيْهَا قَالَ وَلَوْ أَوْصَى بِعِتْقِ عَبْدٍ لَهُ عَلَى أَنْ لَا يُفَارِقَ وَارِثَهُ أَبَدًا، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِهِ وَبَطَلَتْ وَصِيَّتُهُ وَبِيعَ فِي الدَّيْنِ. وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُؤَلِّفُ لِبَيَانِ مَا يَدْخُلُ فِي الْوَصِيَّةِ بِطَرِيقِ التَّبَعِ وَمَا لَا يَدْخُلُ قَالَ مُحَمَّدٌ الْوَلَدُ وَالْكَسْبُ إذَا وُلِدَا قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي فَإِنَّهُمَا لَا يَدْخُلَانِ تَحْتَ الْوَصِيَّةِ سَوَاءٌ كَانَا يَخْرُجَانِ مِنْ الثُّلُثِ أَوْ لَا يَخْرُجَانِ فَأَمَّا إذَا حَدَثَ الْوَلَدُ، وَالْكَسْبُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي إنْ حَدَثَا يَوْمَ الْقِسْمَةِ وَالتَّسْلِيمِ لَا يَدْخُلَانِ تَحْتَ الْوَصِيَّةِ وَلَا يُسَلَّمَانِ لِلْمُوصَى لَهُ بِحُكْمِ الْوَصِيَّةِ حَتَّى لَا يُعْتَبَرَ فِيهَا الثُّلُثُ وَالثُّلُثَانِ فَأَمَّا إذَا حَدَثَ الْوَلَدُ، وَالْكَسْبُ قَبْلَ قَبُولِ الْمُوصَى لَهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَالتَّسْلِيمِ هَلْ يَصِيرُ مُوصًى بِهِ حَتَّى يُعْتَبَرَ خُرُوجُهُ مِنْ الثُّلُثِ أَوْ لَا يُجْعَلُ مُوصًى بِهِ حَتَّى لَا يَكُونَ لِلْمُوصَى لَهُ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ الثُّلُثِ لَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ هَذَا فِي شَيْءٍ مِنْ الْكُتُبِ نَصًّا، وَقَدْ اخْتَلَفَ فِيهِ الْمَشَايِخُ الْمُتَأَخِّرُونَ ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ مُوصًى بِهِ حَتَّى لَا يُعْتَبَرَ خُرُوجُهُ مِنْ الثُّلُثِ، وَكَانَ لِلْمُوصَى لَهُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ كَمَا لَوْ حَدَثَ بَعْدَ الْقِسْمَةِ وَالتَّسْلِيمِ، وَمَشَايِخُنَا قَالُوا بِأَنَّهُ يَصِيرُ مُوصًى بِهِ حَتَّى لَا يُعْتَبَرَ خُرُوجُهُ مِنْ الثُّلُثِ كَمَا لَوْ وُجِدَ قَبْلَ الْقَبُولِ، وَفِي نَوَادِرِ إبْرَاهِيمَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِحَائِطٍ فَهُوَ بِأَرْضِهِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 462 كُلُّهُ وَصِيَّةٌ، وَلَوْ أَوْصَى بِنَخْلَةٍ فَهُوَ عَلَى النَّخْلَةِ دُونَ الْأَرْضِ قَالَ إنَّمَا تُسَمَّى نَخْلَةً، وَهِيَ مَقْطُوعَةٌ، وَهَذَا فِي عُرْفِهِمْ، وَفِي عُرْفِنَا تُسَمَّى نَخْلَةً، وَهِيَ قَائِمَةٌ أَيْضًا فَعَلَيْهِ تَدْخُلُ أَرْضُهَا، وَفِي نَوَادِرِ الْمُعَلَّى عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِنَخْلٍ كَثِيرٍ أَوْ نَخْلَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ وَهَبَ أَوْ تَصَدَّقَ أَوْ بَاعَ فَلَهُ مَا عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ، وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِكَرْمٍ أَوْ بُسْتَانٍ أَوْ جُمَّةٍ فَلَهُ ذَلِكَ بِأَصْلِهِ وَلَا يُشْبِهُهُ هَذِهِ النَّخْلَةُ، وَذَكَرَ الْمُعَلَّى عَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا أَوْصَى بِنَخْلَةٍ لِإِنْسَانٍ، وَلِآخَرَ بِثَمَرِهَا فَالْوَصِيَّةُ جَائِزَةٌ، وَالنَّخْلُ لِلْمُوصَى لَهُ بِالنَّخْلِ بِأَصْلِهِ وَأَرْضِهِ، وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ إذَا أَوْصَى بِزِقِّ زَيْتٍ فَهُوَ عَلَى الزِّقِّ دُونَ الزَّيْتِ، وَلَوْ قَالَ بِزِقِّ الزَّيْتِ فَهُوَ عَلَى الزِّقِّ وَحْدَهُ، وَلَوْ بِسَفِينَةِ الطَّعَامِ فَهُوَ عَلَى السَّفِينَةِ. وَكَذَلِكَ عَلَى هَذِهِ الْوُجُوهِ فِي رِوَايَةِ الْمَاءِ، وَقَوْصَرَّةُ التَّمْرِ، وَلَوْ أَوْصَى لِأَحَدٍ بِمِيزَانٍ فَهُوَ عَلَى الْعَمُودِ وَالْكِفَّتَيْنِ وَالْخُيُوطِ وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ السِّنْجَاتُ وَالْغِلَافُ، وَهَذَا إذَا كَانَ بِغَيْرِ عَيْنِهِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ بِعَيْنِهِ دَخَلَ فِيهِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِالْمِيزَانِ فَلَهُ الْكِفَّتَانِ، وَالْعَمُودُ وَلَا يَكُونُ لَهُ السِّنْجَاتُ، وَأَمَّا الْقَبَّانُ فَهُوَ لَهُ بِرُمَّانَتِهِ وَكِفَّتِهِ، وَذَكَرَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ فِي كِتَابِ الِاخْتِلَافِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِسَيْفٍ فَلَهُ النَّصْلُ دُونَ الْجَفْنِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعَنْهُ أَنَّ لَهُ السَّيْفَ مَعَ جَفْنِهِ، وَرِوَايَةُ ابْنِ سِمَاعَةَ مُوَافِقَةٌ لِرِوَايَةِ الْأَصْلِ، وَلَوْ أَوْصَى بِمُصْحَفٍ وَلَهُ غِلَافٌ فَلَهُ الْمُصْحَفُ دُونَ الْغِلَافِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَفِي الْبَقَّالِيِّ لَهُ بِقُبَّةٍ تُرْكِيَّةٍ فَهُوَ لَهُ بالآله فَلَوْ أَوْصَى بِخَمْلَةٍ فَلَهُ الْكِسْوَةُ دُونَ الْعِيدَانِ، وَفِيهِ أَيْضًا عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِسَرْجٍ فَكُلُّ شَيْءٍ عَلِقَ بِهِ وَحَرَزَ فِيهِ فَهُوَ لَهُ وَلَا يَكُونُ لَهُ غَيْرُهُ، وَذَكَرَ الْحَسَنُ فِي كِتَابِ الِاخْتِلَافِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الْوَصِيَّةِ بِالسَّرْجِ أَنَّ لَهُ الدَّوْفَتَيْنِ وَالرِّكَابَيْنِ وَالْمَرَّةُ لَا يَكُونُ لِلْيَدِ وَالرِّفَادَةِ والصِّنْقَةِ، وَذَكَرَ إبْرَاهِيمُ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي رَجُلٍ مَاتَ فَأَعْتَقَ عَبْدَهُ قَالَ لَهُ كِسْوَتُهُ وَمِنْطَقَتُهُ، وَإِنْ قَالَ مَتَاعُهُ يَدْخُلُ فِيهِ سَيْفُهُ وَمِنْطَقَتُهُ قَالَ مُحَمَّدٌ هِيَ وَصِيَّةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ لِغُلَامِهِ، وَفِي نَوَادِرِ بِشْرٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِشَاةٍ مِنْ غَنَمِهِ وَلَمْ يَقُلْ مِنْ غَنَمِي هَذِهِ فَأَعْطَى الْوَرَثَةُ الْمُوصَى لَهُ شَاةً قَدْ وَلَدَتْ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي قَالَ لَا يَتْبَعُهَا وَلَدُهَا، وَلَوْ قَالَ أَوْصَيْتُ لِفُلَانٍ بِشَاةٍ مِنْ غَنَمِي هَذِهِ فَأَعْطَوْهُ شَاةً قَدْ وَلَدَتْ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وَلَدًا قَالَ يَتْبَعُهَا وَلَدُهَا، وَلَوْ اسْتَهْلَكَ الْوَارِثُ الْوَلَدَ قَبْلَ أَنْ يُعْطِيَ الشَّاةَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَوْصَى لَهُ بِنَخْلَةٍ بِأَصْلِهَا، وَلَمْ يَقُلْ مِنْ نَخْلِي هَذَا فَهِيَ مِثْلُ الشَّاةِ الَّتِي أَوْصَى بِهَا، وَيُعْطُونَهُ أَيَّ نَخْلَةٍ شَاءُوا دُونَ ثَمَرَتِهَا الَّتِي أَثْمَرَتْهَا فِي حَيَاةِ الْمُوصِي أَوْ بَعْدَ وَفَاتِهِ، وَإِنْ كَانُوا اسْتَهْلَكُوا ذَلِكَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ، وَمِمَّا يَتَّصِلُ بِهَذَا الْفَصْلِ مَا إذَا أَوْصَى أَنْ تَعْتِقَ جَارِيَتُهُ هَذِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَمَاتَ فَقَبْلَ أَنْ تَعْتِقَ وَلَدَتْ وَلَدًا فَهِيَ مَعَ وَلَدِهَا يَخْرُجَانِ مِنْ الثُّلُثِ عَتَقَتْ الْجَارِيَةُ، وَلَمْ يَعْتِقْ الْوَلَدُ، وَكَذَا لَوْ أَوْصَى بِأَنْ تُكَاتَبَ هَذِهِ الْجَارِيَةُ بَعْدَ مَوْتِهِ أَوْ أَوْصَى أَنْ تُبَاع هِيَ مِنْ نَفْسِهَا أَوْ تَعْتِقَ عَلَى مَالٍ فَوَلَدَتْ وَلَدًا بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي لَا تَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ فِي الْوَلَدِ، وَلَوْ أَوْصَى أَنْ يُتَصَدَّقَ بِجَارِيَتِهِ هَذِهِ عَلَى الْمَسَاكِينِ أَوْ عَلَى فُلَانٍ أَوْ تُوهَبَ مِنْ فُلَانٍ فَوَلَدَتْ وَلَدًا بَعْدَ مَوْتِهِ فَتَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ فِي الْوَلَدِ كَمَا تَنْفُذُ فِي الْجَارِيَةِ، وَلَوْ أَوْصَى بِأَنْ تُبَاع جَارِيَتُهُ هَذِهِ مِنْ فُلَانٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَوَلَدَتْ وَلَدًا بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي بِيعَتْ هِيَ وَلَا يُبَاعُ وَلَدُهَا، وَلَوْ أَوْصَى بِأَنْ تُبَاع جَارِيَتُهُ هَذِهِ، وَيُتَصَدَّقُ بِثَمَنِهَا عَلَى الْمَسَاكِينِ أَوْ عَلَى فُلَانٍ فَوَلَدَتْ الْجَارِيَةُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَلَدًا فَإِنَّهُ تَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ فِي الْوَلَدِ، وَلَوْ أَوْصَى بِأَنْ تُبَاعَ جَارِيَتُهُ هَذِهِ مِنْ فُلَانٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَجَاءَ عَبْدٌ وَقَتَلَهَا فَدَفَعَ بِهَا أَوْ قَطَعَ يَدَهَا فَدَفَعَ بِيَدِهَا أَوْ وَطِئَهَا وَطْئًا بِشُبْهَةٍ حَتَّى غَرِمَ الْعُقْرَ فَإِنَّهُ لَا يُبَاعُ الْعَبْدُ الْمَدْفُوعُ وَلَا الْأَرْشُ وَلَا الْعُقْرُ فَبَعْدَ ذَلِكَ يُنْظَرُ إنْ كَانَتْ قَدْ قُتِلَتْ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ لِفِقْدَانِ مَحِلِّهَا، وَإِنْ كَانَتْ قَدْ قُطِعَتْ يَدُهَا بِيعَتْ مِنْ الْمُوصَى لَهُ بِنِصْفِ الثَّمَنِ إنْ شَاءَ، وَلَوْ وُطِئَتْ، وَهِيَ ثَيِّبٌ لَمْ يُنْقِصْهَا الْوَطْءُ لَا يُحَطُّ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ، وَكَذَلِكَ إذَا تَلِفَتْ عَيْنُهَا أَوْ يَدُهَا بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ بِيعَتْ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ الْمُشْتَرَى إلَّا إذَا صَارَتْ إلَيْهِ أَصْلًا فَصَارَ لَهُ حِصَّتُهُ مِنْ الثَّمَنِ، وَلَوْ أَوْصَى بِأَنْ تُبَاعَ جَارِيَتُهُ هَذِهِ مِنْ فُلَانٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، وَيُتَصَدَّقُ بِثَمَنِهَا عَلَى الْمَسَاكِينٍ فَأَبَى فُلَانٌ الْبَيْعَ بَطَلَتْ الْوَصِيَّتَانِ جَمِيعًا، وَكَذَلِكَ لَوْ قُتِلَتْ الْجَارِيَةُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي، وَغَرِمَ الْقَاتِلُ قِيمَتَهَا بَطَلَتْ الْوَصِيَّتَانِ، وَكَذَلِكَ إذَا أَوْصَى أَنْ تُكَاتَبَ جَارِيَتُهُ، وَيُتَصَدَّقَ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ أَوْ تُبَاعُ مِنْ نَفْسِهَا، وَيُتَصَدَّقُ بِثَمَنِهَا عَلَى الْمَسَاكِينٍ فَوَلَدَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ وَلَدًا بِيعَتْ هِيَ وَحْدَهَا، وَلَمْ يُبَعْ مَعَهَا وَلَدُهَا. وَأَمَّا بَيَانُ الْأَلْفَاظِ الَّتِي تَكُونُ وَصِيَّةً، وَاَلَّتِي لَا تَكُونُ وَصِيَّةً رَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ فِي نَوَادِرِهِ عَنْ مُحَمَّدٍ إذَا قَالَ الرَّجُلُ اشْهَدُوا أَنِّي أَوْصَيْت الجزء: 8 ¦ الصفحة: 463 لِفُلَانٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، وَأَوْصَيْت أَنَّ لِفُلَانٍ فِي مَالِي أَلْفَ دِرْهَمٍ فَالْأَلْفُ الْأُولَى وَصِيَّةٌ، وَالْأُخْرَى إقْرَارٌ، وَالْفَرْقُ أَنَّ أَوْصَيْت لَمَّا دَخَلَتْ عَلَى أَنَّ الْمَصْدَرِيَّةَ تُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى ذَكَرْتُ، وَلِهَذَا كَانَ إقْرَارًا بِخِلَافِ الْأُولَى فَإِنَّهَا عَلَى بَابِهَا. وَفِي الْأَصْلِ إذَا قَالَ فِي وَصِيَّتِهِ سُدُسُ دَارِي لِفُلَانٍ وَإِنِّي أُجِيزُ ذَلِكَ يَكُونُ وَصِيَّةً، وَلَوْ قَالَ سُدُسٌ فِي دَارِي لِفُلَانٍ وَإِنِّي أُجِيزُ ذَلِكَ يَكُونُ وَصِيَّةً، وَلَوْ قَالَ لِفُلَانٍ سُدُسٌ فِي دَارِي فَإِنَّهُ يَكُونُ إقْرَارًا، وَعَلَى هَذَا إذَا قَالَ الرَّجُلُ لِفُلَانٍ دِرْهَمٌ مِنْ مَالِي يَكُونُ وَصِيَّةً اسْتِحْسَانًا، وَإِنْ كَانَ فِي ذِكْرِ وَصِيَّتِهِ إذَا قَالَ فِي مَالِي كَانَ إقْرَارًا، وَإِذَا قَالَ عَبْدِي هَذَا لِفُلَانٍ، وَدَارِي هَذِهِ لِفُلَانٍ، وَلَمْ يَقُلْ وَصِيَّةٌ وَلَا كَانَ فِي ذِكْرِ وَصِيَّةٍ وَلَا بَعْدَ مَوْتِي كَانَتْ هِبَةً قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا، وَإِنْ قَبَضَهَا فِي حَالِ حَيَاتِهِ صَحَّ، وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْهَا حَتَّى مَاتَ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ ذَكَرَهَا فِي خِلَالِ الْوَصِيَّةِ ذَكَرَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الزَّاهِدُ أَحْمَدُ الطَّوَاوِيسِيُّ فِي شَرْحِ وَصَايَا الْأَصْلِ الْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ هَذَا وَصِيَّةً، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا يَكُونُ وَصِيَّةً، وَإِذَا قَالَ أَوْصَيْتُ أَنْ يُوهَبَ لِفُلَانٍ سُدُسُ دَارِي بَعْدَ مَوْتِي كَانَ ذَلِكَ وَصِيَّةً عَمَلًا بِقَوْلِهِ بَعْدَ مَوْتِي فَالْهِبَةُ بَعْدَ الْمَوْتِ هِيَ الْوَصِيَّةُ فَتَصِحُّ مَعَ الشُّيُوعِ وَلَا يُشْتَرَطُ قَبْضُهُ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي، وَلَوْ قَالَ ثُلُثَيْ مَالِي لِفُلَانٍ أَوْ قَالَ سُدُسُ مَالِي لِفُلَانٍ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ فَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ هَذَا بَاطِلًا، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَكُونُ وَصِيَّةً جَائِزَةً، وَتَأْوِيلُهُ إذَا قَالَ ذَلِكَ فِي خِلَالِ الْوَصَايَا يَكُونُ وَصِيَّةً ظَاهِرَةً فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ ثُلُثُ مَالِي وَصِيَّةٌ لِفُلَانٍ، وَلَوْ قَالَ هَكَذَا فَإِنَّهُ جَائِزٌ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ بَعْدَ مَوْتِي لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ بَعْدَ مَوْتِي فَإِنَّهُ نَصَّ عَلَى الْوَصِيَّةِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ فِي صِحَّتِهِ ثُلُثُ مَالِي لِفُلَانٍ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِالْوَصِيَّةِ وَلَا ذَكَرَهَا فِي خِلَالِ الْوَصَايَا وَلَا إضَافَةً إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ فَلَا يُجْعَلُ وَصِيَّةً بَلْ يُجْعَلُ هِبَةً حَتَّى لَوْ ذَكَرَهَا فِي خِلَالِ الْوَصَايَا أَوْ إضَافَةً إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي حَالِ الصِّحَّةِ يَكُونُ وَصِيَّةً. وَالْحَاصِلُ لَا فَرْقَ بَيْنَ حَالَةِ الصِّحَّةِ وَحَالَةِ الْمَرَضِ، وَرَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ قَالَ فِي مَرَضِهِ أَوْ فِي صِحَّتِهِ إنْ حَدَثَ لِي حَادِثٌ فَلِفُلَانٍ كَذَا هَذَا وَصِيَّةٌ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لِفُلَانٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ ثُلُثِي فَهَذَا وَصِيَّةٌ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ فِيهَا الْمَوْتَ، وَلَوْ قَالَ لِفُلَانٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ ثُلُثِ مَالِي أَوْ قَالَ مِنْ نِصْفِ مَالِي أَوْ قَالَ مِنْ رُبُعِ مَالِي فَهُوَ بَاطِلٌ، وَفِي الْخَانِيَّةِ قَالَ ذَلِكَ فِي صِحَّتِهِ أَوْ مَرَضِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ عِنْدَ ذِكْرِ الْوَصِيَّةِ، وَفِي فَتَاوَى اللَّيْثِ مَرِيضٌ قَالَ أَخْرِجُوا أَلْفَ دِرْهَمٍ مِنْ مَالِي أَوْ قَالَ أَخْرِجُوا أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا ثُمَّ مَاتَ فَإِنْ قَالَ ذَلِكَ فِي ذِكْرِ الْوَصِيَّةِ جَازَ، وَفِي الْخَانِيَّةِ، وَيُصْرَفُ إلَى الْفُقَرَاءِ رَجُلٌ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ أَلَا تُوصِي فَقَالَ قَدْ أَوْصَيْت بِثُلُثِ مَالِي، وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ حَتَّى مَاتَ يُدْفَعُ كُلُّ السُّدُسِ لِلْفُقَرَاءِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ مَرِيضٌ قَالُوا لَهُ لِمَ لَا تُوصِي فَقَالَ قَدْ أَوْصَيْت بِأَنْ يُخْرَجَ مِنْ ثُلُثِ مَالِي أَلْفَانِ فَيُتَصَدَّقُ بِأَلْفٍ عَلَى الْمَسَاكِينِ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى مَاتَ فَإِذَا ثُلُثُ مَالِهِ أَلْفَانِ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو الْقَاسِمِ يُتَصَدَّقُ بِالْأَلْفِ، وَلَوْ قَالَ الْمَرِيضُ أَوْصَيْت أَنْ يُخْرَجَ ثُلُثُ مَالِي، وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ قَالَ يُتَصَدَّقُ بِجَمِيعِ الثُّلُثِ عَلَى الْفُقَرَاءِ، وَفِي الْمُنْتَقَى إذَا قَالَ إنْ مِتّ مِنْ مَرَضِي هَذَا فَأَمَتِي هَذِهِ حُرَّةٌ وَمَا كَانَ فِي يَدِهَا فَهُوَ عَلَيْهَا صَدَقَةٌ قَالَ أَرَى ذَلِكَ جَائِزًا عَلَى وَجْهِ الصَّدَقَةِ وَمَا كَانَ فِي يَدِهَا يَوْمَ مَاتَ، وَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ أَنَّ هَذَا كَانَ فِي يَدِهَا يَوْمَ مَاتَ، وَلَوْ قَالَ إنْ مِتّ مِنْ مَرَضِي هَذَا فَغِلْمَانِي أَحْرَارٌ، وَيُعْطَى فُلَانٌ مِنْ مَالِي كَذَا وَكَذَا، وَيَحُجُّ عَنِّي ثُمَّ بَرِئَ مِنْ مَرَضِهِ ثُمَّ مَرِضَ ثَانِيًا، وَقَالَ لِلشُّهُودِ الَّذِينَ أَشْهَدَهُمْ عَلَى الْوَصِيَّةِ الْأُولَى أَوْ لِغَيْرِهِمْ اشْهَدُوا أَنِّي عَلَى الْوَصِيَّةِ الْأُولَى. قَالَ مُحَمَّدٌ أَمَّا فِي الْقِيَاسِ هَذَا بَاطِلٌ لِأَنَّهُ قَدْ بَطَلَتْ وَصِيَّتُهُ الْأُولَى حِينَ صَحَّ مِنْ مَرَضِهِ ذَلِكَ لَكِنَّا نَسْتَحْسِنُ فَنُجِيزُ ذَلِكَ مِنْهُ، وَيَتَحَاصُّونَ فِي الثُّلُثِ، وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسُ، وَالِاسْتِحْسَانُ إذَا قَالَ أَوْصَيْت لِعَبْدِ ابْنِهِ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَلِلْمَسَاكِينِ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ ثُمَّ قَالَ إنْ مِتّ مِنْ مَرَضِي هَذَا فَغِلْمَانِي أَحْرَارٌ ثُمَّ بَرِئَ ثُمَّ مَرِضَ ثَانِيًا وَلَوْ قَالَ إنْ لَمْ أَبْرَأْ مِنْ مَرَضِي، وَزَادَ فِي فَتَاوَى الْفَضْلِيِّ أَوْ قَالَ بِالْفَارِسِيَّةِ الدَّيْنُ الدَّيْنُ يَتَمَارَى مِنْ أبدا يَا رين يَتَمَارَى ممن مَرَّ فَحِينَئِذٍ إذَا بَرِئَ تَبْطُلُ وَصِيَّتُهُ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَمَجْمُوعِ النَّوَازِلِ رَجُلٌ قَالَ لِآخَرَ فِي وَصِيَّتِهِ بِالْفَارِسِيَّةِ يَتَمَارَى دارد فِي ربدان مرابصين مِنْ فَقَدْ جَعَلَهُ وَصِيًّا فِي تَرِكَتِهِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ معدهم وممر يَأْمُرهُمْ وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهُ، وَلَوْ قَالَ الْمَرِيضُ عمر كَانَ مِنْ وَرِيدٍ مِنْ تَحَوُّلٍ بَعْدَ أَنْ مَاتَ أَوْ قَالَ مُرُورُ بدان مِنْ أَصَابِعَ فَمَاتَ قَالَ يَصِيرُ وَصِيَّةً، امْرَأَةٌ أَوْصَتْ بِأَشْيَاءَ، وَقَالَ فِي ذَلِكَ حُرّ لسان مِنْ أَمَّا وَكَانَ بِهَا هندان قَالَ مِنْ هَلْ تَصِحُّ هَذِهِ الْوَصِيَّةُ وَمَاذَا يُعْطِي قَالَ هَذِهِ وَصِيَّةٌ لِمَنْ لَيْسَ هُوَ مِنْ جُمْلَةِ أَرْبَابِهَا، وَالتَّقْدِيرُ فِي هَذَا ذَلِكَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 464 لِمَا يُخَاطِبُهُ بِذَلِكَ يُعْطِي مَالَهَا أَقْرِبَاؤُهَا، وَقَدْ يَبْطُلُ اسْمُ التَّذْكِرَةِ الْخَانِيَّةِ مَرِيضٌ أَوْصَى بِوَصَايَا ثُمَّ بَرِئَ مِنْ مَرَضِهِ ذَلِكَ، وَعَاشَ سِنِينَ ثُمَّ مَرِضَ فَوَصَايَاهُ ثَابِتَةٌ إنْ لَمْ يَقُلْ إنْ مِتّ مِنْ مَرَضِي هَذَا أَوْ قَالَ إنْ لَمْ أَبْرَأْ مِنْ مَرَضِي هَذَا فَقَدْ أَوْصَيْت بِكَذَا أَوْ قَالَ بِالْفَارِسِيَّةِ الدمن أرين سماري غَيْر مِنْ فَحِينَئِذٍ إذَا بَرِئَ بَطَلَتْ وَصِيَّتُهُ، وَلَوْ قَالَ أَبْرَأْت غُرَمَائِي، وَلَمْ يُسَمِّهِمْ، وَلَمْ يَنْوِ أَحَدًا مِنْهُمْ بِقَلْبِهِ. قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ رَوَى ابْنُ مُقَاتِلٍ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُمْ لَا يُبْرِئُونَ رَجُلًا لَهُ دَيْنٌ عَلَى رَجُلٍ فَقَالَ الْمَدْيُونُ إذَا مِتّ فَأَنْتَ بَرِيءٌ مِنْ ذَلِكَ الدَّيْنِ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ يَجُوزُ، وَيَكُونُ وَصِيَّةً مِنْ الطَّالِبِ لِلْمَطْلُوبِ، وَفِي النَّوَازِلِ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ فَقَالَ لَهُ الطَّالِبُ إذَا مِتّ فَأَنْت بَرِيءٌ مِنْ ذَلِكَ الدَّيْنِ قَالَ يَجُوزُ، وَتَكُونُ وَصِيَّةً مِنْ الطَّالِبِ لِلْمَطْلُوبِ إذَا مَاتَ، وَإِذَا قَالَ إنْ مِتّ فَأَنْتَ بَرِيءٌ مِنْ ذَلِكَ الدَّيْنِ قَالَ لَا يَبْرَأُ، وَهُوَ مُخَاطَرَةٌ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ بَرِيءُ مِمَّا عَلَيْك، وَفِي الْمُنْتَقَى إذَا قَالَ الرَّجُلُ ضَعُوا ثُلُثِي حَيْثُ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى يُرَدُّ إلَى الْوَرَثَةِ، وَفِي الْخُلَاصَةِ، وَلَوْ قَالَ ثُلُثُ مَالِي حَيْثُمَا يَرَى النَّاسُ أَوْ حَيْثُمَا يَرَى الْمُسْلِمُونَ قِيلَ فِي عُرْفِنَا لَيْسَتْ بِوَصِيَّةٍ، وَفِي الْعُيُونِ إذَا قَالَ اُنْظُرُوا إلَى كُلِّ مَا يَجُوزُ لِي أَنْ يُوصَى بِهِ فَأَعْطُوهُ فَهَذَا عَلَى الثُّلُثِ، وَلَوْ قَالَ اُنْظُرُوا مَا يَجُوزُ لِي أَنْ أُوصِيَ بِهِ فَأَعْطُوهُ فَالْأَمْرُ إلَى الْوَرَثَةِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُوصِيَ بِدِرْهَمٍ وَبِأَكْثَرَ، وَقَوْلُهُ مَا يَجُوزُ لِي كَذَا ذَكَرَهُمَا هَاهُنَا، وَمُرَادُهُ إذَا كَانَتْ الْوَرَثَةُ كِبَارًا كُلُّهُمْ أَمَّا إذَا كَانَ فِيهِمْ صَغِيرٌ أَوْ مَنْ فِي مَعْنَاهُ يُجْعَلُ فِي حَقِّهِ كَانَ الْمُوصِي أَوْصَى بِدِرْهَمٍ لَا غَيْرُ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُتَيَقَّنُ، وَسُئِلَ أَبُو نَصْرٍ عَمَّنْ قَالَ ادْفَعُوا هَذِهِ الدَّرَاهِمَ أَوْ هَذِهِ الثِّيَابَ إلَى فُلَانٍ، وَلَمْ يَقُلْ هِيَ لَهُ قَالَ إنَّ هَذَا بَاطِلٌ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِوَصِيَّةٍ، وَسُئِلَ أَبُو نَصْرٍ الدَّبُوسِيُّ عَمَّنْ قَالَ فِي وَصِيَّتِهِ ثُلُثُ مَالِي وَقْفٌ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا. قَالَ إنْ كَانَ مَالُهُ نَقْدًا يَعْنِي دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَهَذَا الْقَوْلُ مِنْهُ بَاطِلٌ، وَصَارَ كَقَوْلِهِ هَذِهِ الدَّرَاهِمُ وَقْفٌ، وَإِنْ كَانَ مَالُهُ ضِيَاعًا أَوْ نَحْوَهُ صَارَ وَقْفًا عَلَى الْفُقَرَاءِ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَقَدْ قِيلَ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ مَا لَمْ يُبَيِّنْ جِهَةَ الْوَقْفِ، وَلَوْ أَوْصَى رَجُلٌ أَنَّ مَا وُجِدَ مَكْتُوبًا مِنْ وَصِيَّةِ وَالِدِيَّ، وَلَمْ أَكُنْ نَفَّذْتهَا تَنْفُذُ أَوْ أَقَرَّ بِذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ إقْرَارًا فِي مَرَضِهِ قَالُوا هَذِهِ وَصِيَّةٌ إنْ صَدَّقَتْهُ الْوَرَثَةُ بِتَصْدِيقِهِمْ، وَإِنْ كَذَّبُوهُ كَانَ مِنْ الثُّلُثِ بِخِلَافِ الدَّيْنِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ بِخِلَافِ الدَّيْنِ الَّذِي لَا طَالِبَ لَهُ إلَّا اللَّهُ تَعَالَى، وَكَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ الزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَاتِ، وَسُئِلَ مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ عَمَّنْ أَوْصَى أَنْ يُعْطَى لِلنَّاسِ أَلْفَ دِرْهَمٍ قَالَ الْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ، وَلَوْ قَالَ تَصَدَّقُوا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَهُوَ جَائِزٌ، وَيُعْطَى لِلْفُقَرَاءِ، وَفِي الْخُلَاصَةِ لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْت لِلَّهِ لَا يُعْتَقُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ الْوَصِيَّةُ جَائِزَةٌ، وَتُصْرَفُ إلَى وُجُوهِ الْبِرِّ، وَفِي الْخَانِيَّةِ، وَفِي مَسْأَلَةِ الْعِتْقِ إنْ أَرَادَ بِهِ الْعِتْقَ عَتَقَ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ لِلَّهِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ. وَالْوَصِيَّةُ تَارَةً تَكُونُ بِالْأَلْفَاظِ، وَتَارَةً تَكُونُ بِالْإِشَارَةِ الْمُفْهِمَةِ قَالَ فِي فَتَاوَى أَبِي اللَّيْثِ مَرِيضٌ أَوْصَى، وَهُوَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْكَلَامِ لِضَعْفِهِ فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ يُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّهُ يَعْتَمِدُ قَالَ ابْنُ مُقَاتِلٍ تَجُوزُ وَصِيَّتُهُ عِنْدِي وَلَا تَجُوزُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا، وَكَانَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ يَقُولُ إذَا فُهِمَ مِنْهُ الْإِشَارَةُ يَجُوزُ. وَفِي فَتَاوَى أَبِي اللَّيْثِ إذَا كَتَبَ وَصِيَّتَهُ ثُمَّ قَالَ أَنْفِذُوا مَا فِي هَذَا الْكِتَابِ تَنْفُذُ وَصِيَّتُهُ هَكَذَا ذُكِرَ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ هُوَ بَاطِلٌ لِأَنَّ هَذَا يَكُونُ لِلْأَغْنِيَاءِ وَالْفُقَرَاءِ جَمِيعًا، وَلَوْ قَالَ سِتّ ورمر إنْ مرر وَإِنْ كَسَدَ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ جَائِزَةً لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ يُرَادُ بِهِ الْقُرْبَةُ، وَقَالَ الْإِمَامُ عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ السُّغْدِيَّ قَوْلُهُ وَإِنْ كَسَدَ لَيْسَ مِنْ لِسَانِنَا فَلَا أَعْرِفُ هَذَا، وَإِذَا قُرِئَ صَكُّ الْوَصِيَّةِ عَلَى رَجُلٍ فَقِيلَ لَهُ أَهُوَ كَذَا فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ نَعَمْ يَجُوزُ ذَلِكَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْجُحُودُ لَا يَكُونُ رُجُوعًا) يَعْنِي لَوْ جَحَدَ الْوَصِيَّةَ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ رُجُوعًا، وَلَيْسَ هَذَا كَجُحُودِ الْمُوَكِّلِ الْوَكَالَةَ، وَجُحُودِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ، وَجُحُودِ الْمُودِعِ الْوَدِيعَةَ، وَالْمُسْتَأْجَرِينَ فَعَلَى رِوَايَةِ الْجَامِعِ لَا يَكُونُ فَسْخًا، وَعَلَى رِوَايَةِ الْمَبْسُوطِ يَكُونُ فَسْخًا، وَجْهُ رِوَايَةِ الْجَامِعِ أَنَّ الْجُحُودَ كِذْبٌ حَقِيقَةً فَإِنَّهُ قَالَ أَنَا لَمْ أُوصِ، وَيَحْتَمِلُ الْفَسْخُ مَجَازًا لِأَنَّهُمَا يَتَّفِقَانِ فِي الْمَعْنَى الْخَاصِّ لِأَنَّ الْفَسْخَ رَفْعُ الْعَقْدِ مِنْ الْأَصْلِ، وَالْجُحُودُ الْكَذِبُ لَا يَكُونُ رُجُوعًا، وَإِنْ أَرَادَ الْفَسْخَ يُجْعَلْ فَسْخًا لَا كَذِبًا صَوْنًا لِكَلَامِ الْعَاقِلِ عَنْ الْكَذِبِ وَالْفَسَادِ، وَحَمْلًا لِأَمْرِهِ عَلَى الصِّحَّةِ وَالسَّدَادِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَظُنَّنَّ بِكَلِمَةٍ خَرَجَتْ مِنْ أَحَدٍ شَرًّا، وَأَنْتَ تَجِدُ لَهَا مِنْ الْخَيْرِ مَحِلًّا» فَلَا يُجْعَلُ جُحُودُ الْمُوصِي فَسْخًا مِنْهُ لِأَنَّهُ مِمَّنْ يَتَعَوَّدُ بِالْفَسْخِ، وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ أَبُو يُوسُفَ لَوْ أَوْصَى لِرَجُلَيْنِ ثُمَّ رَجَعَ عَنْ إحْدَى الْوَصِيَّتَيْنِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ أَيَّتَهمَا تِلْكَ حَتَّى مَاتَ فَلِلْوَارِثِ أَنْ يُبْطِلَ أَيَّتَهمَا شَاءَ، وَيُمْضِيَ الْأُخْرَى فَإِنْ كَانَ الْوَارِثُ صَغِيرًا فَأَبُو الْوَصِيِّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 465 لَهُ وَصِيٌّ فَالْحَاكِمُ، وَلَوْ أَوْصَى بِأَرْضٍ ثُمَّ حَفَرَهَا فَهَذَا رُجُوعٌ، وَإِنْ زَرَعَ فِيهَا إنْسَانٌ فَهُوَ رُجُوعٌ، وَإِنْ زَرَعَهَا حِنْطَةً فَلَيْسَ بِرُجُوعٍ لِأَنَّ حَفْرَ الْكَرْمِ وَغَرْسَ الْأَشْجَارِ لِلِاسْتِدَامَةِ وَالِاسْتِقْرَارِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُؤَلِّفُ لِلرُّجُوعِ عَنْ بَعْضِ الْوَصِيَّةِ، وَنَحْنُ نَذْكُرُ ذَلِكَ تَتْمِيمًا لِلْفَائِدَةِ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ وَلَوْ قَالَ أَوْصَيْت بِهَذِهِ الْأَلْفِ لِفُلَانٍ فَقَدْ أَوْصَيْت لِفُلَانٍ مِنْهَا بِمِائَةٍ فَلَيْسَ هَذَا بِرُجُوعٍ فَالْمِائَةُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ تِسْعُمِائَةٍ لِلْأَوَّلِ لِأَنَّ عَطْفَ الْوَصِيَّةِ الثَّانِيَةِ عَلَى الْأُولَى فِي الْمِائَةِ، وَالْعَطْفُ يَقْتَضِي الِاشْتِرَاكَ مَعَ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فِيمَا عَطَفَ، وَإِنَّمَا عَطَفَ فِي الْمِائَةِ فَيُوجِبُ الِاشْتِرَاكَ بَيْنَهُمَا فِي الْمِائَةِ، وَلَوْ قَالَ قَدْ أَوْصَيْت لِفُلَانٍ وَفُلَانٍ بِأَلْفٍ إلَّا بِمِائَةٍ لِأَحَدِهِمَا فَالْمِائَةُ لِهَذَا، وَالتِّسْعُمِائَةِ لِلْأَوَّلِ مِنْهُمَا، وَكَذَا هَذَا فِي الْإِقْرَارِ، وَقَدْ مَرَّتْ فِي الْإِقْرَارِ، وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِثُلُثِ مَالِهِ ثُمَّ قَالَ قَدْ أَوْصَيْت لِفُلَانٍ بِمَا أَحَبَّ مِنْ ثُلُثِهِ فَإِنْ أَحَبَّ الثُّلُثَ كُلَّهُ كَانَ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَإِنْ أَحَبَّ كُلَّهُ إلَّا دِرْهَمًا ضُرِبَ لَهُ بِالثُّلُثِ إلَّا دِرْهَمًا لِأَنَّهُ فَوَّضَ إلَى الْأَوَّلِ إرَادَةَ الْوَصِيَّةِ لِلثَّانِي فَمَا أَرَادَهُ الْأَوَّلُ، وَأَحَبَّهُ يَكُونُ لِلثَّانِي إلَّا إذَا أَرَادَ كُلَّهُ يَكُونُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا كَمَا لَوْ أَوْصَى بِالثُّلُثِ لِهَذَا، وَبِالثُّلُثِ لِهَذَا فَيَكُونُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِمَا يَأْتِي فَكَذَا هَذَا،. وَلَوْ قَالَ الْعَبْدُ الَّذِي أَوْصَيْت بِهِ لِفُلَانٍ فَهُوَ لِفُلَانٍ كَانَ رُجُوعًا لِأَنَّ اللَّفْظَ يَدُلُّ عَلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى بِهِ لِرَجُلٍ ثُمَّ أَوْصَى بِهِ لِآخَرَ لِأَنَّ الْمَحِلَّ يَحْتَمِلُ الشَّرِكَةَ، وَاللَّفْظُ صَالِحٌ لَهَا، وَكَذَا إذَا قَالَ بِهَا فَهُوَ لِفُلَانٍ وَارِثِي يَكُونُ رُجُوعًا عَنْ الْأَوَّلِ، وَيَكُونُ وَصِيَّةً لِلْوَارِثِ، وَحُكْمُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ إنْ أَجَازَتْهُ الْوَرَثَةُ، وَلَوْ كَانَ فُلَانٌ الْآخَرُ مَيِّتًا حِينَ أَوْصَى فَالْوَصِيَّةُ الْأُولَى عَلَى حَالِهَا لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ الْأُولَى إنَّمَا تَبْطُلُ ضَرُورَةً كَوْنُهَا لِلثَّانِي فَلَمْ تَكُنْ فَبَقِيَ الْأَوَّلُ عَلَى حَالِهِ، وَلَوْ كَانَ فُلَانٌ حِينَ قَالَ ذَلِكَ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي فَهُوَ لِلْوَارِثِ لِبُطْلَانِ الْوَصِيَّةِ الْأُولَى بِالرُّجُوعِ، وَالثَّانِيَةِ بِالْمَوْتِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَعْضُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ فَرَاجِعْهُ. [بَابُ الْوَصِيَّةِ بِثُلُثِ الْمَالِ] لَمَّا كَانَ أَقْصَى مَا يَدُورُ عَلَيْهِ مَسَائِلُ الْوَصَايَا عِنْدَ عَدَمِ إجَازَةِ الْوَرَثَةِ ثُلُثَ الْمَالِ ذَكَرَ تِلْكَ الْمَسَائِلَ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِهَا فِي هَذَا الْبَابِ بَعْدَ ذِكْرِ مُقَدِّمَاتِ هَذَا الْكِتَابِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَالْغَايَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْصَى لِهَذَا بِثُلُثِ مَالِهِ، وَلِآخَرَ بِثُلُثِ مَالِهِ، وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ فَثُلُثُهُ لَهُمَا) أَيْ إذَا لَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ الْوَصِيَّتَيْنِ كَانَ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ ثُلُثَ الْمَالِ يَضِيقُ عَنْ حَقِّهِمَا إذْ لَا يُزَادُ عَلَيْهِ عِنْدَ عَدَمِ الْإِجَازَةِ، وَقَدْ تَسَاوَيَا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ فَيَسْتَوِيَانِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ، وَالْمَحَلُّ يَقْبَلُ الشَّرِكَةَ فَيَكُونُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِاسْتِوَاءِ حَقِّهِمَا، وَلَمْ يُوجَدْ مَا يَدُلُّ عَلَى الرُّجُوعِ عَنْ الْأَوَّلِ. وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِسَيْفٍ قِيمَتُهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ، وَلِآخَرَ بِسُدُسِ مَالِهِ، وَلَيْسَ لَهُ سِوَى السَّيْفِ وَخَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ نَقْدًا وَعُرُوضِهَا فَمَا فَضَلَ عَلَى سُدُسِ السَّيْفِ فَهُوَ لِصَاحِبِهِ، وَالسُّدُسُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ صَاحِبِ السُّدُسِ نِصْفَانِ، وَلِصَاحِبِ السُّدُسِ سُدُسُ الْخَمْسِمِائَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا السَّيْفُ بَيْنَهُمَا عَلَى سَبْعَةٍ لِصَاحِبِ السُّدُسِ سُبُعُهُ أَمَّا تَخْرِيجُ أَبِي حَنِيفَةَ فَلِأَنَّ الْقِسْمَةَ فِي السَّيْفِ عِنْدَهُ عَلَى سَبِيلِ الْمُنَازَعَةِ لِأَنَّهُ عَيْنٌ شَائِعٌ فَلَا يَكُونُ مُلْحَقًا بِالْمِيرَاثِ فَنَقُولُ اجْتَمَعَ فِي السَّيْفِ وَصِيَّتَانِ وَصِيَّةٌ بِالثُّلُثِ، وَوَصِيَّةٌ بِالسُّدُسِ فَاجْعَلْ السَّيْفَ عَلَى سِتَّةِ أَسْهُمٍ وَلَا مُنَازَعَةَ لِصَاحِبِ السُّدُسِ فِيمَا زَادَ فِيهِ، وَذَلِكَ خَمْسَةُ أَسْهُمٍ تُسَلَّمُ لِلْمُوصَى لَهُ بِلَا مُنَازَعَةٍ بَقِيَ سَهْمٌ اسْتَوَتْ مُنَازَعَتُهُمَا فِيهِ فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَإِنْ كَسَرَهُ بِالنِّصْفِ فَأَضْعَفَ حَتَّى يَزُولَ الْكَسْرُ فَأَمَّا التَّخْرِيجُ لَهُمَا فَلِأَنَّ الْقِسْمَةَ عِنْدَهُمَا عَلَى سَبِيلِ الْعَوْلِ وَالْمُضَارَبَةِ فَيَضْرِبُ الْمُوصَى لَهُ بِالْكُلِّ بِسِتَّةٍ، وَيَضْرِبُ الْمُوصَى لَهُ بِالسُّدُسِ بِسَهْمٍ فَصَارَ السَّيْفُ عَلَى سَبْعَةٍ، وَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِآخَرَ مَعَ هَذَا، وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ فَصَاحِبُ السُّدُسِ فِي الثُّلُثِ بِسُدُسٍ خَمْسُمِائَةٍ وَثُلُثِ سُدُسِ السَّيْفِ، وَصَاحِبُ السَّيْفِ بِخَمْسَةِ أَسْدَاسِ السَّيْفِ إلَّا سُدُسَ سَبْعَةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ فِي السَّيْفِ ثَلَاثُ وَصَايَا وَصِيَّةٌ بِالْكُلِّ، وَوَصِيَّةٌ بِالثُّلُثِ، وَوَصِيَّةٌ بِالسُّدُسِ فَاجْعَلْ السَّيْفَ عَلَى سِتَّةٍ فَلَا مُنَازَعَةَ لِأَحَدٍ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ، وَذَلِكَ أَرْبَعَةٌ فَسَلَّمَ لِصَاحِبِ السَّيْفِ بَقِيَ سَهْمَانِ لَا مُنَازَعَةَ لِصَاحِبِ السُّدُسِ فِيمَا زَادَ عَلَى سَهْمٍ وَاحِدٍ يَدَّعِيهِ صَاحِبُ السَّيْفِ. وَصَاحِبُ الثُّلُثِ فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَانْكَسَرَ الْحِسَابُ بِالنِّصْفِ فَأَضْعَفَ حَتَّى يَزُولَ الْكَسْرُ فَصَارَ السَّيْفُ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ لِصَاحِبِ السَّيْفِ أَرْبَعَةٌ وَنِصْفٌ ضِعْفِيَّةٌ فَصَارَ تِسْعَةً، وَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ نِصْفُ سَهْمٍ ضِعْفِيَّةٌ بَقِيَ سَهْمَانِ اسْتَوَتْ مُنَازَعَةُ الْكُلِّ فِيهِمَا فَيَكُونُ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا فَانْكَسَرَ بِالْأَثْلَاثِ فَاضْرِبْ اثْنَيْ عَشَرَ فِي ثَلَاثَةٍ فَيَصِيرُ سِتَّةً وَثَلَاثِينَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 466 لِصَاحِبِ السَّيْفِ سَبْعَةٌ صَارَتْ مَضْرُوبَةً فِي ثَلَاثَةٍ فَصَارَ لَهُ ثَلَاثَةٌ، وَالْمُنْكَسِرُ سَهْمَانِ ضَرَبْتهمَا فِي ثَلَاثَةٍ فَصَارَتْ سِتَّةً يَسْتَقِيمُ بَيْنَهُمْ لِكُلِّ وَاحِدٍ سَهْمَانِ ثُمَّ اجْعَلْ كُلَّ مِائَةٍ مِنْ الْخَمْسِمِائَةِ عَلَى سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ لِأَنَّ الْقِيمَةَ فِي السَّيْفِ مِائَةٌ، وَقَدْ صَارَ عَلَى سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ فَاضْرِبْ خَمْسَةً فِي سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ فَصَارَ مِائَةً وَثَمَانِينَ فَإِنْ أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ فَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ ثُلُثُهُ، وَذَلِكَ سِتُّونَ، وَلِصَاحِبِ السُّدُسُ سُدُسُهُ، وَذَلِكَ ثَلَاثُونَ فَلِصَاحِبِ السَّيْفِ سُبُعُهُ، وَذَلِكَ سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ فَصَارَ سِهَامُ الْوَصَايَا مِائَةً وَسِتَّةَ عَشَرَ فَإِنْ لَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ يُجْعَلُ الثُّلُثُ عَلَى قَدْرِ سِهَامِ الْوَصَايَا، وَذَلِكَ مِائَةٌ وَسِتَّةَ عَشَرَ، وَجَمِيعُ الْمَالِ ثَلَثُمِائَةٍ وَثَمَانِيَةٌ وَسَبْعُونَ وَالسَّبْعَةُ سُدُسُهُ يَكُونُ ثَلَاثَةً وَسِتِّينَ فَيَدْفَعُ إلَيْهِمْ مِنْ الثُّلُثِ مِثْلَ مَا كَانَ يَدْفَعُ عِنْدَ الْإِجَازَةِ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ فَيَدْفَعُ إلَى صَاحِبِ السَّيْفِ سِتَّةً وَثَلَاثِينَ، وَإِلَى صَاحِبِ الثُّلُثِ سِتِّينَ، وَإِلَى صَاحِبِ السُّدُسِ ثَلَاثِينَ فَحَصَلَ سِهَامُ الْوَصَايَا مِائَةٌ وَسِتَّةٌ مِثْلَ ثُلُثِ الْمَالِ، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا يُقْسَمُ عَلَى سِهَامِ الْعَوْلِ، وَالْمُضَارَبَةِ فَيَضْرِبُ صَاحِبُ السَّيْفِ بِالسَّيْفِ كُلِّهِ، وَذَلِكَ سِتَّةٌ، وَصَاحِبُ الثُّلُثِ بِالثُّلُثِ، وَذَلِكَ سَهْمَانِ. وَصَاحِبُ السُّدُسِ بِسُدُسِ السَّيْفِ، وَذَلِكَ سَهْمٌ فَصَارَ السَّيْفُ عَلَى تِسْعَةٍ، وَلَمَّا صَارَ السَّيْفُ وَقِيمَتُهُ مِائَةً عَلَى تِسْعَةِ أَسْهُمٍ صَارَ كُلُّ مِائَةٍ مِنْ الْخَمْسِمِائَةِ عَلَى سَبْعَةٍ فَيَصِيرُ خَمْسَةً وَأَرْبَعِينَ، وَإِنْ أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ فَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ ثُلُثُهُ، وَذَلِكَ خَمْسَةَ عَشَرَ، وَلِصَاحِبِ السُّدُسِ سُدُسُهُ، وَذَلِكَ سَبْعَةٌ وَنِصْفٌ فَإِنْ كَسَرَ السَّيْفَ فَأَضْعَفَهُ فَصَارَ سَبْعِينَ، وَأَضْعَفَ السَّيْفَ، وَذَلِكَ تِسْعَةٌ فَيَصِيرُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ فَضَمُّ ذَلِكَ تِسْعُونَ فَصَارَ جَمِيعُ الْمَالِ مِائَةً وَثَمَانِيَةً لِصَاحِبِ الثُّلُثِ خَمْسَةَ عَشَرَ أَضْعَفْنَاهُ فَصَارَ لَهُ ثَلَاثُونَ، وَلِصَاحِبِ السُّدُسِ سَبْعٌ وَنِصْفٌ أَضْعَفْنَاهُ فَصَارَ خَمْسَةَ عَشَرَ، وَلِصَاحِبِ السَّيْفِ تِسْعَةٌ أَضْعَفْنَاهُ صَارَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ لَوْ زَادَتْ سِهَامُ الْوَصَايَا عَلَى الثُّلُثِ فَهِيَ لَهُمْ إنْ أَجَازَهُ الْوَرَثَةُ فَإِنْ لَمْ يُجِيزُوا يُقْسَمُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ أَنْصِبَائِهِمْ لَا عَلَى قَدْرِ سِهَامِ الْوَصَايَا فَيَضْرِبُ كُلُّ وَاحِدٍ فِي الثُّلُثِ بِجَمِيعِ حَقِّهِ، وَالْوَصَايَا سُدُسٌ وَثُلُثٌ، وَسُدُسٌ أَيْضًا لِأَنَّ السَّيْفَ سُدُسُ جَمِيعِ الْمَالِ لِأَنَّ قِيمَتَهُ مِائَةٌ، وَجَمِيعُ الْمَالِ سِتُّمِائَةٍ فَيَصِيرُ ثُلُثُ الْمَالِ أَرْبَعَةً سُدُسَانِ وَثُلُثٌ، وَذَلِكَ سَهْمَانِ فَيَصِيرُ جَمِيعُ الْمَالِ اثْنَيْ عَشَرَ سَهْمًا لِصَاحِبِ الثُّلُثِ سَهْمَانِ سُدُسٌ فِي السَّيْفِ، وَخَمْسَةُ أَسْدَاسِهَا فِي بَاقِي الْمَالِ فَانْكَسَرَ بِالْأَسْدَاسِ فَاضْرِبْ أَصْلَ الْفَرِيضَةِ، وَذَلِكَ اثْنَيْ عَشَرَ فِي سِتَّةٍ فَيَصِيرُ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ كَانَ لِصَاحِبِ السَّيْفِ سَهْمٌ فِي سِتَّةٍ فَصَارَ سِتَّةً كُلُّهُ فِي السَّيْفِ، وَكَانَ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ سَهْمَانِ ضَرَبْنَاهُمَا فِي سِتَّةٍ صَارَ اثْنَيْ عَشَرَ سُدُسُهُ فِي السَّيْفِ، وَذَلِكَ سَهْمَانِ، وَالْبَاقِي فِي الْمَالِ فَكَانَ لِصَاحِبِ السُّدُسِ سَهْمٌ ضَرَبْته فِي سِتَّةٍ. وَهِيَ لَهُ سَهْمٌ فِي السَّيْفِ، وَخَمْسَةُ أَسْهُمٍ فِي بَاقِي الْمَالِ فَبَلَغَتْ سِهَامُ الْوَصَايَا أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ، وَذَلِكَ ثُلُثُ جَمِيعِ الْمَالِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَوْصَى لِآخَرَ بِسُدُسِ مَالِهِ فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا) مَعْنَاهُ مَعَ الْوَصِيَّةِ الْأُولَى، وَهِيَ الْوَصِيَّةُ بِثُلُثِ مَالِهِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَسْتَحِقُّ بِسَبَبٍ صَحِيحٍ شَرْعِيٍّ فَضَاقَ الثُّلُثُ عَنْ حَقِّهِمَا إذْ لَا مَزِيدَ لِلْوَصِيَّةِ عَلَى الثُّلُثِ فَيَقْسِمَانِ الثُّلُثَ عَلَى قَدْرِ حَقِّهِمَا فَيُجْعَلُ السُّدُسُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ الْأَقَلُّ فَصَارَ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ لِصَاحِبِ السُّدُسِ سَهْمٌ وَاحِدٌ، وَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ سَهْمَانِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَوْصَى لِأَحَدِهِمَا بِجَمِيعِ مَالِهِ، وَلِآخَرَ بِثُلُثِ مَالِهِ، وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ فَثُلُثُهُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَضْرِبُ الْمُوصَى لَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ إلَّا فِي الْمُحَابَاةِ وَالسِّعَايَةِ وَالدَّرَاهِمِ الْمُرْسَلَةِ) عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا أَرْبَاعًا بَيْنَهُمْ سَهْمٌ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ وَثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ لِصَاحِبِ الْجَمِيعِ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فَيَضْرِبُ الْمُوصَى لَهُ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ لِأَنَّ الْمُوصِي قَصَدَ شَيْئَيْنِ الِاسْتِحْقَاقَ وَالتَّفْصِيلَ وَامْتَنَعَ الِاسْتِحْقَاقُ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ وَلَا مَانِعَ مِنْ التَّفْصِيلِ فَيَثْبُتُ كَمَا فِي السِّعَايَةِ، وَأُخْتَيْهَا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ وَقَعَتْ بِغَيْرِ مَشْرُوعٍ عِنْدَ عَدَمِ الْإِجَازَةِ مِنْ الْوَرَثَةِ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ نَفَاذُهَا بِحَالٍ فَتَبْطُلُ أَصْلًا وَلَا يُعْتَبَرُ الْبَاطِلُ. وَالتَّفْصِيلُ ثَبَتَ فِي ضِمْنِ الِاسْتِحْقَاقِ فَيَبْطُلُ بِبُطْلَانِ الِاسْتِحْقَاقِ كَالْمُحَابَاةِ الثَّابِتَةِ فِي ضِمْنِ الْبَيْعِ فَتَبْطُلُ بِبُطْلَانِ الْبَيْعِ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ بِالدَّرَاهِمِ الْمُرْسَلَةِ، وَأُخْتَيْهَا لِأَنَّ لَهَا نَفَاذًا فِي الْجُمْلَةِ بِدُونِ إجَازَةِ الْوَرَثَةِ بِأَنْ كَانَ فِي الْمَالِ سَعَةٌ فَيُعْتَبَرُ فِيهَا التَّفَاضُلُ فَيَضْرِبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِجَمِيعِ حَقِّهِ لِكَوْنِهِ مَشْرُوعًا، وَلِاحْتِمَالِ أَنْ يَصِلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إلَى جَمِيعِ حَقِّهِ بِأَنْ يَظْهَرَ لَهُ مَالٌ فَيَخْرُجُ الْكُلُّ مِنْ الثُّلُثِ، وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى بِعَيْنٍ مِنْ تَرِكَتِهِ قِيمَتُهَا تَزِيدُ عَلَى الثُّلُثِ فَإِنَّهُ يَضْرِبُ بِالثُّلُثِ، وَإِنْ احْتَمَلَ أَنْ يَزِيدَ الْمَالُ فَيَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ لِأَنَّ هُنَاكَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 467 الْحَقُّ يَتَعَلَّقُ بِعَيْنِ التَّرِكَةِ بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَوْ هَلَكَتْ التَّرِكَةُ، وَاسْتَفَادَ مَالًا آخَرَ تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ، وَفِي الدَّرَاهِمِ الْمُرْسَلَةِ لَوْ هَلَكَتْ الدَّرَاهِمُ تَنْعَقِدُ فِيمَا يُسْتَفَادُ فَلَمْ يَكُنْ مُتَعَلِّقًا بِعَيْنِ مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْوَرَثَةِ، وَهَذَا يُنْتَقَضُ بِالْمُحَابَاةِ فَإِنَّهَا تَعَلَّقَتْ بِالْعَيْنِ مِثْلِهِ، وَمَعَ هَذَا يَضْرِبُ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ، وَقَوْلُ الْمُؤَلِّفِ إلَّا فِي الْمُحَابَاةِ أَيْ فِي ثَلَاثِ مَسَائِلَ أَحَدُهَا الْمُحَابَاةُ وَالثَّانِيَةُ السِّعَايَةُ وَالثَّالِثَةُ الدَّرَاهِمُ الْمُرْسَلَةُ أَيْ الْمُطْلَقَةُ، وَعِنْدَهُمَا الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا أَرْبَاعًا سَهْمٌ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ وَثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ لِصَاحِبِ الْجَمِيعِ فَيَضْرِبُ الْمُوصَى لَهُ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ أُخْتُ الْمِيرَاثِ، وَالْوَارِثُ يَضْرِبُ بِكُلِّ حَقِّهِ فِي التَّرِكَةِ فَكَذَا هَذَا، وَبِهِ قَالَتْ الثَّلَاثَةُ، وَلَهُ أَنَّ الْمُوصَى لَهُ يَضْرِبُ بِمَا يَسْتَحِقُّهُ، وَهُوَ لَا يَسْتَحِقُّ مَا وَرَاءَ الثَّلَاثِ إلَّا بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ، وَلَمْ تُوجَدْ بِخِلَافِ الدَّرَاهِمِ الْمُرْسَلَةِ، وَأُخْتَيْهَا لِأَنَّ لَهَا نَفَاذًا فِي الْجُمْلَةِ بِدُونِ إجَازَةِ الْوَرَثَةِ بِأَنْ كَانَ فِي الْمَالِ سَعَةٌ فَيُعْتَبَرُ فِيهَا التَّفَاضُلُ فَيَضْرِبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِجَمِيعِ حَقِّهِ لِكَوْنِهِ مَشْرُوعًا صُورَةُ الْمُحَابَاةِ أَنْ يَكُونَ عَبْدَانِ قِيمَةُ أَحَدِهِمَا أَلْفٌ وَمِائَةٌ، وَقِيمَةُ الْآخَرِ سِتُّمِائَةٍ، وَأَوْصَى بِأَنْ يُبَاعَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ لِفُلَانٍ، وَلِآخَرَ بِمِائَةٍ لِفُلَانٍ آخَرَ فَقَدْ حَصَلَتْ الْمُحَابَاةُ لِأَحَدِهِمَا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَالْآخَرِ بِخَمْسِمِائَةٍ فَإِنْ خَرَجَ ذَلِكَ مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ أَوْ أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ جَازَ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُمَا أَوْ لَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ جَازَ مُحَابَاتُهُمَا بِقَدْرِ الثُّلُثِ فَيَكُونُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا يَضْرِبُ الْمُوصَى لَهُ بِالْأَلْفِ بِحَسَبِ وَصِيَّتِهِ، وَهِيَ الْأَلْفُ، وَالْمُوصَى لَهُ الْآخَرُ بِحَسَبِ وَصِيَّتِهِ، وَهِيَ خَمْسُمِائَةٍ فَلَوْ كَانَ هَذَا كَسَائِرِ الْوَصَايَا وَجَبَ أَنْ لَا يَضْرِبَ الْمُوصَى لَهُ بِأَلْفٍ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِ بِأَكْثَرَ مِنْ خَمْسِمِائَةٍ وَسِتَّةٍ وَسِتِّينَ وَثُلُثَيْ دِرْهَمٍ لِأَنَّ عِنْدَهُ الْمُوصَى لَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ لَا يَضْرِبُ إلَّا بِالثُّلُثِ، وَهَذَا ثُلُثُ مَالِهِ صُورَةُ السِّعَايَةِ أَنْ يُوصِيَ بِعِتْقِ هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ قِيمَةُ أَحَدِهِمَا أَلْفٌ، وَقِيمَةُ الْآخَرِ أَلْفَانِ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُمَا فَإِنْ أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ يَعْتِقَانِ مَعًا، وَإِنْ لَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ يَعْتِقَانِ مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ وَثُلُثُ مَالِهِ أَلْفٌ الثُّلُثُ الَّذِي قِيمَتُهُ أَلْفٌ فَيَعْتِقُ مِنْهُ هَذَا الْقَدْرُ مَجَّانًا، وَهُوَ ثَلَاثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ، وَالثُّلُثُ الَّذِي قِيمَتُهُ أَلْفَانِ فِي أَلْفٍ، وَخَمْسِمِائَةٍ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ قِيمَتِهِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَضْرِبُ الَّذِي قِيمَتُهُ أَلْفَانِ إلَّا بِأَلْفٍ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ صُورَةُ الدَّرَاهِمِ الْمُرْسَلَةِ أَنْ يُوصِي لِأَحَدِهِمَا بِأَلْفٍ، وَلِآخَرَ بِأَلْفَيْنِ وَثُلُثُ مَالِهِ أَلْفٌ، وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ يَكُونُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا يَضْرِبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِقَدْرِ حِصَّتِهِ فَلِلْمُوصَى لَهُ بِالْأَلْفِ ثُلُثُهُ ثَلَاثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثُ دِرْهَمٍ، وَلِلْمُوصَى لَهُ بِأَلْفَيْنِ صَفْقَةً سِتُّمِائَةٍ وَسِتَّةٌ وَسِتُّونَ وَثُلُثَا دِرْهَمٍ. وَكَانَ قِيَاسُ أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ يَكُونَ الْأَلْفُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ كَذَا فِي الْعَيْنِيِّ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ فَصْلٌ فِي الْبَيْعِ فِي الثُّلُثِ، وَهُوَ عَلَى نَوْعَيْنِ بَيْعٌ لَا مُحَابَاةَ، وَالثَّانِي بَيْعٌ فِيهِ مُحَابَاةٌ، وَإِذَا تَرَكَ عَبْدًا لَا غَيْرُ، وَقِيمَتُهُ أَلْفٌ، وَقَدْ أَوْصَى أَنْ يُبَاعَ مِنْ فُلَانٍ بِأَلْفٍ ثُمَّ أَوْصَى بِهِ فَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَمَّا إنْ أَوْصَى بِالْعَيْنِ أَوْ بِالْمَالِ أَوْ بِالثُّلُثِ فَإِنْ أَوْصَى بِهِ بِعَيْنِهِ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ قَبْلَهُ لِآخَرَ فَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ أَوْ أَجَازَتْ، وَلَمْ يُجِزْ صَاحِبُهُ فَلِلْمُوصَى لَهُ بِالرَّقَبَةِ سُدُسُ الْعَبْدِ، وَيُبَاعُ مَا بَقِيَ مِنْ الْآخَرِ بِخَمْسَةِ أَسْدَاسِ الْأَلْفِ فَيَكُونُ لِلْوَرَثَةِ قِيلَ هَذَا قَوْلُهُمَا، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ نِصْفُ سُدُسِ الْعَبْدِ لِلْمُوصَى لَهُ بِالرَّقَبَةِ، وَيُبَاعُ خَمْسَةُ أَسْدَاسِهِ، وَنِصْفُ سُدُسِهِ مِنْ الْآخَرِ بِقِيمَتِهِ فَيَكُونُ لِلْوَرَثَةِ فَتَخْرِيجُهُمَا أَنَّ حَقَّهُمَا فِي الثُّلُثِ قَدْ اسْتَوَيَا فِي حَقِّ الْوَصَايَا عِنْدَهُمَا لِأَنَّهُ أَوْصَى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِكُلِّ الْعَبْدِ لِأَحَدِهِمَا بِالْبَيْعِ، وَلِلْآخَرِ بِالرَّقَبَةِ فَيُجْعَلُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَإِذَا صَارَ الثُّلُثُ عَلَى سَهْمَيْنِ صَارَ الْكُلُّ عَلَى سِتَّةِ أَسْهُمٍ يُسَلَّمُ لِلْمُوصَى لَهُ بِالرَّقَبَةِ نِصْفُ الثُّلُثِ، وَذَلِكَ سُدُسُ الْكُلِّ، وَيُبَاعُ الْبَاقِي مِنْ الْمُوصَى لَهُ بِالْبَيْعِ، وَيَكُونُ الثَّمَنُ كُلُّهُ لِلْوَرَثَةِ لَا حَقَّ لِصَاحِبِ الرَّقَبَةِ فِيهِ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالرَّقَبَةِ وَصِيَّةٌ بِالْعَيْنِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ هَلَكَتْ الْعَيْنُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ وَالتَّخْرِيجُ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ لِلْمُوصَى لَهُ بِالرَّقَبَةِ جُزْءًا مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ الرَّقَبَةِ لِأَنَّ وَصِيَّةَ صَاحِبِ الرَّقَبَةِ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ تَبْطُلُ ضَرْبًا، وَاسْتِحْقَاقًا عِنْدَهُ فَيَضْرِبُ هُوَ فِي الثُّلُثِ بِقَدْرِ الثُّلُثِ. وَلِلْمُوصَى لَهُ بِالْبَيْعِ يَضْرِبُ بِجَمِيعِ الرَّقَبَةِ، وَذَلِكَ ثَلَاثَةٌ لِأَنَّ شَيْئًا مِنْ وَصِيَّتِهِ لَا يَبْطُلُ بَعْد إجَازَةِ الْوَرَثَةِ فَصَارَ الثُّلُثُ عَلَى أَرْبَعَةٍ، وَالْعَبْدُ كُلُّهُ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ سَهْمًا يُسَلَّمُ لِصَاحِبِ الرَّقَبَةِ سَهْمٌ مِنْ ثَلَاثَةٍ، وَذَلِكَ جُزْءٌ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ جُزْءًا، وَيُبَاعُ الْبَاقِي بِأَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ الْأَلْفِ، وَقِيلَ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ قَوْلُ الْكُلِّ، وَإِنْ أَجَازُوا، وَرَضِيَ بِذَلِكَ صَاحِبُ الْبَيْعِ يَضْرِبُ كُلُّ وَاحِدٍ بِكَمَالِ وَصِيَّتِهِ فَيُقْسَمُ نِصْفَيْنِ نِصْفُهُ لِصَاحِبِ الرَّقَبَةِ، وَنِصْفُهُ يُبَاعُ مِنْ الْآخَرِ فَيَكُونُ ثَمَنُهُ بَيْنَ الْوَرَثَةِ لِأَنَّ حَقَّيْهِمَا قَدْ اسْتَوَيَا عِنْدَ إجَازَةِ الْوَرَثَةِ فَتَسَاوَيَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 468 ضَرْبًا وَاسْتِحْقَاقًا، وَقِيلَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَوْ أَوْصَى أَنْ يُبَاعَ الْعَبْدُ مِنْ رَجُلٍ بِأَلْفٍ، وَأَوْصَى بِجَمِيعِ مَالِهِ لِآخَرَ فَهَذَا كَالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنَّ صَاحِبَ الْجَمِيعِ يَأْخُذُ سُدُسَ الْأَلْفِ مِنْ الْوَرَثَةِ مِنْ جُمْلَةِ الثَّمَنِ مَعَ أَخْذِهِ مِنْ سُدُسِ الرَّقَبَةِ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لَيْسَ لَهُ مِنْ الثَّمَنِ شَيْءٌ لِأَنَّهُ أَوْصَى لَهُ بِالْمَالِ هُنَا، وَالثَّمَنُ لِمَالِكِ الرَّقَبَةِ فَيَجُوزُ تَنْفِيذُ ثَمَنِهِ فِي الثَّمَنِ، وَهُنَاكَ أَوْصَى لَهُ بِالْعَيْنِ، وَهِيَ الرَّقَبَةُ وَالثَّمَنُ غَيْرُ فَلَا يُمْكِنُ تَكْمِيلُ وَصِيَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ، وَإِنْ أَجَازُوا بَيْعَ نِصْفِ الْعَبْدِ ثُمَّ أَخَذَ صَاحِبُ الْجَمِيعِ ثَمَنَهُ فَلَا شَيْءَ لِلْوَرَثَةِ، وَقِيلَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إنْ لَمْ يُجِيزُوا فَمِنْ اثْنَيْ عَشَرَ كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فَهُمَا مَرَّا عَلَى أَصْلِهِمَا، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يَنْبَغِي أَنْ يُبَاعَ الْعَبْدُ كُلُّهُ مِنْ الْمُوصَى لَهُ بِالْبَيْعِ بِأَلْفٍ ثُمَّ يُعْطَى الْمُوصَى لَهُ بِالْمَالِ ثُلُثُ الثَّمَنِ لِأَنَّ هَذَا أَمْكَنَ تَنْفِيذَ الْوَصِيَّتَيْنِ لِاخْتِلَافِ مَحَلِّ حَقِّهِمَا لِأَنَّ حَقَّ أَحَدِهِمَا فِي الرَّقَبَةِ، وَحَقَّ الْآخَرِ فِي مُطْلَقِ الْمَالِ. وَالثَّمَنُ مَالٌ كَالرَّقَبَةِ فَتَنْفُذُ كِلَاهُمَا لَهُمَا لَمَّا مَاتَ الْمُوصِي جَاءَ أَوَّلًا تَنْفِيذُ الْوَصِيَّةِ، وَمَحِلُّ ذَلِكَ مَالُهُ، وَالرَّقَبَةُ مَالُهُ فَتَنْفُذُ فِيهَا وَلَا يَجُوزُ التَّأْخِيرُ إذْ فِي التَّأْخِيرِ تَوَهُّمُ الْإِبْطَالِ بِهَلَاكِ الْمُوصَى بِهِ، وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ لَوْ أَوْصَى أَنْ يُبَاعَ مِنْ فُلَانٍ بِأَلْفٍ، وَأَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِآخَرَ فَقَوْلُ مُحَمَّدٍ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي هَذَا يَأْخُذُ صَاحِبُ الثُّلُثِ جُزْءًا مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ الرَّقَبَةِ، وَيُبَاعُ الْبَاقِي مِنْ الْمُوصَى لَهُ بِالْبَيْعِ يَأْخُذُ أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ الْأَلْفِ إلَّا أَنَّ صَاحِبَ الثُّلُثِ يَأْخُذُ مِنْ الثَّمَنِ تَمَامَ الثُّلُثِ ثَمَّ مُوصًى لَهُ بِثُلُثِ مَالِهِ، وَالثَّمَنُ مَالُهُ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُبَاعُ الْكُلُّ مِنْ الْمُوصَى لَهُ بِالْبَيْعِ، وَيُعْطَى مِنْ الثُّلُثِ الثَّمَنُ إلَى صَاحِبِهِ، وَلَوْ أَوْصَى بِالْعَبْدِ إلَى رَجُلٍ، وَقِيمَتُهُ أَلْفٌ، وَأَوْصَى أَنْ يُبَاعَ مِنْ آخَرَ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ نِصْفُ السُّدُسِ مِنْ الْعَبْدِ لِلْمُوصَى لَهُ بِهِ، وَيُبَاعُ الْبَاقِي مِنْ صَاحِبِ الْبَيْعِ مِنْ ثُلُثَيْ قِيمَةِ الْعَبْدِ فَيُسَلَّمُ لِلْوَرَثَةِ لِأَنَّ عِنْدَهُ يَصِيرُ الثُّلُثُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَسْهُمٍ لِصَاحِبِ الرَّقَبَةِ رُبُعُ السُّدُسِ، وَهُوَ جُزْءٌ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ جُزْءًا، وَيُبَاعُ الْبَاقِي مِنْ صَاحِبِ الْبَيْعِ بِثُلُثَيْ قِيمَةِ الْعَبْدِ بِثُلُثِ قِيمَتِهِ، وَذَلِكَ سِتُّمِائَةٍ وَسِتَّةٌ وَسِتُّونَ وَثُلُثَانِ فَيُسَلَّمُ ذَلِكَ لِلْوَرَثَةِ لِأَنَّهُمَا وَصِيَّتَانِ وَصِيَّةٌ بِالْبَيْعِ، وَوَصِيَّةٌ بِالْمُحَابَاةِ فِي الثَّمَنِ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْمُحَابَاةِ إنَّمَا تَنْفُذُ مِنْ الثُّلُثِ فَيَنْظُرُ إلَى مَا بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ بَعْدَمَا أَخَذَ صَاحِبُ الرَّقَبَةِ، وَذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَجْزَاءٍ فَيُسَلَّمُ ذَلِكَ الْمِقْدَارُ لَهُ وَمَا بَقِيَ، وَهُوَ ثُلُثُ الْمَالِ حَقُّ الْوَرَثَةِ، وَعِنْدَهُ الْوَصِيَّةُ بِالْمُحَابَاةِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى سَائِرِ الْوَصَايَا، وَلَكِنْ مُحَابَاةٌ مُنَفَّذَةٌ تَثْبُتُ فِي ضِمْنِ عَقْدٍ لَازِمٍ لَا يَمْلِكُ الْمُوصِي الرُّجُوعَ عَنْهَا. وَهَذَا وَصِيَّةٌ بِمُحَابَاةٍ غَيْرِ مُنَفَّذَةٍ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لِصَاحِبِ الرَّقَبَةِ سُدُسُ الْعَبْدِ، وَيُبَاعُ الْبَاقِي بِثُلُثَيْ الْأَلْفِ لِأَنَّ حَقَّهُمَا فِي الثُّلُثِ عَلَى السَّوَاءِ فَيَضْرِبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِجَمِيعِ حَقِّهِ فَيَكُونُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ نِصْفُهُ لِصَاحِبِ الرَّقَبَةِ، وَنِصْفُهُ يُبَاعُ مِنْ صَاحِبِ الْبَيْعِ بِثُلُثَيْ الْقِيمَةِ فَإِنْ كَانَ أَوْصَى بِجَمِيعِ مَالِهِ لِرَجُلٍ، وَأَنْ يُبَاعَ مِنْ آخَرَ بِمِائَةٍ، وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ فَقِيَاسُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ يَكُونَ لِلْمُوصَى لَهُ جَمِيعُ الْمَالِ ثُلُثُ الْعَبْدِ، وَيُبَاعُ مَا بَقِيَ، وَهُوَ أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ جُزْءًا بِمِائَتَيْ سَهْمٍ وَثُلُثٍ، وَبِمِائَتَيْ سَهْمٍ وَرُبُعٍ مِنْ أَرْبَعِمِائَةٍ أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ سَهْمًا مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ يَأْخُذُ الْمُوصَى لَهُ بِالْمَالِ خَمْسَةَ أَسْهُمٍ، وَرُبُعَ سَهْمٍ مِنْ الثَّمَنِ تَمَامَ وَصِيَّتِهِ وَمِائَتَانِ وَثَمَانِيَةٌ وَسَبْعُونَ لِلْوَرَثَةِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ سُدُسُ الْعَبْدِ لِلْمُوصَى لَهُ بِالْمَالِ، وَيُبَاعُ خَمْسَةُ أَسْدَاسِهِ مِنْ الْآخَرِ سَبْعَةً وَعِشْرِينَ مِنْ اثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ سَهْمٌ لِلْمُوصَى لَهُ بِالْمَالِ تَمَامَ وَصِيَّتِهِ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ لِلْوَرَثَةِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُلَقَّبَةٌ بِالْعَرُوسِ لِحُسْنِ تَخْرِيجِهَا وَوُضُوحِ طَرِيقِهَا أَمَّا تَخْرِيجُهَا لِمُحَمَّدٍ أَنَّ حَقَّ الْمُوصِي فِي الثُّلُثِ عَلَى السَّوَاءِ فَيُسَلَّمُ لِلْمُوصَى لَهُ بِالْمَالِ نِصْفُ الثُّلُثِ، وَهُوَ سُدُسُ الْعَبْدِ، وَيُبَاعُ خَمْسَةُ أَسْدَاسِهِ مِنْ الْآخَرِ بِسَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ مِنْ اثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ إذْ هَذَانِ وَصِيَّتَانِ وَصِيَّةٌ بِجَمِيعِ الْمَالِ، وَوَصِيَّةٌ بِالْمُحَابَاةِ لِصَاحِبِ الْبَيْعِ بِسَبْعِمِائَةٍ إلَّا أَنَّهُ قَدْ بَطَلَ مِنْ وَصِيَّتِهِ سُدُسُهُ، وَذَلِكَ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ مِنْ تِسْعِمِائَةٍ لِأَنَّ سُدُسَ الرَّقَبَةِ صَارَ مُسْتَحَقًّا لِلْمُوصَى لَهُ بِالْمَالِ بِوَصِيَّتِهِ فَبَطَلَتْ فِيهِ الْوَصِيَّةُ بِالْبَيْعِ. وَالْوَصِيَّةُ بِالْمُحَابَاةِ فِي ضِمْنِ الْوَصِيَّةِ بِالْبَيْعِ فَتَبْطُلُ بِبُطْلَانِهَا أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُوصَى لَهُ بِالْبَيْعِ لَوْ قَالَ لَا أُرِيدُ الشِّرَاءَ، وَأُرِيدُ الْمُحَابَاةَ لَا يَكُونُ لَهُ ذَلِكَ فَبَقِيَتْ الْوَصِيَّةُ فِي سَبْعِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ، وَهُوَ يَضْرِبُ بِالثُّلُثِ بِهَذَا الْقَدْرِ فِي الْآخَرِ يَضْرِبُ بِجَمِيعِ الْمَالِ، وَذَلِكَ الْقَدْرِ لِأَنَّهُ، وَإِنْ أَخَذَ سُدُسَ الْمَالِ وَكَفَى، وَلَكِنْ يَضْرِبُ بِجَمِيعِ الْمَالِ لِتَيَقُّنِ مِقْدَارِ حَقِّهِ فَيُحْسَبُ عَلَيْهِ مَا أَخَذَهُ مِنْ الرَّقَبَةِ، وَهُوَ السُّدُسُ وَيُعْطَى لَهُ مَا بَقِيَ فَصَارَ حَقُّهُ فِي أَرْبَعَةِ أَسْهُمٍ، وَحَقُّ الْمُوصَى لَهُ بِالْبَيْعِ فِي ثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 469 كُلُّ سَهْمٍ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ فَتَكُونُ جُمْلَتُهُ سَبْعَةً فَصَارَ الثُّلُثُ عَلَى سَبْعَةٍ صَارَ الْكُلُّ أَحَدًا وَعِشْرِينَ فَحَقُّ صَاحِبِ الْمَالِ أَرْبَعَةٌ، وَقَدْ سُلِّمَ لَهُ ثَلَاثَةٌ وَنَصْفٌ، وَهُوَ سُدُسُ الْعَبْدِ بَقِيَ لَهُ نِصْفُ سَهْمٍ إلَى تَمَامِ حَقِّهِ، وَحَقُّ الْوَرَثَةِ فِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ فَظَهَرَ أَنَّ خَمْسَةَ أَسْدَاسِ الْعَبْدِ تُبَاعُ مِنْ صَاحِبِ الْبَيْعِ بِأَرْبَعَةَ عَشَرَ سَهْمًا سَهْمٌ تَمَامَ حَقِّهِ فَقَدْ نَفَّذْنَا وَصِيَّةَ الْمُحَابَاةِ فِي ثَلَاثَةٍ فَتَكُونُ الْجُمْلَةُ عَلَى سَبْعَةٍ، وَالْبَاقِي لِلْوَرَثَةِ، وَهُوَ أَرْبَعَةٌ فَاسْتَقَامَ الثُّلُثُ وَالثُّلُثَانِ وَمُحَمَّدٌ أَخْرَجَهُ عَلَى ضِعْفِ ذَلِكَ تَحَرُّزًا، وَأَمَّا تَخْرِيجُ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُبَاعُ جَمِيعُ الْعَبْدِ مِنْ الْمُوصَى لَهُ بِالْبَيْعِ بِثَمَانِيَةٍ وَأَرْبَعِينَ سَهْمًا مِنْ سَبْعَةٍ وَخَمْسِينَ سَهْمًا مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ هَاهُنَا وَصِيَّتَانِ وَصِيَّةٌ بِالْأَلْفِ، وَوَصِيَّةٌ بِالْمُحَابَاةِ بِتِسْعِمِائَةٍ فَاجْعَلْ كُلَّ مِائَةٍ سَهْمًا فَيَصِيرُ حَقُّ أَحَدِهِمَا عَشَرَةً. وَحَقُّ الْآخَرِ تِسْعَةً فَتَكُونُ جُمْلَتُهُ تِسْعَةَ عَشَرَ سَهْمًا فَهَذَا سِهَامُ الثُّلُثِ فَتَكُونُ الْجُمْلَةُ سَبْعَةً وَخَمْسِينَ لِصَاحِبِ الْمُحَابَاةِ تِسْعَةُ أَسْهُمٍ فَيُبَاعُ الْعَبْدُ بِمَا بَقِيَ، وَذَلِكَ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ فَيُعْطِي لِصَاحِبِ الْمَالِ عَشَرَةً، وَلِلْوَرَثَةِ ثَمَانِيَةً وَثَلَاثِينَ فَاسْتَقَامَ الثُّلُثُ وَالثُّلُثَانِ، وَأَمَّا تَخْرِيجُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ أَنَّ هُنَا وَصِيَّتَيْنِ وَصِيَّةٌ بِالْأَلْفِ، وَوَصِيَّةٌ بِالْمُحَابَاةِ تِسْعُمِائَةٍ إلَّا أَنَّ وَصِيَّةَ الْأَلْفِ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ تَبْطُلُ ضَرْبًا، وَاسْتِحْقَاقًا عِنْدَ عَدَمِ إجَازَةِ الْوَرَثَةِ فَبَقِيَ حَقُّهُ فِي ثُلُثِ الْأَلْفِ، وَيَبْطُلُ مِنْ وَصِيَّةِ الْمُحَابَاةِ سَهْمٌ، وَذَلِكَ خَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ لِأَنَّهُ بَطَلَ الْوَصِيَّةُ بِالْبَيْعِ فِي نِصْفِ سُدُسِ الرَّقَبَةِ لِاسْتِحْقَاقِ الْمُوصِي بِالْمَالِ لِمَا بَيَّنَّا فِي حَقِّهِ فِي ثَمَانِمِائَةٍ وَخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ فَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ رُبُعُ مَالِهِ، وَقَدْ انْكَسَرَ ذَلِكَ بِالْأَرْبَاعِ، وَحَقُّ صَاحِبِ الْمَالِ فِي ثُلُثِ الْأَلْفِ، وَذَلِكَ ثَلَثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ فَقَدْ انْكَسَرَ بِالْأَثْلَاثِ فَاضْرِبْ ثَلَاثَةً فِي أَرْبَعَةٍ فَيَكُونُ اثْنَيْ عَشَرَ ثُمَّ اجْعَلْ كُلَّ مِائَةٍ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ كُلُّ سَهْمٍ ثَمَانِيَةُ دَرَاهِمَ وَثُلُثُ دِرْهَمٍ فَصَارَ حَقُّ صَاحِبِ الْمَالِ أَرْبَعِينَ سَهْمًا، وَحَقُّ صَاحِبِ الْبَيْعِ تِسْعَةً، وَتِسْعِينَ سَهْمًا فَيَكُونُ الثُّلُثُ مِائَةً وَتِسْعَةً وَثَلَاثِينَ سَهْمًا فَيَكُونُ كُلُّ الْمَالِ أَرْبَعَمِائَةٍ وَسَبْعَةَ عَشَرَ سَهْمًا فَحَقُّ صَاحِبِ الْمَالِ أَرْبَعُونَ سَهْمًا، وَصَلَ إلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ أَرْبَعَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ سَهْمٍ لِأَنَّهُ، وَصَلَ إلَيْهِ مِنْ الْعَبْدِ نِصْفُ سُدُسِهِ، وَذَلِكَ جُزْءٌ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ جُزْءًا فَصَارَ الْعَبْدُ عَلَى أَرْبَعِمِائَةٍ وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ سَهْمًا جُزْءًا مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ جُزْءًا مِنْهُ يَكُونُ أَرْبَعَةً وَثَلَاثِينَ وَثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ سَهْمٍ بَقِيَ إلَى تَمَامِ حَقِّهِ خَمْسَةُ أَسْهُمٍ وَرُبُعُ سَهْمٍ، وَحَقُّ الْوَرَثَةِ مِائَتَانِ وَثَمَانِيَةٌ وَسَبْعُونَ. وَإِذَا أَوْصَى أَنْ يُبَاعَ مِنْ الرَّجُلِ بِأَلْفٍ، وَهِيَ قِيمَتُهُ، وَلِآخَرَ بِثُلُثِ مَالِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا شَيْءَ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ مِنْ الرَّقَبَةِ، وَيُبَاعُ الْعَبْدُ فَيَكُونُ لَهُ ثُلُثُ ثَمَنِهِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذَا فِيمَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِجَمِيعِ مَالِهِ، وَقَوْلُهُمَا فِي هَذَا مَعْرُوفٌ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِنَصِيبِ ابْنِهِ بَطَلَ، وَبِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنِهِ صَحَّ) أَيْ الْوَصِيَّةُ بِنَصِيبِ ابْنِهِ بَاطِلَةٌ وَالْوَصِيَّةُ بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنِهِ صَحِيحَةٌ، وَقَالَ زُفَرُ كِلْتَاهُمَا صَحِيحَةٌ لِأَنَّ الْجَمِيعَ مَالُهُ فِي الْحَالِ، وَذَكَرَ نَصِيبَ الِابْنِ لِلتَّقْدِيرِ بِهِ، وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنَّهُ حَذَفَ الْمُضَافَ، وَأَقَامَ الْمُضَافَ إلَيْهِ مَقَامَهُ فَقَوْلُهُ أَوْصَيْت بِنَصِيبِ ابْنِي أَيْ بِمِثْلِ نَصِيبِهِ، وَمِثْلُهُ شَائِعٌ لُغَةً قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] أَيْ أَهْلَهَا، وَلَنَا أَنَّ نَصِيبَ الِابْنِ مَا يُصِيبُهُ بَعْدَ الْمَوْتِ فَكَانَ وَصِيَّةً بِمَالِ الْغَيْرِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنِهِ لِأَنَّ مِثْلَ الشَّيْءِ غَيْرُهُ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ حَذْفُ الْمُضَافِ إذَا كَانَ هُنَاكَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْآيَةِ لِأَنَّ السُّؤَالَ يَدُلُّ عَلَى الْمَسْئُولِ، وَهُوَ الْأَهْلُ، وَلَمْ يُوجَدُ هُنَا مَا يَدُلُّ عَلَى الْمَحْذُوفِ فَلَا يَجُوزُ، وَفِي الْأَصْلِ الْوَصِيَّةُ بِنَصِيبِ الِابْنِ أَوْ بِمِثْلِ نَصِيبِ الِابْنِ إنْ لَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ لَمْ يَجُزْ أَوْ يُجِزْ بَعْضُهُمْ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَجُلٌ هَلَكَ وَتَرَكَ أُمًّا وَأَبًا، وَأَوْصَى لِرَجُلٍ بِنَصِيبِ بِنْتٍ لَوْ كَانَتْ فَالْوَصِيَّةُ مِنْ سَبْعَةَ عَشَرَ مِنْهَا الْمُوصَى لَهُ خَمْسَةُ أَسْهُمٍ، وَلِلْأُمِّ سَهْمَانِ، وَلِلْأَبِ عَشَرَةُ أَسْهُمٍ قَالَ وَلَوْ تَرَكَ ابْنًا فَأَوْصَى بِنَصِيبِ ابْنٍ آخَرَ لَوْ كَانَ، وَأَجَازَتْ الْوَرَثَةُ الْوَصِيَّةَ فَالْفَرِيضَةُ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ لِلْمُوصِي سَبْعَةُ أَسْهُمٍ، وَلِلِابْنِ سَبْعَةٌ، وَكَذَلِكَ إذَا أَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنِهِ لَوْ كَانَ الْجَوَابُ كَمَا قُلْنَا. وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ قَالَ وَمَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنِهِ فَهَذَا لَا يَخْلُو أَمَّا إنْ كَانَ أَوْصَى لَهُ بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنِهِ أَوْ بِنَصِيبِ ابْنِهِ كَانَ لَهُ ابْنُ أَوْ لَمْ يَكُنْ ابْنٌ أَوْ ابْنُهُ فَلَوْ كَانَ، وَلَيْسَ لَهُ ابْنٌ وَلَا ابْنُهُ فَإِنَّهُ تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ فَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ فَيَحْتَاجُ إلَى إجَازَةِ الْوَرَثَةِ فَإِنْ كَانَ ثُلُثًا أَوْ أَقَلَّ جَازَتْ مِنْ غَيْرِ إجَازَةٍ نَحْوَ مَا إذَا أَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنِهِ، وَلَهُ ابْنٌ وَاحِدٌ صَارَ مُوصِيًا لَهُ بِنِصْفِ الْمَالِ، وَلَوْ كَانَ لَهُ ابْنَانِ يَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ كَذَلِكَ هَاهُنَا يَكُونُ الْمَالُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ نِصْفٌ لِلِابْنِ وَنَصْفٌ لِلْمُوصَى لَهُ إنْ أَجَازَ الِابْنُ، وَإِنْ لَمْ يُجِزْ الِابْنُ فَلِلْمُوصَى لَهُ الثُّلُثُ، وَإِنْ كَانَ لَهُ ابْنَانِ فَإِنَّهُ يَكُونُ لِلْمُوصَى لَهُ ثُلُثُ الْمَالِ وَلَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 470 يَحْتَاجُ إلَى الْإِجَازَةِ، وَلَوْ أَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنِهِ، وَلَهُ ابْنَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِنَّهُ يَكُونُ لِلْمُوصَى لَهُ نِصْفُ الْمَالِ إنْ أَجَازَتْ الِابْنَةُ، وَإِنْ لَمْ تُجِزْ فَلَهُ الثُّلُثُ، وَلَوْ كَانَتْ لَهُ ابْنَتَانِ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَيَكُونُ لِلْمُوصَى لَهُ ثُلُثُ الْمَالِ، وَلَوْ أَوْصَى بِنَصِيبِ ابْنٍ لَوْ كَانَ فَالْجَوَابُ فِيهِ كَمَا لَوْ أَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنِهِ قَالَ وَإِذَا هَلَكَ الرَّجُلُ، وَتَرَكَ أَخًا وَأُخْتًا، وَأَوْصَى لِرَجُلٍ بِنَصِيبِ ابْنٍ لَوْ كَانَ فَأَجَازَ فَلِلْمُوصَى لَهُ جَمِيعُ الْمَالِ وَلَا شَيْءَ لِلْأَخِ وَالْأُخْتِ، وَلَوْ أَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنٍ لَوْ كَانَ لِلْمُوصَى لَهُ نِصْفُ الْمَالِ إنْ أَجَازَ، وَإِنْ لَمْ يُجِزْ فَلِلْمُوصَى لَهُ ثُلُثُ الْمَالِ إنْ أَجَازَ أَوْ لَمْ يُجِزْ رَوَى بِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَفِي الْأَمَالِي هَلَكَ وَتَرَكَ ابْنَيْنِ وَأَوْصَى لِرَجُلٍ بِنِصْفِ مَالِهِ، وَلِآخَرَ بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِ الِابْنَيْنِ، وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ. قَالَ الثُّلُثُ بَيْنَ الْمُوصَى لَهُمَا يَضْرِبُ فِيهَا صَاحِبُ النِّصْفِ بِنِصْفِ الْمَالِ، وَالْآخَرُ بِتُسْعِ الْمَالِ فَإِنْ أَجَازَ الِابْنَانِ وَصِيَّتَهُمَا يَأْخُذُ صَاحِبُ النِّصْفِ تَمَامَ النِّصْفِ أَرْبَعَةً وَنَصْفًا مِنْ تِسْعَةٍ، وَصَاحِبُ مِثْلِ النَّصِيبِ يَأْخُذُ سَهْمَيْنِ مِنْ تِسْعَةٍ، وَيَبْقَى لِلِابْنَيْنِ تُسْعَانِ وَنَصْفٌ، وَلَوْ كَانَ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِنَصِيبِ أَحَدِ الِابْنَيْنِ، وَأَوْصَى لِآخَرَ بِمِثْلِ نَصِيبِ الْآخَرِ، وَأَجَازَ الِابْنَانِ كَانَ لَهُمَا نِصْفُ الْمَالِ، وَلِلِابْنَيْنِ النِّصْفُ، وَلَوْ لَمْ يُجِيزَا فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، وَإِنْ أَجَازَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ فَلِلَّذِي أَجَازَ الرُّبُعُ اعْتِبَارًا لِوُجُودِ الْإِجَازَةِ، وَلِلَّذِي لَمْ يُجِزْ الثُّلُثُ قَالَ وَإِذَا هَلَكَ الرَّجُلُ، وَتَرَكَ أَبًا وَابْنًا، وَأَوْصَى لِرَجُلٍ بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنِهِ أَوْ بِنَصِيبِ ابْنٍ لَوْ كَانَ، وَأَجَازَ فَلِلْمُوصَى لَهُ خَمْسَةٌ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ، وَلِلْأَبِ سَهْمٌ، وَلِلِابْنِ خَمْسَةٌ، وَإِنْ لَمْ يُجِيزَا فَلِلْمُوصَى لَهُ الثُّلُثُ أَوَّلًا، وَالْبَاقِي بَيْنَ الْأَبِ، وَالِابْنِ أَسْدَاسًا، وَإِنْ أَجَازَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ، وَذَكَرَ فِي الْكِتَابِ أَنَّهُ يُنْظَرُ إلَى حَالِ الْإِجَازَةِ، وَحَالِ عَدَمِ الْإِجَازَةِ فَالْفَرِيضَةُ عِنْدَ الْإِجَازَةِ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ لِلْمُوصَى لَهُ خَمْسَةٌ، وَعِنْدَ عَدَمِ الْإِجَازَةِ الْفَرِيضَةُ مِنْ تِسْعَةٍ لِلْمُوصَى لَهُ ثُلُثُهُ فَيُضْرَبُ أَحَدُ الْفَرِيضَتَيْنِ فِي الْأُخْرَى فَيَصِيرُ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ فَعِنْدَ عَدَمِ الْإِجَازَةِ لِلْمُوصَى لَهُ الثُّلُثُ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ، وَلِلْأَبِ سُدُسٌ وَمَا بَقِيَ أَحَدَ عَشَرَ، وَلِلِابْنِ خَمْسَةٌ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ، وَلِلِابْنِ خَمْسَةُ أَسْدَاسٍ وَمَا بَقِيَ خَمْسَةٌ وَخَمْسُونَ، وَعِنْدَ الْإِجَازَةِ لِلْمُوصَى لَهُ خَمْسَةٌ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ مَضْرُوبًا فِي تِسْعَةٍ فَيَكُونُ خَمْسَةً وَأَرْبَعِينَ، وَلِلْأَبِ سَهْمٌ مَضْرُوبًا فِي تِسْعَةٍ فَيَكُونُ تِسْعَةً فَتَفَاوُتُ مَا بَيْنَ الْحَالَتَيْنِ فِي حَقِّ الْمُوصَى لَهُ اثْنَا عَشَرَ سَهْمًا مِنْ ذَلِكَ مِنْ نَصِيبِ الْأَبِ. وَذَلِكَ مِنْ تِسْعَةٍ إلَى أَحَدَ عَشَرَ وَعَشَرَةٍ مِنْ نَصِيبِ الِابْنِ، وَذَلِكَ مِنْ خَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ إلَى خَمْسَةٍ وَخَمْسِينَ فَإِذَا أَجَازَ، وَلَوْ قَالَ أَوْصَيْت بِثُلُثِ مَالِي لِلْمَسْجِدِ جَازَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَقُولَ يُنْفَقُ عَلَى الْمَسْجِدِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ، وَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِلْمَسْجِدِ عَيَّنَ الْمَسْجِدَ أَوْ لَمْ يُعَيِّنْ فَهِيَ بَاطِلَةٌ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ جَائِزَةٌ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَلَوْ أَوْصَى بِأَنْ يُنْفَقَ ثُلُثُهُ عَلَى الْمَسْجِدِ جَازَ فِي قَوْلِهِمْ، وَفِي النَّوَازِلِ إذَا أَوْصَى لِأَرْبَابِ الْمَسْجِدِ الْمُعَيَّنِ، وَعِمَارَتِهِ، وَفِي ثَمَنِ آجُرٍّ وَجِبْسٍ وَغَيْرِهِ فِيمَا اُحْتِيجَ إلَيْهِ وَمَا كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ جَازَ، وَلَوْ بِجَنْبِ هَذَا الْمَسْجِدِ نَهْرٌ يَجْرِي مَاؤُهُ بِالْمَسْجِدِ فَفَسَدَ النَّهْرُ، وَلَمْ يَصِلْ إلَى الْمَحَلَّةِ جَازَ أَنْ يُنْفِقُوا مِنْهَا فِي ذَلِكَ عِنْدَ تَبَيُّنِ الضَّرَرِ، وَفِي الْعُيُونِ عَنْ مُحَمَّدٍ إذَا قَالَ ثُلُثُ مَالِي لِلْكَعْبَةِ جَازَ، وَيُعْطَى مَسَاكِينُ مَكَّةَ، وَلَوْ قَالَ لِثُغُورِ فُلَانٍ فَالْقِيَاسُ أَنْ يَبْطُلَ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَجُوزُ الظَّهِيرِيَّةُ، وَلَوْ قَالَ لِبَيْتِ الْمَقْدِسِ جَازَ، وَيُنْفَقُ عَلَيْهِ، وَفِي سِرَاجِهِ قِيلَ هَذَا فِي عُرْفِهِمْ، وَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ يُسْرَجُ بِهِ فِي الْمَسْجِدِ يَجُوزُ، وَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِلسِّرَاجِ لَا يَجُوزُ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ أَوْصَى بِدِرْهَمٍ لِشَاةِ فُلَانٍ أَوْ بِرْذَوْنِ فُلَانٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِيُعْلَفَ بِهِ دَوَابُّ فُلَانٍ يَجُوزُ، وَنَظِيرُهُ لَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ فِي أَكْفَانِ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ يَجُوزُ. وَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِمَوْتَى الْفُقَرَاءِ لَا يَجُوزُ فَلَوْ أَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا وَثُلُثِ أَوْ رُبُعِ مَا بَقِيَ، وَدِرْهَمٍ لِلْآخَرِ، وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ رَجُلٌ مَاتَ وَتَرَكَ ثَلَاثَ بَنِينَ، وَأَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِهِمْ وَدِرْهَمٍ وَثُلُثٍ، وَرُبُعِ مَا بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ فَيُجْعَلُ ثُلُثُ الْمَالِ سِهَامًا، وَلَوْ أَحَاطَ بِالنَّصِيبِ سَهْمٌ، وَبِالدَّرَاهِمِ سَهْمٌ لِأَنَّهُ مَتَى كَانَ فِي الْوَصِيَّةِ دِرْهَمٌ يُجْعَلُ لِكُلِّ سَهْمٍ دِرْهَمٌ حَتَّى يَصِيرَ الْحِسَابُ كُلُّهُ جِنْسًا وَاحِدًا فَإِذَا ذَهَبَ اثْنَانِ مِنْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَبْقَى اثْنَيْ عَشَرَ فَاعْطِ بِالثُّلُثِ سَهْمَيْنِ، وَبِرُبُعِهِ سَبْعَةً يَبْقَى خَمْسَةٌ فَأَعْطِ بِالدِّرْهَمِ الْأَخِيرِ سَهْمًا يَبْقَى أَرْبَعَةٌ فَهَذِهِ فَاضِلَةٌ عَنْ سِهَامِ الْوَصَايَا تُرَدُّ إلَى الْوَرَثَةِ فَرَدَّهُ إلَى ثُلُثِ الْمَالِ فَيَصِيرُ أَرْبَعَةً وَثَلَاثِينَ، وَحَاجَتُنَا إلَى سِتَّةٍ لِأَنَّا لَوْ أَعْطَيْنَا بِالنَّصِيبِ سَهْمَيْنِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ نَصِيبُ الِابْنَيْنِ سِتَّةً، وَالْخَطَأُ الثَّانِي وَقَعَ بِزِيَادَةِ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ، وَالْأَوَّلُ بِزِيَادَةِ تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ فَاضْرِبْ الثُّلُثَ الْأَوَّلَ فِي الثَّانِي، وَهُوَ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ يَصِيرُ أَرْبَعَمِائَةٍ وَخَمْسَةً وَثَلَاثِينَ ثُمَّ اطْرَحْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 471 الْأَقَلَّ مِنْ الْأَكْثَرِ يَبْقَى ثَلَاثَةٌ وَأَرْبَعُونَ فَهَذَا هُوَ الثُّلُثُ، وَإِذَا أَرَدْت مَعْرِفَةَ النَّصِيبِ فَاضْرِبْ النَّصِيبَ الْأَوَّلَ، وَهُوَ سَهْمٌ فِي الْمَقْطَعِ الثَّانِي، وَهُوَ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ فَيَصِيرُ ثَمَانِيَةً وَخَمْسِينَ ثُمَّ اطْرَحْ الْأَكْثَرَ مِنْ الْأَقَلِّ يَبْقَى ثَلَاثُونَ فَظَهَرَ عِنْدَ النَّصِيبِ ثَلَاثُونَ وَثُلُثُ الْمَالِ ثَلَاثَةٌ وَأَرْبَعُونَ فَيُعْطِي بِالنَّصِيبِ مِنْ الثُّلُثِ ثَلَاثِينَ يَبْقَى ثَلَاثَةَ عَشَرَ فَيُعْطِي بِالدَّرَاهِمِ سَهْمًا يَبْقَى اثْنَيْ عَشَرَ سَهْمًا فَيُعْطَى ثُلُثُ مَا بَقِيَ، وَرُبُعُهُ سَبْعَةٌ بَقِيَ خَمْسَةٌ فَيُعْطَى مِنْ الدِّرْهَمِ الْآخَرِ سَهْمٌ يَبْقَى أَرْبَعَةٌ فَرَدَّهُ الْأَرْبَعَةُ إلَى ثُلُثَيْ الْمَالِ، وَبَيَانُ تَعْلِيلِهِ فِي الْمُحِيطِ. وَأَمَّا لَوْ أَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ الِابْنِ إلَّا ثُلُثَ مَا بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ صُورَتُهَا تَرَكَ ثَلَاثَ بَنِينَ، وَأَوْصَى لِرَجُلٍ بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِهِمْ إلَّا ثُلُثَ مَا يَبْقَى مِنْ الثُّلُثِ بَعْدَ النَّصِيبِ فَالْفَرِيضَةُ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ، وَالثُّلُثُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ، وَالنَّصِيبُ بَعْدَ الِابْنَيْنِ شُبْهَةٌ، وَبَيَانُ تَخْرِيجِهِ فِي الْمُحِيطِ، وَأَمَّا لَوْ قَالَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ إلَّا ثُلُثَ مَا يَبْقَى مِنْ الثُّلُثِ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ فَأَصْلُ الْفَرِيضَةِ مَا ذَكَرْنَا فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ، وَأَمَّا لَوْ قَالَ فِي صُورَةِ الْمَسْأَلَةِ إلَّا ثُلُثَ مَا بَقِيَ مُطْلَقًا قَالَ عَامَّةُ مَشَايِخِنَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَالْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ يَخْرُجُ كَمَا خَرَجْنَا فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ قَالَ مُحَمَّدٌ يَخْرُجُ عَلَى الْفَصْلِ الثَّانِي وَمَا بِمِثْلِ نَصِيبِ الِابْنِ إلَّا مِثْلَ نَصِيبِ الْآخَرِ فَلَوْ مَاتَ عَنْ ابْنٍ وَاحِدٍ، وَأَوْصَى لِرَجُلٍ بِمِثْلِ نَصِيبِهِ إلَّا بِمِثْلِ نَصِيبِ آخَرَ لَوْ كَانَ لَهُ الثُّلُثُ أَجَازَ الِابْنُ أَوْ لَمْ يُجِزْ، وَإِنْ تَرَكَ ابْنَيْنِ، وَأَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِهِ إلَّا مِثْلَ نَصِيبِ آخَرَ لَوْ كَانَ لَهُ الثُّلُثُ أَجَازَ الِابْنُ أَوْ لَمْ يُجِزْ، وَإِنْ تَرَكَ ابْنَيْنِ، وَأَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا لِرَجُلٍ إلَّا مِثْلَ نَصِيبِ الْوَاحِدِ لَوْ كَانَ أَوْ أَوْصَى لِآخَرَ بِثُلُثِ مَا يَبْقَى مِنْ الثُّلُثِ فَالْقِسْمَةُ خَمْسَةَ عَشَرَ سَهْمَانِ لِصَاحِبِ النَّصِيبِ، وَسَهْمٌ لِصَاحِبِ ثُلُثِ مَا يَبْقَى، وَلِكُلِّ ابْنٍ سِتٌّ، وَتَخْرِيجُهُ فِي الْمُحِيطِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ كَانَ لَهُ ابْنَانِ فَلَهُ الثُّلُثُ، وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ لَهُ النِّصْفُ عِنْدَ إجَازَةِ الْوَرَثَةِ) لِأَنَّهُ أَوْصَى لَهُ بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنِهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا النِّصْفُ. وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّهُ قَصَدَ أَنْ يَجْعَلَهُ مِثْلَ ابْنِهِ إلَّا أَنْ يَزِيدَ نَصِيبُهُ عَلَى نَصِيبِ ابْنِهِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَجْعَلَ الْمُوصَى لَهُ كَأَحَدِهِمْ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِسَهْمٍ أَوْ جُزْءٍ مِنْ مَالِهِ فَالْبَيَانُ إلَى الْوَرَثَةِ) أَيْ إذَا أَوْصَى بِسَهْمٍ أَوْ جُزْءٍ مِنْ مَالِهِ كَانَ بَيَانُ ذَلِكَ إلَى الْوَرَثَةِ فَيُقَالُ لَهُمْ أَعْطُوهُ مَا شِئْتُمْ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ يَتَنَاوَلُ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ وَالْوَصِيَّةُ لَا تَمْتَنِعُ بِالْجَهَالَةِ، وَالْوَرَثَةُ قَائِمُونَ مَقَامَ الْمُوصِي فَكَانَ إلَيْهِمْ بَيَانُهُ، سَوَّى هُنَا بَيْنَ السَّهْمِ وَالْجُزْءِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ، وَالْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ السَّهْمَ عِبَارَةٌ عَنْ السُّدُسِ نُقِلَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَعَنْ إيَاسِ بْنِ مُعَاذٍ، وَقَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَهُ أَخَسُّ سِهَامِ الْوَرَثَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَقَلَّ مِنْ السُّدُسِ فَحِينَئِذٍ يُعْطَى لَهُ السُّدُسُ، وَقَالَ فِي الْأَصْلِ لَهُ أَخَسُّ سِهَامِ الْوَرَثَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ السُّدُسِ فَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ جَعَلَ السَّهْمَ يَمْنَعُ النُّقْصَانَ، وَذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ أَنَّهُ يَمْنَعُ الزِّيَادَةَ ثُمَّ قَالَ فِي تَعْلِيقِهِ أَنَّهُ يُذْكَرُ، وَيُرَادُ بِهِ السُّدُسُ وَيُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ سَهْمٌ مِنْ سِهَامِ الْوَرَثَةِ لِأَنَّ السَّهْمَ يُرَادُ بِهِ نَصِيبُ أَحَدِ الْوَرَثَةِ عُرْفًا لَا سِيَّمَا فِي الْوَصِيَّةِ فَيُصْرَفُ إلَيْهِ، وَهَذَا فِي عُرْفِهِمْ، وَأَمَّا فِي عُرْفِنَا فَهُوَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا قَوْلُهُ وَيُجْزِئُ قَالَ صَاحِبُ التَّسْهِيلِ أَقُولُ: دَلَّتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَنَّ أَحَدًا لَوْ أَقَرَّ بِمَجْهُولٍ كَقَوْلِهِ لِفُلَانٍ عَلَيَّ دَيْنٌ، وَلَمْ يُبَيِّنْ قَدْرَهُ فَمَاتَ مُجْهِلًا تُجْبَرُ وَرَثَتُهُ عَلَى الْبَيَانِ، وَكَذَا لَوْ أُقِيمَ الْبَيِّنَةُ عَلَى إقْرَارِهِ بِمَجْهُولٍ يَنْبَغِي أَنْ تُقْبَلَ وَتُجْبَرَ وَرَثَتُهُ عَلَى الْبَيَانِ اهـ. وَرَدَّ عَلَيْهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ نَقْلِ ذَلِكَ قُلْت مَا ذَكَرَهُ قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ، وَلَوْ بِمَجْهُولٍ يُوجِبُ تَعَلُّقَ الْغَيْرِ بِهِ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ فَيُجْبَرُ الْمُقِرُّ عَلَى بَيَانِهِ بِطَلَبِ الْمُقَرِّ لَهُ فَإِذَا فَاتَ الْخَبَرُ فِي حَيَاتِهِ بِوَفَاتِهِ سَقَطَ سِيَّمَا إذَا كَانَ بِتَقْصِيرٍ مِنْ الْمُقَرِّ لَهُ فَلَمْ تَنُبْ عَنْهُ وَرَثَتُهُ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ بِمَجْهُولٍ لِعَدَمِ ثُبُوتِ حَقِّ الْغَيْرِ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي فَقَبْلَ مَوْتِهِ لَا يُجْبَرُ عَلَى بَيَانِهِ، وَبَعْدَ مَوْتِهِ تَعَلَّقَ الْحَقُّ بِتَرِكَتِهِ وَلَا يُمْكِنُ جَبْرُهُ فَيُجْبَرُ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ إحْيَاءً لِحَقٍّ ثَابِتٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَالَ سُدُسُ مَالِي لِفُلَانٍ ثُمَّ قَالَ ثُلُثُ مَالِي لَهُ لَهُ ثُلُثُ مَالِهِ) لِأَنَّ الثُّلُثَ مُتَضَمِّنٌ لِلسُّدُسِ فَيَدْخُلُ فِيهِ فَلَا يَتَنَاوَلُ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ قَالَ سُدُسُ مَالِي لِفُلَانٍ ثُمَّ قَالَ سُدُسُ مَالِي لَهُ لَهُ السُّدُسُ) يَعْنِي سُدُسًا وَاحِدًا سَوَاءٌ قَالَ ذَلِكَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ أَوْ فِي مَجْلِسَيْنِ لِأَنَّ السُّدُسَ ذُكِرَ مُعَرَّفًا بِالْإِضَافَةِ إلَى الْمَالِ، وَالْمُعَرَّفُ إذَا أُعِيدَ مُعَرَّفًا كَانَ الثَّانِي عَيْنَ الْأَوَّلِ، وَهَكَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي قَوْله تَعَالَى {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح: 5] {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح: 6] لَنْ يَغْلِبْ عُسْرٌ يُسْرَيْنَ وَفِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ قَالَ ثُلُثُ مَالِي لِفُلَانٍ، وَسُدُسُ مَالِي لَهُ، وَأَجَازَتْ الْوَرَثَةُ فَلَهُ ثُلُثُ الْمَالِ، وَيَدْخُلُ السُّدُسُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 472 فِيهِ لِأَنَّ الْكَلَامَ الثَّانِي يَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ زِيَادَةَ الثُّلُثِ عَلَى الْأَوَّلِ حَتَّى يَتِمَّ لَهُ السُّدُسُ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ إيجَابَ ثُلُثٍ عَلَى السُّدُسِ حَتَّى يَصِيرَ الْمَجْمُوعُ نِصْفًا. وَعِنْدَ الِاحْتِمَالِ لَا يَثْبُتُ لَهُ إلَّا الْقَدْرُ الْمُتَيَقَّنُ فَيُجْعَلُ السُّدُسُ دَاخِلًا فِي السُّدُسِ حَمْلًا لِكَلَامِهِ عَلَى الْمُتَيَقَّنِ هَذَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الشُّرُوحِ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بَعْدَ ذِكْرِ الدَّلِيلِ عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ هَكَذَا قَالُوا، وَهَذَا كَمَا تَرَى حَمْلَ الْكَلَامِ عَلَى أَحَدِ مُحْتَمَلَيْهِ، وَلَك أَنْ تَقُولَ لَمَّا كَانَ الْكَلَامُ مُحْتَمِلًا لِلْمَعْنَيَيْنِ، وَكَانَ الْقَدْرُ الثَّابِتُ بِهِ يَتَعَيَّنُ عَلَى الِاحْتِمَالَيْنِ الثُّلُثُ قُلْنَا مَا يَثْبُتُ بِهِ مِنْ الْوَصِيَّةِ لِأَنَّ الْمُتَيَقَّنَ ثُبُوتُ الثُّلُثِ بِمَجْمُوعِ الِاحْتِمَالَيْنِ لَا بِأَوَّلِهِمَا إلَى هُنَا كَلَامُهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَوْصَى بِثُلُثِ دَرَاهِمِهِ أَوْ غَنَمِهِ، وَهَلَكَ ثُلُثَاهُ لَهُ مَا بَقِيَ) أَيْ إذَا أَوْصَى بِثُلُثِ دَرَاهِمِهِ أَوْ بِثُلُثِ غَنَمِهِ، وَهَلَكَ ثُلُثَا ذَلِكَ، وَبَقِيَ ثُلُثُهُ، وَهُوَ يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ مَا بَقِيَ مِنْ مَالِهِ فَلَهُ جَمِيعُ مَا بَقِيَ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالْغَنَمِ، وَقَالَ زُفَرُ لَهُ ثُلُثُ مَا بَقِيَ مِنْ ذَلِكَ النَّوْعِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَرِكَةٌ بَيْنَهُمَا، وَالْمَالُ الْمُشْتَرَكُ يَهْلِكُ مَا هَلَكَ مِنْهُ عَلَى الشَّرِكَةِ، وَيَبْقَى الْبَاقِي كَذَلِكَ فَصَارَ كَمَا إذَا أَوْصَى بِهِ أَجْنَاسًا مُخْتَلِفَةً، وَلَنَا أَنَّ حَقَّ بَعْضِهِمْ يُمْكِنُ جَمْعُهُ فِي الْبَعْضِ الْبَاقِي فَصَارَ كَمَا إذَا أَوْصَى بِدِرْهَمٍ أَوْ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ أَوْ بِعَشَرَةِ رُءُوسٍ مِنْ الْغَنَمِ فَهَلَكَ ذَلِكَ الْجِنْسُ كُلُّهُ إلَّا الْقَدْرَ الْمُسَمَّى فَإِنَّهُ يَأْخُذُهُ إذَا كَانَ يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ بَقِيَّةِ مَالِهِ بِخِلَافِ الْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ فِيهَا جَبْرًا فَكَذَا تَقْدِيمًا، وَالْمَالُ الْمُشْتَرَكُ إنَّمَا يَهْلِكُ الْهَالِكُ مِنْهُ عَلَى الشَّرِكَةِ أَنْ لَوْ اسْتَوَى الْحَقَّانِ أَمَّا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مُقَدَّمًا عَلَى الْآخَرِ فَالْهَالِكُ يُصْرَفُ إلَى الْمُؤَخَّرِ كَمَا إذَا كَانَ فِي التَّرِكَةِ دُيُونٌ وَوَصَايَا وَوَرَثَةٌ ثُمَّ هَلَكَ بَعْضُ التَّرِكَةِ فَإِنَّ الْهَالِكَ يُصْرَفُ إلَى الْمُؤَخَّرِ، وَهُوَ الْوَصِيَّةُ وَالْإِرْثُ لِأَنَّ الدَّيْنَ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِمَا، وَهُنَا الْوَصِيَّةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْإِرْثِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 12] فَيُصْرَفُ الْهَلَاكُ إلَى الْإِرْثِ تَقْدِيمًا لِلْوَصِيَّةِ عَلَى وَجْهٍ لَا يُنْقِصُ حَقَّ الْوَرَثَةِ عَلَى الثُّلُثَيْنِ مِنْ جَمِيعِ التَّرِكَةِ لِأَنَّهُ لَا يَسْلَمُ لِلْمُوصَى لَهُ شَيْءٌ حَتَّى يَسْلَمَ لِلْوَرَثَةِ ضِعْفُ ذَلِكَ، وَكَذَا إذَا هَلَكَ الْبَعْضُ فِي الْمُضَارَبَةِ يُصْرَفُ الْهَلَاكُ لِلرِّبْحِ لِأَنَّ رَأْسَ الْمَالِ مُقَدَّمٌ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ الْأَصْلُ فِي هَذَا الْبَابِ أَنْ يَحْتَاجَ إلَى مَعْرِفَةِ الْوَصِيَّةِ الْمُقَيَّدَةِ وَالْمُطْلَقَةِ وَالْعَيْنِ وَالدَّيْنِ كَمَا سَبَكَهُ الْمُؤَلِّفُ وَأَنْوَاعِ الْوَصِيَّةِ بِهِمَا وَأَحْكَامِهَا. قَالَ أَبُو يُوسُفَ الْعَيْنُ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ دُونَ التِّبْرِ وَالْحُلِيِّ وَالْعُرُوضِ وَالثِّيَابِ، وَالدَّيْنُ كُلُّ شَيْءٍ يَكُونُ وَاجِبًا فِي الذِّمَّةِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ حِنْطَةٍ، وَنَحْوُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْعَيْنَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ يَنْصَرِفُ لِلذَّهَبِ وَالْفِضِّيَّةِ الْمَضْرُوبَيْنِ، وَأَمَّا غَيْرُهُمَا فَيُسَمَّى فِي اللُّغَةِ عُرُوضًا وَسِلْعَةً وَحُلِيًّا وَصِيَاغَةً، وَأَمَّا أَنْوَاعُ الْوَصِيَّةِ بِهِمَا فَالْوَصِيَّةُ نَوْعَانِ مُرْسَلَةٌ وَمُقَيَّدَةٌ فَالْمُرْسَلَةُ أَنْ يُوصِيَ بِجُزْءٍ شَائِعٍ مِنْ مَالِهِ نَحْوَ أَنْ يُوصِيَ بِثُلُثِ مَالِهِ وَرُبْعِهِ، وَالْمُقَيَّدَةُ أَنْ يُوصِيَ بِثُلُثِ مَالٍ بِعَيْنِهِ بِأَنْ يُوصِي بِثُلُثِ دَرَاهِمِهِ أَوْ دَنَانِيرِهِ أَوْ بِثُلُثِ الْغَنَمِ فَالْوَصِيَّةُ الْمُقَيَّدَةُ حُكْمُهَا أَنْ يَكُونَ حَقُّهُ مُقَدَّمًا عَلَى حَقِّ الْوَرَثَةِ، وَعَلَى حَقِّ الْوَصِيَّةِ الْمُرْسَلَةِ، وَلَوْ هَلَكَ شَيْءٌ مِنْهَا قَبْلَ الْقِسْمَةِ يُصْرَفُ الْهَلَاكُ إلَى الْوَرَثَةِ لَا إلَى الْمُوصَى لَهُ حَيْثُ كَانَتْ الْوَصَايَا تَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ مَالِ الْمَيِّتِ بِأَنْ كَانَ لَهُ مَالٌ آخَرُ يُعْطَى لِلْمُوصَى لَهُ كُلُّ الْمُوصَى بِهِ لِأَنَّهُ قَيَّدَهَا بِنَوْعٍ مِنْ الْمَالِ فَتَقَيَّدَ بِذَلِكَ النَّوْعِ، وَلِهَذَا لَا يَزْدَادُ حَقُّهُ بِزِيَادَةِ مَالِ الْمَيِّتِ، وَكَذَا لَا يَنْقُصُ بِنُقْصَانِهِ لِأَنَّ حَقَّهُ لَمْ يَثْبُتْ شَائِعًا فِي جَمِيعِ التَّرِكَةِ فَكَانَ حَقُّهُ مُقَدَّمًا عَلَى حَقِّ الْوَرَثَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 12] فَصَارَ الْهَلَاكُ مَصْرُوفًا إلَى الْمُؤَخَّرِ حَقُّهُ لَا إلَى الْمُقَدَّمِ لِأَنَّهُ مَا لَمْ يَفْضُلْ عَنْ الْوَصِيَّةِ لَا يَصِيرُ حَقًّا لِلْوَرَثَةِ. وَإِنَّمَا حُكْمُ الْوَصِيَّةِ الْمُرْسَلَةِ فَهُوَ أَنَّ صَاحِبَهَا بِمَنْزِلَةِ وَاحِدٍ مِنْ الْوَرَثَةِ لِأَنَّ حَقَّهُ ثَبَتَ شَائِعًا فِي جَمِيعِ التَّرِكَةِ حَتَّى يُزَادَ حَقُّهُ بِزِيَادَةِ الْمَالِ، وَيُنْقَصُ بِنُقْصَانِهِ كَحَقِّ الْوَرَثَةِ فَصَارَتْ التَّرِكَةُ كَالْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَرَثَةِ فَمَا تَوَى مِنْ شَيْءٍ مِنْ التَّرِكَةِ يَتْوَى عَلَى الشَّرِكَةِ وَمَا بَقِيَ يَبْقَى عَلَى الشَّرِكَةِ فَكَانَ وَارِثًا حُكْمًا وَمَعْنًى وَمُوصًى لَهُ اسْمًا، وَالْعِبْرَةُ لِلْحُكْمِ وَالْمَعْنَى، وَلِهَذَا لَوْ اجْتَمَعَ فِي التَّرِكَةِ وَصِيَّةٌ مُقَيَّدَةٌ، وَوَصِيَّةٌ مُرْسَلَةٌ تُقَدَّمُ الْوَصِيَّةُ الْمُقَيَّدَةُ ثُمَّ تُقَاسَمُ الْوَصِيَّةُ الْمُرْسَلَةُ مَعَ الْوَرَثَةِ عَلَى قَدْرِ حُقُوقِهِمْ، وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِمَسَائِلِ الْهَلَاكِ وَالِاسْتِحْقَاقِ فَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِثُلُثِ مَالِهِ فَمَا هَلَكَ أَوْ اسْتَحَقَّ فَهُوَ عَلَى الْحَقَّيْنِ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ مُطْلَقَةٌ مُرْسَلَةٌ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْوَصِيَّةَ إلَى جَمِيعِ مَالِهِ عَلَى الْعُمُومِ وَالشُّيُوعِ فَيَكُونُ لَهُ ثُلُثُ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ مَالِهِ فَكَانَ شَرِيكًا فِي التَّرِكَةِ بِمَنْزِلَةِ أَحَدِ الْوَرَثَةِ فَمَا هَلَكَ يَهْلِكُ عَلَى الشَّرِكَةِ فَإِنْ أَوْصَى بِثُلُثِ الدَّرَاهِمِ وَثُلُثِ الدَّنَانِيرِ ثُمَّ هَلَكَ عِشْرُونَ دِينَارًا بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي أَوْ قَبْلَ مَوْتِهِ كَانَ لَهُ ثُلُثُ مَا بَقِيَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 473 نِصْفُهُ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَنَصْفُهُ مِنْ الدَّنَانِيرِ لِأَنَّ هَذِهِ وَصِيَّةٌ مُقَدَّمَةٌ لِأَنَّهُ أَوْصَى لَهُ بِثُلُثِ دَرَاهِمِهِ وَدَنَانِيرِهِ فَقَدْ قَيَّدَ الْوَصِيَّةَ بِنَوْعِ مَالٍ مَخْصُوصٍ، وَلَمْ يُضِفْهَا إلَى مَالٍ مُرْسَلٍ فَكَانَتْ وَصِيَّةً مُقَيَّدَةً فَتَعَلَّقَ بِذَلِكَ الْمَالُ بَقَاءً وَبُطْلَانًا، وَلَوْ كَانَ أَوْصَى بِسُدُسِ الدَّرَاهِمِ وَسُدُسِ الدَّنَانِيرِ أَخَذَ السُّدُسَ كُلَّهُ مِنْ الْبَاقِي لِأَنَّ الْهَلَاكَ مَصْرُوفٌ إلَى حَقِّ الْوَرَثَةِ فَيَبْقَى حَقُّ الْمُوصَى لَهُ فِي سُدُسِ جَمِيعِ الْمَالِ، وَذَلِكَ خَمْسَةُ دَنَانِيرَ كَمَا كَانَ قَبْلَ الْهَلَاكِ فَكَانَ لَهُ خَمْسَةُ دَنَانِيرَ مِنْ الْعَشَرَةِ الْبَاقِيَةِ إذْ أَصْلُهُ ثَلَاثُونَ وَخَمْسُونَ دِرْهَمًا مِنْ الدَّنَانِيرِ، وَكَذَلِكَ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ عَلَى هَذَا. وَإِذَا مَاتَ عَنْ أَلْفٍ وَعَبْدٍ قِيمَتُهُ أَلْفٌ، وَأَوْصَى أَنْ يُعْتَقَ عَبْدُهُ، وَلِرَجُلٍ بِثُلُثِ مَالِهِ، وَلِآخَرَ بِسُدُسِ مَالِهِ فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمْ عَلَى أَحَدَ عَشَرَ لِلْعَبْدِ سِتَّةٌ، وَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ أَرْبَعَةٌ، وَلِآخَرَ وَاحِدٌ فَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يُقْسَمُ عَلَى سَبِيلِ الْعَوْلِ وَالْمُضَارَبَةِ لَا عَلَى سَبِيلِ الْمُنَازَعَةِ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ الْمُنَازَعَةَ لَا تَتَحَقَّقُ هَاهُنَا لِأَنَّهُ لَا يَجْتَمِعُ فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ وَصِيَّتَانِ لِأَنَّ حَقَّ الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ فِي السِّعَايَةِ لَا فِي الرَّقَبَةِ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ بِثُلُثِ مَالٍ مُطْلَقَةً بِمَنْزِلَةِ أَحَدِ الْوَرَثَةِ، وَحَقُّ الْوَرَثَةِ فِي السِّعَايَةِ إذَا كَانَ الْعَبْدُ مُوصًى بِعِتْقِهِ لِأَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَ الْعَبْدَ الْمُوصَى بِعِتْقِهِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ لِأَنَّهُ مُعْتَقُ الْبَعْضِ، وَمُعْتَقُ الْبَعْضِ لَا يَمْلِكُ، وَكَذَلِكَ الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ مُرْسَلًا، وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ حَقُّهُ فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ فَلَا تَنَازُعَ فِي الْعَبْدِ فَيُقْسَمُ عَلَى سَبِيلِ الْعَوْلِ وَالْمُضَارَبَةِ لَا عَلَى سَبِيلِ الْمُنَازَعَةِ، وَالْوَجْهُ فِيهِ أَنْ يَحْتَاجَ إلَى فَرِيضَةٍ لَهَا نِصْفٌ وَثُلُثٌ وَسُدُسٌ لِأَنَّ الْعَبْدَ مُوصًى لَهُ بِنِصْفِ مَالِهِ لِأَنَّ مَالَهُ أَلْفَانِ أَلْفٌ وَعَبْدٌ قِيمَتُهُ أَلْفٌ، وَلِآخَرَ ثُلُثُ مَالِهِ، وَلِآخَرَ سُدُسُ مَالِهِ، وَأَقَلُّ حِسَابٍ يَخْرُجُ مِنْهُ هَذِهِ السِّهَامُ اثْنَا عَشَرَ فَنِصْفُهُ سِتَّةٌ وَثُلُثُهُ أَرْبَعَةٌ، وَسُدُسُهُ سَهْمٌ فَيَكُونُ كُلُّهُ أَحَدَ عَشَرَ فَإِذَا صَارَ الثُّلُثُ عَلَى أَحَدَ عَشَرَ فَصَارَ الْجَمِيعُ ثَلَاثَةً وَثَلَاثِينَ فَلِلْعَبْدِ مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ سِتَّةٌ، وَالْعَبْدُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ نِصْفُهُ، وَذَلِكَ سِتَّةَ عَشَرَ وَنَصْفٌ فَيَعْتِقُ مِنْهُ سِتَّةُ أَجْزَاءٍ، وَيَسْعَى فِي عَشَرَةٍ وَنَصْفِ سَهْمٍ، وَلِلْمُوصَى لَهُ سُدُسُ جُزْءٍ وَاحِدٍ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ مِنْ الثُّلُثِ. وَيَبْقَى اثْنَانِ وَعِشْرُونَ ضِعْفُ ذَلِكَ لِلْوَرَثَةِ فَقَدْ اسْتَقَامَ الثُّلُثُ وَالثُّلُثَانِ، وَلَوْ اُسْتُحِقَّ نِصْفُ الْعَبْدِ، وَضَاعَ نِصْفُ الْأَلْفِ فَالثُّلُثُ عَلَى سِتَّةٍ ثَلَاثَةٌ لِلْعَبْدِ وَسَهْمَانِ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ وَسَهْمٌ لِصَاحِبِ السُّدُسِ لِأَنَّهُ لَمَّا اُسْتُحِقَّ نِصْفُ الْعَبْدِ انْتَقَصَتْ نِصْفُ وَصِيَّةِ الْعَبْدِ فَبَقِيَ وَصِيَّتُهُ فِي ثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ، وَلَمَّا ضَاعَ نِصْفُ الْأَلْفِ انْتَقَصَ نِصْفُ وَصِيَّةِ الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ، وَهُوَ سَهْمَانِ لِأَنَّهَا ضَاعَتْ عَلَيْهِ، وَعَلَى الْوَرَثَةِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ أَحَدِ الْوَرَثَةِ، وَوَصِيَّةُ صَاحِبِ السُّدُسِ بَاقِيَةٌ عَلَى حَالِهَا فِي سَهْمٍ وَاحِدٍ لِأَنَّ وَصِيَّتَهُ مُقَيَّدَةٌ بِأَلْفٍ فَصَارَ الْهَلَاكُ مَصْرُوفًا إلَى الْوَرَثَةِ لِأَنَّ وَصِيَّتَهُ تَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ إذَا كَانَ سُدُسُ الْأَلْفِ بِعَيْنِهَا فَلَمَّا ضَاعَ نِصْفُهَا انْقَلَبَ ثُلُثُهُ سُدُسَ مَا بَقِيَ لِأَنَّ سُدُسَ الْكُلِّ ثُلُثُ النِّصْفِ، وَإِذَا صَارَ ثُلُثُ الْمَالِ سِتَّةً صَارَ الْجَمِيعُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَنَصْفُهُ تِسْعَةٌ فَيَعْتِقُ مِنْ الْعَبْدِ ثَلَاثَةُ أَجْزَاءٍ مِنْ تِسْعَةٍ، وَيَسْعَى فِي سِتَّةٍ فَيُضَمُّ ذَلِكَ إلَى النِّصْفِ الْآخَرِ فَيَصِيرُ كُلُّهُ خَمْسَةَ عَشَرَ لِلْمُوصَى لَهُ بِالسُّدُسِ سَهْمٌ مِنْ تِسْعَةٍ مِنْ الْخَمْسِمِائَةِ الْبَاقِيَةِ يَبْقَى أَرْبَعَةَ عَشَرَ فَيَبْقَى الْمَالُ عَلَى أَرْبَعَةَ عَشَرَ سَهْمَانِ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ، وَاثْنَا عَشَرَ لِلْوَرَثَةِ، وَخَرَّجَهُ مُحَمَّدٌ عَلَى سَبْعَةٍ لِأَنَّ بَيْنَ نَصِيبِ صَاحِبِ الثُّلُثِ وَبَيْنَ الْوَرَثَةِ مُوَافَقَةً بِالنِّصْفِ فَإِنَّ نَصِيبَ صَاحِبِ الثُّلُثِ سَهْمَانِ وَنَصِيبَ الْوَرَثَةِ اثْنَا عَشَرَ وَبَيْنَ الْعَبْدِ وَالدَّيْنِ مُوَافَقَةٌ بِالنِّصْفِ فَاخْتَصَرَ نَصِيبَ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَى نِصْفِهِ فَصَارَ سَبْعَةً. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ رَقِيقًا أَوْ ثِيَابًا أَوْ دُورًا لَهُ ثُلُثُ مَا بَقِيَ) أَيْ إذَا أَوْصَى بِثُلُثِ رَقِيقِهِ أَوْ ثِيَابِهِ أَوْ بِثُلُثِ دُورِهِ فَهَلَكَ ثُلُثَا ذَلِكَ، وَبَقِيَ الثُّلُثُ، وَهُوَ يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ مَا بَقِيَ مِنْ مَالِهِ كَانَ لَهُ ثُلُثُ الْبَاقِي كَمَا قَالَ زُفَرُ لِأَنَّ الْجِنْسَ مُخْتَلِفٌ فَلَا يُمْكِنُ جَمْعُهُ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ عَلَى مَا بَيَّنَّا قَالُوا هَذَا إذَا كَانَتْ الثِّيَابُ مِنْ أَجْنَاسٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الدَّرَاهِمِ، وَكَذَا كُلُّ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ كَالدَّرَاهِمِ لِمَا بَيَّنَّا، وَقِيلَ هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الرَّقِيقِ وَالدُّورِ لِأَنَّهُ لَا يَرَى الْجَبْرَ عَلَى الْمُقَاسَمَةِ فِيهِمَا، وَقِيلَ هَذَا قَوْلُ الْكُلِّ لِأَنَّ الْجَمِيعَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي عَنْ اجْتِهَادٍ عِنْدَهُمَا وَلَا يَتَحَقَّقُ بِدُونِ الْقَضَاءِ بَلْ يَتَعَذَّرُ وَلَا قَضَاءَ هُنَا فَلَمْ يَتَحَقَّقْ الْجَمْعُ إجْمَاعًا، وَالْأَشْبَهُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْخِلَافِ لِأَنَّ كُلَّ مَا أَمْكَنَ جَمْعُهُ بِدُونِ الْقَضَاءِ أَمْكَنَ جَمْعُهُ تَقْدِيرًا، وَهَذَا هُوَ الْفِقْهُ فِي هَذَا الْبَابِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ أَمْكَنَ الْجَمْعُ بِدُونِ الْقَضَاءِ عِنْدَهُمَا فِيمَا إذَا كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِثُلُثِ الدَّرَاهِمِ أَوْ الْغَنَمِ عَلَى مَا بَيَّنَّا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِأَلْفٍ، وَلَهُ عَيْنٌ وَدَيْنٌ فَإِنْ خَرَجَ الْأَلْفُ مِنْ ثُلُثِ الْعَيْنِ دَفَعَ إلَيْهِ) أَيْ إذَا أَوْصَى بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، وَلَهُ عَيْنٌ، وَدَيْنٌ فَإِنْ خَرَجَ مِنْ ثُلُثِ الْعَيْنِ دَفَعَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 474 إلَيْهِ لِأَنَّ إيفَاءَ حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مُمْكِنٌ مِنْ غَيْرِ بَخْسٍ بِأَحَدٍ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ مَتَى كَانَتْ التَّرِكَةُ بَعْضُهَا قَائِمٌ، وَبَعْضُهَا غَيْرُ قَائِمٍ تُقْسَمُ الْقَائِمَةُ بَيْنَ الْوَرَثَةِ، وَالْمُوصَى لَهُ عَلَى السِّهَامِ الَّتِي تُقْسَمُ لَوْ كَانَتْ كُلُّهَا قَائِمَةً اعْتِبَارًا لِلْبَعْضِ بِالْكُلِّ ثُمَّ مَا أَصَابَ الْمَدْيُونَ مِنْ الْعَيْنِ الْقَائِمَةِ مِنْ التَّرِكَةِ جُعِلَ قِصَاصًا بِمَا عَلَيْهِ إذَا كَانَ مَا عَلَيْهِ مِثْلَ حَقِّهِ فِي الْعَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ فَبِقَدْرِهِ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ التَّرِكَةُ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ بِأَنْ كَانَتْ عُرُوضًا، وَالدَّيْنُ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ فَعَنْ رِوَايَةِ الْوَصَايَا أَنَّهُ يَجْعَلُ نَصِيبَهُ قِصَاصًا بِمَا عَلَيْهِ، وَهُوَ الْقِيَاسُ، وَفِي رِوَايَةِ هَذَا الْكِتَابِ يَحْتَبِسُ عَنْهُ مِنْ الْعَيْنِ حَتَّى يُوَفِّيَ مَا عَلَيْهِ اسْتِحْسَانًا فَإِنْ لَمْ يُوَفِّ وَطَلَبَ صَاحِبُ الدَّيْنِ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَبِيعَ نَصِيبَهُ يَبِيعُ الْقَاضِي، وَيَقْضِي مِنْ ثَمَنِهِ دَيْنًا ثُمَّ الْمَسَائِلُ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى فُصُولٍ: فَصْلٌ فِي الْوَصِيَّةِ بِالسِّهَامِ فِي الْعَيْنِ وَالدَّيْنِ، وَفَصْلٌ فِي الْوَصِيَّةِ بِالدَّرَاهِمِ وَالسِّهَامُ مُعَيَّنَةٌ، وَفَصْلٌ بِالْوَصِيَّةِ بِالدَّرَاهِمِ وَالْعُرُوضِ رَجُلٌ مَاتَ وَتَرَكَ ابْنَيْنِ، وَمِائَةَ دِرْهَمٍ عَيْنًا وَمِائَةَ دِينَارٍ عَلَى أَحَدِ ابْنَيْهِ، وَأَوْصَى لِرَجُلٍ بِالثُّلُثِ كَانَ لَهُ نِصْفُ الْعَيْنِ، وَالنِّصْفُ لِغَيْرِ الْمَدِينِ لِأَنَّ الْعَيْنَ تُقْسَمُ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا ثُلُثُهُ لِلْمُوصَى لَهُ وَثُلُثُهُ لِمَنْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ وَثُلُثُهُ لِلدَّيْنِ إلَّا أَنَّ الْمَدِينَ لَا يُعْطِيهِ نَصِيبَهُ لِأَنَّ مَا عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِمَّا لَهُ، وَالتَّرِكَةُ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ فَيُحْسَبُ مَا لَهُ قِصَاصًا بِمَا عَلَيْهِ لِأَنَّ مَا عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِمَّا لَهُ، وَالتَّرِكَةُ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ فَإِنَّ مَا يَخُصُّ الِابْنَ الْمَدِينَ ذَهَبَ بِحِصَّتِهِ مِمَّا عَلَيْهِ سِتَّةٌ وَسِتُّونَ وَثُلُثَانِ، وَيُؤَدِّي ثَلَاثَةً وَثَلَاثِينَ وَثُلُثًا بَيْنَ الِابْنِ غَيْرِ الْمَدِينِ، وَالْمُوصَى لَهُ نِصْفَيْنِ لِأَنَّ حَقَّهُمَا سِيَّانِ، وَلَوْ أَوْصَى بِرُبُعِ الْعَيْنِ، وَالدَّيْنِ كَانَ لَهُ نِصْفُ الْعَيْنِ لِأَنَّ جَمِيعَ مَالِ الْمَيِّتِ مِائَتَا دِرْهَمٍ لِلْمُوصَى لَهُ رُبُعُهُ. وَذَلِكَ خَمْسُونَ يَبْقَى مِائَةٌ وَخَمْسُونَ لِكُلِّ ابْنٍ خَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ إلَّا أَنَّهُ لَا يُعْطَى لِلْمَدِينِ شَيْءٌ مِنْ الْعَيْنِ بَلْ يُطْرَحُ عَنْهُ نَصِيبُهُ مِنْ الدَّيْنِ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي ذَلِكَ فَيَطْرَحُ مِمَّا عَلَيْهِ نَصِيبَهُ، وَذَلِكَ خَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ، وَيُؤَدِّي مَا بَقِيَ عَلَيْهِ، وَهُوَ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ، وَيَقْسِمُ ذَلِكَ مَعَ الْمِائَةِ الْعَيْنَ بَيْنَ الْمُوصَى لَهُ وَبَيْنَ غَيْرِ الْمَدِينِ عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ سَهْمَانِ لِلْمُوصَى لَهُ، وَذَلِكَ خَمْسَةٌ، وَثَلَاثَةُ أَخْمَاسِهِ لِلِابْنِ الَّذِي لَا دَيْنَ عَلَيْهِ، وَيَبْرَأُ الْمَدِينُ عَنْ مِثْلِهَا فَرَّقَ بَيْنَ الْوَصِيَّةِ بِخُمُسٍ مُطْلَقٍ وَبَيْنَ الْوَصِيَّةِ بِخُمُسٍ مُقَيَّدٍ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْعَيْنِ وَالدَّيْنِ وَصِيَّةٌ مُقَيَّدَةٌ، وَالْمُوصَى لَهُ الْمُقَيَّدُ يَضْرِبُ بِجَمِيعِ وَصِيَّتِهِ يَوْمَ الْمَوْتِ إذَا كَانَتْ وَصِيَّتُهُ تَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ لِمَا بَيَّنَّا، وَهَذَا وَصِيَّتُهُ تَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ لِأَنَّ وَصِيَّتَهُ مِنْ الْعَيْنِ وَالدَّيْنِ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا مِنْهُمَا، وَقَدْ خَرَجَ مِنْ الْعَيْنِ قَدْرُ وَصِيَّتِهِ، وَزِيَادَةٌ فَيَأْخُذُ وَصِيَّتَهُ مِنْ الْعَيْنِ، وَذَلِكَ أَرْبَعُونَ، وَأَمَّا الْمُوصَى لَهُ الْمُطْلَقُ يَضْرِبُ فِي الْمَالِ بِقَدْرِ عُشْرِ مَالِهِ فِي الْعَيْنِ يَوْمَ الْقِسْمَةِ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الْعَيْنِ الْمُطْلَقِ الْمُرْسَلِ لَا فِي الْعَيْنِ فَيَكُونُ لَهُ خُمُسُ الْمَالِ الْمُرْسَلِ، وَذَلِكَ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ مِنْ الْعَيْنِ، وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِرُبُعِ مَالِهِ، وَلِآخَرَ بِثُلُثِ مَالِهِ كَانَ نِصْفُ الْعَيْنِ بَيْنَهُمَا عَلَى ثَمَانِيَةٍ لِصَاحِبِ الرُّبُعِ أَرْبَعَةٌ، وَأَرْبَعَةٌ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ لِأَنَّ أَصْلَ الْفَرِيضَةِ مِنْ ثَلَاثَةٍ إذَا لَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ سَهْمُ الْمُوصَى لَهُ بَقِيَ سَهْمَانِ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ نِصْفَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ سَهْمٌ لِأَنَّ مَا يُصِيبُ الْمَدِينُ مِنْ الْعَيْنِ يُطْرَحُ لِأَنَّ مَا عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِمَّا لَهُ. وَاقْسِمْ الْمِائَةَ الْعَيْنَ بَيْنَ الِابْنِ غَيْرِ الْمَدِينِ وَبَيْنَ الْمُوصَى لَهُمَا نِصْفَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ خَمْسُونَ، وَيُحْسَبُ لِلِابْنِ الْمَدِينِ مَا عَلَيْهِ خَمْسُونَ مِثْلَ مَا حَصَلَ لِلِابْنِ غَيْرِ الِابْنِ فَصَارَ الْعَيْنُ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا مِائَةً وَخَمْسِينَ مِائَةُ عَيْنٍ حَقِيقَةً وَخَمْسُونَ عَيْنٍ حُكْمًا، وَهُوَ قَدْرُ مَا اسْتَوْفَاهُ الِابْنُ الْمَدِينُ، وَبَقِيَ عَلَى الْمَدِينِ خَمْسُونَ نَاوِيًا مَا دَامَ مُعْتَبَرًا فَلَا بُدَّ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ ثُمَّ مَا أَصَابَ الْمُوصَى لَهُ مِنْ نِصْفِ الْعَيْنِ يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا عَلَى سَبْعَةٍ لِأَنَّ أَقَلَّ حِسَابٍ لَهُ ثُلُثٌ وَرُبُعٌ اثْنَا عَشَرَ فَحَقُّ الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ فِي أَرْبَعَةٍ، وَحَقُّ الْمُوصَى لَهُ بِالرُّبُعِ فِي ثَلَاثَةٍ فَصَارَ جَمِيعُ ذَلِكَ سَبْعَةً فَاقْسِمْ الثُّلُثَ عَلَى سَبْعَةٍ أَرْبَعَةٌ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ وَثَلَاثَةٌ لِصَاحِبِ الرُّبُعِ فَإِنْ أَيْسَرَ الِابْنُ الْمَدِينُ، وَقَدَرَ عَلَى الْأَدَاءِ اُعْتُبِرَ الْمَالُ كُلُّهُ فَيَكُونُ بَيْنَ الْوَرَثَةِ، وَالْمُوصَى لَهُمَا أَثْلَاثًا ثُمَّ مَالُ الْمُوصَى لَهُمَا بَيْنَهُمَا عَلَى سَبْعَةٍ لِأَنَّهُ لَمَّا أَيْسَرَ ظَهَرَ أَنَّ مَالَ الْمَيِّتِ كَانَ مِائَتَيْنِ فَيَكُونُ ثُلُثُ مَالِهِ سِتَّةً وَسِتِّينَ وَثَلَاثِينَ فَيُقْسَمُ دَيْنُ الْمُوصَى لَهُمَا عَلَى سَبْعَةٍ كَمَا وَصَفْنَا، وَإِذَا كَانَ لَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ عَيْنًا وَدَيْنًا عَلَى امْرَأَتِهِ ثُمَّ مَاتَ، وَتَرَكَ امْرَأَتَهُ وَابْنَهُ، وَأَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِرَجُلٍ قَسَمَ الْعَيْنَ بَيْنَ الِابْنِ، وَالْمُوصَى لَهُ عَلَى أَحَدَ عَشَرَ لِلْمُوصَى لَهُ أَرْبَعَةٌ فَإِنْ قَدَرَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى الْأَدَاءِ كَانَ لِلْمُوصَى لَهُ ثُلُثُ كُلِّ الْمَالِ سِتَّةٌ وَسِتُّونَ وَثُلُثَانِ، وَلِلْمَرْأَةِ ثُمْنُ الْبَاقِي سِتَّةَ عَشَرَ وَثُلُثَانِ تُؤَدِّي الْفَضْلَ فَإِذَا أَدَّتْ قُسِمَ بَيْنَ الِابْنِ وَالْمُوصَى لَهُ عَلَى أَحَدَ عَشَرَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَّا فَثُلُثُ الْعَيْنِ، وَكُلَّمَا خَرَجَ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ لَهُ ثُلُثُهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 475 الْأَلْفَ) أَيْ إنْ لَمْ يَخْرُجْ الْأَلْفُ مِنْ ثُلُثِ الْعَيْنِ دُفِعَ إلَى الْمُوصَى لَهُ ثُلُثُ الْعَيْنِ ثُمَّ كُلَّمَا أُخْرِجَ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ دُفِعَ إلَيْهِ ثُلُثُهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ. وَهُوَ الْأَلْفُ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ شَرِيكُ الْوَارِثِ فِي الْحَقِيقَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُسَلَّمُ لَهُ شَيْءٌ حَتَّى يُسَلَّمَ لِلْوَرَثَةِ ضِعْفُهُ، وَفِي تَخْصِيصِهِ بِالْعَيْنِ بَخْسٌ فِي الْوَرَثَةِ لِأَنَّ الْعَيْنَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الدَّيْنِ، وَلِأَنَّ الدَّيْنَ لَيْسَ بِمَالٍ فِي مُطْلَقِ الْحَالِ، وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ أَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ، وَلَهُ دَيْنٌ عَلَى النَّاسِ لَا يَحْنَثُ، وَإِنَّمَا يَصِيرُ مَالًا عِنْدَ الِاسْتِيفَاءِ، وَبِاعْتِبَارِهِ تَتَنَاوَلُهُ الْوَصِيَّةُ فَيَعْتَدِلُ النَّظَرُ بِقِسْمَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الدَّيْنِ وَالْعَيْنِ أَثْلَاثًا هَذَا إذَا أَوْصَى لِوَاحِدٍ فَلَوْ أَوْصَى لِاثْنَيْنِ قَالَ فِي الْأَصْلِ فِي الْوَصِيَّةِ بِالدَّيْنِ وَالْعَيْنِ وَالثِّيَابِ وَالْمَتَاعِ وَالسِّلَاحِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْحَدِيدِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ ذَكَرَ فِي فَتَاوَى الْفَضْلِ إذَا كَانَ رَجُلٌ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ الدَّيْنِ لِرَجُلٍ، وَالْآخَرُ بِثُلُثِ مَالِهِ الْعَيْنِ وَالْعَيْنُ وَالدَّيْنُ مِائَةٌ اقْتَسَمَا ثُلُثَ مِائَةِ الْعَيْنِ نِصْفَيْنِ فَإِنْ خَرَجَ مِنْ الدَّيْنِ خَمْسُونَ ضُمَّ إلَى الْعَيْن، وَكَانَ ثُلُثُهُ جَمِيعَ ذَلِكَ بَيْنَهُمَا عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ، وَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ الْعَيْنِ لِرَجُلٍ، وَبِثُلُثِ الْعَيْنِ لِرَجُلٍ آخَرَ، وَالدَّيْنُ لِآخَرَ، وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ الدَّيْنِ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ اقْتَسَمَا ثُلُثَ ذَلِكَ خَمْسُونَ دِرْهَمًا بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى خَمْسَةٍ أَيْضًا، وَإِذَا كَانَ لِرَجُلٍ مِائَةُ دِرْهَمٍ عَيْنًا، وَمِائَةُ دِرْهَمٍ دَيْنًا عَلَى أَجْنَبِيٍّ فَأَوْصَى الرَّجُلُ بِثُلُثِ مَالِهِ لِرَجُلٍ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ ثُلُثَ الْعَيْنِ ذَكَرَ فِي فَتَاوَى الْفَضْلِ أَنَّ مَنْ أَوْصَى بِدَيْنٍ لَهُ عَلَى رَجُلٍ أَنْ يُصْرَفَ عَلَى وُجُوهِ الْبِرِّ تَعَلَّقَتْ الْوَصِيَّةُ بِالدَّيْنِ. فَإِنْ وَهَبَ بَعْضَ الدَّيْنِ لِمَدْيُونِهِ بَعْدَ ذَلِكَ تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ بِقَدْرِ مَا وَهَبَ كَأَنَّهُ رُجُوعٌ عَنْ وَصِيَّتِهِ بِذَلِكَ الْقَدْرِ قَالَ الْبَقَّالِيُّ، وَتَدْخُلُ الْحِنْطَةُ فِي الدَّيْنِ قَالَ هُوَ، وَيَدْخُلُ فِي الْوَصِيَّةِ بِالْعَيْنِ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِثُلُثِهِ لِزَيْدٍ وَعَمْرٍو، وَهُوَ مَيِّتٌ فَلِزَيْدٍ كُلُّهُ) أَيْ إذَا أَوْصَى لِزَيْدٍ وَعَمْرٍو بِثُلُثِ مَالِهِ، وَعَمْرٌو مَيِّتٌ فَالثُّلُثُ كُلُّهُ لِزَيْدٍ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْوَصِيَّةِ فَلَا يُشَارِكُ الْحَيَّ الَّذِي هُوَ أَهْلٌ كَمَا إذَا أَوْصَى لِزَيْدٍ بِجِدَارٍ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِمَوْتِهِ كَانَ لَهُ نِصْفُ الثُّلُثِ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ عِنْدَهُ صَحِيحَةٌ لِعَمْرٍو فَلَمْ يُوصِ لِلْحَيِّ إلَّا بِنِصْفِ الثُّلُثِ بِخِلَافِ مَا إذَا عَلِمَ بِمَوْتِهِ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لِعَمْرٍو لَمْ تَصِحَّ فَكَانَ رَاضِيًا بِكُلِّ الثُّلُثِ لِلْحَيِّ هَذَا إذَا كَانَ الْمُزَاحِمُ مَعْدُومًا مِنْ الْأَصْلِ أَمَّا إذَا خَرَجَ الْمُزَاحِمُ بَعْدَ صِحَّةِ الْإِيجَابِ يَخْرُجُ بِحِصَّتِهِ وَلَا يَسْلَمُ لِلْآخَرِ كُلُّ الثُّلُثِ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ صَحَّتْ لَهُمَا، وَتَثْبُتُ الشَّرِكَةُ بَيْنَهُمَا فَبُطْلَانُ حَقِّ أَحَدِهِمَا بَعْدَ ذَلِكَ لَا يُوجِبُ زِيَادَةَ حَقِّ الْآخَرِ، مِثَالُهُ إذَا قَالَ ثُلُثُ مَالِي لِفُلَانٍ وَلِفُلَانِ ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ إنْ مِتّ، وَهُوَ فَقِيرٌ فَمَاتَ الْمُوصِي، وَفُلَانُ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ غَنِيٌّ كَانَ لِفُلَانٍ نِصْفُ الثُّلُثِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ ثُلُثُ مَالِي لِفُلَانٍ إنْ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ فِي الْبَيْتِ، وَلَمْ يَكُنْ عَبْدُ اللَّهِ فِي الْبَيْتِ كَانَ لِفُلَانٍ نِصْفُ الثُّلُثِ لِأَنَّ بُطْلَانَ اسْتِحْقَاقِهِ لِفَقْدِ شَرْطِهِ لَا يُوجِبُ الزِّيَادَةَ فِي حَقِّ الْآخَرِ، وَمَتَى لَمْ يَدْخُلْ فِي الْوَصِيَّةِ لِفَقْدِ الْأَهْلِيَّةِ كَانَ الْكُلُّ لِلْآخَرِ، وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ فِي بَعْضِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ. وَفِي الزِّيَادَاتِ أَصْلُهُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ مَتَى أُضِيفَتْ إلَى شَخْصَيْنِ مُعَيَّنَيْنِ إنْ كَانَا أَهْلًا لِلِاسْتِحْقَاقِ كَانَ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الْإِيجَابَ لَهُمَا قَدْ صَحَّ لِوُجُودِ الْأَهْلِيَّةِ فِيهِمَا عِنْدَ الْإِيجَابِ، وَإِنْ انْعَدَمَتْ أَهْلِيَّةُ أَحَدِهِمَا عِنْدَ الِاسْتِحْقَاقِ بِالْمَوْتِ فَتَثْبُتُ الْمُزَاحَمَةُ فِي الْإِيجَابِ بِسَبَبِ إيجَابِ النِّصْفِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمَا لَوْ أَوْصَى بِالثُّلُثِ لِأَجْنَبِيٍّ، وَلِوَارِثِهِ لَمْ يَكُنْ لِلْأَجْنَبِيِّ إلَّا نِصْفُ الثُّلُثِ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ الِاسْتِحْقَاقُ لِصِحَّةِ الْإِيجَابِ لَهُمَا لِوُجُودِ الْأَهْلِيَّةِ فِيهِمَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا أَهْلًا لِلِاسْتِحْقَاقِ عِنْدَ الْإِيجَابِ كَانَ الثُّلُثُ كُلُّهُ لِلْأَهْلِ كَمَا لَوْ أَوْصَى بِالثُّلُثِ لِفُلَانٍ وَلِحَائِطٍ وَلَوْ قَالَ أَوْصَيْت بِثُلُثِ مَالِي بَيْنَ فُلَانٍ وَفُلَانٍ، وَأَحَدُهُمَا مَيِّتٌ فَنِصْفُ الثُّلُثِ لِلْآخَرِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ بَيْنَ فُلَانٍ وَبَيْنَ هَذَا، وَأَشَارَ إلَى حَائِطٍ وَنَحْوِهِ لِأَنَّ كَلِمَةَ بَيْنَ تَقْتَضِي الِاشْتِرَاكَ أَوْ التَّنْصِيفَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ ثُلُثُ مَالِي بَيْنَ فُلَانٍ وَفُلَانٍ، وَسَكَتَ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا نِصْفُ الثُّلُثِ، وَكَلِمَةُ بَيْنَ مَلْفُوظٌ سَوَاءٌ كَانَا حَيَّيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا حَيٌّ، وَالْآخَرُ مَيِّتٌ فَكَانَ الِاشْتِرَاكُ بِمُوجِبِ اللَّفْظِ لَا بِحُكْمِ الْمُزَاحَمَةِ فِي الْمَحِلِّ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ ثُلُثُ مَالِي لِفُلَانٍ وَفُلَانٍ، وَأَحَدُهُمَا مَيِّتٌ لِأَنَّ الِاشْتِرَاكَ وَالتَّنْصِيفَ هُنَا بِحُكْمِ الْمُزَاحَمَةِ لَا بِمُوجَبِ اللَّفْظِ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَقْتَضِي الْإِفْرَادَ بِالْكُلِّ لِمَا بَيَّنَّا، وَلَوْ قَالَ ثُلُثُ مَالِي لِفُلَانٍ، وَلِعَقِبِهِ ثُمَّ مَاتَ الْمُوصِي فَالثُّلُثُ كُلُّهُ لِفُلَانٍ وَالْوَصِيَّةُ لِعَقِبِهِ بَاطِلَةٌ لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الْمَوْجُودِ وَالْمَعْدُومِ فِي الْإِيجَابِ لِأَنَّ عَقِبَ فُلَانٍ مَنْ يَخْلُفُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ فَلَا يُتَصَوَّرُ لَهُ عَقِبٌ فِي حَيَاتِهِ. وَاسْتِحْقَاقُهُ الْوَصِيَّةَ حَالَ حَيَاةِ الْمُوصَى لَهُ، وَالْعَقِبُ مَعْدُومٌ، وَالْإِيجَابُ لِلْمَعْدُومِ لَا يَصِحُّ، وَلَوْ قَالَ لِفُلَانٍ، وَلِوَلَدِ عَبْدِ اللَّهِ فَالثُّلُثُ كُلُّهُ لِفُلَانٍ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لِوَلَدِ عَبْدِ اللَّهِ إنَّمَا تَتَنَاوَلُ وَلَدَهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 476 عِنْدَ مَوْتِ الْمُوصِي لَا عِنْدَ الْإِيصَاءِ لِأَنَّهُ أَرْسَلَ الْمُوصَى لَهُ، وَلَوْ أَرْسَلَ الْمُوصَى بِهِ فَقَالَ ثُلُثُ مَالِي لِفُلَانٍ فَيَنْصَرِفُ إلَى ثُلُثِ مَالِهِ يَوْمَ مَوْتِ الْمُوصِي لَا يَوْمَ الْوَصِيَّةِ فَكَذَلِكَ الْمُوصَى لَهُ وَلَا وَلَدَ لِعَبْدِ اللَّهِ يَوْمَ مَوْتِ الْمُوصِي فَلَا يَصِحُّ إيجَابُ الْوَصِيَّةِ لَهُ فَصَارَ كَأَنَّهُ أَوْصَى لِفُلَانٍ لَا غَيْرُ، وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ الْعَيْنَ تُعْرَفُ بِالْإِشَارَةِ إلَيْهَا لَا بِالصِّفَةِ فَلَمْ يُشْتَرَطْ الْوَصْفُ لِتَنَاوُلِ الْإِيجَابِ وَغَيْرِهِ، وَالدَّيْنُ إنَّمَا يُعْرَفُ بِصِفَتِهِ، وَإِنَّمَا يَتَنَاوَلُ الْإِيجَابَ إذَا وُجِدَ فِيهِ تِلْكَ الصِّفَةُ عِنْدَ مَوْتِ الْمُوصِي فَلَمْ تُوجَدْ الصِّفَةُ فَلَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْإِيجَابُ فَكَانَ الثُّلُثُ لِلْآخَرِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ ثُلُثُ مَالِي لِفُلَانٍ إنْ مِتّ، وَهُوَ حُرٌّ، وَلِفُلَانِ بْنِ فُلَانٍ فَإِنْ مَاتَ، وَهُوَ حُرٌّ فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ مَوْتِهِ كَانَ لِلثَّانِي النِّصْفُ لَا غَيْرُ لِمَا قُلْنَا، وَلَوْ قَالَ ثُلُثُ مَالِي لِفُلَانٍ، وَلِمَنْ افْتَقَرَ مِنْ وَلَدِ فُلَانٍ ثُمَّ مَاتَ الْمُوصِي، وَوَلَدُ فُلَانٍ كُلُّهُمْ أَغْنِيَاءُ فَالثُّلُثُ كُلُّهُ لِفُلَانٍ لِأَنَّهُ ضَمَّ إلَى فُلَانٍ شَخْصًا مَوْصُوفًا بِأَنَّهُ فَقِيرٌ وَمَا أَشَارَ إلَى الْعَيْنِ فَيَكُونُ مُرْسَلًا لَا مُعَيَّنًا فَتَتَعَيَّنُ فِيهِ حَالَ الْمَوْتِ لَا وَقْتَ الْإِيصَاءِ، وَقَوْلُهُ لِمَنْ افْتَقَرَ يَتَنَاوَلُ مَنْ احْتَاجَ بَعْدَ أَنْ كَانَ غَنِيًّا دُونَ مَنْ كَانَ فَقِيرًا مِنْ الْأَصْلِ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ إنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِيمَنْ احْتَاجَ بَعْدَ الْغَنَاءِ. وَفِي الْمَبَرَّةِ مَعَهُ زِيَادَةُ ثَوَابٍ، وَقَدْ نَدَبَ الشَّرْعُ إلَيْهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَكْرِمُوا ثَلَاثَةً عَزِيزَ قَوْمٍ ذَلَّ وَغَنِيًّا افْتَقَرَ وَعَالِمًا بَيْنَ جُهَّالٍ» فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلْمُوصِي قَصْدٌ بِالتَّخْصِيصِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ، وَلَوْ أَوْصَى لِامْرَأَتِهِ بِأَحَدِ الْعَبْدَيْنِ، وَلِلْأَجْنَبِيِّ بِالْآخَرِ كَانَ لِلْأَجْنَبِيِّ ثُلُثَا عَبْدِهِ يَبْدَأُ بِهِ أَرْبَعَةً مِنْ سِتَّةٍ فَصَارَ كُلُّ عَبْدٍ عَلَى سِتَّةٍ، وَكِلَاهُمَا اثْنَا عَشَرَ، وَلِلْمَرْأَةِ رُبُعُ مَا بَقِيَ مِنْ الْعَبْدَيْنِ سَهْمَانِ مِنْ ثَمَانِيَةٍ بِالْمِيرَاثِ سَهْمٌ وَنَصْفٌ مِنْ عَبْدِهِمَا وَنَصْفُ سَهْمٍ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ يَبْقَى لَهُمَا مِنْ وَصِيَّتِهَا أَرْبَعَةٌ وَنَصْفٌ، وَيَبْقَى لِلْأَجْنَبِيِّ مِنْ وَصِيَّتِهِ اثْنَانِ فَيَضْرِبُ كُلُّ وَاحِدٍ بِذَلِكَ فِي السِّتَّةِ الْبَاقِيَةِ فَإِذَا أَرَدْت تَصْحِيحَ الْفَرِيضَةِ جَعَلْت كُلَّ عَبْدٍ مِائَةً وَسِتَّةً وَخَمْسِينَ سَهْمًا لِأَنَّ الْبَاقِيَ لِلْمَرْأَةِ أَرْبَعَةٌ، وَلِلْأَجْنَبِيِّ سَهْمَانِ فَيَكُونُ سِتَّةً وَنَصْفًا فَانْكَسَرَ بِالنِّصْفِ فَأَضْعَفَ لِيَزُولَ الْكَسْرُ فَصَارَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ فَإِذَا صَارَ نِصْفُ الْمَالِ عَلَى ثَلَاثَةَ عَشَرَ صَارَ الْكُلُّ سِتَّةً وَعِشْرِينَ فَاضْرِبْ أَصْلَ الْحِسَابِ، وَذَلِكَ اثْنَا عَشَرَ فِي سِتَّةٍ وَعِشْرِينَ فَيَصِيرُ ثَلَاثَمِائَةٍ وَخَمْسِينَ يَأْخُذُ الْمُوصَى لَهُ مِائَةً وَأَرْبَعَةً، وَالْبَاقِي لِلْمَرْأَةِ بِوَصِيَّتِهَا وَمِيرَاثِهَا لِأَنَّ الْأَجْنَبِيَّ يَأْخُذُ أَوَّلًا ثُلُثَيْ عَبْدِهِ، وَذَلِكَ مِائَةٌ وَأَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ، وَتَأْخُذُ الْمَرْأَةُ رُبُعَ مَا بَقِيَ، وَذَلِكَ اثْنَانِ وَخَمْسُونَ بَقِيَ مِائَةٌ وَخَمْسَةٌ وَسِتُّونَ سَهْمًا يُقْسَمُ بَيْنَهُمْ عَلَى ثَلَاثَة [] سَهْمًا تِسْعَةُ أَسْهُمٍ مِنْ ذَلِكَ، وَذَلِكَ ثَلَاثُمِائَةٍ وَثَمَانِيَةٌ، وَأَرْبَعُونَ لِلْأَجْنَبِيِّ مِنْ عَبْدِهِ الْمُوصَى بِهِ لَهُ فَإِذَا ضَمَمْت ذَلِكَ إلَى مِائَةٍ، وَأَرْبَعَةٍ صَارَ كُلٌّ مِائَتَيْنِ وَاثْنَيْنِ وَخَمْسِينَ. أَصْلُهُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْقَاتِلِ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ حَتَّى لَا تَجُوزَ إلَّا بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا لَا تَجُوزُ أَصْلًا لِمَا يَأْتِي فِي بَابِهِ، وَإِذَا أَوْصَى بِمَالِهِ كُلِّهِ لِقَاتِلِهِ وَلَا وَارِثَ لَهُ، وَبِكُلِّهِ لِأَجْنَبِيٍّ قِيلَ لِلْأَجْنَبِيِّ ثُلُثُ الْمَالِ، وَالثُّلُثُ لِلْقَاتِلِ لِأَنَّ ثُلُثَيْ الْمَالِ صَارَ مُسْتَحَقًّا لِلْأَجْنَبِيِّ بِوَصِيَّةٍ قَوِيَّةٍ، وَالْمُسْتَحَقُّ بِالْوَصِيَّةِ الْقَوِيَّةِ تَبْطُلُ فِيهِ الْوَصِيَّةُ الضَّعِيفَةُ ضَرْبًا، وَاسْتِحْقَاقًا يَبْقَى ثُلُثُ الْمَالِ اسْتَوَتْ وَصِيَّتُهُمَا فِيهِ لِأَنَّ وَصِيَّتَهُمَا فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ ضَعِيفَةٌ حَتَّى لَا تَنْفُذَا بِإِجَازَةِ الْوَارِثِ فَإِذَا تَسَاوَيَا فِي الْوَصِيَّةِ تَسَاوَيَا فِي الْقِسْمَةِ، وَإِذَا مَاتَتْ امْرَأَةٌ، وَتَرَكَتْ زَوْجَهَا، وَأَوْصَتْ لِأَجْنَبِيٍّ بِثُلُثِ مَالِهَا، وَلِقَاتِلِهَا بِمَالِهَا لِلزَّوْجِ ثُلُثَاهُ، وَالثُّلُثُ الْبَاقِي بَيْنَ الْأَجْنَبِيِّ وَالْقَاتِلِ أَثْلَاثًا عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِلْقَاتِلِ مِنْهُ سَهْمَانِ، وَيَكُونُ الْمَالُ كُلُّهُ مِنْ تِسْعَةٍ لِلْأَجْنَبِيِّ أَوَّلًا ثَلَاثَةً، وَلِلزَّوْجِ ثَلَاثَةً لِلْأَجْنَبِيِّ سَهْمٌ، وَلِلْقَاتِلِ سَهْمَانِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِأَنَّ عِنْدَهُ الْقَاتِلُ لَا يَضْرِبُ بِمَا صَارَ مُسْتَحَقًّا لِلزَّوْجِ بِالْمِيرَاثِ، وَإِنَّمَا يَضْرِبُ بِمَا بَقِيَ، وَهُوَ الثُّلُثُ، وَلِلْأَجْنَبِيِّ كَذَلِكَ فَصَارَ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَالْقِسْمَةُ مِنْ سِتَّةٍ لِلْأَجْنَبِيِّ النِّصْفُ ثَلَاثَة، وَلِلزَّوْجِ سَهْمَانِ، وَلِلْقَاتِلِ سَهْمٌ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ لِلْقَاتِلِ أَبَدًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَارِثٌ، وَتَبَيَّنَ أَنَّهَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا وَارِثٌ غَيْرُ الزَّوْجِ جَازَ إقْرَارُهَا لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ صِحَّةِ إقْرَارِ الْمَرِيضِ لِوَارِثِهِ حَقُّ سَائِرِ الْوَرَثَةِ حَتَّى لَوْ صَدَّقُوهُ كَانَ الْإِقْرَارُ صَحِيحًا، وَقَدْ فُقِدَ الْمَانِعُ هَذَا لِانْعِدَامِ الْوَارِثِ لَهَا فَصَحَّ إقْرَارُهَا. وَإِذَا قَتَلَهَا زَوْجُهَا وَأَجْنَبِيٌّ عَمْدًا ثُمَّ عَفَتْ عَنْهُمَا فَأَوْصَتْ لِلْأَجْنَبِيِّ بِنِصْفِ مَالِهَا جَازَتْ الْوَصِيَّةُ وَلَا مِيرَاثَ لِلزَّوْجِ لِأَنَّهُ قَاتِلُهَا، وَالْقَتْلُ الْعَمْدُ يَحْرِمُ مِنْ الْمِيرَاثِ فَقَدْ الْتَحَقَتْ بِمَنْ لَا وَارِثَ لَهَا أَصْلًا فَجَازَتْ الْوَصِيَّةُ لِلْقَاتِلِ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ جَوَازِ الْوَصِيَّةِ وُجُودُ الْوَارِثِ وَلَا وَارِثَ لَهَا فَفُقِدَ الْمَانِعِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ قَالَ بَيْنَ زَيْدٍ وَعَمْرٍو لِزَيْدٍ نِصْفُهُ) أَيْ إذَا قَالَ ثُلُثُ مَالِي بَيْنَ زَيْدٍ وَعَمْرٍو، وَعَمْرٌو مَيِّتٌ كَانَ لِزَيْدٍ نِصْفُ الثُّلُثِ لِأَنَّ كَلِمَةَ بَيْنَ تُوجِبُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 477 التَّنْصِيفَ فَلَا يَتَكَامَلُ لِعَدَمِ الْمُزَاحَمَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لِفُلَانٍ وَفُلَانٍ فَبَانَ أَحَدُهُمَا مَيِّتًا حَيْثُ يَكُونُ لِلْحَيِّ كُلُّ الثُّلُثِ لِأَنَّ الْجُمْلَةَ الْأُولَى كَلَامٌ يَقْتَضِي الِاخْتِصَاصَ بِالْحُكْمِ لِأَنَّ الْعَطْفَ يَقْتَضِي الْمُشَارَكَةَ فِي الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ، وَالْمَذْكُورُ وَصِيَّةٌ بِكُلِّ الثُّلُثِ، وَالتَّنْصِيفُ بِكُلِّ الْمُزَاحَمَةِ فَإِنْ زَالَتْ الْمُزَاحَمَةُ تَكَامَلَ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ قَالَ ثُلُثُ مَالِي لِفُلَانٍ، وَسَكَتَ كَانَ لَهُ جَمِيعُ الثُّلُثِ، وَلَوْ قَالَ ثُلُثُ مَالِي بَيْنَ فُلَانٍ وَسَكَتَ لَمْ يَسْتَحِقَّ الثُّلُثَ كُلَّهُ بَلْ نِصْفَهُ أَلَا تَرَى إلَى قَوْله تَعَالَى {وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ} [القمر: 28] اقْتَضَى أَنْ يَكُونَ النِّصْفُ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى {لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ} [الشعراء: 155] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِثُلُثِهِ لَهُ وَلَا مَالَ لَهُ لَهُ ثُلُثُ مَا يَمْلِكُهُ عِنْدَ الْمَوْتِ) لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ عَقْدُ الِاسْتِخْلَافِ مُضَافٌ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَيَثْبُتُ حُكْمُهُ بَعْدَهُ فَيُشْتَرَطُ وُجُودُ الْمَالِ عِنْدَ الْمَوْتِ سَوَاءٌ اكْتَسَبَهُ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ أَوْ قَبْلَهَا بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ الْمُوصَى بِهِ عَيْنًا أَوْ عَيْنًا مُعَيَّنًا، وَأَمَّا إذَا أَوْصَى بِعَيْنٍ أَوْ بِنَوْعٍ مِنْ مَالِهِ كَثُلُثِ غَنَمِهِ فَهَلَكَتْ قَبْلَ مَوْتِهِ فَتَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ لِأَنَّهَا تَعَلَّقَتْ بِالْعَيْنِ فَتَبْطُلُ بِفَوَاتِهَا قَبْلَ الْمَوْتِ حَتَّى لَوْ اكْتَسَبَ غَنَمًا أُخْرَى أَوْ عَيْنًا أُخْرَى بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَتَعَلَّقُ حَقُّ الْمُوصَى لَهُ بِذَلِكَ. وَلَمْ يَكُنْ لَهُ غَنَمٌ عِنْدَ الْوَصِيَّةِ فَاسْتَفَادَهَا ثُمَّ مَاتَ فَالصَّحِيحُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ تَصِحُّ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ بِلَفْظِ الْمَالِ تَصِحُّ فَكَذَا إذَا كَانَتْ بِلَفْظِ نَوْعِهِ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ وُجُودُهُ عِنْدَ الْمَوْتِ لَا غَيْرَ، وَلَوْ قَالَ لَهُ شَاةٌ مِنْ مَالِي، وَلَيْسَ لَهُ غَنَمٌ يُعْطَى لَهُ قِيمَةُ شَاةٍ لِأَنَّهُ لَمَّا أَضَافَ الشَّاةَ إلَى الْمَالِ عَلِمْنَا أَنَّ مُرَادَهُ الْوَصِيَّةُ بِمَالِيَّةِ الشَّاةِ إذْ مَالِيَّتُهَا تُوجَدُ فِي مُطْلَقِ الْمَالِ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ السَّائِمَةِ شَاةٌ» ، وَعَيْنُ الشَّاةِ لَمْ تُوجَدْ فِي الْإِبِلِ، وَإِنَّمَا تُوجَدُ فِي مَالِيَّتِهَا، وَلَوْ أَوْصَى بِشَاةٍ، وَلَمْ يُضِفْهَا إلَى مَالِهِ وَلَا غَنَمَ قِيلَ لَا تَصِحُّ لِأَنَّ الْمُصَحَّحَ إضَافَتُهَا إلَى الْمَالِ، وَبِدُونِ الْإِضَافَةِ إلَى الْمَالِ تُعْتَبَرُ صُورَةُ الشَّاةِ، وَمَعْنَاهَا، وَقِيلَ تَصِحُّ لِأَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ الشَّاةَ، وَلَيْسَ فِي مِلْكِهِ شَاةٌ عُلِمَ أَنَّ مُرَادَهُ الْمَالِيَّةُ، وَلَوْ قَالَ شَاةٌ مِنْ غَنَمِي وَلَا غَنَمَ لَهُ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ لِأَنَّهُ لَمَّا أَضَافَهَا إلَى الْغَنَمِ عَلِمْنَا أَنَّ مُرَادَهُ عَيْنُ الشَّاةِ حَيْثُ جَعَلَهَا جُزْءًا مِنْ الْغَنَمِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَضَافَهَا إلَى الْمَالِ، وَعَلَى هَذَا خَرَجَ كُلُّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَالِ كَالْبَقَرِ وَالثَّوْبِ، وَنَحْوِهَا اعْلَمْ أَنَّهُ وَقَعَ فِي عِبَارَةِ الْوِقَايَةِ وَلَا شَاةَ لَهُ مَوْضِعُ وَلَا غَنَمَ لَهُ الْوَاقِعُ فِي عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ فِي وَضْعِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ فِي شَرْحِهِ لِلْوِقَايَةِ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَا غَنَمَ لَهُ، وَقَالَ فِي الْمَتْنِ وَلَا شَاةَ لَهُ وَبَيْنَهُمَا فَرْقٌ لِأَنَّ الشَّاةَ فَرْدٌ مِنْ الْغَنَمِ. وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ شَاةٌ لَا يَكُونُ لَهُ غَنَمٌ لَكِنْ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ غَنَمٌ لَا يَلْزَمُ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ شَاةٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَاحِدَةٌ لَا كَثِيرٌ فَعِبَارَةُ الْهِدَايَةِ تَتَنَاوَلُ صُورَتَيْنِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ شَاةٌ أَصْلًا وَمَا يَكُونُ لَهُ شَاةٌ لَا غَنَمَ لَهُ فِي الصُّورَتَيْنِ تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ، وَعِبَارَةُ الْمَتْنِ لَمْ تَتَنَاوَلْ إلَّا الصُّورَةَ الْأُولَى، وَلَمْ يُعْلَمْ مِنْهَا الْحُكْمُ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ فَعِبَارَةُ الْهِدَايَةِ أَشْمَلُ، وَأَحْوَطُ اهـ. كَلَامُهُ. وَرَدَّ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْإِصْلَاحِ وَالْإِيضَاحِ حَيْثُ قَالَ فِي شَرْحِهِ إنَّمَا قَالَ وَلَا شَاةَ، وَلَمْ يَقُلْ وَلَا غَنَمَ لَهُ كَمَا قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ لِأَنَّ الشَّاةَ فَرْدٌ مِنْ الْغَنَمِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ شَاةٌ لَا يَكُونُ لَهُ غَنَمٌ بِدُونِ الْعَكْسِ، وَالشَّرْطُ عَدَمُ الْجِنْسِ لَا عَدَمُ الْجَمْعِ حَتَّى لَوْ وُجِدَ الْفَرْدُ تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ يُفْصِحُ عَنْ ذَلِكَ قَوْلُ الْحَاكِمِ الشَّهِيدِ فِي الْكَافِي، وَلَوْ قَالَ شَاةٌ مِنْ غَنَمِي أَوْ قَفِيزٌ مِنْ حِنْطَتِي فَإِنَّ الْحِنْطَةَ اسْمُ جِنْسٍ لَا اسْمُ جَمْعٍ. اهـ. وَقَالَ فِي حَاشِيَتِهِ أَخْطَأَ هَذَا صَدْرُ الشَّرِيعَةِ حَيْثُ قَالَ تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ فِي الصُّورَتَيْنِ. اهـ. وَقَصَدَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنْ يُجِيبَ عَنْهُ بَعْدَمَا نَقَلَ كَلَامَ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ، وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْأَفَاضِلِ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ عِبَارَةَ الْوِقَايَةِ هِيَ الصَّوَابُ، وَأَنَّ الْحُكْمَ فِي وُجُودِ الْفَرْدِ صِحَّةُ الْوَصِيَّةِ، وَزَعَمَ أَنَّ الشَّرْطَ عَدَمُ الْجِنْسِ لَا عَدَمُ الْجَمْعِ قُلْت بَعْدَ تَسْلِيمٍ إنَّ الْغَنَمَ جَمْعٌ أَوْ اسْمُ جَمْعٍ لَا اسْمُ جِنْسٍ، وَإِنْ بَقِيَ الْغَنَمُ كَمَا وَقَعَ فِي عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ وَعَامَّةِ الْكُتُبِ هُوَ الصَّوَابُ، وَأَنَّهُ لَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِوُجُودِ شَاةٍ وَاحِدَةٍ لِأَنَّ الشَّرْطَ عَدَمُ الْجَمْعِ لَا عَدَمُ الْجِنْسِ كَمَا زَعَمَهُ الْمُعْتَرِضُ لِأَنَّهُ أَوْصَى بِشَاةٍ مِنْ غَنَمِهِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ غَنَمٌ بَلْ فَرْدٌ لَمْ يَتَحَقَّقْ شَاةٌ مِنْ غَنَمِهِ فَتَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ فَهَذَا هُوَ السِّرُّ فِي تَعْمِيمِ الْغَنَمِ دُونَ الشَّاةِ إلَى هُنَا كَلَامُهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِثُلُثِهِ لِأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ، وَهُنَّ ثَلَاثٌ وَلِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ ثَلَاثٌ يُقْسَمُ الثُّلُثُ أَخْمَاسًا فَلَهُنَّ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ، وَلِكُلِّ طَائِفَةٍ مِنْ الْمَسَاكِينِ وَالْفُقَرَاءِ سَهْمٌ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُقْسَمُ أَسْبَاعًا لِأَنَّ الْمَذْكُورَ لَفْظُ الْجَمْعِ، وَأَدْنَاهُ فِي الْمِيرَاثِ اثْنَانِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: 11] وَقَالَ {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ} [النساء: 11] الْآيَةَ، وَالْمُرَادُ بِالِاثْنَتَيْنِ اثْنَانِ فَكَانَ مِنْ كُلِّ طَائِفَةٍ اثْنَانِ، وَأُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ ثَلَاثَةٌ فَكَانَ الْمَجْمُوعُ سَبْعَةً فَيُقْسَمُ أَسْبَاعًا قُلْنَا اسْمُ الْجِنْسِ الْمُحَلَّى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 478 بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ يَتَنَاوَلُ الْأَدْنَى مَعَ احْتِمَالِ الْكُلِّ كَالْمُفْرَدِ الْمُحَلَّى بِهِمَا لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِمَا الْجِنْسُ إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّ مَعْهُودٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ} [الأحزاب: 52] وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} [الأنبياء: 30] وَلَا يَحْتَمِلُ مَا بَيْنَهُمَا فَتَعَيَّنَ الْأَدْنَى لِتَعَذُّرِ إرَادَةِ الْكُلِّ، وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي الْعَبْدَ يَحْنَثُ بِوَاحِدٍ فَيَتَنَاوَلُ مِنْ كُلِّ فَرِيقٍ وَاحِدًا، وَأُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ ثَلَاثَةً فَتَبْلُغُ السِّهَامُ خَمْسَةً، وَلَيْسَ فِيمَا تَلَى زِيَادَةٌ عَلَى مَا ذُكِرَ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الِاثْنَيْنِ نَكِرَةٌ، وَكَلَامُنَا فِي الْمَعْرِفَةِ حَتَّى لَوْ كَانَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ مُنَكَّرًا قُلْنَا كَمَا لَوْ قَالَ ثُمَّ هَذِهِ الْوَصِيَّةُ تَكُونُ لِأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ اللَّاتِي يَعْتِقْنَ بِمَوْتِهِ دُونَ اللَّاتِي عَتَقْنَ فِي حَيَاتِهِ مِنْ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ لِأَنَّ الِاسْمَ لَهُنَّ فِي الْعُرْفِ وَاَللَّاتِي عَتَقْنَ حَالَ حَيَاتِهِ مَوَالٍ لَا أُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ. وَإِنَّمَا تُصْرَفُ إلَيْهِنَّ الْوَصِيَّةُ عِنْدَ عَدَمِ أُولَئِكَ لِعَدَمِ مَنْ يَكُونُ أَوْلَى مِنْهُنَّ بِهَذَا الِاسْمِ وَلَا يُقَالُ إنَّ الْوَصِيَّةَ لِمَمْلُوكِهِ بِمَا لَهُ لَا تَجُوزُ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا، وَإِنَّمَا يَجُوزُ لَهُ الْوَصِيَّةُ بِالْعِتْقِ أَوْ بِرَقَبَتِهِ لِكَوْنِهِ عِتْقًا فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ لِأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ اللَّاتِي يَعْتِقْنَ حَالَ حَيَاتِهِ لِأَنَّا نَقُولُ الْقِيَاسُ أَنْ لَا تَجُوزَ الْوَصِيَّةُ لَهُنَّ لِأَنَّهَا لَوْ جَازَتْ لَهُنَّ لَكِنَّهُ حَالَ نُزُولِ الْعِتْقِ بِهِنَّ لِكَوْنِ الْعِتْقِ وَالتَّمْلِيكِ مُعَلَّقًا بِالْمَوْتِ، وَالتَّعْلِيقُ يَقَعُ عَلَيْهِنَّ، وَهُنَّ إمَاءٌ فَكَذَا تَمَلُّكُهُنَّ يَقَعُ، وَهُنَّ إمَاءٌ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنَّا جَوَّزْنَاهُ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ مُضَافَةٌ إلَى مَا بَعْدَ عِتْقِهِنَّ لَا حَالَ حُلُولِ الْعِتْقِ بِهِنَّ بِدَلَالَةِ حَالِ الْمُوصِي لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِهِ أَنْ يَقْصِدَ بِإِيصَائِهِ وَصِيَّةً صَحِيحَةً لَا بَاطِلَةً، وَالصَّحِيحَةُ هِيَ الْمُضَافَةُ إلَى مَا بَعْدَ عِتْقِهِنَّ كَذَا فِي عَامَّةِ الشُّرُوحِ، وَعَزَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الشُّرَّاحِ إلَى الذَّخِيرَةِ، وَسُئِلَ الْإِمَامُ قَاضِي خَانْ وَالْإِمَامُ الْمَحْبُوبِيُّ عَنْ هَذَا فَقَالَا أَمَّا جَوَازُ الْوَصِيَّةِ لِأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ فَلِأَنَّ أَوَانَ ثُبُوتِ الْوَصِيَّةِ وَعَمَلَهَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَهُنَّ حَرَائِرُ بَعْدَ الْمَوْتِ فَتَجُوزُ الْوَصِيَّةُ لَهُنَّ كَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ نَقْلًا عَنْهُمَا ثُمَّ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ فَإِنْ قِيلَ الْوَصِيَّةُ بِثُلُثِ الْمَالِ لِعَبْدِهِ جَائِزَةٌ وَلَا يَعْتِقُ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَأُمُّ الْوَلَدِ لَيْسَتْ أَقَلَّ حَالًا مِنْهُ فَكَيْفَ لَمْ تَصِحَّ لَهَا الْوَصِيَّةُ قِيَاسًا، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِثُلُثِ الْمَالِ لِلْعَبْدِ إنَّمَا جَازَتْ لِتَنَاوُلِهِ ثُلُثَ رَقَبَتِهِ فَكَانَتْ وَصِيَّةٌ بِرَقَبَةٍ إعْتَاقًا. وَهُوَ يَصِحُّ مُنَجَّزًا وَمُضَافًا بِخِلَافِ أُمِّ الْوَلَدِ فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ لَيْسَتْ إعْتَاقًا لِأَنَّهَا تَعْتِقُ بِمَوْتِ الْمَوْلَى، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ وَصِيَّةٍ أَصْلًا، وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ الْوَصِيَّةُ بِثُلُثِ الْمَالِ أَمَّا إنْ صَادَفْتهَا بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى وَهِيَ حُرَّةٌ أَوْ أَمَةٌ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَلَا وَجْهَ لِنَفْيِ الْقِيَاسِ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَكَذَلِكَ لِأَنَّهَا كَالْعَبْدِ الْمُوصَى لَهُ بِثُلُثِ الْمَالِ، وَالْجَوَابُ أَنَّهَا لَيْسَتْ كَالْعَبْدِ لِأَنَّ عِتْقَهَا لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ بِمَوْتِ الْمَوْلَى فَلَوْ كَانَ بِالْوَصِيَّةِ أَيْضًا تَوَارَدَ عِلَّتَانِ مُسْتَقِلَّتَانِ عَلَى مَعْلُولٍ وَاحِدٍ بِالشَّخْصِ، وَهُوَ ثُلُثُ رَقَبَتِهَا، وَذَلِكَ بَاطِلٌ إلَى هُنَا لَفْظُ الْعِنَايَةِ، وَفِي نَوَادِرِ بِشْرٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَلَوْ أَوْصَى لِأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ بِأَلْفٍ وَلِمَوَالِيهِ بِأَلْفٍ، وَلَهُ أُمَّهَاتُ أَوْلَادٍ عَتَقْنَ فِي حَيَاتِهِ، وَمَوَالِيَاتٌ اُعْتُبِرَ كُلُّ فَرِيقٍ عَلَى حِدَةٍ، وَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِمَوَالِيهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ دَخَلَتْ أُمَّهَاتُ الْأَوْلَادِ فِي الْوَصِيَّةِ، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ وَهُنَّ ثَلَاثَةٌ أَنَّهُنَّ لَوْ كُنَّ ثِنْتَيْنِ يُقْسَمُ الْمَالُ عَلَى أَرْبَعَةٍ لَهُنَّ، وَلَوْ أَوْصَى لِأَوْلَادِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْعَلَوِيَّةِ وَالشِّيعَةِ وَمُحِبِّ أَوْلَادِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْفُقَهَاءِ وَالْعُلَمَاءِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ سُئِلَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ عَنْ رَجُلٍ أَوْصَى لِأَوْلَادِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ أَبُو نَصْرِ بْنُ يَحْيَى كَانَ يَقُولُ الْوَصِيَّةُ لِأَوْلَادِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ وَلَا يَكُونُ لِغَيْرِهِمَا فَأَمَّا الْعَلَوِيَّةُ فَهَلْ يَدْخُلُونَ فِي هَذِهِ الْوَصِيَّةِ لِأَنَّهُ كَانَ لِلْحَسَنِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِنْتٌ زُوِّجَتْ مِنْ وَلَدِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَإِذَا أَوْصَى لِلْعَلَوِيَّةِ فَقَدْ حُكِيَ عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُمْ لَا يُحْصَوْنَ. وَلَيْسَ فِي هَذَا الِاسْمِ مَا يُنْبِئُ عَنْ الْفَقْرِ وَالْحَاجَةِ، وَلَوْ أَوْصَى لِفُقَهَاءِ الْعَلَوِيَّةِ يَجُوزُ، وَعَلَى هَذِهِ الْوَصِيَّةِ لِلْفُقَهَاءِ لَا تَجُوزُ، وَلَوْ أَوْصَى لِفُقَرَائِهِمْ تَجُوزُ، وَقَدْ حُكِيَ عَنْ بَعْضِ مَشَايِخِنَا أَنَّ الْوَقْفَ عَلَى مُعَلِّمٍ فِي الْمَسْجِدِ يُعَلِّمُ الصِّبْيَانَ فِيهِ يَجُوزُ لِأَنَّ عَامَّتَهُمْ الْفُقَرَاءُ، وَالْفُقَرَاءُ فِيهِمْ الْغَالِبُ فَصَارَ الْحُكْمُ لِغَلَبَةِ الْفَقْرِ كَالْمَشْرُوطِ، وَقَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ كَانَ الْقَاضِي الْإِمَامُ يَقُولُ عَلَى هَذَا الْقِيَاسِ إذَا أَوْصَى لِطَلَبَةِ عِلْمِ كُورَةٍ أَوْ لِطَلَبَةِ عِلْمِ كَذَا يَجُوزُ، وَلَوْ أَعْطَى الْوَصِيُّ وَاحِدًا مِنْ فُقَرَاءِ الطَّلَبَةِ أَوْ مِنْ فُقَرَاءِ الْعَلَوِيَّةِ جَازَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا صُرِفَ إلَى اثْنَيْنِ مِنْهُمْ فَصَاعِدًا، وَإِذَا أَوْصَى لِلشِّيعَةِ وَمُحِبِّي آلِ مُحَمَّدٍ الْمُقِيمِينَ بِبَلْدَةِ كَذَا فَاعْلَمْ بِأَنَّ فِي الْحَقِيقَةِ كُلَّ مُسْلِمٍ شِيعَةٌ وَمُحِبٌّ لِآلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا يَصِحُّ فِي دِيَانَتِهِمْ إلَّا ذَلِكَ، وَأَمَّا مَا وَقَعَ عَلَيْهِ مِمَّنْ أَرَادَ بِهِ الْمُوصِي فَمُرَادُهُ الَّذِينَ يَنْصَرِفُونَ بِالْمَيْلِ إلَيْهِمْ، وَصَارُوا مَوْسُومِينَ بِذَلِكَ دُونَ غَيْرِهِمْ فَقَدْ قِيلَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 479 الْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ فَأَمَّا إذَا كَانُوا لَا يُحْصَوْنَ فَيَكُونُ لِلْفُقَرَاءِ اسْتِحْسَانًا عَلَى قِيَاسِ مَسْأَلَةِ الْيَتَامَى، وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ وَلَمْ يَكُنْ فِي بَلَدِنَا أَحَدٌ يُسَمَّى فَقِيهًا غَيْرُ أَبِي بَكْرٍ الْأَعْمَشِ شَيْخُنَا، وَقَدْ اخْتَارَ أَبُو بَكْرٍ الْفَارِسِيُّ، وَبَذَلَ مَالًا كَثِيرًا لِطَلَبَةِ الْعِلْمِ حَتَّى نَادَوْهُ فِي مَجْلِسٍ أَيُّهَا الْفَقِيهُ، وَإِذَا أَوْصَى لِأَهْلِ الْعِلْمِ بِبَلْدَةِ كَذَا فَإِنَّهُ يُدْخِلُ فِيهِ أَهْلَ الْفِقْهِ وَأَهْلَ الْحَدِيثِ وَلَا يُدْخِلُ فِيهِ مَنْ يَتَعَلَّمُ الْحِكْمَةَ. وَفِي الْخَانِيَّةِ وَهَلْ يَدْخُلُ فِيهِ مَنْ يَتَعَلَّمُ الْحِكَمَ، وَهَلْ يَدْخُلُ فِيهِ الْمُتَكَلِّمُونَ لَا ذِكْرَ فِيهِ، وَعَنْ أَبِي الْقَاسِمِ فَعَلَى قِيَاسِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَا يَدْخُلُ فِي الْوَصِيَّةِ الْمُتَكَلِّمُونَ، وَإِذَا أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِفُقَرَاءِ طَلَبَةِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ الَّذِينَ يَخْتَلِفُونَ إلَى مَدْرَسَةٍ مَنْسُوبَةٍ فِي كُورَةٍ كَذَا لَا يَدْخُلُ مُتَعَلِّمُو الْفِقْهِ إذَا لَمْ يَكُونُوا مِنْ جُمْلَةِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ، وَيَتَنَاوَلُ مَنْ يَقْرَأُ الْأَحَادِيثَ، وَيَسْمَعُ، وَيَكُونُ فِي طَلَبِ ذَلِكَ سَوَاءً كَانَ شَافِعِيَّ الْمَذْهَبِ أَوْ حَنَفِيَّ الْمَذْهَبِ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، وَمَنْ كَانَ شَافِعِيَّ الْمَذْهَبِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَقْرَأُ الْأَحَادِيثَ وَلَا يَسْمَعُ وَلَا يَكُونُ فِي طَلَبِ ذَلِكَ لَا يَتَنَاوَلُهُ اسْمُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِثُلُثِهِ لِزَيْدٍ وَلِلْمَسَاكِينِ لِزَيْدٍ نِصْفُهُ وَلَهُمْ نِصْفُهُ) أَيْ إذَا أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِزَيْدٍ وَالْمَسَاكِينِ كَانَ لِزَيْدٍ النِّصْفُ وَلِلْمَسَاكِينِ النِّصْفُ، وَهَذَا عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ ثُلُثُهُ لِفُلَانٍ وَثُلُثَاهُ لِلْمَسَاكِينِ، وَقَدْ بَيَّنَّا مَأْخَذَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِمِائَةٍ لِرَجُلٍ، وَبِمِائَةٍ لِآخَرَ فَقَالَ لِآخَرَ أَشْرَكْتُك مَعَهُمَا) لَهُ ثُلُثُ مَا لِكُلٍّ مِنْهُمَا، وَبِأَرْبَعِمِائَةٍ لَهُ، وَبِمِائَتَيْنِ لِآخَرَ فَقَالَ لِآخَرَ أَشْرَكْتُك مَعَهُمَا لَهُ نِصْفُ مَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَعْنِي إذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَلِآخَرَ بِمِائَةٍ ثُمَّ قَالَ لِآخَرَ قَدْ أَشْرَكْتُك مَعَهُمَا فَلَهُ ثُلُثُ كُلِّ مِائَةٍ، وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِأَرْبَعِمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَلِآخَرَ بِمِائَتَيْنِ ثُمَّ قَالَ لِآخَرَ قَدْ أَشْرَكْتُك مَعَهُمَا كَانَ لَهُ نِصْفُ مَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِأَنَّ الشَّرِكَةَ لِلْمُسَاوَاةِ لُغَةً، وَلِهَذَا حُمِلَ قَوْله تَعَالَى {فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء: 12] عَلَى الْمُسَاوَاةِ. وَقَدْ أَمْكَنَ إثْبَاتُ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَ الْكُلِّ فِي الْأَوَّلِ لِاسْتِوَاءِ الْمَالَيْنِ فَيَأْخُذُ هُوَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُلُثَ الْمِائَةِ فَتَمَّ لَهُ ثُلُثَا الْمِائَةِ، وَيَأْخُذُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُلُثَيْ الْمِائَةِ وَلَا يُمْكِنُ الْمُسَاوَاةُ بَيْنَ الْكُلِّ فِي الثَّانِيَةِ لِتَفَاوُتِ الْمَالَيْنِ فَحَمَلْنَاهُ عَلَى مُسَاوَاةِ الثَّالِثِ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمَا سَمَّاهُ لَهُ فَيَأْخُذُ النِّصْفَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَالَيْنِ، وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِجَارِيَةٍ، وَلِآخَرَ بِجَارِيَةٍ أُخْرَى ثُمَّ قَالَ لِآخَرَ أَشْرَكْتُك مَعَهُمَا فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْجَارِيَتَيْنِ مُتَفَاوِتَةً لَهُ نِصْفُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُمَا عَلَى السَّوَاءِ فَلَهُ ثُلُثُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَهُ نِصْفُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يَرَى قِسْمَةَ الرَّقِيقِ فَيَكُونَانِ كَجِنْسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، وَهُمَا يَرَيَانِهَا فَصَارَ كَالدَّرَاهِمِ الْمُتَسَاوِيَةِ، وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِثُلُثِ مَالِهِ ثُمَّ قَالَ لِآخَرَ أَشْرَكْتُك أَوْ أَدْخَلْتُك أَوْ جَعَلْتُك مَعَهُ فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا لِمَا ذَكَرْنَا قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ اسْتِحْسَانٌ، وَالْقِيَاسُ لَهُ نِصْفُ كُلِّ مِائَةٍ لِأَنَّ لَفْظَ الِاشْتِرَاكِ يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء: 12] وَقَدْ أَشْرَكَ الثَّالِثَ فِيمَا أَوْصَى بِهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي اسْتِحْقَاقِ الْمِائَةِ، وَذَلِكَ يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ لَهُ نِصْفُ كُلِّ مِائَةٍ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ أَثْبَتَ الشَّرِكَةَ بَيْنَهُمْ، وَهِيَ تَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ، وَإِنَّمَا ثَبَتَتْ الْمُسَاوَاةُ إذَا لَمْ يُؤْخَذْ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الْمِائَةِ فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّهُ شَرِكَةٌ مَعَهُمَا جُمْلَةً وَاحِدَةً فَلَا يُعْتَبَرُ بِإِشْرَاكِهِ إيَّاهُ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتَفَرِّقًا اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ قَالَ لِوَرَثَتِهِ لِفُلَانٍ عَلَيَّ دَيْنٌ فَصَدَّقُوهُ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ إلَى الثُّلُثِ) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يُصَدَّقَ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْمَجْهُولِ، وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا لَا يُحْكَمُ بِهِ إلَّا بِالْبَيَانِ، وَقَوْلُهُ فَصَدَّقُوهُ مُخَالِفٌ لِلشَّرْعِ لِأَنَّ الْمُدَّعِي لَا يُصَدَّقُ إلَّا بِحُجَّةٍ فَتَعَذَّرَ جَعْلُهُ إقْرَارًا مُطْلَقًا فَلَا يُعْتَبَرُ فَصَارَ كَمَنْ قَالَ كُلُّ مَنْ ادَّعَى عَلَيَّ شَيْئًا فَأَعْطَوْهُ فَإِنَّهُ بَاطِلٌ لِكَوْنِهِ مُخَالِفًا لِلشَّرْعِ إلَّا أَنْ يَقُولَ إنْ رَأَى الْمُوصِي أَنْ يُعْطِيَهُ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ مِنْ الثُّلُثِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّا نَعْلَمُ قَصْدَهُ تَقْدِيمَهُ عَلَى الْوَرَثَةِ، وَقَدْ أَمْكَنَ تَنْفِيذُ قَصْدِهِ بِطَرِيقِ الْوَصِيَّةِ، وَقَدْ يَحْتَاجُ إلَيْهِ مَنْ يَعْلَمُ بِأَصْلِ الْحَقِّ عَلَيْهِ دُونَ مِقْدَارِهِ فَيَسْعَى فِي تَفْرِيغِ ذِمَّتِهِ فَيَجْعَلُ وَصِيَّةً جَعَلَ التَّقْدِيرَ فِيهَا إلَى الْمُوصَى لَهُ كَأَنَّهُ قَالَ لَهُمْ إذَا جَاءَكُمْ فُلَانٌ وَادَّعَى شَيْئًا فَأَعْطُوهُ مِنْ مَالِي مَا شَاءَ فَهَذِهِ مُعْتَبَرَةٌ فَكَذَا هَذَا فَيُصَدَّقُ إلَى الثُّلُثِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ) (أَوْصَى بِوَصَايَا) أَيْ مَعَ ذَلِكَ (عُزِلَ الثُّلُثُ لِأَصْحَابِ الْوَصَايَا، وَالثُّلُثَانِ لِلْوَرَثَةِ، وَقِيلَ لِكُلٍّ صَدِّقُوهُ فِيمَا شِئْتُمْ وَمَا بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ فَلِلْوَصَايَا) أَيْ لِأَصْحَابِ الْوَصَايَا لَا يُشَارِكُهُمْ فِيهِ صَاحِبُ الدَّيْنِ، وَإِنَّمَا عُزِلَ الثُّلُثُ وَالثُّلُثَانِ لِأَنَّ الْوَصَايَا حُقُوقٌ مَعْلُومَةٌ فِي الثُّلُثِ، وَالْمِيرَاثُ مَعْلُومٌ فِي الثُّلُثَيْنِ، وَهَذَا لَيْسَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 480 بِدَيْنٍ مَعْلُومٍ وَلَا وَصِيَّةٍ مَعْلُومَةٍ فَلَا يُزَاحِمُ الْمَعْلُومَ، وَقَدَّمْنَا عَزْلَ الْمَعْلُومِ، وَفِي الْإِقْرَارِ فَائِدَةٌ أُخْرَى، وَهِيَ أَنَّ أَحَدَ الْفَرِيقَيْنِ قَدْ يَكُونُ أَعْرَفَ بِمِقْدَارِ هَذَا الْحَقِّ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ، وَرُبَّمَا يَخْتَلِفُونَ فِي الْفَضْلِ إذَا ادَّعَاهُ الْخَصْمُ فَإِذَا أَقَرَّ فَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ فِي التَّرِكَةِ دَيْنًا شَائِعًا فِي جَمِيعِ التَّرِكَةِ فَيُؤْمَرُ أَصْحَابُ الْوَصَايَا وَالْوَرَثَةُ بِبَيَانِهِ فَإِذَا بَيَّنُوا شَيْئًا أَخَذَ أَصْحَابُ الْوَصَايَا بِثُلُثِ مَا أَقَرُّوا بِهِ، وَالْوَرَثَةُ بِثُلُثَيْ مَا أَقَرُّوا بِهِ لِأَنَّ إقْرَارَ كُلِّ فَرِيقٍ نَافِذٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَتَلْزَمُهُ بِحِصَّتِهِ، وَإِنْ ادَّعَى الْمُقَرُّ لَهُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ حَلَفَ كُلُّ فَرِيقٍ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ لِأَنَّهُ تَحْلِيفٌ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ. قَالَ الشَّارِحُ قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ الرَّاجِي عَفْوَ رَبِّهِ الْكَرِيمِ: هَذَا مُشْكِلٌ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْوَرَثَةَ كَانُوا يُصَدِّقُونَهُ إلَى الثُّلُثِ وَلَا يَلْزَمُهُمْ أَنْ يُصَدِّقُوهُ فِي أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ لِأَنَّ أَصْحَابَ الْوَصَايَا أَخَذُوا الثُّلُثَ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ تَكُونَ الْوَصَايَا تَسْتَغْرِقُ الثُّلُثَ كُلَّهُ، وَلَمْ يَبْقَ فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ الثُّلُثِ شَيْءٌ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَلْزَمَهُمْ تَصْدِيقُهُ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ حَاصِلُهُ أَنَّهُ تَصَرُّفٌ يُشْبِهُ الْإِقْرَارَ لَفْظًا، وَيُشْبِهُ الْوَصِيَّةَ تَنْفِيذًا فَبِاعْتِبَارِ شَبَهِ الْوَصِيَّةِ لَا يُصَدَّقُ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى الثُّلُثِ، وَبِاعْتِبَارِ شَبَهِ الْإِقْرَارِ يُجْعَلُ شَائِعًا فِي الْأَثْلَاثِ وَلَا يُخَصَّصُ بِالثُّلُثِ الَّذِي لِأَصْحَابِ الْوَصَايَا عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ، وَقَدْ سَبَقَهُ تَاجُ الشَّرِيعَةِ إلَى بَيَانِ حَاصِلِ هَذَا الْمَقَامِ بِهَذَا الْوَجْهِ أَقُولُ: فِيهِ كَلَامٌ، وَهُوَ أَنَّ الْعَمَلَ بِمَجْمُوعِ الشَّبَهَيْنِ إنْ كَانَ أَمْرًا وَاجِبًا فَكَيْفَ يَصْلُحُ ذَلِكَ تَعْلِيلًا كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ الْمَعْرُوفُ فَمَا بَالُهُمْ لَمْ يَعْمَلُوا بِشَبَهِ الْإِقْرَارِ فِي هَذَا التَّصَرُّفِ إذَا لَمْ يُوصِ بِوَصَايَا غَيْرِ ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ بَلْ جَعَلُوهُ وَصِيَّةً جُعِلَ التَّقْدِيرُ فِيهَا إلَى الْمُوصَى لَهُ كَمَا إذَا قَالَ إذَا جَاءَكُمْ فُلَانٌ وَادَّعَى شَيْئًا فَأَعْطُوهُ مِنْ مَالِي وَلَمْ يُعْتَبَرْ، وَأَشْبَهَ الْإِقْرَارَ قَطُّ حَيْثُ لَمْ يَجْعَلُوا لَهُ حُكْمًا أَصْلًا فِي تِلْكَ الصُّورَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ أَمْرًا وَاجِبًا فَكَيْفَ يَصْلُحُ ذَلِكَ تَعْلِيلًا لِجَوَابِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ بِوَجْهٍ آخَرَ حَيْثُ قَالَ فِيهِ بَحْثًا فَإِنَّهُ لَا يُؤْخَذُ بِقَوْلِهِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَا فِي الثُّلُثِ وَلَا فِي أَقَلَّ مِنْهُ بَلْ يُؤْخَذُ بِقَوْلِ الْوَرَثَةِ وَأَصْحَابِ الْوَصَايَا فَتَأَمَّلْ اهـ. وَقَصَدَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنْ يُجِيبَ عَنْهُ فَقَالَ فِي الْحَاشِيَةِ بَعْدَ نَقْلِ ذَلِكَ قُلْت بَعْدَ تَسْلِيمِ ذَلِكَ إنَّ عَدَمَ التَّصْدِيقِ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى الثُّلُثِ لَا يُوجِبُ التَّصْدِيقَ فِي الثُّلُثِ فَالْمَعْنَى لَا يُصَدَّقُ فِي صُورَةِ دَعْوَى الزِّيَادَةِ بَلْ يُؤْخَذُ بِقَوْلِهِمْ فَلَا اعْتِبَارَ فَتَأَمَّلْ اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِأَجْنَبِيٍّ وَوَارِثِهِ لَهُ نِصْفُ الْوَصِيَّةِ، وَبَطَلَ وَصِيَّتُهُ لِلْوَارِثِ) أَيْ إذَا أَوْصَى لِأَجْنَبِيٍّ وَوَارِثِهِ كَانَ لِلْأَجْنَبِيِّ نِصْفُ الْوَصِيَّةِ، وَبَطَلَتْ لِلْوَارِثِ لِأَنَّهُ أَوْصَى بِمَا يُمْلَكُ وَبِمَا لَا يُمْلَكُ فَصَحَّ فِيمَا يُمْلَكُ، وَبَطَلَ فِي الْآخَرِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى لِحَيٍّ وَمَيِّتٍ حَيْثُ يَكُونُ الْكُلُّ لِلْحَيِّ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْوَصِيَّةِ فَلَا تَصِحُّ، وَبِخِلَافِ الْوَارِثِ فَإِنَّهُ مِنْ أَهْلِهَا، وَلِهَذَا تَصِحُّ بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ فَافْتَرَقَا، وَعَلَى هَذَا إذَا أَوْصَى لِلْقَاتِلِ وَالْأَجْنَبِيِّ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ بِعَيْنٍ أَوْ دَيْنٍ لِوَارِثِهِ، وَلِأَجْنَبِيٍّ حَيْثُ لَا تَصِحُّ فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ أَيْضًا لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ إنْشَاءُ تَصَرُّفٍ، وَهُوَ تَمْلِيكٌ مُبْتَدَأٌ لَهُمَا، وَالشَّرِكَةُ تُثْبِتُ حُكْمًا لِلتَّمْلِيكِ فَتَصِحُّ فِي حَقِّ مَنْ يَسْتَحِقُّهُ دُونَ الْآخَرِ لِأَنَّ بُطْلَانَ التَّمْلِيكِ لِأَحَدِهِمَا لَا يُوجِبُ بُطْلَانَ التَّمْلِيكِ مِنْ الْآخَرِ أَمَّا الْإِقْرَارُ بِهَا إخْبَارًا عَنْ كَائِنٍ، وَقَدْ أَخْبَرَ بِوَصْفِ الشَّرِكَةِ فِي الْمَاضِي وَلَا وَجْهَ إلَى إثْبَاتِهِ بِدُونِ هَذَا الْوَصْفِ لِأَنَّهُ خِلَافُ مَا أَخْبَرَ بِهِ وَلَا إلَى إثْبَاتِ هَذَا الْوَصْفِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ الْوَارِثُ فِيهِ شَرِيكًا، وَلِأَنَّهُ لَوْ قَبَضَ الْأَجْنَبِيُّ شَيْئًا كَانَ لِلْوَارِثِ أَنْ يُشَارِكَهُ فِيهِ فَيَبْطُلُ فِي ذَلِكَ الْقَدْرِ فَلَا يَكُونُ مُفِيدًا قَالَ فِي النِّهَايَةِ قَالَ التُّمُرْتَاشِيُّ: هَذَا إذَا تَصَادَقَا أَمَّا إذَا أَنْكَرَ الْأَجْنَبِيُّ شَرِكَةَ الْوَارِثِ أَوْ أَنْكَرَ الْوَارِثُ شَرِكَةَ الْأَجْنَبِيِّ فَإِنَّهُ يَصِحُّ إقْرَارُهُ فِي صِحَّةِ الْأَجْنَبِيِّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِأَنَّ الْوَارِثَ مُقِرٌّ بِبُطْلَانِ حَقِّهِ، وَبُطْلَانِ حَقِّ شَرِيكِهِ فَيَبْطُلُ فِي حَقِّهِ وَلَا يَبْطُلُ فِي حَقِّ الْآخَرِ. وَعِنْدَهُمَا يَبْطُلُ فِي الْكُلِّ لِأَنَّ حَقَّ الْوَارِثِ لَمْ يَتَمَيَّزْ عَنْ حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ، وَإِنَّمَا أَوْجَبَهُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا كَمَا بَيَّنَّا، وَفِي الْمَبْسُوطِ مَسَائِلُهُ عَلَى فُصُولٍ أَحَدُهَا فِي الْوَصِيَّةِ لِأَجْنَبِيٍّ وَلِوَارِثِهِ، وَالثَّانِي فِي الْوَصِيَّةِ لِلْأَجْنَبِيِّ مَعَ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ، وَالثَّالِثُ فِي الْوَصِيَّةِ لِلْأَجْنَبِيِّ وَلِلْقَاتِلِ، وَالرَّابِعُ فِي الْوَصِيَّةِ بِالْبَيْعِ مِنْ الْوَارِثِ أَوْ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ رَجُلٌ أَوْصَى لِأَجْنَبِيٍّ، وَلِوَارِثِهِ فَلِلْأَجْنَبِيِّ نِصْفُ الْوَصِيَّةِ لِأَنَّ الْإِيصَاءَ ابْتِدَاءُ إيجَابٍ، وَقَدْ أُضِيفَ إلَى مَا يَمْلِكُهُ، وَإِلَى مَا لَا يَمْلِكُهُ فَيَصِحُّ فِيمَا يَمْلِكُهُ، وَيَبْطُلُ فِيمَا لَا يَمْلِكُهُ، وَلَمْ يَبْطُلْ هَذَا بِبُطْلَانِ الْآخَرِ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ بَيْنَهُمَا فِي حُكْمِ الْإِيجَابِ، وَبِبُطْلَانِ بَعْضِ الْحُكْمِ لَا يَبْطُل الْإِيجَابُ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَقَرَّ الْمَرِيضُ لِأَجْنَبِيٍّ، وَلِوَارِثِهِ فِي كَلَامٍ وَاحِدٍ حَيْثُ يَبْطُلُ الْكُلُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ الِاشْتِرَاكَ هُنَاكَ يُخْبِرُ عَنْهُ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 481 إخْبَارٌ عَنْ كَائِنٍ سَابِقٍ، وَالْخَبَرُ بِنَاءً عَلَى الْمُخْبَرِ بِهِ فَكَانَ الْمُخْبَرُ بِهِ بِمَنْزِلَةِ الْعِلَّةِ، وَالْخَبَرُ بِمَنْزِلَةِ الْحُكْمِ لِلْعِلَّةِ فَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ الْمُخْبَرُ عَنْهُ، وَهُوَ الِاشْتِرَاكُ لَمْ يَثْبُتْ حُكْمُهُ، وَهُوَ الْخَبَرُ أَصْلُهُ أَنَّ الْوَارِثَ إذَا كَانَ بِحَالٍ لَا يَجُوزُ جَمِيعُ الْمِيرَاثِ فَالْوَصِيَّةُ بِمِقْدَارِ الثُّلُثِ لِلْأَجْنَبِيِّ مُقَدَّمَةٌ فِي التَّنْفِيذِ فِي حَقِّ هَذَا الْوَارِثِ، وَفِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ مُؤَخَّرَةٌ فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ بِالثُّلُثِ تَقَعُ نَافِذَةً مِنْ غَيْرِ إجَازَةٍ فَكَانَتْ وَصِيَّةً قَوِيَّةً مُسْتَحْكَمَةً فَتَكُونُ فِي التَّنْفِيذِ مُقَدَّمَةً. وَالْوَصِيَّةُ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ وَاهِيَةٌ ضَعِيفَةٌ لِأَنَّهَا لَا تَجُوزُ إلَّا بِالْإِجَازَةِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْوَرَثَةِ بِهِ فَكَانَتْ مُؤَخَّرَةً عَنْ حَقِّ الْوَرَثَةِ لِأَنَّ حَقَّهُمْ مُتَأَكِّدٌ فَإِذَا وَصَلَ إلَى الْوَارِثِ حَقُّهُ صَارَ كَمَنْ لَا وَارِثَ لَهُ فَتَنْفُذُ وَصِيَّتُهُ فِيهِ، وَالثَّانِي أَنَّ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ بِجَمِيعِ الْمَالِ الْمَوْجُودِ الْمُطْلَقِ، وَهِيَ مَالِكِيَّتُهُ، وَأَهْلِيَّتُهُ امْرَأَةٌ مَاتَتْ عَنْ زَوْجٍ، وَأَوْصَتْ بِنِصْفِ مَالِهَا لِأَجْنَبِيٍّ جَازَ، وَلِلزَّوْجِ الثُّلُثُ، وَهُوَ نِصْفُ الثُّلُثَيْنِ، وَلِلْمُوصَى لَهُ النِّصْفُ يَبْقَى سُدُسٌ لِبَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّ وَصِيَّةَ الْأَجْنَبِيِّ بِقَدْرِ الثُّلُثِ وَصِيَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ فَكَانَتْ فِي التَّنْفِيذِ مُقَدَّمَةً فَصَارَ الثُّلُثُ مُسْتَحَقًّا بِالْوَصِيَّةِ فَيَبْطُلُ الْإِرْثُ فِيهِ فَيَبْقَى تَرِكَتُهَا ثُلُثَيْ الْمَالِ فَلِلزَّوْجِ نِصْفُ ذَلِكَ، وَهُوَ ثُلُثُ الْكُلِّ يَبْقَى ثُلُثٌ آخَرُ، وَلَيْسَ لَهُ مُسْتَحَقٌّ بِالْمِيرَاثِ فَتَنْفُذُ فِيهِ الْوَصِيَّةُ فِي ثُلُثِهِ، وَذَلِكَ سُدُسٌ فَوَصَلَ إلَى الْمُوصَى لَهُ نِصْفُ الْمَالِ، وَبَقِيَ سُدُسٌ لَا وَصِيَّةَ وَلَا وَارِثَ فِيهِ فَيُصْرَفُ إلَى بَيْتِ الْمَالِ، وَكَذَلِكَ لَوْ مَاتَ الرَّجُلُ عَنْ امْرَأَتِهِ، وَأَوْصَى بِمَالِهِ كُلِّهِ لِأَجْنَبِيٍّ، وَلَمْ تَجُزْ الْوَصِيَّةُ فَلِلْمَرْأَةِ السُّدُسُ وَخَمْسَةُ أَسْدَاسِهِ لِلْمُوصَى لَهُ لِأَنَّ الثُّلُثَ صَارَ مُسْتَحَقًّا بِالْوَصِيَّةِ بَقِيَتْ التَّرِكَةُ بِثُلُثَيْ الْمَالِ فَلِلْمَرْأَةِ رُبُعُ ذَلِكَ، وَالْبَاقِي لِلْمُوصَى لَهُ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ، وَلَوْ مَاتَتْ عَنْ زَوْجٍ، وَأَوْصَتْ لِقَاتِلِهَا بِالنِّصْفِ يَأْخُذُ الزَّوْجُ النِّصْفَ أَوَّلًا، وَلِلْقَاتِلِ النِّصْفُ الْآخَرُ، وَهِيَ وَصِيَّةٌ ضَعِيفَةٌ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْوَارِثِ فَيُقَدَّمُ الْمِيرَاثُ عَلَيْهَا فَيَسْتَحِقُّ الزَّوْجُ أَوَّلًا نِصْفَ الْمَالِ بِالْإِرْثِ، وَالنِّصْفَ الْبَاقِي فَارِغٌ عَنْ حَقِّ الْوَرَثَةِ فَتَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ فِيهِ لِلْقَاتِلِ. كَمَا تَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ لِلْقَاتِلِ فِي تَرِكَةِ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ، وَلَوْ تَرَكَتْ عَبْدَيْنِ قِيمَتُهُمَا سَوَاءٌ، وَأَوْصَتْ بِأَحَدِهِمَا لِزَوْجِهَا فَلَهُ الْعَبْدَانِ بِالْإِرْثِ وَالْوَصِيَّةِ لِأَنَّهُ مُسْتَحَقٌّ لِمَا فَضَلَ عَنْ فَرْضِهِ فَيَكُونُ عَارِيًّا عَنْ حَقِّ الْغَيْرِ فَصَحَّتْ الْوَصِيَّةُ لِفَقْدِ الْمَانِعِ أَصْلُهُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْوَارِثِ بِالثُّلُثِ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيَّةِ لِلْأَجْنَبِيِّ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ حَتَّى لَا تَنْفُذَ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا إلَّا بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ لِأَنَّهَا صَادَفَتْ مَحِلًّا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ بَعْضِ الْوَرَثَةِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهِمْ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِثِيَابٍ مُتَفَاوِتَةٍ لِثَلَاثَةٍ فَضَاعَ ثَوْبٌ، وَلَمْ يَدْرِ أَيْ وَالْوَارِثُ يَقُولُ لِكُلٍّ هَلَكَ حَقُّك بَطَلَتْ) أَيْ إذَا أَوْصَى بِثَلَاثَةِ ثِيَابٍ مُتَفَاوِتَةٍ، وَهِيَ جَيِّدٌ وَوَسَطٌ وَرَدِيءٌ لِثَلَاثَةِ أَنْفَارٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِثَوْبٍ فَضَاعَ مِنْهَا ثَوْبٌ وَلَا يَدْرِي أَيَّهمْ، وَالْوَارِثُ يَجْحَدُ ذَلِكَ بِأَنْ يَقُولَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ هَلَكَ حَقُّك أَوْ حَقُّ أَحَدِكُمْ وَلَا يَدْرِي مَنْ هُوَ الْهَالِكُ فَلَا أَدْفَعُ إلَيْكُمْ شَيْئًا بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ مَجْهُولٌ، وَجَهَالَتُهُ تَمْنَعُ صِحَّةَ الْقَضَاءِ، وَتَحْصِيلَ غَرَضِ الْمُوصِي فَيَبْطُلُ كَمَا إذَا أَوْصَى لِأَحَدِ الرَّجُلَيْنِ، وَقَوْلُ الْمُؤَلِّفِ وَالْوَارِثُ يَقُولُ إلَى آخِرِهِ، وَمَعْنَى جُحُودِهِمْ أَنْ يَقُولَ الْوَارِثُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الثَّوْبُ الَّذِي هُوَ حَقُّك قَدْ هَلَكَ أَقُولُ: فِي ظَاهِرِ تَعْبِيرِ الْمُؤَلِّفِ هَاهُنَا فَسَادٌ لِأَنَّ هَلَاكَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِيمَا إذَا ضَاعَتْ الْأَثْوَابُ الثَّلَاثَةُ مَعًا، وَالْغَرَضُ فِي وَضْعِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ ضَيَاعَ ثَوْبٍ وَاحِدٍ مِنْهَا غَيْرُ مَعْلُومٍ بِخُصُوصِهِ فَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يَقُولَ الْوَارِثُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ الثَّوْبُ الَّذِي هُوَ حَقُّك قَدْ هَلَكَ فَإِنَّهُ كَذِبٌ ظَاهِرٌ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُسْمَعَ أَصْلًا فَضْلًا عَنْ أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ. بَلْ قَوْلُهُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ الثَّوْبُ الَّذِي هُوَ حَقُّك قَدْ هَلَكَ يَقْتَضِي الِاعْتِرَافَ بِكَوْنِ الثَّوْبَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ لِصَاحِبِهِ، وَالْأَوْلَى فِي التَّعْبِيرِ مَا ذُكِرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ سِيَّمَا لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ وَالْإِمَامِ قَاضِي خَانْ، وَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ بِجُحُودِ الْوَارِثِ أَنْ يَقُولَ حَقُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ بَطَلَ وَلَا نَدْرِي مَنْ بَطَلَ حَقُّهُ، وَمَنْ بَقِيَ حَقُّهُ فَلَا نُسَلِّمُ إلَيْكُمْ شَيْئًا، وَاَلَّذِي يُمْكِنُ فِي تَوْجِيهِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ مَعْنَى جُحُودِهِ أَنْ يَقُولَ الْوَارِثُ لِكُلِّ وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ الثَّوْبُ الَّذِي قَدْ هَلَكَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ حَقَّك فَكَأَنَّهُ سَامَحَ فِي الْعِبَارَةِ بِنَاءً عَلَى ظُهُورِ الْمُرَادِ، وَوَافَقَهُ صَاحِبُ الْكَافِي فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ مَعَ ظُهُورِ كَمَالِهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إلَّا أَنْ يُسَلِّمُوا مَا بَقِيَ) أَيْ إلَّا أَنْ يُسَلِّمَ الْوَرَثَةُ مَا بَقِيَ مِنْ الثِّيَابِ فَحِينَئِذٍ تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِأَنَّهَا كَانَتْ صَحِيحَةً فِي الْأَصْلِ، وَإِنَّمَا بَطَلَتْ بِجَهَالَةٍ طَارِئَةٍ مَانِعَةٍ مِنْ التَّسْلِيمِ فَإِذَا سَلَّمُوا الْبَاقِي زَالَ الْمَانِعُ فَعَادَتْ صَحِيحَةً كَمَا كَانَتْ فَتُقْسَمُ بَيْنَهُمْ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَلِذِي الْجَيِّدِ ثُلُثَاهُ وَلِذِي الرَّدِيءِ ثُلُثَاهُ، وَلِذِي الْوَسَطِ ثُلُثُ كُلٍّ) أَيْ لِصَاحِبِ الْجَيِّدِ ثُلُثَا الثَّوْبِ الْجَيِّدِ، وَلِصَاحِبِ الرَّدِيءِ يُعْطَى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 482 ثُلُثَا الثَّوْبِ الرَّدِيءِ، وَلِصَاحِبِ الْوَسَطِ ثُلُثُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَيُصِيبُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثُلُثَا ثَوْبٍ لِأَنَّ الِاثْنَيْنِ إذَا قُسِمَا عَلَى ثَلَاثَةٍ أَصَابَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الثُّلُثَانِ، وَإِنَّمَا أُعْطِيَ لِصَاحِبِ الْوَسَطِ ثُلُثُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَلِلْآخَرَيْنِ الثُّلُثَيْنِ مِنْ ثَوْبٍ وَاحِدٍ لِأَنَّ صَاحِبَ الْجَيِّدِ لَا حَقَّ لَهُ فِي الرَّدِيءِ بِيَقِينٍ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ هُوَ الرَّدِيءُ أَوْ الْوَسَطُ وَلَا حَقَّ لَهُ فِيهِمَا. وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ حَقُّهُ فِي الرَّدِيءِ بِأَنْ كَانَ الْهَالِكُ هُوَ الْجَيِّدُ أَوْ الْوَسَطُ، وَاحْتَمَلَ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ فِيهِ حَقٌّ بِأَنْ يَكُونَ الْهَالِكُ أَجْوَدَ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِي الرَّدِيءِ بِأَنْ يَكُونَ الْهَالِكُ أَرْدَأَ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لَهُ فِيهِمَا حَقٌّ بِأَنْ كَانَ الْهَالِكُ هُوَ الْوَسَطُ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ أَعْطَى كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حَقَّهُ مِنْ مَحَلٍّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ لَهُ لِأَنَّ التَّسْوِيَةَ بِإِبْطَالِ حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إلَيْهِ، وَهُمْ فِي احْتِمَالِ بَقَاءِ حَقِّهِ وَبُطْلَانِهِ سَوَاءٌ، وَفِيمَا قُلْنَا إيصَالُ حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ، وَتَحْصِيلُ غَرَضِ الْمُوصِي مِنْ التَّفْضِيلِ فَكَانَ مُتَعَيِّنًا، وَفِي الْعُيُونِ إذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِثِيَابٍ جَيِّدَةٍ فَلَهُ مَا يُلْبَسُ مِنْ الْجِبَابِ وَالْقُمُصِ وَالْأَرْدِيَةِ وَالطَّيْلَسَانِ وَالسَّرَاوِيلَاتِ وَالْأَكْسِيَةِ وَلَا يَكُونُ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الْقَلَانِسِ وَالْخِفَافِ وَالْجَوَارِبِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ الثِّيَابِ، وَفِي فَتَاوَى الْفَضْلِيِّ قَالَ بِالْفَارِسِيَّةِ حامه مِنْ هروشيد وبدر ويشان وهيد فَهَذَا فِي عُرْفِنَا يَقَعُ عَلَى جَمِيعِ ثِيَابِ بَدَنِهِ إلَّا الْخُفَّ فَإِنَّهُ يَبْعُدُ أَنْ يُرَادَ بِهَذَا اللَّفْظِ فِي عُرْفِنَا الْخُفُّ، وَيَدْخُلُ فِي الْوَصِيَّةِ بِالثَّوْبِ الدِّيبَاجُ وَغَيْرُهُ مِمَّا يُلْبَسُ عَادَةً مِنْ كِسَاءٍ أَوْ فَرْوٍ هَكَذَا ذُكِرَ فِي السِّيَرِ وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الْبِسَاطُ وَالسِّتْرُ، وَكَذَا الْعِمَامَةُ، وَالْقَلَنْسُوَةُ لَا تَدْخُلُ ذَكَرَهُ فِي السِّيَرِ، وَقَدْ قِيلَ إذَا كَانَتْ الْعِمَامَةُ طَوِيلَةً يَجِيءُ مِنْهَا ثَوْبٌ كَامِلٌ تَدْخُلُ تَحْتَ الْوَصِيَّةِ، وَفِي فَتَاوَى أَهْلِ سَمَرْقَنْدَ إذَا أَوْصَى بِمَتَاعِ بَدَنِهِ يَدْخُلُ تَحْتَ الْوَصِيَّةِ الْقَلَنْسُوَةُ، وَالْخُفُّ، وَاللِّحَافُ، وَالدِّثَارُ، وَالْفِرَاشُ لِأَنَّهُ يَصُونُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ بَدَنَهُ عَنْ الْحَرِّ، وَالْبَرْدِ، وَالْأَذَى. وَفِي السِّيَرِ أَنَّ اسْمَ الْمَتَاعِ فِي الْعَادَةِ يَقَعُ عَلَى مَا يَلْبَسُهُ النَّاسُ، وَيُبْسَطُ، وَعَلَى هَذَا يَدْخُلُ فِي الْوَصِيَّةِ بِالْمَتَاعِ الثِّيَابُ وَالْفِرَاشُ وَالْقُمُصُ، وَالسِّتْرُ هَلْ يَدْخُلُ فِيهَا أَوْ لَا؟ فَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ أَشَارَ مُحَمَّدٌ فِي السِّيَرِ إلَى أَنَّهُ يَدْخُلُ، وَإِذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِفَرَسٍ بِسِلَاحِهِ سُئِلَ أَبُو يُوسُفَ أَهُوَ عَلَى سِلَاحِ الرَّجُلِ أَوْ عَلَى سِلَاحِ الْفَرَسِ قَالَ عَلَى سِلَاحِ الرَّجُلِ قَالَ الْبَقَّالِيُّ فِي فَتَاوِيهِ وَأَدْنَى مَا يَكُونُ مِنْ السِّلَاحِ سَيْفٌ وَتُرْسٌ وَرُمْحٌ وَقُرْصٌ، وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، وَلِلْمُوصِي سَيْفٌ مُحَلَّى بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ كَانَتْ الْحِلْيَةُ لَهُ، وَبَعْدَ هَذَا يُنْظَرُ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي نَزْعِ الْحِلْيَةِ ضَرَرٌ فَاحِشٌ يَنْزِعُ الْحِلْيَةَ مِنْ السَّيْفِ، وَتُعْطَى لِلْمُوصَى لَهُ، وَإِنْ كَانَ فِي نَزْعِهَا ضَرَرٌ فَاحِشٌ يُنْظَرُ إلَى قِيمَةِ الْحِلْيَةِ، وَإِلَى قِيمَةِ السَّيْفِ فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ السَّيْفِ أَكْثَرَ تُخَيَّرُ الْوَرَثَةُ إنْ شَاءُوا أَعْطَوْا الْمُوصَى لَهُ قِيمَةَ الْحِلْيَةِ مَصُوغًا مِنْ خِلَافِ جِنْسِهَا، وَصَارَ السَّيْفُ مَعَ الْحِلْيَةِ لَهُمْ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْحِلْيَةِ أَكْثَرَ يُخَيَّرُ الْمُوصَى لَهُ إنْ شَاءَ أَعْطَى، وَأَخَذَ السَّيْفَ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْقِيمَةَ. وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُمَا عَلَى السَّوَاءِ كَانَ الْخِيَارُ لِلْوَرَثَةِ، وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِفَرْوٍ، وَلِلْمُوصِي جُبَّةٌ بِطَانَتُهَا ثَوْبُ فَرْوٍ وَظِهَارَتُهَا ثَوْبُ فَرْوٍ كَانَ لِلْمُوصَى لَهُ الثَّوْبُ، وَالْآخَرُ لِلْوَرَثَةِ، وَلَوْ أَوْصَى بِجُبَّةٍ حَرِيرٍ، وَلَهُ جُبَّةٌ، وَبِطَانَتُهَا حَرِيرٌ دَخَلَتْ تَحْتَ الْوَصِيَّةِ إنْ كَانَتْ الظِّهَارَةُ حَرِيرًا وَالْبِطَانَةُ حَرِيرًا كَذَلِكَ الْجَوَابُ، وَإِنْ كَانَتْ الْبِطَانَةُ حَرِيرًا فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِحُلِيٍّ يَدْخُلُ كُلُّ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْحُلِيِّ سَوَاءٌ كَانَ مُفَصَّصًا بِزُمُرُّدٍ وَيَاقُوتٍ أَوْ لَمْ يَكُنْ. وَيَكُونُ جَمِيعُ ذَلِكَ لِلْمُوصَى لَهُ، وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِذَهَبٍ، وَلَهُ ثَوْبُ دِيبَاجٍ مَنْسُوجٌ مِنْ ذَهَبٍ فَإِنْ كَانَ الذَّهَبُ مِثْلَ الثَّوْبِ مِثْلَ الْغَزْلِ فَلَيْسَ لَهُ شَيْءٌ إنْ كَانَ الذَّهَبُ فِيهِ شَيْءٌ جَرَى كَانَ ذَلِكَ لِلْمُوصَى لَهُ وَمَا وَرَاءُ ذَلِكَ لِلْوَرَثَةِ فَيُبَاعُ الثَّوْبُ، وَيُقْسَمُ الثَّمَنُ عَلَى قِيمَةِ الذَّهَبِ وَمَا سِوَاهُ فَمَا أَصَابَ الذَّهَبُ فَهُوَ لِلْمُوصَى لَهُ، وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِحُلِيٍّ دَخَلَ تَحْتَهَا الْخَاتَمُ مِنْ الذَّهَبِ، وَهَلْ يَدْخُلُ تَحْتَهَا الْخَاتَمُ مِنْ الْفِضَّةِ فَإِنْ كَانَ مِنْ الْخَوَاتِمِ الَّتِي تَسْتَعْمِلُهَا الرِّجَالُ دُونَ النِّسَاءِ لَا يَدْخُلُ، وَهَلْ يَدْخُلُ فِيهِ اللُّؤْلُؤُ وَالْيَاقُوتُ وَالزَّبَرْجَدُ فَإِنْ كَانَ مُرَكَّبًا فِي شَيْءٍ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ يَدْخُلُ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُرَكَّبًا فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَدْخُلُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحُلِيٍّ، وَعَلَى قَوْلِهِمَا يَدْخُلُ أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ إذَا حَلَفَتْ الْمَرْأَةُ لَا تَلْبَسُ حُلِيًّا، وَلَبِسَتْ عَقْدُ اللُّؤْلُؤِ لَا يُخَالِطُهُ ذَهَبٌ وَلَا فِضَّةٌ لَا تَحْنَثُ فِي يَمِينِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا تَحْنَثُ، وَلَوْ لَبِسَتْ عَقْدَ لُؤْلُؤٍ مُرَكَّبٍ مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ تَحْنَثُ فِي يَمِينِهَا بِالْإِجْمَاعِ، وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِحَدِيدٍ، وَلَهُ سَرْجٌ رِكَابَاهُ مِنْ حَدِيدٍ نُزِعَ الرِّكَابَانِ، وَأُعْطِيَا لِلْمُوصَى لَهُ، وَالْبَاقِي لِلْوَرَثَةِ، وَفِي الْمُنْتَقَى إذَا أَعْتَقَ عَبْدًا لَهُ، وَقَالَ كِسْوَتُهُ لَهُ فَلَهُ خُفَّاهُ وَقَلَنْسُوَتُهُ وَقَمِيصُهُ وَسَرَاوِيلُهُ وَإِزَارُهُ وَلَا يَدْخُلُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 483 فِيهِ مِنْطَقَتُهُ وَلَا سَيْفُهُ، وَإِنْ قَالَ لَهُ مَتَاعُهُ دَخَلَ السَّيْفُ، وَالْمِنْطَقَةُ أَيْضًا، وَهِيَ وَصِيَّةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ لِغُلَامِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِبَيْتِ عَيْنٍ مِنْ دَارٍ مُشْتَرَكَةٍ، وَقُسِمَ، وَوَقَعَ فِي حَظِّهِ فَهُوَ لِلْمُوصَى لَهُ، وَإِلَّا مِثْلُ ذَرْعِهِ) مَعْنَاهُ إذَا كَانَتْ الدَّارُ مُشْتَرَكَةً بَيْنَ اثْنَيْنِ فَأَوْصَى أَحَدُهُمَا بِبَيْتٍ بِعَيْنِهِ لِرَجُلٍ فَإِنَّ الدَّارَ تُقْسَمُ فَإِنْ وَقَعَ الْبَيْتُ فِي نَصِيبِ الْمُوصِي فَهُوَ لِلْمُوصَى لَهُ، وَإِنْ وَقَعَ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ فَلِلْمُوصَى لَهُ مِثْلُ ذَرْعِ الْبَيْتِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى، وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَهُ نِصْفُ الْبَيْتِ إنْ وَقَعَ فِي نَصِيبِ الْمُوصِي، وَإِنْ وَقَعَ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ كَانَ لَهُ مِثْلُ ذَرْعِ نِصْفِ الْبَيْتِ لِأَنَّهُ أَوْصَى بِمِلْكِهِ، وَبِمِلْكِ غَيْرِهِ لِأَنَّ الدَّارَ كُلَّهَا مُشْتَرَكَةٌ فَتَنْفُذُ فِي مِلْكِهِ، وَيَتَوَقَّفُ الْبَاقِي عَلَى إجَازَةِ صَاحِبِهِ ثُمَّ إذَا مَلَكَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَالْقِسْمَةُ الَّتِي هِيَ مُبَادَلَةٌ لَا تُنْفِذُ الْوَصِيَّةَ السَّابِقَةَ كَمَا إذَا أَوْصَى بِمِلْكِ الْغَيْرِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ ثُمَّ أَصَابَهُ بِالْقِسْمَةِ عَيْنُ الْبَيْتِ كَانَ لِلْمُوصَى لَهُ نِصْفُهُ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَا أَوْصَى بِهِ، وَإِنْ وَقَعَ فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ كَانَ مِثْلَ نِصْفِ الْبَيْتِ لِأَنَّهُ يَجِبُ تَنْفِيذُهَا فِي الْبَدَلِ عِنْدَ تَعَذُّرِ تَنْفِيذِهَا فِي عَيْنِ الْمُوصَى بِهِ كَالْجَارِيَةِ الْمُوصَى بِهَا إذَا قُتِلَتْ تَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ فِي بَدَلِهَا بِخِلَافِ مَا إذَا بِيعَ الْعَبْدُ الْمُوصَى بِهِ حَيْثُ لَا تَتَعَلَّقُ الْوَصِيَّةُ بِثَمَنِهِ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَبْطُلُ بِالْإِقْدَامِ عَلَى الْبَيْعِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي مَسَائِلِ الرُّجُوعِ عَنْ الْوَصِيَّةِ وَلَا تَبْطُلُ بِالْقِسْمَةِ، وَلَهُمَا أَنَّهُ إذَا أَوْصَى بِمَا يَسْتَقِرُّ مِلْكُهُ فِيهِ بِالْقِسْمَةِ لِأَنَّهُ يَقْصِدُ الْإِيصَاءَ بِمَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ عَلَى الْكَمَالِ ظَاهِرًا، وَذَلِكَ يَكُونُ بِالْقِسْمَةِ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِالْمُشَاعِ قَاصِرٌ، وَقَدْ اسْتَقَرَّ مِلْكُهُ فِي جَمِيعِ الْبَيْتِ إذَا وَقَعَ فِي نَصِيبِهِ فَتَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ فِيهِ، وَمَعْنَى الْمُبَادَلَةِ فِي الْقِسْمَةِ تَابِعٌ. وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ الْإِقْرَارُ تَكْمِيلًا لِلْمَنْفَعَةِ، وَلِهَذَا يُجْبَرُ عَلَى الْقِسْمَةِ فِيهِ قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ فِي بَحْثٍ، وَهُوَ أَنَّهُ قَالَ فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ، وَالْإِقْرَارِ هُوَ الظَّاهِرُ فِي الْمَكِيلَاتِ، وَالْمَوْزُونَاتِ، وَمَعْنَى الْمُبَادَلَةِ هُوَ الظَّاهِرُ فِي الْحَيَوَانَاتِ وَالْعُرُوضِ وَمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ الْعُرُوضِ فَكَيْفَ كَانَتْ الْمُبَادَلَةُ فِيهِ تَابِعَةً، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ قَالَ هُنَاكَ بَعْدَ قَوْلِهِ وَمَعْنَى الْمُبَادَلَةِ هُوَ الظَّاهِرُ فِي الْعُرُوضِ إلَّا أَنَّهَا إذَا كَانَتْ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ أُجْبِرَ الْقَاضِي عَلَى الْقِسْمَةِ عِنْدَ طَلَبِ أَحَدِ الشُّرَكَاءِ وَمَا نَحْنُ فِيهِ كَذَلِكَ فَكَانَ مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ فِيهِ تَابِعًا كَمَا ذُكِرَ هَاهُنَا لِأَنَّ الْجَبْرَ لَا يَجْرِي فِي الْمُبَادَلَةِ، وَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ هُنَاكَ، وَمَعْنَى الْمُبَادَلَةِ هُوَ الظَّاهِرُ فِي الْحَيَوَانَاتِ وَالْعُرُوضِ إذَا لَمْ تَكُنْ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ وَإِنَّمَا الْإِقْرَارُ تَكْمِيلًا وَلَا تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ إذَا وَقَعَ الْبَيْتُ كُلُّهُ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ، وَلَوْ كَانَتْ مُبَادَلَةً لَبَطَلَتْ كَمَا لَوْ بَاعَ الْمُوصَى بِهِ فَعَلَى اعْتِبَارِ الْإِقْرَارِ صَارَ كَأَنَّ الْبَيْتَ كُلَّهُ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ، وَلَوْ كَانَتْ مُبَادَلَةً كُلُّهُ مِلْكُهُ مِنْ الِابْتِدَاءِ، وَإِذَا وَقَعَ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ تَنْفُذُ فِي قَدْرِ ذُرْعَانِ الْبَيْتِ جَمِيعُهُ مِنْ الَّذِي وَقَعَ فِي نَصِيبِ الْمُوصِي لِأَنَّهُ عَوَّضَهُ، وَمُرَادُ الْمُوصِي مِنْ ذِكْرِ الْبَيْتِ تَقْدِيرُهُ بِهِ غَيْرَ أَنَّا نَقُولُ يَتَعَيَّنُ الْبَيْتُ إذَا وَقَعَ الْبَيْتُ فِي نَصِيبِهِ جَمْعًا بَيْنَ الْجِهَتَيْنِ التَّقْدِيرُ وَالتَّمْلِيكُ، وَإِذَا وَقَعَ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ عَمِلْنَا بِالتَّقْدِيرِ أَوْ نَقُولُ أَنَّهُ أَرَادَ التَّقْدِيرَ عَلَى اعْتِبَارِ وُقُوعِ الْبَيْتِ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ، وَأَرَادَ التَّمْلِيكَ عَلَى اعْتِبَارِ وُقُوعِهِ فِي نَصِيبِهِ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ لِكَلَامِ وَاحِدٍ جِهَتَانِ بِاعْتِبَارَيْنِ أَلَا تَرَى أَنَّ لِكَلَامِ وَاحِدٍ جِهَتَيْنِ فِيمَنْ عَلَّقَ بِأَوَّلِ وَلَدٍ تَلِدُهُ أَمَتُهُ طَلَاقَ امْرَأَتِهِ وَعِتْقَ ذَلِكَ الْوَلَدِ فَيَتَقَيَّدُ فِي حَقِّ الْعِتْقِ بِالْوَلَدِ الْحَيِّ لَا فِي حَقِّ الطَّلَاقِ ثُمَّ إذَا وَقَعَ الْبَيْتُ فِي نَصِيبِ غَيْرِ الْمُوصِي. وَالدَّارُ مِائَةُ ذِرَاعٍ، وَالْبَيْتُ عَشَرَةُ أَذْرُعٍ يُقْسَمُ نَصِيبُ الْمُوصِي بَيْنَ الْمُوصَى لَهُ وَالْوَرَثَةِ عَلَى عَشَرَةِ أَسْهُمٍ عِنْدَ مُحَمَّدٍ تِسْعَةٌ لِلْوَرَثَةِ، وَسَهْمٌ لِلْمُوصَى لَهُ فَيَضْرِبُ الْمُوصَى لَهُ بِنِصْفِ الْبَيْتِ، وَهُوَ خَمْسَةُ أَذْرُعٍ، وَهُمْ بِنِصْفِ الدَّارِ إلَّا نِصْفَ الْبَيْتِ الَّذِي صَارَ لَهُ، وَهُمْ خَمْسَةٌ وَأَرْبَعُونَ ذِرَاعًا، وَنَصِيبُ الْبَيْتِ مِنْ الدَّارِ خَمْسُونَ ذِرَاعًا فَيَجْعَلُ كُلَّ خَمْسَةٍ مِنْهَا سَهْمًا فَصَارَ عَشَرَةَ أَسْهُمٍ، وَعِنْدَهُمَا تُقْسَمُ عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ يَضْرِبُ بِجَمِيعِ الْبَيْتِ، وَهُوَ عَشَرَةُ أَذْرُعٍ، وَهُمْ بِنِصْفِ كُلِّهِ إلَّا الْبَيْتَ الْمُوصَى بِهِ، وَهُوَ أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا فَيَجْعَلُ كُلَّ عَشَرَةِ أَذْرُعٍ سَهْمًا فَصَارَ الْمَجْمُوعُ خَمْسَةَ أَسْهُمٍ سَهْمُ لِلْمُوصَى لَهُ وَأَرْبَعَةٌ لَهُمْ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْإِقْرَارُ مِثْلُهَا) أَيْ الْإِقْرَارُ بِبَيْتٍ مُعَيَّنٍ مِنْ دَارٍ مُشْتَرَكَةٍ مِثْلَ الْوَصِيَّةِ بِهِ حَيْثُ يُؤْمَرُ بِتَسْلِيمِ كُلِّهِ إنْ وَقَعَ الْبَيْتُ فِي نَصِيبِ الْمُقَرِّ عِنْدَهُمَا، وَإِنْ وَقَعَ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ يُؤْمَرُ بِتَسْلِيمِ مِثْلِهِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُؤْمَرُ بِتَسْلِيمِ النِّصْفِ أَوْ قَدْرِ النِّصْفِ، وَقِيلَ مُحَمَّدٌ مَعَهُمَا فِي الْإِقْرَارِ، وَالْفَرْقُ لَهُ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْإِقْرَارَ بِمِلْكِ الْغَيْرِ صَحِيحٌ حَتَّى أَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِمِلْكِ الْغَيْرِ لِغَيْرِهِ ثُمَّ تَمَلَّكَهُ يُؤْمَرُ بِالتَّسْلِيمِ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ وَالْوَصِيَّةُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 484 بِمِلْكِ الْغَيْرِ لَا تَصِحُّ حَتَّى لَوْ مُلِّكَتْ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ ثُمَّ مَاتَ لَا تَنْفُذُ فِيهِ الْوَصِيَّةُ قَالَ فِي الْأَصْلِ الْإِقْرَارُ بِالْوَصِيَّةِ مِنْ الْوَارِثِ، وَالشَّهَادَةُ عَلَيْهَا، وَإِقْرَارُ الْوَارِثِ بِالدَّيْنِ الْوَدِيعَةِ وَالشَّرِكَةِ قَالَ وَإِذَا أَقَرَّ الْوَارِثُ أَنَّ أَبَاهُ أَوْصَى بِالثُّلُثِ لِفُلَانٍ وَشَهِدَتْ الشُّهُودُ أَنَّهُ أَوْصَى بِالثُّلُثِ لِآخَرَ كَانَ الثُّلُثُ كُلُّهُ لِلْمَشْهُودِ لَهُ وَلَا يَكُونُ لِلَّذِي أَقَرَّ لَهُ الْوَارِثُ مِنْ الثُّلُثِ شَيْءٌ وَلَا يَضْمَنُ الْوَارِثُ لِلْمُقَرِّ لَهُ شَيْئًا إذَا هَلَكَ الْمَالُ فِي يَدِهِ قَبْلَ الدَّفْعِ أَوْ دَفَعَ إلَى الْمَشْهُودِ لَهُ بِقَضَاءِ قَاضٍ أَوْ بِغَيْرِ قَضَاءٍ قَالَ وَإِذَا أَقَرَّ الْوَارِثُ أَنَّ أَبَاهُ أَوْصَى بِالثُّلُثِ لِفُلَانٍ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ بَلْ أَوْصَى بِهِ لِفُلَانٍ أَوْ قَالَ أَوْصَى بِهِ لِفُلَانٍ لَا بَلْ لِفُلَانٍ فَإِنَّهُ يَكُونُ لِلْأَوَّلِ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا وَلَا يَضْمَنُ الْوَارِثُ شَيْئًا لِلثَّانِي إذَا هَلَكَتْ التَّرِكَةُ فِي يَدِهِ قَبْلَ الدَّفْعِ لِلْأَوَّلِ بِقَضَاءٍ، وَإِنْ دَفَعَ لِلْأَوَّلِ بِغَيْرِ قَضَاءِ قَاضٍ صَارَ ضَامِنًا لِلثَّانِي ثُمَّ إنَّ مُحَمَّدًا فَرَّقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْإِقْرَارِ الْوَدِيعَةِ قَالَ إذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ أَنَّ هَذَا الْعَبْدَ وَدِيعَةٌ لِفُلَانٍ ثُمَّ قَالَ لَا بَلْ لِفُلَانٍ، وَدَفَعَ الْعَبْدَ إلَى الْأَوَّلِ بِقَضَاءِ قَاضٍ أَوْ بِغَيْرِ قَضَاءٍ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ لِلثَّانِي قِيمَةَ الْعَبْدِ فِي الْحَالَيْنِ، وَمِنْهَا لَوْ دَفَعَ الْوَارِثُ الثُّلُثَ إلَى الْأَوَّلِ بِقَضَاءِ قَاضٍ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ لِلثَّانِي عِنْدَهُمْ جَمِيعًا، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْإِقْرَارُ لِلثَّانِي مُنْفَصِلًا عَنْ الْأَوَّلِ فَأَمَّا إذَا كَانَ مُتَّصِلًا كَانَ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَنَظِيرُ هَذَا الْإِقْرَارُ الْوَدِيعَةِ لَوْ أَقَرَّ أَنَّ هَذَا الْعَبْدَ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ لِفُلَانٍ، وَفُلَانٍ أَوْ قَالَ وَدِيعَةٌ عِنْدَهُ لِفُلَانٍ آخَرَ مُتَّصِلًا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ كَأَنَّهُ قَالَ هَذَا الْعَبْدُ وَدِيعَةٌ عِنْدِي لِفُلَانٍ ثُمَّ قَالَ لَا بَلْ لِفُلَانٍ فَإِنَّ الْعَبْدَ كُلَّهُ لِلْأَوَّلِ فَكَذَا هَذَا قَالَ وَإِذَا أَقَرَّ الْوَارِثُ بِوَصِيَّةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ بِعَيْنِهَا ثُمَّ أَقَرَّ ذَلِكَ بَعْدُ بِالثُّلُثِ لِآخَرَ ثُمَّ رَفَعَ ذَلِكَ إلَى الْقَاضِي فَإِنَّهُ يَدْفَعُ الْأَلْفَ إلَى الْأَوَّلِ. وَكَانَ الْجَوَابُ فِيهِ كَالْجَوَابِ فِيمَا إذَا أَقَرَّ بِالثُّلُثِ لِآخَرَ ثُمَّ رَفَعَ ذَلِكَ إلَى الْقَاضِي فَإِنَّهُ يَدْفَعُ الْأَلْفَ إلَى الْأَوَّلِ ثُمَّ إذَا أَقَرَّ بَعْدَ ذَلِكَ لِلثَّانِي فَإِنَّ الثُّلُثَ كُلَّهُ يُدْفَعُ لِلْأَوَّلِ وَلَا يَكُونُ لِلثَّانِي فِيهِ شَيْءٌ كَذَلِكَ هَذَا الْجَوَابُ فِيمَا لَوْ أَقَرَّ بِوَصِيَّةٍ بِغَيْرِ عَيْنِهَا. وَالْجَوَابُ فِيمَا لَوْ أَقَرَّ بِأَلْفٍ بِعَيْنِهَا لِأَنَّ الْوَصَايَا تَنْفُذُ مِنْ الثُّلُثِ فَصَارَ الثُّلُثُ كُلُّهُ مُسْتَحَقًّا لِلْأَوَّلِ بِالْإِقْرَارِ الْأَوَّلِ، وَكَانَ الْجَوَابُ فِيمَا لَوْ أَقَرَّ بِأَلْفٍ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ فِي الرَّجُلِ يَمُوتُ وَيَتْرُكُ وَارِثَيْنِ، وَأَلْفَيْ دِرْهَمٍ فَيَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَلْفًا فَغَابَ أَحَدُهُمَا وَأَقَرَّ الْحَاضِرُ لِرَجُلٍ أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى لَهُ بِثُلُثٍ أَخَذَ الْمُقَرُّ لَهُ مِنْ الْحَاضِرِ ثُلُثَ مَا فِي يَدِهِ فَرْقٌ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا إذَا أَقَرَّ الْحَاضِرُ بِدَيْنٍ لَهُ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ كُلَّ ذَلِكَ مِنْ نَصِيبِهِ، وَإِنْ أَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِوَدِيعَةٍ بِعَيْنِهَا، وَذَلِكَ فِي نَصِيبِهِ، وَكَذَّبَهُ الْآخَرُ فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ ذَلِكَ كُلُّهُ مِنْ الْمُقِرِّ، وَإِنْ أَقَرَّ بِوَدِيعَةٍ مَجْهُولَةٍ يَسْتَوْفِي الْكُلَّ مِنْ نَصِيبِهِ، وَلَوْ أَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِشَرِكَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْآخَرِ، وَكَذَّبَهُ الْآخَرُ صَحَّ فِي نَصِيبِهِ، وَيُقْسَمُ مَا فِي يَدِهِ بَيْنَ الْمُقِرِّ وَالْمُقَرِّ لَهُ وَلَا يَأْخُذُ الْمُقَرُّ لَهُ مِنْ الْجَاحِدِ شَيْئًا لِأَنَّ إقْرَارَ كُلِّ مُقِرٍّ يَصِحُّ فِي حَقِّهِ وَلَا يَصِحُّ فِي حَقِّ غَيْرِهِ، وَنَظِيرُ هَذَا مَا قَالُوا فِي رَجُلٍ مَاتَ وَتَرَكَ بِنْتَيْنِ، وَأَقَرَّتْ إحْدَى الْبِنْتَيْنِ بِأَخٍ مَجْهُولٍ، وَكَذَبَتْهَا الْبِنْتُ الْأُخْرَى فَإِنَّ الْأَخَ الْمُقَرَّ لَهُ يَأْخُذُ مِنْ نَصِيبِ الْبِنْتِ الْمُقِرَّةِ، وَفِي الْكَافِي ابْنَانِ اقْتَسَمَا تَرِكَةَ الْأَبِ أَلْفًا ثُمَّ أَقَرَّ أَحَدُهُمَا لِرَجُلٍ أَنَّ الْأَبَ أَوْصَى لَهُ بِثُلُثِ مَالِهِ فَالْمُقِرُّ يُعْطِيهِ ثُلُثَ مَا فِي يَدِهِ اسْتِحْسَانًا. وَقَالَ زُفَرُ يُعْطِيهِ نِصْفَ مَا فِي يَدِهِ قِيَاسًا، وَلَوْ كَانَ الْبَنُونَ ثَلَاثَةً، وَالتَّرِكَةُ ثَلَاثَةَ آلَافٍ فَاقْتَسَمُوهَا فَجَاءَ رَجُلٌ وَادَّعَى أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى لَهُ بِثُلُثِ مَالِهِ، وَصَدَّقَهُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فَإِنَّهُ يُعْطِيهِ عِنْدَ زُفَرَ ثَلَاثَةَ أَخْمَاسِ مَا فِي يَدِهِ، وَعِنْدَنَا يُعْطِيهِ ثُلُثَ مَا فِي يَدِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِأَلْفِ عَيْنٍ مِنْ مَالٍ آخَرَ فَأَجَازَ رَبُّ الْمَالِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي، وَدَفَعَهُ صَحَّ، وَلَهُ الْمَنْعُ بَعْدَ الْإِجَازَةِ) أَيْ إذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ بِعَيْنِهَا مِنْ مَالِ غَيْرِهِ فَأَجَازَ صَاحِبُ الْمَالِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي، وَدَفَعَ إلَيْهِ جَازَ، وَلَهُ الِامْتِنَاعُ مِنْ التَّسْلِيمِ بَعْدَ الْإِجَازَةِ لِأَنَّهُ تَبَرَّعَ بِمَالِ الْغَيْرِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ صَاحِبِهِ فَإِنْ أَجَازَ كَانَ مِنْهُ هَذَا ابْتِدَاءَ تَبَرُّعٍ فَلَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ التَّسْلِيمِ كَسَائِرِ التَّبَرُّعَاتِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى بِالزِّيَادَةِ عَلَى الثُّلُثِ أَوْ لِلْقَاتِلِ أَوْ لِلْوَارِثِ فَأَجَازَتْهَا الْوَرَثَةُ حَيْثُ لَا يَكُونُ لَهُمْ أَنْ يَمْنَعُوا مِنْ التَّسْلِيمِ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ فِي نَفْسِهَا صَحِيحَةٌ لِمُصَادَفَتِهَا مِلْكَهُ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ فَإِذَا أَجَازُوهَا سَقَطَ حَقُّهُمْ فَتَنْفُذُ مِنْ جِهَةِ الْمُوصِي عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ كَذَا ذَكَرَ الشَّارِحُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَحَّ إقْرَارُ أَحَدِ الِابْنَيْنِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ بِوَصِيَّةِ أَبِيهِ فِي ثُلُثِ نَصِيبِهِ) مَعْنَاهُ إذَا قَسَمَ الِابْنَانِ تَرِكَةَ أَبِيهِمَا، وَهِيَ أَلْفُ دِرْهَمٍ مَثَلًا ثُمَّ أَقَرَّ أَحَدُهُمَا لِرَجُلٍ أَنَّ أَبَاهُ أَوْصَى لَهُ بِثُلُثِ مَالِهِ فَإِنَّ الْمُقِرَّ يُعْطِيهِ ثُلُثَ مَا فِي يَدِهِ، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَالْقِيَاسُ يُعْطِيهِ نِصْفَ مَا فِي يَدِهِ. وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِالثُّلُثِ لَهُ تَضَمَّنَ إقْرَارَهُ بِمُسَاوَاتِهِ إيَّاهُ، وَالتَّسْوِيَةُ فِي إعْطَاءِ النِّصْفِ لِيَبْقَى لَهُ النِّصْفُ فَصَارَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 485 كَمَا إذَا أَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِأَخٍ ثَالِثٍ لَهُمَا، وَهَذَا لِأَنَّ مَا أَخَذَهُ الْمُنْكِرُ كَالْهَالِكِ فَيَهْلِكُ عَلَيْهِمَا وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِثُلُثٍ شَائِعٍ فِي جَمِيعِ التَّرِكَةِ، وَهِيَ فِي أَيْدِيهِمَا فَيَكُونُ مُقِرًّا لَهُ بِثُلُثِ مَا فِي يَدِهِ وَبِثُلُثِ مَا فِي يَدِ أَخِيهِ فَيُقْبَلُ إقْرَارُهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَلَا يُقْبَلُ فِي حَقِّ أَخِيهِ لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ عَلَيْهِ فَيُعْطِيهِ ثُلُثَ مَا فِي يَدِهِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ أَخَذَ مِنْهُ نِصْفَ مَا فِي يَدِهِ أَدَّى إلَى مَحْظُورٍ، وَهُوَ أَنَّ الِابْنَ الْآخَرَ رُبَّمَا يُقِرُّ بِهِ فَيَأْخُذُ نِصْفَ مَا فِي يَدِهِ فَيَأْخُذُ نِصْفَ التَّرِكَةِ فَيَزْدَادُ نَصِيبُهُ عَلَى الثُّلُثِ، وَهُوَ خُلْفٌ، وَقَيَّدْنَا بِالْوَصِيَّةِ لِيُحْتَرَزَ عَنْ الدَّيْنِ قَالَ بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِالدَّيْنِ عَلَى أَبِيهِمَا حَيْثُ يَأْخُذُ صَاحِبُ الدَّيْنِ الْمُقَرُّ لَهُ جَمِيعَ مَا فِي يَدِ الْمُقِرِّ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ دَيْنَهُ وَلَا شَيْءَ لِلْمُقَرِّ إنْ لَمْ يَفْضُلْ مِنْهُ شَيْءٌ لِأَنَّ الدَّيْنَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمِيرَاثِ فَيَكُونُ مُقِرًّا بِتَقَدُّمِهِ عَلَيْهِ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ وَلَا كَذَلِكَ الْوَصِيَّةُ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ شَرِيكٌ لِلْوَرَثَةِ فَلَا يَأْخُذُ شَيْئًا إلَّا إذَا سَلَّمَ لِلْوَارِثِ ضِعْفَ ذَلِكَ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِالْمُسَاوَاةِ بَلْ أَقَرَّ لَهُ بِثُلُثِ التَّرِكَةِ، وَإِنَّمَا حَصَلَتْ الْمُسَاوَاةُ بِاتِّفَاقِ الْحَالِ، وَلِهَذَا لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَخٌ فَأَقَرَّ لَهُ بِالْوَصِيَّةِ لَا يَزِيدُ حَقُّهُ عَلَى الثُّلُثِ، وَلَوْ كَانَ مُقِرًّا لَهُ بِالْمُسَاوَاةِ لِمُسَاوَاةِ حَالَةِ الِانْفِرَادَ أَيْضًا بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ بِأَخٍ ثَالِثٍ، وَكَذَّبَهُ أَخُوهُ حَيْثُ يَكُونُ مَا فِي يَدِ الْمُقِرِّ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِأَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِالْمُسَاوَاةِ فَيُسَاوِيهِ مُطْلَقًا. وَلِهَذَا لَوْ كَانَ وَحْدَهُ أَيْضًا سَاوَاهُ فَيَكُونُ مَا أَخَذَهُ الْمُنْكِرُ هَالِكًا عَلَيْهِمَا اهـ. كَلَامُ الشَّارِحِ. وَهَذَا حَيْثُ لَا بَيِّنَةَ، وَأَمَّا إذَا كَانَ إقْرَارٌ وَبَيِّنَةٌ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ أَقَرَّ أَنَّ فُلَانًا أَوْصَى لِفُلَانٍ بِالثُّلُثِ، وَقَامَتْ الْبَيِّنَةُ لِآخَرَ يَدْفَعُ إلَيْهِ وَلَا يَضْمَنُ الْوَارِثُ شَيْئًا لِأَنَّ الشَّهَادَةَ حُجَّةٌ عَلَى الْكَافَّةِ، وَالْإِقْرَارَ حُجَّةٌ قَاصِرَةٌ عَلَى الْمُقِرِّ، وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ فِي حَقِّ الْمَشْهُودِ لَهُ فَثَبَتَتْ وَصِيَّةُ الْمَشْهُودِ لَهُ فِي حَقِّ الْمُقَرِّ لَهُ، وَلَمْ تَثْبُتْ وَصِيَّةُ الْمُقَرِّ لَهُ فِي حَقِّ الْمَشْهُودِ لَهُ فَيَكُونُ هُوَ أَوْلَى بِاسْتِحْقَاقِ الثُّلُثِ مِنْ الْمُقَرِّ لَهُ كَمَا لَوْ أَقَرَّ ذُو الْيَدِ بِالدَّارِ لِرَجُلٍ، وَأَقَامَ الْآخَرُ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّهَا مِلْكُهُ يُقْضَى بِهَا لِلْمَشْهُودِ لَهُ فَكَذَا هَذَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِأَمَةٍ فَوَلَدَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَخَرَجَا مِنْ ثُلُثِهِ فَهُمَا لَهُ، وَإِلَّا أَخَذَ مِنْهَا ثُمَّ مِنْهُ) أَيْ إذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِجَارِيَةٍ فَوَلَدَتْ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وَلَدًا، وَكِلَاهُمَا يَخْرُجَانِ مِنْ جَمِيعِ الثُّلُثِ فَهُمَا لِلْمُوصَى لَهُ لِأَنَّ الْأُمَّ دَخَلَتْ فِي الْوَصِيَّةِ أَصَالَةً، وَالْوَلَدُ تَابِعٌ حِينَ كَانَ مُتَّصِلًا بِهَا، وَعِبَارَتُهُ صَادِقَةٌ بِمَا إذَا وَلَدَتْ قَبْلَ الْقَبُولِ وَالْقِسْمَةِ فَلَوْ قَالَ فَوَلَدَتْ بَعْدَهُمَا إلَى آخِرِهِ لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّهَا إذَا وَلَدَتْ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، وَالتَّرِكَةُ مُبْقَاةٌ عَلَى مِلْكِ الْمَيِّتِ قَبْلَهَا حَتَّى يُقْضَى مِنْهَا دُيُونُهُ، وَتَنْفُذَ وَصَايَاهُ دَخَلَ وَلَدُهَا فِي الْوَصِيَّةِ فَيَكُونَانِ لِلْمُوصَى لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجَا مِنْ الثُّلُثِ ضَرَبَ الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ، وَأَخَذَ مَا يَخُصُّهُ مِنْ الْأُمِّ أَوَّلًا فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ أَخَذَهُ مِنْ الْوَلَدِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا يُعْطِي لَهُ الثُّلُثَ مِنْهُمَا بِالْحِصَصِ قَالَ الشَّارِحِ وَعِبَارَةُ الْمُؤَلِّفِ صَادِقَةٌ بِمَا إذَا حَدَثَتْ قَبْلَ الْقَبُولِ أَوْ بَعْدَهُ. قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ أَصْلُهُ أَنَّ التَّرِكَةَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ مُبْقَاةٌ عَلَى حُكْمِ الْمَيِّتِ حَتَّى أَنَّ الزِّيَادَةَ الْحَادِثَةَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ تُعَدُّ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ حَتَّى يُقْضَى دَيْنُهُ، وَتَنْفُذَ وَصَايَاهُ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ وَالْوَرَثَةُ تَتَمَلَّكُ وَالْوَصِيَّةُ مِنْ جِهَةِ الْمَيِّتِ فَيُعْتَبَرُ بِمَا لَوْ مَلَكَ الْمَالَ مِنْ غَيْرِهِ بِالْبَيْعِ أَوْ بِالنِّكَاحِ، وَالزَّوَائِدُ الْحَادِثَةُ مِنْ الْمَبِيعِ وَالْمَهْرِ قَبْلَ الْقَبْضِ حَادِثَةٌ عَلَى مِلْكِ الْمَالِكِ حَتَّى يَصِيرَ لَهَا حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ بِالْقَبْضِ لِأَنَّ مَا يُمْلَكُ يَكُونُ مُبْقًى عَلَى مِلْكِ الْمُمَلَّكِ فَكَذَا هَذَا، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ أَنَّهَا بَعْدَ الْقِسْمَةِ لَيْسَتْ بِمُبْقَاةٍ فَتَكُونُ الزَّوَائِدُ لِلْمُوصَى لَهُ ثُمَّ السَّائِلُ عَلَى فَصْلَيْنِ أَحَدُهُمَا فِي الزِّيَادَةِ، وَالثَّانِي فِي النُّقْصَانِ، وَالزِّيَادَةُ الْحَادِثَةُ مِنْ الْمُوصَى بِهِ كَالْوَلَدِ وَالْغَلَّةِ وَالْكَسْبِ وَالْأَرْشِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي قَبْلَ قَبُولِ الْمُوصَى لَهُ الْوَصِيَّةَ يَصِيرُ مُوصًى بِهَا حَتَّى تُعْتَبَرَ مِنْ الثُّلُثِ لِأَنَّهَا حَدَثَتْ بَعْدَ انْعِقَادِ سَبَبِ الْمِلْكِ لِلْمُوصَى لَهُ فِي الْأَصْلِ فَإِذَا حَدَثَتْ بِسَبَبِ الْمِلْكِ فِيهِ إلَى وَقْتِ الْمَوْتِ تَدْخُلُ تَحْتَ الْوَصِيَّةِ كَالْمَبِيعَةِ إذَا وَلَدَتْ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ، وَاخْتَارَ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ الْبَيْعَ فَتَصِيرُ الزِّيَادَةُ مَبِيعَةً حَتَّى تَصِيرَ لَهَا حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ فَأَمَّا إذَا حَدَثَتْ قَبْلَ الْمُوصَى لَهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ هَلْ يَصِيرُ مُوصًى بِهَا لَمْ يَذْكُرْهُ مُحَمَّدٌ، وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ مُوصًى بِهَا حَتَّى كَانَتْ لِلْمُوصَى لَهُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ كَمَا لَوْ حَدَثَتْ بَعْدَ الْقِسْمَةِ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ حَدَثَتْ بَعْدَ مِلْكِ الْمُوصَى لَهُ، وَبَعْدَ تَأَكُّدِ مِلْكِهِ لِأَنَّهُ مَلَكَ الرَّقَبَةَ وَتَصَرَّفَ فِيهِ جَمِيعًا فَصَارَ كَالزِّيَادَةِ الْحَادِثَةِ مِنْ الْمَبِيعَةِ بَعْدَ الْقَبْضِ. وَقَالَ مَشَايِخُنَا يَصِيرُ مُوصًى بِهَا حَتَّى يُعْتَبَرَ خُرُوجُهَا مِنْ الثُّلُثِ لِأَنَّهَا حَدَثَتْ بَعْدَ الْمِلْكِ قَبْلَ تَأَكُّدِ الْمِلْكِ فِي الْأَصْلِ لِأَنَّ مِلْكَهُ لَمْ يَتَأَكَّدْ، وَلَمْ يَتَقَرَّرْ بَعْدُ لِأَنَّهُ لَوْ هَلَكَ ثُلُثُ التَّرِكَةِ وَصَارَتْ الْحَادِثَةُ بِحَيْثُ لَا تَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ تَكُونُ مِنْ الْحَادِثَةِ بِقَدْرِ ثُلُثِ الْبَاقِي فَصَارَ كَالزِّيَادَةِ الْمَمْهُورَةِ الْحَادِثَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ تَصِيرُ مَهْرًا حَتَّى تَسْقُطَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 486 بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَقَدْ مَلَكَتْ الرَّقَبَةَ وَالتَّصَرُّفَ جَمِيعًا لِأَنَّ مِلْكَهَا غَيْرُ مُتَأَكَّدٍ قَبْلَ الْقَبْضِ حَتَّى لَوْ هَلَكَ هَلَكَ عَلَى الزَّوْجِ لَا عَلَيْهَا ثُمَّ أَلْحَقَ الْكَسْبَ بِالْوَلَدِ فِي الْوَصِيَّةِ، وَفِي الْبَيْعِ لَمْ يُلْحِقْهُ بِالْوَلَدِ لِأَنَّ الْكَسْبَ بَدَلُ الْمَنْفَعَةِ، وَالْمَنْفَعَةُ يَجُوزُ أَنْ تُمْلَكَ بِالْوَصِيَّةِ مَقْصُودًا فَكَذَلِكَ بَدَلُهَا أَيْضًا بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَلَمْ يُمْكِنْ أَنْ يَجْعَلَ الْكَسْبَ مَبِيعًا مَقْصُودًا بِحُكْمِ الْوَارِدِ بِالْبَيْعِ لِأَنَّ الْقَبْضَ يَرِدُ عَلَيْهِ مَقْصُودًا لَهُمَا أَنَّ الزِّيَادَةَ مَتَى حَدَثَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ تَصِيرُ مُوصًى بِهَا حُكْمًا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْحَادِثَ قَبْلَ الْقَبْضِ صَارَ مَقْصُودًا لَكِنَّهُ تَبَعًا لَا أَصْلًا، وَهَذَا الْبَيَانُ أَنَّهَا كَانَتْ بَاقِيَةً عَلَى مِلْكِ الْمَيِّتِ فَلَوْ تَصَرَّفَ فِيهِ الْوَارِثُ صَحَّ قَالَ فِيهِ أَيْضًا رَجُلٌ لَهُ أَمَةٌ قِيمَتُهَا ثَلَاثُمِائَةِ دِرْهَمٍ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهَا فَأَوْصَى بِهَا لِرَجُلٍ ثُمَّ مَاتَ فَبَاعَهَا الْوَارِثُ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْ الْمُوصَى لَهُ فَوَلَدَتْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَلَدًا قِيمَتُهُ ثَلَثُمِائَةِ دِرْهَمٍ ثُمَّ جَاءَ الْمُوصَى لَهُ فَلَمْ يُجِزْ الْمُوصَى لَهُ الْبَيْعَ سَلَّمَ لِلْمُشْتَرِي ثُلُثَيْ الْجَارِيَةِ وَثُلُثَيْ الْوَلَدِ، وَلِلْمُوصَى لَهُ ثُلُثَ الْجَارِيَةِ وَثُلُثَ الْوَلَدِ لِأَنَّ الْجَارِيَةَ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ الْوَرَثَةِ وَبَيْنَ الْمُوصَى لَهُ، وَبَيْعُ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ لَا يَنْفُذُ إلَّا فِي نَصِيبِهِ فَنَفَذَ الْبَيْعُ فِي حِصَّةِ الْوَرَثَةِ، وَهُوَ ثُلُثُ الْجَارِيَةِ، وَلَمْ يَنْفُذْ فِي حِصَّةِ الْمُوصَى لَهُ. وَهُوَ ثُلُثُهَا فَسَلَّمَ لَهُ ثُلُثَ الْجَارِيَةِ، وَالزِّيَادَةُ حَدَثَتْ بَعْدَ نَفَاذِ التَّصَرُّفِ الَّذِي حَكَمَ الْقِسْمَةَ، وَالْقَبْضَ فَيَكُونُ ثُلُثَا الْوَلَدِ بَعْدَ نَفَاذِ الْبَيْعِ نَفَذَ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَلَا يُعَدُّ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ وَثُلُثُهُ حَدَثَ عَلَى مِلْكِ الْمَيِّتِ فَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ فَصَارَ مَالُ الْمَيِّتِ يَوْمَ الْقِسْمَةِ ثُلُثَيْ الْجَارِيَةِ قِيمَتُهَا مِائَتَا دِرْهَمٍ، وَلَوْ كَانَتْ ازْدَادَتْ فِي مُدَّتِهَا فَصَارَتْ قِيمَتُهَا سِتَّمِائَةٍ فَثُلُثَاهَا سَالِمٌ لِلْمُشْتَرِي وَثُلُثهَا لِلْمُوصَى لَهُ وَثُلُثُ ثُلُثِهَا لِلْوَرَثَةِ لِأَنَّ مَالَ الْمَيِّتِ أَرْبَعُمِائَةٍ لِأَنَّ الْبَيْعَ نَافِذٌ فِي ثُلُثَيْ الْجَارِيَةِ فَحَدَثَتْ ثُلُثَا الزِّيَادَةِ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَبَقِيَ مَالُ الْمَيِّتِ قِيمَتُهَا ثَلَاثُمِائَةٍ وَثُلُثُ الزِّيَادَةِ قِيمَتُهُ مِائَةٌ فَصَارَ مَالُ الْمَيِّتِ قِيمَتُهُ أَرْبَعُمِائَةٍ فَيَكُونُ ثُلُثُهَا لِلْمُوصَى لَهُ، وَذَلِكَ مِائَةٌ وَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ، وَثَلَثُمِائَةٍ مِنْ أَصْلِ الْجَارِيَةِ وَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ مِنْ الزِّيَادَةِ لِأَنَّ قِيمَةَ ثُلُثَيْ الْجَارِيَةِ مِائَتَانِ فَيَكُونُ ثُلُثَهَا مِائَةً وَثَلَاثَةً وَثَلَاثِينَ وَثُلُثُ ثُلُثِهَا لِلْوَرَثَةِ سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ، وَلَوْ أَنَّ الْجَارِيَةَ نَقَصَتْ حَتَّى صَارَتْ تُسَاوِي مِائَةً أَخَذَ الْمُوصَى لَهُ ثُلُثُهَا، وَيَرْجِعُ عَلَى الْوَرَثَةِ مِنْ قِيمَتِهَا بِأَرْبَعَةٍ وَأَرْبَعِينَ وَأَرْبَعَةِ أَتْسَاعِ دِرْهَمٍ تَمَامَ ثُلُثِ الْمَالِ لِأَنَّ الْجَارِيَةَ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ الْمُشْتَرِي وَالْمُوصَى لَهُ ثُلُثَاهَا لِلْمُشْتَرِي وَثُلُثُهَا لِلْمُوصَى لَهُ فَمَا ضَاعَ ضَاعَ عَلَى الْحِصَّتَيْنِ وَمَا بَقِيَ بَقِيَ عَلَى الْحِصَّتَيْنِ فَلِلْمُوصَى لَهُ ثُلُثُ الْجَارِيَةِ قِيمَتُهُ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ لِأَنَّ الْمَالَ، وَحَقَّ الْمُوصَى لَهُ يُعْتَبَرُ يَوْمَ الْقِسْمَةِ. وَقَدْ انْتَقَصَ مِنْ قِيمَةِ الْجَارِيَةِ ثُلُثَاهَا فَذَهَبَ ثُلُثَا حَقِّهِ، وَقِيمَتُهَا فِي حَقِّ الْوَرَثَةِ تُعْتَبَرُ يَوْمَ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ اسْتَهْلَكَهَا الْوَارِثُ بِالْبَيْعِ فَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهَا يَوْمَ الِاسْتِهْلَاكِ، وَيَوْمَ الْبَيْعِ كَانَتْ قِيمَةُ ثُلُثَيْ الْجَارِيَةِ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَصَارَ مَالُ الْمَيِّتِ مِائَتَيْنِ وَثَلَاثَةً وَثَلَاثِينَ وَثُلُثًا فَلِلْمُوصَى لَهُ ثُلُثُ ذَلِكَ، وَهُوَ سَبْعَةٌ وَسَبْعُونَ وَسَبْعَةُ أَتْسَاعِ دِرْهَمٍ قَبْلَ الْوَرَثَةِ، وَلَمْ يَجْعَلْ لِلْمُوصِي أَنْ يَنْقُضَ الْبَيْعَ فِيمَا بَقِيَ مِنْ حَقِّهِ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الدَّوْرِ لِأَنَّ مَا نَقَصَ فِيهِ كَأَنَّهُ لَمْ يَبِعْهُ الْوَرَثَةُ، وَإِذَا هَلَكَ شَيْءٌ مِنْهُ هَلَكَ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ فَيَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَنْقُصَ وَصِيَّتَهُ عَنْ ذَلِكَ، وَإِذَا انْتَقَصَتْ بَعْدَ الْبَيْعِ بِقَدْرِ مَا انْتَقَصَتْ وَصِيَّتُهُ فَإِذَا نَفَذَ الْبَيْعُ عَادَ حَقُّ الْمُوصَى لَهُ، وَاحْتَجْت إلَى النَّقْصِ فَيُؤَدِّي إلَى مَا لَا يَتَنَاهَى، وَسَهْمُ الدَّوْرِ سَاقِطٌ فَلَمْ يَكُنْ حَقُّ الْبَعْضِ فِي الِابْتِدَاءِ كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى الدَّوْرِ رَجُلٌ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِشَاةٍ مِنْ غَنَمِهِ، وَقَدْ لَحِقَتْ الْأَوْلَادُ بِالْأُمَّهَاتِ بَعْدَ مَوْتِهِ فَلِلْوَرَثَةِ أَنْ يُعْطُوهُ شَاةً بِدُونِ وَلَدِهَا، وَإِنْ قَالَ شَاةٌ مِنْ غَنَمِي سَلَّمُوا مَعَهَا وَلَدَهَا وَمَا جُلِبَ مِنْ لَبَنِهَا، وَجُزْءًا مِنْ صُوفِهَا إنْ كَانَ قَائِمًا وَمَا كَانَ مُسْتَهْلَكًا مِنْ ذَلِكَ فَلَا يَضُمُّونَهُ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَنَاوَلَتْ شَاةً مِنْ قَطِيعٍ مُعَيَّنٍ فَتَدْخُلُ زَوَائِدُهَا تَحْتَ الْوَصِيَّةِ، وَلِذَلِكَ لَوْ أَوْصَى بِنَخْلَةٍ، وَلَمْ يَقُلْ مِنْ نَخْلِي هَذِهِ يُعْطُونَهُ نَخْلَةً دُونَ ثَمَرَتِهَا، وَإِنْ قَالَ مِنْ نَخْلِي هَذِهِ، وَقَدْ أَثْمَرَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ تَبِعَهَا الثَّمَرُ، هَذَا إذَا أَوْصَى بِمُعَيَّنٍ فَلَوْ أَوْصَى بِأَحَدِهِمَا قَالَ فِيهِ أَيْضًا. وَلَوْ أَوْصَى بِإِحْدَى هَاتَيْنِ الْأَمَتَيْنِ فَوَلَدَتْ إحْدَاهُمَا أَعْطَاهُ الْوَرَثَةُ أَيَّتَهمَا شَاءُوا فَلَوْ أَعْطَوْا الَّتِي وَلَدَتْ تَبِعَهَا وَلَدُهَا، وَلَوْ قَالَ قَدْ أَوْصَيْت بِجَارِيَةٍ مِنْ جَوَارِي هَؤُلَاءِ أَوْ قَالَ بِشَاةٍ مِنْ غَنَمِي هَذِهِ فَوَلَدَتْ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي فَأَرَادَ الْوَرَثَةُ بَعْدَ مَوْتِهِ أَنْ يُعْطُوهُ مِنْ الْأَوْلَادِ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ ذَلِكَ، وَإِنْ أَعْطَوْهُ جَارِيَةً أَوْ شَاةً أَوْ نَخْلَةً تَبِعَهَا ثَمَرُهَا وَلَا يَتْبَعُهَا أَوْلَادُهَا، وَثَمَرَتُهَا الْحَادِثَةُ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي لِأَنَّهُ إنَّمَا وَجَبَ لَهُ ذَلِكَ بِالْوَصِيَّةِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَبَعْدَ الْمَوْتِ الْإِيجَابُ لَا يَتَنَاوَلُ الزَّوَائِدَ الْحَادِثَةَ قَبْلَ الْمَوْتِ فَإِنْ هَلَكَتْ الْأُمَّهَاتُ إلَّا وَاحِدَةً بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي كَانَ حَقُّهُ فِي هَذِهِ الْوَاحِدَةِ، وَإِنْ لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِنْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 487 الْأُمَّهَاتِ دَفَعُوا إلَيْهِ الْأَمْوَالَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِابْنِهِ الْكَافِرِ أَوْ الرَّقِيقِ فِي مَرَضِهِ فَأَسْلَمَ الِابْنُ أَوْ أُعْتِقَ قَبْلَ مَوْتِ الْأَبِ ثُمَّ مَاتَ بَطَلَ كَالْهِبَةِ وَإِقْرَارِهِ) أَيْ إذَا أَوْصَى لِابْنِهِ الْكَافِرِ أَوْ لِابْنِهِ الرَّقِيقِ فِي مَرَضِهِ فَأَسْلَمَ الِابْنُ أَوْ عَتَقَ قَبْلَ مَوْتِ الْأَبِ ثُمَّ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ لَهُ كَمَا تَبْطُلُ الْهِبَةُ لَهُ، وَالْإِقْرَارُ لَهُ بِالدَّيْنِ أَمَّا الْوَصِيَّةُ فَلِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهَا حَالَةُ الْمَوْتِ، وَهُوَ وَارِثٌ فِيهَا فَلَا تَجُوزُ لَهُ، وَالْهِبَةُ حُكْمُهَا مِثْلُ الْوَصِيَّةِ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ، وَأَمَّا الْإِقْرَارُ فَإِنْ كَانَ الِابْنُ كَافِرًا فَلَا إشْكَالَ فِيهِ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ وَقَعَ لِنَفْسِهِ، وَهُوَ وَارِثٌ بِسَبَبٍ كَانَ ثَابِتًا عِنْدَ الْإِقْرَارِ، وَهُوَ الْبُنُوَّةُ فَيَمْتَنِعُ لِمَا فِيهِ مِنْ تُهْمَةِ إيثَارِ الْبَعْضِ فَكَانَ كَالْوَصِيَّةِ فَصَارَ كَمَا إذَا كَانَ لَهُ ابْنٌ، وَأَقَرَّ لِأَخِيهِ فِي مَرَضِهِ ثُمَّ مَاتَ الِابْنُ قَبْلَ أَبِيهِ، وَوَرِثَهُ أَخُوهُ الْمُقَرُّ لَهُ فَإِنْ كَانَ الْإِقْرَارُ لَهُ يَكُونُ بَاطِلًا لِمَا ذَكَرْنَا كَذَا هَذَا. بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ لِامْرَأَةٍ فِي مَرَضِهِ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا حَيْثُ لَا يَبْطُلُ الْإِقْرَارُ لَهَا لِأَنَّهَا صَارَتْ وَارِثَةً بِسَبَبٍ حَادِثٍ، وَالْإِقْرَارُ يَلْزَمُهُ بِنَفْسِهِ، وَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ حَالَ صُدُورِهِ فَيَلْزَمُ لِعَدَمِ الْمَانِعِ مِنْ ذَلِكَ، وَيُعْتَبَرُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ لَهَا لِأَنَّهَا إيجَابٌ عِنْدَ الْمَوْتِ، وَهِيَ وَارِثَةٌ فَلِهَذَا اتَّحَدَ الْحُكْمُ فِيهِمَا فِي الْوَصِيَّةِ، وَافْتَرَقَا فِي الْإِقْرَارِ حَتَّى كَانَتْ الزَّوْجَةُ قَائِمَةً عِنْدَ الْإِقْرَارِ، وَهِيَ غَيْرُ وَارِثَةٍ فَإِنْ كَانَتْ نَصْرَانِيَّةً أَوْ أَمَةً ثُمَّ أَسْلَمَتْ قَبْلَ مَوْتِهِ أَوْ أُعْتِقَتْ لَا يَصِحُّ الْإِقْرَارُ لَهَا لِقِيَامِ السَّبَبِ حَالَ صُدُورِهِ، وَإِنْ كَانَ الِابْنُ عَبْدًا فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ وَقَعَ لَهُ، وَهُوَ وَارِثٌ عِنْدَ الْمَوْتِ فَتَبْطُلُ كَالْوَصِيَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ صَحَّ الْإِقْرَارُ لِأَنَّهُ وَقَعَ لِلْمَوْلَى إذْ الْعَبْدُ لَا يَمْلِكُ، وَقِيلَ الْهِبَةُ لَهُ جَائِزَةٌ لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ فِي الْحَالِ، وَهُوَ لَا يَمْلِكُ فَيَقَعُ لِلْمَوْلَى، وَهُوَ أَجْنَبِيٌّ فَيَجُوزُ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ لِأَنَّهَا إيجَابٌ عِنْدَ الْمَوْتِ، وَهُوَ وَارِثٌ عِنْدَهُ فَيَمْتَنِعُ، وَفِي عَامَّةِ الرِّوَايَاتِ هِيَ فِي الْمَرَضِ كَالْوَصِيَّةِ فِيهِ لِأَنَّهَا، وَإِنْ كَانَتْ مُنَجَّزَةً صُورَةً فَهِيَ كَالْمُضَافِ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ حُكْمًا لِأَنَّ حُكْمَهَا يَتَقَرَّرُ عِنْدَ الْمَوْتِ أَلَا تَرَى أَنَّهَا تَبْطُلُ بِالدَّيْنِ الْمُسْتَغْرِقِ وَلَا تَجُوزُ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ، وَالْمُكَاتَبُ كَالْحُرِّ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ وَالْهِبَةَ يَقَعُ لَهُ، وَهُوَ وَارِثٌ عِنْدَ الْمَوْتِ فَلَا يَجُوزُ كَالْوَصِيَّةِ كَذَا ذَكَرَ الشَّارِحُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمُقْعَدُ وَالْمَفْلُوجُ وَالْأَشَلُّ وَالْمَسْلُولُ إنْ تَطَاوَلَ ذَلِكَ، وَلَمْ يُخَفْ مِنْهُ الْمَوْتُ فَهِبَتُهُ مِنْ كُلِّ الْمَالِ) لِأَنَّهُ إذَا تَقَادَمَ الْعَهْدُ صَارَ مِنْ طَبْعِهِ كَالْعَمَى وَالْعَرَجِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ التَّصَرُّفِ مَرَضُ الْمَوْتِ، وَمَرَضُ الْمَوْتِ لَا يَكُونُ سَبَبًا لِلْمَوْتِ غَالِبًا، وَإِنَّمَا يَكُونُ سَبَبًا لِلْمَوْتِ إذَا كَانَ بِحَيْثُ يَزْدَادُ حَالًا فَحَالًا إلَى أَنْ يَكُونَ آخِرُهُ الْمَوْتَ، وَأَمَّا إذَا اسْتَحْكَمَ وَصَارَ بِحَيْثُ لَا يَزْدَادُ وَلَا يُخَافُ مِنْهُ الْمَوْتُ لَا يَكُونُ سَبَبًا آخِرُهُ الْمَوْتُ كَالْعَمَى وَنَحْوِهِ، وَلِهَذَا لَا يَسْتَقِلُّ بِالتَّدَاوِي قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَّا فَمِنْ الثُّلُثِ) أَيْ إنْ لَمْ يَتَطَاوَلْ يُعْتَبَرُ تَصَرُّفُهُ مِنْ الثُّلُثِ إذَا كَانَ صَاحِبَ فِرَاشٍ وَمَاتَ مِنْهُ فِي أَيَّامِهِ لِأَنَّهُ مِنْ ابْتِدَائِهِ يُخَافُ مِنْهُ الْمَوْتُ، وَلِهَذَا يَتَدَاوَى فَيَكُونُ مِنْ مَرَضِ الْمَوْتِ، وَإِنْ صَارَ صَاحِبَ فِرَاشٍ بَعْدَ التَّطَاوُلِ فَهُوَ كَمَرَضٍ حَادِثٍ بِهِ حَتَّى تُعْتَبَرُ تَبَرُّعَاتُهُ مِنْ الثُّلُثِ كَذَا ذَكَرَ الشَّارِحُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [بَابُ الْعِتْقِ فِي الْمَرَضِ وَالْوَصِيَّةِ بِالْعِتْقِ] لَمَّا كَانَ الْإِعْتَاقُ فِي الْمَرَضِ مِنْ أَنْوَاعِ الْوَصِيَّةِ، وَكَانَ لَهُ أَحْكَامٌ مَخْصُوصَةٌ أَفْرَدَهُ بِبَابٍ عَلَى حِدَةٍ، وَأَخْرَجَهُ عَنْ صَرِيحِ الْوَصِيَّةِ لِأَنَّ الصَّرِيحَ هُوَ الْأَصْلُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (تَحْرِيرُهُ فِي مَرَضِهِ) يَعْنِي يَكُونُ وَصِيَّةً فَإِنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ لَا سِعَايَةَ عَلَيْهِ، وَسَيَأْتِي حُكْمُ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَطْلَقَ فِي كَوْنِهِ وَصِيَّةً فَشَمِلَ مَا إذَا عَجَّلَ الْبَدَلَ أَوْ بَعْضَهُ فَمَاتَ السَّيِّدُ أَوْ مَاتَ الْعَبْدُ قَبْلَ السَّيِّدِ، وَتَرَكَ مَالًا وَمَا إذَا أَعْتَقَ عَلَى مَال أَوْ لَا قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ مَسَائِلُهُ تَشْتَمِلُ عَلَى فُصُولٍ إحْدَاهَا فِي تَعْجِيلِ الْمُعْتَقِ بَعْضَ السِّعَايَةِ إلَى مَوْلَاهُ، وَالثَّانِي فِي تَرْكِ السِّعَايَةِ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَالثَّالِثُ فِي تَعْجِيلِ بَعْضِ السِّعَايَةِ فِي حَيَاتِهِ وَتَرْكِ السِّعَايَةِ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَإِذَا أَعْتَقَ عَبْدًا فِي مَرَضِهِ قِيمَتُهُ ثَلَثُمِائَةٍ فَعَجَّلَ الْعَبْدُ لِمَوْلَاهُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَأَنْفَقَهَا ثُمَّ مَاتَ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهَا يَسْعَى فِي ثُلُثَيْ الْمِائَةِ الْبَاقِيَةِ، وَسَلَّمَ لَهُ ثُلُثَ الْمِائَةِ، وَهُوَ حُرٌّ لِأَنَّ الْعِتْقَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ وَصِيَّةٌ، وَفِي الْوَصَايَا يُعْتَبَرُ مَالُ الْمَيِّتِ يَوْمَ الْقِسْمَةِ لَا يَوْمَ الْوَصِيَّةِ، وَالْمَوْتُ وَمَالُ الْمَيِّتِ يَوْمَ الْقِسْمَةِ مِائَةُ دِرْهَمٍ لِأَنَّهُ لَمَّا عَجَّلَ ثُلُثَيْ السِّعَايَةِ فِي حَيَاةِ الْمَوْلَى صَحَّ التَّعْجِيلُ لِأَنَّهُ عَجَّلَ بَعْدَ وُجُودِ سَبَبِ الْوُجُوبِ لِأَنَّ السِّعَايَةَ تَجِبُ عَلَيْهِ بَعْدَ الْمَوْتِ لَكِنْ بِالسَّبَبِ السَّابِقِ، وَهُوَ الْعِتْقُ أَوْ تَعْجِيلُ الْحُكْمِ بَعْدَ وُجُودِ سَبَبِ الْوُجُوبِ جَائِزَةٌ كَتَعْجِيلِ الزَّكَاةِ وَغَيْرِهَا فَصَارَ الْمُعَجَّلُ مِلْكًا لِلْمَوْلَى، وَقَدْ أَنْفَقَهَا فِي حَيَاتِهِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 488 فِي حَاجَتِهِ. وَالْوَصَايَا تَنْفُذُ عَمَّا يَفْضُلُ عَنْ حَاجَتِهِ الْحَالِيَّةِ، وَالْفَاضِلُ عَنْ حَاجَتِهِ يَوْمَ الْقِسْمَةِ مِائَةُ دِرْهَمٍ، وَقَدْ أَوْصَى لِلْعَبْدِ بِجَمِيعِ الْمِائَةِ فَيَكُونُ لَهُ ثُلُثُ الْمِائَةِ الْبَاقِيَةِ، وَلَوْ عَجَّلَ قِيمَتَهُ كُلَّهَا فَأَنْفَقَهَا لَمْ يَسْعَ فِي شَيْءٍ لِأَنَّهُ أَدَّى قِيمَةَ نَفْسِهِ مَرَّةً بَعْدَمَا صَارَ مُكَاتَبًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَحُرًّا مَدْيُونًا عِنْدَهُمَا فَلَا يَلْزَمُهُ أُخْرَى كَالْمُكَاتَبِ الْحَقِيقِيِّ إذَا أَدَّى بَدَلَ الْكِتَابَةِ مَرَّةً يَعْتِقُ فَكَذَا هَذَا، وَلَوْ عَجَّلَ شَيْئًا، وَاكْتَسَبَ الْعَبْدُ أَلْفَ دِرْهَمٍ ثُمَّ مَاتَ الْعَبْدُ، وَتَرَكَ بِنْتًا وَمَوْلَاةً ثُمَّ مَاتَ السَّيِّدُ فَلِلْمَوْلَى مِنْ الْأَلْفِ خَمْسُمِائَةٍ وَعِشْرُونَ، وَسِعَايَةُ الْعَبْدِ مِنْ ذَلِكَ أَرْبَعُونَ، وَمِيرَاثُهُ أَرْبَعُمِائَةٍ وَثَمَانُونَ، وَالْبَاقِي لِلْبِنْتِ، وَلَوْ عَجَّلَ لِلْمَوْلَى قِيمَتَهُ كُلَّهَا فَأَنْفَقَهَا الْمَوْلَى، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَلِلْبِنْتِ مِنْ تِلْكَ الْأَلْفِ سِتُّمِائَةٍ، وَلِوَارِثِ الْمَوْلَى أَرْبَعُمِائَةٍ، وَلَوْ اكْتَسَبَ الْعَبْدُ وَمَاتَ عَنْ ثَلَاثِمِائَةٍ، وَتَرَكَ بِنْتًا وَامْرَأَةً ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى فِي مَرَضِهِ فَلِوَرَثَةِ الْمَوْلَى مِنْ ذَلِكَ مِائَتَانِ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا، وَأَرْبَعَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ، وَلِلْبِنْتِ سَبْعَةٌ وَخَمْسُونَ دِرْهَمًا وَسَبْعُ دَرَاهِمَ، وَلِلْمَرْأَةِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا وَسَبْعُ دَرَاهِمَ، وَلَوْ تَرَكَ بِنْتَيْنِ وَامْرَأَةً وَمَوْلَاةً، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا قُسِمَتْ الثَّلَاثُمِائَةِ عَلَى سَبْعَةٍ وَسِتِّينَ لِلْمَوْلَى مِنْ ذَلِكَ ثَلَاثَةٌ وَأَرْبَعُونَ سِعَايَةً وَخَمْسَةٌ مِيرَاثًا، وَلِلْبِنْتَيْنِ سِتَّةَ عَشَرَ، وَلِلْمَرْأَةِ ثَلَاثَةٌ، وَإِذَا أَعْتَقَ فِي مَرَضِهِ عَبْدًا قِيمَتُهُ ثَلَاثُمِائَةٍ ثُمَّ اكْتَسَبَ الْعَبْدُ ثَلَاثَمِائَةٍ ثُمَّ مَاتَ، وَتَرَكَ بِنْتًا ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى وَلَهُ أَيْضًا ثَلَاثُمِائَةٍ وَصِيَّةً فَمِنْ ذَلِكَ مِائَتَانِ وَأَرْبَعُونَ لِلْمَوْلَى مِنْ ذَلِكَ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ مِنْ إرْثِهِ، وَلِلْبِنْتِ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ، وَتَخْرِيجُهُ لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمُحِيطِ، وَلَوْ عَجَّلَ مِائَةً إلَى الْمَوْلَى فَأَكَلَهَا ثُمَّ مَاتَ، وَتَرَكَ ثَلَاثَمِائَةٍ، وَبِنْتًا وَمَوْلَاةً فَلِلْمَوْلَى مِنْ ذَلِكَ مِائَةُ دِرْهَمٍ بِالسِّعَايَةِ، وَمِائَةٌ بِالْمِيرَاثِ، وَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدَيْنِ فِي الْمَرَضِ قِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَلَاثُمِائَةٍ لَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُمَا فَمَاتَ أَحَدُهُمَا، وَتَرَكَ أَلْفَ دِرْهَمٍ اكْتَسَبَهَا بَعْدَ الْعِتْقِ وَلَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُ الْمَوْلَى سَعَى الْحَيُّ فِي أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا، وَكَانَتْ لِلْمَوْلَى مَعَ الْأَلْفِ الَّذِي تَرَكَهُ الْمَيِّتُ لِأَنَّ مَالَهُ أَلْفٌ وَثَلَاثُمِائَةٍ مَتْرُوكَةً عَنْ الْمَيِّتِ وَثَلَاثُمِائَةٍ قِيمَةُ الْحَيِّ، وَلَوْ أَوْصَى بِسِتِّمِائَةٍ لَمَّا أَعْتَقَ الْعَبْدَيْنِ فِي مَرَضِهِ وَسِتُّمِائَةٍ أَكْثَرُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ فَإِذَا لَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ يُجْعَلُ مَالُهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ سَهْمٌ لِلْعَبْدَيْنِ بِالْوَصِيَّةِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَانْكَسَرَ فَأَضْعَفَ فَصَارَ سِتَّةً؛ لِلْمَوْلَى أَرْبَعَةٌ وَلِلْعَبْدِ سَهْمَانِ، وَتَخْرِيجُهُ يُطْلَبُ فِي الْمُحِيطِ قَالَ الشَّارِحُ إنَّ حُكْمَ التَّحْرِيرِ حُكْمُ الْوَصِيَّةِ يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ، وَمُزَاحَمَةُ أَصْحَابِ الْوَصَايَا فِي التَّصَرُّفِ لَا حَقِيقَةِ الْوَصِيَّةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمُحَابَاتُهُ) يَعْنِي فِي مَرَضِهِ وَصِيَّةٌ تُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَالْمُحَابَاةُ فِي الْمَرَضِ وَصِيَّةٌ وَأَطْلَقَ الْمُحَابَاةَ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ فِي نِكَاحٍ أَوْ بَيْعٍ أَصْلُهُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ عَقْدُ إرْثٍ صَحِيحَةٌ لِأَنَّ مَنَافِعَ الْبُضْعِ عِنْدَ الدُّخُولِ مُتَقَوِّمَةٌ، وَإِذَا تَزَوَّجَ الْمَرِيضُ امْرَأَةً عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهَا، وَمَهْرُ مِثْلِهَا خَمْسُونَ دِرْهَمًا ثُمَّ مَاتَتْ الْمَرْأَةُ ثُمَّ مَاتَ الزَّوْجُ كَانَ وَصِيَّتُهَا ثَلَاثَةً وَثَلَاثِينَ دِرْهَمًا وَثُلُثًا. وَتَخْرِيجُهُ أَنَّ مَالَ الزَّوْجِ لَمَّا حَابَى بِهِ، وَهُوَ خَمْسُونَ وَمَا وَرِثَ مِنْهَا، وَذَلِكَ نِصْفُ مَهْرِ مِثْلِهَا خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ فَصَارَ مَالُ الزَّوْجِ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ فَيُجْعَلُ ذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ سَهْمٌ لِلْمَرْأَةِ يَعُودُ نِصْفُهُ إلَى الزَّوْجِ بِالْمِيرَاثِ فَانْكَسَرَ فَأَضْعَفَ فَصَارَ سِتَّةً سَهْمَانِ لِلْمَرْأَةِ يَعُودُ سَهْمٌ مِنْ نَصِيبِهَا إلَى الزَّوْجِ بِالْمِيرَاثِ، وَهَذَا هُوَ السَّهْمُ الدَّائِرُ فَيُطْرَحُ مِنْ نَصِيبِ الزَّوْجِ يَبْقَى لَهُ ثَلَاثَةٌ، وَلِلْمَرْأَةِ سَهْمَانِ فَيَصِيرُ مَالُ الزَّوْجِ فِي الْآخِرَةِ عَلَى خَمْسَةٍ وَسَبْعِينَ خُمُسَاهَا لِلْمَرْأَةِ الثُّلُثُ، وَذَلِكَ ثَلَاثُونَ مِنْ خَمْسَةٍ وَسَبْعِينَ فَلَهَا ثَلَاثُونَ دِرْهَمًا بِالْوَصِيَّةِ مِنْ مِائَةٍ، وَيُرَدُّ عِشْرُونَ عَلَى وَرَثَةِ الزَّوْجِ نَقْصًا لِلْوَصِيَّةِ بِالْمُحَابَاةِ ثُمَّ يُضَمُّ ثَلَاثُونَ إلَى مَهْرِ مِثْلِهَا، وَذَلِكَ خَمْسُونَ فَصَارَ ثَمَانِينَ لِلزَّوْجِ نِصْفُهُ، وَذَلِكَ أَرْبَعُونَ، وَيُنْقَصُ أَرْبَعُونَ ثُمَّ مَا أَصَابَ الزَّوْجَ مِنْ أَرْبَعِينَ يُضَمُّ إلَى مَا أَخَذَهُ بِنَقْصِ الْوَصِيَّةِ، وَذَلِكَ عِشْرُونَ فَصَارَ لَهُ سِتُّونَ، وَقَدْ نَفَّذْنَا الْوَصِيَّةَ فِي ثَلَاثِينَ فَاسْتَقَامَ الثُّلُثُ وَالثُّلُثَانِ، وَأَمَّا تَخْرِيجُ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ مَالَ الزَّوْجِ لَمَّا حَابَى بِهِ، وَذَلِكَ خَمْسُونَ فَيَكُونُ لَهَا ثُلُثُ الْمُحَابَاةِ، وَذَلِكَ سِتَّةَ عَشَرَ وَثُلُثَانِ وَلَا يُعْتَبَرُ مَالُهُ بِمَا يَرِثُ مِنْهَا لِمَا بَيَّنَّا فِي الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ ثُمَّ يَضُمُّ سِتَّةَ عَشَرَ وَثُلُثَيْنِ إلَى مَهْرِ مِثْلِهَا، وَذَلِكَ خَمْسُونَ فَيَصِيرُ سِتَّةً وَسِتِّينَ وَثُلُثَيْنِ لِلزَّوْجِ نِصْفُ ذَلِكَ بِالْمِيرَاثِ، وَذَلِكَ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ فَهَذَا مَالٌ اسْتَفَادَهُ الزَّوْجُ بِالْمِيرَاثِ فَيُجْعَلُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ سَهْمٌ لِلْمَرْأَةِ فَيَعُودُ نِصْفُهُ إلَى الزَّوْجِ بِالْمِيرَاثِ فَانْكَسَرَ فَأَضْعَفَ صَارَ سِتَّةً؛ لِلْمَرْأَةِ سَهْمَانِ فَيَعُودُ مِنْهَا سَهْمٌ إلَى الزَّوْجِ فَهَذَا هُوَ السَّهْمُ الدَّائِرُ فَاطْرَحْهُ مِنْ نَصِيبِ الزَّوْجِ يَبْقَى لَهُ ثَلَاثَةٌ، وَلِلْمَرْأَةِ سَهْمَانِ. وَذَلِكَ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ عَلَى خَمْسَةٍ خُمُسَاهُ لِلْمَرْأَةِ، وَذَلِكَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ وَثُلُثُ دِرْهَمٍ يُضَمُّ ذَلِكَ إلَى سِتَّةَ عَشَرَ فَصَارَ ثَلَاثِينَ، وَأَمَّا تَخْرِيجُ مُحَمَّدٍ بِأَنَّ لِلْمَرْأَةِ ثُلُثَ الْمُحَابَاةِ، وَذَلِكَ سِتَّةَ عَشَرَ وَثُلُثَانِ يُضَمُّ ذَلِكَ إلَى مَهْرِ مِثْلِهَا، وَذَلِكَ خَمْسُونَ فَصَارَ سِتَّةً الجزء: 8 ¦ الصفحة: 489 وَسِتِّينَ وَثُلُثَا دِرْهَمٍ فَيُجْعَلُ ذَلِكَ عَلَى سَهْمَيْنِ سَهْمٌ لِلزَّوْجِ فَقَدْ مَاتَ الزَّوْجُ عَنْ سَهْمٍ لِلْمَرْأَةِ ثُلُثُ ذَلِكَ بِالْوَصِيَّةِ فَانْكَسَرَ بِالثُّلُثِ فَاضْرِبْ سَهْمَيْنِ فِي ثَلَاثَةٍ فَصَارَ سِتَّةً لِلزَّوْجِ ثَلَاثَةٌ، وَلِلْمَرْأَةِ سَهْمٌ فَصَارَ الْمَالُ، وَهُوَ سِتَّةٌ وَسِتُّونَ وَثُلُثَانِ عَلَى خَمْسَةٍ خُمُسُ ذَلِكَ لِلْمَرْأَةِ، وَذَلِكَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ وَثُلُثٌ يُضَمُّ إلَى مَا أَعْطَيْنَا لَهَا فِي الِابْتِدَاءِ، وَذَلِكَ سِتَّةَ عَشَرَ وَثُلُثَانِ فَصَارَ وَصِيَّتُهَا ثَلَاثِينَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَهِبَتُهُ وَصِيَّةٌ) يَعْنِي حُكْمُهَا حُكْمُ الْوَصِيَّةِ أَيْ إذَا وَهَبَ الْمَرِيضُ فِي مَرَضِهِ يَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الْوَصِيَّةِ أَطْلَقَ فِي الْهِبَةِ فَشَمِلَ مَا إذَا عَادَتْ لِلْمَرِيضِ أَوْ لَمْ تَعُدْ، وَلِلْأَجْنَبِيِّ، وَلِلْوَارِثِ قَالَ فِي الْمُنْتَقَى وَهَبَ الْمَرِيضُ لِرَجُلٍ أَمَةً، وَقِيمَتُهَا ثَلَاثُمِائَةٍ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهَا فَبَاعَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ لِلْوَاهِبِ، وَهُوَ صَحِيحٌ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَلَمْ يَقْبِضْ الْمِائَةَ ثُمَّ مَاتَ الْوَاهِبُ مِنْ مَرَضِهِ، وَالْجَارِيَةُ تُسَلَّمُ لِوَرَثَةِ الْوَاهِبِ، وَيَأْخُذُونَ مِنْ الْمَوْهُوبِ لَهُ ثَلَاثَةً وَثَلَاثِينَ دِرْهَمًا وَثُلُثًا لِأَنَّهُ حِينَ بَاعَهَا إيَّاهُ كَانَ كَأَنَّهُ قَدْ اسْتَمْلَكَ الْجَارِيَةَ وَصَارَتْ قِيمَتُهَا دَيْنًا عَلَيْهِ، وَهِيَ ثَلَثُمِائَةٍ فَكَانَتْ هَذِهِ الثَّلَاثُمِائَةِ زِيَادَةً فِي مَالِ الْمَيِّتِ فَصَارَ مَالُهُ سِتَّمِائَةٍ إلَّا أَنَّ عَلَيْهِ دَيْنَ مِائَةِ دِرْهَمٍ فَصَارَ مَالُهُ الَّذِي تَجُوزُ فِيهِ وَصِيَّتُهُ خَمْسَمِائَةٍ دِرْهَمٍ فَلِلْمَوْهُوبِ لَهُ ثُلُثُهَا. وَذَلِكَ مِائَةٌ وَسِتَّةٌ وَسِتُّونَ وَثُلُثَانِ فَيَكُونُ ذَلِكَ وَصِيَّةً لَهُ مِنْ قِيمَةِ الْأَمَةِ يَبْقَى عَلَيْهِ مِائَةٌ وَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ، وَقَدْ كَانَ لَهُ عَلَى الْوَاهِبِ مِائَةٌ دَيْنًا يَبْقَى عَلَيْهِ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ، وَلَوْ وَهَبَ الْمَرِيضُ أَمَةً قِيمَتُهَا سِتُّمِائَةِ دِرْهَمٍ فَبَاعَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ مِنْ الْوَاهِبِ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ ثُمَّ مَاتَا جَمِيعًا وَلَا مَالَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا غَيْرُهَا فَإِنَّ الْجَارِيَةَ تُبَاعُ، وَتَدْفَعُ الْمِائَتَيْنِ إلَى وَرَثَتِهِ لِأَنَّ الْهِبَةَ قَدْ نَفَذَتْ مِنْ الثُّلُثِ فَيَنْفُذُ بَيْعُهُ مِنْ الْوَاهِبِ فِي الثُّلُثِ لِأَنَّ بَيْعَ الْمَرِيضِ لَا يَجُوزُ إلَّا بِمِثْلِ قِيمَتِهِ، وَقِيمَتُهُ ثُلُثُهَا مِائَةُ دِرْهَمٍ فَيُرَدُّ ذَلِكَ الْقَدْرُ مِنْ ثَمَنِهَا إلَى تَرِكَةِ الْمَوْهُوبِ لَهُ مَرِيضٌ وَهَبَ عَبْدَهُ لِرَجُلٍ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مُحِيطٌ بِقِيمَتِهِ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهَا فَأَعْتَقَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ قَبْلَ مَوْتِ الْمَرِيضِ جَازَ عِتْقُهُ لِأَنَّهُ أَعْتَقَ مَا يَمْلِكُهُ، وَإِنْ أَعْتَقَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ لَمْ يَجُزْ عِتْقُهُ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ حَقُّ الْغَرِيمِ بِهِ بَيْعًا وَاسْتِيفَاءً وَصَارَ مُسْتَغْرِقًا بِدَيْنِهِ فَانْقَضَتْ الْهِبَةُ مِنْ الْأَصْلِ، وَعَادَ إلَى قَدِيمِ مِلْكِهِ فَظَهَرَ أَنَّهُ أَعْتَقَ مَا لَا يَمْلِكُهُ قَالَ مُحَمَّدٌ مَرِيضٌ أَقَرَّ لِعَبْدِ رَجُلٍ أَنَّهُ ابْنُهُ ثُمَّ مَاتَ قَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ صَدَّقَهُ السَّيِّدُ فِي حَيَاةِ الْمَرِيضِ وَرِثَهُ لِأَنَّهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ بِتَصَادُقِهِمَا فَإِنْ صَدَّقَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ لَا يَرِثُهُ لِأَنَّ إقْرَارَهُ قَدْ بَطَلَ بِمَوْتِهِ، وَذَكَرَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي مَرِيضٍ لَهُ ابْنٌ مَعْرُوفٌ، وَهُوَ عَبْدٌ لِرَجُلٍ فَأَقَرَّ الْمَرِيضُ أَنَّ الْمَوْلَى قَدْ أَعْتَقَ ابْنَهُ قَالَ إنْ صَدَّقَهُ فِي حَيَاتِهِ وَرِثَهُ إذَا مَاتَ، وَإِنْ صَدَّقَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ لَمْ يَرِثْهُ لِمَا بَيَّنَّا. وَلَوْ وَهَبَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ لِصَاحِبِهِ فِي الْمَرَضِ أَصْلُهُ أَنَّ أَجْوِبَتَهُمْ لِمَسَائِلِ الْبَابِ مُتَّفِقَةٌ، وَتَخَارِيجَهُمْ لَهَا مُخْتَلِفَةٌ فَأَبُو حَنِيفَةَ اعْتَبَرَ جَمِيعَ مَالِ الْمُوصِي فِي الْقِسْمَةِ وَطَرَحَ السَّهْمَ الدَّائِرَ مِنْ جُمْلَةِ الْمَالِ لِأَنَّ الدَّوْرَ يَقَعُ بِسَبَبِ الْمَالِ الْمُسْتَفَادِ بِالْمِيرَاثِ، وَأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَرِثْ مِنْهَا شَيْئًا بِأَنْ كَانَ عَلَيْهَا دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ لِجَمِيعِ مَالِهِ لَمْ يَقَعْ الدَّوْرُ وَمُحَمَّدٌ اعْتَبَرَ الْقِسْمَةَ فِي الْمَالِ الْمُوصَى بِهِ وَطَرَحَ السَّهْمَ الدَّائِرَ مِنْ الْمَالِ الْمُسْتَفَادِ بِالْوَصِيَّةِ لِأَنَّ الدَّوْرَ يَقَعُ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ يَسْتَفِدْ شَيْئًا بِالْوَصِيَّةِ بِأَنْ كَانَ عَلَى الزَّوْجِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ يَقَعُ الدُّورُ، وَالصَّحِيحُ مَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْمَرْأَةِ، وَالْمَرْأَةُ لِلزَّوْجِ مِنْ وَصِيَّتِهَا إنَّمَا تُوَزَّعُ مِنْ مَالِ الزَّوْجِ لَا مِنْ مَالِهَا فَكَانَ الْعَمَلُ مِنْ مَالِهِ فَكَانَ طَرْحُ السَّهْمِ الدَّائِرِ مِنْ نَصِيبِهِ أَوْلَى. ثُمَّ الْمَسَائِلُ عَلَى فُصُولٍ أَحَدُهَا فِي هِبَةِ الزَّوْجِ لِامْرَأَتِهِ فِي مَرَضِهِ، وَالثَّانِي فِي هِبَتِهِ فِي مَرَضِهِ لِامْرَأَتِهِ وَوَصِيَّتِهِ لِأَجْنَبِيٍّ، وَالثَّالِثُ فِي هِبَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ لِصَاحِبِهِ، وَإِذَا وَهَبَ لِامْرَأَتِهِ فِي مَرَضِهِ مِائَةَ دِرْهَمٍ لَا مَالَ لَهُ غَيْرُهَا وَمَاتَتْ وَمَاتَ، وَتَرَكَتْ عَصَبَةً لِلزَّوْجِ لِوَرَثَةِ الزَّوْجِ سِتُّونَ بِبَعْضِ الْهِبَةِ، وَجَازَتْ فِي أَرْبَعِينَ لِلزَّوْجِ مِنْ ذَلِكَ عَشْرَةٌ بِمِيرَاثِهِ، وَلِعَصَبَتِهَا عِشْرُونَ لِأَنَّهَا لَمَّا مَاتَتْ قَبْلَ مَوْتِ الزَّوْجِ صَارَتْ أَجْنَبِيَّةً، وَلَمْ تَبْقَ وَارِثَةً قَبْلَ مَوْتِ الزَّوْجِ فَصَحَّتْ الْهِبَةُ لَهَا فَلَمْ تَبْطُلْ الْهِبَةُ لَهَا، وَإِنْ كَانَتْ الْهِبَةُ الْمُنَفَّذَةُ وَصِيَّةً وَالْوَصِيَّةُ تَبْطُلُ بِمَوْتِ الْمُوصَى لَهُ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي لِأَنَّهَا هِبَةٌ حَقِيقِيَّةٌ حَتَّى مَلَكَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ فِي الْحَالِ وَصِيَّةً حُكْمًا حَتَّى تَنْفُذَ مِنْ الثُّلُثِ. وَالْهِبَةُ لَا تَبْطُلُ بِمَوْتِ الْمَوْهُوبِ لَهُ قَبْلَ مَوْتِ الْوَاهِبِ بَعْدَمَا تَمَّتْ بِالْقَبْضِ، وَبِاعْتِبَارِ أَنَّهَا وَصِيَّةٌ تَنْفُذُ مِنْ الثُّلُثِ عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ وَلَا يَجُوزُ إبْطَالُهَا بِالشَّكِّ بَعْدَ صِحَّتِهَا ثُمَّ تَخْرِيجُهُ لِأَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ أَنَّ جَمِيعَ الْمَالِ لِلزَّوْجِ الْمِائَةُ الْمَوْهُوبَةُ فَيُجْعَلُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ لِحَاجَتَيْنِ لِأَجْلِ الْوَصِيَّةِ لِلْمَرْأَةِ، وَذَلِكَ سَهْمٌ وَسَهْمَانِ لِلزَّوْجِ مَاتَتْ الْمَرْأَةُ عَنْ سَهْمٍ فَيَكُونُ مِيرَاثًا بَيْنَ زَوْجِهَا وَعَصَبَتِهَا نِصْفَيْنِ، وَقَدْ انْكَسَرَ بِالنِّصْفِ فَأَضْعَفَ فَصَارَ سِتَّةً فَصَارَ لِلزَّوْجِ أَرْبَعَةٌ، وَلَهَا سَهْمَانِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 490 فَيَعُودُ إلَى الزَّوْجِ سَهْمٌ بِالْمِيرَاثِ مِنْهَا، وَهُوَ السَّهْمُ الدَّائِرُ فَاطْرَحْهُ مِنْ نَصِيبِ الزَّوْجِ فَكَانَ نَصِيبُهُ أَرْبَعَةً فَبَقِيَ لَهُ ثَلَاثٌ، وَلَهَا سَهْمَانِ فَصَارَ جَمِيعُ مَالِ الزَّوْجِ عَلَى خَمْسَةٍ خُمُسَا الْمِائَةِ، وَذَلِكَ أَرْبَعُونَ لَهَا بِالْوَصِيَّةِ، وَلِلزَّوْجِ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِهَا سِتُّونَ ثُمَّ يَعُودُ إلَى الزَّوْجِ نِصْفُ حِصَّتِهَا بِالْمِيرَاثِ فَصَارَ لِلزَّوْجِ ثَمَانُونَ، وَلِعَصَبَتِهَا عِشْرُونَ، وَأَمَّا تَخْرِيجُ أَبِي يُوسُفَ، وَهُوَ أَنَّ مَالَ الزَّوْجِ مَا يَرِثُ مِنْهَا لَا جَمِيعُ مَا وُهِبَ مِنْهَا لِأَنَّ هَذِهِ هِبَةٌ مُنَفَّذَةٌ، وَلِهَذَا لَا تَبْطُلُ بِمَوْتِهَا قَبْلَ مَوْتِ الزَّوْجِ فَيُعْتَبَرُ بِمَا لَوْ وَهَبَهَا فِي الصِّحَّةِ ثُمَّ مَاتَتْ، وَالزَّوْجُ وَارِثُهَا يُعْتَبَرُ مَالُ الزَّوْجِ مَا وَرِثَ مِنْهَا لَا جَمِيعُ الْمَوْهُوبِ فَكَذَا هَذَا، وَقَدْ وَرِثَ الزَّوْجُ مِنْهَا سِتَّةَ عَشَرَ دِرْهَمًا وَثُلُثَيْ دِرْهَمٍ لِأَنَّ لَهَا ثُلُثَ الْمِائَةِ ثَلَاثَةً وَثَلَاثِينَ وَثُلُثٌ فَيَكُونُ لِلزَّوْجِ نِصْفُهُ، وَذَلِكَ سِتَّةَ عَشَرَ دِرْهَمًا وَثُلُثَانِ ثُمَّ لَهَا خُمُسَا سِتَّةَ عَشَرَ بَعْدَ طَرْحِ السَّهْمِ الدَّائِرِ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي بَيَّنَّا، وَذَلِكَ سِتَّةُ دَرَاهِمَ وَثُلُثَانِ يُضَمُّ إلَى مَا أَعْطَيْنَا لَهَا فِي الِابْتِدَاءِ. وَذَلِكَ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ فَصَارَ لَهَا أَرْبَعُونَ ثُمَّ يَرِثُ الزَّوْجُ مِنْهَا عِشْرِينَ فَيَصِيرُ لِوَرَثَةِ الزَّوْجِ ثَمَانُونَ، وَأَمَّا تَخْرِيجُ مُحَمَّدٍ بِأَنَّ لَهَا ثُلُثَ الْمِائَةِ، وَذَلِكَ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ فَيُجْعَلُ ذَلِكَ الْمَالُ عَلَى سَهْمَيْنِ لِحَاجَتِك إلَى النِّصْفِ لِلزَّوْجِ بِالْمِيرَاثِ فَيَكُونُ لَهَا ثُلُثُ ذَلِكَ السَّهْمِ بِالْوَصِيَّةِ فَانْكَسَرَ بِالثُّلُثِ فَاضْرِبْ أَصْلَ الْفَرِيضَةِ، وَذَلِكَ سَهْمَانِ فِي ثَلَاثَةٍ فَصَارَ سِتَّةً فَاطْرَحْ السَّهْمَ الدَّائِرَ مِنْ جَمِيعِ السِّهَامِ فَصَارَ خَمْسَةً فَلَهَا خُمُسَيْ ثَلَاثَةٍ وَثَلَاثِينَ وَثُلُثٍ، وَذَلِكَ سِتَّةُ دَرَاهِمَ وَثُلُثَانِ فَصَارَ لَهَا أَرْبَعُونَ، وَلِلْوَرَثَةِ ثَمَانُونَ، وَلَوْ كَانَ لَهَا مِائَةٌ أُخْرَى، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَإِنَّهُ يُرَدُّ إلَى وَرَثَةِ الزَّوْجِ عِشْرُونَ دِرْهَمًا بِبُطْلَانِ الْهِبَةِ، وَأَرْبَعُونَ دِرْهَمًا بِالْمِيرَاثِ، وَتَخْرِيجُهُ أَنَّ مَالَ الزَّوْجِ مِائَتَا دِرْهَمٍ وَخَمْسُونَ دِرْهَمًا، وَلِلْمَرْأَةِ بِالْوَصِيَّةِ خُمُسَا ذَلِكَ بَعْدَ طَرْحِ السَّهْمِ الدَّائِرِ، وَذَلِكَ مِائَةٌ ثُمَّ يَعُودُ إلَى الزَّوْجِ نِصْفُهَا بِالْمِيرَاثِ، وَذَلِكَ خَمْسُونَ فَصَارَ لِلزَّوْجِ مِائَتَانِ، وَقَدْ نَفَّذْنَا الْوَصِيَّةَ فِي مِائَةٍ فَاسْتَقَامَ الثُّلُثُ وَالثُّلُثَانِ، وَلَوْ كَانَ لِلْمَرْأَةِ مِائَتَا دِرْهَمٍ ثُمَّ سِوَى ذَلِكَ وَلَا مَالَ لِلزَّوْجِ سِوَى مَا وَهَبَ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا جَازَتْ الْهِبَةُ فِي سِتِّينَ، وَتَخْرِيجُهُ أَنَّ مَالَ الزَّوْجِ يَوْمَ الْقِسْمَةِ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ الْمِائَةُ الْمَوْهُوبَةُ وَخَمْسُونَ مِيرَاثًا فَيُجْعَلُ ذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةٍ لِلْمَرْأَةِ سَهْمٌ وَلِلزَّوْجِ سَهْمَانِ ثُمَّ سَهْمُ الْمَرْأَةِ يَصِيرُ مِيرَاثًا بَيْنَ زَوْجِهَا وَعَصَبَتِهَا فَانْكَسَرَ بِالنِّصْفِ فَضَعُفَ فَصَارَ لَهَا سَهْمَانِ ثُمَّ عَادَ إلَى الزَّوْجِ سَهْمٌ بِالْمِيرَاثِ فَصَارَ فِي يَدِ الزَّوْجِ خَمْسَةٌ فَالسَّهْمُ الْخَامِسُ هُوَ الدَّائِرُ فَاطْرَحْهُ مِنْ نَصِيبِ الزَّوْجِ بَقِيَ نَصِيبُهُ ثَلَاثَةٌ، وَبَقِيَ حَقُّ الْمَرْأَتَيْنِ سَهْمَيْنِ فَصَارَ مَالُ الزَّوْجِ عَلَى خَمْسَةٍ فَلَهَا خُمُسَاهُ. وَذَلِكَ سِتُّونَ، وَيُرَدُّ أَرْبَعُونَ إلَى الزَّوْجِ فَصَارَ فِي يَدِ الزَّوْجِ تِسْعُونَ ثُمَّ يَعُودُ نِصْفُ مَا صَارَ لَهَا بِالْوَصِيَّةِ إلَى الزَّوْجِ، وَذَلِكَ ثَلَاثُونَ فَصَارَ لِلزَّوْجِ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ، وَقَدْ نَفَذَتْ الْوَصِيَّةُ فِي سِتِّينَ فَاسْتَقَامَ الثُّلُثُ وَالثُّلُثَانِ، وَلَوْ كَانَ عَلَى أَحَدِهِمَا دَيْنٌ قُضِيَ دَيْنُهُ أَوَّلًا ثُمَّ مَا فَضَلَ يَنْفُذُ التَّبَرُّعُ فِي ثُلُثِهِ وَهَبَ لِامْرَأَتِهِ فِي مَرَضِهِ مِائَةً لَا مَالَ لَهُ غَيْرُهَا، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ خَمْسُونَ ثُمَّ مَاتَتْ الْمَرْأَةُ قَبْلَهُ أَخَذَ رَبُّ الدَّيْنِ خَمْسِينَ، وَجَازَتْ وَصِيَّتُهَا فِي عِشْرِينَ يَعُودُ نِصْفُهُ إلَى الزَّوْجِ بِالْمِيرَاثِ فَيَكُونُ لِوَرَثَةِ الزَّوْجِ أَرْبَعُونَ، وَلِوَرَثَتِهَا عَشَرَةٌ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَنْفُذُ مِنْ الْمَالِ الْفَارِغِ عَنْ الدَّيْنِ وَخَمْسُونَ دِرْهَمًا مِنْ مَالِ الزَّوْجِ مَشْغُولٌ بِالدَّيْنِ فَيُجْعَلُ كَالْهَالِكِ، وَيُعْتَبَرُ مَالُهُ الْفَارِغُ خَمْسُونَ، وَقَدْ أَوْصَى بِذَلِكَ كُلِّهِ فَتَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ مِنْ الثُّلُثِ، وَلَهَا خُمُسَا خَمْسِينَ بَعْدَ طَرْحِ السَّهْمِ الدَّائِرِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَذَلِكَ عِشْرُونَ فَلَهَا عِشْرُونَ بِالْوَصِيَّةِ، وَتَرُدُّ ثَلَاثِينَ عَلَى وَرَثَةِ الزَّوْجِ ثُمَّ يَعُودُ نِصْفُ مَا صَارَ لَهَا بِالْوَصِيَّةِ مِنْ الزَّوْجِ، وَبِالْمِيرَاثِ، وَذَلِكَ عَشَرَةٌ فَصَارَ لَهُ أَرْبَعُونَ، وَقَدْ نَفَّذْنَا الْوَصِيَّةَ فِي عِشْرِينَ، وَلَوْ وَهَبَ لَهَا ثَمَانِينَ دِرْهَمًا، وَكَانَ عَلَيْهَا عَشَرَةً دَيْنًا كَانَتْ وَصِيَّتُهَا ثَلَاثِينَ دِرْهَمًا، وَتَخْرِيجُهُ أَنَّ مَالَ الزَّوْجِ خَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ لِأَنَّ دَيْنَ الْمَرْأَةِ نِصْفُهُ عَلَى الزَّوْجِ لِأَنَّ قَدْرَ مَا يَصِيرُ لِلْمَرْأَةِ بِالْوَصِيَّةِ كَانَ مِلْكًا لِلزَّوْجِ، وَيَعُودُ إلَى مِلْكِهِ بِالْمِيرَاثِ فَصَارَ كَالْقَائِمِ فِي مِلْكِهِ لَمَّا عَادَ إلَيْهِ مِثْلُهُ فَكَذَا هَذَا وَنَصْفُ الدَّيْنِ مِنْ ذَلِكَ الْمَالِ فَكَانَ نِصْفُ الدَّيْنِ عَلَى الزَّوْجِ مَعْنًى وَاعْتِبَارًا، وَذَلِكَ خَمْسَةٌ. وَالْمَشْغُولُ بِالدَّيْنِ كَالْهَالِكِ فِي حَقِّ تَنْفِيذِ الْوَصِيَّةِ فَيَبْقَى مَالُ الزَّوْجِ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ فَيُجْعَلُ ذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ سَهْمٌ لَهَا يَعُودُ نِصْفُهُ إلَى الزَّوْجِ بِالْمِيرَاثِ فَانْكَسَرَ فَأَضْعَفَ سِتَّةً سَهْمَانِ لِلْمَرْأَةِ، وَأَرْبَعَةٌ لِلزَّوْجِ ثُمَّ يَعُودُ سَهْمٌ مِنْ سَهْمَيْ الْمَرْأَةِ إلَى الزَّوْجِ بِالْمِيرَاثِ فَيَصِيرُ لَهُ خَمْسَةً فَالسَّهْمُ الْخَامِسُ هُوَ السَّهْمُ الدَّائِرُ فَاطْرَحْ مِنْ نَصِيبِ الزَّوْجِ فَصَارَ مَالُهُ عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ خُمُسَاهُ لِلْمَرْأَةِ، وَذَلِكَ ثَلَاثُونَ يُقْضَى مِنْ ذَلِكَ دَيْنُهَا عَشَرَةً يَبْقَى عِشْرُونَ فَارِغًا عَنْ الدَّيْنِ وَالْوَصِيَّةِ فَيَعُودُ نِصْفُ ذَلِكَ إلَى الزَّوْجِ بِالْمِيرَاثِ، وَذَلِكَ عَشَرَةٌ فَصَارَ لَهَا سِتُّونَ، وَلَوْ وَهَبَ لَهَا مِائَةً، وَعَلَيْهَا عَشَرَةُ دَرَاهِمَ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَلَهَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 491 ثَمَانُونَ وَثُلُثَانِ بِالْوَصِيَّةِ، وَتَخْرِيجُهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا. وَلَوْ وَهَبَ لَهَا مِائَةَ دِرْهَمٍ، وَأَوْصَى لِرَجُلٍ بِثُلُثِ مَالِهِ قُسِمَتْ الْمِائَةُ عَلَى أَحَدَ عَشَرَ سَهْمًا سَهْمَانِ لِلْمَرْأَةِ وَسَهْمَانِ لِلْمُوصَى لَهُ وَسَبْعَةٌ لِوَرَثَةِ الزَّوْجِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ثُمَّ يَرِثُ الزَّوْجُ مِنْهُمَا سَهْمًا فَيَكُونُ لِوَرَثَتِهِ ثَمَانِيَةُ أَسْهُمٍ، وَعَلَى قَوْلِهِمَا تُقْسَمُ عَلَى أَحَدٍ وَعِشْرِينَ لَهَا سِتَّةٌ، وَلِلْمُوصَى لَهُ سَهْمَانِ ثُمَّ تَرْجِعُ مِنْهَا ثَلَاثَةٌ إلَى الزَّوْجِ بِالْإِرْثِ، وَتَخْرِيجُهُ لِأَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ أَنَّهُ اجْتَمَعَ فِي مَالِ الزَّوْجِ وَصِيَّتَانِ وَصِيَّةٌ لِلْمَرْأَةِ، وَوَصِيَّةٌ لِلْآخَرِ بِالثُّلُثِ، وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ فَيُجْعَلُ ثُلُثُ الْمَالِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِأَنَّ عِنْدَهُ الْمُوصَى لَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ لَا يَضْرِبُ إلَّا بِالثُّلُثِ فَصَارَ كَأَنَّهُ أَوْصَى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالثُّلُثِ. فَيُقْسَمُ عَلَى طَرِيقِ الْعَوْلِ لَا عَلَى سَبِيلِ الْمُنَازَعَةِ لِأَنَّ هَذِهِ الْوَصِيَّةَ بِمَعْنَى الْمِيرَاثِ لِأَنَّ حَقَّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَائِعٌ فِي كُلِّ التَّرِكَةِ فَاجْعَلْ ثُلُثَ الْمَالِ عَلَى سَهْمَيْنِ لِحَاجَتِك إلَى النِّصْفِ فَصَارَ حَقُّهُ فِي سَبْعَةٍ، وَبَقِيَ حَقُّ الْمُوصَى لَهُمَا فِي أَرْبَعَةٍ كَمَا كَانَ فَصَارَ مَالُ الزَّوْجِ فِي الْآخِرَةِ عَلَى أَحَدَ عَشَرَ ثُمَّ يَعُودُ سَهْمٌ مِنْ سِهَامِ الْمَرْأَةِ إلَى الزَّوْجِ بِالْمِيرَاثِ فَيَصِيرُ لِوَرَثَةِ الزَّوْجِ ثَمَانِيَةٌ، وَقَدْ نَفَّذْنَا الْوَصِيَّةَ فِي أَرْبَعَةٍ، وَبَقِيَ لِعَصَبَةِ الْمَرْأَةِ سَهْمٌ، وَلِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ سَهْمَانِ، وَأَمَّا تَخْرِيجُهُمَا أَنَّ مِنْ أَصْلِهِمَا أَنَّ الْمُوصَى لَهُ بِالْجَمِيعِ يَضْرِبُ فِي الثُّلُثِ بِجَمِيعِ حَقِّهِ، وَالْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ يَضْرِبُ بِالثُّلُثِ فَتَضْرِبُ الْمَرْأَةُ بِثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ، وَلِلْأَجْنَبِيِّ بِسَهْمٍ فَصَارَ الثُّلُثُ عَلَى أَرْبَعَةٍ وَصَارَ الْجَمِيعُ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ لِوَرَثَةِ الزَّوْجِ ثَمَانِيَةٌ، وَلِلْمُوصَى لَهُمَا أَرْبَعَةٌ لِلْمَرْأَةِ مِنْ ذَلِكَ سِتَّةٌ، وَلِلْأَجْنَبِيِّ سَهْمَانِ فَقَدْ مَاتَتْ الْمَرْأَةُ عَنْ سَبْعَةٍ فَيَعُودُ نِصْفُهَا إلَى الزَّوْجِ بِالْمِيرَاثِ، وَهُوَ ثَلَاثَةٌ وَنَصْفٌ، وَهَذَا مَالٌ اسْتَفَادَهُ الزَّوْجُ لَمْ تَنْفُذْ فِيهِ الْوَصِيَّةُ فَيَصِيرُ بَيْنَ الْمُوصَى لَهُمَا وَبَيْنَ وَرَثَةِ الزَّوْجِ فَهِيَ السِّهَامُ الدَّائِرَةُ فَاطْرَحْهَا مِنْ نَصِيبِ الزَّوْجِ، وَنَصِيبُهُ سِتَّةَ عَشَرَ بَقِيَ لَهُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ، وَلِلْمُوصَى لَهُ ثَمَانِيَةٌ فَقَدْ صَارَ الْمَالُ فِي الْآخِرَةِ عَلَى أَحَدٍ وَعِشْرِينَ لِلْمَرْأَةِ سِتَّةٌ يَعُودُ نِصْفُهَا إلَى الزَّوْجِ بِالْمِيرَاثِ فَصَارَ لَهُ سِتَّةَ عَشَرَ بَقِيَ لِلْمَرْأَةِ ثَلَاثَةٌ، وَلِلْأَجْنَبِيِّ سَهْمًا لِأَنَّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ تُطْرَحُ السِّهَامُ الدَّائِرَةُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ بَقِيَ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ فَتُقْسَمُ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا، وَلَوْ كَانَتْ هِيَ الَّتِي أَوْصَتْ بِثُلُثِ مَالِهَا، وَلَمْ يُوصِ الزَّوْجُ جَازَتْ الْوَصِيَّةُ فِي ثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ مِنْ ثَمَانِيَةِ أَسْهُمٍ سَهْمٌ مِنْ ذَلِكَ لِلْمُوصَى لَهُ. وَسَهْمٌ يَعُودُ إلَى الزَّوْجِ بِمِيرَاثِهِ مِنْهَا، وَسَهْمٌ لِوَرَثَتِهَا، وَتَخْرِيجُهُ أَنْ تَجْعَلَ الْمَالَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ سَهْمٌ لِلْمَرْأَةِ بِالْوَصِيَّةِ، وَقَدْ انْكَسَرَ هَذَا السَّهْمُ بَيْنَ وَرَثَتِهَا، وَالْمُوصَى لَهُ عَلَى ثَلَاثَةٍ فَاضْرِبْ ثَلَاثَةً فِي ثَلَاثَةٍ فَصَارَ تِسْعَةً فَثَلَاثَةٌ بَيْنَ الْمُوصَى لَهُ وَالزَّوْجِ وَالْعَصَبَةِ عَلَى ثَلَاثَةٍ مُسْتَقِيمٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ سَهْمٌ فَقَدْ عَادَ إلَى الزَّوْجِ سَهْمٌ بِالْمِيرَاثِ، وَهُوَ السَّهْمُ الدَّائِرُ فَاطْرَحْهُ مِنْ نَصِيبِ الزَّوْجِ يَبْقَى لِلزَّوْجِ خَمْسَةٌ، وَلِلْمَرْأَةِ ثَلَاثَةٌ فَصَارَ مَالُ الزَّوْجِ ثَمَانِيَةً ثُمَّ يَعُودُ سَهْمٌ مِمَّا صَارَ لَهَا إلَى الزَّوْجِ بِالْمِيرَاثِ فَيَصِيرُ لِوَرَثَةِ الزَّوْجِ سِتَّةً، وَقَدْ نَفَذَتْ الْوَصِيَّةُ فِي ثَلَاثَةٍ، وَلَوْ تَرَكَتْ ابْنَهَا وَزَوْجَهَا، وَلَمْ يُوصِ إلَّا لَهَا بِالْهِبَةِ فَالْهِبَةُ فِي أَرْبَعَةِ أَسْهُمٍ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ سَهْمًا، وَتَخْرِيجُهُ أَنْ يُجْعَلَ مَالُ الزَّوْجِ، وَذَلِكَ مِائَةٌ عَلَى ثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ لِلْمَرْأَةِ ثَلَاثَةٌ انْكَسَرَ عَلَى وَرَثَتِهَا بِالرُّبُعِ فَاضْرِبْ ثَلَاثَةً فِي أَرْبَعَةٍ فَصَارَ اثْنَيْ عَشْرَ صَارَ لِلْمَرْأَةِ أَرْبَعَةٌ، وَقَدْ اسْتَقَامَتْ بَيْنَ وَرَثَتِهَا فَيَعُودُ سَهْمٌ إلَى الزَّوْجِ بِالْمِيرَاثِ فَهُوَ السَّهْمُ الدَّائِرُ فَاطْرَحْهُ مِنْ نَصِيبِ الزَّوْجِ يَبْقَى لَهُ سَبْعَةٌ، وَبَقِيَ حَقُّهَا فِي أَرْبَعَةٍ فَصَارَ مَالُ الزَّوْجِ عَلَى أَحَدَ عَشَرَ فَيَعُودُ سَهْمٌ إلَى الزَّوْجِ بِالْمِيرَاثِ مِنْهَا فَصَارَ لَهُ ثَمَانِيَةٌ، وَقَدْ نَفَّذْنَا الْوَصِيَّةَ فِي أَرْبَعَةٍ فَصَارَ مَالُ الزَّوْجِ عَلَى أَحَدَ عَشَرَ امْرَأَةٌ وَهَبَتْ لِزَوْجِهَا فِي مَرَضِهَا مِائَةَ دِرْهَمٍ، وَوَهَبَ لَهَا فِي مَرَضِهِ مِائَةَ دِرْهَمٍ وَلَا مَالَ لَهُمَا غَيْرُهُمَا ثُمَّ مَاتَا مَعًا لَمْ يَرِثْ أَحَدُهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ، وَيَحُوزُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَ الْهِبَةِ لِأَنَّهُمَا لَمَّا مَاتَا مَعًا لَمْ يَبْقَ كُلُّ وَاحِدٍ وَارِثًا لِصَاحِبِهِ لِأَنَّهُ مَيِّتٌ وَقْتَ مَوْتِ صَاحِبِهِ فَجَازَتْ الْهِبَتَانِ فِي النِّصْفِ. وَتَخْرِيجُهُ أَنَّ مَالَ الزَّوْجِ يَوْمَ الْقِسْمَةِ مِائَةٌ وَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَمْ يَسْعَ إنْ أُجِيزَ) أَيْ إذَا أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ الْعِتْقَ فِي الْمَرَضِ فَلَا سِعَايَةَ عَلَى الْمُعْتَقِ لِأَنَّ الْعِتْقَ فِي الْمَرَضِ وَصِيَّةٌ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، وَهُوَ يَجُوزُ بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِأَنَّ الْمَنْعَ لَحِقَهُمْ فَيَسْقُطُ بِالْإِجَازَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا هَذَا إذَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ حَابَا فَحَرَّرَ فَهِيَ أَحَقُّ، وَبِعَكْسِهِ اسْتَوَيَا) أَيْ إذَا حَابَا ثُمَّ أَعْتَقَ فَالْمُحَابَاةُ أَوْلَى فَإِنْ أَعْتَقَ ثُمَّ حَابَا فَهُمَا سَوَاءٌ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَبِعَكْسِهِ اسْتَوَيَا، وَأَطْلَقَ فِي الْمُحَابَاةِ فَشَمِلَ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ وَالْأَجَلَ وَالْبَيْعَ وَالْإِقَالَةَ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا هُمَا سَوَاءٌ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَالْأَصْلُ فِيهِمَا أَنَّ الْوَصَايَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا مَا جَاوَزَ الثُّلُثَ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ الْوَصَايَا أَنْ يَضْرِبَ بِجَمِيعِ وَصِيَّتِهِ فِي الثُّلُثِ لَا يُقَدَّمُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 492 الْبَعْضُ عَلَى الْبَعْضِ إلَّا بِالْعِتْقِ الْمُوَقَّعِ فِي الْمَرَضِ، وَالْعِتْقُ الْمُعَلَّقُ بِمَوْتِ الْمُوصِي كَالتَّدْبِيرِ الصَّحِيحِ سَوَاءٌ كَانَ مُطْلَقًا أَوْ مُقَيَّدًا، وَالْمُحَابَاةُ فِي الْمَرَضِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ إذَا مِتّ فَهُوَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي بِيَوْمٍ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ كُلَّ مَا يَكُونُ مُنَفَّذًا عَقِيبَ الْمَوْتِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى التَّقْيِيدِ فَهُوَ فِي الْمَعْنَى أَسْبَقُ مِمَّا يَحْتَاجُ إلَى تَقْيِيدٍ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالتَّرْجِيحُ يَقَعُ بِالسَّبْقِ لِأَنَّ مَا يَنْفُذُ بَعْدَ الْمَوْتِ مِنْ غَيْرِ تَنْفِيذٍ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الدِّيوَانِ فَإِنَّ صَاحِبَ الدَّيْنِ يَنْفَرِدُ بِاسْتِيفَاءِ دَيْنِهِ إذَا ظَفِرَ بِجِنْسِ حَقِّهِ. وَفِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا بِنَفْسِ الْمَوْتِ، وَالدَّيْنُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوَصِيَّةِ فَكَذَا الْحَقُّ الَّذِي فِي مَعْنَاهُ وَغَيْرُهَا مِنْ الْوَصَايَا قَدْ تَسَاوَتْ فِي السَّبَبِ، وَالتَّسَاوِي فِيهِ يُوجِبُ التَّسَاوِيَ فِي الِاسْتِحْقَاقِ فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَهُمَا يَقُولَانِ إنَّ الْعِتْقَ أَقْوَى لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ وَالْمُحَابَاةُ يَلْحَقُهَا الْفَسْخُ وَلَا مُعْتَبَرَ بِالتَّقَدُّمِ فِي الذِّكْرِ لِأَنَّهُ لَا يُوجِبُ التَّقْدِيمَ إلَّا إذَا اتَّحَدَ الْمُسْتَحَقُّ، وَاسْتَوَتْ الْحُقُوقُ عَلَى مَا يَجِيءُ بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ أَنَّ الْمُحَابَاةَ أَقْوَى لِأَنَّهَا تَثْبُتُ فِي ضِمْنِ عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ فَكَانَ تَبَرُّعًا بِمَعْنَاهَا لَا بِصِفَتِهَا حَتَّى يَأْخُذَهُ الشَّفِيعُ، وَيَمْلِكَهُ الْعَبْدُ وَالصَّبِيُّ الْمَأْذُونُ لَهُمَا، وَالْإِعْتَاقُ تَبَرُّعٌ صِيغَةً وَمَعْنًى فَإِذَا وُجِدَتْ الْمُحَابَاةُ أَوَّلًا دَفَعْت الْأَضْعَفَ، وَإِذَا وُجِدَ الْعِتْقُ أَوَّلًا، وَثَبَتَ، وَهُوَ لَا يَحْتَمِلُ الدَّفْعَ كَانَ مِنْ ضَرُورَاتِهِ الْمُزَاحَمَةُ، وَعَلَى هَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا حَابَى ثُمَّ أَعْتَقَ يُقْسَمُ الثُّلُثُ بَيْنَ الْمُحَابَتَيْنِ نِصْفَيْنِ ثُمَّ مَا أَصَابَ الْمُحَابَاةَ الْأَخِيرَةَ قُسِمَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْعِتْقِ لِأَنَّ الْعِتْقَ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِمَا فَيَسْتَوِيَانِ، وَلَوْ أَعْتَقَ ثُمَّ حَابَى ثُمَّ أَعْتَقَ قُسِمَ الثُّلُثُ بَيْنَ الْعِتْقِ الْأَوَّلِ وَبَيْنَ الْمُحَابَاةِ وَمَا أَصَابَ الْعِتْقَ قُسِمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعِتْقِ الثَّانِي وَلَا يُقَالُ إنَّ أَصْحَابَ الْمُحَابَاةِ تَسْتَرِدُّ مَا أَصَابَ الْعِتْقَ الَّذِي بَعْدَهُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ لِكَوْنِهِ أَوْلَى مِنْهُ لِأَنَّا نَقُولُ لَا يُمْكِنُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ الدَّوْرُ. بَيَانُهُ أَنَّ صَاحِبَ الْمُحَابَاةِ الْأَوَّلَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لَوْ اسْتَرَدَّ مِنْ الْعِتْقِ لِكَوْنِهِ أَوْلَى لَاسْتَرَدَّ مِنْهُ صَاحِبُ الْمُحَابَاةِ الثَّانِي لِاسْتِوَائِهِمَا ثُمَّ اسْتَرَدَّ الْعِتْقَ لِأَنَّهُ يُسَاوِي صَاحِبَ الْمُحَابَاةِ الثَّانِي، وَفِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ لَوْ اسْتَرَدَّ صَاحِبُ الْمُحَابَاةِ، وَهَكَذَا إلَى مَا لَا يَتَنَاهَى، وَالسَّبِيلُ فِي الدُّورِ قَطْعُهُ، وَعِنْدَهُمَا الْعِتْقُ أَوْلَى مِنْ الْكُلِّ، وَفِي الْمُحِيطِ إذَا أَسْلَمَ الرَّجُلُ فِي مَرَضِهِ مِائَةَ دِرْهَمٍ فِي عَشَرَةِ أَكْرَارٍ حِنْطَةٍ تُسَاوِي مِائَةَ دِرْهَمٍ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ حُلُولِهِ فَإِنْ شَاءَ الَّذِي عَلَيْهِ السَّلَمُ يُعَجِّلُ ثُلُثَيْ الطَّعَامِ، وَكَانَ الثُّلُثُ عَلَيْهِ إلَى أَجَلِهِ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّ عَلَيْهِمْ رَأْسَ الْمَالِ لِأَنَّ الْمَرِيضَ حَابَى بِالْأَجَلِ لِأَنَّهُ اشْتَرَى بِمِائَةٍ طَعَامًا يُسَاوِي مِائَةً، وَأَجَّلَهُ فِي جَمِيعِ مَالِهِ، وَتَأْجِيلُ الْمَالِ بِمَعْنَى الْوَصِيَّةِ بِجَمِيعِ الْمَالِ لِأَنَّ الْوَارِثَ يَصِيرُ مَمْنُوعًا مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ إلَى الْأَجَلِ مَتَى صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ بِجَمِيعِهِ، وَإِنْ أَبَوْا فَالْوَصِيَّةُ تَصِحُّ بِقَدْرِ الثُّلُثِ فَيَصِحُّ التَّأْجِيلُ بِقَدْرِ الثُّلُثِ، وَبَطَلَ فِي الثُّلُثَيْنِ فَإِذَا بَطَلَ الْأَجَلُ فِي الثُّلُثِ يُخَيَّرُ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ لَزِمَهُ زِيَادَةُ شَيْءٍ لَمْ يَرْضَ مِنْهُ لِأَنَّ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ إنَّمَا رَضِيَ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ الطَّعَامِ عَلَيْهِ مُؤَجَّلًا فَإِذَا لَزِمَهُ تَعْجِيلُ ثُلُثَيْ الطَّعَامِ، وَالْمُعَجَّلُ خَيْرٌ مِنْ الْمُؤَجَّلِ فَقَدْ لَزِمَهُ زِيَادَةُ شَيْءٍ لَمْ يَرْضَ بِهِ فَيُخَيَّرُ، وَلَوْ كَانَ الطَّعَامُ يُسَاوِي خَمْسِينَ فَإِنْ شَاءَ عَجَّلَ الطَّعَامَ كُلَّهُ وَرَدَّ سُدُسَ الْمَالِ، وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ وَرَدَّ كُلَّ الْمَالِ لِأَنَّهُ حَابَى بِالثَّمَنِ وَبِالْأَجَلِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ اعْتِبَارُ الْمُحَابَتَيْنِ جَمِيعًا لِأَنَّهُ يَنْقَسِمُ ثُلُثَا الْمَالِ عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ لِأَنَّهُ لَوْ حَابَى بِالثَّمَنِ لَا غَيْرُ كَانَ لِصَاحِبِ الْمُحَابَاةِ ثُلُثُ الْمِائَةِ، وَكَذَلِكَ لَوْ حَابَى بِالْأَجَلِ كَانَ لَهُ ثُلُثُ الطَّعَامِ إلَى أَجَلِهِ فَإِذَا صَارَ نِصْفُ الْمَالِ لِلْمُحَابَاةِ كَانَ بِالثَّمَنِ كَانَ نِصْفُ ثُلُثِ الطَّعَامِ إلَى أَجَلِهِ، وَإِذَا صَارَ الثُّلُثُ لِلْمُحَابَتَيْنِ جَمِيعًا مَتَى اخْتَارَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ الْمُضِيَّ فِي السَّلَمِ أَنَّهُ يَرُدُّ ثُلُثَ رَأْسِ الْمَالِ إلَى رَبِّ السَّلَمِ حَتَّى يَنْقَسِمَ ثُلُثُ الْمَالِ عَلَى الْمُحَابَتَيْنِ جَمِيعًا يُنْقَضُ السَّلَمُ فِي الثُّلُثِ فَإِذَا دَخَلَ الْأَجَلُ، وَأَدَّى الْمُسْلَمُ إلَيْهِ سُدُسَ الطَّعَامِ يَسْتَرِدُّ مِنْهُ نِصْفَ الثُّلُثِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ لِأَنَّهُ بِحُلُولِ الْأَجَلِ ذَهَبَ بِالْمُحَابَاةِ فِي الْأَجَلِ، وَبَقِيَتْ الْمُحَابَاةُ فِي الثَّمَنِ، وَمَتَى اسْتَرَدَّ نِصْفَ الثُّلُثِ تُنْقَضُ الْإِقَالَةُ فِي السَّلَمِ بَعْدَ اسْتِقْرَارِهَا فِي رَأْسِ الْمَالِ، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ فَلِهَذِهِ الضَّرُورَةِ تَعَذَّرَ اعْتِبَارُ الْمُحَابَاةِ بِالْأَجَلِ مَعَ الْمُحَابَاةِ بِالثَّمَنِ فَكَانَ إلْغَاءُ الْمُحَابَاةِ بِالْأَجَلِ أَوْلَى لِأَنَّهُ بَيْعٌ، وَإِذَا لَغَتْ الْمُحَابَاةُ بِالْأَجَلِ صَارَ كَأَنَّهُ حَابَى بِالثَّمَنِ لَا غَيْرَ فَيُخَيَّرُ، وَإِذَا أَسْلَمَ الْمَرِيضُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فِي كُرٍّ يُسَاوِي عِشْرِينَ ثُمَّ أَقَالَهُ ثُمَّ مَاتَ جَازَتْ الْإِقَالَةُ فِي ثُلُثَيْ الْكُرِّ، وَيُقَالُ لِلْمُسْلَمِ إلَيْهِ أَدِّ ثُلُثَ الْكُرِّ، وَرُدَّ عَلَيْهِمْ ثُلُثَيْ رَأْسِ الْمَالِ لِأَنَّ الْمُحَابَاةَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ وَصِيَّةٌ وَالْوَصِيَّةُ مُعْتَبَرَةٌ فِي الثُّلُثِ، وَلَوْ أَسْلَمَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فِي كُرٍّ يُسَاوِي ثَلَاثِينَ دِرْهَمًا، وَقَدْ حَابَى بِعِشْرِينَ، وَالْعَشَرَةُ مِنْ عِشْرِينَ قَدْرُ نِصْفِهِ، وَلَوْ أَخَذَ مِنْهُ رَأْسَ الْمَالِ، وَأَنْفَقَهُ جَازَتْ الْإِقَالَةُ فِي ثُلُثِ الْكُرِّ، وَبَطَلَتْ فِي ثُلُثَيْهِ. وَيُقَالُ لِلْمُسْلَمِ إلَيْهِ أَدِّ إلَى الْوَرَثَةِ ثُلُثَيْ الْكُرِّ، وَارْجِعْ عَلَيْهِمْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 493 بِثُلُثَيْ الْعَشَرَةِ لِأَنَّ ثُلُثَ مَالِهِ مِثْلُ ثُلُثِ الْمُحَابَاةِ لِأَنَّ مَالَهُ يَوْمَ الْقِسْمَةِ سِتَّةُ دَرَاهِمَ وَثَلَاثِينَ، وَقَدْ حَابَاهُ بِعِشْرِينَ فَيَكُونُ ثُلُثُ مَالِهِ مِثْلَ ثُلُثِ الْمُحَابَاةِ فَتَجُوزُ الْإِقَالَةُ فِي ثُلُثَيْ الْكُرِّ، وَبَطَلَتْ فِي ثُلُثِهِ فَرَدَّ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ إلَى الْوَرَثَةِ ثُلُثَيْ الْكُرِّ، وَقِيمَتُهُ عِشْرُونَ إلَّا أَنَّ عَلَى رَبِّ السَّلَمِ سِتَّةَ دَرَاهِمَ وَثَلَاثِينَ دَيْنًا لِأَنَّهُ قَبَضَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ مِنْ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ رَأْسُ الْمَالِ ثُلُثُهُ بِحَقِّ جَوَازٍ فِي ثُلُثَيْ الْكَرِّ وَثُلُثُهُ بِغَيْرِ حَقٍّ لِبُطْلَانِ الْإِقَالَةِ فِي ثُلُثَيْ الْكُرِّ، وَقَدْ اسْتَهْلَكَهَا فَصَارَ ذَلِكَ دَيْنًا عَلَيْهِ، وَالْإِقَالَةُ قَبْلَ قَبْضِ السَّلَمِ، وَبَعْدَهُ سَوَاءٌ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ هُوَ بَعْدَ الْقَبْضِ ابْتِدَاءُ بَيْعٍ لِمَا عُرِفَ أَنَّ الْإِقَالَةَ فَسْخٌ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَهُ بَيْعٌ جَدِيدٌ، وَإِذَا اشْتَرَى فِي مَرَضِهِ عَبْدًا قِيمَتُهُ مِائَةٌ بِخَمْسِينَ دِرْهَمًا فَلَمْ يَتَقَابَضَا حَتَّى تَقَايَلَا الْبَيْعَ فَالْبَائِعُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَدَّ الْعَبْدَ، وَأَخَذَ ثَمَنَهُ، وَبَطَلَتْ الْإِقَالَةُ، وَإِنْ شَاءَ سَلَّمَ لَهُمْ ثُلُثَ الْعَبْدِ، وَأَخَذَ مِنْهُمْ ثُلُثَ الْخَمْسِينَ لِأَنَّ ثُلُثَ الْمَالِ مِثْلُ ثُلُثِ الْمُحَابَاةِ لِأَنَّ ثُلُثَ الْمَالِ الْمُشْتَرَى ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ لِأَنَّ مَالَهُ عِنْدَ قِسْمَتِهِ مِائَةٌ، وَقَدْ حَابَى بِخَمْسِينَ فَتَجُوزُ الْإِقَالَةُ فِي ثُلُثَيْ الْعَبْدِ وَلَا تَجُوزُ فِي ثُلُثِهِ ثُمَّ يُخَيَّرُ بَيْنَ فَسْخِ الْإِقَالَةِ وَبَيْنَ أَنْ يُجِيزَهُ أَوْ لَمْ يُجِيزَهُ فِي السَّلَمِ لِأَنَّ الْإِقَالَةَ فِي الْبَيْعِ تَحْتَمِلُ الْفَسْخَ مَا دَامَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ قَائِمًا. وَفِي السَّلَمِ لَا تَحْتَمِلُ الْفَسْخَ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ بَيْعًا مُسْتَقِلًّا لِأَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِالسَّلَمِ فِيهِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ، وَلَوْ أَسْلَمَ عِشْرِينَ دِرْهَمًا فِي كُرٍّ يُسَاوِي عَشَرَةً فِي مَرَضِهِ، وَلَهُ عَلَى النَّاسِ دُيُونٌ فَلَمْ يَخْرُجْ حَتَّى أَبْطَلَ الْقَاضِي السَّلَمَ أَوْ أَعْطَى الْكُرَّ وَرَدَّ سُدُسَ رَأْسِ الْمَالِ ثُمَّ خَرَجَ الدَّيْنُ جَازَ ذَلِكَ، وَلَمْ يُرَدَّ عَلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَخْرُجَ الدَّيْنُ قَبْلَ أَنْ يَخْتَصِمُوا فَإِنْ خَرَجَ مِقْدَارُ مَا يَخْرُجُ الْمُحَابَاةُ مِنْ الثُّلُثِ سَلَّمَ لَهُ الْمُحَابَاةَ لِأَنَّ الْمُحَابَاةَ عَشَرَةٌ لِأَنَّ مَالَهُ الْعَيْنُ عِشْرُونَ دِرْهَمًا، وَالدَّيْنُ لَا يُعَدُّ مَالَ الْمَيِّتِ مَا لَمْ يُقْبَضْ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَخْرُجُ فَيَكُونُ ثُلُثُ مَالِهِ سِتَّةَ دَرَاهِمَ وَثُلُثَانِ فَتَصِحُّ الْمُحَابَاةُ بِقَدْرٍ، وَيَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالْمُضِيِّ لِأَنَّ السَّلَمَ يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ، وَقَدْ تَعَيَّنَ عَلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ شَرْطُ عَقْدِهِ فَيَتَخَيَّرُ فَإِذَا أَبَى الْمُسْلَمُ إلَيْهِ الْفَسْخَ، وَنَقَضَ الْقَاضِي السَّلَمَ فَإِنَّهُ لَا يُنْتَقَضُ النَّقْضُ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنْ زَالَ السَّبَبُ الْمُقْتَضِي لِلنَّقْضِ، وَهُوَ عَدَمُ خُرُوجِ الْمُحَابَاةِ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالنَّقْضِ لَا يَحْتَمِلُ الْبُطْلَانَ كَمَا لَوْ قَضَى بِفَسْخِ الْبَيْعِ بِسَبَبِ الْعَيْبِ ثُمَّ زَالَ الْعَيْبُ لَا يَعُودُ الْبَيْعُ، وَإِنْ زَالَ الْمُقْتَضِي لِلْفَسْخِ، وَهُوَ الْعَيْبُ فَكَذَا هَذَا، وَإِنْ خَرَجَ مِنْ الدَّيْنِ قَبْلَ النَّقْضِ مِقْدَارُ مَا يُخْرِجُ الْمُحَابَاةَ مِنْ الثُّلُثِ سَلَّمَ لَهُ الْمُحَابَاةَ لِأَنَّ الدَّيْنَ بِالْقَبْضِ صَارَ عَيْنًا فَيُعْتَبَرُ مَالُهُ يَوْمَ الْقِسْمَةِ، وَإِذَا أَسْلَمَ إلَى مَرِيضٍ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فِي كُرٍّ يُسَاوِي أَرْبَعِينَ فَأَنْفَقَ رَأْسَ الْمَالِ ثُمَّ مَاتَ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُ الْكُرِّ فَرَبُّ السَّلَمِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ نَقَضَ السَّلَمَ، وَرَجَعَ عَلَى الْوَرَثَةِ بِدَرَاهِمِهِ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْكُرَّ، وَأَعْطَى عِشْرِينَ دِرْهَمًا لِأَنَّهُ تَغَيَّرَ عَلَيْهِ شَرْطُ عَقْدِهِ فَإِنْ رَضِيَ أَنْ يُسَلِّمَ لَهُ جَمِيعَ الْكُرِّ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ، وَالْآنَ لَا يُسَلِّمُ لَهُ الْجَمِيعَ بِعَشَرَةٍ. وَعَقْدُهُ مِمَّا لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ فَيَتَخَيَّرُ فَإِنْ مَضَى فِي السَّلَمِ أَخَذَ جَمِيعَ الْكُرِّ وَرَدَّ عِشْرِينَ لِأَنَّ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ حَابَاهُ بِقَدْرِ ثَلَاثِينَ فَإِنَّهُ بَاعَ مَا يُسَاوِي أَرْبَعِينَ بِعَشَرَةٍ، وَالْمُحَابَاةُ أَكْثَرُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ فَتَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ مِنْ الثُّلُثِ، وَجَمِيعُ مَالِهِ بَعْدَ الدَّيْنِ ثَلَاثُونَ لِأَنَّ عَشَرَةً مِنْ الْكُرِّ مَشْغُولٌ بِالْعَشَرَةِ الَّتِي اسْتَهْلَكَهَا الْمُسْلَمُ إلَيْهِ فَالْمَشْغُولُ بِالدَّيْنِ لَا يَعْدِلُ مَالَ الْمَيِّتِ لِأَنَّ الدَّيْنَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوَصِيَّةِ، وَالْفَارِغُ مِنْ الدَّيْنِ قَدْرُ ثُلُثَيْنِ فَيَكُونُ لَهُ عَشَرَةً بِالْوَصِيَّةِ، وَيَرُدُّ عَشْرًا عَلَى الْوَرَثَةِ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو بَكْرٍ الْبَلْخِيّ فِي، وَجِيزِهِ أَنَّهُ مَتَى اخْتَارَ الْمُضِيَّ يَأْخُذُ نِصْفَ الْكُرِّ، وَيَتْرُكُ النِّصْفَ لِأَنَّهُ يَكُونُ لِرَبِّ السَّلَمِ نِصْفُ الْكُرِّ قِيمَتُهُ عِشْرُونَ عَشَرَةٌ مِنْهَا تُعَوِّضُ مَا قَبَضَ، وَهُوَ رَأْسُ الْمَالِ، وَعَشَرَةٌ بِغَيْرِ عِوَضٍ بِالْمُحَابَاةِ، وَهُوَ ثُلُثُ مَالِ الْمَيِّتِ، وَالصَّحِيحُ مَا ذَكَرَ الْحَاكِمُ لِأَنَّ فِي هَذَا تَبْعِيضٌ عَلَى وَرَثَةِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ بِغَيْرِ رِضَاهُمْ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ كَمَا فِي الْعَبْدِ وَالثَّوْبِ الْوَاحِدِ فَإِنْ كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِتَرِكَتِهِ لَمْ تَجُزْ الْمُحَابَاةُ فِي التَّرِكَةِ لِأَنَّ الْمُحَابَاةَ فِي الْمَرَضِ وَصِيَّةٌ وَالْوَصِيَّةُ تَنْفُذُ مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ الْفَارِغِ عَنْ الدَّيْنِ، وَلَمْ يُوجَدْ، وَلَوْ أَسْلَمَ إلَى مَرِيضٍ عَشَرَةً فِي كُرٍّ قِيمَتُهُ مِائَةٌ فَقَبَضَ رَأْسَ الْمَالِ، وَأَنْفَقَهُ وَمَاتَ، وَقَدْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ فَإِنْ شَاءَ رَبُّ السَّلَمِ نَقَضَ السَّلَمَ، وَأَخَذَ دَرَاهِمَهُ، وَيَجُوزُ لِلْآخَرِ وَصِيَّتُهُ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْكُرَّ، وَأَعْطَى الْوَرَثَةَ سِتِّينَ دِرْهَمًا وَلَا شَيْءَ لِصَاحِبِ الْوَصِيَّةِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا يَتَحَاصَّانِ فِي الثُّلُثِ يَضْرِبُ فِيهِ رَبُّ السَّلَمِ بِتِسْعِينَ وَصَاحِبُ الْوَصِيَّةِ بِثَلَاثِينَ، وَهُوَ ثُلُثُ الْمَالِ فَيَكُونُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا عَلَى أَرْبَعَةٍ فَيَأْخُذُ رَبُّ السَّلَمِ الْكُرَّ. وَيُؤَدِّي سَبْعَةً وَسِتِّينَ دِرْهَمًا وَنَصْفًا مِنْهَا تِسْعَةٌ رُبُعُ الثُّلُثِ لِصَاحِبِ الْوَصِيَّةِ، وَتَخْرِيجُهُ أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ الْمُحَابَاةَ أَوْلَى مِنْ الْوَصِيَّةِ وَمَالُ الْمَيِّتِ قِيمَتُهُ مِائَةٌ إلَّا أَنَّ عَشَرَةً مِنْهَا مَشْغُولَةٌ بِالدَّيْنِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 494 فَيَبْقَى مَالُهُ الْفَارِغُ بَيْنَ رَبِّ السَّلَمِ وَالْمُوصَى لَهُ عَلَى أَرْبَعَةٍ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْمُحَابَاةِ وَصِيَّةٌ بِجَمِيعِ مَالِهِ، وَذَلِكَ تِسْعُونَ وَالْوَصِيَّةُ الْأُخْرَى بِالثُّلُثِ، وَذَلِكَ ثَلَاثُونَ فَيُقْسَمُ الثُّلُثُ عَلَى سَبِيلِ الْعَوْلِ عِنْدَهُمَا عَلَى أَرْبَعَةٍ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ لِصَاحِبِ الْمُحَابَاةِ، وَذَلِكَ ثَلَاثٌ وَعِشْرُونَ وَنَصْفٌ وَأَرْبَعَةٌ لِلْمُوصَى لَهُ الْآخَرِ، وَإِذَا كَانَ لِلْمَرِيضِ عَلَى رَجُلَيْنِ كُرُّ حِنْطَةٍ يُسَاوِي ثَلَاثِينَ، وَرَأْسُ مَالِهِ عَشَرَةٌ، وَأَقَالَهُمَا وَمَاتَ، وَأَحَدُهُمَا غَائِبٌ قِيلَ لِلْحَاضِرِ رُدَّ ثَلَاثَةَ أَعْشَارِ نِصْفِ رَأْسِ الْمَالِ، وَذَلِكَ دِرْهَمٌ وَنَصْفٌ، وَأَدِّ سَبْعَةَ أَعْشَارِ نِصْفِ الْكُرِّ، وَذَلِكَ يُسَاوِي عَشَرَةً وَنَصْفًا فَإِذَا قَدِمَ الْغَائِبُ جَازَتْ الْإِقَالَةُ فِي نِصْفِ الْكَرِّ فَيُؤَدِّي الْقَادِمُ نِصْفَ رَأْسِ الْمَالِ حِصَّتُهُ دِرْهَمٌ وَنَصْفٌ، وَرُبْعُ الْكُرِّ قِيمَتُهُ سَبْعَةُ دَرَاهِمَ وَنَصْفٌ، وَتَرُدُّ الْوَرَثَةُ عَلَى الْحَاضِرِ الطَّعَامَ الَّذِي أَخَذُوهُ قَدْرَ ثُلُثِهِ مِنْ عَشَرَةٍ وَنَصْفٍ، وَيَأْخُذُونَ مِنْهُ دِرْهَمًا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَالثُّلُثُ عَلَى سَهْمَيْنِ، وَالْجَمِيعُ عَلَى سِتَّةٍ لِلْغَائِبِ فَيَطْرَحُ نَصِيبَهُ لِأَنَّهُ مُسْتَوْفًى وَصِيَّتَهُ بَقِيَ خَمْسَةٌ خَمْسٌ لِلْحَاضِرِ وَأَرْبَعَةٌ لِلْوَرَثَةِ فَيَكُونُ لِلْحَاضِرِ خُمُسُ مَا عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ نِصْفُ كُرٍّ قِيمَتُهُ خَمْسَةَ عَشَرَ، وَخُمُسُ خَمْسَةٍ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ فَيَكُونُ لَهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ ثَلَاثَةُ أَعْشَارِ ثُلُثِ مَالِهِ فَصَحَّتْ الْإِقَالَةُ بِقَدْرِ ثَلَاثَةِ أَعْشَارِ ثُلُثِ مَالِهِ فَصَحَّتْ الْإِقَالَةُ بِقَدْرِ ثَلَاثَةِ أَعْشَارِ نِصْفِ الْكُرِّ، وَذَلِكَ أَرْبَعَةٌ وَنَصْفٌ. وَبَطَلَتْ فِي سَبْعَةِ أَعْشَارِ نِصْفِ الْكُرِّ فَيَرُدُّ ذَلِكَ، وَقِيمَتُهُ عَشَرَةٌ وَنَصْفٌ إلَّا أَنَّ دِرْهَمًا وَنَصْفًا الْعِوَضُ مَا أَدَّى مِنْ دِرْهَمٍ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَثَلَاثَة مُحَابَاةً، وَإِذَا ظَهَرَتْ وَصِيَّةُ الْحَاضِرِ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ ظَهَرَ أَنَّ وَصِيَّةَ الْغَائِبِ مِثْلُ ذَلِكَ فَقَدْ نَفَّذْنَا الْوَصِيَّةَ فِي سِتَّةٍ، وَأَعْطَيْنَا الْوَرَثَةَ ضِعْفَهَا اثْنَيْ عَشَرَ فَقَدْ اسْتَقَامَ الثُّلُثُ وَالثُّلُثَانِ، وَإِذَا حَضَرَ الْغَائِبُ فَقَدْ صَحَّتْ الْإِقَالَةُ فِي نِصْفِ الْكُرِّ رَجُلٌ اشْتَرَى أَبَوَيْهِ، وَأَخَاهُ فِي مَرَضِهِ بِثَلَاثَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَقِيمَتُهُمْ سَوَاءٌ فَفِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ بِالْعِتْقِ لِلْأُمِّ وَالْأَخِ، وَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا، وَلِلْأَبِ مَا بَقِيَ، وَتَسْعَى الْأُمُّ فِي نِصْفِ قِيمَتِهَا، وَالْأَخُ فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ الْوَصِيَّةُ كُلُّهَا لِلْأَخِ جَائِزَةٌ لِأَنَّهُ لَا يَرِثُ بِأَنْ يَعْتِقَ مَعَ الْأَبَوَيْنِ وَلَا وَصِيَّةَ لِلْأُمِّ، وَلَهَا الْمِيرَاثُ مَعَ الْأَبِ، وَتَسْعَى فِيمَا زَادَ عَلَى حِصَّتِهَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَوْصَى أَنْ يُعْتِقَ عَنْهُ بِهَذِهِ الْمِائَةِ عَبْدًا فَهَلَكَ مِنْهَا دِرْهَمٌ لَمْ تَنْفُذْ) بِخِلَافِ الْحَجِّ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْعِتْقِ، وَقَالَا يَعْتِقُ عَنْهُ بِمَا بَقِيَ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ بِنَوْعِ قُرْبَةٍ فَيَجِبُ تَنْفِيذُهَا مَا أَمْكَنَ قِيَاسًا عَلَى الْوَصِيَّةِ بِالْحَجِّ، وَلَهُ أَنَّهُ وَصِيَّةٌ بِالْعِتْقِ بِعَبْدٍ يُشْتَرَى بِمِائَةٍ مِنْ مَالِهِ، وَتَنْفِيذُهَا فِيمَنْ يَشْتَرِي بِأَقَلَّ مِنْهُ تَنْفِيذٌ فِي غَيْرِ الْمُوصَى لَهُ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ بِالْحَجِّ لِأَنَّهَا قُرْبَةٌ مَحْضَةٌ هِيَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْمُسْتَحَقُّ لَمْ يَتَبَدَّلْ وَصَارَ كَمَا إذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِمِائَةٍ فَهَلَكَ بَعْضُهَا يَدْفَعُ إلَيْهِ الْبَاقِي. وَقِيلَ هَذَا الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْعِتْقِ هَلْ هُوَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ حَقُّ الْعَبْدِ، وَقَيَّدْنَا بِالْمِائَةِ لِأَنَّهُ لَوْ ذَكَرَ الثُّلُثَ، وَقَالَ وَهُوَ أَلْفٌ فَظَهَرَ أَنَّهُ أَقَلُّ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ، وَلَوْ أَوْصَى بِأَنْ يُشْتَرَى بِثُلُثِ مَالِهِ وَهُوَ أَلْفٌ عَبْدًا يَعْتِقُ عَنْهُ فَإِذَا هُوَ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ. قِيلَ هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقِيلَ قَوْلُ الْكُلِّ، وَالْفَرْقُ لَهُمَا أَنَّ الْوَصِيَّةَ لَهُمَا وَقَعَ الشَّكُّ فِي صِحَّتِهَا فَلَا تَصِحُّ بِالشَّكِّ وَلَا كَذَلِكَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ لِأَنَّهَا كَانَتْ صَحِيحَةً فَلَا تَبْطُلُ بِالشَّكِّ هَذَا إذَا أَوْصَى لَهُ بِالْعِتْقِ فَقَطْ فَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِالْعِتْقِ وَبِالْمَالِ قَالَ فِي الْفَتَاوَى سُئِلَ أَبُو الْقَاسِمِ عَمَّنْ أَوْصَى إلَى رَجُلٍ فَقَالَ إذَا بَلَغَ وَلَدِي فَأَعْتِقْ عَبْدِي هَذَا وَأَعْطِهِ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، وَالْعَبْدُ مُفْسِدٌ، وَهُوَ فِي تَعَبٍ مِنْهُ فَرَضِيَ الْعَبْدُ أَنْ يُعْتَقَ فِي الْحَالِ وَلَا يَطْلُبُ صِلَتَهُ قَالَ لَا يَجُوزُ عِتْقُ الْوَصِيِّ قَبْلَ الْوَقْتِ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ الْمُوصِي، وَسُئِلَ أَبُو بَكْرٍ عَمَّنْ أَوْصَى بِعِتْقِ عَبْدَيْهِ، وَأَوْصَى لَهُمْ بِصِلَةٍ، وَلِلْعَبِيدِ مَتَاعٌ وَكِسْوَةٌ كَسَا لَهُمْ صَاحِبُهُمْ، وَمَتَاعٌ وَهِبَةٌ لَهُمْ مِنْ غَيْرِ الْمَوْلَى قَالَ لَا يَكُونُ لِلْعَبِيدِ مِنْ الْمَتَاعِ إلَّا مَا يُوَارِي جَسَدَهُمْ، وَفِي الْمُنْتَقَى إذَا قَالَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ إنْ مِتّ مِنْ مَرَضِي هَذَا فَفُلَانَةُ حُرَّةٌ وَمَا كَانَ فِي يَدِهَا مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ عَلَيْهَا صَدَقَةٌ قَالَ أَرَى ذَلِكَ جَائِزًا عَلَى وَجْهِ الصَّدَقَةِ. وَلَهَا مَا كَانَ فِي يَدِهَا يَوْمَ مَاتَ، وَعَلَيْهَا الْبَيِّنَةُ أَنَّ هَذَا كَانَ فِي يَدِهَا يَوْمَ مَاتَ، وَفِي فَتَاوَى الْفَضْلِيِّ أَوْصَى بِعِتْقِ أَمَةٍ، وَأَنْ يُعْطَى لَهَا بَعْدَ الْعِتْقِ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ كَذَا قَالَ إنْ كَانَتْ الْأَمَةُ مُعَيَّنَةً جَازَتْ لَهَا الْوَصِيَّةُ بِالْعِتْقِ، وَبِالْمَالِ جَمِيعًا، وَإِنْ كَانَتْ بِغَيْرِ عَيْنِهَا جَازَتْ الْوَصِيَّةُ بِالْعِتْقِ وَلَا تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ بِالْمَالِ إلَّا أَنْ يَقُولَ جَعَلْت ذَلِكَ مُفَوَّضًا إلَى الْوَصِيِّ إنْ أَحَبَّ أَعْطَى الَّتِي أَعْتَقَهَا فَيَكُونُ ذَلِكَ وَصِيَّةً جَائِزَةً كَقَوْلِهِ ضَعْ ثُلُثَ مَالِي حَيْثُ شِئْت أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى أَنْ تُبَاعَ أَمَتُهُ مِمَّنْ أَحَبَّ جَازَ، وَيُخَيَّرُ الْوَارِثُ عَلَى أَنْ يَبِيعَهَا مِمَّنْ أَحَبَّ، وَإِنْ أَبَى ذَلِكَ الرَّجُلُ أَنْ يَشْتَرِيَهَا بِقِيمَتِهَا حَطَّ عَنْ قِيمَتِهَا مِقْدَارَ ثُلُثِ مَا لِلْمُوصِي أَوْصَى أَنْ يَشْتَرِيَ عَبْدًا فِي بَلَدِ كَذَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 495 بِمِائَةٍ، وَيَعْتِقُ يَعْتَبِرُ بَلَدَ الْمُوصِي لَا بَلَدَ الْعَبْدِ، وَفِي الْجَامِعِ إذَا أَوْصَى بِثُلُثِهِ يَشْتَرِي مِنْهُ كُلَّ سَنَةٍ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ عَبْدًا فَيَعْتِقُ أَوْ قَالَ مِنْ ثُلُثِي فَإِنَّهُ يَشْتَرِي بِذَلِكَ فِي أَوَّلِ السَّنَةِ، وَيَعْتِقُ عَنْهُ وَلَا يُوَزِّعُ عَلَى الْمُدَّةِ هَذَا إذَا لَمْ يُعَيِّنْهُ فَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا قَالَ فِي الْأَصْلِ وَإِذَا أَوْصَى أَنْ تَعْتِقَ عَنْهُ جَارِيَةٌ بِعَيْنِهَا، وَهِيَ تَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ أَوْ أَوْصَى أَنْ يُشْتَرَى لَهُ نَسَمَةٌ بِعَيْنِهَا، وَتَعْتِقَ عَنْهُ فَاشْتُرِيَتْ لَهُ، وَجَنَى عَلَيْهَا جِنَايَةً قَبْلَ الْعِتْقِ فَإِنَّ الْأَرْشَ لِلْوَرَثَةِ، وَإِنْ اشْتَرَى بِهِ مَا لَا يُمْكِنُ إعْتَاقُهُ يَكُونُ صَارِفًا وَصِيَّةَ الْمَيِّتِ إلَى غَيْرِ مَا أَوْصَى، وَهَذَا لَا تَجُوزُ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْأَرْشُ عَبْدًا مَدْفُوعًا فِيهَا فَلَوْ أَعْتَقَ فَإِنَّهُ لَا يُعْتَقُ، وَكَانَ مَا اكْتَسَبَ مِنْ مَالٍ فَهُوَ لِلْوَرَثَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِعِتْقِ عَبْدِهِ فَمَاتَ فَجَنَى، وَدَفَعَ بَطَلَتْ) أَيْ إذَا أَوْصَى بِعِتْقِ عَبْدٍ فَمَاتَ الْمَوْلَى فَجَنَى الْعَبْدُ، وَدَفَعَ بِالْجِنَايَةِ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ لِأَنَّ الدَّفْعَ قَدْ صَحَّ لِأَنَّ حَقَّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ يُقَدَّمُ عَلَى حَقِّ الْمُوصِي فَكَذَا عَلَى حَقِّ الْمُوصَى لَهُ، وَهُوَ الْعَبْدُ نَفْسُهُ لِأَنَّهُ يَتَلَقَّى الْمِلْكَ مِنْ جِهَةِ الْمُوصِي، وَمِلْكُ الْمُوصِي بَاقٍ إلَى أَنْ يَدْفَعَ، وَبِهِ يَزُولُ مِلْكُهُ فَإِذَا خَرَجَ بِهِ عَنْ مِلْكِهِ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ كَمَا إذَا بَاعَهُ الْوَصِيُّ أَوْ وَارِثُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ بِالدَّيْنِ هَذَا إذَا قَتَلَ خَطَأً فَلَوْ قَتَلَ عَمْدًا فَتَارَةً يُقْتَلُ مَوْلَاهُ عَمْدًا، وَتَارَةً يُقْتَلُ غَيْرُهُ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ أَصْلُهُ أَنَّ الدَّمَ مَتَى انْقَلَبَ مَالًا فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ ذَلِكَ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ حَتَّى تَنْفُذَ مِنْهُ وَصِيَّتُهُ، وَيُقْضَى دَيْنُهُ لِأَنَّ ذَلِكَ بَدَلُ نَفْسِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ كَمَا لَوْ كَانَ الْقَتْلُ خَطَأً، وَالدَّمُ مَتَى كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَ اثْنَيْنِ فَعَفَا أَحَدُهُمَا يُعْتَبَرُ مَالُ الْمَيِّتِ خَمْسَةَ آلَافِ حِصَّةٍ غَيْرَ الْعَافِي وَلَا يُجْعَلُ كَأَنَّ الْعَافِيَ أَتْلَفَ الْقِصَاصَ، وَأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ فَلَا يُمْكِنُنَا أَنْ نَجْعَلَهُ مُسْتَوْفِيًا لِلْمَالِ، وَلِهَذَا شُهُودُ الْقِصَاصِ إذَا رَجَعُوا لَمْ يَضْمَنُوا، وَتُقْسَمُ التَّرِكَةُ بَعْدَ تَنْفِيذِ الْوَصِيَّةِ عَلَى السِّهَامِ الَّتِي كَانَتْ تُقْسَمُ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ حَتَّى يَكُونَ ضَرَرُ نُقْصَانِ الْوَصِيَّةِ عَائِدًا عَلَى الْكُلِّ بِقَدْرِ حِصَصِهِمْ لِأَنَّ حُقُوقَهُمْ فِي التَّرِكَةِ عَلَى السَّوَاءِ فَمَا يَلْحَقُهُمْ مِنْ الضَّرَرِ بِسَبَبِ تَنْفِيذِ الْوَصِيَّةِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْكُلِّ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ بِالْوَصِيَّةِ بِمَنْزِلَةِ الْهَلَاكِ. وَهَلَاكُ بَعْضِ التَّرِكَةِ يَكُونُ عَلَى الْكُلِّ فَكَذَا الِاسْتِحْقَاقُ فَإِذَا أَعْتَقَ عَبْدًا قِيمَتُهُ أَلْفٌ فِي مَرَضِهِ ثُمَّ قَتَلَهُ عَمْدًا، وَلَهُ وَلِيَّانِ فَعَفَا أَحَدُهُمَا أَخَذَ غَيْرُ الْعَافِي نِصْفَ الدِّيَةِ فَقَاسَمَهُ أَخَاهُ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ سَهْمًا لِلْعَافِي، وَعَتَقَ الْعَبْدُ بِلَا سِعَايَةٍ لِأَنَّ جَمِيعَ مَالِ الْمَيِّتِ سِتَّةُ آلَافٌ خَمْسَةُ آلَافٍ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ بِالْعِتْقِ فَتُقْسَمُ بَيْنَهُمَا عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ سَهْمًا لِأَنَّ الْبَاقِيَ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ يُقْسَمُ عَلَى السِّهَامِ الَّتِي كَانَتْ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ، وَقَبْلَ الْوَصِيَّةِ كَانَ يُقْسَمُ مَالُ الْمَيِّتِ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ لِأَنَّ حَقَّ الْعَافِي فِي نِصْفِ الْعَبْدِ خَمْسَةٌ، وَحَقَّ السَّاكِتِ فِي خَمْسَةِ آلَافٍ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْعَبْدِ ثَلَاثَةَ آلَافٍ سَعَى فِي ثَلَاثِمِائَةٍ وَثَلَاثَةٍ وَثَلَاثِينَ فَيُقْسَمُ ذَلِكَ مَعَ نِصْفِ الدِّيَةِ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ عَلَى سِتَّةَ عَشَرَ لِلْعَافِي ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ، وَالْبَاقِي لِلسَّاكِتِ لِأَنَّ مَالَ الْمَيِّتِ ثَمَانِيَةُ آلَافٍ وَثَلَاثَةُ آلَافٍ قِيمَةُ الْعَبْدِ وَثُلُثُ مَالِهِ أَلْفَانِ وَسِتُّمِائَةٍ وَسِتَّةٌ وَسِتُّونَ وَثُلُثَا دِرْهَمٍ فَيَعْتِقُ مِنْهُ هَذَا الْقَدْرُ بِغَيْرِ سِعَايَةٍ، وَيَسْعَى فِي الْبَاقِي، وَذَلِكَ ثَلَاثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ فَبَقِيَ مَالُ الْمَيِّتِ خَمْسَةَ آلَافٍ وَثَلَاثَمِائَةٍ وَثَلَاثِينَ فَيُقْسَمُ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ عَلَى سِتَّةَ عَشَرَ لِأَنَّ حَقَّ الْعَافِي فِي نِصْفِ الْعَبْدِ، وَذَلِكَ أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ، وَحَقُّ السَّاكِتِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ سَهْمًا، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَالِ وَصِيَّةٌ يُقْسَمُ الْمَالُ عَلَى هَذِهِ السِّهَامِ فَكَذَلِكَ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ، وَإِنْ مَاتَ الْعَبْدُ قَبْلَ أَنْ يَسْعَى فَلِلْعَافِي سُدُسُ نِصْفِ الدِّيَةِ، وَالْبَاقِي لِلْآخَرِ لِأَنَّ الْبَاقِيَ مِنْ الْمَالِ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ. وَهَلَاكُ بَعْضِ التَّرِكَةِ يُقْسَمُ بَيْنَ الْوَرَثَةِ عَلَى السِّهَامِ الَّتِي كَانَتْ تُقْسَمُ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ وَالْهَلَاكِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَالِ وَصِيَّةٌ يُقْسَمُ مَالُ الْمَيِّتِ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ عَلَى سِتَّةِ أَسْهُمٍ لِأَنَّ حَقَّ الْعَافِي فِي نِصْفِ الْعَبْدِ، وَذَلِكَ أَلْفٌ وَمِائَتَانِ وَخَمْسُونَ، وَحَقُّ السَّاكِتِ فِي الْعَبْدِ كَذَلِكَ، وَفِي نِصْفِ الدِّيَةِ خَمْسَةُ آلَافٍ فَيَكُونُ حَقُّهُ فِي سِتَّةِ آلَافٍ وَمِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ فَاجْعَلْ كُلًّا بِأَلْفٍ وَمِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ سَهْمًا فَيَصِيرُ حَقُّ الْعَافِي فِي سَهْمٍ، وَحَقُّ السَّاكِتِ فِي خَمْسَةٍ فَيَكُونُ كُلُّهُ سِتَّةَ أَسْهُمٍ فَيُقْسَمُ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ، وَالْهَلَاكُ عَلَى هَذِهِ السِّهَامِ فَيَكُونُ لِلْعَافِي سَهْمٌ مِنْ سِتَّةٍ، وَذَلِكَ سُدُسُ نِصْفِ الدِّيَةِ، وَلَوْ كَانَ عَلَى الْمَقْتُولِ دَيْنُ أَلْفٍ قُضِيَ الدَّيْنُ مِنْ نِصْفِ الدِّيَةِ ثُمَّ اقْتَسَمَا الْبَاقِي عَلَى سَبْعَةِ أَسْهُمٍ سَهْمٌ لِلْعَافِي لِأَنَّ الْعَبْدَ صَارَ مُسْتَوْفِيًا نَصِيبَهُ قَدْرَ أَلْفَيْ دِرْهَمٍ لِأَنَّا نَجْعَلُ الْبَاقِيَ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ بَعْدَ الدَّيْنِ، وَذَلِكَ أَرْبَعَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ ثُلُثَيْ مَالِ الْمَيِّتِ يَزِيدُ عَلَيْهِ مِثْلُ نِصْفِهِ، وَذَلِكَ أَلْفَانِ فَقَدْ صَارَ الْعَبْدُ مُسْتَوْفِيًا مِنْ وَصِيَّتِهِ قَدْرَ أَلْفَيْنِ فَصَارَ كَأَنَّ الْمَيِّتَ تَرَكَ خَمْسَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَقِيمَتُهُ أَلْفَانِ فَيَكُونُ كُلُّهُ سَبْعَةَ آلَافٍ فَذَهَبَ بِالدَّيْنِ أَلْفَانِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 496 وَبِالْوَصِيَّةِ أَلْفٌ بَقِيَ مِنْ الْمَالِ أَرْبَعَةُ آلَافٍ فَيُقْسَمُ ذَلِكَ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ عَلَى سَبْعَةِ أَسْهُمٍ لِأَنَّ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ، وَالدَّيْنُ حَقُّ الْعَافِي فِي نِصْفِ الْعَبْدِ قِيمَتُهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ، وَحَقُّ السَّاكِتِ فِي نِصْفِ الْعَبْدِ أَلْفٌ وَخَمْسَةُ آلَافٍ نِصْفُ الدَّيْنِ فَاجْعَلْ أَلْفًا سَهْمًا فَصَارَ حَقُّ الْعَافِي فِي سَهْمٍ، وَحَقُّ السَّاكِتِ فِي سِتَّةِ أَسْهُمٍ، وَكَذَلِكَ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ. وَالدَّيْنُ يُقْسَمُ عَلَى هَذِهِ السِّهَامِ، وَلَوْ كَانَ لَهُ عَبْدَانِ قِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ أَلْفَانِ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا سَعَى كُلُّ وَاحِدٍ فِي خَمْسِمِائَةٍ يُضَمُّ ذَلِكَ إلَى نِصْفِ الدِّيَةِ يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا عَلَى تِسْعَةٍ لِلْعَافِي سَهْمَانِ لِأَنَّ جَمِيعَ مَالِ الْمَيِّتِ تِسْعَةُ آلَافٍ خَمْسَةٌ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَأَرْبَعَةٌ قِيمَةُ الْعَبْدَيْنِ، وَقَدْ أَوْصَى بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ وَثُلُثُ مَالِهِ ثَلَاثَةُ آلَافٍ فَيَكُونُ بَيْنَ الْعَبْدَيْنِ نِصْفَيْنِ لِاسْتِوَاءِ وَصِيَّتِهِمَا فَأَصَابَ كُلَّ عَبْدٍ أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ، وَذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ فَيَعْتِقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ، وَيَسْعَى فِي أَرْبَعَةٍ فَيَضُمُّ أَلْفَ السِّعَايَةِ إلَى خَمْسَةِ آلَافِ نِصْفِ الدِّيَةِ فَيَصِيرُ سِتَّةَ آلَافٍ يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا عَلَى تِسْعَةٍ لِأَنَّ حَقَّ الْعَافِي فِي نِصْفِ الْعَبْدَيْنِ، وَذَلِكَ أَلْفَانِ، وَحَقُّ السَّاكِتِ كَذَلِكَ، وَلَهُ أَيْضًا نِصْفُ الدِّيَةِ فَيَكُونُ نَصِيبُهُ سَبْعَةَ آلَافٍ فَيَكُونُ تِسْعَةَ أَسْهُمٍ فَيُقْسَمُ سِتَّةُ آلَافٍ عَلَى تِسْعَةِ أَسْهُمٍ لِلْعَافِي مِنْ ذَلِكَ سَهْمَانِ، وَذَلِكَ أَلْفٌ وَثَلَاثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ، وَالْبَاقِي لِلسَّاكِتِ فَإِنْ مَاتَ أَحَدُ الْعَبْدَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ شَيْئًا سَعَى الْبَاقِي فِي سِتِّمِائَةٍ إلَى نِصْفِ الدِّيَةِ، وَيُقْسَمُ بَيْنَ الْوَرَثَةِ عَلَى اثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ سَهْمًا ثَمَانِيَةٌ وَنَصْفٌ مِنْ مَالِ الْعَافِي، وَالْبَاقِي لِلسَّاكِتِ لِأَنَّ الْمَيِّتَ صَارَ مُسْتَوْفِيًا وَصِيَّتَهُ، وَذَلِكَ سَهْمٌ مِنْ سِتَّةٍ لِأَنَّ الثُّلُثَ كَانَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ عَلَى سَهْمَيْنِ بَقِيَ خَمْسَةُ أَسْهُمٍ سَهْمٌ مِنْ ذَلِكَ الْعَبْدِ الْحَيِّ، وَأَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ لِلْوَرَثَةِ، وَجَمِيعُ مَالِ الْمَيِّتِ سَبْعَةُ آلَافِ نِصْفِ الدِّيَةِ وَأَلْفَانِ قِيمَةُ الْعَبْدِ الْحَيِّ فَيَكُونُ لِلْعَبْدِ الْحَيِّ خُمُسُ سَبْعَةِ آلَافٍ، وَخُمُسُ السَّبْعَةِ آلَافٍ أَلْفٌ وَأَرْبَعُمِائَةٍ فَقَدْ صَارَ مُسْتَوْفِيًا مِنْ وَصِيَّتِهِ ذَلِكَ الْقَدْرَ. وَيَسْعَى مِنْ سِتِّمِائَةٍ إلَى تَمَامِ قِيمَتِهِ فَيَظْهَرُ أَنَّ الْمَيِّتَ صَارَ مُسْتَوْفِيًا مِنْ وَصِيَّتِهِ ذَلِكَ الْقَدْرَ أَيْضًا لِأَنَّ حَقَّهُمَا سَوَاءٌ فَصَارَ مَالُ الْمَيِّتِ ثَمَانِيَةَ آلَافٍ وَأَرْبَعَمِائَةٍ خَمْسَةُ آلَافٍ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَأَلْفَانِ قِيمَةُ الْعَبْدِ الْحَيِّ، وَأَلْفٌ وَأَرْبَعُمِائَةٍ قِيمَةُ الْعَبْدِ الْمَيِّتِ وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ صَارَ مُسْتَوْفِيًا مِنْ وَصِيَّتِهِ هَذَا الْقَدْرَ أَيْضًا لِأَنَّ حَقَّهُمَا صَارَ تَاوِيًا فَلَا يُحْتَسَبُ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ، وَقَدْ نَفَّذْنَا الْوَصِيَّةَ فِي أَلْفَيْنِ وَثَمَانِمِائَةٍ بَقِيَ لِلْوَرَثَةِ خَمْسَةُ آلَافٍ وَسِتُّمِائَةٍ ضِعْفُ مَا نَفَّذْنَا الْوَصِيَّةَ فِيهِ فَيُقْسَمُ ذَلِكَ بَيْنَ الِابْنَيْنِ عَلَى أَرْبَعَةٍ وَثَمَانِينَ مِنْ غَيْرِ كَسْرٍ لِأَنَّ قِيمَةَ الْحَيِّ أَلْفَانِ، وَجَمِيعُ مَالِ الْمَيِّتِ ثَمَانِيَةُ آلَافٍ، وَأَرْبَعُمِائَةٍ فَاجْعَلْ لِكُلِّ مِائَةٍ سَهْمًا فَصَارَ أَرْبَعَةً وَثَمَانِينَ سَهْمًا سَبْعَةَ عَشَرَ لِلْعَافِي لِأَنَّ حَقَّهُ فِي أَلْفٍ وَسَبْعِمِائَةٍ، وَالْبَاقِي لِلسَّاكِتِ، وَلَوْ كَانَ لِلْمَيِّتِ أَلْفٌ عَيْنًا وَمَاتَ أَحَدُ الْعَبْدَيْنِ سَعَى الْعَبْدُ الْحَيُّ فِي أَرْبَعِمِائَةٍ، وَيُقْسَمُ بَيْنَ الِابْنَيْنِ عَلَى ثَمَانِيَةٍ وَأَرْبَعِينَ فَنَقُولُ قِيمَةُ الْعَبْدِ ثَلَاثَةُ آلَافٍ وَسِتُّمِائَةٍ، وَأَلْفٌ قَائِمَةٌ بَيْنَ الِابْنَيْنِ نِصْفَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ أَلْفَانِ وَثَلَاثُمِائَةٍ، وَقَدْ كَانَ لِلسَّاكِتِ نِصْفُ خَمْسَةِ آلَافٍ فَصَارَ نَصِيبُهُ سَبْعَةَ آلَافٍ وَثَلَاثَمِائَةٍ فَاجْعَلْ كُلَّ مِائَةٍ سَهْمًا فَيَصِيرُ كُلُّ أَلْفٍ عَشَرَةَ أَسْهُمٍ فَيَصِيرُ نَصِيبُ الْعَافِي ثَلَاثَةً وَعِشْرِينَ، وَنَصِيبُ السَّاكِتِ ثَلَاثَةً وَسَبْعِينَ فَصَارَ مَالُ الْمَيِّتِ مَقْسُومًا بَيْنَهُمَا عَلَى سِتَّةٍ وَتِسْعِينَ، وَإِذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِعَبْدٍ بِعَيْنِهِ يُسَاوِي أَرْبَعَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ لَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ ثُمَّ قَتَلَ رَجُلًا عَمْدًا وَلَهُ ابْنَانِ فَعَفَا أَحَدُهُمَا كَانَ لِلْمُوصَى لَهُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْعَبْدِ، وَيَرُدُّ رُبُعَهُ، وَيَضُمُّ إلَى نِصْفِ الدِّيَةِ الَّذِي يُؤْخَذُ مِنْ الْقَاتِلِ فَيَقْتَسِمَانِهِ عَلَى أَرْبَعَةٍ وَخَمْسِينَ لِلْعَافِي مِنْ ذَلِكَ اثْنَا عَشَرَ يَأْخُذُ مِنْهَا أَرْبَعَةً وَنَصْفًا مِنْ الْعَبْدِ، وَالْبَاقِي مِنْ نِصْفِ الدِّيَةِ، وَتَخْرِيجُهُ أَنَّ مَالَ الْمَيِّتِ كُلَّهُ تِسْعَةُ آلَافٍ خَمْسَةُ آلَافٍ دِيَةٌ، وَقِيمَةُ الْعَبْدِ أَرْبَعَةُ آلَافٍ، وَقَدْ أَوْصَى بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ، وَالْمُوصَى لَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ إذَا لَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ لَا يَضْرِبُ إلَّا بِقَدْرِ الثُّلُثِ فَيَكُونُ لِلْمُوصَى لَهُ ثُلُثُ مَالِهِ ثَلَاثَةَ آلَافٍ، وَذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْعَبْدِ، وَيَرُدُّ رُبُعَهُ إلَى الْوَرَثَةِ فَيَحْصُلُ لِلْوَرَثَةِ سِتَّةُ آلَافٍ فَيُقْسَمُ ذَلِكَ بَيْنَهُمَا عَلَى تِسْعَةِ أَسْهُمٍ لِأَنَّ الْعَبْدَ كَانَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَلْفَانِ، وَلِلسَّاكِتِ خَمْسَةُ آلَافٍ نِصْفُ الدِّيَةِ فَاجْعَلْ كُلَّ أَلْفٍ سَهْمَيْنِ فَصَارَ حَقُّ السَّاكِتِ فِي سَبْعَةٍ، وَحَقُّ الْعَافِي فِي سَهْمَيْنِ، وَسِتَّةُ آلَافٍ عَلَى تِسْعَةٍ لَا تَسْتَقِيمُ فَتَضْرِبُ سِتَّةً فِي تِسْعَةٍ فَصَارَ أَرْبَعَةً وَخَمْسِينَ كَانَ لِلْعَافِي سَهْمَانِ ضَرَبْنَاهُمَا فِي سِتَّةٍ فَصَارَ لَهُ اثْنَا عَشَرَ، وَلِلسَّاكِتِ سَبْعَةٌ ضَرَبْنَاهَا فِي سِتَّةٍ فَصَارَ اثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ ثُمَّ الْعَافِي يَأْخُذُ أَرْبَعَةً وَنَصْفًا مِنْ الْعَبْدِ الْبَاقِي فِي الدِّيَةِ لِأَنَّ الْعَبْدَ مَعَ الدِّيَةِ جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ فَيَخْتَلِفُ الْمَقْصُودُ بِخِلَافِ السِّعَايَةِ مَعَ الدِّيَةِ لِأَنَّ السِّعَايَةَ مِنْ جِنْسِ الدِّيَةِ دَرَاهِمُ أَوْ دَنَانِيرُ فَلَمْ يَخْتَلِفْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 497 الْمَقْصُودُ فَلِهَذَا لَمْ يَتَبَيَّنْ حَقُّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي السِّعَايَةِ، وَالْمَرَضِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ فَدَى لَا) أَيْ لَا تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ إنْ فَدَاهُ الْوَرَثَةُ. وَكَانَ الْفِدَاءُ فِي أَمْوَالِهِمْ لِأَنَّهُمْ هُمْ الَّذِينَ الْتَزَمُوهُ، وَجَازَتْ الْوَصِيَّةُ لِأَنَّ الْعَبْدَ ظَهَرَ عَنْ الْجِنَايَةِ فَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يُجِزْ هَذَا إذَا كَانَا خَطَأً، وَوَلِيُّ الْجِنَايَةِ وَاحِدًا فَلَوْ كَانَ لَهُ وَلِيَّانِ وَالْقَتْلُ عَمْدًا فَعَفَا أَحَدُهُمَا، وَاخْتَارَ أَخْذَ الْعَبْدِ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ فَلَوْ عَفَا عَنْهُ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ فِي الْعَمْدِ، وَهُوَ عَبْدٌ قِيمَتُهُ عَشَرَةُ آلَافٍ، وَأَوْصَى لِرَجُلٍ بِثُلُثِ مَالِهِ فَاخْتَارَهُ مَوْلَى الْجِنَايَةِ أَخْذَ الْعَبْدِ كَانَ لَهُ سُدُسُ الْعَبْدِ وَسُدُسُهُ لِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ وَأَرْبَعَةُ أَسْدَاسِهِ لِلْوَرَثَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَإِنْ اخْتَارَ الْفِدَاءَ فَدَى بِخَمْسَةِ أَسْدَاسِ الدِّيَةِ، وَأَخَذَ صَاحِبُ الثُّلُثِ سُدُسَ الدِّيَةِ مِنْ الْوَرَثَةِ لِأَنَّ عِنْدَهُ الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ يُسَاوِي الْمُوصَى لَهُ بِالْجَمِيعِ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ لَا يَضْرِبُ بِالزِّيَادَةِ فَصَارَ الثُّلُثُ عَلَى سَهْمَيْنِ وَصَارَ الْجَمِيعُ عَلَى سِتَّةٍ فَالْوَلِيُّ يَمْلِكُ سُدُسَ الْعَبْدِ، وَيَدْفَعُ خَمْسَةَ أَسْدَاسٍ إلَى الْوَرَثَةِ ثُمَّ الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ يَأْخُذُ جَمِيعَ مَا بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ مِنْ يَدِ الْوَرَثَةِ، وَذَلِكَ سُدُسُ الْكُلِّ، وَبَقِيَ لِلْوَرَثَةِ سُدُسُ الْعَبْدِ، وَمَتَى كَانَتْ الدِّيَةُ وَالْقِسْمَةُ سَوَاءً لَا يَخْتَلِفُ الْجَوَابُ بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَحُكْمُ الدَّفْعِ كَذَلِكَ، وَإِنْ فَدَاهُ فَدَى ثُلُثَهُ بِثُلُثِ الدِّيَةِ يَأْخُذُ الْمُوصَى لَهُ مِنْ ذَلِكَ ثُلُثَيْ أَلْفٍ مِنْ ثُلُثِ الدِّيَةِ، وَالْبَاقِي لِلْوَرَثَةِ، وَعَلَى قَوْلِهِمَا أَنَّ مَوْلَى الْعَبْدِ يَضْرِبُ فِي الثُّلُثِ بِجَمِيعِ الْعَبْدِ وَصَاحِبَ الثُّلُثِ يَضْرِبُ بِالثُّلُثِ فَيُقْسَمُ ثُلُثُ الْمَالِ عَلَى أَرْبَعَةٍ لِمَوْلَى الْعَبْدِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الثُّلُثِ، وَيُدْفَعُ الْبَاقِي إلَى الْوَرَثَةِ فَيَأْخُذُ صَاحِبُ الثُّلُثَيْنِ مِنْ الْوَرَثَةِ رُبُعَ الثُّلُثِ فَيَجْرِي الْجَوَابُ عَلَى قَوْلِهِمَا عَلَى مُقْتَضَى هَذَا. وَلَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ خَمْسَةَ آلَافٍ فَحُكْمُ الدَّفْعِ لَا يَخْتَلِفُ فَإِنْ فَدَاهُ فَدَى خَمْسَةَ أَسْبَاعِهِ بِخَمْسَةِ أَسْبَاعِ الدِّيَةِ سَهْمٌ مِنْ ذَلِكَ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ، وَأَرْبَعَةٌ لِلْوَرَثَةِ، وَتَخْرِيجُهُ فِي الْمُحِيطِ، وَلَوْ قَتَلَ خَطَأً وَلِلْمَقْتُولِ وَلِيَّانِ قَالَ وَلَوْ دَفَعَ الْعَبْدَ بِالْجِنَايَةِ لِأَحَدِ الْوَلِيَّيْنِ ثُمَّ مَاتَ الْعَبْدُ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ وَلَوْ قَتَلَ عَبْدٌ لِرَجُلٍ رَجُلًا خَطَأً، وَلَهُ وَلِيَّانِ فَدَفَعَ نِصْفَهُ أَحَدُهُمَا، وَالْآخَرُ غَائِبٌ ثُمَّ مَاتَ الْعَبْدُ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ فَإِنَّ الْوَلِيَّ الْغَائِبَ يَرْجِعُ عَلَى الْقَابِضِ بِرُبُعِ قِيمَةِ الْعَبْدِ لِأَنَّ نِصْفَ الْعَبْدِ الْجَانِي مَاتَ، وَأَخْلَفَ بَدَلًا لِأَنَّ النِّصْفَ الَّذِي قَبَضَهُ الْحَاضِرُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ وَأَنَّ قَبْضَهُ لِلِاسْتِيفَاءِ قَبْضُ ضَمَانٍ فَقَدْ فَاتَ نِصْفُ الْمَقْبُوضِ عَنْ خَلَفٍ، وَهُوَ الْقِيمَةُ وَفَاتَ النِّصْفُ الَّذِي غَيْرُ مَقْبُوضٍ بِلَا خَلَفٍ لِأَنَّ الْعَبْدَ فِي مَوْلَى الْجَانِي أَمَانَةٌ، وَلَيْسَ بِمَضْمُونٍ فَيَرْجِعُ الْغَائِبُ بِنِصْفِ قِيمَتِهِ مَا هُوَ مَضْمُونٌ عَلَى الْقَابِضِ، وَهُوَ رُبُعُ قِيمَةِ الْكُلِّ، وَلَوْ كَانَ قَدْ أَنْصَفَهُ مِنْهُ بِنَفْسِ الدِّيَةِ ثُمَّ مَاتَ الْعَبْدُ، وَحَضَرَ الْغَائِبُ فَإِنَّهُمَا يَقْتَسِمَانِ نِصْفَهُ نِصْفَيْنِ، وَيَرْجِعَانِ عَلَى مَوْلَى الْعَبْدِ بِنِصْفِ الدِّيَةِ أَيْضًا فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَلَوْ فَدَى مِنْ أَحَدِهِمَا ثُمَّ قُتِلَ الْعَبْدُ، وَأَخَذَ السَّيِّدُ قِيمَتَهُ دَفَعَ نِصْفَ الْقِيمَةِ إلَى الْغَائِبِ لِأَنَّ اخْتِيَارَ الْفِدَاءِ فِي حَقِّ أَحَدِهِمَا لَا يَكُونُ اخْتِيَارًا لِلْفِدَاءِ فِي حَقِّ الْآخَرِ مَا دَامَ قَائِمًا لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَى الْآخَرِ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَوْ اخْتَارَ الدَّفْعَ إلَيْهِمَا كَأَنْ يَصِلَ إلَيْهِ نِصْفُ الْعَبْدِ، وَهَذَا الْعَبْدُ قَائِمٌ مَعْنًى لِقِيَامِ بَدَلِهِ، وَهُوَ الْقِيمَةُ لِأَنَّ الْبَدَلَ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُبْدَلِ مَعْنًى، وَاعْتِبَارًا فَيَدْفَعُ الْبَدَلَ إلَى الْغَائِبِ لِأَنَّهُ بَدَلُ حَقِّهِ وَلَا يَتَرَاجَعَانِ، وَإِنْ كَانَ دَفَعَ الْقِيمَةَ إلَى الْغَائِبِ فَهُوَ كَدَفْعِ نِصْفِ الْعَبْدِ إلَيْهِ، وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ نِصْفَ الْعَبْدِ لَا يَتَرَاجَعَانِ. فَكَذَا إذَا دَفَعَهُ مَعْنًى وَاعْتِبَارًا قِيلَ الْمُرَادُ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ اخْتِيَارُ الْفِدَاءِ لِلْحَاضِرِ لَا يَكُونُ اخْتِيَارًا لِلدِّيَةِ فِي حَقِّ الْغَائِبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ أَحَدَ الْوَرَثَةِ لَا يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ الْبَاقِينَ فَتَكُونُ الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالْأَوْلَى عَلَى قَوْلِهِمَا، وَلَوْ دَفَعَ نِصْفَهُ إلَى أَحَدِهِمَا، وَاخْتَارَ الْفِدَاءَ مِنْ الْآخَرِ، وَهُوَ مُعْسِرٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى أَخِيهِ بِرُبُعِ الْعَبْدِ، وَإِنْ كَانَ مُسْتَهْلِكًا بِرُبُعِ الْقِيمَةِ، وَقَالَ فِي الْأَصْلِ بِرُبُعِ الدِّيَةِ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الْقِيمَةَ مِثْلَ الدِّيَةِ فَهَذَا قَوْلُهُمَا، وَفِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْآخَرِ بِرُبُعِ الْقِيمَةِ لَكِنْ يَتْبَعُ مَوْلَى الْعَبْدِ بِنِصْفِ الدِّيَةِ مَتَى أَقَرَّ لِأَنَّ عِنْدَهُ اخْتِيَارَ الْفِدَاءِ مِنْ الْمُفْلِسِ لَا يَصِحُّ لِمَا مَرَّ فِي كِتَابِ الدِّيَاتِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِثُلُثِهِ لِزَيْدٍ وَتَرَكَ عَبْدًا فَادَّعَى زَيْدٌ عِتْقَهُ فِي صِحَّتِهِ، وَالْوَارِثُ فِي مَرَضِهِ فَالْقَوْلُ لِلْوَارِثِ وَلَا شَيْءَ لِزَيْدٍ إلَّا أَنْ يَفْضُلَ مِنْ ثُلُثِهِ شَيْءٌ أَوْ يُبَرْهِنَ عَلَى دَعْوَاهُ) أَيْ إذَا أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِزَيْدٍ، وَلَهُ عَبْدٌ، وَأَقَرَّ الْمُوصَى لَهُ، وَالْوَارِثُ أَنَّ الْمَيِّتَ أَعْتَقَ هَذَا الْعَبْدَ فَقَالَ الْمُوصَى لَهُ أَعْتَقَهُ فِي الصِّحَّةِ، وَقَالَ الْوَارِثُ أَعْتَقَهُ فِي الْمَرَضِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَارِثِ وَلَا شَيْءَ لِلْمُوصَى لَهُ إلَّا أَنْ يَفْضُلَ مِنْ الثُّلُثِ شَيْءٌ أَوْ تَقُومَ الْبَيِّنَةُ أَنَّ الْعِتْقَ كَانَ فِي الصِّحَّةِ لِأَنَّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 498 الْمُوصَى لَهُ يَدَّعِي اسْتِحْقَاقَ ثُلُثِ مَالِهِ سِوَى الْعَبْدِ لِأَنَّ الْعِتْقَ فِي الصِّحَّةِ لَيْسَ بِوَصِيَّةٍ فَيَنْفُذُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ، وَالْوَارِثُ يُنْكِرُ اسْتِحْقَاقَهُ ثُلُثَ مَالِهِ غَيْرَ الْعَبْدِ لِأَنَّ الْعِتْقَ فِي الْمَرَضِ وَصِيَّةٌ. وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْوَصَايَا فَذَهَبَ الثُّلُثُ بِالْعِتْقِ فَبَطَلَ حَقُّ الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ فَكَانَ مُنْكِرًا لِاسْتِحْقَاقِهِ، وَالْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ مَعَ الْيَمِينِ، وَلَكِنَّ الْعِتْقَ حَادِثٌ، وَالْحَوَادِثُ تُضَافُ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ لَلتَّيَقُّنِ بِهَا فَكَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لِلْوَرَثَةِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُمْ مَعَ الْيَمِينِ فَلَا شَيْءَ لِلْمُوصَى لَهُ إلَّا أَنْ يَفْضُلَ مِنْ الثُّلُثِ شَيْءٌ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ فَإِنَّهُ لَا مُزَاحِمَ لَهُ فِيهِ فَيُسَلِّمُ لَهُ ذَلِكَ أَوْ تَقُومُ لَهُ الْبَيِّنَةُ أَنَّ الْعِتْقَ وَقَعَ فِي الصِّحَّةِ فَيَكُونُ لَهُ جَمِيعُ الْعَبْدِ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ مُعَايَنَةً، وَالْمُوصَى لَهُ خَصْمٌ بِالْإِجْمَاعِ إلَّا أَنَّهُ ثَبَتَ حَقُّهُ فَكَذَا الْعَبْدُ أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَظَاهِرٌ لِأَنَّ الْعِتْقَ حَقُّ الْعَبْدِ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ مَذْهَبِهِ فَيَكُونُ خَصْمًا فِيهِ لِإِثْبَاتِ حَقِّهِ، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِأَنَّ الْعِتْقَ فِيهِ حَقُّ الْعَبْدِ، وَإِنْ كَانَ حَقًّا بَعْدُ فَيَكُونُ بِذَلِكَ خَصْمًا، وَهُوَ نَظِيرُ حَدِّ الْقَذْفِ فَإِنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى، وَفِيهِ حَقُّ الْعَبْدِ فَيَكُونُ خَصْمًا بِذَلِكَ، وَكَذَا السَّرِقَةُ الْحَدُّ فِيهَا حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَاسْتِرْدَادُ الْمَالِ حَقُّ الْعَبْدِ فَلَا بُدَّ مِنْ خُصُومَتِهِ حَتَّى يُقْطَعَ السَّارِقُ كَذَا فِي الشَّارِحِ هَذَا إذَا كَانَ الْمُوصَى لَهُ غَيْرَ الْعَبْدِ فَلَوْ كَانَ هُوَ الْعَبْدُ قَالَ فِي الْأَصْلِ رَجُلٌ مَاتَ، وَتَرَكَ عَبْدًا وَوَرَثَةً صِغَارًا، وَتَرَكَ دَيْنًا عَلَى رَجُلٍ فَأَقَامَ الْعَبْدُ بَيِّنَةً أَنَّ مَوْلَاهُ أَعْتَقَهُ، وَأَوْصَى إلَيْهِ، وَمَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ حَاضِرٌ فَالشَّهَادَةُ جَائِزَةٌ، وَيُقْضَى بِالْعِتْقِ، وَبِالْوَصَايَا لِلْعَبْدِ، وَيَنْبَغِي فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ لَا تُقْبَلَ شَهَادَتُهُمَا فِي الْعِتْقِ. وَإِنْ كَانَتْ الْوَرَثَةُ كِبَارًا، وَأَقَامَ الْعَبْدُ بَيِّنَةً عَلَى ذَلِكَ فَالشَّهَادَةُ جَائِزَةٌ، وَيُقْضَى بِالْعِتْقِ وَبِالْوَصَايَا، هَذَا عَلَى خِلَافِ رِوَايَةِ الْأَصْلِ. وَفِي نَوَادِرِ إبْرَاهِيمَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَجُلٌ مَاتَ، وَلِرَجُلٍ عَلَيْهِ دَيْنٌ، وَأَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ أَوْ بِدِرْهَمٍ سَمَّاهُ لِرَجُلٍ فَأَخَذَهَا الْمُوصَى لَهُ ثُمَّ جَاءَ الْغَرِيمُ، وَالْوَرَثَةُ شُهُودٌ أَوْ غُيَّبٌ، وَقُدِّمَ الْمُوصَى لَهُ إلَى الْقَاضِي، وَالْمُوصَى لَهُ لَا يَكُونُ خَصْمًا لِلْغَرِيمِ هَذَا إذَا حَصَلَتْ الْوَصِيَّةُ لَهُ بِقَدْرِ الثُّلُثِ، وَإِذَا حَصَلَتْ الْوَصِيَّةُ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ إلَى جَمِيعِ الْمَالِ وَصِحَّةُ الْوَصِيَّةِ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ وَارِثٌ فَالْمُوصَى لَهُ خَصْمُ الْغَرِيمِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَيَعْتَبِرُ الْمُوصَى لَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بِالْوَارِثِ قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْجَامِعِ رَجُلٌ هَلَكَ وَتَرَكَ ثَلَاثَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَأَقَامَ وَارِثًا وَاحِدًا فَأَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى لَهُ بِثُلُثِ مَالِهِ، وَجَحَدَ الْوَارِثُ ذَلِكَ قَضَى الْقَاضِي لَهُ بِالثُّلُثِ، وَأَعْطَاهُ بِذَلِكَ، وَهُوَ أَلْفُ دِرْهَمٍ ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ، وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى لَهُ بِثُلُثِ مَالِهِ، وَأُحْضِرَ الْمُوصَى لَهُ إلَى الْقَاضِي فَالْقَاضِي يَجْعَلُهُ خَصْمًا، وَيَأْمُرُهُ أَنْ يَدْفَعَ نِصْفَ مَا فِي يَدِهِ إلَى الثَّانِي فَإِنْ قَضَى الْقَاضِي عَلَى الْأَوَّلِ بِنِصْفِ الثُّلُثِ، وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ شَيْءٌ بِأَنْ هَلَكَ الثُّلُثُ فِي يَدِهِ أَوْ اسْتَهْلَكَهُ، وَهُوَ فَقِيرٌ، وَالْوَارِثُ لَمْ يُكَلِّفْ الثَّانِي إعَادَةَ الْبَيِّنَةِ، وَكَانَ لِلْمُوصَى لَهُ الثَّانِي أَنْ يُشَارِكَ الْوَارِثَ فِيمَا فِي يَدِهِ، وَيَأْخُذَ خُمُسَ مَا فِي يَدِ الْوَارِثِ، وَلَوْ كَانَ الْمُوصَى لَهُ هُوَ الْغَائِبُ فَأَحْضَرَ الثَّانِي الْوَارِثَ إلَى الْقَاضِي قَضَى عَلَى الْأَوَّلِ، وَإِنْ كَانَ الْقَاضِي قَضَى بِوَصِيَّةِ الْأَوَّلِ. وَلَمْ يَدْفَعْ إلَيْهِ شَيْئًا حَتَّى خَاصَمَهُ الثَّانِي، وَالْوَارِثُ غَائِبٌ فَإِنْ خَاصَمَهُ إلَى ذَلِكَ الْقَاضِي بِعَيْنِهِ جَعَلَ خَصْمًا، وَإِنْ خَاصَمَهُ إلَى قَاضٍ آخَرَ لَمْ يَجْعَلْهُ خَصْمًا، وَلَوْ كَانَ الْمُوصَى لَهُ الْأَوَّلَ هُوَ الْغَائِبُ، وَالْوَارِثُ حَاضِرٌ لَمْ يُدْفَعْ الْمَالُ إلَى الْأَوَّلِ فَالْوَارِثُ خَصْمٌ لِلْمُوصَى لَهُ الثَّانِي، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا أَقَرَّ الْمُوصَى لَهُ الْأَوَّلُ بِأَنْ كَانَ الْمَالُ الَّذِي فِي يَدِهِ بِحُكْمِ الْوَصِيَّةِ أَوْ كَانَ ذَلِكَ مَعْلُومٌ لِلْقَاضِي فَإِذَا لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ الْأَوَّلُ هُوَ مَالِي وَرِثْته عَنْ أَبِي الْمَيِّتِ وَمَا أَوْصَى لِي بِشَيْءٍ وَمَا أَخَذْت مِنْ مَالِهِ شَيْئًا فَإِنَّهُ يَكُونُ خَصْمًا لِلْمُوصَى لَهُ الثَّانِي بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ ادَّعَى رَجُلٌ عَبْدًا فِي يَدِ رَجُلٍ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْ فُلَانٍ بِكَذَا، وَقَالَ ذُو الْيَدِ هُوَ عَبْدِي وَرِثْته عَنْ أَبِي يَكُونُ خَصْمًا، وَيُقْضَى عَلَيْهِ لِلْمُدَّعِي كَذَا هُنَا، وَإِنْ قَالَ هَذَا الْمَالُ عِنْدِي وَدِيعَةٌ لِفُلَانٍ الْمَيِّتِ الَّذِي يَدَّعِي الْوَصِيَّةَ مِنْ جِهَتِهِ أَوْ قَالَ غَصَبْته مِنْهُ فَهُوَ خَصْمٌ إلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً عَلَى مَا قَالَ قَالَ رَجُلٌ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى وَارِثِ مَيِّتٍ إنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى بِهَذِهِ الْجَارِيَةِ بِعَيْنِهَا، وَهِيَ ثُلُثُ مَالِهِ، وَقَضَى الْقَاضِي بِذَلِكَ، وَدَفَعَهَا إلَيْهِ، وَغَابَ الْوَارِثُ ثُمَّ أَقَامَ الْآخَرُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُوصَى لَهُ أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى لَهُ بِهَا ذَكَرُوا رُجُوعًا قَضَى الْقَاضِي بِكُلِّ الْجَارِيَةِ لِلثَّانِي، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرُوا رُجُوعًا قَضَى بِنِصْفِهَا لِلثَّانِي لِلْمُزَاحَمَةِ وَالْمُسَاوَاةِ، وَيَكُونُ هَذَا قَضَاءً عَلَى الْوَارِثِ غَابَ أَوْ حَضَرَ حَتَّى أَنَّ الْمُوصَى لَهُ الْأَوَّلَ لَوْ أَبْطَلَ حَقَّهُ كَانَ كُلُّ الْجَارِيَةِ لِلثَّانِي فَإِنْ غَابَ الْمُوصَى لَهُ، وَحَضَرَ الْوَارِثُ لَمْ يَنْتَصِبْ الْوَارِثُ خَصْمًا لِلْمُوصَى لَهُ الْآخَرِ خَاصَمَهُ إلَى الْقَاضِي الْأَوَّلُ أَوْ إلَى غَيْرِهِ فَإِنْ كَانَ الْقَاضِي قَضَى لِلْأَوَّلِ بِالْجَارِيَةِ فَلَمْ يَدْفَعْهَا إلَيْهِ حَتَّى خَاصَمَ الثَّانِي الْوَارِثَ فَإِنْ خَاصَمَهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 499 فِيهَا إلَى الْقَاضِي الْأَوَّلُ لَمْ يَجْعَلْهُ خَصْمًا، وَإِنْ خَاصَمَهُ إلَى قَاضٍ آخَرَ يَجْعَلُهُ خَصْمًا ثُمَّ الْقَاضِي إذَا سَمِعَ بَيِّنَةَ الثَّانِي عَلَى الْوَارِثِ فِي هَذَا الْفَصْلِ. وَهُوَ مَا إذَا خَاصَمَهُ الثَّانِي عِنْدَ قَاضٍ آخَرَ قَضَى لِلثَّانِي بِنِصْفِ الْجَارِيَةِ سَوَاءٌ شَهِدَ شُهُودُهُ عَلَى الرُّجُوعِ عَنْ الْأَوَّلِ أَوْ لَمْ يَشْهَدُوا عَلَى الرُّجُوعِ إنَّمَا يَشْكُلُ فِيمَا إذَا شَهِدُوا عَلَى الرُّجُوعِ، وَلَوْ أَقَامَ الْأَوَّلُ بَيِّنَةً أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى لَهُ بِثُلُثِ مَالِهِ، وَدَفَعَهُ الْقَاضِي إلَيْهِ ثُمَّ أَقَامَ الثَّانِي الْبَيِّنَةَ عَلَى الْأَوَّلِ أَنَّ الْمَيِّتَ رَجَعَ عَنْ الْوَصِيَّةِ الْأُولَى، وَأَوْصَى بِثُلُثِ مَالُهٌ لِلثَّانِي فَالْقَاضِي يَأْخُذُ الثُّلُثَ مِنْ الْأَوَّلِ، وَيَدْفَعُهُ إلَى الثَّانِي قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ رَجُلٌ لَهُ عَلَى آخَرَ أَلْفُ دِرْهَمٍ قَرْضٌ أَوْ كَانَ غَصَبَ مِنْهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَكَانَتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ قَائِمَةً بِعَيْنِهَا أَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ أَنَّ فُلَانًا اسْتَوْدَعَهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَهِيَ قَائِمَةٌ بِعَيْنِهَا فِي يَدِ الْمُودِعِ فَأَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ أَنَّ صَاحِبَ الْمَالِ تُوُفِّيَ، وَأَوْصَى لَهُ بِهَذَا الْأَلْفِ الَّتِي هِيَ قَبْلَ هَذَا الرَّجُلِ، وَالرَّجُلُ مُقِرٌّ بِالْمَالِ لَكِنَّهُ يَقُولُ لَا أَدْرِي مَاتَ فُلَانٌ أَوْ لَمْ يَمُتْ لَمْ يَجْعَلْ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا خُصُومَةً حَتَّى يَحْضُرَ وَارِثٌ أَوْ وَصِيٌّ كَذَلِكَ، وَنَظِيرُهَا إذَا ادَّعَى عَيْنًا فِي يَدِ رَجُلٍ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ وَصَاحِبُ الْيَدِ يَقُولُ أَنَا مُودَعُ الْغَائِبِ أَوْ غَصَبْته مِنْهُ لَا يَنْتَصِبُ خَصْمًا لِلْمُودِعِ كَذَا هُنَا، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا إنْ كَانَ الَّذِي قِبَلَهُ الْمَالُ مُقِرًّا بِذَلِكَ فَإِنْ كَانَ الَّذِي فِي يَدِهِ الْمَالُ قَالَ هَذَا مِلْكِي، وَلَيْسَ عِنْدِي مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ شَيْءٌ صَارَ خَصْمًا لِلْمُدَّعِي وَصَارَ كَرَجُلٍ ادَّعَى عَيْنًا فِي يَدِ رَجُلٍ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ، وَصَاحِبُ الْيَدِ يَقُولُ هُوَ لِي يَنْتَصِبُ خَصْمًا لِلْمُدَّعِي كَذَا هَذَا، وَإِنْ جَعَلَهُ الْقَاضِي خَصْمًا فِي هَذَا الْوَجْهِ قَضَى لَهُ بِثُلُثِ مَا فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْمَيِّتَ تَرَكَ أَلْفَ دِرْهَمٍ غَيْرَ هَذَا الْأَلْفِ. وَأَنَّ الْوَارِثَ قَبَضَ ذَلِكَ فَحِينَئِذٍ يَقْضِي الْقَاضِي لِلْمُوصَى لَهُ بِكُلِّ هَذَا الْأَلْفِ، وَلَوْ حَضَرَ الْوَارِثُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَقَالَ لَمْ أَقْبِضْ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ شَيْئًا مَا لَمْ يَلْتَفِتْ إلَى قَوْلِهِ فَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ فُلَانًا مَاتَ، وَلَمْ يَدَّعِ وَارِثًا وَلَا وَصِيًّا يَقْبَلُ الْقَاضِي بَيِّنَتَهُ ثُمَّ عَادَ مُحَمَّدٌ إلَى صَدْرِ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ لَوْ أَنَّ الْمُوصَى لَهُ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ فُلَانًا مَاتَ، وَلَمْ يَدَّعِ وَارِثًا، وَأَوْصَى إلَيْهِ بِالْأَلْفِ الَّتِي قِبَلَ فُلَانٍ، وَقَالَ الشُّهُودُ لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا، وَاَلَّذِي قِبَلَهُ الْمَالُ مُقِرٌّ بِالْمَالِ الَّذِي قِبَلَهُ فَالْقَاضِي يَقْضِي بِالْمَالِ لِلْمُوصَى لَهُ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ رَجُلٌ بِيَدِهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ دَيْنٌ أَوْ كَانَ الْأَلْفُ فِي يَدِهِ غَصْبًا أَوْ وَدِيعَةً أَوْ كَانَتْ الْأَلْفُ لِهَذَا فَغَابَ صَاحِبُ الْمَالِ فَقَامَ رَجُلٌ وَادَّعَى أَنَّ صَاحِبَ الْمَالِ أَوْصَى لَهُ بِهَذَا الْأَلْفِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا الرَّجُلِ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ فَصَدَّقَهُ الَّذِي قِبَلَهُ الْمَالُ فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ أَمَّا إنْ أَقَرَّ الْمُدَّعِي أَنَّ لِصَاحِبِ الْمَالِ وَارِثًا غَائِبًا أَوْ قَالَ لَا أَدْرِي أَلَهُ وَارِثٌ أَمْ لَا أَوْ قَالَ الْمُدَّعِي لَيْسَ لِصَاحِبِ الْمَالِ وَارِثٌ، وَإِنْ كَانَ صَاحِبُ الْمَالِ رَجُلًا نَصْرَانِيًّا أَسْلَمَ، وَلَمْ يَتْرُكْ أَحَدًا، وَصَدَّقَهُ الَّذِي قَبْلَهُ فِي ذَلِكَ فَفِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ الْقَاضِي لَا يَقْضِي عَلَى الَّذِي فِي يَدَيْهِ الْمَالُ فِي الْوُجُوهِ الْأَرْبَعَةِ الْغَصْبُ الْوَدِيعَةُ وَالدَّيْنُ وَالْإِيصَاءُ إلَّا أَنَّ الْقَاضِي يَتَلَوَّمُ فِي ذَلِكَ وَيَتَأَنَّى وَلَا يُعَجِّلُ فَإِنْ جَاءَ مُدَّعٍ أَوْ وَارِثٌ، وَإِلَّا قَضَى الْقَاضِي بِالْمَالِ لِلْمُدَّعِي، وَإِنْ كَانَ الْمَالُ وَدِيعَةً عِنْدَ رَجُلٍ كَانَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْقَابِضَ بِإِجْمَاعٍ، وَهَلْ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُودِعَ فَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَانَ لَهُ ذَلِكَ. وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ الْمَالُ دَيْنًا فَلِصَاحِبِ الْمَالِ أَنْ يُضَمِّنَ الْغَرِيمَ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْقَابِضَ، وَإِنْ ضَمِنَ الْغَرِيمُ كَانَ لِلْغَرِيمِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْقَابِضِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمَالُ وَصَلَ إلَيْهِ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ أَوْصَى إلَيْهِ أَبُوهُ، وَصُورَةُ هَذَا، وَتَفْسِيرُهُ إذَا كَانَ الرَّجُلُ أَلْف دِرْهَمٍ دَفَعَهَا إلَى رَجُلٍ، وَجَعَلَهُ وَصِيًّا فِيهِ ثُمَّ مَاتَ الْمُوصَى لَهُ فَوَصَلَ الْمَالُ إلَى ابْنِ الْمُوصِي مِنْ جِهَةِ أَبِيهِ الَّذِي كَانَ أَوْصَى بِهَا إلَى ابْنِهِ، وَكَانَ فِي يَدَيْهِ فَدَفَعَ إلَى هَذَا الْمُدَّعِي بِأَمْرِ الْقَاضِي ثُمَّ جَاءَ صَاحِبُ الْمَالِ حَيًّا، وَلَكِنْ حَضَرَ وَارِثُهُ فَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ أَخُوهُ مِنْ أَبِيهِ وَأُمِّهِ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الَّذِي قِبَلَهُ الْمَالُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا، وَإِنَّ الَّذِي فِي يَدِهِ الْمَالُ أَقَرَّ أَنَّ هَذَا أَخٌ صَاحِبِ الْمَالِ، وَأَنَّهُ قَدْ مَاتَ إلَّا أَنِّي لَا أَدْرِي أَهَذَا وَارِثُهُ أَمْ لَا لَمْ يَقْضِ الْقَاضِي فِي ذَلِكَ زَمَانًا فَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ وَارِثٌ آخَرُ، وَدَفَعَ الْمُقِرُّ الْمَالَ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ بِأَمْرِ الْقَاضِي ثُمَّ جَاءَ صَاحِبُ الْمَالِ حَيًّا قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْكِتَابِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُوصَى لَهُ فِي جَمِيعِ مَا وَصَفْت لَك فِي حَقِّ التَّضْمِينِ، وَلَوْ بَقِيَ صَاحِبُ الْمَالِ حَيًّا لَكِنْ جَاءَ رَجُلٌ، وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ ابْنُهُ قَالَ فِي الْكِتَابِ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْمُوصَى لَهُ فِي جَمِيعِ مَا وَصَفْت لَك فِي أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَى الَّذِي قِبَلَهُ الْمَالُ فِي الْفُصُولِ كُلِّهَا، وَأَنَّ الضَّمَانَ عَلَى الْقَابِضِ، وَلَوْ أَنَّ الَّذِي فِي يَدَيْهِ الْمَالُ أَقَرَّ لِرَجُلٍ أَنَّهُ ابْنُ الْمَيِّتِ، وَأَنَّ لِلْمَيِّتِ ابْنًا آخَرَ، وَقَالَ الِابْنُ الْمُقَرُّ لَهُ لَيْسَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 500 لَهُ ابْنٌ آخَرُ تَلَوَّمَ الْقَاضِي زَمَانًا. وَإِذَا تَلَوَّمَ زَمَانًا، وَلَمْ يَحْضُرْ وَارِثٌ آخَرُ دُفِعَ الْمَالُ كُلُّهُ إلَيْهِ ثُمَّ قَالَ فِي الْكِتَابِ إذَا تَلَوَّمَ الْقَاضِي زَمَانًا، وَلَمْ يَظْهَرْ لِلْمَيِّتِ ابْنٌ آخَرُ أَمَرَ الْقَاضِي الَّذِي قِبَلَهُ الْمَالُ أَنْ يَدْفَعَ الْمَالَ كُلَّهُ إلَى الْمُدَّعِي، وَيَأْخُذَ مِنْهُ كَفِيلًا ثِقَةً وَمَا لَمْ يُعْطِهِ كَفِيلًا ثِقَةً لَا يَدْفَعُ الْمَالَ نَظَرًا لِلْغَائِبِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لِلْمَيِّتِ ابْنٌ آخَرُ فَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ قَالَ هَذَا قَوْلُهُمَا أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَأْخُذُ كَفِيلًا، وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ لَا بَلْ هَذَا عَلَى الِاتِّفَاقِ فَإِنْ جَاءَ وَارِثٌ آخَرُ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الَّذِي قِبَلَهُ الْمَالُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا، وَلَكِنَّ الضَّمَانَ عَلَى الْقَابِضِ، وَكَفِيلِهِ، وَلَوْ كَانَ الَّذِي حَضَرَ ادَّعَى أَنَّ لَهُ عَلَى صَاحِبِ الْمَالِ أَلْفَ دِرْهَمٍ دَيْنٌ، وَأَنَّهُ مَاتَ فَصَدَّقَهُ الَّذِي قِبَلَهُ الْمَالُ فِي ذَلِكَ لَمْ يَلْتَفِتْ الْقَاضِي إلَى ذَلِكَ، وَلَمْ يَجْعَلْ بَيْنَهُمَا خُصُومَةً حَتَّى يَحْضُرَ الْوَارِثُ فِي الْوُجُوهِ الْأَرْبَعَةِ، وَهَذَا إذَا أَنْكَرَ الْمُدَّعِي أَنَّ لِلْمَيِّتِ وَارِثًا، وَقَالَ لَا أَدْرِي لَهُ وَارِثٌ أَمْ لَا فَإِنْ أَقَرَّ الَّذِي قِبَلَهُ الْمَالُ، وَالْمُدَّعِي أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وَارِثٌ فَالْقَاضِي يَتَلَوَّمُ، وَيَتَأَنَّى زَمَانًا ثُمَّ إذَا تَلَوَّمَ زَمَانًا، وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ وَارِثٌ فَالْقَاضِي لَا يَدْفَعُ الْمَالَ إلَى الْمُقِرِّ، وَلَكِنْ يُنَصِّبُ لِنَصِيبِ الْمَيِّتِ وَصِيًّا لِيَسْتَوْفِيَ مَالَ الْمَيِّتِ عَلَى النَّاسِ، وَيُوفِي مَا عَلَى الْمَيِّتِ لِلنَّاسِ، وَإِذَا نَصَّبَ بِأَمْرِ الْمُدَّعِي بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْوَصِيِّ فَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى هَذَا الْوَصِيِّ يَأْمُرُ الْقَاضِي الْوَصِيَّ بِأَنْ يَدْفَعَ حَقَّهُ إلَيْهِ، وَإِذَا دَفَعَ ثُمَّ جَاءَ صَاحِبُ الْمَالِ حَيًّا. وَالْمَالُ مُسْتَهْلَكٌ عِنْدَ الْمُقَرِّ لَهُ كَانَ الْجَوَابُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا الْأَرْبَعَةِ الْوَدِيعَةُ، وَالدَّيْنُ، وَالْغَصْبُ، وَالْإِيصَاءُ كَمَا قُلْنَا فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ، وَلَوْ لَمْ يَجِئْ صَاحِبُ الْمَالِ حَيًّا لَكِنْ حَضَرَ وَارِثُهُ، وَجَحَدَ الدَّيْنَ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى جُحُودِهِ، وَكَانَ قَضَاءُ الْقَاضِي مَاضِيًا وَلَا يُكَلِّفُ الْمُدَّعِي الْمَدِينَ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْوَارِثِ، وَقَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ رَجُلٌ لَهُ وَدِيعَةٌ أَوْ غَصْبٌ أَوْ دَيْنٌ عَلَيْهِ فَجَاءَ رَجُلٌ، وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ صَاحِبَ الْمَالِ قَدْ تُوُفِّيَ، وَهَذَا الْمُدَّعِي أَخُوهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ وَوَارِثِهِ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ، وَاَلَّذِي قِبَلَهُ الْمَالُ جَاحِدٌ لِلْمَالِ أَوْ مُقِرٌّ بِالْمَالِ مُنْكِرٌ لِمَا سِوَاهُ فَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ خَصْمٌ لَهُ فَإِذَا قَضَى الْقَاضِي لَهُ بِالْمَالِ كُلِّهِ فَقَبَضَهُ ثُمَّ جَاءَ صَاحِبُ الْمَالِ حَيًّا، وَقَدْ هَلَكَ فِي يَدِ الْقَابِضِ فَإِنْ كَانَ الَّذِي عِنْدَهُ غَاصِبًا فَصَاحِبُ الْمَالِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الشُّهُودَ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْغَاصِبَ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْأَخَ فَإِنْ اخْتَارَ تَضْمِينَ الْغَاصِبِ كَانَ الْغَاصِبُ بِالْخِيَارِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الشُّهُودَ، وَرَجَعُوا عَلَى الْأَخِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْأَخَ لَا يَرْجِعُ عَلَى أَحَدٍ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الشُّهُودِ، وَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْمَالُ مَوْدُوعًا فَلَا ضَمَانَ لِصَاحِبِ الْمَالِ عَلَى الشُّهُودِ فَإِذَا أَخَذَ صَاحِبُ الْمَالِ الدَّيْنَ مِنْ الْغَرِيمِ كَانَ الْغَرِيمُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الشَّاهِدَيْنِ أَوْ ضَمَّنَ الْأَخَ فَإِنْ ضَمَّنَ الشُّهُودَ رَجَعُوا عَلَى الْأَخِ، وَإِنْ ضَمَّنَ الْأَخَ لَا يَرْجِعُ عَلَى الشُّهُودِ، وَلَوْ لَمْ يَأْتِ صَاحِبُ الْمَالِ حَيًّا فَلَا يَتَحَقَّقُ مَوْتُهُ كَمَا شَهِدَتْ الشُّهُودُ فَجَاءَ رَجُلٌ، وَأَقَامَ بَيِّنَةً أَنِّي ابْنُ الْمَيِّتِ قَضَى الْقَاضِي بِذَلِكَ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الدَّافِعِ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا، وَلَكِنَّ الِابْنَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الشُّهُودَ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْأَخَ فَإِنْ ضَمَّنَ الْأَخَ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الشُّهُودِ، وَإِنْ ضَمَّنَ الشُّهُودَ رَجَعُوا عَلَى الْأَخِ. وَلَوْ لَمْ يُقِمْ الثَّانِي بَيِّنَةً أَنَّهُ ابْنُ الْمَيِّتِ لَكِنَّهُ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهُ أَخُو الْمَيِّتِ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ وَوَارِثِهِ قَضَى الْقَاضِي بِبَيِّنَتِهِ، وَيَقْضِي الْقَاضِي لَهُ بِنِصْفِ مَا قَبَضَ الْأَوَّلُ مِنْ الْمِيرَاثِ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الَّذِي قِبَلَهُ الْمَالُ فِي الصُّوَرِ كُلِّهَا وَلَا ضَمَانَ عَلَى الشُّهُودِ هُنَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ ادَّعَى رَجُلٌ دَيْنًا، وَالْعَبْدُ عِتْقًا، وَصَدَّقَهُمَا الْوَارِثُ سَعَى فِي قِيمَتِهِ وَتُدْفَعُ إلَى الْغَرِيمِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا يُعْتَقُ وَلَا يَسْعَى فِي شَيْءٍ لِأَنَّ الدَّيْنَ، وَالْعِتْقَ فِي الصِّحَّةِ ظَهَرَا مَعًا بِتَصْدِيقِ الْوَارِثِ فِي كَلَامٍ وَاحِدٍ فَصَارَ كَأَنَّهُمَا وُجِدَا مَعًا أَوْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ وَالْعِتْقِ فِي الصِّحَّةِ لَا يُوجِبُ السِّعَايَةَ، وَإِنْ كَانَ عَلَى الْمُعْتِقِ دَيْنٌ، وَلَهُ أَنَّ الْإِقْرَارَ بِالدَّيْنِ أَقْوَى مِنْ الْإِقْرَارِ بِالْعِتْقِ، وَلِهَذَا يُعْتَبَرُ إقْرَارُهُ بِالدَّيْنِ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ، وَبِالْعِتْقِ مِنْ الثُّلُثِ، وَالْأَقْوَى يَدْفَعُ الْأَدْنَى فَصَارَ كَإِقْرَارِ الْمُوَرِّثِ نَفْسِهِ بِأَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ رَجُلٌ دَيْنًا وَعَبْدُهُ عِتْقًا فِي صِحَّتِهِ فَقَالَ فِي مَرَضِهِ صَدَقْتُمَا فَإِنَّهُ يَعْتِقُ الْعَبْدَ، وَيَسْعَى فِي قِيمَتِهِ فَكَذَا هَذَا، وَقَضِيَّةُ الدَّفْعِ أَنْ يَبْطُلَ الْعِتْقُ فِي الْمَرَضِ أَصْلًا إلَّا أَنَّهُ بَعْدَ وُقُوعِهِ لَا يَحْتَمِلُ الْبُطْلَانَ فَيَدْفَعُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى بِإِيجَابِ السِّعَايَةِ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ الدَّيْنَ أَسْبَقُ فَإِنَّهُ لَا مَانِعَ لَهُ مِنْ الِاسْتِنَادِ فَيَسْتَنِدُ إلَى حَالَةِ الصِّحَّةِ وَلَا يُمْكِنُ اسْتِنَادُ الْعِتْقِ إلَى تِلْكَ الْحَالَةِ لِأَنَّ الدَّيْنَ يَمْنَعُ الْعِتْقَ فِي حَالِ الْمَرَضِ مَجَّانًا فَتَجِبُ السِّعَايَةُ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا مَاتَ وَتَرَكَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَقَالَ رَجُلٌ لِي عَلَى الْمَيِّتِ أَلْفُ دِرْهَمٍ دَيْنٌ وَقَالَ آخَرُ هَذَا الْأَلْفُ كَانَ لِي وَدِيعَةً فَعِنْدَهُ الْوَدِيعَةُ أَقْوَى، وَعِنْدَهُمَا سَوَاءٌ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ ذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَالْكَيْسَانِيُّ الْوَدِيعَةُ أَقْوَى عِنْدَهُمَا لَا عِنْدَهُ عَكْسُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 501 مَا ذُكِرَ فِي الْهِدَايَةِ بِخِلَافِ إقْرَارِ الْمُوَرِّثِ نَفْسِهِ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِالدَّيْنِ يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ، وَبِالْوَدِيعَةِ يَتَنَاوَلُ الْعَيْنَ فَيَكُونُ صَاحِبُهَا أَوْلَى لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِهَا، وَإِقْرَارُ الْوَارِثِ بِالدَّيْنِ يَتَنَاوَلُ عَيْنَ التَّرِكَةِ كَإِقْرَارِهِ الْوَدِيعَةِ يَتَنَاوَلُ الْعَيْنَ، وَصَاحِبُ الْكَافِي ضَعَّفَ أَيْضًا مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَجَعَلَ الْأَصَحَّ خِلَافَهُ، وَفِي الْفَتَاوَى سُئِلَ أَبُو الْقَاسِمِ عَمَّنْ أَوْصَى إلَى رَجُلٍ فَقَالَ إذَا أَدْرَكَ وَلَدِي فَأَعْتِقْ عَبْدِي هَذَا، وَأَعْطِهِ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، وَالْعَبْدُ مَعَهُ، وَهُوَ فِي لَعِبٍ مِنْهُ فَرَضِيَ الْعَبْدُ أَنْ يَعْتِقَ فِي الْحَالِ وَلَا يَطْلُبُ مِنْهُ شَيْئًا قَالَ لَا يَجُوزُ عِتْقُ الْعَبْدِ قَبْلَ الْوَقْتِ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ الْوَصِيُّ، وَسُئِلَ أَبُو بَكْرٍ عَمَّنْ أَوْصَى بِعِتْقِ عَبْدِهِ، وَأَوْصَى لَهُ بِصِلَةٍ، وَلِلْعَبْدِ مَتَاعٌ وَكِسْوَةٌ مِنْ سَيِّدِهِ وَهِبَةٌ وَهَبَهَا لَهُ غَيْرُ الْمَوْلَى قَالَ لَا يَكُونُ لِلْعَبْدِ مِنْ ذَلِكَ الْمَتَاعِ إلَّا مَا يُوَارِي عَوْرَتَهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِحُقُوقِ اللَّهِ قُدِّمَتْ الْفَرَائِضُ، وَإِنْ أَخَّرَهَا كَالْحَجِّ وَالزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَاتِ) لِأَنَّ الْفَرْضَ أَهَمُّ مِنْ النَّفْلِ، وَالظَّاهِرُ مِنْهُ الْبِدَايَةُ بِالْأَهَمِّ قَالَ فِي الْأَصْلِ إذَا اجْتَمَعَتْ الْوَصَايَا فَإِنْ كَانَ ثُلُثُ الْمَالِ يُوفِي بِالْكُلِّ أَوْ أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ الْوَصَايَا بِأَسْرِهَا نَفَذَتْ الْوَصَايَا بِأَسْرِهَا، وَإِنْ لَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ الْوَصَايَا فَإِنْ كَانَتْ الْوَصَايَا كُلُّهَا لِلْعِبَادِ يُقَدَّمُ الْأَقْوَى فَالْأَقْوَى، وَإِلَّا بُدِئَ بِمَا بَدَأَ بِهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْقَوْلِ الَّتِي بَعْدَهَا فَإِنْ كَانَ فِي الْوَصَايَا عِتْقٌ قُدِّمَ عَلَى غَيْرِهِ، وَإِنْ اسْتَوَتْ فِي الْقُوَّةِ فَإِنَّهُمْ يَتَحَاصُّونَ فِيهَا بِأَنْ يَضْرِبَ بِقَدْرِ حَقِّهِ فِي الثُّلُثِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ، وَإِنْ كَانَتْ الْوَصَايَا كُلُّهَا لِلَّهِ تَعَالَى إنْ كَانَتْ النَّوَافِلُ كُلُّهَا عَيْنًا بِأَنْ أَوْصَى أَنْ يُتَصَدَّقَ بِمِائَةٍ عَلَى فَقِيرٍ بِعَيْنِهِ، وَأَوْصَى بِأَنْ يَعْتِقَ نَسَمَةٌ بِعَيْنِهَا تَطَوُّعًا فَإِنَّهُمَا يَتَحَاصَّانِ وَلَا يَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ بِهِ الْمَيِّتُ فَإِنْ كَانَ صَاحِبُ النَّسَمَةِ لَا يَبِيعُ النَّسَمَةَ بِمَا يَخُصُّهَا أَوْ مَاتَتْ النَّسَمَةُ فِي يَدِ صَاحِبِهَا حَتَّى وَقَعَ الْعَجْزُ عَنْ تَنْفِيذِ الْوَصِيَّةِ فَإِنَّهُ يُكْمِلُ وَصِيَّةَ الْمُوصَى لَهُ بِالْمِائَةِ لِأَنَّ صِحَّةَ الْوَصِيَّةِ لِلْعَبْدِ صَحَّتْ ثُمَّ بَطَلَتْ لِأَنَّا نَعْتَبِرُ الْبُطْلَانَ بِوُقُوعِ الْيَأْسِ عَنْ تَنْفِيذِ الْوَصِيَّةِ لِلْعَبْدِ فَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْوَصَايَا كُلُّهَا فَرَائِضَ، وَقَدْ اسْتَوَتْ فِي الْوَكَالَةِ، وَلَيْسَ مَعَهَا وَصِيَّةٌ لِلْمُعَيَّنِ بِأَنْ أَوْصَى بِأَدَاءِ الزَّكَاةِ، وَبِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ، وَبِأَنْ يَعْتِقَ عَنْهُ عَبْدٌ عَنْ كَفَّارَةِ يَمِينٍ فَإِنَّ عَلَى قَوْلِ الْفَقِيهِ أَبِي بَكْرٍ الْبَلْخِيّ يَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ بِهِ الْمَيِّتُ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَوْصَى بِعِتْقٍ فِي كَفَّارَةِ فِطْرٍ فَإِنَّهُ يَبْدَأُ بِكَفَّارَةِ الْفِطْرِ أَوْ الْقَتْلِ، وَإِنْ أَخَّرَهَا الْمَيِّتُ. وَقَدْ رَوَى أَبُو يُوسُفَ فِي الْأَمَالِي عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَبْدَأُ بِالْحَجِّ ثُمَّ بِالزَّكَاةِ ثُمَّ بِالْعِتْقِ عَنْ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ سَوَاءٌ بَدَأَ بِالْحَجِّ أَوْ أَخَّرَ، وَفِي الْكَافِي، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُقَدَّمُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ بِكُلِّ حَالٍ ثُمَّ يُقَدَّمُ الْحَجُّ عَلَى الْكَفَّارَاتِ، وَكَفَّارَةُ الظِّهَارِ وَالْقَتْلِ وَالْيَمِينِ مُقَدَّمٌ عَلَى صَدَقَةِ الْفِطْرِ، وَصَدَقَةُ الْفِطْرِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْأُضْحِيَّةِ، وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ يُقَدَّمُ بَعْضُ الْوَاجِبَاتِ كَالنَّذْرِ يُقَدَّمُ عَلَى الْأُضْحِيَّةِ وَمَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ يُقَدَّمُ مِنْهُ مَا قَدَّمَهُ الْمُوصِي فَإِنْ أَوْصَى بِعِتْقٍ فِي كَفَّارَةِ قَتْلٍ أَوْ كَفَّارَةِ يَمِينٍ أَوْ ظِهَارٍ يُبْدَأُ بِكَفَّارَةِ الْقَتْلِ، وَإِنْ أَخَّرَهَا الْمَيِّتُ، وَإِنْ كَانَتْ الْكَفَّارَةُ كَفَّارَةَ الْيَمِينِ سَاوَتْ كَفَّارَةَ الْقَتْلِ فِي الْقُوَّةِ وَالْوَكَالَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى بِالْعِتْقِ فِي كَفَّارَةِ يَمِينٍ، وَبِالْعِتْقِ فِي كَفَّارَةِ ظِهَارٍ، وَبِكَفَّارَةِ جَزَاءِ الصَّيْدِ، وَبِكَفَّارَةِ الْحَلِفِ فِي الْأَذَى فَإِنَّهُ يَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ بِهِ الْمَيِّتُ، وَرَوَى الْقَاضِي الْإِمَامُ الْجَلِيلُ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يَبْدَأُ بِالزَّكَاةِ ثُمَّ بِالْحَجِّ ثُمَّ بِالْعِتْقِ عَنْ الْكَفَّارَةِ هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَ الْفَرَائِضِ نَفْلٌ فَإِنْ كَانَ النَّفَلُ بِغَيْرِ الْعَيْنِ بِأَنْ أَوْصَى بِأَنْ يُحَجَّ عَنْهُ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ، وَيُعْتَقَ عَنْهُ نَسَمَةٌ لَا بِعَيْنِهَا تَطَوُّعًا فَالْفَرْضُ أَوْلَى، وَإِنْ أَخَّرَهُ الْمَيِّتُ، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَالْقِيَاسُ أَنْ يَبْدَأَ بِالنَّفْلِ إذَا كَانَ الْمَيِّتُ بَدَأَ بِالنَّفْلِ فَأَمَّا إذَا كَانَ مَعَ الْفَرَائِضِ عَيَّنَ بِأَنْ أَوْصَى بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ، وَبِأَنْ يُعْتَقَ عَنْهُ مُعَيَّنٌ يَتَحَاصَّانِ سَوَاءٌ بَدَأَ بِالْعِتْقِ أَوْ أَخَّرَ هَذِهِ جُمْلَةُ مَا أَوْرَدَهُ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْمَعْرُوفُ بِخُوَاهَرْ زَادَهْ. وَذَكَرَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الزَّاهِدُ أَحْمَدُ الطَّوَّافُ فِي شَرْحِهِ، وَيُسَنُّ أَنَّ بَعْدَ الْفَرَائِضِ تُقَدَّمُ الْكَفَّارَةُ عَلَى النُّذُورِ، وَفِي الذَّخِيرَةِ تُقَدَّمُ كَفَّارَةُ الْقَتْلِ عَلَى غَيْرِهَا مِنْ الْكَفَّارَاتِ، وَعَلَى النُّذُورِ، وَتُقَدَّمُ النُّذُورُ عَلَى الْأُضْحِيَّةِ، وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ، وَتُقَدَّمُ صَدَقَةُ الْفِطْرِ عَلَى الْأُضْحِيَّةِ لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ كَانَ مَعَ الْفَرْضِ وَصِيَّةٌ بِعِتْقٍ، وَنَفْلٌ لَيْسَ بِمُعَيَّنٍ بِأَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَأَوْصَى بِعِتْقِ نَسَمَةٍ لَا بِعَيْنِهَا فَإِنَّهُ يَجِبُ التَّوْزِيعُ وَالْمُحَاصَّةُ لِتَظْهَرَ صِحَّةُ الْمُعَيَّنِ فَإِذَا ظَهَرَ صِحَّةُ الْمُعَيَّنِ مِنْ الثُّلُثِ خَرَجَ الْمُعَيَّنُ عَنْ الْوَسَطِ بَقِيَ بَعْدَ هَذَا فَرْضٌ وَنَفْلٌ، وَلَيْسَ بِعَيْنٍ فَيُقَدَّمُ الْفَرْضُ فَإِنْ بَقِيَ بَعْدَ الْفَرْضِ شَيْءٌ وَلَا يُؤْخَذُ بِذَلِكَ نَسَمَةٌ قَالُوا يُصْرَفُ إلَى الْمُوصَى لَهُ بِالْعَيْنِ، وَفِي فَتَاوَى الْخُلَاصَةِ فَإِنْ كَانَ مَعَ شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْوَصَايَا حَقُّ اللَّهِ نَحْوُ أَنْ يَقُولَ ثُلُثُ مَالِي فِي الْحَجِّ وَالزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَةِ، وَلِزَيْدٍ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 502 قُسِمَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَسْهُمٍ، وَفِي فَتَاوَى أَبِي اللَّيْثِ إذَا قَالَ أَخْرِجُوا مِنْ مَالِي عِشْرِينَ أَلْفًا فَأَعْطُوا فُلَانًا كَذَا وَفُلَانًا كَذَا حَتَّى بَلَغَ أَحَدَ عَشَرَ أَلْفًا ثُمَّ قَالَ: وَالْبَاقِي لِلْفُقَرَاءِ ثُمَّ مَاتَ فَإِذَا ثُلُثُ مَالِهِ تِسْعَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَالْوَرَثَةُ لَمْ يُجِيزُوا فَإِنَّهُ يَنْفُذُ مِنْ وَصِيَّةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ تِسْعَةُ أَجْزَاءٍ مِنْ عِشْرِينَ جُزْءًا، وَيَبْطُلُ مِنْ وَصِيَّةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ عِشْرِينَ جُزْءًا أَوْ يَجْعَلُ قَوْلَهُ وَالْبَاقِي لِلْفُقَرَاءِ بَعْدَمَا سَمَّى عِشْرِينَ أَلْفًا، وَذَلِكَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ ذَلِكَ نَصِيبُهُمَا حَتَّى بَلَغَ أَحَدَ عَشَرَ أَلْفًا فَإِنَّهُ قَالَ أَعْطُوا ثُلُثَ مَالِي لِفُلَانٍ كَذَا حَتَّى بَلَغَ أَحَدَ عَشَرَ أَلْفًا. ثُمَّ قَالَ وَأَعْطُوا الْبَاقِي لِلْفُقَرَاءِ فَإِذَا بَلَغَ مَالُهُ تِسْعَةَ آلَافٍ أَوْ أَكْثَرَ إلَى أَحَدَ عَشَرَ أَلْفًا لَا شَيْءَ لِلْفُقَرَاءِ، وَيُعْطَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ الْوَصَايَا حِصَّةٌ كَامِلَةٌ إنْ كَانَ الثُّلُثُ أَحَدَ عَشَرَ أَلْفًا ثُمَّ يُعْطَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ تِسْعَةُ أَجْزَاءٍ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ وَصِيَّتِهِ، وَيَبْطُلُ سَهْمَانِ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ، وَفِي الْوَاقِعَاتِ لِلنَّاطِقِيِّ الْوَاجِبَاتُ فِي الْوَصَايَا عَلَى أَرْبَعِ مَرَاتِبَ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَبَدًا كَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ، وَالثَّانِي مَا أَوْجَبَهُ عَلَى الْعَبْدِ بِسَبَبٍ مِنْ جِهَتِهِ كَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَكَفَّارَةِ الْقَتْلِ، وَالثَّالِثُ مَا أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ ثُبُوتِهِ عَلَيْهِ بِالنَّذْرِ كَقَوْلِهِ عَلَى صَدَقَةٍ أَوْ عِتْقٍ وَمَا أَشْبَهَهُ، وَالرَّابِعُ التَّطَوُّعُ كَقَوْلِهِ تَصَدَّقُوا عَنِّي بَعْدَ وَفَاتِي، وَقَدْ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي الْحَجِّ مَعَ الزَّكَاةِ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمُجَرَّدِ أَنَّهُ تُقَدَّمُ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ، وَإِنْ أَخَّرَ الْحَجَّ عَنْ الزَّكَاةِ فِي الْوَصِيَّةِ لَفْظًا، وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ رُسْتُمَ إذَا أَوْصَى بِالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَالْفَرْضِ يُبْدَأُ بِمَا بَدَأَ بِهِ الْمَيِّتُ فَعَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ الَّذِي بَيَّنَّاهُ يَجِبُ إيفَاؤُهَا مَرْتَبَةً إذَا لَمْ يَفِ ثُلُثُ مَالِهِ بِذَلِكَ كُلِّهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ تَسَاوَتْ فِي الْقُوَّةِ بُدِئَ بِمَا بَدَأَ بِهِ) لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ الْمَرِيضِ يَبْدَأُ بِمَا هُوَ الْأَهَمُّ عِنْدَهُ، وَالثَّابِتُ بِالظَّاهِرِ كَالثَّابِتِ فَصَارَ كَأَنَّهُ نَصَّ عَلَى تَقْدِيمِهِ بِاعْتِبَارِ حَالِهِ فَتُقَدَّمُ الزَّكَاةُ عَلَى الْحَجِّ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْعَبْدِ بِهَا، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْحَجَّ يُقَدَّمُ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ، وَهُمَا يُقَدَّمَانِ عَلَى الْكَفَّارَةِ لِرُجْحَانِهِمَا عَلَيْهَا لِأَنَّهُ جَاءَ الْوَعِيدُ فِيهِمَا مَا لَمْ يَأْتِ فِي غَيْرِهِمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [التوبة: 34] الْآيَةَ، وَقَالَ تَعَالَى {فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ} [التوبة: 35] وَقَالَ تَعَالَى {وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران: 97] مَكَانَ قَوْلِهِ وَمَنْ تَرَكَ الْحَجَّ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ النُّصُوصِ وَالْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ فِيهِمَا. وَكَذَا مَا وَرَدَ نَصٌّ بِوَعِيدٍ فِيهِ يُقَدَّمُ وَمَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ قُدِّمَ مِنْهُ مَا قَدَّمَهُ الْمُوصِي لِمَا بَيَّنَّا، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْوَصَايَا إذَا اجْتَمَعَتْ لَا يُقَدَّمُ الْبَعْضُ عَلَى الْبَعْضِ إلَّا الْعِتْقَ وَالْمُحَابَاةَ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ وَلَا مُعْتَبَرَ بِالتَّقْدِيمِ وَلَا بِالتَّأْخِيرِ مَا لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ، وَلِهَذَا لَوْ أَوْصَى لِجَمَاعَةٍ عَلَى التَّعَاقُبِ يَسْتَوُونَ فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَلَا يُقَدَّمُ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ غَيْرَ أَنَّ الْمُسْتَحَقَّ إذَا اتَّحَدَ، وَلَمْ يَفِ الثُّلُثُ بِالْوَصَايَا كُلِّهَا يُقَدَّمُ الْأَهَمُّ فَالْأَهَمُّ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمُوصِي يَبْدَأُ بِالْأَهَمِّ عَادَةً فَيَكُونُ ذَلِكَ كَالتَّنْصِيصِ عَلَيْهِ لِأَنَّ مَنْ عَلَيْهِ قَضَاءٌ مِنْ صَلَاةٍ أَوْ حَجٍّ أَوْ صَوْمٍ لَا يَشْتَغِلُ بِالنَّفْلِ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ، وَيَتْرُكُ الْقَضَاءَ عَادَةً، وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ نُسِبَ إلَى الْحَيْفِ قَدَّمْنَا لَوْ كَانَ مَعَهَا وَصِيَّةٌ لِآدَمِيٍّ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ أَحَجُّوا عَنْهُ رَجُلًا مِنْ بَلَدِهِ يَحُجُّ عَنْهُ رَاكِبًا) لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ مِنْ بَلْدَةٍ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْإِحْجَاجُ كَمَا وَجَبَ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لِأَدَاءِ مَا هُوَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا اشْتَرَطَ أَنْ يَكُونَ رَاكِبًا لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَحُجَّ مَاشِيًا فَوَجَبَ عَلَيْهِ الْإِحْجَاجُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي لَزِمَهُ، وَفِي النَّوَازِلِ وَقَالَ نُصَيْرٌ رَجُلٌ مَاتَ، وَأَوْصَى بِأَنْ يُحَجَّ عَنْهُ فَحَجَّ عَنْهُ ابْنُهُ ثُمَّ مَاتَ فِي الطَّرِيقِ قَالَ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ غَيْرُهُ فَإِنَّهُ يَحُجُّ عَنْ الْمَيِّتِ مِنْ وَطَنِهِ، وَيَغْرَمُ الْوَارِثُ مَا أُنْفِقَ فِي الطَّرِيقِ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ الَّذِي يَحُجُّ عَنْ الْمَيِّتِ لَا يَتَدَاوَى مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ وَلَا يَحْتَجِمُ وَلَا يَشْتَرِي مِنْهُ مَاءً لِيَتَوَضَّأَ أَوْ يَغْتَسِلَ مِنْ الْجَنَابَةِ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَشْتَرِيَ مَا يَغْسِلُ بِهِ ثِيَابَهُ وَبَدَنَهُ وَرَأْسَهُ مِنْ الْوَسَخِ. وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُؤَلِّفُ لِلْوَصِيَّةِ بِالصَّدَقَةِ، وَنَحْنُ نَذْكُرُ ذَلِكَ تَتْمِيمًا لِلْفَائِدَةِ. وَهَذَا يَشْتَمِلُ عَلَى أَقْسَامٍ الْأَوَّلُ إذَا أَوْصَى بِالتَّصَدُّقِ بِشَيْءٍ فَيَتَصَدَّقُ بِغَيْرِهِ سُئِلَ ابْنُ مُقَاتِلٍ عَمَّنْ أَوْصَى أَنْ يُتَصَدَّقَ عَنْهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَتُصُدِّقَ عَنْهُ بِالْحِنْطَةِ أَوْ عَلَى عَكْسِهِ قَالَ يَجُوزُ قَالَ الْفَقِيهُ مَعْنَاهُ أَنَّهُ أَوْصَى أَنْ يُتَصَدَّقَ عَنْهُ بِأَلْفِ دِرْهَمِ حِنْطَةِ، وَلَكِنْ سَقَطَ ذَلِكَ عَنْ السُّؤَالِ فَقِيلَ لَهُ إنْ كَانَتْ الْحِنْطَةُ مَوْجُودَةً فَأَعْطَى قِيمَتَهُ دَرَاهِمَ قَالَ أَرْجُو أَنْ يَجُوزَ، وَفِي النَّوَازِلِ، وَبِهِ نَأْخُذُ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ رَجُلٌ قَالَ تَصَدَّقُوا بِثُلُثِ مَالِي، وَوَرَثَتُهُ فُقَرَاءُ فَإِنْ كَانُوا كِبَارًا فَأَجَازَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ جَازَ لِلْمُوصِي أَنْ يُعْطِيَهُمْ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا، وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَوْ أَوْصَى بِصَدَقَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ بِعَيْنِهَا فَتَصَدَّقَ الْوَصِيُّ مَكَانَهَا بِأَلْفٍ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ جَازَ، وَإِنْ هَلَكَتْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 503 الْأُولَى قَبْلَ أَنْ يَتَصَدَّقَ الْوَصِيُّ يَضْمَنُهُ الْوَرَثَةُ مِثْلَهَا، وَعَنْهُ أَنَّهُ تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ، وَلَوْ أَوْصَى بِأَنْ يَتَصَدَّقَ بِشَيْءٍ مِنْ مَالِهِ عَلَى فُقَرَاءِ الْحَجِّ هَلْ يَجُوزُ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَى غَيْرِهِمْ مِنْ الْفُقَرَاءِ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو نَصْرٍ يَجُوزُ ذَلِكَ، وَإِنْ أَوْصَى بِالدَّرَاهِمِ، وَأَعْطَاهُمْ حِنْطَةً لَمْ يَجُزْ قَالَ الْفَقِيهُ، وَقَدْ قِيلَ إنَّهُ يَجُوزُ، وَبِهِ نَأْخُذُ، وَسُئِلَ خَلَفٌ عَمَّنْ أَوْصَى أَنْ يُتَصَدَّقَ بِهَذَا الثَّوْبِ قَالَ إنْ شَاءُوا تَصَدَّقُوا بِعَيْنِهِ، وَإِنْ شَاءُوا بَاعُوا وَأَعْطَوْا ثَمَنَهُ، وَإِنْ شَاءُوا أَعْطَوْا قِيمَةَ الثَّوْبِ، وَأَمْسَكُوا الثَّوْبَ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ بَلْ يَتَصَدَّقُ بِعَيْنِهِ كَمَا هُوَ. وَكَذَا اللُّقَطَةُ، وَلَوْ نَذَرَ، وَقَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِهَذَا الثَّوْبِ جَازَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِقِيمَتِهِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِقَوْلِ خَلَفٍ نَأْخُذُ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي الزِّيَادَاتِ فِيمَنْ أَوْصَى أَنْ يُبَاعَ هَذَا الْعَبْدُ، وَيُتَصَدَّقَ بِثَمَنِهِ عَلَى الْمَسَاكِينِ جَازَ لَهُمْ التَّصَدُّقُ بِعَيْنِ الْعَبْدِ فَثَبَتَ أَنَّ التَّصَدُّقَ بِالْعَيْنِ وَبِالثَّمَنِ عَلَى السَّوَاءِ، وَسُئِلَ أَبُو الْقَاسِمِ عَمَّنْ أَوْصَى إلَى رَجُلٍ، وَقَالَ لَهُ بِالْفَارِسِيَّةِ فُلَانٌ نَعَمْ راجام كر فَأَعْطَاهُ ثَمَنَ الْكِرْبَاسِ قَالَ هَذَا يَقَعُ عَلَى الْمِخْيَطِ، وَفِي الْأَجْنَاسِ، وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ إذَا أَوْصَى أَنْ يُتَصَدَّقَ عَنْهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَتُصُدِّقَ بِقِيمَتِهَا دَنَانِيرَ يَجُوزُ، وَفِي الْخَانِيَّةِ رَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَجُوزُ، وَلَوْ أَوْصَى أَنْ يُتَصَدَّقَ بِثَمَنِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُمْسِكَ الثَّوْبَ لِلْوَرَثَةِ، وَيَتَصَدَّقَ بِقِيمَتِهِ، وَلَوْ قَالَ اشْتَرِ عَشَرَةَ أَثْوَابٍ، وَتَصَدَّقْ بِهَا فَاشْتَرَى الْوَصِيُّ فَلَهُ أَنْ يَبِيعَهَا وَيَتَصَدَّقَ بِثَمَنِهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ تَصَدَّقُوا بِثُلُثِ مَالِي وَلَهُ دُورٌ وَأَرَضُونَ فَلِلْوَصِيِّ أَنْ يَبِيعَ تِلْكَ الدُّورَ وَالْأَرْضِينَ، وَيَتَصَدَّقَ بِالثَّمَنِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ تَصَدَّقُوا بِثُلُثِ مَالِي، وَبِهَذَا الْعَبْدِ فَلِلْوَصِيِّ أَنْ يَبِيعَ ذَلِكَ الْعَبْدَ، وَيَتَصَدَّقَ بِالثَّمَنِ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ إذَا أَوْصَى أَنْ يَتَصَدَّقَ عَنْهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ بِعَيْنِهَا فَتَصَدَّقَ الْوَصِيُّ بِأَلْفٍ أُخْرَى مَكَانَهَا مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ جَازَ،. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْحَيَّ إذَا نَذَرَ بِالتَّصَدُّقِ بِمَالِ نَفْسِهِ فَتَصَدَّقَ بِمِثْلِهِ أَوْ قِيمَتِهِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ فَإِنْ هَلَكَتْ الْأَلْفُ الَّتِي عَيَّنَهَا الْوَصِيُّ قَبْلَ أَنْ يَتَصَدَّقَ الْوَصِيُّ ضَمِنَ الْوَارِثُ مِثْلَهَا، وَعَنْهُ أَيْضًا لَوْ أَوْصَى بِأَلْفِ دِرْهَمٍ بِعَيْنِهَا تَصَدَّقَ عَنْهُ فَهَلَكَتْ الْأَلْفُ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ. وَفِي النَّوَازِلِ إذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِهَذِهِ الْبَقَرَةِ لَمْ يَكُنْ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يَتَصَدَّقُوا بِثَمَنِهَا قَالَ الْفَقِيهُ، وَبِهِ نَأْخُذُ الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ هَذَا النَّوْعِ إذَا أَوْصَى أَنْ يُتَصَدَّقَ عَلَى مِسْكِينٍ بِعَيْنِهِ فَتُصُدِّقَ عَلَى غَيْرِهِ ضَمِنَ، وَفِي نَوَادِرِهِ إذَا أَوْصَى أَنْ يُتَصَدَّقَ عَلَى مَسَاكِينِ مَكَّةَ أَوْ مَسَاكِينِ الرَّيِّ فَتَصَدَّقَ الْوَصِيُّ عَلَى غَيْرِ هَذَا الصِّنْفِ ضَمِنَ إنْ كَانَ الْآخَرُ حَيًّا، وَكَذَلِكَ لَوْ أَوْصَى أَنْ يُتَصَدَّقَ عَلَى الْمَرْضَى مِنْ الْفُقَرَاءِ أَوْ الشُّيُوخِ مِنْ الْفُقَرَاءِ فَتَصَدَّقَ عَلَى الشَّبَابِ مِنْ الْفُقَرَاءِ ضَمِنَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَلَمْ يُقَيِّدْ هَذَا الْمَسْأَلَةُ بِحَيَاةِ الْآمِرِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ، وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ عَلَى فُلَانٍ فَتَصَدَّقَ عَلَى غَيْرِهِ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ جَازَ، وَلَوْ أَمَرَ غَيْرَهُ بِالتَّصَدُّقِ فَفَعَلَ الْمَأْمُورُ ذَلِكَ ضَمِنَ الْمَأْمُورُ، وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ عَلَى مَسَاكِينِ مَكَّةَ فَلَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَى غَيْرِهِمْ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَةٌ أُخْرَى فِيمَنْ أَوْصَى أَنْ يُتَصَدَّقَ عَنْهُ عَلَى فُقَرَاءِ مَكَّةَ فَتُصُدِّقَ عَلَى فُقَرَاءِ غَيْرِهَا أَنَّهُ يَجُوزُ، وَسُئِلَ أَبُو نَصْرٍ عَمَّنْ أَوْصَى أَنْ يُتَصَدَّقَ عَنْهُ لَهُمْ فَتُصُدِّقَ عَلَى غَيْرِهِمْ مِنْ الْفُقَرَاءِ قَالَ يَجُوزُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ عَنْهُ، وَفِي أَمَالِي الْحَسَنِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ كَقَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَالْمَذْكُورُ فِي الْأَمَالِي إذَا أَوْصَى لَمَسَاكِينِ الْكُوفَةِ فَقَسَمَ الْوَصِيُّ فِي غَيْرِ مَسَاكِينِ الْكُوفَةِ ضَمِنَ، وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ حَيَاةِ الْآمِرِ وَبَيْنَ وَفَاتِهِ وَالْفَتْوَى عَلَى الْجَوَازِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ. وَفِي نَوَادِرِ أَبِي يُوسُفَ إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ تَصَدَّقْ بِهَذِهِ الْعَشَرَةِ الدَّرَاهِمِ عَلَى عَشَرَةِ مَسَاكِينَ فَتَصَدَّقَ بِهَا عَلَى مِسْكِينٍ وَاحِدٍ دَفْعَةً وَاحِدَةً جَازَ قَالَ وَهَذَا عَلَى أَنَّ الْآمِرَ فِي الصَّدَقَةِ لَيْسَ عَلَى عَدَدِ الْمَسَاكِينِ، وَلَوْ قَالَ تَصَدَّقْ بِهَا عَلَى عَشَرَةٍ لَا يَجُوزُ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ قَالَ تَصَدَّقْ بِهَا عَلَى مِسْكِينٍ وَاحِدٍ فَأَعْطَاهَا عَشَرَةَ مَسَاكِينَ جَازَ، وَلَوْ قَالَ فِي عَشَرَةِ أَيَّامٍ فَتَصَدَّقَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ جَازَ، وَكَذَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَفِي الْفَتَاوَى سُئِلَ إبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ عَمَّنْ أَوْصَى لِفُقَرَاءِ أَهْلِ بَلْخٍ فَالْأَفْضَلُ أَنْ لَا يَتَجَاوَزَ بَلْخًا، وَلَوْ أَعْطَى فُقَرَاءَ مَكَّةَ، وَكُورَةً أُخْرَى جَازَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَّا فَمِنْ حَيْثُ يَبْلُغُ) أَيْ إنْ لَمْ يَبْلُغْ ثُلُثَ النَّفَقَةِ إذَا أَحَجُّوا عَنْهُ مِنْ بَلَدِهِ حَجُّوا مِنْ حَيْثُ يَبْلُغُ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يُحَجَّ عَنْهُ لِأَنَّهُ أَوْصَى بِالْحَجِّ عَلَى صِفَةٍ، وَقَدْ عُدِمَتْ تِلْكَ الصِّفَةُ فِيهِ، وَلَكِنْ جَازَ ذَلِكَ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّ مَقْصُودَهُ تَنْفِيذُ الْوَصِيَّةِ فَيَجِبُ تَنْفِيذُهَا مَا أَمْكَنَ وَلَا يُمْكِنُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَيُوَفَّى بِهِ عَلَى وَجْهٍ مُمْكِنٍ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ إبْطَالِهِ بِخِلَافِ الْعِتْقِ، وَقَدْ فَرَّقْنَا بَيْنَهُمَا فِيمَا إذَا أَوْصَى بِأَنْ يَشْتَرِيَ عَبْدًا بِمَالٍ قَدَّرَهُ فَضَاعَ بَعْضُهُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ خَرَجَ مِنْ بَلَدِهِ حَاجًّا فَمَاتَ فِي الطَّرِيقِ، وَأَوْصَى بِأَنْ يُحَجَّ عَنْهُ يُحَجُّ عَنْهُ مِنْ بَلَدِهِ) وَإِنْ أَحَجُّوا عَنْهُ مِنْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 504 مَوْضِعٍ آخَرَ فَإِنْ كَانَ أَقْرَبَ مِنْ بَلَدِهِ إلَى مَكَّةَ ضَمِنُوا النَّفَقَةَ، وَإِنْ كَانَ أَبْعَدَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ فِي الْأَوَّلِ لَمْ يُحَصِّلُوا مَقْصُودَهُ بِصِفَةِ الْكَمَالِ، وَالْإِطْلَاقُ يَقْتَضِي ذَلِكَ، وَفِي الثَّانِي حَصَّلُوا مَقْصُودَهُ وَزِيَادَةً. وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا يُحَجُّ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ مَاتَ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّ سَفَرَهُ بِنِيَّةِ الْحَجِّ وَقَعَ قُرْبَةً، وَسَقَطَ فَرْضُ مَنْ قَطَعَ الْمَسَافَةَ بِقَدْرِهِ، وَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا} [النساء: 100] الْآيَةَ، وَلَمْ يَنْقَطِعْ سَفَرُهُ بِمَوْتِهِ بَلْ كُتِبَ لَهُ حَجٌّ مَبْرُورٌ فَيَبْدَأُ مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ كَأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْمَكَانِ بِخِلَافِ مَا إذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ لِلتِّجَارَةِ لِأَنَّ سَفَرَهُ لَمْ يَقَعْ قُرْبَةً فَيُحَجُّ عَنْهُ مِنْ بَلَدِهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْوَصِيَّةَ تَنْصَرِفُ إلَى الْحَجِّ مِنْ بَلَدِهِ لِأَنَّهُ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ، وَعَمَلُهُ قَدْ انْقَطَعَ بِالْمَوْتِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يَنْقَطِعُ بِمَوْتِهِ إلَّا ثَلَاثَ» الْحَدِيثَ، وَالْمُرَادُ بِالثَّلَاثِ فِي حَقِّ أَحْكَامِ الْآخِرَةِ مِنْ الثَّوَابِ، وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَنْ لَهُ وَطَنٌ، وَأَمَّا مَنْ لَا وَطَنَ لَهُ فَيُحَجُّ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ مَاتَ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ لَوْ حَجَّ بِنَفْسِهِ إنَّمَا كَانَ يَتَجَهَّزُ مِنْ حَيْثُ هُوَ فَكَذَا إذَا حَجَّ غَيْرُهُ لِأَنَّ وَطَنَهُ حَيْثُ حَلَّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْحَاجُّ عَنْ غَيْرِهِ مِثْلُهُ) أَيْ الْمَأْمُورُ بِالْحَجِّ عَنْ الْغَيْرِ فَحَجَّ عَنْهُ فَمَاتَ فِي الطَّرِيقِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْحَاجِّ عَنْ نَفْسِهِ إذَا مَاتَ فِي الطَّرِيقِ حَتَّى يُحَجَّ عَنْهُ كَمَا بَيَّنَّا مِنْ وَطَنِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا مِنْ حَيْثُ مَاتَ الْأَوَّلُ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا فِي كِتَابِ الْحَجِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الْوَصِيَّةِ لِلْأَقَارِبِ وَغَيْرِهِمْ] (بَابُ الْوَصِيَّةِ لِلْأَقَارِبِ وَغَيْرِهِمْ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ إنَّمَا أَخَّرَ هَذَا الْبَابَ عَمَّا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّ فِي هَذَا الْبَابِ ذِكْرَ أَحْكَامِ الْوَصِيَّةِ لِقَوْمٍ مَخْصُوصِينَ، وَفِيمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُ أَحْكَامِهَا عَلَى وَجْهِ الْعُمُومِ، وَالْخُصُوصُ أَبَدًا يَتْلُو الْعُمُومَ وَقَوْلُهُ: جِيرَانُهُ كَانَ حَقُّ الْكَلَامِ أَنْ يُقَدِّمَ ذِكْرَ الْوَصِيَّةِ لِلْأَقَارِبِ نَظَرًا إلَى مَا فِي التَّرْجَمَةِ وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ الْوَاوُ لَا تَدُلُّ عَلَى التَّرْتِيبِ، وَأَنْ يُقَالَ قَدَّمَ ذِكْرَ الْجِيرَانِ لِلِاهْتِمَامِ بِهِمْ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (جِيرَانُهُ مُلَاصِقُوهُ) يَعْنِي لَوْ أَوْصَى إلَى جِيرَانِهِ يُصْرَفُ ذَلِكَ لِلْمُلَاصِقِينَ لِجِدَارِهِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْمُجَاوِرَةِ وَهِيَ الْمُلَاصَقَةُ وَلِهَذَا حُمِلَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْجَارُ أَحَقُّ بِشُفْعَتِهِ» حَتَّى لَا يَسْتَحِقَّ الشُّفْعَةَ غَيْرُ الْمُلَاصِقِ بِالْجِوَارِ وَلِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ صَرْفُهُ إلَى الْجَمِيعِ صُرِفَ إلَيْهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ جَارُ الْمَحَلَّةِ وَجَارُ الْأَرْضِ وَجَارُ الْقَرْيَةِ فَوَجَبَ صَرْفُهُ إلَى أَخَصِّ الْخُصُوصِ وَهُوَ الْمُلَاصِقُ فِي الِاسْتِحْسَانِ، وَفِي قَوْلِهِمَا جَارُ الرَّجُلِ هُوَ مَنْ يَسْكُنُ مَحَلَّتَهُ وَيَجْمَعُهُمْ مَسْجِدُ الْمَحَلَّةِ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ يُسَمُّونَ جَارًا عُرْفًا وَشَرْعًا «قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ» فَفُسِّرَ بِكُلِّ مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْوَصِيَّةِ لِلْجِيرَانِ بِرُّهُمْ، وَالْإِحْسَانُ إلَيْهِمْ وَاسْتِحْسَانُهُ يَنْتَظِمُ الْمُلَاصِقِينَ وَغَيْرَهُمْ إلَّا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الِاخْتِلَاطِ لِيَتَحَقَّقَ مِنْهُمْ مَعْنَى الِاسْمِ، وَالِاخْتِلَاطُ عِنْدَ اتِّحَادِ الْمَسْجِدِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْجَارُ إلَى أَرْبَعِينَ دَارًا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «حَقُّ الْجَارِ أَرْبَعُونَ دَارًا هَكَذَا وَهَكَذَا» قُلْنَا هَذَا ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ النَّقْلِ فَلَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ وَيَسْتَوِي فِيهِ الْجَارُ السَّاكِنُ، وَالْمَالِكُ، وَالذَّكَرُ، وَالْأُنْثَى، وَالْمُسْلِمُ، وَالذِّمِّيُّ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ يَتَنَاوَلُ الْكُلَّ وَيَدْخُلُ فِيهِ الْعَبْدُ السَّاكِنُ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ هَذَا يَتَنَاوَلُهُ وَلَا يَدْخُلُ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَهُ وَصِيَّةٌ لِمَوْلَاهُ وَهُوَ لَيْسَ بِجَارٍ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ مَا فِي يَدِهِ لِلِاخْتِصَاصِ بِهِ ثَبَتَ لَهُ وَلَا يَمْلِكُهُ الْمَوْلَى إلَّا بِالتَّمْلِيكِ مِنْهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ وَإِنْ كَانَ مَوْلَاهُ غَنِيًّا بِخِلَافِ الْقِنِّ، وَالْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ فَالْأَرْمَلَةُ تَدْخُلُ؛ لِأَنَّ سُكْنَاهَا مُضَافٌ إلَيْهَا وَلَا تَدْخُلُ الَّتِي لَهَا بَعْلٌ؛ لِأَنَّ سُكْنَاهَا غَيْرُ مُضَافٍ إلَيْهَا وَإِنَّمَا هِيَ تَبَعٌ فَلَمْ تَكُنْ جَارًا حَقِيقَةً، وَفِي الْمُنْتَقَى وَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِجِيرَانِهِ فَإِنْ كَانُوا يُحْصَوْنَ يُقَسَّمُ عَلَى أَغْنِيَائِهِمْ وَفُقَرَائِهِمْ وَلِذَلِكَ لَوْ قَالَ لِأَهْلِ مَحَلَّةٍ كَذَا أَوْ لِأَهْلِ مَسْجِدٍ كَذَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي اللَّفْظِ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّخْصِيصِ قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رَجُلٌ أَوْصَى بِمِائَةِ دِرْهَمٍ لِرَجُلٍ مِنْ جِيرَانِهِ ثُمَّ أَوْصَى لِجِيرَانِهِ بِمِائَةٍ يُنْظَرُ فِيمَا أَوْصَى لِهَذَا وَفِيمَا يُصِيبُهُ مَعَ الْجِيرَانِ فَيَدْخُلُ الْأَقَلُّ فِي الْأَكْثَرِ؛ لِأَنَّ الْمِائَةَ إذَا كَانَتْ أَكْثَرَ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّهَا بِاسْمِ الْجِيرَةِ وَقَدْ آثَرَهُ الْمُوصِي بِتَعَيُّنِ الْمِائَةِ فَلَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا آخَرَ فَإِذَا كَانَ نَصِيبُهُ مَعَ الْجِيرَانِ أَكْثَرَ يَكُونُ رُجُوعًا عَمَّا سُمِّيَ لَهُ وَشِرْكًا لَهُ مَعَ الْجِيرَانِ كُلِّهِمْ. وَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِمُجَاوِرِي مَكَّةَ فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ جَائِزَةٌ فَإِنْ كَانُوا لَا يُحْصَوْنَ صُرِفَ إلَى أَهْلِ الْحَاجَةِ مِنْهُمْ وَإِنْ كَانُوا يُحْصَوْنَ قُسِّمَتْ عَلَى رُءُوسِهِمْ وَاخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِ الْإِحْصَاءِ وَتَقْدِيرِهِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لَا يُحْصَوْنَ إلَّا بِكِتَابٍ وَحِسَابٍ فَإِنَّهُمْ لَا يُحْصَوْنَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: إنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ الْمِائَةِ لَا يُحْصَوْنَ وَإِنْ كَانُوا أَقَلَّ يُحْصَوْنَ وَقِيلَ الْأَمْرُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 505 مَوْكُولٌ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي وَهُوَ الْأَحْوَطُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لِكُهُولِ أَهْلِ بَيْتِهِ فَهُوَ لِأَبْنَاءِ الثَّلَاثِينَ إلَى الْأَرْبَعِينَ، وَالشَّابِّ إذَا احْتَلَمَ إلَى ثَلَاثِينَ، وَالشَّيْخِ مَنْ كَانَ شَيْبُهُ أَكْثَرَ فَهُوَ شَيْخٌ وَإِنْ كَانَ السَّوَادُ أَكْثَرَ فَهُوَ لَيْسَ بِشَيْخٍ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّ الْكَهْلَ مَنْ لَهُ أَرْبَعُونَ سَنَةً إلَى خَمْسِينَ وَذَكَرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ إذَا بَلَغَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ سَنَةً صَارَ كَهْلًا، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ إذَا بَلَغَ الثَّلَاثِينَ وَخَالَطَهُ الشَّيْبُ فَهُوَ كَهْلٌ وَإِنْ لَمْ يُخَالِطْهُ فَهُوَ شَابٌّ، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ الِاعْتِبَارُ بِالسِّنِّ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنُ مُرَاعَاةً فِي حَقِّ الْكُلِّ عَلَى نَهْجٍ وَاحِدٍ، وَفِي بَعْضِهَا اُعْتُبِرَ مِنْ حَيْثُ الْأَمَارَةُ، وَالْعَلَامَةُ فَإِنَّ النَّاسَ يَتَعَارَفُونَ ذَلِكَ وَأَطْلَقُوا الِاسْمَ عِنْدَ وُجُودِ الْعَلَامَةِ وَهُوَ الشَّمْطُ، وَالشَّيْبُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَصْهَارُهُ كُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ امْرَأَتِهِ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمَّا تَزَوَّجَ صَفِيَّةَ أَعْتَقَ كُلَّ مَنْ مَلَكَ مِنْ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهَا إكْرَامًا لَهَا وَكَانُوا يُسَمَّوْنَ أَصْهَارَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَهَذَا التَّفْسِيرُ اخْتِيَارُ مُحَمَّدٍ وَأَبِي عُبَيْدِ اللَّهِ، وَفِي الصِّحَاحِ: الْأَصْهَارُ أَهْلُ بَيْتِ الْمَرْأَةِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْمُحَرَّمِ، وَقَالَ الْقَرَافِيُّ فِي قَوْله تَعَالَى {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا} [الفرقان: 54] النَّسَبُ مَا لَا يَحِلُّ نِكَاحُهُ، وَالصِّهْرُ الَّذِي يَحِلُّ نِكَاحُهُ كَبَنَاتِ الْعَمِّ، وَالْخَالِ وَأَشْبَاهِهِنَّ مِنْ الْقَرَابَةِ الَّتِي يَحِلُّ تَزْوِيجُهَا، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ خِلَافُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَالَ حَرَّمَ اللَّهُ مِنْ النَّسَبِ سَبْعًا وَمِنْ الصِّهْرِ سَبْعًا {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23] إلَى قَوْله تَعَالَى {وَبَنَاتُ الأُخْتِ} [النساء: 23] وَمِنْ الصِّهْرِ سَبْعًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} [النساء: 23] إلَى قَوْلِهِ {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} [النساء: 23] . قَالَ فِي الْمُغْرِبِ عَقِيبَ ذِكْرِهِ قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ لَا ارْتِيَابَ فِيهِ هَذَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ وَكَذَا يَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ ذِي رَحِمٍ مُحْرِمٍ مِنْ زَوْجَةِ أَبِيهِ وَزَوْجَةِ ابْنِهِ وَزَوْجَةِ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مُحْرِمٍ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ أَصْهَارٌ وَشَرْطُهُ أَنْ يَمُوتَ وَهِيَ مَنْكُوحَتُهُ أَوْ مُعْتَدَّتُهُ مِنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ لَا مِنْ بَائِنٍ سَوَاءٌ وَرِثَتْ بِأَنْ أَبَانَهَا فِي الْمَرَضِ أَوْ لَمْ تَرِثْ؛ لِأَنَّ الرَّجْعِيَّ لَا يَقْطَعُ النِّكَاحَ، وَالْبَائِنَ يَقْطَعُهُ، وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ: الْأَصْهَارُ فِي عُرْفِهِمْ كُلُّ ذِي رَحِمٍ مُحْرِمٍ مِنْ نِسَائِهِ الَّذِي يَمُوتُ هُوَ وَهُنَّ نِسَاؤُهُ أَوْ فِي عِدَّةٍ مِنْهُ، وَفِي عُرْفِنَا أَبُو الْمَرْأَةِ وَأُمُّهَا وَلَا يُسَمَّى غَيْرُهُمَا صِهْرًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَخْتَانُهُ زَوْجُ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ) كَأَزْوَاجِ الْبَنَاتِ، وَالْعَمَّاتِ، وَالْخَالَاتِ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ يُسَمَّى خَتَنًا وَكُلُّ ذِي رَحِمٍ مُحْرِمٍ مِنْهُ مُحْرِمٌ مِنْ أَزْوَاجِهِنَّ؛ لِأَنَّهُنَّ يُسَمَّوْنَ أَخْتَانًا وَقِيلَ هَذَا فِي عُرْفِهِمْ، وَفِي عُرْفِنَا لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا أَزْوَاجَ الْمَحَارِمِ وَيَسْتَوِي فِيهِ الْحُرُّ، وَالْعَبْدُ قَالَ إذَا أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِأَخْتَانِهِ أَوْ لِأَخْتَانِ فُلَانٍ فَاعْلَمْ أَنَّ الْأَخْتَانَ أَزْوَاجُ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مُحَرِّمٍ مِنْهُ كَأَزْوَاجِ الْبَنَاتِ، وَالْأَخَوَاتِ، وَالْعَمَّاتِ، وَالْخَالَاتِ وَكَذَا كُلُّ ذِي رَحِمٍ مُحَرِّمٍ مِنْ أَزْوَاجِ هَؤُلَاءِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى فَهُمَا أَخْتَانٌ. كَذَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْكِتَابِ قَالَ مَشَايِخُنَا وَهَذَا بِنَاءً عَلَى عُرْفِ أَهْلِ الْكُوفَةِ أَمَّا فِي سَائِرِ الْبُلْدَانِ اسْمُ الْخَتَنِ يُطْلَقُ عَلَى زَوْجِ الْبِنْتِ وَزَوْجِ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مُحَرِّمٍ مِنْهُ وَلَا يُطْلَقُ عَلَى ذِي رَحِمٍ مُحَرِّمٍ مِنْهُ مِنْ أَزْوَاجِ هَؤُلَاءِ، وَالْعِبْرَةُ لِلْعُرْفِ، وَفِي الْكَافِي: وَيَسْتَوِي فِيهِ الْحُرُّ، وَالْعَبْدُ، وَالْأَقْرَبُ وَالْأَبْعَدُ، وَاللَّفْظُ يَشْمَلُ الْكُلَّ قَالَ: وَلَا يَكُونُ الْأَخْتَانُ مِنْ قِبَلِ أَبِي الْمُوصِي يُرِيدُ بِهِ أَنَّ امْرَأَةَ الْمُوصِي إذَا كَانَتْ لَهَا بِنْتٌ مِنْ زَوْجٍ آخَرَ وَلَهَا زَوْجٌ فَزَوْجُ ابْنَتِهَا لَا يَكُونُ خَتَنًا لِلْمُوصِي فَلَوْ أَوْصَى لِأَصْهَارِهِ مِنْ نِسَاءِ الْمُوصِي فَهِيَ صِهْرُهُ هَكَذَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْكِتَابِ وَتَقَدَّمَ غَيْرُهُ، وَالْأَخْذُ بِمَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ مُوَافِقٌ لِلْعُرْفِ وَإِنَّمَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْوَصِيَّةِ مَنْ كَانَ صِهْرًا لِلْوَصِيِّ يَوْمَ مَوْتِهِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُعْتَبَرَ حَالَةَ الْمَوْتِ وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ الَّتِي يَثْبُتُ بِهَا الصِّهْرُ مَنْكُوحَةً لَهُ عِنْدَ الْمَوْتِ أَوْ مُعْتَدَّةً عَنْهُ بِطَلَاقٍ رَجْعِيٍّ أَمَّا إذَا كَانَتْ بَائِنَةً بِثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ أَوْ بِتَطْلِيقَةٍ بَائِنَةٍ فَلَا وَكَذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ الْأَخْتَانِ إنَّمَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْوَصِيَّةِ مَنْ كَانَ خَتَنًا لِلْمُوصِي عِنْدَ مَوْتِهِ وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ لِقِيَامِ النِّكَاحِ بَيْنَ مَحَارِمِهِ وَأَزْوَاجِهِنَّ عِنْدَ مَوْتِ الْمُوصِي، وَيَسْتَوِي أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ أَمَةً أَوْ حُرَّةً عَلَى دِينِهِ أَوْ غَيْرِ دِينِهِ كَمَا فِي الْمُنْتَقَى إذَا قَالَ: أَوْصَيْت لِزَوْجَةِ ابْنِي بِكَذَا فَهُوَ عَلَى زَوْجِهَا يَوْمَ مَاتَ الْمُوصِي، وَلَوْ قَالَ لِأَزْوَاجِ ابْنَتِي وَلِابْنَتِهِ أَزْوَاجٌ قَدْ طَلَّقُوا، وَزَوْجٌ حَالَ الْمَوْتِ لَمْ يُطَلِّقْهَا فَالْوَصِيَّةُ لِلْكُلِّ وَلَوْ أَوْصَى لِامْرَأَةِ ابْنِهِ فَهَذَا عَلَى امْرَأَةِ ابْنِهِ يَوْمَ مَوْتِ الْمُوصِي وَإِنَّمَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْوَصِيَّةِ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ حَتَّى لَوْ كَانَ لِابْنِهِ امْرَأَةٌ يَوْمَ الْوَصِيَّةِ وَتَزَوَّجَ بِامْرَأَةٍ أُخْرَى ثُمَّ مَاتَ الْمُوصِي فَالْخِيَارُ إلَى الْوَرَثَةِ يُعْطُونَ أَيَّتَهمَا شَاءُوا وَيُجْبَرُونَ عَلَى أَنْ يُبَيِّنُوا فِي أَحَدِهِمَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَهْلُهُ زَوْجَتُهُ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا رَحِمَهُمَا اللَّهُ يَتَنَاوَلُ كُلُّ مَنْ يَعُولُهُمْ وَتَضُمُّهُمْ نَفَقَتُهُ غَيْرَ مَمَالِيكِهِ اعْتِبَارًا بِالْعُرْفِ وَهُوَ مُؤَيَّدٌ بِالنَّصِّ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 506 {وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ} [يوسف: 93] ، وَقَالَ تَعَالَى {فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلا امْرَأَتَهُ} [الأعراف: 83] ، وَالْمُرَادُ مَنْ كَانَ فِي عِيَالِهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الِاسْمَ حَقِيقَةً لِلزَّوْجَةِ يَشْهَدُ بِذَلِكَ النَّصُّ، وَالْعُرْفُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَسَارَ بِأَهْلِهِ} [القصص: 29] ، وَالْمُطْلَقُ يَنْصَرِفُ إلَى الْحَقِيقَةِ الْمُسْتَعْمَلَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَآلُهُ أَهْلُ بَيْتِهِ) ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَنْ تَأَهَّلَ بِبَلْدَةٍ فَهُوَ مِنْهَا؛ لِأَنَّ الْآلُ الْقَبِيلَةُ الَّتِي يُنْسَبُ إلَيْهَا فَيَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ مَنْ يُنْسَبُ إلَيْهِ مِنْ قِبَلِ آبَائِهِ إلَى أَقْصَى أَبٍ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ الْأَقْرَبُ، وَالْأَبْعَدُ، وَالذَّكَرُ، وَالْأُنْثَى، وَالْمُسْلِمُ، وَالْكَافِرُ، وَالصَّغِيرُ، وَالْكَبِيرُ فِيهِ سَوَاءٌ وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ أَوْلَادُ الْبَنَاتِ وَأَوْلَادُ الْأَخَوَاتِ وَلَا أَحَدٌ مِنْ قَرَابَةِ أُمِّهِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُنْسَبُونَ إلَى أَبِيهِ وَإِنَّمَا يُنْسَبُونَ إلَى آبَائِهِمْ فَكَانُوا مِنْ جِنْسٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ يُعْتَبَرُ مِنْ الْآبَاءِ، وَفِي الْمَبْسُوطِ: وَلَوْ أَوْصَى بِمَالِهِ لِقَرَابَتِهِ فَالْقَرَابَةُ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ؛ لِأَنَّ الْقُرْبَ يَثْبُتُ بِالِاتِّصَالِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَإِنْ أَوْصَى لِذَوِي قَرَابَتِهِ أَوْ لِذَوِي أَرْحَامِهِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ هُوَ لِكُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ اثْنَانِ فَصَاعِدٌ الْأَقْرَبُ وَعِنْدَهُمَا يَسْتَحِقُّهُ الْوَاحِدُ وَيَسْتَوِي فِيهِ الْمُحَرَّمُ وَغَيْرُ الْمَحْرَمِ، وَالْبَعِيدُ، وَالْقَرِيبُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ لَهُمَا أَنَّ الْقَرَابَةَ اسْمٌ عَامٌّ يَعُمُّ الْكُلَّ وَيَشْمَلُهُمْ بِدَلِيلِ أَنَّهُ «لَمَّا نَزَلَ قَوْله تَعَالَى {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214] دَعَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبَائِلَ قُرَيْشٍ وَأَنْذَرَهُمْ» فَأَكْثَرُ بَنِي هَاشِمٍ لَيْسَ بِمُحَرَّمٍ مِنْهُ وَبَعِيدٌ عَنْهُ فِي الْقَرَابَةِ وَلِأَنَّ إطْلَاقَ الْقَرِيبِ فِي اسْتِعْمَالِ الْكَلَامِ فِي الْأَبَاعِدِ مِنْ الْأَقَارِبِ أَكْثَرُ مِنْ إطْلَاقِهِ عَلَى الْأَقْرَبِ مِنْ الْأَقَارِبِ فَإِنَّهُ يُقَالُ لِمَنْ بَعُدَ مِنْهُ هَذَا قَرِيبٌ مِنِّي وَلَا يُقَالُ لِمَنْ قَرُبَ مِنْهُ كَالْعَمِّ هَذَا قَرِيبِي. وَالْقَرَابَةُ اسْمُ جِنْسٍ فَيَتَنَاوَلُ الْوَاحِدَ فَصَاعِدًا كَاسْمِ الرَّجُلِ وَأَبُو حَنِيفَةَ اعْتَبَرَ فِي اسْتِحْقَاقِ أَرْبَعَةِ شَرَائِطَ أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَحِقُّ اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا إذَا كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِاسْمِ الْجَمْعِ وَهُوَ قَوْلُهُ قَرَابَتِي مِنْ الْغُرْبِ وَمَعْنَى الِاجْتِمَاعِ فِيهِ وَهُوَ مُقَابَلَةُ الْفَرْدِ بِالْفَرْدِ، وَالْجَمْعُ مِنْ وَجْهٍ مُلْحَقٌ بِالْجَمْعِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فِي الْمِيرَاثِ فَكَذَا فِي الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا أُخْتُ الْمِيرَاثِ، وَالثَّانِي أَنَّهُ يُعْتَبَرُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ اسْتِحْقَاقَ الْمَالِ بِاسْمِ الْقَرَابَةِ، وَفِي الْمِيرَاثِ يُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ وَيَكُونُ الْأَبْعَدُ مَحْجُوبًا بِالْأَقْرَبِ فَكَذَا فِي الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّهُمَا أَخَوَانِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْوَصِيَّةُ أُخْتُ الْمِيرَاثِ» ، وَالْأُخْتِيَّةُ تَقْتَضِي الِاسْتِوَاءَ، وَالْمُشَارَكَةَ فِي أَصْلِ الِاسْتِحْقَاقِ. وَالثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْمُوصِي حَتَّى إنَّ أَوْلَادَ الْعَمِّ لَا تَسْتَحِقُّهُ بِهَذِهِ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْوَصِيَّةِ صِلَةُ الْقَرَابَةِ فَيَخْتَصُّ بِهَا مَنْ يَسْتَحِقُّ الصِّلَةَ بِالْقَرَابَةِ وَهُوَ الْقَرَابَةُ الْمُحَرِّمَةُ لِلنِّكَاحِ الْمُوجِبَةِ لِلصِّلَةِ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهَا صِلَةُ اسْتِحْقَاقِ النَّفَقَةِ، وَالْعِتْقِ عِنْدَ دُخُولِهِ فِي مِلْكِهِ، وَالرَّابِعُ: أَنْ لَا يَكُونَ مِمَّنْ يَرِثُ مِنْ الْمُوصِي؛ لِأَنَّ قَصْدَ الْمُوصِي صِحَّةُ الْوَصِيَّةِ وَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِلْوَارِثِ وَيَسْتَوِي فِيهِ الرِّجَالُ، وَالنِّسَاءُ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْقَرَابَةِ يَتَنَاوَلُهُمَا لِصِفَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَيْسَ فِي لَفْظِ الْمُوصِي مَا يَدُلُّ عَلَى تَفْضِيلِ الذَّكَرِ عَلَى الْأُنْثَى وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الْوَالِدَانِ، وَالْوَلَدُ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَنْطَبِقُ عَلَيْهِمَا اسْمُ الْقَرَابَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ} [البقرة: 180] فَقَدْ عَطَفَ الْأَقْرَبِينَ عَلَى الْوَالِدَيْنِ، وَالْمَعْطُوفُ غَيْرُ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ الْجُزْئِيَّةَ، وَالْبَعْضِيَّةَ بَيْنَهُمَا ثَابِتَةٌ وَاسْمُ الْقَرَابَةِ لَا يُطْلَقُ مَعَ وُجُودِ الْجُزْئِيَّةِ، وَالْبَعْضِيَّةِ فِي عُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ، وَالْجَدُّ، وَالْجَدَّةُ وَوَلَدُ الْوَلَدِ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى يَدْخُلُونَ فِي هَذِهِ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّهُمْ يُنْسَبُونَ إلَيْهِ بِوَاسِطَةِ الْقَرِيبِ، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْجَدَّ لَا يَدْخُلُ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ لِأَنَّ اسْمَ الْأَبِ يَتَنَاوَلُهُ وَيَتَنَاوَلُ اسْمَ الْقَرِيبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَلَوْ كَانَ وَاحِدًا يَسْتَحِقُّ نِصْفَ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَى الْوَاحِدِ لَيْسَ لَهُ نِهَايَةٌ مَعْلُومَةٌ فَلَا يُعْتَبَرُ لِلْمُزَاحِمِ أَكْثَرُ مِنْ الْوَاحِدِ كَمَا فِي الْمِيرَاثِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَجِنْسُهُ أَهْلُ بَيْتِ أَبِيهِ) ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَتَجَنَّسُ بِأَبِيهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ هُوَ بِخِلَافِ قَرَابَتِهِ حَيْثُ يَدْخُلُ فِيهِ جِهَةُ الْأَبِ، وَالْأُمِّ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ يُسَمَّوْنَ قَرَابَتَهُ فَلَا يَخْتَصُّ بِشَيْءٍ مِنْهُمْ وَكَذَا أَهْلُ نِسْبَتِهِ وَأَهْلُ نَسَبِهِ فَيَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا وَيَدْخُلُ فِيهِ الْأَبُ، وَالْجَدُّ؛ لِأَنَّ الْأَبَ أَصْلُ النَّسَبِ، وَالْجَدَّ أَصْلُ نَسَبِ أَبِيهِ، وَقَالَ فِي الْكَافِي: لَوْ كَانَ الْأَبُ الْأَكْبَرُ حَيًّا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْمُضَافِ لَا لِلْمُضَافِ إلَيْهِ وَلَوْ أَوْصَتْ الْمَرْأَةُ لِجِنْسِهَا أَوْ لِأَهْلِ بَيْتِهَا لَا يَدْخُلُ وَلَدُهَا؛ لِأَنَّ وَلَدَهَا يُنْسَبُ إلَى أَبِيهِ لَا إلَيْهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ أَبُوهُ مِنْ قَوْمِ أَبِيهَا وَقَرَابَتِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَإِنْ أَوْصَى لِأَقَارِبِهِ أَوْ لِذَوِي قَرَابَتِهِ أَوْ لِأَرْحَامِهِ أَوْ لِأَنْسَابِهِ) فَهِيَ لِلْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ مِنْ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ وَلَا يَدْخُلُ الْوَالِدَانِ، وَالْوَلَدُ، وَالْوَارِثُ وَيَكُونُ لِلِاثْنَيْنِ فَصَاعِدًا وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: الْوَصِيَّةُ لِكُلِّ مَنْ يُنْسَبُ إلَى أَقْصَى أَبٍ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ وَإِنْ لَمْ يُسْلِمْ بَعْدَ أَنْ أَدْرَكَ الْإِسْلَامَ أَوْ أَسْلَمَ عَلَى مَا اخْتَلَفَ فِيهِ الْمَشَايِخُ، وَفَائِدَةُ الِاخْتِلَافِ تَظْهَرُ فِي مِثْلِ أَبِي طَالِبٍ وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الجزء: 8 ¦ الصفحة: 507 إذَا وَقَعَتْ الْوَصِيَّةُ لِأَقْرِبَاءِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَدْخُلُ فِيهِ أَوْلَادُ أَبِي طَالِبٍ وَعَلَى هَذَا وَقَعَتْ الْوَصِيَّةُ عَلَى قَوْلِ مَنْ شَرَطَ الْإِسْلَامَ وَيَدْخُلُونَ عَلَى قَوْلِ مَنْ شَرَطَ إدْرَاكَ الْإِسْلَامِ، وَمَنْ شَرَطَ إسْلَامَهُ صَرَفَهُ إلَى أَوْلَادِ عَلِيٍّ لَا غَيْرُ وَلَا يَدْخُلُ أَوْلَادُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْرِك الْإِسْلَامَ لَهُمَا أَنَّ الِاسْمَ يَتَنَاوَلُ الْكُلَّ؛ لِأَنَّ لَفْظَةَ الْقَرِيبِ حَقِيقَةٌ لِلْكُلِّ إذْ هِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْقَرَابَةِ فَيَكُونُ اسْمًا لِكُلِّ مَنْ قَامَتْ بِهِ. فَيَتَنَاوَلُ مَوَاضِعَ الْخِلَافِ ضَرُورَةً وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْوَصِيَّةَ أُخْتُ الْمِيرَاثِ، وَفِي الْمِيرَاثِ يُعْتَبَرُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ فَكَذَا فِي أُخْتِهِ؛ لِأَنَّ الْأُخْتَ لَا تُخَالِفُ الْأُخْتَ فِي الْأَحْكَامِ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذِهِ الْوَصِيَّةِ تَلَافِي مَا فَرَّطَ فِي إقَامَةِ الْوَاجِبِ وَهُوَ صِلَةُ الرَّحِمِ، وَالْوُجُوبُ يَخْتَصُّ بِذِي الرَّحِمِ الْمُحَرَّمِ، وَلَا مُعْتَبَرَ بِظَاهِرِ اللَّفْظِ بَعْدَ انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَى تَرْكِهِ فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا قَيَّدَهُ بِمَا ذَكَرَهُ وَالْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ قَيَّدَهُ بِالْأَبِ الْأَدْنَى وَلَا تَدْخُلُ قَرَابَةُ الْأَوْلَادِ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُسَمَّوْنَ أَقْرِبَاءَ عَادَةً وَمَنْ يُسَمِّي، وَالِدَهُ قَرِيبًا يَكُونُ مِنْهُ عُقُوقًا إذْ الْقَرِيبُ فِي عُرْفِ أَهْلِ اللُّغَةِ: مَنْ تَقَرَّبَ إلَى غَيْرِهِ بِوَاسِطَةِ غَيْرِهِ وَتَقَرُّبُ الْوَالِدِ، وَالْوَلَدِ بِنَفْسِهِ لَا بِغَيْرِهِ وَلِهَذَا عَطَفَ الْقَرِيبَ عَلَى الْوَالِدَيْنِ فِي قَوْله تَعَالَى: {الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ} [البقرة: 180] ، وَالْعَطْفُ لِلْمُغَايَرَةِ وَلَوْ كَانَ مِنْهُمْ لَمَا عَطَفُوا عَلَيْهِمَا وَيَدْخُلُ فِيهِ الْجَدُّ، وَالْجَدَّةُ وَوَلَدُ الْوَلَدِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُمْ لَا يَدْخُلُونَ وَقِيلَ مَا ذَكَرَاهُ إلَى أَنَّهُ يُصْرَفُ إلَى أَقْصَى أَبٍ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ كَانَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ حِينَ لَمْ يَكُنْ فِي أَقْرِبَاءِ الْإِنْسَانِ الَّذِينَ يُنْسَبُونَ إلَى أَقْصَى أَبٍ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ كَثْرَةً وَأَمَّا فِي زَمَانِنَا فَفِيهِمْ كَثْرَةٌ لَا يُمْكِنُ إحْصَاؤُهُمْ فَيَصْرِفُ الْوَصِيَّةَ إلَى أَوْلَادِ أَبِيهِ وَجَدِّهِ وَجَدِّ أَبِيهِ وَأَوْلَادِ أُمِّهِ وَجَدِّ أُمِّهِ وَجَدَّتِهِ وَجَدَّةِ أُمِّهِ وَلَا يَصْرِفُ إلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ. وَيَسْتَوِي الْحُرُّ، وَالْعَبْدُ، وَالْمُسْلِمُ، وَالْكَافِرُ، وَالصَّغِيرُ، وَالْكَبِيرُ، وَالذَّكَرُ، وَالْأُنْثَى عَلَى الْمَذْهَبَيْنِ وَإِنَّمَا يَكُونُ لِلِاثْنَيْنِ فَصَاعِدًا عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِيهِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ، وَفِي الْمِيرَاثِ يُرَادُ بِالْجَمْعِ الْمُثَنَّى فَكَذَا فِي الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا أُخْتُهُ قَالَ الرَّاجِي عَفْوَ رَبِّهِ: هَذَا ظَاهِرٌ فِي الْأَقَارِبِ وَأَمَّا فِي الْإِنْسَانِ فَمُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ جَمْعُ نَسَبٍ، وَفِيهِ لَا تَدْخُلُ قَرَابَتُهُ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ فَكَيْفَ دَخَلُوا فِيهِ هُنَا قَالَ فِي الْأَصْلِ: وَلَوْ تَرَكَ الْمُوصِي وَلَدًا يَجُوزُ مِيرَاثُهُ وَتَرَكَ عَمَّيْنِ وَخَالَيْنِ فَالْوَصِيَّةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِلْعَمَّيْنِ وَإِنَّمَا شَرَطَ قِيَامَ الْوَلَدِ كَيْ لَا يَكُونَ الْعَمَّانِ وَارِثَيْنِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ الْوَصِيَّةُ بَيْنَ الْعَمَّيْنِ، وَالْخَالَيْنِ أَرْبَاعًا لِاسْتِوَائِهِمْ فِي تَنَاوُلِ اسْمِ الْقَرِيبِ وَلَوْ كَانَ عَمًّا وَخَالَيْنِ فَلِلْعَمِّ النِّصْفُ، وَالْبَاقِي لِلْخَالَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا الْوَصِيَّةُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ وَإِنْ تَرَكَ عَمًّا وَعَمَّةً وَخَالًا وَخَالَةً فَالْوَصِيَّةُ لِلْعَمِّ، وَالْعَمَّةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَفِي الْكَافِي: إذَا أَوْصَى لِأَقَارِبِهِ وَلَهُ عَمَّانِ وَخَالَانِ فَالْوَصِيَّةُ لِعَمَّيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يُقَسَّمُ بَيْنَهُمْ أَرْبَاعًا وَكَذَا فِي قَوْلِهِ: لِأَرْحَامِهِ وَلِذَوِي أَرْحَامِهِ وَلِأَنْسَابِهِ وَلِذَوِي أَنْسَابِهِ، وَلَوْ قَالَ لِذَوِي قَرَابَتِهِ أَوْ لِذِي نَسَبْته أَوْ لِقَرَابَتِهِ فَالْجَوَابُ مَا ذَكَرْنَا إذْ هُنَا لَا يُعْتَبَرُ الْجَمْعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ تَحْتَ الْوَصِيَّةِ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ، وَالْوَاحِدُ فَصَاعِدًا بِلَا خِلَافٍ. وَفِي الْكَافِي وَلَوْ أَوْصَى لِذَوِي قَرَابَتِهِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْجَمْعُ لِاسْتِحْقَاقِ الْكُلِّ حَتَّى لَوْ كَانَ لَهُ عَمٌّ وَخَالَانِ فَكُلُّهُ لِلْعَمِّ عِنْدَهُ قَالَ وَيُعْتَبَرُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ قَرَابَةُ الْمُوصَى لَهُ وَقْتَ مَوْتِ الْمُوصِي لَا وَقْتَ الْإِيصَاءِ قَالَ فِي الْأَصْلِ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُوصِي ذُو رَحِمٍ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَفِي النَّوَازِلِ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ: الْوَصِيَّةُ لِلْقَرَابَةِ إذَا كَانُوا لَا يُحْصَوْنَ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي جَوَازِهَا قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهَا بَاطِلَةٌ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ: إنَّهَا جَائِزَةٌ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى؛ لِأَنَّهَا قُرْبَةٌ لِكَوْنِهَا صِلَةً، وَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِأَهْلِ بَيْتِهِ دَخَلَ فِي الْوَصِيَّةِ كُلُّ مَنْ يَتَّصِلُ بِهِ مِنْ قِبَلِ آبَائِهِ إلَى أَقْصَى أَبٍ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ يَسْتَوِي فِيهِ الْمُسْلِمُ، وَالْكَافِرُ، وَالذَّكَرُ، وَالْأُنْثَى، وَالْمُحَرَّمُ، وَالْقَرِيبُ، وَالْبَعِيدُ وَنَسَبُ الْإِنْسَانِ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ وَكُلُّ مَنْ يَتَّصِلُ بِهِ مِنْ قِبَلِ آبَائِهِ إلَى أَقْصَى أَبٍ فِي الْإِسْلَامِ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ نِسْبَتِهِ فَيَدْخُلُ تَحْتَ الْوَصِيَّةِ وَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْوَصِيَّةِ أَوْلَادُ الْبَنَاتِ قَالَ إلَّا إذَا كَانَ أَزْوَاجُهُنَّ مِنْ بَنِي أَعْمَامِ الْوَصِيِّ وَعَشِيرَتِهِ وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ أَوْلَادُ الْأَخَوَاتِ وَلَا أَحَدٌ مِنْ قَرَابَةِ أُمِّ الْمُوصِي وَإِذَا أَوْصَى لِجِنْسِهِ فَهَذَا وَمَا لَوْ أَوْصَى لِأَهْلِ بَيْتِهِ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ مِنْ جِنْسِ قَوْمِ أَبِيهِ أَلَا تَرَى أَنَّ إبْرَاهِيمَ وَلَدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ قُرَشِيًّا وَكَذَلِكَ أَوْلَادُ الْخُلَفَاءِ يَصْلُحُونَ لِلْخِلَافَةِ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مِنْ الْإِمَاءِ وَاعْتُبِرُوا مِنْ جِنْسِ قَوْمِ آبَائِهِمْ فَصَارَ قَوْلُهُ: وَجِنْسُهُ وَقَوْلُهُ لِأَهْلِ بَيْتِهِ سَوَاءٌ وَكُلُّ مَنْ يَتَّصِلُ بِهِ إلَى أَقْصَى أَبٍ فِي الْإِسْلَامِ يَدْخُلُ تَحْتَ الْوَصِيَّةِ إنْ أَوْصَى لِآلِهِ فَهَذَا وَمَا لَوْ أَوْصَى لِأَهْلِ بَيْتِهِ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّهُمْ يُسْتَعْمَلُونَ اسْتِعْمَالًا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 508 وَاحِدًا. يُقَالُ: آلُ مُحَمَّدٍ وَأَهْلُ بَيْتِ مُحَمَّدٍ وَآلُ عَبَّاسٍ وَأَهْلُ بَيْتِ عَبَّاسٍ إذَا أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِأَهْلِهِ أَوْ لِأَهْلِ فُلَانٍ فَالْوَصِيَّةُ لِلزَّوْجَةِ خَاصَّةً دُونَ مَنْ سِوَاهَا قِيَاسًا إلَّا أَنَّا اسْتَحْسَنَّا وَجَعَلْنَا الْوَصِيَّةَ لِكُلِّ مَنْ يَكُونُ فِي عِيَالِهِ وَتَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ وَيَضُمُّهُمْ بَيْتَهُ وَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْوَصِيَّةِ مَمَالِيكُهُ فَلَوْ كَانَ أَهْلٌ فِي بَلْدَتَيْنِ أَوْ فِي بَيْتَيْنِ دَخَلُوا تَحْتَ الْوَصِيَّةِ لِعُمُومِ اللَّفْظِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ كَانَ لَهُ عَمَّانِ وَخَالَانِ) فَهِيَ لِعَمَّيْهِ؛ لِأَنَّهُمَا أَقْرَبُ كَمَا فِي الْإِرْثِ وَلَفْظُ الْجَمْعِ يُرَادُ بِهِ الْمُثَنَّى فِي الْوَصِيَّةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَكَذَا هُنَا وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَكُونُ بَيْنَهُمْ أَرْبَاعًا؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَعْتَبِرُونَ الْأَقْرَبَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَلَوْ كَانَ لَهُ عَمٌّ وَخَالَانِ كَانَ لَهُ النِّصْفُ وَلَهُمَا النِّصْفُ) أَيْ لَوْ كَانَ لَهُ عَمٌّ وَخَالَانِ كَانَ لِلْعَمِّ نِصْفُ مَا أَوْصَى بِهِ وَلِلْخَالَيْنِ النِّصْفُ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ جَمْعٌ فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ مَعْنَى الْجَمْعِ فِيهِ وَهُوَ الْإِتْيَانُ فِي الْوَصِيَّةِ عَلَى مَا عُرِفَ فَيُضَمُّ إلَى الْعَمِّ الْخَالَانِ لِيَصِيرَ جَمْعًا فَيَأْخُذُ هُوَ النِّصْفَ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ وَيَأْخُذَانِ النِّصْفَ بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى لِذِي قَرَابَتِهِ حَيْثُ يَكُونُ جَمِيعُ اعْتِبَارِ الْوَصِيَّةِ لِلْعَمِّ إذْ هُوَ الْأَقْرَبُ وَلَوْ كَانَ لَهُ عَمٌّ وَاحِدٌ لَا غَيْرُ كَانَ لَهُ نِصْفُ الْوَصِيَّةِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ الْجَمْعِ فِيهِ وَيُرَدُّ النِّصْفُ إلَى الْوَرَثَةِ لِعَدَمِ مَنْ يَسْتَحِقُّهُ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ جَمْعٌ وَأَدْنَاهُ اثْنَانِ فِي الْوَصِيَّةِ فَيَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا النِّصْفُ. وَالنِّصْفُ الْآخَرُ يُرَدُّ إلَى الْوَرَثَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ لَهُ عَمٌّ وَعَمَّةٌ اسْتَوَيَا) ؛ لِأَنَّ قَرَابَتَهُمَا مُسْتَوِيَانِ وَمَعْنَى الْجَمْعِ قَدْ تَحَقَّقَ بِهِمَا فَاسْتَحَقَّا حَتَّى لَوْ كَانَ لَهُ أَخْوَالٌ مَعَهُمَا لَا يَسْتَحِقُّونَ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُمَا أَقْرَبُ وَلَا حَاجَةَ إلَى الضَّمِّ إلَيْهِمَا لِكَمَالِ النِّصَابِ بِهِمَا وَلَوْ انْعَدَمَ الْمُحَرَّمُ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّهَا مُتَقَيِّدَةٌ بِهَذَا فَلَا بُدَّ مِنْ مُرَاعَاتِهِ وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا تَبْطُلُ وَلَا تَخْتَصُّ الْأَعْمَامُ بِالْوَصِيَّةِ دُونَ الْأَخْوَالِ لِمَا عُرِفَ مِنْ مَذْهَبِهِمَا وَقَدَّمْنَا بَيَانَهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِوَلَدِ فُلَانٍ لِلذَّكَرِ، وَالْأُنْثَى سَوَاءٌ) يَعْنِي لَوْ أَوْصَى لِأَوْلَادِ فُلَانٍ لِلذَّكَرِ، وَالْأُنْثَى سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْوَلَدِ يَشْمَلُ الْكُلَّ وَلَيْسَ فِي اللَّفْظِ شَيْءٌ يَقْتَضِي التَّفْضِيلَ فَتَكُونُ الْوَصِيَّةُ بَيْنَهُمْ عَلَى السَّوَاءِ قَالَ فِي الْعَيْنِيِّ عَلَى الْهِدَايَةِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ: وَلَوْ أَوْصَى لِوَلَدِ فُلَانٍ وَلِفُلَانٍ وَلَدُ الصُّلْبِ وَلَهُ وَلَدُ وَلَدٍ فَالْوَصِيَّةُ كُلُّهَا لَهُ وَلَيْسَ لِوَلَدِ الْوَلَدِ شَيْءٌ، وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي شَرْحِ الْكَافِي: لَوْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ وَاحِدٌ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى فَجَمِيعُ الْوَصِيَّةِ لَهُ وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ بِخِلَافِ ذَلِكَ فَقَالَ: إذَا أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِوَلَدِ فُلَانٍ وَلَهُ وَلَدُ الصُّلْبِ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى كَانَ الثُّلُثُ لَهُمْ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا وَلَمْ يَكُنْ لِوَلَدِ وَلَدِهِ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ لِصُلْبِهِ وَاحِدٌ أَوْ لَهُ وَلَدُ وَلَدٍ كَانَ لِلَّذِي لِصُلْبِهِ نِصْفُ الثُّلُثِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى وَكَانَ مَا يَبْقَى لِوَلَدِ وَلَدِهِ بِالسَّوِيَّةِ الذَّكَرُ، وَالْأُنْثَى. وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ. وَلَوْ أَوْصَى لِوَلَدِ فُلَانٍ أَوْ لِابْنِ فُلَانٍ فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا إنْ كَانَ فُلَانٌ أَبَا قَبِيلَةٍ يَعْنِي أَبَا جَمَاعَةٍ كَثِيرَةٍ كَتَمِيمِ لِبَنِي تَمِيمٍ وَأَسَدٍ لِبَنِي أَسَدٍ أَوْ كَانَ فُلَانٌ أَبَا خَاصٍّ لَيْسَ بِأَبٍ لِجَمَاعَةٍ كَثِيرَةٍ وَاعْلَمْ بِأَنَّ أَوْلَى الْأَسَامِي فِي هَذَا الْبَابِ الشَّعْبُ بِفَتْحِ الشِّينِ سُمِّيَ شَعْبًا لِتَشَعُّبِ الْقَبَائِلِ مِنْهَا، وَلِهَذَا بَدَأَ اللَّهُ تَعَالَى بِذِكْرِهِ فَقَالَ: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} [الحجرات: 13] ثُمَّ الْقَبِيلَةُ ثُمَّ الْعِمَارَةُ ثُمَّ الْبَطْنُ ثُمَّ الْفَخِذُ ثُمَّ الْفَصِيلَةُ فَمُضَرُ شَعْبٌ وَكِنَانَةُ قَبِيلَةٌ وَقُرَيْشٌ عِمَارَةٌ وَقُصَيٌّ بَطْنٌ وَهَاشِمٌ أَبُو جَدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَخِذٌ، وَعَبْدُ الْمُطَّلِبِ فَصِيلَةٌ. وَإِذَا أَوْصَى لِبَنِي قُرَيْشٍ وَقُرَيْشٌ عِمَارَةٌ فَإِنَّهُ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْوَصِيَّةِ أَوْلَادُ مُضِرّ وَكِنَانَةَ وَتَدْخُلُ أَوْلَادُ قُرَيْشٍ وَأَوْلَادُ قُصَيٍّ وَهَاشِمٌ وَأَوْلَادُهُ، وَالْعَبَّاسُ وَأَوْلَادُهُ وَإِذَا أَوْصَى لِبَنِي قُصَيٍّ وَهُمْ بَطْنُهُ فَإِنَّهُ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْوَصِيَّةِ أَوْلَادُ مُضَرَ وَكِنَانَة وَأَوْلَادُ قُرَيْشٍ وَيَدْخُلُ مَنْ دُونَهُمْ، وَإِذَا أَوْصَى لِبَنِي هَاشِمٍ الَّذِي هُوَ فَخِذٌ فَإِنَّهُ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْوَصِيَّةِ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَدْخُلُ مَنْ دُونَهُمْ مِنْ أَوْلَادِ الْفَصِيلَةِ. وَلَوْ أَوْصَى لِبَنِي الْفَصِيلَةِ فَإِنَّهُ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْوَصِيَّةِ أَوْلَادُ الْعَبَّاسِ وَأَوْلَادُ أَبِي طَالِبٍ وَأَوْلَادُ عَلِيٍّ وَلَا يَدْخُلُ مَنْ فَوْقَهُمْ قَالَ الشَّيْخُ الزَّاهِدُ أَحْمَدُ الطَّوَاوِيسِيُّ: مِثَالُ الْفَخِذِ مُضَرٌ. وَمِثَالُ الْبَطْنِ بَنُو هَاشِمٍ وَمِثَالُ الْقَبِيلَةِ قُرَيْشٌ وَمِثَالُ الشَّعْبِ الْعَرَبِ، وَفِي الذَّخِيرَةِ: وَإِذَا أَوْصَى لِوَلَدِ عَلِيٍّ وَهُمْ فَخِذٌ لَا يَدْخُلُ تَحْتَهُ مَنْ فَوْقَهُمْ، وَهُمْ أَوْلَادُ قُرَيْشٍ؛ لِأَنَّهُمْ فَوْقَهُمْ فَإِذَا عَرَفْنَا هَذِهِ الْجُمْلَةَ جِئْنَا إلَى الْمَسْأَلَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَهُوَ مَا إذَا أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِبَنِي فُلَانٍ وَفُلَانٌ الْقَبِيلَةُ وَلَهُ أَوْلَادٌ ذُكُورٌ وَإِنَاثٌ فَإِنَّ ثُلُثَ مَالِهِ يَكُونُ بَيْنَ الذُّكُورِ، وَالْإِنَاثِ مِنْ أَوْلَادِهِ بِالسَّوِيَّةِ إذَا كَانُوا يُحْصَوْنَ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ كُنَّ أُنَاسًا كُلُّهُنَّ وَلَمْ يَذْكُرْ هَذَا فِي الْكِتَابِ قَالُوا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الثُّلُثُ لَهُنَّ وَإِنْ كَانُوا ذُكُورًا كُلُّهُمْ يَسْتَحِقُّونَ كُلَّهُ فَأَمَّا إذَا كَانَ فُلَانٌ أَبًا وَاحِدًا وَلَهُ أَوْلَادُ ذُكُورٌ كُلُّهُمْ فَإِنَّ ثُلُثَ مَالِهِ لَهُمْ وَإِنْ كَانَ أَوْلَادُهُ إنَاثًا كُلُّهُنَّ لَا شَيْءَ لَهُنَّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 509 وَإِنْ كَانَ فُلَانٌ أَبًا خَاصًّا وَأَوْلَادُ فُلَانٍ ذُكُورًا أَوْ إنَاثًا اخْتَلَفُوا فِيهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ: الْوَصِيَّةُ لِلذُّكُورِ مِنْهُمْ دُونَ الْإِنَاثِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: بِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلذُّكُورِ، وَالْإِنَاثِ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ إذَا كَانُوا يُحْصَوْنَ، وَقَدْ رَوَى أَبُو يُوسُفَ بْنُ خَالِدٍ السَّمْنِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِثْلَ قَوْلِ مُحَمَّدٍ حَكَى الْكَرْخِيُّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ مَا ذَكَرَهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ الْآخَرُ وَمَا يَرْوِيهِ يُوسُفُ بْنُ خَالِدٍ السَّمْنِيُّ قَوْلُهُ الْأَوَّلُ وَكَانَ يَجْعَلُ لِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْلًا كَانَ أَوَّلًا وَآخِرًا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَيَقُولُ قَوْلُهُ الْأَوَّلُ قِيَاسٌ وَقَوْلُهُ الْآخَرُ اسْتِحْسَانٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِفُلَانٍ أَوْلَادٌ صُلْبِيَّةٌ وَكَانَ لَهُ أَوْلَادُ أَوْلَادٍ هَلْ يَدْخُلُونَ تَحْتَ الْوَصِيَّةِ يَدْخُلُونَ كُلُّهُمْ. وَإِنْ كَانَ لَهُ أَوْلَادُ بَنَاتٍ فَإِنَّهُمْ لَا يَدْخُلُونَ تَحْتَ الْوَصِيَّةِ وَإِنْ كَانُوا ذُكُورًا كُلُّهُمْ أَوْ كَانُوا ذُكُورًا وَإِنَاثًا لَا غَيْرَ وَإِنْ كَانَ أَوْلَادُ الْبَنَاتِ إنَاثًا كُلُّهُنَّ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُنَّ، وَفِي الذَّخِيرَةِ: سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ أَوْلَادُ الْبَنَاتِ لَا يَدْخُلُونَ تَحْتَ الْوَصِيَّةِ ثُمَّ أَنْشَدَ بَنُونَا بَنُو أَبْنَائِنَا وَبَنَاتُنَا ... بَنُوهُنَّ أَبْنَاءُ الرِّجَالِ الْأَبَاعِدِ هَذَا إذَا أَوْصَى لِبَنِي فُلَانٍ فَأَمَّا إذَا أَوْصَى لِوَلَدِ فُلَانٍ وَلِفُلَانٍ بَنَاتٌ لَا غَيْرَ دَخَلْنَ تَحْتَ الْوَصِيَّةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَوْصَى لِبَنِي فُلَانٍ وَلِفُلَانٍ بَنَاتٌ لَا شَيْءَ لَهُنَّ فَإِنْ كَانَ لِفُلَانٍ بَنُونَ وَبَنَاتٌ فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمْ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا وَيَكُونُ ثُلُثُ مَالِهِ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ لَا يَفْضُلُ الذُّكُورُ عَلَى الْإِنَاثِ قَالَ فَإِنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَةٌ حَامِلٌ دَخَلَ مَا فِي بَطْنِهَا فِي الْوَصِيَّةِ أَيْضًا وَلَا تَدْخُلُ أَوْلَادُ الْأَوْلَادِ تَحْتَ هَذِهِ الْوَصِيَّةِ كَوَلَدِ فُلَانٍ وَوَلَدِ فُلَانٍ وَوَلَدُ فُلَانٍ فِي الْحَقِيقَةِ مَنْ يُولَدُ لِفُلَانٍ وَلِلَّذِي يُولَدُ مِنْهُ ابْنُهُ وَابْنَتُهُ لِصُلْبِهِ فَأَمَّا وَلَدُ ابْنِهِ أَوْ ابْنَتُهُ يُولَدُ مِنْ ابْنِهِ أَوْ ابْنَتِهِ وَلَمْ يَتَوَلَّدْ مِنْ فُلَانٍ وَكَانَ حَقِيقَةُ هَذَا الِاسْمِ لِوَلَدِ الصُّلْبِ فَمَا دَامَ لِفُلَانٍ وَلَدُ صُلْبِهِ لَا يَدْخُلُ وَلَدُ ابْنِهِ وَهَذَا إذَا كَانَ فُلَانٌ أَبًا خَاصًّا فَإِذَا كَانَ هُوَ أَبَا فَخِذٍ فَأَوْلَادُ الْأَوْلَادِ يَدْخُلُونَ تَحْتَ الْوَصِيَّةِ حَالَ قِيَامِ وَلَدِ الصُّلْبِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ إلَّا وَلَدًا وَاحِدًا كَانَ الثُّلُثُ لَهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَوْصَى لِأَوْلَادِ فُلَانٍ وَلَهُ وَلَدٌ وَاحِدٌ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ النِّصْفَ. وَإِذَا أَوْصَى لِأَوْلَادِ فُلَانٍ وَلَيْسَ لِفُلَانٍ أَوْلَادٌ لِصُلْبِهِ يَدْخُلُ تَحْتَ الْوَصِيَّةِ أَوْلَادُ الْبَنِينَ وَهَلْ يَدْخُلُ فِيهِ أَوْلَادُ الْبَنَاتِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ فِي دُخُولِ بَنِي الْبَنَاتِ أَمَّا بَنَاتُ الْبَنَاتِ لَا يَدْخُلُونَ فِي الْوَصِيَّةِ رِوَايَةً وَاحِدَةً. وَلَوْ أَوْصَى لِأَوْلَادِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْعَلَوِيَّةُ، وَالشِّيعِيَّةُ، وَالْفُقَهَاءُ، وَالْعُلَمَاءُ وَأَصْحَابُ الْحَدِيثِ صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ وَسُئِلَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ عَنْ رَجُلٍ أَوْصَى لِأَوْلَادِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ أَنَّ أَبَا نَصْرِ بْنَ يَحْيَى كَانَ يَقُولُ الْوَصِيَّةُ لِأَوْلَادِ الْحَسَنِ، وَالْحُسَيْنِ وَلَا تَكُونُ لِغَيْرِهِمَا فَأَمَّا الْعُمَرِيَّةُ فَهَلْ يَدْخُلُونَ فِي هَذِهِ الْوَصِيَّةِ قَالَ يَنْظُرُ كُلُّ مَنْ كَانَ يُنْسَبُ إلَى الْحَسَنِ، وَالْحُسَيْنِ وَلَا يَكُونُ لِغَيْرِهِمَا فَأَمَّا الْعُمَرِيَّةُ فَهَلْ يَدْخُلُونَ فِي هَذِهِ الْوَصِيَّةِ وَيَتَّصِلُ بِمَا يَدْخُلُ فِي هَذِهِ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - زَوْجَ ابْنَتَيْهِ مِنْ وَلَدِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَإِذَا أَوْصَى لِلْعَلَوِيَّةِ فَقَدْ حُكِيَ عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُحْصَوْنَ وَلَيْسَ فِي هَذَا الِاسْمِ مَا يُنْبِئُ عَنْ الْفَقْرِ أَوْ ذِي الْحَاجَةِ وَلَوْ أَوْصَى لِفُقَرَاء الْعَلَوِيَّةِ يَجُوزُ وَعَلَى هَذَا الْوَصِيَّةُ لِلْفُقَهَاءِ لَا تَجُوزُ وَلَوْ أَوْصَى لِفُقَرَائِهِمْ يَجُوزُ وَقَدْ يُحْكَى عَنْ بَعْضِ مَشَايِخِنَا أَنَّ الْوَقْفَ عَلَى مُعَلِّمِي الصِّبْيَانِ فِي الْمَسَاجِدِ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ عَامَّتَهُمْ فُقَرَاءُ، وَالْفَقْرُ فِيهِمْ هُوَ الْغَالِبُ فَصَارَ حُكْمُ غَلَبَةِ الْفَقْرِ كَالْمَشْرُوطِ. قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ: كَانَ الْإِمَامُ الْقَاضِي يَقُولُ عَلَى هَذَا الْقِيَاسِ إذَا أَوْصَى لِطَلَبَةِ عِلْمِ كُورَةِ كَذَا أَوْ لِطَلَبَةِ عِلْمِ كَذَا يَجُوزُ وَلَوْ أَعْطَى الْوَصِيَّ وَاحِدًا مِنْ فُقَرَاءِ الطَّلَبَةِ أَوْ مِنْ فُقَرَاءِ الْعَلَوِيَّةِ جَازَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا صَرَفَ إلَى اثْنَيْنِ مِنْهُمْ. وَإِذَا أَوْصَى لِلشِّيعَةِ وَمُحِبِّيهِ قَالَ مُحَمَّدٌ: اعْلَمْ بِأَنَّ كُلَّ مُسْلِمٍ شِيعَةٌ وَمُحِبٌّ لِآلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَمَّا مَا وَقَعَ عَلَيْهِمْ الْوَهْمُ مِنْ أَنَّهُمْ الَّذِينَ يُعْرَفُونَ بِالْمَيْلِ إلَيْهِمْ وَصَارُوا مَوْسُومِينَ بِذَلِكَ دُونَ غَيْرِهِمْ فَقَدْ قِيلَ الْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ قِيَاسًا إذَا كَانُوا لَا يُحْصَوْنَ وَإِذَا أَوْصَى لِفُقَرَاء الْفُقَهَاءِ حُكِيَ عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ أَنَّهُ قَالَ الْفَقِيهُ عِنْدَنَا مَنْ بَلَغَ مِنْ الْفِقْهِ الْغَايَةَ وَلَيْسَ الْمُتَّفِقَةُ بِفَقِيهٍ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ الْوَصِيَّةِ بِنَصِيبٍ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي بَلَدِنَا أَحَدٌ يُسَمَّى فَقِيهًا غَيْرَ أَبِي بَكْرٍ الْأَعْمَشِ شَيْخِنَا، وَقَدْ أَهْدَى أَبُو بَكْرٍ الْفَارِسِيُّ مَالًا كَثِيرًا لِطَلَبَةِ الْعِلْمِ حِينَ نَادَوْهُ فِي مَجْلِسٍ أَيُّهَا الْفَقِيهُ. وَإِذَا أَوْصَى لِأَهْلِ الْعِلْمِ بِبَلْدَةِ كَذَا فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ أَهْلُ الْفِقْهِ وَأَهْلُ الْحَدِيثِ وَلَا يَدْخُلُ مَنْ يَتَعَلَّمُ الْحِكْمَةَ، وَفِي الْخَانِيَّةِ وَلَا يَدْخُلُ مَنْ يَتَعَلَّمُ الْحِكْمَةَ مِثْلَ كَلَامِ الْفَلْسَفَةِ وَغَيْرَهُ؛ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ يُسَمَّوْنَ الْمُتَفَلْسِفَةَ لَا طَلَبَةَ عِلْمٍ وَهَلْ يَدْخُلُ فِيهِ الْمُتَكَلِّمُونَ فَلَا ذِكْرَ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَيْضًا فِي الْكُتُبِ. وَعَنْ أَبِي الْقَاسِمِ إنَّ كُتُبَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 510 الْكَلَامِ لَيْسَتْ كُتُبَ عِلْمٍ يَعْنِي فِي الْعُرْفِ وَلَا يَسْبِقُ إلَى الْفَهْمِ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ كُتُبِ الْعِلْمِ فَعَلَى قِيَاسِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَا يَدْخُلُ فِي الْوَصِيَّةِ الْمُتَكَلِّمُونَ وَإِذَا أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ عَلَى فُقَرَاءِ طَلَبَةِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ الَّذِينَ يَخْتَلِفُونَ إلَى مَدْرَسَةٍ مَنْسُوبَةٍ فِي كُورَةِ كَذَا فَالْمُتَعَلِّمُ لِلْفِقْهِ إذَا لَمْ يَكُونُوا مِنْ جُمْلَةِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ لَا يَتَنَاوَلُ شَفْعَوِيُّ الْمَذْهَبِ، وَيَتَنَاوَلُ مَنْ يَقْرَأُ الْأَحَادِيثَ وَيَسْمَعُ، وَيَكُونُ فِي طَلَبِ ذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَ شَفْعَوِيَّ الْمَذْهَبِ أَوْ حَنَفِيَّ الْمَذْهَبِ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ وَمَنْ كَانَ شَفْعَوِيَّ الْمَذْهَبِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَقْرَأُ الْأَحَادِيثَ وَلَا يَسْمَعُ وَلَا يَكُونُ فِي طَلَبِ ذَلِكَ لَا يَتَنَاوَلُهُ اسْمُ أَصْحَابِ الْأَحَادِيثِ، قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَلَوْ أَوْصَى لِبَنِي فُلَانٍ فَإِنْ كَانُوا لَا يُحْصَوْنَ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّا عَجَزْنَا عَنْ تَنْفِيذِ هَذِهِ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنْهُ تَنْفِيذُهَا لِلْكُلِّ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُحْصَوْنَ فَبَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ كَمَا لَوْ أَوْصَى لِوَاحِدٍ مِنْ عَرْضِ النَّاسِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَوْصَى لِلْفُقَرَاءِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْفُقَرَاءِ وَقَعَتْ لِلَّهِ تَعَالَى، وَالْفُقَرَاءُ مَصَارِفُ وَلِهَذَا لَا يَرْتَدُّ بِرَدِّهِمْ وَجَازَ صَرْفُهَا إلَى الْوَاحِدِ مِنْهُمْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ وَاحِدٌ مَعْلُومٌ فَوَقَعَتْ الْوَصِيَّةُ لَهُ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ لِبَنِي فُلَانٍ؛ لِأَنَّهَا تَنَاوَلَتْ الْأَغْنِيَاءَ كَمَا تَنَاوَلَتْ الْفُقَرَاءَ فَيَقَعُ لِلْغَنِيِّ لَا لِلَّهِ تَعَالَى حَتَّى تَرْتَدَّ بِرَدِّهِ، وَلَوْ أَوْصَى لِبَنِي فُلَانٍ وَهُمْ لَا يُحْصَوْنَ فَإِنْ كَانُوا فُقَرَاءَ جَازَتْ الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّهَا وَقَعَتْ لِلَّهِ تَعَالَى. وَإِنْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهَا وَقَعَتْ لِلْعِبَادِ، وَقَدْ تَعَذَّرَ تَنْفِيذُهَا ثُمَّ لَا يَخْلُو إمَّا إنْ كَانَ فُلَانٌ أَبَا قَبِيلَةٍ أَوْ فُلَانٌ أَبٌ أَوْ جَدٌّ فَإِنْ كَانَ فُلَانٌ أَبَا قَبِيلَةٍ وَهُمْ ذُكُورٌ وَإِنَاثٌ فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ إنْ كَانُوا يُحْصَوْنَ؛ لِأَنَّ النِّسَاءَ إذَا اخْتَلَطْنَ بِالرِّجَالِ يَدْخُلْنَ فِي خِطَابِ الرِّجَالِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] وَقَدْ تَنَاوَلَ ذَلِكَ الرِّجَالَ، وَالنِّسَاءَ جَمِيعًا وقَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: 11] وَقَدْ تَنَاوَلَ الذُّكُورَ، وَالْإِنَاثَ فَإِنْ كُنَّ إنَاثًا خُلَّصًا لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْكِتَابِ وَقَالُوا عَلَى قِيَاسِ تَعْلِيلِ مُحَمَّدٍ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَكُونُ الثُّلُثُ لَهُنَّ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ، وَقَالَ يَحْسُنُ أَنْ يُقَالَ هَذِهِ الْمَرْأَةُ مِنْ بَنِي فُلَانٍ إذَا كَانَ فُلَانٌ أَبًا أَوْ جَدًّا وَلَهُ أَوْلَادٌ بَنَاتٌ فَلَا شَيْءَ لَهُنَّ وَإِنْ كَانُوا ذُكُورًا وَبَنَاتٍ فَالثُّلُثُ لِلذُّكُورِ خَاصَّةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لِلذُّكُورِ، وَالْإِنَاثِ وَذَكَرَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ: يَدْخُلُ الْإِنَاثُ لِمُحَمَّدٍ أَنَّ الْإِنَاثَ مَتَى اخْتَلَطَتْ بِالذُّكُورِ يَتْبَعْنَ الذُّكُورَ وَيَغْلِبُ الذُّكُورُ عَلَى الْإِنَاثِ فَإِنَّهُ يُقَالُ بَنُو آدَمَ وَبَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو تَمِيمٍ فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ الذُّكُورَ، وَالْإِنَاثَ وَلِهَذَا لَوْ أَوْصَى لِإِخْوَةِ فُلَانٍ دَخَلَ الْإِخْوَةُ، وَالْأَخَوَاتُ تَحْتَ الْوَصِيَّةِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْآيَةِ لَهُمَا أَنَّ حَقِيقَةَ هَذَا اللَّفْظِ يُطْلَقُ عَلَى الذُّكُورِ خَاصَّةً وَإِنَّمَا يُطْلَقُ عَلَى الذُّكُورِ، وَالْإِنَاثِ حَالَةَ الِاخْتِلَاطِ مَجَازًا، وَالْعَمَلُ بِالْحَقِيقَةِ وَاجِبٌ مَا أَمْكَنَ مَعَ أَنَّ فِي اسْتِعْمَالِ هَذَا الْمَجَازِ اشْتِرَاكًا؛ لِأَنَّ فُلَانًا إذَا كَانَ أَبًا أَوْ جَدًّا. فَكَمَا يُذْكَرُ اسْمُ الْأَبِ وَيُرَادُ بِهِ الذُّكُورُ، وَالْإِنَاثُ يُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ الذُّكُورُ خَاصَّةً دُونَ الْإِنَاثِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَخْلُو أَوْلَادُهُ عَنْ الْإِنَاثِ وَإِطْلَاقُ هَذَا الِاسْمِ عَلَى الذُّكُورِ خَاصَّةً حَقِيقَةً مُسْتَعْمَلَةً وَعَلَى الْإِنَاثِ خَاصَّةً مَجَازٌ غَيْرُ مُسْتَعْمَلٍ فَحَالَةُ الِاخْتِلَاطِ وَقَعَ الشَّكُّ فِي دُخُولِ الْإِنَاثِ تَحْتَ الْوَصِيَّةِ فَلَا يَدْخُلُ بِالشَّكِّ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَوْصَى لِبَنِي تَمِيمٍ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ لَيْسَ هُوَ الْأَعْيَانُ، وَالْأَشْخَاصُ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ مُجَرَّدَ الْأَسْبَابِ، وَالْوَصِيَّةُ لِلْإِخْوَةِ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ تَكُونُ وَصِيَّةً لِلْإِخْوَةِ دُونَ الْأَخَوَاتِ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ اسْمَ الْإِخْوَةِ لَا يَتَنَاوَلُ الْأَخَوَاتِ بِحَقِيقَتِهِ بَلْ بِمَجَازِهِ وَلِهَذَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 176] فَقَدْ فَسَّرَ الْإِخْوَةَ بِالرِّجَالِ، وَالنِّسَاءِ وَلَوْ تَنَاوَلَ اسْمَ الْإِخْوَةِ الْأَخَوَاتِ لَمْ يَحْتَجْ إلَى هَذَا التَّفْصِيلِ وَلَوْ وُجِدَ فِي الْوَصِيَّةِ مِثْلُ هَذَا التَّفْسِيرِ بِأَنْ قَالَ بِإِخْوَةِ فُلَانٍ رِجَالًا وَنِسَاءً دَخَلَتْ الْأَخَوَاتُ فِيهَا وَلَيْسَ لِوَلَدِ الْوَلَدِ شَيْءٌ وَإِنْ كَانُوا مَعَ وَلَدِ الصُّلْبِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِفُلَانٍ وَلَدُ صُلْبٍ فَالْوَصِيَّةُ لِابْنِ ابْنِهِ دُونَ بَنَاتِ ابْنِهِ؛ لِأَنَّ وَلَدَ الِابْنِ يُسَمَّى وَلَدًا إلَّا أَنَّهُ نَاقِصٌ فِي الْإِضَافَةِ، وَالِانْتِسَابِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يُضَافُ إلَيْهِ بِوَاسِطَةٍ، وَالنَّاقِصُ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ مُطْلَقِ اسْمِ الْمُضَافِ كَأَوْلَادِ الْبَنَاتِ فَعِنْدَ الْإِطْلَاقِ يُحْمَلُ عَلَى وَلَدِ الصُّلْبِ؛ لِأَنَّهُ أَحَقُّ بِهَذَا الِاسْمِ فَإِنْ تَعَذَّرَ حَمْلُهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ حُمِلَ عَلَى الْمَجَازِ تَجَرِّيًا لِلْجَوَازِ وَلِأَنَّ ابْنَ الِابْنِ قَائِمٌ مَقَامَ ابْنِ الصُّلْبِ حَالَ عَدَمِ الصُّلْبِ فِي الْمِيرَاثِ حَجْبًا وَاسْتِحْقَاقًا وَسَقَطَ اعْتِبَارُ نُقْصَانِ الْإِضَافَةِ إلَيْهِ شَرْعًا. فَكَذَلِكَ الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّهَا أُخْتُ الْمِيرَاثِ وَلَوْ أَوْصَى لِبَنِي فُلَانٍ بِالثُّلُثِ وَلَمْ يَكُنْ لِفُلَانٍ بَنُونَ يَوْمَ الْوَصِيَّةِ فَهُوَ لِبَنِيهِ الَّذِينَ حَدَثُوا قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَمْلِيكٌ مِنْ الْمُوصِي لِلْمُوصَى لَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ فَيُعْتَبَرُ وُجُودُ الْمُوصَى لَهُ وَقْتَ مَوْتِ الْمُوصِي وَلِهَذَا صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ بِثُلُثِ مَالِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ عِنْدَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 511 الْوَصِيَّةِ وَإِنْ كَانَ لِفُلَانٍ بَنُونَ أَرْبَعَةٌ وَوُلِدَ لَهُ آخَرَانِ ثُمَّ مَاتَ الْمُوصِي فَالثُّلُثُ لِلْبَاقِينَ وَلِلْمَوْلُودَيْنِ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّهُ مَتَى أَضَافَ الْوَصِيَّةَ إلَى بَنِي فُلَانٍ مُطْلَقًا وَلَمْ يُسَمِّ تَقَعُ الْوَصِيَّةُ لِبَنِيهِ الْمَوْجُودِينَ وَقْتَ الْمَوْتِ لَا لِبَنِيهِ الْمَوْجُودِينَ وَقْتَ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَمْلِيكٌ مُضَافٍ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ فَيُعْتَبَرُ الْمِلْكُ وَقْتَ الْمَوْتِ. حَتَّى لَوْ قَالَ أَوْصَيْت بِالثُّلُثِ لِبَنِي فُلَانٍ هَؤُلَاءِ وَسَمَّاهُمْ تَقَعُ لِبَنِيهِ الْمَوْجُودِينَ وَقْتَ الْوَصِيَّةِ حَتَّى تَبْطُلَ بِمَوْتِهِمْ وَلَا يَكُونُ لِبَنِيهِ الْمَوْجُودِينَ عِنْدَ الْمَوْتِ وَلَوْ قَالَ: لِوَلَدِ فُلَانٍ دَخَلَ الذُّكُورُ، وَالْإِنَاثُ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ يَتَنَاوَلُ الْكُلَّ حَقِيقَةً وَكَذَلِكَ الْجَنِينُ؛ لِأَنَّهُ وَلَدُهُ وَإِنَّمَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِلْجَنِينِ بِشَرْطِ أَنْ يَنْفَصِلَ حَيًّا وَتَعْلِيقُ الْوَصِيَّةِ بِالشَّرْطِ، وَالْإِحْصَارِ جَائِزَةٌ فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْمَعْدُومِ لِلْمَعْدُومِ جَائِزٌ وَإِنْ كَانَ لَهُ بَنَاتٌ وَبَنُو ابْنٍ فَالْوَصِيَّةُ لِلْبَنَاتِ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْوَلَدِ يَتَنَاوَلُهُ الْبَنَاتُ الصُّلْبِيَّةُ حَقِيقَةً وَوَلَدُ الِابْنِ مَجَازًا؛ لِأَنَّ الِاسْمَ مُشْتَقٌّ مِنْ التَّوْلِيدِ، وَالتَّفَرُّعِ. وَالْبِنْتُ الصُّلْبِيَّةُ مُتَوَلِّدَةٌ عَنْهُ حَقِيقَةً وَوَلَدُ الِابْنِ مُتَوَلِّدٌ بِوَاسِطَةٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدُ صُلْبٍ فَالْوَصِيَّةُ لِوَلَدِ الِابْنِ الذُّكُورِ، وَالْإِنَاثِ سَوَاءٌ كَانَ وَلَدُ الِابْنِ مُضَافًا أَوْ مَنْسُوبًا إلَيْهِ بِوَاسِطَةِ الْأَبِ، وَفِي الْإِضَافَةِ إلَيْهِ نَوْعُ قُصُورٍ فَعِنْدَ الْإِطْلَاقِ يَنْصَرِفُ الِاسْمُ إلَى الْوَلَدِ الصُّلْبِيِّ؛ لِأَنَّهُ أَحَقُّ وَعِنْدَ عَدَمِهِ يُحْمَلُ عَلَى وَلَدِ الِابْنِ مَجَازًا وَلَا شَيْءَ لِوَلَدِ الْبِنْتِ؛ لِأَنَّ وَلَدَ الْبِنْتِ غَيْرُ مَنْسُوبٍ إلَيْهِ وَمُضَافٌ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جِهَةِ الْآبَاءِ دُونَ الْأُمَّهَاتِ عَلَى مَا مَرَّ بِشَرْحِهِ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا وَلَدٌ وَاحِدٌ فَكُلُّ الثُّلُثِ لَهُ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْوَلَدِ يَتَنَاوَلُ الْوَاحِدَ فَصَاعِدًا. وَلَوْ أَوْصَى بِالثُّلُثِ لِأَكَابِرِ وَلَدِ فُلَانٍ وَلَهُ أَوْلَادٌ بَعْضُهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِينَ وَبَعْضُهُمْ أَبْنَاءُ سِتِّينَ وَبَعْضُهُمْ أَبْنَاءُ أَرْبَعِينَ فَالْوَصِيَّةُ لِأَبْنَاءِ مَا زَادَ عَلَى الْخَمْسِينَ أَوْ فِي النِّصْفِ الْأَوَّلِ شَيْءٌ فَكَذَلِكَ السَّيِّدُ إذَا قَالَ: أَكَابِرُ رَقِيقِي أَحْرَارٌ وَلَوْ قَالَ ثُلُثُ مَالِي بَيْنَ بَنِي فُلَانٍ وَبَنِي فُلَانٍ وَلِأَحَدِهِمَا ثَلَاثُ بَنِينَ وَلِلْآخَرِ وَاحِدٌ كَانَ الثُّلُثُ بَيْنَهُمْ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِهِمْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْآخَرِ ابْنٌ رُدَّ نِصْفُ الثُّلُثِ إلَى الْوَرَثَةِ، وَلَوْ قَالَ بَيْنَ أَعْمَامِي وَأَخْوَالِي وَلَهُ عَمٌّ وَخَالٌ فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمْ؛ لِأَنَّ أَقَلَّ الْجَمْعِ فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ، وَالْمِيرَاثِ اثْنَانِ لِمَا بَيَّنَّا وَإِنْ كَانَ لَهُ عَمٌّ وَاحِدٌ أَوْ عَمَّانِ وَلَيْسَ لَهُ خَالٌ رُدَّ نِصْفُ الثُّلُثِ لِلْوَرَثَةِ. وَلَوْ قَالَ لِإِخْوَانِي وَلَهُ أَخٌ وَاحِدٌ وَهُوَ يَعْلَمُ أَوْ لَا يَعْلَمُ فَلَهُ نِصْفُ الثُّلُثِ. وَلَوْ قَالَ: ثُلُثُ مَالِي لِفُلَانٍ وَلِبَنِيهِ وَلِلْمَسَاكِينِ فَإِذَا لِفُلَانٍ ابْنٌ وَاحِدٌ فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا أَرْبَاعًا لِفُلَانٍ سَهْمٌ وَلِابْنِهِ سَهْمٌ وَلِلْمَسَاكِينِ سَهْمٌ وَيَرْجِعُ سَهْمٌ إلَى الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ لِبَنِي فُلَانٍ، وَالِابْنُ الْوَاحِدُ لَا يَكُونُ بَنِينَ وَيَكُونُ الِابْنَانِ بَنِي فُلَانٍ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْجَمْعِ يُطْلَقُ عَلَى الِابْنَيْنِ. وَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِهِ لِآلِ فُلَانٍ أَوْ لِأَهْلِ بَيْتِ فُلَانٍ وَلَيْسَ لَهُ بَيْتٌ وَلَا قَرَابَةٌ فَإِنَّهُ يُعْطِي الرَّجُلَ الَّذِي سَمَّاهُ وَعِيَالَهُ الَّذِي يَعُولُهُ مِنْ وَلَدِهِ وَتَدْخُلُ امْرَأَتُهُ فِيهِمْ الْفَتَاوَى رَجُلٌ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِبَنِي فُلَانٍ وَهُمْ ثَلَاثَةٌ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي فَإِنْ كَانَ أَبُوهُمْ حَيًّا فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَإِنْ كَانَ مَيِّتًا بَطَلَ ثُلُثُ الْوَصِيَّةِ فَالثُّلُثَانِ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ: وَبِهِ نَأْخُذُ؛ لِأَنَّ أَبَاهُمْ لَوْ مَاتَ لَا يَبْقَى لَهُ وَلَدٌ سِوَاهُمَا فَانْصَرَفَتْ الْوَصِيَّةُ إلَى عَدَدِهِمَا فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ: ثُلُثُ مَالِي لِفُلَانٍ وَفُلَانٍ فَلَمَّا مَاتَ أَحَدُهُمْ بَطَلَتْ وَصِيَّتُهُ. وَإِذَا أَوْصَى بِثُلُثِهِ لِقَرَابَةِ بَنِي فُلَانٍ وَهُمْ لَا يُحْصَوْنَ دَخَلَ مَوَالِيهِمْ وَمَوَالِي مَوَالِيهِمْ وَمَوَالِي الْمُوَالَاةِ وَحُلَفَاؤُهُمْ يُقَسِّمُهُ بَيْنَ مَنْ يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْهُمْ بِالسَّوِيَّةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ فَرِيقٍ مِنْ هَؤُلَاءِ يُنْسَبُونَ إلَى فُلَانٍ بِالْبُنُوَّةِ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ وَحَلِيفَ الْقَوْمِ مِنْهُمْ» ، وَالْحَلِيفُ مَنْ وَالَى قَوْمًا وَيَحْلِفُونَ لَهُ عَلَى الْمُوَالَاةِ، وَالْقَرِيبُ مَنْ يَصِيرُ بِغَيْرِ حِلْفٍ وَإِنْ أَعْطَى الْكُلَّ أَوْ وَاحِدًا مِنْهُمْ جَازَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يُعْطِيهِ ابْنَيْنِ فَصَاعِدًا لِمَا يَأْتِي فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ لِلْفُقَرَاءِ وَإِنْ كَانَ فُلَانٌ أَبًا خَاصًّا وَلَيْسَ بِأَبِي قَبِيلَةٍ وَلَا جَدٍّ فَالثُّلُثُ لِبَنِيهِ لِصُلْبِهِ وَلَمْ تَدْخُلْ الْمَوَالِي، وَالْحَلِيفُ فِي الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّ مَوَالِيَهُمْ أَبْعَدُ إلَى فُلَانٍ مِنْ بَنِي بَنِيهِ وَبَنُو بَنِيهِ لَا يَدْخُلُونَ تَحْتَ الْوَصِيَّةِ فَالْمَوَالِي أَوْلَى؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُنْسَبُونَ إلَيْهِ إذَا لَمْ تَكُنْ الْقَبِيلَةُ مُضَافَةً إلَيْهِ. وَلَوْ أَوْصَى لِيَتَامَى أَوْ أَرَامِلِ بَنِي فُلَانٍ فَالْوَصِيَّةُ جَائِزَةٌ يُحْصَوْنَ أَوْ لَا قَالَ فِي الْأَصْلِ، وَالْيَتِيمُ كُلُّ مَنْ مَاتَ أَبُوهُ وَلَمْ يَبْلُغْ الْحُلُمَ غَنِيًّا كَانَ أَوْ فَقِيرًا وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ حُجَّةٌ فِي اللُّغَةِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَرْبَابِ اللُّغَةِ وَهَكَذَا قَالَ الْخَلِيلُ وَلِهَذَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يُتْمَ بَعْدَ الْحُلُمِ» ثُمَّ الْيَتِيمُ فِي اللُّغَةِ مَأْخُوذٌ مِنْ الْيُتْمِ وَهُوَ الِانْفِرَادُ، وَالْمُبَايَنَةُ عَنْ الشَّيْءِ كَمَا يُقَالُ هَذِهِ الدُّرَّةُ يَتِيمَةٌ لِانْفِرَادِهَا عَنْ أَشْكَالِهَا وَنَظَائِرِهَا وَتُسَمَّى الْمَرْأَةُ يَتِيمَةً مَجَازًا لِانْفِرَادِهَا عَنْ قُوَّةِ الْقَلْبِ إلَّا أَنَّهُ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ اسْمٌ لِمَنْ انْفَرَدَ عَنْ أَبِيهِ فِي حَالِ صِغَرِهِ، وَالْأَرْمَلَةُ كُلُّ امْرَأَةٍ فَقِيرَةٍ فَارَقَهَا زَوْجُهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ حُجَّةٌ وَهَكَذَا قَالَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 512 صَاحِبُ الزَّاهِرِ، وَالْأَرْمَلَةُ الْمَرْأَةُ الَّتِي لَا زَوْجَ لَهَا مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ أَرْمَلَ الْقَوْمُ إذَا فَنَى زَادُهُمْ، وَالذَّكَرُ يُسَمَّى أَرَمْلًا مَجَازًا ثُمَّ الْيَتَامَى إنْ كَانُوا يُحْصَوْنَ فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ يَدْخُلُ الْغَنِيُّ، وَالْفَقِيرُ فِيهِ وَإِنْ كَانُوا لَا يُحْصَوْنَ فَهُوَ لِلْفُقَرَاءِ خَاصَّةً مَنْ يَقْدِرُ عَلَيْهِمْ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ الْيَتَامَى يُذْكَرُونَ وَيُرَادُ بِهِمْ الْفُقَرَاءُ الْمُحْتَاجُونَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} [الأنفال: 41] الْآيَةَ ذَكَرَ الْيَتَامَى وَأَرَادَ بِهِمْ الْمُحْتَاجِينَ. وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ اسْمَ الْيَتِيمِ لُغَةً مِمَّا يُنْبِئُ عَنْ الْحَاجَةِ فَيَكُونُ هَذَا وَصِيَّةً بِالصَّدَقَةِ، وَالْوَصِيَّةُ بِالصَّدَقَةِ وَصِيَّةٌ لِلَّهِ تَعَالَى فَتَكُونُ جَائِزَةً؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَعْلُومٌ فَأَنْكَرَ تَخْصِيصَ الْمُحْتَاجِينَ إلَى مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُمْ بِإِضَافَةِ الْوَصِيَّةِ إلَيْهِمْ تَصْحِيحًا لِعَقْدِهِ وَلَوْ أَعْطَاهُ وَاحِدًا فَعَلَى الْخِلَافِ الَّذِي مَرَّ. فَإِنْ أَوْصَى بِثُلُثِهِ لِأَيَامَى بَنِي فُلَانٍ أَوْ ثَيِّبِ بَنِي فُلَانٍ أَوْ أَبْكَارِ بَنِي فُلَانٍ وَلَمْ يُحْصَوْا فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ لِجَهَالَةِ الْمُوصَى لَهُ وَلَيْسَ فِي اسْمِ الْأَيِّمِ مَا يُنْبِئُ عَنْ الْحَاجَةِ حَتَّى يُحْمَلَ عَلَى الْوَصِيَّةِ بِالصَّدَقَةِ بِخِلَافِ الْأَرَامِلِ، وَالْيَتَامَى عَلَى مَا مَرَّ فَإِنْ كُنَّ يُحْصِينَ فَهُوَ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ، وَالْأَيِّمُ كُلُّ امْرَأَةٍ لَا زَوْجَ لَهَا جُومِعَتْ حَرَامًا أَوْ حَلَالًا بَلَغَتْ أَوْ لَمْ تَبْلُغْ غَنِيَّةً أَوْ فَقِيرَةً، وَقَالَ الْكَرْخِيُّ: وَأَبُو الْقَاسِمِ الصَّفَّارُ الْجِمَاعُ، وَالْأُنُوثَةُ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ لِثُبُوتِ هَذَا الِاسْمِ حَتَّى قَالَا بِأَنَّ الرَّجُلَ، وَالْبِكْرَ إذًا يَدْخُلَانِ تَحْتَ الْوَصِيَّةِ بِدَلِيلِ قَوْلِ الشَّاعِرِ إنَّ الْقُبُورَ تَنْكِحُ الْأَيَامَى النِّسْوَةَ الْأَرَامِلَ الْيَتَامَى، وَالْقُبُورُ كَمَا تَضُمُّ الثَّيِّبَ تَضُمُّ الْبِكْرَ، وَالصَّحِيحُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُ حُجَّةٌ فِي اللُّغَةِ هَكَذَا قَالَهُ الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ فِي الْعَيْنِ وَلِهَذَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا، وَالْبِكْرُ تُسْتَأْمَرُ فِي نَفْسِهَا» عَطَفَ الْبِكْرَ عَلَى الْأَيِّمِ، وَالْمَعْطُوفُ غَيْرُ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ، قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِوَرَثَةِ فُلَانٍ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) يَعْنِي لِوَرَثَةِ فُلَانٍ يُدْفَعُ لِلذَّكَرِ قَدْرُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ؛ لِأَنَّهُ اسْمٌ مُشْتَقٌّ مِنْ الْوِرَاثَةِ وَتَرَتُّبُ الِاسْمِ عَلَى الْمُشْتَقِّ يَدُلُّ عَلَى الْعَلِيَّةِ أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا نَصَّ عَلَى الْوِرَاثَةِ بِقَوْلِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ تَرَتَّبَ الْحُكْمُ عَلَيْهِمَا حَتَّى وَجَبَتْ النَّفَقَةُ بِقَدْرِهَا. ثُمَّ شَرْطُ هَذِهِ الْوَصِيَّةِ أَنْ يَمُوتَ فُلَانٌ الْمُوصَى لِوَرَثَتِهِ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصَى حَتَّى يُعْرَفَ وَرَثَتُهُ مِنْهُمْ حَتَّى لَوْ مَاتَ الْمُوصِي قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي لِوَرَثَتِهِ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى لِوَلَدِهِ، وَلَوْ كَانَ مَعَ وَرَثَتِهِ مُوصًى لَهُ آخَرُ قَسَّمَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ عَلَى الرُّءُوسِ ثُمَّ مَا أَصَابَ الْوَرَثَةُ جُمِعَ وَقُسِّمَ بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ. [بَابُ الْوَصِيَّةِ بِالْخِدْمَةِ وَالسُّكْنَى وَالثَّمَرَةِ] (بَابُ الْوَصِيَّةِ بِالْخِدْمَةِ، وَالسُّكْنَى، وَالثَّمَرَةِ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الْوَصِيَّةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْأَعْيَانِ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْوَصِيَّةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْمَنَافِعِ وَأَخَّرَ هَذَا الْبَابَ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ بَعْدَ الْأَعْيَانِ وُجُودًا فَأَخَّرَهَا عَنْهَا وَضْعًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ وَسُكْنَى دَارِهِ مُدَّةً مَعْلُومَةً وَأَبَدًا) ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ يَصِحُّ تَمْلِيكُهَا فِي حَالِ الْحَيَاةِ بِبَدَلٍ أَوْ بِغَيْرِ بَدَلٍ وَكَذَا بَعْدَ الْمَمَاتِ لِلْحَاجَةِ كَمَا فِي حُكْمِ الْأَعْيَانِ وَيَكُونُ مَحْبُوسًا عَلَى مِلْكِ الْمَيِّتِ فِي حَقِّ الْمَنْفَعَةِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ الْمُوصَى لَهُ عَلَى مِلْكِهِ كَمَا يَسْتَوْفِي الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ الْمَنَافِعَ عَلَى حُكْمِ مِلْكِ الْوَاقِفِ قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ شَرْحِ الْمُخْتَارِ وَلَيْسَ لِلْمُوصَى لَهُ أَنْ يُؤَجِّرَهَا؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ الْمَنَافِعَ بِغَيْرِ بَدَلٍ وَاَلَّذِي يَمْلِكُ أَنْ يُؤَجِّرَ هُوَ الَّذِي يَتَمَلَّكُ الْمَنَافِعَ بِعِوَضٍ، قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُخْرِجَ الْعَبْدَ مِنْ بَلَدِ الْمُوصِي إلَّا إذَا كَانَ الْمُوصَى لَهُ وَأَهْلُهُ فِي بَلَدٍ أُخْرَى فَيُخْرِجُهُ إلَى بَلَدِهِ لِخِدْمَتِهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْوَصِيَّةِ الْخِدْمَةُ وَمَتَى أَمْكَنَ تَوَصُّلُهُ إلَى الْخِدْمَةِ مِنْ بَلَدِ الْمُوصِي فَلَا يُخْرِجُهُ مِنْهَا، وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ مُدَّةً وَأَبَدًا أَنَّهَا تَجُوزُ مُؤَبَّدَةً وَمُؤَقَّتَةً كَمَا فِي الْعَارِيَّةُ وَتَفْسِيرُهَا أَنْ يَقُومَ الْوَارِثُ مَقَامَ الْمُورِثِ فِيمَا كَانَ لَهُ وَذَلِكَ فِي عَيْنٍ تَبْقَى، وَالْمَنْفَعَةُ عِوَضٌ يَعْنِي وَكَذَا الْوَصِيَّةُ بِغَلَّةِ الدَّارِ، وَالْعَبْدِ جَائِزَةٌ؛ لِأَنَّهَا بَدَلُ الْمَنْفَعَةِ، وَالْمُجَوِّزُ لِلْوَصِيَّةِ بِهَا الْحَاجَةُ وَهِيَ تَشْمَلُ الْكُلَّ إذْ الْمُوصِي يَحْتَاجُ إلَى التَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَكَذَا الْمُوصَى لَهُ مُحْتَاجٌ إلَى قَضَاءِ حَاجَتِهِ بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ خَرَجَ الْعَبْدُ مِنْ ثُلُثِهِ سُلِّمَ إلَيْهِ لِيَخْدُمَهُ) ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُوصَى لَهُ فِي الثُّلُثِ لَا يُزَاحِمُهُ الْوَرَثَةُ فِيهِ قَالَ فِي الْأَصْلِ يَجِبُ أَنْ يَعْلَمَ بِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِخِدْمَةِ الرَّقِيقِ وَسُكْنَى الدَّارِ وَغَلَّةِ الرَّقِيقِ، وَالدُّورِ، وَالْأَرَضِينَ، وَالْبَسَاتِينِ جَائِزَةٌ فِي قَوْلِ عُلَمَائِنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى وَإِذَا جَازَتْ الْوَصِيَّةُ بِخِدْمَةِ الرَّقِيقِ وَسُكْنَى الدُّورِ وَغَلَّةِ الرَّقِيقِ فَنَقُولُ إذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ سَنَةً وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرَهُ فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ تَكُونَ السَّنَةُ مُعَيَّنَةً بِأَنْ قَالَ: أَوْصَيْت بِخِدْمَةِ هَذَا الْعَبْدِ مَثَلًا سَنَةَ سَبْعِينَ وَأَرْبَعَمِائَةٍ أَوْ كَانَتْ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ بِأَنْ لَمْ يَقُلْ سَنَةَ كَذَا. وَكُلُّ وَجْهٍ مِنْ ذَلِكَ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 513 مَالِهِ أَوْ لَا يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ فَإِنْ أَوْصَى لَهُ بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ فِي سَنَةٍ بِعَيْنِهَا وَمَضَتْ تِلْكَ السَّنَةُ بِعَيْنِهَا قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ وَإِنْ مَاتَ الْمُوصِي قَبْلَ دُخُولِ تِلْكَ السَّنَةِ الَّتِي عَيَّنَهَا ثُمَّ دَخَلَتْ تِلْكَ السَّنَةُ الَّتِي عَيَّنَهَا يَنْظُرُ إلَى الْعَبْدِ إنْ كَانَ الْعَبْدُ يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ أَوْ لَا يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ وَلَكِنْ أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ الْوَصِيَّةَ فَإِنَّهُ يُسَلِّمُ الْعَبْدَ الْمُوصَى بِهِ إلَيْهِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ وَصِيَّتَهُ وَإِنْ كَانَ لَا يُخْرِجُ الْعَبْدُ مِنْ الثُّلُثِ، وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ الْوَصِيَّةَ فَإِنَّ الْعَبْدَ يَخْدُمُ الْمُوصَى لَهُ يَوْمًا، وَالْوَرَثَةَ يَوْمَيْنِ حَتَّى تَمْضِيَ السَّنَةُ الَّتِي عَيَّنَهَا فَإِذَا مَضَتْ تِلْكَ السَّنَةُ الَّتِي عَيَّنَهَا سَلَّمَ الْعَبْدَ لِلْوَرَثَةِ هَذَا إذَا كَانَتْ السَّنَةُ بِعَيْنِهَا وَإِنْ كَانَتْ السَّنَةُ بِغَيْرِ عَيْنِهَا إنْ كَانَ الْعَبْدُ يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ أَوْ لَا يَخْرُجُ وَقَدْ أَجَازُوا فَيُسَلَّمُ الْعَبْدُ إلَى الْمُوصَى لَهُ حَتَّى يَسْتَخْدِمَهُ سَنَةً كَامِلَةً ثُمَّ يَرُدُّهُ عَلَى الْوَرَثَةِ فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ لَا يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ فَإِنَّهُ يَخْدُمُ الْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ وَكَانَ يَجِبُ أَنْ يُعَيِّنَ السَّنَةَ الَّتِي وُجِدَ فِيهَا الْمَوْتُ وَكُلُّ وُجُوبٍ عَرَفْته فِيمَا إذَا أَوْصَى لَهُ بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ سَنَةً فَهُوَ الْجَوَابُ فِيمَا إذَا أَوْصَى لَهُ بِغَلَّةِ دَارِهِ سَنَةً أَوْ سُكْنَى دَارِهِ سَنَةً عَيَّنَ السَّنَةَ أَوْ لَمْ يُعَيِّنْ السَّنَةَ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرْنَا فِي الْخِدْمَةِ، وَفِي الْمُنْتَقَى بِرِوَايَةِ الْمُعَلَّى عَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِسُكْنَى دَارِهِ وَلَمْ يُوَقِّتْ كَانَ ذَلِكَ مَا عَاشَ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا أَوْصَى بِغَلَّةِ عَبْدِهِ هَذَا لِفُلَانٍ وَلَمْ يُسَمِّ وَقْتًا وَهُوَ يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ فَلَهُ غَلَّتُهُ حَالَ حَيَاتِهِ، وَإِنْ كَانَتْ الْغَلَّةُ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ وَكَذَلِكَ الْوَصِيَّةُ بِغَلَّةِ الْبُسْتَانِ أَوْ بِسُكْنَى الدَّارِ أَوْ خِدْمَةِ الْعَبْدِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ، وَفِي نَوَادِرِ بِشْرٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا أَوْصَى بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ أَوْ سُكْنَى دَارِهِ لِعَبْدِ رَجُلٍ جَازَ لِلْعَبْدِ الْمُوصَى لَهُ وَلَا يَجُوزُ لِمَوْلَاهُ وَيَسْكُنُ الْعَبْدُ الدَّارَ وَلَا يَسْكُنُ مَوْلَاهُ فَإِنْ مَاتَ الْعَبْدُ الْمُوصَى بِهِ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ وَإِنْ بِيعَ أَوْ أُعْتِقَ بَقِيَتْ الْوَصِيَّةُ، وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَجُلٌ أَوْصَى أَنْ يَخْدُمَ عَبْدُهُ فُلَانًا حَتَّى يَسْتَغْنِيَ فَإِنْ كَانَ فُلَانٌ صَغِيرًا خَدَمَهُ حَتَّى يُدْرِكَ وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ قَالَ: وَإِذَا أَوْصَى لَهُمَا بِالسُّكْنَى فَالسُّكْنَى بَيْنَهُمَا بِخِلَافِ الْعَبْدِ فَإِنَّهُ يُقَسِّمُ الْخِدْمَةَ بَيْنَهُمَا وَلَمْ يُقَسِّمْ الْعَيْنَ. وَفِي الْكَافِي وَلَوْ اقْتَسَمُوا الدَّارَ مُهَايَأَةً مِنْ حَيْثُ الزَّمَانُ يَجُوزُ أَيْضًا إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ أَوْلَى، وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِغَلَّةِ عَبْدِهِ أَوْ بِثَمَرَةِ بُسْتَانِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرَهُ كَانَ لَهُ ثُلُثُ الْغَلَّةِ، وَالثَّمَرَةِ بِخِلَافِ الْخِدْمَةِ وَلَيْسَ لِلْوَرَثَةِ بَيْعُ مَا فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ ثُلُثَيْ الدَّارِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ لَهُمْ ذَلِكَ وَلَوْ خَرَّبَ مَا فِي يَدِهِ مِنْ الدَّارِ كَانَ لَهُ أَنْ يُزَاحِمَ الْوَرَثَةَ فِيمَا فِي أَيْدِيهِمْ، وَلَوْ أَوْصَى بِغَلَّةِ عَبْدِهِ أَوْ دَارِهِ فَاسْتَخْدَمَهُ وَسَكَّنَهَا بِنَفْسِهِ. قِيلَ يَجُوزُ ذَلِكَ قَالَ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَلَيْسَ لِلْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ، وَالسُّكْنَى أَنْ يُؤَجِّرَ الْعَبْدَ أَوْ الدَّارَ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَهُ ذَلِكَ. وَإِذَا أَوْصَى رَجُلٌ بِثَمَرَةِ بُسْتَانِهِ فَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا إنْ قَالَ أَبَدًا أَوْ لَمْ يَقُلْ فَإِنْ كَانَ فِي بُسْتَانِهِ ثَمَرٌ وَهُوَ يُخْرِجُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَا يَحْدُثُ مِنْ الثِّمَارِ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى أَنْ يَمُوتَ هَذَا إذَا كَانَ فِي الْبُسْتَانِ ثِمَارٌ قَائِمَةٌ يَوْمَ الْمَوْتِ فَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْبُسْتَانِ ثِمَارٌ قَائِمَةٌ بَعْدَ الْمَوْتِ فَالْقِيَاسُ أَنْ تَبْطُلَ الْوَصِيَّةُ وَلَا تُصْرَفُ الْوَصِيَّةُ إلَى مَا يَحْدُثُ مِنْ الثِّمَارِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَلَكِنْ فِي الِاسْتِحْسَانِ لَا تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ وَيَكُونُ لِلْمُوصَى لَهُ مَا يَحْدُثُ مِنْ الثِّمَارِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي إذَا كَانَ الْبُسْتَانُ يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا كُلَّهُ إذَا لَمْ يَنُصَّ عَلَى الْأَبَدِ فَأَمَّا إذَا قَالَ أَوْصَيْت لَك بِثَمَرَةِ بُسْتَانِي أَبَدًا فَحَدَثَ فِي الْبُسْتَانِ شَجَرٌ مِنْ أُصُولِ النَّخِيلِ وَأَثْمَرَ دَخَلَ غَلَّةُ ذَلِكَ فِي الْوَصِيَّةِ وَإِنْ قَاسَمَ الْوَصِيُّ الْمُوصَى لَهُ بِثُلُثِ غَلَّةِ الْبُسْتَانِ مَعَ الْوَرَثَةِ فَأَغَلَّ الَّذِي لَهُمْ وَلَمْ يَغُلَّ الَّذِي لَهُ فَإِنَّهُ يُشَارِكُهُ وَيُشَارِكُونَهُمْ فِي الْغَلَّةِ قَالَ: وَلِلْوَرَثَةِ أَنْ يَبِيعُوا ثُلْثَيْ الْبُسْتَانِ فَيَكُونُ الْمُشْتَرِي شَرِيكًا لِلْمُوصَى لَهُ بِالْغَلَّةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ بَاعُوا الْكُلَّ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ فِي حِصَّةِ الثُّلُثِ. وَفِي الْمُنْتَقَى: إذَا أَوْصَى بِسُكْنَى دَارِهِ لِرَجُلٍ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرَهَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَيْسَ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يَبِيعُوا الثُّلُثَيْنِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَهُمْ أَنْ يَبِيعُوا الثُّلُثَيْنِ وَلَهُمْ أَنْ يُقَاسِمُوا فَيَكُونُ لِصَاحِبِ الْوَصِيَّةِ الثُّلُثُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْوَصِيَّةُ بِغَلَّةِ الدَّارِ كَانَ لِلْمُوصَى لَهُ ثُلُثُ الْغَلَّةِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَنْ يَقْسِمُوا الدَّارَ فَإِذَا خَافَ إذَا قُسِمَتْ أَنْ لَا تُغَلَّ فَلَيْسَ لَهُ شَيْءٌ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُقَاسِمُوا فَيَكُونُ لَهُ الثُّلُثُ فَإِذَا أَغَلَّ فَهُوَ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَغُلَّ فَلَيْسَ لَهُ شَيْءٌ وَلِلْوَرَثَةِ أَنْ يَبِيعُوا ثُلُثَهُمْ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَبَعْدَهَا. وَإِذَا أَوْصَى الرَّجُلُ لِرَجُلٍ بِغَلَّةِ أَرْضِهِ وَلَيْسَ عَلَيْهَا نَخْلٌ وَلَا شَجَرٌ وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرَهَا فَإِنَّهَا تُؤَجَّرُ فَيُعْطِي صَاحِبُ الْغَلَّةِ ثُلُثَ الْأَجْرِ وَإِنْ كَانَ فِيهَا شَجَرٌ أَعْطَى ثُلُثَ مَا يَخْرُجُ مِنْ النَّخِيلِ وَلَا يَدْفَعُ لَهُ مُزَارَعَةً بِالنِّصْفِ أَوْ الثُّلُثِ وَإِنْ كَانَتْ الزِّرَاعَةُ إجَارَةَ الْأَرْضِ إذَا كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 514 الْعَامِلِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِإِجَارَةٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بَلْ إجَارَةٌ وَشَرِكَةٌ حَتَّى إذَا لَمْ تُخْرِجْ الْأَرْضُ شَيْئًا لَا يَكُونُ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ شَيْءٌ وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِاسْمِ الْغَلَّةِ تَنْصَرِفُ إلَى الْإِجَارَةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَلَمْ تَنْصَرِفْ إلَى الْمُزَارَعَةِ. وَإِذَا أَوْصَى أَنْ تُؤَاجَرَ أَرْضِهِ مُنْذُ سِنِينَ مُسَمَّاةً كُلَّ سَنَةٍ بِكَذَا وَهِيَ جَمِيعُ مَالِهِ فَإِنَّهُ يُنْظَرُ إلَى أُجْرَتِهَا فَإِنْ كَانَ الْمُسَمَّى أَجْرَ مِثْلِهَا وَجَبَ تَنْفِيذُ هَذِهِ الْوَصِيَّةِ وَإِنْ كَانَ الْمُسَمَّى أَقَلَّ مِنْ أَجْرِ مِثْلِهَا فَإِنْ كَانَتْ الْمُحَابَاةُ بِحَيْثُ تَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ مَالِ الْمَيِّتِ فَإِنَّهُ تَنْفُذُ هَذِهِ الْوَصِيَّةُ وَإِنْ كَانَتْ الْمُحَابَاةُ بِحَيْثُ لَا تَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ مَالِ الْمَيِّتِ يُقَالُ لِلْمُوصَى لَهُ بِالْإِجَارَةِ إنْ أَرَدْت أَنْ نُؤَجِّرَ مِنْك هَذِهِ الْأَرْضَ فَبَلَغَ الْأَجْرُ إلَى تَمَامِ الثُّلُثَيْنِ. فَإِنْ بَلَغَ تُؤَجَّرُ الْأَرْضُ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ لَا تُؤَجَّرُ الْأَرْضُ مِنْهُ وَكَانَ الْجَوَابُ فِي الْإِجَارَةِ كَالْجَوَابِ فِيمَا إذَا أَوْصَى أَنْ تُبَاعَ أَرْضُهُ مِنْ فُلَانٍ بِكَذَا وَذَلِكَ جَمِيعُ مَالِهِ هُنَاكَ إنْ كَانَ الْمُسَمَّى مِثْلَ قِيمَةِ الْأَرْضِ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ الْأَرْضِ بِغَبْنٍ يَسِيرٍ تُبَاعُ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ فَإِنْ كَانَ الْمُحَابَاةُ بِحَيْثُ لَا تَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ يُقَالُ لِلْمُوصَى لَهُ بِالْبَيْعِ إنْ أَرَدْت أَنْ تُبَاعَ مِنْك هَذِهِ الْأَرْضُ فَبَلَغَ الثَّمَنُ إلَى تَمَامِ ثُلُثَيْ الْقِيمَةِ فَإِنْ بَلَغَ تُبَاعُ الْأَرْضُ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ فَإِنَّهَا لَا تُبَاعُ الْأَرْضُ مِنْهُ فَكَذَا فِي الْإِجَارَةِ، وَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ قَالَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ فِي الْإِجَارَةِ كَالْجَوَابِ فِي الْبَيْعِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ مِنْ الْجَوَابِ صَحِيحٌ فِي الْإِجَارَةِ وَإِذَا أَوْصَى وَلَيْسَ لَهُ بُسْتَانٌ ثُمَّ اشْتَرَى بُسْتَانًا ثُمَّ مَاتَ فَالْوَصِيَّةُ جَائِزَةٌ مِنْ الثُّلُثِ. وَإِذَا أَوْصَى لِإِنْسَانٍ بِشَاةٍ مِنْ غَنَمِهِ وَلَمْ يَقُلْ يَوْمَ الْمَوْتِ إنْ كَانَ فِي مِلْكِهِ يَوْمَ الْوَصِيَّةِ صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ وَتَعَلَّقَ بِهَا حَتَّى إذَا هَلَكَتْ بَعْدَ ذَلِكَ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ غَنَمٌ يَوْمَ الْوَصِيَّةِ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بَاطِلَةً وَلَوْ قَالَ: أَوْصَيْت لَك بِشَاةٍ مِنْ غَنَمِي يَوْمَ الْمَوْتِ فَالْوَصِيَّةُ جَائِزَةٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ غَنَمٌ يَوْمَ الْوَصِيَّةِ وَإِذَا أَوْصَى رَجُلٌ لِرَجُلٍ بِغَلَّةِ بُسْتَانِهِ فَأَغَلَّ الْبُسْتَانَ سَنَةً أَوْ سَنَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي ثُمَّ مَاتَ الْمُوصِي فَلَيْسَ لِلْمُوصَى لَهُ مِنْ تِلْكَ الْغَلَّةِ شَيْءٌ إنَّمَا يَكُونُ لَهُ مِنْ الْغَلَّةِ مَا يَكُونُ فِي الْبُسْتَانِ يَوْمَ مَاتَ الْمُوصِي وَمَا يَحْدُثُ بَعْدَ مَوْتِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ إلَى أَنْ يَمُوتَ الْمُوصَى لَهُ فَأَمَّا مَا يُوجَدُ مِنْ غَلَّةِ الْبُسْتَانِ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي بَعْدَ الْوَصِيَّةِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ لِلْمُوصَى لَهُ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ. وَإِذَا أَوْصَى رَجُلٌ لِرَجُلٍ بِغَلَّةِ بُسْتَانِهِ ثُمَّ إنَّ الْمُوصَى لَهُ بِالْغَلَّةِ اشْتَرَى الْبُسْتَانَ مِنْ وَرَثَةِ الْمَيِّتِ فَذَلِكَ جَائِزٌ وَتَبْطُلُ وَصِيَّتُهُ وَكَذَلِكَ لَوْ لَمْ تَبِعْهُ الْوَرَثَةُ وَلَكِنَّهُمْ تَرَاضَوْا عَلَى شَيْءٍ دَفَعُوهُ إلَيْهِ عَلَى أَنْ يُسَلِّمَ الْغَلَّةَ وَيَبْرَأَ مِنْهَا فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَكَذَلِكَ الصُّلْحُ عَنْ سُكْنَى الدَّارِ وَخِدْمَةِ الْعَبْدِ جَائِزٌ وَإِنْ كَانَ بَيْعُ هَذِهِ الْحُقُوقِ لَا يَجُوزُ وَذَكَرَ مَسْأَلَةَ الصُّلْحِ عَنْ مَسْأَلَةِ النَّخِيلِ، وَفِي نَوَادِرِ بِشْرٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَذَكَرَ فِيهَا الْقِيَاسَ، وَالِاسْتِحْسَانَ وَصُورَةُ مَا ذُكِرَ عَنْهُ: " إذَا أَوْصَى بِغَلَّةِ نَخْلَةٍ ثَلَاثَ سِنِينَ وَصَالَحَ عَنْهَا وَقَبَضَ الدَّرَاهِمَ مِنْهُمْ فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ قِيَاسًا؛ لِأَنَّ هَذَا صَالَحَ عَنْ مَجْهُولٍ لَا يَدْرِي أَيَكُونُ أَوْ لَا يَكُونُ لَكِنْ اُسْتُحْسِنَ وَأُجِيزَ هَذَا الصُّلْحُ. وَإِذَا أَوْصَى رَجُلٌ بِغَلَّةِ دَارِهِ أَوْ بِغَلَّةِ عَبْدِهِ لِلْمَسَاكِينِ جَازَ ذَلِكَ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْغَلَّةِ لِلَّهِ تَعَالَى جَائِزَةٌ كَالْمَنْفَعَةِ وَإِذَا أَوْصَى بِظَهْرِ دَابَّتِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لِإِنْسَانٍ بِعَيْنِهِ جَازَتْ هَذِهِ الْوَصِيَّةُ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا فَأَمَّا إذَا أَوْصَى بِظَهْرِ دَابَّتِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَمْ يُعَيِّنْ أَحَدًا فَإِنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى الْخِلَافِ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لَا يَجُوزُ وَهُوَ الْقِيَاسُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ يَجُوزُ سُئِلَ أَبُو بَكْرٍ عَمَّنْ أَوْصَى بِغَلَّةِ كَرْمِهِ لِإِنْسَانٍ قَالَ يَدْخُلُ فِيهِ الْقَوَائِمُ، وَالْأَوْرَاقُ، وَالْحَطَبُ، وَالثَّمَرُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ دَفَعَ الْكَرْمَ مُعَامَلَةً فَكُلُّ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ تَكُونُ بَيْنَهُمَا كَذَا هَذَا. وَفِي فَتَاوَى أَبِي اللَّيْثِ إذَا أَوْصَى بِثَمَرِ كَرْمِهِ ثَلَاثَ سِنِينَ لِلْمَسَاكِينِ فَمَاتَ وَلَمْ يَحْمِلْ كَرْمُهُ ثَلَاثَ سِنِينَ شَيْئًا قَالَ نُصَيْرٌ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ، وَفِي النَّوَازِلِ: وَلَيْسَ عَلَى الْوَرَثَةِ شَيْءٌ بَعْدَ ذَلِكَ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةً يُوقَفُ ذَلِكَ الْكَرْمُ وَإِنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ بِتَصَدُّقِ بِغَلَّتِهِ ثَلَاثَ سِنِينَ قَالَ الْفَقِيهُ: قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةً مُوَافِقٌ لِقَوْلِ أَصْحَابِنَا فَإِنَّهُمْ قَالُوا فِيمَنْ أَوْصَى بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ سَنَةً لِفُلَانٍ وَفُلَانٌ غَائِبٌ فَمَتَى رَجَعَ فَإِنَّ الْعَبْدَ يَخْدُمُهُ سَنَةً فَلَوْ قَالَ يَخْدُمُهُ هَذِهِ السَّنَةَ فَقَدِمَ فُلَانٌ قَبْلَ مُضِيِّ السَّنَةِ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ كَذَلِكَ الْغَلَّةُ. وَفِي الْعُيُونِ إذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ أَنْ يَزْرَعَ لَهُ فِي كُلِّ سَنَةٍ فِي أَرْضِهِ فَالْبَذْرُ، وَالْخَرَاجُ، وَالسَّقْيُ عَلَى الْمُوصَى لَهُ فَإِنْ أَوْصَى لَهُ أَنْ يَزْرَعَ كُلَّ سَنَةٍ عَشْرَةَ أَجْرِبَةٍ فَالْبَذْرُ، وَالسَّقْيُ، وَالْخَرَاجُ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ، وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِثَمَرِ نَخْلٍ قَدْ بَلَغَ أَوْ زَرَعَ اُسْتُحْصِدَ أَوْ لَمْ يُحْصَدْ فَالْخَرَاجُ عَلَى الْمُوصَى لَهُ فَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ لَوْ أَصَابَتْهُ آفَةٌ لَمْ يَلْزَمْ صَاحِبَ الْأَرْضِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 515 الْخَرَاجُ فَإِذَا أَوْصَى بِهِ لِغَيْرِهِ فَعَلَى الْمُوصَى لَهُ الْخَرَاجُ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَوْصَى بِثَمَرَةِ نَخْلِهِ أَوْ زَرْعٍ قَدْ أَدْرَكَ فَخَرَاجُهُ عَلَى الْمُوصَى لَهُ وَلَوْ قَطَعَ الثَّمَرَةَ وَحَصَدَ الزَّرْعَ ثُمَّ أَوْصَى بِهِ لِرَجُلٍ فَالْخَرَاجُ عَلَى الْمُوصِي وَمِمَّا يَتَّصِلُ بِهَذَا الْفَصْلِ مَا قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ: رَجُلٌ مَاتَ وَتَرَكَ عَبْدًا لَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ وَأَوْصَى بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ سَنَةً لِرَجُلٍ وَأَوْصَى بِخِدْمَتِهِ سَنَتَيْنِ لِرَجُلٍ آخَرَ ثُمَّ مَاتَ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ فَلِلْوَرَثَةِ أَنْ يُجِيزُوا ذَلِكَ لَهُمْ خِدْمَةً لِلْعَبْدِ تُقَسَّمُ عَلَى تِسْعَةِ أَيَّامٍ لِلْوَرَثَةِ سِتَّةُ أَيَّامٍ وَلَهُمَا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَإِذَا مَضَى ثَلَاثُ سِنِينَ سَلَّمَ لِوَرَثَةِ الْمَيِّتِ رَقَبَتَهُ وَمَنْفَعَتَهُ؛ لِأَنَّهُ مَالُ الْمَيِّتِ وَقَدْ خَلَا عَنْ الدَّيْنِ، وَالْوَصِيَّةِ فَيَكُونُ لِلْوَرَثَةِ. وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ أَوْ لَمْ يَخْرُجْ بَلْ أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ ذَلِكَ قُسِّمَتْ خِدْمَةُ الْعَبْدِ أَثْلَاثًا يَوْمًا لِلْمُوصَى لَهُ بِالسَّنَةِ وَيَوْمَيْنِ لِلْمُوصَى لَهُ بِالسَّنَتَيْنِ فَيَحْصُلُ اسْتِيفَاءُ الْوَصِيَّتَيْنِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ وَلَا حَقَّ لِلْوَرَثَةِ فِي خِدْمَةِ الْعَبْدِ، وَلَوْ كَانَ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِخِدْمَةِ الْعَبْدِ سَنَةَ سَبْعِينَ وَمِائَةٍ وَلِآخَرَ سَنَةَ إحْدَى وَسَبْعِينَ وَمِائَةٍ، وَالْخِدْمَةُ، وَالْعَبْدُ لَا تَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ قُسِّمَتْ الْخِدْمَةُ فِي سَنَةِ إحْدَى وَسَبْعِينَ وَمِائَةٍ عَلَى سِتَّةِ أَيَّامٍ لِلْوَرَثَةِ أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُوصَى لَهُمَا يَوْمٌ وَإِذَا مَضَتْ هَذِهِ الْوَصِيَّةُ تَبْطُلُ وَصِيَّةُ الْمُوصَى لَهُ بِسَنَةِ سَبْعِينَ، وَفِي سَنَةِ إحْدَى وَسَبْعِينَ تُقْسَمُ خِدْمَةُ الْعَبْدِ أَثْلَاثًا عَلَى ثَلَاثَةٍ يَوْمٌ لِلْمُوصَى لَهُ بِسَنَةِ إحْدَى وَسَبْعِينَ وَيَوْمَانِ لِلْوَرَثَةِ فَإِذَا مَضَتْ هَذِهِ السَّنَةُ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ أَوْ لَا يَخْرُجُ لَكِنْ أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ كَانَتْ خِدْمَةُ الْعَبْدِ كُلُّهَا فِي سَنَةِ سَبْعِينَ لَهُ. وَفِي الْجَامِعِ أَيْضًا: رَجُلٌ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِسُكْنَى دَارِهِ سَنَةً وَأَوْصَى لِآخَرَ بِسُكْنَاهَا سَنَتَيْنِ ثُمَّ مَاتَ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُ الدَّارِ وَأَبَى الْوَرَثَةُ أَنْ يُجِيزُوا ذَكَرَ أَنَّ الدَّارَ تُقَسَّمُ بَيْنَهُمْ ثُلُثَا الدَّارِ تَسْكُنُهَا الْوَرَثَةُ وَثُلُثُ الدَّارِ يُقَسَّمُ بَيْنَ الْمُوصَى لَهُمَا نِصْفَيْنِ يَسْكُنُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سُدُسَ الدَّارِ حَتَّى تَمْضِي سَنَةٌ فَإِذَا مَضَى سَنَةٌ فَالْمُوصَى لَهُ بِسُكْنَى الدَّارِ سَنَةً يَدْفَعُ السُّدُسَ إلَى الْمُوصَى لَهُمَا بِسُكْنَى الدَّارِ سَنَتَيْنِ فَيَسْكُنُ ثُلُثَ الدَّارِ سَنَةً أُخْرَى ثُمَّ تَعُودُ الدَّارُ إلَى الْوَرَثَةِ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَوْ كَانَتْ الدَّارُ لَا تَتَحَمَّلُ الْقِسْمَةَ كَانَ الْحُكْمُ فِيهَا كَالْحُكْمِ فِي الْعَبْدِ وَهَذَا إذَا لَمْ تَخْرُجْ الدَّارُ، وَالْعَبْدُ، وَالثَّمَرَةُ مِنْ الثُّلُثِ فَأَمَّا إذَا خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ أَوْ أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ قُسِّمَتْ الدَّارُ، وَالْغَلَّةُ، وَالسُّكْنَى كُلُّهَا فِي السَّنَةِ الْأُولَى بَيْنَ الْمُوصَى لَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَفِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ كُلُّهَا لِصَاحِبِ السَّنَتَيْنِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ خَرَجَ الْعَبْدُ مِنْ ثُلُثِهِ سُلِّمَ إلَيْهِ لِيَخْدُمَهُ) ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُوصَى لَهُ فِي الثُّلُثِ لَا يُزَاحِمُهُ الْوَرَثَةُ فِيهِ وَقَدْ قَدَّمْنَا مَا فِيهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ (خِدْمَةَ الْوَرَثَةِ يَوْمَيْنِ، وَالْمُوصَى لَهُ يَوْمًا) ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الثُّلُثِ وَحَقَّهُمْ فِي الثُّلُثَيْنِ كَمَا فِي الْوَصِيَّةِ بِالْعَيْنِ وَلَا يُمْكِنُ قِسْمَةُ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ فَصِرْنَا إلَى الْمُهَايَأَةِ فَيَخْدُمُهُمْ أَثْلَاثًا وَقَدْ قَدَّمْنَا تَفَاصِيلَ الْمَسْأَلَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِمَوْتِهِ يَعُودُ إلَى وَرَثَةِ الْمُوصِي) أَيْ بِمَوْتِ الْمُوصَى لَهُ يَعُودُ الْعَبْدُ أَوْ الدَّارُ إلَى وَرَثَةِ الْمُوصِي؛ لِأَنَّهُ أَوْجَبَ الْحَقَّ لِلْمُوصَى لَهُ لِيَسْتَوْفِيَ الْمَنَافِعَ عَلَى حُكْمِ مِلْكِهِ فَلَوْ انْتَقَلَ إلَى وَارِثِ الْمُوصَى لَهُ اسْتَحَقَّهَا أَبَدًا مِنْ مِلْكِ الْمُوصِي بِغَيْرِ رِضَاهُ وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ مَاتَ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي بَطَلَتْ) أَيْ لَوْ مَاتَ الْمُوصَى لَهُ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ مُضَافٌ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَفِي الْحَالِ مِلْكُ الْمُوصِي ثَابِتٌ فِيهِ وَلَا يُتَصَوَّرُ تَمَلُّكُ الْمُوصَى لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ فَبَطَلَتْ وَقَدَّمْنَاهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِثَمَرَةِ بُسْتَانِهِ فَمَاتَ، وَفِيهِ ثَمَرَةٌ لَهُ هَذِهِ الثَّمَرَةُ وَإِنْ زَادَ أَبَدًا لَهُ هَذِهِ الثَّمَرَةُ وَمَا يَسْتَقْبِلُ كَغَلَّةِ بُسْتَانِهِ) أَيْ إذَا أَوْصَى بِثَمَرَةِ بُسْتَانِهِ ثُمَّ مَاتَ، وَفِيهِ ثَمَرَةٌ كَانَ لَهُ هَذِهِ الثَّمَرَةُ وَحْدَهَا وَإِنْ قَالَ لَهُ ثَمَرَةُ بُسْتَانِي أَبَدًا كَانَ لَهُ هَذِهِ الثَّمَرَةُ وَثَمَرَتُهُ فِيمَا يَسْتَقْبِلُ مَا عَاشَ، وَإِنْ أَوْصَى لَهُ بِغَلَّةِ بُسْتَانِهِ فَلَهُ الْغَلَّةُ الْقَائِمَةُ عَلَيْهِ، وَمَا يَسْتَقْبِلُ فَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا أَوْصَى بِالْغَلَّةِ اسْتَحَقَّ الْقَائِمَ، وَالْحَادِثَ وَإِنْ أَوْصَى بِالثَّمَرَةِ لَا يَسْتَحِقُّ إلَّا الْقَائِمُ إلَّا إذَا زَادَ أَبَدًا فَحِينَئِذٍ تَصِيرُ كَالْغَلَّةِ فَيَسْتَحِقُّهُ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَإِنْ زَادَ أَبَدًا لَهُ هَذِهِ الثَّمَرَةُ وَمَا يَسْتَقْبِلُ فَيَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا، وَالْفَرْقُ أَنَّ الثَّمَرَةَ اسْمٌ لِلْمَوْجُودِ عُرْفًا فَلَا يَتَنَاوَلُ الْمَعْدُومَ إلَّا بِدَلَالَةٍ زَائِدَةٍ مِثْلَ التَّنْصِيصِ عَلَى الْأَبَدِ فَتَتَنَاوَلُ الْمَعْدُومَ، وَالْمَوْجُودَ بِذِكْرِهِ عُرْفًا وَأَمَّا الْغَلَّةُ فَتَنْتَظِمُ الْمَوْجُودَ وَمَا يَكُونُ بِعَرْضِ الْوُجُودِ وَلَا يُرَادُ الْمَعْدُومُ إلَّا بِدَلِيلٍ زَائِدٍ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا قَيَّدَهُ بِقَوْلِهِ، وَفِيهِ ثَمَرَةٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْبُسْتَانِ ثَمَرَةٌ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَهِيَ كَمَسْأَلَةِ الْغَلَّةِ فِي تَنَاوُلِهَا لِلثَّمَرَةِ الْمَعْدُومَةِ مَا عَاشَ الْمُوصَى لَهُ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الثَّمَرَةَ اسْمٌ لِلْمَوْجُودِ حَقِيقَةً وَلَا يَتَنَاوَلُ الْمَعْدُومَ إلَّا مَجَازًا فَإِذَا كَانَ فِي الْبُسْتَانِ ثَمَرَةٌ عِنْدَ مَوْتِ الْمُوصِي صَارَ مُسْتَعْمَلًا فِي الْحَقِيقَةِ فَلَا يَتَنَاوَلُ الْمَجَازَ وَإِذَا لَمْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 516 يَكُنْ فِيهِ يَتَنَاوَلُ الْمَجَازَ وَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا إلَّا أَنَّهُ إذَا ذُكِرَ لَفْظُ الْأَبَدِ فَيَتَنَاوَلُهُمَا عَمَلًا بِعُمُومِ الْمَجَازِ لَا جَمْعًا بَيْنَ الْحَقِيقَةِ، وَالْمَجَازِ وَقَدْ قَدَّمْنَا تَفَاصِيلَهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِصُوفِ غَنَمِهِ وَوَلَدِهَا وَلَبَنِهَا لَهُ الْمَوْجُودُ عِنْدَ مَوْتِهِ قَالَ أَبَدًا أَوَّلًا) أَيْ إذَا أَوْصَى بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ كَانَ لَهُ الْمَوْجُودُ عِنْدَ مَوْتِهِ وَلَا يَسْتَحِقُّ مَا سَيَحْدُثُ بَعْدَ مَوْتِهِ سَوَاءٌ قَالَ أَبَدًا أَوْ لَمْ يَقُلْ؛ لِأَنَّهُ إيجَابٌ عِنْدَ الْمَوْتِ فَيُعْتَبَرُ وُجُودُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ عِنْدَهُ فَهَذَا هُوَ الْحَرْفُ لَكِنْ جَازَتْ الْوَصِيَّةُ فِي الْغَلَّةِ الْمَعْدُومَةِ، وَالثَّمَرَةِ الْمَعْدُومَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا؛ لِأَنَّهَا تُسْتَحَقُّ بِغَيْرِ الْوَصِيَّةِ مِنْ الْعُقُودِ كَالْمُزَارَعَةِ، وَالْمُعَامَلَةِ فَلَأَنْ تُسْتَحَقَّ بِالْوَصِيَّةِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا أَوْسَعُ بَابًا مِنْ غَيْرِهَا وَكَذَا الصُّوفُ عَلَى الظَّهْرِ، وَاللَّبَنُ فِي الضَّرْعِ، وَالْوَلَدُ الْمَوْجُودُ فِي الْبَطْنِ يَسْتَحِقُّ بِجَمِيعِ الْعُقُودِ تَبَعًا وَيُجْعَلُ مَقْصُودًا فَكَذَا بِالْوَصِيَّةِ ثُمَّ مَسَائِلُ هَذَا الْبَابِ عَلَى وُجُوهٍ ثَلَاثَةٍ مِنْهَا مَا يَقَعُ عَلَى الْمَوْجُودِ، وَالْمَعْدُومِ وَذَكَرَ الْأَبَدَ أَوْ لَمْ يَذْكُرْ كَالْوَصِيَّةِ بِالْخِدْمَةِ، وَالسُّكْنَى، وَالْغَلَّةِ، وَالثَّمَرَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْبُسْتَانِ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَرَةِ عِنْدَ مَوْتِهِ وَمِنْهَا عَلَى الْمَوْجُودِ دُونَ الْمَعْدُومِ ذَكَرَ الْأَبَدَ أَوْ لَمْ يَذْكُرْ كَالْوَصِيَّةِ بِاللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ، وَالصُّوفِ عَلَى الظُّهْرِ وَمِنْهَا مَا يَقَعُ عَلَى الْمَوْجُودِ، وَالْمَعْدُومِ إنْ ذَكَرَ الْأَبَدَ وَإِلَّا فَعَلَى الْمَوْجُودِ فَقَطْ كَالْوَصِيَّةِ بِثَمَرَةِ بُسْتَانِهِ، وَفِيهِ ثَمَرَةٌ. وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُؤَلِّفُ لِلْوَصِيَّةِ بِالْكَفَنِ، وَالدَّفْنِ وَبِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ عَلَى الْقُبُورِ وَنَحْوِهِ فَنَذْكُرُ ذَلِكَ تَتْمِيمًا لِلْفَائِدَةِ قَالَ فِي وَاقِعَاتِ النَّاطِفِيِّ: إذَا أَوْصَى بِأَنْ يُكَفَّنَ بِأَلْفِ دِينَارٍ أَوْ بِعَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ فَلَهُ أَنْ يُكَفَّنَ بِالْوَسَطِ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ إسْرَافٌ وَلَا تَقْتِيرٌ وَلَا تَضْيِيقٌ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ يُكَفَّنُ بِكَفَنِ الْمِثْلِ وَهُوَ أَنْ يَنْظُرَ إلَى ثِيَابِهِ حَالَ حَيَاتِهِ لِلْخُرُوجِ لِلْجُمُعَةِ، وَالْعِيدَيْنِ، وَالْوَلِيمَةِ وَقِيلَ لِلْفَقِيهِ أَبِي بَكْرٍ الْبَلْخِيّ لِمَ اُعْتُبِرَتْ ثِيَابُ الْجُمُعَةِ، وَالْوَلِيمَةِ وَلَمْ تُعْتَبَرْ ثِيَابُ الْبِذْلَةِ كَمَا قَالَ الصِّدِّيقُ: الْحَيُّ أَحْوَجُ إلَى الْجَدِيدِ مِنْ الْمَيِّتِ قَالَ ذَلِكَ فِي زَمَانٍ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ غَيْرُهُ، وَفِي النَّوَازِلِ سُئِلَ أَبُو الْقَاسِمِ عَنْ امْرَأَةٍ صَاحِبَةِ فِرَاشٍ أَوْصَتْ ابْنَتَهَا أَنْ تُكَفِّنَهَا بِسِتِّينَ دِرْهَمًا بِمَا يُسَاوِي ثَلَثَمِائَةِ دِرْهَمٍ قَالَ: إنْ لَمْ تَفْعَلْ ذَلِكَ بِإِذْنِ جَمِيعِ الْوَرَثَةِ وَهُمْ كِبَارٌ ضَمَنَتْهَا جُمْلَةَ الثِّيَابِ إنْ كَانَتْ الْكُلُّ وَضِيعَةً وَلَا يُحْسَبُ مِنْهَا شَيْءٌ وَإِنْ كَانَ الْبَعْضُ رَفِيعَةً دُونَ الْبَعْضِ مِمَّا كَانَ فِيهِ يُكَفَّنُ مِثْلُهَا لَمْ تَضْمَنْ وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ ضَمِنَتْهُ، وَفِي فَتَاوَى الْخُلَاصَةِ، وَالْمُخْتَارِ: أَنَّهَا مُتَبَرِّعَةٌ فِي الْكُلِّ إنْ فَعَلَتْ مِنْ مَالِهَا أَوْ مِنْ التَّرِكَةِ تَضْمَنُ وَسُئِلَ أَيْضًا عَمَّنْ أَوْصَى بِأَنْ يُكَفَّنَ لَهُ بِثَمَنِ كَذَا وَفَعَلَ الْمُوصَى لَهُ ذَلِكَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَلَوْ وَجَدَ مِيرَاثًا وَذَلِكَ الشَّيْءُ لِلْوَرَثَةِ، وَسُئِلَ أَبُو بَكْرٍ عَنْ امْرَأَةٍ أَوْصَتْ إلَى زَوْجِهَا أَنْ يُكَفِّنَهَا مِنْ مَهْرِهَا الَّذِي لَهَا عَلَيْهِ قَالَ أَمْرُهَا وَنَهْيُهَا فِي بَابِ الْكَفَنِ بَاطِلٌ، وَفِي فَتَاوَى الْخُلَاصَةِ قَالَ وَصِيَّتُهَا فِي تَكْفِينَهَا بَاطِلَةٌ. وَلَوْ لَمْ تَتْرُكْ مَالًا يَكُونُ كَفَنُهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ دُونَ الزَّوْجِ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ عُلَمَاؤُنَا قَالَ فِي الْفَقِيهِ أَبُو اللَّيْثِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا الْجَوَابُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ أَصْحَابِنَا وَرَوَى خَلَفٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْكَفَنَ عَلَى الزَّوْجِ كَالْكِسْوَةِ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يَجِبُ قَالَ: وَبِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ نَأْخُذُ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو بَكْرٍ فِيمَنْ أَوْصَى بِأَنْ يُكَفَّنَ فِي ثَوْبٍ أَنَّ هَذِهِ الْوَصِيَّةَ بَاطِلَةٌ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ: وَلَوْ أَوْصَى أَنْ يُكَفَّنَ فِي ثَوْبِ كَذَا وَيُدْفَنَ فِي مَوْضِعِ كَذَا فَالْوَصِيَّةُ فِي تَعْيِينِ الْكَفَنِ وَمَوْضِعِ الْقَبْرِ بَاطِلَةٌ، وَفِي رَوْضَةِ الزَّنْدُوسَنِيِّ إذَا أَوْصَى بِأَنْ يُكَفَّنَ فِي خَمْسَةِ أَثْوَابٍ أَوْ فِي سِتَّةِ أَثْوَابٍ جَازَتْ وَصِيَّتُهُ وَيُرَاعَى شَرَائِطُهُ، وَفِي الْخُلَاصَةِ: وَلَوْ أَوْصَى بِأَنْ يُدْفَنَ فِي مَقْبَرَةِ كَذَا تُعْرَفُ لِفُلَانٍ الزَّاهِدِ تُرَاعَى شَرَائِطُهُ وَإِنْ أَوْصَى بِأَنْ يُدْفَنَ مَعَ فُلَانٍ لَا يَصِحُّ، وَقَالَ إبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ فِيمَنْ مَاتَ وَلَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا قَالَ إنْ مَاتَ وَتَرَكَ ثَوْبًا وَاحِدًا يُكَفَّنُ فِيهِ وَإِلَّا يُسْأَلُ قَدْرُ ثَوْبٍ وَيُكَفَّنُ فِيهِ وَلَا يُسْأَلُ الزِّيَادَةُ رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً قَالَ الْفَقِيهُ هَذَا قَوْلُ إبْرَاهِيمَ، وَقَالَ ابْنُ سَلَمَةَ وَغَيْرُهُ: يُكَفَّنُ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ حَسَنٌ أَوْصَى بِأَنْ يُدْفَنَ فِي دَارِهِ فَوَصِيَّتُهُ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي وَصِيَّتِهِ مَنْفَعَةٌ لَهُ وَلَا لِأَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَلَوْ دُفِنَ فِيهَا فَهُوَ كَدَفْنِهِمْ بِغَيْرِ وَصِيَّةٍ يَرْفَعُ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي فَإِنْ رَأَى الْأَمْرَ بِرَفْعِهِ فَعَلَ وَإِنْ أَوْصَى أَنْ يُدْفَنَ فِي دَارِهِ فَهُوَ بَاطِلٌ إلَّا أَنْ يُوصِيَ أَنْ تُجْعَلَ دَارُهُ مَقْبَرَةً لِلْمُسْلِمِينَ. وَفِي الْخُلَاصَةِ وَلَوْ أَوْصَى بِأَنْ يُدْفَنَ فِي بَيْتِهِ لَا يَصِحُّ وَيُدْفَنُ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَلَوْ أَوْصَى بِأَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ فُلَانٌ فَقَدْ ذَكَرَهُ فِي الْعُيُونِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ بَاطِلَةٌ، وَفِي الْفَتَاوَى الْعَتَّابِيَّةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ أَنَّهَا جَائِزَةٌ وَيُؤْجَرُ إنْ صَلَّى عَلَيْهِ، وَالْفَتْوَى عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْعُيُونِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ فِي أَكْفَانِ مَوْتَى الْمُسْلِمِينَ أَوْ فِي حَفْرِ مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ فِي سِقَايَةِ الْمُسْلِمِينَ قَالَ هَذَا بَاطِلٌ. وَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِهِ فِي أَكْفَانِ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ فِي حَفْرِ مَقَابِرِهِمْ فَهَذَا جَائِزٌ. وَفِي فَتَاوَى الْخُلَاصَةِ وَلَوْ أَوْصَى بِأَنْ تُتَّخَذَ دَارُهُ مَقْبَرَةً فَمَاتَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 517 فَوَارِثُهُ مُخَيَّرٌ فِي دَفْنِهِ فِيهَا، وَلَوْ أَوْصَى بِأَنْ يَتَّخِذَ دَارِهِ خَانًا يَنْزِلُ فِيهِ النَّاسُ لَا يَصِحُّ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَوْصَى بِأَنْ تُتَّخَذَ سِقَايَةَ رَجُلٍ مَاتَ وَلَمْ يُوصِ إلَى أَحَدٍ فَبَاعَتْ امْرَأَتُهُ دَارًا مِنْ تَرِكَتِهِ لَكِنْ بِغَيْرِ إذْنِ سَائِرِ الْوَرَثَةِ فَالْبَيْعُ فِي نَصِيبِهَا جَائِزٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ مُحِيطٌ بَعْدَ ذَلِكَ يَنْظُرُ إنْ كَفَّنْته بِكَفَنٍ مِثْلِهِ تَرْجِعُ فِي مَالِ الْمَيِّتِ وَإِنْ كَفَّنْته بِأَكْثَرَ مِنْ كَفَنِ الْمِثْلِ لَا تَرْجِعُ إلَّا بِقَدْرِ كَفَنِ الْمِثْلِ رَجُلٌ أَوْصَى بِأَنْ يُكَفَّنَ لَهُ مِنْ ثَمَنٍ كَذَا فَلَمْ يَفْعَلْ الْوَصِيُّ مِنْ ثَمَنِ كَذَا وَكَأَنْ وَجَدَ الْمُشْتَرِي أَوْ لَمْ يَجِدْ لَا يَضْمَنُ الْوَصِيُّ ذَلِكَ الشَّيْءَ، وَلَوْ اشْتَرَى الْوَصِيُّ كَفَنًا فَدُفِنَ فِيهِ الْمَيِّتُ فَظَهَرَ فِيهِ عَيْبٌ فَهُوَ وَالْوَصِيُّ يَرْجِعَانِ عَلَى الْبَائِعِ بِالنُّقْصَانِ. وَالْأَجْنَبِيُّ لَا يَرْجِعُ وَإِذَا أَوْصَى أَنْ يُدْفَنَ فِي مَسْحٍ كَأَنْ اشْتَرَى وَتُغَلُّ يَدُهُ وَتُقَيَّدُ رِجْلُهُ فَهَذِهِ وَصِيَّةٌ بِمَا لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ فَبَطَلَتْ وَيُكَفَّنُ كَفَنَ مِثْلِهِ وَيُدْفَنُ كَمَا يُدْفَنُ سَائِرُ النَّاسِ إذَا دُفِنَ الْمَيِّتُ فِي قَبْرٍ فِيهِ مَيِّتٌ آخَرُ قَالَ إذَا بَلِيَ الْأَوَّلُ حَتَّى لَمْ يَبْقَ مِنْهُ شَيْءٌ مِنْ الْعِظَامِ وَغَيْرُهُ يَجُوزُ وَإِنْ بَقِيَ فِيهِ الْعِظَامُ فَإِنَّهُ يُهَالُ عَلَيْهِ التُّرَابُ وَلَا تُحَرَّكُ الْعِظَامُ وَيُدْفَنُ الثَّانِي بِقُرْبِ الْأَوَّلِ إنْ شَاءُوا وَيُجْعَلُ بَيْنَهُمَا حَاجِزٌ مِنْ الصَّعِيدِ وَلَوْ أَوْصَى بِأَنْ يُحْمَلَ بَعْدَ مَوْتِهِ إلَى مَوْضِعِ كَذَا وَيُدْفَنُ هُنَاكَ وَيُبْنَى هُنَاكَ رِبَاطٌ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ فَمَاتَ وَلَمْ يُحْمَلْ إلَى هُنَاكَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَصِيَّتُهُ بِالرِّبَاطِ جَائِزَةٌ، وَوَصِيَّتُهُ بِالْحَمْلِ بَاطِلَةٌ وَلَوْ حَمَلَهُ الْوَصِيُّ يَضْمَنُ مَا أَنْفَقَ فِي حَمْلِهِ قَالَ الْفَقِيهُ: هَذَا إذَا حُمِلَ بِغَيْرِ إذْنِ الْوَرَثَةِ وَلَوْ حُمِلَ بِإِذْنِهِمْ وَهُمْ كِبَارٌ فَلَا ضَمَانَ إذَا أَوْصَى بِأَنْ يُطَيَّنَ قَبْرُهُ وَيُوضَعَ عَلَى قَبْرِهِ قُبَّةٌ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعٍ يَحْتَاجُ إلَى التَّطْيِينِ فَيَجُوزُ سُئِلَ أَبُو الْقَاسِمِ عَمَّنْ دَفَعَ إلَى ابْنَتِهِ خَمْسِينَ دِرْهَمًا فِي مَرَضِهِ، وَقَالَ: إنْ مِتّ أَنَا فَاعْمُرِي قَبْرًا بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ وَاشْتَرِي بِالْبَاقِي حِنْطَةً وَتَصَدَّقِي بِهَا قَالَ الْخَمْسَةُ الْوَصِيَّةُ بِهَا لَا تَجُوزُ وَيُنْظَرُ إلَى الْقَبْرِ الَّذِي أَمَرَ بِعِمَارَتِهِ فَإِنْ كَانَ يَحْتَاجُ إلَى الْعِمَارَةِ لِلتَّخْصِيصِ لَا لِلزِّنْيَةِ عُمِّرَ بِقَدْرِ ذَلِكَ، وَالْبَاقِي يَصَّدَّقُ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَإِنْ كَانَ أَمَرَ بِعِمَارَتِهِ عَلَى الْحَاجَةِ الَّتِي لَا بُدَّ مِنْهَا فَوَصِيَّتُهُ جَائِزَةٌ وَإِذَا أَوْصَى أَنْ يَدْفَعَ إلَى إنْسَانِ كَذَا مِنْ مَالِهِ لِيَقْرَأَ الْقُرْآنَ عَلَى قَبْرِهِ فَهَذِهِ الْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ. قَالَ إنْ كَانَ الْقَارِئُ مُعَيَّنًا يَنْبَغِي أَنْ تَجُوزَ الْوَصِيَّةُ لَهُ عَلَى وَجْهِ الصِّلَةِ دُونَ الْأَجْرِ قَالَ أَبُو نَصْرٍ وَكَانَ يَقُولُ لَا مَعْنَى لِهَذِهِ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْأُجْرَةِ، وَالْإِجَارَةُ فِي ذَلِكَ بَاطِلَةٌ وَهُوَ بِدْعَةٌ وَلَمْ يَفْعَلْهَا أَحَدٌ مِنْ الْخُلَفَاءِ. وَقَدْ ذَكَرَ مَسْأَلَةَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ عَلَى الْقُبُورِ فِي الِاسْتِحْسَانِ سُئِلَ أَبُو النَّصْرِ عَنْ شَيْءٍ يُلْقَى فِي الْقَبْرِ بِجَنْبِ الْمَيِّتِ مِثْلَ الْمَضْرَبَةِ وَنَحْوِهَا قَالَ لَا بَأْسَ بِهِ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الزِّيَادَةِ فِي الْكَفَنِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ وَبَعْضُهُمْ أَنْكَرَ ذَلِكَ، وَقَالَ إذَا كَانَ مَحْشُوًّا لَا تَبْقَى تَحْتَهُ، وَالْمَحْشُوُّ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْكَفَنِ فَقَدْ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي حَقِّ الشَّهِيدِ يُنْزَعُ عَنْهُ السِّلَاحُ، وَالْفَرْوُ، وَالْحَشْوُ وَلَوْ كَانَ مِنْ جِنْسِ الْكَفَنِ لَمَا أَمَرَ بِنَزْعِهِ وَسُئِلَ أَبُو الْقَاسِمِ عَمَّنْ أَوْصَى أَنْ نَحْفِرَ عَشَرَةَ أَقْبُرٍ قَالَ إنْ عَيَّنَ مَقْبَرَةً لِيُدْفَنَ فِيهَا الْمَوْتَى فَالْوَصِيَّةُ جَائِزَةٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عِمَارَةُ الْمَقْبَرَةِ وَأَنَّهَا قُرْبَةٌ وَإِنْ كَانَ الْحَفْرُ لِدَفْنِ أَبْنَاءِ السَّبِيلِ وَلِلْفُقَرَاءِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُبَيِّنَ مَوْضِعًا فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ، وَفِي الْوَاقِعَاتِ عَنْ مُحَمَّدٍ إذَا أَوْصَى بِأَنْ يَحْفِرَ مِائَةَ قَبْرٍ اسْتَحْسَنَ ذَلِكَ فِي مَحَلَّتِهِ وَيَكُونُ عَلَى الْكَبِيرِ، وَالصَّغِيرِ وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا اخْتَارُوا أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُعَيِّنْ الْمَقْبَرَةَ لَا يَجُوزُ وَإِذَا أَوْصَى أَنْ تُدْفَنَ كُتُبُهُ لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهَا شَيْءٌ لَا يَفْهَمُهُ أَحَدٌ وَيَكُونُ فِيهِ فَسَادٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يُدْفَنَ، وَالْكُتُبُ الَّتِي فِيهَا الرُّسُلُ، وَفِيهَا اسْمُ اللَّهِ وَيَسْتَغْنِي عَنْهَا صَاحِبُهَا بِحَيْثُ أَنْ لَا يَقْرَأَهَا وَاجِبٌ مَحْوُ مَا فِيهَا مِنْ اسْمِ اللَّهِ وَلَمْ يَحْفِرْ لَهَا وَيُلْقِيهَا فِي الْمَاءِ الْجَارِي الْكَثِيرِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَدَفَنَهَا فِي أَرْضٍ طَاهِرَةٍ وَلَا يَنَالُهَا قَذَرٌ كَانَ حَسَنًا. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَحْرِقَهَا بِالنَّارِ حَتَّى يَمْحُوَ مَا كَانَ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَسْمَاءِ رُسُلِهِ وَمَلَائِكَتِهِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ: وَعَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْفَضْلِ رَجُلٌ أَوْصَى بِأَنْ تُبَاعَ كُتُبُهُ مَا كَانَ خَارِجًا مِنْ الْعِلْمِ وَتُوقَفُ كُتُبُ الْعِلْمِ فَفَتَّشَ كُتُبَهُ فَكَانَ فِيهَا كُتُبُ الْكَلَامِ فَكَتَبُوا إلَى أَبِي الْقَاسِمِ الصَّفَّارِ أَنَّ كُتُبَ الْكَلَامِ تُبَاعُ؛ لِأَنَّهَا خَارِجَةٌ عَنْ الْعِلْمِ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ فَعَلَى هَذَا لَوْ أَوْصَى رَجُلٌ لِأَهْلِ الْعِلْمِ بِشَيْءٍ مِنْ مَالِهِ لَا يَدْخُلُ فِيهِ أَهْلُ الْأُصُولِ وَقَدْ ذَكَرْنَا شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ مَعَ مَسْأَلَةِ دَفْعِ الْمُصْحَفِ فِي كِتَابِ الِاسْتِحْسَانِ. [بَابُ وَصِيَّةِ الذِّمِّيِّ] (بَابُ وَصِيَّةِ الذِّمِّيِّ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ وَصِيَّةِ الْمُسْلِمِينَ شَرَعَ فِي وَصِيَّةِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَتَرْجَمَ بِالذِّمِّيِّ؛ لِأَنَّهُ مُلْحَقٌ بِالْمُسْلِمِينَ فِي الْمُعَامَلَاتِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ذِمِّيٌّ جَعَلَ دَارِهِ بِيعَةً أَوْ كَنِيسَةً فِي صِحَّتِهِ فَمَاتَ فَهِيَ مِيرَاثٌ) ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْوَقْفِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالْوَقْفُ عِنْدَهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 518 لَا يَلْزَمُ فَيُورَثُ فَكَذَا هَذَا وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلَا لِأَنَّ هَذَا مَعْصِيَةٌ فَلَا يَصِحُّ وَإِنْ كَانَتْ قُرْبَةً فِي مُعْتَقَدِهِمْ بَقِيَ إشْكَالٌ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ أَنَّ هَذَا عِنْدَهُمْ كَالْمَسْجِدِ عِنْدَنَا، وَالْمُسْلِمُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ الْمَسْجِدَ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الذِّمِّيُّ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ عِنْدَهُ يَتْرُكُونَ وَمَا يَعْتَقِدُونَ وَجَوَابُهُ أَنَّ الْمَسْجِدَ مُحَرَّزٌ عَنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ فَصَارَ خَالِصًا لِلَّهِ وَلَا كَذَلِكَ الْبِيَعُ فِي حَقِّهِمْ فَلِأَنَّهَا لِمَنَافِعِ النَّاسِ؛ لِأَنَّهُمْ يَسْكُنُونَ فِيهَا وَيُدْفَنُونَ فِيهَا أَمْوَاتَهُمْ فَلَمْ تَصِرْ مُحَرَّزَةً عَنْ حُقُوقِهِمْ فَكَانَ مِلْكُهُ فِيهَا تَامًّا. وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ يُورَثُ الْمَسْجِدُ أَيْضًا عَلَى مَا يَجِيءُ بَيَانُهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَوْصَى بِذَلِكَ لِقَوْمٍ مُسَمَّيْنَ فَهُوَ مِنْ الثُّلُثِ) أَيْ إذَا أَوْصَى أَنْ يَبْنِيَ دَارِهِ بِيعَةً أَوْ كَنِيسَةً لِمُعَيَّنِينَ فَهُوَ جَائِزٌ مِنْ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ فِيهَا مَعْنَى الِاسْتِخْلَافِ وَمَعْنَى التَّمْلِيكِ فَأَمْكَنَ تَصْحِيحُهَا عَلَى اعْتِبَارِ الْمَعْنَيَيْنِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِدَارِهِ كَنِيسَةً لِقَوْمٍ غَيْرِ مُسَمَّيْنَ صَحَّتْ كَوَصِيَّةِ حَرْبِيٍّ مُسْتَأْمَنٍ بِكُلِّ مَالِهِ لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ) يَعْنِي إذَا أَوْصَى بِدَارِهِ أَنْ تُبْنَى كَنِيسَةً لِقَوْمٍ غَيْرِ مُسَمَّيْنَ صَحَّتْ كَمَا تَصِحُّ لِحَرْبِيٍّ. . . إلَخْ أَمَّا الْأَوَّلُ وَهُوَ مَا إذَا أَوْصَى إلَى قَوْمٍ مُسَمَّيْنَ فَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا الْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّهَا مَعْصِيَةٌ حَقِيقَةً وَإِنْ كَانَ فِي مُعْتَقَدِهِمْ قُرْبَةٌ، وَالْوَصِيَّةُ بِالْمَعْصِيَةِ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّ تَنْفِيذَهَا تَقْرِيرٌ لِلْمَعْصِيَةِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ هَذِهِ قُرْبَةٌ فِي مُعْتَقَدِهِمْ وَنَحْنُ أُمِرْنَا أَنْ نَتْرُكَهُمْ وَمَا يَدِينُونَ فَيَجُوزُ بِنَاءً عَلَى مُعْتَقَدِهِمْ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى بِمَا هُوَ قُرْبَةٌ حَقِيقَةً وَهُوَ مَعْصِيَةٌ فِي مُعْتَقَدِهِمْ لَا تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ اعْتِبَارًا لِاعْتِقَادِهِمْ فَكَذَا عَكْسُهُ. ثُمَّ الْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ بَيْنَ بِنَائِهَا وَبَيْنَ الْوَصِيَّةِ بِهَا أَنَّ الْبِنَاءَ لَيْسَ بِسَبَبٍ لِزَوَالِ الْمِلْكِ وَإِنَّمَا يَزُولُ مِلْكُ الْبَاقِي بِأَنْ يَصِيرَ مُحَرَّزًا خَالِصًا لِلَّهِ تَعَالَى كَمَا فِي مَسَاجِدِ الْمُسْلِمِينَ، وَالْكَنِيسَةُ لَا تُحْرَزُ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فَيُورَثُ عَنْهُ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا وُضِعَتْ لِإِزَالَةِ الْمِلْكِ غَيْرَ أَنَّ ثُبُوتَ مُقْتَضَى الْوَصِيَّةِ وَهُوَ الْمِلْكُ امْتَنَعَ فِيمَا لَيْسَ بِقُرْبَةٍ عِنْدَهُمْ فَيَبْقَى فِيمَا هُوَ قُرْبَةٌ عِنْدَهُمْ عَلَى مُقْتَضَاهُ فَيَزُولُ مِلْكُهُ فَلَا يُورَثُ قَالَ مَشَايِخُنَا: هَذَا فِيمَا أَوْصَى بِبِنَائِهَا فِي الْقُرَى وَأَمَّا فِي الْمِصْرِ فَلَا يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُمَكَّنُونَ مِنْ إحْدَاثِ الْبِيعَةِ فِي الْأَمْصَارِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافُ. إذَا أَوْصَى بِأَنْ يَذْبَحَ خَنَازِيرَهُ وَيُطْعِمَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ لِمَا ذَكَرْنَا وَإِنْ كَانَ لِقَوْمٍ مُعَيَّنِينَ جَازَ بِالِاتِّفَاقِ فَحَاصِلُهُ أَنَّ وَصَايَا الذِّمِّيِّ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ وَهُوَ مَا إذَا أَوْصَى بِمَا هُوَ قُرْبَةٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُمْ كَمَا إذَا أَوْصَى بِأَنْ يُسْرِجَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ أَوْ بِأَنْ يُغْزِيَ التَّرْكَ وَهُوَ مِنْ الرُّومِ سَوَاءٌ كَانَ الْقَوْمُ مُعَيَّنِينَ أَوْ غَيْرَ مُعَيَّنِينَ؛ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ بِمَا هُوَ قُرْبَةٌ عِنْدَنَا، وَفِي مُعْتَقَدِهِمْ أَيْضًا قُرْبَةٌ وَمِنْهَا مَا هُوَ بَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ وَهُوَ مَا إذَا أَوْصَى بِمَا هُوَ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ عِنْدَنَا وَلَا عِنْدَهُمْ كَمَا إذَا أَوْصَى لِلْمُغَنِّيَاتِ، وَالنَّائِحَاتِ أَوْ أَوْصَى بِمَا هُوَ قُرْبَةٌ عِنْدَنَا وَلَيْسَ فِي مُعْتَقَدِهِمْ كَمَا إذَا أَوْصَى بِالْحَجِّ وَبِبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ لِلْمُسْلِمِينَ أَوْ بِأَنْ تُسْرَجَ مَسَاجِدُنَا؛ لِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ عِنْدَهُمْ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِقَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ فَيَصِحُّ بِاعْتِبَارِ التَّمْلِيكِ وَمِنْهَا مَا هُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَهُوَ مَا إذَا أَوْصَى بِمَا هُوَ قُرْبَةٌ عِنْدَهُمْ. وَلَيْسَ بِقُرْبَةٍ عِنْدَنَا كَبِنَاءِ الْكَنِيسَةِ لِقَوْمٍ غَيْرِ مُعَيَّنِينَ وَنَحْوِهِ، فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَجُوزُ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ فَإِنْ كَانَ لِقَوْمٍ مُعَيَّنِينَ يَجُوزُ فِي الْكُلِّ عَلَى أَنَّهُ تَمْلِيكٌ لَهُمْ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْجِهَةِ مِنْ تَسْرِيجِ الْمَسَاجِدِ وَنَحْوِهِ خَرَجَ مِنْهُ عَلَى طَرِيقِ الْمَشُورَةِ لَا عَلَى طَرِيقِ الْإِلْزَامِ حَتَّى لَا يَلْزَمَهُمْ أَنْ يَصْرِفُوهُ فِي الْجِهَةِ الَّتِي عَيَّنَهَا هُوَ بَلْ يَفْعَلُونَ بِهِ مَا شَاءُوا وَلِأَنَّهُ مِلْكُهُمْ، وَالْوَصِيَّةُ إنَّمَا صَحَّتْ بِاعْتِبَارِ التَّمْلِيكِ لَهُمْ وَصَاحِبُ الْبِدْعَةِ إذَا كَانَ لَا يَكْفُرُ فَهُوَ فِي حَقِّ الْوَصِيَّةِ بِمَنْزِلَةِ الْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّا أُمِرْنَا بِبِنَاءِ الْأَحْكَامِ عَلَى ظَاهِرِ الْإِسْلَامِ وَإِنْ كَانَ يَكْفُرُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُرْتَدِّ فَيَكُونُ عَلَى الْخِلَافِ الْمَعْرُوفِ فِي تَصَرُّفَاتِهِ قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ: فِي الْمُرْتَدَّةِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ تَصِحُّ وَصَايَاهَا؛ لِأَنَّهَا تَبْقَى عَلَى الرِّدَّةِ بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ؛ لِأَنَّهُ يُقْتَلُ أَوْ يُسْلِمُ فَجَعَلَهَا كَالذِّمِّيَّةِ، وَقَالَ السِّغْنَاقِيُّ فِي النِّهَايَةِ: ذَكَرَ صَاحِبُ الْكِتَابِ فِي الزِّيَادَاتِ الْخِلَافَ عَلَى هَذَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا تَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الذِّمِّيَّةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ حَتَّى لَا تَصِحَّ مِنْهَا وَصِيَّةٌ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الذِّمِّيَّةِ أَنَّ الذِّمِّيَّةَ تُقِرُّ عَلَى اعْتِقَادِهَا، وَأَمَّا الْمُرْتَدَّةُ فَلَا تُقِرُّ عَلَى اعْتِقَادِهَا. اهـ. وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: بَعْدَ أَنْ نَقَلَ هَذَا مِنْ النِّهَايَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ كَلَامَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ هُنَاكَ الصَّحِيحُ وَهَاهُنَا الْأَصَحُّ وَهُمَا يَصْدُقَانِ اهـ. أَقُولُ: هَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ إذْ لَا شَكَّ أَنَّ مُرَادَ مَنْ قَالَ فِي الْخِلَافِيَّاتِ هُوَ الصَّحِيحُ تَرْجِيحُ هَذَا الْقَوْلِ عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ لَا بَيَانُ مُجَرَّدِ صِحَّتِهِ مَعَ رُجْحَانِ الْآخَرِ كَمَا أَنَّ مُرَادَ مَنْ قَالَ هُوَ الْأَصَحُّ تَرْجِيحُهُ عَلَى الْآخَرِ بَلْ قَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ أَدَلُّ عَلَى التَّرْجِيحِ مِنْ قَوْلِهِ هُوَ الْأَصَحُّ وَلَا رَيْبَ أَنَّ تَرْجِيحَ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ يُنَافِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 519 تَرْجِيحَ الْآخَرِ عَلَيْهِ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُصَدَّقَا مَعًا قَالَ الرَّاجِي عَفْوَ رَبِّهِ: الْأَشْبَهُ أَنْ تَكُونَ كَالذِّمِّيَّةِ تَجُوزُ وَصِيَّتُهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تُقْتَلُ وَلِهَذَا يَجُوزُ جَمِيعُ تَصَرُّفَاتِهَا وَكَذَا الْوَصِيَّةُ كَأَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: صَاحِبُ الْكِتَابِ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ وَذَكَرَ السِّغْنَاقِيُّ أَنَّ مَنْ ارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَامِ إلَى النَّصْرَانِيَّةِ أَوْ الْيَهُودِيَّةِ أَوْ الْمَجُوسِيَّةِ فَحُكْمُ وَصَايَاهُ حُكْمُ مَنْ انْتَقَلَ إلَيْهِمْ فَمَا صَحَّ مِنْهُمْ صَحَّ مِنْهُ وَهَذَا عِنْدَهُمَا، وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَوَصِيَّتُهُ مَوْقُوفَةٌ وَوَصَايَا الْمُرْتَدَّةِ نَافِذَةٌ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُقْتَلُ عِنْدَنَا، وَقَالَ قَاضِي خَانْ: الْمُرْتَدَّةُ الصَّحِيحُ أَنَّهَا كَالذِّمِّيَّةِ فَيَجُوزُ مِنْهَا مَا جَازَ مِنْ الذِّمِّيَّةِ وَمَا لَا فَلَا، وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ مَا إذَا أَوْصَى الْحَرْبِيُّ لِمُسْلِمٍ فَلِأَنَّهُ أَهْلٌ لِلتَّمْلِيكِ مُنَجِّزًا كَالْهِبَةِ وَنَحْوِهَا فَكَذَا مُضَافًا. وَلَوْ أَوْصَى بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ أَوْ بِمَالِهِ كُلِّهِ جَازَ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَ الْوَصِيَّةِ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ لَحِقَ الْوَرَثَةَ، وَلَيْسَ لِوَرَثَتِهِ حَقٌّ شَرْعِيٌّ؛ لِأَنَّهُمْ أَمْوَاتٌ فِي حَقِّنَا وَلِأَنَّ حُرْمَةَ مَالِهِ بِاعْتِبَارِ الْأَمَانِ، وَالْأَمَانُ كَانَ لِحَقِّهِ لَا لِحَقِّ وَرَثَتِهِ وَلَيْسَ لِوَرَثَتِهِ حَقٌّ شَرْعِيٌّ وَقَدْ أَسْقَطَ حَقَّهُ فَيَجُوزُ وَقِيلَ إذَا كَانَ وَرَثَتُهُ مَعَهُ لَا يَجُوزُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ إلَّا بِإِجَازَةٍ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّهُ بِالْأَمَانِ الْتَزَمَ أَحْكَامَنَا، فَصَارَ كَالذِّمِّيِّ. وَلَوْ أَوْصَى بِبَعْضِ مَالِهِ نَفَذَتْ الْوَصِيَّةُ فِي الثُّلُثِ وَرَدَّ الْبَاقِي لِوَرَثَتِهِ وَكَذَا لَوْ أَوْصَى لِمُسْتَأْمَنٍ مِثْلِهِ وَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عِنْدَ الْمَوْتِ أَوْ دَبَّرَهُ جَازَ ذَلِكَ كُلُّهُ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِالثُّلُثِ لِمَا بَيَّنَّا وَكَذَا إذَا أَوْصَى لَهُ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ بِوَصِيَّةٍ جَازَ؛ لِأَنَّهُ مَا دَامَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَهُوَ كَالذِّمِّيِّ فِي الْمُعَامَلَاتِ وَلِهَذَا تَصِحُّ عُقُودُ التَّمْلِيكَاتِ مِنْهُ وَتَبَرُّعَاتُهُ فِي حَالِ حَيَاتِهِ فَكَذَا عِنْدَ مَمَاتِهِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَصِيَّةٌ الذِّمِّيِّ لِلْحَرْبِيِّ الْمُسْتَأْمَنِ لَا تَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ فِي دَارِهِمْ حُكْمًا حَتَّى يُمَكَّنُ مِنْ الرُّجُوعِ إلَيْهَا، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَمْلِيكٌ مُبْتَدَأٌ وَلِهَذَا يَجُوزُ لِلذِّمِّيِّ؛ لِأَنَّهُمْ الْتَزَمُوا أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْمُعَامَلَاتِ. وَلَوْ أَوْصَى لِخِلَافِ مِلَّتِهِ جَازَ اعْتِبَارًا بِالْإِرْثِ؛ لِأَنَّ الْكُفْرَ كُلَّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَوْ أَوْصَى لِحَرْبِيٍّ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْإِرْثَ مُمْتَنِعٌ كَتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ فَكَذَا الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّهَا أُخْتُهُ وَعَلَى رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ يَنْبَغِي أَنْ تَجُوزَ كَالْمُسْلِمِ وَلَوْ أَوْصَى لِمُسْتَأْمَنٍ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ فِي الْمُسْلِمِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الْوَصِيِّ وَمَا يَمْلِكُهُ] (بَابُ الْوَصِيِّ وَمَا يَمْلِكُهُ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَحْكَامِ الْمُوصَى لَهُ شَرَعَ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ الْمُوصِي إلَيْهِ وَهُوَ الْوَصِيُّ وَقَدَّمَ أَحْكَامَ الْمُوصَى لَهُ لِكَثْرَتِهَا وَكَثْرَةِ وُقُوعِهَا فَكَانَتْ الْحَاجَةُ إلَى مَعْرِفَتِهَا أَمَسَّ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ أَوْصَى إلَى رَجُلٍ فَقَبِلَ عِنْدَهُ وَرَدَّ عِنْدَهُ يَرْتَدُّ) يَعْنِي قَبِلَ عِنْدَ الْمُوصِي؛ لِأَنَّ الْمُوصِيَ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ إلْزَامِهِ التَّصَرُّفَ وَلَا عُذْرَ مِنْ جِهَتِهِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يُوَصِّيَ إلَى غَيْرِهِ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: الْمُرَادُ بِعِنْدِهِ يَعْنِي بِعِلْمِهِ وَرَدَّهُ بِغَيْرِ عِلْمِهِ سَوَاءٌ كَانَ عِنْدَهُ أَوْ فِي مَجْلِسٍ غَيْرِهِ، قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ مَسَائِلُهُ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى فُصُولِ فَصْلٍ فِي حَقِّ الْإِيصَاءِ وَكَيْفِيَّتُهُ، وَفَصْلٍ فِي قَبُولِهِ وَرَدِّهِ، وَفَصْلٍ فِيمَنْ يَجُوزُ إلَيْهِ الْإِيصَاءُ وَمَنْ لَا يَجُوزُ، وَفَصْلٍ فِي عَزْلِهِ الرَّجُلَ إذَا حَضَرَهُ الْمَوْتُ يَنْبَغِي أَنْ يُوَصِّيَ وَيَكْتُبَ وَصِيَّتَهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يَبِيتُ إلَّا وَوَصِيَّتُهُ تَحْتَ رَأْسِهِ» وَيَكْتُبُ كِتَابَ الْوَصِيَّةِ هَذَا مَا أَوْصَى فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ فَإِنَّهُ يَشْهَدُ: أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا اعَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَأَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ، وَالنَّارَ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ، وَأَنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْت وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ أَيْ فِي هَذِهِ الْوَصِيَّةِ لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مَنْ كَانَ آخِرُ كَلِمَتِهِ شَهَادَةَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ» ثُمَّ يَكْتُبُ وَأَنَا الْعَبْدُ الْمُذْنِبُ الضَّعِيفُ الْمُفَرِّطُ فِي طَاعَتِهِ الْمُقَصِّرُ فِي خِدْمَتِهِ الْمُفْتَقِرُ إلَى رَحْمَتِهِ الرَّاجِي لِفَضْلِهِ، وَالْهَارِبُ مِنْ عَدْلِهِ تَرَكَ مِنْ الْمَالِ الصَّامِتِ كَذَا، وَمِنْ الرَّقِيقِ كَذَا وَمِنْ الدُّورِ كَذَا وَعَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ. كَذَا إنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَيُسَمِّي الْغَرِيمَ وَاسْمَ أَبِيهِ كَيْ لَا تَجْحَدَ الْوَرَثَةُ دَيْنَهُ فَيَبْقَى الْمَيِّتُ تَحْتَ عُهْدَتِهِ وَيَكْتُبُ إنْ مِتّ مِنْ مَرَضِي هَذَا فَأَوْصَيْت بِأَنْ يُصْرَفَ مَالِي إلَى وُجُوهِ الْخَيْرَاتِ وَأَبْوَابِ الْبِرِّ تَدَارُكًا لِمَا فَرَّطَ فِي حَيَاتِهِ وَتَزَوُّدًا وَذُخْرًا لِآخِرَتِهِ وَأَنَّهُ أَوْصَى إلَى فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ لِيَقُومَ بِقَضَاءِ دُيُونِهِ وَتَنْفِيذِ وَصِيَّتِهِ وَتَمْهِيدِ أَسْبَابِ وَرَثَتِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَّقِيَ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا يَتَقَاعَدَ فِي أُمُورِهِ فِي وَصِيَّتِهِ وَلَا يَتَقَاصَرَ عَنْ إيفَاءِ حُقُوقِهِ وَاسْتِيفَائِهِ فَإِنْ تَقَاعَدَ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَسِيبٌ عَلَيْهِ وَيَشْهَدُ عَلَى ذَلِكَ وَإِنَّمَا يَصِحُّ الْإِشْهَادُ إذَا عَلِمَ الشُّهُودُ بِمَا فِي الصَّكِّ، وَالشَّهَادَةُ عَلَى الْوَصِيَّةِ بِدُونِ الْعِلْمِ لَا تَجُوزُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلشَّاهِدِ «إذَا عَلِمْتَ مِثْلَ الشَّمْسِ فَاشْهَدْ وَإِلَّا فَدَعْ» ، وَلَوْ قَالَ الشُّهُودُ بَعْدَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 520 مَا قَرَءُوا الصَّكَّ: نَشْهَدُ عَلَيْك فَحَرَّكَ رَأْسَهُ بِنَعَمْ، وَلَمْ يَنْطِقْ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُمْ فَإِنْ اعْتَقَلَ وَاحْتَبَسَ لِسَانُهُ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ تَجُوزُ وَتُعْتَبَرُ إشَارَتُهُ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ لَهُ أَنَّ الْإِشَارَةَ تَقُومُ مَقَامَ الْعِبَارَةِ حَالَةَ عَجْزِهِ عَنْ النُّطْقِ، وَالْعِبَادَةِ قِيَاسًا عَلَى الْأَخْرَسِ؛ لِأَنَّ الْعَجْزَ عَنْ النُّطْقِ مِنْ تَحَقُّقٍ يَسْتَوِي فِيهِ الْعَارِضُ، وَالْأَصْلِيُّ فِيمَا تَتَعَلَّقُ صِحَّتُهُ بِالنُّطْقِ كَالْعَجْزِ عَنْ الْقِرَاءَةِ فَإِنَّهُ تَجُوزُ صَلَاةُ الْأَخْرَسِ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ، وَتَجُوزُ صَلَاةُ مَنْ اعْتَقَلَ لِسَانُهُ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ فَكَذَا هَذَا وَلَنَا أَنَّ الْإِشَارَةَ تَدُلُّ عَلَى النُّطْقِ، وَالْعِبَادَةُ إنَّمَا تَتَّصِلُ إلَى الْبَدَلِ حَالَةَ الْيَأْسِ عَنْ النُّطْقِ وَهُنَا لَمْ يَقَعْ الْيَأْسُ عَنْ النُّطْقِ؛ لِأَنَّ اعْتِقَالَ لِسَانِهِ وَاحْتِبَاسَهُ لَا يَدُومُ بَلْ بِعَرْضِ الزَّوَالِ، وَالِانْتِقَالِ فِي كُلِّ سَاعَةٍ فَلَا تَقُومُ الْإِشَارَةُ مَقَامَ الْعِبَارَةِ وَأَنَّ الْإِشَارَةَ مُحْتَمِلَةٌ غَيْرُ مُعْلِمَةٍ. إلَّا أَنَّ فِي الْأَخْرَسِ تُقَدَّمُ مِنْهُ إشَارَاتٌ مَفْهُومَةٌ وَآلَةٌ وَاضِحَةٌ عَلَى مُرَادَاتِهِ الْبَاطِنَةِ فَزَالَ الِاحْتِمَالُ عَنْ إشَارَاتِهِ فَقَامَتْ مَقَامَ نُطْقِهِ وَعِبَارَتِهِ وَهُنَا لَمْ يَتَقَدَّمْ مِنْهُ إشَارَاتٌ مَعْلُومَةٌ حَتَّى يُعْلَمَ بِإِشَارَاتِهِ مُرَادَاتُهُ فَبَقِيَتْ إشَارَتُهُ مُحْتَمِلَةً غَيْرَ مُفْهِمَةٍ فَلَا تَقُومُ مَقَامَ عِبَارَتِهِ فَأَمَّا إذَا طَالَتْ الْغَفْلَةُ أَوْ الْحَبْسَةُ فِي لِسَانِهِ وَدَامَ هَلْ تُعْتَبَرُ إشَارَتُهُ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قِيلَ لَا تُعْتَبَرُ اعْتِبَارًا لِلْمَعْنَى الْأَوَّلِ وَهُوَ أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ الْيَأْسُ عَنْ النُّطْقِ فَلَا تَقُومُ إشَارَتُهُ مَقَامَ عِبَارَتِهِ وَقِيلَ تُعْتَبَرُ، وَقَدْ رَوَى هَذَا أَبُو عُمَرَ وَالصَّغَانِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ اعْتِبَارًا لِلْمَعْنَى الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ لَمَّا طَالَتْ الْغَفْلَةُ صَارَ لَهُ إشَارَةٌ مَعْهُودَةٌ فَتَقُومُ مَقَامَ النُّطْقِ كَمَا فِي الْأَخْرَسِ وَإِضَافَةُ الْوَكَالَةِ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَصِيَّةٌ؛ لِأَنَّ الْإِيصَاءَ تَوْكِيلٌ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْوِصَايَةُ قَبْلَ الْمَوْتِ وَكَالَةٌ. وَلَوْ أَوْصَى إلَى رَجُلٍ فِي مَالِهِ كَانَ وَصِيًّا فِيهِ، وَفِي وَلَدِهِ وَإِذَا أَوْصَى إلَيْهِ فِي أَنْوَاعٍ وَسَكَتَ عَنْ نَوْعٍ فَالْوَصِيُّ فِي نَوْعٍ يَكُونُ وَصِيًّا فِي الْأَنْوَاعِ كُلِّهَا عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ تَعُمَّ وِصَايَتُهُ تَقَعُ الْحَاجَةُ إلَى نَصْبِ وَصِيٍّ آخَرَ فَجَعْلُ مَنْ اخْتَارَهُ الْمَيِّتُ وَصِيًّا بِبَعْضِ أُمُورِهِ وَصِيًّا فِي كُلِّهَا أَوْلَى مِنْ جَعْلِ غَيْرِهِ وَصِيًّا؛ لِأَنَّ الْمُوصِيَ لَمْ يَرْضَ بِتَصَرُّفِ غَيْرِهِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأُمُورِ وَرَضِيَ بِتَصَرُّفِ هَذَا فِي بَعْضِ الْأُمُورِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَصْلَحَهُ وَاسْتَصْوَبَهُ فِي الْوِصَايَةِ فَكَوْنُ هَذَا وَصِيًّا عَلَى الْعُمُومِ أَوْلَى. وَلَوْ قَالَ لِفُلَانٍ وَصِيٌّ إلَى أَنْ يَقْدَمَ فُلَانٌ فَهُوَ كَمَا قَالَ وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ الْأَوَّلُ وَصِيٌّ مَعَ الثَّانِي وَلَا يَصِحُّ تَخْصِيصُهُ بِزَمَانٍ دُونَ زَمَانٍ وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْإِيصَاءَ قَابِلٌ لِلتَّوْقِيتِ؛ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ أَوْ إثْبَاتُ وِلَايَةٍ وَكِلَا الْأَمْرَيْنِ قَابِلٌ لِلتَّوْقِيتِ فَيَتَوَقَّتُ وِصَايَةُ الْأَوَّلِ بِقُدُومِ فُلَانٍ فَإِذَا قَدِمَ فُلَانٌ انْعَزَلَ الْأَوَّلُ كَمَا لَوْ وَكَّلَ وَكِيلًا إلَى أَنْ يَقْدُمَ فُلَانٌ، وَصَارَ الثَّانِي وَصِيًّا؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ وَصِيَّةَ الْأَوَّلِ بِالشَّرْطِ وَتَعْلِيقُ الْإِيصَاءِ بِالشَّرْطِ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهَا وَكَالَةٌ وَتَعْلِيقُ الْوَكَالَةِ، وَالنِّيَابَةِ بِالشَّرْطِ جَائِزٌ كَمَا لَوْ قَالَ: إنْ سَافَرْت فَأَنْت وَكِيلِي فِي أَمْرِي صَحَّ كَمَا لَوْ قَالَ: أَوْصَيْت إلَى عَمْرٍو مَا لَمْ يَقْدَمْ زَيْدٌ وَسَكَتَ فَقَدِمَ زَيْدٌ كَانَ عَمْرٌو وَصِيًّا بَعْدَ قُدُومِ زَيْدٍ وَكَانَ أَقَامَ عَمْرًا وَصِيًّا؛ لِأَنَّهُ مُخْتَارُ الْمَيِّتِ وَوَصِيُّهُ أَوْلَى مِنْ إقَامَةِ غَيْرِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ أَوْصَيْت إلَى عَمْرٍو مَا لَمْ يَقْدَمْ زَيْدٌ فَإِذَا قَدِمَ زَيْدٌ فَقَدْ أَوْصَيْت إلَى زَيْدٍ كَانَ كَمَا قَالَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ عَمْرٌو وَصِيًّا مَعَهُ بَعْدَ قُدُومِ زَيْدٍ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى إقَامَةِ مَنْ لَيْسَ بِمُخْتَارِ الْمَيِّتِ مَقَامَ عَمْرٍو وَلَا بُدَّ مِنْ قَبُولِ الْمُوصَى لَهُ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِالْعَمَلِ وَيَلْحَقُهُ ضَرَرُ الْعُهْدَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ قَبُولِهِ، وَالْتِزَامِهِ، وَإِذَا أَوْصَى إلَيْهِ فَقَبِلَ قَبْلَ مَوْتِهِ أَوْ بَعْدَهُ ثُمَّ رَدَّ لَمْ يَخْرُجْ؛ لِأَنَّ الْمُوصِيَ مَا أَوْصَى إلَّا إلَى مَنْ يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ مِنْ الْأَصْدِقَاءِ، وَالْأُمَنَاءِ فَلَوْ اعْتَبَرَ الْقَبُولَ بَعْدَ الْمَوْتِ فَرُبَّمَا لَا يَقْبَلُ فَلَا يَحْصُلُ غَرَضُهُ وَهُوَ الْوَصِيُّ الَّذِي اخْتَارَهُ. وَقِيلَ لَوْ صَحَّ رَدُّهُ بَعْدَ الْمَوْتِ تَضَرَّرَ بِهِ وَصَارَ مَغْرُورًا مِنْ جِهَتِهِ؛ لِأَنَّهُ اعْتَمَدَ عَلَى قَبُولِهِ بِأَنْ يَقُومَ بِجَمِيعِ التَّصَرُّفَاتِ بَعْدَ وَفَاتِهِ، وَالْوَصِيُّ بِقَبُولِ الْوِصَايَةِ الْتَزَمَ ذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنْهُ فَلَوْ صَحَّ رَدُّهُ وَقَعَ الْمُوصِي فِي ضَرَرٍ وَيَصِيرُ مَغْرُورًا مِنْ جِهَةِ الْوَصِيِّ فَصَارَتْ الْوِصَايَةُ لَازِمَةً عَلَيْهِ شَرْعًا بِالْتِزَامِهِ نَظَرًا لِلْمُوصِي دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ بِالْمَالِ؛ لِأَنَّهُ ثَمَّةَ لَوْ لَمْ يَصِحَّ رَدُّهُ بَعْدَ مَوْتِهِ لَا يَتَضَرَّرُ الْمَيِّتُ؛ لِأَنَّهُ يَعُودُ الثُّلُثُ إلَى الْوَرَثَةِ بَلْ الضَّرَرُ عَلَى الْمُوصَى لَهُ وَلَوْ قَبِلَ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي ثُمَّ رَدَّهُ فِي حَيَاتِهِ مُوَاجِهَةً يَصِحُّ وَلَا يَصِحُّ بِدُونِ مَحْضَرِ الْمُوصِي أَوْ عِلْمِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْغُرُورِ كَمَا فِي الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّ الْمُوصِيَ طَلَبَ مِنْهُ الِالْتِزَامَ بَعْدَ الْوَفَاةِ لِإِحَالَةِ الْحَيَاةِ وَلَا يُمْكِنُهُ فِي الْأَخِيرَةِ أَنْ يُوَصِّيَ إلَى غَيْرِهِ فَتَضَرَّرَ بِهِ وَلَوْ لَمْ يَقْبَلْ فِي حَيَاتِهِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَعْدَ مَوْتِهِ إنْ شَاءَ قَبِلَ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ الْمَيِّتَ مَغْرُورٌ وَهُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَسْأَلَ أَنْ يَقْبَلَهُ أَوْ لَا يَقْبَلَهُ فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ وَاعْتَمَدَ عَلَى أَنَّهُ يَقْبَلُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَلَمْ يُوصِ إلَى غَيْرِهِ فَقَدْ قَصَّرَ فِي أَمْرِهِ فَصَارَ مُغْتَرًّا مِنْ جِهَةِ نَفْسِهِ لَا مَغْرُورًا مِنْ جِهَةِ الْوَصِيِّ، وَالْقَبُولُ تَارَةً يَكُونُ بِالْقَبُولِ وَتَارَةً بِالْفِعْلِ فَالْقَبُولُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 521 بِالْفِعْلِ كَتَنْفِيذٍ فِي وَصِيَّتِهِ أَوْ شِرَاءِ شَيْءٍ لِلْوَرَثَةِ أَوْ قَضَاءِ دَيْنٍ كَقَبُولِهِ بِالْقَوْلِ إذْ الْوِصَايَةُ قَدْ تَمَّتْ وَتَقَرَّرَتْ بِمَوْتِ الْوَصِيِّ شَرْعًا فَإِنَّهَا لَا تَقْبَلُ الْبُطْلَانَ مِنْ جِهَةِ الْمُوصِي. إلَّا أَنَّ لِلْمُوصَى لَهُ وِلَايَةَ الرَّدِّ حَتَّى لَا يَلْزَمَهُ ضَرَرُ الْوِصَايَةِ بِغَيْرِ رِضَاهُ وَلَيْسَ مِنْ صَيْرُورَتِهِ وَصِيًّا بِغَيْرِ عِلْمِهِ ضَرَرٌ عَلَى الْوَصِيِّ إذَا كَانَتْ لَهُ وِلَايَةُ الرَّدِّ، وَالْإِبْطَالُ كَمَنْ أَقَرَّ لِغَيْرِهِ بِمَالٍ يَثْبُتُ حُكْمُهُ حَتَّى لَوْ مَاتَ الْمُقِرُّ قَبْلَ الْقَبُولِ تَوَقَّفَ عَلَى قَبُولِ الْمُقِرِّ لَهُ فَإِذَا تَصَرَّفَ الْوَصِيُّ فِي التَّرِكَةِ تَصَرُّفًا يَدُلُّ عَلَى قَبُولِهِ تَلْزَمُهُ الْوِصَايَةُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الرَّدِّ إلَّا بِرَدِّ التَّصَرُّفِ وَلَا يُمْكِنُهُ رَدُّ التَّصَرُّفِ فَلَا يَبْقَى لَهُ وِلَايَةُ الرَّدِّ لَزِمَتْهُ الْوِصَايَةُ ضَرُورَةً وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الْمُنْتَقَى الدُّخُولُ فِي الْوَصِيَّةِ أَوَّلَ مَرَّةٍ غَلَطٌ، وَالثَّانِي خِيَانَةٌ، وَالثَّالِثُ سَرِقَةٌ وَإِذَا ظَهَرَتْ مِنْ الْوَصِيِّ خِيَانَةٌ عَزَلَهُ الْقَاضِي، وَنَصَبَ آخَرَ؛ لِأَنَّ الْأَمَانَةَ فِي الْإِيصَاءِ أَصْلٌ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْإِيصَاءِ وَفَائِدَتَهَا تَحْصُلُ بِهَا ثُمَّ الْأَوْصِيَاءُ ثَلَاثَةٌ عَدْلٌ كَافٍ، وَغَيْرُ عَدْلٍ كَافٍ، وَفَاسِقٌ مَخُوفٌ عَلَى مَالِهِ فَالْعَدْلُ الْكَافِي لَا يَعْزِلُهُ الْقَاضِي وَإِنْ عَزَلَهُ يَنْعَزِلُ وَصَارَ جَائِزًا؛ لِأَنَّ لَلْقَاضِيَ سَطْوَةَ يَدٍ، وَوِلَايَةً شَامِلَةً عَلَى الْكَافَّةِ خُصُوصًا عَلَى مَالِ الْمَيِّتِ، وَالصِّغَارِ فَيَكُونُ عَزْلُ الْقَاضِي كَعَزْلِ الْمَيِّتِ لَوْ كَانَ حَيًّا، قَالَ صَاحِبُ الْفُصُولَيْنِ: الْمُخْتَارُ عِنْدِي أَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ. وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ الْقَاضِي أَنَّ لِلْمَيِّتِ وَصِيًّا، وَالْوَصِيُّ غَائِبٌ فَأَوْصَى إلَى رَجُلٍ فَالْوَصِيُّ هُوَ وَصِيُّ الْمَيِّتِ دُونَ وَصِيِّ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ اتَّصَلَ بِهِ اخْتِيَارُ الْمَيِّتِ دُونَ وَصِيِّ الْقَاضِي كَمَا إذَا كَانَ الْقَاضِي عَالِمًا، وَالْعَدْلُ الَّذِي لَيْسَ بِكَافٍ أَوْ ضَعِيفٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى التَّصَرُّفِ وَحِفْظِ التَّرِكَةَ بِنَفْسِهِ يَضُمُّ إلَيْهِ غَيْرَهُ. وَلَا يَعْزِلُهُ لِاعْتِمَادِ الْمُوصِي عَلَيْهِ لِأَمَانَتِهِ وَصِيَانَتِهِ حَتَّى لَا يَنْقَطِعَ عَنْ الْمَيِّتِ مَنْفَعَةُ عَدَالَتِهِ وَيَضُمُّ إلَيْهِ آخَرَ حَتَّى يَزُولَ ضَرَرُ عَدَمِ كِفَايَتِهِ وَهِدَايَتِهِ، وَالْفَاسِقُ الْمَخُوفُ عَلَى مَالِهِ يَعْزِلُهُ الْقَاضِي وَنَصَبَ آخَرَ مَكَانَهُ؛ لِأَنَّ فِي إبْقَائِهِ عَلَى الْوَصِيَّةِ إضْرَارًا بِالْمَيِّتِ، وَالْمَيِّتُ لَا يَقْدِرُ عَلَى عَزْلِهِ فَقَامَ الْقَاضِي مَقَامَهُ فِي الْعَزْلِ. وَفِي الْفَتَاوَى: وَلَوْ قَالَ الْوَصِيُّ لِي عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ قِيلَ بِأَنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يُخْرِجَهُ مِنْ الْوِصَايَةِ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِلُّ الْأَخْذَ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ وَقِيلَ لَا يُخْرِجُهُ إلَّا إذَا ادَّعَى شَيْئًا بِعَيْنِهِ أَخْرَجَهُ مِنْ يَدِهِ، وَالْمُخْتَارُ أَنَّ الْقَاضِيَ يَقُولُ لِلْمُوصَى لَهُ إمَّا أَنْ تُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ، وَأَمَّا أَنْ تُبْرِئَهُ مِنْ الدَّيْنِ وَإِمَّا أَنْ أُخْرِجَك مِنْ الْوِصَايَةِ فَإِنْ أَبْرَأهُ وَإِلَّا أَخْرَجَهُ وَذَكَرَ الْخَصَّافُ فِي آدَابِ الْقَاضِي أَنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يَجْعَلَ لِلْمَيِّتِ وَصِيًّا آخَرَ فِي مِقْدَارِ ذَلِكَ الدَّيْنِ خَاصَّةً حَتَّى يُقِيمَ الْأَوَّلُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْوَصِيِّ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ لَا تُقْبَلُ إلَّا عَلَى الْخَصْمِ وَلَا يَخْرُجُهُ مِنْ الْوِصَايَةِ مَرِيضٌ. قَالَ لِآخَرَ: اقْتَضِ دُيُونِي صَارَ وَصِيًّا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ مَا لَمْ يَقُلْ اقْضِ دُيُونِي وَنَفِّذْ وَصَايَايَ لَا يَصِيرُ وَصِيًّا سُئِلَ نُصَيْرُ بْنُ يَحْيَى عَنْ قَوْمٍ ادَّعُوا عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنًا وَلَا بَيِّنَةَ لَهُمْ، وَالْوَصِيُّ يَعْلَمُ بِذَلِكَ قَالَ يَبِيعُ الْوَصِيُّ بَعْضَ التَّرِكَةِ مِنْ الْغَرِيمِ ثُمَّ يَجْحَدُ الْغَرِيمُ الثَّمَنَ فَيَصِيرُ قِصَاصًا عَنْ مَالِهِ وَإِنْ كَانَتْ التَّرِكَةُ مَتَاعًا أَوْدَعَهُمْ ثُمَّ يَجْحَدُونَ. وَقَالَ نُصَيْرُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَصِيٌّ شَهِدَ عِنْدَهُ عَدْلٌ أَنَّ لِهَذَا عَلَى الْمَيِّتِ أَلْفَ دِرْهَمٍ قَالَ يَسَعُهُ أَنْ يُعْطِيَهُ بِقَوْلِهِ وَإِنْ خَافَ الضَّمَانَ وَسِعَهُ أَنْ لَا يُعْطِيَهُ فَإِنْ كَانَ هَذَا شَيْئًا بِعَيْنِهِ كَجَارِيَةٍ وَنَحْوِهَا فَعَلِمَ الْوَصِيُّ أَنَّهَا لِهَذِهِ أَوْ كَانَ الْمَيِّتُ غَصَبَهَا قَالَ هَذَا يَدْفَعُهَا إلَى الْمَغْصُوبِ مِنْهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَّا لَا) أَيْ إنْ لَمْ يَرُدَّ عَنْهُ بَلْ رَدَّهَا فِي غَيْرِ وَجْهِهِ لَا تَرْتَدُّ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّ مَاتَ مُعْتَمِدًا عَلَيْهِ وَلَمْ يَصِحَّ رَدُّهُ فِي غَيْرِ وَجْهِهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَغْرُورًا مِنْ جِهَتِهِ فَيَرُدُّ رَدَّهُ عَلَيْهِ فَيَبْقَى وَصِيًّا عَلَى مَا كَانَ كَالْوَكِيلِ إذَا عَزَلَ نَفْسَهُ فِي غَيْبَةِ الْمُوَكِّلِ وَلَمْ يَقْبَلْ وَلَمْ يَرُدَّ حَتَّى مَاتَ الْمُوصِي فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَبِلَ وَإِنْ شَاءَ رَدَّ؛ لِأَنَّ الْمُوصِيَ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ إلْزَامِهِ فَيَكُونُ مُخَيَّرًا. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ احْتِرَازًا عَنْ الْوَكِيلِ بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ عَزْلَ نَفْسِهِ فَاعْتَبَرَ عِلْمَ الْمُوَكِّلِ كَمَا فِي الْوَصِيِّ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى غُرُورِ الْمُوَكِّلِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ وَكِيلًا بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ لَهُ أَنْ يَعْزِلَ نَفْسَهُ بِغَيْرِ مَحْضَرِ الْمُوَكِّلِ عَلَى قَوْلِ بَعْضِ الْمَشَايِخِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ فِي فَصْلِ الشِّرَاءِ بِقَوْلِهِ وَلَا يَمْلِكُهُ عَلَى مَا قِيلَ إلَّا بِمَحْضَرٍ مِنْ الْمُوَكِّلِ عَلَى هَذَا عَرَفْت أَنَّ مَا قَالَ بَعْضُهُمْ فِي شَرْحِهِ قَوْلُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ مُخَالِفًا لِعَامَّةِ رِوَايَاتِ الْكُتُبِ كَالتَّتِمَّةِ، وَالذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهِمَا لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ مُرَادَ مَا ذُكِرَ فِي التَّتِمَّةِ وَغَيْرِهَا مِنْ قَوْلِهِمْ الْوَكِيلُ لَا يَمْلِكُ إخْرَاجَ نَفْسِهِ عَنْ الْوَكَالَةِ بِغَيْرِ عِلْمِ الْمُوَكِّلِ مَا إذَا كَانَ وَكِيلًا بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ وَمُرَادُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ هُنَا مَا إذَا كَانَ وَكِيلًا بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ فَتَوَاقَفَتْ الرِّوَايَاتُ جَمْعًا وَلَمْ تَخْتَلِفْ إلَى هُنَا كَلَامُ صَاحِبِ الْغَايَةِ وَإِلَى هَذَا مَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ أَيْضًا كَمَا يَظْهَرُ مِنْ تَقْرِيرِهِ فِي شَرْحِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبَيْعُ التَّرِكَةِ كَقَبُولِهِ) شَرَعَ الْمُؤَلِّفُ يُبَيِّنُ أَنَّ الْقَبُولَ تَارَةً يَكُونُ بِاللَّفْظِ وَتَارَةً يَكُونُ بِالْفِعْلِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 522 فَالْقَبُولُ بِالْفِعْلِ بِأَنْ يَبِيعَ الْوَصِيُّ التَّرِكَةَ قَبْلَ الْقَبُولِ بِاللَّفْظِ فَهُوَ قَبُولُ دَلَالَةِ الِالْتِزَامِ وَهُوَ مُعْتَبَرٌ بِالْمَوْتِ وَيَنْفُذُ الْبَيْعُ لِصُدُورِهِ مِنْ الْمُوصِي سَوَاءٌ عَلِمَ بِالْإِيصَاءِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ حَيْثُ لَا يَكُونُ وَكِيلًا مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ إنَابَةٌ فِي حَالِ قِيَامِ وِلَايَةِ الْمُوَكِّلِ. وَلَا يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ كَإِثْبَاتِ الْمِلْكِ فِي الْبَيْعِ، وَالشِّرَاءِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْعِلْمِ وَطَرِيقُ الْعِلْمِ بِهِ أَنْ يُخْبِرَهُ وَاحِدٌ مِنْ أَهْلِ التَّمْيِيزِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ أَمَّا الْإِيصَاءُ فَخِلَافُهُ؛ لِأَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِحَالِ انْقِطَاعِ وِلَايَةِ الْمَيِّتِ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ كَالْوِرَاثَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ مَاتَ الْمُوصِي فَقَالَ لَا أَقْبَلُ ثُمَّ قَبِلَ صَحَّ إنْ لَمْ يُخْرِجَهُ قَاضٍ مُنْذُ قَالَ لَا أَقْبَلُ) أَيْ الْمُوصِي إلَيْهِ إنْ لَمْ يَقْبَلْ حَتَّى مَاتَ الْمُوصِي فَقَالَ لَا أَقْبَلُ ثُمَّ قَالَ أَقْبَلُ فَلَهُ ذَلِكَ إنْ لَمْ يَكُنْ الْقَاضِي أَخْرَجَهُ مِنْ الْوَصِيَّةِ حِينَ قَالَ لَا أَقْبَلُ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ قَوْلِهِ لَا أَقْبَلُ لَا يُبْطِلُ الْإِيصَاءُ؛ لِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا بِالْمَيِّتِ وَضَرَرُ الْمُوصَى لَهُ فِي الْإِبْقَاءِ مَجْبُورٌ بِالثَّوَابِ وَدَفْعُ الضَّرَرِ الْأَوَّلِ أَوْلَى إلَّا أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا أَخْرَجَهُ عَنْ الْوَصِيَّةِ يَصِحُّ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مُجْتَهِدٌ فِيهِ فَكَانَ لَهُ إخْرَاجُهُ بَعْدَ قَوْلِهِ لَا أَقْبَلُ كَمَا أَنَّ لَهُ إخْرَاجَهُ بَعْدَ قَبُولِهِ أَوَّلًا؛ لِأَنَّهُ نُصِبَ نَاظِرًا فَإِذَا رَأَى غَيْرَهُ أَصْلَحَ مِنْهُ كَانَ لَهُ عَزْلُهُ وَنَصَبَ غَيْرَهُ وَرُبَّمَا يَعْجِزُ هُوَ عَنْ ذَلِكَ فَيَتَضَرَّرُ بِالْوَصِيَّةِ فَيَدْفَعُ الْقَاضِي الضَّرَرَ وَيَنْصِبُ حَافِظًا لِمَالِ الْمَيِّتِ مُتَصَرِّفًا فِيهِ فَيَدْفَعُ الضَّرَرَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَلَوْ قَالَ: أَقْبَلُ بَعْدَمَا أَخْرَجَهُ الْقَاضِي لَا يَلْتَفِتُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَبِلَ بَعْدَمَا بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ بِإِخْرَاجِ الْقَاضِي إيَّاهُ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ وَطُولِبَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْمُوصَى لَهُ، وَالْمُوصِي إلَيْهِ. فَإِنَّ قَبُولَ الْأَوَّلِ فِي الْحَالِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ حَتَّى لَوْ قَبِلَ حَالَ حَيَاةِ الْمُوصِي ثُمَّ رَدَّهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ كَانَ صَحِيحًا بِخِلَافِ الثَّانِي فَإِنَّهُ إذَا قَبِلَهُ فِي حَالَ الْحَيَاةِ ثُمَّ رَدَّهُ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا يَصِحُّ، وَفِي أَنَّ قَبُولَهُ حَالَ حَيَاتِهِ مُعْتَبَرٌ وَقَبُولُ الْأَوَّلِ فِي حَالِ الْحَيَاةِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْإِيصَاءَ يَقَعُ لِلْمَيِّتِ فَكَانَ رَدُّهَا بِغَيْرِ عِلْمِهِ إضْرَارًا بِهِ فَلَا يَجُوزُ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ وَقَوْلُهُ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِشِرَاءِ عَبْدِهِ بِغَيْرِ عَيْنِهِ أَوْ يَبِيعُ مَالَهُ حَيْثُ يَصِحُّ رَدُّهُ فِي غَيْبَتِهِ وَبِغَيْرِ عِلْمِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مُخَالِفٌ لِعَامَّةِ رِوَايَاتِ الْكُتُبِ مِنْ الذَّخِيرَةِ وَأَدَبِ الْقَاضِي لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ، وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلْمَحْبُوبِيِّ، وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوَكِيلَ إذَا عَزَلَ نَفْسَهُ مِنْ غَيْرِ عِلْمِ الْمُوَكِّلِ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ الْوَكَالَةِ حَالَ غَيْبَةِ الْمُوَكِّلِ وَقَوْلُ الْمُؤَلِّفِ إنْ لَمْ يُخْرِجْهُ قَاضٍ إلَى آخِرِهِ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي هَذَا الْإِخْرَاجِ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ حُكْمٌ فِي فَصْلٍ مُجْتَهَدٍ فِيهِ فَيَنْفُذُ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إنَّمَا صَحَّ؛ لِأَنَّهَا لَوْ صَحَّتْ بِقَبُولِهِ كَانَ لِلْقَاضِي أَنْ يُخْرِجَهُ وَيَصِحُّ الْإِخْرَاجُ فَهَذَا أَوْلَى وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْحَلْوَانِيُّ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَى عَبْدٍ وَكَافِرٍ وَفَاسِقٍ بَدَّلَ بِغَيْرِهِمْ) أَيْ إذَا أَوْصَى إلَى هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورِينَ أَخْرَجَهُمْ الْقَاضِي وَيَسْتَبْدِلُ غَيْرَهُمْ مَكَانَهُمْ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى شُرُوطِ الْوِلَايَةِ فَالْأَوَّلُ: الْحُرِّيَّةُ، وَالثَّانِي: الْإِسْلَامُ. وَالثَّالِثُ: الْعَدَالَةُ فَلَوْ وَلَّى مَنْ ذُكِرَ صَحَّ وَيَسْتَبْدِلُ غَيْرَهُ وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يُخْرِجَهُمْ عَنْ الْوَصِيَّةِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوِلَايَةَ صَحِيحَةٌ؛ لِأَنَّ الْإِخْرَاجَ يَكُونُ بَعْدَ الدُّخُولِ، وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ بَاطِلَةٌ قِيلَ مَعْنَاهُ سَتَبْطُلُ، وَقِيلَ فِي الْعَبْدِ بَاطِلَةٌ لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ عَلَى نَفْسِهِ، وَفِي غَيْرِهِ مَعْنَاهُ سَتَبْطُلُ وَقِيلَ فِي الْكَافِرِ بَاطِلَةٌ أَيْضًا لِعَدَمِ وِلَايَتِهِ عَلَى الْمُسْلِمِ وَوَجْهُ الصِّحَّةِ ثُمَّ الْإِخْرَاجُ أَنَّ أَصْلَ النَّظَرِ ثَابِتٌ لِقُدْرَةِ الْعَبْدِ حَقِيقَةً وَوِلَايَةُ الْفَاسِقِ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى غَيْرِهِ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ أَصْلِنَا وَوِلَايَةُ الْكَافِرِ تَتِمُّ فِي الْجُمْلَةِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَتِمَّ النَّظَرُ لِتَوَقُّفِ وِلَايَةِ الْعَبْدِ عَلَى إجَازَةِ مَوْلَاهُ وَتَمَكُّنُهُ مِنْ الْحَجْرِ بَعْدَهَا، وَالْمُعَادَةُ الدِّينِيَّةُ دَالَّةٌ عَلَى تَرْكِ النَّظَرِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ وَاتِّهَامِ الْفَاسِقِ بِالْخِيَانَةِ فَيُخْرِجُهُمْ الْقَاضِي عَنْ الْوَصِيَّةِ وَيُقِيمُ غَيْرَهُمْ مَقَامَهُمْ إتْمَامًا لِلنَّظَرِ وَشَرَطَ فِي الْأَصْلِ أَنْ يَكُونَ الْفَاسِقُ مَخُوفًا مِنْهُ عَلَى الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ عُذْرًا فِي إخْرَاجِهِ وَتَبْدِيلِهِ بِغَيْرِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى إلَى مُكَاتَبِهِ أَوْ مُكَاتَبِ غَيْرِهِ حَيْثُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ فِي مَنَافِعِهِ كَالْحُرِّ وَإِنْ رَدَّ بَعْدَ ذَلِكَ فَالْجَوَابُ فِيهِ كَالْجَوَابِ فِي الْقِنِّ، وَالصَّبِيِّ كَالْقِنِّ لَوْ بَلَغَ الصَّبِيُّ وَعَتَقَ الْعَبْدُ وَأَسْلَمَ الْكَافِرُ لَمْ يُخْرِجْهُمْ الْقَاضِي عَنْ الْوَصِيَّةِ وَإِذَا تَصَرَّفَ الصَّبِيُّ أَوْ الْعَبْدُ أَوْ الذِّمِّيُّ قَبْلَ أَنْ يُخْرِجَهُمْ الْقَاضِي مِنْ الْوِصَايَةِ هَلْ يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُمْ اخْتَلَفَ فِيهِ الْمَشَايِخُ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَنْفُذُ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا يَنْفُذُ وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَلَوْ أَوْصَى إلَى عَاقِلٍ فَجُنَّ جُنُونًا مُطْبِقًا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يُجْعَلَ مَكَانَهُ وَصِيٌّ لِلْمَيِّتِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ الْقَاضِي حَتَّى أَفَاقَ الْوَصِيُّ كَانَ وَصِيًّا عَلَى حَالِهِ، وَفِي نَوَادِرِ إبْرَاهِيمَ عَنْ مُحَمَّدٍ إذَا أَوْصَى إلَى رَجُلٍ فَقَالَ إنْ مِتّ أَنْت فَالْوَصِيُّ بَعْدَك فُلَانٌ فَجُنَّ الْأَوَّلُ جُنُونًا مُطْبِقًا فَالْقَاضِي يَجْعَلُ مَكَانَهُ وَصِيًّا حَتَّى يَمُوتَ الَّذِي جُنَّ فَيَكُونُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 523 الَّذِي سَمَّاهُ الْمُوصِي وَصِيًّا فَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي نَوَادِره فِيمَنْ أَوْصَى إلَى ابْنٍ صَغِيرٍ لَهُ قَالَ يَجْعَلُ الْقَاضِي لَهُ وَصِيًّا يَجُوزُ أَمْرُهُ وَإِذَا بَلَغَ ابْنُهُ جَعَلَهُ وَصِيًّا وَأَخْرَجَ الْأَوَّلَ إنْ شَاءَ وَلَا يَخْرُجُ إلَّا بِالْإِخْرَاجِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَى عَبْدِهِ وَوَرَثَتُهُ صِغَارٌ صَحَّ) أَيْ إذَا أَوْصَى إلَى عَبْدِ نَفْسِهِ وَوَرَثَتُهُ صِغَارٌ جَازَ الْإِيصَاءُ إلَيْهِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يَجُوزُ وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ مُنْعَدِمَةٌ لِمَا أَنَّ الرِّقَّ يُنَافِيهَا وَلِأَنَّ فِيهِ الْوِلَايَةَ لِلْمَمْلُوكِ عَلَى الْمَالِكِ، وَفِي هَذَا قَلْبُ الْمَشْرُوعِ وَلِأَنَّ الْوِلَايَةَ الصَّادِرَةَ مِنْ الْأَبِ لَا تَتَجَزَّأُ فِي اعْتِبَارِ هَذِهِ الْوِلَايَةِ تَجَزُّؤُهَا لَا يَمْلِكُ بَيْعَ رَقَبَتِهِ، وَهَذَا خِلَافُ الْمَوْضُوعِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ مُخَاطَبٌ مُسْتَبِدٌّ بِالتَّصَرُّفِ فَيَكُونُ أَهْلًا لِلْوِصَايَةِ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ الْوِلَايَةُ فَإِنَّ الصِّغَارَ وَإِنْ كَانُوا مُلَّاكًا فَلَيْسَ لَهُمْ وِلَايَةُ التَّصَرُّفِ فَلَا مُنَافَاةَ فَإِنْ قِيلَ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ ذَلِكَ فَلِلْقَاضِي أَنْ يَبِيعَهُ فَيَتَحَقَّقُ الْمَنْعُ، وَالْمُنَافَاةُ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ إذَا ثَبَتَ الْإِيصَاءُ لَمْ يَبْقَ لِلْقَاضِي وِلَايَةٌ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِي الْوَرَثَةِ كِبَارٌ أَوْ أَوْصَى إلَى عَبْدِ الْغَيْرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَبِدُّ إذَا كَانَ لِلْمَوْلَى مَنْعُهُ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ بَيْعُهُ وَإِيصَاءُ الْمَوْلَى إلَيْهِ يُؤْذِنُ بِكَوْنِهِ نَاظِرًا لَهُمْ فَصَارَ كَالْمُكَاتَبِ، وَالْوَصَايَا قَدْ تُجَزَّأُ عَلَى مَا رَوَاهُ الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا إذَا أَوْصَى لِرَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا يَكُونُ فِي الدَّيْنِ، وَالْآخَرُ فِي الْعَيْنِ فَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَصِيًّا فِيمَا أَوْصَى إلَيْهِ خَاصَّةً أَوْ نَقُولُ يُصَارُ إلَيْهِ كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى إبْطَالِ أَصْلِهِ وَتَعْيِينُ الْوَصْفِ بِإِبْطَالِ عُمُومِ الْوِلَايَةِ أَوْلَى مِنْ إبْطَالِ أَصْلِ الْإِيصَاءِ، وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ فِيهِ مُضْطَرِبٌ، وَيُرْوَى مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيُرْوَى مَعَ أَبِي يُوسُفَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَّا لَا) يَعْنِي إنْ لَمْ تَكُنْ الْوَرَثَةُ صِغَارًا بِأَنْ كَانُوا كُلُّهُمْ أَوْ بَعْضُهُمْ كِبَارًا لَا يَجُوزُ الْإِيصَاءُ؛ لِأَنَّ الْكَبِيرَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ أَوْ يَبِيعُ نَصِيبَهُ فَيَمْنَعُهُ الْمُشْتَرِي فَيَعْجَزُ عَنْ الْوَفَاءِ بِمَا الْتَزَمَ فَلَا يَفْسُدُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ عَجَزَ عَنْ الْقِيَامِ ضَمَّ إلَيْهِ غَيْرَهُ) ؛ لِأَنَّ فِي الضَّمِّ رِعَايَةَ الْحَقَّيْنِ حَقِّ الْوَصِيِّ وَحَقِّ الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّ تَكْمِيلَ النَّظَرِ يَحْصُلُ بِهِ؛ لِأَنَّ النَّظَرَ يَتِمُّ بِإِعَانَةِ غَيْرِهِ وَلَوْ شَكَا الْوَصِيُّ إلَيْهِ ذَلِكَ فَلَا يُجِيبُهُ حَتَّى يَعْرِفَ ذَلِكَ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ الشَّاكِيَ قَدْ يَكُونُ كَاذِبًا عَلَى نَفْسِهِ وَلَوْ ظَهَرَ لِلْقَاضِي عَجْزُهُ أَصْلًا اسْتَبْدَلَ بِهِ غَيْرَهُ رِعَايَةً لِلنَّظَرِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ. وَلَوْ كَانَ قَادِرًا عَلَى التَّصَرُّفِ وَهُوَ أَمِينٌ فِيهِ لَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يُخْرِجَهُ؛ لِأَنَّهُ مُخْتَارُ الْمَيِّتِ، وَلَوْ اخْتَارَ غَيْرَهُ كَانَ دُونَهُ فَكَانَ إبْقَاؤُهُ أَوْلَى أَلَا تَرَى أَنَّهُ قُدِّمَ عَلَى أَبِ الْمَيِّتِ مَعَ وُفُورِ شَفَقَتِهِ فَأَوْلَى أَنْ يُقَدَّمَ عَلَى غَيْرِهِ، وَكَذَا إذَا شَكَا الْوَرَثَةُ أَوْ بَعْضُهُمْ الْوَصِيَّ إلَيْهِ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَعْزِلَهُ حَتَّى تَبْدُوَ لَهُ مِنْهُ خِيَانَةٌ؛ لِأَنَّهُ اسْتَفَادَ الْوِلَايَةَ مِنْ الْمَيِّتِ غَيْرَ أَنَّهُ إذَا ظَهَرَتْ الْخِيَانَةُ فَاتَتْ الْأَمَانَةُ، وَالْمَيِّتُ إنَّمَا اخْتَارَهُ لِأَجْلِهَا وَلَيْسَ مِنْ النَّظَرِ إبْقَاؤُهُ بَعْدَ فَوَاتِهَا وَلَوْ كَانَ حَيًّا لَأَخْرَجَهُ مِنْهَا فَيَنُوبُ الْقَاضِي مَنَابَهُ عِنْدَ عَجْزِهِ وَيُقِيمُ غَيْرَهُ مَقَامَهُ كَأَنَّهُ مَاتَ وَلَا وَصِيَّ لَهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَبْطُلُ فِعْلُ أَحَدِ الْوَصِيَّيْنِ) أَيْ إذَا أَوْصَى إلَى اثْنَيْنِ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مَالِ الْمَيِّتِ فَإِنْ تَصَرَّفَ فِيهِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَنْفَرِدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالتَّصَرُّفِ ثُمَّ قِيلَ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا أَوْصَى إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِعَقْدٍ وَأَمَّا إذَا أَوْصَى إلَيْهِمَا مَعًا أَوْ أَوْصَى إلَيْهِمَا بِعَقْدٍ عَلَى حَدِّهِ وَمَحِلُّ الْخِلَافِ إذَا كَانَ ذَلِكَ فِي عَقْدَيْنِ وَأَمَّا إذَا كَانَ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ فَلَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِالْإِجْمَاعِ فَكَذَا ذَكَرَهُ الْكَيْسَانِيُّ وَقِيلَ الْخِلَافُ فِي الْفَصْلَيْنِ جَمِيعًا، ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْكَافُ، وَقَالَ فِي الْمَبْسُوطِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْبُطْلَانِ التَّوَقُّفُ عَلَى إجَازَةِ الْآخَرِ أَوْ رَدَّهُ بِخِلَافِ الْوَكِيلَيْنِ إذَا وَكَّلَهُمَا مُتَفَرِّقًا حَيْثُ يَنْفَرِدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالتَّصَرُّفِ بِالْإِجْمَاعِ. وَالْفَرْقُ أَنَّ ضَمَّ الثَّانِي فِي الْإِيصَاءِ دَلِيلٌ عَلَى عَجْزِ الْأَوَّلِ عَنْ الْمُبَاشَرَةِ وَحْدَهُ وَهَذَا؛ لِأَنَّ ضَمَّ الْإِيصَاءِ إلَى الثَّانِي يَقْصِدُ بِهِ الِاشْتِرَاكَ مَعَ الْأَوَّلِ، وَهُوَ يَمْلِكُ الرُّجُوعَ عَنْ الْوَصِيَّةِ لِلْأَوَّلِ فَيَمْلِكُ اشْتَرَاكَ الثَّانِي مَعَهُ، وَقَدْ يُوصِي الْإِنْسَانُ إلَى غَيْرِهِ عَلَى أَنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ إتْمَامِ مَقْصُودِهِ وَحْدَهُ ثُمَّ يَتَبَيَّنُ لَهُ عَجْزُهُ عَنْ ذَلِكَ فَيَضُمُّ إلَيْهِ غَيْرَهُ، فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الْإِيصَاءِ إلَيْهِمَا مَعًا وَلَا كَذَلِكَ الْوَكَالَةُ فَإِنَّ رَأْيَ الْمُوَكِّلِ قَائِمٌ وَلَوْ كَانَ الْوَكِيلُ عَاجِزًا لَبَاشَرَ بِنَفْسِهِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ ذَلِكَ وَلَمَّا وَكَّلَ عَلِمَ أَنَّ مُرَادَهُ أَنْ يَنْفَرِدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالتَّصَرُّفِ وَلِأَنَّ وُجُوبَ الْوَصِيَّةِ عِنْدَ الْمَوْتِ فَيَثْبُتُ لَهُمَا مَعًا بِخِلَافِ الْوَكَالَةِ الْمُتَعَاقِبَةِ فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْخِلَافَ فِيهِمَا مَعًا فَأَبُو يُوسُفَ يَقُولُ: إنَّ الْوَصَايَا سَبِيلُهَا الْوِلَايَةُ وَهِيَ وَصْفٌ شَرْعِيٌّ لَا يَتَجَزَّأُ فَيَثْبُتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ كَامِلًا كَوِلَايَةِ الْإِنْكَاحِ لِلْأَخَوَيْنِ وَهَذِهِ؛ لِأَنَّ الْوَصَايَا خِلَافَةٌ، وَإِنَّمَا تَتَحَقَّقُ الْخِلَافَةُ إذَا انْتَقَلَتْ إلَيْهِ كَذَلِكَ فَلِأَنَّ اخْتِيَارَ الْمُوصِي أَيُّهُمَا يُؤْذِنُ بِاخْتِصَاصِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالشَّفَقَةِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 524 إلَيْهِ وَلَهُمَا أَنَّ الْوِلَايَةَ تَثْبُتُ عِنْدَ الْمَوْتِ فَيُرَاعَى وَصْفُ ذَلِكَ، وَهُوَ وَصْفُ الِاجْتِمَاعِ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ مُفِيدٌ؛ لِأَنَّ رَأْيَ الْوَاحِدِ لَا يَكُونُ كَرَأْيِ الِاثْنَيْنِ وَلَمْ يَرْضَ الْمُوصِي إلَّا بِالِاثْنَيْنِ فَصَارَ كُلُّ وَاحِدٍ فِي هَذَا السَّبَبِ بِمَنْزِلَةِ شَطْرِ الْعِلَّةِ وَهُوَ لَا يَثْبُتُ بِهِ الْحُكْمُ فَكَانَ بَاطِلًا بِخِلَافِ الْأَخَوَيْنِ فِي النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ هُنَاكَ الْقَرَابَةُ، وَقَدْ قَامَتْ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَلَا وَلِأَنَّ الْإِنْكَاحَ حَقٌّ مُسْتَحَقٌّ لَهَا عَلَى الْوَلِيِّ حَتَّى لَوْ طَالَبَتْهُ بِإِنْكَاحِهَا مِنْ كُفْءٍ يَخْطُبُهَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَهَاهُنَا حَقُّ التَّصَرُّفِ لِلْوَصِيِّ. وَلِهَذَا بَقِيَ مُخَيَّرًا فِي التَّصَرُّفِ فَفِي الْوَلِيَّيْنِ أَوْلَى حَتْمًا عَلَى صَاحِبِهِ، وَفِي الْوَصِيَّيْنِ اسْتَوْفَى حَقًّا لِصَاحِبِهِ، فَلَا يَصِحُّ نَظِيرُ الْأَوَّلِ إيفَاءُ دَيْنٍ عَلَيْهِمَا وَنَظِيرُ الثَّانِي اسْتِيفَاءُ دَيْنٍ لَهُمَا حَيْثُ يَجُوزُ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي بِخِلَافِ مَوَاضِعِ الِاسْتِثْنَاءِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ بَابِ الضَّرُورَةِ لَا مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ وَمَوَاضِعُ الضَّرُورَةِ مُسْتَثْنَاةٌ دَائِمًا أَبَدًا وَهُوَ مَا اسْتَثْنَاهُ فِي الْكِتَابِ وَأَخَوَاتُهَا. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة رَجُلٌ أَوْصَى إلَى رَجُلَيْنِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا، وَأَوْصَى إلَى صَاحِبِهِ جَازَ وَيَكُونُ لِصَاحِبِهِ أَنْ يَتَصَرَّفَ وَرُوِيَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، وَفِي فَتَاوَى أَبِي اللَّيْثِ: إذَا أَوْصَى إلَى رَجُلَيْنِ فَقَبِلَ أَحَدُهُمَا وَسَكَتَ الْآخَرُ فَقَالَ الَّذِي قَبِلَ لِلسَّاكِتِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي: اشْتَرِ هَذَا لِلْمَيِّتِ فَقُلْ نَعَمْ كَانَ قَبُولًا لِلْوَصِيَّةِ وَإِذَا أَوْصَى إلَى رَجُلَيْنِ، وَقَالَ لَهُمَا ضَعَا ثُلُثَ مَالِي حَيْثُ شِئْتُمَا فَمَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ أَنْ يَفْعَلَا ذَلِكَ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ وَيَرْجِعُ الثُّلُثُ لِوَرَثَةِ الْمَيِّتِ، وَلَوْ قَالَ جَعَلَتْ ثُلُثَ مَالِي لِلْمَسَاكِينِ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا قَالَ يَجْعَلُ الْقَاضِي وَصِيًّا آخَرَ، وَإِنْ شَاءَ يَقُولُ لِلثَّانِي مِنْهُمَا أَقْسِمْ أَنْتَ وَحْدَك وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ لَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ وَحْدَهُ، وَفِيهِ أَيْضًا سُئِلَ أَبُو الْقَاسِمِ عَمَّنْ أَوْصَى إلَى رَجُلَيْنِ بِأَنْ يَشْتَرِيَا مِنْ مَالِهِ عَبْدًا بِكَذَا دِرْهَمًا وَلِأَحَدِ الْوَصِيَّيْنِ عَبْدٌ قِيمَتُهُ أَكْثَرُ مِمَّا سَمَّاهُ الْمُوصِي هَلْ لِلْوَصِيِّ الْآخَرِ أَنْ يَشْتَرِيَ الْعَبْدَ بِمَا نَصَّ الْمُوصِي. قَالَ إنْ فَوَّضَ الْمُوصِي إلَى كُلِّ وَاحِدٍ أَنْ يَنْفَرِدَ فِي ذَلِكَ فَشِرَاؤُهُ مِنْ صَاحِبِهِ جَائِزٌ، وَلَوْ بَاعَ ذَلِكَ صَاحِبُ الْعَبْدِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ لَمْ يَشْتَرِيَا جَمِيعًا لِلْمَيِّتِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ: فَهَذَا أَصْوَبُ. وَفِيهِ أَيْضًا سُئِلَ أَبُو بَكْرٍ عَمَّنْ أَوْصَى إلَى رَجُلٍ، وَقَالَ: اعْمَلْ فِيهِ بِرَأْيِ فُلَانٍ قَالَ هُوَ وَصِيٌّ تَامٌّ، وَلَهُ أَنْ يَعْمَلَ بِغَيْرِ رَأْيِ فُلَانٍ، وَفِي قَوْلٍ آخَرَ الثَّانِي هُوَ الْوَصِيُّ التَّامُّ، وَالْأَوَّلُ هُوَ وَصِيٌّ نَاقِصٌ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَبَعْضُهُمْ قَالُوا كِلَاهُمَا وَصِيَّانِ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْأَوَّلُ هُوَ الْوَصِيُّ وَبِهِ قَالَ نُصَيْرٌ، وَقَالَ أَبُو نَصْرٍ إنْ قَالَ: اعْمَلْ فِيهِ بِرَأْيِ فُلَانٍ فَهُوَ الْوَصِيُّ خَاصَّةً وَإِنْ قَالَ لَا تَعْمَلْ إلَّا بِرَأْيِ فُلَانٍ فَهُمَا وَصِيَّانِ وَهُوَ أَشْبَهُ بِقَوْلِ أَصْحَابِنَا فَإِنَّهُمْ قَالُوا فِيمَنْ وَكَّلَ آخَرَ بِبَيْعِ عَبْدِهِ، وَقَالَ بِالشُّهُودِ فَبَاعَهُ الْوَكِيلُ بِغَيْرِ شُهُودٍ جَازَ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ بِعْهُ بِمَحْضَرِ فُلَانٍ فَبَاعَهُ بِغَيْرِ مَحْضَرِ فُلَانٍ يَجُوزُ وَلَوْ قَالَ لَا تَبِعْ إلَّا بِالشُّهُودِ أَوْ قَالَ لَا تَبِعْ إلَّا بِمَحْضَرٍ مِنْ فُلَانٍ فَبَاعَ بِغَيْرِ شُهُودٍ أَوْ بِغَيْرِ مَحْضَرِ فُلَانٍ لَا يَجُوزُ وَعَلَى هَذَا إذَا قَالَ الْمُوصِي بِعِلْمِ فُلَانٍ أَوْ قَالَ إلَّا بِعِلْمِ فُلَانٍ. وَإِذَا أَوْصَى الرَّجُلُ إلَى رَجُلَيْنِ، وَقَالَ لَهُمَا: ضَعَا ثُلُثَ مَالِي حَيْثُ شِئْتُمَا أَوْ قَالَ أَعْطَيَاهُ مِمَّنْ شِئْتُمَا ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي ذَلِكَ فَقَالَ أَحَدُهُمَا أُعْطِيه فُلَانًا، وَقَالَ الْآخَرُ: أُعْطِيه فُلَانًا آخَرَ لَمْ يَكُنْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا ذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، وَفِي الْخَانِيَّةِ: رَجُلٌ أَوْصَى بِنَصِيبِ بَعْضِ وَلَدِهِ إلَى رَجُلٍ وَبِنَصِيبِ الْبَعْضِ إلَى رَجُلٍ آخَرَ فَهُمَا يَشْتَرِكَانِ فِي الْكُلِّ وَلَوْ أَوْصَى إلَى رَجُلٍ بِدَيْنٍ وَإِلَى آخَر أَنْ يُعْتِقَ عَبْدَهُ أَوْ يُنْفِذَ وَصِيَّتَهُ فَهُمَا وَصِيَّانِ فِي كُلِّ شَيْءٍ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَصِيٌّ عَلَى مَا سُمِّيَ لَهُ لَا يَدْخُلُ الْآخَرُ مَعَهُ. وَكَذَا لَوْ أَوْصَى بِمِيرَاثِهِ فِي بَلَدِ كَذَا إلَى رَجُلٍ وَبِمِيرَاثِهِ فِي بَلَدِ كَذَا إلَى رَجُلٍ وَبِمِيرَاثِهِ فِي بَلَدٍ أُخْرَى إلَى آخَرَ، وَقَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ إذَا جَعَلَ الرَّجُلُ رَجُلًا وَصِيًّا عَلَى ابْنِهِ وَجَعَلَ رَجُلًا آخَرَ وَصِيًّا عَلَى ابْنِهِ أَوْ جَعَلَ أَحَدَهُمَا وَصِيًّا فِي مَالِهِ الْحَاضِرِ وَجَعَلَ الْآخَرَ وَصِيًّا فِي مَالِهِ الْغَائِبِ فَإِنْ كَانَ شَرَطَ أَنْ لَا يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَصِيًّا فِيمَا أَوْصَى إلَى الْآخَرِ يَكُونُ الْأَمْرُ عَلَى مَا شَرَطَ عِنْدَ الْكُلِّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَرَطَ ذَلِكَ فَحِينَئِذٍ تَكُونُ الْمَسْأَلَةُ عَلَى الِاخْتِلَافِ، وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَفِي الْوَصِيَّتَيْنِ مِنْ جِهَةِ الْأَبَوَيْنِ، وَمَعَهُمْ وَصِيُّ الْأُمِّ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الزِّيَادَاتِ: جَارِيَةٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ جَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَيَاهُ جَمِيعًا حَتَّى ثَبَتَ النَّسَبُ مِنْهُمَا وَصَارَتْ الْجَارِيَةُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُمَا عَلَى مَا عُرِفَ ثُمَّ أَنَّهُمَا أَعْتَقَا الْجَارِيَةَ وَاكْتَسَبَتْ اكْتِسَابًا ثُمَّ مَاتَتْ وَأَوْصَتْ إلَى رَجُلٍ وَلَمْ تَدَعْ وَارِثًا غَيْرَ ابْنِهَا هَذَا وَهُوَ صَغِيرٌ لَمْ يَبْلُغْ كَانَ وِلَايَةُ التَّصَرُّفِ فِي مَالِ الْوَلَدِ وَحِفْظُهُ لِلْوَلَدَيْنِ لَا لِوَصِيِّ الْأُمِّ فَإِنْ غَابَ الْوَالِدَانِ تَظْهَرُ وِلَايَةُ وَصِيِّ الْأُمِّ فَتَثْبُتُ لَهُ وِلَايَةُ الْحِفْظِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 525 وَلَكِنْ إنَّمَا تَثْبُتُ الْوِلَايَةُ فِيمَا وَرِثَ الصَّغِيرُ مِنْ الْإِمَامِ، وَفِيمَا كَانَ لِلصَّغِيرِ قَبْلَ مَوْتِ الْأُمِّ لَا فِيمَا وَرِثَ الصَّغِيرُ بَعْدَ ذَلِكَ وَكَمَا ثَبَتَ لَهُ وِلَايَةُ الْحِفْظِ ثَبَتَ لَهُ وِلَايَةُ كُلِّ تَصَرُّفٍ هُوَ مِنْ بَابِ الْحِفْظِ كَبَيْعِ الْمَنْقُولِ وَبَيْعِ مَا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ وَإِنْ غَابَ أَحَدُ الْوَالِدَيْنِ، وَالْآخَرُ حَاضِرٌ. فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَحَدُ الْأَبَوَيْنِ يَنْفَرِدُ بِالتَّصَرُّفِ فِي مَالِ الصَّغِيرِ فَوِلَايَةُ التَّصَرُّفِ فِي مَالِ الصَّغِيرِ وَحِفْظِهِ لِلْوَالِدِ دُونَ وَصِيِّ الْأُمِّ. وَلَوْ مَاتَ أَحَدُ الْأَبَوَيْنِ بَعْدَ مَوْتِ الْأُمِّ وَلَمْ يَدَعْ وَارِثًا غَيْرَ هَذَا الصَّغِيرِ وَأَوْصَى إلَى رَجُلٍ، وَالْوَالِدُ الْآخَرُ حَاضِرٌ فَالْمِيرَاثُ كُلُّهُ لِلصَّغِيرِ وَوِلَايَةُ التَّصَرُّفِ فِي التَّرِكَتَيْنِ لِلْأَبِ الثَّانِي لَا لِوَصِيٍّ وَإِنْ كَانَ الْوَالِدُ الثَّانِي غَائِبًا فَلِوَصِيِّ الْأُمِّ حِفْظُ مَا تَرَكَتْ الْأُمُّ فِيمَا كَانَ مِنْ بَابِ الْحِفْظِ وَإِنْ مَاتَ الْوَارِثُ الثَّانِي بَعْدَ ذَلِكَ وَأَوْصَى إلَى رَجُلٍ فَوَصِيُّهُ يَكُونُ أَوْلَى مِنْ وَصِيِّ الْأَبِ الَّذِي مَاتَ قَبْلَهُ وَأَوْلَى مِنْ وَصِيِّ الْأُمِّ فَإِنْ كَانَ لِلْأَبِ الَّذِي مَاتَ أَوَّلًا أَبٌ وَهُوَ جَدُّ هَذَا الْغُلَامِ وَبَاقِي الْمَسْأَلَةِ بِحَالِهَا فَوَصِيُّ الْأَبِ الَّذِي مَاتَ آخِرًا أَوْلَى بِالتَّصَرُّفِ فِي مَالِ الصَّغِيرِ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْأَبُ الَّذِي مَاتَ آخِرًا أَبًا وَهُوَ جَدُّ الْغُلَامِ كَانَتْ وَصِيَّتُهُ أَوْلَى مِنْ أَبِيهِ وَإِنْ مَاتَ وَوَصِيُّ الْأَبِ الَّذِي مَاتَ آخِرًا وَلَمْ يُوَصِّ إلَى أَحَدٍ وَمَاتَ الْأَبُ الَّذِي مَاتَ آخِرًا وَلَمْ يُوَصِّ إلَى أَحَدٍ، وَقَدْ تَرَكَ الْأَبُ الَّذِي مَاتَ أَوَّلًا أَبًا جَدَّ هَذَا الْغُلَامِ وَوَصِيًّا فَإِنَّ وَصِيَّ الْأَبِ الَّذِي مَاتَ أَوَّلًا أَوْلَى مِنْ وَصِيِّهِ فَإِنْ كَانَ مَاتَ الْوَالِدَانِ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْآخَرِ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَبٌ وَأَوْصَى كُلُّ وَاحِدٍ إلَى رَجُلٍ إنْ عَرَفَ الَّذِي مَاتَ أَوَّلًا مِنْ الَّذِي مَاتَ آخِرًا فَوِلَايَةُ التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ لِوَصِيٍّ الَّذِي مَاتَ آخِرًا وَإِنْ مَاتَ هَذَا الْمُوَصِّي وَلَمْ يُوَصِّ إلَى أَحَدٍ وَمَاتَ الْأَبُ الَّذِي عُرِفَ مَوْتُهُ آخِرًا وَلَمْ يُوَصِّ إلَى أَحَدٍ وَبَاقِي الْمَسْأَلَةِ بِحَالِهَا فَوِلَايَةُ التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ لِلْجَدَّيْنِ لَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إلَّا فِي التَّجْهِيزِ وَشِرَاءِ الْكَفَنِ) ؛ لِأَنَّ فِي التَّأْخِيرِ فَسَادَ الْمَيِّتِ، وَلِهَذَا يَمْلِكُهُ الْجِيرَانُ أَيْضًا فِي الْحَضَرِ، وَالرُّفْقَةُ فِي السَّفَرِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَحَاجَةُ الصِّغَارِ، وَالِاتِّهَابُ لَهُمْ) ؛ لِأَنَّهُ يَخَافُ هَلَاكَهُمْ مِنْ الْجُوعِ، وَالْعُرْيِ وَانْفِرَادُ أَحَدِهِمَا بِذَلِكَ خَيْرٌ، وَلِهَذَا يَمْلِكُهُ كُلُّ مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَرَدُّ وَدِيعَةِ عَيْنٍ وَقَضَاءُ دَيْنٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ هُوَ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ الْإِعَانَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ صَاحِبَ الْحَقِّ يَمْلِكُهُ إذَا ظَفِرَ بِهِ بِخِلَافِ اقْتِضَاءِ دَيْنِ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِأَمَانَتِهِمَا جَمِيعًا فِي الْقَبْضِ وَلِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ وَعِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ حَقِيقَةُ الْمُبَادَلَةِ وَرَدُّ الْمَغْصُوبِ وَرَدُّ الْمَبِيعِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ وَكَذَا حِفْظُ الْمَالِ فَلِذَلِكَ يَنْفَرِدُ بِهِ أَحَدُهُمَا دُونَ صَاحِبِهِ وَمَا اسْتَثْنَاهُ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ بِقَوْلِهِ إلَّا فِي شِرَاءِ الْكَفَنِ لِلْمَيِّتِ وَتَجْهِيزُهُ وَطَعَامُ الصِّغَارِ وَكِسْوَتُهُمْ وَرَدُّ وَدِيعَةٍ بِعَيْنِهَا وَقَضَاءُ دَيْنٍ وَتَنْفِيذُ وَصِيَّةٍ بِعَيْنِهَا وَعِتْقُ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ، وَالْخُصُومَةُ فِي حُقُوقِ الْمَيِّتِ. اهـ. وَهَذِهِ تِسْعَةُ أَشْيَاءَ كَمَا تَرَى قَصَرَ الْقُدُورِيُّ الِاسْتِثْنَاءَ عَلَيْهَا فِي مُخْتَصَرِهِ وَاقْتَفَى أَثَرَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ: وَزَادَ فِيهَا عَلَى ذَلِكَ أَشْيَاءَ بِقَوْلِهِ وَرَدُّ الْمَغْصُوبِ، وَالْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا، وَحِفْظُ الْأَمْوَالِ وَقَبُولُ الْهِبَةِ وَبَيْعُ مَا يَخْشَى عَلَيْهِ التَّوَى، وَالتَّلَفَ وَجَمْعُ الْأَمْوَالِ الضَّائِعَةِ وَهَذِهِ الَّتِي زَادَهَا فِي الْهِدَايَةِ عَلَى مَا فِي الْكِتَابِ سِتَّةُ أَشْيَاءَ فَيَصِيرُ مَجْمُوعُ الْأَشْيَاءِ الْمَعْدُودَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ. اهـ. . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَنْفِيذُ وَصِيَّةٍ مُعَيَّنَةٍ وَعِتْقُ عَبْدٍ مُعَيَّنٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى رَأْيٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْخُصُومَةُ فِي حَقِّ الْمَيِّتِ) ؛ لِأَنَّ الِاجْتِمَاعَ فِيهِ مُتَعَذَّرٌ وَلِهَذَا يَنْفَرِدُ بِهَا أَحَدُ الْوَكِيلَيْنِ أَيْضًا وَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا جَعَلَ الْقَاضِيَ مَكَانَهُ وَصِيًّا آخَرَ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْبَاقِيَ مِنْهُمَا عَاجِزٌ عَنْ الِانْفِرَادِ بِالتَّصَرُّفِ فَيَضُمُّ الْقَاضِي إلَيْهِ وَصِيًّا يَنْظُرُ إلَى الْمَيِّتِ عِنْدَ عَجْزِ الْمَيِّتِ، وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَلِأَنَّ الْحَيَّ مِنْهُمَا وَإِنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى التَّصَرُّفِ فَالْمُوصِي قَدَرَ أَنْ يَجْعَلَ وَصِيَّيْنِ يَتَصَرَّفَانِ وَذَلِكَ مُمْكِنٌ لِتَحْقِيقِ نَصْبِ وَصِيٍّ آخَرَ مَكَانَ الْأَوَّلِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَقَضَاءُ دَيْنٍ قَالَ فِي الْغَايَةِ: وَالْمُرَادُ بِالتَّقَاضِي الِاقْتِضَاءُ وَكَذَا كَانَ الْمُرَادُ فِي عُرْفِهِمْ اهـ. وَهَذَا يُوهِمُ أَنْ لَا يَكُونَ الِاقْتِضَاءُ الَّذِي هُوَ الْقَبْضُ مَعْنَى التَّقَاضِي فِي الْوَضْعِ، وَاللُّغَةِ بَلْ كَانَ مَعْنَاهُ فِي الْعُرْفِ مَعَ أَنَّ الْأَمْرَ لَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ بِالْخُصُومَةِ مِنْ كِتَابِ الْوَكَالَةِ حَيْثُ قَالَ: الْوَكِيلُ بِالتَّقَاضِي يَمْلِكُ الْقَبْضَ عَلَى أَصْلِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ وَضْعًا إلَّا أَنَّ الْعُرْفَ بِخِلَافِهِ وَهُوَ قَاضٍ عَلَى الْوَضْعِ. اهـ. وَيَدُلُّك عَلَى كَوْنِ مَعْنَاهُ ذَلِكَ فِي الْوَضْعِ مَا ذُكِرَ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ: تَقَاضَاهُ الدَّيْنَ قَبَضَهُ مِنْهُ، وَقَالَ فِي الْأَسَاسِ تَقَاضَيْته دَيْنِي وَبِدَيْنِي، وَاقْتَضَيْته دَيْنِي وَاقْتَضَيْت مِنْهُ حَقِّي أَيْ أَخَذْتُهُ اهـ. وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ لِتَصَرُّفَاتِ الْأَبِ وَوَكِيلِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 526 الْأَبِ، وَالْجَدِّ، وَالْقَاضِي وَأَمِينِ الْقَاضِي فِي مَالِ الصَّغِيرِ وَنَحْنُ نَذْكُرُ ذَلِكَ قَالَ فِي الْأَصْلِ: الْأَبُ إذَا بَاعَ مَالَ نَفْسِهِ مِنْ ابْنِهِ الصَّغِيرِ أَوْ اشْتَرَى مَالَ ابْنِهِ الصَّغِيرِ لِنَفْسِهِ جَازَ اسْتِحْسَانًا، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ ثُمَّ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي أَنَّهُ هَلْ يُشْتَرَطُ لِإِتْمَامِ هَذَا الْعَقْدِ الْإِيجَابُ، وَالْقَبُولُ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَشْتَرِطُ حَتَّى إنَّ الْأَبَ إذَا قَالَ بِعْت هَذَا مِنْ وَلَدِي بِكَذَا أَوْ قَالَ اشْتَرَيْت مِنْهُ هَذَا بِكَذَا فَإِنَّهُ يَتِمُّ الْعَقْدُ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَقُولَ بِعْت وَاشْتَرَيْت، وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي الْكِتَابِ فَإِنَّهُ قَالَ إذَا بَاعَ مِنْ وَلَدِهِ وَأَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ جَازَ وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْقَبُولَ هَكَذَا ذَكَرَ النَّاطِفِيُّ فِي وَاقِعَاتِهِ ثُمَّ إنَّ مُحَمَّدًا مَا ذَكَرَ الْإِشْهَادَ فِي الْكِتَابِ عَلَى وَجْهِ الشَّرْطِ لِجَوَازِ هَذَا الْبَيْعِ وَتَمَامِهِ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِيثَاقِ لِحَقِّ الصَّغِيرِ حَتَّى يَتِمَّ مُعَامَلَةُ الصَّغِيرِ وَيَجُوزُ هَذَا الْبَيْعُ مِنْ الِابْنِ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ أَوْ بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ هَذَا الْعَقْدُ إلَّا بِمِثْلِ الْقِيمَةِ، وَفِي هَذَا الْغَبْنِ الْيَسِيرِ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ يَمْنَعُ وَلَكِنْ مَا ذَكَرَهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَصَحُّ. وَلَوْ وَكَّلَ الْأَبُ رَجُلًا بِبَيْعِ عَبْدٍ لَهُ مِنْ ابْنٍ لَهُ، وَالِابْنُ صَغِيرٌ لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ فَفَعَلَ الْوَكِيلُ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ، وَلَوْ وَكَّلَ الصَّغِيرُ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَكِيلًا وَوَكَّلَ الْأَبُ أَيْضًا ذَلِكَ الْوَكِيلَ فَبَاعَ هَذَا مِنْ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ كَذَا هُنَا وَلَوْ كَانَ الْأَبُ حَاضِرًا وَقَبِلَ مِنْ الْوَكِيلِ جَازَ، وَتَكُونُ الْعُهْدَةُ مِنْ جَانِبِ الِابْنِ عَلَى الْأَبِ، وَمِنْ جَانِبِ الْأَبِ عَلَى الْوَكِيلِ وَقِيلَ عَلَى الْعَكْسِ ذَكَرَ هِشَامٌ فِي نَوَادِرِهِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ: إذَا اشْتَرَى الْأَبُ عَبْدَ ابْنِهِ الصَّغِيرِ شِرَاءً فَاسِدًا فَمَاتَ الْعَبْدُ قَبْلَ أَنْ يَسْتَعْمِلَ الْعَبْدَ أَوْ يَقْبِضَهُ أَوْ يَأْمُرَهُ بِعَمَلٍ مَاتَ مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ، وَفِي الْمُنْتَقَى اشْتَرَى مِنْ ابْنِهِ عَبْدًا، وَالْعَبْدُ فِي يَدِ الْأَبِ فَمَاتَ الْعَبْدُ فَهُوَ مِنْ مَالِ الِابْنِ حَتَّى يَأْمُرَهُ الْوَالِدُ بِعَمَلٍ أَوْ يَقْبِضَهُ وَإِذَا كَانَ لِرَجُلٍ ابْنَانِ فَبَاعَ مَالَ أَحَدِهِمَا مِنْ الْآخَرِ وَهُمَا صَغِيرَانِ فَإِنْ قَالَ: بِعْت عَبْدَا بَنِي فُلَانٍ مِنْ فُلَانٍ جَازَ ذَلِكَ هَكَذَا ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ فِي الدِّيَاتِ وَلَمْ يَذْكُرْ ثَمَّةَ إنَّهُمَا إذَا بَلَغَا فَالْعُهْدَةُ عَلَى مَنْ تَكُونُ وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِيهِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْعُهْدَةَ عَلَيْهِمَا وَلَوْ وَكَّلَ الْأَبُ رَجُلًا حَتَّى بَاعَ مَالَ أَحَدِهِمَا مِنْ الْآخَرِ يَجُوزُ، وَإِذَا وَكَّلَ رَجُلًا بِذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يَجُوزَ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْأَبَ لِكَمَالِ شَفَقَتِهِ مَلَّكَ هَؤُلَاءِ وَكِيلَهُ لِفَقْدِهَا. وَلَوْ وَكَّلَ الْأَبُ وَكِيلًا بِالْبَيْعِ وَوَكِيلًا بِالشِّرَاءِ فَبَاعَ الْوَكِيلُ يَجُوزُ، وَفِي الزِّيَادَاتِ الْأَبُ إذَا بَاعَ مَالَ الصَّغِيرِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ فَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ فَإِنْ كَانَ الْأَبُ عَدْلًا عِنْدَ النَّاسِ أَوْ كَانَ مَسْتُورًا بِحَالٍ يَجُوزُ الْبَيْعُ حَتَّى لَوْ كَبِرَ الِابْنُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُنْقَضَ الْبَيْعُ عِنْدَ الْمَشَايِخِ وَبِهِ أَخَذَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ إذَا كَانَ خَيْرًا لِلصَّغِيرِ بِأَنْ بَاعَ بِضَعْفِ قِيمَتِهِ، وَإِنْ بَاعَ مَا سِوَى الْعَقَارِ مِنْ الْمَنْقُولَاتِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ: يَجُوزُ وَيُؤْخَذُ الثَّمَنُ وَيُوضَعُ عَلَى يَدِ عَدْلٍ، وَفِي رِوَايَةٍ: لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا كَانَ خَيْرًا لِلصَّغِيرِ عَلَى نَحْوِ مَا قُلْنَا، وَفِي نَوَادِرِ هِشَامٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ الْأَبُ إذَا بَاعَ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ مَا ثَمَنُهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ بِدِرْهَمٍ يَجُوزُ وَإِنْ اشْتَرَى لَهُ مَا ثَمَنُهُ دِرْهَمٌ بِعَشَرَةٍ دَرَاهِمَ لَمْ يَجُزْ، وَفِي الْأَصْلِ سَوَّى بَيْنَ الْبَيْعِ، وَالشِّرَاءِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَأَشْبَاهِهَا وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ فِي أَدَبِ الْقَاضِي فِي أَبْوَابِ الْوَصَايَا أَنَّ الصَّغِيرَ إذَا وَرِثَ مَالًا، وَالْأَبُ مُبَذِّرٌ مُسْتَحِقُّ الْحَجْرِ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى ذَلِكَ لَا تَثْبُتُ الْوِلَايَةُ لِلْأَبِ، وَفِي الْمُنْتَقَى عَنْ مُحَمَّدٍ: رَجُلٌ بَاعَ عَبْدَ ابْنِهِ الصَّغِيرِ مِنْ رَجُلٍ بِأَلْفٍ ثُمَّ قَالَ فِي مَرَضِهِ: قَدْ قَبَضْت مِنْ فُلَانٍ مِنْ الثَّمَنِ مِائَتَيْنِ فَمَاتَ فِي مَرَضِهِ لَمْ يَجُزْ إقْرَارُ الْأَبِ وَكَانَ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَأْخُذَ الثَّمَنَ مِنْ الْمُشْتَرِي كَمَا لَوْ لَمْ يُوجَدْ هَذَا الْإِقْرَارُ مِنْ الْمَرِيضِ وَلَوْ قَالَ فِي مَرَضِهِ قَبَضْتهَا مِنْ فُلَانٍ فَضَاعَتْ كَانَ مُصَدَّقًا وَلَوْ قَالَ: قَبَضْتهَا وَاسْتَهْلَكْتهَا لَمْ يَكُنْ مُصَدَّقًا. وَلَا يَبْرَأُ الْمُشْتَرِي مِنْهَا وَلَا يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي إذَا أَخَذَ مِنْهُ الثَّمَنَ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْأَبِ أَوْ فِي مَالِهِ الزِّيَادَاتِ عَنْ مُحَمَّدٍ إذَا اشْتَرَى الْأَبُ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ شَيْئًا وَنَقَدَ الثَّمَنَ مِنْ مَالِهِ يَنْوِي أَنْ يَرْجِعَ وَلَمْ يَشْهَدْ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَقْضِ لَهُ الْقَاضِي بِالرُّجُوعِ وَسِعَهُ فِيمَا بَيْنَهُ، وَبَيْنَ رَبِّهِ أَنْ يَرْجِعَ، وَفِي الْمُنْتَقَى: عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَجُلٌ اشْتَرَى دَارًا لِابْنِهِ الصَّغِيرِ فَعَلَى الْأَبِ أَنْ يَنْقُدَ الثَّمَنَ فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَنْفُذَ فَهُوَ فِي مَالِهِ خَاصَّةً يَعْنِي مَالَ الْأَبِ وَلَا يَرْجِعُ بِهِ فِي مَالِ الِابْنِ، وَلَوْ اشْتَرَى لِابْنِهِ دَارًا وَأَشْهَدَ عِنْدَ عَقْدِ الْبَيْعِ أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِهِ وَكَذَلِكَ كُلُّ شَيْءٍ يَشْتَرِيهِ مِمَّا لَا يُجْبَرُ الْأَبُ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ كُلُّ دَيْنٍ كَانَ عَلَى الْأَبِ، وَضَمِنَ لِلْأَبِ عَنْهُ، وَذُكِرَ فِي نَوَادِرِ بِشْرٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ تَفْصِيلًا فِيمَا اشْتَرَى الْأَبُ لِابْنِهِ قَالَ إنْ كَانَ اشْتَرَى شَيْئًا يُجْبَرُ الْأَبُ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ طَعَامًا أَوْ كِسْوَةً وَلَا مَالَ لِلصَّغِيرِ لَا يَرْجِعُ الْأَبُ عَلَيْهِ وَإِنْ أَشْهَدَ أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي شَيْئًا يُجْبَرُ الْأَبُ عَلَيْهِ بِأَنْ كَانَ الْمُشْتَرَى طَعَامًا أَوْ كِسْوَةً وَلِلصَّغِيرِ مَالٌ أَوْ كَانَ الْمُشْتَرَى دَارًا أَوْ ضَيَاعًا إنْ كَانَ الْأَبُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 527 شَهِدَ وَقْتَ الشِّرَاءِ أَنَّهُ يَرْجِعُ وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ لَا يَرْجِعُ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَا إذَا اشْتَرَى دَارًا أَوْ ضَيْعَةً أَوْ مَمْلُوكًا لِابْنِهِ الصَّغِيرِ فَإِنْ كَانَ لِلِابْنِ مَالٌ فَالرُّجُوعُ بِالثَّمَنِ عَلَى التَّفْصِيلِ إنْ أَشْهَدَ وَقْتَ الشِّرَاءِ أَنَّهُ يَرْجِعُ وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ لَا يَرْجِعُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلِابْنِ مَالٌ لَا يَرْجِعُ أَشْهَدَ عَلَى الرُّجُوعِ أَوْ لَمْ يُشْهِدْ ثُمَّ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ يُشْتَرَطُ الْإِشْهَادُ وَقْتَ الشِّرَاءِ، وَفِي بَعْضِهَا: يُشْتَرَطُ الْإِشْهَادُ وَقْتَ نَقْدِ الثَّمَنِ. وَنَقُولُ: إذَا أَشْهَدَ وَقْتَ نَقْدِ الثَّمَنِ إنَّمَا نَقَدَ الثَّمَنَ لِيَرْجِعَ إلَيْهِ، وَرَوَى الْحَسَنُ بْنُ مَالِكٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَجُلٌ اشْتَرَى لِابْنِهِ الصَّغِيرِ ثَوْبًا وَدَفَعَهُ إلَيْهِ فِي صِحَّتِهِ ثُمَّ أَدَّى الثَّمَنَ فِي مَرَضِهِ لَا يَرْجِعُ عَلَى الِابْنِ بِشَيْءٍ. وَرَوَى بِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَجُلٌ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى أَمَةً لِابْنِهِ الصَّغِيرِ فَهُوَ جَائِزٌ، وَإِذَا أَسْلَمَ الْأَمَةَ يَصِيرُ مُتَعَدِّيًا، وَيَضْمَنُ قِيمَةَ الْأَمَةِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لَا يَصِحُّ إمْهَارُ الْأَمَةِ وَيَكُونُ عَلَى الْأَبِ قِيمَتُهَا لِلزَّوْجَةِ، وَفِي الذَّخِيرَةِ: اشْتَرَى الْأَبُ قَرِيبَ الصَّبِيِّ أَوْ الْمَعْتُوهِ لَا يَجُوزُ عَلَى الصَّبِيِّ، وَالْمَعْتُوهِ وَيَجُوزُ عَلَى الْأَبِ، وَلَوْ اشْتَرَى لِلْمَعْتُوهِ أَمَةً كَانَ اسْتَوْلَدَهَا بِحُكْمِ النِّكَاحِ يَلْزَمُ الْأَبُ قِيَاسًا، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَجُوزُ وَهَذَا الْقِيَاسُ، وَالِاسْتِحْسَانُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجُوزُ أَصْلًا فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَنَّ الْأَبَ إذَا بَاعَ مَالَ الصَّغِيرِ بِدَيْنِ نَفْسِهِ مِنْ رَبِّ الدَّيْنِ بِمِثْلِ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ يَجُوزُ وَيَصِيرُ الثَّمَنُ قِصَاصًا بِدَيْنِهِ وَيَصِيرُ هُوَ ضَامِنًا لِلصَّغِيرِ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ: وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْأَبَ إذَا أَرَادَ أَنْ يُوَفِّيَ دَيْنَهُ مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ هَكَذَا ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي شَرْحِهِ أَنَّ الْأَبَ لَا يَمْلِكُ قَضَاءَ دَيْنِ نَفْسِهِ مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ، وَذَكَرَ الْقَاضِي الْإِمَامُ صَدْرُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ كِتَابِ الرَّهْنِ أَنَّهُ يَجُوزُ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ وَإِذَا صَحَّ رَهْنُ الْأَبِ مَتَاعَ الصَّغِيرِ بِدَيْنِ نَفْسِهِ عِنْدَهُمَا فَهَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ هَلَكَ بِمَا فِيهِ وَيَضْمَنُ الْأَبُ لِلصَّغِيرِ قِيمَةَ الرَّهْنِ إنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ مِثْلَ الدَّيْنِ أَوْ أَقَلَّ أَمَّا إذَا كَانَتْ الْقِيمَةُ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ يَضْمَنُ مِقْدَارَ الدَّيْنِ، وَلَا يَضْمَنُ الزِّيَادَةَ، وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي شَرْحِ كِتَابِ الرَّهْنِ أَنَّ لِلْأَبِ أَنْ يَسْتَقْرِضَ مَالَ وَلَدِهِ لِنَفْسِهِ، وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِهِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْأَبِ أَنْ يَسْتَقْرِضَ مَالَ الصَّغِيرِ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ، وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي الرِّوَايَاتِ الظَّاهِرَةِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَفِي الذَّخِيرَةِ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي الْأَبِ فِي اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْأَبَ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيِّ لَا بِمَنْزِلَةِ الْقَاضِي، وَالْأَبُ إذَا أَقْرَضَ مَالَ نَفْسِهِ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ وَأَخَذَ رَهْنًا مِنْ مَالِ وَلَدِهِ جَازَ لَهُ ذَلِكَ هَكَذَا ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ وَخُوَاهَرْ زَادَهْ، وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ: عَنْ مُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ وَسَيَأْتِي لَهُ مَزِيدُ مَسَائِلَ الْمَعْتُوهُ وَالتَّصَرُّفُ عَلَيْهِ لَا يَصِحُّ حَتَّى تَمْضِيَ عَلَيْهِ سَنَةٌ مِنْ يَوْمِ صَارَ مَعْتُوهًا، قَالَ وَلَا أَحْفَظُ فِيهِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ شَيْئًا، قَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ قَالَ مُحَمَّدٌ وَقَّتَ فِي ذَلِكَ شَهْرًا ثُمَّ بَعْدَ رُجُوعِهِ مِنْ الَّذِي قَدَّرَهُ بِسَنَةٍ وَكُلُّ جَوَابٍ عَرَفْته فِي الْجُنُونِ فَهُوَ الْجَوَابُ فِي الْمَعْتُوهِ؛ لِأَنَّهُمَا يَسْتَوِيَانِ فِي الْأَحْكَامِ. وَإِذَا أَرْسَلَ الْأَبُ غُلَامَهُ فِي حَاجَةٍ ثُمَّ بَاعَهُ مِنْ ابْنِ صَغِيرٍ لَهُ جَازَ وَلَا يَصِيرُ الْأَبُ قَابِضًا مِنْ ابْنِهِ بِمُجَرَّدِ الْبَيْعِ حَتَّى لَوْ هَلَكَ الْغُلَامُ قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ إلَى الْوَلَدِ هَلَكَ مِنْ مَالِ الْوَالِدِ بِخِلَافِ مَا إذَا وَهَبَهُ مِنْهُ حَيْثُ يَصِيرُ قَابِضًا لَهُ عَنْ الِابْنِ بِنَفْسِ الْهِبَةِ وَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ الْعَبْدُ حَتَّى بَلَغَ الْوَلَدُ ثُمَّ رَجَعَ إلَى الْوَلَدِ لَا يَصِيرُ الْوَالِدُ قَابِضًا حَتَّى لَوْ هَلَكَ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ الْوَالِدُ هَلَكَ مِنْ مَالِ الْوَلَدِ وَإِنْ انْتَقَضَ الْبَيْعُ، وَفِي حِيَلِ الْأَصْلِ ذَكَرَ طَرِيقَ بَرَاءَةِ الْأَبِ عَنْ الثَّمَنِ الَّذِي وَجَبَ عَلَيْهِ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ فَقَالَ يُخْرِجُ الْأَبُ مِقْدَارَ الثَّمَنِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ ثُمَّ يَقُولُ الْأَبُ إنِّي اشْتَرَيْت وَقَدْ قَبَضْتهَا لِابْنِي بِكَوْنِهِ فِي يَدَيَّ وَيُشْهِدُ عَلَى ذَلِكَ وَعَنْ مُحَمَّدٍ فِي نَوَادِرِهِ أَنَّهُ قَالَ لَا يَبْرَأُ عَنْ الثَّمَنِ مَا لَمْ يَشْتَرِ لِابْنِهِ بِذَلِكَ الثَّمَنِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ شَيْئًا وَعَلَى هَذَا إذَا أَنْفَقَ مِنْ مَالِ ابْنِهِ الصَّغِيرِ فِي حَاجَةِ نَفْسِهِ حَتَّى وَجَبَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَبْرَأَ عَنْهُ فَهُوَ عَلَى مَا قُلْنَا، وَفِي الْهَارُونِيِّ الثَّمَنُ الَّذِي لَزِمَ الْأَبَ بِشِرَاءِ مَالِ وَلَدِهِ فَلَا يَبْرَأُ الْأَبُ مِنْهُ حَتَّى يَكُونَ فِي يَدِهِ عَنْ ابْنِهِ وَدِيعَةً وَإِذَا بَاعَ دَارِهِ مِنْ ابْنِهِ فِي عِيَالِهِ، وَالْأَبُ سَاكِنٌ فِيهَا لَا يَصِيرُ الِابْنُ قَابِضًا حَتَّى يُفَرِّغَهَا الْأَبُ حَتَّى لَوْ انْهَدَمَتْ الدَّارُ، وَالْأَبُ فِيهَا يَكُونُ الْهَلَاكُ عَلَى الْأَبِ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ فِيهَا مَتَاعُ الْأَبِ أَوْ عِيَالُهُ وَهُوَ غَيْرُ سَاكِنٍ فِيهَا فَإِنْ فَرَّغَهَا الْأَبُ صَارَ الِابْنُ قَابِضًا فَإِنْ عَادَ الْأَبُ بَعْدَمَا تَحَوَّلَ مِنْهَا فَسَكَنَهَا أَوْ جَعَلَ فِيهَا مَتَاعًا أَوْ سَكَّنَهَا عِيَالَهُ وَكَانَ غَنِيًّا صَارَ بِمَنْزِلَةِ الْغَاصِبِ، وَفِي الْهَارُونِيِّ. وَلَوْ بَاعَ الْأَبُ مِنْ ابْنِهِ الصَّغِيرِ جُبَّةً، وَهِيَ عَلَى الْأَبِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 528 أَوْ طَيْلَسَانًا هُوَ لَابِسُهُ أَوْ خَاتَمًا فِي أُصْبُعِهِ لَا يَصِيرُ الِابْنُ قَابِضًا حَتَّى يَنْزِعَ ذَلِكَ الْأَبُ وَكَذَلِكَ فِي الدَّابَّةِ، وَالْأَبُ رَاكِبُهَا وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ عَلَيْهَا حِمْلٌ حَتَّى يَنْزِعَهُ عَنْهَا. وَلَوْ قَالَ الْأَبُ: اشْهَدُوا أَنِّي قَدْ اشْتَرَيْت جَارِيَةَ ابْنِي هَذَا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَابْنُهُ صَغِيرٌ فِي عِيَالِهِ جَازَ الشِّرَاءُ وَيَصِيرُ الْأَبُ قَابِضًا بِنَفْسِ الشِّرَاءِ إنْ كَانَتْ فِي يَدِهِ، وَالثَّمَنُ دَيْنٌ عَلَيْهِ لَا يَبْرَأُ إلَّا بِالطَّرِيقِ الَّذِي قُلْنَا، وَفِي الذَّخِيرَةِ وَإِذَا اسْتَأْجَرَ الْأَبُ لِلصَّغِيرِ أَجِيرًا بِأَكْثَرَ مِنْ أَجْرِ مِثْلِهِ فَالْأُجْرَةُ عَلَى الْأَبِ إذَا كَانَ بِحَيْثُ لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ، وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ السِّيَرِ أَنَّ الْإِجَارَةَ تَنْفُذُ عَلَى الصَّغِيرِ قَالَ الْقَاضِي رُكْنُ الْإِسْلَامِ عَلِيٌّ السُّغْدِيُّ لَوْ غَصَبَ إنْسَانٌ دَارَ صَبِيٍّ قَالَ بَعْضُ النَّاسِ: يَجِبُ عَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ فَمَا ظَنَّك فِي هَذَا وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ رَوَى وُجُوبَ أَجْرِ الْمِثْلِ إلَّا إذَا كَانَ النُّقْصَانُ خَيْرًا لِلصَّغِيرِ فَحِينَئِذٍ يَجِبُ النُّقْصَانُ وَإِذَا هَلَكَ الرَّجُلُ وَتَرَكَ أَبًا وَأَوْصَى كَانَ لِلْأَبِ أَنْ يُنَفِّذَ وَصَايَاهُ وَلَوْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ كَثِيرَةٌ وَوَرَثَةٌ صِغَارٌ وَتَرَكَ مَتَاعًا وَعَقَارًا لَمْ يَكُنْ لِلْأَبِ أَنْ يَبِيعَ شَيْئًا مِنْ التَّرِكَةِ هَكَذَا ذَكَرَ الْخَصَّافُ فِي أَدَبِ الْقَاضِي، وَفِي الذَّخِيرَةِ: قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمْ يُذْكَرْ هَذَا الْفَصْلَ فِي الْمَبْسُوطِ عَلَى هَذَا الْبَيَانِ فَإِنَّهُ أَقَامَ الْجَدَّ مَقَامَ الْأَبِ فَإِنَّهُ قَالَ إذَا تَرَكَ وَصِيًّا، وَأَبًا فَالْوَصِيُّ أَوْلَى فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَصِيٌّ فَالْأَبُ أَوْلَى. وَإِنْ مَاتَ الْأَبُ وَأَوْصَى لِوَصِيِّهِ فَهُوَ أَوْلَى ثُمَّ وَصَّى الْقَاضِي، وَعَنْ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي إذَا بَاعَ مَالَ الصَّغِيرِ مِنْ رَجُلٍ وَسَلَّمَهُ لِلْمُشْتَرِي ثُمَّ وَجَدَ الْمُشْتَرِي عَيْبًا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ الْقَاضِيَ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَكَذَلِكَ إذَا بَاعَ بَعْضُ أُمَنَاءِ الْقَاضِي مَالَ الْيَتِيمِ فَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي خُصُومَةٌ مَعَهُ فِي الرَّدِّ؛ لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْ الْقَاضِي وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمَنُوبِ عَنْهُ الْقَاضِي إذَا بَاعَ عَلَى صَغِيرٍ دَارًا فَإِذَا هِيَ لِصَغِيرٍ آخَرَ هُوَ فِي وِلَايَتِهِ لَا يَجُوزُ هَكَذَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ، وَفِي الْمُنْتَقَى: الْقَاضِي إذَا بَاعَ مَالَ الْيَتِيمِ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ بَاعَ مَالَ نَفْسِهِ مِنْ الْيَتِيمِ ذَكَرَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَأَشَارَ إلَى الْمَعْنَى، وَقَالَ: لِأَنَّ بَيْعَ الْقَاضِي مَالَ الصَّغِيرِ يَكُونُ عَلَى وَجْهِ الْحُكْمِ وَحُكْمُ الْقَاضِي لِنَفْسِهِ بَاطِلٌ وَذُكِرَ فِي نَوَادِرِ ابْنِ رُسْتُمَ فِي أَوَّلِ مَسَائِلِ النِّكَاحِ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا زَوَّجَ الصَّغِيرَةَ الْيَتِيمَةَ مِنْ ابْنِهِ الصَّغِيرِ وَكَذَلِكَ لَوْ زَوَّجَهَا مِمَّنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ نِكَاحَ الْقَاضِي يَكُونُ عَلَى وَجْهِ الْحُكْمِ، وَلَا يَجُوزُ حُكْمُهُ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ وَلَا لِمَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ قَالَ النَّاطِفِيُّ فِي أَجْنَاسِهِ مِنْ مَسَائِلِ الْبُيُوعِ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ أَنَّ بَيْعَ الْقَاضِي مَالَ الصَّغِيرِ مِنْ نَفْسِهِ لَا يَجُوزُ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ، وَفِي وَاقِعَاتِ النَّاطِفِيِّ: إذَا اشْتَرَى مَالَ الْيَتِيمِ لِنَفْسِهِ مِنْ وَصِيِّ الْيَتِيمِ يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ الْقَاضِي جَعَلَهُ وَصِيًّا؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّ نَائِبٌ عَنْ الْمَيِّتِ لَا عَنْ الْقَاضِي إذَا بَاعَ أَمِينُ الْقَاضِي مَالَ الصَّغِيرِ بِأَمْرِ الْقَاضِي وَقَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ وَلَمْ يُسَلِّمْ الثَّمَنَ حَتَّى أَمَرَ الْقَاضِي الْأَمِينَ أَنْ يَضْمَنَ الثَّمَنَ عَنْ الْمُشْتَرِي فَضَمِنَ صَحَّ ضَمَانَهُ وَكَذَلِكَ الْجَوَابُ فِي أَمِينِ الْقَاضِي. وَالْأَبُ إذَا بَاعَ مَالَ الصَّغِيرِ وَضَمِنَ الثَّمَنَ عَنْ الْمُشْتَرِي لَا يَصِحُّ ضَمَانُهُ وَإِذَا أَرَادَ الْقَاضِي نَصْبَ الْوَصِيِّ فَفِي أَيِّ مَوْضِعٍ يَنْصِبُ فَقَدْ ذَكَرْنَا هَذَا الْفَصْلَ بِتَمَامِهِ فِي أَدَبِ الْقَاضِي وَذَكَرْنَا ثَمَّةَ: أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا أَرَادَ نَصْبَ الْوَصِيِّ لِصَغِيرٍ هَلْ يُشْتَرَطُ حَضْرَةُ الصَّغِيرِ أَوْ لَا يُشْتَرَطُ وَإِذَا نَصَبَ الْقَاضِي وَصِيًّا لِلصَّغِيرِ، وَخَصَّ لَهُ نَوْعًا مِنْ الْأَنْوَاعِ تَقْتَصِرُ وِصَايَتُهُ عَلَى ذَلِكَ النَّوْعِ فَالْوِصَايَةُ مِنْ قِبَلِ الْقَاضِي قَابِلَةٌ لِلتَّخْصِيصِ بِخِلَافِ الْوِصَايَةِ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ، وَفِي الْفَتَاوَى رَجُلٌ عَنْ غَيْرِ وَصِيٍّ فَقَالَ الْقَاضِي لِرَجُلٍ: جَعَلْتُك وَكِيلًا فِي تَرِكَةِ فُلَانٍ فَهُوَ وَكِيلٌ فِي حِفْظِ الْأَمْوَالِ خَاصَّةً حَتَّى يَقُولَ لَهُ: بِعْ وَاشْتَرِ وَلَوْ قَالَ: جَعَلْتُك وَصِيًّا فَهُوَ وَصِيٌّ بِأَمْرِ الْقَاضِي وَبِهِ نَأْخُذُ، وَفِي نَوَادِرِ بِشْرٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا اشْتَرَى الْقَاضِي مِنْ مَتَاعِ الْيَتِيمِ لِنَفْسِهِ شَيْئًا فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيِّ فَإِذَا رَفَعَ إلَى قَاضٍ آخَرَ نَظَرَ فِيهِ فَإِنْ كَانَ خَيْرًا لِلْيَتِيمِ أَجَازَهُ وَإِلَّا لَمْ يُجِزْهُ وَكَرِهَ الْقَاضِي شِرَاءَهُ، وَفِي الذَّخِيرَةِ: الْقَاضِي إذَا اسْتَأْجَرَ لِلْيَتِيمِ أَجِيرًا بِأَكْثَرَ مِنْ أَجْرِ الْمِثْلِ بِحَيْثُ لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ، وَلَمْ يَعْلَمْ الْقَاضِي بِذَلِكَ فَلِلْأَجِيرِ أَجْرُ مِثْلِ عَمَلِهِ فِي مَالِ الْيَتِيمِ وَلَوْ قَالَ الْقَاضِي تَعَمَّدْت الْجَوَازَ تَنْفُذُ الْإِجَارَةُ عَلَى الْقَاضِي وَيَجِبُ جَمِيعُ الْأَجْرِ فِي مَالِ الْقَاضِي وَإِذَا أَقْرَضَ مَالَ الْيَتِيمِ صَحَّ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَوَصِيُّ الْوَصِيِّ وَصِيُّ التَّرِكَتَيْنِ) أَيْ إذَا مَاتَ الْوَصِيُّ فَأَوْصَى إلَى غَيْرِهِ فَهُوَ وَصِيٌّ فِي تَرِكَتِهِ وَتَرِكَةِ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَكُونُ وَصِيًّا فِي تَرِكَةِ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ فَوَّضَ إلَيْهِ التَّصَرُّفَ وَلَمْ يُفَوِّضْ إلَيْهِ الْإِيصَاءَ إلَى غَيْرِهِ فَلَا يَمْلِكْهُ وَلِأَنَّهُ رَضِيَ بِرَأْيِهِ وَلَمْ يَرْضَ بِرَأْيِ غَيْرِهِ فَصَارَ كَوَصِيِّ الْوَكِيلِ فَإِنَّهُ يَكُونُ وَصِيًّا فِي مَالِ الْوَكِيلِ خَاصَّةً دُونَ مَالِ الْمُوَكِّلِ وَلِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَقْتَضِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 529 مِثْلَهُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَكِيلَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ وَلَا لِلْمُضَارِبِ أَنْ يُضَارِبَ. وَكَذَا الْوَصِيُّ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُوَصِّيَ فِي مَالِ الْمُوصَى لَهُ وَلَنَا أَنَّ الْوَصِيَّ تَصَرَّفَ بِوَصِيَّةٍ مُسْتَقِلَّةٍ إلَيْهِ فَيَمْلِكُ الْإِيصَاءَ إلَى غَيْرِهِ كَالْجَدِّ أَلَا تَرَى أَنَّ الْوِلَايَةَ الَّتِي كَانَتْ ثَابِتَةً لِلْمُوصِي تَنْتَقِلُ إلَى الْوَصِيِّ وَلِهَذَا يُقَدَّمُ عَلَى الْجَدِّ وَلَوْ لَمْ يَنْتَقِلْ إلَيْهِ لَمْ يُقَدَّمْ عَلَيْهِ كَالْوَكِيلِ لَمَّا لَمْ يَنْتَقِلْ إلَيْهِ الْوِلَايَةُ لَمْ يَتَقَدَّمْ عَلَى الْجَدِّ فَإِذَا انْتَقَلَتْ إلَيْهِ الْوِلَايَةُ يَمْلِكُ الْإِيصَاءَ وَاَلَّذِي يُوَضِّحُ ذَلِكَ أَنَّ الْوِلَايَةَ الَّتِي كَانَتْ لِلْوَصِيِّ تَنْتَقِلُ إلَى الْجَدِّ فِي النَّفْسِ وَإِلَى الْوَصِيِّ فِي الْمَالِ ثُمَّ الْجَدِّ قَامَ مَقَامَ الْأَبِ فِيمَا يَنْتَقِلُ إلَيْهِ حَتَّى مَلَكَ الْإِيصَاءَ فِيهِ فَكَذَلِكَ الْوَصِيُّ ثُمَّ الْجَدُّ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْإِيصَاءَ إقَامَةُ غَيْرِهِ مَقَامَهُ فِيمَا لَهُ وِلَايَتُهُ، وَعِنْدَ الْمَوْتِ كَانَتْ لَهُ وِلَايَةٌ فِي التَّرِكَتَيْنِ فَيَنْزِلُ الثَّانِي مَنْزِلَتَهُ فِي التَّرِكَتَيْنِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِرَأْيِ مَنْ أَوْصَى إلَيْهِ الْوَصِيُّ بَلْ وَجَدَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا اسْتَعَانَ بِهِ فِي ذَلِكَ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهُ تَعْتَرِيهِ الْمَنِيَّةُ صَارَ رَاضِيًا بِإِضَافَتِهِ إلَى غَيْرِهِ لَا سِيَّمَا عَلَى تَقْدِيرِ حُصُولِ الْمَوْتِ قَبْلَ تَتْمِيمِ مَقْصُودِهِ وَهُوَ مَا فَوَّضَ إلَيْهِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ فِيهِ يُمْكِنُهُ أَنْ يَحْصُلَ مَقْصُودُهُ بِنَفْسِهِ فَلَمْ يُوجَدْ دَلَالَةُ الرِّضَا بِالتَّفْوِيضِ إلَى غَيْرِهِ بِالتَّوْكِيلِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَصِحُّ قِسْمَتُهُ عَنْ الْوَرَثَةِ مَعَ الْمُوصَى لَهُ وَلَوْ عَكَسَ لَا) يَعْنِي قِسْمَةُ الْوَصِيِّ مَعَ الْمُوصَى لَهُ عَنْ الْوَرَثَةِ جَائِزَةٌ وَعَكْسُهُ لَا يَجُوزُ وَهُوَ مَا إذَا قَاسَمَ الْوَصِيُّ الْوَرَثَةَ عَنْ الْمُوصَى لَهُ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ خَلِيفَةُ الْمَيِّتِ حَتَّى يَرُدَّ بِالْعَيْبِ وَيُرَدَّ عَلَيْهِ وَيَصِيرَ مَغْرُورًا بِشِرَاءِ الْمَيِّتِ شَيْئًا غَرَّ فِيهِ الْمَيِّتُ. وَالْوَصِيُّ أَيْضًا خَلِيفَةُ الْمَيِّتِ حَتَّى يَرُدَّ بِالْعَيْبِ حَتَّى يَكُونَ خَصْمًا عَنْ الْوَارِثِ إذَا كَانَ غَائِبًا فَتَنْفُذُ قِسْمَتُهُ عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ حَضَرَ الْغَائِبُ وَقَدْ هَلَكَ مَا فِي يَدِ الْوَصِيِّ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُشَارِكَ الْمُوصَى لَهُ أَمَّا الْمُوصَى لَهُ فَلَيْسَ بِخَلِيفَةٍ عَنْهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِسَبَبٍ جَدِيدٍ، وَلِهَذَا لَا يَرُدُّ بِالْعَيْبِ وَلَا يَرُدُّ عَلَيْهِ وَلَا يَصِيرُ مَغْرُورًا بِشِرَاءِ الْمَيِّتِ فَلَا يَكُونُ خَصْمًا عِنْدَ غَيْبَتِهِ حَتَّى لَوْ هَلَكَ مَا قَرَّرَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْمُوصِي كَانَ لَهُ ثُلُثُ مَا بَقِيَ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ لَمْ تُنَفَّذْ عَلَيْهِ غَيْرَ أَنَّ الْوَصِيَّ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فِيهِ وَلَهُ وِلَايَةُ الْحِفْظِ فِي التَّرِكَةِ كَمَا إذَا هَلَكَ بَعْضُ التَّرِكَةِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَيَكُونُ لَهُ ثُلُثُ الْبَاقِي؛ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ شَرِيكُ الْوَرَثَةِ فَيَتْوَى مَا تَوَى مِنْ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ عَلَى الشَّرِكَةِ وَيَبْقَى مَا بَقِيَ مِنْ عَلَى الشَّرِكَةِ وَلَهُ الْبَيْعُ فِي مَالِ الصِّغَارِ، وَالْقِسْمَةُ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ وَلَهُ وِلَايَةُ الْحِفْظِ فِي مَالِ الْكِبَارِ فَجَازَ لَهُ بَيْعُهُ لِلْحِفْظِ إلَّا الْعَقَارَ فَإِنَّهُ مَحْفُوظٌ بِنَفْسِهِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ وَقِسْمَتُهُ عَلَى الْوَرَثَةِ الْكِبَارِ حَالَ غَيْبَتِهِمْ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ فَلَا يَضْمَنُ إذَا هَلَكَ فِي يَدِهِ، وَفِي الْمَبْسُوطِ وَقِسْمَةُ الْوَصِيِّ إمَّا أَنْ تَكُونَ مَعَ الْمُوصَى لَهُ أَوْ فِيمَا بَيْنَ الْوَرَثَةِ أَمَّا قِسْمَتُهُ مَعَ الْمُوصَى لَهُ جَائِزَةٌ مَعَ الصِّغَارِ، وَفِي الْمَنْقُولِ وَقَبْضُ نَصِيبِهِمْ وَأَمَّا فِي الْعَقَارِ لَا تَجُوزُ عَلَى الْكَبِيرِ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ بَيْعُ مَعْنًى وَلَهُ وِلَايَةُ بَيْعِ الْمَنْقُولِ عَلَى الْكِبَارِ دُونَ بَيْعِ الْعَقَارِ هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ. وَذَكَرَ فِي اخْتِلَافِ زُفَرَ وَيَعْقُوبَ أَنَّ الْقِسْمَةَ فِي الْعَقَارِ لَا تَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ تَجُوزُ قِسْمَةُ الْوَصِيِّ عَلَى الْمُوصَى لَهُ الْغَائِبُ مَعَ الْوَرَثَةِ وَذَكَرَ فِي اخْتِلَافِ زُفَرَ وَيَعْقُوب أَنَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ أَقَامَ الْوَصِيَّ مَقَامَ نَفْسِهِ وَأَثْبَتَ الْوِلَايَةَ لَهُ فِيمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ عِنْدَ عَجْزِهِ بِنَفْسِهِ وَهُوَ يَحْتَاجُ فِي تَنْفِيذِ وَصَايَاهُ إلَى إيصَالِ التَّرِكَةِ إلَى الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّهُ يُثَابُ بِوُصُولِ التَّرِكَةِ إلَى الْوَرَثَةِ كَمَا يُثَابُ بِوُصُولِ الْوَصِيَّةِ إلَى الْمُوصَى لَهُ فَيَجِبُ أَنْ يَمْلِكَ ذَلِكَ نَظَرًا لِلْمُوصَى وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِ يَجِبُ أَنْ يَمْلِكَ الْقِسْمَةَ عَلَى الْكِبَارِ الْحُضُورِ وَقَضَاءِ الدَّيْنِ مِنْ الْحَاجَةِ الْفَاضِلَةِ فَيُمْكِنُ تَأْخِيرُهَا إذَا امْتَنَعُوا عَنْ الْقِسْمَةِ حَتَّى يَحْضُرَ الْغَائِبُ بِخِلَافِ الْحَاجَةِ الضَّرُورِيَّةِ لَا يُمْكِنُ تَأْخِيرُهَا؛ لِأَنَّ فِي التَّأْخِيرِ تَوَهُّمَ الضَّيَاعِ، وَفِي الضَّيَاعِ ضَرَرٌ عَلَى الْمَيِّتِ فَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا، وَفِي تَأْخِيرِ الْحَاجَةِ الْفَاضِلَةِ وَإِنْ كَانَتْ تُوهِمُ الضَّيَاعَ، وَفِي الضَّيَاعِ ضَرَرٌ عَلَى الْمَيِّتِ إلَّا أَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى الْمَيِّتِ فَيَجُوزُ تَأْخِيرُهَا، وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَا تَحِلُّ الْقِسْمَةُ إذَا ضَاعَ أَحَدُ النَّصِيبَيْنِ يَضِيعُ عَلَى الشَّرِكَةِ وَمَا يَبْقَى يَبْقَى عَلَى الشَّرِكَةِ. وَقِسْمَةُ الْوَصِيِّ الْمِيرَاثَ بَيْنَ الصِّغَارِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ بِمَعْنَى الْبَيْعِ وَلَا يَجُوزُ شِرَاءُ الْوَصِيِّ مَالَ أَحَدِ الصَّغِيرَيْنِ لِلصَّغِيرِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ بَيْعَهُ مُقَيَّدٌ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ مَنْفَعَةٌ ظَاهِرَةٌ لِلصَّغِيرِ فَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ ظَاهِرَةٌ يَكُونُ الْآخَرُ فِيهِ مَضَرَّةٌ ظَاهِرَةٌ فَلَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ فَلَمْ تَجُزْ الْقِسْمَةُ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَلِي الْعَقْدَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ بِكُلِّ حَالٍ، وَالْحِيلَةُ فِي جَوَازِ هَذِهِ الْقِسْمَةِ أَنْ يَبِيعَ حِصَّةَ أَحَدِ الصَّغِيرَيْنِ مَشَاعًا وَإِنْ كَانُوا ثَلَاثَةً بَاعَ حِصَّةَ أَحَدِ الصِّغَارِ مِنْ آخَرَ ثُمَّ يُقَاسِمُ مَعَ الْمُشْتَرِي ثُمَّ حِصَّةُ أَحَدِ الصَّغِيرَيْنِ كَيْ يَمْتَازَ حَقُّ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ، وَإِنْ كَانُوا الْوَرَثَةُ صِغَارًا وَكِبَارًا، وَالْكِبَارُ غُيَّبٌ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 530 لَا تَجُوزُ قِسْمَتُهُ فِي الْعَقَارِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلِي بَيْعَهُ عَلَى الْكِبَارِ فَكَذَلِكَ قِسْمَتُهُ، وَفِي الْعُرُوضِ لَهُ وِلَايَةُ الْقِسْمَةِ كَمَا يَلِي بَيْعَهَا؛ لِأَنَّ الْكِبَارَ الْغُيَّبَ الْتَحَقُوا بِالصِّغَارِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَصَارَ كَأَنَّ الْكُلَّ صِغَارٌ وَلَوْ كَانَ الْكُلُّ صِغَارًا تَجُوزُ قِسْمَتُهُ فَكَذَا هَذَا وَإِنْ كَانَ الْكِبَارُ حُضُورًا جَازَ قِسْمَتُهُ عَنْ الصِّغَارِ مَعَ الْكِبَارِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ قِسْمَةٌ جَرَتْ بَيْنَ اثْنَيْنِ، وَالْقِسْمَةُ بَيْنَ الصِّغَارِ جَرَتْ مِنْ الْوَاحِدِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلِي الْقِسْمَةَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَلَمْ تَجُزْ الْقِسْمَةُ فِي حَقِّ الصِّغَارِ جُمْلَةً فَالْقِسْمَةُ فِي حَقِّ الْكِبَارِ صَحِيحَةٌ؛ لِأَنَّهَا جَرَتْ بَيْنَ الْكَبِيرِ، وَالْوَصِيِّ فِي نَصِيبِ الصِّغَارِ وَإِذَا قَسَّمَ الْوَصِيَّانِ التَّرِكَةَ بَيْنَ الْوَرَثَةِ وَأَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَصِيبَ بَعْضِهِمْ فَالْقِسْمَةُ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ لَا تَكُونُ إلَّا بَيْنَ اثْنَيْنِ وَكِلَاهُمَا كَشَخْصٍ وَاحِدٍ لَا يَمْلِكُ أَحَدُهُمَا التَّفَرُّدَ بِالْقِسْمَةِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَإِنْ كَانَ يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِالْقِسْمَةِ إلَّا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ وَكَّلَ صَاحِبَهُ فِي الْقِسْمَةِ فَتَصِيرُ قِسْمَتُهُ مَعَ صَاحِبِهِ كَقِسْمَتِهِ مَعَ نَفْسِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَلَوْ قَاسَمَ الْوَرَثَةَ وَأَخَذَ نَصِيبَ الْمُوصَى لَهُ فَضَاعَ رَجَعَ بِثُلُثِ مَا بَقِيَ) أَيْ لَوْ قَاسَمَ الْوَصِيُّ الْوَرَثَةَ وَأَخَذَ نَصِيبَ الْمُوصَى لَهُ فَضَاعَ ذَلِكَ فِي يَدِهِ رَجَعَ الْمُوصَى لَهُ بِثُلُثِ مَا بَقِيَ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْمُوصَى لَهُ شَرِيكُ الْوَرَثَةِ فَيَرْجِعُ الْمُوصَى لَهُ عَلَى مَا فِي يَدِ الْوَرَثَةِ إنْ كَانَ بَاقِيًا فَيَأْخُذُ بِثُلُثِهِ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْقِسْمَةِ فِي حَقِّهِ وَإِذَا هَلَكَ فِي أَيْدِيهِمْ فَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُمْ قَدْرَ الثُّلُثِ مَا قَبَضُوا، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْوَصِيَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِيهِ بِالدَّفْعِ إلَيْهِمْ، وَالْوَرَثَةُ بِالْقَبْضِ فَيُضَمِّنُ أَيَّهُمَا شَاءَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَوْصَى الْمَيِّتُ بِحَجَّةٍ فَقَاسَمَ الْوَرَثَةُ فَهَلَكَ مَا فِي يَدِهِ أَوْ دَفَعَ إلَى مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ فَضَاعَ فِي يَدِهِ يَحُجُّ عَنْهُ بِثُلُثِ مَا بَقِيَ) أَيْ إذَا أَوْصَى بِأَنْ يُحَجَّ عَنْهُ فَقَاسَمَ الْوَصِيُّ الْوَرَثَةَ فَهَلَكَ مَا فِي يَدِ الْوَصِيِّ فَإِنَّهُ يَحُجُّ عَنْ الْمَيِّتِ مِنْ ثُلُثِ مَا بَقِيَ وَكَذَلِكَ إذَا دَفَعَهُ إلَى رَجُلٍ لِيَحُجَّ عَنْهُ فَضَاعَ مَا دَفَعَهُ إلَيْهِ يَحُجُّ عَنْهُ بِثُلُثِ الْبَاقِي وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إنْ كَانَ الْمُقَرَّرُ مُسْتَغْرِقًا لِلثُّلُثِ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ وَلَمْ يَحُجَّ عَنْهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَغْرِقًا لِلثُّلُثِ يَحُجُّ عَنْهُ بِمَا بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ إلَى تَمَامِ الثُّلُثِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَحُجُّ عَنْهُ بِشَيْءٍ وَقَدْ قَرَّرْنَاهُ فِي الْمَنَاسِكِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَحَّ قِسْمَةُ الْقَاضِي وَأَخَذُ حَظَّ الْمُوصَى لَهُ إنْ غَابَ) أَيْ إنْ غَابَ الْمُوصَى لَهُ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ صَحِيحَةٌ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبُولِ وَلِهَذَا لَوْ مَاتَ الْمُوصَى لَهُ قَبْلَ الْقَبُولِ تَصِيرُ الْوَصِيَّةَ مِيرَاثًا لِوَرَثَتِهِ. وَالْقَاضِي نَاظِرٌ فِي حَقِّ الْعَاجِزِ وَإِقْرَارُ نَصِيبِ الْغَائِبِ وَقَبْضُهُ مِنْ النَّظَرِ فَيُنَفَّذُ ذَلِكَ عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ حَضَرَ الْغَائِبُ وَقَدْ هَلَكَ الْمَقْبُوضُ فِي يَدِ الْقَاضِي أَوْ أَمِينِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَى الْوَرَثَةِ سَبِيلٌ وَلَا عَلَى الْقَاضِي وَهَذَا فِي الْمَكِيلِ، وَالْمَوْزُونِ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ، وَمَعْنَى الْمُبَادَلَةِ فِيهِ تَابِعٌ حَتَّى جَازَ أَخْذُهُ لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ وَلَا رِضًا وَلِهَذَا يَجُوزُ بَيْعُ نَصِيبِهِ مُرَابَحَةً وَأَمَّا مَا لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ فَلَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ فِيهِ مُبَادَلَةٌ كَالْبَيْعِ وَبَيْعُ مَالِ الْغَيْرِ لَا يَجُوزُ فَكَذَا الْقِسْمَةُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبَيْعُ الْوَصِيِّ عَبْدًا مِنْ التَّرِكَةِ بِغَيْبَةِ الْغُرَمَاءِ) أَيْ يَصِحُّ بَيْعُ الْوَصِيِّ عَبْدًا لِأَجْلِ الْغُرَمَاءِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوصِي وَلَوْ تَوَلَّاهُ بِنَفْسِهِ حَالَ حَيَاتِهِ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَإِنْ كَانَ مَرِيضًا مَرَضَ الْمَوْتِ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ عَنْ الْغُرَمَاءِ فَكَذَا الْوَصِيُّ لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ وَهَذَا؛ لِأَنَّ حَقَّ الْغُرَمَاءِ يَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ لَا بِالصُّورَةِ، وَالْبَيْعُ لَا يُبْطِلُ الْمَالِيَّةَ؛ لِأَنَّهُ أَخْلَفَ شَيْئًا، وَهُوَ الثَّمَنُ بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ لِلْمَوْلَى بَيْعُهُ؛ لِأَنَّ الْغُرَمَاءَ لَهُمْ حَقُّ الِاسْتِيفَاءِ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَضَمِنَ الْوَصِيُّ إنْ بَاعَ عَبْدًا أَوْصَى بِبَيْعِهِ، وَالتَّصَدُّقِ بِثَمَنِهِ إنْ اسْتَحَقَّ الْعَبْدَ بَعْدَ هَلَاكِ ثَمَنِهِ عِنْدَهُ) مَعْنَاهُ إذَا أَوْصَى بِبَيْعِ عَبْدِهِ، وَالتَّصَدُّقِ بِثَمَنِهِ عَلَى الْمَسَاكِينِ فَبَاعَ الْوَصِيُّ الْعَبْدَ وَقَبَضَ الثَّمَنَ فَضَاعَ الثَّمَنُ فِي يَدِهِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْهَلَاكِ الْمَذْكُورِ فِي الْمُخْتَصَرِ ثُمَّ اسْتَحَقَّ الْعَبْدَ بَعْدَ ذَلِكَ ضَمِنَ الْوَصِيُّ الثَّمَنَ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْعَاقِدُ فَتَكُونُ الْعُهْدَةُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ مِنْهُ لَمْ يَرْضَ بِبَدَلِ الثَّمَنِ إلَّا لِيُسَلِّمَ لَهُ الْمَبِيعَ وَلَمْ يُسَلِّمْ فَقَدْ أَخَذَ الْبَائِعُ وَهُوَ الْوَصِيُّ مَالَ الْغَيْرِ بِغَيْرِ رِضَاهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّهُ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِضَمَانِ الْوَصِيِّ فِي الِاسْتِقْرَاضِ وَلَا فِي الطَّعَامِ، الْوَدِيعَةِ، وَالْبَيْعِ بِطَلَبِ الْغُرَمَاءِ أَوْ بِغَيْرِ طَلَبٍ وَنَحْنُ نَذْكُرُ ذَلِكَ تَتْمِيمًا لِلْفَائِدَةِ. قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: فَالْوَصِيُّ تَارَةً يَضْمَنُ وَتَارَةً لَا يَضْمَنُ فَإِذَا أَمَرَ الْوَصِيُّ الْمُسْتَوْدِعَ أَنْ يُقْرِضَ مَالَ الْيَتِيمِ فَأَقْرَضَ ضَمِنَ الْمُسْتَوْدِعُ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّ لَا يَمْلِكُ الْإِقْرَاضَ مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ فَلَا يَمْلِكُ التَّوْكِيلَ وَالْأَمْر بِهِ فَلَمْ يَصِحَّ الْأَمْرُ بِالْإِقْرَاضِ، وَلَوْ قَضَى الْوَصِيَّانِ دَيْنًا لِرَجُلٍ ثُمَّ شَهِدَا أَنَّ لَهُ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنًا لَمْ يَحُزْ وَيَضْمَنَانِ إنْ ظَهَرَ دَيْنٌ آخَرُ؛ لِأَنَّهُمَا بِشَهَادَتِهِمَا يَدْفَعَانِ عَنْ أَنْفُسِهِمَا مَغْرَمًا؛ لِأَنَّهُمَا صَارَا ضَامِنَيْنِ مَا دَفَعَا إلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُمَا دَفَعَا بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي وَلَوْ شَهِدَا بِهِ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَا جَازَ؛ لِأَنَّهُمَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 531 بِشَهَادَتِهِمَا لَمْ يَجُرَّا إلَى أَنْفُسِهِمَا نَفْعًا وَلَا يَدْفَعَانِ مَغْرَمًا وَهُوَ لُزُومُ قَضَاءِ الدَّيْنِ. وَمَسَائِلُ الْإِطْعَامِ عَلَى فُصُولٍ: الْأَوَّلِ: لَوْ أَوْصَى بِأَنْ يُطْعِمَ عَشَرَةَ مَسَاكِينَ لِكَفَّارَةِ يَمِينِهِ، وَغَدَّى الْوَصِيُّ عَشَرَةَ ثُمَّ مَاتُوا قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُغَدِّي وَيُعَشِّي عَشَرَةً أُخْرَى وَلَا يَضْمَنُ الْوَصِيُّ؛ لِأَنَّهُ غَدَّاهُمْ بِأَمْرِ الْمُوصِي؛ لِأَنَّ التَّغْدِيَةَ إطْعَامٌ وَلَكِنَّهُ لَمْ يَكْمُلْ، وَفَاتَ الْإِكْمَالُ لَا بِمَعْنًى مِنْ جِهَتِهِ فَلَا يَصِيرُ مُتَعَدِّيًا وَإِنْ قَالَ: أَطْعِمُوا عَنِّي عَشَرَةَ مَسَاكِينَ غَدَاءً وَعَشَاءً، وَلَمْ يُسَمِّ كَفَّارَةً فَغَدَّى عَشَرَةً ثُمَّ مَاتُوا فَإِنَّهُ يُعَشِّي عَشَرَةً سِوَاهُمْ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ سَدُّ عَشَرَةِ خُلَّاتٍ وَرَدُّ عَشَرَةِ جَوْعَاتٍ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِالتَّغْدِيَةِ، وَالتَّعْشِيَةِ وَبِالْمَوْتِ فَاتَ ذَلِكَ فَيُغَدِّي وَيُعَشِّي غَيْرَهُمْ فَأَمَّا إذَا نَصَّ عَلَى الْإِطْعَامِ غَدَاءً وَعَشَاءً فَالْجَمْعُ، وَالتَّفْرِيقُ سَوَاءٌ وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إنْ قَالَ: أَطْعِمْ عَنِّي عَشَرَةَ مَسَاكِينَ فَغَدَّى عَشَرَةً ثُمَّ مَاتُوا يَضْمَنُ الْوَصِيُّ قِيَاسًا وَلَا يَضْمَنُ اسْتِحْسَانًا وَيُعَشِّي غَيْرَهُمْ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَهُمْ بِالْإِطْعَامِ مُطْلَقًا فَالْتَحَقَ بِالْإِطْعَامِ الْوَاجِبِ شَرْعًا فِي الْكَفَّارَةِ؛ لِأَنَّهُ نَصَّ عَلَى الْغَدَاءِ، وَالْعِشَاءِ فَسَوَاءٌ فَرَّقَ أَوْ جَمَعَ جَازَ. رَجُلٌ أَوْدَعَ رَجُلًا مَالًا، وَقَالَ: إنْ مِتُّ فَادْفَعْهُ إلَى ابْنِي فَدَفَعَهُ إلَيْهِ وَلَهُ وَارِثٌ غَيْرَهُ ضَمِنَ حِصَّتَهُ وَلَا يَكُونُ هَذَا وَصِيًّا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَوَّضْ إلَيْهِ التَّصَرُّفُ فِي التَّرِكَةِ فَبَقِيَ أَمِينًا لِلْوَرَثَةِ، وَالْأَمِينُ إذَا دَفَعَ مَالَ الْوَرَثَةِ إلَى أَحَدِهِمْ ضَمِنَ، وَإِنْ قَالَ أَدْفَعُهُ إلَى فُلَانٍ غَيْرِ وَارِثٍ ضَمِنَ الْمَالَ الَّذِي دَفَعَهُ إلَيْهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: إذَا خَلَطَ الْوَصِيُّ مَالَ الْيَتِيمِ بِمَالِهِ، فَضَاعَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةَ حِفْظِهِ كَيْفَمَا كَانَ مَرِيضٌ اجْتَمَعَ عِنْدَهُ قَرَابَتُهُ يَأْكُلُونَ مِنْ مَالِهِ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الصَّفَّارُ: إنْ أَكَلُوا بِأَمْرِ الْمَرِيضِ فَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ وَارِثًا ضَمِنَ وَمَنْ كَانَ غَيْرَ وَارِثٍ حُسِبَ ذَلِكَ مِنْ ثُلُثِهِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ: احْتَاجَ الْمَرِيضُ إلَى تَعَاهُدِهِمْ فِي مَرَضِهِ فَأَكَلُوا مَعَهُ وَمَعَ عِيَالِهِ بِغَيْرِ إسْرَافٍ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ. رَجُلٌ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَبَاعَ وَصِيَّهُ رَقِيقَهُ لِلْغُرَمَاءِ وَقَبَضَ الثَّمَنَ فَضَاعَ عِنْدَهُ أَوْ مَاتَ بَعْضُ الرَّقِيقِ فِي يَدِ الْوَصِيِّ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ إلَى الْمُشْتَرِي فَالْمُشْتَرِي يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْوَصِيِّ وَيَرْجِعُ بِهِ الْوَصِيُّ عَلَى الْغُرَمَاءِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْبَيْعِ عَامِلٌ لِلْغُرَمَاءِ وَمَنْ عَمِلَ لِغَيْرِهِ وَلَحِقَهُ فِيهِ ضَمَانٌ رَجَعَ بِهِ عَلَى الْمَعْمُولِ لَهُ وَلَوْ اسْتَحَقَّ الْعَبْدَ وَرَجَعَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ عَلَى الْوَصِيِّ لَمْ يَرْجِعْ الْوَصِيُّ بِالثَّمَنِ عَلَى الْغُرَمَاءِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْغُرَمَاءُ أَمَرُوهُ بِبَيْعِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ الْغُرَمَاءُ لَهُ بِعْ رَقِيقَ الْمَيِّتِ وَاقْضِنَا لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِمْ وَلَوْ كَانُوا قَالُوا: بِعْ عَبْدَ فُلَانٍ هَذَا رَجَعَ بِالثَّمَنِ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ عَيَّنُوهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ مِنْ دَيْنِهِمْ فَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِمْ بِأَكْثَرَ مِنْ دَيْنِهِمْ. وَلَوْ قَالَ لَهُ: بِعْ هَذَا الْعَبْدَ فَإِنَّهُ لِفُلَانٍ فَقَالَ الْوَصِيُّ لَا أَبِيعُهُ ثُمَّ بَاعَهُ ثُمَّ اسْتَحَقَّ، وَقَدْ ضَاعَ الثَّمَنُ رَجَعَ بِهِ الْوَصِيُّ عَلَى الْغَرِيمِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ وَلَكِنَّ الْوَصِيَّ بَاعَ الرَّقِيقَ لِلْوَرَثَةِ الْكِبَارِ فَهُمْ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْوُجُوهِ كُلِّهَا بِمَنْزِلَةِ الْغُرَمَاءِ وَإِنْ كَانُوا صِغَارًا لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِمْ فِي الِاسْتِحْقَاقِ، وَلَوْ بَاعَ الْقَاضِي رَقِيقَ الْمَيِّتِ لِلْغُرَمَاءِ فَضَاعَ الثَّمَنُ عِنْدَهُ ثُمَّ اسْتَحَقَّ الرَّقِيقَ رَجَعَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ عَلَى الْغُرَمَاءِ لَا عَلَى الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُمْ بِمَنْزِلَةِ بَيْعِ الْغُرَمَاءِ كَأَنَّهُمْ نَالُوا الْبَيْعَ بِأَنْفُسِهِمْ. رَجُلٌ أَوْصَى بِعِتْقِ عَبْدٍ ثُمَّ جَنَى الْعَبْدُ جِنَايَةً بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي فَأَعْتَقَهُ الْوَصِيُّ وَهُوَ يَعْلَمُ بِالْجِنَايَةِ فَهُوَ ضَامِنٌ أَرْشَ الْجِنَايَةِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ ضَمِنَ قِيمَتَهُ وَلَا يَرْجِعُ بِذَلِكَ عَلَى أَحَدٍ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ إنَّمَا أَوْصَى بِعِتْقِهِ قَبْلَ أَنْ يَجْنِيَ فَلَمَّا جَنَى لَمْ يَكُنْ لِلْوَصِيِّ أَنْ يُعْتِقَهُ إلَّا أَنْ يَضْمَنَ الْجِنَايَةَ عَنْهُ فَإِذَا أَعْتَقَهُ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ فِي عِتْقِهِ، وَالْجِنَايَةُ لَازِمَةٌ لَهُ فَإِنْ قَالَ الْوَصِيُّ عِنْدَ الْقَاضِي: قَدْ اخْتَرْت إمْسَاكَ الْعَبْدِ وَأَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ بِذَلِكَ شُهُودًا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ، وَيَدْفَعَ الْعَبْدَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَالٌ غَيْرَ الْعَبْدِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَبِيعَ وَيُؤَدِّيَ أَرْشَ الْجِنَايَةِ مِنْ ثَمَنِهِ فَإِنْ مَاتَ الْعَبْدُ قَبْلَ أَنْ يَبِيعَهُ بَعْد مَا اخْتَارَهُ فَالْجِنَايَةُ دَيْنٌ عَلَى الْأَيْتَامِ حَتَّى يُؤَدُّوهَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَرْجِعُ فِي تَرِكَةِ الْمَيِّتِ) ؛ لِأَنَّهُ عَامِلٌ لَهُ فَيَرْجِعُ بِهِ فِي تَرِكَتِهِ كَالْوَكِيلِ. وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ أَوَّلًا لَا يَرْجِعُ الْوَصِيُّ عَلَى أَحَدٍ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ بُطْلَانُ الْوَصِيَّةِ بِاسْتِحْقَاقِ الْعَبْدِ فَلَمْ يَكُنْ عَامِلًا لِلْوَرَثَةِ فَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِمْ بِشَيْءٍ ثُمَّ رَجَعَ إلَى مَا ذَكَرَهُ هُنَا، وَيَرْجِعُ فِي جَمِيعِ التَّرِكَةِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَرْجِعُ فِي الثُّلُثِ؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ بِحُكْمِ الْوَصِيَّةِ فَيَأْخُذُ حُكْمَهَا وَمَحَلُّ الْوَصِيَّةِ الثُّلُثُ وَنَحْنُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْوَصِيَّةِ بَلْ بِحُكْمِ الْغُرُورِ، وَذَلِكَ دَيْنٌ عَلَيْهِ، وَالدَّيْنُ عَلَيْهِ يُقْضَى مِنْ جَمِيعِ التَّرِكَةِ، وَإِنْ كَانَتْ التَّرِكَةُ قَدْ هَلَكَتْ أَوْ لَمْ يَكُنْ بِهَا وَفَاءٌ فَلَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ كَمَا فِي سَائِرِ دُيُونِ الْمَيِّتِ، وَفِي الْمُنْتَقَى: لَا يَرْجِعُ الْوَصِيُّ فِي مَالِ الْمَيِّتِ بِشَيْءٍ وَإِنَّمَا يَرْجِعُ عَلَى الْمَسَاكِينِ الَّذِينَ تَصَدَّقَ عَلَيْهِمْ بِالثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ عَامِلٌ لَهُمْ فَكَانَ غُرْمُهُ عَلَيْهِمْ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي مَالِ الطِّفْلِ إنْ بَاعَ مَالَهُ وَاسْتَحَقَّ الْمَبِيعَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 532 رَجَعَ فِي مَالِ الصَّغِيرِ) ؛ لِأَنَّهُ عَامِلٌ لَهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَهُوَ عَلَى الْوَرَثَةِ فِي حِصَّتِهِمْ) أَيْ الصَّبِيُّ يَرْجِعُ عَلَى الْوَرَثَةِ بِحِصَّتِهِ لِانْتِقَاضِ الْقِسْمَةِ بِاسْتِحْقَاقِ مَا أَصَابَهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَحَّ احْتِيَالُهُ بِمَالِهِ لَوْ خَيْرًا لَهُ) أَيْ يَجُوزُ احْتِيَالُ الْوَصِيِّ بِمَالِ الْيَتِيمِ إذَا كَانَ فِيهِ خَيْرٌ بِأَنْ يَكُونَ الثَّانِي أَمْلَأَ إذْ الْوِلَايَةُ نَظَرِيَّةٌ وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ أَمْلَأَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَضْيِيعَ مَالِ الْيَتِيمِ عَلَى بَعْضِ الْوُجُوهِ وَهُوَ عَلَى تَقْدِيرِ إنْ حَكَمَ بِسُقُوطِهِ حَاكِمٌ يَرَى سُقُوطَ الدَّيْنِ إذَا مَاتَ الثَّانِي مُفْلِسًا أَوْ جَحَدَ الْحَوَالَةَ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ وَلَا يَرَى رُجُوعَ الدَّيْنِ عَلَى الْأَوَّلِ. وَقَوْلُهُ لَوْ خَيْرًا بَيَّنَ أَنَّهُ يَصِحُّ احْتِيَالُهُ إذَا كَانَ الثَّانِي خَيْرًا مِنْ الْأَوَّلِ وَلَمْ يُبَيِّنْ حُكْمَ مَا إذَا كَانُوا سَوَاءً فَفِي الذَّخِيرَةِ: وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ ذَكَرَ الْمَحْبُوبِيُّ إنْ كَانَ الثَّانِي مِثْلَ الْأَوَّلِ لَا يَجُوزُ بِخِلَافِ بَيْعِهِ مَالَ الْيَتِيمِ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ حَيْثُ يَجُوزُ، وَالْحَوَالَةُ لَا تَجُوزُ قَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ اعْلَمْ أَنَّ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَأْخُذَ الْكَفِيلَ بِدَيْنِ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ لَا تُوجِبُ بَرَاءَةَ الْأَصِيلِ وَلَوْ احْتَالَ بِمَالِهِ وَأَخَذَ الْكَفِيلَ بِشَرْطِ بَرَاءَةِ الْأَصِيلِ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ إنْ كَانَ ذَلِكَ خَيْرًا لِلْيَتِيمِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ إذَا كَانَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ أَمْلَأَ حَتَّى لَوْ أَدْرَكَ، وَقَدْ أَخَذَ الدَّيْنَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ الْحَوَالَةَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَمْلَأَ مِنْ الْمُحِيلِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ هَذَا إذَا ثَبَتَ الدَّيْنُ بِمُدَايِنَةِ الْمَيِّتِ وَأَمَّا إذَا ثَبَتَ بِمُدَايِنَةِ الْوَصِيِّ فَإِنَّهُ يَجُوزُ سَوَاءٌ كَانَ خَيْرًا لِلْيَتِيمِ أَوْ شَرًّا لَهُ إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَ خَيْرًا لَهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ حَتَّى إنَّهُ إذَا أَدْرَكَ وَأَرَادَ أَنْ يَنْقُضَ ذَلِكَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ شَرًّا لَهُ جَازَ ذَلِكَ وَيَضْمَنُ الْوَصِيُّ لِلْيَتِيمِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجُوزُ إذَا كَانَ شَرًّا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ بِمَا يَتَغَابَنُ) أَيْ يَجُوزُ بَيْعُ الْوَصِيِّ وَشِرَاؤُهُ بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ وَلَا يَجُوزُ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ؛ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ نَظَرِيَّةٌ وَلَا نَظَرَ فِي الْغَبْنِ الْفَاحِشِ بِخِلَافِ الْيَسِيرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ فَفِي اعْتِبَارِهِ انْسِدَادُ بَابِ الْوِصَايَةِ بِخِلَافِ الْعَبْدِ، وَالصَّبِيِّ الْمَأْذُونِ لَهُمَا فِي التِّجَارَةِ، وَالْمُكَاتَبِ حَيْثُ يَجُوزُ بَيْعُهُمْ وَشِرَاؤُهُمْ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُمْ يَتَصَرَّفُونَ بِحُكْمِ الْمَالِكِيَّةِ، وَالْإِذْنُ فَكَّ الْحَجْرَ، وَالصَّبِيُّ يَتَصَرَّفُ بِحُكْمِ النِّيَابَةِ الشَّرْعِيَّةِ نَظَرًا فَيَتَقَيَّدُ بِمَوْضِعِ النَّظَرِ وَعِنْدَهُمَا لَا يَمْلِكُونَهُ؛ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ تَبَرُّعٌ وَهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِهِمَا وَلَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ وَهَذَا إذَا تَبَايَعَ الْوَصِيُّ لِلصَّغِيرِ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ وَأَمَّا إذَا اشْتَرَى شَيْئًا مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ لِنَفْسِهِ أَوْ بَاعَ شَيْئًا مِنْهُ مِنْ نَفْسِهِ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا كَانَ فِيهِ مَنْفَعَةٌ ظَاهِرَةٌ وَهُوَ أَنْ يَبِيعَ مَا يُسَاوِي خَمْسَةَ عَشَرَ بِعَشَرَةٍ وَيَشْتَرِي مَا يُسَاوِي عَشَرَةً بَخَمْسَةَ عَشَرَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ نَفْعٌ فَلَا يَجُوزُ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَأَظْهَرُ الرِّوَايَاتِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مِنْ نَفْسِهِ بِكُلِّ حَالٍ هَذَا فِي وَصِيِّ الْأَبِ وَأَمَّا وَصِيُّ الْقَاضِي فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مِنْ نَفْسِهِ بِكُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ وَلِلْأَبِ أَنْ يَشْتَرِيَ شَيْئًا مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ لِنَفْسِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الصَّغِيرِ بِأَنْ كَانَ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ، وَالْغَبْنُ يَسِيرٌ، وَقَالَ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا لَا يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ بَيْعُ عَقَارِ الصَّغِيرِ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ أَوْ يَرْغَبَ الْمُشْتَرِي فِيهِ بِضَعْفِ الثَّمَنِ أَوْ يَكُونُ لِلصَّغِيرِ حَاجَةٌ إلَى الثَّمَنِ قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَبِهِ يُفْتَى وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَيْعِ، وَالشِّرَاءِ فَشَمِلَ الْعُرُوضَ، وَالْعَقَارَ وَمَا يُخَافُ عَلَيْهِ الْفَسَادُ وَغَيْرُ ذَلِكَ وَتَقَدَّمَ حُكْمُ الْعَقَارِ. وَإِذَا كَانَتْ الْوَرَثَةُ كُلُّهُمْ صِغَارًا وَسَيَأْتِي حُكْمُ تَصَرُّفِهِ وَإِذَا كَانُوا كِبَارًا أَوْ مُخْتَلَطِينَ وَإِذَا ادَّعَى رَدَّ الْوَدِيعَةِ ثُمَّ مَسَائِلُهُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ يُصَدَّقُ فِيهِ بِالِاتِّفَاقِ، وَقِسْمٌ لَا يُصَدَّقُ فِيهِ بِالِاتِّفَاقِ، وَقِسْمٌ اخْتَلَفُوا فِيهِ أَمَّا الْأَوَّلُ إذَا قَالَ الْوَصِيُّ: إنَّ أَبَاك تَرَكَ رَقِيقًا وَأَنْفَقْت عَلَيْهِمْ أَوْ قَالَ اشْتَرَيْت رَقِيقًا وَأَدَّيْت الثَّمَنَ ثُمَّ مَاتُوا فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِمَا هُوَ مُسَلَّطٌ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ؛ لِأَنَّهُ مُسَلَّطٌ عَلَى مَا فِيهِ إصْلَاحُ الصَّغِيرِ، وَالْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ وَعَلَى رَقِيقِهِ مِقْدَارَ حَاجَتِهِمْ إصْلَاحٌ لَهُمْ فَيُصَدَّقُ فِيهِ وَلَوْ قَالَ: اشْتَرَيْت مِنْ فُلَانٍ الْعَبِيدَ الَّذِي فِي يَدِهِ وَدَفَعْت الثَّمَنَ وَأَنْكَرَ ذُو الْيَدِ يُصَدَّقُ عَلَى الصَّبِيِّ دُونَ ذُو الْيَدِ؛ لِأَنَّهُ مُسَلَّطٌ عَلَى الشِّرَاءِ، وَالْبَيْعِ وَتَنْمِيَةِ مَالِ الصَّبِيِّ فَإِنَّهُ إصْلَاحٌ لَهَا لِكَيْ لَا يَسْتَأْصِلَهَا النَّفَقَةُ، وَلَوْ قَالَ اسْتَأْجَرْت رَجُلًا لِرَدِّ الْآبِقِ صُدِّقَ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّ الِاسْتِئْجَارَ فِعْلٌ هُوَ مُسَلَّطٌ عَلَيْهِ شَرْعًا لِمَا فِيهِ مِنْ إصْلَاحِ الصَّغِيرِ وَإِحْيَائِهِ، وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي لَوْ قَالَ أَنْفَقْت مِنْ مَالِي لِأَرْجِعَ عَلَيْك لَمْ يُصَدَّقْ وَلِذَلِكَ لَوْ قَالَ: اسْتَهْلَكْت مَالًا فَأَدَّيْت ضَمَانَهُ وَأَنْفَقْت عَلَى أَخٍ لَك كَانَ زَمَنًا لَمْ يُصَدَّقْ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِمَا لَمْ يَكُنْ مُسَلَّطًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسَلَّطٍ عَلَى الْإِنْفَاقِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ وَلَا عَلَى الْإِنْفَاقِ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ عَلَى مَحَارِمِهِ قَبْلَ فَرْضِ الْقَاضِي وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّالِثُ لَوْ قَالَ أَبَقَ غُلَامُك وَأَدَّيْت جُعْلَ الْآبِقِ وَأَدَّيْت الجزء: 8 ¦ الصفحة: 533 خَرَاجَ أَرْضِك عَشْرَ سِنِينَ. وَقَالَ الْوَارِثُ: لَمْ تُؤَدِّ إلَّا حَظَّ سَنَةٍ صُدِّقَ الْوَصِيُّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَكَذَلِكَ لَوْ اخْتَصَمَا، وَالْأَرْضُ لَا تَصْلُحُ لِلزِّرَاعَةِ بِأَنْ غَلَبَ عَلَيْهَا الْمَاءُ، وَقَالَ الصَّبِيُّ: كَانَتْ كَذَلِكَ، وَقَالَ الْوَصِيُّ: كَانَتْ صَالِحَةً فَعَلَى الْخِلَافِ وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ كَانَتْ تَصْلُحُ لِلْحَالِ يُصَدَّقُ الْوَصِيُّ إجْمَاعًا بَعْدَمَا أَنْفَقَا عَلَى مُدَّةِ الْمَالِكِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّ أَقَرَّ بِمَا لَيْسَ بِمُسَلَّطٍ عَلَيْهِ شَرْعًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ الْغَلَّةِ، وَالتَّسْلِيطُ يَتَحَقَّقُ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ فَلَا يُصَدَّقُ فِيهِ كَمَا لَوْ قَالَ إنَّ عَبْدَك جَنَى فَفِدْيَتُهُ بِكَذَا أَوْ اسْتَهْلَكَ مَالَ إنْسَانٍ فَأَدَّيْت ضَمَانَهُ مِنْ مَالِك لَا يُصَدَّقُ فَكَذَا هَذَا لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ أَقَرَّ بِمَا هُوَ مُسَلَّطٌ عَلَيْهِ شَرْعًا فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ بَدَّلَ مَالَ الصَّبِيِّ وَأَخَذَ بِإِزَائِهِ عِوَضًا يُعَدُّ لَهُ أَوْ مَنْفَعَةً فَإِنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْمُزَارَعَةِ إلَّا بِالْخَرَاجِ فَكَانَ الْخَرَاجُ بَدَلَ مَالِهِ لِيَقَعَ مُقَابِلَهُ وَكَذَلِكَ إصْلَاحُ أَمْرِ أَرْضِهِ، وَالْوَصِيُّ مُسَلَّطٌ عَلَى التَّصَرُّفِ فِي مَالِ الصَّبِيِّ إذَا كَانَ فِيهِ إصْلَاحٌ وَإِرْفَاقٌ وَلَوْ أَحْضَرَ الْوَصِيُّ رَجُلًا إلَى الْقَاضِي فَقَالَ إنَّ هَذَا رَدُّ عَبْدِ الصَّبِيِّ مِنْ الْإِبَاقِ فَوَجَبَ لَهُ الْجُعْلُ، وَفِي يَدِي مَالُ هَذَا الصَّبِيِّ فَأُعْطِيهِ هَلْ يُصَدِّقُهُ الْقَاضِي قِيلَ هَذَا عَلَى الْخِلَافِ أَيْضًا وَقِيلَ: لَا يُصَدِّقُهُ بِالْإِنْفَاقِ فَيَحْتَاجُ أَبُو يُوسُفَ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا، وَالْفَرْقُ أَنَّهُ ثَمَّةَ ادَّعَى وُجُوبَ الْجُعْلِ فِي مَالِهِ لِغَيْرِهِ وَهُوَ غَيْرُ مُسَلَّطٍ عَلَى الدَّعْوَى لِغَيْرِهِ فِي مَالِ الصَّبِيِّ وَهُنَا ادَّعَى أَنَّهُ كَانَ الْجُعْلُ مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ وَلَمْ يَدَّعِ الْجُعْلَ فِي مَالِهِ لِلْحَالِ فَكَانَ مُسَلَّطًا عَلَى التَّصَرُّفِ فِي مَالِ الصَّغِيرِ لِإِحْيَاءِ مَالِهِ وَإِصْلَاحِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبَيْعُهُ عَلَى الْكَبِيرِ فِي غَيْرِ الْعَقَارِ) أَيْ بَيْعُ الْوَصِيِّ عَلَى الْكَبِيرِ الْغَائِبِ جَائِزٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا فِي الْعَقَارِ؛ لِأَنَّ الْأَبَ لَا يَلِي الْعَقَارَ وَيَلِي مَا سِوَاهُ فَكَذَا وَصِيُّهُ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَمْلِكَ الْوَصِيُّ غَيْرَ الْعَقَارِ أَيْضًا وَلَا الْأَبُ كَمَا لَا يَمْلِكُ عَلَى الْكَبِيرِ الْحَاضِرِ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ فِيهِ حِفْظُ مَالِهِ جَازَ اسْتِحْسَانًا فِيمَا يَخَافُ عَلَيْهِ الْفَسَادَ؛ لِأَنَّ حِفْظَ ثَمَنِهَا أَيْسَرُ، وَهُوَ يَمْلِكُ الْحِفْظَ، وَأَمَّا الْعَقَارُ فَمَحْفُوظٌ بِنَفْسِهِ فَلَا حَاجَةَ فِيهِ لِلْبَيْعِ وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ بَاعَ الْعَقَارَ ثُمَّ إنْ كَانَ الدَّيْنُ مُسْتَغْرِقًا بَاعَ كُلُّهُ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَغْرِقًا بَاعَ بِقَدْرِ الدَّيْنِ عِنْدَهُمَا لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى الْأَكْثَرِ مِنْ ذَلِكَ. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ جَازَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ كُلَّهُ؛ لِأَنَّهُ يَبِيعُهُ بِحُكْمِ الْوِلَايَةِ فَإِذَا ثَبَتَ فِي الْبَعْضِ ثَبَتَ فِي الْكُلِّ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَجَزَّأُ وَلَوْ كَانَ يَخَافُ هَلَاكَ الْعَقَارِ وَيَمْلِكُ بَيْعَهُ؛ لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ حِفْظًا لِلْمَنْقُولِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ لِأَنَّهُ نَادِرٌ، وَقَالَ فِي الْغَايَةِ: فَإِنْ قُلْت عِلْمُ حُكْمِ مَا إذَا كَانَ الْكُلُّ كِبَارًا غَيْبًا أَوْ الْكُلُّ صِغَارًا بَقِيَ حُكْمُ مَا إذَا كَانَ بَعْضُهُمْ كِبَارًا وَبَعْضُهُمْ صِغَارًا قَالَ فِي الْمُحِيطِ: وَإِنْ كَانَتْ الْوَرَثَةُ صِغَارًا وَكِبَارًا، وَعَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ أَوْ أَوْصَى لِوَصِيِّهِ بَيْعَ الْعُرُوضِ، وَالْعَقَارِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَبِيعُ الْمَنْقُولَ وَحِصَّةَ الصَّغِيرِ فِي الْعَقَارِ وَأَمَّا حِصَّةُ الْكِبَارِ الْحَضَرُ فَلَا يَمْلِكُ بَيْعَهَا، وَإِنْ كَانُوا غَائِبِينَ فَيَمْلِكُ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَتَّجِرُ فِي مَالِهِ) أَيْ الْوَصِيُّ لَا يَتَّجِرُ فِي مَالِ الْيَتِيمِ؛ لِأَنَّ الْمُفَوَّضَ إلَيْهِ الْحِفْظُ دُونَ التِّجَارَةِ فَإِنْ قُلْتَ هَذِهِ الْعِبَارَةُ عَلَى إطْلَاقِهَا غَيْرُ صَحِيحَةٍ؛ لِأَنَّ الْمَنْقُولَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، وَفِي غَيْرِهِ أَنَّ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَتَّجِرَ فِي مَالِ الْيَتِيمِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ، وَلَا يَتَّجِرُ لِنَفْسِهِ فِي مَالِ الْيَتِيمِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ قَاضِي خَانْ وَوَصِيُّ الْأَخِ، وَالْعَمِّ، وَالْأُمِّ فِي مَالِ تَرِكَتِهِمْ مِيرَاثًا لِلصَّغِيرِ بِمَنْزِلَةِ وَصِيِّ الْأَبِ فِي الْكَبِيرِ الْغَائِبِ بِخِلَافِ مَالٍ آخَرَ لِلصَّغِيرِ غَيْرُ مَا تَرَكَهُ الْمُوصِي حَيْثُ لَا يَمْلِكُ الْوَصِيُّ بَيْعَهُ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوصِي وَهُوَ الْأَخُ وَمَنْ بَعْدَهُ وَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ التَّصَرُّفُ فِي مَالِ الصَّغِيرِ فَكَذَا وَصِيُّهُمْ بِخِلَافِ الْأَبِ، وَالْجَدِّ حَيْثُ يَكُونُ لَهُمْ وِلَايَةُ التَّصَرُّفِ فِي مَالِ الصَّغِيرِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ فِيمَا تَرَكَهُ مِيرَاثًا. فَكَذَا وَصِيُّهُ يَمْلِكُ ذَلِكَ وَيُشْهِدُ لِلْقَيْدِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مَا فِي الْمَبْسُوطِ: وَلِلْوَصِيِّ أَنْ يَأْخُذَ مَالَ الصَّغِيرِ مُضَارَبَةً؛ لِأَنَّهَا تِجَارَةٌ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَاجِرَ نَفْسَهُ مِنْ الْيَتِيمِ؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ بِمَصَالِح الْيَتِيمِ وَاجِبٌ عَلَى الْوَصِيِّ فَلَا حَاجَةَ إلَى اسْتِئْجَارِهِ وَصِيٌّ كَانَ فِي يَدِهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ لِأَخَوَيْنِ فَقَالَ دَفَعْت إلَى أَحَدِهِمَا نَصِيبَهُ وَكَذَّبَهُ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ فَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَلَا يَضْمَنُ الْوَصِيُّ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فِيهِ وَهُوَ مُسَلَّطٌ عَلَى الدَّفْعِ، وَالرَّدِّ فَيُصَدَّقُ فِيهِ، وَصِيٌّ عِنْدَهُ أَلْفَانِ لِيَتِيمَيْنِ فَأَدْرَكَا فَدَفَعَ إلَى أَحَدِهِمَا أَلْفًا وَصَاحِبُهُ الْآخَرُ حَاضِرٌ وَجَحَدَ الْقَابِضُ الْقَبْضَ مِنْهُ يَغْرَمُ الْوَصِيُّ خَمْسَمِائَةٍ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ قِسْمَتَهُ لَا تَجُوزُ وَلَوْ كَانَ الْقَابِضُ مُقِرًّا كَانَ لِلْآخَرِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ خَمْسَمِائَةٍ وَإِنْ شَاءَ ضَمِنَ الْوَصِيُّ وَرَجَعَ بِهَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا لَمْ تَجُزْ الْقِسْمَةُ بَقِيَ الْآخَرُ شَرِيكًا فِيمَا قَبَضَهُ صَاحِبُهُ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَهُ مِنْهُ، وَالْوَصِيُّ بِالدَّفْعِ صَارَ ضَامِنًا وَمَتَى أَدَّى الضَّمَانَ مَلَكَ الْمَضْمُونَ وَهُوَ نَصِيبُ الْجَاحِدِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 534 رَجَعَ بِنَصِيبِهِ عَلَى صَاحِبِهِ. وَلَوْ قَالَ لَهُمَا بَعْدَمَا كَبِرَا قَدْ دَفَعْت إلَيْكُمَا أَلْفًا فَصَدَّقَهُ أَحَدُهُمَا وَكَذَّبَهُ الْآخَرُ رَجَعَ الْمُنْكِرُ عَلَى أَخِيهِ بِمِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ دِرْهَمًا وَإِنْ أَنْكَرَ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا عَلَى الْوَلِيِّ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ ادَّعَى رَدَّ الْأَمَانَةِ إلَى صَاحِبِهَا، وَلَوْ قَالَ الْوَصِيُّ دَفَعْت إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا خَمْسَمِائَةٍ عَلَى حِدَةٍ وَصَدَّقَهُ أَحَدُهُمَا وَكَذَّبَهُ الْآخَرُ. رَجَعَ الْمُكَذِّبُ عَلَى الْوَصِيِّ بِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ دِرْهَمًا؛ لِأَنَّ قِسْمَتَهُ لَا تَجُوزُ عَلَيْهِمَا، وَهُمَا حَاضِرَانِ وَلَوْ كَانَا غَائِبَيْنِ جَازَتْ الْقِسْمَةُ عَلَيْهِمَا. رَجُلٌ مَاتَ وَتَرَكَ ابْنَيْنِ صَغِيرَيْنِ فَلَمَّا أَدْرَكَا طَلَبًا مِيرَاثَهُمَا، فَقَالَ الْوَصِيُّ: جَمِيعُ تَرِكَةِ أَبِيكُمَا أَلْفٌ، وَقَدْ أَنْفَقْت عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا خَمْسَمِائَةٍ فَصَدَّقَهُ أَحَدُهُمَا وَكَذَّبَهُ الْآخَرُ رَجَعَ الْمُكَذِّبُ عَلَى الْمُصَدِّقِ بِمِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْوَصِيِّ فِي ذَلِكَ عِنْدَ زُفَرَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مَالِكٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَرْجِعُ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّ أَمِينٌ ادَّعَى صَرْفَ الْأَمَانَةِ إلَى نَفَقَتِهِمَا وَحَاجَتِهِمَا وَهُوَ مُسَلَّطٌ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ فَيُصَدَّقُ فِيهِ فِي حَقِّ بَرَاءَةِ نَفْسِهِ عَنْ الضَّمَانِ وَلَا يُصَدَّقُ فِي إبْطَالِ حَقِّ الْمُكَذِّبِ فِيمَا وَصَلَ إلَى الْمُقِرِّ بِالنَّفَقَةِ فَصَارَ الْمُقِرُّ مُقِرًّا بِالشَّرِكَةِ فِيمَا وَصَلَ إلَيْهِ وَذَلِكَ خَمْسُمِائَةٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يَرْجِعُ الْمُقِرُّ عَلَى الْمُنْكِرِ بِشَيْءٍ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَصِيِّ؛ لِأَنَّهُ تَصَدَّقَ فِي الْإِنْفَاقِ عَلَى الْمُنْكِرِ؛ لِأَنَّهُ مُسَلَّطٌ عَلَيْهِ وَهُوَ مَأْمُورٌ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ فَيُصَدَّقُ فِيهِ فَثَبَتَ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ وَصَلَ إلَيْهِ خَمْسُمِائَةٍ مُعَايَنَةً، وَفِي الْفَتَاوَى رَجُلٌ بَاعَ ضَيْعَةَ الْيَتِيمِ مِنْ مُفْلِسٍ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَعْجَزُ عَنْ اسْتِيفَاءِ ثَمَنِهِ مِنْهُ قَالَ يُؤَجِّلُ الْقَاضِي الْمُشْتَرِيَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنْ نَقَدَهُ الثَّمَنَ، وَإِلَّا نَقَضَ الْبَيْعَ، وَقَالَ نَصِيرُ بْنُ يَحْيَى: لِلْمُوصِي أَنْ يَأْكُلَ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ وَيَرْكَبَ دَابَّتَهُ إذَا ذَهَبَ فِي حَاجَتِهِ. قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ: هَذَا إذَا كَانَ مُحْتَاجًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 6] فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحْتَاجًا لَا يَجُوزُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا} [النساء: 10] الْآيَةَ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ وَلَكِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ صَارَتْ مَنْسُوخَةً بِالْأُولَى، وَذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى لَا يَرْكَبُ الْوَصِيُّ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ فِي حَاجَتِهِ إلَّا بِإِذْنِ الْقَاضِي، وَالنَّفَقَةُ مِنْ مَالِ الْمُوصِي. ، وَفِي فَتَاوَى الْفَضْلِيِّ وَصِيٌّ أَخَذَ أَرْضَ الصَّبِيِّ مُزَارَعَةً قَالَ لَا يَجُوزُ إنْ شَرَطَ الْبَذْرَ عَلَى الْيَتِيمِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُؤَاجِرًا نَفْسَهُ بِبَعْضِ الْخَارِجِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَاجِرَ نَفْسَهُ مِنْ الصَّبِيِّ وَإِنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْهُ يَجُوزُ عِنْدَهُمَا إذَا كَانَ خَيْرًا لِلْيَتِيمِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَأْجِرًا أَرْضَهُ بِبَعْضٍ مِنْ بَذْرِهِ وَلَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ أَرْضَ الصَّبِيِّ بِالدَّرَاهِمِ فَكَذَا بِبَعْضِ الْخَارِجِ، وَفِي وَاقِعَاتِ النَّاطِفِيِّ: قَالَ: وَلَوْ أَخَذَ الْوَصِيُّ مَالَ الْيَتِيمِ وَأَنْفَقَهُ فِي حَاجَةِ نَفْسِهِ ثُمَّ وَضَعَ مِثْلَ مَا أَنْفَقَ لَا يَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ الْيَتِيمُ فَيَدْفَعُهُ إلَيْهِ أَوْ يَشْتَرِي لِلْيَتِيمِ شَيْئًا ثُمَّ يَقُولُ لِلشُّهُودِ: كَانَ عَلَيَّ لِلْيَتِيمِ كَذَا وَكَذَا وَأَنَا أَشْتَرِي ذَلِكَ لَهُ فَيَصِيرُ قِصَاصًا وَيَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ. رَجُلٌ بَنَى جِدَارًا بَيْنَ دَارٍ بَيْنَ الصَّغِيرَيْنِ لَهُمَا عَلَيْهِ حُمُولَةٌ وَيَخَافُ السُّقُوطُ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَصِيٌّ فَطَلَبَ أَحَدُهُمَا مَرَمَّتَهُ، وَأَبَى الْآخَرُ فَالْقَاضِي يَبْعَثُ أَمِينًا لِيَنْظُرَ فِيهِ فَإِنْ رَأَى فِي تَرِكَتِهِ ضَرَرًا عَلَيْهِمَا أُجْبِرَ الْآبِي حَتَّى يَبْنِيَ مَعَ صَاحِبِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَبَى أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ رَضِيَ بِإِدْخَالِ الضَّرَرِ عَلَيْهِ فَلَا يُجْبَرُ. وَهَاهُنَا أَرَادَ الْوَصِيُّ إدْخَالَ الضَّرَرِ عَلَى الْيَتِيمِ فَيُجْبَرُ. وَصِيٌّ عَلَى يَتِيمَيْنِ فَبَاعَ دَارَ أَحَدِهِمَا فَإِذَا هِيَ لِلْيَتِيمِ الْآخَرِ فَهُوَ جَائِزٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: وَتَنْفِيذُ وَصِيَّةٍ مُعَيَّنَةٍ وَإِذَا بَاعَ الْقَاضِي عَلَى أَنَّهُمَا لِفُلَانٍ فَإِذَا هِيَ لِآخَرَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ هَذَا قَضَاءٌ، وَالْقَضَاءُ إذَا كَانَ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ مَجْهُولًا لَا يَجُوزُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَوَصِيُّ الْأَبِ أَحَقُّ بِمَالِ الطِّفْلِ مِنْ الْجَدِّ) ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْجَدُّ أَحَقُّ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَقَامَهُ مَقَامَ الْأَبِ عِنْدَ عَدَمِهِ حَتَّى أَحْرَزَ مِيرَاثَهُ فَيَتَقَدَّمُ عَلَى وَصِيِّهِ وَلَنَا أَنَّ وِلَايَةَ الْأَبِ تَنْتَقِلُ إلَيْهِ بِالْإِيصَاءِ فَكَانَتْ وِلَايَتُهُ قَائِمَةً مَعْنًى فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ فِي الْمَالِ، وَالْجَدُّ فِي الْوِلَايَةِ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَيْهِ وَأَشْفَقُ عَلَيْهِ حَتَّى مَلَكَ الْإِنْكَاحَ دُونَ الْوَصِيِّ. [فَصْلٌ فِي الشَّهَادَةِ] (فَصْلٌ فِي الشَّهَادَةِ) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ لَمَّا لَمْ تَكُنْ الشَّهَادَةُ فِي الْوَصِيَّةِ أَمْرًا يَخْتَصُّ بِالْوَصِيَّةِ أَخَّرَ ذِكْرَهَا لِعَدَمِ عَرَاقَتِهَا فِيهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (شَهِدَ الْوَصِيَّانِ أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى لِزَيْدٍ مَعَهُمَا لَغَتْ شَهَادَتُهُمَا) أَيْ بَطَلَتْ؛ لِأَنَّهُمَا يَجُرَّانِ نَفْعًا لِأَنْفُسِهِمَا بِإِثْبَاتِ الْعَيْنِ لَهُمَا فَتُرَدُّ لِلتُّهْمَةِ فَإِذَا رُدَّتْ ضَمَّ الْقَاضِي إلَيْهِمَا ثَالِثًا؛ لِأَنَّ فِي ضِمْنِ شَهَادَتِهِمَا إقْرَارًا مِنْهُمَا بِوَصِيٍّ آخَرَ مَعَهُمَا لِلْمَيِّتِ وَإِقْرَارُهُمَا حُجَّةٌ عَلَى أَنْفُسِهِمَا فَلَا يَتَمَكَّنَانِ مِنْ التَّصَرُّفِ بَعْدَ الْوَصِيِّ لِامْتِنَاعِ تَصَرُّفِهِمْ بِدُونِهِ فَصَارَ حَقُّهُمَا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ مَاتَ أَحَدُ الْأَوْصِيَاءِ الثَّلَاثَةِ. وَجَازَ ذَلِكَ لِلْقَاضِي مَعَ وُجُودِ الْوَصِيِّ لِامْتِنَاعِ تَصَرُّفِهِمْ بِدُونِهِ فَصَارَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 535 كَأَنَّهُ مَاتَ وَلَمْ يُوصِ لِأَحَدٍ فَيَضُمُّ إلَيْهِمَا ثَالِثًا لِيُمْكِنَهُمْ التَّصَرُّفُ وَهَذَا وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ فَيَجِبُ الضَّمُّ، قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: فَإِنْ قِيلَ إذَا كَانَ لِلْمَيِّتِ وَصِيَّانِ فَالْقَاضِي لَا يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَنْصِبَ عَنْ الْمَيِّتِ وَصِيًّا آخَرَ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ شَهَادَةٍ فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ إذَا تَمَكَّنَتْ التُّهْمَةُ فِيهِ قُلْنَا الْقَاضِي وَإِنْ كَانَ لَا يَحْتَاجُ إلَى نَصْبِ الْوَصِيِّ لَكِنَّ الْمُوصَى إلَيْهِمَا مَتَى شَهِدَا بِذَلِكَ كَانَ مِنْ زَعْمِهِمَا أَنَّهُمَا لَا تَدْبِيرَ لَهُمَا فِي هَذَا الْمَالِ إلَّا بِالثَّالِثِ فَأَسْنَدَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ وَصِيٌّ وَهُنَاكَ تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ فَكَذَا هُنَا كَذَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الْمَحْبُوبِيُّ فِي بَابِ الْقَضَاءِ بِالشَّهَادَةِ مِنْ قَضَاءِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَإِلَى هُنَا لَفْظُ النِّهَايَةِ وَاقْتَفَى أَثَرَهُ كَثِيرٌ مِنْ الشُّرَّاحِ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ، وَقَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ لَوْ سَأَلَا مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَجْعَلَ هَذَا لِرَجُلٍ وَصِيًّا مَعَهُمَا بِرِضَاهُ فَعَلَى الْقَاضِي أَنْ يُجِيبَهُمَا إلَى ذَلِكَ اهـ. ثُمَّ إنَّ هَذَا حَالُ الضَّمِّ إلَى الْوَصِيَّيْنِ مُطْلَقًا وَأَمَّا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فَيَجِبُ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يَضُمَّ الثَّالِثَ إلَيْهِمَا أَلْبَتَّةَ وَإِنْ بَطَلَتْ شَهَادَتُهُمَا كَمَا مَضَى عَلَيْهِ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ الْمُعْتَبَرَةِ. اهـ. وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِمَا إذَا أَنْكَرَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ أَوْ صَدَّقَهُ وَلَمْ يَقْبَلْ أَوْ قَبِلَ وَرَدَّ أَوْ لَمْ يَرُدَّ وَنَحْنُ نَذْكُرُهُ تَتْمِيمًا لِلْفَائِدَةِ قَالَ فِي الْأَصْلِ: وَإِذَا كَذَّبَهُمَا الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ أَدْخَلَ مَعَهُمَا رَجُلًا آخَرَ سِوَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، وَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ قَالَ مَا ذَكَرُوا مِنْ أَنَّهُ يُدْخِلُ مَعَهُمَا ثَالِثًا. هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يُدْخِلُ مَعَهُمَا ثَالِثًا وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: لَا بَلْ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ قَوْلُهُمْ جَمِيعًا وَهُوَ الظَّاهِرُ فَإِنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِيهِ خِلَافٌ وَإِنْ صَدَّقَهُمَا، وَقَالَ لَا أَقْبَلُ الْوَصِيَّةَ قَالَ أَدْخَلْت مَعَهُمَا ثَالِثًا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَبِلَ ثُمَّ أَبَى لَا يُقْبَلُ رَدُّهُ وَإِبَاؤُهُ إلَى هُنَا لَفْظُ الْمُحِيطِ ثُمَّ إنَّ بَعْضَ الْمُتَأَخِّرِينَ اسْتَشْكَلَ هَذَا الْمَقَامَ بِوَجْهٍ آخَرَ فَقَالَ فِيهِ: إنَّ وُجُوبَ كَوْنِ الْمَضْمُومِ هَذَا الْمُدَّعِي إثْرَ شَهَادَةِ الْمُتَّهَمِ مَعَ أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُتَّهَمِ فَكَيْفَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِمَا أَثَرٌ اهـ. أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ الْمُتَّهَمِ إنَّمَا لَا تُقْبَلُ فِي إثْبَاتِ حَقٍّ شَرْعِيٍّ وَإِيجَابُهُ فِي إسْقَاطِ شَيْءٍ كَمُؤْنَةِ التَّعْيِينِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّ شَهَادَتَهُمَا تُسْقِطُ عَنْ الْقَاضِي مُؤْنَةَ التَّعْيِينِ، وَإِنْ لَمْ تَثْبُتْ الْوِصَايَةُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ فَيَسْقُطُ بِشَهَادَتِهِمَا مُؤْنَةُ التَّعْيِينِ عَنْهُ أَمَّا الْوِصَايَةُ فَتَثْبُتُ بِنَصْبِ الْقَاضِي وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَكُونُ حُجَّةً فِي الدَّفْعِ وَلَا يَكُونُ حُجَّةً فِي الْإِثْبَاتِ كَالِاسْتِصْحَابِ وَنَحْوِهِ فَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ شَهَادَةُ الْمُتَّهَمِ أَيْضًا كَذَلِكَ فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا أَثَرُ الدَّفْعِ، وَقَدْ أَفْصَحَ عَنْهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ حَيْثُ قَالَ: وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْقَاضِيَ مَلَكَ نَصْبَ الْوَصِيِّ إذَا كَانَ طَالِبًا، وَالْمَوْتُ مَعْرُوفًا فَلَا يَثْبُتُ لِلْقَاضِي بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ وِلَايَةٌ لَمْ تَكُنْ وَإِنَّمَا أَسْقَطْنَا عَنْهُ مُؤْنَةُ التَّعْيِينِ وَمِثَالُهُ أَنَّ الْقُرْعَةَ لَيْسَتْ بِحُجَّةٍ وَيَجُوزُ اسْتِعْمَالُهَا فِي تَعْيِينِ الْأَنْصِبَاءِ لِدَفْعِ التُّهْمَةِ عَنْ الْقَاضِي فَصَلَحَتْ دَافِعَةً لَا مُوجِبَةً فَكَذَلِكَ هَذِهِ الشَّهَادَةُ تَدْفَعُ عَنْهُ مُؤْنَةَ التَّعْيِينِ اهـ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ زَيْدٌ) أَيْ يَدَّعِي زَيْدٌ أَنَّهُ وَصِيٌّ مَعَهُمَا فَحِينَئِذٍ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تُقْبَلَ كَالْأَوَّلِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يَضُمَّ إلَيْهِمَا ثَالِثًا عَلَى مَا بَيَّنَّا آنِفًا وَتَسْقُطُ بِشَهَادَتِهِمَا مُؤْنَةُ التَّعْيِينِ عَنْهُ فَيَكُونُ وَصِيًّا مَعَهُمَا بِنَصْبِ الْقَاضِي إيَّاهُ كَمَا إذَا مَاتَ وَلَمْ يَتْرُكْ وَصِيًّا فَإِنَّهُ يَنْصِبُ وَصِيًّا ابْتِدَاءً فَهَذَا أَوْلَى. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكَذَا الِابْنَانِ) يَعْنِي لَوْ شَهِدَ الِابْنَانِ أَنَّ أَبَاهُمَا أَوْصَى إلَى رَجُلٍ وَهُوَ مُنْكِرٌ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا لِقَوْلِ شُرَيْحٍ لَا أَقْبَلُ شَهَادَةَ خَصْمٍ وَلَا مُرْتَابٍ أَيْ مُتَّهَمٍ وَإِنْ ادَّعَى الشُّهُودُ لَهُ الْوِصَايَةَ تُقْبَلُ اسْتِحْسَانًا عَلَى أَنَّهُ نَصَبَ وَصِيًّا ابْتِدَاءً عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي شَهَادَةِ الْوَصِيَّيْنِ بِذَلِكَ بِخِلَافِ مَا إذَا شَهِدَا أَنَّ أَبَاهُمَا وَكَّلَ هَذَا الرَّجُلَ بِقَبْضِ دُيُونِهِ بِالْكُوفَةِ حَيْثُ لَا تُقْبَلُ سَوَاءٌ ادَّعَى الرَّجُلُ الْوَكَالَةَ أَوْ لَمْ يَدَّعِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَمْلِكُ نَصْبَ الْوَكِيلِ عَنْ الْحَيِّ بِطَلَبِهِمَا ذَلِكَ بِخِلَافِ الْوَصِيِّ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكَذَا لَوْ شَهِدَا لِوَلَدٍ صَغِيرٍ بِمَالٍ عَلَى الْمَيِّتِ) أَيْ لَوْ شَهِدَ الْوَصِيَّانِ لِوَارِثٍ صَغِيرٍ بِمَالٍ عَلَى الْمَيِّتِ لَا تُقْبَلُ فَشَهَادَتُهُمَا بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّهُمَا يُثْبِتَانِ وِلَايَةَ التَّصَرُّفِ لِأَنْفُسِهِمَا فِي ذَلِكَ فَصَارَا مُتَّهَمَيْنِ أَوْ خَصْمَيْنِ فَلَا تُقْبَلُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ لِكَبِيرٍ بِمَا لِلْمَيِّتِ) يَعْنِي إذَا شَهِدَ الْوَصِيَّانِ لِوَلَدٍ كَبِيرٍ بِمَالِ الْمَيِّتِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا أَيْضًا؛ لِأَنَّهُمَا يُثْبِتَانِ وِلَايَةَ الْحِفْظِ وَوِلَايَةَ بَيْعِ الْمَنْقُولِ لِأَنْفُسِهِمَا عِنْدَ غَيْبَةِ الْوَارِثِ بِخِلَافِ شَهَادَتِهِمَا لِكَبِيرٍ بِخِلَافِ التَّرِكَةِ لِانْقِطَاعِ وِلَايَتِهِمَا عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ أَقَامَهَا مَقَامَ نَفْسِهِ فِي تَرِكَتِهِ لَا فِي غَيْرِهَا. بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْوَارِثُ صَغِيرًا أَوْ الْمُوصِي أَبًا حَيْثُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا فِي الْكُلِّ؛ لِأَنَّ لِوَصِيِّ الْأَبِ التَّصَرُّفَ فِي مَالِ الصَّغِيرِ جَمِيعِهِ فَيَكُونَانِ مُتَّهَمَيْنِ فَلِهَذَا لَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْمَالِ الْمَوْرُوثِ مِنْهُ فِي حَقِّ الصَّغِيرِ وَقَيَّدَهُ بِهِ فِي الْكَبِيرِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 536 وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا إذَا شَهِدَا لِوَارِثٍ كَبِيرٍ يَجُوزُ فِي الْوَجْهَيْنِ أَيْ فِي التَّرِكَةِ وَغَيْرِهَا؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ التَّصَرُّفِ لَا تَثْبُتُ لَهُمَا فِي مَالِ الْمَيِّتِ إذَا كَانَ الْوَرَثَةُ كِبَارًا فَعَرَتْ عَنْ التُّهْمَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانُوا صِغَارًا عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِمَا مَا بَيَّنَّاهُ، وَفِي الْمُحِيطِ. إذَا شَهِدَ غُرَمَاءُ الْمَيِّتِ أَنَّهُ أَوْصَى لِفُلَانٍ بِكَذَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ قِيَاسًا وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَوْصَى لِفُلَانٍ بِثُلُثِ مَالِهِ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ أَوْصَى لَهُ بِثُلُثِ مَالِهِ، وَقَالَ: اُعْطُوَا مِنْهُ فُلَانًا أَلْفَ دِرْهَمٍ قَالَ مُحَمَّدٌ يُعْطِي الْمُوصَى لَهُ ثُلُثَ الْمَالِ وَلَا يَنْقُصُ مِنْهُ أَلْفًا فَكَأَنَّهُ أَوْصَى لَهُ بِثُلُثِ الْأَلْفِ؛ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى الشَّهَادَةِ بِالثُّلُثِ وَانْفَرَدَ أَحَدُهُمَا بِشَهَادَةِ الْأَلْفِ لِفُلَانٍ فَمَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ يُقْبَلُ، وَمَا انْفَرَدَ أَحَدُهُمَا بِهِ يُرَدُّ؛ لِأَنَّ الْقَائِمَ بِهِ شَهَادَةُ فَرْدٍ وَصَارَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ اسْتَثْنَى أَحَدُهُمَا شَيْئًا مِنْ الْأَلْفِ، وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى لِهَذَيْنِ بِدَرَاهِمِهِ، وَشَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ أَوْصَى لَهُمَا بِدَنَانِيرَ أَوْ اثْنَانِ بِعَبْدٍ، وَالْآخَرَانِ بِدَرَاهِمَ جَازَتْ الشَّهَادَةُ؛ لِأَنَّ كُلَّ فَرِيقٍ يَشْهَدُ عَلَى عَقْدِ الْوَصِيَّةِ لَا عَلَى الْمِلْكِ وَيُمْكِنُ إثْبَاتُ الْعَقْدَيْنِ وَمَتَى كَانَ الْمُوصَى بِهِ وَاحِدًا بَطَلَتْ الشَّهَادَتَانِ. كَمَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُ الْفَرِيقَيْنِ بِالْبَيْعِ مِنْ هَذَا، وَالْآخَرُ بِبَيْعِهِ مِنْ هَذَا لَمْ تُقْبَلْ وَمَتَى كَانَ الْمُوصَى بِهِ مُخْتَلَفًا، فَقَدْ أَمْكَنَ إثْبَاتُ الْوَصِيَّتَيْنِ فَتُقْبَلُ. وَإِذَا شَهِدَ الْوَصِيَّانِ لِرَجُلٍ كَبِيرٍ أَنَّهُ ابْنُ الْمَيِّتِ جَازَ وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا لَمْ يَجُزْ قِيَاسًا؛ لِأَنَّهُمَا يَقْبِضَانِ مِيرَاثَهُ فَيَكُونَانِ مُتَّهَمَيْنِ، وَتُقْبَلُ اسْتِحْسَانًا عَلَى النَّسَبِ وَعَلَى التَّزْوِيجِ؛ لِأَنَّ الْمَشْهُودَ بِهِ النَّسَبُ وَاسْتِحْقَاقُ الْمِيرَاثِ إنَّمَا يُثْبِتُ حُكْمًا لِبَيَانِ النَّسَبِ لَا مَقْصُودًا بِالشَّهَادَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ شَهِدَ رَجُلَانِ لِرَجُلَيْنِ عَلَى مَيِّتٍ بِدَيْنٍ أَلْفِ دِرْهَمٍ وَشَهِدَ الْآخَرَانِ لِلْأَوَّلَيْنِ بِمِثْلِهِ تُقْبَلُ وَإِنْ كَانَتْ شَهَادَةُ كُلِّ فَرِيقٍ بِوَصِيَّةِ أَلْفٍ لَا) وَهَذَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا تُقْبَلُ فِي الدَّيْنِ أَيْضًا، وَيَرْوِي أَبُو حَنِيفَةَ مَعَ مُحَمَّدٍ وَيَرْوِي مَعَ أَبِي يُوسُفَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ مِثْلَ قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُمْ إذَا جَاءُوا مَعًا وَشَهِدُوا فَالشَّهَادَةُ بَاطِلَةٌ وَإِنْ شَهِدَ اثْنَانِ لِاثْنَيْنِ فَقُبِلَتْ ثُمَّ ادَّعَى الشَّاهِدَانِ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى الْمَيِّتِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَشَهِدَ لَهُمَا الْأَوَّلَانِ تُقْبَلُ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: جِنْسُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ. الْأَوَّلُ مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُوَ الشَّهَادَةُ بِالدَّيْنِ، وَالثَّانِي مَا اتَّفَقُوا عَلَى عَدَمِ جَوَازِهِ وَهُوَ الشَّهَادَةُ بِالْوَصِيَّةِ بِجُزْءٍ شَائِعٍ مِنْ التَّرِكَةِ كَالشَّهَادَةِ بِأَلْفٍ مُرْسَلَةً أَوْ بِثُلُثِ الْمَالِ، وَالثَّالِثُ مَا اتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِهِ وَهُوَ أَنْ يَشْهَدَ الرَّجُلَانِ بِجَارِيَةٍ وَشَهِدَ الْمَشْهُودُ لَهُمَا لِلشَّاهِدَيْنِ بِوَصِيَّةِ عَبْدٍ، وَالرَّابِعُ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ آخِرًا هُوَ أَنْ يَشْهَدَ الرَّجُلَانِ بِجَارِيَةٍ وَيَشْهَدَ الْمَشْهُودُ لَهُمَا لِلشَّاهِدَيْنِ بِوَصِيَّةِ عَبْدٍ يَعْنِي وَيَشْهَدُ الْمَشْهُودُ لَهُمَا لِلشَّاهِدَيْنِ بِأَلْفٍ مُرْسَلَةٍ أَوْ بِثُلُثِ الْمَالِ وَمَبْنَى ذَلِكَ كُلِّهِ عَلَى تُهْمَةِ الشَّرِكَةِ فَمَا ثَبَتَ فِيهِ التُّهْمَةُ لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ فِيهِ وَهُوَ الثَّانِي، وَالرَّابِعُ وَمَا لَمْ تَثْبُتْ فِيهِ التُّهْمَةُ قُبِلَتْ كَالثَّالِثِ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ، وَأَمَّا الْوَجْهُ الْأَوَّلُ فَقَدْ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِيهِ بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا. اهـ. أَقُولُ: تَقْسِيمُ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ وَتَقْرِيرُهُ هُنَا مُخْتَلٌّ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِالْأَوْجُهِ الْأَقْسَامَ الْكُلِّيَّةَ فَهِيَ ثَلَاثَةٌ لَا غَيْرُ أَحَدُهُمَا مَا اتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِهِ وَثَانِيهَا مَا اتَّفَقُوا عَلَى عَدَمِ جَوَازِهِ وَثَالِثُهَا مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ، وَمَا عَدَاهُ وَجْهًا رَابِعًا دَاخِلٌ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي لَا مَحَالَةَ وَإِنْ أَرَادَ بِهَا الْأَمْثِلَةَ فَهِيَ خَمْسَةٌ لَا أَرْبَعَةٌ كَمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ عِبَارَةُ الْكِتَابِ فَلَا وَجْهَ لِجَعْلِ الِاثْنَيْنِ مِنْهَا وَجْهًا وَاحِدًا عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ الْأَوَّلَ مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ، وَالثَّانِي مَا اتَّفَقُوا عَلَى عَدَمِ جَوَازِهِ، وَالثَّالِثُ مَا اتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِهِ لَا يُسَاعِدُهُ كَوْنُ مُرَادِهِ بِالْأَوْجُهِ هُوَ الْأَمْثِلَةُ بَلْ يَقْتَضِي كَوْنُ مُرَادِهِ بِهَا هُوَ الْأَقْسَامُ الْكُلِّيَّةُ الْمَذْكُورَةُ. كَمَا لَا يَخْفَى ثَمَّ أَنَّ صَاحِبَيْ النِّهَايَةِ، وَالْكِفَايَةِ وَإِنْ ذَهَبَا أَيْضًا إلَى كَوْنِ الْأَوْجُهِ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَرْبَعَةً إلَّا أَنَّ تَقْرِيرَهُمَا لَا يُنَافِي كَوْنَ الْمُرَادِ بِالْأَوْجُهِ هُوَ الْأَمْثِلَةُ، وَالْمَسَائِلُ دُونَ الْأَقْسَامِ الْكُلِّيَّةِ، وَالْأُصُولِ كَمَا يُنَافِيهِ تَقْرِيرُ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ فَإِنَّهُمَا قَالَ وَجِنْسُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ أَنْ يَشْهَدَ الرَّجُلَانِ بِوَصِيَّةِ عَيْنٍ أُخْرَى كَالْجَارِيَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا شَرِكَةَ لِلْمَشْهُودِ فِيهِ فَلَا تَتَمَكَّنُ التُّهْمَةُ، وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي: لَا تُقْبَلُ بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ أَنْ يَشْهَدَ الرَّجُلَانِ بِالْوَصِيَّةِ بِجُزْءٍ شَائِعٍ كَالْوَصِيَّةِ بِثُلُثِ مَالِهِ وَشَهِدَ الْمَشْهُودُ لَهُمَا لِلشَّاهِدَيْنِ بِأَلْفٍ مُرْسَلَةٍ أَيْضًا، وَفِي الْوَجْهِ الثَّالِثِ لَا تُقْبَلُ أَيْضًا وَهُوَ أَنْ يَشْهَدَ الرَّجُلَانِ أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى لِلشَّاهِدَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ بِثُلُثِ مَالِهِ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ مُثْبِتَةٌ لِلشَّرِكَةِ، وَفِي الْوَجْهِ الرَّابِعِ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُوَ الشَّهَادَةُ بِالدَّيْنِ ثُمَّ إنَّ الْحَقَّ أَنْ تَثْبُتَ الْقِسْمَةُ هَاهُنَا كَمَا فَعَلَهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي كِتَابِ نُكَتِ الْوَصَايَا حَيْثُ قَالَ: وَإِذَا شَهِدَ أَرْبَعَةُ نَفَرٍ شَهِدَ هَذَانِ لِهَذَيْنِ، وَهَذَانِ لِهَذَيْنِ عَلَى الْمَيِّتِ فَإِنَّ هَذَا عَلَى ثَلَاثَةِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 537 أَوْجُهٍ فِي وَجْهٍ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا بِالِاتِّفَاقِ، وَفِي وَجْهٍ لَا تُقْبَلُ بِالِاتِّفَاقِ، وَفِي وَجْهٍ اخْتَلَفُوا فِيهِ ثُمَّ فَعَلَ كُلَّ وَجْهٍ بِالثَّلَاثَةِ. وَدَلِيلُهُ كَمَا فَعَلَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ حَيْثُ قَالَ: وَهَاهُنَا ثَلَاثَةُ فُصُولٍ أَحَدُهَا مَا لَا تُقْبَلُ فِيهِ الشَّهَادَةُ بِالِاتِّفَاقِ، وَالثَّانِي مَا تُقْبَلُ فِيهِ الشَّهَادَةُ بِالِاتِّفَاقِ، وَالثَّالِثُ مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَبَيْنَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِمُحَمَّدٍ أَنَّ الدَّيْنَ يَجِبُ فِي الذِّمَّةِ وَهِيَ قَابِلَةٌ لِحُقُوقٍ شَتَّى فَلَا شَرِكَةَ فِيهِ إذَا لَمْ يَجِبْ بِسَبَبٍ وَاحِدٍ وَلِهَذَا يَخْتَصُّ أَحَدُهُمَا بِمَا قَبَضَ وَلَا يَكُونُ لِلْآخَرِ حَقُّ الْمُشَارَكَةِ وَلَا يَنْتَقِلُ بِالْمَوْتِ مِنْ الذِّمَّةِ إلَى التَّرِكَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ التَّرِكَةَ لَوْ هَلَكَتْ لَا يَسْقُطُ الدَّيْنُ وَأَنَّ لِلْوَارِثِ أَنْ يَسْتَخْلِصَ التَّرِكَةَ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ مِنْ مَحَلٍّ آخَرَ فَلَا يُمْكِنُ الشَّرِكَةُ بَيْنَهُمْ فَصَارَ كَمَا لَوْ شَهِدَ الْفَرِيقَانِ فِي حَالِ حَيَاتِهِ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ فَإِنَّ حَقَّ الْمُوصَى لَهُ يَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ الْمَتْرُوكَةِ حَتَّى لَا يَبْقَى بَعْدَ هَلَاكِ التَّرِكَةِ وَلَيْسَ لِلْوَارِثِ أَنْ يَسْتَخْلِصَ التَّرِكَةَ وَيُعْطِيَهُ مِنْ مَحَلٍّ آخَرَ وَلَوْ قَبَضَ أَحَدُ الْفَرِيقَيْنِ شَيْئًا كَانَ لِلْفَرِيقِ الْآخَرِ حَقُّ الْمُشَارَكَةِ فَكَانَ كُلُّ فَرِيقٍ مُثْبِتًا لِنَفْسِهِ حَقَّ الْمُشَارَكَةِ فِي التَّرِكَةِ فَلَا تَصِحُّ شَهَادَتُهُمَا وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الدَّيْنَ بِالْمَوْتِ يَتَعَلَّقُ بِالتَّرِكَةِ لِخَرَابِ الذِّمَّةِ وَلِهَذَا لَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ فِيهَا لِلْوَارِثِ وَلَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فِيهَا إذَا كَانَ مُسْتَغْرَقًا بِالدَّيْنِ فَشَهَادَةُ كُلِّ فَرِيقٍ لِلْآخَرِ تُلَاقِي مَحَلًّا اشْتَرَكَا فِيهِ فَصَارَ نَظِيرُ مَسْأَلَةِ الْوَصِيَّةِ فَلَا تُقْبَلُ بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ فِي حَالِ الْحَيَاةِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ فِي ذِمَّتِهِ لِبَقَائِهَا فِي الْمَالِ فَلَا تَتَحَقَّقُ الشَّرِكَةُ وَجْهُ رِوَايَةِ الْحَسَنِ أَنَّهُمَا إذَا جَاءَ مَعًا كَانَ ذَلِكَ بِمَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ فَتَتَفَاحَشُ التُّهْمَةُ فَتُرَدُّ. بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ عَلَى التَّعَاقُبِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ قَدْ مَضَى وَثَبَتَ بِمَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ فَلَا تُهْمَةَ، وَالثَّانِي لَا يُزَاحِمُهُ الْأَوَّلُ عِنْدَ صُدُورِهِ فَصَارَ كَالْأَوَّلِ، وَالْوَصِيَّةُ بِجُزْءٍ شَائِعٍ كَالْوَصِيَّةِ بِالدَّرَاهِمِ الْمُرْسَلَةِ فِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ حَتَّى لَا تُقْبَلَ فِيهَا شَهَادَةُ الْفَرِيقَيْنِ؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ التَّرِكَةَ وَلَوْ شَهِدَ رَجُلَانِ أَنَّهُ أَوْصَى لِرَجُلَيْنِ بِعَيْنٍ كَالْعَبْدِ وَشَهِدَ الْمَشْهُودُ لَهُمَا أَنَّهُ أَوْصَى لِلشَّاهِدَيْنِ بِثُلُثِ مَالِهِ أَوْ بِالدَّرَاهِمِ الْمُرْسَلَةِ فَهِيَ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مُثْبِتَةٌ لِلشَّرِكَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا شَهِدَ رَجُلَانِ لِرَجُلَيْنِ أَنَّهُ أَوْصَى لَهُمَا بِعَيْنٍ أُخْرَى حَيْثُ تُقْبَلُ الشَّهَادَتَانِ؛ لِأَنَّ لَا شَرِكَةَ فَلَا تُهْمَةَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [كِتَابُ الْخُنْثَى] وَهُوَ عَلَى وَزْنِ فُعْلَى بِالضَّمِّ مِنْ التَّخَنُّثِ وَهُوَ اللِّينُ، وَالتَّكَسُّرُ، وَمِنْهُ الْمُخَنَّثُ وَتَخَنَّثَ فِي كَلَامِهِ وَسُمِّيَ خُنْثَى؛ لِأَنَّهُ يَتَكَسَّرُ وَيَنْقُصُ حَالُهُ عَنْ حَالِ الرَّجُلِ وَجَمْعُهُ خَنَاثَى، وَفِي الشَّرْعِ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ قَالَ فِي النِّهَايَةِ لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَحْكَامِ مَنْ لَهُ آلَةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ النِّسَاءِ، وَالرِّجَالِ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَنْ لَهُ آلَتَانِ فَقَدَّمَ ذِكْرَ الْأَوَّلِ لِمَا أَنَّ الْوَاحِدَ قَبْلَ الِاثْنَيْنِ وَلِأَنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الْأَعَمُّ، وَالْأَغْلَبُ وَهَذَا كَالنَّادِرِ فِيهِ اهـ. أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ مَا ذَكَرَ فِي الْكُتُبِ السَّابِقَةِ مِنْ الْأَحْكَامِ لَيْسَ بِمَخْصُوصٍ بِمَنْ لَهُ آلَةٌ وَاحِدَةٌ بَلْ يَعُمُّ مَنْ لَهُ آلَةٌ وَاحِدَةٌ وَمَنْ لَهُ آلَتَانِ. أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَحْكَامَ الْمَارَّةَ فِي كِتَابِ الْوَصَايَا مَثَلًا جَارِيَةٌ بِأَسْرِهَا فِي حَقِّ الْخُنْثَى أَيْضًا وَكَذَلِكَ الْحَالُ فِي أَحْكَامِ سَائِرِ الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ كُلِّهَا أَوْ جُلِّهَا فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ لَمَّا فَرَغَ مِنْ أَحْكَامِ مَنْ لَهُ آلَةٌ وَاحِدَةٌ شَرَعَ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ مَنْ لَهُ آلَتَانِ وَجَعَلَ الْمُصَنِّفُ فِي الْهِدَايَةِ لِكِتَابِ الْخُنْثَى فَصْلَيْنِ، وَوَضَعَ الْفَصْلَ الْأَوَّلَ لِبَيَانِهِ، وَالْفَصْلَ الثَّانِيَ لِأَحْكَامِهِ حَيْثُ قَالَ: فَصْلٌ فِي بَيَانِهِ، ثُمَّ قَالَ: فَصْلٌ فِي أَحْكَامِهِ فَهُوَ فِي هَذَا الْكِتَابِ إنَّمَا شَرَعَ حَقِيقَةً فِي بَيَانِ مَنْ لَهُ آلَتَانِ لَا فِي بَيَانِ أَحْكَامِهِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ أَحْكَامَهُ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ بَيَانَ نَفْسِهِ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ وَإِنْ صَحَّ أَنْ يُقَالَ شَرَعَ فِي أَحْكَامِهِ أَيْضًا بِتَأْوِيلِ مَا فَمَا مَعْنَى تَخْصِيصِ الشُّرُوعِ بِالثَّانِي فِي قَوْلِهِ شَرَعَ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ مَنْ لَهُ آلَتَانِ. وَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ: لَمَّا فَرَغَ مِنْ أَحْكَامِ مَنْ غَلَبَ وُجُودُهُ ذَكَرَ أَحْكَامَ مَنْ هُوَ نَادِرُ الْوُجُودِ. اهـ. وَإِنَّمَا قَالَ الْمُشْكِلُ، وَلَمْ يَقُلْ الْمُشْكِلَةُ؛ لِأَنَّ مَا لَمْ يُعْلَمْ تَذْكِيرُهُ وَلَا تَأْنِيثُهُ الْأَصْلُ فِيهِ التَّذْكِيرُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (هُوَ مَنْ لَهُ فَرْجٌ وَذَكَرٌ) يَعْنِي الْخُنْثَى مَنْ لَهُ فَرْجُ الْمَرْأَةِ وَذَكَرُ الرَّجُلِ، وَظَاهِرُ عِبَارَةِ الْمُؤَلِّفِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْآلَتَيْنِ قَالَ الْبَقَّالِيُّ أَوْ لَا يَكُونُ فَرْجٌ وَلَا ذَكَرٌ وَيَخْرُجُ بَوْلُهُ مِنْ ثَقْبٍ فِي الْمَخْرَجِ أَوْ غَيْرِهِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ اللَّهَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ فَيَخْلُقُ ذَكَرًا فَقَطْ أَوْ أُنْثَى فَقَطْ أَوْ خُنْثَى. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (فَإِنْ بَال مِنْ الذَّكَرِ فَغُلَامٌ وَإِنْ بَالَ مِنْ الْفَرْجِ فَأُنْثَى) ؛ لِأَنَّهُ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سُئِلَ كَيْفَ يُورَثُ فَقَالَ مِنْ حَيْثُ يَبُولُ» . وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِثْلُهُ، وَرُوِيَ أَنَّ قَاضِيًا مِنْ الْعَرَبِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ رُفِعَ عَلَيْهِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 538 هَذِهِ الْوَاقِعَةُ فَجَعَلَ يَقُولُ هُوَ ذَكَرٌ وَامْرَأَةٌ فَاسْتُبْعِدَ قَوْلُهُ ذَلِكَ فَتَحَيَّرَ وَدَخَلَ فَجَعَلَ يَتَقَلَّبُ عَلَى فِرَاشِهِ وَلَا يَأْخُذُهُ النَّوْمُ لِتَحَيُّرِهِ وَكَانَتْ لَهُ بِنْتٌ تَغْمِزُ رِجْلَهُ فَسَأَلَتْهُ عَنْ ذَكَرِهِ فَأَخْبَرَهَا بِذَلِكَ فَقَالَتْ: دَعْ الْمُحَالَ وَأَتْبِعِ الْحُكْمَ الْمَبَالَ فَخَرَجَ إلَى قَوْمِهِ فَحَكَى لَهُمْ ذَلِكَ فَاسْتَحْسَنُوا فَعَرَفَ بِذَلِكَ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَأَقَرَّهُ الشَّرْعُ وَلِأَنَّ الْبَوْلَ مِنْ أَيِّ عُضْوٍ كَانَ فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ هُوَ الْعُضْوُ الْأَصْلِيُّ الصَّحِيحُ، وَالْآخَرُ بِمَنْزِلَةِ الْعَيْبِ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَقَعُ بِهِ الْفَصْلُ عِنْدَ الْوِلَادَةِ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ تِلْكَ الْآلَةِ خُرُوجُ الْبَوْلِ، وَذَلِكَ عِنْدَ انْفِصَالِهِ مِنْ أُمِّهِ وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الْمَنَافِعِ يَحْدُثُ بَعْدَهُ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّهُ هُوَ الْأَصْلُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ بَالَ مِنْهُمَا) فَالْحُكْمُ لِلْأَسْبَقِ؛ لِأَنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ هُوَ الْعُضْوُ الْأَصْلِيُّ وَلِأَنَّهُ كَمَا خَرَجَ الْبَوْلُ حُكِمَ بِمُوجِبِهِ؛ لِأَنَّهُ عَلَامَةٌ تَامَّةٌ فَلَا يَتَغَيَّرُ بَعْدَ ذَلِكَ بِخُرُوجِ الْبَوْلِ مِنْ الْآلَةِ الْأُخْرَى قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ اسْتَوَيَا) أَيْ فِي السَّبَقِ (فَمُشْكَلٌ) لِعَدَمِ الْمُرَجِّحِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَلَا عِبْرَةَ بِالْكَثْرَةِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا يُنْسَبُ إلَى أَكْثَرِهِمَا بَوْلًا؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ الْعُضْوُ الْأَصْلِيُّ وَلِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ فِي أُصُولِ الشَّرْعِ فَيَتَرَجَّحُ بِالْكَثْرَةِ وَلَهُ أَنَّ كَثْرَةَ مَا يَخْرُجُ لَيْسَ بِدَلِيلٍ عَلَى الْآلَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لِاتِّسَاعِ الْمَخْرَجِ وَضِيقِهِ لَا؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْعُضْوُ الْأَصْلِيُّ وَلِأَنَّ نَفْسَ الْخُرُوجِ دَلِيلٌ بِنَفْسِهِ فَالْكَثْرَةُ لَا يَقَعُ بِهَا التَّرْجِيحُ عِنْدَ الْمُعَارَضَةِ كَالشَّاهِدَيْنِ، وَالْأَرْبَعَةِ. وَقَدْ اسْتَقْبَحَ أَبُو حَنِيفَةَ اعْتِبَارَ ذَلِكَ فَقَالَ: هَلْ رَأَيْت قَاضِيًا يَكِيلُ الْبَوْلَ بِالْأَوَاقِيِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ بَلَغَ وَخَرَجَتْ لَهُ لِحْيَةٌ أَوْ وَصَلَ إلَى النِّسَاءِ فَرَجُلٌ وَكَذَا إذَا احْتَلَمَ مِنْ الذَّكَرِ) ؛ لِأَنَّ هَذِهِ مِنْ عَلَامَةِ الذَّكَرِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ ظَهَرَ لَهُ ثَدْيٌ أَوْ لَبَنٌ أَوْ أَمْكَنَ وَطْؤُهُ فَامْرَأَةٌ) ؛ لِأَنَّ هَذِهِ مِنْ عَلَامَاتِ النِّسَاءِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ لَمْ تَظْهَرْ لَهُ عَلَامَةٌ أَوْ تَعَارَضَتْ فَمُشْكَلٌ) لِعَدَمِ مَا يُوجِبُ التَّرْجِيحَ، وَعَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ يَعُدُّ أَضْلَاعَهُ فَإِنَّ أَضْلَاعَ الرَّجُلِ تَزِيدُ عَنْ أَضْلَاعِ الْمَرْأَةِ بِوَاحِدَةٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَيَقِفُ بَيْنَ صَفِّ الرِّجَالِ، وَالنِّسَاءِ) ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَكَرًا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أُنْثَى؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَقَفَ فِي صَفِّ النِّسَاءِ فَإِنْ كَانَ ذَكَرًا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ فِي صَفِّ النِّسَاءِ وَلَوْ وَقَفَ فِي صَفِّ الرِّجَالِ تَبْطُلُ صَلَاةُ مَنْ يُحَاذِيهِ إنْ كَانَ أُنْثَى فَلَا يَتَخَلَّلُ الرِّجَالَ وَلَا النِّسَاءَ وَإِنْ وَقَفَ فِي صَفِّ النِّسَاءِ فَإِنْ كَانَ بَالِغًا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَإِنْ كَانَ مُرَاهِقًا يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُعِيدَ، وَالْأَصْلُ فِي أَحْكَامِهِ أَنْ يُؤْخَذَ بِالْأَحْوَطِ فَالْأَحْوَطِ وَيُعِيدُ الَّذِي عَنْ يَمِينِهِ وَيَسَارِهِ وَاَلَّذِي خَلْفَهُ الصَّلَاةَ احْتِيَاطًا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ امْرَأَةٌ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلِّيَ بِقِنَاعٍ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ امْرَأَةٌ وَلَوْ كَانَ بَالِغًا حُرًّا يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَيَجْلِسُ فِي صَلَاتِهِ جُلُوسَ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ رَجُلًا فَقَدْ تَرَكَ سُنَّةً. وَهُوَ جَائِزٌ فِي الْجُمْلَةِ وَإِنْ كَانَ امْرَأَةً فَقَدْ ارْتَكَبَ مَكْرُوهًا بِجُلُوسِهِ جُلُوسَ الرِّجَالِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْعِبَادَاتِ قَالَ مُحَمَّدٌ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُصَلِّيَ بِقِنَاعٍ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ امْرَأَةٌ يُرِيدُ قَبْلَ الْبُلُوغِ وَإِنْ صَلَّى بِغَيْرِهِ فَإِنْ كَانَ غَيْرَ بَالِغٍ لَا يُؤْمَرُ بِالْإِعَادَةِ إلَّا اسْتِحْسَانًا تَخَلُّقًا وَاعْتِبَارًا، وَفِي الْهِدَايَةِ: صَلَّى بِغَيْرِ قِنَاعِ امْرَأَةٍ أَنْ يُعِيدَ، وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ هَذَا إذَا كَانَ الْخُنْثَى مُرَاهِقًا غَيْرَ بَالِغٍ فَإِنْ كَانَ بَالِغًا فَإِنْ بَلَغَ بِالسِّنِّ وَلَمْ يَظْهَرْ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ عَلَامَاتِ الرِّجَالِ، وَالنِّسَاءِ لَا تُجْزِيْهِ الصَّلَاةُ بِغَيْرِ قِنَاعٍ إذَا كَانَ الْخُنْثَى حُرًّا، وَفِي السِّغْنَاقِيِّ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَإِنْ كَانَ بَالِغًا فَصَلَّى بِغَيْرِ قِنَاعِ امْرَأَةٍ فَإِنَّهُ يُعِيدُ وَهَذَا بِطَرِيقِ الِاحْتِيَاطِ هَكَذَا لَفْظُ الْمَبْسُوطِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ فِيهِ أَنَّ طَرِيقَ الِاحْتِيَاطِ فِيهِ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْبَابِ أَوْ عَلَى وَجْهِ الْوُجُوبِ، وَالظَّاهِرُ هُوَ الْوُجُوبُ. قَالَ وَيَجْلِسُ فِي صَلَاتِهِ كَجُلُوسِ الْمَرْأَةِ وَلَوْ أَحْرَمَ هَذَا الْخُنْثَى، وَقَدْ رَاهَقَ وَلَمْ يَبْلُغْ وَلَمْ يَسْتَبِنْ أَنَّهُ امْرَأَةٌ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا عِلْمَ لِي بِلِبَاسِهِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: إنْ لَبِسَ الْمَخِيطَ كَانَ أَحْوَطَ لِجَوَازِ أَنَّهَا أُنْثَى فَلَا يَحِلُّ لَهَا كَشْفُ الْعَوْرَةِ، قَالَ وَيُكْرَهُ أَنْ يَلْبِسَ الْحُلِيَّ وَأَرَادَ بِهِ مَا بَعْدَ الْبُلُوغِ بِالسِّنِّ إذَا لَمْ يَظْهَرْ بِهِ عَلَامَاتٌ يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى كَوْنِهِ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً وَيُكْرَهُ لُبْسُ الْحَرِيرِ أَيْضًا قَالَ: وَأَكْرَهُ لَهُ أَنْ يَنْكَشِفَ قُدَّامَ الرِّجَالِ أَوْ قُدَّامَ النِّسَاءِ وَمَعْنَاهُ إذَا كَانَ قَدْ رَاهَقَ فَإِنْ قُلْتَ. وَهَلْ يُكْرَهُ أَنْ يَخْلُوَ بِهِ رَجُلٌ أَجْنَبِيٌّ لَيْسَ بِمَحْرَمٍ مِنْهُ أَوْ يَخْلُوَ هُوَ بِامْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ لَيْسَ بِمَحْرَمٍ مِنْهَا قُلْت نَعَمْ إذَا خَلَا بِالْخُنْثَى رَجُلٌ مَحْرَمٌ مِنْهُ فَلَا بَأْسَ وَكَذَلِكَ الْخُنْثَى إذَا خَلَا بِامْرَأَةٍ هُوَ مَحْرَمٌ مِنْهَا وَلَا يُسَافِرُ الْخُنْثَى بِامْرَأَةٍ هِيَ غَيْرُ مَحْرَمٍ مِنْهُ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُسَافِرَ الْخُنْثَى مَعَ مَحْرَمٍ مِنْ الرِّجَالِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهَا وَلَا يَخْتِنُهُ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ؛ لِأَنَّ الْخُنْثَى صَبِيٌّ أَوْ صَبِيَّةٌ فَإِنْ كَانَ صَبِيًّا يَجُوزُ لِلرِّجَالِ أَنْ تَخْتِنَهُ وَإِنْ كَانَ مُرَاهِقًا يُشْتَهَى أَوْ لَا وَإِنْ كَانَ صَبِيَّةً فَلَا بَأْسَ لِلنِّسَاءِ أَنْ تَخْتِنَهَا إذَا كَانَتْ غَيْرَ مُرَاهِقَةٍ؛ لِأَنَّهَا لَا تُشْتَهَى، وَإِذَا كَانَتْ غَيْرَ مُرَاهِقَةٍ وَهِيَ تُشْتَهَى أَوْ لَا. فَإِنْ قِيلَ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْحَيَاةِ، وَالْمَوْتِ حَيْثُ قُلْتُمْ إذَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 539 مَاتَ الْخُنْثَى يُيَمَّمُ بِالصَّعِيدِ وَلَا يُغَسِّلُهُ رَجُلٌ وَلَا امْرَأَةٌ وَلَمْ تَقُولُوا أَنَّهُ يُشْتَرَى لَهُ جَارِيَةٌ مِنْ مَالِهِ أَوْ مِنْ مَالِ أَبِيهِ أَوْ مِنْ مَالِ بَيْتِ الْمَالِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا ثَمَّ مَالٌ ثُمَّ يَبِيعُهَا الْإِمَامُ بَعْدَمَا غَسَّلَتْهُ وَيُرَدُّ ثَمَنُهَا إلَى بَيْتِ الْمَالِ قُلْنَا شِرَاءُ الْجَارِيَةِ بَعْدَ مَوْتِ الْخُنْثَى لِتَغْسِلَهُ لَا تُفِيدُ إبَاحَةَ الْغُسْلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهَا الْخُنْثَى وَلَا يَبْقَى عَلَى مِلْكِهِ لِحَاجَةِ الْغُسْلِ فَأَمَّا مَا دَامَ حَيًّا فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّهُ رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ فَيَمْلِكُ الْجَارِيَةَ الَّتِي اُشْتُرِيَتْ لَهُ وَإِذَا مَلَكَ الْجَارِيَةَ الَّتِي اُشْتُرِيَتْ لَهُ كَانَ شِرَاءُ الْجَارِيَةِ يُفِيدُ إبَاحَةَ الْخِتَانِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتُبْتَاعُ لَهُ أَمَةٌ تَخْتِنُهُ) يَعْنِي بِمَالِهِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ لِمَمْلُوكِهِ النَّظَرُ إلَيْهِ مُطْلَقًا إنْ كَانَ ذَكَرًا وَلِلضَّرُورَةِ إنْ كَانَ أُنْثَى، وَيُكْرَهُ أَنْ يَخْتِنَهُ رَجُلٌ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ ذَكَرٌ أَوْ امْرَأَةٌ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أُنْثَى فَكَانَ الِاحْتِيَاطُ فِيمَا ذَكَرْنَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْرُمُ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ ذَكَرًا وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ أُنْثَى؛ لِأَنَّ نَظَرَ الْجِنْسِ إلَى الْجِنْسِ أَخَفُّ، وَالْأَصْلُ فِي مَسَائِلِ النِّكَاحِ لَوْ زَوَّجَ الْأَبُ هَذَا الْخُنْثَى امْرَأَةً قَبْلَ بُلُوغِهِ أَوْ زَوْجَةً فَالنِّكَاحُ مَوْقُوفٌ لَا يَفْسُدُ وَلَا يَبْطُلُ وَلَا يَتَوَارَثَانِ حَتَّى يَسْتَبِينَ أَمْرُ الْخُنْثَى؛ لِأَنَّ التَّوَارُثَ حُكْمُ النِّكَاحِ النَّافِذِ لَا حُكْمُ النِّكَاحِ الْمَوْقُوفِ. فَإِنْ زَوَّجَهُ الْأَبُ امْرَأَةً وَبَلَغَ وَظَهَرَ عَلَامَاتُ الرِّجَالِ وَنَحْوُهُ حُكِمَ بِجَوَازِ النِّكَاحِ إلَّا أَنَّهُ إذَا لَمْ يَصِلْ إلَيْهَا فَإِنَّهُ يُؤَجَّلُ سَنَةً كَمَا يُؤَجَّلُ غَيْرُهُ إذَا لَمْ يَصِلْ إلَى امْرَأَتِهِ وَلَوْ أَنَّ هَذَا الْخُنْثَى الْمُشْكِلَ تَزَوَّجَ خُنْثَى مِثْلَهُ فَالنِّكَاحُ يَكُونُ مَوْقُوفًا إلَى أَنْ يَسْتَبِينَ حَالُهُمَا فَإِنْ تَبَيَّنَ حَالُهُمَا فَالنِّكَاحُ جَائِزٌ وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ مَاتَا قَبْلَ أَنْ يَزُولَ الْإِشْكَالُ لَمْ يَتَوَارَثَا وَإِنْ مَاتَا وَتَرَكَا أَحَدَ الْأَبَوَيْنِ فَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ وَرَثَتِهِمَا الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ هُوَ الزَّوْجُ وَأَنَّ الْآخَرَ هُوَ الزَّوْجَةُ لَا يَقْضِي بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا قَبَّلَ هَذَا الْخُنْثَى بِشَهْوَةٍ لَيْسَ لِهَذَا الرَّجُلِ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِمَحَارِمِهِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَمْرَهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَمِنْ بَيْتِ الْمَالِ ثُمَّ تُبَاعُ) ؛ لِأَنَّ بَيْتَ الْمَالِ أُعِدَّ لِنَوَائِب الْمُسْلِمِينَ فَيَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ تَعَذُّرًا لِلْحَاجَةِ، وَهِيَ حَاجَةُ الْخِتَانِ فَإِذَا خَتَنَتْهُ تُبَاعُ وَيُرَدُّ ثَمَنُهَا إلَى بَيْتِ الْمَالِ فَإِذَا زَوَّجَ امْرَأَةً فَخَتَنَتْهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا جَازَ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ ذَكَرًا صَحَّ النِّكَاحُ وَإِنْ كَانَ أُنْثَى فَنَظَرُ الْجِنْسِ أَخَفُّ ثُمَّ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ ذَكَرٌ فَيَصِحُّ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا فَتَحْصُلُ الْفُرْقَةُ ثُمَّ تَعْتَدُّ إنْ خَلَا بِهَا احْتِيَاطًا وَلَوْ حَلَفَ بِعِتْقٍ أَوْ طَلَاقٍ بِأَنْ قَالَ: إنْ كَانَ أَوَّلُ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ غُلَامًا فَأَنْت طَالِقٌ أَوْ فَعَبْدِي حُرٌّ فَوَلَدَتْ خُنْثَى لَمْ يَقَعْ حَتَّى يَسْتَبِينَ؛ لِأَنَّ الْخُنْثَى لَمْ يَثْبُتْ بِالشَّكِّ، وَلَوْ قَالَ: كُلُّ عَبْدٍ لِي حُرٌّ أَوْ قَالَ كُلُّ أَمَةٍ لِي حُرَّةٌ وَلَهُ مَمْلُوكٌ خُنْثَى لَا يُعْتَقُ حَتَّى يَسْتَبِينَ أَمْرُهُ لِمَا قُلْنَا، وَإِنْ قَالَ الْقَوْلَيْنِ جَمِيعًا عَتَقَ لِلتَّيَقُّنِ بِأَحَدِ الْوَصْفَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ أَحَدِهِمَا. وَإِنْ قَالَ الْخُنْثَى: أَنَا رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ إذَا كَانَ مُشْكِلًا؛ لِأَنَّهُ دَعْوَى بِلَا دَلِيلٍ وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الذَّخِيرَةِ: إنْ قَالَ الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ أَنَا ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ أَمِينٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْأَمِينِ مَا لَمْ يُعْرَفْ خِلَافُ مَا قَالَ كَمَا إذَا قَالَتْ الْمُعْتَدَّةُ انْقَضَتْ عِدَّتِي وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا مَا لَمْ يُعْرَفْ خِلَافُ قَوْلِهَا بِأَنْ قَالَتْ فِي مُدَّةٍ لَا تَنْقَضِي فِي مِثْلِهَا الْعِدَّةُ، وَالْأَوْلَى مَا ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ. وَلَا يَحْضُرُ الْخُنْثَى غَسْلَ رَجُلٍ وَلَا امْرَأَةٍ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُسَجَّى قَبْرُهُ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ أُنْثَى أُقِيمَ وَاجِبٌ وَإِنْ كَانَ ذَكَرًا لَا يَضُرُّهُ التَّسْجِيَةُ وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِ وَعَلَى رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ وُضِعَ الرَّجُلُ مِمَّا يَلِي الْإِمَامَ، وَالْخُنْثَى خَلْفَهُ، وَالْمَرْأَةُ خَلْفَ الْخُنْثَى وَيُؤَخَّرُ عَنْ الرَّجُلِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ امْرَأَةٌ وَيُقَدَّمُ عَلَى الْمَرْأَةِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ رَجُلٌ وَلَوْ دُفِنَ مَعَ رَجُلٍ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ لِلْعُذْرِ جُعِلَ خَلْفَ الرَّجُلِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ امْرَأَةٌ وَيُجْعَلُ بَيْنَهُمَا حَاجِزًا مِنْ صَعِيدٍ لِيَكُونَ فِي حُكْمِ الْقَبْرَيْنِ وَكَذَا الرَّجُلَانِ إذَا دُفِنَا فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ وَإِنْ دُفِنَ مَعَ امْرَأَةٍ قُدِّمَ الْخُنْثَى لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أُنْثَى وَيَدْخُلُ قَبْرُهُ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أُنْثَى وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُؤَلِّفُ لِمَا يَتَعَلَّقُ بِالْخُنْثَى مِنْ الْحُدُودِ، وَالْقِصَاصِ وَلَا لِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ الْأَيْمَانِ وَلَا لِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ الدَّعْوَى، وَالْبَيِّنَةِ وَلَا لِبَيَانِ الِاخْتِلَافِ الْوَاقِعِ فِيهِ وَلَا لِبَيَانِ شَهَادَتِهِ قَالَ فِي الْأَصْلِ. وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا قَذَفَ الْخُنْثَى الْمُشْكِلَ قَبْلَ الْبُلُوغِ أَوْ قَذَفَ الْخُنْثَى رَجُلًا فَلَا حَدَّ عَلَى الْقَاذِفِ أَمَّا إذَا كَانَ الْقَاذِفُ هُوَ الْخُنْثَى فَلِأَنَّهُ صَبِيٌّ أَوْ صَبِيَّةٌ فَأَمَّا إذَا كَانَ الْقَاذِفُ رَجُلًا آخَرَ فَلِأَنَّهُ غَيْرُ مُحْصَنٍ؛ لِأَنَّ الْبُلُوغَ مِنْ أَحَدِ شَرَائِطِ إحْصَانِ الْقَذْفِ كَالْإِسْلَامِ وَإِنْ قَذَفَ الْخُنْثَى بَعْدَ بُلُوغِهِ بِالسِّنِّ فَإِنْ ظَهَرَ لَهُ عَلَامَةٌ يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى كَوْنِهِ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى حُدَّ حَدَّ الرِّجَالِ أَوْ النِّسَاءِ وَلَوْ قَذَفَ الْخُنْثَى رَجُلًا بَعْدَ ظُهُورِ عَلَامَةِ الرِّجَالِ أَوْ قَذَفَهُ رَجُلٌ فَهُمَا سَوَاءٌ فَيَجِبُ الْحَدُّ وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ عَلَامَةٌ فَلَا حَدَّ عَلَى قَاذِفِهِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْخُنْثَى وَإِنْ صَارَ مُحْصَنًا بِالْبُلُوغِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ عَلَيْهِ عَلَامَةُ الْأُنُوثَةِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 540 أَوْ الذُّكُورَةِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا رَجُلًا وَأَنْ يَكُونَ امْرَأَةً فَإِنْ كَانَ امْرَأَةً، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الرَّتْقَاءِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُجَامَعُ كَالرَّتْقَاءِ. وَمَنْ قَذَفَ رَجُلًا مَجْبُوبًا أَوْ امْرَأَةً رَتْقَاءَ لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ الْخُنْثَى هُوَ الْقَاذِفُ يُحَدُّ؛ لِأَنَّهُ مَجْبُوبٌ بَالِغٌ أَوْ رَتْقَاءُ بَالِغَةٌ، وَالْمَجْبُوبُ الْبَالِغُ، وَالرَّتْقَاءُ الْبَالِغَةُ إذَا قَذَفَ إنْسَانًا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَإِنْ سَرَقَ بَعْدَمَا أَدْرَكَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَإِنْ سُرِقَ مِنْهُ مَا يُسَاوِي عَشَرَةً يُقْطَعُ السَّارِقُ رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ وَلَوْ قَطَعَ يَدَ هَذَا الْخُنْثَى قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ أَوْ يَسْتَبِينَ أَمْرُهُ فَلَا قِصَاصَ عَلَى قَاطِعِهِ سَوَاءٌ كَانَ الْقَاطِعُ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا قَتَلَ الْخُنْثَى رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً عَمْدًا كَانَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ. وَإِنْ قَطَعَ هَذَا الْخُنْثَى يَدَ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ فَعَلَى عَاقِلَتِهِ أَرْشُ ذَلِكَ وَبَعْدَ الْبُلُوغِ إذَا قَطَعَ يَدَ إنْسَانٍ قَبْلَ أَنْ يَسْتَبِينَ أَمْرُهُ عَمْدًا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْأَرْشُ فِي مَالِهِ وَإِنْ شَهِدَ مَغْنَمًا يُرْضَخُ لَهُ وَلَا يُسْهِمُ وَإِنْ ارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَامِ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَ أَوْ بَعْدَمَا أَدْرَكَ لَا يُقْتَلُ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا أَمَّا قَبْلُ فَإِنَّهُ صَبِيٌّ أَوْ صَبِيَّةٌ وَرِدَّةُ الصَّبِيِّ لَا تَصِحُّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ يَصِحُّ رِدَّةُ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ، وَالصَّبِيَّةِ الْعَاقِلَةِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ عَلَى الرِّدَّةِ عِنْدَهُمَا وَبَعْدَ الْبُلُوغِ تَصِحُّ رِدَّتُهُ بِالْإِجْمَاعِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً فَإِنْ كَانَ رَجُلًا حَلَّ قَتْلُهُ وَلَا يَحِلُّ إنْ كَانَ امْرَأَةً فَلَا يَحِلُّ بِالشَّكِّ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ لَا يُوضَعُ عَلَيْهِ خَرَاجُ رَأْسِهِ حَتَّى يُدْرِكَ وَيَسْتَبِينَ أَمْرُهُ وَلَا يَدْخُلُ فِي الْقَامَةِ. وَلَوْ كَانَ الْخُنْثَى أَبُوهُ حَيًّا فَقَالَ هُوَ غُلَامٌ وَلَا يُعْرَفُ ذَلِكَ إلَّا بِقَوْلِهِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ هِيَ جَارِيَةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مُشْكِلُ الْحَالِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّ قَائِمٌ مَقَامَ الْأَبِ وَإِنْ كَانَ مُشْكِلُ الْحَالِ لَمْ يُصَدَّقْ وَإِنْ قَتَلَ الْخُنْثَى خَطَأً قَبْلَ أَنْ يَسْتَبِينَ أَمْرُهُ قَالَ الْقَوْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُ الْقَاتِلِ أَنَّهُ ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى إنْ كَانَتْ الدِّيَةُ تَجِبُ عَلَى الْقَاتِلِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَاقِلَةٌ وَإِنْ كَانَ لَهُ عَاقِلَةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْعَاقِلَةِ، وَإِنْ قَالُوا لَا نَدْرِي فَالْقَوْلُ قَوْلُهُمْ وَوَجَبَ عَلَيْهِمْ دِيَةٌ وَإِنْ قَالُوا: إنَّهُ أُنْثَى وَوَرَثَةُ الْخُنْثَى ادَّعَوْا أَنَّهُ ذَكَرٌ. فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْعَاقِلَةِ؛ لِأَنَّهُمْ يَدَّعُونَ عَلَى الْقَاتِلِ، وَالْعَاقِلَةِ زِيَادَةَ خَمْسَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَالْقَاتِلُ، وَالْعَاقِلَةُ يُنْكِرُونَ ذَلِكَ فَيُقْضَى عَلَيْهِمْ بِدِيَةِ الْمَرْأَةِ وَيَتَوَقَّفُ الْعَقْلُ إلَى أَنْ يَسْتَبِينَ أَمْرُهُ أَنَّهُ ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى رَجُلٌ مَاتَ وَتَرَكَ ذَكَرًا وَخُنْثَى وَزَوْجَةً فَمَاتَ الْخُنْثَى بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِ فَادَّعَتْ أُمُّ الْخُنْثَى أَنَّهُ ذَكَرٌ وَأَنَّهُ كَانَ وَرِثَ مِنْ أَبِيهِ نِصْفَ الْمَالِ بَعْدَ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ وَتَرَكَ ابْنَيْنِ وَامْرَأَةً ثُمَّ مَاتَ الْخُنْثَى فَوَرِثَتْ ثُلُثَ ذَلِكَ النِّصْفِ؛ لِأَنَّ الْخُنْثَى مَاتَ وَتَرَكَ أُمًّا وَأَخًا تَرِثُ الْأُمُّ ثُلُثَ ذَلِكَ النِّصْفِ، وَقَالَ ابْنُ الْمَيِّتِ وَهُوَ أَخُو الْخُنْثَى لَا بَلْ كَانَتْ الْخُنْثَى جَارِيَةً وَوَرِثَتْ الثُّلُثَ مِنْ الْمَيِّتِ بَعْدَ الثُّمُنِ ثُمَّ مَاتَتْ فَوَرِثَتْ أَنْتِ ثُلُثَ ذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ أَخِي الْخُنْثَى إلَّا أَنَّ الْأَخَ يَسْتَحْلِفُ عَلَى الْعِلْمِ بِاَللَّهِ مَا تَعْلَمُ أَنَّهُ كَانَ ذَكَرًا وَإِذَا أَقَامَتْ الْأُمُّ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ كَانَ يَبُولُ مِنْ مَبَالِ الرِّجَالِ وَلَا يَبُولُ مِنْ مَبَالِ النِّسَاءِ فَإِنَّهُ يَرِثُ مِنْ أَبِيهِ مِيرَاثَ النِّصْفِ بَعْدَ الثُّمُنِ ثُمَّ تَرِثُ الْأُمُّ ثُلُثَ ذَلِكَ النِّصْفِ مِنْ الْخُنْثَى، وَإِنْ أَقَامَ أَخُو الْخُنْثَى الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ يَبُولُ مِنْ مَبَالِ النِّسَاءِ وَلَا يَبُولُ مِنْ مَبَالِ الرِّجَالِ وَأَنَّهَا وَرِثَتْ الثُّلُثَ مِنْ الْأَبِ بَعْدَ الثُّمُنِ فَلِأُمِّ الْخُنْثَى ذَلِكَ الثُّلُثُ. وَإِنْ أَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ أَنَّ أَبَا الْخُنْثَى كَانَ زَوَّجَهَا مِنْهُ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ وَطَلَبَ مِيرَاثَهَا وَصَدَّقَهُ الِابْنُ أَوْ كَذَّبَهُ وَلَمْ تُقِمْ الْأُمُّ الْبَيِّنَةَ أَنَّ أَبَ الْخُنْثَى عَلَى مَا ادَّعَتْ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُ الزَّوْجِ وَيُجْعَلُ عَلَيْهِ الْمَهْرُ وَوَرِثَ مِنْ الْخُنْثَى مِيرَاثَ الزَّوْجِ وَوَرِثَ أُمَّ الْخُنْثَى، وَأَخُو الْخُنْثَى مِنْ الصَّدَاقِ الَّذِي يَبْقَى عَلَى الزَّوْجِ وَمَا تَرَكَ الْخُنْثَى وَإِنْ أَقَامَ الْأَخُ بَيِّنَةً عَلَى مَا ادَّعَتْ أَنَّهُ كَانَ يَبُولُ مِنْ مَبَالِ الرِّجَالِ وَلَا يَبُولُ مِنْ مَبَالِ النِّسَاءِ إنْ أَقَامَ الزَّوْجُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا كَانَتْ أُنْثَى وَتَبُولُ مِنْ مَبَالِ النِّسَاءِ وَلَا تَبُولُ مِنْ مَبَالِ الرِّجَالِ كَانَتْ بَيِّنَةُ الْأَخِ أَوْلَى بِالرَّدِّ وَلَوْ أَنَّ هَذَا الْخُنْثَى الْمُشْكِلَ الَّذِي مَاتَ صَغِيرًا وَتَرَكَ مَالًا أَقَامَتْ امْرَأَةٌ بَيِّنَةً أَنَّ أَبَاهُ زَوَّجَهَا إيَّاهُ فِي حَيَاتِهِ وَمَهَرَهَا أَلْفَ دِرْهَمٍ وَأَنَّهُ كَانَ غُلَامًا يَبُولُ مِنْ حَيْثُ يَبُولُ الْغُلَامُ وَلَمْ يَكُنْ يَبُولُ مِنْ حَيْثُ يَبُولُ النِّسَاءُ وَكَذَّبَهَا الْأَخُ ابْنُ الْمَيِّتِ قَالَ: اُصْدُقْ الْمَرْأَةَ وَاجْعَلْهُ غُلَامًا وَاجْعَلْ صَدَاقَهَا فِي مِيرَاثِهِ مِنْ مِيرَاثِ الْغُلَامِ. فَإِنْ أَقَامَ الْأَخُ ابْنُ الْمَيِّتِ الْبَيِّنَةَ بِأَنَّهُ كَانَ جَارِيَةً يَبُولُ مِنْ حَيْثُ تَبُولُ الْجَارِيَةُ قَالَ لَا أَقْبَلُ بَيِّنَتَهُمَا عَلَى ذَلِكَ فَأَقْضِي بِبَيِّنَةِ الْمَرْأَةِ وَهَذَا إذَا جَاءَا مَعًا فَأَمَّا إذَا أَقَامَ الزَّوْجُ الْبَيِّنَةَ أَوَّلًا وَقَضَى الْقَاضِي بِذَلِكَ ثُمَّ أَقَامَتْ الْمَرْأَةُ الْبَيِّنَةَ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنْهَا لِتَرْجِيحِ الْأُولَى بِالْقَضَاءِ فَإِنَّ وَقَّتَ أَحَدٌ مِنْ الْبَيِّنَتَيْنِ وَقْتًا قَبْلَ الْأُخْرَى فَإِنَّهُ يَقْضِي بِأَسْبَقِهِمَا تَارِيخًا وَإِنْ لَمْ يُوَقِّتْ ذَكَرَ أَنَّهُمَا يَبْطُلَانِ وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ تَدَّعِي الصَّدَاقَ وَمَتَى لَمْ تَدَّعِ فَإِنَّهَا تَتَهَاتَرُ الْبَيِّنَتَانِ وَإِنْ كَانَ هَذَا الصَّبِيُّ حَيًّا لَمْ يَمُتْ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا. قَالَ هَذَا كُلُّهُ بَاطِلٌ وَلَا أَقْضِي بِشَيْءٍ مِنْهُ بِلَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 541 تَوَقُّفٍ فِي ذَلِكَ حَتَّى يَسْتَبِينَ حَالُهُ مَتَى أَدْرَكَ وَلَيْسَ حَالَةُ الْحَيَاةِ عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ مَا بَعْدَ الْمَوْتِ. وَلَوْ أَنَّ هَذَا الْخُنْثَى حِينَ مَاتَ بَعْدَ أَبِيهِ وَهُوَ مُرَاهِقٌ أَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ أَنَّ أَبَاهُ زَوَّجَهُ إيَّاهَا عَلَى هَذَا الْوَقْفِ بِأَلْفٍ وَأَمَرَهُ بِدَفْعِهِ إلَيْهِ وَأَنَّهُ كَانَ يَبُولُ مِنْ حَيْثُ تَبُولُ النِّسَاءُ وَكَذَّبَهُ الْوَرَثَةُ فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ أَمَّا إنْ جَاءَتْ الْبَيِّنَاتُ مَعًا أَوْ جَاءَتْ إحْدَاهُمَا قَبْلَ صَاحِبَتِهَا فَإِنْ جَاءَتَا مَعًا فَلَا يَخْلُو أَمَّا إنْ لَمْ يُوَقِّتَا أَوْ وَقَّتَا وَقْتًا وَوَقْتُهُمَا عَلَى السَّوَاءِ أَوْ كَانَ وَقْتُ أَحَدِهِمَا أَسْبَقَ فَإِنْ لَمْ يُوَقِّتَا أَوْ وَقَّتَا وَوَقْتُهُمَا عَلَى السَّوَاءِ تَهَاتَرَتْ الْبَيِّنَاتُ جَمِيعًا وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ لَمْ يَدَّعِ الزَّوْجُ نِصْفَ الصَّدَاقِ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَإِنَّمَا ادَّعَى النِّكَاحَ عَلَى الْخُنْثَى لَا غَيْرَ وَبَاقِي الْمَسْأَلَةِ بِحَالِهَا ذَكَرَ أَنَّ الْبَيِّنَةَ الْمُثْبِتَةَ أَنَّهَا امْرَأَةٌ أَوْلَى وَإِنْ وَقَّتَا وَقْتًا وَوَقْتُ أَحَدِهِمَا أَسْبَقُ فَالسَّابِقُ أَوْلَى فَإِنْ جَاءَتْ إحْدَاهُمَا قَبْلَ الْأُخْرَى إنْ جَاءَتْ الْأُخْرَى قَبْلَ الْقَضَاءِ بِالْأُولَى فَالْجَوَابُ فِيهِ كَالْجَوَابِ فِيمَا لَوْ جَاءَتَا مَعًا فَأَمَّا إذَا قَضَى الْقَاضِي بِالْأُولَى ثُمَّ جَاءَتْ الْأُخْرَى لَا تُقْبَلُ الْأُخْرَى بِخِلَافِ مَا لَوْ جَاءَتَا مَعًا وَلَمْ يُؤَرِّخَا أَوْ أَرَّخَا فَتَارِيخُهُمَا عَلَى السَّوَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَقْضِي بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا. وَلَوْ أَنَّ هَذَا الْخُنْثَى الْمُشْكِلَ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَظْهَرَ أَمْرُهُ فَأَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ أَنَّ أَبَاهُ زَوَّجَهَا إيَّاهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ بِرِضَاهَا وَأَنَّهَا وَلَدَتْ مِنْهُ هَذَا الْوَلَدَ قَالَ أَجَزْت بَيِّنَتَهُ وَأَجْعَلُهَا امْرَأَتَهُ وَأَجْعَلُ الْوَلَدَ ابْنَهَا، وَإِنْ لَمْ يُقِمْ هَذَا الرَّجُلُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهَا إيَّاهُ بِرِضًا مِنْهُ وَأَنَّهُ دَخَلَ بِهَا وَأَنَّهَا وَلَدَتْ مِنْهُ هَذَا الْوَلَدَ فَإِنَّهُ يَقْضِي بِكَوْنِ الْخُنْثَى رَجُلًا وَأَلْزَمَهُ الْوَلَدُ فَإِنْ اجْتَمَعَتْ الدَّعْوَتَانِ جَمِيعًا وَجَاءَتْ الْبَيِّنَاتُ مَعًا وَلَمْ يُوَقِّتَا أَوْ وَقَّتَا عَلَى السَّوَاءِ فَإِنَّهَا تَهَاتَرَتْ الْبَيِّنَاتُ جَمِيعًا وَجَاءَتْ الْبَيِّنَاتُ مَعًا فَإِنْ قَامَتْ إحْدَى هَاتَيْنِ الْبَيِّنَتَيْنِ وَقَضَى الْقَاضِي بِشَهَادَتِهِمَا ثُمَّ جَاءَتْ الْبَيِّنَةُ الْأُخْرَى بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ لَا أَقْبَلُ الْبَيِّنَةَ الثَّانِيَةَ. وَإِنْ كَانَ هَذَا الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَادَّعَى رَجُلٌ مُسْلِمٌ أَنَّ أَبَاهُ زَوَّجَهُ إيَّاهَا عَلَى مَهْرٍ مُسَمًّى بِرِضَاهَا وَأَقَامَ بَيِّنَةً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ قَالَ أَقْضِي بِبَيِّنَةِ الْمُسْلِمِ وَأَجْعَلُهَا امْرَأَتَهُ وَأُبْطِلُ بَيِّنَةَ الْمَرْأَةِ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَبَيِّنَتُهُ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ فَيَقْضِي لِلرَّجُلِ دُونَ الْمَرْأَةِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ وَقَعَ الدَّعْوَى فِي الْمَالِ فَادَّعَى الْمُسْلِمُ مَالًا فِي يَدِ ذِمِّيٍّ وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ شَاهِدَيْنِ كِتَابِيَّيْنِ وَأَنَّهُ يَقْضِي بِالْمَالِ بَيْنَهُمَا وَلَا تُرَجَّحُ إحْدَى الشَّهَادَتَيْنِ بِالْإِسْلَامِ. وَلَوْ مَاتَ أَبُو الْخُنْثَى ثُمَّ مَاتَ هَذَا الْخُنْثَى فَادَّعَتْ أُمُّهُ مِيرَاثَ غُلَامٍ وَأَقَرَّ الْوَصِيُّ بِذَلِكَ وَجَحَدَ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ وَقَالُوا هِيَ جَارِيَةٌ قَالَ إذَا جَاءَتْ الدَّعْوَى فِي الْأَمْوَالِ لَمْ يُصَدَّقْ وَعَلَى الْأُمِّ عَلَى مَا ادَّعَى وَإِنْ كَانَ هَذَا الْخُنْثَى حَيًّا لَمْ يَمُتْ فَقَالَ أَنَا غُلَامٌ وَطَلَبَ مِيرَاثَ غُلَامٍ مِنْ أَبِيهِ، وَصَدَّقَهُ الْوَصِيُّ فِي ذَلِكَ وَأَنْكَرَ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ ذَلِكَ وَقَالُوا هِيَ جَارِيَةٌ قَالَ لَا أُعْطِيهِ مِيرَاثَ غُلَامٍ وَلَا أُصَدِّقُهُ عَلَى ذَلِكَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَإِنْ كَانَ وُصِيُّهُ أَخُوهُ زَوَّجَهُ امْرَأَةً ثُمَّ مَاتَ الْخُنْثَى وَطَلَبَتْ الْمَرْأَةُ مِيرَاثَهَا، وَقَالَ الْوَصِيُّ هُوَ غُلَامٌ وَقَدْ جَازَ النِّكَاحُ وَرِثَتْ الْمَرْأَةُ مِنْهُ، وَقَالَ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ: هِيَ جَارِيَةٌ لَا يَلْزَمُ الْوَرَثَةُ الَّذِينَ أَنْكَرُوا مِيرَاثَ الْغُلَامِ فِي حَقِّهِمْ وَيَلْزَمُ الْوَصِيُّ الْمُقِرُّ مِيرَاثَ غُلَامٍ فِي نَصِيبِهِ وَتَرِثُ الْمَرْأَةُ مِنْ الْخُنْثَى مِيرَاثَ الْخُنْثَى مِنْ الْمُقِرِّ. وَإِنْ كَانَ لَهُ أَخٌ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ فَأَقَرَّ أَنَّهُ جَارِيَةٌ وَزَوَّجَهَا رَجُلًا ثُمَّ مَاتَ الْخُنْثَى، وَقَدْ رَاهَقَ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهَا امْرَأَةٌ وَزَوَّجَهَا ثُمَّ مَاتَ الْخُنْثَى قَبْلَ أَنْ يُعْرَفَ حَالُهُ فَإِنَّ النِّكَاحُ جَائِزٌ عَلَى الْأَخِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْوَصِيُّ وَلَا يَجُوزُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ مِنْ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ، وَالنِّكَاحُ الثَّانِي الَّذِي أَقَرَّ بِهِ الْأَخُ الثَّانِي الَّذِي لَيْسَ بِوَصِيٍّ بَاطِلٌ فِي حَقِّهِ وَلَا يَجُوزُ فِي حَقِّ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ، قَالَ: وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ أَيُّ النِّكَاحَيْنِ أَوَّلُ قَالَ أُبْطِلُ هَذَا كُلُّهُ وَلَا أُوَرِّثُ شَيْئًا مِنْهُمَا وَإِنْ عَرَفْت الَّذِي أَقَرَّ أَنَّهَا امْرَأَةٌ وَزَوَّجَهَا رَجُلًا أَنَّهَا أَوَّلُ قَالَ: أُلْزِمُهُ مِيرَاثَ الْأَخِ فِي نَصِيبِهِ وَلَا أُلْزِمُ غَيْرَهُ وَأُبْطِلُ النِّكَاحَ خُنْثَى مُشْكِلٌ مُرَاهِقٌ وَخُنْثَى مِثْلُهُ مُشْكِلٌ تَزَوَّجَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ عَلَى أَنَّ أَحَدَهُمَا رَجُلٌ، وَالْآخَرَ امْرَأَةٌ إذَا مَاتَ وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ وَرَثَتِهِمَا بَيِّنَةً أَنَّهُ هُوَ الزَّوْجُ وَأَنَّ الْآخَرَ هُوَ الزَّوْجَةُ قَالَ لَا أَقْضِي بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ جَاءَتْ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ قَبْلَ الْأُخْرَى وَقَضَى بِهَا ثُمَّ جَاءَتْ الْبَيِّنَةُ الثَّانِيَةُ قَالَ أُبْطِلُ الْبَيِّنَةَ الْأُخْرَى وَقَضَاءُ الْأَوَّلِ مَاضٍ عَلَى حَالِهِ بِشَهَادَةِ لِلْخُنْثَى حَتَّى يُدْرِكَ وَبَعْدَمَا أَدْرَكَ إذَا لَمْ يَسْتَبِنْ أَمْرُهُ يُوقَفُ أَمْرُهُ فِي حَقِّ الشَّهَادَةِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَنَّهُ رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ أَوْ صَبِيٌّ هَذَا الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ يُعْطِي لَهُ خَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ وَتُوقَفُ الْخَمْسُمِائَةِ الْأُخْرَى إلَى أَنْ يَتَبَيَّنَ حَالُهُ أَوْ يَمُوتُ قَبْلَ التَّبَيُّنِ فَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ ذَكَرَ دُفِعَتْ الزِّيَادَةُ إلَيْهِ وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ جَارِيَةٌ دُفِعَتْ إلَى وَرَثَةِ الْمُوصِي وَهَذَا قَوْلُ عُلَمَائِنَا قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يُعْطِي لَهُ نِصْفَ وَصِيَّةِ الْغُلَامِ خَمْسَمِائَةٍ وَنِصْفَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 542 وَصِيَّةُ الْجَارِيَةِ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ فَيُعْطَى لَهُ سَبْعُمِائَةٍ وَخَمْسُونَ وَيُوقَفُ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ إلَى أَنْ يَتَبَيَّنَ حَالُهُ فَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ ذَكَرٌ يُعْطِي مِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أُنْثَى يُؤْخَذُ مِنْهُ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَهُ أَقَلُّ النَّصِيبَيْنِ) يَعْنِي لَوْ مَاتَ أَبُوهُ كَانَ لَهُ الْأَقَلُّ مِنْ نَصِيبِ الذَّكَرِ وَمِنْ نَصِيبِ الْأُنْثَى فَإِنَّهُ يَنْظُرُ نَصِيبَهُ عَلَى أَنَّهُ ذَكَرٌ وَعَلَى أَنَّهُ أُنْثَى فَيُعْطِي الْأَقَلَّ مِنْهُمَا وَإِنْ كَانَ مَحْرُومًا عَلَى أَحَدِ التَّقْدِيرَيْنِ فَلَا شَيْءَ لَهُ مِثَالُهُ: أَخَوَانِ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَحَدُهُمَا خُنْثَى مُشْكِلٌ كَانَ الْمَالُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا لِلْأَخِ الثُّلُثَانِ، وَلِلْخُنْثَى الثُّلُثُ فَيُقَدَّرُ أُنْثَى؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ وَلَوْ قُدِّرَ ذَكَرًا كَانَ لَهُ النِّصْفُ. وَلَوْ تَرَكَتْ امْرَأَةٌ زَوْجًا، وَأُمًّا وَأُخْتًا لِأَبٍ وَأُمٍّ هِيَ خُنْثَى كَانَ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَلِلْأُمِّ الثُّلُثُ مِنْ النِّصْفِ الْبَاقِي وَلِلْخُنْثَى مَا بَقِيَ وَهُوَ السُّدُسُ عَلَى أَنَّهُ عَصَبَةٌ، وَلَوْ قُدِّرَ أُنْثَى كَانَ لَهُ النِّصْفُ وَكَانَتْ الْمَسْأَلَةُ تَعُولُ إلَى ثَمَانِيَةٍ. وَلَوْ تَرَكَتْ زَوْجًا وَأُمًّا وَأَخَوَيْنِ مِنْ أُمٍّ وَأَخًا لِأَبٍ وَأُمٍّ هُوَ خُنْثَى كَانَ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ وَلِلْأَخَوَيْنِ لِأُمٍّ الثُّلُثُ وَلَا شَيْءَ لِلْخُنْثَى؛ لِأَنَّهُ عَصَبَةٌ وَلَمْ يَفْضُلْ لَهُ شَيْءٌ وَلَوْ قُدِّرَ أُنْثَى كَانَ لَهُ النِّصْفُ فَعَالَتْ الْمَسْأَلَةُ إلَى تِسْعَةٍ. وَلَوْ تَرَكَ الرَّجُلُ وَلَدَ أَخٍ هُوَ الْخُنْثَى وَعَمًّا لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ كَانَ الْمَالُ لِلْعَمِّ وَيُقَدَّرُ الْخُنْثَى أُنْثَى؛ لِأَنَّ بِنْتَ الْأَخِ لَا تَرِثُ وَلَوْ قُدِّرَ ذَكَرًا كَانَ الْمَالُ لَهُ دُونَ الْعَمِّ؛ لِأَنَّ ابْنَ الْأَخِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعَمِّ، وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: لِلْخُنْثَى نِصْفُ مِيرَاثِ ذَكَرٍ وَنِصْفُ مِيرَاثِ أُنْثَى وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلُهُ؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ، وَالتَّوْزِيعُ عَلَى أَحْوَالٍ عِنْدَ الْجَهْلِ طَرِيقٌ مَعْهُودَةٌ فِي الشَّرْعِ كَمَا فِي الْعِتْقِ الْمُبْهَمِ، وَالطَّلَاقِ الْمُبْهَمِ إذَا تَعَذَّرَ الْبَيَانُ فِيهِ بِمَوْتِ الْمَوْقِعِ قَبْلَ الْبَيَانِ، وَلَنَا أَنَّ الْحَاجَةَ إلَى إثْبَاتِ الْمِلْكِ ابْتِدَاءً فَلَا يَثْبُتُ مَعَ الشَّكِّ فَصَارَ كَمَا إذَا كَانَ الشَّكُّ فِي وُجُوبِ الْمَالِ بِسَبَبٍ آخَرَ غَيْرَ الْمِيرَاثِ بِخِلَافِ الْمُسْتَشْهَدِ بِهِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الِاسْتِحْقَاقِ مُتَيَقَّنٌ بِهِ وَهُوَ الْإِنْشَاءُ السَّابِقُ وَمَحَلِّيَّةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَبْدَيْنِ، وَالْمُعْتَقَيْنِ بِحُكْمِ ذَلِكَ السَّبَبِ ثَابِتٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى السَّوَاءِ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ بِالشَّكِّ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَلَوْ مَاتَ أَبُوهُ وَتَرَكَ ابْنًا لَهُ سَهْمَانِ وَلِلْخُنْثَى سَهْمٌ) ؛ لِأَنَّهُ الْأَقَلُّ وَهُوَ مُتَيَقَّنٌ فَيَسْتَحِقُّهُ، وَعَلَى قَوْلِ الشَّعْبِيِّ نِصْفُ مِيرَاثِ ذَكَرٍ وَنِصْفُ مِيرَاثِ أُنْثَى وَاخْتَلَفَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ فِي تَخْرِيجِ قَوْلِ الشَّعْبِيِّ فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ الْمَالُ بَيْنَهُمَا عَلَى سَبْعَةِ أَسْهُمٍ أَرْبَعَةٍ لِلذَّكَرِ وَثَلَاثَةٍ لِلْخُنْثَى اُعْتُبِرَ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَالَةَ انْفِرَادِهِ فَإِنَّ الذَّكَرَ لَوْ كَانَ وَحْدَهُ كَانَ كُلُّ الْمَالِ لَهُ، وَالْخُنْثَى إنْ كَانَ ذَكَرًا كَانَ لَهُ كُلُّ الْمَالِ وَإِذَا كَانَ أُنْثَى كَانَ لَهُ نِصْفُ الْمَالِ فَيَأْخُذُ نِصْفَ النَّصِيبَيْنِ نِصْفَ الْكُلِّ وَنِصْفَ النِّصْفِ وَذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْمَالِ وَلِلِابْنِ كُلُّ الْمَالِ فَيَجْعَلُ كُلَّ رُبْعٍ سَهْمًا فَبَلَغَ سَبْعَةَ أَسْهُمٍ لِلِابْنِ أَرْبَعَةٌ وَلِلْخُنْثَى ثَلَاثَةُ أَرْبَاعٍ وَلَيْسَ لِلْمَالِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعٍ وَأَرْبَعَةُ أَرْبَاعٍ فَيُضْرَبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِجَمِيعِ حَقِّهِ اعْتِبَارًا بِطَرِيقِ الْعَوْلِ، وَالْمُضَارَبَةِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْمَالُ بَيْنَهُمَا عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ سَهْمًا سَبْعَةٍ لِلِابْنِ أَيْضًا وَخَمْسَةٍ لِلْخُنْثَى وَيُعْتَبَرُ هُوَ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي حَالَةِ الِاجْتِمَاعِ فَيَقُولُ لَوْ كَانَ الْخُنْثَى ذَكَرًا كَانَ الْمَالُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَلَوْ كَانَ أُنْثَى كَانَ أَثْلَاثًا فَالْقِسْمَةُ عَلَى تَقْدِيرِ ذُكُورَتِهِ مِنْ اثْنَيْنِ وَعَلَى تَقْدِيرِ أُنُوثَتِهِ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا مُوَافَقَةٌ فَيُضْرَبُ إحْدَاهُمَا فِي الْأُخْرَى تَبْلُغُ سِتَّةً لِلْخُنْثَى عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُ أُنْثَى سَهْمَانِ وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُ ذَكَرٌ ثَلَاثَةٌ فَلَهُ نِصْفُ النَّصِيبَيْنِ وَلَيْسَ لِلثَّلَاثَةِ نِصْفٌ صَحِيحٌ فَيُضْرَبُ السِّتَّةُ فِي اثْنَيْنِ تَبْلُغُ اثْنَيْ عَشَرَ فَيَكُونُ لِلْخُنْثَى سِتَّةٌ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُ ذَكَرٌ وَلَه أَرْبَعَةٌ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُ أُنْثَى فَيَأْخُذُ نِصْفَ النَّصِيبَيْنِ خَمْسَةً؛ لِأَنَّ نِصْفَ السِّتَّةِ ثَلَاثَةٌ وَنِصْفَ الْأَرْبَعَةِ اثْنَانِ أَلَا تَرَى أَنَّ الِابْنَ يَأْخُذُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ سَبْعَةً؛ لِأَنَّ نَصِيبَ الِابْنِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ الْخُنْثَى ذَكَرٌ سِتَّةٌ وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُ أُنْثَى ثَمَانِيَةٌ فَنِصْفُ النَّصِيبَيْنِ سَبْعَةٌ وَلَوْ كَانَ مَعَهَا بِنْتٌ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَكُونُ الْمَسْأَلَةُ مِنْ تِسْعَةٍ؛ لِأَنَّ نَصِيبَ الْبِنْتِ النِّصْفُ حَالَةَ انْفِرَادِهَا وَلِلِابْنِ الْكُلُّ وَلِلْخُنْثَى ثَلَاثَةُ أَرْبَاعٍ حَالَ انْفِرَادِ كُلٍّ مِنْهُمَا فَيُجْعَلُ كُلُّ رُبْعٍ سَهْمًا تَبْلُغُ تِسْعَةً وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَهُ خُمُسٌ وَثُمُنٌ؛ لِأَنَّ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُ ذَكَرٌ كَانَ لَهُ خُمُسَانِ فَلَهُ نِصْفٌ وَهُوَ الْخُمُسُ وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُ أُنْثَى كَانَ لَهُ رُبُعٌ فَلَهُ نِصْفُهُ وَهُوَ الثُّمُنُ فَمَخْرَجُ الْخُمُسِ مِنْ خَمْسَةٍ وَمَخْرَجُ الثُّمُنِ مِنْ ثَمَانِيَةٍ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا مُوَافَقَةٌ فَتُضْرَبُ إحْدَاهُمَا فِي الْأُخْرَى تَبْلُغُ أَرْبَعِينَ وَمِنْهَا تَصِحُّ الْمَسْأَلَةُ لِلْخُنْثَى خُمُسُهَا ثَمَانِيَةٌ وَثُمُنُهَا خَمْسَةٌ فَاجْتَمَعَ لَهُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ سَهْمًا، وَالْبِنْتُ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُ ذَكَرٌ خُمُسَانِ وَهُوَ سِتَّةَ عَشَرَ وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُ أُنْثَى رُبُعٌ وَهُوَ عَشْرَةٌ فَيَكُونُ لَهُ نِصْفُ النَّصِيبَيْنِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ، وَالِابْنُ خُمُسَانِ عَلَى تَقْدِيرِ ذُكُورَتِهِ وَنِصْفٌ عَلَى تَقْدِيرِ أُنُوثَتِهِ فَلَهُ نِصْفُ النَّصِيبَيْنِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَعَلَى هَذَا تَخْرُجُ الْمَسَائِلُ وَلَوْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى الْمَذْهَبَيْنِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 543 وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [مَسَائِلُ شَتَّى] [إيمَاءُ الْأَخْرَسِ وَكِتَابَتُهُ ومسائل متفرقة تتعلق بالكتابة والشهادة] (مَسَائِلُ شَتَّى) قَدْ كَانَتْ عَادَةُ الْمُصَنَّفِينَ أَنَّهُمْ يَذْكُرُونَ آخِرَ الْكِتَابِ مَا لَمْ يُذْكَرْ فِي الْأَبْوَابِ السَّابِقَةِ مِنْ الْمَسَائِلِ اسْتِدْرَاكًا لِلْفَائِتِ وَيُتَرْجِمُونَ لِتِلْكَ الْمَسَائِلِ بِمَسَائِلَ شَتَّى أَوْ بِمَسَائِلَ مَنْثُورَةٍ فَعَمِلَ الْمُصَنِّفُ هُنَا أَيْضًا كَذَلِكَ جَرْيًا عَلَى عَادَتِهِمْ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ مَسَائِلُ شَتَّى أَيْ مُتَفَرِّقَةٍ وَهُوَ جَمْعُ شَتِيتٍ وَهُوَ التَّفَرُّقُ فَإِنْ قُلْت جَاءَنِي الْقَوْمُ شَتَّى يَكُونُ نَصْبًا عَلَى الْحَالِ أَيْ مُتَفَرِّقِينَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إيمَاءُ الْأَخْرَسِ وَكِتَابَتُهُ كَالْبَيَانِ بِخِلَافِ مُعْتَقَلِ اللِّسَانِ فِي وَصِيَّتِهِ وَنِكَاحٍ وَطَلَاقٍ وَبَيْعٍ وَشِرَاءٍ وَقَوَدٍ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا فَرْقَ بَيْنَ مُعْتَقَلِ اللِّسَانِ وَالْأَخْرَسِ، وَلَنَا أَنَّ الْإِشَارَةَ إنَّمَا تَقُومُ مَقَامَ الْعِبَارَةِ إذَا صَارَتْ مَعْهُودَةً وَذَلِكَ فِي الْأَخْرَسِ دُونَ مُعْتَقَلِ اللِّسَانِ حَتَّى لَوْ امْتَدَّ ذَلِكَ وَصَارَتْ إشَارَتُهُ مَعْهُودَةً صَارَ بِمَنْزِلَةِ الْأَخْرَسِ، وَقَدَّرَ مُدَّةَ الِامْتِدَادِ فِي الْمُحِيطِ بِشَهْرٍ وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ وَقَدَّرَ التُّمُرْتَاشِيُّ الِامْتِدَادَ بِسَنَةٍ وَذَكَرَ الْحَاكِمُ أَبُو مُحَمَّدٍ رِوَايَةً عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فَقَالَ إذَا دَامَتْ الْعُقْلَةُ إلَى وَقْتِ الْمَوْتِ يَجُوزُ إقْرَارُهُ بِالْإِشَارَةِ وَيَجُوزُ الْإِشْهَادُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ عَجَزَ عَنْ النُّطْقِ بِمَعْنًى لَا يُرْجَى زَوَالُهُ فَكَانَ كَالْأَخْرَسِ قَالَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَأَطْلَقَ فِي الْأَخْرَسِ فَشَمِلَ الْأَصْلِيَّ وَالْعَارِضَ وَالْمُرَادُ الْأَصْلِيُّ أَمَّا الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّ التَّقْصِيرَ جَاءَ مِنْ قِبَلِهِ حَيْثُ أَخَّرَ الْوَصِيَّةَ إلَى هَذَا الْوَقْتِ بِخِلَافِ الْأَخْرَسِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَفْرِيطَ مِنْ جِهَتِهِ وَلِأَنَّ الْعَارِضَ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ دُونَ الْأَصْلِ فَلَا يُقَاسُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ، وَإِذَا كَانَ إيمَاءُ الْأَخْرَسِ وَكِتَابَتُهُ كَالْبَيَانِ وَهُوَ النُّطْقُ بِاللِّسَانِ تَلْزَمُهُ الْأَحْكَامُ بِالْإِشَارَةِ وَالْكِتَابَةِ حَتَّى يَجُوزَ نِكَاحُهُ وَطَلَاقُهُ وَعِتْقُهُ وَبَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ؛ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ تَكُونُ بَيَانًا مِنْ الْقَادِرِ عَلَى النُّطْقِ فَالْعَاجِزُ أَوْلَى وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيَّنَ الشَّهْرَ بِالْإِشَارَةِ حَيْثُ قَالَ «الشَّهْرُ هَكَذَا وَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ» قَالُوا وَالْكِتَابُ مِمَّنْ يَأْتِي بِمَنْزِلَةِ الْخِطَابِ مِمَّنْ ذَكَرَ أَقُولُ: فِيهِ شَيْءٌ وَهُوَ أَنَّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى بَعْضِ الْمُدَّعِي وَلَا يَدُلُّ عَلَى بَعْضِهِ الْآخَرِ بَلْ يَدُلُّ عَلَى خِلَافِهِ فَإِنَّ كِتَابَةَ الْأَخْرَسِ حُجَّةٌ فِيمَا سِوَى الْحُدُودِ وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ فِي الْحُدُودِ، وَهَذَا الدَّلِيلُ الْمَذْكُورُ لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ كَوْنِهَا فِي الْحُدُودِ إذْ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْحُدُودِ وَمَا سِوَاهَا بَلْ يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهَا حُجَّةً فِي الْحُدُودِ أَيْضًا إذَا كَانَتْ مُسْتَبِينَةً مَرْسُومَةً وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ النُّطْقِ فِي الْغَائِبِ وَالْحَاضِرِ عَلَى مَا قَالُوا، فَإِنَّهُ إذَا كَانَ بِمَنْزِلَةِ النُّطْقِ فِي حَقِّ الْحَاضِرِ أَيْضًا لَمْ يَكُنْ حُجَّةً ضَرُورَةً فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حُجَّةً فِي الْحُدُودِ أَيْضًا كَمَا كَانَ النُّطْقُ حُجَّةً فِيهَا فَلْيُتَأَمَّلْ فِي الْمَخْلَصِ. وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الدَّلَالَةَ كَالْبَيَانِ هُوَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلَّغَ الرِّسَالَةَ بِالْكِتَابِ كَالْخِطَابِ فَإِذَا كَانَ خِطَابًا فِي حَقِّ الْقَادِرِ فَفِي حَقِّ الْأَخْرَسِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ عَجْزَهُ ظَاهِرٌ وَأَلْزَمُ عَادَةً؛ لِأَنَّ الْغَائِبَ يَقْدِرُ عَلَى الْحُضُورِ بَلْ يَقْدِرُ ظَاهِرًا وَالْأَخْرَسُ لَا يَقْدِرُ عَلَى نُطْقٍ وَالظَّاهِرُ بَقَاؤُهُ عَلَى الدَّوَامِ، ثُمَّ الْكِتَابُ عَلَى ثَلَاثَةِ مَرَاتِبَ مُسْتَبِينٌ وَمَرْسُومٌ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مُعَنْوَنًا أَيْ مُصَدَّرٌ بِالْعِنْوَانِ وَهُوَ أَنْ يَكْتُبَ فِي صَدْرِهِ مِنْ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ فِي سَيْرِ الْكُتُبِ فَيَكُونُ هَذَا كَالنُّطْقِ فَيَلْزَمُ حُجَّةً وَمُسْتَبِينٌ غَيْرُ مَرْسُومٍ كَالْكِتَابَةِ عَلَى الْجُدْرَانِ وَأَوْرَاقِ الْأَشْجَارِ أَوْ عَلَى الْكَاغِدِ لَا عَلَى وَجْهِ الرَّسْمِ فَإِنَّ هَذَا يَكُونُ لَغْوًا؛ لِأَنَّهُ لَا عُرْفَ فِي إظْهَارِ الْأَمْرِ بِهَذَا الطَّرِيقِ فَلَا يَكُونُ حُجَّةً إلَّا بِانْضِمَامِ شَيْءٍ آخَرَ إلَيْهِ كَالْبَيِّنَةِ وَالْإِشْهَادِ عَلَيْهِ وَالْإِمْلَاءِ عَلَى الْغَيْرِ حَتَّى يَكْتُبَهُ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ قَدْ تَكُونُ تَجْرِبَةً وَقَدْ تَكُونُ لِلتَّحْقِيقِ وَبِهَذِهِ الْإِشَارَةِ تَتَبَيَّنُ الْجِهَةُ وَقِيلَ الْإِمْلَاءُ مِنْ غَيْرِ إشْهَادٍ لَا يَكُونُ حُجَّةً وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَغَيْرُ مُسْتَبِينٍ كَالْكِتَابَةِ عَلَى الْهَوَاءِ أَوْ الْمَاءِ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ كَلَامٍ غَيْرِ مَسْمُوعٍ وَلَا يَثْبُتُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الْأَحْكَامِ وَإِنْ نَوَى، وَقَوْلُ الْمُؤَلِّفِ وَقَوَدٍ وَعَلَّلَ فِي الْهِدَايَةِ بِأَنَّ الْقِصَاصَ فِيهِ مَعْنَى الْعِوَضِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ جَابِرًا فَجَازَ أَنْ يَثْبُتَ مَعَ الشُّبْهَةِ كَسَائِرِ الْمُعَاوَضَاتِ الَّتِي هِيَ حَقُّ الْعَبْدِ بِخِلَافِ الْحُدُودِ الْخَالِصَةِ لِلَّهِ تَعَالَى فَشُرِعَتْ زَوَاجِرَ وَلَيْسَ فِيهَا مَعْنَى الْعِوَضِيَّةِ فَلَا تَثْبُتُ مَعَ الشُّبْهَةِ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ. أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ مَا ذُكِرَ هَا هُنَا مِنْ جَوَازِ ثُبُوتِ الْقِصَاصِ مَعَ الشُّبْهَةِ مُخَالِفٌ لِمَا صَرَّحَ بِهِ فِيمَا مَرَّ فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ مِنْهَا كِتَابُ الْكَفَالَةِ فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ وَلَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ مَبْنَى الْكُلِّ عَلَى الدَّرْءِ فَلَا يَجِبُ فِيهَا الِاسْتِيثَاقُ وَمِنْهَا كِتَابُ الشَّهَادَاتِ فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ وَلَا تُقْبَلُ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ؛ لِأَنَّ شُبْهَةَ الْبَدَلِيَّةِ لِقِيَامِهَا مَقَامَ شَهَادَةِ الرِّجَالِ فَلَا تُقْبَلُ فِيمَا يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ ثُمَّ قَالَ فِي بَابِ الشَّهَادَةِ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ جَائِزَةٌ فِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 544 كُلِّ حَقٍّ لَا يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ وَلَا تُقْبَلُ فِيمَا يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ كَالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ وَمِنْهَا كِتَابُ الْوَكَالَةِ حَيْثُ قَالَ فِيهِ وَتَجُوزُ الْوَكَالَةُ بِالْخُصُومَةِ فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ، وَكَذَا بِإِيفَائِهَا وَاسْتِيفَائِهَا إلَّا فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ فَإِنَّ الْوَكَالَةَ لَا تَصِحُّ بِاسْتِيفَائِهَا مَعَ غَيْبَةِ الْمُوَكِّلِ عَنْ الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّهَا تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ، وَكَذَا فِي كِتَابِ الدَّعْوَى وَمِنْهَا كِتَابُ الْجِنَايَاتِ فَإِنَّهُ صَرَّحَ فِيهِ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مِنْهُ بِعَدَمِ ثُبُوتِ الْقِصَاصِ بِالشُّبْهَةِ بَلْ جَعَلَهَا أَصْلًا مُؤَثِّرًا فِي سُقُوطِ الْقِصَاصِ وَفَرَّعَ عَلَيْهِ كَثِيرًا مِنْ مَسَائِلِ سُقُوطِ الْقِصَاصِ بِتَحَقُّقِ نَوْعٍ مِنْ الشُّبْهَةِ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا لَا يَخْفَى عَلَى النَّاظِرِ فِي تَمَامِ ذَلِكَ الْكِتَابِ، وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ قَيْدَ الْخَالِصَةِ فِي قَوْلِهِ أَمَّا الْحُدُودُ الْخَالِصَةُ لِلَّهِ تَعَالَى فَشُرِعَتْ زَوَاجِرَ مُسْتَدْرَكٌ فَإِنَّ حَدَّ الْقَذْفِ غَيْرُ خَالِصٍ لِلَّهِ تَعَالَى بَلْ فِيهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَحَقُّ الْعَبْدِ مُقَدَّمٌ. كَمَا صَرَّحُوا بِهِ عَلَى أَنَّهُ زَاجِرٌ لَا يَثْبُتُ بِالشُّبْهَةِ وَلَا تَكُونُ إشَارَةُ الْأَخْرَسِ حُجَّةً فِيهِ أَيْضًا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ لَا يَثْبُتُ بِالشُّبْهَةِ فِيمَا مَرَّ آنِفًا فَلَا يَتِمُّ التَّفْرِيقُ بِالنَّظَرِ إلَيْهِ وَقَوْلُ الْمُؤَلِّفِ الْإِشَارَةُ وَالْكِتَابَةُ كَالْبَيَانِ دَلَّتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَنَّ الْإِشَارَةَ مُعْتَبَرَةٌ وَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْكِتَابَةِ لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فَقَالَ أَشَارَ وَكَتَبَ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ وَلَنَا فِي دَعْوَى الْجَمِيعِ بَيْنَهُمَا نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَإِذَا كَانَ الْأَخْرَسُ يَكْتُبُ أَوْ يُومِئُ وَكَلِمَةُ أَوَّلًا حَدُّ الشَّيْئَيْنِ لَا لِلْجَمْعِ عَلَى أَنَّا نَقُولُ قَالَ فِي الْأَصْلِ وَإِنْ كَانَ الْأَخْرَسُ لَا يَكْتُبُ وَكَانَتْ لَهُ إشَارَةٌ تُعْرَفُ فِي نِكَاحِهِ وَطَلَاقِهِ وَشِرَائِهِ وَبَيْعِهِ فَهُوَ جَائِزٌ وَيُعْلَمُ مِنْ إشَارَةِ رِوَايَةِ الْأَصْلِ أَنَّ الْإِشَارَةَ مِنْ الْأَخْرَسِ لَا تُعْتَبَرُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ حُكْمُ إشَارَةِ الْأَخْرَسِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكْتُبَ فَافْهَمْ إلَى هُنَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا فِي حَدٍّ) يَعْنِي إشَارَتَهُ لَا تَكُونُ كَالْبَيَانِ فِي الْحُدُودِ لِأَنَّهَا تَنْدَرِئُ بِالشُّبْهَةِ لِكَوْنِهَا حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا حَاجَةَ إلَى إثْبَاتِهَا وَلَعَلَّهُ كَانَ مُصَدِّقًا لِلْقَاذِفِ إنْ قَذَفَ هُوَ فَلَا يَتَيَقَّنُ بِطَلَبِهِ الْحَدُّ وَإِنْ كَانَ هُوَ الْقَاذِفَ فَقَذْفُهُ لَيْسَ بِصَرِيحٍ وَالْحَدُّ لَا يَجِبُ إلَّا بِالْقَذْفِ بِصَرِيحِ الزِّنَا، وَفِي الْقِصَاصِ اُعْتُبِرَ طَلَبُهُ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ وَهَذَا لِأَنَّ الْحَدَّ لَا يَثْبُتُ بِبَيَانٍ فِيهِ شُبْهَةٌ. أَلَا تَرَى أَنَّ الشُّهُودَ لَوْ شَهِدُوا بِالْوَطْءِ الْحَرَامِ أَوْ أَقَرَّ هُوَ بِالْوَطْءِ الْحَرَامِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَلَوْ شَهِدُوا بِالْقَتْلِ الْمُطْلَقِ أَوْ أَقَرَّ بِمُطْلَقِ الْقَتْلِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ وَإِنْ لَمْ يُقِرَّ بِالتَّعَمُّدِ وَهَذَا لِأَنَّ الْقِصَاصَ فِيهِ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ جَابِرًا فَجَازَ أَنْ يَثْبُتَ مَعَ الشُّبْهَةِ كَسَائِرِ الْمُعَاوَضَاتِ الَّتِي هِيَ حَقُّ الْعَبْدِ، أَمَّا الْحُدُودُ الْخَالِصَةُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى جُعِلَتْ زَاجِرَةً لَيْسَ فِيهَا مَعْنَى الْبَدَلِيَّةِ أَصْلًا فَلَا يَثْبُتُ مَعَ الشُّبْهَةِ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ وَذَكَرَ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ أَنَّ الْكِتَابَ مِنْ الْغَائِبِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فِي قِصَاصٍ يَجِبُ عَلَيْهِ وَيُحْتَمَلُ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ فِي الْأَخْرَسِ كَذَلِكَ فَيَكُونُ فِي الْغَائِبِ وَالْأَخْرَسِ رِوَايَتَانِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُفَارِقًا لِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْغَائِبَ يُمْكِنُهُ الْوُصُولُ فِي الْجُمْلَةِ فَيُعْتَبَرُ بِالنُّطْقِ وَلَا كَذَلِكَ الْأَخْرَسُ لِتَعَذُّرِ وُجُودِ النُّطْقِ فِي حَقِّهِ لِلْآفَةِ الَّتِي بِهِ فَدَلَّتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَنَّ الْإِشَارَةَ مُعْتَبَرَةٌ وَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْكِتَابَةِ، بِخِلَافِ مَا ذَكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا مِنْ أَنَّ الْإِشَارَةَ لَا تُعْتَبَرُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْكِتَابَةِ قَالُوا: لِأَنَّ الْإِشَارَةَ حُجَّةٌ ضَرُورِيَّةٌ وَلَا ضَرُورَةَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْكِتَابَةِ قُلْنَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُجَّةٌ ضَرُورِيَّةٌ فَفِي الْكِتَابَةِ زِيَادَةُ بَيَانٍ لَمْ تُوجَدْ فِي الْإِشَارَةِ؛ لِأَنَّ قَصْدَ الْبَيَانِ فِي الْكِتَابَةِ مَعْلُومَةٌ حِسًّا وَعَيَانًا، وَفِي الْإِشَارَةِ زِيَادَةُ أَثَرٍ لَمْ تُوجَدْ فِي الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْبَيَانِ هُوَ الْكَلَامُ؛ لِأَنَّهُ وُضِعَ لَهُ وَالْإِشَارَةُ أَقْرَبُ إلَيْهِ لِأَنَّ الْعِلْمَ الْحَاصِلَ بِهَا حَاصِلٌ بِمَا هُوَ مُفَصَّلٌ بِالتَّكَلُّمِ وَهُوَ إشَارَتُهُ بِيَدِهِ أَوْ بِرَأْسِهِ صَارَتْ أَقْرَبَ إلَى النُّطْقِ مِنْ آثَارِ الْأَقْلَامِ فَاسْتَوَيَا وَلَا يُقَدَّمُ عَلَى الْآخَرِ بَلْ يُخَيَّرُ وَلِهَذَا ذَكَرَهُ بِكَلِمَةِ أَوْ الَّتِي لِلتَّخْيِيرِ وَقَالُوا فِيمَنْ صَمَتَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ الْحُكْمُ كَالْمُعْتَقَلِ اللِّسَانِ. [مسائل متفرقة في التحري في الذكاة والنجاسة] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (غَنَمٌ مَذْبُوحَةٌ وَمَيِّتَةٌ فَإِنْ كَانَتْ الْمَذْبُوحَةُ أَكْثَرَ تَحَرَّى وَأَكَلَ وَإِلَّا لَا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ الْأَكْلُ فِي حَالَةِ الِاخْتِيَارِ وَلَنَا أَنَّ الْغَلَبَةَ تَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الضَّرُورَةِ فِي إفَادَةِ الْإِبَاحَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّ أَسْوَاقَ الْمُسْلِمِينَ لَا تَخْلُو عَنْ الْمُحَرَّمِ مِنْ مَسْرُوقٍ وَمَغْصُوبٍ وَمَعَ ذَلِكَ يُبَاحُ التَّنَاوُلُ اعْتِمَادًا عَلَى الظَّاهِرِ وَهَذَا لِأَنَّ الْقَلِيلَ مِنْهُ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ وَلَا يُسْتَطَاعُ الِامْتِنَاعُ عَنْهُ فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ دَفْعًا لِلْحَرَجِ كَقَلِيلِ النَّجَاسَةِ فِي الْبَدَنِ أَوْ الثَّوْبِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْمَيْتَةُ أَكْثَرَ أَوْ اسْتَوَيَا؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ فَيُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ فَلَا تُؤْكَلُ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ أَخْذًا مِنْ النِّهَايَةِ طُولِبَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الثِّيَابِ فَإِنَّ الْمُسَافِرَ إذَا كَانَ مَعَهُ ثَوْبَانِ أَحَدُهُمَا نَجِسٌ وَالْآخَرُ طَاهِرٌ وَلَا يُمَيِّزُ بَيْنَهُمَا وَلَيْسَ مَعَهُ ثَوْبٌ غَيْرُهُمَا فَإِنَّهُ يَتَحَرَّى وَيُصَلِّي فِي الَّذِي يَقَعُ تَحَرِّيهِ أَنَّهُ طَاهِرٌ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 545 فَقَدْ جَوَّزَ هُنَاكَ التَّحَرِّيَ فِيمَا إذَا كَانَ الثَّوْبُ النَّجِسُ وَالطَّاهِرُ نِصْفَيْنِ وَفِي الْمُذْكِيَةِ وَالْمَيْتَةِ لَمْ يُجَوِّزْ وَأُجِيبَ بِأَنَّ وَجْهَ الْفَرْقِ هُوَ أَنَّ حُكْمَ الثِّيَابِ أَخَفُّ مِنْ غَيْرِهَا لِأَنَّ الثِّيَابَ لَوْ كَانَتْ كُلُّهَا نَجِسَةً كَانَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي بَعْضِهَا ثُمَّ لَا يُعِيدُ صَلَاتَهُ؛ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ عَلَى الصَّلَاةِ، بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ الْغَنَمِ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إلَّا ثَوْبٌ نَجِسٌ فَإِنْ كَانَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ نَجِسًا وَرُبْعُهُ طَاهِرًا يُصَلِّي فِيهِ وَلَا يُصَلِّي عُرْيَانًا بِالْإِجْمَاعِ فَلَمَّا جَازَتْ صَلَاتُهُ وَهُوَ نَجِسٌ بِيَقِينٍ فَلَأَنْ يَجُوزَ بِالتَّحَرِّي حَالَةَ الِاشْتِبَاهِ أَوْلَى. اهـ. أَقُولُ: الْجَوَابُ عِنْدِي وَالسُّؤَالُ فِيهِمَا نَظَرٌ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ تَجْوِيزَ التَّحَرِّي فِيمَا إذَا كَانَ الثَّوْبُ النَّجِسُ وَالطَّاهِرُ نِصْفَيْنِ إنَّمَا هُوَ فِي حَالَةِ الِاخْتِيَارِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَصَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ بِقَوْلِهِ وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْحَالَةُ حَالَةَ الِاخْتِيَارِ، وَأَمَّا فِي حَالَةِ الضَّرُورَةِ فَيُبَاحُ لَهُ التَّنَاوُلُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ فَلَا تَتَوَجَّهُ الْمُطَالَبَةُ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ رَأْسًا لِظُهُورِ اخْتِلَافِ حُكْمِ الْحَالَيْنِ الِاخْتِيَارِ وَالِاضْطِرَارِ قَطْعًا، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ مَا ذُكِرَ فِيهِ لَا يَقْتَضِي كَوْنَ حُكْمِ الثِّيَابِ أَخَفَّ مِنْ حُكْمِ غَيْرِهَا لِأَنَّ جَوَازَ الصَّلَاةِ فِي بَعْضِ الثِّيَابِ عِنْدَ كَوْنِ كُلِّهَا نَجِسَةً فَعَدَمُ لُزُومِ إعَادَةِ الصَّلَاةِ إذْ ذَاكَ إذْ هُوَ فِي حَالَةِ الِاضْطِرَارِ كَمَا أَفْصَحَ عَنْهُ الْمُجِيبُ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ إلَى الصَّلَاةِ فِيهَا وَكَوْنُ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ الْغُنْمِ بِخِلَافِ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ فِي حَالَةِ الِاخْتِيَارِ كَمَا تَحَقَّقَتْهُ فَمِنْ أَيْنَ يَثْبُتُ حُكْمُ كَوْنِ الثِّيَابِ أَخَفَّ مِنْ حُكْمِ غَيْرِهَا مُطْلَقًا حَتَّى يَصْلُحَ أَنْ يُجْعَلَ مَدَارًا لِلْفَرْقِ بَيْنَ تِلْكَ الْمَسْأَلَتَيْنِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَفُّ ثَوْبٍ نَجِسٍ رَطْبٍ فِي ثَوْبٍ طَاهِرٍ يَابِسٍ فَظَهَرَ رُطُوبَتُهُ عَلَى الثَّوْبِ وَلَكِنْ لَا يَسِيلُ إذَا عُصِرَ لَا يَتَنَجَّسُ) وَذَكَرَ الْمَرْغِينَانِيُّ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْيَابِسُ هُوَ الطَّاهِرَ يَتَنَجَّسُ؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ قَلِيلًا مِنْ النَّجِسِ الرَّطْبِ وَإِنْ كَانَ الْيَابِسُ هُوَ النَّجِسَ وَالطَّاهِرُ هُوَ الرَّطْبَ لَا يَتَنَجَّسُ؛ لِأَنَّ الْيَابِسَ هُوَ النَّجِسُ يَأْخُذُ مِنْ الطَّاهِرِ وَلَا يَأْخُذُ الرَّطْبُ مِنْ الْيَابِسِ شَيْئًا وَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ فِيمَا إذَا كَانَ الرَّطْبُ يَنْفَصِلُ مِنْهُ شَيْءٌ وَفِي لَفْظِهِ إشَارَةٌ إلَيْهِ حَيْثُ نَصَّ عَلَى أَخْذِ اللَّيْلَةِ وَعَلَى هَذَا إذَا نُشِرَ الثَّوْبُ الْمَبْلُولُ عَلَى مَحَلٍّ نَجِسٍ هُوَ يَابِسٌ لَا يَتَنَجَّسُ الثَّوْبُ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَعْنَى وَقَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوَاهُ إذَا نَامَ الرَّجُلُ عَلَى فِرَاشٍ فَأَصَابَهُ مَنِيٌّ وَيَبِسَ وَعَرِقَ الرَّجُلُ وَابْتَلَّ الْفِرَاشُ مِنْ عَرَقِهِ إنْ لَمْ يَظْهَرْ أَثَرُ الْبَلَلِ فِي بَدَنِهِ لَا يَتَنَجَّسُ بَدَنُهُ، وَإِنْ كَانَ الْعَرَقُ كَثِيرًا حَتَّى ابْتَلَّ الْفِرَاشُ ثُمَّ أَصَابَ تِلْكَ الْفِرَاشُ جَسَدَهُ فَظَهَرَ أَثَرُهُ فِي جَسَدِهِ يَتَنَجَّسُ بَدَنُهُ، وَكَذَا الرَّجُلُ إذَا غَسَلَ رِجْلَهُ وَمَشَى عَلَى أَرْضٍ نَجِسَةٍ بِغَيْرِ مُكَعَّبٍ فَابْتَلَّ الْأَرْضُ مِنْ بَلَلِ رِجْلِهِ وَاسْوَدَّ وَجْهُ الْأَرْضِ لَكِنْ لَمْ يَظْهَرْ أَثَرُ تِلْكَ الْأَرْضِ فِي رِجْلِهِ وَصَلَّى جَازَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ كَانَ بَلَلُ الْمَاءِ فِي الرِّجْلِ كَثِيرًا حَتَّى ابْتَلَّ وَجْهُ الْأَرْضِ وَصَارَ طِينًا ثُمَّ أَصَابَ الطِّينُ رِجْلَهُ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ وَلَوْ مَشَى عَلَى أَرْضٍ نَجِسَةٍ رَطْبَةٍ وَرِجْلُهُ يَابِسَةٌ تَنَجَّسَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (رَأْسُ شَاةٍ مُتَلَطِّخٌ بِدَمٍ أُحْرِقَ وَزَالَ عَنْهُ الدَّمُ فَاِتَّخَذَ مِنْهُ مَرَقَةً جَازَ وَالْحَرْقُ كَالْغُسْلِ) لِأَنَّ النَّارَ تَأْكُلُ مَا فِيهِ مِنْ النَّجَاسَةِ حَتَّى لَا يَبْقَى فِيهِ شَيْءٌ أَوْ يُحِيلُهُ فَيَصِيرُ الدَّمُ رَمَادًا فَيَطْهُرُ بِالِاسْتِحَالَةِ، وَلِهَذَا لَوْ حُرِقَتْ الْعَذِرَةُ وَصَارَتْ رَمَادًا طَهُرَتْ بِالِاسْتِحَالَةِ كَالْخَمْرِ إذَا تَخَلَّلَتْ وَكَالْخِنْزِيرِ إذَا وَقَعَ فِي الْمُمَلَّحَةِ وَصَارَ مِلْحًا وَعَلَى هَذَا قَالُوا إذَا تَنَجَّسَ التَّنُّورُ يَطْهُرُ بِالنَّارِ حَتَّى لَا يُنَجِّسَ الْخُبْزَ وَكَذَلِكَ آلَةُ الْخَبَّازِ تَطْهُرُ بِالنَّارِ. [مسائل متفرقة في الخراج والعشر] وَقَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (سُلْطَانٌ جَعَلَ الْخَرَاجَ لِرَبِّ الْأَرْضِ جَازَ وَإِنْ جَعَلَ الْعُشْرَ لَا) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ فِيهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا فِي جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ صَاحِبَ الْخَرَاجِ لَهُ حَقٌّ فِي الْخَرَاجِ فَصَحَّ تَرْكُهُ عَلَيْهِ وَهُوَ صِلَةٌ مِنْ الْإِمَامِ وَالْعُشْرُ حَقُّ الْفُقَرَاءِ عَلَى الْخُلُوصِ كَالزَّكَاةِ فَلَا يَجُوزُ تَرْكُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْفَتْوَى. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ دَفَعَ الْأَرَاضِيَ الْمَمْلُوكَةَ إلَى قَوْمٍ لِيُعْطُوا الْخَرَاجَ جَازَ) مَعْنَاهُ أَنَّ أَصْحَابَ الْأَرَاضِي إذَا عَجَزُوا عَنْ زِرَاعَةِ الْأَرْضِ وَأَدَاءِ الْخَرَاجِ دَفَعَ الْإِمَامُ الْأَرَاضِيَ إلَى غَيْرِهِمْ بِالْأُجْرَةِ، أَيْ يُؤَاجِرُ الْأَرَاضِيَ لِلْقَادِرِينَ عَلَى الزِّرَاعَةِ وَيَأْخُذُ الْخَرَاجَ مِنْ أُجْرَتِهَا فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ مِنْ أُجْرَتِهَا يُدْفَعُ إلَى أَرْبَابِهَا وَهُمْ الْمُلَّاكُ؛ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لِإِزَالَةِ مِلْكِهِمْ بِغَيْرِ رِضَاهُمْ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَلَا وَجْهَ إلَى تَعْطِيلِ حَقِّ الْمُقَاتَلَةِ فَتَعَيَّنَ مَا ذَكَرْنَا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يَسْتَأْجِرُهَا بَاعَهَا الْإِمَامُ لِمَنْ يَقْدِرُ عَلَى الزِّرَاعَةِ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَبِعْهَا يَفُوتُ حَقُّ الْمُقَاتَلَةِ فِي الْخَرَاجِ أَصْلًا، وَلَوْ بَاعَ يَفُوتُ حَقُّ الْمَالِكِ فِي الْعَيْنِ وَالْفَوَاتُ إلَى خَلَفٍ كَلَا فَوَاتٍ فَيَبِيعُ تَخْفِيفًا لِلنَّظَرِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُمَلِّكَهَا غَيْرَهُمْ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَإِذَا بَاعَهَا يَأْخُذُ الْخَرَاجَ الْمَاضِيَ مِنْ الثَّمَنِ إذَا كَانَ عَلَيْهِمْ خَرَاجٌ وَرَدَّ الْفَضْلَ إلَى أَصْحَابِهَا ثُمَّ قِيلَ هَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُمَا الْقَاضِي يَمْلِكُ بَيْعَ مَالِ الْمَدْيُونِ بِالدَّيْنِ وَالنَّفَقَةِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 546 وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ فَلَا يَبِيعُهَا لَكِنْ يَأْمُرُ صَاحِبَهَا بِبَيْعِهَا وَقِيلَ هَذَا قَوْلُ الْكُلِّ وَالْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ غَيْرِهِ مِنْ الدُّيُونِ أَنَّ فِي هَذَا إضْرَارًا خَاصًّا وَنَفْعًا عَامًا وَالنَّفْعُ الْعَامُّ مُقَدَّمٌ عَلَى الضَّرَرِ الْخَاصِّ وَلِأَنَّ الْخَرَاجَ مُتَعَلِّقٌ بِرَقَبَةِ الْأَرْضِ فَصَارَ كَدَيْنِ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَدَيْنِ الْمَيِّتِ فِي التَّرِكَةِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَمْلِكُ الْبَيْعَ فِيهِمَا لِتَعَلُّقِ الْحَقِّ بِالرَّقَبَةِ فَكَذَا هَذَا وَذَكَرَ فِي النَّوَادِرِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ أَهْلَ الْخَرَاجِ إذَا هَرَبُوا إنْ شَاءَ الْإِمَامُ عَمَّرَهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَالْغَلَّةُ لِلْمُسْلِمِينَ وَإِنْ شَاءَ دَفَعَ إلَى قَوْمٍ وَأَطْعَمَهُمْ عَلَى شَيْءٍ إذْ كَأَنَّهُ مَا يَأْخُذُ لِلْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ فِيهِ حِفْظَ الْخَرَاجِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَالْمِلْكِ عَلَى أَرْبَابِهَا فَإِذَا عَمَّدَهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ يَكُونُ بِقَدْرِ مَا يُنْفِقُ فِي عِمَارَتِهَا قَرْضًا؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ مَأْمُورٌ بِتَهْيِئَةِ بَيْتِ الْمَالِ بِأَيِّ وَجْهٍ يَتَهَيَّأُ لَهُ. [مسائل متفرقة في قضاء الصيام والصلاة] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ نَوَى قَضَاءَ رَمَضَانَ وَلَمْ يُعَيِّنْ الْيَوْمَ صَحَّ وَلَوْ عَنْ رَمَضَانَيْنِ كَقَضَاءِ الصَّلَاةِ صَحَّ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ أَوَّلَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ أَوْ آخِرَ صَلَاةٍ عَلَيْهِ) مَعْنَاهُ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ صَوْمِ يَوْمٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ رَمَضَانَ وَاحِدٍ فَقَضَاهُ نَاوِيًا عَنْهُ وَلَمْ يُعَيِّنْ أَنَّهُ عَنْ يَوْمِ كَذَا جَازَ فَكَذَا لَوْ صَامَ وَنَوَى عَنْ يَوْمَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ جَازَ عَنْ يَوْمٍ وَاحِدٍ وَلَوْ نَوَى عَنْ رَمَضَانَيْنِ أَيْضًا يَجُوزُ وَكَذَا قَضَاءُ الصَّلَاةِ يَجُوزُ وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ الصَّلَاةَ وَيَوْمَهَا وَلَمْ يَنْوِ أَوَّلَ صَلَاةٍ عَلَيْهِ وَهَذَا قَوْلُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَجُوزُ فِي رَمَضَانَ وَاحِدٍ وَلَا يَجُوزُ فِي رَمَضَانَيْنِ مَا لَمْ يُعَيَّنْ أَنَّهُ صَائِمٌ عَنْ رَمَضَانَ سَنَةَ كَذَا عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَكَذَا فِي قَضَاءِ الصَّلَاةِ لَا يَجُوزُ مَا لَمْ يُعَيِّنْ الصَّلَاةَ وَيَوْمَهَا بِأَنْ عَيَّنَ ظُهْرَ يَوْمِ كَذَا مَثَلًا وَلَوْ نَوَى أَوَّلَ ظُهْرٍ عَلَيْهِ أَوْ آخِرَ ظُهْرٍ عَلَيْهِ جَازَ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ تَعَيَّنَتْ بِتَعَيُّنِهِ، وَكَذَا الْوَقْتُ يُعَيَّنُ لِكَوْنِهِ أَوَّلًا وَآخِرًا فَإِنْ نَوَى أَوَّلَ صَلَاةٍ عَلَيْهِ وَصَلَّى مِمَّا يَلِيهِ يَصِيرُ أَوَّلًا أَيْضًا فَيَدْخُلُ فِي نِيَّتِهِ أَوَّلُ ظُهْرٍ عَلَيْهِ ثَانِيًا وَكَذَلِكَ ثَالِثًا إلَى مَا لَا يَتَنَاهَى، وَكَذَا الْآخَرُ وَهَذَا مَخْلَصُ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ الْأَوْقَاتَ الَّتِي فَاتَتْهُ أَوْ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ أَوْ أَرَادَ التَّسْهِيلَ عَلَى نَفْسِهِ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْفُرُوضَ مُتَزَاحِمَةٌ فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ مَا يُرِيدُ أَدَاءَهُ حَتَّى تَبْرَأَ ذِمَّتُهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ فَرْضًا مِنْ الْفُرُوضِ لَا يَتَأَدَّى بِنِيَّةِ فَرْضٍ آخَرَ فَكَذَا هَذَا وَوَجَبَ التَّعْيِينُ وَالشَّرْطُ تَعْيِينُ الْجِنْسِ بِالنِّيَّةِ؛ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِتَمْيِيزِ الْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ وَلِهَذَا يَكُونُ التَّعْيِينُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ لَغْوًا لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ وَالتَّصَرُّفِ إذَا لَمْ يُصَادِفْ مَحَلَّهُ يَكُونُ نِيَّتُهُ لَغْوًا وَيُعْرَفُ اخْتِلَافُ الْجِنْسِ بِاخْتِلَافِ السَّبَبِ وَالصَّلَوَاتُ كُلُّهَا مِنْ قَبِيلِ الْمُخْتَلِفِ حَتَّى الظُّهْرَيْنِ مِنْ يَوْمَيْنِ وَالْعَصْرَيْنِ مِنْ يَوْمَيْنِ؛ لِأَنَّ وَقْتَ الظُّهْرِ مِنْ يَوْمٍ غَيْرُ وَقْتِ الظُّهْرِ مِنْ يَوْمٍ آخَرَ حَقِيقَةً وَحُكْمًا؛ لِأَنَّ الْخِطَابَ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِوَقْتٍ يَجْمَعُهُمَا بَلْ بِدُلُوكِ الشَّمْسِ وَنَحْوِهِ. وَالدُّلُوكُ فِي يَوْمٍ غَيْرُ الدُّلُوكِ فِي يَوْمٍ آخَرَ بِخِلَافِ صَوْمِ رَمَضَانَ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِشُهُودِ الشَّهْرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] وَهُوَ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ ثَلَاثِينَ يَوْمًا بِلَيَالِيِهَا فَلِذَلِكَ لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى تَعْيِينِ صَوْمِ كَذَا حَتَّى لَوْ كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ يَوْمٍ بِعَيْنِهِ فَصَامَهُ بِنِيَّةِ يَوْمٍ آخَرَ وَكَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ صَوْمِ يَوْمَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ فَصَامَ نَاوِيًا عَنْ قَضَاءِ يَوْمَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ جَازَ، بِخِلَافِ مَا إذَا نَوَى عَنْ رَمَضَانَيْنِ أَوَعَنْ رَمَضَانَ آخَرَ حَيْثُ لَا يَجُوزُ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِاخْتِلَافِ السَّبَبِ وَصَارَ كَمَا إذَا نَوَى ظُهْرَيْنِ أَوْ ظُهْرًا عَنْ عَصْرٍ أَوْ نَوَى ظُهْرَ يَوْمِ السَّبْتِ وَعَلَيْهِ ظُهْرُ يَوْمِ الْخَمِيسِ، وَعَلَى هَذَا أَدَاءُ الْكَفَّارَةِ لَا يَحْتَاجُ إلَى التَّعْيِينِ فِي جِنْسٍ وَاحِدٍ وَلَوْ عَيَّنَ لَغَا وَفِي الْأَجْنَاسِ لَا بُدَّ مِنْهُ، وَقَدْ ذَكَرْنَا تَفَاصِيلَهَا فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ فِي كِتَابِ الْكَفَّارَاتِ نِيَّةَ التَّعَيُّنِ فِي الصَّلَاةِ لَمْ تُشْتَرَطْ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْوَاجِبَ مُخْتَلِفٌ مُتَعَدِّدٌ بَلْ بِاعْتِبَارِ أَنَّ مُرَاعَاةَ التَّرْتِيبِ وَاجِبٌ عَلَيْهِ وَلَا يُمْكِنُهُ مُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ إلَّا بِنِيَّةِ التَّعَيُّنِ حَتَّى لَوْ سَقَطَ التَّرْتِيبُ بِكَثْرَةِ الْفَوَائِتِ يَكْفِيهِ نِيَّةُ الظُّهْرِ لَا غَيْرُ وَهَذَا مُشْكِلٌ، وَمَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا مِثْلُ قَاضِي خَانْ وَغَيْرُهُ خِلَافُ ذَلِكَ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَعْنَى وَلِأَنَّ الْأَمْرَ كَمَا كَانَ قَالَهُ لِجَوَازِهِ مَعَ وُجُودِ التَّرْتِيبِ أَيْضًا لِإِمْكَانِ صَرْفِهِ إلَى الْأَوَّلِ إذْ لَا يَجِبُ التَّعْيِينُ عِنْدَهُ وَلَا يُفِيدُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ ابْتَلَعَ رِيقَ غَيْرِهِ كَفَّرَ لَوْ صَدِيقَهُ وَإِلَّا لَا) أَيْ لَوْ ابْتَلَعَ الصَّائِمُ رِيقَ غَيْرِهِ. فَإِنْ كَانَ بُزَاقَ صَدِيقِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَدِيقَهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ؛ لِأَنَّ الرِّيقَ تَعَافُّهُ النَّفْسُ وَتَسْتَقْذِرُهُ إذَا كَانَ مِنْ غَيْرِ صَدِيقِهِ فَصَارَ كَالْعَجِينِ وَنَحْوِهِ مِمَّا تَعَافُّهُ النَّفْسُ وَإِنْ كَانَ مِنْ صَدِيقِهِ لَا تَعَافُّهُ فَصَارَ كَالْخُبْزِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ. [قَتْلُ بَعْضِ الْحَاجِّ عُذْرٌ فِي تَرْكِ الْحَجِّ] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَتْلُ بَعْضِ الْحَاجِّ عُذْرٌ فِي تَرْكِ الْحَجِّ) ؛ لِأَنَّ أَمْنَ الطَّرِيقِ شَرْطُ الْوُجُوبِ أَوْ شَرْطٌ لِلْأَدَاءِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي الْمَنَاسِكِ وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ مَعَ قَتْلِ بَعْضِ الْحُجَّاجِ فِي الطَّرِيقِ لِلْحَجِّ فَكَانَ مَعْذُورًا فِي تَرْكِ الْحَجِّ فَلَا يَأْثَمُ بِذَلِكَ وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا مُسْتَوْفَاةً فِي الْمَنَاسِكِ وَذَكَرْنَا الْخِلَافَ فَلَا نُعِيدُهَا وَلَك الجزء: 8 ¦ الصفحة: 547 أَنْ تَقُولَ الْقَوْلُ الْمُخْتَارُ فِيمَا إذَا كَانَ بَيْنَك وَبَيْنَ مَكَّةَ بَحْرٌ كَانَ الْغَالِبُ فِيهِ السَّلَامَةَ يَجِبُ الْحَجُّ وَإِلَّا لَا فَيَنْبَغِي أَنْ يُعْرَفَ هُنَا وَيُقَالُ إنْ كَانَ الْغَالِبُ فِي الطَّرِيقِ إلَّا مَنْ يَجِبُ وَإِلَّا لَا. [مسائل متفرقة في انعقاد النكاح والنشوز] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (تُوزَنُ مِنْ شَدِّي) يَعْنِي أَنْت صِرْت زَوْجَةً لِي (فَقَالَتْ الْمَرْأَةُ شدم) يَعْنِي صِرْت لَمْ يَنْعَقِدْ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّ هَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فَقَوْلُهُ تَوّ بِضَمِّ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقُ وَسُكُونِ الْوَاوِ مَعْنَاهُ أَنْتِ وَقَوْلُهُ زَنْ بِفَتْحِ الزَّايِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالنُّونِ هُوَ اسْمٌ لِلْمَرْأَةِ وَقَوْلُهُ مَنْ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالنُّونِ وَمَعْنَاهُ أَنَا وَقَوْلُهُ شدم بِضَمِّ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ فِي آخِرِهِ مِيمٌ آخِرُ الْحُرُوفِ سَاكِنَةً مَعْنَاهُ صِرْت وَهَذِهِ اللَّفْظَةُ تَتَصَرَّفُ كَاللَّفْظِ الْعَرَبِيِّ فَمَصْدَرُهُ شِدَّن وَالْمَاضِي شُدْ وَالْمُضَارِعُ شُودَا إذَا أُرِيدَ الْإِخْبَارُ عَنْ الْجَمْعِ يُقَال شُدِيمْ بِكَسْرِ الدَّالِ وَزِيَادَةِ الْيَاءِ آخِرَ الْحَرْفِ بَعْدَ الدَّالِ قَبْلَ مِيمِ الْمُتَكَلِّمَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ لِامْرَأَةٍ خويشتن رازن مِنْ كردا يندى) مَعْنَاهُ هَلْ جَعَلْت نَفْسَك لِي زَوْجَةً فَقَالَتْ الْمَرْأَةُ فِي جَوَابِهِ كردا يندم يَعْنِي جَعَلْت وَقَالَ الرَّجُلُ بِزَيْرِ فَتِمْ يَعْنِي قَبِلْت يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ مُتَمَّمًا لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ قَوْلُهُ خويشتن يُؤَدِّي مَعْنَى " نَفْسُك " وَهُوَ بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ يُكْتَبُ بِالْوَاوِ بَعْدَهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَلَفَّظَ بِهَا وَكَذَلِكَ الْيَاءُ بَعْدَ الْوَاوِ وَشِينٌ مُعْجَمَةٌ سَاكِنَةٌ بَعْدَهَا تَاءٌ مُثَنَّاةٌ مِنْ فَوْقُ مَفْتُوحَةٌ وَفِي آخِرِهِ نُونٌ وَقَوْلُهُ را بِفَتْحِ الرَّاءِ بَعْدَهَا أَلِفٌ سَاكِنَةٌ تُؤَدِّي مَعْنَى التَّخْصِيصِ لِلْإِشَارَةِ بِهَا وَهِيَ مَفْعُولٌ وَقَوْلُهُ مِنْ يَعْنِي أَنَا وَقَوْلُهُ كردانيدي بِالْكَافِ الصَّمَّاءِ الْمَفْتُوحَةِ وَالرَّاءِ السَّاكِنَةِ وَالدَّالِ الْمَفْتُوحَةِ وَالنُّونِ الْمَكْسُورَةِ بَعْدَهَا أَلِفٌ وَبَعْدَهَا يَاءٌ سَاكِنَةٌ وَدَالٌ مُهْمَلَةٌ مَكْسُورَةٌ وَفِي آخِرِهِ يَاءٌ أُخْرَى سَاكِنَةٌ وَهَذِهِ لِلْخِطَابِ تُؤَدِّي مَعْنَى الْجَعْلِ وَالتَّصْيِيرِ وَقَوْلُهُ كردايندم كَذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ لِلْمُتَكَلِّمِ وَحْدَهُ، وَكَذَلِكَ لِلْمُخَاطَبَةِ إذَا زِيدَ يَاءٌ بَعْدَ الدَّالِ مِثْلُ كردانيدي وَإِذَا أُرِيدَ جَمْع الْمُخَاطَبِ يُزَادُ بَعْدَ الدَّالِ يَاءُ الْمُخَاطَبِ مِثْلُ كردانيد بد وَإِذَا أُرِيدَ الْمُتَكَلِّمُ مَعَ الْغَيْرِ يُزَادُ فِيهِ يَاءٌ بَعْدَ الدَّالِ وَقَبْلَ الْمِيمِ وَيُقَالُ كردانيديم وَقَوْلُهُ بزير فتم بِفَتْحِ الْبَاءِ الصَّمَّاءِ يَكُونُ مَخْرَجُهُ قَرِيبًا مِنْ مَخْرَجِ الْفَاءِ وَبِكَسْرِ الزَّايِ الْمُعْجَمَةِ بَعْدَهَا يَاءٌ سَاكِنَةٌ وَبَعْدَهَا رَاءٌ مَفْتُوحَةٌ وَبَعْدَهَا فَاءٌ سَاكِنَةٌ وَبَعْدَهَا تَاءٌ مُثَنَّاةٌ مِنْ فَوْقُ مَفْتُوحَةٌ وَفِي آخِرٍ مِيمٌ سَاكِنَةٌ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ لِآخَرَ دوختر خويشتن رابيسر مِنْ أَرَزَانِي داشتي) مَعْنَاهُ هَلْ جَعَلْت ابْنَتَك لَائِقَةً لِابْنِي فَقَالَ أَبُو الْبِنْتِ فِي جَوَابِهِ داشتم يَعْنِي جَعَلْت لَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُشْتَمِلٍ عَلَى الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ جَعْلِ ابْنَتِهِ لَائِقَةً لِابْنِهِ حُصُولُ الْعَقْدِ بَيْنَهُمَا قَوْلُهُ دختر بِضَمِّ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقُ وَفِي آخَرَ رَاءٌ مَعْنَاهُ الْبِنْتُ وَقَوْلُهُ بِيُسْرٍ لَفْظَانِ مُرَكَّبَانِ الْأَوَّلُ لَفْظُ بَاءِ الْوِحْدَةِ يُؤَدِّي مَعْنَى لَامِ الِاخْتِصَاصِ وَالثَّانِي لَفْظُ بِيُسْرٍ بِضَمِّ الْبَاءِ الْفَارِسِيَّةِ وَفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَفِي آخِرِهِ رَاءٌ مَعْنَاهُ الِابْنُ قَوْلُهُ أرزاني بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَبِفَتْحِ الزَّايِ وَكَسْرِ النُّونِ بَعْدَ الْأَلِفِ السَّاكِنَةِ وَفِي آخِرِهِ يَاءٌ آخِرُ الْحُرُوفِ سَاكِنَةٌ وَمَعْنَاهُ هَا هُنَا مَعْنَى اللَّائِقِ وَقَوْلُهُ داشتى بِفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْأَلِفِ وَسُكُونِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ فِي لُغَتِهِمْ شَائِعٌ وَكَسْرُ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقُ وَفِي آخِرِهِ يَاءٌ آخِرُ الْحَرْفِ سَاكِنَةٌ وَقَوْلُهُ داشتم بِزِيَادَةِ التَّاءِ آخِرَ الْحُرُوفِ قَبْلَ الْمِيمِ وَهَذِهِ قَاعِدَةٌ مُطَّرِدَةٌ عِنْدَهُمْ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (مَنْعُهَا) كَلَامٌ إضَافِيٌّ مُبْتَدَأٌ أَيْ مَنْعُ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا (عَنْ الدُّخُولِ عَلَيْهَا وَ) الْحَالُ أَنَّهُ (هُوَ) أَيْ الزَّوْجُ (يَسْكُنُ مَعَهَا فِي بَيْتِهَا نُشُوزٌ) لِأَنَّهَا حَبَسَتْ نَفْسَهَا مِنْهُ بِغَيْرِ حَقٍّ فَلَا تَجِبُ النَّفَقَةُ لَهَا مَا دَامَتْ عَلَى مَنْعِهِ فَيَتَحَقَّقُ النُّشُوزُ مِنْهَا فَصَارَ كَحَبْسِهَا نَفْسَهَا فِي مَنْزِلِ غَيْرِهَا هَذَا إذَا مَنَعَتْهُ وَمُرَادُهَا السُّكْنَى فِي مَنْزِلِهَا وَإِنْ كَانَ الْمَنْعُ لِيَنْقُلَهَا إلَى مَنْزِلِهِ لَا تَكُونُ نَاشِزَةً؛ لِأَنَّ السُّكْنَى وَاجِبَةٌ لَهَا عَلَيْهِ فَكَانَ حَبْسُهَا نَفْسَهَا مِنْهُ بِحَقٍّ فَلَا تَسْقُطُ نَفَقَتُهَا؛ لِأَنَّ التَّقْصِيرَ جَاءَ مِنْ جِهَتِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا حَبَسَتْ نَفْسَهَا لِاسْتِيفَاءِ مَهْرِهَا بِخِلَافِ مَا إذَا حُبِسَتْ بِسَبَبِ دَيْنٍ عَلَيْهَا أَوْ غَصَبَهَا غَاصِبٌ وَذَهَبَ بِهَا؛ لِأَنَّ الْفَوَاتَ لَيْسَ مِنْ قِبَلِهِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ سَاكِنَةً مَعَهُ فِي مَنْزِلِهِ وَلَمْ تُمَكِّنْهُ مِنْ الْوَطْءِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الْوَطْءُ كُرْهًا غَالِبًا فَلَا يُعَدُّ مَنْعًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ سَكَنَ فِي بَيْتِ الْغَصْبِ فَامْتَنَعَتْ لَا تَكُونُ نَاشِزَةً) لِأَنَّهَا مُحِقَّةٌ؛ لِأَنَّ السُّكْنَى فِيهِ حَرَامٌ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَالَتْ لَا أَسْكُنُ مَعَ أَمَتِك وَأُرِيدُ بَيْتًا عَلَى حِدَةٍ وَلَيْسَ لَهَا ذَلِكَ) لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِمَّنْ يَخْدُمُهُ فَلَا يُمْكِنُ مَنْعُهُ مِنْ ذَلِكَ. [مسائل متفرقة في الطلاق] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَالَتْ الزَّوْجَةُ لِزَوْجِهَا مرا طَلَاق بَغْلِيٌّ) يَعْنِي اعْطِنِي طَلَاقًا (فَقَالَ الزَّوْجُ داده كيرا وكرده كيرا وداده باد وكرده الجزء: 8 ¦ الصفحة: 548 باد يَنْوِي يَقَعْ) مَعْنَاهُ الِاعْتِبَارُ لِلنِّيَّةِ وَعَدَمِهَا فَإِنْ نَوَى بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ الطَّلَاقَ وَقَعَ فَإِنْ لَمْ يَنْوِ لَا يَقَعُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْكِنَايَاتِ عِنْدَهُمْ فَلِأَنَّهُ مِنْ النِّيَّةِ قَوْلُهُ داده بِفَتْحِ الدَّالِ بَعْدَهَا أَلِفٌ سَاكِنَةٌ وَمَعْنَاهُ الْإِعْطَاءُ وَقَوْلُهُ كير بِكَسْرِ الْكَافِ الصَّمَّاءِ وَسُكُونِ الْيَاءِ آخِرَ الْحُرُوفِ وَفِي آخِرِهِ رَاءٌ مَعْنَاهُ الْأَصْلُ امْسِكْ وَلَكِنَّ مَعْنَاهُ هُنَا افْرِضِي وَقَدِّرِي يَعْنِي قَدِّرِي الطَّلَاقَ قَدْ أَعْطَى قَوْلَهُ كرده بِفَتْحٍ الْكَافِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَفَتْحِ الدَّالِ وَسُكُونِ الْهَاءِ وَهُوَ اسْمُ مَفْعُولٍ مِنْ كرداني الَّذِي هُوَ الْمَصْدَرُ وَمَعْنَاهُ الْفِعْلُ وَالْعَمَلُ قَوْلُهُ باز بِفَتْحِ الْبَاءِ وَسُكُونِ الْأَلِفِ وَالزَّايِ الْمُعْجَمَةِ مَعْنَاهُ فَلْيُمْكِنْ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ قَالَ الزَّوْجُ داده است وَكَرْده است يَقَعُ) الطَّلَاقُ (نَوَى) الْوُقُوعَ (أَوَّلًا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ قَالَ الزَّوْجُ داده أَنْكَار وَكَرْده أَنْكَار) لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ (وَإِنْ نَوَى الْوُقُوعَ) وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ فِي الْأُولَى إخْبَارًا عَنْ وُقُوعٍ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ وَفِي الثَّانِي لَيْسَ بِإِخْبَارٍ؛ لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ داده أَنْكَار افْرِضِي أَنَّهُ وَقَعَ أَوْ احْسِبِي فَلَا يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ وَأَنْكَار بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ النُّونِ وَفَتْحِ الْكَافِ الصَّمَّاءِ وَفِي آخِرِهِ رَاءٌ مُهْمَلَةٌ، وَمَعْنَاهُ افْرِضْ وَقَدِّرِي قَوْلُهُ (وي مرانشا يَد تاقيامت أَوْ هَمَّهُ عمر) لَا يَقَعُ طَلَاقٌ (إلَّا بِنِيَّةٍ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْكِنَايَاتِ قَوْلُهُ وي بِفَتْحِ الْوَاوِ وَسُكُونِ الْيَاءِ آخِرِ الْحُرُوفِ بِمَعْنَى هِيَ الَّتِي هُوَ ضَمِيرُ الْغَائِبِ وَقَوْلُهُ مرا بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالرَّاءِ مَقْصُورَةً وَمَعْنَاهُ لَا خَلَّى وَقَوْلُهُ نشايد بِفَتْحِ النُّونِ وَالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَيَاءٍ سَاكِنَةٍ بَعْدَ يَاءٍ مَفْتُوحَةٍ آخِرَ الْحُرُوفِ وَدَالٌ مُهْمَلَةٌ وَمَعْنَاهُ لَا يَلِيقُ قَوْلُهُ أَوْ همه بِفَتْحِ الْهَاءِ وَالْمِيمِ وَسُكُونِ الْهَاءِ وَمَعْنَاهُ الْجَمِيعُ وَالْمَعْنَى يَعْنِي لَا يَلِيقُ فِي جَمِيعِ عُمْرَى أَوْ مُدَّةِ عُمْرِي أَوْ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ قَوْلُهُ تا بِفَتْحِ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقُ مَقْصُورَةٌ وَمَعْنَاهُ إلَى يَوْمِ الْقَائِمَةِ، وَالْحَاصِلُ فِي مَعْنَى هَذَا التَّرْكِيبِ لَا يَلِيقُ بِي إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ قَالَ الزَّوْجُ حِيلَة زِنَانِ كُنَّ إقْرَارًا بِالثَّلَاثِ) أَيْ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى كَلَامِهِ افْعَلِي حِيلَةَ النِّسَاءِ مَقْصُودُهُمْ بِهَذَا احْفَظِي عِدَّتَك أَوْ عُدِّي أَيَّامَ عِدَّتِك فَإِنَّ هَذَا عِنْدَهُمْ كِنَايَةٌ عَنْ وُقُوعِ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَشْتَغِلُ بِأُمُورِ الْعِدَّةِ إلَّا بَعْدَ وُقُوعِ الثَّلَاثِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ قَالَ حِيَله خويش كُنَّ لَا) يَعْنِي لَيْسَ بِإِقْرَارٍ بِالثَّلَاثِ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِكِنَايَةٍ عَنْ الطَّلَاقِ عِنْدَهُمْ بِخِلَافِ الصُّورَةِ الْأُولَى قَوْلُهُ خويش بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالْوَاوِ وَلَا يُتَلَفَّظُ بِهَا عِنْدَهُمْ وَبَعْدَهَا يَاءٌ آخِرَ الْحُرُوفِ سَاكِنَةً وَشِينٍ مُعْجَمَةٍ وَمَعْنَاهُ أَنْتَ هُنَا؛ لِأَنَّهُ يَجِيءُ بِمَعْنًى آخَرَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضُوعِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ قَالَتْ الْمَرْأَةُ كَابِينَ مِنْ ترابخشيدم) مَعْنَاهُ وَهَبْت لَك الْمَهْرَ (مراجنك بادزار) مَعْنَاهُ خَلِّصْنِي مِنْ نِزَاعِك فَاحْكُمْ عَلَيَّ بِالْمَهْرِ (إنْ طَلَّقَهَا سَقَطَ الْمَهْرُ وَإِلَّا لَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُطَلِّقْهَا لَا يَسْقُطُ؛ لِأَنَّهُ أَجَابَهَا إلَى سُؤَالِهَا هُوَ الطَّلَاقُ حَتَّى يَسْقُطَ الْمَهْرُ وَقَوْلُهُ تُرَى بِضَمِّ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقُ وَبِالرَّاءِ الْمَقْصُورَةِ مَعْنَاهُ لَك وَقَوْلُهُ بخشيدم بِفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْيَاءِ آخِرِ الْحُرُوفِ وَبِفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَفِي آخِرِهِ مِيمٌ سَاكِنَةُ وَمَعْنَاهُ وَهَبْت وَمَصْدَرُهُ وَهَبْت بخشيدن. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ قَالَ الْمَوْلَى لِعَبْدِهِ يَا مَالِكِي أَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ أَنَا عَبْدُك لَا يُعْتَقُ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِصَرِيحٍ لِلْعِتْقِ وَلَا كِنَايَةٍ لَهُ بِخِلَافِ قَوْلِهِ يَا مُولَايَ؛ لِأَنَّ حَقِيقَتَهُ تُنْبِئُ عَنْ ثُبُوتِ الْوَلَاءِ عَلَى الْعَبْدِ وَذَلِكَ بِالْعِتْقِ فَيُعْتَقُ (وَلَوْ قَالَ شَخْصٌ بِرّ مِنْ سوكند لَسْت كه) يَعْنِي عَلَى الْيَمِينِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ قَالَ ابْن كَارِ) يَعْنِي هَذَا الْفِعْلُ (نكنم) يَعْنِي لَا أَفْعَلُ (فَهَذَا إقْرَارٌ بِالْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى) ؛ لِأَنَّهُ أَخَّرَ عَنْ يَمِينِهِ عَلَى تَرْكِ هَذَا الْفِعْلِ فَيَكُونُ إقْرَارًا بِالْيَمِينِ مِنِّي فَهَلْ يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ وَتَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ قَوْلُهُ بِرّ بِفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ تُؤَدِّي مَعْنَاهُ عَلَيَّ، وَقَوْلُهُ مِنْ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ النُّونِ وَمَعْنَاهُ أَنَا وَقَوْلُهُ سوكند بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْوَاوِ وَفَتْحِ الْكَافِ الصَّمَّاءِ وَسُكُونِ النُّونِ وَآخِرَهُ دَالٌ سَاكِنَةٌ مَعْنَاهُ الْيَمِينُ وَقَوْلُهُ أَيْنَ بِكَسْرِ الْهَمْزِ وَسُكُونِ الْيَاءِ آخِرَ الْحُرُوفِ وَفِي آخِرِهِ نُونٌ سَاكِنَةٌ أَيْضًا تُؤَدِّي مَعْنَى هَذَا وَقَوْلُهُ كار بِفَتْحِ الْكَافِ وَسُكُونِ الْأَلِفِ وَالرَّاءِ وَهُوَ الْفِعْلُ وَقَوْلُهُ نكنم مُضَارِعٌ مَنْفِيٌّ؛ لِأَنَّ النُّونَ الْمَفْتُوحَةَ فِي الْأَوَّلِ هِيَ حَرْفُ النَّفْيِ وكنم مَعْنَاهُ افْعَلْ لِلْمُتَكَلِّمِ وَحْدَهُ وَاشْتِقَاقُهُ مِنْ كردن الَّذِي هُوَ الْمَصْدَرُ فَالْمَاضِي كرد وَالْمُتَكَلِّمُ وحدة كنم وَمَعَ الْغَيْرُ كنيم بِزِيَادَةِ الْيَاءِ قَبْلَ الْمِيمِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ قَالَ شَخْصٌ برمن سوكندا سِتّ بِطَلَاقٍ لَزِمَهُ ذَلِكَ فَإِنْ قَالَ قُلْت ذَلِكَ) أَيْ هَذَا الْقَوْلُ (كَذِبًا لَا يُصَدَّقُ) لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ يَمِينٍ مُنْعَقِدَةٍ وَقَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ قُلْت ذَلِكَ كَذِبًا رُجُوعٌ مِنْهُ فَلَا يُصَدَّقُ وَلَوْ قَالَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 549 (مراسو كند خانه است كه أَيْنَ كار نكنم) مَعْنَاهُ أَنَا حَالِفٌ بِيَمِينِ الْبَيْتِ أَنْ لَا أَفْعَلَ هَذَا الْفِعْلَ (فَهُوَ إقْرَارٌ بِالْيَمِينِ بِالطَّلَاقِ) لِأَنَّ الْيَمِينَ مَبْنَاهُ عَلَى الْعُرْفِ وَفِي الْعُرْفِ يُكَنُّونَ عَنْ الْمَرْأَةِ يُقَالُ بَيْتِي قَالَ كَذَا يُكَنُّونَ بِهِ الْمَرْأَةَ فَقَوْلُهُ خانه يُقَالُ لِلْبَيْتِ وَكُنِّيَ بِهِ عَنْ امْرَأَتِهِ وَبَقِيَتْ أَلْفَاظُهُ فَسَّرْنَاهَا. [مسائل متفرقة في البيع] (قَالَ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعٍ بِهَا بازاده) مَعْنَاهُ رُدَّ الثَّمَنَ (فَقَالَ الْبَائِعُ بُدّهمْ) يَعْنِي أَرُدُّ (يَكُونُ فَسْخًا لِلْبَيْعِ الَّذِي كَانَ بَيْنَهُمَا) ؛ لِأَنَّ اسْتِرْدَادَهُ الثَّمَنَ رَدٌّ وَفَسْخٌ لِلْعَقْدِ قَوْلُهُ بِهَا بِفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَالْهَاءِ الْمَقْصُورَةِ مَعْنَاهُ الثَّمَنُ وَقَوْلُهُ بِفَتْحِ الْبَاءِ يُؤَدِّي مَعْنَى تَخْصِيصِ الْإِشَارَةِ كَمَا ذَكَرْنَا قَوْلُهُ بازده بِفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْأَلِفِ وَسُكُونِ الزَّايِ وَكَسْرِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْهَاءِ مَعْنَاهُ أُعْطِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (الْعَقَارُ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ لَا يَخْرُجُ مِنْ يَدِ ذِي الْيَدِ مَا لَمْ يُبَرْهِنْ الْمُدَّعِي) أَيْ إذَا ادَّعَى عَقَارًا لَا يَكْتَفِي بِذِكْرِ الْمُدَّعِي أَنَّهُ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَتَّى يَصِحَّ دَعْوَاهُ بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يُبَرْهِنَ أَنَّهُ فِي يَدِهِ أَوْ يَعْلَمَ الْقَاضِي بِذَلِكَ فِي الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ يَدَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا بُدَّ مِنْهُ لِتَصِحَّ الدَّعْوَى عَلَيْهِ وَهُوَ شَرْطٌ فِيهَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِي يَدِ غَيْرِهِ فَبِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ فَتَبْقَى تُهْمَةُ الْمُوَاضَعَةِ فَيَقْضِي الْقَاضِي عَلَيْهِ بِإِخْرَاجِهِ مِنْ يَدِهِ لِتَحْقِيقِ يَدِهِ بِخِلَافِ الْمَنْقُولِ؛ لِأَنَّ الْيَدَ فِيهِ مُشَاهَدَةٌ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِهَا بِالْبَيِّنَةِ فَإِنْ قِيلَ هَذِهِ مُكَرَّرَةٌ مَعَ قَوْلِهِ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى وَلَا تَثْبُتُ الْيَدُ فِي الْعَقَارِ بِتَصَادُقِهَا بَلْ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إعْلَامِ قَاضٍ بِخِلَافِ الْمَنْقُولِ قُلْنَا لَا تَكْرَارَ؛ لِأَنَّ تِلْكَ بِالنَّظَرِ إلَى ثُبُوتِ الْيَدِ وَهَذِهِ بِالنَّظَرِ إلَى أَنَّ الْقَاضِيَ هَلْ يَمْلِكُ إخْرَاجَهَا مِنْ ذِي الْيَدِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (عَقَارٌ لَا فِي وِلَايَةِ الْقَاضِي) لَا يَصِحُّ قَضَاؤُهُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ وَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ هَلْ يُعْتَبَرُ الْمَكَانُ أَوْ لَا فَقِيلَ يُعْتَبَرُ الْمَكَانُ وَقِيلَ يُعْتَبَرُ الْأَهْلُ حَتَّى لَا يَنْفُذَ قَضَاؤُهُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ عَلَى قَوْلِ مَنْ اعْتَبَرَ الْمَكَانَ وَلَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْأَهْلُ عَلَى قَوْلِ مَنْ اعْتَبَرَ الْأَهْلَ وَإِنْ خَرَجَ الْقَاضِي مَعَ الْخَلِيفَةِ مِنْ الْمِصْرِ قَضَى وَإِنْ خَرَجَ وَحْدَهُ لَمْ يَجُزْ قَضَاؤُهُ وَهَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى قَوْلِ مَنْ اُعْتُبِرَ الْمَكَانَ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ مِنْ إعْلَامِ الدِّينِ فَيَكُونُ الْمِصْرُ شَرْطًا فِيهِ كَالْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمِصْرَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِيهِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ أَدَبِ الْقَاضِي فَقَالَ إنَّ الْمِصْرَ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِنُفُوذِ الْقَضَاءِ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ الْأَهْلُ لَا الْمَكَانُ حَتَّى لَوْ قَضَى عَلَى الْأَهْلِ وَالْعَقَارِ فِي غَيْرِ وِلَايَتِهِ نَفَذَ وَعَلَيْهِ عَمَلُ الْقَضَاءِ الْآنَ. [قَضَى الْقَاضِي فِي حَادِثَةٍ بِبَيِّنَةٍ ثُمَّ قَالَ رَجَعْت عَنْ قَضَائِي أَوْ بَدَا لِي غَيْرُ ذَلِكَ] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إذَا قَضَى الْقَاضِي فِي حَادِثَةٍ بِبَيِّنَةٍ ثُمَّ قَالَ رَجَعْت عَنْ قَضَائِي أَوْ بَدَا لِي غَيْرُ ذَلِكَ أَوْ وَقَعْت فِي تَلْبِيسِ الشُّهُودِ أَوْ أَبْطَلْت حُكْمِي وَنَحْوَ ذَلِكَ لَا يُعْتَبَرُ وَالْقَضَاءُ مَاضٍ إنْ كَانَ بَعْدَ دَعْوَى صَحِيحَةٍ وَشَهَادَةٍ مُسْتَقِيمَةٍ) ؛ لِأَنَّ رِوَايَةَ الْأَوَّلِ قَدْ تُرَجَّحُ بِالْقَضَاءِ فَلَا يُنْقَضُ بِاجْتِهَادٍ مِثْلِهِ وَلَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ عَنْهُ وَلَا إبْطَالَهُ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ وَهُوَ الْمُدَّعِي، أَلَا تَرَى أَنَّ الشَّهَادَةَ لَمَّا اتَّصَلَتْ بِالْقَضَاءِ لَا يَصِحُّ رُجُوعُهُ وَلَا يَمْلِكُ إبْطَالَهَا لِمَا ذَكَرْنَا فَكَذَا الْقَضَاءُ وَقَالَ الشَّعْبِيُّ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْضِي بِالْقَضَاءِ ثُمَّ يَنْزِلُ الْقُرْآنُ بَعْدَ ذَلِكَ بِخِلَافِهِ فَلَا يَرُدُّ قَضَاءَهُ» وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحِيطِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا قَضَى بِاجْتِهَادٍ فِي حَادِثَةٍ لَا نَصَّ فِيهَا ثُمَّ تَحَوَّلَ عَنْ رَأْيِهِ فَإِنَّهُ يَقْضِي فِي الْمُسْتَقْبَلِ بِمَا هُوَ أَحْسَنُ عِنْدَهُ وَلَا يَنْقُضُ الْقَضَاءَ الَّذِي قَضَاهُ بِالرَّأْيِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْقُضْ بِالْقُرْآنِ بَعْدَهُ فَهَذَا أَوْلَى، بِخِلَافِ مَا إذَا قَضَى بِاجْتِهَادِهِ فِي حَادِثَةٍ ثُمَّ تَبَيَّنَ نَصٌّ بِخِلَافِهِ فَإِنَّهُ يَنْقُضُ ذَلِكَ الْقَضَاءَ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْقَاضِيَ حَالَ مَا قَضَى بِاجْتِهَادِهِ فَالنَّصُّ الَّذِي هُوَ مُخَالِفٌ لِاجْتِهَادِهِ كَانَ مَوْجُودًا مُنَزَّلًا إلَّا أَنَّهُ خَفِيَ عَلَيْهِ وَكَانَ الِاجْتِهَادُ فِي مَحَلِّ النَّصِّ فَلَا يَصِحُّ وَحَالَ مَا قَضَى بِاجْتِهَادِهِ كَانَ الِاجْتِهَادُ فِي مَحَلٍّ لَا نَصَّ فِيهِ فَصَحَّ وَصَارَ ذَلِكَ شَرِيعَةً لَهُ فَإِذَا نَزَلَ الْقُرْآنُ بِخِلَافِهِ صَارَ نَاسِخًا لِتِلْكَ الشَّرِيعَةِ. [مسائل متفرقة في الإقرار والدعوى] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (خَبَا قَوْمًا ثُمَّ سَأَلَ رَجُلًا عَنْ شَيْءٍ فَأَقَرَّ بِهِ وَهُمْ يَرَوْنَهُ وَيَسْمَعُونَ كَلَامَهُ وَهُوَ لَا يَرَاهُمْ جَازَتْ شَهَادَتُهُمْ عَلَيْهِ بِذَلِكَ الْإِقْرَارِ) ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ مُوجِبٌ بِنَفْسِهِ وَقَدْ عَلِمُوهُ وَهُوَ يَكْفِي فِي أَدَاءِ الشَّهَادَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف: 86] وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا عَلِمْت مِثْلَ الشَّمْسِ فَاشْهَدْ وَإِلَّا فَدَعْ» قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ سَمِعُوا كَلَامَهُ وَلَمْ يَرَوْهُ لَا) أَيْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ؛ لِأَنَّ النَّغْمَةَ تُشْبِهُ النَّغْمَةَ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُقِرُّ غَيْرَهُ فَلَا يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا عَلَيْهِ مَعَ الِاحْتِمَالِ إلَّا إذَا كَانُوا دَخَلُوا الْبَيْتَ وَعَلِمُوا أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَحَدٌ سِوَاهُمْ ثُمَّ جَلَسُوا عَلَى الْبَابِ وَلَيْسَ لِلْبَيْتِ مِلْكٌ غَيْرُهُ ثُمَّ دَخَلَ رَجُلٌ فَسَمِعُوا إقْرَارَ الدَّاخِلِ وَلَمْ يَرَوْهُ وَقْتَ الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ حَصَلَ لَهُمْ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَجَازَ لَهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا عَلَيْهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (بَاعَ عَقَارًا وَبَعْضُ أَقَارِبِهِ حَاضِرٌ يَعْلَمُ الْبَيْعَ ثُمَّ ادَّعَى لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ) أَطْلَقَ الْقَرِيبَ هُنَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 550 وَفِي الْفَتَاوَى لِأَبِي اللَّيْثِ عَنْهُ فَقَالَ لَوْ بَاعَ عَقَارًا وَابْنُهُ أَوْ امْرَأَتُهُ حَاضِرَةٌ تَعْلَمُ بِهِ وَتَصَرَّفَ الْمُشْتَرِي فِيهِ زَمَانًا ثُمَّ ادَّعَى الِابْنُ أَنَّهُ مَلَكَهُ وَلَمْ يَكُنْ مِلْكُ أَبِيهِ وَقْتَ الْبَيْعِ اتَّفَقَ مَشَايِخُنَا عَلَى أَنَّهُ لَا تُسْمَعُ مِثْلُ هَذِهِ الدَّعْوَةِ؛ لِأَنَّ حُضُورَهُ عِنْدَ الْبَيْعِ وَتَرْكَهُ فِيمَا يَصْنَعُ إقْرَارٌ مِنْهُ بِأَنَّهُ مِلْكُ الْبَائِعِ وَأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْمَبِيعِ وَجَعَلَ سُكُوتَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَالْإِفْصَاحِ بِالْإِقْرَارِ قَطْعًا لِلْأَطْمَاعِ الْفَاسِدَةِ لِأَهْلِ الْعَصْرِ فِي الْإِضْرَارِ بِالنَّاسِ وَتَقْيِيدُ الْقَرِيبِ يَقْتَضِي جَوَازَ ذَلِكَ مَعَ الْقَرِيبِ، وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا تُسْمَعُ مِنْ الْقَرِيبِ وَغَيْرِهِ وَذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ فِي كِتَابِ الْكَفَالَةِ قَبْلَ الْفَصْلِ فِي الضَّمَانِ قَالَ: وَمَنْ بَاعَ دَارًا وَكَفَلَ عَنْهُ رَجُلٌ بِالدَّرَكِ فَهُوَ تَسْلِيمٌ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ لَوْ كَانَتْ مَشْرُوطَةً فِيهِ فَتَمَامُهُ بِقَبُولِهِ ثُمَّ بِالدَّعْوَى يَسْعَى فِي نَقْضِ مَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَشْرُوطَةً فِيهِ فَالْمُرَادُ بِهَا أَحْكَامُ الْبَيْعِ وَتَرْغِيبُ الْمُشْتَرِي فِيهِ إذْ لَا يَرْغَبُ فِيهِ بِدُونِ الْكَفَالَةِ فَنَزَلَ مَنْزِلَةَ الْإِقْرَارِ بِمِلْكِ الْبَائِعِ وَلَوْ شَهِدَ وَخَتَمَ وَلَمْ يَكْفُلْ لَمْ يَكُنْ تَسْلِيمًا وَهُوَ عَلَى دَعْوَاهُ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تَكُونُ مَشْرُوطَةً فِي الْبَيْعِ وَلَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِيهِ وَلَا هِيَ بِإِقْرَارِ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ مَرَّةً يُوجَدُ مِنْ الْمَالِكِ وَتَارَةً مِنْ غَيْرِهِ وَلَعَلَّهُ كَتَبَ شَهِدَ بِذَلِكَ فَهُوَ تَسْلِيمٌ إلَّا إذَا كَتَبَ الشَّهَادَةَ عَلَى إقْرَارِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، وَلَوْ بَاعَ ضَيْعَةً ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهَا وَقْفٌ عَلَيْهِ وَعَلَى أَوْلَادِهِ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ لِلتَّنَاقُضِ؛ لِأَنَّ إقْدَامَهُ عَلَى الْبَيْعِ إقْرَارٌ مِنْهُ وَإِذَا أَرَادَ تَحْلِيفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ قِيلَ تُقْبَلُ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الْوَقْفِ تُقْبَلُ مِنْ غَيْرِ دَعْوَى؛ لِأَنَّهَا مِنْ بَابِ الْحِسْبَةِ فَإِذَا قُبِلَتْ انْتَقَضَ الْبَيْعُ وَقِيلَ لَا تُقْبَلُ وَهُوَ أَصْوَبُ وَأَحْوَطُ؛ لِأَنَّهُ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ أَنَّ الضَّيْعَةَ وَقْفٌ عَلَيْهِ يَدَّعِي فَسَادَ الْبَيْعِ وَحَقًّا لِنَفْسِهِ فَلَا تُقْبَلُ لِلتَّنَاقُضِ وَقَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إذَا بِيعَ مَتَاعُ إنْسَانٍ بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُوَ يَنْظُرُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ سُكُوتٌ يَحْتَمِلُ الرِّضَا وَالسَّخَطَ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى سُكُوتُهُ يَكُونُ إجَازَةً مِنْهُ لِلْبَيْعِ، وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَالصَّحِيحُ أَنَّ سُكُوتَهُ لَا يَكُونُ تَسْلِيمًا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ إنَّمَا سَكَتَ لِغَيْبَةِ شُهُودِهِ أَوْ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَوْ خَاصَمَ عِنْدَهُ لَا يَقْضِي لَهُ لِمَا عُلِمَ مِنْ حَالِ الْقَاضِي. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَهَبَتْ مَهْرَهَا لِزَوْجِهَا فَمَاتَتْ فَطَالَبَ وَرَثَتُهَا بِمَهْرِهَا وَقَالُوا كَانَتْ الْهِبَةُ فِي مَرَضِ مَوْتِهَا وَقَالَ بَلْ فِي الصِّحَّةِ فَالْقَوْلُ لَهُ) أَيْ لِلزَّوْجِ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ لِلْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ حَادِثَةٌ وَالْحَوَادِثُ تُضَافُ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى سُقُوطِ الْمَهْرِ عَنْ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ تُفِيدُ الْمِلْكَ وَإِنْ كَانَتْ لِلْوَارِثِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَرِيضَ إذَا وَهَبَ عَبْدَهُ لِوَارِثِهِ فَأَعْتَقَهُ الْوَارِثُ أَوْ بَاعَهُ نَفَذَ تَصَرُّفُهُ وَلَكِنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ إنْ مَاتَ الْمُوَرِّثُ وَفِي ذَلِكَ الْمَرَضِ رَدًّا لِلْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ فَإِذَا سَقَطَ عَنْهُ الْمَهْرُ بِالِاتِّفَاقِ فَالْوَارِثُ يَدَّعِي الْعَوْدَ عَلَيْهِ وَالزَّوْجُ يُنْكِرُ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَقَرَّ بِدَيْنٍ أَوْ غَيْرِهِ ثُمَّ قَالَ كُنْت كَاذِبًا فِيمَا أَقْرَرْت حَلَفَ الْمُقَرُّ لَهُ عَلَى أَنَّ الْمُقِرَّ مَا كَانَ كَاذِبًا فِيمَا أَقَرَّ بِهِ وَلَسْت بِمُبْطِلٍ فِيمَا أَدَّعِيهِ عَلَيْهِ وَالْإِقْرَارُ لَيْسَ بِسَبَبٍ لِلْمِلْكِ) وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَا: لَا يَحْلِفُ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ حُجَّةٌ مُلْزِمَةٌ شَرْعًا فَلَا يُصَارُ مَعَهُ إلَى الْيَمِينِ كَالْبَيِّنَةِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ احْتِمَالَ الْكَذِبِ فِيهِ أَبْعَدُ لِتَضَرُّرِهِ بِذَلِكَ وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بَيْنَ النَّاسِ أَنَّهُمْ يَكْتُبُونَ الصَّكَّ إذَا أَرَادُوا الِاسْتِدَانَةَ قَبْلَ الْأَخْذِ ثُمَّ يَأْخُذُونَ الْمَالَ فَلَا يَكُونُ الْإِقْرَارُ لَيْلًا، وَكَذَا لَوْ ادَّعَى وَارِثُ الْمُقِرِّ يَحْلِفُ الْمُقَرُّ لَهُ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ ادَّعَى الْجُزْءَ الَّذِي فِي يَدِ الْمُقَرِّ لَهُ فَالْيَمِينُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ أَنَّنَا لَا نَعْلَمُ أَنَّهُ كَاذِبٌ فَيَحْلِفُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى لِتَغَيُّرِ أَحْوَالِ النَّاسِ وَكَثْرَةِ الْخِدَاعِ وَالْخِيَانَاتِ وَهُوَ يَتَضَرَّرُ بِذَلِكَ وَالْمُدَّعِي لَا يَضُرُّهُ الْيَمِينُ إنْ كَانَ صَادِقًا فَيُصَارُ إلَيْهِ. [مسائل متفرقة في الوكالة] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَوْ قَالَ لِآخَرَ وَكَّلْتُك بِبَيْعِ هَذَا فَسَكَتَ صَارَ وَكِيلًا) ؛ لِأَنَّ سُكُوتَهُ وَعَدَمَ رَدِّهِ مِنْ سَاعَتِهِ دَلِيلُ الْقَبُولِ عَادَةً وَنَظِيرُهُ هِبَةُ الدَّيْنِ مِمَّنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ فَإِنَّهُ إذَا سَكَتَ صَحَّتْ الْهِبَةُ وَسَقَطَ الدَّيْنُ لِمَا بَيَّنَّا وَإِنْ قَالَ مِنْ سَاعَتِهِ لَا أَقْبَلُ بَطَلَ وَبَقِيَ الدَّيْنُ عَلَى حَالِهِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ جَعَلْت أَرْضِي عَلَيْك وَقْفًا فَسَكَتَ صَحَّتْ وَلَوْ قَالَ لَا أَقْبَلُ بَطَلَ وَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ الْوَقْفُ لَا يَبْطُلُ بِقَوْلِهِ لَا أَقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ وَقْفٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَالْأَشْبَهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ لِمَا عُرِفَ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّهُ يَصِيرُ وَقْفًا بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ وَقَفْت دَارِي. قَالَ (وَكَّلَهَا بِطَلَاقِهَا لَا يَمْلِكُ عَزْلَهَا) لِأَنَّهُ يَمِينٌ مِنْ جِهَتِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْيَمِينِ وَهُوَ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ بِفِعْلِهَا وَلَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنْ الْيَمِينِ وَهُوَ تَمْلِيكٌ مِنْ جِهَتِهَا؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ هُوَ الَّذِي يَعْمَلُ لِغَيْرِهِ وَهِيَ عَامِلَةٌ لِنَفْسِهَا فَلَا تَكُونُ وَكِيلَةً بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكَّلْتُك بِكَذَا عَلَى أَنِّي مَتَى عَزَلْتُك فَأَنْت وَكِيلِي) يَقُولُ فِي عَزْلِهِ عَزَلْتُك ثُمَّ عَزَلْتُك أَيْ ثُمَّ يَقُولُ عَزَلْتُك؛ لِأَنَّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 551 الْوَكَالَةَ يَجُوزُ تَعْلِيقُهَا بِالشَّرْطِ فَيَجُوزُ تَعْلِيقُهَا بِالْعَزْلِ عَنْ الْوَكَالَةِ فَإِنْ عَزَلَهُ انْعَزَلَ عَنْ الْوَكَالَةِ الْمُنْجَزَةِ ثُمَّ تَنَجَّزَتْ الْمُعَلَّقَةُ فَصَارَ تَوْكِيلًا جَدِيدًا تَمَّ بِالْعَزْلِ الثَّانِي قَدْ رَجَعَ عَنْ الْوَكَالَةِ الثَّانِيَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ قَالَ كُلَّمَا عَزَلْتُك فَأَنْت وَكِيلِي يَقُولُ رَجَعْت عَنْ الْوَكَالَةِ الْمُعَلَّقَةِ وَعَزَلْت عَنْ الْوَكَالَةِ الْمُنْجَزَةِ) وَقِيلَ يَقُولُ فِي عَزْلِهِ كُلَّمَا وَكَّلْتُك فَأَنْت مَعْزُولٌ؛ لِأَنَّهُ كُلَّمَا صَارَ وَكِيلًا انْعَزَلَ فَيَحْصُلُ مَقْصُودٌ بِذَلِكَ وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ. [مسائل متفرقة في الصلح] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَبَضَ بَدَلَ الصُّلْحِ شَرْطًا إنْ كَانَ دَيْنًا بِدَيْنٍ) بِأَنْ وَقَعَ عَلَى دَرَاهِمَ عَنْ دَنَانِيرَ أَوْ عَلَى شَيْءٍ آخَرَ فِي الذِّمَّةِ؛ لِأَنَّهُ مَتَى وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى غَيْرِ مَا يَسْتَحِقُّهُ الدَّائِنُ بِعَقْدِ الْمُدَايَنَةِ يُحْمَلُ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ صَارَ صَرْفًا أَوْ بَيْعًا وَفِيهِ لَا يَجُوزُ الِافْتِرَاقُ عَنْ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ «لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ» وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ وَغَيْرِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَّا لَا) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ دَيْنًا بِدَيْنٍ لَا يُشْتَرَطُ قَبْضُهُ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ إذَا وَقَعَ عَلَى عَيْنٍ مُتَعَيِّنَةٍ لَا يَبْقَى دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ فَجَازَ الِافْتِرَاقُ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ مَالُ الرِّبَا كَمَا وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى شَعِيرٍ بِعَيْنِهِ عَنْ حِنْطَةٍ فِي الذِّمَّةِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى صَبِيٍّ دَارًا فَصَالَحَهُ أَبُوهُ عَلَى مَالِ الصَّبِيِّ فَإِنْ كَانَ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ جَازَ إنْ كَانَ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ أَوْ أَكْثَرَ مِمَّا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ) لِأَنَّ لِلصَّبِيِّ فِيهِ مَنْفَعَةً وَهِيَ سَلَامَةُ الْعَيْنِ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُصَالِحْ يَسْتَحِقُّهُ الْمُدَّعِي فَتَنْقُدُ بِالْمِثْلِ وَبِقَدْرِ مَا يُتَغَابَنُ فِيهِ عَادَةً؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ أَوْ كَانَتْ غَيْرَ عَادِلَةٍ لَا) يَعْنِي لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ مُتَبَرِّعًا بِمَالِ الصَّبِيِّ بِالصُّلْحِ لَا مُشْتَرِيًا لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْمُدَّعِي شَيْئًا مِنْ مَالِهِ لَوْلَا الصُّلْحُ فَلَا مَنْفَعَةَ لِلصَّبِيِّ فِي هَذَا الصُّلْحِ بَلْ فِيهِ ضَرَرٌ فَلَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ نَظَرِيَّةٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الأنعام: 152] وَإِنْ كَانَ الْأَبُ هُوَ الْمُدَّعِي لِلصَّغِيرِ وَلَا بَيِّنَةَ يَجُوزُ كَيْفَمَا كَانَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لِلصَّبِيِّ فِيمَا ادَّعَاهُ الْأَبُ لَهُ مِلْكٌ وَلَا مَعْنَى الْمِلْكِ وَهُوَ التَّمَكُّنُ مِنْ الْأَخْذِ فَكَانَ مُحَصِّلًا لَهُ مَالًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ مِلْكِ الصَّبِيِّ شَيْئًا بِمُقَابَلَتِهِ فَكَانَ نَفْعًا مَحْضًا، فَإِنْ كَانَ لَهُ بَيِّنَةٌ عَادِلَةٌ لَا تَجُوزُ إلَّا بِالْمِثْلِ وَبِأَقَلَّ لِقَدْرِ مَا يُتَغَابَنُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ فِي مَعْنَى الْمِلْكِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْأَخْذِ بِالْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ وَوَصِيُّ الْأَبِ فِي هَذَا كَالْأَبِ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَالَ لَا بَيِّنَةَ فَبَرْهَنَ أَوْ لَا شَهَادَةَ لِي فَشَهِدَ تُقْبَلُ) وَمَعْنَى الْأَوَّلِ أَنْ يَقُولَ الْمُدَّعِي لَيْسَ لَهُ بَيِّنَةٌ عَلَى دَعْوَايَ هَذَا الْحَقَّ ثُمَّ جَاءَ بِالْبَيِّنَةِ تُقْبَلُ؛ لِأَنَّ التَّوْفِيقَ بَيْنَهُمَا مُمْكِنٌ بِأَنْ كَانَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ فَنَسِيَ ثُمَّ ذَكَرَهَا بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ كَانَ لَا يَعْلَمُهَا ثُمَّ عَلِمَهَا وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ أَكْذَبَ بَيِّنَتَهُ وَمَعْنَى الثَّانِي أَنْ يَقُولَ الشَّاهِدُ لَا شَهَادَةَ لِفُلَانٍ عِنْدِي فِي حَقٍّ لَهُ ثُمَّ يَشْهَدُ لَهُ بِهِ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ رَوَى ذَلِكَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ لَهُ شَهَادَةٌ قَدْ نَسِيَهَا أَوْ لَمْ يَعْلَمْهَا ثُمَّ عَلِمَهَا وَلِهَذَا لَوْ قَالَ لَا أَعْلَمُ لِي حَقًّا عَلَى فُلَانٍ، ثُمَّ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ حَقًّا تُقْبَلُ لِإِمْكَانِ التَّوْفِيقِ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لَيْسَ لِي عَلَيْهِ حَقٌّ ثُمَّ ادَّعَى حَقًّا حَتَّى لَا تُسْمَعَ دَعْوَاهُ؛ لِأَنَّ الْمُنَاقَضَةَ بَيْنَ الْإِقْرَارِ وَالدَّعْوَى ثَابِتَةٌ فَلَا يُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بَيْنَهُمَا وَنَفْيُ الْحُجَّةِ فِي هَذَا كَنَفْيِ الشَّهَادَةِ لَا كَنَفْيِ الْحَقِّ، حَتَّى إذَا قَالَ لَا حُجَّةَ لِي عَلَى فُلَانٍ ثُمَّ أَتَى بِحُجَّةٍ تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ نَسِيت وَلَوْ قَالَ هَذِهِ الدَّارُ لَيْسَتْ لِي أَوْ قَالَ ذَلِكَ الْعَبْدُ ثُمَّ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّ الدَّارَ وَالْعَبْدَ لَهُ تُقْبَلُ بِبَيِّنَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُثْبِتْ بِإِقْرَارِهِ حَقًّا لِأَحَدٍ وَكُلُّ إقْرَارٍ لَمْ يُثْبِتْ بِهِ لِغَيْرِهِ حَقًّا كَانَ لَغْوًا وَلِهَذَا يَصِحُّ دَعْوَى الْمُلَاعِنِ نَسَبَ وَلَدٍ نُفِيَ بِلِعَانِهِ نَسَبُهُ؛ لِأَنَّهُ حِينَ نَفَاهُ لَمْ يُثْبِتْ فِيهِ حَقًّا لِأَحَدٍ. [مسائل متفرقة في تصرفات السلطان] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (لِلْإِمَامِ الَّذِي وَلَّاهُ الْخَلِيفَةُ أَنْ يَقْطَعَ أَغْصَانًا مِنْ الطَّرِيقِ الْجَادَّةِ إنْ لَمْ يَضُرَّ بِالْمَارَّةِ) ؛ لِأَنَّ لِلْإِمَامِ وِلَايَةَ التَّصَرُّفِ فِي حَقِّ الْكَافَّةِ فِيمَا فِيهِ نَظَرٌ لِلْمُسْلِمِينَ فَإِذَا رَأَى فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةً لَهُمْ كَانَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُلْحِقَ ضَرَرًا بِأَحَدٍ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا رَأَى أَنْ يُدْخِلَ بَعْضَ الطُّرُقِ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ بِالْعَكْسِ وَكَانَ فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ كَانَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ وَالْإِمَامُ الَّذِي وَلَّاهُ الْخَلِيفَةُ بِمَنْزِلَةِ الْخَلِيفَةِ؛ لِأَنَّهُ نَائِبُهُ فَكَانَ فِيهِ مِثْلُهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (مَنْ صَادَرَهُ السُّلْطَانُ وَلَمْ يُعَيِّنْ بَيْعَ مَالُهُ فَبَاعَ مَالَهُ صَحَّ) أَيْ جَازَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُكْرَهْ عَلَى الْبَيْعِ وَإِنَّمَا بَاعَ بِاخْتِيَارِهِ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ صَارَ مُلْجَأً إلَى بَيْعِهِ لَا يُقَالُ لِمَا طُلِبَ مِنْهُ ذَلِكَ فَقَدْ أَكْرَهَهُ لِأَنَّا نَقُولُ ذَلِكَ لَا يُوجِبُ الْإِكْرَاهَ كَالدَّائِنِ إذَا حَبَسَهُ الْمَدِينُ فَبَاعَ مَالَهُ لِيَقْضِيَ بِثَمَنِهِ دَيْنَهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ بِاخْتِيَارِهِ وَإِنَّمَا وَقَعَ الْكُرْهُ فِي الْإِيفَاءِ لَا فِي الْبَيْعِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مِثْلُهُ فِي التَّسْعِيرِ وَفِي الْفَتَاوَى لَوْ أَدْخَلَ نَفْسَهُ فِي مَالِ السَّلْطَنَةِ ثُمَّ أَكْرَهَهُ السُّلْطَانُ عَلَى بَيْعِ مَالِهِ لَا يَكُونُ ذَلِكَ إكْرَاهًا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا دَخَلَ بِاخْتِيَارِهِ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّ السُّلْطَانَ إذَا تَأَخَّرَ لَهُ مَالٌ يَبِيعُ دَارِهِ وَأَمْتِعَتَهُ صَارَ رَاضِيًا بِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الدُّخُولِ فَلَا يَكُونُ إكْرَاهًا. [مسائل متفرقة في الإكراه] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الجزء: 8 ¦ الصفحة: 552 (خَوَّفَهَا بِالضَّرْبِ حَتَّى وَهَبَتْهُ مَهْرَهَا لَمْ يَصِحَّ إنْ قَدَرَ عَلَى الضَّرْبِ) ؛ لِأَنَّهَا مُكْرَهَةٌ عَلَيْهِ إذْ الْإِكْرَاهُ عَلَى الْمَالِ يَثْبُتُ بِمِثْلِهِ؛ لِأَنَّ التَّرَاضِيَ شَرْطٌ فِي تَمْلِيكِ الْأَمْوَالِ وَالرِّضَا يَنْتَفِي بِمِثْلِهِ فَلَا يَصِحُّ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَكْرَهَهَا عَلَى الْخُلْعِ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَلَا يَسْقُطُ الْمَالُ) ؛ لِأَنَّ طَلَاقَ الْمُكْرَهِ وَاقِعٌ وَلَا يَلْزَمُهَا الْمَالُ بِهِ إذْ الرِّضَا شَرْطٌ فِيهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ فِي كِتَابِ الْإِكْرَاهِ. [أَحَالَتْ إنْسَانًا عَلَى الزَّوْجِ بِالْمَهْرِ، ثُمَّ وَهَبَتْ الْمَهْرَ لِلزَّوْجِ] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ أَحَالَتْ إنْسَانًا عَلَى الزَّوْجِ بِالْمَهْرِ، ثُمَّ وَهَبَتْ الْمَهْرَ لِلزَّوْجِ لَا يَصِحُّ) لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْمُحْتَالِ عَلَى مِثَالِ الرَّهْنِ وَإِنْ كَانَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ عِنْدَ مَوْتِهَا فَيُرَدُّ تَصَرُّفُهَا فِيهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ بَاعَ الْمَرْهُونَ أَوْ وَهَبَهُ. [اتَّخَذَ بِئْرًا فِي مِلْكِهِ أَوْ بَالُوعَةً فَنَزَّ مِنْهَا حَائِطُ جَارِهِ فَطَلَبَ تَحْوِيلَهُ] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (اتَّخَذَ بِئْرًا فِي مِلْكِهِ أَوْ بَالُوعَةً فَنَزَّ مِنْهَا حَائِطُ جَارِهِ فَطَلَبَ تَحْوِيلَهُ لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ وَإِنْ سَقَطَ الْحَائِطُ مِنْهُ لَمْ يَضْمَنْ) لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي خَالِصِ مِلْكِهِ وَلِأَنَّ هَذَا تَسَبُّبٌ وَبِهِ لَا يَجِبُ الضَّمَانُ إلَّا إذَا كَانَ مُتَعَدِّيًا كَوَضْعِ الْحَجَرِ عَلَى الطَّرِيقِ وَاِتِّخَاذُ ذَلِكَ فِي مِلْكِهِ لَيْسَ بِتَعَدٍّ فَلَا يَضْمَنُ. [عَمَّرَ دَارَ زَوْجَتِهِ بِمَالِهِ بِإِذْنِهَا فَالْعِمَارَةُ لَهَا وَالنَّفَقَةُ دَيْنٌ عَلَيْهَا] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ عَمَّرَ دَارَ زَوْجَتِهِ بِمَالِهِ بِإِذْنِهَا فَالْعِمَارَةُ لَهَا وَالنَّفَقَةُ دَيْنٌ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَهَا) وَقَدْ صَحَّ أَمْرُهَا بِذَلِكَ فَيَنْتَقِلُ الْفِعْلُ إلَيْهَا فَتَكُونُ كَأَنَّهَا هِيَ الَّتِي عَمَّرَتْهُ فَيَبْقَى عَلَى مِلْكِهَا وَهُوَ غَيْرُ مُتَطَوِّعٍ بِالْإِنْفَاقِ فَيَرْجِعُ لِصِحَّةِ أَمْرِهَا فَصَارَ كَالْمَأْمُورِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِنَفْسِهِ بِلَا إذْنِهَا فَلَهُ) أَيْ إذَا عَمَّرَ لِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ إذْنِ الْمَرْأَةِ كَانَتْ الْعِمَارَةُ لَهُ؛ لِأَنَّ الْآلَةَ الَّتِي بَنَى بِهَا مِلْكَهُ فَلَا يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ بِالْبِنَاءِ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ فَيَبْقَى عَلَى مِلْكِهِ وَيَكُونُ غَاصِبًا لِلْعَرْصَةِ وَشَاغِلًا مِلْكَ غَيْرِهِ بِمِلْكِهِ فَيُؤْمَرُ بِالتَّفْرِيغِ إنْ طَلَبَتْ زَوْجَتُهُ ذَلِكَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ عَمَّرَهَا لَهَا بِلَا إذْنِهَا فَالْعِمَارَةُ لَهَا وَهُوَ مُتَطَوِّعٌ) أَيْ عَمَّرَهَا لَهَا بِغَيْرِ إذْنِهَا كَانَ لَهَا الْبِنَاءُ وَهُوَ مُتَطَوِّعٌ بِالْبِنَاءِ فَلَا يَكُونُ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهَا بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ فِي إيجَابِ ذَلِكَ عَلَيْهَا. [أَخَذَ غَرِيمَهُ فَنَزَعَهُ إنْسَانٌ مِنْ يَدِهِ لَمْ يَضْمَنْ] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ أَخَذَ غَرِيمَهُ فَنَزَعَهُ إنْسَانٌ مِنْ يَدِهِ لَمْ يَضْمَنْ) أَيْ لَا يَضْمَنُ النَّازِعُ فَلَا يُضَافُ إلَيْهِ التَّلَفُ كَمَا إذَا حَلَّ قَيْدَ الْعَبْدِ فَائِقٌ فَإِنَّ الْحَالَ لَا يُضْمَنُ؛ لِأَنَّ التَّلَفَ لَمْ يَحْصُلْ بِفِعْلِهِ وَإِنَّمَا حَصَلَ بِفِعْلِ الْعَبْدِ وَهُوَ مُخْتَارٌ وَكَذَا إذَا دَلَّ السَّارِقُ فَإِنَّ الْفِعْلَ حَصَلَ بِفِعْلِ السَّرِقَةِ لَا بِدَلَالَتِهِ وَكَمَنْ أَمْسَكَ هَارِبًا مِنْ عَدُوٍّ حَتَّى قَتَلَهُ الْعَدُوُّ فَإِنَّ الْمُمْسِكَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ فَكَذَا هَذَا. [فِي يَدِهِ مَالُ إنْسَانٍ فَقَالَ لَهُ سُلْطَانٌ ادْفَعْ إلَى هَذَا الْمَالَ] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فِي يَدِهِ مَالُ إنْسَانٍ فَقَالَ لَهُ سُلْطَانٌ ادْفَعْ إلَى هَذَا الْمَالَ وَإِلَّا أَقْطَعُ يَدَك أَوْ أَضْرِبُك خَمْسِينَ فَدَفَعَ لَمْ يَضْمَنْ) أَيْ لَا يَضْمَنُ الدَّافِعُ؛ لِأَنَّهُ مُكْرَهٌ عَلَيْهِ فَكَانَ الضَّمَانُ عَلَى الْمُكْرِهِ أَوْ عَلَى الْآخِذِ أَيَّهُمَا شَاءَ الْمَالِكُ إذَا كَانَ الْأَخْذُ مُخْتَارًا وَإِلَّا فَعَلَى الْمُكْرَهِ فَقَطْ. [وَضَعَ مِنْجَلًا فِي الصَّحْرَاءِ لِيَصِيدَ بِهِ حِمَارَ وَحْشٍ وَسَمَّى عَلَيْهِ فَجَاءَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَوَجَدَا الْحِمَارَ مَجْرُوحًا مَيِّتًا] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَضَعَ مِنْجَلًا فِي الصَّحْرَاءِ لِيَصِيدَ بِهِ حِمَارَ وَحْشٍ وَسَمَّى عَلَيْهِ فَجَاءَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَوَجَدَا الْحِمَارَ مَجْرُوحًا مَيِّتًا لَمْ يُؤْكَلْ) لِأَنَّ الشَّرْطَ أَنْ يَذْبَحَهُ إنْسَانٌ أَوْ يَجْرَحَهُ وَبِدُونِ ذَلِكَ لَا يَحِلُّ وَهُوَ كَالنَّطِيحَةِ وَالْمُتَرَدِّيَةِ حَتَّى لَوْ وَجَدَهُ مَيِّتًا مِنْ سَاعَتِهِ لَا يَحِلُّ لِعَدَمِ شَرْطِهِ. [يكره مِنْ الشَّاةِ الْحَيَاءُ وَالْخُصْيَةُ وَالْغُدَّةُ وَالْمَثَانَةُ وَالْمَرَارَةُ وَالدَّمُ الْمَسْفُوحُ وَالذَّكَرُ] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (كُرِهَ مِنْ الشَّاةِ الْحَيَاءُ وَالْخُصْيَةُ وَالْغُدَّةُ وَالْمَثَانَةُ وَالْمَرَارَةُ وَالدَّمُ الْمَسْفُوحُ وَالذَّكَرُ) لِمَا رَوَى الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ وَاصِلِ بْنِ مُجَاهِدٍ قَالَ «كَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الشَّاةِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَيَيْنِ وَالْقُبُلَ وَالْغُدَّةَ وَالْمَرَارَةَ وَالْمَثَانَةَ» قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الدَّمُ حَرَامٌ وَكُرِهَ السِّتَّةُ وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3] وَكُرِهَ مَا سِوَاهُ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا تَسْتَخْبِثُهُ النَّفْسُ وَتَكْرَهُهُ وَهَذَا الْمَعْنَى سَبَبُ الْكَرَاهَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157] وَرَوَى ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - سُئِلَ عَنْ الْقُنْفُذِ فَتَلَا قَوْله تَعَالَى {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ} [الأنعام: 145] الْآيَةُ فَقَالَ شَيْخٌ عِنْدَهُ سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ «ذُكِرَ الْقُنْفُذُ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ خَبِيثٌ مِنْ الْخَبَائِثِ» . [لِلْقَاضِي أَنْ يُقْرِضَ مَالَ الْغَائِبِ وَالطِّفْلِ وَاللَّقْطَةِ] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لِلْقَاضِي أَنْ يُقْرِضَ مَالَ الْغَائِبِ وَالطِّفْلِ وَاللَّقْطَةِ) ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الِاسْتِخْلَاصِ فَلَا يَفُوتُ الْحِفْظُ بِهِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُكَرَّرَةٌ مَعَ قَوْلِهِ فِي كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي وَيُقْرِضُ الْقَاضِي مَالَ الْيَتِيمِ وَيَكْتُبُ الصَّكَّ بِخِلَافِ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ وَالْمُلْتَقِطِ؛ لِأَنَّهُمْ عَاجِزُونَ عَنْ اسْتِخْلَاصِهِ فَيَكُونُ تَضْيِيعًا إلَّا أَنَّ الْمُلْتَقِطَ إذَا أَنْشَدَ اللُّقَطَةَ وَمَضَى مُدَّةَ النَّشْدِ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ لَهُ الْإِقْرَاضُ مِنْ الْفُقَرَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِمْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ جَازَ فَالْقَرْضُ أَوْلَى. [مسائل في الختان والتداوي والزينة] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (صَبِيٌّ حَشَفَتُهُ ظَاهِرَةٌ بِحَيْثُ لَوْ رَآهُ إنْسَانٌ ظَنَّهُ مَخْتُونًا وَلَا تُقْطَعُ جِلْدَةُ ذَكَرِهِ إلَّا بِتَشْدِيدِ تَرْكٍ كَشَيْخٍ أَسْلَمَ وَقَالَ أَهْلُ النَّظَرِ لَا يُطِيقُ الْخِتَانَ) ؛ لِأَنَّ قَطْعَ جِلْدِهِ لِتَنْكَشِفَ الْحَشَفَةُ، فَإِنْ كَانَتْ الْحَشَفَةُ ظَاهِرَةً فَلَا حَاجَةَ إلَى الْقَطْعِ، وَإِنْ كَانَ يُوَارِي الْحَشَفَةَ يَقْطَعُ الْفَضْلَ وَلَوْ خُتِنَ وَلَمْ تُقْطَعْ الْجَلْدَةُ كُلُّهَا يُنْظَرُ إنْ قُطِعَ أَكْثَرُ مِنْ النِّصْفِ يَكُونُ خِتَانًا؛ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ، وَإِنْ قُطِعَ النِّصْفُ فَمَا دُونَهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 553 لَا يُعْتَدُّ بِهِ لِعَدَمِ الْخِتَانِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا وَالْأَصْلُ أَنَّ الْخِتَانَ سُنَّةٌ كَمَا جَاءَ فِي الْخَبَرِ وَهُوَ مِنْ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ وَخَصَائِصِهِ حَتَّى لَوْ اجْتَمَعَ أَهْلُ بَلَدٍ عَلَى تَرْكِهِ يُحَارِبُهُمْ الْإِمَامُ فَلَا يُتْرَكُ إلَّا لِلضَّرُورَةِ وَعُذْرُ الشَّيْخِ الَّذِي لَا يُطِيقُ ذَلِكَ ظَاهِرٌ فَيُتْرَكُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَوَقْتُهُ سَبْعُ سِنِينَ) أَيْ وَقْتُ الْخِتَانِ سَبْعُ سِنِينَ وَقِيلَ لَا يُخْتَنُ حَتَّى يَبْلُغَ؛ لِأَنَّ الْخِتَانَ لِلطَّهَارَةِ وَلَا طَهَارَةَ عَلَيْهِ قَبْلَهُ فَكَانَ إيلَامًا قَبْلَهُ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ وَقِيلَ أَقْصَاهُ اثْنَا عَشَرَ سَنَةً وَقِيلَ تِسْعُ سِنِينَ وَقِيلَ وَقْتُهُ عَشْرُ سِنِينَ؛ لِأَنَّهُ يُؤْمَرُ بِالصَّلَاةِ إذَا بَلَغَ عَشْرًا اعْتِيَادًا وَتَخَلُّقًا فَيَحْتَاجُ إلَى الْخِتَانِ؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ لِلطَّهَارَةِ وَقِيلَ إنْ كَانَ قَوِيًّا يُطِيقُ أَلَمَ الْخِتَانِ يُخْتَنُ وَإِلَّا فَلَا وَهُوَ أَشْبَهُ بِالْفِقْهِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا عِلْمَ لِي بِوَقْتِهِ وَلَمْ يُرْوَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِيهِ شَيْءٌ وَإِنَّ الْمَشَايِخَ اخْتَلَفُوا فِيهِ، وَخِتَانُ الْمَرْأَةِ لَيْسَ بِسُنَّةٍ وَإِنَّمَا هُوَ مَكْرُمَةٌ لِلرِّجَالِ فِي لَذَّةِ الْجِمَاعِ وَقِيلَ سُنَّةٌ وَالْأَصْلُ أَنَّ إيصَالَ الْأَلَمِ إلَى الْحَيَوَانِ لَا يَجُوزُ شَرْعًا إلَّا لِمَصَالِحَ تَعُودُ إلَيْهِ وَفِي الْخِتَانِ إقَامَةُ السُّنَّةِ وَتَعُودُ إلَيْهِ أَيْضًا مَصْلَحَتُهُ لِأَنَّهُ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ «الْخِتَانُ سُنَّةٌ يُحَارَبُ عَلَى تَرْكِهَا» وَكَذَا يَجُوزُ كَيُّ الصَّغِيرِ وَرَبْطُ قُرْحَتِهِ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمُدَاوَاةِ وَكَذَا يَجُوزُ ثَقْبُ أُذُنِ الْبَنَاتِ الْأَطْفَالِ؛ لِأَنَّ فِيهِ مَنْفَعَةً لِلزِّينَةِ وَكَانَ يُفْعَلُ ذَلِكَ مِنْ وَقْتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى يَوْمِنَا هَذَا مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ وَالْحَامِلُ لَا تَفْعَلُ مَا يَضُرُّ بِالْوَلَدِ وَلَا يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تَحْتَجِمَ مَا لَمْ يَتَحَرَّكْ الْوَلَدُ فَإِذَا تَحَرَّكَ فَلَا بَأْسَ مَا لَمْ تَقْرُبْ الْوِلَادَةُ فَإِذَا قَرُبَتْ فَلَا تَحْتَجِمْ لِأَنَّهُ يَضُرُّهُ وَأَمَّا الْفَصْدُ فَلَا تَفْعَلُهُ مُطْلَقًا مَا دَامَتْ حُبْلَى؛ لِأَنَّهُ يُخَافُ عَلَى الْوَلَدِ مِنْهُ وَكَذَا يَجُوزُ فَصْدُ الْبَهَائِمِ وَكَيُّهَا وَكُلُّ عِلَاجٍ فِيهِ مَنْفَعَةٌ لَهَا وَجَازَ قَتْلُ مَا يَضُرُّ مِنْ الْبَهَائِمِ كَالْكَلْبِ الْعَقُورِ وَالْهِرَّةِ إذَا كَانَتْ تَأْكُلُ الْحَمَامَ وَالدَّجَاجَ لِإِزَالَةِ الضَّرَرِ وَيَذْبَحُهَا وَلَا يَضُرُّ بِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ فَيَكُونُ مُعَذَّبًا لَهَا بِلَا فَائِدَةٍ. [مسائل في المسابقة والقمار] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمُسَابَقَةُ بِالْفَرَسِ وَالْإِبِلِ وَالْأَرْجُلِ وَالرَّمْيِ جَائِزَةٌ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا سَبْقَ إلَّا فِي خُفٍّ أَوْ نَعْلٍ أَوْ حَافِرٍ وَأَذِنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِسَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ أَنْ يُسَابِقَ رَجُلًا كَانَ لَا يُسَابَقُ أَبَدًا فَسَبَقَهُ سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ» وَقَالَ الزُّهْرِيُّ كَانَتْ الْمُسَابَقَةُ بَيْنَ أَصْحَابِ رَسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْخَيْلِ وَالرِّكَابِ وَالْأَرْجُلِ وَلِأَنَّ الْغُزَاةَ يَحْتَاجُونَ إلَى رِيَاضَةِ خَيْلِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَالتَّعَلُّمِ لِلْكَلْبِ وَالْقِدَدِ مُبَاحٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَحَرُمَ شَرْطُ الْجُعْلِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ لَا مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ) لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَبَقَ بِالْخَيْلِ وَرَاهَنَ» وَمَعْنَى شَرْطِ الْجُعْلِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ أَنْ يَقُولَ إنْ سَبَقَ فَرَسُك فَلَكَ عَلَيَّ كَذَا، وَإِنْ سَبَقَ فَرَسِي فَلِي عَلَيْك كَذَا وَهُوَ قِمَارٌ فَلَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْقِمَارَ مِنْ الْقَمْرِ الَّذِي يُزَادُ تَارَةً وَيُنْقَصُ أُخْرَى وَسُمِّيَ الْقِمَارُ قِمَارًا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْقِمَارَيْنِ مِمَّنْ يَجُوزُ أَنْ يَذْهَبَ مَالُهُ إلَى صَاحِبِهِ وَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَفِيدَ مَالَ صَاحِبِهِ فَيَجُوزُ الِازْدِيَادُ وَالنُّقْصَانُ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فَصَارَ ذَلِكَ قِمَارًا وَهُوَ حَرَامٌ بِالنَّصِّ وَلَا كَذَلِكَ إذَا شُرِطَ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ بِأَنْ يَقُولَ إنْ سَبَقْتنِي فَلَكَ عَلَيَّ كَذَا، وَإِنْ سَبَقْتُك فَلَا شَيْءَ لِي عَلَيْك؛ لِأَنَّ النُّقْصَانَ وَالزِّيَادَةَ لَا يُمْكِنُ فِيهِمَا وَإِنَّمَا فِي أَحَدِهِمَا يُمْكِنُ الزِّيَادَةُ وَفِي الْأُخْرَى النُّقْصَانُ فَلَا يَكُونُ مُقَامَرَةً؛ لِأَنَّ الْمُقَامَرَةَ مُفَاعَلَةٌ مِنْهُ فَيَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَاهُ جَازَ اسْتِحْسَانًا لِمَا رَوَيْنَا وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْلِيقِ الْمِلْكِ عَلَى الْخَطَرِ وَلِهَذَا لَا تَجُوزُ فِيمَا عَدَا الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْكِتَابِ كَالْبَغْلِ، وَإِنْ كَانَ الْجُعْلُ مَشْرُوطًا مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ وَفِي الْحَدِيثِ إشَارَةٌ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ خَصَّصَ هَؤُلَاءِ وَالْمُرَادُ بِهِ الِاسْتِبَاقُ بِلَا جُعْلٍ يَجُوزُ فِي كُلِّ شَيْءٍ وَلَا يُمْكِنُ إلْحَاقُ مَا شُرِطَ فِيهِ الْجُعْلُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ فِيهِ مِنْ وَجْهَيْنِ الْقِمَارُ وَالتَّعْلِيقُ بِالْخَطَرِ، وَفِي الْآخَرِ مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ هُوَ التَّعْلِيقُ بِالْخَطَرِ لَا غَيْرُ فَلَيْسَ بِمَثَلٍ لَهُ حَتَّى يُقَاسَ عَلَيْهِ وَشَرْطُهُ أَنْ تَكُونَ الْغَايَةُ مِمَّا تَتَحَمَّلُهَا الْفَرَسُ، وَكَذَا شَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْفَرَسَيْنِ احْتِمَالُ السَّبْقِ. أَمَّا إذَا عُلِمَ أَنَّ أَحَدَهُمَا يَسْبِقُ لَا مَحَالَةَ فَلَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا جَازَ لِحَاجَةِ الرِّيَاضَةِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ وَلَيْسَ فِي هَذَا إيجَابُ الْمَالِ لِلْغَيْرِ عَلَى نَفْسِهِ بِشَرْطٍ لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ فَلَا يَجُوزُ وَلَوْ شَرَطَ الْجُعْلَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَأَدْخَلَا ثَالِثًا مُحَلِّلًا جَازَ إذَا كَانَ فَرَسُ الْمُحَلِّلِ كُفُؤًا لِفَرَسَيْهِمَا يَجُوزُ أَنْ يَسْبِقَ أَوْ سَبَقَ فَلَا مَحَالَةَ وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَدْخَلَ فَرَسًا بَيْنَ الْفَرَسَيْنِ وَهُوَ لَا يَأْمَنُ أَنْ يَسْبِقَ فَلَا بَأْسَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُمَا وَصُورَةُ إدْخَالِ الْمُحَلِّلِ أَنْ يَقُولَ لِلثَّالِثِ إنْ سَبَقْتنَا فَالْمَالَانِ لَك، وَإِنْ سَبَقْنَاك فَلَا شَيْءَ لَنَا عَلَيْك وَلَكِنَّ الشَّرْطَ الَّذِي شَرَطْنَاهُ بَيْنَهُمَا وَهُوَ أَنَّ أَيَّهُمَا سَبَقَ كَانَ لَهُ الْجُعْلُ عَلَى صَاحِبِهِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 554 بَاقٍ عَلَى حَالِهِ وَيَأْخُذُ أَيَّهُمَا غَلَبَ الْمَالَ الْمَشْرُوطَ لَهُ مِنْ صَاحِبِهِ وَإِنَّمَا جَازَ هَذَا؛ لِأَنَّ الثَّالِثَ لَا يَغْرَمُ عَلَى التَّقَادِيرِ كُلِّهَا قَطْعًا وَيَقِينًا، وَإِنَّمَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَأْخُذَ أَوَّلًا يَأْخُذُ فَخَرَجَ بِذَلِكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ قِمَارًا فَصَارَ كَمَا إذَا شَرَطَ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ الْقِمَارَ هُوَ الَّذِي يُسْتَوْفَى فِيهِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فِي احْتِمَالِ الْغَرَامَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، وَلَوْ قَالَ وَاحِدٌ مِنْ النَّاسِ لِجَمَاعَةٍ مِنْ الْفُرْسَانِ أَوْ لِلِاثْنَيْنِ فَمَنْ سَبَقَ فَلَهُ كَذَا مِنْ مَالِ نَفْسِهِ أَوْ قَالَ لِلرُّمَاةِ مَنْ أَصَابَ الْهَدَفَ فَلَهُ كَذَا جَازَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ التَّنْفِيلِ فَإِذَا كَانَ لِلتَّنْفِيلِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ كَالسَّلْبِ وَنَحْوِهِ يَجُوزُ فَمَا ظَنُّك بِخَالِصِ مَالِهِ. فَصَارَ أَنْوَاعُ السَّبْقِ أَرْبَعَةً: ثَلَاثَةٌ مِنْهَا جَائِزَةٌ وَوَاحِدَةٌ مِنْهَا لَا تَجُوزُ، وَقَدْ ذَكَرْنَا الْجَمِيعَ وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِالتَّأَمُّلِ وَعَلَى هَذَا الْفُقَهَاءُ إذَا تَنَازَعُوا فِي الْمَسَائِلِ وَشَرَطَ لِلْمُصِيبِ مِنْهُمْ جُعْلًا جَازَ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ الْجَانِبَيْنِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الْخَيْلِ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى يَجْمَعُ الْكُلَّ إذْ التَّعْلِيمُ فِي الْبَابَيْنِ يَرْجِعُ إلَى قُوَّةِ الدَّيْنِ أَوْ إعْلَاءِ كَلِمَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْمُرَادُ بِالْجَوَازِ الْمَذْكُورِ فِي بَابِ الْمُسَابَقَةِ الْحِلُّ لَا الِاسْتِحْقَاقُ حَتَّى لَوْ امْتَنَعَ الْمَغْلُوبُ مِنْ الدَّفْعِ لَا يُجْبِرُهُ الْقَاضِي فَلَا يَقْضِي عَلَيْهِ بِهِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا ذَلِكَ فِيمَا تَقَدَّمَ. [مسائل في الصلاة على النبي وغيره والدعاء بالرحمة والمغفرة] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يُصَلِّي عَلَى غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ إلَّا بِطَرِيقِ التَّبَعِ) ؛ لِأَنَّ فِي الصَّلَاةِ مِنْ التَّعْظِيمِ مَا لَيْسَ فِي غَيْرِهَا مِنْ الدَّعَوَاتِ وَهِيَ زِيَادَةُ الرَّحْمَةِ وَالتَّقَرُّبِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يَلِيقُ ذَلِكَ مِمَّا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْخَطَأُ وَالذُّنُوبُ وَإِنَّمَا يُدْعَى لَهُ بِالْعَفْوِ وَالْمَغْفِرَةِ وَالتَّجَاوُزِ، وَقَوْلُهُ إلَّا تَبَعًا بِأَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلِّمْ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَعْظِيمَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاخْتَلَفُوا فِي التَّرَحُّمِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ ارْحَمْ مُحَمَّدًا قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّعْظِيمِ مِثْلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ وَلِهَذَا يَجُوزُ أَنْ يُدْعَى بِهَذَا اللَّفْظِ لِغَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَهُوَ مَرْحُومٌ قَطْعًا فَيَكُونُ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ، وَقَدْ اسْتَغْنَيْنَا عَنْ هَذِهِ بِالصَّلَاةِ فَلَا حَاجَةَ إلَيْهَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ مِنْ أَشْوَقِ الْعِبَادِ إلَى مَزِيدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَمَعْنَاهَا مَعْنَى الصَّلَاةِ فَلَمْ يُوجَدْ مَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ الْأَوْلَى أَنْ يَدْعُوَ لِلصَّحَابَةِ بِالرِّضَا فَيَقُولُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -: لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُبَالِغُونَ فِي طَلَبِ الرِّضَا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَيَجْتَهِدُونَ فِي فِعْلِ مَا يُرْضِيهِ وَيَرْضَوْنَ بِمَا لَحِقَهُمْ مِنْ الِابْتِلَاءِ مِنْ جِهَتِهِ أَشَدَّ الرِّضَا فَهَؤُلَاءِ أَحَقُّ بِالرِّضَا وَغَيْرُهُمْ وَلَا يَلْحَقُ أَدْنَاهُمْ وَلَوْ أَنْفَقَ مِلْءَ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَالتَّابِعِينَ بِالرَّحْمَةِ فَيَقُولُ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وَلِمَنْ بَعْدَهُمْ بِالْمَغْفِرَةِ وَالتَّجَاوُزِ فَيَقُولُ غَفَرَ اللَّهُ لَهُمْ وَتَجَاوَزَ عَنْهُمْ لِكَثْرَةِ ذُنُوبِهِمْ أَوْ لِقِلَّةِ اهْتِمَامِهِمْ بِالْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ. [وَالْإِعْطَاءُ بِاسْمِ النَّيْرُوزِ وَالْمِهْرَجَانِ لَا يَجُوزُ] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْإِعْطَاءُ بِاسْمِ النَّيْرُوزِ وَالْمِهْرَجَانِ لَا يَجُوزُ) أَيْ الْهَدَايَا بِاسْمِ هَذَيْنِ الْيَوْمَيْنِ حَرَامٌ بَلْ كُفْرٌ وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ الْكَبِيرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَوْ أَنَّ رَجُلًا عَبَدَ اللَّهَ تَعَالَى خَمْسِينَ سَنَةً ثُمَّ جَاءَ يَوْمُ النَّيْرُوزِ وَأَهْدَى إلَى بَعْضِ الْمُشْرِكِينَ بَيْضَةً يُرِيدُ تَعْظِيمَ ذَلِكَ الْيَوْمِ فَقَدْ كَفَرَ وَحَبَطَ عَمَلُهُ وَقَالَ صَاحِبُ الْجَامِعِ الْأَصْغَرِ إذَا أَهْدَى يَوْمَ النَّيْرُوزِ إلَى مُسْلِمٍ آخَرَ وَلَمْ يُرِدْ بِهِ تَعْظِيمَ الْيَوْمِ وَلَكِنْ عَلَى مَا اعْتَادَهُ بَعْضُ النَّاسِ لَا يَكْفُرُ وَلَكِنْ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ لَا يَفْعَلَ ذَلِكَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ خَاصَّةً وَيَفْعَلُهُ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ لِكَيْ لَا يَكُونَ تَشْبِيهًا بِأُولَئِكَ الْقَوْمِ، وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ» وَقَالَ فِي الْجَامِعِ الْأَصْغَرِ رَجُلٌ اشْتَرَى يَوْمَ النَّيْرُوزِ شَيْئًا يَشْتَرِيهِ الْكَفَرَةُ مِنْهُ وَهُوَ لَمْ يَكُنْ يَشْتَرِيهِ قَبْلَ ذَلِكَ إنْ أَرَادَ بِهِ تَعْظِيمَ ذَلِكَ الْيَوْمِ كَمَا تُعَظِّمُهُ الْمُشْرِكُونَ كَفَرَ، وَإِنْ أَرَادَ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ وَالتَّنَعُّمَ لَا يَكْفُرُ. [مسائل متفرقة في اللباس] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا بَأْسَ بِلُبْسِ الْقَلَانِسِ) لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لَهُ قَلَانِسُ يَلْبَسُهَا، وَقَدْ صَحَّ ذَلِكَ ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُسَنُّ لُبْسُ السَّوَادِ وَإِرْسَالُ ذَنَبِ الْعِمَامَةِ بَيْنَ الْكَتِفَيْنِ إلَى وَسَطِ الظَّهْرِ) ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَكَرَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ فِي بَابِ الْغَنَائِمِ حَدِيثًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لُبْسَ السَّوَادِ مُسْتَحَبٌّ وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُجَدِّدَ اللَّفَّ لِلْعِمَامَةِ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنْقُضَهَا كَوْرًا فَكَوْرًا فَإِنَّ ذَلِكَ أَحْسَنُ مِنْ رَفْعِهَا عَلَى الرَّأْسِ وَإِلْقَائِهَا فِي الْأَرْضِ دَفْعَةً وَاحِدَةً وَأَنَّ الْمُسْتَحَبَّ إرْسَالُ ذَنَبِ الْعِمَامَةِ بَيْنَ الْكَتِفَيْنِ وَاخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِ الذَّنَبِ قِيلَ شِبْرٌ وَقِيلَ إلَى وَسَطِ الظَّهْرِ وَقِيلَ إلَى مَوْضِعِ الْجُلُوسِ وَكَانَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَتَعَمَّمُ بِالْعِمَامَةِ السَّوْدَاءِ فَدَخَلَتْ عَلَيْهِ يَوْمًا مَسْتُورَةُ فَبَقِيَتْ تَنْظُرُ إلَى وَجْهِهِ وَهِيَ مُتَحَيِّرَةٌ فَقَالَ لَهَا مَا شَأْنُك فَقَالَتْ أَتَعَجَّبُ مِنْ بَيَاضِ وَجْهِك تَحْتَ سَوَادِ عِمَامَتِك فَوَضَعَهَا عَنْ رَأْسِهِ وَلَمْ يَتَعَمَّمْ بِالْعِمَامَةِ السَّوْدَاءِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَيُسْتَحَبُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَلْبَسَ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يَأْمُرُ أَصْحَابَهُ بِذَلِكَ وَيَلْبَسُ بِأَرْبَعِمِائَةِ دِينَارٍ وَأَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى الزِّينَةَ بِقَوْلِهِ {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ} [الأعراف: 32] وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى إذَا أَنْعَمَ عَلَى عَبْدٍ أَحَبَّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 555 أَنْ يَرَى أَثَرَ نِعْمَتِهِ عَلَيْهِ» ، وَقَدْ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَيْهِ رِدَاءٌ قِيمَتُهُ أَرْبَعَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ وَرُبَّمَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ وَعَلَيْهِ رِدَاءٌ قِيمَتُهُ أَرْبَعَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ. [لِلشَّابِّ الْعَالِمِ أَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَى الشَّيْخِ الْجَاهِلِ] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (وَلِلشَّابِّ الْعَالِمِ أَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَى الشَّيْخِ الْجَاهِلِ) ؛ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الزمر: 9] وَلِهَذَا يُقَدَّمُ فِي الصَّلَاةِ وَهِيَ أَحَدُ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ وَهِيَ ثَالِثَةُ الْإِيمَانِ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59] وَالْمُرَادُ بِأُولِي الْأَمْرِ الْعُلَمَاءُ فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ وَالْمُطَاعُ شَرْعًا مُقَدَّمٌ وَكَيْفَ لَا يَتَقَدَّمُونَ «وَالْعُلَمَاءُ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ» . [وَلِحَافِظِ الْقُرْآنِ أَنْ يَخْتِمَ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ يَوْمًا] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِحَافِظِ الْقُرْآنِ أَنْ يَخْتِمَ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ يَوْمًا) ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فَهْمُ مَعَانِيهِ وَالِاعْتِبَارُ بِمَا فِيهِ لَا مُجَرَّدُ التِّلَاوَةِ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد: 24] وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِالتَّأَنِّي لَا بِالتَّوَانِي فِي الْمَعَانِي فَقَدْرُ الْخَتْمِ أَقَلُّهُ أَرْبَعُونَ يَوْمًا كُلَّ يَوْمٍ حِزْبٌ وَنِصْفٌ أَوْ ثُلُثَا حِزْبٍ أَوْ أَقَلُّ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ [كِتَابُ الْفَرَائِضِ] (كِتَابُ الْفَرَائِضِ) اعْلَمْ أَنَّ عِلْمَ الْفَرَائِضِ هُوَ عِلْمُ الْمَوَارِيثِ يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِكَثْرَةِ مَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى وَيَكُونُ فِيهِ النَّوَازِلُ وَالْفَتْوَى وَلِهَذَا حَثَّ الشَّارِعُ عَلَى تَعَلُّمِهِ وَرَغَّبَ فِيهِ مَخَافَةَ انْدِرَاسِهِ فَقَالَ «تَعَلَّمُوا الْفَرَائِضَ وَعَلِّمُوهَا النَّاسَ فَإِنِّي امْرُؤٌ مَقْبُوضٌ وَسَيُقْبَضُ هَذَا الْعِلْمُ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ وَتَظْهَرُ الْفِتَنُ حَتَّى يَتَنَازَعَ الِاثْنَانِ فِي الْفَرِيضَةِ فَلَا يَجِدَانِ أَحَدًا يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا» وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «تَعَلَّمُوا الْفَرَائِضَ وَعَلِّمُوهَا النَّاسَ فَإِنَّهُ أَوَّلُ مَا يُنْزَعُ مِنْ أُمَّتِي» ثُمَّ يُحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ تَفْسِيرِ الْفَرَائِضِ وَسَبَبِ اسْتِحْقَاقِ الْمِيرَاثِ وَسَبَبِ حِرْمَانِهِ وَالْحُقُوقِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالتَّرِكَةِ وَأَصْنَافِ الْوَارِثِينَ أَمَّا تَفْسِيرُهَا فَالْفَرْضُ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ التَّقْدِيرِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] أَيْ قَدَّرْتُمْ وَيُقَالُ فَرَضَ الْقَاضِي النَّفَقَةَ إذَا قَدَّرَهَا، وَكَذَا يُسْتَعْمَلُ لِلْقَطْعِ يُقَالُ قَرَضَتْ الْفَأْرَةُ الثَّوْبَ أَيْ قَطَعَتْهُ فَسُمِّيَ كِتَابَ الْفَرَائِضِ؛ لِأَنَّ سِهَامَ الْمَوَارِيثِ كُلَّهَا مُقَدَّرَةٌ مَقْطُوعَةٌ وَلِأَنَّ سَبَبَ اسْتِحْقَاقِ الْإِرْثِ الْقَرَابَةُ وَمَا هُوَ مُلْحَقٌ بِهَا كَالْوَلَاءِ أَمَّا الْقَرَابَةُ فَنَوْعَانِ رَحِمٌ وَزَوْجِيَّةٌ وَنَصُّ الْكِتَابِ نَاطِقٌ بِهِمَا وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} [النساء: 11] الْآيَةُ وَلِأَنَّ الْمَيِّتَ لَمَّا اسْتَغْنَى عَنْ مَالِهِ وَلَمْ يَسْتَحِقَّهُ أَحَدٌ يَبْقَى عَاطِلًا سَائِبًا وَالْقَرِيبُ أَوْلَى النَّاسِ بِهِ فَيَسْتَحِقُّهُ بِالْقَرَابَةِ صِلَةً كَمَا يَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ حَالَ حَيَاةِ مُوَرِّثِهِ صِلَةً وَالزَّوْجِيَّةُ أَصْلُ الْقَرَابَةِ وَأَسَاسُهَا؛ لِأَنَّ الْقَرَابَاتِ تَفَرَّعَتْ وَتَشَعَّبَتْ مِنْهَا فَالْتَحَقَ قَرَابَةُ السَّبَبِ بِقَرَابَةِ النَّسَبِ فِي حَقِّ اسْتِحْقَاقِ الْإِرْثِ، وَأَمَّا الْوَلَاءُ فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ» يَعْنِي فِي حَقِّ اسْتِحْقَاقِ الْمِيرَاثِ فَقَدْ الْتَحَقَ الْوَلَاءُ بِالنَّسَبِ وَلِأَنَّهُ بِالْإِعْتَاقِ تَسَبَّبَ إلَى إحْيَائِهِ حُكْمًا حِينَ أَزَالَ عَنْهُ الْمَالِكِيَّةَ وَالْوِلَايَةَ الَّتِي هِيَ مِنْ خَاصَّةِ الْإِنْسَانِيَّةِ وَكَانَ السَّبَبُ إلَى الْإِحْيَاءِ يَعْنِي بِالْإِعْتَاقِ وَكَذَا وَلَاءُ الْمُوَالَاةِ «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِمَنْ سَأَلَهُ عَمَّنْ أَسْلَمَ عَلَى يَدِ رَجُلٍ هُوَ أَحَقُّ النَّاسِ بِهِ مَحْيَاهُ أَوْ مَمَاتَهُ» . [مَا يَحْرُمُ بِهِ الْمِيرَاثُ] وَأَمَّا مَا يَحْرُمُ بِهِ الْمِيرَاثُ فَأَنْوَاعٌ ثَلَاثٌ الرِّقُّ وَالْكُفْرُ وَالْقَتْلُ مُبَاشَرَةً بِغَيْرِ حَقٍّ أَمَّا الرِّقُّ فَلِأَنَّهُ سَلْبُ أَهْلِيَّةِ الْمِلْكِ، وَأَمَّا الْكُفْرُ فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَتَوَارَثُ أَهْلُ مِلَّتَيْنِ» يَعْنِي لَا يَرِثُ كَافِرٌ مُسْلِمًا وَلَا مُسْلِمٌ كَافِرًا، وَأَمَّا الْقَتْلُ فَلِمَا يَأْتِي فِي بَابِهِ، وَأَمَّا الْحُقُوقُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالتَّرِكَةِ فَأَرْبَعَةٌ الْكَفَنُ وَالدَّفْنُ وَالْوَصِيَّةُ وَالدَّيْنُ وَالْمِيرَاثُ فَأَوَّلُ مَا يُبْدَأُ مِنْهَا بِكَفَنِ الْمَيِّتِ وَدَفْنِهِ؛ لِأَنَّ سَتْرَ عَوْرَتِهِ وَمُوَارَاةَ سَوْآتِهِ مِنْ أَهَمِّ حَوَائِجِهِ وَاسْتِغْرَاقُ الدَّيْنِ بِمَالِهِ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ ذَلِكَ حَالَ حَيَاتِهِ فَكَذَلِكَ بَعْدَ وَفَاتِهِ ثُمَّ تُقْضَى دُيُونُهُ؛ لِأَنَّهَا أَهَمُّ مِنْ قَضَاءِ دُيُونِ اللَّهِ لَا اسْتِغْنَاءُ اللَّهِ تَعَالَى وَافْتِقَارُ الْعَبْدِ لِشِدَّةِ خُصُومَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ وَلِكَثْرَةِ تَجَاوُزِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَفْوِهِ وَتَفَضُّلِهِ وَكَرَمِهِ ثُمَّ تُنَفَّذُ وَصِيَّتُهُ مِنْ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ حَوَائِجِ الْمَيِّتِ وَالْوَارِثُ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ الْمِيرَاثَ إذَا اسْتَغْنَى الْمُوَرِّثُ وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِشَيْءٍ بِعَيْنِهِ فَإِنْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِثُلُثِ مَالِهِ أَوْ رُبْعِهِ فَالْمُوصَى لَهُ شَرِيكُ الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّهَا بِمَعْنَى الْمِيرَاثِ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ حَقُّهُ فِي جَمِيعِ التَّرِكَةِ شَائِعًا كَحَقِّ سَائِرِ الْوَرَثَةِ ثُمَّ يُقْسَمُ الْبَاقِي بَيْنَ وَرَثَتِهِ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى وَسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. [أَصْنَافُ الْوَارِثِينَ] وَأَمَّا أَصْنَافُ الْوَارِثِينَ فَثَلَاثَةٌ أَصْحَابُ الْفَرَائِضِ الَّذِينَ لَهُمْ سِهَامٌ مُقَدَّرَةٌ وَعَصَبَةٌ وَهُمْ الَّذِينَ يَأْخُذُونَ مَا فَضَلَ مِنْ أَصْحَابِ الْفُرُوضِ وَذَوُو الْأَرْحَامِ وَهُمْ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فُرُوضٌ مُقَدَّرَةٌ وَلَا لَهُمْ حَقِيقَةُ تَعْصِيبٍ وَإِنَّمَا لَهُمْ مُجَرَّدُ قَرَابَةٍ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُؤَلِّفُ لِبَيَانِ مَا يَجْرِي فِيهِ الْإِرْثُ وَمَا لَا يَجْرِي فِيهِ الْإِرْثُ فَنَقُولُ لَا شَكَّ أَنَّ أَعْيَانَ الْأَمْوَالِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 556 يَجْرِي فِيهَا الْإِرْثُ، وَأَمَّا الْحُقُوقُ فَمِنْهَا مَا يَجْرِي فِيهِ الْإِرْثُ حَقُّ الشُّفْعَةِ وَخِيَارُ الشَّرْطِ وَحَدُّ الْقَذْفِ عِنْدَنَا وَالنِّكَاحُ لَا يُورَثُ بِلَا خِلَافٍ وَحَبْسُ الْمَبِيعِ وَحَبْسُ الرَّهْنِ يُورَثُ وَالْوَكَالَاتُ وَالْعَوَارِيّ وَالْوَدَائِعُ لَا تُورَثُ، وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي خِيَارِ الْعَيْبِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يُورَثُ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا يُورَثُ وَلَكِنْ لَا يَثْبُتُ لِلْوَرَثَةِ ابْتِدَاءً وَالدِّيَةُ تُورَثُ بِلَا خِلَافٍ، وَأَمَّا الْقِصَاصُ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ يُورَثُ وَيَثْبُتُ لِلْوَرَثَةِ ابْتِدَاءً وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ الْقِصَاصُ لَا يُورَثُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيُورَثُ عِنْدَهُمَا وَالْوَلَاءُ يُورَثُ بِلَا خِلَافٍ. [الْوَقْتِ الَّذِي يَجْرِي فِيهِ الْإِرْثُ] وَأَمَّا بَيَانُ الْوَقْتِ الَّذِي يَجْرِي فِيهِ الْإِرْثُ فَنَقُولُ هَذَا فَصْلٌ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قَالَ مَشَايِخُ الْعِرَاقِ الْإِرْثُ يَثْبُتُ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاةِ الْمُوَرِّثِ وَقَالَ مَشَايِخُ بَلْخٍ الْإِرْثُ يَثْبُتُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ وَفَائِدَةُ هَذَا الِاخْتِلَافِ إنَّمَا تَظْهَرُ فِي رَجُلٍ تَزَوَّجَ بِأَمَةِ الْغَيْرِ، ثُمَّ قَالَ لَهَا إذَا مَاتَ مَوْلَاك فَأَنْت حُرَّةٌ فَمَاتَ الْمَوْلَى وَالزَّوْجُ وَارِثُهُ هَلْ تَعْتِقُ؟ فَعَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ بِأَنَّ الْإِرْثَ يَجْرِي فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاةِ الْمُوَرِّثِ تُعْتَقُ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي الْقُدُورِيِّ وَذَكَرَ أَنَّهَا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لَا تُعْتَقُ وَعَلَى قَوْلِ زُفَرَ تُعْتَقُ. [مَا يُسْتَحَقُّ بِهِ الْإِرْثُ وَمَا يَحْرُمُ بِهِ] وَأَمَّا مَا يُسْتَحَقُّ بِهِ الْإِرْثُ وَمَا يَحْرُمُ بِهِ فَنَقُولُ مَا يُسْتَحَقُّ بِهِ الْإِرْثُ شَيْئَانِ النَّسَبُ وَالسَّبَبُ فَالنَّسَبُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ الْمُنْتَسِبُونَ إلَيْهِ وَهُمْ الْأَوْلَادُ وَالْمُنْتَسِبُ هُوَ إلَيْهِمْ وَهُمْ الْآبَاءُ وَالْأُمَّهَاتُ وَالسَّبَبُ وَهُمْ الْأَخَوَاتُ وَالْأَعْمَامُ وَالْعَمَّاتُ وَغَيْرُ ذَلِكَ وَالسَّبَبُ ضَرْبَانِ زَوْجِيَّةٌ وَوَلَاءٌ وَالْوَلَاءُ نَوْعَانِ وَلَاءُ عَتَاقَةٍ وَوَلَاءُ الْمُوَالَاةِ وَفِي النَّوْعَيْنِ مِنْ الْوَلَاءِ يَرِثُ الْأَعْلَى مِنْ الْأَسْفَلِ وَلَا يَرِثُ الْأَسْفَلُ مِنْ الْأَعْلَى هَذَا بَيَانُ جُمْلَةِ مَا يُسْتَحَقُّ بِهِ الْإِرْثُ. جِئْنَا إلَى بَيَانِ مَا يَحْرُمُ بِهِ الْإِرْثُ فَنَقُولُ مَا يَحْرُمُ بِهِ مِنْ الْمِيرَاثِ الرِّقُّ حَتَّى إنَّ الْعَبْدَ لَا يَرِثُ مِنْ الْحُرِّ وَالْحُرُّ لَا يَرِثُ مِنْ الْعَبْدِ وَسَيَأْتِي شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ بَعْدَهَا، وَاخْتِلَافُ الدِّينَيْنِ حَتَّى لَا يَرِثَ الْكَافِرُ مِنْ الْمُسْلِمِ وَلَا الْمُسْلِمُ مِنْ الْكَافِرِ وَسَيَأْتِي أَيْضًا وَالْقَتْلُ مُبَاشَرَةً بِغَيْرِ حَقٍّ فَفِي الْقَتْلِ يُشْتَرَطُ لِحِرْمَانِ الْمِيرَاثِ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ: أَحَدُهَا - الْمُبَاشَرَةُ سَوَاءٌ كَانَتْ عَمْدًا أَوْ خَطَأً حَتَّى إنَّ مَنْ تَسَبَّبَ إلَى قَتْلِ مُوَرِّثِهِ بِأَنْ صَبَّ الْمَاءَ عَلَى الطَّرِيقِ فَزَلَقَ بِهِ مُوَرِّثُهُ فَمَاتَ أَوْ حَفَرَ بِئْرًا عَلَى حَافَّةِ الطَّرِيقِ فَوَقَعَ فِيهَا مُوَرِّثُهُ وَمَاتَ لَا يُحْرَمُ مِنْ الْمِيرَاثِ. الثَّانِي - أَنْ يَكُونَ الْقَتْلُ بِغَيْرِ حَقٍّ وَالْقَتْلُ بِحَقٍّ لَا يُوجِبُ حِرْمَانَ الْإِرْثِ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ صَالَ عَلَيْهِ مُوَرِّثُهُ فَقَتَلَهُ الْوَارِثُ دَفْعًا لِصِيَالَتِهِ لَا يُوجِبُ حِرْمَانَ الْمِيرَاثِ. الشَّرْطُ الثَّالِثُ - أَنْ يَكُونَ الْمُبَاشِرُ مُخَاطَبًا حَتَّى إنَّ الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ إذَا قَتَلَ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ وُجُوبِ الْقِصَاصِ وَلَا حِرْمَانُ الْمِيرَاثِ وَكَذَلِكَ اخْتِلَافُ الدَّارَيْنِ سَبَبٌ لِحِرْمَانِ الْمِيرَاثِ؛ لِأَنَّ الْمِيرَاثَ إنَّمَا يُسْتَحَقُّ بِالنُّصْرَةِ وَلَا تَنَاصُرَ عِنْدَ اخْتِلَافِ الدَّارَيْنِ وَلَكِنَّ هَذَا الْحُكْمَ فِي أَهْلِ الْكُفْرِ لَا فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى إنَّ الْمُسْلِمَ إذَا مَاتَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَلَهُ ابْنٌ مُسْلِمٌ فِي دَارِ الْهِنْدِ أَوْ التُّرْكِ يَرِثُ. وَفِي الْكَافِي ثُمَّ اخْتِلَافُ الدَّارَيْنِ عَلَى نَوْعَيْنِ حَقِيقِيٌّ كَالْحَرْبِيِّ مَاتَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَهُ ابْنٌ ذِمِّيٌّ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ لَا يَرِثُ الذِّمِّيُّ مِنْ ذَلِكَ الْحَرْبِيِّ وَكَذَا لَوْ مَاتَ ذِمِّيٌّ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَلَهُ أَبٌ أَوْ ابْنٌ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَإِنَّهُ لَا يَرِثُ ذَلِكَ الْحَرْبِيُّ مِنْ ذَلِكَ الذِّمِّيِّ وَحُكْمِيٌّ كَالْمُسْتَأْمَنِ وَالذِّمِّيِّ حَتَّى وَلَوْ مَاتَ مُسْتَأْمَنٌ فِي دَارِنَا لَا يُوَرَّثُ مِنْهُ وَارِثُهُ الذِّمِّيُّ وَكَذَلِكَ الدَّيْنُ سَبَبٌ لِحِرْمَانِ الْمِيرَاثِ وَهَذَا إذَا كَانَ الدَّيْنُ مُسْتَغْرِقًا لِلتَّرِكَةِ، أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ مُسْتَغْرِقًا فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يُوجَدَ حِرْمَانُ الْإِرْثِ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا يُوجِبُ، وَقَدْ قِيلَ الْبُعْدُ سَبَبٌ لِحِرْمَانِ الْمِيرَاثِ أَيْضًا حَتَّى لَا يَرِثَ الْبَعِيدُ مِنْ الْقَرِيبِ إذْ لَوْ وَرِثَ لَوَرِثَ جَمِيعُ الْعَالَمِ مِنْ وَاحِدٍ وَأَنَّهُ مُحَالٌ. [يَبْدَأُ مِنْ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ بِتَجْهِيزِهِ] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (يَبْدَأُ مِنْ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ بِتَجْهِيزِهِ) الْمُرَادُ مِنْ التَّرِكَةِ مَا تَرَكَهُ الْمَيِّتُ خَالِيًا عَنْ تَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِعَيْنِهِ، وَإِنْ كَانَ حَقُّ الْغَيْرِ مُتَعَلِّقًا بِهِ كَالرَّهْنِ وَالْعَبْدِ الْجَانِي وَالْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنَّ صَاحِبَهُ يُقْدِمُ عَلَى التَّجْهِيزِ كَمَا فِي حَالِ حَيَاتِهِ فَحَاصِلُهُ أَنَّهُ مُعْتَبَرٌ بِحَالِ حَيَاتِهِ فَإِنَّ الْمَرْءَ يُقَدِّمُ نَفْسَهُ فِي حَالِ حَيَاتِهِ فِيمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ وَالسُّكْنَى عَلَى أَصْحَابِ الدَّيْنِ مَا لَمْ يَتَعَلَّقْ حَقُّ الْغَيْرِ بِعَيْنِ مَالِهِ فَكَذَا بَعْدَ وَفَاتِهِ يُقَدِّمُ تَجْهِيزَهُ مِنْ غَيْرِ تَقْتِيرٍ وَلَا تَبْذِيرٍ وَهُوَ قَدْرُ كَفَنِ الْكِفَايَةِ أَوْ كَفَنِ السُّنَّةِ أَوْ قَدْرُ مَا كَانَ يَلْبَسُهُ فِي حَالِ حَيَاتِهِ مِنْ الْوَسَطِ أَوْ مِنْ الَّذِي كَانَ يَتَزَيَّنُ بِهِ فِي الْأَعْيَادِ وَالْجُمَعِ وَالزِّيَارَاتِ عَلَى مَا أَخْتَلَفُوا فِيهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [الفرقان: 67] وَهُوَ مُحْتَرَمٌ حَيًّا وَمَيِّتًا فَلَا يَجُوزُ كَشْفُ عَوْرَتِهِ وَفِي الْأَثَرِ لِعِظَامِ الْمَيِّتِ مِنْ الْحُرْمَةِ مَا لِعِظَامِ الْحَيِّ فَيَجِبُ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ التَّرِكَةَ تَتَعَلَّقُ بِهَا حُقُوقٌ أَرْبَعَةٌ جِهَازُ الْمَيِّتِ وَدَفْنُهُ وَالدَّيْنُ وَالْوَصِيَّةُ وَالْمِيرَاثُ فَيَبْدَأُ بِجِهَازِهِ وَكَفَنِهِ وَمَا يُحْتَاجُ فِي دَفْنِهِ بِالْمَعْرُوفِ وَفِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 557 الْكَافِي مِنْ غَيْرِ تَبْذِيرٍ وَلَا تَقْتِيرٍ وَفِي التَّهْذِيبِ إذَا مَاتَ الرَّجُلُ يَبْدَأُ مِنْ تَرِكَتِهِ بِتَكْفِينِهِ وَتَجْهِيزِهِ بِالْمِثْلِ وَالْمِثْلُ مَا يُلْبَسُ عِنْدَ الْخُرُوجِ وَقِيلَ فِي الْأَعْيَادِ وَقِيلَ فِي الْجُمَعِ وَالْجَمَاعَاتِ وَهُوَ الْأَصَحُّ، ثُمَّ الدَّيْنُ وَأَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ الْكُلُّ دَيْنَ الْمَرَضِ، وَإِنْ كَانَ الْبَعْضُ دَيْنَ الصِّحَّةِ وَالْبَعْضُ دَيْنَ الْمَرَضِ فَإِنْ كَانَ الْكُلُّ سَوَاءً لَا يُقَدَّمُ الْبَعْضُ عَلَى الْبَعْضِ، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ دَيْنَ الصِّحَّةِ وَالْبَعْضُ دَيْنَ الْمَرَضِ ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ الْمُعَايَنَةِ فَهُوَ دَيْنُ الصِّحَّةِ سَوَاءٌ وَفِي الْمُضْمَرَاتِ وَسُئِلَ عَمَّنْ مَاتَ وَلَهُ مَالٌ فِي يَدِ أَجْنَبِيٍّ وَطَلَبَ مِنْهُ الْوَرَثَةُ تَسْلِيمَ ذَلِكَ وَعَلَى الْمَيِّتِ دُيُونٌ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَعْلَمُ بِذَلِكَ وَأَنَّهُمْ وَرَثَتُهُ فَصَالَحَهُ الْوَرَثَةُ عَمَّا عَلَيْهِ وَفِي يَدِهِ مَالٌ، ثُمَّ دَفَعَهُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ إلَيْهِمْ هَلْ يَغْرَمُ لِغُرَمَاءِ الْمَيِّتِ فَقَالَ نَعَمْ وَلَا يَبْرَأُ بِهَذَا الصُّلْحِ وَسُئِلَ عَمَّنْ مَاتَ وَلَهُ فِي يَدِ أَجْنَبِيٍّ مَالٌ وَلَهُ وَرَثَةٌ وَلَا شَيْءَ فِي أَيْدِيهِمْ وَعَلَى الْمَيِّتِ دُيُونٌ عَلَى مَنْ يَدَّعِي صَاحِبُ الدَّيْنِ وَعَلَى مَنْ يُقِيمُ الْبَيِّنَةَ فَقَالَ عَلَى ذِي الْيَدِ بِحَضْرَةِ الْوَرَثَةِ وَتُنَفَّذُ وَصَايَاهُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ، وَفِي الْفَرَائِضِ لِلْحُسَامِيِّ، ثُمَّ تُنَفَّذُ وَصَايَاهُ مِنْ ثُلُثِ مَا يَبْقَى بَعْدَ الْكَفَنِ وَالدَّيْنِ إلَّا أَنْ يُجِيزَ الْوَرَثَةُ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ وَيُقْسَمُ الْبَاقِي بَيْنَ الْوَرَثَةِ عَلَى سِهَامِ الْمِيرَاثِ وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِشَيْءٍ بِعَيْنِهِ فَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْوَصِيَّةُ شَائِعًا نَحْوُ الْوَصِيَّةِ بِالثُّلُثِ أَوْ بِالرُّبُعِ لَا تُقَدَّمُ الْوَصِيَّةُ عَلَى الْمِيرَاثِ بَلْ يَكُونُ الْمُوصَى لَهُ شَرِيكَ الْوَرَثَةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يُزَادُ حَقُّهُ بِزِيَادَةِ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ وَيَنْقُصُ حَقُّهُ بِنُقْصَانِ تَرِكَة الْمَيِّتِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ بِدَيْنِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 12] قَالَ عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ إنَّكُمْ تَقْرَءُونَ الْوَصِيَّةَ مُقَدَّمَةً عَلَى الدَّيْنِ، وَقَدْ شَهِدْت «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدَّمَ الدَّيْنَ عَلَى الْوَصِيَّةِ» وَلِأَنَّ الدَّيْنَ وَاجِبٌ ابْتِدَاءً وَالْوَصِيَّةُ تَبَرُّعٌ وَالْبُدَاءَةُ بِالْوَاجِبِ أَوْلَى وَالتَّقْدِيمُ ذِكْرًا لَا يَدُلُّ عَلَى التَّقْدِيمِ فِعْلًا وَالْمُرَادُ دَيْنٌ لَهُ مُطَالِبٌ مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ لَا دَيْنُ الزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَاتِ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الدُّيُونَ تَسْقُطُ بِالْمَوْتِ فَلَا يَلْزَمُ الْوَرَثَةَ أَدَاؤُهَا إلَّا إذَا أَوْصَى بِهَا أَوْ تَبَرَّعَتْ الْوَرَثَةُ بِهَا مِنْ عِنْدِهِمْ؛ لِأَنَّ الرُّكْنَ فِي الْعِبَادَاتِ نِيَّةُ الْمُكَلَّفِ بِفِعْلِهِ، وَقَدْ فَاتَ بِمَوْتِهِ فَلَا يُتَصَوَّرُ بَقَاءُ الْوَاجِبِ؛ لِأَنَّ الْآخِرَةَ لَيْسَتْ بِدَارِ الِابْتِلَاءِ حَتَّى يَلْزَمَهُ الْفَصْلُ فِيهَا وَلَا الْعِبَادَةُ حَتَّى يُجِيزَ بِفِعْلِ غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارٍ بِخِلَافِ دَيْنِ الْعِبَادِ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ فِيهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ صَاحِبَ الدَّيْنِ إذَا ظَفِرَ بِجِنْسِ حَقِّهِ وَأَخَذَ يَجْتَزِئُ بِذَلِكَ وَلَا كَذَلِكَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِيهَا فِعْلُهُ وَنِيَّتُهُ ابْتِلَاءً، وَاَللَّهُ غَنِيٌّ عَنْ مَالِهِ وَعَنْ الْعَالَمِينَ جَمِيعًا غَيْرَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَصَدَّقَ عَلَى الْعَبْدِ بِثُلُثِ مَالِهِ فِي آخِرِ عُمْرِهِ لِيَتَدَارَكَ مَا فَرَّطَ فِيهِ تَفَضُّلًا مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَيْهِ فَإِنْ أَوْصَى بِهِ قَامَ فَعَلَ الْوَرَثَةُ مَقَامَ فِعْلِهِ لِوُجُودِ اخْتِيَارِهِ بِالْإِيصَاءِ وَإِلَّا فَلَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ وَصِيَّتُهُ) أَيْ تُنَفَّذُ وَصِيَّتُهُ مِنْ ثُلُثِ مَا بَقِيَ بَعْدَ التَّجْهِيزِ وَالدَّيْنِ لِمَا تَلَوْنَا وَفِي أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ لَا يَجُوزُ إلَّا بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي كِتَابِ الْوَصِيَّةِ، ثُمَّ هَذَا لَيْسَ بِتَقْدِيمٍ عَلَى الْوَرَثَةِ فِي الْمَعْنَى بَلْ هُوَ شَرِيكٌ لَهُمْ حَتَّى إذَا سَلِمَ لَهُ شَيْءٌ سَلِمَ لِلْوَرَثَةِ ضِعْفُهُ أَوْ أَكْثَرُ وَلَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ بِخِلَافِ التَّجْهِيزِ وَالدَّيْنِ فَإِنَّ الْوَرَثَةَ وَالْمُوصَى لَهُمْ لَا يَأْخُذُونَ إلَّا مَا فَضَلَ مِنْهُمَا. [مِيرَاث أَصْحَاب الْفُرُوض] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ يُقْسَمُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ وَهُمْ ذُو فَرْضٍ أَيْ ذُو سَهْمٍ مُقَدَّرٍ) لِمَا تَلَوْنَا وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا فَمَا فَضَلَ فَلِذِي عَصَبَةٍ ذَكَرٍ وَفِي رِوَايَةٍ فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ» وَذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ التَّأْكِيدِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} [البقرة: 196] {وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ} [الأنعام: 38] . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَلِلْأَبِ السُّدُسُ مَعَ الْوَلَدِ وَوَلَدِ الِابْنِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} [النساء: 11] جَعَلَ لَهُ السُّدُسَ مَعَ الْوَلَدِ وَوَلَدُ الِابْنِ وَلَدٌ شَرْعًا بِالْإِجْمَاعِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَا بَنِي آدَمَ} [الأعراف: 26] وَكَذَا عُرْفًا قَالَ الشَّاعِرُ بَنُونَا بَنُو أَبْنَائِنَا وَبَنَاتُنَا ... بَنُوهُنَّ أَبْنَاءُ الرِّجَالِ الْأَبَاعِدِ وَلَيْسَ دُخُولُ وَلَدِ الِابْنِ فِي الْوَلَدِ مِنْ بَابِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ بَلْ مِنْ بَابِ عُمُومِ الْمَجَازِ أَوْ عُرِفَ كَوْنُ وَلَدِ الِابْنِ كَحُكْمِ الْوَلَدِ بِدَلِيلٍ آخَرَ وَهُوَ الْإِجْمَاعُ وَجَمِيعُ أَحْوَالِ الْأَبِ فِي الْفَرَائِضِ ثَلَاثَةٌ أَحَدُهَا الْفَرْضُ الْمُطْلَقُ وَهُوَ السُّدُسُ وَذَلِكَ مَعَ الِابْنِ أَوْ ابْنُ الِابْنِ، وَإِنْ سَفَلَ لِمَا تَلَوْنَا وَالْحَالَةُ الثَّانِيَةُ الْفَرْضُ وَالتَّعْصِيبُ وَذَلِكَ مَعَ الْبِنْتِ أَوْ بِنْتِ الِابْنِ الْفَرْضِ بِمَا تَلَوْنَا وَالتَّعْصِيبُ لِمَا رَوَيْنَا وَالْحَالَةُ الثَّالِثَةُ التَّعْصِيبُ الْمُطْلَقُ وَذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ وَلَدٌ وَلَا وَلَدُ ابْنٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء: 11] ذَكَرَ فَرْضَ الْأُمِّ وَجَعَلَ الْبَاقِيَ دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ عَصَبَةٌ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْجَدُّ كَالْأَبِ إذَا لَمْ يَتَخَلَّلْ فِي نِسْبَتِهِ أُمٌّ إلَّا فِي رَدِّهَا إلَى ثُلُثِ مَا بَقِيَ وَحَجْبُ أُمِّ الْأَبِ فَيُحْجَبُ الْإِخْوَةُ) أَيْ الْجَدُّ كَالْأَبِ إذَا لَمْ يَتَخَلَّلْ فِي نَسَبِهِ إلَى الْمَيِّتِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 558 أُنْثَى وَهُوَ الْجَدُّ الصَّحِيحُ إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ أَحَدُهُمَا فِي رَدِّ أُمِّ الْمَيِّتِ مِنْ ثُلُثِ الْجَمِيعِ إلَى ثُلُثِ مَا بَقِيَ وَحَجْبُ أُمِّ الْأَبِ فِي زَوْجٍ وَأَبَوَيْنِ أَوْ زَوْجَةٍ وَأَبَوَيْنِ فَإِنَّ الْأَبَ يَرُدُّهَا إلَيْهِ كَالْجَدِّ وَفِي حَجْبِ أُمِّ الْأَبِ فَإِنَّ الْأَبَ يَحْجُبُهَا دُونَ الْجَدِّ، وَإِنْ تَخَلَّلَ فِي نَسَبِهِ إلَى الْمَيِّتِ أُمٌّ كَانَ فَاسِدًا فَلَا يَرِثُ إلَّا عَلَى أَنَّهُ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ؛ لِأَنَّ تَخَلُّلَ الْأُمِّ فِي النِّسْبَةِ يَقْطَعُ النَّسَبَ وَالنَّسَبُ إلَى الْأَبَاءِ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ لِلتَّعْرِيفِ وَالشُّهْرَةِ وَذَلِكَ تَكُونُ بِالْمَشْهُورَةِ وَهُوَ الذُّكُورُ دُونَ الْإِنَاثِ وَقَوْلُهُ كَالْأَبِ يَعْنِي عِنْدَ عَدَمِ الْأَبِ لِأَنَّ الْجَدَّ يُسَمَّى أَبًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى حَاكِيًا عَنْ يُوسُفَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ} [يوسف: 38] وَكَانَ إِسْحَاقُ جَدَّهُ وَإِبْرَاهِيمُ جَدَّ أَبِيهِ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ} [الأعراف: 27] وَهُمَا آدَم وَحَوَّاءُ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - فَإِذَا كَانَ أَبًا دَخَلَ فِي النَّصِّ إمَّا بِطَرِيقِ عُمُومِ الْمَجَازِ أَوْ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا فِي ابْنِ الِابْنِ فَكَانَ لَهُ الْأَحْوَالُ الثَّلَاثَةُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي الْأَبِ وَلَهُ حَالَةٌ رَابِعَةٌ وَهُوَ السُّقُوطُ بِالْأَبِ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ مِنْهُ وَيُدْلِي بِهِ فَلَا يَرِثُ مَعَهُ وَإِنَّمَا يَقُومُ مَقَامَهُ عِنْدَ عَدَمِهِ وَقَوْلُهُ وَيُحْجِبُ الْإِخْوَةَ يَعْنِي الْجَدَّ يَحْجُبُ الْإِخْوَةَ كَالْأَبِ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ وَهَذَا عَلَى إطْلَاقِهِ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى مَا يَجِيءُ بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْجَدَّ نَوْعَانِ صَحِيحٌ وَفَاسِدٌ فَالْفَاسِدُ مِنْ جُمْلَةِ ذَوِي الْأَرْحَامِ وَالصَّحِيحُ لَهُ أَحْوَالٌ ثَلَاثَةٌ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا فِي الْأَبِ وَحُكْمُهُ حَالَ عَدَمِ الْأَبِ فِي اسْتِحْقَاقِهِ السَّهْمَ وَالتَّعْصِيبَ حُكْمُ الْأَبِ وَحُكْمُ الْوَاحِدِ السُّدُسُ وَإِذَا كَثُرَ فَالسُّدُسُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ وَالْفَاصِلُ بَيْنَ الْجَدِّ الصَّحِيحِ وَالْفَاسِدِ أَنَّ الصَّحِيحَ هُوَ الَّذِي لَمْ يَتَخَلَّلْ فِي نِسْبَتِهِ إلَى الْمَيِّتِ أُمٌّ، وَإِنْ تَخَلَّلَ فِي نَسَبِهِ إلَى الْمَيِّتِ أُمٌّ فَهُوَ فَاسِدٌ وَالْجَدُّ الصَّحِيحُ كَالْأَبِ وَاخْتَلَفَ مَشَايِخُنَا فِي الْفَتْوَى فِي مَسَائِلِ الْجَدِّ فَامْتَنَعَ بَعْضُهُمْ مِنْ الْفَتْوَى أَصْلًا لِكَثْرَةِ الِاخْتِلَافِ الْوَاقِعِ فِيمَا بَيْنَ الصَّحَابَةِ وَأَفْتَى بِهَا الْآخَرُونَ لَكِنْ اخْتَلَفُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ كَانَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ يُفْتِي فِي مَسَائِلِ الْجَدِّ بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَبَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ مَشَايِخِنَا اخْتَارُوا الْفَتْوَى بِالصُّلْحِ فِي مَوَاضِعِ الْخِلَافِ قَالُوا كُنَّا نُفْتِي بِالصُّلْحِ فِي الْأَجِيرِ فِي مَوَاضِعِ الْخِلَافِ الْمُشْتَرَكِ لِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ، وَاخْتِلَافُ الصَّحَابَةِ هُنَا أَظْهَرُ فَكَانَ الْفَتْوَى بِالصُّلْحِ هُنَا أَحَقَّ وَقَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ شَمْسُ الدِّينِ الْحَلْوَانِيُّ قَالَ مَشَايِخُنَا بِأَنَّ الصَّوَابَ فِي مَسَائِلِ الْجَدِّ أَنْ يُعْطَى الْجَدُّ مَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ، ثُمَّ يُقِيمُ بَيْنَ الْجَدِّ وَبَيْنَ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ نِصْفَيْنِ أُمِرُوا بِالصُّلْحِ قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ عِمَادُ الدِّينِ النَّسَفِيُّ لَا يَنْبَغِي لِلْمُفْتِي أَنْ يَقُولَ الْمَالُ كُلُّهُ لِلْجَدِّ عِنْدَ الصِّدِّيقِ وَإِنَّمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ بِذَلِكَ تَعْظِيمًا لِأَمْرِ الصِّدِّيقِ، وَأَمَّا أُصُولُ زَيْدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَالْأَصْلُ الْأَوَّلُ أَنْ يَجْعَلَ الْجَدَّ مَعَ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ كَأَحَدِهِمْ يُقَاسِمُهُمْ وَيُقَاسِمُونَهُ وَيُزَاحِمُهُمْ وَيُزَاحِمُونَهُ مَا دَامَتْ الْمُقَاسَمَةُ خَيْرًا لَهُ مِنْ ثُلُثِ جَمِيعِ الْمَالِ كَجَدٍّ وَأَخٍ إذْ لَا يَنْقُصُ مِنْ الثُّلُثِ. فَإِنْ كَانَ الثُّلُثُ خَيْرًا لَهُ مِنْ الْمُقَاسَمَةِ كَجَدٍّ وَثَلَاثَةِ إخْوَةٍ يُعْطَى الثُّلُثَ وَيُقْسَمُ الْبَاقِي بَيْنَهُمْ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى الْأَصْلُ الثَّانِي أَنْ يَعْتَبِرَ الْإِخْوَةَ وَالْأَخَوَاتِ لِأَبٍ مَعَ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ لِأَبٍ وَأُمٍّ فِي مُقَاسَمَةِ الْجَدِّ حَتَّى يَظْهَرَ نَصِيبُ الْجَدِّ فَإِذَا ظَهَرَ نَصِيبُهُ وَأَعْطَى نَصِيبَهُ رَدَّ أَوْلَادُ الْأَبِ مَا أَخَذُوا عَلَى أَوْلَادِ الْأَبِ وَالْأُمِّ، وَإِنْ كَانُوا ذُكُورًا وَمُخْتَلَطِينَ وَخَرَجُوا بِغَيْرِ شَيْءٍ فَقَدْ اعْتَبَرَهُمْ فِي الِابْتِدَاءِ وَأَخْرَجَهُمْ فِي الِانْتِهَاءِ بَيَانُهُ جَدٌّ وَأَخٌ لِأَبٍ وَأُمٌّ وَأَخٌ لِأَبٍ، وَإِنْ كَانَ مَعَ الْجَدِّ أُخْتٌ لِأَبٍ وَأُمٌّ وَإِخْوَةٌ وَأَخَوَاتٌ لِأَبٍ يُقْسَمُ كَمَا قُلْنَا، ثُمَّ يُرَدُّ الْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ لِأَبٍ عَلَى الْأَخَوَاتِ لِأَبٍ وَأُمٍّ إلَى تَمَامِ النِّصْفِ وَعَلَى الْأُخْتَيْنِ لِأَبٍ وَأُمٍّ إلَى تَمَامِ الثُّلُثَيْنِ، ثُمَّ إنْ فَضَلَ شَيْءٌ يَكُونُ لَهُ وَإِلَّا فَلَا، وَفِي الذَّخِيرَةِ فَصْلٌ فِي مَسَائِلَ يَقُومُ الْجَدُّ مَقَامَ الْأَبِ فِي حَجْبِ الْأَخَوَاتِ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَطَلْحَةَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَقَالَ زَيْدٌ يُقَاسِمُ الْجَدُّ الْإِخْوَةَ وَالْأَخَوَاتِ مَا دَامَتْ الْمُقَاسَمَةُ خَيْرًا لَهُ بِأَنْ كَانَ لَا يَنْقُصُ نَصِيبُهُ مِنْ الثُّلُثِ وَكَأَنْ يَجْعَلَ الْجَدَّ كَأَخٍ آخَرَ وَكَانَ يَجْعَلُ نَصِيبَهُ كَنَصِيبِ الْأَخِ فَإِنْ انْتَقَصَ نَصِيبُهُ مِنْ الثُّلُثِ يُعْطِيهِ ثُلُثَ الْمَالِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَفِي الْمُضْمَرَاتِ نَفْسُ الْمُقَاسَمَةِ أَنْ يُجْعَلَ الْجَدُّ فِي الْمُقَاسَمَةِ كَأَحَدِ الْإِخْوَةِ. وَبَيَانُهُ فِي الْمَسَائِلِ إذَا تَرَكَ الرَّجُلُ أُخْتًا لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ وَجَدًّا فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الْمَالُ كُلُّهُ لِلْجَدِّ وَعَلَى قَوْلِهِمَا الْمَالُ بَيْنَهُمَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ سَهْمَانِ لِلْجَدِّ وَسَهْمٌ لِلْأُخْتِ وَيُجْعَل الْجَدُّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ كَأَخٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ الْمُقَاسَمَةَ خَيْرٌ لَهُ فَإِذَا جَعَلْنَاهُ كَأَخٍ آخَرَ نَصِيبُهُ سَهْمَانِ مِنْ ثَلَاثَةٍ فَيُجْعَلُ كَذَلِكَ، وَإِنْ تَرَكَ ثَلَاثَ إخْوَةٍ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ وَجَدًّا يُقْسَمُ الْمَالُ بَيْنَهُمْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 559 أَخْمَاسًا عِنْدَهُمْ لَهُ سَهْمَانِ مِنْ ثَلَاثَةٍ، وَإِنْ تَرَكَ ثَلَاثَ إخْوَةٍ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ وَجَدٍّ فَلِلْجَدِّ الثُّلُثُ وَيُجْعَلُ الْجَدُّ كَأَخٍ فَيُقِيمُ الْمَالَ بَيْنَهُمْ أَخْمَاسًا سَهْمَانِ لِلْأَخِ وَسَهْمٌ لِلْأُخْتِ وَيُجْعَلُ الْجَدُّ كَأَخٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ الْمُقَاسَمَةَ خَيْرٌ لَهُ؛ لِأَنَّا لَوْ أَعْطَيْنَاهُ الثُّلُثَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَعْطَيْنَاهُ سَهْمَيْنِ مِنْ سِتَّةٍ وَسَهْمَانِ مِنْ خَمْسَةٍ خَيْرٌ لَهُ مِنْ سَهْمَيْنِ مِنْ سِتَّةٍ وَلَوْ تَرَكَ جَدًّا وَأَخَوَيْنِ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَأُخْتًا لِأَبٍ وَأُمٍّ فَهُنَا يُعْطَى الْجَدُّ ثُلُثَ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الثُّلُثَ خَيْرٌ لَهُ؛ لِأَنَّ بِالْمُقَاسَمَةِ يَحْصُلُ لَهُ سَهْمَانِ مِنْ سَبْعَةٍ فَإِذَا جَعَلْنَا الْجَدَّ كَأَخٍ آخَرَ كَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ تَرَكَ جَدًّا وَأَخًا لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ وَأُخْتَيْنِ لِأَبٍ فَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُقَاسَمَةِ وَبَيْنَ الثُّلُثِ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ بِالْمُقَاسَمَةِ يَصِيرُ كَأَنَّهُ مَاتَ عَنْ ثَلَاثَةِ إخْوَةٍ لِأَبٍ وَأُمٍّ؛ لِأَنَّا جَعَلْنَا الْأُخْتَيْنِ أَخًا وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ يُقْسَمُ الْمَالُ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا فَيَكُونُ لِلْجَدِّ الثُّلُثُ سَهْمٌ مِنْ ثَلَاثَةٍ، وَلَوْ أَعْطَيْنَاهُ الثُّلُثَ ابْتِدَاءً كَانَ عَلَى الْحِسَابِ مِنْ ثَلَاثَةٍ لِلْجَدِّ سَهْمٌ مِنْ ثَلَاثَةٍ فَهُوَ مَعْنَى قَوْلِنَا أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُقَاسَمَةِ وَبَيْنَ الثُّلُثِ هُنَا وَالْفَتْوَى فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَمَا يَتَّصِلُ بِهَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَفِي الْكَافِي وَلَوْ تَرَكَ جَدًّا أَوْ أَخَوَيْنِ فَالثُّلُثُ هَاهُنَا وَالْمُقَاسَمَةُ سَوَاءٌ، وَلَوْ تَرَكَ جَدًّا وَثَلَاثَةَ إخْوَةٍ فَالثُّلُثُ هُنَا خَيْرٌ مِنْ الْمُقَاسَمَةِ وَدَلِيلُهُ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. وَلَوْ مَاتَ وَتَرَكَ جَدًّا وَأَخًا لِأَبٍ وَأُمٍّ وَأَخًا لِأَبٍ فَإِنَّ الْأَخَ مِنْ الْأَبِ لَا يَرِثُ مَعَ الْأَخِ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَجَدٍّ فَإِنَّ الْأَخَ لِأَبٍ يَدْخُلُ مَعَ الْجَدِّ؛ لِأَنَّهُ وَارِثٌ فِي حَقِّ الْجَدِّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَارِثًا فِي حَقِّ الْأَخِ لِأَبٍ وَأُمٍّ فَتَكُونُ الْمُقَاسَمَةُ وَالثُّلُثُ سَوَاءً فَيُعْطِي لِلْجَدِّ الثُّلُثَ وَالثُّلُثَانِ لِلْأَخَوَيْنِ لِكُلِّ أَخٍ ثُلُثُهُ وَهَذَا كَمَا يَقُولُ فِي الْأَخَوَيْنِ مَعَ الْأَبِ بِرَدِّ الْأُمِّ مِنْ الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَرِثَانِ مَعَ الْأَبِ وَذَكَرَ فِي الْمُضْمَرَاتِ أَنَّ الْمَسَائِلَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِالْإِخْوَةِ خَمْسَةٌ أَحَدُهَا الشَّرِكَةُ وَهِيَ أَنْ تَتْرُكَ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا وَأُمًّا وَجَدًّا أَوْ إخْوَةً مِنْ أُمٍّ وَأَخًا مِنْ أَبٍ وَأُمٍّ فَلِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ وَلِوَلَدِ الْأُمِّ الثُّلُثُ وَلَا شَيْءَ لِلْأَخِ مِنْ الْأَبِ وَالْأُمِّ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَيَشْتَرِكُ أَوْلَادُ الْأَبِ وَالْأُمِّ مَعَ أَوْلَادِ الْأُمِّ فِي الثُّلُثِ كَأَنَّهُمْ أَوْلَادُ أُمٍّ وَاحِدَةٍ سَوَاءٌ فِيهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى وَهَذَا قَوْلُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَبِهِ أَخَذَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَكَانَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقُولُ أَوَّلًا كَمَا يَقُولُ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، ثُمَّ رَجَعَ إلَى قَوْلِ غَيْرِهِ وَسَبَبُ رُجُوعِهِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَأَجَابَ كَمَا هُوَ مَذْهَبُهُ فَقَامَ وَاحِدٌ مِنْ أَوْلَادِ الْأَبِ فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هَبْ أَنَّ أَبَانَا كَانَ حِمَارًا أَلَسْنَا مِنْ أُمٍّ وَاحِدَةٍ وَالْأَبُ لَا يَزِيدُ إلَّا قُرْبًا فَأَطْرَقَ عُمَرُ رَأْسَهُ مُتَأَمِّلًا، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ صَدَقُوا هُمْ سَوَاءٌ أُمٌّ وَاحِدَةٌ فَنُشْرِكُهُمْ فِي الثُّلُثِ فَسُمِّيَتْ الْمَسْأَلَةُ مُشْتَرَكَةً لِتَشْرِيكِ عُمَرَ وَحِمَارِيَّةً لِقَوْلِ الْقَائِلِ. وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الْمِنْبَرِيَّةُ. وَالثَّالِثَةُ الْأَكْدَرِيَّةُ وَالرَّابِعَةُ الْعُثْمَانِيَّةُ، وَقَدْ مَرَّتْ، وَأَمَّا الْخَامِسَةُ الْحَمْزِيَّةُ وَهِيَ ثَلَاثُ أَخَوَاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ وَثَلَاثُ جَدَّاتٍ مُتَحَاذِيَاتٍ وَجَدٌّ هُوَ أَبُ الْأَبِ تُحْجَبُ أُمُّ الْأَبِ بِأَبِ الْأَبِ وَتُحْجَبُ الْأُخْتُ مِنْ الْأُمِّ أَيْضًا وَالْأُخْتُ مِنْ الْأَبِ تَدْخُلُ فِي الْمُقَاسَمَةِ وَتَخْرُجُ بِغَيْرِ شَيْءٍ عَلَى الْخِلَافِ وَتَخْرُجُ الْمَسْأَلَةُ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ بَعْدَ الْقَطْعِ وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ حَمْزِيَّةً؛ لِأَنَّ حَمْزَة بْنَ حَبِيبٍ فَعَلَهَا. [أَنْوَاع الْحَجْبَ] وَفِي الذَّخِيرَةِ فَصْلٌ فِي الْحَجْبِ يَجِبُ أَنْ يُعْلَمَ بِأَنَّ الْحَجْبَ عَلَى نَوْعَيْنِ حَجْبُ حِرْمَانٍ وَحَجْبُ نُقْصَانٍ فَحَجْبُ الْحِرْمَانِ يَرِدُ عَلَى الْكُلِّ إلَّا عَلَى سِتَّةٍ: الزَّوْجُ وَالزَّوْجَةُ وَالْأَبُ وَالْأُمُّ وَالْبِنْتُ وَالِابْنُ. وَحَجْبُ النُّقْصَانِ لَا يَرِدُ إلَّا عَلَى ثَلَاثَةٍ: الزَّوْجُ وَالزَّوْجَةُ وَالْأُمُّ. وَالْحَجْبُ عَلَى نَوْعَيْنِ: حَجْبُ نُقْصَانٍ: وَهُوَ حَجْبٌ عَنْ سَهْمٍ إلَى سَهْمٍ وَذَلِكَ لِخَمْسِ نَفَرٍ الزَّوْجَيْنِ وَالْأُمِّ وَالْجَدَّةِ وَبِنْتِ الِابْنِ وَالْأُخْتِ لِأَبٍ. وَحَجْبُ حِرْمَانٍ وَالْوَرَثَةُ فِيهِ فَرِيقَانِ فَرِيقٌ لَا يُحْجَبُونَ بِحَالٍ وَهُمْ سِتَّةٌ وَهَذَا يَنُبْنِي عَلَى أَصْلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ كُلَّ مَنْ يُدْلِي إلَى الْمَيِّتِ بِشَخْصٍ لَا يَرِثُ مَعَ وُجُودِ ذَلِكَ الشَّخْصِ سِوَى أَوْلَادِ الْأُمِّ فَإِنَّهُمْ يَرِثُونَ مَعَهَا لِانْعِدَامِ اسْتِحْقَاقِهَا التَّرِكَةَ وَالثَّانِي الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ كَمَا فِي الْعَصَبَاتِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِلْأُمِّ الثُّلُثُ) وَذَلِكَ عِنْدَ عَدَمِ الْوَلَدِ وَوَلَدِ الِابْنِ لِمَا تَلَوْنَا وَعِنْدَ عَدَمِ الِاثْنَيْنِ مِنْ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَعَ الْوَلَدِ وَوَلَدِ الِابْنِ أَوْ الِاثْنَيْنِ مِنْ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ لَا أَوْلَادِهِمْ السُّدُسُ) يَعْنِي مَعَ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورِينَ لَا تَرِثُ الثُّلُثَ وَإِنَّمَا تَرِثُ السُّدُسَ لِمَا تَلَوْنَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: 11] فَاسْمُ الْوَلَدِ فِي الْمَتْلُوِّ يَتَنَاوَلُ الْوَلَدَ وَوَلَدَ الِابْنِ عَلَى قَوْلِ جُمْهُورِ الصَّحَابَةِ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ لَا تُحْجَبُ الْأُمُّ مِنْ الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ إلَّا بِثَلَاثَةٍ مِنْهُمْ عَمَلًا بِظَاهِرِ الْآيَةِ فَإِنَّ الْإِخْوَةَ جَمْعٌ وَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْجَمْعَ يُطْلَقُ عَلَى الْمُثَنَّى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ} [ص: 21] {إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ} [ص: 22] فَأَعَادَ ضَمِيرَ الْجَمْعِ فِي تَسَوَّرُوا وَدَخَلُوا وَفِي مِنْهُمْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 560 عَلَى الْمُثَنَّى الْمَلَكَانِ اللَّذَانِ دَخَلَا عَلَيْهِ كَمَا فِي مَحَلِّهِ عُرْفٌ وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ شَائِعٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَعَ الْأَبِ وَأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ ثُلُثُ الْبَاقِي بَعْدَ فَرْضِ أَحَدِهِمَا) فَيَكُونُ لَهُمَا السُّدُسُ مَعَ الزَّوْجِ وَالْأَبِ وَالرُّبُعُ مَعَ الزَّوْجِ وَالْأَبِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الثُّلُثُ الْبَاقِي بَعْدَ فَرْضِ أَحَدِهِمَا فَصَارَ لِلْأُمِّ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ ثُلُثُ الْكُلِّ وَثُلُثُ الْبَاقِي بَعْدَ فَرْضِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ وَالسُّدُسُ، وَقَدْ ذَكَرْنَا الْكُلَّ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ تَعَالَى وَلِذَا جَعَلَ اللَّهُ لِلْأُمِّ ثُلُثَ مَا تَرِثُهُ هِيَ وَالْأَبُ عِنْدَ عَدَمِ الْوَلَدِ وَالْإِخْوَةِ لَا ثُلُثُ الْكُلِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء: 11] أَيْ ثُلُثُ مَا يَرِثَانِهِ وَاَلَّذِي يَرِثَانِهِ مَعَ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ هُوَ الْبَاقِي مِنْ فَرْضِهِ وَلِأَنَّهَا لَوْ أَخَذَتْ ثُلُثَ الْكُلِّ يَكُونُ نَصِيبُهَا ضِعْفَ نَصِيبِ الْأَبِ مَعَ الزَّوْجِ أَوْ قَرِيبًا مِنْ نَصِيبِهِ مَعَ الزَّوْجَةِ وَالنَّصُّ يَقْتَضِي تَفْضِيلَهُ عَلَيْهَا بِالضَّعْفِ إذَا لَمْ يُوجَدْ الْوَلَدُ وَالْإِخْوَةُ وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ مَا أَرَادَ اللَّهُ تَفْضِيلَ الْأُنْثَى عَلَى الذَّكَرِ وَقَالَ زَيْدٌ لَا أُفَضِّلُ الْأُنْثَى عَلَى الذَّكَرِ وَمُرَادُهُمَا عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ فِي الْقَرَابَةِ وَالْقُرْبِ، وَأَمَّا عِنْدَ الِاخْتِلَافِ فَلَا يَمْتَنِعُ تَفْضِيلُ الْأُنْثَى عَلَى الذَّكَرِ وَلِهَذَا لَوْ كَانَ مَكَانَ الْأَبِ جَدٌّ كَانَ لِلْأُمِّ ثُلُثُ الْجَمِيعِ فَلَا يُبَالِي بِتَفْضِيلِهَا عَلَيْهِ لِكَوْنِهَا أَقْرَبَ مِنْهُ، وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَهَا ثُلُثُ الْبَاقِي أَيْضًا مَعَ الْجَدِّ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَإِنَّهُمَا مَا كَانَا يُفَضِّلَانِ الْأُمَّ عَلَى الْجَدِّ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِلْجَدَّاتِ وَإِنْ كَثُرْنَ السُّدُسُ إنْ لَمْ يَتَخَلَّلْ جَدٌّ فَاسِدٌ فِي نِسْبَتِهَا إلَى الْمَيِّتِ) قَالَ فِي الْأَصْلِ وَالْكَلَامُ فِي الْجَدَّاتِ فِي مَوَاضِعَ فِي تَرْتِيبِهِنَّ وَمَعْرِفَةِ الصَّحِيحَةِ مِنْ الْفَاسِدَةِ مِنْهُنَّ وَفِي قَدْرِ مِيرَاثِهِنَّ وَفِيمَا يَسْقُطْنَ بِهِ فَالْأَوَّلُ كُلُّ شَخْصٍ لَهُ جَدَّتَانِ أُمُّ أُمٍّ وَأُمُّ أَبٍ وَلِأَبِيهِ وَأُمِّهِ كَذَلِكَ وَهَكَذَا إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأُصُولِ إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى آدَمَ وَحَوَّاءَ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - فَالصَّحِيحَةُ مِنْهُنَّ مَنْ لَا يَتَخَلَّلُ فِي نِسْبَتِهَا إلَى الْمَيِّتِ ذَكَرٌ بَيْنَ أُنْثَيَيْنِ وَالْفَاسِدَةُ مَنْ تَخَلَّلَ فِي نِسْبَتِهَا ذَكَرٌ وَذَلِكَ جَدٌّ فَاسِدٌ فَمَنْ يُدْلِي بِهِ يَكُونُ فَاسِدًا ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى وَعِنْدَ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ الْفَاسِدَةُ مَنْ تُدْلِي بِذَكَرٍ مُطْلَقًا وَإِذَا أَرَدْت تَنْزِيلَ كُلِّ عَدَدٍ مِنْ الْجَدَّاتِ الْوَارِثَاتِ الْمُتَحَاذِيَاتِ فَاذْكُرْ أَوَّلًا لَفْظَةَ أُمِّ أُمٍّ بِمِقْدَارِ الْعَدَدِ الَّذِي تُرِيدُهُ، ثُمَّ تَقُولُ ثَانِيًا أُمُّ أُمٍّ تَجْعَلُ مَكَانَ الْأُمِّ الْأَخِيرَةِ أَبًا، ثُمَّ فِي كُلِّ مَرَّةٍ تُبَدِّلُ مَكَانَ الْأُمِّ أَبًا عَلَى الْأَوَّلِ إلَى أَنْ تَبْقَى لَفْظَةُ أُمٍّ مَرَّةً مِثَالُهُ إذَا سُئِلْت عَنْ أَرْبَعِ جَدَّاتٍ وَارِثَاتٍ مُتَحَاذِيَاتٍ فَقِيلَ أُمُّ أُمِّ أُمِّ أُمٍّ بِقَدْرِ عَدَدِهِنَّ لَفْظَةُ أُمٍّ مَرَّةً لِإِثْبَاتِ الدَّرَجَةِ الَّتِي تُتَصَوَّرُ أَنْ يَجْتَمِعْنَ فِيهَا فَإِنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَجْتَمِعْنَ فِيهَا إلَّا إذَا ارْتَفَعْنَ قَدْرَ عَدَدِهِنَّ مِنْ الدَّرَجَاتِ فَأَرْبَعُ جَدَّاتٍ وَارِثَاتٍ لَا يُتَصَوَّرُ اجْتِمَاعُهُنَّ إلَّا فِي الدَّرَجَةِ الرَّابِعَةِ فَتَقُولُ أُمُّ أُمِّ أُمِّ أُمٍّ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فَهَذِهِ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ وَهِيَ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ وَلَا يُتَصَوَّرُ مِنْ جِهَتِهَا وَارِثٌ أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدَةٍ. ثُمَّ يَأْتِي بِوَاحِدَةٍ أُخْرَى مِنْ جِهَةِ الْأَبِ فِي دَرَجَتِهَا فَتَقُولُ أُمُّ أُمِّ أُمِّ أَبٍ، ثُمَّ تَأْتِي بِأُخْرَى مِنْ جِهَةِ الْجَدِّ فَتَقُولُ أُمُّ أُمِّ أَبِ الْأَبِ، ثُمَّ تَأْتِي أُخْرَى مِنْ جِهَةِ جَدِّ الْأَبِ فَتَقُولُ أُمُّ أَبِ الْأَبِ وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَجْتَمِعَ الْوَارِثَاتُ فِي هَذِهِ الدَّرَجَةِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ جَدٍّ صَحِيحٍ لَهُ أُمٌّ وَارِثَةٌ وَكَذَا أُمُّ أُمِّهِ، وَإِنْ عَلَتْ وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ جَدَّةٌ وَارِثَةٌ مِنْ كُلِّ أَبٍ إلَّا وَاحِدَةٌ فَيُحْتَاجُ إلَى أَنْ يَأْتِيَ مِنْ الْأَبَاءِ قَدْرَهُنَّ عَدَدًا إلَّا وَاحِدَةً وَهِيَ الَّتِي مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ فَإِنَّهَا تُدْلِي بِذَكَرٍ وَالثَّانِيَةُ تُدْلِي بِالْأَبِ فَلِهَذَا حَذَفْت فِي النِّسْبَةِ الثَّانِيَةِ أُمًّا وَاحِدَةً وَأَبْدَلْت مَكَانَهَا أَبًا، وَالْجَدَّةُ الثَّالِثَةُ تُدْلِي بِالْجَدِّ فَلِهَذَا أَسْقَطْت اثْنَيْنِ وَأَبْدَلْت مَكَانَهُمَا أَبَوَيْنِ وَالرَّابِعَةُ تُدْلِي بِجَدِّ الْأَبِ فَلِهَذَا سَقَطَتْ أُمَّهَاتٌ وَأُبْدِلَتْ مَكَانَهُنَّ ثَلَاثَةُ آبَاءٍ فَهَذِهِ طَرِيقَةٌ فِي أَكْثَرَ مِنْهُنَّ إلَى مَا لَا يَتَنَاهَى هَذِهِ مَعْرِفَةُ الصَّحِيحَةِ، وَإِذَا أَرَدْت أَنْ تَعْرِفَ مَا يُقَابِلُ الصَّحِيحَاتِ مِنْ الْفَاسِدَاتِ فَخُذْ عَدَدَ الصَّحِيحَاتِ وَاجْعَلْهُ فِي يَمِينِك وَاطْرَحْ مِنْهُ اثْنَيْنِ وَاجْعَلْهَا بِيَسَارِك بِعَدَدِ مَا بَقِيَ فِي يَمِينِك فَالْمَبْلَغُ عَدَدُ الْجَدَّاتِ الصَّحِيحَاتِ وَالْفَاسِدَاتِ جَمِيعًا فَإِذَا سَقَطَتْ مِنْهُ عَدَدُ الصَّحِيحَاتِ فَالْبَاقِيَاتُ هِيَ الْفَاسِدَاتُ، مِثَالُهُ إذَا سُئِلْت عَنْ أَرْبَعِ جَدَّاتٍ صَحِيحَاتٍ كَمْ بِإِزَائِهِنَّ مِنْ الْفَاسِدَاتِ فَخُذْ أَرْبَعَةً يَمِينَك وَاطْرَحْ مِنْهَا اثْنَيْنِ فَخُذْهَا يَسَارَك فَإِذَا ضَعَّفْت هَذَا الْمَطْرُوحَ بِعَدَدِ مَا بَقِيَ فِي يَمِينِك صَارَ ثَمَانِيَةً وَهُوَ عَدَدُ مَبْلَغِ الْجَدَّاتِ أَجْمَعَ فِي هَذِهِ الْجَدَّةِ فَإِذَا أَسْقَطْت عَدَدَ الصَّحِيحَاتِ وَهُنَّ أَرْبَعٌ بَقِيَتْ أَرْبَعَةٌ وَهُنَّ الْفَاسِدَاتُ وَمِيرَاثُهُنَّ السُّدُسُ. وَإِنْ كَثُرْنَ يَشْتَرِكْنَ فِيهِ لِمَا رَوَى عُبَادَةَ بْنُ الصَّامِتِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَضَى بَيْنَ الْجَدَّتَيْنِ إذَا اجْتَمَعَتَا بِالسُّدُسِ بِالسَّوِيَّةِ» وَأَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَشْرَكَ بَيْنَ الْجَدَّتَيْنِ فِي السُّدُسِ وَسَيَذْكُرُ مَا يَسْقُطْنَ بِهِ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا بُدَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ بَنِي آدَمَ سِوَى عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنْ يَكُونَ لَهُ جَدَّتَانِ أَحَدُهُمَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 561 مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ وَهِيَ أُمُّ الْأُمِّ وَالْأُخْرَى مِنْ قِبَلِ الْأَبِ وَهِيَ أُمُّ الْأَبِ يَجِبُ أَنْ يُعْلَمَ بِأَنَّ الْجَدَّاتِ طَبَقَتَانِ طَبَقَةٌ هِيَ مِنْ جُمْلَةِ أَصْحَابِ الْفَرَائِضِ يُعْرَفْنَ بِالثَّابِتَاتِ وَطَبَقَةٌ وَهِيَ مِنْ جُمْلَةِ ذَوِي الْأَرْحَامِ يُعْرَفْنَ بِالسَّاقِطَاتِ، فَالْحَاصِلُ إذَا كَانَ لِمَيِّتٍ أُمُّ الْأَبِ وَأُمُّ أُمِّ الْأُمِّ وَالْأَبُ حَيٌّ فَعِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ لَا شَيْءَ لِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ؛ لِأَنَّ أُمَّ أُمِّ الْأُمِّ تَصِيرُ مَحْجُوبَةً بِأُمِّ الْأَبِ وَأُمُّ الْأَبِ تَصِيرُ مَحْجُوبَةً بِالْأَبِ، وَعِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ تَرِثُ الْجَدَّةُ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ وَفَرِيضَةُ الْوَاحِدَةِ مِنْهُنَّ السُّدُسُ بَيْنَهُنَّ بِالسَّوِيَّةِ وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ الصَّحَابَةِ، وَفِي الْمُضْمَرَاتِ الْجَدَّةُ الْوَاحِدَةُ وَالْجَدَّاتُ فَصَاعِدًا السُّدُسُ لَا يُزَادُ عَلَيْهِ إلَّا عِنْدَ الرَّدِّ وَلَا يَنْقُصُ إلَّا عِنْدَ الْعَوْلِ وَالْجَدَّاتُ سِتٌّ ثِنْتَانِ لَك وَثِنْتَانِ لِأُمِّك وَثِنْتَانِ لِأَبِيك وَالْكُلُّ وَارِثَاتٌ إلَّا وَاحِدَةً وَهِيَ أُمُّ أَبٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَذَاتُ جِهَةٍ كَذَاتِ جِهَتَيْنِ) يَعْنِي الْجَدَّةَ إذَا كَانَتْ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ وَالْأُخْرَى لَهَا جِهَتَانِ فَهُمَا سَوَاءٌ فِي الْمِيرَاثِ قَالَ فِي الْأَصْلِ، وَإِنْ كَانَتْ لِلْمَيِّتِ جَدَّةٌ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ وَجَدَّةٌ مِنْ جِهَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثِ جِهَاتٍ، قَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا عِبْرَةَ لِكَثْرَةِ الْجِهَاتِ وَالسُّدُسُ بَيْنَهُنَّ بِالسَّوِيَّةِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ لِكَثْرَةِ الْجِهَاتِ عِبْرَةٌ وَالسُّدُسُ بَيْنَهُنَّ عَلَى عَدَدِ الْجِهَاتِ وَصُورَتُهَا مِنْ جِهَتَيْنِ امْرَأَةٌ زَوَّجَتْ ابْنَةَ ابْنِهَا مِنْ ابْنِ ابْنِهَا فَوُلِدَ بَيْنَهُمَا غُلَامٌ فَهَذِهِ الْمَرْأَةُ لِهَذَا الْغُلَامِ جَدَّةٌ مِنْ جِهَتَيْنِ فَإِنَّهَا أُمُّ أُمِّ أُمِّ هَذَا الْغُلَامِ وَأُمُّ أَبِ أَبِ هَذَا الْغُلَامِ فَلَوْ مَاتَ هَذَا الْغُلَامُ وَتَرَكَ هَذِهِ الْجَدَّةَ وَجَدَّةً أُخْرَى مِنْ جِهَةِ الْأَبِ فَهِيَ أُمُّ أُمِّ أَبِيهِ. قَالَ أَبُو يُوسُفَ السُّدُسُ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ السُّدُسُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا ثُلُثَاهُ لِذَاتِ الْجِهَتَيْنِ وَثُلُثُهُ لِذَاتِ الْجِهَةِ الْوَاحِدَةِ وَصُورَتُهَا مِنْ الْجِهَاتِ الثَّلَاثَةِ هَذِهِ الْمَرْأَةُ الْمُزَوَّجَةُ زَوَّجَتْ بِنْتَ بِنْتِ بِنْتٍ لِأُخْرَى مِنْ هَذَا الْغُلَامِ الْمَوْلُودِ فَوُلِدَ بَيْنَهُمَا غُلَامٌ فَإِنَّ هَذِهِ الزَّوْجَةَ لِهَذَا الْغُلَامِ الْمَوْلُودِ الثَّانِي مِنْ ثَلَاثِ جِهَاتٍ مِنْ جِهَةٍ هِيَ أُمُّ أُمِّ أُمِّ أُمِّهِ وَهِيَ مِنْ جِهَةٍ هِيَ أُمُّ أُمِّ أُمِّ أَبِيهِ وَمِنْ جِهَةٍ أُمُّ أَبِ أَبِ أَبِيهِ فَلَوْ مَاتَ هَذَا الْغُلَامُ وَتَرَكَ هَذِهِ الْجَدَّةَ وَجَدَّةً أُخْرَى مِنْ قِبَلِ الْأَبِ وَهِيَ أُمُّ أُمِّ أَبِ الْأَبِ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ السُّدُسَ بَيْنَهُنَّ بِالسَّوِيَّةِ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ عَلَى أَرْبَعَةِ أَسْهُمٍ: ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ لِلْجَدَّةِ هَذِهِ وَسَهْمٌ وَاحِدٌ لِلْجَدَّةِ الْأُخْرَى قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْبُعْدَى تُحْجَبُ بِالْقُرْبَى) سَوَاءٌ كَانَا مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ مِنْ جِهَتَيْنِ وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْقُرْبَى وِرَاثَةً أَوْ مَحْجُوبَةً بِالْأَبِ أَوْ بِالْجَدِّ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ لَا تَحْجُبُ الْجَدَّاتِ إلَّا الْأُمُّ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ الْقُرْبَى إذَا كَانَتْ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ لَا تَحْجُبُ الْبُعْدَى مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ وَبِالْعَكْسِ تَحْجُبُ؛ لِأَنَّ الْجَدَّاتِ يَرِثْنَ بِوِلَادَةِ الْأَبَوَيْنِ فَوَجَبَ أَنْ تُعْطِيَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُنَّ حُكْمَ مَنْ تُدْلَى بِهِ وَالْأَبُ لَا يَحْجُبُ الْجَدَّاتِ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ فَكَذَا أُمُّهُ وَالْأُمُّ تَحْجُبُ كُلَّ وَاحِدَةٍ هِيَ أَبْعَدُ مِنْهَا فَكَذَا أُمُّهَا وَلَنَا أَنَّ الْجَدَّاتِ يَرِثْنَ بِاعْتِبَارِ الْوِلَادِ فَوَجَبَ أَنْ يُقَدَّمَ الْأَدْنَى عَلَى الْبُعْدَى كَالْأَبِ الْأَدْنَى مَعَ الْأَبِ الْأَبْعَدِ وَلَيْسَ كُلُّ حُكْمٍ ثَبَتَ بِوَاسِطَةٍ يَثْبُتُ لِمَنْ تُدْلِي بِهِ. أَلَا تَرَى أَنَّ أُمَّ الْأُمِّ لَا يَزِيدُ إرْثُهَا عَلَى السُّدُسِ وَتُحْجَبُ بِالْأُمِّ وَالْأَبِ بِخِلَافِ ذَلِكَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْكُلُّ بِالْأُمِّ) أَيْ يُحْجَبُ الْجَدَّاتُ كُلُّهُنَّ بِالْأُمِّ وَالْمُرَادُ إذَا كَانَتْ الْأُمُّ وَارِثَةً وَعَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْجَدَّاتِ إنَّمَا يَرِثْنَ بِطَرِيقِ الْوِلَادَةِ وَالْأُمُّ أَبْلَغُ حَالًا مِنْهُنَّ فِي ذَلِكَ فَلَا يَرِثْنَ مَعَهَا وَلِأَنَّهَا أَصْلٌ فِي قَرَابَةِ الْجَدَّةِ الَّتِي مِنْ قِبَلِهَا إلَى الْمَيِّتِ وَتُدْلِي بِهَا فَلَا تَرِثُ مَعَ وُجُودِهَا لِمَا عُرِفَ فِي بَابِ الْحَجْبِ فَإِذَا حُجِبَتْ الَّتِي مِنْ قِبَلِهَا كَانَتْ أَوْلَى أَنْ تُحْجَبَ الَّتِي مِنْ قِبَلِ الْأَبِ؛ لِأَنَّهَا أَضْعَفُ حَالًا مِنْهَا وَلِهَذَا تُؤَخَّرُ فِي الْحَضَانَةِ فَتُحْجَبُ بِهَا وَكَذَا الْأَبَوِيَّاتُ مِنْهُنَّ يَحْجُبُهُنَّ بِالْأَبِ إذَا كَانَ وَارِثًا رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَالزُّبَيْرِ وَسَعْدٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَبِهِ أَخَذَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ، وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَعِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَأَبِي الطُّفَيْلِ عَامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ أَنَّهُمْ جَعَلُوا لَهَا السُّدُسَ مَعَ الْأَبِ وَبِهِ أَخَذَ طَائِفَةً مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ التَّابِعِينَ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَرَّثَ جَدَّةً وَابْنُهَا حَيٌّ» وَلِأَنَّهَا تَرِثُ مِيرَاثَ الْأُمِّ فَلَا يَحْجُبُهَا الْأَبُ كَمَا لَا يَحْجُبُ الْأُمَّ وَكَمَا لَا يَحْجُبُ الْجَدَّ وَلِأَنَّهَا تَرِثُ بِطَرِيقِ الْفَرْضِ فَلَا تَكُونُ الْعُصُوبَةُ حَاجِبَةً لَهَا كَمَا لَا يَحْجُبُهَا عَمُّ الْمَيِّتِ الَّذِي هُوَ ابْنُهَا قُلْنَا إنَّ أُمَّ الْأَبِ تُدْلِي بِالْأَبِ فَلَا تَرِثُ مَعَ وُجُودِهِ كَبِنْتِ الِابْنِ مَعَ الِابْنِ وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي الْحَدِيثِ؛ لِأَنَّهُ حِكَايَةُ حَالٍ فَيُحْمَلُ أَنَّ ذَلِكَ الْأَبَ كَانَ عَمًّا لِلْمَيِّتِ لَا أَبًا وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا تَرِثُ مِيرَاثَ الْأُمِّ بَلْ مِيرَاثُ الْأَبِ؛ لِأَنَّ لَهُ السُّدُسَ فَرْضًا فَتَرِثُ ذَلِكَ عِنْدَ عَدَمِهِ وَلَئِنْ كَانَ مِيرَاثُ الْأُمِّ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمُ الْحَجْبِ بِغَيْرِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ بَنَاتِ الِابْنِ يَرِثْنَ وَمَعَ هَذَا يُحْجَبْنَ بِالْأَبَوَيْنِ وَكَذَا الْجَدُّ يَحْجُبُ أَبَوَيْهِ لِمَا ذَكَرْنَا إلَّا أُمَّ الْأَبِ فَإِنَّهَا لَا يَحْجُبُهَا، وَإِنْ عَلَتْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 562 لِأَنَّ إرْثَهَا لَيْسَ مِنْ قِبَلِهِ وَكَذَا كُلُّ جَدَّةٍ لَا تَحْجُبُ الْجَدَّةَ الَّتِي لَيْسَتْ مِنْ قِبَلِهَا فَصَارَتْ الْجَدَّةُ لَهَا حَالَتَانِ السُّدُسُ وَالسُّقُوطُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَمَعَ الْوَلَدِ وَوَلَدِ الِابْنِ، وَإِنْ سَفَلَ الرُّبُعُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ} [النساء: 12] فَيَسْتَحِقُّ كُلُّ زَوْجٍ إمَّا النِّصْفَ وَإِمَّا الرُّبُعَ مِمَّا تَرَكَتْ الْمَرْأَةُ؛ لِأَنَّهَا مُقَابَلَةُ الْجَمْعِ بِالْجَمْعِ يَقْتَضِي مُقَابَلَةَ الْفَرْدِ بِالْفَرْدِ كَقَوْلِهِمْ رَكِبَ الْقَوْمُ دَوَابَّهُمْ وَلَبِسُوا ثِيَابَهُمْ وَلَفْظُ الْوَلَدِ يَتَنَاوَلُ وَلَدَ الِابْنِ فَيَكُونُ مِثْلَهُ بِالنَّصِّ أَوْ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الزَّوْجِ الْوَارِثِ الْوَلَدُ أَوْ وَلَدُ الْوَلَدِ أَوْ مِنْ زَوْجٍ غَيْرِهِ أَوْ لَا يُعْرَفُ لَهُ أَبٌ كَوَلَدِ اللِّعَانِ وَغَيْرِهِ فَيَكُونُ لَهُ الرُّبُعُ مَعَهُ فَصَارَ لِلزَّوْجِ حَالَتَانِ النِّصْفُ وَالرُّبُعُ وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ فَرْضُ الزَّوْجِ مَا ذَكَرْنَا وَلَا يُزَادُ عَلَى النِّصْفِ وَلَا يَنْقُصُ عَنْ الرُّبُعِ إلَّا فِي حَالَةِ الْعَوْلِ قَالَ مُحَمَّدٌ وَالْوَاحِدُ مِنْ الْأَزْوَاجِ وَالْجَمَاعَةُ فِي اسْتِحْقَاقِهِمْ سَهْمَ الْأَزْوَاجِ عَلَى السَّوَاءِ حَتَّى إنَّ جَمَاعَةً لَوْ ادَّعَوْا نِكَاحَ امْرَأَةٍ وَلَمْ تَكُنْ الْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَلَا دَخْلَ بِهَا وَاحِدٌ مِنْهُمْ لَا يَعْرِفُ أَنَّهُمْ أَوَّلُ فَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ الْبَيِّنَةَ عَلَى نِكَاحِهَا فَمَاتَتْ الْمَرْأَةُ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ الْقَاضِي بِمِيرَاثِ غَيْرِ زَوْجٍ وَاحِدٍ وَيَكُونُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ الْمَرْأَةَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ وَوَضَعَهَا فِي الرَّجُلَيْنِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِلزَّوْجَةِ الرُّبُعُ) أَيْ لِلزَّوْجَةِ نِصْفُ مَا لِلزَّوْجِ فَيَكُونُ لَهَا الرُّبُعُ حَيْثُ لَا وَلَدَ وَمَعَ الْوَلَدِ أَوْ وَلَدِ الِابْنِ. وَإِنْ سَفَلَ الثُّمُنُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ} [النساء: 12] وَإِذَا كَثُرْنَ وَقَعَتْ الْمُزَاحَمَةُ بَيْنَهُنَّ فَيُصْرَفُ عَلَيْهِنَّ جَمِيعًا عَلَى السَّوَاءِ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ فَصَارَ لِلزَّوْجَاتِ حَالَتَانِ الرُّبُعُ بِلَا وَلَدٍ وَالثُّمُنُ مَعَ الْوَلَدِ وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ لَا يَزِدْنَ عَلَى الرُّبُعِ وَلَا يَنْقُصُ عَنْ الثَّمَنِ إلَّا فِي حَالَةِ الْعَوْلِ هَكَذَا حُكْمُ بَيَانِ أَصْحَابِ الْفَرَائِضِ مِنْ النِّسَاءِ الزَّوْجَاتِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِلْبِنْتِ النِّصْفُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} [النساء: 11] . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِلْأَكْثَرِ الثُّلُثَانِ) وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَبِهِ أَخَذَ عُلَمَاءُ الْأَمْصَارِ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ جَعَلَ حُكْمَ الثِّنْتَيْنِ مِنْهُنَّ حُكْمَ الْوَاحِدَةِ فَجَعَلَ لَهُمَا النِّصْفَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ} [النساء: 11] عَلَّقَ اسْتِحْقَاقَ الثُّلُثَيْنِ بِكَوْنِهِنَّ نِسَاءً وَهُوَ جَمْعٌ وَصَرَّحَ بِقَوْلِهِ {فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ} [النساء: 11] وَالْمُعَلَّقُ بِشَرْطٍ لَا يَثْبُتُ بِدُونِهِ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ لِلْبِنْتَيْنِ النِّصْفَ مَعَ الِابْنِ وَهُوَ يَسْتَحِقُّ النِّصْفَ وَحَظُّ الذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ حَظَّ الْبِنْتَيْنِ النِّصْفُ عِنْدَ الِانْفِرَادِ وَلِلْجُمْهُورِ مَا رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ قَالَ «جَاءَتْ امْرَأَةُ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِابْنَتَيْهَا مِنْ سَعْدٍ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَاتَانِ ابْنَتَا سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ قُتِلَ أَبُوهُمَا مَعَك فِي أُحُدٍ شَهِيدًا وَإِنَّ عَمَّهُمَا أَخَذَ مَالَهُمَا فَلَمْ يَدَعْ لَهُمَا مَالًا وَلَا يُنْكَحَانِ إلَّا بِمَالٍ فَقَالَ يَقْضِي اللَّهُ فِي ذَلِكَ فَنَزَلَتْ آيَةُ الْمِيرَاثِ فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى عَمِّهِمَا فَقَالَ أَعْطِ بِنْتَيْ سَعْدٍ الثُّلُثَيْنِ وَأُمَّهُمَا الثُّمُنَ وَمَا بَقِيَ فَهُوَ لَك» وَمَا تُلِيَ لَا يُنَافِي اسْتِحْقَاقَ الْبِنْتَيْنِ الثُّلُثَيْنِ؛ لِأَنَّ تَخْصِيصَ الشَّيْءِ بِالذِّكْرِ لَا يَنْفِي الْحُكْمَ عَمَّا عَدَاهُ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ فَعَرَفْنَا حُكْمَ الْجَمِيعِ بِالْكِتَابِ وَحُكْمَ الْمُثَنَّى بِالسُّنَّةِ وَلِأَنَّ الْجَمْعَ قَدْ يُرَادُ بِهِ التَّثْنِيَةُ لَا سِيَّمَا فِي الْمِيرَاثِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ فَيَكُونُ الْمُثَنَّى مُرَادًا بِالْآيَةِ وَهُوَ الظَّاهِرُ. أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا بَيَّنَ حُكْمَ الْجَمْعِ وَالْمُثَنَّى جَعَلَ حُكْمَهُمَا كَحُكْمِ الْجَمْعِ فِي الْأَخَوَاتِ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ فِي اسْتِحْقَاقِ الثُّلُثَيْنِ أَوْ الثُّلُثِ وَقَوْلُهُ إنَّ الْبِنْتَيْنِ يَسْتَحِقَّانِ النِّصْفَ مَعَ الِابْنِ قُلْنَا اسْتِحْقَاقُهُمَا ذَلِكَ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ لَا يَدُلُّ عَلَى اسْتِحْقَاقِهَا إيَّاهُ عِنْدَ الِانْفِرَادِ وَالْوَاحِدَةُ تَأْخُذُ الثُّلُثَ مَعَ الِابْنِ عِنْدَ الِانْفِرَادِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَصَبُهُمَا الِابْنُ وَلَهُ مِثْلُ حَظِّهِمَا) مَعْنَاهُ إذَا اخْتَلَطَ الْبَنُونَ وَالْبَنَاتُ عُصِبَ الْبَنَاتُ فَيَكُونُ لِلِابْنِ مِثْلُ حَظِّهِمَا فَصَارَ لِلْبَنَاتِ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ النِّصْفُ لِلْوَاحِدَةِ وَالثُّلُثَانِ لِلِاثْنَيْنِ فَصَاعِدًا وَالتَّعْصِيبُ عِنْدَ الِاخْتِلَاطِ بِالذُّكُورِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَوَلَدُ الِابْنِ كَوَلَدِهِ عِنْدَ عَدَمِهِ) أَيْ عِنْدَ عَدَمِ الِابْنِ حَتَّى يَكُونَ بَنُو الِابْنِ عَصَبَةً كَالْبِنْتَيْنِ وَبَنَاتُ الِابْنِ كَالْبَنَاتِ حَتَّى يَكُونَ لِلْوَاحِدَةِ النِّصْفُ وَالْبِنْتَيْنِ فَصَاعِدًا الثُّلُثَانِ فَيَعْصِبُهُنَّ الذَّكَرُ عِنْدَ اخْتِلَاطِهِنَّ بِالذُّكُورِ فَيَكُونُ {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُحْجَبُ بِالِابْنِ) أَيْ وَلَدُ الِابْنِ يُحْجَبُ بِالِابْنِ ذُكُورُهُمْ وَإِنَاثُهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ الِابْنَ أَقْرَبُ وَهُمْ عَصَبَةٌ فَلَا يَرِثُونَ مَعَهُ بِالْعُصُوبَةِ وَكَذَا بِالْفَرْضِ لِأَنَّ بَنَاتِ الِابْنِ يُدْلِينَ بِهِ فَلَا يَرِثْنَ مَعَ الِابْنِ، وَإِنْ كُنَّ لَا يُدْلِينَ بِهِ فَإِنْ كَانَ عَمَّهُنَّ فَهُوَ مُسَاوٍ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 563 لِأَصْلِهِنَّ فَيَحْجُبُهُنَّ كَمَا يَحْجُبُ أَوْلَادَهُ؛ لِأَنَّ مَا ثَبَتَ لِأَحَدِ الْمِثْلَيْنِ ثَبَتَ لِمُسَاوِيهِ ضَرُورَةً. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَعَ الْبِنْتِ لِأَقْرَبِ الذُّكُورِ الْبَاقِي) أَيْ إذَا كَانَ مَعَ بِنْتِ الْمَيِّتِ الْأَصْلِيَّةِ أَوْلَادُ الِابْنِ أَوْ أَوْلَادُ ابْنِ الِابْنِ، وَإِنْ سَفَلَ أَوْ الْمَجْمُوعُ كَانَ الْبَاقِي بَعْدَ فَرْضِ الْبِنْتِ الصُّلْبِيَّةِ لِأَقْرَبِ الذُّكُورِ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّهُ عَصَبَةٌ فَيُحْجَبُ الْأَبْعَدُ وَأَطْلَقَ فِي الذُّكُورِ وَالْمُرَادُ أَوْلَادُ الِابْنِ وَهَذَا الْمَجْمُوعُ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ إذَا لَمْ تَكُنْ فِي دَرَجَتِهِ بِنْتُ ابْنٍ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ فِي دَرَجَتِهِ بِنْتُ ابْنٍ فَلَا يَكُونُ الْبَاقِي مِنْ فَرْضِ الْبِنْتِ لَهُ وَاحِدَةٌ. اهـ. . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِلْإِنَاثِ السُّدُسُ تَكْمِلَةً لِلثُّلُثَيْنِ) وَمُرَادُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي دَرَجَتِهِنَّ ابْنُ ابْنٍ، وَأَمَّا إذَا كَانَ مَعَهُنَّ ابْنُ ابْنٍ يَكُنَّ عَصَبَةً مَعَهُ فَلَا يَرِثْنَ السُّدُسَ وَإِنَّمَا كَانَ لَهُنَّ السُّدُسُ عِنْدَ انْفِرَادِهِنَّ لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي بِنْتٍ وَبِنْتِ ابْنٍ وَأُخْتٍ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «لِلْبِنْتِ النِّصْفُ وَلِبِنْتِ الِابْنِ السُّدُسُ تَكْمِلَةً لِلثُّلُثَيْنِ وَالْبَاقِي لِلْأُخْتِ» فَبَنَاتُ الِابْنِ لَهُنَّ حَالَانِ سَهْمٌ وَتَعْصِيبٌ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ ابْنٌ وَلَا ابْنَتَانِ فَصَاعِدًا وَلَا ابْنُ ابْنٍ فَهِيَ صَاحِبَةُ سَهْمٍ وَسَهْمُ الْوَاحِدَةِ النِّصْفُ وَالثِّنْتَيْنِ فَصَاعِدًا فَهُنَّ صَاحِبَاتُ الثُّلُثَيْنِ حَيْثُ لَا ذِكْرَ فِي دَرَجَتِهِنَّ وَلَا يَزِدْنَ عَلَى الثُّلُثَيْنِ، وَإِنْ كَثُرْنَ هَذَا قَوْلُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَعَامَّةِ الْفُقَهَاءِ، وَإِنْ كَانَتْ لِلْمَيِّتِ ابْنَتَيْنٍ فَلَا شَيْءَ لِبِنْتِ الِابْنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي دَرَجَتِهَا أَوْ أَسْفَلَ مِنْهَا ابْنُ ابْنٍ فَتَصِيرُ عَصَبَةً لَهُ وَيُقْسَمُ مَا بَقِيَ مِنْ الْمَالِ بَعْدَ الْمَالِ بَعْدَ نَصِيبِ الِابْنَتَيْنِ بَيْنَهُمَا {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] فَقَوْلُهُ تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُنَّ يَدْخُلْنَ فِي لَفْظِ الْأَوْلَادِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ لِلْأَوْلَادِ الْإِنَاثِ الثُّلُثَيْنِ فَإِذَا أَخَذَتْ الصُّلْبِيَّةُ النِّصْفَ بَقِيَ مِنْهُ السُّدُسُ فَيُعْطِي لَهَا تَكْمِلَةً لِذَلِكَ فَلَوْلَا أَنَّهُنَّ دَخَلْنَ فِي الْأَوْلَادِ وَفَرْضُهُنَّ وَاحِدٌ لَمَا صَارَ تَكْمِلَةً لَهُ إلَّا أَنَّ الصُّلْبِيَّةَ أَقْرَبُ إلَى الْمَيِّتِ فَيَتَقَدَّمُ عَلَيْهِنَّ بِالنِّصْفِ وَدُخُولُهُنَّ عَلَى أَنَّهُ عُمُومُ الْمَجَازِ أَوْ بِالْإِجْمَاعِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَحُجِبْنَ بِبِنْتَيْنِ) أَيْ يُحْجَبُ بَنَاتُ الِابْنِ بِبِنْتَيْنِ صُلْبِيَّتَيْنِ؛ لِأَنَّ إرْثَهُنَّ كَانَ تَكْمِلَةً لِلثُّلُثَيْنِ، وَقَدْ كَمَّلَ بِثُلُثَيْنِ فَسَقَطْنَ إذْ لَا طَرِيقَ لِتَوْرِيثِهِنَّ فَرْضًا وَتَعْصِيبًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُنَّ أَوْ أَسْفَلَ مِنْهُنَّ ذَكَرَ فَيُعَصِّبُ مَنْ كَانَتْ بِحِذَائِهِ وَمَنْ كَانَتْ فَوْقَهُ مِمَّنْ لَمْ تَكُنْ ذَاتَ سَهْمٍ وَيَسْقُطُ مِنْ دُونَهُ) أَرَادَ بِقَوْلِهِ مَعَهُنَّ أَنْ يَكُونَ الْغُلَامُ فِي دَرَجَتِهِنَّ سَوَاءٌ كَانَ أَخًا لَهُنَّ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَهَذَا مَذْهَبُ عَلِيٍّ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَبِهِ أَخَذَ عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ لِيُسْقِطْنَ بَنَاتِ الِابْنِ بِبِنْتَيْ الصُّلْبِ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُنَّ غُلَامٌ وَلَا يُقَاسِمُهُنَّ، وَإِنْ كَانَتْ الْبِنْتُ الصُّلْبِيَّةُ وَاحِدَةً وَكَانَ مَعَهُنَّ غُلَامٌ كَانَ لِبَنَاتِ الِابْنِ أَسْوَأُ الْحَالَيْنِ بَيْنَ السُّدُسِ وَالْمُقَاسَمَةِ فَأَيُّهُمَا أَقَلُّ أُعْطِينَ وَتُسَمَّى هَذِهِ الْمَسَائِلُ الْإِضْرَارَ عَلَى قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَحُجَّتُهُ فِي ذَلِكَ أَنَّ بَنَاتِ الِابْنِ بَنَاتٌ وَفِي مِيرَاثِهِنَّ أَحَدُ أَمْرَيْنِ إمَّا الْفَرْضُ أَوْ الْمُقَاسَمَةُ وَفَرْضُهُنَّ الثُّلُثَانِ وَالْمُقَاسَمَةُ ظَاهِرَةٌ وَلَيْسَ لَهُنَّ أَنْ يَجْمَعْنَ فَإِذَا اسْتَكْمَلَتْ الْبَنَاتُ الثُّلُثَيْنِ فَلَوْ قَاسِمْنَ لَزِمَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فَلَا يَجُوزُ وَإِذَا كَانَتْ الصُّلْبِيَّةُ وَاحِدَةً أَخَذَتْ النِّصْفَ وَبَقِيَ مِنْ فَرْضِ الْبَنَاتِ السُّدُسُ فَيَأْخُذُونَهُ إنْ كُنَّ مُنْفَرِدَاتٍ، وَإِنْ كُنَّ مُخْتَلِطَاتٍ مَعَ الذُّكُورِ كَانَ لَهُنَّ أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ السُّدُسِ وَالْمُقَاسَمَةِ لِلتَّيَقُّنِ بِهِ وَلِئَلَّا تَأْخُذَ الْبَنَاتُ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثَيْنِ وَلَا مِيرَاثَ لَهُنَّ مَعَ الصُّلْبِيَّتَيْنِ عِنْدَ الِانْفِرَادِ. فَكَذَا عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ كَالْعَمَّةِ مَعَ الْعَمِّ وَابْنِ الْأَخِ مَعَ أُخْتِهِ وَلِلْجُمْهُورِ قَوْله تَعَالَى {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] وَأَوْلَادُ الِابْنِ أَوْلَادٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ فَتَشْمَلُهُنَّ الْآيَةُ، وَقَضِيَّةُ هَذَا أَنْ يَكُونَ الْمَالُ مَقْسُومًا بَيْنَ الْكُلِّ إلَّا إنْ عَلِمْنَا فِي حَقِّ أَوْلَادِ الِابْنِ بِأَوَّلِ الْآيَةِ وَفِي حَقِّ الصُّلْبِيَّتَيْنِ أَوْ الصُّلْبِيَّةِ الْوَاحِدَةِ بِمَا بَعْدَهَا وَلَيْسَ فِيهِ جَمْعٌ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ وَلَا شُبْهَةَ وَإِنَّمَا هُوَ عَمَلٌ بِمُقْتَضَى كُلِّ لَفْظٍ عَلَى حِدَةٍ وَمِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى أَنَّ الْبَنَاتِ الْصُلْبِيَّاتِ ذَوَاتُ فَرْضٍ وَبَنَاتَ الِابْنِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ عَصَبَاتٌ مَعَ أَخِيهِنَّ وَصَاحِبُ الْفَرْضِ إذَا أَخَذَ فَرْضَهُ خَرَجَ مِنْ الْبَيْنِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فَصَارَ الْبَاقِي مِنْ الْفَرْضِ لِجَمِيعِ الْمَالِ فِي حَقِّ الْعَصَبَةِ فَتُشَارِكُهُ وَلَا يَخْرُجْنَ مِنْ الْعُصُوبَةِ كَمَا لَوْ انْفَرَدَ، أَلَا تَرَى أَنَّ صَاحِبَ الْفَرْضِ لَوْ كَانَ غَيْرَ الْبَنَاتِ كَالْأَبَوَيْنِ وَأَحَدُ الزَّوْجَيْنِ كَانَ كَذَلِكَ فَكَذَا مَعَ الْبَنَاتِ بِخِلَافِ الْعَمَّةِ مَعَ الْعَمِّ وَبَنَاتِ الْأَخِ مَعَ أَخِيهَا؛ لِأَنَّهُنَّ يَصِرْنَ عَصَبَةً مَعَهُمَا مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ مَعَهُنَّ صَاحِبَ فَرْضٍ أَوْ لَمْ يَكُنْ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ انْتِفَاءِ الْعُصُوبَةِ فِي مَحَلٍّ لَا يَقْبَلُهَا انْتِفَاؤُهَا فِي مَحَلٍّ يَقْبَلُهَا وَأَخْذُهُنَّ زِيَادَةً عَلَى الثُّلُثَيْنِ لَيْسَ بِمَحْظُورٍ، أَلَا تَرَى أَنَّهُنَّ يَأْخُذْنَ بِالْمُقَاسَمَةِ عِنْدَ كَثْرَتِهِنَّ بِأَنْ تَرَكَ أَرْبَعِينَ بِنْتًا، ثُمَّ الْأَصْلُ فِي بَنَاتِ الِابْنِ عِنْدَ عَدَمِ بَنَاتِ الصُّلْبِ أَنَّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 564 أَقْرَبَهُنَّ إلَى الْمَيِّتِ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْبِنْتِ الصُّلْبِيَّةِ وَاَلَّتِي تَلِيهَا فِي الْقُرْبِ مَنْزِلَةَ بَنَاتِ الِابْنِ وَهَكَذَا يَفْعَلُ، وَإِنْ سَفَلْنَ. مِثَالُهُ: تَرَكَ ثَلَاثَ بَنَاتٍ: ابْنُ بَعْضِهِنَّ أَسْفَلُ مِنْ بَعْضٍ بِهَذِهِ الصُّورَةِ: فَالْعُلْيَا مِنْ الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ لَا يُوَازِيهَا أَحَدٌ فَيَكُونُ لَهَا النِّصْفُ وَالْوُسْطَى مِنْ الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ يُوَازِيهَا مِنْ الْعُلْيَا مِنْ الْفَرِيقِ الثَّانِي فَيَكُونُ لَهَا السُّدُسُ تَكْمِلَةً لِلثُّلُثَيْنِ. وَلَا شَيْءَ لِلسُّفْلَيَاتِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ غُلَامٌ فَيَعْصِبُهَا وَمَنْ بِحِذَاهَا وَمَنْ فَوْقَهَا مِمَّنْ لَمْ تَكُنْ صَاحِبَةَ فَرْضٍ حَتَّى لَوْ كَانَ الْغُلَامُ مَعَ السُّفْلِيِّ فِي الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ عَصَبَهَا وَعَصَبَ الْوُسْطَى مِنْ الْفَرِيقِ الثَّانِي وَالْعُلْيَا مِنْ الْفَرِيقِ الثَّالِثِ وَسَقَطَتْ السُّفْلَيَاتُ، وَلَوْ كَانَ الْغُلَامُ مِنْ السُّفْلَيَاتِ مِنْ الْفَرِيقِ الثَّانِي عَصَبُهَا وَعَصَبُ الْوُسْطَى مِنْهُ، وَالْوُسْطَى وَالْعُلْيَا مِنْ الْفَرِيقِ الثَّالِثِ عَصَبُ الْجَمِيعِ غَيْرُ أَصْحَابِ الْفَرَائِضِ وَالْمَعْنَى مَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْعُلْيَا تَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْبِنْتِ، وَالْبَاقِي مَنَازِلُ بَنَاتُ الِابْنِ، وَلَوْ كَانَ الِابْنُ مَعَ الْعُلْيَا مِنْ الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ عَصَبَ أُخْتَهُ وَسَقَطَتْ الْبَوَاقِي كَمَا ذَكَرْنَا فِي الْأَوْلَادِ وَهَذَا النَّوْعُ مِنْهُ مِنْ مَسَائِلَ تُسَمَّى فِي عُرْفِ الْفَرْضِيَّيْنِ تَشْبِيبَ بَنَاتِ الِابْنِ إذْ ذُكِرْنَ مَعَ اخْتِلَافِ الدَّرَجَاتِ وَهُوَ إمَّا مُشْتَقٌّ مِنْ قَوْلِهِمْ تَشَبَّبَ فُلَانٌ بِفُلَانَةَ إذَا أَكْثَرَ مِنْ ذِكْرِهَا فِي شِعْرِهِ وَتَشَبَّبَ الْقَصِيدَةَ يُحَسِّنُهَا وَيُرَتِّبُهَا بِذِكْرِ الْبِنَاءِ أَوْ مَنْ شَبَّبَ النَّارَ إذَا أَوْقَدَهَا، فَالْفَرَسُ تَشِبُّ شَيْئًا إذَا رَفَعَ يَدَيْهِ جَمِيعًا وَأُشَبِّبُهُ أَنَا إذَا نَصَحْته بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ خُرُوجٌ وَإِيقَاعٌ يُقَالُ: أَشِبُّ النَّارَ مِنْ دَرَجَةٍ إلَى أُخْرَى كَحَالِ الْفَرَسِ فِي تَرَاوِيهِ أَيْ وَشَبَّابَتِهِ فَصَارَ لِبَنَاتِ الِابْنِ أَحْوَالٌ سِتٌّ الثَّلَاثَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْبَنَاتِ وَالسُّدُسُ مَعَ الصُّلْبِيَّةِ وَالسُّقُوطُ بِالِابْنِ وبالصُّلْبِيَّتين إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُمْ غُلَامٌ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْأَخَوَاتُ لِأَبٍ وَأُمٍّ كَبَنَاتِ الصُّلْبِ عِنْدَ عَدَمِهِنَّ) أَيْ عِنْدَ عَدَمِ الْبَنَاتِ وَبَنَاتِ الِابْنِ حَتَّى يَكُونَ لِلْوَاحِدَةِ النِّصْفُ وَلِلثِّنْتَيْنِ الثُّلُثَانِ وَمَعَ الْإِخْوَةِ لِأَبٍ وَأُمٍّ {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] لِقَوْلِهِ تَعَالَى {قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 176] . وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْأُخْتَ لِأَبٍ وَأُمٍّ حَالَيْنِ سَهْمٌ وَتَعْصِيبٌ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ وَلَدٌ وَلَا وَلَدُ ابْنِ ابْنٍ، وَإِنْ سَفَلَ وَلَا جَدُّ أَبِ الْأَبِ، وَإِنْ عَلَا وَالْأَخَوَاتُ لِأَبٍ وَأُمٍّ سَهْمُ الْوَاحِدَةِ النِّصْفُ وَسَهْمُ الِاثْنَيْنِ فَصَاعِدًا الثُّلُثَانِ وَلَا يُزَادُ عَلَى الثُّلُثَيْنِ، وَإِنْ كَثُرْنَ فَإِنْ كَانَ لَهُ جَدُّ أَبِ الْأَبِ فَالْجَدُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَحْجُبُ الْأَخَوَاتِ كُلَّهَا كَالْأَبِ وَعِنْدَهُمَا لَا تُحْجَبُ، وَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ ابْنَ أَوْ ابْنَةَ ابْنٍ فَالْأُخْتُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ عَصَبَةٌ تَأْخُذُ النِّصْفَ بِنْتُ الِابْنِ فَرْضُهَا النِّصْفُ فَتَصِيرُ عَصَبَةً مَعَ الْبِنْتِ وَمَعَ بِنْتِ الِابْنِ وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ مَعَهَا فِي دَرَجَتِهَا أَخٌ ذَكَرٌ لِلْأَبِ وَأُمٌّ يَصِيرُ عَصَبَةً وَفِي الْكَافِي وَمَعَ الْأَخِ لِأَبٍ وَأُمٍّ {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] وَالْأُخْتُ لِأَبٍ كَأَوْلَادِ الِابْنِ مَعَ الصُّلْبِيَّةِ بِالْإِجْمَاعِ لِلْوَاحِدَةِ النِّصْفُ وَلِلْأَكْثَرِ الثُّلُثَانِ عِنْدَ عَدَمِ الْإِخْوَةِ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَلَهُنَّ السُّدُسُ مَعَ الْأُخْتِ لِأَبٍ وَأُمٍّ تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ وَلَهُنَّ الْبَاقِي مَعَ الْبَنَاتِ أَوْ مَعَ بَنَاتِ الِابْنِ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالتَّشَبُّبُ فِي مِيرَاثِ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ رَجُلٌ مَاتَ وَتَرَكَ ثَلَاثَةَ إخْوَةٍ مُتَفَرِّقِينَ بِأَنْ مَاتَ وَخَلَّفَ أَخَوَيْنِ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَأَرْبَعَةَ إخْوَةٍ لِأَبٍ وَأَرْبَعَةَ إخْوَةٍ لِأُمٍّ فَلِلْإِخْوَةِ لِأُمٍّ الثُّلُثُ وَالْبَاقِي لِلْإِخْوَةِ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَلَا شَيْءَ لِلْإِخْوَةِ لِلْأَبِ، وَلَوْ تَرَكَ أُخْتَيْنِ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَأَرْبَعَ أَخَوَاتٍ لِأَبٍ وَأَرْبَعَ إخْوَةٍ وَأَرْبَعَ أَخَوَاتٍ لِأُمٍّ عَلَى التَّخْرِيجِ الَّذِي بَيَّنَّا فَيَكُونُ الثُّلُثَانِ بَيْنَ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ لِأَبٍ وَأُمٍّ {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] وَإِذَا مَاتَ الرَّجُلُ وَتَرَكَ ابْنَةً أَوْ أُخْتًا لِأَبٍ وَأُمٍّ فَلِلِابْنَةِ النِّصْفُ وَالْبَاقِي لِلْأُخْتِ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ وَالْأُمِّ بِالْعُصُوبَةِ وَإِذَا مَاتَتْ الْمَرْأَةُ وَتَرَكَتْ زَوْجَهَا وَأُخْتًا لِأَبٍ وَأُمٍّ فَلِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَلِلْأُخْتِ النِّصْفُ بِالْفَرِيضَةِ. وَلَوْ كَانَتَا أُخْتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ وَيَعُولُ الْحِسَابُ وَلَا يَكُونُ لَهُمَا الْبَاقِي؛ لِأَنَّ الْأُخْتَ لَا تَصِيرُ عَصَبَةً إلَّا فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ أَحَدُهَا الْأَخَوَاتُ مَعَ الْبَنَاتِ عَصَبَاتٌ وَالثَّانِي إذَا خَالَطَ الْإِنَاثَ ذَكَرٌ صِرْنَ عَصَبَةً وَالثَّالِثُ الْأَخُ مَعَ الْأُمِّ وَالْأَبِ وَالْجَدِّ حَالَ عَدَمِ الْأَبِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِلْأَبِ كَبَنَاتِ الِابْنِ مَعَ الْصُلْبِيَّاتِ) حَتَّى يَكُونَ لِلْوَاحِدَةِ مِنْ الْأَخَوَاتِ لِأَبٍ النِّصْفُ عِنْدَ عَدَمِ الْأَخَوَاتِ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَلِلْبِنْتَيْنِ الثُّلُثَانِ فَصَاعِدًا وَمَعَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 565 الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] وَمَعَ الْأُخْتِ الْوَاحِدَةِ لِأَبٍ وَأُمٍّ السُّدُسُ تَكْمِلَةً لِلثُّلُثَيْنِ لَهَا وَيَسْقُطْنَ بِالْأُخْتَيْنِ لِأَبٍ وَأُمٍّ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُنَّ آخَرُ لِأَبٍ فَيَعْصِبُهُنَّ لِمَا تَلَوْنَا وَبَيَّنَّا وَيَأْتِي فِيهِنَّ خِلَافُ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي مُقَاسَمَةِ الْإِخْوَةِ بَعْدَ فَرْضِ الْأُخْتَيْنِ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَالْكَلَامُ فِي الْأَخَوَاتِ كَالْكَلَامِ فِي الْبَنَاتِ وَالنَّصُّ الْوَارِدُ فِيهِنَّ كَالنَّصِّ الْوَارِدِ فِي الْبَنَاتِ فَاسْتَغْنَيْنَا عَنْ الْبَحْثِ فِيهِنَّ بِالْبَحْثِ فِي الْبَنَاتِ؛ لِأَنَّ طَرِيقَ الْبَحْثِ فِيهِمَا وَاحِدَةٌ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَصَبُهُنَّ إخْوَتُهُنَّ) يَعْنِي يَعْصِبُ الْأَخَوَاتِ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ إخْوَتُهُنَّ يَعْنِي الْمُوَازِي لَهُنَّ وَالْإِخْوَةُ لَيْسَ بِقَيْدٍ وَكَذَا يَعْصِبُهُنَّ الْجَدُّ عِنْدَ عَدَمِ الْأَخِ الْمُوَازِي لَهُنَّ فَيُقَاسِمُهَا الْجَدُّ وَفِي كَشْفِ الْغَوَامِضِ وَلَا يَعْصِبُهُنَّ الشَّقِيقَةُ الْأَخُ لِأَبٍ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهَا أَقْوَى مِنْهُ فِي النَّسَبِ بَلْ تَأْخُذُ فَرْضَهَا وَلَا يَعْصِبُ الْأُخْتَ لِأَبٍ أَخٌ شَقِيقٌ بَلْ يَحْجُبُهَا؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى مِنْهَا إجْمَاعًا. اهـ. دَلِيلُهُ قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالا وَنِسَاءً} [النساء: 176] الْآيَةُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْبِنْتُ وَبِنْتُ الِابْنِ) يَعْنِي يَعْصِبُ الْأَخَوَاتِ الْبِنْتُ وَبِنْتُ الِابْنِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اجْعَلُوا الْأَخَوَاتِ مَعَ الْبَنَاتِ عَصَبَةً» «وَوَرَّثَ مُعَاذٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْبِنْتَ النِّصْفَ وَالْأُخْتَ النِّصْفَ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَيٌّ يَوْمَئِذٍ» وَرُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى فِي ابْنَةٍ وَابْنَةِ ابْنٍ وَأُخْتٍ لِلْبِنْتِ النِّصْفَ وَلِابْنَةِ الِابْنِ السُّدُسَ وَالْبَاقِي لِلْأُخْتِ» وَجَعَلَ الْمُصَنِّفُ الْبِنْتَ مِمَّنْ يُعْصَبُ الْأَخَوَاتِ وَهُوَ مَجَازٌ وَفِي الْحَقِيقَةِ لَا تَعْصِبُهُنَّ وَإِنَّمَا يَصِرْنَ عَصَبَةً مَعَهَا؛ لِأَنَّ الْبِنْتَ بِنَفْسِهَا لَيْسَتْ بِعَصَبَةٍ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَكَيْفَ تَعْصِبُ غَيْرَهَا بِخِلَافِ الْإِخْوَةِ عَلَى مَا يَجِيءُ عَنْ قَرِيبٍ وَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ أَسْقَطَ الْأَخَوَاتِ بِالْبِنْتِ وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْهُ فِي الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ الْبَاقِي كُلُّهُ لِلْإِخْوَةِ وَفِي رِوَايَةِ الْبَاقِي بَيْنَهُمْ {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] قِيلَ: هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ مَعَ الْبِنْتِ أُخْتٌ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَأَخٌ وَأُخْتٌ لِأَبٍ فِي رِوَايَةِ الْبَاقِي لِلْأَخِ وَحْدَهُ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ بَيْنَهُمْ {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] هُوَ احْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} [النساء: 176] فَإِرْثُهَا مَشْرُوطٌ بِعَدَمِ الْوَلَدِ وَاسْمُ الْوَلَدِ يَشْمَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى، أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَجَبَ الزَّوْجَ مِنْ النِّصْفِ إلَى الرُّبُعِ وَالزَّوْجَةَ مِنْ الرُّبُعِ إلَى الثُّمْنِ بِالْوَلَدِ وَالْأُمَّ مِنْ الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ وَاسْتَوَى فِيهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى وَلِلْجُمْهُورِ مَا رَوَيْنَا وَاشْتِرَاطُ عَدَمِ الْوَلَدِ فِيمَا تَلَا إنَّمَا كَانَ لِإِرْثِهَا النِّصْفَ أَوْ الثُّلُثَيْنِ بِطَرِيقِ الْفَرْضِ. وَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّهَا لَا تَرِثُ مَعَ الْبِنْتِ فَرْضًا وَإِنَّمَا تَرِثُ عَلَى أَنَّهَا عَصَبَةٌ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِالْوَلَدِ هُنَا الذَّكَرُ، وَقَدْ قَامَتْ الدَّلَالَةُ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُهُ وَهُوَ يَرِثُهَا إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ يَعْنِي أَخَاهَا يَرِثُهَا إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ ذَكَرٌ؛ لِأَنَّ الْأُمَّةَ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنَّ الْأَخَ يَرِثُ تَعْصِيبًا مَعَ الْأُنْثَى مِنْ الْأَوْلَادِ أَوْ نَقُولُ: اشْتِرَاطُ عَدَمِ الْوَلَدِ إنَّمَا كَانَ لِإِرْثِ الْأَخِ جَمِيعَ مَالِهَا وَذَلِكَ يَمْتَنِعُ بِالْوَلَدِ، وَإِنْ كَانَ أُنْثَى. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِلْوَاحِدِ مِنْ وَلَدِ الْأُمِّ السُّدُسُ وَلِلْأَكْثَرِ الثُّلُثُ ذُكُورُهُمْ وَإِنَاثُهُمْ سَوَاءٌ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ} [النساء: 12] قَوْلُهُ {وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء: 12] وَالْمُرَادُ بِهِ أَوْلَادُ الْأُمِّ؛ لِأَنَّ أَوْلَادَ الْأُمِّ وَالْأَبِ مَذْكُورُونَ فِي آيَةِ النِّصْفِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ وَلِهَذَا قَرَأَهَا بَعْضُهُمْ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ لِأُمٍّ وَإِطْلَاقُ الشَّرِكَةِ يَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ كَمَا إذَا قَالَ شَرِيكِي فُلَانٌ فِي هَذَا الْمَالِ أَوْ قَالَ لَهُ شَرِكَةٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَوَّى بَيْنَهُمَا حَالَةَ الِانْفِرَادِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى اسْتِوَائِهِمَا حَالَةَ الِاجْتِمَاعِ وَفِي الْمُضْمَرَاتِ، وَلَوْ تَرَكَ ابْنَيْ عَمٍّ أَحَدُهُمَا أَخٌ لِأُمٍّ فَلَهُ السُّدُسُ وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا، وَصُورَتُهُ أَنْ يَكُونُوا إخْوَةً لِأُمٍّ وَأَبٍ أَوْ لِأَبٍ فَقَطْ وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا امْرَأَةٌ وَابْنٌ مِنْهَا، ثُمَّ إنَّ الْأَكْبَرَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَوْ مَاتَ عَنْهَا فَتَزَوَّجَ بِهَا الْأَصْغَرُ فَوَلَدَتْ لَهُ ابْنَيْنِ، ثُمَّ مَاتَ الْأَصْغَرُ وَالْأَكْبَرُ، ثُمَّ مَاتَ ابْنُ الْأَكْبَرِ فَقَدْ مَاتَ عَنْ ابْنَيْ عَمٍّ أَحَدُهُمَا أَخٌ لِأُمٍّ فَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ مِنْ سِتَّةٍ وَتَصِحُّ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ وَلِلْأَخِ مِنْ الْأُمِّ سَبْعَةٌ سَهْمَانِ فَرْضٌ وَخَمْسَةٌ بِالتَّعْصِيبِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَحُجِبْنَ بِالِابْنِ وَابْنِهِ، وَإِنْ سَفَلَ وَبِالْأَبِ وَبِالْجَدِّ) أَيْ الْأَخَوَاتُ كُلُّهُنَّ يُحْجَبْنَ بِهَؤُلَاءِ الْمَذْكُورِينَ وَهُمْ الِابْنُ وَابْنُ الِابْنِ، وَإِنْ سَفَلَ وَالْأَبُ وَالْجَدُّ، وَإِنْ عَلَا وَكَذَا الْإِخْوَةُ يُحْجَبُونَ بِهِمْ؛ لِأَنَّ مِيرَاثَهُمْ مَشْرُوطٌ بِالْكَلَالَةِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْكَلَالَةِ هَلْ هِيَ صِفَةٌ لِلْمَيِّتِ أَوْ لِلْوَرَثَةِ أَوْ لِلتَّرِكَةِ وَقُرِئَ يُورِثُ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَفَتْحِهَا وَأَيَّامًا كَانَ يَشْتَرِطُ لِتَسْمِيَتِهِ بِهِ عَدَمَ الْوَالِدِ وَالْوَلَدُ لِلْمَيِّتِ فَيَسْقُطُونَ بِهِمْ، وَالْكَلَالَةُ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْإِحَاطَةِ وَمِنْهُ الْإِكْلِيلُ لِإِحَاطَتِهِ بِالرَّأْسِ وَكَذَا الْكَلَالَةُ مِنْ أَحَاطَ بِالشَّخْصِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 566 مِنْ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ فَقِيلَ أَصْلُهَا مِنْ الْبُعْدِ يُقَالُ كَلَّتْ الرَّحِمُ بَيْنَ فُلَانٍ وَفُلَانٍ إذَا تَبَاعَدَتْ وَيُقَالُ حَمَلَ فُلَانٌ عَلَى فُلَانٍ، ثُمَّ كَلَّ عَنْهُ أَيْ تَرَكَهُ وَبَعُدَ عَنْهُ وَغَيْرُهُ قَرَابَةُ الْوَلَاءِ بَعِيدَةٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْوِلَادِ قَالَ الْفَرَزْدَقُ فِي شِعْرٍ وَرِثْتُمْ قَنَاةَ الْمَجْدِ لَا عَنْ كَلَالَةٍ ... عَنْ أَبِي مَنَافٍ عَبْدِ شَمْسٍ وَهَاشِمِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْبِنْتُ تَحْجُبُ وَلَدَ الْأُمِّ فَقَطْ) يَعْنِي الْبِنْتَ تَحْجُبُ الْإِخْوَةَ وَالْأَخَوَاتِ مِنْ الْأُمِّ وَلَا تَحْجُبُ الْإِخْوَةَ وَالْأَخَوَاتِ مِنْ الْأَبَوَيْنِ أَوْ مِنْ الْأَبِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ إرْثِ وَلَدِ الْأُمِّ الْكَلَالَةُ وَلَا كَلَالَةَ مَعَ الْوَلَدِ وَالْبِنْتِ وَلَدٌ فَتَحْجُبُهُمْ وَكَذَا بِنْتُ الِابْنِ؛ لِأَنَّ وَلَدَ الِابْنِ يَقُومُ مَقَامَهُ فَإِنْ قِيلَ وَجَبَ أَنْ لَا تَرِثَ الْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ فَقَطْ مَعَ الْبِنْتِ وَبِنْتِ الِابْنِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ إرْثِهِمْ الْكَلَالَةُ قُلْنَا: الْكَلَالَةُ شَيْءٌ شُرِطَتْ فِي حَقِّ إرْثِهِنَّ النِّصْفُ أَوْ الثُّلُثَيْنِ وَلَا تَرِثُ الْكُلَّ بِالْعُصُوبَةِ، فَإِذَا انْتَفَتْ الْكَلَالَةُ انْتَفَى هَذَا الْإِرْثُ الْمَشْرُوطُ بِهَا فَيَسْتَحِقُّونَ الْإِرْثَ الْمَشْرُوطَ بِالْعُصُوبَةِ مَعَ الْبِنْتِ بِنَصٍّ آخَرَ كَمَا بَيَّنَّا، بِخِلَافِ أَوْلَادِ الْأُمِّ فَإِنَّ جَمِيعَ ارْثِهِمْ مَشْرُوطٌ بِالْكَلَالَةِ فَيَنْتَفِي بِعَدَمِهَا فَصَارَ لِلْإِخْوَةِ لِأَبٍ وَأُمٍّ خُمُسُ النِّصْفِ لِلْوَاحِدَةِ وَالثُّلُثَانِ لِلْأَكْثَرِ وَالتَّعْصِيبُ بِأَخِيهِنَّ وَالتَّعْصِيبُ مَعَ الْبَنَاتِ وَالسُّقُوطُ مَعَ الِابْنِ وَلِلْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ سَبْعَةُ أَحْوَالٍ الْخَمْسَةُ الْمَذْكُورَةُ وَالسُّدُسُ مَعَ الْأُخْتِ الْوَاحِدَةِ مِنْ الْأَبِ وَالْأُمِّ وَالسُّقُوطُ بِاثْنَتَيْنِ مِنْ الْأَخَوَاتِ مِنْ الْأَبَوَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ لِلْأَخَوَاتِ لِلْأُمِّ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ السُّدُسُ لِلْوَاحِدَةِ وَالثُّلُثُ لِلْأَكْثَرِ وَالسُّقُوطُ كَمَا ذَكَرْنَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَصَبَةٌ) وَهِيَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ ذُو فَرْضٍ فَيَكُونُ مَعْطُوفًا عَلَى الْخَبَرِ فَيَكُونُ خَبَرًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَيْ مَنْ يَأْخُذُ الْكُلَّ) أَيْ إذَا انْفَرَدَ وَمَا أَبْقَتْهُ أَصْحَابُ الْفُرُوضِ وَهَذَا رَسْمٌ وَلَيْسَ بِحَدٍّ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَعْرِفَ الْوَرَثَةُ كُلُّهُمْ وَلَا يَعْرِفُ الْعَصَبَةَ إلَّا بَعْدَ أَنْ يَعْرِفَهُمْ كُلَّهُمْ فَنَقُولُ الْعَصَبَةُ نَوْعَانِ عَصَبَةٌ بِالنَّسَبِ وَعَصَبَةٌ بِالسَّبَبِ فَالْعَصَبَةُ بِالنِّسْبَةِ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ عَصَبَةٌ بِنَفْسِهِ وَهُوَ كُلُّ ذَكَرٍ لَا يَدْخُلُ فِي نِسْبَتِهِ إلَى الْمَيِّتِ أُنْثَى وَعَصَبَةٌ بِغَيْرِهِ وَهِيَ كُلُّ أُنْثَى فَرَضَهَا النِّصْفُ أَوْ الثُّلُثَانِ يَصِرْنَ عَصَبَةً بِأَخَوَاتِهِنَّ كَمَا تَقَدَّمَ وَعَصَبَةٌ مَعَ غَيْرِهِ وَهِيَ كُلُّ أُنْثَى تَصِيرُ عَصَبَةً مَعَ أُنْثَى أُخْرَى كَالْبَنَاتِ مَعَ الْأَخَوَاتِ وَالسَّبَبُ نَوْعَانِ مَوْلَى الْعَتَاقَةِ وَمَوْلَى الْمُوَالَاةِ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ وَفِي الْمُضْمَرَاتِ وَالْعَصَبَةُ أَرْبَعَةُ أَصْنَافٍ: عَصَبَةٌ بِنَفْسِهِ وَهُوَ جُزْءُ الْمَيِّتِ وَأَصْلِهِ وَجُزْءُ أَبِيهِ وَجُزْءُ جَدِّهِ الْأَقْرَبِ، وَعَصَبَةٌ بِغَيْرِهِ وَهِيَ كُلُّ أُنْثَى تَصِيرُ عَصَبَةً بِذَكَرٍ يُوَازِيهَا كَالْبِنْتِ مَعَ الِابْنِ وَفِي الذَّخِيرَةِ وَبِنْتُ الِابْنِ مَعَ ابْنِ الِابْنِ وَكَالْأُخْتِ لِأَبٍ وَأُمٍّ مَعَ الْأَخِ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَعَصَبَةٍ مَعَ غَيْرِهِ وَهِيَ كُلُّ أُنْثَى تَصِيرُ عَصَبَةً مَعَ أُنْثَى أُخْرَى كَالْأَخَوَاتِ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ مَعَ الْبَنَاتِ وَبَنَاتِ الِابْنِ وَإِذَا صَارَ الشَّخْصُ عَصَبَةً بِغَيْرِهِ فَذَلِكَ الْغَيْرُ لَا يَكُونُ عَصَبَةً فَأَمَّا الْكَلَامُ فِي الْعَصَبَةِ بِنَفْسِهَا فَنَقُولُ: أَوْلَى الْعَصَبَاتِ بِالْمِيرَاثِ الِابْنُ، ثُمَّ ابْنُ الِابْنِ، وَإِنْ سَفَلَ، ثُمَّ الْأَبُ. وَفِي الْمُضْمَرَاتِ وَإِنَّمَا كَانَ الِابْنُ أَقْرَبَ مِنْ الْأَبِ، وَإِنْ اسْتَوَيَا فِي الْجُزْئِيَّةِ وَفِي انْعِدَامِ الْوَاسِطَةِ؛ لِأَنَّ الْجُزْئِيَّةَ لِلِابْنِ آخِرُهُمَا أَوْ كَانَ قَاضِيًا عَلَى الْأَوَّلِ، ثُمَّ الْجَدُّ أَبُ الْأَبِ، وَإِنْ عَلَا، ثُمَّ الْأَخُ لِأَبٍ وَأُمٍّ، ثُمَّ لِأَبٍ وَابْنُ الْأَخِ لِأَبٍ وَأُمٍّ، ثُمَّ ابْنُ الْأَخِ لِأَبٍ، ثُمَّ بَنُوهُمَا، وَإِنْ عَلَوْا عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ، ثُمَّ مَوْلَى الْعَتَاقَةِ وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، ثُمَّ عَمُّ الْجَدِّ لِأَبٍ وَأُمٍّ، ثُمَّ عَمُّ الْجَدِّ لِأَبٍ وَكَذَلِكَ أَوْلَادُهُمْ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ، ثُمَّ مَوْلَى الْعَتَاقَةِ، ثُمَّ آخِرُ الْعُصُوبَةِ مُقَدَّمٌ عَلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ وَفِي الْكَافِي الْأَحَقُّ فَرْعُ الْمَيِّتِ أَيْ الْبَنُونَ، ثُمَّ بَنُوهُمْ، وَإِنْ سَفَلُوا وَفِي الْمُضْمَرَاتِ، وَلَوْ أَرَدْت مَعْرِفَةَ الْقُرْبِ فَاعْتَبِرْ كُلَّ نَوْعٍ أَصْلًا وَاتِّصَالُ الْأَخِ بِأَخِيهِ بِوَاسِطَةٍ وَاحِدَةٍ وَاتِّصَالُ الْعُمُومِ بِوَاسِطَتَيْنِ عُرْفًا إنَّ الْأَخَ أَقْرَبُ مِنْ الْعَمِّ، وَأَمَّا الْكَلَامُ فِي الْعَصَبَةِ بِغَيْرِهَا فَصُورَتُهَا مَا ذَكَرْنَا وَهُوَ كُلُّ أُنْثَى تَصِيرُ عَصَبَةً بِذَكَرٍ كَبِنْتِ الِابْنِ مَعَ ابْنِ الِابْنِ وَكَالْأُخْتِ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ مَعَ أَخِيهَا وَهَذَا الْحُكْمُ فِي الْإِخْوَةِ مَعَ الْأَخَوَاتِ مَقْصُورٌ عَلَى أَخَوَاتٍ مِنْ جُمْلَةِ أَصْحَابِ الْفُرُوضِ وَتَصِيرُ عَصَبَةً بِذَكَرٍ يُوَازِيهَا وَفِي الْكَافِي، وَأَمَّا الْعَصَبَةُ بِغَيْرِهِ فَأَرْبَعٌ مِنْ النِّسْوَةِ وَهُنَّ اللَّاتِي فَرْضُهُنَّ النِّصْفُ وَالثُّلُثَانِ يَصِرْنَ عَصَبَةً بِإِخْوَتِهِنَّ وَمَنْ لَا فَرْضَ لَهَا مِنْ الْإِنَاثِ وَأَخُوهَا عَصَبَةٌ لَا تَصِيرُ عَصَبَةً بِأَخِيهَا كَالْعَمِّ وَالْعَمَّةِ فَالْمَالُ كُلُّهُ لِلْعَمِّ دُونَ الْعَمَّةِ وَابْنُ الْعَمِّ الْمَالُ لِابْنِ الْعَمِّ دُونَ الِابْنَةِ وَكَبِنْتِ الْأُخْتِ وَابْنِ الْأَخِ الْمَالُ كُلُّهُ لِابْنِ الْأَخ. بَيَانُهُ إذَا هَلَكَ الرَّجُلُ وَتَرَكَ ابْنَ أَخٍ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَبِنْتَ الْأَخِ لِأَبٍ وَأُمٍّ فَالْمَالُ كُلُّهُ لِابْنِ الْأَخِ وَلَا شَيْءَ لِبِنْتِ الْأَخِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ ذَوِي الْأَرْحَامِ وَلَيْسَتْ مِنْ جُمْلَةِ أَصْحَابِ الْفَرَائِضِ فَلَمْ تَصِرْ عَصَبَةً، وَأَمَّا بِنْتُ الِابْنِ فَإِنَّهَا تَصِيرُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 567 عَصَبَةً بِذَكَرٍ يُوَازِيهَا وَفِي الذَّخِيرَةِ عَلَى كُلِّ حَالٍ يُوَازِيهَا وَتَصِيرُ عَصَبَةً بِذَكَرٍ أَسْفَلَ مِنْهَا إذْ لَمْ يَصِلْ إلَيْهَا فَرْضُهَا، وَأَمَّا الْكَلَامُ فِي الْعَصَبَةِ مَعَ غَيْرِهِ فَصُورَتُهَا كَمَا ذَكَرْنَا. وَبَيَانُ ذَلِكَ مِنْ الْمَسَائِلِ إذَا هَلَكَ الرَّجُلُ وَتَرَكَ بِنْتًا وَأُخْتًا لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ وَأَخًا كَذَلِكَ فَلِلْبِنْتِ النِّصْفُ وَالْبَاقِي بَيْنَ الْأَخِ وَالْأُخْتِ أَثْلَاثًا وَقَدَّمْنَاهُ إذَا اجْتَمَعَتْ الْعَصَبَاتُ وَبَعْضُهَا عَصَبَةٌ بِنَفْسِهَا وَبَعْضُهَا عَصَبَةٌ بِغَيْرِهَا وَبَعْضُهَا عَصَبَةٌ مَعَ غَيْرِهَا فَالتَّرْجِيحُ مِنْهَا بِالْقُرْبِ إلَى الْمَيِّتِ بَيَانُهُ إذَا مَاتَ وَتَرَكَ بِنْتًا وَأُخْتًا لِأَبٍ وَأُمٍّ وَابْنُ الْأَخِ لِأَبٍ فَنِصْفُ الْمَالِ لِلْبِنْتِ وَالنِّصْفُ لِلْأُخْتِ وَلَا شَيْءَ لِابْنِ الْأَخِ؛ لِأَنَّ الْأُخْتَ عَصَبَةٌ مَعَ الْبِنْتِ وَهِيَ إلَى الْمَيِّتِ أَقْرَبُ مِنْ ابْنِ الْأَخِ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ مَكَانَ ابْنِ الْأَخِ عَمٌّ طَرِيقُهُ مَا قُلْنَا فِي النَّاسِخِ وَإِذَا اسْتَوَى ابْنَانِ فِي دَرَجَةٍ مِنْ الْعَصَبَاتِ وَفِي أَحَدِهِمَا قَرَابَةٌ زَائِدَةٌ فَهِيَ أَوْلَى إلَّا أَنْ يَكُونَ الْأَخُ أَقْرَبَ إلَى الْمَيِّتِ مِثَالُ الْقَرَابَةِ الزَّائِدَةِ أَخٌ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَأَخٌ لِأَبٍ فَالْأَخُ مِنْ الْأَبِ وَأُمٍّ أَوْلَى، وَمِثَالُ السَّبْقِ أَخٌ لِأَبٍ وَابْنُ أَخٍ لِأَبٍ وَأُمٍّ فَالْأَخُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَسْبَقُ إلَى الْمَيِّتِ وَإِذَا اجْتَمَعَ عَدَدٌ مِنْ الْعَصَبَاتِ فَالْمَالُ بَيْنَهُمْ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِهِمْ لِأَعْلَى الْجِهَاتِ، مِثَالُهُ عَشْرٌ ابْنَ أَخٍ وَابْنٌ آخَرُ فَالْمَالُ بَيْنَهُمْ عَلَى أَحَدَ عَشَرَ سَهْمًا لَا عَلَى سَهْمَيْنِ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ كُلُّهُ فِي الْعَصَبَةِ مِنْ جِهَةِ النَّسَبِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْأَحَقُّ الِابْنُ، ثُمَّ ابْنُهُ، وَإِنْ سَفَلَ) وَغَيْرُهُمْ مَحْجُوبُونَ بِهِمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] إلَى أَنْ قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} [النساء: 11] فَجَعَلَ الْأَبَ صَاحِبَ فَرْضٍ مَعَ الْوَلَدِ وَلَمْ يَجْعَلْ لِلْوَلَدِ الذَّكَرِ سَهْمًا مُقَرَّرًا فَتَعَيَّنَ الْبَاقِي لَهُ فَدَلَّ أَنَّ الْوَلَدَ الذَّكَرَ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ بِالْعُصُوبَةِ وَابْنُ الِابْنِ ابْنٌ، وَإِنْ سَفَلَ كَالِابْنِ عَلَى مَا بَيَّنَّا لِأَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَهُ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ أَيْضًا، وَمِنْ حَيْثُ الْمَعْقُولُ أَنَّ الْإِنْسَانَ يُؤْثِرُ وَلَدَهُ عَلَى وَالِدِهِ وَيَخْتَارُ صَرْفَ مَالِهِ لَهُ وَلِأَجْلِهِ يَدَّخِرُ مَالَهُ عَادَةً إلَّا أَنَّا صَرَفْنَا مِقْدَارَ الْفَرْضِ إلَى أَصْحَابِ الْفُرُوضِ بِالنَّصِّ فَيَبْقَى الْبَاقِي عَلَى قَضِيَّةِ الدَّلِيلِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَدِّمَ الْبِنْتَ أَيْضًا عَلَيْهِ وَعَلَى كُلِّ عَصَبَةٍ إلَّا أَنَّ الشَّارِعَ أَبْطَلَ اخْتِيَارَهُ بِتَعْيِينِ الْفَرْضِ لَهَا وَجَعْلِ الْبَاقِي لِأَوْلَى رَجُلٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ الْأَبُ، ثُمَّ أَبُ الْأَبِ، وَإِنْ عَلَا) أَيْ، ثُمَّ أَوْلَاهُمْ بِالْعُصُوبَةِ أُصُولُ الْمَيِّتِ، وَإِنْ عَلَوْا وَأَوْلَاهُمْ بِهِ الْأَبُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَطَ الْإِرْثَ لِلْإِخْوَةِ بِالْكَلَالَةِ وَهُوَ الَّذِي لَا وَلَدَ لَهُ وَلَا وَالِدَ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّهُمْ لَا يَرِثُونَ مَعَ الْأَبِ ضَرُورَةً وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مَعَ الْإِخْوَةِ وَهُمْ أَقْرَبُ النَّاسِ إلَيْهِ بَعْدَ فُرُوعِهِ وَأُصُولِهِ فَمَا ظَنُّك بِمَنْ هُوَ أَبْعَدُ مِنْهُ كَأَعْمَامِهِمْ وَأَعْمَامِ أَبِيهِ وَالْجَدَّاتِ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي الْوِلَايَةِ عِنْدَ عَدَمِ الْأَبِ وَيُقَدَّمُ عَلَى الْإِخْوَةِ فِيهِ فَكَذَا فِي الْمِيرَاثِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَأَبِي الطُّفَيْلِ وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَجَمَاعَةٍ آخَرِينَ مِنْهُمْ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَبِهِ أَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ الْأَخُ لِأَبٍ وَأُمٍّ، ثُمَّ الْأَخُ لِأَبٍ، ثُمَّ ابْنُ الْأَخِ لِأَبٍ وَأُمٍّ، ثُمَّ ابْنُ الْأَخِ لِأَبٍ) وَإِنَّمَا قُدِّمُوا عَلَى الْأَعْمَامِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ الْإِرْثَ فِي الْكَلَالَةِ لِلْإِخْوَةِ عِنْدَ عَدَمِ الْوَلَدِ وَالْوَالِدِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ} [النساء: 176] فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّهُمْ يُقَدَّمُونَ عَلَى الْأَعْمَامِ؛ لِأَنَّهُمْ جُزْءُ الْجَدِّ وَإِنَّمَا قُدِّمَ الْأَخُ لِأَبٍ وَأُمٍّ؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى نَسَبًا مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَكَانَ ذَا قَرَابَتَيْنِ بَنِي الْعِلَّاتِ وَكَذَا الْأُخْتُ لِأُمٍّ وَأَبٍ تَقَدَّمَ إذَا صَارَتْ عَصَبَةً عَلَى الْأُخْتِ لِأَبٍ لِمَا ذَكَرْنَا وَلِهَذَا يُقَدَّمُ فِي فَرْضٍ فَكَذَا فِي الْعُصُوبَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ الْأَعْمَامُ، ثُمَّ أَعْمَامُ الْأَبِ، ثُمَّ أَعْمَامُ الْجَدِّ عَلَى التَّرْتِيبِ) أَيْ أَوْلَاهُمْ بِالْمِيرَاثِ بَعْدَ الْإِخْوَةِ أَعْمَامُ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ جُزْءُ الْجَدِّ فَكَانُوا أَقْرَبَ، وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا فَمَا أَبْقَتْ فَلِأَوْلَى رَجُلٍ» ، ثُمَّ أَعْمَامُ الْأَبِ لِأَنَّهُمْ أَقْرَبُ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ جُزْءُ الْجَدِّ، ثُمَّ أَعْمَامُ الْجَدِّ؛ لِأَنَّهُمْ أَقْرَبُ بَعْدَهُمْ. وَقَوْلُهُ عَلَى التَّرْتِيبِ أَيْ عَلَى التَّرْتِيبِ الَّذِي ذَكَرْنَا فِي الْإِخْوَةِ وَهُوَ أَنْ يُقَدَّمَ الْعَمُّ لِأَبٍ وَأُمٍّ عَلَى الْعَمِّ، ثُمَّ الْعَمُّ لِأَبٍ عَلَى وَلَدِ الْعَمِّ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَكَذَا يُعْمَلُ فِي أَعْمَامِ الْأَبِ يُقَدَّمُ مِنْهُمْ ذُو قَرَابَتَيْنِ عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ فِي الدَّرَجَةِ وَعِنْدَ التَّفَاوُتِ فِي الدَّرَجَةِ يُقَدَّمُ الْأَعْلَى. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ الْمُعْتَقُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ» وَهُوَ آخِرُ الْعَصَبَاتِ «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِمَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا إنْ مَاتَ وَلَمْ يَدَعْ وَارِثًا كُنْت عَصَبَةً لَهُ» قَالَ فِي التَّعْصِيبِ مِنْ جِهَةِ النَّسَبِ فَهُوَ نَوْعَانِ مَوْلَى الْعَتَاقَةِ وَمَوْلَى الْمُوَالَاةِ، أَمَّا الْكَلَامُ فِي مَوْلَى الْعَتَاقَةِ فَنَقُولُ: تَكَلَّمَ الْمَشَايِخُ فِي سَبَبِ اسْتِحْقَاقِهِ الْإِرْثَ قَالَ بَعْضُهُمْ شَبِيهُ الْإِعْتَاقِ وَالنَّصُّ يَشْهَدُ لَهُ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْوَلَاءُ لِمَنْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 568 أَعْتَقَ» وَقَالَ بَعْضُهُمْ شَبِيهُ الْمِلْكِ عَلَى الْمُعْتَقِ وَهُوَ الصَّحِيحُ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ وَرَّثَ قَرِيبَهُ حَتَّى عَتَقَ عَلَيْهِ كَانَ وَلَاؤُهُ لَهُ وَلَا إعْتَاقَ هَا هُنَا وَفِي الْمُضْمَرَاتِ لَا يُبَاعُ الْوَلَاءُ وَلَا يُوهَبُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ وَفِي الزِّيَادَاتِ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ أَجَازَ هِبَتَهُ وَالصَّحِيحُ مَا قُلْنَا يَكُونُ لِأَقْرَبِ النَّاسِ عَصَبَةً مِنْ الْمُعْتِقِ حَتَّى لَوْ مَاتَ مَوْلَى الْعَتَاقَةِ وَتَرَكَ ابْنَهُ وَبِنْتَهُ، ثُمَّ الْمُعْتَقُ فَمِيرَاثُهُ لِابْنِ الْمُعْتَقِ وَلَا شَيْءَ لِبِنْتِ الْمُعْتَقِ، وَكَذَلِكَ إذَا مَاتَ مَوْلَى الْعَتَاقَةِ وَتَرَكَ أَبًا وَابْنًا، ثُمَّ مَاتَ الْمُعْتَقُ كَانَ مِيرَاثُهُ لِابْنِ الْمُعْتَقِ وَلَا شَيْءَ لِأَبِيهِ؛ لِأَنَّ الِابْنَ أَقْرَبُ الْعَصَبَاتِ إلَيْهِ، فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْوَلَاءَ نَفْسَهُ لَا يُوَرَّثُ بَلْ هُوَ لِلْمُعْتَقِ عَلَى حَالِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُعْتَقَ يُنْسَبُ بِالْوَلَاءِ إلَى الْمُعْتِقِ دُونَ أَوْلَادِهِ فَيَكُونُ اسْتِحْقَاقُ الْإِرْثِ بِالْوَلَاءِ لِمَنْ هُوَ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ حَقِيقَةً، ثُمَّ يَخْلُفُهُ فِيهِ أَقْرَبُ عَصَبَةٍ كَمَا يَخْلُفُ فِي مَالِهِ فَيَنْظُرُ إلَى مَوْتِ الْمُعْتَقِ إذْ مَوْلَى الْعَتَاقِ لَوْ كَانَ حَيًّا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَمَاتَ مَنْ يَرِثُهُ مِنْ عَصَبَاتِهِ وَهُوَ أَقْرَبُ النَّاسِ إلَيْهِ فَيَرِثُ ذَلِكَ الشَّخْصُ مِنْ الْمُعْتَقِ. وَفِي الذَّخِيرَةِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا أَنَّ الْوَلَاءَ لَا يُورَثُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ أَصْحَابِنَا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُورَثُ وَيُقْسَمُ بَيْنَ الِابْنِ وَالْبِنْتِ {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فِي رِوَايَةٍ وَبِهِ أَخَذَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ وَشُرَيْحٌ الْقَاضِي وَإِذَا مَاتَ الْمُعْتَقُ وَلَمْ يَتْرُكْ إلَّا بِنْتَ الْمُعْتَقِ فَلَا شَيْءَ لَهَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْ أَصْحَابِنَا وَيَكُونُ الْمِيرَاثُ لِبَيْتِ الْمَالِ، وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِ مَشَايِخِنَا أَنَّهُمْ كَانُوا يُفْتُونَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَدْفَعَ الْمَالَ إلَيْهَا لَا بِطَرِيقِ الْإِرْثِ وَلَكِنْ؛ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ إلَى الْمَيِّتِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ كَيْفَ وَأَنَّهُ لَيْسَ فِي زَمَانِنَا بَيْتُ الْمَالِ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ، وَإِذَا دَفَعَ ذَلِكَ إلَى سُلْطَانِ الْوَقْتِ أَوْ الْقَاضِي لَا يَصْرِفُونَ إلَى مَصْرِفِهِ هَكَذَا كَانَ يُفْتِي الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ وَصَدْرُ الشَّرِيعَةِ، وَذَكَرَ الْإِمَامُ عَبْدُ الْوَاحِدِ الشَّهِيدُ فِي فَرَائِضِهِ أَنَّ الْفَاضِلَ عَنْ سِهَامِ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ لَا يُوضَعُ فِي بَيْتِ الْمَالِ بَلْ يُدْفَعُ إلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا أَقْرَبُ إلَى الْمَيِّتِ مِنْ جِهَةِ النَّسَبِ وَكَانَ الدَّفْعُ إلَيْهِمَا أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِمَا وَكَذَلِكَ الِابْنُ وَالِابْنَةُ مِنْ الرَّضَاعِ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ غَيْرُهُمَا يُدْفَعُ الْمَالُ إلَيْهِمَا وَعَصَبَةُ الْمُعْتَقِ تَرِثُ أَمَّا عَصَبَةُ الْوَرَثَةِ لَا يَرِثُ مِثَالُهُ امْرَأَةٌ أَعْتَقَتْ عَبْدًا وَمَاتَتْ وَتَرَكَتْ ابْنًا وَزَوْجًا، ثُمَّ مَاتَ الْمُعْتَقُ فَالْمِيرَاثُ لِابْنِ الْمُعْتَقِ؛ لِأَنَّهُ عَصَبَتُهَا، وَلَوْ كَانَ الِابْنُ مَاتَ وَتَرَكَ أَبَاهُ وَهُوَ زَوْجُ الْمُعْتَقَةِ لَا يَرِثُ؛ لِأَنَّ أَبَ الِابْنِ لَيْسَ عَصَبَةَ الْمُعْتَقِ وَإِذَا أَعْتَقَ الرَّجُلُ عَبْدًا، ثُمَّ أَعْتَقَ الْمُعْتَقُ الثَّانِي عَبْدًا، ثُمَّ مَاتَ الْمُعْتَقُ الثَّالِثُ وَتَرَكَ عَصَبَةَ الْمُعْتَقِ الْأَوَّلِ لَا غَيْرُ يَرِثُ مِنْهُ. وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً اشْتَرَتْ أَبَاهَا حَتَّى أُعْتِقَ عَلَيْهَا، ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ وَتَرَكَ هَذِهِ الْمُشْتَرِيَةَ وَبِنْتًا أُخْرَى فَمِيرَاثُ الْمُعْتَقِ أَثْلَاثًا وَكَانَ الثُّلُثَانِ بَيْنَهُمَا عَلَى السَّوِيَّةِ بِحُكْمِ الْفَرْضِ وَالثُّلُثُ الْآخَرُ لِلْمُشْتَرِي بِحُكْمِ الْوَلَاءِ وَكَثِيرٌ مِنْ هَذَا الْفَصْلِ قُدِّمَ فِي كِتَابِ الْوَلَاءِ، وَأَمَّا الْكَلَامُ فِي وَلَاءِ الْمُوَالَاةِ فَنَقُولُ: تَفْسِيرُ وَلَاءِ الْمُوَالَاةِ أَنْ يُسْلِمَ الرَّجُلُ عَلَى يَدِ رَجُلٍ فَيَقُولُ لِلَّذِي أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ أَوْ لِغَيْرِهِ وَالَيْتُك عَلَى أَنِّي إنْ مِتّ فَمِيرَاثِي لَك. وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: إنْ مِتّ وَلَمْ يَكُنْ لِي وَارِثٌ لَا مِنْ جِهَةِ الْفَرِيضَةِ وَلَا مِنْ جِهَةِ الْعَصَبَةِ وَلَا مِنْ جِهَةِ ذَوِي الْأَرْحَامِ فَمِيرَاثِي لَك، وَإِنْ جَنَيْت فَعَقْلِي عَلَيْك وَعَلَى عَاقِلَتِك، وَقَبِلَ الْآخَرُ فَهَذَا هُوَ تَفْسِيرُ وَلَاءِ الْمُوَالَاةِ فَإِذَا جَنَى الْأَسْفَلُ جِنَايَةً فَعَقْلُهُ عَلَى عَاقِلَةِ الْمَوْلَى الْأَعْلَى وَإِذَا مَاتَ الْأَسْفَلُ يَرِثُ مِنْهُ الْمَوْلَى الْأَعْلَى، وَإِنْ مَاتَ لَا يَرِثُ مِنْهُ الْمَوْلَى الْأَسْفَلُ وَلَا تَثْبُتُ هَذِهِ الْأَحْكَامُ بِمُجَرَّدِ الْإِسْلَامِ بِدُونِ عَقْدِ الْمُوَالَاةِ وَإِذَا مَاتَ الْأَسْفَلُ فَمِيرَاثُ الْأَسْفَلِ لِأَقْرَبِ النَّاسِ عَصَبَةً إلَى الْأَعْلَى كَمَا فِي وَلَاءِ الْعَتَاقَةِ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَنْقُضَ عَقْدَ الْمُوَالَاةِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ الْوَلَاءَ إلَى غَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ: جَعَلْت وَلَائِي لِفُلَانٍ، لَا يَصِيرُ لَهُ وَالْأَسْفَلُ لَهُ أَنْ يَتَحَوَّلَ بِالْوَلَاءِ إلَى غَيْرِهِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُوَالِيَ مَعَ آخَرَ وَيَنْقُضُ الْعَقْدَ مَعَ الْأَوَّلِ، وَإِنْ وَالَى مَعَ غَيْرِهِ يَنْتَقِضُ الْأَوَّلُ. وَإِنْ كَانَ الْمُوَالَاةُ مَعَ غَيْرِهِ بِغَيْبَةِ الْأَعْلَى وَفِي الذَّخِيرَةِ وَوَلَاءُ الْمُوَالَاةِ يُخَالِفُ وَلَاءَ الْعَتَاقَةِ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ فِي الْعَتَاقَةِ يَرِثُ الْأَعْلَى مِنْ الْأَسْفَلِ وَلَا يَرِثُ الْأَسْفَلُ مِنْ الْأَعْلَى، وَإِنْ شَرَطُوا ذَلِكَ فِي وَلَاءِ الْمُوَالَاةِ يُعْتَبَرُ شَرْطُهُمَا حَتَّى لَوْ شَرَطَا يَرِثُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمَا شَرَطَا. وَالثَّانِي: أَنَّ وَلَاءَ الْمُوَالَاةِ يَحْتَمِلُ النَّقْضَ وَوَلَاءَ الْعَتَاقَةِ لَا يَحْتَمِلُ. وَالثَّالِثُ: أَنَّ وَلَاءَ الْعَتَاقَةِ مُقَدَّمٌ عَلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ وَمَوْلَى الْمُوَالَاةِ مُؤَخَّرٌ عَنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ، الْمَوْلَى الْأَسْفَلُ إذَا أَقَرَّ بِأَخٍ أَوْ ابْنِ عَمٍّ، ثُمَّ مَاتَ فَمِيرَاثُهُ لِمَوْلَى الْمُوَالَاةِ فَقَدْ صَحَّ مِنْهُ عَقْدُ الْمُوَالَاةِ وَلَمْ يَصِحَّ مِنْهُ الْإِقْرَارُ بِالْأَخِ وَابْنِ الْعَمِّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ عَصَبَتُهُ عَلَى التَّرْتِيبِ) أَيْ عَصَبَةُ الْمَوْلَى وَمَعْنَاهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُعْتَقِ مِنْ النَّسَبِ عَلَى التَّرْتِيبِ الَّذِي ذَكَرْنَا فَعَصَبَتُهُ مَوْلَاهُ الَّذِي أَعْتَقَهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَوْلَاهُ فَعَصَبَتُهُ عَصَبَةُ الْمُعْتَقِ وَهُوَ الْمَوْلَى عَلَى التَّرْتِيبِ الَّذِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 569 ذَكَرْنَاهُ بِأَنْ يَكُونَ جُزْءُ الْمَوْلَى أَوْلَى، وَإِنْ سَفَلَ، ثُمَّ أُصُولُهُ، ثُمَّ جُزْءُ أَبِيهِ، ثُمَّ جُزْءُ جَدِّهِ يُقَدَّمُونَ لِقُوَّةِ الْقَرَابَةِ عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ أَوْ بِعُلُوِّ الدَّرَجَةِ عِنْدَ التَّفَاوُتِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَاَللَّاتِي فَرْضُهُنَّ النِّصْفُ وَالثُّلُثَانِ يَصِرْنَ عَصَبَةً بِإِخْوَتِهِنَّ لَا غَيْرُ) وَهُنَّ أَرْبَعٌ مِنْ النِّسَاءِ الْبَنَاتُ وَبَنَاتُ الِابْنِ وَالْأَخَوَاتُ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَالْأَخَوَاتُ لِأَبٍ، وَغَيْرُهُنَّ لَا يَصِرْنَ عَصَبَةً بِأَخَوَاتِهِنَّ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي بَيَانِ مِيرَاثِهِنَّ وَقَوْلُهُ بِإِخْوَتِهِنَّ هَذَا فِي الْبَنَاتِ وَالْأَخَوَاتِ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ عَصَبَتَهُنَّ تَقْتَصِرُ عَلَيْهِمْ، وَأَمَّا بَنَاتُ الِابْنِ فَإِنَّهُنَّ يَصِرْنَ عَصَبَةً بِأَبْنَاءِ أَعْمَامِهِنَّ أَيْضًا، وَإِنْ سَفَلَ كَمَا ذَكَرْنَا فِي مَسَائِلِ النَّسَبِ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ فِي حَقِّهِنَّ بِإِخْوَتِهِنَّ أَوْ مَنْ لَهُ حُكْمُ إخْوَتِهِنَّ. وَالْمُصَنِّفُ ذَكَرَ حُكْمَ الْعَصَبَاتِ هُنَا وَاسْتَوْفَاهُ إلَّا الْعَصَبَةَ مَعَ غَيْرِهِ وَهُنَّ الْأَخَوَاتُ مَعَ الْبَنَاتِ وَإِنَّمَا تَرَكَ ذِكْرَهُنَّ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَهُنَّ فِيمَا تَقَدَّمَ، وَقَدْ شَرَحْنَاهُ هُنَاكَ فَلَا نُعِيدُهُ وَإِنَّمَا جَعَلَهُنَّ مَعَ الْبَنَاتِ عَصَبَةً بِغَيْرِهِنَّ وَمَعَ إخْوَتِهِنَّ عَصَبَةً؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْغَيْرَ وَهُوَ الْبَنَاتُ شَرْطٌ لِيَصِيرَ وَرَثَتُهُنَّ عَصَبَةً وَلَمْ يَجْعَلْهُنَّ عَصَبَةً بِهِنَّ؛ لِأَنَّ نَفْسَهُنَّ لَيْسَ بِعَصَبَةٍ فَكَيْفَ يَجْعَلْنَ غَيْرَهُنَّ عَصَبَةً بِهِنَّ، بِخِلَافِ مَا إذَا كُنَّ مَعَ أَخَوَاتِهِنَّ؛ لِأَنَّ الْإِخْوَةَ بِأَنْفُسِهِنَّ عَصَبَةٌ فَيَصِرْنَ بِهِ عَصَبَةً تَبَعًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ يُدْلِي بِغَيْرِهِ حُجِبَ بِهِ) أَيْ بِذَلِكَ الْغَيْرِ سِوَى وَلَدِ الْأُمِّ فَإِنَّهُ يُدْلِي بِالْأُمِّ وَلَا تَحْجُبُهُ بَلْ هِيَ تَحْجُبُ بِالِاثْنَيْنِ مِنْهُمْ مِنْ الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَإِنَّمَا لَا تَحْجُبُهُ الْأُمُّ؛ لِأَنَّهَا لَا تَسْتَحِقُّ جَمِيعَ التَّرِكَةِ وَلَا يَرِثُ هُوَ إرْثَهَا؛ لِأَنَّهَا تَرِثُ بِالْوِلَادَةِ وَهُوَ بِالْأُخُوَّةِ فَلَا يُتَصَوَّرُ الْحَجْبُ فِيهِ بِخِلَافِ الْجَدِّ حَيْثُ يُحْجَبُ بِالْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ كُلِّهِمْ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ جَمِيعَ التَّرِكَةِ وَبِخِلَافِ الْجَدَّةِ حَيْثُ تُحْجَبُ بِالْأُمِّ؛ لِأَنَّهَا تَرِثُ مِيرَاثَ الْأُمِّ وَالْأُمُّ بِهِ أَوْلَى مِنْهَا؛ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ وَبِخِلَافِ الْأَبِ حَيْثُ يَحْجُبُ الْجَدَّ وَالْجَدَّةَ وَالْإِخْوَةَ وَالْأَخَوَاتِ كُلَّهُنَّ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ جَمِيعَ التَّرِكَةِ وَكَذَلِكَ الِابْنُ يَحْجُبُ ابْنَهُ لِمَا ذَكَرْنَا وَيَكُونُ الْحَاجِبُ أَقْرَبَ كَالْأَعْمَامِ يَحْجُبُونَ بِالْإِخْوَةِ وَبِأَوْلَادِهِمْ، وَكَأَوْلَادِ الْأَعْمَامِ وَالْإِخْوَةِ يُحْجَبُونَ بِأَعْلَى دَرَجَةٍ مِنْهُمْ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمَحْجُوبُ يُحْجَبُ كَالْأَخَوَيْنِ أَوْ الْأُخْتَيْنِ يَحْجُبَانِ الْأُمَّ مِنْ الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ مَعَ الْأَبِ) وَهُمَا لَا يَرِثَانِ مَعَهُ؛ لِأَنَّ إرْثَ الْإِخْوَةِ مَشْرُوطٌ بِالْكَلَالَةِ وَإِرْثَ الْأُمِّ الثُّلُثَ مَشْرُوطٌ بَعْدَ الِاثْنَيْنِ مِنْ الْإِخْوَةِ، وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي أَبٍ وَأُمٍّ وَثَلَاثِ أَخَوَاتٍ لِلْأُمِّ السُّدُسُ وَلِلْأَخَوَاتِ السُّدُسُ وَمَا بَقِيَ لِلْأَبِ فَجُعِلَ لِلْإِخْوَةِ مَا نَقَصَ مِنْ نَصِيبِ الْأُمِّ، وَبَيَانُ آيَةِ الْكَلَالَةِ تَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ وَآيَةُ حَجْبِ الْأُمِّ بِهِمْ أَيْضًا لَا تُوجِبُ لَهُمْ مَا نَقَصَ مِنْ نَصِيبِهِمَا فَيَحْجُبُونَهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَحْصُلَ لَهُمْ شَيْءٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا الْمَحْرُومَ بِالرِّقِّ وَالْقَتْلِ مُبَاشَرَةً، وَاخْتِلَافِ الدِّينِ أَوْ الدَّارِ) أَيْ لَا يَحْجُبُ الْمَحْرُومُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ أَحَدًا وَعِنْدَ ابْنِ مَسْعُودٍ يَحْجُبُ حَجْبَ النُّقْصَانِ كَنَقْصِ نَصِيبِ الزَّوْجَيْنِ وَالْأُمِّ بِالْوَلَدِ الْمَحْرُومِ بِمَا ذَكَرْنَا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ الْوَلَدَ مُطْلَقًا وَنَقَصَ بِهِ نَصِيبَهُمْ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ وَارِثًا أَوْ مَحْرُومًا وَكَذَا نَقَصَ نَصِيبَ الْأُمِّ بِالْإِخْوَةِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ فَيُتْرَكُ عَلَى إطْلَاقِهِ وَلَا يُحْجَبُ حَجْبَ الْحِرْمَانِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ حُجِبَ هَذَا الْحَجْبَ وَهُوَ لَا يَرِثُ لَأَدَّى إلَى دَفْعِهِ إلَى بَيْتِ الْمَالِ مَعَ وُجُودِ الْوَارِثِ أَوْ إلَى تَضْيِيقِهِ؛ لِأَنَّ بَيْتَ الْمَالِ أَيْضًا لَا يَرِثُ مَعَ الِابْنِ أَوْ الْإِخْوَةِ، وَجْهُ قَوْلِ الْجُمْهُورِ أَنَّ الْمَحْرُومَ فِي حَقِّ الْإِرْثِ كَالْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهُ حُرِمَ لِمَعْنًى فِي نَفْسِهِ كَالْمَيِّتِ، ثُمَّ إنَّ الْمَيِّتَ لَا يُحْجَبُ فَكَذَا الْمَحْرُومُ فَصَارَ كَحَجْبِ الْحِرْمَانِ وَالنُّصُوصُ الَّتِي تُوجِبُ نُقْصَانَ إرْثِهِمْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا مُطْلَقَةٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ الْأَوْلَادَ أَوَّلًا وَأَثْبَتَ لَهُمْ مِيرَاثًا. ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ حَجْبَ النُّقْصَانِ بِهِمْ فَيَنْصَرِفُ إلَى الْمَذْكُورِينَ أَوَّلًا وَهُمْ الْمُتَأَهِّلُونَ لِلْإِرْثِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَحْرُومَ اتَّصَلَتْ بِهِ صِفَةٌ تَسْلُبُ أَهْلِيَّةَ الْإِرْثِ فَأَلْحَقَتْهُ بِالْمَعْدُومِ وَلَا كَذَلِكَ الْمَحْجُوبُ فَإِنَّهُ أَهْلٌ فِي نَفْسِهِ إلَّا أَنَّ حَاجِبَهُ عَلَيْهِ عَلَى إرْثِهِ لِزِيَادَةِ قُرْبِهِ فَلَا يَبْطُلُ عَمَلُهُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ سَبَبَ الْحِرْمَانِ بِقَوْلِهِ: لَا الْمَحْرُومَ بِالرِّقِّ. . . إلَخْ؛ لِيُبَيِّنَ الْأَسْبَابَ الْمَانِعَةَ مِنْ الْإِرْثِ فَإِنَّ الرِّقَّ يَمْنَعُ الْإِرْثَ؛ لِأَنَّ الرَّقِيقَ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا عَبْدًا مَمْلُوكًا لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ} [النحل: 75] وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ إلَّا الطَّلَاقَ» وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قِنًّا وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَنْعَقِدْ لَهُ سَبَبُ الْحُرِّيَّةِ أَصْلًا وَبَيْنَ أَنْ يَنْعَقِدَ لَهُ سَبَبُ الْحُرِّيَّةِ كَالْمُدَبَّرِ وَالْمُكَاتَبِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَمُعْتَقِ الْبَعْضِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى يَشْمَلُ الْكُلَّ وَهُوَ عَدَمُ تَصَوُّرِ الْمِلْكِ لَهُمْ وَالْمُكَاتَبُ لَا يَمْلِكُ الرَّقَبَةَ وَهُوَ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ عَلَى مَا جَاءَ فِي الْخَبَرِ فَلَا يَكُونُ أَهْلًا لِلْإِرْثِ وَالْقَتْلُ الَّذِي يَمْنَعُ الْإِرْثَ هُوَ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ وُجُوبُ الْقِصَاصِ أَوْ الْكَفَّارَةِ وَمَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وَاحِدٌ مِنْهُمَا كَالْقَتْلِ بِسَبَبٍ أَوْ قِصَاصٍ لَا يُوجِبُ الْحِرْمَانَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 570 ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْإِرْثِ عُقُوبَةٌ فَتَعَلَّقَ بِمَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الْعُقُوبَةُ وَهُوَ الْقِصَاصُ وَالْكَفَّارَةُ وَالشَّافِعِيُّ يُعَلِّقُهُ بِمُطْلَقِ الْقَتْلِ حَيْثُ لَا يَرِثُ عِنْدَهُ إذَا قَتَلَهُ بِقِصَاصٍ أَوْ رَجْمٍ أَوْ كَانَ الْقَرِيبُ قَاضِيًا فَحَكَمَ بِذَلِكَ أَوْ شَاهِدًا فَشَهِدَ بِهِ أَوْ بَاغِيًا فَقَتَلَهُ أَوْ شَهَرَ عَلَيْهِ سَيْفًا دَفْعًا كُلُّ ذَلِكَ يَمْنَعُ الْإِرْثَ عِنْدَهُ وَهَذَا لَا مَعْنَى لَهُ؛ لِأَنَّ الْقَاتِلَ أُوجِبَ عَلَيْهِ قَتْلُهُ أَوْ جَازَ لَهُ قَتْلُهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَكَيْفَ وَجَبَ عَلَيْهِ الْعُقُوبَةُ بَعْدَ ذَلِكَ وَلِهَذَا لَا يَتَعَلَّقُ بِسَائِرِ الْقَتْلِ سَائِرُ الْعُقُوبَاتِ فَكَذَا الْحِرْمَانُ. وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَيْسَ لِلْقَاتِلِ شَيْءٌ مِنْ الْمِيرَاثِ» هُوَ الْقَتْلُ بِالتَّعَدِّي دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَيْسَ لِلْقَاتِلِ مِيرَاثٌ بَعْدُ كَصَاحِبِ الْبَقَرَةِ» أَيْ قَاتِلٌ هُوَ كَصَاحِبِ الْبَقَرَةِ وَهُوَ كَانَ مُتَعَدِّيًا، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ مُبَاشَرَةً عَنْ الْقَتْلِ بِالتَّسَبُّبِ، وَاخْتِلَافُ الدِّينِ أَيْضًا يَمْنَعُ الْإِرْثَ وَالْمُرَادُ بِهِ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ الْإِسْلَامِ وَالْكُفْرِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ» ، وَأَمَّا اخْتِلَافُ مِلَلِ الْكُفَّارِ كَالنَّصْرَانِيَّةِ وَالْيَهُودِيَّةِ وَالْمَجُوسِيَّةِ وَعُبَّادِ الْوَثَنِ فَلَا يَمْنَعُ الْإِرْثَ حَتَّى يَجْرِيَ الْمِيرَاثُ بَيْنَ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ وَالْمَجُوسِيِّ؛ لِأَنَّ الْكُفْرَ كُلَّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «النَّاسُ كُلُّهُمْ خَيْرٌ وَنَحْنُ خَيْرٌ» ، وَاخْتِلَافُ الدَّارَيْنِ يَمْنَعُ الْإِرْثَ وَالْمُؤَثِّرُ هُوَ الِاخْتِلَافُ حُكْمًا حَتَّى لَا تُعْتَبَرَ الْحَقِيقَةُ بِدُونِهِ حَتَّى لَا يَجْرِيَ الْإِرْثُ بَيْنَ الْمُسْتَأْمَنِ وَالذِّمِّيِّ فِي دَارِنَا وَلَا فِي دَارِ الْحَرْبِ وَيَجْرِي بَيْنَ الْمُسْتَأْمَنِ وَبَيْنَ مَنْ هُوَ فِي دَارِهِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَأْمَنَ إذَا دَخَلَ إلَيْنَا أَوْ إلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ دَارِهِ حُكْمًا، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِهَا حَقِيقَةً وَالدَّارُ إنَّمَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَنْفَعَةِ وَالْمِلْكِ كَدَارِ الْإِسْلَامِ وَدَارِ الْحَرْبِ أَوْ دَارَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ بِاخْتِلَافِ مِلْكِهِمْ لِانْقِطَاعِ الْوِلَايَةِ وَالتَّنَاصُرِ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَالْإِرْثُ يَكُونُ بِالْوِلَايَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْكَافِرُ يَرِثُ بِالنَّسَبِ وَالسَّبَبِ كَالْمُسْلِمِ) ؛ لِأَنَّهُ مُخْتَارٌ مُكَلَّفٌ فَيَمْلِكُ بِالْأَسْبَابِ الْمَوْضُوعَةِ لِلْمِلْكِ كَالْمُسْلِمِ وَلِأَنَّهُ بِعَقْدِ الذِّمَّةِ الْتَحَقَ بِالْمُسْلِمِ فِي الْمُعَامَلَةِ فَيَمْلِكُ بِالْأَسْبَابِ الْمَوْضُوعَةِ كَالْمُسْلِمِ فَيَكُونُ حُكْمُهُ فِي ذَلِكَ كَحُكْمِ الْمُسْلِمِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ حُجِبَ أَحَدُهُمَا فَبِالْحَاجِبِ) يَعْنِي لَوْ اجْتَمَعَ فِي الْكَافِرِ قَرَابَتَانِ لَوْ تَفَرَّقَا فِي شَخْصَيْنِ يَحْجُبُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ يَرِثُ بِالْحَاجِبِ، وَإِنْ يُحْجَبْ يَرِثْ بِالْقَرَابَتَيْنِ كَمَا إذَا تَزَوَّجَ الْمَجُوسِيُّ أُمَّهُ فَوَلَدَتْ لَهُ ابْنًا فَهَذَا الْوَلَدُ ابْنُهَا وَابْنُ ابْنِهَا فَيَرِثُ مِنْهَا إذَا مَاتَتْ عَلَى أَنَّهُ ابْنٌ وَلَا يَرِثُ عَلَى أَنَّهُ ابْنُ ابْنٍ؛ لِأَنَّ ابْنَ الِابْنِ يُحْجَبُ بِالِابْنِ، وَلَوْ وَلَدَتْ بِنْتًا مَكَانَ الْوَلَدِ تَرِثُ الثُّلُثَيْنِ النِّصْفَ عَلَى أَنَّهَا بِنْتٌ وَالسُّدُسَ عَلَى أَنَّهَا بِنْتُ ابْنٍ، وَلَوْ تَزَوَّجَ بِنْتَهُ فَوَلَدَتْ لَهُ بِنْتًا تَرِثُ مِنْ أُمِّهَا النِّصْفَ عَلَى أَنَّهَا بِنْتٌ وَتَرِثُ الْبَاقِيَ عَلَى أَنَّهَا عَصَبَةٌ؛ لِأَنَّهَا أُخْتُهَا مِنْ أَبِيهَا وَهِيَ عَصَبَةٌ مَعَ الْبِنْتِ، وَإِنْ مَاتَ أَبُوهَا تَرِثُ النِّصْفَ عَلَى أَنَّهَا بِنْتٌ وَلَا تَرِثُ عَلَى أَنَّهَا بِنْتُ الْبِنْتِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ فَلَا تَرِثُ مَعَ وُجُودِ ذِي سَهْمٍ وَعَصَبَةٍ وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَبِهِ أَخَذَ أَصْحَابُنَا وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ يَرِثُ بِأَثْبَتِ الْقَرَابَتَيْنِ أَوْ آكَدِهِمَا أَيْ أَقْوَاهُمَا وَبِهِ أَخَذَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ فِيهِ إعْمَالَ السَّبَبِ وَلَا يَجُوزُ إبْطَالُهُ بِغَيْرِ مَانِعٍ وَالْمَانِعُ الْحَاجِبُ وَلَمْ يُوجَدْ فَيَأْخُذُ بِالْجِهَتَيْنِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُسْلِمَ يَرِثُ بِالْجِهَتَيْنِ اتَّفَقَ لَهُ ذَلِكَ بِأَنْ مَاتَتْ الْمَرْأَةُ وَتَرَكَتْ ابْنَ عَمِّهَا وَهُوَ زَوْجُهَا أَوْ أَخُوهَا مِنْ أُمِّهَا فَإِنَّهُ يَأْخُذُ بِالْفَرْضِ وَالْعُصُوبَةِ فَكَذَا الْكَافِرُ إذْ هُوَ لَا يُخَالِفُ الْمُسْلِمَ فِي سَبَبِ الْمِلْكِ كَالشِّرَاءِ وَغَيْرِهِ بِخِلَافِ الْأَخِ مِنْ الْأَبِ وَالْأُمِّ حَيْثُ لَا يَرِثُ إلَّا بِالْعُصُوبَةِ وَلَا يَرِثُ بِالْفَرْضِ عَلَى أَنَّهُ أَخٌ مِنْ أُمٍّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ اخْتِلَافُ الْجِهَةِ؛ لِأَنَّهُ يَرِثُ بِالْأُخُوَّةِ وَهِيَ جِهَةٌ وَاحِدَةٌ فَلَا يَصْلُحُ الِاسْتِحْقَاقُ بِهِمَا إلَّا لِلتَّرْجِيحِ فَقَطْ عِنْدَ مُزَاحَمَةِ مَنْ هُوَ دُونَهُ فِي الْقُوَّةِ كَالْأَخِ لِلْأَبِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا بِنِكَاحٍ مُحَرَّمٍ) أَيْ لَا يَرِثُ الْكَافِرُ بِنِكَاحٍ مُحَرَّمٍ كَمَا إذَا تَزَوَّجَ مَجُوسِيٌّ بِأُمِّهِ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ الْمَحَارِمِ لَا يَرِثُ مِنْهَا بِالنِّكَاحِ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَصِحُّ، وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ، وَلَوْ كَانَ لَهُ حُكْمُ الصِّحَّةِ لَكِنْ لَا يُقِرُّ عَلَيْهِ إذَا أَسْلَمَا فَكَانَ كَالْفَاسِدِ وَفِي الْمُضْمَرَاتِ اعْلَمْ بِأَنَّ الْكُفَّارَ يَتَوَارَثُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ بِالْأَسْبَابِ الَّتِي يَتَوَارَثُ بِهَا الْمُسْلِمُونَ مِنْ نَسَبٍ أَوْ سَبَبٍ أَوْ نِكَاحٍ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُمْ لَا يَرِثُونَ بِالْأَنْكِحَةِ الَّتِي لَا تَصِحُّ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ بِحَالٍ نَحْوُ نِكَاحِ الْمَحَارِمِ بِسَبَبٍ أَوْ رَضَاعٍ وَنِكَاحِ الْمُطَلَّقَةِ قَبْلَ التَّزَوُّجِ بِزَوْجٍ آخَرَ وَاخْتَلَفُوا فِي التَّوْرِيثِ بِحُكْمِ النِّكَاحِ فِي الْعِدَّةِ وَالنِّكَاحِ بِغَيْرِ شُهُودٍ قَالَ زُفَرُ: لَا يَتَوَارَثُونَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَتَوَارَثُونَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَتَوَارَثُونَ فِي النِّكَاحِ بِغَيْرِ شُهُودٍ وَلَا يَتَوَارَثُونَ بِالنِّكَاحِ فِي الْعِدَّةِ وَهَذَا بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي تَقْرِيرِهِمْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 571 عَلَى هَذِهِ الْأَنْكِحَةِ إذَا أَسْلَمُوا، وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي النِّكَاحِ وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْكَافِرَ الْحَرْبِيَّ لَا يَرِثُ الذِّمِّيَّ سَوَاءٌ كَانَ الْحَرْبِيُّ مُسْتَأْمَنًا فِي دَارِنَا أَوْ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَأَهْلُ الذِّمَّةِ يَرِثُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ صُورَةُ مِلَلِهِمْ عِنْدَ عَامَّةِ الصَّحَابَةِ؛ لِأَنَّ الْكُفْرَ كُلَّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ فَجَعَلُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى مِلَّةً وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ يُوَرِّثُونَ أَهْلَ الْحَرْبِ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ إذَا كَانُوا مِنْ أَهْلِ دَارٍ وَاحِدَةٍ. وَإِنْ اخْتَلَفَتْ الدَّارَانِ لَمْ يُوَرِّثُوا وَتَفْسِيرُ اخْتِلَافِ الدَّارَيْنِ أَنْ يَكُونَا مِلْكَيْنِ فِي مَوْضِعَيْنِ وَيَرَى كُلُّ وَاحِدٍ قَتْلَ الْآخَرِ، وَإِنْ اتَّفَقَتْ الْمِلَلُ وَهَذَا بِخِلَافِنَا فَإِنَّ أَهْلَ الْعَدْلِ مَعَ أَهْلِ الْبَغْيِ يَتَوَارَثُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ؛ لِأَنَّ دَارَ الْإِسْلَامِ دَارُ الْأَحْكَامِ فَبِاخْتِلَافِ الْمِلْكِ وَالْمَنْفَعَةِ لَا تَتَغَيَّرُ الدَّارُ فِيمَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ تَجْمَعُهُمْ، وَأَمَّا دَارُ الْحَرْبِ فَلَيْسَتْ بِدَارِ الْأَحْكَامِ بَلْ هِيَ دَارُ قَهْرٍ وَبِاخْتِلَافِ الْمِلَلِ تَخْتَلِفُ الدَّارُ بَيْنَهُمْ، وَاخْتِلَافُ الدَّارَيْنِ يَقْطَعُ التَّوَارُثَ وَكَذَلِكَ إذَا خَرَجُوا إلَيْنَا بِأَمَانٍ يَعْنِي أَهْلَ الدَّارَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ بَيْنَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ، وَإِنْ كَانُوا مُسْتَأْمَنِينَ فَيُجْعَلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي الْحُكْمِ كَأَنَّهُ فِي الْبُقْعَةِ الَّتِي خَرَجَ مِنْهَا بِأَمَانٍ، بِخِلَافِ مَا إذَا صَارُوا ذِمَّةً لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ يَتَوَارَثُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ كَمَا لَوْ أَسْلَمُوا فَإِنَّهُ يَجْرِي التَّوَارُثُ بَعْدَمَا مَاتَ بَيْنَهُمْ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ مَنْعَتُهُمْ فِي حَالَةِ الْكُفْرِ جِئْنَا إلَى الْمَسَائِلِ ذِمِّيٌّ مَاتَ وَخَلَّفَ وَرَثَةً فِي دَارِ الْحَرْبِ فَمَالُهُ فَيْءٌ سَوَاءٌ كَانَتْ الْوَرَثَةُ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ مُعَاهَدِينَ، وَلَوْ مَاتَ الْيَهُودِيُّ وَتَرَكَ ابْنًا يَهُودِيًّا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ يُؤَدِّي الْجِزْيَةَ وَابْنًا لَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَالْمَالُ كُلُّهُ لِلِابْنِ الْيَهُودِيِّ الَّذِي يُؤَدِّي الْجِزْيَةَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، وَلَوْ مَاتَ يَهُودِيٌّ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ وَهُوَ مُسْتَأْمَنٌ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَتَرَكَ ابْنًا مُسْتَأْمَنًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَابْنًا ذِمِّيًّا وَابْنًا حَرْبِيًّا وَابْنًا مُسْلِمًا فَالْمَالُ عَلَى قَوْلِ أَهْلِ الْعِرَاقِ بَيْنَ الِابْنِ الْمُعَاهَدِ وَالْحَرْبِيِّ؛ لِأَنَّ الْمُعَاهَدَ بِمَنْزِلَةِ الْحَرْبِيِّ عِنْدَهُمْ فَيَرِثُ مِنْهُ الْحَرْبِيُّ وَمَنْ هُوَ مِثْلُهُ وَهُوَ الْمُعَاهَدُ. وَلَوْ مَاتَ يَهُودِيٌّ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَخَلَّفَ ابْنًا يَهُودِيًّا وَابْنًا نَصْرَانِيًّا فَعَلَى قَوْلِ مَنْ يُوَرِّثُ أَهْلَ الذِّمَّةِ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ صُوَرُ مِلَلِهِمْ الْمَالُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَعَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ بِأَنَّ الْيَهُودَ مِلَّةٌ وَالنَّصَارَى مِلَّةٌ الْمَالُ لِلِابْنِ الْيَهُودِيِّ، وَأَمَّا مِيرَاثُ الْمَجُوسِ فِيمَا بَيْنَهُمْ يُبْنَى عَلَى أُصُولٍ ثَلَاثَةٍ أَحَدُهَا أَنَّهُمْ لَا يَتَوَارَثُونَ بِالْأَنْكِحَةِ الْفَاسِدَةِ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَإِنَّمَا يَتَوَارَثُونَ بِالْأَنْكِحَةِ الصَّحِيحَةِ، وَالْفَاصِلُ أَنَّ كُلَّ نِكَاحٍ لَوْ أَسْلَمَا تُرِكَا عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ نِكَاحٌ صَحِيحٌ، وَلَوْ أَسْلَمَا لَمْ يُتْرَكَا فَهُوَ نِكَاحٌ فَاسِدٌ وَالثَّانِي أَنَّ النَّسَبَ فِيمَا بَيْنَهُمْ يَثْبُتُ بِالْأَنْكِحَةِ الْفَاسِدَةِ وَيَتَوَارَثُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ بِذَلِكَ النَّسَبِ، وَإِنْ كَانُوا لَا يَتَوَارَثُونَ بِذَلِكَ النِّكَاحِ الثَّالِثُ أَنَّ كُلَّ مَنْ يُدْلِي إلَى الْمَيِّتِ بِسَبَبَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ فَإِنَّهُ يَرِثُ بِجَمِيعِ ذَلِكَ إلَّا إذَا كَانَ أَحَدُ السَّبَبَيْنِ يَحْجُبُ الْآخَرَ فَحِينَئِذٍ يَرِثُ بِالْحَاجِبِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا، وَلَوْ تَزَوَّجَ بِأُمِّهِ أَوْ بِابْنَتِهِ أَوْ بِأُخْتِهِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا لَا يَرِثُ الْآخَرُ وَهَذَا الْجَوَابُ عَلَى أَصْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ نِكَاحَ الْمَحَارِمِ فِيمَا بَيْنَهُمْ فَاسِدٌ عِنْدَنَا، وَإِنْ كَانُوا يَدِينُونَ جَوَازَهُ؛ وَلِهَذَا قَالَا: إذَا طَلَبَتْ النَّفَقَةَ مِنْ الْقَاضِي فَالْقَاضِي لَا يَفْرِضُ النَّفَقَةَ وَإِذَا دَخَلَ بِهَا سَقَطَ إحْصَانُهُ حَتَّى لَا يُحَدَّ قَاذِفُهُ لَوْ قَذَفَهُ إنْسَانٌ بَعْدَمَا أَسْلَمَ، وَلَوْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا التَّفْرِيقَ فَالْقَاضِي يُفَرِّقُ وَذَلِكَ لَا يُشْكِلُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى مَا هُوَ مُخْتَارُ مَشَايِخِ الْعِرَاقِ، وَإِنْ كَانَ نِكَاحُ الْمَحَارِمِ فَاسِدًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَاسْتَدَلُّوا لِذَلِكَ بِفَصْلِ عَدَمِ حِرْمَانِ الْإِرْثِ بَيْنَهُمَا. وَإِنَّمَا يُشْكِلُ عَلَى قَوْلِ مَشَايِخِ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ بِأَنَّ نِكَاحَ الْمَحَارِمِ فِيمَا بَيْنَهُمْ جَائِزٌ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَيَقُولُونَ: لَوْ لَمْ يَكُنْ النِّكَاحُ جَائِزًا عِنْدَهُ لَمَا فَرَضَ لَهَا النَّفَقَةَ وَيَسْتَدِلُّونَ أَيْضًا بِمَا لَوْ دَخَلَ بِهَا بَعْدَ النِّكَاحِ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ إحْصَانُهُ عِنْدَهُ وَالْعُذْرُ لِمَشَايِخِ الْعِرَاقِ فِي فَصْلِ النَّفَقَةِ أَنَّ النَّفَقَةَ كَمَا تُحْجَبُ بِسَبَبِ النِّكَاحِ فَتُحْجَبُ بِسَبَبِ الِاحْتِبَاسِ فَإِنَّ ثَمَّةَ لَمْ يَكُنْ نِكَاحٌ، وَإِنْ كَانَ نِكَاحٌ فَاسِدًا يُؤْخَذُ النَّفَقَةُ بِسَبَبِ الِاحْتِبَاسِ لَا بِسَبَبِ النِّكَاحِ وَبَقَاءُ الِاحْتِبَاسِ بَعْدَ الدُّخُولِ لَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ النِّكَاحِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا مَحَالَةَ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَدَخَلَ بِهَا وَكَانَ نَظَرَ إلَى فَرْجِ أُمِّهَا أَوْ ابْنَتِهَا بِشَهْوَةٍ أَنَّ إحْصَانَهُ لَا يَسْقُطُ، وَإِنْ كَانَ نِكَاحًا فَاسِدًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْعُذْرُ لِمَشَايِخِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - عَنْ فَصْلِ الْإِرْثِ فَإِنَّهُ لَا يَجْرِي الْإِرْثُ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَإِنْ كَانُوا يَدِينُونَ جَوَازَ النِّكَاحِ وَاعْتَبَرَ دِيَانَتَهُمْ فِي حَقِّ جَوَازِ النِّكَاحِ فِي حَقِّ الْإِرْثِ فِيمَا بَيْنَ الْمَحَارِمِ أَنْ يَقُولَ: إنَّ دِيَانَتَهُمْ إنَّمَا تُعْتَبَرُ بِجَوَازِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ جَوَازَ نِكَاحِ الْمَحَارِمِ قَدْ كَانَ فِي شَرِيعَةِ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَفِي الذَّخِيرَةِ، ثُمَّ فَرَّقُوا بَيْنَ نِكَاحِ الْمَحَارِمِ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ النَّسَبِ الثَّابِتِ فِي هَذَا النِّكَاحِ فَقَالُوا: إذَا تَزَوَّجَ الْمَجُوسِيُّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 572 بِمَحَارِمِهِ، ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا لَا يَرِثُهُ الْبَاقِي. فَأَمَّا إذَا حَدَثَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ النَّسَبُ وَيَتَوَارَثُونَ بِذَلِكَ النَّسَبِ فِيمَا بَيْنَهُمْ تَزَوَّجَ مَجُوسِيٌّ بِابْنَةٍ لَهُ فَوَلَدَتْ مِنْهُ ابْنًا وَبِنْتًا، ثُمَّ مَاتَ الْمَجُوسِيُّ فَقَدْ مَاتَ عَنْ ابْنٍ وَبِنْتٍ وَزَوْجَةٍ فَيُقْسَمُ الْمَالُ بَيْنَهُمْ {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] يُورَثُونَ بِالنَّسَبِ وَيَسْقُطُ اعْتِبَارُ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ فَاسِدٌ يَثْبُتُ بِهِ النَّسَبُ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَلَا يَتَوَارَثُونَ بِهِ، فَلِهَذَا قَالَ يَسْقُطُ اعْتِبَارُ النِّكَاحِ وَيَرِثُونَ بِالنَّسَبِ، وَلَوْ مَاتَ الِابْنُ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَدْ مَاتَ عَنْ أُخْتٍ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَعَنْ أُخْتٍ لِأَبٍ هِيَ أَمَةٌ فَلِلْأُخْتِ لِأَبٍ السُّدُسُ بِحُكْمِ الْأُمُومَةِ وَالسُّدُسُ بِحُكْمِ الْأُخْتِيَّةِ وَالنِّصْفُ لِلْأُخْتِ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَالْبَاقِي لِلْعَصَبَةِ إنْ كَانَتْ وَإِلَّا فَيُرَدُّ عَلَيْهِمَا وَعَلَى سِهَامِهِمَا، وَلَوْ لَمْ يَمُتْ الِابْنُ بَعْدَ مَوْتِ الْمَجُوسِيِّ وَلَكِنْ مَاتَتْ الْبِنْتُ الَّتِي هِيَ زَوْجَتُهُ فَقَدْ مَاتَتْ عَنْ ابْنٍ هُوَ أَخُوهَا لِأَبِيهَا وَعَنْ بِنْتٍ هِيَ أُخْتُهَا لِأَبِيهَا وَيَرِثُونَ بِالْبُنُوَّةِ وَالْبِنْتِيَّةِ وَيُقْسَمُ الْمَالُ بَيْنَهُمْ {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] ، وَلَوْ لَمْ تَمُتْ الِابْنَةُ الَّتِي هِيَ زَوْجُ الْمَجُوسِيِّ وَلَكِنْ مَاتَتْ الِابْنَةُ الْأُخْرَى فَقَدْ مَاتَتْ عَنْ أَخٍ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَعَنْ أُخْتٍ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَعَنْ أُخْتٍ لِأَبٍ هِيَ أُمُّهَا فَيَكُونُ لِلْأُمِّ السُّدُسُ وَالْبَاقِي لِأَخٍ لِلْأَبِ وَأُمٍّ فَيَسْقُطُ اعْتِبَارُ الْأُخْتِيَّةِ؛ لِأَنَّ قَرَابَةَ الْأُخْتِ لِأَبٍ سَاقِطَةَ الِاعْتِبَارِ لِقَرَابَةِ الْأَخِ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَإِنَّمَا كَانَ لِلْأُمِّ السُّدُسُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ؛ لِأَنَّ لِلْمَيِّتِ أَخًا وَأُخْتًا وَالْأُخْتُ مِنْ أَهْلِ الِاسْتِحْقَاقِ إلَّا أَنَّهَا صَارَتْ مَحْجُوبَةً بِهَذَا السَّبَبِ الْعَارِضِ وَلِهَذَا سَقَطَ فَرْضُ الْأُمِّ عَنْ الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ وَفِي الذَّخِيرَةِ مَجُوسِيٌّ تَزَوَّجَ بِأَمَةٍ فَوَلَدَتْ بِنْتًا وَابْنًا، ثُمَّ فَارَقَهَا وَتَزَوَّجَ ابْنَتَهُ فَوَلَدَتْ لَهُ ابْنَةً، ثُمَّ مَاتَ الْمَجُوسِيُّ فَقَطْ مَاتَ عَنْ أُمٍّ وَابْنٍ وَابْنَةِ بِنْتِ ابْنٍ فَيَكُونُ لِلْأُمِّ السُّدُسُ بِاعْتِبَارِ الْأُمُومَةِ وَالْبَاقِي بَيْنَ الِابْنِ وَالْبِنْتِ {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] وَلَا شَيْءَ لِبِنْتِ الِابْنِ. فَإِنْ مَاتَ الِابْنُ بَعْدُ فَإِنَّمَا مَاتَ عَنْ زَوْجَةٍ هِيَ جَدَّتُهُ أُمُّ أَبِيهِ وَهِيَ أُمُّهُ وَعَنْ أُخْتٍ لِأُمِّهِ وَأَبِيهِ فَلَا شَيْءَ لِلْأُمِّ بِالزَّوْجِيَّةِ وَلَا بِكَوْنِهَا جَدَّةً؛ لِأَنَّ الْجَدَّةَ لَا تَرِثُ مَعَ الْأُمِّ وَلَكِنْ لَهَا السُّدُسُ بِالْأُمُومَةِ وَالِابْنَةِ النِّصْفُ بِالْبِنْتِيَّةِ وَلَا شَيْءَ لَهَا بِالْأُخْتِيَّةِ لِأُمٍّ فَإِنْ لَمْ يَمُتْ الِابْنُ وَلَكِنْ مَاتَتْ الِابْنَةُ الْكُبْرَى فَقَدْ مَاتَتْ عَنْ أُمٍّ هِيَ جَدَّتُهَا أُمُّ أَبِيهَا وَعَنْ أَخٍ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَعَنْ ابْنَةٍ هِيَ أُخْتُهَا لِأُمِّهَا فَلِلْأُمِّ السُّدُسُ بِالْأُمُومَةِ؛ لِأَنَّ مَعَهَا أَخًا لِأُمٍّ وَأُخْتًا وَهُمَا يَرُدَّانِ الْأُمَّ مِنْ الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ وَلِلَابِنِهِ السُّدُسُ بِالْأُخْتِيَّةِ لِأُمٍّ وَالْبَاقِي لِلْأَخِ لِأَبٍ وَأُمٍّ بِالْعُصُوبَةِ، فَإِنْ كَانَتْ الِابْنَةُ الَّتِي مَاتَتْ هِيَ الصُّغْرَى فَقَدْ مَاتَتْ عَنْ أُمٍّ وَعَنْ جَدَّتِهَا لِأَبِيهَا وَعَنْ أَبِيهَا وَعَنْ عَمَّةٍ هِيَ أُخْتُهَا لِأَبِيهَا وَعَنْ ابْنٍ هُوَ أَخُوهَا لِأُمِّهَا فَلِلْأُمِّ السُّدُسُ وَالْبَاقِي لِلْأَبِ؛ لِأَنَّ الْإِخْوَةَ وَالْأَخَوَاتِ لَا يَرِثُونَ مَعَ الْأَبِ شَيْئًا، وَلَوْ لَمْ تَمُتْ الِابْنَةُ وَلَكِنْ مَاتَتْ الْأُمُّ فَإِنَّمَا مَاتَتْ عَمَّنْ هُوَ زَوْجُهَا وَهُوَ ابْنُ ابْنِهَا وَعَنْ ابْنَةِ ابْنٍ هِيَ أُخْتُهَا فَلَا شَيْءَ لِلِابْنِ بِالزَّوْجِيَّةِ وَلَكِنَّ الْمَالَ بَيْنَ الِابْنِ وَالْأُنْثَى {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] فَلَا شَيْءَ لِلذَّكَرِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ ابْنُ ابْنٍ وَلَا الْأُنْثَى بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا ابْنَةُ الِابْنِ مَجُوسِيٌّ تَزَوَّجَ أُمَّهُ فَوَلَدَتْ لَهُ ابْنَتَيْنِ فَتَزَوَّجَ ابْنَتَهُ فَوَلَدَتْ لَهُ ابْنَةً، ثُمَّ مَاتَ الْمَجُوسِيُّ فَقَدْ مَاتَ عَنْ أُمٍّ هِيَ زَوْجَةٌ وَثَلَاثِ بَنَاتٍ إحْدَاهُنَّ زَوْجَةٌ وَبِنْتَانِ أُخْتَانِ لِأُمٍّ وَإِحْدَاهُنَّ ابْنَةُ ابْنٍ فَلَا شَيْءَ لِلزَّوْجَةِ مِنْهُنَّ بِالزَّوْجِيَّةِ مِنْهُنَّ بِالزَّوْجِيَّةِ وَلَا لِلْأُخْتَيْنِ لِأُمٍّ بِالْأُخْتِيَّةِ وَلَا لِلثَّالِثَةِ بِكَوْنِهَا ابْنَةَ ابْنٍ وَلَكِنَّ الْبَاقِيَ لِلْعَصَبَةِ إنْ كَانَتْ. وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فَهُوَ رَدٌّ عَلَى أُمٍّ، وَالْبَنَاتُ عَلَى مِقْدَارِ حَقِّهِنَّ فَإِنْ مَاتَتْ بَعْدَهَا الِابْنَةُ الَّتِي هِيَ زَوْجَتُهُ فَقَدْ مَاتَ عَنْ ابْنَةٍ هِيَ أُخْتٌ لِأَبٍ وَأُمٍّ فَلِلِابْنَةِ النِّصْفُ وَالْبَاقِي لِلْعَصَبَةِ، وَإِنْ لَمْ تَمُتْ هَذِهِ لَكِنْ مَاتَتْ الِابْنَةُ السُّفْلَى فَإِنْ مَاتَتْ عَنْ أُمِّهَا وَهِيَ أُخْتُهَا لِأَبِيهَا وَعَنْ أُخْتٍ لِأَبٍ أَيْضًا فَيَكُونُ لِلْأُمِّ السُّدُسُ بِالْأُمِّيَّةِ وَلِلْأُخْتَيْنِ الثُّلُثَانِ بِالْأُخْتِيَّةِ وَالْبَاقِي لِلْعَصَبَةِ رَجُلٌ مَجُوسِيٌّ تَزَوَّجَ بِابْنَتِهِ فَوَلَدَتْ ابْنَتَيْنِ فَمَاتَ الْمَجُوسِيُّ، ثُمَّ مَاتَتْ إحْدَى الْبِنْتَيْنِ فَإِنَّمَا مَاتَتْ عَنْ أُمٍّ هِيَ أُخْتٌ لِأَبٍ وَعَنْ أُخْتٍ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَيْضًا فَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ أَنَّ لِلْأُمِّ السُّدُسَ بِالْآيَةِ وَلِلْأُخْتِ لِأَبٍ وَأُمٍّ النِّصْفَ وَلِلْأُمِّ السُّدُسَ بِالْأُخْتِيَّةِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَفِي السِّرَاجِيَّةِ حُكْمُ الْأَسِيرِ كَحُكْمِ سَائِرِ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمِيرَاثِ مَا لَمْ يُفَارِقْ دِينَهُ فَإِنْ فَارَقَ دِينَهُ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمَفْقُودِ مُسْلِمٌ وَنَصْرَانِيٌّ اسْتَأْجَرَا ظِئْرًا وَاحِدًا لِوَلَدَيْهِمَا فَكَبِرَا وَلَا يُعْرَفُ وَلَدُ النَّصْرَانِيِّ مِنْ وَلَدِ الْمُسْلِمِ فَالْوَلَدَانِ مُسْلِمَانِ تَرْجِيحًا لِلْأُمِّ وَلَكِنْ لَا يَرِثَانِ مِنْ أَبَوَيْهِمَا؛ لِأَنَّ الْمَالَ لَا يُسْتَحَقُّ بِالشَّكِّ، وَكَذَا لَوْ كَانَ لِلرَّجُلِ ابْنٌ وَلِمَمْلُوكِهِ ابْنٌ أَيْضًا فَدَفَعَاهُمَا إلَى ظِئْرٍ وَاحِدَةٍ فَكَبِرَا وَلَمْ يُعْرَفْ ابْنُ الْمَوْلَى مِنْ الرَّقِيقِ فَالْوَلَدَانِ حُرَّانِ وَيَسْعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ وَلَا يَرِثَانِ شَيْئًا قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ هَذَا إذَا لَمْ يَصْطَلِحَا أَمَّا إذَا اصْطَلَحَا فِيمَا بَيْنَهُمَا فَلَهُمَا أَنْ يَأْخُذَا الْمِيرَاثَ فَكَذَا الْجَوَابُ فِي وَلَدِ الْمُسْلِمِ مَعَ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ وَبِهِ يُفْتَى. وَفِي الْمُضْمَرَاتِ مَاتَ وَتَرَكَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 573 أَبَوَيْنِ وَامْرَأَتَيْنِ أَحَدُهُمَا مُسْلِمَةٌ وَالْأُخْرَى يَهُودِيَّةٌ فَلِلْمَرْأَةِ الَّتِي هِيَ مُسْلِمَةٌ الرُّبُعُ وَلِلْأُمِّ ثُلُثَا الْبَاقِي وَالْبَاقِي لِلْأَبِ. وَإِذَا تَحَاكَمَا إلَيْنَا أَهْلُ الْكُفْرِ فِي قِسْمَةِ الْمَالِ قَسَمْنَا ذَلِكَ فِيمَا بَيْنَهُمْ عَلَى حُكْمِنَا دُونَ حُكْمِهِمْ، وَإِنْ قَدِمَ الْحَرْبِيُّ إلَيْنَا بِأَمَانٍ فَمَاتَ بَعَثَ مَالَهُ إلَى وَارِثِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَرِثُ وَلَدُ الزِّنَا وَاللِّعَانِ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ فَقَطْ) ؛ لِأَنَّ نَسَبَهُ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ مُنْقَطِعٌ فَلَا يَرِثُ بِهِ وَمِنْ جِهَةِ الْأُمِّ ثَابِتٌ فَيَرِثُ بِهِ أُمَّهُ وَأُخْتَه مِنْ الْأُمِّ بِالْفَرْضِ لَا غَيْرُ وَكَذَا تَرِثُهُ أُمُّهُ وَأُخْتُهُ مِنْ أُمِّهِ فَرْضًا لَا غَيْرُ وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَرِثَ هُوَ أَوْ يُورَثَ بِالْعُصُوبَةِ إلَّا بِالْوَلَاءِ أَوْ الْوِلَادِ فَيَرِثُهُ مَنْ أَعْتَقَهُ أَوْ أَعْتَقَ أُمَّهُ أَوْ وَلَدَهُ بِالْعُصُوبَةِ وَكَذَا هُوَ يَرِثُ مُعْتَقَهُ أَوْ مُعْتَقَ مُعْتَقِهِ أَوْ وَلَدَهُ بِذَلِكَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَوَقَفَ لِلِابْنِ حَظَّ ابْنٍ) أَيْ إذَا تَرَكَ الْمَيِّتُ امْرَأَتَهُ حَامِلًا أَوْ غَيْرَهَا مِمَّنْ يَرِثُهُ وَلَدُهَا وَقَفَ لِلْحَمْلِ نَصِيبَ ابْنٍ وَاحِدٍ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَعَنْهُ يُوقَفُ نَصِيبُ ابْنَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ وِلَادَةَ الِاثْنَيْنِ مُعْتَادَةٌ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُوقَفُ نَصِيبُ أَرْبَعِ بَنِينَ أَوْ أَرْبَعِ بَنَاتٍ أَيُّهُمَا أَكْثَرُ؛ لِأَنَّهُ يُتَصَوَّرُ وِلَادَةُ أَرْبَعَةٍ فِي بَطْنٍ وَاحِدَةٍ فَيُتْرَكُ نَصِيبُهَا احْتِيَاطًا وَالْفَتْوَى عَلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ وِلَادَةَ الْوَاحِدِ هِيَ الْغَالِبُ وَالْأَكْثَرُ مِنْهُ مَوْهُومٌ وَالْحُكْمُ لِلْغَالِبِ وَيُؤْخَذُ مِنْ الْوَرَثَةِ عَلَى قَوْلِهِ كَفِيلٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ وَهَذَا إذَا كَانَ فِي الْوَرَثَةِ وَلَدٌ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ وَلَدٌ فَلَا يَخْتَلِفُ الْمِيرَاثُ بَيْنَهُمْ بِكَثْرَةِ الْأَوْلَادِ وَقِلَّتِهِمْ وَجُمْلَةُ الْأَمْرِ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ الْوَرَثَةُ كُلُّهُمْ أَوْلَادَ الْأَوْلَادِ فَإِنْ كَانُوا كُلُّهُمْ أَوْلَادًا فَيُتْرَكُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْقَدْرِ عَلَى الِاخْتِلَافِ. وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا كُلُّهُمْ أَوْلَادًا فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِمْ أَوْلَادُ أَوْلَادٍ فَإِنْ كَانَ فِيهِمْ أَوْلَادُ أَوْلَادٍ يُعْطَى كُلُّ وَارِثٍ هُوَ غَيْرُ الْوَلَدِ مِنْهُمْ نَصِيبَهُ، ثُمَّ يُقْسَمُ الْبَاقِي عَلَى الْأَوْلَادِ وَيُتْرَكُ نَصِيبُ الْحَمْلِ مِنْهُ عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْوَرَثَةِ ذَكَرٌ وَالْحَمْلُ مِنْ الْمَيِّتِ يُعْطَى كُلُّ وَارِثٍ نَصِيبَهُ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ الْحَمْلَ ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى أَيُّهُمَا أَقَلُّ، وَإِنْ كَانَ عَلَى أَحَدِ التَّقْدِيرَيْنِ يَرِثُ دُونَ الْآخَرِ فَلَا يُعْطَى شَيْئًا وَكَذَا إذَا كَانَ فِيهِمْ مَنْ لَا يَرِثُ عَلَى تَقْدِيرِ وِلَادَتِهِ حَيًّا وَعَلَى تَقْدِيرِ وِلَادَتِهِ مَيِّتًا يَرِثُ فَلَا يُعْطَى شَيْئًا لِلِاحْتِمَالِ، وَإِنْ كَانَ نَصِيبُهُ عَلَى أَحَدِ التَّقْدِيرَيْنِ أَكْثَرَ يُعْطَى الْأَقَلَّ لِلتَّيَقُّنِ بِهِ وَيُوقَفُ الْبَاقِي قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَرِثُ إنْ خَرَجَ أَكْثَرُهُ فَمَاتَ لَا أَقَلُّهُ) أَيْ الْحَمْلُ يَرِثُ إنْ خَرَجَ أَكْثَرُهُ وَهُوَ حَيٌّ، ثُمَّ مَاتَ، وَإِنْ خَرَجَ أَقَلُّهُ وَهُوَ حَيٌّ فَمَاتَ لَا يَرِثُ؛ لِأَنَّ انْفِصَالَهُ حَيًّا مِنْ الْبَطْنِ شَرْطٌ لِإِرْثِهِ وَالْأَكْثَرُ يَقُومُ مَقَامَ الْكُلِّ، ثُمَّ إنْ خَرَجَ مُسْتَقِيمًا فَالْمُعْتَبَرُ لِصَدْرِهِ، وَإِنْ خَرَجَ مَنْكُوسًا فَالْمُعْتَبَرُ لِسُرَّتِهِ، وَقَدْ بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ وَفِي الْأَصْلِ فِي مِيرَاثِ الْجَنِينِ ذَكَرَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي فَرَائِضِهِ أَنَّ الْجَنِينَ يَرِثُ إذَا كَانَ مَوْجُودًا فِي الْبَطْنِ عِنْدَ مَوْتِ الْمُوَرَّثِ بِأَنْ جَاءَ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُذْ مَاتَ الْمُوَرَّثُ هَكَذَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ الْمَسْأَلَةَ مُطْلَقَةً، وَهَذَا التَّقْدِيرُ فِي اسْتِحْقَاقِ الْجَنِينِ مِنْ غَيْرِ الْأَبِ أَمَّا مِنْ الْأَبِ فَإِنْ جَاءَ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْمَوْتِ فَإِنَّهُ يَرِثُ مَا لَمْ تُقِرَّ بِانْقِضَاءٍ لِعَادَةٍ نَصَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الْفَرَائِضِ فَالْأَصْلُ أَنَّ الْمُعْتَدَّةَ إذَا جَاءَتْ بِالْوَلَدِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْ الزَّوْجِ إذَا لَمْ تُقِرَّ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَإِذَا ثَبَتَ النَّسَبُ مِنْ الْمَيِّتِ يَرِثُ مِنْهُ ضَرُورَةً، وَإِنْ جَاءَ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْ الْمَيِّتِ وَلَا يَرِثُ مِنْهُ. قَالَ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الْفَرَائِضِ أَيْضًا لَوْ أَنَّ عَبْدًا تَحْتَهُ حُرَّةٌ وُلِدَ مِنْهَا ابْنٌ وَلَهُ ابْنٌ آخَرُ حُرٌّ مِنْ غَيْرِهَا فَمَاتَ ابْنُ الْعَبْدِ وَلَا يَدْرِي أَنَّهَا حُبْلَى أَوْ لَا فَجَاءَتْ بِالْوَلَدِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ مَاتَ ابْنُ الْعَبْدِ وَأَنَّهُ يَرِثُ مِيرَاثَ أُخْتِهِ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ حَالٌّ بِالْعُلُوقِ إلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَقَدْ مَاتَ أَخُوهُ وَهُوَ فِي الْبَطْنِ فَيَرِثُهُ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَمْ يَرِثْهُ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَقَدْ مَاتَ أَخُوهُ وَهُوَ لَمْ يُخْلَقْ بَعْدُ فَلَا يَرِثُهُ فَتَبَيَّنَ بِمَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ إنَّمَا ذَكَرَهُ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ مِنْ التَّقْرِيرِ فِي اسْتِحْقَاقِ الْجَنِينِ الْإِرْثَ مِنْ غَيْرِ الْأَبِ لَا عَنْ الْأَبِ وَطَرِيقُ مَعْرِفَةِ انْفِصَالِهِ حَيًّا أَنْ يَسْتَهِلَّ أَوْ يُسْمَعَ مِنْهُ عُطَاسٌ أَوْ تَنَفُّسٌ أَوْ يُتْرَكُ بَعْضُ أَعْضَائِهِ أَوْ مَا شَاكَلَ ذَلِكَ، وَإِنْ انْفَصَلَ مَيِّتًا لَمْ يَرِثْهُ لِأَنَّا شَكَكْنَا فِي حَيَاتِهِ وَقْتَ مَوْتِ الْأَبِ بِجَوَازِ أَنَّهُ كَانَ مَيِّتًا لَمْ تُنْفَخْ فِيهِ الرُّوحُ وَبِجَوَازِ أَنَّهُ كَانَ حَيًّا فَلَا يَرِثُهُ بِالشَّكِّ وَفِي الذَّخِيرَةِ، ثُمَّ الْجَنِينُ إذَا خَرَجَ مَيِّتًا فَإِنَّهُ لَا يَرِثُ إذَا خَرَجَ بِنَفْسِهِ، وَأَمَّا إذَا خَرَجَ حَيًّا فَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْوَرَثَةِ بَيَانُهُ إذَا ضَرَبَ إنْسَانٌ بَطْنَهَا فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا فَهَذَا الْجَنِينُ مِنْ جُمْلَةِ الْوَرَثَةِ وَفِيهِ رِوَايَاتُ ابْنِ الْمُبَارَكِ قَالَ الشَّيْخُ مُحَمَّدٌ أَبُو الْفَضْلِ إذَا مَاتَ الرَّجُلُ عَنْ امْرَأَةٍ وَابْنَيْنِ وَادَّعَتْ الْمَرْأَةُ أَنَّهَا حَامِلٌ تُعْرَضُ الْمَرْأَةُ عَلَى امْرَأَةٍ ثِقَةٍ أَوْ امْرَأَتَيْنِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ حَمْلُهَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 574 فَإِنْ لَمْ يَقِفْ عَلَى شَيْءٍ مِنْ عَلَامَاتِ الْحَمْلِ يُقْسَمُ الْمِيرَاثُ، وَإِنْ وُقِفَ عَلَى شَيْءِ مِنْ عَلَامَاتِهِ تَرَبَّصُوا حَتَّى تَلِدَ وَلَا يُقْسَمُ الْمِيرَاثُ، وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ خَلَّفَ امْرَأَةً حَامِلًا وَابْنًا فَوَلَدَتْ الْمَرْأَةُ ابْنًا وَبِنْتًا فَاسْتَهَلَّ أَحَدُهُمَا وَمَاتَا لَا يَدْرِي أَيَّهُمَا اسْتَهَلَّ. فَلَوْ جَعَلَ الْمُسْتَهِلَّ ابْنًا فَقَدْ خَلَّفَ الْمُوَرَّثُ ابْنَيْنِ لِلْمَرْأَةِ الثُّمُنُ وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا وَتَصِحُّ الْمَسْأَلَةُ مِنْ سِتَّةَ عَشَرَ وَمَسْأَلَتُهُ مِنْ ثَلَاثَةٍ لَا تَسْتَقِيمُ فَتُضْرَبُ ثَلَاثَةٌ فِي سِتَّةَ عَشَرَ فَتَبْلُغُ ثَمَانِيَةً وَارْبَعِينِ لِلْمَرْأَةِ الثُّمُنُ سِتَّةٌ وَلِكُلِّ ابْنٍ وَاحِدٌ وَعِشْرُونَ فَمَاتَ الْمُسْتَهِلُّ عَنْ أَحَدٍ وَعِشْرِينَ سَهْمًا وَخَلَّفَ أُمًّا وَأَخًا لِلْأُمِّ الثُّلُثُ سَبْعَةُ أَسْهُمٍ وَالْبَاقِي وَهُوَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ لِلْأَخِ فَقَدْ حَصَلَ لِلْأُمِّ ثَلَاثَ عَشَرَ وَلِلْأَخِ خَمْسَةٌ وَثَلَاثُونَ، وَإِنْ كَانَ الْمُسْتَهِلُّ الْأُنْثَى لِلْمَرْأَةِ الثُّمُنُ وَالْبَاقِي بَيْنَ الِابْنِ وَالْبِنْتِ {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] وَتَصِحُّ الْمَسْأَلَةُ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ لِلْمَرْأَةِ ثَلَاثَةٌ وَلِلْبِنْتِ سَبْعَةٌ وَلِلِابْنِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ وَمَاتَتْ الْبِنْتُ عَنْ سَبْعَةِ أَسْهُمٍ وَخَلَّفَتْ أُمًّا وَأَخًا وَمَسْأَلَتُهُمَا مِنْ ثَلَاثَةٍ، وَسَبْعَةٌ عَلَى ثَلَاثَةٍ لَا تَنْقَسِمُ فَتُضْرَبُ ثَلَاثَةٌ فِي أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ فَتَصِيرُ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ لِلْمَرْأَةِ الثُّمُنُ تِسْعَةٌ وَلِلِابْنِ اثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ وَلِلْبِنْتِ إحْدَى وَعِشْرُونَ فَمَاتَتْ الْبِنْتُ عَنْ إحْدَى وَعِشْرِينَ سَهْمًا وَخَلَّفَ أُمًّا وَأَخًا لِلْأُمِّ الثُّلُثُ سَبْعَةٌ وَلِلْأَخِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ فَقَدْ حَصَلَ لِلْأُمِّ سِتَّةَ عَشَرَ وَلِلْأَخِ سِتَّةٌ وَخَمْسُونَ وَسِتَّةَ عَشَرَ تُوَافِقُ السِّتَّةَ وَالْخَمْسِينَ بِالثُّمُنِ فَيُرَدُّ ذَلِكَ إلَى ذَلِكَ الثُّمُنِ فَيَكُونُ ثُمُنُ السِّتَّةَ عَشَرَ سَهْمَانِ وَثُمُنُ السِّتَّةِ وَالْخَمْسِينَ سَبْعَةَ أَسْهُمٍ وَالتِّسْعَةُ تُوَافِقُ الثَّمَانِيَةَ وَالْأَرْبَعِينَ بِالثُّلُثِ فَيُضْرَبُ ثُلُثُ أَحَدِهِمَا فِي جَمِيعِ الْآخَرِ فَيَصِيرُ مِائَةً وَأَرْبَعَةً وَأَرْبَعِينَ، ثُمَّ ضَاعَفَ؛ لِأَنَّ هُنَا حَالَيْنِ حَالَ اسْتِهْلَاكِ الِابْنِ وَحَالَ اسْتِهْلَاكِ الْبِنْتِ فَصَارَ مِائَتَيْنِ وَثَمَانِيَةً وَثَمَانِينَ فَهَذَا جَمِيعُ الْمَالِ. وَفِي الْقُنْيَةِ سُئِلَ عَنْ صَبِيٍّ اسْتَهَلَّ فِي الْبَطْنِ وَانْفَصَلَ مَيِّتًا فَقَالَ: لَا يُعْتَبَرُ هَذَا الِاسْتِهْلَالُ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَلَوْ أَنَّ رَجُلَيْنِ لَيْسَ بَيْنَهُمَا قَرَابَةٌ تَزَوَّجَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أُمَّ الْآخَرِ فَوَلَدَتْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غُلَامًا فَقَرَابَةُ مَا بَيْنَهُمَا أَنَّ ابْنَ الْمُتَزَوِّجِ بِالْأُمِّ أَخٌ لِابْنِ الَّذِي تَزَوَّجَ الِابْنَةَ وَعَمُّهُ وَابْنُ الَّذِي تَزَوَّجَ الِابْنَةَ ابْنُ الْأُخْتِ لِلَّذِي تَزَوَّجَ الْأُمَّ وَابْنُ أُخْتِهِ فَلَا يَرِثُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ مَعَ سَائِرِ الْعَصَبَاتِ؛ لِأَنَّ الْعَمَّ لِأُمٍّ وَابْنَ الْأَخِ لِأُمٍّ مِنْ جُمْلَةِ ذَوِي الْأَرْحَامِ فَلَا يَرِثُونَ مَعَ أَحَدٍ مِنْ الْعَصَبَاتِ فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَزَوَّجَ ابْنَتَهَا مِنْ ابْنِهِ فَوُلِدَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غُلَامٌ فَقَرَابَةُ مَا بَيْنَ الْغُلَامَيْنِ أَنَّ ابْنَ الْأَبِ الَّذِي تَزَوَّجَ الْأُمَّ عَمُّ الِابْنِ الَّذِي تَزَوَّجَ الِابْنَةَ وَخَالُهُ وَابْنُ الِابْنِ ابْنُ أَخِ ابْنِ الْأَبِ وَابْنُ أُخْتِهِ فَأَيُّهُمَا مَاتَ وَرِثَ صَاحِبَهُ هَا هُنَا مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْعَمَّ عَصَبَةٌ وَكَذَلِكَ ابْنُ الْأَخِ لِأَبٍ عَصَبَةٌ، وَإِذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَصَبَةَ صَاحِبِهِ مِنْ أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ كَانَ وَارِثًا لَهُ فَإِنْ تَزَوَّجَ الْأَبُ الِابْنَةَ وَتَزَوَّجَ الِابْنُ الْأُمَّ فَوَلَدَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غُلَامٌ فَقَرَابَةُ مَا بَيْنَ الْوَلَدَيْنِ أَنَّ ابْنَ الْأَبِ عَمُّ ابْنِ الِابْنِ، وَابْنَ أُخْتِهِ وَابْنَ الِابْنِ خَالُ ابْنِ الْأَبِ وَابْنُ أَخِيهِ فَأَيُّهُمَا مَاتَ وَرِثَهُ الْآخَرُ بِالْعُصُوبَةِ. نَوْعٌ آخَرُ فِي هَذَا الْفَصْلِ رَجُلٌ مَاتَ وَتَرَكَ ثَلَاثَ بَنَاتٍ فَوَرِثَتْ إحْدَاهُنَّ ثُلُثَيْ الْمَالِ وَالْأُخْرَى ثُلُثَ الْمَالِ وَالثَّالِثَةُ لَمْ تَرِثْ شَيْئًا كَيْفَ كَانَتْ هَذِهِ قَالَ: إنَّهُ كَانَ فِي الْأَصْلِ الْأَبُ رَقِيقًا أَعْتَقَتْهُ إحْدَاهُنَّ فَقَتَلَهُ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ فَلِلْمُعْتَقَةِ الثُّلُثُ فَرْضًا وَلِغَيْرِ الْقَاتِلَةِ الثُّلُثُ فَرْضًا وَلِلْمُعْتَقَةِ الثُّلُثُ تَعْصِيبًا. رَجُلٌ مَاتَ وَتَرَكَ أَخًا لِأَبٍ وَأُمٍّ وَأَخًا لِامْرَأَتِهِ فَوَرِثَ الْمَالَ أَخُو امْرَأَتِهِ دُونَ أَخِيهِ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ كَيْفَ كَانَتْ هَذِهِ قَالَ بِأَنَّهُ كَانَ فِي الْأَصْلِ رَجُلٌ تَزَوَّجَ أُمَّ امْرَأَةِ أَبِيهِ فَوَلَدَتْ لَهُ وَلَدًا، ثُمَّ مَاتَ الْمُتَزَوِّجُ، ثُمَّ مَاتَ أَخُوهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَتَرَكَ خَالًا وَعَمًّا وَهَذَا الْمَوْلُودُ فِي دَرَجَةِ ابْنِ أَخِيهِ لِأَبِيهِ وَفِي دَرَجَةِ خَالِهِ لِأُمِّهِ فَالْمَالُ لِابْنِ الْأَخِ فَقَدْ وَرِثَ الْمَالَ الْخَالُ دُونَ الْعَمِّ رَجُلٌ دَخَلَ عَلَى مَرِيضٍ فَقَالَ لَهُ أَوْصِ فَقَالَ لِمَاذَا أُوصِي فَإِنَّ مَالِي يَرِثُهُ عَمَّتَاكَ وَخَالَتَاكَ وَجَدَّتَاكَ كَيْفَ كَانَتْ هَذِهِ قَالَ كَانَ هَذَا الْمَرِيضُ تَزَوَّجَ جَدَّتَيْ الرَّجُلِ أُمُّ أَبِيهِ وَأُمُّ أُمِّهِ فَوَلَدَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ لِلْمَرِيضِ ابْنَتَيْنِ فَلَمَّا مَاتَ الْمَرِيضُ تَرَكَ أَرْبَعَ بَنَاتٍ بِنْتَانِ مِنْهُنَّ خَالَتَا الرَّجُلِ وَبِنْتَانِ مِنْهُنَّ عَمَّتَا الرَّجُلِ وَالْمَرْأَتَانِ هُمَا جَدَّتَا الرَّجُلِ فَلَلْبِنْتَانِ الثُّلُثَانِ وَلِلْمَرْأَتَيْنِ الثُّمُنُ وَمَا بَقِيَ يُرَدُّ عَلَى الْبَنَاتِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَصَبَةٌ. وَسُئِلَ عَنْ رَجُلٍ وَرِثَهُ سَبْعَ عَشَرَ امْرَأَةً مَالُهُ بِالسَّوِيَّةِ فَأَجَابَ بِأَنَّ هَذَا الرَّجُلَ مَاتَ عَنْ جَدَّتَيْنِ وَثَلَاثِ نِسْوَةٍ وَأَرْبَعِ أَخَوَاتٍ لِأُمٍّ وَثَمَانِ أَخَوَاتٍ لِأَبٍ وَأُمٍّ فَلِلْجَدَّتَيْنِ السُّدُسُ سَهْمَانِ وَالنِّسْوَةِ الرُّبُعُ ثَلَاثَةٌ وَلِلْأَخَوَاتِ لِأُمٍّ الثُّلُثُ أَرْبَعَةٌ وَلِلْأَخَوَاتِ لِأُمٍّ وَأَبٍ الثُّلُثَانِ ثَمَانِيَةٌ فَأَصَابَ كُلَّ وَاحِدَةٍ سَهْمٌ. سُئِلَ عَنْ امْرَأَةٍ وَرِثَتْ أَرْبَعَةَ أَزْوَاجٍ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ فَصَارَ لَهَا نِصْفُ جَمِيعِ أَمْوَالِهِمْ وَلِلْعَصِبَةِ النِّصْفُ فَأَجَابَ بِأَنَّ هَذِهِ الْمَرْأَةَ تَزَوَّجَهَا أَرْبَعُ إخْوَةٍ وَبَعْضُهُمْ وَارِثُ بَعْضٍ وَكَانَ جَمِيعُ أَمْوَالِهِمْ ثَمَانِيَةً الجزء: 8 ¦ الصفحة: 575 عَشَرَ دِينَارًا لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ ثَمَانِيَةٌ وَلِلْآخَرِ سِتَّةٌ وَلِلثَّالِثِ ثَلَاثَةٌ وَلِلرَّابِعِ دِينَارٌ تَزَوَّجَهَا صَاحِبُ الثَّمَانِيَةِ، ثُمَّ مَاتَ عَنْهَا، ثُمَّ صَارَ لِصَاحِبِ السِّتَّةِ ثَمَانِيَةٌ وَلِصَاحِبِ الثَّلَاثَةِ خَمْسَةٌ وَلِصَاحِبِ الْوَاحِدِ ثَلَاثَةٌ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا الثَّانِي وَمَاتَ عَنْهَا وَتَرَكَ ثَمَانِيَةَ دَنَانِيرَ فَصَارَ لَهَا دِينَارَانِ بَقِيَ سِتَّةٌ بَيْنَ أَخَوَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَلَاثَةٌ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا الثَّالِثُ وَمَاتَ عَنْهَا وَتَرَكَ ثَمَانِيَةَ دَنَانِيرَ فَصَارَ لَهَا الرُّبُعُ دِينَارَانِ وَلِأَخِيهِ مَا بَقِيَ سِتَّةٌ فَصَارَ لَهُ اثْنَا عَشَرَ دِينَارًا فَصَارَ لَهَا الرُّبُعُ مِنْ ذَلِكَ ثَلَاثَةُ دَنَانِيرَ فَصَارَ جَمِيعُ مَا وَرِثَتْ تِسْعَةً مِنْ الْأَوَّلِ دِينَارَانِ وَمِنْ الثَّانِي دِينَارَانِ وَمِنْ الثَّالِثِ دِينَارَانِ وَمِنْ الرَّابِعِ ثَلَاثَةٌ وَلِلْعَصَبَةِ تِسْعَةُ دَنَانِيرَ. سُئِلَ عَنْ رَجُلَيْنِ وَرِثَ أَحَدُهُمَا ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الْمَالِ وَلِلْآخَرِ الرُّبُعُ فَأَجَابَ بِأَنَّ الْمَيِّتَةَ بِنْتُ عَمِّهِمَا وَأَحَدُهُمَا زَوْجُهَا فَلِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، فَنُصِيبُ الزَّوْجِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعٍ وَالْآخَرُ رُبُعٌ. سُئِلَ عَنْ رَجُلَيْنِ وَرِثَ أَحَدُهُمَا الثُّلُثَيْنِ وَالْآخَرُ الثُّلُثَ قَالَ: الْمَيِّتُ امْرَأَةٌ لَهَا ابْنَا عَمٍّ أَحَدُهُمَا أَخُوهَا لِأُمٍّ وَالْآخَرُ زَوْجُهَا فَيَكُونُ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَلِلْأَخِ مِنْ الْأُمِّ السُّدُسُ وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ فَنَصِيبُ الزَّوْجِ الثُّلُثَانِ وَنَصِيبُ الْآخَرِ الثُّلُثُ. سُئِلَ عَنْ ثَلَاثَةِ إخْوَةٍ وَرِثَ أَحَدُهُمْ الثُّلُثَيْنِ وَالْآخَرَانِ كُلُّ وَاحِدٍ سُدُسٌ قَالَ هَذِهِ الْمَرْأَةُ لَهَا ثَلَاثَةُ بَنِي عَمٍّ أَحَدُهُمْ زَوْجُهَا فَيَكُونُ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَالْبَاقِي بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا فَيَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ سُدُسُ رَجُلٍ وَرِثَتْهُ ثَلَاثُ نِسْوَةٍ أَثْلَاثًا إحْدَاهُنَّ أُمُّ الْأُخْرَى قَالَ هَذَا الرَّجُلُ زَوْجُ ابْنِ ابْنَتِهِ ابْنُ ابْنٍ لَهُ فَوَلَدَتْ لَهُ بِنْتًا، ثُمَّ مَاتَ ابْنُ الِابْنِ وَبَقَّى بِنْتًا ابْنُ ابْنِ أَحَدِهِمَا أُمُّ الْأُخْرَى، ثُمَّ مَاتَ الرَّجُلُ وَلَهُ أُخْتٌ فَصَارَ لِلِابْنَتَيْنِ الثُّلُثَانِ وَلِلْأُخْتِ الثُّلُثُ؛ لِأَنَّهَا عَصَبَةٌ مَعَ الْبَنَاتِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ فِي بَيَانِ مَا يُسْأَلُ عَنْ الْمُتَشَابِهَاتِ. ، وَإِنْ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ مَاتَ وَتَرَكَ ابْنَ عَمٍّ لِأَبٍ وَأُمٍّ فَوَرِثَ الْمَالَ ابْنُ الْعَمِّ دُونَ ابْنِ أَخِيهِ كَيْفَ يَكُونُ؟ قِيلَ: صُورَةُ هَذَا أَخَوَانِ وَلِأَحَدِهِمَا ابْنٌ اشْتَرَيَا جَارِيَةً فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَيَاهُ جَمِيعًا كَانَ ابْنًا لَهُمَا، ثُمَّ مَاتَ الْأَخَوَانِ، ثُمَّ مَاتَ ابْنُ أَحَدِهِمَا بَعْدَ مَوْتِهِمَا وَلَمْ يَتْرُكْ وَارِثًا غَيْرَ الِابْنِ الَّذِي كَانَ بَيْنَ أَبِيهِ وَعَمِّهِ وَكَانَ لَهُ ابْنُ أَخٍ لِأَبٍ وَأُمٍّ فَمِيرَاثُهُ لِأَخِيهِ لِأَبِيهِ وَهُوَ ابْنُ عَمِّهِ. وَيَسْقُطُ ابْنُ أَخِيهِ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ. ، وَإِنْ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ مَاتَ وَتَرَكَ ابْنَ عَمٍّ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَأَخًا لِأَبٍ فَوَرِثَ الْمَالَ ابْنُ عَمِّهِ دُونَ أَخِيهِ لِأَبِيهِ كَيْفَ يَكُونُ هَذَا؟ قِيلَ: هَذَا فِي الْأَصْلِ أَخَوَانِ وَلِأَحَدِهِمَا ابْنٌ فَاشْتَرَيَا جَارِيَةً فَجَاءَتْ بِابْنٍ فَادَّعَيَاهُ جَمِيعًا كَانَ ابْنًا لَهُمَا، ثُمَّ أَعْتَقَا هَذِهِ الْجَارِيَةَ فَتَزَوَّجَ بِهَا أَبُو الِابْنِ فَوَلَدَتْ لَهُ ابْنًا آخَرَ فَمَاتَ الْأَخَوَانِ وَمَاتَ الِابْنُ الَّذِي وَلَدَتْهُ بَعْدَ النِّكَاحِ وَتَرَكَ أَخًا لِأَبٍ وَأُمٍّ وَهُوَ ابْنُ عَمِّهِ وَأَخًا لِأَبٍ فَمِيرَاثُهُ لِابْنِ عَمِّهِ؛ لِأَنَّهُ أَخُوهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ. وَسُئِلَ عَنْ رَجُلٍ وَأُمِّهِ وَخَالَتِهِ وَرِثُوا الْمَالَ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا كَيْفَ يَكُونُ هَذَا فَهَذَا رَجُلٌ لَهُ بِنْتَانِ زَوْجُ أَحَدِهِمَا ابْنُ أَخِيهِ فَوَلَدَتْ لَهُ ابْنًا وَمَاتَ ابْنُ الْأَخِ وَمَاتَ الرَّجُلُ بَعْدَ ذَلِكَ وَتَرَكَ بِنْتَيْنِ وَابْنَ ابْنِ أَخٍ فَلِلْبِنْتَيْنِ الثُّلُثَانِ وَمَا بَقِيَ فَلِابْنِ ابْنِ الْأَخِ فَصَارَ لِابْنِ ابْنِ الْأَخِ الثُّلُثُ وَلِأُمِّهِ ثُلُثُ الْمَالِ وَلِخَالَتِهِ ثُلُثُ الْمَالِ. ، وَإِنْ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ مَاتَ وَتَرَكَ سَبْعَةَ إخْوَةٍ لِامْرَأَتِهِ فَوَرِثَتْ امْرَأَتُهُ الْمَالَ وَأَخَوَاتُهَا بِالسَّوِيَّةِ كَيْفَ يَكُونُ هَذَا؟ وَقِيلَ: رَجُلٌ تَزَوَّجَ بِأُمِّ امْرَأَةِ أَبِيهِ فَوَلَدَتْ لَهُ سَبْعَ بَنِينَ، ثُمَّ مَاتَ الِابْنُ وَمَاتَ أَبُوهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَتَرَكَ امْرَأَتَهُ وَسَبْعَةً بَنِي ابْنٍ فَلِلْمَرْأَةِ الثُّمُنُ سَهْمٌ وَبَقِيَ سَبْعَةُ أَسْهُمٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ سَهْمٌ. حُكِيَ أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ إلَى أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَتْ: إنَّ أَخِي مَاتَ وَتَرَكَ سِتَّمِائَةِ دِينَارٍ فَقَسَّمُوا تَرِكَتَهُ وَأَعْطَوْنِي مِنْهَا دِينَارًا وَاحِدًا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: وَمَنْ قَسَّمَهَا؟ قَالَتْ: تِلْمِيذُكَ دَاوُد الطَّائِيُّ، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ذَلِكَ حَقُّكِ، قَالَ: أَلَيْسَ تَرَكَ أَخُوك ابْنَتَيْنِ وَأُمًّا وَزَوْجَةً وَاثْنَيْ عَشَرَ أَخًا وَأُخْتًا؟ فَقَالَتْ: بَلَى. قَالَ: لِلْبِنْتَيْنِ الثُّلُثَانِ أَرْبَعُمِائَةِ دِينَارٍ وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ مِائَةُ دِينَارٍ وَلِلْمَرْأَةِ الثُّمُنُ خَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ دِينَارًا بَقِيَ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ دِينَارًا أَسْهُمٌ {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] لِكُلِّ أَخٍ دِينَارَانِ وَلِلْأُخْتِ دِينَارٌ وَاحِدٌ. مَسْأَلَةٌ لَوْ سُئِلَتْ عَنْ رَجُلٍ مَاتَ وَتَرَكَ دَنَانِيرَ وَوَرَثَةً فَإِنْ كَانَ الْوَارِثُ ابْنًا كَانَ لَهُ أَلْفَا دِينَارٍ، وَلَوْ كَانَ مَكَانُ الِابْنِ ابْنُ عَمٍّ كَانَ لَهُ عَشَرَةُ آلَافٍ الْجَوَابُ عَنْ هَذَا إذَا كَانَ الْمَالُ ثَلَاثِينَ أَلْفَ دِينَارٍ فَإِنْ كَانَ لَهُ ابْنٌ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ بِنْتًا كَانَ لِلِابْنِ أَلْفَا دِينَارٍ، وَلَوْ كَانَ مَكَانَ الِابْنِ ابْنُ عَمٍّ لِلْبَنَاتِ الثُّلُثَانِ وَالْبَاقِي لِابْنِ الْعَمِّ وَهُمْ عَشَرَةُ آلَافٍ. مَسْأَلَةٌ، وَلَوْ سُلْت عَنْ رَجُلٍ مَاتَ وَتَرَكَ أَخَوَيْنِ لِأَبٍ أَحَدُهُمَا لِلْأُمِّ وَأُخْتَيْنِ لِأُمٍّ أَحَدُهُمَا لِأَبٍ كَيْفَ يُقْسَمُ الْمَالُ بَيْنَهُمْ الْجَوَابُ عَنْ هَذَا رَجُلٌ مَاتَ وَتَرَكَ أَخًا وَأُخْتًا لِأَبٍ وَأُمٍّ وَأَخًا لِأَبٍ فَيُقْسَمُ الْمَالُ بَيْنَهُمْ لِلْأُخْتِ مِنْ الْأَبِ السُّدُسُ وَالْبَاقِي بَيْنَ الْأَخِ وَالْأُخْتِ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَلَا شَيْءَ لِلْأَخِ مِنْ الْأَبِ. مَسْأَلَةٌ، وَلَوْ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ وَابْنَتِهِ وَوَرِثَا مَالًا بِالسَّوِيَّةِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 576 كَيْفَ ذَلِكَ؟ الْجَوَابُ: هَذِهِ امْرَأَةٌ تَزَوَّجُهَا ابْنُ عَمٍّ فَوَلَدَتْ لَهُ ابْنَةً، ثُمَّ مَاتَتْ الْمَرْأَةُ وَصَارَ لِابْنَتِهَا مِنْ مِيرَاثِهَا النِّصْفُ وَالنِّصْفُ الْبَاقِي لِزَوْجِهَا وَهُوَ ابْنُ عَمِّهَا. مَسْأَلَةٌ. وَلَوْ سُئِلَ عَنْ امْرَأَةٍ وَجَدَّتِهَا أُمِّ الْأُمِّ وَوَرِثَا مَالًا بِالسَّوِيَّةِ الْجَوَابُ عَنْ هَذَا رَجُلٌ زَوَّجَ بِنْتَ أُخْتِهِ لِابْنِ ابْنِهِ فَوَلَدَتْ لَهُمَا بِنْتًا مَاتَ الزَّوْجُ، ثُمَّ مَاتَ الْجَدُّ وَتَرَكَ بِنْتَ ابْنِ ابْنِهِ وَأُخْتَهُ وَهِيَ جَدَّتُهَا أُمُّ أُمِّهِ فَصَارَ لِابْنَةِ ابْنِ ابْنِهِ النِّصْفُ وَمَا بَقِيَ فَلِلْأُخْتِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا تَوَارُثَ بَيْنَ الْغَرْقَى وَالْحَرْقَى إلَّا إذَا عُلِمَ تَرْتِيبُ الْمَوْتِ) أَيْ إذَا مَاتَ جَمَاعَةٌ فِي الْغَرَقِ أَوْ الْحَرْقِ وَلَا يُدْرَى أَيُّهُمْ مَاتَ أَوَّلًا جُعِلُوا كَأَنَّهُمْ مَاتُوا جَمِيعًا فَيَكُونُ مَالُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لِوَرَثَتِهِ وَلَا يَرِثُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إلَّا إذَا عُرِفَ تَرْتِيبُ مَوْتِهِمْ فَيَرِثُ الْمُتَأَخِّرُ مِنْ الْمُتَقَدِّمِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَزَيْدٍ وَأَحَدُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِرْثَ يُبْنَى عَلَى الْيَقِينِ بِسَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ وَشَرْطُهُ وَهُوَ حَيَاةُ الْوَارِثِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوَرَّثِ وَلَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ فَلَا يَرِثُ بِالشَّكِّ وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ إذَا مَاتُوا بِهَدْمِ الْجِدَارِ عَلَيْهِمْ أَوْ فِي الْمَعْرَكَةِ وَلَا يُدْرَى أَيُّهُمْ مَاتَ أَوَّلًا. وَفِي الْأَصْلِ أَخَوَانِ غَرِقَا وَخَلَّفَ أَحَدُهُمَا بِنْتًا وَعِشْرِينَ دِينَارًا مَثَلًا وَخَلَّفَ الْآخَرُ بِنْتًا وَعَشْرَةَ دَنَانِيرَ فَعَلَى قَوْلِ عَامَّةِ الصَّحَابَةِ وَعَامَّةِ الْفُقَهَاءِ لِلْبِنْتِ النِّصْفُ مِنْ الْمَالِ وَالنِّصْفُ الْبَاقِي لِابْنِ الْعَمِّ، وَمَا تَرَكَهُ الْآخَرُ لِابْنِهِ أَخَوَانِ مُعْتَقَانِ غَرِقَا وَخَلَّفَ أَحَدُهُمَا ابْنًا وَبِنْتًا وَخَلَّفَ الْآخَرُ بِنْتَ ابْنٍ وَمَوْلَى فَاَلَّذِي خَلَّفَ ابْنَةَ ابْنٍ مَالُهُ عَلَى قَوْلِ الْعَامَّةِ بَيْنَ ابْنَةِ ابْنِهِ وَبَيْنَ ابْنِ أَخِيهِ الَّذِي غَرِقَ مَعَهُ نِصْفَانِ النِّصْفُ لِابْنَةِ الِابْنِ وَالنِّصْفُ لِابْنِ الْأَخِ وَحْدَهُ. امْرَأَةٌ وَابْنُهَا غَرِقَا وَخَلَّفَتْ الْمَرْأَةُ زَوْجًا هُوَ أَبُ الِابْنِ وَخَلَّفَ الِابْنُ أَبَاهُ وَابْنًا فَعَلَى قَوْلِ الْعَامَّةِ مَالُ الْمَرْأَةِ يُقْسَمُ بَيْنَ زَوْجِهَا وَبَيْنَ ابْنِ ابْنِهَا وَلِلزَّوْجِ الرُّبُعُ وَالْبَاقِي لِابْنِ الِابْنِ وَمَالُ الِابْنِ يُقْسَمُ بَيْنَ ابْنِهِ وَبَيْنَ الْأَبِ لِلْأَبِ السُّدُسُ وَالْبَاقِي لِلِابْنِ وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ يَخْرُجُ جِنْسُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ. [مِيرَاث ذَوِي الْأَرْحَام] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَذُو رَحِمٍ) وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَذُو فَرْضٍ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ (وَهُوَ قَرِيبٌ لَيْسَ بِذِي سَهْمٍ وَلَا عَصَبَةٍ) أَيْ ذُو الرَّحِمِ وَهُوَ قَرِيبٌ لَيْسَ بِوَارِثٍ بِفَرْضٍ وَلَا بِعَصَبَةٍ وَهَذَا عَلَى اصْطِلَاحِ أَهْلِ هَذَا الْعِلْمِ وَفِي الْحَقِيقَةِ الْوَارِثُ لَا يَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ ذَا رَحِمٍ وَتَحْتَهُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ قَرِيبٌ وَهُوَ ذُو سَهْمٍ وَقَرِيبٌ هُوَ عَصَبَةٌ وَقَرِيبٌ لَيْسَ بِذِي سَهْمٍ وَلَا عَصَبَةٍ فَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ فِي الْأَوَّلَيْنِ وَبَقِيَ فِي الثَّالِثِ فَنَقُولُ عِنْدَنَا هُمْ يَرِثُونَ عِنْدَ عَدَمِ النَّوْعَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - غَيْرَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فَإِنَّهُ قَالَ لَا مِيرَاثَ لِذَوِي الْأَرْحَامِ بَلْ يُوضَعُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَبِهِ أَخَذَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ «أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ جَاءَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ رَجُلٌ هَلَكَ وَتَرَكَ عَمَّتَهُ وَخَالَتَهُ فَسَأَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ قَالَ: لَا شَيْءَ لَهُمَا وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِ لَا أَرَى يَنْزِلُ عَلَيَّ شَيْءٌ لَا شَيْءَ لَهُمَا، وَرُوِيَ أَنَّهُ قَالَ لَا أَجِدُ لَهُمَا شَيْئًا» وَإِذَا لَمْ يَنْزِلْ عَلَيْهِ شَيْءٌ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ بِالرَّأْيِ؛ لِأَنَّ الْمَقَادِيرَ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهَا بِالرَّأْيِ، وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - آخَى بَيْنَ أَصْحَابِهِ فَكَانُوا يَتَوَارَثُونَ بِذَلِكَ حَتَّى نَزَلَتْ {وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} [الأنفال: 75] فَتَوَارَثُوا بِذَلِكَ» وَعَنْ الْمِقْدَادِ بْنِ مَعْدِي عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ، وَأَنَا وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ أَعْقِلُ عَنْهُ وَأَرِثُهُ، وَالْخَالُ وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ يَعْقِلُ عَنْهُ وَيَرِثُهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُمَا «وَحِينَ مَاتَ ثَابِتُ بْنُ الدَّحْدَاحِ وَكَانَ غَرِيبًا لَا يُعْرَفُ مَنْ أَيْنَ هُوَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبُو لُبَابَةَ بْنُ الْمُنْذِرِ ابْنُ أُخْتِهِ فَأَعْطَاهُ مِيرَاثَهُ» . وَعَنْ أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ أَنَّ رَجُلًا رَمَى رَجُلًا بِسَهْمٍ فَقَتَلَهُ وَلَيْسَ لَهُ وَارِثٌ إلَّا خَالًا فَكَتَبَ فِي ذَلِكَ أَبُو عُبَيْدَةَ إلَى عُمَرَ فَكَتَبَ عُمَرُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «اللَّهُ وَرَسُولُهُ مَوْلَى مَنْ لَا مَوْلَى لَهُ وَالْخَالُ وَارِثُ مَنْ لَا وَارِث لَهُ» وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ هَذَا آثَارٌ مُتَّصِلَةٌ قَدْ تَوَارَثَتْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَى هَذَا كَانَتْ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - حَتَّى رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي عَمٍّ لِأُمٍّ وَخَالَةٍ أَعْطَى الْعَمَّ الثُّلُثَيْنِ وَالْخَالَةَ الثُّلُثَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ مَنْ هُوَ أَوْلَى مِنْهُمَا أَوْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ نُزُولِ الْآيَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا شَيْءَ لَهُمَا» أَرَادَ بِهِ الْفَرْضَ أَيْ لَا فَرْضَ لَهُمَا مُقَدَّرٌ، وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ فَإِنْ قِيلَ: لَا حُجَّةَ لَكُمْ فِي الْآيَةِ لِأَنَّهَا نَزَلَتْ بِرَدِّ التَّوَارُثِ بِالْإِخَاءِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهَا الْعَصَبَةَ وَأَصْحَابَ السِّهَامِ وَلَيْسَ فِيهَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا غَيْرُهُمْ قُلْنَا الْعِبْرَةُ لِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا لِخُصُوصِ السَّبَبِ وَهِيَ عَامَّةٌ فَيُعْمَلُ بِعُمُومِهَا عَلَى أَنَّ كَثِيرًا مِنْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 577 أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ مِنْهُمْ شُرَيْحٌ خَالَفُوهُ وَذَهَبُوا إلَى تَوْرِيثِ ذَوِي الْأَرْحَامِ وَهُوَ اخْتِيَارُ فُقَهَائِهِمْ لِلْفَتْوَى فِي زَمَانِنَا لِفَسَادِ بَيْتِ الْمَالِ فَصَرْفُهُ فِي غَيْرِ الْمَصَارِفِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَرِثُ مَعَ ذِي سَهْمٍ وَعَصَبَةٍ سِوَى أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِعَدَمِ الرَّدِّ عَلَيْهِمَا) أَيْ لَا يَرِثُ ذَوُو الْأَرْحَامِ مَعَ وُجُودِ ذَوِي فَرْضٍ أَوْ عَصَبَةٍ إلَّا إذَا كَانَ صَاحِبُ الْفَرْضِ أَحَدَ الزَّوْجَيْنِ فَيَرِثُونَ مَعَهُ لِعَدَمِ الرَّدِّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْعَصَبَةَ أَوْلَى. وَكَذَا الرَّدُّ عَلَى ذِي السِّهَامِ أَوْلَى مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ؛ لِأَنَّهُمْ أَقْرَبُ إلَّا الزَّوْجَيْنِ لِأَنَّهُمَا لَا قَرَابَةَ لَهُمَا مَعَ الْمَيِّتِ فَلِهَذَا لَا يُرَدُّ عَلَيْهِمَا مَا فَضَلَ مِنْ فَرْضِهِمَا، وَعَلَيْهِ عَامَّةُ الصَّحَابَةِ وَكَانَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ يَرُدُّ عَلَى الزَّوْجَيْنِ أَيْضًا، وَقَدْ عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَرْتِيبُهُمْ كَتَرْتِيبِ الْعَصَبَاتِ) يَعْنِي: تَرْتِيبُ ذَوِي الْأَرْحَامِ فِي الْإِرْثِ كَتَرْتِيبِ الْعَصَبَاتِ يُقَدَّمُ فُرُوعُ الْمَيِّتِ كَأَوْلَادِ الْبَنَاتِ، وَإِنْ سَفَلُوا، ثُمَّ أُصُولُهُ كَالْأَجْدَادِ الْفَاسِدِينَ وَالْجَدَّاتِ الْفَاسِدَاتِ، وَإِنْ عَلَوْا، ثُمَّ فُرُوعُ أَبَوَيْهِ كَأَوْلَادِ الْأَخَوَاتِ وَبَنَاتِ الْإِخْوَةِ وَبَنِي الْإِخْوَةِ لِأُمٍّ، وَإِنْ نَزَلُوا، ثُمَّ فَرْعُ جَدِّهِ وَجَدَّتِهِ كَالْعَمَّاتِ وَالْأَعْمَامِ لِأُمٍّ وَالْأَخْوَالِ وَالْخَالَاتِ، وَإِنْ بَعُدُوا فَصَارُوا أَرْبَعَةَ أَصْنَافٍ وَرَوَى أَبُو سُلَيْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ أَوْلَاهُمْ بِالْمِيرَاثِ الْأُصُولُ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْفَرْعَ أَقْرَبُ كَمَا فِي الْعَصَبَاتِ، وَفِي الْمُضْمَرَاتِ وَهُمْ عَشَرَةُ أَوْلَادٍ: الْبَنَاتُ وَأَوْلَادُ الْأَخَوَاتِ وَبَنَاتُ الْأَخِ، وَبِنْتُ الْعَمِّ، وَالْخَالُ، وَالْخَالَةُ، وَأَبُ الْأُمِّ وَعَمُّ الْأُمِّ وَالْعَمَّةُ وَوَلَدُ الْأَخِ وَمَنْ أَدْلَى بِهِمْ وَفِي الْعُثْمَانِيِّ وَهُمْ خَمْسَةُ أَصْنَافٍ أَوَّلُهُمْ أَوْلَادُ الْبَنَاتِ، وَالثَّانِي الْجَدُّ الْفَاسِدُ وَالْجَدَّاتُ، وَالثَّالِثُ أَوْلَادُ الْأَخَوَاتِ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ، وَأَوْلَادُ بَنَاتِ الِابْنِ، وَأَوْلَادُ الْإِخْوَةِ، وَالْأَخَوَاتُ لِأُمٍّ وَبَنَاتُ الْأَعْمَامِ وَأَوْلَادُ هَؤُلَاءِ الْإِخْوَةِ كُلُّهُمْ وَالرَّابِعُ الْأَعْمَامُ لِأُمٍّ وَالْأَخْوَالُ وَالْخَالَاتُ وَالْعَمَّاتُ وَبَنَاتُ الْأَعْمَامِ، وَأَوْلَادُ هَؤُلَاءِ وَالْخَامِسُ عَمَّاتُ الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ كُلُّهُمْ وَأَخْوَالُهُمْ وَخَالَاتُهُمْ وَأَعْمَامُ الْأَبَاءِ بِالْأُمِّ وَأَعْمَامُ الْأُمَّهَاتِ كُلُّهُمْ وَأَوْلَادُ هَؤُلَاءِ فَأَوْلَاهُمْ بِالْمِيرَاثِ أَوَّلُهُمْ، ثُمَّ ثَانِيهِمْ، ثُمَّ ثَالِثُهُمْ، ثُمَّ رَابِعُهُمْ، ثُمَّ خَامِسُهُمْ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْجَدَّ الْفَاسِدَ أَوْلَى بِالْمِيرَاثِ مِنْ أَوْلَادِ الْبَنَاتِ وَأَوْلَادِ بَنَاتِ الِابْنِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: وَأَوْلَادُ الْأَخَوَاتِ وَبَنَاتُ الْإِخْوَةِ أَوْلَى مِنْ الْجَدِّ الْفَاسِدِ، أَبُو الْأُمِّ، وَكُلُّ وَاحِدٍ أَوْلَى مِنْ وَلَدِهِ، وَوَلَدُ وَلَدِهِ أَوْلَى مِنْ أَبَوَيْهِ عِنْدَهُمَا وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَقَدْ صَحَّ رُجُوعُ أَبِي حَنِيفَةَ إلَى قَوْلِهِمَا فِي تَقْدِيمِ أَوْلَادِ الْبَنَاتِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَالْحُكْمُ فِيهِمْ أَنَّهُ إذَا انْفَرَدَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ يَسْتَحِقُّ جَمِيعَ الْمَالِ وَهَذَا لِأَنَّ ذَوِي الْأَرْحَامِ يَرِثُونَ عَلَى التَّعْصِيبِ مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّهُمْ يَرِثُونَ بِالْقَرَابَةِ مِنْ الْمَيِّتِ وَلَيْسَ لَهُمْ سَهْمٌ مُقَدَّرٌ، وَالْعَصَبَةُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ذَكَرٌ يُدْلِي بِعَصَبَةٍ ذَكَرٍ، وَلَا يَكُونُ لَهُ سَهْمٌ مُقَدَّرٌ فَفِي حَقِّ ذَوِي الْأَرْحَامِ إذَا لَمْ تُوجَدْ الذُّكُورَةُ وَالْإِدْلَاءُ إلَى الْمَيِّتِ بِعَصَبَةٍ ذَكَرٍ وُجِدَ الْمَعْنَى الْآخَرُ، وَهُوَ أَنَّهُ قَرِيبٌ لَيْسَ لَهُ سَهْمٌ مُقَدَّرٌ وَكَانُوا عَصَبَةً مِنْ وَجْهٍ فَيُعْتَبَرُ بِمَنْ يَرِثُ بِالتَّعْصِيبِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ أَنْ يَسْتَحِقَّ جَمِيعَ الْمَالِ إذَا انْفَرَدَ، وَكَذَا هُنَا وَهُمْ فِي الْحَاصِلِ أَصْنَافٌ صِنْفٌ يَنْتَهِي إلَى الْمَيِّتِ، وَهُوَ السَّاقِطُ مِنْ وَلَدِ الْوَلَدِ وَإِنَّمَا اعْتَبَرْنَا بِالسَّاقِطِ؛ لِأَنَّ وَلَدَ الْوَلَدِ عَلَى ضَرْبَيْنِ ثَابِتٌ، وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ أَصْحَابِ الْفَرَائِضِ وَهُوَ بِنْتُ الِابْنِ أَوْ هُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْعَصَبَاتِ وَهُوَ ابْنُ الِابْنِ وَسَاقِطٌ هُوَ دَاخِلٌ فِي جُمْلَةِ ذَوِي الْأَرْحَامِ وَهُوَ وَلَدُ الْبِنْتِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى وَصِنْفٌ يَنْتَمِي إلَيْهِ الْمَيِّتُ كَالْجَدِّ الْفَاسِدِ وَالْجَدَّةِ الْفَاسِدَةِ، وَصِنْفٌ يَنْتَمِي إلَى أَبَوَيْ الْمَيِّتِ كَبَنَاتِ الْإِخْوَةِ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ، وَأَوْلَادِ الْأَخَوَاتِ كُلِّهَا. وَصِنْفٌ يَنْتَمِي إلَى جَدَّيْ الْمَيِّتِ كَالْأَعْمَامِ لِأَبٍ وَأُمٍّ لِأَبٍ وَصِنْفٌ يَنْتَمِي إلَى أَبَوَيْ جَدَّيْ الْمَيِّتِ، وَهُوَ أَعْمَامُ الْأَبِ وَعَمَّاتُهُ وَأَخْوَالُهُ وَخَالَاتُهُ وَأَعْمَامُ الْأُمِّ كُلُّهُمْ وَعَمَّاتُهَا وَأَخْوَالُهَا وَخَالَاتُهَا وَأَوْلَادُهُمْ وَفِي الْكَافِي وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ ذَوِي الْأَرْحَامِ لَا يُحْجَبُونَ بِالزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ أَيْ يَرِثُونَ مَعَهَا فَيُعْطَى الزَّوْجُ أَوْ الزَّوْجَةُ نَصِيبَهُ، ثُمَّ يُقْسَمُ الْبَاقِي بَيْنَ ذَوِي الْأَرْحَامِ كَمَا سَنَعْرِفُهُ مِثَالُهُ زَوْجٌ وَبِنْتُ بِنْتٍ وَخَالَةٌ وَبِنْتُ عَمٍّ فَلِلزَّوْجِ النِّصْفُ، وَالْبَاقِي لِبِنْتِ الْبِنْتِ، وَأَمَّا الْكَلَامُ فِي الصِّنْفِ الْأَوَّلِ فَأَوْلَاهُمْ بِالْمِيرَاثِ أَقْرَبُهُمْ إلَى الْمَيِّتِ حَتَّى كَانَتْ بِنْتُ الْبِنْتِ أَوْلَى مِنْ بِنْتِ بِنْتِ الْبِنْتِ فَإِنْ اسْتَوَوْا فِي الْقُرْبِ فَمَنْ كَانَ وَلَدَ الْوَارِثِ فَهُوَ أَوْلَى مِثَالُهُ إذَا تَرَكَ بِنْتَ بِنْتِ بِنْتٍ، وَبِنْتَ بِنْتِ ابْنٍ فَالْمَالُ لِبِنْتِ بِنْتِ الِابْنِ؛ لِأَنَّ أُمَّهَا وَارِثَةٌ، وَكَذَلِكَ إذَا تَرَكَ ابْنَ ابْنِ بِنْتٍ، وَبِنْتَ بِنْتِ ابْنٍ فَالْمَالُ لِبِنْتِ بِنْتِ الِابْنِ كَمَا ذَكَرْنَا، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَقْرَبَ، وَالْآخَرُ وَلَدَ الْوَارِثِ لَا يَكُونُ أَوْلَى، وَفِي الذَّخِيرَةِ فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ حَتَّى إنَّهُ إذَا تَرَكَ بِنْتَ بِنْتِ الْبِنْتِ وَبِنْتَ بِنْتِ ابْنِ ابْنٍ كَانَ بِنْتُ بِنْتِ الْبِنْتِ أَوْلَى لِكَوْنِهَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 578 أَقْرَبَ، وَإِنْ اسْتَوَوْا فِي الْقُرْبِ وَلَيْسَ فِيهِمْ وَلَدُ الْوَارِثِ فَالْمَالُ يُقْسَمُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ، وَإِنْ كَانُوا ذُكُورًا كُلُّهُمْ أَوْ إنَاثًا كُلُّهُمْ، وَإِنْ كَانُوا مُخْتَلِطِينَ فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَهُنَا بِلَا خِلَافٍ إذَا اتَّفَقَ صِفَةُ الْأُصُولِ فِي الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ أَعْنِي بِالْأُصُولِ الْآبَاءَ وَالْأُمَّهَاتِ، وَاتَّفَقَ صِفَةُ أَبْدَانِ الْفُرُوعِ فِي الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ. وَإِنْ اخْتَلَفَتْ صِفَةُ الْأُصُولِ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يُعْتَبَرُ أَبْدَانُ الْفُرُوعِ وَيُقْسَمُ الْمَالُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ إنْ كَانُوا ذُكُورًا كُلُّهُمْ أَوْ إنَاثًا كُلُّهُنَّ، وَإِنْ كَانُوا مُخْتَلِطِينَ فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، ثُمَّ مَا أَصَابَ كُلَّ بَطْنٍ فَهُوَ لِوَلَدِهِ، وَكَانَ أَبُو يُوسُفَ أَوَّلًا يَقُولُ كَمَا قَالَ مُحَمَّدٌ، ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ وَقَالَ كَمَا ذَكَرْنَا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خواهر زاده وَعَامَّةُ مَشَايِخِنَا يَجْعَلُونَ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ مَعَ قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْمَشَايِخِ قَالُوا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي هَذَا رِوَايَتَانِ بَيَانُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ إذَا تَرَكَ بِنْتَ بِنْتٍ وَابْنَ بِنْتٍ فَالْمَالُ بَيْنَهُمَا {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] وَكَذَلِكَ إذَا تَرَكَ ابْنَ ابْنِ بِنْتٍ وَبِنْتَ بِنْتِ بِنْتٍ فَالْمَالُ بَيْنَهُمْ {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] ، وَلَوْ تَرَكَ بِنْتَ بِنْتِ بِنْتٍ وَبِنْتَ ابْنِ بِنْتٍ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الْمَالُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ اعْتِبَارًا لِأَبْدَانِهِمَا وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا ثُلُثَاهُ لِبِنْتِ ابْنِ الْبِنْتِ وَثُلُثُهُ لِبِنْتِ بِنْتِ الْبِنْتِ اعْتِبَارًا بِأُصُولِهِمَا كَأَنَّهُ مَاتَ عَنْ ابْنِ بِنْتٍ وَبِنْتِ بِنْتٍ وَوَلَدَيْ ابْنِ بِنْتٍ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْمَالُ بَيْنَهُمْ بِاعْتِبَارِ الْأَبْدَانِ عَلَى سِتَّةٍ لِكُلِّ ذَكَرٍ سَهْمَانِ، وَلِكُلِّ أُنْثَى سَهْمٌ، وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ يُقْسَمُ بِاعْتِبَارِ الْآبَاءِ فَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ تَرَكَ بِنْتَ بِنْتٍ وَابْنَ بِنْتٍ فَيَكُونُ ثُلُثَا الْمَالِ لِابْنِ الْبِنْتِ، وَالثُّلُثُ لِبِنْتِ الْبِنْتِ، ثُمَّ مَا أَصَابَ ابْنَ الْبِنْتِ يُقْسَمُ بَيْنَ وَلَدَيْهِ أَثْلَاثًا ثُلُثَاهُ لِابْنِهِ وَثُلُثُهُ لِبِنْتِهِ. وَمَا أَصَابَ بِنْتَ الْبِنْتِ يُقْسَمُ بَيْنَ وَلَدَيْهَا أَثْلَاثًا أَيْضًا ثُلُثُهُ لِبِنْتِهَا وَثُلُثَاهُ لِابْنِهَا فَتَكُونُ الْقِسْمَةُ مِنْ تِسْعَةٍ. وَفِي الْكَافِي: وَلَوْ تَرَكَ بِنْتَيْ ابْنِ الْبِنْتِ وَابْنَ بِنْتِ بِنْتٍ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ظَاهِرٌ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُقْسَمُ أَخْمَاسًا خُمُسُ الْمَالِ لِابْنِ بِنْتِ الْبِنْتِ، وَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ لَبِنْتَيْ ابْنِ الْبِنْتِ كَأَنَّهُ مَاتَ عَنْ ابْنَيْ بِنْتٍ وَبِنْتِ بِنْتٍ فَمَا أَصَابَ بِنْتَ الْبِنْتِ فَلِوَلَدِهَا وَمَا أَصَابَ الِابْنَ فَلِوَلَدِهِ ، وَلَوْ تَرَكَ ابْنَيْ بِنْتِ بِنْتِ بِنْتٍ وَبِنْتَ ابْنِ بِنْتِ بِنْتٍ وَبِنْتَيْ بِنْتِ ابْنِ بِنْتٍ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الْمَالُ بَيْنَ الْفُرُوعِ أَسْبَاعًا بِاعْتِبَارِ أَبْدَانِهِمْ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُقْسَمُ الْمَالُ فِي الْبَطْنِ الثَّانِي أَسْبَاعًا بِاعْتِبَارِ عَدَمِ الْفُرُوعِ الْأُصُولِ؛ إذْ أَرْبَعَةُ أَسْبَاعِهِ لَبِنْتَيْ بِنْتِ ابْنِ الْبِنْتِ نَصِيبُ أَحَدِهِمَا، وَثَلَاثَةُ أَسْبَاعِهِ وَهُوَ نَصِيبُ الْبِنْتَيْنِ يُقْسَمُ عَلَى وَلَدَيْهِمَا فِي الْبَطْنِ الثَّالِثِ أَيْضًا فَنِصْفُهَا لِبِنْتِ ابْنِ الْبِنْتِ نَصِيبُ أَبِيهَا وَالنِّصْفُ الْآخَرُ لِابْنَيْ بِنْتِ بِنْتِ الْبِنْتِ نَصِيبُ أُمِّهَا وَتَصِحُّ مِنْ ثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِينَ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ أَشْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي جَمِيعِ ذَوِي الْأَرْحَامِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَقَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي الْمَبْسُوطِ: قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ أَسْهَلُ. وَلَوْ تَرَكَ وَلَدَيْ بِنْتِ بِنْتٍ وَبِنْتَ ابْنِ بِنْتٍ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْمَالُ بَيْنَهُمْ بِاعْتِبَارِ أَبْدَانِهِمْ عَلَى أَرْبَعَةِ أَسْهُمٍ: سَهْمٌ لِبِنْتِ ابْنِ الْبِنْتِ، وَثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ لِوَلَدَيْ بِنْتِ الْبِنْتِ، سَهْمَانِ لِلِابْنِ، وَسَهْمٌ لِلْبِنْتِ، وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ الْقَسْمُ بِاعْتِبَارِ الْآبَاءِ يُجْعَلُ كَأَنَّهُ مَاتَ عَنْ ابْنِ بِنْتٍ وَعَنْ بِنْتِ بِنْتٍ فَيُقْسَمُ الْمَالُ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا ثُلُثَاهُ لِابْنِ الْبِنْتِ وَثُلُثُهُ لِبِنْتِ الْبِنْتِ، ثُمَّ مَا أَصَابَ ابْنَ الْبِنْتِ يُسَلَّمُ لِوَلَدِهِ وَمَا أَصَابَ بِنْتَ الْبِنْتِ يُقْسَمُ بَيْنَ وَلَدَيْهَا أَثْلَاثًا الثُّلُثَانِ لِلِابْنِ وَالثُّلُثُ لِلْبِنْتِ فَيُحْتَاجُ إلَى حِسَابٍ يُقْسَمُ ثُلُثُهُ أَثْلَاثًا، وَأَقَلُّ ذَلِكَ تِسْعَةٌ. وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ يَخْرُجُ جِنْسُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَمَشَايِخُ بُخَارَى أَخَذُوا بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَبَعْدَ الصِّنْفِ الْأَوَّلِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الْآخَرِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ أَيْ الْأَصْنَافُ أَوْلَى قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الْأَجْدَادُ وَالْجَدَّاتُ أَوْلَى وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ أَوْلَادُ الْأَخَوَاتِ وَبَنَاتُ الْإِخْوَةِ أَوْلَى لِأَنَّ أَوْلَادَ الْأَخَوَاتِ أَوْلَادُ صَاحِبَاتِ فَرْضٍ، وَبَنَاتُ الْإِخْوَةِ أَوْلَادُ عَصَبَةٍ، وَالْجَدَّاتُ لَيْسُوا وَلَدَ صَاحِبِ فَرْضٍ وَلَا وَلَدَ عَصَبَةٍ وَلَا وَلَدَ ذِي سَهْمٍ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ ذَوُو الْأَرْحَامِ يُوَرَّثُونَ عَلَى سَبِيلِ التَّعْصِيبِ مِنْ وَجْهٍ، وَفِي الْعَصَبَاتِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَالْجَدَّاتُ يَرِثُونَ؛ لِأَنَّ الْأَبَ مُقَدَّمٌ عَلَى أَوْلَادِ ابْنِهِ عِنْدِي حَتَّى إنَّ أَوْلَادَ الْإِخْوَةِ لِأَبٍ وَأُمٍّ لَا يَرِثُونَ مَعَ الْأَبِ عِنْدَنَا فَكَذَا فِي ذَوِي الْأَرْحَامِ الْجَدَّاتُ لِأُمٍّ هُمْ فِي دَرَجَةِ أَبِي الْأَبِ؛ لِأَنَّهُ يَتَّصِلُ بِالْمَيِّتِ بِتَوَجُّهٍ كَأَبِ الْأَبِ يَصِيرُ مُقَدَّمًا عَلَى أَوْلَادِ الْإِخْوَةِ فَتَصِيرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى قَوْلِهِ فَشَرَعَ تِلْكَ الْمَسْأَلَةَ. وَأَمَّا الْكَلَامُ فِي الْأَجْدَادِ الْفَاسِدَةِ وَالْجَدَّاتِ الْفَاسِدَةِ فَأَوْلَاهُمْ بِالْمِيرَاثِ أَقْرَبُهُمْ إلَى الْمَيِّتِ فَإِنْ اسْتَوَوْا فِي الْقُرْبِ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي سَهْلٍ الْفَرَائِضِيِّ وَجَمَاعَةٍ مِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ يُدْلِي إلَى الْمَيِّتِ بِوَارِثِ فَهُوَ أَوْلَى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 579 وَفِي الْمُغْرِبِ أَدْلِيَةُ الدَّلْوِ سَلَبُهَا فِي الْبِئْرِ يُدْلِي إلَى الْمَيِّتِ أَيْ يَتَّصِلُ، وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْجُرْجَانِيُّ مَنْ يُدْلِي إلَى الْمَيِّتِ بِالْوَارِثِ لَيْسَ بِأَوْلَى، بَيَانُهُ إذَا مَاتَ الرَّجُلُ وَتَرَكَ أَبَا أُمِّ الْأَبِ وَأَبَ أَبِ الْأُمِّ لَا يُدْلِي إلَى الْمَيِّتِ بِالْوَارِثِ،. وَبِهِ كَانَ يُفْتِي الْقَاضِي الْإِمَامُ الشَّهِيدُ عَبْدُ الْوَاحِدِ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي سُلَيْمَانَ ثُلُثَا الْمَالِ لِأَبِ أُمِّ الْأَبِ، وَالثُّلُثُ لِأَبِ أَبِ الْأُمِّ، وَكَذَا إذَا تَرَكَ أَبَ الْأُمِّ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي سَهْلٍ لَا شَيْءَ لِأَبِ أَبِ الْأُمِّ، وَالْمَالُ لِأَبِ أُمِّ الْأُمِّ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي سُلَيْمَانَ: الْمَالُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُدْلِي إلَى الْمَيِّتِ بِالْوَارِثَاتِ، وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي فَرَائِضِ الْأَصْلِ هَذِهِ الصُّورَةَ وَهُوَ مَا إذَا تَرَكَ أَبَ أُمِّ الْأَبِ، وَأُمَّ أُمِّ الْأُمِّ وَذَكَرَ أَنَّ الْمَالَ يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا ثُلُثَاهُ لِأَبِ أُمِّ الْأَبِ وَثُلُثُهُ لِأَبِ أُمِّ الْأُمِّ قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ عَبْدُ الْوَاحِدِ الشَّهِيدُ: هَذَا قِيَاسُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ؛ لِأَنَّ أُمَّ الْأُمِّ مَعَ أَبِ الْأَبِ إذَا اجْتَمَعَتَا اسْتَوَيَا، أَلَا تَرَى أَنَّ ابْنَ الْأَخِ لِأُمٍّ مَعَ بِنْتِ الْأَخِ لِأُمٍّ لَا يَفْضُلُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ، وَلَمَّا كَانَ لَا يَفْضُلُ الْأَخُ لِأُمٍّ عَلَى الْأُخْتِ لِأُمٍّ كَذَا هُنَا. ، وَلَوْ تَرَكَ أُمَّ أَبِ الْأُمِّ وَأُمَّ أَبِ الْأَبِ فَالْمَالُ بَيْنَهُمَا {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] ؛ لِأَنَّهُمَا يُدْلِيَانِ إلَى الْمَيِّتِ بِقَرَابَةِ الْأُمِّ فَيُقْسَمُ عَلَيْهِمَا بِاعْتِبَارِ أَبْدَانِهَا بِلَا خِلَافٍ كَعَمَّةِ الْأُمِّ وَعَمِّهَا وَخَالَةِ الْأُمِّ وَخَالِهَا عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنْ كَانَ لِلْأَبِ الْمَيِّتِ جَدٌّ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ أَبِ أُمِّ أَبِ أُمٍّ كَذَلِكَ يُقْسَمُ الْمَالُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا ثُلُثَاهُ لِلْجَدَّةِ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ وَثُلُثُهُ لِلْجَدَّةِ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ، ثُمَّ مَا أَصَابَ جَدَّتَيْ الْأَبِ يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا ثُلُثَاهُ لِلْجَدَّةِ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ وَثُلُثُهُ لِلْجَدَّةِ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ يُدْلِي إلَى الْمَيِّتِ بِالْوَارِثِ لَيْسَ بِأَوْلَى فَإِنَّ أَبُ أُمِّ الْأَبِ يُدْلِي إلَى الْمَيِّتِ بِالْوَارِثِ، وَمَعَ هَذَا لَا يَكُونُ أَوْلَى، وَأَمَّا الْكَلَامُ فِي أَوْلَادِ الْأَخَوَاتِ وَبَنَاتِ الْإِخْوَةِ أَوْلَاهُمْ بِالْمِيرَاثِ أَقْرَبُهُمْ إلَى الْمَيِّتِ وَفِي السِّرَاجِيَّةِ أَوْلَادُ أَوْلَادِ الْأَخَوَاتِ لِأَبٍ وَأُمٍّ الْمَالُ بَيْنَهُمْ {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] فَإِنْ اسْتَوَوْا فِي الْقُرْبِ فَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ وَلَدَ وَارِثٍ فَهُوَ أَوْلَى عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ، وَمِثَالُهُ بِنْتُ بِنْتِ أَخٍ، وَبِنْتُ ابْنِ أَخٍ فَعِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ بِنْتُ ابْنِ الْأَخِ أَوْلَى، وَإِنْ اسْتَوَوْا فِي الْقُرْبِ، وَكَانَ أَحَدُهُمَا وَلَدَ عَصَبَةٍ، وَالْآخَرُ وَلَدَ صَاحِبِ فَرْضٍ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ يُقْسَمُ الْمَالُ بَيْنَهُمَا بِاعْتِبَارِ الْأَبْدَانِ، وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ يُقْسَمُ الْمَالُ بَيْنَهُمَا بِاعْتِبَارِ الْآبَاءِ مِثَالُهُ بِنْتُ أَخٍ وَابْنُ أَخٍ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الثُّلُثَانِ لِابْنِ الْأَخِ وَالثُّلُثُ لِابْنِ الْأُخْتِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَ أَخًا وَأُخْتًا تَوْجِيهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ مِيرَاثَ ذَوِي الْأَرْحَامِ يُعْتَبَرُ بِالْأُصُولِ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْفُرُوعِ وَتُعْتَبَرُ بِالْأَبْدَانِ عِنْدَ اتِّفَاقِ الْأُصُولِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ اتَّفَقُوا فِي بِنْتِ الْخَالِ وَبِنْتِ الْعَمِّ أَنَّ لِلْعَمِّ الثُّلُثَيْنِ، وَلِلْخَالِ الثُّلُثُ، وَكَانَتْ هَذِهِ الْقِسْمَةُ بِاعْتِبَارِ أُصُولِهِمَا وَهُوَ الْأَبُ وَالْأُمُّ وَقَالُوا فِي الْعَمَّةِ وَالْعَمِّ لِأُمٍّ إنَّ الْمَالَ بَيْنَهُمَا بِاعْتِبَارِ الْأَبْدَانِ أَثْلَاثًا؛ لِأَنَّ الْأُصُولَ مُتَّفَقٌ وَقَالُوا فِي أَوْلَادِ ذَوِي الْأَرْحَامِ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْأُصُولِ بِاعْتِبَارِ الْأُصُولِ وَبِاعْتِبَارِ الْأَبْدَانِ. وَأَبُو يُوسُفَ يَقُولُ بِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ بِوَلَاءِ الْأَوْلَادِ دُونَ الْأُصُولِ فَإِذَا اتَّحَدَ جِهَةُ الِاسْتِحْقَاقِ يَجِبُ اعْتِبَارُ الْأَبْدَانِ لَا اعْتِبَارُ الْأُصُولِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ قَالُوا فِي أُمِّ الْأُمِّ وَأُمِّ الْأَبِ إنَّ السُّدُسَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، وَلَمْ يَقُلْ بِأَنَّ أَحَدَهُمَا يُدْلِي بِقَرَابَةِ الْأَبِ، وَالْآخَرُ بِقَرَابَةِ الْأُمِّ فَيَكُونُ الثُّلُثُ لِقَرَابَةِ الْأُمِّ وَالثُّلُثَانِ لِقَرَابَةِ الْأَبِ؛ لِأَنَّ جِهَةَ الِاسْتِحْقَاقِ قَدْ اخْتَلَفَتْ؛ لِأَنَّ الْعُمُومَةَ وَالْخُؤُولَةَ اخْتَلَفَ فِيهَا جِهَةُ الِاسْتِحْقَاقِ، فَإِنْ اسْتَوَوْا فِي الْقُرْبِ وَلَيْسَ فِيهِمْ وَلَدُ عَصَبَةٍ، وَلَا وَلَدُ صَاحِبِ فَرْضٍ فَالْمَالُ يُقْسَمُ بَيْنَهُمْ عَلَى السَّوِيَّةِ إذَا كَانُوا ذُكُورًا كُلُّهُمْ وَإِنَاثًا كُلُّهُنَّ، وَإِنْ كَانُوا مُخْتَلَطِينَ، وَقَدْ اتَّفَقَ الْأُصُولُ فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْأُصُولُ فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ اعْتِبَارًا لِإِتْيَانِ الْفُرُوعِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ أَنْ يُعْتَبَرَ أَوَّلُ بَطْنٍ مُخْتَلِفٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الصِّنْفِ الْأَوَّلِ، وَإِنْ اجْتَمَعَ أَوْلَادُ الْأَخَوَاتِ الْمُتَفَرِّقَاتِ وَبَنَاتُ الْإِخْوَةِ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ مَنْ كَانَ لِأَبٍ وَأُمٍّ فَهُوَ أَوْلَى مِمَّنْ كَانَ لِأُمٍّ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُعْتَبَرُ الْأُصُولُ، مِثَالُهُ إذَا هَلَكَ الرَّجُلُ وَتَرَكَ بِنْتَ أَخٍ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَبِنْتَ أَخٍ لِأَبٍ وَبِنْتَ أَخٍ لِأُمٍّ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ: الْمَالُ كُلُّهُ لِبِنْتِ الْأَخِ لِأَبٍ وَأُمٍّ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ: سُدُسُ الْمَالِ لِبِنْتِ الْأَخِ لِأُمٍّ وَالْبَاقِي لِبِنْتِ الْأَخِ لِأَبٍ وَأُمٍّ، وَإِنْ اجْتَمَعَ أَوْلَادُ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ لِأُمٍّ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَفْضُلُ الذَّكَرُ عَلَى الْأُنْثَى كَالْأُصُولِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَفْضُلُ بِخِلَافِ الْأُصُولِ حَتَّى إنَّهُ لَوْ تَرَكَ وَلَدَيْ أُخْتٍ لِأُمٍّ كَانَا ذَكَرَيْنِ أَوْ كَانَا أُنْثَيَيْنِ أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا ذَكَرًا وَالْآخَرُ أُنْثَى فَالْمَالُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَكَذَلِكَ إذَا تَرَكَ وَلَدَيْ الْأَخِ لِأُمٍّ وَوَلَدَيْ الْأُخْتِ لِأُمٍّ فَالْمَالُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ أَرْبَاعًا. وَفِي السِّرَاجِيَّةِ بَنَاتُ الْإِخْوَةِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ مَنْ كَانَتْ لِأَبٍ وَأُمٍّ فَهِيَ أَوْلَى مِمَّنْ كَانَتْ لِأَبٍ وَهِيَ أَوْلَى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 580 مِمَّنْ كَانَتْ لِأُمٍّ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُعْتَبَرُ الْأُصُولُ وَأَمَّا الْكَلَامُ فِي الْأَعْمَامِ وَالْعَمَّاتِ كُلِّهَا وَالْأَخْوَالِ وَالْخَالَاتِ كُلِّهَا يَجِبُ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ الْعَمَّاتِ أَصْنَافٌ ثَلَاثَةٌ عَمَّةٌ لِأَبٍ وَأُمٍّ، وَعَمَّةٌ لِأَبٍ وَعَمَّةٌ لِأُمٍّ، وَالْحُكْمُ فِيهِنَّ أَنَّهُ إذَا كَانَتْ عَمَّةٌ لِأَبٍ وَأُمٍّ، وَعَمَّةٌ لِأُمٍّ كَانَ الْمَالُ لِلْعَمَّةِ لِلْأَبِ وَأُمٍّ، وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: وَلَوْ تَرَكَ عَمًّا وَعَمَّةً فَإِنْ كَانَا لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ عَمَّةً وَعَمًّا لِأَبٍ فَالْمَالُ لِلْعَمِّ؛ لِأَنَّهُ عَصَبَةٌ، وَلَا مِيرَاثَ لِأَحَدٍ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ مَعَ الْعَصَبَةِ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْعَمُّ لِأَبٍ، وَعَمَّةٌ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ فَالْمَالُ كُلُّهُ لِلْعَمِّ، وَإِنْ كَانُوا جَمِيعًا لِأُمٍّ فَالْمَالُ بَيْنَهُمْ {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] ، وَإِنْ تَرَكَ عَمَّةً لِأَبٍ وَعَمَّةً لِأُمٍّ كَانَ الْمَالُ كُلُّهُ لِلْعَمَّةِ لِأَبٍ، وَإِنْ تَرَكَ عَمًّا لِأَبٍ وَعَمَّةً لِأَبٍ فَالْمَالُ بَيْنَهُمَا {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] وَكَذَلِكَ إذَا تَرَكَ بِنْتَ عَمٍّ لِأَبٍ وَابْنَ عَمَّةٍ لِأَبٍ فَالْمَالُ بَيْنَهُمَا {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] وَكَذَلِكَ إذَا تَرَكَ بِنْتَ عَمٍّ لِأُمٍّ وَابْنَةَ عَمٍّ لِأَبٍ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: الْمَالُ بَيْنَهُمَا يُقْسَمُ بِاعْتِبَارِ الْأَبْدَانِ {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] وَفِي الذَّخِيرَةِ: وَإِنْ اجْتَمَعَتْ قَرَابَةُ الْأَبِ وَالْأُمِّ يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا. وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ مَتَى اجْتَمَعَ فِي الْمِيرَاثِ ذَوُو الْأَرْحَامِ إلَّا أَنَّ بَعْضَهُمْ أَوْلَادُ الْعَصَبَةِ، وَبَعْضُهُمْ أَوْلَادُ أَصْحَابِ الْفُرُوضِ، وَبَعْضُهُمْ أَوْلَادُ ذَوِي الْأَرْحَامِ فَإِنَّهُ يُنْظَرُ إنْ كَانَتْ دَرَجَتُهُمْ مُخْتَلِفَةً فَالْأَقْرَبُ مِنْهُمْ أَوْلَى بِالْمِيرَاثِ، وَإِنْ كَانَتْ دَرَجَتُهُمْ مُسْتَوِيَةً فَأَوْلَادُ ذَوِي الْأَرْحَامِ لَا يَرِثُونَ مَعَ أَوْلَادِ الْعَصَبَةِ كَأَوْلَادِ أَصْحَابِ الْفُرُوضِ، فَأَوْلَادُ الْعَصَبَةِ يَرِثُونَ مَعَ أَوْلَادِ أَصْحَابِ الْفَرَائِضِ، بَيَانُهُ رَجُلٌ مَاتَ وَتَرَكَ ابْنَ عَمّه وَابْنَةَ عَمٍّ فَالْمَالُ كُلُّهُ لِابْنَةِ الْعَمِّ؛ لِأَنَّهَا مِنْ أَوْلَادِ الْعَصَبَةِ وَالْأُخْرَى مِنْ أَوْلَادِ ذَوِي الْأَرْحَامِ، وَلَوْ تَرَكَ بِنْتَ ابْنَةٍ وَابْنَةَ ابْنَةِ ابْنٍ فَالْمَالُ كُلُّهُ لِابْنَةِ ابْنَةِ الِابْنِ؛ لِأَنَّهَا وَلَدُ صَاحِبِ فَرْضٍ. وَأَمَّا الْأَخْوَالُ وَالْخَالَاتُ فَهُمْ أَيْضًا أَصْنَافٌ ثَلَاثَةٌ خَالٌ وَخَالَةٌ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَخَالٌ وَخَالَةٌ لِأَبٍ وَخَالٌ وَخَالَةٌ لِأُمٍّ فَالْحُكْمُ فِيهِمْ أَنَّ الصِّنْفَ الْأَوَّلَ مُقَدَّمٌ عَلَى الصِّنْفِ الثَّانِي، وَالصِّنْفُ الثَّانِي مُقَدَّمٌ عَلَى الصِّنْفِ الثَّالِثِ حَتَّى إنَّهُ إذَا تَرَكَ خَالًا وَخَالَةً لِأَبٍ وَأُمٍّ وَخَالًا وَخَالَةً لِأَبٍ وَخَالًا وَخَالَةً لِأُمٍّ فَالْمَالُ بَيْنَ الْخَالِ وَالْخَالَةِ لِأَبٍ وَأُمٍّ {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] وَلَا شَيْءَ لِلْخَالِ وَالْخَالَةِ لِأَبٍ وَلَا لِلْخَالِ وَالْخَالَةِ لِأُمٍّ، وَلَوْ تَرَكَ خَالًا وَخَالَةً لِأُمٍّ فَالْمَالُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا، وَإِنْ اجْتَمَعَتْ الْعَمَّةُ مَعَ الْخَالَةِ أَوْ مَعَ الْخَالِ فَالثُّلُثَانِ لِلْعَمَّةِ وَالثُّلُثُ لِلْخَالَةِ، وَإِنْ اجْتَمَعَ عَمَّةٌ لِأَبٍ وَخَالَتُهُ وَعَمَّةٌ لِأُمٍّ فَالثُّلُثَانِ لِقَرَابَةِ الْأَبِ، وَالثُّلُثُ لِقَرَابَةِ الْأُمِّ، ثُمَّ مَا أَصَابَ فَرِيقَ الْأَبِ يُقْسَمُ عَلَى قَرَابَتِهِ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ وَبَيْنَ قَرَابَتِهِ مِنْ قِبَلِ أُمِّهِ أَثْلَاثًا ثُلُثَاهُ لِلْقَرَابَةِ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ، وَثُلُثُهُ لِقَرَابَتِهِ مِنْ قِبَلِ أُمِّهِ، وَمَا أَصَابَ قَرَابَةَ أُمِّهِ يُقْسَمُ بَيْنَ قَرَابَتِهِ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ، وَثُلُثُهُ لِقَرَابَتِهِ مِنْ قِبَلِ أُمِّهِ أَيْضًا أَثْلَاثًا ثُلُثَاهُ لِقَرَابَتِهِ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ، وَثُلُثُهُ لِقَرَابَتِهِ مِنْ قِبَلِ أُمِّهِ، وَذَوُو الْقَرَابَتَيْنِ مِنْ إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ لَا يَحْجُبُ ذَا الْقَرَابَةِ الْوَاحِدَةِ مِنْ الطَّائِفَةِ الْأُخْرَى إلَّا رِوَايَةً عَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَةَ ابْنِ سِمَاعَةَ بَيَانُهُ فِيمَا إذَا تَرَكَ عَمَّةً لِأَبٍ وَأُمٍّ وَخَالَةً لِأَبٍ وَأُمٍّ فَالثُّلُثَانِ لِلْعَمَّةِ، وَالثُّلُثُ لِلْخَالَةِ فِي ظَاهِرِ رِوَايَةِ أَصْحَابِنَا، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمَالَ كُلَّهُ لِلْعَمَّةِ، وَلَا شَيْءَ لِلْخَالَةِ فِي ظَاهِرِ رِوَايَةِ أَصْحَابِنَا، وَأَمَّا أَوْلَادُ هَؤُلَاءِ فَأَقْرَبُهُمْ إلَى الْمَيِّتِ أَوْلَى، وَإِنْ اسْتَوَوْا فِي الْقُرْبِ فَمَنْ كَانَ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْلَى مِمَّنْ كَانَ لِأَبٍ وَمَنْ كَانَ لِأَبٍ أَوْلَى مِمَّنْ كَانَ لِأُمٍّ، وَمَنْ كَانَ يُدْلِي إلَى الْمَيِّتِ بِقَرَابَةِ الْأَبِ فَهُوَ أَوْلَى مِمَّنْ يُدْلِي بِقَرَابَةِ الْأُمِّ، وَإِنْ اخْتَلَفَ بَطْنٌ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُعْتَبَرُ الْأَبْدَانُ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُعْتَبَرُ أَوَّلُ بَطْنٍ اخْتَلَفَ، وَيُقْسَمُ الْمَالُ عَلَيْهِ نَحْوَ مَا ذَكَرْنَا حَتَّى إذَا تَرَكَ بِنْتَ بِنْتِ عَمَّةٍ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَابْنَ بِنْتِ عَمَّةٍ لِأَبٍ وَأُمٍّ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْمَالُ بَيْنَهُمَا {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] هَذَا بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّ الْأُصُولَ قَدْ اتَّفَقَتْ، وَإِنْ تَرَكَ بِنْتَ عَمَّةٍ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَبِنْتَ خَالَةٍ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَبِنْتَ خَالَةٍ لِأَبٍ وَبِنْتَ خَالَةٍ لِأُمٍّ فَلِبِنْتِ الْعَمِّ الثُّلُثَانِ وَلِبِنْتِ الْخَالَةِ الثُّلُثُ. وَالْكَلَامُ فِي أَعْمَامِ الْأَبِ لِأُمٍّ وَعَمَّاتِهِ وَأَخْوَالِهِ وَخَالَاتِهِ وَأَعْمَامِ الْأُمِّ كُلِّهَا وَعَمَّاتِهَا وَأَخْوَالِهَا فَالْحُكْمُ فِيهَا مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ عِنْدَ الِانْفِرَادِ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ جَمِيعَ الْمَالِ وَإِذَا اجْتَمَعُوا مِنْ جَانِبِ الْأَبِ أَوْ مِنْ جَانِبِ الْأُمِّ أَوْ مِنْ الْجَانِبَيْنِ جَمِيعًا فَلَا رِوَايَةَ عَنْ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ وَالصَّحِيحُ مَا رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ وَأَبِي سُلَيْمَانَ الْجُرْجَانِيِّ أَنَّ الْحُكْمَ فِيهِمْ كَالْحُكْمِ فِي أَعْمَامِ الْمَيِّتِ وَأَخْوَالِهِ وَخَالَاتِهِ حَتَّى إنَّهُ إذَا اجْتَمَعَ الصِّنْفَانِ يُجْعَلُ الثُّلُثَانِ لِقَرَابَةِ الْأَبِ، وَالثُّلُثُ لِقَرَابَةِ الْأُمِّ، ثُمَّ مَا أَصَابَ قَرَابَةَ الْأَبِ يُقْسَمُ بَيْنَهُمْ عَلَى حَسَبِ مَا يُقْسَمُ بَيْنَهُمْ لَوْ انْفَرَدُوا. [فَصْلٌ فِي بَيَانِ مِيرَاثِ مَنْ لَهُ قَرَابَتَانِ مِنْ أَوْلَادِ الْبَنَاتِ] وَفِي الذَّخِيرَةِ وَهُوَ مِمَّا يَتَّصِلُ بِهَذَا الْفَصْلِ (فَصْلٌ فِي بَيَانِ مِيرَاثِ مَنْ لَهُ قَرَابَتَانِ مِنْ أَوْلَادِ الْبَنَاتِ) اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا اجْتَمَعَ فِي الْوَاحِدِ مِنْ أَوْلَادِ الْبَنَاتِ قَرَابَتَانِ، وَصُورَةُ هَذَا أَنْ يَكُونَ لِرَجُلٍ ابْنَتَانِ لِأُحْدَى ابْنَتَيْهِ ابْنَةٌ وَلِلْأُخْرَى ابْنٌ فَتَزَوَّجَ ابْنُ الِابْنَةِ بِنْتَ الِابْنَةِ فَحَدَثَ بَيْنَهُمَا ابْنَةٌ، ثُمَّ مَاتَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 581 الرَّجُلُ الَّذِي لَهُ ابْنَتَانِ وَتَرَكَ هَذِهِ فَهَذِهِ ابْنَةُ ابْنَةِ الرَّجُلِ، وَهِيَ أَيْضًا ابْنَةُ ابْنِ ابْنَةِ الرَّجُلِ، وَكَانَ لَهَا قَرَابَتَانِ، وَلَهُ ابْنَةُ ابْنَةِ بِنْتٍ أُخْرَى لَهَا قَرَابَةٌ وَاحِدَةٌ وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِهِ أَنَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْقِسْمَةَ عَلَى الْأَبْدَانِ لَا عَلَى الْآبَاءِ وَبَدَنُهُمَا مُتَّفَقٌ فَيَكُونُ الْمَالُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُقْسَمُ عَلَى الْآبَاءِ وَيُورَثُ مِنْ جِهَتَيْنِ بِاعْتِبَارِ الْآبَاءِ فَيُقَالُ بِأَنَّ الَّتِي لَهَا قَرَابَةٌ وَاحِدَةٌ لَهَا سَهْمٌ؛ لِأَنَّ أَبَاهَا أُنْثَى، وَاَلَّتِي لَهَا قَرَابَتَانِ سَهْمٌ مِنْ رَجُلٍ؛ لِأَنَّ أَبَاهَا أُنْثَى وَسَهْمَانِ لِأَنَّ أَبَاهَا ذَكَرٌ فَصَارَ الْمَالُ بَيْنَهُمَا عَلَى أَرْبَعَةٍ: سَهْمَانِ يُسَلَّمُ لَهَا بِلَا مُنَازَعَةٍ، وَهُوَ مَا وَصَلَ إلَيْهَا مِنْ جِهَةِ أَبِيهَا الذَّكَرِ تَنْفَرِدُ بِهِ، وَالسَّهْمُ الَّذِي وَصَلَ إلَيْهَا مِنْ جِهَةِ أَبِيهَا الْأُنْثَى يُضَمُّ إلَى مَا فِي يَدِ الَّتِي لَهَا قَرَابَةٌ وَاحِدَةٌ لِاتِّفَاقِ أَبِيهِمَا فِي الْأُنُوثَةِ فَيَصِيرُ سَهْمَانِ بِاعْتِبَارِ بَدَنِهِمَا. فَإِنْ تَرَكَ ابْنُهُ ابْنَةَ بِنْتٍ، وَهِيَ ابْنَةُ ابْنِ ابْنِهِ وَتَرَكَ أَيْضًا ابْنَ ابْنَةِ ابْنَتِهِ أَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَالْقِسْمَةُ عَلَى الْأَبْدَانِ وَأَحَدُهُمَا ذَكَرٌ وَالْأُخْرَى أُنْثَى، وَقَدْ اسْتَوَيَا فِي الدَّرَجَةِ فَيَكُونُ الْمَالُ بَيْنَهُمَا {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] عَلَى ثَلَاثَةٍ، وَأَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ يُقْسَمُ الْمَالُ عَلَى الْآبَاءِ، ثُمَّ عَلَى الْأَبْدَانِ فَيُقَالُ لِلَّذِي لَهُ قَرَابَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ بِنْتُ ابْنَتِهِ سَهْمٌ؛ لِأَنَّ أَبَاهُ أُنْثَى وَلِلَّذِي لَهُ قَرَابَتَانِ فَهِيَ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ يُسَلَّمُ لَهَا سَهْمَانِ بِلَا مُنَازَعَةٍ، وَهُوَ مَا وَصَلَ إلَيْهَا مِنْ جِهَةِ أَبِيهَا الذَّكَرِ، وَمَا وَصَلَ إلَيْهَا مِنْ جِهَةِ أَبِيهَا الْأُنْثَى، وَذَلِكَ سَهْمٌ لَا يُسَلَّمُ لَهَا بَلْ يُضَمُّ إلَى مَا فِي يَدِ الَّذِي لَهَا قَرَابَةٌ وَاحِدَةٌ وَهُوَ سَهْمٌ فَيُقْسَمُ بَيْنَهُمَا {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] عَلَى ثَلَاثَةٍ لِاتِّفَاقِ قَرَابَتِهِمَا فِي هَذَيْنِ السَّهْمَيْنِ، وَاخْتِلَافِ أَبْدَانِهِمَا، وَقِسْمَةُ سَهْمَيْنِ عَلَى ثَلَاثَةٍ لَا يَسْتَقِيمُ وَلَا مُوَافَقَةَ بَيْنَهُمَا فِي شَيْءٍ فَاضْرِبْ أَصْلَ الْفَرِيضَةِ، وَذَلِكَ أَرْبَعَةٌ فِي ثَلَاثَةٍ فَصَارَ اثْنَيْ عَشَرَ سَهْمًا هَذَا جَمِيعُ الْمَالِ وَمِنْهُ تُخَرَّجُ الْمَسْأَلَةُ فَإِنَّ الَّتِي لَهَا قَرَابَتَانِ كَانَ لَهَا سَهْمَانِ بِلَا مُنَازَعَةٍ ضَرَبْنَاهُمَا فِي ثَلَاثَةٍ فَصَارَ لَهَا سِتَّةٌ، وَاَلَّذِي لَمْ يَكُنْ يَسْتَقِيمُ بَيْنَهُمَا مَعَ الْمُنَازَعَةِ سَهْمَانِ ضَرَبْنَاهُمَا فِي ثَلَاثَةٍ فَصَارَ سِتَّةً بَيْنَهُمَا {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] بِاعْتِبَارِ الْأَبْدَانِ لِلَّتِي لَهَا قَرَابَتَانِ ثُلُثُهَا، وَذَلِكَ سَهْمَانِ؛ لِأَنَّهَا أُنْثَى، وَأَرْبَعَةٌ لِلَّذِي لَهَا قَرَابَةٌ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرٌ فَحَصَلَ لِلَّذِي لَهَا قَرَابَتَانِ ثَمَانِيَةٌ سِتَّةٌ بِلَا مُنَازَعَةٍ. هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا إذَا كَانَتْ الَّتِي لَهَا قَرَابَتَانِ أُنْثَى وَاَلَّتِي لَهَا قَرَابَةٌ وَاحِدَةٌ أُنْثَى أَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَالْمَالُ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا بِاعْتِبَارِ الْأَبْدَانِ بَيْنَهُمَا فَلِلَّتِي لَهَا قَرَابَتَانِ سَهْمَانِ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرٌ، وَلِلَّتِي لَهَا قَرَابَةٌ وَاحِدَةٌ سَهْمٌ؛ لِأَنَّهَا أُنْثَى، وَأَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ: الْقِسْمَةُ بِاعْتِبَارِ الْآبَاءِ، ثُمَّ بِاعْتِبَارِ الْأَبْدَانِ بَيْنَهُمَا فَيُقَالُ لِلَّذِي لَهُ قَرَابَتَانِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ سَهْمَانِ؛ لِأَنَّ أَبَاهُ ذَكَرٌ وَسَهْمٌ؛ لِأَنَّ أَبَاهُ أُنْثَى، وَاَلَّتِي لَهَا قَرَابَةٌ وَاحِدَةٌ سَهْمٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ أَبَاهَا أُنْثَى فَحَصَلَ لِلَّذِي لَهُ قَرَابَتَانِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ فَمَا وَصَلَ إلَى ذِي الْقَرَابَتَيْنِ مِنْ جِهَةِ أَبِيهِ الْأُنْثَى، وَذَلِكَ سَهْمٌ يُضَمُّ إلَى مَا فِي يَدِ الْآخَرِ، وَفِي يَدِهَا سَهْمٌ فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا بِاعْتِبَارِ الْأَبْدَانِ عَلَى ثَلَاثَةٍ {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] لِاتِّفَاقِ آبَائِهِمَا، وَاخْتِلَافِ أَبْنَائِهِمَا، وَقِسْمَةُ سَهْمَيْنِ عَلَى ثَلَاثَةِ لَا يَسْتَقِيمُ وَلَا تَوَافُقَ بَيْنَهُمَا فَتَضْرِبُ أَصْلَ الْفَرِيضَةِ وَذَلِكَ أَرْبَعَةٌ فِي ثَلَاثَةٍ فَيَصِيرُ اثْنَيْ عَشَرَ هَذَا جَمِيعُ الْمَالِ، وَمِنْهُ تَخْرُجُ الْمَسْأَلَةُ فَإِنْ تَرَكَ ابْنَةَ ابْنَةٍ وَهِيَ ابْنَةُ ابْنِ ابْنِهِ وَتَرَكَ أَيْضًا ابْنَةَ ابْنَةِ ابْنَةٍ وَتَرَكَ أَيْضًا ابْنَةَ ابْنِ ابْنَةٍ أُخْرَى فَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يُقْسَمُ بَيْنَهُمْ بِاعْتِبَارِ الْأَبْدَانِ عَلَى ثَلَاثَةٍ أَسْهُمٍ؛ لِأَنَّ أَبْدَانَهُمْ مُتَّفِقَةٌ فَإِنَّ كُلَّهُنَّ إنَاثٌ، وَأَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ الْقِسْمَةُ عَلَى الْآبَاءِ، ثُمَّ عَلَى الْأَبْدَانِ فَيُقَالُ لِابْنَةِ ابْنَةِ الْبِنْتِ الَّتِي لَهَا قَرَابَةٌ وَاحِدَةٌ سَهْمٌ؛ لِأَنَّ أَبَاهَا أُنْثَى وَلِابْنَةِ ابْنِ الْبِنْتِ الَّتِي لَهَا قَرَابَةٌ وَاحِدَةٌ سَهْمَانِ؛ لِأَنَّ أَبَاهَا ذَكَرٌ وَلِمَنْ لَهَا قَرَابَتَانِ لَهَا ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ مِنْ جِهَتَيْنِ سَهْمٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ أَبَاهَا أُنْثَى. وَسَهْمَانِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ أَبَاهَا ذَكَرٌ فَيَكُونُ الْمَالُ بَيْنَهُمْ عَلَى سِتَّةٍ بِاعْتِبَارِ الْآبَاءِ، ثُمَّ الْأَبْدَانُ مُتَّفِقٌ، تَجِيءُ قِسْمَةٌ أُخْرَى بِاعْتِبَارِ الْأَبْدَانِ هَذِهِ الْجُمْلَةُ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ أَوْرَدَهَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِهِ وَذَكَرَ الْقَاضِي الْإِمَامُ قَوْلَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَقَالَ الْفَرْضِيُّونَ مِنْ أَهْلِ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ إنَّهَا تَرِثُ بِالْجِهَتَيْنِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ: وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقَاضِي الْإِمَامِ مِنْ أَنَّهُ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يُقْسَمُ الْمَالُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى مِنْ هَذَا الْفَصْلِ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا: ثُلُثُ الْمَالِ لِلَّتِي لَهَا قَرَابَتَانِ؛ لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى شَخْصَيْنِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ: الْقِسْمَةُ عَلَى الْآبَاءِ، فَإِنْ كَانَ مَعَ الَّتِي لَهَا قَرَابَتَانِ ابْنُ بِنْتٍ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى مَا اخْتَارَهُ الْقَاضِي الْإِمَامُ: يُقْسَمُ الْمَالُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ بِالْأَبْدَانِ وَاَلَّتِي لَهَا قَرَابَتَانِ بِمَنْزِلَةِ ابْنَتَيْنِ فَيَكُونُ الْمَالُ عَلَى أَرْبَعَةٍ {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] لِكُلِّ ذَكَرٍ سَهْمَانِ وَلِكُلِّ أُنْثَى سَهْمٌ، وَإِنْ كَانَ مَعَ الَّتِي لَهَا قَرَابَتَانِ ابْنَةُ ابْنَةِ ابْنَةٍ، وَابْنُ بِنْتِ بِنْتٍ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ: الْقِسْمَةُ عَلَى الْأَبْدَانِ فَيَكُونُ الْمَالُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 582 بَيْنَهُمْ أَخْمَاسًا لِلَّتِي لَهَا قَرَابَتَانِ سَهْمَانِ، وَلِلِابْنَةِ سَهْمَانِ وَلِلِابْنَةِ الْأُخْرَى سَهْمٌ عَلَى الْآبَاءِ، وَأَمَّا الْكَلَامُ فِي أَوْلَادِهِمْ وَأَوْلَادِ الْعَمَّاتِ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِ الْأَخْوَالِ وَالْخَالَاتِ فَنَقُولُ: أَقْرَبُهُمْ إلَى الْمَيِّتِ أَوْلَى فَإِنْ اسْتَوَوْا فِي الْقُرْبِ فَعِنْدَ اتِّحَادِ الْجِهَةِ مَنْ كَانَ ذَا قَرَابَتَيْنِ يَكُونُ أَوْلَى. وَإِنْ اخْتَلَفَتْ يُقْسَمُ الْمَالُ عَلَيْهِمْ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا بَيَانَهُ مِنْ الْمَسَائِلِ. إذَا تَرَكَ ابْنَةَ خَالَةٍ وَابْنَةَ ابْنِ خَالَةٍ فَالْمِيرَاثُ لِابْنَةِ الْخَالَةِ؛ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ بِدَرَجَةٍ وَكَذَلِكَ إذَا تَرَكَ ابْنَةَ عَمَّةٍ وَابْنَةَ ابْنَةِ خَالَةٍ فَإِنَّ ابْنَةَ الْعَمَّةِ أَوْلَى، وَإِنْ كَانَتَا مِنْ جِهَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ؛ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ بِدَرَجَةٍ. وَإِنْ تَرَكَ بَنَاتِ الْعَمِّ مَعَ ابْنَةِ خَالَةٍ فَلِبَنَاتِ الْعَمِّ الثُّلُثَانِ وَلِابْنَةِ الْخَالَةِ الثُّلُثُ، وَإِنْ كَانَ الْبَعْضُ ذَا قَرَابَتَيْنِ، وَالْكَلَامُ فِيهِ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ اتِّحَادِ الْجِهَةِ، وَاخْتِلَافِهَا، بَيَانُهُ: فِيمَا إذَا تَرَكَ ثَلَاثَةَ بَنَاتِ عَمَّاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ فَالْمَالُ كُلُّهُ لِابْنَةِ الْعَمَّةِ لِأَبٍ وَأُمٍّ، وَكَذَلِكَ إذَا تَرَكَ ثَلَاثَ بَنَاتِ خَالَاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ، وَإِنْ تَرَكَ ابْنَةَ خَالَةٍ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَابْنَةَ عَمَّةٍ لِأَبٍ وَأُمٍّ فَلِابْنَةِ الْعَمِّ الثُّلُثَانِ وَلِابْنَةِ الْخَالَةِ الثُّلُثُ هَذَا؛ لِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ بَيْنَهُمَا يَعْنِي بِهِ: الِاتِّصَالَ بِالْمَيِّتِ - مَوْجُودٌ حَقِيقَةً، وَلَكِنْ الْقَرَابَتَانِ أَقْوَى سَبَبًا فَعِنْدَ اتِّحَادِ الْجِهَةِ يُجْعَلُ الْأَقْوَى فِي مَعْنَى الْأَقْرَبِ وَكَذَلِكَ يَنْعَدِمُ عِنْدَ اخْتِلَافِ السَّبَبِ وَالْجِهَةِ وَلِأَنَّ تَوْرِيثَ ذَوِي الْأَرْحَامِ بِاعْتِبَارِ مَعْنَى الْعُصُوبَةِ، وَقَرَابَةُ الْأَبِ فِي ذَلِكَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى قَرَابَةِ الْأُمِّ فَجُعِلَ قُوَّةُ السَّبَبِ كَزِيَادَةِ الْقُرْبِ عِنْدِ اتِّحَادِ الْجِهَةِ، وَعِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِهَةِ يَسْقُطُ اعْتِبَارُ هَذَا الْمَعْنَى، فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا وَلَدَ عَصَبَةٍ وَوَلَدَ صَاحِبِ فَرْضٍ فَعِنْدَ اتِّحَادِ الْجِهَةِ يُقَدَّمُ الْعَصَبَةُ وَوَلَدُ صَاحِبِ الْفَرْضِ، وَعِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِهَةِ لَا يُقَدَّمُ، وَتُعْتَبَرُ الْمُسَاوَاةُ فِي الِاتِّصَالِ بِالْمَيِّتِ وَهِيَ رِوَايَةُ أَبِي عِمْرَانَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَمَّا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يُقَدَّمُ وَلَدُ الْعَصَبَةِ عَلَى وَلَدِ صَاحِبِ الْفَرْضِ حَتَّى إنَّهُ إذَا تَرَكَ ابْنَةَ عَمٍّ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ، وَابْنَةَ عَمَّةٍ فَالْمَالُ كُلُّهُ لِبِنْتِ الْعَمِّ وَهَذَا بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّ الْجِهَةَ هُنَا اتَّحَدَتْ، وَلَوْ تَرَكَ ابْنَةَ عَمٍّ وَابْنَةَ خَالٍ وَخَالَةٍ فَلِابْنَةِ الْعَمِّ الثُّلُثَانِ وَلِابْنَةِ الْخَالِ وَالْخَالَةِ الثُّلُثُ عَلَى رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ، وَلَا تُقَدَّمُ بِنْتُ الْعَمِّ لِكَوْنِهَا وَلَدَ عَصَبَةٍ؛ لِأَنَّ الْجِهَةَ مُخْتَلِفَةٌ هُنَا وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ: الْمَالُ كُلُّهُ لِابْنَةِ الْعَمِّ فَيُقَدَّمُ وَلَدُ الْعَصَبَةِ مَعَ اخْتِلَافِ الْجِهَةِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ وَلَدَ الْعَصَبَةِ أَقْرَبُ اتِّصَالًا بِوَارِثِ الْمَيِّتِ فَكَانَ أَقْرَبَ اتِّصَالًا بِالْمَيِّتِ فَإِنْ قِيلَ: فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْعَمَّةُ أَحَقَّ بِجَمِيعِ الْمَالِ مِنْ الْخَالَةِ؛ لِأَنَّ الْعَمَّةَ وَلَدُ الْعَصَبَةِ وَهُوَ أَبٌ لِأَبٍ، وَالْخَالَةُ لَيْسَتْ بِوَلَدِ عَصَبَةٍ وَلَا وَلَدِ صَاحِبِ فَرْضٍ فَإِنَّهُمَا، وَلَدُ أَبِي الْأُمِّ قُلْنَا: الْخَالَةُ وَلَدُ أُمِّ الْأُمِّ، وَهِيَ صَاحِبَةُ فَرْضٍ فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ تُحَقَّقُ الْمُسَاوَاةُ بَيْنَهُمَا فِي اتِّصَالِ الْوَارِثِ لِلْمَيِّتِ إلَّا أَنَّ اتِّصَالَ الْخَالَةِ بِوَارِثٍ وَهِيَ أُمٌّ فَتَسْتَحِقُّ فَرِيضَةَ الْأُمِّ. وَاتِّصَالُ الْعَمَّةِ بِوَارِثٍ، وَهُوَ أَبٌ فَتَسْتَحِقُّ نَصِيبَ الْأَبِ، وَإِنْ كَانَ قَوْمُ هَؤُلَاءِ مِنْ قَوْمِ الْأُمِّ مِنْ بَنَاتِ الْأَخْوَالِ وَالْخَالَاتِ وَقَوْمٌ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ مِنْ بَنَاتِ الْعَمَّاتِ وَالْأَعْمَامِ فَالْمَالُ مَقْسُومٌ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ أَثْلَاثًا سَوَاءٌ كَانَ مِنْ جَانِبٍ ذُو قَرَابَتَيْنِ أَوْ كَانَ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ ذُو قَرَابَتَيْنِ وَمِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ ذُو قَرَابَةٍ وَاحِدَةٍ، ثُمَّ مَا أَصَابَ كُلَّ فَرِيقٍ يَتَرَجَّحُ فِيهِ مَنْ كَانَ ذَا قَرَابَتَيْنِ لِأَبٍ عَلَى مَنْ قَرَابَتُهُ لِأُمٍّ؛ لِأَنَّ نَصِيبَ كُلِّ فَرِيقٍ الِاسْتِحْقَاقُ لَهُ بِجِهَةٍ وَاحِدَةٍ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إذَا انْفَرَدَا اسْتَحَقَّ جَمِيعَ ذَلِكَ فَعِنْدَ الِاجْتِمَاعِ تُرَاعَى قُوَّةُ السَّبَبِ بَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ لِلْقَرَابَةِ فَإِنْ اسْتَوَوْا فِي الْقَرَابَةِ فَالْقِسْمَةُ بَيْنَهُمْ عَلَى الْأَبْدَانِ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ وَفِي قَوْلِهِ الْأَوَّلِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ: الْقِسْمَةُ عَلَى أَوَّلِ مَنْ يَقَعُ الْخِلَافُ بِهِ مِنْ الْآبَاءِ بَيَانُهُ فِيمَا إذَا تَرَكَ ابْنَ خَالَةٍ وَابْنَةَ خَالَةٍ فَالْمَالُ بَيْنَهُمْ {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] وَهَذَا بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّ الْآبَاءَ قَدْ اتَّفَقَتْ، وَإِنْ تَرَكَ ابْنَ عَمَّةٍ وَابْنَةَ عَمٍّ فَإِنْ كَانَتْ ابْنَةَ عَمٍّ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ فَهِيَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا وَلَدُ عَصَبَةٍ، وَابْنُ الْعَمَّةِ لَيْسَ بِوَلَدِ عَصَبَةٍ وَلَا وَلَدَ صَاحِبِ فَرْضٍ، وَإِنْ كَانَتْ بِنْتُ الْعَمِّ لِأُمٍّ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْمَالُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا بِاعْتِبَارِ الْأَبْدَانِ الثُّلُثَانِ لِابْنِ الْعَمَّةِ وَالثُّلُثُ لِبِنْتِ الْعَمِّ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ الثُّلُثَانِ لِبِنْتِ الْعَمِّ وَالثُّلُثُ لِابْنِ الْعَمَّةِ لِأُمٍّ فَإِذَا كَانَ ابْنَ عَمَّةٍ لِأَبٍ وَأُمٍّ فَهُوَ أَوْلَى بِجَمِيعِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ ذُو قَرَابَتَيْنِ. وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ ابْنَ عَمَّةٍ لِأَبٍ؛ لِأَنَّهُ أَدْلَاهُ بِقَرَابَةِ الْأَبِ وَفِي اسْتِحْقَاقِ مَعْنَى الْعُصُوبَةِ يُقَدَّمُ قَرَابَةُ الْأَبِ عَلَى قَرَابَةِ الْأُمِّ فَإِنْ تَرَكَ ثَلَاثَ بَنَاتِ أَخْوَالٍ مُتَفَرِّقَاتٍ وَثَلَاثَ بَنَاتِ خَالَاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ وَثَلَاثَ بَنَاتِ عَمَّاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ فَالثُّلُثَانِ لِبَنَاتِ الْعَمَّاتِ، ثُمَّ نَشْرَحُ فِي ذَلِكَ ابْنَ الْخَالَةِ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَابْنَةَ الْخَالَةِ لِأَبٍ وَأُمٍّ فَيَكُونُ الْمَالُ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ عَلَى اعْتِبَارِ الْأَبْدَانِ لِابْنِ الْخَالَةِ الثُّلُثَانِ وَلِابْنَةِ الْخَالَةِ الثُّلُثُ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى عَكْسِ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ مَعَ هَؤُلَاءِ ثَلَاثُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 583 بَنَاتِ أَعْمَامٍ مُتَفَرِّقِينَ فَالْمَالُ كُلُّهُ لِابْنَةِ الْعَمِّ لِأَبٍ وَأُمٍّ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ ابْنَةَ الْعَمِّ لِأَبٍ، وَابْنَةَ الْعَمِّ لِأُمٍّ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا لَيْسَ بِوَلَدِ عَصَبَةٍ وَلَا وَلَدَ صَاحِبِ فَرْضٍ، وَكُلَّمَا تَرَجَّحَ ابْنَةُ الْعَمِّ لِأَبٍ وَأُمٍّ عَلَى ابْنَةِ الْعَمَّةِ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ فَكَذَلِكَ يَتَرَجَّحُ عَلَى ابْنَةِ الْعَمَّةِ لِأَبٍ فَلَا يَتَغَيَّرُ هَذَا الِاسْتِحْقَاقُ بِكَثْرَةِ الْعَدَدِ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ وَقِلَّةِ الْعَدَدِ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ الْمُدْلَى بِهِ وَهُوَ الْأَبُ وَالْأُمُّ وَذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُ بِقِلَّةِ الْعَدَدِ وَكَثْرَتِهِ وَهُوَ سُؤَالُ أَبِي يُوسُفَ عَلَى مُحَمَّدٍ فِي أَوْلَادِ الْبَنَاتِ فَإِنَّ هُنَاكَ لَوْ كَانَ الْمُدْلَى بِهِ، وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ لَمَا اخْتَلَفَ الْقِسْمَةُ بِكَثْرَةِ الْعَدَدِ وَقِلَّتِهِ كَمَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ؛ لِأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا لِمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ هُنَاكَ تَتَعَدَّدُ الْفُرُوعُ بِتَعَدُّدِ الْمُدْلَى بِهِ حُكْمًا وَهُنَا لَا يَتَعَدَّدُ الْمُدْلَى بِهِ حُكْمًا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَعَدَّدُ الشَّيْءُ حُكْمًا إذَا تُصُوِّرَ حَقِيقَةً وَلَا يَثْبُتُ التَّعَدُّدُ حُكْمًا بِتَعَدُّدِ الْقَرَابَاتِ. وَأَمَّا الْكَلَامُ فِي أَوْلَادِ الْعَمَّاتِ وَأَوْلَادِ الْخَالَاتِ إذَا تَرَكَ بِنْتَ بِنْتِ عَمَّةٍ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَابْنَ بِنْتِ عَمَّةٍ لِأَبٍ وَأُمٍّ فَالْمَالُ بَيْنَهُمَا {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّ الْأُصُولَ قَدْ اتَّفَقَتْ. تَرَكَ ابْنَةَ عَمَّةٍ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَابْنَةَ خَالَةٍ لِأَبٍ وَأُمٍّ فَلِابْنَةِ الْعَمَّةِ الثُّلُثَانِ وَلِبِنْتِ الْخَالَةِ الثُّلُثُ وَهَذَا بِلَا خِلَافٍ، وَكَذَا إذَا تَرَكَ بِنْتَ ابْنِ عَمَّةٍ لِأَبٍ وَأُمٍّ، وَابْنَةَ ابْنَةِ خَالَةٍ لِأَبٍ وَأُمٍّ فَلِبِنْتِ ابْنِ الْعَمَّةِ الثُّلُثَانِ، وَلِابْنَةِ ابْنِ الْخَالَةِ الثُّلُثُ. أَمَّا الْكَلَامُ فِي أَعْمَامِ الْأُمِّ وَعَمَّاتِهَا وَأَعْمَامِ الْأَبِ وَعَمَّاتِهِ وَأَخْوَالِ الْأُمِّ وَخَالَاتِهَا إذَا تَرَكَ الْمَيِّتُ خَالَةً لِأُمِّ وَارِثَةً لَهَا فَخَالُهَا وَخَالَتُهَا بِمَنْزِلَةِ خَالِهِ وَخَالَتِهِ فَإِنْ تَرَكَ خَالَةَ الْأُمِّ وَعَمَّةَ الْأُمِّ فَقَدْ ذَكَرَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْجُرْجَانِيُّ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْمَالَ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثٌ ثُلُثَاهُ لِلْعَمَّةِ وَثُلُثُهُ لِلْخَالَةِ وَجَعَلَهُمَا عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ بِمَنْزِلَةِ خَالَةِ الْمَيِّتِ وَعَمَّتِهِ وَذَكَرَ عِيسَى بْنُ أَبَانَ أَنَّ الْمَالَ كُلَّهُ لِلْعَمَّةِ وَذَكَرَ يَحْيَى بْنُ آدَمَ أَنَّ الْمَالَ كُلَّهُ لِخَالَةِ الْأُمِّ، وَجْهُ رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ: إنْ فِي تَوْرِيثِ هَذَا النَّوْعِ الْمُدْلَى بِهِ قَائِمٌ مَقَامَ الْمَيِّتِ فَعَمَّةُ الْأُمِّ بِمَنْزِلَةِ عَمَّةِ الْمَيِّتِ، وَكَذَلِكَ خَالَةُ الْأُمِّ بِمَنْزِلَةِ خَالَةِ الْمَيِّتِ وَفِي عَمَّةِ الْمَيِّتِ وَخَالَتِهِ الْقِسْمَةُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا فَكَذَا هَذَا، وَإِنْ تَرَكَ عَمَّ الْأَبِ وَعَمَّةَ الْأَبِ فَالْمَالُ كُلُّهُ لِعَمِّ الْأَبِ. وَلَوْ تَرَكَ عَمَّ الْأَبِ وَعَمَّتَهُ وَخَالَ الْأَبِ وَخَالَتَهُ فَالْمَالُ كُلُّهُ لَهُ إذَا انْفَرَدَ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ؛ لِأَنَّهُ عَصَبَةٌ، وَإِنْ كَانَ لِأُمٍّ فَالْمَالُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا عَلَى الْأَبْدَانِ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ وَعَلَى الْمُدْلَى بِهِ فِي قَوْلِهِ الْأَوَّلِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ عَمَّةُ الْأَبِ وَخَالَتُهُ فَعَلَى رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ الْمَالُ بَيْنَهُمَا {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] كَمَا بَيَّنَّا، وَعَلَى رِوَايَةِ عِيسَى بْنِ أَبَانَ وَيَحْيَى بْنِ آدَمَ: الْمَالُ كُلُّهُ لِعَمَّةِ الْأَبِ؛ لِأَنَّهَا وَلَدُ الْعَصَبَةِ وَهُوَ وَلَدُ أَبِي الْأَبِ وَلِأَنَّهَا تُدْلِي بِقَرَابَةِ الْأَبِ، وَقَرَابَةُ الْأَبِ فِي مَعْنَى الْعُصُوبَةِ مُقَدَّمٌ عَلَى قَرَابَةِ الْأُمِّ، وَإِنْ اجْتَمَعَ الْفَرِيقَانِ يَعْنِي عَمَّةَ الْأَبِ وَخَالَةَ الْأَبِ وَعَمَّةَ الْأُمِّ وَخَالَةَ الْأُمِّ لِقَوْمِ الْأَبِ الثُّلُثَانِ وَلِقَوْمِ الْأُمِّ الثُّلُثُ، ثُمَّ قِسْمَةُ كُلِّ جُزْءٍ بَيْنَ كُلِّ فَرِيقٍ فِي هَذَا الْفَصْلِ كَمَا تَقَدَّمَ وَلَا يَخْتَلِفُ الْجَوَابُ بِكَوْنِ أَحَدِهِمَا ذَا قَرَابَتَيْنِ وَالْآخَرِ ذَا قَرَابَةٍ وَاحِدَةٍ فِي الْقِسْمَةِ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِهَةِ لَكِنْ فِي نَصِيبِ كُلِّ فَرِيقٍ يَتَرَجَّحُ ذُو الْقَرَابَتَيْنِ، وَالْآخَرُ ذُو قَرَابَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى نَحْوِ مَا بَيَّنَّا فِي الْفَصْلِ الْمُتَقَدِّمِ، وَإِنْ اجْتَمَعَ عَمُّ الْأَبِ وَعَمَّتُهُ وَخَالَةُ الْأُمِّ وَخَالُهَا فَالْمَشْهُورُ مِنْ قَوْلِ أَهْلِ الْعِرَاقِ أَنَّ نَصِيبَ الْأُمِّ وَهُوَ الثُّلُثُ فَيُقْسَمُ بَيْنَ خَالَتِهَا وَخَالِهَا عَلَى ثَلَاثَةٍ بِفَضْلِ الذَّكَرِ عَلَى الْأُنْثَى إنْ كَانَتْ مِنْ أُمِّهِ؛ لِأَنَّ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ أَوْلَادِ الْأُمِّ إذَا كَانُوا يَتَّصِلُونَ بِالْمَيِّتِ، وَهُمْ إخْوَةُ الْمَيِّتِ وَأَخَوَاتُهُ إذَا كَانُوا لِأَبٍ وَأُمٍّ إذَا كَانُوا يَتَّصِلُونَ بِوَارِثِ الْمَيِّتِ فَلَا تَسْوِيَةَ بَلْ يَفْضُلُ الذَّكَرُ عَلَى الْأُنْثَى فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ وَأَبِي سُلَيْمَانَ الْجُرْجَانِيِّ. وَنَصِيبُ الْأَبِ يُقْسَمُ بَيْنَ قَرَابَتِهِ أَثْلَاثًا وَهَذَا ظَاهِرٌ، وَلَوْ اجْتَمَعَ ثَلَاثَةُ أَخْوَالٍ مُتَفَرِّقِينَ أُمٌّ وَعَمٌّ وَعَمَّةُ أَبٍ مِنْ أُمٍّ فَعَلَى الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَهُمْ الْمُوَرَّثُونَ مِنْ جِهَتَيْنِ يُقَدَّمُ مَنْ هُوَ لِأَبٍ، وَلَوْ تَرَكَ خَالَتِي أُمٍّ وَعَمَّتَيْ أُمٍّ لِأَبٍ فَعَلَى الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ الثُّلُثُ لِخَالَتَيْ الْأُمِّ وَالثُّلُثَانِ بَيْنَ الْعَمَّتَيْنِ وَيُجْعَلُ كَأَنَّ الْأُمَّ مَاتَتْ وَتَرَكَتْ أَبَوَيْنِ فَلِلْأُمِّ الثُّلُثُ سَهْمٌ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَلِلْأُمِّ الثُّلُثَانِ سَهْمَانِ مِنْ ثَلَاثَةٍ، ثُمَّ مَا أَصَابَ الْأُمَّ فَهِيَ لِمَنْ يُدْلِي بِهَا وَأَنَّهُ لَا يَسْتَقِيمُ، وَلَمَّا أَصَابَ الْأَبَ يَنْتَقِلُ إلَى مَنْ يُدْلِي بِهِ، وَتَصِحُّ الْمَسْأَلَةُ مِنْ سِتَّةٍ: خَالُ أُمِّ الْأَبِ وَأُمُّ عَمَّةِ أُمِّ الْأَبِ فَعَلَى الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ عَنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ فَيُجْعَلُ كَأَنَّ الْأُمَّ مَاتَتْ عَنْ أَبَوَيْنِ فَفَرِيضَتُهَا مِنْ ثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ لِلْأُمِّ يَنْتَقِلُ إلَى أُخْتِهَا وَسَهْمَانِ لِلْأَبِ تَنْتَقِلُ إلَى أُخْتِهِ فَتَصِيرُ فِي الْحَاصِلِ كَفَالَةٌ لِلْأُمِّ سَهْمٌ وَلِلْأَبِ عَمِّ أُمِّ الْأَبِ سَهْمَانِ، وَإِنْ تَرَكَ ثَلَاثَةَ أَخْوَالٍ لِأَبٍ مُنْفَرِدِينَ وَثَلَاثَ عَمَّاتِ أَبٍ مُتَفَرِّقَاتٍ وَثَلَاثَ خَالَاتِ أُمٍّ مُتَفَرِّقَاتٍ فَعَلَى الْقَوْلِ الْمَشْهُورِ مِنْ أَهْل الْعِرَاقِ يُجْعَلُ كَأَنَّ الْأُمَّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 584 مَاتَتْ وَتَرَكَتْ أُمًّا كَانَ الْمَالُ لَهَا، ثُمَّ إنَّهَا مَاتَتْ عَنْ أَبَوَيْنِ فَقُدِّرَ نَصِيبُهُمَا مِنْ ثَلَاثَةٍ سَهْمٌ لِلْأُمِّ يَنْتَقِلُ ذَلِكَ إلَى أُخْتِهَا لِأَبٍ وَأُمٍّ وَسَهْمَانِ لِلْأُمِّ تُقْسَمُ بَيْنَ عَمَّةِ الْأَبِ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَبَيْنَ خَالِ الْأَبِ لِأَبٍ وَأُمٍّ عَلَى ثَلَاثَةٍ لِلْعَمَّةِ الثُّلُثَانِ وَلِلْخَالِ الثُّلُثُ وَكَأَنَّ هَذَا الْأَبَ أَيْضًا مَاتَ وَتَرَك أَبَوَيْنِ وَأَنَّ هَذَا لِلْأَبِ وَارِثًا مِنْ جِهَةِ أَبِيهِ، وَمِنْ جِهَةِ أُمِّهِ. فَنَصِيبُ أُمِّهِ يَنْتَقِلُ إلَى الْعَمِّ فَانْكَسَرَ بِالْأَثْلَاثِ فَيُضْرَبُ ثَلَاثَةٌ فِي ثَلَاثَةٍ تَصِيرُ تِسْعَةً فَمِنْهُ تَصِحُّ الْمَسْأَلَةُ، وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ تَخْرُجُ هَذِهِ الْمَسَائِلُ، وَالْكَلَامُ فِي هَؤُلَاءِ بِمَنْزِلَةِ الْكَلَامِ فِي آبَائِهِمْ وَأُمَّهَاتِهِمْ وَلِمَنْ عِنْدَ انْعِدَامِ الْأُصُولِ فَأَمَّا عِنْدَ وُجُودِ أَحَدٍ مِنْ الْأُصُولِ فَلَا شَيْءَ لِلْأَوْلَادِ كَمَا لَا شَيْءَ لِأَحَدٍ مِنْ أَوْلَادِ الْعَمَّاتِ وَالْخَالَاتِ عِنْدَ بَقَاءِ عَمَّةِ وَخَالَةِ الْمَيِّتِ وَيُتَصَوَّرُ فِي هَذَا الْجِنْسِ شَخْصٌ لَهُ قَرَابَتَانِ بَيَانُهُ فِي امْرَأَةٍ لَهَا أَخٌ لِأُمٍّ وَأُخْتٌ لِأَبٍ فَتَزَوَّجَ أَخُوهَا لِأُمِّهَا أُخْتَهَا لِأَبِيهَا وَهِيَ أَيْضًا عَمَّتُهَا لِأَبٍ وَأُمٍّ وَوُلِدَ لِهَذَا الْوَلَدِ وَلَدٌ، ثُمَّ مَاتَ الثَّانِي فَهَذِهِ الْمَرْأَةُ خَالَةُ ابْنِهِ لِأَبِيهِ وَعَمَّةُ ابْنِهِ لِأُمٍّ، ثُمَّ الْجَوَابُ فِي هَذَا الْفَصْلِ عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي بَيَّنَّا فِي ذِي الْقَرَابَتَيْنِ فِي بَنَاتِ الْإِخْوَةِ وَأَوْلَادِ الْأَخَوَاتِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (وَالتَّرْجِيحُ بِقُرْبِ الدَّرَجَةِ) يَعْنِي إرْثُهُمْ بِطَرِيقِ الْعُصُوبَةِ فَيُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ عَلَى الْأَبْعَدِ فِي كُلِّ صِنْفٍ مِنْهُمْ كَمَا فِي الْعَصَبَاتِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ يَكُونُ الْأَصْلُ وَارِثًا) أَيْ إذَا اسْتَوَيَا فِي الدَّرَجَةِ فَمَنْ يُدْلِي بِوَارِثٍ أَوْلَى مِنْ كُلِّ صِنْفٍ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ أَقْوَى قَرَابَةً مِنْ غَيْرِ الْوَارِثِ بِدَلِيلِ تَقْدِيمِهِ عَلَيْهِ فِي اسْتِحْقَاقِ الْإِرْثِ فَكَانَ مَنْ يُدْلِي بِهِ أَقْوَى، وَلِلْقُوَّةِ تَأْثِيرٌ فِي التَّقْدِيمِ، أَلَا تَرَى أَنَّ بَنِي الْأَعْيَانِ يُقَدَّمُونَ عَلَى بَنِي الْعَلَّاتِ فِي الْعُصُوبَةِ لِهَذَا الْمَعْنَى. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعِنْدَ اخْتِلَافِ جِهَةِ الْقَرَابَةِ لِلْأَبِ ضَعْفُ قَرَابَةِ الْأُمِّ) أَيْ إذَا كَانَ بَعْضُ ذَوِي الْأَرْحَامِ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ، وَبَعْضُهُمْ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ كَانَ لِمَنْ هُوَ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ الثُّلُثَانِ وَمَنْ هُوَ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ الثُّلُثُ لِمَا رَوَيْنَا مِنْ قَضِيَّةِ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَلِأَنَّ قَرَابَةَ الْأَبَاءِ أَقْوَى فَيَكُونُ لَهُمَا الثُّلُثَانِ، وَالثُّلُثُ لِقَرَابَةِ الْأُمِّ. وَهَذَا لَا يُتَصَوَّرُ فِي الْفُرُوعِ، وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي الْأُصُولِ وَالْعَمَّاتِ وَالْخَالَاتِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ اتَّفَقَ الْأُصُولُ فَالْقِسْمَةُ عَلَى الْأَبْدَانِ) أَيْ اتَّفَقَتْ صِفَةُ مَنْ يُدْلُونَ بِهِ فِي الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ، وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِيهَا كَانَتْ الْقِسْمَةُ عَلَى أَبْدَانِهِمْ حَتَّى تُجْعَلَ بَيْنَهُمْ {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] وَالْمُرَادُ بِالْأُصُولِ الْمُدْلَى بِهِمْ سَوَاءٌ كَانُوا أُصُولًا لَهُمْ أَوْ لَمْ يَكُونُوا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَّا فَالْعَدَدُ مِنْهُمْ وَالْوَصْفُ مِنْ بَطْنٍ اُخْتُلِفَ) أَيْ إنْ لَمْ تُتَّفَقْ صِفَةُ الْأُصُولِ يُعْتَبَرُ الْعَدَدُ مِنْ الْفُرُوعِ الْمُدْلُونَ بِهِمْ وَالصِّفَةُ مِنْ الْبَطْنِ الْمُخْتَلِفَةِ فَيُقْسَمُ الْمَالُ عَلَى ذَلِكَ الْبَطْنِ فَيُعْتَبَرُ عَدَدُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ ذَلِكَ الْبَطْنِ بِعَدَدِ فُرُوعِهِ حَتَّى يُجْعَلَ الذَّكَرُ الَّذِي فِي ذَلِكَ الْبَطْنِ ذُكُورًا بِعَدَدِ فُرُوعِهِ، وَالْأُنْثَى الْوَاحِدَةُ إنَاثًا تُعَدَّدُ فُرُوعُهَا وَتُعْطَى الْفُرُوعُ مِيرَاثَ الْأُصُولِ وَإِذَا كَانَ فِيهِمْ بُطُونٌ مُخْتَلِفَةٌ يُقْسَمُ الْمَالُ عَلَى أَوَّلِ بَطْنٍ اخْتَلَفَ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي ذَكَرْنَا، ثُمَّ تُجْعَلُ الذُّكُورُ طَائِفَةً، وَالْإِنَاثُ طَائِفَةً بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَمَا أَصَابَ الذُّكُورَ يُجْمَعُ وَيُقْسَمُ عَلَى أَوَّلِ بَطْنِ اخْتَلَفَ بِهِ ذَلِكَ وَكَذَا مَا أَصَابَ الْإِنَاثَ وَهَكَذَا يُعْمَلُ إلَى أَنْ يُنْتَهَى إلَى الَّذِينَ هُمْ أَحْيَاءٌ، وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَالْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ: تُعْتَبَرُ أَبْدَانُ الْفُرُوعِ، سَوَاءٌ اتَّفَقَتْ صِفَةُ الْأُصُولِ فِي الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ أَوْ اخْتَلَفَتْ، وَلَوْ كَانَ لِبَعْضِهِمْ جِهَتَانِ أَوْ أَكْثَرُ تُعْتَبَرُ الْجِهَتَانِ وَالْجِهَاتُ فَيَرِثُ بِكُلِّ جِهَةٍ غَيْرَ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ يَعْتَبِرُهَا فِي الْفُرُوعِ وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْأَمْوَالِ بِخِلَافِ الْجَدَّةِ حَيْثُ لَا تَرِثُ إلَّا بِجِهَةٍ وَاحِدَةٍ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَذُو الرَّحِمِ يَرِثُ بِالْجِهَتَيْنِ عِنْدَهُ فِي الصَّحِيحِ. وَالْفَرْقُ لَهُ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْجَدَّةَ تَسْتَحِقُّ الْإِرْثَ بِاسْمِ الْجَدَّةِ، وَالِاسْمُ لَا يَخْتَلِفُ بَيْنَهُنَّ وَارِثُ ذَوِي الْأَرْحَامِ، ثُمَّ بِالْقَرَابَةِ فَيَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِهَا، وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ أَصَحُّ فِي ذَوِي الْأَرْحَامِ جَمِيعًا، وَهُوَ أَشْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. [الْفُرُوضُ الْمُقَدَّرَةُ فِي كِتَابِ اللَّهِ] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْفُرُوضُ نِصْفٌ وَرُبْعٌ وَثُمُنٌ وَثُلُثَانِ وَثُلُثٌ وَسُدُسٌ) أَيْ الْفُرُوضُ الْمُقَدَّرَةُ فِي كِتَابِ اللَّهِ هَذِهِ السِّتَّةُ وَهِيَ نَوْعَانِ عَلَى التَّنْصِيفِ إنْ بَدَأْت بِالْأَكْثَرِ أَوْ التَّضْعِيفِ إنْ بَدَأْت بِالْأَقَلِّ فَنَقُولُ النِّصْفُ وَنِصْفُهُ وَنِصْفُ نِصْفِهِ وَالثُّلُثَانِ وَنِصْفُهُ وَنِصْفُ نِصْفِهِ أَوْ نَقُولُ الثُّمْنُ وَضِعْفُهُ وَضِعْفُ ضِعْفِهِ وَالسُّدُسُ وَضِعْفُهُ وَضِعْفُ ضِعْفِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَخَارِجُهَا اثْنَانِ النِّصْفُ وَأَرْبَعَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَثَلَاثَةٌ وَسِتَّةٌ لِسَمِيِّهَا، وَاثْنَا عَشَرَ، وَأَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ بِالِاخْتِلَاطِ) أَيْ مَخَارِجُ هَذِهِ الْفُرُوضِ لَا تَخْلُو إمَّا أَنْ يَجِيءَ كُلُّ فَرِيقٍ مِنْهَا مُنْفَرِدًا أَوْ مُخْتَلِطًا بِغَيْرِهِ فَإِنْ جَاءَ مُنْفَرِدًا فَمَخْرَجُ كُلِّ فَرْضٍ سَمِيُّهُ وَهُوَ الْمَخْرَجُ الَّذِي يُشَارِكُهُ فِي الْحُرُوفِ إلَّا النِّصْفَ فَإِنَّهُ مِنْ اثْنَيْنِ وَلَيْسَ لَهُ سَمِيٌّ وَذَلِكَ مِثْلُ الثُّمُنِ مِنْ ثَمَانِيَةٍ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 585 وَالسُّدُسُ مِنْ سِتَّةٍ وَالثُّلُثُ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَالرُّبُعُ مِنْ أَرْبَعَةٍ، وَإِنْ جَاءَ مُخْتَلِطًا بِغَيْرِهِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَخْتَلِطَ كُلُّ نَوْعٍ بِنَوْعِهِ أَوْ أَحَدُ النَّوْعَيْنِ بِالْآخَرِ فَإِنْ اخْتَلَطَ كُلُّ نَوْعٍ بِنَوْعِهِ فَمَخْرَجُ الْأَقَلِّ مِنْهُ يَكُونُ مَخْرَجًا لِلْكُلِّ؛ لِأَنَّ مَا كَانَ مَخْرَجًا لِجُزْءٍ يَكُونُ مَخْرَجًا لِضِعْفِهِ وَلِضِعْفِ ضِعْفِهِ كَالثَّمَانِيَةِ مَخْرَجُ الثُّمُنِ أَوْ السِّتَّةُ مَخْرَجُ السُّدُسِ. وَإِنْ اخْتَلَطَ أَحَدُ النَّوْعَيْنِ بِالنَّوْعِ الْآخَرِ فَمَخْرَجُهُمَا مِنْ أَقَلِّ عَدَدٍ يَجْمَعُهُمَا وَإِذَا أَرَدْت مَعْرِفَةَ ذَلِكَ اُنْظُرْ مَخْرَجَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ عَلَى حِدَةٍ، ثُمَّ اُنْظُرْ هَلْ بَيْنَهُمَا مُوَافَقَةٌ أَوْ لَا فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مُوَافَقَةٌ فَاضْرِبْ وَفْقَ أَحَدِهِمَا فِي جَمِيعِ الْآخَرِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا مُوَافَقَةٌ فَجَمِيعُ أَحَدِهِمَا فِي جَمِيعِ الْآخَرِ فَالْمَبْلَغُ مَخْرَجُ الْفَرْضَيْنِ، ثُمَّ إذَا اخْتَلَطَ النِّصْفُ الْأَوَّلُ بِكُلٍّ مِنْ الثَّانِي أَوْ بِبَعْضِهِ فَهُوَ مِنْ سِتَّةً؛ لِأَنَّ بَيْنَ مَخْرَجٍ النِّصْفِ وَالسُّدُسِ مُوَافَقَةً بِالنِّصْفِ فَإِذَا ضَرَبْت وَفْقَ أَحَدِهِمَا فِي جَمِيعِ الْآخَرِ يَبْلُغُ سِتَّةً وَإِذَا اخْتَلَطَ الرُّبُعُ مِنْ الْأَوَّلِ بِكُلِّ الثَّانِي أَوْ بِبَعْضِهِ فَهُوَ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ؛ لِأَنَّ مَخْرَجَ الرُّبُعِ وَهُوَ الْأَرْبَعَةُ مُوَافِقٌ مَخْرَجَ السُّدُسِ وَهُوَ السِّتَّةُ بِالنِّصْفِ فَإِذَا ضَرَبْت وَفْقَ أَحَدِهِمَا فِي جَمِيعِ الْآخَرِ يَبْلُغُ ثِنْتَيْ عَشَرَ وَمِنْهُ يَخْرُجُ الْجَوَابُ، وَإِنْ كَانَ الْمُخْتَلَطُ بِهِ الثُّلُثَ وَالثُّلُثَانِ فَلَا مُوَافَقَةَ بَيْنَهُمَا فَاضْرِبْ ثَلَاثَةً فِي ثَمَانِيَةٍ تَبْلُغْ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ فَمِنْهُ مَخْرَجُ الْجَوَابِ فَصَارَتْ جُمْلَةُ الْمَخَارِجِ سَبْعَةً، وَلَا يَجْتَمِعُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعَةِ فُرُوضٍ فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَا يَجْتَمِعُ مِنْ أَصْحَابِهَا أَكْثَرُ مِنْ خَمْسَةِ طَوَائِفَ وَلَا يَنْكَسِرُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ طَوَائِفَ [الْعَوْلِ] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَعُولُ بِزِيَادَةٍ) أَيْ تَعُولُ هَذِهِ الْمَخَارِجُ بِزِيَادَةٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْمَخْرَجِ إذَا اجْتَمَعَ فِي مَخْرَجِ فُرُوضٍ كَثِيرَةٍ بِحَيْثُ لَا تَكْفِي أَجْزَاءُ الْمَخْرَجِ لِذَلِكَ فَيُحْتَاجُ إلَى الْعَوْلِ فِي زِيَادَةٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْمَخْرَجِ فَتَرْتَفِعُ عَنْهُ الْمَسْأَلَةُ وَالْعَوْلُ الْمَيْلُ وَالْجَوْرُ يُقَالُ عَالَ الْحَاكِمُ فِي حُكْمِهِ إذَا مَالَ وَجَارَ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {ذَلِكَ أَدْنَى أَلا تَعُولُوا} [النساء: 3] وَالْمُرَادُ بِالْعَوْلِ عَوْلُ بَعْضِهَا؛ لِأَنَّ كُلَّهَا لَا تَعُولُ وَإِنَّمَا تَعُولُ ثَلَاثَةٌ مِنْهَا السِّتَّةُ وَاثْنَا عَشَرَ وَأَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ وَالْأَرْبَعَةُ الْأُخْرَى لَا تَعُولُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَسِتَّةٌ تَعُولُ إلَى عَشَرَةٍ وِتْرًا وَشَفْعًا) وَيُرِيدُ بِالْوِتْرِ السَّبْعَةَ وَالتِّسْعَةَ وَبِالشَّفْعِ الثَّمَانِيَةَ وَالْعَشَرَةَ مِثَالُ عَوْلِهَا إلَى السَّبْعَةِ زَوْجَةٌ وَأُخْتَانِ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ، أَوْ زَوْجٌ وَأُمٌّ وَأُخْتٌ لِأَبٍ وَمِثَالُ عَوْلِهَا إلَى ثَمَانِيَةٍ زَوْجٌ وَأُخْتٌ مِنْ أَبٍ وَأُخْتَانِ مِنْ أُمٍّ أَوْ زَوْجٌ وَثَلَاثَةُ أَخَوَاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ أَوْ زَوْجٌ وَأُمٌّ وَأُخْتَانِ مِنْ أَبٍ وَمِثَالُ عَوْلِهَا إلَى تِسْعَةِ زَوْجٌ وَثَلَاثُ أَخَوَاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ وَأُمٌّ أَوْ زَوْجٌ وَأُخْتَانِ مِنْ أَبٍ، وَمِثَالُ عَوْلِهَا إلَى عَشَرَةٍ زَوْجٌ وَأُخْتَانِ مِنْ أَبٍ وَأُخْتَانِ مِنْ أُمٍّ، وَأُمُّ وَأُمٍّ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَاثْنَا عَشَرَ إلَى سَبْعَةَ عَشَرَ وِتْرًا) أَيْ اثْنَا عَشَرَ تَعُولُ إلَى سَبْعَةَ عَشَرَ وِتْرًا لَا شَفْعًا وَالْمُرَادُ بِالْوِتْرِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ وَخَمْسَةَ عَشَرَ وَسَبْعَةَ عَشَرَ فَمِثَالُ عَوْلِهَا إلَى ثَلَاثَةَ عَشَرَ زَوْجٌ وَبِنْتَانِ وَأُمٌّ، أَوْ زَوْجَةٌ وَأُخْتَانِ لِأَبَوَيْنِ وَأُخْتٌ لِأُمٍّ، وَمِثَالُ عَوْلِهَا إلَى خَمْسَةَ عَشَرَ زَوْجٌ وَبِنْتَانِ وَأَبَوَانِ، وَمِثَالُ عَوْلِهَا إلَى سَبْعَةَ عَشَرَ أَرْبَعُ أَخَوَاتٍ لِأُمٍّ وَثِمَانِ أَخَوَاتٍ لِأَبَوَيْنِ وَجَدَّتَانِ وَثَلَاثُ زَوْجَاتٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ إلَى سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ) أَيْ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ تَعُولُ إلَى سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ وَمَا فِيهَا إلَّا عَوْلَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ الْمِنْبَرِيَّةُ وَتُسَمَّى السَّبُعِيَّةَ وَهِيَ زَوْجٌ وَبِنْتَانِ وَأَبَوَانِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سُئِلَ عَنْهَا، وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ: عَادَ ثُمْنُهَا تِسْعًا مُرْتَجِلًا وَمَضَى فِي خُطْبَتِهِ، وَلَا تَعُولُ إلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إلَّا عِنْدَ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّهَا تَعُولُ عِنْدَهُ إلَى أَحَدٍ وَثَلَاثِينَ فِيمَا إذَا تَرَكَ امْرَأَةً وَأُخْتَيْنِ لِأُمٍّ وَأُخْتَيْنِ لِأَبٍ وَابْنًا كَافِرًا أَوْ رَقِيقًا أَوْ قَاتِلًا لَهُ؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّ الْمَحْرُومَ يُحْجَبُ حَجْبَ نُقْصَانٍ دُونَ الْحِرْمَانِ فَيَكُونُ لِلْمَرْأَةِ الثُّمُنُ عِنْدَهُ وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ وَلِلْأُخْتَيْنِ لِأَبٍ الثُّلُثَانِ وَلِلْأُخْتَيْنِ لِأُمٍّ الثُّلُثُ وَمَجْمُوعُ ذَلِكَ أَحَدٌ وَثَلَاثُونَ فَإِذَا فَرَغْنَا مِنْ ذَلِكَ احْتَجْنَا إلَى التَّصْحِيحِ، وَلَا بُدَّ لِلتَّصْحِيحِ مِنْ مَعْرِفَةِ أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ: التَّمَاثُلُ وَالتَّدَاخُلُ وَالتَّوَافُقُ وَالتَّبَايُنُ بَيْنَ الْعَدَدَيْنِ لِيُتَمَكَّنَ مِنْ الْعَمَلِ فِي التَّصْحِيحِ فَنَقُولُ إنْ كَانَ أَحَدُ الْعَدَدَيْنِ مُمَاثِلًا لِلْآخَرِ فَهِيَ الْمُمَاثَلَةُ فَيُكْتَفَى بِضَرْبِ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُمَاثِلًا لَهُ فَإِنْ كَانَ الْأَقَلُّ جُزْءَ الْأَكْثَرِ فَهِيَ الْمُتَدَاخِلَةُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ جُزْءٌ فَإِنْ تَوَافَقَا فِي جُزْءٍ فَهِيَ الْمُوَافِقَةُ، وَإِنْ لَمْ يَتَوَافَقَا فِي جُزْءٍ فَهِيَ الْمُبَايِنَةُ وَلَا يَخْلُو عَدَدَانِ اجْتَمَعَا مِنْ أَحَدِ هَذِهِ الْأَحْوَالِ الْأَرْبَعَةِ؛ لِأَنَّهُمَا إمَّا أَنْ يَتَسَاوَيَا أَوْ لَا فَإِنْ تُسَاوَيَا فَهِيَ الْمُمَاثَلَةُ، وَإِمَّا أَنْ يَتَسَاوَيَا فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ الْأَقَلُّ جُزْءَ الْأَكْثَرِ فَإِنْ كَانَ جُزْءًا لَهُ فَهِيَ الْمُتَدَاخِلَةُ، وَإِلَّا فَهِيَ الْمُبَايِنَةُ، وَبَيَانُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مَذْكُورٌ فِي الْمُطَوَّلَاتِ، وَهَذِهِ الْأَرْبَعَةُ كُلُّهَا جَارِيَةٌ بَيْنَ الرُّءُوس وَالرُّءُوسِ وَكَذَا بَيْنَ الرُّءُوسِ وَالسِّهَامِ إلَّا الدَّاخِلَةَ فَإِنَّ الْعَمَلَ فِيهَا كَالْمُوَافِقَةِ فَإِذَا كَانَتْ الرُّءُوسُ أَكْثَرَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 586 وَكَالْمُمَاثَلَةِ إذَا كَانَتْ السِّهَامُ أَكْثَرَ؛ لِأَنَّهَا تَنْقَسِمُ عَلَيْهِمْ كَمَا تَنْقَسِمُ الْمُمَاثَلَةُ وَفَائِدَةُ التَّصْحِيحِ بَيَانُ كَيْفِيَّةِ الْعَمَلِ فِي الْقِسْمَةِ بَيْنَ الْمُسْتَحَقِّينَ مِنْ أَقَلِّ عَدَدٍ يُمْكِنُ عَلَى وَجْهٍ يُسْلِمُ الْحَاصِلَ لِكُلٍّ مِنْ الْكَسْرِ وَلِهَذَا سُمِّيَ تَصْحِيحًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ انْكَسَرَ حَظُّ فَرِيقٍ ضُرِبَ وَفْقَ الْعَدَدِ فِي الْفَرِيضَةِ إنْ وَافَقَ) أَيْ إذَا انْكَسَرَ نَصِيبُ طَائِفَةٍ مِنْ الْوَرَثَةِ يُنْظَرُ بَيْنَ رُءُوسِهِمْ وَسِهَامِهِمْ فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مُوَافَقَةٌ ضُرِبَ وَفْقَ عَدَدِهِمْ فِي الْفَرِيضَةِ، وَهِيَ أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ، وَعَوْلُهَا إنْ كَانَتْ عَائِلَةً فَالْمَبْلَغُ تَصْحِيحٌ كَجَدَّةٍ وَأُخْتٍ لِأُمٍّ وَعِشْرِينَ أَخًا لِأَبٍ، وَأَصْلُهَا مِنْ سِتَّةٍ فَلِلْجَدَّةِ سَهْمٌ وَكَذَا الْأُخْتُ لِأُمٍّ وَلِلْأَخَوَاتِ؛ لِأَنَّ أَرْبَعَةً لَا تَنْقَسِمُ عَلَيْهِنَّ وَتُوَافِقُ رُءُوسُهُمْ بِالرُّبُعِ فَاضْرِبْ رُبْعَ رُءُوسِهِنَّ وَهُوَ خَمْسَةٌ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ سِتَّةٌ تَبْلُغْ ثَلَاثِينَ فَمِنْهَا تَصِحُّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَّا فَالْعَدَدُ فِي الْفَرِيضَةِ وَالْمَبْلَغُ مَخْرَجُهُ) أَيْ إنْ لَمْ تُوَافِقْ الرُّءُوسُ السِّهَامَ فَاضْرِبْ عَدَدَ الرُّءُوسِ فِي سِهَامِ الْفَرِيضَةِ، وَهِيَ أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ، وَعَوْلُهَا إنْ كَانَتْ عَائِلَةً فَمَا بَلَغَ مِنْ الضَّرْبِ فَهُوَ التَّصْحِيحُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ أَيْ فِي الْمُبَايِنَةِ وَالْمُوَافِقَةِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا مِثَالَ الْمُوَافِقَةِ، وَمِثَالُ الْمُبَايِنَةِ زَوْجٌ وَسَبْعُ أَخَوَاتٍ لِأَبٍ أَصْلُهَا مِنْ سِتَّةٍ، وَتَعُولُ إلَى سَبْعَةٍ: لِلزَّوْجِ النِّصْفُ ثَلَاثَةٌ، وَلِلْأَخَوَاتِ الثُّلُثَانِ أَرْبَعَةٌ فَلَا يَنْقَسِمُ عَلَيْهِنَّ وَلَا يُوَافِقُ فَاضْرِبْ رُءُوسَهُنَّ فِي الْفَرِيضَةِ تَبْلُغْ تِسْعَةً وَأَرْبَعِينَ فَمِنْهَا تَصِحُّ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ تَعَدَّدَ الْكَسْرُ وَتَمَاثَلَ ضُرِبَ وَاحِدٌ) أَيْ إذَا انْكَسَرَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ طَائِفَةٍ وَاحِدَةٍ وَتَمَاثَلَ أَعْدَادُ رُءُوسِ الْمُنْكَسِرِ عَلَيْهِمْ يَضْرِبُ فَرِيقٌ وَاحِدٌ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَعَوْلِهَا إنْ كَانَتْ فَمَا بَلَغَ مِنْ الضَّرْبِ فَهُوَ الصَّحِيحُ الْمَسْأَلَةِ مِثَالُهُ سِتُّ أَخَوَاتٍ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَثَلَاثُ أَخَوَاتٍ لِأُمٍّ وَثَلَاثُ جَدَّاتٍ أَصْلُهَا مِنْ سِتَّةٍ وَتَعُولُ إلَى سَبْعَةٍ لِلْأَخَوَاتِ لِأَبِ وَأُمٍّ الثُّلُثَانِ أَرْبَعَةٌ لَا تَنْقَسِمُ عَلَيْهِنَّ وَلَا تُوَافِقُ النِّصْفَ فَرَدُّ رُءُوسِهِنَّ إلَى النِّصْفِ ثَلَاثَةٌ وَلِلْأَخَوَاتِ لِأُمٍّ الثُّلُثُ سَهْمَانِ لَا تَنْقَسِمُ عَلَيْهِنَّ وَلَا تُوَافِقُ وَلِلْجَدَّاتِ سَهْمٌ لَا يَنْقَسِمُ عَلَيْهِنَّ وَلَا يُوَافِقُ فَاجْتَمَعَ مَعَك ثَلَاثَةُ أَعْدَادٍ مُمَاثِلَةٌ فَاضْرِبْ وَاحِدًا مِنْهُمْ فِي الْفَرِيضَةِ تَبْلُغْ إحْدَى وَعِشْرِينَ فَمِنْهَا تَصِحُّ، وَلَوْ كَانَ بَعْضُ الْأَعْدَادِ مُمَاثِلَةً دُونَ الْبَعْضِ ضَرَبَ رُءُوسَ فَرِيقٍ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَمَاثِلَيْنِ فِي عَدَدِ رُءُوسِ الْفَرِيقِ الْمُبَايِنِ لَهُمْ أَوْ فِي وَفْقِهِ إنْ وَافَقَ فَمَا بَلَغَ ضَرَبْته فِي الْفَرِيضَةِ فَمَا بَلَغَ صَحَّتْ مِنْهُ الْمَسْأَلَةُ مِثَالُهُ لَوْ كَانَ عَدَدُ الْأَخَوَاتِ خَمْسًا مَثَلًا فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا ضَرَبْت ثَلَاثَةً فِي خَمْسَةٍ تَبْلُغْ خَمْسَةَ عَشَرَ، ثُمَّ اضْرِبْ خَمْسَةَ عَشَرَ فِي الْفَرِيضَةِ هِيَ سَبْعَةٌ تَبْلُغُ مِائَةً وَسَبْعَةً، وَمِنْهَا تَصِحُّ، وَلَوْ كَانَ الْمُبَايِنُ أَكْثَرَ مِنْ طَائِفَةٍ وَاحِدَةٍ يُضْرَبُ مَا بَلَغَ مِنْ الضَّرْبِ الْأَوَّلِ فِيهِ، وَفِي وَفْقِهِ، ثُمَّ مَا بَلَغَ فِي الْفَرِيضَةِ فَمَا بَلَغَ تَصِحُّ مِنْهُ الْمَسْأَلَةُ مِثَالُهُ أَرْبَعُ زَوْجَاتٍ، وَخَمْسُ أَخَوَاتٍ لِأُمٍّ وَثَلَاثُ جَدَّاتٍ وَثَلَاثُ أَخَوَاتٍ لِأَبٍ أَصْلُهَا مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ وَتَعُولُ إلَى سَبْعَةَ عَشَرَ فَلَا يَنْقَسِمُ عَلَى الْكُلِّ وَلَا يُوَافِقُ فَعَدَدُ الْأَخَوَاتِ لِأَبٍ مُمَاثِلُ الْجَدَّاتِ فَتَكْتَفِي بِأَحَدِهِمَا فَتَضْرِبُ ثَلَاثَةً فِي أَرْبَعَةٍ تَبْلُغُ اثْنَيْ عَشَرَ، ثُمَّ فِي خَمْسَةٍ فَتَبْلُغُ سِتِّينَ، ثُمَّ تَضْرِبُ السِّتِّينَ فِي الْفَرِيضَةِ وَهِيَ سَبْعَةَ عَشَرَ تَبْلُغُ أَلْفًا وَعِشْرِينَ فَمِنْهَا تَصِحُّ الْمَسْأَلَةُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ تَوَافَقَ فَالْوَفْقُ، وَإِلَّا فَالْعَدَدُ فِي الْعَدَدِ، ثُمَّ وَثُمَّ وَثُمَّ جَمِيعُ الْمَبْلَغِ فِي الْفَرِيضَةِ وَعَوْلِهَا) أَيْ إذَا تَوَافَقَ بَيْنَ أَعْدَادِ الرُّءُوسِ فَاضْرِبْ وَفْقَ أَحَدِهِمَا فِي جَمِيعِ الْآخَرِ، ثُمَّ اضْرِبْ مَا بَلَغَ فِي وَفْقِ الثَّلَاثَةِ إنْ وَافَقَ الْمَبْلَغَ الثُّلُثَ، وَإِنْ لَمْ يُوَافِقْ فَاضْرِبْ كُلَّهُ فِيهِ فَمَا بَلَغَ فَاضْرِبْهُ فِي الْفَرِيضَةِ فَمَا بَلَغَ تَصِحُّ مِنْهُ الْمَسْأَلَةُ، وَلَوْ كَانَ فَرِيقٌ رَابِعٌ ضَرَبَ فِيهِ مَا بَلَغَ مِنْ ضَرْبِ الرُّءُوسِ فِي الرُّءُوسِ إنْ لَمْ يُوَافِقْهُ، وَإِنْ وَافَقَهُ فَفِي الْوَفْقِ، ثُمَّ مَا بَلَغَ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ فَمَا بَلَغَ مِنْهُ تَصِحُّ الْمَسْأَلَةُ فَمِثَالُ الْمُوَافَقَةِ أَرْبَعُ زَوْجَاتٍ وَثَمَانِيَةَ عَشَرَ أُخْتًا لِأُمٍّ وَاثْنَا عَشَرَ جَدَّةً وَخَمْسَةَ عَشَرَ أُخْتًا لِأَبٍ أَصْلُهَا مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ وَتَعُولُ إلَى سَبْعَةَ عَشَرَ فَلِلزَّوْجَاتِ الرُّبُعُ ثَلَاثَةٌ لَا يَنْقَسِمُ عَلَيْهِنَّ وَلَا يُوَافِقُ وَلِلْأَخَوَاتِ لِأُمٍّ الثُّلُثُ أَرْبَعَةٌ لَا يَنْقَسِمُ عَلَيْهِنَّ وَيُوَافِقُ بِالنِّصْفِ، فَرَدُّ رُءُوسِهِنَّ إلَى النِّصْفِ تِسْعَةٌ وَلِلْجَدَّاتِ السُّدُسُ سَهْمَانِ لَا يَنْقَسِمُ عَلَيْهِنَّ وَتُوَافِقُ بِالنِّصْفِ فَرَدُّ رُءُوسِهِنَّ إلَى النِّصْفِ سِتَّةٌ، وَلِلْأَخَوَاتِ لِأَبٍ الثُّلُثَانِ ثَمَانِيَةٌ لَا يَنْقَسِمُ عَلَيْهِنَّ، وَلَا يُوَافَقُ فَبَيْنَ خَمْسَةَ عَشَرَ وَالسِّتَّةِ مُوَافَقَةٌ بِالثُّلُثِ فَاضْرِبْ ثُلُثَ أَحَدِهِمَا فِي جَمِيعِ الْآخَرِ تَبْلُغْ تِسْعِينَ، ثُمَّ مَا بَيْنَ التِّسْعِينَ وَالْأَرْبَعَةِ مُوَافَقَةٌ بِالنِّصْفِ فَاضْرِبْ نِصْفَ أَحَدِهِمَا فِي جَمِيعِ الْآخَرِ تَبْلُغْ مِائَةً وَثَمَانِينَ، ثُمَّ اضْرِبْ الْمِائَةَ وَالثَّمَانِينَ فِي الْفَرِيضَةِ وَهِيَ سَبْعَةَ عَشَرَ تَبْلُغْ ثَلَاثَةَ آلَافٍ وَسِتِّينَ، فَمِنْهُمَا تَصِحُّ الْمَسْأَلَةُ وَمِثَالُ الْمُبَايِنَةِ خَمْسُ أَخَوَاتٍ لِأَبٍ، وَثَلَاثُ أَخَوَاتٍ لِأُمٍّ، وَسَبْعُ جَدَّاتٍ، وَأَرْبَعُ زَوْجَاتٍ أَصْلُهَا مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ، وَتَعُولُ إلَى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 587 سَبْعَةَ عَشَرَ فَلِلْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ الثُّلُثَانِ ثَمَانِيَةٌ لَا تَنْقَسِمُ عَلَيْهِنَّ، وَلَا تُوَافِقُ وَلِلْجَدَّاتِ السُّدُسُ سَهْمَانِ لَا تَنْقَسِمُ عَلَيْهِنَّ وَلَا تُوَافِقُ فَالْخَمْسَةُ لَا تُوَافِقُ فَاضْرِبْ أَحَدَهُمَا فِي الْأُخْرَى تَبْلُغُ خَمْسَةَ عَشَرَ وَخَمْسَةَ عَشَرَ لَا تُوَافِقُ الْأَرْبَعَةَ فَاضْرِبْ أَحَدَهُمَا فِي الْأُخْرَى تَبْلُغْ سِتِّينَ وَالسِّتِّينَ لَا تُوَافِقُ السَّبْعَةَ فَاضْرِبْ أَحَدَهُمَا فِي الْأُخْرَى تَبْلُغْ أَرْبَعَمِائَةٍ وَعِشْرِينَ، ثُمَّ اضْرِبْ أَرْبَعَمِائَةٍ وَعِشْرِينَ فِي الْفَرِيضَةِ وَهِيَ سَبْعَةَ عَشَرَ تَبْلُغْ سَبْعَةَ آلَافٍ وَمِائَةً وَأَرْبَعِينَ فَمِنْهَا تَصِحُّ، وَلَهُ طَرِيقٌ آخَرُ مَذْكُورَةٌ فِي الْمُطَوَّلَاتِ [الرِّدُّ] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَا فُرِضَ يُرَدُّ عَلَى ذَوِي الْفُرُوضِ بِقَدْرِ فُرُوضِهِمْ إلَّا عَلَى الزَّوْجَيْنِ) أَيْ يُرَدُّ مَا فَضَلَ مِنْ فَرْضِ ذَوِي الْفُرُوضِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْوَرَثَةِ عَصَبَةٌ فَلَوْ كَانَ فِيهِمْ فَالْفَاضِلُ بَعْدَ الْفُرُوضِ لِلْعَصَبَةِ إلَّا عَلَى الزَّوْجَيْنِ فَإِنَّهُ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِمَا وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَبِهِ أَخَذَ أَصْحَابُنَا، وَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: الْفَاضِلُ لِبَيْتِ الْمَالِ وَبِهِ أَخَذَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ: يُرَدُّ عَلَى الزَّوْجَيْنِ أَيْضًا وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} [الأنفال: 75] وَهُوَ الْمِيرَاثُ فَيَكُونُ أَوْلَى مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَمِنْ الزَّوْجَيْنِ إلَّا فِيمَا ثَبَتَ لَهُمْ بِالنَّصِّ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِجَمِيعِ ذَوِي الْأَرْحَامِ لِاسْتِوَائِهِمْ فِي هَذَا الِاسْمِ إلَّا أَنَّ أَصْحَابَ الْفَرَائِضِ قُدِّمُوا عَلَى غَيْرِهِمْ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ لِقُوَّةِ قَرَابَتِهِمْ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ يُقَدَّمُونَ فِي الْإِرْثِ فَكَانُوا أَحَقَّ بِهِ وَمِنْ حَيْثُ السُّنَّةُ مَا رُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ عَلَى سَعْدٍ يَعُودهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: إنَّ لِي مَالًا وَلَا يَرِثُنِي إلَّا ابْنَتِي الْحَدِيثَ، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَصْرَ الْمِيرَاثِ عَلَى ابْنَتِهِ» ، وَلَوْلَا أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ لَأَنْكَرَ عَلَيْهِ، وَلَمْ يُقِرَّهُ عَلَى الْخَطَأِ لَا سِيَّمَا فِي مَوَاضِعِ الْحَاجَةِ إلَى الْبَيَانِ، وَكَذَا رُوِيَ «أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي تَصَدَّقْت عَلَى أُمِّي بِجَارِيَةٍ فَمَاتَتْ أُمِّي وَبَقِيَتْ الْجَارِيَةُ فَقَالَ: وَجَبَ أَجْرُك وَرَجَعَتْ إلَيْك فِي الْمِيرَاثِ» فَجَعَلَ الْجَارِيَةَ رَاجِعَةً إلَيْهَا بِحُكْمِ الْمِيرَاثِ. وَهَذَا هُوَ الرَّدُّ؛ لِأَنَّ أَصْحَابَ الْفَرَائِضِ سَاوَوْا النَّاسَ كُلَّهُمْ وَتَرَجَّحُوا بِالْقَرَابَةِ فَيُرَجَّحُونَ بِذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَمَسَائِلُ الْبَابِ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ أَنْ يَكُونُوا جِنْسًا وَاحِدًا أَوْ أَكْثَرَ عِنْدَ عَدَمِ مَنْ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ أَوْ عِنْدَ وُجُودِهِ فَلَا تَخْرُجُ مَسَائِلُهُ عَنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ عَلَى مَا يَجِيءُ فِي أَثْنَاءِ الْبَحْثِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ كَانَ مَنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ جِنْسًا وَاحِدًا فَالْمَسْأَلَةُ مِنْ رُءُوسِهِمْ كَبِنْتَيْنِ أَوْ أُخْتَيْنِ) ؛ لِأَنَّهُمَا لَمَّا اسْتَوَيَا فِي الِاسْتِحْقَاقِ صَارَا كَابْنَتَيْنِ وَأَخَوَيْنِ فَيُجْعَلُ الْمَالُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَكَذَا الْجَدَّتَانِ لِمَا ذَكَرْنَا وَالْمُرَادُ بِالْأُخْتَيْنِ أَنْ يَكُونَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ بِأَنْ يَكُونَ كِلَاهُمَا لِأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ أَوْ لِأَبَوَيْنِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَّا فَمِنْ سِهَامِهِمْ فَمِنْ اثْنَيْنِ لَوْ سُدُسَانِ وَثَلَاثَةٌ لَوْ ثُلُثٌ وَسُدُسٌ وَأَرْبَعَةٌ لَوْ نِصْفٌ وَسُدُسٌ وَخَمْسَةٌ لَوْ ثُلُثَانِ وَسُدُسٌ أَوْ نِصْفٌ وَسُدُسَانِ أَوْ نِصْفٌ وَثُلُثٌ) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ مَنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ جِنْسًا وَاحِدًا بِأَنْ كَانَ جِنْسَيْنِ تُجْعَلُ الْمَسْأَلَةُ مِنْ سِهَامِهِمْ فَتُجْعَلُ مِنْ اثْنَيْنِ لَوْ اجْتَمَعَا سُدُسَانِ كَجَدَّةٍ وَأُخْتٍ لِأُمٍّ أَوْ مِنْ ثَلَاثَةٍ إذَا اجْتَمَعَ نِصْفٌ وَسُدُسٌ كَأُمٍّ أَوْ جَدَّةٍ مَعَ مَنْ يَسْتَحِقُّ الثُّلُثَيْنِ مِنْ الْإِنَاثِ أَوْ أُخْتَيْنِ لِأَبٍ أَوْ ثَلَاثُ أَخَوَاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ أَوْ أُمٌّ وَأُخْتٌ لِأُمٍّ وَأُخْتٌ لِأَبٍ أَوْ نِصْفٌ وَثُلُثٌ لِأُمٍّ وَأُخْتٍ لِأَبٍ أَوْ أَخَوَيْنِ لِأُمٍّ أَوْ أُخْتٌ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَجْتَمِعَ فِي بَابِ الرَّدِّ أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثِ طَوَائِفَ فَإِذَا جُعِلَتْ الْمَسْأَلَةُ مِنْ سِهَامِهِمْ تَحْقِيقُ رَدِّ الْفَاضِلِ عَلَيْهِمْ بِقَدْرِ سِهَامِهِمْ. وَهَذَانِ النَّوْعَانِ اللَّذَانِ ذَكَرْنَاهُمَا أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونُوا جِنْسًا وَاحِدًا وَالْآخَرُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فِيمَا إذَا لَمْ يَخْتَلِطْ بِهِمْ مَنْ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِمْ وَبَقِيَ النَّوْعَانِ الْآخَرَانِ وَهُمَا إذَا اخْتَلَطَا بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ النَّوْعَيْنِ مَنْ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ مَعَ الْأَوَّلِ مَنْ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ أَعْطِ فَرْضَهُ مِنْ أَقَلِّ مَخَارِجِهِ، ثُمَّ اقْسِمْ الْبَاقِيَ عَلَى أَنْ يُرَدَّ عَلَيْهِ كَزَوْجٍ وَثَلَاثِ بَنَاتٍ) أَيْ لَوْ كَانَ مَعَ الْأَوَّلِ وَهُوَ مَا إذَا كَانُوا جِنْسًا وَاحِدًا مَنْ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ وَهُوَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ أَعْطِ فَرْضَ مَنْ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ مِنْ أَقَلِّ مَخَارِجِ فَرْضِهِ، ثُمَّ اقْسِمْ الْبَاقِيَ عَلَى رُءُوسِ مَنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ إنْ اسْتَقَامَ الْبَاقِي عَلَيْهِمْ كَزَوْجٍ وَثَلَاثِ بَنَاتٍ لِلزَّوْجِ الرُّبُعُ فَأَعْطِهِ مِنْ أَقَلِّ مَخَارِجِهِ الرُّبُعَ وَهُوَ أَرْبَعَةٌ فَإِذَا أَخَذَ رُبُعَهُ وَهُوَ سَهْمٌ بَقِيَ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ فَاسْتَقَامَ عَلَى رُءُوسِ الْبَنَاتِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ لَمْ يَسْتَقِمْ فَإِنْ وَافَقَ رُءُوسَهُمْ) كَزَوْجٍ وَثَلَاثِ بَنَاتٍ أَيْ لَوْ كَانَ مَعَ الْأَوَّلِ وَهُوَ مَا إذَا كَانَ جِنْسًا وَاحِدًا مَنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ إنْ اسْتَقَامَ الْبَاقِي عَلَيْهِنَّ كَزَوْجٍ وَثَلَاثِ بَنَاتٍ فَاضْرِبْ وَفْقَ رُءُوسِهِمْ (فِي مَخْرَجِ فَرْضِ مَنْ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَاضْرِبْ كُلَّ عَدَدِ رُءُوسِهِمْ فِي مَخْرَجِ فَرْضِ مَنْ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ) عَلَى عَدَدِ رُءُوسِ مَنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ (كَزَوْجٍ وَخَمْسِ بَنَاتٍ) أَيْ إنْ لَمْ يَسْتَقِمْ الْبَاقِي بَعْدَ فَرْضِ مَنْ لَا يُرَدُّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 588 عَلَيْهِ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِ مَنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَ بَيْنَ الْبَاقِي مِنْ فَرْضِ مَنْ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ وَبَيْنَ رُءُوسِهِمْ مُوَافَقَةٌ (فَاضْرِبْ وَفْقَ رُءُوسِهِمْ فِي مَخْرَجِ فَرْضِ مَنْ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ) كَزَوْجٍ وَسِتِّ بَنَاتٍ فَإِنَّ بَيْنَهُمَا مُوَافَقَةً فِي الثُّلُثِ فَرُدَّ رُءُوسَهُمْ إلَى اثْنَيْنِ، ثُمَّ اضْرِبْ بِهِ فِي أَرْبَعَةٍ. وَإِنْ لَمْ يُوَافِقْ الْبَاقِي رُءُوسَهُمْ كَزَوْجٍ وَخَمْسِ بَنَاتٍ فَإِنَّهُ لَا مُوَافَقَةَ بَيْنَ الْخَمْسَةِ وَالثَّلَاثَةِ فَاضْرِبْ جَمِيعَ رُءُوسِهِنَّ وَهُوَ الْخَمْسَةُ فِي أَرْبَعَةٍ فَالْمَبْلَغُ فِي الْوَجْهَيْنِ تَصْحِيحُ الْمَسْأَلَةِ فَتَصِحُّ فِي الْأَوَّلِ فِي ثَمَانِيَةٍ، وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي مِنْ عِشْرِينَ؛ لِأَنَّك فِي الْأَوَّلِ ضَرَبْت اثْنَيْنِ فِي أَرْبَعَةٍ، وَفِي الثَّانِي خَمْسَةً فِي أَرْبَعَةٍ فَيَأْخُذُ الزَّوْجُ فِي الْأَوَّلِ سَهْمَيْنِ يَبْقَى سِتَّةٌ فَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْبَنَاتِ سَهْمٌ وَيَأْخُذُ فِي الثَّمَانِيَةِ خَمْسَةً فَيُقْسَمُ الْبَاقِي عَلَى خَمْسَةٍ يُصِيبُ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ مَعَ الثَّانِي مَنْ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ) الْمُرَادُ بِالثَّانِي أَنْ يَكُونَ طَائِفَتَانِ أَوْ أَكْثَرُ أَيْ لَوْ كَانَ مَعَ الطَّائِفَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ مَنْ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَاقْسِمْ مَا بَقِيَ مِنْ مَخْرَجِ فَرْضِ مَنْ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ عَلَى مَسْأَلَةِ مَنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ) وَهُوَ سِهَامُهُمْ عَلَى مَا بَيَّنَّا (كَزَوْجَةٍ وَأَرْبَعِ جَدَّاتٍ وَسِتِّ أَخَوَاتٍ لِأُمٍّ) لِلزَّوْجَةِ الرُّبُعُ فَأَعْطِهَا مِنْ أَقَلِّ مَخَارِجِهِ وَهُوَ وَاحِدٌ مِنْ أَرْبَعَةٍ يَبْقَى ثَلَاثَةٌ تَنْقَسِمُ عَلَى ثَلَاثَةٍ؛ لِأَنَّ سِهَامَهُنَّ ثَلَاثَةٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ لَمْ يَسْتَقِمْ فَاضْرِبْ سِهَامَ مَنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ فِي مَخْرَجِ فَرْضِ مَنْ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ كَأَرْبَعِ زَوْجَاتٍ وَتِسْعِ بَنَاتٍ وَسِتِّ جَدَّاتٍ) أَيْ إنْ لَمْ يَسْتَقِمْ الْبَاقِي مِنْ فَرْضِ مَنْ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ عَلَى سِهَامِ مَنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ أَيْ عَلَى مَسْأَلَتِهِمْ فَاضْرِبْ سِهَامَ مَنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ فِي مَخْرَجِ فَرْضِ مَنْ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ فَمَا بَلَغَ يَخْرُجُ مِنْهُ حَقُّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِ كَسْرٍ، وَهَذَا الضَّرْبُ لِبَيَانِ مَخْرَجِ فَرْضِ الْفَرِيقَيْنِ مِنْ أَقَلِّ عَدَدٍ يُمْكِنُ لَا لِلتَّصْحِيحِ، فَسِهَامُ مَنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ فِيمَا مُثِّلَ بِهِ خَمْسَةٌ، أَرْبَعَةٌ لِلْبَنَاتِ وَوَاحِدَةٌ لِلْجَدَّاتِ. وَمَا بَقِيَ مِنْ فَرْضِ مَنْ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ سَبْعَةٌ، وَهُوَ لَا يَنْقَسِمُ عَلَى خَمْسَةٍ فَاضْرِبْ الْخَمْسَةَ فِي الثَّمَانِيَةِ تَبْلُغْ أَرْبَعِينَ فَمِنْهُ يَخْرُجُ سِهَامُ كُلِّ وَاحِدٍ صَحِيحًا فَلِلزَّوْجَاتِ الثُّمُنُ خَمْسَةٌ وَالْبَاقِي لِمَنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ اضْرِبْ سِهَامَ مَنْ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ فِي مَسْأَلَةِ مَنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ، وَسِهَامَ مَنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ فِيمَا بَقِيَ مِنْ مَخْرَجِ فَرْضِ مَنْ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ) وَهَذَا الْبَيَانُ طَرِيقَةُ مَعْرِفَةِ سِهَامِ كُلِّ فَرِيقٍ مِنْ هَذَا الْمَبْلَغِ فَإِذَا أَرَدْت مَعْرِفَةَ سِهَامِ الزَّوْجَاتِ فِي الْمِثَالِ الَّذِي ضَرَبْته فَاضْرِبْ سَهْمَيْنِ فِي خَمْسَةٍ فَهُوَ نَصِيبُهُنَّ، وَإِذَا أَرَدْت مَعْرِفَةَ نَصِيبِ الْبَنَاتِ فَاضْرِبْ سِهَامَهُنَّ فِي خَمْسَةٍ، وَهُوَ أَرْبَعَةٌ فِيمَا بَقِيَ مِنْ فَرْضِ مَنْ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ وَهُوَ سَبْعَةٌ تَبْلُغْ ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ فَهُوَ لَهُنَّ، وَلِلْجَدَّاتِ سَهْمٌ مَضْرُوبٌ فِي سَبْعَةٍ بِسَبْعَةٍ، وَأَمَّا إنْ كَانَ الضَّرْبُ عَلَى مَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّ الْخَمْسَةَ لَمَّا ضُرِبَتْ فِي الثَّمَانِيَةِ وَجَبَ أَنْ يَضْرِبَ سِهَامَ كُلِّ فَرِيقٍ مِنْ الثَّمَانِيَةِ فِي الْخَمْسَةِ، لِلزَّوْجَاتِ وَاحِدٌ مِنْ الثَّمَانِيَةِ، وَالْبَاقِي لِمَنِّ يُرَدُّ عَلَيْهِ، وَهُوَ سَبْعَةٌ فَتُضْرَبُ فِي الْخَمْسَةِ، فَتَبْلُغُ خَمْسَةً وَثَلَاثِينَ فَصَارَتْ السَّبْعَةُ مَضْرُوبَةً فِي الْخَمْسَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَصْلِ مَسْأَلَةِ مَنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَانِيَةِ مَضْرُوبٌ فِي خَمْسَةٍ، وَكَذَا الْخَمْسَةُ مَضْرُوبَةٌ فِي نَصِيبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الثَّمَانِيَةِ لِأَنَّ عَدَدَ كُلٍّ ضُرِبَ فِي عَدَدٍ يَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَضْرُوبًا وَمَضْرُوبًا فِيهِ؛ وَلِهَذَا غَيَّرَ الْعِبَارَةَ بِقَوْلِهِ: وَسِهَامُ مَنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ فِيمَا بَقِيَ مِنْ مَخْرَجِ فَرْضِ مَنْ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ لَا لِتَغَيُّرِ الْعَمَلِ فَإِذَا عَرَفَ فُرُوضَ الْفَرِيقَيْنِ بِمَا ذُكِرَ يَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَة ِ التَّصْحِيحِ وَلِهَذَا بَيَّنَهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِذَا انْكَسَرَ فَصُحِّحَ كَمَا مَرَّ) أَيْ إذَا انْكَسَرَ عَلَى الْبَعْضِ أَوْ عَلَى الْكُلِّ فَصَحَّحَ الْمَسْأَلَةَ بِالطَّرِيقِ الْمَذْكُورَةِ فِي التَّصْحِيحِ؛ لِأَنَّ السِّهَامَ إذَا لَمْ تَنْقَسِمْ عَلَى أَرْبَابِهَا اُحْتِيجَ إلَى التَّصْحِيحِ وَمَا ذُكِرَ فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ الضَّرْبِ لَمْ يَكُنْ إلَّا لِيُخْرِجَ سِهَامَ كُلِّ فَرِيقٍ، وَمِمَّنْ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ مِنْ عَدَدٍ وَاحِدٍ كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ مَخَارِجِ السِّهَامِ لَا لِتَصْحِيحِ الْمَسْأَلَةِ عَلَيْهِمْ، وَقَدْ ذَكَرْنَا طَرِيقَ التَّصْحِيحِ وَطَرِيقَ مَعْرِفَةِ سِهَامِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ آحَادِ الْفَرِيقِ فَلَا نُعِيدُهُ، وَالْمِثَالُ الْأَوَّلُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ زَوْجَةٌ وَأَرْبَعُ جَدَّاتٍ وَسِتُّ أَخَوَاتٍ لِأُمٍّ، وَتَصِحُّ مِنْ ثَمَانِيَةٍ وَأَرْبَعِينَ الْمِثَالُ الثَّانِي، وَهُوَ أَرْبَعُ زَوْجَاتٍ وَتِسْعُ بَنَاتٍ وَسِتُّ جَدَّاتٍ تَصِحُّ مِنْ أَلْفٍ وَأَرْبَعِمِائَةٍ وَأَرْبَعِينَ. [الْمُنَاسَخَة] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ مَاتَ الْبَعْضُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ) أَيْ إذَا مَاتَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَيُسَمَّى هَذَا النَّوْعُ مِنْ الْمَسَائِلِ مُنَاسَخَةً مُفَاعَلَةً مِنْ النَّسْخِ، وَهُوَ الْإِزَالَةُ يُقَالُ: نَسَخَتْ الشَّمْسُ الظِّلَّ أَيْ أَزَالَتْهُ وَنَسَخْت الْكِتَابَ، وَاسْتِعْمَالُهُ فِيمَا إذَا صَارَ بَعْضُ الْأَنْصِبَاءِ مِيرَاثًا قَبْلَ الْقِسْمَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ نَقْلِ الْعَمَلِ وَالتَّصْحِيحِ إلَى الْفَرِيضَةِ الثَّانِيَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَصَحِّحْ مَسْأَلَةَ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ وَأَعْطِ سِهَامَ كُلِّ وَارِثٍ، ثُمَّ صَحِّحْ مَسْأَلَةَ الْمَيِّتِ الثَّانِي وَانْظُرْ بَيْنَ مَا فِي يَدِهِ التَّصْحِيحُ الْأَوَّلُ، وَهُوَ نَصِيبُ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ وَبَيْنَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 589 التَّصْحِيحِ الثَّانِي ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ) أَيْ التَّوَافُقُ وَالتَّبَايُنُ وَالِاسْتِقَامَةُ. (فَإِنْ اسْتَقَامَ مَا فِي يَدِهِ مِنْ التَّصْحِيحِ الْأَوَّلِ فَلَا ضَرْبَ وَصَحَّتَا مِنْ تَصْحِيحِ مَسْأَلَةِ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ) أَيْ صَحَّتْ الْفَرِيضَتَانِ فَرِيضَةُ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي مِمَّا صَحَّتْ مِنْهُ الْأُولَى (وَإِنْ لَمْ تَسْتَقِمْ فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مُوَافَقَةٌ) أَيْ بَيْنَ مَا فِي يَدِهِ وَهُوَ نَصِيبُهُ مِنْ الْأَوَّلِ وَبَيْنَ فَرِيضَتِهِ وَهُوَ التَّصْحِيحُ الثَّانِي (فَاضْرِبْ وَفْقَ التَّصْحِيحِ الثَّانِي فِي كُلِّ التَّصْحِيحِ الْأَوَّلِ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مُبَايَنَةٌ) أَيْ بَيْنَ مَا فِي يَدِهِ وَفَرِيضَتِهِ وَبَيْنَ التَّصْحِيحِ الثَّانِي (فَاضْرِبْ كُلَّ التَّصْحِيحِ الثَّانِي فِي التَّصْحِيحِ الْأَوَّلِ فَالْمَبْلَغُ مَخْرَجُ الْمَسْأَلَتَيْنِ) أَيْ مَا يَبْلُغُ مِنْ الضَّرْبِ لِتَصْحِيحِ الْفَرِيضَتَيْنِ فَرِيضَةِ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ وَفَرِيضَةِ الْمَيِّتِ الثَّانِي، فَلَا يُنْظَرُ بَيْنَ السِّهَامِ وَالرُّءُوسِ فِي الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ فِي تَصْحِيحِ الْفَرِيضَةِ فَكَذَا بَيْنَهُمَا حَتَّى إذَا اقْتَسَمَ مَا فِي يَدِهِ عَلَى فَرِيضَتِهِ لَا حَاجَةَ إلَى الضَّرْبِ كَمَا إذَا انْقَسَمَ نَصِيبُ الْفَرِيقِ مِنْ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى رُءُوسِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَنْقَسِمْ فَإِنْ وَافَقَ تُضْرَبُ وَفْقَ فَرِيضَتِهِ، وَإِنْ لَمْ يُوَافِقْ تُضْرَبُ كُلُّ الْفَرِيضَةِ الثَّانِيَةِ فِي الْفَرِيضَةِ الْأُولَى كَمَا فِي الرُّءُوسِ فَإِذَا عُرِفَ ذَلِكَ يُحْتَاجُ إلَى بَيَانِ طَرِيقِ مَعْرِفَةِ نَصِيبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ وَرَثَةِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي بِالطَّرِيقِ الْمَذْكُورِ فِي التَّصْحِيحِ، وَقَدْ بَيَّنْته فِي الْمُخْتَصَرِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَاضْرِبْ سِهَامَ وَرَثَةِ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ فِي التَّصْحِيحِ الثَّانِي أَوْ فِي وَفْقِهِ) أَيْ نَصِيبِهِ (وَسِهَامَ وَرَثَةِ الْمَيِّتِ الثَّانِي فِي نَصِيبِ الْمَيِّتِ الثَّانِي أَوْ فِي وَفْقِهِ) فِي الْفَرِيضَةِ الْأُولَى فَإِنْ كَانَ فِيهِمْ مَنْ يَرِثُ مِنْ الْمَيِّتَيْنِ ضَرَبْته مِنْ الْأُولَى فِي الْفَرْضِيَّةِ الثَّانِيَةِ أَوْ فِي وَفْقِهَا مَضْرُوبٌ فِي الْأُولَى فَنَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ لَا يَكُونُ مَضْرُوبًا ضَرُورَةً. فَلِذَلِكَ وَجَبَ ضَرْبُهُ فِيهِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُضْرَبَ نَصِيبُ الْمَيِّتِ الثَّانِي وَهُوَ الَّذِي فِي يَدِهِ الثَّانِيَةِ أَوْ فِي وَفْقِهَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ وَرَثَةِ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ إلَّا أَنَّ نَصِيبَهُ لَمَّا صَارَ مِيرَاثًا كَانَ مُسْتَحَقًّا لِوَرَثَتِهِ، وَكَانَ مَقْسُومًا بَيْنَهُمْ فَاسْتُغْنِيَ عَنْ ذَلِكَ بِضَرْبِ نَصِيبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ وَرَثَتِهِ فِيمَا فِي يَدِهِ، أَوْ فِي وَفْقِ مَا فِي يَدِهِ وَهُوَ نَظِيرُ مَا ذُكِرَ فِي الرَّدِّ أَنَّ سِهَامَ مَنْ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ تُضْرَبُ فِي سِهَامِ مَنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ وَسِهَامُ مَنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ تُضْرَبُ فِيمَا بَقِيَ مِنْ فُرُوضِ مَنْ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ، وَلَوْ مَاتَ ثَالِثٌ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَاجْعَلْ الْمُبْلَعَ الثَّانِيَ مَقَامَ الْأَوَّلِ، وَالثَّانِي فِي الْعَمَلِ فَلَوْ مَاتَ رَابِعٌ فَاجْعَلْ الثَّالِثَ مَقَامَ الْأَوَّلِ وَالرَّابِعَ مَقَامَ الثَّالِثِ وَهَكَذَا كُلَّمَا مَاتَ وَاحِدٌ قَبْلَ الْقِسْمَةِ تُقِيمُهُ مَقَامَ الثَّانِي، وَالْمَبْلَغَ الَّذِي قَبْلَ مَقَامِ الْأَوَّلِ إلَى مَا لَا يَتَنَاهَى هَذَا إذَا مَاتَ الثَّانِي وَخَلَّفَ وَرَثَةً غَيْرَ مَنْ كَانَ مَعَهُ مِيرَاثُ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ أَوْ كَانُوا هُمْ بِعَيْنِهِمْ وَلَكِنَّ جِهَةَ إرْثِهِمْ مِنْ الْمَيِّتَيْنِ مُخْتَلِفَةٌ، وَإِنْ كَانُوا هُمْ بِعَيْنِهِمْ وَلَمْ يَخْتَلِفْ غَيْرُهُمْ مِنْ الْوَرَثَةِ، وَجِهَةُ إرْثِهِمْ مِنْ الْمَيِّتِينَ مُتَّحِدَةٌ أَلْغَيْت جَمِيعَ مَا مَاتَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَصَحَّتْ فَرِيضَةُ الْمَيِّتِ الْآخَرِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَمُتْ إلَّا هُوَ، وَلَمْ يَكُنْ وَارِثٌ غَيْرُ وَرَثَتِهِ، وَهَذَا النَّوْعُ يُسَمَّى الْمُنَاسِخَ النَّاقِضَ [التَّصْحِيحِ] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُعْرَفُ حَظُّ كُلِّ فَرِيقٍ مِنْ التَّصْحِيحِ بِضَرْبِ مَا لِكُلٍّ مِنْ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا ضَرَبْته فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ) أَيْ يُعْرَفُ نَصِيبُ كُلِّ فَرِيقٍ مِنْ التَّصْحِيحِ بِضَرْبِ نَصِيبِ كُلِّ فَرِيقٍ مِنْ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ فِي مَبْلَغِ الرُّءُوسِ، وَهُوَ الْمَضْرُوبُ فِي الْفَرِيضَةِ فَمَا بَلَغَ فَهُوَ نَصِيبُ ذَلِكَ الْفَرِيقِ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ فِي مَوْضِعِهِ مَعْنَاهُ لَوْ تَرَكَ زَوْجَةً وَعِشْرِينَ بِنْتًا وَأُمًّا فَلِلزَّوْجَةِ ثَلَاثَةٌ، وَلِكُلٍّ مِنْ الْأَبِ وَالْأُمِّ أَرْبَعَةٌ، وَلِلْبَنَاتِ سِتَّةَ عَشَرَ، وَهُنَّ عِشْرُونَ لَا تَنْقَسِمُ عَلَيْهِنَّ لَكِنْ بَيْنَ سِهَامِهِمْ وَرُءُوسِهِنَّ مُوَافَقَةٌ بِالرُّبُعِ فَتُضْرَبُ وَفْقَ رُءُوسِهِنَّ. وَهُوَ خَمْسَةٌ فِي سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ تَبْلُغُ مِائَةً وَخَمْسَةً وَثَلَاثِينَ فَهَذِهِ هِيَ جُزْءُ السَّهْمِ، وَهِيَ وَفْقَ الرُّءُوسِ فَلِلزَّوْجَةِ ثَلَاثَةٌ مَضْرُوبَةٌ فِي خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ تَبْلُغُ ثَمَانِيَةً فَهُنَا قَدْ ضَرَبْت مَا لِكُلِّ فَرِيقٍ مِنْ التَّصْحِيحِ فِيمَا ضَرَبْته فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ وَفْقُ الرُّءُوسِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَحَظُّ كُلِّ فَرْدٍ نِسْبَةُ سِهَامِ كُلِّ فَرِيقٍ مِنْ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ إلَى عَدَدِ رُءُوسِهِمْ مُفْرَدًا، ثُمَّ يُعْطَى بِمِثْلِ تِلْكَ النِّسْبَةِ مِنْ الْمَضْرُوبِ لِكُلِّ فَرْدٍ) أَيْ يُعْرَفُ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْفَرِيقِ بِأَنْ تُنَاسِبَ سِهَامُ جَمِيعِ الْفَرِيقِ مِنْ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ إلَى عَدَدِ رُءُوسِ ذَلِكَ الْفَرِيقِ فَمَا وُجِدَ بِنِسْبَتِهِ أُعْطِيَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ آحَادِ ذَلِكَ الْفَرِيقِ بِمِثْلِ تِلْكَ النِّسْبَةِ مِنْ الْمَضْرُوبِ فَيَخْرُجُ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَمَعْنَى قَوْلِهِ مُفْرَدًا أَيْ يُنْسَبُ إلَى فَرِيقٍ وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِهِمْ فَرِيقٌ آخَرُ عِنْدَ النِّسْبَةِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا مَوْضِعُهُمَا بَابُ التَّصْحِيحِ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُمَا هُنَاكَ وَطَرِيقًا آخَرَ فَلَا نُعِيدُهَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَرَدْت قِسْمَةَ التَّرِكَةِ بَيْنَ الْوَرَثَةِ وَالْغُرَمَاءِ فَاضْرِبْ سِهَامَ كُلِّ فَرِيقٍ وَارِثٍ مِنْ التَّصْحِيحِ فِي كُلِّ التَّرِكَةِ، ثُمَّ اقْسِمْ الْمَبْلَغَ عَلَى التَّصْحِيحِ) وَكَذَا الدَّيْنُ بِأَنْ تَضْرِبَ دَيْنَ كُلِّ غَرِيمٍ فِي التَّرِكَةِ وَتَقْسِمَ الْخَارِجَ عَلَى مَجْمُوعِ الدَّيْنِ وَهَذَا إذَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 590 لَمْ يَكُنْ بَيْنَ التَّرِكَةِ وَالتَّصْحِيحِ وَلَا بَيْنَ التَّرِكَةِ وَمَجْمُوعِ الدَّيْنِ مُوَافَقَةٌ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مُوَافَقَةٌ فَاضْرِبْ نَصِيبَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَرَثَةِ وَدَيْنَ كُلِّ غَرِيمٍ فِي وَفْقِ التَّرِكَةِ فَمَا بَلَغَ فَاقْسِمْهُ عَلَى وَفْقِ التَّصْحِيحِ أَوْ عَلَى وَفْقِ مَجْمُوعِ الدَّيْنِ فَمَا خَرَجَ مِنْ الْقِسْمَةِ فَهُوَ نَصِيبُ ذَلِكَ الْوَارِثِ أَوْ لِلدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَجْعَلُ دَيْنَ كُلِّ غَرِيمٍ بِمَنْزِلَةِ سِهَامِ كُلِّ وَارِثٍ وَمَجْمُوعَ الدَّيْنِ بِمَنْزِلَةِ التَّصْحِيحِ وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى قَاعِدَةٍ مُمَهَّدَةٍ فِي الْحِسَابِ وَهِيَ أَنَّهُ مَتَى اجْتَمَعَ أَرْبَعَةُ أَعْدَادٍ مُتَنَاسِبَةٍ وَكَانَ نِسْبَةُ الْأَوَّلِ إلَى الثَّانِي كَنِسْبَةِ الثَّالِثِ إلَى الرَّابِعِ وَعُلِمَ مِنْ تِلْكَ الْأَعْدَادِ ثَلَاثَةٌ وَجُهِلَ وَاحِدٌ أَمْكَنَ اسْتِخْرَاجُ الْمَجْهُولِ وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ اجْتَمَعَ أَرْبَعَةُ أَعْدَادٍ مُتَنَاسِبَةٌ: أَوَّلُهَا: سِهَامُ كُلِّ وَارِثٍ مِنْ التَّصْحِيحِ، وَثَانِيهَا: التَّصْحِيحُ، وَثَالِثُهَا: الْحَاصِلُ لِكُلِّ وَارِثٍ مِنْ التَّرِكَةِ، وَرَابِعُهَا جَمِيعُ التَّرِكَةِ لِأَنَّ نِسْبَةَ السِّهَامِ إلَى التَّصْحِيحِ كَنِسْبَةِ الْحَاصِلِ مِنْ التَّرِكَةِ إلَى جَمِيعِ التَّرِكَةِ، وَالثَّالِثُ مَجْهُولٌ، وَالْبَاقِي مَعْلُومٌ فَإِذَا ضَرَبْت الطَّرَفَ فِي الطَّرَفِ كَانَ كَضَرْبِ الثَّانِي فِي الثَّالِثِ فَكَذَلِكَ إذَا قَسَمْت الْمَبْلَغَ عَلَى الثَّانِي خَرَجَ الثَّالِثُ ضَرُورَةَ أَنَّ كُلَّ مِقْدَارٍ تَرَكَّبَ مِنْ ضَرْبِ عَدَدٍ إذَا قُسِمَ عَلَى أَحَدِ الْعَدَدَيْنِ خَرَجَ الْآخَرُ كَخَمْسَةَ عَشَرَ مَثَلًا لَمَّا تَرَكَّبَتْ مِنْ ضَرْبِ ثَلَاثَةٍ فِي خَمْسَةٍ إذَا قَسَمْتهَا عَلَى ثَلَاثٍ خَرَجَ خَمْسَةٌ وَإِذَا قَسَمْتهَا عَلَى خَمْسَةٍ خَرَجَ ثَلَاثَةٌ، وَهَذَا الْقَاعِدَةُ هِيَ الْأَصْلُ فِي مَعْرِفَةِ نَصِيبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ آحَادِ ذَلِكَ الْفَرِيقِ فَإِذَا اجْتَمَعَ هُنَاكَ أَيْضًا أَرْبَعَةُ أَعْدَادٍ مُتَنَاسِبَةٌ، نَصِيبُ الْفَرِيقِ مِنْ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ، وَعَدَدُ الْفَرِيقِ الْحَاصِلِ مِنْ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ، وَعَدَدُ الْفَرِيقِ الْحَاصِلُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ آحَادِ الْفَرِيقِ مِنْ التَّصْحِيحِ، وَمَبْلَغُ الرُّءُوسِ نِسْبَةُ نَصِيبِ الْفَرِيقِ مِنْ أَصْلِ الْمَبْلَغِ إلَى عَدَدِهِمْ كَنِسْبَةِ الْحَاصِلِ إلَى التَّصْحِيحِ لِكُلِّ وَاحِدٍ إلَى مَبْلَغِ الرُّءُوسِ وَهُوَ الْمَضْرُوبُ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَالثَّالِثُ مَجْهُولٌ وَالْبَاقِي مَعْلُومٌ وَيُسْتَخْرَجُ الْمَجْهُولُ فِي مِثْلِ هَذَا بِالطُّرُقِ الْمَذْكُورَةِ فِي التَّصْحِيحِ، وَكَذَا الْعَمَلُ فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ إذَا كَانَتْ التَّرِكَةِ لَا تَفِي بِهِ فَدَيْنُ كُلِّ غَرِيمٍ بِمَنْزِلَةِ سِهَامِ كُلِّ وَارِثٍ، وَمَجْمُوعُ الدَّيْنِ بِمَنْزِلَةِ التَّصْحِيحِ فَتُطْلَبُ الْمُوَافَقَةُ بَيْنَ مَجْمُوعِ الدَّيْنِ وَبَيْنَ التَّرِكَةِ، ثُمَّ الْعَمَلُ فِيهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ صَالَحَ مِنْ الْوَرَثَةِ عَلَى شَيْءٍ فَاجْعَلْهُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ وَاقْسِمْ مَا بَقِيَ عَلَى سِهَامِ مَنْ بَقِيَ) ؛ لِأَنَّ الْمُصَالِحَ لَمَّا أَعْطَوْهُ جُعِلَ مُسْتَوْفِيًا نَصِيبَهُ مِنْ الْعَيْنِ وَبَقِيَ الْبَاقِي مَقْسُومًا عَلَى سِهَامِهِمْ، وَقَوْلُهُ: فَاجْعَلْهُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَ بَدَلَ نَصِيبِهِ فَكَيْفَ يُمْكِنُ جَعْلُهُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بَلْ يُجْعَلُ كَأَنَّهُ مُسْتَوْفٍ نَصِيبَهُ، وَلَمْ يَسْتَوْفِ الْبَاقُونَ أَنْصِبَاءَهُمْ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا مَاتَتْ وَخَلَّفَتْ زَوْجًا وَأُمًّا وَعَمًّا فَصَالَحَ الزَّوْجُ عَلَى مَا فِي ذِمَّتِهِ مِنْ الْمَهْرِ يُقْسَمُ الْبَاقِي مِنْ التَّرِكَةِ بَيْنَ الْأُمِّ وَالْعَمِّ أَثْلَاثًا لِلْأُمِّ سَهْمَانِ وَسَهْمٌ لِلْعَمِّ، وَلَوْ جُعِلَ الزَّوْجُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ لَكَانَ لِلْأُمِّ سَهْمٌ؛ لِأَنَّهُ الثُّلُثُ بَعْدَ خُرُوجِ الزَّوْجِ مِنْ الْبَيْنِ وَلِلْعَمِّ سَهْمَانِ؛ لِأَنَّهُ الْبَاقِي بَعْدَ الْفُرُوضِ وَلَكِنْ تَأْخُذُ هِيَ ثُلُثَ الْكُلِّ وَهُوَ سَهْمَانِ مِنْ سِتَّةٍ فَلِلزَّوْجِ النِّصْفُ ثَلَاثَةٌ، وَقَدْ اسْتَوْفَاهُ بِأَخْذِ بَدَلِهِ بَقِيَ السُّدُسُ وَهُوَ سَهْمٌ لِلْعَمِّ وَكَذَا لَوْ مَاتَتْ الْمَرْأَةُ وَخَلَّفَتْ ثَلَاثَةَ أَخَوَاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ وَزَوْجًا فَصَالَحَتْ الْأُخْتُ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَخَرَجَتْ مِنْ الْبَيْنِ كَانَ الْبَاقِي بَيْنَهُمْ أَخْمَاسًا: ثَلَاثَةٌ لِلزَّوْجِ، وَسَهْمٌ لِلْأُخْتِ لِلْأُمِّ، وَسَهْمٌ لِلْأُخْتِ لِأَبٍ عَلَى مَا كَانَ لَهُمْ مِنْ ثَمَانِيَةٍ؛ لِأَنَّ أَصْلَهَا سِتَّةٌ وَتَعُولُ إلَى ثَمَانِيَةٍ فَإِذَا اسْتَوْفَتْ الْأُخْتُ نَصِيبَهَا وَهُوَ ثَلَاثَةٌ بَقِيَ خَمْسَةٌ، وَلَوْ جُعِلَتْ كَأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ لَكَانَتْ مِنْ سِتَّةٍ وَبَقِيَ سَهْمٌ لِلْعَصَبَةِ [خَاتِمَة] وَهَذَا آخِرُ مَا تَيَسَّرَ تَأْلِيفُهُ بِحَمْدِ اللَّهِ وَعَوْنِهِ وَحُسْنِ تَوْفِيقِهِ فِي هَذَا الْكِتَابِ، وَأَسْأَلُ اللَّهَ الْعَظِيمَ أَنْ يَنْفَعَ بِهِ جَمِيعَ الطُّلَّابِ وَمَنْ نَظَرَ فِيهِ مِنْ الْمُحِبِّينَ وَالْأَصْحَابِ وَأَنْ يَمُنَّ عَلَيْنَا بِعَفْوِهِ وَيُدْخِلَنَا دَارَ السَّلَامِ بِكَرَمِهِ وَحِلْمِهِ وَجُودِهِ وَلُطْفِهِ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ وَلَا حِسَابٍ وَلَا عِقَابٍ وَلَا مُعَاتَبَةٍ وَلَا مُنَاقَشَةٍ وَلَا عِتَابٍ وَأَنْ يَخْتِمَ لَنَا بِخَيْرٍ وَيَجْعَلَ لَنَا الْجَنَّةَ دَارَ مَآبٍ، وَأَنْ يَجْعَلَ مَقَرَّنَا بِأَعْلَى الدَّرَجَاتِ وَيُبَلِّغَنَا أَقْصَى الْمُرَادَاتِ بِحُرْمَةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَيِّدِ السَّادَاتِ وَأَنْ يُشَفِّعَ فِينَا نَبِيَّهُ الْمُصْطَفَى وَيَحْشُرَنَا فِي زُمْرَةِ مَنْ لَمْ يُعَامِلْهُ بِمَشَقَّةٍ وَلَا جَفَا آمِينَ، وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 591